الكتاب: كشاف القناع
المؤلف: البهوتي
الجزء: ٥
الوفاة: ١٠٥١
المجموعة: فقه المذهب الحنبلي
تحقيق: تقديم : كمال عبد العظيم العناني / تحقيق : أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٨ - ١٩٩٧ م
المطبعة:
الناشر: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

كشاف القناع
للشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي المتوفي سنة 51. 1 ه‍ عن
متن الاقناع
للإمام موسى بن أحمد الحجاوي الصالحي المتوفي سنة. 960 ه‍
قدم له
الأستاذ الدكتور كمال عبد العظيم العناني
حققه
أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي
الجزء الخامس
يحتوي على الكتب التالية:
النكاح وخصائص النبي (ص) الصداق به الطلاق الظهار
اللعان وما يلحق من النسب به العدد به الرضاع به النفقات به الجنايات
منشورات
محمد علي بيضون
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النكاح وخصائص النبي (ص)
وذكرت هنا لأنها في النكاح أكثر منها في غيره.
(وهو) أي النكاح لغة: الضم ومنه قولهم تناكحت الأشجار، أي انضم بعضها
إلى بعض. وقوله:
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله، كيف يجتمعان؟
وعن الزجاج: النكاح في كلام العرب بمعنى الوطئ والعقد جميعا. قال ابن جني عن
أبي علي الفارسي: فرقت العرب فرقا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطئ. فإذا قالوا:
نكح فلانة أو بنت فلان أرادوا تزويجها والعقد عليها. وإذا قالوا: نكح امرأته لم يريدوا إلا
المجامعة، لأن بذكر امرأته وزوجته يستغنى عن العقد. وشرعا (عقد التزويج) أي عقد يعتبر
فيه لفظ نكاح، أو تزويج، أو ترجمته (وهو حقيقة في العقد، مجاز في الوطئ) لأنه المشهور
في القرآن والاخبار. وقد قيل ليس في الكتاب لفظ النكاح بمعنى الوطئ إلا قوله تعالى:
* (حتى تنكح زوجا غيره) *. لخبر: حتى تذوقي عسيلته ولصحة نفيه عن
الوطئ. فيقال: هذا نكاح وليس بسفاح. وصحة النفي دليل المجاز، ولأنه ينصرف إليه عند
الاطلاق، ولا يتبادر الذهن إلا إليه، فهو مما نقله العرف. وقيل: إنه حقيقة في الوطئ مجاز
في العقد، عكس ما تقدم لما سبق. والأصل عدم النقل. واختاره القاضي في بعض كتبه
، والأشهر أنه مشترك قاله في الفروع.
قال في الانصاف: وعليه الأكثر.
3

قال ابن رزين: والأشبه أنه حقيقة في كل واحد باعتبار مطلق الضم، لأن القول
بالتواطؤ خير من الاشتراك والمجاز، لأنهما على خلاف الأصل. (والمعقود عليه) أي الذي
يتناوله عقد النكاح ويقع عليه (منفعة الاستمتاع لا ملكها) أي ملك المنفعة. قال القاضي في
أحكام القرآن: المعقود عليه الحل لا ملك المنفعة. ولهذا يقع الاستمتاع من جهة الزوجة
مع أنه لا ملك لها. وقيل: بل المعقود عليه الازدواج كالمشاركة. وهو مشروع بالاجماع
وسنده قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) *. * (وأنكحوا الأيامى
منكم) * وقوله (ص): يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه
أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء متفق عليه.
وغير ذلك من الأدلة.
واعلم أن الناس في النكاح على ثلاثة أقسام: أحدها ما أشار إليه بقوله: (يسن لمن له
شهوة ولا يخاف الزنا) للحديث السابق، علل أمره به بأنه أغض للبصر وأحصن للفرج.
وخاطب الشباب لأنهم أغلب شهوة. وذكره بأفعل التفضيل فدل على أن ذلك أولى للأمن
من الوقوع في محظور النظر والزنا من تركه. (ولو) كان (فقيرا) عاجزا عن الانفاق، نص
عليه. واحتج بأن النبي (ص): كان يصبح وما عندهم شئ ويمسي وما عندهم شئ. ولأنه
(ص): زوج رجلا لم يقدر على خاتم من حديد، ولا وجد إلا إزاره، ولم يكن له رداء أخرجه
البخاري. وقال أحمد في رجل قليل الكسب يضعف قلبه عن التزوج: الله يرزقهم التزوج
أحصن له. قال في الشرح: هذا في حق من يمكنه التزوج. فأما من لا يمكنه فقد قال
تعالى: * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) * (النور: 33)
انتهى. ونقل صالح يقترض ويتزوج. (واشتغاله) أي ذي الشهوة (به) أي النكاح (أفضل من)
نوافل العبادة قاله في المختصر، ومن (التخلي لنوافل العبادة) قال ابن مسعود: لو لم يبق
من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يوما، ولي طول النكاح فيهن لتزوجت
4

مخافة الفتنة. وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
قال أحمد في رواية المروزي: ليست العزوبة من أمر الاسلام في شئ. ومن دعاك إلى
غير التزوج فقد دعاك إلى غير الاسلام. ولو تزوج بشر كان قد تم أمره. ولان مصالح
النكاح أكثر من مصالح التخلي لنوافل العبادة، لاشتماله على تحصين فرج نفسه وزوجته
، وحفظها والقيام بها، وإيجاد النسل وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة النبي (ص)، وغير ذلك من
المصالح الراجح أحدها على نفل العبادة. القسم الثاني: ذكره بقوله: (ويباح) النكاح (لمن
لا شهوة له) كالعنين والمريض والكبير. لأن العلة التي لها يجب النكاح أو يستحب - وهو
خوف الزنا أو وجود الشهود - مفقودة فيه. ولان المقصود من النكاح الولد، وهو فيمن لا
شهوة له غير موجود، فلا ينصرف إليه الخطاب به، إلا أن يكون مباحا في حقه كسائر
المباحات، لعدم منع الشرع منه وتخليه إذن لنوافل العبادة أفضل لمنع من يتزوجها من
التحصين بغيره، ويضرها بحبسها على نفسه، ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يقوم
بها، ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه. القسم الثالث: ما أشير إليه بقوله:
(ويجب على من يخاف الزنا) بترك النكاح (من رجل وامرأة)، سواء كان خوفه ذلك (علما
أو ظنا) لأنه يلزمه إعفاف نفسه وصرفها عن الحرام وطريقه النكاح. (ويقدم حينئذ) وجب
(على حج واجب نصا) لخشية الوقوع في المحظور بتأخيره بخلاف الحج. قال أبو
العباس: وإن كانت العبادات فرض كفاية كالعلم والجهاد، قدمت على النكاح إذا لم يخش
العنت. قال في الاختيارات: وما قاله أبو العباس ظاهر إن قلنا إن النكاح سنة، فإن قلنا إنه
لا يقع إلا فرض كفاية، كما قال أبو يعلى الصغير، وابن المثنى في تعليقهما، فقد تعارض
فرضا كفاية ففيه نظر. وإن قلنا: إن النكاح واجب قدمه. لأن فروض الأعيان مقدمة على
فروض الكفايات. (ولا يكتفي في) الخروج من عهدة (الوجوب بمرة واحدة، بل يكون)
التزويج (في مجموع العمر) لتندفع خشية الوقوع في المحظور. (ولا يكتفي) في الامتثال
(بالعقد فقط، بل يجب الاستمتاع) لأن خشية المحظور لا تندفع إلا به. (ويجزئ تسر
عنه) لقوله تعالى: * (فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) *. (ومن أمره به والداه
أو) أمره به (أحدهما. قال أحمد: أمرته أن يتزوج) لوجوب بر والديه. قال في الفروع:
والذي يحلف بالطلاق لا يتزوج أبدا إن أمره به أبوه تزوج. (قال الشيخ: وليس لهما) أي
لأبويه (إلزامه بنكاح من لا يريد) نكاحها لعدم حصول الغرض بها، (فلا يكون عاقا)
بمخالفتهما في ذلك، (كأكل ما لا يريد) أكله. (ويجب) النكاح (بالنذر) من ذي الشهوة.
5

لحديث: من نذر أن يطيع الله فليطعه. وأما نحو العنين فيخير بينه وبين الكفارة، كسائر
المباحات إذا نذرها على ما يأتي في النذر. (وليس له) أي لمسلم دخل دار كفار بأمان
كتاجر، (أن يتزوج) بدار حرب إلا لضرورة، (ولا يتسرى) بدار حرب إلا لضرورة، (ولا يطأ
زوجته إن كانت معه) ولا أمته ولا أمة اشتراها منهم (بدار حرب إلا لضرورة) ولو مسلمة.
نص عليه في رواية حنبل. وعلى مقتضى تعليله له نكاح آيسة أو صغيرة، فإنه علل.
وقال: من أجل الولد لئلا يستعبد، قاله الزركشي. قلت: وعلل أيضا بأنه لا يأمن أن يطأ
زوجته غيره منهم، فعليه لا ينكح حتى الصغيرة والآيسة. وأما إن كان في جيش المسلمين
فله أن يتزوج. لما روي عن سعيد بن أبي هلال: أنه بلغه أن رسول الله (ص) زوج أسماء
بنت عميس أبا بكر وهم تحت الرايات رواه سعيد. ولان الكفار لا يدلهم عليه. أشبه
من في دار الاسلام. وقال في المغني والشرح في آخر الجهاد: وأما للأسير فظاهر
كلام أحمد لا يحل له التزويج ما دام أسيرا. لأنه منعه من وطئ امرأته إذا أسرت معه مع
صحة نكاحهما، انتهى. فظاهره: ولو لضرورة كما هو مقتضى كلام المنتهى. (ويصح
النكاح) بدار الحرب (ولو في غير الضرورة) لأنه تصرف من أهله في محله. (ويجب عزله)
ظاهره سواء حرم ابتداء النكاح أو جاز. فإن غلبت عليه الشهوة أبيح له نكاح مسلمة،
وليعزل عنها. وقال في الانصاف: حيث حرم نكاحه بلا ضرورة وفعل وجب عزله، وإلا
استحب عزله. ذكره في الفصول. قلت: فيعايي بها (ولا يتزوج) بدار الحرب (منهم)، أي
من الكفار بل حيث احتاج يتزوج المسلمة. لأنه أقرب لسلامة الولد منها أن يستعبد
(ويستحب) لمن أراد النكاح أن يتخير (نكاح دينة) لحديث أبي هريرة مرفوعا: تنكح
6

المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك متفق
عليه. ويستحب نكاح (ولود) لحديث أنس: كان رسول الله (ص) يقول: تزوجوا الودود
الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة رواه سعيد. ويعرف كون البكر ولودا، بكونها من
نساء يعرفن بكثرة الأولاد. (و) يستحب نكاح (بكر) لقوله (ص) لجابر: فهلا بكرا تلاعبها
وتلاعبك؟ متفق عليه. (إلا أن تكون مصلحته في نكاح الثيب أرجح) فيقدمها على البكر.
وأن تكون (من بيت معروف بالدين والقناعة) لأنه مظنة دينها وقناعتها. وأن تكون (حسيبة
وهي النسيبة. أي طيبة الأصل) ليكون ولدها نجيبا. فإنه ربما أشبه أهله ونزع إليهم.
و (لا) ينبغي تزوج (بنت زنا ولقيطة ومن لا يعرف أبوها، و) يستحب (أن تكون جميلة)
لأنه أسكن لنفسه وأغض لبصره وأكمل لمودته. ولذلك جاز النظر قبل النكاح. ولحديث
أبي هريرة، قال: قيل يا رسول الله: أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه
إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره رواه أحمد والنسائي. وقد قيل: إن
الغرائب أنجب وبنات العم أصبر. وعن يحيى بن جعدة أن رسول الله (ص) قال: خير
فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه: امرأة جميلة تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها،
وتحفظه في غيبته في مالها ونفسها رواه سعيد. ويستحب أن تكون (أجنبية) لأن ولدها
يكون أنجب. وأنه لا يأمن الطلاق فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها.
لأن النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها، وربما
تعدى ذلك إلى ولدها. وقد قيل: اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع، وصحتها بلاء. (و)
يستحب (أن لا يزيد على واحدة إن حصل بها الاعفاف) لما فيه من التعرض للمحرم. قال
تعالى: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) * [النساء: 129] وقال (ص):
7

من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل رواه الخمسة. وأراد
أحمد أن يتزوج أو يتسرى، فقال: يكون لهما لحم، يريد كونهما سمينتين. وكان يقال:
من أراد أن يتزوج امرأة فليستجد شعرها. فإن الشعر وجه فتخيروا أحد الوجهين. وأحسن
النساء التركيات، وأصلحهن الجلب التي لم تعرف أحدا، وليعزل عن المملوكة إلى أن
يتيقن جودة دينها وقوة ميلانها إليه. وليحذر العاقل إطلاق البصر، فإن العين ترى غير
المقدور عليه على غير ما هو عليه. وربما وقع من ذلك العشق، فيهلك البدن والدين. ولا
يسأل عن دينها حتى يحمد له جمالها. (ويسن) لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه
إجابته النظر، جزم به الحلواني وابن عقيل وصاحب الترغيب وغيرهم. قال في
الانصاف: وهو الصواب. قال الزركشي: وجعله ابن الجوزي مستحبا وهو وظاهر الحديث.
(وقال الأكثر يباح) جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي،
والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم، وقدمه في الفروع وتجريد العناية. قال في
الانصاف: هذا المذهب (لوروده) أي الامر بالنظر (بعد الحظر) أي المنع. روى
المغيرة بن شعبة: أنه خطب امرأة فقال له النبي (ص): انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم
بينكما رواه الخمسة إلا أبا داود.
قال في النهاية: يقال آدم الله بينكما يأدم أدما بالسكون، أي ألف ووفق.
(لمن أراد خطبة امرأة) بكسر الخاء، (وغلب على ظنه إجابته النظر. ويكرره) أي النظر،
(ويتأمل المحاسن ولو بلا إذن) إن أمن الشهوة من المرأة، (ولعله) أي عدم الإذن (أولى)
لحديث جابر قال قال رسول الله (ص): إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها
إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، قال: فخطبت جارية من بني سلمة فكنت أتخبأ لها، حتى
رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها رواه أحمد وأبو داود. (إن أمن) الذي أراد خطبة
8

امرأة (الشهوة) أي ثورانها من غير خلوة (إلى ما يظهر منها) أي المرأة (غالبا كوجه ورقبة
ويد وقدم)، لأنه (ص) لما أذن في النظر إليها من غير علمها علم أنه إذن في النظر إلى جميع
ما يظهر غالبا، إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره في الظهور، ولأنه يظهر
غالبا. أشبه الوجه. (فإن لم يتيسر له النظر أو كرهه) أي النظر (بعث إليها امرأة) ثقة (تتأملها
ثم تصفها له) ليكون على بصيرة. (وتنظر المرأة إلى الرجل إذا عزمت على نكاحه لأنه يعجبها
منه ما يعجبه منها)، وهذا إنما يظهر على قول من يقول: لا تنظر المرأة إلى الرجل.
والمذهب كما يأتي أنها تنظر إلى ما عدا ما بين سرته وركبته، وإن كان المراد أنه يسن فهو
إنما يتمشى على قول غير الأكثر. (قال ابن الجوزي في كتاب النساء: ويستحب لمن أراد أن
يزوج ابنته أن ينظر لها شابا مستحسن الصورة ولا يزوجها دميما) بالدال المهملة، وهو
القبيح (ويأتي في الباب بعده. وعلى من استشير في خاطب أو مخطوبة أن يذكر ما فيه من
مساوئ) أي عيوب. (وغيرها ولا يكون غيبة محرمة إذا قصد به النصيحة). لحديث:
المستشار مؤتمن، وحديث: الدين النصيحة. ويأتي في الشهادات بأوسع من هذا. (وإن
استشير في أمر نفسه بينه، كقوله عندي شح، وخلقي شديد ونحوهما) لعموم ما سبق. (ولا
يصلح من النساء من قد طال لبثها مع رجل. ومن التغفيل أن يتزوج الشيخ صبية)، أي شابة
(ويمنع) الزوج (المرأة من مخالطة النساء فإنهن يفسدنها عليه. والأولى أن لا يسكن) الزوج
(بها عند أهلها)، لسقوط حرمته عندها بذلك. (وأن لا يدخل بيته مراهق ولا يأذن لها في
9

الخروج) من بيته، لأنها إذا اعتادته لم يتمكن من منعها بعد. (ولرجل نظر ذلك) أي الوجه
والرقبة واليد والقدم. (و) نظر (رأس وساق من الأمة المستامة، وهي المطلوب شراؤها) لان
الحاجة داعية إلى ذلك كالمخطوبة وأولى، لأنها تراد للاستمتاع وغيره من التجارة، وحسنها
يزيد في ثمنها. والمقصود يحصل برؤية ذلك فاكتفى به. (وكذا الأمة غير المستامة) ينظر
منها إلى هذه الأعضاء الستة، قطع به القاضي في الجامع الصغير واختاره في المغني. لأنه
يروى عن عمر: أنه رأى أمة متلملمة فضربها بالدرة، وقال: أتتشبهين بالحرائر يا لكاع.
وروى أنس: أن رسول الله (ص) لما أولم على صفية قال الناس: لا ندري أجعلها أم
المؤمنين أم أم ولده؟ فقالوا: إن حجبها فهي أم المؤمنين. وإن لم يحجبها فهي أم ولد، فلما
ركب وطأ لها خلفه، ومد الحجاب بينه وبين الناس متفق عليه. وهذا يدل علي أن عدم
حجب الإماء كان مستفيضا عندهم. (وهو) أي ما ذكره المصنف من أن حكم الأمة غير
المستامة كالمستامة (أصوب مما في التنقيح) حيث قال: ومن أمة غير مستامة إلى غير عورة
صلاة. وتبعه في المنتهى. قال في شرحه: وما ذكره في التنقيح مخالف للمعنى الذي أبيح
النظر من أجله. وقال: والذي يظهر التسوية بينهما، (و) لرجل أيضا نظر وجه ورقبة ويد
وقدم ورأس وساق، (من ذات محارمه)، قال القاضي: على هذه الرواية يباح ما يظهر غالبا
كالرأس واليدين إلى المرفقين. (وهي من تحرم عليه على التأبيد بنسب) كأخته وعمته
وخالته، (أو سبب مباح) كأخته من رضاع وأم زوجته وربيبة دخل بأمها، وحليلة أب أو ابن
(لحرمتها) احتراز عن الملاعنة. لأن تحريمها تغليظ عليه. (إلا نساء النبي (ص) فلا) يباح النظر
إليهن من غير المذكورين في قوله تعالى: * (لا جناح عليهن في آبائهن) * (الأحزاب: 55)
لقوله تعالى: * (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) *، (الأحزاب: 53)
(وتقدم) ذلك (في الحج) مفصلا (فيحرم) على زان (النظر إلى أم المزني بها و) إلى
10

(بنتها) لأنه ليس محرما لهما. (لأن تحريمهن بسبب محرم وكذا المحرمة باللعان) يحرم
على الملاعن النظر إليها. (و) كذا (بنت الموطوءة بشبهة وأمها) لأنه ليس محرما لهن. (ولا
تسافر المسلمة مع أبيها الكافر لأنه ليس محرما لها في السفر نصا) وإن كان محرما في
النظر. (وإن كانت الأمة جميلة وخيفت الفتنة بها حرم النظر إليها كالغلام الأمرد) الذي
يخشى الفتنة بنظره، لوجود العلة في تحريم النظر. وهو الخوف من الفتنة، والفتنة يستوي فيها
الحرة والأمة والذكر والأنثى. (ونص) أحمد (أن) الأمة (الجميلة تنتقب) ولا ينظر إلى
المملوكة. فكم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء. (ولعبده لا مبعض ومشترك، وأفتى
الموفق بلى) في المشترك أنه كالعبد (نظر ذلك) أي الوجه والرقبة واليد والقدم والرأس
والساق (من مولاته). لقوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن) * الآية إلى قوله * (أو ما
ملكت أيمانهن) * ولأنه يشق على ربة العبد التحرز منه. (وكذا) أي كالعبد
والمحرم (غير أولي الإربة) من الرجال، أي غير أولى الحاجة من النساء. قاله ابن عباس
، وعنه هو المخنث الذي لا يقوم عليه آلة. وعن مجاهد وقتادة الذي لا أرب له في النساء.
(وهو من لا شهوة له كعنين وكبير ومخنث) أي شديد التأنيث في الخلقة حتى يشبه المرأة
في اللين والكلام والنغمة والنظر والفعل، وإذا كان كذلك لم يكن له في النساء أرب. (ومن
ذهبت شهوته لمرض لا يرجى برؤه) لقوله تعالى: * (أو التابعين غير أولى الإربة من
الرجال) * (وينظر ممن لا تشتهي كعجوز وبرزة) لا تشتهي. (وقبيحة) ومريضة
لا يرجى برؤها (إلى غير عورة صلاة) على ما تقدم في ستر العورة. وقال في الكافي: يباح
النظر منها إلى ما يظهر غالبا، لقول الله تعالى: * (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) *
الآية، قال ابن عباس: استثناهن الله من قوله تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من
أبصارهن) * ولان ما حرم النظر لأجله معدوم في جهتها فأشبهت ذوات
المحارم، وتبعه الشارح. (ويحرم نظر خصي ومجبوب) وممسوح (إلى) امرأة (أجنبية نصا)
11

قال الأثرم: استعظم الإمام أحمد إدخال الخصيان على النساء، لأن العضو وإن تعطل أو عدم،
فشهوة الرجال لا تزال من قلوبهم، ولا يؤمن التمتع بالقبلة وغيرها، فهو (كفحل) ولذلك
لا تباح خلوة الفحل بالرتقاء من النساء. (ولشاهد نظر مشهود عليها تحملا وأداء عند المطالبة
منه) لتكون الشهادة واقعة على عينها. قال أحمد: لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها
بعينها. (ونصه وكفيها مع الحاجة) عبارة الانصاف المنصوص عن أحمد، أنه ينظر إلى وجهها
وكفيها إذا كانت تعامله، انتهى. وقد ذكرت كلام الشيخ تقي الدين في نقلي الروايات عن
الامام من الحاشية، وأن مقتضاه أن الشاهد لا ينظر سوى الوجه، إذا الشهادة لا دخل لها في
نظر الكفين. (وكذا) ينظر (لمن يعاملها في بيع وإجارة ونحو ذلك) كقرض وغيره. فينظر
لوجهها ليعرفها بعينها فيرجع عليها بالدرك، وإلى كفيها لحاجة، (ولطبيب نظر ولمس ما
تدعو الحاجة إلى نظره ولمسه، حتى) ذلك (فرجها وباطنه) لأنه موضع حاجة وظاهره ولو ذميا
قاله في المبدع ومثله المغني. (وليكن ذلك مع حضور محرم أو زوج) لأنه لا يأمن مع
الخلوة مواقعة المحظور، لقوله (ص): لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما متفق
عليه. (ويستر منها ما عدا موضع الحاجة) لأنها على الأصل في التحريم. (ومثله) أي الطبيب
(من يلي خدمة مريض أو مريضة في وضوء واستنجاء وغيرهما، وكتخليصها من غرق وحرق
ونحوهما، وكذا لو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته نصا). وظاهره ولو ذميا، وكذا لمعرفة
بكارة وثيوبة وبلوغ، لأنه (ص) لما حكم سعدا في بني قريظة كان يكشف عن مؤتزرهم. وعن
عثمان: أنه أتي بغلام قد سرق، فقال: انظروا إلى مؤتزره فلم يجدوه أنبت الشعر فلم يقطعه
(ولصبي مميز غير ذي شهوة نظر ما فوق السرة وتحت الركبة)، لأنه لا شهوة له أشبه
12

الطفل. ولان المحرم للرؤية في حق البالغ كونه محلا للشهوة، وهو معدوم هنا. (و) المميز
(ذو الشهوة) كذي رحم محرم، لأن الله تعالى فرق بين البالغ وغيره بقوله: * (وإذا بلغ
الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) * ولو لم يكن له النظر لما كان بينهما فرق.
(وبنت تسع) مع رجل (كذي رحم) محرم لأن عورتها مخالفة لعورة البالغة، بدليل قوله (ص):
لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار يدل على صحة صلاة من لم تحض مكشوفة
الرأس، وكقولنا في الغلام المراهق مع النساء. (ومن له النظر) ممن تقدم (لا يحرم البروز له)
أي عدم الاستتار منه، لما تقدم، ولما روى أنس: أن النبي (ص) أتي فاطمة بعبد وهبه لها، قال:
وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجلها. وإذا غطت رجلها لم يبلغ رأسها، فقال
النبي (ص): إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك رواه أبو داود. (ولا يحرم النظر إلى
عورة الطفل والطفلة قبل السبع، ولا لمسها نصا ولا يجب سترها). أي عورة الطفل والطفلة
(مع أمن الشهوة) لأن إبراهيم بن النبي (ص) غسله النساء. (ولا يجب الاستتار منه) أي من
دون سبع (في شئ) من الأمور، (وللمرأة مع الرجل) نظر ما فوق السرة وتحت الركبة،
لقول النبي (ص) لفاطمة بنت قيس: اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين
ثيابك فلا يراك. وقالت عائشة: كان رسول الله (ص) يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة
يلعبون في المسجد متفق عليه. ولما فرغ النبي (ص) من خطبة العيد مضى إلى النساء
فذكرهن، ومعه بلال فأمرهن بالصدقة. ولأنهن لو منعن من النظر لوجب على الرجال
الحجاب كما وجب على النساء، لئلا ينظرون إليهم، فأما حديث نبهان عن أم سلمة قالت:
كنت قاعدة عند النبي (ص) أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم، فقال النبي (ص): احتجبا منه.
فقلت: يا رسول الله إنه ضرير لا يبصر. فقال: أفعمياوان أنتما لا تبصران رواه أبو داود.
13

فقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين هذا الحديث والآخر: إذا كان لإحداكن مكاتب
فلتحتجب منه. كأنه أشار إلى ضعف حديثه، إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين
للأصول.
وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث.
وحدث فاطمة صحيح فالحجة به لازمة، ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص بأزواج رسول الله
(ص)، بذلك قاله أحمد وأبو داود.
قلت: لكن يعارضه حديث عائشة المتفق عليه.
(و) للمرأة مع (المرأة ولو كافرة) مع مسلمة نظر ما فوق السرة وتحت الركبة، لأن النساء
الكوافر كن يدخلن على نساء النبي (ص)، فلم يكن يحتجبن ولا أمرن بحجاب.
(وللرجل مع الرجل ولو أمرد نظر ما فوق السرة وتحت الركبة) لمفهوم قوله (ص) فيما
رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك
(وخنثى مشكل في النظر إليه كامرأة) تغليبا لجانب الخطر. (ونظره) أي الخنثى المشكل (إلى
رجل كنظر امرأة إليه، و) نظره (إلى امرأة كنظر رجل إليها) قاله المنقح: تغليبا لجانب
الخطر. (ويجوز النظر إلى الغلام بغير شهوة)، لأنه ذكر أشبه الملتحي، (ما لم يخف
ثورانها) أي الشهوة (فيحرم) النظر إلى الغلام (إذا كان مميزا) لما فيه من الفتنة. (ويحرم
النظر إلى أحد منهم) أي ممن تقدم ذكرهم من ذكر وأنثى وخنثى غير زوجته وسريته،
(بشهوة أو) مع (خوف) ثورانها (نصا)، لما فيه من الدعاء إلى الفتنة. (ولمس كنظر) فيحرم
حيث يحرم النظر. (وأولى) أي بل اللمس أولى لأنه أبلغ من النظر، ولا يلزم من حل النظر
حل اللمس كالشاهد ونحوه. (ومعنى الشهوة التلذذ بالنظر) إلى الشئ (ولا يجوز النظر إلى)
شئ من (الحرة الأجنبية قصدا) في غير ما تقدم لمفهوم ما سبق، وأما النظر من غير قصد
فليس بحرام. وهو معنى قوله (ص): الأولى لك أي ما كان فجأة من غير قصد. (ويحرم نظر
شعرها) أي شعر المرأة الأجنبية كسائر أجزائها. و (لا) يحرم نظره، ولامس الشعر (البائن)
14

أي المنفصل من المرأة الأجنبية لزوال حرمته بالانفصال، (وتقدم في) باب (السواك، وصوتها)
أي الأجنبية (ليس بعورة). قال في الفروع وغيره على الأصح. (ويحرم التلذذ بسماعه ولو)
كان (بقراءة) خشية الفتنة، وتقدم في الصلاة. وتسر بالقراءة إن كان يسمعها أجنبي، وقال في
رواية مهنا: ينبغي للمرأة أن تخفض من صوتها في قراءتها إذا قرأت بالليل. (ويحرم النظر
مع شهوة تخنيث وسحاق ودابة يشتهيها ولا يعف عنها). قاله ابن عقيل وهو ظاهر كلام
غيره. (وكذا الخلوة بها) أي بدابة يشتهيها، ولا يعف عنها لخوف الفتنة. (وتحرم الخلوة لغير
محرم على الكل). أي من تقدم (مطلقا) أي مع شهوة أو بدونها لحديث ابن عباس مرفوعا:
لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم متفق عليه. (كخلوته) أي الرجل (بأجنبية ولو)
كانت (رتقاء فأكثر)، فيحرم خلوة رجل أجنبي بعدد من النساء. (وخلوة) رجال (أجانب بها)
أي بامرأة لعموم ما سبق. (وتحرم) الخلوة (بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد)، ذكره ابن
عقيل وابن الجوزي والشيخ تقي الدين لخوف الفتنة. (وقال الشيخ: الخلوة بأمرد حسن
ومضاجعته كامرأة) أي فتحرم لخوف الفتنة، (ولو لمصلحة تعليم وتأديب والمقر مولاه)
بضم الميم وفتح الواو وتشديد اللام (عند من يعاشره كذلك). أي مع الخلوة
والمضاجعة، (ملعون ديوث ومن عرف بمحبتهم ومعاشرة بينهم يمنع من تعليمهم) سدا
للباب. (وقال أحمد لرجل معه غلام جميل - هو ابن أخته -: الذي أرى لك أن لا يمشي
معك في طريق). وقال ابن الجوزي: كان السلف يقولون في الأمرد، وهو أشد فتنة من العذارى.
فإطلاق البصر من أعظم الفتن، وروى الحاكم في تاريخه عن ابن عيينة، حدثني عبد الله بن
المبارك وكان عاقلا من أشياخ أهل الشام قال: من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولا لم ينج
منها آخرا، وإن كان جاهدا. قال ابن عقيل: الأمرد ينفق على الرجال والنساء، فهو شبكة
الشياطين في حق النوعين. (وكره) الامام (أحمد مصافحة النساء، وشدد أيضا حتى لمحرم
وجوزه لوالد). قال في الفروع: ويتوجه ومحرم، (وجوز أخذ يد عجوز). وفي الرعاية:
15

وشعرها. (ولا بأس للقادم من سفر بتقبيل ذوات المحارم، إذا لم يخف على نفسه) نص عليه
في رواية ابن منصور. وذكر حديث خالد بن الوليد: أنه (ص) قدم من غزو فقبل فاطمة. (لكن
لا يفعله على الفم بل الجبهة والرأس)، ونقل حرب فيمن تضع يدها على بطن رجل لا
يحل له قال: لا ينبغي إلا لضرورة. ونقل المروزي تضع يدها على صدره، قال: ضرورة.
(ولكل واحد من الزوجين نظر جميع بدن الآخر ولمسه بلا كراهة حتى الفرج). لما روى
بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: قال، قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال:
احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
ولان الفرج محل الاستمتاع، فجاز النظر إليه كبقية البدن. والسنة أن لا ينظر كل منهما إلى
فرج الآخر. قالت عائشة: ما رأيت فرج رسول الله (ص) رواه ابن ماجة. وفي لفظ قالت:
ما رأيته من النبي (ص) ولا رآه مني. (قال القاضي: يجوز تقبيل فرج المرأة قبل الجماع،
ويكره) تقبيله (بعده)، وذكره عن عطاء ويكره النظر إليه حال الطمث. (وكذا سيد مع أمته
المباحة) له. لحديث بهز بن حكيم. واحترز بقوله المباحة عن المشتركة والمزوجة والوثنية،
ونحوها ممن لا تحل له. (ولا ينظر) السيد (من) الأمة (المشتركة عورتها)، فظاهره أنه يباح
نظر ما عداها كالمزوجة. (ويحرم أن تتزين) امرأة (لمحرم غيرهما)، أي غير زوجها وسيدها،
لأنه مظنة الفتنة. (وله) أي السيد (النظر من أمته المزوجة والوثنية والمجوسية، إلى ما فوق
السرة وتحت الركبة). لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال قال رسول الله (ص):
إذا زوج أحدكم جاريته عبده أو أجيره، فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة، فإنه
عورة رواه أبو داود. ومفهومه إباحة النظر إلى ما عدا ذلك. (قال في الترغيب وغيره: ويكره
النظر إلى عورة نفسه بلا حاجة).
قلت: لعل المراد حيث أبيح كشفها، وإلا حرم لأنه استدامة للكشف المحرم، كما يدل
16

عليه كلامهم في ستر العورة. (ويكره نوم رجلين أو امرأتين أو مراهقين)، وفي الرعاية مميزين،
(متجردين تحت ثوب واحد، أو) تحت (لحاف واحد). قال في الآداب: ذكره في المستوعب
والرعاية. وقد نهى النبي (ص) عن مباشرة الرجل الرجل في ثوب واحد، والمرأة المرأة. (قال
في المستوعب: ما لم يكن بينهما ثوب) فلا يكره نومهما تحت ثوب واحد، أو لحاف واحد.
وهو مفهوم قوله فيما سبق متجردين. (وإن كان أحدهما ذكرا غير زوج وسيد) والآخر أنثى،
(أو) كان رجل (مع أمرد حرم) نومهما تحت ثوب واحد ولحاف واحد، لما يأتي في الإخوة.
(وإذا بلغ الإخوة عشر سنين ذكورا كانوا أو إناثا، أو إناثا وذكورا فرق وليهم بينهم في
المضاجع، فيجعل لكل واحد منهم فراشا وحده) لقوله (ص): وفرقوا بينهم في المضاجع
أي حيث كانوا ينامون متجردين، كما في المستوعب والرعاية. قال في الآداب الكبرى:
وهذا والله أعلم على رواية اختارها أبو بكر. والمنصوص - واختاره أكثر أصحابنا - وجوب
التفريق في ابن سبع فأكثر، وأن له عورة يجب حفظها.
فصل
في الخطبة
(ويحرم التصريح، وهو ما لا يحتمل غير النكاح بخطبة معتدة بائن). قال في المبدع:
بالاجماع. وسنده قوله تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء)
ولأنه لا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح على الاخبار بانقضاء عدتها
قبل انقضائها، والتعريض بخلافه. (إلا لزوج تحل له) كالمختلعة. لأنه يباح له نكاحها في
عدتها أشبهت غير المعتدة بالنسبة إليه. فإن كانت لا تحل له إلا بعد انقضاء العدة كالمزني
بها والموطوءة بشبهة. فينبغي أن يكون كالأجنبي، والمستبرأة كأم الولد إذا مات سيدها أو
17

أعتقها، ينبغي أن تكون في حق الأجنبي كالمتوفى عنها، قاله في الاختيارات. (ويحرم) أيضا
(تعريض: وهو ما يفهم منه النكاح مع احتمال غيره)، أي غير النكاح (بخطبة) مطلقة
(رجعية)، لأنها في حكم الزوجات. (ويجوز) التعريض (في عدة الوفاة والبائن بطلاق ثلاث
و) البائن (بغير) الطلاق (الثلاث)، كالمختلعة والمطلقة على عوض. (و) البائن (بفسخ لعنة
وعيب)، ورضاع ونحوه وقوله تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء)
(وهي) أي المرأة (في الجواب) للخاطب (كهو فيما يحل ويحرم)، فيجوز
للبائن التعريض في الإجابة، ويحرم عليها التصريح. وعلى الرجعية التعريض والتصريح ما
دامت في العدة، لأن الخطبة للعقد فلا يختلفان في حله وحرمته. (والتعريض) من الخاطب
(نحو أن يقول: إني في مثلك لراغب، ولا تفوتيني بنفسك. وإذا انقضت عدتك فأعلميني، وما
أشبه ذلك مما يدلها على رغبته فيها) نحو ما أحوجني إلى مثلك (وتجيبه) تعريضا نحو: (ما
يرغب عنك. وإن قضى شئ كان ونحو ذلك) نحو إن يك من عند الله يمضه. (فإن صرح)
الخاطب (بالخطبة أو عرض) بالخطبة، (في موضع يحرمان فيه ثم تزوجها بعد حلها) وانقضاء
عدتها، (صح نكاحه) لأن أكثر ما في ذلك تقديم حظر على العقد. (ولا يحل لرجل أن
يخطب) امرأة (على خطبة مسلم)، لحديث أبي هريرة مرفوعا: لا يخطب الرجل على
خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك، رواه البخاري والنسائي. ولان في خطبة الثاني إفساد على
الأول وإيقاعا للعداوة. و (لا) تحرم خطبة على خطبة (كافر)، لمفهوم قوله: على خطبة أخيه
(كما لا) يجب أن (ينصحه نصا) لحديث: الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله
ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم لأن النهي خاص بالمسلم
18

وإلحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله، وليس الذمي كالمسلم ولا حرمته كحرمته. (إن
أجيب) الخاطب الأول (تصريحا أو تعريضا، إن علم) الثاني بخطبة الأول وإجابته، لأنه إذا لم
يعلم كان معذورا بالجهل، والأصل عدم الإجابة. (فإن فعل) أي خطب على خطبته بعد
علمه وعقد عليها، (صح العقد كالخطبة) أي كما لو خطبها (في العدة)، لأن المحرم لا يقارن
العقد فلم يؤثر فيه. (بخلاف البيع) على بيع المسلم. (فإن لم يعلم) الثاني (أجيب) الأول (أم
لا) جاز. لأنه معذور بالجهل. (أو رد) الأول جاز لما روت فاطمة بنت قيس: أنها أتت
النبي (ص) فذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباها. فقال النبي (ص): أما معاوية فصعلوك لا
مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه. انكحي أسامة بن زيد متفق عليه. (ولو
) كان رده (بعد الإجابة) فيجوز للثاني الخطبة. لأن الاعراض عن الأول ليس من قبله. (أو
لم يركن) بالبناء للمفعول (إليه)، أي إلى الأول، وهو بمعنى عدم الإجابة. (أو أذن) الأول (له)
أي للثاني في الخطبة جاز، لأنه أسقط حقه. (أو سكت) الأول (عنه) بأن استأذن للثاني الأول
فسكت عنه جاز. لأنه في معنى الترك. (لو كان) الأول (قد عرض لها في العدة). قال في
الاختيارات: ومن خطب تعريضا في العدة أو بعدها، فلا ينهي غيره عن الخطبة. (أو ترك)
الأول (الخطبة جاز) للثاني أن يخطب لما تقدم من قوله (ص): حتى ينكح أو يترك. وكذا
لو لم يعد الخاطب حتى طالت المدة، وتضررت المرأة بذلك، أو زالت ولاية الولي المجيب بموت أو
جنون، أو كانت الإجابة من المرأة ثم جنت. ذكره ابن نصر الله. (ولا يكره للولي) المجبر
الرجوع عن الإجابة لغرض. (ولا) يكره (للمرأة) غير المجبرة (الرجوع عن الإجابة لغرض)
صحيح. لأنه عقد عمر يدوم الضرر فيه فكان لها الاحتياط لنفسها، والنظر في حظها، والولي
قائم مقامها في ذلك. (وبلا غرض) صحيح (يكره) الرجوع منه ومنها، لما فيه من إخلاف
الوعد، والرجوع عن القول. ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزم، كمن ساوم لسلعة ثم بدا له أن
لا يبيعها. (وأشد منه) أي من تحريم الخطبة على الخطبة. (تحريما من فرض له ولي الأمر
على الصدقات أو غيرها) كالجوالي. (ما يستحقه فيجئ من يزاحمه) فيه، (أو) من (ينزعه عنه)
لأنه أشد إيذاء له من خطبة عليه. (والتعويل في الرد والإجابة عليها)، أي المرأة. (إن لم تكن
مجبرة) لأنها أحق بنفسها من وليها، ولو أجابت الولي ورغبت هي عن النكاح كان الامر
19

أمرها. (وإلا) بأن كانت مجبرة (ف‍) - التعويل في الرد والإجابة (على الولي)، لأنه ملك
تزويجها بغير اختيارها، فكانت العبرة به لا بها. (لكن لو كرهت) المجبرة (المجاب واختارت)
كفؤا (غيره، وعينته سقط حكم إجابة وليها، لأن اختيارها) إذا تم لها تسع سنين (يقدم على
اختياره، قال الشيخ: ولو خطبت المرأة أو وليها الرجل ابتداء، فأجابها فينبغي أن لا يحل
لرجل آخر خطبتها) لأنه إيذاء له. (إلا أنه أضعف من أن يكون هو الخاطب)، لأنه دونه في
الايذاء، ثم ذكر الشيخ مسألة وقع فيها في كلامه سقط كلمة، فتركها المصنف. ثم قال الشيخ.
(ونظير الأولى) وهي التي ذكرت لك في المتن، (أن تخطبه امرأة أو) يخطبه (وليها بعد أن
خطب هو امرأة، فإن هذا إيذاء للمخطوب في الموضعين. كما أن ذلك. إيذاء للخاطب، وهذا
بمنزلة البيع على بيع أخيه قبل انعقاد العقد) أي لزومه. (وذلك كله ينبغي أن يكون حراما
انتهى). قال في المبدع: وظاهر كلامهم نقيض جواز خطبة المرأة على خطبة أختها، وصرح
في الاختيارات بالمنع، ولعل العلة تساعده. (والسعي من الأب للأيم في التزويج، واختيار
الأكفاء غير مكروه). بل هو مستحب، (لفعل عمر رضي الله عنه) حيث عرض حفصة على
عثمان رضي الله عنهم. قاله ابن الجوزي: (ولو أذنت) امرأة (لوليها أن يزوجها من رجل
بعينه، فهل يحرم على أخيه المسلم خطبتها أم لا)، يحرم فيه (احتمالان) أحدهما يحرم كما لو
خطبت فأجابت، قال التقي الفتوحي: الأظهر التحريم، والثاني لا يحرم لأنه لم يخطبها أحد
وهما للقاضي أبي يعلى. قال الشيخ تقي الدين: وهذا دليل من القاضي أن سكوت المرأة عند
الخطبة ليس بخطبة بحال. (ويستحب عقد النكاح يوم الجمعة مساء)، لحديث أبي هريرة
مرفوعا: أمسوا بالملاك فإنه أعظم للبركة رواه أبو حفص. ولأنه أقرب لمقصوده، ولأنه يوم
شريف ويوم عيد. والبركة في النكاح مطلوبة، فاستحب له أشرف الأيام طلبا للبركة والامساء
20

به، لأن في آخر النهار من يوم الجمعة ساعة الإجابة. ويستحب أن يكون العقد (بعد خطبة)
عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه، (يخطبها العاقد أو غيره) من الحاضرين، (قبل الايجاب
والقبول) وقال الشيخ عبد القادر: وإن أخر الخطبة عن العقد جاز، قال في الانصاف: ينبغي
أن تقال مع النسيان بعد العقد، (وكان) الامام (أحمد إذا حضر عقد نكاح ولم يخطب فيه بها
قام وتركهم). وهذا منه على طريق المبالغة في استحبابها، (وليست واجبة) لأن رجلا قال
للنبي (ص): زوجنيها. فقال رسول الله (ص): زوجتكها بما معك من القرآن متفق عليه. ولم يذكر
خطبة، وروى أبو داود بإسناده عن رجل من بني سليم قال: خطبت إلى النبي (ص) أمامة بنت
عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد. ولأنه عقد معاوضة فلم تجب فيه خطبة كالبيع
. (وهي) أن خطبة ابن مسعود قال: علمنا رسول الله (ص) التشهد في الصلاة والتشهد في
الحاجة. (إن الحمد لله) بكسر الهمزة على الاستئناف، وفتحها على أنها متعلقة بقوله: (نحمده
ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له
ومن يضلل الله فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ويقرأ
ثلاث آيات). ففسرها سفيان الثوري: (* (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (آل
عمران: 102) * (اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (النساء:
1) (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * الآية)، رواه الترمذي وصححه، واقتصر في
المقنع والمنتهى على خطبة ابن مسعود.
قال في الانصاف: وهو المذهب وعليه الأصحاب زاد في عيون المسائل: (وبعد
فإن الله أمر بالنكاح ونهى عن السفاح فقال مخبرا وآمرا (وأنكحوا الأيامى منكم) (النور:
32). قال الشيخ عبد القادر: ويستحب أن يزيد هذه الآية أيضا. (ويجزئ عن ذلك أن
يتشهد ويصلي على النبي (ص)) لما روي عن ابن عمر أنه كان إذا دعى ليزوج: قال الحمد لله
وصلى الله على سيدنا محمد، إن فلانا يخطب إليكم فلانة، فإن أنكحتموه فالحمد لله، وإن
21

رددتموه فسبحان الله. (والمستحب خطبة واحدة) لما تقدم، (لا) خطبتان (اثنتان إحداهما) من
العاقد والأخرى (من الزوج قبل قبوله)، لأن المنقول عنه (ص) وعن السلف خطبة واحدة
وهو أولى ما اتبع. (ويستحب ضرب الدف) الذي لا حلق فيه ولا صنوج، (في الإملاك)
بكسر الهمزة أي التزويج (حتى يشتهر، ويعرف أيضا. قيل لأحمد: ما الصوت؟ قال: يتكلم
ويتحدث ويظهر ويسن إظهاره النكاح). لقوله (ص): فصل ما بين الحلال والحرام الصوت
والدف في النكاح، رواه النسائي. (ويأتي آخر الوليمة و) يسن (أن يقال للمتزوج: بارك الله لك
وعليك، وجمع بينكما في خير وعافية). لما روى أبو هريرة: أن النبي (ص) كان إذا رقى إنسانا
تزوج قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير رواه الخمسة إلا النسائي
وصححه الترمذي. وقال النبي (ص) لعبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك أولم ولو بشاة (3)
(و) يسن (أن يقول) الزوج (إذا زفت إليه) المرأة (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها
عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه). لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن النبي (ص) أنه قال: إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهم إني أسألك خيرها
وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه. وإذا اشترى بعيرا أخذ بذروة
سنامه، وليقل مثل ذلك رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة، وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد
أنه تزوج فحضره عبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول الله (ص)
22

فقالوا له: إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين ثم خذ برأس أهلك ثم قل: اللهم بارك لي
في أهلي وبارك لأهلي في وارزقني منهم، ثم شأنك وشأن أهلك رواه صالح بن أحمد في
مسائله عن أبيه بإسناده.
فصل
في خصائص النبي (ص)
واحتيج إلى بيانها، لئلا يرى جاهل بعض الخصائص في الخبر الصحيح، فيعمل بها
أخذا بأصل التأسي، فوجب بيانها لتعرف وأي فائدة أهم من هذا، وأما ما يقع في ضمن
الخصائص مما لا فائدة فيه اليوم فقليل، لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتدريب ومعرفة
الأدلة. (خص النبي (ص) بواجبات ومحظورات ومباحات وكراهات قاله) الامام (أحمد)، وقد
بدأ منها بالواجبات فقال: (فالواجبات الوتر) لخبر: ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع:
النحر والوتر وركعتا الضحى رواه البيهقي وضعفه. ويؤخذ منه أن الواجب عليه أقل
الضحى لا أكثره، وقياسه في الوتر كذلك. قيل: والأولى أن يحمل على ثلاث ركعات، لأنه
نهى عن الاقتصار على ركعة (وهل هو) أي الوتر (قيام الليل أو غيره احتمالان، الأظهر
الثاني) أي أن الوتر غير قيام الليل، لحديث ساقه ابن عقيل الوتر والتهجد وركعتا الفجر.
قال الشيخ تقي الدين: فرق أصحابنا هنا بين الوتر وقيام الليل، انتهى. وأكثر الواصفين
لتهجده (ص) اقتصروا على إحدى عشرة ركعة، وذلك هو الوتر. وتقدم في صلاة التطوع أن
التهجد بعد نوم، وعليه فإن نام ثم أوتر فتهجد ووتر، وإن أوتر قبل أن ينام فوتر لا تهجد
(والسواك لكل صلاة) لأنه (ص) أمر به لكل صلاة، رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وغيره
23

(والأضحية) بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها، ولو عبر بالتضحية لكان أولى، لان
الأضحية اسم للشاة ونحوها مما يضحى به. (وركعتا الفجر) لحديث ابن عباس: ثلاث
كتبت علي وهن لكم تطوع الوتر والنحر وركعتا الفجر رواه الدارقطني. (وفي الرعاية
والضحى) للخبر السابق ورد بضعف الخبر، وبحديث عائشة: أنه لم يداوم على صلاة
الضحى. (وغلطه الشيخ)
قال: ولم يكن يواظب على الضحى باتفاق العلماء بسنته. (وقيام الليل لم ينسخ)
وجوبه على الصحيح من المذهب، ذكره أبو بكر وغيره. قال القاضي: وهو ظاهر كلام
أحمد وقدمه في الرعاية الكبرى والفروع، وقيل نسخ جزم به في الفصول والمستوعب، قاله
في الانصاف. (وأن يخير) (ص) (نساءه) رضي الله عنهن (بين فراقه) طلبا للدنيا، (والإقامة
معه) طلبا للآخرة، أي وجب عليه ذلك لقوله تعالى: * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن
تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن) * الآيتين. ولئلا
يكون مكرها لهن على الصبر على ما آثره لنفسه من الفقر، وهذا لا ينافي أنه تعوذ من الفقر،
لأنه في الحقيقة إنما تعوذ من فتنة الغنى، أو تعوذ من فقر القلب بدليل قوله: ليس الغنى
بكثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس. وخيرهن وبدأ منهن بعائشة فاخترن المقام.
(وإنكار المنكر إذ رآه على كل حال) فلا يسقط عنه بالخوف، لأن الله وعده بالعصمة
بخلاف غيره. ولا إذا كان المرتكب يزيده الانكار إغراء، لئلا يتوهم إباحته بخلاف سائر الأمة
ذكره السمعاني في القواطع. (والمشاورة في الامر مع أهله وأصحابه) ذوي الأحلام لقوله
تعالى: * (وشاورهم في الامر) *، والحكمة أن يستن بها الحكام بعده. فقد
كان (ص) غنيا عنها بالوحي. (ومصابرة العدو الكثير) الزائد على الضعف (للوعد بالنصر)، أي
لأنه موعود بالعصمة والنصر، بل روى الدميري وغيره عن ابن عباس أنه لم يقتل نبي أمر
بالقتال. ثم أشار إلى المحظورات بقوله: (ومنع) (ص)، (من الرمز بالعين والإشارة بها) لحديث
24

ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين، رواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط
مسلم، وهي الايماء إلى مباح من نحو ضرب وقتل على خلاف ما هو الظاهر، وسمي
خائنة الأعين لشبهه بالخيانة بإخفائه، ولا يحرم ذلك على غيره، إلا في محظور. (و) من (نزع
لامة الحرب) أي سلاحه كدرعه، (إذا لبسها حتى يلقى العدو) ويقاتله إن احتيج إليه، لقوله
(ص) في قصة أحد لما أشير عليه بترك الحرب بعد أن لبس لامته: ما كان لنبي أن يلبس لامة
الحرب ثم ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه وقضيته أن ذلك من خصائص الأنبياء
(و) من (إمساك من كرهت نكاحه)، كما هو قضية تخييره نساءه. واحتج له بخبر العائذة
بقولها: أعوذ بالله منك وهو قوله (ص): لقد استعذت بمعاذ، الحقي بأهلك رواه
البخاري. (ومن الشعر والخط وتعلمهما) قال الله تعالى: * (وما علمناه الشعر وما ينبغي له)
وقال: * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) * - الآية (العنكبوت:
48)، وأما قوله (ص): أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب ونحوه، فليس بشعر. لأنه
كلام موزون بلا قصد زنته. واتفق أهل العروض والأدب على أنه لا يكون شعرا إلا
بالقصد، واختلفوا في الرجز أشعر هو أم لا؟ وكان يميز بين جيد الشعر ورديئه. (ومن نكاح
الكتابية) لأنها تكره صحبته، ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة. وفي الخبر
سألت ربي أن لا أزوج إلا من كان معي في الجنة فأعطاني رواه الحاكم وصحح إسناده
(كالأمة) أي كما منع من نكاح الأمة ولو مسلمة، لأن نكاحها معتبر بخوف العنت وهو
معصوم، وبفقدان مهر الحرة. ونكاحه غنى عن المهر ابتداء وانتهاء، وخرج بالنكاح التسري.
(ومن) أخذ (الصدقة) لنفسه، (ولو تطوعا أو) كانت (غير مأكولة). وكذا الكفارة لخبر مسلم
إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وصيانة
25

لمنصبه الشريف لأنها تنبئ عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه، وأبدل بها الفئ الذي يؤخذ
على سبيل القهر والغلبة، المنبئ عن عز الآخذ وذل المأخوذ منه. (و) من (الزكاة على قرابتيه
وهما بنو هاشم وبنو المطلب). على قول في بني المطلب وكذا مواليهم لقوله (ص): إن
الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم من أنفسهم رواه الترمذي، وقال هذا حسن صحيح.
ولكون تحريمها على هؤلاء بسبب انتسابهم إليه عد من خصائصه. أما صدقة النفل فلا
تحرم عليهم. (وقال القاضي في قوله تعالى: * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) *) إلى قوله
: * (اللاتي هاجرن معك) *. (الآية تدل على أن من لم تهاجر معه لم تحل)
قال في الفروع: ويتوجه احتمال أنه شرط في قرابته في الآية لا الأجنبيات. فالأقوال ثلاثة.
وذكر بعض العلماء نسخه ولم يبينه. (وكان) (ص) (لا يصلي أولا) أي في أول الاسلام. (على
من مات وعليه دين لا وفاء له، كأنه ممنوع منه إلا مع ضامن، ويأذن) (ص) (لأصحابه) رضي
الله عنهم (في الصلاة عليه، ثم نسخ المنع، فكان آخرا يصلي عليه، ولا ضامن ويوفي دينه من
عنده) لخبر الصحيحين: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي منهم فترك دينا فعلي
قضاؤه. قال في الفروع: (وظاهر كلامهم لا يمنع من الإرث. وفي عيون المسائل: لا يرث
ولا يعقل بالاجماع). واقتصر على ذلك في الانصاف. ثم شرع في المباحات بقوله: (وأبيح
له) (ص) (أن يتزوج بأي عدد شاء)، لقوله تعالى: * (ترجي من تشاء منهم وتؤوي إليك من
تشاء) * الآية، ولأنه مأمون الجور، ومات عن تسع كما هو مشهور. (وفي الرعاية:
كان له) (ص) (أن يتزوج بأي عدد شاء إلى أن نزل قوله تعالى: * (لا يحل لك النساء من
26

بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) *. انتهى. ثم نسخ لتكون المنة لرسول
الله (ص) بترك التزويج، فقال تعالى: * (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن)
الآية. وقيل نسخ بقوله تعالى: * (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء)
الآية. (وله) (ص) (التزوج بلا ولي ولا شهود) لأن اعتبار الشهود لأمن الجحود
، وهو مأمون منه. والمرأة لو جحدت لا يلتفت إليها، واعتبار الولي للمحافظة على الكفاءة وهو
فوق الأكفاء. (و) له التزوج أيضا (بلا مهر) وهو بمعنى الهبة، فلا يجب مهر ابتداء ولا انتهاء،
لقوله تعالى: * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * الآية. (و) له التزوج (بلفظ
الهبة) للآية السابقة، (وتحل له) (ص) المرأة (بتزويج الله) تعالى من غير تلفظ بعقد، (كزينب)
قال تعالى: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) *. (وإذا تزوج) (ص)
(بلفظ الهبة لا يجب مهر بالعقد ولا بالدخول) لظاهر الآية. (و) كان (له أن زوج في زمن
الاحرام) لخبر الصحيحين عن ابن عباس: أن النبي (ص) نكح ميمونة وهو محرم. ولكن
أكثر الروايات أنه كان حلالا، كما رواه ابن عباس أيضا. وفي مسلم وغيره: قالت
تزوجني النبي (ص) ونحن حلالان بسرف. وقال أبو رافع: تزوجها وهو حلال وكنت
السفير بينهما. رواه الترمذي وحسنه، وقد رد بهذا رواية ابن عباس الأولى. (و) له (أن
يردف الأجنبي خلفه لقصة أسماء)، وروى أبو داود عن امرأة من غفار: أن النبي (ص) أردفها
على حقيبته، وتخلى بها، لقصة أم حرام. قال في الآداب: وهل له أن يردفها معه على الدابة
مع عدم سوء الظن، يتوجه خلاف؟ بناء على أن إردافه (ص) لا مما يختص به، واختار النووي،
27

والقاضي عياض المنع. (و) له (أن يزوجها) أي الأجنبية (لمن شاء) بلا إذنها وإذن وليها، (و)
أن (يتولى طرفي العقد) لقوله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * (الأحزاب: 6).
(وإن كانت) المرأة (خلية) من موانع النكاح. (أو رغب) (ص) (فيها وجبت عليها الإجابة وحرم
على غير خطبتها) للآية السابقة. (وأبيح له) (ص) (الوصال في الصوم) لخبر الصحيحين: أنه
(ص) نهى عن الوصال فقيل: إنك تواصل. فقال: إني لست مثلكم، إني أبيت أطعم
وأسقى. أي أعطي قوة الطاعم والشارب. (و) أبيح له (خمس خمس الغنيمة وإن لم يحضر)
الوقعة، لقوله تعالى: * (واعلموا إنما غنمتم من شئ، فإن لله خمسه وللرسول) * (الأنفال:
41) (و) أبيح له (الصفي من المغنم وهو ما يختاره قبل القسمة من الغنيمة) كجارية ونحوها
كسيف ودرع. ومنه صفية أم المؤمنين رضي الله عنها. (و) أبيح له (ص) (دخول مكة بلا إحرام)
من غير عذر. (و) أبيح له (القتال فيها) أي في مكة (ساعة) من النهار، فكانت من طلوع الشمس
إلى العصر. وتقدم موضحا في الحج، (وله) (ص) (أخذ الماء من العطشان)، والطعام من المحتاج
إليه، لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. (و) أبيح له (أن يقتل بغير إحدى الثلاث نصا) يعني
بالثلاث المذكورة في قوله (ص): لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا
رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق
للجماعة متفق عليه. (وجعلت تركته صدقة، فلا يورث) لخبر الصحيحين: إنا معاشر
الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. ومنه يعلم أن هذا لا يختص بنبينا، بل سائر الأنبياء مثله
، فهو من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، (وفي عيون المسائل) ونقله الشيخ تقي
28

الدين عن القاضي في الجامع وابن عقيل. (ويباح له ملك اليمين مسلمة كانت) الأمة (أو
مشركة)، يعني كتابية. ولا يستشكل جواز التسري بالكتابية بما عللوا أن نكاح الكتابية من كونها
تكره صحبته، لأن التوالد لا يستلزم كراهيتها. ولان القصد بالنكاح إصابة التوالد فاحتيط له،
ويلزم في النكاح أن تكون الزوجة المشركة أم المؤمنين، بخلاف الملك. ثم ذكر الكرامة
بقوله: (وأكرم) (ص) بأن جعل خاتم الأنبياء. قال تعالى: * (ولكن رسول الله وخاتم النبيين)
(وجعل خير الخلائق أجمعين) لحديث: أنا سيد ولد آدم ولا فخر (1)
أي ولا فخر أكمل من هذا الفخر أعطيته، أو لا أقول ذلك على وجه الافتخار، بل لبيان الواقع
أو للتبليغ. وحديث: لا تفاضلوا بين الأنبياء ونحوه، أجيب عنه بأجوبة منها أن المراد ما
يؤدي إلى التنقيص. ونوع الآدمي أفضل الخلق فهو (ص) أفضل الخلق. (وأمته أفضل الأمم) قال
تعالى: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * (وجعلت) أمته (شهداء على
الأمم بتبليغ الرسل إليهم) لقوله تعالى: * (لتكونوا شهداء على الناس) * (البقرة: 143).
(وأصحابه خير القرون) لحديث: خير القرون قرني متفق عليه. (وأمته معصومة من
الاجتماع على الضلالة) لحديث: لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة رواه أبو داود،
والترمذي. وفي سنده ضعف، لكن أخرج الحاكم له شواهد. (و) لذلك كان (إجماعهم
حجة) واختلافهم رحمة. (ونسخ شرعه الشرائع) لما مر أنه خاتم الأنبياء، وقد أمر بترك
شرائع غيره من الأنبياء. (ولا تنسخ شريعته) لأنه لا نبي بعده. (وجعل كتابه معجزا) لقوله
تعالى: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله)
(و) جعل كتابه (محفوظا عن التبديل) والتحريف، لقوله تعالى: * (لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه) *. بخلاف غيره من الكتب، وقد اشتمل
29

على جميع الكتب الإلهية وزيادة، وجمع كل شئ ويسر للحفظ. ونزل منجما وعلى سبعة
أحرف: أي أوجه من المعاني متفقة بألفاظ مختلفة، وبكل لغة من لغات العرب. لكن أكثره
بلغة أهل الحجاز، ففيه خمسون لغة ذكرها الواسطي في الارشاد. (ولو ادعى عليه) بشئ (أو
ادعى) على غيره (بحق، كان القول قوله) (ص) (بغير يمين). لأنه المعصوم الصادق الصدوق
انتهى. (وظاهر كلامهم) أي الأصحاب، كما أشار إليه في الفروع (أنه في وجوب القسم) بين
الزوجات (والتسوية بين الزوجات كغيره)، قال في الفروع وذكره في المحرر والفنون
والفصول، انتهى. لقوله: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك رواه
ابن حبان وغيره، وصححه الحاكم على شرط مسلم. قال الترمذي: وروي مرسلا وهو أصح.
(وظاهر كلام ابن الجوزي أنه) أي القسم (غير واجب عليه). وقال الشيخ تقي الدين في
المستورد: أبيح له ترك القسم قسم الابتداء أو قسم الانتهاء، قاله أبو بكر والقاضي في الجامع
(وجعل) (ص) (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) لقوله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
* (ويلزم كل واحد أن يقيه بنفسه وماله، فله طلب ذلك) حتى من المحتاج،
ويفدي بمهجته مهجته (ص)، فإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ومثله لو قصده ظالم. فعلى من
حضره أن يبذل نفسه دونه. (و) يلزم كل أحد (أن يحبه أكثر من نفسه) لحديث عمر مرفوعا
لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه رواه البخاري. (و) أكثر من (ماله
وولده) ووالده (والناس أجمعين) لحديث أنس: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من
والده وولده رواه البخاري. وزاد النسائي: والناس أجمعين. (وحرم على غيره نكاح
زوجاته بعد موته)، لقوله تعالى: * (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) * (الأحزاب: 53).
حتى من فارقها في الحياة دخل بها أو لم يدخل بها. قال القاضي وغيره: وهو قول أبي
هريرة. ونقل الشيخ تقي الدين عن أبي حامد: يجوز العقد على من دخل بها دون من لم
يدخل بها. وأطلق في الفروع: عن جواز نكاح من فارقها في حياته، وأما تحريم سراريه
30

(ص) على غيره، فلم أره فكلام أصحابنا نفيا، ولا إثباتا. وللشافعية وجهان وجزم الطوسي
والبازري وغيرهما منهم بالتحريم قياسا على زوجته. قال شيخ الاسلام زكريا في شرح
البهجة: وظاهر الأدلة تقتضي أنها لا تحرم على غيره، لأنها ليست بزوجته ولا أم للمؤمنين،
لكن المنع أقوى. (وهن أزواجه في الدنيا والآخرة) للخبر (وجعلهن أمهات المؤمنين) قال
الشيخ تقي الدين: والزوجية باقية بينه وبينهن. من ماتت عنه أو مات عنها. قال تعالى:
* (وأزواجه أمهاتهم) * (في تحريم النكاح ووجوب احترامهن وطاعتهن
وتحريم عقوقهن) دون الخلوة والنظر والمسافرة ونحوها. (ولا يتعدى تحريم نكاحهن إلى
قرابتهن) ولا أخواتهن ونحوهن على المؤمنين (إجماعا). لقوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء
ذلكم) * (وجعل ثوابهن وعقابهن ضعفين) لقوله تعالى: * (يا نساء النبي من
يأت منكن بفاحشة مبينة) * الآيتين (ولا يحل أن يسألن شيئا إلا من وراء
حجاب) لقوله تعالى: * (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) * (الأحزاب:
53) (ويجوز أن يسأل غيرهن) من النساء (مشافهة) وأفضلهن: خديجة وعائشة، وما
ثبت أنه (ص) قال لعائشة حين قالت له: قد رزقك الله خيرا منها: لا والله ما رزقني
الله خيرا منها، آمنت بي حين كذبني الناس، وأعطتني مالها حين حرمني الناس. وما
روي أن عائشة: أقرأها النبي (ص) من جبريل، وخديجة أقرأها جبريل من ربها السلام
على لسان محمد. يدل على تفضيل خديجة وخبر: فاطمة بضعة مني وقوله لها
أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم يدل على أن فاطمة أفضل
واحتج من فضل عائشة بما احتجت به من أنها في الآخرة مع النبي (ص) في الدرجة
وفاطمة مع علي فيها. (وأولاد بناته) (ص) (ينسبون إليه) لحديث: إن ابني هذا سيد مشيرا
31

إلى الحسن رواه أبو يعلى. وفي حديث: إن الله لم يبعث د نبيا قط إلا جعل ذريته من صلبه
غيري، فإن الله جعل ذريتي من صلب علي ذكره في الخصائص الصغرى (دون أولاد بنات
غيره) فينسبون إلى آبائهم. قال تعالى: * (ادعوهم لآبائهم) * (والنجس منا
طاهر منه) (ص) ومن سائر الأنبياء (ص). وبجواز أن يستشفى ببوله ودمه لما رواه الدارقطني: أن
أم أيمن شربت بوله، فقال: إذن لا تلج النار بطنك لكنه ضعيف، ولما رواه ابن حبان في
الضعفاء: أن غلاما حجم النبي (ص) فلما فرغ من حجامته شرب دمه فقال: ويحك ما صنعت
بالدم؟ قال: غيبته في بطني قال: اذهب فقد أحرزت نفسك من النار. قال الحافظ ابن حجر:
وكان السر في ذلك ما صنعه الملكان من غسلهما جوفه. (وهو) (ص) (طاهر بعد موته بلا نزاع
بين العلماء) واختلفوا في غيره من الآدميين. والمذهب عندنا أن غيره أيضا طاهر (ولم
يكن له) (ص) (فئ) أي ظل (في الشمس والقمر لأنه نوراني والظل نوع ظلمة) ذكره ابن
عقيل وغيره. ويشهد له أنه سأل الله أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورا، وختم بقوله
واجعلني نورا. (وكانت الأرض تجتذب أثقاله) للاخبار. (وساوى الأنبياء في معجزاتهم
وانفرد بالقرآن)، فآدم خلقه الله بيده، ومحمد شق صدره وملأه ذلك الخلق النبوي، وأعطى
إدريس علو المكان، ومحمد المعراج. ولما نجا إبراهيم من النار نجى محمدا من نار الحرب
ولما أعطاه مقام الخلة أعطى محمدا مقام المحبة، بل جمعه له مع الخلة كما في حديث أبي
يعلى في المعراج: فقال له ربه اتخذه خليلا وحبيبا. وهو مكتوب في التوراة. ومحمد حبيب
الرحمن، ولما أعطى موسى قلب العصا حية، عطى محمد حنين الجذع الذي هو أغرب
ولما أعطاه انفلاق البحر، أعطى محمدا انشقاق القمر الذي هو أبهى، لأنه تصرف في العالم
العلوي. ولما أعطى تفجير الماء من الحجر، أعطى محمدا نبع الماء من بين الأصابع. ولما
أعطاه الكلام أعطى محمدا الدنو والرؤيا. ولما أعطى يوسف شطر الحسن، أعطى محمدا
الحسن كله. ولما أعطى داود تليين الحديد أعطى محمدا اخضرار العود اليابس بين يديه، ولما
أعطى سليمان كلام الطير أعطى محمدا أن كلمه الحجر والشجر والزرع والضب، ولما أعطى
عيسى إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، أعطى محمدا رد العين بعد سقوطها، وهكذا (و)
أحلت له (الغنائم) ولم تحل لنبي قبله لحديث: أعطيت خمسا لم يعطهن نبي
32

قبلي. والأنبياء منهم من لم يؤمر بالجهاد فلم تكن غنائم. والمأذون الممنوع منها، فتأتي
نار من السماء فتحرقها إلا الذرية (وجعلت له ولأمته الأرض مسجدا) أي محل
السجود، فأيما رجل أدركته الصلاة في مكان صلى. ولم تكن الأمم المتقدمة تصلي إلا
في البيع والكنائس. (و) جعل له ولأمته (ترابها طهورا) أي مطهرا، وهو التيمم عند تعذر
الماء شرعا. روى ذلك الشيخان وغيرهما: (ونصر بالرعب) أي بسبب خوف العدو منه
(مسيرة شهر) أمامه، وشهر خلفه من جميع جهات المدينة، روى ذلك الشيخان. وجعلت
الغاية شهرا، لأنه لم يكن إذ ذاك بينه وبين أعدائه أكثر من شهر. (وبعث إلى الناس كافة)
قال تعالى: * (وما أرسلناك إلا كافة للناس) *. وأما عموم رسالة نوح بعد
الطوفان لانحصار الباقين فيمن كانوا معه. وأرسل إلى الجن بالاجماع وإلى الملائكة في
أحد القولين. (وأعطي الشفاعة العظمى والمقام المحمود) مقتضى كلامه كالمواهب
والخصائص وغيرهما أنهما متغايران. وذكر بعضهم في الاذان أن المقام المحمود
الشفاعة العظمى، لأن فيه يحمده الأولون والآخرون، وعلى الأول فالمقام المحمود
جلوسه (ص) على العرش، وعن عبد الله بن سلام على الكرسي، ذكرهما البغوي.
(ومعجزاته باقية إلى يوم القيامة) وانقضت معجزات الأنبياء بموتهم، إذ أكثر معجزات
بني إسرائيل كانت حسية تشاهد بالابصار، كناقة صالح وعصا موسى، فانقرضت بانقراض
أعصارهم، ولم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصيرة فتستمر إلى
يوم القيامة، لا يمر عصر إلا ويظهر فيه شئ أخبر أنه سيكون. إذ ما يدرك بالعقل
يعلمه من جاء بعد الأول. (ونبع الماء من بين أصابعه بركة من الله تعالى حلت في الماء
بوضع أصابعه فيه، فجعل يفور ويخرج من بين أصابعه)، حتى كان في غزوة تبوك.
وكذلك روى في الصحيحين وقوعه يوم الحديبية. فنفد الماء فوضع (ص) يده في قليل، ففار
الماء في إصبعيه وشربوا وتوضأوا، وهم ألف وخمسمائة (لا أنه يخرج من نفس
33

اللحم والدم كما ظنه بعض الجهال قاله في الهدى). وفيه نظر، فإن هذا القول ظاهر كلام
القرطبي، وبه صرح النووي في شرح مسلم. ويؤيده قول جابر: فرأيت الماء يخرج من بين
أصابعه قال في المواهب: وهذا هو الصحيح، وكلاهما معجزة له (ص) وإنما فعل ذلك ولم
يخرجه من غير ملابسة ماء ولا وضع إناء تأدبا مع الله تعالى، إذ هو المنفرد بابتداع
المعلومات، وإيجادها من غير أصل. (ومن دعاه) (ص) (وهو يصلي وجب عليه قطعها) أي
الصلاة، (وإجابته) لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم)
. (وتطوعه (ص) بالصلاة قاعدا) بلا عذر. (كتطوعه قائما في الاجر) لما روى
أحمد ومسلم وأبو داود عن ابن عمر: أنه رأى النبي (ص) يصلي جالسا، فوضع يده على رأسه
فقال: مالك يا عبد الله؟ قلت: حدثت أنك قلت: صلاة القاعد على النصف من صلاة
القائم. قال: أجل ولكن لست كأحد منكم قال في الفروع، وحمله على العذر لا يصح
لعدم الفرق. (وقال القفال): تطوعه بالصلاة قاعدا (على النصف) من أجر القائم (كغيره)، ويرده
ما سبق. (وكان له القضاء بعلمه) لأن الله عصمه فلا يجوز عليه خطأ يقر عليه. (وهو سيد ولد
آدم) للخبر. (وأول من تنشق عنه الأرض) يوم القيامة لحديث مسلم: أنا أول من تنشق عنه
الأرض. (وأول شافع وأول مشفع وأول من يقرع باب الجنة)، رواهما مسلم وأول
من يدخل الجنة. (وهو أكثر الأنبياء تبعا) لحديث مسلم: أنا أكثر الأنبياء تبعا. وحديث
البزار: يأتي معي من أمتي يوم القيامة مثل السيل والليل. وحديث مسلم: ما صدق نبي من
الأنبياء ما صدقت. إذ من الأنبياء من لم يصدقه إلا الرجل الواحد (وأعطي جوامع الكلم)
، رواه مسلم أي ألفاظا قليلة تفيد معاني كثيرة. (وصفوف أمته في الصلاة كصفوف الملائكة)
لحديث مسلم: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ يتمون الصفوف المتقدمة
34

ويتراصون في الصف. (ولا يحل لاحد أن يرفع صوته فوق صوته) لقوله تعالى: * (لا
ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض)
(ولا أن يناديه من وراء الحجرات) لقوله تعالى: * (إن الذين ينادونك من
وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) * (ولا) أن يناديه (باسمه فيقول: يا
محمد، بل يقول: يا رسول الله يا نبي الله) لقوله تعالى: * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم
كدعاء بعضكم بعضا) *. قال الحافظ ابن حجر: والكنية من الاسم. وأما ما
وقع لبعض الصحابة من ندائه بكنيته، فإما أن يكون قبل أن يسلم قائله، أو قبل نزول الآية
(ويخاطب في الصلاة بقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. ولو خاطب
مخلوقا غيره بطلت صلاته. وخاطب إبليس باللعنة في صلاته فقال: ألعنك بلعنة الله). وفي
الفروع قبل التحريم أو مؤول. وظاهره عدم الخصوصية. (ولم تبطل) صلاته (وكانت الهدية
حلالا له) فكان إذا أتى بطعام سأل عنه قال: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة قال لأصحابه: كلوا
ولم يأكل معهم، وإن قيل: هدية ضرب بيده وأكل معهم، متفق عليه من حديث أبي
هريرة. (بخلاف غيره) من ولاة الأمور فلا تحل لهم الهدية. (من رعاياهم) لما روى أبو
حميد الساعدي قال: قال رسول الله (ص): هدايا العمال غلول رواه أحمد. (ومن رآه في
المنام فقد رآه حقا، فإن الشيطان لا يتخيل به). لأن الله عصمه منه، لكن لا يعمل الرائي بما
سمعه منه يتعلق بالأحكام لعدم الضبط لا للشك في رؤيته. (وكان لا يتثاءب) لأنه من
الشيطان والله عصمه منه. (وعرض عليه الخلق كلهم من آدم إلى من بعده كما علم آدم
35

أسماء كل شئ) لحديث الديلمي: مثلت لي الدنيا بالماء والطين، فعلمت الأشياء كلها كما
علم آدم الأسماء كلها. وعرض عليه أمته بأسرهم حتى رآهم. لحديث الطبراني: عرضت
علي أمتي البارحة لدى هذه الحجرة أولها وآخرها، صوروا لي بالماء والطين حتى أني
لأعرف بالانسان منهم من أحدكم بصاحبه وعرض عليه أيضا ما هو كائن في أمته حتى
تقوم الساعة. لحديث أحمد وغيره: أدريت ما تلقى أمتي بعدي وسفك بعضهم دماء
بعض. (ويبلغه سلام الناس بعد موته) لحديث أحمد عن أبي هريرة مرفوعا: ما من أحد
سلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام. (والكذب عليه) (ص)
(ليس ككذب على غيره)، لأنه عليه كبيرة. للحديث الذي ذكر المصنف معناه. والكذب
على غيره صغيرة، إلا فيما يأتي في الشهادات (ومن كذب عليه معتمدا فليتبوأ مقعده من
النار، وتنام عيناه ولا ينام قلبه) لخبر الصحيحين: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي. وفي
البخاري في خبر الاسراء: وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. ولا يرد عليه:
نومه في الوادي عن صلاة الصبح. لأن طلوع الفجر والشمس إنما يدرك بالعين وهي نائمة.
أو يقال: كان له نومان: أحدهما تنام عينه وقلبه، والثاني عينه دون قلبه. وكان يوم الوادي
من النوع الأول. (ولا نقض بنومه ولو مضطجعا) لخبر الصحيحين: أنه (ص) اضطجع ونام
حتى نفخ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ (ويرى من خلفه كما يرى أمامه رؤية بالعين حقيقة
36

نصا) كما ثبت في الصحيحين. والاخبار الواجبة فيه مقيدة بحال الصلاة فهي مقيدة لقوله
: أعلم ما وراء جداري هذا. قاله الحافظ ابن حجر. (والدفن في البنيان مختص به لئلا
يتخذ قبره مسجدا). ولما روي عن أبي بكر مرفوعا: لم يقبر نبي إلا حيث قبض. (وزيارة
قبره مستحبة للرجال والنساء) لعموم ما روى الدارقطني عن ابن عمر قال: قال رسول الله
(ص): من حج وزار قبري بعد وفاتي، فكأنما زارني في حياتي. وفي رواية من زار قبري
وجبت له شفاعتي، وكقبره الشريف في عموم الزيارة تبعا له قبر صاحبيه رضي الله
عنهما. ويكره للنساء زيارة من عداه على الصحيح. وتقدم (وخص بصلاة ركعتين بعد
العصر) اختاره ابن عقيل. قال ابن بطة: كان خاصا به وكذا أجاب القاضي. لأنه (ص): كان
يصلي بعد العصر ركعتين وينهى عنهما رواه أبو داود من حديث عائشة. وظاهر كلامه
في المغني والشرح وغيرهما في أوقات النهي: أنه من قضاء الراتبة إذا فاتت، وليس
بخصوصية حيث استدلوا به على جواز قضاء الراتبة في وقت النهي. (ولم يكن له أن
يهدي) شيئا (ليعطى) بالبناء للمفعول (أكثر منه) لقوله تعالى: * (ولا تمنن تستكثر)
أي لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه. (وله) (ص) (أن يقضي) ويفتي (وهو غضبان،
وأن يقضي بعلمه ويحكم لنفسه وولده، ويشهد لنفسه وولده، ويقبل شهادة من يشهد له (ص)
أو لولده. لحديث خزيمة ولأنه معصوم. وقضيته أنه يشهد ويقبل ويحكم على عدوه
، وبإباحة الحمى لنفسه. وتقدم في إحياء الموات. قال في الفروع: وظاهر كلامهم إن كان
37

لصبي مال لزمته الزكاة. قيل للقاضي: الزكاة طهرة والصبي مطهر فقال: باطل بزكاة الفطر
، ثم بالأنبياء صلوات الله عليهم. لأنهم مطهرون، ولو كان لهم مال لزمتهم الزكاة.
وخصائصه (ص) لا تنحصر فيما ذكر. وفيها كتب مشتملة على بعضها.
باب أركان النكاح وشروطه
أركان الشئ أجزاء ماهيته، والماهية لا توجد بدون جزئها، فكذا الشئ لا يتم بدون
ركنه. والشرط ما ينتفي المشروط بانتفائه، وليس جزاء للماهية. (وأركانه) أي النكاح
ثلاثة: أحدها: (الزوجان الخاليان من الموانع) الآتية في باب محرمات النكاح، وأسقطه في
المقنع، والمنتهى وغيره لوضوحه. (و) الثاني: (الايجاب، و) الثالث: (القبول). لأن ماهية
النكاح مركبة منهما ومتوقفة عليهما. (ولا ينعقد) النكاح (إلا بهما مرتبين، الايجاب أولا
وهو): أي الايجاب (اللفظ الصادر من قبل الولي أو من يقوم مقامه) كوكيل. لأن القبول إنما
يكون للايجاب. فإذا وجد قبله لم يكن قبولا لعدم معناه. (ولا يصح إيجاب) ممن يحسن
العربية. (إلا بلفظ: أنكحت أو زوجت) لورودهما في نص القرآن في قوله: (زوجناكها)
* (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) * (ولمن يملكها أو) يملك
(بعضها وبعضها الآخر حرا) إذا أذنت له هي ومعتق البقية على ما يأتي (أعتقها وجعلت عتقها صداقها
ونحوه) مما يؤدي هذا المعنى ويأتي، لقصة صفية، إذ العادل عن هذه الصيغ مع معرفته لها
عادل عن اللفظ الذي ورد به الكتاب والسنة مع القدرة. فإن قلت: قد روي أن النبي (ص)
: زوج رجلا امرأة فقال: ملكتكها بما معك من القرآن رواه البخاري. قلت: ورد فيه
زوجتكها، وزوجناكها وأنكحتكها من طرق صحيحة. فإما أن يكون قد جمع بين
الألفاظ، أو يحمل على أن الراوي روى بالمعنى، ظنا منه أنها بمعنى واحد. ويكون خاصا
به. وعلى كل تقدير لا يبقى حجة. ويصح الايجاب من الولي بلفظ زوجت بضم الزاي
وفتح التاء المبني للمفعول. لا جوزتك بتقديم الجيم. وسئل الشيخ تقي الدين: عن رجل
38

لم يقدر أن يقول إلا: قبلت تجويزها؟ فأجاب بالصحة بدليل قوله: جوزتي طالق، فإنها
تطلق (ولا يصح قبول لمن يحسنها) أي العربية (إلا ب‍) - لفظ (قبلت تزويجها أو) قبلت
(نكاحها، أو) قبلت (هذا التزويج، أو) قبلت (هذا النكاح، أو تزوجتها أو رضيت هذا النكاح، أو
قبلت فقط أو تزوجت)، لأن ذلك صريح في الجواب. فصح النكاح به كالبيع. (أو قال
الخاطب للولي: أزوجت؟ فقال) الولي: (نعم. أو قال) الخاطب (للمتزوج. أقبلت؟ فقال)
المتزوج (نعم) انعقد النكاح. لأن المعنى: نعم زوجت، نعم قبلت هذا النكاح. لان
السؤال يكون مضمرا في الجواب معادا فيه. بدليل قوله تعالى: * (هل وجدتم ما وعد ربكم
حقا؟ قالوا نعم) * أي نعم وجدنا ما وعدنا ربنا حقا. ولو قيل للرجل
الفلاني: عليك ألف درهم؟ فقال: نعم. كان إقرارا صريحا لا يفتقر إلى نية، ولا يرجع فيه
إلى تغييره. وبمثله تقطع اليد في السرقة مع أن الحدود تدرأ بالشبهات. فوجب أن ينعقد به
التزويج. (واختار الموفق والشيخ) تقي الدين. (وجمع انعقاده بغير العربية لمن لم
يحسنها). لأن المقصود المعنى دون اللفظ. (وقال الشيخ أيضا: ينعقد) النكاح (بما عده
الناس نكاحا، بأي لغة ولفظ كان. وإن مثله) أي النكاح (كل عقد) فينعقد البيع بما عده
الناس بيعا، بأي لغة ولفظ كان. والإجارة بما عهده الناس إجارة، بأي لغة ولفظ كان. وهكذا
(و) قال أيضا: (إن الشرط بين الناس ما عدوه شرطا). وكذا قال تلميذه ابن القيم. فلو تزوج
من قوم لم تجر العادة بالتزوج على نسائهم كان بمنزلة، شرط أن لا يتزوج عليها. وتأتي
الإشارة إليه وإلى مأخذه في باب الشروط في النكاح. (فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع)
كالصلاة والزكاة والصوم والحج والوضوء والغسل ونحوها. (و) تعرف حدودها (تارة
باللغة) كرجل وفرس وشجر ونحوها، (و) تعرف حدودها (تارة بالعرف) العام، كالدابة لذوات
الأربع أو الخاص. كالفاعل والمبتدأ. (وكذلك العقود) فتعرف حدودها بواحد من هذه الثلاثة
(انتهى). والفرق: أن الشهادة شرط في النكاح، والكناية إنما تعلم بالنية. ولا يمكن الشهادة
على النية لعدم الاطلاع عليها. فيجب أن لا ينعقد. (فإن كان أحد المتعاقدين) للنكاح
39

(يحسن العربية دون الآخر. أتى الذي يحسن العربية) بما هو من قبله من إيجاب أو قبول
(بها). أي بالعربية لقدرته عليه، (و) العاقد (الآخر يأتي) بما هو قبله (بلسانه)، أي بلغته
(وإن كان كل منهما) أي العاقدين (لا يحسن لسان الآخر، ترجم بينهما ثقة يعرف اللسانين)
قال الشيخ تقي الدين عن القاضي: ولم يشترط تعدده أي الثقة الذي يترجم بين العاقدين.
ويأتي في الشهادات: أن الترجمة عند الحاكم كالشهادة، فإذا كان القاضي لا يعرف لسانهما
فلا بد في الترجمة عنده من رجلين عدلين. (ولا بد أن يعرف الشاهدان اللسانين المعقود
بهما) ليتمكنا من تحمل الشهادة. لأنها على اللفظ الصادر منهما. فإذا لم يعرفاه لم يتأت
لهما الشهادة به. (ويأتي حكم تولي طرفي العقد) في فصل: وإذا استوى وليان، (ويصح
إيجاب أخرس وقبوله) النكاح، (بإشارة مفهومة يفهمها صاحبه) العاقد معه. (و) يفهمها
(الشهود) لأن النكاح معنى لا يستفاد إلا من جهته. فصح بإشارته كبيعه وطلاقه (أو كتابة)
أي ويصح إيجابه وقبوله من أخرس بكتابة، لأنها أولى من الإشارة. لأنها بمنزلة الصريح
في الطلاق والاقرار. و (لا) يصح النكاح (من القادر على النطق) بإشارة ولا كتابة للاستغناء
عنها، (ولا) يصح إيجاب النكاح ولا قبوله (من أخرس لا تفهم إشارته) كسائر تصرفاته
القولية، لعدم الصيغة، (فإن قدر على تعلمهما) أي الايجاب والقبول (من لا يحسنهما
بالعربية لم يلزمه تعلمها) بالعربية. لأن النكاح غير واجب بأصل الشرع. فلم يجب تعلم
أركانه بالعربية، بخلاف التكبير، ولان المقصود هنا المعنى دون اللفظ المعجز. بخلاف
القراءة في الصلاة. (وكفاه) أي العاجز (معناهما الخاص بكل لسان) أي لغة عرفها. لأن ذلك
في لغته نظير الانكاح والتزويج. وعلم منه أنه لا يصح بلفظ لا يؤدي معنى النكاح والتزويج
الخاص. لأن من عدل عن اللفظ الخاص بذلك اللسان إلى غيره يشبه من هو عربي، وعدل
عن لفظهما الخاص. (ولو قال الولي للمتزوج: زوجتك موليتي) فلانة (بفتح التاء) من
زوجتك (عجزا) عن ضمها، (أو جهلا باللغة العربية صح) النكاح. و (لا) يصح إن كان ذلك
(من عارف) بالعربية قادر على إصلاحه. قال في شرح المنتهى: هذا هو الظاهر. وأفتى
الموفق أنه يصح مطلقا. وتوقف في المسألة ناصح الاسلام ابن أبي الفهم من أصحابنا،
40

وأطلق القولين في المنتهى ومثله لو قال الزوج: قبلت بفتح التاء. (وإن أوجب) الولي
(النكاح) ونحوه، (ثم جن) قبل القبول، (أو أغمي عليه قبل القبول بطل العقد) أي الايجاب
بذلك كما يبطل (بموته نصا)، لأن الايجاب قبل القبول غير لازم. فبطل بزوال العقل
كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون. و (لا) تبطل (إن) أوجب ثم (نام) وحصل القبول
في المجلس. لأن النوم لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هنا. (ولا يصح تعليق النكاح على
شرط مستقبل، كقوله: إن وضعت زوجتي جارية فقد زوجتكها، أو زوجتك ما في بطنها) أي
بطن هذه المرأة، (أو) زوجتك (من في هذه الدار. وهما) أي الولي والزوج (لا يعلمان ما
فيها) أي الدار فلا يصح النكاح، (بخلاف الشروط الحاضرة و) الشروط (الماضية، مثل
قوله: زوجتك هذا) المولود (إن كان أنثى أو زوجتك ابنتي، إن كانت عدتها قد انقضت، أو)
زوجتك بنتي: (إن كنت وليها وهما يعلمان ذلك)، أي كونها أنثى في المثال الأول، وانقضاء
العدة في المثال الثاني، أو أنه وليها في الثالث. (فإنه يصح) النكاح. لأن ذلك ليس بتعليق
حقيقة، إذ الماضي والحاضر لا يقبله. (وكذا تعليقه بمشيئة الله) كقوله: زوجتكها إن شاء
الله أو قبلت إن شاء الله. (أو قال) الولي (زوجتك ابنتي إن شئت فقال: قد شئت وقبلت
، فيصح) النكاح (قاله زين الدين بن عبد الرحمن بن رجب) رحمه الله تعالى. (وإذا وجد
الايجاب والقبول انعقد النكاح، ولو من هازل أو ملجئ)، لقوله (ص): ثلاث هزلهن جد
وجدهن جد. الطلاق والنكاح والرجعة رواه الترمذي. وعن الحسن. قال، قال رسول
الله (ص): من نكح لاعبا أو أطلق لاعبا أو عتق لاعبا جاز. وقال عمر: أربع جائزات إذا
تكلم بهن: الطلاق والعتاق والنكاح والنذر. (وكان للنبي (ص) أن يتزوج بلفظ الهبة، وتقدم)
ذلك (في الباب قبله) موضحا (وإن تقدم القبول الايجاب كقوله: تزوجت ابنتك) يقول
41

الولي: زوجتكها (أو زوجني ابنتك)، فيقول الولي: زوجتكها (لم يصح نصا) لان
القبول إنما يكون للايجاب، فمتى وجد قبله لم يكن قبولا لعدم معناه. فلم يصح، كما
لو تقدم بلفظ الاستفهام، ولأنه لو تأخر عن الايجاب بلفظ الطلب لم يصح. وإذا تقدم
كان أولى كصيغة الاستفهام ويفارق البيع، لأنه لا يشترط فيه صيغة الايجاب بل يصح
بالمعاطاة، ولا يتعين فيه لفظ. بل يصح بأي لفظ كان إذا أتى بالمعنى، ويفارق الخلع،
لأنه يصح تعليقه على الشرط إذا أتى بنية الطلاق. (وإن تراخى) قبول (عنه) أي عن
الايجاب (صح ما داما في المجلس. ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفا)، ولو طال الفصل،
لأن حكم المجلس حكم حالة العقد، بدليل صحة القبض فيما يشترط لصحته قبضه في
المجلس، وبدليل ثبوت الخيار في عقود المعاوضات. (وإن تفرقا قبله) أي قبل
القبول بعد الايجاب (بطل الايجاب)، وكذا إن تشاغلا بما يقطعه عرفا. لأن ذلك إعراض
عنه. أشبه ما لو رده. (وإن اختلف لفظ الايجاب والقبول فقال الولي: زوجتك) بنتي مثلا
(فقال المتزوج: قبلت هذا النكاح أو بالعكس) بأن قال الولي: أنكحتك بنتي، فقال
الزوج: تزوجتها ونحوه، (صح) العقد، لأن اللفظ وإن اختلف فالمعنى متحد، (ولا
يثبت الخيار في النكاح وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط) لأنه ليس بيعا ولا
في معناه. والعوض ليس ركنا فيه ولا مقصودا منه.
فصل
(وشروطه) أي النكاح (خمسة) بالاستقراء
(أحدها: تعيين الزوجين) لأن النكاح عقد معاوضة، أشبه تعيين المبيع في البيع.
ولان المقصود في النكاح، التعيين. فلم يصح بدونه. (فلا يصح) العقد أن قال الولي
(زوجتك ابنتي وله بنات حتى يميزها) عن غيرها، (بأن يشير إليها أو يسميها) باسم يخصها
42

(أو يصفها بما تتميز به عن غيرها) بأن تكون الصفة لا يشركها فيها غيرها من أخواتها.
(كقوله) زوجتك (بنتي الكبرى أو) بنتي (الصغرى، أو) بنتي (الوسطى أو) بنتي (البيضاء
ونحوه) كالحمراء أو السوداء، (فإن سماها مع ذلك) أي مع وصفها الذي تتميز به، كأن
يقول: زوجتك بنتي فلانة الكبرى، (كان) ذلك (تأكيدا) لأنه مقو لما دل الاسم عليه
(ولو) قال الولي: زوجتك بنتي، و (لم يكن له) أي الولي (إلا) بنت (واحدة صح) العقد
(ولو سماها) الولي (بغير اسمها)، لأن عدم التعيين إنما جاء من التعدد ولا تعدد هنا. (وكذا
لو سماها بغير اسمها وأشار إليها) بأن قال: زوجتك بنتي فاطمة هذه وأشار إلى خديجة.
فيصح العقد على خديجة، لأن الإشارة أقوى. (وإن سماها) الولي (باسمها) بأن قال:
زوجتك فاطمة، ولم يقل بنتي لم يصح. (أو) سماها (بغيرها) أي غير اسمها (ولم يقل بنتي
لم يصح) النكاح. وكذا لو قال: زوجتك الكبيرة أو الطويلة ونحوه. لأن هذا الاسم أو هذه
الصفة يشتركان بينهما وبين سائر الفواطم أو الطوال. (وكمن له بنات فاطمة وعائشة،
فقال) الولي (زوجتك بنتي عائشة، فقبل) الزوج (ونويا في الباطن فاطمة) فلا يصح النكاح
لأن المرأة لم تذكر بما تتعين به. فإن اسم أختها لا يميزها، بل يصرف العقد عنها.
ولأنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه. فأشبه ما لو قال: زوجتك عائشة فقط، أو
ما لو قال: زوجتك ابنتي ولم يسمها، وإذا لم يصح فيما إذا لم يسمها، ففيما سماها بغير
اسمها أولى. وكذا إن قصد الولي واحدة والزوج أخرى. (وإن سمى له) أي لمن يريد
التزوج (في العقد غير من خطبها فقبل يظنها المخطوبة لم يصح) العقد. لأن القبول
انصرف إلى غير من وجد الايجاب فيها. (ولو رضي) الزوج (بعد علمه بالحال)، فلا ينقلب
النكاح صحيحا. فإن قبل غير ظان إنها المخطوبة صح النكاح. (وإن كان) الذي سمى له
العقد غير مخطوبته. وقبل، يظنها إياها. (قد أصابها) أي وطئها (وهي جاهلة بالحال) أي
بأنها سميت له في العقد بعد أن خطب غيرها. (أو) جاهلة ب‍ (- التحريم فلها الصداق) أي
مهر المثل. لأنه وطئ بشبهة (يرجع به) الواطئ (على وليها. قال) الامام (أحمد: لأنه
غره. وتجهز إليه) أي استحبابا (التي خطبها بالصداق الأول يعني بعقد جديد) لتوقف الحمل
43

عليه (بعد انقضاء عدة التي أصابها إن كانت) المخطوبة (ممن يحرم الجمع بينهما) بأن كانت
أخت المصابة أو عمتها أو خالتها ونحوه، لما يأتي في تحريم الجمع. (وإن كانت) المصابة
(ولدت منه لحقه الولد) لأنه من وطئ بشبهة. (وإن علمت) المصابة (أنها ليست زوجته و)
علمت (أنها محرمة عليه وأمكنته من نفسها فهي زانية لا صداق لها) وعليها الحد، لانتفاء
الشبهة. وجميع ما تقدم في تعيين الزوجة يأتي نظيره الزوج، ولم ينبهوا عليه لوضوحه.
الشرط (الثاني: رضاهما) أي الزوجين (أو من يقوم مقامهما فإن لم يرضيا) أي الزوجان
(أو) لم يرض (أحدهما لم يصح) النكاح، لأن العقد لهما فاعتبر تراضيهما به كالبيع. (لكن
للأب) خاصة (تزويج بنيه الصغار و) بنيه (المجانين و) لو كان بنوه المجانين (بالغين)، لأنهم
لا قول لهم. فكان له ولاية تزويجهم كأولاده الصغار. وروى الأثرم: أن ابن عمر زوج ابنه
وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا وكأبي الصغيرة والمجنونة، وحيث زوج
الأب ابنه لصغره وجنونه، فإنه يزوجه (بغير أمة) لئلا يسترق ولده (ولا معيبة عيبا يرد به
النكاح) كرتقاء وجذماء لما فيه من التنفير. ويزوج الأب ابنه الصغير والمجنون (بمهر
المثل وغيره، ولو كرها) لأن للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها وهذا مثله. فإنه
قد يرى المصلحة في ذلك. فجاز له بذل المال فيه كمداواته، بل هذا أولى. فإن الغالب أن
المرأة لا ترضى أن تتزوج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها، فيتعذر الوصول إلى
النكاح بدون ذلك. (وليس لهم) أي للبنين الصغار والمجانين إن زوجهم الأب (خيار إذا
بلغوا) وعقلوا، كما لو باع ما لهم ونحوه. (و) للأب (تزويج بناته الأبكار ولو بعد البلوغ)،
لحديث ابن عباس مرفوعا: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صمتها (1)
رواه أبو داود. فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق لأحدهما دل على نفيه عن الآخر وهي
البكر فيكون ولها أحق منها بها ودل الحديث على أن الاستئمار هنا والاستئذان في
حديثهم مستحب غير واجب، (و) للأب أيضا تزويج (ثيب لها) دون (تسع سنين) لأنه لا إذن
44

لها (بغير إذنهم)، أي البنين الصغار والمجانين والبنت البكر والثيب التي لها دون تسع سنين
لما تقدم. (وليس ذلك) أي تزويج من ذكر (للجد) لعموم الأحاديث، ولأنه قاصر عن
الأب، فلم يملك الاجبار كالعم. (ويسن استئذان بكر بالغة هي وأمها) أما هي فلما تقدم.
وأما استئذان أمها فلحديث ابن عمر مرفوعا: آمروا النساء في بناتهن رواه أبو داود.
ويكون استئذان الولي لها. (بنفسه أو بنسوة ثقات ينظرن ما في نفسها) لأنها قد تستحي منه
(وأمها بذلك أولى) لأنها تظهر على أمها ما تخفيه على غيرها. (وإذا زوج) الأب (ابنه الصغير
ف‍) - إنه يزوجه (بامرأة واحدة) لحصول الغرض بها، (و) له تزويجه (بأكثر) من واحدة، (إن
رأى فيه مصلحة) نقله في الانصاف عن ابن رزين وغيره لكن ضعفه في تصحيح الفروع.
قال: وهذا ضعيف جدا. وليس في ذلك مصلحة بل مفسدة، وصوب أنه لا يزوجه أكثر من
واحدة. وقال: هو مراد من أطلق. وأما الوصي فلا يزوجه أكثر لأنه تزويج لحاجة،
والكفاية تحصل بذلك إلا أن تكون غائبة أو صغيرة طفلة، وبه حاجة. فيجوز أن يزوجه
ثانية. قال القاضي في المجرد في الوصايا، انتهى. وعلى نحو ذلك يحمل كلام ابن رزين
وغيره فلا تضعيف. (وحيث أجبرت) البكر (أخذ بتعيين بنت تسع سنين فأكثر كفؤا لا بتعين
المجبر) من أب أو وصيه، لأن النكاح يراد للرغبة. فلا تجبر على من لا ترغب فيه. قال
في المبدع: وقد صرح بعض العلماء أنه يشترط للاجبار شروط: أن يزوجها من كف ء بمهر
المثل، وأن لا يكون الزوج معسرا، وأن لا يكون بينهما وبين الأب عداوة ظاهرة، وأن
يزوجها بنقد البلد، واقتصر عليه.
قلت: وفيه شئ،
(فإن امتنع) المجبر (من تزويج من عينته) بنت تسع سنين فأكثر، (فهو عاضل سقطت
ولايته)، ويفسق به إن تكرر على ما يأتي. (ومن يخنق في بعض الأحيان) لم يصح تزويجه إلا
بإذنه، إن كان بالغا لأنه يمكن أن يتزوج لنفسه. فلم تثبت ولاية تزويجه لغيره كالعاقل. (أو
45

زال عقله ببرسام أو بمرض مرجو الزوال. لم يصح تزويجه إلا بإذنه) كالعاقل. فإن دام به
صار كالمجنون. قاله الشيخ تقي الدين في المسودة: وهو معنى كلام الشارح. (وليس
للأب تزويج ابنه البالغ العاقل بغير إذنه)، لأنه لا ولاية له عليه، (إلا أن يكون سفيها، وكان)
النكاح (أصلح له). بأن يكون زمنا أو ضعيفا يحتاج إلى امرأة تخدمه. فإن لم يكن محتاجا
إليه فليس لوليه تزويجه، (وله) أي الأب (قبول النكاح لابنه الصغير) ولو مميزا. (و) لابنه
(المجنون) لما تقدم. وكذا البالغ المعتوه، وفي ظاهر كلام أحمد والخرقي مع ظهور أمارات
الشهوة وعدمها. وقال القاضي: إنما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة بميله إلى
النساء ونحوه. (ويصح قبول مميز لنكاحه بإذن وليه نصا) كما يصح أن يتولى البيع والشراء
لنفسه بإذن وليه. و (لا) يصح قبول (طفل دون التمييز) لنكاحه
(ولا) قبول (مجنون) لنكاحه، (ولو بإذن وليهما)، لأن قولهما غير معتبر. (وللسيد إجبار إمائه الأبكار والثيب) لا فرق بين
الكبيرة والصغيرة منهن، ولا بين القن والمدبرة وأم الولد، لأن منافعهن مملوكة له، والنكاح
عقد على منفعتهن. فأشبه عقد الإجارة. ولذلك ملك الاستمتاع بها، وبهذا فارقت العبد.
ولأنه ينتفع بذلك ما يحصل له من مهرها وولدها، وتسقط عنه نفقتها وكسوتها بخلاف العبد
ولا فرق بين كونها مباحة أو محرمة عليه كأخته من رضاع. (إلا مكاتبته). ولو صغيرة فلا
يجبرها. لأنها بمنزلة الخارجة عن ملكه ولذلك لا يلزمه نفقتها، ولا يملك إجارتها ولا أخذ
مهرها. (ولو كان نصف الأمة حرا لم يملك مالك الرق إجبارها)، لأنه لا يملك نفعها
(ويعتبر إذنها) لما فيها من الحرية. (و) يعتبر (إذن مالك البقية كأمة لاثنين). وكذا يعتبر إذن
المعتق، لأن له ولاء ما أعتق منهما فهو وليه. (ويقول كل منهما) أي من المعتق ومالك البقية
: (زوجتكها، ولا يقول: زوجتك بعضها)، لأن النكاح لا يقبل التشقيص والتجزي بخلاف البيع
والإجارة، وهل يعتبر اتحاد زمن الايجاب منهما أو يجوز ترتبهما؟ فيه نظر. قاله ابن نصر
الله.
قلت: الأظهر أنه لا يعتبر ترتبهما فيه، ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه
46

عرفا. وفي اعتبار اتحاده حرج ومشقة. (ويملك) السيد (إجبار عبده الصغير ولو) كان العبد
(مجنونا) فيجبره، ولو كان بالغا لأن الانسان إذا ملك تزويج ابنه الصغير والمجنون فعبده
الذمي كذلك مع ملكه، وتمام ولايته عليه أولى. و (لا) يملك إجبار (عبده الكبير العاقل)،
لأنه مكلف يملك الطلاق. فلا يجبر على النكاح كالحر، ولان النكاح خالص حقه ونفعه له
فلا يجبره عليه كالحر، والامر بإنكاحه مختص بحالة طلبه بدليل عطفه على الأيامى. وإنما
يزوجن عند الطلب. (ولا يجوز لسائر) أي باقي (الأولياء) بعد الأب (تزويج حرة كبيرة) بالغة
ثيبا كانت أو بكرا. (إلا بإذنها) لحديث أبي هريرة مرفوعا: لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا
تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت متفق عليه
(إلا المجنونة فلهم) أي لسائر الأولياء (تزويجها) أي المجنونة، (إذا ظهر منها الميل إلى
الرجال) لأن لها حاجة إلى النكاح لدفع ضرر الشهوة عنها، وصيانتها عن الفجور، وتحصيل
المهر والنفقة والعفاف وصيانة العرض. ولا سبيل إلى إذنها، فأبيح تزويجها كالبنت مع أبيها.
(ويعرف ذلك) أي ميلها إلى الرجال (من كلامها وتتبعها الرجال، وميلها إليهم ونحوه) من
قرائن الأحوال. (وكذا إن قال أهل الطب). ولعل المراد ثقة منهم إن تعذر غيره، وإلا فاثنان،
على ما يأتي في الشهادات (أن علتها تزول بتزويجها)، فلكل ولي تزويجها، لأن ذلك من
أعظم مصالحها كالمداواة. (ولو لم يكن لها) أي المجنونة ذات الشهوة ونحوها. (ولي إلا
الحاكم زوجها) لما سبق، (وإن احتاج الصغير العاقل، أو) احتاج (المجنون المطبق البالغ إلى
النكاح)، أي الوطئ (أو) لحاجة (غيره) كخدمة (زوجهما الحاكم بعد الأب والوصي) أي مع
عدمهما. لأنه الذي ينظر في مصالحهما إذن، وتقدم حكم من يخنق في بعض الأحيان، (ولا
يملك ذلك) أي تزويج الصغير والمجنون (بقية الأولياء)، وهم من عدا الأب ووصيه
والحاكم. لأنه لا نظر لغير هؤلاء في مالهما ومصالحهما المتعلقة به. (وإن لم يحتاجا) أي
47

الصغير والمجنون (إليه)، أي إلى النكاح (فليس له) أي الحاكم (تزويجهما)، لأنه إضرار بهما
بلا منفعة، (وليس لسائر الأولياء) أي من عدا الأب ووصيه الذي نص له عليه. (تزويج
صغيرة لها دون تسع سنين بحال)، أي في حال من الأحوال. لما روي: أن قدامة بن مظعون
زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر، فرفع ذلك للنبي (ص) فقال: إنها يتيمة ولا تنكح إلا
بإذنها. والصغيرة لا إذن لها بحال. (ولا للحاكم تزويجها) أي بنت دون تسع سنين كغيره
، (خلافا لما في الفروع). قال وعنه: لهم تزويجها كالحاكم (فإنه) أي صاحب الفروع (لم
يوافق) بالبناء للمفعول (عليه)، أي على ما أفهمه كلامه من أن للحاكم تزويج الصغيرة. وإن
منعنا غيره من الأولياء. قال في الانصاف: ولا أعلم له موافقا على ذلك، بل صرح في
المستوعب والرعاية وغيرهما بغير ذلك، ونص عليه أحمد، ومع ذلك له وجه. لأنه أعلم
بالمصالح من غيره من الأولياء، لكنه يحتاج إلى موافق، ولعله كالأب فسبق العلم. وكذا
قال شيخنا وابن نصر الله. وذكر شيخنا أنه ظاهر كلام القاضي في المجرد. (ولهم) أي سائر
الأولياء (تزويج بنت تسع) سنين (فأكثر بإذنها. ولها إذن صحيح معتبر نصا)، لما روى
أحمد بسنده إلى عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة، وروي مرفوعا عن ابن
عمر، ومعناه: في حكم المرأة. ولأنها تصلح بذلك للنكاح وتحتاج إليه. أشبهت البالغة
(وإذن الثيب الكلام) لقوله (ص): الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها رواه
الأثرم وابن ماجة. (وهي) أي الثيب (من وطئت في القبل) لا في الدبر (بآلة الرجال) لا بآلة
غيرها، (ولو) كانت وطئت (بزنا) لأنه لو وصى للثيب دخلت في الوصية. ولو وصى للأبكار
لم تدخل فيهن. (وحيث حكمنا بالثيوبة) بأن وطئت في القبل بآلة رجل، (وعادت البكارة لم
يزل حكم الثيوبة) لأن الحكمة التي اقتضت التفرقة بينها وبين البكر مباضعة الرجال
ومخالطتهم، وهذا موجود مع عود البكارة. (وإذن البكر الصمات ولو زوجها غير الأب) لما
روى أحمد بسنده عن أبي هريرة مرفوعا: تستأمر اليتيمة في نفسها. فإن سكتت فهو إذنها.
48

وإن أبت لم تكره. وعن عائشة أنها قالت: يا رسول الله، إن البكر تستحي قال:
رضاها صماتها متفق عليه. (وإن ضحكت أو بكت ف‍) - ذلك ك‍ (- سكوتها)، لما روى
أبو بكر بإسناده عن أبي هريرة، قال، قال رسول الله (ص): تستأمر اليتيمة، فإن بكت أو سكتت
فهو رضاها وإن أبت فلا جواز عليها. ولأنها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها
للاستئذان. فكان ذلك إذنا منها. (ونطقها) أي البكر (أبلغ) من سكوتها وضحكها وبكائها.
لأنه الأصل في الاذن. وإنما اكتفى بالصمات من البكر للاستحياء. (فإن أذنت) البكر نطقا
(فلا كلام. وإن لم تأذن) البكر نطقا (استحب أن لا يجبرها) على النطق. واكتفى بكسوتها
إن لم تصرح بالمنع. فلا يجبرها غير الأب ووصيه كما تقدم. (وزوال البكارة بإصبع أو
وثبة أو شدة حيضة ونحوه) كسقوط من شاهق، (لا يغير صفة الاذن) فلها حكم البكر في
الاذن، لأنها لم تخبر المقصود. ولا وجد وطؤها في القبل فأشبهت من لم تزل عذرتها
(وكذا وطئ دبر) ومباشرة دون الفرج، لأنها غير موطوءة في القبل. (ويعتبر في الاستئذان
تسمية الزوج على وجه تقع معرفتها)، أي المرأة (به) أي الزوج بأن يذكر لها نسبه ومنصبه
ونحوه، لتكون على بصيرة في إذنها في تزويجه لها. (ولا يشترط) في استئذان (تسمية
المهر) لأنه ليس ركنا في النكاح ولا مقصودا منه.
قلت: ولا يشترط أيضا اقترانه بالعقد، فتقدم الخطبة والاهداء ونحوه إذا استؤذنت مع
سكوتها، وإن كانت بكرا دليل إذنها. (ولا) يشترط أيضا (الشهادة بخلوها عن الموانع الشرعية)
عملا بالظاهر. والعبرة في العقود بما في نفس الامر. (ولا) يشترط أيضا (الاشهاد على إذنها)
، لوليها أن يزوجها ولو غير مجبرة لما تقدم. (والاحتياط الاشهاد) على خلوها من الموانع
وعلى إذنها لوليها إن اعتبر احتياطا. (وإن ادعى زوج إذنها) في التزويج للولي. (وأنكرت)
الاذن له (صدقت قبل الدخول)، لأن الأصل عدمه، و (لا) تصدق (بعده) أي بعد الدخول،
لأن تمكينها من نفسها دليل إذنها، فلم تقبل دعواها عدم الإذن بعد لمخالفتها الظاهر. (وإن
49

ادعت) من مات العاقد عليها (الاذن) لوليها في تزويجها له، (فأنكرت) ورثته أن تكون أذنت
(صدقت)، لأنها تدعي صحة العقد وهم يدعون فساده. فقدم قولها عليهم لموافقته الظاهر
في العقود. وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده، فيتقرر الصداق وترث منه. (ومن ادعى
نكاح امرأة فجحدته) فقولها: لأنها منكرة والبينة على المدعي. (ثم) إن (أقرت له) بعد
جحودها (لم تحل له) بنفس الاقرار حيث لم تكن زوجة له. سواء صالحها عن ذلك
بعوض أو لا. لأنه صلح أحل حراما (إلا بعقد جديد) مع خلوها عن الموانع. وباقي شروطه
وإن كانت زوجته في الباطن فإنكارها لا أثر له. وتحل له ويحصل التوارث بينهما. كما
ذكره هو وغيره في مواضع تقدم بعضها. وتأتي بقيتها. (فإن أقر الولي عليها) بالنكاح بأن أقر
أنه زوجها من المدعي، وأنكرت (وكان الولي ممن يملك إجبارها) كأبي البكر ووصيه في
النكاح، (صح إقراره) لأن من ملك إنشاء عقد ملك الاقرار به، (وإلا) بأن لم يكن الولي مجبرا
كالجد والعم والأخ، (فلا) يقبل قوله عليها لأنه، إقرار على الغير ما لم تقر بالاذن له والله
أعلم.
فصل
الشرط الثالث: الولي فلا يصح نكاح إلا بولي
لما روى أبو موسى الأشعري أن النبي (ص) قال: لا نكاح إلا بولي رواه الخمسة،
وصححه ابن المديني. وقال المروزي: سألت أحمد ويحيى عن حديث: لا نكاح إلا
بولي فقالا: صحيح وهو لنفي الحقيقة الشرعية. بدليل ما روى سليمان بن موسى عن
الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله (ص): أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها
فنكاحها باطل باطل باطل. فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها. فإن اشتجروا
50

فالسلطان ولي من لا ولي له، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. لا يقال: يمكن
حمل الرواية الأولى على نفي الكمال، لأن كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية، أي لا
نكاح شرعي أو موجود في الشرع إلا بولي. ولا يقال: الثاني أيضا يدل على صحته بإذن
الولي، وأنتم لا تقولون به مع أن قوله تعالى: * (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) (البقرة:
232) يدل على صحة نكاحها لنفسها. لأنه إضافة إليهن ولأنه خالص حقها. فصح منها
كبيع أمتها. لأنه خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له. لأن الغالب أن المرأة إنما تزوج نفسها
بغير إذن وليها. وأما الآية فالنهي عن العضل عم الأولياء. ونهيهم عنه دليل على
اشتراطهم. إذ العضل لغة المنع. وهو شامل للعضل الحسي والشرعي. ثم الآية نزلت في
معقل بن يسار، حين امتنع من تزويج أخته، فدعاه النبي (ص) فزوجها. ولو لم يكن لمعقل ولاية
وأن الحكم متوقف عليه لما عوتب عليه. والإضافة إليهن فلأنهن محل له. (فلو زوجت)
امرأة (نفسها أو) زوجت (غيرها) كأمتها وبنتها وأختها ونحوها، (أو وكلت) امرأة (غير وليها
في تزويجها، ولو بإذن وليها فيهن)، أي في الصور الثلاث المذكورة، (لم يصح) النكاح لعدم
وجود شرطه. ولأنها غير مأمونة على البضع لنقص عقلها وسرعة انخداعها. فلم يجز
تفويضه إليها كالمبذر في المال. وإذا لم يصح أن توكل فيه، ولا أن تتوكل فيه. وروي هذا
عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة. (فإن حكم بصحته حاكم) لم
ينقض، (أو كان المتولي العقد حاكما) يراه (لم ينقض وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة) إذا
حكم بها من يراها لم ينقض. لأنه يسوغ فيها الاجتهاد فلم يجز نقص الحكم بها. (كما لو
حكم بالشفعة للجار) ونحوه مما للاجتهاد فيه مساغ. وليس فيه مخالفة قاطع على ما يأتي
تفصيله في القضاء، وهذا النص متأول. وفي صحته كلام، وقد عارضه ظواهر. (ويزوج
أمتها بإذنها) أي المالكة (بشرط نطقها) أي المالكة (به) أي بالاذن (من يزوجها)، أي المالكة
من أب وجد وأخ وعم ونحوهم. لأن مقتضى الدليل كون الولاية للمالكة. فامتنعت في
حقها لقصورها، فتثبت لأوليائها كولاية نفسها. ولأنهم يلونها لو عتقت، ففي حال رقها أولى
(ولو) كانت المالكة (بكرا) فلا بد من نطقها بالاذن، لأن صماتها إنما اكتفى به في تزويجها
نفسها لحيائها. ولا تستحيي في تزويج أمتها. (إن كانت) المالكة (غير محجور عليها) لحظ
51

نفسها، (وإلا) بأن كانت محجورا عليها لصغر أو سفه أو جنون، (فيزوج أمتها وليها في مالها)
من أب أو وصية أو حاكم أو قيمة فقط، (إن كان الحظ في تزويجها) لأن التزويج تصرف
في المال والأمة مال، ولا إذن للمالكة إذن. (وكذلك الحكم في أمة ابنه الصغير) أو
المجنون أو السفيه فيزوجها أبوه لمصلحة كما تقدم. فإن لم يكن أب فوصيه ثم الحاكم ثم
قيمه. (ويجبرها من يجبر سيدتها) أن حمل ذلك على الأمة كما هو صريح كلامه فلا مفهوم
له. والمعنى أنه يزوج الأمة بلا إذنها ولي لسيدتها بإذن سيدتها، كما تقدم إن لم تكن
محجورا عليها، وإلا زوجها وليها في مالها، وإن كان مراده يجبر العتيقة من يجبر مولاتها كما
في المنتهى وغيره، فمعناه أن أبا المعتقة يجبر عتيقة ابنته البكر. قال الزركشي: وهو
بعيد، وقال عن عدم الاجبار: إنه الصحيح المقطوع به عند الشيخين وغيرهما.
قال في الانصاف: وهو كما قال في الكبيرة، يعني إذا كانت العتيقة كبيرة لا
إجبار، بخلاف الصغيرة التي لم يتم لها تسع سنين، ولذلك اقتصر على التمثيل بها في
شرح المنتهى. (ويزوج معتقتها) أي عتيقة المرأة (عصبة المعتقة) بفتح التاء بضبط
المصنف (من النسب) كأبيها وابنها وأخيها ونحوهم، لأن عصبة النسب مقدمة على عصبة
الولاء. (فإن عدم) عصبتها من النسب، (فأقرب ولي لسيدتها المعتقة) يزوج العتيقة (بإذنها)
أي العتيقة لأنهم عصبات يرثون ويعقلون فكذلك يزوجون. وظاهر كلامه هنا الاجبار
وصرح به الشارح. قال: وليس له ولاية إجبار لأنه أبعد العصبات، وتقدم ما فيه. (فإن
اجتمع ابن المعتقة وأبوها فالابن أولى) بتزويج عتيقة أمه لأنه أقرب، والأب إنما قدم
في نكاح ابنته لزيادة شفقته. (ولا إذن) يعتبر (لسيدتها) أي المعتقة في تزويجها لأنه لا
ولاية لها ولا ملك. (وأحق الناس) الذين لهم ولاية النكاح (بنكاح المرأة الحرة أبوها)
لأن الولد موهوب لأبيه. قال تعالى: * (ووهبنا له يحيى) *. وقال إبراهيم
* (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) * وقال (ص)
52

: أنت ومالك لأبيك. وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس. ولان الأب
أكمل شفقة أتم نظرا بخلاف الميراث، بدليل أنه يجوز أن يشتري لها من ماله وله من
مالها. (ثم أبوه وإن علا) لأن الجد له إيلاد وتعصيب. أشبه الأب. (وأولى الأجداد أقربهم)
كالميراث (ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل) بتثليث الفاء لما تقدم في الميراث. وللابن ولاية نص
عليه في رواية جماعة. لحديث أم سلمة: أن النبي (ص) أرسل إليها، فقالت: ليس أحد من
أوليائي شاهدا. فقال النبي (ص): ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك رواه
أحمد والنسائي. فدل على أن لها وليا شاهدا أي حاضرا. ويحتمل أنها ظنت أن ابنها عمر لا
ولاية له لصغره، فإنه (ص) تزوجها سنة أربع، وقال ابن الأثير: كان عمره حين وفاته (ص) تسع
سنين. وأنه ولد سنة اثنين من الهجرة، وعلى هذا يكون عمره حين التزويج سنتين، انتهى.
وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج النبي (ص) أمه أم
سلمة أليس كان صغيرا؟ قال: ومن يقول كان صغيرا؟ أليس فيه بيان؟. (ثم أخوها) لأبويها
كالميراث، (ثم) أخوها (لأبيها) كالإرث، (ثم بنوهما كذلك)، فيقدم ابن الأخ لأبوين على ابن
الأخ لأب كالميراث، ثم بنوهما كذلك. (وإن نزلوا) كالإرث، (ثم العم لأبوين ثم) العم،
(لأب، ثم بنوهما كذلك، وإن نزلوا) الأقرب فالأقرب. (ثم أقرب العصبات على ترتيب
الميراث)، لأن الولاية مبناها على النظر والشفقة ومظنة ذلك القرابة، والأحق بالميراث هو
الأقرب فيكون أحق بالولاية.
قال ابن هبيرة: اتفقوا على أن الولاية في النكاح لا تثبت إلا لمن يرث بالتعصيب،
على هذا لا يلي بنو أب أعلى مع بني أبي أقرب منه، وإن نزلت درجتهم. وأولى ولد كل أب
أقربهم إليه لا نعلم فيه خلافا. (فإذا كان ابنا عم أحدهما أخ لام، فكأخ لأبوين وأخ لأب) أي
فيقدم ابن العم الذي هو أخ من أم على مقتضى كلام القاضي والشارح وطائفة. وقال
53

الموفق: هما سواء لأنهما استويا في التعصيب والإرث به، وجهة الام يورث بها منفردة، فلا
ترجيح بها. فعلى هذا لو اجتمع ابن عم الأبوين وابن عم لأب هو أخ من أم، فالولاية لابن
العم من الأبوين. (ثم المولى المنعم) بالعتق. لأنه يرثها ويعقل عنها عند عدم عصبتها من
النسب، فكان له تزويجها، (ثم أقرب عصباته) فأقربهم على ترتيب الميراث، ثم مولى المولي
ثم عصباته كذلك، ثم مولى مولى المولى ثم عصباته كذلك. (ويقدم هنا ابنه وإن نزل على
أبيه)، لأنه أحق بالميراث وأقوى في التعصيب. وإنما قدم أب النسب بزيادة شفقته وفضيلة
ولادته، وهذا معدوم في أب المعتق فرجع فيه إلى الأصل. (ثم السلطان) لما تقدم من قوله
(ص): فالسلطان ولي من لا ولي لها (وهو) أي السلطان (الامام) الأعظم (أو) نائبه
(الحاكم، ومن فوضا إليه) الأنكحة، ومقتضاه أن الأمير لا يزوج وهو مقتضى نص الامام في
رواية أبي طالب القاضي، يقضي في التزوج والحقوق والرجم. وصاحب الشرط إنما هو
مسلط في الأدب والجناية، وليس إليه المواريث والوصايا والفروج والرجم والحدود، وهو
إلى القاضي أو إلى الخليفة الذي ليس بعده شئ. وقال في رواية المروزي في الرستاق يكون
فيه المولى وليس فيه قاض: يزوج إذا احتاط لها في المهر والكف ء أجوز أن لا يكون به
بأس، وحمله القاضي على أنه مأذون له في التزويج لما تقدم. وقال الشيخ تقي الدين: الأظهر
حمل كلامه على ظاهره عند تعذر القاضي، لأنه موضع ضرورة. وإليه ميل الشرح وهو
معنى ما جزم به المصنف فيما يأتي. (ولو) كان الامام أو الحاكم (من بغاة إذا استولوا على
بلد) لأنه يجري فيه حكم سلطانهم وقاضيهم، مجرى حكم الامام وقاضيه. وإذا ادعت
المرأة خلوها من الموانع، وأنها لا ولي لها زوجت، ولو لم يثبت ذلك ببينة. ذكره الشيخ تقي
الدين واقتصر عليه في الفروع. (ومن حكمه الزوجان) بينهما، (وهو صالح للحكم كحاكم)
مولى من قبل الامام أو نائبه، لما يأتي في القضاء. (ولا ولاية لغير العصبات) النسبية والسببية
من (الأقارب، كالأخ من الام والخال وعم الام وأبيها ونحوهم) لقول علي رضي الله عنه
: إذا بلغ النساء نص الحقائق فما لعصبة أولى يعني إذا أدركني. رواه أبو عبيد في الغريب.
ولان من ليس يعصبها شبيه بالأجنبي منها. وفي نسخة: لغير العصبات والأقارب وما وقع
54

عليه الحل أولى. وقوله: من الأقارب صفة لغير العصبات، أو حال، وعلى كل منهما مفهومه
ليس مرادا بل عصبة الولاء أيضا لها الولاية، لكنها المؤخرة عن عصبة النسب كما تقدم. (ولا)
ولاية (لمن أسلمت) المرأة (على يديه) ولا لملتقط لأنه لا نسب ولا ولاء لحديث: الولاء
لمن أعتق. (فإن عدم الولي مطلقا) بأن لم يوجد أحد ممن تقدم (أو عضل) وليها، ولم
يوجد غيره، (زوجها ذو سلطان في ذلك المكان كوالي البلد أو كبيره، أو أمير القافلة ونحوه)،
لأن له سلطنة. (فإن تعذر) ذو سلطان في ذلك المكان (زوجها عدل بإذنها قال) الامام (أحمد
في دهقان قرية) بكسر الدال وتضم، ودهقن الرجل وتدهقن كثر ماله. قاله في الحاشية، أي
(رئيسها يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر، إذا لم يكن في الرستاق (3)
قاض)، لأن اشتراط الولاية في هذه الحالة يمنع النكاح بالكلية. فلم يجز كاشتراط كون
الولي عصبة في حق من لا عصبة لها. (وإن كان في البلد حاكم وأبى التزويج إلا بظلم كطلبه
جعلا لا يستحقه) إما لأن يكون له في بيت المال ما يكفيه أو طلب زيادة على جعل مثله،
(صار وجوده) أي الحاكم (كعدمه). قال الشيخ تقي الدين: ووجهه ظاهر. (وولى أمة ولو)
كانت (آبقة سيدها) المكلف الرشيد، لأنه عقد على منافعها، وكان إليه كالإجارة. (ولو) كان
سيدها (فاسقا أو مكاتبا) لأن تزويجه إياها تصرف في ماله. فصح ذلك منه كبيعه، لكن لا
يزوجها المكاتب إلا بإذن سيده كما تقدم في الكتابة. (فإن كان لها سيدان اشتركا في
الولاية، وليس لواحد منهما الاستقلال بها)، أي بالولاية عليها (بغير إذن صاحبه)، كما لا
يبيعها ولا يؤجرها بغير إذنه، ولا يتأتى تزويج نصيبه، لأنه لا ينتقص (فإن اشتجرا) أي سيدا
الأمة في تزويجها، (لم يكن للسلطان ولاية)، لأنها مملوكة لمكلف رشيد حاضر، ولا ولاية
55

عليه لاحد (فإن أعتقاها) معا، أو أخر واحد بعد واحد الأول معسر (وليس لها عصبة)
من النسب، (فهما ولياها) يزوجانها بإذنها ولو تفاوتا في العقد (فإن اشتجرا أقام الحاكم
مقام الممتنع منها) لأنها صارت حرة، وصار نكاحها حقا لها، ولا يستقل الآخر به، لان
ولايته سببها العتق، وهو إنما أعتق بعضها (وإن كان المعتق أو) كانت (المعتقة واحدا
وله عصبتان كالابنين والأخوين فلأحدهما الاستقلال بتزويجها) بإذنها، كالابنين والأخوين
من النسب، لأن الولاء لا يورث، وإنما زوج بكونه عصبة للمعتق، ولا ينقص في ذلك
بخلاف المعتقين وعصبتهما. (ولا تزول الولاية بالاغماء) لقصر مدته عادة كالنوم، (ولا)
تزول الولاية أيضا ب‍ (العمى)، لأن الأعمى أهل للشهادة والرواية، فكان من أهل الولاية
كالبصير (ولا) تزول الولاية أيضا (بالسفه)، لأن رشد المال غير معتبر في النكاح (وإن
جن) الولي (أحيانا أو أغمي) عليه، (أو نقص عقله) أي الولي (بنحو مرض) يرجى زواله
، (أو أحرم) الولي بحج أو عمرة، (انتظر زوال ذلك) لأن مدته لا تطول عادة، (ولا
ينعزل وكيلهم بطريان ذلك)، أي ما ذكر من الجنون أحيانا والاغماء ونقص العقل
بالمرض المرجو زواله، والاحرام، لأنه لا ينافي الولاية وأما الخرص فإن منع فهم
الإشارة أزال الولاية، وإن لم يمنعها لم تزل الولاية، لأن الأخرس يصح تزويجه، فصح
تزويجه كالناطق.
فصل
ويشترط في الولي سبعة شروط
أحدها: (حرية)، أي كما لها لأن العبد والمبعض لا يستقلان بالولاية على أنفسهما
فعلى غيرهما أولى، (إلا مكاتبا يزوج أمته) بإذن سيده، وتقدم (و) الثاني: (ذكورية) لأن المرأة
لا يثبت لها ولاية على نفسها، فعلى غيرها أولى. (و) الثالث: (اتفاق دين) الولي
والمولى عليها، فلا يزوج كافر مسلمة ولا عكسه.
قال في الاختيارات: لو كانت المرأة يهودية ووليها نصراني أو بالعكس فينبغي أن
56

يخرج على الروايتين في توارثهما، وجزم بمعناه في شرح المنتهى. قال: ولا لنصراني ولاية
على مجوسية، ونحو ذلك لأنه لا توارث بينهما بالنسب. (سوى ما يأتي قريبا) من أن أم ولد
الكافر إذا أسلمت يزوجها، والمسلم يزوج أمته الكافرة، والسلطان يزوج كافرة لا ولي لها. (و)
الرابع: (بلوغ و) الخامس: (عقل)، لأن الولاية يعتبر لها كمال الحال، لأنها تفيد التصرف في
حق غيره، وغير المكلف مولى عليه لقصوره، فلا تثبت له ولاية كالمرأة. (و) السادس: (عدالة)
لما روي عن ابن عباس: لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد.
قال أحمد: أصح شئ في هذا قول ابن عباس، وروي عنه مرفوعا: لا نكاح إلا بولي
وشاهدي عدل، وأيما امرأة نكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل. وروى البرقاني
بإسناده عن جابر مرفوعا: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل لأنها ولاية نظرية فلا يستبد بها
الفاسق كولاية المال. (ولو) كان الولي عدلا (ظاهرا) فيكفي مستور الحال، لأن اشتراط
العدالة ظاهرا وباطنا حرج ومشقة، ويفضي إلى بطلان غالب الأنكحة، (إلا في سلطان) يزوج
من لا ولي لها، فلا تشترط عدالته للحاجة. (و) إلا في (سيد) يزوج أمته فلا تشترط عدالته
، لأنه تصرف في أمته أشبه ما لو أجرها. (و) السابع: (رشد) لما تقدم عن ابن عباس، (وهو)
أي الرشد هنا (معرفة الكفء ومصالح النكاح وليس هو حفظ المال، لأن رشد كل مقام
بحسبه، قاله الشيخ) وهو معنى ما اشترطه في الواضح من كونه عالما بالمصالح لا شيخا
كبيرا جاهلا بالمصلحة،
وقال القاضي وابن عقيل وغيرهما: (ويقدم) الولي (أصلح الخاطبين) لموليته، لأنه
أحظ لها. (وفي النوادر وينبغي أن يختار لموليته شابا حسن الصورة)، لأن المرأة يعجبها من
الرجل ما يعجبه منها. (فإن كان الأقرب ليس أهلا) للولاية (كالطفل) يعني من لم يبلغ
(والعبد والكافر والفاسق) ظاهر الفسق، (والجنون المطبق والشيخ إذا أفند) أي ضعف في
العقل والتصرف.
قال في القاموس: الفند بالتحريك إنكار العقل لهرم أو مرض، والخلط في القول
57

والرأي والكذب كالافناد، ولا تقل عجوز مفندة، لأنها لم تكن ذات رأي أبدا. (أو عضل
الأقرب زوج الأبعد) يعني من يلي الأقرب من الأولياء، لأن الولاية لا تثبت للأقرب مع
اتصافه بما تقدم، فوجوده كعدمه، ولتعذر التزويج من جهة الأقرب بالعضل جعل كالعدم
كما لو جن فإن عضل الأبعد أيضا زوجها الحاكم لقوله (ص): فإن اشتجروا فالسلطان ولي
من لا ولي لها، (والعضل منعها أن تتزوج بكفء إذا طلبت ذلك ورغب كل منهما في
صاحبه) بما صح مهرا، (ولو) كان (بدون مهر مثلها) يقال: داء عضال إذا أعيا الطبيب دواؤه،
وامتنع عليه. (قاله الشيخ. ومن صور العضل) المسقط لولايته (إذا امتنع الخطاب لشدة الولي
، انتهى) لكن الظاهر أنه لا حرمة على الولي هنا لأنه ليس له فعل في ذلك. (ويفسق) الولي
(بالعضل إن تكرر منه) لأنه صغيرة، وفيه ما أشرنا إليه في الحاشية. (وإن غاب) الولي (غيبة
منقطعة ولم يوكل) من يزوج (زوج) الولي (الأبعد) دون السلطان لقوله (ص): السلطان ولي
من لا ولي لها وهذه لها ولي (ما لم تكن أمة) غاب سيدها (فيزوجها الحاكم) لأن له
نظرا في مال الغائب. (ويأتي في نفقة المماليك) بأتم من هذا، (وهي) أي الغيبة المنقطعة (ما
لا تقطع إلا بكلفة ومشقة) نص عليه في رواية عبد الله. قال الموفق: وهذا أقرب إلى
الصواب، فإن التحديد بابه التوقيف ولا توقيف. (وتكون) الغيبة المنقطعة (فوق مسافة
القصر) لأن من دون ذلك في حكم الحاضر (وإن كان الأقرب أسيرا أو محبوسا في مسافة
قريبة لا تمكن مراجعته أو تتعذر) أي تتعسر مراجعته فزوج الأبعد صح، لأنه صار كالبعيد. (أو
كان) الأقرب (غائبا لا يعلم) محله (أقريب هو أم بعيد)؟ فزوج الأبعد صح، (أو علم أنه)
أي الأقرب (قريب) المسافة، (ولم يعلم مكانه) فزوج الأبعد صح، لتعذر مراجعته (أو كان)
الأقرب (مجهولا لا يعلم أنه عصبة) للمرأة (فزوج الأبعد) الذي يليه (صح) التزويج
استصحابا للأصل، (ثم إن علم العصبة) بعد العقد وكان غير معلوم حينه لم يعد العقد. (و)
58

إن (زال المانع) بعد العقد، بأن بلغ الصغير أو عقل المجنون ونحوه (لم يعد العقد)، وكذا
إن قام بالأقرب مانع أو كان غير أهل، ثم زال وعاد أهلا، ولم يعلم ذلك حين العقد فزوج
الأبعد لم يعد العقد. (وكذا لو زوجت بنت ملاعنه) بعد أن نفاها أبوها باللعان، (ثم استلحقها
أب) لم يعد العقد استصحابا للأصل في ذلك كله.
قال الشيخ تقي الدين في المسودة: قد يقال حكم تزويجها حكم سائر الأحكام
المتعلقة بالنسب تلك المدة، من العقل والإرث وغير ذلك. (ولا يلي كافر نكاح مسلمة ولو
بنته)، لأنه لا يرثها (إلا إذا أسلمت أم ولده ومكاتبته ومدبرته فيليه) أي يلي نكاحها
(ويباشره)، كما يؤجرها لأنه تصرف في ملكه لكنه في المكاتبة والمدبرة مبني على أنه لا
يجبر على بيعهما أو نحوه. والمذهب أنهما لا يبقيان بملكه لصحة بيعهما بخلاف أم الولد.
ولذلك اقتصر في المنتهى وغيره على أم الولد (ويلي كتابي نكاح موليته الكتابية) فيزوجها
(من مسلم وذمي ويباشره)، لأنه ولي مناسب لها فجاز له العقد عليها ومباشرته. (ويشترط فيه
شروط) من البلوغ والعقل والذكورة والعدالة في دينه والرشد وغيرها مما تقدم. (ولا يلي
مسلم نكاح كافرة) كما لا يرثها (إلا سيد أمة) مسلم يزوج أمته الكافرة لما تقدم. (أو ولي
سيدتها) أي سيد الأمة الكافرة على ما تقدم تفصيله، لأنها مال، فأشبه نكاحها إجارتها (أو
يكون المسلم سلطانا، فله تزويج ذمية لا ولي لها) لعموم قوله (ص): السلطان ولي من لا
ولي لها (وإذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب) لم يصح النكاح، ولو أجازه الأقرب
لأن الأبعد لا ولاية له مع الأقرب أشبه ما لو زوجها أجنبي (أو زوج أجنبي) ولو حاكما
مع وجود ولي (لم يصح) النكاح، (ولو أجازه الولي) لفقد شرطه، وهو الولي (ولو تزوج
الأجنبي لغيره بغير إذنه، أو زوج الولي موليته التي يعتبر إذنها) كأخته (بغير إذنها) لم يصح
59

(أو تزوج العبد بغير إذن سيده لم يصح ولو أجازه) بعد العقد لقوله (ص): إذا تزوج العبد بغير
إذن سيده فهو عاهر وفي لفظ: فنكاحه باطل ولأنه نكاح لم تثبت أحكامه من الطلاق
والخلع والتوارث، فلم ينعقد كنكاح المعتدة. (وهو نكاح الفضولي، فإن وطئ) الزوج فيه (فلا
حد) عليه، لأنه نكاح مختلف فيه، والحدود تدرأ بالشبهات.
فصل
ووكيل كل واحد من هؤلاء الأولياء
مجبرا كان أو غيره، (يقوم مقامه وإن كان) الولي (حاضرا)، لأنه عقد معاوضة فجاز
التوكيل فيه كالبيع، وقياسا على توكيل الزوج، لأنه روي: أنه (ص) وكل أبا رافع في تزويجه
ميمونة ووكل عمرو بن أمية الضمري في تزويجه أم حبيبة. (والولي ليس بوكيل للمرأة)
لأنه لم تثبت ولايته من جهتها. (ولو كان) الولي (وكيلا) عنها (لتمكنت من عزله) كسائر
الوكلاء، وإنما إذنها حيث اعتبر شرط لصحة تصرفه أشبه ولاية الحاكم عليها، وحيث تقرر
أنه ليس وكيلا عنها. (فله توكيل) من يوجب نكاحها (بغير إذنها وقبل إذنها له)، أي وليها في
تزويجها، وإن لم تكن مجبرة، (ولا يفتقر) توكيله (إلى حضور شاهدين)، لأنه إذن من الولي
في التزويج، فلا يفتقر إلى إذن المرأة ولا الاشهاد عليه كإذن الحاكم. (ويثبت له) أي للوكيل
(ما يثبت لموكل حتى في الاجبار) لأنه نائبه. وكذا الحكم في السلطان والحاكم يأذن
لغيره في التزويج. (لكن لا بد من إذن) امرأة (غير مجبرة لوكيل) وليها أن يزوجها، (فلا يكفي
إذنها لوليها بالتزويج) من غير مراجعة وكيل لها وإذنها له بعد توكيلها، قاله في التنقيح. (ولا)
يكفي إذنها لوليها (بالتوكيل من غير مراجعة الوكيل لها، وإذنها له بعد توكيله فيما يظهر)، قاله
في التنقيح، جزم به في المنتهى، لأنه قبل أن يوكله الولي أجنبي، وبعد توكيله ولي.
60

قلت: فيؤخذ منه لو أذنت للأبعد أن يزوجها مع أهلية الأقرب ثم انتقلت الولاية للأبعد فلا
بد من مراجعته لها بعد انتقال الولاية إليه. (ولو وكل ولي) غير مجبر في نكاح موليته (ثم
أذنت) المرأة (للوكيل) أن يزوجها (صح) ذلك. (ولو لم تأذن للولي) أن يزوجها أو أن
يوكل لأنه ليس وكيلا عنها. (وهو في كلامهم) قاله في التنقيح. وجزم به في المنتهى (1)
وغيره. (ويشترط في وكيل ولي ما يشترط في الولي من العدالة وغيرها) كالرشد والذكورة
والبلوغ والعقل واتحاد الدين لأنها ولاية فلا يصح أن يباشرها غير أهلها ولأنه لما لم
يملك تزويج مناسبته فلان لا يملك تزويج مولية غيره بالتوكيل أولى. (ولا يشترط في
وكيل الزوج عدالته) فيصح توكيل فاسق في قبوله، لأن الفاسق يصح قبوله النكاح لنفسه
فصح قبوله لغيره. وكذا لو وكل كل مسلم نصرانيا في قبول نكاح نصرانية لصحة قبول ذلك
لنفسه. (ويصح توكيله) أي الولي في إيجاب النكاح توكيلا (مطلقا) وإذنها لوليها في
العقد مطلقا (كقول المرأة لوليها) زوج من شئت أو من ترضاه. (و) قول (الولي لوكيله:
زوج من شئت أو من ترضاه) روي: أن رجلا من العرب ترك ابنته عند عمر، وقال: إذا
وجدت كفؤا فزوجه ولو بشراك نعله، فزوجها عثمان بن عفان، فهي أم عمرو بن
عثمان واشتهر ذلك فلم ينكر وكالتوكيل في البيع ونحوه (ويتقيد الولي) إذا أذنت له أن
يزوجها وأطلقت بالكف ء (و) يتقيد (وكيله المطلق بالكف ء) ظاهره، وإن لم يشترط. وقال
في الترغيب: إن اشترط واقتصر عليه في المبدع وغيره، ولعل ما ذكره المصنف أولى
، لأن الاطلاق يحمل على ما لا نقيصة فيه. (وليس للوكيل) أن يتزوجها لنفسه، كالوكيل في
البيع يبيع لنفسه، (ولا للولي) إذا أذنت له المرأة أن يزوجها وأطلقت (أن يتزوجها لنفسه)
لأن إطلاق الاذن يقتضي تزويجها غيره، قطع به في الشرح والمبدع في آخر تولي
61

طرفي العقد. وقال في الانصاف: وأما من ولايته بالشرع كالولي والحاكم وأمينه، فله أن
يزوج نفسه، ولو قلنا ليس لهم أن يشتروا من المال. ذكره القاضي في خلافه، وألحق
الوصي بذلك. قال في القواعد الفقهية والأصولية: وفيه نظر، فإن الوصي يشبه الوكيل
لتصرفه بالاذن، قال: وسواء في ذلك اليتيمة وغيرها، صرح به القاضي في ذلك. وذلك حيث
يكون لها إذن معتبر. (ويجوز) للوكيل المطلق وللولي إذا أذنت له أن يزوجها، وأطلقت أن
يزوجها، (لولده) ووالده وأخيه ونحوهم، إذا كان كفؤا لتناول اللفظ لهم. وهذا بخلاف
الوكيل في البيع ونحوه، فإنه لا يبيع لمن ترد شهادته له، لأنه متهم لأن الثمن ركن في
البيع بخلاف الصداق. (و) يصح توكيله (مقيدا كزوج فلانا بعينه)، فلا يزوج من غيره
لقصور ولايته. (ويشترط) لصحة النكاح (قول ولي) لوكيلي زوج (أو قول وكيله) أي
الولي (لوكيل زوج زوجت فلان) بنت فلانة وينسبها (فلانا) ابن فلان وينسبه ولم ينسبه
على ذلك هنا للعلم به مما سبق من اشتراط تعيين الزوجين. (أو) قوله: (زوجت موكلك
فلانا) ابن فلا (فلانة) بنت فلان، (ولا يقول) الولي ولا وكيله لوكيل الزوج (زوجتها منك)
وأنكحتكها، (و) يشترط أن (يقول وكيل زوج: قبلته لفلان) ابن فلان وينسبه، (أو) قبلته
(لموكلي فلان) ابن فلان، فإن لم يقل كذلك لم يصح بخلاف البيع ونحوه. (ووصى كل
واحد من الأولياء في النكاح بمنزلته) لقيامه مقامه، (فتستفاد ولاية النكاح بالوصية، إذا نص
له على التزويج، مجبرا كان الولي كأب أو غير مجبر كأخ) لغير أم، وكذا عم وابنه لأنها
ولاية ثابتة للولي، فجازت وصيته بها كولاية المال، ولأنه يجوز أن يستنيب فيها في حياته
ويكون نائبه قائما مقامه، فجاز أن يستنيب فيها بعد موته (قال ابن عقيل: صفة الايصاء أن
يقول الأب لمن اختاره: أوصيت إليك بنكاح بناتي أو جعلتك وصيا في نكاح بناتي، كما
يقول في المال: وصيت إليك بالنظر في أموال أولادي، فيقوم الوصي مقامه) أي مقام
الموصي (مقدما) الوصي (على من يقدم عليه الموصي، فإن كان الولي له الاجبار) كأبي
البكر، (فذلك) الاجبار (لوصيه فيجبر) وصي الأب (من يجبره) الأب (من ذكر وأنثى)
62

لقيامه مقام الأب (وإن كان) الولي ليس مجبرا كأبي ثيب ثم لها تسع سنين وأخيها وعمها
ونحوه ممن (يحتاج إلى إذنها فوصيه كذلك) يحتاج إلى إذنها كوكيله، (ولا خيار لمن
زوجه) الوصي ذكرا كان أو أنثى (إذا بلغ)، لأن الوصي قام مقام الموصى فلم يثبت في
تزويجه خيار كالوكيل. (وأما الوصي في المال فيملك تزويج أمة من يملك النظر في ماله
نصا) لأنها من جملة المال الذي ينظر فيه، وتقدم. (وكذا) إذا وصى إليه بالنظر في أمر
أولاده الصغار لم يملك تزويج أحدهم. و (من لم يثبت له الولاية كالعبد والفاسق والصبي
المميز، لا يصح أن يوكله الولي في تزويج موليته)، لأنه إذا لم يصح منه نكاح موليته فمولية
غيره أولى. (فإن وكله) أي العبد أو الفاسق أو الصبي الزوج (في قبول النكاح) صح، لان
الفاسق ونحوه يصح قبوله النكاح لنفسه فصح لغيره وتقدم (أو وكله الأب) أي وكل عبدا
أو فاسقا أو صبيا مميزا (في قبوله) النكاح لابنه، (كابنه الصغير) أو لمن تحت حجره
(صح) التوكيل لما تقدم.
فصل
(وإذا استوى وليان فأكثر لامرأة في الدرجة
كإخوة لها كلهم لأبوين أو لأب أو أعمام كذلك، أو بني إخوة كذلك، (فإن أذنت
لواحد) منهم بعينه (تعين ولم يصح نكاح غيره) ممن لم تأذن لعدم الإذن. (وإن أذنت لهم)
أي لكل واحد منهم أن يزوجها (صح التزويج من كل واحد منهم)، لأن سبب الولاية
موجود في كل واحد منهم. (والأولى تقديم أفضلهم) أي المستوى (علما ودينا، ثم) إن استووا
في العلم والدين قدم (أسنهم). لأن النبي (ص): لما قدم إليه محيصة وحويصة وعبد الرحمن
بن سهل وكان أصغرهم فقال النبي (ص): كبر كبر أي قدم الأكبر، فتقدم حويصة ولأنه
63

أحوط للعقد في اجتماع شروطه والنظر في الحظ. (فإن تشاحوا) أي الأولياء المستوون في
الدرجة (أقرع بينهم) لأنهم تساووا في الحق وتعذر الجمع. (فإن سبق غير من قرع) أي من
خرجت له القرعة (فزوج)، وقد أذنت لهم (صح) التزويج، لأنه تزويج صدر من ولي كامل
الولاية بإذن موليته، فصح منه كما لو انفرد بالولاية، ولان القرعة إنما شرعت لإزالة
المشاحة (وإذا زوج الوليان) أي المستويان في الدرجة (اثنين وعلم السابق) منهما (فالنكاح
له)، وعقد الثاني باطل لحديث سمرة وعقبة مرفوعا: أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول (1)
رواه أبو داود. ولان الأول خلا عن مبطل والثاني تزوج زوجة غيره، فكان باطلا كما لو علم
(فإذا دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما) لبطلان نكاحه. (فإن كان وطئها
وهو لا يعلم فهو وطئ شبهة يجب لها به مهر المثل وترد للأول) لأنها زوجته. (ولا تحل له)
أي للأول (حتى تنقضي عدتها) من وطئ الثاني للعلم ببراءة رحمها منه. (ولا ترد الصداق
الذي يؤخذ من الداخل بها) وهو الثاني (على) الزوج الأول (الذي دفعت إليه)، لأنه لا يملك
التصرف في بضعها، فلا يملك عوضه بخلاف منفعة العين المؤجرة، فإنها ملك للمستأجر
يتصرف فيها فعوضها له. (ولا يحتاج النكاح الثاني إلى فسخ لأنه باطل، ولا يجب لها المهر
إلا بالوطئ دون مجرد الدخول والوطئ). أي الخلوة من غير وطئ، و (دون الفرج) كالمفاخذة، لأنه
نكاح باطل لا حكم له (وإن وقعا) أي النكاحان (معا) أي في وقت واحد (بطلا) أي فهما
باطلان من أصلهما، ولا يحتاجان إلى فسخ، لأنه لا يمكن تصحيحها ولا مرجح لأحدهما
على الآخر. (ولا مهر لها على واحد منهما ولا يرثانها ولا ترثهما)، لأن العقد الباطل وجوده
كعدمه. (وإن جهل السابق) منهما (مثل جهل السبق) بأن جهل هل وقعا معا أو مرتبين، (أو
علم عين السابق) من العقدين (ثم جهل) أي نسي، (أو علم السبق) كما لو علم أن أحدهما
قبل الزوال والآخر بعده. (وجهل السابق) منهما (فسخهما حاكم)، لأن أحدهما صحيح ولا
طريق للعلم به. (ولها نصف المهر يقترعان عليه)، فمن خرجت عليه القرعة غرمه لأن عقد
64

أحدهما صحيح، وقد انفسخ نكاحه من غير جهة الزوجة قبل الدخول، فوجب عليه نصف
المهر. (وكذا لو طلقاها) وجب على أحدهما نصف المهر بقرعة. وإذا عقد عليها أحدهما
بعد ذلك، فلا ينبغي أن ينقص عدد طلاقه لهذه الطلقة، لأنا لم نتحقق أن عقده هو الصحيح
حتى يقع طلاقه، ذكر معناه الشيخ تقي الدين. (وإن أقرت لأحدهما بالسبق) بأن نكاحه
سابق (لم يقبل) إقرارها على الآخر (نصا) لأن الخصم غيرها، وهو العاقد الثاني فلم يقبل
قولها عليه، وإن ادعى عليها العلم بالسابق لم يلزمها يمين لأن من لا يقبل إقراره لا يستحلف
في إنكاره، ويأتي في القضاء. (وإن ماتت) المرأة (قبل الفسخ والطلاق فلأحدهما نصف ميراثها
بقرعة، أي يقترعان عليه فيأخذه من خرجت له القرعة. (من غير يمين).
قال الشيخ تقي الدين: إنه المذهب. قال: وكيف يحلف من قال لا أعرف الحال؟
(وإن مات الزوجان) قبل الفسخ والطلاق، (فإن كانت أقرت بسبق أحدهما فلا ميراث لها من
الآخر) لاعترافها ببطلان نكاحه. (وهي تدعي ميراثها ممن أقرت له بالسبق، فإن) كان (ادعى
ذلك) أي السبق (أيضا دفع إليها ميراثها منه) لاتفاقهما على صحة النكاح. (وإن لم يكن
ادعى ذلك) أي السبق قبل موته، (وأنكر الورثة) كونه السابق (فالقول قولهم مع أيمانهم) إنهم
لا يعلمون أنه السابق، لقوله (ص): واليمين على من أنكر. (فإن نكلوا قضى عليهم)
بالنكول (وإن لم تكن أقرت بالسبق فلها ميراثها من أحدهما بقرعة) فيقرع بين الرجلين، فمن
خرجت عليه القرعة فلها إرثها منه. نقل حنبل عن أحمد في رجل له ثلاث بنات زوج
إحداهن من رجل، ثم مات الأب ولم يعلم أيتهن زوج يقرع، فأيتهن أصابتها القرعة فهي
زوجته. وإن مات الزوج فهي التي ترثه. (ولو ادعى كل واحد منهما السبق فأقرت به لأحدهما)
فلا أثر له كما سبق. (ثم) إذا (فرق بينهما) بأن فسخ الحاكم نكاحهما أو طلقاها، (وجب
المهر) بعد الدخول وقبله نصفه (على المقر له)، لاعترافه به لها وتصديقها له عليه. (وإن مات
ورثت المقر له). لأنه مقتضى إقرارهما. (دون صاحبه). لأنها تدعي بطلان نكاحه لتأخره. (وإن
65

ماتت) من أقرت لأحدهما بالسبق وصدقها (قبلهما، احتمل أن يرثها المقر له) كما ترثه.
(واحتمل أن لا يقبل إقرارها له)، كما لو لم تقبله في نفسها (أطلقها في المغني (1)
والشرح. وإن لم تقر لأحدهما) بالسبق (إلا بعد موته، فكما لو أقرت له في حياته) على ما
تقدم. (وليس لورثة أحدهما الانكار لاستحقاقها) لأنه ظلم لها. (وإن لم تقر لواحد منهما)
بالسبق (أقرع بينهما، وكان لها ميراثها ممن تقع لها القرعة عليه) قياسا على القرعة في العتق
والطلاق وغيرهما. (وإن كان أحدهما قد أصابها) أي وطئها، (وكان هو المقر له) بالسبق فلها
المسمى، (أو) وطئها من أدعى السبق و (كانت لم تقر لواحد منهما فلها المسمى) في
عقده، (لأنه مقر لها به وهي لا تدعي سواه) فتأخذه، (وإن كانت مقرة للآخر) بالسبق (فهي
تدعي مهر المثل) بوطئه إياها مع كونها غير زوجة له. (وهو مقر لها بالمسمى) لدعواه
الزوجية، (فإن استويا) أي مهر المثل والمسمى فلا كلام، (أو اصطلحا) أي الواطئ
والموطوءة على قليل أو كثير (فلا كلام)، لأن الحق لا يعدوهما. (وإن كان مهر المثل)
الذي تدعيه الموطوءة (أكثر) من المسمى (حلف) الواطئ على (الزائد، وسقط) لأن الأصل
براءته منه. (وإن كان المسمى لها) في العقد أكثر من مهر المثل الذي تدعيه (فهو مقر لها
بالزيادة وهي تنكرها فلا تستحقها)، أي لا تستحق المطالبة بها لالغاء إقراره بإنكاره. (وإن زوج
سيد عبده الصغير من أمته) صغيرة كانت أو كبيرة، صح أن يتولى طرفي العقد بلا نزاع، لأنه
عقد بحكم الملك لا بحكم الاذن. (أو) زوج عبده الصغير من (بنته) بإذنها، صح أن يتولى
طرفي العقد، وإن زوجه ابنته الصغيرة لم يجز، لأنه لا يجوز له تزويجها ممن لا يكافئها،
وعنه يجوز، قاله في الشرح. (أو زوج) شخص (ابنه) الصغير أو المجنون أو السفيه (بنت
66

أخيه) صح أن يتولى طرفي العقد، (أو زوج وصي في نكاح صغيرا) تحت حجره (بصغيرة
تحت حجره ونحوه) كحاكم يزوج من لا ولي له بمن لا ولي لها (صح أن يتولى طرفي
العقد. وكذلك ولي المرأة العاقلة) إذا كانت تحل له، (مثل ابن عم) لأبوين أو لأب،
(والمولى) المعتق وعصبته المتعصب بنفسه، (والحاكم) وأمينه، (إذا أذنت له في نكاحها)، فإنه
يصح أن يتولى طرفي العقد. لما روى البخاري قال: قال عبد الرحمن بن عوف لام حكيم
بنت فارض: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم، قال: قد تزوجتك. ولأنه يملك الايجاب
والقبول، فجاز أن يتولاهما كما لو زوج أمته عبده الصغير، ولأنه عقد وجب فيه الايجاب
من ولي ثابت الولاية والقبول من زوج هو أهل للقبول، فصح كما لو وجد من رجلين. (أو
وكل الزوج الولي) في قبول نكاح مخطوبته صح أن يتولى الولي طرفي العقد. (أو) وكل
(الولي الزوج) في إيجاب النكاح لنفسه صح أن يتولى طرفي العقد. (أو وكلا) أي الولي
والزوج رجلا (واحدا) في العقد صح أن يتولى طرفي في العقد. (ونحوه). كما لو أذن السيد
لعبده الكبير أن يتزوج أمته صح أن يتولى طرفي العقد، وكذا البيع والإجارة ونحوهما.
(ويكفي) في عقد النكاح ممن يتولى طرفيه (زوجت فلانا) وينسبه (فلانة)، وينسبها من غير أن
يقول وقبلت له نكاحها. (أو) يقول (تزوجتها إن كان هو الزوج) من غير أن يقول: قبلت
نكاحها لنفسي. لحديث عبد الرحمن بن عوف السابق. ولان إيجابه يتضمن القبول. (أو)
يقول: تزوجتها لموكلي فلان أو فلانة، وينسبه إن كان (وكيله) أي وكيل الزوج من غير أن
يقول: قبلت له نكاحها. (إلا بنت عمه وعتيقته المجنونتين) فلا يكفيه تولي طرفي العقد إذا
أراد أن يتزوجها، (فيشترط) لصحة النكاح إذن (ولي غيره أو حاكم) لأن الولي إنما جعل
النظر للمولي عليه والاحتياط له. فلا يجوز له التصرف لنفسه فيما هو مولى عليه لمكان
التهمة، كالوكيل في البيع لا يبيعه لنفسه، والله أعلم.
فصل
وإذا قال لامته القن أو المدبرة أو المكاتبة أو أم ولده
(أو المعلق عتقها على صفة) قبل وجودها (التي تحل) أي يحل نكاحها، (له إذن) لو
67

كانت حرة ليدخل فيه الكتابية، واحترازا عن المجوسية والوثنية والمحرمة. وكذا لو كان معه
أربع نسوة وقال لامته ما يأتي، فلا يكون نكاحا لأنه حينئذ لا يحل له نكاحها. لأنها خامسة
. وقولهم: لو كانت حرة لدفع اعتبار عدم الطول وخوف العنت المعتبر في نكاح الأمة مع ما
تقدم. (أعتقتك وجعلت عتقك صداقك أو) قال: (جعلت عتق أمتي صداقها أو) قال (صداق
أمتي عتقها، أو) قال (قد أعتقتها، وجعلت عتقها صداقها أو أعتقتها على أن عتقها صداقها
أو) قال: (أعتقتك على أن أتزوجك، وعتقك صداقك) أو قال: أعتقتك على أن أتزوجك وعتقي
صداقك، (صح) العتق والنكاح في هذه الصور كلها. وإن لم يقل: وتزوجتك أو وتزوجتها،
لأن قوله: وجعلت عتقها صداقها ونحوه يتضمن ذلك. والأصل في ذلك ما روى أنس أن
النبي (ص) أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، رواه أحمد والنسائي وأبو داود والترمذي
وصححه. وروي الأثرم بإسناده عن صفية قالت: أعتقني رسول الله (ص) وجعل عتقي
صداقي. وبإسناده عن علي أنه كان يقول: إذا أعتق الرجل أم ولده فجعل عتقها صداقها فلا
بأس بذلك. وفعله أنس بن مالك ولان العتق يجب تقديمه على النكاح ليصح، وقد شرطه
صداقا فتتوقف صحة العقد على صحة النكاح ليكون العتق صداقا فيه، وقد ثبت العتق فيصح
النكاح. ومحل الصحة (إن كان) الكلام (متصلا نصا)، فلو قال: أعتقتك وسكت سكوتا
يمكنه الكلام فيه، أو تكلم بكلام أجنبي ثم قال: وجعلت عتقك صداقك لم يصح النكاح، لأنها
صارت بالعتق حرة فيحتاج إلى أن يتزوجها برضاها بصداق جديد. ومحل الصحة أيضا إن
كان (بحضرة شاهدين) نصا، لقوله (ص): لا نكاح إلا بولي وشاهدين، ذكره أحمد في
رواية ابنه عبد الله. (فإن طلقها سيدها) الذي أعتقها وجعل عتقها صداقها (قبل الدخول رجع
عليها) سيدها (بنصف قيمتها وقت الاعتاق)، لأن الطلاق قبل الدخول يوجب الرجوع في
نصف ما فرض لها، وقد فرض لها نفسها ولا سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله، فرجع
بنصف قيمة ما أعتق منها لأنه صداقها. (فإن) كانت قادرة أجبرت على الاعطاء، وإن (لم تكن
قادرة أجبرت على الاستسعاء نصا) كما تقدم في المفلس، وكذا كل من لزمه دين مستقر.
68

(وإن ارتدت) من أعتقها سيدها وجعل عتقها صداقها قبل الدخول (أو فعلت ما يفسخ
نكاحها مثل إن أرضعت له زوجة صغيرة ونحو ذلك)، كما لو استدخلت ذكر أبيه أو ابنه (قبل
الدخول، فعليها قيمة نفسها) لوجوب عود الصداق أذن للزوج وقد أصدقها نفسها، ولا سبيل
إلى الرجوع في الرق كما تقدم فرجع بقيمتها. (ويصح جعل صداق من بعضها حر) وبعضها
رقيق له (عتق ذلك البعض) إذا أذنت له، وأذن له معتق البقية على قياس ما تقدم، وكان
متصلا بحضرة شاهدين كاملة الرق. (وإن قال) السيد لامته (زوجتك لزيد وجعلت عتقك
صداقك) وقبل زيد، صح. (أو قال) زوجتك لزيد و (صداقك عتقك أو) قال: (أعتقتك
وزوجتك له) أي لزيد (على ألف، وقبل زيد) النكاح (فيهما، صح) العتق والنكاح، إذا كان
متصلا بحضرة شاهدين. (كما لو قال) لامته (أعتقتك وأكريتك منه) أي من زيد مثلا
(بألف)، وقبل زيد لأنه بمنزلة استثناء الخدمة مثل أن يقول: أعتقتك على خدمة سنة، ولو قال
وهبتك هذه الجارية وزوجتها من فلان أو وهبتكها وأكريتها من فلان، أو بعتكها وزوجتها من
فلان، فقياس المذهب صحته. لأنه في معنى الاستثناء للمنفعة، وحاصله أنا نجوز العتق
والوقف والهبة، والبيع مع استثناء منفعة الخدمة. وقد جوزنا أن يكون الاعتاق والانكاح في
زمن واحد، وجعلنا ذلك بمنزلة الانكاح قبل الاعتاق، لأنها حين الاعتاق لم تخرج عن ملكه
ذكره في الاختيارات. (ولو أعتقها) سيدها (بسؤالها على أن تنكحه. أو قال) لها من غير
سؤالها (أعتقتك على أن تنكحيني، ويكون عتقك صداقك. أو) قال: أعتقتك (على أن
تنكحيني فقط) دون أن يقول، ويكون عتقك صداقك. (وقبلت صح) العتق (و) إذا تزوجها
(يصير العتق صداقا) لها. وإن كان تقدم العقد كما لو قارنه. و (كما لو دفع إليها) لو كانت
حرة (مالا ثم تزوجها عليه، ولم يلزمه أن تتزوجه) لأن العتق وقع سلفا في النكاح فلم
يلزمها، كما لو أسلف حرة ألفا على أن يتزوجها (ثم إن تزوجته لم يكن له عليها شئ)، لأنه
أزال ملكه عنها بشرط عوض. وقد سلم فلم يكن له غيره، (وإلا) أي وإن لم تتزوجه (لزمها
قيمة نفسها)، لأنه أزال ملكه عنها بشرط عوض لم يسلم له، فاستحق الرجوع ببدله. قال في
الشرح: فإن بذلت له نفسها ليتزوجها فامتنع لم يجبر، وكانت له القيمة لأنها إذا لم تجبر
69

على تزويجه نفسها لم يجبر هو على قبولها. (ولو قال: أعتقتك وزوجيني نفسك) عتقت
لتنجيز عتقها، (ولم يلزمها أن تتزوجه، ولا شئ عليها) من قيمة نفسها إذا لم تتزوجه، لأنه
ألزمها بما لا يلزمها ولم تلتزمه. (ولا بأس أن يعتق الرجل أمته ثم يتزوجها سواء أعتقها لله
سبحانه أو) أعتقها (ليتزوجها)، إذ لا محظور فيه. وقال (ص): من كانت عنده جارية فعلمها
وأحسن تعليمها أو أحسن إليها. ثم أعتقها وتزوجها فله أجران متفق عليه. (وإذا قال)
مكلف رشيد لآخر (أعتق عبدك على أن أزوجك ابنتي فأعتقه لم يلزمه)، أي القائل (أن يزوجه
ابنته)، لأنه وعد لا يلزم الوفاء به. (وعليه) أي القائل (له) أي المعتق (قيمة العبد) لأنه غره
(كما لو قال: أعتق عبدك عني وعلي ثمنه) فأعتقه لزمه ثمنه، وتقدم. (أو) قال له: (طلق زوجتك
علي ألف. ففعل أو ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه)، فألقاه فعليه ثمنه. بخلاف ما لو قال
أعتق عبدك عني أو ألق متاعك في البحر. ففعل فلا شئ عليه لأنه لم يلتزم له عوضه.
فصل
: الشرط الرابع: الشهادة على النكاح
(احتياطا للنسب خوف الانكار، فلا ينعقد النكاح إلا بشاهدين) روي عن عمر وعلي
وهو قول ابن عباس رواه الدارقطني لما تقدم، ولما روت عائشة مرفوعا لا بد في النكاح من
حضور أربعة: الولي والزواج والشاهدين، رواه الدارقطني. وعن ابن عباس أن النبي (ص) قال
: البغايا اللواتي ينكحن أنفسهن بغير بينة رواه الترمذي. ولأنه عقد يتعلق به حق غير
المتعاقدين وهو الولد، فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحد أبوه فيضيع نسبه، بخلاف غيره من
70

العقود. وما روي عن أحمد من أنه (ص) أعتق صفية وتزوجها من غير شهود. فمن خصائصه
كما سبق (مسلمين) لقوله عليه الصلاة والسلام: لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل رواه
الخلال. (عدلين) للخبر (ذكرين)، لما روى أبو عبيد في الأموال عن الزهري أنه قال: مضت
السنة أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق. (بالغين عاقلين)
لأن الصبي والمجنون ليسا من أهل الشهادة. (سامعين) لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد
به. (ناطقين) لأن الأخرس لا يتمكن من أداء الشهادة. (ولو كانا عبدين) كسائر الشهادات
(أو) كانا (ضريرين إذا تيقنا الصوت تيقنا لا شك فيه) كالشهادة بالاستفاضة. (أو) كانا
(عدوى الزوجين أو) عدوى (أحدهما أو) عدوى (الولي)، لعموم قوله (ص): وشاهدي
عدل. ولأنه ينعقد بهما غير هذا النكاح، فانعقد هو أيضا بهما كسائر العقود. و (لا) ينعقد
النكاح (بمتهم برحم، كابني الزوجين أو ابني أحدهما ونحوه) كأبويهما، وابن أحدهما وأبي
الآخر للتهمة. (ولا) ينعقد النكاح أيضا (بأصمين أو أخرسين أو) بشاهدين (أحدهما كذلك)
، أي أصم أو أخرس لما تقدم. (ولا يبطل النكاح بالتواصي بكتمانه)، لأنه لا يكون مع الشهادة
عليه مكتوما. (فإن كتمه) أي النكاح (الزوجان والولي والشهود قصدا. صح العقد وكره)
كتمانهم له، لأن السنة إعلان النكاح. (ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين)، ولا بشهادة مسلم
وذمي. لقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. (ولو كانت الزوجة ذمية)
كتابية أبواها كتابيان، (ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولي وشاهدي عدل قبل منهما)، لأنه
لا منازع لهما فيه. (ويثبت النكاح بإقرارهما) لعدل المخاصم فيه. (ويكفي العدالة ظاهرا فقط)
في الشاهدين بالنكاح بأن لا يظهر فسقهما. لأن الغرض من الشهادة إعلان النكاح ولهذا
يثبت بالتسامع، فإذا حضر من يشتهر بحضوره كفى، ولان النكاح يقع بين عامة الناس في
مواضع لا تعرف فيها حقيقة العدالة. فاعتبار ذلك يشق. (فلو بانا) أي الشاهدان بالنكاح بعده
(فاسقين فالعقد صحيح) ولا ينقض. وكذا لو بان الولي فاسقا لأن الشرط العدالة ظاهرا
71

وهو أن لا يكون ظاهر الفسق وقد تحقق ذلك. (ولو تاب) الشاهد (في مجلس العقد
فكمستور) العدالة. (قاله في الترغيب). فيكفي وكذا لو تاب الولي في المجلس. قلت: بل
يكتفي بذلك بحيث اعتبرت العدالة مطلقا، لأن إصلاح العمل ليس شرطا فيها كما يأتي.
الشرط (الخامس: الخلو من الموانع) الآتية في باب المحرمات، (بأن لا يكون بهما) أي
بالزوجين، (أو بأحدهما ما يمنع التزويج من نسب أو سبب) كرضاع ومصاهرة، (أو اختلاف
دين) بأن يكون مسلما وهي مجوسية، ونحوه مما يأتي. (أو كونها في عدة، ونحو ذلك) كان
يكون أحدهما محرما، (والكفاءة في زوج شرط للزوم النكاح لا لصحته). هذا المذهب عند
أكثر المتأخرين. قال في المقنع والشرح: وهي أصح، وهذا قول أكثر أهل العلم، لأنه (ص)
: أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه فنكحها بأمره متفق عليه. روت
عائشة: أن أبا حذيفة بن عقبة بن ربيعة تبنى سالما، وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عقبة، وهو
مولى لامرأة من الأنصار. رواه البخاري وأبو داود والنسائي وعن أبي
حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت: رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال رواه
الدارقطني. فعلى هذا (يصح النكاح مع فقدها) أي فقد الكفاءة، (فهي حق للمرأة والأولياء
كلهم) القريب والبعيد، (حتى من يحدث منهم) بعد العقد لتساويهم في لحوق العار بفقد
الكفاءة. (فلو زوجت المرأة بغير كف ء فلمن لم يرض) بالنكاح (الفسخ من المرأة والأولياء
جميعهم) بيان لمن لم يرض (فورا وتراخيا)، لأنه خيار لنقص في المعقود عليه أشبه خيار
البيع. (ويملكه الأبعد) من الأولياء (مع رضا الأقرب) منهم به، (و) مع رضا (الزوجة) دفعا
لما يلحقه من لحوق العار. (فلو زوج الأب) بنته (بغير كف ء برضاها فللإخوة الفسخ نصا)
، لأن العار في تزويج من ليس بكفء عليهم أجمعين. (ولو زالت الكفاءة بعد العقد فلها) أي
72

الزوجة (الفسخ فقط) دون أوليائها كعتقها تحت عبد. ولان حق الأولياء في ابتداء العقد لا
في استدامته. والكفاءة) لغة المماثلة والمساواة. ومنه قوله (ص): المسلمون تتكافأ
دماؤهم أي تتساوى فيكون دم الوضيع منهم كدم الرفيع، وهي هنا (مفسرة في خمسة
أشياء الدين، فلا يكون الفاجر والفاسق كفئا لعفيفة عدل). لأنه مردود الشهادة والرواية
، وذلك نقص في إنسانيته. فلا يكون كفئا لعدل يؤيده قوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن
كان فاسقا لا يستوون) *. (الثاني: المنصب وهو النسب فلا يكون العجمي
وهو من ليس من العرب كفؤا لعربية)، لقول عمر: لأمنعن أن تزوج ذات الأحساب إلا
من الأكفاء، رواه الخلال والدارقطني. ولان العرب يعتدون الكفاءة في النسب ويأنفون
من نكاح الموالي، ويرون ذلك نقصا وعارا. ويؤيده حديث: إن الله اصطفى كنانة من ولد
إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني
هاشم. ولان العرب فضلت الأمم برسول الله (ص). (الثالث: الحرية فلا يكون العبد
ولا المبعض كفئا لحرة ولو) كانت (عتيقة)، لأنه منقوص بالرق ممنوع من التصرف في
كسبه غير مالك له. ولان ملك السيد لرقبته يشبه ملك البهيمة، فلا يساوي الحرة لذلك
والعتيق كله كف ء للحرة. (الرابع: الصناعة فلا يكون صاحب صناعة دنيئة كالحجام
والحائك والكساح والزبال والنفاط، كفئا لبنت من هو صاحب صناعة جليلة كالتاجر
والبزار). أي الذي يتجر في البز وهو القماش. (والثاني: صاحب العقار ونحو ذلك) لان
ذلك نقص في عرف الناس، فأشبه نقص العيب. وروي في حديث: العرب بعضهم لبعض
أكفاء إلا حائكا أو حجاما، قيل لأحمد: كيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه. يعني
73

أنه موافق لأهل العرف. (الخامس: اليسار بمال بحسب ما يجب لها من المهر والنفقة)
و (قال ابن عقيل: بحيث لا تتغير عليها عادتها عند أبيها في بيته، فلا يكون المعسر
كفئا لموسرة). لأن على الموسرة ضررا في إعسار زوجها لا خلاله بنفقتها ومؤنة
أولاده، ولهذا ملكت الفسخ بإعساره بالنفقة. ولان ذلك نقص في عرف الناس يتفاضلون
فيه كتفاضلهم في النسب.
فائدة: ولد الزنا قد قيل: إنه كفؤ لذات نسب، وعن أحمد، أنه ذكر له أن ينكح إليه
فكأنه لم يحب ذلك، لأن المرأة تتضرر به هي وأولياؤها، ويتعدى ذلك إلى ولدها، وليس
هو كفؤا للعربية بغير إشكال فيه. لأنه أدنى حالا من الموالي، قاله في الشرح. (وليس
مولى القوم كفئا لهم) نقل الميموني: مولى القوم من أنفسهم في الصدقة، ولم يكن عنده
هذا هكذا في التزويج. ونقل مهنا أنه كفؤ لهم ذكرهما في الخلاف. (ويحرم) على ولي
المرأة (بتزويجها بغير كف ء بغير رضاها). لأنه إضرار بها وإدخال للعار عليها. (ويفسق به)
أي بتزويجها بغير كفوء بلا رضاها، (الولي) قلت إن تعمده. (ويسقط خيارها) أي المرأة
إذا زوجت بغير كفؤ، (بما يدل) منها (على الرضا من قول أو فعل) بأن مكنته من نفسها
عالمة به. (وأما الأولياء فلا يثبت رضاهم إلا بالقول) بأن يقولوا: أسقطنا الكفاءة أو
رضينا به غير كفؤ ونحوه. وأما سكوتهم فليس برضا. (ولا تعتبر هذه الصفات) وهي الدين
والمنصب والحرية والصناعة غير الذرية واليسار (في المرأة). لأن الولد يشرف بشرف أبيه
لا بشرف أمه. (فليست الكفاءة شرطا في حقها للرجل). وقد تزوج (ص) بصفية بن حيي
وتسرى بالإماء. (والعرب من قرشي وغيره بعضهم لبعض أكفاء)، لأن الأسود بن
المقداد الكندي تزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وزوج أبو بكر أخته
الأشعث بن قيس الكندي، وزوج على ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم
(وسائر الناس) أي باقيهم بعد العرب، (بعضهم لبعض أكفاء) لظاهر الخبر السابق
انتهى.
74

باب المحرمات في النكاح
وهو ضربان: ضرب (يحرم على الأبد)، وهن أقسام، الأول بالنسب: وهن سبع: (الام
والجدة من كل جهة)، أي سواء كانت من جهة الأب أو الام. (وإن علت) لقوله تعالى:
* (حرمت عليكم أمهاتكم) * وأمهاتك كل من انتسب إليها بولادة، سواء وقع
عليها اسم الام حقيقة وهي التي ولدتك أو مجازا وهي التي ولدت من ولدك وإن علت
وارثة كانت أو غير وارثة، ذكر أبو هريرة هاجر أم إسماعيل، فقال رسول الله (ص): تلك أمكم
يا بني ماء السماء وفي الدعاء المأثور: اللهم صل على أبينا آدم وأمنا حواء. (والبنت من
حلال) زوجة أو سرية، (أو) من (حرام) كزنا، (أو) من (شبهة، أو منفية بلعان). لدخولهن في
عموم لفظ وبناتكم. ولان ابنته من الزنا خلقت من مائه، فحرمت عليه كتحريم الزانية على
ولدها من الزنا والمنفية بلعان لا يسقط احتمال كونها خلقت من مائه. (ويكفي في التحريم
أن يعلم أنها بنته ظاهرا، وإن كان النسب لغيره). قال الشيخ تقي الدين: ظاهر كلام الإمام أحمد
أن الشبه يكفي في ذلك، لأنه قال سودة: أليس أمر النبي (ص) أن تحتجب من ابن
أمة زمعة. وقال: الولد للفراش وقال: إنما حجبها للشبه الذي رأى بعينه. (وبنات الأولاد ذكورا
كانوا) أي الأولاد (أو إناثا، وإن سفلن) وارثات أو غير وارثات، لقوله تعالى: * (وبناتكم)
(والأخت من كل جهة) أي سواء كانت شقيقة أو لأب أو لام، لقوله تعالى:
* (وأخواتكم) * (وبنات كل أخ و) بنات كل (أخت) وبنات ابنهما، (وإن سفلن
وبنات ابنتهما كذلك)، لقوله سبحانه: * (وبنات الأخ وبنات الأخت) * (النساء: 23).
(والعمات) من كل جهة وإن علون، (والخالات من كل جهة وإن علون) لقوله سبحانه:
* (وعماتكم وخالاتكم) * و (لا) تحرم (بناتهن) أي بنات العمات وبنات
الخالات. (وتحرم عمة أبيه) وعمة جده وإن علا، لأنها عمته (و) تحرم (عمة أمه) وعمة
جدته وإن علت، لأنها عمته. (و) تحرم (عمة العم لأب لأنها عمة أبيه). و (لا) تحرم (عمة
75

العم لام لأنها أجنبية) منه. (وتحرم خالة العمة لام) لأنها خالة الأب، و (لا) تحرم (خالة العمة
لأب لأنها أجنبية) منه، (وتحرم عمة الخالة لأب لأنها عمة الأم، ولا تحرم عمة الخالة لام لأنها
أجنبية) فتحرم كل نسبية سوى بنت عمة وبنت خال وبنت خالة. القسم الثاني: ما أشار إليه
بقوله: (وتحرم زوجات النبي (ص) فقط) دون بناتهن وأمهاتهن، (على غيره ولو من فارقها) في
الحياة. (وهن أزواجه دنيا وأخرى و) تقدم. القسم الثالث: ذكره بقوله: (يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب)، فكل امرأة حرمت بالنسب حرم مثلها بالرضاع، لما روى ابن عباس: أن
النبي (ص) أريد على ابنة حمزة فقال: إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة، فإنه يحرم من
الرضاعة ما يحرم من الرحم. وفي لفظ: من النسب، متفق عليه. وعن علي مرفوعا: أن
الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب، رواه أحمد والترمذي وصححه. (ولو) كان
الرضاع (بلبن غصبه فأرضع به طفلا)، أو أكره امرأة على إرضاع طفل. لأن سبب التحريم لا
يشترط كونه مباحا، بدليل أن الزنا يثبت به تحريم المصاهرة (قال ابن البناء وابن حمدان
وصاحب الوجيز: إلا أم أخيه وأخت ابنه يعنون فلا تحرمان بالرضاع. وفيها) أربع (صور
، ولهذا قيل: إلا المرضعة وبنتها على أبي المرتضع وأخيه من النسب و) إلا (عكسه) أي أم
المرتضع وأخته من النسب لا يحرمان على أبي المرتضع ولا ابنه الذي هو أخو المرتضع
في الرضاع. (والحكم) الذي هو الإباحة في المسائل الأربعة (صحيح، ويأتي في الرضاع
لكن الأظهر) وقال في التنقيح وغيره: لكن الصواب (عدم الاستثناء لأن إباحتهن لكونهن
في مقابلة من يحرم بالمصاهرة لا في مقابلة من يحرم من النسب والشارع إنما حرم من
الرضاع ما يحرم من النسب لا ما يحرم بالمصاهرة).
76

فصل
القسم الرابع: المحرمات بالمصاهرة
ويحرم بالمصاهرة أربع) على التأبيد، (ثلاث بمجرد العقد وهن أمهات نسائه). وإن
علون من النسب ومثلهن من رضاع، فيحرمن بمجرد العقد. لقوله تعالى: * (وأمهات
نسائكم) * والمعقود عليها من نسائه قاله ابن عباس: أبهموا ما أبهم القرآن أن
عمموا حكمها في كل حال، ولا تفضلوا بين المدخول بها وغيرها. (وحلائل آبائه وهن كل
من تزوجها أبوه أو جده لأبيه أو لامه من نسب أو رضاع، وإن علا فارقها أو مات عنها)
. وحلائلهم زوجاتهم سميت امرأة الرجل حليلة لأنها تحل إزار زوجها وهي محللة له لقوله
تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * (وحلائل أبنائه وهن كل
من تزوجها أحد من بنيه أو) من (بني أولاده، وإن نزلوا من أولاد البنين أو البنات من نسب أو
رضاع)، لقوله تعالى: * (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) * مع ما تقدم
من قوله (ص): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. وقوله تعالى: * (الذين من
أصلابكم) * للاحتراز عمن يتبناه وليس منه. (وتباح بناتها) أي بنات حلائل الآباء والأبناء
وأمهاتهن لدخولهن في قوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (والرابعة
الربائب ولو كن في غير حجره) لأن التربية لا تأثير لها في التحريم وأما قوله تعالى:
* (اللاتي في حجوركم) * فإنه لم يخرج مخرج الشرط، وإنما وصفها بذلك
تعريفا لها بغالب أحوالها. وما خرج مخرج لا يصح التمسك بمفهومه. (وهن) أي الربائب
المحرمات (بنات نسائه اللاتي دخل بهن) صفة للنساء، (دون) النساء (اللاتي لم يدخل بهن)
فلا تحرم بناتهن. لقوله تعالى: * (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) * (النساء:
23) (فإن متن) أي نساؤه (قبل الدخول) أي الوطئ لم تحرم بناتهن، (أو أبانهن) الزوج (بعد
77

الخلوة وقبل الوطئ لم تحرم البنات)، لأن الخلوة لا تسمى دخولا. (فلا يحرم الربيبة إلا
الوطئ) دون العقد والخلوة، والمباشرة دون الفرج للآية السابقة. (قال الشارح: والدخول بها
وطؤها كنى عنه بالدخول. وتحرم بنت ربيبه نصا. و) تحرم (بنت ربيبته) وسواء في ذلك
القريبات والبعيدات، لدخولهن في الربائب. (وتباح زوجة ربيبه) إن أبانها أو خلت من الموانع
لزوج أمه (وتباح) له أخت أخيه لامه) من أبيه (و) تباح له (بنت زوج أمه، و) تباح له
(زوجة زوج أمه، و) تباح له (حماة ولده، و) حماة (والده وبنتاهما) أي بنتا حماة ولده وحماة
والده. لقوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (فلو كان لرجل ابن
أو بنت من غير زوجته ولد له) أي الابن أو ولدت البنت (قبل تزويجه بها أو بعده، ولو) أنه
ولد له (بعد فراقها ولها) أي زوجته (بنت أو ابن من غيره ولدتها)، أي البنت أو ولدته (قبل
تزويجه بها أو بعده وبعد وطئها أو فراقها ولدته من آخر، جاز تزويجه أحدهما من الآخر)
للآية السابقة، (ويباح لها) أي للأنثى (ابن زوجة ابنها، و) يباح لها (ابن زوج ابنتها، و) يباح
لها (ابن زوج أمها، و) يباح لها (زوج زوجة ابنها، و) يباح لها (زوج زوجة أبيها،) لأن الأصل
في الفروج الحل بالعقد. إلا ما ورد الشرع بتحريمه. (ويثبت تحريم المصاهرة بوطئ
حلال) إجماعا. (و) بوطئ (حرام) كزنا (و) بوطئ (شبهة، ولو) كان الوطئ (في دبر) لان
الوطئ يسمى نكاحا كما تقدم أول كتاب النكاح. فيدخل في عموم قوله تعالى: * (ولا
تنكحوا ما نكح آباؤكم) * الآية ونظائرها. وفي الآية أيضا قرينة تصرفه إلى الوطئ
وهي قوله: * (إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) * وهذا التغليظ إنما يكون في
الوطئ. ولان ما تعلق من التحريم بالوطئ المباح تعلق بالمحظور كوطئ الحائض. وظاهر
كلامه كالخرقي أن وطئ الشبهة ليس بحلال ولا حرام. وصرح القاضي في تعليقه: أنه
78

حرام. ذكره في الانصاف. (ولا يثبت) التحريم بالوطئ (إن كانت) الموطوءة (ميتة أو
صغيرة لا يوطأ مثلها)، لأنه ليس بسبب للبعضية أشبه النظر. (ولا) يثبت تحريم المصاهرة
(بمباشرتها ولا بنظر إلى فرجها أو) بنظره إلى (غيره، ولا بخلوة) ولو (لشهوة) لقوله تعالى:
* (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) * يريد بالدخول الوطئ. (وكذا
لو فعلت هي ذلك) أي ما ذكر من المباشرة. والنظر إلى الفرج وغيره. والخلوة لشهوة
(برجل) لم تحرم بنتها عليه. لأنه لم يدخل بأمها. (أو استدخلت) المرأة (ماءه) أي منيه بقطنة
أو نحوها، فلا تحرم بنتها عليه لعدم الدخول بالأم. وكذا لا تحرم هي على أبيه ولا على
ابنه إن لم يكن عقد عليها. لأنه لا عقد ولا وطئ. نقله في الانصاف عن التعليق واقتصر
عليه.. وهو مقتضى كلام التنقيح والمنتهى. هنا وقال في الرعاية: ولو استدخلت مني
زوج أو أجنبي بشهوة ثبت النسب والعدة والمصاهرة. وتبعه في المنتهى في الصداق
(ويحرم باللواط لا بدواعيه) من قبلة ونحوها، (ولا بمساحقة النساء ما يحرم بوطئ المرأة من
تلوط بغلام) غير بالغ يطيق الجماع. (أو ببالغ حرم على كل واحد منهما) أي اللائط والملوط
به (أم الآخر وابنته نصا)، لأنه وطئ في فرج فنشر الحرمة، كوطئ المرأة. وقال في شرح
المقنع: الصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة. وأن هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم.
فيدخلن في عموم قوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * ولأنهن غير
منصوص عليهن، ولا هن في معنى المنصوص عليه. فوجب أن لا يثبت حكم التحريم
فيهن. فإن المنصوص عليه في هذا حلائل الأبناء ومن نكحهن الآباء وأمهات النساء
وبناتهن. وليس هؤلاء منهن ولا في معناهن. (وتحرم أخته من الزنا وبنت ابنه) من الزنا
(وبنت بنته) من الزنا وإن نزلت. (وبنت أخيه) من الزنا (وبنت أخته من الزنا)، وكذا عمته
وخالته من الزنا. وكذا حليلة الأب والابن من الزنا لدخولهن في العمومات السابقة. القسم
الخامس: المحرمة باللعان وذكرها بقوله: (وتحرم الملاعنة على الملاعن على التأبيد) لما
79

روى سهل بن سعد. قال: مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعا أبدا (1)
رواه الجوزجاني. (ولو أكذب) الملاعن (نفسه) لأنه تحريم لا يرتفع قبل الجلد
والتكذيب. فلم يرتفع بهما. (أو كان اللعان بعد البينونة) لنفي الولد (أو) كان اللعان (في
نكاح فاسد) لنفي الولد لعموم ما سبق. (وإذا قتل رجل رجلا ليتزوج امرأته لم تحل له أبدا.
قاله الشيخ: عقوبة له) بنقيض قصده المحرم كحرمان القاتل الميراث. (وقال) الشيخ (في
رجل خبب) أي خدع (امرأة على زوجها) حتى طلقها، (يعاقب عقوبة بليغة) لارتكابه تلك
المعصية. (ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما: ويجب
التفريق بينهما) عقوبة له كمنع القاتل الميراث. (وإذا فسخ الحاكم نكاحا لعنة أو عيب
يوجب) أي يقتضي (الفسخ) كجنون وجذام ونحوهما، (لم تحرم) المفسوخ نكاحها على
المفسوخ عليه، (على التأبيد) بل تباح له بالعقد عليها. لقوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء
ذلكم) (النساء: 24).
فصل
الضرب الثاني: المحرمات إلى أمد
وهن نوعان: أحدهما لأجل الجمع. وهو المشار إليه بقوله: (ويحرم الجمع بين
الأختين) من نسب أو رضاع حرتين كانتا أو أمتين، أو حرة وأمة قبل الدخول أو بعده، لقوله
تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * (و) يحرم الجمع
أيضا (بين المرأة وعمتها، أو) بين المرأة و (خالتها، ولو رضيتا. وسواء كانت العمة والخالة
حقيقة أو مجازا كعمات آبائهم وخالاتهم). أي خالات الآباء، وإن علوا. (وعمات أمهاتهن
وخالاتهن. وإن علت درجتهن من نسب أو رضاع). قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على
80

القول به. وليس فيه بحمد الله اختلاف إلا أن بعض أهل البدع ممن لا تعد مخالفته
خلافا، وهم الروافضة والخوارج لم يحرموا ذلك. ولم يقولوا بالنسبة الثابتة عن رسول الله
(ص)، وهي ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله (ص): لا تجمعوا بين المرأة وعمتها، ولا
بين المرأة وخالتها متفق عليه. وفي رواية أبي داود: ولا تنكح المرأة على عمتها، ولا
العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها، لا تنكح الكبرى
على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى. ولان العلة في تحريم الجمع بين الأختين إيقاع
العداوة بين الأقارب، وإفضاء ذلك إلى قطيعة الرحم المحرم، فإن احتجوا بعموم قوله تعالى:
* (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * خصصناه بما روي من الحديث الصحيح. (و)
يحرم الجمع أيضا (بين خالتين بأن ينكح كل واحد منهما) أي من رجلين (ابنة الآخر، فيولد
لكل واحد منهما بنت)، فكل من البنتين خالة للأخرى، لأنها أخت أمها لأبيها. (و) يحرم
الجمع أيضا (بين عمتين بأن ينكح كل واحد منهما أم الآخر فيولد لكل واحد منهما بنت)،
فكل من البنتين عمة للأخرى لأنها أخت أبيها لامه. (أو) أي ويحرم الجمع بين (عمة وخالة،
بأن ينكح) الرجل (امرأة وينكح ابنه أمها، فيولد لكل واحد منهما بنت) فبنت الابن خالة ابن
بنت الأب، وبنت الأب عمة بنت الابن. (و) يحرم الجمع (بين كل امرأتين لو كانت إحداهما
ذكرا والأخرى أنثى حرم نكاحه) أي الذكر لها القرابة أو رضاع لأن المعنى الذي حرم
الجمع من أجله إفضاؤه إلى قطيعة الرحم القريبة، لما في الطباع من التنافر والغيرة بين
الضرائر، وألحق بالقرابة الرضاع. لقوله (ص): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (4)
81

(فإن كان) الجمع بين الأختين ونحوهما (في عقد واحد) بطل في حقهما (أو) كان الجمع
بينهما (في عقدين معا) أي في وقت واحد بطلا. (أو تزوج خمسا) فأكثر (في عقد واحد بطل
في الجميع) لأنه لا يمكن تصحيحه في الكل ولا مزية لواحدة على غيرها، فيبطل في
الجميع بمعنى أنه لم ينعقد. (وإن تزوجهما) أي الأختين أو نحوهما (في عقدين) واحدة
بعد الأخرى بطل الثاني، لأن الجمع حصل به. (أو وقع) العقد على إحدى الأختين ونحوهما
(في عدة الأخرى بائنا كانت أو رجعية، بطل الثاني) لقوله (ص): من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين. ولان البائن محبوسة عن النكاح لحقه. فأشبهت
الرجعية. (و) العقد (الأول صحيح) لأنه جمع فيه. (فإن) تزوج أختين ونحوهما في عقدين
مرتبين و (لم تعلم أولاهما، فعليه فرقتهما بطلاقهما أو بفسخ الحاكم نكاحهما دخل بهما أو)
دخل (بواحدة منهما، أو لم يدخل بواحدة) منهما. لأن إحداهما محرمة عليه ونكاحها باطل
ولا يعرف المحللة له ونكاح إحداهما صحيح، ولا يتيقن بينونتها منه إلا بذلك فوجب، كما
لو زوج الوليان ولم يعلم السابق من العقدين. (فإن كان) من عقد على أختين ونحوهما في
عقدين مرتين وجهل السابق (لم يدخل بهما)، وطلقهما أو فسخ الحاكم نكاحهما. (فعليه
لإحداهما نصف المهر) لأن نكاح واحدة منهما صحيح وقد فارقها قبل الدخول (يقترعان
عليه) فتأخذه من خرجت لها القرعة (وله أن يعقد على إحداهما في الحال بعد فراق
الأخرى) قبل الدخول بها. لأنه لا عدة، وسواء فعل ذلك بقرعة أو لا. (وإن كان دخل
بإحداهما) دون الأخرى ثم طلقهما، أو فسخ الحاكم نكاحهما. (أقرع بينهما فإن وقعت
القرعة لغير المصابة فلها نصف المهر)، لأنها زوجة فارقها قبل الدخول (وللمصابة مهر
المثل) بما استحل من فرجها. (وإن وقعت) القرعة (للمصابة فلا شئ للأخرى وللمصابة
المسمى جميعه)، لتقرره بالدخول. (وله نكاح من شاء منهما. فإن نكح المصابة فله ذلك في
الحال)، لأنها معتدة من وطئ يلحق فيه النسب، أشبه المبانة منه من نكاح صحيح. (وإن أراد
82

نكاح الأخرى) التي لم يصبها (لم يجز) له نكاحها (حتى تنقضي عدة المصابة)، لئلا يجمع
ماءه في رحم نحو أختين. (وإن كان دخل بهما وأصابهما فلإحداهما المسمى، وللأخرى مهر
المثل يقرع بينهما)، لتتميز من تأخذ مهر المثل إن تفاوتا. (وليس له نكاح واحدة منهما حتى
تنقضي عدة الأخرى) لما تقدم. (وإن ولدت منه إحداهما) لحقه النسب، (أو) ولدت منه
(كلتاهما فالنسب لاحق به) لأنه إما من نكاح (ولا يحرم الجمع بين أخت رجل من أبيه
وأخته من أمه، ولو في عقد واحد)، لأنه لو كانت إحداهما ذكرا حلت له الأخرى، فإن ولد
لهما ولد فالرجل عمه وخاله. (ولا) يحرم الجمع أيضا (بين من كانت زوجة رجل) وبانت
منه بموت أو طلاق ونحوه، (و) بين (ابنته من غيرها)، لأنه وإن حرمت إحداهما على
الأخرى قدرناها ذكرا لم يكن تحريمها إلا من أجل المصاهرة، لأنه لا قرابة بينهما. (ويكره)
للرجل أن يجمع (بين بنتي عميه أو) بنتي (عمتيه، أو بنتي خاليه أو بنتي خالتيه، أو) يجمع بين
(بنت عمه وبنت عمته، أو) يجمع بين (بنت خاله وبنت خالته)، لما روى أبو حفص عيسى بن
طلحة قال: نهى رسول الله (ص) أن تزوج المرأة على ذي قرابتها مخافة القطيعة أي لافضائه
إلى قطيعة الرحم كما تقدم، لكن لم يحرم لقوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم)
* ولبعد القرابة. ولذلك لم يحرم نكاحها وكانت الأجنبية أولى كما تقدم. (ولو
كان لرجلين بنتان لكل رجل بنت ووطئا أمة) لهما أو امرأة بشبهة في طهر واحد، (فأتت بولد
وألحق ولدها بهما فتزوج رجل بالأمة وبالبنتين)، أو بهما وبالمرأة، (فقد تزوج أم رجل وأخته)
والنكاح صحيح لما تقدم فيمن تزوج مبانة شخص وبنته. (وإن اشترى أخت امرأته أو) اشترى
(عمتها أو) اشترى (خالتها) من نسب أو رضاع (صح) الشراء لأن الملك يراد للاستمتاع
وغيره. ولذلك صح شراء أخته من الرضاع. (ولم يحل له وطؤها) أي التي ملكها (حتى
يطلق امرأته) أو يخلعها أو ينفسخ نكاحه لمقتض، ولذلك قال في المنتهى: حتى يفارق
83

زوجته، (وتنقضي عدتها) لئلا يجمع ماءه في رحم أختين ونحوهما، وذلك حرام لما تقدم
(ودواعي الوطئ مثله) أي مثل الوطئ فتحرم. صححه في الانصاف لأن الوسائل لها حكم
المقاصد، ويجوز الجمع بينهما في الخلوة (وإن اشترى جارية ووطئها حل له شراء أمها
وأختها وعمتها وخالتها، كما يحل له شراء المعتدة والمزوجة) والمجوسية والمحرمة لنحو
رضاع. (وإن اشترى من يحرم الجمع بينهما) كالأختين (في عقد واحد صح) العقد. قال في
الشرح: ولا نعلم خلافا في ذلك. (وله وطئ إحداهما) أيتهما شاء لأن الأخرى لم تصر
فراشا، كما لو كان في ملكه إحداهما وحدها. (وليس له الجمع بينهما في الوطئ) لقوله عليه
الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين. (وأما
الجمع) بين الأختين ونحوهما (في الاستمتاع بمقدمات الوطئ فيكره ولا يحرم قاله ابن
عقيل) وقال القاضي: يحرم كالوطئ. وقاله ابن رجب: بحثا في القاعدة السادسة والثلاثين
بعد المائة، وصححه في الانصاف كما جزم به المصنف آنفا، ولو حمل كلام ابن عقيل على
ما قبل وطئ إحداهما لم يعارض كلام القاضي وغيره. (فإن وطئ) من ملك أختين ونحوهما
(إحداهما فليس له وطئ الأخرى)، لعموم قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين) (النساء:
23) * فإنه يتناول العقد والوطئ جميعا كسائر المذكورات في الآية يحرم وطؤهن والعقد
عليهن، ولأنها امرأة صارت فراشا فحرمت أختها كالزوجة، ويستمد التحريم (حتى يحرم
الموطوءة على نفسه بعتق أو تزويج بعد استبرائها، أو إزالة ملكه ولو ببيع ونحوه) كهبة
، (للحاجة) إلى التفريق. لأنه يحرم الجمع في النكاح. ويحرم التفريق فلا بد من تقدم إحداهما
وكلام الصحابة والفقهاء بعمومه يقتضي هذا (قاله الشيخ وابن رجب) وجزم بمعناه في المنتهى (3)
84

(و) حتى (يعلم) بعد البيع ونحوه (أنها ليست بحامل) قاله ابن عقيل. ولا يكفي في إباحتها
مجرد إزالة الملك حتى تنقضي حيضة الاستبراء، فتكون الحيضة كالعدة. قال أبو العباس هذا
القيد في كلام أحمد وعامة الأصحاب، وليس هو في كلام علي وابن عمر، مع أن عليا لا
يجوز وطئ الأخت في عدة أختها. (ولا يكفي) لإباحة وطئ الأخرى (استبراؤها) أي
الموطوءة (بدون زوال الملك) لأنه لا يؤمن عوده إليها فيكون جامعا بينهما، (ولا) يكفي أيضا
(تحريمها) أي الموطوءة بأن يقول هي حرام عليه، لأن هذا يمين مكفرة ولو كان يحرمها،
إلا أنه لعارض متى شاء أزاله بالكفارة كالحيض والاحرام. (ولا زوال ملك) عن الموطوءة
(بدون استبرائ‍) - ها لأن الاستبراء كالعدة، (ولا) يكفي أيضا (كتابتها) لأنه بسبيل من استباحتها
بما لا يقف على غيرهما. (ولا) يكفي أيضا (رهنها) لأن منعه من وطئها لحق المرتهن لا
لتحريمها. ولذلك يجوز له وطؤها بإذن المرتهن، ولأنه يقدر على فكها متى شاء. (ولا) يكفي
أيضا (بيعها بشرط خيار) له، لأنه يقدر على استرجاعها متى شاء يفسخ البيع. (ومثله) أي مثل
البيع بشرط خيار له في عدم الاكتفاء به (هبتها) أي الموطوءة (لمن يملك استرجاعها منه
كهبتها لولده). قال في الوجيز: فإن وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم الموطوءة
بما لا يمكن أن يرفعه وحده. وجزم به ابن عبدوس في تذكرته، ويكفي في تحريم الموطوءة
إخراج الملك في بعضها كبيع أو هبة جزء منها، لأن ذلك تحريمها كبيع كلها فإن أخرج
الملك لازما ثم عوض له المبيح للفسخ مثل أن يبيعها بسلعة ثم تتبين إنها كانت معيبة، أو
يفلس المشتري بالثمن أو يظهر في العوض تدليس أو يكون مغبونا. فالذي يجب أن يقال
في هذه المواضع أن يباح وطئ الأخت بكل حال على عموم كلام الصحابة والفقهاء أحمد
وغيره. قاله في الاختيارات. (فلو خالف) مشترى الأختين ونحوهما (ووطئهما واحدة بعد
واحدة، فوطئ الثانية محرم) لأنه الذي حصل به جمع مائه في رحمهما (لا حد فيه) لشبهة
الملك، (ولزمه أن يمسك عنهما حتى يحرم إحداهما ويشتريها). لأن الثانية صارت فراشا له
يلحقه نسب ولدها، فحرمت عليه أختها أو نحوها كما لو وطئها ابتداء. واستدلال من قال
الأولى باقية على الحال بحديث أن الحرام لا يحرم الحلال لا يصح، لأن الخبر ليس
بصحيح. قاله في الشرح وفي شرح المنتهى. ويرد عليه إذا وطئ الأول وطئا محرما
85

كفي حيض أو إحرام أو صوم فرض، فإن أختها تحرم عليه بذلك. (فإن عادت) التي أخرجها
عن ملكه (إلى ملكه ولو) كان عودها إليه (قبل وطئ الباقية لم يصب واحدة منهما حتى يحرم
الأخرى) لما تقدم. (قال ابن نصر الله: هذا إن لم يجب استبراء)، كما لو كان زوجها فطلقها
الزوج قبل الدخول، فيكف عنها وعن الأخرى حتى يحرم واحدة منهما. (فإن وجب) الاستبراء
بأن باعها أو وهبها ثم عادت إليه (لم يلزمه ترك أختها) أو نحوها (فيه)، أي في زمن
الاستبراء لأنها محرمة عليه زمنه بما لا يقدر على دفعه، قاله في المبدع والتنقيح. (وهو
حسن) وقال الشيخ تقي الدين في المسودة وقد نص على أنها إذا رجعت إليه بعد خروجها
عن ملكه لا تحل له إحداهما مع تعين الاستبراء، قال: لكن قال القاضي حسين: القياس
يقتضي الاكتفاء بالاستبراء. (وإن وطئ أمته ثم تزوج أختها) أو عمتها أو خالتها ونحوها
(لم يصح) النكاح لأن عقد النكاح تصير به المرأة فراشا، فلم يجز أن يرد على فراش الأخت
كالوطئ، ولان وطئ مملوكته معنى يحرم أختها لعلة الجمع فمنع صحة النكاح كالزوجية،
ويفارق ذلك صحة شراء أختها، فإن الشراء يكون للوطئ وغيره بخلاف النكاح. (فإن حرمت
عليه) سريته بإخراج عن ملكه كما تقدم، (ثم تزوج الأخت) ونحوها (بعد استبرائها صح)
النكاح لزوال كونها فراشا له. (فإن رجعت إليه الأمة فالزوجية بحالها) لأنها أقوى. قال
الموفق والشارح. (وحلها) أي من حيث الزوجية (باق) لقوة الزوجية، (ولم يطأ واحدة
منهما حتى تحرم عليه الأخرى) كما تقدم. وهذا لا ينافي قوله: وحلها باق لأن التحريم
العارض لا يرفع الزوجية فلا يرفع أثرها كالزوجة الحائض. ومقتضى كلام ابن نصر الله فيما
سبق أنه يطأ الزوجة هنا حتى تستبرأ الأمة إن لزمها استبراء. (وإن أعتق سريته ثم تزوج أختها)
أو عمتها ونحوها (قبل فراغ مدة استبرائها لم يصح) النكاح (أيضا)، لأنه يجمع به ماءه في
رحم أختين ونحوهما، وكما لو تزوجها في عدة أختها. (وله) أي لمعتق سريته زمن استبرائها
(نكاح أربع سواها) أي سوى أخت سريته كما لو لم يعتقها. (وإن اشترى) رجل (أختين
86

مسلمة ومجوسية) أو وثنية أو محرمة عليه لنحو رضاع، (فله وطئ المسلمة) التي لا مانع بها
بخلاف الأخرى. (وإن وطئ) من يطأ مثله (امرأة بشبهة أو) ب‍ (- زنا لم يجز) له (في العدة)
أي عدة موطوءة بشبهة أو زنا. (أن يتزوج أختها) أو عمتها ونحوها، (ولا) أن (يطأها) أي
أخت موطوءته (إن كانت) أختها (زوجة) له (نصا) لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يحل لمن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجمع ماءه في رحم أختين. (ولا) يجوز لمن وطئ امرأة
بشبهة أو زنا أن (يعقد على رابعة) ما دامت في العدة. (و) إذا كان متزوجا بأربع ووطئ امرأة
بشبهة أو زنا، فإنه (لا) يجوز له أن (يطأها) أي الرابعة من نسائه. فإذا وطئ ثلاثا منهن
وجب عليه الامساك عن الرابعة حتى تنقضي عدة الموطوءة بشبهة أو زنا، لئلا يجمع ماءه
في أكثر من أربع نسوة. (ولا يمنع) حر (من نكاح أمة في عدة حرة بائن بشرطية)، وهما أن
يكون عادم الطول خائف العنت. ويأتي توضيحه. لأن المنع من نكاح الأخت في عدة
أختها، ومن نكاح خامسة في العدة لئلا يكون جامعا لمائه في رحم أختين أو أكثر من أربع، لا
لكونها زوجة كما يعلم مما تقدم. والمنع من نكاح الأمة إنما هو مع عدم الحاجة إليه
، والحاجة لا تندفع بالبائن بل الزوجة التي لا تعفه لا تمنعه من نكاح الأمة كما يأتي. (وتقدم
لو اشتبهت أخته بأجنبية) أو أجنبيات (في آخر كتاب الطهارة) عند الكلام على اشتباه المياه
المباحة بالمحرمة أو النجسة. (ويحرم نكاح موطوءة بشبهة في العدة) كمعتدة من فراق زوج
(إلا على واطئ) لها بالشبهة فله العقد عليها في عدتها. (إن لم تكن لزمتها عدة من غيره)
لأن المنع من نكاح المعتدة لكونه يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وهو مأمون في
هذه الصورة فإن النسب كما يلحقه في النكاح يلحقه في وطئ الشبهة. أشبه ما لو نكح
معتدة من طلاق. (وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع) زوجات، لقوله (ص) لغيلان بن
سلمة حين أسلم وتحته عشرة نسوة: أمسك أربعا أو فارق سائرهن. وقال نوفل بن معاوية
: أسلمت وتحتي خمس نسوة فقال النبي (ص): فارق واحد ة منهن. رواهما الشافعي في
87

مسنده. وإذا منع من استدامة زيادة على أربع فالابتداء أولى. وقوله تعالى: * (فأنكحوا ما
طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * أريد به التخيير بين اثنين وثلاث
وأربع، كما قال سبحانه وتعالى: * (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) * ولم
يرد أن لكل تسعة أجنحة، ولو أراد ذلك لقال تسعة أجنحة ولم يكن للتطويل معنى. ومن
قال غير ذلك فقد جهل اللغة العربية. (ولا للمرأة أن تتزوج أكثر من رجل) لقوله تعالى
: * (والمحصنات من النساء) *. (وله) أي الرجل (التسري بما شاء من الإماء
ولو) كن (كتابيات من غير حصر) لقوله تعالى: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما
ملكت أيمانكم) * ولان القسم بينهن غير واجب فلم ينحصرن في عدد
(وكان للنبي (ص) أن يتزوج بأي عدد شاء)، ومات عن تسع. وتقدم (ونسخ تحريم المنع) من
التزوج عليهن بقوله تعالى: * (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) * (الأحزاب:
51). (ولا للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين)، لقول عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف
رضي الله عنهم. وقد روى ليث بن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة أنه قال: أجمع
أصحاب رسول الله (ص) أن العبد لا ينكح أكثر من ثنتين. ويقويه ما روى الإمام أحمد
بإسناده عن محمد بن سيرين: أن عمر سأل الناس: كم يتزوج العبد؟ فقال عبد الرحمن
بن عوف: اثنتين وطلاقه اثنتين. وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم، فلم ينكر،
وهذا يخص عموم الآية مع أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار. وهو قوله: * (أو ما ملكت
أيمانكم) * ولان النكاح مبنى على التفضيل. ولهذا فارق النبي (ص) فيه أمته.
(وليس له) أي العبد (التسري)، ولو أذنه سيده لأنه لا يملك. (ويأتي في نفقة المماليك،
ولمن نصفه حر فأكثر) من نصفه (نكاح ثلاث) نسوة (نصا). فإن ملك بجزئه الحر جارية
فملكه تام، وله الوطئ بغير إذن سيده، لقوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانكم) * (النساء:
3) ذكره في الكافي وفي الفنون. قال فقيه: شهوة المرأة فوق شهوة الرجل بتسعة
أجزاء. فقال حنبل: لو كان هذا ما كان له أن يتزوج بأربع وينكح من الإماء ما شاء، ولا
تزيد امرأة على رجل، ولها من القسم الربع. وحاشا حكمته أن تضيق على الأحوج. وذكر
ابن عبد البر عن أبي هريرة وبعضهم يرفعه: ففضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين
88

جزءا من اللذة - أو قال من الشهوة - ولكن الله ألقى عليهن الحياء. (ومن طلق واحدة
من نهاية جمعه) بأن طلق الحر واحدة من أربع، أو العبد واحدة من ثنتين، أو المبعض
واحدة من ثلاث. (لم يجز له أن يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها ولو كان الطلاق بائنا)
لأن المعتدة في حكم الزوجة، لأن العدة أثر النكاح. فكأنه باق، فلو جاز له أن يتزوج
غيرها لكان جامعا بين أكثر ممن يباح له. (وإن ماتت) واحدة من نهاية جمعه (جاز) له أن
يتزوج بدلها (في الحال نصا)، لأنه لم يبق لنكاحها أثر. (فلو) طلق واحدة من نهاية جمعه
ثم (قال: أخبرتني بانقضاء عدتها في مدة يجوز) أي يمكن (انقضاؤها فيها. فكذبته) لم
يقبل قولها عليه في عدم جواز نكاحه غيرها، لأنه لا حق لها في هذه الدعوى، وإنما
الحق في ذلك لله تعالى، ولأنها متهمة في ذلك بإرادة منعه نكاح غيرها. إذا تقرر ذلك
. (فله نكاح أختها. و) له نكاح (بدلها) وإن كانت من نهاية جمعه (في الظاهر).
قلت: وأما في الباطن فليس له ذلك إن كان كاذبا، أو لم يغلب على ظنه انقضاء
عدتها. (ولا تسقط السكنى والنفقة) عنه بدعواها إخبارها بانقضاء مع إنكارها. لحديث
ولكن اليمين على من أنكر. (و) لا يسقط نصا (نسب الولد) إذا أتت به المطلقة لفوق
أربع سنين ما لم يثبت إقرارها بانقضاء عدتها بالقرء، ثم تأتي به لأكثر من ستة أشهر بعدها
، لأن إقرار المطلق لا يقبل عليها. (وتسقط الرجعة) أي لو كان الطلاق رجعيا. وقال: أخبرتني
بانقضاء عدتها، فأنكرت فأراد رجعتها لم يملك ذلك، مؤاخذة له بمقتضى إقراره.
فصل
في بيان النوع الثاني من المحرمات إلى أمدوهن
(المحرمات لعارض يزول. تحرم عليه زوجة غيره) لقوله تعالى: * (والمحصنات من
89

النساء إلا ما ملكت إيمانكم) *. (و) تحرم أيضا عليه (المعتدة) من غيره
لقوله * (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * (و) تحرم أيضا
(المستبرأة منه) أي من غيره، لأن تزوجها زمن استبرائها يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه
الأنساب، وسواء في ذلك المعتدة والمستبرأة. (من وطئ مباح أو محرم) كشبهة وزنا (أو
من غير وطئ) كالمتوفى عنها زوجها قبل الدخول، لعموم ما تقدم. (و) كذا (المرتابة بعد
العدة بالحمل) لا يصح نكاحها لغيره حتى تزول الريبة، ويأتي في العدد. (وتحرم الزانية إذا
علم زناها على الزاني وغيره حتى تتوب وتنقضي عدتها). لقوله تعالى: * (والزانية لا ينكحها
إلا زان أو مشرك) * وهو خبر ومعناه النهي. ولمفهوم قوله تعالى:
* (والمحصنات من المؤمنات) * وهن العفائف، ولقوله (ص) يوم حنين: لا
يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، يعني إتيان الحبالى. رواه
أبو داود والترمذي وحسنه. (فإن كانت) الزانية (حاملا منه) أي من الزنا (لم يحل نكاحها قبل
الوضع) لما سبق. (وتوبتها) أي الزانية (أن تراود عليه) أي الزنا (فتمتنع) منه لما روي أنه
قيل لعمر: كيف تعرف توبتها؟ قال: يريدها على ذلك: فإن طاوعته فلم تتب، وإن أبت فقد
تابت. فصار أحمد إلى قول عمر اتباعا له. قال في الاختيارات: وعلى هذا كل من أراد
مخالطة إنسان امتحنه، حتى يعرف بره أو فجوره أو توبته. ويسأل ذلك من يعرفه. (وقيل
توبتها) أي الزانية (كتوبة غيرها) ندم وإقلاع وعزم أن لا تعود (من غير مراودة. واختاره
الموفق وغيره) وقال: لا ينبغي امتحانها بطلب الزنا منها بحال. وقدمه في الفروع.
(فإذا تابت) من الزنا وانقضت عدتها (حل نكاحها للزاني وغيره) عند أكثر أهل العلم، منهم
أبو بكر وعمر وابنه ابن عباس وجابر. وروي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة
90

: أنها لا تحل للزاني بحال. فيحتمل أنهم أرادوا بذلك ما قبل التوبة أو قبل استبرائها. فيكون
كقولنا: (ولا يشترط) لصحة نكاحها (توبة الزاني بها إذا نكحها)، أي إذا أراد أن ينكح الزانية
كالزاني بغيرها. (وإن زنت امرأة) قبل الدخول أو بعده لم ينفسخ النكاح. (أو) زنى (رجل
قبل الدخول) بزوجته (أو بعده لم ينفسخ النكاح) بالزنا، لأنه معصية لا تخرج عن الاسلام،
أشبه السرقة، لكن لا يطؤها حتى تعتد إذا كانت هي الزانية ويأتي. واستحب أحمد للزوج
مفارقته امرأته إذا زنت. وقال: لا أرى أن يمسك مثل هذه لأنه لا يأمن من أن تفسد
فراشه، وتلحق به ولدا ليس منه، وإن زنى بأخت زوجته لم يطأ زوجته حتى تنقضي عدة
أختها، وإن زنى بأم زوجته أو بنتها انفسخ النكاح. (ولا يطأ الرجل أمته إذا علم منها فجورا)
أي زنا حتى تتوب ويستبرئها، خشية أن تلحق به ولدا وليس منه. قال ابن مسعود: أكره أن
أطأ أمتي وقد بغت. (وتحرم مطلقته ثلاثا) بكلمة أو كلمات (حتى تنكح زوجا غيره) نكاحا
صحيحا. ويطؤها لقوله تعالى: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)
* ولقوله (ص) لامرأة رفاعة - لما أرادت أن ترجع إليه بعد أن طلقها ثلاثا
، وتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير: لا حتى تذوقي عسيلته. (ويأتي في الرجعة بأبسط من
هذا وتحرم المحرمة حتى تحل) لحديث مسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا
يخطب (وتقدم في محظورات الاحرام) بأوسع من هذا. (ولا يحل لمسلمة نكاح كافر
بحال) حتى يسلم. لقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) * (البقرة: 221).
وقوله: * (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون
لهن) * (ولا) يحل (لمسلم ولو) كان (عبدا نكاح كافرة) لقوله تعالى:
* (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * ولقوله: * (ولا تمسكوا بعصم
الكوافر) * (إلا حرائر نساء أهل الكتاب، ولو) كن (حربيات) لقوله تعالى
: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) *. ولا يحل لمسلم ولو عبدا
نكاح أمة كتابية، لقوله تعالى: * (من فتياتكم المؤمنات) * ولئلا يؤدي إلى
استرقاق الكافر ولدها المسلم. (والأولى أن لا يتزوج من نسائهم. وقال الشيخ: يكره) أي
91

مع وجود الحرائر المسلمات. قال في الاختيارات، وقاله القاضي وأكثر العلماء. لقول عمر
للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب: طلقوهن. و (ك‍) - أكل (ذبائحهم بلا حاجة) تدعو إليه
(ومنع النبي (ص) من نكاح كتابية). (و) منع (أيضا من نكاح أمة مطلقا) أي مسلمة كانت أو
كتابية. وتقدم في الخصائص موضحا. (وأهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل). لقوله تعالى:
* (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) * (كاليهود والسامرة)
فرقة من اليهود (والنصارى ومن وافقهم من الإفرنج والأرمن وغيرهم، فأما المتمسك من
الكفار بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فليسوا بأهل كتاب)، للآية السابقة. ولان تلك
الكتب ليست بشرائع إنما هي مواعظ وأمثال. ف‍ (- لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم كالمجوس
وأهل الأوثان، وكمن أحد أبويها غير كتابي ولو اختارت دين أهل الكتاب). لأنها لم تتمحض
كتابية، ولأنها متولدة بين من يحل وبين من لا يحل، فلم تحل كالسمع والبغل. وعلم منه أنه
لو كان أبواها غير كتابين، واختارت دين أهل الكتاب لم تحل لمسلم. قال في الانصاف (1)
والمبدع: وهو المذهب، وقدمه في الفروع. وقيل: تحل اعتبارا بنفسها، اختاره الشيخ تقي
الدين وقطع به المصنف في أواخر أحكام الذمة. (و) يحل (لكتابي نكاح مجوسية و) يحل
لكتابي أيضا (وطؤها) أي المجوسية (بملك يمين)، كالمسلم ينكح الكتابية ويطؤها بملك
اليمين. (ولا) يحل (لمجوسي) نكاح (كتابية نصا). لأنها أشرف منه. فإن ملكها فله وطؤها
على الصحيح قدمه في الرعايتين، قاله في الانصاف. (وتحل نساء بني ثعلب ومن في معناهن
من نصارى العرب، و) من (يهودهم) لأنهن كتابيات فيدخلن في عموم الآية. (والدروز
والنصيرية والتبانية) فرق بجبل الشوف وكسروان لهم أحوال شنيعة وظهرت لهم شوكة أزالها
92

الله تعالى، (لا تحل ذبائحهم ولا يحل نكاح نسائهم، ولا أن ينكحهم المسلم وليته). قلت
: حكمهم كالمرتدين. (والمرتدة يحرم نكاحها على) أي (دين كانت) عليه. وإن تدينت بدين
أهل الكتاب لأنها لا تقر على دينها. (ولا يحل لحر مسلم ولو) كان (خصيا أو مجبوبا، إذا
كان له شهوة يخاف معها مواقعة المحظور بالمباشرة نكاح أمة مسلمة إلا أن يخاف) الحر
(عنت العزوبة إما لحاجة متعة وإما لحاجة خدمة لكبر أو سقم ونحوهما نصا، ولا يجد طولا
لنكاح حرة ولو) كانت (كتابية، ب‍) - أن (لا يكون معه مال حاضر يكفي لنكاحها ولا يقدر على
ثمن أمة ولو كتابية، فتحل) له الأمة إذن لقوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح
المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * إلى قوله: * (ذلك لمن
خشي العنت منكم) *. هذا إن لم تجب نفقته على غيره، فإن وجبت لم يجز له
أن يتزوج أمة لأن المنفق يتحمل ذلك عنه فيعف بحرة. وإن قدر على ثمن أمة لم يتزوج
أمة، قاله كثير من الأصحاب منهم: القاضي في المجرد وابن عقيل وابن الخطاب في الهداية
والمجد في المحرر، وصاحب المذهب ومسبوك الذهب، والمستوعب والخلاصة والنظم
والشرح، والحاوي الصغير والوجيز وغيرهم، واختاره ابن عبدوس في تذكرته. قال في
الرعاية: وهو أظهر. وظاهر كلام الخرقي عدم اشتراطه، وهو ظاهر إطلاق القاضي في تعليقه
وطائفة من الأصحاب، وقدمه في الرعايتين والفروع. وجزم به في المنور قاله في
الانصاف. وقدم الثاني في النقيح وقطع به في المنتهى، وهو ظاهر الآية. (والصبر عنها)
أي عن نكاح الأمة (مع ذلك) أي مع وجود ما تقدم اعتباره (خير وأفضل). لقوله تعالى:
93

* (وأن تصبروا خير لكم) * (وله) أي للحر (فعل ذلك) أي تزوج الأمة بالشرطين
المذكورين، (مع صغر زوجته الحرة أو) مع (غيبتها أو) مع (مرضها)، بحيث تعجز به عن
الخدمة، لأن الحرة التي لا تعفه كالعدم. (أو كان له مال ولكن لم يتزوج) حرة (لقصور نسبه)
فله نكاح الأمة لأنه غير مستطيع الطول إلى نكاح حرة. (أو له مال غائب) فله أن يزوج الأمة
(بشرطه) وهو خوف العنت. لأنه غير مستطيع الطول لنكاح الحرة. (فإن وجد من يقرضه) ما
يتزوج به حرة لم يلزمه، لأن المقرض يطالبه به في الحال. (أو رضيت الحرة بتأخير صداقها) لم
يلزمه لأنها تطالبه به. (أو) رضيت الحرة (بدون مهر مثلها أو) رضيت (بتفويض بضعها) لم
يلزمه لأن لها طلب فرضه (أو بذله له باذل أن يزنه) أي بالصداق عنه (أو أن يهبه) له لم يلزمه
لما فيه من المنة. (أو لم يجد من يزوجه إلا بأكثر من مهر المثل بزيادة تجحف بماله لم يلزمه)
أن يتزوج الحرة. وجاز له أن يتزوج الأمة حيث خاف العنت، لأنه لم يستطع طولا لنكاح حرة
بلا ضرر عليه. (والقول قوله في خشية العنت و) في (عدم الطول). لأنه أدرى بحال نفسه. (حتى
لو كان في يده مال فادعى أنه وديعة أو) أنه (مضاربة قبل قوله) لأنه ممكن.
قلت: بلا يمين لعدم الخصم (ونكاح من بعضها حر) مع وجود الشرطين (أولى من)
نكاح (أمة). لأن استرقاق بعض الولد أخف من استرقاق كله. (ومتى تزوج أمة ثم ذكر أنه كان
كان موسرا) لنكاح حرة (حال النكاح أو) ذكر أنه (لم يكن يخشى العنت فرق بينهما)، لاعترافه
بفساد نكاحه. (فإن كان) إقراره بذلك (قبل الدخول وصدقه السيد فلا مهر)، لاتفاقهما على
بطلان النكاح. (وإن كذبه) السيد في ذكره أنه كان موسرا أو لم يخش العنت. (فله) أي
السيد (نصفه) أي المهر لأن إقراره غير مقبول على السيد في إسقاطه. (وإن كان) إقراره
بذلك (بعد الدخول فعليه المسمى جميعه) بما استحل من فرجها. فإن كان مهر المثل أكثر
من المسمى لزمه لاقراره به، وإن كان المسمى أكثر وجب للسيد. (وإذا تزوج الأمة وفيه
الشرطان) بأن كان عادم الطول خائف العنت (ثم أيسر أو نكح حرة أو زال خوف العنت أو
نحوه) كما لو تزوج لغيبة زوجته فحضرت، أو لصغرها فكبرت، أو لمرضها فعوفيت، (لم
94

يبطل نكاحها) أي الأمة لأن استدامة النكاح تخالف ابتداءه، بدليل أن العدة والردة يمنعان
ابتداءه دون استدامة. ولما روي عن علي أنه قال: إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للحرة
ليلتين وللأمة ليلة. (وإن تزوج) الحر (حرة فلم تعفه، ولم يجد طولا لحرة أخرى جاز له نكاح
أمة) لعموم قوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا) *. الآية قال أحمد:
إذا لم يصبر كيف يصنع؟ (ولو جمع بينهما) أي بين حرة لا تعفه وأمة بشرطه (في عقد
واحد) صح، كما لو كانا في عقدين. (وكذا لو تزوج أمة فلم تعفه ساغ له نكاح ثانية ثم) إن
لم تعفاه ساغ له نكاح (ثالثة ثم) إن لم يعفه ساغ نكاح (رابعة ولو في عقد واحد إذا علم أنه
لا يعفه إلا ذلك) لما سبق. (وكتابي حر في ذلك) أي في تزوج الأمة (كمسلم) فلا يحل له
نكاح الأمة إلا بالشرطين. (وولد الجميع) من مسلم أو كتابي (منهن) أي الإماء (رقيق
للسيد) تبعا لامه، (إلا أن يشترط الزوج على مالكها حريته) أي الولد، (فيكون) ولده (حرا)
قاله في الروضة. وابن القيم) لقوله (ص): المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل
حراما أو حرم حلالا ولقول عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط. ولان هذا لا يمنع
المقصود من النكاح فكان لازما كشرط سيدها زيادة في مهرها.
تنبيه: في قوله في شرح المنتهى: على مالكها، إيماء إلى أن ناظر الوقف وولي
اليتيم ونحوه ليس للزوج اشتراط حرية الولد عليه، لأنه ليس بمالك. وإنما يتصرف للغير بما
فيه حظ. وليس ذلك من مقتضى العقد فلا أثر لاشتراطه. (ولعبد) نكاح أمة (و) ل‍ (- مدبر)
نكاح أمة (و) ل‍ (- مكاتب) نكاح أمة، (و) ل‍ (- معتق بعضه نكاح أمة، ولو فقد فيه الشرطان
ولو على حرة). لأنها تساويه. (وإن جمع) العبد أو المدبر ونحوه (بينهما) أي بين حرة وأمة
(في عقد واحد صح) العقد فيهما. كما لو عقد عليهما في عقدين. (وليس له) أي للعبد
(نكاح سيدته) المالكة له أو لبعضه، لأن أحكام النكاح والملك تتناقض، إذا ملكها إياه
يقتضي وجوب نفقته عليها، وأن يكون بحكمها، ونكاحه إياها يقتضي عكس ذلك. ولما
روى الأثرم بإسناده عن جابر قال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية وقد
95

نكحت عبدها فانتهرها عمر وهم أن يرجمها وقال: لا يحل لك. (ولا) يصح من العبد أن
يتزوج (أم سيده أو) أم (سيدته)، لما سيأتي من أنه إذا ملك ولد أحد الزوجين الآخر انفسح
النكاح. (ولا لحر أن يتزوج أمته) لأن النكاح يوجب للمرأة حقوقا. من القسم والمبيت
وغيرهما وذلك يمنعه ملك اليمين فلا يصح مع وجود ما ينافيه. ولان ملك الرقبة يفيد ملك
المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه. (ولا) للحر (أن يتزوج أمة مكاتبه) أو
أمة مكاتبته، (ولا أمة ولده من النسب) لأن له فيها شبهة ملك (دون الرضاع) فله أن يتزوج
أمة والده من الرضاع بشرطه كالأجنبي. (ولو كان ملك كل واحد من الثلاثة) وهم الحر
ومكاتبه وولده (بعضا من الأمة)، فإنه يمنع صحة النكاح كملك كلها. (ولا لحرة نكاح
عبد ولدها) لما تقدم (ولها) أي الام (ذلك) أي نكاح عبد ولدها (مع رقها وللعبد نكاح
أمة ولده) لأن الرق قطع التوارث بين الأمة أو العبد وولده، فهو كالأجنبي منهما. (ويصح)
للعبد أو الحر بشرطه (نكاح أمة من بيت المال مع أن فيه شبهة تسقط الحد لكن لا تجعل
الأمة أم ولد. ذكره في الفنون) لأن للامام التصرف في بيت المال بما يرى أنه مصلحة،
ولان حق الزوج في بيت المال لم يتعين في المنكوحة. (وللابن نكاح أمة أبيه) لأنه ليس
له شبهة التملك من مال أبيه، بخلاف الأب. (وكذلك سائر) أي باقي (القرابات) فللحر أن
ينكح أمة أخيه أو عمه وأمة جده، لأنه ليس له التملك عليهم. (وإن ملك حر) زوجته انفسخ
النكاح لأن ملك اليمين أقوى من النكاح فيزيله. (أو) ملك (ولده الحر زوجته) انفسخ
النكاح لأن ملكه كملك أصله في إسقاط الحد، فكان كملكه في إزالة النكاح. (أو) ملك
(مكاتبه زوجته بميراث أو غيره انفسخ نكاحها) لما تقدم. (وكذا لو ملك) الزوج أو ولده الحر
أو مكاتبه (بعضها) أي بعض الزوجة.
قلت: والمكاتبة في ذلك كالمكاتب. (ويحرم وطؤها هنا) أي إذا ملك بعضها لعدم
تمام الملك، وكذا إذا ملكها ولده الحر أو مكاتبه يحرم وطؤها. (وكذا لو ملكت زوجة)
زوجها (أو) ملك (ولدها) الحر زوجها (أو) ملك (مكاتبها زوجها، أو) ملك أحدهم (بعضه)
انفسخ النكاح كما سبق. (ومن جمع بين محللة ومحرمة) كأيم ومزوجة نكحهما. (في عقد
واحد صح) النكاح، (فيمن تحل) وهي الأيم. لأنها محل قابل للنكاح أضيف إليها عقد صادر
96

من أهله لم يجتمع معها فيه مثلها. فصح كما لو انفردت به. وفارق العقد على نحو أختين
لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى، وههنا قد تعينت التي بطل النكاح فيها. وللتي صح
نكاحها من المسمى لهما بقسط مهر مثلها منه. (ولو تزوج أما وبنتا في عقد واحد بطل)
النكاح (في الام فقط) وصح في البنت، لأنه عقد تضمن عقدين يمكن تصحيح أحدهما دون
الآخر. فصح فيما يصح وبطل فيما يبطل، لأنا لو فرضنا أن العقد على الام سبق وبطل، ثم
عقد على البنت صح نكاح البنت، ولو فرضنا أن العقد على
البنت سبق وبطل ثم عقد على الام لم يصح فإذا وقعا معا فنكاح البنت أبطل نكاح الام، لأنها تصير أم زوجته، ونكاح الام
لا يبطل نكاح البنت لأنها تصير ربيبته من زوجة لم يدخل بها، فلذلك صح نكاح الام (ومن
حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين كالمجوسية) لأن النكاح إذا حرم لكونه طريقا إلى
الوطئ فلان يحرم الوطئ نفسه أولى. (إلا إماء أهل الكتاب) فيحرم نكاحهن ولا يحرم
وطؤهن بملك اليمين، لدخولهن في قوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانكم) * (النساء: 3).
ولان نكاح الإماء من أهل الكتاب إنما حرم من أجل إرقاق الولد وإبقائه مع كافرة، وهذا
معدوم بوطئهن بملك اليمين. (وكل من حرمها النكاح من أمهات النساء وبناتهن وحلائل
الآباء و) حلائل (الأبناء حرمها الوطئ في ملك اليمين و) وطئ (الشبهة والزنا. لأن الوطئ آكد
في التحريم من العقد) بدليل أنه يحرم الربيبة ولا يحرمها العقد. فلو تزوج امرأة وتزوج أبوه
بنتها أو أمها فزفت امرأة كل منهما إلى الآخر فوطئها، فإن وطئ الأولى يوجب عليه مهر
مثلها، وينفسخ به نكاحها من زوجها، لأنها صارت بالوطئ حليلة أبيه أو ابنه، ويسقط به مهر
الموطوءة عن زوجها لمجئ الفسخ من قبلها، وينفسخ بتمكينها من وطئها ومطاوعتها عليه
، وينفسخ نكاح الواطئ أيضا، لأن امرأته صارت أم الموطوءة أو ابنتها ولها نصف المسمى،
وأما وطئ الثاني فيوجب مهر المثل للموطوءة فإن أشكل الأول انفسخ النكاحان، لكل
واحدة منهما مهر مثلها على واطئها ولا رجوع لأحدهما على الآخر. ويجب لكل واحدة
منهما على زوجها نصف المسمى ولا يسقط بالشك. (فلو وطئ ابنه أمة أو) وطئ (أبوه أمة
بملك اليمين) أو بشبهة أو زنا (حرم عليه نكاحها و) حرم عليه (وطؤها إن ملكها) وكذا أمها
وبنتها تحرم على الواطئ، كذلك لا على أبيه أو ابنه. (ولا يحل نكاح خنثى مشكل حتى
يتبين أمره) لاشتباه المباح والمحظور في حقه.
تتمة: قال الخرقي: إذا قال: أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء. وإن قال: أنا امرأة لم
97

ينكح إلا رجلا. فإن تزوج امرأة ثم قال: أنا امرأة انفسخ نكاحه لاقراره ببطلانه، ولزمه
نصف المهر إن كان قبل الدخول أو جميعه إن كان بعده. ولا يحل له بعد ذلك أن ينكح
لأنه أقر بقوله: أنا رجل بتحريم الرجال، وأقر بقوله: أنا امرأة بتحريم النساء. وإن تزوج رجلا
ثم قال: أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ نكاحه، لأنه حق عليه. فإذا زال نكاحه فلا مهر له لأنه
يقر أنه لا يستحقه سواء دخل به أو لم يدخل، ويحرم النكاح بعد ذلك لما ذكرنا. قاله في
الشرح. (قال الشيخ: ولا يحرم في الجنة زيادة العدد، و) لا (الجمع بين المحارم وغيره)
، لأنها ليست دار تكليف.
باب الشروط في النكاح
أي ما يشترطه أحد الزوجين في العقد على الآخر مما له فيه غرض. (ومحل المعتبر
منها) أي من الشروط (صلب العقد) كأن يقول: زوجتك بنتي فلانة بشرط كذا ونحوه، ويقبل
الزوج على ذلك. (وكذا لو اتفقا) أي الزوجان (عليه) أي الشرط (قبله) أي العقد. (قاله
الشيخ وغيره).
قال الزركشي: هو ظاهر إطلاق الخرقي وأبي الخطاب وأبي محمد وغيرهم. (وقال)
الشيخ: (وعلى هذا جواب أحمد في مسائل الحيل لأن الامر بالوفاء بالشروط والعقود
والعهود يتناول ذلك تناولا واحدا. وقال في فتاويه: إنه ظاهر المذهب و) ظاهر (منصوص
أحمد و) ظاهر (قول قدماء أصحابه ومحققي المتأخرين. قال في الانصاف وهو الصواب
الذي لا شك فيه). وقطع به في المنتهى. وظاهر هذا أو صريحه أن ذلك لا يختص
النكاح بل العقود كلها في ذلك سواء. (ولا يلزم الشرط بعد العقد ولزومه) لفوات محله
، لكن يأتي في آخر النشوز أن اشتراط الحكمين ما لا ينافي النكاح لازم إلا أن يقال: نزلت
98

هذه الحالة منزلة العقد قطعا للشقاق والمنازعة. (وهي) أي الشروط في النكاح (قسمان)
أحدهما: (صحيح وهو نوعان: أحدهما ما يقتضيه العقد) بأن يكون هو مقتضى العقد
، (كتسليم الزوجة إليه) أي إلى الزوج (وتمكينه من الاستمتاع بها). وتسليمها المهر وتمكينها
من الانتفاع به. (فوجوده كعدمه) لأن العقد يقتضي ذلك. (الثاني شرط: ما تنتفع به المرأة)
مما لا ينافي العقد (كزيادة معلومة في مهرها)، أو في نفقتها الواجبة. أشار إليه في
الاختيارات. (أو) اشتراط كون مهرها من (نقد معين أو) تشترط عليه (أ) ن (لا ينقلها من دارها
أو بلدها أو أ) ن (لا يسافر بها أو) أن (لا يفرق بينها وبين
أبويها، أو) أن لا يفرق بينها وبين (أولادها، أو على أن ترضع ولدها الصغير، أو) شرطت أن (لا يتزوج عليها ولا يتسرى أو
شرط لها طلاق ضرتها أو) شرط لها (بيع أمته. فهذا) النوع (صحيح لازم للزوجة بمعنى
ثبوت الخيار لها بعدمه) لما روى الأثرم بإسناده: أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم
أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال: لها شرطها. فقال الرجل: إذن يطلقننا. فقال عمر: مقاطع
الحقوق عند الشروط. ولأنه شرط لها منفعة مقصودة لا تمنع المقصود من النكاح. فكان
لازما كما لو اشترطت كون المهر من غير نقد البلد. وأما قوله (ص): كل شرط ليس في
كتاب الله فهو باطل. أي ليس في حكم الله وشرعه وهذا مشروع. وقد ذكرنا ما دل على
مشروعيته، وعلى من نفى ذلك الدليل وقولهم: إن هذا يحرم الحلال ليس كذلك. وإنما
يثبت للمرأة إذا لم يف به خيار الفسخ. وقولهم: إنه ليس من مصلحة العقد ممنوع، فإنه
من مصلحة المرأة. وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة العقد كاشتراط الرهن في
البيع. (ولا يجب الوفاء به) أي بالشرط الصحيح، (بل يسن) الوفاء به. لأنه لو وجب لأجير
الزوج عليه ولم يجبره عمر بل قال لها شرطها. (فإن لم يفعل) أي لم يف الزوج لها
بشرطها، (فلها الفسخ) لما تقدم عن عمر. ولأنه شرط لازم في عقد، فثبت حق الفسخ بترك
الوفاء به، كالرهن والضمين في البيع، وحيث قلنا تفسخ فبفعله ما شرط أن لا يفعله (لا
بعزمه) عليه خلافا للقاضي، لأن العزم على الشئ ليس كفعله. (وهو) أي الفسخ إذن (على
99

التراخي) لأنه خيار يثبت لدفع الضرر فكان على التراخي، تحصيلا لمقصودها كخيار
العيب والقصاص، (فلا يسقط) الخيار (إلا بما يدل على الرضا) منها (من قول أو تمكين منها
مع العلم) بفعله ما شرطت أن لا يفعله. فإن لم تعلم بعدم الوفاء ومكنته لم يسقط خيارها
لأن موجبه لم يثبت، فلا يكون له أثر كالمسقط لشفعته قبل البيع، وإذا شرطت عليه أن لا
يتزوج أو لا يتسرى عليها، ففعل ذلك ثم قبل أن تفسخ طلق أو باع،
قال في الاختيارات: قياس المذهب أنها لا تملك الفسخ. (ولا تلزم هذه الشروط إلا
في النكاح الذي شرطت فيه. فإن بانت) المشترطة (منه ثم تزوجها ثانيا لم تعد) الشروط، لان
زوال العقد لما هو مرتبط به. (وقال الشيخ: لو خدعها) أي خدع من شرط أن لا يسافر بها
(فسافر بها ثم كرهته لم يكن له أن يكرهها) على السفر (بعد ذلك، انتهى. هذا إذا لم تسقط
حقها) من الشرط، (فإن أسقطته سقط). قال في الانصاف: الصواب أنها إذا أسقطت حقها
يسقط مطلقا. (ولو شرط لها أن لا يخرجها من منزل أبويها فمات الأب) أو الام (بطل
الشرط) لأن المنزل صار لأحدهما بعد أن كان لهما. فاستحال إخراجها من منزل
أبويها، فبطل الشرط. (ولو تعذر سكنى المنزل) الذي اشترطت سكناه (بخراب وغيره سكن
بها) الزوج (حيث أراد، وسقط حقها من الفسخ)، لأن الشرط عارض وقد زال. فرجعنا إلى
الأصل والسكنى محض حقه. (وقال الشيخ: فيمن شرط لها أن يسكنها بمنزل أبيه فسكنت
ثم طلبت سكنى منفردة وهو عاجز فلا يلزمه ما عجز عنه) بل لو كان قادرا. فليس لها عند
مالك، وأحد القولين في مذهب أحمد وغيره غير ما شرط لها، (انتهى). قال في الفروع: كذا
قال ومراده صحة الشرط في الجملة بمعنى ثبوت الخيار لها بعدمه، لا أنه يلزمها. لأنه
شرط لحقها لمصلحتها لا حقه لمصلحته حتى يلزمه في حقها. ولهذا لو سلمت نفسها من
شرطت دارها فيها، أو في داره لزم، انتهى. أي لزمه تسليمها، ولهذا قال في المنتهى: ومن
شرطت سكناها مع أبيه ثم أرادتها منفردة فلها ذلك. (ولو شرطت عليه نفقة ولدها) من غيره
100

(وكسوته مدة معينة) صح الشرط. وكانت من المهر. فظاهره إن لم يعين المدة لم يصح للجهالة.
فصل
القسم الثاني من الشروط في النكاح
(فاسد وهو نوعان. أحدهما: ما يبطل النكاح، وهو أربعة أشياء أحدها نكاح الشغار)
بكسر الشين، قيل: سمي به لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول. وقيل: هو الرفع كأن
كل واحد يرفع رجله للآخر عما يريد. وقيل: هو العبد كأنه بعد عن طريق الحق.
وقال الشيخ تقي الدين: الأظهر أنه من الخلو. يقال: شغر المكان إذا خلا ومكان
شاغر أي خال، وشغر الكلب إذا رفع رجله. لأنه أخلى ذلك المكان من رجله، وقد فسره
الامام: بأنه فرج بفرج فالفروج لا تورث ولا توهب فلئلا تعاوض ببضع أولى (وهو أن
يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما) أي (سكتا عنه أو شرطا نفيه، ولو لم
يقل وبضع كل واحدة منهما مهر الأخرى، وكذا لو جعلا بضع كل واحدة ودراهم معلومة
مهرا للأخرى). ولا تختلف الرواية عن أحمد: أن نكاح الشغار فاسد.
قال: وروي عن عمر وزيد بن ثابت. أنهما فرقا فيه، أي بين المتناكحين لما روى
ابن عمر: أن رسول الله (ص) نهى عن الشغار. والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه
الآخر ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه. وروى أبو هريرة مثله. أخرجه مسلم.
101

وروى عمران بن حصين. أن رسول الله (ص) قال: لا جلب ولا جنب ولا شغار في
الاسلام رواه الأثرم. ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح. كما
لو قال: بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي. وليس فساده من قبل التسمية، بل من جهة أنه
وافقه على شرط فاسد. ولأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج، فإنه جعل تزويجه إياها مهرا
للأخرى، فكأنه ملكه إياها بشرط انتزاعها منه. (فإن سموا) لكل واحدة منهما (مهرا كأن
يقول: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة مائة، أو) قال أحدهما: (ومهر
ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل) منها (أو أكثر صح) العقد عليها، (بالمسمى نصا) قال
في المجرد والفصول في المثال المذكور: المنصوص عن أحمد أن النكاح صحيح. وقال
الخرقي: باطل. وقالا: والصحيح الأول. لأنه لما لم يحصل في هذا العقد تشريك وإنما
حصل فيه شرط فبطل الشرط وصح. قال الشيخ تقي الدين: وفيه مخالفة للأصول من أربعة
وجوه، وذكرتها في الحاشية. ومحل الصحة (إن كان) المسمى لكل واحدة منهما (مستقلا)
عن بضع الأخرى. فإن جعل المسمى دراهم وبضع الأخرى لم يصح كما تقدم. ومحل
الصحة أيضا إن كان (غير قليل حيلة) سواء كان مهر المثل أو أقل، فإن كان قليلا حيلة لم
يصح لما تقدم في بطلان الحيل على تحليل محرم. وظاهره إن كان كثيرا صح ولو حيلة.
وعبارة المنتهى تبعا للتنقيح تقتضي فساده. واعترضه المصنف في حاشية التنقيح كما
أوضحته في حاشية المنتهى. (ولو سمى) المهر (لإحداهما ولم يسم للأخرى صح نكاح
من سمى لها) لأن في نكاح المسمى لها تسمية وشرطا، فأشبه ما لو سمى لكل واحدة منهما
مهر.
فائدة: لو قال: زوجتك جارتي هذه على أن تزوجني ابنتك، وتكون رقبتها صداقا
لابنتك. لم يصح تزويج الجارية في قياس المذهب. لأنه لم يجعل لها صداقا سوى تزويج
ابنته، وإذا زوجه ابنته على أن يجعل رقبة الجارية صداقا لها صح، لأن الجارية تصلح أن
تكون صداقا. وإن زوج عبده امرأة وجعل رقبته صداقا لم يصح الصداق، لأن ملك المرأة
102

زوجها يمنع صحة النكاح فيفسد الصداق، ويصح النكاح ويجب مهر المثل، قاله في
الشرح: (الثاني: نكاح المحلل) سمي محللا لقصده الحل في موضع لا يحصل فيه
الحل، (بأن يتزوجها) أي المطلقة ثلاثا، (بشرط أنه متى أحلها للأول طلقها أو) يتزوجها بشرط
أنه متى أحلها للأول ف‍ (- لا نكاح بينهما أو اتفقا عليه) أي على أنه متى أحلها للأول طلقها
، أو لا نكاح بينهما قبله، أي قبل العقد ولم يرجع عن نيته عند العقد. (أو نوى) المحلل (ذلك)
أي أنه متى أحلها للأول طلقها، (ولم يرجع عن نيته عند العقد، وهو) أي النكاح في الصورة
المذكورة (حرام غير صحيح)، لقوله (ص): لعن لله المحلل والمحلل له رواه أبو داود،
وابن ماجة والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم من
أصحاب النبي (ص) منهم عمر وابنه وعثمان، وهو قول الفقهاء من التابعين. وروى ذلك عن
علي وابن عباس وقال ابن مسعود، المحلل والمحلل له ملعونان على لسان محمد (ص). (3)
وروى ابن ماجة عن عقبة بن عامر أن النبي (ص) قال: ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا
: بلى يا رسول الله. قال: هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له وعن نافع بن عمر
: أن رجلا قال له: تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني ولم يعلم قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن
أعجبتك أمسكتها وإن كرهتها فارقتها وقال: كنا نعده على عهد رسول الله (ص) سفاحا.
وقال: لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة. إذا علم أنه يريد أن يحلها وهذا قول عثمان
وجاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا أيحلها له رجل؟ قال: من يخادع
الله يخدعه (ولا يحصل به) أي بنكاح المحلل (الاحصان ولا الإباحة للزوج الأول)
المطلق ثلاثا لفساده. (ويلحق فيه النسب) للشبهة بالاختلاف فيه. (فلو شرط عليه قبل العقد
103

أن يحلها لمطلقها) ثلاثا وأجاب لذلك (ثم نوى عند العقد غير ما شرطا عليه، وأنه نكاح
رغبة صح قاله الموفق وغيره). وعلى هذا يحمل حديث ذي الرقعتين وهو ما روى أبو
حفص بإسناده عن محمد بن سيرين قال: قدم مكة رجل ومعه إخوة له صغار وعليه إزار من
بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة فسأل عمر فلم يعطه شيئا، فبينما هو كذلك إذ نزع الشيطان
بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها ثلاثا فقال: هل لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئا
ويحلك لي؟ قالت: نعم إن شئت، فأخبروه بذلك قال: نعم فتزوجها فدخل بها فلما أصبحت
دخلت إخوته الدار فجاء القرشي يحوم حول الدار، وقال: يا ويله غلب على امرأته، فأتى
عمر فقال: يا أمير المؤمنين غلبت على امرأتي. قال من غلبك؟ قال: ذو الرقعتين قال: أرسلوا
إليه فلما جاءه الرسول قالت له المرأة: كيف موضعك من قومك قال: ليس بموضعي بأس
قالت: إن أمير المؤمنين يقول لك: طلق امرأتك، فقل: لا والله لا أطلقها، فإنه لا يكرهك
فألبسته حلة فلما رآه عمر من بعيد قال: الحمد لله الذي رزق ذا الرقعتين، فدخل عليه، فقال
: أتطلق امرأتك؟ قال: لا والله لا أطلقها. قال عمر: لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط. ورواه
أيضا سعيد بسنده بنحو من هذا وقال: من أهل المدينة. (والقول قوله) أي الثاني (في نيته)
إذا أدعى أنه رجع عن شرط التحليل، وقصد أنه نكاح رغبة لأنه أعلم بما نواه. قال في
الاختيارات: وإن ادعاه بعد المفارقة ففيه نظر. وينبغي أن لا يقبل قوله لأن الظاهر
خلافه، ولو صدقت الزوجة أن النكاح الثاني كان فاسدا فلا تحل للأول لاعترافها بالتحريم
عليه. (ولو زوج) المطلق ثلاثا (عبده بمطلقته ثلاثا ثم وهبها) المطلق (العبد أو) وهبها
(بعضه) أي بعض العبد (لينفسخ نكاحها) بملكها زوجها أو بعضه (لم يصح النكاح نصا)
قال: فهذا نهى عنه عمر ويؤديان جميعا وعلل أحمد فساده بشيئين أحدهما أنه شبيه
بالمحلل، وهو معنى قوله: (وهو) أي المطلق (محلل بنيته كنية الزوج) لأنه إنما زوجها إياه
ليحلها له. والثاني: كونه ليس بكفء لها (ولو دفعت) مطلقة ثلاثا (مالا هبة لمن تثق به
ليشتري مملوكا فاشتراه وزوجه لها ثم وهبه لها انفسخ النكاح. و) لو (لم يكن هناك تحليل
مشروط ولا منوي ممن تؤثر نيته وشرطه وهو الزوج ولا أثر لنية الزوجة والولي)، لأنه لا
104

فرقة بيدها. (قاله في أعلام الموقعين وقال: صرح أصحابنا بأن ذلك يحلها وذكر كلامه في (1)
المغني فيها. قال في المحرر والفروع وغيرهما: ومن لا فرقة بيده لا أثر لنيته) و (قال
المنقح: الأظهر عدم الاحلال) قال في المنتهى: والأصح قول المنقح، انتهى. وهو قياس
التي قبلها. قال في الواضح: نيتها كنيته، وقال في الروضة: نكاح المحلل باطل إذا اتفقا. فإن
اعتقدت ذلك باطنا ولم تظهره صح في الحكم وبطل فيما بينهما وبين الله. (وفي الفنون فيمن
طلق زوجته الأمة ثلاثا ثم اشتراها لتأسفه على طلاقها حلها بعيد في مذهبنا، لأنه) أي الحل
(يقف على زوج وإصابة ومتى زوجها مع ما ظهر من تأسفه عليها لم يكن قصده من النكاح
إلا التحليل. والقصد عندنا يؤثر في النكاح بدليل ما ذكره أصحابنا إذا تزوج الغريب بنية
طلاقها إذا خرج من البلد، لم يصح ومن عزم على تزويجه لمطلقته ثلاثا، أو وعدها سواه، كان أشد
تحريما من التصريح بخطبة المعتدة إجماعا، لا سيما ينفق عليها ويعطيها ما تحلل به، ذكره
الشيخ) وهو واضح (الثالث نكاح المتعة) سمي بذلك لأنه يتزوجها ليتمتع بها إلى أمد
، (وهو أيتزوجها إلى مدة) معلومة أو مجهولة، (مثل أن يقول) الولي (زوجتك ابنتي شهرا أو
سنة أو) زوجتكها (إلى انقضاء الموسم أو) إلى (قدوم الحاج وشبهه، معلومة كانت المدة أو
مجهولة، أو يقول هو) أي المتزوج (أمتعيني نفسك. فتقول: أمتعتك نفسي لا بولي ولا
شاهدين) لما روى الربيع بن سبرة أنه قال: أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله (ص) نهى
105

عنه في حجة الوداع. وفي لفظ: أن رسول الله (ص) حرم متعة النساء. رواه أبو داود
وفي لفظ رواه ابن ماجة: أن رسول الله (ص) قال: يا أيها الناس إني كنت أذنت في الاستمتاع
ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة وروى سبرة قال: أمرنا رسول الله (ص) بالمتعة عام
الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها، رواه مسلم وروى أبو بكر بإسناده
عن سعيد بن جبير أن ابن عباس: قام خطيبا فقال: إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير
قال الشافعي: لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة. (وإن نوى) الزوج
(بقلبه) أنه نكاح متعة من غير تلفظ بشرط (فكالشرط نصا، خلافا للموفق) نقل أبو داود
فيها: هو شبيه بالمتعة؟ لا حتى يتزوجها على أنها امرأته ما حييت. (وإن شرط) الزوج (في
النكاح طلاقها في وقت ولو مجهولا فهو كالمتعة) فلا يصح لما تقدم. (وإن لم يدخل بها في
عقد المتعة وفيما حكمنا به أنه) ك‍ (- متعة فرق بينهما) فيفسخ الحاكم النكاح إن لم يطلق
الزوج لأنه مختلف فيه. (ولا شئ عليه) من المهر. ولا متعة لفساد العقد فوجوده كعدمه.
(وإن دخل بها) أي بمن نكحها نكاح متعة (فعليه مهر المثل، وإن كان فيه مسمى).
قال أبو إسحاق بن شاقلا: إن الأئمة بعد الفسخ جعلوها في حيز السفاح لا في
النكاح، انتهى.
لكن ذكر المصنف كغيره من الأصحاب أواخر الصداق أن النكاح الفاسد يجب فيه
بالدخول المسمى كالصحيح، ولم يفرقوا بين نكاح المتعة وغيره. (ولا يثبت به) أي بنكاح
المتعة (إحصان ولا إباحة للزوج الأول)، يعني لمن طلقها ثلاثا، لأنه فاسد فلا يترتب عليه أثره
(ولا يتوارثان، ولا تسمى زوجة) لما سبق. (ومن تعاطاه عالما) تحريمه (عزر) لارتكابه معصية
لاحد فيها ولا كفارة. (ويلحق فيه النسب إذا وطئ يعتقده نكاحا).
106

قلت: أو لم يعتقده نكاحا، لأن له شبهة العقد.
(ويرث ولده ويرثه) ولده للحوق النسب (ومثله) أي مثل نكاح المتعة فيها ذكر (إذا
تزوجها بغير ولي ولا شهود وأعتقده نكاحا جائزا). قلت: أو لو يعتقدوه كذلك. (فإن الوطئ
فيه) وطئ (شبهة يلحقه الولد فيه) لشبهة العقد. (ويستحقان العقوبة) أي التعزير (على مثل هذا
العقد) لتعاطيهما عقدا فاسدا. (الرابع: إذا شرط نفي الحل في نكاح) بأن تزوجها على أن
لا تحل له. فلا يصح النكاح لاشتراط ما ينافيه، (أو علق ابتداءه) أي النكاح (على شرط)
مستقبل (غير مشيئة الله، كقوله زوجتك) ابنتي أو نحوها (إذا جاء رأس الشهر أو) إذا
(رضيت أمها، أو) إذا (رضي فلان، أو) زوجتكها على (أ) ن (لا يكره فلان فسد العقد) لأنه عقد
معاوضة، فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع، ولان ذلك وقف النكاح على شرط.
ويصح زوجت وقبلت إن شاء الله وتعليقه على شرط ماض أو حاضر. (وتقدم ذكر بعض
الشروط في أركان النكاح، ويصح النكاح إلى الممات) بأن يقول: زوجتك إلى الممات فيقبل
فيصح. ولا أثر لهذا التوقيت لأنه مقتضى العقد. (النوع الثاني) من الشروط الفاسدة (وإذا
شرطا) أي الزوجان (أو) شرط (أحدهما الخيار في النكاح) كقوله: زوجتك بشرط الخيار
أبدا أو مدة ولو مجهولة. (أو) شرطا أو أحدهما الخيار (في المهر) بطل الشرط وصح العقد
وصح العقد لما يأتي. وهل يصح الصداق ويبطل شرط الخيار فيه، أو يصح ويثبت فيه الخيار، أو يبطل
الصداق؟ فيه ثلاثة أوجه. أطلقها في الشرح (أو) شرطا أو أحدهما (عدم الوطئ أو)
شرطت (إن جاء بالمهر في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بينهما، أو شرط) الزوج (عدم المهر، أو)
عدم (النفقة، أو) شرط (قسمة لها أقل من ضرتها أو أكثر) منها، (أو) شرط (إن أصدقها رجع
عليها) بما أصدقه لها أو ببعضه. (أو يشترط أن يعزل عنها أو) شرطت أن (لا يكون عندها في
107

الجمعة إلا ليلة أو) شرطت أن (لا تسلم نفسها إليه، أو) شرطت (إلا بعد مدة معينة، أو)
شرطت (أن لا يسافر بها إذا أرادت انتقالا، أو) شرطت (أن يسكن بها حيث شاءت، أو) حيث
(شاء أبوها، أو) حيث شاء (غيره) من قريب أو أجنبي، (أو) شرطت (أن تستدعيه إلى الجماع
وقت حاجتها، أو) وقت (إرادتها، أو شرط لها النهار دون الليل، أو) شرطت (أ) ن (لا تنفق عليه
، أو) أن (تعطيه شيئا ونحوه)، كأن شرطت عليه أن ينفق عليها كل يوم عشرة دراهم مثلا. (بطل
الشرط) لأنه ينافي مقتضى العقد ويتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده. فلم
يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، (وصح العقد) لأن هذه الشروط تعود إلى معنى
زائد في العقد لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به فلم يبطله، كما لو شرط فيه صداقا محرما
، ولان النكاح يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتق. (وإن طلق
بشرط خيار وقع) طلاقه ولغا شرطه كالنكاح وأولى.
فصل
فإن تزوجها
أي تزوج رجل امرأة (على أنها مسلمة فبانت كتابية) أو قال الولي: زوجتك هذه
المسلمة فبانت كافرة. (أو تزوجها يظنها مسلمة ولم تعرف بتقدم كفر فبانت كافرة) كتابية
، (فله الخيار في فسخ النكاح)، لأنه شرط صفة مقصودة فبانت بخلافها. فأشبه ما لو شرطها
حرة فبانت أمة. (وبالعكس) بأن شرطها أو ظنها كافرة فبانت مسلمة (لا خيار له) لأن ذلك
زيادة خير فيها. (وإن شرطها أمة فبانت حرة) فلا خيار له، (أو) شرطها (ذات نسب فبانت
أشرف أو) شرطها (على صفة دنيئة فبانت أعلى منها)، كما لو شرطها شوهاء فبانت حسناء، أو
قصيرة فبانت طويلة، أو سوداء فبانت بيضاء (فلا خيار له) لأن ذلك زيادة خير فيها. (وإن
شرطها بكرا) فبانت ثيبا فله الخيار. (أو) شرطها (جميلة أو نسيبة) أي ذات نسب فبانت
108

بخلافه فله الخيار. (أو) شرطها (بيضاء أو طويلة، أو شرط نفي العيوب التي لا يفسخ بها
النكاح كالعمى والخرس والصمم والشلل ونحوه) كالعرج والعور (فبانت) الزوجة (بخلافه)
، أي بخلاف ما شرطه (فله الخيار نصا) لأنه شرط وصفا مقصودا فبانت بخلافه. (كما لو
شرط الحرية) فبانت أمة. (ويرجع) الزوج (بالمهر إن قبضته)
قلت: لعل المراد إن استقر بأن دخل أو خلا بها كما يأتي في الأمة.
(على الغار) له منها أو من وليه أو وكيله للغرور (وإلا) بأن فسخ قبل ما يقرره
(سقط)، لأنه فسخ قبل الدخول بسبب من جهتها. (ولا يصح فسخ في خيار الشرط إلا
بحكم حاكم) لأنه مختلف فيه (غير ما يأتي في الباب بعده). أي بعد ما ذكر من أن من
شرطت حرية زوجها فبان عبدا فلها الفسخ بلا حاكم، كما لو عتقت تحته. (وإن تزوج الحر
امرأة يظنها حرة الأصل) فبانت أمة، (أو شرطها حرة فبانت أمة، وكان الحر ممن لا يجوز له
نكاح الإماء) بأن يكون غير عادم الطول خائف العنت. فالنكاح غير صحيح ولا مهر قبل
الدخول. (أو كان) الحر (ممن يجوز له ذلك) أي نكاح الإماء لكونه عادم الطول خائف
العنت. (واختار الفسخ) فله ذلك لأنه عقد غر فيه أحد الزوجين بحرية الآخر، وكان له
ذلك، فثبت فيه الخيار كالآخر. ثم إن فسخ، (وكان ذلك قبل الدخول) بها (فلا مهر)
لحصول الفرقة من قبلها. (وإن كان) الزوج (دخل بها) ثم فسخ (فلها المسمى) لتقرره
بالدخول. (وولده منها حر) لأنه اعتقد حريتها فكان ولده حرا، لاعتقاده ما يقتضي حريته.
(ويفديه) الزوج (بقيمته يوم ولادته)، قضى بذلك عمر وعلي وابن عباس، لأنه محكوم
بحريته عند الوضع. فوجب أن يضمنه حينئذ، لأنه وقت فوات رقه. ولان الزيادة بعد الوضع
لم تكن مملوكة لمالك الأمة فلم يضمنها كما بعد الخصومة. (إن ولدته حيا لوقت يعيش
لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك) أي بعد أن ولدته، بخلاف ما إذا ولدته ميتا أو حيا لدون
ستة أشهر، لأنه في حكم الميت ولا قيمة له. (ويرجع) الزوج (بذلك) أي بالفداء، (و)
يرجع (بالمهر) يعني إذا لم يختر إمكان النكاح حيث يكون له الامضاء (على من غره، سواء
109

كان الغار واحدا أو أكثر كما يأتي قريبا) قضى به عمر وابن عباس، وعلي، وكذلك إن غرم
الزوج أجرة خدمتها له فله الرجوع بها على الغار. (وإن كان) حين تزوج بالمرأة (ظنها
عتيقة) فبانت أمة (فلا خيار له)، لأن الأصل عدم العتق فكأنه دخل على بصيرة. (والحكم
في المدبرة وأم الولد والمعلق عتقها بصفة) قبل وجودها، (كالأمة القن. وولد أم الولد يقوم
كأنه عبد) ويغرم أبوه قيمته يوم ولادته. (وكذلك ولد المعتق بعضها) يكون حرا إذا غر بها
، (ويفدي) الزوج (من ولدها بقدر ما فيه من الرق). وباقيه حر لا فداء فيه. (وكذلك المكاتبة)
إذا غر بها. (ويفديه) أي ولدها (أبوه) المغرور بها (ومهرها وقيمة ولدها لها) لأن ذلك من
كسبها (إلا أن يكون الغرور منها فلا شئ لها) لأنه لا فائدة في أن يجب لها ثم يرجع به
عليها. (ويثبت كونها أمة ببينة فقط لا بمجرد الدعوى) لحديث: لو يعطى الناس
بدعواهم. (ولا) يثبت كونها أمة أيضا (بإقرارها) بذلك، لأنه إقرار على غيرها فلم يقبل.
(وإن حملت المغرور بها فضربها ضارب فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة)، لأنه جنى
على جنين حر (يرثها ورثته)، أي ورثة الجنين كأنه ولد حيا ومات عنها. (وإن كان الضارب
أباه) فعليه غرة، و (لم يرثه) لأنه قاتل (ولا يجب فداء هذا الولد للسيد)، لأنه ولد ميتا ولا
قيمة له. (ويفرق بينهما) أي بين الأمة ومن غربها، (إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء)
بأن كان حرا فاقدا الشرطين أو أحدهما. (وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء فله الخيار)
كما تقدم، (فإن رضي بالمقام معها فما) حملت به وولدته (بعد الرضا فرقيق) لمالك الأمة
تبعا لامه، لأن ولد الأمة من نمائها ونماؤها لمالكها، وقد انتفى الغرر المقتضي للحرية. (وإن
كان المغرور) بالأمة (عبدا فولده) منها (أحرار) لأنه وطئها معتقدا حرية أولادها فأشبه الحر
، (يفديهم) أي يفدي العبد أولاده من الأمة التي غر بها بقيمتهم يوم الولادة (إذا عتق لتعلقه)
110

أي الفداء (بذمته)، لأنه فوت رقهم باعتقاده الحرية ولا مال له في الحال، فتعلق الفداء
بذمته. ويفارق الجناية والاستدانة لأنهم إنما عتقوا من طريق الحكم من غير جناية منه، ولا
أخذ عوض (ويرجع) العبد (به) أي بالفداء (على من غره) قال في الكافي والشرح:
ولا يرجع به حتى يغرمه لأنه لا يرجع بشئ لم يفت عليه، (كأمره) أي كما لو أمر إنسان
عبدا (بإتلاف مال غيره) مغررا به (بأنه) أي المال (له) أي للآمر، (فلم يكن) المال له وأغرمه
مالكه قيمته. فإنه يرجع على الآمر (ويرجع) العبد (عليه) أي على الغار (بالمهر المسمى
أيضا) لما تقدم في الحر. (وشرط رجوعه) أي المغرور حرا أو عبدا (على الغار) له (أن
يكون) الغار (قد شرط له أنها حرة ولو لم يقارن الشرط العقد) بأن تقدم عليه (حتى مع
إيهامه حريتها) بأن علم رقها وكتمه. (قاله في الشرح والمغني) قال في المنتهى:
والغار من علم رقها ولم يبينه. وفي نسخ (نصا) لكن سيأتي كلام الشرح: لا يكون غارا
إلا بالاشتراط أو الاخبار بحريتها، أو إيهامه ذلك بقرائن تغلب على ظنه حريتها فينكحها
على ذلك. ويرغب فيها ويصدقها صداق الحرائر. (ولمستحق الفداء) والمهر (مطالبة الغار
ابتداء)، أي من غير أن يطالب الزوج لاستقرار الضمان عليه. (فإن كان الغار) هو (السيد ولم
تعتق بذلك)، أي ولم يكن التغرير بلفظ ثبتت به الحرية (فلا شئ له على الزوج) لعدم
الفائدة في أنه يجب له ما يرجع به عليه. (وإن كان) الغار (الأمة) غير المكاتبة (تعلق)
الواجب (برقبتها)، فيغرم الزوج المهر وقيمة الأولاد للسيد، ويتعلق ذلك برقبتها، فيخير
سيدها بين فدائها بقيمتها إن كانت أقل مما يرجع به عليها أو يسلمها. فإن اختار فداءها
111

بقيمتها سقط قدر ذلك عن الزوج فإنه لا فائدة في أن نوجبه عليه ثم نرده إليه. وإن اختار
تسليمها سلمها وأخذ ما وجب له. (وإن كان) الغار (أجنبيا رجع) الزوج بما غرمه (عليه) لما
تقدم، (وإن كان الغرر منها) أي الأمة (ومن وكيلها فالضمان بينهما نصفان)، كالشريكين في
الجناية. ويتعلق ما وجب عليها برقبتها كما تقدم. (وإن تزوجت حرة) رجلا على أنه حر (أو)
تزوجت (أمة رجلا على أنه حر، أو) تزوجته الحرة أو الأمة (تظنه حرا فبان عبدا، فلها
الخيار بين الفسخ والامضاء نصا) أما الحرة فلأنها إذا ملكت الفسخ للحرية الطارئة فللسابقة
أولى. وأما الأمة فلأنها مغرورة بحرية من ليس بحر. أشبهت الحرة والعبد المغرور. وعلم
منه صحة النكاح لأن اختلاف الصفة لا يمنع صحة العقد، كما لو تزوج أمة على أنها حرة،
وهذا إذا كملت شروط النكاح، وكان بإذن سيده (فإن اختارت الحرة الامضاء فلأوليائها
الاعتراض عليها لعدم الكفاءة، وإن اختارت الفسخ فلها ذلك من غير حاكم كما لو كانت)
عتقت (تحت عبد، وإن غرها بنسب فبان دونه وكان ذلك مخلا بالكفاءة) بأن غرها بأنه عربي
فبان عجميا، (فلها الخيار) لعدم الكفاءة (وإن لم يخل) ذلك (بها) أي الكفاءة (فلا خيار)
لها، لأن ذلك ليس بمعتبر في صحة النكاح. (أشبه ما لو شرطته فقيها فبان بخلافه. وإن
شرطت) المرأة (صفة غير ذلك) المذكور من الحرية والنسب (مما لا يعتبر في الكفاءة
كالجمال ونحوه. فبان أقل منها فلا خيار لها) لما تقدم، (وكل موضع حكم فيه بفساد العقد
ففرق بينهما قبل الدخول فلا مهر. و) إن فرق بينهما (بعده فلها مهر المثل) بما استحل من
فرجها. لكن يأتي في آخر الصداق: أن لها المسمى وهو المذهب كما في الانصاف (1).
(وكل موضع فسخ فيه النكاح مع صحته قبل الدخول فلا مهر) لها لحصول الفسخ منها أو
بسبب من جهتها. (و) إن فسخ (بعده) أي بعد الدخول أو الخلوة ونحوها مما يقرره (يجب
المسمى) في العقد لتقرره. ولأنه فسخ طرأ على نكاح صحيح فأشبه الطلاق.
112

فصل
وإن عتقت الأمة كلها وزوجها حر
فلا خيار لها (أو) عتقت كلها و (بعضه) حر (فلا خيار لها). لقول ابن عمر وابن
عباس، ولأنها كافأت زوجها في الكمال، فلم يثبت لها خيار كما لو أسلمت الكتابية تحت
مسلم. وأما خبر الأسود عن عائشة: أن النبي (ص) خير بريرة وكان زوجها حرا، رواه
النسائي. فقد روى عنها القاسم بن محمد وعروة: أن زوج بريرة كان عبدا أسود لبني المغيرة
يقال له مغيث رواه البخاري، وغيره. وهما أخص بها من الأسود لأنهما ابن أخيها وابن
أختها قال أحمد: هذا ابن عباس وعائشة قالا في زوج بربرية: إنه عبد رواية علماء
المدينة وعملهم. وإذا روى أهل المدينة حديثا وعملوا به فهو أصح شئ، وإنما يصح أنه
حر عن الأسود وحده. (وإن كان) زوج الأمة التي عتقت كلها (عبدا فلها فسخ النكاح
بنفسها بلا حاكم). لأنه فسخ مجمع عليه غير مجتهد فيه فلم يفتقر إلى حكم حاكم كالرد
بالعيب في البيع، بخلاف خيار العيب في النكاح. (فإذا قالت: اخترت نفسي أو) قالت
: (فسخت النكاح انفسخ)، وكذا لو قالت اخترت فراقه. (ولو قالت: طلقت نفسي. ونوت
المفارقة كان) ذلك (كناية عن الفسخ) لأنه يؤدي معنى الفسخ، فصلح كونه كناية عنه
كالكناية بالفسخ عن الطلاق، ولا يكون فسخها لنكاحها طلاقا. لقوله (ص): الطلاق لمن
أخذ بالساق ولأنها فرقة من قبل الزوجة. وكانت فسخا كما لو اختلف دينهما. (وهو) أي
113

خيار الفسخ منها (على التراخي) كخيار العيب، (فإن عتق) زوجها (قبل فسخها) بطل
خيارها، لأن الخيار لدفع الضرر بالرق. وقد زال بالعتق فسقط الخيار كالمبيع إذا زال عيبه
سريعا. (أو رضيت) العتيقة (بالمقام معه) رقيقا. وفي نسخة بعده أي بعد العتق. فلا خيار
لها لأن الحق لها، وقد أسقطته. (أو أمكنته من وطئها أو) من (مباشرتها. أو) من (تقبيلها
طائعة أو قبلته هي ونحوه مما يدل على الرضا بطل خيارها). لما روى أبو داود: أن بريرة
عتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي محمد، فخيرها النبي (ص)، وقال لها: إن قربك فلا خيار
لك. (فإن ادعت الجهل بالعتق وهو مما يجوز) أي يمكن (جهله أو) ادعت (الجهل بملك
الفسخ لم تسمع) دعواها، (وبطل خيارها نصا) لعموم ما سبق. (ويجوز للزوج الاقدام على
وطئها إذا كانت غير عالمة) بالعتق ولا يمنع منه لأنه حقه، ولم يوجد ما يسقطه. (ولو بذل
الزوج لها) أي العتيقة (عوضا على أن تختاره) أي الزوج (جاز) ذلك (نصا).
قال ابن رجب: وهو راجع إلى صحة إسقاط الخيار بعوض وصرح الأصحاب بجوازه
في خيار البيع. (ولو شرط معتقها عليها دوام النكاح تحت حر) إن قلنا لها الفسخ إذا عتقت
تحته. (أو) شرط عليها معتقها دوام النكاح تحت (عبد إذا أعتقها فرضيت) بالشرط (لزمها
ذلك)، وليس لها الفسخ إذن، كأنه استثنى منفعة بضعها الزوج، والعتق بشرط جائز (فإن
كانت) من عتقت تحت عبد (صغيرة) دون تسع (أو مجنونة فلا خيار لها في الحال)، لأنه لا
حكم لقولها. (ولها الخيار إذا بلغت تسعا وعقلت) لكونها صارت على صفة لكلامها حكم،
وكذا لو كان بزوجها عيب يوجب الفسخ، (ما لم يطأ الزوج قبل ذلك) أي قبل اختيارها
الفسخ فيسقط كالكبيرة، لانقضاء مدة الخيار. (ولا يمنع زوجها من وطئها) كما لا يمنع من
وطئ الكبيرة قبل علمها. (وليس لوليها) أي الصغيرة أو المجنونة (الاختيار عنها)، لأن طريق
ذلك الشهوة فلا يدخل تحت الولاية كالقصاص. (فإن طلقت) من عتقت تحت عبد (قبل
أن تختار) الفسخ (وقع الطلاق) لصدوره من أهله في محله كما لو لم تعتق. (وبطل
114

خيارها إن كان) الطلاق (بائنا) لفوات محله. (وإن كان) الطلاق (رجعيا) فلها الخيار، (أو
عتقت المعتدة الرجعية فلها الخيار) ما دامت في العدة. لأن نكاحها باق يمكن فسخه ولها
في الفسخ فائدة فإنها لا تأمن رجعته إذا لم تفسخ بخلاف البائن. (فإن رضيت) الرجعية
(بالمقام بطل خيارها) لأنها حالة يصح فيها اختيار الفسخ فصح اختيار المقام كصلب النكاح
وإن لم تختر شيئا لم يسقط خيارها، لأنه على التراخي وسكوتها لا يدل على رضاها. (وإن
فسخت) الرجعية (في العدة بنت على ما مضى منها) أي من العدة، لأن الفسخ لا ينافي عدة
الطلاق ولا يقطعها، فهو كما لو طلقها طلقة أخرى. (تمام عدة حرة) لأنها عتقت في عدتها
وهي رجعية. (فإن) لم تفسخ و (راجعها فلها الفسخ)، لأنه على التراخي كما تقدم (فإن
فسخت ثم عاد يتزوجها بقيت معه بطلقة واحدة)، لأن عدد الطلاق يعتبر بالزواج كما يأتي
وهو رقيق، وقد طلق واحدة فبقيت له أخرى. (وإن تزوجها بعد أن عتق رجعت معه على
طلقتين) كسائر الأحرار. (ومتى اختارت) العتيقة (الفرقة بعد الدخول فالمهر للسيد) لأنه
وجب بالعقد وهي ملكه حالته، كما لو لم تفسخ. (وإن كان) الفسخ (قبله) أي قبل الدخول
(فلا مهر)، لأن الفرقة أتت من قبل الزوجة فسقط بذلك مهرها، كما لو أرضعت زوجة له
صغرى. (وإن أعتق أحد الشريكين) نصيبه من الأمة (وهو) أي المعتق (معسر فلا خيار لها)
، لأنها لم تعتق كلها فلم تفته المكافأة. (ولو زوج مدبرة له لا يملك غيرها وقيمتها مائة بعبد
على مائتين مهرا ثم مات السيد عتقت ولا فسخ) لها (قبل الدخول، لئلا يسقط المهر)
على المذهب (أو يتنصف) على مقابل المذهب، (فلا تخرج من الثلث فيرق بعضها فيمتنع
الفسخ). لأن ما أدى وجوده إلى رفعه يرتفع من أصله. (فهذه مستثناة من كلام من أطلق) من
الأصحاب أن من عتقت تحت رقيق كله لها الفسخ.
ويعايي بها: فيقال أمة عتقت كلها تحت رقيق كله، ولم تملك الفسخ. (وإن أعتق
الزوجان معا فلا خيار لها) لعدم فوات المكافأة، (وإن أعتق العبد وتحته أمة فلا خيار له، لان
الكفاءة تعتبر فيه لا فيها، فلو تزوج) رجل (امرأة مطلقا) أي عن شرط حرية ولا رق،
115

(فبانت أمة فلا خيار) له لما سبق، (ولو تزوجت) رجلا (مطلقا) أي من غير شرط حرية أو
عدمها (فبان عبدا فلها الخيار) لما سبق، (فكذلك في الاستدامة) فإذا عتق العبد وتحته أمة لا
خيار له، وإذا عتقت تحت عبد فلها الخيار على ما سبق تفصيله. (ويستحب لمن له
عبد وأمة متزوجان فأراد عتقهما البداءة بالرجل لئلا يثبت لها عليه خيار). فتفسخ نكاحه لما
روى أبو داود والأثرم بإسنادهما عن عائشة: أنه كان لها غلام وجارية وتزوجا، فقالت للنبي
(ص): إني أريد أن أعتقهما، فقال لها: ابدئي بالرجل قبل المرأة وعن صفية بنت أبي عبيد أنها
فعلت ذلك، وقالت للرجل: إني بدأت بعتقك لئلا يكون لها عليك خيار. ولمالك زوجين
بيعهما وبيع أحدهما ولا فرقة بذلك، ومن عتقت وزادها زوجها في مهرها فالزيادة لها دون
سيدها، سواء كان زوجها حرا أو عبدا، عتق معها أو لم يعتق. وعلى قياس ذلك لو زوجها
سيدها ثم باعها فزادها زوجها في مهرها فالزيادة للثاني، قاله في الشرح (2).
باب العيوب في النكاح
أي بيان ما يثبت به الخيار من العيوب وما لا يثبت به خيار. وأقسام العيوب المثبتة
للخيار ثلاثة أحدها ما يختص بالرجل. وقد ذكره بقوله: (إذا وجدت) المرأة (زوجها
مجبوبا أي مقطوع الذكر) كله أو بعضه، بحيث (لم يبق منه ما يطأ به أو) وجدت زوجها
(أشل) الذكر (فلها الفسخ في الحال). ويروى ثبوت الخيار لكل من الزوجين إذا وجد
بالآخر عيبا في الجملة عن عمر وابنه وابن عباس، وعن علي لا ترد الحرة بعيب، وعن ابن
مسعود لا يفسخ النكاح بعيب. ولنا أن المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز ردها بعيب،
كالصداق، والرجل أحد الزوجين فيثبت له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة. ولان الجب
والرتق ونحوهما يمنع المقصود بعقد النكاح وهو الوطئ، بخلاف العمى والزمانة ونحوهما.
وأما الجذام والبرص والجنون فتوجب نفرة تمنع قربانه بالكلية، ويخاف من التعدي إلى
نفسه ونسله. والمجنون يخاف منه الجناية، فصارت كالمانع الحسي. (فإن) جب أي قطع
116

بعض ذكره و (أمكن وطؤه بالباقي فادعاه) أي إمكان وطئه بالباقي من ذكره. (وأنكرته قبل
قولها مع يمينها) لأنه يضعف بالقطع والأصل عدم الوطئ. (وإن بان) الزوج (عنينا) أي عاجزا
عن الوطئ وربما اشتهاه ولا يمكنه، من عن الشئ إذا اعترض، لأن ذكره يعن إذا أراد
إيلاجه أي يعترض. (لا يمكنه الوطئ بإقراره) متعلق ببان (أو ببينة على إقراره) أنه عنين. قال
في المبدع: فإن كان للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة عمل بها. (أو بنكوله) عن اليمين
(كما يأتي. أجل سنة هلالية، ولو عبدا منذ ترافعه إلى الحاكم) فيضرب الحاكم (له المدة
ولا يضربها غيره)، أي غير الحاكم. لما روي: أن عمر أجل العنين سنة. وروى ذلك
الدارقطني عن ابن مسعود بن شعبة وروى أيضا عن عثمان ولا مخالف لهم.
ورواه أبو حفص عن علي، ولأنه عيب يمنع الوطئ فأثبت الخيار، كالجب في الرجل
والرتق في المرأة. وأما ما روي أن امرأة أتت النبي (ص) فقالت: يا رسول الله إن رفاعة
طلقني فبت طلاقي فتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير، وأن ماله مثل هدبة الثوب. فقال
: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك، ولم يضرب له
مدة. فقال ابن عبد البر: قد صح أن ذلك كان بعد طلاقه، فلا معنى لضرب المدة. (ولا
تعتبر عنته إلا بعد بلوغه) لاحتمال أن يكون عجزه لصغره لا خلقة. (ولا يحتسب عليه منها)
أي السنة (ما اعتزلته) المرأة له بالنشوز أو غيره، لأن المانع منها، وإنما تضرب له السنة، لأنه
قول من سمى من الصحابة. ولان هذا العجز قد يكون لعنته، وقد يكون لمرض فضرب له
سنة لتمر به الفصول الأربعة، فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة، وإن كان من رطوبة زال
في فصل اليبس، وإن كان من برودة زال في فصل الحرارة، وإن كان من انحراف مزاج زال
في فصل الاعتدال. فإذا مضت الفصول الأربعة ولم يزل علمنا أنه خلقة. (ولو عزل) الزوج
(نفسه) عنها (أو سافر) لحاجة أو غيرها (حسب عليه) ذلك من المدة، لأنه من قبله وكالمولى
، (فإن وطئ) الزوج (فيها) أي في السنة فليس بعنين. (وإلا) بأن مضت ولم يطأها فيها، (فلها
الفسخ) أي فسخ نكاحها منه لما سبق، (وإن جب) أي قطع ذكره (قبل الحول ولو) كان
الجب (بفعلها فلها الخيار من وقتها) لأنه لا فائدة، إذ التأجيل والفسخ إذن للجب لا للعنة
117

(فإن قال) الزوج (قد علمت أني عنين قبل أن أنكحها فإن أقرت) بذلك (أو ثبت) علمها به
(ببينة فلا يؤجل وهي امرأته)، ولا فسخ لها لدخولها على بصيرة. (وإن علمت أنه عنين بعد
الدخول فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك)، لأنه على التراخي (ويؤجل سنة من
يوم ترافعه) لا من العقد ولا من الدخول. (وإن قالت في وقت من الأوقات: رضيت به
عنينا لم يكن لها المطالبة بعد) ذلك بالفسخ لاسقاطها حقها منه. (وإن لم يعترف) بأنه عنين
(ولم تكن بينة) تشهد باعترافه أو بعنته إن أمكن، (ولم يدع وطئا حلف) على ذلك لقطع
دعواها. وإنما كان القول قوله لأن الأصل في الرجل السلامة. (فإن نكل) عن اليمين
(أجل) سنة لما يأتي في القضاء بالنكول. (فإن اعترفت) المرأة (أنه وطئها مرة في القبل ولو)
كان الوطئ (في مرض يضرها فيه الوطئ وفي حيض ونحوه) كنفاس (أو في إحرام أو وهي
صائمة، وظاهره ولو في الردة بطل كونه عنينا) لزوال عنته بالوطئ، (فإن وطئها في الدبر) لم
تزل العنة لأنه ليس محلا للوطئ فيما دون الفرج، ولذلك لا يتعلق به إحصان ولا إحلال
لمطلقة ثلاثا. (أو) وطئها (في نكاح سابق أو وطئ غيرها لم تزل العنة لأنها قد تطرأ) ولان
حكم كل مرأة يعتبر بنفسها، والفسخ لزوال الضرر الحاصل بعجزه عن وطئها، وهو لا يزول
بوطئ غيرها. (وإن ادعى) زوج (وطئ بكر فشهد بعذرتها) بضم العين أي بكارتها (امرأة ثقة
أجل) سنة كما لو كانت ثيبا. (والأحوط شهادة امرأتين) ثقتين، (وإن لم يشهد بها) أي البكارة
(أحد فالقول قوله) لأن الأصل السلامة. (وعليها اليمين إن قال) الزوج (أزلتها) أي البكارة
(وعادت) لاحتمال صدقه. لكنه خلاف الظاهر. فلذلك كان القول قولها بيمينها. (وإن
شهدت) امرأة ثقة (بزوالها) أي البكارة بعد دعواه الوطئ (لم يؤجل)، أي لم يثبت له حكم
العنين في تأجيله سنة لبيان كذبها بثبوت زوال بكارتها. (وعليه اليمين إن قالت) المرأة
(زالت) البكارة (بغيره)، أي بغير وطئه لاحتمال صدقها، (وكذا إن أقر بعنته وأجل) السنة
(وادعى وطأها في المدة)، فقولها إن كانت بكرا وشهدت ثقة ببقاء بكارتها عملا بالظاهر.
118

(وإن كانت ثيبا وادعى وطأها بعد ثبوت عنته وأنكرته، ف‍) - القول (قولها) لأن الأصل عدم
الوطئ. وقد انضم إليه وجود ما يقتضي الفسخ وهو ثبوت العنة. (وإن ادعى الوطئ ابتداء مع
إنكار العنة وأنكرته) أي الوطئ (فقوله مع يمينه) إن كانت ثيبا. لأن الأصل السلامة. (فإن
نكل) عن اليمين (قضى عليه بنكوله ويكفي في زوال العنة تغييب الحشفة أو قدرها من
مقطوع) الحشفة (مع انتشاره). ليكون ما يجزئ من المقطوع مثل ما يجزئ من الصحيح.
وكذا يسقط حق امرأة من جب بعض ذكره بتغييب قدر الحشفة مع الانتشار. (وإن ادعت
زوجة مجنون عنته ضربت له المدة) عند ابن عقيل وصوبه في الانصاف. وعند القاضي:
لا تضرب. ووجه الأول أن مشروعية ملك الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن الوطئ.
وذلك يستوي فيه المجنون والعاقل. قال في المنتهى: ومجنون ثبتت عنته كعاقل في
ضرب المدة. (ويكون القول قولها هنا في عدم الوطئ ولو كانت ثيبا). لأن قول المجنون لا
حكم له. (وإن علم أن عجزه) أي الزوج (عن الوطئ لعارض من صغر أو مرض مرجو الزوال
لم تضرب له مدة)، لأنه ليس بعنين وعارضه مرجو الزوال. (وإن كان) عجزه عن الوطئ (لكبر
أو مرض لا يرجى زواله ضربت له المدة)، كالخلقي لأن عارضه لا يرجى زواله. (وكل موضع
حكمنا بوطئه فيه بطل حكم عنته. فإن كان) الحكم بوطئه (في ابتداء الامر) عند الترافع (لم
تضرب له مدة)، لأنه لا عنة مع الوطئ. (وإن كان) الحكم بوطئه (بعد ضربها انقطعت) عنته،
لأنه لا يمكن زوالها. (وإن كان) الحكم بوطئه (بعد انقضائها لم يثبت لها خيار) الفسخ لزوال
موجبه، كما لو زال عيب المبيع سريعا. (وكل موضع حكمنا بعدم الوطئ فيه حكمنا بعنته، كما
لو أقر بها) أي بالعنة. لأن عدم الوطئ علامتها.
119

فصل
القسم الثاني من العيوب
ما يشترك فيه الرجال والنساء. وقد أشار إليه بقوله: (ويثبت الخيار في فسخ النكاح
بجذام أو برص أو جنون ولو أفاق) أحيانا. لأن النفس لا تسكن إلى من هذه حاله. (فإن
اختلفا في بياض بجسده هل هو بهق أو برص؟ أو) اختلفا (في علامات الجذام من ذهاب
شعر الحاجبين، هل هو جذام؟ فإن كانت للمدعي بينة من أهل الثقة والخبرة تشهد بما قال
ثبت قوله، وإلا) بأن لم تكن له بينة بذلك (حلف المنكر) لحديث البينة على المدعي
واليمين على من أنكر. (والقول قوله) أي المنكر حيث لا بينة بيمينه، ولما سبق. (وإن
اختلفا في عيوب النساء) تحت الثياب (أريت النساء الثقات) لأن الحاجة تندفع بذلك
(ويقبل قول امرأة واحدة عدل) فيكتفي بشهادتها بذلك. لأنه محل حاجة والأحوط اثنتان.
كما يأتي في الشهادات. (وإن شهدت) امرأة عدل (بما قال الزوج) من العيب في امرأته عمل
بشهادتها. (وإلا فالقول قول المرأة) في عدم العيب. لأن الأصل السلامة.
قلت: وفي معنى ذلك لو ادعى الزوج بعد الوطئ أنه وجد الزوجة ثيبا وقالت: بل
كنت بكرا. فالظاهر أن القول قولها. لأن الأصل السلامة. بخلاف ما تقدم في البيع إذا
اختلف البائع والمشتري في ذلك. لأن الأصل براءة المشتري من الثمن. (وإن زال العقل
بمرض فهو إغماء لا يثبت به خيار) لأنه لا تطول مدته ولا تثبت الولاية به. (فإن زال
المرض ودام الاغماء فهو كالمجنون) يثبت به الخيار. قاله في الشرح. وعبارة الزركشي
120

والمبدع: فهو جنون (يثبت به الخيار) القسم الثالث من العيوب: ما يختص بالنساء.
وهو المشار إليه بقوله: (ويثبت) خيار الفسخ للزوج (بالرتق) بفتح الراء والتاء، (وهو كون
الفرج مسدودا ملتصقا لا مسلك للذكر فيه) بأصل الخلقة. ويثبت خيار الفسخ للزوج
(بالقرن والعفل وهو لحم يحدث فيه يسده) فعلى هذا: القرن والعفل في العيوب واحد.
وهو قول القاضي وظاهر الخرقي. (وقيل: القرن عظم أو غدة تمنع ولوج الذكر) قاله صاحب
المطلع والزركشي. (وقيل: العفل رغوة تمنع لذة الوطئ) قاله أبو حفص (وقيل: شئ يخرج
من الفرج شبيه بالأدرة التي للرجال في الخصية)، قاله صاحب المطلع والزركشي. ولا
تعارض بين هذه الأقوال، لامكان أن يكون مشتركا بين هذه الأمور. فلذلك قال. (وعلى كلا
الأقوال يثبت به الخيار)، لأنه يمنع الوطئ المقصود من النكاح. (ويثبت) الخيار للرجل أيضا
(بانخراق ما بين السبيلين) أي القبل والدبر من المرأة. (و) بانخراق (ما بين مخرج بول
ومني) وهو الفتق. لأنه يمنع لذة الوطئ وفائدته. (و) يثبت الخيار لكل من الزوجين (ببخر
فم) الآخر. فهو من العيوب المشتركة. قال في الفروع. قال بعض أصحابنا: يستعمل
للبخر السواك، ويأخذ في كل يوم ورق آس مع زبيب منزوع العجم بقدر الجوزة، واستعمال
الكرفس ومضغ النعناع جيد فيه. قال بعضهم: والدواء القوي لعلاجه: أن يتغرغر بالصبر
كل ثلاثة أيام على الريق ووسط النهار، وعند النوم ويتمضمض بالخردل بعد ثلاثة أيام أخر،
يفعل ذلك كلما يتغير فمه إلى أن يبرأ، وإمساك الذهب في الفم يزيل البخر. (و) يثبت الخيار
للرجل ببخر (فرج) المرأة، وهو نتن في الفرج يثور بالوطئ. (و) يثبت الخيار لكل منهما
(باستطلاق بول و) استطلاق (نجو) أي غائط، (و) يثبت الخيار للرجل (بقروح سيالة في
فرج) المرأة، (و) يثبت الخيار لكل منهما (بباسور وناصور) وهما داءان بالمقعدة. فالباسور:
منه ما يأتي كالعدس أو الحمص أو العنب أو التوت. ومنه ما هو غائر داخل المقعدة، وكل
من ذلك إما سائل أو غير سائل، والناصور قروح غائرة تحدث في المقعدة يسيل منها
صديد، وينقسم إلى نافذة وغير نافذة. وعلامة النافذة أن يخرج الريح والنجو بلا إرادة.
وإذا أدخل في الناصور ميلا وأدخل الإصبع في المقعدة، فإن التقيا فالناصور نافذ. (و) يثبت
121

للمرأة خيار الفسخ ب‍ (- خصاء) الرجل (وهو قطع الخصيتين. و) يثبت لها الخيار أيضا ب‍
(- سل وهو سلهما) أي الخصيتين (و) يثبت الخيار لها أيضا ب‍ (- وجاء) بكسر الواو والمد
(وهو رضهما) أي رض الخصيتين. قال في المطلع: هو رض عرق البيضتين حتى ينفسخ
فيكون شبيها بالخصاء. انتهى. وإنما ثبت لها الخيار بذلك. لأن فيه نقصا يمنع الوطء أن
يضعفه وقد روى أبو عبيد بإسناده عن سليمان بن يسار: أن ابن سند تزوج امرأة وهو
خصي. فقال له عمر: أعلمتها؟ قال: لا. قال: أعلمها ثم خيرها (و) يثبت الخيار لكل
منهما ب‍ (- كونه) أي أحد الزوجين (خنثى غير مشكل. وأما) الخنثى (المشكل فلا يصح
نكاحه)، حتى يتضح كما تقدم، فيفسخ النكاح بكل واحد من العيوب السابقة. لأن منها ما
يخشى تعدي أذاه، ومنها ما فيه نفرة ونقص. ومنها ما تتعدى نجاسته. (و) يثبت الفسخ ب‍
(- وجدان أحدهما بالآخر عيبا به عيب غيره أو مثله) كأن يجد الأجذم المرأة برصاء أو
جذماء لوجود سببه. كما لو غر عبد بأمة. ولان الانسان يعاف من
غيره ما لا يعاف من نفسه (إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي أن يثبت لهما خيار. قاله الموفق
والشارح) وصاحب المبدع، لامتناع الاستمتاع بعيب نفسه. واختار في الفصول: إن
لم يطأ لطروئها فكرتقاء، (و) يثبت الخيار أيضا (بحدوثه) أي العيب (بعد العقد ولو بعد
الدخول. قاله الشيخ) في شرح المحرر. (وتعليلهم) بأنه عيب أثبت الخيار مقارنا فأثبت طارئا
كالاعسار والرق. (لا يدل عليه) أي على ما قاله الشيخ من ثبوت الخيار ولو بعد الدخول.
(وهنا) أي إذا كان الفسخ بعد الدخول لعيب طرأ بعده، (لا يرجع) الزوج (بالمهر على أحد
، لأنه لم يحصل غرر) لأنه لا يعلم الغيب إلا الله. (ويثبت) للزوج خيار الفسخ (باستحاضة
و) يثبت الخيار لها ب‍ (- قرع في رأس وله ريح منكرة)، لما فيه من النفرة. (فإن كان) أحد
الزوجين الذي لا عيب به (عالما بالعيب) في الآخر (وقت العقد) فلا خيار له، (أو علم)
122

بالعيب (بعده) أي بعد العقد (ورضي به) فلا خيار له. قال في المبدع بغير خلاف نعلمه
، لأنه قد رضي به كمشتري المعيب. (أو وجد منه دلالة على الرضا) بالعيب (من وطئ أو
تمكين) من وطئ (مع العلم بالعيب فلا خيار له) لما تقدم، (و) إن اختلفا في العلم بالعيب ف‍
(- القول قوله) أي قول منكر العلم (مع يمينه في عدم علمه) بالعيب لأنه الأصل. (فإن
رضي بعيب) كما لو رضيها رتقاء مثلا، (ثم حدث عيب آخر من غير جنسه) بأن حدث
للرتقاء جذام، (فله الخيار) للعيب الحادث، لأنه لم يرض به
. (فإن ظن العيب الذي رضي به يسيرا فبان كثيرا، كمن ظن البرص في قليل من جسده، فبان في كثير منه، أو زاد) العيب
(بعد العقد فلا خيار له)، لأنه من جنس ما رضي به، ورضاه به رضا بما يحدث منه. (وإن
كان الزوج صغيرا) ولو دون عشر، (وبه جنون أو جذام أو برص فلها الفسخ في الحال)
لوجود سببه. (ولا ينتظر وقت إمكان الوطئ، وعلى قياسه الزوجة إذا كانت صغيرة أو مجنونة
أو عفلاء أو قرناء) قاله الشيخ تقي الدين، أي فله الفسخ في الحال، ولا ينتظر وقت إمكان
الوطئ، لأن الأصل بقاؤه بحاله.
فصل
وخيار العيوب والشروط على التراخي
لأنه لدفع ضرر متحقق، فكان على التراخي كخيار القصاص. ف‍ (- لا يسقط إلا أن
توجد منه) أي ممن له الخيار (دلالة على الرضا من قول)، كقوله: أسقطت الفسخ ونحوه:
رضيت. (أو وطئ) إذا كان الخيار للزوج لأنه يدل على رغبته فيها. (أو تمكين) من وطئ إن
كان الخيار لها لأنه دليل رغبتها فيه، (مع العلم بالعيب) وتقدم معناه. (أو يأتي بصريح الرضا)
123

كقوله: رضيت بالعيب. (فإن ادعى الجهل بالخيار ومثله يجهله) كعامي لا يخالط الفقهاء
كثيرا (فالأظهر ثبوت الفسخ، قاله الشيخ) عملا بالظاهر. وقال في المنتهى: لو جهل
الحكم أي يسقط خياره بما يدل على الرضا ولو جهل الحكم. (و) خيار الفسخ (في العنة لا
يسقط بغير قول) امرأة العنين أسقطت حقي من الفسخ، أو رضيت به عنينا ونحوه، لا بتمكينها
من الوطئ، لأنه واجب عليها لتعلم أزالت عنته أو لا. (ومتى زال العيب) قبل الفسخ، (فلا
فسخ) لزوال سببه كالمبيع يزول عيبه (ولو فسخت بعيب) كبياض ببدنه ظنته برصا، (فبان أن
لا عيب بطل) أي تبينا بطلان (الفسخ)، إذ الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما (واستمر
النكاح) لعدم ما يقتضي فسخه، (ولا فسخ بغير العيوب المذكورة كعور وعرج وعمى وخرس
، وطرش وقطع يد أو رجل. وكل عيب ينفر الزوج الآخر منه خلافا لابن القيم) قال إنه أولى
من البيع. والفرق أن المقصود من النكاح الوطئ وهذه لا تمنعه، والحرة لا تقلب كما تقلب
الأمة والزوج قد رضيها مطلقا، وهو لم يشترط صفة فبانت دونها. وقال أبو البقاء:
الشيخوخة في أحدهما عيب. (فإن شرط الزوج نفي ذلك) أي العور والعرج ونحوه فبانت
بخلافه فله الخيار، (أو شرطها بكرا أو جميلة ونحوه) بأن شرطها نسيبة، (فبانت بخلافه فله
الخيار) لشرطه، (وكذا لو شرطته) حرا (أو ظنته حرا فبان عبدا وتقدم في الباب قبله) بأوسع
من هذا. (ولو بان) أحدهما (عقيما) فلا خيار للآخر، (أو كان) الزوج (يطأ ولا ينزل. فلا
خيار لها لأن حقها في الوطئ لا في الانزال. ولا يصح فسخ في خيار العيب وخيار الشرط
إلا بحكم حاكم). لأنه فسخ يجتهد فيه، فافتقر إليها كالفسخ للعنة والاعسار بالنفقة، إلا الحرة
إذا غرت بعبد. ومن عتقت كلها تحت رقيق كله فتفسخ بلا حاكم، وتقدم. (فيفسخه) أي
النكاح (الحاكم أو يرده) أي الفسخ (إلى من له الخيار) فيفسخه، (ويصح) الفسخ من المرأة
حيث ملكته (في غيبة زوج) كما تقدم في الخيار. (والأولى) الفسخ (مع حضوره) أي الزوج
خروجا من خلاف من منعه في غيبته. (والفسخ لا ينقص عدد الطلاق) لأنه ليس بطلاق. (وله)
124

أي الزوج (رجعتها) يعني إعادتها (بنكاح جديد) بولي وشاهدي عدل، (وتكون عنده على
طلاق ثلاث) حيث لم يسبق له طلاق، (وكذا سائر الفسوخ) كالفسخ لاعساره بالصداق أو
بالنفقة، وفسخ الحاكم على المولى بشرطه (إلا فرقة اللعان). فإن الملاعنة تحرم على
الملاعن أبدا كما تقدم. (فإن فسخ) النكاح (قبل الدخول فلا مهر) ولا متعة، سواء كان
الفسخ من الرجل أو المرأة. لأن الفسخ إن كان منها فالفرقة من جهتها. وإن كان منه فإنما
فسخ لعيب بها دلسته بالاخفاء، فصار الفسخ كأنه منها. لا يقال: هلا جعل فسخها لعيبه كأنه
منه لحصوله بتدليسه. لأن العوض من الزوج في مقابلة منافعها، فإذا اختارت الفسخ مع
سلامة ما عقد عليه رجع العوض إلى العاقد منها، وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع
الزوج. وإنما ثبت لها الخيار لأجل ضرر يلحقها، لا لأجل تعذر ما استحقت عليه في مقابلته
منافع عوضا، فافترقا. (و) إن فسخ (بعده) أي بعد الدخول (أو بعد خلوة)، ف‍ (- لها المسمى)،
لأنه نكاح صحيح وجد بأركانه وشروطه، فترتب عليه أحكام الصحة ولان المهر يجب
بالعقد ويستقر بالخلوة فلا يسقط بحادث بعده، وكما لو طرأ العيب. (ويرجع) الزوج (به)
أي بالمهر (على من غره من امرأة عاقلة وولي ووكيل) رواه مالك عن عمر، وكما لو غر
بحرية أمة قال أحمد: كنت أذهب إلى قول على فهبته فملت إلى قول عمر، ف‍ (- أيهم
انفرد بالغرر، ضمن) وحده لانفراده بالسبب الموجب. (وشرط أبو عبد الله) محمد فخر
الدين بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن عبد (بن تيمية) الحراني الواعظ
الفقيه (بلوغها) أي المرأة إن كان التغرير منها (وقت العقد ليوجد تغرير محرم)، وقال ابن
عقيل: إنما تكون المرأة غارة إذا كانت تعلم. وأما الطفلة والمجنونة فلا. فاعتبر القصد
دون الفعل المحرم وهو مقتضى قوله في التنقيح والمنتهى: زوجة عاقلة. (ولا سكنى لها)
أي للمفسوخ نكاحها، (ولا نفقة إلا أن تكون حاملا) فتجب النفقة للحمل كالبائن. (وإن وجد
الغرور من المرأة والولي فالضمان على الولي)، لأنه المباشر للعقد. (و) إن وجد الغرور (منها
ومن الوكيل)، ف‍ (- بينهما نصفان) قاله الموفق. وقد أشرت إلى ما فيه في الحاشية. (وإن أنكر
125

الولي) علمه بالعيب، (ولو كان ممن له رؤيتها) كأبيها وأخيها فقوله لأن الأصل عدم علمه
به، (أو) ادعى (الوكيل عدم العلم بالعيب ولا بينة) تشهد عليه بإقراره بعلمه بالعيب (قبل قوله
مع يمينه). أنه لا يعلم العيب لأنه الأصل. (وإن ادعت) امرأة بها عيب وزوجت (عدم العلم
بعيب نفسها، واحتمل ذلك فحكمها حكم الولي، قاله الزركشي). لأن الأصل عدم علمها، فإن
لم يحتم ذلك فقوله: (ومثلها) أي مثل هذه المسألة. وهي ما إذا غر الزوج في تزويجه
معيبة (في الرجوع على الغار، لو زوج امرأة فأدخلوا عليه غيرها). أي غير زوجته فوطئها.
فعليه مهر مثلها للشبهة، ويرجع به على من غره بإدخالها عليه. (ويلحقه الولد) إن أتت به
للشبهة، (وتجهز) إليه (زوجته بالمهر الأول نصا. وتقدم) نحوه في باب أركان النكاح. (وإن
طلقها) أي طلق المعيبة (قبل الدخول) والخلوة، (ثم علم أنه كان بها عيب) يقتضي الفسخ
(فعليه نصف الصداق يرجع به) على أحد، لأنه قد رضي بالتزامه بطلاقها. فلم يكن له
أن يرجع به على أحد. (وإن مات) الزوج قبل علمه بعيبها (أو ماتت قبل العلم به أو بعده
وقبل الفسخ، فلها الصداق كاملا) لتقرره بالموت. (ولا يرجع به على أحد) لأن سبب
الرجوع الفسخ ولم يوجد.
فصل
وليس لولي صغيرة أو صغير ولا لولي
(مجنونة ومجنون.) لا ل‍ (- سيد أمة تزويجهم معيبا يرد به) في النكاح. لأنه ناظر
لهم بما فيه الحظ والمصلحة، ولاحظ لهم في هذا العقد. (فلو خالف وفعل) بأن زوجهم
معيبا يرد به، (لم يصح) النكاح (فيهن مع علمه)، لأنه عقد لهم عقدا لا يجوز عقده، كما لو
باع عقار محجوره لغير مصلحة. (وإلا) أي وإن لم يعلم الولي عيبه (صح) النكاح، كما لو
126

اشترى لهم معيبا لا يعلم عيبه. (ويجب عليه الفسخ إذا علم. قاله في المغني والشرح (2)
وشرح ابن منجا، والزركشي في شرح الوجيز وغيرهم) لأنه أحظ لهن فوجب عليه فعله
(خلافا لما في التنقيح) وتبعه في المنتهى. قالا: وله الفسخ واللام للإباحة وهو مقتضي
عبارة المبدع وقد يجاب عنه بأنه في مقابلة من يقول لا يفسخ وينتظر البلوغ أو الإفاقة،
فلا ينافي الوجوب ونظيره في كلامهم ومنه ما في الفروع في الوقف في بيع الناظر له،
(ولا لولي كبيرة تزويجها بمعيب بغير رضاها لأنها تملك الفسخ إذا علمت به) أي العيب
(بعد العقد) فالامتناع أولى. (فإن اختارت) كبيرة (نكاح مجبوب أو نكاح (عنين لم يملك
وليها الذي يعقد نكاحها منعها) لأن الحق في الوطئ لها والضرر مختص بها. وقال
أحمد: ما يعجبني أن يزوجها بعنين وإن رضيت الساعة تكره إذا دخلت عليه لأن من
شأنهن النكاح، ويعجبهن من ذلك ما يعجبنا. (وإن اختارت نكاح مجنون أو مجذوم أو
أبرص. فله منعها) لأن فيه ضررا دائما وعارا عليها وعلى أهلها. كمنعها من التزويج بغير
كف ء. (وإن علمت بالعيب) الذي تملك به الفسخ (بعد العقد أو حدث به)، أي بالزوج العيب
بعد العقد، (لم يملك الولي إجبارها على الفسخ لأن حقه في ابتداء النكاح لا في دوامه)،
لأنها لو دعت وليها أن يزوجها بعبد لم يلزمه إجابتها، ولو عتقت تحت عبد لم يملك
إجبارها على الفسخ.
باب نكاح الكفار وما يتعلق به
(حكمه حكم نكاح المسلمين) لأن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال: * (وامرأته
127

حمالة الحطب) * وقال: * (امرأة فرعون) * وقال (ص): ولدت من نكاح لا من
سفاح. (فيما يجب به) من مهر وقسم ونحوهما مما يأتي. (و) في (تحريم المحرمات) السابق
تفصيلهن، لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. كما تقدم في مواضع. (و) في (وقوع
الطلاق) والخلع. لأنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح. فوقع كطلاق المسلم. (و) في
صحة (الظهار) فإذا ظاهر كافر من زوجته ثم أسلما وقد وطئها، فعلية كفارة الظهار. (و) في
صحة (الايلاء) فإذا آلى الكافر من زوجته فحكمه كالمسلم على ما يأتي تفصيله، لتناول
عموم آية الظهار، والايلاء لهم (وفي وجوب المهر والقسم) لما تقدم. (و) في (الإباحة
للزوج الأول) إذا كان طلقها ثلاثا، وكان الثاني وطئها لدخوله في عموم قوله تعالى:
* (حتى تنكح زوجا غيره) * (و) في (الاحصان) إذا وطئها وهما حران
مكلفان كما يأتي تفصيله في الحدود. (وغير ذلك) كوجوب النفقة والكسوة ولزوم ما يلزم
من الشروط والفسخ لنحو عنه أو إعسار بواجب نفقة. (فإذا طلق الكافر) امرأته الكافرة
(ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج وإصابة ثم أسلما، لم يقرا عليه) لأنها مطلقة ثلاثا لم يصبها
زوج غيره. (وإن طلق) الكافر امرأته (أقل من ثلاث ثم) أعادها، و (أسلما فهي عنده على ما
بقي من طلاقها) سواء أعادها قبل أن تنكح غيره أو بعده، كما يأتي في المسلم. (وإن نكحها)
أي الكافرة الزوج (الثاني وأصابها حلت لمطلقها ثلاثا، سواء كان المطلق مسلما أو كافرا)
لما تقدم. (وإن ظاهر الذمي من امرأته، ثم أسلما فعليه كفارة الظهار) بالوطئ فيه لما تقدم.
والظاهر أن الذمية ليست قيدا. (ونقرهم) أي الكفار (على فاسد نكاحهم، وإن خالف أنكحة
المسلمين إذا اعتقدوه في دينهم) نكاحا. (ولم يرتفعوا إلينا) لقوله تعالى: * (فإن جاءوك
فأحكم بينهم أو أعرض عنهم. وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا) * فدل
على أنهم يخلون أحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا، ولأنه (ص) أخذ الجزية من مجوس هجر،
ولم يعترض عليهم في أنكحتهم مع علمه أنهم يستحبون نكاح محارمهم، وما لا يعتقدون
حله ليس من دينهم، فلا يقرون عليه كالزنا والسرقة. (فإن أتونا قبل عقده) أي النكاح (عقدناه
على حكمنا) بولي وشهود وإيجاب وقبول، لقوله تعالى: * (وإن حكمت فأحكم بينهم
128

بالقسط) * (وإن أتونا مسلمين أو غير مسلمين بعده) أي العقد، (لم نتعرض
لكيفية عقدهم)، لأنه أسلم خلق كثير في عصر النبي (ص) فأقرهم على أنكحتهم، ولم يكشف
عن كيفيتها، فأولى إذا ارتفعوا إلينا من غير إسلام. (ولا تعتبر له) أي لنكاحهم الذي يعتقدونه
لأنفسهم (شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود، وصفة الايجاب والقبول وأشباه
ذلك) مما تقدم، لما سبق. (لكن لا نقرهم على نكاح محرم في الحال) أي حال الترافع إلينا
مسلمين أو لا، (كالمحرمات بالنسب)، كأن كانت تحته أخته أو بنتها أو بنت أخيه، (أو السبب)
كأن تكون تحته أو زوجته أو زوجة أبيه أو ابنه أو أخته من رضاع أو بنت موطوءته ولو
بشبهة، أو زنا. (وكالمعتدة) من غيره ولم تفرغ عدتها. (و) ك‍ (- المرتدة) لأنها لا تقر على
ردتها. (و) ك‍ (- المجوسية) إذا أسلم زوجها لا يقر على نكاحها. (والحبلى من الزنا)
إذا ترافعنا إلينا قبل أن تلد أو أسلما أو أحدهما قبل ذلك ك‍ (- المطلقة ثلاثا)، فلا يقر
على نكاحها إذ أسلم أو أسلمت أو ترافعا إلينا. (أو) كان النكاح (شرط فيه الخيار متى شاء
، أو) شرط فيه الخيار (إلى مدة هما فيها). حيث قلنا بفساده من المسلم كما نبه عليه القاضي،
وابن عقيل، وأبو عبد الله بن تيمية وصاحب التنقيح، لأنهما يعتقدان أنه لا يدوم بينهما.
والمذهب أنه النكاح صحيح والشرط فاسد كما تقدم. وعبارته كالمنتهى موهمة
وسبقهما الشارح وغيره إليها (ونحوه). كما لو تزوجها إلى مدة وهو نكاح المتعة. فإذا
أسلما لم يقرا عليه لأنهما يعتقدان أنه لا يدوم بينهما. (بل يفرق بينهم. فإن كان) التفريق
بينهم (قبل الدخول فلا مهر) لها، لأنه لا أثر للعقد إذن (وإن فرق بينهما بعده) أي بعد
الدخول (فلها مهر المثل) لشبهة العقد والاعتقاد. (وإن كانت المرأة تباح إذن) أي حال الترافع
أو الاسلام (كعقده) عليها (في عدة)، ولم يترافعا أو يسلما حتى (فرغت) العدة، (أو) عقده
(بلا ولي أو بلا شهود وصيغة) أي إيجاب وقبول. (أو تزوجها على أخت) لها و (ماتت)
أختها (بعد عقده وقبل الاسلام والترافع. أقرا). قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن
129

الزوجين إذا أسلما معا في حالة واحدة: أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما
نسب أو رضاع. (وإن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته، واعتقداه نكاحا أقرا) عليه إذا أسلما
لأن المصحح له اعتقاده الحل. وهو موجود هنا كالنكاح بلا ولي. (وإن لم يعتقداه نكاحا لم
يقرا عليه لأنه ليس من أنكحتهم، وكذا ذمي) يعني قهر حربية واعتقداه نكاحا أقرا عليه أو
طاوعته على الوطئ واعتقداه نكاحا أقرا عليه. وأما قهر الذمية فلا يتأتى لعصمتها. قال
الشيخ تقي الدين: إن قهر ذمي ذمية لم يقر مطلقا، وهو ظاهر كلام جماعة وصرح به في
الترغيب، وجزم به في البلغة. وظاهر كلام الموفق والشارح أنهم كأهل الحرب. قال في
الانصاف وهو الصواب. ويمكن حمله على ما أشرت إليه أولا فلا تعارض. (ومتى كان
المهر صحيحا) استقر (أو) كان المهر (فاسدا) كخمر أو خنزير (وقبضته استقر) لأنه لا
يتعرض لما فعلوه. ويؤكده قوله تعالى: * (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف
وأمره إلى الله) *. ولان التعرض للمقبوض بإبطاله يشق لتطاول الزمان وكثرة
تصرفاتهم في الحرام. ولان في التعرض لهم تنفيرا لهم عن الاسلام فعفى عنه كما عفى
عما تركوه من الفرائض. (وإن كان) المهر (صحيحا ولم تقبضه، أخذته) لوجوبه بالعقد. (وإن
لم تقبض) المهر (الفاسد) فلها مهر المثل، لأنه يجب في التسمية الفاسدة، فإذا كانت الزوجة
مسلمة فكذا الكافرة. ولان الخمر لا قيمة له في الاسلام فوجب مهر المثل. (أو لم يسم لها
مهرا فلها مهر المثل). لأنه نكاح خلا عن تسمية فوجب لها مهر المثل كالمسلمة. (ولو
أسلما والمهر خمر قد قبضته فانقلب) الخمر (خلا وطلق قبل الدخول رجع بنصفه)، أي
نصف الخل لأنه عين الصداق المعقود عليه. (ولو تلف الخل ثم طلق) قبل الدخول (رجع
بمثل نصفه)، لأنه مثلي. (وإن قبضت الزوجة بعض الحرام) كالخمر إذا قبضت منه بعضه قبل
الاسلام أو الترافع إلينا استقر ما قبضته لما تقدم. و (وجب) لها (حصة ما بقي من مهر المثل)
لاستقرار ما قبضته، وإلغاء ما لم تقبضه. (وتعتبر الحصة فيما يدخله كيل) بالكيل، (أو) يدخله
(وزن) بالوزن. (أو) يدخله (عد به) أو ذرع بالذرع. لأن العرف فيه كذلك ولا قيمة له في
الاسلام ليعتبر بها. فلو أصدقها عشرة خنازير فقبضت منها خمسة وجب لها قسط ما بقي
وهو نصف مهر المثل. لأنه لا قيمة لها فاستوى كبيرها أو صغيرها.
130

فصل
وإذا أسلم الزوجان معا، بأن تلفظا بالاسلام دفعة واحدة
قال الشيخ تقي الدين: يدخل في المعية لو شرع الثاني قبل أن يفرغ الأول. فهما
على نكاحهما لأنه لم يوجد منهما اختلاف دين. (أو أسلم زوج كتابية) أبواها كتابيان (فهما
على نكاحهما) - لأن نكاح الكتابية يجوز ابتداؤه فالاستمرار أولى. (سواء كان) ذلك (قبل
الدخول أو بعده) وسواء كان زوج الكتابية أو غيره (وإن أسلمت كتابية تحت كتابي) أو غير
كتابي (أو) أسلم (أحد الزوجين غير الكتابيين) كالمجوسيين والوثنيين. (قبل الدخول انفسخ
النكاح) لقوله تعالى: * (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن - إلى قوله - * (ولا تمسكوا
بعصم الكوافر) * إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة - قال ابن المنذر: أجمع
على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم. ولان دينهما اختلف فلم يجز استمراره كابتدائه
وتعجلت الفرقة. (ولا يكون) هذا الفسخ (طلاقا) كما تقدم في الفسخ للعيب وكالردة، فلو
أسلم الآخر ثم أعادها فهي معه على طلاق ثلاث (وإن سبقته) بالاسلام قبل الدخول (فلا
مهر) لها لأن الفرقة من جهتها أشبه ما لو ارتدت. (وإن سبقها) بالاسلام قبل الدخول (فلها
نصفه)، لأن الفرقة حصلت من جهته أشبه ما لو طلقها. (وإن قالت: سبقني) وفي نسخ
سبقتني بالاسلام فلي نصف المهر. ف‍ (- قال: بل أنت سبقت) بالاسلام فلا شئ لك. (ف‍)
- القول (قولها) لأنها تدعى استحقاق شئ أوجبه العقد، وهو يدعي سقوطه. فلم يقبل قوله،
لأن الأصل عدمه. (وإن قالا) أي الزوجان (سبق أحدنا ولا نعلم عينه فلها أيضا نصفه). لان
الأصل عدم سقوطه. (وإن قال الرجل: أسلمنا معا فنحن على النكاح وأنكرته) فقالت: بل سبق
أحدنا بالاسلام. (ف‍) - القول (قولها) لأن الظاهر معها إذ يبعد اتفاق الاسلام منهما دفعة
(وإن أسلم أحدهما) أي الزوجين (بعد الدخول وقف الامر على فراغ العدة، فإن أسلم الآخر
فيها بقي النكاح) لما روى ابن شبرمة قال: كان الناس على عهد رسول الله (ص) يسلم
131

الرجل قبل المرأة والمرأة قبله، فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته، وإن أسلم بعد
العدة فلا نكاح بينهما وروي أن بنت الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية
فأسلمت ثم أسلم صفوان فلم يفرق النبي (ص) بينهما. قال ابن شهاب: وكان بينهما نحو
من شهر، رواه مالك. قال ابن عبد البر: شهرة هذا الحديث أقوى من إسناده وقال: ابن
شهاب: أسلمت أم حكيم وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن، فارتحلت إليه ودعته إلى الاسلام
، فأسلم وقدم فبايع النبي (ص) فبقيا على نكاحهما. قال الزهري: ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت
وزوجها مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل
انقضاء عدتها روى ذلك مالك. (وإلا) أي وإن لم يسلم الآخر في العدة (تبينا فسخه منذ
أسلم الأول). لأن سبب الفرقة اختلاف الدين فوجب أن تحسب الفرقة منه كالطلاق. (ولو
وطئ) في العدة (مع الوقف) أي وقف النكاح على انقضاء عدة المتخلف. (ولم يسلم
الآخر) في العدة (فلها مهر المثل) لأنا تبينا إنه وطئ في غير ملك. قال في الشرح وفي
المبدع: ويؤدب. (وإن أسلم) الآخر في العدة بعد الوطئ (فلا) مهر لذلك الوطئ لأنه وطئها
في نكاحه (ولها نفقة العدة إن أسلمت قبله) لأنها محبوسة بسببه فكان لها النفقة لكونه
متمكنا من تلافي نكاحها كالرجعية، وسواء أسلم في عدتها أم لا. و (لا) نفقة لها للعدة إن
أسلمت (بعده)، لأنه لا سبيل له إلى تلافي نكاحها فأشبهت البائن. وكذا لو أسلم ولم
تسلم هي. (وإن اختلفا في السابق) منهما بأن ادعت سبقة لتجب لها نفقة العدة فأنكرها
فقولها. لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها. (أو جهل الامر) فلم يعلم أيهما
السابق (فقولها) يعني فتجب لها النفقة لأن الأصل وجوبها فلا تسقط بالشك. (وإن قال)
الرجل لزوجته (أسلمت بعد شهرين من إسلامي فلا نفقة لك فيهما فقالت): بل أسلمت.
(بعد شهر) فلي نفقة الشهر الآخر (ف‍) - القول (قوله) لأن الأصل براءته مما تدعيه
132

واستصحابا للأصل. (ولو اتفقا على أنها أسلمت بعده، وقالت: أسلمت في العدة، وقال: بل)
أسلمت (بعدها ف‍) - القول (قوله) لأن الأصل عدم إسلامها في العدة. (وانفسخ النكاح)
مؤاخذة له بإقراره. (وإن قال) الرجل لزوجته وقد أسلمت قبله ثم أسلم: (أسلمت في عدتك
فالنكاح باق، وقالت: بل) أسلمت (بعد انقضائها) فانفسخ النكاح، (ف‍) - القول (قوله) لان
الأصل بقاء النكاح (ويجب المسمى بالدخول مطلقا)، أي سواء كانت هي التي أسلمت أو هو
الذي أسلم، لأنه استقر بالدخول فلم يسقط بشئ. وتقدم حكم ما إذا كان صحيحا أو
فاسدا. (وسواء فيما ذكرنا اتفقت الداران أو اختلفتا) أي فلا فرق بين كونهما في دار الاسلام
أو الحرب أو أحدهما بدار الاسلام والآخر بدار الحرب. لأن أبا سفيان أسلم بمر الظهران
وامرأته بمكة لم تسلم، وهي حينئذ دار حرب. ولان أم حكيم أسلمت بمكة وزوجها عكرمة
قد هرب إلى اليمن، ثم أسلم المتخلف وأقروا على أنكحتهم مع اختلاف الدين والدار. فلو
تزوج مسلم مقيم بدار الاسلام كتابية بدار الحرب صح نكاحه، لأنه يباح نكاحها إذا كانت بدار
الاسلام، فأبيح نكاحها في دار الحرب كالمسلمة.
فصل
وإن ارتدا أي الزوجان معا فلم يسبق أحدهما الآخر
قبل الدخول انفسخ النكاح، لأن الارتداد اختلاف دين وقع قبل الإصابة، فوجب انفساخ
النكاح كما لو أسلمت تحت كافر. (أو) ارتد (أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح) لقوله
تعالى: * (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) * إلى قوله: * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)
ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة فأوجب فسخ النكاح كما لو أسلمت
تحت كافر. (ويسقط المهر بردتها) لأن الفسخ من قبلها (و) يسقط المهر أيضا (بردتهما
معا) لأن الفرقة من جهتها (ويتنصف) الصداق (بردته) وحده، لأن الفرقة من جهته أشبه
ما لو طلقها قبل الدخول. (وإن كانت) الردة (بعد الدخول وقفت الفرقة على انقضاء العدة)
فإن عاد المرتد للاسلام قبل انقضائها فالنكاح بحاله.، وإلا تبينا فسخه من الردة كإسلام أحد
133

الزوجين بخلاف الرضاع، فإنه يحرمها على التأبيد. فلا فائدة في تأخير الفسخ حتى تنقضي
العدة. (ويمنع) الزوج (من وطئها) إذا ارتد أو أحدهما بعد الدخول، لأنه اشتبهت حالة
الحظر بحالة الإباحة فغلب الحظر احتياطا. (وتسقط نفقتها بردتها) لأنه لا سبيل له إلى
تلافي نكاحها فلم يكن لها نفقة كما بعد العدة. و (لا) تسقط (بردته) لأنه يمكنه تلافي
نكاحها بإسلامه، فهو كزوج الرجعية. (ولا) تسقط نفقتها أيضا (بردتهما معا) لأن المانع
لم يتمحض من جهتها. (وإن) ارتد أحدهما بعد الدخول أو هما ووقف الامر إلى انقضاء
العدة، (وطئها مع الوقف أدب) لفعله معصية لا حد فيها ولا كفارة. (ووجب لها مهر
المثل لهذا الوطئ إن ثبت على الردة) إن كانت منهما، (أو ثبت المرتد منهما) على ردته (حتى
انقضت العدة)، لأنا تبينا أن النكاح انفسخ منذ الردة، وأن الوطئ في أجنبية، لكن له شبهة تدرأ
الحد. فوجب لها مهر بما استحل من فرجها. (ويسقط) مهر الوطئ حال الوقف (إن أسلما)
قبل انقضائها (أو) أسلم (المرتد) منهما (قبل انقضائها) أي العدة، لأنا تبينا أنه وطئ في
زوجته. (ويجب لها المسمى) لأنه وجب بالعقدة واستقر بالدخول فلم يسقط بعد، سواء
كانت الردة منه أو منها أو منهما، فتطالب به. (إن لم تكن قبضته) لاستقراره وإن طلقها حال
الوقف فإن أسلما أو المرتد في العدة: وقع الطلاق. وإلا فلا. (وإن انتقلا) أي الزوجان
الكافران، (أو) انتقل (أحدهما إلى دين لا يقر عليه) كاليهودي يتنصر أو النصراني يتهود
فكالردة. (أو تمجس أحد الزوجين الكتابين فكالردة)، فينفسخ النكاح قبل الدخول ويتوقف
بعده على انقضاء العدة، لأنه انتقال إلى دين باطل قد أقر، ببطلانه، فلم يقر عليه كالمرتد.
وكذا حكم كتابية تحت مسلم إذا تمجست أو نحوه.
فصل
وإن أسلم حر وتحته أكثر من أربع فأسلمن معه
أو في العدة إن كان بعد الدخول بهن، (أو) لم يسلمن، و (كن كتابيات أمسك أربعا)
134

منهن، وليس له إمساكهن كلهن، لما روى قيس بن الحارث قال: أسلمت وتحتي ثمان نسوة
فأتيت النبي (ص) فذكرت له ذلك، فقال: اختر منهن أربعا رواه أحمد وأبو داود. وروى
محمد بن سويد الثقفي: أن غيلان ابن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمره النبي
(ص) أن يختار منهن أربعا رواه الترمذي، ورواه مالك في موطئه عن الزهري مرسلا. (ولو
كان محرما) لأن الاختيار استدامة النكاح وتعيين للمنكوحة، فصح من المحرم كالرجعة
بخلاف ابتداء النكاح، وله الاختيار. (ولو من مئات) لأن الاعتبار في الاختيار بحال ثبوته
وهو وقت الاسلام، وقد كن أحياء وقته. (وفارق سائرهن) أي باقيهن (إن كان) الزوج
(مكلفا، سواء تزوجهن في عقد أو عقود، وسواء كان من أمسك منهن أول من عقد عليهن
أو آخرهن) لعموم ما سبق. (وإلا) أي وإن لم يكن مكلفا بأن كان صغيرا أو مجنونا ولو
كان جنونه بعد إسلامه. (وقف الامر حتى يكلف. وليس لوليه الاختيار) له لأن ذلك يرجع
إلى الشهوة فلا تدخله الولاية. (وعليه) أي على من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة، ولو غير
مكلف (النفقة) لجميعهن، (إلى أن يختار) منهن أربعا لأنهن محبوسات لأجله وهن في حكم
الزوجات. (وإن مات الزوج لم يقم وارثه مقامه) في الاختيار. ويأتي حكم العدة والإرث
(وإن أسلم البعض) من الزوجات (وليس البواقي كتابيات ملك إمساكا وفسخا في مسلمة
خاصة) إن زادت المسلمات على أربع، وليس له أن يختار واحدة ممن لم يسلمن لعدم حلها
له. (وله) أي ممن أسلم وتحته أكثر من أربع، فأسلم بعضهن وبقي البعض (تعجيل إمساك
مطلقا، و) له (تأخيره حتى تنقضي عدة البقية أو يسلمن). فمن أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم
منهن خمس فله اختيار أربع منهن، وله تأخير الاختيار إلى أن يسلم البواقي أو تنقضي
عدتهن. (وصفة الاختيار: اخترت نكاح هؤلاء، أو اخترت هؤلاء أو أمسكتهن أو اخترت
حبسهن، أو) اخترت (إمساكهن، أو) اخترت (نكاحهن، أو أمسكت نكاحهن، أو ثبت نكاحهن، أو
135

ثبتهن، أو أمسكت هؤلاء أو تركت هؤلاء، أو اخترت هذه للفسخ، أو) اخترتها (للامساك
ونحوه) كأبقيت هذه وباعدت هذه. (وإن قال لمن زاد على أربع: فسخت نكاحهن كان
اختيارا للأربع) لدلالته عليه. (فإن قال: سرحت هؤلاء أو فارقتهن لم يكن طلاقا لهن) إلا
إن ينويه لأنه كناية، (ولا اختيارا لغيرهن) لأنه ليس صريحا فيه (إلا أن ينويه) فيعمل بما
نواه لأن لفظه يحتمله، والنية معينة للمقصود. (والمهر لمن انفسخ نكاحهن بالاختيار إن كان
دخل بها) لأنه استقر بالدخول فلم يسقط. (وإلا) بأن لم يدخل بها (فلها مهرها) لان
النكاح ارتفع من أصله لأنه ممنوع من ابتدائه واستدامته فوجوده كعدمه. (ولا يصح تعليق
الفرقة) بشرط، (ولا) يصح تعليق (الاختيار بشرط). فلا يصح: كلما أسلمت واحدة فلقد
اخترتها، أو كل من دخلت دار فلان فقد فارقتها ونحوه. لأن الشرط قد يوجد فيمن يحبها
فيفضي إلى تنفيره. ولذلك لم تدخل القرعة فيه. فإن علق الفسخ بشرط وأراد به الطلاق
ففيه وجهان، أطلقهما في الشرح وغيره. (ولا) يصح (فسخ نكاح مسلمة لم يتقدمها) أي لم
يتقدم فسخ نكاحها إسلام أربع قال في المحرر: ولو اختار أولا فسخ نكاح مسلمة صح
إن تقدمه (إسلام أربع). قال في المحرر: ولو اختار أولا فسخ نكاح مسلمة صح إن تقدمه
إسلام أربع سواها، وإلا لم يصح بحال. وقال في المعني: وإن اختار أقل من أربع، أو
اختار ترك الجميع أمر بطلاق أربع أو تمام أربع، لأن الأربع زوجات لا يبن منه إلا بطلاق أو
136

ما يقوم مقامه. (وعدة ذوات الفسخ من منذ اختار) لأن البينونة حصلت به. (وفرقتهن فسخ) لا
ينقص به عدد طلاقهن لو عقد عليهن بعد. (وعدتهن كعدة المطلقات) لأنهن مفارقات حال
الحياة. (وإن ماتت إحدى المختارات أو بانت منه وانقضت عدتها فله أن ينكح واحدة من
المفارقات)، لأن تحريمها كان لعارض. وقد زال. (وتكون عنده على طلاق ثلاث) يعني أن
الفسخ لا يحتسب من عدد الطلاق لأنه ليس طلاقا. (وإن لم يختر) من نسائه ما للفسخ وما
للامساك (أجبر) على الاختيار (بحبس ثم تعزير)، لأن الاختيار حق عليه فألزم بالخروج منه
إن امتنع كسائر الحقوق. (وليس للحاكم أن يختار عنه) كما يطلق على المولى. لأن الحق هنا
لغير معين. (ولهن النفقة حتى يختار) لأنها محبوسات لأجله وتقدم. (فإن طلق واحدة) منهن
فقد اختارها لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة. (أو وطئها فقد اختارها) لأنه لا يجوز إلا في
ملك كوطئ الجارية التي اشتراها بشرط الخيار له. (وإن وطئ الكل تعين) الأربع (الأول له) أي
للامساك وما عداهن تعين للترك، (وإن ظاهر) من واحدة (أو آلى منها أو قذفها لم يكن اختيارا)
لها، لأن هذه كما تدل على التصرف في المنكوحة تدل على اختيار تركها. فيتعارض الاختيار
وعدمه فلا يثبت واحد منهما. (فإن طلق الكل ثلاثا أخرج بالقرعة أربع منهن، وكن المختارات
ووقع الطلاق بهن). لأنه لا يملك الطلاق على أكثر من أربع. فإذا أوقع الطلاق على الجميع
أخرج الأربع المطلقات بالقرعة كما لو طلق أربعا منهن لا بعينهن. (وله نكاح البواقي بعد
انقضاء عدة الأربع) فلو كن ثمانيا، فكلما انقضت عدة واحدة من المطلقات فله نكاح واحدة من
المفارقات (وإن مات) قبل الاختيار (فعلى الجميع أطول الامرين من عدة وفاة أو ثلاثة قروء إن
كن ممن يحضن) لتنقضي العدة بيقين، لأن عدة كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة أو
مفارقة وعدة المختارة عدة الوفاة وعدة المفارقة ثلاثة قروء. فأوجبنا أطولهما. (وعدة حامل
بوضعه) لأنه لا تختلف عدتها. (و) عدة (صغيرة وآيسة بعدة وفاة) لأنها أطول من ثلاثة أشهر
، (والميراث لأربع) منهن (بقرعة)، لأن الميراث بالزوجية ولا زوجية فيهما زاد على الأربع.
(وإن اخترن جميعهن الصلح) وكن مكلفات رشيدات (جاز كيفما اصطلحن)، لأن الحق لا
يعدوهن. (ومن هاجر إلينا) من الزوجين (بذمة مسلم أو مؤبدة) أو أسلما أي الزوجان، (أو أسلم أحدهما
والآخر بدار الحرب لم ينفسخ النكاح) باختلاف الدار لما تقدم، وأما اختلاف الدين فقد مضي
137

تفصيله. (وإن أسلمت امرأة ولها زوجان أو أكثر) من زوجين (تزوجاها في عقد واحد، لم يكن
لها أن تختار أحدهم ولو أسلموا معا).
قال في الانصاف: ذكره القاضي محل وفاق. (وإن كان) تزويجهم بها (في عقود
فالأول صحيح وما بعده باطل، وإن أسلم وتحته أختان أو امرأة وعمتها أو) امرأة (وخالتها)
ونحوه، (اختار منهما واحدة إن كانتا كتابيتين، أو) كانتا (غيرهما) كمجوسيتين، (وأسلمتا معه
أو) أسلمتا (بعده في العدة إن كانت عدة) بأن كان دخل بهما، لما روى الضحاك بن فيروز
عن أبيه قال: أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي (ص) أن أطلق إحداهما رواه
الخمسة. وفي لفظ للترمذي: اختر أيهما شئت. ولان المبقاة امرأة يجوز له ابتداء نكاحها
، فجاز له استدامته كغيرها، ولان أنكحة الكفار صحيحة، وإنما حرم الجمع وقد أزاله كما لو
طلب قبل الاسلام إحداهما. ولا مهر لغير المختارة إن لم يكن دخل بها لأنه نكاح لا يقر
عليه في الاسلام، أشبه تزوج المجوسي أخته. (وإن كانتا) أي اللتان تحت من أسلم (أما وبنتا)
أسلمتا معه، أو في العدة (فسد نكاح الام) لقوله تعالى: * (وأمهات نسائكم) * (النساء:
23). وهذه أم زوجته فتدخل في عموم الآية، ولأنه لو تزوج البنت وحدها ثم طلقها حرمت
عليه أمها إذا أسلم، فإذا لم يطلقها وتمسك بنكاحها فمن باب أولى ويبقى نكاح البنت إن لم
يكن دخل بأمها. (وإن كان دخل بهما) أي بالأم والبنت فسد نكاحهما. أما الام فلما تقدم وأما
البنت فلأنها ربيبة دخل بأمها. (أو) كان دخل (بالأم) وحدها (فسد نكاحها) لما تقدم، وكذا
لو أسلمت إحداهما وحدها. (وإن اختار إحدى الأختين ونحوهما) كالمرأة وعمتها أو خالتها
(لم يطأها) أي المختارة (حتى تنقضي عدة أختها) ونحوها، لئلا يجمع ماءه في رحم نحو
أختين. (وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع) فلا يجمع ماءه في أكثر من رحم أربع. (فإن
كن ثمانيا واختار أربعا وفارق الباقيات لم لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضي عدة
138

المفارقات أو يمتن)، يعني كلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطئ واحدة من المختارات
(وإن كن خمسا ففارق إحداهن) وأمسك أربعا (فله وطئ ثلاث من المختارات ولا يطأ
الرابعة حتى تنقضي عدة المفارقة، وإن كن ستا ففارق اثنتين فله وطئ اثنتين من المختارات)
وإذا انقضت عدة إحدى المفارقتين فله وطئ ثالثة من المختارات. (وإن كن سبعا ففارق ثلاثا
فله وطئ واحدة فقط من المختارات. وكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات، فله وطئ واحدة
من المختارات، وإن أسلم) الزوج (قبلهن) أي قبل إسلام من تحته وهن أكثر من أربع، (ثم
طلقهن قبل انقضاء عدتهن ثم أسلمن بعدها تبينا أن طلاقه لم يقع بهن)، لأنهن قد بن بمجرد
إسلامه فلا يلحقهن طلاقه. (وله نكاح أربع منهن) في الحال، (وإن كان وطئهن) حال الوقف
(تبينا إن وطئ غير نسائه) فيؤدب، ويجب لهن مهر المثل حيث لم يسلمن حتى انقضت
عدتهن. (وإن آلى منهن أو ظاهر أو قذف‍) - هن بعد إسلامه ولم يسلمن حتى انقضت العدة
(تبينا أن ذلك في غير زوجة وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك أجنبية)، لأنهن قد بن قد بن منه
بمجرد إسلامه في هذه الحالة. وإن أسلم ثم طلق الجميع قبل إسلامهن ثم أسلمن في العدة
أمر أن يختار أربعا منهن، فإذا اختارهن تبينا أن طلاقه وقع بهن، لأنهن زوجات ويعتددن من
حين طلاقه، وبان البواقي باختياره لغيرهن، ولا يقع بهن طلاقه، وله نكاح أربع منهن إذا
انقضت عدة المطلقات، لأن هؤلاء غير مطلقات والفرق بين هذه وبين ما إذا طلقهن بعد
إسلامهن لأن طلاقهن قبل إسلامهن في زمن ليس له الاختيار فيه، فإذا أسلمن تجدد له
الاختيار حينئذ، وبعد إسلامهن طلقهن، وله الاختيار ويصح طلاقه اختيارا. وقد أوقعه في
الجمع وليس بعضهن أولى من بعض، فصرنا إلى القرعة لتساوي الحقوق. (فإن أسلم بعضهن
في العدة تبينا أنها زوجة فوقع طلاقه بها وكان وطؤه لها) أي وطؤها بعد الطلاق، (وطئ
المطلقة) فإن كان الطلاق رجعيا كان رجعة، وإن كان بائنا فوطؤه شبهة يجب لها به مهر
المثل، (وإن كانت المطلقة غيرها)، أي غير الموطوءة (فوطؤه لها وطئ لامرأته) لا شئ عليه
به. (وكذلك إن كان وطؤه لها قبل طلاقها)، فهو وطئ لامرأته لا شئ به عليه. (وإن)، أسلم قبلهن
139

ثم (طلق الجميع) قبل إسلامهن، (فأسلم أربع منهن أو) أسلم (أقل) من أربع (في عدتهن، ولم
يسلم البواقي تعينت الزوجية في المسلمات)، لأنهن لم يتجاوزن أربعا. (ووقع الطلاق بهن) لأنهن
محل له (فإن أسلم البواقي) بعد عدتهن (فله أن يتزوج منهن) إلى أربع لأنهن لم يطلقن منه.
فصل
وإن أسلم حر وتحته إماء
أكثر من أربع أو أقل، (فأسلمن معه أو) أسلمن (في العدة) إن كان دخل بهن (وكان في
حال اجتماعهم على الاسلام ممن يحل له نكاح الإماء)، بأن كان عادم الطول خائف العنت
، (اختار منهن واحدة إن كانت تعفه وإلا) بأن لم تعفه الواحدة (اختار من يعفه) من اثنتين (إلى
أربع) لأنها نهاية الجمع، (وإلا) أي وإن لم يكن ممن يباح له نكاح الإماء حال اجتماع
إسلامهم (فسد نكاحهن)، ولم يكن له أن يختار لأنه لا يجوز ابتداء العقد عليها حال الاسلام
فلم يملك اختيارها كالمعتدة، وإن لم يسلمن إلا بعد العدة انفسخ نكاحهن وإن كن كتابيات
(وإن أسلم) الزوج (وهو موسر) أو غير خائف العنت، (فلم يسلمن) أي الإماء (حتى أعسر)
أو خاف العنت، (فله الاختيار منهن) من يعفه لأن شرائط النكاح إنما تعتبر في وقت الاختيار
، وهو حال اجتماعهم في الاسلام. (وإن أسلم وهو معسر) خائف العنت (فلم يسلمن حتى
أيسر) أو زال خوف العنت، (لم يكن له الاختيار منهن) اعتبارا بحال اجتماعهم في الاسلام
كما تقدم. (وإن أسلم بعضهن وهو موسر) أ (و) أسلم (بعضهن وهو معسر) خائف العنت، (فله
الاختيار ممن اجتمع إسلامه وإسلامهن وهو معسر) خائف للعنت، لأنهن اجتمعن معه في
حال يجوز فيه ابتداء نكاحهن. (وإن) أسلم ثم (أسلمت إحداهن بعده ثم عتقت ثم أسلم
البواقي فله الاختيار منهن بشرطه). وهو أن يكون حال اجتماع إسلامهم عادم الطول خائف
140

العنت، لأن العبرة بحال الاختيار كما تقدم وحالة اجتماعه معها في الاسلام كانت أمة فلم
تتميز على البواقي. (وإن) أسلم ثم (عتقت ثم أسلمت ثم أسلمن) أي البواقي من الإماء تعينت
الأولى إن كانت تعفه، (أو) أسلم ثم (عتقت ثم أسلمن ثم أسلمت) تعينت من عتقت إن كانت
تعفه، (أو عتقت بين إسلامها وإسلامه) كأن أسلمت ثم عتقت ثم أسلم (تعينت الأولى) وهي
العتيقة، (إن كانت تعفه) لأنه مالك لعصمة حرة تعفه وقت اجتماع إسلامها وإسلامه فلم تبح
له الإماء. (وإلا) أي وإن لم تعفه العتيقة إذن (اختار من البواقي معها من تعفه) من واحدة أو
ثنتين أو ثلاث لوجود الحاجة، حيث كان عادم الطول، (وإن أسلم) حر (وتحته حرة وإماء فأسلمت
الحرة في عدتها قبلهن) أي الإماء (أو بعدهن انفسخ نكاحهن وتعينت الحرة إن كانت تعفه)،
لأنه قادر على الحرة التي تعفه فلا يختار عليها أمة، (هذا) الحكم (إذا لم يعتقن ثم يسلمن في العدة
فإن أعتقن ثم أسلمن في العدة فحكمهن كالحرائر) فله أن يختار منهن أربعا، وإن عتقن أو
بعضهن بعد إسلامه وإسلامهن لم يؤثر، لأن الاعتبار في ثبوت الاختيار بحال اجتماعهم في
الاسلام، وإن أسلمت الحرة معه دون الإماء ثبت نكاحها، وانقطعت عصمتهن، وابتداء عدتهن منذ
أسلم. وإن أسلم الإماء دون الحرة ولم تسلم الحرة حتى انقضت عدتها بانت باختلاف الدين.
وله أن يختار من الإماء بشرطه. لأنه لم يقدر على الحرة. وليس له أن يختار من الإماء قبل انقضاء
عدة الحرة، لأنا لا نعلم عدم إسلامها في عدتها. وإن طلق الحرة ثلاثا في عدتها لم يقع الطلاق
لأنا تبينا أن النكاح انفسخ باختلاف الدين، وإن أسلمت في عدتها تبينا وقوع الطلاق. (وإن
أسلم عبد وتحته إماء فأسلمن معه أو) أسلمن (في العدة) بعد الدخول (ثم عتق أو لا) أي أو لم
يعتق (اختار) العبد من الإماء (ثنتين)، لأنه حال اجتماعهم على الاسلام كان عبدا يجوز له
الاختيار من الإماء والثنتان نهاية جمعه. (فإن أسلم) العبد (وعتق ثم أسلمن) في العدة اختيار ما
يفعه إلى أربع بشرطه، (أو أسلمن ثم عتق ثم أسلم اختار ما يعفه إلى أربع بشرطه)، وهو أن
يكون عادم الطول خائف العنت. لأنه في حال اجتماعهم في الاسلام كان حرا فيشترط في
حقه ما يشترط في حق الحر، ويثبت له ما يثبت للحر، (ولو كان تحته) أي العبد (أحرارا فأسلم
وأسلمن معه) أو في العدة بعد الدخول بهن اختار منهن ثنتين، و (لم يكن للحرة) التي يمسكها
(خيار الفسخ) لأنهن رضين به عبدا كافرا فعبدا مسلما أولى.
141

كتاب الصداق
بفتح الصاد وكسرها. ويقال: صدقة بفتح الصاد وضم الدال، وصدقة وصدقة بسكون
الدال فيهما مع ضم الصاد، وفتحها، وله أسماء الصداق والصدقة والمهر والنحلة والفريضة
والاجر والعلائق والعقر والحباء، وقد نظمت منها ثمانية في بيت وهو قوله:
صداق مهر ونحلة وفريضة حباء وأجر ثم عقر علايق
يقال: أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال أمهرتها، قاله في المغني والشرح
والنهاية. وهو مشروع بالكتاب والسنة والاجماع وستقف على أدلة مشروعيته. (وهو) أي
الصداق (العوض في النكاح) سواء سمي في العقد أو فرض بعده بتراضيهما أو الحاكم
(ونحوه) أي نحو النكاح كوطئ الشبهة والزنا بأمة أو مكرهة. (ويسن تخفيفه) أي الصداق،
لقوله (ص) أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة، رواه أحمد، وفيه ضعف. وقال عمر: لا تغلو
في صداق النساء. فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها
رسول الله (ص) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه. (و) تسن (تسميته في العقد)،
لأنه (ص) كان يزوج ويتزوج، ولم يكن يخلو ذلك من صداق مع أنه (ص) له أن يتزوج بلا
مهر. وقال للذي زوجه الموهوبة: هل من شئ تصدقها؟ قال: لا، قال: التمس ولو خاتما
142

من حديد، ولأنه أقطع للنزاع. (ويسن أن يكون من أربعمائة درهم إلى خمسمائة) درهم أي
أن لا يزيد على ذلك. لما روى مسلم من حديث عائشة: أن صداق النبي (ص) على أزواجه
خمسمائة درهم. (وإن زاد) الصداق على ذلك (فلا بأس) لما روت أم حبيبة: أن النبي
(ص) تزوجها وهي بأرض الحبشة زوجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده
، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة. فلم يبعث إليها رسول الله (ص)، رواه أحمد
والنسائي. ولو كره ذلك لا نكره. (ويكره ترك التسمية فيه قاله في التبصرة) لأنه قد يؤدي
إلى التنازع في فرضه (ويستحب أ) ن (لا ينقص عن عشرة دراهم) خروجه من خلاف من قدر
أقله بذلك. (وكان للنبي (ص) أن يتزوج ملا مهر)، لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. (وكل ما
صح ثمنا أو أجرة صح مهرا وإن قل)، لحديث جابر مرفوعا: لو أن رجلا أعطى امرأة
صداقا ملاء يده طعاما كانت له حلالا رواه أبو داود بمعناه، وروى عامر بن ربيعة: أن
امرأة من فزاره تزوجت على نعلين فقال رسول الله (ص)، أرضيت من مالك ونفسك بنعلين
قالت: نعم فأجازه رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه، ثم بين ما صح ثمنا أو
أجرة بقوله: (من عين ودين معجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة) معلومة
(وخياطة ثوبها ورد آبقها من موضع معين). ومنافع الحر والعبد سواء. لقوله تعالى حكاية
عن شعيب مع موسى * (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني
حجج) * ولان منفعة الحر يجوز أخذ العوض عنها في الإجارة فجازت
صداقا كمنفعة العبد. ومن قال: ليست مالا ممنوع. لأنه يجوز المعاوضة عنها وبها. ثم إن لم
تكن مالا فقد أجريت مجرى المال. (فإن طلقها قبل الدخول وقبل استيفاء المنفعة فعليه
143

نصف أجرة ذلك) النفع الذي جعله صداقا لها. (وإن كانت) المنفعة التي جعلها صداقا لها
(مجهولة كرد آبقها أين كان وخدمتها فيما شاءت شهرا لم يصح) ذلك صداقا لأنه عوض
في عقد معاوضة، فلم يصح مجهولا كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة. (وإن تزوجها
على منافعه) المعلومة (أو) على (منافع غيره المعلومة مدة معلومة صح)، بدليل قصة موسى
وقياسا على منفعة العبد. (ويصح) أن يتزوجها (على عمل معلوم) كخياطة ثوب معين (منه
ومن غيره) فإن تلف الثوب قبل خياطته فعليه أجرة المثل، كما لو أصدقها تعليم عبدها
صناعة فمات قبل ذلك. وإن عجز عن خياطته مع بقائه فمات لمرض ونحوه، فعليه أن يقيم
مقامه من يخيطه، وإن طلقها قبل خياطته وقبل الدخول فعليه خياطة نصفه إن أمكن معرفة
نصفه، وإلا فنصف الأجرة إلى أن يبدل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط
النصف يقينا. ذكره في الشرع انتهى. (و) يصح أيضا أن يتزوجها على (دين سلم أو
غيره وعلى غير مقدور له كآبق ومغتصب يحصلهما، ومبيع اشتراه ولم يقبضه نصا ولو مكيلا
ونحوه) كموزون ومعدود ومذروع، لأن الصداق ليس ركنا في النكاح. فاغتفر الجهل
اليسير والغرر الذي يرجى زواله. ولان القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع. (وعليه) أي على
الزوج (تحصيله) أي المبيع قبل قبضه ونحوه، (فإن تعذر) عليه تحصيله (ف‍) - عليه (قيمته)
لمحل الحاجة، وإن كان مثليا فلها مثله عند تعذره. لأن المثل أقرب إليه (و) يصح أن
يتزوجها (على أن يشتري لها عبد زيد)، لأنه مال معلوم (أو) أن يتزوجها (على أن يعتق
أباها) أو عتق قن له من ذكر أو أنثى. لأن بذل العوض له في مقابلته جائز. (فإن تعذر
شراؤه أو طلب) ربه (به أكثر من قيمته فلها قيمته) لأنه عوض تعذر تسليمه فرجع إلى قيمته
، كما لو كان بيده فاستحق. (فإن جاءها بقيمته مع إمكان شرائه لم يلزمها قبوله)، لأنه يفوت
عليها الغرض في عتقه. (وكل موضع لا تصح فيه التسمية أو خلا العقد عن ذكره حتى في
التفويض ويأتي، يجب مهر المثل بالعقد). لأن المرأة لا تسلم إلا ببدل ولم يسلم البدل وتعذر
144

رد العوض، فوجب بدله كما لو باعه سلعة بخمر فتلفت عند المشتري، وإن أصدقها (تعليم
أبواب فقه أو) تعليم أبواب (حديث أو) تعليم (شئ من شعر مباح أو أدب أو صنعة أو
كتابة، أو ما يجوز أخذ الأجرة على تعليمه وهو معين صح) لأنه يصح أخذ الأجرة على
تعليمه فجاز أن يكون صداقا كمنافع الدار (حتى ولو كان لا يحفظه ويتعلمه ثم يعلمها)،
لأنه بذلك يخرج من عهدة ما وجب عليه (وإن تعلمته) أي تعلمت ما أصدقها تعليمه (من
غيره) لزمته أجرة التعليم. (أو تعذر عليه تعليمها) بأن أصدقها تعليم خياطة فتعذر. (لزمته
أجرة التعليم)، لأنه لما تعذر الوفاء بالواجب وجب الرجوع إلى بدله، (وإن علمها) ما
أصدقها تعليمه (ثم نسيتها)، أي الصنعة التي علمها إياها، (فلا شئ عليه) لأنه قد وفاها.
(وإن لقنها الجميع، وكلما لقنها شيئا نسيته لم يعتد بذلك تعليما). لأن العرف لا يعده تعليما
(وإن ادعى الزوج أنه علمها وادعت أن غيره علمها فالقول قولها). لأن الأصل عدمه. (وإن
جاءته بغيرها ليعلمه ما كان يريد يعلمها) لم يلزمه لأن المستحق عليه العمل في عين لم
يلزمه إيقاعه في غيرها، كما لو استأجرته لخياطة ثوب فأتته بغيره، ولان المتعلمين يختلفون في
التعليم اختلافا كثيرا. (أو أتاها بغيره يعلمها لم يلزمها قبوله) لأن المعلمين يختلفون في
التعليم، وقد يكون لها غرض في التعليم منه لكونه زوجها - (وإن طلقها قبل الدخول وقبل
تعليمها فعليه نصف الأجرة)، أي نصف أجرة مثل تعليم ما أصدقها تعليمه، لأنها قد صارت
أجنبية منه فلا يؤمن في تعليمها الفتنة. (و) عليه بطلاقها قبل التعليم و (بعد الدخول كلها)
، أي كل الأجرة لاستقرار ما أصدقها بالدخول، (وإن كان) طلقها قبل الدخول (بعد تعليمه
رجع عليها بنصف الأجرة)، لأن الطلاق قبل الدخول يوجب نصف الصداق. والرجوع بنصف
التعليم متعذر فوجب الرجوع إلى بدله وهو نصف الأجرة. (ولو حصلت الفرقة من جهتها)
قبل الدخول وبعد التعليم (رجع عليها بالأجرة كاملة) لتعذر الرجوع بالتعليم. (وإن أصدقها
تعليم شئ معين من القرآن لم يصح) إلا صداق، لأن الفروج لا تستباح بالمال لقوله
تعالى: * (أن تبتغوا بأموالكم) * * (ومن لم يستطع منكم طولا) (النساء:
25) والطول المال، ولان تعليم القرآن قربة، ولا يصح أن تكون صداقا كالصوم وحديث
145

الموهبة قيل معناه زوجتكها، لأنك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على إسلامه، فروى
ابن عبد البر بإسناده إن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم، فقالت: أتزوجك وأنت
تعبد خشبة نحتها عبد بني فلان. إن أسلمت تزوجت بك قال: فأسلم أبو طلحة فتزوجها على
إسلامه. وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم ويحتمل أن يكون خاصا بذلك الرجل
، ويؤيده أن النبي (ص) زوج غلاما على سورة من القرآن ثم قال: لا تكون بعدك مهرا رواه
سعيد والبخاري. (وإن أصدقها تعليم التوراة والإنجيل أو شئ منهما لم يصح، ولو كانت)
المرأة (كتابية أو) كان (المصدق كتابيا لأنه) أي المذكور من التوراة أو الإنجيل (منسوخ
مبدل محرم فهو كما لو أصدقها محرما)، ولها مهر المثل. (وإذا تزوج نساء بمهر واحد) صح
، وقسم بينهن على قدر مهر مثلهن. (أو خالعهن بعوض واحد صح) لأن العوض في
الجملة معلوم فلم تؤثر جهالة تفصيلة كشراء أربعة أعبد بعوض واحد. (ويقسم بينهن على
قدر مهور مثلهن) لأن الصفة إذا وقعت على شيئين مختلفي القيمة وجب تقسيط العوض
بينهما بالقيمة، كما لو باع شقصا وسيفا. (ولو) تزوجهن أو خالعهن على عوض واحد و (قال
بينهن فعلى عددهن) لأنه أضافه إليهن إضافة واحدة فكان بينهن بالسوية. (فإن تزوج
امرأتين بصداق واحد ونكاح إحداهما فاسد، لكونها محرمة عليه فلمن صح نكاحها حصتها
من المسمى). كما لو صح النكاحان. (وإن جمع بين نكاح وبيع فقال: زوجتك ابنتي وبعتك
داري هذه بألف صح) كل من النكاح والبيع (وتقسيط الألف على قدر مهر مثلها وقيمة
الدار)، وتقدم في البيع. (وإن قال: زوجتك ابنتي واشتريت منك عبدك هذا بألف، فقال
: بعتك وقبلت النكاح صح، ويقسط الألف على قدر قيمة العبد ومهر مثلها)، كالتي قبلها. (فإن
قال: زوجتك) ابنتي ونحوها، (ولك هذا الألف بألفين لم يصح لأنه كمد عجوة) ودرهم بمد
عجوة ودرهم، لأنه بيع ربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسه. وانظر هل يبطل النكاح أو
التسمية! فيصح ولها مهر المثل.
146

فصل
ويشترط أن يكون الصداق معلوما كالثمن
لأن الصداق عوض في حق معاوضة فأشبه الثمن، ولان غير المعلوم مجهول لا
يصح عوضا في البيع فلم تصح تسميته كالمحرم. (فإن أصدقها دارا غير معينة) لم يصح (أو)
أصدقها (دابة) مبهمة (أو) أصدقها (عبدا مطلقا) بأن لم يعينه ولم يصفه ولم يقل من عبدي
لم يصح. (أو) أصدقها (شيئا معلوما ك‍) - أن يتزوجها على (ما يثمر شجره ونحوه) كالذي
يكتسبه عبده (أو) أصدقها (مجهولا كمتاع بيته وما يحكم به أحد الزوجين، أو) ما يحكم به
(زيد، أو) أصدقها (ما لا منفعة فيه) كالحشرات، (أو) أصدقها (ما لا يقدر على تسليمه كالطير
في الهواء والسمك في الماء، وما لا يتمول عادة كقشرة جوزة حبة) و (حنطة لم يصح)
إلا صداق للجهالة أو الغرر أو عدم التمول. (ويجب أن يكون له) أي الصداق (نصف يتمول
عادة ويبذل العوض في مثله عرفا)، هذا معنى كلام الخرقي. وتبعه ابن عقيل في الفصول
والموفق والشارح، لأن الطلاق بعوض فيه قبل الدخول فلا يبقى للمرأة فيه إلا نصفه
، فيجب أن يبقى لها مال تنتفع به.
قال الزركشي: وليس في كلام أحمد هذا الشرط. وكذا أكثر أصحابه حتى بالغ ابن
عقيل في ضمن كلام له، فجوز الصداق بالحبة والثمرة التي ينبذ مثلها، ولا يعرف ذلك، انتهى
وما ذكره الزركشي عن أكثر الأصحاب هو ظاهر ما قدمه المصنف أول الكتاب من قوله: وإن
قل، (والمراد) بوجوبه أن يكون له نصف يتمول (نصف القيمة، لا نصف عين الصداق، فإنه
قد يصدقها ما لا ينقسم كعبد، ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية). لأن الحملان
147

مجهول لا يوقف له على حد. (ولا يضر جهل يسير ولا غرر يرجى زواله كما تقدم في
الباب) من صحة تسمية الآبق والمغصوب ودين السلم، والمبيع قبل قبضه ولو مكيلا ونحوه.
(وإن أصدقها عبدا من عبيده) صح (أو) أصدقها (دابة من دوابه) يعني فرسا من خيله أو بغلا
من بغاله أو حمارا من حميره صح. (أو) أصدقها (قميصا من قمصانه ونحوه) كخاتم من
خواتمه (صح) ذلك، (لأن الجهالة فيه يسيرة ولها أحدهم) يخرج (بقرعة نصا)، نقله مهنا
لأنه إذا صح أن يكون صداقها استحقت واحدا غير معين، فوجبت القرعة لتميزه كما لو أعتق
أحد عبيده. (وإن أصدقها عبدا موصوفا) بذمته (صح) لأنه يجوز أن يكون عوضا في البيع
والصفة منزلة منزلة التعيين، فجاز أن يكون صداقا. (فإن جاءها بقيمته أو أصدقها عبدا وسطا
ثم جاءها بقيمته أو خالعته على ذلك لعنته، فجاءته بقيمته لم يلزمهما قبول). لأن العبد استحق
بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه وكما لو كان معينا.
تنبيه: قال في الشرح: الوسط من العبيد السندي، لأن الأعلى التركي والرومي
والأسفل الزنجي والحبشي، والوسط السندي والمنصوري. (وإن أصدقها عتق أمته صح) لان
لها فيه فائدة ونفعا لما يحصل لها من ثواب العتق. (وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى، أو أن
يجعل إليها طلاق ضرتها إلى سنة) مثلا (لم يصح). لقوله تعالى: * (أن تبتغوا بأموالكم)
وقوله (ص): لا تسأل المرأة طلاق أختها وعن عبد الله بن عمرو عن
النبي (ص): لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى. و (كما لو أصدقها خمرا ولها
مهر مثلها) لفساد التسمية. (وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان) أبوها
(ميتا لم يصح) لأنه ليس له في موت أبيها غرض صحيح، وربما كانت حالة الأب غير
معلومة فيكون مجهولا. (وإن تزوجها على ألف إن لم تكن له زوجة) أو سرية. (أو إن لم
148

يخرجها من دارها أو بلدها، و) على (ألفين إن كان له زوجة) أو سرية، (أو إن أخرجها) من
دارها أو بلدها (صح)، لأن خلو المرأة من ضرة أو سرية تغايرها وتضيق عليها من أكبر
أغراضها المقصودة، وكذا إبقاؤها في دارها أو بلدها بين أهلها وفي وطنها، ولذلك خفف
صداقها لتحصيل غرضها وتغلبه عند فواته. (وإذا قال) العبد (لسيدته: أعتقيني على أن أتزوجك
، فأعتقته) عتق ولم يلزمه شئ. (أو قالت) له ابتداء (أعتقتك على أن تتزوج بي عتق ولم يلزمه
شئ). لأنها اشترطت عليه شرطا هو حق له، فلم يلزمه. كما لو شرطت عليه أن تهبه دنانير
فيقبلها، ولان النكاح من الرجل لا عوض له بخلاف نكاح المرأة. ومن قال لآخر: أعتق عبدك
عني على أن أزوجك ابنتي، فأعتقه على ذلك لزمته قيمته بعتقه. ولا يلزم القائل أن يزوجه ابنته،
كأعتق عبدك على أن أبيعك عبدي. (وإذا فرض) أي سمى (الصداق) في العقد (وأطلق) فلم
يقيد بحلول ولا تأجيل (صح، ويكون) الصداق (حالا) لأن الأصل عدم الاجل، (وإن فرضه)
مؤجلا (أو) فرض (بعضه مؤجلا إلى وقت معلوم أو إلى أوقات كل جزء منه إلى وقت معلوم
صح) ذلك، لأنه عقد معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن (وهو إلى أجله) سواء فارقها وأبقاها، كسائر
الحقوق المؤجلة. (وإن أجله) أي الصداق (أو) أجل (بعضه ولم يذكر محل الاجل صح نصا
، ومحله الفرقة البائنة فلا يحل مهر الرجعية إلا بانقضاء عدتها).
قال أحمد: إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل إلا بموت أو فرقة، لأن كل لفظ
مطلق يحمل على العرف، والعرف في الصداق ترك المطالبة به إلى حين الفرقة بالموت أو
البينونة، فيحمل عليه فيصير حينئذ معلوما بذلك. فإن جعل أجله مدة مجهولة كقدوم زيد، لم
يصح التأجيل لجهالته. وإنما صح المطلق لأن أجله الفرقة بحكم العادة. وقد صرف هنا من
العادة ذكر الآجل، ولم يبينه فبقي مجهولا. قال في الشرح: فيحتمل أن تبطل التسمية
ويحتمل أن يبطل التأجل ويحل، انتهى.
قلت: الثاني هو قياس ما تقدم في ثمن المبيع.
149

فصل
وإن تزوجها على خمر أو خنزير أو مال مغصوب صح النكاح
، لأنه لو كان عوضه صحيحا كان صحيحا، فوجب أن يصح، وإن كان عوضه فاسدا كما
لو كان مجهولا، ولأنه عقد لا يبطل بجهالة العوض، فلا يفسد بتحريمه كالخلع، ولان فساد
العوض لا يزيد على عدمه، ولو عدم كان النكاح صحيحا، فكذا إذا كان فاسدا. (ولها مهر
مثلها) لأن فساد العوض يقتضي رد عوضه، وقد فات ذلك لصحة النكاح فيجب رد قيمته،
وهو مهر المثل، ولان ما يضمن بالعقد الفاسد اعتبرت قيمته بالغة ما بلغت كالمبيع كمن
اشترى شيئا بثمن فاسد، فقبض المبيع وتلف في يده. (وإن تزوجها على عبد بعينه فظنه
مملوكا له فخرج حرا) فلها قيمته، (أو) خرج (مغصوبا فلها قيمته يوم العقد)، لأن العقد وقع
على التسمية، فكان لها قيمته. ولأنها رضيت بما سمي لها، وتسليمه ممتنع لكونه غير قابل
لجعله صداقا، فوجب الانتقال إلى قيمته يوم العقد، لأنها بدل ولا تستحق مهر المثل لعدم
رضاها به. وإن أصدقها مثليا فخرج مغصوبا فلها مثله. (وإن وجدت به) أي بما أصدقها (عيبا
فلها الخيار بين إمساكه وأخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته) إن كان متقوما، (أو مثله إن كان مثليا
كمبيع)، لأنه عوض في عقد معاوضة فخيرت فيه كمبيع، وكذا عوض الخلع المعين، فإن تعيب
أيضا عندها خيرت بين أخذ أرشه ورده ورد أرش عيبه كالمبيع. وإن تزوجها على نحو شاة
فوجدتها مصراة فلها ردها وترد معها صاعا من تمر على قياس البيع، وسائر فروع الرد بالعيب
والتدليس تثبت هنا، لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع. هذا معنى كلامه في الشرح. (وكذا إن
تزوجها على عبد معين وشرط فيه صفات فبان ناقصا)، فبان (صفة شرطتها) فلها الخيار بين
إمساكه مع أرش فقد الصفة وبين رده والطلب بقيمته، وإن كان في الذمة ولم يكن بالصفات
فله بدله فقط. (و) إن تزوجها (على جرة خل فخرجت خمرا أو) خرج الخل (مغصوبا فلها
150

مثله) خلا، لأنها رضيت به خلا وقد تعذر تسليمه فوجب مثله (و) إن تزوجها (على هذا
الخمر وأشار إلى خل أو) على (عبد فلان هذا، وأشار إلى عبده صحت التسمية ولها المشار
إليه). لأن التعيين أقوى من التسمية فقدم عليها، (كما لو قال بعتك هذا الأسود وأشار إلى
أبيض، أو) بعتك (هذا الطويل وأشار إلى قصير) فإنه يصح البيع في المشار إليه لقوة التعين.
(و) إن تزوجها (على عبدين فخرج أحدهما حرا فلها قيمة الحر وتأخذ الرقيق). وكذا لو
خرج أحدهما مغصوبا لما تقدم. (و) إن تزوجها (على عبد فبان نصفه حرا أو مستحقا، أو)
تزوجها (على ألف ذراع فبانت تسعمائة، خيرت بين أخذه وقيمة الفائت وبين رده وأخذ قيمة
الكل). لأن الشركة عيب. (وإن تزوجها على عصير فبان خمرا فلها مثل العصير)، لأنه مثل
والمثل أقرب إليه من القيمة. (فإن كان) المثل (معدوما فقيمته) يوم إعوازه كبدل قرض تعذر
مثله.
فصل
ولأبي المرأة الحرة أن يشترط شيئا من صداقها لنفسه بل
يصح. (ولو) اشترط (الكل) أي كل الصداق لأن شعيبا زوج موسى عليهما الصلاة
والسلام ابنته على رعاية غنمه. وذلك اشترط لنفسه، ولان للوالد الاخذ من مال - ولده لقوله
(ص): أنت ومالك لأبيك. ولقوله (ص): - إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من
كسبكم رواه أبو داود والترمذي وحسنه. فإذا شرط شيئا لنفسه من مهر ابنته صح. (إذا
151

كان ممن يصح تملكه) على ما تقدم تفصيله في الهبة. (ويكون ذلك أخذا من مالها)، فتعتبر
له شروطه، (فإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها، صح) ذلك، (وكانا) أي الألفان، وفي نسخة
وكان (جميعا مهرها وعلى أن الكل له يصح أيضا) لما تقدم. (وكان) الكل (مهرها ولا
يملكه الأب إلا بالقبض مع النية) لتملكه كسائر مالها. (وشرطه أن لا يجحف بمال البنت
قاله في المجرد وابن عقيل والموفق والشارح). قال في المبدع: ومنعه الشيخ تقي الدين
لأنه لا يتصور الاجحاف لعدم ملكها، فظاهر كلام أحمد والقاضي في تعليقه وأبي الخطاب
أنه لا يشترط. (فإن طلقها) الزوج (قبل الدخول بعد قبض) أي قبضه الأب ما شرطه من
صداق ابنته بنية التملك (رجع) الزوج (عليها في الأولى) وهي ما إذا تزوجها على ألف لها
وألف لأبيها (بألف)، لأنه نصف الصداق (و) يرجع (في الثانية بقدر نصفه) أي نصف ما
شرطه الأب صداقا لها وشرطه لنفسه وقبضه بنية التملك. (ولا شئ على الأب فيما أخذه)
من نصف أو كل، (إن قبضه بنية التملك) لأنه أخذه من مال ابنته فلا رجوع عليه بشئ منه
كسائر مالها. (و) إن طلقها الزوج (قبل القبض) للصداق المسمى سقط عن الزوج نصف
المسمى، ويبقى النصف للزوجة. (يأخذ) الأب (من) النصف (الباقي) لها (ما شاء بشرطه)
السابق في باب الهبة. (وإن فعل ذلك) أي ما ذكر من اشتراط الصداق أو بعضه له (غير
الأب) كالجد والأخ. وكذا أب لا يصح تملكه (صحت التسمية) ولغى الشرط، (والكل لها)
لأن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها، فيكون صداقا لها، كما لو جعله لها. وليس للغير
أن يأخذ شيئا بغير إذن فيقع الاشتراط لغوا، (وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق
مثلها، وإن كرهت كبيرة كانت أو صغيرة)، لأن عمر خطب الناس فقال: لا تغالوا في
صداق النساء فما أصدق النبي (ص) أحدا من نسائه ولا بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وكان
152

ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر. فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك، وإن كان
دون صداق مثلها، ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض. وإنما المقصود السكن
والازدواج، ووضع المرأة في منصب عند من يكفيها ويصونها. والظاهر من الأب مع تمام
شفقته وحسن نظره أنه لا ينقصها من الصداق إلا لتحصيل المعاني المقصودة، فلا يمنع منه
بخلاف عقود المعاوضات، فإن المقصود منها العوض. لا يقال كيف يملك الأب تزويج
الثيب الكبيرة بدون صداق مثلها. لأن الأشهر أنه يتصور بأن تأذن في أصل النكاح دون قدر
المهر. قال في المبدع: (وليس لها) أي الزوجة (إلا ما وقع عليه العقد) فلا يلزم أحدا
تتمة مهر المثل إن زوجها الأب بدونه. وقيل: يتممه الأب كبيعه مالها بدون ثمنه لسلطان
يظن به حفظ الباقي. ذكره في الانتصار. (وإن فعل ذلك) أي زوجها بدون صداق مثلها
(غير الأب بإذنها. صح ولم يكن لغيره) أي غير العاقد من الأولياء (الاعتراض إن كانت)
الآذنة (رشيدة)، لأن الحق لها. فإذا رضيت بإسقاطه سقط كبيع سلعتها، (وإن فعله) أي
زوجها بدون مهر مثلها (بغير إذنها وجب مهر المثل) لأنه قيمة بضعها، وليس للولي نقصها
منه والنكاح صحيح لا يؤثر فيه فساد التسمية وعدمها. (ويكلمه) أي يكمل الزوج مهر المثل
لأنه المستوفى لبدله وهو البضع. (ويكون الولي ضامنا) لأنه مفرط. كما لو باع مالها بدون
ثمن مثله. (وإن زوج) الأب (ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر، صح) لأن تصرف الأب
ملحوظ فيه المصلحة فكما يصح أن يزوج ابنته بدون مهر المثل للمصلحة. فكذا يصح هنا
تحصيلا لها. (ولزم) الصداق (ذمة الابن) لأن العقد له فكان بدله عليه كثمن المبيع. ونقل
ابن هانئ مع رضاه. (وإن كان) الابن (معسرا) فلا يضمنه الأب كثمن مبيعه. (إلا أن يضمنه
أبوه) فيلزمه بالضمان (كثمن مبيعه. وإن تزوج امرأة فضمن أبوه أو غيره نفقتها عشر سنين)
مثلا (صح) الضمان (موسرا، كان الأب أو معسرا) لأن ضمان ما يؤول إلى الوجوب،
صحيح وهذا منه. ولو قيل له: ابنك فقير من أين يؤخذ الصداق؟ فقال: عندي، ولم يزد
على ذلك لزمه. (وإن دفع الأب الصداق عن ابنه الصغير أو الكبير، ثم طلق الابن قبل
الدخول فنصف الصداق) الراجع (للابن دون الأب، وكذا لو ارتدت) الزوجة (قبل الدخول
153

فرجع) الصداق (جميعه) فهو للابن الأب. ولو قبل بلوغ لأن الابن هو المباشر للطلاق
الذي هو سبب استحقاق الرجوع بنصف الصداق، فكان ذلك لمتعاطي السبب دون غيره،
ولأنه بانفساخ العقد عاد إليه عرضه. (وليس للأب الرجوع فيه) أي فيما عاد إلى الابن بالطلاق
أو الردة ونحوهما من الصداق، (بمعنى الرجوع في الهبة لأن الابن ملكه من غير أبيه) لأنه ملكه من
الزوجة، وله تملكه من حيث أنه يتملك من مال ولده ما شاء بشرطه، وما تقدم من أن الراجع
للابن. قال ابن نصر الله: محله ما لم يكن زوجه لوجوب الاعفاف عليه فإنه يكون للأب
(وللأب قبض صداق ابنته المحجور عليها) لصغر أو سفه أو جنون، لأنه يلي ما لها، فكان له
قبضه كثمن مبيعها. و (لا) يقبض صداق (الكبيرة الرشيدة ولو بكرا إلا بإذنها) المتصرفة في مالها
فاعتبر إذنها في قبضه كثمن مبيعها فلا يبرأ الزوج، وإذا غرم رجع على الأب.
فصل
وإن تزوج عبد بإذن سيده صح نكاحه
لأن الحجر عليه لحق سيده، فإذا أسقط حقه سقط بغير خلاف. (وله نكاح أمة ولو
أمكنه) نكاح (حرة) لأنها تساويه، (و) إذا نكح بإذن سيده (تعلق صداق ونفقة وكسوة ومسكن
بذمة السيد نصا)، نقله الجماعة. لأنه حق تعلق بالعبد برضا سيده فتعلق بذمته كالدين، فيجب
الصداق والنفقة والكسوة والمسكن على السيد، وإن لم يكن للعبد كسب وليس للمرأة
الفسخ لعدم كسب العبد، وللسيد استخدامه ومنعه من الاكتساب. (ولا ينكح) العبد (مع الاذن
المطلق) من سيده بأن قال له: تزوج ونحوه. ولم يقيد بواحدة ولا أكثر، (إلا) امرأة (واحدة)
نصا لأن ما زاد غير مأذون فيه نطقا ولا عرفا. (وزيادته) أي العبد (على مهر المثل) بغير إذن
سيده (في رقبته) لأنها وجبت بفعله أشبهت جنايته. (وإن طلق) العبد زوجته (رجعيا فله
ارتجاعها بغير إذن سيده) لأن ذلك استدامة للنكاح، لا ابتداء له. و (لا) يملك العبد
(إعادة) المطلقة (البائن إلا بإذن سيده) لأن إعادة البائن لا تكون إلا بعقد جديد. (وإن
154

تزوج) العبد (بغير إذن) أي إذن سيده لم يصح النكاح، وهو قول عثمان وابن عمر. لما
روى جابر أن النبي (ص) قال: أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر رواه أحمد وأبو
داود والترمذي وحسنه وإسناده جيد. لكن في إسناده عبد الله بن محمد ابن عقيل. وفيه
كلام، ولأنه نكاح فقد شرطه فكان باطلا، كما لو تزوج بغير شهود. (أو أذن) السيد (له في
التزويج بمعينة) فنكاح غيرها، (أو) أذن له أن يتزوج (من بلد معين أو من جنس معين فنكح
غير ذلك لم يصح النكاح) لعدم الإذن فيه. (ويجب بوطئها في رقبته مهر مثلها) كسائر
الأنكحة الفاسدة. و (لا) يجب شئ (بمجرد الدخول والخلوة) من غير وطئ كسائر الأنكحة
الفاسدة، وحيث تعلق المهر برقبته (يفديه السيد بالأقل من قيمته أو المهر الواجب)، لان
الوطئ أجرى مجرى الجناية (وإن أذن له في تزويج صحيح أو أطلق) بأن أذن له أن يتزوج
ولم يقل صحيحا، ولا فاسدا (فنكح نكاحا فاسدا ف‍) - نكاح (غير مأذون فيه) لأن الصحيح لا
يتناول الفاسد والمطلق، إنما يحمل على الصحيح. (وإن أذن) السيد له (في نكاح فاسد
وحصلت إصابة. فالمهر على السيد) كإذنه له في الجناية، (وإن زوجه) سيده (أمته وجب)
للسيد (مهر المثل) في ذمة العبد (ويتبع به بعد عتقه نصا) لأن النكاح إتلاف بضع يختص
به العبد فلزمه في أمته. وظاهره سواء كان فيه تسمية أو لا. (وإن زوجه) أي زوج السيد عبده
(حرة ثم باعه) السيد (لها بثمن في الذمة. صح) البيع (وانفسخ النكاح) لأنها ملكت زوجها
(ولها) أي الزوجة (على سيده المهر إن كان) البيع (بعد الدخول) لاستقراره بالدخول، (فإن
كان المهر وثمنه) الذي باعه به لها (من جنس) واحد (تقاصا بشرطه. وتقدمت) المقاصة
وشروطها (في السلم. وإن كان الشراء) من الزوجة لزوجها العبد (قبل الدخول سقط نصف
الصداق) ورجع السيد بنصفه. ولم يسقط الصداق لأن الفرقة لم تتمحض من قبلها. (وإن
باعها) أي باع السيد زوجة عبده الحرة (إياه بالصداق. صح) البيع (قبل الدخول وبعده)
155

لأن الصداق مال يصح جعله ثمنا لغير هذا العبد فصح أن يكون ثمنا له كغيره من الأموال،
(وانفسخ النكاح) لأن زوجته صارت مالكة له (ويرجع سيده عليها بنصفه) أي المهر (إن
كان) البيع (قبل الدخول) لما تقدم، (ولو جعل السيد العبد مهرها بطل العقد كمن زوج ابنه
على رقبة من يعتق على الابن لو ملكه) كأخيه لامه، (لتعذره) أي الملك في المهر (له) أي
للابن (قبلها) أي قبل أن يصير للزوجة، وإذا دخل في ملكه عتق عليه فلا يثبت الملك بخلاف
إصداق الخمر، لأنه لو ثبت لم ينفسخ. وقال ابن نصر الله: لا يلزم من ثبوت ملك الابن له
وعتقه عليه بطلان العقد إنما يلزم من ذلك بطلان الصداق، وأوضحه كما أشرنا إليه في
حاشية المنتهى.
فصل
وتملك الزوجة الصداق المسمى بالعقد
حالا كان أو مؤجلا لقوله عليه الصلاة والسلام: إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار
لك فيدل على أن الصداق كله للمرأة ولا يبقى للرجل فيه شئ ولأنه عقد يملك به
العوض فتملك به المعوض كاملا، كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه
بالعقد ألا ترى أنها لو ارتدت سقط جميعه، وإن كانت ملكت نصفه. (فإن كان) الصداق
(معينا كالعبد والدار والماشية فلها التصرف فيه). لأنه ملكها، فكان لها ذلك كسائر أملاكها.
(ونماؤه المتصل والمنفصل لها، وزكاته ونقصه وضمانه عليها، سواء قبضته أو لم تقبضه). لان
ذلك كله من توابع الملك. (فإن زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كله عليها)
156

، لأنها قد ملكته أشبه ما ملكته بالبيع. (إلا أن يمنعها) الزوج (قبضه) أي الصداق المعين،
(فيكون ضمانه عليه لأنه بمنزلة الغاصب). وإن زاد فالزيادة لها، وإن نقص فالنقص عليه، وهو
بالخيار بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته، أكثر ما كانت من يوم العقد إلى يوم
القبض، لأنه إذا زاد بعد العقد فالزيادة لها، وإن نقص فالنقص عليه، إلا أن تكون الزيادة لتغير
الأسعار. (إلا أن يتلف) الصداق لمعين (بفعلها، فيكون ذلك) أي إتلافه (قبضا منها، ويسقط
عنه ضمانه) كالبيع المعين يتلفه المشتري، (وإن كان) الصداق (غير معين كقفيز من صبرة
ملكته) بالعقد لما تقدم. (وإن لم يدخل في ضمانها) إلا بقبضه، (ولم تملك التصرف فيه إلا
بقبضه كمبيع) أي كما لو كان ذلك مبيعا، وحول غير المعين من التعيين بخلاف المعين
، فحوله من العقد وتقدم في الزكاة. (وكل موضع قلنا هو من ضمان الزوج إذا تلف لم يبطل
الصداق بتلفه)، بل يضمنه بمثله أو قيمته. (وإن قبضت) المرأة (صداقها ثم طلقها) الزوج.
(قبل الدخول رجع بنصف عينه إن كان باقيا) بحاله لقوله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل
أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) * الآية. (ولو) كان الباقي
بحاله من الصداق (النصف فقط، ولو) كان (النصف مشاعا) فيرجع به (ويدخل في ملكه قهرا
ولو لم يختره). أي يختر تملكه (كالميراث) للآية السابقة، لأن قوله فنصف ما فرضتم يدل
عليه، لأن التقدير فنصف ما فرضتم لكم أو لهن وذلك يقتضي كينونة النصف له، أو لها
بمجرد الطلاق، ولان الطلاق سبب يملك به بغير عوض، فلم يفتقر إلى اختياره كالإرث
، (فما حصل من نمائه) أي الصداق (كله بعد دخول نصفه في ملكه) أي الزوج (فهو بينهما)
أي الزوجين (نصفين) لأن النماء تابع للأصل. (فإن كانت) المرأة (تصرفت في الصداق
ببيع أو هبة مقبوضة أو عتق أو رهن أو كتابة منع) ذلك (الرجوع في نصفه)، لأنه تصرف ينقل
الملك أو يمنع المالك من التصرف فمنع الرجوع ولأن الكتابة تراد للعتق المزيل للملك
وهي عقد لازم فأجريت مجرى الرهن. (ويثبت حقه) أي الزوج حيث امتنع رجوعه (في
القيمة، إن لم يكن) الصداق (مثليا)، فيأخذ نصف قيمة المقوم أو نصف قيمة المثل في
157

المثلى. (ولا تمنع الوصية والشركة والمضاربة) والايداع والإعارة (والتدبير) من الرجوع
فوجود هذا التصرف كعدمه، لأنه تصرف لم ينقل الملك ولم يمنع المالك من التصرف، فلا
يمنع من له الرجوع على المالك الرجوع على من الصداق بيده وهو العامل ونحوه. (وإن
تصرفت) المرأة في الصداق (بإجارة أو تزويج رقيق) لم يمنع ذلك الرجوع كما تقدم
و (خير الزوج بين الرجوع في نصفه ناقصا، وبين الرجوع في نصف قيمته) لأنه نقص حصل
في الصداق بغير جناية عليه. (فإن رجع) الزوج (في نصف المستأجر صبر حتى تنقضي
الإجارة)، ولا ينتزعه من المستأجر، لأن الإجارة عقد لازم فليس للزوج إبطالها. (ولو طلقها)
أي طلق الزوجة قبل الدخول بها (على أن المهر كله لها لم يصح الشرط) لمخالفته
للكتاب، (وإن طلق) قبل الدخول بلا شرط، (ثم عفا) عن نصف المهر (صح) عفوه. ويأتي
مفصلا لقوله تعالى: * (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * (البقرة: 237).
(وإن زاد الصداق زيادة منفصلة) كالولد والثمرة ثم طلق الزوج قبل الدخول، (رجع في نصف
الأصل) لأنه قد أمكن الرجوع فيه من غير ضرر على أحد، فوجب أن يثبت حكمه
(والزيادة لها) لأنها نماء ملكها. (ولو كانت الزيادة) المنفصلة (ولد أمة) لأنها لا تفريق فيه
لبقاء ملك الزوجة على النصف (وإن كانت الزيادة متصلة كطلع نخل وثمر شجر) لم يجز
، (وحرث أرض) وسمن وتعلم صنعة، (فهي) أي الزيادة (لها) أي للزوجة (أيضا) أي
كالمنفصلة لأنها نماء ملكها، ويفارق المبيع نماء المعيب، لأن سبب الفسخ العيب، وهو
سابق على الزيادة وسبب تنصيف الصداق الطلاق، وهو حادث بعدها. (فإن كانت) الزوجة
(غير محجور عليها خيرت بين دفع نصفه زائدا، أو بين دفع نصف قيمته يوم العقد إن كان
متميزا). لأنها إن اختارت دفع الأصل زائدا كان ذلك إسقاطا لحقها من الزيادة، وإن اختارت
دفع نصف قيمته كان لها ذلك، لأنه لا يلزمها دفع نصف الأصل لاشتماله على الزيادة التي لا
يمكن فصلها عنه. وحينئذ تعينت القيمة كالاتلاف، وإنما اعتبرت قيمة المتميز يوم العقد،
لأنه يدخل في ضمانها بمجرد العقد، فاعتبرت صفته وقته. (و) الصداق (غير المتميز) كعبد
من عبيده إذا دفعه لها وزاد زيادة متصلة، ثم طلق، واختارت دفع نصف قيمته (له قيمة نصف
يوم الفرقة، على أدنى صفة من وقت العقد إلى وقت قبضه). لأنه لا يدخل في ضمانها إلا
158

بقبضه، فما نقص قبل ذلك غير مضمون عليها، (و) الزوجة (المحجور عليها) إذا زاد
الصداق. ثم تنصف (لا تعطيه) يعني لا يعطيها وليها (إلا نصف القيمة)، لأنه لا يصح
تبرعها. ثم إن كان الصداق متميزا أخذ نصف القيمة يوم العقد. وإن كان غير متميز أخذ
نصف القيمة على أدنى صفة من عقد إلى قبض. (وإن كان) الصداق (ناقصا بغير جناية
عليه)، كأن نقص بمرض أو نسيان صنعة، ثم طلق قبل الدخول (خير زوج غير محجور عليه
بين أخذه ناقصا، ولا شئ له غيره)، لأنه إذا اختار أخذ نصفه. فقد أسقط حقه (وبين أخذ
نصف قيمته) لأن قبوله ناقصا ضرر عليه، وهو منفى شرعا، وتعتبر القيمة (يوم العقد إن
كان) الصداق (متميزا)، لأنه مضمون بالعقد (وغيره)، أي غير المتميز تعتبر قيمته (يوم الفرقة
على أدنى صفاته من يوم العقد إلى يوم القبض). لأنه لا يدخل في ضمانها قبل القبض
والمحجور عليه، لا يأخذ وليه إلا نصف القيمة. (وإن كان نقصه) أي الصداق (بجناية جان
عليه)، كما لو كان عبدا ففقأ إنسان عينه. (فله) أي للزوج (مع ذلك) أي مع أخذ نصف العبد
(نصف الأرش) لأنه بدل ما فات منه. (وإن زاد) الصداق (من وجه ونقص من وجه) آخر
، (كعبد صغير صغير ومصوغ كسرته، وإعادته صياغة أخرى، وحمل الأمة ومثل أن يتعلم) العبد
(صنعة وينسى أخرى أو هزل وتعلم) صنعة (فلكل منهما الخيار)، فيخير الزوج بين أخذ نصفه
ناقصا وبين أخذ نصف القيمة وتخير الزوجة بين أخذ نصفه زائدا وبين دفع نصف قيمته،
(ولا أثر لمصوغ كسرته وإعادته كما كان، أو أمة سمنت ثم هزلت ثم سمنت ولا لارتفاع
سوق)، لأنه، وجده بصفته فكأنه لم يتغير. (وحمل البهيمة زيادة ما لم يفسد اللحم) بخلاف
حمل الأمة، فإنه نقص لأن قيمتها تنقص به. (وزرع وغرس) وبناء (نقص الأرض) بخلاف
حرثها، (ولو أصدقها صيدا ثم طلق) قبل الدخول (وهو محرم، دخل) نصفه في (ملكه
ضرورة كإرث، فله إمساكه) بيده الحكمية لا المشاهدة. (وإن كان) الصداق (ثوبا فصبغته أو
أرضا فبنتها، فبذل الزوج قيمة زيادته ليملكه فله ذلك). لأنه يزيل بذلك ضرر الشركة عنه
159

، كالشفيع والمؤجر والمعير إذا بذل قيمة ما بالأرض من البناء وتملكه، (فلو بذلت المرأة
النصف) من الصداق (بزيادته لزمه)، أي الزوج (قبوله) لأنها زادته شيئا ينفعه ولا يضره.
قلت: قد سبق في الغصب فيمن غصب خشبا وسمره الغاصب بمساميره، ثم وهبها
لمالك الخشب لم يلزمه قبولها للمنة. فليحرر الفرق بين البناء والمسامير. ولذلك لو بذلت له
نصف الأرض مزروعة بنصف زرعها لم يلزمه القبول. قدمه في المغني والشرح
وشرح ابن رزين وغيرهم، وصححه في تصحيح الفروع. (وإن كان) الصداق وقت الطلاق قبل
الدخول (تالفا أو مستحقا بدين)، كما إذا أفلست المرأة وحجر الحاكم عليها، فإنه يرجع في
نصف القيمة ويشارك الغرماء به. قاله الزركشي في شرح قطعة الوجيز، وبعضه في شرح
المنتهى. وقال ابن منجا: معنى استحقاقه بدين أن يكون رهنا عليه. ولا يدخل في ذلك
ما إذا أفلست واستحق الغرماء مالها، فإن ذلك لا يمنع الزوج من الرجوع فيه إذا كان باقيا
بعينه. ذكره في المغني والكافي نقله ابن نصر الله عنه. وجزم به المصنف في الحجر،
لكن مسألة الرهن تقدمت في كلام المصنف هنا. فالأولى حمل كلامه هنا على أن يكون
الصداق قنا فيستدين دينا يتعلق برقبته. (أو) استحق (شفعة) بأن كان شقصا مشفوعا، وطالب
الشفيع بالشفعة إن قلنا ثبت فيما أخذ صداقا منع ذلك رجوع الزوج في عينه، و (رجع في
المثل بنصف مثله وفي غيره). وهو أي المتقوم (بنصف قيمته) لتعذر الرجوع في عينه لتعلق
حق الغير به، وتعتبر القيمة (يوم العقد إن كان متميزا أو غير متميز) تعتبر قيمته (يوم الفرقة
على أدنى صفاته من يوم القبض) لما تقدم. (ولو طلق) الزوج (قبل أخذ الشفيع) بالشفعة (إن
قلنا تثبت الشفعة فيما أخذ صداقا)، وهو مرجوح، (قدم الشفيع) لسبق حقه لأنه يثبت بالعقد
، وحق الزوج إنما يثبت بالطلاق. (وإن نقص الصداق) في يدها بعد الطلاق ضمنته، (أو تلف)
160

الصداق (في يدها بعد الطلاق قبل المطالبة أو بعدها ضمنته) سواء كان متميزا أو لا، وسواء
منعته قبضه أو لا. لأنه وجب له نصف الصداق فلم يدخل في ضمانه إلا بالقبض، وإذا لم
يدخل في ضمانه كان مضمونا عليها فتضمن نقصه وتلفه. (وإن قبضت) الزوجة (المسمى
في الذمة) كما لو أصدقها عبدا موصوفا بذمته ثم أقبضها إياه، (فهو كالمعين) بالعقد في
جميع ما ذكر، لأنه استحق بالقبض عينا فصار كما لو عينه بالعقد. (إلا أنه لا يرجع) بالبناء
للمفعول، أي لا ترجع هي أو وليها على زوج (بنمائه) قبل قبضه، لأنها لا تملكه إلا بالقبض
. (ويعتبر في تقويمه صفته يوم قبضه). لأنه الوقت الذي ملكته فيه. (ويجب رده) أي رد نصفه
إن طلقها قبل الدخول مع بقائه (بعينه) كالمعين. (والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح) لما
روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي (ص) قال: ولي العقدة الزوج رواه الدارقطني
عن ابن لهيعة، ورواه أيضا بإسناد جيد عن علي، ورواه بإسناد حسن عن جبير بن مطعم عن
ابن عباس. ولان الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج، فإنه يتمكن من قطعه وفسخه
وإمساكه، وليس للولي منه شئ. ولان الله سبحانه وتعالى قال: * (وأن تعفوا أقرب للتقوى)
والعفو الذي هو أقرب للتقوى هو عفو الزوج عن حقه. وأما عفو ولي
المرأة عن مالها فليس هو أقرب للتقوى. ولان المهر مال للزوجة، فلا يملك الولي إسقاطه
كغيره من أموالها وحقوقها. ولا يمنع ذلك العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب،
كقوله تعالى: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) * (فإذا طلق)
الزوج (قبل الدخول) والخلوة وسائر ما يقرر الصداق (فأيهما) أي الزوجين (عفا لصاحبه
عما وجب له من المهر، وهو جائز الابراء في ماله)، بأن كان مكلفا رشيدا (برئ منه صاحبه
سواء كان المعفو عنه عينا أو دينا)، لقوله تعالى: * (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة
! النكاح) * (فإن كان) المعفو عنه (دينا سقط بلفظ الهبة والتمليك والاسقاط
والابراء والعفو والصدقة والترك. ولا يفتقر) إسقاطه (إلى قبول) كسائر الديون، وتقدم
ذلك كله في الهبة. (وإن كان) المعفو عنه (عينا في يد أحدهما، فعفا الذي هو في يده فهو هبة
يصح بلفظ العفو، والهبة والتملك. ولا يصح بلفظ الابراء والاسقاط). لأن الأعيان لا تقبل
161

ذلك أصالة، (ويفتقر) لزوم العفو عن العين ممن هي بيده (إلى القبض فيما يشترط القبض
فيه). لأن ذلك هبة حقيقة ولا تلزم إلا بالقبض. والقبض في كل شئ بحسبه كما تقدم في
قبض المبيع، فقبض ما لا ينقل بالتخلية. ولو أسقط فيما يشترط القبض فيه لكان مناسبا لما
سبق. ويوهم كلامه أن من الهبة فيما بيد الواهب ما يلزمه بلا قبض وليس كذلك. (وإن عفا
غير الذي هو في يده) زوجا كان أو زوجة، (صح العفو بهذه الألفاظ) من الهبة والتمليك
والاسقاط والابراء والعفو والصدقة والترك (كلها). وتقدم التنبيه على ما فيه في الهبة وتلزم
بمجرد الهبة. فلا يفتقر إلى مضي زمن يتأتى فيه القبض. (ولا يملك الأب العفو عن نصف
مهر ابنته الصغيرة إذا طلقت ولو قبل الدخول) كثمن مبيعها، (ولا) يملك الأب أيضا العفو
عن شئ من مهر ابنته (الكبيرة) إذا طلقت ولو قبل الدخول، لأنه لا ولاية له عليها، (ولا)
يملك (غيره) أي الأب (من الأولياء) كالجد والأخ والعم والعفو عن شئ من مهر وليته، ولو
طلقت قبل الدخول، لأنه لا ولاية لهم في المال. (ولو بانت امرأة الصغير أو السفيه أو
المجنون على وجه يسقط صداقها عنهم، مثل أن تفعل امرأته) أي امرأة الصغير أو السفيه أو
المجنون، (ما يفسخ نكاحها برضاعه أو ردة أو) وجد ما يسقط به (نصفه) أي الصداق (كطلاق
من السفيه) أو من صغير يعقله، (أو رضاع من أجنبية لمن ينفسخ نكاحها برضاعه)، كما لو
دب الزوج الصغير فارتضع من أم زوجته أو أختها أو نحوها، (أو نحو ذلك) كما لو وطئ
أم زوجته فانفسخ نكاح بنتها، وعاد إليه نصف الصداق، (لم يكن لوليهم العفو عن شئ من
الصداق)، لما تقدم.
فصل
وإذا أبرأته من صداقها أو وهبته له، ثم طلقها قبل الدخول رجع
الزوج عليها بنصفه)، لأن عود نصف الصداق إلى الزوج بالطلاق وهو غير الجهة
162

المستحق بها الصداق أولا، فهو كما لو أبرأ إنسانا من دين عليه، ثم استحق عليه مثل ما أبرأه
منه بوجه آخر فلا يتساقطان بذلك. (وإن أبرأته من نصفه) أي الصداق (أو وهبته) أي نصف
الصداق (له ثم طلقها) الزوج (قبل الدخول، رجع في النصف الباقي)، لأنه وجد نصف ما
أصدقها بعينه، فأشبه ما لو لم تهبه له. (ولو اشترى) إنسان (عبدا بمائة ثم أبرأه البائع من
الثمن، أو قبضته ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري به) أي العبد (عيبا فله رد المبيع والمطالبة
بالثمن) لما تقدم، (أو أخذ أرش العيب مع إمساكه)، أي المعيب كالصداق فيما تقدم. (فإن
وهب المشتري العبد للبائع ثم أفلس المشتري، والثمن في ذمته ضرب البائع بالثمن مع
الغرماء)، لأنه لم يعد إلى البائع منه شئ من الثمن. (ولو كاتب) إنسان (عبدا ثم أسقط عنه
مال الكتابة برئ) المكاتب، (وعتق) لأنه لم يبق عليه شئ من الكتابة. (قال الموفق وغيره)
: و (لم يرجع المكاتب على سيده بما كان عليه من الايتاء) وهو ربع مال الكتابة، لأن الاسقاط
عنه يقوم مقام الايتاء. (وكذلك لو أسقط) السيد (عن المكاتب القدر الذي يلزمه إيتاؤه إياه)
وهو الربع، (واستوفى) السيد (الباقي) من مال الكتابة فلا رجوع للمكاتب عليه، وتقدم في
الكتابة. (ولو قضى المهر أجنبي) عن الزوج (متبرعا ثم سقط) الصداق لردتها ونحوها قبل
دخول، (أو تنصف) الصداق بنحو طلاقه قبل دخول، (فالراجع) من المهر (للزوج) لان
الأجنبي وهب ذلك للزوج بقضائه عنه. فإذا عاد إليه الاستحقاق بغير الجهة المستحقة أو لا
كان للزوج، كما لو أداه من ماله. (ولو خالعها) الزوج (بنصف صداقها قبل الدخول صح)
ذلك، (وصار الصداق كله له نصفه) له (بالطلاق) يعني الخلع قبل الدخول. (ونصفه) له
(بالخلع) أي عوضا له، (وإن خالعها) قبل الدخول (على مثل نصف الصداق في ذمتها)، وكانت
لم تقبض الصداق منه (صح) ذلك. (وسقط) عنه (جميع الصداق نصفه بالطلاق ونصفه
بالمقاصة)، حيث وجدت بشروطها. (ولو قالت) المرأة (له) أي لزوجها قبل الدخول وقبل
قبض الصداق: (اخلعني بما يسلم إلي من صداقي، أو) اخلعني (على أن لا تبعة عليك في
163

المهر ففعل). أي خلعها على ذلك (صح) الخلع، لأنه بمعنى سؤالها الخلع على نصف
الصداق. (وبرئ) الزوج (من جميعه) نصفه بالخلع، ونصفه بجعله عوضا له فيه. (وإن خالعها)
قبل الدخول (بمثل جميع الصداق في ذمتها، أو) خالعها (بصداقها كله صح) الخلع لصدوره
من أهله في محله. (ويرجع عليها بنصفه)، وسقط عنه الصداق لما تقدم. (وإن أبرأت مفوضة
المهر)، وهي التي تزوجها على ما شاءت أو شاء زيد ونحوه من المهر صح. (أو) أبرأت
مفوضة (البضع)، وهي من تزوجت بغير صداق من المهر صح. (أو) أبرأت (من سمى لها مهر
فاسد كالخمر، والمجهول من المهر صح) الابراء (قبل الدخول وبعده)، لانعقاد سبب وجوبه
وهو عقد النكاح. كالعفو عن القصاص بعد الجرح وقبل الزهوق. (فإن طلقها) أي طلق الزوج
المفوضة أو من سمي لها مهر فاسد بعد البراءة، و (قبل الدخول رجع) المطلق (بنصف مهر
المثل)، لأنه الذي وجب بالعقد فهو كما لو أبرأته من المسمى ثم طلقها وعفا. وهذا احتمال
ذكره في الشرح. وقال في المنتهى: لها المتعة. قال في شرحه: في الأصح، وهو مقتضى
الآية: (فإن كانت البراءة) من المفوضة ومن سمي لها مهر فاسد (من نصفه، ثم طلقها قبل
الدخول رجع عليها بنصف مهر المثل الباقي) بعد النصف الساقط بالبراءة، وهو مبني على ما
سبق. (ولا متعة لها) في أحد الوجهين، قطع به ابن رزين في شرحه. وقدمه في المغني
والشرح. والوجه الثاني: لا تسقط صححه الناظم وقدمه في المحرر والرعايتين
والحاوي الصغير، وقطع به في المنتهى. وقال في شرحه في الأصح لقوله تعالى:
164

* (فمتعوهن) * فأوجب لها المتعة بالطلاق، وهي إنما وهبته مهر المثل فلا
تدخل المتعة فيه، ولا يصح إسقاطها قبل الفرقة لأنه إسقاط ما لا يجب كمن أسقط الشفعة
قبل البيع. (وإن ارتدت من وهبت زوجها الصداق) قبل الدخول رجع عليها بكله. (أو)
ارتدت من (أبرأته منه قبل الدخول رجع) الزوج (عليها بجميعه، أي الصداق) لعوده إليه
بذلك، وكما يرجع عليها بنصفه لو تنصف. (ولا يبرأ الزوج من الصداق) معينا كان أم
موصوفا في الذمة (إلا بتسليمه إليها أو إلى وكيلها إذا كانت) بالغة (رشيدة، ولو بكرا)
كثمن مبيعها، (ولا يبرأ) الزوج (بالتسليم إلى أبيها ولا إلى غيره) من الأولياء أو غيرهم. (فإن
فعل) بأن سلم الزوج الصداق لأبيها أو غيره، (وأنكرت) الزوجة (وصوله) أي المهر (إليها
حلفها الزوج) إن أحب ذلك (ورجعت عليه) لأن الأصل عدم وصوله إليها، (ورجع) الزوج
(على أبيها) أو غيره بما دفعه لها لعدم براءته بدفعه إليه. (وإن كانت) الزوجة (غير رشيدة
سلمه إلى وليها في مالها من أبيها أو وصيها أو الحاكم أو من أقامه الحاكم) فيما عليها
كثمن مبيعها وسائر ديونها.
فصل
وكل فرقة جاءت من قبل الزوج
قبل الدخول، كطلاقه وخلعه ولو بسؤالها، و) ك‍ (- إسلامه) إن لم تكن كتابية (وردته
، أو) جاءت (من) قبل (أجنبي كرضاع)، بأن أرضعت أخته الزوجة مثلا (ونحوه) بأن وطئ
أبوه أو ابنه الزوجة، (تنصف المهر) المسمى لقوله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن) * الآية، فثبت في الطلاق، والباقي قياسا عليه لأنه في معناه. وإنما
تنصف بالخلع لأن المغلب فيه جانب الزوج، بدليل أن بذل عوضه يصح منها ومن غيرها
، فصار الزوج كالمنفرد به. والفرقة من قبل الآخر لا جناية فيها من المرأة، ليسقط صداقها
165

ويرجع الزوج بما غرمه على الفاعل، لأنه قرره عليه (وتجب بها) أي بالفرقة إذا كانت من
قبل الزوج أو أجنبي كما تقدم (المتعة لغير من سمي لها) مهر صحيح كالمفوضة، ومن سمي
لها مهر فاسد لقوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا
لهن فريضة ومتعوهن) * والباقي بالقياس على الطلاق. (وكذا تعليق طلاقها
على فعلها) فإذا فعلت وقع، وتنصف الصداق لأن السبب وجد من الزوج وهو الطلاق
وإنما هي حققت شرطه. والحكم إنما يضاف إلى صاحب السبب. (وكذا توكيلها) أي توكيل
الرجل زوجته قبل الدخول (فيه) أي في طلاقها، (ففعلته) فينتصف الصداق، لأنها نائبة عنه
وإن طلق الحاكم على الزوج في الايلاء فهو كطلاقه، لأنه قام مقامه في إيفاء الحق عنه عند
امتناعه منه. (وقال الشيخ: لو علق طلاقها على صفة من فعلها الذي لها منه بد) كدخولها دار
أجنبي (وفعلته) قبل الدخول، (فلا مهر لها. وقواه ابن رجب) بما يأتي في مسألة تنجيزها في
نفسها إذا اختارت الفرقة قبل الدخول، فإنه لا مهر لها على المنصوص، لكن إنما تتم المشابهة
إذا كان بسؤالها كما يأتي. (ولو أقر الزوج بنسب) زوجته بأن قال: هي أختي من النسب، (أو)
أقر ب‍ (- رضاع) كقوله: هي أختي من الرضاع، (أو) أقر ب‍ (- غير ذلك من المفسدات)
كتحريمها عليه لمصاهرة (قبل) إقراره (منه في انفساخ النكاح)، لأنه أقر بحق عليه فأوخذ به
(دون سقوط النصف) أي نصف الصداق فلا يقبل إقراره به عليها، لأن إقراره على الغير،
(فإن صدقته) الزوجة على ما أقر به من المفسد سقط. (أو ثبت) المفسد (ببينة سقط)، أي تبينا
عدم وجوبه لفساد العقد فوجوده كعدمه. (ولو وطئ) الزوج (أم زوجته أو) وطئ (ابنتها
بشبهة أو زنا انفسخ النكاح) كما تقدم، (ولها) أي الزوجة (نصف الصداق) إن كان قبل
الدخول لمجئ الفرقة من قبله. وأما الموطوءة بشبهة أو زنا فيأتي حكمها في الصداق
(وكل فرقة جاءت من قبلها) أي الزوجة (قبل الدخول كإسلامها) تحت كافر، (وردتها أو
إرضاعها من ينفسخ نكاحها برضاعه)، كما لو أرضعت زوجة له صغرى، (وارتضاعها وهي
صغيرة) من أمه أو أخته ونحوها، (وفسخها لعيبه) أي الزوج ككونه مجبوبا أو مجذوما
ونحوه. (و) فسخها (بإعساره بمهر أو نفقة أو غيرهما، أو لعتقها تحت عبد وفسخه لعيبها، أو)
166

فسخه (لفقد صفة شرطها فيها) كأن شرطها بكرا فبانت ثيبا. وفسخ قبل الدخول، (فإنه يسقط
به مهرها. و) يسقط به أيضا (متعتها إن كانت مفوضة) أو سمي لها مهر فاسد. لأنها أتلفت
العوض قبل تسليمها فسقط البدل كله، كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه. (وكذا فسخها
بشرط صحيح شرط عليه حالة العقد) كأن تزوجها بشرط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى، أو
لا يخرجها من دارها. (فلم يف به) فلا مهر لها ولا متعة لما تقدم. (وفرقة اللعان تسقط كل
المهر) لأن الفسخ من قبلها. لأنه إنما يحصل عند تمام لعانها. (ويتنصف) الصداق (بشراء
زوج لزوجته)، لأن البيع الموجب للفسخ تم بالزوج والسيد، أشبه الخلع (ولو) كان شراء
زوجته (من مستحق مهرها)، وهو مالك لرقبتها ونفعها لما تقدم. (و) يتنصف أيضا (شرائها)
أي الزوجة الحرة (له) أي لزوجها الرقيق لأن البيع الموجب للفسخ تم بالمرأة والسيد، أشبه
الخلع. (ولو جعل لها الخيار بسؤالها) بأن سألته أن يجعل لها الخيار فجعله لها. (فاختارت
نفسها) قبل الدخول (فلا مهر لها نصا) لأن الفرقة تمت بفعلها وهي المستحقة للصداق
، فيسقط كما لو باشرت إسقاطه، وكذا مفارقات من أسلم قبل الدخول على أكثر من أربع
وتقدم. (وإن كان) جعله الخيار إليها (بغير سؤالها لم يسقط) الصداق باختيارها نفسها قبل
الدخول، بل يتنصف لأنها نائبة عنه، ففعلها كفعله.
فصل
ويقرر الصداق المسمى
وهو المهر (كاملا، حرة كانت الزوجة أو أمة، موت وقتل كالدخول) لما روى
معقل بن سنان أن رسول الله (ص): قضى في بروع بنت واشق وكان زوجها مات ولم يدخل
بها ولم يفرض لها صداقا فجعل لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط. رواه أبو داود
167

والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ولأنه عقد عمر، فبموت
أحدهما ينتهي فيستقر به العوض، كانتهاء الإجارة. ومتى استقر منه شئ بانفساخ
النكاح ولا غيره. (حتى ولو قتل أحدهما) أي الزوجين (الآخر، أو قتل) أحدهما (نفسه)، لان
النكاح قد بلغ غايته، فقام ذلك مقام استيفاء المنفعة. (و) يقرره أيضا (وطؤها في فرج ولو
دبرا)، أو في غير خلوة لأنه قد وجد استيفاء المقصود فاستقر العوض. (و) يقرره أيضا (طلاق
في مرض موت) الزوج المخوف (قبل دخوله) بها المخوف، يعني أن الزوج إذا مرض مرض
الموت وطلق زوجته فرارا، ثم مات تقرر عليه الصداق كاملا بالموت، لوجوب عدة الوفاة
عليها في هذه الحالة. فوجب كمال المهر ما لم تتزوج أو ترتد. وعبارته توهم خلاف
المراد، وصوابها ما قلته كما في المنتهى وغيره. (و) يقرره أيضا (خلوة) الزوج (بها) أي
بزوجته. روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر، روى أحمد والأثرم بإسنادهما عن
زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد
أوجب المهر ووجبت العدة. وروي أيضا عن الأحنف عن ابن عمر وعلي. وهذه قضايا
اشتهرت ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان كالاجماع، ولان التسليم المستحق وجد من
جهتها فيستقر به البدل كما لو وطئها، أو كما لو أجرت دارها وسلمتها أو باعتها، وأما قوله
تعالى: * (من قبل أن تمسوهن) * فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب
الذي هو الخلوة، بدليل ما ذكرناه. وأما قوله: * (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * (النساء: 21)
فقد حكي عن الفراء أنه قال: الافضاء الخلوة دخل بها أو لم يدخل. لأن الافضاء مأخوذ
من الفضاء وهو الخالي، فكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض. ويشترط للخلوة المقررة
أن تكون (من بالغ ومميز ولو) كان (كافرا وأعمى نصا) ذكرا كان أو أنثى عاقلا ومجنونا
وسواء كان الزوجان مسلمين أو كافرين، أو الزوج مسلما والزوجة كتابية. (ولو كان) الزوج
(الخالي) بزوجته (أعمى أو نائما مع علمه) بأنها عنده (وإن لم تمنعه) الزوجة من وطئها، فإن
منعته منه لم يتقرر الصداق لأنه لم يحصل التمكين. وإنما تكون الخلوة مقررة (إن كان)
الزوج (ممن يطأ مثله) وهو ابن عشر وقد خلا. (وبمن يوطأ مثلها) فإن كان دون عشر أو
كانت دون تسع لم يتقرر لعدم التمكن من الوطئ. (ولا يقبل دعواه) أي دعوى الزوج بعد
أن خلا بزوجته (عدم علمه بها، ولو كان أعمى نصا إن لم تصدقه) على ذلك. (لأن العادة أنه
168

لا يخفى عليه ذلك، فقدمت العادة هنا على الأصل. قال الشيخ: فكذا دعوى إنفاقه) على
زوجة مقيم معها. (فإن العادة هناك) أي في الانفاق (أقوى. انتهى) لكن المعروف في
المذهب أن القول في عدم الانفاق لأنه الأصل (و) إذا اختلفا في الوطئ في الخلوة
فإنه (يقبل قول مدعي الوطئ في الخلوة) عملا بالظاهر، وظاهره سواء كانت بكرا أو ثيبا.
وفيه شئ مما تقدم في العيوب. (وتقرره الخلوة المذكورة، ولو لم يطأ ولو كان بهما) أي
الزوجين (مانع أو) كان (بأحدهما مانع حسي كجب ورتق ونضاوة) أي هزال، (أو) مانع
(شرعي كإحرام وحيض) ونفاس (وصوم)، ولو كانت في نهار رمضان، فإنها تقرر المهر
كاملا إذا كانت بشروطها. لأن الخلوة نفسها مقررة للمهر لعموم ما تقدم. (وحكم الخلوة
حكم الوطئ في تكميل المهر ووجوب العدة) لما تقدم (و) كذا في (تحريم أختها) إذا طلقها
حتى تنقضي عدتها. (و) في تحريم (أربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها، و) في (ثبوت
الرجعة عليها في عدتها، و) في وجوب (نفقة العدة) لأن ذلك فرع وجوب العدة. (و) في
(ثبوت النسب) إذا خلا بها ثم طلقها، وأتت بولد ولو فوق أربع سنين. ولم تكن أقرت
بانقضاء عدتها بالقرء. ولأنها رجعية فهي في حكم الزوجات. (لا) أي ليس حكم الخلوة
حكم الوطئ (في الاحصان)، فلا يصير أحدهما محصنا بالخلوة. (و) لا في (الإباحة لمطلقها
ثلاثا). فلا تحل له بالخلوة لحديث: حتى تذوقي عسيلته. (ولا يجب بها الغسل) إذ لا
التقاء للختانين فيها. (ولا) يجب بها (الكفارة) إذا خلا بها في الحيض أو الاحرام. (ولا
يخرج بها) العنين (من العنة ولا تحصل بها الفيئة) من المولى. (ولا تفسد بها العبادات ولا
تحرم بها الربيبة)، لأن هذه الأحكام منوطة بالوطئ، ولم يوجد. (ويقرره) ي الصداق كاملا
(لمس) للزوجة (ونظر إلى فرجها بشهوة فيهما)، أي في اللمس والنظر للفرج. (وتقبيلها ولو
169

بحضرة الناس) لأن ذلك نوع استمتاع. فأوجب المهر كالوطئ، ولأنه نال شيئا لا يباح لغيره،
ولمفهوم قوله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * الآية، وحقيقة
اللمس التقاء البشرتين. (لا) يتقرر الصداق (بالنظر إليها) دون فرجها، لأنه ليس منصوصا
عليه ولا في معنى المنصوص عليه. (ولا) يقرره أيضا (تحملها ماء الزوج) أي منيه من غير
خلوة منه بها ولا وطئ، لأنه لا استمتاع منه بها فيه. (ويثبت به) أي بتحملها ماءه (النسب)
فإذا تحملت بمائه وأتت بولد لستة أشهر فأكثر لحقه نسبه لما يأتي. (وهدية زوج ليست من
المهر نصا، فما) أهداه الزوج من هدية (قبل العقد، إن وعدوه بالعقد، ولم يفوا رجع بها، قاله
الشيخ). لأنه بذلها في نظير النكاح. ولم يسلم له، وعلم منه أن امتناع هؤلاء رجوع له،
كالمجاعل إذ لم يف بالعمل. (وقال) الشيخ (فيما إن اتفقوا) أي الخاطب مع المرأة ووليها
(على النكاح من غير عقد فأعطى) الخاطب (إياها لأجل ذلك شيئا) من غير الصداق، (فماتت
قبل العقد ليس له استرجاع ما أعطاهم، انتهى). لأن عدم التمام ليس من جهتهم، وعلى قياس
ذلك: لو مات الخاطب لا رجوع لورثته. (وما قبض بسبب النكاح) كالذي يسمونه المأكلة
(فكمهر)، أي حكمه حكم المهر فيما يسقطه أو ينصفه أو يقرره ويكون ذلك لها. ولا يملك
منه الولي شيئا، إلا أن تهبه له بشرطه، إلا الأب فله أن يأخذ بالشرط، وبلا شرط من مالها
ما شاء بشرطه وتقدم. (وما كتب فيه المهر لها، ولو طلقت. قاله الشيخ). لأن العادة أخذها
له (ولو فسخ) النكاح (في فرقة قهرية) كالفسخ، (لفقد كفاءة قبل الدخول رد إليه) أي الزوج
(الكل) أي كل الصداق وما دفعه (ولو هدية نصا)، حكاه الأثرم لدلالة الحال على أنه وهب
بشرط بقاء العقد، فإذا زال ملك الرجوع كالهبة بشرط الثواب.
قلت: قياس ذلك لو وهبته هي شيئا قبل الدخول ثم طلق ونحوه. (وكذا) يرد إليه
الكل ولو هدية (في فرقة اختيارية مسقطة للمهر) لما تقدم، (وتثبت الهدية) للزوجة (مع فسخ)
للنكاح (مقرر له) أي الصداق، (أو لنصفه) فلا رجوع له في الهدية إذن. لأن زوال العقد ليس
من قبلها. (وإن كانت العطية لغير العاقدين بسبب العقد كأجرة الدلال ونحوها)، كأجرة الكيال
والوزان. (قال ابن عقيل) في النظريات: (إن فسخ بيع بإقالة ونحوها مما يقف على تراض) من
170

العاقدين (لم يرده)، أي لم يرد الدلال ما أخذه. (وإلا) أي وإن لم يقف الفسخ على تراضيهما
كالفسخ لعيب ونحو (رده) أي رد الدلال ما أخذه، لأن المبيع وقع مترددا بين اللزوم وعدمه
(وقياسه) أي قياس المبيع (نكاح فسخ لفقد كفاءة) الزوج (أو عيب) في أحدهما، (فيرده) أي
خاطت ما أخذه، و (لا) يرده إن انفسخ النكاح (لردة ورضاع ومخالعة)، وذلك حكاية لكلامه
بمعناه كما يدل عليه كلام الانصاف.
فصل
وإن اختلف الزوجان أو اختلف ورثتهما
أو أحدهما وورثة الآخر أو ولي الزوج والزوجة، (أو الزوج وولي غير مكلفة في قدر
الصداق أو) في (عينه أو) في (صفته أو) في (جنسه، أو ما يستقر به) من وطئ أو خلوة
ونحوهما. (فقول زوج) بيمينه (أو وارثه بيمينه)، وكذا وليه (ولو لم يكن) ما ادعاه الزوج أو
وليه أو وارثه (مهر مثل). لأنه منكر لما يدعى عليه. فدخل في عموم قوله (ص): ولكن
اليمين على المدعى عليه. وصورة الاختلاف في قدره أن يقول: الصداق مائة، فتقول:
بل مائة وخمسون. وفي عينه أن يقول: أصدقتك هذا العبد، فتقول: بل هذه الأمة وفي
صفته أن يقول: أصدقتك عبدا زنجيا، فتقول: روميا، وفي جنسه أن يقول: أصدقتك مائة
من الدراهم، فتقول: من الدنانير. وفيما يقرره أن تقول: دخل أو خلا بي فينكرها. (و) إن
اختلفا أو ورثتهما أو أحدهما وولي الآخر، أو وارثه (في تسميته) بأن قال: لم نسم مهرا،
وقالت سمي لي مهر المثل، (ف‍) - القول (قوله) أي الزوج (بيمينه) في إحدى الروايتين لأنه
يدعى ما يوافق الأصل. قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب والرواية الثانية: القول
ما يوافق الأصل. قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب. والرواية الثانية: القول قولها في تسمية مهر المثل. قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير، وجزم به في المنتهى
ولم يذكر المسألة في التنقيح. (ولها مهر مثل) على كلتا الروايتين إن وجد ما يقرره، (فإن
171

طلق ولم يدخل بها فلها المتعة) بناء على ما ذكره عن أن القول قوله في عدم التسمية فهي
مفوضة وعلى الرواية الأخرى، لها نصف مهر المثل لأنه المسمى لها لقبول قولها فيه.
(ومن حلف على فعل نفسه) من الزوجين والولي (حلف على البت) لأنه الأصل في اليمين
(و) من حلف (على فعل غيره) كالورثة حلف (على نفي العلم) لا على البت، (وإن أنكر)
الزوج (أن يكون لها) أي الزوجة (عليه صداق، فالقول قولها قبل الدخول وبعده فيما يوافق
مهر مثلها، سواء ادعى أنه وفاها) الصداق (أو) ادعى أنها (أبرأته منه، أو قال لا تستحق
علي شيئا) لأنه قد تحقق موجبه، والأصل عدم براءته منه، (وإن دفع) الزوج (إليها ألفا أو)
دفع إليها (عرضا فقال: دفعته صداقا، وقالت: هبة ف‍) - القول (قوله مع يمينه) لأنه اعلم ببينته،
ومثله النفقة والكسوة. (لكن إن كان) ما دفعه (من غير جنس الواجب) عليه (فلها رده
ومطالبته بصداقها) الواجب، لأنه لا يقبل قوله في المعارضة بلا بينة. (وإن اختلفا في قبض
المهر) قبل الدخول أو بعده (فقولها) بيمينها. لحديث: واليمين على من أنكر. (وإذا كرر
العقد على صداقين سر وعلانية) بأن عقد سرا على صداق وعلانية على صداق آخر، (أخذ
بالزائد) سواء كان صداق السر أو العلانية للحوق الزيادة بالصداق بعد العقد على ما يأتي.
(وإن قال) الزوج (هو عقد) واحد (أسررته ثم أظهرته)، فلا يلزمني إلا مهر واحد، (وقالت)
الزوجة: (بل عقدان بينهما فرقة ف‍) - القول (قولها) بيمينهما، لأن الظاهر أن الثاني عقد
صحيح يفيد حكما كالأول. (ولها المهر في العقد الثاني إن كان دخل بها ونصفه) أي المهر
(في العقد الأول إن ادعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول)، لأن الأصل عدم لزومه له
(وإن أصر على الانكار) أي إنكار جريان عقدين بينهما فرقة (سئلت فإن ادعت أنه دخل بها
في النكاح الأول ثم طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها نكاحا ثانيا حلفت على ذلك واستحقت) ما
ادعته، وإن أقرت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما أقرت به. (ولو اتفقا قبل العقد
172

على مهر وعقداه بأكثر منه أخذ بما عقد به) لأنها تسمية صحيحة في عقد صحيح
فوجبت كما لو لم يتقدمها اتفاق على خلافها، و (كعقده) أي النكاح (هزلا وتلجئة)
بخلاف البيع، (ويستحب أن تفي بما وعدت به وشرطته) من أنها لا تأخذ إلا مهر السر،
لكيلا يحصل منها غرور. ولحديث: المؤمنون على شروطهم. (ولو وقع مثل ذلك في
البيع) بأن اتفقا على ثمن وعقداه بأكثر تجملا. (فالثمن ما اتفقا عليه) دون ما عقداه به)،
لأن البيع لا ينعقد هزلا وتلجئة بخلاف النكاح (والزيادة على الصداق بعد العقد تلحق
به) لقوله تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) * (النساء: 24).
ولان ما بعد العقد زمن لفرض المهر، فكان حالة للزيادة كحالة العقد. وبهذا فارق البيع
والإجارة. ومعنى لحوق الزيادة أنه يثبت لها حكم المسمى في العقد فيكون (حكمها
حكم الأصل المعقود عليه فيما يقرره) كله (وينصفه)، ولا تفتقر إلى شروط الهبة، (و) لكن
إنما (تملك الزيادة من حينها) لا من حين العقد، لأن الملك لا يجوز تقدمه على سببه
ولا وجوده في حال عدمه، وإنما يثبت الملك بعد سببه من حينه. (وزيادة مهر أمة بعد
عتقها لها نصا)، نقله مهنا لما تقدم.
فصل
في المفوضة
بكسر الواو وفتحها. فالكسر على نسبة التفويض إلى المرأة على أنها فاعلة، والفتح
على نسبته إلى وليها. (وهو) أي التفويض لغة: الاهمال، كأن المهر أهمل حيث لم يسم.
قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
واصطلاحا (على ضربين، تفويض البضع) وهو الذي ينصرف الاطلاق إليه، (وهو أن
173

يزوج الأب ابنته المجبرة بغير صداق، أو تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بغير صداق، سواء
سكت عن الصداق أو شرط نفيه) فيصح العقد ويجب لها مهر المثل، لقوله تعالى: * (لا
جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) * (البقرة: 236).
ولقضائه (ص) في بروع بنت واشق كما تقدم من حديث معقل بن سنان. ولان القصد من
النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق، فصح من غير ذكره. ولا فرق في ذلك بين أن
يقول: زوجتك بغير مهر، أو يزيد: لا في الحال ولا في المآل. لأن معناهما واحد. (و)
الضرب (الثاني تفويض المهر، وهو أن يتزوجها على ما شاءت، أو على ما شاء) الزوج أو
الولي (أو) على ما (شاء أجنبي) أي غير الزوجين، (أو يقول) الولي: زوجتكها (على ما شئنا
، أو) على (حكمنا ونحوه) كعلى حكمك أو حكم زيد. (فالنكاح صحيح) في جميع هذه
الصور. (ويجب مهر المثل) لأنها لم تأذن في تزويجها إلا على صداق لكنه مجهول فقط
لجهالته، ووجب مهر المثل (بالعقد) في الضربين، لأنها تملك المطالبة به. فكان واجبا
كالمسمى، ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت. (فلو فوض مهر أمته ثم أعتقها أو
باعها ثم فرض لها المهر كان) المهر (لمعتقها أو بائعها، لأن المهر وجب بالعقد)، وهي (في
ملكه) قبل العتق أو البيع (ولو فوضت المرأة) بضع (نفسها)، بأن أذنت لوليها أن يزوجها بلا
مهر. (ثم طالبت بفرض مهرها بعد تقدير مهر مثلها، أو) بعد (دخوله بها) لوجب مهر المثل
حالة العقد) لأنه وقت الوجوب. (ولها المطالبة بفرضه هنا، وفي كل موضع فسدت فيه
التسمية) قبل الدخول وبعده. فإن امتنع أجبر عليه، لأن النكاح لا يخلو من المهر، فكان
لها المطالبة ببيان قدره. (فإن تراضيا) أي الزوجان المكلفان الرشيدان (على فرضه) أي المهر
(جاز) ما اتفقا عليه. (وصار حكمه حكم المسمى) في العقد (قليلا كان أو كثيرا، سواء كانا
عالمين مهر المثل، أو لا) أي أو جاهلين به المثل، لأنه إن فرض لها كثيرا فقد بذل لها من
ماله فوق ما يلزمه، وإن فرض لها يسيرا فقد رضيت بدون ما يجب لها. (وإلا) أي وإن لم
174

يتراضيا على شئ (فرضه)، أي مهر المثل (حاكم بقدر مهر المثل)، لأن الزيادة عليه ميل
على الزواج والنقص عنه ميل على الزوجة، ولا يحل الميل، ولأنه إنما يفرض بدل البضع
فيقدر بقدره كسلعة أتلفت يقومها بما يقول أهل الخبرة. (وصار) ما قدره الحاكم من المهر
أو تراضيا عليه (كالمسمى) في العقد. (يتنصف بالطلاق قيل الدخول ولا تجب المتعة معه)
لعموم قوله تعالى: * (وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) *، (فإذا
فرضه) الحاكم (لزمهما) أي الزوجين (فرضه كحكمه)، أي كما قال حكمت به سواء رضيا
بفرضه أو لا. إذ فرضه له حكم به قاله في الفروع. (فدل على أن ثبوت سبب المطالبة)
وهو هنا فرض الحاكم، فإن مجرد فرضه سبب لمطالبتها، قاله ابن نصر الله في حواشيه
(كتقديره) أي الحاكم (أجرة المثل والنفقة ونحوه)، أي نحو تقرير ما ذكر كتقدير كسوة أو
مسكن مثل، أو جعل (حكم) قال ابن نصر الله: أي متضمن للحكم وليس بحكم صريح. (فلا
يغيره حاكم آخر ما لم يتغير السبب) كيساره وإعساره في النفقة والكسوة، فإن الحاكم يغيره
ويفرضه ثانيا باعتبار الحال، وليس ذلك نقضا للحكم السابق. (وإن فرض لها) أي للمفوضة
ونحوها (غير الزوج والحاكم مهر مثلها فرضيته لم يصح فرضه). لأنه ليس بزوج ولا حاكم
(وأن مات أحدهما) أي أحد الزوجين (قبل الإصابة وقبل الفرض) منهما أو من الحاكم
(ورثه صاحبه)، لأن ترك تسمية الصداق لم يقدح في صحة النكاح. (وكان لها) أي المفوضة
(مهر نسائها) أي مثل مهر من تساويها منهن، لحديث معقل بن سنان السابق (فإن فارقها)
أي فارق المفوضة زوجها (قبل الدخول بطلاق أو غيره) مما ينصف الصداق، (لم يكن لها
إلا المتعة) لعموم قوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا
لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) * والامر يقتضي
الوجوب. ولا يعارضه قوله: * (حقا على المحسنين) * لأن أداء الواجب من
الاحسان، (وهي) أي المتعة (معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره: * (على الموسع قدره
وعلى المقتر قدره) *) للآية السابقة، (فأعلاها) أي المتعة (خادم إذا كان موسرا. وأدناها إذا
كان فقيرا كسوة تجزئها في صلاتها)، وهي درع وخمار أو نحو ذلك. لقول ابن عباس: أعلا
المتعة خادم ثم دون ذلك النفقة، ثم دون ذلك الكسوة. وقيدت بما يجزيها في صلاتها، لان
175

ذلك أقل الكسوة. (فإن دخل) الزوج (بها) أي بالمفوضة (قبل الفرض استقر) به (مهر
المثل)، لأن الدخول يوجب استقرار المسمى، فكذا مهر المثل لاشتراكهما في المعنى
الموجب للاستقرار. (فإن طلقها) أي المفوضة (بعد ذلك) أي بعد الدخول بها (لم تجب
المتعة)، بل مهر المثل لما تقدم. وكالدخول سائر ما يقرر الصداق، لأن كل من وجب لها
المهر أو نصفه لم تجب لها المتعة سواء كانت ممن سمي لها صداق أو لا، ولأنها وجب
لها مهر المثل، فلم تجب لها المتعة لأنها كالبدل مع مهر المثل. (والمتعة تجب على كل
زوج حر وعبد مسلم، وذمي لكل زوجة مفوضة) بضع أو مهر (حرة أو أمة مسلمة أو ذمية،
طلقت قبل الدخول وقبل أن يفرض لها مهر) لما تقدم من الآية، ولان ما يجب من الفرض
يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد. وإن وهب الزوج للمفوضة شيئا ثم طلقها قبل
فرض الصداق فلها المتعة نصا. لأن المتعة إنما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله، ولأنها
واجبة فلا تنقضي الهبة كالمسمى. (وتستحب) المتعة (لكل مطلقة غيرها) أي غير المفوضة
التي لم يفرض لها، لقوله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف) * الآية. ولم
تجب لأنه تعالى قسم المطلقات قسمين، وأوجب المتعة لغير المفروض لهن، ونصف المسمى
للمفروض لهن. وذلك يدل على اختصاص كل قسم بحكمه. ولا متعة للمتوفى عنها، لان
النص لم يتناولها، وإنما يتناول المطلقات. (ومتعة الأمة لسيدها كمهرها) لأنه بدل عن نصفه
كما مر. (وتسقط المتعة في كل موضع يسقط فيه كل المهر) كردتها ورضاعها من ينفسخ به
نكاحها ونحوه. لأنها أقيمت مقام المسمى فسقطت في كل موضع يسقط فيه. (وتجب)
المتعة للمفوضة (في كل موضع يتنصف فيه المسمى) كردته قياسا على الطلاق (ويجوز
الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئا مفوضة كانت أو مسمى لها)، لحديث عقبة بن عامر في
الذي زوجه النبي (ص) ودخل بها ولم يعطها شيئا. وعن ابن عباس وابن عمر: لا يدخل بها
حتى يعطيها شيئا للخبر. وجوابه بأنه محمول على الاستحباب، (ويستحب إعطاؤها شيئا
قبل الدخول بها) لما تقدم، (وإن سمى لها صداقا فاسدا) كالخمر والمجهول (وطلقها قبل
الدخول) ونحوه مما يقرر الصداق، (وجب عليه) لها (نصف مهر المثل). قال في الانصاف
176

وهو المذهب. قال في تصحيح الفروع: وهو الصحيح، اختاره الشيرازي والشيخ تقي الدين
والموفق والشارح وغيرهم، وقطع به الخرقي وابن رزين في شرحه، وتبعهم المصنف
في الحاشية. (واختار القاضي وأصحابه والمجد وغيرهم) كصاحب الرعايتين والنظم تجب
(المتعة) دون نصف مهر المثل، وهو مفهوم ما قطع به في التنقيح وتبعه في المنتهى،
لأن التسمية الفاسدة كعدمها فأشبهت المفوضة.
فصل
ومهر المثل معتبر بمن يساويها من جميع أقاربها
من جهة أبيها وأمها كأختها وعمتها وبنت أخيها وبنت عمها وأمها وخالتها وغيرهن
القربى فالقربى)، لما تقدم في حديث ابن مسعود: لها مهر نسائها. ولان مطلق القرابة له
أثر في الجملة. (وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والأدب والسن والبكارة والثيوبة
، والبلد وصراحة نسبها وكل ما يختلف لأجله الصداق). لأن مهر المثل بدل متلف فاعتبرت
الصفات المقصودة. (فإن لم يوجد) في نسائها (إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها القربى فالقربى)
منهن لمزية القرب، لأن زيادة فضيلتها تقتضي زيادة في المهر. (وإن لم يوجد) في نسائها
(إلا فوقها نقصت بقدر نقصها) كأرش العيب بقدر نقص المبيع، ولان له أثرا في تنقيص
المهر، فوجب أن يترتب بحسبه. (وإن كان عادتهم التخفيف) في المهر (على عشيرتهم دون
177

غيرهم، اعتبر ذلك) لأن العادة لها أثر في المقدار فكذا في التخفيف. وإن كان عادتهم تسمية
مهر كثير لا يستوفونه قط فوجوده كعدمه. قاله الشيخ تقي الدين. لا يقال مهر المثل بدل
متلف، فوجب أن لا يختلف كسائر المتلفات. لأن النكاح يخالف سائر المتلفات باعتبار أن
المقصود منه أعيان الزوجين بخلاف بقية المتلفات، فإن المقصود منها المالية خاصة، فكذلك
لم تختلف باختلاف العوائد. (وإن كانت عادتهم التأجيل فرض مؤجلا) لأنه مهر نسائها
(وإلا) بأن لم يكن عادتهم التأجيل فرض (حالا) لأنه بدل متلف، فوجب أن يكون حالا
كقيم المتلفات. (وإن لم يكن لها أقارب اعتبر يشبهها من نساء بلدها) لأن ذلك له أثر في
الجملة. (فإن عدمن) أي نساء بلدها بأن لم يكن فيهن من يشبهها. (فبأقرب نساء شبها بها من
أقرب البلاد إليها). لأنه لما تعذر الأقارب اعتبر أقرب النساء شبها بها من غيرهن، كما اعتبر
قرابتها البعيدة إذا لم يوجد قريب. (فإن اختلفت عادتهن) في الحلول والتأجيل، (أو) اختلفت
(مهورهن) قلة وكثرة، (أخذ بالوسط) منها لأنه العدل (الحال) من نقد البلد، فإن تعدد فمن
غالبه لأنه بدل متلف فأشبه قيم المتلفات.
فصل
وإذا افترقا في النكاح الفاسد قبل الدخول بطلاق أو موت أو غيرهما
كاختلاف دين ورضاع، (فلا مهر فيه) لأن المهر يجب بالعقد والعقد فاسد، فوجوده
كعدمه كالبيع الفاسد. (وإن دخل) بها في النكاح الفاسد، (أو خلا بها) فيه (استقر المسمى)،
لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة: ولها الذي أعطاها بما أصاب منها رواه أبو بكر
البرقاني وأبو محمد الخلال بإسنادهما، والخلوة كالوطئ، ولان النكاح مع فساده ينعقد
ويترتب عليه أكثر أحكام، من وقوع الطلاق ولزوم عدة الوفاة بعد الموت، ونحو
ذلك. فلذلك لزم المسمى فيه كالصحيح. (بخلاف البيع الفاسد إذا تلف) المبيع (فإنه
178

يضمن) ضمان المتلف لا (بقيمته) أو مثله، (لا) ضمان عقد (بثمنه) ذكر معناه في
الانصاف قلت: قد يشكل عليه ما يأتي في الطلاق من أن العتق يقع في البيع الفاسد
كالطلاق في النكاح الفاسد، إلا أن يقال: هذا حكم من أحكام البيع وأكثرها منتف بخلاف
النكاح. (ولا يصح تزويج من نكاحها فاسد قبل طلاق أو فسخ، فإن أبى الزوج الطلاق
فسخه)، أي النكاح الفاسد (حاكم) لأنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد، فاحتيج في التفريق إلى إيقاع
فرقة كالصحيح المختلف فيه. ولان تزويجها من غير فرقة يفضي إلى تسليط زوجين عليها
، كل واحد يعتقد صحة نكاحه وفساد نكاح الآخر، ويفارق النكاح الباطل من هذين
الوجهين، قال في الشرح: فعلى هذا متى تزوجت بآخر قبل التفريق، لم يصح النكاح
الثاني، ولم يجز تزويجها الثالث حتى يطلق الأولان أو يفسخ نكاحهما. (ويجب مهر المثل
للموطوءة بشبهة)، كمن وطئ امرأة ليست زوجة له ولا مملوكة يظنها زوجته أو مملوكته،
قال في الشرح والمبدع: بغير خلاف عملناه كبدل متلف. (و) يجب مهر المثل أيضا
(لمكرهة على زنا) وطئها (في قبل ولو كانت من محارمه)، كأخته وعمته من نسب أو رضاع
كبدل متلف (أو) كانت الموطوء بزنا (ميتة) فيجب مهر المثل ويورث عنها. قال في
الفروع: ولو وطئ ميتة لزمه مهر المثل في ظاهر كلامهم، وهو متجه. ثم نقل عن القاضي:
لأنه لا مهر، (ولو) كان الوطئ بشبهة أو زنا مع إكراه (من مجنون). لأنه إتلاف ويلحقه
النسب في الزنا، ويأتي. (ويتعدد المهر بتعدد الشبهة، مثل أن تشتبه) الموطوءة (بزوجته ثم
يتبين) له (الحال ويعرف أنها ليست زوجته، ثم تشتبه الموطوءة عليه مرة أخرى، أو تشتبه
عليه بزوجته) فاطمة (ثم تشتبه بزوجته الأخرى، أو بأمته ونحو ذلك) وتقدم في الكتابة يتعدد
بوطئه مكاتبته إن استوفت مهر الوطئ الأول، وإلا فلا، وقاله في المغني والنهاية (ويتعدد)
179

أيضا المهر (ب‍) - تعدد (وطئ الزنا إذا كانت مكرهة) كل مرة، لأنه إتلاف فيتعدد بتعدد سببه
(أو) أي وكذا يتعدد بتعدد وطئ الزنا إذا كانت (أمة)، ولو كانت (مطاوعة بغير إذن
سيدها) لأن الحق في المهر للسيد فلا يسقط بمطاوعتها، و (لا) يتعدد المهر (بتعدد
وطئ) في (شبهة) واحدة، (مثل أن اشتبهت) الموطوءة (عليه بزوجته ودامت تلك الشبهة
حتى وطئ مرارا)، فعليه مهر واحد، لأن ذلك بمنزلة إتلاف واحد. (ولا) يتعدد المهر أيضا
(بتعدده) أي الوطئ (في نكاح فاسد)، لدخولها على أن تستحق مهرا واحدا، (ولا مهر
بوطئها) أي المشتبهة والمزني بها (في دبر ولا في اللواط بالذكر،) لأنه غير مضمون على
أحد، لأن الشرع لم يرد ببدله، ولا هو إتلاف لشئ فأشبه القبلة والوطئ دون الفرج (ولا)
مهر للمزني بها (المطاوعة على الزنا)، لأنه إتلاف للبضع برضا مالكه. (كما لو أذنت له في
قطع يدها فقطعها إلا الأمة) المزني بها فلا يسقط مهرها بطواعيتها، لأنه لسيدها والمبعضة
يسقط منه ما يقابل حريتها والباقي لسيدها. (وإذا وطئ في نكاح باطل بالاجماع كنكاح
زوجة الغير أو) نكاح (المعتدة).
قلت: من غير زنا وإلا فهو مختلف فيه. (وهو عالم بالحال) أي بأنها زوجة الغير أو
معتدته، (و) عالم ب‍ (- تحريم الوطئ وهي مطاوعة عالمة) بالحال، (فلا مهر) لها إن كانت حرة
، (لأنه زنا يوجب الحد وهي مطاعة عليه، وإن جهلت تحريم ذلك أو) جهلت (كونها في
عدة فلها مهر المثل) بما نال من فرجها (كالموطوءة بشبهة ولا يجب أرش بكارة مع
وجوب المهر للحرة الموطوءة بشبهة أو زنا)، لأنه وطئ ضمن بالمهر فلا يجب معه أرش
كسائر الوطئ. ولان الأرش يدخل في مهر المثل فلا يجب مرة أخرى. وهذا بخلاف الأمة
وتقدم في الغصب. (ومن طلق امرأته قبل الدخول) والخلوة (طلقة، وظن أنها لا تبين بها فوطئها
لزمه مهر المثل) بالوطئ لأنه وطئ شبهة، (و) لزمه أيضا (نصف المسمى) بالطلاق قبل
الدخول ولما تقدم.
180

فصل
وإن دفع أجنبية
أي غير زوجته أو أمته، (فأذهب عذرتها) بضم العين أي بكارتها. (أو فعل ذلك بأصبعه
أو غيرها فعليه أرش بكارتها) لا مهر مثلها، لأنه لم يطأها وهو إتلاف جزء لم يرد الشرع
بتقدير عوضه، فرجع فيه إلى أرشه كسائر المتلفات. (وهو) أي أرش البكارة (ما بين مهر
البكر والثيب). قاله في الشرح والمبدع. وكلامهما أولا صريح في أنه حكومة، قالا
: لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير دينه، فرجع فيها إلى الحكومة كسائر ما لم يقدر، وهو
صريح كلامه في شرح المنتهى في الجنايات، ومقتضى كلام المصنف وغيره هناك. (وإن
فعل ذلك) أي أذهب العذرة بغير وطئ (الزوج، ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا
نصف المسمى) مهرا. لقوله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن
فريضة فنصف ما فرضتم) * وهذه مطلقة قبل المسيس والخلوة، فلم يكن لها
سوى نصف الصداق المسمى، ولأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد فلا يضمنه بغيره، كما لو
أتلف عذرة أمته. (وللمرأة منع نفسها قبل الدخول حتى تقبض مهرها الحال كله، أو الحال
منه) حكاه ابن المنذر إجماعا. ولان المنفعة المعقود عليها تتلف بالاستيفاء، فإذا تعذر
استيفاء المهر عليها لم يمكنها استرجاع عوضها بخلاف البيع، ولا فرق في ذلك بين
المسمى لها والمفوضة. (ولها) أي للمرأة (المطالبة به) أي بحال مهرها، (ولو لم تصلح
للاستمتاع) لصغر أو نحوه، ولأنه وجب بالعقد، (فإن وطئها) الزوج (مكرهة) قبل دفع
الحال من صداقها (لم يسقط به حقها من الامتناع)، فلها بعد ذلك منع نفسها حتى تقبض
181

الحال منه لما تقدم، لأن وطأها مكرهة كعدمه. (وحيث قلنا لها منع نفسها فلها السفر بغير
إذن)، لأنه امتناع بحق لم يثبت للزوج عليها حق الحبس، فصارت كمن لا زوج لها. وبقاء
درهم منه كبقاء جميعه كسائر الديون. (ولها) زمن منع نفسها لقبض حال صداقها (النفقة إن
صلحت للاستمتاع)، ولو كان معسرا بالصداق، لأن الحبس من قبله. علل به أحمد.
قال الموفق ولد صاحب المغني: إنما لها النفقة في الحضر دون السفر، لأنه لو
بذل لها الصداق وهي غائبة لم يمكنه تسليمها، وبدليل أنها لو سافرت بإذنه، فلا نفقة لها
(فإن كانت) المرأة (محبوسة، أو) كان (لها عذر يمنع التسليم. وجب تسليم الصداق) كمهر
الصغيرة، ولوجوبه بالعقد بخلاف النفقة. (وإن كان) الصداق (مؤجلا لم تملك منع نفسها)
حتى تقبضه، لأنها لا تملك الطلب به. (ولو حل قبل الدخول) فليس لها منع نفسها، لان
التسليم قد وجب عليها، فاستقر قبل قبضه، فلم يكن لها أن تمتنع منه. (وإن قبضته) أي
الصداق (وسلمت نفسها. ثم بان) الصداق (معيبا كان لها منع نفسها)، حتى تقبض بدله أو
أرشه، لأنها إنما سلمت نفسها ظنا منها أنها قبضت صداقها فتبين عدمه. (ولو أبى كل من
الزوجين التسليم الواجب) عليه (أجبر زوج) على تسليم الصداق، (ثم) تجبر (زوجة) على
تسليم نفسها، لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع، والامتناع من بذل
الصداق، ولا يمكن الرجوع في البضع. (وإن بادر أحدهما) أي أحد الزوجين (به) أي بتسليم
ما وجب عليه للآخر، (أجبر الآخر) لأنه لم يبق له حجة في التأخير. (وإن بادر هو فسلم
الصداق. فله طلب التمكين) منها، (فإن أبت) التمكين (بلا عذر فله استرجاعه) أي الصداق
لعدم تسليمها المعقود عليه، مع عدم العذر، (وإن تبرعت بتسليم نفسها، ثم أرادت الامتناع
بعد دخول أو خلوة لم تملكه) لأن التسليم استقر به العوض برضا المسلم. (فإن امتنعت) بعد
182

أن سلمت نفسها (فلا نفقة لها) لأنها ناشز، (وإن أعسر) زوج (بالمهر الحال قبل الدخول أو
بعده، فلحرة مكلفة الفسخ) لأنه تعذر عليها الوصول إلى العوض، أشبه ما لو أفلس
المشتري. (فلو رضيت بالمقام معه مع عسرته) امتنع الفسخ، (أو تزوجته عالمة بعسرته امتنع
الفسخ) لرضاها به. (ولها) أي للتي رضيت بالمقام مع العسرة، أو تزوجته عالمة بها (منع
نفسها) حتى تقبض مهرها الحال. لأنه لم يثبت له عليها حق الحبس. (ويأتي في النفقات
والخيرة لسيد الأمة) إذا أعسر زوجها، لأن الحق لسيدها. لأنه مالك نفعها. والصداق
عوض منفعتها فهو ملكه دونها. و (لا) خيرة (لولي) زوجة (صغيرة ومجنونة) لأن الحق لها
في الصداق دون وليها. وقد ترضى بتأخيره. (ولا يصح الفسخ في ذلك كله. إلا بحكم
حاكم) لأنه فسخ مختلف فيه، كالفسخ للعنة والاعسار بالنفقة، ولأنه يفضي إلى أن يكون
للمرأة زوجان كل يعتقد حلها له وتحريمها على الآخر. والقياس على المعتقة غير صحيح
لأنه متفق عليه، وهذا مختلف فيه.
باب الوليمة وآداب الأكل والشرب وما يتعلق بذلك
(وهي) أي الوليمة (اسم لطعام العرس خاصة) لا تقع على غيره. حكاه ابن عبد البر
عن ثعلب وغيره من أئمة اللغة. وقال بعض أصحابنا وغيرهم: يقع على كل طعام لسرور
حادث. إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر. وقول أهل اللغة أقوى، لأنهم أهل
اللسان، وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلغات العرب. قاله في الشرح
والمبدع. قال في المستوعب: وليمة الشئ كماله وجمعه. وسميت دعوة العرس وليمة
لاجتماع الزوجين. يقال أولم إذا صنع وليمة. (قال الشيخ: وتستحب بالدخول، انتهى)
وقال ابن الجوزي: بالعقد. واقتصر عليه في الفروع والمبدع وقدمه في تجريد العناية.
183

قال في الانصاف: الأولى أن يقال وقت الاستحباب موسع من عقد النكاح إلى انتهاء
أيام العرس. لصحة الاخبار في هذا وهذا، وكمال السرور بعد الدخول. (وجرت العادة)
بجعل الوليمة (قبله) أي قبل الدخول (بيسير. و) الأطعمة التي يدعى الناس إليها إحدى
عشرة: الوليمة وتقدمت. والثاني (شندخية) ويقال: شندخ بضم الشين المعجمة وسكون
النون وفتح الدال المهملة وبالخاء المعجمة، (لطعام إملاك على زوجة) مأخوذ من قولهم:
فرس مشندخ، أي يتقدم غيره، سمي بذلك لأنه يتقدم الدخول. (و) الثالث (عذيرة وإعذار)
بكسر الهمزة (ل‍) - طعام (ختان) ويقال العذرة. بضم فسكون (و) الرابع (خرسة وخرس)
بضم الخاء المعجمة وسكون الراء. وبسين مهملة، ويقال بالصاد (لطعام ولادة. أي
لخلاصها وسلامتها من الطلق. و) الخامس (عقيقة الذبح للمولود) وتقدمت في الأضحية
(و) السادس (وكيرة لبناء) قال النووي: أي المسكن المتجدد، انتهى. من الوكر وهو
المأوى والمستقر. (و) السابع (نقيعة) من النقع وهو الغبار أو النحر أو القتل، (تصنع للقادم
من سفر) ظاهره طويلا كان أو قصيرا. (و) الثامن (التحفة: طعام القادم يصنعه هو. وقال ابن
القيم في تحفة الودود) في أحكام المولود: (هو) أي القادم (الزائر) أي وإن لم يكن من سفر
(و) التاسع (حذاق) بكسر الحاء وتخفيف الذال المعجمة. وآخره قاف (لطعام عند حذاق
صبي) قال في القاموس: يوم حذاق الصبي يوم ختمه القرآن. (و) العاشر (وضيمة: وهي
طعام المأتم. و) الحادي عشر (مشندخ المأكول من ختمة القارئ. والعتيرة) مقتضى كلامهم
أنها ليست من أسماء الطعام، بل هي الذبيحة، (تذبح أول يوم في رجب) وتقدم ذلك في آخر
الهدي والأضاحي (والإخاء والتسري، ذكرهما بعض الشافعية). وفي المنتهى: ولم
يخصها، أي الدعوة لإخاء ولتسر باسم. والفرعة والفرع: ذبح أول ولد الناقة، (والقرى اسم
لطعام الضيفان) وليس ذلك من الدعوات. (والمأدبة) بضم الدال، ويجوز فتحها (اسم لكل
دعوة بسبب أو غيره. والآدب) بوزن فاعل (صاحب المأدبة. فإن عمم الداعي فقال: يا أيها
184

الناس هلموا إلى الطعام، أو يقول الرسول) أي رسول الآدب (قد أذن لي أن أدعو من
لقيت أو من شئت، وقد شئت أن تحضروا. فهي الجفلى) بفتح الجيم والفاء واللام. (وإن
خص قوما للدعوة دون قوم فهي النقرى) بفتح النون والقاف والراء. قال الشاعر:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى * لا ترى الآدب فينا ينتقر
أي لا ندعو قوما دون قوم. (وجميعها) أي الدعوات (جائزة) أي مباحة، لأنها
الأصل في الأشياء، غير مأتم فيكره. وروى الحسن قال: دعي عثمان بن أبي العاص إلى
ختان فأبى أن يجيب وقال: كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله (ص). ولا ندعو إليه
رواه أحمد (وليس منها) أي من الدعوات (شئ واجب) وقوله (ص) لعبد الرحمن بن عوف
: أولم ولو بشاة متفق عليه: محمول على الاستحباب (ووليمة العرس سنة مؤكدة) لأنه
(ص) أمر بها وفعلها. (ولو بشئ قليل كمدين من شعير) لما روى البخاري: أن النبي (ص)
أولم على صفية بمدين من شعير. (ويسن أن لا تنقص) الوليمة (عن شاة) ذكره جماعة من
الأصحاب لحديث عبد الرحمن بن عوف، وتقدم. (والأولى الزيادة عليها) أي على الشاة لما
دل عليه قوله (ص): ولو بشاة. (وإن نكح) رجل (أكثر من واحدة في عقد أو عقود أجزأته
وليمة واحدة إذا نواها عن الكل) لتداخل أسبابها كما تقدم في العقيقة. وكما لو نوى
بركعتين التحية والسنة. (والإجابة إليها) أي الوليمة (واجبة) لحديث أبي هريرة يرفعه: شر
الطعام طعام الوليمة أي الذي يدعي له الأغنياء وتترك الفقراء قاله في الشرح، يمنعها
185

من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله رواه مسلم. وعن
ابن عمر مرفوعا: أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها متفق عليه (إذا عينه داع مسلم يحرم
هجره ومكسبه طيب في اليوم الأول). ويأتي محترز هذه القيود (وهي) أي الإجابة (حق
الداعي تسقط بعفوه) عن الدعوة كسائر حقوق الآدمي. (وقدم في الترغيب: لا يلزم القاضي
حضور وليمة عرس)، لعله في مظنة الحاجة إليه لدفع ما هو أهم من ذلك. (ومنع ابن الجوزي
في المنهاج من إجابة ظالم وفاسق ومبتدع ومتفاخر بها أو فيها، مبتدع يتكلم ببدعته إلا لراد
عليه، وكذا إن كان فيها مضحك بفحش أو كذب). لأن ذلك إقرار على معصية. (وإلا) بأن
لم يكن مضحكا بفحش ولا كذب، (أبيح) أن يجيب (إذا كان) يضحك (قليلا، وإن كان
المدعو مريضا أو ممرضا) لغيره، (أو مشغولا بحفظ مال) لنفسه أو غيره، (أو كان في شدة حر
أو برد أو) في (مطر يبل الثياب أو وحل) لم تجب الإجابة. لأن ذلك عذر يبيح ترك
الجماعة فأباح ترك الإجابة. (أو كان أجيرا) خاصا (ولم يأذن له المستأجر لم تجب) عليه
(الإجابة). لأن منافعه مملوكة لغيره. أشبه العبد غير المأذون، (والعبد كالحر) في وجوب
الإجابة لعموم ما سبق. (وإن أذن له سيده)، وإلا لم يجب لأن حق سيده آكد. (والمكاتب إن
ضر) حضوره (بكسبه لم يلزمه الحضور، إلا أن يأذنه له سيده. وفي الترغيب) والبلغة (إن
علم حضور الأرذال ومن مجالستهم تزري بمثله لم تجب إجابته). قال الشيخ تقي الدين: لم
أره لغيره من أصحابنا. قال: وقد أطلق أحمد الوجوب واشتراط الجدل وعدم المنكر.
186

فأما هذا الشرط فلا أصل له، كما أن مخالطة هؤلاء في صفوف الصلاة لا تسقط الجماعة
، وفي الجنازة لا تسقط الحضور فكذلك هنا. وهذه شبهة الحجاج بن أرطاة وهو نوع من
التكبير فلا يلتفت إليه. نعم إن كانوا يتكلمون بكلام محرم فقد اشتملت الدعوة على محرم،
وإن كان مكروها فقد اشتملت على مكروه. (وتكره إجابة من في ماله حلال وحرام، كأكلة منه
ومعاملته وقبول هديته وهبته ونحوه) كصدقته، جزم به في المغني والشرح. وقاله ابن
عقيل في الفصول وغيره وقدمه الأزجي وغيره. قال في الانصاف: وهذا المذهب على
ما اصطلحناه في الخطبة، انتهى. ويؤيده حديث: فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه
وعرضه. (وقيل يحرم) مطلقا (كما لو كان كله حراما) قطع به الشيرازي في المنتخب.
(وقال الأزجي) في نهايته (وهو قياس المذهب). وقدمه أبو الخطاب في الانتصار. (وسئل) أي
سأل المروذي (أحمد عن الذي يعامل بالربا أيؤكل عنده أم لا؟ قال: لا. وفي) آداب
(الرعاية) الكبرى (ولا يأكل مختلطا بحرام بلا ضرورة)، وقيل إن زاد الحرام على الثلث حرم
الاكل وإلا فلا، قدمه في الرعاية. وقيل إن كان الحرام أكثر حرم الاكل وإلا فلا إقامة
للأكثر مقام الكل، قطع به ابن الجوزي في المنهاج. (و) على القول الأول (تقوى الكراهة
وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته، وإن لم يعلم أن في المال حراما فالأصل الإباحة). فتجب
الإجابة ولا تحريم بالاحتمال استصحابا للأصل. (وإن كان تركه) أي الاكل (أولى) حيث لم
يعلم الحل (للشك. وينبغي صرف الشبهات في الأبعد عن المنفعة فالأقرب، ما يدخل في
الباطن من الطعام والشراب ونحوه). فيجري فيه الحلال. (ثم ما ولي الظاهر من اللباس. فإن
187

دعاه الجفلى) كرهت الإجابة، (أو) دعاه (في اليوم الثالث) كرهت الإجابة لقوله عليه الصلاة
والسلام: الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة، رواه أبو داود وابن
ماجة وغيرهما. (أو) دعاه (ذمي كرهت الإجابة) لأن المطلوب إذلاله وذلك ينافي إجابته.
(وتستحب) الإجابة (في اليوم الثاني) للحديث السابق، (وإن دعته امرأة فكرجل) في
وجوب الإجابة على ما تقدم لعموم ما سبق. (إلا مع خلوة محرمة) فتحرم الإجابة لاشتمالها
على محرم. (وسائر الدعوات مباحة نصا) وتقدم، (غير عقيقة فتسن) وتقدمت في الهدي
والأضاحي. (و) غير (مأتم فتكره) وتقدم في الجنائز، والمأتم بالمثناة قال في النهاية: المأتم
في الأصل مجتمع الرجال والنساء في الغم والفرح، ثم خص به اجتماع النساء في الموت.
وقيل: هو للشواب منهن لا غير. (ويكره لأهل الفضل والعلم الاسراع إلى الإجابة) إلى
الولائم غير الشرعية. (والتسامح) أي التساهل (فيه لأن فيه بذلة ودناءة وشرها لا سيما
الحاكم)، لأنه ربما كان ذريعة للتهاون به وعدم المبالاة. (وإن حضر) المدعو إلى وليمة أو
نحوها (هو صائم صوما واجبا لم يفطر)، لقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (محمد:
33) ولان الفطر محرم والاكل غير واجب. وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله (ص): إذا
دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليدع، وإن كان مفطرا فليطعم رواه أبو داود وفي
رواية فليصل أي يدع. (ودعا) للخبر (وأخبرهم أنه صائم) كما فعل ابن عمر لتزول عنه
التهمة في ترك الأكل. (ثم انصرف وإن كان مفطرا استحب الاكل) لأنه أبلغ في إكرام
الداعي وجبر قلبه، وإن أحب دعا وانصرف لقوله (ص): إذا دعي أحدكم. فليجب فإن شاء
أكل وإن شاء ترك. قال في الشرح: حديث صحيح (وإن كان) المدعو (صائما تطوعا
188

وفي تركه الاكل كسر قلب الداعي استحب له أن يفطر). لأن في أكله إدخال السرور على
قلب أخيه المسلم. وقد روي أنه (ص) كان في دعوة معه جماعة فاعتزل رجل من القوم
ناحية فقال: إني صائم، فقال النبي (ص) دعاكم أخوكم وتكلف لكم، كل يوما ثم صم يوما
مكانه إن شئت. (وإلا) بأن لم يكن في تركه الاكل كسر قلب الداعي، (كان تمام الصوم
أولى من الفطر) هذا معنى ما جزم به في الرعاية الصغرى والوجيز وهو ظاهر تعليل
الموفق والشارح. (قال الشيخ: وهو أعدل الأقوال. وقال ولا ينبغي لصاحب الدعوة
الالحاح في الطعام)، أي الاكل (للمدعو إذا امتنع) من الفطر في التطوع، أو الاكل إن كان
مفطرا. (فإن كلا الامرين جائز، وإذا ألزمه بما لا يلزمه كان من نوع المسألة المنهي عنها ولا
يحلف عليه) إن كان صائما ليفطر. (ولا) يحلف عليه إن لم يكن صائما (ليأكل. ولا ينبغي
للمدعو إذا رأى أنه يترتب على امتناعه) من الاكل أو الفطر في النفل (مفاسد أن يمتنع فإن
فطره جائز، انتهى. ويحرم أخذ طعام) من الوليمة أو غيرها (بغير إذن صاحبه) لما فيه من
الافتيات عليه. (فإن علم) الآخذ (بقرينة رضاه) أي رب الطعام (ففي الترغيب يكره). قال في
الفروع ويتوجه يباح، وأنه يكره مع ظنه رضاه. (فمع الظن) رضاه (أولى) لأن الظن دون
العلم، ويأتي حكم الاكل بلا إذن. (وإن دعاه اثنان إلى وليمتين أجاب أسبقهما بالقول)
لقوله عليه الصلاة والسلام: فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق رواه أبو داود. (فإن
استويا أجاب أدينهما) لأن كثرة الدين لها أثر في التقديم كإمامة. (ثم) إن استويا أجاب
(أقربهما رحما) لما في تقديمه من صلة الرحم. (ثم) إن استويا فأقربهما (جوارا) لقوله (ص)
: إذا اجتمع داعيان فأجاب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا. (ثم) إن استويا
189

(يقرع) بينهما، (ولا يجيب الثاني) حيث سبق الأول (إلا أن يتسع الوقت لاجابتهما، فإن
اتسع) الوقت (لهما وجبا) أي وجبت إجابتهما للاخبار.
فصل
وإن علم المدعو أن في الدعوة منكرا
(كالزمر والخمر والعود والطبل ونحوه) كالجنك والرباب، (أو) علم أن فيها (آنية ذهب
أو فضة أو فرش محرمة، وأمكنه إزالة المنكر لزمه الحضور والانكار). لأنه يؤدي بذلك
فرضين إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر، (وإن لم يقدر) على إزالة المنكر (لم يحضر)
، وحرمت الإجابة لقوله (ص): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار
عليها الخمر رواه أحمد من حديث عمر، والترمذي من حديث جابر. (فإن لم يعلم)
بالمنكر (حتى حضر وشاهده أزاله وجلس) بعد ذلك إجابة لمن دعاه (فإن لم يقدر) على
إزالته (انصرف) لما تقدم. ورفع نافع قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر فسمع زمارة
راع فوضع إصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول: يا نافع أتسمع؟ حتى قلت
: لا. فأخرج إصبعيه من أذنيه، ثم رجع إلى الطريق، ثم قال. هكذا رأيت رسول الله (ص)
صنع رواه أبو داود والخلال. وخرج أحمد من وليمة فيها آنية فضة. فقال الداعي:
نحولها، فأبى أن يرجع، نقله حنبل. ويفارق من له جار مقيم على المنكر والزمر، حيث
يباح له المقام. فإن تلك حال حاجة لما في الخروج من المنزل من الضرر. قاله في
الشرح. (وإن علم) المدعو (به) أي بالمنكر (ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس والاكل نصا
190

(لأن المحرم رؤية المنكر أو سماعه ولم يوجد. (وله الانصراف) فيخير لاسقاط الداعي
حرمة نفسه بإيجاد المنكر. (وإن شاهد ستورا معلقة فيها صور حيوان وأمكنه حطها، أو)
أمكنه (قطع رؤوسها فعل) لما فيه من إزالة المنكر. (وجلس) إجابة للداعي. (وإن لم يمكنه
ذلك كره الجلوس إلا أن تزال) قال في الانصاف: والمذهب لا يحرم، انتهى. لما روي أن
النبي (ص): دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام. فقال:
قاتلهم الله. لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط رواه أبو داود. ولان دخول الكنائس
والبيع محرم وهي لا تخلو منها. وكون الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، لا يوجب
تحريم دخوله كما لو كان فيه كلب، ولا يحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس مع أن الملائكة
لا تصحبهم، ويباح ترك الإجابة إذن عقوبة للفاعل وزجرا له عن فعله. (وإن علم بها) أي
بالصور المعلقة (قبل الدخول كره الدخول، وإن كانت) الستور المصورة (مبسوطة، أو على
وسادة فلا بأس بها)، لأن فيه إهانة لها، ولان تحريم تعليقها إنما كان لما فيه من التعظيم
والاغراء والتشبيه بالأصنام التي تعبد، وذلك مفقود في البسط. ولقول عائشة: رأيت النبي
(ص) متكئا على نمرقة فيها تصاوير رواه ابن عبد البر. ولان فيه إهانة كالبسط. (ويحرم تعليق
ما فيه صورة حيوان وستر الجدر به وتصويره)، وتقدم في ستر العورة (فإن قطع) إنسان (رأس
الصورة) فلا كراهة. قال ابن عباس: الصورة الرأس فإذا قطع فليس بصورة. (أو قطع منها)
أي الصورة (ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه فهو كقطع الرأس كصدرها) أ (وبطنها أو صورها بلا
رأس أو بلا صدر أو بلا بطن، أو جعل لها رأسا منفصلا عن بدنها، أو) صور (رأسا بلا بدن
فلا كراهة) لأن ذلك لم يدخل في النهي. (وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده كالعين واليد
والرجل حرم) تعليق ما هي فيه وستر الجدر به وتصويره، لدخوله تحت النهي. (وتقدم بعض
ذلك في باب ستر العورة. ويكره ستر حيطان بستور لا صور فيها، أو) بستور (فيها صور
191

غير حيوان إن كانت غير حرير نصا) لما فيه من السرف، وذلك لا يبلغ به التحريم وهو
عذر في ترك الإجابة إلى الدعوة. قال أحمد: قد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر
فرأى البيت قد ستر. رواه الأثرم وابن عمر أقر على ذلك. وقال أحمد: دعى حذيفة
فخرج. وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم. ومحل الكراهة و (إن لم تكن ضرورة من حر أو
برد) فإن كانت فلا بأس للحاجة (كالستر على الباب للحاجة) إليه. قال في المبدع: وفي
جواز خروجه لأجله وجهان، (ويحرم ستر) الحيطان (بحرير) وتقدم في ستر العورة. (و) يحرم
(الجلوس معه) لأنه من المنكر، و (لا) يحرم الجلوس (مع الستر بغيره) أي الحرير
وتقدم. (ولا يجوز الاكل بغير إذن صريح أو قرينة ولو من بيت قريبه أو صديقه ولم يحرزه
عنه) لحديث ابن عمر مرفوعا: من دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا رواه
أبو داود مختصرا، ولأنه مال غيره فلا يباح أكله بغير إذنه. (كأخذ الدراهم) وقال في الآداب
الكبرى: يباح الاكل من بيت القريب والصديق من مال غير محرز عنه إذا علم أو ظن رضا
صاحبه بذلك، نظرا إلى العادة والعرف. هذا هو المتوجه، وما يذكر من كلام أحمد من
الاستئذان، محمول على الشك في رضا صاحبه أو على الورع، وتابعه المصنف في شرح
المنظومة. قال في الفروع، ظاهر كلام ابن الجوزي وغيره يجوز، واختاره شيخنا وهو أظهر
(والدعاء إلى الوليمة أو تقديم الطعام أذن فيه) أي الاكل. (إذا أكمل وضعه ولم يلحظ انتظار
من يأتي) لحديث أبي هريرة مرفوعا: إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فذلك
إذن له رواه أبو داود. وقال عبد الله بن مسعود: إذا دعيت فقد أذن لك رواه أحمد
بإسناده. و (لا) يكون الدعاء إلى الوليمة إذنا (في الدخول إلا بقرينة) تدل عليه، (فلا يشترط)
مع الدعاء إلى الوليمة أو تقديم الطعام (إذن ثان للاكل، كالخياط إذا دعي للتفصيل والطبيب
192

للفصد وغير ذلك من الصنائع فيكون) العرف (إذنا في التصرف) قال في الغنية: لا
يحتاج بعد تقديم الطعام إذنا إذا جرت العادة في ذلك البلد بالاكل في ذلك، فيكون
العرف إذنا. (ولا يملك) من قدم إليه طعام (الطعام الذي قدم إليه بل يبقى على ملك
صاحبه)، لأنه لم يملكه شيئا وإنما أباحه الاكل. وهذا لم يملك التصرف فيه بغير إذنه
. (ولا يجوز للضيفان قسمه. ولو حلف أن لا يهبه فأضافه لم يحنث)، لأنه لم يملكه كما
تقدم.
فصل
في آداب الأكل والشرب وما يتعلق بهما
(يستحب غسل اليد قبل الطعام) متقدما به ربه. (و) غسلها (بعده) متأخرا به ربه (ولو
كان) الآكل (على وضوء) لقوله (ص): من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه
وإذا رفع رواه ابن ماجة. (و) يستحب (أن يتوضأ الجنب قبل الاكل) لحديث عائشة وتقدم
في الغسل، والشرب مثله. (ولا يكره غسل يديه في الاناء الذي أكل فيه) نص عليه، (ويكره)
غسل يديه (بطعام وهو القوت، ولو بدقيق حمص وعدس وباقلاء ونحوه قال الشيخ: الملح
ليس بقوت وإنما يصلح به القوت)، فعليه لا يكره الغسل به. (ولا بأس) بغسل اليدين (بنخالة)
لأنها ليست قوتا (وإن دعت الحاجة إلى استعمال القوت مثل الدبغ بدقيق الشعير والتطبب
للجرب باللبن والدقيق ونحو ذلك، رخص فيه) للحاجة، وتقدم في إزالة النجاسة. يحرم
استعمال مطعوم في إزالتها. (وغسل الفم بعد الطعام مستحب، ويسن أن يتمضمض من شرب
اللبن)، قال في الآداب: ويتوجه أن يستحب المضمضة من كل ما له دسم لتعليله (ص). (ويسن أن
193

يلعق أصابعه قبل الغسل والمسح أو يلعقها غيره) لحديث كعب بن مالك: كان النبي (ص)
يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يديه حتى يلعقها، رواه الخلال بإسناده. (ويعرض رب
الطعام الماء لغسلهما ويقدمه بقرب طعامه) تذكيرا بالسنة. (ولا يعرض الطعام) بل يقدمه لهم
لئلا يستحيوا فلا يطلبونه. (وتسن التسمية على الطعام) لحديث عائشة مرفوعا: إذا
أكل أحدكم فليذكر اسم الله. فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله
وآخره والشرب مثله. (ويجهر بها) أي التسمية ندبا لينبه غيره عليها، (فيقول) الآكل أو
الشارب (بسم الله. قال الشيخ، ولو زاد الرحمن الرحيم لكان حسنا). فإنه أكمل بخلاف الذبح
فإنه قد قيل: لا يناسب ذلك. (و) يسن (أن يأكل بيمينه ومما يليه ويكره تركهما) أي ترك الأكل
باليمين ومما يليه، لما روي عن عمر بن أبي سلمة قال: كنت يتيما في حجر رسول
الله (ص) فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي النبي (ص): يا غلام سم الله وكل بيمينك
وكل مما يليك متفق عليه. (و) يكره (الأكل والشرب بشماله إلا من ضرورة) لحديث ابن
عمر مرفوعا: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله
متفق عليه. (وإن جعل بيمينه خبزا وبشماله شيئا) كجبن أو خيار (يأتدم به وجعل يأكل من
هذا) الذي جعله بشماله (كره، لأنه أكل بشماله ولما فيه من الشره. فإن أكل أو شرب بشماله
أكل وشرب معه الشيطان) للخبر. (وإن نسي التسمية في أوله) أي الاكل أو الشرب (قال إذا
194

ذكر: بسم الله أوله وآخره) لما تقدم في حديث عائشة، وظاهره ولو بعد فراغه من الاكل
(فإن كانوا) أي الآكلون (جماعة سموا كلهم) لعموم الخبر، (ويسمي المميز) لحديث ابن أبي
سلمة (ويسمى عمن لا عقل له ولا تمييز) لتعذرها منه. وينبغي أن يشير بها أخرس ونحوه
كالوضوء. (ويحمد الله) الآكل والشارب (جهرا إذا فرغ) من أكله أو شربه لقوله (ص): إن الله
ليرضى من العبد أن يأكل أو يشرب الشربة فيحمده عليها رواه مسلم. (ويقول) إذا فرغ
من أكله (ما ورد ومنه) ما روى أبو سعيد: كان رسول الله (ص) إذا أكل أو شرب قال
الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين. ومنه أيضا ما روى معاذ بن أنس
الجهني عن رسول الله (ص) قال: من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه
من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه رواه ابن ماجة. (ويسن الدعاء
لصاحب الطعام ومنه: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم
الملائكة للخبر. (ويستحب إذا فرغ من الاكل أ) ن (لا يطيل الجلوس من غير حاجة بل
يستأذن رب المنزل وينصرف) لقوله تعالى: * (فإذا طعمتم فانتشروا) (الأحزاب: 53).
* (ويسمى الشارب عند كل ابتداء، ويحمد عند كل قطع. وقد يقال مثله في أكل كل لقمة،
فعله أحمد. وقال: أكل وحمد خير من أكل وصمت. ويكره الاكل من ذروة الطعام) أي
أعلى الصحفة (ومن وسطه، بل) يأكل (من أسفله) لما روى ابن عباس مرفوعا: إذا أكل
أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من
195

أعلاها. وفي حديث آخر كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها رواهما ابن ماجة
(وكذلك الكيل) للعلة التي أشار إليها (ص) (ويكره نفخ) في (الطعام والشراب) ليبرد قال في
المستوعب: النفخ في الطعام والشراب والكتاب منهي عنه. وقال الآمدي: لا يكره النفخ
والطعام حار، قال في الانصاف: وهو الصواب إن كان حاجة إلى الاكل حينئذ. (و) يكره
(التنفس في إناءيهما) لأنه ربما عاد إليه من فيه شئ. (وأكله حارا) لأنه لا بركة فيه كما في
الخبر. (إن لم تكن حاجة) إلى أكله حارا فيباح. (و) يكره أيضا أكله (مما يلي غيره إن كان
الطعام نوعا واحدا، فإن كان أنواعا) أي نوعين فأكثر فلا بأس، (أو) كان الطعام (فاكهة) فلا
بأس، لحديث عكراش بن ذؤيب قال: أتى النبي (ص) بجفنة كثيرة الثريد والودك، فأقبلنا نأكل
فخبطت يدي في نواحيها. فقال: يا عكراش كل من موضع واحد. ثم أتينا بطبق فيه ألوان
من الرطب. فجالت يد رسول الله (ص) في الطبق، وقال: يا عكراش كل من حيث شئت فإنه
غير لون واحد رواه ابن ماجة. (قال الآمدي: أو كان يأكل وحده فلا بأس) بأكله مما لا
يليه، لأنه لا يؤذي بذلك. قلت: وكذا لو كان يأكل مع من لا يستقذر منه، بل يستشفي به
كما يشهد له تتبعه (ص) للدباء من حوالي الصحفة في حديث أنس. (وكره) الامام (أحمد أن
يتعمد القوم حين وضع الطعام فيفجأهم)، لقوله تعالى: * (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن
لكم) * الآية. (وكذا) الضيف الذي يتبع الضيف (من غير أن يدعى وهو
الطفيلي. وفي الشرح: لا يجوز وإن فجأهم بلا تعمد أكل نصا). وأطلق في المستوعب
وغيره الكراهة، إلا من عادته السماحة. (وكره) أحمد (الخبز الكبار. وقال: ليس فيه بركة)
وذكر معمر أن أبا أسامة قدم لهم طعاما فكسر الخبز قال أحمد: لئلا يعرفوا كم يأكلون
(ويكره أن يستبذله) أي الخبز لقوله: أكرموا الخبز (فلا يمسح يده ولا السكين به) أي بالخبز
196

(ولا يضعه تحت القصعة ولا تحت المملحة) أي آنية الملح لأنه استبذال له. (بل يوضع الملح
وحده على الخبز) لأنه لا استبذال فيه. (ويستحب أن يصغر اللقمة ويجيد المضغ ويطيل البلع)
، لأنه أجود هضما. (قال الشيخ: إلا أن يكون هناك ما هو أهم من الإطالة، واستحب بعض
الأصحاب تصغير الكسر) يعني اللقم. (وينوي) ندبا (بأكله وشربه التقوي على الطاعة)
لحديث: وإنما لكل امرئ ما نوى. (ويبدأ الأكبر والأعلم وصاحب البيت) بالاكل لحديث
: كبر كبر. (ويكره لغيرهما السبق إلى الاكل) لما فيه من الدناءة والشره. (وإذا أكل معه ضرير
استحب أن يعلمه بما بين يديه) من الطعام ليتناول ما يشتهيه. (ويسن مسح الصحفة) التي يأكل
فيها للخبز. (وأكل ما تناثر منه) أو يسقط منه من اللقم بعد إزالة ما عليه من أذى للخبر
، (والاكل عند حضور رب الطعام وإذنه والاكل بثلاث أصابع) لحديث كعب بن مالك وتقدم
(ويكره بما دونها) لأنه كبر (و) يكره أيضا (بما فوقها) لأنه شره، (ما لم تكن حاجة) قال مهنا
: سألت أبا عبد الله عن الاكل بالأصابع كلها فذهب إلى ثلاث أصابع، فذكر مسألة الحديث الذي
يروى عن النبي (ص): أنه كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه، ولم ير إلا ثلاث أصابع. (ولا بأس
بالاكل بالملعقة) وإن كان بدعة لأنها تعتريها الأحكام الخمسة.
قلت: ربما يؤخذ من قول الإمام: أكره كل محدث كراهتها.
فصل
ويكره القران في التمر ونحوه مما جرت العادة بتناوله إفرادا
لما فيه من الشره، (و) يكره له (فعل ما يستقذر من بصاق ومخاط وغيره، و) يكره (أن
197

ينفض يده في القصعة) لما فيه من الاستقذار. (و) يكره (أن يقدم إليها) أي القصعة (رأسه
عند وضع القمة في فيه)، لأنه ربما سقط من فمه شئ فيها فقذرها. (و) يكره (أن يغمس
اللقمة الدسمة في الخل أو) يغمس (الخل في الدسم فقد يكرهه غيره).
قلت: فإن أحبه الكل فلا بأس كما لو كان وحده. (ولا بأس بوضع الخل والبقول
على المائدة غير الثوم والبصل وما له رائحة كريهة). فإنه يكره أكله نيئا كما يأتي في الأطعمة
(ويكون) عند المائدة (ما يدفع به الغصة) خشية أن توجد (وينبغي أن يحول وجهه عند
السعال والعطاس عن الطعام أو يبعده عنه، أو يجعل على فيه شيئا لئلا يخرج منه بصاق فيقع
في الطعام) فيقذره (وإن خرج من فيه شئ) من عظم أو ثقل أو نخامة (ليرمي به صرف
وجهه عن الطعام)، لئلا يقع فيه شئ من فيه (وأخذه بيساره) فرمى به لأنه مستقذر، (ويكره
رده) أي ما يخرج من فيه (إلى القصعة، وأن يغمس بقية اللقمة التي أكل منها في المرقة، وكذا
هندسة اللقمة وهو أن يقضم بأسنانه) لا بيده (بعض أطرافها، ثم يضعها في الأدم) لأن ذلك
مستقذر وتعافه النفس. (و) يكره لمن يأكل مع غيره (أن يتكلم بما يستقذر أو بما يضحكهم
أو يخزيهم). قاله الشيخ عبد القادر: (و) يكره أيضا (أن يأكل متكئا أو مضطجعا أو منبطحا
، وفي الغنية وغيرها: أو على الطريق. و) يكره أيضا (أن يعيب الطعام، وأن يحتقره بل إن اشتهاه
أكله وإلا تركه) لما ورد: أنه (ص) ما عاب طعاما قط، بل إن اشتهاه أكله وإلا تركه. (ولا
بأس بمدحه) أي الطعام لكن يكره لرب الطعام مدحه وتقويمه، كما يأتي (ويستحب) للآكل
(أن يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى، أو يتربع) وجعله بعضهم من الاتكاء. (قال ابن
198

الجوزي: ولا يشرب الماء في أثناء الطعام، فإنه) أي عدم الشرب في أثنائه (أجود في
الطب وينبغي أن يقال: إلا أن يكون ثم عادة) قال في المنتهى: وفي أثناء طعام بلا عادة
، انتهى. قال بعض العلماء: إلا إذا صدق عطشه فينفي من جهة الطب يقال: إنه دباغ المعدة
(ولا يعب الماء عبا) للخبر، (وأن يأخذ إناء الماء بيمينه) مع القدرة (ويسمي) وتقدم
(وينظر فيه) خشية أن يكون فيه ما يكره أو يؤذيه. (ثم يشرب منه مصا مقطعا ثلاثا) لقوله
(ص): مصوا الماء مصا فإن الكباد من العب والكباد بضم الكاف وبالباء الموحدة قيل
وجع الكبد. ويعب اللبن لأنه طعام، (ويتنفس) كل مرة (خارج الاناء ويكره أن يتنفس
فيه)، وتقدم (و) يكره (أن يشرب من فم السقاء) لنهيه (ص)، لأنه قد يخرج من داخل
القربة ما ينغص الشرب أو يؤذي الشارب. (و) من (ثلمة الاناء أو محاذيا للعروة المتصلة
برأس الاناء) وكذا اختناث الأسقية وهو قلبها. قال الجوهري: خنث الاناء وأخنثته إذا
ثنيته إلى خارج فشربت منه، فإن كسرته إلى داخل فقد قبعته بالقاف والباء الموحدة
والعين المهملة. (ولا يكره الشرب قائما و) شربه (قاعدا أكمل. وأما ماء آبار ثمود فلا
يباح شربه ولا الطبخ به، ولا استعماله، فإن طبخ منه أو عجن أكفأ القدور وعلف العجين
النواضح)، جمع ناضحة أو ناضح وهو البعير يستقي عليه.
قلت: ولعل المراد مطلق البهائم. (ويباح منها بئر الناقة وتقدم في) كتاب (الطهارة، وديار قوم
لوط مسخوط عليها فيكره شرب مائها واستعماله)، وكذا بئر برهوت وذروان بئر بمقبرة
وتقدم. قال في الفروع: (وظاهر كلامهم لا يكره أكله قائما) ويتوجه كشرب، قاله شيخنا
(وإذا شرب) لبنا أو غيره (سن أن يناوله الأيمن) ولو صغيرا أو مفضولا، ويتوجه أن يستأذنه
في مناولته الأكبر. فإن لم يأذن ناوله له للخبر (وكذا في غسل يده) يكون للأيمن فالأيمن
199

(ورش لماء ورد ونحوه) من أنواع الطيب، وكذا التجمير بالعود ونحوه، (ويبدأ في ذلك) أي
في الشرب وغسل الأيدي ورش ماء الورد ونحوه. (بأفضلهم ثم بمن على اليمين) لفعله
(ص) في الشرب وقيس الباقي. (ويستحب أن يغض طرفه عن جليسه) لئلا يخجله. (و) أن
(يؤثر على نفسه المحتاج) لمدحه تعالى فاعل ذلك بقوله: * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان
بهم خصاصة) * (ويخلل أسنانه إن علق بها شئ) من الطعام. قال في
المستوعب: روي عن ابن عمر ترك الخلال يوهن الأسنان. ذكره بعضهم مرفوعا. وروى:
تخللوا من الطعام فإنه ليس شئ أشد على الملك الذي على العبد أن يجد من أحدكم ريح
الطعام. قال الأطباء: وهو نافع أيضا للثة ومن تغير النكهة و (لا) يخلل أسنانه (في أثناء
الطعام) بل إذا فرغ، و (لا) يتخلل (بعود يضره) كرمان وآس ولا بما يجهله، لئلا يكون من
ذلك وكذا ما يجرحه. (وتقدم في باب السواك ويلقى ما أخرجه الخلال ويكره أن يبتلعه). قال
الناظم: للخبر، (وإن قلعه بلسانه لم يكره ابتلاعه) كسائر ما بفيه. (ولا يأكل مما شرب عليه
الخمر). لأن شراءه لذلك فاسد ولأنه أثر معصية. (ولا) يأكل (مختلطا بحرام ولا يلقم جليسه)
إلا بإذن رب الطعام. (ولا يفسح لغيره إلا أن يأذن رب الطعام)، لأنه تصرف في ماله بغير
إذنه. (وفي معنى ذلك تقديم بعض الضيفان ما لديه ونقله إلى البعض الآخر)، فلا يفعله بلا
إذن رب الطعام (قال في الفروع: وما جرت العادة به كإطعام سائل وسنور ونحوه وتلقيم)
غيره، (وتقديم) بعض الضيفان إلى بعض. (يحتمل كلامهم وجهين وجوازه أظهر لحديث أنس
في الدباء) قال أنس: دعا رسول الله (ص) رجلا فانطلقت معه فجئ بمرقة فيه دباء، فجعل
يأكل من ذلك الدباء ويعجبه فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه ولا أطعمه. قال أنس: فما زلت
أحب الدباء رواه مسلم والبخاري، ولم يقل: ولا أطعمه. وفي لفظ قال أنس: فرأيت
رسول الله (ص) يتبع الدباء من حوالي الصحفة فلم أزل أحب الدباء من يومئذ فجعلت أجمع
200

الدباء بين يديه. (ولا يخلط طعاما بطعام) لأنه قد يستقذره غيره (ولا يكره قطع اللحم
بالسكين والنهي عنه لا يصح)، قاله أحمد، (وينبغي أن لا يبادر إلى تقطيع اللحم الذي يقدم
للضيفان حتى يأذنوا له في ذلك، ولا بأس بالنهد) بكسر النون ويقال المناهدة بأن يخرج كل
من رفقته شيئا من النفقة، ويدفعونه إلى من ينفق عليهم منه ويأكلون جميعا (وتقدم) ذلك
(في) باب (ما يلزم الامام والجيش. وإن تصدق منه بعضهم، قال أحمد، أرجو أن لا يكون به
بأس) ما (لم يزل الناس يفعلون ذلك) قال في المنتهى: فلو أكل بعضهم أكثر أو تصدق فلا
بأس، قاله في الآداب. (وعلى هذا يتوجه صدقة أحد الشريكين بما يسامح به عادة وعرفا، وكذا
المضارب والضيف ونحو ذلك). لأنه مأذون فيه عرفا. قال في موضع آخر: لكن الأدب
والأولى الكف عن ذلك لما فيه من إساءة الأدب على صاحبه، والاقدام على طعامه ببعض
التصرف من غير إذن صريح (والسنة أن يكون البطن أثلاثا. ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا
للنفس) لقوله (ص): بحسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإن كان ولا بد فثلث لطعامه
وثلث لشرابه وثلث لنفسه (ويجوز أكله أكثر) من ثلثه (بحيث لا يؤذيه و) أكله كثيرا (مع
خوف أذى وتخمة يحرم) نقله في الفروع عن الشيخ تقي الدين بعد أن نقل عنه يكره.
وفي المنتهى: وكره أكله كثيرا بحيث يؤذيه. (ويكره إدمان أكل اللحم) ويأتي في الأطعمة
201

(و) يكره (تقليل الطعام بحيث يضره وليس من السنة ترك أكل الطيبات)، لقوله تعالى:
* (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) * (ولا
بأس بالجمع بين طعامين) من غير خلط لحديث عبد الله بن جعفر قال: رأيت رسول
الله (ص) يأكل القثاء بالرطب. (ومن السرف أن تأكل كل ما اشتهيت) رواه ابن ماجة
من حديث أنس مرفوعا. قال في الآداب وفيه ضعف. (ومن أذهب طيباته في حياته الدنيا
واستمتع بها نقصت درجاته في الآخرة) للأحاديث الصحيحة. (وقال) الامام (أحمد:
يؤجر في ترك الشهوات ومراده ما لم يخالف الشرع). قال الشيخ تقي الدين من امتنع من
الطيبات بلا سبب شرعي فمبتدع. (ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب والمروءة) بوزن
سهولة. (ويأكل مع الفقراء بالايثار. و) يأكل (مع الاخوان بالانبساط و) يأكل (مع العلماء
بالتعلم، ولا يتصنع بالانقباض) لأنه يؤذي الحاضرين معه ويتكلف الانبساط. (ولا يكثر
النظر إلى المكان الذي يخرج منه الطعام) لأنه دناءة. (ويستحب الاكل مع الزوجة والولد
ولو طفلا والمملوك، وأن تكثر الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده)، لتكثير البركة
ولعله يصادف صالحا يأكل معه فيغفر له بسببه (ويسن أن يجلس غلامه معه على الطعام
، وإن لم يجلسه أطعمه منه) ويأتي في نفقة المماليك. (و) يسن لمن أكل من الجماعة أن
لا يرفع يده قبلهم حتى يكتفوا) لئلا يخجلهم. قال في الآداب بلا قرينة قال الشيخ
عبد القادر: إلا أن يعلم منهم الانبساط إليه. (ويكره لصاحب الطعام مدح طعامه وتقويمه
لأنه دناءة).
202

فصل
ويستحب أن يباسط الاخوان بالحديث الطيب
والحكايات التي تليق بالحال إذا كانوا منقبضين) ليحصل لهم الانبساط، ويطول
جلوسهم. (ويقدم رب الدار) الطعام (ما حضر) عنده (من الطعام من غير تكلف) لمعدوم للخبر
الآتي (ولا يحتقره) لأنه نعمة من الله وإن قل (وإذا كان الطعام قليلا والضيوف كثيرة فالأولى
ترك الدعوة) و (لا سيما إذا كان قليلا) جدا لأنه ربما يوقعهم في الخوض فيه قال بعض
العلماء: وهذا محمول على من كان واحدا للزيادة وتركها، أما الذي لا يجد إلا ما قدمه فلا
ينبغي له الترك (ويسن أن يخص بدعوته الأتقياء والصالحين) لتناله بركتهم. ولأنهم يتقوون
به على طاعة الله بخلاف ضدهم، فإنهم يتقوون به على معصيته فيكون معينا لهم عليها.
(وإذا طبخ مرقة فليكثر من مائها ويتعاهد منه بعض جيرانه) للخبر (وإذا حضر الطعام و)
أقيمت (الصلاة فقد تقدم آخر باب صفة الصلاة ولا خير فيمن لا يضيف) كما في الخبر.
(ومن آداب إحضار الطعام تعجيله) للقادم (لا سيما إذا كان الطعام قليلا، و) يستحب (تقدم
الفاكهة قبل غيرها، لأنه أصلح في باب الطب)، لأنها أسرع هضما فتنحدر على ما تحتها
فتفسده. (ويكره أكل ما لم يطب أكله) أي ينضج (منها) أي من الفاكهة لأنه يضر (ولا
يستأذنهم) أي لا يستأذن رب الطعام الضيوف (في التقديم)، أي تقديم الطعام إليهم (ومن
التكلف أن يقدم جميع ما عنده) وقال (ص): أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلف وقال (ص): لا
203

تتكلفوا للضيف فتبغضوه فإن من أبغض الضيف فقد أبغض الله ومن أبغض الله فقد أبغضه
الله (قال الشيخ: إذا دعي إلى أكل دخل بيته فأكل ما يكسر نهمته قبل ذهابه، انتهى ولا
يجمع بين النوى والتمر في طبق واحد) لأنه يورث نفورا عن أكل الباقي وكذا أكل الرمان
وكل ماله قشر كالقصب (ولا يجمعه في كفه بل يضعه من فيه على ظهر كفه، وكذا كل ما
فيه عجم وثفل) قال أبو بكر بن حماد: رأيت الإمام أحمد يأكل التمر ويأخذ النوى على
ظهر إصبعيه السبابة والوسطى والعجم بالتحريك النوى، وكل ما كان في جوف مأكول
كالزبيب الواحدة عجمة مثل قصب وقصبة قال يعقوب: والعامة تقول: عجم بالتسكين
، والثفل بضم الثاء المثلثة وسكون الفاء ما ثفل من كل شئ قاله في الآداب (ولا يخلط
قشر البطيخ الذي أكله بما لم يؤكل ولا يرمى به لأن في جمعه ليطرح كلفة وربما صدم)
حال رميه (رأس الجليس، أو قطر منه شئ في حالة الرمي) على جليسه فآذاه، (ولرب الطعام
أن يخص بعض الضيفان بشئ طيب إذا لم يتأذ غيره)، لأن له أن يتصرف في ماله كيف
شاء (ويستحب للضيف أن يفضل شيئا) من الطعام (لا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، أو
كان ثم حاجة) إلى إبقاء شئ منه. (وفي شرح مسلم يستحب لصاحب الطعام وأهل الطعام
الاكل بعد فراغ الضيفان، لحديث أبي طلحة الأنصاري في الصحيح) وفيه: أنه لم يكن له
مال فذهب بالضيف وقال لامرأته: هذا ضيف رسول الله (ص) قالت: والله ما عندنا إلا قوت
الصبية. فقال: نومي صبيانك وأطفئي السراج وقدمي ما عندك للضيف، ونوهمه أننا نأكل
ففعلا ذلك. ونزل في ذلك قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)
(والأولى النظر في قرائن الحال) وإن دلت قرينة على إبقاء شئ أبقاه. وإلا
مسح الاناء. لأنها تستغفر للاحقها. (ولا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه
204

الشرع) كتقبيل الحجر الأسود وتقدم فيه كلام في الحج. (ويكره أن يأكل ما انتفخ من الخبز
ووجهه، ويترك الباقي) منه لأنه كبر. (ولا يقترح طعاما بعينه، وإن خير) الزائر (بين طعامين
اختار الأيسر) منهما لئلا يحمل رب الطعام على التكلف. (إلا أن يعلم أن مضيفه يسر
باقتراحه ولا يقصر) فلا بأس بالاقتراح. لأنه من إدخال السرور. (وينبغي أن لا يقصد)
المدعو (بالإجابة إلى الدعوة نفس الاكل) لأنه سمة البهائم، (بل ينوي به الاقتداء بالسنة
وإكرام أخيه المؤمن، وينوي صيانة نفسه عن مسئ به الظن والتكبر) ليثاب عليه. (ويكره أكل
الثوم والبصل ونحوهما) مما له رائحة كريهة نيئا، ويأتي في الأطعمة. (ويستحب أن يجعل ماء
الأيدي في طست واحد فلا يرفعه إلا أن يمتلئ) لئلا يكون متشبها بالأعاجم في زيهم. (ولا
يضع الصابون في ماء الطست بعد غسل يديه)، لأنه يذيبه. (وظاهر كلامهم لا يكره غسل اليد
بالطيب) فلا يكره بالصابون المطيب. (ومن أكل طعاما فليقل) استحبابا: (اللهم بارك لنا فيه
وأطعمنا خيرا منه) للخبز. (وإذا شرب لبنا قال) ندبا: (اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه) للخبر
(وإذا وقع الذباب) أي البعوض (ونحوه) كالزنابير والنحل. قال الجاحظ: اسم الذباب يقع
عند العرب على الزنابير والنحل والبعوض وغيرها. (في طعام أو شراب سن غمسه كله ثم
ليطرحه) لقوله (ص): إذ وقع الذباب في شراب أحدكم - أو قال في طعام أحدكم - فليغمسه
كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وأنه يتقى بالداء وظاهره
استحباب غمسها مطلقا. وإن كانت حية وأفضى ذلك إلى موتها بالغمس. (ويغسل يديه وفمه
205

من ثوم وبصل وزهومة ورائحة كريهة) تنظيفا لذلك. (ويتأكد عند النوم) خشية اللمم، (وفي
الثريد فضل على غيره من الطعام) لحديث: فضل الثريد على سائر الطعام كفضل عائشة
على سائر النساء. (وهو) أي الثريد (أن يثرد الخبز أي يفته ثم يبله بمرق لحم أو غيره، وإذا
ثرد غطاه شيئا حتى يذهب فوره، فإنه أعظم للبركة. ويكره) لمن يأكل مع جماعة (رفع يده
قبلهم بلا قرينة) تدل على شبع الجميع، وتقدم. (و) يكره للانسان (أن يقيم غيره عن الطعام
قبل فراغه لما فيه من قطع لذته، ولا يقوم عن الطعام حتى يرفع) الطعام (وإن أكل تمرا عتيقا
ونحوه) مما يسوس (فتشه وأخرج سوسه) لاستقذاره.
قلت: وكذا نبق ونحوه مما يدود (وإطعام الخبز البهيمة تركه أولى) لأنه يؤذيها
(إلا لحاجة، أو كان يسيرا ومن السنة أن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار) تتميما لاكرامه.
(ويحسن أن يأخذ بركابه) أي ركاب ضيفه إذا ركب (وروي) عن ابن عباس رضي الله
عنهما (مرفوعا: من أخذ بركاب من لا يرجوه ولا يخافه غفر له) قال في الآداب: (قال ابن
الجوزي: وينبغي) أي للضيف بل لكل أحد (أن يتواضع في مجلسه، و) ينبغي (إذا حضر أن
لا يتصدر، وإن عين له صاحب البيت مكانا لم يتعده) أي لم يجاوزه إلى غيره لأنه إساءة
أدب منه (والنثار في العرس وغيره والتقاطه مكروهان. لأنه شبه النهبة) وقد نهى (ص) عن
النهبة والمثلة رواه أحمد والبخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري. (والتقاطه
دناءة وإسقاط مروءة). والله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها، ولان فيه تزاحما وقتالا.
206

وقد يأخذ من غيره ما هو أحب إلى صاحبه. (ومن أخذ منه) أي النثار (شيئا ملكه ومن
حصل في حجره منه شئ فهو له) سواء قصد يملكه بذلك أو لم يقصده، لأن مالكه قصد
تمليكه لمن حازه وقد حازه من أخذه أو حصل في حجره فيملكه، كما لو وثبت سمكة من
البحر فوقعت في حجره. وكذا لو دخل صيد داره أو خيمته فأغلق عليه الباب. (وليس
لاحد أخذه منه) أي أخذ النثار ممن أخذه أو حصل في حجره. (فإن قسم) الاخذ للنثار ما
أخذه أو حصل في حجره (على الحاضرين لم يكره) له ولا لهم. لأن الحق له وقد أباحه
لهم. (وكذلك) في عدم الكراهة (إن وضعه بين أيديهم وأذن لهم في أخذه على وجه لا
يقع فيه تناهب). فيباح لعدم موجب الكراهة. (ويسن إعلان) أي إظهار (النكاح والضرب
عليه بدف لا حلق فيه ولا صنوج للنساء)، لما روى محمد بحاطب. قال: قال رسول
الله (ص): فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح رواه أحمد والنسائي
والترمذي وحسنه. وقال أحمد أيضا: يستحب ضرب الدف والصوت في الاملاك.
فقيل له: ما الصوت؟ قال: يتكلم ويتحدث ويظهر (ويكره) الضرب بالدف (للرجال) مطلقا
قاله في الرعاية وقال الموفق: ضرب الدف مخصوص بالنساء. قال في الفروع: وظاهر
نصوصه وكلام الأصحاب التسوية (وتقدم بعضه في كتاب النكاح. ولا بأس بالغزل في
العرس) لقوله (ص) للأنصار: أتيناكم أتيناكم، فحيونا نحييكم. لولا الذهب الأحمر لما حلت
بواديكم ولولا الحنطة السوداء ما سرت عذاريكم لا على ما يصنعه الناس اليوم
(وضرب الدف في الختان وقدوم الغائب ونحوهما) كالولادة (كالعرس) لما فيه من السرور
(ويحرم كل ملهاة سوى الدف كمزمار وطنبور ورباب وحنك وناي ومعرفة وجفانة، وعود
207

وزمارة الراعي ونحوها، سواء استعملت لحزن أو سرور) وفي القضيب وجهان. وفي
المغني: لا يكره إلا مع تصفيق أو غناء أو رقص ونحوه وكره أحمد التغبير بالغين
المعجمة والباء الموحدة ونهى عن استماعه. وقال: بدعة ومحدث ونقل أبو داود: لا
يعجبني. ونقل يوسف: ولا تستمعه قيل: هو بدعة؟ قال حسبك. قال في القاموس
: والمغبرة قوم يغبرون بذكر الله يهللون ويرددون الصوت بالقراءة وغيرها، سموا بذلك
لأنهم يرغبون الناس في المغابرة إلى الباقية، انتهى. وفي المستوعب: منع من إطلاق اسم
البدعة عليه ومن تحريمه لأنه شعر ملحن كالحداء والحدو للإبل ونحوه. ونقل
إبراهيم بن عبد الله القلانسي أن أحمد قال عن الصوفية: لا أعلم أقواما أفضل منهم. قيل
: إنهم يستمعون ويتواجدون. قال: دعوهم يفرحون مع الله ساعة. قيل: فمنهم من يموت
ومنهم من يغشى عليه؟ فقال: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) (الزمر: 47).
لعل مراده سماع القرآن وعذرهم لقوة الوارد قاله في الفروع.
باب عشرة النساء والقسم والنشوز وما يتعلق بها
(وهي) أي العشرة بكسر العين المهملة في الأصل الاجتماع، يقال لكل جماعة عشرة
ومعشر والمراد هنا: (ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام) أي الاجتماع. و (يلزم كل
واحد منهما) أي الزوجين (معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة وكف الأذى، وأن لا
يمطله بحقه مع قدرته ولا يظهر الكراهة لبذله بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه منة ولا أذى)، لان
هذا المعروف المأمور به لقوله تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (النساء: 19).
وقوله: * (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) * قال أبو زيد: تتقون الله فيهن
كما عليهن أن يتقين الله فيكم وقال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن
تتزين لي، لأن الله تعالى يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) (البقرة: 228).
(وحقه) أي الزوج (عليها أعظم من حقها عليه) لقوله تعالى: (وللرجال عليهن درجة)
208

وقوله (ص): لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لأمرت النساء أن يسجدن
لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق رواه أبو داود وقال: إذا باتت المرأة هاجرة
فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح متفق عليه (ويسن) لكل منهما (تحسين الخلق
لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه) لقوله تعالى: * (وبالوالدين إحسانا) * - إلى قوله -
(والصاحب بالجنب) النساء: 36). قيل: هو كل واحد من الزوجين. وقال (ص): استوصوا
بالنساء خيرا فإنهن عوان عليكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله
رواه مسلم وقال (ص): إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة، فإن ذهبت
تقيمها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج متفق عليه. وقال: خياركم
خياركم لنسائه رواه ابن ماجة. (قال ابن الجوزي: معاشرة المرأة بالتلطف) لئلا تقع النفرة
بينهما (مع إقامة هيبته) لئلا تسقط حرمته عندها (ولا ينبغي أن يعلمها قدر ماله ولا يفش
إليها سرا يخاف إذاعته) لأنها تفشيه، (ولا يكثر من الهبة لها) فإنه متى عودها شيئا لم تصبر
عنه (وليكن غيورا من غير إفراط لئلا ترمى بالشر من أجله) وينبغي إمساكها مع الكراهة لها.
لقوله تعالى: * (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) * (البقرة:
216) قال ابن عباس: ربما رزق منها ولدا فجعل الله فيه خيرا كثيرا. (وإذا تم العقد وجب
تسليم المرأة في بيت الزوج) لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض كما تستحق المرأة
العوض كالإجارة. (ما لم تشترط بيتها إذا طلبها)، لأن الحق له فلا يجب بدون طلبه
(وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها) كما يجب للمرأة تسليم الصداق إذا طلبته، فإن شرطت
209

دارها لم يكن للزوج طلبها إلى بيته، قاله في شرح المنتهى. وفي المبدع، فإن شرطته لزم
الوفاء به ويجب عليها تسليم نفسها في دارها، انتهى.
قلت: تقدم أنه يسن الوفاء به، وإنما يلزم على قول الشيخ تقي الدين فعليه له طلبها، ولها
الفسخ بمخالفته واعتبار الحرية لما يأتي في الأمة. واعتبر إمكان الاستمتاع لأن التسليم إنما
وجب ضرورة استيفاء الاستمتاع الواجب. فإذا لم يمكن الاستمتاع بها لم يكن واجبا. (ونصه)
أي نص أحمد أن التي يمكن الاستمتاع بها هي (بنت تسع سنين فأكثر). قال في رواية أبي
الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها، فإن أتى عليها تسع سنين دفعت إليه وليس لهم أن
يحبسوها بعد التسع. وذهب في ذلك إلى أن النبي (ص) بنى بعائشة وهي بنت تسع سنين.
لكن قال القاضي: ليس هذا عندي على طريقة التحديد، وإنما ذكره لأن الغالب أن ابنة تسع
يتمكن من الاستمتاع بها فيلزم تسليم بنت التسع (ولو كانت نضوة الخلقة) أي مهزولة
الجسم وهو جسيم. (لكن إن خافت على نفسها الافضاء من عظمه فلها منعه من جماعها)
لحديث: لا ضرر ولا ضرار (وعليه النفقة) لأن منعها منه لعذر (ولا يثبت له) أي
للزوج (خيار الفسخ) بكونها نضوة الخلقة. (ويستمتع بها كما يستمتع من الحائض) أي بما
دون الفرج (وإن أنكر أن وطأه يؤذيها لزمتها البينة) لعموم حديث: البينة على المدعي
(ويقبل قول امرأة ثقة في ضيق فرجها) أي الزوجة (وعبالة ذكره ونحوه)، أي كقروح بفرجها
كسائر عيوب النساء تحت الثياب. (و) يجوز للمرأة الثقة (أن تنظرهما) أي الزوجين (وقت
اجتماعهما للحاجة) أي لتشهد بما تشاهد (ويلزمه) أي الزوج (تسليمها) أي تسلم زوجته (أن
بذلته) فتلزمه النفقة لتسليمها، أي لا لوجود التمكين حيث كانت ممن يلزمه تسليمها، (ولا
يلزم) زوجة ولا وليها (ابتداء) أي في ابتداء الدخول (تسليم) الزوجة (مع ما يمنع
الاستمتاع) بها (بالكلية ويرجى زواله كإحرام ومرض وسفر وحيض ولو قال) الزوج (لا أطأ)
210

لأن كلا من ذلك مانع يرجى زواله ويمنع الاستمتاع بها، أشبه ما لو طلب أن يتسلمها في
نهار رمضان (ومتى امتنعت قبل المرض) من تسليم نفسها (ثم حدث) المرض (فلا نفقة)
لها، ولو سلمت نفسها لم يلزمه تسلمها إذن. (وإن كان المرض) بالزوجة (غير مرجو الزوال
لزم تسليمها إذا طلبها) الزوج، (ولزم) الزوج (تسلمها إذا بذلته) هي لأنه ليس له حد ينتهى
إليه فينتظر زواله (وإن) طلب الزوج زوجته و (سألت الانظار أنظرت مدة جرت العادة
بإصلاح أمرها فيها كاليومين والثلاثة). لأن ذلك من حاجتها، فإذا منع منه كان تعسيرا،
فوجب إمهالها طلبا لليسر والسهولة والمرجع في ذلك إلى العرف بين الناس لأنه لا تقدير
فيه فوجب الرجوع فيه إلى العادة و (لا) تمهل (لعمل جهاز) بفتح الجيم وكسرها. وفي
الغنية إن استمهلت هي أو أهلها استحب له إجابتهم ما يعلم به النهي من شراء جهاز
وتزين. (وكذا لو سأل هو) أي الزوج (الانظار) فينظر ما جرت العادة به لما تقدم. (وولى
من به صغر أو جنون) من زوج أو زوجة (مثله) إذا طلب المهلة على ما سبق من التفصيل
لقيامه مقامه. (وإن كانت) الزوجة (أمة لم يجب تسليمها إلا ليلا مع الاطلاق نصا. وللسيد
استخدامها نهارا)، لأنها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها، فلم يجب تسليمها في غير وقتها
، كما لو أجرها لخدمة النهار. (فلو شرط) الزوج (التسليم نهارا أو بذله سيدها، وجب تسليمها
ليلا ونهارا) لأن الزوجية تقتضي وجوب التسليم مع البذل ليلا ونهارا، وإنما منع منه في
الأمة في زمان النهار لحق السيد، فإذا بذله فقد ترك حقه فعاد إلى الأصل في الزوجية،
ولان عقد الزوجية اقتضى لزوم نفقتها ليلا ونهارا، ما لم يمنع منه مانع. فإذا امتنع المانع
ببذل السيد تسليمها وجب على الزوج قبوله. (وللزوج حتى العبد السفر بلا إذنها) أي
الزوجة مع سيده وبدونه، لأنها لا ولاية لها عليه في ترك السفر بخلاف سفرها بلا إذنه (و)
للزوج أيضا ولو عبدا السفر (بها) أي بزوجته لأنه (ص) وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم. (إلا
أن يكون السفر مخوفا) بأن كان الطريق أو البلد الذي يريده مخوفا، فليس له السفر بها بلا
إذنها. لحديث: لا ضرر ولا ضرار. (أو شرطت بلدها) فلها شرطها لقوله (ص): إن أحق
211

الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج (أو تكون) الزوجة (أمة فليس له أي الزوج
السفر بها بلا إذن السيد (ولا لسيدها) أي الأمة والزوجة (ولو صحبة الزوج السفر بها بغير
إذن الآخر) لما في ذلك من تفويت حقه عليه. (ولو بوأها أي بذل لها) أي للأمة المزوجة
(السيد مسكنا ليأتيها الزوج فيه لم يلزمه)، أي الزوج إتيانها فيه لأن السكنى للزوج لا لها
. (وللسيد بيعها) أي الأمة المزوجة لأنه (ص) أذن لعائشة في شراء بريرة وهي ذات زوج
، وكالمؤجرة. (وله) أي السيد (السفر بعبده المزوج واستخدامه نهارا) ومنعه من التكسب لتعلق
المهر والنفقة بذمة سيده. (ولو قال السيد) لمن ادعى أنه زوجه أمته (بعتكها فقال: بل زوجتنيها
فسيأتي في باب ما إذا وصل بإقراره ما يغيره) مفصلا. (وللزوج الاستمتاع بزوجته كل وقت
على أي صفة كانت، إذا كان) الاستمتاع (في القبل ولو) كان الاستمتاع في القبل (من جهة
عجيزتها) لقوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * (البقرة: 223)
والتحريم مختص بالدبر دون سواه. (ما لم يشغلها عن الفرائض أو يضرها) فليس له
الاستمتاع بها إذن، لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف، وحيث لم يشغلها عن ذلك ولم
يضرها فله الاستمتاع. (ولو كانت على التنور أو على ظهر قتب) كما رواه أحمد وغيره
(وله الاستمناء بيدها ويأتي في التعزير، فإن زاد) الزوج (عليها في الجماع صولح على شئ
منه)، قاله أبو حفص والقاضي. (قال القاضي: لأنه غير مقدر فرجع إلى اجتهاد الامام). قال
الشيخ تقي الدين: فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم كالنفقة، وكوطئه إذا زاد قال في
الانصاف: ظاهر كلام أكثر الأصحاب خلاف ذلك، وأن ظاهر كلامهم ما لم يشغلها عن
الفرائض أو يضرها. (وجعل) عبد الله (ابن الزبير) لرجل (أربعا بالليل وأربعا بالنهار وصالح
212

أنس رجلا استعدي على امرأته على ستة، ولا يكره الجماع في ليلة من الليالي ولا يوم من
الأيام، وكذا السفر والتفصيل والخياطة والغزل والصفات كلها) لا تكره في ليلة من الليالي،
ولا يوم من الأيام حيث لا تؤدي إلى إخراج فرض عن وقته. (ولا يجوز لها) أي للمرأة
(تطوع بصلاة ولا صوم وهو مشاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) لقوله (ص): لا
يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من
نفقة بغير إذنه فإنه يرد إليه بشطر رواه البخاري. (ويحرم وطؤها في الحيض) لقوله
تعالى: * (واعتزلوا النساء في المحيض) * وكذا نفاس. (وتقدم) ذلك
(وحكم) وطئ (المستحاضة في باب الحيض) فيحرم وطؤها من غير خوف عنت منه أو
منها. (ويحرم) الوطئ (في الدبر) لقوله (ص): إن الله لا يستحيي من الحق. لا تأتوا النساء
في أدبارهن وعن أبي هريرة وابن عباس مرفوعا: لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته
في دبرها رواهما ابن ماجة. وعن أبي هريرة مرفوعا من أتى حائضا أو امرأة في دبرها
أو أتى عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد رواه الأثرم. ولقوله تعالى: * (نساؤكم
حرث لكم فأوتوا حرثكم أنى شئتم) * فروى جابر قال: كان اليهود يقولون
إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول، فأنزل الله تعالى: * (نساؤكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها إلا في
المأتى متفق عليه. وفي رواية أيتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج (فإن فعل) أي
وطئها في الدبر (عزر) إن علم تحريمه لارتكابه معصية لا حد فيها، ولا كفارة. (وإن تطاوعا)
أي الزوجان (عليه) أي على الوطئ في الدبر فرق بينهما. (أو أكرهها) أي أكره الرجل زوجته
على الوطئ في الدبر (ونهى) عنه (فلم ينته فرق بينهما. قال الشيخ: كما يفرق بين الرجل
213

الفاجر و) بين (من يفجر به) من رقيقه، (انتهى. وله التلذذ بين من غير إيلاج) في
الدبر. وقال ابن الجوزي في السر المصون: كره العلماء الوطئ بين الأليتين لأنه يدعو إلى
الوطئ في الدبر وجزم به في الفصول، قال في الفروع: كذا قالا. (وليس لها) أي الزوجة
(استدخال ذكره وهو نائم) في فرجها (بلا إذنه)، لأنه تصرف فيه بغير إذنه. (ولها) أي الزوجة
(لمسه وتقبيله بشهوة) ولو نائما. (وقال القاضي: يجوز تقبيل فرج المرأة قبل الجماع ويكره
بعده) لتعذره إذن. (وتقدم في كتاب النكاح). وقال الشافعي: النظر إلى فرج المرأة يضعف
البصر وكذا الجلوس مستدبر القبلة، وكذا النظر للقاذورات. (ويحرم العزل عن الحرة إلا
بإذنها) لما روي عن عمر قال: نهى رسول الله (ص) أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها رواه
أحمد وابن ماجة. ولان لها في الولد حقا وعليها في العزل ضرر، فلم يجز إلا بإذنها، ومعنى
العزل أن ينزع إذا قرب الانزال فينزل خارجا عن الفرج. (و) يحرم العزل (عن الأمة إلا بإذن
سيدها)، لأن الحق في الولد له. (و) له أن (يعزل عن سريته بلا إذنها) لحديث أبي سعيد
الخدري مرفوعا: إنا نأتي النساء ونحب إتيانهن فما ترى في العزل؟ فقال (ص): اصنعوا ما بدا
لكم فما قضى الله تعالى فهو كائن، وليس من كل الماء يكون الولد رواه أحمد. (ويعزل
وجوبا عن الكل) أي عن سرية (بدار حرب) لئلا يستعبد الولد (بلا
إذن) أي لا يحتاج بدار الحرب إلى استئذان في العزل وتقدم في النكاح ما فيه. (وإذا عن له
قبل الانزال أن ينزع لا على قصد الانزال خارج الفرج لم يحرم في الكل) من زوجة أو سرية، لأنه
ترك ابتداء. (وله) أي الزوج (إجبارها) أي الزوجة (ولو) كانت (ذمية
ومملوكة على غسل حيض ونفاس) لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له. فملك إجبارها
على إزالة ما يمنع حقه. (و) له (إجبار) الزوجة (المسلمة البالغة على غسل جنابة) لان
الصلاة واجبة عليها، ولا تتمكن منها إلا بالغسل. و (لا) يجبر الزوجة (الذمية) على غسل
214

الجنابة. (كالمسلمة التي دون البلوغ) لأن الوطئ لا يقف عليه لاباحته بدونه وصحح في
الانصاف له إجبار الذمية المكلفة وهو مقتضى المنتهى (وله) أي الزوج (إجبارها)
أي الزوجة (على غسل نجاسة) لأنه واجب عليها. (و) له أيضا إجبارها على (اجتناب
محرم) لوجوبه عليها (و) له إجبارها على (أخذ شعر وظفر تعافه النفس وإزالة وسخ). لان
ذلك يمنع كمال الاستمتاع. (فإن احتاجت) في فعل ما ذكر (إلى شراء الماء فثمنه عليه) أي
الزوج لأنه لحقه (وتمنع) الزوجة (من أكل ما له رائحة كريهة كبصل أو ثوم وكراث). لأنه
يمنع كمال الاستمتاع قلت: وكذا تناول النتن إذا تأذى به لأنه في معنى ذلك. (و) تمنع
أيضا (من تناول ما يمرضها) لأنه يفوت عليه حقه من الاستمتاع بها زمن المرض. (ولا
تجب النية) في غسل الذمية للعذر. (ولا) تجب أيضا (التسمية في غسل ذمية) كالنية، هذا
أحد الوجهين وصوبه في الانصاف. وتصحيح الفروع وظاهر ما قدمه في الانصاف في
كتاب الطهارة اعتبارا للتسمية، وهو ظاهر كلام المصنف هناك وتقدم. (ولا تتعبد) الذمية
(به) أي بغسلها للحيض أو النفاس (لو أسلمت بعده) فلا تصلي به، ولا تطوف ولا تقرأ
قرآنا ولا غير ذلك مما يتوقف على طهارة. قال القاضي: إنما يصح، في حق الآدمي لان
حقه لا يعتبر له النية فيجب عوده إذا أسلمت، ولم يجز أن تصلي به انتهى. وأيضا فالغسل
يجب بالاسلام مطلقا على الصحيح وتقدم. (وتمنع) أي للزوج منع الزوجة (الذمية من
دخول كنيسة وبيعة) فلا تخرج إلا بإذن الزوج. (و) له منعها من (تناول محرم و) من
(شرب ما يسكرها) لأنه محرم عليها. و (لا) تمنع مما (دونه) أي دون ما يسكرها (نصا)
لاعتقادها حله في دينها. (وكذا مسلمة تعتقد إباحة يسير النبيذ) فلا يمنعها منه (وله
إجبارهما على غسل أفواههما ومن سائر النجاسات كما تقدم). لأنه يمنع من القبلة (ولا
تكره الذمية على الوطئ في صومها نصا ولا) على (إفساد صلاتها) بوطئ أو غيره لأنه يضر
بها. (و) لا على إفساد (سبتها ولا يشتري لها) أي الزوجة الذمية زنارا، (ولا) يشتري (لامته
215

الذمية زنارا)، لأنه إعانة لهم على إظهار شعارهم، (بل تخرج هي تشتري لنفسها نصا).
فصل
ويجب عليه أن يبيت في المضجع ليلة من كل أربع ليال
(عند الحرة) لما روى كعب بن سوار أنه كان جالسا عند عمر بن الخطاب فجاءت
امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي والله إنه ليبيت ليله قائما
ويظل نهاره صائما. فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت راجعة. فقال: يا أمير
المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها؟ فقال: وما ذاك؟ فقال: إنها جاءت تشكوه، إذا
كان هذا حاله في العبادة متى يتفرغ لها؟ فبعث عمر إلى زوجها وقال لكعب: اقض بينهما
فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهمه. قال: فأني أرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة وهي رابعتهن
، فاقض له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة. فقال عمر: والله ما رأيك الأول
بأعجب إلى من الآخر، اذهب فأنت قاض على البصرة، وفي لفظ قال: نعم القاضي أنت
. رواه سعيد وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر فكانت كالاجماع يؤيده قوله (ص) لعبد الله بن
عمرو بن العاص: إن لجسدك عليك حقا ولزوجك عليك حقا متفق عليه. ولأنه لو لم
يجب لها عليه حق لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته به، كالزيادة في النفقة على قدر
الواجب. (و) عليه أن يبيت ليلة (من كل سبع عند) الزوجة (الأمة) لأن أكثر ما يمكن أن
يجمع معها ثلاث حرائر لهن ولها السابعة، ومحل وجوب ما ذكر للحرة والأمة. (إن طلبتا
ذلك منه) لأن الحق لهما فلا يجب بدون الطلب. (وله) أي الزوج (الانفراد في البقية بنفسه أو
مع سريته) فإن كان تحته حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال من ثمان، وله الانفراد في خمس وإن
كان تحته حرتان وأمة، فلهن خمس وله ثلاث. وإن كان تحته حرتان وأمتان فلهن ست وله
ليلتان. قال في المبدع: وإن كانت أمة فلها ليلة وله ست. (قال أحمد: لا يبيت وحده) قال في
216

المبدع، قال أحمد: ما أحب أن يبيت وحده إلا أن يضطر. وقاله في سفره وحده وعنه لا
يعجبني. وعن أبي هريرة مرفوعا: أنه لعن راكب الفلاة وحدة والبائت وحده. رواه أحمد. وفيه
طنب بن محمد قيل: لا يكاد يعرف، وله مناكير وذكره ابن حبان في الثقات. (و) يجب
عليه) أي الزوج (أن يطأها) أي الزوجة (في كل أربعة أشهر مرة) إن لم يكن عذر، لأنه لو
لم يكن واجبا لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر ما لا يجب، ولان النكاح شرع
لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما. وهو مفض إلى ضرر الشهوة من المرأة، كإفضائه
إلى دفعه عن الرجل فيكون الوطئ حقا لهما جميعا. ولأنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب
استئذانها في العزل كالأمة. واشترط في المرأة أن تكون ثلث سنة لأن الله تعالى قدر في حق
المولى ذلك فكذا في حق غيره وأن لا يكون عذر. فإن كان كمرض ونحوه لم يجب عليه
من أجل عذره. (فإن أبى ذلك أي الوطئ بعد انقضاء الأربعة أشهر) أ (و) أبى (البيتوتة في اليوم)
أي الزمن (المقرر) وهو ليلة من أربع للحرة وليلة من سبع للأمة. (حتى مضت الأربعة أشهر
بلا عذر لأحدهما). أي الزوجين (فرق بينهما بطلبهما) كالمولى. وكما لو منع النفقة وتعذرت
عليها من قبله. (ولو قبل الدخول نص عليه) قال أحمد في رواية ابن منصور. (في رجل)
تزوج امرأة ولم يدخل بها. (يقول غدا أدخل بها غدا أدخل بها إلى شهر، هل يجبر على
الدخول قال: اذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما). فجعله أحمد كالمولي. وقال
أبو بكر بن جعفر: لم يرو مسألة ابن منصور غيره وفيها نظر. قال في شرح المقنع: وظاهر
قول أصحابنا أنه لا يفرق بينهما لذلك. وهو قول أكثر الفقهاء لأنه لو ضربت له المدة لذلك
وفرق بينهما لم يكن للايلاء أثر ولا خلاف في اعتباره. (وكذا لو ظاهر ولم يكفر) فلها
الفسخ بعد الأربعة أشهر. فإن لم يطأ لعذر فلا فسخ لعدم وجوبه عليه إذن. (وقال الشيخ:
إن تعذر الوطئ) لعجز الزوج (فهو كالنفقة) إذا تعذرت فتفسخ. (و) الفسخ لتعذر الوطئ
(أولى) من الفسخ لتعذر النفقة (للفسخ بتعذره) أي الوطئ (إجماعا في الايلاء). وقاله أبو
يعلى الصغير ذكره في المبدع. والفرق أنها لا تبقى بدون النفقة بخلاف الوطئ، (ولو
217

سافر) الزوج (عنها لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطئ. وإن طال سفره) للعذر (بدليل
أنه لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقتها)، أو وجد له مال ينفق عليها منه، أو من
يفرضها عليه. (وإن لم يكن) للمسافر (عذر مانع من الرجوع، وغاب أكثر من ستة أشهر
فطلبت قدومه لزمه ذلك). لما روى أبو حفص بإسناده عن يزيد بن أسلم قال: بينا عمر بن
الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة وهي تقول:
تطاول هذا الليل وأسود جانبه * وطال على أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا خشية الله والحيا * لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عنها فقيل له: فلانة زوجها غائب في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة تكون معها
وبعث إلى زوجها فأقفله، ثم دخل على حفصة فقال: بنية كم تصبر المرأة عن زوجها
؟ فقالت: سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما
سألتك، فقالت: خمسة أشهر ستة أشهر، فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا
ويقيمون أربعة أشهر ويرجعون في شهر، ومحل لزوم قدومه. (إن لم يكن له عذر) في سفره
كطلب علم، (أو كان في غزو أو حج واجبين، أو) في (طلب رزق يحتاج إليه نصا) فلا يلزمه
القدوم لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره. (فيكتب إليه الحاكم) ليقدم (فإن أبى أن يقدم
من غير عذر بعد مراسلة الحاكم إليه فسخ) الحاكم (نكاحه نصا). لأنه ترك حقا عليه يتضرر
به أشبه المولى. وما ذكره من المراسلة لم يذكره في المقنع ولا الفروع ولا الانصاف، وتبعهم
في المنتهى. وحكاه في الشرح عن بعض الأصحاب قال: وروي ذلك عن أحمد وذكره في
المبدع بقيل: (وإن غاب) زوج (غيبة ظاهرها السلامة) كتاجر وأسير عند من ليست عادته
القتل. (ولم يعلم خبره) أي حياته ولا موته (وتضررت زوجته بترك النكاح) مع وجود النفقة
عليها (لم يفسخ نكاحها) لتضررها بترك الوطئ، لأنه يمكن أن يكون له عذر (يسن) لمن أراد
218

وطئا (أن يقول عند الوطئ: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) لقوله
تعالى: * (وقدموا لأنفسكم) * قال عطاء: هو التسمية عند الجماع. وروى ابن
عباس أن النبي (ص) قال: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان
وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان متفق عليه. (قال ابن نصر
الله: وتقوله المرأة أيضا) وروى ابن شيبة في مصنفه عن ابن مسعود موقوفا، قال: إذا أنزل
يقول: اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبا. قال في الانصاف: فيستحب أن يقول
ذلك عند إنزاله ولم أره للأصحاب وهو حسن. (و) يسن (أن يلاعبها قبل الجماع لتنهض
شهوتها) فتنال من لذة الجماع مثل ما يناله. وروي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي (ص)
أنه قال: لا يواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتى له لا يسبقها بالفراغ. (و) يسن (أن
يغطي رأسه عند الجماع و) أن يغطيها (عند الخلاء) لحديث عائشة قالت: كان رسول الله
(ص) إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه. (وأن لا يستقبل القبلة) عند
الجماع، لأن عمرو بن حزم وعطاء كرها ذلك قاله في الشرح. (ويستحب للمرأة أن تتخذ
خرقة تناولها للزوج بعد فراغه من جماعها) ليمسح بها، وهو مروي عن عائشة. (قال أبو
حفص: ينبغي أن لا تظهر الخرقة بين يدي امرأة من أهل دارها، وقال الحلواني في التبصرة
: يكره أن يمسح ذكره بالخرقة التي تمسح بها فرجها، وقال أبو الحسن بن القطان في كتاب
أحكام النساء: لا يكره نخرها للجماع ولا نخره وقال) الامام (مالك) بن أنس: (لا بأس بالنخر
219

عند الجماع، وأراد سفها في غير ذلك يعاب على فاعله، وتكره كثرة الكلام حال الوطئ)
لقوله (ص): لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء، فإن منه يكون الخرس والفأفأة رواه أبو
حفص. ولأنه يكره الكلام حال البول وحال الجماع في معناه. (ويستحب) للواطئ (أن لا
ينزع إذا فرغ) أي أنزل (قبلها حتى تفرغ، فلو خالف) ونزع قبلها (كره) لما روى أنس مرفوعا
: إذا جامع الرجل أهله فليقصدها، ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها رواه
أبو حفص، ولان في ذلك ضررا عليها ومنعا لها من قضاء شهوتها. (ويكره) الوطئ (وهما
متجردان) لما روى عتبة بن عبد الله قال: قال رسول الله (ص): إذا أتى أحدكم أهله فليستتر
ولا يتجرد تجرد العيرين رواه ابن ماجة. والعير بفتح العين المهملة وسكون المثناة
تحت، حمار الوحش شبههما به تنفيرا عن تلك الحالة. (و) يكره (تحدثهما به) أي بما
جرى بينهما (ولو لضرتها، وحرمه في الغنية لأنه من السر وإفشاء السر حرام). وروى الحسن
قال: جلس رسول الله (ص) بين الرجال والنساء فأقبل على الرجال فقال: لعل أحدكم يحدث بما
يصنع بأهله إذا خلا، ثم أقبل على النساء فقال: لعل إحداكن تحدث النساء بما يصنع بها
زوجها قال فقالت امرأة: إنهم يفعلون وإنا لنفعل. فقال: لا تفعلوا إنما مثل ذلكم كمثل شيطان
لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون. وروى أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا مثله بمعناه.
(ويكره وطؤه) لزوجته أو سريته (بحيث يراه طفل لا يعقل، أو) بحيث (يسمع حسهما)
غير طفل لا يعقل. (ولو رضيا) أي الزوجان. قال أحمد: كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت
الخفي وهو بالجيم والسين المهملة، يقال: توجس إذا تسمع الصوت الخفي. (إن كانا
مستوري العورة وإلا) يكونا مستوري العورة (حرم مع رؤيتها) أي العورة لحديث: احفظ
عورتك. وتقدم (ويكره أن يقبلها) أي زوجته أو سريته (أو يباشرها عند الناس)، لأنه دناءة
220

(ولو الجمع بين) وطئ (نسائه وإمائه بغسل واحد) لأن رسول الله (ص): طاف على نسائه في
ليلة بغسل واحد رواه أحمد والنسائي. ولان حدث الجنابة لا يمنع الوطئ بدليل إتمام
الجماع. (ويسن أن يتوضأ لمعاودة الوطئ) لما روى أبو سعيد مرفوعا: إذا أتى أحدكم أهله
ثم أراد أن يعود فليتوضأ رواه مسلم ورواه ابن خزيمة والحاكم وزاد فإنه أنشط للعود.
(والغسل) لمعاودة الوطئ (أفضل) لحديث أبي رافع: أن رسول الله (ص) طاف على نسائه
جميعا فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا فقلت: يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا؟ قال
: هذا أزكى وأطيب وأطهر رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي رافع. (وليس) واجبا
(عليها خدمة زوجها في عجن وخبز وطبخ ونحوه) ككنس الدار وملء الماء من البئر وطحن
(نصا)، لأن المعقود عليه منفعة البضع فلا يملك غيره من منافعها. (لكن الأولى لها فعل ما
جرت العادة بقيامها به) لأنه العادة ولا يصل الحال إلا به ولا تنتظم المعيشة بدونه
(وأوجب الشيخ المعروف من مثلها لمثله) وفاقا للمالكية. وقاله أبو بكر بن شيبة وأبو
إسحاق الجوزجاني واحتجا بقضية علي وفاطمة: فإن النبي (ص) قضى على ابنته فاطمة بخدمة
البيت، وعلى (علي) ما كان خارجا من البيت من عمل رواه الجوزجاني من طرق. (وأما خدمة
نفسها في ذلك) أي في العجن والخبز والطبخ ونحوه، (ف‍) - هي (عليها) بمعنى أنها لا
تلزمه، (إلا أن يكون مثلها لا يخدم نفسها) فعليه خادم لها. (ويأتي في النفقات ولا يصح
إجارتها) أي الزوجة (لرضاع وخدمة إلا بإذنه)، أي الزوج لأنه عقد يفوت به حق من ثبت
له الحق بعقد سابق، فلم يصح كإجارة المؤجر. فأما مع إذن الزوج فإن الإجارة تصح ويلزم
العقد، لأن الحق لهما لا يخرج عنهما. (ولو) أجرت نفسها (لعمل في ذمتها) صح العقد،
لأن ذمتها قابلة لذلك. (فإن عملت) أي العمل الذي استؤجرت له (بنفسها) عمله (من إقامته
مقامها استحقت الأجرة)، لأنها وفت بالعمل (فإن أجرت) نفسها أو أجرها وليها لصغرها
221

مثلا (ثم تزوجت صح العقد)، أي عقد الإجارة (ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا يمنعها
من الرضاعة حتى تنقضي المدة). لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه، (أشبه ما لو
اشترى أمة مستأجرة أو دارا مستعارة) بما يطول نقله منها. (فإذا نام الصبي) الذي استؤجرت
لرضاعه، (أو اشتغل فللزوج الاستمتاع بها) لزوال المعارض لحقه. (وليس لولي الصبي منعه)
أي الزوج من الاستمتاع بها، (وله) أي الزوج (الاستمتاع بها) أي بزوجته المؤجرة لرضاع
(ولو أضر اللبن) لأن وطئ الزوج مستحق بعقد التزويج، فلا يسقط بأمر مشكوك فيه. كما لو
أذن فيه الولي، ولا يملك الزوج فسخ النكاح مع جهله بكونها مؤجرة. (وله) أي الزوج (منعها
من رضاع ولدها من غيره و) له منعها أيضا (من رضاع ولد غيرها)، لأن اشتغالها بذلك
يفوت عليه إكمال الاستمتاع بها. و (لا) يمنعها من رضاع (ولدها منه)، لأنه حق لها فلا
يمنعها كسائر حقوقها، ومحل منعه لها من رضاع ولدها من غيره. ومن رضاع ولد غيرها (إلا
أن يضطر) الرضيع (إليها ويخشى عليه)، كأن لا توجد مرضعة سواها أو لا يقبل ثدي
غيرها. أو تكون قد شرطت عليه فلا يمنعها منه (نصا. ويأتي في نفقة الأقارب) موضحا
(ولا يجوز الجمع بين زوجتيه) فأكثر (في مسكن واحد، أي بيت واحد بغير رضاهما، لأن)
على كل واحدة منهما ضررا لما بينهن من الغيرة، واجتماعهن يثير الخصومة. لأن (كل
واحدة منهما تسمع حسه إذا أتى الأخرى، أو ترى ذلك فإن رضيتا ذلك أو) رضيتا (بنومه
بينهما في لحاف واحد جاز). لأن الحق لهما لا يعدوهما فلهما المسامحة بتركه. (وإن
أسكنهما في دار واحد كل واحدة منهما في بيت) منها، (جاز إذا كان) بيت كل واحدة منهما
(مسكن مثلها)، لأنه لا جمع في ذلك. (وكذلك الجمع بين الزوجة والسرية) في بيت واحد
فلا يجوز. (إلا برضا الزوجة) لما تقدم، (ويجوز نومه) أي الرجل (مع امرأته بلا جماع
بحضرة محرم لها). كنوم النبي (ص) وميمونة في طول الوسادة، وابن عباس لما بات عنده
في عرضها. (وله) أي الزوج (منعها) أي الزوجة (من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد
222

، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما أو غير ذلك). قال أحمد
في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها
(ويحرم عليها) أي الزوجة (الخروج بلا إذنه) أي الزوج لأن حق الزوج واجب فلا يجوز
تركه بما ليس بواجب. (فإن فعلت) الزوجة أي خرجت بلا إذنه (فلا نفقة لها إذن)، أي ما
دامت خارجة بغير إذنه لعدم التمكين من الاستمتاع. (هذا) أي ما ذكر من تحريم الخروج بلا
إذنه وسقوط نفقتها به، (إذا قام) الزوج (بحوائجها) التي لا بد منها، (وإلا) أي وإن لم يقم
بحوائجها (فلا بد لها) من الخروج للضرورة. فلا تسقط نفقتها به. (قال الشيخ فيمن حبسته
امرأة بحقها: إن خاف خروجها بلا إذنه أسكنها حيث لا يمكنها الخروج، فإن لم يكن له
من يحفظها غير نفسه حبست معه) ليحفظها، (يعني إذا كان الحبس مسكن مثلها) ولم يفض
إلى اختلاطها بالرجال، (كما يأتي في الباب. فإن عجز عن حفظها) بالحبس، (أو خيف
حدوث شر) بسبب حبسها معه، (أسكنت في رباط ونحوه) دفعا للمفسدة. (ومتى كان
خروجها مظنة الفاحشة صار حقا لله يجب على ولي الأمر رعايته. فإن مرض بعض
محارمها) كأبويها وإخوتها، (أو مات) بعض محارمها (لا غيره) أي المحرم (من أقاربها)
كأولاد عمها وعمتها، وأولاد خالها وخالتها (استحب له) أي الزوج (أن يأذن لها في الخروج
إليه)، أي إلى تمريضه أو عيادته أو شهود جنازته، لما في ذلك من صلة الرحم، وفي منعها
من ذلك قطيعة رحم، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته. و (لا) يستحب أن يأذن لها في
الخروج (لزيارة أبويها) مع عدم المرض لعدم الحاجة إليه، ولئلا تعتاده. (ولا يملك) الزوج
(منعها من كلامهما. ولا) يملك (منعها من زيارتهما) لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق (إلا مع ظن حصول ضرر يعرف بقرائن الحال) بسبب زيارتهما. فله منعها إذن من
زيارتهما دفعا للضرر. (ولا يلزمها طاعة أبويها في فراقه، ولا) في (زيارة ونحوها. بل طاعة
223

زوجها أحق) لوجوبها عليها. وروى ابن بطة في أحكام النساء عن أنس: أن رجلا سافر
ومنع زوجته الخروج، فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله (ص) في حضور جنازته. فقال
لها: اتقي الله ولا تخالفي زوجك. فأوحى الله إلى النبي (ص) إني قد غفرت لها بطاعة
زوجها.
فصل
في القسم بين الزوجتين فأكثر
وهو توزيع الزمان على زوجاته) إن كن ثنتين فأكثر، (ويلزم غير طفل أن يساوي بين
زوجاته في القسم إذا كن حرائر كلهن. أو) كن (إماء كلهن) لأنه إذا قسم لواحدة أكثر من
غيرها كان في ذلك ميل. وقد قال تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * وليس
مع الميل معروف. وقال تعالى: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) * (النساء: 129).
، لأن العدل أن لا يقع ميل البتة، وهو متعذر ولو حرصتم على تحري ذلك، وبالغتم فيه فلا
تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة التي ليست ذات بعل، ولا مطلقة وعن أبي هريرة
مرفوعا: من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل. وعن عائشة
: كان رسول الله (ص) يقسم بيننا فيعدل ثم يقول: اللهم إن هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني
فيما لا أملك رواهما أبو داود ويكون (ليلة) و (ليلة)، لأنه إن قسم ليلتين وليلتين أو أكثر
من ذلك، كان في ذلك تأخير لحق من لها الليلة الثانية للتي قبلها. (إلا أن يرضين بالزيادة)
على ليلة وليلة، لأن الحق لا يعدوهن. (وعماد القسم الليل) لأنه يأوى فيه الانسان إلى
224

منزله، ويسكن إلى أهله، وينام على فراشه مع زوجته عادة والنهار للمعاش. قال الله
تعالى: * (وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا) * (ويخرج في نهاره في معاشه
وقضاء حقوق الناس، وما جرت العادة به ولصلاة العشاء والفجر ولو قبل طلوعه كصلاة
النهار).
قلت: لكن لا يعتاد الخروج قبل الأوقات إذا كان عند واحدة دون الأخرى لأنه غير
عدل بينهما أما لو اتفق ذلك بعض الأحيان أو لعارض فلا بأس، (وحكم السبعة) للبكر
(والثلاث) للثيب. (التي يقيمها عند المزفوفة) إليه، (حكم سائر القسم) في أن عمادها الليل، وأنه
يخرج بالنهار، وللصلوات وما جرت العادة به، (فإن تعذر عليه) أي الزوج (المقام عندها)
أي عند ذات الليلة (ليلا لشغل أو حبس أو ترك ذلك) أي المقام عندها في ليلتها (لغير عذر
قضاه لها) كسائر الواجبات. (ويدخل النهار تبعا لليلة الماضية) لأن النهار تابع لليل. ولهذا
يكون أول الشهر. وقالت عائشة: قبض رسول الله (ص) في بيتي، وفي يومي وإنما قبض (ص)
نهارا. (وإن أحب أن يجعل النهار مضافا إلى الليل الذي يتعقبه جاز) له ذلك، (لأن ذلك لا
يتفاوت) والغرض التعديل بينهن وهو حاصل بذلك، (إلا لمن معيشته بالليل كالحارس، فإنه
يقسم بالنهار، لأنه محل سكنه ويكون الليل تبعا للنهار) في حقه. (وليس له) أي الزوج إذا
أراد الشروع في القسم (البداءة بإحداهن)، إلا بقرعة أو رضاهن، لأن البداءة بها تفضيل لها،
والتسوية واجبة، ولأنهن متساويات في الحق، ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى
القرعة إن لم يرضين. (ولا) أي وليس للزوج (السفر بها)، أي بإحداهن (أو بأكثر من
واحدة) منهن (إلا بقرعة أو رضاهن ورضاه) لما تقدم. ولأنه (ص): كان إذا أراد سفرا أقرع
بين نسائه فمن خرج سهمها خرج بها معه متفق عليه. (فإن) رضين ورضي بالبداءة
بواحدة، أو السفر بها. جاز لأن الحق لا يعدوهم، وإن (رضين) بالبداء بإحداهن أو السفر
225

بها، (ولم يرض) الزوج بها (وأراد خروج غيرها) للبداءة أو السفر. (أقرع) لما تقدم. (وإذا
بات) الزوج (عند إحداهن بقرعة أو غيرها) برضا أو غيره (لزمه المبيت) في الليلة الآتية.
(عند الثانية) من الزوجات، (إن كن ثنتين) ليحصل التعديل أو تدارك الطلم، ولم يحتج لإعادة
القرعة. (فإن كن) أي الزوجات (ثلاثا) وبدأ بإحداهن بقرعة أو غيرها (أقرع في الليلة الثانية)
بين الباقيتين، ليحصل التعديل بينهما إن لم يتراضوا (فإن كن) أي الزوجات (أربعا) وبدأ
بإحداهن ثم بأخرى منهن (أقرع في الليلة الثالثة) بين الباقيتين لما تقدم. (ويصير في الليلة
الرابعة إلى) الزوجة (الرابعة بغير قرعة)، لأنها حقها (ولو أقرع) من له أربع زوجات (في
الليلة الأولى) بينهن، (فجعل سهما للأولى وسهما للثانية، وسهما للثالثة وسهما للرابعة، ثم
أخرج) السهام (عليهن مرة واحدة جاز) ذلك، لأنه موف بالمقصود. (وكان لكل امرأة ما
يخرج لها) من الليالي عملا بمقتضى القرعة. (ويقسم) من تحته مبعضة وغيرها، (لمعتق
بعضها بالحساب)، بأن يجعل لحريتها بحساب ما للحرة ولرقها بحساب ما للأمة. فإن كان
نصفها حرا فلها ثلاث ليال، وللحرة أربع، لأنا نجعل لجزئها الرقيق ليلة، فيكون لما يقابله
من الحرة ليلتان ضعف ذلك. ويجعل لجزئها الحر ليلتين، فيكون لما يقابله من الحرة ليلتان
مثل ذلك. (ويقسم) الزوج (المريض والمجنون والعنين والخصي كالصحيح)، لأن القسم
للأنس، وذلك حاصل ممن لا يطأ. وقد روت عائشة عن رسول الله (ص): أنه لما كان في
مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: أين أنا غدا أين أنا غدا رواه البخاري. (فإن شق
على المريض) القسم (استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهن) لما روت عائشة: أن رسول
الله (ص) بعث إلى نسائه فاجتمعن. فقال: إني لا أستطيع أن أدور بينكن. فإن رأيتن أن تأذن
لي فأكون عند عائشة فعلت. فأذن له رواه أبو داود (فإن لم يأذن له) أن يقيم عند
إحداهن (أقام عند إحداهن بقرعة، أو اعتزلهن جميعا إن أحب) ذلك تعديلا بينهن. (ويطوف
بمجنون مأمون) له زوجتان فأكثر (وليه وجوبا) لحصول الأنس به. (فإن خيف منه) لكونه غير
226

مأمون (فلا قسم عليه. لأنه لا يحصل منه أنس) لهن (ولا قسم لمجنونة يخاف منها) لما
تقدم. (وإن لم يعدل الولي في القسم ثم أفاق الزوج) من جنونه (قضى للمظلومة) ما فاتها
استدراكا للظلامة، (ويحرم تخصيص) بعض الزوجات (بإفاقته)، لأنه جور على الأخرى
(وإذا أفاق) المجنون (في نوبة واحدة) من زوجاته (قضى يوم جنونه للأخرى) ليحصل
التعديل، (ولا يجب عليه) أي الزوج (التسوية بينهن في وطئ ودواعيه)، لأن ذلك طريقة
الشهوة والميل. ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك. (ولا) يجب عليه أيضا التسوية بينهن
(في نفقة وشهوات وكسوة إذا قام بالواجب) عليه من نفقة وكسوة. (وإن أمكنه ذلك) أي
التسوية بينهن في الوطئ ودواعيه، وفي النفقة والكسوة وغيرها (وفعله كان أحسن وأولى)
لأنه أبلغ في العدل بينهن وروي: أن النبي (ص) كان يسوي بين زوجاته في القبلة ويقول:
اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك. (ويقسم) من تحته حرة وأمة
(لزوجته الأمة ليلة لأنها على النصف من الحرة، و) لزوجته (الحرة ليلتين. وإن كانت) زوجته
الحرة (كتابية) لقول علي: إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين، رواه
الدارقطني. واحتج به أحمد. ولان الحرة حقها في الايواء أكثر. ويخالف النفقة والكسوة
فإنه مقدر بالحاجة. وقسم الابتداء شرع ليزول الاحتشام لكل منهما. (فإن عتقت الأمة في
نوبتها) فلها قسم حرة، (أو) عتقت الأمة (في نوبة حرة متقدمة قبلها فلها قسم حرة) لان
النوبة أدركتها وهي حرة فتستحق قسم حرة. (وإن عتقت) الأمة (في نوبة حرة متأخرة) عن
الأمة، (أتم للحرة نوبتها على حكم الرق) لضرتها. (ولا تزاد الأمة شيئا ويكون للحرة ضعف
مدة الأمة)، لأنه باستيفاء الأمة مدتها في حال الرق وجب للحرة ضعفها. بخلاف ما إذا
عتقت قبل مجئ نوبتها أو قبل تمامه. والحرية الطارئة لا تنقص الحرة مما وجب لها. وإذا
أتم للحرة نوبتها ابتدأ القسم متساويا. (والحق في القسم للأمة دون سيدها فلها) أي الأمة
227

(أن تهب ليلتها لزوجها أو لبعض ضرائرها) بإذن زوجها، (كالحرة) لأن الحق لها (وليس
لسيدها الاعتراض عليها) في ذلك. (ولا أن يهبه) أي وليس لسيد الأمة أن يهب حقها من
القسم (دونها)، لأن الايواء والسكن حق لها دون سيدها، وتقدم (ويقسم) الزوج (ل‍)
- زوجة (حائض ونفساء ومريضة ومعيبة) بجذام أو نحوه، (ولرتقاء و) ل‍ (- صغيرة يمكن
وطؤها ومن آلى) منها (أو ظاهر منها، ومحرمة وزمنة ومجنونة مأمونة نصا) لأن القصد السكن
والايواء والأنس، وحاجتهن داعية إلى ذلك. فإن خيف من المجنونة فلا قسم لها، وتقدم. (ولا
قسم ل‍) - مطلقة (رجعية. صرح به في المغني والشرح والزركشي في الحضانة. وما ثم
صريح يخالفه. ولأنها ترجع حضانتها على ولدها) من غير مطلقها، (وهي رجعية) فدل ذلك
على أنها ليست زوجة من كل وجه. (ويقسم) الزوج (لمن سافر بها) من زوجاته (بقرعة إذا
قدم) من سفره، (ولا يحتسب عليها بمدة السفر) لحديث عائشة السابق، ولم تذكر قضاء.
ولان المسافرة اختصت بمشقة السفر. (وإن كان) السفر بها (بغير قرعة لزمه القضاء مدة
غيبته)، لأنه خص بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه، فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا
(ما لم تكن الضرة رضيت بسفرها) أي سفر ضرتها معه
قال في المبدع: وينبغي أن يقضي منها ما أقام معها لمبيت ونحوه. (ويقضي) من سافر
بإحدى زوجاته (مع قرعة ما تعقبه السفر)، أي ما أقام عند انتهاء مسيره في السفر (أو) ما
(تخلله) أي السفر (من مدة إقامة. وإن قلت) لتساكنهما في ذلك لا زمن سيره وحله
وترحاله. لأن ذلك لا يسمى سكنا فلا يجب قضاؤه كما لو كانا منفردين. (وإذا) أراد السفر
وأقرع بين نسائه. و (خرجت القرعة لإحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر
وحده). لأن القرعة لا توجب. وإنما تعين من استحق التقديم. و (لا) يجوز له السفر (ب‍)
228

- إحدى زوجاته (غير من خرجت لها القرعة)، لأنه جور. (وإن وهبت) من خرجت لها القرعة
(حقها من ذلك) أي من السفر معه لإحدى ضراتها (جاز) لها (إذا رضي الزوج)، لأن الحق
لا يعدوهما. (وإن وهبته) أي وهبت من خرج لها القرعة حقها من السفر معه (للزوج أو)
وهبته لضرائرها (الجميع، أو امتنعت) من خرجت لها القرعة (من السفر سقط حقها)
لاعراضها عنه باختيارها، (إذا رضي الزوج) بما صنعته من الهبة أو الامتناع. (واستأنف القرعة
بين البواقي) مع ضراتها إن لم يرضين معه بواحدة (وإن أبى) ما صنعته من الهبة أو الامتناع
(فله إكراهها على السفر معه) لأنه حق له فأجبرت عليه كسائر حقوقه. (والسفر الطويل
والقصير سواء) فيما تقدم.
وقال في المبدع: وظاهره لا يشترط كونه مباحا، بل يشترط كونه مرخصا (ومتى
سافر بإحداهن بقرعة إلى مكان كالقدس مثلا ثم بدا له) السفر (إلى مصر) مثلا، (فله
استصحابها معه) إليها. لأن ذلك إتمام لسفره الأول. وليس ثم من لها حق معها، أشبهت
المنفردة. (وإذا سافر بزوجتين) فأكثر (بقرعة آوى إلى كل واحدة ليلة) بيومها (في رحلها من
خيمة أو خركاة أو خباء شعر، فهو) أي رحلها (كبيت المقيمة) فيما ذكر (وإن كانتا جميعا في
رحله فلا قسم إلا في الفراش)، كما لو كانت معه في بيت واحد برضاها، (فلا يحل) له (أن
يخص فراش واحدة) منهما (بالبيتوتة فيه دون فراش الأخرى)، لأنه ميل (ويحرم) على من
تحته أكثر من زوجة (دخوله في ليلتها)، أي ليلة إحدى الزوجات (إلى غيرها)، لأنه ترك
الواجب عليه (إلا لضرورة، مثل أن تكون) غير ذات الليلة (منزولا بها)، أي محتضرة فيريد
أن يحضرها (أو توصي إليه أو ما لا بد منه) عرفا لأن ذلك حال ضرورة، فأبيح به ترك
الواجب لامكان قضائه في وقت آخر. (فإن لم يلبث عندها لم يقض شيئا) لأنه لا فائدة فيه
229

لقلته. (وإن لبث) عندها (أو جامع لزمه أن يقضي لها مثل ذلك من حق الأخرى) لان
التسوية واجبة ولا تحصل إلا بذلك. (ولو قبل) التي دخل إليها في غير ليلتها، (أو باشر) ها
(أو نحوه)، كما لو نظر بشهوة (لم يقض) ذلك لذات الليلة. لقول عائشة: كان رسول
الله (ص) يدخل علي في يوم غيري فينال مني كل شئ إلا الجماع. (والعدل لقضاء)
لتحصل التسوية بينهن، (وكذا يحرم دخوله نهارا إلى غيرها إلا لحاجة) قال في المغني
والشرح: كدفع نفقة وعيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لبعد عهده بها
(ويجوز أن يقضي ليلة صيف عن ليلة شتاء)، لأنه قضى ليلة عن ليلة. (و) يجوز أيضا أن
يقضي (أول الليل عن آخره وعكسه)، بأن يقضي ليلة شتاء عن ليلة صيف، وآخر ليل عن
أوله. لأنه قضى بقدر ما فاته. وفي الشرح والمبدع: يستحب أن يقضي لها في مثل
ذلك الوقت، لأنه أبلغ في المماثلة. (والأولى أن يكون لكل واحدة من نسائه مسكن يأتيها
فيه)، لفعله (ص). ولأنه أصون لهن وأستر، حتى لا يخرجن من بيوتهن. (فإن اتخذ) الزوج
(لنفسه مسكنا) غير مساكن زوجاته، (يدعو إليه كل واحدة في ليلتها ويومها، ويخليه من
ضرتها جاز) له ذلك. لأن له نقل زوجته حيث شاء بمسكن يليق بها. (وله دعاء البعض إلى
مسكنه. ويأتي البعض) لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء. (وإن امتنعت من دعاها
عن إجابته)، وكان ما دعاها إليه مسكن مثلها (سقط حقها من القسم) لنشوزها. (وإن أقام عند
واحدة) من زوجاته، (ودعا الباقيات إلى بيتها لم يجب عليهن الإجابة) لما بينهن من الغيرة
230

والاجتماع يزيدها. (وإن حبس) الزوج (فاستدعى كل واحدة) من زوجاته في الحبس (في
ليلتها، فعليهن طاعته إن كان) الحبس (مسكن مثلهن) ولا مفسدة كما لو لم يكن محبوسا
(وإلا) أي وإن لم يكن الحبس مسكن مثلهن (لم يلزمهن) طاعته، كما لو دعاهن إلى غير
الحبس إلى ما ليس مسكنا لمثلهن. (فإن أطعنه) في الاتيان إلى الحبس سواء كان مسكن
مثلهن أو لا. (لم يكن له أن يترك العدل بينهن) لأنه جور. (ولا استدعاء بعضهن دون بعض)
لما فيه من ترك التسوية بلا عذر (كما في غير الحبس. فإن كانت امرأتاه في بلدين) أو كان
نساؤه في بلاد، (فعليه العدل بينهما) أو بينهن، (بأن يمضي إلى الغائبة) عن البلد (في أيامها أو
يقدمها إليه) ليسوي بينهن. (فإن امتنعت) الغائبة (من القدوم مع الامكان سقط حقها) من
القسم والنفقة (لنشوزها. وإن قسم في بلديهما جعل المدة بحسب ما يمكن، كشهر وشهر أو
أكثر أو أقل على حسب تفاوت البلدين)، وبعدهما لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما
استطعتم. و (إن قسم لإحدى زوجاته ثم جاء ليقسم للثانية فأغقلت الباب دونه أو منعته
من الاستمتاع بها. أو قالت: لا تدخل علي أو لا تبيت، أو ادعت الطلاق سقط حقها من
القسم والنفقة) لنشوزها. (فإن عادت إلى المطاوعة استأنف القسم بينهما). أي بين من كانت
ناشزا وضرتها. (ولم يقض للناشز) مبيته عند ضرتها لسقوط حقها إذ ذاك. (فلو كان له أربع
نسوة. فأقام عند ثلاث منهن ثلاثين ليلة) عند كل واحدة عشر ليال، ولم تكن الرابعة ناشزا
(لزمه أن يقيم عند الرابعة عشرا) ليعدل بينهن. (فإن نشزت إحداهن) أي الأربع (وظلم
واحدة) منهن، (ولم يقسم لها وأقام عند الاثنين ثلاثين ليلة) كل واحدة خمسة عشر، (ثم
231

أطاعته الناشز. وأراد القضاء للمظلومة قسم لها ثلاثا. وللناشز ليلة خمسة أدوار ليكمل
للمظلومة خمسة عشر ليلة) لتساوي ضرتيها. (ويحصل للناشز خمس) ليال. لأنها واحدة من
أربع، فيكون لها ربع الزمن المستقبل، وذلك خمس من عشرين. والأولى والثانية قد
استوفتا مدتها فالخمسة عشر للمظلومة. (ثم يقسم بين الجميع) على السواء، (فإن كان له
ثلاث نسوة فقسم بين اثنتين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة) فلم يقسم لها، (ثم تزوج جديدة ثم أراد
أن يقضي للمظلومة) ما فاتها، (فإنه يخص الجديدة بسبع) ليال (إن كانت بكرا. أو بثلاث إن
كانت ثيبا) لما يأتي، (ثم يقسم بينها) أي الجديدة (وبين المظلومة خمسة أدوار للمظلومة من
كل دور ثلاثا وواحدة للجديدة)، لما تقدم في الناشز. وكذا لو كانت وهبته قسمها ثم رجعت
فيه، فإذا أكمل الحق ابتدأ التسوية.
فصل
وإن أراد من تحته أكثر من امرأة
(النقلة من بلد إلى بلد بنسائه، فأمكنه استصحاب الكل في سفره فعل). أي استصحبهن
(ولا يجوز له إفراد إحداهن) باستصحابها معه (بغير قرعة)، لأنه ميل (فإن فعل) بأن
استصحب إحداهن معه بغير قرعة، (قضى للباقيات) جميع زمن سفره وإقامته بها وحدها
ليسوي بينهن. (وإن لم يمكنه) استصحاب الكل (أو شق عليه) استصحابهن. (وبعث بهن
جميعا مع غيره ممن هو محرم لهن جاز) له ذلك. (ولا يقضي لواحدة) منهن لتساويهن في
انفراده عنهن. (وإن انفرد بإحداهن بقرعة) واستصحبها معه، (فإذا وصل البلد الذي انتقل إليه
232

فأقامت معه فيه قضى للباقيات) مدة (كونها معه، في البلد خاصة)، لتساكنهما إذن لا زمن سيره
وحله وترحاله. لأنه لا يسمى سكنا فلا يجب قضاؤه. (وإن امتنعت) إحدى زوجاته (من
السفر معه) بلا عذر، (أو) امتنعت (من المبيت عنده أو سافرت بغير إذنه) لحاجتها أو غيرها
(أو) سافرت (بإذنه لحاجتها سقط حقها من قسم ونفقة). أما الممتنعة من السفر أو المبيت
معه. فلأنها عاصية له فهي كالناشز، وكذا من سافرت بغير إذنه. وأما من سافرت لحاجتها
فلان القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع. وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فسقط
كما قبل الدخول بها. وفارق ما إذا سافرت معه لأنه لم يتعذر ذلك. (وإن بعثها) الزوج
(لحاجته أو انتقلت من بلد إلى بلد بإذنه، لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم)، لأن تعذر
استمتاعه بها بسبب من جهته. (ويقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها) ليسوي بينهما
(وللمرأة أن تهب حقها من القسم في جميع الزمان، وفي بعضه لبعض ضرائرها بإذنه أو)
تهب حقها من القسم (لهن) أي لضرائرها (كلهن، أو) تهبه (له) أي للزوج (فيجعله لمن شاء
منهن. ولو أبت الموهوب لها) ذلك. لأن الحق في ذلك للواهبة والزوج. فإذا رضيت هي
والزوج جاز. لأن لا يخرج عنهما وحق الزوج في الاستمتاع ثابت في كل وقت على كل
واحدة منهن. وإنما منعته المزاحمة في حق صاحبتها. فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه
في الاستمتاع بها وإن كرهت. كما لو كانت منفردة. وقد ثبت أن سودة وهبت يومها
لعائشة: فكان رسول الله (ص) يقسم لعائشة يومها ويوم سودة متفق عليه. (ولا يجوز هبة
ذلك بمال) لأن حقها في كون الزوج عندها، وليس ذلك يقابل بمال. (فإن أخذت) الواهبة
(عليه مالا لزمها رده) إلى من أخذته منه، (وعليه) أي الزوج (أن يقضي لها) زمن هبتها، (لأنها
تركته بشرط العوض ولم يسلم) العوض (لها) فترجع بالمعوض. (فإن كان غرضها غير المال
كإرضاء زوجها عنها أو غيره جاز) لأن عائشة أرضت رسول الله (ص) عن صفية فأخذت
233

يومها. وأخبرت بذلك رسول الله (ص) فلم ينكره. (وقال الشيخ: قياس المذهب جواز
أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره. ووقع في كلام القاضي ما يقتضي جوازه)
كأخذ العوض عن القود وفي الخلع. (ثم إن كانت تلك الليلة الموهوبة) لإحدى الضرائر
(تلي الليلة الموهوبة لها وإلى) الزوج (بينهما)، أي الليلتين فيبيتهما عند الموهوب لها. (وإلا)
أي وإن لم تل الليلة الموهوب لها (لم يجز)، أن يوالي بين الليلتين (إلا برضا الباقيات) لان
الموهوب لها قامت مقام الواهبة في ليلتها، فلم تغير عن موضعها، كما لو كانت الواهبة
باقية فإن رضين جاز لأن الحق لا يخرج عنهن (ومتى رجعت) الواهبة (في الهبة عاد
حقها في المستقبل فقط، ولو في بعض الليل) لأنها هبة لم تقبض. (ولا يقضيه) أي لا يقضي
بعضا من ليلة (إن لم يعلم) الزوج برجوعها (إلا بعد فراغ الليلة) لحصول التفريط منها
(ولها) أي المرأة (هبة ذلك) أي قسمها (ونفقتها وغيرهما لزوجها ليمسكها. ولها الرجوع
في المستقبل) لأنها هبة لم تقبض بخلاف ما مضى. لأنه قد اتصل به القبض. (ولا قسم
عليه في ملك اليمين. وله الاستمتاع بهن وإن نقص) به (زمن زوجاته) بحيث لا ينقض
الحرة عن ليلة من أربع، والأمة عن ليلة من سبع كما تقدم. (لكن يساوي بينهن في حرمانهن
أي الزوجات كما إذا بات عند أمته أو) في (دكانه أو عند صديقه) أو منفردا، (و) له أن
(يستمتع بهن كيف شاء كالزوجات أو أقل أو أكثر)، بأن يطأ من شاء منهن متى شاء. (وإن
شاء ساوى) بينهن (وإن شاء فضل. وإن شاء استمتع ببعضهن دون بعض) لقوله تعالى:
* (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * وقد كان للنبي (ص)
مارية وريحانة، فلم يكن يقسم لهما ولان الأمة لا حق لها في الاستمتاع. ولذلك لا يثبت
لها الخيار بكون السيد مجنونا أو عنينا. ولا يضرب لها مدة الايلاء. (وتستحب) له (التسوية
بينهن) في القسم ليكون أطيب لنفوسهن. (و) عليه (أن لا يعضلهن بأن لم يرد الاستمتاع)
234

بهن فلا يمنعهن من الزوج. (وإذا احتاجت الأمة إلى النكاح وجب عليه) أي السيد (إعفافها
إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها) لأن إعفافهن وصونهن عن احتمال الوقوع في المحظورات
واجب.
فصل وإذا تزوج بكرا ولو أمة ومعه غيرها ولو حرائر
(أقام عندها سبعا) ثم دار، (و) إذا تزوج (ثيبا ولو أمة) أقام عندها (ثلاثا) لعموم ما
يأتي. ولأنه يراد للأنس، وإزالة الاحتشام، والأمة والحرة سواء في الاحتياج إلى ذلك
فاستويا فيه كالنفقة. (ولا يحتسب عليهما بما أقام عندهما. فإذا انتهت مدة إقامته عند
الجديدة عاد إلى القسم بين زوجاته كما كان) قبل أن يتزوج الجديدة
(ودخلت) الجديدة (بينهن فصارت آخرهن نوبة)، لما روى أبو قلابة عن أنس قال: من السنة إذا تزوج الرجل
البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم. وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم. قال
أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي (ص) متفق عليه ولفظه للبخاري.
وخصت البكر بزيادة لأن حياءها أكثر والثلاث مدة معتبرة في الشرع، والسبعة لأنها أيام
الدنيا وما زاد عليها يتكرر وحينئذ ينقطع الدور. (وإن أحبت الثيب أن يقيم) الزوج (عندها
سبعا فعل وقضى للبواقي) من ضراتها (سبعا سبعا)، لما روت أم سلمة: أن النبي (ص) لما
تزوجها أقام عندها ثلاثا، وقال: إنه ليس بك هوان على أهلك، وإن شئت سبعت لك، وإن
سبعت لك سبعت لنسائي رواه مسلم. قال ابن عبد البر: والأحاديث المرفوعة على
235

ذلك. وليس مع من خالف حديث مرفوع. والحجة مع من أدلى بالسنة (وإن تزوج امرأتين
فزفتا إليه في ليلة واحدة كره له ذلك بكرين كانتا أو ثيبتين، أو بكرا وثيبا)، لأنه لا يمكنه
الجمع بينهما في إيفاء حقهما، وتستضر التي يؤخر حقها وتستوحش. (ويقدم أسبقهما دخولا
فيوفيها حق العقد)، لأن حقها سابق (ثم يعود إلى الثانية فيوفيها حق العقد)، لأن حقها
واجب عليه ترك العمل به في مدة الأولى، لأنه عارضه ورجح عليه. فإذا زال المعارض
وجب العمل بالمقتضى (ثم يبتدئ القسم) ليأتي بالواجب عليه من حق الدور، (فإن أدخلتا
عليه معا قدم إحداهما بقرعة)، لأنهما استويا في سبب الاستحقاق والقرعة مرجحة عند
التساوي. وفي التبصرة يبدأ بالسابقة بالعقد وإلا أقرع، (ويكره أن تزف إليه امرأة في مدة حق)
عقد (امرأة زفت إليه قبلها) لما تقدم، (وعليه أن يتمم للأولى) حق عقدها لسبقها، (ثم يقضي
حق) عقد (الثانية) لزوال المعارض. (وإن أراد) من زفت إليه امرأتان معا (السفر) بإحدى
نسائه فأقرع بينهن، (فخرجت القرعة لإحدى الجديدتين سافر بها، ودخل حق العقد في قسم
السفر)، لأنه نوع قسم يختص بها. (فإذا قدم) من سفره (بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد)،
لأنه حق وجب لها قبل سفره ولم يؤده، فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه. (فإن
قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى تممه في الحضر وقضى للحاضرة
حقها) لما تقدم. (فإن خرجت القرعة لغير الجديدتين وسافر بها قضى للجديدتين حقهما
واحدة بعد واحدة، يقدم السابقة دخولا) إن دخلت عليه إحداهما قبل الأخرى، (أو بقرعة
إن دخلتا معا) لما سبق، (وإن سافر بجديدة وقديمة بقرعة أو رضي تمم للجديدة حق العقد ثم
قسم بينها وبين الأخرى) على السواء. (وإذا طلق إحدى نسائه في ليلتها) أثم، (أو) طلق
(الحارس) إحدى نسائه (في نهارها أثم)، لأنه فر من حقها الواجب لها. (فإن تزوجها بعد)
ذلك (قضى لها ليلتها) لأن قدر على إيفاء حقها، فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين. (ولو كان
236

قد تزوج غيرها بعد طلاقها) لأن تزوجه بغيرها لا يسقط حقها. (وإذا كان له امرأتان فبات عند
إحداهما ليلة ثم تزوج ثالثة)، أو تجدد حقها بعود في هبة أو رجوع من نشوز (قبل ليلة
الثانية قدم المزفوفة بلياليها، ثم يبيت ليلة عند المظلومة ثم نصف ليلة للجديدة)، لأن الليلة
التي يوفيها للمظلومة نصفها من حقها ونصفها من حق الجديدة. فيثبت للجديدة في مقابلة
ذلك نصف ليلة بإزاء ما خص ضرتها، (ثم يبتدئ). قال في الانصاف: هذا المذهب
(واختار الموفق والشارح لا يبيت نصفها بل ليلة كاملة، لأنه حرج) لأنه ربما لا يجد مكانا
ينفرد فيه إذ لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة أو المجئ منه (ولو سافر بإحدى
زوجتيه بقرعة) أو رضاهن، (ثم تزوج في سفره بامرأة أخرى وزفت إليه) في سفره (فعليه
تقديمها بأيامها) لعموم ما سبق، (ثم يقسم) بين الجديدة وضرتها كما تقدم. ويجوز بناء
الرجل بزوجته في السفر وكونها معه على دابة بين الجيش لفعله (ص) بصفية بنت حيي.
فصل
في النشوز وهو كراهة كل من الزوجين صاحبه
وسوء عشرته يقال: نشزت المرأة على زوجها فهي ناشزة وناشز، ونشز عليها
زوجها جفاها وأضر بها. قاله في المبدع وغيره. (وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها)
مأخوذ من النشز وهو ما ارتفع من الأرض. فكأنها ارتفعت عما فرض الله عليها من
المعاشرة بالمعروف. ويقال نشصت بالشين المعجمة والصاد المهملة. (وإذا ظهر منها أمارات
النشوز بأن تتثاقل) إذا دعاها، (أو تتدافع إذا دعاها إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة
237

ويختل أدبها في حقه، وعظها) بأن يذكر لها ما أوجب الله عليها من الحق، وما يلحقها من
الاثم بالمخالفة، وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة، وما يباح له من هجرها وضربها. لقوله
تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) *. (فإن رجعت إلى الطاعة
والأدب حرم الهجر والضرب) لزوال مبيحه، (وإن أصرت) على ما تقدم (وأظهرت النشوز بأن
عصته وامتنعت من إجابته إلى الفراش أو خرجت من بيته بغير إذنه، ونحو ذلك هجرها في
المضجع ما شاء) لقوله تعالى: * (واهجروهن في المضاجع) *، وقال ابن
عباس: لا تضاجعها في فراشك و: قد هجر النبي (ص) نساءه فلم يدخل عليهن شهرا
متفق عليه (و) هجرها (في الكلام ثلاثة أيام لا فوقها)، لحديث أبي هريرة: لا يحل لمسلم
أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام والهجر ضد الوصل والتهاجر التقاطع. (فإن أصرت ولم
ترتدع) بالهجر (فله أن يضربها)، لقوله تعالى: * (واضربوهن) * (فيكون
الضرب بعد الهجر في الفراش وتركها من الكلام) ثلاثة أيام (ضربا غير مبرح أي غير
شديد) لحديث عبد الله بن زمعة يرفعه: لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها
في آخر اليوم. (ويجتنب الوجه) تكرمة له، (و) يجتنب (البطن والمواضع المخوفة) خوف
القتل، (و) يجتنب المواضع (المستحسنة) لئلا يشوهها ويكون الضرب (عشرة أسواط فأقل)
لقوله (ص): لا يجلد أحدكم فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله متفق عليه.
وفي الترغيب وغيره: والأولى ترك ضربها إبقاء للمودة. (وقيل) يضربها (بدرة أو مخراق)
وهو منديل ملفوف (لا بسوط ولا بخشب)، لأن المقصود التأديب وزجرها، فيبدأ فيه بالأسهل
238

فالأسهل. (فإن تلفت من ذلك فلا ضمان عليه) لأنه مأذون فيه شرعا (ويمنع منها) أي من
هذه الأشياء (من) أي زوج (علم بمنعه حقها حتى يؤديه، و) حتى (يحسن عشرتها) لأنه
يكون ظالما بطلبه حقه مع منعه حقها. وينبغي للمرأة أن لا تغضب زوجها. لما روى أحمد
بسنده عن الحصين بن المحصن: أن عمة له أتت النبي (ص) فقال: ذات زوج أنت؟ قالت:
نعم فقال: انظري أين أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك قال في الفروع: إسناده جيد.
وينبغي للزوج مداراتها نقل ابن منصور: حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد. وحدث
رجل لأحمد ما قيل: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الغافل. فقال أحمد: العافية عشرة
أجزاء كلها في التغافل. (ولا يسأله أحد لم ضربها؟ ولا أبوها) لما روى أبو داود عن
الأشعث عن عمر أنه قال: يا أشعث احفظ مني شيئا سمعته من رسول الله (ص): لا تسألن
رجلا فيم ضرب امرأته؟. (ولان فيه إبقاء للمودة) ولأنه قد يضربها لأجل الفراش. فإن
أخبر بذلك استحيى وإن أخبر بغيره كذب. (وله تأديبها على ترك فرائض الله تعالى) كالصلاة
والصوم الواجبين (نصا). قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى: * (قوا أنفسكم وأهليكم
نارا) * قال: علموهم وأدبوهم وروى الخلال بإسناده عن جابر قال: قال
رسول الله (ص): رحم الله عبدا علق في بيته سوطا يؤدب به أهله. فإن لم تصل فقال
أحمد: أخشى أن لا يحل للرجل أن يقيل مع امرأته لا تصلي ولا تغتسل من الجنابة ولا
تتعلم القرآن. ولا يؤدبها في حادث متعلق بحق الله تعالى كسحاق. (فإن ادعى كل منهما)
أي الزوجين (ظلم صاحبه أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يشرف عليهما ويكشف حالهما
كما يكشف عن عدالة وإفلاس من خبرة باطنة ويلزمهما الانصاف) لأن ذلك طريق إلى
الانصاف فتعين بالحكم كالحق (ويكون الاسكان المذكور قبل بعث الحكمين) لأنه أسهل
239

منه (فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة وبلغا إلى المشاتمة بعث الحاكم حكمين) لأنه أسهل منه
(فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة وبلغا إلى المشاتمة بعث الحاكم حكمين حرين، مسلمين
ذكرين، عدلين، مكلفين، فقيهين، عالمين بالجمع والتفريق). لأنه يفتقر إلى الرأي والنظر. ولان
الوكيل متى كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إلا عدلا. وفي المغني الأولى إن
كانا وكيلين لم يعتبر، لأن توكيل العبد جائز بخلاف الحكم، (يفعلان ما يريانه من جمع بينهما
أو تفريق بطلاق أو خلع. والأولى أن يكونا من أهلهما)، لقوله تعالى) * (وإن خفتم شقاق
بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * الآية. ولأنهما أشفق وأعلم
بالحال. ويجوز أن يكونا من غير أهلهما، لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة.
(وينبغي لهما) أي الحكمين (أن ينويا الاصلاح لقوله تعالى: * (إن يريدا إصلاحا يوفق الله
بينهما) * وأن يلطف القول (و) أن (ينصفا، ويرغبا، ويخوفا ولا يخصا بذلك
أحدهما دون الآخر) ليكون أقرب للتوفيق بينهما، (وهما وكيلان عن الزوجين في ذلك لا
يرسلان إلا برضاهما وتوكيلهما) لأنه حق لهما فلم يجز لغيرهما التصرف إلا بالوكالة. (فلا
يملكان تفريقا إلا بإذنهما، فيأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو إصلاح. وتأذن
المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه ولا ينقطع نظرهما) أي الحكمين (بغيبة
الزوجين أو) غيبة (أحدهما) لأنهما وكيلان والوكيل لا ينعزل بغيبة الموكل. (وينقطع)
نظرهما (بجنونهما أو) جنون (أحدهما ونحوه مما يبطل الوكالة) كسائر أنواع الوكالة، (وإن
امتنعا من التوكيل لم يجبرا عليه) لما تقدم، (لكن لا يزال الحاكم يبحث ويستبحث حتى
240

يظهر له من الظالم فيردعه ويستوفي منه الحق) إقامة للعدل والانصاف. (ولا يصح الابراء من
الحكمين) لأنهما لم يوكلا فيه. (إلا في الخلع خاصة من وكيل المرأة فقط) فتصح براءته
عنها. لأن الخلع لا يصح إلا بعوض، فتوكيلهما فيه إذن في المعاوضة، ومنها الابراء. (وإن
خافت امرأة نشوز زوجها، وإعراضه عنها لكبر أو غيره) كمرض أو دمامة (فوضعت عنه بعض
حقوقها أو) وضعت عنه (كلها) أي كل حقوقها (تسترضيه بذلك جاز) لأنه حقها وقد
رضيت بإسقاطه. (وإن شاءت رجعت في ذلك في المستقبل) كالهبة التي لم تقبض. و (لا)
رجوع لها في (الماضي) كالهبة المقبوضة. وإن شرطا ما لا ينافي نكاحا لزم وإلا فلا، كترك
قسم أو نفقة، ولمن رضي العود. (ويأتي إذا اختلفا في النشوز أو بذل التسليم في كتاب
النفقات) مفصلا.
باب الخلع
يقال: خلع امرأته وخالعها مخالعة واختلعت هي منه فهي خالع. وأصله من خلع
الثوب، لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها. قال تعالى: * (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)
* (وهو فراق) الزوج (امرأته بعوض يأخذه الزوج) من امرأته أو غيرها
(بألفاظ مخصوصة)، وفائدته تخليصها من الزوج على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها
(وإذا كرهت المرأة زوجها لخلقه أو خلقه) أي صورته الظاهرة أو الباطنة، (أو) كرهته (لنقص
دينه أو لكبره أو ضعفه أو نحوه ذلك، وخافت إثما بترك حقه. فيباح لها أن تخالعه على عوض
تفتدي به نفسها منه). لقوله تعالى: * (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما
افتدت به) * (ويسن) له (إجابتها) لحديث ابن عباس قال: جاءت امرأة
ثابت بن قيس إلى النبي (ص) فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه من دين ولا
خلق ولكن أكره الكفر في الاسلام. فقال النبي (ص): أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم.
241

فأمرها بردها وأمره بفراقها رواه البخاري. (إلا أن يكون) الزوج (له إليها ميل ومحبة
فيستحب صبرها وعدم افتدائها) قال أحمد: ينبغي لها أن لا تخلع منه وأن تصبر. قال
القاضي: قول أحمد ينبغي لها أن تصبر على سبيل الاستحباب والاختيار. ولم يرد بهذا
الكراهة لأنه قد نص على جوازه في غير موضع (وإن خالعته) المرأة (مع استقامة الحال
كره) ذلك. لحديث ثوبان أن النبي (ص) قال: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس
فحرام عليها رائحة الجنة رواه الخمسة إلا النسائي، ولأنه عبث فيكون مكروها. (ووقع
الخلع) لقوله تعالى: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) * (النساء: 4).
(وإن عضلها أي ضارها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من القسم والنفقة ونحو
ذلك) كما لو نقصها شيئا من ذلك (ظلما لتفتدي نفسها فالخلع باطل. والعوض مردود
، والزوجية بحالها). لقوله تعالى: * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) * (النساء:
19). ولان ما تفتدي به نفسها مع ذلك عوض أكرهت على بذله بغير حق، فلم يستحق
أخذه منها للنهي عنه والنهي يقتضي الفساد. (إلا أن يكون بلفظ طلاق أو نيته فيقع رجعيا)
، ولم تبن منه لفساد العوض، (وإلا) بأن لم يكن بلفظ الطلاق ولا نيته كان (لغوا) لفساد
العوض. (وإن فعل) الزوج (ذلك) أي ما ذكر من المضارة بالضرب والتضييق والمنع من
الحقوق (لا لتفتدي) منه فالخلع صحيح لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض مالها، ولكن عليه
إثم الظلم. (أو فعله لزناها أو نشوزها أو تركها فرضا) كصلاة أو صوم، (فالخلع صحيح)،
لقوله: * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * وقيس الباقي عليها (ولا يفتقر الخلع إلى
242

حاكم نصا) ورواه البخاري عن عمر وعثمان، ولأنه إن قيل: إنه عقد معاوضة كان كالبيع،
أو قيل: إنه قطع عقد بالتراضي كان كالإقالة، وكل منهما لا يفتقر إلى حاكم (ولا بأس به) أي
الخلع (في الحيض) إذا كان بسؤالها لأنها رضيت بإدخال ضرر تطويل العدة على نفسها. (و) لا
بأس به في (الطهر الذي أصابها فيه إذا كان بسؤالها) لما تقدم، وكذا الطلاق بعوض. (وتقدم
في) باب (الحيض. ويصح) الخلع (من كل زوج يصح طلاقه، وأن يتوكل فيه مسلما كان أو
ذميا) بالغا أو مميزا يعقله رشيدا أو سفيها حرا أو عبدا، لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه
خلعه، ولأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض فبالعوض أولى. وظاهره أنه لا يصح من غير
الزوج أو وكيله. وقال في الاختيارات: والتحقيق أنه يصح ممن يصح طلاقه بالملك أو الوكالة
أو الولاية كالحاكم في الشقاق، وكذا لو فعله الحاكم في الايلاء أو العنة أو الاعسار وغيرها من
المواضع التي يملك الحاكم فيها الفرقة (ويقبض) الزوج (عوضه) إن كان مكلفا رشيدا، (وإن)
كان مكاتبا ومحجورا عليه لفلس لأهليته لقبضه، (فإن كان) الزوج (محجورا عليه لغير ذلك
كعبد) فإنه محجور عليه لحق سيده (وصغير ومميز وسفيه) فإنه محجور عليهما لحظ أنفسهما
(دفع المال) المخالع عليه من المرأة وغيرها (إلى سيد) العبد، (و) إلى (ولي) صغير وسفيه
لعدم أهليتهم، لقبضه ولان ما ملكه العبد بالخلع فهو لسيده فكان له قبضه. (وليس للأب خلع
زوجة ابنه الصغير والمجنون ولا طلاقها) لقوله (ص): إنما الطلاق لمن أخذ بالساق والخلع
في معناه. (وكذا) ل‍ (- سيدهما) أي سيد الصغير والمجنون ليس له خلع زوجتهما ولا طلاقها لما
تقدم. (وليس لأب خلع ابنته الصغيرة) أو المجنونة أو السفيهة بشئ من مالها. (ولا طلاقها
بشئ من مالها) لأنه إنما يملك التصرف بمالها فيه الحظ، وليس في هذا حظ بل فيه إسقاط
حقها الواجب لها والأب وغيره من الأولياء في ذلك سواء. (ويصح مع الزوجة البالغة
الرشيدة) لما تقدم من الأدلة والحديث (و) يصح الخلع (مع الأجنبي لجائز التصرف) بأن
يسأل الزوج أن يخلع زوجته بعوض بذله، ولو (بغير إذنها) كسائر تصرفاته، (ويصح بذل العوض
243

فيه) أي الخلع (منهما) أي من الزوجة والأجنبي. (بأن) تقول المرأة: اخلعني على كذا، أو
(يقول الأجنبي: اخلع زوجتك) على ألف (أو) يقول: (طلقها على ألف أو بألف أو على سلعتي
هذه فيجيبه) الزوج، (فيصح) الخلع (ويلزم الأجنبي وحده العوض) لأنه التزمه بالعقد دون
الزوجة. (وإن قال) الأجنبي أخلع زوجتك (على مهرها أو) على (سلعتها، وأنا ضامن) صح (أو)
قال: أخلعها (على ألف في ذمتها، وأنا ضامن فيجيبه صح) لأنه باذل للبدل. وذكر ما
أضافه إليها بغير إذنها لغو. (وإن لم يضمن) الأجنبي للزوج ما سأله الخلع عليه (حيث سمي
العوض منها) أي من الزوجة.
قلت: أو من غيرها (لم يصح) الخلع لأنه بذل مال غيره بغير إذنه، فلم يصح البذل
وكذا لو سألته الزوجة أن يخالعها على مال زيد إن ضمنته صح الخلع ولزمها العوض وإلا
فلا (وإن قالت له) إحدى زوجتيه (طلقني وضرتي بألف فطلقهما وقع) الطلاق (بائنا
واستحق الألف على باذلته) وحدها لالتزامها له بالعقد. (وإن طلق) الزوج (إحداهما لم
يستحق شيئا) لأنها إنما بذلت العوض في طلاقهما ولم يوجد. (وإن قالت) له (طلقني بألف
على أن تطلق ضرتي أو) قالت: طلقني بألف (على أن لا تطلق ضرتي ففعل. فالخلع صحيح
والشرط والبذل لازمان) لأنها بذلت عوضا في طلاقها وطلاق ضرتها أو عدمه فصح، كما
لو قالت: طلقني وضرتي بالألف. (فإن لم يف لها بشرطها استحق على السائلة الأقل من
الألف، ومن صداقها المسمى). لأنه لم يطلق إلا بعوض. فإذا لم يسلم له رجع إلى ما رضي
بكونه عوضا وهو المسمى إن كان أقل من الألف. وإن كان أكثر فله الألف فقط لأنه رضي
بكونه عوضا عنها وعن شئ آخر. فإذا جعل كله عوضا عنها كان أحظ له (وإن خالعته أمة
بغير إذن سيدها على شئ) معين أو في ذمتها (لم يصح) الخلع لأنه تصرف من غير أهله
إذ الرقيق بدون إذن سيده ليس بأهل للتصرف، فلا يصح منه كالمجنون. (و) إن خالعته الأمة
(بإذنه) أي أذن السيد (يصح) الخلع كالبيع، (ويكون العوض) الذي أذن لها في الخلع عليه
(في ذمته) أي السيد (كاستدانتها بإذنه) فيطالب به، (وكذا الحكم في المكاتبة) إذا خالعته،
244

فإن كان بغير إذن السيد لم يصح لأنه تبرع. وإن كان بإذنه صح، (إلا أنه إن كان) الخلع (بإذن
سيدها سلمته مما في يدها) لأنه التزمه بالعقد. (وإن لم يكن في يدها) أي المكاتبة (شئ) مما
خالعته عليه بإذن سيدها، (فهو في ذمة سيدها) قاله في الشرح. قال في الرعاية الصغرى: في
المكاتبة والمدبرة والمأذون لها في التجارة (فإن خالعته لمحجور عليها لسفه أو صغر أو
جنون لم يصح، الخلع، ولو أذن فيه الولي) لأنه تصرف في المال وليست من أهله ولا إذن
للولي في التبرعات قال في المبدع: والأظهر الصحة مع الاذن للمصلحة، (فيقع) الطلاق
(رجعيا إن كان بلفظ طلاق أو نيته) وكان (دون ثلاث) لأن الثلاث لا رجعة معها. (وإلا) بل لم
يكن بلفظ طلاق ولا نيته، (كان لغوا) كخلوه عن عوض، (وإن تخالعا هازلين بلفظ طلاق أو نيته
صح) الطلاق لما يأتي، (وإلا) بأن تخالعا هازلين بغير لفظ طلاق ولا نيته، (فلا) يصح الخلع
لخلوه عن العوض (كمبيع ولا يبطل إبراء من) خالعت زوجها على براءته له، ثم (ادعت سفها
حالة الخلع بلا بينة) تشهد بسفهها حالته لأنها تدعى الفساد والأصل الصحة. (ويصح) الخلع
(من محجور عليها لفلس) على مال في ذمتها لأن لها ذمة يصح تصرفها فيها. وليس لها
مطالبتها حال حجرها كما لو استدانت من إنسان في ذمتها، أو باعها شيئا بثمن في ذمتها.
(ويكون) ما خالعت عليه دينا (في ذمتها يؤخذ منها إذا انفك عنها الحجر وأيسرت)، وعلم منه
أنها لو خالعت بمعين من مالها، لم يصح لتعلق حق الغرماء به، انتهى.
فصل
والخلع طلاق بائن
لقوله تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * وإنما يكون فداء إذا
245

خرجت من قبضته وسلطانه ولو لم يكن بائنا لملك الرجعة، وكانت تحت حكمه وقبضته،
ولان القصد إزالة الضرر عنها فلو جازت الرجعة لعاد الضرر. (إلا أن يقع بلفظ الخلع أو
الفسخ أو المفاداة، ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخا، لا ينقص به عدد الطلاق). وما روي عن
عثمان وعلي وابن مسعود من أنه طلقة بائنة بكل حال ضعفه أحمد. قال: ليس لنا في
الباب شئ أصح من حديث ابن عباس: أنه فسخ واحتج ابن عباس بقوله تعالى: * (الطلاق
مرتان) *. ثم قال: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * ثم
قال: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * فذكر
تطليقتين والخلع وتطليقة بعدها. فلو كان الخلع طلاقا لكان أربعا، ولأن الخلع فرقة خلت
عن صريح الطلاق ونيته، فكانت فسخا كسائر الفسوخ. (ولو لم ينو) بهذه الألفاظ (الخلع
لأنها صريحة فيه) لكونها الواردة في قوله تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به)
(وكناياته) أي الخلع (باريتك وأبرأتك وأبنتك)، لأن الخلع، أحد نوعي
الفرقة. فكان له صريح وكناية كالطلاق. (فمع سؤال الخلع وبذل العوض، يصح) الخلع
(من غير نية، لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه)، فأغنت عن النية
فيه إن لم تكن دلالة حال، (ولا بد في الكنايات من نية الخلع ممن أتى بها) أي الكنايات
(منهما)، أي من الزوجين كالطلاق بالكناية (وإن تواطأ) أي توافق الزوجان (على أن تهبه)
الزوجة (الصداق وتبرئه) منه إن كان دينا، أو من نحو نفقة أو قرض (على أن يطلقها فأبرأته)
منه أو وهبته الصداق إن كان عينا، (ثم طلقها كان) الطلاق (بائنا) لدلالة الحال على إيقاع
الطلاق في مقابلة البراءة، فيكون طلاقا على عوض (وكذلك لو قال لها) الزوج (أبرئيني وأنا
أطلقك، أو إن أبرأتيني طلقتك ونحو ذلك من العبارات الخاصة والعامة التي يفهم منها أنه
سأل الابراء على أن يطلقها، وأنها أبرأته على أن يطلقها. قاله الشيخ: ويأتي نظيره في
كنايات الطلاق. وقال أيضا: إن كانت أبرأته براءة لا تتعلق بالطلاق ثم طلقها بعد ذلك فهو
246

رجعي)، انتهى. لخلوه عن العوض لفظا ومعنى. (وتصح ترجمة الخلع بكل لغة من أهلها)
، لأنها الموضوعة له في لسانهم، فأشبهت الموضوع له بالعربية (وإن قال) الزوج: (خالعت
يدك) على كذا، (أو) خالعت (رجلك على كذا. فقالت: قبلت، فإن نوى به طلاقا وقع)
الطلاق لسرايته. (وإلا) أي وإن لم ينو به طلاقا، (ف‍) - هو (لغو. هذا معنى كلام الأزجي) قال
في نهايته: يتفرع على قولنا الخلع فسخ أو طلاق مسألة ما، إذا قال: خالعت يدك أو رجلك
على كذا فقبلت فإن قلنا: الخلع فسخ، لا يصح ذلك. وإن قلنا: هو طلاق صح. كما لو
أضاف الطلاق إلى يدها أو رجلها (ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به)
المخالع، لأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول أو التي
انقضت عدتها، ولأنه لا يملك بضعها فلم يلحقها طلاقه كالأجنبية. ولأنه قول ابن عباس
وابن الزبير، ولا يعرف لهما مخالف في عصرهما. وما روي من قوله (ص): المختلعة يلحقها
الطلاق ما دامت في العدة لا يعرف له أصل ولا ذكره أصحاب السنن. (وإن شرط
الرجعة) في الخلع (أو) شرط (الخيار فيه صح) الخلع، لأنه لا يفسد بالعوض الفاسد، فلا
يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح. (ولم يصح الشرط) لمنافاته للخلع، (ويستحق) المخالع
(المسمى فيه) أي في الخلع، لأنهما تراضيا به عوضا فلم يجب غيره كما لو خلا عن
الشرط. (ولا يصح تعليقه) أي الخلع (على شرط. قال ابن نصر الله. كالبيع، فلو قال)
: لزوجته: (إن بذلت لي كذا فقد خلعتك لم يصح) الخلع، ولو بذلت له ما سماه كسائر
المعاوضات اللازمة. (وإن قالت: اجعل أمري في يدي وأعطيك عبدي هذا ففعل) أي جعل
أمرها بيدها، (وقبض العبد ملكه) لأنه وفاها ما جعله لها في نظيره. (وله التصرف فيه) أي
العبد (ولو قبل اختيارها) نفسها كسائر أملاكه، (ومتى شاءت تختار) لجعله ذلك لها. (ما لم
يطأ أو يرجع) فلا اختيار لها لانعزالها بذلك. (فإن رجع) عن جعل أمرها في يدها (فلها أن
247

ترجع عليه بالعوض) الذي بذلته في مقابلة ذلك عبدا كان أو غيره، لأنه لم يسلم لها ما يقابله.
(ولو قال) الزوج لزوجته (إذا جاء رأس الشهر فأمرك بيدك ملك إبطال هذه الصفة) لأنه وكالة
وهي جائزة وليست من تعليق الطلاق في شئ إلا أن ينوي به الطلاق على ما يأتي بيانه في
آخر الكنايات في الطلاق. (قال) الامام (أحمد: ولو جعلت له ألف درهم على أن يخيرها)
فخيرها، (فاختارت الزوج لا يرد) الزوج (شيئا) من الألف، لأنه فعل ما جاعلته عليه فاستقرت له
(وإن قالت: طلقني بدينار فطلقها ثم ارتدت) عن الاسلام (لزمها الدينار) بالطلاق، (وقطع
الطلاق بائنا) لأنه على عوض (ولا تؤثر الردة) فيه لتأخرها عنه. (فإن طلقها بعد ردتها وقبل
دخوله بها بانت بالردة) لما تقدم. (ولم يقع الطلاق) لأن البائن لا يلحقها طلاق. (وإن كان)
طلقها بعد ردتها، و (بعد الدخول) بها (وقف الامر على انقضاء العدة، فإن أقامت على ردتها
حتى انقضت عدتها تبينا عدم وقوع الطلاق، لأنها لم تكن بزوجة) حين طلقها. (وإن أسلمت
فيها) أي العدة (وقع) الطلاق لأنا تبينا أنها كانت زوجة حينه.
فصل
ولا يصح الخلع إلا بعوض
لأن العوض ركن فيه. فلا يصح تركه كالثمن في البيع. (فإن خالعها بغير عوض لم
يقع خلع ولا طلاق) لأن الشئ إذا لم يكن صحيحا لم يترتب عليه شئ كالبيع الفاسد.
(إلا أن يكون بلفظ طلاق أو نيته فيقع) طلاقا (رجعيا)، لأنه طلاق لا عوض فيه فكان رجعيا
248

كغيره، ولأنه يصلح كناية عن الطلاق، فإن لم ينو به طلاقا لم يكن شيئا لأن الخلع إن كان
فسخا فالزوج لا يملك فسخ النكاح إلا بعيبها. وكذلك لو قال: فسخت النكاح ولم ينو به
الطلاق لم يقع شئ، بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه معاوضة، ولا يجتمع العوض
والمعوض. (ولا يصح) الخلع (بمجرد بذل المال وقبوله) من غير لفظ الزوج، لأنه تصرف
في البضع بعوض، فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق، ولان أخذ المال قبض لعوض
فلم يقم بمجرده مقام الايجاب، كقبض أحد العوضين في البيع. وأما حديث جميلة التي قال
رسول الله (ص): تردين عليه حديقته فقد رواه البخاري: أقبل الحديقة وطلقها تطليقة
وهذا صريح في اعتبار اللفظ. وفي رواية: فأمره ففارقها، ومن لم يذكر الفرقة فإنما اقتصر
على بعض القصة والزيادة من الثقة مقبولة. ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر
اللفظ لأنه معلوم منه. وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة وكذا لم يذكروا من
جانبها لفظا ولا دلالة حال ولا بد منه اتفاقا. (بل لا بد من الايجاب والقبول في المجلس)
بأن يقول: خلعتك ونحوه على كذا، فتقول: رضيت أو نحوه (فإن قالت) لزوجها (بعني
عبدك هذا وطلقني بألف ففعل)، أي باعها العبد وطلقها بالألف (صح) ذلك، (وكان بيعا
وخلعا) لأن كلا منهما يصح مفردا فصحا مجمعين (ويقسط الألف على الصداق المسمى.
و) على (قيمة العبد فيكون عوض الخلع ما يخص المسمى أي المهر، وعوض العبد ما
يخص قيمته، حتى لو ردته بعيب رجعت بذلك) أي بما يخص قيمته لأنه ثمنه. (وإن وجدته
حرا، أو) وجدته (مغصوبا رجعت به لأنه عوضها) أي ثمنها الذي بذلته عوضا عن العبد
(فإن كان مكان العبد شقص مشفوع) وقالت له: بعني شقصك هذا وطلقني بألف وفعل
، صح. (وثبتت فيه) أي الشقص (الشفعة) لوجود سببها وهو البيع الصحيح كما لو انفرد عن
الخلع، ويوزع الألف على الصداق المسمى وقيمة الشقص. و (يأخذه الشفيع بحصة قيمته
من الألف) لأنه ثمنه (ولا يستحب له) أي الزوج (أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها) صداقا. (فإن
فعل) بأن أخذ منها أكثر مما أعطاها (كره) لقوله (ص) في حديث جميلة بولا يزداد
249

(وصح) الخلع (نصا) لقوله تعالى: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) (البقرة: 229)
وقالت الربيع بنت معوذ: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك علي.
واستمر ولم ينكر فكان كالاجماع. (والعوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع إن كان
مكيلا أو موزونا أو معدودا أو مذروعا لم يدخل في ضمان الزوج) إلا بقبضه. (ولا يملك)
الزوج (التصرف فيه إلا بقبضه) وتقدم في البيع مفصلا. (وإن تلف) عوض الخلع المكيل
ونحوه (قبله)، أي قبل القبض (فله) أي الزوج (عوضه)، ولم ينفسخ الخلع بتلفه. (وإن كان)
عوض الخلع (غير ذلك) أي غير مكيل ولا موزون ولا معدود ولا مذروع. (دخل في ضمانه
بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه) قبل قبضه قلت: إن لم كين معقودا عليه بصفة أو رؤية
متقدمة كالمبيع، (وإن خالعها بمحرم كالخمر والحر، فكخلع بلا عوض إن كانا يعلمانه) لأن الخلع
على ذلك مع العلم بتحريمه يدل على رضا فاعله بغير شئ لا يقال: هلا يصح
الخلع ويحب مهر المثل؟ لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقدم، فإذا رضي بغير
عوض لم يكن له شئ كما لو طلقها أو علقه على فعل ففعله، وفارق النكاح فإن دخول
البضع في ملك الزوج متقوم. (وإن كانا) أي المتخالعان (يجهلانه) أي يجهلان كونه محرما
بأن لم يعلما أنه حر أو خمر. (صح) الخلع (وكان له بدله) أي مثل المثلي وقيمة المتقوم لأن الخلع
معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح. (وإن قال: إن أعطيتني خمرا أو
ميتة فأنت طالق فأعطته ذلك طلقت) لوجود الصفة المطلق عليها ويكون الطلاق (رجعيا)
لخلوه عن العوض (ولا شئ عليها) لأنه رضي بغير شئ. وتقدم نظيره في العتق. (وإن
تخالع كافران بمحرم ثم أسلما، أو) أسلم (أحدهما قبضه فلا شئ له) أي الزوج المخالع
لأنه عوض ثبت في ذمتها بالخلع، فلم يكن له غيره بعد الاسلام. وقد سقط بالاسلام فلم
يجب له شئ (وإن خالعها على عبد فبان حرا أو مستحقا فله قيمته عليها) إن كانت هي
الباذلة له، وإلا فعلى باذله. (و) إن خالعها (على خل فبان خمرا رجع عليها بمثله خلا) كما
تقدم. (وإن كان العوض) في الخلع (مثليا) وبان مستحقا ونحوه (فله مثله وصح الخلع) لما
250

تقدم (وإن بان) عوض الخلع (معيبا فإن شاء أمسكه وأخذ أرشه وإن شاء رده وأخذ قيمته)
إن كان متقوما أو) أخذ (مثله إن كان مثليا) لأنه عوض في معاوضة فكان له ذلك كالمبيع
والصداق. وإن قال: إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق، فأعطته إياه طلقت وملكه والحكم فيه
كما لو خالعها عليه. (وإن خالعها على رضاع ولده المعين) منها أو من غيرها مدة معلومة
صح. (أو) خالعها (على سكنى دار معينة مدة معلومة صح) الخلع قلت المدة أو كثرت، لان
ذلك مما تصح المعاوضة عليه في غير الخلع ففيه أولى. (فإن مات الولد أو خربت الدار أو
ماتت المرضعة أو جف لبنها رجع) المخالع (بأجرة المثل لباقي المدة يوما فيوما) لأنه ثبت
منجما فلا يستحق معجلا، كما لو أسلم إليه في خبز يأخذه منه كل يوم أرطالا معلومة
فمات. (وإن) خالعها على رضاع ولده و (أطلق الرضاع) فلم يقيده بمدة (فحولان) إن كان
الخلع عقب الوضع أو قبله، (أو بقيتهما) إن كان في أثنائهما حملا للمطلق من كلامه على
المعهود في الشرع. قال تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * (البقرة:
233). وقال (ص): لا رضاع بعد فصال يعني العامين. (وكذا لو خالعته) الزوجة (على
كفالته) أي الولد مدة معينة (أو) خالعته على (نفقته مدة معينة كعشر سنين ونحوها) صح
ولو لم يصف النفقة، فلا يشترط ذكر الطعام وجنسه كما يأتي. (والأولى أن يذكر مدة
الرضاع) من تلك المدة، (و) أن يذكر (صفة النفقة بأن يقول: ترضعيه من العشر سنين حولين
أو أقل بحسب ما يتفقان عليه، ويذكر ما يقتاته) الولد (من طعام وأدم. فيقول: حنطة أو غيرها
كذا وكذا قفيزا، و) يذكر (جنس الأدم فإن لم يكن يذكر مدة الرضاع منهما) أي من المدة
التي خالعها على كفالته النفقة فيها كالعشر سنين. (ولا) ذكر (قدر الطعام والأدم صح) الخلع
لما تقدم. (ويرجع إلى العرف والعادة) فمدة الرضاع إلى حولين والنفقة ما يستعمله مثله.
(وللوالد أن يأخذ منها) أي المخلوعة (ما يستحقه) الولد (من مؤنة الولد وما يحتاج إليه
251

فإن أحب أنفقه بعينه، وإن أحب أخذه لنفسه وأنفق على الولد غيره). لأنه بدل ثبت له في
ذمتها. فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره. (وإن أذن لها في الانفاق عليه) أي الولد (جاز) لما سبق
(فإن مات الولد) الذي خالعها على إرضاعه والانفاق عليه عشر سنين مثلا (بعد مدة
الرضاعة، فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤنة يوما فيوما كما تقدم) موضحا. (ولو أراد الزوج أن
يقيم بدل الرضيع) بأن يأتيها بطفل آخر (ترضعه أو تكفله فأبت ذلك أو أرادته هي)، أي
أرادت أن يأتيها برضيع آخر يرضعه أو تكفله (فأبى لم يلزما)، أي لم يلزم المخلوعة ذلك
في الأولى ولا المخالع في الثانية. لأن ما يستوفى من اللبن أو الكفالة. إنما يتقدر بحاجة
الصبي، وحاجة الصبيان تختلف ولا تنضبط. فلم يجز أن يقوم غيره مقامه، كما لو أراد
أحدهما ذلك في حياة الولد. (وإن خالع حاملا على نفقة حملها صح) الخلع، لأنها
مستحقة عليه بسبب موجود، فصح الخلع بها. وإن لم يعلم قدرها كنفقة الصبي.
(وسقطت) النفقة (نصا) لأنها صارت مستحقة له. (ولو خالعها وأبرأته من نفقة حملها بأن
جعلت ذلك عوضا في الخلع صح) ذلك كما تقدم، وكذا لو خالعته على شئ ثم أبرأته
من نفقة حملها. (ولا نفقة لها ولا للولد حتى تفطمه، فإذا فطمته فلها طلبه بنفقته). لأنها قد
أبرأته مما يجب لها من النفقة، فإذا فطمته لم تكن النفقة لها فلها طلبها منه. (وتعتبر
الصيغة منهما) أي المتخالعين (في ذلك كله) أي جميع ما تقدم من صور الخلع (فيقول:
خلعتك أو فسخت نكاحك على كذا أو فاديتك على كذا فتقول) هي: (قبلت أو رضيت)
ونحوه، (أو تسأله هي فتقول: اخلعني أو طلقني على كذا، فيقول: خلعتك ونحوه) مما تقدم
من الصريح والكنايات. (أو يقول الأجنبي: اخلعها أو طلقها على ألف علي ونحوه فيجيب)
الزوج في المجلس. وتقدم التنبيه على ذلك.
252

فصل
ويصح الخلع بالمجهول وبالمعدوم الذي ينتظر وجوده
لأن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط، فجاز أن يستحق به العوض المجهول
كالوصية ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع، وليس فيه تمليك شئ. والاسقاط تدخله
المسامحة. ولذلك جاز بغير عوض على رواية. (وللزوج ما جعل له) من العوض المجهول
والمعدوم المنتظر وجوده. (فإن خالعها على ما في يدها من الدراهم صح) الخلع، (وله ما في
يدها ولو كان أقل من ثلاثة دراهم ولا يستحق غيره)، لأن ذلك من الدراهم وهو في يدها.
(وإن لم يكن في يدها شئ فله ثلاثة دراهم، كما لو وصى له بدراهم). لأنه أقل ما يقع عليه
اسم الدراهم حقيقة. (و) إن خالعها (على ما في بيتها من المتاع فله ما فيه) أي البيت من
المتاع (قليلا كان) المتاع (أو كثيرا)، لأنه المخالع عليه. (وإن لم يكن فيه متاع فله أقل ما
يسمى متاعا) كالوصية. (وإن خالعها على حمل أمتها أو) حمل (غنمها، أو غيره) كحمل بقرها
، (أو) على (ما تحمل شجرتها فله ذلك). أي للزوج ما حصل من حمل الأمة أو الغنم أو
غيره، (فإن لم يكن حمل أرضته بشئ نصا. والواجب) له (ما يتناوله الاسم) كالوصية
، (وكذا) لو خالعها (على ما في ضروع ماشيتها ونحوه)، من كل مجهول أو معدوم منتظر
وجوده. (وإن خالعها على عبد مطلق)، أي غير معين ولا موصوف. (فله أقل ما يسمى عبدا)
كالوصية. (وإن قال: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق، طلقت بأي عبد أعطته). لأن الشرط عطية
عبد وقد وجد. وقوله، (يصح تمليكه) صفة لعبد. أخرج به مالا يصح تمليكه كالمرهون
والموصى بعتقه والمنذور عتقه نذر تبرر، (ولو) كان الذي أعطته إياه (مدبرا أو معلقا عتقه
بصفة) قبل وجودها. ويكون (طلاقا بائنا) لأنه على عوض، (وملك العبد نصا) لأنه عوض
253

خروج البضع عن ملكه. (والبعير والبقرة والشاة والثوب ونحو ذلك) من المبهمات. (كالعبد)
فيما تقدم (فإن) قال لها: إن أعطيتني عبدا أو ثوبا أو بعيرا أو شاة أو بقرة فأنت طالق، فأعطته
ذلك ف‍ (- بان مغصوبا) لم تطلق، (أو) قال: إن أعطيتيني عبدا فأنت طالق، وأعطته عبدا فبان
(العبد حرا أو مكاتبا أو مرهونا لم تطلق). لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه. وقوله: أو
مكاتب. نقله في الانصاف عن الرعايتين والحاوي وغيرهم. ولعله مبني على القول بأن
المكاتب لا يصح نقل الملك فيه. والمذهب أنه يصح بيعه. فهو داخل في قوله: بأي
عبد يصح تمليكه كما هو مقتضى ما قدمه في الانصاف (و) لو قال لزوجته (إن أعطيتني
هذا العبد أو أعطيتيني عبدا فأنت طالق، فأعطته إياه طلقت) لوجود الصفة (وإن خرج معيبا فلا
شئ له غيره)، لأنه شرط لوقوع الطلاق. أشبه ما لو قال: إن ملكته فأنت طالق ثم ملكه.
(وإن خرج) العبد (مغصوبا أو بان حرا أو) خرج (بعضه) مغصوبا أو حرا (لم يقع الطلاق)
لأن الاعطاء إنما يتناول ما يصح تمليكه منها، والحر والمغصوب كله أو بعضه متعذر تمليكه
منها، فلا يكون إعطاؤها إياه صحيحا، فلا يقع الطلاق العلق به. (و) إن خالعها (على عبيد
فله ثلاثة) لأنها أقل ما يقع عليه اسم العبيد. (وكل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه، فمتى
أعطته على صفة يمكنه القبض وقع الطلاق، سواء قبضه منها أو لم يقبضه) حيث أحضرته
له أو أذنته في قبضه. وإن لم يأخذه إذا كان متمكنا من أخذه، لأنه إعطاء عرفا بدليل أعطيته
فلم يأخذ. واستشكله بعض المحققين بأنه إن حمل الاعطاء على الاقباض من غير تمليك
فينبغي أن تطلق ولا يستحق شيئا، وإن حمل عليه مع التمليك فلا يصح التمليك بمجرد
فعلها. (فإن هرب الزوج أو غاب قبل عطيتها) لم يقع الطلاق. (أو قالت: يضمنه لك زيد أو
اجعله قصاصا بمالي عليك، أو أعطته به رهنا أو أحالته به لم يقع الطلاق) لعدم وجود الاعطاء
المعلق عليه. (وإن قالت: طلقني بألف فطلقها استحق الألف). لأنها في مقابلة خروج البضع
254

من ملكه. (وبانت) لأنها طلقت بعوض. (وإن لم يقبض) الألف. (وإن) قال: إن (أعطيتيني
ثوبا صفته كذا وكذا فأنت طالق، فأعطته ثوبا على تلك الصفات طلقت) لوجود الصفة
(وملكه) لما تقدم. (وإن أعطته) ثوبا (ناقصا) شيئا من تلك الصفات (لم يقع الطلاق) لعدم
وجود الصفة. (ولم يملكه) لأنها إنما بذلته في مقابلة الطلاق ولم يقع. (وإن كان) الثوب
(على الصفة) المشروطة (لكن به عيب وقع الطلاق) لوجود الشرط. (ويتخير) المخالع
(بين إمساكه ورده والرجوع بقيمته). لأن الاطلاق يقتضي السلامة. نقله في الشرح عن
القاضي، ولم يتعقبه. وقال قبله: وإن خالعها على ثوب موصوف في الذمة واستقصى
صفات السلم صح. وعليها أن تعطيه إياه سليما فإن دفعته إليه معيبا أو ناقصا عن
الصفات المذكورة، فله الخيار بين إمساكه ورده والمطالبة بثوب سليم على تلك الصفة
(و) لو قال: (إن أعطيتيني ثوبا هرويا فأنت طالق فأعطته مرويا لم تطلق). لأن الصفة
التي علق عليها الطلاق لم توجد. (وإن أعطته هرويا طلقت) لوجود الصفة. (وإن خالعته
على عينه بأن قالت) له: (اخلعني على هذا الثوب المروي فبان هرويا صح) الخلع، (وليس
له غيره) لأن الخلع وقع على عينه، ولان الإشارة أقوى من التسمية. (وإن خالعته على
مروي في الذمة فأتته بهروي صح)، أي وقع الخلع. (وخير) المخالع (بين رده وأخذه) ثوبا
(مرويا)، لأنه المعقود عليه، (وبين إمساكه) لأنه من الجنس. ولان مخالفة الصفة بمنزلة
العيب وجواز الرد.
تتمة: إذا تخالعا على حكم أحدهما أو غيرهما، أو بمثل ما خلع به زيد زوجته صح
بالمسمى، وقيل: بل بمهرها، وقيل: بل بمهر مثلها. قاله في المبدع.
255

فصل
وطلاق معلق بعوض
(أو منجز بعوض كخلع في الإبانة)، لأن القصد إزالة الضرر عنها. ولو جازت رجعيها
لعاد الضرر. (فإذا قال: إن) أعطيتيني ألفا فأنت طالق. (أو إذا) أعطيتيني ألفا فأنت طالق. (أو متى
أعطيتيني ألفا فأنت طالق، فالشرط لازم من جهته لا يصح إبطاله) كسائر التعاليق. خلافا
للشيخ تقي الدين. ووافق على شرط محض كان قدم زيد. (وكان) ذلك التعليق (على
التراخي) لأنه علق الطلاق بشرط فكان على التراخي كسائر التعاليق، فلو نويا صنفا منهما
حل اللفظ عليه، وإن أطلقا فعلى نقد البلد كالبيع. فإن لم يكن فعلى ما يقع عليه الاسم.
(أي وقت أعطته على صفة يمكنه القبض ألفا فأكثر وازنة إن كان شرطها وزنية، وإلا فما شرط) في الخلع. (فإن
اختلفا) في شرطها وزنية، (فقولها، كما يأتي). لأن الأصل عدم الشرط. وقوله (بإحضار
الألف ولو كانت) الألف (ناقصة في العدد) اكتفاء بتمام الوزن، (وإذنها في قبضه) بيان
للاعطاء كما تقدم. وقوله: (طلقت بائنا) جواب أي، (وملكه) أي الألف الزوج. (وإن لم
يقبضه) لما تقدم وسبق ما فيه. و (لا) تطلق (إن أعطته دون ذلك) أي دون الألف، لعدم وجود
الصفة. وكذا لو أعطته مغشوشة ينقص ما فيها عن الألف. (و) أعطته (سبيكة تبلغ ألفا لان
السبيكة لا تسمى دراهم)، فلا يقع الطلاق لعدم وجود الصفة. (وإن قال: أنت طالق بألف إن
شئت لم تطلق حتى تشاء بالقول)، لأنه معلق بشرط فلا يتقدمه (فإن شاءت ولو على التراخي
وقع) الطلاق (بائنا) للعوض (ويستحق الألف) لكونها في نظير خروج البضع عن ملكه. (وإن
قالت: اخلعني بألف، أو) اخلعني (على ألف، أو) قالت (طلقني بألف، أو) طلقني (على
ألف، أو قالت): طلقني أو اخلعني (ولك ألف إن طلقتني أو خلعتني، أو إن طلقتني فلك علي
256

ألف، ففعل على الفور بأن قال: خلعتك أو طلقتك، وإن لم يذكر الألف بانت) لأن الباء
للمقابلة وعلى في معناها. وقوله: طلقتك أو خلعتك جواب لما استدعته منه، والسؤال
كالمعاد في الجواب، فأشبه ما لو قالت: يعني عبدك بألف. فقال: بعتك إياه ولم يذكر الألف
(واستحق الألف) لأنه فعل ما جعلت الألف في مقابلته (من غالب نقد البلد) كالبيع، (ولها)
أي الزوجة (أن ترجع) عن جعل الألف في مقابلة الطلاق أو الخلع (قبل أن يجيبها) الزوج
إلى الطلاق أو الخلع، لأن قولها ذلك إنشاء على سبيل المعاوضة، فلها الرجوع قبل تمامه
بالجواب كالبيع. وكذا قولها: إن طلقتني فلك ألف، لأنه وإن كان بلفظ التعليق فهو تعليق
لوجوب العوض لا للطلاق، بخلاف تعليق الزوج الطلاق على عوض. فإنه لا يملك
الرجوع فيه كما تقدم. (ولو قالت) لزوجها: (طلقني بألف إلى شهر) أو بعد شهر (فطلقها قبله
فلا شئ لها نصا). لأنه اختار إيقاع الطلاق من غير عوض ويقع رجعيا، ولو أجابها بقوله: إذا
جاء رأس الشهر فأنت طالق استحق العوض، ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائنا لأنه
بعوض. (وإن قالت) طلقني بألف (من الآن إلى شهر فطلقها قبله) أي الشهر (استحقه)، لأنه
أجابها إلى سؤالها إن طلقها بعده فلا يستحقه ويقع رجعيا. (و) إن قالت: (طلقني بألف
، فقال: طلقتك ينوى به الطلاق صح) الطلاق (واستحق الألف) لأنه أجابها إلى ما استدعته
منه لأنه من كناياته (وإلا) أي وإن لم ينو بالخلع الطلاق (لم يصح الخلع) لخلوه عن
العوض، (ولم يستحق شيئا لأنه ما أجابها إلى ما بذلت العوض فيه) أي لأجله. (و) إن قالت
له: (اخلعني بألف فقال: طلقتك لم يستحقه) أي الألف (لأنه أوقع طلاقا ما طلبته) فلم يوجد
ما بذلت العوض فيه. (ووقع) الطلاق (رجعيا) إن كان دخل أو خلا بها، وكان دون ثلاث
لخلوه عن العوض. (و) إن قالت: (طلقني واحدة بألف أو)
طلقني واحدة (على ألف، أو) طلقني واحدة (ولك ألف ونحوه، فطلقها ثلاثا أو اثنتين استحقه). أي الألف لأنه حصل لها ما
طلبته وزيادة. (و) إن قالت (طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق وطالق وطالق بانت بالأولى
ولم يلحقها ما بعدها لأن الأولى في مقابلة عوض، وهو الألف فبانت بها. وإن ذكر الألف
257

عقيب الثانية بانت بها، و) وقعت (الأولى رجعية ولغت الثالثة). لأن البائن لا يلحقها الطلاق
وإن ذكره عقب الثالثة طلقت ثلاثا. (وقيل: تطلق ثلاثا وهو موافق لقواعد المذهب). لان
العطف بالواو يصير الجمل كالواحدة. (وإن قالت: طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة) أو اثنتين
، (لا يستحق شيئا ووقعت رجعية) لأنها بذلت العوض في مقابلة شئ لم يحبها إليه فلم
يستحق شيئا. (وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل) أي طلقها واحدة (استحق الألف
علمت أو لم تعلم). لأن هذه الواحدة كملت وحصلت ما يحصل بالثلاث من البينونة، وتحريم
العقد فوجب العوض. كما لو قال: أنت طالق ثلاثا، (فإن قال والحالة هذه) أي والحال أنه لم
يبق من طلاقها إلا واحدة: (أنت طالق طلقتين الأولى بألف والثانية بغير شئ، وقعت الأولى
واستحق الألف) لما تقدم. (ولم تقع الثانية) لأنها بانت بالثلاث. (وإن قال) أي والحال هذه
أنت طالق طلقتين (الأولى بغير شئ وقعت وحدها)، لأن الثلاث تمت بها (ولم يستحق
شيئا) من الألف. (لأنه لم يجعل لها عوضا وكملت الثلاث) طلقات. (وإن قال) والحال هذه
: أنت طالق طلقتين (إحداهما بألف لزمها الألف)، وكملت الثلاث فلا تحل له حتى تنكح
زوجا غيره. (و) إن قالت (طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة أو اثنتين فلا شئ له). لأنه لم
يجبها إلى ما سألته وبذلت العوض فيه. (وإن طلقها ثلاثا استحق الألف)، لأنه أجابها إلى
سؤالها باعتبار أنها نهاية ما يملكه ما سألته، فما زاد عليها لغو.
تتمة: لو لم يكن من طلاقها إلا واحدة، وقالت: طلقني ثلاثا بألف واحدة أبين به
واثنتين في نكاح آخر، فقال القاضي: الصحيح أن هذا لا يصح في التطليقتين الأخيرتين، لأنه
سلف في طلاق ومعاوضة عليه قبل النكاح، وهو لا يصح قبله فكذا المعاوضة عليه، ويتبين
على تفريق الصفقة. فإذا قلنا: تفرق فله ثلث الألف. (وإن كان له امرأتان إحداهما رشيدة)
والأخرى غير رشيدة، بأن كانت سفيهة أو مميزة، (فقال) لهما: (أنتما طالقتان بألف إن شئتما
258

، فقالتا: قد شئنا لزم الرشيدة نصف الألف) عند أبي بكر، ورجحه في المغني وجزم به في
الوجيز، وعند ابن حامد يقسط بقدر مهريهما وذكره في المغني والشرح ظاهر المذهب.
(وطلقت بائنا) لأن مشيئتها صحيحة، وتصرفها في مالها صحيح فيجب عليها بقسطها من
الألف. (ووقع) الطلاق (بالأخرى) غير الرشيدة (رجعيا، ولا شئ عليها) من الألف. لأن لها
مشيئة. ولذلك يرجع إلى مشيئة المحجور عليها في النكاح، فيقع الطلاق لوجود المشيئة
وتصرفاتها في مالها غير نافذة، فلم يلزمها شئ فيكون رجعيا (وقوله) أي زوج الرشيدتين
(لرشيدتين أنتما طالقتان بألف فقبلت واحدة) منهما (طلقت بقسطها) من الألف، لأن العقد
مع اثنين بمنزلة عقدين كالبيع. (وإن قالتا: قد شئنا طلقتا بائنا ولزمهما العوض بينهما). فلو قال
الزوج: ما شئتما وإنما قلتما ذلك بألسنتكما، أو قالتا: ما شئنا بقلوبنا لم يقبل. (وقول امرأتيه
طلقنا بألف فطلق واحدة بانت بقسطها من الألف)، فيقسط على مهر مثلهما قاله في شرح
المنتهى. (ولو قالت إحداهما) أي قالت له: طلقنا بألف فطلق واحدة منهما (فرجعي، ولا
شئ له) سواء كانت المطلقة هي السائلة، أو ضرتها. لأن الألف جعلت في مقابلة طلاقهما
وبطلاق واحدة منهما لم يحصل المطلوب، فلا يستحق شيئا كما لو قال لانسان: يعني
عبديك بألف. فقال: بعتك أحدهما بخمسمائة. (ولو قال) لزوجته (أنت طالق وعليك ألف
أو) أنت طالق (على ألف أو) أنت طالق (بألف، فقبلت في المجلس بانت واستحقه) أي
الألف. لأنه طلاق على عوض وقد التزم فيه العوض، فصح كما لو كان ذلك بسؤالها. (وإن
لم تقبل) في المجلس (وقع) الطلاق (رجعيا)، لأنه طلاق شرط فيه العوض على من لم
يلتزمه، فلغا الشرط ووقع الطلاق رجعيا. (وله الرجوع) عن أخذ العوض (قبل قبولها)، أي
قبول زوجته منه ذلك فلا تبين. (ولا ينقلب) الطلاق (بائنا ببذلها الألف في المجلس بعد عدم
قبولها)، يعني بعد ردها كما لو بذلته بعد المجلس. (و) إن قال لزوجته: (أنت طالق ثلاثا
259

بألف. فقالت: قبلت واحدة بألف أو بألفين وقع الثلاث) لصدورها ممن فيه أهلية لها
(واستحق الألف) فقط لالتزامها العوض الذي طلقها عليه. كما لو كان ذلك بسؤالها. (وإن
قالت) من قال لها: أنت طالق ثلاثا بألف، (قبلت بخمسمائة) لم يقع. لأن الشرط لم يوجد
قال في الشرح: (أو) قالت: (قبلت واحدة من الثلاث بثلث الألف لم يقع) هكذا في الشرح
والمبدع. قال في الشرح. لأنه لم يرض بانقطاع رجعتها عنها إلا بالألف وفيه نظر
لأن إيقاع الطلاق إليه. ولا يتوقف على قبولها وإنما يتوقف على لزوم العوض (و) إن قال
لزوجته: (أنت طالق طلقتين إحداهما بألف وقعت بها واحدة ووقفت الأخرى على قبولها)
، هذا معنى ما في المبدع والشرح وفيه نظر على ما تقدم (وإن قال الأب) لزوج
ابنته: (طلق ابنتي وأنت برئ من صداقها فطلقها وقع) الطلاق (رجعيا)، لخلوه عن العوض
(ولم يبرأ) الزوج من المهر لأنه أبرأه مما ليس له الابراء منه فأشبه الأجنبي. (ولم يرجع)
الزوج (على الأب) بشئ. وقال أحمد: تبين زوجته بذلك ولم يبرأ من مهرها، ويرجع بنظيره
على الأب. وحمله القاضي وغيره على جهل الزوج إبراء الأب لا يصح، فيكون قد غره، وإلا
260

فخلع بلا عوض يقع رجعيا. (ولم يضمن) الأب (له) أي للزوج ما أبرأه منه وهو معنى قوله
ولم يرجع على الأب. و (إن قال الزوج) لأبي زوجته: (هي طالق إن أبرأتني من صداقها فقال)
أبوها: (قد أبرأتك لم يقع) الطلاق لأنه معلق على براءته من مهرها، ولم يبرأ منه بإبراء أبيها
(إلا إذا قصد الزوج مجرد اللفظ بالابراء)، فيقع الطلاق بوجود اللفظ كقوله: إن أعطيتيني خمرا
فهي طالق، (وإن قال) الزوج: (هي طالق إن برئت من صداقها لم يقع) الطلاق لعدم البراءة
، فلم يوجد المعلق عليه. (وإن قال الأب: طلقها على ألف من مالها وعلي الدرك فطلقها
طلقت بائنا)، لأنه طلاق على عوض وهو ما لزم الأب من ضمان الدرك، ويلزم الأب وليس
له دفعها من مالها ولا يرجع على ابنته إلا إن أذنت وكانت رشيدة كالأجنبي. (وتقدم في
كتاب الصداق لو خالعته على صداقها أو بعضه أو أبرأته منه فليعاود) للاحتياج إليه، انتهى.
فصل
وإذا خالعته الزوجة في مرض موتها
المخوف (صح) الخلع، سواء كان هو أيضا مريضا أولا، لأنه معاوضة كالبيع. (وله) ما خالعته
عليه إن كان قدر ميراثه منها فما دون، وإن كان بزيادة فله (الأقل من المسمى في الخلع أو
ميراثه منها)، لأن ذلك لا تهمة فيه بخلاف الأكثر منهما فإن الخلع إن وقع بأكثر من
الميراث تطرقت إليه التهمة من قصد إيصالها إليه شيئا من مالها بغير عوض، على وجه لم
تكن قادرة عليه. أشبه ما لو أوصت أو أقرت له، وإن وقع بأقل من الميراث فالباقي هو أسقط
حقه منه، فلم يستحقه فتعين استحقاق الأقل منهما. (وإن صحت من مرضها ذلك) الذي
خالعته فيه (فله جميع ما خالعها به)، كما لو خالعها في الصحة، لأنه ليس من مرض موتها
(وإن طلقها) بائنا. (في مرض موته أو وصى لها بأكثر من ميراثها) منه (لم تستحق) هي (أكثر
من ميراثها)، فللورثة منعها من ذلك، لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها كالوصية لوارث
وعلم منه أنه لو وصى لها بميراثها فأقل، صح لأنه لا تهمة فيه. (وإن خالعها) في مرض
261

موته المخوف، (وحاباها) بأن خالعها بدون ما أعطاها، أو بدون ما يمكنه أخذه منها ببذلها،
(فمن رأس المال) أي لا يحتسب ما حاباها به من الثلث، لأنه لو طلق بغير عوض لصح
، فلان يصح بعوض أولى. (وكل من صح أن يتصرف في الخلع لنفسه) وهو الزوج الذي يفعله
(صح توكيله ووكالته فيه) كسائر الفسوخ والعقود، (من حر وعبد وذكر وأنثى ومسلم وكافر
ومحجور عليه ورشيد) ومفلس وغيره. (فإذا وكل الزوج في خلع امرأته مطلقا) أي من غير
تقدير عوض صح التوكيل كالبيع والنكاح والمستحب التقدير، لأنه أسلم من الغرر وأسهل
على الوكيل. (فإن خالعها) الوكيل (بمهرها فما زاد صح) الخلع ولزم المسمى، لأنه زاد خيرا
(وإن نقص) الوكيل (من المهر) مع الاطلاق (رجع) الموكل (على الوكيل بالنقص وصح
الخلع)، لأنه عقد معاوضة أشبه البيع. (ولو خالع وكيله بلا مال كان الخلع لغوا)، ولو بنية
الطلاق أو لفظه، لأنه ليس موكلا في الطلاق، بل في الخلع. ولا يصح إلا بعوض. (وإن
عين) الزوج (للوكيل العوض فنقص منه لم يصح الخلع) عند ابن حامد وصححه غير واحد
لأنه خالف موكله أشبه ما لو وكله في خلع امرأته، فخلع غيرها. وصح عند أبي بكر لان
المخالفة في قدر العوض وهي لا تبطله كحالة الطلاق، فيرجع على الوكيل بالنقص. وصحح
ابن المنجا هذا القول، لأن الفرق ثابت بين المخالفة في نفس المعقود عليه، وبين المخالفة
في تعيين العوض. لأنه لو وكله في بيع عبده من زيد فباعه من غيره لم يصح، ولو وكله في
بيعه بعشرة فباعه بأقل منها صح. وضمن الوكيل النقص. (وإن وكلت المرأة في ذلك) أي في
مخالعتها من زوجها (فخالع) وكيلها (بمهرها فما دونه) إن لم تعين له ما يخالع به، (أو) خالع
(بما عينته) لها (فما دونه صح) الخلع لصدوره من أهله من محله. (وإن زاد) وكيلها عما
عينته أو عن مهرها (صح) الخلع (ولزمت الوكيل الزيادة)، لأن الزوجة رضيت بدفع العوض
الذي يملك الخلع به عند الاطلاق، وبالقدر المأذون فيه مع التقدير. والزيادة لازمة للوكيل
لأنها عوض بذله في الخلع، فصح منه ولزمه كما لو لم يكن وكيلا. (وإن خالف وكيل
الزوج أو) وكيل (الزوجة جنسا) بأن وكل أن يخالع على نقد، فخالع على عرض أو
بالعكس، (أو) خالف (حلولا) بأن وكله أن يخالع بمائة حالة فخالع على مائة مؤجلة، (أو)
خالف (نقد البلد) بأن وكل أن يخالع على مائة فخالع على مائة من غير نقد البلد (لم يصح
262

الخلع) للمخالفة، إلا وكيلها إذا خالف حلولا أو وكيله إذا خالف تأجيلا، لأنه زيادة تنفع ولا
تضر. (ولو كان وكيل الزوج والزوجة) في الخلع (واحدا فله أن يتولى طرفي العقد كالنكاح)
والبيع (وإذا تخالعا)، أي الزوجان (أو تطالقا) بأن سألته أن يطلقها وأجابها (تراجعا بما بينهما
من حقوق النكاح، فلا يسقط شئ منها). أي من حقوق النكاح بالخلع ولا بالطلاق. (ولو
سكت عنها) حال الخلع قبل الدخول فلها نصف المهر، فإن كانت قد قبضته ردت نصفه، وإن
كانت مفوضة فلها المتعة، لأن المهر حق فلا يسقط بلفظ الطلاق ولا الخلع (ك‍) - سائر
(الديون، ولا تسقط نفقة عدة الحامل ولا بقية ما خولع ببعضه) كسائر الفسوخ.
فصل
وإذا قال: خالعتك بألف فأنكرته، أو قالت: إنما خالعك غيري بانت
منه، لأنه مقر بما يوجب بينونتها. (والقول قولها بيمينها في) نفي (العوض)، لأنها منكرة
والأصل براءتها. (وإن قالت: نعم) خالعتني بألف (لكن ضمنه غيري لزمها الألف)، لأنها مقرة
بالخلع مدعية على الغير ضمان العوض، فلزمها العوض لاقرارها ولا تسمع دعواها على
الغير. وكذا لو قالت: نعم لكن بعوض في ذمة غيري فقال: في ذمتك، (وعوض الخلع حال)
لأنه الأصل فلا يتأجل إلا بتأجيله. (و) عوض الخلع (من نقد البلد) حملا على العرف. (وإن
اختلفا) أي المتخالعين (في قدر العوض) الذي وقع عليه الخلع، (أو) اختلفا في (عينه أو
تأجليه أو جنسه أو صفته أو هل هو) أي عوض الخلع (وزني أو عددي فقولها مع
يمينها)، لأنه أحد نوعي الخلع. فكان القول قول المرأة فيه كالطلاق على مال إذا اختلفا في
قدره، ولأن المرأة منكرة للزائد في القدر والصفة. فكان القول قولها كسائر المنكرين. فإن قال
سألتيني طلقة بألف، فقالت: بل ثلاثا بألف فطلقني واحدة بانت بإقراره. والقول قولها في
سقوط العوض. (وإن علق) زوج (طلاقها) بصفة (أو) علق رب قن (عتقه بصفة ثم خالعها أو
263

أبانها بثلاث أو دونها، وباعه) أي القن (فوجدت الصفة أو لم توجد ثم عاد فتزوجها وملكه
فوجدت الصفة) وهي في عصمته أو معتدة من طلاق الرجعي أو القن في ملكه، (طلقت)
الزوجة (وعتق) القن لأن عقد الصفة ووجودها وجد في النكاح والملك، فوقع الطلاق والعتق
كما لو لم تتخلله بينونة ولا بيع. لا يقال الصفة انحلت بفعلها حال البينونة أو زوال الملك
، ضرورة ألا تقتضي التكرار في أنها إنما تنحل على وجه يحنث به، لأن اليمين حل وعقد
والعقد يفتقر إلى الملك، فكذا الحل والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال البينونة، ولا تنحل
اليمين به. فإن قيل: لو طلقت بذلك لوقع الطلاق بشرط سابق على النكاح، ولا خلاف أنه لو
قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق فتزوجها ثم دخلت لم تتطلق، قيل: الفرق أن النكاح
الثاني مبني على الأول في عدد الطلقات، وسقوط اعتبار العدة. (وكذا الحكم لو قال: إن بنت
مني ثم تزوجتك فأنت طالق فبانت ثم تزوجها)، قاله في الفروع. (ويحرم الخلع حيلة لاسقاط
يمين طلاق. ولا يصح) أي لا يقع. قال في المغني: هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق
المعلق، والحيل خداع لا تحل ما حرم الله. (قال الشيخ): خلع الحيلة لا يصح على الأصح
(كما لا يصح نكاح المحلل) لأنه ليس المقصود منه بقاء المرأة مع زوجها كما في نكاح
المحلل، والعقد لا يقصد به نقيض مقصوده. (وقال) الشيخ (لو اعتقد البينونة بذلك) أي
بخلع الحيلة (ثم فعل ما حلف عليه فكطلاق أجنبية) أي فكما لو قال من ظنها أجنبية، أنت
طالق فبانت امرأته. (فتبين امرأته على ما يأتي في آخر باب الشك في الطلاق، ولو خالع) حيلة
(وفعل المحلوف عليه بعد الخلع) حيلة، (معتقدا أن الفعل بعد الخلع لم تتناوله يمينه)
لانحلالها. (أو فعل المحلوف عليه معتقدا زوال النكاح لم يكن) الامر (كذلك) لعدم صحة
الخلع قيل: (وهو كما لو حلف على شئ يظنه فبان بخلاف ظنه)، فيحنث في طلاق وعتاق.
قال في التنقيح: وغالب الناس واقع في ذلك، أي في الخلع لاسقاط يمين الطلاق.
قلت: ويشبهه من يخلع الأخت ثم يتزوج أختها ثم يخلع الثانية ويعيد الأولى وهلم
264

جرا. وهو داخل في قول الشيخ: خلع الحيلة لا يصح. وقولهم: والحيل كلها غير جائزة في
شئ من أمور الدين. (ولو أشهد) إنسان (على نفسه ب‍) - وقوع (طلاق ثلاث) ليمين صدرت
منه، (ثم استفتى) عن يمينه (فأفتى بأنه لا شئ عليه لم يؤاخذ بإقراره لمعرفة مستنده) في
إقراره وهو اليمين السابقة. (ويقبل) قوله (بيمينه أن مستنده في إقراره ذلك). أي ما صدر منه
من اليمين، واعتقاده الحنث عملا بدلالة الحال إذا كان (ممن يجهله مثله، انتهى) كلام الشيخ
، ويأتي (في) باب (صريح الطلاق).
265

كتاب الطلاق
وأجمعوا على جوازه لقوله تعالى: * (الطلاق مرتان) *. وقوله:
* (فطلقوهن لعدتهن) *. وقوله (ص): إنما الطلاق لمن أخذ بالساق والمعنى
يدل عليه لأن الحال ربما فسد بين الزوجين، فيؤدي إلى ضرر عظيم فبقاؤه إذن مفسدة
محضة فشرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه (وهو) أي الطلاق مصدر طلقت
المرأة بفتح اللام وضمها أي بانت من زوجها فهي طالق وطلقها زوجها فهي مطلقة، وأصله
التخلية. يقال: طلقت الناقة إذا سرحت حيث شاءت، وحبس فلان في السجن طلقا بغير قيد.
وشرعا: (حل قيد النكاح أو بعضه)، أي بعض قيد النكاح إذا طلقها طلقة رجعية، (ويباح)
الطلاق (عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة أو لسوء عشرتها، وكذا) يباح (للتضرر بها من غير حصول الغرض بها)
. فيباح له دفع الضرر عن نفسه. (ويكره) الطلاق (من غير حاجة) إليه لحديث ابن عمر
: أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق. رواه أبو داود وابن ماجة قال في المبدع: ورجاله
ثقات. (ومنه) أي الطلاق (محرم كفي الحيض ونحوه) كالنفاس وطهر وطئ فيه لما يأتي
(ومنه) أي الطلاق (واجب كطلاق المولى بعد التربص) أربعة أشهر من حلفه (إذا لم يفئ)
أي يطأ لما يأتي في بابه. (ويستحب) الطلاق (لتفريطها) أي الزوجة (في حقوق الله الواجبة
مثل الصلاة ونحوها، ولا يمكنه إجبارها) عليها أي على حقوق الله. (و) يستحب الطلاق أيضا
(في الحال التي تحوج المرأة إلى المخالعة من شقاق وغيره، ليزيل الضرر وكونها غير
266

عفيفة). قال أحمد: لا ينبغي له إمساكها وذلك لأن فيه نقصا لدينه، ولا يأمن إفسادها
فراشه وإلحاقها به ولدا من غيره. (و) يستحب الطلاق أيضا (لتضررها ب‍) - بقاء (النكاح)
لبغضه أو غيره، (وعنه) أي أحمد: (يجب) الطلاق (لتركها عفة ولتفريطها في حقوق الله
تعالى. قال الشيخ: إذا كانت تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال بل يفارقها، وإلا
كان ديوثا، انتهى). وورد لعن الديوث، واللعن من علامات الكبيرة على ما يأتي. فلهذا وجب
الفراق وحرمت العشرة. (ولا بأس بعضلها في هذا الحال والتضييق عليها لتفتدي منه)
لقوله تعالى: * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)
(والزنا لا يفسخ نكاحها)، أي الزانية لكن يستبرئها إذا أمسكها بالعدة
(وتقدم في باب المحرمات في النكاح، وإذا ترك الزوج حقا لله) تعالى (فالمرأة في ذلك
مثله ف‍) - يستحب لها أن (تختلع) منه، لتركه حقوق الله تعالى، (ولا يجب الطلاق إذا أمره
به أبوه) فلا تلزمه طاعته في الطلاق، لأنه أمره بما لا يوافق الشرع. (وإن أمرته به) أي
الطلاق (أمه فقال) الامام (أحمد: لا يعجبني طلاق) لعموم حديث: أبغض الحلال إلى
الله الطلاق. (وكذا إذا أمرته) أمه (بيع سريته) لم يلزمه بيعها، (وليس لها) أي الام (ذلك)
أي أمره ببيع سريته ولا طلاق امرأته لما فيه من إدخال الضرر عليه، (ويصح الطلاق من
زوج عاقل مختار ولو مميزا يعقله) أي الطلاق، (ولو) كان المميز (دون عشر) لعموم قوله
(ص): إن الطلاق لمن أخذ بالساق. وقوله: كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه
267

والمغلوب على عقله. وعن علي: اكتموا الصبيان النكاح فيفهم أن فائدته أن لا
يطلقوا، ولأنه طلاق من عاقل صادف محل الطلاق فوقع كطلاق البالغ، ومعنى كون
المميز يعقل الطلاق أن (يعلم) المميز (أن زوجته تبين منه وتحرم عليه) إذا طلقها
، (ويصح توكيله) أي المميز في الطلاق، (و) يصح أيضا (توكله فيه) لأن من صح منه
مباشرة شئ صح أن يوكل، وأن يتوكل فيه. (ويصح) الطلاق (من كتابي) ومجوسي
وغيرهما من الكفار، وتقدم في أنكحة الكفار. (و) يصح الطلاق أيضا من (سفيه) ولو بغير
إذن وليه ومن عبد. ولو بغير إذن سيده لأنه لا يتعلق بالمال مقصوده (و) يصح الطلاق
أيضا (ممن لم تبلغه الدعوة) كسائر تصرفاته. قال في المبدع: من لم تبلغه الدعوة فهو غير
مكلف، ويقع طلاقه. ذكره في الانتصار وعيون المسائل والمفردات. (و) يصح الطلاق
أيضا من (أخرس تفهم إشارته ويأتي في باب صريح الطلاق وكنايته مفصلا، وطلاق
مرتد) بعد الدخول (موقوف، فإن) أسلم في العدة تبينا وقوعه، وإن (عجلت الفرقة) بأن لم
يسلم حتى انقضت العدة أو ارتد قبل الدخول، (ف‍) - طلاقه (باطل) لانفساح قبله
باختلاف الدين. (وتزويجه) أي المرتد ذكرا كان أو أنثى (باطل)، وتقدم في النكاح. (وتعتبر
إرادة لفظ الطلاق لمعناه) أي أن لا يقصد بلفظ الطلاق غير المعنى الذي وضع له. (فلا
طلاق) واقع (لفقيه يكرره، و) لا ل‍ (- حاك عن نفسه أو غيره)، لأنه لم يقصد معناه بل
التعليم أو الحكاية. (ولا) طلاق (من زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى
عليه، والمبرسم ومن به نشاف) لقوله (ص): رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم
وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق. ولان الطلاق قول يزيل الملك
فاعتبر له العقل كالبيع، ولو زال عقله بضربه نفسه. (ولا) طلاق (لمن أكره على شرب
268

مسكر) فشربه وطلق في سكره. (أو شرب ما يزيل عقله ولم يعلم أنه يزيل العقل أو أكل
بنجا ونحوه ولو لغير حاجة). لأنه لا لذة فيه، وفرق الإمام أحمد بينه وبين السكران
، فألحقه بالمجنون. (فإن ذكر المجنون والمغمى عليه بعد إفاقتهما أنهما طلقا وقع) الطلاق
(نصا). لأنه إذا ذكر الطلاق وعلم به دل ذلك على أنه كان عاقلا حال صدوره منه، فلزمه
قال الموفق: هذا والله أعلم فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه، وأما من
كان جنونه لنشاف أو كان مبرسما فإن ذلك يسقط حكم تصرفه مع أن معرفته غير ذاهبة
بالكلية، فلا يضره ذكره للطلاق إن شاء الله تعالى. (ويقع طلاق من زال عقله بسكر
ونحوه) كمن شرب ما يزيل العقل عالما به، (محرم) بأن يكون مختارا عالما به، (ولو خلط
في كلامه وقراءته أو سقط تمييزه بين الأعيان، فلا يعرف متاعه من متاع غيره أو لم يعرف
السماء من الأرض، ولا الذكر من الأنثى. ويؤاخذ) السكران ونحوه (بأقواله وأفعاله وكل
فعل يعتبر له العقل، من قتل وقذف وزنا وسرقة وظهار وإيلاء وبيع وشراء وردة وإسلام
ونحوه)، كوقف وعارية وغصب وقبض أمانة لأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد
بالقذف، ولأنه فرط بإزالة عقله فيما يدخل فيه ضررا على غيره فألزم حكم تفريطه عقوبة
له. وعنه أنه فيما يستقل به مثل عتقه وقتله وغيرهما كالصاحي، وفيما لا يستقل به مثل بيعه
ونكاحه ومعاوضته كالمجنون. قال في المحرر، حكاهما ابن حامد. (قال جماعة من
الأصحاب: لا تصح عبادة السكران أربعين يوما) للخبر. (حتى يتوب)، و (قاله الشيخ
والحشيشة الخبيثة كالبنج) قدمه الزركشي. (والشيخ يرى) أن الحشيشة الخبيثة (حكمها
حكم الشراب المسكر حتى في إيجاب الحد)، ويفرق بينها وبين البنج بأنها تشتهي وتطلب
269

فهي كالخمر بخلاف البنج، فالحكم عنده منوط باشتهاء النفس وطلبها. وجزم في
المنتهى بأنها تشتهى وشرحه بما قاله الشيخ من حيث وقوع الطلاق. (والغضبان مكلف
في حال غضبه بما يصدر منه من كفر وقتل نفس وأخذ مال بغير حق وطلاق وغير ذلك.
قال ابن رجب في شرح) الأربعين (النواوية: ما يقع من الغضبان من طلاق وعتاق أو يمين
فإنه يؤاخذ)، وفي نسخة (بذلك كله بغير خلاف. واستدل لذلك بأدلة صحيحة) منها حديث
خويلة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت الآتي في الظهار. وفيه غضب زوجها فظاهر
منها، فأتت النبي (ص) فأخبرته بذلك وقالت: إنه لم يرد الطلاق. فقال النبي (ص): ما أراك
إلا حرمت عليه أخرجه ابن أبو حاتم وذكر القصة بطولها. وفي آخرها قال: فحول الله
الطلاق فجعله ظهارا. ومنها ما روي عن ابن عباس وعائشة وغيرهما في ذلك وأطال. وذلك في شرح
الحديث السادس عشر من الأحاديث المذكورة. (وأنكر على من يقول بخلاف ذلك)، لأنه
مكلف على ما دلت عليه الأخبار. لكن إن غضب حتى أغمي أو أغشي عليه، لم يقع
طلاقه في تلك الحال لزوال عقله أشبه المجنون. (ويأتي في باب الايلاء).
فصل
ومن أكره على الطلاق ظلما بما يؤلم
(كالضرب والخنق وعصر الساق والحبس والغط في الماء مع الوعيد، فطلق) تبعا لقوله
مكرهه (لم يقع) طلاقه، رواه سعيد وأبو عبيد عن عثمان. وهو قول جماعة من الصحابة.
قال ابن عباس فيمن يلزمه اللصوص ليس بشئ. ذكره البخاري. ولقوله (ص): إن الله
وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجة والدارقطني. قال
270

عبد الحق: إسناده متصل صحيح. وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا طلاق
ولا عتاق في إغلاق رواه أبو داود وهذا لفظه. وأحمد وابن ماجة ولفظهما في إغلاق.
قال المنذري: هو المحفوظ والاغلاق الاكراه، لأن المكره مغلق عليه في أمره مضيق عليه
في تصرفه، كما يغلق الباب على الانسان. وخرج بقوله: ظلما ما لو أكره بحق كإكراه
الحاكم المولى على الطلاق بعد التربص إذا لم يفئ. وإكراه الحاكم رجلين زوجهما وليان
ولم يعلم السابق منهما، لأنه قول حمل عليه بحق فصح، كإسلام المرتد. وقوله مع الوعيد
تبع فيه الشارح وغيره. أي أن الضرب وما عطف عليه إنما يكون إكراها مع الوعيد، لان
الاكراه إنما يتحقق بالوعيد. فأما الماضي من العقوبة فلا يندفع بفعل ما أكره عليه، وإنما
يباح الفعل المكره عليه دفعا لما يتوعد به من العقوبة فيما بعد. وظاهر التنقيح والمنتهى
وغيرهما أن الوعيد ليس بشرط مع العقوبة. (وفعل ذلك) أي الضرب والخنق ونحوه مما
تقدم (بولده) أي المطلق (إكراه لوالده)، فلا يقع طلاقه على ما تقدم بخلاف باقي أقاربه (وإن
هدده قادر) على إيقاع ما يضره هدد به (بما يضره ضررا كثيرا كقتل وقطع طرف وضرب شديد
وحبس وقيد طويلين، وأخذ مال كثير وإخراج من ديار ونحوه، أو) هدده (بتعذيب ولده)
بشئ مما تقدم أو بقتله أو قطع طرفه. وقوله: (بسلطان أو تغلب كلص ونحوه) كقاطع طريق
متعلق بقادر (يغلب على ظنه)، أي المطلق (وقوع ما هدده به، و) يغلب على ظنه (عجزه
عن دفعه، و) عن (الهرب منه، و) عن (الاختفاء. فهو) أي التهديد بشروطه (إكراه) فلا يقع
الطلاق معه بشرطه لما تقدم. ولا يقال: لو كان الوعيد إكراها لكنا مكرهين على العبادات،
فلا ثواب لأن أصحابنا قالوا: يجوز أنا مكرهون عليها والثواب بفضله لا مستخفا عليه عندنا
، ثم العبادات تفعل للرغبة، ذكره في الانتصار. (فإن كان الضرب) الذي هدد به (يسيرا في حق
من لا يبالي به فليس بإكراه) لأنه ضرر يسير. (و) إن كان الضرب يسيرا (في ذوي المروءات
على وجه يكون إخراقا لصاحبه وعضالة وشهرة فهو كالضرب الكثير، قاله الموفق
271

والشارح). قال القاضي: الاكراه يختلف. قال ابن عقيل: وهو قول حسن. (ولو سحر ليطلق
كان إكراها. قاله الشيخ) قال في الانصاف: وهو أعظم الاكراهات. (وقال) الشيخ: (إذا بلغ
به السحر إلى أن لا يعلم ما يقول لم يقع به الطلاق. انتهى). لأنه لا قصد له إذن. (ولا يكون
السب و) لا (الشتم و) لا (الاخراق) أي الإهانة (وأخذ المال اليسير إكراها)، لأن ضرره يسير
، (وينبغي لمن أكره على الطلاق وطلق أن يتأوله فينوي بقلبه غير امرأته ونحو ذلك)، كأن
ينوي بطلاق من عمل وبثلاث ثلاثة أيام خروجا من خلاف من أوقع طلاق المكره إذا لم
يتأول. (ويأتي) بيان صور التأويل (في باب التأويل في الحلف، ويقبل قوله) أي المكره (في
نيته) أي في ما نواه لأنها لا تعلم إلا من قبله وهو أدرى بها، ولقيام القرينة (فإن ترك
التأويل بلا عذر) لم يقع طلاقه، (أو أكره على طلاق مبهمة) بأن أكره ليطلق واحدة من نسائه
(فطلق) واحدة (معينة لم يقع) طلاقه، لأن المبهمة التي أكره على طلاقها متحقق في المعينة
، فلا قرينة تدل على اختياره. (ولو قصد إيقاع الطلاق دون دفع الاكراه) وقع لأنه قصده
واختياره. (أو أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها) وقع لأنه لم يكره على طلاقها، (أو) أكره
(على) أن يطلق (طلقة فطلق ثلاثا وقع) لأنه غير مكره على الثلاث.
قلت: فظاهره أنه لو أكره على أن يطلق فطلق ثلاثا لم تقع، إن لم يقصد الايقاع دون
دفع الاكراه. (فإن طلق من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها)، لأنه ليس مكرها
عليه (دونها) أي دون طلاق المكره على طلاقها فلا يقع لما تقدم. (والاكراه على العتق
واليمين ونحوهما) كالظهار (كالاكراه على الطلاق)، فلا يؤاخذ بشئ من ذلك من حال لا
يقع الطلاق فيها على المكره على الطلاق. (ويقع الطلاق في النكاح المختلف في صحته
272

كالنكاح بولاية فاسق، أو) النكاح (بشهادة فاسقين أو بنكاح الأخت في عدة أختها) البائن
(أو نكاح الشغار، أو) نكاح (المحلل أو بلا شهود أو بلا ولي وما أشبه ذلك) كنكاح الزانية
في عدتها أو قبل توبتها، ونكاح المحرم، ولو لم ير المطلق لصحته، نص على وقوعه
أحمد. (كبعد حكم) الحاكم (بصحته) إذا كان يراها والحاكم إنما يكشف خافيا أو ينفذ
واقعا، لأن الطلاق إزالة ملك بني على التغليب والسراية، فجاز أن ينفذ في العقد الفاسد إذا
لم يكن في نفوذه إسقاط حق الغير كالعتق ينفذ في الكتابة الفاسدة بالأداء، كما ينفذ في
الصحيحة. ونقل ابن القاسم قد قام مقام الصحيح في أحكامه كلها. (ويكون) الطلاق في
النكاح الفاسد (بائنا) فلا يستحق عوضا سئل عليه، (ما لم يحكم بصحته) فيكون كالصحيح
المتفق عليه. (ويجوز) الطلاق في النكاح المختلف فيه (في حيض، ولا يكون) طلاق (بدعة)
، لأن استدامة هذا النكاح غير جائزة. (ويثبت فيه) أي النكاح المختلف في صحته (النسب) إن
أتت بولد. (والعدة) إن دخل أو خلا بها. (والمهر) المسمى إن دخل بها كالصحيح ويسقط
أيضا به الحد. ولا يستحق عوضا سئل عليه ولا يصح الخلع لخلوه عن العوض، وتقدم. (ولا
يقع) الطلاق (في نكاح باطل إجماعا)، كنكاح خامسة وأخت على أختها. (ولا) يقع الطلاق
(في نكاح فضولي قبل إجازته، وإن نفذناه بها) أي بالإجازة. ونقل حنبل إن تزوج عبد بلا
إذن سيده جاز طلاقه وفرق بينهما. (ويقع عتق في بيع فاسد) في ظاهر كلام الإمام أحمد
وتعليله.
فصل
ومن صح طلاقه صح توكيله فيه
(و) صح (وتوكله فيه) لأن من صح تصرفه في شئ لنفسه مما تجوز الوكالة فيه صح
273

توكيله وتوكله فيه، ولان الطلاق إزالة ملك فجاز التوكيل والوكل فيه كالعتق. (فإن وكل)
الزوج (المرأة فيه) أي الطلاق (صح) توكيلها وطلاقها لنفسها، لأنه يصح توكيلها في طلاق
غيرها، فكذا في طلاق نفسها. (وللوكيل أن يطلق متى شاء) لأن لفظ التوكيل يقتضي ذلك
لكونه توكيلا مطلقا أشبه التوكيل في البيع. (إلا أن يحد له) الموكل أي للوكيل (حدا)، كان
يقول طلقها اليوم أو نحوه، فلا يملكه في غيره لأنه إنما تثبت له الوكالة على حسب ما
يقتضيه لفظ الموكل، (أو يفسخ) الموكل الوكالة. (أو يطأ) الموكل التي وكل في طلاقها فتنفسخ
الوكالة لدلالة الحال على ذلك. (ولا يطلق) الوكيل المطلق (أكثر من واحدة) لأن الامر
المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم. (إلا أن يجعل) الموكل (إليه) أن يطلق أكثر من واحدة
(بلفظه أو نيته)، لأنه نوى بكلامه ما يحتمله، ويقبل قوله في نيته لأنه أعلم بها. (فلو وكله في
ثلاث فطلق واحدة) وقعت لدخولها في ضمن المأذون فيه. (أو وكله في) طلقة (واحدة فطلق
ثلاثا طلقت واحدة نصا)، لأنها المأذون فيها دون ما زاد عليها، وهي في ضمن الثلاث فتقع.
(وإن خيره) أي خير الموكل الوكيل بأن قال له طلق ما شئت. (من ثلاث ملك اثنتين فأقل)
لأن لفظه يقتضي ذلك لأن من للتبعيض وكذا لو خير زوجته. (ولا يملك) الوكيل (الطلاق)
أي مع إطلاق الوكالة (تعليقا) للطلاق على شرط، لأنه لم يؤذن له فيه لفظا ولا عرفا. (وإن
وكل) الزوج (اثنين فيه) أي الطلاق (فليس لأحدهما الانفراد فيه)، لأن الموكل إنما رضي
بتصرفهما جميعا. (إلا بإذن الموكل) لأحدهما أو لكل منهما بالانفراد، لأن الحق للموكل في
كل ذلك. (وإن وكلهما في ثلاث فطلق أحدهما) أي أحد الوكيلين (أكثر من الآخر وقع ما
اجتمعا عليه)، لأنه مأذون لهما فيه. (فلو طلق أحدهما واحدة والآخر أكثر) كثلاث أو ثنتين
(فواحدة)، أو طلق أحدهما ثنتين والآخر ثلاثا وقع ثنتان. (ويحرم على الوكيل الطلاق وقت
بدعة) كالموكل. (فإن فعل) أي طلق زمن بدعة (وقع) الطلاق. (كالموكل) إذا طلق
زمن بدعة. (ويقبل دعوى الزوج) بعد إيقاع الوكيل الطلاق. (أنه) كان (يرجع عن الوكالة قبل
إيقاع الوكيل الطلاق) عند أصحابنا، قاله في المحرر وغيره وقدمه في الفروع. (وعنه)
274

أي الامام في رواية أبي الحارث: (لا يقبل إلا ببينة) وجزم به في الترغيب. والأزجي في
عزل الموكل واختاره الشيخ وغيره. وقال الشيخ: (وكذا دعوى عتقه ورهنه ونحوه، انتهى)
وتقدم في الوكالة (وإن قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل ويأتي) مفصلا. (وإن قال)
لزوجته: (اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنين)، لأن من للتبعيض
كما مر في الوكيل.
باب سنة الطلاق وبدعته
طلاق السنة ما أذن الشارع فيه، والبدعة ما نهى عنه، ولا خلاف أن المطلق على الصفة
الأولى مطلق للسنة، قاله ابن المنذر وابن عبد البر. والأصل فيه قوله تعالى: * (يا أيها النبي
إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * قال ابن مسعود وابن عباس: طاهرات
غير جماع، وحديث ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض فقال النبي (ص): مره فليراجعها
ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمس وهو في
الصحيحين. (السنة فيه) أي الطلاق (أن يطلقها واحدة) لقول علي رواه النجاد (في طهر لم
يصبها فيه)، لما تقدم من قول ابن مسعود وابن عباس. (ثم يدعها فلا يتبعها طلاقا آخر حتى
تنقضي عدتها) لقول علي: لا يطلق أحد السنة فيندم، رواه الأثرم وهذا لا يحصل إلا في حق
من لم يطلق ثلاثا. ولان المقصود من الطلاق فراقها حاصل بالطلاق الأول. (إلا في
طهر يعقب الرجعة من طلاق) في (حيض فبدعة) في ظاهر المذهب اختاره الأكثر لحديث
ابن عمر السابق. (زاد في الترغيب ويلزمه وطؤها) أي وطئ من طلقها وهي حائض ثم
راجعها إذا طهرت واغتسلت (وإن طلق المدخول بها في حيض) أو نفاس، (أو طهر أصابها
فيه، ولو) أنه طلقها (في آخره) أي آخر الطهر الذي أصابها فيه، (ولم يستبن) أي يظهر ويتضح
(حملها فهو طلاق بدعة محرم) لمفهوم ما تقدم. (ويقع نصا) طلاق البدعة قال ابن المنذر
275

وابن عبد البر: لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال، انتهى. لأنه (ص) أمر عبد الله بن
عمر بالمراجعة وهي لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق. وفي لفظ الدارقطني قال: قلت: يا
رسول الله أرأيت لو أني طلقتها ثلاثا، قال: كانت تبين منك وتكون معصية وذكر في
الشرح هذا الحديث مع غيره. وقال: كلها أحاديث صحاح. وقال نافع: وكان عبد الله طلقها
تطليقة فحسبت من طلاقه راجعها كما أمره رسول الله (ص). ولأنه طلاق من مكلف في محله
فوقع كطلاق الحامل. ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة، وقطع
ملك فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له. (وتسن رجعتها) أي رجعة المطلقة
زمن البدعة (إن كان) الطلاق (رجعيا فإذا راجعها وجب إمساكها حتى تطهر فإذا طهرت
سن أن يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى، فإذا طلقها في هذا الطهر قبل أن يمسها فهو
طلاق سنة) لحديث ابن عمر السابق. (ولو علق طلاقها بقيامها أو) علقه (بقدوم زيد، فقامت)
وهي حائض (أو قدم) زيد (وهي حائض وطلقت للبدعة)، لوقوع الطلاق في الحيض (ولا
إثم) على المطلق لأنه لم يتعمد إيقاع الطلاق زمن البدعة. (وإن قال: أنت طالق إذا قدم زيد
السنة، فقدم) زيد (في زمان السنة) أي في طهر لم يصبها فيه (طلقت) لوجود الصفة. (وإن
قدم) زيد (في زمان البدعة لم يقع) الطلاق عند قدومه، لأنها إذن ليست من أهل السنة فلم
يوجد تمام المعلق عليه. (فإذا صارت إلى زمان السنة وقع) الطلاق لوجود الشرط (وإن قال
ذلك) أي أنت طالق عند قدوم زيد (لها) أي لزوجته (قبل الدخول طلقت عند قدومه حائضا
كانت أو طاهرا)، لأنه لا سنة لها ولا بدعة. (وإن) قاله لها قبل الدخول، و (قدم) زيد (بعد
دخوله بها في طهر لم يصبها فيه طلقت) حين قدومه لوجود الصفة، لأنها إذن من أهل السنة
(وإن قدم) زيد (زمن البدعة) أي في حيض أو نفاس أو طهر وطئ فيه (لم تطلق حتى
276

يجئ زمن السنة) ليوجد الشرط، (وإن طلقها) أي طلق رجل زوجته (ثلاثا بكلمة) حرمت
نصا ووقعت. ويروى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعن مالك بن
الحارث. قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا. فقال: إن عمك عصى
الله وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، ووجه ذلك قوله تعالى: * (يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء فطلقوهن لعدتهن - إلى قوله - لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا - ثم قال
بعد ذلك - ومن يتق الله يجعل له مخرجا ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا)
ومن جمع الثلاث لم يبق له أمر يحدث، ولم يجعل الله له
مخرجا ولا من أمره يسرا. وروى النسائي بإسناده عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله
(ص) عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فغضب ثم قال: أيلعب بكتاب الله عز وجل
وأنا بين أظهركم، حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ وفي حديث ابن عمر قال
قلت: يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثا؟ قال: إذن عصيت وبانت منك امرأتك. ولان ذلك
تحريم للبضع بالقول فأشبه الظهار بل أولى، لأن الظهار يرتفع بالتكفير وهذا لا سبيل للزوج
إلى رفعه بحال. ولا فرق في ذلك بين ما قبل الدخول أو بعده. روي ذلك عن ابن عباس
وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمر وابن مسعود وأنس، وهو قول أكثر أهل العلم من
التابعين والأئمة بعدهم. وأما ما روى طاووس عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد
رسول الله (ص) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة رواه أبو داود. فقد
قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس بأي شئ تدفعه؟ قال: أدفعه برواية الناس
عن ابن عباس من وجوه خلافه، ثم ذكر عن عدة عن ابن عباس من وجوه خلافه أنها ثلاث
وقيل: معنى حديث ابن عباس أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول الله (ص) وأبي
بكر، وإلا فلا يجوز أن يخالف عمر فيما كان على عهد رسول الله (ص) وعهد أبي بكر ولا
يكون لابن عباس أن يروي هذا عن رسول الله (ص) ويفتي بخلافه. (أو) طلقها ثلاثا
(بكلمات في طهر لم يصبها فيه، أو) طلقها ثلاثا (في إطهار قبل رجعة، حرم) ذلك (نصا) لما
تقدم. (لا) إن طلقها (اثنتين) فلا يحرم لأنهما لا يمنعان من رجعتها إذا ندم، فلم يسد المخرج
على نفسه لكونه فوت على نفسه طلقة جعلها الله له من غير فائدة تحصل له بها، فكان
مكروها كتضييع المال قاله في الشرح. (ولا بدعة فيها) أي الثلاث (بعد رجعة أو عقد) كان
277

طلقها طلقة ثم راجعها أو عقد عليها، ثم طلقها أخرى ثم راجعها أو عقد عليها، ثم طلقها الثالثة
(وإذا كانت المرأة صغيرة أو آيسة أو غير مدخول بها أو استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا
بدعة في وقت ولا عقد). لأن غير المدخول بها لا عدة عليها والصغيرة والآيسة عدتها
بالأشهر، فلا تحصل الريبة. والحامل التي استبان حملها عدتها بوضع الحمل فلا ريبة، لان
حملها قد استبان بخلاف ما لم يستبن حملها وطلقها ظنا أنها حامل ثم ظهر حملها، ربما ندم
على ذلك. (فلو قال لإحداهن) أي لصغيرة أو آيسة أو غير مدخول بها أو تبين حملها (أنت
طالق للسنة) طلقت في الحال، (أو قال) لها: أنت طالق (للبدعة) طلقت في الحال. (أو قال)
لها أنت طالق (للسنة والبدعة أو لا للسنة أو لا للبدعة طلقت في الحال). لأن طلاقها لا
يتصف بسنة ولا بدعة فيلغو وصفه به، ويبقى الطلاق بدون الصفة فيقع في الحال (وإن قال)
لإحداهن: أنت طالق (للسنة طلقة وللبدعة طلقة وقع طلقتان) لما سبق. (ويدين) أي يقبل منه
بالإضافة إلى ما بينه وبين الله تعالى باطنا، (في غير آيسة إذا قال: أردت إذا صارت من أهل
ذلك الوصف) أي السنة أو البدعة. (ويقبل) منه (حكما) لأن لفظه يحتمله بخلاف الآيسة
إذ لا يمكن ذلك. (وإن قال لها) أي لزوجته (في الطهر الذي جامعها فيه أنت طالق للسنة
فيئست من المحيض أو استبان حملها لم تطلق). لأنه لا سنة لها ما دامت كذلك. (وإن قال
لمن لطلاقها سنة وبدعة: أنت طالق طلقة للسنة وطلقة للبدعة طلقت طلقة في الحال). لان
حالها لا يخلو إما أن يكون في زمن السنة فتقع الطلقة المعلقة على السنة، أو في زمن البدعة
فتقع الطلقة المعلقة على البدعة. (و) طلقت (طلقة) أخرى (في ضد حالها الراهنة) أي
الثابتة حين قوله لها ذلك، لأن الطلقة الثانية معلقة على ضد الحال التي هي عليها حال
القول. (و) إن قال لها: (أنت طالق للسنة) وهي (في طهر لم يصبها فيه طلقت في الحال)، لان
معنى للسنة في وقت السنة وذلك وقتها. (وإن كانت حائضا طلقت إذا طهرت)، أي انقطع
حيضها (ولم تغتسل). لأن الصفة قد وجدت (وإن كانت في طهر أصابها فيه طلقت إذا
طهرت من الحيضة المستقبلة). لأن ذلك وقت السنة في حقها لا سنة لها قبلها. (و) إن قال
278

لها (أنت طالق للبدعة وهي حائض، أو) وهي (في طهر أصابها فيه طلقت في الحال). لان
ذلك هو وقت البدعة. (وإن كانت في طهر لم يصبها فيه). وقال لها: أنت طالق للبدعة.
(طلقت إذا أصابها أو حاضت، لكن) إن أصابها (ينزع في الحال بعد إيلاج الحشفة إن كان
الطلاق ثلاثا). أو كانت طلقة مكملة لما يملكه من الطلاق لبينونتها عقب ذلك. (فإن استدام)
أي لم ينزع في الحال (حد عالم) بالحكم لانتفاء الشبهة، (وعزر غيره) أي غير العالم وهو
الجاهل والناسي لما ناله من ذلك. (و) إن قال لمن لها سنة وبدعة: (أنت طالق ثلاثا للسنة
تطلق الأولى في طهر لم يصبها فيه، و) تطلق (الثانية طاهرة بعد رجعة أو عقد. وكذا) تطلق
(الثالثة) طاهرة بعد رجعة أو عقد، لأن جمع الثلاث بدعة لما تقدم. (وعنه تطلق ثلاثا في
طهر لم يصبها فيه وهو المنصوص، وصححه جمع) بناء على أن جمع الثلاث من السنة. (و)
إن قال (أنت طالق ثلاثا نصفها للسنة ونصفها للبدعة، أو قال بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة
طلقت طلقتين في الحال). لأنه سرى بين الحالين، فاقتضى الظاهر أن يكونا سواء فيقع في
الحال طلقة ونصف ثم يكمل النصف لكون الطلاق لا يتبعض. (و) تقع (الثالثة في ضد حالها
الراهنة) أي الثانية وقت تعليقه. (وكذا) لو قال: (أنت طالق ثلاثا للسنة والبدعة وأطلق) فلم
يقل نصفين، ولا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة فيقع في الحال طلقتان، والأخرى في ضد
حالها إذن. (و) إن قال: (أنت طالق طلقتان للسنة وواحدة للبدعة أو عكسه) بأن قال: طلقتان
للبدعة وواحدة للسنة،، (فهو) أي طلاقه (على ما قال، فإن أطلق) في قوله: أنت طالق ثلاثا للسنة
والبدعة. (ثم قال: نويت ذلك) أي طلقتين للسنة وواحدة للبدعة أو عكسه. (فإن فسر نيته
بما يوقع في الحال طلقتين طلقت وقبل) لأنه أقر على نفسه بالأغلظ. (وإن فسرها بما يوقع
طلقة واحدة) في الحال (ويؤخر اثنتين دين ويقبل في الحكم). لأن لفظه يحتمله وهو أدرى
بنيته، (و) إن قال (أنت طالق في كل قرء طلقة وهي حامل أو من اللائي لم يحضن لم تطلق
حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة) لوجود الشرط، والقرء الحيض. ويطلق أيضا على
الطهر بين الحيضتين. (وإن كانت) حين التعليق (في القرء) أي الحيض (وقع بها واحدة في
الحال ويقع بها طلقتان في قرءين آخرين، في أول كل قرء منهما) طلقة لوجود الصفة. (و)
الزوجة (غير المدخول بها تبين بالطلقة الأولى) فلا يلحقها ما بعدها ما دامت بائنا (فإن
279

تزوجها وقع بها طلقتان في قرءين) إن وقعت الأولى رجعية وإلا فإذا تزوجها وحاضت، (وإن
كانت آيسة لم تطلق) لعدم وجود الشرط. (ويباح خلع وطلاق) بعوض (بسؤالها زمن بدعة)،
لأنها أدخلت الضرر على نفسها. (وتقدم في باب الحيض) والنفاس كالحيض في جميع ما
تقدم كما سبق هناك. (و) إن قال: (أنت طالق للسنة إن كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي
في زمن السنة) أي في طهر لم يصبها فيه (طلقت بوجود الصفة. وإن لم تكن في زمن السنة
انحلت الصفة ولم يقع الطلاق بحال) لو صارت من أهل السنة. (و) إن قال (أنت طالق
للبدعة إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة إن كانت في زمن البدعة وقع في الحال وإلا لم يقع
بحال). وانحلت الصفة كما سبق في عكسه. (وإن كانت) المقول لها ذلك (ممن لا سنة
بطلاقها ولا بدعة لم يقع) الطلاق (في المسألتين) لعدم وجود شرطه. (و) إن قال: (أنت
طالق أحسن الطلاق أو أجمله أو أقربه أو أعدله أو أكمله أو أفضله أو أتمه أو أسنه، أو طلقة
سنية أو) طلقة (جليلة ونحوه) كطلقة فاضلة أو عادلة أو كاملة فذلك كقوله: (أنت طالق
للسنة) فإن كانت في طهر لم يصبها فيه وقع في الحال، وإلا فإذا صارت كذلك. ويصح
وصف الطلاق بالسنة والحسن والكمال ونحوه، لكونه في ذلك الوقت موافقا للسنة مطابقا
للشرع. (و) إن قال لها: أنت طالق (أقبحه) أي أقبح الطلاق (أو أسمجه أو أردأه أو أفحشه أو
أنتنه ونحوه) كانت طالق طلقة قبيحة أو رديئة، كقوله: أنت طالق (للبدعة) فإن كانت في طهر
أصابها فيه أو حائضا وقع في الحال، وإلا فإذا صارت كذلك لأن الحسن والقبح في
الأفعال إنما هو من جهة الشارع فما حسنه الشرع فهو حسن وما قبحه الشرع فهو قبيح.
وقد أذن الشرع في الطلاق في زمن فسمي زمان السنة، ونهى عنه في زمن فسمي زمان
البدعة. وإلا فالطلاق في نفسه في الزمانين واحد وإنما حسن أو قبح بالإضافة إلى زمانه
(إلا أن ينوي: أحسن أحوالك أو أقبحها أن تكوني مطلقة فيقع، في الحال) لأن هذا يوجد
في الحال، ولأنه لم يقصد بذلك الصفة فيلغو ويقع في الحال. (لكن لو نوى ب‍) - قوله: أنت
طالق (أحسنه) أي أحسن الطلاق ب‍ (- زمن البدعة لشبهه بخلقها القبيح أو) نوى (بأقبحه زمن
280

السنة لقبح عشرتها)، فإن نوى الأغلظ عليه قبل مؤاخذة له بإقراره وإن نوى غيره (لم يقبل)
قوله (إلا بقرينة). لأنه خلاف الظاهر. (و) إن قال (أنت طالق في الحال السنة، وهي
حائض، أو قال) أنت (طالق البدعة في الحال، وهي في طهر لم يصبها فيه) تطلق في الحال
وتلغو الصفة. (أو قال: أنت طالق طلقة حسنة قبيحة، أو) طلقة (فاحشة جميلة أو) طلقة
(تامة ناقصة تطلق في الحال) لأنه وصفها بوصفين متضادين فلغيا وبقي مجرد الطلاق فوقع.
وإن قال: أنت طالق طلاق الحرج. فقال القاضي: معناه طلاق البدعة. لأن الحرج الضيق
والاثم. وحكى ابن المنذر عن علي أنه يقع ثلاثا، لأنه الذي يمنعه الرجوع إليها.
باب صريح الطلاق وكناياته
لا يقع الطلاق بغير لفظ. فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع، خلافا لابن سيرين
والزهري. ورد بقوله (ص): إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم
به متفق عليه ولأنه إزالة ملك فلم يحصل بمجرد النية كالعتق. وانقسم اللفظ إلى
صريح وكناية، لأنه إزالة ملك النكاح. فكان له صريح وكناية كالعتق والجامع بينهما الإزالة
(الصريح ما لا يحتمل غيره) أي بحسب الوضع العرفي (من كل شئ) وضع له اللفظ من
طلاق وعتق وظهار وغيرها، فلفظ الطلاق صريح فيه لأنه لا يحتمل غيره في الحقيقة
العرفية وإن قبل التأويل على ما يأتي في بابه فاندفع ما أورده ابن قندس في حواشيه على
المحرر. (والكناية ما يحتمل غيره ويدل على معنى الصريح وصريحه لفظ الطلاق وما
تصرف منه)، لأنه موضوع له على الخصوص ثبت له عرف الشارع والاستعمال، فلو قال
281

أنت طلاق أو الطلاق أو طلقتك أو مطلقة فهو صريح. (لا غير) أي ليس صريحه غير لفظ
الطلاق وما تصرف منه كالسراح، والفرق لأنهما يستعملان في غير الطلاق كثيرا، فلم يكونا
صريحين فيه كسائر كناياته. قال تعالى: * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) * وقال
: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * وليس المراد به الطلاق إذ الآية في
الرجعة، وهي إذا قاربت انقضاء عدتها فإما أن يمسكها برجعة. وإما أن يتركها حتى تنقضي
عدتها. فالمراد بالتسريح في الآية قريب من معناه اللغوي وهو الارسال، (غير أمر، نحو
اطلقي و) غيره (مضارع نحو أطلقك، و) غير (مطلقة بكسر اللام) اسم فاعل (فلا تطلق به)
لأنه لا يدل على الايقاع. قال الشيخ تقي الدين في المسودة في البيوع بعد أن ذكر ألفاظ
العقود بالماضي والمضارع واسم الفاعل واسم المفعول وأنها لا تنعقد بالمضارع: وما كان
من هذه الألفاظ محتملا فإنه يكون كناية حيث تصح الكناية كالطلاق ونحوه. ويعتبر
دلالات الأحوال، وهذا الباب عظيم المنفعة خصوصا في الخلع وبابه. (وإذا أتى بصريح
الطلاق) غير حاك ونحوه (وقع نواه أو لم ينوه)، لأن سائر الصرائح لا تفتقر إلى نية فكذا
صريح الطلاق فيقع. (ولو كان) الآتي بالصريح (هازلا أو لاعبا) حكاه ابن المنذر إجماع من
يحفظ عنه: وسنده ما روى أبو هريرة مرفوعا: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح
والطلاق والرجعة رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وقال: حسن غريب. (أو) كان (مخطئا)
قياسا على الهازل، (وهو) أي قوله: أنت طالق ونحوه (إنشاء كسائر صيغ الفسوخ والعقود
(وقال الشيخ: هذه صيغ إنشاء من حيث إنها تثبت الحكم وبها تم، وهي أخبار لدلالتهما
على المعنى الذي في النفس). وهذا المعنى الذي أشار إليه يطرد في كل إنشاء وطلب (وإن
قال: امرأتي طالق أو) قال (عبدي حر، أو) قال: (أمتي حرة وأطلق النية) فلم ينو معينا ولا
مبهما من زوجاته ولا عبيده ولا إمائه (طلق جميع نسائه، وعتق عبيده وإمائه)، لأنه مفرد
مضاف فيعم كما تقدم في العتق. (ولو قال) لامرأته: (كلما قلت لي شيئا ولم أقل لك مثله
فأنت طالق فقالت له: أنت طالق بفتح التاء أو كسرها فلم يقله) طلقت لوجود الصفة. (أو
282

قاله طلقت) لأنه واجهها بالطلاق (ولو) قاله و (علقه بشرط) طلقت أيضا لأنه لم يقل لها
مثله، لأن المعلق غير المنجز. قال ابن الجوزي: وله التمادي إلى قبيل الموت، انتهى ولو
نوى في وقت كذا ونحوه تخصص به لأن تخصيص اللفظ العام بالنية كثيرا. أشار إليه في
بدائع الفوائد وتبعه في المنتهى وغيره. ومجرد النية لا يخرج لفظه عن مماثلة لفظها (وإن
قال لها) أي لمن قال لهما كلما قلت لي شيئا ولم أقل لك مثله فأنت طالق. وقالت له: أنت
طالق (أنت طالق بفتح التاء طلقت)، كما لو واجهها بذلك ابتداء للإشارة والتعيين فسقط
حكم اللفظ. (وإن) قال لزوجته: أنت طالق و (ادعى أنه أراد بقوله طالق من وثاق أو) ادعى
أنه (أراد أن يقول: أطلقتك فسبق لسانه فقال: طلقتك أو) ادعى أنه (أراد أن يقول: طاهر
فسبق لسانه) فقال: طالق، (أو) ادعى أنه (أراد بقوله) أنت (مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق
فيما بينه وبين الله) تعالى، لأنه أعلم بنيته. (ولم يقبل) ذلك منه (في الحكم) لأنه خلاف ما
يقتضيه الظاهر عرفا، إذ يبعد إرادة ذلك. (وكذا الحكم لو قال) لها أنت طالق. وقال: (أردت
إن قمت فتركت الشرط ولم أرد طلاقا)، أو قال: أنت طالق إن قمت. وقال: أردت وقعدت
فتركته ولم أرد طلاقا، فيدين ولا يقبل حكما. (فإن صرح في اللفظ بالوثاق فقال: طلقتك من
وثاقي أو من وثاق لم يقع) عليه الطلاق، لأن ما يتصل بالكلام يصرفه عن مقتضاه كالاستثناء
والشرط (ولو قيل له) أي للزوج: (أطلقت امرأتك؟ أو) قيل له: (امرأتك طالق؟ فقال: نعم)
وأراد الكذب طلقت. لأن نعم صريح في الجواب. والجواب الصريح بلفظ صريح. ألا
ترى أنه لو قيل له: الفلان عليك كذا؟ فقال: نعم كان إقرارا، (أو) قيل له: (ألك امرأة؟ فقال
قد طلقتها وأراد الكذب طلقت). لأنه صريح يحتاج إلى نية. (ولو قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا
وأراد الكذب لم تطلق)، لأنه كناية ومن أراد الكذب لم ينو الطلاق. (ولو حلف بالله على
ذلك) أي على أنه لا امرأة له ولم يرد به الطلاق (وإلا) بأن لم يرد به الكذب بل نوى
283

الطلاق (طلقت) امرأته كسائر الكنايات. (ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: قد كان بعض
ذلك فإن أراد) بذلك (الايقاع وقع) كالكناية، (وإن قال: أردت أني علقت طلاقها بشرط) ولم
يوجد (قبل) منه ذلك لأن لفظه يحتمله، (ولو قيل له) أي للزوج (أخليتها) أي أخليت
زوجتك (ونحوه وقال نعم فكناية) لا تطلق بذلك حتى ينوي به الطلاق. لأن السؤال منطو
في الجواب وهو كناية. (وكذا ليس لي امرأة أو ليست لي امرأة أو لا امرأة لي) فهو كناية لا
يقع إلا بنية، ولو نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أوليس امرأة ترضيني، أو لم ينو شيئا لم
يقع طلاقه. (ومن أشهد) بينة (على نفسه بطلاق ثلاث) أي أقر أنه وقع عليه الطلاق
الثلاث، وكان تقدم منه يمين توهم وقوعها عليه (ثم استفتى) عن يمينه (فأفتى بأنه لا شئ
عليه) فيها (لم يؤاخذ بإقراره) بوقوع الطلاق الثلاث (لمعرفة مستنده) في إقراره بوقوع
الطلاق. (ويقبل) قوله ب‍ (- يمينه أن مستنده ذلك في إقراره) إن كان (ممن يجهل مثله. ذكره
الشيخ) وجزم به في المنتهى. لكن مقتضى كلامه في شرحه: أن المقدم يقبل قوله
بغير يمين. (وتقدم ذلك آخر باب الخلع، ولو قيل له: ألم تطلق امرأتك؟ فقال: بلى.
طلقت) لأنها جواب النفي. (وإن قال: نعم طلقت امرأة غير النحوي) لأنه لا يفرق بينهما في
الجواب بخلاف النحوي، فلا تطلق امرأته. لأن نعم ليست جوابا للنفي. ويأتي تحقيقه في
الاقرار. (وإن لطم امرأته أو أطعمها أو سقاها أو ألبسها ثوبا أو أخرجها من دارها أو قبلها
ونحوه)، كما لو دفع إليها شيئا (فقال: هذا طلاقك طلقت فهو صريح) نص عليه. لأن ظاهر
هذا اللفظ جعل هذا الفعل طلاقا منه، فكأنه قال: أوقعت عليك طلاقا هذا الفعل من أجله
، لأن الفعل بنفسه لا يكون طلاقا. فلا بد من تقديره فيه ليصح لفظه به، فيكون صريحا فيه
يقع به من غير نية. (فلو فسره بمحتمل) أي بما يحتمل عدم الوقوع. (أو نوى أن هذا سبب
284

طلاقك) في زمان بقدر هذا الزمان (قبل) منه ذلك (حكما). لأن لفظه يحتمله ولا مانع
يمنعه. (وإن طلق) زوجته (أو ظاهر منها، ثم قال عقبه لضرتها: شركتك معها، أو أنت
مثلها، أو أنت كهي. أو أنت شريكتها فصريح في الضرة في الطلاق والظهار) لا يحتاج إلى
نية لأنه جعل الحكم فيها واحدا، إما بالشركة في اللفظة أو بالمماثلة، وهذا لا يحتمل غير
ما فهم منه فكان صريحا كما لو أعاده عليها بلفظه. (ويأتي) حكم (الايلاء) في بابه (وإن
قال) لامرأته (أنت طالق. لا شئ) طلقت (أو) أنت طالق (طلقة لا تقع عليك أو لا ينقص
بها عدد الطلاق. طلقت) لأن ذلك رفع لجميع ما أوقعه، فلم يصح كاستثناء الجميع. وإن
كان ذلك خبرا فهو كذب. لأن الشئ إذا أوقعه وقع، (و) إن قال لها: (أنت طالق أو لا؟ أو)
أنت (طالق واحدة أو لا؟. لم يقع) طلاقه لأن هذا استفهام. فإذا اتصل به خرج عن أن يكون
لفظا لايقاع، وتخالف المسألة قبلها لأنه إيقاع لم يعارضه استفهام. (وإن كتب صريح طلاقها)
أي امرأته (بما يتبين) أي يظهر (وقع) الطلاق، (وإن لم ينوه) لأن الكتابة حروف يفهم منها
الطلاق. أشبهت النطق، ولان الكتابة تقوم مقام قول الكاتب، بدليل أنه (ص) كان مأمورا بتبليغ
الرسالة، فبلغ بالقول مرة وبالكتابة أخرى، ولان كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات
الديون ويتوجه عليه صحة الولاية بالخط ذكره في الفروع، وإن كتب. كناية طلاقها بما يبين
فهو كناية على قياس ما قبله. (وإن نوى) بكتابه طلاق امرأته (تجويد خطه أو غم أهله أو
تجربة قلمه لم يقع) طلاقه، لأنه إذا نوى تجويد خطه أو تجربة قلمه ونحوه فقد نوى غير
الطلاق. ولو نوى باللفظ غير الايقاع لم يقع فهنا أولى. وما ورد من قوله (ص): عفي لأمتي
عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به إنما يدل على مؤاخذتهم بما نووه عند
العمل به. وهذا لم ينو طلاقا يؤاخذ به. (ويقبل) منه ذلك (حكما) لأن ذلك يقبل في اللفظ
الصريح على القول. فهنا أولى (وإن كتبه) أي صريح طلاق امرأته (بشئ لا يتبين. مثل إن
كتبه بأصبعه على وسادة ونحوها، أو على شئ لا يثبت عليه خط كالكتابة على الماء أو في
285

الهواء لم يقع) طلاقه، لأن هذه الكتابة بمنزلة الهمس بلسانه بما لا يسمع. (فلو قرأ ما
كتبه وقصد القراءة لم يقع) طلاقه، كلفظ الطلاق إذا قصد به الحكاية ونحوها. ويقبل
منه ذلك حكما. (ويقع بإشارة مفهومة من أخرس فقط) لأنه يفهم منها الطلاق أشبهت
الكتابة. (فلو لم يفهمها) أي الإشارة (إلا البعض فكناية) بالنسبة إليه (وتأويله)، أي
الأخرس (مع الصريح) من الإشارة (كالنطق) أي كتأويله مع النطق فيما يقبل أو يرد على
ما تقدم تفصيله.
تتمة: قال في الشرح: وإن أشار الأخرس بأصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة
لأن إشارته لا تكفي، انتهى. وفيه نظر إذا نواه. (وكتابته) أي الأخرس بما يبين (طلاق)
كالناطق وأولى. (فأما القادر على الكلام فلا يصح طلاقه بإشارة)، ولو كانت مفهومة
لقدرته على النطق. (وصريحه) أي الطلاق (بلسان العجم بهشتم) بكسر الباء الموحدة
وسكون الشين المعجمة وفتح المثناة فوق، لأن هذه اللفظة في لسانهم موضوعة للطلاق
يستعملونها فيه، فأشبهت لفظ الطلاق بالعربية، ولو لم تكن هذه اللفظة صريحة في
لسانهم لم يكن في العجمية صريح للطلاق ولا يضر كونه بمعنى خليتك، فإن معنى
طلقتك: أخليتك أيضا إلا أنه لما كان موضوعا له ومستعملا فيه كان صريحا (فإذا
قاله) أي بهشتم (من يعرف معناه) من عربي أو عجمي (وقع ما نواه) من واحدة أو أكثر
، (لأنه ليس له حد مثل الكلام العربي) فإن أطلق فواحدة. (فإن زاد بسيار طلقت ثلاثا)
لأن مؤداه ذلك في لغتهم. (وإن قاله عربي ولا يفهمه) لم يقع (أو نطق بلفظ
الطلاق) بالعربية (ولا يفهمه لم يقع) طلاقه. لأنه لم يختر الطلاق. لعدم علمه معناه.
(وإن نوى موجبه) أي موجب هذا القول الذي لم يعرف معناه، لأنه لا يتحقق اختياره لما
يعلمه. أشبه ما لو نطق بكلمة الكفر من لا يعرف معناها.
286

فصل
والكنايات في الطلاق نوعان ظاهرة
وهي الألفاظ الموضوعة للبينونة، لأن معنى الطلاق فيها أظهر. (وهي) أي الكنايات
الظاهرة (ست عشرة) كناية: (أنت خلية) هي في الأصل الناقة تطلق من عقالها ويخلى عنها
ويقال للمرأة: خلية كناية عن الطلاق قاله الجوهري. وجعل أبو جعفر مخلاة كخلية.
ويفرق بينهما. قاله في المبدع: (وبرية) بالهمز وتركه، (وبائن) أي منفصلة، (وبتة) أي
مقطوعة، (وبتلة) أي منقطعة وسميت مريم البتول لانقطاعها عن النكاح بالكلية. (وأنت حرة)
لأن الحرة هي التي لا رق عليها ولا شك أن النكاح رق وفي الخبر: فاتقوا الله في النساء
فإنهن عوان عندكم. أي أسراء والزوج ليس له على الزوجة إلا رق الزوجية، فإذا أخبر
بزوال الرق فهو الرق المعهود وهو رق الزوجية. (وأنت الحرج) بفتح الحاء والراء يعني
الحرام والاثم. (وحبلك على غاربك) هو مقدم السنام أي أنت مرسلة مطلقة غير مشدودة ولا
ممسكة بعقد النكاح. (وتزوجي من شئت، وحللت للأزواج، ولا سبيل لي عليك). السبيل الطريق
يذكر ويؤنث. (ولا سلطان لي عليك، وأعتقتك، وغطي شعرك، وتقنعي وأمرك بيدك). النوع
الثاني (خفية) لأنها أخفى في الدلالة من الأولى وهي الألفاظ الموضوعة للطلقة الواحدة ما
لم ينو أكثر، (نحو: أخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وخليتك، وأنت مخلاة)، أي مطلقة من
قولهم خلي سبيلي فهو مخلي. (وأنت واحدة) أي منفردة، (ولست لي بأمرة، واعتدي، واستبرئي)
من استبراء الإماء، ويأتي: (واعتزلي) أي كوني وحدك في جانب (والحقي بأهلك، ولا حاجة
لي فيك، وما بقي شئ، وأعفاك الله، والله قد أراحك مني، واختاري، وجرى القلم، وكذا بلفظ
الفراق والسراح). وما تصرف منهما غير ما تقدم استثناؤه في الصريح. (وقال ابن عقيل: إن الله
قد طلقك كناية خفية وكذا فرق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة. وقال الشيخ في) رجل قاله
لزوجته: (إن أبرأتني فأنت طالق فقالت: أبرأك الله مما تدعي النساء على الرجال، فظن أنه يبرأ
287

فطلق، قال: يبرأ) مما تدعي النساء على الرجال إن كانت رشيدة. (فهذه المسائل الثلاث) أي إن
الله قد طلقك، وفرق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة، وأبرأك الله، (الحكم فيها سواء ونظير
ذلك: إن الله قد باعك) في إيجاب البيع (أو قد أقالك) في الإقالة، (ونحو ذلك) كإن الله قد
أجرك أو وهبك والبراءة فيما تقدم صحيحة. ولو جهلت ما أبرأت منه على ما تقدم في الهبة
من صحة البراءة من المجهول. (والكناية ولو ظاهرة لا يقع بها طلاق إلا أن ينويه) لأن الكناية
لما قصرت رتبتها عن الصريح وقف عملها على نية الطلاق تقوية لها، ولأنها لفظ يحتمل غير
معنى الطلاق فلا يتعين له بدون النية، (بنية مقارنة للفظ)، أي يشترط أن تكون النية مقارنة
للفظ الكناية، فلو تلفظ بالكناية غيرنا، وللطلاق ثم نوى بها الطلاق بعد ذلك لم يقع. كما لو
نوى الطهارة بالغسل قبل فراغه منه. وقيل: يعتبر أن تقارن أوله قدمه في المحرر وقطع به
في شرح المنتهى. فلو قارنت الجزء الثاني من الكناية دون الأول لم يقع الطلاق لأن ما
بقي لا يصلح للايقاع بعد إتيانه بالجزء الأول من غير نية. قال في الشرح: فإن وجدت في
أوله وعزبت عنه في سائره وقع خلافا لبعض الشافعية. (أو يأتي) مع الكناية (بما يقوم مقام
نية) الطلاق (كحال خصومة وغضب وجواب سؤالها) الطلاق، (فيقع) الطلاق ممن أتى بكناية
إذن. (ولو بلا نية) لأن دلالة الحال كالنية بدليل أنها تغير حكم الأقوال والأفعال. فإن من
قال: يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحا. ولو قال: حال الشتم كان ذما وقذفا. (فلو
ادعى في هذه الأحوال) أي حال الخصومة والغضب وسؤالها الطلاق (أنه ما أراد الطلاق أو)
288

أدعى (أنه أراد غيره) أي غير الطلاق (دين) لاحتمال صدقه، (ولم يقبل في الحكم) لأنه
خلاف ما دلت عليه الحال. (ويقع مع النية بالكناية الظاهرة ثلاث، وإن نوى واحدة) روى ذلك
عن علي وابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي هريرة في وقائع مختلفة، ولا يعرف لهم
مخالف من الصحابة. ولأنه لفظ يقتضي البينونة بالطلاق فوقع ثلاثا كما لو طلق ثلاثا.
وإفضاؤه إلى البينونة ظاهر. وظاهره لا فرق بين المدخول بها وغيرها، لأن الصحابة لم
يفرقوا. (وكان) الامام (أحمد يكره الفتيا في الكنايات الظاهرة مع ميله أنها ثلاث، وعنه يقع)
بالكناية الظاهرة (ما نواه اختاره جماعة) منهم أبو الخطاب. لما روى ركانة: أنه طلق امرأته
فأخبر النبي (ص) بذلك فقال: والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة
فردها إليه النبي (ص) فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان. وفي لفظ قال: هو
على ما أردت رواه أبو داود وصححه ابن ماجة والترمذي. وقال: سألت محمدا يعني
البخاري عن هذا الحديث فقال: فيه اضطراب، ولأنه (ص) قال لابنة الجون: الحقي
بأهلك وهو لا يطلق ثلاثا. (فعليها) أي على رواية أنه يقع ما نواه (إن لم ينو) الاتيان
بالكناية الظاهرة بنية الطلاق (عددا. فواحدة) كما لو قال لها: أنت طالق (ويقبل) منه (حكما)
بيان ما نواه بالكناية الظاهرة، أو أنه لم ينو شيئا بناه على الرواية الثانية، لأنه أدرى بنيته ويقع
عليه واحدة. (ويقع ثلاث في أنت طالق بائن أو) أنت (طالق البتة، أو) أنت (طالق بلا رجعة)
لما تقدم في الكناية الظاهرة. قال في الشرح: ولا يحتاج إلى نية لأنه وصف بها الطلاق
الصريح. (ولو قال) لزوجته: (أنت طالق واحدة بائنة أو واحدة بتة وقع رجعيا)، لأنه وصف
الواحدة بغير وصفها فألغى. (وأنت طالق واحدة ثلاثا أو ثلاثا واحدة يقع ثلاث، ويقع ب‍) - الكناية
(الخفية ما نواه) من واحدة أو أكثر، لأن اللفظ لا دلالة له على العدد، والخفية ليست في
معنى الظاهرة فوجب اعتبار النية. (إلا أنت واحدة فيقع بها واحدة. وإن نوى ثلاثا) قاله القاضي
289

والموفق ولم يستثنها في المنتهى وغيره، فهي كغيرها من الكنايات الخفية، لأن معناها كما
تقدم أنت منفردة وذلك لا ينافي أن ينوي بها أكثر من طلقة. (فإن لم ينو) من أتى بكناية خفية
(عددا وقع واحدة رجعية إن كانت مدخولا بها، وإلا) بأن لم تكن المطلقة مدخولا بها وقعت
واحدة (بائنة). لأنها إنما تقتضي الترك كما يقتضيه صريح الطلاق من غير اقتضاء للبينونة
فوقع واحدة رجعية، كما لو أتى بصريح الطلاق. (وما لا يدل على الطلاق نحو: كلي واشربي
واقعدي وقومي وبارك الله عليك وأنت مليحة أو قبيحة لا يقع به طلاق ولو نواه). لأنه لا
يحتمل الطلاق فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية، وفارق ذوقي وتجرعي، فإنه يستعمل في
المكاره لقوله تعالى: * (ذوقوا عذاب الحريق) * * (يتجرعه ولا يكاد
يسيغه) * بخلاف: كل واشرب. قال تعالى: * (فكلي واشربي وقري عينا)
(وكذا) قوله: (أنا طالق أو أنا منك طالق أو أنا منك بائن أو حرام أو برئ)
فلا يقع به طلاق وإن نواه، لأنه محل لا يقع الطلاق بإضافته إليه من غير نية فلم يقع، وإن
نوى كالأجنبي، ولان الرجل مالك في النكاح والمرأة مملوكة فلم تقع إزالة الملك بالإضافة
إلى المالك كالعتق، ويدل له أن الرجل لا يوصف بأنه مطلق بفتح اللام بخلاف المرأة. (وإن
قال) لزوجته: (أنت علي كظهر أمي أو أنت علي حرام، أو ما أحل الله على حرام أو الحل علي
حرام) زاد في الرعاية: أو حرمتك (فهو ظهار، لأنه صريح فيه). فلا يكون كناية في الطلاق
ولا يكون الطلاق كناية في الظهار. (ولا يقع به طلاق ولو نواه)، لأن الظهار تشبيه بمن تحرم
على التأبيد. والطلاق يفيد تحريما غير مؤبد ولو صرح به. فقال بعد قوله: أنت علي كظهر
أمي أعني به الطلاق لم يصر طلاقا، لأنه لا تصلح الكناية به عنه. ذكره في الشرح وفي
المبدع. (وإن قال: فراشي علي حرام ونوى امرأته فظهار). قال ابن عباس في الحرام: تحرير
رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. (وإن نوى
290

فراشه) الحقيقي (فيمين) عليه كفارته عند المخالفة لما يأتي في الايمان. (و) إن قال: (ما أحل
الله علي حرام، أعني به الطلاق تطلق)، لأنه صريح بلفظ الطلاق (ثلاثا). لأن الطلاق معرف
بالألف واللام وهو مقتضى الاستغراق (وإن عنى به طلاقا فواحدة)، لأنه صريح في الطلاق،
وليس فيه ما يقتضي الاستغراق وليس هذا صريح في الظهار، إنما هو صريح في التحريم.
وهو ينقسم إلى قسمين فإذا بين لفظه إرادة صريح الطلاق صرف إليه. (وأنت علي كالميتة
والدم) وفي الفروع والمبدع: والخمر. (يقع ما نواه من الطلاق) لأنه يصلح أن يكون كناية
فيه. (والظهار) إذا نواه أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها لأنه يشبهه. (واليمين) إن أراد
بذلك ترك وطئها وأقام ذلك مقام والله لا وطئتك لا تحريمها ولا طلاقها، وفائدته ترتب
الحنث والبر ثم ترتب الكفارة بالحنث. قال في المبدع: وفي ذلك نظر من حيث أن قوله
كالميتة ليس بصريح في اليمين، لأنه لو كان صريحا لما انصرف إلى غيرها بالنية، وإذا لم
يكن صريحا لم يلزمه الكفارة، لأن اليمين بالكناية لا ينعقد لأن الكفارة إنما تجب لهتك
القسم. (فإن نوى) بذلك (الطلاق ولم ينو عددا وقع واحدة) لأنها اليقين (وإن لم ينو) بذلك
(شيئا فهو ظهار)، لأن معناه أنت حرام علي كالميتة والدم. (ولو قال: علي الحرام أو يلزمني
الحرام أو الحرام يلزمني فلغو لا شئ فيه مع الطلاق)، لأنه لا يقتضي تحريم شئ مباح بعينه
(ومع نية) تحريم الزوجة، (أو قرينة) تدل على إرادته ذلك فهو (ظهار)، لأنه يحتمله وقد صرفه
إليه بالنية فتعين له.
قال في الفروع في الظهار: ويتوجه الوجهان إن نوى به طلاقا، وأن العرف قرينة.
قال في تصحيح الفروع. الصواب أنه يكون طلاقا بالنية لأن هذه الألفاظ أولى أن تكون
كناية من قوله: أخرجي ونحوه. قال: والصواب أن العرف قرينة والله أعلم. (ويأتي في بابه)
أي باب الظهار. (وإن قال: حلفت بالطلاق وكذب) بأن لم يكن حلف (لم يصر حالفا، كما لو
قال: حلفت بالله وكان كاذبا ويلزمه إقراره في الحكم). لأنه تعلق به حق إنسان معين أشبه ما
291

لو أقر بمال، ثم قال: كذبت. (ولا يلزمه) الطلاق (فيما بينه وبين الله) تعالى، لأنه لم يحلف
واليمين إنما تكون بالحلف. ولو قالت زوجته: حلفت بالطلاق للثلاث، فقال: لم أحلف إلا
بواحدة، أو قالت: علقت طلاقي على قدوم زيد فقال: لم أعلقه إلا على قدوم عمرو، كان القول
قوله، لأنه أعلم بحال نفسه.
فصل
وإذا قال لامرأته أمرك بيدك فهو توكيل منه لها في الطلاق
لأنه أذن لها فيه. (ولا يتقيد) ذلك بالمجلس بل هو على التراخي لقول علي. ولم
يعرف له مخالف في الصحابة فكان كالاجماع، ولأنه نوع تملك في الطلاق فملكه
المفوض إليه في المجلس وبعده كما لو جعله لأجنبي. (ولها أن تطلق نفسها ثلاثا) أفتى به
أحمد مرارا. ورواه البخاري في تاريخه عن عثمان. وقاله علي وابن عمر وابن عباس
وفضالة ونصره في الشرح، لما روى أبو داود والترمذي بإسناد رجاله ثقات. عن أبي
هريرة أن النبي (ص) قال: هو ثلاث. قال البخاري: هو موقوف على أبي هريرة، ولأنه
يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث. (كقوله
: طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله أردت واحدة ولا يدين). لأنه خلاف مقتضى اللفظ
(وهو) أي الطلاق (في يدها) على التراخي كما سبق (ما لم يفسخ أو يطأ) فلا تطلق نفسها
بعد، لأن ذلك وكالة فتبطل إذا فسخها بالقول أو أتى بما يدل على فسخها والوطئ يدل على
الفسخ. (وكذلك الحكم إن جعله) أي أمرها (في يد غيرها) أي الزوجة بأن جعل أمرها بيد
زيد مثلا فله أن يطلقها ثلاثا ما لم يفسخ أو يطأ لما تقدم. (وإن قال لها: اختاري نفسك لم
يكن لها أن تطلق) نفسها (أكثر من واحدة وتقع رجعية) حكاه أحمد عن ابن عمر وابن
292

مسعود وزيد بن ثابت وعائشة وغيرهم، ولان اختاري تفويض معين فيتناول أقل ما يقع عليه
الاسم، وهو طلقة رجعية، لأنهما بغير عوض بخلاف أمرك بيدك، فإن أمر مضاف فيتناول جميع
أمرها. (إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك)، أي من واحدة (سواء جعله بلفظه بأن يقول
اختاري ما شئت أو اختاري الطلقات إن شئت أو جعله بنيته، بأن ينوي بقوله: اختاري عددا)
اثنين أو ثلاثا، لأنه كناية خفية فيرجع في قول مما يقع بها إلى نيته كسائر الكنايات الخفية
(فإن نوى ثلاثا أو اثنتين أو واحدة فهو على ما نوى)، فيرجع إلى نيته لأنها كناية خفية. (وإن
نوى) الزوج (ثلاثا فطلقت أقل منها) أو من ثلاث كاثنتين أو واحدة (وقع ما طلقته) دون ما
نواه، لأن النية لا يقع بها الطلاق، وإنما يقع بتطليقها. ولذا لو لم تطلق لم يقع شئ. (فلو كرر
لفظ الخيار) بأن ذكره مرتين وأكثر (بأن قال: اختاري اختاري اختاري، فإن نوى إتمامها وليس
نيته ثلاثا ولا اثنتين) فواحدة، (أو نوى واحدة فواحدة نصا) لأنها اليقين. (وإن أراد ثلاثا فثلاث
نصا) لأنها كناية خفية فيقع ما نواه بها كما تقدم خصوصا مع تكرارها ثلاثا. (وليس لها) أي
للمقول لها اختاري (أن تطلق إلا ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه) عرفا. روى
ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر، لأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول.
وأما قوله (ص) لعائشة: إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك
فإنه جعل لها الخيار على التراخي، وأما طلقي نفسك وأمرك بيدك فتوكيل يعم الزمان ما لم
يقيده بقيد بخلاف مسألتنا. (إلا أن يجعل لها أكثر من ذلك) بأن يقول لها: اختاري نفسك
يوما أو أسبوعا أو شهرا ونحوه، فتملكه إلى انقضاء ذلك. (فإن قاما) أي الزوجان من
المجلس بعد أن خيرها وقبل الطلاق بطل خيارها، أو) قام (أحدهما من المجلس) بطل
الخيار، لأن القيام يبطل الذكر فهو إعراض بخلاف المقصود. (أو خرجا من الكلام الذي كانا
293

فيه إلى غيره بطل خيارها) بالاعراض عنه، (وإن كان أحدهما) أي الزوجين (قائما فركب أو
مشى بطل خيارها للتفرق، و (لا) يبطل خيارها (إن قعد) من كان قائما منهما، (أو كانت
قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت)، إذ لا دلالة لذلك على الاعراض ولو طال المجلس ما لم
يتشاغلا بما يقطعه. (وإن تشاغلت بالصلاة بطل) خيارها للتشاغل، (وإن كانت) حين خيارها
(في صلاة فأتمتها لم يبطل) خيارها لأنه لا يدل على إعراضها. (وإن أضافت إليها ركعتين
أخريين) بطل للتشاغل، (أو كانت راكبة فسارت بطل) خيارها للتفرق. و (لا) يبطل خيارها
(إن أكلت يسيرا أو قالت: بسم الله أو سبحت شيئا يسيرا، أو قالت: أدعو إلي شهودا أشهدهم
على ذلك). لأنه لا إعراض منها. (وإن جعله) أي الخيار (لها على التراخي)، بأن قال: اختاري
إذا شئت أو متى شئت أو متى ما شئت ونحوه. (أو قال: لا تعجلي حتى تستأمري أبويك
ونحوه فهو على التراخي) لحديث عائشة (وإن قال) لها (اختاري اليوم وغدا وبعد غد، فلها
ذلك فإن ردته في اليوم الأول بطل) الخيار (كله)، فلا خيار لها في غد ولا ما بعده لأنه خيار
واحد في مدة واحدة، فإذا بطل أوله بطل فيما بعده، بخلاف ما لو قال لها: اختاري اليوم
وبعد غد، فإنها إذا ردته في الأول لم يبطل بعد غد، لأنهما خياران منفصل أحدهما من
صاحبه. (وإن قال: اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فردته في اليوم الأول لم يبطل)
الخيار في اليوم (الثاني)، لأنهما خياران كما دل عليه إعادة الفعل. (ولو خيرها شهرا
فاختارت) نفسها (ثم تزوجها)، أو لم تخترها لكن طلقها ثم تزوجها، (لم يكن لها عليه
خيار) لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كالبيع. (وإن جعله) أي الخيار
(لها اليوم كله أو جعل أمرها بيدها فردته أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها) لأنه توكيل وقد
رجع فيه. (ولفظة الامر) بأن ينوي بذلك تفويض الطلاق إليها. (والخيار كناية في حق الزوج
ويفتقر إلى نية) كسائر الكنايات، (فلفظة الامر كناية ظاهرة و) لفظة (الخيار) كناية (خفية.
294

كما تقدم) في أول الكنايات. (فإن نوى) الزوج (بهما) أي بأمرك بيدك وباختاري نفسك
(الطلاق في الحال، وقع) الطلاق في الحال، (ولم يحتج) وقوعه (إلى قبولها) كسائر
الكنايات. (وإن لم ينو) إيقاعه في الحال بل نوى تفويضه إليها. (فإن قبلته بلفظ الكناية نحو
اخترت نفسي افتقر) وقوعه (إلى نيتها)، لأنه كناية أشبه ما لو أوقعه هو بكناية. (وإن قبلته بلفظ
الصريح بأن قالت: طلقت نفسي وقع من غير نية) لعدم افتقاره إليها، (وإن اختلفا في نيتها)
الطلاق (فقولها) لأنها أدرى بنيتها، (وإن اختلفا في رجوعه) بأن قال: رجعت قبل الايقاع
وقالت: بل بعده. (فقوله) لأن الأصل بقاء العصمة. (كما لو اختلفا في نيته). فإن القول قوله
لأنه أدرى بها. (وإن قال) لها (اختاري) نفسك (فقالت: اخترت فقط أو) قالت (قبلت فقط
ولو مع النية) لم يقع الطلاق. (أو) قالت: (أخذت أمري أو) قالت (اخترت أمري أو) قالت (اخترت زوجي لم يقع
الطلاق) لقول عائشة قد خيرنا رسول الله (ص): أفكان طلاقا. وقالت: لما أمر النبي (ص)
بتخيير نسائه وبدأ بي فقال: إني لمخبرك خبرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك
ثم قال: إن الله تعالى قال: * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها
فتعالين أمتعكن - حتى بلغ - إن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) * (الأحزاب:
28، 29). فقالت: أفي هذه استأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل
أزواج رسول الله (ص) مثل ما فعلت. متفق عليه. ولأنها مخيرة لم يوجد منها ما يدل على
قطع النكاح فلم يقع بها طلاق كالمعتقة تحت عبد فلا يقع بها. (حتى تقول مع النية) أي
نية الطلاق (اخترت نفسي أو) اخترت (أبوي أو) اخترت (الا زوج أو) اخترت (لا تدخل
علي ونحوه) مما يدل على معنى الطلاق. (ويجوز أن يجعل) الزوج (أمرها بيدها بعوض)
منها أو من غيرها ممن يصح تبرعه (وحكمه) أي حكم جعل أمرها بيدها بعوض (حكم ما)
أي حكم جعل أمرها بيدها (لا عوض له في أن له الرجوع فيما جعل لها و) في (أنه يبطل)
جعله لها ذلك (بالوطئ والفسخ)، لأنه وكالة كما تقدم. (فإذا قالت: اجعل أمري بيدي
295

وأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل أمرها بيدها فلها أن تختار) نفسها لجعله ذلك لها
(ما لم يرجع أو يطأ) لأن التوكيل لا يبطل بدخول العوض فيه، فإن رجع أو وطئها بطل
تخييرها لرجوعه عنه (وإن قال) لزوجته (طلقي نفسك فهو على التراخي) لأنه فوضه إليها
فأشبه أمرك بيدك. (وهو) أي قوله: طلقي نفسك (توكيل) لها في طلاق نفسها (يبطل
برجوعه) وفسخه ووطئها كما تقدم. (فإن قالت: اخترت نفسي) أو اخترت أبوي أو الأزواج
(ونوت الطلاق وقع) لأنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعه أشبه ما لو أوقعت بلفظه ما احتمله
(إلا أن يجعل لها أكثر منها إما بلفظه أو نيته)، لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثا فقد نوى
بلفظه ما احتمله. (ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا)، فقالت: طلقت نفسي (طلقت ثلاثا بنيتها)، كما
لو قال الزوج: طلقتك ونوى به ثلاثا. (وتملك بقوله: طلاقك بيدك أو وكلتك في الطلاق ما
تملك بقوله: لها: أمرك بيدك) فتملك الثلاث، لأن الطلاق في الأول مفرد مضاف فيعم، وفي
الثاني معرف باللام الصالحة للاستغراق فيعم، (ولا يقع) الطلاق (بقولها) لزوجها (أنت
طالق أو أنت مني طالق أو طلقتك) لما روى أبو عبيد والأثرم أن رجلا جاء إلى ابن عباس
فقال: ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا، فقال ابن عباس: إن الطلاق لك وليس لها عليك
واحتج به أحمد ولان الرجل لا يتصف بأنه مطلق بفتح اللام بخلاف المرأة. (قال في
الروضة صفة طلاقها طلقت نفسي أو أنا منك طالق، وإن قالت: أنا طالق لم يقع وحكم الوكيل
الأجنبي حكمها) أي الزوجة (فيما تقدم). والمراد بالأجنبي غير الزوجة ولو كان قريبا للزوج
أو الزوجة، (فيقع الطلاق بإيقاعه) أي الوكيل (الصريح)، بأن يقول: هي طالق ونحوه. (أو بكناية
بنية) الطلاق لأن وكيل كل إنسان يقوم مقامه فيقع منه بالكناية. (ولو وكل فيه بصريح) بأن
قال له: طلقها أو وكلتك أن تطلقها ونحوه، لأنه حيث أتى بالكناية مع النية صدق عليه أنه
طلقها. (ولفظ أمر واختيار وطلاق للتراخي في حق وكيل). فإذا قال له: أمر فلانة بيدك أو
اختر طلاقها أو طلقها ملك على التراخي. (وتقدم بعض ذلك في آخر كتاب الطلاق، ووجب
296

على النبي (ص) تخيير نسائه). وتقدم في الخصائص وخيرهن وبدأ بعائشة وتقدم قريبا. (وإن
وهبها) أي وهب الزوج زوجته (لأهلها) بأن قال: وهبتها لأبيها أو أخيها ونحوه، (أو لأجنبي
أو وهبها لنفسها فردت) بالبناء للمفعول أي رد الموهوب له من أهلها أو الأجنبي أو هي
الهبة فلغو، روي عن ابن مسعود. ولان ذلك تمليك للبضع فافتقر إلى القبول كقوله: اختاري
أمرك بيدك. (أو) قبل موهوب له الهبة لكن (لم ينو) الزوج بالهبة (طلاقا) فلغو (أو) قبل
موهوب له و (نواه) أي الزوج الطلاق (ولم ينوه موهوب له فلغو) لأنه كناية في حق كل من
الواهب والموهوب له. فإن لم يقترن بنيتهما لم يقع كسائر الكنايات (كبيعها)، أي كما لو باع
زوجته (لغيره). كأن يقول: بعتك لزيد مثلا فلا يقع طلاق ولو نواه وقبله زيد ونواه (نصا).
لأنه لا يتضمن معنى الطلاق لكونه معاوضة، والطلاق مجرد إسقاطه وذكر ابن حمدان أن ذكر
عوضا معلوما طلقت مع النية والقبول. (وإن قبلت) بالبناء للمفعول أي قبلها موهوب له
غيرها أو هي إن وهبت لنفسها وصفة قبول أهلها أن يقولوا: قبلناها نص عليه، وكذا الأجنبي
أو هي (فواحدة رجعية إذا نواها أو أطلق نية الطلاق) لأنه لفظ محتمل فلا يحتمل على أكثر
من واحدة عند الاطلاق كقوله: اختاري وكانت رجعية. لأنها طلقة لمن عليها عدة بغير عوض
قبل استيفاء العدد، فكانت رجعية كما لو قال لها: أنت طالق. (أو دلت دلالة الحال) على إرادة
الطلاق منهما فيعمل بها لقيامها مقام النية. (وإن نوى كل) من واهب وموهوب له بالهبة
والقبول (ثلاثا أو اثنتين وقع ما نواه). لأن لفظه يحتمله (كبقية الكنايات الخفية وتعتبر نية
موهوب له) بالقبول الطلاق (كما تعتبر نية واهب) بالهبة الطلاق، لأن ذلك كناية كما تقدم.
(ويقع أقلها إذا اختلفا في النية)، فإذا نوى أحدهما واحدة والآخر اثنتين فواحدة أو نوى
أحدهما اثنتين والآخر ثلاثا فاثنتان، (وإن نوى الزوج بالهبة) أي بقوله وهبتك لأهلك أو لزيد
أو لنفسك (الطلاق في الحال) من غير توقف على القبول (وقع) الطلاق في الحال. (ولم
يحتج إلى قبولها) كما لو أتى بكناية غيرها ناويا الايقاع. (ومن شرط وقوع الطلاق النطق به)
لما تقدم أول الباب (إلا في موضعين تقدما) في الباب أحدهما (إذا كتب صريح طلاقها)
بما يبين. (و) الثاني (إذا طلق الأخرس بالإشارة) المفهومة. (فإن طلق في قلبه لم يقع كالعتق
ولو أشار بأصبعه) أو أصابعه الثلاثة (مع نيته بقلبه)، لما تقدم. (نقل ابن هانئ) عن أحمد إذا
297

طلق في نفسه (لا يلزمه) أي الطلاق (ما لم يلفظ به أو يحرك لسانه) قال في الفروع: (فظاهره)
أي النص المذكور (يقع، ولو لم يسمعه بخلاف القراءة في الصلاة) فإنها لا تجزيه حيث لم
يسمع نفسه. قال في الفروع: ويتوجه كقراءة في صلاة، يعني أنه لا يقع طلاقه إذا حرك لسانه به
إلا إذا كان بحيث يسمع نفسه لولا المانع، وتقدم ومميز ومميزة في كل ما سبق كالبالغين.
باب ما يختلف به عدد الطلاق
يعتبر (الطلاق بالرجال)، روى ذلك عن عمر وعلي وعثمان وزيد وابن عباس، لان
الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية، فكان اختلافه معتبرا بالرجل
كعدد المنكوحات. ولان الله تعالى خاطبهم بالطلاق، فكان حكمه معتبرا بهم وحديث عائشة
مرفوعا: طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان رواية طاهر بن أسلم. وهو منكر الحديث قاله
أبو داود مع أن الدارقطني أخرجه في سننه عن عائشة مرفوعا قال: طلاق العبد اثنتان فلا
تحل له حتى تنكح زوجا غيره. (فيملك الحر) ثلاث تطليقات وإن كان تحته. (و)
يملك (المعتق بعضه ثلاث طلقات وإن كان تحته أمة) أما الحر فلما تقدم. وأما المبعض فلان
تسمية الطلاق في حقه غير ممكنة لأنه لا يتبعض فكمل في حقه، ولان الأصل إثبات
الطلقات الثلاث في حق كل مطلق، وإنما خولف في حق من كمل فيه الرق لما سبق، ففيما
عداه يبقى على الأصل. (ويملك العبد والمكاتب ونحوه) كالمدبر والمعلق عتقه بصفة
(اثنتين) أي طلقتين لما تقدم. (ولو طرأ رقه) على الطلاق (كلحوق ذمي بدار حرب فاسترق
وقد كان طلق اثنتين) فلا يملك الثالثة هذا أحد وجهين أطلقهما في الترغيب. وقال الموفق
ومن تابعه يملك الثالثة لأن الثنتين لما وقعتا كانتا غير محرمتين فلا تنقلبان محرمتين برقه
وكان الأولى للمصنف أن يجعله غاية لقوله فيملك الحر الثلاث، كما يرشد إليه صنيع
صاحب الانصاف والمبدع ويملك القن ونحوه اثنتين. (وإن كان تحته حرة) لما تقدم.
298

(فلو علق) العبد ونحوه (الطلاق الثلاث بشرط فوجد بعد عتقه طلقت) المعلق طلاقها (ثلاثا)
لملك الثلاث حين الوقوع. (وإن علق) العبد (الثلاث بصفة) بأن قال: إن عتقت فأنت طالق
ثلاثا. ثم عتق وقع ثنتان. و (لغت الثالثة) لوقوع الطلاق حال الحرية وملك الثلاث يترتب
عليها لا مقارن لها. (ولو عتق) عبد (بعد طلقة) بأن طلق زوجة طلقة ثم عتق وأعادها برجعة
أو عقد (ملك تمام الثلاث). لأن الطلقة لم تكن محرمة. (ولو عتق) عبد (بعد طلقتين) لم
يملك ثالثة. (أو عتقا) أي العبد وزوجته الأمة (معا لم يملك ثالثة، فلو عتق بعد طلقتين لم يملك نكاحها) حتى تنكح زوجا
وقعتا محرمتين، فلم تنقلبا غير محرمتين. فلو عتق بعد طلقتين لم يملك ثالثة لأنهما غيره
بشروطه. (ويأتي في الرجعة) لأنه طلق نهاية عدده كالحر إذا طلق ثلاثا. (وإذا قال): الزوج
(أنت الطلاق أو) قال: (أنت طالق. أو) قال: (الطلاق لي لازم. أو) قال: (الطلاق يلزمني، أو)
قال: (يلزمني الطلاق، أو) قال: (علي الطلاق ولو لم يذكر المرأة ونحوه) أي نحو ما ذكر.
كعلي يمين بالطلاق، (فصريح) لا يحتاج إلى نية. (منجزا كان) كالأمثلة المذكورة. (أو معلقا
بشرط) كقوله: أنت الطلاق إن دخلت الدار ونحوه. (أو محلوفا به) كأنت الطلاق لأقومن أو
لأضربن زيدا، فهو صريح وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر:
نوهت باسمي في العالمينا وأفنيت عمري عاما فعاما
فأنت الطلاق وأنت الطلاق وأنت الطلاق ثلاثا تماما
ولا ينافي ذلك كونه مجازا، لأنه يتعذر حمله على الحقيقة، ولا محل له يظهر سوى
هذا المحل فتعين فيه. (ويقع) به (ثلاث مع نيتها) كما لو نواها بأنت طالق. (ومع عدمها) أي
عدم نية الثلاث، بأن نوى واحدة أو أطلق، يقع (واحدة) لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا،
ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق، ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثا، ولا
يعتقد أنه طلق واحدة. (فإن قال: الطلاق يلزمني ونحوه) كعلي الطلاق. (وله أكثر من
واحدة. فإن كان هناك سبب أو نية تقتضي تخصيصا أو تعميما عمل به) أي بالسبب. أو
النية المقتضى للتعميم أو التخصيص. (وإلا) أي وإن لم يكن هناك سبب ولا نية يقتضيان
ذلك (وقع بالكل). أي كل الزوجات (واحدة واحدة) لعدم المخصص. (وإذا قال) لزوجته:
299

(أنت طالق ثلاثا فثلاث)، لأنه نوى بلفظه ما يحتمله، فوقع كقوله: أنت طالق ثلاثا، ولان
طالق اسم فاعل، وهو يقتضي المصدر كما يقتضيه الفعل. والمصدر يقع على القليل
والكثير (كنيتها)، أي الثلاث (بأنت طالق ثلاثا. أو) أنت (طالق الطلاق، وعنه) أي عن أحمد
يقع (واحدة اختاره أكثر المتقدمين). لأن هذا اللفظ لا يتضمن عددا ولا بينونة فلم يقع به
الثلاث، ولان أنت طالق إخبار عن صفة هي عليها فلم تتضمن العدد كقوله: حائض وطاهر
والأولى أصح. والفرق ظاهر لأنه لا يمكن تعددهما في حقها في آن واحد بخلاف الطلاق
وإن قال: أنت طالق ثلاثا، ونوى واحدة فثلاث لأن اللفظ صريح في الثلاث والنية لا
تعارض الصريح لأنه أقوى منها. (ولو أوقع طلقة ثم جعلها ثلاثا ولم ينو استئناف طلاق
بعدها فواحدة) لأن الواحدة لا تنقلب ثلاثا. (و) إن قال: (أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا فواحدة)
لأنه نوى ما لا يحتمله لفظه. فلو وقع أكثر منها وقع بمجرد النية. (وأنت طالق هكذا، وأشار
بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا)، لأن التفسير يحصل بالإشارة. وذلك يحصل للبيان لقوله (ص)
الشهر هكذا وهكذا وهكذا. (فإن قال: أردت) أنها طالق (بعدد المقبوضتين قبل منه) وقع
ثنتان لأن ما يدعيه محتمل كما لو فسر المجمل بما يحتمله. وفي الرعاية إن أشار بالكل
فواحدة. (وإن لم يقل هكذا، بل أشار فقط فطلقة واحدة) لأن إشارته لا تكفي وتوقف
أحمد. (قال في الرعاية: ما لم يكن له نية) فيعمل بها، (أو) إن قال لإحدى امرأتيه (أنت
طالق واحدة، بل هذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة). لأنه طلقها واحدة والاضراب بعد ذلك لا
يصح لأنه رفع للطلاق بعد إيقاعه. (و) طلقت (الثانية ثلاثا) لأنه أوقعها بها. ولان
الاضراب إثبات للثاني ونفي للأول. (و) إن قال لها (أنت طالق، بل هذه طلقتا) لما مر
(وإن قال: هذه أو هذه وهذه طالق. وقع) الطلاق (بالثلاثة وإحدى الأوليين) بقرعة كما لو قال: (هذه أو
هذه بل هذه طالق)، لأن أو لاحد الشيئين، (وإن قال) لإحدى امرأتيه (هذه وهذه أو هذه
300

طالق وقع) الطلاق (بالأولى وإحدى الآخريين) بقرعة، (كهذه بل هذه أو هذه طالق، ويأتي
في باب الشك في الطلاق له تتمة. و) من قال لزوجته: (أنت طالق كل الطلاق أو أكثره ب‍)
- الثاء (المثلثة. أو) أنت طالق (جميعه أو منتهاه أو غايته. أو) أنت طالق (كعدد الحصى
ألف. أو) أنت طالق (بعدد الحصى أو القطر أو الريح أو الرمل أو التراب أو الماء ونحوه)
مما يتعدد كالنجوم والجبال والسفن والبلاد طلقت ثلاثا. وإن نوى واحدة، لأن هذا يقتضي
عددا، ولان الطلاق أقل وأكثر وأقله واحدة وأكثره ثلاث، والماء ونحوه تتعدد أنواعه وقطراته
أشبه الحصى. (أو) قال: (يا مائة طالق. أو) قال (أنت مائة طالق ونحوه ثلاثا، وإن نوى واحدة)
لأن ذلك لا يحتمله لفظه. (وكذا أنت طالق كألف أو) أنت طالق (كمائة) يقع ثلاث. (فإن
نوى) بأنت طالق كألف ونحوه (في صعوبتها قبل حكما)، لأن لفظه يحتمله (إلا في قوله)
أنت طالق (كعدد ألف) أو كعدد مائة فلا يقبل قوله. أو أنه أراد به واحدة لأن اللفظ لا
يحتمله. (و) إن قال (أنت طالق إلى مكة ولم ينو بلوغها) طلقت في الحال. (أو) قال: (أنت
طالق بعد مكة طلقت في الحال، ويأتي) ذلك (في) باب (الطلاق في الماضي والمستقبل.
وإن قال): أنت طالق (أشد الطلاق أو أغلظه أو أكبره بالباء الموحدة أو أطوله أو أعرضه، أو
ملء الدنيا أو ملء البيت ونحوه) كالمسجد. (أو) أنت طالق (مثل الجبل أو مثل عظم الجبل
فواحدة رجعية ما لم ينو أكثر)، لأن هذا الوصف لا يقتضي عددا. والطلقة الواحدة توصف
بأنها يملأ الدنيا ذكرها، وأنها أشد الطلاق وأعرضه، فإن نوى ثلاثا وقعت لأن اللفظ صالح
لأن يراد به ذلك. (وكذا) لو قال: أنت طالق (أقصاه) فتقع واحدة (صححه في
الانصاف، وصحح في التنقيح وتصحيح الفروع أنها ثلاث. وإن نوى واحدة) وتبعهما في
301

المنتهى. (و) إن قال: أنت (طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت ثنتين)، لأن ما بعد الغاية لا
يدخل فيها بمقتضى اللغة، وإنما يدخل إذا كانت إلى. بمعنى: مع. ولا نوقعه بالشك. (و)
إن قال: (أنت طالق ما بين واحدة وثلاث) وقع (واحدة) لأنها التي بينهما. (و) إن قال (أنت
طالق طلقة في ثنتين ونوى طلقة مع طلقتين فثلاث) بغى، لأنه يعبر عن ومع. لقوله تعالى:
* (فادخلي في عبادي) * فإذا نوى ذلك بلفظه قبل منه ووقع ما نواه. (وإن نوى)
بأنت طالق طلقة في اثنتين (موجبه عند الحساب فثنتان)، لأن ذلك مدلول اللفظ عندهم وقد
نواه (ولو لم يعرفه). أي يعرف موجبه عند الحساب قياسا على الحاسب لاشتراكهما في النية
(وإن قال الحاسب): أردت واحدة قبل (أو) قال (غيره) أي غير حاسب (أردت واحدة قبل)
منه ذلك، لأنه فسر كلامه بما يحتمله (وإن لم ينو) من قال ذلك شيئا، (وقع بامرأة الحاسب
ثنتان)، لأنه لفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنتين فوجب العمل به. (و) وقع (بغيرها) أي
بغير امرأة الحاسب (واحدة) لأن لفظ الايقاع اقترن بالواحدة، والاثنتان اللتان جعلهما ظرفا
لم يعترف بهما لفظ الايقاع فلا يقع بدون القصد له. (و) إن قال: أنت (طالق نصف طلقة في
نصف طلقة طلقت طلقة بكل حال) حاسبا كان أو غيره، أراد معنى مع أو لا، لأنه لا يتبعض
كما يأتي (وإن قال) لزوجته أنت طالق (بعدد ما طلق فلان زوجته وجهل عدده) أي عدد ما
طلق فلان زوجته (فطلقة)، لأنها اليقين وما زاد مشكوك فيه.
فصل
وجزء طلقة كهي
لأن الطلاق لا يتبعض. فذكر بعضه ذكر لجميعه، حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ
302

عنه. (فإذا قال: أنت طالق نصف طلقة) أو ثلثها ونحوه طلقت طلقة، (أو) قال: أنت طالق
(نصفي طلقة أو) قال: أنت طالق (جزءا منها) أي من طلقة، (وإن قل) كما لو قال لها: أنت
طالق جزءا من ألف جزء من طلقة طلقت طلقة، لأنه لا يتبعض. (أو) قال لها: أنت طالق
(نصف طلقتين طلقت طلقة) لأن نصفهما طلقة. (وإن قال) لها أنت طالق (نصفي طلقتين)
فثنتان، لأن نصفي الشئ جميعه فهو كما لو قال لها: أنت طالق طلقتين. (أو) قال: أنت طالق
(نصف ثلاث طلقات أو ثلاثة أنصاف طلقة أو أربعة أو ثلاث أو خمسة أرباع) طلقة (ونحوه)
كستة أخماس طلقة، وقع (ثنتان) لأن ثلاثة الانصاف طلقة ونصف طلقة فيكمل النصف
فتصير ثنتين، وهكذا تفعل بباقي الأمثلة، لأن الطلاق لا يتبعض. (وإن قال): أنت طالق (ثلاثة أنصاف طلقتين فثلاث) لأن، نصف الطلقتين طلقة وقد أوقعه ثلاثا. (و) إن قال لها: أنت
طالق (نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة) فواحدة لأنه لم يأت بأداة العطف. فدل على أن
هذه الاجزاء من طلقة واحدة وأن الثاني يكون بدلا من الأول، وأن الثالث يكون بدلا من
الثاني البدل هو المبدل أو بعضه، قال في الشرح: وعلى هذا التعليل أنت طالق طلقة نصف
طلقة أو طلقة طلقة لم تطلق إلا طلقة. وكذا إن قال: نصفا وثلثا وسدسا لم يقع إلا طلقة، لأن هذه
أجزاء الطلقة إلا أن يريد من كل طلقة جزءا فيقع ثلاث. (أو) قال: أنت طالق (نصف
وثلث وسدس طلقة فواحدة)، لأنه لما لم يقل نصف طلقة وسدس طلقة دل على أن هذه
الاجزاء من طلقة غير متغايرة ومجموعها طلقة. (وإن قال): أنت طالق (نصف طلقة وثلث
طلقة وسدس طلقة طلقت ثلاثا)، لأن هذا اللفظ يفهم منه أن كل جزء من طلقة غير التي
منها الجزء الآخر، إذ لو أراد إضافتها إلى طلقة واحدة لم تحتج إلى تكرار لفظها، فلما كرره
علمنا أنه لفائدة ولا فائدة له سوى هذا فحملناه عليه. وإذا كان كل جزء من طلقة كملت
الثلاث. ومن قال لزوجته: أنت طالق طلقة أو نصف طلقة أو ثلث طلقة ونحوه، أو أنت
نصف طالق أو ثلث طالق أو سدس طالق ونحوه، وقع بها طلقة بناء على ما تقدم من أن أنت
الطالق صريح. (وإن قال) لزوجات أربع: (أوقعت بينكن أو) أوقعت (عليكن أو) قال عليكن
303

أو (بينكن بلا أوقعت طلقة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، وقع بكل واحدة طلقة) لأن اللفظ
اقتضى اسم الطلقة بينهن لكل واحدة ربعا، والطلقتين لكل واحدة نصفا، والثلاث لكل واحدة
ثلاثة أرباع، وتكمل. وإلا ربع لكل واحدة طلقة. (وإن أراد قسمة كل طلقة بينهن وقع بالاثنين)
أي فيما إذا قال: أوقعت عليكن أو بينكن اثنتين. (على كل واحدة اثنتان) لأنه يحصل لها
بالقسم من كل منهما ربع. (و) تكمل (بالثلاث) أي فيما إذا قال: أوقعت عليكن أو بينكن ثلاثا.
(والأربع) فيما إذا قال: أوقعت بينكن أو عليكن أربعا، (بكل واحدة ثلاثا وكذا ما بعدها من
الصور) لما تقدم. (وإن قال) لأربع (أوقعت بينكن أو عليكن خمسا أو ستا أو سبعا أو
ثمانيا وقع بكل واحدة طلقتان)، وكذا لو أسقط لفظ أوقعت. لأن نصيب كل واحدة من
خمسة طلقة وربع، ومن ست طلقة ونصف، ومن سبع طلقة وثلاثة أرباع، ويكمل الكسر في
الجميع، ومن الثمان كل واحدة طلقتان. (وإن أوقع) على أربع (تسعا فأزيد) كأوقعت بينكن
عشرا فثلاث لما تقدم. (أو قال: أوقعت بينكن طلقة وطلقة فثلاث)، لأنه لما عطف وجب
قسم كل طلقة على حدتها، (وسواء في ذلك المدخول بها وغيرها) لأن الواو لا تقتضي ترتيبا
(و) إن قال (أوقعت بينكن طلقا فطلقة أو) قال: أوقعت (طلقة ثم طلقة أو أوقعت بينكن طلقة
وأوقعت بينكن طلقة أو أوقعت بينكن طلقة طلقن) الكل (ثلاثا، إلا التي لم يدخل بها فإنها
تبين بالأولى) فلا يلحقهما ما بعدها. (فإن قال) لزوجاته (أنتن طوالق ثلاثا أو) قال: (طلقتكن
ثلاثا طلقن ثلاثا ثلاثا) سواء المدخول بها وغيرها.
فصل
وإن قال لزوجته نصفك أو جزء منك أو أصبعك أو يدك
ولها يد، (أو دمك طالق طلقت) لأنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد
304

النكاح فأشبه الجزء الشائع، بخلاف زوجتك نصف بنتي أو يدها أو نحوهما فإنه لا يصح
النكاح. (لكن لو قال: إصبعك) طالق (أو يدك طالق ولا إصبع لها) في الأولى (ولا يد) في
الثانية لم تطلق، (أو قال: إن قمت فيمينك) مثلا (طالق فقامت بعد قطعها لم تطلق) لأنه
أضيف إلى ما ليس منها فلم يقع، وفي الأخيرة وجد الشرط ولا يمين لها فلم يقع. (وإن
قال) لها (شعرك) طالق (أو ظفرك) طالق (أو سنك أو لبنك أو منيك) طالق تطلق، لأن تلك الأجزاء
تنفصل عنها مع السلامة، فلا تطلق بإضافة الطلاق إليها كالحمل. (أو قال: سوادك أو
بياضك) طالق لم تطلق لأنه عرض، (أو) قال: (ريقك أو دمعك أو عرقك) طالق لم تطلق، لان
ذلك ليس جزءا منها. (أو) قال (روحك طالق لم تطلق) لأن الروح ليست عضوا ولا شيئا
يستمتع به، أشبهت السواد والبياض. (أو) قال (حملك) طالق لم تطلق، لأنه ليس جزءا منها
(أو) قال (سمعك أو بصرك طالق لم تطلق) لأنه عرض كالبياض والسواد. (وحياتك طالق
تطلق)، لأنه لا بقاء لها بدونهما فأشبه ما لو قال: رأسك طالق. (و) إن قال (أنت طالق شهرا أو
بهذا البلد صح) الطلاق (وتطلق في جميع الشهور والبلدان) لأنه إذا أوقع في شهر أو بلد
لم يرتفع في غيره. (وحكم عتق في الكل) أي كل ما تقدم مما يقع أو لا يقع، (كطلاق)
فمن قال: لقنه: يدك أو إصبعك أو حياتك أو جزء منك حر عتق كله، وإن قال له، شعرك أو
ظفرك ونحوه لم يعتق، وتقدم في العتق.
فصل
فيما تخالف به المدخول بها غيرها وإن قال لزوجة
مدخول بها بوطئ أو خلوة عن عقد صحيح: (أنت طالق أنت طالق ونوى بالثانية
الايقاع) أي إيقاع طلقة، (أو لم ينو بها) أي الثانية (إيقاعا ولا تأكيدا طلقت طلقتين) لأنه لفظ
يقتضي الوقوع بدليل ما لو لم يتقدمه مثله، وإنما ينصرف عن ذلك بنية التأكيد. فإذا لم توجد
305

رفع مقتضاه كما يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصص. (وإن نوى بالثانية
التأكيد) للأولى (أو) نوى (إتمامها) واتصل ذلك بالأولى فواحدة، لأنه صرف الثانية عن
الايقاع بنية التأكيد أو الافهام فلم يقع بها شئ (أو كانت) الزوجة المقول لها: أنت طالق
أنت طالق (غير مدخول بها فواحدة) ولو لم ينو بالثانية التأكيد، لأنها تبين بالأولى فلا
يلحقها ما بعدها وكذا لو كان النكاح فاسدا. (ويشترط في) اعتبار (التأكيد) والإفهام (أن
يكون متصلا فلو قال: أنت طالق ثم مضى زمن طويل) أي زمن يمكنه الكلام فيه. (ثم أعاد
ذلك للمدخول بها طلقت) طلقة (ثانية ولم تنفعه نية التأكيد) ولا الافهام، لأن التأكيد تابع
للكلام فشرطه أن يكون متصلا به كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل والإفهام نوع من
التأكيد اللفظي. (وإن) قال لمدخول بها: أنت طالق أنت طالق، و (نوى بالثالثة التأكيد) أي
تأكيد الأولى بالثانية (وإن أكد الثانية بالثالثة صح) التأكيد، (وقبل) منه فيقع ثنتان للاتصال
(وكذا تأكيد الأولى بهما) أي بالثانية والثالثة فيصح ويقبل منه لعدم الفصل (أو) أكد الأولى
(لم يقبل لعدم اتصال التأكيد) فتقع الثالثة حيث لم يقصد تأكيد الأولى بالثانية. (وإن أكد
بالثانية صح وقبل للاتصال، وإن قال: أطلقت نية التأكيد ولم أعن أولى ولا ثانية فواحدة.
(و) إن قال: (أنت طالق طالق طالق يقع واحدة) لأنه لم يعنها بلفظ يقتضي المغايرة، (ما لم
ينو أكثر) من واحدة فيقع ما نواه، لأن لفظه يحتمله. (و) إن قال: (أنت طالق وطالق وطالق وأكد
الأولى بالثانية لم يقبل لأنه غاير بينهما)، أي الثانية (وبين الأولى بحرف يقتضي المغايرة
و) يقتضي (العطف) وهو حرف العطف. (وهذا يمنع التأكيد) لأن التأكيد عين المؤكد
والمغايرة تمنعه. (وإن أكد الثانية بالثالثة قبل) منه (لأنها) أي الثالثة (مثلها) أي الثانية (في
لفظها) فلا مانع من التأكيد. (وإن قال: أنت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم
طالق فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو)، إن أكد الأولى بالثانية لم يقبل للمغايرة، وإن أكد
الثانية بالثالثة قبل لأنها مثلها. (وإن غاير بين الحروف) التي عطف بها (فقال: أنت طالق وطالق
ثم طالق أو) قال: أنت (طالق ثم طالق وطالق أو) قال: (أنت طالق فطالق أو) قال: أنت
306

(طالق ثم طالق وطالق فطالق، لم يقبل في شئ منها إرادة التأكيد) لا للأولى ولا للثانية. (لأن كل
كلمة مغايرة لما قبلها مخالفة لها في لفظها. والتأكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته، و) إن
قال: (أنت مطلقة أو مسرحة أنت مفارقة وأكد الأولى بهما) أي بالثانية والثالثة (قبل لأنه لم
يغاير بينهما بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ، بل أعاد اللفظة بمعناها) وهذا يعد
تأكيدا (وإن أتى) أي عطف هذه الجمل (بالواو) أو الفاء أو ثم (لم يقبل) منه إرادة التأكيد
لأنه يقتضي المغايرة المانعة من التأكيد كما تقدم، (وإن أتى بشرط أو استثناء أو صفة عقب
جملة اختص بها، فإذا قال: أنت طالق أنت طالق فهاتان جملتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى)
لعدم الأداة التي تقتضي التشريك بينهما. (فلو تعقب إحداهما بشرط) بأن قال: أنت طالق
أنت طالق إن قمت لم يتناول الأخرى فتقع الأولى في الحال، والثانية إذا وجد الشرط. (أو)
تعقب إحداهما (باستثناء) كقوله: أنت طالق أنت طالق إلا واحدة لم يتناول الأخرى فتقع
الثنتان، لأنه كاستثناء للكل كما لو قال: أنت طالق طلقة إلا طلقة. (ثم) تعقب إحداهما
(بصفة)، كأن يقول: أنت طالق أنت طالق قائمة. (لم يتناول الأخرى) فتقع الأولى في الحال
والثانية إذا قامت (بخلاف معطوف مع معطوف عليه فإنهما شئ واحد ولو تعقبه بشرط) أو
صفة (لعاد إلى الجميع). لأن حرف العطف يصير الجملتين كالواحدة. فإذا قال: أنت طالق ثم
طالق إن قدم زيد لم تطلق حتى يقدم، فيقع طلقتان ولو قال: أنت طالق وطالق صائمة طلقت
بصيامها طلقتين. (و) إن قال لمدخول بها: (أنت طالق فطالق أو) أنت طالق (ثم طالق أو)
أنت طالق (بل طالق، أو) أنت (طالق طلقة بل طلقتين) فثنتان، لأن حروف العطف تقتضي
المغايرة، وبل من حروف العطف إذا كان بعدها مفرد وهي هنا كذلك، لأن اسم الفاعل من
المفردات، وإن كان متحملا للضمير بدليل أنه يعرب والجملة لا تعرب، وإن قال: أنت طالق
لا بل أنت طالق فواحدة، لأنه قد صرح بنفي الأول ثم أثبته بعد نفيه، فيكون المثبت هو
المنفي. (أو) قال: أنت (طالق طلقة بعدها طلقة أو بل طلقة أو) أنت طالق طلقة (قبل طلقة أو
307

قبلها طلقة طلقت طلقتين) لأن ذلك صريح في الجميع واللفظ يحتمله. (وإن كانت) الزوجة
المقول لها ذلك (غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يلحقها ما بعدها). لأنها إذا بانت بالأولى
صارت كالأجنبية فلا يلحقها ما بعدها. (لكن لو أراد بقوله بعدها طلقة) أو بعد طلقة
(سأوقعها) بعد ذلك (قبل) منه (حكما). ولم يقع إذن سوى طلقة، لأن لفظه يحتمل ذلك
(وإن أراد بقوله قبلها طلقة) أو قبل طلقة (في نكاح آخر) قبل هذا (أو أن زوجا قبلي طلقها
قبل) منه حكما، (إن) كان (وجد ذلك) لأنه أدرى بنيته ولفظه محتمل. (و) إن قال (أنت
طالق طلقة معها طلقة أو) أنت طالق طلقة (مع طلقة، أو) أنت (طالق وطالق طلقت طلقتين
ولو غير مدخول بها)، لأنه أوقع الطلاق بلفظ يقتضي وقوع طلقتين معا. فوقعا كما لو قال
: أنت طالق طلقتين. (وإن قال): أنت طالق طلقة (معها اثنتان وقع ثلاث)، وإن كانت غير
مدخول بها لما تقدم. (و) الطلاق (المعلق) بشرط (ك‍) - الطلاق (المنجز في هذا) الحكم
المتقدم ذكره (سواء قدم الشرط أو أخره) أو أفرده (أو كرره. فلو قال: إن دخلت الدار فأنت
طالق ثم طالق ثم طالق) أو إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق. (فدخلت) الدار
(طلقت) المدخول بها (ثلاثا و) طلقت (واحدة إن كانت غير مدخول بها)، لأنها تبين بالأولى
فلا يلحقها ما بعدها. (و) إن قال: (إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقة أو) فأنت طالق
طلقة. (مع طلقة فدخلت‍) - ها (طلقت طلقتين، ولو) كانت (غير مدخول بها) لما تقدم. (وإن قال
لغير مدخول بها: أنت طالق ثم طالق إن دخلت الدار) أو إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق
فطالق فدخلت‍) - ها، (طلقت واحدة) وبانت بها فلا يلحقها ما بعدها. (وإن قال: إن دخلت الدار
فأنت طالق، إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت‍) - ها (طلقت مدخول بها وغيرها) أي غير
مدخول بها (اثنتين) لأن التعليق يقتضي إيقاع الطلاق بشرط الدخول وقد كرر التعليق
308

فتكرر الوقوع كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين. (وإن قصد) بتكريره
(إفهامها أو تأكيدا) واتصل (وقع واحدة) فقط. لأن ما عداها مصروف عن الايقاع. (وإن
كرر الشرط مع الجزاء ثلاثا فقال: إن دخلت الدار فأنت طالق، إن دخلت الدار فأنت طالق
إن دخلت الدار فأنت طالق، طلقت) مدخول بها وغيرها (ثلاثا) بدخولها، لأن الصفة
وجدت فاقتضى وقوع الثلاث دفعة واحدة، (وقال الشيخ فيمن قال الطلاق يلزمه وكرره)
مرتين فأكثر، (لأفعلن كذا وكذا، لا يقع) إذا وجد المحلوف عليه (أكثر من طلقة، إذا لم
ينو) أكثر. ومقتضى كلام الأصحاب يقع بعدد ما كرره ما لم ينو إفهامها، أو تأكيدا ويكون
متصلا.
باب الاستثناء في الطلاق
الاستثناء استفعال من الثني، وهو الرجوع. يقال: ثنى رأس البعير إذا عطفه إلى ورائه،
فكأن المستثني رجع في قوله إلى ما قبله. (وهو) أي الاستثناء اصطلاحا (إخراج بعض
الجملة) أي بعض ما يتناوله اللفظ (ب‍) - لفظ (إلا، أو ما يقوم مقامها، كغير وسوى) بوزن
رضا وهدى وسماء وبناء (وليس، ولا يكون وحاشا وخلا وعدا) مقرونين بما أو مجردتين
منها (من متكلم واحد)، لما يأتي من أنه يشترط لصحة الاستثناء نية قبل تمام المستثنى منه،
وذلك لا يصح أن يكون من متكلمين. والاستثناء واقع في الكتاب والسنة ولسان العرب.
(يصح استثناء النصف فأقل) لأنه كلام متصل أبان به أن المستثنى غير مراد بالأول فصح،
كما لو أتى بما عدا المستثنى بدون الاستثناء، ولولا ذلك لم يصح قول سيدنا إبراهيم: * (إنني
براء مما تعبدون إلا الذي فطرني) * يريد به البراءة من غير الله عز
وجل. وقال تعالى: * (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) * وليس
الاستثناء رافعا لواقع. وإنما هو مانع لدخول المستثنى في المستثنى منه. فيصح الاستثناء (من
طلقاته) كأنت طالق ثلاثا إلا واحدة (ومطلقاته) كنسائه طوالق إلا فلانة. (وإقراره) كله على
عشرة إلا أربعة ونحوه. و (لا) يصح استثناء (ما زاد عليه) أي النصف (نصا) ونصره في
309

الشرح وقواه ابن حمدان، وجاز الأكثر لأنه مسلم في قوله تعالى: * (إلا من اتبعك من
الغاوين) * لأنه لم يصرح بالعدد، وذكر أبو يعلى الصغير أنه استثناء بالصفة
وهو في الحقيقة تخصيص، وأنه يجوز فيه الكل، نحو: اقتل من في الدار إلا بني تميم،
وهو بنو تميم فيحرم قتلهم. (فإذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا) طلقت ثلاثا، لأن استثناء الكل
رفع لما أوقعه فلم يرتفع. (أو) قال: أنت طالق (ثلاثا إلا اثنتين) طلقت ثلاثا، لأن استثناء الأكثر
كالكل لأن الأكثر يقوم مقام الكل في مواضع كثيرة، (أو) قال: أنت طالق (خمسا إلا ثلاثا)
طلقت ثلاثا لما تقدم، (أو) قال: أنت طالق خمسا (إلا واحدة أو) أنت طالق (أربعا إلا
واحدة) طلقت ثلاثا لبقائها بعد الاستثناء. (أو قال) أنت طالق (ثلاثا إلا ربع طلقة) أو نصفها
أو سدسها ونحوه (طلقت ثلاثا)، لأن الطلقة الناقصة تكمل فتصير ثلاثا ضرورة أن الطلاق
لا يتبعض. (و) إن قال: (أنت طالق طلقتين إلا واحدة يقع واحدة) لصحة استثناء النصف
(وأنت طالق ثلاثا إلا واحدة) يقع ثنتان لأنه استثنى أقل من النصف فيصح. (أو) أنت طالق
ثلاثا (إلا اثنتين إلا واحدة) يقع اثنتان لأنه استثنى الواحدة مما قبلها، فيبقى واحدة وهي
مستثناة من الثلاث. فيصير كقوله: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة. (أو) أنت طالق (ثلاثا إلا واحدة
إلا واحدة) يقع اثنتان، لأن الاستثناء الأول صحيح دون الثاني. (أو) قال: أنت طالق ثلاثا (إلا
واحدة وإلا واحدة) يقع اثنتان لما تقدم. (أو) قال: أنت طالق (واحدة وثنتين إلا واحدة يقع
اثنتان، لأنها الباقية بعد المستثنى. (أو) قال: أنت طالق (أربعا إلا اثنتين يقع اثنتان)، لأنه استثناء
للنصف بحسب ما تكلم به. (و) أنت طالق (ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة) يقع ثلاثا لأنه لما
استثنى واحدة من الثلاث بقي بعدها اثنتان استثناهما من الثلاث، وهما أكثر من نصفها فلم
يصح الاستثناء. (أو) قال: أنت طالق (خمسا) إلا ثلاثا، (أو) أنت طالق (أربعا إلا ثلاثا) وقعت
الثلاث ولم يصح الاستثناء لأنه أكثر من النصف. (أو) أنت (طالق وطالق وطالق إلا واحدة
أو إلا طلاقا) يقع ثلاث، لأن الاستثناء يرجع إلى ما يليه فيكون استثناء لكله فلا يصح. (أو)
أنت طالق (طلقتين وواحدة إلا واحدة) يقع ثلاثا لما ذكرنا بخلاف ما سبق من قوله: أنت
طالق واحدة واثنتين إلا واحدة فيقع ثنتان. (أو) أنت طالق (طلقتين ونصفا إلا طلقة) يقع
310

ثلاث بتكميل النصف، وإلغاء الاستثناء لرجوعه إلى ما يليه، فيكون استثنى أكثر من المستثنى
منه فلا يصح. (أو) قال: أنت طالق (ثنتين وثنتين إلا ثنتين) يقع ثلاثا، ويلغى الاستثناء لعوده
إلى ما يليه. (أو) أنت طالق ثنتين وثنتين (إلا واحدة يقع ثلاثا)، لأنها الباقية بعد الاستثناء
(كعطفه بالفاء أو) عطفه (بثم)، كقوله: أنت طالق ثنتين فثنتين إلا ثنتين أو إلا واحدة، أو أنت
طالق ثنتين ثم ثنتين إلا ثنتين أو إلا واحدة فيقع بذلك ثلاث. لأن الكلام صار جملتين
للترتيب الحاصل بالعطف بالفاء أو بثم، فاستثناء الاثنتين من الاثنتين استثناء للكل، واستثناء
الواحدة إن عاد للرابعة فقد بقي بعدها ثلاث، وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين كان
استثناء للجميع وهو ممنوع. (ولو أراد الاستثناء من المجموع في قوله) أنت (طالق وطالق
وطالق إلا واحدة دين) أي قبل منه بالإضافة إلى ما بينه وبين الله. لأن لفظه محتمل. (وقبل)
منه حكما (فيقع اثنتان) لأنه استثناء لأقل من النصف. (والاستثناء يرجع إلى ما تلفظ به)
بدليل ما تقدم و (لا) يرجع (إلى ما يملكه) خلافا للقاضي، وابن اللحام في قواعده.
(ويشترط فيه) أي الاستثناء. (وفي شرط) متأخر كانت طالق إن دخلت الدار (ونحوه) كالصفة
نحو أنت طالق قائمة، وكذا عطف مغاير كقوله: أنت طالق أو لا. (اتصال معتاد لفظا أو
حكما)، لأن الاتصال يحتمل اللفظ جملة واحدة فلا يقع الطلاق قبل تمامها بخلاف غير
المتصل، فإنه لفظ يقتضي رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه والاتصال لفظا
أن يأتي به متواليا وحكما، (كانقطاعه بتنفس ونحوه) كسعال وعطاس. قال الطوخي: فلا يبطله
الفصل اليسير ولا ما عرض من سعال ونحوه، ولا طول كلام متصل بعضه ببعض. (و) يشترط
أيضا في استثناء (نية قبل تمام المستثنى منه) فقوله: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة لا يعتد
بالاستثناء إلا إن نواه قبل تمام قوله: أنت طالق ثلاثا. (وقطع جمع. و) تصح نيته (بعده)
أي بعد تمام المستثنى منه (قبل فراغه) من كلامه بأن يأتي به ناويا له عند تمامه قبل أن
يسكت. (واختاره) أي اختار القول بصحة نيته بعد تمام المستثنى منه قبل فراغه (الشيخ و)
تلميذه (ابن القيم في أعلام الموقعين، وقال الشيخ:) دل عليه كلام أحمد ومتقدمي أصحابه،
وقال (لا يضر فصل يسير وباستثناء) قال: وفي القرآن جمل قد فصل بني أبعاضها بكلام
آخر. كقوله تعالى: * (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا - إلى قوله - هدى الله) * (آل
311

عمران: 72، 73). فصل بين الكلام والمحكي عن أهل الكتاب. وكذا حكم شرط متأخر
وعطف مغاير ونحوه كما تقدم. (و) إذا قال (أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت
الثلاث). لأن العدد نص فيما تناوله فلا يرتفع بالنية لأن اللفظ أقوى وقع ارتفع بالنية لرجح
المرجوح على الراجح. (وإن قال: نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق)، لأنه لا يسقط
وإنما استعمل العموم في الخصوص، وذلك شائع بخلاف ما قبلها وما بعدها. (وإن قال
نسائي الأربع أو الثلاث أو الاثنتين) بالنصب للأربع فما بعده على أنه مفعول لفعل محذوف
كأعني (طوالق واستثنى واحدة بقلبه. منهن طلقت في الحكم)، أي في الظاهر. قال في
الانصاف: على الصحيح من المذهب وقطع به الأكثر ولم تطلق في الباطن. قدمه في
الرعايتين والحاوي الصغير. وقيل: تطلق أيضا وهو الصحيح من المذهب. قدمه في الفروع.
وهو ظاهر ما جزم به الزركشي والخرقي، انتهى. وهذا ظاهر المنتهى. لأن النص فيما
يتناوله، فلا يرتفع منه شئ بمجرد النية لأنها أضعف منه كما تقدم (وإن قالت له امرأة من
نسائه: طلقني، فقال: نسائي طوالق ولا نية له) طلقن كلهن، لأن لفظه يتناولهن. (أو قالت له)
امرأة من نسائه (طلق نساءك. فقال: نسائي طوالق طلقن كلهن)، لأن اللفظ عام فيها ولم يرد
به غير مقتضاه، فوجب العمل بعمومه كالصورة الأولى. (فإن أخرج السائلة بنيته) بأن استثناها
بقلبه (دين) فيما بينه وبين الله لأن لفظه يحتمله (في الصورتين) أي صورة طلقني وصورة
طلق نساءك. (ولم يقبل في الحكم فيهما) أي في الصورتين. أما في الصورة الأولى فلان
طلاقها جواب سؤالها الطلاق لنفسها. فلا يصدق في الحكم في صرفه عنها، لأنه يخالف
الظاهر وسبب الحكم، فلا يجوز إخراجه من العموم بالتخصيص. وأما الثانية ففي المبدع
وشرح المنتهى وغيرهما، يقبل منه حكما أنه استثناها بقلبه لأن خصوص السبب يقدم على
عموم اللفظ، ولان السبب يدل على نيته.
312

باب الطلاق في الماضي والمستقبل
أي تقييد الطلاق بالزمن الماضي والزمن المستقبل (إذا قال: أنت طالق أمس. أو)
أنت طالق (قبل أن أتزوجك ونوى وقوعه إذن) أي حين التكلم (وقع) الطلاق في الحال لأنه
مقر على نفسه بما هو الأغلظ عليه. (وإلا) أي وإن لم ينو وقوعه إذن بأن أطلق أو نوى
إيقاعه في الماضي، (لم يقع) الطلاق لأنه رفع للاستباحة، ولا يملك رفعها في الزمن
الماضي. فلم يقع، كما لو قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم. وحكى عن
أبي بكر أنه يقع إذا قال: قبل أن أتزوجك ولا يقع إذا قال: أنت طالق أمس. فعلى القول
بوقوعه (وإن قال: أردت أن زوجا قبلي طلقها، أو) قال: أردت أني (طلقتها أنا في نكاح
قبل هذا قبل منه إن كان) ذلك (قد وجد)، لأن لفظه محتمل له. (ما لم تكن قرينة من غضب
أو سؤالها الطلاق ونحوه) فلا يقبل منه ذلك، لأنه خلاف الظاهر. (فإن مات) بعد قوله: أنت
طالق أمس أو قبل أن أتزوجك (أو جن أو خرس قبل العلم بمراده لم تطلق) لأن العصمة
متيقنة فلا تزل بالشك (و) وإن قال: (أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم) زيد (قبل مضيه) أي
الشهر لم تطلق، لأنه تعليق للطلاق على صفة ممكنة الوجود فوجب اعتبارها. (أو) قدم (معه)
أي مع مضي الشهر (لم تطلق)، لأنه لا بد من جزء يقع الطلاق فيه بعد مضي الشهر. (ويحرم)
على من قال لزوجته ذلك. (وطؤها من حين عقد الصفة إن كان الطلاق يبينها) لأن كل شهر
يأتي محتمل أن يكون شهر وقوع الطلاق فيه. قال أبو العباس: تأملت نصوص الامام
فوجدته يأمر باعتزال الرجل زوجته في كل يمين حلف الرجل عليها بالطلاق، وهو لا يدري
أبار هو أو حانث حتى يستبين أنه بار. فإن لم يعلم أنه بار اعتزلها أبدا. وإن علم أنه بار في
وقت وشك في وقت اعتزلها وقت الشك. ثم ذكر فروعا من ذلك كما نقله عنه في
الاختيارات، وذكر بعضه في الحاشية. (ولها) أي للزوجة المقول لها ذلك (النفقة) من حين
التعليق (إلى أن يتبين وقوع الطلاق) لأن الأصل بقاء الزوجية وهي محبوسة لأجله. (وإن
قدم) زيد (بعد شهر وجزء يسع وقوع الطلاق تبينا وقوعه فيه) أي وقوع الطلاق في ذلك
الجزء عقب التعليق لوجود شرطه (و) تبينا (أن وطأه) في الشهر (محرم) إن كان الطلاق بائنا
313

لأنها أجنبية منه. (فإن كان وطئ) بعد التعليق (لزمه المهر) بما نال من فرجها (إن كان
الطلاق بائنا)، وإن كان رجعيا فلا تحريم ولا مهر. وحصلت به رجعتها (وإن خالعها بعد
اليمين) أي التعليق المذكور (بيوم فأكثر) من يوم (كثرة يقع الخلع معها قبل الطلاق بحيث
لا تكون) المخلوعة (معها)، أي مع الكثرة حين الخلع بائنا) وقت الخلع. (وكان الطلاق
المعلق بائنا ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين صح الخلع وبطل الطلاق) المعلق لأن محل وقوع
الطلاق صادفها بائنا بالخلع. (وإن قدم) زيد (بعد شهر وساعة) من حين التعليق (وقع الطلاق
البائن) لوجود شرطه (دون الخلع) فلا يصح، (وترجع بالعوض) لأنا تبينا أنها كانت حينه بائنا
بالطلاق. (وإن كان الطلاق) المعلق (رجعيا صح الخلع قبل وقوع الطلاق وبعده)، لأن الرجعية
زوجة يصح خلعها (ما لم تنقض عدتها)، فإن انقضت عدتها بانت ولم يصح الخلع إن تبينا
وقوعه بعدها. قلت: إن وقع الخلع حيلة لاسقاط يمين الطلاق لم يصح كما تقدم. (وكذا
الحكم لو قال: أنت طالق قبل موتي بشهر). فإن مات أحدهما قبل مضي شهر أو معه لم يقع
الطلاق، وإن مات قبل عقد اليمين بشهر وساعة تبينا وقوع الطلاق في تلك الساعة. (لكن. لا
إرث ل‍) - مطلقة (بائن) في تلك الصورة (لعدم التهمة) بحرمانها الميراث، (وإن مات أحدهما)
أي أحد الزوجين (بعد عقد الصفة) أي بعد التعليق المذكور (بيومين ثم قدم زيد بعد شهر
وساعة من حين عقد الصفة، لم يرث أحدهما الآخر) لعدم التهمة كما تقدم. (إلا أن يكون)
الطلاق (رجعيا فإنه لا يمنع التوارث ما دامت) الرجعية له (في العدة)، لأنها زوجة إذن. (وإن
قدم) زيد (بعد الموت بشهر وساعة. وقعت الفرقة بالموت) لسبقه وجود الصفة. (ولم يقع
الطلاق) المعلق (وإن قال: إذا مت فأنت طالق قبله بشهر لم يصح) ذلك التعليق. لأنه جعل
الموت شرطا لطلاقها، وهي تبين فيه. فلم يتأت ذلك بخلاف أنت طالق قبل موتي بشهر،
فإن لم يجعل موته شرطا يقع به الطلاق عليها قبل شهر وإنما رتبه فوقع على ما رتبه (وإن
314

قال: أنت طالق قبل موتي) طلقت في الحال، (أو) قال: أنت (طالق قبل موتك) طلقت في
الحال. (أو) قال: أنت طالق (قبل موت زيد) طلقت في الحال، (أو) قال: أنت طالق (قبل
قدومه) طلقت في الحال، (أو) قال: أنت طالق (قبل دخولك الدار طلقت في الحال)، لأن ما
قبل تلك الأشياء من حين عقده أو الصفة. فكله محل للطلاق في أوله. قال القاضي: سواء
قدم زيد أو لم يقدم بدليل قوله تعالى: * (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا
لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) * ولم يوجد
الطمس في المأمورين، ولو قال لغلامه: اسقني قبل أن أضربك فسقاه في الحال عد ممتثلا
وإن لم يضربه. (وإن قال) أنت طالق (قبيل موتي، أو قال) أنت طالق (قبيل قدوم زيد) أو
موته. أو قبيل دخولك الدار ونحوه (لم يقع) الطلاق (في الحال ويقع) الطلاق (في الوقت
الذي يليه الموت) أو القدوم أو الدخول. لأن التصغير يقتضي كون الذي يبقى جزء يسير
و (إن قال) أنت (طالق قبيل موت زيد وعمرو بشهر)، فقال القاضي: تتعلق الصفة بأولهما
موتا وهو المراد بقوله (وقع بأولهما موتا) يعني قبل بشهر، لأن اعتباره بالثاني يفضي إلى
وقوعه بعد موت الأول، واعتباره بالأول لا يفضي إلى ذلك فكان أولى. (وإن قال): أنت
طالق (بعد موتي. أو بعد موتك أو) أنت طالق (مع موتي أو) أنت طالق (مع موتك لم تطلق)، لأن البينونة
حصلت بالموت فلم يبق نكاح يزيله الطلاق والموت سبب الحكم بالبينونة، فلا يجامعه وقوع
الطلاق كما أنه لا يجامع البينونة. (وإن قال) أنت طالق (يوم موتي) أو موتك أو موت زيد
(طلقت في أوله)، أي أول اليوم الذي يموت فيه، لأن كل جزء من ذلك اليوم يصلح لوقوع
الطلاق فيه، ولا مقتضى لتأخيره عن أوله، فوقع في أوله.
قلت: قياس ما قدمته عن الشيخ تقي الدين: أنه يحرم وطؤها في كل يوم من حين
التعليق، لأنه كل يوم يحتمل أن يكون يوم الموت. (ولو قال) لزوجيه (أطولكما حياة طالق
فبموت إحداهما يقع الطلاق) بالأخرى، (إذن)، أي عند موت إحداهما لأنه بموت إحداهما
يعلم أن الباقية أطولهما حياة. و (لا) يقع الطلاق المعلق بذلك (وقت يمينه) أي حال عقد
الصفة كسائر أنواع الطلاق المعلق بصفة، كأنت طالق صائمة. إنما يقع عند وجود الصفة لا
حال عقدها. (وإن تزوج أمة أبيه) بشرطه، (ثم قال لها: إذا مات أبي فأنت طالق. أو) قال لها
315

(إذا اشتريتك فأنت طالق، فمات أبوه أو اشتراها طلقت) لأن الموت أو الشراء سبب ملكها
وطلاقها، وفسخ النكاح يترتب على الملك، فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ
فيثبت حكمه. (ولو قال) لها (إذا ملكتك فأنت طالق، فمات أبوه أو اشتراها لم تطلق). لان
الطلاق يقع عقب الملك وقد صادفها مملوكة فلا يقع. (فإن كانت مدبرة) أي دبرها أبوه وقال
لها الزوج: إن مات أبي فأنت طالق. (ف‍) - مات أبوه (وقع الطلاق) لأن الحرية تمنع ثبوت
الملك له فلا ينفسخ نكاحه فيقع طلاقه. (و) وقع (العتق) لأنه معلق بالموت ومحل وقوع
العتق (إن خرجت من الثلث) أو أجاز الورثة حيث قلنا: هي تنفيذ، فإن كان على الأب دين
مستغرق تركته لم تعتق، والأصح أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة، فهو كما لو لم يكن
عليه دين في فسخ النكاح على ما اختاره القاضي وقدمه في الكافي والمقنع، وجزم به
في الوجيز. (وإن لم تخرج من الثلث) بل بعضها (فكذلك) ينفسخ النكاح ولا تطلق على ما
اختاره القاضي وقدمه في الكافي والمقنع وجزم به في الوجيز (لملك الابن جزءا منها أو)
ملكه (كلها، فينفسخ النكاح) فلا يقع الطلاق وعلى ما جزم به المصنف تبعا لما اختاره
القاضي في الجامع والشريف وأبو الخطاب، وقدمه في المحرر والفروع، وهو رواية في
التبصرة تطلق لما تقدم من أن الموت والطلاق سبب ملكها وطلاقها وفسخ النكاح يترتب
على الملك، فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه.
فصل
ويستعمل طلاق ونحوه
كالعتق والظهار، (كما يأتي استعمال القسم) بالله تعالى، (ويجعل جواب القسم جوابا له
في غير المستحيل فإذا قال: أنت طالق لأقومن وقام لم تطلق). لأنه حلف قد بر فيه فلم
يحنث كما لو حلف بالله تعالى. (فإن لم يقم في الوقت الذي عينه حنث) كما لو حلف عليه
316

بالله، فإن لم يعين وقتا بلفظ ولا نية حنث باليأس، أي قبيل موت أحدهما. (و) إن قال: (أنت
طالق إن أخاك لعاقل، وكان أخوها عاقلا لم يحنث، وإن لم يكن أخوها عاقلا حنث) الزوج
(كما لو قال: والله إن أخاك لعاقل، وإن شك في عقله لم يقع الطلاق). لأن الأصل بقاء
النكاح فلا يزول بالشك. (و) إن قال (أنت طالق لا أكلت هذا الرغيف فأكلته حنث). وإلا فلا
(و) إن قال: (أنت طالق ما أكلتيه لم يحنث إن كان صادقا) وإلا حنث (كما لو قال: والله ما
أكلته، و) إن قال: (أنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقا لم تطلق)، وإلا طلقت كما لو
حلف عليه بالله. (ولو قال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال: أنت طالق لأكرمنك
طلقت في الحال). لأنه حلف بطلاقها. (و) إن قال: (إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق، ثم
قال: عبدي حر لأقومن طلقت) لوجود الحلف بعتق عبده. (وإن قال: إن حلفت بطلاق امرأتي
فعبدي حر، ثم قال: أنت طالق لقد صمت أمس عتق العبد)، لأنه قد حلف بطلاق امرأته. (وإن
علق الطلاق على وجود فعل مستحيل عادة)، أي في العادة (أو) علقه على فعل مستحيل (في
نفسه)، أي لذاته فمثاله (الأول) أي المعلق على مستحيل عادة، (كأنت طالق إن صعدت
السماء أو) إن (شاء الميت أو) إن شاءت (البهيمة، أو) إن (طرت أو) إن (قلبت الحجر ذهبا
أو إن شربت ماء هذا النهر كله، أو) إن (حملت الجبل ونحوه) كانت طالق لا صعدت السماء
أو لا شاء الميت، (و) مثال (الثاني) أي المعلق على مستحيل في نفسه (كان رددت أمس أو
جمعت بين الضدين) فأنت طالق، (أو إن كان الواحد أكثر من اثنين أو إن شربت ماء هذا
الكوز ولا ماء فيه)، فأنت طالق لم تطلق (كحلفه بالله عليه)، لأنه علق الطلاق بصفة لم
توجد. ولان ما يقصده بتقييده يعلق على المحال، قال تعالى في حق الكفار: * (ولا يدخلون
الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) * (الأعراف: 40).
317

وقال الشاعر:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب
أي لا آتيهم أبدا. (وإن علقه) أي الطلاق (على عدمه)، أي عدم الفعل المستحيل
عادة أو في نفسه، (ك‍) - قوله (أنت طالق لأشربن ماء الكوز ولا ماء فيه علم) الحالف
(أن فيه ماء أو لم يعلم) ذلك طلقت في الحال، (أو) قال: أنت طالق (إن لم أشربه) أي
ماء الكوز، (و) الحال أنه (لا ماء فيه) طلقت في الحال. (أو) قال: أنت طالق (لأصعدن
السماء، أو إن لم أصعدها أو) قال: أنت طالق (إذا) طلعت الشمس، أو أنت طالق لا
(طلعت الشمس، أو) قال: أنت طالق (لأقتلن فلانا فإذا هو ميت) طلقت في الحال سواء
(علمه) ميتا (أو لا، أو) قال: أنت طالق (لأطيرن ونحوه) كانت طالق إن لم يشأ فلان الميت
(طلقت في الحال). لأنه علق الطلاق على نفي المستحيل، وعدمه معلوم في الحال وفي
المآل، فوقع الطلاق. (كما لو قال: أنت طالق إن لم أبع عبدي فمات العبد) قبل بيعه، فإنه
يحنث قبيل موته لليأس من فعل المحلوف عليه (وعتق وظهار وحرام ونذر ويمين بالله
كطلاق) فيما تقدم ذكره. (وإن قال) لزوجته (أنت طالق اليوم إذا جاء غد، لم تطلق في
اليوم ولا) في (غد) لعدم تحقق شرطه إذ مقتضاه أنت طالق اليوم إذا جاء غد، ولا يأتي
الغد إلا بعد ذهاب اليوم وذهاب محل الطلاق. (وأنت طالق ثلاثا على مذهب السنة
والشيعة واليهود والنصارى، طلقت ثلاثا لاستحالة الصيغة لأنه لا مذهب لهم) أي للشيعة
واليهود والنصارى. (ولقصد التأكيد فإن) قال: أنت طالق على مذهب السنة والشيعة
واليهود والنصارى، و (لم يقل ثلاثا فواحدة) لعدم ما يقتضي التكرار. (إن لم ينو أكثر
ومثله أنت طالق ثلاثا على سائر المذاهب) فتقع الثلاث، وأنت طالق على سائر المذاهب
يقع واحدة إن لم ينو أكثر.
318

فصل
في الطلاق في زمن مستقبل إذا قال
لزوجته أنت طالق غدا طلقت في أوله عند طلوع فجره، (أو) قال: أنت طالق (يوم
السبت) طلقت في أوله، (أو) قال: أنت طالق (في رجب طلقت بأول ذلك)، لأنه جعل ذلك
ظرفا للطلاق، فإذا وجد ما يكون ظرفا طلقت. (كما لو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق، فإذا
دخلت أول جزء منها طلقت)، وحاصله أنه إذا علق الطلاق بشهر أو وقت عينه وقع في أوله،
(وأما إذا قال: إن لم أقضك حقك في شهر رمضان فامرأتي طالق، لم تطلق حتى يخرج) شهر
(رمضان قبل قضائه)، لأنه إذا قضاه في آخره لم توجد الصفة. (وفي الموضعين) أي فيما إذا
قال: أنت طالق غدا ونحوه، وفيما إذا قال: إن لم أقضك حقك شهر رمضان إلخ. (لا يمنع من
وطئ زوجته قبل الحنث) لبقاء الزوجية، (و) إذا قال: (أنت طالق اليوم أو) قال: أنت طالق
(في هذا الشهر، أو) قال: أنت طالق (في) هذا (الحول طلقت في الحال)، لأن اليوم والشهر
والحول ظرف لايقاع الطلاق، فوجب أن يقع إذن. (فإن قال: أردت) أن الطلاق إنما يقع (في
آخر هذه الأوقات أو في وسط الشهر أو يوم كذا منه أو في النهار دون الليل) أو عكسه (دين
وقبل حكما)، لأنه يجوز أن يريد ذلك فلا يلزمه الطلاق في غيره، وإرادته لا تخالف ظاهره
إذ ليس أوله أولى في ذلك من غيره، (إلا في قوله) أنت طالق (غدا أو يوم السبت فلا يدين
ولا يقبل حكما) إذا قال: أردت أحدهما أو وسطهما ونحوه، لأنه مخالف لمقتضى اللفظ إذ
مقتضاه الوقوع في كل جزء منه ليعم جملته. كما لو قال: لله علي أن أصوم رجب لزمه صوم
جميعه، ولا يكون واقعا في جميعه، إلا إذا وقع من أوله، بخلاف ما لو قال: في غد أو في يوم
السبت، فإن مقتضاه الوقوع في جزء منه وهو صادق في جزء منه، وهو صادق بجميع أجزائه.
وكذلك لو قال: لله علي أن أصوم في رجب أجزأه يوم منه. أشار إليه ابن الزيداني في
319

فروعه نقلا عن أبيه. (و) إن قال: (أنت طالق في أول رمضان أو في غرته أو) قال: أنت
طالق (غرته أو في رأسه أو استقباله أو مجيئه، طلقت بأول جزء منه ولم يقبل قوله: أردت
آخره أو وسطه ونحوه ظاهرا ولا باطنا). لأنه لا يحتمله. وإن قال: أردت بالغرة اليوم الثاني
قبل منه، لأن الثلاث الأول من الشهر تسمى غررا. (وإن قال) أنت طالق (بانقضاء رمضان
أو) ب‍ (- انسلاخه أو) ب‍ (- نفاده أو) ب‍ (- مضيه، طلقت في آخر جزء منه) لأن ذلك مؤدى
تعليقه. (وإن قال) أنت طالق (أول نهار رمضان أو) قال: أنت طالق (أول يوم منه طلقت
بطلوع فجر أول يوم منه)، أي من رمضان. لأنه أول اليوم والنهار. (و) إن قال (أنت طالق إذا
كان رمضان أو) أنت طالق (إلى رمضان، أو) أنت طالق (إلى هلال رمضان، أو) أنت طالق
(في هلال رمضان، طلقت وقت يستهل) رمضان، (إلا أن يكون أراد من الساعة إلى الهلال
فتطلق في الحال)، أي حال التلفظ بذلك. لأن من لابتداء الغاية. (وإن قال) أنت طالق (في
مجئ ثلاثة أيام طلقت في أول اليوم الثالث) إذن، (و) إن قال (أنت طالق اليوم أو غدا)
طلقت في الحال. (أو) قال: (أنت طالق غدا أو بعد غد طلقت في أسبق الوقتين)، وكذا لو
قال: أنت طالق في هذا الشهر أو الآتي. (و) إن قال (أنت طالق اليوم وغدا أو بعد غد، أو)
قال: أنت طالق (في اليوم وفي غد وفي بعده فواحدة في الأولى). وهي قوله: أنت طالق اليوم
وغدا أو بعد غد. لأنها إذا طلقت اليوم كانت طالقا غدا وبعد غد. (كقوله): أنت طالق (كل
يوم و) يقع (ثلاث) مرات في (الثانية). وهي قوله: أنت طالق في اليوم وفي غد وفي بعده، فتطلق
في كل يوم طلقة. لأن إنبائه بقي وتكراره يدل على تكرار الطلاق. (كقوله): أنت طالق (في
كل يوم، وإن قال: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم، أو أسقط اليوم الأول أو) أسقط
(اليوم الأخير، ولم يطلقها في يومه وقع) الطلاق (في آخر جزء منه). لأن خروج اليوم يفوت
320

به طلاقها. فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الامكان كموت أحدهما في اليوم. لأن معنى
يمينه إن فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه، فإذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فقد فاته
طلاقها فوقع حينئذ. (ويأتي في الباب بعده إذا أسقط اليومين، و) إن قال (أنت طالق اليوم إن
لم أتزوج عليك اليوم. طلقت في آخره) أي اليوم. (إن لم يتزوج فيه) لما تقدم في التي قبلها
وكذا أنت طالق اليوم إن لم أشتر لك اليوم ثوبا أو نحوه، (وإن قال لعبده: إن لم أبعك اليوم
فامرأتي طالق، فلم يبعه حتى خرج اليوم طلقت) في آخره لما سبق. (فإن عتق العبد) في اليوم
أو مات أي العبد في اليوم (أو مات الحالف) في اليوم، (أو) ماتت (المرأة في اليوم طلقت)
قبيل ذلك، لأنه قد فاته بيعه فيه (وإن دبره أو كاتبه) أو علق عتقه بصفة (لم تطلق قبل خروج
اليوم لجواز بيعه)، لأن الكتابة ونحوها لا تمنعه.
قلت: فإن نذر عتقه نذر تبرر. وقلنا: لا يصح بيعه حنث قبيله كما تقدم. (وإن وهبه)
أي العبد (لانسان) ولو غير ولده (لم يقع الطلاق) قبل مضي اليوم، (لأنه يمكن عوده إليه) في
اليوم (فيبيعه في اليوم) فلا يتحقق اليأس قبل مضيه. (وإن قال: إن لم أبع عبدي فامرأتي
طالق ولم يقيده باليوم) بلفظه ولا نيته. (فكاتب العبد لم يقع الطلاق)، لأن المكاتب يصح بيعه
، (فإن عتق بالكتابة أو غيرها) بأن أدى ما عليه أو أعتقه ونحوه، (وقع) الطلاق قبيله. لأنه فاته
بيعه. (وإن قال لزوجاته الأربع: أيتكن لم أطأها الليلة فصواحباتها طوالق، ولم يطأ تلك الليلة
واحدة) منهن، (طلقن ثلاثا) ثلاثا، (ويأتي في الباب بعده) موضحا.
فصل
وإن قال: أنت طالق يوم يقدم زيد أو قال
أنت طالق (في اليوم الذي يقدم فيه زيد فماتت) في اليوم قدومه، (أو مات) الحالف في
321

يوم قدومه، (أو ماتا) أي الزوجان (في يوم قدومه، أو لم يمت واحد منهما في ذلك اليوم، تبين
أن طلاقها وقع من أول اليوم) الذي قدم فيه زيد من طلوع فجره. كما لو قال: أنت طالق يوم
الجمعة. (و) إن قال (أنت طالق في شهر رمضان إن قدم زيد، فقدم) زيد (فيه) أي في رمضان
(طلقت من أوله)، أي أول رمضان فيتبين أنها طلقت من غروب الشمس من آخر يوم شعبان
، قياسا على التي قبلها، بخلاف ما لو قال: أنت طالق في شهر رمضان إذا قدم زيد، فإنها تطلق
عقب قدومه. (و) إن قال (أنت طالق في غد إذا قدم زيد. فماتت قبل قدومه لم تطلق)، لأن إذا
اسم زمان مستقبل فمعناه: أنت طالق غدا وقت قدومه. (وإن قدم زيد والزوجان حيان طلقت
عقب قدومه) لوجود الصفة. (و) إن قال: (أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة)، لأن من
طلقت اليوم فهي طالق غدا. (إلا أن يريد أنها طالق اليوم طلقة وطالق غدا طلقة فتطلق اثنتين
في اليومين) على حسب ما أراده. (فإن قال: أردت أنها تطلق في أحد اليومين، طلقت) في (اليوم
ولم تطلق غدا). لأنه جعل الزمان كله ظرفا للطلاق فوقع في أوله. (وإن أراد نصف طلقة اليوم
ونصف طلقة غدا فثنتان) لأن كل نصف يكمل ضرورة عدم تبعيض الطلاق. (وإن نوى نصف
طلقة اليوم وباقيها غدا طلقت اليوم واحدة). لأنه إذا قال: نصفها اليوم كملت، فلم يبق لها بقية
تقع غدا. (و) إن قال: (أنت طالق إلى شهر، أو) أنت طالق (إلى حول، تطلق بمضيه). روي عن
ابن عباس وأبي ذر. ولأنه جعل ذلك غاية للطلاق، ولا غاية لآخره فوجب أن يجعل غاية
لأوله. ولان هذا يحتمل أن يكون توقيتا لايقاعه، كقول الرجل: أنا خارج إلى سنة أي بعد
سنة. فلم يقع الطلاق بالشك (إلا أن ينوي طلاقها في الحال فتطلق في الحال) عملا بنيته. (ك‍)
- قوله (أنت طالق إلى مكة ولم ينو بلوغها إلى مكة)، فيقع في الحال. وكذا أنت طالق بعد مكة
وتقدم. (و) إن قال: (أنت طالق من اليوم إلى سنة طلقت في الحال. فإن قال: أردت أن عقد
الصفة من اليوم و) أن (وقوعه بعد سنة لم يقع) الطلاق (إلا بعدها) أي السنة، عملا بنيته
322

واللفظ يحتمله. (وإن قال: أردت تكرير طلاقها من حين)، و (تلفظت إلى سنة طلقت في الحال
ثلاثا إن كانت مدخولا بها). وإلا بانت بالأولى ولم يلحقها ما بعدها. (و) إن قال. (أنت طالق
في آخر الشهر تطلق في آخر جزء منه)، أي الشهر، لأنه آخره. (وقيل) تطلق (بآخر فجر اليوم)
منه، (اختاره الأكثر). قاله في المبدع، وقطع به في المقنع وغيره. لأن آخر الشهر آخر يوم
منه. وإذا علق الطلاق على وقت تعلق بأوله، (و) إن قال: أنت طالق (في أول آخره تطلق
بطلوع فجر آخر يوم منه)، لأن آخر الشهر اليوم وأوله طلوع الفجر. (ويحرم وطؤه في تاسع
عشرين) لاحتمال أن يكون آخر الشهر. (ذكره ابن الجوزي) في المذهب. (والمراد إن كان
الطلاق بائنا) بخلاف الرجعي فيجوز وطؤها فيه. (و) إن قال: أنت طالق (في آخر أوله تطلق
في آخر أول يوم منه)، قاله في المقنع. قال في المبدع: على المذهب. قال في الانصاف:
هذا أحد الوجوه. قال ابن منجا في شرحه: هذا المذهب. قال في المغني والشرح: هذا
أصح، وقدمه في الهداية والمستوعب والرعايتين والحاوي الصغير وجزم به في الوجيز.
وقيل: تطلق بطلوع فجر أول يوم منه، وهذا المذهب. قال في الفروع: طلقت بطلوع فجر أول
يوم منه في الأصح، جزم به في النور وقدمه في المحرر. وقال أبو بكر: يعني في المسألتين
تطلق بغروب شمس الخامس عشر منه، انتهى. لأن نصف الشهر فما دون يسمى أوله، فإذا
شرع في النصف الثاني صدق أنه آخره فيجب أن يتحقق الحنث. لأنه أول آخره وآخر أوله
(و) إن قال: (إذا مضى يوم فأنت طالق، فإن كان) القول المذكور (نهارا وقع) الطلاق (إذا عاد
323

النهار إلى مثل وقته) الذي تلفظ فيه من أمس ذلك النهار ليكمل اليوم. (إن كان) قوله ذلك
(ليلا ف‍) - إنها تطلق (بغروب شمس الغد) أي غد تلك الليلة ليتحقق مضي يوم (و) إن قال
: (إذا مضت سنة فأنت طالق، طلقت إذا مضى اثني عشر شهرا بالأهلة، ويكمل الشهر الذي
حلف في أثنائه بالعدد) أي ثلاثين يوما حيث كان الحلف في أثناء شهر، فإذا مضى أحد عشر
شهرا بالأهلة أضاف إلى ما مضى من الشهر الأول قبل حلفه تتمة الثلاثين يوما. وإن اعتبرت
الأهلة حيث أمكن اعتبارها لأنها المواقيت التي جعلت للناس بالنص. (وإن قال: إذا مضت
السنة) فأنت طالق، (أو) قال: إذا مضت (هذه السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة).
لأنها لما ذكرها بلام التعريف انصرف إلى السنة المعروفة وهي التي آخرها ذو الحجة. (فإن
قال: أردت بالسنة اثني عشر شهرا دين وقبل) منه حكما، لأن لفظه يحتمله. (و) إن قال: (أنت
طالق في كل سنة طلقة طلقت الأولى في الحال) لأنه جعل السنة ظرفا للطلاق فيقع إذن. (و)
تطلق (الثانية في أول المحرم) لأن السنة الثانية ظرف للطلقة فتطلق في أولها. (وكذا الثالثة
إن بقيت الزوجة في عصمته) بأن استمرت الزوجة في عدتها أو ارتجعها في عدة الطلاق، أو
جدد نكاحها بعد أن بانت. (وإن بانت حتى مضت السنة الثالثة ثم تزوجها لم يقع) الطلاق،
(ولو نكحها في) السنة (الثانية) وقعت الطلقة عقب نكاحه، (أو) نكحها في السنة (الثالثة
وقعت الطلقة عقبه)، لأنه جزء من السنة التي جعلها ظرفا للطلاق ومحلا له. وكان سبيله أن
يقع أولها فمنع منه كونها غير محل للطلاق لعدم نكاحه حينئذ، فإذا عادت الزوجة وقع في
أولها. (فإن قال: أردت بالسنة اثني عشر شهرا قبل حكما)، لأن لفظه يحتمله (وإن قال: أردت
أن يكون أول السنين المحرم دين)، لأنه محتمل (ولم يقبل في الحكم) لأنه خلاف الظاهر
(و) إن قال (أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم نهارا مختارا حنث) لوجود الصفة، (علم القادم
باليمين أو جهلها)، أي اليمين (وسواء كان القادم ممن لا يمتنع بيمينه كالسلطان والحاج
والأجنبي، أو) كان (ممن يمتنع باليمين من القدوم كقرابة لهما أو لأحدهما أو غلام لأحدهما)
324

أي أحد الزوجين. (وإن قدم) زيد (ليلا طلقت إن نوى به) أي اليوم (الوقت أو لم ينو شيئا)،
لأن اليوم يطلق بمعنى الوقت، قال تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (الأنعام: 141)
وقال: * (ومن يولهم يومئذ دبره) * (وإن قدم) زيد (نهارا طلقت في أوله)، أي
من طلوع فجر يوم قدومه، وتقدم. (وإن قدم به) أي بزيد (ميتا أو مكرها لم تطلق)، لأنه لم
يقدم. وإنما قدم به (ومع النية) بأن يكون الحالف مثلا أراد بقدومه انتهاء سفره. (يحمل
الكلام عليها) أي على النية فيقع في المثال المذكور. (وإن قال) لزوجته أو غيرها: (إن تركت
هذا الصبي يخرج فأنت طالق، فانفلت الصبي بغير اختيارها فخرج) أي الصبي، (فإن كان)
الحالف (نوى أن (لا يخرج) الصبي بخروجه، (وإن نوى أ) ن (لا تدعه) أي تتركه (لم يحنث
نصا)، لأنها لم تتركه (وإن لم تعلم نيته) أي الحالف (انصرفت يمينه إلى فعلها، فلا يحنث إلا
إذا خرج) الصبي (بتفريطها في حفظه أو) خرج (باختيارها)، لأن ذلك مقتضى لفظه فلا يعدل
عنه إلا لمعارض ولم يتحقق، لكن إن كان لليمين سبب هيجها حملت عليه، كما يأتي في باب
جامع الايمان. فائدة: قال في بدائع الفوائد:
ما يقول الفقيه أيده الله وما زال عنده إحسان
في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما قبل قبله رمضان
في هذا البيت ثمانية أوجه، أحدها: هذا، والثاني قبل ما قبل بعده، والثالث: قبل ما بعده
بعده، والرابع: قبل ما قبل قبله، فهذه أوجه أربعة متقابلة، الخامس: قبل ما بعد قبله، والسادس: بعد
ما قبل بعده، والسابع: بعد ما بعد قبله، والثامن بعد ما بعد بعده. وتلخيصها أنك إن قدمت
لفظه بعد جاء أربعة أحدها إن كلها بعد الثاني بعد أن، وقبل الثالث قبلان، وبعد الرابع بعد أن
بينهما قبل. وإن قدمت لفظه قبل فكذلك. وضابط الجواب عن الأقسام أنه إذا اتفقت الألفاظ
فإن كانت قبل وقع الطلاق في الشهر الذي يقدمه رمضان بثلاثة شهور. فهو ذو الحجة. فكأنه
قال: أنت طالق في ذي الحجة. لأن المعنى أنت طالق في شهر رمضان قبل قبل قبله. فلو كان
رمضان قبله طلقت في شوال ولو قال: قبل قبله طلقت في ذي القعدة. وإن كانت الألفاظ كلها
بعد طلقت في جمادى الآخرة، لأن المعنى أنت طالق في شهر يكون رمضان بعد بعد بعده
، ولو قال: رمضان بعده طلقت في شعبان. ولو قال: بعد بعده طلقت في رجب. وإن اختلفت
325

الألفاظ وهي ست مسائل فضابطها أن كل ما اجتمع فيه قبل وبعد فألغهما نحو قبل بعده
وبعد قبله، واعتبر الثالث، فإذا قال: قبل ما بعده بعد أو بعد ما قبل قبله، فألغ اللفظين الأولين
يصير كأنه قال: أولا بعده رمضان فيكون شعبان، وفي الثاني كأنه قال قبله رمضان فيكون
شوالا، وإن توسطت لفظة بين متضادين نحو قبل بعد قبله، أو بعد قبل بعده، فألغ اللفظتين
الأوليين. ويكون شوالا في الصورة الأولى. كأنه قال في شهر قبله رمضان وشعبان في الثانية
كأنه قال: بعده رمضان وإن قال: بعد بعد قبله أو قبل قبل بعده، وهما تمام الثمانية طلقت في
الأولى في شعبان، كأنه قال: بعده رمضان، وفي الثانية في شوال. كأنه قال: قبله رمضان.
باب تعليق الطلاق بالشروط
قال في الاختيارات: تعليق الطلاق على شرط هو إيقاع عند ذلك الشرط، كما لو تكلم
به عند الشرط. ولهذا قال بعض الفقهاء: إن التعليق يصير إيقاعا في ثاني الحال، وقال بعضهم
: إنه متهيئ لأن يصير إيقاعا. (وهي) أي الشروط بمعنى التعاليق إذ الشرط يطلق على التعليق
وعلى الأداة، وعلى المعلق عليه، ففي كلامه استخدام لم يطابق المبتدأ والخبر لعموم الخبر
وفي بعض النسخ وهو: أي التعليق وهي أظهر (ترتيب شئ غير حاصل) حين الترتيب وهو
الطلاق والعتق ونحوه، (على شئ حاصل أو غير حاصل، بأن) بكسر الهمزة وسكون النون.
(أو إحدى أخواتها) من أدوات الشرط الجازمة وغيرها، نحو إن قام زيد فامرأته طالق أو
عبده حر ونحوه، أو إن كان قائما فامرأته طالق أو عبده حر ونحوه. (ويصح) التعليق مع
تقدم الشرط، كإن دخلت الدار فأنت طالق، (و) يصح أيضا مع (تأخره). أي الشرط كأنت طالق إن
دخلت الدار بشرط اتصاله ونيته قبل تمام أنت طالق، وتقدم في الاستثناء. (كتأخر) جواب
(القسم في قوله: طالق لأفعلن) فإنه يصح فإن فعل بر وإلا حنث بفوات ما عينه بلفظه أو
نيته، وإلا فباليأس. (ويصح) التعليق (بصريحه) كما تقدم. (و) يصح أيضا (بكنايته) أي
الطلاق (مع قصده) أي قصد الطلاق نحو أنت خلية إن لم تدخلي الدار إذا نوى بها الطلاق
وعلى ما تقدم أو وجدت قرينة من غضب أو سؤال طلاق. (ومن صح تنجيزه) للطلاق
(صح تعليقه) له على شرط لأداء التعليق مع وجود الصفة تطليق، فإذا علق الطلاق على
شرط وقع عند وجوده، أي إذا استمرت الزوجية. (وإن فصل بين الشرط وحكمه) أي جوابه
(بكلام منتظم: كأنت طالق يا زانية إن قمت لم يضر) ذلك الفصل، لأنه لا يعد فصلا عرفا
326

(ويقطعه) أي التعليق (سكوته وتسبيحه ونحوه) مما لا يكون الكلام معه متصلا، (كأنت طالق
استغفر الله إن قمت، أو) أنت طالق (سبحان الله إن قمت،) فيقع الطلاق منجزا. (وأنت طالق
مريضة رفعا ونصبا) أي برفع مريضة أو نصبها (يقع) الطلاق فيها (بمرضها)، لوصفها
بالمرض عند الوقوع أشبه الشرط. فكأنه قال: أنت طالق إذا مرضت، وانتصاب مريضة على
الحال وارتفاعها مبتدأ محذوف، والجملة حال. (وتعم من وأي المضافة إلى الشخص) أي يعم
(ضميرهما) سواء كان (فاعلا أو مفعولا)، فالأول: نحو من دخلت الدار فهي طالق، أو أيتكن
دخلت الدار فهي طالق، والثاني: نحو من أقمتها منكن فهي طالق
، أو أيتكن أقمتها فهي طالق. (ولا يصح) تعليق الطلاق (إلا من زوج) ولو مميزا يعلقه لما تقدم وكالمنجز. (فلو قال: إن
تزوجت فلانة) فهي طالق لم تطلق إن تزوجها، (أو) قال (إن تزوجت امرأة فهي طالق لم
تطلق إن تزوجها، ولو كانت التي عينها عتيقته) بأن قال: إن تزوجت عتيقتي فلانة فهي طالق
فلا تطلق إذا تزوجها لقوله (ص): لا طلاق ولا عتاق لابن آدم فيما لا يملك رواه أحمد
وأبو داود والترمذي بإسناد جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال الترمذي
هو حديث حسن وهو أحسن شئ في الباب. ورواه الدارقطني وغيره من حديث عائشة، وزاد
وإن عينها، وعن المسور مرفوعا قال: لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك رواه ابن
ماجة بإسناد حسن. قال أحمد: هذا النبي (ص) وعدة من أصحابه. و (كحلفه لا أفعل كذا فلم
يبق له زوجة ثم تزوج أخرى) أي غير التي كانت حين الحلف، (وفعل ذلك) الفعل الذي
حلف لا يفعله لم تطلق التي تزوجها لما تقدم، بخلاف ما لو حلف على شئ لا يفعله، ثم
أبان زوجته ثم عقد عليها فتعود الصفة، ويحنث إذا فعله وتقدم في الخلع. (وإن قال لأجنبية
أنت طالق إن قمت فتزوجها ثم قامت لم تطلق). قال في شرح المقنع: بغير خلاف نعلمه.
(وإن علق زوج طلاقا بشرط لم تطلق قبل وجوده)، أي الشرط لأنه زوال ملك بني على
التغليب والسراية أشبه العتق. (وليس له) أي المعلق طلاقا بشرط (إبطاله)، أي التعليق لان
327

إبطاله رفع له وما وقع لا يرتفع. (فإذا وجدت) الصفة المعلق عليها الطلاق وهي المعبر عنها
بالشرط (طلقت) لوجود الصفة، وإن لم توجد لم تطلق. (فإن مات أحدهما قبل وجود الشرط)
سقطت اليمين (أو استحال وجوده) أي الشرط. كأن قال: أنت طالق إن قتلت زيدا فمات
(سقطت اليمين)، ولا حنث لعدم وجود الصفة. (وإن قال) بعد تعليقه الطلاق بشرط (عجلت
ما علقته) لم يتعجل. (أو) قال: (أوقعت) أي وقعت ما علقته (لم يتعجل) لأنه حكم شرعي
فلم يملك تغييره. (وإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة) المعلقة (وقع) بها طلقة، فإذا
(جاء) أي وجد (الزمن الذي علق الطلاق به وهي زوجته) أو في عدة رجعي (وقع بها
الطلاق المعلق) لوجود شرطه، (وإن قال) من علق الطلاق بشرط (سبق لساني بالشرط ولم
أرده)، أي الشرط بمعنى التعليق (وقع) الطلاق (في الحال) لأنه أقر على نفسه بما هو
أغلظ من غير تهمة، وهو يملك إيقاعه في الحال فلزمه. (وإن قال: أنت طالق، ثم قال: أردت إن
قمت، دين) لأنه أعلم بنيته، (ولم يقبل) منه ذلك (في الحكم) لأنه خلاف الظاهر.
فصل
(وأدوات الشرط) أي الألفاظ التي يؤدي بها معنى الشرط أسماء كانت أو حروفا
(المستعملة في طلاق وعتق غالبا ست إن) بكسر الهمزة وسكون النون، (وإذا ومتى ومن)
بفتح الميم وسكون النون. (وأي) بفتح الهمزة وبتشديد الياء. (وكلما وهي) أي كلما (وحدها
للتكرار). لأنها تعم الأوقات فهي بمعنى كل وقت، فإذا
قلت: كلما قمت فهو قمت بمعنى كل وقت تقوم فيه أقوم فيه، فلذلك وجب فيها
التكرار بخلاف متى. فإنها اسم زمان بمعنى أي وقت وبمعنى إذا فلا تقتضي ما لا يقتضيانه
، وكونها تستعمل للتكرار في الأحيان لا يمنع استعمالها في غيره، مثل إذا وأي وقت فإنهما
يستعملان في الامرين. قال تعالى: * (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم)
* (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) *. * (وإذا
328

لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) * وكذلك أي وقت، وأي زمان فإنهما
يستعملان للتكرار وسائر الحروف يجازي بها إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره لا
تحمل على التكرار إلا بدليل كذلك، وقوله غالبا أشار إلى أن هناك أدوات تستعمل في طلاق
وعتق كحيثما ومهما ولو، وما أشبهها من أدوات الشرط، لكن لم يغلب استعمالها فيهما.
وكلها أي كل الأدوات المذكورة وهي: إن وإذا ومتى ومن وأي (وكلما ومهما ولو على
التراخي إذا تجردت عن لم أو نية فورا أو قرينة)، لأنها لا تقتضي وقتا بعينه دون غيره، فهي
مطلقة في الزمان كله. (فأما إذا نوى الفورية أو كانت هناك قرينة تدل عليها) أي على
الفورية، (فإنه) أي المعلق من طلاق أو عتق أو نحوه (يقع في الحال ولو تجردت) الأداة (عن
لم) حملا على النية أو القرينة، (فإذا اتصلت) هذه الأدوات (بثم صارت على الفور) لأن متى
وأيا وإذا وكلما، تعم الزمان كله، فأي زمن وجدت الصفة فيه وجب الحكم بوقوع الطلاق، ولا
بد أن يلحظ في أي كونها مضافة إلى زمن فإن أضيفت إلى شخص كان حكمها حكم من
قال في المبدع، وظاهره إن من للفور يعني مع لم، وصرح به في المغني وفيه نظر. فإن
من لا دلالة لها على الزمان إلا ضرورة. إن الفعل لا يقع إلا في زمان فهي بمنزلة إن، انتهى
وهو معنى كلام الشارح. قال: وأما كلما فدلالتها على الزمن أقوى من دلالة أي ومتى، فإذا
صارتا للفور عند اتصالهما بلم فلان تصير كلما كذلك بطريق الأولى. (إلا أن فقط) فإنها
للتراخي (نفيا وإثباتا مع عدم نية) فور، (أو قرينة فور). لأن حرف إن موضوع للشرط لا
يقتضي زمنا ولا يدل عليه إلا من حيث أن الفعل المعلق به من ضرورته الزمان، فلا يتعلق
بزمان معين. فإن كانت نية فور أو قرينته كانت للفور. (وسواء أضيفت إلى الوقت أو) أضيفت
(إلى الشخص) كقوله: أي وقت لم تقومي أو أيتكن لم تقم فهي طالق. (أو من إذا اتصلت
بها لم) فإنها تكون للفور، (فإذا قال: إن) قمت فأنت طالق (أو) قال (إذا) قمت فأنت طالق
، (أو) قال (متى) قمت فأنت طالق، (أو) قال (أي وقت) قمت فأنت طالق، (أو) قال (كلما
قمت فأنت طالق، أو) قال (من) قامت فهي طالق، (أو) قال (أيتكن قامت فهي طالق أو) قال
329

(أنت طالق لو قمت، فمتى قامت طلقت). لأن وجود الشرط يستلزم وجود الجزاء وعدمه، إلا
أن يعارض معارض. (ولو قام الأربع في مسألة من قامت) فهي طالق، (أو) قام الأربع في
مسألة (أيتكن قامت) فهي طالق، (طلقن كلهن. وكذلك إن قال من أقمتها) فهي طالق، (أو) قال
(أيتكن أقمتها) فهي طالق. (ثم أقامهن طلقن كلهن)، لما تقدم من أن من وأي المضافة إلى
الشخص يقتضيان عموم ضميرهما فاعلا أو مفعولا. (وعلى قياسه لو قال: أي عبيدي ضربته)
فهو حر (أو) قال (من ضربته من عبيدي فهو حر، وضربهم عتقوا) كلهم. (كما لو قال: أي
عبيدي ضربك) فهو حر، (أو من ضربك من عبيدي فهو حر، فضربوه كلهم عتقوا). كلهم لما
تقدم (وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق)، لأنها لا تقتضي تكرارا (إلا في كلما). فإذا قال: كلما
قمت فأنت طالق، وقامت مرتين وقع طلقتان وثلاثا طلقت لأنها تقتضي التكرار كما تقدم
(وإن قال: كلما أكلت رمانة فأنت طالق، وكلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق، فأكلت رمانة
أي جميع حبها) دون قشرها ونحوه للعرف، (طلقت ثلاثا) لوجود وصف النصف مرتين
والجميع مرة. لأن كلما تقتضي التكرار. (ولو جعل مكان كلما أداة غيرها) من أدوات الشرط
كإن أو إذا أو متى أو مهما وأكلت رمانة (فثنتان) بصفة النصف مرة، وبصفة الجميع مرة، ولا
تطلق بالنصف الآخر. لأنها لا تقتضي التكرار، واختار الشيخ تقي الدين: تطلق واحدة.
(فإن نوى بقوله: نصف رمانة نصفا منفردا عن الرمانة المشروطة، وكانت مع الكلام قرينة
تقتضي ذلك لم يحنث حتى ينوي بأكل ما نوى تعليق الطلاق به). فإن أكلت رمانة طلقت
واحدة، وإن أكلت نصفا آخر طلقت أخرى. فإن أكلت نصفا آخر طلقت ثلاثة، إن كانت الأداة
كلما فقط. (وإن علق طلاقها على صفات ثلاثة فاجتمعن)، أي الصفات (في عين واحدة مثل
أن يقول: إن رأيت رجلا فأنت طالق، وإن رأيت أسود فأنت طالق، وإن رأيت فقيها فأنت طالق
330

فرأت رجلا أسود فقيها طلقت ثلاثا). لوجود الصفات الثلاث. (كما لو رأت ثلاثة رجال
فيهم الصفات الثلاث. وإذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا) يطلقها فيه، (ولم تقم
قرينة بفور ولم يطلقها لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما) إذا أبقى من حياة الميت
ما لا يتسع لايقاعه، لأنه علقه على ترك طلاقها. فإذا مات أو ماتت فقد وجد الترك ولم يقع
قبل ذلك. لأن إن ولو مع لم للتراخي، فكان له تأخيره ما دام وقت الامكان، فإذا ضاق عن
الفعل تعين. (فإن نوى وقتا) تعلق به، (أو قامت قرينة بفور تعلق به) فتطلق بفواته. (فإن كان
المعلق طلاقا بائنا) ووقع في آخر جزء من حياة أحدهما، (لم يرثها إذا ماتت) كما لو أبانها
عند موتها. (وترثه هي نصا) إن مات هو، (لأنه يقع بها الطلاق في آخر حياته فهو كالطلاق
في مرض موته)، فهو متهم بقصد حرمانها. (ولا يمنع) إذا علق طلاقها كذلك. وقلنا: يحنث عند
موت أحدهما (من وطئها قبل فعل ما حلف عليه) أي قبل الحنث. لأنها زوجته وإن عزم
على الترك. (وإن قال: لم أطلق عمرة فحفصة طالق) ولم ينو وقتا ولم تقم قرينة فورا. (فأي
الثلاثة) وهو الزوج وحفصة وعمرة (مات أولا وقع الطلاق قبل موته)، أي إذا بقي من حياته
ما يتسع له. لأنه إن كان هو الميت فقد فات الطلاق بموته. وإن كان المحلوف عليها
فقد فات طلاقها فتطلق ضرتها، وإن كانت الضرة فقد فات الطلاق الذي ينحل به يمينه، وهو
طلاق المحلوف عليها. (وكذا لو قال: إن لم أعتق عبدي) فامرأتي طالق، (أو) قال (إن لم
أضربه) أي العبد (فامرأتي طالق وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم) أي الحالف
والعبد والزوجة (موتا) لما تقدم. (وهذا مع الاطلاق). فإن نوى وقتا أو قامت قرينة بفور
تعلق به، وتقدم. (وإن حلف ليفعلن شيئا) كليدخلن الدار أو ليقومن، (ولم يعين له وقتا بلفظه
ولا نيته فهو على التراخي أيضا). فلا يحنث إلا عند اليأس من فعله. (وإن قال: من لم
أطلقها) فهي طالق، (أو) قال: (أي وقت) لم أطلقك فأنت طالق. (أو) قال: (متى لم) أطلقك
فأنت طالق، (أو) قال: (إذا لم أطلقك فأنت طالق، فمضى زمن يمكن طلاقها فيه طلقت)، لأنها
للفور لما تقدم. (واحدة) لأن هذه الأدوات لا تقتضي التكرار كما تقدم. (و) تطلق (في
331

كلما) لم أطلقك فأنت طالق (ثلاثا) إذا مضى زمن يسعها مرتبة. لأنها للتكرار (إن كانت
مدخولا بها، وإلا) أي وإن تكن مدخولا بها (فواحدة بائنة)، ولا يلحقها ما بعدها. لأن البائن
لا يلحقها طلاق.
فصل
(وإن قال العامي: أن دخلت الدار فأنت طالق بفتح الهمزة) وسكون النون
(فهو شرط) أي تعليق فلا تطلق حتى تدخلها. (كنيته) أي كما لو نوى بهذا الكلام
الشرط. وإن كان نحويا لأن العامي لا يريد بذلك إلا الشرط، ولا يعرف أن مقتضاها التعليل
ولا يريده، فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه ولا يريد. كما لو نطق بكلمة الطلاق أعجمي لا
يعرف معناها. (وإن قاله) أي قال: أنت طالق أن دخلت الدار بفتح الهمزة (عارف بمقتضاها
وهو التعليل طلقت في الحال، إن كان) الدخول (وجد) لأن المفتوحة في اللغة إنما هي
للتعليل، فمعناه أنت طالق لأنك أدخلت أو لدخولك. قال تعالى: * (يخرجون الرسول وإياكم
أن تؤمنوا بالله ربكم) * وقال: * (يمنون عليك أن أسلموا) * (الحجرات:
17). وقال: * (وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا) * (فلا تطلق إذا لم
تكن دخلت) الدار (قبل ذلك، لأنه إنما طلقها لعلة فلا يثبت الطلاق بدونها). هذا قول ابن أبي
موسى ومن تابعه. ولا فرق عند الشيخ تقي الدين بين أن يطلقها لعلة مذكورة في اللفظ أو
غير مذكورة فإذا تبين انتفاؤها لم يقع الطلاق. وقال في أعلام الموقعين: وهذا هو الذي لا
يليق بالمذهب غيره، ولا تقتضي قواعد الأئمة غيره، فإذا قيل له: امرأتك قد شربت مع فلان
وباتت عنده فقال: اشهدوا على أنها طالق ثلاثا، ثم علم أنها كانت تلك الليلة في بيتها قائمة
تصلي، فإن هذا الطلاق لا يقع قطعا وأطال فيه. (ولذلك أفتى ابن عقيل في فنونه فيمن قيل
له: زنت زوجتك، فقال: هي طالق، ثم تبين أنها لم تزن أنها لا تطلق وجعل السبب) الذي لأجله
أوقع الطلاق (كالشرط اللفظي، وأولى). قال في الاختيارات: وهو قول عطاء بن أبي رباح
332

وأطال فيه. وقال القاضي: تطلق مطلقا سواء كانت دخلت أو لم تدخل، وهو ظاهر
المنتهى. ويؤيده نص أحمد في رواية المروذي في رجل قال لامرأته: إن خرجت فأنت
طالق، فاستعارت امرأة ثيابها فلبستها فرآها زوجها حين خرجت من الباب فقال: قد فعلت
أنت طالق. قال: يقع طلاقه على امرأته، فنص على وقوع طلاقه على امرأته، مع أنه وإن قصد
إنشاء الطلاق، فإنما أوقعه عليها لخروجها الذي منعها منه ولم يوجد. أشار إليه ابن نصر الله
في حواشي القواعد الفقهية. (وإن قال: أنت طالق إذا دخلت الدار) طلقت في الحال، لان
معناه التعليل لا التعليق. (أو) قال: أنت طالق (ولو دخلت الدار طلقت في الحال) لان
معناه دخلت أو لم تدخلي. (وإن قال: إن قمت وأنت طالق طلقت في الحال)، لأن الواو
ليست جوابا للشرط. (فإن نوى) به (الجزاء) قبل حكما، (أو أراد أن يجعل قيامها وطلاقها
شرطين لشئ) كعتق أو ظهار، (ثم أمسك قبل حكما) لأنه محتمل وهو أعلم بمراده من
غيره. (وكذا الحكم لو قال: أردت أقامت الواو مقام الفاء)، فإنه يقبل منه، (وإن قال: إن
دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر، صح) التعليق. (ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار وهي
طالق)، لأن جملة وأنت طالق حال من فاعل دخلت والحال قيد في عاملها. (وإن أسقط
الفاء من جزاء متأخر فشرط كإن دخلت الدار أنت طالق فلا تطلق حتى تدخل) الدار، لأنه
أتى بحرف الشرط فدل على إرادة التعليق، وإنما حذف الفاء على التقديم والتأخير. فكأنه قال
أنت طالق إن دخلت الدار. ومهما أمكن حمل كلام العاقل على فائدة وتصحيحه وجب. (فإن
قال: أردت الايقاع في الحال وقع)، لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ فيؤاخذ به. (و) إن قال
(أنت طالق إن دخلت الدار وقع) الطلاق (في الحال) لما تقدم، فيما لو قال: أنت طالق
، ولو دخلت الدار. (وإن قال: أردت الشرط دين) لأنه أدرى بنيته (ولم يقبل في الحكم)، لأنه
خلاف الظاهر. (و) إن قال: (إن دخلت الدار فأنت طالق، وإن دخلت الأخرى. فمتى دخلت
333

الأولى طلقت) لوجود الشرط، (سواء دخلت الأخرى أو لم تدخل)، لأنه لم يجعله شرطا
لطلاقها. (ولا تطلق الأخرى) بدخولها دخلت أو لم تدخل لعدم تعليق طلاقها. (وإن قال
أردت جعل الثاني) أي دخولها الأخرى (شرطا لطلاقها)، أي الأولى أيضا (طلقت) الأولى
(ب‍) - دخول (كل واحدة منهما) طلقة لوجود الشرط. (وإن قال: أردت أن دخول الثانية شرط
لطلاق الثانية فهو على ما أراده)، لأن لفظه يحتمله فتطلق كل منهما إذا دخلت. (وإن قال: إذا
دخلت الدار، وإن دخلت هذه الأخرى فأنت طالق لم تطلق) المخاطبة (إلا بدخولهما) لأنه
جعل دخولهما شرطا للطلاق. (و) إن قال: (أنت طالق لو قمت كان ذلك شرطا) كإن قمت
لأن لو تستعمل فيه. (ولو لم تكن شرطا) لكانت لغوا. والأصل اعتبار كلام المكلف. (وإن قال
أردت أن أجعل لها) أي للو (جوابا) بأن قال: أردت أن أقول: أنت طالق لو قمت لأضربنك
مثلا، (دين وقبل) حكما، فلا يقع إن قامت وضربها لأنه محتمل. (و) إن ألحق شرطا شرطا
كما لو قال: (إن قمت فقعدت أو) إن قمت (ثم قعدت فأنت طالق، أو إن قعدت إذا قمت)
فأنت طالق، (أو إن قعدت إن قمت) فأنت طالق. (إن قعدت متى قمت) فأنت طالق، (لم
تطلق حتى تقوم ثم تقعد. وكذا أنت طالق إن أكلت إذا
لبست أو) أنت طالق (إن أكلت إن لبست، أو) أنت طالق (إن أكلت متى لبست لم تطلق حتى تلبس ثم تأكل، ويسمى) عند النحاة
(اعتراض الشرط على الشرط). فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم، لأنه جعل الثاني في
اللفظ شرطا للذي قبله، والشرط متقدم المشروط. قال تعالى: * (ولا ينفعكم نصحي إن أردت
أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) * (و) كذا إن قال: (إذا أعطيتك إن
وعدتك إن سألتني فأنت طالق، لم تطلق حتى تسأله ثم يعدها ثم يعطيها) لما تقدم. (و) إن
قال: (إن قمت وقعدت فأنت طالق طلقت بوجودهما). أي القيام والقعود (كيف ما كان)
سواء وقعا معا حيث أمكن أو واحد بعد واحد تقدم القيام أو تأخر، لأن الواو لمطلق الجمع
334

(وكذا أنت طالق لا قمت وقعدت) يحنث بوجودهما كيفما كان لما تقدم. إن قال (قمت
أو قعدت فأنت طالق) طلقت بوجود أحدهما، أي القيام والقعود، لأن أو تقتضي تعليق
الجزاء على واحد كقوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر) * (البقرة: 184).
(وكذا أنت طالق لا قمت ولا قعدت تطلق بوجود أحدهما)، لأن إعادة الأداة على التعليق
على أحدهما. (و) إن قال لزوجته: (كلما أجنبت منك جنابة فإن اغتسلت من حمام فأنت طالق
فأجنب) منها (ثلاثا، واغتسل مرة فيه) أي الحمام (ف‍) - طلقة (واحدة) لأن الشرط وهو الجنابة
والغسل من الحمام لم يتكرر، وإنما تكرر بعضه ويقع ثلاثا مع فعل لا يتردد مع كل جنابة،
كموت زيد وقدومه، لدلالة قرينة الاستحالة على أن المقصود تكرره هو الجنابة دون الموت
أو القدوم بخلاف الغسل.
فصل
في تعليقه أي الطلاق
(بالحيض إذا قال: إن حضت فأنت طالق طلقت بأول حيض متيقن) فتطلق (حين ترى
الدم) لأن الصفة وجدت بدليل منعها من الصلاة والصيام. (فإن بان) أي ظهر (الدم ليس
بحيض بأن نقص عن أقل الحيض) وهو يوم وليلة، (ويتصل الانقطاع حتى يمضي أقل الطهر
بين الحيضتين) وهو ثلاثة عشر يوما. بخلاف ما إذا عاد اليوم قبل ذلك، وأمكن جعله حيضة
بالتلفيق. (أو) بان أنه ليس بحيض، (لكونها بنت دون تسع سنين لم تطلق به) لأنه تبين أن
الصفة لم توجد، (و) إن قال (إذا مضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر ولو لم تغتسل)
لأنها لا تحيض حيضة إلا بذلك. قال في المبدع والظاهر: أنه يقع سنيا (ولا تعتد بالحيضة
335

التي هي فيها) حال التعليق فلا يقع بها الطلاق، لأنه علقه بالمرة الواحدة من الحيض بحرف
إذا، وهو اسم للزمان المستقبل، فيعتبر ابتداء الحيضة وانتهاؤها بعد التعليق. (و) إن قال: (إذا
حضت حيضة فأنت طالق، وإذا حضت حيضتين فأنت طالق، فحاضت حيضة طلقت واحدة)
لوجود الصفة التي علق عليها الطلاق أولا. (فإذا حاضت) الحيضة (الثانية طلقت) الطلقة
(الثانية عند طهرها) من الحيضتين، لوجود الصفة الثانية لأن الحيضة الأولى والثانية حيضتان
(و) إن قال: (إذا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق، لم تطلق)
الطلقة (الثانية حتى تطهر من) الحيضة (الثالثة) لأنه رتبها بثم، فاقتضى حيضتين بعد الأولى
(و) إن قال: (إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق، فحاضت سبعة أيام) بلياليها (ونصفا) من
يوم بليلة، (وقع) الطلاق لأنه نصف أكثر الحيض فلا يتحقق مضي نصف الحيضة إلا به. قال
في الكافي بمعنى. والله أعلم إنه ما دام حيضها باقيا لا يحكم بوقوع طلاقها حتى يمضي
نصف أكثر الحيض، لأن ما قبل ذلك لا يتيقن به مضي نصف الحيضة. ولا يتحقق نصفها إلا
بكمالها. (وإن طهرت فيما دونها) أي دون المدة التي هي أكثر الحيض (تبينا وقوعه) أي
الطلاق (في نصفها)، أي نصف مدة الحيض لوجود الصفة. (أو) إن قال: (إذا طهرت فأنت طالق
وكانت حائضا طلقت إذا انقطع الدم). وإن لم تغتسل لوجود الطهر، (وإن كانت طاهرا) حين
التعليق (ف‍) - لا تطلق (حتى تطهر من الحيضة المستقبلة)، لأنه علقه بإذا وهي لما يستقبل
فلا تطلق إلا بطهر مستقبل. (فإن قالت): من علق طلاقها بحيضها (قد حضت، وكذبها قبل
قولها في نفسها). لقوله تعالى: * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)
قيل: هو الحيض، فلولا أن قولها مقبول فيه ما حرم عليها كتمانه، ولأنه لا
يعرف إلا من جهتها (مع يمينها)، لاحتمال صدقه. (و) قال في المبدع: بغير يمين في ظاهر
336

المذهب. وقال في شرح المنتهى: من غير يمين على الأصح وحيث قبل قولها في
الحيض. (وقع) الطلاق المعلق عليه كما لو ثبت بالبينة. (كقوله: إن أضمرت بغضي فأنت
طالق فادعته)، أي إضمار بعضه فيقبل قولها فيه، لأنه لا يعلم إلا من جهتها ويقع الطلاق
و (لا) يقبل قولها في (دخول الدار ونحوه) كقدوم زيد وغيره، (مما يمكن إقامة البينة عليه)
فلا يقبل قولها فيه إلا ببينة. (ولو حلفت) لعموم حديث: البينة على المدعي واليمين على من
أنكر قال في المنتهى: ولا في ولادة إن لم يقر بالحمل. (وإن قال) الزوج بعد أن علق
طلاقها على الحيض (قد حضت فأنكرته، طلقت) مؤاخذة له (بإقراره)، لأنه قد أقر على نفسه
بما يوجب بطلان النكاح، فلزمه مقتضى إقراره. (وإن قال) لإحدى زوجتيه: (إن حضت فأنت
وضرتك طالقتان، فقالت: قد حضت وكذبها طلقت وحدها، ولو صدقتها الضرة) لأن قولها
مقبول في حق نفسها دون ضرتها. (فإن أقامت) من ادعت الحيض (بينة بذلك) أي بحيضها
(بأن اختبرتها) أي النساء الثقات، ولعل المراد الجنس فيتناول الواحدة كما يأتي في
الشهادات، (بإدخال قطنة في فرجها زمن دعواها الحيض، فإن ظهر دم) في القطنة (فهي
حائض طلقتا)، لثبوت الحيض المعلق عليه طلاقهما. (وإن قال) الزوج (قد حضت وأنكرته)
المقول لها ذلك وحدها أو مع ضرتها (طلقتا)، مؤاخذة له (بإقراره) على نفسه، (و) إن قال
لزوجتيه: (إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا: قد حضنا فإن صدقهما طلقتا)، لأنه أقر بوقوع
الطلاق عليه بتصديقه. (وإن كذبهما لم تطلقا) أي لم تطلق واحدة منهما لأن طلاق كل
واحدة منهما معلق بشرطين حين حيض ضرتها، وقول كل واحدة منهما على ضرتها غير
مقبول. (وإن أكذب إحداهما) وصدق الأخرى (طلقت) المكذبة (وحدها)، لأن قولها
337

مقبول على نفسها، وقد صدق الزوج ضرتها، فوجد الشرطان في حقه ولم تطلق المصدقة،
لأن قول ضرتها مقبول في حقها ولم يصدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها. (وإن قال
ذلك لأربع) أي قال لزوجاته الأربع: إن حضتن فأنتن طوالق. (فقد علق طلاق كل واحدة منهن
على حيض الأربع. فإن كن) أي الأربع (قد حضن فصدقهن طلقن) لوجود شرط طلاقهن.
(وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن) لعدم وجود شرط الطلاق لأن قوله كل واحدة منهن
إنما يعمل به في حق نفسها دون ضراتها. (وإن صدق واحدة) منهن، (أو) صدق (واحدة) منهن
(اثنتين لم يطلق منهن) أي الأربع (شئ) لما سبق. (وإن صدق ثلاثا) وكذب واحدة لم تطلق
المصدقات، لأن قول المكذبة غير مقبول عليهن. و (طلقت المكذبة وحدها) لأن قولها
مقبول في حق نفسها. وقد صدق ضراتها فوجد الشرط في حقها. (وإن قال لهن) أي
لزوجاته الأربع (كلما حاضت إحداكن) فضرائرها طوالق، (أو) قال: (أيتكن حاضت فضرائرها
طوالق فقلن). أي الأربع (قد حضن فصدقهن طلقن ثلاثا ثلاثا)، لأن كل واحدة منهن لها
ثلاث ضرائر. (وإن صدق واحدة) وكذب الثلاث (لم تطلق) المصدقة، لأن قول ضرائرها غير
مقبول عليها (وطلقت ضراتها طلقة طلقة) لتصديقه إياها. (وإن صدق اثنتين) منهن وكذب
اثنتين، (وطلقت) أي المصدقتان (طلقة طلقة) لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة، (و) طلقت
(المكذبتان ثنتين) ثنتين، لأن كل منهما ضرتين مصدقتين. (وإن صدق ثلاثا) وكذب واحدة
(طلقن) أي المصدقات (ثنتين ثنتين) لأن لكل واحدة منهن لها ضرتان مصدقتان، (و) طلقت
(المكذبة ثلاثا). لأن لها ثلاث ضرات مصدقات. (و) إن قال لزوجتيه: (إن حضتما حيضة
فأنتما طالقتان طلقت كل واحدة) منهما (بشروعها) أي الثانية، وفي نسخه لشروعهما وهو
أصوب موافقة للتنقيح وغيره. (في الحيض)، قال في الفروع: الأشهر تطلق بشروعهما
انتهى. وهو قول القاضي وغيره. وقطع به في التنقيح وتبعه في المنتهى، لأن وجود حيضة
واحدة منهما محال فيلغو قوله حيضة. ويصير كقوله: إن حضتما فأنتما طالقتان والوجه الثاني
لا يطلقان إلا بحيضة من كل واحدة منهما، كأنه قال: إن حضتما كل واحدة حيضة فأنتما
338

طالقتان، صححه في الانصاف. وقال: قدمه في الفروع والمحرر والرعايتين والحاوي
الصغير، واختاره الشيخ الموفق والشارح. والوجه الثالث يطلقان بحيضة من إحداهما، لان
الشئ يضاف إلى جماعة وقد فعله واحد منهم، فلما كان هذا الفعل لا يمكن اشتراكهما فيه
لأنه واحد كان وجوده من إحداهما كوجوده منهما. والوجه الرابع: لا تنعقد الصفة فلا
تطلق واحدة منهما، لأنه تعليق بالمستحيل فلا يقع كأنتما طالقتان إن صعدتما السماء. قال
في الانصاف: وهذه المسألة مبنية على قاعدة أصولية، وهي ما (و) إن ولدت الثاني (ستة
أشهر فأكثر) من ولادة الأول. (وقد وطئ بينهما ف‍) - بأنه يقع عليه (ثلاث) طلقات بولادة
الذكر، وطلقتان بولادة الأنثى. (لأن) الولد (الثاني حمل مستأنف) من الوطئ فوجبت العدة
بالوطئ بينهما، ولا يمكن ادعاء أن تحمل بولد بعد ولد قاله في الخلاف وغيره. وإن وطئها
واحد بعد واحد وليس بينهما ستة أشهر فأكثر (وأشكل السابق) منهما (فطلقة) واحدة تقع
(بيقين)، لاحتمال أن يكون السابق الذكر. (ولغا ما زاد) على الواحدة لأن الأصل عدم وقوعه
(والورع أن يلتزمهما) أي الطلقتين لاحتمال أن يكون السابق الأنثى، (ولا فرق) فيما تقدم
(بين من قلده حيا أو ميتا)، لأن الشرط ولادة ذكر أو أنثى، وقد وجدت. ولأن العدة تنقضي
به وتصيبه الأمة أم ولد. (وإن قال) لزوجته: (إن كان أول ما تلدين ذكرا فأنت طالق واحدة.
وإن كان أنثى ف‍) - أنت طالق (اثنتين فولدتهما)، أي الذكر والأنثى دفعة واحدة لم يقع بهما
شئ). لأن الأول فيهما فلم توجد الصفة. (وإن ولدتهما) أي الذكر والأنثى (دفعتين طلقت
بالأول) إن كان ذكرا فطلقة. وإن كان أنثى فاثنتان لوجود الصفة. (وبانت بالثاني) منهما أي
انقضت عدتها به، لأنه تمام الحمل فلا يقع ما علق بولادته. (وإن قال: كلما ولدت) فأنت
طالق، (أو) قال: (كلما ولدت ولدا فأنت طالق. فولدت ثلاثة معا طلقت ثلاثا) لأن الولادة
تتعدد بتعدد الأولاد، وكما تنسب الولادة إلى واحد من الثلاثة تنسب إلى كل واحد من
339

الأخيرين. وقد علق الطلاق بكل واحدة، فيقع بكل ولادة طلقة. (وإن ولدتهم) أي الثلاثة
(متعاقبين) أي واحدا بعد واحد (من حمل واحد طلقت بالأول طلقة. و) طلقت (بالثاني)
طلقة (أخرى)، لأن كلما للتكرار. (ولم تنقص عدتها به) أي بالثاني (لأنها) أي العدة (لا
تنقضي إلا بوضع كل الحمل). لقوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)
*. (وانقضت العدة بالثالث ولم تطلق به)، لأن العدة انقضت بوضعه. والبائن
لا يلحقها طلاق. (ذكر ذلك في المغني والكافي وغيرهما) كالمنتهى وشرحه.
(وذكر في الانصاف أن عدتها تنقضي بالثاني) من الأولاد. (وهو سهو) إن لم يكن حمله
على ما إذا كانت حاملا باثنين فقط، (وإن قال: ولدت اثنين فأنت طالق للسنة فطلقة بطهرها)
من النفاس، لأن الطلاق فيه بدعة. وإن قال: كلما ولدت فأنت طالق للسنة فولدت اثنين
فطلقة بطهرها من النفاس. (ثم) طلقة (أخرى بعد طهر من حيضة) ذكره القاضي. قاله في
شرح المنتهى، وفي كلام المصنف هنا مخالفة للقواعد ولمنقول كلامهم، فلذا حولته عن
ظاهره. (و) إن قال لزوجته: (إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة. وإن ولدت أنثى فأنت
طالق اثنتين، فولدت غلاما كانت حاملا به وقت اليمين تبينا أنها طلقت واحدة حين حلفه).
لوجود شرطهما، لأنها كانت حاملا بغلام. (وانقضت عدتها بوضعه. وإن ولدت أنثى طلقت
بولادتها طلقتين) لوجود شرطهما (واعتدت بالقروء) أي الحيض لأن الطلاق يقع عقب
340

الولادة. (وإن ولدت غلاما وجارية، وكان الغلام أولهما ولادة تبينا أنها طلقت واحدة) حين
حلفه، لأنها كانت حاملا بغلام. (وبانت) أي انقضت عدتها (بوضع الجارية، ولم تطلق بها)
كانت طالق مع انقضاء عدتك. (وإن كانت الجارية ولدت أولا طلقت ثلاثا. واحدة بحمل
الغلام واثنتين بولادة الجارية)، لأن عدتها لم تنقض بوضعها، لأنها ليست محل الحمل. وإنما
تنقضي بوضع الغلام بعدها.
فصل
في تعليقه بالطلاق إذا قال: إذا طلقتك فأنت طالق
ثم قال: أنت طالق طلقت مدخول بها طلقتين). واحدة بالمنجز والأخرى بوجود
الصفة. (و) تطلق (غيرها) أي غير المدخول بها (واحدة) بالمنجز وبانت، فلا يلحقها المعلق.
(فإن قال: عنيت) أي قصدت ونويت (بقولي هذا)، أي إذا طلقتك فأنت طالق. (إنك تكونين
طالقا) بها (أوقعته عليك، ولم أرد إيقاع طلاق سوى ما باشرتك به دين) لأنه أعلم بنيته. (ولم
يقبل) منه (في الحكم)، لأنه خلاف الظاهر. (وإن طلقها) أي من قال: إن طلقتك فأنت طالق
(بائنا) نحو أن يطلقها على عوض، (لم يقع) الطلاق (المعلق) لأن البائن لا يلحقها الطلاق
(كأن خلعتك فأنت طالق ففعل)، أي خالعها (لم تطلق به) أي بالخلع، (وتقدم) ذلك في الخلع
وغيره. (و) إن قال لزوجته: (إن طلقتك فأنت طالق، ثم قال) لها: (إن قمت) أو نحوه (فأنت
طالق، فقامت طلقت) مدخول بها (طلقتين) واحدة بالمعلق على القيام وأخرى بالمعلق على
التطليق. (وكذا لو نجزه) أي الطلاق (بعد التعليق) على التطليق كما تقدم. وإذا وكل من
طلقها فهو كمباشرته لأن فعل الوكيل كفعل موكله، وبين وجه وقوع الطلاق بالتعليق على
الطلاق في المثال المذكور بقوله: (إذ التعليق) بقيام أو غيره بعد (وجود الصفة) المعلق عليها
341

الطلاق (تطليق). وإذا كانت تطليقا وقع الطلاق المعلق عليه. (ولو قال: أولا) أي ابتداء (إن
قمت فأنت طالق، ثم قال) لها: (إن طلقتك فأنت طالق، فقامت طلقت بالقيام واحدة)، لوجود
شرطها وهو القيام. (ولم تطلق بتعليق الطلاق). ولو كانت مدخولا بها، لأنه لم يطلقها، (وإن
قال) لزوجته: (إن قمت فأنت طالق، ثم قال: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق، فقامت طلقت
مدخول بها طلقتين)، طلقة بالقيام وطلقة بوقوع طلاقه عليها، وغير المدخول بها طلقة بالقيام
فقط. (و) إن قال: (كلما طلقتك) فأنت طالق، (أو) قال: (كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق
ثم قال: أنت طالق فثنتان لمدخول بها) واحدة بالمنجز وأخرى بالمعلق (ولغيرها) أي غير
المدخول بها طلقة (واحدة وهي المنجزة)، ولا تقع المعلقة لأنها بانت والبائن لا يلحقها
طلاق. (ولا تقع) بالمدخول بها طلقة (ثالثة لأن) الطلقة (الثانية لم تقع بإيقاعه بعد عقد
الصفة) فلم يوجد شرطها. (وإن قال بعدها) أي بعد يمينه كلما طلقتك أو أوقعت عليك
طلاقي فأنت طالق. (أو خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت) مدخول بها (بالخروج طلقة
وبالصفة) التي هي التطليق أو الايقاع (أخرى)، أي طلقة ثانية إذ التعليق بعد جود الصفة
تطليق كما مر، (ولم تقع) طلقة (ثالثة) لأن التطليق لم يوجد إلا مرة. (و) إن قال: (كلما وقع
عليك طلاقي فأنت طالق، ثم وقع بمباشرة أو سبب أو صفة عقدها بعد ذلك) التعليق. (أو)
عقدها (قبله فثلاث) طلقات، لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتطلق بها الثالثة. والمراد بالمباشرة
أن تنجز الطلاق بنفسه أو وكيله أو بسبب، والمراد بالسبب والصفة واحد، وهو وقوعه بوجود
ما علق الطلاق عليه، ومحل وقوع الثلاث (إن وقعت) الطلقة (الأولى والثانية رجعيتين) إذ
البائن لا يلحقها طلاق. (و) إن قال: (إذا طلقتك فأنت طالق، ثم قال: لا إذا وقع عليك طلاقي
فأنت طالق، ثم قال) لها (أنت طالق طلقت مدخول بها ثلاثا)، واحدة بالمباشرة واثنتان بالوقوع
والايقاع. وغير المدخول بها تبين بالطلقة التي باشرها بها. (و) إن قال لزوجته: (كلما طلقتك
طلاقا أملك فيه رجعتك فأنت طالق، ثم قال) لها بعد الدخول بها: (أنت طالق)، ولا عوض
342

(طلقت اثنتين) طلقة بالمباشرة وأخرى بالتعليق. (وإن كانت الطلقة بعوض أو) كانت (في غير
مدخول بها بانت بالأولى). وهي المنجزة فلا تلحقها المعلقة. (فإن طلقها اثنتين) رجعتين
(طلقت الثالثة) لوجود الصفة. (و) إن قال (كلما وقع عليك طلاقي) فأنت طالق قبله ثلاثا
(أو) قال: (إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم قال: أنت طالق طلقت ثلاثا واحدة
بالمنجزة وتتمتها من المعلق، ويلغو قوله قبله). لأنه وصف المعلق بصفة يستحيل وصفة بها
فإنه يستحيل وقوعها بالشرط قبله فتلغو صفتها بالقبلية، وصار كأنه قال: إذا وقع عليك طلاقي
فأنت طالق ثلاثا. وقال ابن عقيل: تطلق بالمنجز والتعليق باطل لأنه طلاق في زمن ماض
أشبه قوله: أنت طالق أمس. ولأنه لو وقع المعلق لمنع وقوع المنجز فإذا لم يقع المنجز بطل
شرط المعلق، فاستحال وقوع المعلق، ولا استحالة في وقوع المنجز، فيقع. (وهي) أي هذه
المسألة هي (السريجية) نسبة لابن سريج أبي العباس الشافعي، أول من قال بها. فقال: لا تطلق
أبدا لأن وقوع الواحدة يقتضي وقوع ثلاث قبلها، وذلك يمنع وقوعها فإثباتها يؤدي إلى
نفيها فلا تثبت. ولان إيقاعها يفضي إلى الدور، لأنها إذا وقعت يقع فيها ثلاث فيمتنع
وقوعها. وما أدى إلى الدور وجب قطعه من أصله وهذا ما صححه الأكثرون من الشافعية
وحكاه بعضهم عن النص. وقاله الشيخ أبو حامد وشيخ العراقيين والقفال شيخ المروذة قال
في المهمات: فكيف تسوغ الفتوى بما يخالف نص الشافعي وكلام الأكثرين يعني من
الشافعية. (ويقع بغير مدخول بها واحدة وهي المنجزة)، فتبين بها ولا يلحقها شئ من
المعلق. (وإن) قال لزوجته: إن (وطئتك وطئا مباحا) فأنت طالق قبله ثلاثا. (أو) قال: (إن أبنتك)
فأنت طالق قبله ثلاثا، (أو) قال: (إن فسخت نكاحك) فأنت طالق قبله ثلاثا. (أو) قال: إن
(راجعتك) فأنت طالق قبله ثلاثا، (أو) قال: إن (ظاهرت) منك فأنت طالق قبله ثلاثا. (أو) قال
إن (آليت منك) فأنت طالق قبله ثلاثا. (أو) قال: إن (لاعنتك فأنت طالق قبله ثلاثا، ففعل) ما
علق الطلاق عليه من المذكورات (طلقت ثلاثا). ولغا قوله قبله لما تقدم في السريجية.
المراد بقوله: إن ابنتك أو فسخت نكاحك، أي قلت لك هذا اللفظ، فإنها لا تبين به فيقع
الطلاق المعلق عليه، بخلاف قوله: إذا بنت أو إذا فسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم
بانت منه بخلع أو غيره أو فسخت نكاحها المقتضي، فإنها لا تطلق لأنها إذا بانت لم يبق
343

للطلاق محل يقع فيه، هذا حاصل كلامه في شرح المنتهى. (و) إن قال لإحدى زوجتيه
(كلما طلقت ضرتك فأنت طالق، ثم قال مثله للضرة ثم طلق الأولى طلقت الضرة طلقة
بالصفة)، لأنه طلق ضرتها. (و) طلقت (الأولى ثنتين طلقة بالمباشرة، و) طلقة بوجود الصفة
لأن (وقوعه بالضرة تطليق لا إن أحدث فيها طلاقا بتعليقه طلاقا ثانيا) مع وجود صفته.
وتقدم أن التعليق مع وجود الصفة تطليق. (وإن طلق الثانية فقط) أي دون الأولى (طلقتا
طلقة طلقة) الضرة بالمباشرة. والأولى بالصفة ولم يقع بالثانية طلقة أخرى، لأن طلاق الأولى
إنما وقع بالتعليق السابق على طلاق الثانية، فلم يحدث بعد تعليق طلاق الثانية تطليقها.
(ومثل هذه) المسألة المذكورة (قوله) أي قول زوج حفصة وعمرة (إن طلقت حفصة فعمرة
طالق، أو كلما طلقت حفصة فعمرة طالق. ثم قال: إن طلقت عمرة فحفصة طالق، أو كلما طلقت
عمرة فحفصة طالق فحفصة كالضرة في المسألة التي قبلها). فإن طلق عمرة طلقت طلقتين
وطلقت حفصة طلقة واحدة، وإن طلق حفصة فقط طلقتا حفصة بالمباشرة وعمرة بالصفة. ولم
تزد كل واحدة منهما طلقة لما تقدم. (وعكس المسألة قوله لعمرة إن طلقتك فحفصة طالق
ثم قال لحفصة: إن طلقتك فعمرة طالق فحفصة هنا كعمرة هناك) فإن طلق حفصة طلقت
طلقتين وطلقت عمرة طلقة، وإن طلق عمرة طلقت كل واحدة منهما طلقة، لأنها عكس التي
قبلها. (ولو علق ثلاثا بتطليق يملك فيه الرجعة) كما لو قال: إن طلقتك طلاقا أملك فيه
رجعتك فأنت طالق ثلاثا. (ثم طلقها واحدة طلقت ثلاثا). إن كان دخل بها واحدة بالمنجز
وتتمتها من المعلق، لأن امتناع الرجعة هنا لعجزه عنها لا لعدم ملكها. (و) إن كان ذلك (قبل
الدخول يقع ما نجزه) من الطلاق فقط دون المعلق لعدم وجود الصفة، إذ الطلاق قبل
الدخول لا يملك فيه الرجعة. (و) إن كان الطلاق (بعوض لا يقع غيره) أي غير المنجز دون
344

المعلق لما سبق. (وإن قال لزوجاته الأربع أيتكن وقع عليها طلاقي فضرائرها طوالق، ثم وقع
على إحداهن طلاقه) بمباشرة أو سبب، (طلقن) كلهن (ثلاثا ثلاثا). لأنه إذا وقع على
إحداهن طلقة طلقت كل واحدة من صواحبها بوقوعه عليها طلقة، وصار إذا وقع بواحدة
طلقة يقع بكل واحدة من صواحبها طلقة، وقد وقع على جميعهن فطلقت كل واحدة ثلاثا.
(وإن قال): من له أربع زوجات (كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر، وكلما طلقت
اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثة فثلاثة) من عبيدي (أحرار، وكلما طلقت أربعا
فأربعة) من عبيدي (أحرار. ثم طلقن) أي الزوجات الأربع (معا أو منفردات عتق خمسة
عشر عبدا). لأن فيهن أربع صفات هن أربع فيعتق أربعة، وهن أربعة آحاد فيعتق أربعة أيضا
وهن اثنتان واثنتان فيعتق كذلك، وفيهن ثلاث فيعتق بذلك ثلاث. وإن شئت قلت: يعتق
بالواحدة واحد وبالثانية ثلاثة، لأن فيها صفتين هي واحدة وهي مع الأولى اثنتان. ويعتق
بالثالثة أربع، لأنها واحدة وهي مع الأولى والثانية ثلاث، ويعتق بالرابعة سبعة. لأن فيها ثلاث
صفات هي واحدة مع الثالثة اثنتان، وهي مع الثلاث التي قبلها أربع. قال في المغني: وهذا
أولى من الأول لأن قائله لا يعتبر صفة طلاق الواحدة في غير الأولى، ولا صفة التثنية في
غير الثالثة والرابعة. (إلا أن تكون له نية فيؤاخذ بما نوى). لأن النية مقدمة (ولو جعل) في
التعليق المذكور (مكان كلما: إن) أو نحوها من سائر أدوات الشرط (عتق عشرة) أعبد فقط
لعدم تكرارها بالواحدة واحد، وبالثانية اثنان، وبالثالثة ثلاثة، وبالرابعة أربعة. (و) إن قال
(كلما أعتقت عبدا من عبيدي، فامرأة من نسائي طالق وكلما أعتقت اثنين فامرأتان طالقتان ثم
أعتق اثنين) من عبيده (طلق) نساؤه (الأربع)، لأن الاثنين فيهما صفتان هما اثنتان فيطلق اثنان
وهما واحد وواحد فتطلق اثنتان، وإن كان بدل كلما أداة غيرها طلق ثلاث. (و) إن قال
: (كلما أعتقت عبدا من عبيدي فجارية من جواري حرة، وكلما أعتقت اثنين فجاريتان حرتان
وكلما أعتقت ثلاثة فثلاث أحرار وكلما أعتقت أربعة فأربع أحرار فأعتق أربعة) من عبيده
345

(عتق من جواريه خمس عشرة) جارية (بعدة من عتق من عبيده في المسألة المتقدمة) فيها. وإن
كان بدل كلما أداة غيرها فعشر، (وإن قال: إن دخل الدار رجل فعبد من عبيدي حر، وإن
دخلها طويل فعبدان) حران، (وإن دخلها أسود فثلاثة) من عبيدي أحرار، (وإن دخلها فقيه
فأربعة أحرار، فدخلها رجل فقيه طويل أسود عتق عشرة) من عبيده واحد بصفة كون الداخل
رجلا، واثنان بصفة كونه طويلا، وثلاثة بصفة كونه أسود، وأربعة بصفة كونه فقيها. ولو قال
كلما صليت ركعة فعبد حر، وكلما صليت ركعتين فعبدان حران، وهكذا إلى عشرة وصلى عشر
عتق سبعة وثمانون عبدا. (وإن قال) لامرأته: (إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا
أتاك كتابي فأنت طالق، فأتاها الكتاب كاملا ولم يمح) منه (ذكر الطلاق طلقت ثنتين). لأنه
علق طلاقها بصفتين مجئ الطلاق ومجئ كتابه، وقد اجتمعتا في مجئ الكتاب، أو
انمحى كل ما فيه لأن المقصود لم يأت. (وإن قال: أردت أنك طالق بذلك الطلاق الأول
دين) لأنه محتمل وهو أعلم بنيته. (وقبل في الحكم) لما سبق (وإن أتاها بعض الكتاب وفيه
الطلاق ولم ينمح ذكره لم تطلق)، لأنه لم يأتها كتابه بل بعضه.
قلت: ينبغي أن يقع بذلك الطلقة المعلقة على مجئ الكتاب، لأنه قد أتاها طلاقه.
وإن انمحى ما فيه أو انمحى ذكر الطلاق أو ضاع الكتاب لم تطلق. (ولو كتب إليها إذا قرأت
كتابي فأنت طالق فقرئ عليها وقع إن كانت لا تحسن القراءة)، لأن ذلك هو المراد
بقراءتها، (وإلا) بأن كانت تحسن القراءة وقرئ عليها. (فلا) تطلق لأنها لم تقرأه والأصل في
اللفظ كونه للحقيقة إلا مع التعذر. (ولا يثبت الكتاب إلا بشاهدين مثل كتاب القاضي إلى
القاضي. وإذا شهدا عندها كفى، وإن لم يشهدا به عند الحاكم)
قال أحمد: لا تتزوج حتى يشهد عندها شاهد عدل لا حامل الكتاب وحده.
346

و (لا) يكفي (أن يشهد أن هذا خطه) كما لا يكفي ذلك في كتاب القاضي إلى القاضي، بل
لا بد من قراءته عليهما وشهادتهما بما فيه.
فصل
في تعليقه بالحلف. الحلف بالطلاق تعليق في الحقيقة
لأنه ترتيب للطلاق على المحلوف عليه. وذلك حقيقة التعليق كما سبق. وحقيقة
الحلف القسم. (قال أبو يعلى الصغير ولهذا) أي لكونه تعليقا حقيقة (لو حلف لا حلفت
فعلق طلاقها بشرط) كان قدم زيد فأنت طالق، (أو) علقه (بصفة) كانت طالق قائمة، (لم
يحنث، انتهى). لأنه لم يحلف بل علق الطلاق. والحلف بالطلاق (مجاز في الحلف
لمشاركته له في المعنى المشهور)، أي المتعارف (وهو) أي المعنى المتعارف من الحلف
(الحث على فعل أو المنع منه) أي من فعل (أو تصديق خبر أو) على (تكذيبه)، فالحنث على
فعل (كقوله: إن لم أدخل الدار فأنت طالق، أو) أنت طالق (لأفعلن، أو) أنت طالق (إن لم
أفعل) كذا، (أو) أي ومثال المنع من شئ قوله: (إن دخلت الدار فأنت طالق، أو) أي مثال
تصديق الخبر (أنت طالق، لقد قدم زيد أو) أي ومثال تكذيبه أنت طالق (لم يقدم. أشبه
قوله: والله) لأفعلن أو لا أفعل، أو لقد قدم زيد أو لم يقدم. (ونحوه فأما التعليق على غير
ذلك) الذي فيه حنث أو منع أو تصديق خبر أو تكذيبه (كأنت طالق إن طلعت الشمس أو
قدم الحاج ونحوه) كنزول المطر، (فشرط لا حلف. فلا يقع به الطلاق المعلق على الحلف)
لعدم مشاركته للحلف في المعنى المشهور. (وكذا إذا شئت فأنت طالق) فليس بحلف (فإنه
تمليك. وإذا حضت فأنت طالق فإنه طلاق بدعة. وإذا طهرت فأنت طالق فإنه طلاق سنة)
وليس بحلف واختار الشيخ تقي الدين العمل بعرف المتكلم وقصده في مسمى اليمين، وإنه
347

موجب أصول أحمد ونصوصه. (وإذا قال) لزوجته: (إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال
: أنت طالق إن قمت، أو) إن (دخلت الدار، أو) إن (لم تدخلي، أو إن لم يكن هذا القول حقا
ونحوه)، كأن لم يكن هذا القول كذبا (طلقت في الحال). لأنه حلف بطلاقها (وإن قال: إن
حلفت بطلاقك) فأنت طالق (أو) قال: (إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت
واحدة)، لأنه حلف بطلاقها وكلها، (و) إن أعاده (مرتين فثنتان) إن كانت مدخولا بها (و) إن
أعاده (ثلاثا طلقت مدخول بها ثلاثا)، لأن كل مرة يوجد فيها شرط الطلاق، وينعقد شرط
طلقة أخرى، وغير المدخول بها تبين بالأولى. ويأتي حكم انعقاد يمينه الثانية والثالثة (إلا أن
يقصد) من علقه بالحلف (بإعادتها إفهامها فلا تطلق سوى الأولى) يعني إن لم يقصد بها
الافهام فإن قصد بها الافهام لم يقع. قال في الفروع والمبدع: وإن قصد بإعادته إفهامها لم
يقع ذكره أصحابنا، بخلاف ما لو أعاده من علقه بالكلام. وأخطأ بعض أصحابنا وقال فيها
كالأولى ذكره في الفنون. (وإن قال لامرأتيه: إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده) ثانيا
(طلقت كل واحدة منهما طلقة)، لأن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما، وقد وجد وإن أعاده
ثالثا فطلقتان طلقتان، وإن أعاده أربعا فثلاث لوجود الشرط وهو الحلف. (فإن كانت إحداهما
غير مدخول بها فأعاده بعد وقوع الطلقة الأولى لم تطلق واحدة منهما)، لأن شرط طلاقهما
الحلف بطلاقهما، ولم يوجد لأن غير المدخول بها لا يقع الحلف بطلاقها لأنها بائن. (لكن
لو تزوج بعد ذلك البائن ثم حلف بطلاقها طلقت كالأخرى طلقة طلقة). لأنه صار بهذا
حالفا بطلاقهما ذكره الأصحاب. وأورد عليه أن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرط
الحلف بطلاقها مع طلاق الأخرى، فكل واحد من الحلفين جزء علقه لطلاق لكل واحدة
منهما، فكما أنه لا بد من الحلف بطلاقها في زمن تكون فيه أهلا لوقوع الطلاق، كذلك
الحلف بطلاق ضرتها لأنه جزء علة لطلاق نفسها ومن تمام شرطه، فكيف يقع بهذه التي
جدد نكاحها الطلاق، وإنما حلف بطلاق ضرتها وهي بائن؟ (و) كذلك (اختار الموفق
348

وغيره لا تطلق) وأجيب عنه بأن وجود الصفة في النكاح لا حاجة إليه، ويكفي وجود آخرها
فيه ليقع الطلاق عقبه، وقد أشرنا إلى ما فيه في الحاشية. (ولو جعل كلما بدل إن) بأن قال
كلما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده، وكانت إحداهما غير مدخول بها ثم أعاده حال
بينونتها، ثم نكح البائن وحلف بطلاقها، (طلقت كل واحدة) منهما (ثلاثا طلقة، عقب حلفه ثانيا
وطلقتين لما نكح البائن وحلف بطلاقها). لأن اليمين الأولى لم تنحل باليمين الثانية، لان
كلما للتكرار واليمين الثانية باقية، فتكون اليمين الثالثة التي تكلمت بحلفه على التي جدد
نكاحها شرط اليمين الأولى والثانية، فيقع بها طلقتان بخلاف ما لو كان التعليق بأن أو
نحوها، فإن اليمين الأولى تنحل بالثانية لعدم اقتضائها التكرار فتبقى اليمين الثانية فقط، فإذا
أعادها وجد شرط الثانية فانحلت وتنعقد الثالثة. (ولو قال لزوجتيه حفصة وعمرة: إن حلفت
بطلاقكما فعمرة طالق ثم أعاده لم تطلق واحدة منهما)، لأن هذا حلف بطلاق عمرة وحدها
فلم يوجد الحلف بطلاقهما. (وإن قال بعد ذلك: إن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت
عمرة)، لأنه حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقهما عليه. (فإن قال بعد هذا: إن حلفت بطلاقكما
فعمرة طالق لم تطلق واحدة منهما)، لأنه لم يحلف بطلاقهما بل بطلاق عمرة وحدها. (فإن
قال بعده: إن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت حفصة) وحدها لوجود شرط طلاقها، وهو
الحلف بطلاقهما عمرة أولا وحفصة ثانيا. (وإن قال ل‍) - زوجتين (مدخول بهما كلما حلفت
بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان، وأعاده ثانيا طلقت كل واحدة منهما طلقتين). لأن ذلك
حلف بطلاق كل واحدة منهما، وحلفه بطلاق كل واحدة يقتضي طلاق الثنتين، فطلقتا بحلفه
بطلاق واحدة طلقة، وبحلفه بطلاق الأخرى طلقة طلقة. (وإن قال: كلما حلفت بطلاق واحدة
منكما) أو إحداكما (فهي طالق، أو) قال: كلما حلقت بطلاق واحدة منكما أو إحداكما
(فضرتها طالق، وأعاده طلقت كل واحدة) منهما (طلقة)، لأن حلفه بطلاق واحدة إنما اقتضى
طلاقها وحدها، وما حلف بطلاقها إلا مرة فتطلق واحدة. (وإن قال لإحداهما): أي إحدى
زوجتيه (إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق، ثم قال ذلك) أي إذا حلفت بطلاق ضرتك
فأنت طالق (ل‍) - لزوجة الأخرى طلقت الأولى)، لوجود شرط طلاقها وهو الحلف بطلاق
349

ضرتها. (فإن أعاده للأولى طلقت الأخرى) لأن ذلك حلف بطلاق ضرتها، وكلما أعاده
لامرأة طلقت الأخرى إلى أن يبلغ ثلاثا، وإن كانت إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة لم
تطلق الأخرى، لأنه ليس بحلف بطلاقها لكونها بائنا. ولو قال: كلما حلفت بطلاقكما فإحداكما
طالق، وكرره ثلاثا أو أكثر لم يقع شئ، لأن هذا حلف بطلاق واحدة ولم يوجد الحلف
بطلاقهما. وإن قال لمدخول بها: كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فإحداكما طالق، ثم قال
ثانيا: وقعت بإحداهما طلقة وتعين بقرعة. (و) لو قال: (إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق، ثم
قال) لزوجته: (إن حلفت بطلاقك فعبدي حر طلقت) زوجته لوجود شرط طلاقها، وهو
الحلف بعتق عبده، (ثم إن قال لعبده: إن حلفت بعتقك فامرأتي طالق عتق العبد) لوجود
شرط عتقه وهو الحلف بطلاق امرأته. (ولو قال له) أي لعبده (إن حلفت بطلاق امرأتي
فأنت حر، ثم قال لها) أي لامرأته (إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق عتق العبد) لوجود
الشرط، وهو الحلف بطلاق امرأته. (ولو قال له: إن حلفت بعتقك فأنت حر ثم أعاد عتق)،
لأنه حلف بعتقه، (ويأتي في كتاب الايمان ما يتعلق بالحلف بالله وبالطلاق). وإذا قال: إن
حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق ثم قال: إن حلفت بطلاق عمرة فنسائي طوالق وإن حلفت
بطلاق حفصة فنسائي طوالق، طلقت كل واحدة طلقتين. ولو قال: كلما حلفت بطلاق واحدة
منكن فأنتن طوالق ثم أعاده طلقن ثلاثا ثلاثا، ولو كان مكان كلما إن وأعاده طلقن واحدة
واحدة. وإن قال بعد ذلك لإحداهن: إن قمت فأنت طالق طلقت كل واحدة طلقة أخرى، وإن
قال: كلما حلفت بطلاقكن فأنتن طوالق، ثم أعاد ذلك طلقت كل واحدة طلقة. وإن قال بعد
ذلك لإحداهن: إن قمت فأنت طالق لم تطلق واحدة منهن، وإن قال: ذلك للاثنتين الباقيتين
طلق الجميع طلقة طلقة.
فصل
في تعليقه بالكلام
(إذا قال لزوجته إن كلمتك فأنت طالق، فتحققي ذلك أو اعلمي ذلك قاله متصلا بيمينه
350

طلقت) لأنه علق طلاقها على كلامها وقد وجد. (إلا أن يريد) كلاما (بعد انفصال كلامي
هذا) فلا يقع بالمتصل، (وكذلك إن زجرها) بعد تعليق طلاقها على كلامها، (فقال: تنحي أو
اسكتي أو مري ونحوه) كاذهبي أو اجلسي، (أو قال: إن قمت فأنت طالق طلقت) لوجود
شرطه وهو الكلام، وإن قصد به عقد اليمين في إن قمت فأنت طالق. (إلا أن يريد) بقوله: إن
كلمتك (كلاما مبتدأ) أي مستأنفا (مثل أن ينوي محادثتها أو الاجتماع بها ونحوه) فلا يحنث
حتى يوجد ما نواه. (وإن سمعها) أي سمع من قال لها: إن كلمتك فأنت طالق (تذكره فقال
: الكاذب عليه لعنة الله حنث نصا)، لأن ذلك كلام لها. (فإن جامعها ولم يكلمها لم يحنث)
لعدم وجود شرطه، (إلا أن تكون نيته هجرانها) فيحنث بالمجامعة، (وإن قال) لزوجته: (إن
بدأتك بالكلام فأنت طالق، فقالت: إن بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه)، لأنها كلمته فلم يكن
كلامه لها بعد ذلك ابتداء. (إلا أن ينوي أنه لا يبدؤها في مرة أخرى) فلا تنحل يمينه بذلك
(وتبقى يمينها معلقة) حتى يوجد ما يحلها أو شرطها. (فإن بدأها بكلام انحلت يمينها وإن
بدأته) هي ابتداء (عتق عبدها) لما تقدم، (و) لو قال لزوجته: (إن كلمت فلانا فأنت طالق
فكلمته، فلم يسمع لتشاغله أو غفلته) أو خفض صوتها بحيث لو رفعته لسمعها حنث. لأنها
كلمته وإنما لم يسمع لشغل قلبه أو غفلته. (أو كاتبته أو راسلته حنث)، لأن الكلام يطلق
ويراد به ذلك، بدليل صحة استثنائه منه في قوله تعالى: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا
وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) * لأن القصد بيمينه هجرانه، ولا
يحصل ذلك مع مواصلته بالكتابة والرسول، ولو حلف ليكلمن زيدا لم يبرأ بمكاتبته ولا
مراسلته كما يعلم من الشرح لأن ذلك ليس كلاما حقيقة. (كتكليمها غيره) أي غير
المحلوف عليها أن لا تكلمه، (وهو يسمع تقصده) أي المحلوف عليه (به) أي بالكلام، فإنه
يحنث لأنها قصدته وأسمعته كلامها أشبه ما لو خاطبته. (إلا أن يكون) الزوج (أراد) بحلفه
351

عليها (أن (لا تشافهه) فلا يحنث بالمكاتبة ولا بالمراسلة لعدم المشافهة. (ولو أرسلت) من
حلف زوجها عليها لا تكلم فلانا (إنسانا يسأل أهل العلم عن مسألة، أو) عن (حديث فجاء
الرسول فسأل المحلوف عليه لم يحنث) بذلك، لأنها لم تقصده بإرسال الرسول. (وإن أشارت
إليه بيد أو عين أو غيرهما) كرأس وإصبع (لم تطلق) بذلك، لأن الإشارة ليست بكلام عند
أهل الشرع. (وكذا لو كلمته وهي مجنونة) لأنه لا قصد لها والقلم مرفوع عنها. (وإن كلمته
وهو سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه، أو مجنونا يسمع كلامها، أو كلمته وهي سكرى
حنث). لأن الطلاق معلق على الكلام وقد وجد. (وكذلك إن كلمت) المحلوف عليه.
وكان (صبيا وهو يعلم أنه مكلم) فيحنث الحالف لوجود الكلام. (وإن كلمته ميتا أو غائبا أو
مغمى عليه، أو نائما أو سكرانا أو مجنونا مصروعين لم يحنث)، لأنه لا عقل لهم، قال في
المبدع: وكذا إذا كانا أي الأصم والسكران لم يعلم واحد منهما أنها تكلمه فلا حنث
والمجنون إن لم يسمع كلامها. صرح به في المغني. (وإن سلمت عليه حنث) لأنها كلمته
(فإن كان أحدهما) أي أحد الشخصين وهما زيد والمحلوف عليه أن لا يكلم زيدا مثلا
(إماما و) كان (الآخر مأموما لم يحنث) الحالف (بتسليم) الامام المحلوف عليه أن لا
يكلم زيدا من (الصلاة)، لأنه للخروج من الصلاة (إلا أن ينوي) الامام (بتسليمه) السلام
(على المأمومين) وزيد فيهم فيحنث لأنه قصده به. (وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان. فقرأه
في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث) لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس. (إلا أن ينوي
حقيقة القراءة) فلا يحنث قبل وجودها. (وإن قال لامرأتيه: إن كلمتما هذين فأنتما طالقتان.
فكلمت كل واحدة منهما واحدا منهما طلقتا) لأن تكليمهما وجد منهما، (كما لو قال: إن
352

ركبتما دابتيكما أو أكلتما هذين الرغيفين أو لبستما ثوبيكما، فأنتما طالقتان، فركبت كل واحدة
منهما دابتها وأكلت كل واحدة) منهما (رغيفا، ولبست كل واحدة) منهما (ثوبا طلقتا). وقد
ذكرت ما في ذلك في الحاشية. (وإن قال: إن كلمتما زيدا وكلمتما عمرا فأنتما طالقتان. فلا
تطلقان حتى تكلم كل واحدة منهما زيدا وعمرا) لإعادة العامل. (وإن قال لعبدين: إن ركبتما
دابتيكما أو لبستما ثوبيكما أو تقلدتما بسيفيكما، أو دخلتما بزوجتيكما فأنتما حران، فمتى
وجد من كل واحد) منهما (ركوب دابته أو لبس ثوبه أو تقلد بسيفه أو الدخول بزوجته، ترتب
عليهما العتق، لأن الانفراد بهذا عرفي. وفي بعضه) كالدخول بالزوجة (شرعي فيتعين
إلى توزيع الجملة على الجملة، وإن قال) لزوجته: (إن أمرتك فخالفتيني فأنت طالق فنهاها)
عن شئ، (وخالفته) فيه (لم يحنث) ولو لم تعرف حقيقة الامر النهي لأنها خالفت نهيه لا
أمره. (إلا أن ينوي مطلق المخالفة) فيحنث بمخالفة النهي لأنها مخالفة. (و) لو قال (إن
نهيتك فخالفتيني فأنت طالق، فأمرها) بشئ (وخالفته لم يحنث في قياس التي قبلها، إلا أن
ينوي مطلق المخالفة) لما تقدم. (و) لو قال لامرأته: (إن كلمتك فأنت طالق ثم قاله ثانيا طلقت
واحدة، وإن قاله ثالثا طلقت ثانية. وإن قاله رابعا طلقت ثلاثا) حيث كانت مدخولا بها، لان
كل مرة يوجد بها شرط الطلاق. وينعقد شرط طلقة أخرى وسواء قصد إفهامها أو لا كما
تقدم لأنه كلام. وإن قصد به الافهام بخلاف مسألة الحلف السابقة. (وتبين غير المدخول بها
بطلقة ولم تنعقد يمينه الثانية، ولا الثالثة) لبينونتها بشروعه في الكلام فلم يحصل جواب
الشرط إلا وهي بائن بخلاف مسألة الحلف السابقة في إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم
أعاده. فإنها لا تبين إلا بعد انعقاد اليمين فتنعقد، بحيث أنه لو تزوجها بعد ثم حلف بطلاقها
طلقت لوجود شرط اليمين المنعقدة في النكاح السابق. (و) لو قال لزوجته: (إن نهيتيني
353

عن نفع أمي فأنت طالق. فقالت له: لا تعطها من مالي شيئا لم يحنث) بذلك، لأنه نفع
محرم فلا تتناوله يمينه. (و) لو قال: (أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمدا مع خالد لم تطلق
حتى تكلم زيدا في حال كون محمد فيها مع خالد)، لأنها حال من الجملة الأولى ومتى
أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى. (و) لو قال (أنت طالق إن كلمت زيدا وأنا غائب أو
أنت راكبة أو وهو راكب أو ومحمد راكب لم تطلق هي حتى تكلمه في تلك الحال)، لان
الجملة الأخيرة حال وهي قيد في عاملها. (و) لو قال: (إن كلمتيني إلى أن يقدم زيد) فأنت
طالق (أو) إن كلمتيني (حتى يقدم زيد. فأنت طالق فكلمته قبل قدومه حنث). وكذا لو قال:
أنت طالق إن كلمت زيدا إلى أن يقدم فلان فكلمته قبل قدومه، طلقت وإلا فلا. لأن الغاية
رجعت إلى الكلام لا إلى الطلاق. (فإن قال: أردت إن استدمت تكليمي من الآن إلى أن
يقدم زيد دين وقبل) حكما، لأن لفظه يحتمله، فعلى هذا إن قطعت الكلام لم يحنث، ولو
أعادته لعدم الاستدامة لكن لعل المراد الاستدامة عرفا، لا حال صلاة أو نوم أو نحوهما.
فصل
في تعليقه بالاذن في الخروج أو نحوه
(إذا قال) لزوجته: (إن خرجت بغير إذني) فأنت طالق، (أو) خرجت (إلا بإذني)
فأنت طالق. (أو إ) ن خرجت (حتى آذن لك فأنت طالق. ثم أذن لها فخرجت ثم
خرجت بغير إذنه طلقت)، لأن خرجت نكرة في سياق الشرط، وهي تقتضي العموم
قاله في الاختيارات، فقد صدق أنها خرجت بغير إذنه. (إلا أن ينوي الاذن مرة) ويأذن لها
فيه ثم تخرج بعد فلا حنث. (أو يقوله) أي الاذن مرة (بلفظه) بأن يقول إن خرجت إلا
بإذني مرة فأنت طالق. فإذا أذن فيه مرة لم يحنث بخروجها بعد بغير إذن. وأما إن قال
: إن خرجت مرة بغير إذني فأنت طالق، ثم أذن لها في الخروج ثم خرجت بغير إذنه حنث
354

كما في المنتهى. وشرحه لأن الخروج الثاني خروج غير مأذون فيه وهو محلوف
عليه أشبه ما لو خرجت ابتداء بغير إذنه. (فإن أذن لها بالخروج كلما شاءت) بأن قال
لها: أخرجي كلما شئت (لم تطلق) بخروجها للاذن العام فلم تخرج إلا بإذنه. (وإن أذن
لها من حيث لا تعلم. فخرجت طلقت نصا) لأن الاذن هو الاعلام مع أن إذن الشارع
وأوامره ونواهيه لا يثبت حكمها إلا بعد العلم بها، فكذا إذن الآدمي، ولأنها قصدت
بخروجها مخالفته وعصيانه أشبه ما لو لم يأذن لها في الباطن لأن العبرة بالقصد لا
بحقيقة الحال. (فلو قال) إن خرجت (إلا بإذن زيد) فأنت طالق، (فمات زيد لم يحنث
إذا خرجت) خلافا للقاضي، (ولو) حلف لا تخرج إلا بإذنه و (أذن لها) في الخروج (فلم
تخرج حتى نهاها) عنه (ثم خرجت طلقت)، لأن هذا الخروج جرى مجرى خروج ثان
وهو محتاج إلى إذن. (وإن قال) لزوجته: (إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت
طالق. فخرجت إلى غير الحمام) بغير إذنه (طلقت سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل)
لأنها خرجت إلى غير الحمام بغير إذنه (وإن خرجت تريد الحمام وغيره) طلقت لأنها
إذ أخرجت للحمام وغيره فقد صدق عليها أنها خرجت إلى غير الحمام. (أو خرجت إلى
الحمام ثم عدلت إلى غيره طلقت) لأن ظاهر هذا اليمين المنع من غير الحمام. فكيف
ما سارت إليه حنث كما لو خالفت لفظه. نقل الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل:
إذا حلف بالطلاق أنه لا يخرج من بغداد إلا لنزهة فخرج إلى النزهة ثم مر إلى مكة
فقال: النزهة لا تكون إلى مكة وظاهر هذا أنه أحنث.
تتمة: قال أحمد في رجل حلف بالطلاق لا يأتي أرمينية إلا بإذن امرأته. فقالت
355

امرأته: اذهب حيث شئت. فقال: لا حتى تقولي إلى أرمينية. قال في الشرح: والصحيح
أنها متى أذنت له إذنا عاما لم يحنث. قال القاضي: هذا كلام لأحمد محمول على أن هذا
خرج مخرج الغضب والكراهة، ولو قالت: هذا بطيب قلبها كان إذنا منها وله الخروج، وإن
كان لفظ عام.
فصل
في تعليقه بالمشيئة
(إذا قال: أنت طالق إن) شئت، (أو إذا) شئت، (أو متى) شئت، (أو كيف) شئت، (أو
حيث) شئت، (أو أنى) شئت، (أو أين) شئت، (أو كلما) شئت، (أو أي وقت شئت ونحوه)
كقوله: من شاءت فهي طالق (لم تطلق حتى تقول: قد شئت)، لأن ما في القلب لا يعلم
حتى يعبر عنه اللسان فيتعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب. فإذا قالت: شئت طلقت
(سواء شاءت فورا أو تراخيا) لأنه تعليق للطلاق على شرط. أشبه سائر التعليقات، ولأنه
إزالة ملك معلق على المشيئة، فكان على التراخي كالعتق. وسواء شاءت (راضية أو كارهة)
لوجود المشيئة، (وفي التنقيح) والانصاف (ولو مكرهة وهو سبقة قلم). لأن فعل المكره
ملغى. (ولو شاءت بقلبها دون نطقها) لم يقع لما تقدم، (أو قالت: قد شئت إن طلعت الشمس
أو قد شئت إن شئت، أو) قالت شئت إن (شاء فلان. فقال: قد شئت لم يقع) الطلاق، لأنه لم
يوجد منها مشيئة. وإنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس بمشيئة لا يقال: إذا وجد
356

الشرط وجب أن يوجد مشروطه. لأن المشيئة أمر خفي فلا يصح تعليقها على شرط
. ووجه الملازمة إذا صح التعليق. (فإن رجع) الزوج بعد التعليق المذكور (لم يصح رجوعه
كبقية التعاليق) في الطلاق والعتق وغيرهما. (وكذا) الحكم (لو علقه بمشيئة غيرها)، فمتى
وجدت طلقت. وإن علقها الغير على شرط لم يقع. وإن رجع لم يصح رجوعه. (وإن قيد
المشيئة بوقت كقوله: أنت طالق إن شئت اليوم) أو الشهر (تقيد به، فإن خرج اليوم قبل
مشيئتها لم تطلق) لعدم وجود الشرط ولا أثر لمشيئتها بعد. (وإن علقه) أي الطلاق (على
مشيئة اثنين كقوله): أنت طالق (إن شئت وشاء أبوك) لم يقع حتى توجد مشيئتها، (أو) قوله
أنت طالق إن شاء (زيد وعمرو لم يقع حتى توجد مشيئتهما)، لأن الصفة مشيئتهما. فلا تطلق
بمشيئة أحدهما لعدم وجود الشرط وكيف شاء طلقت. (ولو اختلفا في الفورية والتراخي) بأن
شاء أحدهما فورا والآخر متراخيا، لأن المشيئة وجدت منهما جميعا. (و) إن قال: (أنت طالق
وعبدي حر إن شاء زيد ولا نية) له تخالف ظاهر لفظه، (فشاءهما) أي شاء زيد الطلاق
والعتق (وقعا) لوجود شرطهما. (وإلا) أي وإن لم يشأهما زيد، بأن لم يشأ واحدة شيئا أو
شاء أحدهما دون الآخر (لم يقع شئ) منهما، لأن المعطوف والمعطوف عليه كالشئ
الواحد. وقد وليهما التعليق فيتوافقان عليه، ولا تحصل المشيئة بواحد من العتق أو الطلاق
لأنهما جملة واحدة، فلا تحصل الحملة بإحدى جزأيها دون الآخر. (و) إن قال لزوجته
(أنت طالق إن شاء زيد فمات) زيد، (أو جن لم تطلق) لأن شرط الطلاق لم يوجد. (وإن
خرس) زيد بعد التعليق (أو كان أخرس) حين التعليق، (وفهمت إشارته فكنطقه) لقيامها
مقامه، وإن لم تفهم إشارته لم تطلق. (ولو غاب) زيد (لم تطلق) حتى تثبت مشيئته. (وإن شاء
وهو سكران طلقت) لأنه يصح منه الطلاق فصحت مشيئته له. قال في المغني: والصحيح
أنه لا يقع لأنه زائل العقل، أشبه المجنون. ثم الفرق بين إيقاع طلاقه وبين المشيئة: أن
إيقاعه عليه تغليظ عليه لئلا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه، وهنا إنما يقع الطلاق بغيره
فلا يصح منه في حال زوال عقله. و (لا) يقع (إن شاء) زيد (وهو مجنون)، لأنه لا حكم
357

لكلامه. (وإن شاء) زيد (وهو صبي طفل) أي دون التمييز (لم يقع) الطلاق، لأنه كالمجنون.
(وإن كان) زيد (مميزا يعقل) المشيئة وشاء (الطلاق وقع) لصحة طلاقه إذن. (و) إن قال
(أنت طالق إلا أن يشاء زيد فمات) زيد (أو جن طلقت في الحال)، لأنه أوقع الطلاق وعلق
رفعه بشرط ولم يوجد، وكذا لو أبى المشيئة. (وإن خرس) زيد (فشاء بالإشارة وفهمت)
إشارته (فكنطقه) لدلالتها على ما في نفسه.
قلت: وكذا ينبغي كتابته. (إن لم يقيد في التعليق والنطق) فتتقيد به. (و) إن قال لزوجته
(أنت طالق واحدة إلا أن يشاء زيد ثلاثا أو) قال: أنت طالق واحدة إلا أن (تشائي ثلاثا، أو)
قال: أنت طالق (ثلاثا إلا أن يشاء زيد) واحدة، (أو) أنت طالق ثلاثا إلا أن (تشائي واحدة
فشاء) زيد (أو شاءت الثلاث) في الأولى وقعت (أو شاء) أو شاءت (الواحدة) في الثانية
(وقعت)، لأن هذا هو السابق إلى الفهم من ذلك كقوله: خذ درهما إلا أن تريد أكثر منه. (فإن
لم يشأ) زيد شيئا (أو شاء أقل من ثلاث) كاثنتين، أو لم تشأ هي أو شاءت اثنتين (فواحدة في
الأولى). لأن الثلاث لم يوجد شرطها. ويقع في الثانية إذا لم يشأ أو شاء اثنتين أو لم تشأ
هي، أو شاءت اثنتين الثلاث، لأن شرط الواحدة لم يوجد. (و) إن قال لزوجته (يا طالق) إن
شاء الله طلقت. قاله في الترغيب. وقال: إنه أولى بالوقوع من قوله: أنت طالق إن شاء الله
(أو) أنت (طالق) إن شاء الله، (أو) قال: (عبدي حر إن شاء الله أو) قال: يا طالق أو أنت طالق
لي أو عبدي حر. (إلا أن يشاء الله أو إن لم يشأ الله أو لم يشأ (الله) طلقت وعتق العبد، وكذا
لو قدم الشرط). بأن قال: إن شاء الله أو إن لم يشأ الله أو ما لم يشأ الله، فأنت طالق أو عبدي
حر، لما روى أبو حمزة. قال: سمعت ابن عباس يقول: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن
شاء الله فهي طالق رواه أبو حفص. وعن ابن عمرو أبي سعيد قال: كنا معشر أصحاب
النبي (ص) نرى الاستثناء جائزا في كل شئ إلا في الطلاق والعتاق. ولأنه استثناء حكم في
محل فلم يرتفع بالاستثناء كالبيع والنكاح. (و) لو قال لزوجته: (إن دخلت الدار فأنت طالق)
، إن شاء الله (أو) قال لامته: إن دخلت الدار فأنت (حرة إن شاء الله، أو) قال لزوجته: (أنت
طالق) إن دخلت الدار إن شاء الله. (أو) قال لامته: أنت (حرة إن دخلت الدار إن شاء الله
358

فدخلت) الدار. (فإن نوى رد المشيئة إلى الفعل لم يقع) الطلاق ولا العتق به، لأن الطلاق أو
العتق هنا بين إذ هو تعليق على ما يمكن فعله أو تركه، فإذا أضافه إلى مشيئة الله تعالى لم
يقع. لحديث ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من حلف على يمين: إن شاء الله فلا
حنث عليه رواه الخمسة إلا أبا داود. فمن قال لزوجته: أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله
لم تطلق دخلت أو لم تدخل، لأنها إن دخلت فقد فعلت المحلوف عليه، وإن لم تدخل علمنا
أن الله تعالى لم يشأ لأنه لو شاءه لوجد، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكذلك إن قال
: أنت طالق لا تدخلين الدار إن شاء الله. (وإلا) أي وإن لم ينو
رد المشيئة إلى الفعل بأن لم ينو شيئا، أو نوى رد المشيئة إلى الطلاق أو العتاق. (وقع) الطلاق أو العتاق لما ذكر أولا.
قال في شرح المقنع: وإن لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول. ويحتمل أن
يرجع إلى الطلاق غريبة إذا قال: أنت طالق يوم أتزوجك إن شاء الله فتزوجها لم تطلق.
وإن قال: أنت حر يوم اشتريك إن شاء الله فاشتراه عتق. قاله في المبدع. (و) إن قال: (أنت
طالق لرضا زيد أو لمشيئته طلقت في الحال) لأن معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو
رضيه. وكقوله: هو حر لوجه الله أو لرضا الله، وكذا الدخول إلى الدار. (فإن طال: أردت
الشرط دين) لأنه أعلم بمراده. (وقبل حكما) لأن ذلك يستعمل للشرط. وطلقت لأنه
معلق فكان متراخيا. ذكره في الفنون. وإن قوما قالوا: ينقطع بالأول. (ولو قال) لزوجته (إن
كان أبوك يرضى بما فعلته فأنت طالق. فقال: ما رضيت) به (ثم قال: رضيت) به (طلقت
أيضا) لأنه علقه على رضا مستقبل وقد وجد، (بخلاف) قوله (إن كان أبوك راضيا) بما فعلته
فأنت طالق. فقال: ما رضيت فلا تطلق. (لأنه) أي المعلق عليه (ماض) وهو الذي صدر منه
مستقبل فلم يوجد المعلق عليه. (وإن قال: إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار) فأنت طالق
(أو قال: إن كنت تحبينه) أي أن يعذبك الله بالنار (بقلبك فأنت طالق، فقالت: أنا أحبه لم تطلق
إن قالت: كذبت) لاستحالته في العادة، كقوله: إن كنت تعتقدين أن الجمل يدخل في خرم
الإبرة فأنت طالق. فقالت: أنا أعتقده، فإن عاقلا لا يجوزه فضلا عن اعتقاده. (وكذا) لو قال: (إن
كنت تبغضين الجنة أو الحياة ونحوه) فقالت: أبغض ذلك لم تطلق، إن قالت كذبت، وإن لم تقل
359

كذبت. فقال القاضي: تطلق وقدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز. وفي الفنون هو مذهبنا.
لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من اللفظ فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به صادقة أو كاذبة
كالمشيئة. وقال في المقنع: الأولى أن لا تطلق إذا كانت كاذبة. وقال في المبدع: وهو
المذهب. وقال أبو ثور: لأن المحبة في القلب، ولا يوجد من أحد محبة ذلك، وخبرها بالمحبة
كاذب لا يلتفت إليه. (وإن قال: إن كنت تحبين) زيدا، (أو) إن كنت (تبغضين زيدا فأنت طالق
فأخبرته به طلقت، وإن كذبت) لما تقدم. فإذا قال: أنت طالق إن أحببت أو إن أردت أو إن
كرهت احتمل أن يتعلق الطلاق بلسانها كالمشيئة، واحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من
ذلك، ويكون اللسان دليلا عليه. فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده طلقت ولو أخبرت به ثم قالت
كنت كاذبة لم تطلق. ذكره في الشرح. (وتعليق عتق كطلاق فيما تقدم) من مسائل التعليق
(ويصح) تعليق العتق (بالموت) وهو التدبير بخلاف الطلاق. (ولو قالت) امرأة لزوجها: (أريد
أن تطلقني، فقال: إن كنت تريدين) أن أطلقك فأنت طالق. (أو) قال لها: (إذا أردت أن أطلقك
فأنت طالق. فظاهر الكلام يقتضي أنها تطلق بإرادة مستقبلة ودلالة الحال على أنه أراد إيقاعه
للإرادة التي أخبرته بها. قاله في الفنون ونص الثاني في أعلام الموقعين. ومثله تكونين طالقا
إذا دلت قرينة من غضب أو سؤال) طلاقها، (ونحوه على) الايقاع في (الحال دون الاستقبال)
فيقع على الثاني دون الأول.
فصل
في مسائل من تعليق الطلاق متفرقة
أي المعلق عليه الطلاق فيها من أنواع مختلفة بخلاف ما قبل (إذا قال) لزوجته (أنت
360

طالق إذا رأيت الهلال أو عند رأسه) أي الهلال (تطلق بإكمال العدة) ثلاثين يوما، (أو إذا
رؤي) الهلال (بعد الغروب)، لأن رؤيته في الشرع عبارة عما يعلم به دخوله. لقوله (ص):
صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع. كما لو قال: إذا
صليت فأنت طالق، فإنه ينصرف إلى الشرعية وفارق رؤية زيد، فإنه لم يثبت لها عرف شرعي
و (لا) تطلق (قبله) أي قبل الغروب ولو رؤي الهلال لأن الشهر ما كان في أوله. (إلا
أن ينوي حقيقة رؤيتها) فيدين ويقبل حكما. لأن لفظه يحتمله فلا يقع حتى تراه هلالا. وإن
نوى العيان لم يقع حتى يرى. (ويقبل) منه دعوى إرادة ذلك (حكما)، لأن لفظه يحتمله
(وهو هلال إلى الثالثة ثم بعدها) أي الثالثة (يقمر) أي يصير قمرا (فإن لم تره) أي الهلال
(حتى أقمر) وقد نوى حقيقة رؤيتها لم تطلق، (أو علقه) أي الطلاق (على رؤية زيد) الهلال
وقد نوى حقيقة رؤيته (فلم يره حتى أقمر لم تطلق) لأنه ليس بهلال، (و) لو قال: (إذا رأيت
فلانا فأنت طالق وأطلق) فلم يقيد رؤيته بشئ لا لفظا ولا نية. (فرأته ولو ميتا أو) رأته (في
ماء أو زجاج شفاف طلقت) لأنها رأته حقيقة. و (لا) تطلق (مع نية أو قرينة) تخصص
الرؤية بحال إذا رأته على خلافها. (وإن رأته مكرهة) لم تطلق لأن فعل المكره لاغ. (أو رأت
خياله في ماء أو مرآة أو رأت صورته على حائط أو غيره أو جالسته وهي عمياء لم تطلق).
لأنها لم تره إلا أن تكون نيته أن لا تجتمع به (وتقدم في الصيام. وإن قال: أنت طالق ليلة
القدر) في آخر صوم التطوع، (أو قال: إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر، وإن كان عبدي
في السوق فامرأتي طالق. وكانا) أي العبد والمرأة (في السوق عتق العبد) لوجود شرط عتقه.
(ولم تطلق المرأة) لعدم وجود شرط طلاقها، (لأن العبد عتق باللفظ الأول فلم يبق له في
السوق عبد). ولو عكس فقال: إن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق. وإن كانت امرأتي في
السوق فعبدي حر طلقت امرأته، ولم يعتق عبده. وإن كان الطلاق رجعيا فيما يظهر، لأنه لم
361

يبق له امرأة في السوق بعد اللفظ الأول. (وإن قال) (لزوجاته: من بشرتني) بقدوم زيد فهي
طالق، (أو) قال: (من أخبرتني بقدوم زيد فهي طالق، فأخبره به) أي بقدوم زيد (نساؤه) كلهن
معا (أو عدد) اثنتان أو ثلاث (منهن معا طلقن)، لأن من تقع على الواحدة فما زاد. قال
تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * وقد حصل التبشير أو الاخبار من
العدد معا فطلقن لوجود الصفة قال في المبدع: ويتوجه تحصل المباشرة بالمكاتبة وإرسال
رسول بها، (وإن أخبرته متفرقات طلقت الأولى فقط إن كانت صادقة)، لأن البشارة خبر
يتغير به بشرة الوجه من سرور أو غم، وإنما تحصل بالأول وهي عند الاطلاق للخبر. قال
تعالى: * (فبشر عبادي) * فإن أريد الشر قيدت. قال تعالى: * (فبشرهم بعذاب
أليم) * (وإلا) أي وإن لم تكن الأولى صادقة (فأول صادقة بعدها) تطلق
لحصول الغرض ببشارتها. (ولا تطلق منهن كاذبة) لأن المراد من التبشير: الاخبار والاعلام
ولا يحصل بالكذب. (و) إن قال: (إن لبست) فأنت طالق ونوى معينا دين وقبل حكما. (أو)
قال: (إن لبست ثوبا فأنت طالق، ونوى) ثوبا (معينا دين وقبل حكما)، لأن لفظه يحتمله. (و) لو
قال: (إن قربت بكسر الراء دار أبيك) أو دار فلان (فأنت طالق لم يقع حتى تدخلها) أي الدار
(و) إن قال: إن قربت بضمها أي الراء (تطلق بوقوفها تحت فنائها ولصوقها بجدارها)، لان
مقتضاها ذلك كما ذكرته في حاشية المنتهى. (و) إن قال: (أول من تقوم منكن فهي طالق
، أو) قال: (أول من قام من عبيدي فهو حر فقام الكل دفعة واحدة لم يقع طلاق ولا عتق). قاله
في الشرح والمبدع. لأنه لا أول فيهم، ومقتضى ما تقدم في العتق يقع بواحدة ويخرج
بقرعة. (وإن قام واحد) من العبيد (أو واحدة) من الزوجات (ولم يقم بعدهما أحد فوجهان)
362

أطلقهما في الشرح والمبدع. وقالا: فإن قلنا لا يقع لم يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه
حتى ييأس من قيام واحدة منهن فتنحل يمينه. ومقتضى ما سبق في العتق أنه يقع. (وإن قام
اثنتان أو ثلاث دفعة واحدة ثم قامت أخرى وقع الطلاق بمن قام أولا) لوجود الصفة فيهن
وكذا العتق. (وإن قال: أول من تقوم منكن وحدها) فهي طالق، وقام اثنتان أو ثلاث (لم يقع)
الطلاق لعدم وجود الصفة لأنها لم تقم وحدها. (وإن قال آخر من تدخل منكن الدار فهي
طالق، فدخل بعضهن لم يحكم بطلاق واحدة منهن) لاحتمال دخول غيرها بعدها، (حتى
ييأس من دخول غيرها بموته أو موتهن أو غير ذلك)، كتغيير الدار بما يزيل اسمها. (فيتبين
وقوع الطلاق بآخرهن دخولا من حين دخلت) الدار. وعلى قياس ما سبق كل من دخلت
امتنع عليه وطؤها حتى تدخل غيرها لاحتمال أن تكون هي الأخيرة إن كان الطلاق بائنا
(وكذا الحكم في العتق) وتقدم في كتاب العتق. (وإن قال: إن دخل داري أحد فامرأتي طالق
فدخلها هو) أي الحالف لم يحنث. (أو قال لانسان: إن دخل دارك أحد فعبدي حر فدخلها
صاحبها) المخاطب بهذا الكلام (لم يحنث) الحالف بذلك، عملا بقرينة الحال. (وإن حلف لا
يفعل شيئا ففعله ناسيا أو جاهلا حنث في طلاق وعتاق) لوجود شرطهما، وإن لم يقصده
كأنت طالق إن قدم الحاج، ولأنهما يتعلق بهما حق آدمي فيتعلق الحكم مع النسيان والحمل
كالاتلاف. و (لا) يحنث (في يمين مكفرة) مع النسيان والجهل، لأن الكفارة تجب لدفع
الاثم ولا إثم عليهما. (وعنه لا يحنث في الجميع بل يمينه باقية. واختاره الشيخ وغيره)
لقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * (الأحزاب:
5). ولقوله (ص): إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه. ولأنه غير
363

قاصد للمخالفة. أشبه النائم، ولأنه أحد طرفي اليمين، فاعتبر فيه القصد كحالة الابتداء،
قال الشيخ تقي الدين: ويدخل في هذا من فعله متأولا. إما تقليدا لمن أفتاه أو مقلدا لعالم
ميت مصيبا كان أو مخطئا. ويدخل في هذا: إذا خالع وفعل المحلوف عليه معتقدا أن
الفعل بعد الخلع لم يتناوله به، أو فعل المحلوف معتقدا زوال النكاح، ولم يكن كذلك
(وإن فعله) أي المحلوف عليه (مكرها) حنث لعدم إضافة الفعل إليه بخلاف الناسي. (أو)
فعله (مجنونا أو مغمى عليه أو نائما لم يحنث) كونه مغطى على عقله في هذه الأحوال.
(ومن يمتنع بيمينه) أي الحالف (ويقصد) الحالف (منعه) من المحلوف عليه (كزوجته وولده
وغلامه وقرابته إذا حلف عليه، كهو في الجهل والنسيان والاكراه). فمن حلف على زوجته أو
نحوها لا تدخل دارا فدخلتها مكرهة لم يحنث مطلقا. وإن دخلتها جاهلة أو ناسية فعلى
التفصيل السابق، فلا يحنث في غير طلاق وعتاق. وفيهما الروايتان. (و) حلفه على هؤلاء لا
يفعلن شيئا كحلفه على نفسه في (كونه يمينا) لحصول المقصود من اليمين به، وهو المنع من
ذلك الشئ، فإن لم يقصد منعه بأن قال: إن قدمت زوجتي بلد كذا فهي طالق، ولم يقصد
منعها فهو تعليق محض يقع بقدومها كيف كان، كمن لا يمتنع بيمينه. (وإن حلف على من لا
يمتنع) بيمينه (كالسلطان والأجنبي والحاج استوى) في وجود المحلوف عليه (العمد والسهو
والاكراه وغيره). أي يحنث الحالف في ذلك لأنه تعليق محض فحنث بوجود المعلق عليه
(وإن حلف على غيره ليفعلنه) أي ليفعلن كذا. (أو) حلف على غيره (لا يفعلنه فخالفه حنث
الحالف) لوجود الصفة، وتوكيد الفعل المضارع المنفى بلا قليل: ومنه قوله تعالى: * (لا
يحطمنكم سليمان) * (وقال الشيخ: لا يحنث) الحالف بمخالفة المحلوف عليه
. (إن قصد إكرامه لا إلزامه به) بالمحلوف عليه، لأن الاكرام قد حصل. (ويأتي في كتاب
الايمان: وإن حلف ليفعلنه) أي ليفعلن شيئا (فتركه مكرها لم يحنث)، لأن الترك لا ينسب
إليه أي بتركه، (وناسيا) يحنث في طلاق وعتق فقط في وجه. قال في تصحيح الفروع: وهو
قوي. والوجه الثاني لا يحنث فيهما قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب وقطع به في
التنقيح وتبعه في المنتهى. (أو) تركه (جاهلا يحنث في طلاق وعتق فقط) كما تقدم فيما لو
364

حلف لا يفعله. (وإن عقدها) أي اليمين (يظن صدق نفسه فبان بخلافه)، أي خلاف ظنه
(فكمن حلف على مستقبل) لا يفعله، (وفعله ناسيا يحنث في طلاق وعتق فقط) لا في يمين
الله تعالى لما تقدم. ولو حلف لأشاركن فلانا. ففسخا الشركة وبقيت بينهما ديون مشتركة أو
أعيان. قال أبو العباس: أفتيت أن اليمين تنحل بانفساخ عقد الشركة. (وإن حلف لا يدخل
على فلان بيتا أو) حلف (لا يكلمه) أي فلانا (أو) حلف (لا
يسلم عليه. أو) حلف (لا يفارقه حتى يقضيه حقه فدخل) الحالف (بيتا هو) أي فلان (فيه، ولم يعلم) أنه في البيت. (أو
سلم) الحالف (على قوم هو) أي فلان المحلوف عليه (فيهم)، ولم يعلم به (أو) سلم (عليه
يظنه أجنبيا ولم يعلم) به. (أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئا. أو أحاله بحقه ففارقه بهما ظنا
أنه برئ حنث) الحالف بذلك، لأنه فعل ما حلف عليه قاصدا لفعله، فحنث كما لو
تعمد (إلا في السلام). أي إلا إذا سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم به، أو سلم عليه يظنه
أجنبيا. (و) إلا في (الكلام) إذا حلف لا يكلمه فسلم عليه يظنه أجنبيا، أو على قوم هو فيهم
ولم يعلم لم يحنث، لأنه لم يقصده بسلامه ولا كلامه، فهو بمنزلة المستثنى منهم. (وإن علم)
الحالف أنه لا يسلم على فلان أو لا يكلمه (به)، أي بفلان بأن علم أنه في القوم (في) حال
(السلام) عليهم (ولم ينوه) بالسلام أو الكلام، (ولم يستثنه بقلبه حنث) لأنه سلم عليهم وهو
منهم ولم يستثنه، فصار كما لو سلم عليه منفردا. (وإن حلف) دلال مثلا (لا يبيع لزيد ثوبا،
فوكل زيد من يدفعه) أي يدفع ثوبه (إلى من يبيعه فدفعه الوكيل إلى الحالف فباعه من غير
علمه) من أنه لزيد، (فكناس) يحنث في طلاق وعتق فقط. (ولو حلف) المدين (لا تأخذ
حقك مني فأكره) المدين (على دفعه إليه) أي إلى رب الدين المحلوف عليه لا يأخذه فأخذه
حنث. (أو أخذه) أي أخذ رب دينه (منه) أي من المدين الحالف (قهرا حنث)، لوجود الاخذ
المحلوف عليه اختيارا. (وإن أكره صاحب الحق على أخذه) فأخذه، (فكما لو حلف لا يفعل
شيئا ففعله مكرها) فلا يحنث مطلقا، لأن الفعل لا ينسب إلى المكره. (وإن حلف لا يفعل
شيئا) ولا نية ولا قرينة لفعل بعضه، لم يحنث. (أو) حلف (على من يمتنع بيمينه كزوجة
365

وقرابة) من نحو ولد، وكذا غلامه. (وقصد منعه) من فعل شئ، (ولا نية ولا سبب ولا قرينة)
تخصص الكل أو البعض. (ففعل) المحلوف عليه (بعضه لم يحنث) الحالف، نص عليه فيمن
على امرأته لا تدخل بيت أختها، لم تطلق حتى تدخلها كلها، ألا ترى أن عوف بن
مالك قال كلي أو بعضي، لأن الكل لا يكون بعضا، والبعض لا يكون كلا، ولأنه (ص)
كان يخرج رأسه وهو معتكف على عائشة فترجله وهي حائض. والمعتكف ممنوع من
الخروج من المسجد، والحائض ممنوعة من اللبث فيه. (فلو كان في فمها) أي الزوجة (رطبة)
أو تفاحة أو نحوها (فقال: إن أكلتها أو أمسكتها أو ألقيتها) بكسر التاء فيهن (فأنت طالق)
ولا نية ولا قرينة ولا سبب (فأكلت بعضا وألقت الباقي) أو أمسكته (لم يحنث). لأنها لم
تأكلها ولم تلقها ولم تمسكها. (فإن نوى) بقوله: لا أفعل كذا، أو على زوجته ونحوها: لا
تفعل كذا. فعل (الجميع أو) فعل (البعض فيمينه على ما نوى) لأن النية مخصصة، وكذا لو
اقتضى سبب اليمين أحد الامرين. (وإن دلت قرينة تقتضي أحد الامرين) الجميع أو البعض
(تعلق) الحنث (به) أي بما دلت القرينة عليه (كمن حلف لا شربت هذا النهر، أو لا أكلت
الخبز) أو اللحم (أو لا شربت الماء وما أشبهه). كلا لبست الغزل ونحوه. (مما علق على
اسم أو جنس أو على اسم جمع كالمسلمين والمشركين والفقراء والمساكين حنث بالبعض)
لأن فعل الجميع ممتنع فلا تنصرف اليمين إليه، وقوله: اسم جمع أي اسم هو جمع.
فالإضافة بيانية بدليل الأمثلة. وكذا اسم الجمع وكأولى وأولات. (وإن حلف لا شربت من
ماء الفرات فشرب من مائه حنث)، سواء (كرع فيه) بأن شرب منه بفمه (أو اغترف منه) بيده
أو بإناء، (كما لو حلف لا شربت من هذا البئر) فكرع منه أو اغترف لأنه شرب منه، وكذا
العين (و) كما لو حلف (لا أكلت من هذه الشجرة) فلقط من تحتها فأكل حنث، كما لو أكل
الثمرة وهي عليها بخلاف أكل ورقها وأطراف أغصانها. وكما لو حلف: (لا شربت من
هذه الشاة) فحلب في شئ وشرب منه، فإنه يحنث لأنه شرب منها. (و) لو حلف لا شربت من
ماء الفرات فشرب من نهر يأخذ منه حنث، لأنه شرب من مائه. (و) إن حلف (لا
شربت من الفرات فشرب من نهر يأخذ منه)، أي الفرات (فوجهان) أطلقهما في
366

الشرح وغيره. أحدهما الحنث نظرا إلى أن القصد بالفرات ماؤه، وهذا منه وعدمه
نظرا. إلى أن ما أخذه النهر يضاف إليه لا إلى الفرات، ويزول بإضافته
إليه عن إضافته إلى الفرات. (وإن حلف) على شئ (ليفعلنه لم يبرأ حتى يفعله جميعه). لأن ذلك
حقيقة اللفظ، ولان مطلوبه تحصيل الفعل وهو كالأمر، ولو أمر الله تعالى بشئ لم
يخرج من العهدة إلا بفعل جميعه فكذا هنا. (و) لو حلف (لا يدخل دارا فأدخلها
بعض جسده أو دخل طاق الباب) منها لم يحنث، لأنه لم يدخلها. (أو) حلف (لا
يشرب ماء هذا الاناء فشرب بعضه) لم يحنث، لأنه لم يشربه. (أو) حلف (لا يبيع عبده
ولا يهبه فباع) بعضه (أو وهب بعضه لم يحنث)، وكذا لو باع البعض ووهب البعض
لأنه لم يبعه ولم يهبه. (وإن حلف) على امرأته أو غيرها (لا ألبس من غزلها ولم يقل
ثوبا فلبس ثوبا فيه منه) أي من غزلها حنث، لأنه لبس من غزلها. (أو) حلف (لا آكل
طعاما اشتريته) بكسر التاء للمخاطبة، (فأكل طعاما شوركت) بالبناء للمفعول (في
شرائه)، أي اشترته مع غيرها (حنث). إلا أن ينوي ما انفردت بشرائه، (و) إن حلف (لا
يلبس ثوبا اشتراه زيد أو) حلف لا يلبس ثوبا (نسجه) زيد، (أو) حلف (لا يأكل طعاما
طبخه) زيد مثلا، (أو) حلف (لا يدخل دارا له) أي لزيد، (أو) حلف (لا يلبس ما خاطه)
زيد، (فلبس ثوبا نسجه هو) أي زيد (وغيره أو) لبس ثوبا (اشترياه)، أي زيد وغيره
(حنث) لأن شركة غيره معه لا تمنع نسبته، وإضافته إليه، لأنها تكون للأدنى ملابسة. ولا
يخفى ما في كلامه من اللف والنشر. (إلا أن تكون له نية) بأن نوى ما انفرد به فلا
يحنث بما شورك فيه. (وإن حلف لا يأكل شيئا مما اشتراه زيد، واشترى غيره شيئا
فخلطه بما اشتراه) زيد، (فأكل) الحالف (أكثر مما اشتراه شريكه) أي شريك زيد
367

(حنث) وجها واحدا، لا يعلم بالضرورة أنه أكل مما اشتراه زيد وهو شرط الحنث. (وإن
أكل) الحالف (مثله) أي مثل ما اشتراه شريك زيد، (أو) أكل (أقل منه لم يحنث) لان
الأصل عدم الحنث، ولم يتضمنه وحكمه حكم ما لو حلف لا يأكل ثمرة فوقعت في ثمر
على ما يأتي. ولو قايل زيد في مأكول كان باعه، فأكل الحالف منه لم يحنث. لأن الإقالة
فسخ كما تقدم لا بيع على الأصح. (ولو اشتراه) زيد (لغيره) بولاية أو وكالة فأكل
الحالف منه حنث، لأنه أكل مما اشتراه زيد. (أو باعه) أي باع زيد ما اشتراه (حنث) الحالف
(بأكل) منه، لأن بيعه له لم يرفع شراءه إياه. فصدق أنه أكل مما اشتراه زيد، (والشركة) وهي
بيع البعض بقسطه من الثمن. (والتولية) وهي بيع المبيع برأس ماله. (والسلم والصلح على
مال شراء) يحنث بها من حلف لا يشتري، ويحنث بالاكل مما ملكه زيد لها، لأنه صور من
البيع. وإن اختصت بأسماء كما تقدم. (وإن حلف بطلاق ما غصب فثبت) الغصب (بما
يثبت به المال) فقط، كرجل وامرأتين أو رجل ويمين. أو بالنكول (لم تطلق) لأن الطلاق لا
يثبت بذلك. والأصل بقاء العصمة ولو حلف لا يستحق على فلان شيئا فقامت بينة بسبب
الحق من قرض أو نحوه، دون أن يقولا وهو عليه لم يحنث، لامكان صدقه بدفع ذلك أو
براءته منه، ولكن يحكم عليه بما شهدا به لأن الأصل بقاؤه عليه، انتهى.
باب التأويل في الحلف وهو
أي التأويل (أن يريد) الحالف (بلفظه ما يخالف ظاهره)، وتأتي أمثلته (سواء في ذلك)
الحلف ب‍ (- الطلاق والعتاق واليمين المكفرة) كالحلف بالله تعالى أو بالظهار أو النذر. (فإن
كان الحالف ظالما كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده لم ينفعه تأويله). قال في المبدع:
بغير خلاف نعلمه. ومعناه في الشرح. (وكانت يمينه منصرفة إلى ظاهر الذي عنى
المستحلف) لقول النبي (ص): يمينك ما يصدقك به صاحبك وفي لفظ اليمين على نية
368

المستحلف. رواهما مسلم من حديث أبي هريرة. (وإن كان الحالف مظلوما كالذي يستحلفه
ظالم على شئ لو صدقه) أي أخبره به على وجه الصدق. (لظلمه أو ظلم غيره أو نال مسلما).
قلت: أو كافرا محترما (منه ضرر، فهنا له تأويله) لحديث سويد بن حنظلة: قال
خرجنا نريد رسول الله (ص) ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا
فحلفت أنه أخي فخلى سبيله فأتينا النبي (ص) فذكرنا له ذلك فقال: كنت أبرهم وأصدقهم،
المسلم أخو المسلم رواه أبو داود وقال النبي (ص): إن في المعاريض مندوحة عن
الكذب رواه الترمذي. قال محمد بن سيرين: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف حض
الظريف بذلك، يعني الكيس الفطن، كأنه يفطن التأويل فلا حاجة إلى الكذب. (وكذا إن لم
يكن) الحالف (ظالما ولا مظلوما ولو) كان التأويل (بلا حاجة) إليه لأنه (ص) كان يمزح ولا
يقول إلا حقا ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه، وهو التأويل. فقال (ص) لعجوز: لا
تدخل الجنة عجوز يعني أن الله ينشئهن أبكارا عربا أترابا. (ويقبل) منه (في الحكم)
دعوى التأويل (مع قرب الاحتمال، و) مع (توسطه) لعدم مخالفته للظاهر. و (لا) تقبل دعوى
التأويل (مع بعده) لمخالفته للظاهر. ويأتي ذلك في جامع الايمان بأوضح من هذا. (ف‍) - من
أمثلة التأويل أن (ينوي باللباس الليل و) ينوي (بالفراش والبساط الأرض، و) ينوي (بالأوتاد
الجبال، و) ينوي (بالسقف والبناء السماء، وبالإخوة إخوة الاسلام، و) ينوي بقوله: (ما ذكرت
فلانا أي ما قطعت ذكره، و) ينوي بقوله: (ما رأيته ما ضربت رئته، و) ينوي (بنسائي طوالق، أي
نساؤه الأقارب كبناته وعماته وخالاته ونحوهن. و) ينوي (بجواري أحرار سفنه، و) ينوي بقوله
: (ما كاتبت فلانا ولا عرفته ولا أعلمته ولا سألته حاجة ولا أكلت له دجاجة ولا فروجة، ولا
369

في بيتي فرش ولا حصير ولا بارية، ويعني) أي يقصد (بالمكاتبة) في قوله: ما كاتبت فلانا.
(مكاتبة الرقيق، و) ينوي (بالتعريف) أي في قوله: ما عرفت فلانا ما (جعلته عريفا، أو) ينوي
(بالأعلام) في قوله ما أعلمته (جعلته أعلم الشفة)، أي مشقوقها أو ينوي (بالحاجة) في قوله:
ما سألته حاجة (شجرة صغيرة و) ينوي (بالدجاجة) في قوله ولا أكلت له دجاجة بتثليث
الدال (الكبة من الغزل. و) ينوي (بالفروجة) في قوله لا أكلت له فروجة (الذراعة و)
وينوي (بالفرش) في قوله: ولا في بيتي فرش (صغار الإبل، و) ينوي ب‍ (- الحصير) في
قوله له: ما في بيته حصير (الحبس. و) ينوي ب‍ (البارية) في قوله: ما في بيته بارئة (السكين التي
يبرأ بها) الأقلام. (وما أكلت من هذا شيئا ولا أخذت منه، ويعني) بالمشار إليه الباقي (بعد
أكله وأخذه)، فلا حنث في ذلك كله، حيث لم يكن ظالما لأن لفظه يحتمل ما نواه.
فصل
: (ولا يجوز التحيل لاسقاط حكم اليمين
كما لا يجوز التحيل لاسقاط الزكاة، ونحوه مما تقدم بأدلته. (ولا تسقط) اليمين أي
حكمها (به) أي بالتحيل على إسقاطه. (وقد نص) الامام (أحمد على مسائل من ذلك وقال
: من احتال بحيلة فهو حانث، قال ابن حامد وغيره: جملة مذهبه) أي الإمام أحمد (أنه لا
يجوز التحيل في اليمين، وأنه لا يخرج منها إلا بما ورد به سمع كنسيان)، على ما تقدم
تفصيله. (وكإكراه واستثناء فإذا أكلا) أي أكل رجل وزوجته (تمرا أو نحوه مما له نوى)
كمشمش وخوخ، (فحلف) على زوجته (لتخبرني بعدد ما أكلت) بضم التاء أو كسرها
(ولتميزن نوى ما أكلت، ولم تعلم) المرأة ما أكلت ذلك. (فإنها تفرط كل نواة وحدها) فيما
إذا حلف لتميزن نوى ما أكلت، إذ يتحقق بذلك نوى ما أكلت. (وتعد له) أي لمن حلف
370

عليها لتخبرنه بعدد ما أكلت (عددا، يتحقق دخول ما أكلت فيه، مثل أن يعلم أن عدد ذلك ما
بين مائة إلى ألف، فتعد ذلك) أي الألف (كله) فيدخل فيه ما أكل. (وكذلك إن قال: إن لم
تخبريني بعدد حب هذه الرمانة) فأنت طالق، (ولم تعلم عددها) أي عدد حبها فذكرت عددا
يدل على عدد حبها فيه، (فإن كان ذلك نيته) بالحلف (لم يحنث). لأنها فعلت ما حلف
عليه. (وإن نوى الاخبار بكميته) أي بعدده (من غير نقص ولا زيادة) حنث، لأنها لم تفعل
ما حلف عليه، (أو أطلق) فلم ينو شيئا مما سبق من الامرين (حنث، لأنه حيلة) والحيل غير
جائزة لحل اليمين. (وكذلك المسائل الآتية في هذا الفصل وشبهها، وقد ذكروا) أي الأصحاب
(من ذلك صورا كثيرة، وجوزه جماعة من الأصحاب، والذي يقطع به أن ذلك ليس مذهب
لأحمد) رحمه الله. لأن قواعد مذهبه وأصوله تأباه. (فمن ذلك إذا حلف ليقعدن على بارية في
بيته، وإلا يدخله بارية، ولم يكن فيه بارية، فإنه يدخل فيه قصبا ينسجه فيه أو ينسج قصبا كان
فيه) ويجلس عليها في البيت ولا يحنث. لأنه لم يدخله بارية وإنما أدخله قصبا جزم به في
المقنع والشرح وغيرهما وجزم في المنتهى وغيره بأنه يحنث بذلك. (وإن حلف
ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه، ولا يجد طعم الملح فإنه يصلق فيه بيضا) لأن الصفة
وجدت لأن الملح لا يدخل في البيض. (و) إن حلف (لا يأكل بيضا ولا تفاحا أو) حلف
(ليأكلن ما في هذا الاناء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطقا) وهو نوع من
الحلوى، (و) يعمل (من التفاح شرابا) ويأكل منه بغير حنث. لأن ذلك ليس ببيض ولا تفاح
(وإن كان على سلم) وفوقه امرأة وتحته أخرى (وحلف لا صعدت إليك) أيتها العليا، (ولا
371

نزلت إلى هذه) السفلى، (ولا أقمت مكاني ساعة، فلتنزل العليا ولتصعد السفلى) وتنحل يمينه
لم يبق حنثه ممكنا لزوال الصورة المحلوفة عليها. (وإن حلف لا أقمت عليه) أي السلم (ولا
نزلت عنه ولا صعدت فيه، فإنه ينتقل إلى سلم آخر) فتنحل يمينه لأنه إنما نزل أو صعد من
غيره. (وإن حلف) وهي في ماء (لا أقمت في هذا الماء ولا خرجت منه. فإن كان) الماء
(جاريا لم يحنث) أقام أو خرج (إذا نوى ذلك الماء بعينه) كذا في المقنع وغيره، لأن الماء
المحلوف عليه جرى وصار، في غير ضرورة كونه جاريا فلم تحصل المخالفة في المحلوف
عليه، وفي المنتهى: لا يحنث إلا بقصد أو سبب انتهى. فعلى كلام المصنف يحنث مع
الاطلاق، وعلى كلام صاحب المنتهى لا يحنث. (وإن كان) الماء المحلوف عليه لا أقام فيه
ولا خرج منه (واقفا حنث، ولو حمل منه مكرها) لأن إن ألغينا سند الخروج إليه منهم فهو
مقيم فيه فيحنث أيضا. وقال في المقنع: إن كان واقفا حمل منه مكرها.
فصل
: (وإن استحلفه ظالم ما لفلان عندك وديعة وكان له
أي لفلان (عنده) أي الحالف وديعة (فإنه يضمن بما الذي) أي الموصولة وبر في
يمينه، لأنه صادق. (أو ينوي) بحلفه ما لفلان عندي وديعة (غير الوديعة) التي عنده. (أو)
ينوي مكانا (غير مكانها أو يستثني بقلبه)، بأن يقول في نفسه غير وديعة كذا. (ولم يحنث)
لأنه صادق. (فإن لم يتأول) في يمينه (أثم) لكذبه وحلفه عليه متعمدا (وهو) أي إثم حلفه
كاذبا (دون إثم إقراره بها)، لعدم تعدي ضرره إلى غيره بخلاف الاقرار. فإنه يتعدى ضرره
لرب الوديعة فتفوت عليه به. (ويكفر) لحنثه إن كانت اليمين مكفرة. (فلو لم يحلف) وضاعت
372

الوديعة بسبب ذلك (لم يضمن) الوديعة (عند أبي الخطاب)، وتقدم الكلام على ذلك في
الوديعة مفصلا. (ولو سرقت منه امرأته شيئا فحلف) عليها (بالطلاق لتصدقني) أي لتخبريني
على وجه الصدق، (أسرقت مني شيئا أم لا؟ وخافت إن صدقته، فإنها تقول: سرقت منك ما
سرقت منك، وتعني بما الذي) فتكون صادقة. (وإن حلف) عليها أي على امرأته (لما سرقت
مني شيئا، فخانته في وديعة لم يحنث، لأن الخيانة ليست سرقة) لعدم الحرز. (إلا أن ينوي)
ذلك فيحنث بها، لأن اللفظ صالح لأن يراد به ذلك، (أو يكون له سبب) يدل على ذلك
فيعمل به ويحنث. لأن السبب يقوم مقام النية لدلالته عليها. (وإن قال لها: أنت طالق إن لم
أجامعك اليوم، وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم) مع قدرته على استعمال الماء، ولا تفوته
صلاة مع الجماعة (فصلى العصر ثم جامعها واغتسل إن غابت الشمس) وصلى معه (لم
يحنث). لأنه جامع في اليوم ولم يغتسل فيه ولم تفته الصلاة في الجماعة. (إن لم يكن أراد
بقوله اغتسلت منك المجامعة) فيحنث لفعل ما حلف لا يفعله. (و) إن قال: (أنت طالق إن لم
أطأك في رمضان نهارا، فسافر) أي شرع في السفر بأن فارق بيوت قريته العامرة مريدا السفر
(مسافة القصر، ثم وطئها انحلت يمينه) ولا إثم عليه لأنه مسافر. (وقال) الامام (أحمد: لا
يعجبني لأنها حيلة)، ولا تعجبني الحيلة في هذا ولا في غيره. وقال في رواية بكر بن
محمد: إذا حلف على فعل شئ ثم احتال بحيلة فصار إليها، فقد صار إلى ذلك الذي حلف
عليه بعينه. وقال القاضي: الصحيح أنها تنحل به اليمين ويباح به الفطر. لأن إرادة حل
اليمين من المقاصد الصحيحة. (وإن اشترى خمارين وله ثلاث نسوة) أو بنات ونحوهن
، (فحلف لتتخمرن كل واحدة عشرين يوما من الشهر) بأحد الخمارين، (اختمرت الكبرى والوسطى
373

بهما عشرة أيام ثم أخذت الصغرى من الكبرى) خمارها (إلى آخر الشهر)، فقد اختمرت
الصغرى عشرين يوما وتستمر الوسطى مختمرة إلى تمام العشرين فتمت لها العشرون. (ثم
اختمرت الكبرى بخمار الوسطى بعد العشرين إلى آخر الشهر)، فكمل لها بهذه العشر مع
العشر الأولى عشرون يوما. (وكذا ركوبهن لبغلهن ثلاثة فراسخ)، و (لا يحمل كل بغل أكثر
من امرأة. فقال) زوجهن: (أنتن طوالق إن لم تركب كل امرأة منكن فرسخين)، فتركب الكبرى
والوسطى البغلين فرسخا، ثم تركب الصغرى بغل الكبرى إلى تمام الثلاث، ثم ركبت الكبرى
بغل الوسطى بعد الفرسخين إلى تمام الثالث. (فإن حلف ليقسمن بينهن ثلاثين قارورة)
وهي في الأصل إناء من زجاج، والمراد هنا الأعم (عشر مملوءة وعشر فرغ وعشر منصفة
، قلب كل منصفة في مثلها) من المنصفات فتصير المملوءة خمسة عشر والفرغ خمسة عشر
(فكل واحدة) من الثلاث (خمس مملوءة وخمس فرغ) وانحلت يمينه. (فإن كان له ثلاثون
شاة عشرة أنتجت كل واحدة ثلاث سخلات، وعشرة أنتجت كل واحدة سخلتين، وعشرة أنتجت
كل واحدة سخلة، ثم حلف بالطلاق ليقسمنها) أي الشاة مع سخالها (بينهن). أي بين نسائه
الثلاث (لكل واحدة ثلاثون رأسا من غير أن يفرق بين شئ من السخال وأمهاتهن، فإنه يعطي
إحداهن العشرة التي أنتجت كل واحدة سخلتين). فقد كمل لها الثلاثون (ويقسم بين الزوجتين
ما بقي بالسوية لكل واحدة) منهما، (خمس مما نتاجها واحدة وخمس مما نتاجها) بكسر
النون (ثلاث. وإن حلف لا شربت هذا الماء ولا أرقته ولا تركته في الاناء) بكسر التاء
للمخاطبة في الأفعال الثلاثة، (ولا فعل ذلك غيرك فإن طرحت في الاناء ثوبا فشرب الماء ثم
جففته لم يحنث). وكذا لو شربت هي أو غيرها بعضه وأراقت الباقي أو تركته كما تقدم.
374

فيمن حلف على ممسك مأكولا، لا أكله ولا أمسكه ولا ألقاه. (وإن حلف ليقسمن هذا
الزيت نصفين ولا يستعير كيلا ولا ميزانا، وهو ثمانية أرطال في ظرف. ومعه) ظرف (آخر يسع
خمسة) أرطال، (و) ظرف (آخر يسع ثلاثة) أرطال. (أخذ بظرف الثلاثة مرتين فألقاه في ظرف
الخمسة وترك الخمسة)، أي (صبها في ظرف الثمانية وما بقي في) الظرف (الثاني) وهو رطل
(يضعه في الخامس، ثم ملا الثلاثي من الثماني وألقاه في الخماسي، فيصير فيه أربعة) أرطال
(و) بقي (في الثماني أربعة) أرطال وحصلت القسمة بلا استعارة كيل ولا ميزان. (ولو كان)
الزيت (عشرة أرطال)، وحلف ليقسمنه كما تقدم وكان (في ظرف ومعه ظرف) آخر (يسع
ثلاثة) أرطال، (و) ظرف (آخر يسع سبعة) أرطال، (أخذ بظرف الثلاثة منه) أي من الزيت
(ثلاث مرات وأفرغ في ظرف السبعة) فيمتلئ، (ويبقى في ظرف الثالثة من المرة الثالثة
رطلان، ثم ألقى ما في ظرف السبعة في ظرف العشرة، ثم ألقى ما في الثلاثي وهو رطلان في
ظرف السبعة، ثم أخذ من ظرف العشرة ملء الثلاثي فألقاه في) ظرف (السبعة) على الرطلين
(يبقى فيه خمسة) وفي ظرف العشرة خمسة. وحصلت القسمة بلا استعارة كيل ولا ميزان، فبر
في يمينه. (فإن قال) لزوجته (إن ولدت ذكرين أو أنثيين أو حيين أو ميتين فأنت طالق، فولدت
اثنين ولم تطلق) فما جوابها؟ (ف‍) - تقول (قد ولدت ذكرا وأنثى حيا وميتا)، لأنهما ليس
ذكرين ولا أنثيين ولا حيين ولا ميتين. (فإن حلف بالطلاق أني أحب الفتنة وأكره الحق
وأشهد بما لم تره عيني، ولا أخاف الله ولا من رسوله وأنا عدل مؤمن مع ذلك فلم يقع عليه
الطلاق. فهذا رجل يحب المال والولد) وهما فتنة، قال تعالى: * (إنما أموالكم وأولادكم
فتنة) * (ويكره الموت) وهو حق قال تعالى: * (كل نفس ذائقة الموت) * (آل
عمران: 185).
(ويشهد بالبعث والنشور والحساب) ولم يرهما، ولكن قام الدليل القاطع
عليهما قال تعالى: * (إن الله يبعث من في القبور) * وقال: * (إن الله سريع
الحساب) * (ولا يخاف من الله ولا من رسوله الظلم والجور) وهو
375

الظلم في الحكم قال تعالى: * (وما ربك بظلام للعبيد) * وقد قام الدليل
القاطع على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. (وإن حلف أن امرأته بعثت إليه فقالت: قد
حرمت عليك وتزوجت بغيرك وأوجب عليك أن تنفذ لي نفقتي ونفقة زوجي، وتكون) المرأة
(على الحق في جميع ذلك) القول (فهذه امرأة زوجها أبوها) أو أخوها ونحوه (من مملوكه، ثم
بعث المملوك في تجارة ومات الأب) أو الأخ ونحوه، (فإن البنت ترثه) وكذا الأخت ونحوها
بشرط. (وينفسخ نكاح العبد) لإرث زوجته له أو لبعضه، (وتقضى العدة وتتزوج برجل) هو ابن
عمها مثلا. (فتنفذ إليه ابعث إلي من المال الذي لي) أو لزوجي (معك فهو مالي) أو مال زوجي
وهي صادقة. (وإن حلف أن خمسة زنوا بامرأة لزم الأول) منهم (القتل، و) لزم (الثاني الرجم، و)
لزم (الثالث) الجلد مائة، (و) لزم (الرابع نصف الجلد) خمسون، (والخامس لم يلزمه) شئ مما
ذكر. (وبر في يمينه فالأول ذمي) والمرأة مسلمة فيقتل لنقصه العهد. (والثاني محصن) فرجم
(والثالث) حر (بكر) فيجلد مائة ويغرب عاما ويأتي في بابه. (والرابع عبد) يجلد خمسون
(والخامس حربي) لا يلزمه شئ من ذلك، لأنه غير ملتزم لأحكامنا.
فوائد: جمع فائدة (في المخارج) أي التخلص (من مضائق الايمان)، أي قيل تنفع
الحيل منها، (و) في (ما يجوز استعماله حال عقد اليمين، و) في (ما يتخلص به من المآثم)
أي إثم الكذب في كلامه (و) ما يتخلص به من (الحنث) في حلفه (إذا أراد تخويف امرأته
بالطلاق فقال) لها: (إن خرجت من دارها أنت طالق ثلاثا إن خرجت من الدار إلا بإذني، ونوى
بقلبه) بطالق (طالق من وثاق)، بفتح الواو وكسرها أي قيد. (أو) طالق (من العم الفلاني
كالخياطة والغزل والتطريز، ونوى بقوله: ثلاثا ثلاثة أيام فله نيته)، لأن لفظه يحتمله. (فإن
376

خرجت لم تطلق فيما بينه وبين الله تعالى رواية واحدة). لأنه أدرى بنيته (ويقع في الحكم كما
تقدم، لأن هذا الاحتمال بعيد) فإرادته مخالفة للظاهر فلا تقبل دعواه. (وكذلك الحكم إذا نوى
بقوله: طالق الطالق من الإبل، وهي الناقة التي يطلقها الراعي وحدها أول الإبل إلى المرعى
وحبس لبنها، ولا يحلبها إلا عند الورد). أي وردها الماء (أو نوى بالطلاق الناقة يحل عقالها
، وكذا إن نوى) بقوله: أنت طالق (إن خرجت ذلك اليوم)، ولم تخرج (أو) نوى (إن خرجت
وعليها ثياب خز أو إبريسم أو غير ذلك)، ولم تخرج كذلك، (أو) نوى (إن خرجت عريانة أو)
إن خرجت (راكبة بغلا ونحوه) كفرس، ولم تخرج كذلك. (أو) نوى (إن خرجت ليلا أو) إن
خرجت (نهارا فله نيته)، لأن لفظه يحتمل ذلك. (ومتى خرجت على غير الصفة التي نواها لم
يحنث) فيما بينه وبين الله، لكن لا يقبل منه ذلك حكما لبعده. (وكذا الحكم إذا قال: أنت طالق
إن لبست، ونوى ثوبا دون ثوب فله نيته)، ويقبل منه حكما إذ لا بعد في ذلك، وتقدم. (وكذلك
إن كانت يمينه بعتاق) على نحو ما تقدم. (وكذا إن وضع يده على ضفيرة شعرها، وقال: أنت
طالق ونوى مخاطبة الضفيرة، أو وضع يده على شعر عبده. وقال: أنت حر ونوى مخاطبة الشعر)
فله نيته. (أو) وضع يده على الضفيرة، وقال: (إن خرجت من الدار أو إن سرقت مني شيئا أو
إن خنتني في مالي أو إن أفشيت سري أو غير ذلك مما يريد منعها منه) ككلام زيد، فأنت
طالق مخاطبا للضفيرة (فله نيته). لأن لفظه يحتمل ما نواه به. (وإن أراد ظالم أن يحلفه بالطلاق
أو العتاق إن (لا يفعل ما يجوز له فعله) كركوب دابته ودخول داره. (أو) أراد أن يحلفه أن
(يفعل ما لا يجوز له فعله) كسرقة ولواط، أو أخذ مال الغير بغير حق (أو) أراد أن يحلفه (إنه لم
يفعل كذا الشئ لم يلزمه الاقرار به) كبيع ونحوه، (فحلف ونوى شيئا مما ذكرنا لم يحنث.
377

قلت: وينبغي أن يقبل منه في الحكم إرادة ذلك لقيام القرينة. (وإن قال له) الظالم
: (قل زوجتي) طالق، (أو) قال له: قل (كل زوجة لي طالق إن فعلت كذا، أو إن كنت فعلت كذا
، أو إن لم أفعل كذا، فقال) ما قال له قله (ونوى) بقوله: زوجتي طالق (زوجته العمياء) أو
الجذماء ونحوها، (أو) نوى زوجته (اليهودية) أو النصرانية، (أو) نوى بقوله: كل زوجة لي
طالق (كل زوجة له عمياء أو برصاء أو يهودية أو نصرانية أو عوراء أو خرساء أو حبشية أو
رومية أو مكية ونحوه) كهندية أو صينية، (أو نوى) بقوله: كل امرأة لي طالق (كل امرأة
تزوجها بالصين أو البصرة أو بغيرها من المواضع) كبغداد وحلب، (ولم تكن له زوجة على
الصفة التي نواها، وكان له زوجات على غيرها من الصفات)، أو لم يكن تزوج بتلك
المواضع (لم يحنث) لعدم وجود الصفة. (وكذا حكم العتاق) إذا قال له: قل عبدي أو
أمتي، أو كل عبد لي أو كل أمة لي حرة إن كنت فعلت كذا، أو إن فعلته أو إن لم أكن فعلته
، ونوى العبد الرومي أو الزنجي أو الأمة الهندية أو السندية وكان له عبد أو أمة بغير تلك
الصفة فلا عتق. (وكذلك إن قال: إن كنت فعلت كذا) فزوجتي طالق أو عبدي حر وأمتي حرة
(ونوى إن كنت فعلته بالصين ونحوه) كاليمن والهند وغيره (من الأماكن التي لم يفعله فيها
لم يحنث)، لأنه صادق (فإن أحلفه مع الطلاق بصدقة جميع ما يملكه) بأن قال له
: قل زوجتي طالق ومالي أو كل ما لي صدقة إن لم أفعل كذا ونحوه. (فحلف ونوى) بالطلاق شيئا
مما تقدم ونوى بالمال (جنسا من الأموال ليس في ملكه منه شئ لم يحنث) لما تقدم،
(كأن قال: جميع ما أملكه ونوى من الياقوت الأحمر، أو الزبرجد الأخضر أو المسك أو العنبر
أو الكبريت الأصفر، أو نوعا من أنواع البهار) كالقرنفل والدارصيني. (أو) نوى (ما يملكه من
السيوف والقسي والحطب وغير ذلك، أي ذلك نوى ولم يكن في ملكه منه شئ لم يحنث)
378

لما سبق. (ولم يلزمه التصدق بشئ مما يملكه غيره وكذلك إن أحلفه عن رجل) أنه لا يعلم
أين هو، (أو) أحلفه (عن شئ غيره)، أي غير الرجل من الحيوان أو غيره، (أنه لا يعلم أين هو
وهو يعلم أنه في دار بعينها فحلف) أنه لا يعلم أين هو. (ونوى أنه لا يعلم أين هو من الدار،
في أرضها أو في علوها أو في بعض مجالسها أو خزائنها أو غرفها أو سطحها، وهو لا يعلم
ذلك لم يحنث). لأن قوله مطابق للواقع. (وكذلك إن كان معه في الدار فكبست عليه، فحلف
قبل فتح الباب أن ما فلانا هنا. وأشار إلى راحة كفه أو) أشار (إلى ما تحت يده لم يحنث).
لأنه صادق (فإن أحلفه) الظالم (أن يأتيه به) أي بفلان (متى رآه فحلف) ليأتينه به متى رآه
(ونوى متى رآه في داخل الكعبة أو الصين أو) في (غير ذلك من المواضع التي تتعذر رؤيته
فيها فلا يحنث إذا رآه في غيرها ولم يحضره) إليه، لأنه لم يره على الصفة التي عينها (وإن
أحلفه) الظالم (بالمشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة) بأن قال له: قل إن لم أفعل كذا، أو
إن كنت فعلته أو إن لم أفعله فعلي المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة (فقال ذلك ونوى
ببيت الله مسجد الجامع. وبقوله: الحرام الذي بمكة بحجة أو عمرة. ثم وصله سرا بقوله:
يلزمه إتمام حجة وعمرة فله نيته) لأن لفظه محتمل إذ المساجد بيوت الله. والحرام على
المحرم وعلى الحرم. (ولا يلزمه شئ) لأن تلك ليست يمينا تدخلها الكفارة. (فإن ابتدأ
إحلافه بالله. فقال له: قل والله فالحيلة أن يقول هو: الله الذي لا إله إلا هو ويدغم الهاء
في الواو). أي يخفيها ما أمكن (حتى لا يفهم محلفه ذلك. فإن قال له المحلف: أنا
أحلفك بما أريد) إحلافك به (وقل أنت نعم كلما ذكرت أنا فصلا ووقفت، فقل أنت نعم،
379

وكتب له نسخة اليمين بالطلاق والعتاق والمشي إلى بيت الله الحرام وصدقة جميع ما
يملكه. فالحيلة أن ينوي بقوله: نعم بهيمة الأنعام) لا حرف الجواب (ولا يحنث) بذلك، لأنه
حلف لا منه إذن (فإن قال) الظالم (اليمين التي أحلفك بها لازمة لك، قل: نعم. أو قال)
الظالم (له) أي لمن استحلفه (قل اليمين التي تحلفني بها لازمة لي. فقال: ونوى باليمين
يده فله نيته، وكذا إن قال له) الظلم قل: (أيمان البيعة لازمة لك)، فقال ذلك. (أو قال له: قل
أيمان البيعة لازمة لي. فقال) ذلك، (ونوى بالايمان الأيدي التي تبسط عند أخذ البيعة ويصفق
بعضها على بعض فله نيته)، لأن لفظه يصلح لذلك ويأتي في كتاب الايمان بيان أيمان البيعة
(وكذلك إن قال) الظالم لمن يستحلفه. قل (اليمين يميني والنية نيتك. فقال) ذلك (ونوى
بيمينه يده. وبالنية البضعة) أي القطعة قدر ما تمضغ (من اللحم. فله نيته) لأن لفظه صالح
لذلك (فإن قال له: قل إن فعلت كذا فامرأتي علي كظهر أمي. فالحيلة) في عدم لزوم
اليمين له (أن ينوي بالظهر ما يركب من الخيل والبغال وغيرها) كالحمير (فإذا نوى) بظهر
أمه (ذلك لم يلزمه شئ، ذكره القاضي في كتاب إبطال الحيل. وقال: هذا من الحيل المباحة)
لأنه توصل به إلى مباح. (قال) القاضي (فإن قال له: قل) إن لم أفعل كذا أو إن
كنت فعلته مثلا. (فأنا مظاهر من زوجتي. فالحيلة أن ينوي بقوله مظاهر مفاعل من ظهر
الانسان، كأنه يقول: ظاهرتها. فنظرت أينا أشد ظهرا. قال: والمظاهر أيضا الذي قد لبس
حريرة بين الدرعين، وثوبا بين ثوبين، فأي ذلك نوى فله نيته) لصلاحية اللفظ له. (فإن قال)
لمن يستحلفه (قل) إن فعلت كذا أو إن لم أفعله أو إن كنت فعلته، (وإلا فقعيدة بيتي التي
يجوز عليها أمري طالق وهي حرام. فقال: ونوى بالقعيدة الغرارة) فله نيته. (وقال في
380

المستوعب نسيجه) أي منسوجة (تنسج كهيئة العيبة، فله نيته) لأن اللفظ صالح لذلك، (فإن
قال) لمن يستحلفه (قل) إن فعلت كذا ونحوه (وإلا فمالي على المساكين صدقة. فالحيلة أن
ينوي بقوله: مالي على المساكين من دين) أو نحوه فيجعل ما اسما موصولا بالجار
والمجرور. (ولا دين) له (عليهم فلا يلزمه شئ) لعدم وجود الصفة. (فإن قال) له في
استحلافه (قل) إن فعلت كذا مثلا، (وإلا فكل مملوك لي حر. فالحيلة أن ينوي بالمملوك
الرقيق الملتوت بالزيت والسمن فإن قال له) حين استحلفه (قل) إن فعلت كذا مثلا. (وإلا
فكل عبد لي حر فالحيلة) لدفع الحنث، (أن ينوي بالحر غير ضد العبد. وذلك) أي الحر
الذي هو ضد العبد (أشياء. فالحر اسم للحية الذكر، والحر الفعل الجميل، والحر من
الرمل الذي ما وطئ. فإن قال) له مريد استحلافه (قل) إن فعلت كذا. (وإلا فكل جارية لي
حرة، فالجارية السفينة الجارية، والجارية الاذن، والجارية الريح، والجارية العادة التي
جرت، فأي ذلك نوى فله نيته) لأن اللفظ صالح له (والحرة: السحابة الكثيرة المطر. و)
الحرة (الكريمة من النوق)، فأيهما نوى فله نيته. (فإن قال) مستحلفا له (قل) إن لم أفعل كذا
(وإلا فعبيدي أحرار. فقال) ذلك (ونوى بالأحرار البقل، فله نيته. فإن الناعم من البقل
يسمى أحرارا، وما خشن تسمى ذكورا. فإن قال له: قل) إن فعلت كذا (وإلا فجواري
حرائر. فقال) ذلك (ونوى) بالجواري السفن الجارية، أو نوى (بالحرائر الأيام فله نيته. فإن
الأيام تسمى حرائر. فإن قال) له في استحلافه (قل) إن فعلت كذا ف‍ (- كل شئ في ملكي
صدقة) فقال (ونوى بالملك: محجة الطريق فله نيته. وإن قال) له ظالم (قل جميع ما أملكه
من عقار ودار وضيعة فهو على المساكين. فقال: ونوى بالوقف السوار من العاج. فله
381

نيته. فإن قال) لمن استحلفه (قل) إن فعلت كذا، (وإلا فعلي الحج. فقال) ذلك (ونوى
بالحج أخذ الطبيب ما حول الشجة من الشعر فله نيته)، لأنه يسمى حجا. (فإن قال) له إذا
استحلفه (قل) إن فعلت كذا (وإلا فأنا محرم بحجة وعمرة، فإن نوى بالحجة القصة من
الشعر الذي حوالي الشجة، ونوى بالعمرة أن يبني الرجل بامرأة في بيت أهلها، فله نيته لان
ذلك) الرجل (يسمى معتمرا، فإن قال) له مستحلفا (قل) إن لم أفعل كذا (وإلا فعلي الحج
بكسر الحاء. ونوى شجة الاذن فله نيته. فإن قال) لمن يستحلفه (قل) إن لم أكن فعلت
كذا مثلا، (وإلا فلا قبل الله منه صوما ولا صلاة، ونوى بالصوم زرق النعام النوع من الشجر،
ونوى بالصلاة بيتا لأهل الكتاب يصلون فيه، فله نيته. وكذا إن قال) في استحلافه له (قل)
إن كنت فعلت كذا، (وإلا فما صليت لليهود والنصارى) فقال ذلك. (ونوى بقوله: صليت،
أي أخذت بصلاء الفرس، وهو ما اتصل بخاصرته إلى فخذيه). وتقدم في كتاب الصلاة أو
الصلوين عرقان أو عظمان في جانبي الذنب، ينحنيان في الركوع والسجود، ومنه اشتقت
الصلاة. (أو نوى بصليت أي شويت شيئا في النار، أو ينوي بما النافية، وكذا إن قال: قل
وإلا فأنا كافر بكذا وكذا. فقال: ونوى بالكافر المستتر المتغطي أو الساتر المغطي) ومنه
للزارع كافر، (فله نيته) لأن لفظه يحتمله.
فصل
: (في الايمان التي يستحلف بها النساء أزواجهن
إذا استحلفته) زوجته (أن (لا يتزوج عليها، فحلف) لها على ذلك (ونوى شيئا مما ذكرنا)
382

بأن نوى أن يتزوج عليها يهودية أو نصرانية أو عمياء أو حبشية ونحوها، أو أن لا
يتزوج عليها بالصين أو نحوه من المواضع التي يريد التزوج بها. (فله نيته) لأن لفظه يحتمله
(فإن قالت له) زوجته (قل كل امرأة أطؤها غيرك فطالق، وكل جارية أطؤها غيرك حرة. فقال
ذلك. ولم يكن له زوجة غيرها ولم تكن في ملكه جارية ثم تزوج) عليها، (أو اشترى جارية
ووطئها) أي التي تزوجها واشتراها، (لم تطلق) التي تزوجها (ولم تعتق) التي اشتراها، لأنها لم
تكن حال التعليق زوجة ولا أمة له. (وإن كان له وقت اليمين زوجات أو جوار فقال ذلك)
أي كل امرأة أطؤها غيرك طالق وكل جارية أطؤها غيرك حرة. (من غير نية تأويل، فأي زوجة
وطئ منهن غيرها طلقت، وأي جارية وطئها منهن عتقت)، لوجود الصفة (فإن نوى بقوله
كل جارية أطؤها) برجلي (أو) نوى. (كل امرأة أطؤها غيرك برجلي فله نيته) لأن لفظه يصلح
لذلك، (ولا يحنث بجماع غيرها زوجة كانت)، التي وطئها (أو سرية) أي جارية (فإن أرادت
امرأته) التي استحلفته. (الاشهاد عليه بهذه اليمين التي يحلف بها في جواريه، وخاف أن يرفع
إلى الحاكم فلا يصدقه فيما نواه، فالحيلة أن يبيع جواريه ممن يثق به ويشهد على بيعهن
شهودا عدولا من حيث لا تعلم الزوجة، ثم بعد ذلك يحلف بعتق كل جارية يطؤها منهن
، وليس في ملكه شئ منهن، ويشهد على نفسه وقت اليمين شهود البيع ليشهدوا له بالحالين
جميعا). وينفعه ذلك (وإن شهد غيرهم) أو غير شهود البيع، (وأرخ الوقتين) وقت البيع
ووقت اليمين (وبينهما من الفصل ما يتميز به كل وقت منهما عن الآخر، كفاه ذلك)
لحصول الغرض به. (ثم بعد اليمين يقابل مشتري الجواري ويشتريهن منه ويطؤهن ولا
يحنث) بذلك، لأنهن لم يكن في ملكه حال الحلف. (فإن رافعته) بعد ذلك (إلى الحاكم
383

وأقامت البينة باليمين وبوطئهن أقام هو البينة، أنه لم يكن وقت اليمين في ملكه شئ منهن)
فيعرفها الحاكم أنه لا حنث عليه. (ذكر ذلك صاحب المستوعب وغيره وهو صحيح كله
متفق عليه إذا كان الحالف مظلوما)، وكذا ينفعه تأويله إن كان لا ظالما ولا مظلوما في ظاهر
كلام أحمد، وتقدم أول الباب.
باب الشك في الطلاق
(وهو) أي الشك لغة ضد اليقين. واصطلاحا تردد على السواء، والمراد (هنا مطلق
التردد) سواء كان على السواء أو ترجح أحد الطرفين (إذا شك هل طلق) زوجته (أم لا) لم
تطلق، (أو شك في وجود شرطه) الذي علق عليه، (ولو كان الشرط) الذي علق عليه الطلاق
(عدميا نحو): أنت طالق (لقد فعلت كذا، أو) أنت طالق (إن لم أفعله اليوم فمضى) اليوم
(وشك في فعله لم تطلق). لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك ويشهد له قوله (ص): فلا
ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا فأمره بالبناء على اليقين وإطراح الشك. (وله)
أي الزوج الشاك في الطلاق (الوطئ)، لأن الأصل الحل ومنع منه الخرقي لأنه شاك في
حلها، كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية. (لكن قال) الشيخ (الموفق ومن تابعه الورع التزام
الطلاق) لقوله (ص): فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. (فإن كان) الطلاق
(المشكوك فيه رجعيا) ما دامت في العدة (إن كانت مدخولا بها وإلا) يكن الطلاق رجعيا
(جدد نكاحها)، بأن يعقد بولي وشاهدي عدل وصداق. (إن كانت غير مدخول بها. أو) كانت
مدخولا بها. و (قد انقضت عدتها. وإن شك في) وقوع (طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها
384

حتى تنقضي عدتها فيجوز لغيره نكاحها، لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق). لأنه لم يوجد
ما يعارضه (فلا تحل لغيره) كسائر الزوجات، (انتهى). ومعناه في المحرر والمنتهى،
(ولو حلف لا يأكل ثمرة فوقعت في ثمر) أو زريبة، فوقعت في زبيب ونحوها. (فأكل منه
واحدة فأكثر إلى أ) ن (لا يبقى منه) أي الثمر إلا (واحدة ولم يدر أكل المحلوف عليها أم لا لم
تطلق، ولا يتحقق حنثه حتى يأكل الثمر كله)، لأنه إذا بقي منه واحدة احتمل أنها المحلوف
عليها ويقين النكاح ثابت فلا يزول بالشك. (وإن حلف ليأكلنها) أي الثمرة فاختلطت بثمر
واشتبهت، (لم يتحقق بره حتى يعلم أنه أكلها) بأن يأكل الثمر كله لما سبق. (وإذا شك في
عدد الطلاق) بأن علم أنه طلق ولم يدر عدده (بنى على اليقين فإن لم يدر أواحدة طلق أم
ثلاثا) فواحدة، (أو قال: أنت طالق بعدد ما طلق فلان وجهل عدده)، أي عدد ما طلق فلان
(فواحدة) لأنها المتيقنة وما زاد عليها مشكوك فيه. (وله مراجعتها) ما دامت في العدة إن
كان دخل بها (ويحل له وطؤها) لما تقدم. (وإن قال لامرأتيه: إحداكما طالق ينوي واحدة)
من امرأتيه (بعينها طلقت وحدها) لأنه عينها بنية أشبه ما لو عينها بلفظه. فإن قال: أردت
فلانة قبل لأن ما قاله محتمل ولا يعرف إلا من جهته. (فإن لم ينو) معينة (أخرجت) المطلقة
(بالقرعة). روي عن علي وابن عباس ولا مخالف لهما في الصحابة.
قال في المبدع: ولأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق
وقد ثبت الأصل بقرعته (ص) بين العبيد الستة، ولان الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه
بقرعة كإعتاق عبيده في مرضه، وكالسفر بإحدى نسائه، وكالمنسية. و (لا) يملك إخراجها
385

(بتعيينه) بغير القرعة خلافا لما ذهب إليه أكثر العلماء لما تقدم. (ويجوز له وطئ الباقي) من
نسائه (بعد القرعة) لبقاء نكاحهن. و (لا) يجوز له وطئ إحداهن (قبلها) أي قبل القرعة
لاحتمال أن تكون هي التي تقع عليها القرعة (إن كان الطلاق بائنا)، فإن كان رجعيا جاز،
وإن وطئ الكل حصلت الرجعة، (وتجب النفقة) للكل (حتى يقرع) لأنهن محبوسات
لأجله. وكل واحدة من حيث هي الأصل بقاء نكاحها، فلا تسقط نفقتها بالشك. (وإن
مات) بعد قوله لزوجتيه إحداكما طالق (ولو) كان موته (بعد موت إحداهما) أي إحدى
امرأتيه (قبل البيان) أي بيان المطلقة بأن لم يبين أنه نوى إحداهما بعينها، ولم يكن أقرع
بينهما (أقرع الورثة) بينهما، فمن قرعت لم ترث (وإن ماتت المرأتان أو) ماتت (إحداهما)
بعد قوله لهما: إحداكما طالق وقبل القرعة (عين المطلق) أي أقرع بينهما (لأجل الإرث).
فمن قرعت لم تورث. (فإن كان نوى المطلقة) أي عينها بنيته (حلف لورثة الأخرى أنه لم
ينوها وورثها) لأنها زوجته، (أو) إن ماتت إحداهما فقط حلف أنه لم ينو (الحية ولم يرث
الميتة) إن كان الطلاق بائنا لانقطاع سبب التوارث وهي الزوجية. (وإن كان ما نوى
إحداهما أقرع) بينهما كما سبق. (ولو قال لهما) أي لامرأتيه (أو) قال (لأمتيه إحداكما طالق
غدا أو حرة غدا فماتت إحداهما قبل الغد طلقت الباقية) من المرأتين (وعتقت) الباقية من
الأمتين، لأنها تعينت محلا للطلاق والعتق. قال في المبدع: وهل تطلق إذن أو منذ طلق
فيه وجهان (وإن كن نساء). وقال لهن: إحداكن طالق غدا فماتت إحداهن قبل الغد. (أو)
كن (إماء) وقال لهن: إحداكن حرة غدا (فماتت إحداهن قبل الغد أو باع إحدى الإماء) قبل
الغد (أقرع بين الباقي إذا جاء الغد) فمن وقعت عليها القرعة طلقت أو عتقت لما تقدم.
(وإن قال امرأتي طالق وأمتي حرة وله نساء وإماء ونوى معينة) من نسائه أو إمائه (انصرف)
الطلاق أو العتق (إليها) كما لو عينها بلفظه، (وإن نوى واحدة مبهمة) منهن (أخرجت بقرعة)
لما تقدم. (وإن لم ينو شيئا طلقن) أي الزوجات كلهن (وعتقن) أي الإماء (كلهن) لان
386

امرأتي وأمتي مفرد مضاف لمعرفة فيعم. وروي عن ابن عباس وتقدم ذلك. (وإن طلق واحدة)
معينة (من نسائه وأنسيها أخرجت بقرعة)، لأنه بعد النسيان لا يعلم المطلقة منهن فوجب أن
تشرع القرعة فيها، وتجب النفقة حتى يقرع. (وتحل له الباقيات) بعد المخرجة بالقرعة لان
الأصل بقاء حلهن (وإن تبين) له (أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة) بأن تذكر (هو) ذلك
تبين (أنها كانت محرمة عليه) حيث كان الطلاق بائنا لأنها صارت أجنبية بالطلاق. (ويكون
وقوع الطلاق من حين طلق) لأنه صدر من أهله في محله ونسيانه لا يرفعه، (وترد إليه التي
كانت خرجت عليها القرعة) لأنه ظهر أنها غير مطلقة والقرعة ليست بطلاق ولا كناية. (إلا أن
تكون) التي خرجت عليها القرعة (قد تزوجت) فلا ترد إليه ولا يبطل نكاحها. لأن قوله لا
يقبل على غيره (أو) إلا أن تكون (القرعة بحاكم) فلا ترد إليه لأن قوله لا يقبل إذن.
قلت: إن أمكن إقامة البينة على ذلك، وشهدت أن المطلقة غير المخرجة ردت إليه
وإن تزوجت أو حكم بالقرعة.
فصل
وإن قال من له امرأتان هذه المطلقة بل هذه طلقتا
أي الأولى والثانية، لأنه أقر بطلاق الأولى فقبل إقراره، ثم قبل إقراره بطلاق الثانية، ولم
يقبل إقراره عن إقراره بطلاق الأولى، لأن الواقع لا يرتفع. (وكذلك لو كن) أي زوجاته (ثلاثا
، فقال: هذه) المطلقة أو طالق أو طلقت هذه، (بل هذه بل هذه طلقن كلهن) لما سبق. (وإن
قال هذه أو هذه) طالق (بل هذه) طلقت الثالثة وإحدى الأولتين. (أو قال: هذه أو هذه وهذه
طلقت الثالثة) لجزمه بطلاقها (و) وطلقت (إحدى الأولتين) لأن أو لاحد الشيئين فتخرج
بقرعة. (وإن قال طلقت هذه بل هذه أو هذه) طلقت الأولى وإحدى الأخيرتين بقرعة، (أو) قال: (أنت
طالق وهذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الأخيرتين) تخرج بقرعة. (وإن قال) طلقت (هذه أو
هاتين أخذ بالبيان) لأن أو لاحد الشيئين. (فإن قال: هي) أي التي أرادها (الأولى طلقت
387

وحدها) كما لو عينها بلفظه، (وإن قال ليست) التي أردتها (الأولى طلقت الأخيرتان) لتعينهما
إذن محلا للوقوع. (وليس له الوطئ قبل التعيين في كل موضع يقبل فيه تعيينه)، كما لو
اشتبهت زوجته بأجنبية (فإن وطئ) واحدة أو أكثر (لم يكن تعيينا) ليرها، (وإن ماتت
إحداهما) أي إحدى الزوجتين بعد وقوع الطلاق بإحداهما لا بعينها، (لم يتعين الطلاق في
الأخرى). بل إن كان نوى إحداهما بينها، وإلا أقرع بينهما كما تقدم. (وإن قال) زوج أربع
: (طلقت هذه وهذه أو هذه وهذه، فالظاهر أنه طلق اثنتين لا يدري أيهما الأوليان أم الاخريان)
. إذ هو المتبادر من العبارة، (كما لو قال: طلقت هاتين أو هاتين) فيقرع، (فإن قال: هما
الأوليان) تعينتا (أو) قال: هما (الاخريان تعين فيما عينه)، لأنه أدرى بإرادته. (وإن قال: لم أطلق
الأوليين تعين) الطلاق (في الأخريين) إلا أنه لم يبق غيرهما. (أو) قال: (لم أطلق الأخريين
تعين في الأوليين) لما تقدم، (وإن قال إنما أشك في طلاق الثانية والأخريين طلقت الأولى
لجزمه بطلاقها وبقي الشك في الثلاث)، فيقرع بينهن على ما سبق. (ومتى فسر كلامه
بمحتمل قبل منه) لأنه أدرى بما أراده. فلو قال: إنما أشك في طلاق الثانية والثالثة طلقت
الأولى والأخيرة، وأقرع بين المشكوك فيهما.
فصل
فإن مات بعضهن
أي بعض الزوجات في الأمثلة السابقة. (أو) مات (جميعهن أقرع بين الجميع، فمن
خرجت القرعة لها) بالطلاق (لم يرثها) إن كان بائنا، لأنها أجنبية. (وإن مات بعضهن قبله)
ومات (بعضهن بعده) وأقرع ورثته بينهن. (فخرجت لميتة بعده لم ترثه) لأنها كانت بائنا حين
موته. (والباقيات يرثهن) إن عاش بعدهن لأنهن زوجاته (ويرثنه) إن حيين بعده لبقاء
388

نكاحهن. (وإن قال بعد موتها: هذه التي طلقتها) لم يرثها لاعترافه بأنها ليست زوجته. (أو قال
في غير المعينة) بأن كان طلق مبهمة ثم قال عن الميتة منهن (هذه التي أردتها لم يرثها)
لاعترافه بانقطاع سبب الإرث. (ويرث الباقيات) غيرها لأنهن زوجاته، وسواء (صدقه ورثتهن
أو لا)، فإنه أدرى بما نواه. (ولا يستحلف) على ما أراده لأنه لو نكل لم يقض عليه بنكوله
في ذلك. وتقدم قوله حلف لورثة الأخرى. (فإن مات) من طلق واحدة لا يعنيها من نسائه
(فقال ورثته لإحداهن: هذه المطلقة فأقرت) بذلك حرمناها من ميراثه لاعترافها بأنها لا ترثه،
(أو أقر ورثتها بعد موتها) بأنها المطلقة (حرمناها ميراثه) إن كانت بائنا لاعترافها بانقطاع
الزوجية (وإن أنكرت) أنها المطلقة (أو أنكر) ذلك (ورثتها) بعد موتها (ولم تكن) للورثة
(بينة: فقولها أو قول ورثتها) لأنها منكرة، (فإن شهد اثنان من ورثته) أي الزوج (أنه طلقها)
أي قبل موته طلاقا يقطع ميراثها، (قبلت شهادتهما إذا لم يكونا ممن يتوفر عليهما ميراثه، ولا)
يتوفر (على من لا تقبل شهادتهما له كأمهما وجدتهما، لأن ميراث إحدى الزوجات لا يرجع
إلى ورثة الزوج) غير الزوجات (وإنما يتوفر على ضرائرها) فشهادتها لا تجر لهما نفعا ولا
تدفع عنهما ضررا، فلذلك قبلت. (وإن ادعت إحدى الزوجات أنه طلقها طلاقا تبين به
فأنكرها فقوله)، لأن الأصل عدمه. (فإن مات) بعد دعواها المذكورة (لم ترثه) مؤاخذة لها
بمقتضى اعترافها، (وعليها العدة) لأن قولها لا يقبل فيما عليها ظاهرا.
فصل
إذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح
أي تزوج (أخرى بعد قضاء عدتها) أي المطلقة (ثم مات) الزوج (ولم يعلم أيتهن
389

طلقها، فللتي تزوجها ربع ميراث النسوة) نص عليه. ولا خلاف فيه بين أهل العلم لأنه لا شك
فيها. (ثم يقرع بين الأربع) الأول لاخراج المطلقة، (فأيتهن خرجت قرعتها) بالطلاق
(حرمت) الميراث إذا لم يتهم حرمانها. (وورثه الباقيات) ثلاثة أرباع ميراث النسوة
(وإن طلق) من نسائه (واحدة لا بعينها أو) طلق منهن واحدة (بعينها فأنسيها، فانقضت عدة
الجميع، فله نكاح خامسة قبل القرعة) لأن إحدى الأربع طلقت وانقضت عدتها بيقين. والقرعة
إنما هي لتمييزها لا لوقوع الطلاق بها. (ومتى علمناها) أي المطلقة منهن (بعينها إما بتعيينه
لها) بأن قال: فلانة هي التي أردت طلاقها. (أو بقرعة) بأن لم يكن نوى إحداهن وأقرعنا
بينهن، (فعدتها من حين طلقها) كالمعينة التي لم ينسها و (لا) تكون عدتها (من حين
عينها) لأن العدة لم تجب بالتعيين بل بالطلاق، فتكون من حينه. (وإن مات الزوج قبل
التعيين اعتددن) أي النساء التي طلق بعضهن ولم يعلم (بأطول الأجلين من عدة الوفاة، أو)
عدة (الطلاق) لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون المطلقة أو غيرها، فلزمها الأطول
ودخل فيه ما دونه. (وعدة الطلاق من حين طلق) لما تقدم. (وعدة الوفاة من حين موته، وإن
كان الطلاق رجعيا) ومات في العدة (فعليهن عدة الوفاة)، لأن الرجعية زوجة ويأتي في
العدد.
فصل
وإذا ادعت أن زوجها طلقها
فأنكرها، فقوله لأن الأصل بقاء النكاح. (أو ادعت وجود صفة علق طلاقها عليها) بأن
قال: إن قام زيد، أو إن لم يقم يوم كذا فأنت طالق، فادعت أن الصفة وجدت فطلقت. (فأنكرها
فقوله). لأن الأصل بقاء النكاح إلا إذا علق طلاقها على حيضها فادعته فقولها، أو علقه على
ولادتها فادعتها فقولها أيضا، إن كان أقر بالحمل عند القاضي وأصحابه كما تقدم. (فإن كان
لها بينة) بما ادعت من طلاق لها، أو وجود ما علق طلاقها عليه. (قبلت) بينتها وعمل بها. (ولا
390

يقبل فيه) أي الطلاق (إلا رجلان عدلان) كالنكاح مما يطلع عليه الرجال غالبا، وليس مالا
ولا يقصد به المال. (وإن) اتفقا على أنه طلقها، و (اختلفا في عدد الطلاق) فإن قالت: طلقتني
ثلاثا فقال: بل واحدة. (فقوله) لأنه منكر للزائد. (فإن طلقها ثلاثا وسمعت ذلك أو ثبت عندها
بقول عدلين) أنه طلقها ثلاثا (لم يحل لها تمكينه من نفسها)، لأنها حرمت عليه حتى تنكح
زوجا غيره، ثم يعقد هو عليها. (و) يجب (عليها أن تفر منه ما استطاعت. وأن تفتدي منه إن
قدرت ولا تتزين له وتهرب) منه، (ولا تقيم معه وتختفي في بلدها)، و (لا تخرج منها) أي من
بلدها (ولا تتزوج) غيره (حتى يظهر طلاقها) لئلا يتسلط عليها شخصان، أحدهما يظهر النكاح
والآخر يبطنه. (ولا تقتله قصدا) بل تدفعه بالأسهل فالأسهل كالصائل. (فإن قصدت الدفع
عن نفسها فآل إلى نفسه فلا إثم عليها ولا ضمان في الباطن) عليها، لأنها فعلت ما هي
مأمورة به. (فأما في الظاهر فإنها تؤاخذ بحكم القتل)، لأن قولها غير مقبول في وقوع الثلاث
عليه لتدفعه عن نفسها. (ما لم يثبت صدقها) بشهادة عدلين، فينتفى وجوب القتل في الظاهر
أيضا. (وكذا لو ادعى نكاح امرأة كذبا وأقام شاهدي زور فحكم الحاكم له بالزوجية). فإن
حكم الحاكم لا يزيل الشئ عن صفته الباطنة، ولا تحل له بذلك وتدفعه بالأسهل فالأسهل
كالصائل. (وكذا لو تزوجها تزويجا باطلا) كفى عدتها (فسلمت إليه بذلك) التزويج، فلا
تحل له وتدفعه كما تقدم. (وإذا طلقها ثلاثا فشهد عليه أربعة أنه وطئها) بعد الطلاق الثلاث
(أقيم عليه الحد نصا)، لأنه لا نكاح ولا شبهة نكاح، ولم يعتبروا شبهة القول بأن طلاق الثلاث
واحدة لضعف مأخذه. (فإن جحد طلاقها) ثلاثا ولم تقم به عليه بينة (ووطئها، ثم قامت)
عليه (بينة بطلاقه. فلا حد عليه) لاحتمال غلطه أو نسيانه. (فإن قال: وطئتها عالما بأني كنت
طلقتها ثلاثا كان إقرارا منه بالزنا فيعتبر ما يعتبر في الاقرار بالزنا) بأن يقر أربعا ولا يرجع
حتى يحد مع ما يأتي في حد الزنا.
391

فصل
إن طار طائر فقال
زوج اثنتين فأكثر، (إن كان هذا) الطائر (غرابا ففلانة طالق، وإن لم يكن غرابا ففلانة
طالق، فهي) أي المطلقة منهما (كالمنسية) يقرع بينهما لأنه لا سبيل إلى معرفة المطلقة منهما
عينا فهما سواء. والقرعة طريق شرعي لاخراج المجهول فشرعت القرعة كما في المبهمة
. (وإن قال) من له زوجتان عن طائر (إن كان غرابا ففلانة) كحفصة (طالق، وإن كان حماما
ففلانة) كعمرة (طالق لم تطلق واحدة منهما إذا لم يعلم) أغراب أم حمام أم غيرهما؟
لاحتمال كون الطائر ليس غرابا ولا حماما. ولأنه متيقن الحل وشاك في الحنث، فلا يزول
عن يقين النكاح بالشك. (فإن قال) رجل عن الطائر: (إن كان غرابا فأمتي حرة أو) قال: إن كان
غرابا (فامرأتي طالق ثلاثا. وقال) رجل (آخر: إن لم يكن غرابا مثله) أي فأمتي حرة أو امرأتي
طالق ثلاثا (ولم يعلماه)، أي يعلم الحالف الطائر غرابا أو غيره (لم تعتقا) أي الأمتان (ولم
تطلقا) أي المرأتان. لأن الحانث منهما ليس معلوما، ولا يحكم به في حق واحد منهما
بعينه، بل تبقى في حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكنى، لأن كل واحدة منهما
يقين نكاحها باق ووقوع طلاقها مشكوك فيه. (وحرم عليهما الوطئ) لأن أحدهما حانث
بيقين، وامرأته محرمة عليه. وقد أشكل محرم الوطئ عليهما جميعا كما لو حنث في إحدى
امرأتيه لا بعينها. (إلا مع اعتقاد أحدهما خطأ الآخر)، فإن من اعتقد خطأ رفيقه لا يحرم عليه
وطئ زوجته أو أمته، ولا يحنث فيما بينه وبين الله تعالى لأنه ممكن صدقه. (فإن اشترى
أحدهما أمة الآخر أقرع بينهما) أي بين الأمتين، فمن خرجت لها القرعة عتقت. (فإن وقعت
القرعة على أمته) التي كانت له ابتداء (فولاؤها له)، لأنه المعتق لها والولاء لمن أعتق (وإن
وقعت) القرعة (على) الأمة (المشتراة فولاؤها موقوف حتى يتصادقا على أمر يتفقان عليه)
لأن كلا منهما لا يدعيه إذن. (فإن أقر كل واحد منهما أنه الحانث طلقت زوجتاهما
392

وعتقت أمتاهما) مؤاخذة لكم منهما بإقراره على نفسه. (وإن أقر أحدهما) بالحنث
(حنث وحده) لاقراره، (وإن ادعت امرأة أحدهما) عليه الحنث فقوله، (أو) ادعت (أمته
عليه الحنث) فأنكر (فقوله)، لأن الأصل عدمه، (ولو كان عبد مشترك بين موسرين
فقال أحدهما) عن الطائر، (إن كان غرابا فنصيبي) من العبد (حر، وقال) الشريك (الآخر:
إن لم يكن غرابا فنصيبي حر عتق) العبد (على أحدهما)، لأن أحدهما حانث قطعا.
(فيميز بالقرعة) ويغرم قيمة نصيب شريكه. (والولاء له) لأنه معتق. (فإن قال) سيد
عبد وأمة (إن كان) هذا الطائر (غرابا فعبدي حر، وإن لم يكن غرابا فأمتي حرة، ولم
يعلم) أغراب أم غيره (عتق أحدهما) ويميز (بقرعة). لأنه لا طريق إلى العلم به إلا
بها. (فإن ادعى أحدهما أو) ادعى (كل منهما) أي من العبد والأمة (أنه الذي عتق)
وأنكر السيد (فقول السيد مع يمينه). لأن الأصل معه. (فإن قال): من له نساء وعبيد (إن
كان) هذا الطائر (غرابا فنساؤه طوالق، وإن لم يكن غرابا فعبيده أحرار، ولم يعلم) ما
الطائر؟ (منع من التصرف في الملكين) يعني من وطئ الزوجات ومن بيع العبيد (حتى
يتبين) أمر الطائر، كما تقدم فيمن طلق واحدة من نسائه ونسيها. (وعليه نفقة
الجميع) من الزوجات والعبيد إن لم يتبين الحال أو يقرع: (فإن لم يتبين) حال الطائر
(وقال: لا أعلم ما الطائر؟ أقرع بين النساء ورق العبيد) لأنه لا طريق إلى التمييز
غيرها. (فإن وقعت القرعة على الغراب طلق النساء ورق العبيد) أي بقوا في الرق.
(وإن خرجت) القرعة (على العبيد عتقوا ولم يطلقن) أي النساء لعدم خروج القرعة
عليهن. (وإن قال لامرأته و) لامرأة (أجنبية: إحداكما طالق) طلقت امرأته. (أو قال:
سلمى طالق واسمها) أي امرأته طالق والأجنبية (سلمى) طلقت امرأته. (أو قال
393

لحماته: ابنتك طالق ولها بنت غيرها) أي غير امرأته (طلقت امرأته)، لأن الأصل
اعتبار كلام المكلف دون إلغائه. فإذا أضافه إلى إحدى امرأتين وإحداهما زوجة، أو
إلى اسم وزوجته مسماة بذلك وجب صرفه إلى امرأته، لأنه لو لم يصرف إليها لوقع
لغوا. (فإن قال: أردت الأجنبية) لم تطلق امرأته، لأنه لم يصرح بطلاقها ولا لفظ فيما
يقتضيه ولا نواه، فوجب بقاء نكاحها على ما كان عليه، فإن ادعى ذلك (دين) لأنه
يحتمل ما قاله. (ولم يقبل في الحكم) لأن غير زوجته ليست محلا لطلاقه. (إلا
بقرينة دالة على إرادة) الأجنبية، مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه)
فيقبل منه في الحكم. (وإن لم ينو زوجته ولا) نوى (الأجنبية طلقت زوجته)، لأنها محل
للطلاق. (وإن نادى امرأته) هندا (فأجابته امرأة له أخرى) فقال: أنت طالق يظنها
المناداة طلقت فقط، (أو) نادى امرأته هندا وعنده امرأة له أخرى (لم تجبه وهي
الحاضرة، فقال: أنت طالق يظنها المناداة طلقت المناداة فقط)، لأنه، قصدها بخطابه،
وليست الأخرى مناداة ولا مقصودة بالطلاق فلم تطلق، كما لو أراد أن يقول طاهر
فسبق لسانه فقال: أنت طالق. (فإن قال: علمت أنها) أي المجيبة أو الحاضرة التي لم
تجب (غيرها)، أي غير المناداة (وأردت طلاق المناداة طلقتا معا) أما المناداة فلأنها
المقصودة بالطلاق وأما المجيبة أو الحاضرة، فلأنه واجهها بالطلاق مع علمه أنها غير
المناداة. (فإن قال: أردت طلاق الثانية طلقت وحدها)، لأنه خاطبها بالطلاق ونواها
به، ولا يطلق غيرها لأن لفظه غير موجه إليها ولا هي منوية. (وإن لقي أجنبية فظنها
امرأته فقال: فلانة أنت طالق، فإذا هي أجنبية طلقت امرأته نصا)، لأن قصد زوجته
بصريح الطلاق (وكذا لو لم يسمها بل قال) لأجنبية ظنها زوجته (أنت طالق) طلقت
امرأته لما مر. (وإن علمها أجنبية) فقال: أنت طالق (وأراد بالطلاق زوجته طلقت)
زوجته، لأنه قصدها بالطلاق. (وإن لم يردها) أي يرد زوجته (بالطلاق) وقد خاطب به
أجنبية عالما أنها أجنبية (لم تطلق) زوجته، لأنه لم يقصدها بالطلاق ولم يخاطبها به
394

(ولو لقي امرأته فظنها أجنبية فقال: أنت طالق أو) قال: (تنحي يا مطلقة لم تطلق امرأته) قاله
أبو بكر ونصره في الشرح، لأنه لم يردها بذلك. وصححه في الاختيارات، ويخرج على
قول أبي حامد أنها تطلق، قاله في المبدع وجزم به في المنتهى. وقاله في شرحه على
الأصح لأنه واجهها بصريح الطلاق فوقع، كما لو علم أنها زوجته، ولا أثر لظنه إياها
أجنبية لأنه لا يزيد على عدم إرادة الطلاق. (وكذا العتق) في جميع ما تقدم (وإن أوقع
بزوجته كلمة وجهلها وشك هل هي طلاق أو ظهار؟ لم يلزمه شئ) كمني في ثوب لا
يدري من أيهما هو؟ قال في الفروع: ويتوجه مثله من حلف يمينا ثم جهلها يريد، أنه لغو
ويؤيده قول أحمد في رجل قال له: حلفت بيمين لا أدري أي شئ هي قال: ليت أنك إذا
دريت دريت أنا. وإن شك هل ظاهر أو حلف بالله تعالى لزمه بحنث كفارة يمين لأنها
اليقين. والأحوط كفارة الظهار ليبرأ بيقين والله أعلم.
باب الرجعة
بفتح الراء أفصح من كسرها. وقال الأزهري: الكسر أكثر. (وهي) لغة المرة من الرجوع.
وشرعا (إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد) والأصل فيها قبل الاجماع قوله
تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادا إصلاحا) * أي رجعة. قاله
الشافعي والعلماء. وقوله تعالى: * (أمسكوهن بمعروف) * فخاطب الأزواج
395

بالامر ولم يجعل لهن اختيارا و: طلق (ص) حفصة ثم راجعها رواه أبو داود من حديث
عمر. وروى الشيخان عن ابن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض. فسأل عمر النبي (ص)
فقال: مره فليراجعها. (إذا طلق الحر امرأته ولو) كانت (أمة على حرة) فلا يشترط أن يكون
عادم الطول ولا خائف العنت، لأن الرجعة استدامة للعقد لا ابتداء له. (بعد دخوله أو خلوته
بها في نكاح صحيح أقل من ثلاث) بغير عوض، فله مراجعتها ما دامت في العدة. (أو) طلق
(العبد واحدة ولو كانت زوجته حرة بغير عوض فله مراجعتها ما دامت في العدة). وملخصه: أن
للرجعة أربعة شروط: الأول: أن يكون دخل أو خلا بها، لأن غيرها لا عدة عليها فلا تمكن
رجعتها. الثاني: أن يكون النكاح صحيحا، لأن من نكاحها فاسد تبين بالطلاق فلا تمكن
رجعتها، ولان الرجعة إعادة إلى النكاح، فإذا لم تحل بالنكاح لعدم صحته وجب أن لا تحل
بالرجعة إليه. الثالث: أن يطلق دون ما يملكه من عدد الطلاق وهو الثلاث للحر والاثنتان
للعبد، لأن من استوفى عدد طلاقه لا تحل له مطلقته حتى تنكح زوجا غيره، فلا تمكن رجعتها
لذلك. الرابع: أن يكون الطلاق بغير عوض، لأن العوض في الطلاق إنما جعل لتفتدي به
المرأة نفسها من الزوج، ولا يحصل ذلك مع ثبوت الرجعة. فإذا وجدت هذه الشروط كان له
رجعتها ما دامت في العدة للاجماع، ودليله ما سبق. (ولو) كان المطلق (مريضا أو مسافرا أو
محرما)، لأنها استدامة للنكاح لا ابتداء (وتقدم في محظورات الاحرام، ويملكها) أي الرجعة
(ولي مجنون)، لأنها حق للمجنون يخشى فواته بانقضاء العدة فملك استيفاءه له كبقية حقوقه.
(ولا رجعة بعد انقضاء العدة) لمفهوم قوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * (البقرة:
228). (وتحصل الرجعة بلفظ من ألفاظها. نحو راجعت امرأتي أو ارتجعتها أو) أرجعتها أو
رددتها أو أمسكتها). و (لا) تحصل الرجعة (بنكحتها أو تزوجتها)، لأن هذا كناية والرجعة
استباحة بضع مقصود فلا تحل بالكناية كالنكاح. (وإن خاطبها) أي المطلقة بالرجعة (ف‍)
- صفتها أن (يقول: راجعتك أو ارتجعتك أو أرجعتك أو رددتك أو أمسكتك. فإن زاد بعد هذه
396

الألفاظ: للمحبة أو الإهانة) لم يقدح في الرجعة (أو قال: أردت أني رجعتك لمحبتي إياك أو
إهانة لك لم يقدح في الرجعة)، لأنه أتى بالرجعة وبين سببها. (وإن قال: أردت أني كنت
أهينك أو أحبك وقد رددتك بفراقي إلى ذلك)، أي المحبة أو الإهانة (فليس برجعة)
لحصول التضاد، لأن لا تراد بالفراق. (وإن أطلق ولم ينو شيئا) بقوله: راجعتك
للمحبة أو الإهانة ونحوه (صحت) الرجعة، لأنه أتى بصريحها وضم إليه ما يحتمل أن
يكون سببها وأن يكون غيره، فلا يزول اللفظ عن مقتضاه بالشك. (فالاحتياط أن يشهد.
وليس من شروطها) أي الرجعة (الاشهاد)، لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر
حقوق الزوج، ولان ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الاشهاد كالبيع. (لكن
يستحب) الاشهاد عليها احتياطا عن مقتضاه للشك. (فيقول: اشهدا على أني راجعت امرأتي)
إلى نكاحي (أو زوجتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي)، ونحو ذلك مما يؤدي معناه
(فلو أشهد وأوصى الشهود بكتمانها فصحيحة)، لعدم اشتراط الاشهاد. وعنه يجب الاشهاد
عليها فإن لم يشهد لم تصح. فإن أوصى الشهود بكتمانها لم تصح. وقال القاضي: يخرج
على الروايتين في التواصي بكتمان النكاح. (ولا تفتقر) الرجعة (إلى ولي ولا صداق ولا رضا
المرأة ولا علمها ولا إذن سيدها) إن كانت أمة لأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية،
فلا يعتبر فيها شئ من ذلك. (والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار واللعان والايلاء
وابتداء المدة) التي تضرب للمولى، وهي الأربعة أشهر (من حين اليمين) لا من الرجعة.
(ويرث كل منهما صاحبه إن مات) بالاجماع. (وإن خالعها صح خلعه) لأنها زوجة يصح
طلاقها فصح خلعها كما قبل الطلاق. وليس مقصود الخلع التحريم، بل التخلص من ضرر
397

الزوج، على أنا نمنع أنها محرمة. (ولها النفقة) وإن لم تكن حاملا إلى انقضاء عدتها، (ولا
قسم لها) أي للرجعية (صرح به الموفق والشارح والزركشي في الحضانة، ولعله مراد من
أطلق) من الأصحاب أن الرجعية زوجة (ويباح لزوجها وطؤها، و) يباح له (الخلوة) بها (و)
يباح له (السفر بها. ولها أن تتزين له وتشوف) لأنها في حكم الزوجات كما قبل الطلاق
(وتحصل الرجعة بوطئها بلا إشهاد نوى الرجعة به أو لم ينو) به الرجعة، لأن الطلاق سبب
زوال الملك وقد انعقد مع الخيار. والوطئ من المالك يمنع زواله كوطئ البائع في مدة
الخيار، وكما ينقطع به التوكيل من طلاقها. (ولا تحصل) رجعتها (بمباشرتها من القبلة
واللمس والنظر إلى فرجها بشهوة أو غيرها، ولا بالخلوة بها والحديث معها)، لأن ذلك كله
ليس في معنى الوطئ، إذ الوطئ يدل على ارتجاعها دلالة ظاهرة بخلاف ما ذكر. (و) تحصل
الرجعة أيضا (بإنكار الطلاق) لما سبق، (ولا يصح تعليقها) أي الرجعة (بشرط فلو قال:
راجعتك إن شئت. أو إن قدم أبوك فقد راجعتك أو كلما طلقتك فقد راجعتك، لم يصح)
التعليق، لأن الرجعة استباحة فرج مقصود أشبهت النكاح. (ولو قال) للرجعية (كلما
راجعتك فقد طلقتك. صح) التعليق (وطلقت) كلما راجعها. (وإن راجعها في الردة من
أحدهما) أي أحد الزوجين (لم يصح) الارتجاع كالنكاح، (وهكذا ينبغي أن يكون) الحكم
كذلك (إذا راجعها بعد إسلام أحدهما)، فلا تصح رجعتها إذا طلقها، ثم أسلمت أو أسلم،
ولم تكن كتابية. (فإن كانت) المطلقة الرجعية (حاملا باثنين فوضعت أحدهما لم تنقض عدتها
به) حتى تضع الحمل كله. (ولو خرج بعض الولد فارتجعها قبل أن تضع باقيه) صح لأنها لم
تزل في العدة. (أو) راجعها بعد وضع الأول (قبل أن تضع الثاني. صح) الارتجاع. لأنها
في العدة إذن. (و) إن لم يراجعها حتى وضعت الحمل كله (انقضت عدتها به وأبيحت لغيره
398

ولو لم تطهر). أي ينقطع نفاسها (أو تغتسل من النفاس)، لأن العدة قد انقضت بوضع الحمل
فبانت بذلك. (وإن طهرت) الرجعية ذات الأقراء حرة (من الحيضة الثالثة)، أو الأمة من الثانية
، (ولم تغتسل. فله رجعتها) روي عن أبي بكر وعمر، وعلي وابن مسعود. (فظاهره ولو
فرطت في الغسل سنين) لأن وطئ الزوجة قبل الاغتسال من الحيض حرام، لوجود أثر
الحيض الذي يمنع الزوج من الوطئ، كما يمنعه الحيض. فوجب أن يمنع ذلك ما يمنعه
الحيض ويوجب ما أوجبه الحيض، كما قبل انقطاع الدم. (ولم تبح للأزواج) قبل أن تغتسل
من الحيضة الثالثة لما مر. (وما عدا ذلك من انقطاع نفقتها وعدم وقوع الطلاق بها، وانتقاء
الميراث وغير ذلك، فإنه يحصل بانقطاع الدم) رواية واحدة. قاله في المحرر تبعا للقاضي
وغيره، انتهى.
فصل
وإذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني
انقطعت عدة الأول بوطئ الثاني) لا بمجرد العقد عليها، لأنه غير صحيح فلا أثر له
(وملك الزوج) الأول (رجعتها في مدة الحمل كما يملكه) أي ارتجاعها (بعد وضعها)
الحمل، (ولو قبل طهرها من نفاسها) لأن الرجعية باقية، وإنما انقطعت لعارض كما لو وطئت
في صلب نكاحه. لكن لا يملك وطأها قبل وضع الحمل ولا قبل الغسل من النفاس، (وإن
أمكن أن يكون أكمل منهما) أي ممن طلقها ومن تزوجها في عدتها (فله) أي الأول
(رجعتها قبل وضعه)، لأنها في العدة. (ولو بان أنه) أي الحمل (للثاني) فرجعتها صحيحة
لما سبق، وإن راجعها بعد الوضع وبان الحمل من الثاني صحت رجعته، وإن بان من
الأول لم تصح. لأن العدة انقضت بوضعه. (وإن انقضت عدتها) أي الرجعية (ولم يرتجعها
أو طلقها قبل الدخول)، والخلوة (بانت. ولم تحل إلا بنكاح جديد) بشروط. وتقدم (وتعود)
إليه (على ما بقي من طلاقها سواء رجعت) إليه (بعد نكاح غيره أو قبله)، وسواء (وطئها
399

الثاني أو لم يطأها)، هذا قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة، وابن عمر وعمران بن
حصين. قاله أكثر العلماء لأن وطئ الثاني لا يحتاج إليه إلا في الاحلال للأول. فلا
يغير حكم الطلاق، كوطئ السيد كما لو عادت إليه قبل نكاح الآخر. (وإن ارتجعها) المطلق
(وأشهد على المراجعة من حيث لا تعلم. فاعتدت ثم تزوجت من أصابها. ردت إليه) أي
إلى الذي كان راجعها بعد إقامة البينة، لأن رجعته صحيحة، لأنها لا تفتقر إلى رضاها. فلم
تفتقر إلى علمها كطلاقها ونكاح الثاني غير صحيح، لأنه تزوج امرأة غيره، كما لو لم يكن
طلقها (ولا يطؤها) المرتجع (حتى تنقضي عدتها) من الثاني، لأنها معتدة من غيره. أشبه ما
لو وطئت في أصل نكاحه. (ولها على الثاني المهر) بما استحل من فرجها. فإن لم يصبها فلا
مهر عليه. (وإن تزوجها) الثاني (مع علمهما) أي علم الثاني والمطلقة (بالرجعة. أو) تزوجها
مع (علم أحدهما) بالرجعة (فالنكاح باطل)، لأنها زوجة الغير، ولا شبهة (والوطئ محرم على
من علم) منهما، (وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره) لانتفاء الشبهة. (وإن كان الثاني ما دخل
بها. فرق بينهما) لفساد النكاح، (وردت إلى الأول) قال في المبدع بغير خلاف في
المذهب. (ولا شئ على الثاني) من مهر، ولا حد لعدم موجبه. (فإن لم تكن له) أي
المطلق (بينة برجعتها لم تقبل دعواه) لقوله (ص): لو يعطى الناس بدعواهم الحديث.
ولان الأصل عدم الرجعة (وإن صدقته هي وزوجها) الثاني (ردت إليه) أي الأول. لان
تصديقهما أبلغ من إقامة البينة. (وإن صدقه الزوج) الثاني (فقط انفسخ نكاحه) لاعترافه بفساده
، (ولم تسلم إلى الأول) لأن قول الثاني لا يقبل عليها، وإنما يقبل في حقه. (والقول قولها
بغير يمين) صححه في المغني. لأنها لو أقرت لم يقبل (فإن كان تصديقه) أي الثاني
للأول في رجعتها (قبل دخوله بها فلها عليه نصف المهر)، لأن الفرقة جاءت من قبله
400

بتصديقه. (و) إن كان تصديقه (بعده) أي بعد الدخول بها ف‍ (- لها الجميع) أي جميع
المهر. لأنه استقر بالدخول (وإن صدقته) أي الأول في دعو رجعتها (وحدها لم يقبل
قولها في فسخ نكاح الثاني) للحديث السابق. ولا يستحلف الثاني على ما اختاره
القاضي، لأنه دعوى في النكاح. واختار الخرقي بلى، فيحلف على نفي العلم. (فإن بانت
منه) أي من الثاني (بطلاق أو غيره) لفسخ لعنة أو إعسار (ردت إلى الأول بغير عقد)
جديد، لأن المنع من ردها إنما كان لحق الثاني، كما لو شهد بحرية عبد ثم اشتراه، فإنه
يعتق عليه. (ولا يلزمها مهر للأول بحال) وإن صدقته (كما لو ارتدت أو أسلمت) تحت
كافر (أو قتلت نفسها. وإن مات الأول وهي في نكاح الثاني فينبغي أن ترثه) أي الأول
(لاقراره بزوجيتها وإقرارها بذلك) أي بزوجيته. قاله الموفق ومن تبعه وجزم به في
المبدع. (وإن ماتت) وهي مصدقة للأول (لم يرثها) الأول، لأنها لا تصدق في إبطال
نكاح الثاني. (ويرثها الزوج الثاني) لأنها زوجته ظاهرا (فإن مات الثاني لم ترثه)
لاعترافها بأنها ليست زوجة له. (قال الزركشي: ولا يمكن) أي الأول (من تزوج أختها
ولا أربع سواها) مؤاخذة له بموجب دعواه.
قلت: وكذا الثاني بطريق الأولى. (وإن ادعت الرجعية أو البائن انقضاء عدتها قبل
قولها إذا كان ممكنا) لقوله تعالى: * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)
أي من الحمل والحيض. فلولا أن قولهن مقبول لم يحرم عليهن كتمانه
، ولأنه أمر تختص بمعرفته، فكان القول قولها فيه كالنية. (إلا أن تدعيه) أي انقضاء عدتها
(الحرة بالحيض في شهر فلا يقبل إلا ببينة)، ولو أنها امرأة واحدة نص عليه. لقول شريح
إذا حاضت ثلاث حيض في شهر، وجاءت ببينة، فقد انقضت عدتها وإلا فهي
كاذبة. فقال له علي: قالون ومعناه بلسان الرومية: أصبت أو أحسنت، ولأنه يندر جدا
حصول ذلك في شهر. فهو (كما لو ادعت خلاف عادة منتظمة) فلا يقبل فيها إلا ببينة.
401

فصل
وأقل ما يمكن أن تنقضي به
أي فيه (عدة الحر من الأقراء) أي بها (وهي) أي الأقراء (الحيض تسعة وعشرون يوما
ولحظة) بناء على أن أقل الحيض يوم وليلة، وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما، وذلك
بأن يطلقها مع آخر الطهر، ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوما، ثم تحيض ثم تطهر
ثلاثة عشر يوما، ثم تحيض يوما وليلة، ثم تطهر لحظة لتعرف بها انقضاء الحيض، وإن لم
تكن اللحظة من عدتها فلا بد منها لمعرفة انقطاع الحيض ومن اعتبر الغسل فلا بد من
وقت يمكن فيه الغسل بعد الانقطاع. (و) أقل ما تنقضي فيه عدة (الأمة) بالأقراء وهي
الحيض (خمسة عشر) يوما (ولحظة)، بأن يكون طلقها في آخر طهرها، وحاضت يوما وليلة
وطهرت ثلاثة عشر يوما وحاضت يوما وليلة، واللحظة ليتحقق فيها الانقطاع كما تقدم. (فإن
ادعت) الحرة (انقضاءها) أي العدة بالحيض (في أكثر من شهر صدقت) لما تقدم. (و) إن
ادعت انقضاءها بالحيض (في أقل من تسعة وعشرين يوما ولحظة لا تسمع دعواها) انقضاءها
(حتى يمر عليها ما يمكن صدقها فيه)، كما لو مضى عليها أكثر من شهر. (نظرنا، فإن بقيت
على دعواها المردودة لم تسمع) دعواها (أيضا)، لأنها عين التي ردت لعدم الامكان. (وإن
ادعت انقضاءها في هذه المدة كلها أو) ادعت انقضاءها (فيما يمكن) انقضاءها (فيها قبل
قولها)، لأن ذلك لا يعلم إلا من جهتها وهي مؤتمنة على نفسها. (والفاسقة) والعدل
(والمريضة) والصحيحة (والمسلمة والكافرة في ذلك) المذكور من انقضاء العدة على
التفصيل السابق، (سواء) لأن ذلك متعلق بها دون غيرها. (وإن ادعت انقضاءها) أي العدة
(بوضع حمل تمام) ليس سقطا، (لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين إمكان الوطئ
بعد العقد) لأن ذلك أقل مدة الحمل كما تقدم. (وإن ادعت أنها أسقطته) أي سقطت ما
402

تنقضي به العدة (لم يقبل) قولها (في أقل من ثمانين يوما) من حين إمكان الوطئ بعد
العقد، لأن العدة لا تنقضي إلا بما يبين فيه خلق إنسان وأقل مدة يتبين فيها خلق
إنسان أحد وثمانون يوما كما تقدم. (ولا تنقضي به) أي بما تلقيه المرأة (عدة قبل أن
يصير مضغة) ويتبين فيه خلق إنسان كما لا تصير به أمة أم ولد، ولا يثبت به حكم
نفاس، ولا وقوع طلاق معلق بولادة ونحو ذلك. (وإن ادعت انقضاءها) أي العدة
(بالشهور ولم يقبل قولها) بلا بينة، (والقول قول الزوج) لأن الاختلاف في ذلك ينبني
على الاختلاف في وقت الطلاق، والقول قول الزوج فيه. (إلا أن يدعي) الزوج
(انقضاءها ليسقط نفقتها، مثل أن يقول في محرم: طلقتك في شوال) فقد انقضت
عدتك وسقطت نفقتك. (فتقول هي: بل) طلقتني (في ذي القعدة) فعدتي ونفقتي
باقيتان، (فقولها) لأن الأصل عدم سقوط ذلك. (فإن ادعت ذلك) أي عدم انقضاء
عدتها (ولم يكن لها نفقة) كبائن وحائل (قبل قولها)، لأنها مقرة على نفسها بما هو
الأغلظ عليها. (ولو انعكس الحال فقال) في المحرم: (طلقتك في ذي القعدة) فلم تنقض
عدتك (فلي رجعتك. فقالت: بل) طلقتني (في شوال) فانقضت عدتي، (فلا رجعة لك
فقوله) لأنه يقبل قوله في أصل الطلاق فقبل قوله في وقته والأصل بقاء العصمة. (وإن
ادعى في عدتها أنه كان راجعها أمس أو) أنه كان راجعها (منذ شهر، قبل قوله) لأنه
يملك رجعتها فصح إقراره بها. (فإن ادعاه) أي أنه كان راجعها أمس أو منذ شهر (بعد
انقضائها) أي العدة (فأنكرته فقولها)، لأنه ادعاها في زمن لا يملكها فيه. والأصل
عدمها وحصول البينونة. (وإن قالت: قد انقضت عدتي فقال) بعد ذلك (قد كنت
راجعتك فقولها) لما تقدم. (وإن سبق فقال: ارتجعتك، فقالت: قد انقضت عدتي قبل
رجعتك فأنكرها فقوله)، لأنه ادعى الرجعة قبل الحكم بانقضاء عدتها، ولأنه يملك
الرجعة وقد صحت في الظاهر فلا يقبل قولها في إبطالها. (وإن تداعيا) ذلك (معا قدم
403

قولنا) لتساقط قولهما مع التساوي، والأصل عدم الرجعة. (وإن اختلفا في الإصابة)
قبل الطلاق (فقال قد) كنت (أصبتك فلي رجعتك فأنكرته)، فقولها لأن الأصل عدمها
(أو قالت) بعد أن طلقها (قد أصابني) أو خلا بي (فلي المهر كاملا) فأنكرها، (فقول
المنكر) لأن الأصل عدمها وبراءته. (وليس له رجعتها في الموضعين) لعدم قبول
قول الدعي الإصابة. (ولا تستحق فيهما) أي الموضعين (إلا نصف المهر إن كان
اختلافهما قبل قبضه) مؤاخذة لها بإقرارها في الأول، ولان الأصل براءته في الثاني
(وإن كان) اختلافهما (بعده) أي بعد قبضه (وادعى إصابتها فأنكرت لم يرجع عليها
بشئ) مؤاخذة له بمقتضى دعواه الإصابة (وإن كان هو المنكر) للإصابة (رجع) عليها
بنصف المهر، لأن الأصل عدمها كما تقدم. (وإن ادعى زوج الأمة بعد) انقضاء
(عدتها أنه كان راجعها في عدتها فأنكرته) الأمة (وصدقه مولاها ف‍) - القول (قولها
نصا)، لأنه لا يتضمن إبطال حق الزوج لعدم قصدها إياه. (وإن صدقته) أي صدقت
مطلقها بعد انقضاء عدتها أنه كان راجعها قبله (وكذبه مولاها) في ذلك، (لم يقبل
إقرارها في إبطال حق السيد). لأنه إقرار على غيرها فلا يقبل. (فإن علم) السيد (صدق
الزوج) في دعواه الرجعة قبل انقضاء عدتها بعده (لم يحل له) أي السيد (وطؤها ولا
تزويجها)، لأنها زوجة الغير (ولا يحل لها تمكينه)، أي السيد (من وطئها كما قبل
طلاقها. ولو قالت الرجعية: انقضت عدتي ثم) رجعت، وقالت: ما انقضت عدتي فله
رجعتها) حيث لم تتزوج كجحد أحدهما النكاح ثم يعترف به. (ولو قال أخبرتني
بانقضاء عدتها ثم راجعها ثم أقرت بكذبها في انقضائها) أي العدة، (وأنكرت ما ذكر عنها)
من إخبارها بانقضاء العدة. (وأقرت بأن عدتها لم تنقض فالرجعة صحيحة)، لأنه لم يقر
بانقضاء عدتها، وإنما أخبر بخبر عن ذلك وقد رجعت عن خبرها فقبل رجوعها.
404

فصل
والمرأة إذا لم يدخل بها
الزوج ولم يخل بها (تبينها تطليقة). ولو بلا عوض، لأنه لا عدة عليها (فلا رجعة عليها
ولا نفقة لها) كالمطلقة ثلاثا. (فإن طلقها ثلاثا أو) طلق (العبد) طلقتين (اثنتين قبل الدخول أو
بعده لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا، ممن يمكنه الجماع ويطؤ) ها الزوج
الثاني (في القبل مع انتشار) لقول ابن عباس: كان الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها
، وإن طلقها ثلاثا. فنسخ ذلك قوله تعالى: * (الطلاق مرتان) * إلى قوله تعالى:
* (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * رواه أبو داود
والنسائي. وعن عروة وعائشة قالت: كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته
إذا ارتجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة فأكثر حتى قال رجل لامرأته: والله لا
أطلقك فتبيني مني ولا أوتيك أبدا، قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك وكلما هممت أن تنقضي
عدتك راجعتك فذهبن المرأة فدخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت حتى جاء النبي (ص)
فأخبرته، فسكت النبي (ص) حتى نزل القرآن العظيم: * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو
تسريح بإحسان) * قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا من كان
طلق ومن لم يكن طلق رواه الترمذي ورواه أيضا عن عروة مرسلا، وذكر أنه أصح ويشهد
لاشتراط وطئ الزوج مع الانتشار حديث عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي
(ص) فقالت: كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن
الزبير - بكسر الموحدة من تحت - وإنما معه مثل هدبة الثوب. فقال: أتريدين أن ترجعي إلى
رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك رواه الجماعة. وروت عائشة أن
405

النبي (ص) قال: العسيلة هي الجماع واعتبر كون الوطئ في القبل لأن الوطئ المعتبر في
الزوجة شرعا لا يكون في غير القبل. (ولو كان) الزوج الواطئ (خصيا أو مسلولا أو
موجوءا)، وتقدم معنى سل الخصيتين ووجائهما. (أو) كان (مملوكا أو لم يبلغ هو أو هي
عشرا) من السنين (أو مجنونا أو نائما أو مغمى عليه، وأدخلت ذكره في فرجها أو كانا) أي
الزوج والزوجة (مجنونين أو وطئها فأفضاها أو ظنها سرية أو أجنبية)، لدخول ذلك كله في
عموم: * (حتى تنكح زوجا غيره) * وعموم: حتى تذوقي عسيلته ويذوق
عسيلتك (وتعود بطلاق ثلاث) حكاه ابن المنذر إجماعا. (وأدنى ما يكفي) من الوطئ
حتى تحل لمطلقها ثلاثا (تغييب الحشفة) في القبل مع الانتشار. (وإن لم ينزل) لأن أحكام
الوطئ تتعلق به. (فإن كان) الزوج الثاني (مجبوبا قد بقي من ذكره قدر الحشفة فأكثر فأولجه)
مع الانتشار في قبلها (أحلها) لمطلقها ثلاثا، لأن ذلك بمنزلة الحشفة من غيره. (وإلا) أي
وإن لم يبق من ذكره قدر الحشفة، بل دونه (فلا) يحلها إيلاجه، لأنه بمنزلة إيلاج بعض
الحشفة ولا تتعلق به أحكام الوطئ. (ولا يحلها) أي المطلقة ثلاثا (وطئ السيد إن كانت
أمة) لأنه ليس بزوج. (ولا) يحلها أيضا (في نكاح فاسد) كنكاح المحلل والشغار والمتعة. (أو)
الوطئ في نكاح (باطل أو بشبهة) لأنه لا يسمى نكاحا شرعا. (أو) الوطئ (في ردته) أي ردة
الزوج الثاني لأنه إن لم يسلم في العدة لم يصادف الوطئ نكاحا، وإن عاد إلى الاسلام،
فقد وقع الوطئ في نكاح غير تام لانعقاد سبب البينونة. (أو) في (ردتها) لما ذكر (أو
في الدبر). لأن الحل متعلق بذوق العسيلة، ولا يحصل به (أو وطئها قبل إسلام الآخر) بأن
عقد عليها حال كفرهما، فأسلمت، ثم وطئها. أو أسلم. وليست كتابية فوطئها فلا تحل
لما سبق في المرتد، (أو في حيض أو نفاس أو إحرام منهما، أو) إحرام (من أحدهما، أو
406

صوم فرض منهما، أو) صوم فرض (من أحدهما)، لأنه وطئ حرم لحق الله تعالى فلم
يحلها كالوطئ في النكاح الباطل (لا إن وطئها وهي محرمة الوطئ لضيق وقت صلاة، أو)
وطئها (مريضة تتضرر بوطئه، أو) وطئها (في المسجد، أو) وهي محرمة (لقبض مهر). فإن
الوطئ يحلها له في هذه الصورة لأن الحرمة هنا لا معنى فيها لحق الله تعالى بخلاف ما
تقدم. (وإن كانت) المطلقة ثلاثا (أمة فاشتراها مطلقها لم تحل له) حتى تنكح زوجا غيره،
ويطأها كما تقدم لقوله تعالى: * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * (البقرة:
230). (وإن كانت ذمية فوطئها زوجها الذمي) في نكاح يقران عليه. لو أسلما أو ترافعا
إلينا كما أشار إليه الشيخ تقي الدين، (أحلها لمطلقها المسلم نصا)، لأنه زوج. (ولو تزوجها)
أي تزوج امرأة (وهو عبد فلم يطلقها حتى تعتق) فله عليها الثلاث. (أو) تزوجها وهو عبد.
و (طلقها واحدة ثم عتق فله عليها الثلاث تطليقات) اعتبارا بحاله حينئذ (ككافر حر، طلق)
امرأته (ثنتين ثم استرق، ثم تزوجها) فله الثالثة، لأن الطلقتين لم تقعا محرمتين. و (لا)
يملك العبد تمام الثلاث (إن عتق بعد طلاقه اثنتين) لأنهما وقعتا محرمتين، فلم يتغير
حكمهما بعتقه بعدهما. (ولو تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق) وحده أو معها (ثم أسلما
جميعا. لم يملك إلا طلاق العبد) اعتبارا بحال الايقاع، (ولو طلقها في كفره واحدة
وراجعها، ثم سبى واسترق لم يملك إلا طلقة) لما تقدم. (ولو علق) عبد (طلاقا ثلاثا
بشرط غير عتقه فوجد الشرط بعد عتقه)، كما لو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا
وعتق، ثم دخلتها (لزمته الثلاث) اعتبارا بوقت الوقوع، (وفي تعليقها)، أي الثلاث (بعتقه)
بأن قال لها: إن عتقت فأنت طالق ثلاثا إذا أعتق (تبقى له طلقة). قال في المبدع: في
الأصح، (وإن غاب عن مطلقته ثلاثا، ثم أتته. فذكرت) له (أنها نكحت من أصابها
407

وانقضت عدتها منه، وكان ذلك ممكنا) بأن مضى زمن يسعه (فله نكاحها إذا غلب على ظنه
صدقها. إما بأمانتها أو بخبر غيرها ممن يعرف حالها) لأنها مؤتمنة على نفسها وعلى ما
أخبرت به عنها. ولا سبيل إلى معرفة هذه الحال على الحقيقة إلا من جهتها فتعين الرجوع
إلى قولها، كما لو أخبرت بانقضاء عدتها. (وإلا) أي وإن لم يكن ذلك، أو لم يعرف ما
يغلب على ظنه صدقها. (فلا) تحل له لأن الأصل التحريم، فوجب البقاء على الأصل كما
لو خبره عن حالها فاسق. (فلو أنكر الزوج الثاني وطأها وادعته) أي الوطئ (منه فالقول قوله
في تنصيف المهر، إذا لم يقر بالخلوة بها) لأن الأصل براءته منه. (والقول قولها في إباحتها
للأول) لأنها مؤتمنة على نفسها (فإن صدقه) أي الثاني (الأول) على أنه لم يطأها (لم
يحل له) أي الأول (نكاحها) لأنه مقر على نفسه بتحريمها عليه. (فإن عاد) الأول (فصدقها)
على أن الثاني وطئها (أبيحت له) لأنه إذا علم حلها لم تحرم بكذبه، ولأنه قد يعلم في
المستقبل ما لم يكن علمه في الماضي. ولو قال الأول: ما أعلم أن الثاني أصابها لم تحرم
عليه، لأن المعتبر في حلها له خبر يغلب على ظنه صدقها لا حقيقة العلم. (وكذا لو تزوجت
حاضرا وفارقها وادعت إصابتها منه وهو منكرها)، فالقول قوله في تنصيف المهر، وتؤاخذ
بقولها في وجوب العدة عليها، وفيما يجب عليها الوطئ. وكذا لو أنكر أصل النكاح
ولمطلقها ثلاثا نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها. (ولو جاءت) امرأة (حاكما وادعت أن
زوجها طلقها وانقضت عدتها جاز) للحاكم (تزويجها. و) جاز (تزوجها إن صدقها وكان
الزوج مجهولا ولم تعينه، وإن لم يثبت أنه طلقها. قال الشيخ: كمعاملة عبد لم يثبت
عتقه. وقال: ونص أحمد أنه إذا كتب إليها أنه طلقها لم تتزوج حتى يثبت الطلاق)
لاحتمال إنكاره. (وكذلك لو كان للمرأة زوج، أي معروف فادعت أنه طلقها، لم تتزوج
408

بمجرد ذلك باتفاق المسلمين)، لأن الأصل عدم الطلاق بخلاف ما إذا ادعت أنه تزوجها
من أصابها وطلقها ولم تعينه، فإن النكاح لم يثبت لمعين، بل لمجهول فهو كما لو قال:
عندي مال لشخص وسلمته إليه، فإنه لا يكون إقرارا بالاتفاق. فكذلك قولها: كان لي زوج
وطلقني وسيد، وأعتقني. ولو قالت: تزوجني فلان وطلقني فهو كالاقرار بالمال وادعاء
الوفاء، والمذهب أنه لا يكون إقرارا ذكره في الاختيارات، فعليه قول المصنف إن كان الزوج
مجهولا ليس بقيد. وكذلك قال في المبدع والمنتهى وغيرهما. لا سيما إن كان الزوج
لا يعرف. (فإن قالت: قد تزوجت من أصابني ثم رجعت عن ذلك قبل أن يعقد عليها) مطلقها
ثلاثا. (لم يجز) له (العقد) عليها لأن الخبر المبيح للعقد قد زال فزالت الإباحة. (وإن كان)
رجوعها (بعده) أي بعد العقد عليها (لم يقبل) رجوعها لتعلق حق الزوج بها، (كما لو ادعى
زوجية امرأة فأقرت له بذلك. ثم رجعت عن الاقرار) له بالزوجية فإنه لا يقبل منها الرجوع
لتعلق حقه بها. (وإن طلقها رجعيا وغاب) عنها، (فقضت عدتها وأرادت التزوج فقال له
وكيله: توقفي) عن التزوج (كيلا يكون راجعك لم يجب عليها التوقف)، لأن الأصل عدم
الرجعة واحتمالها دليل عليه.
باب الايلاء
بالمدلغة الحلف. (وهو) مصدر آلى يولي إيلاء وألية، ويقال: تألى يتألى. وفي الخبر
من يتأل على الله يكذبه، والألية اليمين وجمعها ألايا، كخطايا قال كثير:
قليل الألايا حافظ ليمينه * إذا صدرت منه الألية برت
وكذلك الألوة بسكون اللام وتثليث الهمزة. وشرعا (حلف زوج) لا سيد (يمكنه
الجماع) عنين ومجبوب (بالله تعالى، أو بصفة من صفاته) لا بنذر أو طلاق ونحوه (على ترك
409

وطئ امرأته الممكن جماعها) لارتقاء ونحوها. (ولو) كان حلفه على ترك وطئها (قبل الدخول
في قبل) لا دبر (أبدا، أو يطلق) في حلفه لا يطؤها. (أو) يحلف لا يطؤها (أكثر من أربعة
أشهر أو ينويها) لأربعة أشهر فأقل. (وهو) أي الايلاء (محرم في ظاهر كلامهم لأنه يمين
على ترك واجب) قاله في الفروع. (وكان هو والظهار طلاقا في الجاهلية). قال في الفروع:
ذكره جماعة وذكره آخرون في ظهار المرأة من الزوج. ذكر أحمد في الظهار عن أبي قلابة
وقتادة. والأصل في الايلاء قوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر)
وكان أبي بن كعب وابن عباس يقرآن يقسمون الآية. وقال ابن عباس
للذين يؤولون يحلفون. حكاه عند أحمد: وكان أهل الجاهلية إذا طلب الرجل من امرأته شيئا
فأبت أن تعطيه حلف أن لا يقربها السنة ولا السنتين ولا الثلاث، فيدعها لا أيما ولا ذات
بعل، فلما كان الاسلام جعل الله ذلك للمسلمين أربعة أشهر ذكره في المبدع. (وله) أي
الايلاء (أربعة شروط) تعلم من تعريفه السابق، (أحدها أن يحلف) الزوج (على ترك الوطئ
في القبل، فإن تركه بغير يمين لم يكن موليا) لظاهر الآية. (وإن تركه) أي ترك الزوج الوطئ
(مضرا بها من غير عذر) لأحدهما، (ضربت له مدته) أربعة أشهر. (وحكم له بحكمه) أي
الايلاء لأنه تارك لوطئها ضررا بها أشبه المولى، ولان ما لا يجب إذا لم يحلف لا يجب إذا
حلف على تركه، كالزيادة على الواجب، وثبوت حكم الايلاء لمن حلف لا يمنع من قياس
غيره عليه، إذا كان في معناه كسائر الأحكام الثابتة بالقياس. (وكذا حكم من ظاهر) من
زوجته (ولم يكفر) لظهارها، فتضرب له مدة الايلاء ويثبت له حكمه لما تقدم. (وإن كان)
تركه للجماع (لعذر) لأحدهما (من مرض أو غيبة أو حبس لم تضرب له مدة). لأن الوطئ
غير واجب حينئذ، (وإن حلف على ترك الوطء في لدبر لم يكن موليا لأنه لم يترك الوطء
الواجب عليه، ولا تتضرر المرأة بتركه لأنه وطئ محرم وقد أكد منع نفسه منه بيمينه. (أو)
حلف على ترك الوطئ (دون الفرج لم يكن موليا)، لأنه غير واجب عليه ولا تتضرر المرأة
بتركه. (وإن حلف) أن (لا يجامعها إلا جماع سوء يريد جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء
410

الختانين لم يكن موليا)، لأن الضعيف كالقوي في الحكم. (فإن قال: أردت وطئا لا يبلغ التقاء
الختانين. أو أراد به الوطئ في الدبر. أو) أراد به الوطئ (دون الفرج فمول) لأنه حالف على
ترك الوطئ في القبل، وما لا يبلغ التقاء الختانين ليس وطئا تترتب عليه أحكامه، (فإن لم يكن
له نية) لم يكن موليا لأنه مجمل فلا يتعين بكونه موليا به، (أو قال: والله لا أجامعك جماع
سوء لم يكن موليا) بحال لأنه لم يحلف على ترك الوطئ، وإنما حلف على ترك صفته
المكروهة.
فصل
والألفاظ التي يكون بها موليا
ثلاثة أقسام: أحدها ما هو صريح في الحكم والباطن كلفظه الصريح). نحو: لا
أنيكك، (أو قال: لا أدخلت) ذكري في فرجك، (أو) لا (غيبت) ذكري في فرجك، (أو) لا
(أولجت ذكري) في فرجك. (أو) أدخلت أو غيبت أو أولجت (حشفتي في فرجك. و)
كقوله (للبكر خاصة) دون الثيب (لا افتضضتك) بالفاء والتاء المثناة فوق. وافتضاض البكر
وافتراعها بالفاء بمعنى، وهو وطؤها وإزالة بكارتها بالذكر من فضضت اللؤلؤة إذا ثقبتها. (لمن
يعرف معناه) المذكور ومثله ما ذكر في المستوعب والرعاية، لا أبتني بك زاد في الرعاية من
العزلي، (فلا يدين) إذا أراد بذلك غير الايلاء لأنه لا يحتمل غيره. (ولا يقبل له) أي للحالف
(فيه تأويل) لما سبق (الثاني صريح في الحكم) دون الباطن، (وهو خمسة عشر لفظا: لا
وطئتك لا جامعتك لا باضعتك لا بعلتك لا باششتك لا غشيتك، لا مضيت إليك لا لمستك لا
افترشتك لا افتضضتك لمن لا يعرف معناه، لا قربتك لا أصبتك لا أتيتك لا مسستك) بكسر
السين الأولى وفتحها لغة. لا أوطئتك (لا اغتسلت منك. فلو قال: أردت غير الوطئ دين)
لأن لفظه يحتمله. (ولم يقبل في الحكم) لأنها تستعمل في الوطئ عرفا. وورد الكتاب والسنة
411

ببعضها كقوله: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن) * (ولا
تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * * (من قبل أن تمسوهن)
وأما الوطئ والجماع فهما أشهر الألفاظ في الاستعمال والباقي قياسا
عليه. فلو قال: أردت بالوطئ الوطئ بالقدم، وبالجماع اجتماع الأجسام، وبالإصابة الإصابة
باليد، وبالمباضعة التقاء بضعة من البدن بالبضعة منه، وبالمباشرة مس المباشر، وبالمباعلة
الملاعبة والاستمتاع دون الفرج، وبالمقاربة قرب بدنه منها، وبالمماسة مس بدنها،
وبالاتيان المجئ، وبالاغتسال الاغتسال من الانزال عن مباشرة من قبلة أو جماع دون الفرج
لم يقبل في الحكم لأنه خلاف العرف والظاهر. وفي الباطن إن كان صادقا فليس بمول.
(الثالث) من الألفاظ: (ما لا يكون موليا فيها إلا بالنية) وهي باقي الألفاظ (مما يحتمل
الجماع) فيكون كناية، (وهو ما عدا هذه الألفاظ كقوله: والله لا جمع رأسي ورأسك مخدة)
بكسر الميم. (لا ساقف رأسي رأسك لا ضاجعتك، لا دخلت عليك، لا دخلت علي، لا
قربت فراشك، لا بت عندك، لأسوءنك، لأغيظنك، لتطولن غيبتي عنك. لا مس جلدي
جلدك، لا أويت معك، لا نمت عندك). وحذف العاطف لأن الغرض التعداد كمن يلقي
على الحاسب جملا. فيقول له: اكتب كذا كذا ليرفع له حسابها. (فهذه) الألفاظ (إن أراد
بها الجماع كان موليا، وإلا فلا)، لأنها ليست بصريح في الجماع ولا ظاهر فيه. فافتقرت إلى
النية ككنايات الطلاق، وفي الرعاية والفروع: أو القرينة. (ومن هذه الألفاظ ما يفتقر إلى نية
الجماع والمدة معا، وهو لأسوءنك لأغيظنك لتطولن غيبتي عنك فلا يكون موليا) بها، (حتى
ينوي ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة أشهر) لأنها مجملة، فلا تتعين للايلاء إلا بذلك
(وسائر) أي باقي (الألفاظ يكون موليا) بها (بنية الجماع فقط) إلا أن ينوي أربعة أشهر
فأقل. (وإن قال) والله (لا أدخلت جميع) أو كل (ذكري في فرجك لم يكن موليا). لأنه
يخرج من وطئها بتغييب الحشفة، ولا حنث (عكس) والله (لا أولجت حشفتي) في فرجك
، لأنه لا يخرج من الفيئة بدون ذلك. (الشرط الثاني) من شروط الايلاء الأربعة: (أن يحلف بالله
تعالى أو بصفة من صفاته) كالرحمن ورب العالمين ولا خلاف أن الحلف بذلك إيلاء لما
412

تقدم عن ابن عباس. يؤيده قوله تعالى: * (فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم) * (البقرة: 226).
والغفران إنما يدخل اليمين بالله تعالى. (وسواء كان) الحلف (في) حال (الرضا أو الغضب)
لعموم قوله تعالى * (للذين يؤلون من نسائهم) * الآية. (فإن حلف) على ترك
الوطئ (بنذر أو عتق أو طلاق أو صدقة مال أو حج أو ظهار أو تحريم مباح) من أمة أو
غيرها (ونحوه، فليس بمول)، لأنه لم يحلف بالله تعالى أشبه ما لو حلف بالكعبة، ولان هذا
تعليق بشرط. ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ولا يجاب بجوابه، ولا ذكره أهل العربية في
باب القسم. وإنما يسمى حلفا تجوزا لمشاركته القسم في الحث على الفعل أو المنع منه.
(ولو قال: إن وطئتك فأنت زانية لم) يكن موليا، لأن تعليق العذر غير صحيح فلا يلزمه
بالوطئ حد. (أو) قال: إن وطئتك (فلله علي صوم أمس. أو) صوم (هذا الشهر) لم يكن
موليا لأنه لا يصح نذر الماضي، وهذا الشهر يصير عند وجوب الفيئة ماضيا. فلو قال: إن
وطئتك فلله علي صوم الشهر الذي أطؤك فيه فكذلك. فإذا وطئ صام بقيته، وفي قضاء يوم
وطئ فيه وجهان. قاله في المبدع. (أو استثنى في اليمين بالله) بأن قال: والله لا وطئتك
إن شاء الله أو إن لم يشأ الله ونحوه. (لم يكن موليا) للاستثناء. (وإن قال: إن وطئتك فلله علي
أن أصلي عشرين ركعة كان موليا) جزم به في الشرح، وهو مبني على أنه ينعقد بالنذر، كما
يدل عليه سياق كلام الشارح. (الشرط الثالث) من شروط الايلاء الأربعة (أن يحلف على)
ترك الوطئ (أكثر من أربعة أشهر)، قال ابن عباس: لأن الله تعالى جعل له تربص أربعة
أشهر. فإذا حلف على أربعة فما دونها فلا معنى للتربص، لأن مدة الايلاء تنقضي قبل ذلك
أو مع انقضائه وتقدير التربص بأربعة أشهر، يقتضي كونه في مدة يتناولها الايلاء، ولان
المطالبة إنما تكون بعدها، فإذا قال: والله لا وطئتك كان موليا لأنه يقتضي التأبيد. (أو يعلقه
على شرط) يعني يجعل غايته شيئا (يغلب على الظن أ) ن (لا يوجد في أقل منها، مثل) أن يقول
413

(والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى) ابن مريم (ص). (أو) حتى (يخرج الدجال أو) حتى تخرج
(الدابة أو غير ذلك من أشراط الساعة) الكبرى، كطلوع الشمس من مغربها. (أو) قال: والله لا
وطئتك (ما عشت) بضم التاء أو كسرها، (أو) والله لا وطئتك (حتى أموت، أو حتى تموتي، أو)
حتى (يموت ولدك، أو) حتى يموت (زيد، أو حتى يقدم زيد من مكة. والعادة أنه لا يقدم في
أربعة أشهر) فأقل، (أو) قال: والله لا وطئتك (حتى) أمرض أو حتى (تمرضي أو يمرض زيد
أو إلى قيام الساعة، أو حتى آتي الهند، أو حتى ينزل الثلج في الصيف). لأن ذلك لا يوجد
في أربعة أشهر ظاهرا، أشبه ما لو قال: والله لا وطئتك في نكاحي هذا. ولان حكم الغالب
حكم المقطوع به في كثير من الصور، فكذا هنا. (أو يعلقه على شرط مستحيل كوالله لا
وطئتك حتى تصعدي السماء، أو) حتى (تقلبي الحجر ذهبا، أو) حتى (يشيب الغراب ونحوه)
كحتى يلج الجمل في سم الخياط، لأن معناه ترك وطئها لأن ما يراد إحالة وجوده يعلق
على المستحيل. كقوله تعالى في الكفار: * (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم
الخياط) * وكقوله:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب
(أو) قال: والله لا وطئتك (حتى تحبلي ولم يكن وطئها، أو) كان (وطئ ونيته حبل
متجدد، أو حتى تحبلي من غيري فيكون موليا). لأن حبلها بغير وطئ مستحيل عادة كصعود
السماء. (فإن قال: أردت ب‍) - حتى من قولي حتى (تحبلي) السببية، أي لا أطؤك لتحبلي، يعني
حلف على (ترك قصد الحبل فليس بمول). لأنه ليس بحالف على ترك الوطئ ويقبل منه
لأنه محتمل. (وإن قال: والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي لجماعك لم يكن موليا)، لان
ذلك يقع على القليل والكثير فلا يصير موليا، (حتى ينوي أكثر من أربعة أشهر) ليتمحض
اليمين للمدة المعتبرة. (وإن قال: والله) لا وطئتك (حتى يقدم زيد ونحوه، مما لا يغلب على
الظن عدمه في أربعة أشهر) فليس بإيلاء. (أو) قال: والله لا وطئتك (في هذه البلدة أو) لا
414

وطئتك (محفوفة أو منقوشة، أو حتى تصومي نفلا أو) حتى (تقومي أو) حتى (يأذن زيد
فيموت)، فليس بإيلاء لأنه أمكنه وطؤها بغير حنث فلم يكن موليا كما لو استثنى في يمينه،
(أو علقه على ما يعلم أنه يوجد في أقل من أربعة أشهر أو يظن ذلك)، أو وجوده في أقل من
أربعة أشهر (كذبول بقل وجفاف ثوب ونزول مطر في أوانه، وقدوم حج في زمانه، أو) علقه
على فعل مباح لا مشقة فيه. كقوله: والله لا وطئتك (حتى تدخلي الدار أو) حتى (تلبسي هذا
الثوب، أو حتى أتنفل بصوم يوم أو حتى أكسوك أو) حتى (أعطيك مالا أو) والله (لا وطئتك
إلا برضاك أو) والله (لا وطئتك مكرهة أو محزونة فليس بإيلاء)، لأنه يمكنه وطؤها بغير
حنث. (وإن قال): والله لا وطئتك (حتى تشربي الخمر، أو) حتى (تزني أو) حتى (تسقطي
ولدك، أو) حتى (تتركي صلاة الفرض، أو حتى أقتل زيدا ونحوه) من كل فعل محرم جعله
غاية له فمول، لأنه علقه بممتنع شرعا أشبه الممتنع حسا. (أو) قال: والله لا وطئتك (حتى
تسقطي صداقك أو) حتى تسقطي (دينك عني، أو حتى تكفلي ولدك، أو تهبيني دارك أو يبيعني
أبوك داره ونحوه). كحتى يسقط عني دينه (ف‍) - هو (مول) لأن أخذه لمالها أو مال غيرها عن
غير رضا صاحبه محرم أشبه شرب الخمر. (و) لو قال لزوجته: (إن وطئتك فعبدي حر عن
ظهاري، وكان ظاهر فوطئ عتق عن الظهار) لوجود شرطه. (وإلا) أي وإن لم يكن ظاهر
(فليس بمول) لأنه لم يحلف بالله تعالى ولا بصفة من صفاته. (فلو وطئ لم يعتق) لأنه
إنما علق عتقه بشرط كونه عن ظهاره فتقيد به. (و) إن قال: (والله لا وطئتك مريضة فليس
بمول) لأنه يمكن أن تبرأ قبل الأربعة أشهر (إلا أن يكون بها مرض لا يرجى برؤه، أو)
يكون بها مرض (لا يزول في أربعة أشهر) عادة، فيكون موليا لما تقدم. (فإن قاله) أي قال
والله لا وطئتك مريضة (وهي صحيحة، فمرضت مرضا يمكن برؤه في أربعة أشهر لم يصر
415

موليا. وإن لم يرج برؤه) في أربعة أشهر (فمول) لما سبق. (و) إن قال: والله (لا وطئتك
حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة فرضا، أو لا وطئتك ليلا أو) لا وطئتك (نهارا فليس
بمول) لأنه يمكنه وطؤها بغير حنث. (و) الله لا وطئتك (حتى تفطمي ولدي، فإن
أراد وقت الفطام) وهو تمام الحولين. (وكانت مدته تزيد على أربعة أشهر فمول)، لأنه
حلف على ترك وطئها فوق أربعة أشهر. (وإن أراد فعل الفطام) فليس بمول، لأنه يمكنها
فطامه قبل مضي أربعة أشهر. (أو مات الولد قبل مضي الأربعة أشهر فليس بمول)، أي
لحصول الفطام بموته. (و) إن قال: (والله لا وطئتك طاهرا أو) لا وطئتك (وطئا مباحا
فمول)، لأنه حلف على ترك وطئها الشرعي فوق أربعة أشهر. (وإن قال: إن وطئتك فوالله لا
وطئتك، أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يكن موليا حتى يوجد الشرط)، لأن يمينه
معلقة بشرط فلا يكون حالفا قبله، ولأنه يمكنه الوطئ من غير حنث قبل وجود الشرط
، أو متى أولج زائدا على الحشفة، ولا نية حنث في الصورة الأولى. (و) إن قال: (والله لا
وطئتك في السنة إلا مرة أو إلا يوما أو) والله (لا وطئتك سنة إلا يوما) أو إلا مرة، (فلا
إيلاء) عليه (حتى يطأ ويبقى منها فوق ثلثها). أي ثلث السنة لأن يمينه معلقة بالإضافة فقبلها
لا يكون حالفا، لأنه لا يلزمه بالوطئ قبل الإصابة حنث فإذا وطئ، وقد بقي من السنة فوق
أربعة أشهر صار موليا. (و) إن قال: والله (لا وطئتك عاما ثم قال: والله لا وطئتك عاما فإيلاء
واحد)، لأنه لا شئ في كلامه يدل على أن العام في اليمين الثانية غير الأولى. (إلا أن
ينوي) باليمين الثانية (عاما آخر) غير الأول فيكونان إيلاءان. (و) إن قال: والله (لا وطئتك عاما
ولا وطئتك نصف عام، أو) والله (لا وطئتك نصف عام ولا وطئتك عاما فإيلاء واحد)، لأنه
يمين واحد (ودخلت القصيرة في الطويلة) لاشتمال الطويلة عليها ولم ينو المغايرة. (وإن
نوى بإحدى المدتين غير الأخرى)، فهما إيلاءان لا تدخل حكم إحداهما في الأخرى. (أو
قال) والله (لا وطئتك عاما فإذا مضى فوالله لا وطئتك عاما، فهما إيلاءان لا يدخل حكم
416

أحدهما في الآخر) لتغايرهما. (فإذا مضى حكم أحدهما بقي) حكم (الآخر) لعدم ما يزيله.
(فإن قال في المحرم: والله لا وطئتك هذا العام. ثم قال: والله لا وطئتك عاما من رجب إلى اثني
عشر شهرا. أو قال في المحرم: والله لا وطئتك عاما، ثم قال في رجب: والله لا وطئتك عاما
فهما إيلاءان في مدتين بعض أحداهما) أي إحدى المدتين. (داخل في) المدة (الأخرى)، لان
هذا هو مقتضى لفظه. (فإن فاء) أي وطئ (في رجب أو فيما بعده من بقية العام الأول حنث
في اليمينين) لوجود المحلوف عليه بهما. (وتلزمه كفارة واحدة) لتتداخل كفارة اليمين، (وينقطع
حكم الإيلاءين) للحنث. (وإن فاء قبل رجب أو بعد العام الأول حنث في إحدى اليمينين)،
وهي الأولى في الأولى والثانية في الثانية (فقط)، فلا يحنث في الأخرى لعدم وجود
المحلوف عليه بها. (وإن فاء في الموضعين حنث في اليمينين) وكفته كفارة واحدة إن لم
يكن كفر الأولى قبل لما تقدم. (وإن حلف) بالله (على ترك وطئها عاما ثم كفر يمينه قبل)
مضي (الأربعة أشهر، انحل الايلاء) بالتكفير. (ولم يوقف) أي تضرب له مدة الايلاء (بعد
الأربعة أشهر)، لأن إيلاء انحل. (وإن كفر بعدها) أي بعد الأربعة أشهر (وقبل الوقف) أي
ضرب مدة الايلاء (صار كالحالف على) ترك الوطئ (أكثر منها) أي من الأربعة أشهر، (إذا
مضت يمينه قبل وقفه) فلا تضرب له مدة التربص، لأن الايلاء قد انحل بالكفارة. (فإن قال
والله لا وطئتك أربعة أشهر، فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر، فهو حالف على ترك
الوطئ وليس بمول). لأن كل واحد من الزمانين لا تزيد مدته على أربعة أشهر. (لكن له
حكم المولى لما بان) أي ظهر (من قصده من الاضرار بها، قال في الفصول: وهو الأشبه
بمذهبنا، ولأنه لو ترك الوطئ مضرا بها من غير يمين ضربت له مدة الايلاء، فكذا مع اليمين
417

وقصد الاضرار. وكذلك) الحكم (في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعهما على أربعة أشهر
كثلاثة أشهر وثلاثة أو ثلاثة وشهرين)، أو شهر وأربعة، (وإن قال: والله لا
كلمتك أو) والله (لا كلمتك سنة لم يكن موليا لأنه يمكنه وطؤها ولا يكلمها)، فليس حالفا على ترك وطئها،
انتهى.
فصل
وإن قال: والله لا وطئتك إن شئت فشاءت، ولو تراخيا فمول
لأنه علق الايلاء بشرط وقد وجد. (و) إن قال: والله (لا وطئتك إلا أن تشائي أو) إلا أن
(يشاء أبوك، أو إلا باختيارك أو إلا أن تختاري فليس بمول)، لأنه علقه بفعل يمكن وجوده في
ثلث سنة إمكانا غير بعيد، وليس بمحرم وليس فيه مضرة أشبه ما لو علقه على دخولها الدار.
(و) إن قال: والله (لا وطئت واحدة منكن فمول منهن) لأن النكرة في سياق النفي تعم، ولا
يمكنه وطئ واحدة منهن إلا بالحنث. فإن طلق واحدة منهن أو ماتت كان موليا مع البواقي
لأنه تعلق بكل واحدة منفردة، (فيحنث بوطئ واحدة) منهن (وتنحل يمينه) لأنها يمين
واحدة. (إلا أن يريد واحدة) منهن (بعينها فيكون موليا منها وحدها). لأن اللفظ يحتمله وهو
أعلم بنيته. (وإن أراد واحدة) منهن (مبهمة أخرجت بقرعة لا بتعيينه) فالطلاق والعتق. (و) إن
قال: والله (لا وطئت كل واحدة منكن فمول من جميعهن في الحال)، لأن لفظه صريح في
التعميم، (وتنحل يمينه بوطئ واحدة) منهن لأنها يمين واحدة. (ولا يقبل قوله نويت واحدة
منهن معينة أو مبهمة) لأن لفظة كل أزالت الخصوص. (و) إن قال: والله (لا أطؤكن لم يصر
موليا) في الحال لأنه يمكنه وطئ واحدة بغير حنث (حتى يطأ ثلاثا، فيصير موليا من الرابعة)
لأن المنع حينئذ يصير في الرابعة محققا ضرورة الحنث بوطئها، وابتداء المدة حينئذ. (وإن
418

مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال حكم الايلاء). لأنه يمكنه وطئ الباقيات بغير
حنث. (فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه)، لكن لا يصير موليا حتى
يطأ ثلاثا فيصير موليا من الرابعة كما تقدم. (وإن آلى من واحدة) من زوجاته (ثم قال
للأخرى: شركتك معها)، أو أنت شريكتها (لم يصر موليا من الثانية)، لأن اليمين بالله لا تصح
إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة، والتشريك بينهما كناية فلم يقع به اليمين، بخلاف الطلاق
والظهار. (ويصح الايلاء بكل لغة ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها) كالطلاق والعتق
(فإن آلى بلغة لا يعرفها لم يكن موليا) عربية كانت أو عجمية، كمن جرى على لسانه ما لا
يقصده. (ولو نوى موجها عند أهلها) كما تقدم في الطلاق. (فإن اختلف الزوجان في معرفة
ذلك) اللفظ الصادر من الزوج، (فقوله إذا كان متكلما بغير لسانه) لأن الأصل إذن عدم علمه
معناه، وهو أدرى بحاله. (فإن آلى) زوج (بلغته وقال جرى) اللفظ (على لساني من غير قصد)
لمعناه، (لم يقبل في الحكم) لأنه خلاف الظاهر. (وإن آلى من الرجعية صح) إيلاؤه لأنها
زوجة. (وابتداء المدة) التي تضرب له (من حين آلى) لا من حين الرجعة كما قبل طلاقها
(ولا يصح الايلاء من) الزوجة (الرتقاء و) لا من (القرناء)، لأنه. لا يمكن وطؤهما فلا تأثير
للحلف. (الشرط الرابع) المتمم لشروط الايلاء (أن يكون من زوج) للآية (يمكنه الوطئ)
لأن الايلاء اليمين المانعة من الجماع ويمين من لا يمكنه لا تمنعه، بل فعل ذلك متعذر منه
(مسلما كان) المولى (أو كافرا حرا أو عبدا سليما أو خصيا أو مريضا يرجى برؤه)، لعموم
قوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم) * الآية. (فلا يصح إيلاء الصبي غير المميز
ولا المجنون)، لأنهما لا يدريان ما يصدر منهما. (ولا) إيلاء (العاجز عن الوطئ بجب كامل أو
شلل) للذكر، (ولو آلى) سليم (ثم جب) أي قطع ذكره بحيث لم يبق ما يمكن جماع به (بطل
إيلاؤه)، لأنه لا يطالب بالوطئ مع عدم قدرته عليه. (ويصح إيلاء السكران و) إيلاء (المميز
419

كطلاقهما ولا يشترط في صحة الايلاء الغضب ولا قصد الاضرار). قاله ابن مسعود
(كالطلاق)، وقال ابن عباس إنما الايلاء في الغضب. (والايلاء والظهار وسائر الايمان في
الغضب والرضا سواء) لعموم الأدلة، (ومدة الايلاء في الأحرار والرقيق سواء) لعموم النص
، ولأنها مدة ضربت للوطئ أشبهت مدة العنة. (وإذا أسلم الذمي لم ينقطع حكم الايلاء)
كطلاقه وظهاره. (ولا حق لسيد الأمة في طلب الفيئة و) لا في (العفو عنها، بل) الحق في
ذلك (لها). لكون الاستمتاع يحصل لها فإن تركت المطالبة لم يكن لمولاها المطالبة به، لأنه
لا حق له. لا يقال حقه في الولد لأنه لا يعزل عنها إلا بإذنه، لأنه لا يستحق على الزوج
استيلاد المرأة بدليل أنه لو حلف ليعزلن عنها ولا يستولدها لم يكن موليا. (ولو حلف) السيد
(أن لا يطأ أمته) لم يكن موليا لما تقدم، ولأنه لا حق لها في الوطئ. (أو) حلف إنسان لا
يطأ امرأة (أجنبية مطلقا أو) حلف لا يطؤها (إن تزوجها لم يكن موليا) لظاهر الآية. (و)
يصح الايلاء من الزوجة (سواء كانت الزوجة حرة أو أمة مسلمة أو كافرة عاقلة أو مجنونة
صغيرة أو كبيرة). لعموم: * (للذين يؤلون من نسائهم) * (وتطالب) زوجة
(غير مكلفة إذا كلفت) لا قبل ذلك لعدم صحة دعواها.
فصل
وإذا صح الايلاء
لاجتماع شروطه الأربعة. (ضربت له) أي للمولي (مدة أربعة أشهر ولا يطالب بالوطئ
فيهن)، أي في أربعة أشهر لقوله تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر)
(وابتداء المدة من حين اليمين ولا تفتقر إلى ضرب حاكم كمدة العدة)
لأنها ثبتت بالنص والاجماع. (فإذا مضت) الأربعة أشهر (ولم يطأ ولم تعفه) من آلى منهما
(ورافعته إلى الحاكم أمره بالفيئة) بكسر الفاء مثل الصبغة، ذكره في الصحاح (وهي) أي الفيئة
420

(الجماع) سمي جماع المولي فيئة لأنه رجوع إلى فعل ما ترك بحلفه من الفئ، وهو الظل
بعد الزوال، لأنه رجع من المغرب إلى المشرق. (فإن أبى) المولي الفيئة (أمره الحاكم
بالطلاق) لقوله تعالى: * (فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع
عليم) * (فإن لم يطلق) المولي (طلق الحاكم عليه كما يأتي في آخر الباب
ولا تطلق بمجرد مضي المدة). قال أحمد: يوقف عن أكابر الصحابة، وقال في رواية أبي
طالب: قال ذلك عمر وعثمان وعلي وابن عمر وجعل يثبت حديث علي، رواه البخاري عن
ابن عمر. قال: ويذكر عن أبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي (ص)، وقال
سليمان بن يسار: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي (ص) كلهم يقفون المولي، رواه
الشافعي والدارقطني بإسناد جيد وقال ابن مسعود وابن عباس: إذا مضت أربعة أشهر فهي
تطليقة بائنة، وقال مكحول والزهري: تطليقة رجعية ورد بظاهر الآية. فإن الفاء للتعقيب ثم
قال: وإن عزموا الطلاق ولو وقع بمضي المدة لم يحتج إلى عزم عليه، وقوله: سميع عليم
يقتضي أن الطلاق مسموع ولا يكون المسموع إلا كلاما ذكره في المبدع ملخصا. (فإن
كان به) أي المولي (عذر في المدة يمنع الوطئ ولو طارئا بعد يمينه كحبسه وإحرامه ونحوه
احتسب عليه بمدته). أي العذر لأن المانع من جهته وقد وجد التمكين الذي عليها، ولذلك لو
أمكنته من نفسها وامتنع وجبت لها النفقة. (وإن كان) العذر (المانع) من وطئها (من جهتها
كصغرها ومرضها وحبسها وصيامها واعتكافها الفرضين، وإحرامها ونفاسها وغيبتها ونشوزها
وجنونها ونحوه) كالاغماء عليها. (وكان) ذلك العذر (موجودا حال الايلاء فابتداء المدة من
حين زواله) لأن المدة تضرب لامتناعه من وطئها والمنع هنا من قبلها. (وإن كان) العذر
(طارئا في أثناء المدة استؤنفت) الأربعة أشهر (من وقت زواله)، ولم تبن على ما مضى لقوله
تعالى: تربص أربعة أشهر، وظاهره يقتضي أنها متوالية. فإذا انقطعت وجب استئنافها كمدة
الشهرين. في صوم الكفارة. (إن كان قد بقي منها) أي من المدة التي حلف لا يطؤها فيها
421

(أكثر من أربعة أشهر. وإلا) أي وإن لم يكن بقي منها أكثر من أربعة أشهر، بل أربعة فأقل
(سقط حكم الايلاء)، كما لو حلف على ذلك ابتداء. (ولا تبني على ما مضى إذا حدث عذر)
مما سبق (كمدة الشهرين في صوم الكفارة) إذا انقطع التتابع يستأنفهما، (إلا الحيض فإنه
يحتسب عليه) أي المولى (مدته) إذا كانت حائضا (وقت الايلاء، ولا يقطع) الحيض (مدته إن
طرأ) في أثنائها لأنه لو منع لم يكن ضرب المدة لأن الحيض في الغالب لا يخلو منه، فيؤدي
ذلك إلى إسقاط حكم الايلاء. (وإن آلى) من زوجته بعد الدخول (في الردة) أي ردته أو
ردتها، أو ردتهما (فابتداء المدة من حين رجوع المرتد منهما إلى الاسلام) إن كان ذلك في
العدة. (فإن طرأت الردة في أثناء المدة انقطعت وحرم الوطئ فإذا عاد إلى الاسلام استؤنفت
المدة سواء كانت الردة منهما أو من أحدهما، وكذلك إن أسلم أحد الزوجين الكافرين) بعد
الدخول، وكان آلى منها فابتداء المدة من حين يسلم الآخر في العدة لأنه صار ممنوعا من
وطئها من غير يمين. (وإن طلقها في أثناء المدة) بعوض أو بثلاث أو أنها بفسخ أو خلع أو
بانت بردة أو إسلام أحدهما، (أو انقضت عدة الرجعية) بعد أن آلى منها في المدة (انقطعت
المدة) لما تقدم. (فإن عاد فتزوجها وقد بقي من المدة) التي حلف لا يطؤها فيها (أكثر من
أربعة أشهر عاد حكمه) فتضرب له المدة. (وإن كان الطلاق رجعيا ولم تنقض المدة) قبل مدة
التربص (بنت) على ما مضى قبل الطلاق، لأن الرجعية زوجة فإذا تمت أربعة أشهر قبل
انقضاء عدة الطلاق وقف فإن فاء وإلا أمر بالطلاق. (فإن راجعها) في العدة قبل انقضاء
مدة التربص (بنت أيضا) على ما مضى من المدة لما تقدم. (وإن آلى من زوجته الأمة ثم
اشتراها ثم أعتقها وتزوجها) عاد الايلاء. (أو كان المولى عبدا فاشترته امرأته) التي آلى منها
(ثم أعتقته ثم تزوجته عاد الايلاء)، لأنه لم يوجد ما تنحل به اليمين من حنث أو كفارة
وكذا لو بانت الزوجة بردة أو إسلام منهما أو من أحدهما، ثم تزوجها تزويجا جديدا عاد
الايلاء، وتستأنف المدة في جميع ذلك سواء عادت إليه بعد زوج ثان أو قبله، وكذا لو قال
422

لزوجته: إن دخلت الدار فوالله لا جامعتك ثم طلقها، ونكحت غيره ثم تزوجها عاد حكم
الايلاء، فإن دخلتها في حال البينونة ثم عاد فتزوجها لم يثبت حكم الايلاء في حقه، لأنه لا
ينعقد بالحلف على الأجنبية، ذكره في الشرح. (وإن انقضت المدة وبها) أي المرأة (عذر
يمنع الوطئ) كحيض أو إحرام، (ولم تملك طلب الفيئة ولا المطالبة بالطلاق)، لأن الوطئ
ممتنع من جهتها ولا المطالبة مع الاستحقاق، وهي لا تستحق في هذه الأحوال. (وتتأخر
المطالبة) بالوطئ أو الطلاق (إلى حين زواله)، أي العذر إن لم يكن قاطعا لمدة الحيض أو
كان العذر حدث بعد انقضاء المدة. (وإن كان العذر به) أي المولي (وهو) أي العذر (مما
يعجز به عن الوطئ من مرض أو حبس يعذر فيه)، بأن كان ظلما أو على دين لا يمكنه أداؤه
(أو غيره) أي الحبس كالاحرام، (لزمه أن يفئ بلسانه في الحال فيقول: متى قدرت جامعتك)
هذا قول ابن مسعود. وجمع، لأن القصد بالفيئة ترك ما قصده من الاضرار بما أتى من
الاعتذار، والقول مع العذر يقوم مقام فعل القادر، بدليل إشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة. ولا
يحتاج أن يقول: ندمت لأن الغرض أن يظهر رجوعه عن المقام على اليمين (وإن كان
محبوسا بحق يمكنه أداؤه طولب بالفيئة، لأنه قادر عليها بأداء ما عليه) من الدين فلا عذر له
. (فإن لم يفعل) أي يؤد ما عليه مع قدرته عليه ليفئ (أمر بالطلاق) كغير المحبوس، (وإن
كان عاجزا عن أدائه) أي أداء ما حبس عليه، (أو) كان (حبس ظلما أمر) أن يأتي (بفيئة
المعذور). فيقول: متى قدرت جامعتك كما سبق. (ومتى زال عذره) أي عذر المولي من
حبس أو غيره. (وقدر على الفيئة وطولب بها لزمه) أن يفئ (إن حل الوطئ) بأن لم يكن لها
مانع من نحو حيض، لأنه أخر حقها لعجزه عنه. فإذا قدر عليه لزمه أن يوفيها كالدين عن
المعسر إذا قدر عليه. (فإن لم يفعل) أي يطأ (أمر بالطلاق) كما لو لم يكن فاء بلسانه، لان
423

الفيئة باللسان مجرد وعد وحقها الأصلي باق ولا مانع من فعله. (وإن كان) المولي (غائبا لا
يمكنه القدوم لخوف) بالطريق (أو نحوه، فاء فيئة المعذور) لأنه معذور فيقول: متى قدرت
جامعتها، (وإن أمكنها القدوم فلها أن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو حملها إليه) ليوفيها
حقها من الفيئة. (أو) يطالبه (الطلاق) إن لم يفعل لأنه غير معذور إذن. (وإن كان) المولي
(مظاهرا لم يؤمر بالوطئ) لأنه محرم عليه قبل التكفير، فهو عاجز عنه شرعا أشبه المريض.
(ويقال له: إما أن تكفر) وتفئ (وإما أن تطلق) إزالة لضررها (فإن طلب الامهال ليطلب رقبة
يعتقها أو طعاما يشتريه)، ويطعمه للمساكين، إن كان عاجز عن العتق والصوم (أمهل ثلاثة
أيام)، لأنها مدة قريبة فالظهار كالمرض عند الخرقي ومن تابعه، وكذا الاعتكاف المنذور ذكره
في المبدع. (وإن علم أنه) أي المظاهر (قادر على التكفير في الحال، وإنما قصده المدافعة
لم يمهل) لأنه إنما يمهل للحاجة ولا حاجة هنا. (وإن كان فرضه الصيام) لقدرته عليه
وعجزه عن العتق وطلب أن يمهل ليصوم، (لم يمهل حتى يصوم) شهرين متتابعين، لأنه كثير
(بل) يؤمر أن (يطلق)، و (إن كان قد بقي عليه) أي على المظاهر (من الصيام مدة يسيرة)
عرفا (أمهل فيها) كسائر المعاذير، (وإن وطئها في الفرج وطئا محرما مثل أن يطأها في الحيض
أو النفاس أو الاحرام أو صيام، فرض من أحدهما أو) وطئها (مظاهرا فقد فاء إليها)، لان
يمينه انحلت فزال حكمها وزال عنها الضرر. (وعصى بذلك) لتحريمه (فانحل الايلاء)
لأن الوطئ وجد واستوفت المرأة حقها. و (لا) تحصل الفيئة (إن وطئها دون الفرج أو في
الدبر)، لأن الايلاء يختص بالحلف على ترك الوطئ في القبل، والفيئة الرجوع عن ذلك فلا
تحصل بغيره كما لو قبلها، ولان ذلك أيضا لا يزول به ضرر المرأة. (وإن أراد الوطئ حال
الاحرام، أو) أراد الوطئ في (الصيام الفرض، أو) أراد الوطئ (قبل تكفيره للظهار، فمنعته لم
424

يسقط حقها) من طلب الفيئة. لأنه وطئ حرام إذن فلا يلزمه التمكين منه. (كما لو منعته في
الحيض) من الوطئ، (وليس على من قال بلسانه كفارة ولا حنث)، لأنه لم يفعل المحلوف
عليه، وإنما وعد بفعله. (وإن كان) المولى (مغلوبا على عقله بجنون أو إغماء لم يطالب)
بالفيئة ولا بالطلاق، (حتى يزول ذلك) الجنون أو الاغماء، لأنه لا يصلح للخطاب ولا يصح
منه الجواب، لتصح الدعوى عليه. (وإن قال) المولي: (أمهلوني حتى أقضي صلاتي، أو) حتى
(أتغدى أو حتى ينهضم الطعام، أو حتى أنام فأنا ناعس أو حتى أفطر من صومي، أو) حتى
(أرجع إلى بيتي أمهل بقدر الحاجة فقط). لأن العادة تقتضيه وزمنه يسير. (فإن كانت الزوجة
صغيرة أو مجنونة فليس لها المطالبة)، لأن قولها غير معتبر (ولا لوليها) لأن هذا طريقه
الشهوة فلا تدخله الولاية. (فإن كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب عليه بالمدة)، لان
المنع من جهتهما (فإن كان وطؤهما ممكنا فأفاقت المجنونة وبلغت الصغيرة قبل انقضائها)
أي مدة الحلف (فلهما المطالبة) إن تمت مدة التربص، لأن الحق لهما ثابت وإنما تأخر
لعدم إمكان المطالبة. (فإن لم يبق له عذر وطلبت الفيئة فجامع انحلت يمينه) بالتكفير، (ولم
يخرج من الفيئة) لعدم الوطئ (ولو علق طلاقا ثلاثا بوطئها) بأن قال: إن وطئتك فأنت طالق
ثلاثا. (أمر بالطلاق وحرم الوطئ) لوقوع الثلاث بإدخال الحشفة، فيكون نزعه في أجنبية والنزع
جماع. ولأنه طلاق بدعة لأنه يقع بعد الإصابة، وفيه جمع الثلاث بكلمة. (فإن أولج فعليه
النزع حين يولج الحشفة)، لأنها بانت بذلك فصارت أجنبية. (ولا حد ولا مهر) إن نزع في
الحال لأنه تارك. (ومتى تمم الايلاج أو لبس لحقه نسبه) أي نسب ولد أتت به من هذا الوطئ
(ووجب المهر) لهذا الوطئ، حصل منه وطئ محرم في محل غير مملوك، فأوجب المهر
كما لو أولج بعد النزع. (ولا حد) عليه للشبهة، (وإن نزع ثم أولج فإن جهلا التحريم فالمهر)
عليه، (والنسب لاحق به ولا حد) عليه لشبهة جهل التحريم (والعكس فعكسه) أي وإن لم
425

يجهلا فلا مهر حيث مكنت لأنها زانية مطاوعة،. ولا نسب وعليهما الحد لأنه إيلاج في أجنبية
بلا شبهة. (وإن علمه) أي التحريم الواطئ (وحده لزمه المهر) بما نال من فرجها، (و) لزمه
(الحد) لأنه زان عالم (ولا نسب) يلحقه لما مر. (وإن علمته) أي التحريم (وحدها فالحد
عليها والنسب لاحق) بالوطئ لجهله، (ولا مهر) لها لأنها زانية مطاوعة (وكذا إن تزوجت)
المطلقة (في عدتها) غير مبينها، (ولو علق طلاق غير مدخول بها بوطئها فوطئها وقع رجعيا)
لأنه يقع عقب الوطئ فتكون مدخولا بها.
تتمة: لو قال لزوجته: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي. فقال أحمد: لا يقربها حتى
يكفر مع أنه لا يصير مظاهرا قبل الوطئ، ولا يصح تقديم كفارة الظهار قبله لأنها سببها.
وقال إسحاق: قلت لأحمد فيمن قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي إن قربتك إلى سنة. فقال
أحمد: إن جاءت تطلب فليس له أن يعضلها بعد مضي الأربعة الأشهر، يقال له: إما أن تفئ
وإما أن تطلق. فإن وطئها فقد وجبت الكفارة عليه، وإن أبى وأرادت مفارقته طلقها الحاكم
عليه. فينبغي أن تحمل الرواية الأولى على الوطئ بعد الوطئ الذي صار به مظاهرا لما تقدم
ولتتفق الروايتان أشار إليه الشارح، وفيه شئ. (وأدنى ما يكفي من ذلك) أي من الوطئ في
فيئة المولى ووقوع الطلاق المعلق على الوطئ، ونحو ذلك (تغييب الحشفة) إن كانت (أو
قدرها) من مقطوعها (في الفرج)، لأن أحكام الوطئ تتعلق به (ولو من مكره وناس وجاهل)
بالزوجة التي آلى منها، بأن اشتبهت عليه بغيرها ونحوه، (ونائم إذا استدخلت ذكره، و) من
(مجنون) لوجود الوطئ، (ولا كفارة عليه فيهن) لعدم الحنث من الحالف. (وإن لم يف)
المولى بوطئ من آلى منها، (وأعفته المرأة سقط حقها) لأن الحق لها وقد أسقطته،
(كعفوها) عن العنين (بعد) مضي (مدة الفيئة) وهي السنة. (وإن لم تعفه أمر بالطلاق) إن
طلبته. لقوله تعالى: * (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * فإذا امتنع من
أداء الواجب فقد امتنع من الامساك بالمعروف فيؤمر بالتسريح بالاحسان. (فإن طلق)
426

المدخول بها (واحدة فله رجعتها) ما دامت في العدة (سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم
عليه)، لأنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عدد ولا استيفاء عدد، فكان رجعيا كالطلاق في
غير الايلاء، ومفارق الفيئة لأنها فسخ لعيب. (فإن لم يطلق ولم يطأ أو امتنع المعذور من
الفيئة بلسانه طلق الحاكم عليه)، لأنه حق تعين مستحقه فدخلته النيابة كقضاء الدين، ويفارق
من أسلم على أكثر من أربع. فإنه يجبر على التخيير، لأن المستحق من النسوة غير معين
ولأنها خيرة تشبه بخلاف ما هنا. (وليس للحاكم أن يأمره بالطلاق) إلا أن تطلب المرأة ذلك.
(ولا) الحاكم (أن يطلق عليه إلا أن تطلب المرأة ذلك) من الحاكم، لأنه حق لها فلا تستوفيه
بدون طلبها. (فإن طلق) الحاكم (عليه) أي المولى (واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو فسخ،
صح) ذلك لأن الحاكم قائم مقام الزوج فملك ما يملكه. (والخيرة في ذلك للحاكم) فيفعل
ما فيه المصلحة،
قلت تقدم أن إيقاع الثلاث بكلمة واحدة محرم فهنا أولى. (وإن قال) الحاكم: (فرقت
بينكما فهو فسخ) لا ينقص به عدد الطلاق، ولا تحل له إلا بعد عقد جديد. (وإن ادعى)
المولى (أن المدة) أي مدة التربص وهي الأربعة أشهر، (ما انقضت وادعت) المرأة (مضيها
فقوله مع يمينه)، لأن الأصل عدم انقضائها (وإن ادعى أنه وطئها فأنكرته وكانت ثيبا.
فقوله) كما لو ادعى الوطئ في العنة، ولأنه أمر خفي لا يعلم إلا من جهته، فقبل قوله فيه
كقول المرأة في حيضها (مع يمينه) للخبر، وكالدين ولان ما تدعيه المرأة محتمل فوجب
نفيه باليمين. (ولا يقضى فيه بالنكول) عن اليمين (نصا)، لأنه ليس بمال ولا يقصد به المال.
(وإن كانت بكرا أو اختلفا في الإصابة) بأن ادعى أنه وطئها وأنكرته (وادعت أنها عذراء) أي
بكر، (فشهدت امرأة) عدل (بثيوبتها فقوله) كما لو كانت ثيبا. وإن شهدت امرأة عدل
(ببكارتها. فقولها) لأنه اعتضد بالبينة. إذ لو وطئها لزالت بكارتها. (فإن لم يشهد لها أحد
بزوال البكارة) ولا ببقائها، (فقوله) كما لو كانت ثيبا. ومن قلنا القول قوله فعليه اليمين، لأنه
حق لآدمي يجوز بذله، فيستحلف فيه كالديون، والعموم: واليمين على من أنكر.
427

كتاب الظهار
مشتق من الظهر، سمي بذلك لتشبيه الزوجة بظهر الام. وإنما خص الظهر دون غيره
لأنه موضع الركوب، إذ المرأة مركوبة إذا غشيت، فقوله: أنت علي كظهر أمي، أي ركوبك
للنكاح حرام علي كركوب أمي للنكاح، فأقام الظهر مقام المركوب لأنه مركوب، وأقام
الركوب مقام النكاح لأن الناكح راكب. ويقال: كانت المرأة تحرم بالظهار على زوجها، ولا
تباح لغيره فنقل الشارع حكمه إلى تحريمها، ووجوب الكفارة بالعود وأبقى محله، وهو
الزوجة، (وهو محرم) إجماعا. حكاه ابن المنذر. لقوله تعالى: * (وإنهم ليقولون منكرا من
القول وزورا) * وقول المنكر والزور من أكبر الكبائر. للخبر. ومعناه أن
الزوجة كالأم في التحريم لقوله تعالى: * (ما هن أمهاتهم) * وقوله: * (ما
جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) * ولحديث أوس بن
الصامت: حين ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة فجاءت النبي (ص) تشتكيه فأنزل
الله أول سورة المجادلة. رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم، فيه أحاديث أخر
تأتي. (وهو أن يشبه) الزوج (امرأته أو) يشبه (عضوا منها) أي من امرأته (بظهر من تحرم عليه
على التأبيد)، كأمه وأخته من نسب أو رضاع أو حماته، (أو) يشبه ذلك بظهر من تحرم عليه
(إلى أمد)، كأخت امرأته وعمتها وخالتهما. (أو) يشبه امرأته أو عضوا منها (بها) أي بمن تحرم
عليه على التأبيد أو إلى أمد. (ولو) كان التشبيه المذكور (بغير العربية) ممن يحسنها كالإيلاء
والطلاق. (ولو اعتقد الحل) أي حل المشبه بها من أم وأخت (كمجوسي)، قال لزوجته: أنت
علي كظهر أختي وهو يعتقد حل أخته فلا أثر لاعتقاده ذلك ويكون مظاهرا. لأنه اعتقاد لا
سند له فنأمره بالكفارة إذا رفع إلينا أو أسلم وقد وطئ. (أو) يشبه امرأته أو عضوا منها
(بعضو منها)، أي ممن تحرم عليه على التأبيد أو إلى أمد. (أو) يشبه امرأته أو عضوا منها
428

(بذكر) كأبيه أو زيد (أو) يشبه امرأته أو عضوا منها ب‍ (- عضو منه)، أي من الذكر كظهره أو
رأسه وأمثلة ما سبق (ك‍) - قوله لامرأته: (أنت كظهر أمي أو أنت علي كظهر أمي أو) أنت
علي ك‍ (- بطن) أمي، (أو) أنت علي (كيد) أمي، (أو) أنت علي ك‍ (- رأس أمي أو) أنت علي
كيد (أختي أو كوجه حماتي ونحوه) قال في المبدع: الأحماء في اللغة أقارب الزوج
والأختان أقارب المرأة، والأصهار لكل واحد منهما. ونقل ابن فارس أن الأحماء كالأصهار
فعلى هذا يقال: هذه حماة زيد وحماة هند. (أو يقول ظهرك) كظهر أمي أو بطنها ونحوه
(أو) يقول (يدك أو رأسك أو جلدك أو فرجك علي كظهر أمي، أو كيد أختي أو عمتي أو
خالتي من نسب أو رضاع) في الكل. (وإن قال) أنت أو يدك ونحوها علي (كشعر أمي أو
كسنها أو) ك‍ (- ظفرها)، فليس بظهار لأنها ليست من الأعضاء الثابتة. (أو شبه شيئا من ذلك)
أي الظفر والشعر والسن ونحوها (من امرأته بأمه أو بعضو من أعضائها) بأن قال: شعر
امرأتي أو سنها أو ظفرها علي كأمي أو كظهرها، (أو قال: كروح أمي أو عرقها أو
ريقها أو دمعها أو دمها)، فليس بظهار لما سبق. (أو قال: وجهي من وجهك حرام فليس بظهار) بل
لغو، نص عليه، لأنه يستعمل كثيرا في غير الظهار ولا يؤدي معناه. (وإن قال: أنا مظاهر)
فلغو، (أو) قال (علي الظهار أو علي الحرام أو الحرام لي لازم فلغو)، إلا مع نية أو قرينة،
(ومع نية أو قرينة) تدل على الظهار (ظهار) لأنه نوى الظهار بما يحتمل لفظه فكان ظهارا
وتقدم كلام الفروع وتصحيحه لو نوى به الطلاق. (وكذا أنا عليك حرام) يكون ظهارا مع
نية أو قرينة، لأن تحريم نفسه عليها يقتضي تحريم كل واحد منهما على الآخر. (أو) أنا
عليك (كظهر رجل) يكون ظهارا مع نية أو قرينة، لأن تشبيه نفسه بغيره من الرجال يلزم منها
تحريمها عليه، كما تحرم على ذلك الغير، فيكون ظهارا كما لو شبهها بمن تحرم عليه، فإن
لم تكن نية ولا قرينة فلغو. (ويكره أن يسمي) أي ينادي (الرجل امرأته بمن تحرم عليه كقوله
لها: يا أختي يا ابنتي ونحوه) لما روي: أن رجلا قال لامرأته: يا أختي فقال النبي (ص): هي
429

أختك فكره ذلك ونهى عنه لأنه لفظ يشبه الظهار. (ولا يثبت به حكم الظهار لأنه) ليس
صريحا في الظهار. و (ما نواه به) وكذا نداؤها له يا أخاها ونحوه. (وإن قال) لامرأته (أنت
عندي) كأمي أو مثل أمي، (أو) قال: أنت (مني) كأمي أو مثل أمي (أو) قال (أنت علي كأمي
كان مظاهرا)، لأنه شبه امرأته بأمه. أشبه ما لو شبهها بعضو من أعضائها، وسواء نوى به
الظهار أو أطلق لأنه الظاهر من اللفظ. (وإن قال: أردت كأمي في الكرامة قبل حكما) لأنه
ادعى بلفظه ما يحتمله فقبل، (و) إن قال: (أنت كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معا)، لأنه
أتى بصريحهما وسواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا، (وأنت طالق كظهر أمي طلقت)، لأنه أتى
بصريح الطلاق. (ولم يكن ظهارا) جزم به في الشرح لأنه أتى بصريح الطلاق أولا
وجعل قوله: كظهر أمي صفة له، فأشبه ما لو نوى به تأكيده. (إلا أن ينويه) أي الظهار، كان
الطلاق رجعيا. وجعلها في المنتهى كالتي قبلها. (فإن نواه) أي الظهار (وكان الطلاق بائنا
فكالظهار من الأجنبية لأنه أتى به) أي بالظهار (بعد بينونتها كالطلاق. وإن كان) الطلاق
(رجعيا كان ظهارا صحيحا) لأن الرجعية زوجة (و) قوله لامرأته (أنت أمي أو كأمي أو مثل
أمي أو) قوله (امرأتي أمي ليس بظهار)، لأن هذا اللفظ ظاهر في الكرامة فتعين حمله عليه
عند الاطلاق، ولأنه ليس بصريح فيه لكونه غير اللفظ المستعمل فيه، كما لو قال: أنت كبيرة
مثل أمي، (إلا أن ينويه) أي الظهار (أو يقرن به) أي بهذا اللفظ (ما يدل على إرادته) أي
الظهار لأن النية تعين اللفظ في المنوي والقرينة شبيهة بها. (وإن قال: أمي امرأتي، أو) أمي
(مثل امرأتي لم يكن مظاهرا)، لأن اللفظ لا يصلح للظهار. (و) قوله لامرأته (أنت علي
كظهر أبي أو كظهر غيره من الرجال) الأقارب أو الأجانب (أو) قال: أنت علي (كظهر أجنبية
430

أو) كظهر (أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها ونحوه ظهار)، لأنه شبهها بظهر من تحرم عليه.
أشبه ظهر الام وكذا إن شبهها بالميتة قاله في المبدع. (و) لو قال (أنت علي كظهر
البهيمة) فلا ظهار، لأنه ليس محلا للاستمتاع (أو) قال: (أنت حرام إن شاء الله فلا ظهار)،
وكذا لو قدم الاستثناء، كقوله: والله لا أفعل كذا إن شاء الله بجامع إنها يمين مكفرة، (وأنت
علي حرام ظهار، أو لو نوى طلاقا) فقط أو مع ظهار (أو) نوى (يمينا) لأنه تحريم أوقعه على
الزوجة فكان ظهارا، كتشبيهها بظهر أمه. وحكاه إبراهيم الحربي عن عثمان وابن عباس
وغيرهما. (وإن قال ذلك) أي أنت علي حرام (لمحرمة عليه بحيض أو نحوه) كنفاس أو
إحرام، (ونوى الظهار فظهار) لأن اللفظ يصلح له. (وإن نوى أنها محرمة عليه لذلك)، أي
الحيض ونحوه (أو أطلق) فلم ينو شيئا (فليس بظهار) لأنه صادق في تحريمها عليه
للحيض ونحوه. (وإن قال: الحل علي حرام أو ما أحل الله لي) حرام، (أو ما أنقلب إليه
حرام فمظاهر) لتناول ذلك لتحريم الزوجة. (وإن صرح بتحريم المرأة أو نواها، كقوله: ما
أحل الله علي حرام من أهل ومال فهو آكد. وتجزيه كفارة الظهار لتحريم المرأة والمال). لأنه
يمين واحدة فلا يوجب كفارتين، واختار ابن عقيل يلزمه كفارتان للظهار ولتحريم المال، لأنه
لو انفرد أوجب كذلك فكذا إذا اجتمعا. (وأنت علي كظهر أمي حرام) ظهار، (أو أنت علي
حرام كظهر أمي حرام) ظهار لأنه صريح فيه.
فصل
ويصح الظهار من كل زوج يصح طلاقه
فكل زوج صح طلاقه صح ظهاره، لأنه قول يختص النكاح أشبه الطلاق، (فيصح ظهار
431

الصبي المميز) لأنه يصح طلاقه، (وقال الموفق: الأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي) ولو
مميز (ظهار ولا إيلاء)، لأنه يمين مكفرة فلم ينعقد في حقه كاليمين، ولان الكفارة وجبت لما
فيه من قول المنكر والزور، وذلك مرفوع عن الصبي لأن القلم مرفوع عنه. (ويصح) الظهار
(من الذمي) لأنه تجب عليه الكفارة إذا حنث، فوجب صحة ظهاره كالمسلم. و (كجزاء صيد
ويكفر بغير صوم) إما بالعتق إن قدر، أو الاطعام لأن الصوم لا يصح منه، (ويصح) الظهار (من
السكران بناء على) صحة (طلاقه، و) صح (من العبد) كالحر، (ويأتي حكم تكفيره ويصح)
الظهار (ممن يخنق في الأحيان في إفاقته كطلاقه) في إفاقته، لأنه عاقل (ولا يصح ظهار الطفل
و) لا ظهار (المكره، و) لا ظهار (الزائل العقل بجنون، أو إغماء أو نوم أو غيره)، كشرب دواء أو
مسكر مكرها، لأنه لا حكم لقولهم. (ويصح) الظهار (من كل زوجة) كبيرة كانت أو صغيرة حرة
أو أمة، مسلمة أو ذمية وطؤها ممكن أو غير ممكن (لعموم الآية، ولأنها زوجة يصح طلاقها
فصح) ظهارها. (فإذا ظاهر) سيد (من أمته أو) من (أم ولده أو قال لها) أي لامته أو لام ولده: (أنت
علي حرام، فعليه كفارة يمين) كتحريم سائر ماله، وقال نافع: حرم رسول الله (ص) جاريته فأمره
الله أن يكفر يمينه. (وإن قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي أو قالت: إن تزوجت فلانا فهو
علي كظهر أبي فليس بظهار). للآية، ولأنه قول يوجب تحريم الزوجة يملك الزوج رفعه
فاختص به الرجل كالطلاق. (وعليها كفارته) أي كفارة الظهار لأن عائشة بنت طلحة قالت
إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي، فاستفتت أصحاب رسول الله (ص) فأفتوها أن
تعتق رقبة وتتزوجه، رواه سعيد والأثرم والدارقطني، ولأنها زوج أتى بالمنكر من القول
والزور كالآخر، ولان الظهار يمين مكفرة فاستوى فيها المرأة والرجل. قاله أحمد. و (لا
432

تجب) الكفارة (عليها حتى يطأها مطاوعة) كالرجل إذا ظاهر منها. (ويجب عليها تمكينه قبلها)
أي قبل إخراج الكفارة لأن ذلك حق عليها ولا يسقط بيمينها بالله. (وإن قال لأجنبية: أنت علي
كظهر أمي أو) قال لأجنبية (إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر
كفارة الظهار) لأنه إذا تزوجها تحقق معنى الظهار فيها، وحيث كان كذلك امتنع وطؤها قبل
التكفير. وعلم منه صحة الظهار من الأجنبية. ورواه أحمد عن عمر لأنها يمين مكفرة فصح
عقدها قبل النكاح كاليمين بالله تعالى، والآية خرجت مخرج الغالب. والفرق بينه وبين
الطلاق أن الطلاق حل قيد النكاح، ولا يمكن حله قبل عقده، والظهار تحريم للوطئ فيجوز
تقديمه على العقد كالحيض. وإنما اختص حكم الايلاء بنسائه لكونه يقصد الاضرار بهن،
والكفارة هنا وجبت لقول المنكر والزور فلا يختص ذلك بنسائه. (وكذا إن قال: كل النساء)
علي كظهر أمي، (أو) قال (كل امرأة أتزوجها علي كظهر أمي، فإن تزوج نساء وأراد العود) أي
الوطئ (عليه كفارة واحدة وسواء تزوجهن في عقد أو عقود)، لأنها يمين واحدة فلا توجب
أكثر من كفارة. (فإن قال لأجنبية: أنت علي كظهر أمي، وقال: أردت أنها مثلها في التحريم دين)
لأنه أدرى بما أراده. (ولم يقبل) منه (في الحكم) لأنه صريح في الظهار. (وإن قال لها) أي
لأجنبية (أنت علي حرام وأراد في كل حال فمظاهر) فلا يطؤها إذا تزوجها حتى يكفر، لان
لفظة الحرام صريح في الظهار من الزوجة، فكذا الأجنبية. (وإن أراد) أنها حرام (في تلك الحال)
أي حال كونها أجنبية (أو أطلق) لم ينو شيئا (فلا) ظهار لأنه صادق (ولو ظاهر من إحدى
زوجتيه ثم قال للأخرى: أشركتك معها أو أنت مثلها، فصريح في حق الثانية أيضا) كالطلاق،
وتقدم (ويصح الظهار معجلا) أي منجزا كما سبق. (و) يصح (معلقا بشرط نحو إن دخلت
الدار فأنت علي كظهر أمي، أو إن شاء زيد) فأنت علي كظهر أمي (فمتى شاء زيد أو دخلت
الدار صار مظاهرا) لوجود شرطه. (و) يصح (مطلقا ومؤقتا نحو: أنت علي كظهر أمي شهرا أو
شهر رمضان. فإذا مضى الوقت زال الظهار وحلت بلا كفارة ولا يكون عائدا إلا بالوطئ في
433

المدة). لأن التحريم صادف ذلك الزمن دون غيره، فوجب أن ينقضي بانقضائه. (وأنت علي كظهر
أمي إن شاء الله) لا ينعقد ظهاره نص عليه، لأنها يمين مكفرة فصح فيها الاستثناء كاليمين بالله. (أو)
قال: (ما أحل الله علي حرام إن شاء الله) لا
ينعقد ظهاره (أو) قال: (أنت علي حرام إن شاء) لا
ينعقد ظهاره لما تقدم، (أو) قال: أنت علي حرام ونحوه (إن شاء الله وشاء زيد فشاء زيد) لا ينعقد
ظهاره لأنه علقه على شيئين فلا يحصل بأحدهما. (وأنت إن شاء الله حرام ونحوه) كانت إن شاء
الله علي كظهر أمي (لا ينعقد ظهاره) لما مر، (و) إن قال: (أنت علي حرام والله لأوكلتك إن شاء الله
عاد الاستثناء إليهما) أي للظهار واليمين بالله، فلا كفارة عليه فيهما، لأن العطف يصير الجملتين
كالواحدة. (إلا أن يريد) عودة إلى (أحدهما) فيختص بها لأن النية مخصصة.
فصل
في حكم الظهار
(ويحرم على مظاهر ومظاهر منها الوطئ) قبل التكفير للآية، ولما روى عكرمة عن
ابن عباس: أن رجلا أتى النبي (ص) فقال: إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن
أكفر، فقال: ما حملك على ذلك يرحمك الله، فقال: رأيت خلخالها في ضوء القمر؟ فقال: لا
تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به. رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وقال
المرسل أولى بالصواب. (و) يحرم أيضا (الاستمتاع منها بما دون الفرج قبل التكفير)، لأن ما
حرم الوطئ من القول حرم دواعيه كالطلاق والاحرام. (ومن مات منهما) أي المظاهر
والمظاهر منها (ورثه الآخر) وإن لم يكفر كالمولي منها. (وتجب الكفارة) أي تثبيت في ذمته
434

(بالعود وهو الوطئ في الفرج) لقوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما
قالوا فتحرير رقبة) * فأوجب الكفارة عقب وذلك يقتضي تعلقها به
(و) لا تجب قبل (ذلك) إلا (أنها شرط لحل الوطئ، فيؤمر بها من أراده ليستحله بها) كما
يؤمر بعقد النكاح من أراد حلها، ولان العود في القول هو فعل ضد ما قال، كما أن العود
في الهبة استرجاع ما وهب. (وتقديم الكفارة قبل الوجوب تعجيل لها قبل وجوبها لوجود
سببها) وهو الظهار. (كتعجيل الزكاة قبل الحول بعد كمال النصاب) وكتقديم كفارة
اليمين بعد الحلف وقبل الحنث. (ولو مات أحدهما أو طلقها) المظاهر (قبل الوطئ فلا
كفارة) عليه، ولو كان عزم على الوطئ لأنه لم يعد إلى ما قال خلافا لأبي الخطاب لان
العود عنده العزم على الوطئ وفاقا لمالك وأنكره أحمد. (فإن عاد) المظاهر بعد أن طلق
المظاهر منها (فتزوجها لم يطأها حتى يكفر)، سواء كان الطلاق ثلاثا أو لا، وسواء رجعت إليه
بعد زوج آخر أو لا، للآية. كالتي لم يطلقها ولان الظهار يمين مكفرة فلم يبطل حكمها
بالطلاق كالإيلاء. (وإن وطئ) المظاهر منها (قبل التكفير أثم مكلف) منهما أو
من أحدهما لأنه عصى ربه بمخالفته أمره. (واستقرت عليه) أي المظاهر (الكفارة ولو مجنونا)
نص عليه، فلا تسقط بعد ذلك كالصلاة إذا غفل عنها في وقتها. (وتحريمها) أي المظاهر منها
(باق عليه حتى يكفر) لظهاره لقوله (ص) في الحديث السابق: لا تقربها حتى تفعل ما أمرك
الله به. (وتجزيه كفارة واحدة) لحديث سلمة بن صخر، ولأنه وجد
الظهار والعود فيدخل في عموم الآية. (وإن ظاهر من امرأته الأمة ثم اشتراها) انفسخ النكاح
وحكم الظهار باق. و (لم تحل له حتى يكفر) للآية، ولان الظهار لا يسقط بالطلاق المزيل
للملك والحل فبملك اليمين أولى. (فإن أعتقها عن كفارته) أي كفارة ظهاره منها (صح) العتق
وأجزأته حيث كانت مسلمة سليمة لعموم الآية (فإن تزوجها بعد ذلك حلت له بلا كفارة)
، لأن الكفارة قد تقدمت. (فإن أعتقها في غير الكفارة) عن ظهاره منها بأن أعتقها تبرعا أو عن
نذر أو كفارة قتل أو ظهار من امرأة له أخرى، (ثم تزوجها لم تحل له حتى يكفر) لظهاره منها
435

لبقائه كما سبق. (وإن كرر الظهار قبل التكفير فكفارة واحدة في مجلس كان أو مجالس نوى
التأكيد والإفهام، أو الاستئناف، (أو لم ينو) بأن أطلق لا ما بعد الأول قول لم يؤثر تحريم
الزوجة فلم يجب به كفارة ظهار كاليمين بالله تعالى. (وإن ظاهر ثم كفر ثم ظاهر فكفارة
ثانية) للظهار الثاني، قال في المبدع بغير خلاف، لأنه أثبت في المحل تحريما أشبه الأول
(وإن ظاهر من نسائه بكلمة واحدة بأن قال أنتن: علي كظهر أمي، ف‍) - عليه (كفارة واحدة)
بغير خلاف في المذهب، قاله في الشرح ورواه الأثرم عن عمر وعلي. ولأنها يمين واحدة
فلم يجب بها أكثر من كفارة كاليمين بالله. (وإن كان) الظهار من نسائه (بكلمات بأن قال لكل
واحدة) منهن: (أنت علي كظهر أمي، فلكل واحدة كفارة). لأنها أيمان في محال مختلفة، أشبه
ما لو وجدت في عقود متفرقة بخلاف الحد، فإنه عقوبة يدرأ بالشبهة.
فصل
في كفارة الظهار وغيرها
مما هو معناها وذلك كفارة الوطئ في نهار رمضان وكفارة القتل. (فكفارة الظهار
على الترتيب فيجب تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع
فإطعام ستين مسكينا) لقوله تعالى: * (والذين يظاهرون من نسائهم) * (المجادلة: 3، 4).
الآيتين، ولحديث خولة امرأة أوس بن الصامت حين ظاهر منها فقال لها النبي (ص): يعتق
رقبة قالت: - يعني امرأته - لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: شيخ كبير ما به من
صيام، قال: فيطعم ستين مسكينا. وهذا في الحر ويأتي حكم العبد (وكفارة الوطئ في نهار
436

رمضان مثلها)، فيما ذكر سبق ذلك (وكفارة القتل مثلهما لكن لا إطعام فيها)، لأنه لم
يذكر في كتاب الله، ولو كان واجبا لذكره كالعتق والصيام. (والاعتبار في الكفارات بحالة
الوجوب)، لأنها تجب على وجه الطهرة فكان الاعتبار بحالة الوجوب. (كالحد) نص عليه.
(وإمكان الأداء مبني على زكاة)، وتقدم أنه ليس شرطا لوجوبها بل للزوم أدائها، (فإن وجبت)
الكفارة (وهو موسر) بها (ثم أعسر لم يجزئه إلا العتق) لأنه هو الذي وجب عليه فلا يخرج
من العهدة إلا به، (وإن وجبت وهو معسر ثم أيسر) لم يلزمه العتق، (أو) وجبت (وهو
عبد ثم عتق لم يلزمه العتق)، لأنه غير ما وجب عليه. لا يقال الصوم بدل عن العتق فإذا
وجد من يعتقه وجب الانتقال إليه كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة، أو فيها للفرق بينهما، فإن
الماء إذا وجد بعد التيمم بطل بخلاف الصوم فإن العتق لو وجد بعد فعله لم يبطل. (وله) أي
للمعسر إذا أيسر والعبد إذا عتق (الانتقال إليه) أي إلى العتق (إن شاء)، لأن العتق هو
الأصل فوجب أن يجزيه كسائر الأصول. (ووقت الوجوب) في كفارة الظهار (من وقت
العود)، وهو الوطئ (لا) من (وقت المظاهرة) لأن الكفارة لا تجب حتى يعود (ووقته) أي
الوجوب في (اليمين) بالله (من) وقت (الحنث لا) من (وقت اليمين)، لأنها لا تجب حتى
يحنث (و) وقت الوجوب (في القتل زمن الزهوق لا زمن الجرح)، لأنها لا تجب إلا
بالزهوق (فإن شرع) من وجبت عليه كفارة الظهار أو نحوها، (في الصوم ثم قدر على العتق
لم يلزمه الانتقال إليه)، لأنه لم يقدر على العتق قبل تلبسه بالصيام أشبه ما لو استمر العجز
إلى ما بعد الفراغ، ولأنه وجد المبدل بعد الشروع في البدل فلم يلزمه الانتقال إليه كالمتمتع
يجد الهدى بعد الشروع في صيام الأيام الثلاثة، ويفارق ما إذا وجد الماء في الصلاة فإن
قضاءها يسير.
تنبيه: قوله: فإن شرع إلى آخره مبني على رواية أن الاعتبار بأغلظ الأحوال كما يعلم
من المقنع وغيره، فالأولى حذفه. لأنه لم يذكر الرواية التي هو مفرع عليها أما على الأولى
فمتى وجبت وهو معسر لم يلزمه العتق شرع في الصوم أو لا كما يعلم مما سبق، (وله أن
ينتقل إليه) أي إلى العتق بعد الشروع في الصوم، (أو) له أن ينتقل (إلى الاطعام والكسوة في
437

كفارة اليمين)، لأن ذلك هو الأصل فوجب أجزاؤه كسائر الأصول. (وإن كفر الذمي) عن
ظهاره (بالعتق لم يجزئه إلا رقبة مؤمنة) كالمسلم، (فإن كانت في ملكه أو ورثها) فأعتقها
(أجزأت عنه و) حل له الوطئ. (إلا فلا سبيل له إلى شراء رقبة مؤمنة) لأنه لا يصح منه
شراؤها لقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (النساء: 141).
(ويتعين تكفيره بالاطعام) لعجزه عن العتق والصيام. (إلا أن يقول) الذمي (لمسلم أعتق
عبدك) المسلم (عني، وعلي ثمنه فيصح) عتقه عنه ويجزيه، (وإن أسلم قبل التكفير بالاطعام
فكالعبد يعتق قبل التكفير بالصيام)، لأن الاعتبار بوقت الوجوب فيجزيه الاطعام، وله أن
يكفر بالعتق والصيام. (وإن ظاهر وهو مسلم ثم ارتد وصام في ردته عن كفارته لم يصح)
صومه عنها كسائر صومه، (وإن كفر) المرتد (بعتق أو إطعام لم يجزئه نصا) لأنه محجور عليه
لحق المسلمين، وقال القاضي: المذهب أنه موقوف.
فصل
فمن ملك رقبة
لزمه العتق، (أو أمكنه تحصيلها) أي الرقبة (بما) أي بشئ من نقد أو غيره، (هو فاضل
عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام، و) عن (غيرها) أي غير كفايته وكفاية من يمونه (من
حوائجه الأصلية)، لأنها قريبة من كفايته ومساوية لها، بدليل تقديمها على غرماء المفلس
. (ورأس ماله كذلك) أي رأس المال يحتاجه لكفايته وكفاية عياله وحوائجه الأصلية
والكاف للتعليل كما قيل في قوله تعالى: * (كما هداكم) * (و) عن (وفاء
دينه ولو لم يكن مطالبا به)، أي بالدين، لأن ما استغرقته حاجة الانسان كالمعدوم في جواز
الانتقال إلى البدل، كمن وجد ما يحتاجه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم (بثمن
438

مثلها)، لأن ما حصل بأكثر من ثمن المثل يجوز له الانتقال كالمتيمم (لزمه العتق) إجماعا،
قاله في المبدع. (وليس له الانتقال إلى الصوم إذا كان حرا مسلما) لقدرته على الرقبة. (ولو
كان له عبد اشتبه بعبد غيره أمكنه العتق) وكذا لو اشتبهت أمته بأمة غيره، (بأن يعتق الرقبة
التي في ملكه ثم يقرع بين الرقاب فيعتق)، أي يظهر عتق (من وقعت عليه القرعة) هذا قياس
المذهب، قاله القاضي وغيره. (ومن له خادم يحتاج إلى خدمته إما لكبر أو مرض أو زمانة أو
عظم خلق ونحوه مما يعجز عن خدمة نفسه) كهزال مفرط، (أو يكون) من له خادم (ممن لا
يخدم نفسه عادة ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته) لم يلزمه العتق. (أو له دار يسكنها) لم
يلزمه العتق بثمنها (أو) له (دابة يحتاج إلى ركوبها، أو) إلى (الحمل عليها، أو) له (كتب علم
يحتاجها، أو) له (ثياب يتجمل بها) لم يلزمه العتق بثمنها، (إذا كان صالحا لمثله) لأنه في
حكم العدم كمن معه ماء يحتاج إليه لعطش أو نحوه. (أو لم يجد رقبة إلا بزيادة عن ثمن
مثلها تجحف به لم يلزمه العتق)، لأن عليه ضررا في ذلك. (وإن كانت) الزيادة (لا تجحف
به لزمه) العتق كما لو وجدها بثمن مثلها، (وإن وجد ثمنها وهو محتاج إليه لم يلزمه
شراؤها) لما فيه من الضرر عليه. (وإن كان له مال يحتاجه لاكل الطيب ولبس الناعم وهو
من أهله لزمه شراؤها) أي الرقبة لعدم عظم المشقة. (وإن كان له خادم يخدم امرأته وهو)
أي الزوج (ممن عليه إخدامها) لكون مثلها لا يخدم نفسه لم يلزمه العتق، كما لو احتاجه
لخدمة نفسه (أو كان له رقيق يتقوت بخراجهم أو) له (عقار يحتاج إلى غلته أو عرض
للتجارة ولا يستغني عن ربحه في مؤونته) ومؤونة عياله وحوائجه الأصلية، (لم يلزم العتق)
439

لأنه غير فاضل عن حاجته (وإن استغنى عن شئ من ذلك مما يمكنه أن يشتري به رقبة
لزمه) العتق لقدرته عليه بلا ضرر، (فلو كان له خادم يمكن بيعه ويشتري به) أي بثمنه
(رقبتين يستغني بخدمة إحداهما ويعتق الأخرى لزمه ذلك، وكذا لو كان له ثياب فاخرة تزيد
على ملابس مثله يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه في لباسه، و) شراء (رقبة يعتقها) في كفارته، (أو
له دار) فوق ما يحتاجها (يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه لسكني مثله ورقبة) يعتقها بالباقي
لزمه، لأنه أمكنه العتق بلا ضرر، (أو) له (صنعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه به من شراء
رقبة. ويراعي في ذلك الكفاية التي يحرم معها أخذ الزكاة لزمه) العتق، لأنها بثمن مثلها، ولا
يعد شراؤها بذلك ضررا، وإنما الضرر في إعتاقها، وذلك لا يمنع الوجوب كما لو كان
مالكا لها. (ويستثنى من ذلك لو كان له سرية لم يلزمه إعتاقها، وإن أمكنه بيعها أو) أمكنه
(شراء رقبة أخرى، و) شراء (رقبة يعتقها لم يلزمه ذلك) لأن الغرض قد يتعلق بعينها بخلاف
الخادم. (وإن وجد رقبة) تباع (بثمن مثلها إلا أنها رفيعة يمكن أن يشتري بثمنها رقابا من
غير جنسها لزمه شراؤها) مع عدم غيرها، وكون ثمنها فاضلا عن حاجته كما تقدم، ولقدرته
على العتق بلا ضرر. (وإن وهبت له رقبة) يعتقها (لم يلزمه قبولها)، كما لو وهب له ثمنها لما
فيه من المنة عليه، بخلاف ماء التيمم لعدم تموله عادة. (وإن كان ماله غائبا وأمكنه شراؤها)
أي شراء رقبة يعتقها (ب‍) - ثمن (نسيئة) لزمه ذلك، (أو كان ماله دينا مرجو الوفاء) وأمكنه
شراء الرقبة نسيئة (لزمه ذلك)، لأنه قادر عليها بما لا مضرة فيه. (فإن لم تبع بالنسيئة جاز
الصوم ولو في غير كفارة الظهار) للحاجة وكالعادم. وفي الشرح إذا كان يرجو الحضور
قريبا لم يجز الانتقال إلى الصوم، لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة، وإن كان بعيدا جاز
440

الانتقال في غير كفارة الظهار لأنه لا ضرر في الانتظار، وهل يجوز في كفارة الظهار؟ على
وجهين أحدهما: لا يجوز لوجود الأصل في ماله، والثاني يجوز لأنه يحرم عليه
المسيس، فجاز له الانتقال للحاجة.
فصل
ولا يجزي في جميع الكفارات وفي نذر العتق
المطلق إلا) عتق (رقبة مؤمنة)، حكاه ابن المنذر إجماعا في كفارة القتل لقوله
تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * وما عدا كفارة القتل
فبالقياس عليها لقوله (ص): أعتقها فإنها مؤمنة رواه مسلم من حديث معاوية (سليمة من
العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا) لأن المقصود تمليك الرقبة منافعها وتمكينها من التصرف
لنفسها، ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا (كالعمى)، لأنه لا يمكن العمل في أكثر
الصنائع. (و) ك‍ (- قطع اليدين أو إحداهما أو) قطع (الرجلين أو إحداهما، أو أشل شئ من
ذلك)، أي من اليدين أو إحداهما أو الرجلين أو إحداهما، لأن اليد آلة البطش والرجل آلة
المشي، فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلف إحداهما أو شللها. (أو قطع إبهام اليد أو قطع
أنملة منه) أي من إبهام اليد (أو) قطع (أنملتين من غيره)، أي من غير الابهام كالسبابة
والوسطى، (كقطع الكل) أي كل ذلك الإصبع الذي قطع أنملتاه، (أو قطع سبابتها أو
الوسطى) من يد (أو قطع الخنصر والبنصر من يد واحدة) لأن نفع اليد يزول بذلك، (وقطع
أنملة واحدة من غير الابهام ولو) كان قطع الأنملة (من الأصابع الأربع لا يمنع الاجزاء)، لأن نفع
اليد باق لم يزل بذلك (ويجزئ من قطعت خنصره) فقط، (أو بنصره فقط أو) قطعت
إحداهما من يد و) قطعت (الأخرى من اليد الأخرى)، بأن قطعت الخنصر من اليمنى
441

والبنصر من اليسرى أو بالعكس، لأن نفع الكفين باق، (و) يجزئ (من قطعت أصابع قدمه
كلها) هذا ما اختاره المصنف تبعا لجماعة. وفي التنقيح وتبعه في المنتهى حكم الرجل
في ذلك كاليد. وقد ذكرت كلامه في حاشيته على التنقيح في حاشية المنتهى، (و) يجزئ
(الأعرج يسيرا)، ويجزئ أيضا (من يخنق في الأحيان، و) تجزئ (الرتقاء والكبيرة التي تقدر
على العمل والأمة المزوجة والحبلى، وله استثناء حملها والمدبر وولد الزنا والصغير حيث
كان محكوما بإسلامه) تبعا لاحد أبويه أو لسابيه أو للدار، (و) يجزئ (الأعرج والمؤجر
والمرهون ولو كان الراهن معسرا)، وينفذ عتقه ويتبعه المرتهن بدينه إن حل أو قيمة العبد
تجعل رهنا مكانه إذا أيسر، وتقدم في الرهن. (و) يجزئ (الخصي ولو مجبوبا والأقرع
والأبخر والأبرص وأصم غير أخرس)، لأن هذه العيوب كلها لا تضر بالعمل ضررا بينا، (و)
يجزئ (الجاني) لأن جنايته لا تمنع صحة عتقه، ولا تضر بعمله، (ولو قتل في الجناية) لان
الاجزاء حصل بمجرد العتق، ولا يرتفع عتقه بذلك (و) يجزئ (الأحمق، وهو الذي
يعمل القبيح والخطأ على بصيرة. لقلة مبالاته بما يعقبه من المضار. ويجزئ مقطوع
الانف و) مقطوع (الاذنين ومن ذهب شمه)، لأن ذلك لا يضر بالعمل. (ولا يجزئ مريض
مأيوس من برئه كمرض السل) بكسر السين. وتقدم لأنه يندر برؤه ولا يتمكن من العمل
مع بقائه. (ولا) يجزئ أيضا (النحيف العاجز عن العمل) لأنه كالمريض الميؤوس من
برئه، (وإن كان) النحيف (يتمكن من العمل أجزأ كمريض يرجى برؤه كمن به حمى
ونحوه) كصداع، لأن ذلك لا يمنعه من العمل. (ولا يجزئ جنين وإن ولد حيا) لأنه لم
تثبت له أحكام الدنيا بعد. (ولا) يجزئ (زمن ولا مقعد) لعجزهما عن العمل، (ولا) يجزئ
442

(غائب لا يعلم خبره)، لأنه مشكوك في حياته، والأصل بقاء شغل الذمة ولا يبرأ بالشك. لا
يقال: الأصل الحياة. لأنه قد علم أن الموت لا بد منه، وقد وجدت دلالة عليه وهو انقطاع
خبره. (فإن أعتقه) أي الغائب (ثم تبين أنه حي أجزأ)، لأنه عتق صحيح (ولا) يجزئ (مجنون
مطبق) لأنه معدوم النفع ضرورة استغراق زمنه في الجنون، وفي معناه الهرم، قاله في
الرعاية (ولا) يجزئ (أخرس لا تفهم إشارته)، لأن منفعته زائلة. أشبه زوال العقل. (فإن
فهمت) إشارته (وفهم) أي الأخرس (إشارة غيره أجزأ) عتقه، لأن الإشارة تقوم مقام الكلام
، (ولا أخرس أصم ولو فهمت إشارته) لأنه ناقص بفقد حاستين تنقص بفقدهما قيمته نقصا
كثيرا. (ولا من علق عتقه بصفة عند وجودها)، كما لو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر ثم
دخلها، ونوى السيد حال دخوله أنه عن كفارته لم يجزئه، لأن عتقه مستحق بسبب آخر
وهو الشرط. (فإن علق عتقه للكفارة) بأن قال: إن اشتريتك فأنت حر للكفارة، ثم اشتراه لها
أجزأ لأن عتقه للكفارة. (أو) علق عتق عبد بصفة كقدوم زيد ودخوله الدار، ثم (أعتقه قبل
وجود الصفة أجزأ)، لأنه أعتق عبده الذي يملكه عن الكفارة. (ولا) يجزئ (من يعتق عليه
بالقرابة) لقوله تعالى: * (فتحرير رقبة) * والتحرير فعل العتق ولم يحصل
هنا بتحرير منه، ولا إعتاق فلم يكن ممتثلا للامر، ويفارق المشتري البائع من وجهين:
أحدهما أن البائع يعتقه والمشتري لا يعتقه، وإنما يعتق بإعتاق الشارع من غير اختياره.
الثاني: أن البائع لا يستحق عليه إعتاقه بخلاف المشتري. (ولا من اشتراه بشرط العتق) لأنه إذا
فعل ذلك فالظاهر أن البائع نقصه من الثمن لأجل هذا الشرط، فكأنه أخذ عن العتق عوضا.
(ولو قال له) أي للمظاهر ونحوه ممن عليه كفارة (رجل) أو امرأة، (أعتق عبدك عن كفارتك
ولك عشرة دنانير ففعل)، أي أعتقه لذلك (لم يجزئه عن الكفارة) لاعتياضه عن العتق
(وولاؤه له) لعموم الحديث: الولاء لمن أعتق. (فإن رد) المعتق (العشرة بعد العتق على
باذلها ليكون العتق عن الكفارة لم يجز) أي العتق (عنها)، لأن العتق ابتداء وقع غير مجزئ
فلم ينقلب مجزئا برد العوض. (وإن قصد) المعتق ابتداء (العتق عن الكفارة وحدها وعزم
443

على رد العشرة، أو رد العشرة قبل العتق، وأعتقه عن كفارته أجزأه) عتقه عن كفارته لتمحضه
لها. (وإن اشترى عبدا ينوي إعتاقه عن كفارته فوجد به عيبا لا يمنع الاجزاء في الكفارة)
كالعور، (فأخذ أرشه ثم أعتقه عن كفارته أجزأه له) عتقه عنها لعدم المانع. (وكان الأرش له)
كما لو لم يعتقه، (فإن أعتقه قبل العلم بالعيب ثم ظهر على العيب فأخذ أرشه فهو) أي
الأرش (له أيضا)، كما لو أخذه قبل إعتاقه. وعنه أنه يصرف الأرش في الرقاب، (ولا تجزئ
أم ولد) لأن عتقها مستحق بسبب آخر كرحمه المحرم، (ولا) يجزئ أيضا (ولدها الذي
ولدته بعد كونها أم ولد)، لأنه تابع لها وحكمه حكمها. (ولا) يجزئ (مكاتب أدى من
كتابته شيئا)، لأنه إذا أدى شيئا فقد حصل العوض عن بعضه، فلم يجز كما لو أعتق بعض
رقبة (ولا مغصوب) لعدم تمكنه من منافعه. (ولا من أوصى) ربه قبل موته، (بخدمته أبدا)
رقبة الموصى له ذلك لنقصه. (ولو أعتق عن كفارته عبد لا يجزئ) عتقه (في الكفارة)
كأقطع (نفذ عتقه)، لأنه عتق من مالك جائز التصرف. (ولا يجزئ عنها) أي الكفارة لما
تقدم. (ومن أعتق غيره عنه عبدا بغير أمره) في كفارة أو غيرها (لم يعتق عن المعتق عنه
إذا كان حيا)، لأنه لم يحصل منه عتق ولا أمر به مع أهليته، (وولاؤه) أي المعتق (لمعتقه)،
لحديث الولاء لمن أعتق. (ولا يجزئ عن كفارته) أي كفارة المعتق عنه، (وإن نوى)
المعتق (ذلك) لأن العتق لم يصدر ممن وجبت عليه الكفارة حقيقة، ولا حكما، (وكذا
من كفر عنه غيره بالاطعام) بغير إذنه فإنه لا يجزئه لعدم النية ممن وجبت عليه الكفارة.
(فأما الصيام فلا يصح أن ينوب عنه) أحد (ولو بإذنه)، لأنه عبادة بدنية محضة، فلا تدخله
النيابة كالصلاة، (وإن أعتقه عنه بأمره) بأن قال له: أعتق عبدك عني. (ولو لم يجعل) الآمر
(له عوضا) عن أعتقه عنه فأعتقه عنه (صح العتق عن المعتق عنه، وله ولاؤه وأجزأ عن
444

كفارته). ويقدر أنه من ملك المأمور لا الآمر حال العتق، أو كان العتق من الآمر، لأن المأمور
كالوكيل عنه. (فإن كان المعتق عنه ميتا، وكان) الميت (قد أوصى بالعتق صح) العتق، لان
الموصى إليه كالنائب عن الموصي. (وإن لم يوص) قبل موته بالعتق (فأعتق عنه أجنبي لم
يصح)، أي لم يجز عنه. لأنه لا ولاية له عليه. وقد تقدم أنه يجزئ في الولاء. (وإن أعتق
عنه) أي الميت (وارثه، ولم يكن عليه) أي الميت (واجب) عتق (لم يصح) عتقه (عنه)، لأنه
إذن كالأجنبي، (ووقع) العتق (عن المعتق) الأجنبي أو الوارث، وتقدم في الولاء أنه يصح
ويقع عن الميت. (وإن كان عليه عتق واجب صح) من الوارث عتقه عنه، لأنه وليه، (فإن كان
عليه) أي الميت (كفارة يمين فأطعم عنه) الوارث (أو كسا) عشرة مساكين (جاز)، لأنه قائم
مقام الميت ونائب عنه. (وإن أعتق عنه) أي عن الميت في كفارة اليمين (ففيه وجهان) تقدم
في الولاء أنه يصح. (ولو قال: من عليه الكفارة) أي كفارة اليمين لغيره (أطعم) عن كفارتي
(أو أكس عن كفارتي. صح) ذلك كالآمر بالعتق، سواء (ضمن له عوضا أو لا)، أي أم لم
يضمن له عوضا لأنه أذنه في الاخراج عنه. (ولو ملك نصف عبد فأعتقه عن كفارته وهو
معسر ثم اشترى باقيه فأعتقه)، أي أعتق العبد المشترك (كله عن كفارته وهو معسر) بقيمة
نصيب شريكه، (سرى) العتق (إلى نصيب شريكه، وعتق ولم يجزئه) نصيب شريكه (عن
كفارته). لأنه لم يحصل بالمباشرة، بل بالسراية. كما لو أعتق نصف عبد. (وأجزأه عتق
نصيبه) أي يحتسب له به من الكفارة لأنه باشر عتقه. (فإن أعتق نصفا آخر أجزأه كمن أعتق
نصفي عبدين. أو) أعتق (نصفي أمتين أو) أعتق (نصف أمة ونصف عبد)، لأن الأشقاص
كالأشخاص فيما لا يمنع العيب اليسير دليله الزكاة إذا كان يملك نصف ثمانين مشاعا،
وجبت الزكاة. كما لو ملك أربعين منفردة، وكالهدايا والضحايا إذا اشتركوا فيها. ولا فرق بين
كون الباقي منها حرا أو رقيقا. (فإن كان العبد كله له) أي لمن عليه الكفارة (فأعتق جزءا منه
معينا أو مشاعا عتق جميعه) بالسراية، (فإن نوى به الكفارة أجزأ عنه) لأنه أعتق رقيقة كاملة
445

الرق له، ناويا بها الكفارة فأجزأته وظاهر المنتهى لا يجزئه. (وإن نوى إعتاق الجزء الذي
باشره بالاعتاق عن الكفارة دون بقيته لم يحتسب له إلا بما نوى) لقوله (ص): وإنما لكل
امرئ ما نوى.
فصل
فمن لم يجد رقبة ليشتريها
أو وجدها ولم يجد ثمنها فاضلا عما تقدم من حوائجه. أو وجدها، لكن لا تباع إلا
بزيادة كثيرة تجحف بماله. أو وجدها لكن احتاجها لخدمة ونحوها. (فعليه صيام شهرين
متتابعين) إذا قدر عليه إجماعا، لقوله تعالى: * (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل
أن يتماسا) * وأجمعوا على وجوب التتابع، ومعناه الموالاة بين صوم
أيامهما (حرا كان) المكفر (أو عبدا) بغير خلاف نعلمه. قاله في المبدع (فلا يجوز أن
يفطر فيهما) أي في الشهرين، (ولا أن يصوم فيهما عن غير الكفارة) لئلا يفوت التتابع (ولا
يجب نية التتابع ويكفي فعله) أي التتابع، لأنه شرط، وشرائط العبادات لا تحتاج إلى نية،
وإنما تجب النية لأفعالها. (وكالمتابعة بين الركعات) في الصلاة فإنها فرض ولا تعتبر نيتها
(وإن تخلل صومهما صوم) شهر (رمضان)، بأن يبتدئ الصوم من أول شعبان فيتخلله
رمضان لم ينقطع التتابع. (أو) تخلله (فطر واجب كفطر العيدين وأيام التشريق) بأن يبتدئ
مثلا من ذي الحجة، فيتخلل يوم النحر وأيام التشريق لم ينقطع التتابع، لأنه زمن منعه الشرع
عن صومه في الكفارة كالليل. (أو) تخلله فطر ك‍ (- حيض أو نفاس) أجمعوا عليه في الحيض
وقيس عليه النفاس. (أو) تخلله فطر ل‍ (جنون أو إغماء أو مرض ولو غير مخوف) لم
ينقطع التتابع، لأنه أفطر بسبب لا صنع له فيه، كالحيض (أو) تخلله فطر (لسفر مبيحان)
446

أي المرض والسفر (الفطر) لم ينقطع التتابع كالمرض المخوف. (أو) تخلله (فطر الحامل
والمرضع لخوفهما على أنفسهما أو) خوفهما على (ولديهما) لم ينقطع التتابع، لأنه فطر
أبيح لعذر عن غير جهتها. أشبه المرض (أو) تخلله فطر (لاكراه أو نسيان أو لخطأ)
لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه. (لا) إن أفطر (لجهل)
فلا يعذر به ومثال الفطر لخطأ. (كمن أكل يظن أن الفجر لم يطلع، وقد كان طلع أو أفطر
يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب) لم ينقطع التتابع لما سبق. (أو وطئ غير المظاهر منها
ليلا ولو عمدا). قال في المبدع بغير خلاف نعلمه، لأن ذلك غير محرم عليه، ولا هو
مخل بتتابع الصوم كالأكل. (أو) وطئ غير المظاهر منها (نهارا ناسيا للصوم أو لعذر يبيح
الفطر) لم ينقطع التتابع، لأن الوطئ لا أثر له في قطع التتابع. (أو) وطئ غير المظاهر منها
(في أثناء الاطعام أو العتق أو أصاب المظاهر منها في أثناء الاطعام أو العتق. لم ينقطع
التتابع) بذلك، فيبني على ما قدمه من العتق أو الاطعام ويتمه. (وإن أفطر يظن أنه قد أتم
الشهرين فبان بخلافه) انقطع التتابع، (أو ظن أن الواجب شهر واحد) فأفطر (أو) أفطر (ناسيا
لوجوب التتابع، أو أفطر لغير عذر) انقطع التتابع لقطعه إياه، ولا يعذر بالجهل كما تقدم،
ومثل ذلك لا يخفى. (أو صيام) في أثناء الشهرين (تطوعا أو قضاء) عن رمضان (أو) صام
(عن نذر أو كفارة أخرى) انقطع، لأنه قطعه بشئ يمكنه التحرز منه، أشبه ما لو أفطر من
غير عذر. (أو أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا ولو ناسيا، أو مع عذر يبيح الفطر) كمرض
وسفر، (انقطع) التتابع لقوله تعالى: * (فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا)
(المجادلة: 4). فأمر بصيام شهرين خاليين عن وطئ ولم يأت بهما كما أمر، فلم يجزئه
كما لو وطئها نهارا ناسيا. (ويقع صومه) في أثناء الشهرين (عما نواه) من قضاء أو كفارة أو
447

نذر، لأنه زمن لم يتعين للكفارة. (وإن لمس المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه
يفطر به)، بأن أنزل (قطع التتابع) لفساد صومه (وإلا) بأن لم يكن على وجه يفطر به، بأن لم
ينزل (فلا) يقطع التتابع لعدم فساد الصوم، (وحيث انقطع التتابع لزمه الاستئناف) ليأتي
بالشهرين المتتابعين، (فإن كان عليه نذر صوم غير معين) بأن نذر صوم شهر، أو أيام
مطلقة (أخره إلى فراغه من الكفارة) لاتساع وقته، (وإن كان) النذر (معينا) كأن نذر صوم
المحرم (أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه إن أمكن) بأن اتسع لها الوقت، لأنه أمكن الاتيان
بكل من الواجبين فلزمه. (وإن كان) النذر (أياما من كل شهر كيوم الخميس) ويوم الاثنين
(أو أيام البيض قدم الكفارة عليه) لوجوبها بأصل الشرع، (وقضاه بعدها).
قلت: لفوات المحل كما يأتي (ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول الشهر و) أن
يبتدئه (من أثنائه، فإن الشهر اسم) مشترك (لما بين الهلالين، ولثلاثين يوما. فإن بدأ من أول
شهر فصام شهرين بالأهلة أجزأه، وإن كانا) أي الشهران (ناقصين أو) كان (أحدهما) ناقصا
لأنه قد صام شهرين، (وإن بدأ من أثناء شهر وصام ستين يوما) أجزأه، لأنه صام شهرين
(أو صام شهرا بالهلال وشهرا بالعدد، كمن صام خمسة عشر من المحرم و) صام (صفر و) صام
(خمسة عشر من ربيع) الأول (أجزأه، وإن كان صفر ناقصا) لأنه قد صام شهرين، (وإن)
صام شعبان ورمضان، و (نوى صوم رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن واحد منهما)، أي عن
رمضان، لأنه لم ينوه عنه. ولا عن الكفارة، لأن رمضان لا يسع غيره (وانقطع التتابع
حاضرا كان أو مسافرا)، فيستأنف صوم الشهرين للتتابع، وإن سافر في رمضان المتخلل
لصوم الكفارة وأفطر لم يقطع التتابع، لأنه زمن لا يستحق صومه عن الكفارة فلم ينقطع
التتابع بفطره كالليل، انتهى.
448

فصل
فإن لم يستطع الصوم لكبر أو مرض ولو رجي زواله أو لخوف زيادته.
أي المرض (أو تطاوله أو لشبق فلا يصبر فيه عن جماع الزوجة، إذا لم يقدر على
غيرها أو لضعف عن معيشته) التي يحتاجها، (لزمه إطعام ستين مسكينا) إجماعا، للآية
والخبر. وعلم منه أنه لا يجوز الانتقال إليه لأجل السفر، لأنه لا يعجز عن الصيام وله نهاية
ينتهي إليها، وهو من أفعاله الاختيارية بخلاف المرض، (مسلما حرا أو مكاتبا ذكرا كان أو أنثى
كبيرا كان أو صغيرا)، لأنه مسكين فجاز إطعامه كالكبير واعتبر الاسلام فيه كالزكاة. (ولو
لم يأكل الطعام) لأنه مسلم محتاج أشبه الكبير (ولو مجنونا، ويقبض لهما وليهما) أي ولي
الصغير والمجنون كالزكاة. (ويجوز دفعها) إلى مكاتبة كالزكاة، (وإلى) كل (من يعطى من
زكاة لحاجة) وهو المراد بالمسكين ويدخل فيه الفقير، فهما صنفان في الزكاة، صنف واحد
في غيرها، ويدخل فيه ابن سبيل وغارم لنفسه ونحوه، (ولا يجوز دفعها) أي الكفارة (إلى
كافر) كالزكاة، (ولا) يجوز دفعها (إلى قن) غير مكاتب وأم الولد والمدبر، والمعلق عتقه
بصفة كالقن الصرف لوجب نفقتهم على سيدهم، (ولا إلى من تلزمه) أي المكفر (مؤونته)
كزوجته وعمودي نسبه ونحوهم، لأن الزكاة لا تدفع إليهم فكذلك الكفارة، (ويجوز) دفعها
(إلى من ظاهره الفقر أو المسكنة) لأن العلم بباطن الامر متعذر أو متعسر، (فإن بان)
المدفوع إليه من الكفارة (غنيا أجزأه) كالزكاة لعسر التحرز عن ذلك. و (لا) تجزئ (إن)
دفعها إليه ثم (بان كافرا أو قنا)، لأن ذلك لا يخفى غالبا كالزكاة. (وإن ردها على مسكين
واحد ستين يوما لم يجزئه)، لأن الله تعالى أوجب إطعام ستين مسكينا ولم يطعم إلا مسكينا
واحدا. (إلا أ) ن (لا يجد غيره فيجزيه) ترديدها عليه لأنه معذور بعدم وجدان غيره. (وإن
دفع إلى مسكين في يوم واحد من كفارتين أجزأه) لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب
449

فأجزأ، كما لو دفع إليه ذلك في يومين و (كما لو كان الدافع اثنين، ولو دفع ستين مدا
إلى ثلاثين مسكينا من كفارة واحدة كل مسكين مدان أجزأه ثلاثون) مدا. (ويطعم ثلاثين
آخرين) ليتم له إطعام ستين مسكينا، لأنه هو الواجب فلا يجزيه أقل منه. (فإن دفع
الستين) مدا إلى ثلاثين مسكينا (من كفارتين أجزأه عن كل كفارة ثلاثون)، ويتمم لأنه دفع
القدر الواجب إلى العدد الواجب فأجزأ كما تقدم. (والمخرج في الكفارة ما يجزئ في
الفطرة) وهو البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب والأقط، (فإن كان قوت
بلده غير ذلك كالذرة والدخن والأرز لم يجز إخراجه)، لأن الخبر ورد بإخراج هذه
الأصناف في الفطرة فلم يجز غيرها. كما لو لم يكن قوت بلده، واختار أبو الخطاب
والموفق وغيرهما يجزئ، لقوله تعالى: * (من أوسط ما تطعمون أهليكم) * (المائدة:
89). (وإخراج الحب أفضل) للخروج من الخلاف وهي حالة كماله، لأنه مدخر ويتهيأ
لمنافعه كلها بخلاف غيره. ونقل ابن هانئ: التمر والدقيق أحب إلي مما سواهما. وفي
الترغيب: التمر أعجب إلى أحمد
قلت: هو قياس ما تقدم في الفطرة. (فإن أخرج دقيقا جاز لكن يزيد على المد قدرا
يبلغ المد حبا أو يخرجه) أي الدقيق (بالوزن رطلا) عراقيا (وثلثا)، لأن الحب تتفرق أجزاؤه
بالطحن فيكون في مكيال الحب أكثر مما يكون في مكيال الدقيق. (ولا يجزئ إخراج خبز)
لأنه خرج عن الكيل والادخار فأشبه الهريسة. (وعنه واختاره جمع) منهم الخرقي. قال
القاضي وأصحابه: الأولى الجواز. وفي المغني: هذا أحسن أي (إجزاء الخبز) لقوله تعالى
: * (من أوسط ما تطعمون أهليكم) * وهذا من أوسط ما يطعم أهله وليس
الادخار مقصودا في الكفارة، فإنها مقدرة بما يقوت المسكين في يومه. وهذا مهيأ للاكل
المعتاد للاقتيات. وأما الهريسة فإنها خرجت عن الاقتيات المعتاد إلى حيز الأدم. (ولا
يجزئ من البر أقل من مد). وقاله زيد وابن عباس وابن عمر لما روى أحمد بسنده إلى
أبي زيد المدني قال: جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير فقال النبي (ص): أطعم
هذا فإن مدى شعير مكان مد بر. وعلى هذا يحمل ما روي عن أبي سلمة عن سلمة بن
450

صخر أن النبي (ص) أعطاه مكيلا فيه خمسة عشر صاعا فقال: أطعم ستين مسكينا وذلك
لكل مسكين مد رواه الدارقطني وهو للترمذي بمعناه (و) لا يجزئ (من التمر
والشعير والزبيب والأقط أقل من مدين) لقوله (ص): فإن مدي شعير مكان مد بر وهو
مرسل جيد. (ولا من خبز البر أقل من رطلين بالعراقي) لأن الغالب أن ذلك لا يبلغ
مدا. (ولا من خبز الشعير أقل من أربعة أرطال) بالعراقي إن قلنا بإجزاء الخبز. (إلا أن
يعلم أنه) أي المخرج من الخبز (مد من البر أو مدان من الشعير) فيجزئ لأنه
الواجب. (فإذا أخذ من دقيق البر ثلاثة عشر رطلا وثلثا) من رطل عراقي، (أو) أخذ (من
الشعير مثليه) ستة وعشرين وثلثي رطل عراقية، (فخبز) ذلك (وقسم على عشرة
مساكين في كفارة اليمين أجزأ، ولو لم يبلغ خبز البر عشرين رطلا ولا) بلغ (خبز
الشعير أربعين رطلا، وكذا في سائر الكفارات). لأنه إخراج الواجب أ (ويستحب
إخراج أدم مع المجزئ) نص عليه خروجا من خلاف من أوجبه. (ولا يجزئ إخراج
القيمة) لأن الواجب هو الاطعام وإعطاء القيمة ليس بإطعام. (ويجب أن يملك
المسكين القدر الواجب من الكفارة، فإن غدى المساكين أو عشاهم ولو بمد فأكثر
لك واحد لم يجزئه)، لأن الاعطاء هو المنقول عن الصحابة، ولأنه مال واجب
للفقراء أشبه الزكاة. (وإن قدم لهم) أي لستين مسكينا (ستين مدا، وقال) هذا (بينكم
بالسوية فقبلوها أجزأه). ذلك، وإلا لم يجزئه ما لم يعلم أن كلا أخذ قدر حقه من
ذلك. (ولا يجب التتابع في إطعام الكفارة) لأنه غير مأمور به وإنما أمر بإطعام ستين
مسكينا، فتناول الاطعام متتابعا ومتفرقا، والبدل لا يعطى حكم المبدل من كل وجه.
451

فصل
ولا يجزئ إطعام وعتق وصوم إلا بنية، بأن ينويه عن الكفارة
لقوله (ص): إنما الأعمال بالنيات. ولأنه حق واجب على سبيل الطهر فافتقر ولي
النية كالزكاة فينوي (مع التكفير أو قبله بيسير)، كالصلاة والزكاة، (ونية الصوم واجبة كل
ليلة) للخبر، (ولا يجزئ فيهن) أي الاطعام والعتق والصوم (نية التقرب فقط) لأنه يقع
تبرعا وعن الكفارة وغيرها، فلا بد من نية غير الكفارة عن غيرها. (فإن كانت عليه كفارة
واحدة فنوى عن كفارتين أجزأه)، ولم يلزمه تعيين سببها سواء علمه أو جهله، لأن النية
تعينت لها، ولأنه نوى عن كفارته ولا مزاحم لها فوجب تعليق النية بها. (وإن كان عليه
كفارات من جنس واحد لم يجب تعيين سببها، ولا تتداخل. فلو كان مظاهرا من أربع نسائه
فأعتق عبدا عن ظهاره أجزأه عن إحداهن وحلت له واحدة) من نسائه (غير معينة). لأنه
واجب من جنس واحد فأجزأته نية مطلقة كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان (فتخرج
بقرعة) كما تقدم في نظائره. (فإن كان الظهار من ثلاث نسوة فأعتق عن) ظهار (إحداهن
وصام عن) ظهار (أخرى) لعدم من يعتقه، (ومرض فأطعم عن) ظهار (أخرى أجزأه) لما
تقدم، (وحل له الجميع من غير قرعة ولا تعيين). لأن التكفير حصل عن الثلاث. أشبه ما لو
أعتق ثلاثة أعبد عن الثلاثة دفعة واحدة. (وإن كانت) الكفارات (من أجناس كظهار وقتل
وجماع في) نهار (رمضان ويمين لم يجب تعيين السبب أيضا)، لأنها عبادة واجبة فلم تفتقر
صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كانت من جنس، (ولا تتداخل) الكفارات لاختلاف
أسبابها، (فلو كانت عليه كفارة واحدة نسي سببها أجزأته كفارة واحدة)، لأن تعيين السبب
452

ليس شرطا، فإذا أخرج كفارة وقعت عن كفارته فيخرج من العهدة. (وإن كانت) عليه
(كفارتان من ظهار) بأن قال لكل من زوجتيه: أنت علي كظهر أمي. (أو) كان عليه كفارتان
(من ظهار وقتل فقال: أعتقت هذا عن هذه) الزوجة (أو) أعتقت (هذا عن هذه) الزوجة
الأخرى، أو قال: أعتقت هذا عن كفارة الظهار وهذا عن كفارة القتل. أجزأه (أو) قال
: أعتقت (هذا عن إحدى الكفارتين و) أعتقت (هذا عن) الكفارة (الأخرى من غير تعيين)
أجزأه لما تقدم. (أو أعتقهما) أي العبدين (عن الكفارتين) معا (أو) قال: (أعتقت كل واحد
منهما) أي من المعينين (عنهما) أي الكفارتين (جميعا أجزأه) ذلك لما تقدم. (ولا يجزئ
تقديم كفارة) ظهار أو غيره (قبل سببها) كتقديم الزكاة على ملك النصاب (فلا يجزئ
كفارة الظهار قبله)، أي قبل الظهار (ولا) يجزئ تقديم (كفارة اليمين عليها) أي اليمين
(ولا) تقديم (كفارة القتل قبل الجرح) لتقدمها على سببها. (فلو قال لعبده: أنت حر الساعة إن
تظهرت عتق ولم يجزئه عن ظهاره إن تظهر) لتقدمه عليه. (ولو قال) لزوجته: (إن دخلت الدار
فأنت علي كظهر أمي لم يجزئه (التكفير قبل الدخول) لأنه لا يصير مظاهرا قبله. (ولو قال
لعبده: إن تظهرت فأنت حر عن ظهاري ثم تظهر عتق العبد) لوجود شرطه. (ولم يجزئه عن
الكفارة) لأن عتقه مستحق بسبب آخر وهو الشرط، ولان النية لم توجد عند عتق العبد
والنية عند التعليق لا تجزئ، لأنه تقديم لها على سببها. (فإن لم) يجد المظاهر (ما
يطعم‍) - ه للمساكين (لم تسقط) عنه الكفارة، (وتبقى في ذمته). وكذا كفارة القتل وغيرها ما
عدا كفارة الوطئ من الحيض وكفارة الوطئ في نهار رمضان فيسقطان بالعجز. (وتقدم في
باب ما يفسد الصوم بعض ذلك، و) تقدم أيضا هناك (حكم أكله) من كفاراته كلها.
453

كتاب اللعان وما يلحق من النسب
(وهو) أي اللعان مصدر لاعن لعانا إذا فعل ما ذكر، أو لعن كل واحد منهما
الآخر مشتق من اللعن، لأن كل واحد منهما يلعن نفسه في الخامسة. وقال القاضي:
سمي به لأن أحدهما لا ينفك عن أن يكون كاذبا فتحصل اللعنة عليه، وهو الطرد والابعاد.
يقال: لعنه الله أي أبعده، والتعن الرجل إذا لعن نفسه من قبل نفسه، ولا يكون اللعان إلا بين
اثنين. يقال: لاعن امرأته لعانا وملاعنة وتلاعنا بمعنى، ولاعن الامام بينهما، ورجل لعنة
كهمزة إذا كان يلعن الناس كثيرا، ولعنة بسكون العين إذا كان يلعنه الناس. و (شرعا
: شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة باللعن والغضب قائمة مقام حد قذف)، إن
كانت الزوجة محصنة، (أو) قائمة مقام (تعزير) إن لم تكن محصنة، (في جانبه أو) قائمة مقام (حد زنا
في جانبها) إذا أقرت بالزنا أو حبس إلى أن تقر أو تلاعن. والأصل فيه قوله تعالى:
* (والذين يرمون أزواجهم) * الآيات: نزلت سنة تسع منصرفه (ص) من تبوك عن
عويمر العجلاني، أو هلال بن أمية، ويحتمل أنها نزلت فيهما ولم يقع بعدهما في المدينة
إلا في زمن عمر بن عبد العزيز، والسنة شهيرة بذلك، ولان الزوج يبتلى بقذف امرأته لنفي
العار والنسب الفاسد، ويتعذر عليه إقامة البينة فجعل اللعان بينة له، ولهذا لما نزلت آية
اللعان قال النبي (ص): أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا. (إذا قذف الرجل
زوجته بالزنا في طهر أصابها فيه أو لا) أي أو في طهر لم يصبها فيه (في قبل أو دبر كما
يأتي، ولم تصدقه) فيما قذفها به (ولم يأت بالبينة) تشهد له بما قذفها به، (لزمه ما يلزم بقذف
454

أجنبية من حد) إن كانت محصنة (أو تعزير) إن لم تكن كذلك. (وحكم بفسقه وردت
شهادته) لعموم قوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء)
الآية (فإن لاعن) الزوج (ولو) لاعن (وحده سقط عنه) الحد أو التعزير
، والحكم بفسقه وردت شهادته، (وله) أي الزوج (إسقاط بعضه) أي الحد (أيضا باللعان)
بأن لاعن في أثناء الحد (ولو بقي منه) أي الحد (سوط) واحد، (ويسقط الحد) أو
الباقي منه أيضا بتصديقها)، أي الزوجة لزوجها فيما رماها به كالأجنبية. (وله) أي الزوج
(إقامة البينة) عليها بزناها (بعد اللعان ونفي الولد، ويثبت موجبهما) أي موجب اللعان
من التحريم المؤبد وانتفاء للولد، وموجب البينة من إقامة الحد عليها. (وصفته) أي
اللعان (أن يقول الزوج بحضرة حاكم أو نائبه وكذا لو حكما) أي المتلاعنان (رجلا
أهلا للحكم ويأتي في القضاء)، لأن حكمه حكم قاضي الامام. (أشهد بالله أني لمن
الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا مشيرا إليها) إن كانت حاضرة، (ولا يحتاج
مع حضورها و) مع (الإشارة إليها إلى تسميتها، و) بيان (نسيها كما لا يحتاج إلى
ذلك في سائر العقود) اكتفاء بالإشارة. (وإن لم تكن حاضرة) بالمجلس (سماها
ونسبها) بما تتميز به حتى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها، قال في المبدع: فلا
يبعد أن يقوم وصفها بما هي مشهورة به مقام الرفع في نسبها، ويعيد قوله: أشهد بالله
الخ، مرة بعد أخرى، (حتى يكمل ذلك أربع مرات. ولا يشترط حضورهما) أي
المتلاعنين (معا، بل لو كان أحدهما غائبا عن صاحبه مثل: إن لاعن الرجل في
المسجد والمرأة على بابه لعذر) كالحيض (جاز) لعموم الأدلة، (ثم يقول في) المرة
(الخامسة، وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا)، ولا يشترط
455

على الأصح أن يقول فيما رماها به من الزنا قاله في شرح المنتهى، قال ابن هبيرة:
لا أراه يحتاج إليه، لأن الله تعالى أنزل ذلك وبينه ولم يذكر هذا الاشتراط. (ثم تقول
هي: أشهد بالله أن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا. وتشير إليه إن
كان حاضرا) بالمجلس، (وإن كان غائبا) عن المجلس (سمته ونسبته) كما تقدم، وتكرر
ذلك (وإذا كملت أربع مرات تقول في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من
الصادقين فقط، وتزيد استحبابا فيما رماني، من الزنا) خروجا من خلاف من أوجبه به،
وإنما لم تجب لما تقدم، وإنما خصت هي في الخامسة بالغضب، لأن النساء يكثرن
اللعن كما ورد. ثم أخذ يبين محترزات ذلك التي تخل بصحة اللعان فقال: (فإن نقص
أحدهما) أي أحد المتلاعنين (من الألفاظ) أي الجمل (الخمسة شيئا) لم يعتد به، لان
الله تعالى علق الحكم عليها، ولأنها بينة فلم يجز النقص من عددها كالشهادة، وعلم
منه: أنه لا يضر نقص بعض الألفاظ حيث أتى بالجمل الخمسة، كما يشير إليه كلام
ابن قندس في حاشية الفروع. (أو بدأت) المرأة (باللعان قبله) أي قبل الرجل لم يعتد
به، لأنه خلاف المشروع، ولان لعان الرجل بينة الاثبات ولعانها بينة الانكار، فلم يجز
تقديم الانكار على بينة الاثبات. (أو تلاعنا بغير حضرة حاكم) لم يعتد به، لأنه يمين
في دعوى فاعتبر فيه أمر الحاكم كسائر الدعاوى، فلو لاعن السيد بين عبده وأمته لم
يصح، (أو أبدل أحدهما لفظة أشهد بأقسم أو أحلف أو أوالي) لم يعتد به، لأن اللعان
يقصد فيه التغليظ ولفظ الشهادة أبلغ فيه. (أو) أبدل (لفظة اللعنة بالابعاد أو أبدلها) أي
لفظة اللعنة (بالغضب) لم يعتد به، (أو أبدلت) المرأة (لفظة الغضب بالسخط أو قدمت
الغضب) فيما قبل الخامسة لم يعتد به، (أو أبدلته) أي الغضب (باللعنة أو قدم) الرجل
(اللعنة) فيما قبل الخامسة لم يعتد به لمخالفة المنصوص، (أو أتى به) أي اللعان
(أحدهما قبل إلقائه عليه) من الامام أو نائبه لم يعتد به، كما لو حلف قبل أن يحلفه
456

الحاكم (أو علقه) أي علق أحدهما اللعان، (بشرط) لم يعتد به قاله ابن عقيل وغيره. (أو لم
يوال) أحدهما (بين الكلمات) في اللعان (عرفا) لم يعتد به (أو أتى به) أي باللعان (بغير
العربية من يحسنها) منهما لم يعتد به، لأن الشرع ورد بالعربية فلم يصح بغيرها كأذكار
الصلاة. (أو أتى) الزوج (به) أي باللعان (قبل مطالبتها له بالحد مع عدم ولد يريد نفيه)
باللعان (لم يعتد به)، أي باللعان لأن اللعان شرع لدرء الحد عن القاذف. فإذا لم تطالب
بالحد لم يكن للعان فائدة. فإن كان هناك ولد صح اللعان قبل المطالبة بالحد على قول
القاضي لنفي الولد ونصه خلافه، لأن نفي الولد جاء تبعا للعان لا مقصودا لنفسه، فإذا انتفى
اللعان انتفى نفي الولد. (وإن عجزا) أي المتلاعنان (عنه بالعربية لم يلزمهما تعلمها، ويصح)
إذن (بلسانهما) لأنه موضع حاجة، وكالنكاح (فإن كان الحاكم يحسن لسانهما أجزأ ذلك)
ولاعن بينهما، (ويستحب أن يحضر معه أربعة يحسنون لسانهما) لأن الزوجة ربما أقرت
بالزنا فيشهدون على إقرارها. (وإن كان) الحاكم (لا يحسن) لسانهما، (فلا يجزئ في الترجمة
إلا عدلان). قال في المبدع على المذهب: (وإذا فهمت إشارة الأخرس منهما أو كتابته صح
لعانه بها) كالطلاق، ولدعاء الحاجة، (وإلا) أي وإن لم تفهم إشارة الأخرس منهما ولا كتابته
، (فلا) يصح لعانه. (وإذا قذف الأخرس ولاعن) بالإشارة المفهومة أو الكتابة (ثم أطلق لسانه
فتكلم فأنكر القذف واللعان لم يقبل إنكاره للقذف)، لأنه تعلق به حق لغيره بحكم الظاهر
(ويقبل) إنكاره (اللعان فيما عليه فيطالب بالحد) إن كانت محصنة وإلا فالتعزير (ويلحقه
النسب ولا تعود الزوجية) لأنها حرمت باللعان على التأبيد، (فإن لاعن) حينئذ (لسقوط الحد
ونفي النسب فله ذلك)، كما لو لم يحصل له خرس قبل، (ويصح اللعان ممن اعتقل لسانه وأيس من
نطقه بإشارة) مفهومة كالأخرس الأصلي، (فإن رجي عود نطقه بقول عدلين من أطباء المسلمين
انتظر به ذلك)، أي أن ينطق، وفي الترغيب ثلاثة أيام، وجزم به في المنتهى.
457

فصل
والسنة أن يتلاعنا قياما
لقوله (ص) لهلال بن أمية: قم فاشهد أربع شهادات. ولأنه أبلغ في الردع فيبدأ
الزوج فيلتعن وهو قائم، فإذا فرغ قامت المرأة فالتعنت (بحضرة جماعة)، لحضور ابن عباس
وابن عمر وسهل وسعد، والصبيان إنما يحضرون تبعا للرجال إذا اللعان مبني على التغليظ
للردع والزجر. والزجر وفعله في الجماعة أبلغ في ذلك. (ويستحب أن (لا ينقصوا عن أربعة)
لأن بينة الزنا الذي شرع اللعان من أجل عدم الرضا به أربعة. قال في المبدع: وليس
بواجب بغير خلاف نعلمه. (في الأوقات والأماكن المعظمة) لأن ذلك أبلغ في الردع، (ففي)
المكان في (مكة بين الركن) الذي به الحجر الأسود (والمقام) قال في المبدع: ولو قيل
بالحجر لكان أولى لأنه من البيت. (وبالمدينة عند منبر النبي (ص)) مما يلي القبر الشريف لقوله
(ص): ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة. (وفي بيت المقدس عند الصخرة
وفي سائر) أي باقي (البلدان في جوامعها وتقف الحائض عند باب المسجد) للعذر، (و) في
(الزمان بعد العصر) لقوله تعالى: * (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله) * (المائدة:
106). والمراد صلاة العصر عند المفسرين. (وقال ابن الخطاب في موضع آخر) و (بين
الأذانين) أي بين الأذان والإقامة، لأن الدعاء بينهما لا يرد. (فإذا بلغ كل واحد منهما الخامسة
أمر الحاكم رجلا فأمسك بيده فم الرجل، و) أمر (امرأة تضع يدها على فم المرأة ثم يعظه
458

فيقول: اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة). لما روى ابن عباس:
قال يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه وقال:
ويحك كل شئ أهون عليك من لعنة الله ثم أرسله فقال: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
ثم أمر بها فأمسك على فيها فوعظها، وقال: ويحك كل شئ أهون عليك من غضب الله
أخرجه الجوزاني: (وإذا قذف نساءه ولو بكلمة واحدة فعليه أن يفرد كل واحدة) منهن (بلعان)
لأنه قاذف لكل واحدة منهن أشبه ما لو لم يقذف غيرها، ولان اللعان أيمان الجماعة فلا
تتداخل كالأيمان في الديون، (فيبدأ بلعان التي تبدأ بالمطالبة) لترجحها بالسبق، (فإن طالبن
جميعا) معا (وتشاححن بدأ بإحداهن بقرعة) لعدم المرجح غيرها. (وإن لم يتشاححن بدأ
بلعان من شاء منهن ولو بدأ بواحدة) منهن (مع المشاحة من غير قرعة صح) اللعان، (وإن كانت
المرأة خفرة) بفتح الخاء وكسر الفاء، وهي شديدة الحياء ضد البرزة. (بعث الحاكم من يلاعن
بينهما نائبا عنه. ويستحب أن يبعث معه عدولا ليلاعنوا بينهما، وإن بعثه) أي النائب (وحده
جاز) لأن الجمع غير واجب كما يبعث من يستحلفها في الحقوق، ولان الغرض يحصل
ببعث من يثق الحاكم به، فلا ضرورة إلى إحضارها وترك عادتها مع حصول الغرض بدونه.
فصل
: ولا يصح اللعان إلا بثلاثة شروط
أحدها: أن يكون (بين زوجين ولو قبل الدخول). لقوله تعالى: * (والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * ثم خص
الأزواج من عمومها بقوله: * (والذين يرمون أزواجهم) * فيبقى ما عداه على
مقتضى العموم. (ولها) أي للزوجة إذ لاعنها قبل الدخول. (نصف الصداق) المسمى لها.
قدمه في الشرح هنا كطلاقه، لأن سبب اللعان قذفه الصادر منه. أشبه الخلع. وقيل
459

يسقط مهرها، لأن الفسخ عقب لعانها فهو كفسخها لعيبه. قال في الانصاف في كتاب
الصداق: وهو المذهب وصححه في التصحيح، وتصحيح المحرر والنظم وغيرهم، وجزم
به في الوجيز وغيره، وقدمه في الرعايتين. وشرح ابن رزين والحاوي الصغير، واختاره أبو
بكر، انتهى. وجزم به المصنف كالمنتهى في الصداق (عاقلين بالغين) لأنه لهما يمين أو
شهادة وكلاهما لا يصح من مجنون، ولا من غير بالغ، إذ لا عبرة بقولهما (سواء كانا) أي
الزوجان (مسلمين أو ذميين، حرين أو رقيقين، عدلين أو فاسقين أو محدودين في قذف، أو
كان أحدهما) أي الزوجين (كذلك) لعموم قوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم) * (النور:
6). الآيات، ولان اللعان يمين بدليل قوله (ص): لولا الايمان لكان لي ولها شأن ولأنه
يفتقر إلى اسم الله تعالى، ويستوي فيه الذكر والأنثى، ولان الزوج يحتاج إلى نفي الولد
فشرع له اللعان طريقا إلى نفيه، كما لو كانت ممن يحد بقذفها. (وإذا قذف أجنبية فعليه الحد
لها إن كانت محصنة) لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات) * الآية، (و)
عليه (التعزير لغيرها) أي لغير المحصنة، (وإن قذفها) أي الأجنبية (ثم تزوجها) حد. ولم
يلاعن، لأنه وجب في حال كونها أجنبية، أشبه ما لو تزوجها، (أو قال لامرأته: إن زنيت
قبل أن أنكحك حد ولم يلاعن حتى ولو) كان اللعان (لنفي الولد)، لأنه قذفها بزنا أضافه إلى
حال كونها أجنبية، أشبه ما لو قذفها قبل أن يتزوجها. وفارق قذف الزوجة، لأنه محتاج
إليه. وإذا تزوجها وهو يعلم زناها فهو المغر، كما في نكاح حامل من الزنا. (وإن ملك أمة
ثم قذفها فلا لعان ولو كانت فراشا)، لأنها ليست زوجة (ولا حد) عليه لعدم الاحصان
(ويعزر)، لأنه ارتكب معصية. (وإن قال لامرأته: أنت طالق يا زانية ثلاثا فله أن يلاعن)
لابانتها بعد قذفها، وكقذف الرجعية. (وإن قال) لامرأته (أنت طالق ثلاثا يا زانية حد ولم
يلاعن، لأنه أبانها ثم قذفها، إلا أن يكون بينهما ولد. فله أن يلاعن لنفيه) لأنه تعين إضافة
قذفها إلى حال الزوجية، لاستحالة الزنا بها بعد طلاقه لها (وكذا لو أبانها بفسخ أو غيره ثم
قذفها بالزنا في النكاح أو) قذفها بالزنا (في العدة، أو في النكاح الفاسد لاعن لنفي الولد) إن
460

كان، لأنه يلحقه نسبه بحكم عقد النكاح، فكان له نفيه، (وإلا) أي وإن لم يكن ولد (فلا)
لعان، لأنه لا حاجة إلى القذف، لكونها أجنبية، وسائر الأجنبيات لا يلحقه ولدهن، فلا
حاجة إلى قذفهن. فلو لاعنها إذن لم يسقط الحد ولم يثبت التحريم المؤبد، لأنه لعان
فاسد. وسواء اعتقد أن النكاح صحيح أم لا، (ويحد أيضا إن لم يضف القذف إلى النكاح)
لأنه قذف أجنبية. (وإن قالت) المرأة (قذفتني قبل أن تتزوجني. وقال) الرجل (بل بعده) أي
بعد أن تزوجتك فقوله (أو قالت) قذفتني (بعد ما بنت منك، وقال: بل قبله فقوله) لأن القول
قوله في أصل القذف، فكذا في وقته. وإن قالت أجنبية: قذفتني. وقال: كنت زوجتي حينئذ
فأنكرت الزوجية، فالقول قولها، لأن الأصل عدمها. (وإذا اشترى زوجته الأمة ثم أقر
بوطئها ثم أتت بولد لستة أشهر، كان لاحقا به) لأنها صارت فراشا له. وقد أمكن لحاق
الولد فلحق (إلا أن يدعي الاستبراء) بعد الوطئ (فينتفى عنه) الولد، (لأنه ملحق به بالوطئ في
الملك دون النكاح) وقد انقطع حكم الوطئ بالملك بالاستبراء، (وإن لم يكن أقر بوطئها أو
أقر به) أي بالوطئ. (وأتت به لدون ستة أشهر منذ وطئ) بعد الملك (كان ملحقا) به
(بالنكاح إن أمكن ذلك) بأن ولدته لستة أشهر فأكثر منذ نكحها، (وله نفيه باللعان) لأنه ملحق
به بالنكاح، (وهل يثبت هذا اللعان التحريم المؤبد؟ على وجهين) ظاهر كلامهم: أنه يثبته،
لأنه لعان صحيح. (وإن قذف زوجته الرجعية) في عدتها (صح لعانها) لأنها زوجة (ولو
لم يكن بينهما ولد. وكل موضع قلنا: لا لعان فيه فالنسب لاحق به) أي بالزوج، لعدم ما
ينتفى به (ويجب بالقذف موجبه من حد أو تعزير) لعموم: * (والذين يرمون المحصنات)
(إلا أن يكون القاذف صبيا أو مجنونا فلا ضرر فيه) لحديث: رفع القلم
(ولا لعان) لعدم الاعتداد بقولهما. (وإن قذف زوجته الصغيرة التي لا يجامع مثلها، أو) قذف
461

زوجته (المجنونة حال جنونها عزر) لأن القذف لا ينحط عن درجة السب، وهو يوجبه.
فكذا هنا (ولا لعان بينهما) لأنه يمين، فلا يصح من غير مكلف كسائر الايمان، (حتى ولو
أراد نفي المجنونة ويكون) ولدها (لاحقا به) لعدم للعان، (ولا يحتاج في التعزير إلى مطالبة)
من وليها أو غيره، فيقيمه الحاكم بلا طلب إذا رآه، لأنه مشروع للتأديب. (وإن كانت)
الزوجة (الصغيرة) المقذوفة (يوطأ مثلها كابنة تسع فصاعدا فعليه الحد) كسائر المحصنات
(وليس لوليها المطالبة به ولا بالتعزير) لأنه يراد للتشفي، فلا تدخله الولاية كالقصاص.
(ولا لها) المطالبة (حتى تبلغ) ليعتبر قولها (ثم إن شاء الزوج) بعد طلبها (أسقط الحد
باللعان) كما لو قذفها إذن. (وإن قذف المجنونة وأضافه إلى حال إفاقتها، أو قذفها وهي
عاقلة ثم جنت فليس لوليها المطالبة) بالحد، لأن طريقه التشفي. (فإذا أفاقت) المجنونة (فلها
المطالبة بالحد وللزوج إسقاطه باللعان: وإن قذفها الزوج وهو طفل لم يحد) لحديث: رفع
القلم عن ثلاث. (وإن أتت امرأته بولد لم يلحقه نسبه، إن كان له دون عشر سنين) لعدم
إمكان لحاقه به، لأنه لا يمكن بلوغه. (وإن كان مجنونا فلا حكم لقذفه) كسائر كلامه. (وإن
أتت امرأته بولد فنسبه لاحق به) لعموم حديث الولد للفراش (فإذا عقل) المجنون (فله
نفيه) باللعان كما لو قذفها إذن، (وإن ادعى) الزوج (أنه كان ذاهب العقل حين قذفه فأنكرت
ولا بينة ولم يكن له حال علم فيها زوال عقله. فالقول قولها مع يمينها) لأن لأصل
السلامة، ولا قرينة ترجح قوله. (وإن عرف جنونه ولم يعرف له حال إفاقة. فقوله مع يمينه)
عملا بالظاهر، (وإن عرف له الحالان) أي حال إفاقة وجنون وادعى أنه قذفها في جنونه. (ف‍)
- في أيهما يقبل قوله؟ (وجهان) قال في لمبدع: قبل قولها في الأصح.
462

فصل
الشرط الثاني القذف الذي يترتب عليه الحد أو اللعان
صوابه التعزير. (بأن يقذفها بالزنا في القبل أو الدبر) لأن كلا قذف يجب به الحد
(فيقول: زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين، وسواء في ذلك الأعمى والبصير) لعموم الآية،
وعموم اللفظ يقدم على خصوص السبب. (فإن قال: وطئت بشبهة أو) وطئت (مكرهة أو)
وطئت (نائمة أو) وطئت (مع إغماء أو جنون أو وطئت بشبهة والولد من الواطئ، فلا لعان)
بينهما، لأنه لم يقذفها بما يوجب الحد. (ولو كان بينهما ولد) فلا يلاعن لنفيه، ويلحقه نسبه
لحديث: الولد للفراش (ولو قال: وطئك فلان بشبهة وكنت) أنت (عالمة فله أن يلاعن
وينفي الولد. اختاره الموفق وغيره) قال في الانصاف: وهو الصواب، انتهى. وعند القاضي:
لا خلاف أنه لا يلاعن. (وإن قال لامرأته التي في حباله: لم تزني) ولكن ليس هذا الولد مني
، (أو) قال لها: (لم أقذفك ولكن ليس هذا الولد مني، فهو ولده في الحكم) لأن الولد
للفراش، وهي فراشه (ولا حد عليه) لأنه لم يقذفها بالزنا، (وإن قال) أي ليس هذا الولد مني
لامرأته (بعد أن أبانها أو قاله لسريته فشهدت ببينة، وتكفي أنها امرأة مرضية أنه ولد على
فراشه لحقه نسبه) إذ الولد للفراش، (وإن قال) عن ولد بيدها، (ما ولدته وإنما التقطته أو
استعرته فقالت: بل هو ولدي منك. لم يقبل قولها) عليه لأن الولادة يمكن إقامة البينة
عليها، والأصل عدمه (ولا يلحقه نسبه إلا ببينة، وتكفي امرأة مرضية تشهد بولادتها له، فإذا
ثبتت ولادتها) له (لحقه نسبه) لأنها فراشه، والولد للفراش. (وكذلك لا تقبل دعواها الولادة،
463

إذا علق طلاقها بها) لامكان إقامة البينة بها. وتقدم أنها تقبل إذا أقر بالحمل عند القاضي
وأصحابه، وجزم به في المنتهى في فصل تعليقه بالحمل والولادة. (ولا) تقبل (دعوى
الأمة لها) أي للولادة (لتصير أم ولد) لأنها خلاف الأصل. (ويقبل قولها فيه) أي في أنها
ولدت (لتنقضي عدتها به) لأنها أمينة على نفسها في ذلك. (وإن ولدت توأمين فأقر بأحدهما
ونفى الآخر أو سكت عنه) فلم يقر به ولم ينفه. (لحقه نسبهما)، حيث كان بينهما دون ستة
أشهر، لأنه حمل واحد فلا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه من غيره. لأن النسب يحتاط
لاثباته لا لنفيه، وكذلك يثبت بمجرد الامكان، فلذلك لم يحكم بنفي ما أقر به تبعا للذي نفاه
بل حكم بثبوت نسب من نفاه تبعا لمن أقر به. (وإن كان قذف أمهما فطالبته بالحد فله
إسقاطه باللعان)، لأن اللعان تارة يراد لنفي الولد وتارة لاسقاط الحد، فإذا تعذر نفي الولد
لما سبق بقي اللعان لاسقاط الحد. (والأخوان المنفيان) باللعان (أخوان لام فقط لا يتوارثان
بأخوة أبوة) لأن الأبوة انقطعت باللعان. (وإن أتت) زوجة (بولد فنفاه) زوجها (ولاعن لنفيه
ثم ولدت آخر لأقل من ستة أشهر: لم ينتف الثاني باللعان الأول)، لأنه كان حملا ولا يصح
نفيه قبل ولادته. كما يأتي. (ويحتاج في نفيه إلى لعان ثان فإن أقر) الزوج (ب‍) - الولد (الثاني
أو سكت عن نفيه فإنهما توأمان لكون ما بينهما أقل من ستة أشهر) فهما حمل واحد. (وإن
أتت) بالولد (الثاني بعد ستة أشهر فليسا توأمين وله نفيه باللعان)، لأنه حمل مستقر لم يقر
به. (وإن استلحقه) أي الولد الثاني (أو ترك نفيه لحقه) نسبه (ولو كانت قد بانت باللعان،
لأنه يمكن أن يكون قد وطئها بعد وضع الأول، وإن لاعنها قبل وضع الأول فأتت بولد ثم
ولدت آخر بعد ستة أشهر لم يلحقه) نسب (الثاني)، لأنه لا يمكن أن يكون الولدان حملا
464

واحدا. فعلم أنها علقت به بعد زوال الزوجية وانقضاء العدة، وكونها حملت به وهي أجنبية
(وإن مات الولد أو مات واحد من توأمين أو ماتا. فله أن يلاعن لنفي النسب) لأن الميت
ينسب إليه، فيقال: ابن فلان ويلزمه تجهيزه وتكفينه.
فصل
الشرط الثالث: أن تكذبه الزوجة ويستمر ذلك إلى انقضاء اللعان
(فإن صدقته الزوجة فيما رماها به) من الزنا (مرة أو مرارا أو سكتت أو عفت عنه أو
ثبت زناها بأربعة سواه، أو قذف خرساء أو ناطقة فخرست أو صماء)، ولم تفهم إشارتها أو قذف
مما (لحقه النسب)، لأن الولد للفراش، وإنما ينتفي عنه باللعان ولم يوجد شرطه، (ولا حد)
لتصديقها إياه أو عدم الطلب (ولا لعان)، لأن كالبينة إنما يقام مع الانكار. (وإن كان إقرارها
دون الأربع مرات) فلا حد عليها، (أو) كان إقرارها (أربع مرات ثم رجعت فلا حد عليها)
لأن الرجوع عن الاقرار بالحد مقبول، (وإن كان تصديقها قبل لعانه فلا لعان بينهما) للحد
لتصديقها إياه ولا لنفي النسب، لأن نفي الولد إنما يكون بلعانهما معا، وقد تعذر منهما
(وإن كان) تصديقها (بعده) أي بعد لعانه (لم تلاعن هي) لاقرارها، (وإن مات أحدهما) أي
الزوجين. (قبل اللعان أو في أثناء لعان أحدهما، أو) مات أحدهما (قبل لعانها ورثه صاحبه)
لأن الفرقة لا تحصل إلا بكمال اللعان. (ولحق الزوج نسب الولد) لأن النكاح إنما يقطعه
اللعان كالطلاق. (ولا لعان) لأن شرطه مطالبة الزوجة، وقد تعذر ذلك بالموت. (لكن إن
كانت قد طالبت في حياتها: فإن أولياءها يقومون في الطلب به) أي بحد القذف (مقامها)
، لأنه يورث عنها إذن (فإن طولب به) أي بالحد (فله إسقاطه باللعان)، كما لو كانت حية (وإذا
465

قذف امرأته وله بينة بزناها فهو مخير بين لعانها وإقامة البينة) عليها بالزنا. لأنهما سببان
ويحصل بكل منهما ما لا يحصل بالآخر، فيحصل باللعان نفي النسب الباطل وبالبينة الحد
عليها، (وإن قال) القاذف (لي بينة غائبة أقيمها أمهل اليومين أو الثلاثة) ليحضرها، لان
ذلك قريب. (فإن أتى بالبينة) وشهدت فلا حد. فإن قام رجلين بتصديقها له ثبت التصديق
فلا حد عليه ولا عليها، لأنه لا يثبت زناها إلا بإقرار بأربعة، (وإلا) أي وإن لم يأت بها أو
لم تكمل. (حد) للقذف (إلا أن يلاعن إن كان) القاذف (زوجا) فيسقط عنه الحد بلعانه. (فإن
قال) الزوج (قذفتها وهي صغيرة، فقالت: بل) قذفتني وأنا (كبيرة وأقام كل واحد منهما بينة
لما قال: فهما قذفان) موجب أحدهما الحد، والآخر التعزير، لامكان تعدد القذف. (وكذلك
إن اختلفا في الكفر) بأن قال: قذفتها وهي كافرة، قالت: بل مسلمة. (أو) اختلفا في (الرق) بأن
قال: قذفتها وهي رقيقة، فقالت: بل حرة (أو) اختلفا في (الوقت) بأن قال: قذفتها يوم الخميس
فقالت: بل يوم الجمعة، فإذا أقاما بينتين بذلك فهما قذفان (إلا أن يكونا مؤرختين تأريخا
واحدا فيسقطان في أحد الوجهين) وهو الصحيح على ما يأتي في تعارض البينتين، وكذا لو
اتفقا على أنه قذف واحد. (وفي) الوجه (الآخر يقرع بينهما، فإن شهدا أنه قذف فلانة
وقذفهما لم تقبل شهادتهما) عليه (لاعترافهما بعدواته) لادعائهما أنه قذفهما. (وإن أبرآه) من
القذف (وزالت العداوة ثم شهدا عليه بذلك) أي بقذف زوجته (لم تقبل) شهادتهما عليه
(بعد ردها) للتهمة. (وإن ادعيا أنه قذفهما ثم زالت العداوة ثم شهدا عليه بقذف زوجته قبلت)
شهادتهما، لأنهما لم يردا في هذه الشهادة. (ولو شهدا أنه قذف امرأته ثم ادعيا أنه قذفهما،
فإن أضافا دعواهما إلى ما قبل شهادتهما بطلت) شهادتهما لاعترافهما بالعداوة حينها. (وإن لم
يضيفاها وكان ذلك) أي دعواهما قذفهما (قبل الحكم بشهادتهما لم يحكم بها) أي
بشهادتهما للتهمة، و (لا) يمنع الحكم إن كانت دعواهما (بعده) أي بعد حكم الحاكم، لأنه
466

قد تم فلا يتغير بما حدث من العداوة. (وإن شهدا أنه قذف امرأته وأمهما لم تقبل) شهادتهما
لأنها لا تتبعض، فإذا ردت لأمهما لزم ردها لامرأته. (وإن شهدا على أبيهما أنه قذف ضرة
أمهما قبلت) شهادتهما، لأنها شهادة على أبيهما. (وإن شهدا) على أبيهما (بطلاق الضرة
فوجهان) أصحهما تقبل كما يأتي في موانع الشهادة لأنها شهادة على الأب. (ولو شهد شاهد
أنه أقر بالعربية أنه قذفها وشهد) شاهد (آخر) أنه (أقر بذلك بالعجمية ثبتت الشهادة)، لان
الاختلاف في العجمية والعربية عائد على الإقرار دون القذف ويجوز أن يكون القذف واحدا
والاقرار به في مرتين. (وكذا لو شهد أحدهما أنه أقر يوم الخميس بقذفها، وشهد الآخر أنه أقر
بذلك يوم الجمعة) ثبتت شهادتهما لما سبق. (وإن شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية، و) شهد
(الآخر) أنه قذفها (بالعجمية، أو شهد أحدهما أنه قذفها يوم الخميس، و) شهد (الآخر) أنه قذفها
يوم الجمعة: لم يثبت أحد القذفين لعدم كال نصابه. (وإن لاعن) الزوج (ونكلت) الزوجة
(عن اللعان فلا حد عليها)، لأن زناها لم يثبت، لأن الحد يدرأ بالشبهة، (وحبست حتى تقرأ
ربعا أو تلاعن) لقوله تعالى: * (ويدرأ عنها العذاب) * الآية، فإذا لم تشهد وجب أن لا
يدرأ عنها العذاب. ولا يسقط النسب إلا بالتعانهما جميعا، لأن الفراش قائم والولد للفراش.
(ولا يعرض) بالبناء للمفعول أي لا يتعرض (للزوج) بحد ولا مطالبة بلعان (حتى تطالبه)
زوجته المقذوفة بذلك، لأنه حق لها فلا يقام بغير طلبها كسائر الحقوق، فإن عفت عن الحق
أو لم تطالب لم تجز مطالبته بنفيه ولا حد ولا لعان. (فإن أراد اللعان من غير طلبها، فإن كان
بينهما ولد يريد نفيه فله ذلك)، قاله القاضي، وصاحب المقنع وغيرهما، لأنه (ص) لاعن
هلال بن أمية وزوجته لم تكن طالبته، لأنه محتاج إلى نفيه، ولان نفي النسب الباطل حق له
فلا يسقط برضاها به كما لو طالبت باللعان ورضيت بالولد، وقال في المحرر وتبعه
الزركشي: لا يشرع مع وجود الولد على أكثر نصوص الإمام أحمد، لأنه أحد موجبي القذف
فلا يشرع مع عدم المطالبة كالحد، وقدمه في النظم والرعايتين والحاوي والفروع. (وإلا فلا)
أي وإن لم يكن هناك ولد يريد نفيه لم يكن له أن يلاعن بغير خلاف نعلمه لعدم الحاجة إليه.
467

فصل
وإذا تم اللعان بينهما ثبت له أربعة أحكام
أحدها: سقوط الحد عنه) أي عن الزوج. (إن كانت) الزوجة (محصنة، أو التعزير إن لم
تكن) الزوجة (محصنة) لقول هلال بن أمية: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني
عليها ولان شهادته قيمت مقام بينته وهي تسقط الحد فكذا لعانه. (فإن نكل عن اللعان أو)
نكل (عن تمامه فعليه الحد) لقذفه إياها إن كانت محصنة، وإلا فالتعزير كما لو لم يكن
زوجا. (فإن ضرب بعضه) أي بعض الحد (فقال: أنا ألاعن سمع ذلك منه)، وتقدم. (ولو
نكلت المرأة عن الملاعنة ثم بذلتها سمعت أيضا) كالرجل، (فإن قذفها برجل بعينه) بأن قال
: زنى بك فلان (سقط الحد عنه لهما)، أي للمرأة ومن قذفها به (بلعانه ذكر الرجل في لعانه أو
لم يذكره) فيه، لأن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك بن سحماء ولم يحده النبي (ص)
لشريك ولا عزره له، ولان اللعان بينة في أحد الطرفين فكان بينة في الآخر كالشهادة. (فإن
لم يلاعن) الزوج (فلكل) واحد (منهما) أي من المرأة والرجل الذي قذفها به (المطالبة)
بالحد، (وأيهما طالب حد له وحده) دون من يطالب. كما لو قذف رجلا بالزنا بامرأة معينة
(وإن قذف امرأته و) امرأة (أجنبية) غير زوجته (أو) قذف زوجته ورجلا (أجنبيا بكلمتين
فعليه حدان)، لكل منهما حد (فيخرج من حد الأجنبية) أو الأجنبي (بالبينة) أو التصديق فقط
(و) يخرج (من حد الزوجة بها) أي بالبينة وكذا بالتصديق (أو باللعان، وكذا) إن قذفهما
(بكلمة واحدة إلا أنه إذا لم يلاعن ولم يقم بينة) ولا تصديق. (فحد واحد) لأن القذف واحد
(وإن قال لزوجته: يا زانية بنت الزانية فقد قذفهما) أي زوجته وأمها (بكلمتين) فعليه لهما
468

حدان. (فإن حد لأحدهما لم يحد للآخر حتى يبرأ جلده من حد الأولى). لأن الغرض زجره
لا إهلاكه. الحكم (الثاني: الفرقة بينهما ولو لم يفرق الحاكم) بينهما لقول ابن عمر
: المتلاعنان يفرق بينهما. قال: لا يجتمعان أبدا رواه سعيد، ولأنه معنى يقتضي التحريم
المؤبد فلم يقف على حكم حاكم كالرضاع، ولأنها لو وقفت على تفريق الحاكم لفات ترك
التفريق إذا لم يرضيا به، كالتفريق للعيب والاعسار، وتفريقه (ص) بينهما بمعنى إعلامهما
بحصول الفرقة. (فلا يقع الطلاق) بعد تمام تلاعنهما، لأنها بانت فلا يلحقها طلاقه
كالمختلعة وأولى. (وله) أي الحاكم أي يلزمه (أن يفرق بينهما) كما في الرعاية (من غير
استئذانهما، ويكون تفريقه) أي الحاكم بين المتلاعنين (بمعنى إعلامه لهما حصول الفرقة)
بنفس التلاعن، لأنها لا تتوقف على تفريقه. الحكم (الثالث: التحريم المؤبد) لقول
سهل بن سعد: مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما لا يجتمعان أبدا، رواه
الجوزجاني وأبو داود ورجاله ثقات، قاله في المبدع وروى الدارقطني ذلك عن علي،
ولأنه تحريم لا يرتفع قبل الجلد والتكذيب فلم يرتفع بهما كتحريم الرضاع فلا تحل
الملاعنة (له أي للملاعن ولو أكذب نفسه، وإن لاعنها أمة ثم اشتراها لم تحل له)، لأنه
تحريم مؤبد كالرضاع، ولان المطلق ثلاثا إذا اشترى مطلقته لم تحل له حتى تنكح زوجا
غيره، فهنا أولى لأن هذا التحريم مؤبد الحكم (الرابع: انتفاء الولد عنه) لما روى سهل بن
سعد أن رسول الله (ص) فرق بينهما، ولا يدعي ولدها، وفي حديث ابن عباس أن النبي (ص)
لما لاعن بين هلال وامرأته فرق بينهما، وقضى أن لا يدعي ولدها لأب ولا يرمي ولدها،
ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد رواه أحمد وأبو داود. (إذا ذكره في اللعان في كل
مرة) من الخمس (صريحا) بأن يقول: لقد زنت وما هذا ولدي، (أو تضمنا بأن يقول إذا
قذفها بزنا في طهر لم يصبها فيه، وادعى أنه اعتزلها حتى ولدت: أشهد بالله أني لمن الصادقين
469

فيما ادعيت عليها أو فيما رميتها) به (من الزنا ونحوه)، مما يؤدي هذا المعنى فينتفى. (فإن لم
يذكره) أي الولد في اللعان لا صريحا ولا تضمنا، (لم ينتف) احتياطا للنسب، (إلا أن يعيد
اللعان ويذكر نفيه) صريحا أو تضمنا كما تقدم، (ولو نفى أولادا كفاه لعان واحد) يصرح فيه
بهم أو يذكرهم فيه تضمنا كما تقدم، (ولا ينتفى) الولد (عنه) أي عن الملاعن (إلا أن ينفيه
باللعان التام، وهو أن يوجد اللعان منهما جميعا فلا ينتفى بلعان الزوج وحده) حتى تلاعن
هي. (وإن نفى) الزوج (الحمل في لعانه لم ينتف)، قال في رواية الجماعة: لعله يكون ريحا
(فإذا وضعته عاد اللعان لنفيه) لأنه قد تحقق وجوده.
فصل
ومن شرط نفي الولد
باللعان (أن ينفيه حالة علمه بولادته من غير تأخير إذا لم يكن عذر) لأن تأخيره دليل
إقراره به. (قال أبو بكر: لا يتقدر ذلك بثلاث بل هو على ما جرت به العادة، فإن كان ليلا
فحتى تصبح وينتشر الناس، وإن كان جائعا أو ظمآن فحتى يأكل أو يشرب أو ينام)، وإن
كان ناعسا أو يلبس ثيابه ويسرج دابته، ويركب ويصلي إن حضرت الصلاة ويحرز ماله إن
كان) ماله (غير محرز، وأشباه هذا من أشغاله) لأن ذلك لا يدل على إعراضه عنه، لجريان
العادة بتقديمه. (فإن أخره) أي نفيه (بعد هذا) التأخير الذي جرت به العادة (لم يكن له نفيه)
470

لأن ذلك دليل إعراضه عن نفيه. (ومن شرطه) أي نفي الولد (أن لا يوجد منه) إقرار بالولد
ولا (دليل على الاقرار به، فإن أقر به أو بتوأمه أو نفاه، وسكت عن توأمه أو هنئ به فسكت)
أو هنئ به ف‍ (- أمن على الدعاء أو قال: أحسن الله جزاءك أو بارك) الله (عليك، أو رزقك الله
مثله)، لحقه نسبه وامتنع نفيه، لأن الدليل على الاقرار به بمنزلة الاقرار به، والسكوت دال
على الرضا في البكر فهنا أولى. (أو أخر نفيه مع إمكانه لحقه نسبه وامتنع نفيه)، لأن ذلك
كله دليل على الاقرار به. (وإن قال: أخرت نفيه رجاء موته لم يعذر بذلك)، لأن الموت
قريب أو غير متيقن فتعليق النفي عليه تعليق على أمر موهوم. (وإن قال: لم أعلم بولادته
وأمكن صدقه بأن يكون في محلة أخرى قبل قوله مع يمينه) لأنه محتمل، ولا يسقط نفيه
. (وإن لم يكن) صدقه في دعواه عدم العلم به (مثل أن يكون معها في الدار لم يقبل) قوله
، لأنه خلاف الظاهر. (وإن قال: علمت ولادته ولم أعلم أن لي نفيه أو علمت ذلك)، أي أن لي
نفيه (ولم أعلم أنه على الفور، وكان) الزوج (ممن يخفى عليه ذلك كعامة الناس، أو من هو
حديث عهد بإسلام، أو من أهل البادية قبل منه) ذلك، لأنه ممكن. (وإن كان فقيها لم يقبل
منه) ذلك، لأنه لا يخفى عليه مثله. (وإن أخره) أي نفيه (لحبس أو مرض أو غيبة أو
اشتغال بحفظ مال يخاف عليه منه ضيعته، أو) اشتغل عنه (بملازمة غريم يخاف فوته، أو)
اشتغل عنه (بشئ يمنعه ذلك لم يسقط نفيه). لأن ذلك لا دليل فيه على إعراضه، وهذا
مقتضى كلامه في المقنع، وقال في المبدع: فإن كانت مدة ذلك قصيرة لم يبطل نفيه،
لأنه بمنزلة من علم ليلا فأخره إلى أن يصبح، وإن كانت طويلة وأمكنه التنفيذ إلى حاكم
ليبعث إليه من يستوفي عليه اللعان والنفي، فلم يفعل سقط نفيه، وإن لم يمكنه أشهد على
نفسه أنه ناف لولد امرأته، فإن لم يفعل بطل خياره، لأنه إذا لم يقدر على نفيه قام الاشهاد
471

مقامه، ومعناه في الشرح. (وإن قال) أخرت نفيه لأني (لم أصدق المخبر به) أي بأنه ولد
(وكان) المخبر (مشهور العدالة أو كان الخبر مستفيضا لم يقبل قوله)، لأنه خلاف الظاهر
، ولأنه مقصر. (وإلا) أي وإن لم يكن المخبر مشهور العدالة وكان الخبر غير مستفيض (قبل)
قوله، لأنه محتمل. (وإن علم) أنها ولدت (وهو غائب فأمكنه السير فاشتغل به لم يبطل
خياره)، لعدم ما يدل على إعراضه عنه
قلت: لكن قياس ما تقدم في الشفعة لا بد من الاشهاد، لأن السير لا يتعين بذلك
(وإن أقام) الغائب بعد علمه بولادته (من غير حاجة بطل) خياره، لأن ذلك دليل رضاه به
(ومتى أكذب) النافي (نفسه بعد نفيه) الولد (و) بعد (اللعان لحقه نسبه حيا. كان) الولد (أو
ميتا، غنيا كان) الولد (أو فقيرا)، لأن اللعان يمين أو بينة فإذا أقر بما يخالفها أخذ بإقراره
وسقط حكمها خصوصا، والنسب يحتاط لثبوته. (ويتوارثان) لأن الإرث تابع للنسب وقد
ثبت فتبعه الإرث (ولزمه الحد) إن كانت المقذوفة (محصنة، وإلا) أي وإن لم تكن محصنة
لزمه (التعزير) لاقراره بكذب نفسه في قذفها ولعانها. (فإن رجع عن إكذاب نفسه، وقال: لي
بينة أقيمها بزناها، أو أراد إسقاط الحد باللعان لم يسمعها)، أي لا بينته ولا لعانه، لأن البينة
واللعان لتحقق ما قاله، وقد أقر بكذب نفسه فلا يقبل منه خلافه. (وإن ادعت أنه قذفها فأنكر)
قذفه لها، (فأقامت به) أي بقذفها (بينة فقال: صدقت البينة ليس ذلك قذفا، لأن القذف الرمي
بالزنا كذبا، وأنا صادق فيما رميتها به) فلست قاذفا. (ولم يكن) قوله (ذلك إكذابا لنفسه)، لأنه
محتمل (وله إسقاط الحد باللعان) أو البينة. (فإن قال) زوجها جوابا لدعواها عليه أنه قذفها
بالزنا (ما زنت، ولا رميتها بالزنا فقامت البينة عليه بقذفها) بالزنا (لزمه الحد) إن كانت
محصنة، لثبوت موجبة، وإلا فالتعزير (ولم تسمع بينته)، بأنها زنت (ولا لعانه) لأن ذلك
472

يكذب قوله: ما زنت. (ولو أنفقت الملاعنة على الولد ثم استلحقه الملاعن رجعت) الملاعنة
(عليه بالنفقة)، لأنها إنما أنفقت عليه تظنه أنه لا أب له، قاله الموفق: واقتصر عليه في
الانصاف. (ويأتي في النفقات، ولا يلحقه) أي الملاعن (نسبه) أي المنفي بلعان
(باستلحاق ورثته له بعد موته)، أي الملاعن (و) بعد تمام (لعانه) نص عليه، لأنهم يحملون
على غيرهم نسبا قد نفاه عنه فلم يقبل منهم. (ولو نفى من لم ينتف) كمن أقر به ذلك أو
وجد منه ما يدل على الاقرار به، (وقال: إنه من زنا حد إن لم يلاعن) لأنه قذف زوجته فكان له
إسقاط الحد باللعان كما لو لم يكن ولد.
فصل
فيما يلحق من النسب
، من ولدت امرأته من) أي ولد فأكثر، (أمكن كونه منه) أي كون الولد من الزوج. (ولو
مع غيبته) أي الزوج. قال في الفروع: ولو مع غيبته عشرين سنة، قاله في المغني في مسألة
القافة، وعليه نصوص أحمد، ولعل المراد، ويخفى سيره، وإلا فالخلاف على ما يأتي
وتابعه في المبدع. (ولا ينقطع الامكان عنه) أي عن الاجتماع (بالحيض). قاله في
الترغيب (بأن تلده بعد ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها، أو) ولدت (لأقل من أربع سنين
منذ أبانها) ولم يخبر بانقضاء عدتها بالقروء. (وهو ممن يولد لمثله كابن عشر) سنين (لحقه
نسبه، ما لم ينفه باللعان). لقوله (ص): الولد للفراش وقدرنا بعشر سنين فما زاد لقوله
(ص) واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع، فأمره بالتفريق دليل على
إمكان الوطئ الذي هو سبب الولادة، ولان تمام عشر سنين زمن يمكن فيه البلوغ فيلحق به
473

الولد، كالبالغ. وقد روي أن عمر ابن العاص وابنه لم يكن بينهما إلا اثنا عشر عاما. (ومع
هذا) أي مع لحوق النسب بابن عشر فأكثر. (فلا يكمل به) أي بإلحاق النسب (مهر) إذا لم
يثبت الدخول أو الخلوة، لأن الأصل براءة ذمته فلا نثبته عليه دون ثبوت سببه الموجب له.
(ولا يثبت به) أي بإلحاق النسب (عدة ولا رجعة)، لأن السبب الموجب لهما غير ثابت.
(ولا يحكم ببلوغه) أي ابن عشر فأكثر (إن شك فيه) أي في بلوغه، لأن الحكم بالبلوغ
يستدعي يقينا ترتب الاحكام عليه من التكاليف، ووجوب الغرامات فلا يحكم به مع
الشك، وإنما ألحقنا الولد به احتياطا حفظا للنسب. (وإن أتت به) أي بولد (لدون ستة أشهر
منذ تزوجها وعاش) الولد لم يلحقه نسبه، لأنها مدة لا يمكن أن تحمل وتلد فيها، فعلم
أنها كانت حاملة قبل تزوجها، (وإلا) أي وإن ولدته لدون ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بهما
ولم يعش. (لحقه بالامكان) أي إن أمكن كونه منه كابن عشر فأكثر. (كما) لو ولدته (بعدها)
أي بعد الستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها وعاش، وكان ممن يولد لمثله كما سبق. (أو) ولدته
(لأكثر من أربع سنين منذ أبانها) لم يلحقه، لأنا علمنا أنها حملت به قبل النكاح. (أو
أخبرت) المطلقة البائن (بانقضاء عدتها بالقرء، ثم أتت به لأكثر من ستة أشهر لم يلحق
الزوج) نسبه، لأنها أتت به بعد الحكم بانقضاء عدتها في وقت يمكن أن لا يكون منه فلم
يلحقه، كما لو انقضت عدتها بالحمل، وإنما يعتبر الامكان مع بقاء الزوجية أو العدة، وأما
بعدهما فلا يكتفي بالامكان للحاقه، وذلك لأن الفراش سبب. ومع وجود السبب يكتفي
بإمكان الحكم، فإذا انتفى السبب انتفى الحكم لانتفائه. (فأما إن طلقها) ولو بائنا (فاعتدت
بالأقراء، ثم ولدت قبل مضي ستة أشهر من آخر أقرائها لحقه) نسب الولد، (ولزم أن لا يكون
الدم حيضا)، لعلمنا أنها كانت حاملا في زمن رؤية الدم والحامل لا تحيض. (وإن فارقها
حاملا فولدت) ولدا أو أكثر، (ثم ولدت) ولدا (آخر قبل مضي ستة أشهر: لحقه) نسب الثاني
كالأول، لأنهما حمل واحد (وإن كان بينهما أكثر من ستة أشهر لم يلحقه) نسب الثاني
(وانتفى عنه من غير لعان) لأنه لا يمكن أن يكون الولدان حملا واحدا وبينهما مدة
الحمل. فعلم أنها علقت به بعد زوال الزوجية وانقضاء العدة وكونها أجنبية كسائر
الأجنبيات. (وإن) تزوج امرأة و (علم أنه لا يجتمع بها كالذي يتزوجها بحضرة الحاكم أو
474

غيره ويطلقها في المجلس أو يموت قبل غيبته عنهم)، أي عن أهل المجلس: لم يلحقه
للعلم حسا ونظرا لأنه ليس منه. (أو يتزوجها وبينهما) أي الزوجين (مسافة) بعيدة (لا يصل
إليها في المدة التي ولدت فيها) كشرقي يتزوج بغربية، فإن الوقت لا يسع مدة الولادة وقدومه
ووطأه بعده (لم يلحقه) النسب. والمراد وعاش، وإلا لحقه بالامكان. ذكره في الفروع
(وإن أمكن وصوله) أي الزوج إلى الزوجة (في المدة) التي مضت بعد العقد والولادة (لحقه
النسب)، لما سبق في التعليق والوسيلة والانتصار، ولو أمكن ولا يخفى السير كأمير وتاجر
كبير، ومثل في عيون المسائل بالسلطان والحاكم. ونقل ابن منصور إن علم أنه لا يصل مثله
لم يقض بالفراش وهي مثله، (وإن كان الزوج صبيا له دون عشر سنين) لم يلحقه نسب، لأنه
لم يعهد بلوغ قبلها (أو) كان الزوج (مقطوع الذكر والأنثيين أو) مقطوع (الأنثيين فقط)، أي
مع بقاء الذكر (لم يلحقه نسبه) لأن الولد لا يوجد إلا من مني، ومن قطعت خصيتاه لا
مني له، لأنه لا ينزل إلا ماء رقيقا لا يخلق منه الولد ولا وجد ذلك، ولا اعتبار بإيلاج لا
يخلق منه الولد، كما لو أولج الصغير، (ويلحق) الولد (مقطوع الذكر فقط) لأنه يمكن أن
يساحق فينزل ما يخلق منه الولد، ولهذا ألحقنا ولد الأمة بسيدها إذا اعترف بوطئها دون
الفرج، (و) يلحق (العنين) لامكان إنزاله ما يخلق منه الولد.
فصل
وإن طلقها طلاقا رجعيا
فولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها، وقبل نصف سنة منذ أخبرت بفراغ العدة) إن
أخبرت بها. (أو) ولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها، إن (لم تخبر) بانقضائها لحقه نسبه
، (أو) ولدت (لأقل من أربع سنين منذ انقضت عدتها لحقه نسبه) لأنها في حكم الزوجات
أشبه ما قبل الطلاق، (وإن أخبرت) المرأة (بموت زوجها فاعتدت) للوفاة (ثم تزوجت)
475

وولدت، (لحقه الثاني ما ولدته لنصف سنة فأكثر)، لأنه ولد على فراشه لا ما ولدته
لدون ذلك وعاش، لأنه ليس منه يقينا. (وإن وطئ رجل امرأة لا زوج لها بشبهة فأتت
بولد لحقه نسبه) للشبهة، (وقال) الامام (أحمد: كل من درأت عنه الحد ألحقت به
الولد، ولو تزوج رجلان أختين) أو غيرهما، (فزنت كل واحدة منهما إلى زوج الأخرى
غلطا فوطئها وحملت منه، لحق الولد بالواطئ) للشبهة. (لا) يلحق (بالزوج) للعلم بأنه
ليس منه، (وإن وطئت امرأته أو أمته بشبهة في طهر لم يصبها فيه فاعتزلها، حتى أتت
بولد لستة أشهر من حين الوطئ، لحق) الولد (الواطئ) للعلم، بأنه منه، (وانتفى عن
الزوج من غير لعان) للعلم بأنه ليس منه، (وإن أنكر الواطئ الوطئ فالقول قوله بغير
يمين) لأن الأصل عدمه. (ويلحق نسب الولد بالزوج) لأن الولد للفراش، (وإن أتت)
الموطوءة بشبهة (به)، أي بالولد (لدون ستة أشهر من حين الوطئ) أي وطئ الشبهة
(لحق) الولد (الزوج)، للعلم بأنه ليس من وطئ الشبهة. (وإن اشتركا) أي الزوج
والواطئ بالشبهة (في وطئها في طهر) واحد، (فأتت بولد يمكن أن يكون منهما لحق)
الولد (الزوج لأن الولد للفراش)، سواء ادعياه أو أحدهما أو لا، (وإن ادعى الزوج أنه
من الواطئ، فقال بعض أصحابنا)، قال في الانصاف: هنا منهم صاحب المستوعب
(يعرض على القافة معهما فيلحق بمن ألحقته به منهما) لاحتمال أن يكون من كل
منهما (فإن ألحقته بالواطئ لحقه ولم يملك نفيه عن نفسه)، لتعذر اللعان منه لفقد
الزوجية، (وانتفى عن الزوج بغير لعان) لأن إلحاقه القافة كالحكم. (وإن ألحقته) القافة
476

(بالزوج لحق) به، (ولم يملك الواطئ نفيه باللعان) لأنه نقض لقول القائف، (وإن
ألحقته القافة بهما لحق بهما) لامكانه كما تقدم. (ولم يملك الواطئ نفيه عن نفسه،
وهل يملك الزوج نفيه باللعان؟ على روايتين) أطلقهما في المغني وغيره
، قلت: مقتضى كلامهم لا يملكه لعدم القذف فلا يمكن اللعان، وأيضا إلحاق
القائف كالحكم فلا يرفعه بلعانه. (فإن لم يوجد قافة أو اشتبه عليهم لحق الزوج)، لأن الولد
للفراش. (وإن أتت امرأته بولد فادعى أنه من زوج) كان (قبله، وكانت تزوجت بعد انقضاء
العدة أو بعد أربع سنين منذ بانت من الأول لم يلحق) الولد (بالأول) لما سبق، (وإن وضعته
لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني لم يلحق) الولد أيضا (به)، حيث عاش لعدم الامكان
(وينتفي) نسب الولد (عنهما)، أي عن الأول والثاني. (وإن كان) وضعها له (أكثر من ستة
أشهر) منذ أمكن اجتماعه بها (فهو) أي الولد (ولده) أي الثاني، لأنها فراشه وأمكن كونه
منه لحقه، (وإن كان) وضعها للولد (لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني، ولأقل من أربع
سنين من طلاق الأول، ولم يعلم انقضاء العدة) عرض على القافة معهما، لامكان أن يكون
من كل منهما، و (لحق بمن ألحقته القافة) به منهما. (فإن ألحقته بالأول انتفى عن الزوج
بغير لعان) لما مر، (وإن ألحقته بالزوج انتفى عن الأول وليس للزوج نفيه) باللعان كما
سبق. (وتعتبر عدالة القائف وذكوريته وكثرة إصابته) و (لا) تعتبر (حريته) كالشاهد، (ويكفي)
قائف (واحد) لأنه ينفذ ما يقوله فهو كالحاكم. (ولا يبطل قولها) أي القافة (بقول) قافة
(أخرى، ولا بإلحاقها غيره) كما لا يبطل حكم الحاكم بحكم غيره ولا بإبطاله (وتقدم في
اللقيط بعضه) موضحا.
477

فصل
ومن اعترف بوطئ أمته في الفرج أو دونه
أي دون الفرج صارت فراشا له، (لأنه قد يجامع) في غير الفرج (فيسبق الماء إلى
الفرج، ف‍) - إذا (ولدت) ولدا (لستة أشهر) فأكثر (لحقه نسبه، وإن ادعى العزل أو عدم
الانزال) لحديث عائشة في ابن زمعة، ولقول عمر: لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه ألم
بها إلا ألحقت به ولدها بعد ذلك أو اتركوا، رواه الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن
سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده، وقياسا على النكاح، وفارق الملك النكاح بأنه لا يتعلق
به تحريم المصاهرة، وينعقد في محل يحرم النكاح فيه كالمجوسية وذوات محارمه. وإن
وطئها في الدبر لم تصر فراشا في الأشهر، لأنه ليس منصوص عليه ولا في معناه (إلا أن
يدعي الاستبراء)، لأنه دليل على براءة الرحم. والقول قوله في حصوله، لأنه أمر خفي لا
يمكن الاطلاع عليه إلا بعسر ومشقة، (ويحلف عليه) لأن الاستبراء غير مختص به أشبه
سائر الحقوق. (فينتفى) الولد عن السيد (بذلك)، أي بولادتها له لستة أشهر فأكثر بعد
استبرائه إياها، لأن الأصل عدمه وليست فراشا له. (فإن ادعى الاستبراء فأتت بولد ليس
بينهما ستة أشهر فأكثر، (فأقر بأحدهما ونفى) عنه (الآخر لحقاه)، لأنهما حمل واحد، فإذا
استلحق بعضه لحق باقيه بالضرورة. (وإن أعتقها أو باعها ونحوه) كما لو وهبها أو جعلها
عوضا عن أجرة أو نكاح، (بعد اعترافه بوطئها، فأتت بولد لدون ستة أشهر من حين العتق أو
البيع) ونحوه، (لحق به) لأنها حملت به وهي فراش، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، (وتصير
أم ولد له) لكونها حملت به في ملكه (والبيع باطل) لأنها صارت أم ولد. (وكذا إن لم
يستبرئها فأتت به لأكثر من ستة أشهر، وادعى المشتري أنه من البائع فهو ولد البائع) لأنه
478

وجد منه سببه وهو الوطئ ولم يوجد ما يعارضه، ولا ما يمنعه فتعين إحالة الحكم عليه
، (سواء ادعاه البائع أو لم يدعه) لأن الموجب لالحاقه أنها لو أتت به في ملكه في تلك المدة
للحق به. وانتقال الملك عنه لم يتجدد به شئ. (وإن ادعاه المشتري لنفسه) وكان البيع قبل
استبرائها وولدت لأكثر من ستة أشهر من حين أرى القافة. (أو ادعى كل واحد منهما أنه) أي
الولد (للآخر)، بأن ادعى البائع أنه للمشتري، وادعى المشتري أنه للبائع. (والمشتري مقر
بالوطئ أرى القافة) لأن نظرها طريق شرعي إلى معرفة النسب عند الاحتمال لما تقدم. (وإن
استبرئت) الأمة المبيعة (ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يلحقه) أي البائع (نسبه) لان
الاستبراء يدل على براءتها من الحمل، وقد أمكن أن يكون من غيره لوجود مدة الحمل بعد
الاستبراء مع قيام الدليل، فلو أتت به لأقل من ستة أشهر، فالاستبراء غير صحيح (وكذا
إن لم تستبرأ) الأمة المبيعة وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر، (ولم يقر المشتري للبائع به)
فلا يلحقه نسبه، لأنه ولد أمة المشتري فلا تقبل دعوى غيره له إلا بإقرار من المشتري، (وإن
ادعاه) أي ادعى البائع الولد أنه منه (بعد ذلك)، أي بعد أو ولدته لستة أشهر، (وصدقه
المشتري لحقه) أي البائع (نسبه وبطل البيع) لكونها أم ولد، (فإن لم يكن البائع أقر بوطئها
قبل بيعها لم يلحقه الولد بحال، سواء ولدته لستة أشهر أو أقل) منها، لأنه يحتمل أن يكون
من غيره، (وإن اتفقا) أي البائع والمشتري (على أنه ولد البائع، فهو ولده) لأن الحق لهما
يثبت باتفاقهما. (وبطل البيع) لأنها أم ولد. (وإن ادعاه البائع) أنه ولده (ولم يصدقه المشتري
فهو عبد للمشتري)، ولا يقبل قول البائع في الايلاد لأن الملك قد صار إلى المشتري في
الظاهر، فلا يقبل قول البائع فيما يبطل حقه. (كما لو باع عبدا ثم أقر أنه قد أعتقه، والقول
قول المشتري مع يمينه) لاحتمال صدق البائع، وهل يلحق البائع نسبه مع كونه عبدا
للمشتري، لأنه يجوز أن يكون ابنا لأحدهما مملوكا للآخر، أو لا لأن فيه ضررا على
المشتري فيما لو أعتقه، كان أبوه أحق بميراثه وجهان: (ويلحق الولد بوطئ الشبهة) وتقدم.
(و) يلحق (في كل نكاح فاسد فيه شبهة) كالنكاح المختلف في صحته، فيكون: (كنكاح صحيح)
479

في لحوق النسب حيث أتت به لستة أشهر مند أمكن اجتماعه بها، و (لا) يكون (كملك
اليمين) بحيث يتوقف لحوق النسب فيه على الاقرار بالوطئ. (ولا أثر لشبهة ملك مع فراش)
لحديث: الولد للفراش. (وإن وطئ المجنون من لا شبهة له عليها، ولا شبهة ملك لم
يلحقه نسبه)، لأنه لا يستند إلى ملك ولا اعتقاد إباحة، وعليه مهر المثل إن أكرهها على الوطئ
لأن الضمان يستوي فيه المكلف وغيره، وتبعه نسب الأب إجماعا ما لم ينتف كابن ملاعنة
وتبعية ملك أو حرية لام، إلا مع شرط أو غرور وتبعية دين لخيرهما وتبعية نجاسة وحرمة
أكل لأخبثهما، انتهى.
480

كتاب العدد
واحدها عدة بكسر العين فيهما. قال ابن فارس والجوهري: عدة المرأة أيام
أقرائها والمرأة معتدة، (وهي) أي العدة شرعا (التربص المحدود شرعا) يعني مدة معلومة
تتربص فيها المرأة لتعرف براءة رحمها، وذلك يحصل بوضع حمل أو مضي أقراء أو أشهر
على ما يأتي تفصيله. والأصل فيها الاجماع ودليله الكتاب والسنة، ويأتي مفصلا في
مواضعه والمعنى يشهد له، لأن رحم المرأة ربما كان مشغولا بماء شخص، وتمييز
الأنساب مطلوب في نظر الشرع والعدة طريق له. والعدة أربعة أقسام: معنى محض، وتعبد
محض، ومجتمع الامرين والمعنى أغلب، ويجتمع الأمران والتعبد أغلب. فالأول: عدة
الحامل، والثاني: عدة المتوفى عنها زوجها التي لم يدخل بها، والثالث: عدة الموطوءة التي
يمكن حبلها ممن يولد لمثله، سواء كانت ذات أقراء أو شهر، فإن معنى براءة الرحم أغلب
من التعبد بالعدد المعتبر لغلبة ظن البراءة، والرابع: كما في عدة الوفاة للمدخول بها التي
يمكن حملها وتمضي أقراؤها في أثناء الشهور، فإن العدد الخاص أغلب من براءة الرحم
بمضي تلك الأقراء. (كل امرأة فارقها زوجها في حياته قبل المسيس والخلوة فلا عدة عليها)
إجماعا، لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن)
الآية. ولأن العدة إنما وجبت في الأصل لبراءة الرحم، والمسيس اللمس باليد.
481

ثم استعير للجماع لأنه مستلزم له. (وإن خلا) الزوج (بها وهي مطاوعة، ولو لم يمسها) مع
علمه بها، (ولو) كانت الخلوة (في نكاح فاسد فعليه العدة سواء كان بهما) أي الزوجين مانع
(أو) كان (بأحدهما مانع من الوطئ) حسي أو شرعي، (كإحرام وصيام وحيض ونفاس ومرض
وجب وعنة ورتق وظهار وإيلاء واعتكاف، أو لم يكن)، لما روى الأثرم عن زرارة بن أوفى
قال: قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا، فقد وجب المهر ووجبت
العدة، وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر، فكانت كالاجماع وضعف أحمد ما روي خلافه،
ولأنه عقد على المنافع. فالتمكين منه يجري مجرى الاستيفاء في الاحكام كعقد الإجارة
والآية مخصوصة بما ذكرناه، والحكم معلق على الخلوة التي هي مظنة الإصابة دون
حقيقتها فلم تؤثر، ولو اختلى بها واختلفا في المسيس قبل قول من يدعي الوطئ احتياطا
للابضاع، ولأنه أقرب إلى حال الخلوة. ذكره في المبدع. (إلا أ) ن (لا يعلم) الزوج (بها)
في الخلوة (كأعمى وطفل) فلا عدة عليها، لأن المظنة لا تتحقق (ومن لا يولد لمثله
لصغره) كابن دون العشرة، (أو كانت لا يوطأ مثلها لصغرها) كبنت دون تسع فلا عدة،
(أو) خلا بها (غير مطاوعة وفارقها في حياته فلا عدة عليها، ولا يكمل صداقها) لعدم تحقق
المظنة مع ظهور عدم المسيس. (ولا تجب) العدة (بالخلوة بلا وطئ في نكاح مجمع على
بطلانه) كالخامسة والمعتدة، سواء (فارقها) حيا (أو مات عنها)، لأن وجود صورة ذلك العقد
كعدمه. (وإن وطئها) في النكاح المجمع على بطلانه (ثم مات، أو فارقها اعتدت لوطئه
بثلاثة قروء منذ وطئها)، لأن ذلك العقد كعدمه، (كالمزني بها من غير عقد. ولا) تجب العدة
(بتحملها ماء الرجل). قال ابن حمدان: إن كان ماء زوجها اعتدت، وإلا فلا. وقال في
المبدع فيما يلحق من النسب: إذا تحملت ماء زوجها لحقه نسب من ولدته منه، وفي
العدة والمهر وجهان، فإن كان حراما أو ماء من ظنته زوجها فلا نسب ولا مهر، ولا عدة في
الأصح فيها.
وقال في المنتهى وكتاب الصداق ويثبت به نسب وعدة ومصاهرة، ولو من أجنبي.
482

(ولا) تجب العدة (بالقبلة واللمس من غير خلوة) لأن العدة في الأصل إنما وجبت لبراءة
الرحم وهي متيقنة، (وتجب) العدة (على) الزوجة (الذمية من) زوجها (الذمي، و) من زوجها
(المسلم) لعموم الأدلة، ولأنهم مخاطبون بفروع الاسلام. (ولو لم تكن) المعتدة (من
دينهم) أي الذميين أي مشروعة فيه لما تقدم، (وعدتها كعدة المسلمة) على ما يأتي تفصيله
للعموم، (وتجب العدة على من وطئت مطاوعة كانت أو مكرهة، إلا أن يكون الواطئ لا يولد
لمثله لصغره) كابن دون عشر، فلا عدة عليها لوطئه. (وهو مذهب المالكية) لأن العدة تراد
للعلم ببراءة الرحم من الحمل، فإذا كان الواطئ لا يولد لمثله فالبراءة متيقنة، فلا فائدة في
العدة. (والمعتدات ست) أي ستة أضرب تأتي مفصلة، ولم يجعل الآيسات من المحيض
ضربا، واللائي لم يحضن ضربا، لاستواء عدتهما، (إحداهن أولات الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن، حرائر كن أو إماء، مسلمات أو كافرات، عن فرقة الحياة أو الممات)
لعموم قوله تعالى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * قال في
المبدع: وآية الحمل متأخرة عن آية الأشهر. قال ابن مسعود من شاء باهلته أو لاعنته
أن الآية التي في سورة النساء القصرى: * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)
نزلت بعد آية البقرة: * (والذين يتوفون منكم) * والخاص
مقدم على العام، (ولا تنقضي عدتها إلا بوضع كل الحمل) لقوله تعالى: * (أن يضعن
حملهن) * فإذا وضعته انقضت عدتها. (ولو لم تطهر وتغتسل من نفاسها)
للعلم ببراءة الرحم بالوضع. (لكن إن تزوجت في مدة النفاس حرم وطؤها حتى تطهر) قياسا
على الحيض، (فلو ظهر بعض الولد فهي في عدة حتى ينفصل باقيه، إن كان) الحمل (واحدا
وإن كان) الحمل (أكثر) من واحد، (ف‍) - هي في عدة (حتى ينفصل باقي الأخير) لقوله
تعالى: * (أجلهن أن يضعن حملهن) * وقبل وضع كل الأخير لم تضع حملها
بل بعضه، (فإن وضعت ولدا وشكت في وجود ثان لم تنقض عدتها حتى تزول الريبة، وتتيقن
483

أنه لم يبق معها حمل)، وفي نسخة ولد ليحصل العلم ببراءة الرحم. (والحمل الذي تنقضي به
العدة تصير به الأمة أم ولد، وهو ما تبين فيه شئ من خلق الانسان كرأس ورجل)، فتنقضي به
العدة إجماعا حكاه ابن المنذر، لأنه علم أنه حمل فيدخل في عموم النص. (فإن وضعت
مضغة لا يتبين فيها شئ من ذلك)، أي خلق الانسان (فذكر ثقات من النساء أنه مبدأ خلق
آدمي لم تنقض به العدة)، لأنه لم يصر ولدا أشبه العلقة، (وكذا لو ألقت نطفة أو دما أو
علقة)، فلا يتعلق به شئ من الاحكام لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة لا بالبينة. (لكن لو
وضعت مضغة لم يتبين) أي يظهر (فيها الخلق، فشهدت ثقات من القوابل أن فيها صورة
خفية بان بها أنها خلقة آدمي انقضت به العدة)، لأنه حمل فيدخل في عموم النص. (وإن أتت
بولد لا يلحقه) أي الزوج (نسبه كامرأة صغير لا يولد لمثله، و) امرأة (خصي مجبوب)، أو
خصي غير مجبوب كما سبق. (ومطلقة عقب عقد) بأن طلقها بالمجلس وكذا لو مات، (ومن
أتت به لدون ستة أشهر منذ عقد عليها، وعاش، أو بعد أربع سنين منذ مات، أو) منذ (بانت منه
أو) منذ (انقضاء عدتها إن كانت رجعية لم تنقض عدتها به)، لأنه حمل ليس منه يقينا فلم
تعتد بوضعه كما لو ظهر بعد موته، (وتعتد بعده عدة وفاة) إن كانت متوفى عنها، (أو عدة
فراق) إن كان فارقها في الحياة، (حيث وجبت) عدة الفراق على ما تقدم تفصيله. (وأقل مدة
الحمل ستة أشهر) وفاقا لما روى الأثرم والبيهقي عن أبي الأسود، أنه رفع إلى عمر أن
امرأة ولدت لستة أشهر فهم عمر برجمها، فقال له علي: ليس لك ذلك قال الله تعالى
: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * وقال: * (وحمله وفصاله
ثلاثون شهرا) * فحولان وستة أشهر لا رجم عليها، فخلى
عمر سبيلها، وقال ابن عباس كذلك رواه البيهقي، وذكر ابن قتيبة أن عبد الملك بن مروان
484

ولد لستة أشهر، (وغالبها) أن مدة الحمل (تسعة أشهر) لأن غالب النساء كذلك يحملن
وهذا أمر معروف بين الناس. (وأكثرها أربع سنين) لأن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود
وقد وجد أربع سنين. فروى الدارقطني عن الوليد بن مسلم قلت لمالك بن أنس عن حديث
عائشة قالت: لا تزيد المرأة في حملها على سنتين فقال: سبحان الله من يقول هذا؟ هذه
جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثني
عشر سنة. وقال الشافعي: بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين. وقال أحمد:
نساء بني عجلان تحمل أربع سنين. (وأقل ما يتبين به) خلق (الولد أحد وثمانون يوما)
لحديث ابن مسعود أن النبي (ص) قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما
نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك الحديث. ولا شك أن العدة لا
تنقضي بما دون المضغة، فوجب أن يكون بعد الثمانين، فإما بعد أربعة أشهر فليس فيه
إشكال. وذكر المجد في شرحه أن غالب ما يتبين فيه خلقه ثلاثة أشهر.
فصل
الثانية من المعتدات المتوفى عنها زوجها ولو
كان (طفلا أو) كانت (طفلة لا يولد لمثلهما، ولو قبل الدخول) والخلوة، (فتعتدان لم
تكن حاملا منه أربعة أشهر وعشر ليال بعشرة أيام، إن كانت حرة) قال في المبدع
بالاجماع. يعني في الجملة وسنده الآية، وقول النبي (ص): لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم
الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشر والعرب تغلب
485

حكم التأنيث في العدد خاصة على الذكر، تطلق لفظ الليالي وتريد الليالي بأيامها. لقوله
تعالى لزكريا: * (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) * يريد بأيامها.
لقوله تعالى: * (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * (وإن كانت)
المتوفى عنها زوجها (أمة)، فعدتها (نصفها) أي شهران وخمسة أيام بلياليها، لأن الصحابة
أجمعوا على أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة. قاله في المبدع، (وإن كانت)
المتوفى عنها (حاملا من غيره) أي من غير زوجها (اعتدت للزوج) عدة وفاة (بعد وضع
الحمل)، وتقدم. (و) عدة (معتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة ويجبر بالكسر) فمن
نصفها حر ونصفها رقيق تعتد بثلاثة أشهر وثمانية أيام بلياليها، (وإن مات زوج الرجعية في
عدتها استأنفت عدة الوفاة من حين موته) لأنها زوجة. فتدخل في عموم قوله: * (والذين
يتوفون منكم) * الآية. (وسقطت عدة الطلاق) لأنها تعتد للوفاة فلا يجمع معها
غيرها إجماعا، حكاه ابن المنذر. (وإذا قتل المرتد في عدة امرأته استأنفت عدة وفاته)، لأنه
كان يمكنه تلافي النكاح بعوده إلى الاسلام فأشبهت الرجعية. (ولو أسلمت امرأة كافر ثم
مات قبل انقضاء العدة انتقلت إلى عدة وفاته في قياس التي قبلها)، قاله الشيخ تقي الدين
واقتصر عليه في الانصاف. (وإن طلقها في الصحة بائنا ثم مات في عدتها لم تنتقل عنها)
بل تبنى على عدة الطلاق مطلقا، ولا تعتد للوفاة للآية. ولأنها أجنبية منه في غير نكاحه
وميراثه فلم تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها، (وإن كان الطلاق) البائن (في مرض موته)
المخوف ومات في العدة، (اعتدت أطول الأجلين من عدة طلاق وعدة وفاة)، لأنها وارثة،
فيجب عليها أن تعتد للوفاة ومطلقة فيجب عليها أن تعتد بأطولهما ضرورة، أنها لا تخرج
عن العهدة يقينا إلا بذلك. (إلا أن تكون) البائن في المرض (لا ترثه، كالأمة أو الحرة يطلقها
العبد أو الذمية) الكتابية (يطلقها المسلم، أو تكون هي سألته الطلاق أو) سألته (الخلع، أو
486

فعلت ما يفسخ نكاحها) من نحو رضاع زوجة صغرى، (فتعتد للطلاق لا غير)، لأنها ليست
وارثة أشبهت المبانة في الصحة. (وإن كانت المطلقة) البائن (مبهمة أو) كانت (معينة ثم
أنسيها، ثم مات اعتدت كل واحدة الأطول منهما)، لأن كل واحدة يحتمل أنها المطلقة وأنها
المتوفى عنها فلا تخرج عن العهدة يقينا إلا بذلك، لكن ابتداء القرء من حين طلق وابتداء
عدة الوفاة من حين مات. وكذا لو كان المطلقات ثلاثا عن أربع (ما لم تكن حاملا)
فتنقضي عدتها بوضع الحمل على كل حال. (وإن مات المريض المطلق في مرضه بعد
انقضاء عدتها بالحيض أو بالشهور أو بوضع الحمل، أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها
عدة لموته)، لأنها ليست زوجة ولا في حكمها، (ولا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة) في
قول عامة الفقهاء لظاهر الآية. (وإن ارتابت المتوفى عنها كظهور أمارات الحمل من الحركة
وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض ونزول اللبن في ثديها وغير ذلك، قبل أن تنكح ولو بعد فراغ
شهور العدة لم تزل في عدة حتى تزول الريبة)، فإن كان حملا انقضت عدتها بوضعه، وإن
زالت وبان أنه ليس بحمل تيقنا أن عدتها انقضت بالشهور. (وإن تزوجت قبل ذلك) أي قبل
زوال الريبة (لم يصح النكاح ولو تبين عدم الحمل)، لأنها تزوجت وهي في حكم المعتدات
(وإن كان) ظهور الريبة (بعد) العقد عليها و (الدخول) بها (لم يفسد نكاحها)، لأنه وجد
بعد انقضاء العدة ظاهرا والحمل مع الريبة مشكوك فيه فلا يزول ما حكمنا بصحته. (ولم
يحل وطؤها حتى تزول الريبة) لشكنا في حل وطئها. لقوله (ص): من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يحل له أن يسقي ماؤه زرع غيره. (وإن كان) ظهور الريبة (قبله) أي قبل
الدخول وبعد العقد لم يفسد أيضا لما تقدم، (إلا أن تأتي بولد والمراد، ويعيش لدون ستة
أشهر منذ نكحها فيفسد)، أي يتبين بطلان العقد لأنها معتدة (فيهما)، أي في صورتي ما إذا
487

كان ظهور الريبة بعد الدخول وقبله. (وإن مات عن امرأة نكاحها فاسد كالنكاح المختلف فيه)
كبلا ولي، (فعليها عدة وفاة) لأنه نكاح يلحق فيه النسب فوجبت به العدة كالصحيح، وإن
فارقها في الحياة بعد الإصابة أو الخلوة اعتدت بثلاثة قروء أو أشهر، والنكاح المجمع على
بطلانه وجوده كعدمه وتقدم.
فصل
الثالثة من المعتدات ذات القروء المفارقة في الحياة
بعد الدخول بها، أو الخلوة (بطلاق أو خلع أو لعان أو رضاع أو فسخ بعيب، أو إعسار
أو إعتاق تحت عبد، أو اختلاف دين أو غيره، فعدتها ثلاثة قروء وإن كانت حرة أو بعضها)
لقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * وغير المطلقة
بالقياس عليها، ولان عدة الأمة بالقروء قرآن، فأدنى ما يكون فيها من الحرية يوجب قرءا
ثالثا، لأنه لا يتبعض، (و) عدتها (قرآن إن كانت أمة) روي عن عمر وعلي وابن عمر ولا
يعرف لهم مخالف في الصحابة، وكالحد، وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفا،
كما أن حدها النصف من الحرة، إلا أن الحيض لا يتبعض فوجب تكميله كالمطلقة والمدبرة
والمكاتبة وأم الولد كالأمة. (والقرء الحيض) لقول عمر وعلي وابن عباس: وروي عن أبي
بكر وعثمان وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء. قال أحمد في رواية الأثرم: كنت أقول أنه
الأطهار، ثم رجعت لقول الأكابر، ولأنه لم يعهد في لسان الشارع استعماله بمعنى الطهر في
موضع، واستعمل بمعنى الحيض في غير حديث. (ولا يعتد بالحيضة التي طلقها فيها) حتى
تأتي بثلاث كاملة بعدها لظاهر الآية. وروى البيهقي بإسناد رجاله ثقات عن ابن عمر. (وإن
قال الزوج: وقع الطلاق في الحيض أو في أوله وقالت: بل) وقع (في الطهر الذي قبله) أي
الحيض، (أو قال) الزوج (انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطهر فوقع في أول الحيض،
488

وقالت بل بقي منه) أي الطهر (بقية فالقول قولها) لأنها مؤتمنة على نفسها في الحيض وفي
انقضاء العدة. قاله في الشرح وفي الفروع والمنتهى وغيرهما: القول قوله أنه لم يطلق
إلا بعد حيض أو ولادة وفي وقت كذا. (وإذا انقطع دمها من الحيضة الثالثة لم تحل للأزواج
حتى تغتسل، وإن فرطت في الاغتسال مدة طويلة) قال أحمد: روي عن ابن عباس أنه كان
يقول: إذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه. وهو أصح في النظر. قيل له: فلم
لا تقول به؟ قال: ذلك يقول به عمر وعلي وابن مسعود، فأنا أتهيب أن أخالفهم. يعني
اعتبار الغسل، ويرشحه أن الظاهر إنما تركوه عن توقيف ممن له البيان. وروي عن أبي بكر
وعثمان وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء، (وتنقطع بقية الاحكام) من قطع الإرث والطلاق
واللعان والنفقة (بانقطاعه)، أي حيض دم الثالثة (وتقدم في الرجعة).
فصل
الرابعة من المعتدات المفارقة في الحياة ولم تحض ليأس
أو صغر، فعدتها ثلاثة أشهر) لقوله تعالى: * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن
ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر) * (وإن كانت أمة أو أم ولد) أو مدبرة أو مكاتبة
فعدتها (شهران) احتج بقول عمر. رواه الأثرم. ولان كل شهر مقام قرء وعدتها بالأقراء
قرآن، فكذا بدلهما شهران. (و) عدة (من بعضها حر بالحساب) من عدة حرة وأمة فتزيد من
الشهرين على الثالث بقدر حريتها، فمن نصفها حر ونصفها رقيق تعتد بشهرين ونصف، ومن
489

ثلثاها حر تعتد بشهرين وعشرين يوما وهكذا. وذكر أبو بكر وقدمه في الترغيب: إن عدتها
كحرة على الروايات. (والابتداء) أي ابتداء العدة (من حين وقع الطلاق سواء كان) وقوعه
(في الليل أو النهار أو في أثنائهما من ذلك الوقت إلى مثله فإن كان الطلاق أول الشهر اعتبر
ثلاثة أشهر بالأهلة) لظاهر النص. (وإن كان في أثنائه) أي الشهر (اعتدت بقيته وشهرين
بالأهلة) كاملين كانا أو ناقصين، (ومن) الشهر (الثالث تمام ثلاثين يوما تكملة) ما اعتدته من
(الأول)، لما تقدم أن الشهر يطلق على ما بين الهلالين مطلقا، وعلى ثلاثين يوما. (وحد الأياس
خمسون سنة) لقول عائشة: لن ترى في بطنها ولدا بعد خمسين سنة. (واختار الشيخ، لا
حد لأكثر سنه) أي الأياس، وذكر الزبير بن بكار في كتاب النسب: إن هندا بنت أبي عبيدة
الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب ولها
ستون سنة. وقال: يقال إنها لن تلد بعد خمسين سنة إلا عربية، ولا تلد بعد الستين إلا
قرشية. (وإن حاضت الصغيرة في عدتها ولو قبل انقضائها بلحظة ابتدائها) أي العدة
(بالقروء)، لأن الشهور بدل عنها، فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتيمم مع الماء، (وإن
كان) حيض الصغيرة (بعد انقضائها) أي العدة (بالشهور، ولو) كانت البعدية (بلحظة لم
يلزمها استئنافها) أي العدة بالقروء، لأنه حدث بعد انقضاء العدة أشبه ما لو حدث بعد طول
الفصل. (وإن يئست ذات القروء في عدتها ابتدأت عدة آيسة) أي ابتدأت بثلاثة أشهر، لأن العدة
لا تلفق من جنسين، وقد تعذر الحيض فتنتقل إلى الأشهر لأنها عجزت عن الأصل
وكالتيمم. (فإن بان بها حمل من الزوج سقط حكم ما مضى، وتبين أن ما رأته من الدم لم
يكن حيضا)، لأن الحامل لا تحيض وتعتد بوضع الحمل. (وإن عتقت الأمة الرجعية في
عدتها بنت على عدة حرة)، لأن الحرية وجدت وهي زوجة فوجب أن تعتد عدة الحرة، كما
لو عتقت قبل الطلاق. (وإن كانت) الأمة (بائنا) وعتقت، و (بنت على عدة أمة) لأن الحرية
لم توجد وهي زوجة، فوجب أن تبنى على عدة أمة كما لو انقضت العدة. (وإن عتقت) الأمة
(تحت عبد فاختارت نفسها اعتدت عدة حرة)، لأنها بانت من زوجها وهي حرة، وروى
490

الحسن أن النبي (ص) أمر بريرة بذلك. وإن طلقها رجعيا فأعتقها سيدها بنت على عدة
حرة سواء فسخت أو أقامت على النكاح.
فصل
الخامسة من المعتدات
(من ارتفع حيضها ولو بعد حيضة أو حيضتين لا تدري ما رفعه)، أي سببه (اعتدت
سنة) منذ انقطع بعد الطلاق، فإن كان انقطاعه قبل الطلاق فمنه (تسعة أشهر للحمل)، لأنها
غالب مدته لتعلم براءتها من الحمل، (وثلاثة للعدة)، رواه الشافعي بإسناد جيد من حديث
سعيد بن المسيب عن عمر. قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا
ينكره منكر علمناه. ولان الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحمها وهذا تحصل به براءة الرحم
فاكتفى به، وإنما اعتبرنا مضي سنة من الانقطاع ولو بعد حيضة أو حيضتين، (لأنها لا تبنى
عدة على عدة أخرى، وإن كانت) من ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه، (أمة فبأحد عشر شهرا)
تسعة للحمل وشهران للعدة. (فإن عاد الحيض إلى الحرة أو الأمة قبل انقضاء عدتها ولو في
آخرها) أي آخر العدة (لزمها الانتقال إليه) لأنه الأصل، (وإن عاد) الحيض (بعد مضيها) أي
العدة (ولو قبل نكاحها لم تنتقل) إلى الاعتداد بالحيض، كما لو عاد بعد النكاح، (فإن عاد
عادة المرأة إن يتباعد ما بين حيضتيها لم تنقض عدتها إلا بثلاث حيض، وإن طالت) لأنها
من ذوات الأقراء. (وعدة الجارية التي أدركت ولم تحض) ثلاثة أشهر، لقوله تعالى:
* (واللائي يئسن من المحيض) * الآية، ولأن الاعتبار بحال إعادتها ولا تمييز لها
491

ثلاثة أشهر. (و) عدة (المستحاضة المبتدأة ثلاثة أشهر) إن كانت حرة، (والأمة شهران)
لأن النبي (ص) أمر جنة بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة، فجعل لها
حيضة من كل شهر بدليل أنها تترك الصلاة ونحوها. (وإن كانت) لها (عادة أو تمييز
عملت به) كما تعمل به في الصلاة والصوم. (فإن كانت عادتها سبعة أيام من أول كل
شهر فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيام من أول) الشهر (الثالث فقد انقضت عدتها)
، لمضي ثلاث حيض بحسب عادتها. (وإن علمت) المستحاضة (أن لها حيضة في كل
شهر أو) كل (شهرين ونحوه ونسيت وقتها)، أي وقت الحيضة (فعدتها ثلاثة أمثال
ذلك) الوقت التي لها فيه الحيضة، لتحقق مضي ثلاث حيضات بحسب العادة، (وإن
عرفت ما رفعه) أي الحيض (من مرض أو رضاع أو نفاس فلا تزال) إذا طلقت ونحوه
(في عدة، حتى يعود الحيض فتعتد به)، لما روى الشافعي عن سعيد بن سالم عن أبي
جريح عن عبد الله بن أبي بكر أنه أخبره: أن حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح
وهي مرضعة، فمكثت سبعة أشهر لا تحيض يمنعها الرضاع ثم مرض حبان فقيل له:
إن مت ورثتك. فجاء إلى عثمان وأخبره بشأن امرأته وعنده علي وزيد فقال لهما
عثمان: ما تريان؟ فقالا: نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت فإنها ليست من
القواعد اللائي يئسن من المحيض، وليست من اللائي لم يحضن، ثم هي على عدة
حيضها ما كان من قليل وكثير فرجع حبان إلى أهله فانتزع البنت منها فلما فقدت
الرضاع حاضت حيضة ثم أخرى ثم مات حبان قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة
الوفاة وورثته ورواه البيهقي بطريق آخر، وليس فيه ذكر زيد. (أو) حتى (تبلغ سن
الآيسة فتعتد عدتها)، لأنها آيسة أشبهت سائر الآيسات، (وعنه تنتظر زواله) أي الدافع
للحيض من مرض ونحوه، (ثم إن حاضت اعتدت به وإلا اعتدت بسنة) وهو ظاهر
عيون المسائل والكافي.
492

فصل
السادسة
من المعتدات (امرأة المفقود) حرة كانت أو أمة (الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها
الهلاك كالذي يفقد بين أهله) ليلا أو نهارا، (أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع أو يمضي إلى
مكان قريب ليقضي حاجته ويرجع، فلا يظهر له خبر أو يفقد في مفازة) مهلكة كدرب الحجاز
(أو) يفقد (بين الصفين إذا قتل قوم أو من غرق مركبه ونحو ذلك، فإنها) أي زوجته (تتربص
أربع سنين ولو كانت أمة ثم تعتد للوفاة) حرة (أربعة أشهر وعشرا والأمة شهران وخمسة
أيام). قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله تذهب إلى حديث عمر وهو أن رجلا فقد فجاءت
امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له فقال: تربصي أربع سنين ففعلت، ثم أتته فقال: تربصي
أربعة أشهر وعشرا ففعلت. ثم أتته فقال: أين ولي هذا الرجل؟ فجاؤوا به فقال: طلقها
ففعل، فقال عمر: تزوجي من شئت رواه الأثرم والجوزجاني والدارقطني قال أحمد:
هو أحسنها يروى عن عمر ثمانية وجوه ثم قال: زعموا أن عمر رجع عن هذا هؤلاء
الكذابون وقال: من ترك هذا أي شئ يقول هو عن خمسة من الصحابة عمر وعثمان وعلي
وابن عباس وابن الزبير؟ (و) قال (في التنقيح) الأمة (كحرة وهو سهو) إذ الأمة إنما
تساوي الحرة في التربص فقط لا في العدة بعده. (ولا يفتقر الامر إلى حاكم ليحكم بضرب
المدة وعدة الوفاة والفرقة)، لأنها مدة تعتبر لإباحة النكاح فلم تفتقر إلى الحاكم كمدة من
ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه، فيكون ابتداء المدة من حين انقطع خبره. (ولا) يفتقر الامر
(إلى طلاق ولي زوجها بعد اعتدادها)، وهو قول ابن عمر وابن عباس وهو القياس. (فلو
493

مضت المدة والعدة تزوجت) من غير طلاق ولي ولا حاكم، (وإذا حكم الحاكم بالفرقة أو
فرغت المدة نفذ الحكم) بالفرقة (في الظاهر)، لأن عمر لما حكم بالفرقة نفذ ظاهرا ولو لم
ينفذ لما كان في حكمه فائدة، دون الباطن لأن حكم الحاكم لا يغير الشئ عن صفته في
الباطن. (فلو طلق الأول صح طلاقه لبقاء نكاحه) بدليل تخييره في أخذها لو رجع. (وكذا لو
ظاهر منها ونحوه) كما لو آلى أو قذفها، (ولو تزوجت امرأته) أي المفقود (قبل) مضي
(الزمان المعتبر) للتربص والعدة، (ثم تبين أنه كان ميتا أو أنه كان طلقها قبل ذلك بمدة تنقضي
فيها العدة لم يصح النكاح)، لأنها ممنوعة منه أشبهت المزوجة. (وإذا تربصت) الأربع سنين
(واعتدت) للوفاة (ثم تزوجت ثم قدم زوجها الأول قبل وطئ الثاني ردت إليه)، أي إلى الأول
لأنا تبينا حياته أشبه ما لو شهدت بينة بموته فكان حيا. (ولا صداق على الثاني) لبطلان
نكاحه، لأنه صادف امرأة ذات زوج، وتعود إلى الأول بالعقد الأول، (وإن كان) عود الأول
(بعده) أي بعد دخول الثاني بها (خير الأول بين أخذها) منه فتكون امرأته (بالعقد الأول
، ولو لم يطلق الثاني نصا) لأن نكاحه كان باطلا في الباطن. (ويطأ) الأول (بعد عدته) أي عدة
الثاني (وبين تركها مع الثاني)، لقول عمر وعثمان وعلي وقضى به ابن الزبير ولم يعرف لهم
مخالف فكان كالاجماع، وإذا لم يخترها الأول كانت مع الثاني (من غير تجديد عقد) في
الأشهر، قاله في الرعاية، لأن الصحابة لم ينقل. عنهم تجديد عقد. (واختار الموفق
التجديد. انتهى) وهو القياس قال المنقح: قلت: الأصح بعقد انتهى لأنا تبينا بطلان عقده
بمجئ الأول. ويحتمله قول الصحابة، انتهى وعلى ذلك فيحتاج إلى طلاق الأول كما في
الرعاية ثم إلى انقضاء العدة ثم يجدد العقد. ويأخذ الأول) إذا تركها الثاني (قدر الصداق
الذي أعطاها هو) أي الأول (من الثاني) لقضاء عثمان وعلي، ولان الثاني أتلف المعوض
فرجع عليه بالعوض كشهود الطلاق إذا رجعوا، فعلى ذلك إن لم يكن دفع الصداق لم يرجع
494

عليها بشئ. وإلا رجع في قدر ما أقبض منه. (ويرجع الثاني على الزوجة بما أخذ منه) لأنه
غرمه بسببها، (فإن رجع الأول بعد موتها لم يرثها) لأنها زوجة الثاني ظاهرا. (وإن رجع)
الأول (بعد موت الثاني ورثته)، لأنها زوجته ظاهرا. (واعتدت ورجعت إلى الأول) لعدم
المعارض له. قال الشيخ تقي الدين: هي زوجة الثاني ظاهرا وباطنا وترثه. ذكره أصحابنا،
وهل ترث الأول؟ قال أبو جعفر: ترثه وخالفه غيره. ومتى ظهر الأول فالفرقة ونكاح الثاني
موقوفان، فإن أخذها بطل نكاح الثاني حينئذ، وإن أمضى ثبت نكاح الثاني، انتهى.
قلت: وهذا مبني على الأول وأما على ما اختاره الموفق من تجديد العقد إذا تركها
الأول، فلا ينبغي أن ترث من الثاني ولا أن يرث منها لبطلان نكاحه بظهور حياة الأول.
(وأما من) أي المفقود الذي (انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة، كسفر التاجر في غير مهلكة
وإباق العبد. و) السفر ل‍ (- طلب العلم والسياحة والأسر) عند من ليس عادته القتل، (وسفر
الفرجة ونحوه، فإن امرأته تتربص تمام تسعين سنة من يوم ولد)، لأن الظاهر أنه لا يعيش
أكثر منها، فإن فقد ابن تسعين اجتهد الحاكم ذكره في الترغيب، نقله عنه في المبدع. (ثم
تعتد عدة الوفاة) لأنه قد حكم بموته، (ثم تحل) للأزواج (وتقدم في باب ميراث المفقود،
وإن كانت غيبته) أي الزوج (غير منقطعة)، بأن كانت بحيث (يعرف خبره ويأتي كتابه، فليس
لامرأته أن تتزوج إلا أن يتعذر الانفاق عليها من ماله فلها الفسخ) بإذن الحاكم، لتعذر الانفاق
عليها بالاستدانة وغيرها كما يأتي في النفقات، فإن كان الزوج رقيقا فنفقة زوجته على سيده
فيعتبر تعذر الانفاق عنه، و (لا) تفسخ (بتعذر الوطئ إذا لم يقصد بغيبته الاضرار بتركه.
فإن قصده فلها الفسخ به إذا كان سفره أكثر من أربعة أشهر).
قلت: مقتضى ما سبق إذا غاب فوق نصف سنة في غير غزو أو حج واجبين، أو
طلب رزق يحتاجه وطلبت قدومه ولم يقدم. فلها الفسخ، وإن لم يقصد المضارة، وأما
قصد المضارة فتفسخ إذا مضت الأربعة أشهر وطلبت الفيئة وأبى على ما تقدم في الايلاء.
495

(ومن ظهر موته باستفاضة كأن تظاهرت الاخبار بموته أو) شهدت به (بينة فاعتدت زوجته
للوفاة أبيح لها أن تتزوج) للحكم بموته، (فإن عاد زوجها بعد ذلك فكمفقود) إن كان قبل
الدخول ردت إلى الأول، وإن كان بعده فإنه (يخير زوجها) الأول (بين أخذها) من الثاني
، (و) بين (تركها) للثاني، (وله الصداق) الذي أعطاها هو يأخذه من الثاني ويرجع به الثاني
عليها. (وله) أي للزوج القادم أي (تضمين البينة) التي شهدت بموته (ما تلف من ماله)
لتسببها في إتلافه، (وإن اختارت امرأة المفقود المقام والصبر حتى يتبين أمره، فلها النفقة من
ماله ما دام حيا) لقيام موجبها، وهو الزوجية (فإن تبين أنه) كان (مات أو فارقها رجع) بالبناء
للمفعول، أي رجع الورثة فيما إذا مات أو رجع هو فيما إذا فارق (عليهما بما بعد ذلك من
النفقة)، لانقطاع الزوجية. (وإن ضرب لها) أي لامرأة المفقود (حاكم مدة للتربص فلها فيها
النفقة)، لأنه لم يحكم بموته بعد. و (لا) نفقة لها (في العدة) لأنه حكم بموته بعد مدة
التربص فصارت معتدة للوفاة. والوجه الثاني لها النفقة قاله القاضي، وهو نص أحمد، لان
النفقة لا تسقط إلا بيقين الموت، ولم يوجد ههنا. وكذا ذكر صاحب المغني والشرح
، وزاد أن نفقتها لا تسقط بعد العدة أيضا لأنها باقية على نكاحه ما لو تتزوج أو يفرق الحاكم
بينهما. (وإن تزوجت) امرأة المفقود سقطت نفقتها، (أو فرق الحاكم بينهما سقطت) النفقة
لانقطاع الزوجية ظاهرا. (فإن قدم الزوج بعد ذلك وردت إليه عادت نفقتها من حين الرد)
كالناشز إذا عادت للطاعة. (وإذا تزوج امرأة لها ولد من غيره، وليس للولد ولد ولا ولد ابن،
ولا أب، ولا جد وهي غير آيسة، فمات) ولدها (اعتزلها الزوج وجوبا حتى تحيض) حيضة
نصا. (أو يتبين حملها). روي عن علي وابنه الحسن ونحوه عن عمر والحسين بن علي
والصعب بن جثامة. (لأن حملها يرثه) أي يرث ولدها لأنه أخوه لامة، وليس من يحجبه
496

(فإن لم يفعل) أي الزوج بأن لم يعتزلها، (وأتت بولد قبل ستة أشهر)، وعاش، (ورث) من ولد
أمه لأنا تبينا أنه كان موجودا حين موته. (وإن أتت به بعدها) أي بعد ستة أشهر (من حين
وطئها) الزوج (بعد موت الولد لم يرث) س الحمل، لاحتمال حدوثه بالوطئ (ومن طلقها
زوجها) وهو غائب، (أو مات عنها) زوجها (وهو غائب عنها فعدتها من يوم مات أو طلق)
روي عن ابن عمر، وابن عباس وابن مسعود رواه عنهم البيهقي كما لو كان حاضرا، ولان
القصد غير معتبر في العدة بدليل الصغيرة والمجنونة، وكما لو كانت حاملا فوضعت غير
عالمة بفرقته. (وإن لم يجتنب ما تجتنبه المعتدة) لأن الاحداد الواجب ليس بشرط في العدة
لظاهر النصوص. (وإن أقر الزوج أنه طلقها من مدة تزيد على العدة إن كان فاسقا أو مجهول
الحال لم يقبل قوله في انقضاء العدة التي فيها حق الله). قاله في الاختيارات. (وإن كان عدلا
غير متهم مثل أن كان غائبا فلما حضر أخبرها أنه طلق من كذا وكذا)، قبل قوله لعدم
التهمة. قال في الاختيارات: إنه المشهور عن أحمد (فتعتد من حين الطلاق كما لو قامت
به بينة وعدة موطوءة بشبهة) كمطلقة. ذكره في الانتصار إجماعا، لأن الوطئ في ذلك من
شغل الرحم، ولحوق النسب كالوطئ في النكاح الصحيح، (أو) أي وعدة موطوءة (بزنا
كمطلقة)، لأنه وطئ يقتضي شغل الرحم كوطئ الشبهة، ولأنه لو لم تجب العدة لاختلط
ماء الواطئ والزوج فلم يعلم لمن الولد منهما، (إلا أمة غير مزوجة ف‍) - تستبرأ (بحيضة)،
لأن المقصود العلم ببراءة الرحم من الحمل، وذلك حاصل بالحيضة كما لو أراد سيدها
بيعها بعد وطئها، (وإن وطئت زوجة) بشبهة أو زنا (أو) وطئت (سرية بشبهة أو زنا حرمت)
أي حرم وطؤها (حتى تعتد الزوجة) حرة كانت أو أمة، (وتستبرأ السرية) خشية اشتباه
الأنساب واختلاط المياه. (وله) أي الزوج أو السيد (الاستمتاع منهما) أي من الزوجة والسرية
(بما دون الفرج) كقبلة ولمس لشهوة، لأن التحريم لعارض كالحيض.
497

فصل
وإن وطئت معتدة بشبهة أو نكاح فاسد فرق بينهما
لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه، (وأتمت عدة الأول) لأن سببها سابق على الوطئ
المذكور. (ولا يحتسب منها) أي العدة (مدة مقامها) أي الموطوءة (عند الواطئ الثاني) بعد
الوطئ بل ابتداؤها من التفريق بينهما، (وله) أي المطلق (رجعة رجعية في مدة تتمة عدته) كما
لو لم توطأ في الرجعة. (ثم استأنفت العدة من الواطئ) لأن العدتين من رجلين لا يتداخلان
كالديتين، (وإن كانت بائنا فأصابها المطلق) في عدتها (عمدا فكذلك)، أي تتم العدة الأولى ثم
تعتد من الوطئ. لأنه وطئ محرم لا يلحق فيه النسب. ولأن العدة الأولى عدة طلاق
والثانية عدة زنا، فلم تدخل إحداهما في الأخرى لاختلاف سببهما كالكفارات. (وإن أصابها)
مبينها في عدتها (بشبهة استأنفت العدة للوطئ)، لأن الوطئ قطع العدة الأولى، وهو موجب
للاعتداد للاحتجاج إلى العلم ببراءة الرحم من الحمل. (ودخلت فيها بقية) العدة (الأولى) لان
الوطئ بشبهة يلحق فيه النسب فدخلت بقية الأولى في العدة الثانية. (وإن وطئت امرأة) مزوجة
(بشبهة ثم طلقها زوجها رجعيا اعتدت له) أي للطلاق (أولا) لقوته، (ثم اعتدت للشبهة) ولا
تتداخل العدة مع اختلاف الواطئين كما تقدم، (وكل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية
والموطوءة بشبهة، أو نكاح فاسد قياس المذهب تحريمها على الواطئ وغيره في العدة، قاله
الشارح. وقال الموفق: والأولى حل على نكاحها لمن هي معتدة منه إن كان يلحقه نسب
ولدها) كالموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد. لأن العدة لحفظ مائه وصيانة نسبه. ولا يصان
498

ماؤه المحترم من مائه المحترم، ولا يحفظ نسبه عنه كالمطلقة البائن. (وإلا) أي وإن لم
يلحقه نسب ولدها كالمزني بها، (فلا) تحل له في عدتها (وتقدم في المحرمات في النكاح)
تحل له المعتدة منه إذا كان يلحقه نسب ولدها منه. (إن لم يلزمها عدة من غيره) فإن لزمتها
عدة من غيره، فلا حتى تنقضي (وإن تزوجت) المرأة (في عدتها فنكاحها باطل) لقوله
تعالى: * (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * ولأن العدة إنما
اعتبرت لمعرفة براءة الرحم، لئلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب. (ويجب أن يفرق
بينهما) لأنهما أجنبيان (وتسقط نفقة الرجعية وسكناها عن الزوج الأول لنشوزها، ولم تنقطع
عدتها حتى يطأ الثاني)، لأن العقد باطل، لا تصير به المرأة فراشا، وسواء علم بالتحريم أو
جهله. فإذا دخل بها انقطعت العدة، لأنها حينئذ صارت فراشا له. (ثم إذا فارقها بنت على
عدتها من الأول) لأن حقه أسبق، ولان عدته وجبت عن وطئ في نكاح صحيح. (واستأنفت
العدة) بعد ذلك (من الثاني) ولا تتداخل العدة رواه مالك والشافعي والبيهقي بإسناد جيد
عن عمر وعلي، ولا نعرف لهما مخالفا في الصحابة. قاله في المبدع: ولأنهما حقان
مقصودان لآدميين كالديتين. (وإن أتت بولد من أحدهما عينا انقضت عدتها به)، أي بوضعه
(منه) أي ممن لحق به الولد. (ثم اعتدت للآخر) بثلاثة أقراء ويكون الولد للأول عينا إذا
ولدته لدون ستة أشهر، وعاش من وطئ الثاني، ويكون للثاني عينا إذا ولدته لفوق ستة أشهر
من وطئه، ولفوق أربع سنين من إبانة الأول لها. (وإن أمكن أن يكون) الولد (منهما) بأن
أتت به لفوق ستة أشهر من وطئ الثاني، ولدون أربع سنين من بينونة الأول. (أري) الولد
(القافة معهما) أي مع الواطئين (فألحق) الولد (بمن ألحقوه به منهما)، لأن قولها في ذلك
حجة. (وانقضت عدتها به) لأنه لا يجوز أن يكون الحمل من إنسان والعدة من غيره، (وإن
ألحقته) القافة (بهما) أي الواطئين (لحق بهما، وانقضت عدتها به منهما). لأن الولد محكوم
به لهما، فتكون قد وضعت حملها منهما. (وإن نفته) القافة (عنهما) أي الواطئين، (أو أشكل
عليها أو لم يوجد قافة ونحوه) كما لو اختلف قائفان اعتدت (بعد وضعه بثلاثة قروء)، لأنه
499

إن كان من الأول فقد أتت بما عليها من عدة الثاني. وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل
عدة الأول ليسقط الفرض بيقين. وعلم مما سبق أنها إذا ولدت لدون ستة أشهر من وطئ
الثاني، ولأكثر من أربع سنين من فراق الأول. لم يلحق بواحد منهما ولا تنقضي عدتها به
منه، لأنا نعلم أنه من وطئ آخر. (وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين) وهو قول علي.
وروي عن عمر أنه رجع إليه. رواه البيهقي بإسناد جيد، وكما لو زنى بها. وآيات الإباحة
عامة. وقال الشافعي: له نكاحها بعد قضاء عدة الأول، لأن العدة إنما شرعت لحفظ
النسب وصيانة للماء والنسب لا حق به، أشبه ما لو خالعها ثم نكحها في عدتها. قال في
المغني: وهذا قول حسن موافق للنظر. (فإن وطئ رجلان امرأة بشبهة أو زنا فعليها عدتان
لهما) لقول عمر وعلي. ولأنهما حقان مقصودان لآدميين، فلا يتداخلان كالدينين واختار
ابن حمدان إذا زنيا بها تكفيها عدة، وجزم بمعناه في المنتهى. (2). قال في التنقيح: هو
أظهر. قال في شرح المنتهى: في الأصح، لعدم لحوق النسب فيه فيبقى القصد للعلم
ببراءة الرحم، وعلى هذا عدتها من آخر وطئ والأول، قدمه في المبدع والتنقيح وهو
مقتضى المقنع. (وإذا تزوج معتدة) من غيره (وهما) أي العاقد والمعقود عليها (عالمان
بالعدة) قلت: ولم تكن من زنا. (و) عالمان (بتحريم النكاح فيها) أي العدة (ووطئها فيها)
أي العدة (فهما زانيان عليهما حد الزنا، ولا مهر لها) لأنها زانية مطاوعة ولا نظر لشبهة
العقد، لأنه باطل مجمع على بطلانه فلا أثر له بخلاف المعتدة من زنا، فإن نكاحها فاسد
والوطئ فيه حكمه حكم وطئ الشبهة، للاختلاف في وجوبها. ومحل سقوط مهرها (إن لم
تكن أمة) فإن كانت أمة لم يسقط، لأنه لسيدها فلا يسقط بمطاوعتها، (ولا يلحقه النسب)
لأنه من زنا (وإن كانا) أي الناكح والمنكوحة (جاهلين بالعدة، أو) جاهلي (التحريم ثبت
النسب وانتفى الحد ووجب المهر)، لأنه وطئ شبهة. (وإن علم هو دونها فعليه الحد) للزنا،
500

(و) عليه (المهر) بما نال من فرجها، لأنها زانية مطاوعة. (وإن علمت هي دونه فعليها الحد
ولا مهر لها) إن كانت حرة، لأنها زانية مطاوعة (ويلحقه النسب) لأنه وطئ شبهة.
فصل
وإن طلقها
الزوج (واحدة) رجعية، (فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية، بنت على ما مضى من
العدة) لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطئ ولا رجعية، أشبها الطلقتين في وقت واحد. (وإن
راجعها ثم طلقها بعد دخوله بها أو قبله استأنفت العدة)، لأنه طلاق في نكاح صحيح وطئ
فيه كما لو يتقدمه طلاق. (كفسخها) النكاح (بعد الرجعة بعتق) تحت عبد (أو غيره)
أي غير العتق كفسخها لعنة أو إعسار، لأن موجب الفسخ في العدة موجب الطلاق، فكان
حكمه حكمه، وإن وطئها في عدتها حصلت به الرجعة كما تقدم، فإذا طلقها استأنفت. (وإن
طلقها بائنا ثم نكحها في عدتها ثم طلقها قبل دخوله بنت على ما مضى) لأنه طلاق من
نكاح لا دخول فيه، فلا يوجب عدة كما لو لم يتقدمه نكاح.
فصل
ويلزم الاحداد
وهو المنع إذ المرأة تمنع نفسها مما كانت تتهيأ به لزوجها من تطيب وتزين، يقال
أحدت المرأة إحداد فهي محدة، وحدت تحد بالضم والكسر فهي حادة، وسمي الحديد
حديدا للامتناع به أو لامتناعه على من يحاوله (في العدة، كل متوفى عنها فقط في نكاح
صحيح) لحديث أم عطية أن رسول الله (ص) قال: لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج
، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا
501

تمس طيبا متفق عليه. والعصب بفتح العين وإسكان الصد المهملتين نوع من البرد
يصبغ غزله ثم ينسج. قاله القاضي، وقال في الشرح: الصحيح أنه نبت يصبغ به الثياب
(ويباح) الإحداد (لبائن) كالمطلقة ثلاثا والمختلعة بالاجماع، ذكره في المبدع لكن لا
يسن، قاله في الرعاية ولا يجب لظاهر الأحاديث، ولان الإحداد في عدة الوفاة لإظهار
الأسف على فراق زوجها وموته، فأما البائن فإنه فارقها باختياره وقطع نكاحها فلا معنى
لتكليفها الحزن عليه، ولان المتوفى عنها لو أتت بولد لحق الزوج، وليس له من ينفيه
فاحتيط عليها بالاحداد، لئلا يلحق بالميت من ليس منه بخلاف المطلقة البائن، وكالرجعية.
(ويحرم) الاحداد (فوق ثلاث على ميت غير زوج) للخبر، (ولا يجب) الاحداد على متوفى
عنها (في نكاح فاسد) لأنه ليس بزوج وفي الجامع المنصوص: يلزم الاحداد في نكاح فاسد
(والمسلمة والذمية والمكلفة وغيرها فيه) أي الاحداد (سواء) لعموم الأدلة، وغير المكلفة
يجنبها وليها ما يجب على المكلفة تجنبه. (وهو) أي الاحداد (اجتناب ما يدعو إلى جماعها
ويرغب في النظر إليها ويحسنها من زينة)، أي ما يتزين به (وطيب) للأخبار الصحيحة، ولأنه
يحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة. (ولو) كان الطيب (في دهن كدهن ورد و) دهن (بنفسج
و) دهن (ياسمين و) دهن (بان ونحوه) كدهن زئبق، لأنه طيب (لكن لها أن تجعل في
فرجها طيبا إذا اغتسلت من الحيض ولا بأس بدهن غير مطيب كزيت وشيرج) بفتح الشين
لقوله (ص) في حديث أم عطية: ولا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها
بنبذة من قسط أو أظفار متفق عليه. لأنه ليس بطيب. (و) لا بأس ب‍ (- صبر في غير وجه
وسمن ويحرم) على المتوفى عنها (أن تختضب) لقوله (ص) في حديث أم سلمة ولا
تختضب. ولأنه يدعو إلى الجماع أشبه الحل بل أولى. (وأن تخمر وجهها وأن تبيضه
502

باسفيداج العرائس)، لأنها إنما منعت منه في الوجه، لأنه يصفره فيشبه الخضاب. (وأن تجعل
عليه) أي الوجه (صبرا) بكسر الباء (بصفرة) فيشبه الخضاب، قال في الفروع فيتوجه واليدين
(وأن تنقش وجهها وأن تخضب وجهها وما أشبه ذلك مما يحسنها) ويدعو إلى جماعها، (وأن
تكتحل بإثمد ولو كانت سوداء) لقوله (ص) في حديث أم عطية: ولا تكتحل. ولأنه أبلغ
في الزينة. (إلا إذا احتاجت) للإثمد (للتداوي فتكتحل) به (ليلا وتمسحه نهارا)، قدمه في
المبدع وغيره. (ويباح) لها اكتحال (بتوتيا وعنزروت ونحوهما)، لأنه لا زينة فيه. (كتنظيف
وتقليم أظفار ونتف إبط وحلق شعر مندوب أخذه) كعانة، (واغتسال بسدر وامتشاط ودخول
حمام)، لأنه ليس منصوصا عليه، ولا في معنى المنصوص. (ويحرم عليها الثياب المصبغة
للتحسين كالمعصفر والمزعفر والأحمر والأزرق والأخضر المصافيين، والأصفر والمطرز)
لقوله (ص): ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب وفي حديث أم سلمة: ولا تلبس
المعصفر من الثياب ولا لشق. (و) يحرم عليها (الحلي كله حتى الخاتم والحلقة) سواء
كان من ذهب أو فضة، لعموم النهي. (وما صبغ غزله ثم نسج فكمصبوغ بعد نسجه)، إذ لا
دخل لذلك في التحسين وعدمه. (ولا يحرم الأبيض وإن كان حسنا ولو) كان الأبيض
(حريرا) لأن حسنه من أصل خلقته فلا يلزم تغييره. قال في المبدع: وظاهره ولو كان معدا
للزينة وفيه وجه. (ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي والأسود والأخضر المشبع)، لأن الصبغ
لدفع الوسخ لا يحسنه، لأنه ليس بزينة. (ولا) يحرم عليها (نقاب) خلافا للخرقي، لأنه ليس
503

في معنى المنصوص عليه وقياس المعتدة بالمحرمة مردود بأن المحرمة يحرم عليها لبس
القفازين، ويباح لها سائر الثياب ولا كذلك المعتدة. (ويجوز لها) في عدة الوفاة (التزين في
الفرش والبسط والستور وأثاث البيت، لأن الاحداد في البدن لا في الفرش ونحوه)، لأنه غير
منصوص عليه فيها.
فصل
وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت
العدة (فيه، وهو) المنزل (الذي مات فيه زوجها وهي ساكنة فيه). روي عن عمر وابنه
وابن مسعود وأم سلمة وغيرهم لقوله (ص) لفريعة: اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله
فاعتدت أربعة أشهر وعشرا فلما كان عثمان أرسل إلي ذلك فأخبرته فاتبعه
وقضى به. رواه مالك وأحمد وأبو داود وصححه الترمذي. (سواء كان) المنزل (لزوجها أو)
كان (بإجارة أو عارية إذا تطوع الورثة بإسكانها فيه، أو) تطوع به (السلطان أو) تطوع به
(أجنبي) لعموم ما سبق. (وإن انتقلت) المعتدة (إلى غيره) أي غير المنزل الذي وجبت فيه
العدة (لزمها العود إليه) لتقضي عدتها به لما تقدم. (إلا أن تدعو الضرورة إلى خروجها منه
بأن يحولها مالك) المنزل منه، (أو تخشى على نفسها من هدم أو غرق أو عدو أو غير ذلك
كخروجها لحق) عليها (أو) لكونها (لا تجد ما تكتري به) فتنتقل لأنها حالة عذر. (أو لا
تجد) ما تكتري به (إلا من مالها)، لأن الواجب عليها السكنى لا تحصيل المسكن. (وفي
المغني وغيره أو يطلب منها فوق أجرته فتسقط السكنى وتسكن حيث شاءت)، لان
الواجب سقط بخلاف نقل الزكاة، لأن القصد نفع الأقرب ولو اتفق الوارث والمرأة على
504

نقلها لم يجز، لأن السكنى هنا حق لله تعالى بخلاف سكنى النكاح، (ولا سكنى لها) أي
المتوفى عنها (ولا نفقة في مال الميت، ولا على الورثة إذا لم تكن حاملا) لأن ذلك يجب
للتمكين والاستمتاع. وقد فات ويأتي في النفقات. (ولهم) أي الورثة (إخراجها لأذاها) لهم
بالسب أو غيره وطول لسانها، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك. (ولا تخرج) المعتدة من مسكن
وجبت فيه (ليلا ولو لحاجة). لما روي مجاهد أن النبي (ص) قال: تحدثن عند إحداكن حتى
إذا أردتن النوم فلتأت كل واحدة إلى بيتها. ولان الليل مظنة الفساد (بل) تخرج ليلا
(لضرورة) كانهدام المنزل، (ولها) أي المعتدة (الخروج نهارا لحوائجها) من بيع وشراء
ونحوهما (فقط)، فلا تخرج لغير حاجة وتخرج لحاجتها. (ولو وجدت من يقضيها لها) لا
لحوائج غيرها، (وليس لها المبيت في غير بيتها) لخبر مجاهد. (فلو تركت الاعتداد) وفي
نسخ الاحداد (في المنزل أو لم تحد عصت) لمخالفتها الأوامر. (وتمت العدة بمضي
الزمان) كيف كانت كالصغيرة (والأمة كالحرة في الاحداد والاعتداد في منزلها) لعموم الخبر
(إلا أن سكناها في العدة كسكناها في حياة زوجها)، و (للسيد إمساكها نهارا) للخدمة (ويرسلها
ليلا) لتبيت بمسكن الزوج. (فإن أرسلها ليلا ونهارا اعتدت زمانها كله في المنزل) الذي مات
زوجها به لاسقاط السيد حقه فزال المعارض. (والبدوية كالحضرية) في لزوم الموضع الذي
مات زوجها وهي به. (فإن انتقلت الحلة انتقلت معهم) للضرورة، (وإن انتقل غير أهل المرأة
لزمها المقام مع أهلها) لعدم الحاجة إلى انتقالها. (وإن انتقل أهلها انتقلت معهم) للحاجة
(إلا أن يبقى من الحلة ما لا تخاف على نفسها معهم فتخير بين الإقامة) لتعتد بمحل زوجها
(و) بين (الرحيل) معهم (وإن هرب أهلها فخافت) على نفسها (هربت معهم) للحاجة، (فإن
أمنت أقامت لقضاء العدة في منزلها) لعدم الحاجة إلى الانتقال (وإن مات صاحب السفينة
505

وامرأته فيها) أي السفينة (ولها مسكن في البر فكمسافرة في البر) على ما يأتي تفصيله، (وإن
لم يكن لها مسكن سواها) أي السفينة. (وكان لها فيها بيت يمكنها المسكن فيه بحيث لا
تجتمع مع الرجال وأمكنها المقام فيه) أي في مسكنها بالسفينة (بحيث تأمن على نفسها
ومعها محرمها لزمها أن تعتد) لأنه كالمنزل الذي مات زوجها وهي به. (وإن كانت) السفينة
(ضيقة وليس معها محرم، أو لا يمكنها الإقامة فيها إلا بحيث تختلط مع الرجال لزمها
الانتقال عنها إلى غيرها)، لتعذر الإقامة بها عليها. (وإذا أذن للمرأة زوجها في النقلة من بلد
إلى بلد، أو) في النقلة (من دار إلى دار، فمات) الزوج (قبل خروجها من الدار أو البلد قبل
نقل متاعها من الدار أو بعده لزمها الاعتداد في الدار). لأنها مقيمة بعد والاعتداد في منزل
الزوج واجب. (وإن مات) الزوج (بعد انتقالها إلى) الدار (الثانية اعتدت فيها) لأنها منزلها
التي مات زوجها وهي فيها. (وكذلك إن مات) الزوج (بعد وصولها إلى البلد الآخر) فإنها
تعتد بها، لأنها محل إقامتها. (وإن مات) الزوج (وهي بين الدارين أو البلدين خيرت بينهما)
لتساويهما، ولان في وجوب الرجوع مشقة. (وإن سافر) الزوج (بها) أي بزوجته (لغير النقلة
فمات) الزوج (في الطريق قريبا وهي دون مسافة القصر لزمها العود)، لأنها في حكم الإقامة
(وإن كان) بعدها (فوقها) أي فوق مسافة القصر (خيرت بين البلدين) لتساويهما، وكل موضع
يلزمها السفر فهو مشروط بوجود محرم يسافر معها للخبر، (وإذا مضت) المعتدة (إلى
مقصدها فلها الإقامة حتى تقضي ما خرجت إليه، وتقضي حاجتها من تجارة أو غيرها) دفعا
للحرج والمشقة. (وإن كان خروجها لنزهة أو زيارة ولم يكن) الزوج قبل موته (قدر لها مدة
أقامت ثلاثا) أي ثلاث ليال بأيامها، لأنها مدة الضيافة. (وإن كان) قبل موته (قدر لها مدة
506

فلها إقامتها) استصحابا للاذن. (فإذا مضت مدتها) التي قدرها لها أو الثلاث إذا لم يكن قدر
لها مدة. (أو قضت حاجتها) إذا كان السفر لحاجة (ولم يمكنها الرجوع لخوف أو غيره)
كعدم محرم إذا كانت مسافة قصر، (أتمت العدة في مكانها) للعذر. (وإن أمكنها الرجوع لكن
لا يمكنها الرجوع إلى منزلها حتى تنقضي) العدة، لكون السفر يستوعب ما بقي منها، (لزمتها
الإقامة في مكانها) حتى تنقضي عدتها (وإن كانت تصل) إلى منزلها (وقد بقي منها) أي
العدة (شئ لزمها العود لتأتي به في مكانها. وإن أذن لها) زوجها (في الحج أو كانت)
حجتها (حجة الاسلام فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج) إن قعدت (مضت في
سفرها)، لأنها عبادتان استوتا في الوجوب وضيق الوقت، فوجب تقديم الأسبق منهما كما لو
سبقت العدة، ولان الحج آكد، لأنه أحد أركان الاسلام والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه
(وإن لم تخش) فوات الحج (وهي في بلدها أو قريبة) منها أي دون مسافة القصر،
و (يمكنها العود أقامت لتقضي العدة في منزلها) لأنه أمكنها الجمع بين الحقين من غير
ضرر بالرجوع فلم يجز إسقاط أحدهما، ولأنها في حكم المقيمة. (وإلا) أي وإن لم تكن في
بلدها ولا قريبة منه، أو لم يمكنها العود (مضت في سفرها)، لأن في الرجوع عليها حرجا
ومشقة، وهو منتف شرعا. (ولو كان عليها حجة الاسلام فمات) زوجها (لزمتها العدة في
منزلها، وإن فاتها الحج) لأن العدة في المنزل تفوت ولا بدل لها، والحج يمكن الاتيان به
بعدها. (وإن أحرمت قبل موته أو بعده وأمكن الجمع بينهما، بأن تأتي بالعدة في منزلها وتحج
لزمها العود ولو تباعدت)، لأنه أمكنها الجمع بين الواجبين من غير ضرر، وقيده في شرح
المنتهي بما إذا كان قبل مسافة القصر، لكن ما ذكره المصنف ظاهر المنتهي وغيره. (وإن
لم يمكن) الجمع (قدمت مع البعد الحج)، لأنه وجب بالاحرام وفي منعها من تمام سفرها
ضرر عليها بتضييع الزمان والنفقة، ومنع أداء الواجب، فلا يجب الرجوع لذلك. (ومع
507

القرب) بأن كانت دون مسافة قصر قدمت (العدة) لأنها في حكم المقيمة. (لو لم تكن
أحرمت)، وتتحلل بفوت الحج بعمرة، وحكمها في القضاء حكم من فاته الحج. وإن لم يمكنها
السفر فهي كالمحصر، ذكره في الشرح. (ومتى كان عليها في الرجوع خوف أو ضرر فلها
المضي في سفرها كالبعيدة) للحرج، (ومتى رجعت وبقي عليها شئ منها) أي العدة، (أتت به
في منزل زوجها) لأنه الواجب وقد زال المزاحم.
فصل
وتعتد بائن حيث شاءت من بلدها في مكان مأمون
ولا يجب عليها العدة في منزله لما روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمر بن حفص
طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها بشئ فسخطته. فقالت: والله ما لك عليها من شئ.
فجاءت رسول الله (ص) فذكرت ذلك له فقال لها: ليس لك عليه نفقة، ولا سكنى وأمرها أن
تعتد عند أم شريك ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي. اعتدي في بيت أم كلثوم متفق
عليه. وإنكار عمر وعائشة ذلك يجاب عنه. والمستحب إقرارها بمسكنها، لقوله تعالى:
* (لا تخرجوهن من بيوتهن) * الآية. (ولا تسافر) قبل انقضاء عدتها لما فيه من
التبرج والتعرض للريبة. (ولا تبيت إلا في منزلها) أي المكان المأمون الذي شاءته (وجوبا)
لما تقدم. (فلو كانت دار المطلق متسعة لهما، وأمكنها السكنى في موضع منفرد كالحجرة
وعلو الدار، وبينهما باب يغلق وسكن الزوج في الباقي جاز). لأنه لا محذور فيه. (كما لو
كانتا حجرتين متجاورتين وإن لم يكن بينهما باب مغلق، ولها موضع تستتر فيه بحيث لا
يراها) مبينها، (ومعها محرم تتحفظ به جاز أيضا) فإن لم يكن معها محرم لم يجز إذن، (ولو
508

غاب من لزمته السكنى لها)، أي لزوجته أو مطلقته الرجعية أو البائن الحامل ونحوها، (أو منعها
منها) أي من السكنى الواجبة عليه (اكتراه الحاكم من ماله) إن وجد له مالا، (أو اقترض عليه)
ما تسكن به إن لم يجد له مالا، لقيامه مقام الغائب والممتنع، (أو قرض) الحاكم (أجرته) أي
أجرة ما وجب على الغائب من المسكن، لتأخذ منه إذا حضر نظير ما فرضه. (وإن اكترته) أي
اكترت من وجبت لها السكنى مسكنا (بإذنه) أي إذن من وجبت عليه، (أو) ب‍ (إذن حاكم أو)
اكترته (بدونهما للعجز عن إذنه) أي إذن أحدهما، (رجعت) عليه بنظير ما اكترت به كما لو قام
بذلك أجنبي بنية الرجوع. (ومع القدرة) على استئذان الحاكم (إن نوت الرجوع رجعت) كمن
قام عن غيره بواجب، (ولو سكنت ملكها) مع غيبة من وجبت عليه السكنى أو امتناعه، (فلها
أجرته) لأنه يجب عليه إسكانها فوجبت عليه أجرته. (ولو سكنته) مع حضوره وسكوته، (أو
اكترت مع حضوره وسكوته فلا أجرة لها) لأنه ليس بممتنع ولا غائب ولا آذن، كما لو أنفق
على نفسه من لزمت غيره نفقته في مثل هذه الحالة. (وليس له الخلوة مع امرأته البائن) لأنها
أجنبية منه، (إلا) إذا خلا بالبائن (مع زوجته أو أمته أو محرم أحدهما) أي المبين أو المبانة
كان خلا بها مع أمه أو أمها، (وإن أراد) المبين (إسكان البائن في منزله أو غيره مما يصلح لها
تحصينا لفراشه، ولا محذور فيه لزمها ذلك) لأن الحق له فيه وضرره عليه، فكان إلى اختياره
كسائر الحقوق. (ولو لم تلزمه نفقة كمعتدة لشبهة أو نكاح فاسد أو مستبرأة بعتق) فيلزمهن
السكنى إذا طلبها الواطئ والسيد، مع أنه لا يلزمها إسكانهن. (وحكم الرجعية في العدة حكم
المتوفى عنها في لزوم المنزل) لقوله تعالى: * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن)
وسواء أذن لها الزوج في الخروج أو لم يأذن، لأن ذلك من حقوق العدة، وهي
حق لله تعالى فلا يملك الزوج إسقاط شئ من حقوقها، كما لا يملك إسقاطها، انتهى.
باب الاستبراء
بالمد طلب براءة الرحم كالاستعطاء طلب الاعطاء وخص بالأمة للعلم ببراءة رحمها
509

من الحمل والحرة، وإن شاركت الأمة في ذلك فهي مفارقة لها في التكرار، فلذلك يستعمل
فيها لفظ العدة. (وهو) تربص فيه (قصد علم براءة رحم ملك يمين) من قن ومكاتبة وأم
ولد ومدبرة (حدوثا)، أي عند حدوث الملك بشراء أو هبة أو إرث أو وصية أو نحوها، (أو
زوالا) أي عند إرادة زوال الملك ببيع أو هبة أو عتق أو زوال استمتاعه كما لو أراد تزويجها
وقوله: (من حمل غالبا) متعلق ببراءة وعلم منه أنه قد يكون تعبدا (بأحد ما يستبرأ به) من
وضع الحمل أو حيضة أو شهر أو عشرة، وتأتي مفصلة آخر الباب، ويجب الاستبراء في
ثلاثة مواضع: أحدها (إذا ملك ولو طفلا أمة ببيع أو هبة أو إرث أو سبي أو وصية أو غنيمة
أو غير ذلك)، بأن أخذها عوضا في إجارة أو جعالة أو خلع أو صلح، (لم يحل له وطؤها ولا
الاستمتاع بها بقبلة و) لا ب‍ (- نظر لشهوة، ولا بما دون فرج بكرا كانت أو ثيبا صغيرة يوطأ
مثلها أو كبيرة، ممن تحمل أو ممن لا تحمل حتى يستبرئها). لحديث أبي سعيد أن النبي (ص)
قال: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض رواه أحمد وأبو داود
والبيهقي بإسناد جيد، وفيه شريك القاضي، وعن رويفع بن ثابت مرفوعا: من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره. رواه أحمد والترمذي وأبو داود وإسناده حسن،
قاله في المبدع. وقال أحمد: بلغني أن العذراء تحمل. ولان عدمه يفضي إلى اختلاط
المياه واشتباه الأنساب. (وسواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة أو مجبوب، أو)
كان ملكها (من رجل قد استبرأها) قبل البيع، (ثم لم يطأها) فليس للمشتري وطؤها حتى
يستبرئها لعموم ما سبق، ولان الحكم منوط بالمظنة، ولأنه يجب للملك المتجدد وذلك
موجود في كل واحد منها، ولأنه يجوز أن تكون حاملا من غير البائع، فوجب استبراؤها
كالمسبية من امرأة (وإن اشترى غير مزوجة فأعتقها قبل استبرائها، لم يصح تزوجه بها قبله)
، أي قبل الاستبراء، لأن النكاح يراد للوطئ وهو حرام، ويروى أن الرشيد اشترى جارية
510

فأفتاه أبو يوسف أن يعتقها ويتزوجها ويطأها. قال الإمام أحمد: ما أعظم هذا أبطلوا
الكتاب والسنة. فإن كانت حاملا كيف يصنع؟ وهذا لا يدري أهي حامل أم لا. ما أسمج
هذا. (ولغيره) أي غير المشتري (نكاحها قبل الاستبراء مع الرق والعتق إن كان البائع ما
وطئ أو وطئ ثم استبرأ)، لأنها ليست فراشا فلم تتوقف على ذلك، والفرق بين المشتري
وغيره، أن المشتري لا يحل له وطؤها بملك اليمين فكذا النكاح، لأنه يتخذ حيلة لابطال
الاستبراء والحيل كلها خداع باطلة. (ولا يجب استبراء الصغيرة التي لا يوطأ مثلها) لان
سبب الإباحة متحقق وليس على تحريمها دليل، فإنه لا نص فيه ولا هو في معنى
المنصوص، ويراد الرحم ولا يوجد الشغل في حقها. (ولا) يجب الاستبراء (بملك أنثى
من أنثى) لأن المرأة لا استبراء عليها بتجدد ملكها. (وإن اشترى زوجته) حلت بغير
استبراء، لأنها فراشه (أو عجزت مكاتبته)، وعادت للرق حلت بغير استبراء، لأنه لم يزل
ملكه. (أو فك أمته من الرهن) حلت بغير استبراء بلا خلاف. (أو أسلمت أمته المجوسية
والمرتدة أو الوثنية التي حاضت عنده أو كان هو المرتد وأسلم) حلت بغير استبراء، لان
الملك لم يتجدد بالاسلام ولا أصاب واحدة منهن وهي غيره، فلم يلزمه استبراء أشبه ما لو
أحلت المحرمة من إمائه (أو اشترى مكاتبة من ذوات محارمه) أي المكاتب (فحضن عنده
ثم عجز) المكاتب حللن للسيد بغير استبراء، لأنه يصير حكمهن حكم المكاتب إن رق
رققن، وإن عتق عتقن والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم. (أو زوج السيد أمته ثم طلقت قبل
الدخول) حلت للسيد بغير استبراء، لأنه لم يتجدد له ملك ولم يصبها الزوج. (أو اشترى
عبده التاجر أمة) استبرأها العبد (ثم أخذها سيده حلت) لسيده (بغير استبراء)، لأن ملكه
ثابت على ما في يد عبده. (لكن يستحب) الاستبراء (في‍) - ما إذا ملك (الزوجة ليعلم هل
حملت في زمن الملك أو غيره)، وهو النكاح وإذا تبين حملها فله وطؤها لزوال الاشتباه
ومتى ولدت لستة أشهر فأكثر من ملك فأم ولد، ولو أنكر الولد بعد أن يقر بوطئها، (وإن
كان ما اشتراه المكاتب من غير ذوات محارمه بعد أن حاضت عنده)، أي المكاتب، (وأخذها
511

السيد لعجزه لزمه الاستبراء)، لأنه ليس للسيد ملك على ما في يد مكاتبه، ولأنه تجدد له
ملك. (وإن وطئ المشتري الجارية) التي يلزمه استبراؤها (وهي حامل حملا كان موجودا
حين البيع من غير البائع انقضى استبراؤها بوضعه). كما لو لم يطأها، وإن كان الحمل من
البائع فالبيع باطل، لأنها أم ولد. (قال) الامام (أحمد: ولا يلحق) الولد (بالمشتري ولا يبيعه
ولكن يعتقه لأنه قد شرك فيه، لأن الماء يزيد في الولد، انتهى. ويحرم وطئ مستبرأة) من
غيره (زمن استبرائها) لما تقدم. (فإن فعل) أي وطئ المستبرأة (لم ينقطع) الاستبراء (به)
أي بالوطئ لأنه حق عليه فلا يسقط بعدوانه (وتبنى على ما مضى) من الاستبراء، (فإن حملت
قبل الحيضة استبرأت بوضعه) لأنها ذات حمل. (وإن أحبلها فيها وقد ملكها حائضا
فكذلك)، أي استبرأت بوضعه لأن الحيضة التي ملكها فيها لا يحتسب لها بها. (و) إن
أحبلها (في حيضة ابتدأتها عنده تحل في الحال لجعل ما مضى) من الدم قبل الحمل
(حيضة)، فيحصل بها الاستبراء (وإن وجد استبراء مشتر ونحوه) كمتهب (في يد بائع
ونحوه)، كواهب بأن باعها أو وهبها ثم حاضت في يده تسليمها. (أو) حاضت في (يد
وكيله) أي وكيل المشتري ونحوه، (بعد الشراء) ونحوه (وقبل القبض أجزأ) الاستبراء، لان
الملك انتقل إليه قبل القبض، فقد حصل الاستبراء في ملكه. (ولا يكون استبراء إلا بعد
ملك المشتري لجميع الأمة فلو ملك بعضها ثم ملك باقيها لم يحتسب الاستبراء إلا من
حين ملك باقيها)، لأنه وقت حصولها كلها في ملكه. (وإن باع أمته أو وهبها ونحوه) بأن
صالح بها أو أصدقها أو خالع عليها، (ثم عادت إليه بفسخ) لخيار أو عيب أو إقالة (أو
غيره)، أي غير الفسخ كما لو عادت إليه ببيع أو هبة ونحوها، (حيث انتقل الملك وجب
استبراؤها ولو قبل القبض). لأنه تجديد ملك سواء كان المشتري لها ونحوه رجلا أو
512

امرأة. (إن افترقا) أي البائع والمشتري أو نحوهما، (وإلا) أي وإن لم يفترقا، (فلا يجب)
الاستبراء (وتقدم في الإقالة)، وهذا وجه وتقدم هناك ما فيه، قال في شرح المنتهى
ولو قبل تفرقهما عن المجلس على الأصح يعني يجب الاستبراء. (ويكفي استبراء
زمن خيار لمشتر) لانتقال الملك إليه بمجرد البيع. (وإن اشترى أمة مزوجة فطلقها
الزوج قبل الدخول وجب استبراؤها) نص عليه، وقال: هذه حيلة وضعها أهل الرأي لا
بد من استبرائها، لأنه تجديد ملك وكما لو لم تكن زوجة، ولان إسقاطه هنا ذريعة إلى
إسقاطه في حق من أراد إسقاطه بأن يزوجها عند بيعها لم يطلقها زوجها بعد تمام
البيع، والحيل حرام، وكذا لو اشترى مطلقة قبل الدخول، (أو ملكها) المشتري
ونحوه (معتدة) من وفاة وطلاق أو غيرهما، (أو زوج أمته ثم طلقت بعد الدخول
وأعتقت في العدة لم يجب استبراء اكتفاء بالعدة)، لأن براءتها تعلم بها. (وإن كانت
الأمة لرجلين فوطئاها ثم باعها لرجل آخر أجزأه استبراء واحد)، لأنه يعلم به براءة
رحمها. (وإن أعتقاها لزمها استبراءان لأن الاستبراء) كالعدة، يتعدد الواطئ بشبهة
والوطئ فيه وجد من اثنين بخلاف مسألة المشتري، فإنه معلل بتجديد الملك والملك
واحد.
فصل
الموضع الثاني من المواضع التي يجب فيها الاستبراء: ما أشار إليه بقوله: (وإن وطئ
أمته ثم أراد تزويجها أو بيعها لم يجز) له ذلك (حتى يستبرئها)، أما إذا أراد تزويجها فلان
الزوج لا يلزمه استبراء فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وأما إذا أراد بيعها فلان
عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف بيع جارية له كان يطؤها قبل استبرائها، ولأنه يجب
على المشتري لحفظ مائه فكذلك البائع، (فلو خالف وفعل) بأن تزوجها أو باعها قبل
513

استبرائها (صح البيع)، لأن الأصل عدم الحمل (دون النكاح)، فلا يصح قبل الاستبراء
كالمعتدة والفرق بين البيع والنكاح. إن النكاح لا يراد إلا للاستمتاع فلا يجوز إلا فيمن
تحل له، ولهذا لا يصح تزويج معتدة ونحوها، والبيع يراد لغير ذلك، فصح قبل الاستبراء
ولهذا صح في عدة المحرمات ووجب الاستبراء على المشتري. (وإن لم يطأ) البائع الأمة لم
يلزمه استبراؤها إذا أراد بيعها أو نكاحها لعدم موجبه. (أو كانت آيسة لم يلزمه استبراؤها إذا
أراد بيعها) عند الموفق والشارح. قال في المبدع: الأولى أنه لا يجب في الآيسة
لأن علة الوجوب احتمال الحمل وهو بعيد، والأصل عدمه انتهى. لكن أكثر الأصحاب لم
يفرقوا بين الآيسة وغيرها. (لكن يستحب) استبراء الآيسة على القول بعدم وجوبه خروجا
من الخلاف. (وإذا اشترى جارية فظهر بها حمل لم تحل من خمسة أحوال: أحدها أن
يكون البائع أقر بوطئها عند البيع أو قبله، وأتت بولد لدون ستة أشهر، أو يكون البائع ادعاه)
أي الولد (وصدقه المشتري، فهو) أي الولد (ابن للبائع وتصير أم ولد له، والبيع باطل) لأنها أم
ولد. (الثاني: أن يكون أحدهما) أي البائع أو المشتري (استبرأ) الجارية (ثم أتت بولد لأكثر
من ستة أشهر من حين وطئها المشتري فالولد له)، أي لا حق بالمشتري (والجارية أم ولد
له) أي للمشتري للحوق الحمل به. (الثالث: أتت به لأكثر من ستة أشهر بعد استبراء أحدهما
لها، ولأقل من ستة أشهر منذ وطئها المشتري، فلا يلحق) الولد (بواحد منهما ويكون) الولد
(ملكا للمشتري ولا يملك فسخ البيع)، لأن الحمل تجدد في ملكه ظاهرا. (فإن ادعاه) أي
الولد (كل واحد منهما) أنه ولده (فهو للمشتري) حيث أتت به لستة أشهر فأكثر منذ وطئ
عملا بالظاهر لأنها فراشه. (وإن ادعاه البائع وحده فصدقه المشتري) إن الولد له (لحقه)
514

نسبه لأن الحق لا يعدوهما وقد تصادقا عليه. (وكان البيع باطلا) لأنهما أم ولد، (وإن أكذبه)
المشتري في دعواه الولد (فالقول قول المشتري في ملك الولد) عملا بظاهر اليد. (الرابع:
أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ وطئها المشتري وقبل استبرائها فنسبه لاحق به)، أي بالمشتري
لأنها فراشه. (فإن ادعاه البائع فأقر له المشتري لحقه) لتصادقهما عليه، (وبطل البيع) لكونها أم
ولد. (وإن أكذبه) المشتري (فالقول قول المشتري) لكونها فراشا، له، (وإن ادعى كل واحد
منهما أنه من الآخر) بأن قال المشتري: هو للبائع، وقال البائع: هو للمشتري. (عرض على القافة
فألحق بمن ألحقوه به منهما، وإن ألحقوه بهما لحق بهما) لما تقدم في اللقيط. (وينبغي أن
يبطل البيع) لأنها أم ولد للبائع. (وتكون الجارية أم ولد للبائع) لأن علوقها كان قبل البيع
(الخامس: أتت به لقل من ستة أشهر منذ باعها، ولم يكن) البائع (أقر بوطئها، فالبيع
صحيح) في الظاهر لعدم لحوق الولد بالبائع. (والولد مملوك للمشتري، فإن ادعاه البائع
فالحكم كما ذكرنا في الثالث. و) الموضع الثالث من المواضع التي يجب الاستبراء (إذا
أعتق أم ولده أو) أعتق (أمته التي كان يصيبها قبل استبرائها، أو مات عنها، لزمها استبراء
نفسها)، لأنها موطوءة وطئا له حرمة فلزمها استعلام براءة رحمها كالموطوءة بشبهة
(لكن لو أراد أن يتزوجها) أي معتوقته، فلا استبراء لأنها فراشه، (أو استبرأ) ها (بعد وطئه ثم
أعتقها، أو باعها فأعتقها مشتر قبل وطئها)، فلا استبراء اكتفاء بالاستبراء قبل البيع (أو كانت)
أم الولد أو السرية (مزوجة أو معتدة أو) كانت (فرغت عدتها من زوجها فأعتقها) سيدها فلا استبراء، لأنها ليست فراشا لسيدها فلا
يجب عليها الاستبراء له، (أو أراد) مشتري أمة
استبرأها بائعها قبل بيعها، أو كان لا يطؤها (تزويجها) من غيره (قبل وطئه، فلا استبراء)
للعلم ببراءة رحمها بالاستبراء السابق للبيع. (وإن أبانها) أي طلق الأمة زوجها طلاقا بائنا
(قبل الدخول أو بعده أو مات) زوجها (فاعتدت، ثم مات سيدها فلا استبراء) عليها، (بأن لم
515

يطأ) ها سيدها لزوال فراش السيد بتزويجه لها كمن لا يطؤها أصلا. (وإن باع) أمة (ولم
يستبرؤ) ها (فأعتقها المشتري قبل وطئ واستبراء استبرأت) إن أعتقها عقب المشتري، (أو
تممت ما وجد عند مشتر) من استبراء إن عتقت في أثنائها لتعلم براءة رحمها. (وإذا زوج)
سيد (أم ولده ثم مات عتقت) بموته، (ولم يلزمها استبراء) لأنها ليست فراشا للسيد. (وإن
بانت) أم الولد أو السرية (من الزوج قبل الدخول بطلاق أو موت زوجها)، أو بانت (بطلاقه
بعد الدخول، فأتمت عدتها ثم مات سيدها فعليها الاستبراء)، لأنها عادت إلى فراشه، وقال
أبو بكر: لا يلزمها استبراء إلا أن يردها السيد إلى نفسه، (وإن مات زوجها) أي أم الولد
(وسيدها، ولم يعلم السابق منهما) موتا، أو علم، ثم نسي (و) كان (بين موتهما أقل من
شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الآخر منهما عدة الحرة من الوفاة فقط)، لأن السيد إن
كان مات أولا، فقد مات وهي زوجة، وإن كان مات آخرا فقد مات وهي معتدة، ولا
استبراء عليها على التقديرين، وقول المصنف بعد موت الآخر معناه أن عدة الوفاة يجب أن
يكون ابتداؤها بعد موت الآخر، لأنها لا تعلم خروجها من عهدة العدة بيقين إلا بذلك
لاحتمال، أن الزوج هو الذي مات آخرا. (وإن كان بينهما) أي بين موت الزوج والسيد (أكثر
من ذلك) أي من شهرين وخمسة أيام. (أو جهلت المدة) التي بين موتهما (لزمها بعد موت
الآخر منهما الأطول من عدة الحرة وللوفاة أو استبراء)، لأنه يحتمل أن الزوج مات آخرا
فعليها عدة الحرة ويحتمل أن السيد مات آخرا فعليها الاستبراء بحيضة، فوجب الجمع
بينهما ليسقط الفرض بيقين. قال ابن عبد البر: على هذا جميع القائلين بأن عدة أم الولد
من سيدها حيضة ومن زوجها شهران وخمسة أيام، انتهى. وهذا أوضح على قول الموفق
ومتابعيه. أما على القول بأنه إذا مات سيدها ولو بعد العدة قبل الوطئ لاستبراء، فلا كما
نبهت عليه في حاشية المنتهى. (ولا ترث الزوج) لأنه الأصل فلا تجب مع الشك والعدة
وجبت استظهارا لاضرار فيه على غيرها بخلاف الإرث. (وإن ادعت أمة موروثة تحريمها
516

على وارث بوطئ موروثه) كأبيه وابنه، (أو) ادعت (مستبرأة أن لها زوجا صدقت) لأن ذلك لا
يعرف إلا من جهتها، (وإن أعتق أم ولده أو) أعتق (أمة كان يصيبها ممن تحل له إصابتها،
فله أن يتزوجها في الحال من غير استبراء) لأنها فراشه عادة بائن بغير ثلاث في عدتها. (وإن
اشترك رجلان في وطئ أمة لزمها استبراءان) إن لم تكن مزوجة، لأن الاستبراء منهما حقان
مقصودان لآدميين، فلم يدخل أحدهما في الآخر كالعدتين، والمزوجة تعتد كما تقدم
، ومقتضى كلامه كالمقنع والمبدع والتنقيح: لا فرق في ذلك بين وطئ الشبهة والزنا،
وعلى كلامه في المنتهى يكفي في الزنا استبراء واحد.
فصل
ويحصل استبراء حامل بوضع الحمل كله
للآية، والخبر والمعنى (وبحيضة) إن لم تكن حاملا (لا يبقينها) إذا ملكها حائضا
(لمن تحيض). ولو كانت تبطئ حيضتها أكثر من شهر فما في لفظ من ألفاظ الخبر حتى
تستبرأ بحيضة. (ويمضي شهر لآيسة وصغيرة وبالغ لم تحض) لأن الشهر أقيم مقام الحيضة
في عدة الحرة أو الأمة. (وتصدق في الحيض) فإذا قالت: حضت. جاز وطؤها (فلو أنكرته)
أي الحيض، (فقال) السيد (أخبرتني به) أي الحيض (صدق) عليه لأنه الظاهر (وإن ارتفع
حيضها ما تدري رفعه فبعشرة أشهر تسعة للحمل وشهر للاستبراء) بدل الحيضة، (وإن
عرفت) من ارتفع حيضها (ما رفعه انتظرته حتى يجئ فتستبرئ به، أو تصير من الآيسات
فتستبرئ استبراءهن) بشهر على ما تقدم في العدة، فإن ارتابت المستبرأة بنفسها، فهي
كالحرة إذا ارتابت في العدة أو بعدها على ما تقدم في العدة انتهى.
517

كتاب الرضاع
بفتح الراء وكسرها. (وهو) مصدر رضع الثدي إذا مصه بفتح الصاد وكسرها. قال ابن
الأعرابي: الكسر أفصح، وله سبع مصادر. وقال المطرز في شرحه: امرأة مرضع إذا كانت
ترضع ولدها ساعة بعد ساعة، وامرأة مرضعة إذا كان ثديها في فم ولدها. قال ثعلب:
ويدل عليه قوله تعالى: * (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) * وقيل:
المرضعة الام. والمرضع التي معها صبي ترضعه، والولد رضيع وراضع. وشرعا
(مص لبن) أي مص من له دون حولين لبنا، (أو شربه ونحوه) كالسعوط والوجور وأكله بعد
أن جبن، (ثاب) أي اجتمع (من حمل من ثدي امرأة) متعلق بمص وتأتي مفاهيم ذلك. (يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب) قال النبي (ص) حين أريد على ابنة حمزة فقال: إنها لا
تحل لي إنها لابنة أخي من الرضاع ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب متفق عليه
من حديث ابن عباس. وعن عائشة أن النبي (ص) قال: الرضاع يحرم ما يحرم من الولادة
متفق عليه. (ولا تثبت) بالرضاع (بقية أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق) إذا ملك رحمه
المحرم بالرضاع. (ورد الشهادة) لأصله وفروعه من الرضاع (وغير ذلك)، كالعقل وولاية
النكاح والمال، (لأن النسب أقوى) من الرضاع. فلا يساويه إلا فيما ورد فيه النص وهو
518

التحريم، وما يتفرع عليه من المحرمة والخلوة. (وإذا حملت امرأة من رجل يثبت نسب
ولدها منه) بأن تكون زوجته أو أمته أو موطوءته لشبهة، والجملة صفة لرجل، (فثاب لها لبن)
عطف على حملت وكذا. (فأرضعت به ولو مكرهة طفلا رضاعا محرما) بأن يكون خمس
رضعات في الحولين، ويأتي (صار) الطفل (ولدا لهما) أي للرجل والمرأة والجملة جواب
الشرط. وهو إذا (في تحريم النكاح) لقوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * (النساء:
23). وللخبر السابق. (و) في (إباحة النظر و) إباحة (الخلوة وفي (ثبوت المحرمية) لان
ذلك فرع عن التحريم بسبب مباح. (و) صار (أولاده) أي الطفل (من البنين والبنات، وإن
سفلوا أولاد ولدهما) لأنهم أولاد الطفل وهو ولدهما (وصارا) أي المرضعة وصاحب اللبن
(أبويه) لأنه ولدهما (وآباؤهما أجداده وجداته) لأنه ولد ولدهما، (وأخوة المرأة وأخواتها
أخواله وخالاته)، لأنه ولد أختهم (وأخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته)، لأنه ولد أخيهم
(وجميع أولاد المرضعة الذين ارتضع معهم) الطفل (والحادثين قبله و) الحادثين (بعده من
زوجها ومن غيره، وجميع أولاد الرجل الذي انتسب الحمل إليه من المرضعة ومن غيرها
أخوة المرتضع وأخواته، وأولاد أولادهما أولاد إخوته وأخواته وإن نزلت درجتهم) كالنسب
وفي الروضة: لا بأس بتزويجه أخواته الحادثات قبله. قال ابن نصر الله: وهذا خلاف
الاجماع. قال في الانصاف: ولم نره لغيره، ولعله سهو. انتهى. وإنما ثبتت أبوة الواطئ
للطفل وفروعها إذا كان يلحقه نسب الحمل، لأن اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من مائه
وماء المرأة، فنشر التحريم إليهما، ونشر الحرمة إلى الرجل وأقاربه، وهو الذي يسمى لبن
الفحل لقوله (ص) لعائشة لما سألته عن أفلح حين قال لها: أتحتجبين عني وأنا عمك!
فقالت: كيف ذلك؟ فقال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي، فقال: صدق أفلح ائذني له
متفق عليه. ولفظه للبخاري. وسئل ابن عباس عن رجل له جاريتان فأرضعت إحداهما
519

جارية والأخرى غلاما أيحل للغلام أن يتزوج الجارية فقال: لا اللقاح واحد رواه مالك
والترمذي. وقال: هذا تفسير لبن الفحل. (وتنتشر حرمة الرضاع من المرتضع إلى أولاده
وأولاد أولاده، وإن سفلوا فيصيرون أولادا لهما)، لأن الرضاع كالنسب والتحريم في النسب
يشمل ولد الولد، وإن سفل فكذا الرضاع (ولا تنتشر الحرمة إلى من في درجته) أي
المرتضع (من إخوته وأخواته) لأنها لا تنتشر في النسب فكذا في الرضاع. (ولا) تنتشر أيضا
(إلى من هو أعلى منه) أي المرتضع، (من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته) لان
الحرمة إذا لم تنتشر إلى من هو في الدرجة، فلئلا تنتشر إلى من هو أعلى منه بطريق الأولى
(فتحل مرضعة لأبي مرتضع ولأخيه و) ل‍ (- عمه و) ل‍ (- خاله من نسب ويحل لأبيه)، أي
المرتضع (من نسب، أن يتزوج أخته من الرضاعة) لأنه لا رضاع بينهما ولا نسب، (وتحل أم
مرتضع وإخوته وعمته وخالته من النسب لأبيه وأخيه من رضاع). قال أحمد: لا بأس أن
يتزوج الرجل أخت أخيه من الرضاع ليس بينهما رضاع ولا نسب، (وإن أرضعت) امرأة
(بلبن ولدها من الزنا أو) بلبن ولدها (المنفي بلعان طفلا) رضاعا محرما (صار ولدا لها)، لأنه
رضع من لبنها حقيقة، (وحرم على الزاني والملاعن تحريم مصاهرة)، لأنه ولد موطوءته
والوطئ الحرام كالحلال في تحريم الريبة. (ولم تثبت حرمة الرضاع في حقهما) أي الزاني
والملاعن، لأن من شرط ثبوت حرمة الرضاع بين المرتضع والرجل الذي ثاب اللبن بوطئه
أن ينسب الحمل إلى الوطئ، فأما ولد الزنا ونحوه فلا، (كالنسب). وقال أبو بكر: تثبت (وإن
أرضعت) امرأة (بلبن اثنين وطئاها بشبهة، وثبتت أبوتهما للمولود فالمرتضع ابنهما) لان
المرتضع كل مرضع تبع للمناسب، فمتى لحق المناسب بشخص فالمرتضع مثله. (أو) ثبتت
(أبوة أحدهما فهو) أي الرضيع (ابنه) لما سبق، وسواء (ثبت ذلك بالقافة أو بغيرها، وإن نفته
القافة عنهما أو أشكل عليهم، أو لم يوجد قافة تثبت التحريم بالرضاع في حقهما) تغليبا
520

للحظر كما لو اختلطت أخته بأجنبيات. (وإن انتفى عنهما بأن تأتي به لدون ستة أشهر من
وطئها، أو) أتت به (لأكثر من أربع سنين من وطئ الآخر انتفى المرتضع عنهما). لأنه تابع
للمناسب كما تقدم. (فإن كان المرتضع) حينئذ (جارية حرمت عليهما تحريم مصاهرة وتحرم
أولادها عليهما)، أي الواطئين (أيضا لأنها ابنة موطوءتهما فهي ربيبة لهما)، والربيبة من
الرضاع كالنسب. (وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم كلبن البكر) التي لم تحمل (لم
ينشر الحرمة نصا)، لأنه نادر لم تجر العادة به لتغذية الأطفال أشبه لبن الرجل والبهيمة، وقال
جماعة: لأنه ليس بلبن حقيقة بل رطوبة متولدة، لأن اللبن ما أنشر العظم وأنبت اللحم
وهذا ليس كذلك. (ولا ينشر الحرمة غير لبن المرأة فلو ارتضع طفلان من بهيمة) لم ينشر
الحرمة ولم يصيرا أخوين، لأن تحريم الإخوة فرع على تحريم الأمومة، ولا يثبت تحريم
الأمومة بهذا الرضاع، فالإخوة أولى، ولأنه لم يخلق لغذاء المولود الآدمي أشبه العظام. (أو)
ارتضع طفلان من لبن (رجل) فكذلك لما ذكرنا. (أو) ارتضعا من لبن (خنثى مشكل لم ينشر
الحرمة)، لأنه لم يثبت كونه امرأة فلا يثبت التحريم مع الشك.
فصل
ولا تثبت الحرمة بالرضاع إلا بشروط. أحدها: أن يرتضع في العامين
ولو كان قد فطم قبله)، أي قبل ذلك الرضاع لقوله تعالى: * (والوالدات يرضعن
أولادهن حولين كاملين) * وحديث عائشة: أن النبي (ص) دخل عليها وعندها
رجل قاعد فسألها عنه فقالت: هو أخي من الرضاعة. فقال: انظرن من أخواتكن؟ فإنما
الرضاعة من المجاعة متفق عليه. وعن أم سلمة مرفوعا لا يحرم من الرضاع إلا ما
521

فتق الأمعاء وكان قبل الفطام رواه الترمذي وصححه. وعن ابن عباس مرفوعا: لا يحرم
من الرضاع إلا ما كان في الحولين رواه ابن عدي وغيره. (فلو ارتضع) الطفل (بعدهما)
أي الحولين (بلحظة ولو قبل فطامه أو ارتضع الخامسة كلها بعدهما) أي الحولين (بلحظة لم
يثبت) التحريم لأن شرطه وهو كونه في الحولين لم يوجد، وعلم منه أنه لو شرع في
الخامسة فحال الحول قبل كما لها اكتفى بما وجد منها في الحولين كما لو انفصل عما
بعده. وأما حديث عائشة أن سهلة بنت سهيل بن عمر وجاءت إلى النبي (ص) فقالت: يا
رسول الله إن سالما مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال وعلم مما يعلم
الرجال. فقال: أرضعيه تحرمي عليه رواه مسلم فهو خاص به دون سائر الناس جميعا
بين الأدلة. الشرط (الثاني: أن يصل اللبن إلى جوفه من حلقه، فإن وصل) اللبن (إلى فمه ثم
مجه) أي ألقاه، (أو احتقن به أو وصل إلى جوفه لا يغذى كالذكر والمثانة لم ينشر الحرمة)
، لأن هذا ليس برضاع ولم يحصل به التغذي فلم ينشر الحرمة كما لو وصل من جرح.
الشرط (الثالث: أن يرتضع خمس رضعات فصاعدا)، وهو قول عائشة وابن مسعود وابن
الزبير وغيرهم، لما روت عائشة قالت: كان فيما نزل من القرآن: عشر رضعات معلومات
يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات معلومات. فتوفي رسول الله (ص) والامر على ذلك
رواه مسلم وروى مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة عن سهلة بنت سهيل: ارضعي
سالما خمس رضعات. (ويشترط أن تكون) الخمس (متفرقات) لتتحقق (فمتى امتص)
الطفل (ثم تركه) أي الرضاع (شبعا أو) تركه (لتنفس أو) تركه (لملة أو) تركه (لانتقاله من
ثدي إلى) ثدي (غيره، أو) لانتقاله (من امرأة إلى) امرأة (غيرها، أو قطع عليه) الرضاع بأن
أخرج الثدي من فمه (فهي رضعة)، لأن المرجع فيها إلى العرف، لأن الشرع ورد بها مطلقا
522

ولم يحدها بزمن ولا مقدار، فدل على أنه ردهم إلى العرف، فإذا ارتضع ثم قطع باختياره أو
قطع عليه فهي رضعة. (فمتى عاد) ارتضع (ولو قريبا فهي رضعة أخرى) لأن العود
ارتضاع والشارع لم يحد الرضعة بزمان فوجب أن يكون القريب كالبعيد، فكان رضعة أخرى
كالأولى. (وسعوط في أنفه ووجور في فم كرضاع) يحصل به ما يحصل بالرضاع من الغذاء
والسعوط أن يصب اللبن في أنفه من إناء أو غيره، فيدخل حلقه. والوجور أن يصب في حلقه
من غير الثدي. (وكذا جبن عمل منه) لأنه واصل من الحلق يحصل به إنبات اللحم.
(ويحرم من ذلك) المذكور الوجور والسعوط والجبن المعمول منه (خمس) لأنه فرع عن
الرضاع، فيأخذ حكمه (فإن ارتضع دونها) أي الخمس (وكملها)، أي الخمس (سعوطا أو
وجورا أو أسعط وأوجر وكمل الخمس برضاع ثبت التحريم) لوجود الخمس، (ولو حلب
في إناء لبن دفعة واحدة أو دفعات ثم سقى لطفل في خمس أوقات فهي خمس رضعات)
اعتبارا بشرب الطفل له، (وإن حلب في إناء خمسة حلبات في خمسة أوقات ثم سقى) للطفل
(دفعة واحدة كان رضعة واحدة) اعتبارا بشربه له، فإن سقاه جرعة بعد أخرى متتابعة فرضعة
في ظاهر قول الخرقي، لأن المعتبر في الرضعة العرف وهم لا يعدون هذا رضعات،
ويحتمل أن يخرج على ما إذا قطع عليه الرضاع. (ويحرم لبن الميتة إذا حلب أو ارتضع من
ثديها بعد موتها)، لأنه ينبت اللحم، قال في الشرح والمبدع: ونجاسته لا تؤثر كما لو
حلب في إناء نجس يعني إن قلنا: ينجس الآدمي بالموت. و (كما لو حلب في حياتها ثم
شربه) الطفل (بعد موتها، ولو حلف لا يشرب من لبن امرأة فشرب منه وهي ميتة حنث)،
لأنه شرب من لبنها (ويحرم اللبن المشوب) وهو المخلط بغيره من طعام أو شراب أو
غيرهما، لأن ما تعلق الحكم به لم يفرق بين خالصه ومشوبه، كالنجاسة في الماء والنجاسة
الخالصة. وكاللبن المخيض. وفي نسخ كالمحض أي الخالص (إن كانت صفاته) أي
523

المشوب (باقية)، وهي اللون والطعم والريح. فلو صبه في ماء كثير لم يثبت
التحريم، لأن هذا ليس بمشوب ولا يحصل به التغذي ولا إنبات اللحم ولا إنشار العظام
(وسواء خلط بطعام أو شراب أو غيرهما، فإن حلب اللبن من نسوة وسقي لطفل، فهو كما لو
ارتضع من كل واحدة منهن) لاختلاط لبنهن.
فصل
وإذا تزوج
امرأة (كبيرة ذات لبن من غيره زوجا كان أو غيره، ولم يدخل) الثاني (بها و) تزوج
(بثلاث صغائر) دون الحولين، (فأرضعت الكبيرة إحداهن حرمت الكبيرة أبدا) لأنها صارت
من أمهات نسائه. (وبقي نكاح الصغيرة) لأنها ربيبة لم يدخل بأمها وفارق ما لو ابتدأ العقد
عليهما، لأن الدوام أقوى من الابتداء. (فإن أرضعت) الكبيرة (اثنتين) من الصغائر (منفردتين
أو معا انفسخ نكاحهما)، لأنهما صارتا أختين واجتمعتا في الزوجية. (وإن أرضعت الثلاث
متفرقات انفسخ نكاح الأولتين) لأنهما صارتا أختين في نكاحه (دون الثالثة)، فيثبت نكاحهما
لأنه لم يصادف إخوتها جميعا في النكاح. (وإن أرضعت إحداهن منفردة ثم) أرضعت (اثنتين
معا انفسخ نكاحهن) لأنهن صرن أخوات في نكاحه. (وله نكاح إحدى الثلاث) الصغائر لان
تحريمهن تحريم جمع، لأنهن ربائب لم يدخل بأمهن. (وإن كان دخل بالأم حرم الكل
ابتداء) لأنهن ربائب دخل بأمهن. (ولو أرضعت الثلاث أجنبية في حالة واحدة بأن حلبته في
ثلاث أو إن أوجرتهن في حالة، واحدة، أو أرضعت اثنتين معا، وأوجرت الثالثة في حالة واحدة)
أو أوجرت اثنتين وأرضعت الثالثة في حالة واحدة، (حرم عليه نكاح الكبيرة أبدا) لأنها من
أمهات نسائه (وانفسخ نكاح الثلاث) لأنهن صرن أخوات في النكاح. (وإن أرضعت)
524

الأجنبية (اثنتين) من الصغائر منفردتين أو معا، (انفسخ نكاحهما) لأنهما صارتا أختين في
نكاحه. (وإن أرضعت) الأجنبية (إحداهن منفردة ثم اثنتين معا انفسخ نكاح الجميع) لما سبق
، (وله نكاح إحدى الثلاث) لأن تحريمهن لأجل الجمع. (وكل امرأة تحرم عليه ابنتها كأمه
وجدته وأخته وربيبته إذا أرضعت طفلة حرمتها عليه). لأنها تصير ابنتها من الرضاع فإذا كانت
المرضعة أمه فالمرتضعة أخته، وإن كانت المرضعة جدته فالمرضعة عمته أو خالته، وإن كانت
المرضعة أخته فالمرتضعة ابنة أخته. (وكل رجل تحرم ابنته كأخيه وأبيه إذا أرضعت امرأته
بلبنه طفلة حرمتها عليه) لأنها تصير ابنته، فإن كانت المرضعة امرأة أخيه فالمرتضعة ابنة أخيه
، وإن كانت امرأة أبيه فالمرتضعة أخته. (وفسخ) أي انفسخ (نكاحها منه فيهما) أي في
الصورتين السابقتين (إن كانت زوجته) لتحريمها على التأبيد. (وإن أرضعتها) أي الطفلة زوجة
كانت أو غيرها، (امرأة أحد هؤلاء بلبن غيره) أي غير زوجها (لم تحرم عليه)، أي على من
تحرم عليه بنت زوجها. (لأنها صارت ربيبة زوجها) فلا تحرم عليه ولا على ابنه ونحوهما
(وإن أرضعتها) أي الطفلة (من لا تحرم بنتها كعمتها وخالتها لم تحرمها عليه) لأنها بنت
عمته أو خالته وكذا لو أرضعتها زوجة عمه أو زوجة خاله بلبنه، (ولو تزوج) طفل طفلة هي
(بنت عمه فأرضعت جدتهما أحدهما صغيرا) دون الحولين، (انفسخ النكاح لأنها لما أرضعت
الزوج صار عم زوجته) لأنه أخو أبيها من الرضاع. (وإن أرضعت الزوجة صارت عمته) لأنها
أخت أبيه من الرضاع. (وإن أرضعتهما) الجدة (جميعا صار) الزوج (عمها) أي عم زوجته
(وصارت عمته) وانفسخ النكاح (وإن تزوج بنت عمته فأرضعت جدتهما أحدهما صغيرا) في
الحولين، (انفسخ النكاح لأنها لما أرضعت الزوج صار خالها)، لأنه أخو أمها من الرضاعة
(وإن أرضعت الزوجة صارت) الزوجة (عمته)، لأنها أخت أبيه من الرضاع، (وإن تزوج بنت
خاله فأرضعت جدتهما الزوج صار) الزوج (عم زوجته)، لأنه أخو أبيها من الرضاعة، (وإن
525

أرضعتها صارت خالته) لكونها أخت أمه من الرضاع، (وإن تزوج ابنة خالته فأرضعت الزوج
صار خال زوجته)، لأنه أخو أمها من الرضاع، (وإن أرضعتها صارت) الزوجة (خالة زوجها)
لأنها أخت أمه من الرضاع.
فصل
وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول
فإن الزوج يرجع عليه بنصف مهرها، الذي يلزمها لها) لأنه قرره عليه بعد أن كان عرضة
للسقوط كشهود الطلاق إذا رجعوا، وإنما لزم الزوج نصف مهر الصغيرة، لأن نكاحها انفسخ
قبل الدخول بها من غير جهتها، والفسخ من أجنبي كطلاق الزوج في وجوب الصداق عليه
(وإن أفسدت) طفلة (نكاح نفسها قبل الدخول سقط مهرها)، قال في المبدع: بغير خلاف
نعلمه، لأن الفسخ بسبب من جهتها كما لو ارتدت. (وإن كان) إفسادها لنكاح نفسها (بعده)
أي بعد الدخول (لم يسقط، ويجب) صداقها إذن. (على زوجها) لأنه استقر بالدخول، وكما
لو ارتدت. (وإن أفسده) أي نكاحها (غيرها بعد الدخول وجب لها مهرها) المسمى على
الزوج لأنه استقر عليه بالدخول. (ويرجع به) الزوج على المفسد. نص عليه في رواية ابن
القاسم، لأن المرأة تستحق المهر كله على زوجها فيرجع بما لزمه كنصف المهر في غير
المدخول بها. (ولها) أي لمن أفسد غيرها نكاحها قبل الدخول أو بعده. (الاخذ من المفسد
نصا) وتقدم نظيره في الرجوع على الغار. (فإذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ
نكاحهما) بأن كان بعد الدخول بالكبرى (فعليه نصف مهر الصغرى)، لأن نكاحها انفسخ
بغير سبب من جهتها، وذلك يوجب نصف المهر على الزوج كما تقدم (يرجع به) الزوج
(على الكبرى) لأنها التي تسببت في انفساخ نكاحه، فإن كانت أمة ففي رقبتها، لأن ذلك من
526

جنايتها (وعليه مهر الكبرى المسمى لها، ولا يرجع عليها بشئ إذا كان أداه إليها)، لأنه استقر
عليه بالدخول بها. (وإن كان) الزوج (لم يدخل بها) أي الكبرى (فلا مهر لها)، أي الكبرى
لأنها التي أفسدت نكاح نفسها. (ونكاح الصغرى بحاله) لأنها ربيبة لم يدخل بأمها. (وإن دبت
الصغرى إلى الكبرى وهي) أي الكبرى (نائمة أو مغمى عليها أو مجنونة فارتضعت) الصغرى
(منها انفسخ نكاح الكبرى)، لأنها أم زوجته (ويرجع على الصغرى بنصف مهر الكبرى قبل
الدخول)، لأنها تسببت إلى فسخ نكاحها الموجب لتقرير نصف المسمى، وأتلفت على الزوج
البضع أشبه ما لو أتلفت عليه مبيعها. (ونكاح الصغرى ثابت)، لأنها ربيبة لم يدخل بأمها
(فإن كان دخل بالكبرى حرمتا) على التأبيد، أما الكبرى فلأنها من أمهات نسائه، وأما
الصغرى فلأنها ربيبة دخل بأمها. (ولا مهر للصغرى) لأنها التي أفسدت نكاح نفسها. (وعليه
مهر الكبرى) لأنه استقر بدخوله لها (يرجع به على الصغيرة) لأنها تسببت في فسخ نكاحها
وإتلاف البضع عليه. (وإن ارتضعت الصغيرة منها رضعتين وهي نائمة ثم انتبهت الكبيرة
فأتمت لها ثلاث رضعات) فقد حصل الفساد بفعلها. (فعليه مهر الكبيرة) لاستقراره
بالدخول. (وثلاثة أعشار مهر الصغيرة) ويسقط عشران في مقابلة ما ارتضعته منها وهي
نائمة. (ويرجع به) أي بما يغرمه للصغيرة (على الكبيرة) لما تقدم، وإن لم يكن دخل
بالكبيرة (فعليه خمس مهرها). ويسقط الباقي نظير فعلها بعد انتباهها. (يرجع به على الصغيرة)
لكونها تسببت بدبيبها. (وإن أرضعت بنت الزوجة الكبرى) الزوجة (الصغرى فالحكم في
التحريم والفسخ، كما لو أرضعتها الكبيرة) فإن كان دخل بالكبيرة انفسخ نكاحهما وحرمتا
أبدا، وإلا حرمت الكبرى وانفسخ نكاحها وحدها. (و) كذا الحكم في (الرجوع على
المرضعة التي أفسدت النكاح) فيرجع عليها بما يغرمه لهما، أو لأحدهما لتسببها في غرمه
وتفويتها البضع عليه. (وإن) (أرضعتها) أي زوجته الصغيرة، (أو) زوجته (الكبيرة انفسخ
527

نكاحهما معا)، لأنهما أختان اجتمعا في النكاح. (فإن كان لم يدخل بالكبيرة فله أن ينكح من
شاء منهما) لأن التحريم لأجل الجمع. (ويرجع على المرضعة بنصف صداقهما) الذي غرمه
لتسببها، (وإن كان دخل بالكبيرة فله نكاحها) في الحال، لأن الماء ماءه. (وليس له نكاح
الصغيرة حتى تنقضي عدة الكبيرة، لأنها قد صارت أختها فلا ينكحها في عدتها) لأن زمن
العدة كالزوجية كما سبق في النكاح. (وكذلك الحكم إن أرضعتها جدة الكبيرة لأنها تصير
عمة الكبيرة) إن كانت الجدة لأب، (أو) تصير (خالتها) إن كانت جدة لام، (والجمع بينهما)
أي بين المرأة وعمتها أو خالتها من الرضاع (محرم) كالنسب، (وكذلك إن أرضعتها أختها)
أي أخت الكبيرة (أو زوجة أخيها بلبنه أو أرضعتها بنت أخيها أو بنت أختها)، لأنها صارت
بنت أخت الكبيرة أو بنت أخيها أو بنت بنت أخيها أو بنت أختها والجمع بينهما محرم.
(ولا تحريم في شئ من هذا على التأبيد لأنه تحريم جمع إلا إذا أرضعتها بنت الكبيرة وقد
دخل بأمها). فيحرم على الأبد كل منهما أما الكبرى فلأنها من أمهات نسائه، وأما الصغيرة
فلأنها بنت ربيبة دخل بأمها. (وإذا كان لرجل خمس أمهات أولاد لهن لبن منه فأرضعن امرأة
له صغرى كل واحدة منهن رضعة، صار) سيدهن (أبا لها)، لأنها ارتضعت من لبنه خمس
رضعات، كما لو أرضعتها واحدة منهن. (وحرمت عليه) على التأبيد لأنها بنته، و (لا) تحرم
عليه (أمهات الأولاد لعدم ثبوت الأمومة). فلا يثبت تحريمهن (وإن أرضعن) أي أمهات
أولاده الخمس بلبنه (طفلا كذلك) أي كل واحدة منهن أرضعته رضعة. (صار المولى)
صاحب اللبن (أبا له) لأنه ارتضع من لبنه خمس رضعات. (وحرمت عليه) أي الطفل
(المرضعات، لأنه ربيبهن وهن موطوءات أبيه) فيتناولهن قوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم من النساء) * (ولو كان له) أي الرجل (خمس بنات أو خمس بنات
زوجته فأرضعن) أي بناته أو بنات زوجته (امرأة له صغرى) في الحولين (رضعة رضعة فلا
528

أمومة)، لأن إحداهن لم ترضعه خمسا. (ولا يصير الكبير) أبو البنات (ولا الكبيرة) أم
المرضعات (جدا ولا جدة) لأن الجدودة فرع الأمومة ولم تثبت. (ولا) تصير (أخوة
المرضعات أخوالا ولا أخواتهن خالات)، لأن الخؤولة فرع الأمومة، ولم تثبت (ولو كمل
لطفل خمس رضعات من أم رجل وأخته وابنته وزوجته وزوجة أبيه من كل واحدة رضعة
فكذلك، أي لا تحريم) لعدم ثبوت الأمومة لواحدة منهن. (وإذا كان لامرأة لبن من زوج
، فأرضعت به طفلا ثلاث رضعات فانقطع لبنها، ثم تزوجت بآخر فصار لها منه لبن فأرضعت
منه الطفل) الذي أرضعته أولا في الحولين، (رضعتين، صارت أما له) لأنه كمل له خمس
رضعات من لبنها. (ولم يصر واحد من الزوجين أبا له) لأنه لم يكن له خمس رضعات من
لبن أحدهما. (ويحرم) الطفل (عليهما إن كان أنثى لكونه ربيبا لهما) قد دخلا بأمه، (لا لكونه
ولدهما، وإذا كان له ثلاث نسوة لهن لبن منه فأرضعت امرأة له صغرى كل واحدة منهن
رضعتين، لم تحرم المرضعات) لعدم ثبوت الأمومة. (وحرمت الصغرى) على الأبد لأنها
بنته، (وتثبت الأبوة) لأنه كمل له خمس رضعات من لبنه. و (لا) تثبت (الأمومة) لواحدة من
الثلاثة لأنها لم ترضعها خمسا (وعليه نصف مهرها) أي الصغرى، لأن الفسخ من غير
جهتها (يرجع) الزوج (به عليهن)، أي المرضعات لتسببهن في استقراره عليه (على قدر
رضاعتهن) المحرمة، (وعلى الأولى) التي ارتضعت أولا (خمس المهر، وعلى الثانية خمسه
وعلى الثالثة عشره)، لأن التحريم حصل منها برضعة واحدة، وقد اشتركن في الاتلاف فكان
على كل واحدة بقدر ما أتلفت. (ولو كان لامرأته ثلاث بنات من غيره فأرضعن ثلاث نسوة له
صغارا)، فأرضعت (كل واحدة) من بنات الزوجة (واحدة) من زوجاته الصغار (إرضاعا
كاملا)، أي خمس رضعات. (ولم يدخل بالكبرى حرمت عليه، لأنها من جدات النساء. ولم
529

ينفسخ نكاح الصغار، لأنهن لسن أخوات إنما هن بنات خالات). ولا يحرم الجمع بين
بنات الخالات ولا يحرمن بكونهن ربائب، (لأن الربيبة لا تحرم إلا بالدخول بأمها) أو
جدتها ولم يحصل. (ولا ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أولا) لما ذكرنا، (وإن كان دخل بالأم
حرم الصغائر) أبدا (أيضا)، لأنهن ربائب دخل بجدتهن. (وإن أرضعن) أي بنات زوجته
(واحدة) من زوجاته الصغار أرضعتها (كل واحدة منهن) رضعتين (اثنتين حرمت الكبرى)
صححه في المبدع وغيره، لأنها صارت جدة بكون الصغيرة قد كمل لها خمس رضعات
من بناتها، (وقيل: لا تحرم) الكبيرة (اختاره الموفق والشارح وصححه في الانصاف)،
لأن كونها جدة فرع على كون ابنتها أما، ولم تثبت الأمومة فما هو فرع عليها أولى، وهو
الموافق لما جزم به فيما إذا أرضعتها خمس بنات زوجته على ما تقدم قريبا.
فصل
وإذا طلق كبيرة مدخولا بها فأرضعت صغيرة بلبنه
خمس رضعات (صارت) المرضعة (بنتا له) لارتضاعها من لبنه، (وإن أرضعتها بلبن
غيره صارت ربيبة) له لأنها بنت زوجته. (وحرمتا) أي المرضعة والرضيعة، أما المرضعة
فلأنها من أمهات نسائه، وأما الرضيعة فلأنها ربيبة دخل بأمها. (ويرجع على الكبيرة بنصف
مهر الصغيرة) لأنها تسببت في استقراره عليه. (وإن كان) زوج الصغيرة (ما دخل بالكبيرة بقي
نكاح الصغيرة)، لأنها ربيبة لم يدخل بأمها. (وإن طلق صغيرة فأرضعتها امرأة له حرمت
530

المرضعة) لأنها صارت من أمهات نسائه. (فإن كان لم يدخل بها) أي الكبيرة (فلا مهر لها)
لمجئ الفرقة من قبلها، (وله نكاح الصغيرة) لأنها ربيبة غير مدخول بأمها. (وإن كان دخل
بها) أي الكبيرة (فلها مهرها) المسمى لاستقراره بالدخول. (وحرمتا) أي الكبيرة والصغيرة
(عليه) لأن الكبيرة من أمهات نسائه والرضيعة ربيبة مدخول بأمها. (وإن طلقهما) أي
الكبيرة والصغيرة (جميعا فالحكم في التحريم على ما مضى) تفصيله، (ولو تزوج) رجل
امرأة (كبيرة و) تزوج (آخر) طفلة (صغيرة ثم طلقاهما، ونكح كل واحد منهما زوجة الآخر
ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة دخل) بالكبيرة (حرمت عليه الصغيرة)، لأنها ربيبة مدخول
بأمها. (وكل من قلنا بتحريمها) فيما ذكر، (فالمراد على التأبيد وهو مقرون بفسخ نكاحها) إن
كانت زوجة، لأن التحريم الطارئ كالمقارن.
فصل
وإذا طلق امرأته ولها منه لبن فتزوجت بصبي
دون الحولين، (فأرضعته بلبنه) خمس رضعات، (انفسخ نكاحها) من الصبي
(وحرمت عليه) أبدا لأنها صارت أمه (و) حرمت أيضا (على الأول أبدا) لأنها صارت
من حلائل أبنائه، لأن الصبي ابنا للمطلق، لأنه رضع من لبنه رضاعا محرما وهي
زوجته. (ولو تزوجت الصبي أولا ثم فسخت نكاحها لمقتض) كعيب أو فقد نفقة أو
إعسار بمقدم صداق، (ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي حرمت
عليهما أبدا) على الكبير، لأنها صارت من حلائل أبنائه، وعلى الصغير لأنها صارت أمه
(قال في المستوعب: وهي مسألة عجيبة، لأنه تحريم طرأ لرضاع أجنبي قال) في
531

المستوعب: (وكذلك لو زوج أمته لعبد له يرضع ثم أعتقها) سيدها، (فاختارت فراقه) أي
فسخت نكاحه لعتقها تحت عبد، (ثم تزوجت ممن أولدها فأرضعت بلبن هذا الولد
زوجها الأول بعد عتقه) أو قبله (حرمت عليهما جميعا)، أما الأول فلأنها صارت أمه، وأما
صاحب اللبن فلأنها صارت من حلائل أبنائه. (ولو زوج رجل أم ولده أو أمته بصبي
مملوك فأرضعته بلبن سيدها حرمت عليهما)، أما المملوك فلأنها صارت أمه، وأما السيد
فلأنها من حلائل أبنائه. (ولا يتصور هذا) أي تزوج أم الولد أو الأمة لصبي، (إن كان
الصبي حرا، لأن من شرط نكاح الحر الأمة خوف العنت ولا يوجد ذلك) أي خوف العنت
(في الطفل) وفيه تلويح بالرد على صاحب الرعاية. ورد بأنه غير مسلم لأن الشرط
خوف عنت العزوبة لحاجة متعة أو خدمة، والطفل قد يحتاج للخدمة، فيتصور كما في
المنتهى وغيره. (فإن تزوج بها) الطفل لغير حاجة خدمة (كان النكاح فاسدا وإن أرضعته
لم تحرم على سيدها)، لأنها ليست من حلائل أبنائه لفساد النكاح، وإن تزوجها لحاجة
خدمة صح النكاح، وإن أرضعته حرمت عليهما.
فصل
متى كان مفسد النكاح جماعة، وزع المهر على رضعاتهن المحرمة
لأنه إتلاف اشتركن فيه فكان على كل واحدة بقدر ما أتلفت. و (لا) يوزع (على) عدد
(رؤوسهن) كما لو أتلفن مالا وتفاوتن فيه. (فلو سقى خمس زوجة صغيرة من لبن أم الزوج
خمس مرات انفسخ نكاحها)، لأنها صارت أخته من الرضاع (ولزمهن نصف مهرها بينهن)
بحسب ما سقينها لتسببهن في استقراره عليه. (فإن سقتها واحدة شربتين و) سقتها (أخرى
ثلاثا فعلى الأولى خمس، المهر، وعلى الثانية خمس) المهر، (وعشر) ه، (وإن سقتها واحدة
532

شربتين وسقاها ثلاث) أخر، (ثلاث شربات فعلى الأولى الخمس وعلى كل واحدة من الثلاث
عشر، وإن كان له ثلاث نسوة كبار وواحدة صغيرة فأرضعت كل واحدة من الثلاث) الكبار
(الصغيرة أربع رضعات، ثم حلبن في إناء وسقينه للصغرى حرم الكبار) لأنهن من أمهات
نسائه. (وإن لم يكن دخل بهن فنكاح الصغيرة ثابت، وعليه لكل واحدة ثلث صداقها يرجع
به على ضراتها)، لتسببهن في استقرار ذلك عليه، ويسقط السدس الباقي من النصف في نظير
فعلها، لأن كل واحدة منهما ثالثة لضرتيها مشاركة لهما. (لأن إفساد نكاحها حصل بفعلها
وفعلهما، وإن كان قد دخل بإحدى الكبار حرمت الصغيرة أيضا)، لأنها ربيبة زوجة دخل بها
(ولها) أي الصغيرة (نصف صداقها يرجع به عليهن أثلاثا)، لأنهن تسببن في فساد نكاحها
(وللتي دخل بها المهر كاملا) لاستقراره بالدخول. (وإن حلبن في إناء فسقته إحداهن
الصغيرة خمس مرات، كان عليه صداق ضرتيها) يعني نصفه. (يرجع به عليها) أي الساقية (إن
كان قبل الدخول لأنها أفسدت نكاحهما) بسقيها اللبن للصغيرة. (ويسقط مهرها إن لم يكن
دخل بها) أي بالتي سقت، لأن الفرقة من قبلها. (وإن كان دخل بها فلها مهرها لا يرجع به
على أحد)، لأنه تقرر بالدخول. (وإن كانت كل واحدة من الكبار أرضعت الصغيرة خمس
رضعات حرم الثلاث)، لأنهن من أمهات نسائه. (فإن كان لم يدخل بهن فلا مهر لهن عليه)
لأن الفرقة من جهتهن. (وإن كان دخل بهن فعليه لكل واحدة مهرها لا يرجع به على أحد)
لتقرره بالدخول وكل واحدة هي التي أفسدت نكاح نفسها دون غيرها من الكبار. (وتحرم
الصغيرة) لأنها ربيبة قد دخل بأمها. (ويرجع بما لزم من صداقها) وهو نصفه. (على المرضعة
الأولى) لأنها التي أفسدته.
533

فصل
وإذا أرضعت زوجته الأمة امرأته الصغيرة
رضاعا محرما (فحرمتها عليه) بأن كان دخل بالأمة، (كان ما لزمه من صداق الصغيرة)
وهو نصفه (له في رقبة الأمة) لأن ذلك من جنايتها، (وإن أرضعتها) أي زوجته الصغيرة (أم
ولده حرمتا عليه أبدا)، أما الزوجة فلأنها صارت بنته أو ربيبته، وأما أم الولد فلأنها من
أمهات نسائه، وعليه نصف مهر الصغيرة. (ولا غرامة عليها) أي على أم الولد لأنها أفسدت
على سيدها، ولا يجب له عليها غرم. (ويرجع على مكاتبته) إن كانت هي المفسدة لنكاح
الزوجة الصغيرة، لأنه يلزمها أرش جنايتها. (وإن أرضعت أم ولده بلبنه امرأة ابنه) رضاعا
محرما (فسخت نكاحها وحرمتها عليه أبدا، لأنها صارت أخته) من الرضاعة، (وإن أرضعت)
أم ولده (زوجة أبيه بلبنه حرمتها عليه) وانفسخ نكاحها. (لأنها صارت بنت ابنه ويرجع الأب
على ابنه بأقل الامرين مما غرمه لزوجته). وهو نصف صداقها المسمى أو المتعة إن لم يسم
لها. (أو قيمتها لأن ذلك من جناية أم ولده) وجنايتها تضمن كذلك، وعلم منه أنه لا رجوع
للابن على أبيه في المسألة قبلها، إذ ليس له طلبه بالدين ونحوه. (وإن أرضعت أم ولده
واحدة منهما) أي من زوجتي ابنه وأبيه، (بغير لبن سيدها لم تحرمها عليه) ولم ينفسخ
نكاحها. (لأن كل واحدة منهما صارت بنت أم ولده) وهي غير محرمة عليه.
فصل
وإذا شك في الرضاع أو شك في عدده
بأن شك هل أرضعته أولا، أو هل أرضعته خمسا أو دونهما، (بنى على اليقين لأن الأصل
534

عدم الرضاع في المسألة الأولى)، وهي ما إذا شك في الرضاع. (و) الأصل (عدم وجود
الرضاع المحرم في) المسألة (الثانية)، وهي ما إذا شك في عدده، (لكن تكون) التي لو ثبت
رضاعها خمسا حرمت (من الشبهات تركها أولى، قاله الشيخ)، لحديث: من اتقى الشبهات
فقد استبرأ لدينه وعرضه.
تتمة: قال في المبدع آخر الفصل الثاني من هذا الباب، وإن شكت المرضعة في
الرضاع أو كما له في الحولين ولا بينة فلا تحريم، (وإن شهد به) أي الرضاع (امرأة واحدة
مرضية على فعلها)، بأن شهدت أنها أرضعته خمسا في الحولين، (أو) شهدت امرأة مرضية
على (فعل غيرها) بأن شهدت أن فلانة أرضعته خمسا في الحولين. (أو) شهد بذلك (رجل
واحد ثبت) الرضاع (بذلك ولا يمين) على المشهود له، ولا على الشاهدة لما روى
عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: قد
أرتضعتكما فأتيت النبي (ص) فذكرت ذلك له فقال: وكيف وقد زعمت؟ فنهاه عنها وفي
رواية دعها عنك رواه البخاري. وقال الزهري: فرق بين أهل أبيات في زمن عثمان
بشهادة امرأة واحدة ولأن هذه شهادة على عورة فتقبل فيها شهادة النساء منفردات
كالولادة، ولأنه معنى يقبل فيه قول النساء المنفردات فيقبل فيه شهادة المرأة ويؤيده ما
روى محمد بن عبد الرحمن بن السلماني عن أمه عن ابن عمر قال: سئل النبي (ص) ما
يجوز في الرضاع من الشهود؟: رجل أو امرأة رواه أحمد، وقال البيهقي: إسناده
ضعيف وقد اختلف في متنه والمتبرعة وغيرها سواء وغير المرضية لا تقبل. وقال ابن
حمدان: إن الظئر إذا قالت: أشهد أني أرضعتهما لم تقبل، وإن قالت: أشهد أنهما ارتضعا مني
قبل. (وإذا تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح) وحرمت عليه
لأنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه، كما لو أقر بالطلاق أو إن أمته أخته من النسب (فإن
صدقته) أنها أخته من الرضاع (أو ثبت) ذلك (ببينة فلا مهر لها)، لأنه نكاح باطل من أصله لا
535

تستحق فيه مهرا. (وإن أكذبته) ولم يثبت ما قاله بالبينة (فلها نصف المهر)، لأن قوله غير
مقبول عليها في إسقاط حقوقها وقد جاءت الفرقة من جهته. (وإن قال) هي أختي من الرضاع
(بعد الدخول انفسخ النكاح ولها المهر) بكل حال لأنه استقر بالدخول. (ما لم تقر أنها
طاوعته عالمة بالتحريم) لأنها زانية مطاوعة (فإن رجع عن ذلك) أي قوله: هي أختي من
الرضاع (وأكذب نفسه لم يقبل في الحكم الله)، ولو قال: أخطأت لأنه رجوع عن إقرار بحق
لآدمي فلم يقبل كما لو أقر لها بمال ثم رجع عنه. (وأما فيما بينه وبين فإن علم كذب
نفسه فالنكاح بحاله)، لأن الاقرار الباطل لا يزيل الشئ عن صفته. (وإن شك) الزوج (في
ذلك) أي في كونها أخته من الرضاع (لم يزل عن اليقين بالشك)، لأن الأصل الحل. (فإن
قال: هي عمتي) من الرضاع (أو) قال هي (خالتي) من الرضاع، (أو) قال هي (ابنة أخي أو ابنة
أختي أو أمي من الرضاع، وأمكن صدقه فهو كما لو قال: هي أختي) من الرضاع على ما سبق
تفصيله بلا فرق. (وإن لم يمكن صدقه) في قوله: هي أمي (مثل أن يقول لمن هي مثله) في
السن هذه أمي أو ابنتي، (أو) يقول لمن هي (أصغر منه) سنا (هذه) أمي (أو) يقول (لأكبر
منه) هذه ابنتي، (أو) يقول (لمثله هذه ابنتي) من الرضاع (لم تحرم عليه) لتحقق كذبه. (كما لو
قال: أرضعتني وإياها سواء. أو قال) هذه زوجته (هذه حواء)،
قال ابن المنجا: ولا بد أن يلحظ أن الزوج لو قال ذلك وهي في سن لا يولد مثلها
لمثله، وإن كان أصغر كان كما لو قال ذلك وهي في سنه لتحقق ما ذكر فيه.
(والحكم في الاقرار بقرابة من النسب تحرمها) أي الزوجة (عليه) أي على المقر بأن
يقر بأن زوجته أخته من النسب أو عمته أو خالته، كذلك أو أمه أو بنته لو أمكن ذلك.
(كالحكم في الاقرار بالرضاع) بجامع أنه أقر على نفسه بما ينفسخ به نكاحه. (وإن ادعى أن
زوجته أخته من الرضاع فأنكرته، فشهدت بذلك أمه أو ابنته أو أبوه لم تقبل شهادتهم) للمانع
وهو قرابة الولادة. (وإن شهد بذلك) أي بكونها أخته من الرضاع (أمها أو ابنتها أو أبوها
قبلت) شهادتهم لأنها عليها، لا لها (وإن ادعت ذلك) أي أنها أخته من الرضاع (المرأة
536

وأنكرها الزوج، فشهدت لها أمها أو ابنتها أو أبوها لم تقبل) الشهادة لقرابة الولادة
(وإن شهدت لها أم الزوج أو ابنته أو أبوه قبل) منهم ما شهدوا به، لأنها شهادة عليه لا
له (وفي الترغيب والبلغة، لو شهد به) أي الرضاع (أبوها لم يقبل. بل) يقبل إن شهد
به (أبوه) قال في الانصاف: يعني (بلا دعوى. وقاله في الرعايتين) بأن شهد بذلك
حسبة ولم تتقدم شهادته دعوى من الزوج ولا من الزوجة، ووجه ذلك أن النكاح حق
للزوج فشهادة أبيها بالرضاع تقطعه فتكون شهادة لابنته، فلم تقبل. وشهادة أبيه
شهادة عليه فقبلت هذا ما ظهر لي، (وإن كانت الزوجة هي التي قالت: هو أخي من
الرضاع فأكذبها ولم تأت بالبينة)، قال في الرعاية: وحلف (فهي زوجته في الحكم)
لأنه لا يقبل قولها في فسخ النكاح، لأنه حق عليها (فإن كان) قولها ذلك (قبل الدخول
فلا مهر)، لأنها تقر بأنها لا تستحقه. (وإن كانت قبضته لم يكن للزوج أخذه) منها، ولا
طلبها به لأنه يقر بأنه حق لها. (وإن كان) قولهما ذلك (بعد الدخول. فإن أقرت أنها كانت
عالمة أنها أخته، وبتحريمها عليه وطاوعته في الوطئ فلا مهر لها) لاقرارها بأنها زانية
مطاوعة. (وإن أنكرت شيئا من ذلك فلها المهر) لأنه وطئ شبهة (وهي زوجته في الحكم)
لأن قولها غير مقبول عليه. (وأما فيما بينها وبين الله، فإن علمت صحة ما أقرت به لم يحل لها
مساكنته ولا تمكينه من وطئها)، ولا من دواعيه لأنها محرمة عليه. (وعليها أن تفتدي وتفر
منه، كما قلنا في التي علمت أن زوجها طلقها ثلاثا، وتقدم). قاله في الشرح والمبدع
والانصاف. (وينبغي أن يكون الواجب لها من المهر بعد الدخول أقل المهرين من المسمى
537

أو مهر المثل)، لأنه إن كان المسمى أقل لم يقبل قولها في وجوب الزيادة عليه، وإن كان مهر
المثل أقل من الزائد عليه لا تستحقه ببطلان العقد. (وإن كان إقرارها بأخوته قبل النكاح لم
يجز لها نكاحه)، لاعترافها بتحريمه (ولا يقبل رجوعها عن إقرارها في ظاهر الحكم، وكذلك
الرجل إن أقر أن هذه أخته ونحوه) كعمته، أو خالته، أو بنت أخيه، أو أخته (قبل النكاح
وأمكن صدقه، لا يحل له أن يتزوج بها بعد ذلك في ظاهر الحكم) مؤاخذة له بإقراره، (ولو
ادعت أمة أخوة السيد بعد وطئ لم يقبل) قولها مطلقا، لأن تمكينها دليل كذبها، (و) إن
ادعت الأمة أخوة سيدها (قبله) أي قبل الوطئ (يقبل) قولها (في تحريم الوطئ) احتياطا.
و (لا) يقبل قولها (في ثبوت العتق) لعدم تحقيق موجبه، والأصل عدمه. (وإذا تزوج امرأة
لها ابن من زوج قبله) أو اشترى سيد أمة لها ابن من زوج أبانها فوطئها، (فحملت منه ولم
تلد ولم يزد لبنها، أو لم تحمل. فهو) أي اللبن (للأول) لأن نصف اللبن كان له والأصل
بقاؤه. (وإن زاد) اللبن بعد الحمل (زيادة في أوانها) فاللبن لهما. (فإن أرضعت به طفلا صار
ابنا لهما)، كما لو كان الولد منهما لأن زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنه منه، وبقي لبن
الأول يقتضي كون أصله منه، فوجب أن يضاف إليهما. (وإن لم يزد) اللبن بالحمل (أو زاد
قبل أوانه أو لم تحمل وزاد بالوطئ ف‍) اللبن (للأول) لما تقدم. (وإن انقطع لبن الأول، ثم
ثاب بحملها من الثاني فهو لهما)، لأن اللبن كان للأول فلما عاد بحدوث الحمل، فالظاهر
أن لبن الأول ثاب بسبب الحمل من الثاني، فكان مضافا إليهما كما لو لم ينقطع. (ومتى
ولدت فاللبن للثاني وحده) إذا زاد، لأن زيادته بعد الولادة تدل على أنه لحاجة المولود
فتمتنع المشاركة فيه، (إلا إذا لم يزد) اللبن (أو لم ينقص من الأول حتى ولدت، فهو) أي اللبن
(لهما) لأن اللبن الأول أضيف إلى الولد الأول واستمراره على حاله أوجب بقاءه عليه
وحاجة الولد الثاني إلى اللبن أوجبت اشتراكهما فيه كالعين إذا لم يدفع المستحق الثاني
صاحب اليد عنها يبقى استحقاقه لها. (وإن ادعى أحد الزوجين على الآخر أنه يطلع أخو
538

صاحبه من الرضاع، فأنكر) المدعى عليه الاقرار. (لم يقبل في ذلك شهادة النساء
المنفردات لأنها شهادة على الاقرار) وهو مما أقر أنه عليه الرجال غالبا، فلا بد فيه من رجلين
كالنكاح والقذف. (ويكره لبن الفاجرة والمشركة) لقول عمر وابنه. (والذمية) كالمشركة
(والحمقاء) لقوله (ص): لا تزوجوا الحمقاء، فإن صحبتها بلاء، وفي ولدها ضياع، ولا
تسترضعوها فإن لبنها يغير الطباع (والزنجية وسيئة الخلق) فإنهما في معنى الحمقاء.
(والجذماء والبرصاء) خشية وصول ذلك إلى الرضيع، وفي المجرد (والبهيمة) لأنه يكون
في بلادة البهيمة. وفي الترغيب (وعمياء فإنه يقال: الرضاع يغير الطباع) ويؤيده ما سبق في
الحديث، بل يكاد ذلك محسوسا. (ويستحب أن يعطى) الموسر (الظئر) المتبرعة،
كما قيده بعضهم (عند الفطام عبدا أو أمة) مكافأة لها. فإن كانت أمة استحب له عتقها
(وتقدم في الإجارة وليس للزوجة أن ترضع غير ولدها إلا بإذن الزوج. قاله الشيخ) لما فيه
من تفويت حقه عليه.
539

كتاب النفقات
وهي جمع نفقة وتجمع على نفاق كثمرة وثمار، (وهي) في الأصل للدراهم من
الأموال. وشرعا (كفاية من يمونه خبزا وأدما وكسوة) بضم الكاف وكسرها. قاله في
الحاشية. (ومسكنا وتوابعها) أي توابع الخبز والأدم والكسوة والمسكن كثمن الماء والمشط
والسترة ودهن المصباح والغطاء والوطئ ونحوها. وأصلها الاخراج من النافقاء، وهو
موضع يجعله الضب في مؤخر الجحر رفيعا يعده للخروج، إذا أتى من بابه رفعه برأسه
وخرج. ومنه سمي النفاق، لأنه خروج من الايمان أو خروج الايمان من القلب، فسمي
الخروج نفقة لذلك. وهي أصناف: نفقة الزوجات، وهي المقصودة هنا ونفقة الأقارب
والمماليك وتأتي. (ويلزم ذلك) المذكور وهو الكفاية من الخبز والأدم والكسوة وتوابعها
(الزوج لزوجته) إجماعا لقوله: * (لينفق ذو سعة من سعته) * الآية. ومعنى قدر
ضيق وقوله (ص): فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن
بكلمة الله ولهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف رواه مسلم. ولأنها محبوسة على
الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فوجبت نفقتها عليه كالعبد مع سيده. (ولو) كانت
الزوجة (ذمية) تحت مسلم أو ذمي لعموم ما سبق (ب‍) - حسب (ما يصلح لمثلها) مع مثله
(بالمعروف)، لخبر مسلم السابق. (وهي) أي النفقة (مقدرة بالكفاية) فيجب لها كفايتها مما
ذكر. لحديث هند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف فتختلف باختلاف من تجب له
540

في قدرها للحديث. فأمرها بأخذ ما يكفيها من غير تقدير. والكفاية لا تختلف باليسار
والاعسار، وإنما اعتبرهما الشرع في الجنس لا القدر. (وتختلف) النفقة (باختلاف حال
الزوجين) يسارا وإعسارا. لقوله تعالى: * (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق
مما آتاه الله) * (فيعتبر ذلك الحاكم بحالهما عند التنازع) لا وقت العقد، وإنما
اعتبره بحالهما جمعا بين الأدلة ورعاية لكل من الجانبين. فكان أولى. وقال القاضي:
الواجب رطلان من خبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر اعتبارا بالكفارات. وإنما
يختلفان في صفته وجودته. (فيفرض) الحاكم (للموسرة تحت الموسر من أرفع خبز البلد)
الخاص (ودهنه وأدمه، الذي جرت عادة أمثالها بأكله من الأرز واللبن وغيرهما مما لا تكره
عرفا). لأنه (ص) جعل ذلك بالمعروف، وليس من المعروف إطعام الموسرة خبز المعسرة،
ولان الله تعالى فرق بين الموسر والمعسر في الانفاق، ولم يبين ما فيه التفريق، فوجب
الرجوع إلى العرف. وأهل العرف يتعارفون فيما بينهم أن جنس نفقة الموسرين أعلى من
جنس نفقة المعسرين. ويعدون المنفق من الموسرين من جنس المعسرين بخيلا. (وإن تبرمت
بأدم نقلها إلى أدم غيره) لأنه من المعروف. (و) يفرض لها (لحما عادة الموسرين بذلك
الموضع، و) يفرض لها (حطبا وملحا لطبخه) لأنها لا تستغني عنه. (وقدر اللحم رطل عراقي)
وتقدم بيانه في أول المياه وهذه طريقة. وما قدمه أولى أنه مقدر بالكفاية. (لكن يخالف في
إدمانه) قاله في الفروع. قال في المبدع: ولعله مرادهم. (قال في الوجيز وغيره: في
الجمعة مرتين) جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة
والهادي وغيرهم. وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وتجريد العناية. (و) يفرض لها
الحاكم من الكسوة (ما يلبس مثلها من حرير وخز) وهو ما سدى بإبريسم ولحم بغيره
(وجيد كتان وقطن وأقل قميص وسراويل ووقاية وهي ما تضعه فوق المقنعة وتسمى الطرحة
541

ومقنعة ومداس وجبة للشتاء)، لأن ذلك أقل ما تقع به الكفاية. لأن الشخص لا بد له من
شئ يواري جسده وهو القميص، ومن شئ يستر عورته، وهو السراويل، ومن شئ على
رأسه وهو الوقاية، ومن شئ في رجله وهو المداس، ومن شئ يدفئه وهو جبة للشتاء، ومن
شئ ينام عليه. وقد أشار إليه بقوله: (وللنوم فراش ولحاف ومخدة) بكسر الميم (محشو
ذلك بالقطن المنزوع الحب، إذا كان عرف البلد) لأنه المعروف. (وملحفة للحاف) لأنه معتاد
(وإزار) تنام فيه إذا كانت العادة جارية بالنوم فيه كأرض الحجاز ونحوها. (وللجلوس زلي
وهو بساط من صوف وهو الطنفسة أو رفيع الحصر)، لأن ذلك ما لا غنى عنه، (وتزاد من عدد
الثياب ما جرت العادة بلبسه مما لا غنى عنه) لأن الواجب دفع الحاجة الغالبة (دون ما
للتجمل والزينة، و) يفرض (للمعسرة تحت المعسر من أدنى خبز البلد كخشكار) ضد الناعم
(بأدمه الملائم له عرفا كالباقلاء والخل والبقل والكامخ وما جرت به عادة أمثالها)، لأنها
إحدى الزوجين فوجب اعتبار حالها كالموسرة. (ودهنه ولحمه عادة، وفي الوجيز وغيره
كالرعاية في اللحم كل شهر مرة، و) يفرض لها (ما يلبس مثلها أو ينام فيه من غليظ القطن
والكتان وللنوم فراش بصوف وكساء أو عباءة) بفتح العين والمد (للغطاء والجلوس بارية أو
خيش) على قدر عادتها وعادة أمثالها، (و) يفرض (للمتوسطة تحت المتوسط والموسرة مع
المعسر والمعسرة مع الموسر المتوسط من ذلك عرفا)، لأن إيجاب نفقة الموسر على المعسر
وإنفاق المعسر نفقة الموسر ليس من المعروف، وفيه إضرار بصاحبه، فكان اللائق بحقهما
هو المتوسط. قال في المبدع: الموسر من يقدر على النفقة بماله أو كسبه وعكسه
المعسر. وقيل: هو الذي لا شئ له. والمتوسط من يقد على بعض النفقة بماله أو كسبه.
قال ابن حمدان: ومسكين لا زكاة له معسر ومن فوقه متوسط. وإلا فهو معسر. (وعليه
542

نفقة البدوية من غالب قوت البادية بالناحية التي ينزلونها ويجب) للزوجة (ما تحتاج إليه من
الدهن للسراج أول الليل أو غيره) أي كله بحسب عادة بلدهما (على اختلاف أنواعه في
بلدانه) فيجب لها، (السمن في موضع والزيت في آخر (والشحم في آخر) والشيرج في آخر)
بحسب العرف، و (لا) يجب دهن المصباح (لأهل الخيام والبادية) لعدم تعارفهم له، (ولا
يجب لها إزار للخروج وهو الملحفة ومثله الخف ونحوه) كالران. (لأنه لم يبن أمرها على
الخروج)، ولأنها ممنوعة من الخروج لحق الزوج فلا يجب عليه مؤنة ما هي ممنوعة منه
لأجله، (ولا بد من ماعون الدار) لأنه لا غنى لها عنه. (ويكتفي بخزف) وهو آنية الطين قبل
أن يطبخ وهو الصلصال، فإذا شوي فهو الفخار ذكره في الحاشية. (وخشب والعدل ما يليق
بهما) أي الزوجين من الآنية (وحكم المكاتب والعبد) في النفقة (كالمعسر)، لأنهما ليسا
بأحسن حالا منه، (ومن نصفه حر إن كان موسرا فكمتوسطين، وإن كان معسرا فكمعسرين)
والواجب عليه نصف نفقته ونصف نفقة زوجته وباقيهما على سيده. (ولا يجب في النفقة
الحب) بل الكفاية من الخبز لأنه المتعارف وكنفقة العبيد. ولان الحب يحتاج إلى كلفة
ومؤنة. (فلو طلبت مكان الخبز حبا أو دراهم أو دقيقا أو غير ذلك) لم يلزمه بدله، (أو)
طلبت (مكان الكسوة دراهم أو غيرها) من العروض (لم يلزمه بذله)، لأن ذلك معاوضة فلا
يجبر عليها. (و) كذا (لا يلزمها قبوله بغير رضاها لو بذله) الزوج أي ما ذكر من بذل الخبز
أو الكسوة لما مر. (وإن تراضيا) أي الزوجان (على ذلك) أي أخذ العوض (جاز) لأنه الحق
لا يعدوهما. (بخلاف الطعام) في الكفارة فإنه حق لله تعالى. (وليس هو معاوضة حقيقة) لان
الشارع لم يعين الواجب بأكثر من الكفاية، فبأي شئ حصلت كان هو الواجب. وإنما صرنا
إلى إيجاب الخبز عند الاختلاف، لأنه المتعارف فرجح بذلك. (و) إذا تراضيا على العوض
في النفقة أو الكسوة أو فيهما. ف‍ (- لكل منهما الرجوع عنه بعد التراضي في المستقبل) لعدم
543

استقراره. (ولا يملك الحاكم فرض غير الواجب كدراهم مثلا) إلا باتفاقهما ولا يجبر من
امتنع منهما. قال في الهدى: وأما فرض الدراهم فلا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا نص
عليه أحد من الأئمة، لأنها معاوضة بغير الرضا عن غير مستقر. قال في الفروع: وهذا
متجه مع عدم الشقاق وعدم الحاجة، فأما مع الشقاق والحاجة كالغائب مثلا فيتوجه الفرض
للحاجة إليه على ما يخفى. (ولا يعتاض عن الماضي) من واجب النفقة (بربوي)، لأنه ربا (و)
يجب (عليه) أي الزوج (مؤنة نظافتها من الدهن) لرأسها (والسدر والصابون، وثمن ماء شرب
ووضوء وغسل من حيض ونفاس وجنابة ونجاسة وغسل ثياب، وكذا المشط وأجرة القيمة
ونحوه، وتبيض الدست وقت الحاجة) إليه، لأن ذلك يراد لتنظيف كتنظيف الدار المؤجرة.
(ولا يجب عليه) أي الزوج (الأدوية وأجرة الطبيب والحجام والفاصد)، لأن ذلك يراد
لاصلاح الجسم كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار، (وكذا ثمن الطيب والحناء
والخضاب ونحوه)، كالاسفيذاج، لأن ذلك من الزينة فلا يجب عليه كشراء الحلي. (إلا أن
يريد منها التزين به) لأنه هو المريد لذلك، (أو قطع رائحة كريهة منها) أي يلزمه ما يراد لقطع
رائحة كريهة منها كما ذكره في المغني والشرح والترغيب. (ويلزمها ترك) ال‍ (- حناء وزينة
نهاها عنه) ذكره الشيخ تقي الدين (فإن احتاجت) الزوجة (إلى من يخدمها لكون مثلها لا
يخدم نفسها، أو لموضعها ولا خادم لها لزمه لها خادم) لقوله تعالى: * (وعاشروهن
بالمعروف) * ولأنه مما يحتاج إليه على الدوام (حرا أو عبدا إما بشراء أو كراء أو
عارية) لأن المقصود الخدمة كما لو أسكنها دارا بالأجرة أو عارية. والخادم واحد الخدم
يقع على الذكر والأنثى لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال، كحائض وعاتق
ذكره في الحاشية. (ولا يلزمه) أي الزوج (أن يملكها إياه) أي الخادم لأن الواجب عليه
الإخدام لا التمليك، فإن ملكها إياه فقد زادها خيرا. (ولا إخدام) عليه (لرقيقة ولو كانت
544

جميلة)، لأنها ليست كالزوجة (فإن طلبت) الزوجة (منه أجر خادمها فوافقها جاز)، لأن الحق
لا يعدوهما (وإن أبى) الزوج ذلك، (وقال: أنا آتيك بخادم سواه فله ذلك إذا أتى بمن يصلح لها)
، لأنه الواجب عليه ولا يجبر على المعاوضة. (ولا يكون الخادم إلا ممن يجوز له النظر إليها)
أي إلى الزوجة، (إما امرأة أو ذو رحم محرم) لأن الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله فلا
يسلم من النظر. (فإن كان الخادم ملكها كان تعيينه إليهما) أي إلى الزوجين فإذا رضيت بخدمته
ونفقته على الزوج ورضي بذلك جاز، لأن الحق لا يعدوهما. (وإن كان) الخادم (ملكه أو
استأجره أو استعاره فتعيينه إليه) لأن أجرته عليه فيكون عليه تعيينه إليه. (ويجوز أن تكون)
الخادم (كتابية)، لأنها يجوز لها النظر للمسلمة كما تقدم، (ويلزمها) أي الزوجة (قبولها) أي
الكتابية لأنها تصلح للخدمة. (وله تبديل خادم ألفتها) الزوجة لأن التعيين إليه (ولا يلزم)
الزوج (أجرة من يوضئ) زوجة (مريضة) بخلاف رقيقه المريض، الذي لا يمكنه الوضوء
بنفسه. (وتلزم نفقة الخادم وكسوته بقدر نفقة الفقيرين) لأنه معسر وحاله حال المعسرين.
(إلا في النظافة فلا يجب عليه لها) أي الخادم (ما يعود بنظافتها ولا مشط ودهن وسدر لرأسها)
لأن ذلك يراد للزينة والتنظيف وهذا غير مراد من الخادم. (فإن احتاجت) الخادم (إلى خف
وملحفة لحاجة الخروج لزمه) ذلك لدعاء الحاجة إليه، (إلا إذا كانت) الخادم (بأجرة أو) كانت
(عارية ف‍) - نفقتها وما تحتاج إليه، (على مؤجر ومعير)، لأن المكري ليس له إلا الأجرة
والمعير لا تسقط عنه نفقة ملكه بإعارته. (ولا يلزمه) أي الزوج (أكثر من نفقة خادم واحد) لان
المستحق خدمتها في نفسها وذلك يحصل بالواحد، وما زاد إنما هو للتجمل أو نحوه وليس
بواجب عليه. (فإن قالت) لزوجها (أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يلزمه)، ذلك، لان
الأجرة عليه فتعين الخادم إليه، (وإن قال) الزوج (أنا أخدمك) بنفسي (لم يلزمها قبوله)، لأنها
تحتشمه وفيه غضاضة عليها لكون زوجها خادما لها. (ولو أرادت من لا إخدام لها أن تتخذ
خادما وتنفق عليه من مالها، فليس لها ذلك إلا بإذن الزوج) لها فيه ويلزمه مؤنسة لحاجة.
545

فصل
ويجب عليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها ومسكنها كالزوجة
فيما تقدم، (سواء) لقوله تعالى: * (وبعولتهن أحق بردهن) * ولأنها
زوجة يلحقها طلاقه وظهاره أشبه ما قبل الطلاق. (إلا فيما يعود بنظافتها) لأنها غير معتدة
للاستمتاع. (فأما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملا فلها النفقة) لقوله تعالى: * (وإن
كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * (تأخذها كل يوم قبل
الوضع) للآية، (ولها السكنى) لقوله تعالى: * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم)
(و) لها (الكسوة) لدخولها في النفقة، ولان الحمل ولده والانفاق عليه دونها
متعذر فوجب كما وجبت أجرة الرضاع. (وإن لم تكن) البائن (حاملا فلا شئ لها) لقوله
(ص) لفاطمة بنت قيس: ليس لك نفقة رواه البخاري ومسلم، وزاد ولا سكنى. وفي
لفظ قال النبي (ص): انظري يا ابنة قيس إنما النفقة للمرأة على زوجها فكانت له عليها
الرجعة فإنه لم يكن له عليها الرجعة فلا نفقة ولا سكنى رواه أحمد والحميدي، وقول
عمر بوجوب السكنى لها خالفه علي وابن عباس وجابر. (فإن لم ينفق يظنها حائلا،
ثم تبين أنها حامل فعليه نفقة ما مضى). لأنا تبينا استحقاقها له فرجعت به عليه كالدين (سواء
قلنا النفقة للحمل أو لها من أجله في ظاهر كلامهم)، وقال ابن حمدان: إن قلنا النفقة لها
وجبت، وإلا فلا. (وعكسها) بأن أنفق عليها يظنها حاملا فبانت حائلا. (يرجع عليها) لأنا
تبينا عدم استحقاقها، أشبه ما لو قضاها دينا، ثم تبين براءته منه. (وإن ادعت) بائن (أنها
حامل أنفق عليها) مبينها (ثلاثة أشهر) من ابتداء زمن ذكرت أنها حملت منه بنظير ما أنفق
(فإن مضت) الثلاثة أشهر (ولم يبن) حملها (رجع عليها، إلا إن ظهرت براءتها قبل ذلك)، أي
546

قبل مضي الثلاثة أشهر (بحيض أو غيره فيقطع النفقة) عنها لتبين عدم الحمل، (سواء
دفع إليها بحكم حاكم أو بغيره شرط أنها نفقة، أو لم يشرط) ذلك، لأن الحمل يتبين
بعد ثلاثة أشهر وقرينة الحال دالة أنه إنما دفع إليها على وجه النفقة. (وإن ادعت
الرجعية الحمل فأنفق عليها أكثر من مدة عدتها رجع عليها بالزيادة) لتبين عدم
استحقاقها لها، (ويرجع في) قدر (مدة العدة إليها) لأن ذلك لا يعلم إلا من جهتها
(ولا يرجع بالنفقة في النكاح الفاسد إذا تبين فساده، سواء كانت النفقة قبل مفارقتها
أو بعدها) لأنه إن كان عالما بعدم الوجوب فهو متطوع بالانفاق، وإن لم يكن عالما
فهو مفرط فلم يرجع بشئ. (كما لو أنفق على أجنبية) بلا إذنها لأنه متبرع (وتجب)
النفقة على المبين (للحمل لا لها) أي البائن (من أجله)، أي الحمل لأنها تجب بوجود
الحمل (وتستحق) البائن (قبضها) أي النفقة (والتصرف فيها)، وكذلك صحت مخالعتها
عليها كما تقدم. (فتجب) النفقة (على زوج ل‍) - زوجة (ناشز حامل ولملاعنة حامل)
لأن النفقة للحمل وهو ولده، (ولو نفاه لعدم صحة نفيه) ما دام حملا (فإن نفاه بعد
وضعه، فلا نفقة في المستقبل) لانقطاع نسبه عنه. (فإن استلحقه) لملاعن بعد نفيه
لحقه نسبه، و (رجعت عليه الام بما أنفقته، وبأجرة المسكن والرضاع سواء قلنا
النفقة للحمل أو لها من أجله) لأنا تبينا أنها كانت مستحقة عليه، فوجب عليه أداؤها
كما لو كان عليه دين لم يعلمه ثم علمه. (وتجب) النفقة (لحامل من وطئ شبهة أو
نكاح فاسد على الواطئ) لأنه لا حق به والنفقة له. (و) تجب النفقة (لملك يمين
على السيد، ولو أعتقها) وهي حامل لأنه ولده. (و) تجب نفقة الحامل من زوج ميت
(على وارث زوج ميت) للقربة إذا لم يكن للحمل مال. (و) تجب (من مال حمل
موسر فتسقط عن أبيه) وعن وارثه لأن الموسر لا تجب نفقته على غيره. (وإن تلفت)
547

النفقة بيد حامل من المذكورات (من غير تفريط) منها (وجب) على من قلنا عليه
نفقة حملها (بدلها)، لأن ذلك حكم نفقة الأقارب. (ولا تجب) نفقة الحمل (على
زوج رقيق ولا معسر ولا غائب) لأنها نفقة قريب. (فلا تثبت في الذمة كنفقة
الأقارب وتسقط بمضي الزمان) كنفقة الأقارب، (ما لم تستدن بإذن حاكم أو تنفق
بنية الرجوع إذا امتنع من الانفاق من وجب عليه) لانفاق على الحمل لكونها قامت
عنه بواجب. (ولا تجب) نفقة الحمل (على من لا يلحقه نسب الحمل كزان) لعدم
القرابة، (ولا) تجب نفقة الحمل (على وارث) الحمل (مع عسر زوج)، لاحق به
الحمل لحجبهم به.
قلت: إلا أن يكون الوارث من عمودي النسب فتجب عليه مع يساره، كما يأتي
نظيره في نفقة الأقارب. (ولا تجب فطرة حامل مطلقة). وإن قلنا تجب نفقتها للحمل وفطرته
غير واجبة، بل تستحب (ولا يصح جعل نفقة الحامل عوضا في الخلع لأن النفقة ليست لها)
بل للحمل فلا تعارض لها، هذا معنى كلام الشيرازي،
وقال القاضي والأكثرون: يصح على الروايتين وجزم به المصنف في الخلع لأنها في
حكم المالكة لها لأنها التي قبضتها وتستحقها وتتصرف فيها فإنها في مدة الحمل هي
المالكة لها، وبعد الولادة هي أجرة رضاعها وهي الآخذة لها. (ولو وطئت الرجعية بشبهة أو)
وطئت (بنكاح فاسد ثم بان بها حمل يمكن أن يكون من الزوج و) من (الوطئ بنكاح
فاسد، فعليهما) أي الزوج والواطئ الأجرة (حتى تضع و) عليهما النفقة (بعد الوضع
حتى ينكشف الأب منهما)، ويتميز (ومتى ثبت نسبه) أي الحمل (من أحدهما) أي الزوج أو
الواطئ بشبهة أو بنكاح فاسد (رجع عليه الآخر) الذي لم يلحق به (بما أنفق) عليه، لأنه
أدى عنه شيئا هو واجب عليه بناء على أنه واجب على الدافع، فرجع عليه به لأنه قام عنه
بواجب.
تتمة: قال في المبدع: فإن وطئت زوجته فحملت فالنفقة على الواطئ إن وجبت
548

للحمل، ولها على الأصح إن كانت مكرهة أو نائمة، وإن كانت مطاوعة تظنه زوجها فلا.
(ولا نفقة من التركة لمتوفى عنها زوجها، ولو) كانت (حاملا) لأن النفقة للزوجة تجب
للتمكين من الاستمتاع وقد فات. (ونفقة الحمل من نصيبه) فينفق عليها من نصيبه كما
نقله الكمال في حمل أم الولد، واستشكله المجد بأن الحمل. إنما يرث بشرط خروجه
حيا ويوقف نصيبه فكيف يتصرف فيه قبل تحقق الشرط؟ ويجاب: بأن هذا النص
يشهد لثبوت ملكه من حين موت مورثه، وإنما خروجه حيا يتبين به ذلك فإذا حكمنا له
بالملك ظاهرا جاز التصرف فيه. بالنفقة الواجبة عليه، وعلى من تلزمه نفقته لا سيما
والنفقة على أمه يعود نفعها إليه، كما يتصرف في مال المفقود. (ولا) نفقة (لام ولد
حامل وينفق) عليها (من مال حملها نصا) كما تقدم وفيه ما سبق. (ولا سكنى لهما) أي
للمتوفى عنها زوجها ولو حاملا وأم الولد الحامل. (ولا كسوة) لما تقدم في النفقة وفي
المغني في المتوفى عنها إن مات وهي في مسكنه قدمت به، ويستدل له بقوله تعالى:
* (والذين يتوفون منكم) * الآية لنسخ بعض المدة وبقي ما فيها على
الوجوب ولو لم تجب السكنى للفريعة لم يكن لها أن تسكن إلا بإذنهم. وجوابه: أن
الآية منسوخة وقصة فريعة قضية عين. (ولا تجب النفقة في النكاح الفاسد) لأن وجود
العقد كعدمه (لغير حامل) فإن كانت حاملا فالنفقة للحمل، (ولا) تجب النفقة (ل‍)
- زوجة (ناشز غير حامل) لأن النفقة في نظير تمكينها من الاستمتاع والناشز غير
ممكنة، (فإن كان لها) أي الناشز (ولد أعطاها نفقة ولدها إن كانت هي الحاضنة له أو
المرضعة) له، لأن نفقته ليست في نظير التمكين بل للقرابة، وهي موجودة مع نشوز أمه
(ويعطيها أيضا أجرة رضاعها إن طالبت بها) وإن كانت في حباله لقوله تعالى: * (فأن
أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * والناشز العاصية لزوجها (فمن امتنعت
من فراشه أو) من (الانتقال معه إلى مسكن مثلها أو خرجت) من منزله بغير إذنه، (أو
سافرت أو انتقلت من منزله بغير إذنه، أو أبت السفر معه إذا لم تشترط بلدها فهي
ناشز)، وتقدم بيانه.
549

فصل
ويلزمه أي الزوج دفع القوت
أي الخبز والأدم (إلى الزوجة)، لا بد له ولا حب إن لم يتراضيا عليه (في صدر كل
نهار، وذلك إذا طلعت الشمس)، لأنه أول وقت الحاجة. (فإن اتفقا) أي الزوجان (على تأخيره)
أي القوت عن طلوع الشمس، (أو) على (تعجيله لمدة قليلة أو كثيرة جاز)، لأن الحق لهما
لا يخرج عنهما كالدين وتملكه بقبضه، قاله في الترغيب. (واختار الشيخ لا يلزمه تمليك
ينفق ويكسو بحسب العادة، انتهى. ولو أكلت) الزوجة (مع زوجها عادة سقطت نفقتها) عملا
بالعرف. (وكذا إن كساها) الزوج (بدون إذنها، و) بدون (إذن وليها) إن كانت سفيهة أو
مجنونة أو صغيرة يوطأ مثلها عملا بالعادة. (ونوى أن يعتد بها) أي بالنفقة أو الكسوة فإن
لم ينو لم يعتد بها ذكره في الرعاية، وهو ظاهر كلامه في المغني. وقال في الانصاف: إن
لم يتبرع سقطت عنه مطلقا على الصحيح من المذهب، صححه في الفروع وقطع به
المصنف فيما يأتي قريبا. (وإن رضيت) الزوجة (بالحب لزمه أجرة طحنه وخبزه)، لأنه من
مؤنته. وكذا ينبغي أن يقال في نفقة القريب. (فإن طلب أحدهما دفع القيمة عن النفقة أو
الكسوة لم يلزم الآخر) إجابته لأنها معاوضة، (وتقدم) ذلك (أول الباب ويلزمه) أي الزوج
(كسوتها في كل عام مرة)، لأنه العادة (ويلزم الدفع) للكسوة (في أوله) أي العام (لأنه أول
وقت الوجوب)، وقال الحلواني وابنه وابن حمدان في أول الصيف كسوة، وفي أول الشتاء
كسوة، ولعله مراد الواضح بقوله: كل نصف سنة. (وتملكها) أي الكسوة بالقبض (مع نفقة) أي
وتملك النفقة أيضا (بالقبض)، كما يملك رب الدين بقبضه، (وغطاء ووطاء ونحوهما)
كستارة (ككسوة) فيجب كل عام، وتملكه بقبضه. واختاره ابن نصر الله أنه كماعون الدار
550

بحسب الحاجة. (ولا تملك) الزوجة (المسكن وأوعية الطعام والماعون والمشط ونحو ذلك)
لأنه إمتاع قاله في الرعاية. وإن أكلت) الزوجة (معه) أي الزوج (عادة أو كساها بلا إذن)
منها، أو من وليها (ولم يتبرع سقطت) كما تقدم. (و) إن اختلفا في نية التبرع، ف‍ (- القول قوله
في ذلك) أي إنه لم ينو التبرع لأن الأصل عدمه، وهو أدرى بنيته. (فإذا قبضتها) أي النفقة أو
الكسوة (فسرقت أو تلفت أو بليت لم يلزمه عوضها)، لأنها قبضت حقها فلم يلزمه غيره
كالدين إذا وفاها إياه ثم ضاع منها، لكن لو بليت في الوقت الذي يبلى فيه مثلها لزمه بدلها
لأن ذلك من تمام كسوتها. وإن لم يمض زمن تبلى فيه عادة، وإنما بليت قبله لكثرة خروجها
ودخولها، فلا أشبه ما لو أتلفتها، وإن مضى زمن فيه مثلها بالاستعمال ولم تبل فوجهان،
أحدهما لا يلزمه بدلها لأنها غير محتاجة للكسوة. والثاني بلى لأن الاعتبار بمضي الزمان
دون حقيقة الحاجة، ذكره في المبدع. (وإذا انقضت السنة وهي) أي الكسوة (صحيحة فعليه
كسوة السنة الأخرى)، لأن الاعتبار بمضي الزمان دون بقائها بدليل ما لو تلفت. (وإن مات)
الزوج قبل مضي السنة (أو ماتت أو بانت قبل مضي السنة) رجع بقسطه، (أو تسلفت) أي
تعجلت (النفقة أو الكسوة فحصل ذلك) أي مات أو ماتت أو بانت (قبل مضيها)، أي مضي
المدة التي تسلفت نفقتها أو كسوتها (رجع بقسطه) لتبين عدم وجوبه عليه. (لكن لا يرجع)
من عجل نفقة ثم سقطت (ببقية يوم الفرقة إلا على ناشز)، لأن عليها أن لا تعطيه شيئا بأن
ترجع إلى الطاعة. قال في شرح المنتهى: والأظهر أنه إن أعادها أي غير ناشز في ذلك
اليوم لم تلزمه نفقة ثانيا. (وإذا قبضت) الزوجة (النفقة) أو الكسوة (فلها التصرف فيها على
وجه لا يضربها ولا ينهك) بفتح الهاء أي يجهد (بدنها)، لأنها ملكتها بالقبض. (فيجوز لها
بيعها وهبتها والصدقة بها وغير ذلك، فإن عاد) التصرف (عليها بضرر في بدنها أو نقص في
استمتاعها لم تملكه)، لأنه يفوت حقه بذلك، (فإذا دفع إليها الكسوة فأرادت بيعها أو الصدقة
551

بها، وكان ذلك يضربها أو يخل بتحملها بها أو) يخل (بسترتها لم تملك ذلك)، لما فيه من
تفويت حق الزوج أو حق الله، (ولو أهدى لها كسوة لم تسقط كسوتها) كما لو أهدى المدين
لرب الدين شيئا لم يسقط دينه به. (ولو أهدى لها طعاما فأكلته وبقي قوتها إلى الغد لم
يسقط قوتها فيه)، أي في الغد، لأن الاعتبار بمضي الزمان لا بحقيقة الحاجة كما تقدم بخلاف
نفقة القريب، لأنها امتناع بحسب الحاجة. (وإن غاب) الزوج (مدة ولم ينفق فعليه نفقة ما
مضى سواء تركها) أي النفقة (لعذر أو غيره فرضها حاكم أو لم يفرضها) حاكم لما روى
الشافعي بسنده عن ابن عمر: أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم
فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى ورواه البيهقي
أيضا. قال ابن المنذر هو ثابت عن عمر، ولأنه حق لها وجب عليه بحكم العوض، فرجعت
به عليه كالدين قال ابن المنذر: هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة ولاجماع، ولا يزول ما
وجب بهذه الحجج إلا بمثلها والكسوة والسكنى كالنفقة ذكره في الرعاية الكبرى. (وإذا
أنفقت) الزوجة (في غيبته من ماله فبان) الزوج (ميتا رجع عليها الوارث) بما أنفقته منذ
مات، لأن وجوب النفقة ارتفع بموت الزوج فلا تستحق ما قبضته من النفقة بعد موته، قال
أبو العباس: وعلى قياسه كل من أبيح له شئ وزالت الإباحة بفعل الله أو بفعل المبيح
كالمعير إذا مات أو رجع، والمانح وأهل الموقوف عليه، (وإن فارقها) الزوج بائنا (في غيبته
فأنفقت من ماله رجع) الزوج (عليها بما بعد الفرقة) الثانية لما سبق، (وتقدم معناه في العدد
في المرأة المفقود إذا أنفقت) من ماله ثم ظهر أنه كان مات أو طلق، انتهى.
فصل
وإذا بذلت
الزوجة (تسلم نفسها البذل التام) بأن لا تسلم في مكان دون آخر أو بلد دون آخر، بل
بذلت نفسها حيث شاء مما يليق بها، (وهي ممن يوطأ مثلها) كذا أطلقه المصنف هنا تبعا
552

للخرقي وأبي الخطاب وابن عقيل والموفق والشيرازي، وأناط القاضي ذلك بابنة تسع
سنين وتبعه في المحرر والوجيز، وهو مقتضى نص أحمد في رواية صالح وعبد الله
وسئل متى يؤخذ من الرجل نفقة الصغيرة. فقال: إذا كان مثلها يوطأ كبنت تسع سنين ويمكن
حمل الاطلاق على هذا لقول عائشة: إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة (أو بذله) أي
التسليم (وليها أو استلم من يلزمه تسلمها) وهي التي يوطأ مثلها (لزمته النفقة والكسوة
كبيرا كان الزوج أو صغيرا)، وسواء كان (يمكنه الوطئ أو لا يمكنه كالعنين والمجبوب
والمريض)، لأن النفقة تجب في مقابلة الاستمتاع. وقد أمكنته من ذلك كالمؤجر إذا أسلم
المؤجرة أو بذله، وعلم منه أن النفقة لا تجب بالعقد ولو تساكنا طويلا ويأتي ما لم تبذل
وتسلم فتجب، (حتى ولو تعذر وطؤها لمرض أو حيض أو نفاس أو رتق أو قرن أو لكونها
نضوة الخلق) أي هزيلة، (أو حدث بها شئ من ذلك) أي المرض أو الحيض أو النفاس أو
الرتق ونحوه، (عنده) أي الزوج لأن الاستمتاع ممكن ولا تفريط من جهتها، ولو بذلت
الصحيحة الاستمتاع بما دون الفرج لم تجب نفقتها. (لكن لو امتنعت من التسليم) وهي
صحيحة، (ثم حدث لها مرض فبذلته) أي التسليم (فلا نفقة) لها ما دامت مريضة عقوبة عليها
بمنعها نفسها في حالة التمكن من الاستمتاع بها فيها، وبذلها في ضدها. (وتقدم أول عشرة
النساء إذا ادعت عبالة ذكره) وعظمه، أي أنه يجوز أن تنظر المرأة إليهما حال اجتماعهما، لأنه
موضع حاجة، وكذا لو ادعت أن عليها ضررا في وطئه لضيق فرجها أو قروح به قبل بامرأة
ثقة. (فإن كان الزوج صغيرا) فالنفقة عليه كالكبير لأن الاستمتاع بها ممكن، وإنما تعذر
بسبب من جهة الزوج أشبه الكبير إذا هرب أو (أجبر وليه على نفقتها من مال الصبي)، لأنها
عليه والولي ينوب في أداء الوجبات كالزكاة وكذا السفيه والمجنون. (وإن كانت) الزوجة
(صغيرة لا يمكن وطؤها وزوجها طفل أو بالغ لم تجب نفقتها، ولو مع تسليم نفسها) أو
بتسليم وليها لها لأنها ليست محلا للاستمتاع بها، فلا أثر لتسليمها.
553

قلت: لو زوج الولي الصغيرة التي لا يوطأ مثلها، وأراد تسليمها مضارة لاسقاط حق
الحضانة لم يملك ذلك، كما لو أراد السفر بقصد المضارة على ما يأتي في الحضانة (وإن
بذلت) زوجة أو بذل وليها (تسليم نفسها والزوج غائب لم يفرض لها) النفقة، (حتى يراسله
حاكم الشرع)، لأنها بذلت في حال لا يمكنه التسليم فيه، (فيكتب) القاضي (إلى حاكم البلد
الذي هو) أي الزوج (فيه ليستدعيه ويعلمه ذلك) أي زوجته بذلت لتسليم نفسها. (فإن سار)
الزوج (إليها أو وكل من يتسلمها) له ممن يحل له ذلك كمحرمها، (فوصل فتسلمها هو) أي
الزوج (أو نائبه وجبت النفقة) حينئذ، لأن البذل قبل ذلك وجوده كعدمه. (فإن لم يفعل)
الزوج إن لم يحضر أو من يوكل من يتسلمها، (فرض الحاكم عليه نفقتها من الوقت الذي
كان يمكن الوصول إليها وتسلمها)، لأنه امتنع من تسلمها مع إمكانه وبذلها له فلزمته نفقتها
كما لو كان حاضرا. (وإن غاب) الزوج (بعد تمكينها) من نفسها (فالنفقة واجبة عليه في
غيبته) سواء سلمها أو لا، إذ المانع منه (وإن منعت) الزوجة (تسليم نفسها) فلا نفقة لها، (أو
منعها) أي الزوجة (أهلها) من تسليم نفسها فلا نفقة لها، (أو تساكنا) أي الزوجان (بعد العقد
فلم تبذل) الزوجة نفسها (ولم يطلب) الزوج زوجته، (فلا نفقة لها وإن طال مقامها على ذلك)
لأن البذل شرط لوجوب النفقة ولم يوجد. (وإن بذلت) نفسها (تسليما غير تام كتسليمها في
منزلها دون غيره) من المنازل، (أو) تسليمها (في المنزل الفلاني دون غيره، أو) تسليمها (في
بلدها) أو بلد كذا (دون غيره لم تستحق شيئا إلا أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد) لان
هذا التسليم كعدمه. (وإن منعت نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك)
لأن تسليمها قبل تسليم صداقها يفضي إلى تسليم منفعتها المعقود عليها بالوطئ، ثم لا تسليم
صداقها فلا يمكنها الرجوع فيما استوفى منها، بخلاف المبيع إذا تسلمه المشتري ثم أعسر
بثمنه، فإنه يمكنه الرجوع فيه. (ووجبت نفقتها) لأنها فعلت ما لها أن تفعله ولو منعت نفسها
لمرض لم يكن لها نفقة. والفرق بينهما أن امتناعها لقبض صداقها امتناع من جهة الزوج
554

فهو يشبه تعذر الاستمتاع لصغر الزوج، بخلاف الامتناع لمرضها، لأنه امتناع من جهتها فهو
يشبه تعذر الاستمتاع لصغرها. (وليس لها منع نفسها بعد الدخول حتى تقبضه) أي حال
الصداق، كما لو سلم المبيع ثم أراد منعه منه، (ولا) لها أن تمنع نفسها (قبله) أي قبل
الدخول (حتى تقبض) الصداق (المؤجل) لأن قبضه ليس بمستحق فيكون منعها للتسليم
الموجب للنفقة، فلم تجب حتى (ولو حل قبل الدخول) ليس لها منع نفسها، لأنها أدخلت
الضرر على نفسها حيث رضيت بتأخيره. (فإن فعلت) أي منعت نفسها حيث قلنا: ليس لها
منعها (فلا نفقة لها) لعدم التمكين بلا عذر من قبله. (وإن سلم) الزوجة (الأمة) لزوجها
(سيدها ليلا ونهارا فكحرة في وجوب النفقة) على زوجها الحر، (ولو أبى الزوج) لان
سيدها مكن منها فأشبهت الحرة. (وتقدم معناه في عشرة النساء، وإن كانت) الأمة المزوجة
(عنده) أي الزوج (ليلا فقط فعليه نفقة الليل من العشاء وتوابعه كالوطاء والغطاء ودهن
المصباح ونحوه) كإزار النوم، (ونفقة النهار على سيدها)، لأنها مملوكته فلم تجب نفقتها
على غيره في هذا الزمن بخلاف نفقة الليل، لأنه وجد في حقه التمكين ليلا فوجبت نفقته
عليه. (ولو سلمها السيد) للزوج (نهارا فقط لم يكن له ذلك) لعدم حصول الغرض، إذ النهار
محل المعاش والليل محل السكن.
قلت: إلا من معيشته بليل كأن يكون حارسا. (وعلى المكاتب نفقة زوجته) حرة
كانت أو أمة، لأنه يملك كسبه أشبه الحر (ونفقه امرأة العبد القن) أو المدبر (على سيده)، لأنه
أذن في النكاح المفضي إلى إيجابها كما لو أذنه في الاستدانة. (فإن كان بعضه) أي الزوج
(حرا فعليه من نفقتها) أي الزوجة (بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده) كنفقته.
فصل
وإذا نشزت المرأة فلا نفقة لها لأنها في مقابلة التمكين
وقد زال بخلاف المهر، فإنه وجب بالعقد. (أو سافرت) بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها
555

ناشز، (أو انتقلت من منزله) بغير إذنه فلا نفقة لها لنشوزها، (وإن) أي ولو (كان) خروجها من
منزله (في غيبته بغير إذنه) فلا نفقة لما تقدم، (أو تطوعت بحج أو) تطوعت ب‍ (- صوم منعته
فيه نفسها أو أحرمت بحج منذور في الذمة) فلا نفقة لها، لأنها في معنى المسافرة، ولما
فيه من تفويت الاستمتاع الواجب للزوج. فإن أحرمت بإذنه فقال القاضي: لها النفقة.
والصحيح أنها كالمسافرة لأنها بإحرامها مانعة له من التمكين. قال في المبدع: (أو لم
تمكنه من الوطئ أو مكنته منه) أي الوطئ (دون بقية الاستمتاع) كالقبلة والمباشرة (أو لم
تبت معه في فراشه) فلا نفقة لها، لأنها لم تسلم نفسها التسليم التام (أو لزمتها عدة من
غيره) بأن وطئت بشبهة إن طاوعت إلا إن كانت مكرهة أو نائمة، (فلا نفقة لها) لأنها ناشز
(وسواء فيه) أي فيما تقدم ذكره (البالغة والمراهقة والعاقلة والمجنونة قدر الزوج على ردها
إلى الطاعة أم لا)، لأن النفقة في مقابلة التمكين فحيث لم يوجد سقطت. (فإن أطاعت
الناشز في غيبته) أي الزوج (لم تعد نفقتها حتى يعود التسليم بحضوره) أي الزوج (أو
حضور وكيله) إذ لا يتصور التسليم في غيبتهما، (فإن لم يحضر) الزوج ولا وكيله
(وروسل) أي راسله الحاكم بأن كتب إلى قاضي بلده يعلمه بطاعتها، (فعلم بذلك ومضى
زمن يقدم في مثله لزمته) النفقة كما تقدم فيمن بذلت نفسها ابتداء. (وله) أي الزوج (تفطيرها
في صوم التطوع ووطؤها فيه)، لأن حقه واجب وهو مقدم على التطوع. (فإن امتنعت) الصائمة
تطوعا من تمكين زوجها من وطئها، (فناشز) لا نفقة لها لمعصيتها إياه فيما وجب عليها
(وبمجرد إسلام مرتدة) في غيبته بعد الدخول في العدة تعود نفقتها، (و) بمجرد إسلام.
(مختلفة عن الاسلام في غيبته) أي الزوج (لزمت النفقة)، لأن الردة وتخلفها عن الاسلام
أسقط النفقة لحصول الفرقة بينهما كسقوطها بالطلاق. فإذا رجعت عن ذلك عاد النكاح إلى
حاله، فعادت النفقة، بخلاف الناشز فإن سقوط نفقتها بخروجها عن يده أو منعها له من
التمكين المستحق عليها، ولا يعود ذلك إلا بعودها إلى يده وتمكنه منها، ولا يحصل
556

ذلك في غيبته، ولذلك لو بذلت لتسليم نفسها قبل دخوله بها وهو غائب لم تستحق النفقة
بمجرد البذل. (ويشطر) النفقة (لناشز ليلا فقط) أن تطيعه نهارا) وتمنعه ليلا، (أو) ناشز (نهارا
فقط) بأن تطيعه ليلا وتمتنع منه نهارا، أي تعطى نصف النفقة في الصورتين. و (لا) تعطى
من النفقة (بقدر الأزمنة) لعسر التقدير بالأزمنة، (ويشطر لها) النفقة أيضا إذا نشزت (بعض
يوم) أو بعض ليلة كما في المنتهى لما تقدم. (ولو صامت لكفارة) بلا إذنه فلا نفقة لها
، (أو) صامت ل‍ (- نذر أو قضاء رمضان ووقته متسع فيهما) أي في النذر وقضاء رمضان (بلا
إذنه)، فلا نفقة لها، لأنها منعت نفسها عنه بسبب لا من جهته. (أو سافرت لتغريب) بأن
زنت فغربت (أو حبست ولو ظلما فلا نفقة لها) زمن تغريبها، أو حبسها لفوات التمكين
المقابل للنفقة، (وله) أي الزوج (البيتوتة معها في حبسها) لأن حقه ثابت في البيتوتة معها فلا
يسقط بحبسها، (وإن حبسته) أي الزوج (على صداقها أو غيره من حقوقها وهو معسر كانت
ظالمة مانعة له من التمكين، فلا نفقة لها مدة حبسه). لأن المانع من جهتها (وإن كان) الزوج
(قادرا على أدائه) أي أداء ما حبسته عليه من حقوقها (لمنعه بعد الطلب، فلها النفقة مدة حبسه
إذا كانت باذلة للتمكين. قاله الشيخ): لأن المنع منه لا منها، (وإن سافرت) الزوجة (بإذنه) أي
الزوج (في حاجته) فلها النفقة، لأنها سافرت في شغله ومراده، (أو أحرمت بحجة الاسلام أو
عمرته) فلها النفقة أو أحرمت بمكتوبة في وقتها فلها النفقة، لأنها فعلت الواجب عليها بأصل
الشرع فكان كصيام رمضان، وكذا سنن المكتوبة لأنها تابعة لها. (أو طردها) الزوج
(وأخرجها من منزله فلها النفقة) لوجود التمكين منها، وإنما المانع منه ومحل وجوب النفقة
فيما إذا أحرمت بحجة الاسلام أو عمرته، (إن أحرمت في الوقت) أي أشهر الحج (من
الميقات)، فإن قدمت الاحرام على الميقات أو قبل الوقت فكالمحرمة بتطوع فتسقط نفقتها
مدة التقديم، (وإن سافرت) الزوجة (في حاجة نفسها) (أو لو لنزهة أو تجارة أو زيارة) رحم أو
غيره (أو حج تطوع) أو عمرة تطوع، (ولو بإذنه فلا نفقة لها)، لأنها فوتت التمكين لأجل
557

نفسها. (إلا أن يكون مسافرا معها متمكنا من استمتاعها فلا تسقط) نفقتها، لأنها في
قبضته
قال في المبدع: والصحيح أنه لا نفقة لها هنا، يعني إذا سافرت لحاجتها بحال،
وعزى الأول للقاضي، (وإن أحرمت) الزوجة (بمنذور معين في وقته أو صامت نذرا معينا
في وقته ولو كان النذر بإذنه، أو كان نذرها قبل النكاح) وصامته (في وقته فلا نفقة لها). لأنها
فوتت على زوجها حقه من الاستمتاع باختيارها، ولان النذر صدر من جهتها بخلاف حجة
الاسلام فإنها واجبة بأصل الشرع. (إن اختلفا) أي الزوجان (في نشوزها بعد الاعتراف
بالتسليم أو) اختلفا (في الانفاق عليها أو) في (تسليم النفقة إليها، ف‍) - القول (قولها) لان
الأصل عدم ذلك، واختار الشيخ تقي الدين وابن القيم في النفقة قول من يشهد له العرف،
لأنه يعارض الأصل والظاهر والغالب أنها تكون راضية، وإنما تطالبه عند الشقاق. (وإن
ادعت) الزوجة (يساره) أي الزوج (ليفرض) الحاكم (لها نفقة الموسرين، أو قالت) لزوجها
(كنت موسرا) فيلزمك لما مضى نفقة الموسرين (فأنكر) الزوج اليسار، (فإن عرف له مال
فقولها)، لأن الأصل بقاؤه. (وإلا) أي وإن لم يعرف له مال. ولم يكن أقر بالملاءة، (فقوله)
لأنه منكر والأصل عدمه. (وإن اختلفا) أي الزوجان (في بذله التسليم) بأن ادعت أنها بذلت
التسليم وأنكر فقوله لأن الأصل عدمه، (أو) اختلفا في (وقته) بأن قالت: بذلت التسليم من
سنة فقال: بل من شهر فقوله، (أو) اختلفا (في فرض الحاكم) النفقة (أو) اختلفا (في وقتها
فقال) الزوج: (فرضها) الحاكم (منذ شهر، وقالت) الزوجة (بل منذ عام فقوله)، لأنه منكر
للزائد والأصل براءته منه. (وكل من قلنا القول قوله فلخصمه عليه اليمين)، لاحتمال صدق
خصمه. (وإن دفع) الزوج (إليها) أي الزوجة (نفقة وكسوة أو بعث بذلك إليها، فقالت) للزوج
(إنما فعلته تبرعا وهبة فقال) الزوج: (بل وفاء للواجب) علي، (فقوله) لأن الاختلاف في نيته
558

وهو أدرى بها. (كما لو قضى دينه واختلف هو وغريمه في نيته) فإن القول قول المدين. (وإن
دفع) الزوج (إليها شيئا زائدا على الكسوة مثل مصاغ وقلائد وما أشبه ذلك على وجه
التمليك فقد ملكته) بقبضه كسائر الهبات، (وليس له إذا طلقها أن يطالبها به) للزوم الهبة
بالقبض. (وإن كان) الزوج (قد أعطاها) ذلك (للتجمل به كما يركبها دابته ويخدمها غلامه
ونحو ذلك لا على وجه التمليك المعين فهو باق على ملكه)، لأنه لم يخرج عنه بشئ
يقتضيه (فله أن يرجع فيه متى شاء سواء طلقها أو لم يطلقها) لأنه ملكه. (وإن طلقها)
الزوج (وكانت حاملا فوضعت، فقال: طلقتك حاملا فانقضت عدتك بوضع الحمل، وانقضت
نفقتك، و) انقضت (رجعتك، فقالت: بل) طلقني (بعد الوضع فلي النفقة ولك الرجعة، ف‍)
- القول (قولها) في بقاء النفقة استصحابا للأصل. (وعليها العدة) مؤاخذة لها بإقرارها. (ولا
رجعة له) عليها لاقراره بسقوطها. (وإن رجع) المطلق (فصدقها) أنه طلقها بعد الوضع، (فله
الرجعة) ما دامت في العدة. (ولو قال) الزوج: (طلقتك بعد الوضع فلي الرجعة ولك النفقة
فقالت: بل) طلقتني (وأنا حامل) فلا رجعة لك ولا نفقة لي، (ف‍) - القول (قولها) في سقوط
النفقة لاعترافها على نفسها. قال في المنتهى في العدد: ويقبل قول زوج أنه لم يطلق إلا
بعد حيض أو ولادة أو وقت كذا، (وإن عاد) الزوج (فصدقها سقطت رجعته) لاعترافه
بانقضاء عدتها بالوضع المتأخر عن الطلاق. (ووجبت لها النفقة) لاعترافه ببقائها في العدة
(هذا) أي قبول قوله فيما سبق. (في الحكم الظاهر، و) أما (فيما بينه وبين الله تعالى فيبنى على
ما يعلم من حقيقة الامر دون ما قاله)، فإن الحكم لا يزيل الشئ عن صفته الباطنة.
559

فصل
وإن أعسر الزوج بنفقتها الواجبة أو أعسر الزوج ببعضها
أي بعض النفقة بأن أعسر (عن نفقة المعسر) فلها الفسخ، و (لا) تفسخ إذا أعسر
(بما زاد عنها) أي عن نفقة المعسر، لأن الزيادة تسقط بإعساره، (أو أعسر) الزوج (بالكسوة
أو ببعضها أو) أعسر (بالسكنى أو) أعسر (ب‍) المهر بشرطه) السابق في آخر الصداق
(خيرت على التراخي بين الفسخ من غير انتظار) أي تأجيل ثلاثا خلافا لابن البناء، (وبين
المقام) معه على النكاح وهذا قول عمر وعلي وأبي هريرة لقوله تعالى: * (فإمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان) * وليس الامساك مع ترك الانفاق إمساكا بمعروف فتعين
التسريح. وقال (ص): امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني رواه أحمد والدارقطني والبيهقي
بإسناد صحيح، ورواه الشيخان من قول أبي هريرة، وروى الشافعي وسعيد عن سفيان
عن أبي الزناد قال: سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته؟ قال:
يفرق بينهما، قال أبو الزناد لسعيد: سنة؟ قال سعيد: سنة ولان هذا أولى بالفسخ من العجز
بالوطئ، وكان على التراخي لأنه كخيار العيب. (و) إذا اختارت المقام فلها (تمكينه وتكون
النفقة أي نفقة الفقير والكسوة والمسكن دينا في ذمته ما لم تمنع نفسها)، لأن ذلك واجب
على الزوج فإذا رضيت بتأخير حقها فهو في ذمته كما لو رضيت بتأخير مهرها. (ولها
المقام) على النكاح (ومنعه من نفسها فلا يلزمها تمكينه، ولا الإقامة في منزله، وعليه أن لا
يحبسها بل يدعها تكتسب ولو كانت موسرة)، لأنه لم يسلم إليها عوض الاستمتاع. (فإن
اختارت المقام) ثم اختارت الفسخ فلها ذلك، (أو رضيت بعسرته) ثم اختارت الفسخ فلها
ذلك (أو تزوجته عالمة به) أي بأنه معسر، وفي نسخة بها أي بعسرته بالنفقة، ثم اختارت
560

الفسخ فلها ذلك. (أو) تزوجته معسرا أو (شرط أن لا ينفق عليها، أو أسقطت النفقة
المستقبلة، ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك)، لأن النفقة يتجدد وجوبها كل يوم فيتجدد لها
الفسخ كذلك، ولا يصح إسقاط نفقتها فيما لا يجب لها كالشفيع يسقط شفعته قبل البيع،
وكما لو أسقطت المهر أو النفقة قبل النكاح. (ومن لم يجد إلا قوت يوم بيوم فليس بمعسر
بالنفقة، لأن ذلك هو الواجب عليه) وهو قادر عليه. (وإن كان) الزوج (يجد في أول النهار ما
يغديها. و) يجد (في آخر ما يعشيها فلا خيار لها)، لأنه لا ضرر عليها والكفاية موجودة
(وإن كان) الزوج (صانعا يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقدر كفايتها في الأسبوع) فلا
فسخ لها، لحصول الكفاية من غير ضرر يلحقها، (أو تعذر عليه) أي الزوج (الكسب في
بعض زمانه) في أيام يسيرة، (أو تعذر) عليه (البيع) فلا فسخ لأنه يمكنه الاقتراض. (أو
مرض مرضا يرجى برؤه في أيام يسيرة أو عجز عن الاقتراض أياما يسيرة) فلا فسخ لها،
لأن ذلك يزول عن قريب، ولا يكاد يسلم منه كثير من الناس. (أو اقترض ما ينفقه عليها)
فلا فسخ لها، لأنه لا ضرر عليها (أو تبرع له إنسان بما ينفقه) عليها بأن ملكه له ثم أنفقه
هو عليها، (فلا فسخ) لأن المنة عليه لا عليها. (وإن كان المرض يطول) وتعذر معه الانفاق
فلها الفسخ، (أو كان) الزوج (لا يجد من النفقة إلا يوما دون يوم فلها الفسخ)، لما يلحقها
من الضرر الغالب بذلك، لأن البدن لا يقوم بدون كفايته. (وإن أعسر بنفقتها فبذلها غيره لم
تجبر) على قبولها من غيره لما يلحقها من المنة، (إلا إن ملكها الزوج) ثم دفعها الزوج لها
(أو دفعها) إليها (وكيله)، فإنها تجبر على القبول منه، لأن المنة إذن على الزوج دونها. (وكذا
من أراد قضاء دين عن غيره فلم يقبل ربه) أي الدين ولا يجبر على القبول من المتبرع،
وإن تبرع به للمدين ثم دفعه المدين أو وكيله لرب الدين أجبر، (وتقدم في السلم إن أتاها)
561

الزوج (بنفقة حرام لم يلزمها قبولها)، بل لم يجز لها تناولها. (وتقدم) ذلك (في المكاتب ويجبر
قادر على التكسب) ليؤدي ما وجب عليه من نفقة زوجته، (وإن أعسر) الزوج (بنفقة الخادم) فلا
فسخ، لأنه يمكنها الصبر عنها (أو) أعسر ب‍ (- النفقة الماضية) فلا فسخ كالصداق إذا أعسر به
بعد الدخول. (أو) أعسر ب‍ (- نفقة الموسر أو المتوسط أو) أعسر ب‍ (- الأدم فلا فسخ)، لأن ذلك
يمكنها الصبر عنه. (وتبقى النفقة) أي نفقة الخادم والنفقة الماضية، (و) يبقى (الأدم) دينا (في
ذمته) لأنها نفقة تجب على سبيل العوض، فتثبت في الذمة كالنفقة الواجبة للمرأة قوتا، وهذا
فيما عدا الزائد على نفقة المعسر، فإن ذلك يسقط بالاعسار. قاله في المبدع ولعله على
قول القاضي، كما يدل عليه كلامه بعد. وأما على ما قدمه الموفق وغيره وجزم به في المنتهى
فلا. (ومن كان له دين متمكن من استيفائه) والانفاق منه (فكموسر)، ليس لزوجته الفسخ لأنه
قادر على الانفاق. (وإن لم يتمكن) من استيفائه لجحد أو مطل ونحوهما، (فكمعسر) لزوجته
الفسخ على ما تقدم. (وإن كان له) أي الزوج (عليها) أي الزوجة (دين فأراد أن يحتسب عليها
بدينه مكان النفقة فله ذلك إن كانت موسرة) بالدين لوجوبه عليها إذن، (وإلا) أي وإن لم تكن
موسرة (فلا) يحتسب عليها بدينه من نفقتها، لأن قضاء الدين إنما يكون بما فضل عن
الكفاية. (وإن أعسر زوج الأمة فرضيت أو زوج الصغيرة أو) زوج (المجنونة لم يكن لوليهن
الفسخ)، لأن النفقة حق لهن فلم يملك الولي الفسخ كالفسخ للعيب. وقال القاضي: لسيدها
الفسخ. فإن أنفق عليها سيدها محتسبا بالرجوع رجع على الزوج، رضيت أو كرهت.
فصل
وإن منع زوج موسر أو منع سيده
إن كان الزوج (عبدا كسوة أو بعضها، وقدرت على مال، ولو من عين جنس
562

الواجب أخذت) الزوجة (منه) أي من مال زوجها، أو مال سيده (كفايتها وكفاية ولدها
الصغير عرفا ونحوه)، كالولد المجنون والخادم (بالمعروف بغير إذنه)، لقول النبي (ص) لهند
بنت عتبة حين قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني
وولدي: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف متفق عليه من حديث عائشة واللفظ
للبخاري، فإن ظاهر الحديث دل على أنه كان يعطيها بعض الكفاية ولا يتمها لها. فرخص
النبي (ص) لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه، فإنه موضع حاجة، فإن النفقة لا غنى عنها ولا
قوام إلا بها، ولأنها تتجدد بتجدد الزمان شيئا فشيئا فتشق المرافعة بها إلى الحاكم، والمطالبة
بها في كل يوم، وحديث: أد الأمانة إلخ مخصوص بحديث هند لأنه خاص بالنفقة. (وإن
لم تقدر) على أخذ كفايتها وكفاية ولدها من ماله (أخبره الحاكم) إذا رفعت أمرها إليه على
كفايتها وكفاية ولدها ونحوه بالمعروف، لأن ذلك واجب عليه. (فإن أبى) الزوج ذلك
(حبسه) لأن الحاكم وضع لفصل الخصومات والحبس طريق إلى الفصل فتعين فعله (فإن
صبر) الزوج (على الحبس أو قدر الحاكم على ماله. أنفق منه) عليها وعلى من وجبت له
النفقة، لأنها حق واجب عليه، فإذا امتنع من أدائه وجب الدفع إلى مستحقه من مال خصمه
، كالدين بل أولى لأنها آكد من الدين بدليل جواز الاخذ بغير إذن المالك. (فإن لم يقدر)
الحاكم (له على مال يأخذه أو لم يقدر) الحاكم (على النفقة من مال الغائب، ولم يجد)
الحاكم (إلا عروضا أو عقارا باعه، وأنفق منه فيدفع) الحاكم (إليها نفقة يوم بيوم) كالنقدين
(فإن تعذر ذلك) الإنفاق عليها بأن لم يكن نقدا ولا عرضا ولا عقارا. (فلها الفسخ) لتعذر
الانفاق عليها من ماله كحال الاعسار، بل هذا أولى بالفسخ ولو فسخ الحاكم نكاح الزوجة
لفقد مال زوجها الغائب ينفق منه ثم تبين له مال. قال ابن نصر الله في حواشي القواعد
الفقهية: الظاهر صحة الفسخ وعدم نقضه، لأن نفقتها إنما تتعلق بما يقدر عليه من مال
زوجها. وأما ما كان غائبا عنها لا علم لها به فلا تكلف الصبر لاحتماله، ولا تشبه مسألة
المتيمم إذا نسي الماء في رحله، لأن الماء في قبضه ويده ونسيانه لا يخلو من تقصير
وتفريط بخلاف هذه. قال: ولم أجد في المسألة نقلا. (ونفقة الزوجات والأقارب والرقيق
والبهائم إذا امتنع من وجبت عليه النفقة). قلت: أو تعذر استئذانه كما تقدم في الرهن، (فأنفق
563

عليها غيره بنية الرجوع فله الرجوع)، لأنه قام عنه بواجب أشبه قضاء الدين (ويأتي) ذلك (في
الباب بعده) وحكم وكيله حكمه في المطالبة والاخذ من المال عند امتناعه، قاله في
المبدع. (وإن كان الزوج غائبا ولم يترك لها) أي الزوجة (نفقة ولم يقدر على مال له ولا
على استدانة، ولا) على (الاخذ من وكيله إن كان له وكيل كتب الحاكم إليه) لم أجد الكتابة
إليه في كلامهم بل الكتب المشهورة لم يذكروها، وعمل قضاتنا على عدم الكتابة، وكذا إفتاء
مشايخنا. (فإن لم يعلم خبره)
قلت: أو علم إذ لم نر في كلامهم هذا القيد. (وتعذرت النفقة كما تقدم) بالاستدانة
وعدم الوصول إلى شئ من ماله. (فلها الفسخ) لأنها لم تقدر على الوصول إلى نفقتها،
أشبه ما لو ثبت إعساره وعلم منه أنه إذا ترك لها نفقة، أو قدرت له على مال أو على
الاستدانة عليه أنه لا فسخ لها، لأن الانفاق عليها من جهته غير متعذر. (ولا يصح الفسخ في
ذلك كله إلا بحكم حاكم) لأنه فسخ مختلف فيه فافتقر إلى الحكم كالفسخ للعنة. (فيفسخ)
الحاكم (بطلبها) لأنه لحقها فلا يستوفيه إلا بطلبها. (أو تفسخ) هي (بأمره) أي الحاكم
(وفسخ الحاكم تفريق لا رجعة فيه)
قلت: وكذا فسخها بأمره كالفسخ للعنة. (ومن ترك الانفاق الواجب لامرأته لعذر أو
غيره مدة لم تسقط) النفقة كالدين، (ولو لم يفرضها حاكم وكانت) النفقة (دينا في ذمته)،
وتقدم، (ويصح ضمان النفقة ما وجب منها وما يجب في المستقبل) كضمان السوق، (وتقدم
في الضمان والصداق).
تتمة: قال ابن الزاغوني: إذا ثبت عند الحاكم صحة النكاح ومبلغ المهر، فإن علم
مكانه كتب إن سلمت إليها حقها وإلا بعت عليك بقدره، فإن أبى أو لم يعلم مكانه باع بقدر
نصفه، لجواز طلاقه قبل الدخول.
564

باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم
والمراد بالأقارب من يرثه بفرض أو تعصيب، كما يأتي فيدخل فيهم العتيق. (تجب عليه
نفقة والديه وإن علوا) لقوله تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)
ومن الاحسان الانفاق عليهما عند حاجتهما، ولقوله تعالى: * (وصاحبهما
في الدنيا معروفا) * ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما ولقوله (ص):
إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم رواه أبو داود والترمذي
وحسنه، وقال ابن المنذر: وأجمع أهل العلم أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب
لهما ولا مال واجبة في مال الولد. (و) يجب عليه أيضا نفقة (ولده وإن سفل)، لقوله تعالى:
* (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * ولان الانسان يجب عليه
أن ينفق على نفسه وزوجته فكذا على بعضه وأصله. (أو بعضها) أي لو وجد والده أو ولده
بعض النفقة وعجزوا عن إتمامها وجب عليه إكمالها لما سبق. (حتى ذوي الأرحام منهم) أي
من والديه وإن علوا وولده وإن سفلوا. (ولو حجبه معسر) كجد موسر مع أب معسر، وكابن
معسر وابن ابن موسر، فتجب النفقة على الموسر في المثالين، ولا أثر لكونه محجوبا، لان
بينهما قرابة قوية توجب العتق ورد الشهادة، فأشبه القريب وتجب النفقة لمن ذكر (بالمعروف)
أي بحسب ما يليق بهم (من حلال) لا من حرام، كما تقدم في الزوجة. (إذا كانوا) أي
الأصول والفروع (فقراء)، فإن كانوا أغنياء لم يجب عليه نفقتهم. (وله) أي المنفق (ما ينفق
عليهم فاضلا عن نفسه وامرأته ورقيقه يومه وليلته و) عن (كسوتهم وسكنا هم من ماله وأجرة
ملكه ونحوه) كتجارته (أو) من كسبه لقوله (ص): ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ولأنها
مواساة فلا تجب على المحتاج كالبر. و (لا) يجب الانفاق على من ذكر (من أصل البضاعة)
التي يتجر بها، (و) لا من ثمن (الملك وآلة العمل) لحصول الضرر بذلك لفوات ما يتحصل
565

منه قوته وقوت زوجته ونحوها. (ويجبر قادر على التكسب) من عمودي نسبه ولا تجب نفقته
لأن كسبه الذي يستغني به كالمال. (ويلزمه) أيضا نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب
ممن سواه) أي سوى عمودي النسب. (سواء ورثه الاخر) كأخيه (أولا كعمته وعتيقه وبنت
أخيه ونحوه)، كبنت عمه لقوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * أوجب
النفقة على الأب ثم عطف الوارث عليه، وذلك يقتضي الاشتراك في الوجوب. (فأما ذوو
الأرحام) وهم من ليس بذي فرض ولا عصبة (من غير عمودي النسب فلا نفقة لهم ولا
عليهم) لعدم النص فيهم، ولان قرابتهم ضعيفة وإنما يأخذون ماله فهم كسائر المسلمين في
أن المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث، بدليل تقديم الرد عليهم، واختار الشيخ تقي
الدين الوجوب، لأنه من صلة الرحم وهو عام. (ويتلخص لوجوب الانفاق) على القريب
(ثلاثة شروط: أحدها: أن يكون المنفق عليهم فقراء لا مال لهم ولا كسب، يستغنون به عن
إنفاق غيرهم). والكسوة والسكن كالنفقة وشرطه الحرية، فمتى كان أحدهما رقيقا فلا نفقة
. (فإن كانوا) أي المنفق عليهم (موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم)، لفقد شرطه
فإن لم يكفهم ذلك وجب إكمالها، وتقدم (الثاني: أن تكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق
عليهم) منه (فاضل عن نفقة نفسه) وزوجته وقنه كما سبق. (إما من ماله وإما من كسبه،
فمن لا يفضل عنه شئ لا يجب عليه شئ)، لأنها وجبت مواساة وليس من أهلها إذن.
(الثالث: أن يكون المنفق وارثا) للمنفق عليه بفرض أو تعصيب. (إن كان من غير عمودي
النسب) إما عمودا النسب فتجب، ولو من ذوي الأرحام أو حجبه معسر. قال في
الاختيارات: وعلى الولد الموسر أن ينفق على أبيه المعسر وزوجة أبيه وعلى إخوته
الصغار. (وإن كان للفقير ولو حملا وارث غير أب فنفقته عليهم على قدر إرثهم منه)، لان
الله تعالى رتب النفقة على الإرث فيجب أن يرتب المقدار عليه، (فأم وجد) لأب (على الام
الثلث والباقي على الجد) لأنهما يرثانه كذلك. (وجدة وأخ) لغير أم أي شقيق أو لأب (على
566

الجدة السدس والباقي على الأخ) كإرثهما له، (وأم وبنت) النفقة (بينهما أرباعا) كما يرثانه
فرضا وردا. (وابن وبنت) النفقة (بينهما أثلاثا) لما سبق (فإن كان أحدهم) أي الوارث (موسرا
لزمه بقدر إرثه من غير زيادة)، لأن الموسر منهما إنما يجب عليه مع يسار الآخر ذلك القدر
، فلا يتحمل عن غيره إذا لم يجد الغير ما يجب عليه. (ما لم يكن من عمودي النسب)
فتجب النفقة كلها على الموسر لقوة القرابة، بدليل عدم اشتراط الإرث. (وعلى هذا المعنى)
السابق (حساب النفقات) يعني أن ترتيب النفقات على ترتيب الميراث، فكما أن للجدة
السدس من الميراث كذلك عليها السدس من النفقة، ولو اجتمع بنت وأخت لغير أم أو
بنت وأخ أو ثلاث أخوات متفرقات، فالنفقة بينهم على قدر الميراث في ذلك، سواء كان ردا
أو عولا أو لا، ولو اجتمع أم أم وأم أب فهما سواء في النفقة لاستوائهما في الميراث. (إلا
أن يكون له) أي المنفق عليه (أب فينفرد بالنفقة) بالمعروف، (وأم أم وأبو أم الكل على أم
الام) لأنها وارثة بخلاف أبي الام. (ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما) أما
الابن فلعسرته، وأما الأخ فلعدم ميراثه. (ومن له أم فقيرة وجدة موسرة فالنفقة على الجدة)
الموسرة وإن كانت محجوبة لقوة القرابة، (وكذا أب فقير وجد موسر) النفقة على الجد
(وأبوان وجد والأب معسر على الام) الموسرة (ثلث النفقة)، لأنها ترث الثلث (والباقي على
الجد) لأنه يرثه كذلك لولا الأب. (وإن كان معهم زوجة فكذلك)، لأنه لا مدخل لها في
وجوب النفقة بل نفقتها تابعة لنفقته. (وأبوان وأخوان وجد والأب معسر فلا شئ على
الأخوين، لأنهما محجوبان وليسا من عمودي النسب، ويكون على الام الثلث) من النفقة قياس
القاعدة السابقة السدس فقط، كالإرث لحجب الأخوين لها عن الثلث، وإن كانا محجوبين
بالأب. (والباقي على الجد) كما لو لم يكن أخوان. (وإن لم يكن في المسألة جد فالنفقة كلها
على الام) وحدها دون الأب لعسرته ودون الإخوة لحجبهم. (وتجب نفقة من لا حرفة له ولو
كان صحيحا مكلفا، ولو) كان (من غير الوالدين) لقوله (ص) لهند: خذي ما يكفيك وولدك
567

بالمعروف ولم يستثن منهم بالغا ولا صحيحا، ولأنه فقير يستحق النفقة على قريبه أشبه
الزمن. فإن كان له حرفة لم تجب نفقته، قال في المبدع: بغير خلاف، لأن الحرفة تعينه
ونفقة القريب لا تجب إلا مع الفقر ولا بد أن تكون الحرفة يحصل بها غناه، وإلا وجب
الاكمال. (ويلزمه) أي المنفق (خدمة قريب) وجبت نفقته فيخدمه (بنفسه أو غيره لحاجة) إلى
الخدمة (كزوجة)، لأنه من تمام الكفاية، (ويبدأ) من لم يفضل عنه ما يكفي جميع من تجب
نفقتهم (بالانفاق على نفسه) لحديث: ابدأ بنفسك. (فإن فضل) عنه (نفقة واحد فأكثر بدأ
بامرأته) لأنها واجبة على سبيل المعاوضة فقدمت على المواساة، ولذلك وجبت مع اليسار
والإعسار. (ثم برقيقه) لأن نفقته تجب مع اليسار والإعسار. (ثم بالأقرب فالأقرب) لحديث
طارق المحاربي أبدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك أي الأدنى
فالأدنى، ولان النفقة صلة وبر ومن قرب أولى بالبر ممن بعد. (ثم) يبدأ ب‍ (- العصبة) مع
الاستواء في الدرجة كأخوين لام أحدهما ابن عم. (ثم التساوي) لعدم المرجح. (وإن فضل
عنه ما يكفي واحدا لزمه بذله) لمن وجبت نفقته لحديث: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما
استطعتم (فإن كان له أبوان قدم الأب) على الام لفضيلته وانفراده بالولاية واستحقاق
الاخذ من ماله. (فإن كان معهما) أي الأبوين (ابن قدمه عليهما) لوجوب نفقته بالنص نقل أبو
طالب: الابن أحق بالنفقة منها وهي أحق بالبر. (وقال القاضي فيما إذا اجتمع الأبوان والابن
إن كان الابن صغيرا أو مجنونا قدم) لأن نفقته وجبت بالنص مع أنه عاجز. (وإن كان الابن
كبيرا والأب زمنا فهو) أي الأب (أحق) لأن حرمته آكد وحاجته أشد. (وفي المستوعب يقدم
الأحوج ممن تقدم في هذه المسائل) لشدة حاجته. (وإن كان أب وجد أو ابن وابن ابن قدم
الأب والابن) لأنه أقرب، (ويقدم جد على أخ) لأن له مزية الولادة والأبوة. (وأب على ابن
568

ابن) لقربه ولأنه لا يسقط إرثه بحال. (و) يقدم (أبو أب على أبي أم) لامتيازه بالعصوبة. (و)
الجد أبو الأم (مع أبي أبي أب يستويان)، لأن أب الام امتاز بالقرب وأبا أبي الأب امتاز
بالعصوبة فتساويا لذلك. (وظاهر كلامهم) قال في الفروع: وظاهر كلام أصحابنا (يأخذ من
وجبت له النفقة بغير إذنه)، أي إذن من وجبت عليه، (إن امتنع من الانفاق لزوجة) نقل ابناه
والجماعة يأخذ من مال والده بلا إذنه بالمعروف إذا احتاج، ولا يتصدق. (وتقدم في الباب
قبله ولا تجب نفقة) لقريب (مع اختلاف دين)، أي إذا كان دين القريبين مختلفا فلا نفقة
لأحدهما على الآخر، لأنه لا توارث بينهما ولا ولاية أشبه ما لو كان أحدهما رقيقا. (إلا
بالولاء) لثبوت إرثه من عتيقه مع اختلاف الدين. (أو بإلحاق القافة) فتجب النفقة مع اختلاف
الدين ذكره في الوجيز والرعاية.
وقال في الانصاف: ولا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين، هذا هو المذهب مطلقا
، وقطع به كثير منهم، (ومن ترك الانفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه) أطلقه الأكثر وجزم به في
الفصول، لأن نفقة القريب وجبت لدفع الحاجة وإحياء النفس، وقد حصل ذلك في الماضي
بدونها وذكر جماعة (إلا إن فرضها حاكم) لأنها تأكدت بفرضه كنفقة الزوجة، (أو استدان
بإذنه) قال في المحرر: وأما نفقة أقاربه فلا تلزمه لما مضى، وإن فرضت إلا أن يستدين عليه
بإذن الحاكم. (لكن لو غاب زوج فاستدانت لها ولأولادها الصغار رجعت) بما استدانته، نقله
أحمد بن هاشم.
قلت: وكذا لو كان أولادها لأن ولاءهم حينئذ لمولى أبيهم فهو الوارث لهم فنفقتهم
عليه (فإن أعتقه أبوهم) أي أعتقه سيده (فأنجز الولاء إلى معتقه) كما مر في الولاء (صار
ولاؤهم لمعتق أبيهم ونفقتهم) عند عدم أبيهم (عليه) لأنه مولاهم الوارث لهم (وليس على
العتيق نفقة معتقه لأنه لا يرثه وإن كان كل واحد منهما مولى الآخر) وتقدم تصويره في
الولاء. (فعلى كل واحد منهما نفقة الآخر) من حيث كونه عتيقا لا من حيث كونه معتقا كما
569

يرثه كذلك. (وليس على العبد نفقة ولده حرة كانت الزوجة أو أمة)، لأن أولاد الحرة أحرار
ولا يلزمه نفقة قريبه الحر لما يأتي، وأولاد الأمة عبيد لسيدها فنفقتهم عليه. (ولا نفقة
أقاربه الأحرار) لأنه لا يملك، وإن ملك فهو ضعيف لا يحتمل المواساة كالزكاة (ونفقة
أولاد المكاتب والأحرار و) نفقة (أقاربه لا تجب عليه) لأنه ملك ضعيف لا يحتمل المواساة
وحاجته إلى فك رقبته أشد (وتجب عليه نفقة ولده من أمته) لأنه تابع له وكسبه له (وإن
كانت زوجته) أي المكاتب (حرة فنفقة أولادها عليها) إذا كانت موسرة وانفردت لأنها
الوارثة لهم دونه (فإن كان لهم أقارب أحرار كجد وأخ مع أم أنفق كل واحد منهم بحسب
ميراثه والمكاتب كالمعدوم بالنسبة إلى النفقة) والإرث والحجب (وإن كانت) الزوجة
(مكاتبة فسيأتي). في نفقة المماليك الكلام على نفقتهم. (فإن أراد المكاتب التبرع بالنفقة
على ولده من أمة) لغير سيده (أو) من (كاتبة لغير سيده أو) من (حرة فليس له ذلك) لأن محجور عليه لحق سيده فلا يتبرع بعير إذنه (وإن كان) ولد المكاتب (من أمة لسيده جاز)
للمكاتب التبرع بنفقته على سيده فلم يتبرع لأجنبي و (لا) يتبرع بنفقة (ولده من
مكاتبة لسيده) لأن نفقة ولدها عليها فتبرعه بنفقته تبرع لغير سيده وهو ممنوع منه لحقه.
فصل
وتجب نفقة ظئر
أي مرضعة (الصغير) ذكرا كان أو أنثى (في ماله) إن كان كنفقة الكبير. (فإن لم يكن
له) إي الصغير (مال فعلى من تلزمه نفقته) من أب أو غيره، لأن نفقة ظئر الصغير كنفقة
الكبير ويختص وجوبها بالأب وحده إن كان لقوله تعالى (وعلى المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف) (البقرة: 233). (ولا يلزمه) نفقة الظئر (لما فوق الحولين) لقوله
تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (البقرة:
570

233). (ولا يفطم قبلها) للآية (إلا بإذن أبويه) فيجوز (إلا أن ينضر) الصغير فلا، ولو رضيا
لحديث (لا ضرر ولا ضرار) (1) وفي الرعاية هنا يحرم رضاعة بعدهما ولو رضيا وظاهر
عيون المسائل إباحته مطلقا قاله في المبدع (2): وقال في تحفة الودود في أحكام المولود:
ويجوز أن تستمر الام على رضاعة بعد الحولين إلى نصف الثالث أو أكثره (وللأب منع
امرأته من خدمة ولدها منه) مجانين أو وجبت نفقتهم لعجزهم عن التكسب على ما تقدم.
(ولو امتنع زوج أو قريب من نفقة واجبة بأن تطلب منه) النفقة (فيمتنع) فقام بها غيره، (رجع
عليه منفق عليه بنية الرجوع)، لأنه قام بواجب كقضاء دينه وتقدم. (ويلزمه نفقة زوجة من
تلزمه مؤنته) لأنه لا يتمكن من الاعفاف إلا به. (و) يجب أيضا على من وجبت عليه النفقة
لقريبه (إعفاف من وجبت له نفقة من أب وإن علا، و) من ابن وإن نزل، وغيرهم كأخ وعم.
(إذا احتاج إلى النكاح لزوجة حرة أو سرية تعفه أو يدفع) المنفق (إليه مالا يتزوج به حرة أو
يشتري به أمة). لأن ذلك مما تدعو حاجته إليه، ويستضر بفقده فلزم على من تلزمه نفقته ولا
يشبه ذلك الحلوى، فإنه لا يستضر بتركها. (والتخيير) فيما ذكر (للملزوم بذلك) لأنه
المخاطب به فكانت الخيرة إليه فيه فيقدم تعيينه على تعيين المعفوف. (وليس له أن يزوجه
قبيحة ولا أن يملكه إياها) أي أمة قبيحة لعدم حصول الاعفاف بها. (ولا) يزوجه ولا يملكه
(كبيرة لا استمتاع بها) لعدم حصول المقصود بها، (ولا أن يزوجه أمة) لما فيه من الضرر
عليه لاسترقاق أولاده. (ولا يملك) القريب (استرجاع ما دفع إليه من جارية وعوض ما
زوجه به إذا أيسر)، لأنه واجب عليه كالنفقة لا يرجع بها بعد. (ويقدم تعيين قريب إذا
استوى المهر) على تعيين زوج لما سبق. (ويصدق) المنفق عليه إذا ادعى (أنه تائق بلا
يمين) لأنه الظاهر بمقتضى الجبلة. (وإن ماتت) التي أعفه بها من زوجة أو أمة (أعفه ثانيا)
، لأنه لا صنع له في ذلك. (إلا إن طلق لغير عذر أو أعتق) السرية مجانا بأن لم يجعل عتقها
571

صداقها فلا يلزمه إعفافه ثانيا، لأنه الذي فوت على نفسه. (وإن اجتمع جدان ولم يملك) ولد
ولدهما (إلا إعفاف أحدهما قدم الأقرب) كالنفقة، (إلا أن يكون أحدهما من جهة الأب
فيقدم، وإن بعد على الذي من جهة الام) لامتيازه بالعصوبة ولم يظهر لي تحقيق الفرق بين
النفقة والاعفاف. (ويلزمه إعفاف أمه كأبيه إذا طلبت ذلك وخطبها كف ء)
قال القاضي: ولو سلم فالأب آكد، لأنه لا يتصور لأن الاعفاف لها بالتزويج ونفقتها
على الزوج. قال في الفروع: ويتوجه تلزمه نفقته إن تعذر تزويج بدونها وهو ظاهر القول
الأول. (والواجب في نفقته القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة والمسكن بقدر
العادة)، لأن الحاجة إنما تندفع بذلك. (كما ذكرنا في الزوجة ويجب على المعتق نفقة عتيقه)
لأنه يرثه فدخل في عموم قوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * ولقوله
عليه الصلاة والسلام. أمك وأبك وأختك وأخاك أدناك ومولاك الذي يلي ذاك حقا واجبا
ورحما موصولا رواه أبو داود. (فإن مات مولاه فالنفقة على الوارث من عصباته على ما
ذكر في) باب (الولاء) لما سبق من أن النفقة تتبع الإرث. (ويجب عليه) أي المولى (نفقة
معتقه إذا كان أبوهم عبدا) لأنه يفوت عليه حقه من الاستمتاع بها ويقدرها، ولا ينافي
ذلك أنها أحق بحضانته إذ لا يلزم منه مباشرة الخدمة بنفسها بل تخدمه خادمها ونحوها
عندها و (لا) يمنع الأب أم الرضيع (من رضاعه إذا طلبت ذلك وان طلبت أجرة مثلها
ووجد) الأب (من يتبرع) له (برضاعه فهي) إي الام (أحق سواء كانت في حبال الزوج أو
مطلقة) لقوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن) (البقرة: 233). وهو خبر يراد به
الامر وهو عام في كل والدة لقوله تعالى: (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) (الطلاق:
6). ولأنها أشفق وأحق بالحضانة ولبنا أمرا. (فان طلب أكثر من أجرة مثلها ولو بيسير لم
تكن أحق به) مع من يتبرع به أو يرضع بأجرة المثل لقوله تعالى (وإن تعاسرتم فسترضع
له أخرى) (الطلاق: 6). (الا أن لا يوجد من يرضعه إلا بمثل تلك الزيادة) فتكون الام
572

أحق من الأجنبية لشفقتها ولو كانت) أم الرضيع (مع زوج آخر وطلبت رضاعه بأجرة مثلها
ووجد من يتبرع برضاعه فأمه أحق إذا رضي الزوج
الثاني) بذلك للآية. وقد رضي الزوج بإسقاطه حقه فأشبهت غير المزوجة. (وإذا أرضعت الزوجة ولدها وهي في حبال والده
فاحتاجت إلى زيادة نفقة لزمه) ذلك، إذ كفايتها واجبة عليه لحق الزوجة ولرضاع ولده
(وللسيد إجبار أم ولده على رضاعه) أي ولدها (مجانا) لأنها ملكه ومنافعها له كالقن. (فإن
عتقت على السيد) بإعتاق أو تعليق (فحكم رضاع ولدها منه حكم المطلقة البائن)، لأنها
ملكت أمر نفسها بالعتق، فلها طلب أجرة المثل والامتناع من رضاعه. (وإن امتنعت الام)
الحرة (من إرضاع ولدها لم تجبر)، ولو كانت في حبال الزوج لقوله تعالى: * (وأن تعاسرتم
فسترضع له أخرى) * وإذا اختلفا فقد تعاسرا وقوله تعالى: * (والوالدات
يرضعن أولادهن) * محمول على حال الانفاق وعدم التعاسر. (إلا أن
يضطر) الصغير (إليها أو يخشى عليه)، بأن لا يوجد مرضعة سواها، أو لا يقبل الصغير
الارضاع من غيرها، فيجب عليها إرضاعه لأنه حال ضرورة وحفظ النفس. كما لو لم يكن له
أحد غيرها. (ولكن يجب عليها أن تسقيه اللبأ) لتضرره بعدمه. بل يقال: لا يعيش إلا به
(وللزوج منع امرأته من إرضاع ولد غيرها ومن إرضاع ولدها من غيره من حين العقد)، لان
عقد النكاح يقضي تمليك الزوج من الاستمتاع في كل الزمان سوى أوقات الصلوات،
فالرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات، فكان له منعها منه كالخروج من منزله.
(إلا أن يضطر إليها بأن (لا يوجد من يرضعه غيرها، أو لا يقبل الارتضاع من غيرها فيجب
التمكين من إرضاعه)، لأنه حال ضرورة وحفظ فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على
المالك، إذا لم يكن به مثل ضرورته. (أو تكون) المرأة (قد شرطته) أي الرضاع (عليه) أي
على الزوج عند العقد فلا يمنعها منه، (نصا) لحديث: المؤمنون على شروطهم. (وإن
573

أجرت) المرأة (نفسها للرضاع ثم تزوجت، لم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من
الرضاع حتى تمضي المدة)، لأن منافعها ملكت بعقد سابق (أشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة
وتقدم) ذلك (في عشرة النساء)، فإن نام الصبي أو اشتغل فللزوج الاستمتاع، وإن أجرت
المزوجة نفسها للرضاع بإذن زوجها صح، ولزم العقد وبغير إذنه لم يصح، لتضمنه تفويت
حق زوجها وتقدم.
فصل
ويلزم السيد نفقة رقيقه قدر كفايتهم بالمعروف
ولو) مع اختلاف الدين ولو كان رقيقه (آبقا أو نشزت الأمة، أو عمي أو زمن أو مرض
أو انقطع كسبه) وتكون النفقة (من غالب قوت البلد وأدم مثله، و) يلزمه (كسوتهم من غالب
الكسوة لأمثال العبيد في ذلك البلد الذي هو به، و) يلزمه (غطاء ووطاء ومسكن وماعون)
لرقيقه، لحديث أبي هريرة مرفوعا: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من
العمل ما لا يطيق رواه الشافعي والبيهقي بإسناد جيد، واتفقوا على وجوب ذلك على
السيد، لأنه أخص الناس به فوجبت نفقته عليه وهي واجبة بالملك فلذلك وجبت للآبق
والناشز والزمن وغيرهم. (وإن ماتوا فعليه تكفينهم وتجهيزهم ودفنهم)، كما تجب عليه نفقتهم
حال الحياة. (ويسن) لسيد الرقيق (أن يلبسه مما يلبس وأن يطعمه ما يطعم، فإن وليه) أي
ولي الرقيق الطعام، (فإن سيده يجلسه يأكل معه أو يطعمه منه) لحديث أبي هريرة يرفعه: إذا
ولي أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه وليجلسه معه، فإن أبى فليروغ له اللقمة
واللقمتين رواه البخاري. ومعنى الترويغ غمسها في المرق والدسم ورفعها إليه، ولان
574

الحاضر تتوق نفسه إلى ذلك. (ولا يأكل) الرقيق (بلا إذنه) أي السيد لما فيه من الافتيات
عليه، لكن إن منعه ما وجب له فله أخذ قدره بالمعروف كما تقدم في الزوجة والقريب
(ويستحب أن يسوى بين عبيده) في الكسوة والاطعام، (و) بين (إمائه في الكسوة
والاطعام)، لأنه أطيب لنفوسهم وأقرب للعدل. (ولا بأس بزيادة من هي) من الإماء
(للاستمتاع في الكسوة) لدعاء المصلحة إليه، (ويلزمه) أي السيد (نفقة ولد أمته الرقيق) لأنه
رقيقه تبعا لامة، (دون زوجها) أي الأمة فلا يلزمه نفقة ولده الرقيق، لأنه ليس تابعا له بل
لامه. (ويلزم الحرة نفقة ولدها من عبد) وطئها بزوجية أو شبهة، لأنه يتبعها في الحرية
وهذا إن لم يكن له وارث غيرها، وإلا فعلى قدر الإرث كما تقدم. (ويلزم المكاتبة نفقة
ولدها ولو كان أبوه مكاتبا) لأنه يتبع أمه لا أباه. (وكسبه) أي ولد المكاتبة (لها) لتبعيته لها
(وينفق) السيد (على من بعضه حر بقدر رقه وبقيتها) أي النفقة (عليه) أي المبعض إن كان
موسرا، وإلا فعلى من أعتق البعض أو وارثه كما تقدم). (وله) أي المبعض (وطئ أمة ملكها
يجزئه الحر بلا إذن) سيده، لأن ملكه عليها تام ولا يتزوج إلا بإذنه. (ويلزم السيد تزويجهم)
أي الأرقاء (إذا طلبوه) كالنفقة ذكورا كانوا أو إناثا لقوله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى منكم
والصالحين من عبادكم وإمائكم) * والامر يقتضي الوجوب، ولأنه يخاف من
ترك إعفافه الوقوع في المحظور، ولا يجوز تزويج العبد إلا باختياره) إذا كان كبيرا. (إلا أمة
يستمتع بها ولو مكاتبة بشرط وطئها). لأن المقصود قضاء الحاجة وإزالة ضرر الشهوة، وإن
شاء زوجها إذا طلبت ذلك (فإن أبى) السيد ما وجب عليه من تزويجهم (أجبر) عليه كسائر
الحقوق الواجبة عليه (وتصدق الأمة أنه ما يطؤها) لتعذر إقامة البينة عليه، ولان الأصل
عدمه. (وإن زوجها) أي السيد (بمن عيبه غير الرق فلها الفسخ) للعيب لعموم ما سبق
(وإذا كان للعبد زوجة فعلى سيده تمكينه من الاستمتاع بها ليلا). لأن العادة ذلك (ومن غاب
عن أم ولده زوجت لحاجة نفقة) لدعاء الحاجة إلى ذلك. (قال في الرعاية زوجها الحاكم
575

وحفظ مهرها للسيد) لأنه يلي مال الغائب كما يأتي في القضاء، وفي الانتصار يزوجها من
يلي ماله أومأ إليه في رواية بكر. (وكذا) تزوج أم ولد (لحاجة وطئ) لدعاء الحاجة إليه
كالنفقة، (وأما الأمة) غير أم الوالد (فقال القاضي: إذا غاب سيدها غيبة منقطعة). وهي ما لا
يقطع إلا بكلفة ومشقة كما تقدم. (فطلبت التزويج زوجها الحاكم، وتقدم في أركان النكاح)
لولايته على الغائب. وقال أبو الخطاب: يزوجها من يلي ماله ومشى عليه هنا في المنتهى
(ويحرم) على السيد (أن يكلفهم) أي الأرقاء (من العمل ما لا يطيقون وهو ما يشق عليه) أي
الرقيق (مشقة كثيرة) بحيث يقرب من العجز عنه. (فإن كلفه مشقا أعانه). لحديث أبي ذر:
ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم رواه البخاري، ولأنه مما يشق عليه
(ولا يجوز تكليف الأمة بالرعي، لأن السفر مظنة الطمع لبعدها عمن يذب عنها) وقد ذكر
صاحب المحرر عن نقل أسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير بن العوام النوى على رأسها
للزبير من نحو ثلثي فرسخ من المدينة، أنه حجة في سفر المرأة السفر القصير بغير محرم،
ورعي جارية الحكم في معناه وأولى. وقال غيره: يجوز ذلك قولا واحدا إلا أنه ليس بسفر
شرعا ولا عرفا، ولا يتأهب له أهبة. قاله في المبدع. (ويجب) على سيد الأرقاء (أن
يريحهم وقت قيلولة ونوم وصلاة مفروضة)، لأن العادة جارية بذلك. (و) يجب (أن يركبهم
عقبة) بوزن غرفة (عند الحاجة) إذا سافر بهم ليلا لئلا يكلفهم ما لا يطيقون، ومعناه يركبهم
تارة ويمشيهم أخرى. (وتستحب مداواتهم إذا مرضوا) قطع به في التنقيح وغيره، وقال في
الانصاف: قلت المذهب أن ترك الدواء أفضل على ما تقدم في أول كتاب الجنائز، انتهى.
576

وقال ابن شهاب في كفن الزوجة: العبد لا مال له فالسيد أحق بنفقته ومؤنته، ولهذا النفقة
المختصة بالمرض تلزمه من الدواء وأجرة الطبيب بخلاف الزوجة. (ويجب ختان من لم
يكن مختونا منهم) لعموم ما سبق من أدلة الختان ومحله عند البلوغ ما لم يخف على نفسه.
(وإباق العبد كبيرة) للتوعد عليه. (ويحرم إفساده على سيده إفساد المرأة على زوجها) لأنه
من السعي بالفساد ومحل كون إباق العبد محرما إذا لم تكن ضرورة، ولهذا (قال الشيخ في
مسلم نحس في بلاد التتار أبى بيع عبده و) أبى (عتقه، ويأمره بترك المأمور، وفعل المنهي
عنه فهربه إلى بلاد أهل بدع مضلة فإنه لا حرمة لهذا) النحس الآمر بترك المأمور وفعل
المنهي، (ولو كان في طاعة المسلمين. والعبد إذا هاجر من أرض الحرب) مسلما (فهو حر)
إذا حصل لدارنا أو لحق بجيش المسلمين حتى لو سبى سيده لكان له، وتقدم في الجهاد.
(وقال) الشيخ: (ولو لم تلائم أخلاق العبد أخلاق سيده لزمه إخراجه عن ملكه ولا يعذب
خلق الله) لقوله (ص): لا تعذبوا عباد الله. (ويجب أن (لا يسترضع الأمة لغير ولدها) لأن فيه
إضرارا بولدها للنقص من كفايته وصرف اللبن المخلوق له إلى غيره مع حاجته إليه كنقص
الكبير عن كفايته. (إلا) أن يكون فضل عنه شئ (بعد ربه)، لأنه ملكه وقد استغنى عنه الولد
فكان له استيفاؤه. (كما لو مات ولدها وبقي لبنها ولا يجوز له) أي السيد (إجارتها) أي
الأمة المزوجة (بلا إذن زوج في مدة حقه) لاشتغالها عنه برضاع وحضانة، (ويجوز) إيجارها
(في مدة حق السيد)، لأن له استيفاء حقه بنفسه ونائبه. (ما لم يضر بها) أي الأمة فلا يجوز
لما فيه من الضرر المنهي عنه. (ويجوز المخارجة باتفاقهما إذا كان ما جعل على الحجم
بقدر كسب العبد فأقل بعد نفقته). لما روي: أن أبا طيبة حجم النبي (ص) فأعطاه أجرة وأمر
مواليه أن يحفظوا عنه من خراجه. وكان كثير من الصحابة يضربون على رقيقهم خراجا،
577

وروي أن الزبير كان له ألف مملوك على كل واحد منهم درهم كل يوم. (وإلا) أي وإن لم
يكن للعبد كسب أو وضع عليه أكثر من كسبه (لم يجز)، لأنه تكليف له ما لا يطيقه (ولا يجبر)
على المخارجة (من أباها) من السيد أو العبد، لأنها عقد بينهما فلا يجبر عليه كالكتابة
(ومعناها) أي المخارجة (أن يضرب) السيد (عليه) أي العبد (خراجا معلوما يؤديه إلى سيده
كل يوم، وما فضل للعبد). قال في الترغيب وغيره: (ويؤخذ من الغني لعبد مخارج هدية طعام
متاع وإعارة متاع وعمل دعوة)، قال في الفروع: وظاهر هذا أنه كعبد مأذون له في التصرف وجزم
بمعناه في المبدع. قالا: وظاهر كلام جماعة لا يملك ذلك وإنما فائدة المخارجة. ترك
العمل بعد الضريبة. (وفي الهدى: للعبد التصرف بما زاد على خراجه)، قال في الفروع: كذا قال
(وللسيد تأديبهم) أي الأرقاء (باللوم والضرب كولد وزوجة) ناشز. (والأحاديث الصحيحة تدل
على جواز الزيادة) في الرقيق على الزوجة، منها ما رواه أحمد وأبو داود عن لقيط أن النبي
(ص) قال له: ولا تضرب ظعينتك ضرب أمتك ولأحمد والبخاري: لا يجلد أحدكم امرأته
جلد العبد ثم لعله يجامعها أو يضاجعها من آخر اليوم. ولابن ماجة بدل العبد الأمة فهذه
تدل على أن ضرب الرقيق أشد من ضرب المرأة. (ويسن) للسيد (العفو عنه أولا) أي قبل
التأديب، (ويكون) العفو (مرة أو مرتين نصا) نقل حرب: لا تضرب إلا في ذنب بعد عفو مرة
أو مرتين. (ولا يضربه شديدا ولا يضربه إلا في ذنب عظيم نصا) لقوله (ص): إذا زنت أمة
أحدكم فليجلدها. (ويقيده بقيد إذا خاف عليه) الإباق (ويؤدب على فرائضه)، أي فرائض الله
تعالى من الصلاة والصوم. (و) يؤدبه السيد (على ما إذا كلفه ما يطيق فامتنع) من امتثاله، (وليس
له لطمه في وجهه) لحديث ابن عمر مرفوعا: من لطم غلامه فكفارته عتقه رواه مسلم
578

(ولا خصاؤه ولا التمثيل به) بجذع أنف أو نحوه ويعتق بذلك لما تقدم في العتق. (ولا يشتم)
السيد (أبويه الكافرين لا يعود لسانه الخنا والردا) الخنا بفتح الخاء المعجمة وتخفيف النون
الفحش في القول وقد أخنى عليه من باب صدى وأخنى عليه في منطقه أي أفحش. ولا يدخل
الجنة سيئ الملكة رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي بكر مرفوعا: (وهو الذي يسئ إلى
مماليكه قال ابن الجوزي في كتابه السر المصون: معاشرة الولد باللطف والتأديب والتعليم
وإذا احتيج إلى ضربه ضرب) يعني غير مبرح. (ويحمل الولد على أحسن الأخلاق ويجنب
سيئها) ليعتاد ذلك وينشأ عليه، (فإذا كبر) الولد (فالحذر منه ولا يطلعه على كل الاسرار، ومن
الغلط ترك تزويجه إذا بلغ فإنك تدري ما هو فيه بما كنت فيه، فصنه من الزلل عاجلا خصوصا
البنات). فإن عارهن عظيم (وإياك أن تزوج البنت بشيخ أو شخص مكروه)، فربما حملهن ذلك
على ما لا ينبغي. (وأما المملوك فلا ينبغي أن تسكن إليه بحال، بل كن منه على حذر ولا تدخل
الدار منهم مراهقا ولا خادما، فإنهم رجال مع النساء ونساء مع الرجال، وربما امتدت عين امرأة
إلى غلام محتقر، انتهى). وكذا خدمة أحرار. (وإن بعثه) أي الرقيق (سيده لحاجة فوجد مسجد
يصلي فيه قضى حاجته ثم صلى)، فيجمع بين حق الله وحق مواليه، وهو ممن يؤتى أجره مرتين
إذن. (وإن صلى) أولا ثم قضى حاجته (فلا بأس) لحصول الغرض، وإذا خاف فوات الحاجة
بالصلاة فله تأخيرها ويقضي حاجته، لأن الصلاة يدخلها القضاء. (ومتى امتنع السيد من
الواجب عليه من نفقة أو كسوة أو تزويج فطلب العبد) أو الأمة (البيع لزمه بيعه، سواء كان
امتناع السيد لعجزه عنه أو مع قدرته عليه)، لأن بقاء ملكه عليه إذن عليه إضرار به، وإزالة
الضرر واجبة وقد روي أن النبي (ص) قال: جاريتك تقول أطعمني واستعملني إلى من
تتركني، رواه أحمد والدارقطني بإسناد صحيح، ورواه البخاري من قول أبي هريرة. (ولا يلزمه
579

بيعه بطلبه مع القيام بما يجب له) لأن الملك للسيد فلا يجبر على إزالته من غير ضرر كطلاق
زوجته إذن. (ولا يتسرى عبد ولو بإذن سيده لأنه لا يملك) والوطئ لا يكون إلا في نكاح أو
ملك يمين للنص. (وقيل بل) يتسرى (بإذنه نص عليه في رواية جماعة واختاره كثير من
المحققين). قاله في التنقيح، وقال في المبدع: هو قول قدماء الأصحاب،
وقال في الانصاف: وهي طريقة الخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى وابن شاقلا،
نقله عنه في الواضح ورجحها المصنف في المغني والشارح. قال في القواعد الفقهية: وهي
أصح فإن نصوص أحمد لا تختلف في إباحة التسري له، وصححه الناظم وقدمه الزركشي
ونصره. (وصححه في الانصاف وجعله المذهب) ففيه نظر إنما المذهب لأنه مبني على ملكه
فعلى القول الثاني. (إذا قال له السيد: تسراها أو أذنت لك في وطئها أو ما دل عليه)، أي على
الاذن في التسري. (أبيح له على) هذا (القول)، وبه قال ابن عمر وابن عباس وغير واحد من
التابعين وعطاء ومجاهد وأهل المدينة، ولأنه يملك النكاح بإذنه فملك التسري كالحر
(وعليه) أي على هذا القول (ويجوز) أن يأذن له (في) التسري (أكثر من واحدة) كالنكاح، قال
في الشرح والمبدع: فإن أذن له فيه وأطلق تسري بواحدة فقط كالتزويج، وإن أذن له
في أكثر من واحدة فله التسري بما شاء نص عليه، لأن من جاز له التسري جاز بغير حصر
كالحر (ولم يملك السيد الرجوع بعد التسري) من العبد بإذنه (نصا)، أي نص عليه في رواية
محمد بن ماهان وإبراهيم بن هانئ كالنكاح، لأنه ملكه بضعا أبيح له وطؤه كما لو زوجه.
فصل
في نفقة البهائم
(ويلزمه) أي المالك (إطعام بهائمه ولو عطبت، و) يلزمه (سقيها حتى تنتهي إلى أول
580

شبعها وريها دون غايتهما) لحديث ابن عمر مرفوعا قال: عذبت المرأة في هرة حبستها
حتى ماتت جوعا، لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل خشاش الأرض متفق عليه.
(ويلزمه) أي مالك البهيمة (القيام بها والانفاق عليها وإقامة من يرعاها أو نحوه) لأن بقاءها
بغير ذلك تعذيب لها. (ويحرم أن يحملها ما لا تطيق) حمله لأن الشارع منع تكليف العبد ما
لا يطيق والبهيمة في معناه، ولان فيه تعذيبا للحيوان الذي له حرمة في نفسه وإضرارا به (و)
يحرم (أن يحلب من لبنها ما يضر بولدها) لأن كفايته واجبة على مالكه أشبه ولد الأمة
(ويسن للحالب أن يقص أظفاره لئلا يجرح الضرع وجيفتها له) أي المالك (ونقلها عليه)
قاله أبو يعلى الصغير. (فيلزمه أن ينقلها إلى مكان يدفع فيه ضررها عن الناس)، لأن نقلها كان
له فغرمها عليه. (ويحرم وسم) في الوجه (وضرب في الوجه) لأنه (ص) لعن من وسم أو ضرب
الوجه ونهي عنه. (إلا لمداواة) للحاجة، (و) يحرم ضرب الوجه (في الآدمي أشد) لأنه أعظم
حرمة، ويجوز وسم البهيمة في غير الوجه لغرض صحيح. (ويكره خصي غير غنم وديوك)
وقال في المنتهى: ويكره خصاء قال في الفروع: وكره أحمد خصاء غنم وغيرها، إلا خوف
غضاضة وقال: لا يعجبني أن يخصي شئ (ويحرم) الخصاء (في الآدميين لغير قصاص ولو)
رقيقا وتقدم. (ويكره تعليق جرس ووتر وجز معرفة وناصية وذنب) للخبر، (ويحرم لعن
الدابة) لما روى أحمد ومسلم عن عمران: أنه (ص) كان في سفر فلعنت امرأة ناقة فقال: خذوا ما
عليها ودعوها مكانها ملعونة فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما تعرض لها أحد. ولهما
من حديث أبي برزة لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة). (قال) الامام (أحمد: قال الصالحون: لا
تقبل شهادته) أي شهادة لاعن الدابة، (وإن امتنع) مالك البهيمة (من الانفاق عليها أخبر على
ذلك) لأنه واجب عليه كما يجبر على سائر الواجبات. (فإن أبى) الانفاق عليها (أو عجز) عنه
581

(أجبر على بيع أو إجارة أو ذبح مأكول)، لأن بقاءها في يده بترك الانفاق عليها ظلم والظلم
تجب إزالته. (فإن أبى) فعل أخذها (فعل الحاكم الأصلح) من هذه الأمور الثلاثة (أو اقترض
عليه) وأنفق عليها كما لو امتنع من أداء الدين، (ويجوز الانتفاع بها في غير ما خلقت له ك‍)
- الانتفاع ببقر (المحمل أو الركوب وإبل وحمر لحرث ونحوه)، لأن مقتضى الملك جواز
الانتفاع به فيما يمكن وهذا ممكن، كالذي خلق له وجرت به عادة بعض الناس. ولهذا يجوز
أكل الخيل واستعمال اللؤلؤ في الأدوية، وإن لم يكن المقصود منهما ذلك وقوله (ص): بينما
رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها قالت: إني لم أخلق لذلك إنما خلقت للحرث متفق عليه
أي أنه معظم النفع ولا يلزم منه منع غيره (ولا يجوز قتلها) أي البهيمة (ولا ذبحها للاراحة)
لأنها مال ما دامت حية وذبحها إتلاف لها، وقد نهي عن إتلاف المال. (كالآدمي المتألم
بالأمراض الصعبة) أو المصلوب بنحو حديد، لأنه معصوم ما دام حيا. (و) يجب (على مقتني
الكلب المباح) وهو كلب صيد وماشية وزرع (أن يطعمه) ويسقيه، (أو يرسله) لأن عدم ذلك
تعذيب له. (ولا يحل حبس شئ من البهائم لتهلك جوعا) أو عطشا، لأنه تعذيب ولو غير
معصوم لحديث: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة (ويحسن قتل ما يباح قتله) للخبر، (ويباح
تجفيف دود القز بالشمس إذا استكمل) كما هو المعتاد (وتدخين الزنابير) دفعا لأذاها
بالأسهل. (فإن لم يندفع ضررها إلا بإحراقها جاز) إحراقها خرجه المصنف في شرحه على
منظومة الآداب على القول في النمل والقمل وغيرهما إذا لم يندفع ضرره إلا بالحرق جاز
بلا كراهة على ما اختاره الناظم. وقال: إنه سأل عنه الشيخ شمس الدين شارح المقنع فقال: ما
هو ببعيد أما إذا اندفع ضررها بدون الحرق فقال الناظم: يكره وظاهر كلام بعض الأصحاب
التحريم حتى في القملة للخبر. (ولا تجب عيادة الملك الطلق) بكسر الطاء أي المختص به
، وأما المشترك فقد تقدم الكلام عليه في حكم الجواز. (إذا كان) الملك المطلق (مما لا روح
فيه كالعقار) من دور وبساتين ونحوه (ونحوه)، أي نحو العقار كالأواني لأنه لا حرمة له
582

في نفسه نفقته على العقار ونحو لئلا يضيع. (وإن كان) الملك المحجور عليه) لصغر أو
سفه أو جنون، (وجب على وليه عمارة داره)، لأنه يجب عليه فعل الأحظ. (و) يجب على وليه
أيضا (حفظ ثمره وزرعه بالسقي وغيره)، لأن إضاعته لماله حرام، وفي تركه ذلك إضاعة.
باب الحضانة
بفتح الحاء مصدر حضنت الصغير حضانة أي تحملت مؤنته وتربيته، والحاضنة
التي تربي الطفل سميت به، لأنه تضم الطفل إلى حضنها (وهي) أي الحضانة (حفظ صغير
ومجنون ومعتوه وهو المختل العقل بما يضرهم، وتربيتهم بعمل مصالحهم كغسل رأس الطفل
و) غسل (يديه و) غسل (ثيابه و) ك‍ (- دهنه وتكحيله وربطه في المهد وتحريكه لينام
ونحوه) أي نحو ما ذكر مما يتعلق بمصالحه. (وهي) أي حضانة من ذكر (واجبة) لأنه يهلك
بتركها فوجب حفظه عن الهلاك. (ك‍) - ما يجب (الانفاق عليه) وإنجاؤه من المهالك
(ومستحقها رجل عصبة) كالأب والجد والأخ لغير أم والعم كذلك، (وامرأة وارثة) كالأم
والجدة والأخت، (أو مدلية بوارث كالخالة وبنات الأخوات أو مدلية بعصبة كبنات الإخوة و)
بنات (الأعمام وذوي رحم)، هو مرفوع عطف على رجل عصبة وجره للمجاورة على ما فيه
(غير من تقدم) كالعم لام والجد لام والأخ لام. (وحاكم فإذا افترق الزوجان ولهما طفل أو
معتوه أو مجنون ذكر أو أنثى فأحق الناس بحضانته أمه كما قبل الفراق مع أهليتها وحضورها
وقبولها)، قال في المبدع لا نعلم فيه خلافا لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له
حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني. فقال لها النبي (ص): أنت أحق به ما لم تنكحي
583

رواه أحمد وأبو داود ولفظه له و: لقضاء أبي بكر على عمر بعاصم بن عمر لامه، وقال
وريحها وشمها ولفظها خير له منك رواه سعيد في سننه، ولان الأب لا يتولى الحضانة
بنفسه، وإنما يدفعه إلى من يقوم به والمراد بأهليتها أن تكون حرة عاقلة عدلا في الظاهر
فتقدم. (ولو بأجرة مثلها) مع متبرعة (كرضاع فهي) أي الام (أحق) بحضانته (من أبيه)
للحديث، (ولان أباه لا يتولى الحضانة بنفسه وإنما يدفعه إلى امرأته، وأمه أولى من امرأة أبيه)
لشفقتها، (ولو امتنعت) الام من حضانته (لم تجبر) عليها، لأنها غير واجبة عليها. (ثم أمهاتها)
القربى فالقربى، لأن ولادتهن محققة فمن في معنى الام والأقرب، أكمل شفقة من الأبعد
(ثم أب) لأنه أقرب من غيره وليس لغيره كمال شفقة فرجح بها. (ثم أمهاته) لأنهن يدلين
بمن هو أحق وقدمن على الجد. لأن الأنوثة مع التساوي توجب الرجحان دليله مع الأب. (ثم
جد) أبو الأب لأنه أب أو بمنزلته (ثم أمهاته) لأنهن يدلين بمن هو أحق، وقدمن على
الأخوات مع إدلائهن بالأب لما فيهن من وصف الولادة، وكون الطفل بعضا منهن، وذلك
مفقود في الأخوات ثم جد الأب ثم أمهاته ثم جد الجد ثم أمهاته (وهلم جرا ثم) الأخوات
لأنهن يشاركن في النسب وتقدم منهن (أخت لأبوين) لقوة قرابتهن، (وتقدم أخت من أم على
أخت من أب) لأن الام مقدمة على الأب، فقدم من يدلي بالأم على من يدلي به. (و) تقدم
(خالة على عمة) لأن الخالة تدلي بالأم، ولان الشارع قدم خالة ابنة حمزة على عمتها صفية
لأن صفية لم تطلب وجعفرا طلب نائبا عن خالتها فقضى الشارع بها لها في غيبتها. (و) تقدم
(خالة أم على خالة أب) كالأخوات، (و) تقدم (خالات أبيه على عماته) أي الأب لأن خالاته
يدلين بأمه وعماته يدلين بأبيه والام أحق منه. (و) تقدم (من يدلي بعمات وخالات بأم) فقط
(على من يدلي بأب) وحده، لأن الام مقدمة على الأب فقدم من يدلي بها، ومن يدلي
بالأبوين منهما، مقدم على من يدلي بأحدهما. (وتحريره) أي الأحق بالحضانة أن تكون الأحق
بالحضانة. (أم ثم أمهاتها القربى فالقربى ثم أب ثم أمهاته كذلك) القربى فالقربى، (ثم جد ثم
أمهاته كذلك) القربى فالقربى، ويقدم أيضا من الأجداد الأقرب فالأقرب. (ثم أخت لأبوين
ثم) أخت (لام، ثم) أخت (لأب، ثم خالة لأبوين، ثم) خالة (لام، ثم) خالة (لأب ثم عمات
584

كذلك). أي تقدم من الأبوين ثم لام ثم لأب، (ثم خالات أمه) كذلك (ثم خالات أبيه ثم
عمات أبيه) كذلك. (ثم بنات إخوته و) بنات (أخواته) كذلك، (ثم بنات أعمامه و) بنات
(عماته) كذلك (ثم بنات أعمام أبيه وبنات عمات أبيه، كذلك على التفصيل المتقدم). تقدم من
لأبوين ثم من لام ثم من لأب (وتقدمت حضانة لقيط). وأن الأحق بها من وجداه، في باب اللقيط
(ثم) يقدم من تقدم الحضانة (لباقي العصبة الأقرب فالأقرب)، لأن لهم ولاية وتعصيبا بالقرابة
فتثبت لهم الحضانة كالأب. (فإن كانت أنثى ف‍) - الحضانة عليها كمعصبة (من محارمها ولو
برضاع، ونحوه) كمصاهرة، بأن تكون ربيبة له دخل بأمها. (فلا حضانة عليها لابن العم ونحوه)
كابن عم الأب، إذا لم يكن محرما برضاع ونحوه. (لأنه ليس من محارمها وفي المغني
وغيره): كالشرح والنظم (إذا بلغت سبعا) لم تسلم إليه، أي إلى ابن العم غير المحرم. (وقبلها)
أي السبع (له) أي ابن العم (الحضانة عليها)، لأنه لا حكم لصورتها وليست محلا للشهوة
(وهو قوي) وقطع به في المنتهى، وهو معنى ما تقدم في الحج من قولهم. وحيث اعتبر فلمن
لعورتها حكم، فإن لم يكن لبنت سبع سوى ابن عمها ونحوه ممن ليس محرما لها، سلمها إلى
ثقة يختارها أو إلى محرمة، وكذا أم تزوجت وليس لولدها غيرها. (وإن اجتمع أخ وأخت أو
عم وعمة أو ابن أخ وبنت أخ، أو ابن أخت وبنت أخت قدمت الأنثى على من في درجتها من
الذكور). لأن الأنوثة مع التساوي توجب الرجحان (كما تقدم الام على الأب وأم الأب على
أبي الأب، ثم) تكون الحضانة (لذوي الأرحام رجالا ونساء غير من تقدم). لأن لهم رحما
وقرابة يرثون بها عند عدم من هو أولى منهم أشبهوا البعيد من العصبة. (فيقدم أبو أم ثم
585

أمهاته)، لأن أبا الام يدلي إليها بالأبوة والأخ يدلي بالبنوة والأب يقدم على الابن في الولاية
فيقدم في الحضانة لأنها ولاية (ثم أخ من أم) لأنه يرث بالفرض ويسقط ذوي الأرحام، (ثم
خال ثم حاكم فيسلمه إلى من يحضنه من المسلمين) ممن فيه أهلية وشفقة (ولو استؤجرت)
المرأة (للرضاع والحضانة لزماها) بالعقد. (وإن استؤجرت للرضاع وأطلق) العقد (لزمتها
الحضانة تبعا) للرضاع قدمه في الرعاية الكبرى، وقيل: لا يلزمها سوى الرضاع وقدمه ابن
رزين في شرحه. (و) إن استؤجرت (للحضانة وأطلق) العقد (لم يلزمها الرضاع) قال في
تصحيح الفروع: والصواب الرجوع من ذلك إلى العرف والعادة فيعمل بهما. (وإن امتنعت
الام أو غيرها من الحضانة أو كانت غير أهل لها انتقلت إلى من بعدها)، كما لو لم تكن
(ومن أسقط حقه منها) أي الحضانة (سقط) لاعراضه (عنه، وله العود) في حقه (متى شاء) لأنه
يتجدد بتجدد الزمان كالنفقة، انتهى.
فصل
ولا حضانة لرقيق
لعجزه عنها بخدمة سيده (ولا) حضانة أيضا (لمن بعضه حر ولو كان بينه وبين سيد
مهايأة)، لأنه لا يملك نفعه الذي تحصل به الكفاءة. وقال في الهدى: لا دليل على اشتراط
الحرية. (فإن كان بعض الطفل) المحضون، وكذا المجنون والمعتوه (رقيقا ف‍) الحضانة
(لسيده وقريبه بمهايأة، لأن حضانة الطفل الرقيق لسيده) والحرية لقريبه. (والأولى لسيده أن
يقره مع أمه) أو نحوها لأنها أشفق. (ولا) حضانة أيضا (لفاسق)، لأنه لا يوفي الحضانة حقها
(ولا) حضانة أيضا (لكافر على مسلم)، بل ضرره أعظم لأنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن
الاسلام بتعليمه الكفر، وتربيته عليه وفي ذلك كله ضرر. (ولا) حضانة (لمجنون ولو غير
مطبق ولا لمعتوه ولا لطفل)، لأنهم يحتاجون لمن يحضنهم، (ولا) حضانة أيضا (لعاجز عنها
586

كأعمى ونحوه)، كزمن لحصول المقصود به. (قال الشيخ: وضعف البصر يمنع من كمال ما
يحتاج إليه المحضون من المصالح، انتهى. وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من
الحضانة)، كما أفتى به المجد بن تيمية. (وصرح بذلك العلائي الشافعي في قواعده، وقال: لأنه
يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها، انتهى). قال في الانصاف، وقال غير واحد: وهو
واضح في كل عيب متعد ضرره إلى غيره وإلا فخلاف لنا. (ويأتي في التقرير أن الجذمى
ممنوعون من مخالطة الأصحاء)، فمنعهم من حضانتهم أولى، (ولا لامرأة مزوجة لأجنبي من
الطفل) لقوله (ص): أنت أحق به ما لم تنكحي. ولأنها تشتغل عن حضانته بحق الزوج
فتسقط حضانتها. (من حين العقد) لأنها بالعقد ملك منافعها واستحق زوجها منعها من
الحضانة، فسقطت حضانتها. (ولو رضي الزوج لئلا يكون) المحضون (في حضانة أجنبي، فإن
كان الزوج ليس أجنبيا كجده) أي المحضون (وقريبه فلها الحضانة)، لأن الزوج القريب
يشاركها في القرابة والشفقة عليه أشبه الام، إذا كانت مزوجة بالأب. (ولو اتفقا) أي أبو
المحضون وأمه (على أن يكون) الولد (في حضانتها، وهي) أي الام (مزوجة ورضي زوجها
جاز) ذلك، (ولم يكن لازما) لأن الحق لا يعدوهم وأيهم أراد الرجوع فله ذلك. (ولو تنازع
عمان ونحوهما) كأخوين وابني أخ وابني عم (واحد منهما متزوج بالأم أو الخالة، فهو أحق)
بالحضانة لأنه يليها بمن له قرابة وشفقة. (فإن زالت الموانع كأن عتق الرقيق وأسلم الكافر
وعدل الفاسق، ولو ظاهرا وعقل المجنون وطلقت الزوجة ولو رجعيا، ولو لم تنقض العدة
رجعوا إلى حقهم) من الحضانة، لأن سبيلها قائم، وإنما امتنعت لمانع فإذا زال المانع عاد
الحق بالسبب السابق الملازم، (ونظير هذه المسألة لو وقف على أولاده وشرط أن من تزوج
من البنات لا حق لها فتزوجت) واحدة منهن أو أكثر. (ثم طلقت عاد إليها حقها) لفوات
587

شرطه. (فإن طلقت، وكان قد أراد برها) ما دامت عازبة (رجع) إليها (حقها كالوقف) على
بناته، على أن من تزوج منهن فلا حق لها. (وإن أراد صلتها ما دامت حافظة لحرمة فراشه فلا
حق لها)، لأنها قد أزالت ذلك بتزويجها، وهذا إذا علمت إرادته واضح. فإن لم تعلم ما أراد
، فقال ابن نصر الله: يحتمل وجهين للاحتمالين. وفي الانصاف قلت: يرجع في ذلك إلى
حال الزوج عند الوقف، فإن دلت قرينة على أحدهما عمل به وإلا فلا شئ لها. (ولا تثبت
الحضانة على البالغ الرشيد العاقل) لأنه استقل بنفسه وقدر على إصلاح أموره بنفسه، فوجب
انفكاك الحجر عنه. (وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه)، لأنه لم تثبت الولاية
عليه لاحد، (فإن كان رجلا فله الانفراد بنفسه إلا أن يكون أمرد يخاف عليه الفتنة فيمنع من
مفارقتهما) دفعا للمفسدة. (ويستحب) للولد (أ) ن (لا ينفرد عنهما ولا يقطع بره عنهما)
لحديث من أبر. (وإن كانت جارية فليس لها الانفراد) بنفسها (ولأبيها وأوليائها عند عدمه
منعها منه)، أي من الانفراد لأنه لا يؤمن عليها أن تخدع. (و) يجب (على عصبة المرأة منعها
من المحرمات) بل كل من قدر على ذلك وجب عليه، لأنه نهى عن منكر. (فإن لم تمنع إلا
بالحبس حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد قيدوها، وما ينبغي للولد أن يضرب أمه) لأنه قطيعة
لها، ولكن ينهى ويداريها. (ولا يجوز لهم) أي لعصبات المرأة أما كانت أو غيرها، (مقاطعتها
بحيث تتمكن من السوء بل) ينهونها (بحسب قدرتهم، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة كسوها)
يقوم بذلك من وجب عليه نفقتها على ما تقدم في النفقات. (وليس لهم إقامة الحد عليها)
لأن إقامته تختص بالحاكم والسيد. (ومتى أراد أحد الأبوين النقلة إلى بلد مسافة قصر فأكثر
آمن هو) أي البلد، (والطريق ليسكنه فالأب أحق بالحضانة) سواء كان المقيم هو الأب أو
المنتقل لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديب الصغير وحفظ نسبه، فإذا لم يكن الولد
588

في بلد الأب ضاع. (قال في الهدى: هذا كله ما لم يرد) المنتقل (بالنقلة مضارة الآخر) أي
ما لم يرد الأب بالانتقال مضارة الام، (وانتزاع الولد) منها (فإذا أراد ذلك لم يجب إليه) بل
يعمل ما فيه مصلحة الولد، (انتهى). قال في المبدع: وهو مراد الأصحاب
قال في الانصاف: أما صورة المضارة فلا شك فيها، وأنه لا يوافق على ذلك. (وإن
كان البلد) المنتقل إليه (قريبا) أي دون مسافة القصر (للسكنى فأم أحق) لأنها أتم شفقة
والسفر القريب كلا سفر. (وإن كان) السفر (بعيدا) لحاجة ثم يعود، (ولو لحج أو) كان السفر
(قريبا لحاجة ثم يعود أو) كان السفر (بعيدا للسكنى لكنه مخوف هو أو الطريق فمقيم)
منهما، (أولى) لأن في المسافرة بالطفل إضرارا به مع الحاجة إليه. (فإن اختلفا) أي الأب
والام (فقال الأب: سفري للإقامة، وقالت الام: بل) سفرك (لحاجة، وتعود فقوله مع يمينه)، لأنه
أدرى بمقصوده. (وإن انتقلا) أي الأبوان (جميعا إلى بلد واحدة فالأم باقية على حضانتها)
لعدم ما يسقطها. (وإن أخذه الأب لافتراق البلدين ثم اجتمعا)، أي الأبوان (عادت إلى الام
حضانتها) لزوال المانع، انتهى.
فصل
وإذا بلغ الغلام سبع سنين عاقلا، واتفق أبواه أن يكون عند أحدهما جاز
لأن الحق في حضانته إليهما لا يعدوهما. (وإن تنازعا) أي الأبوان (فيه) أي في
حضانته (خيره الحاكم بينهما، فكان مع من اختار منهما)، أي من أبويه، قضى به عمر
ورواه سعيد وعلي، رواه الشافعي والبيهقي، وروى أبو هريرة قال: جاءت امرأة إلى
النبي (ص) فقالت: إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عيينة
ونفعني. فقال النبي (ص): هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه
589

فانطلقت به. رواه الشافعي وأحمد والترمذي وصححه ورجاله ثقات، ولأنه إذا
مال إلى أحد أبويه دل على أنه أرفق به وأشفق عليه، وقيد بالسبع لأنها أول حال أمر
الشرع فيها بمخاطبته بالصلاة بخلاف الام، فإنها قدمت في حال الصغر لحاجته إلى
حمله ومباشرة خدمته. لأنها أعرف بذلك. (قال ابن عقيل مع السلامة من فساد، فأما إن
علم أنه يختار أحدهما ليمكنه من فساد ويكره الآخر للأدب لم يعمل بمقتضى شهوته
انتهى). لأن ذلك إضاعة له. (ولا يخير) الغلام بين أبويه (قبل سبع) لما سبق (فإن
اختار) الغلام (أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه)، لما فيه من الاغراء
بالعقوق وقطيعة الرحم. (وإن مرض) الغلام (كانت) أمه (أحق بتمريضه في بيتها)، لأنه
صار بالمرض كالصغير في الحاجة. (وإن اختار) الغلام (أمه كان عندها ليلا) لأنه وقت
السكن وانحياز الرجال إلى المنازل. (و) يكون (عند أبيه نهارا ليعلمه الصناعة والكتابة
ويؤدبه)، لأن ذلك هو القصد في حفظ الولد. (فإن عاد) الغلام (فاختار الآخر نقل إليه
وإن عاد فاختار الأول رد إليه هكذا أبدا)، لأن هذا اختيار تشبه وقد يشتهي أحدهما
في وقت دون آخر فأتبع بما يشتهيه. (فإن لم يختر أحدهما أو اختارهما) أي الأبوين
(أقرع) بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر. (ثم إن اختار غير من قدم بالقرعة رد
إليه) كما لو اختاره ابتداء، (ولا يخير) الغلام (إذا كان أحد أبويه ليس من أهل
الحضانة)، لأن غير الأهل وجوده كعدمه. (وتعين أن يكون) الغلام (عند الآخر) الذي
هو أهل للحضانة كما قبل السبع، (وإن اختار) ابن سبع (أباه ثم زال عقله رد إلى الام)
لحاجته إلى من يتعاهده كالصغير. (وبطل اختياره) لأنه لا حكم لكلامه. (والجارية إذا
بلغت سبع سنين فأكثر فعند أبيها إلى البلوغ) وجوبا، (وبعده) أي البلوغ تكون (عنده)
590

أي الأب (أيضا إلى الزفاف) بوزن كتاب (وجوبا، ولو تبرعت الام بحضانتها)، لان
الغرض من الحضانة الحفظ والأب وأحفظ لها. وإنما تخطب منه فوجب، أن تكون تحت
نظره ليؤمن عليها من دخول النساء، لكونها معرضة للآفات لا يؤمن عليها للانخداع
لغرتها، ولأنها إذا بلغت السبع قاربت الصلاحية للتزويج. وقد تزوج النبي (ص) عائشة
وهي بنت سبع، ولا يصار إلى تخييرها لأن الشرع لم يرد به فيها. (ويمنعها) الأب (من
الانفراد وكذلك من يقوم مقامه)، لأنها لا تؤمن على نفسها. (وإذا كانت عند الام أو
الأب فإنها تكون عنده ليلا ونهارا، فإن تأديبها وتخريجها في جوف البيت) من
تعليمها الغزل والطبخ وغيرهما، ولا حاجة بها إلى الاخراج منه بخلاف الغلام. (ولا
يمنع أحدهما) أي الأبوين (من زيارتها عند الآخر) لأن فيه حملا على قطيعة الرحم
(من غير أن يخلو الزوج بأمها ولا يطيل) المقام، لأن الام صارت بالبينونة أجنبية منه
(والورع إذا زارت) امرأة (ابنتها تحري أوقات خروج أبيها إلى معاشه، لئلا يسمع
كلامها) والكلام ليس بعورة، لكن يحرم تلذذ بسماعه. (وإن مرضت) البيت (فالأم
أحق بتمريضها في بيت الأب) لحاجتها إلى ذلك، (وتمنع) الام (من الخلوة بها) أي
البنت (إن كانت البنت مزوجة إذا خيف منها) الفتنة بينها وبين زوجها والاضرار به
(وكذلك الغلام) تمنع أمه من الخلوة به إذا خيف إفساده. (وإن مرض أحد الأبوين
والولد عند الآخر لم يمنع الولد ذكرا كان أو أنثى من عيادته)، لئلا يكون إغراء بقطيعة
الرحم. (ولا) يمنع (من تكرر ذلك) فيعيد مرة بعد مرة، (ولا) يمنع أيضا (من
حضوره عند موته. و) لا من (تولي جهازه) لأن ذلك من الصلة والبر. (وأما في حال
الصحة فالغلام يزور أمه) على العادة، (والام تزور ابنتها) كما تقدم لأن الحاجة داعية
إلى ذلك، والبنت أحق بالستر والصيانة، لأنها مخدرة بخلاف أمها. (والغلام يزور أمه
على ما جرت به العادة كاليوم في الأسبوع، وإن مات الولد حضرته أمه) لتعاهد بل
591

حلقه ونحوه، لأنها أرفق أهله. (وتتولى) من ولدها إذا احتضر (ما تتولاه حال الحياة
فتشهده في حال نزعه وتشد لحيته وتوجهه) إلى القبلة، (وتشرف على من يتولى غسله
وتجهيزه)، لأن ذلك كله من البر والصلة (ولا تمنع من جميع ذلك إذا طلبته فإن أرادت
الحضور بما ينافي الشرع من تخريق ثوب ولطم خد ونوح، منعت) منه كما تمنع لو
كانت في حيال زوجها، لأن ذلك محرم كما تقدم في الجنائز. (فإذا امتنعت) من ذلك
(وإلا حجبت عنه إلى أن تترك المنكر) فيجب نهيها وكفها عنه بما يزال به المنكر، ولا
ينبغي لين القول للنساء في ذلك. (وإن استوى اثنان فأكثر في حضانة من له دون سبع
سنين كالأختين) شقيقتين أو لام أو لأب، (والأخوين) كذلك (ونحوهما) كالعمين. (قدم
أحدهما بقرعة) لعدم المرجح، (فإذا بلغ) المحضون (سبعا. ولو) كان (أنثى كان عند
من شاء منهم) لأنه لا مزية للبعض، ولا يمكن الجمع (وسائر العصبات الأقرب
فالأقرب منهم كأب عند عدمه أو عدم أهليته) لقيامه مقام الأب، فيكون بمنزلته (في
التخيير) بينه وبين الام إذا بلغ الغلام سبعا. (والإقامة والنقلة) إذا أراد أحدهما سفرا
على ما تقدم تفصيله. (إذا كان) العصبة (محرما للجارية كما تقدم) ولو برضاع أو
مصاهرة. (وسائر النساء المستحقات لها) أي للحضانة كالجدة والعمة والخالة (كأم في
ذلك) أي في التخيير والإقامة والنقلة. (ولا يقر الطفل) ذكرا كان أو أنثى (بيد من لا
يصونه، و) لا (يصلحه) لأن وجود من لا يصونه ولا يصلحه كعدمه فتنقل عنه إلى من
يليه. (والمعتوه ولو أنثى) يكون (عند أمه ولو بعد البلوغ) لحاجته إلى من يخدمه ويقوم
بأمره، والنساء أعرف بذلك.
تتمة: قال في المبدع: لم أقف في الخنثى المشكل بعد البلوغ على نقل، والذي
ينبغي أن يكون كالبنت البكر حتى يجئ في جواز استقلاله وانفراده عن أبويه الخلاف.
592

كتاب الجنايات
(وهي جمع جناية وهي) لغة التعدي على بدن أو مال. وشرعا (التعدي على الأبدان
بما يوجب قصاصا أو غيره)، أي مالا أو كفارة، وسموا الجناية على الأموال غصبا ونهبا
وسرقة وخيانة وإتلافا. (قتل الآدمي بغير حق) بأن لا يكون مرتدا، أو زانيا محصنا، أو قاتلا
لمكافئه، أو حربيا (ذنب كبير وفاعله فاسق)، لقوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم خالدا فيها) * الآية، وقوله (ص): لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله
وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق
للجماعة متفق عليه. (وأمره) أي القاتل (إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) لقوله
تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (وتوبته
مقبولة) لعموم الأدلة، وقاله أكثر أهل العلم، وخالف ابن عباس لقوله تعالى: * (ومن يقتل
مؤمنا) * الآية، وهي من آخر ما نزل لم ينسخهما شئ. وحجة الأكثر أن الله لا
يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فهو تحت المشيئة، والآية الأولى محمولة
على من قتله مستحلا ولم يتب، أو على أن هذا جزاؤه إن جازاه وله العفو إن شاء لا يقال
لفظ الآية لفظ الخبر، والاخبار لا يدخلها النسخ. لأنا نقول: يدخلها التخصيص والتأويل.
(ولا يسقط حق المقتول في الآخرة بمجرد التوبة) كسائر حقوقه. (قال الشيخ: فعلى هذا
يأخذ المقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته) بكسر اللام وفتحها. (فإن اقتص) للمقتول (من
القاتل أو عفا عنه) أي عفى وليه عن القصاص، (فهل يطالبه المقتول في الآخرة؟ على وجهين)
593

أحدهما يطالبه، ويؤيده ما (قال القاضي عياض في حديث صاحب النسعة وهو حديث صحيح
مشهور) فيه أن النبي (ص) قال: إنما تريد أن تبوء بإثمك وإثم صاحبك. (في هذا الحديث
أن قتل القصاص لا يكفر ذنب القاتل بالكلية، وإن كفر ما بينه وبين الله تعالى كما جاء في
الحديث الآخر، فهو) أي قتل القصاص (كفارة له) أي لحق الله (ويبقى حق المقتول) فله
الطلب به. قال في النهاية في باب النون مع السين: النسعة بالكسر سير مضفور يجعل زماما
للبعير وغيره، وقد ينسج عريضة تجعل على صدر البعير. (ويأتي في باب المرتد له تتمة)
وتوضيح. (والقتل) وهو فعل ما يكون سببا لزهوق النفس وهو مفارقة الروح البدن (ثلاثة
أضرب) أحدها (عمد يختص القصاص به) دون قسيمة، (و) الثاني (شبه عمد و) الثالث (خطأ)
وهذا تقسيم أكثر أهل العلم. وأنكر مالك شبه العمد، وقال: ليس في كتاب الله إلا العمد
والخطأ وجعل شبه العمد من قسم العمد، وحكي عنه مثل قول الجماعة، وهو الصواب
لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي (ص) قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما
كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها رواه أبو داود. وهذا
نص في ثبوت شبه العمد، وقسمه الموفق في المقنع إلى أربعة أقسام فزاد ما أجرى مجرى
الخطأ، وهو أن ينقلب النائم على شخص فيقتله، ومن يقتل بسبب كحفر بئر محرم ونحوه
وهذه الصور عند أكثر أهل العلم من قسم الخطأ. (ويشترط في القتل العمد القصد) فإن لم
يقصد القتل فلا قصاص لحديث: عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. (ف‍)
- القتل (العمد أن يقتل قصدا بما يغلب على الظن موته) أي المقتول (به عالما بكونه) أي
المقتول (آدميا معصوما) فلا قصاص بما لا يقتل غالبا، لأن حصول القتل بما لا يغلب على
الظن موته به يكون اتفاقا لسبب أوجب الموت غيره، وإلا لما تخلف الموت عنه في غير
تلك الحال على الأكثر، وكذا لا قصاص إن لم يقصد أو قصد غير معصوم. (وهو) أي قتل
594

العمد الموجب للقصاص (تسعة أقسام) للاستقراء، (أحدها: أن يجرحه بمحدد له مور) بفتح
الميم وسكون الواو، (أي دخول وتردد في البدن يقطع اللحم والجلد كسكين، وسيف، وسنان
وقدوم، أو يغرزه بمسلة) بكسر الميم، (أو ما في معناه) أي حجام المحدد المذكور (مما يحدد
ويجرح: من حديد، ونحاس، ورصاص، وذهب، وفضة، وزجاج، وحجر، وخشب، وقصب
، وعظم، جرحا ولو صغيرا كشرط حجام فمات)، المجروح (ولو طالت علته منه ولا علة به
غيره). أي الجرح ولو كان في غير مقتل كالأطراف، لأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في
حصول القتل بدليل ما لو قطع شحمة أذنه أو أنملته فمات، ولان العمد لا يختلف مع اتحاد
الآلة والفعل بسرعة الافضاء وإبطائه، ولان في البدن مقاتل خفية، وهذا له سراية ومور فأشبه
الجرح الكبير. (ولو لم يداوه) أي الجرح (قادر عليه) أي الدواء، لأنه ليس بواجب بل ولا
مستحب فتركه ليس بقاتل، (أو يغرزه) الجاني (بإبرة أو شوكة ونحوها) من كل محدد صغير
(في مقتل: كالعين، والفؤاد، وهو القلب (والخاصرة، والصدغ، وأصل الاذن، والخصيتين
فمات) في الحال (أو) جرحه (بإبرة ونحوها في) غير مقتل، (ك‍ (الألية والفخذ فمات في الحال
أو) لم يمت في الحال، لكن (بقي ضمنا) بفتح الضاد وكسر الميم أي متألما (حتى مات)
ففي ذلك كله القود، لأن الظاهر أنه مات بفعل الجاني. (وإن قطع) أي أبان سلعة خطرة من
أجنبي مكلف بغير إذنه فمات فعليه القود. (أو بط) أي شرط (سلعة خطرة) ليخرج ماءها (من
أجنبي مكلف بغير إذنه فمات فعليه القود)، لأنه جرحه بغير إذنه جرحا لا يجوز له، فكان
عليه القود. وحيث تعمده كغيره فإن كان بإذنه فلا ضمان، لكن إن جنت يده أو كان غير
حاذق ضمنه بديته. (وإن فعله حاكم من صغير أو مجنون) لمصلحة فلا شئ عليه (أو) فعله
(وليهما) أي ولي الصغير والمجنون (لمصلحة فلا شئ عليه) سواء كان الولي أبا أو وصيه،
لأنه محسن بذلك كما لو ختنه فمات. القسم (الثاني: أن يضربه بمثقل) كبير (فوق عمود
الفسطاط الذي تتخذه العرب لبيوتها فيه رقة ورشاقة لا) بمثقل (كهو) أي كعمود الفسطاط
595

وهو الخشبة التي يقوم عليها بيت الشعر، لأن النبي (ص): لما سئل عن المرأة التي ضربت
جاريتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها قضى رسول الله (ص) في الجنين بغرة وبدية المرأة
على عاقلتها. والعاقلة لا تحمل العمد فدل على أن القتل بعمود الفسطاط ليس بعمد، وأن
العمد يكون بما فوقه. (وأما العمود تتخذه الترك وغيرهم لخيامهم، فالقتل به عمد لأنه يقتل
غالبا أو يضربه بما يغلب على الظن موته كاللت) بضم اللام وتشديد المثناة فوق. (نوع من
السلاح والدبوس وعقب الفأس والكوذين: الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقاق الثياب
والسندان، أو) يضربه ب‍ (- حجر كبير، أو يلقي عليه حائطا، أو سقفا، أو صخرة، أو خشبة عظيمة
أو يلقيه من شاهق أو يكرر الضرب) عليه (بخشبة صغيرة أو حجر صغير)، لأن ذلك كله
مما يقتل غالبا. (أو يضربه به) أي بما ذكر من الخشبة الصغيرة أو الحجر الصغير، (مرة) في
مقتل ونحوه، (أو يلكزه بيده في مقتل، أو في حال ضعف قوة من مرض، أو صغر أو كبر، أو حر
مفرط أو برد شديد ونحوه، فمات، فعليه القود) لأن ذلك الفعل يقتل غالبا. (وإن ادعى جهل
المرض في ذلك كله لم يقبل). وكذا إن قال: لم أقصد قتله لم يصدق لأن الظاهر خلافه.
(وإن لم يكن كذلك) أي وإن لم يكن الضرب بما ذكر من الخشبة الصغيرة أو الحجر
الصغير أو اللكز باليد في مقتل، ولا في حال ضعف قوة ونحوه مما ذكر. (ففيه الدية لأنه
عمد الخطأ) لكونه لا يقتل غالبا إذن. إلا أن يصغر جدا كالضربة بالقلم أو الإصبع في غير
مقتل ونحوه، أو مسه بالكبير وليضربه) به، (فلا قود فيه ولا دية) لأن ذلك الفعل لا يتسبب
عنه قتل. القسم (الثالث: أن يجمع بينه وبين أسد، أو نمر بضيق كزبية، ونحوها، وزبية الأسد)
بضم الزاي (حفرة تحفر له، شبه البئر)، قال في الحاشية: الزبية حفرة في موضع عال يصاد
596

فيها الأسد وغيره. (فيفعل به) الأسد ونحوه بما يقتل مثله لأنه إذا تعمد الالقاء فقد تعمد
قتله بما يقتل غالبا. وإن فعل به أي الأسد أو نحوه (ما يقتل مثله فعليه القود)، لأنه إذا تعمد
الالقاء فقد تعمد قتله بما يقتل غالبا (وإن فعل به) الأسد ونحوه (فعلا أو فعله الآدمي لم
يكن عمدا فلا قود)، لأن السبع صار آلة للآدمي فكان فعله كفعله (وإن ألقاه مكتوفا بحضرة
سبع فقتله، أو) ألقاه (بمضيق بحضرة حية فنهشته، أو لسعه عقرب من القواتل فقتله فعليه
القود)، لأن هذا يقتل غالبا فكان عمدا محضا. (وإن أنهشه) بالمعجمة والمهملة سواء. وقيل
بالمهملة الاخذ بأطراف الأسنان وبالمعجمة بالأضراس (كلبا، أو سبعا)، المراد به هنا الحيوان
المفترس. (أو حية من القواتل وهو) أي ذلك الفعل (يقتل غالبا فعمد) يقاد به، لأنه يقتل غالبا
(وإن كان) ما ذكر من إنهاش الكلب أو السبع أو الحية، (لا يقتل غالبا كثعبان الحجاز أو
سبع صغير) أو كلب صغير، (أو كتفه وألقاه في أرض غير مسبعة) بفتح الميم، أي كثيرة
السباع (فأكله سبع أو نهشته حية فمات فشبه عمد). فيضمنه بالدية على عاقلته والكفارة في
ماله، لأنه فعل فعلا تلف به وهو لا يقتل مثله غالبا. (وكذلك إن ألقاه مشدودا في موضع
لم يعهد وصول زيادة الماء إليه، أو تحتمل زيادة الماء وعدمها فيه)، فوصلت الزيادة ومات بها
فشبه عمد لما سبق. (وإن كان يعلم زيادة الماء في ذلك الوقت) وألقاه مشدودا (فمات به
فهو عمد)، لأنه يقتل غالبا. القسم (الرابع: ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص
منهما)، أي من الماء والنار، (إما لكثرتهما أو لعجزه عن التخلص لمرض، أو ضعف، أو صغر
، أو كان مربوطا، أو منعه الخروج كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها، ونحو هذا فمات)
فعمد، لأن الموت حصل بعد فعل يغلب على الظن إسناد القتل إليه فوجب كونه عمدا.
(أو حبسه في بيت وأوقد فيه نارا، أو سد المنافذ) التي للبيت، (حتى اشتد الدخان وضاق به
النفس أو دفنه حيا، أو ألقاه في بئر ذات نفس عالما بذلك، فمات فعمد) لأن ذلك يقتل مثله
597

غالبا. (وإن ألقاه في ماء يسير يقدر على التخلص منه فلبث فيه اختيارا حتى مات فهدر)، لأنه
مهلك لنفسه، (وإن كان) ألقاه (في نار يمكنه التخلص منها فلم يخرج حتى مات فلا قود)
لأنه يمكنه التخلص أشبه ما لو ألقاه في ماء يسير. (ويضمنه بالدية) لأنه جان بالالقاء المفضى
إلى الهلاك وهذا أحد وجهين. قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب، والوجه الثاني لا
شئ عليه وهو ظاهر كلامه في المحرر، وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وشرح ابن
رزين، انتهى، وجزم به في المنتهى. (وإنما تعلم قدرته) أي الملقى في الماء أو النار (على
التخلص، بقوله: أنا قادر على التخلص أو نحو هذا). القسم (الخامس: خنقه بحبل أو غيره)
وهو نوعان: أحدهما: أن يخنقه في عنقه ثم يعلقه في نحو خشبة فيموت فهو عمد، سواء
مات في الحال أو بقي زمنا، لأن هذا جرت به عادة اللصوص والمفسدين، الثاني: أن يخنقه
وهو على الأرض. (أو سد فمه وأنفه أو عصر خصيتيه حتى مات)، أي عصرهما عصرا يقتله
غالبا فمات. (في مدة يموت في مثلها غالبا فعمد)، لأنه يقتل غالبا وظاهر ما سبق أنه يعتبر
سد الفم والأنف جميعا، لأن الحياة في الغالب لا تفوت إلا بسدهما. (وإن كان) سد الفم أو
الانف أو عصر الخصيتين (في مدة لا يموت) مثله (فيها غالبا، فشبه عمد إلا أن يكون
صغيرا إلى الغاية بحيث لا يتوهم الموت فيه، فمات فهدر) لأنه لم يقتله، (ومتى خنقه وتركه
سالما حتى مات ففيه القود) لأنه قتله بما يقتل غالبا (وإن تنفس) المخنوق (وصح) بعد
الخنق (ثم مات فلا ضمان) على الخانق لأنه لم يقتله أشبه ما لو برئ الجرح ثم مات
القسم (السادس: حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما) أي الطعام وحده أو الشراب (أو)
منعه (الدفاء في الشتاء ولياليه الباردة قاله ابن عقيل: حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا في
598

مدة يموت في مثلها غالبا، بشرط أن يتعذر عليه الطلب فعمد). لأن الله تعالى أجرى العادة
بالموت عند ذلك، فإذا تعمده الانسان فقد تعمد القتل. (فإن لم يتعذر) عليه الطلب وتركه
حتى مات، (فهدر) لأنه المهلك لنفسه. (كتركه شد موضع فصاده، والمدة التي يموت فيها غالبا
تختلف باختلاف الناس والزمان والأحوال، فإذا عطشه في الحر مات في الزمان القليل وعكسه
في البرد، وإن كان) حبسه مع منعه الطعام والشراب (في مدة لا يموت فيها غالبا، ف‍) - هو
(عمد لا الخطأ، وإن شككنا فيها) أي في المدة هل يموت فيها غالبا أو لا (لم يجب القود)
لعدم تحقق موجبه. القسم (السابع: سقاه سما لا يعلم) المقتول (به، أو خالطه بطعام ثم أطعمه
إياه، أو خلطه بطعام وآكله فأكله وهو لا يعلم) به، (فمات - فعليه القود إن كان) ذلك السم (مثله
يقتل غالبا). لما روي أن يهودية أتت النبي (ص) بشاة مسمومة فأكل منها النبي (ص) وبشير بن
العلاء فلما مات بشير، أرسل إليها النبي (ص) فاعترفت فأمر بقتلها رواه أبو داود. (وإن علم
آكله) أي السم (به وهو بالغ عاقل فلا ضمان) كما لو قدم إليه سكينا فقتل بها نفسه. (وإن
كان) الآكل (غير مكلف بأن كان صغيرا أو مجنونا ضمنه) واضع السم، لأن الصبي
والمجنون لا عبرة بفعلهما. (وإن خلطه) أي السم (بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا
ضمان عليه)، لأنه لم يقتله وإنما هو قتل نفسه أشبه ما لو حفر في داره بئرا ليقع فيها اللص
إذا دخل يسرق منها، وسواء دخل بإذنه أو بغيره حيث لم يأذنه في الاكل. (فإن ادعى القاتل
بالسم عدم علمه أنه قاتل لم يقبل) منه لأن السم يقتل غالبا (كما لو جرحه وقال: لم أعلم
أنه يموت، وإن كان) ما سقاه له (سما لا يقتل غالبا) فقتله (فشبه عمد)، لأنه قصد الجناية بما
لا يقتل غالبا. (وإن اختلف) في السم المسقى له (هل يقتل غالبا أو لا؟ وثم بينة) لأحدهما
599

(عمل بها) إذا كانت من ذوي الخبرة به، (وإن قالت) البينة إن ذلك السم (يقتل النضو
الضعيف دون القوي أو غير ذلك عمل على حسب ذلك)، لأنه ممكن (فإن لم يكن مع
أحدهما بينة فالقول قول الساقي). لأنه منكر. القسم (الثامن: أن يقتله بسحر يقتل غالبا فهو
عمد) إذا كان الساحر يعلم ذلك أشبه ما لو قتله بمحدد. (وإن قال) الساحر (لا أعلمه قاتلا
لم يقبل قوله) لأنه خلاف الظاهر. (فهو) أي السحر (كسم حكما) أي في حكمه السابق
(وإذا وجب قتله) أي الساحر (بالسحر وقتل) به (كان قتله به حدا). قاله ابن البناء وصححه
في الانصاف، ومقتضى ما قدمه المصنف كغيره في الحدود، أنه يقتل قصاصا لتقديم حق
الآدمي. (وتجب دية المقتول في تركته) أي الساحر كما لو مات أو قتل بغير المسحور
(والمعيان: الذي يقتل بعينه - قال ابن نصر الله في حواشي الفروع: ينبغي أن يلحق بالساحر
الذي يقتل بسحره غالبا، فإذا كانت عينه يستطيع القتل بها ويفعله باختياره وجب به
القصاص). لأنه فعل به ما يقتل غالبا. (وإن فعل ذلك بغير قصد الجناية فيتوجه أنه خطأ
يجب فيه ما يجب في القتل الخطأ، وكذا ما أتلفه بعينه يتوجه فيه القول بضمانه، إلا أن يقع
بغير قصد فيتوجه عدم الضمان، انتهى. ويأتي في التعزير) وقال ابن القيم في شرح منازل
السائرين: إن كان ذلك بغير اختياره بل غلب على نفسه لم يقتص منه وعليه الدية، وإن عمد
ذلك وقدر على رده وعلم أنه يقتل به ساغ للوالي أن يقتله بمثل ما قتل به، فيعينه إن شاء كما
أعان هو المقتول، وأما قتله قصاصا بالسيف فلا، لأنه غير مماثل للجناية، قال: وسألت
شيخنا عن القتل بالحال هل يوجب القصاص؟ فقال: للولي أن يقتله بالحال كما قتل به.
وفرق ابن القيم في المشهد الثاني من المشاهد بين العائن والساحر من وجهين، والعين نظر
باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر، قال بعضهم: وإنما
يحصل ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون، ونظير ذلك أن
الحائض تضع يدها في إناء اللبن يفسد، ولو وضعته بعد طهرها لم يفسد، وأن الصحيح ينظر
في عين الأرمد فيرمد، ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب، قاله الحافظ ابن حجر. القسم
600

(التاسع: أن يشهد اثنان فأكثر على شخص بقتل عمد أو ردة حيث امتنعت التوبة، أو) يشهد
(أربعة فأكثر بزنا محصن ونحو ذلك مما يوجب القتل، فقتل بشهادتهم، ثم رجعوا واعترفوا
بتعمد القتل فعليهم القصاص) لما روى القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند
علي أنه سرق فقطعه، ثم رجعا عن شهادتهما فقال علي: لو أعلم أنكما عمدتما لقطعت
أيديكما. ولأنهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا أشبه المكره، وقوله: حيث امتنعت
التوبة. بأن شهدا أنه سب الله أو رسوله ونحو ذلك بخلاف ما تقبل فيه التوبة، إذ يمكنه
دفعهما بالتوبة. (وكذلك الحاكم إذا حكم على شخص بالقتل عالما بذلك)، أي بكذب
البينة (متعمدا فقتل، واعترف) الحاكم بذلك (فعليه القصاص). لأنه في معنى الشهود، فكان
الحاصل بسببه عمدا كالقتل الحاصل بسبب الشاهدين. (ولو أن الولي الذي باشر قتله أقر
بعلمه بكذب الشهود وتعمد قتله فعليه القصاص وحده)، لأنه باشر القتل عمدا بغير حق. (فإن
أقر الشاهدان والولي والحاكم جميعا بذلك) أي بالكذب والتعمد بقتله (فعلى الولي المباشر)
للقتل (القصاص وحده أيضا)، لأنه باشر القتل عمدا عدوانا. قال في الشرح: ينبغي أن لا
يجب على غيره شئ، لأنهم متسببون، والمباشرة يبطل حكمها كالدافع مع الحافر. (وإن
كان الولي لم يباشر) القتل (وإنما باشر وكيله فإن كان الوكيل عالما فعليه القصاص وحده)
لأنه المباشر (وإلا) أي وإن لم يكن الوكيل عالما، (فعلى الولي) القصاص كما لو باشر
(فيختص مباشر عالم بالقود ثم ولي) عالم (ثم بينة وحاكم، ومتى لزمت الدية الحاكم والبينة
فهي بينهم سواء على الحاكم مثل واحد منهم). لأن الجميع متسببون، (ولو رجع الولي والبينة
ضمنه الولي وحده) لمباشرته القتل، (ولو قال بعضهم: عمدنا قتله، وقال بعضهم: أخطأنا يريد
كل قائل نفسه دون البعض الآخر، قاله ابن قندس في حاشية الفروع. أو قال واحد: عمدت قتله
وقال الآخر: أخطأت فلا قود على المتعمد)، لأن القتل لم يتمحض موجبا. (وعليه) أي
601

المتعمد (حصته من الدية المغلظة) مؤاخذة له بإقراره، (وعلى المخطئ حصته من الدية
المخففة، ولو قال: كل واحد منهم تعمدت وأخطأ شريكي، أو قال واحد: عمدنا جميعا، وقال
الآخر: عمدت وأخطأ صاحبي أو قال واحد: عمدت ولا أدري ما فعل صاحبي فعليهما
القود). لاعتراف كل منهما بالقتل عدوانا. (ولو قال واحد: عمدنا) حال كونه (مخبرا عنه
، وعمن معه وقال الآخر: أخطأنا مخبرا عنه وعمن معه - لزم المقر بالعمد القود) مؤاخذة له
بإقراره. (و) لزم (الآخر نصف الدية مخففة إذا كانا اثنين). فإن كانوا ثلاثة فأكثر فقال
واحد منهم: عمدنا وقال آخر: أخطأنا فلا قود، وعلى من قال: عمدنا حصته من الدية المغلظة
والآخر حصته من الدية المخففة، ولو قال: عمدنا الاشهاد دون القتل فالدية. (وإن قالا
أخطأنا فعليهما الدية مخففة ولو حفر في بيته بئرا وستره ليقع فيه أحد فوقع) فيها أحد
(فمات، فإن كان) الواقع (دخل بإذنه قتل به) لتسببه في قتله (إلا إن دخل بلا إذنه، أو كانت
مكشوفة بحيث يراها الداخل، أو لم يقصده) أي القتل فلا يقتل به، ويأتي بأوضح من هذا
في الديات. (ولو جعل في حلق زيد خراطة) أي حبلا ونحوه، (وشدها في شئ عال وترك
تحته حجرا فأزاله آخر عمدا فمات - قتل مزيله دون رابطه) كالحافر مع الدافع. (وإن جهل)
المزيل (الخراطة فلا قود) عليه، لأنه لم يتعمد القتل. (وعلى عاقلته في ماله الدية) جزم
بمعناه في المنتهى وغيره. وفيه نظر، لأنه إن كان عمدا أوجب القود وإن كان خطأ أو
شبه عمد فالدية على العاقلة. (ولو شد على ظهره قربة منفوخة وألقاه في البحر وهو لا
يحسن السباحة، فجاء آخر وخرق القربة فخرج الهواء فغرق، فالقاتل هو الثاني). لأنه المباشر
والأول متسبب. (واختار الشيخ أن الدال) على المقتول ليقتل ظلما (يلزمه القود إن تعمد)
وعلم الحال، ولعل مراده إذا تعذر تضمين المباشر وإلا فهو الأصل. (وإلا) أي وإن لم
602

يتعمد الدال (ف‍) - عليه (الدية، و) اختار الشيخ أيضا (أن الآمر) بالقتل بغير حق (لا يرث)
من المقتول شيئا لأن له تسببا في القتل.
فصل
وشبه العمد: ويسمى خطأ العمد، وعمد الخطأ
لاجتماعهما فيه. (أن يقصد الجناية، إما لقصد العدوان عليه، أو) قصد (التأديب له
فيسرف فيه بما لا يقتل غالبا ولم يجرحه بها، فيقتل: قصد قتله أو لم يقصده)، سمي بذلك لأنه
قصد الفعل وأخطأ في القتل. (نحو أن يضربه بسوط أو عصا أو حجر صغير أو يلكزه بيده أو
يلقيه في ماء قليل أو يسحره بما لا يقتل غالبا، أو سائر ما لا يقتل غالبا أو يصيح بصغير، أو
صغيرة وهما على سطح، أو نحوه) من الأمكنة المرتفعة، (فيسقطان) فيموتان (أو يتغفل غافلا
فيصيح به فيسقط فيموت، أو يذهب عقله، و) هذا كله لا قود فيه لما روى عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده مرفوعا قال: عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه
رواه أحمد وأبو داود وعن عبد الله بن عمر مرفوعا: ألا إن في قتل الخطأ شبه العمد، قتل
السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها. رواه أحمد وأبو داود
وابن ماجة، ولهم من حديث ابن عمر مثله ورواهما النسائي والدارقطني مسندا أو مرسلا
وهذا القسم يثبت بالسنة والقسمان الآخران يثبتان بالكتاب. و (فيه الكفارة إذا مات) المجني
عليه لقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * والخطأ
موجود في هذه الصور. (والدية على العاقلة) لحديث أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من
هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر ققتلتها وما في بطنها فقضى النبي (ص) أن دية جنينها
603

عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه. (وإن صاح بمكلف أو مكلفة
فسقطا) فماتا أو ذهب عقلهما (فلا شئ عليه) إذا لم يغتفلهما لأنه لم يجن عليهما. (وإمساك
الحية محرم وجناية)، لأنه إلقاء بالنفس إلى الهلاك. وقال تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة) * (فلو قتلت) الحية (ممسكها من مدعي المشيخة ونحوه ف‍) - هو
(قاتل نفسه)، لأنه فعل بها ما يقتل غالبا. (و) أما إمساك الحية (مع الظن أنها لا تقتل فشبه
عمد بمنزلة من أكل حتى بشم، فإنه لم يقصد قتل نفسه).
قلت: ونظير ذلك كل ما يقتل غالبا من المشي في الهواء على الحبال، والجري في المواضع
البعيدة مما يفعله أرباب البطالة والشطارة، ويحرم أيضا إعانتهم على ذلك وإقرارهم عليه.
فصل
والخطأ ضربان ضرب في الفعل كرمي صيد، أو غرض
أو شخص ولو معصوما أو بهيمة ولو محترمة، فيصيب آدميا معصوما لم يقصده) فهو
خطأ قدمه في المغني وهو مقتضى كلامه في المحرر وغيره. وقيل: إذا أرمى معصوما أو
بهيمة محترمة فأصاب آدميا معصوما لم يقصده فهو عمد. قال في الانصاف: وهو
منصوص الإمام أحمد قاله القاضي في روايتيه وهو ظاهر كلام الخرقي اه‍. وهو مفهوم
المنتهى. (أو ينقلب عليه نائم، ونحوه) كمغمى عليه (فعليه الكفارة والدية على العاقلة).
604

الضرب الثاني وهو نوعان: أحدهما: أن يرمي ما يظنه صيدا أو هدفا فيصيب آدميا لم يقصده
أو مباح الدم. الثاني: ما ذكره بقوله (وإن قتل في دار الحرب من يظنه حربيا فيتبين مسلما
أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلما) لم يقصده، (أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على
المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم فهذا فيه الكفارة). روي عن ابن عباس لقوله
تعالى: * (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) *. (بلا
دية) للآية المذكورة فإنه لم يذكر دية في هذا القسم وذكرها في اللذين قبله وبعده. (قال
الشيخ: هذا في المسلم الذي هو بين الكفار معذور كالأسير، والمسلم الذي لا يمكنه
الهجرة والخروج من صفهم. فأما الذي يقف في صف قتالهم باختياره فلا يضمن بحال)
لأنه الذي عرض نفسه للتلف بلا عذر. (وإن قتل بسبب كالذي يحفر بئرا أو ينصب حجرا أو
سكينا ونحوه تعديا ولم يقصد جناية، فيؤول إلى إتلاف الانسان فسبيله سبيل الخطأ)، لأنه
يشارك الخطأ في الاتلاف، وإنما لم يجعل خطأ لعدم القصد في الجملة، هذا كلام
الموفق. ومن تابعه وعند الأكثر هو من الخطأ وهو مقتضى كلامه أولا، حيث جعل القتل
ثلاثة أقسام. قال في المحرر: والقتل بالسبب ملحق بالخطأ إذا لم يقصد به الجناية. (فإن
قصد جناية فشبه عمد محرم)، وقد يقوي فيلحق بالعمد كما ذكرنا في الاكراه والشهادة
(وعمد الصبي والمجنون خطأ لا قصاص فيه)، لأنه عقوبة وغير المكلف ليس من أهلها
(والدية على العاقلة حيث وجبت) في الخطأ، (والكفارة في ماله) في الخطأ، وما أجرى مجراه
(ولو قال) القاتل (كنت حال القتل صغيرا أو مجنونا، وأمكن) صدقه (صدق بيمينه) لأنه منكر
والأصل عدم الموجب، وإن لم يمكن صدقه بأن لم يعهد له حال جنون ونحوه لم يصدق
وإن قال أنا الآن صغير واحتمل صدق ولا يمين، (ويأتي في الباب بعده).
605

فصل
وتقتل الجماعة بالواحد إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به
وانفرد لقوله تعالى: * (ولكم في القصاص حياة) * لأنه إذا علم أنه
متى قتل به أتلف به، فلو لم يشرع القصاص في الجماعة لبطلت الحكمة في
مشروعية القصاص، ولاجماع الصحابة فروى سعيد بن المسيب: أن عمر قتل سبعة من أهل
صنعاء قتلوا رجلا. وعن علي وابن عباس معناه ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان
كالاجماع، ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت على الجماعة كحد القذف،
والفرق بين قتل الجماعة والدية أن الدم لا يتبعض بخلاف الدية. (وإلا) أي وإن لم يصلح
فعل كل واحد من الجماعة للقتل كما لو ضربه كل واحد منهم بحجر صغير فمات. (فلا)
قصاص عليهم لأنه لم يحصل من أحد منهم ما يوجب القود (ما لم يتواطؤا على ذلك)
الفعل ليقتلوه به فعليهم القصاص لئلا يتخذ ذريعة إلى درء القصاص. (وإن عفا عنهم) أي عن
القاتلين (الولي سقط القود) للعفو (ووجبت دية واحدة)، لأن القتل واحد فلا يجب أكثر من
دية كما لو قتلوه خطأ. (ويأتي حكم الاشتراك في) قطع (الطريق في) باب (ما يوجب
القصاص فيما دون النفس، وإن جرحه واحد جرحا و) جرحه (الآخر مائة)، ومات (فهما سواء
في القصاص والدية) لأن اعتبار التساوي يفضي إلى سقوط القصاص على المشتركين، إذ لا
يكاد جرحان يتساويان من كل وجه، ولو احتمل التساوي لم يثبت الحكم، لأن الشرط
يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفي باحتمال وجوده بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه في انتفاء
الحكم، لأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت به دون المائة، وكذا لو أوضحه أحدهما
وشجه الآخر آمة، أو جرحه أحدهما جائفة، والآخر غير جائفة. (فإن قطع واحد يده و) قطع
(آخر رجله وأوضحه ثالث فللولي قتل جميعهم) لاشتراكهم في القتل. (و) له (العفو عنهم
إلى الدية) فيأخذ (من كل واحد منهم ثلثها وله أن يعفو عن واحد) منهم. (فيأخذ منه ثلث
الدية ويقتل الآخرين، وله أن يعفو عن اثنين) منهما (فيأخذ منهما ثلثيها) أي الدية، (ويقتل
606

الثالث) كما لو انفرد كل واحد منهم بالقتل، (وإن برئت جراحة أحدهم ومات) المجروح (من
الجرحين الآخرين فله) أي الولي (أن يقتص من الذي برئ جرحه مثل جرحه)، كما لو لم
يشركه أحد، (ويقتل الآخرين) لانفرادهما بالقتل. (أو يأخذ منهما دية كاملة) لما تقدم (أو
يقتل أحدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية، وله أن يعفو عن الذي برئ جرحه ويأخذ منه دية
جرحه)، ثم يفعل مع الآخرين كما تقدم. (وإن ادعى الموضح أن جرحه برئ قبل موته وكذبه
شريكاه، فإن صدقه الولي ثبت حكم البرء بالنسبة إليه)، أي إلى الولي مؤاخذة له بإقراره، (فلا
يملك قتله ولا مطالبته بثلث الدية) لاعترافه أنه لا يستحق ذلك عليه. (وله) أي الولي (أن
يقتص منه موضحة أو يأخذ منه أرشها) خمسا من الإبل، (ولم يقبل قوله) أي الموضح ولا
الولي المصدق له (في حق شريكيه). لأنه إقرار على غيره، (فإن اختار الولي القصاص فله
قتلهما) كما لو لم يدع ذلك. (وإن اختار) الولي (الدية لم يلزمهما أكثر من ثلثيها) كما لو لم
يدع البرء. (وإن كذبه الولي) في دعواه أن جرحه برئ (حلف) الولي لأنه منكر، (وله) أي
الولي (الاقتصاص منه أو مطالبته بثلث الدية، ولم يكن له مطالبة شريكيه بأكثر من ثلثيها) أي
الدية. (وإن شهد له شريكاه ببرئها لزمهما الدية كاملة)، لأن ذلك موجب شهادتهما فيؤاخذان
به، (للولي أخذها) أي الدية (منهما إن صدقهما، وإن لم يصدقهما أو عفا إلى الدية لم يكن له)
أي الولي (أكثر من ثلثيها) لاعترافه، إنه لا يستحق عليهما سوى ذلك وأو بمعنى الواو. (وتقبل
شهادتهما) لشريكهما في الجنابة، لأنها لا تدفع عنهما ضررا ولا تجلب نفعا. و (إن كانا قد
تابا وعدلا) وإلا فشهادة الفاسق غير مقبولة (فيسقط القصاص) عن المشهود له في النفس
لعدم سراية جرحه، (ولا يلزمه أكثر من موضحة).
607

قلت: ويتعين أرشها دون القصاص مع تكذيب الولي لاعترافه بعدم استحقاقها. (وإن
قطع يده من الكوع و) قطع (آخر من المرفق، ومات - فهما قاتلان) أي فهما سواء في
القصاص أو الدية، (ما لم يبرأ الأول) لأنهما قطعان فإذا مات بعدهما وجب عليهما القصاص
كما لو كانا في يدين. (فإن برئ) الأول قبل قطع الثاني (ف‍) - القاتل (الثاني)، لأن جناية
الأول قد انقطعت سرايتها بالاندمال فيخير الولي في الثاني بين القصاص والدية. (فإن اندمل
القطعان أقيد الأول بأن يقطع من الكوع) كما قطع، (والثاني إن كانت كفه مقطوعة أقيد أيضا
فتقطع يده من المرفق) كما فعل. (وإن كان له) أي الثاني (كف) فلا قصاص لتعذره (ف‍)
- تجب (حكومة) قدمه في المبدع وغيره، وقيل: ثلث دية يد وجزم به في المنتهى في
دية الأعضاء ومنافعها (وإن قتله جماعة) اثنان فأكثر، (بأفعال لا يصلح واحد منها لقتله نحو
أن يضربه كل واحد سوطا في حالة، أو متواليا - فلا قود، وفيه عن تواطئ وجهان). وقال في
الترغيب: (الصواب) وجوب (القود) وتقدم معناه، (وإن فعل واحد فعلا لا تبقى معه الحياة
كقطع حشوته أو مريئه أو ودجيه، ثم ضرب عنقه آخر، فالقاتل هو الأول). لأن الحياة لا
تبقى مع جنايته، والحشوة بضم الحاء وكسرها الأمعاء، والمرئ بالمد مجرى الطعام
والشراب في الحلق، والودجان بفتح الواو وكسرها عرقان في العنق. (ويعزر الثاني كما يعزر
جان على ميت)، فلهذا لا يضمنه ولو كان عبدا، فالتصرف فيه كميت. (وإن شق الأول بطنه أو
قطع يده، ثم ضرب الثاني عنقه فالثاني هو القاتل). لأنه المفوت للنفس جزما فعليه
القصاص في النفس أو الدية إن عفا عنه، لأنه لم يخرج بجرح الأول من حكم الحياة
(وعلى الأول ضمان ما تلف بالقصاص أو الدية، ولو كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا
محالة، إلا أنه لا يخرج به عن علم الحياة، وتبقى معه الحياة المستقرة كخرق الأمعاء، أو)
608

خرق (أم الدماغ. وضرب الثاني عنقه. فالقاتل الثاني). لأن عمر لما جرح وسقى لبنا فخرج
من جوفه، علم أنه ميت وعهد للناس وجعل الخلافة في أهل الشورى، فقبل الصحابة عهده
وعملوا به. (وإن رماه) الأول (من شاهق يجوز أن يسلم منه) لقربه (أولا)، يجوز أن يسلم منه
لعلوه، (وتلقاه آخر بسيف فقده) فالقصاص على الثاني، لأنه فوت قبل المصير إلى
حال ييأس فيها من حياته. (أو رماه بسهم قاتل فقطع عنقه آخر قبل وقوع السهم به، أو ألقى
عليه صخرة فأطار آخر رأسه بالسيف قبل وقوعها عليه - فالقصاص على الثاني) لأنه القاتل
لما تقدم، (وإن ألقاه في لجة لا يمكنه التخلص منها، فالتقمه حوت، فالقود على الرامي)، لأنه
ألقاه في مهلكة هلك بها من غير واسطة يمكن إحالة الحكم عليها، أشبه ما لو مات بالغرق
أو هلك بوقوعه على صخرة ونحوها. (وإن ألقاه في ماء يسير فأكله سبع أو التقمه حوت أو
تمساح فإن علم الرامي بالحوت ونحوه) كالتمساح (فالقود)، لأنه فعل يقتل غالبا ولا فرق
فيما تقدم بين أن يلتقمه قبل أن يمس الماء أو بعده قبل الغرق أو بعده، بأن التقمه بعد
حصوله فيه قبل غرقه. (وإلا) أي وإن لم يعلم بالحوت ونحو مع قلة الماء (فالدية) لأنه
هلك بفعله ولا قود، لأن الذي فعله لا يقتل غالبا. (وإن أكره) مكلف (مكلفا على قتل معين
فقتله فالقصاص عليهما)، لأن المكره تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبا، أشبه ما لو أنهشته
حية والمكره قتله ظلما لاستبقاء نفسه، كما لو قتله في المجاعة لاكله فعلى هذا إن صار الامر
إلى الدية فهي عليهما كالشريكين. لا يقال: المكره ملجأ. لأنه غير صحيح، لأنه يتمكن من
الامتناع ولهذا يأثم بالقتل، وقوله (ص): عفي لأمتي عما استكرهوا عليه. محمول على غير
القتل. (وإن كان) الذي أكره على قتله (غير معين كقوله: اقتل زيدا أو عمرا أو اقتل أحد هذين
فليس إكراها فإن قتل أحدهما قتل) القاتل وحده، (وإن أكره سعد زيدا على أن يكره عمرا
609

على قتل بكر فقتله - قتل الثلاثة جزم به في الرعاية الكبرى). ومعناه في المنتهى المباشر
لمباشرته القتل ظلما، والآخران لتسببهما إلى القتل لما يفضي إليه غالبا. (وإن دفع لغير مكلف
آلة قتل كسيف ونحوه) كلت وسكين، (ولم يأمره بقتل فقتل لم يلزم الدافع شئ)، لأنه ليس
بآمر ولا مباشر. (وإن أمر غير مكلف) بالقتل فقتل، (أو) أمر (عبده) بالقتل فقتل (أو) أمر
(كبيرا عاقلا يجهلان) أي العبد والكبير العاقل (تحريم القتل كمن نشأ في غير بلاد الاسلام
فقتل، فالقصاص على الآمر)، لأن القاتل هنا كالآلة أشبه ما لو نهشته حية. (ويؤدب المأمور
بما يراه الامام من حبس أو ضرب، (وإن كان العبد ونحوه) كالكبير العاقل الذي يجهل
تحريمه، (قد أقام في بلاد الاسلام بين أهله وادعى الجهل بتحريم القتل لم يقبل) منه، لأنه لا
يخفى عليه إذن تحريم القتل ولا يعذر فيه إذا كان عالما. (والقصاص عليه) أي العبد ونحوه
لمباشرته القتل بلا عذر، (ويؤدب السيد) الآمر له به، (وإن أمره) أي العبد سيده (بزنا أو
سرقة ففعل، لم يجب الحد على الآمر) بل على المباشر، (جهل المأمور التحريم أولا) لكن
إذا جهل تحريم الزنا، فلا حد عليه لما يأتي في بابه. (وإن أمره) بالقتل (مكلفا عالما
بالتحريم. ف‍) - القصاص (على القاتل) كما تقدم سواء كان عبده أو أجنبيا. (ويؤدب الآمر)
لامره بالمعصية (ولو قال مكلف غير قن لغيره: اقتلني أو اجرحني) ففعل فهدر، (أو) قال
مكلف لغيره (اقتلني وإلا قتلتك ففعل فدمه هدر، وجرحه هدر)، لأن الحق له فيه وقد
أذنه في إتلافه، كما لو أذنه في إتلاف ماله. (ولو قاله) أي اقتلني أو اجرحني أو اقتلني وإلا
قتلتك، (قن) ففعل (ضمنه القاتل لسيده بمال)، أي بقيمته أو أرش الجراحة، لأن إذ القن في
إتلاف نفسه لا يسري على سيده. (فقط)، أي دون القصاص ولو كافأه القاتل، لأن القصاص
حق للقن وقد سقط بإذنه في قتله. (وإن قال له القادر عليه: اقتل نفسك وإلا قتلتك. أو)
610

قال له (اقطع يدك وإلا قطعتها فإكراه)، فيقتل المكره أو يقطع إذا قتل المكره نفسه أو قطع
يده. (ومن أمر قن غيره بقتل قن نفسه) ففعل فلا شئ له، (أو أكرهه عليه) أي أكره قن غيره
على قتل نفسه ففعل، (فلا شئ له) على القاتل ولا على سيده، كما لو أذن إنسان للآخر
في إتلاف مال الآذن فأتلفه بإذنه. (وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك،
فالقصاص على القاتل). لأنه غير معذور، في فعله لقوله (ص): لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق. ولان غير السلطان لو أمره بذلك كان القصاص على المباشر، علم أو لم يعلم
(ويعزر الآمر) بالقتل ظلما لارتكابه معصية. (وإن لم يعلم) المأمور أن القتل بغير حق (ف‍)
- القصاص (على الآمر)، لأن المأمور معذور لوجوب طاعة الامام في غير المعصية. والظاهر
من حاله أنه لا يأمر إلا بالحق. قال أبو العباس: هذا بناء على وجوب طاعة السلطان في
القتل المجهول وفيه نظر. بل لا يطاع حتى يعلم جواز قتله، وحينئذ فتكون الطاعة له
معصية، لا سيما إذا كان معروفا بالظلم، وهنا الجهل بعدم الحل كالعلم بالحرمة. (وإن كان
الآمر) بالقتل (غير السلطان فالقصاص على القاتل بكل حال)، حيث علم تحريم القتل
بخلاف من نشأ ببادية بعيدة عن الاسلام كما سبق. (وإن أكرهه السلطان على قتل أحد أو)
أكرهه على (جلده بغير حق)، وفعل فمات المجلود (فالقصاص) أو الدية (عليهما)، أي على
السلطان والمباشر كما تقدم. (لكن إن كان السلطان يعتقد جواز القتل دون المأمور كمسلم
قتل ذميا، أو حر قتل عبدا فقتله، فقال القاضي: الضمان عليه) أي المأمور، لأنه قتل من لا
يحل له قتله (دون الامام، قال الموفق: إلا أن يكون القاتل عاميا فلا ضمان عليه)، قال في
المغني: ينبغي أن يفرق بين المجتهد والمقلد، فإن كان مجتهدا فهو قول القاضي، وإن
كان مقلدا فلا ضمان عليه لأن له تقليد الإمام فيما يراه. (وإن كان الامام يعتقد تحريمه)، أي
القتل (والقاتل يعتقد حله - فالضمان على الآمر) كما لو أمر السيد عبده الذي لا يعتقد
611

تحريم القتل به. (وإن أمسك إنسانا لآخر ليقتله لا للعب والضرب فقتله، مثل إن أمسكه له
حتى ذبحه قتل القاتل)، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، لأنه قتل من يكافئه عمدا بغير حق
(وحبس الممسك حتى يموت ولا قود عليه) أي الممسك، (ولا دية). لما روى ابن عمر
مرفوعا قال: إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر قتل القاتل ويحبس الذي أمسك رواه
الدارقطني. وروى الشافعي نحوه من قضاء علي رضي الله عنه، ولأنه حبسه إلى الموت
فحبس إلى أن يموت، ومقتضى كلام المصنف أنه يطعم ويسقى. وفي المبدع يحبس عن
الطعام والشراب حتى يموت. (وإن كان الممسك لا يعلم أن القاتل يقتله فلا شئ عليه)
لأن موته ليس بفعله، ولا بأثر فعله بخلاف الجارح، فإنه لا يعتبر فيه قصد القتل، لأن السراية
أثر جرحه المقصود له. (وكذا لو فتح فمه وسقاه الآخر سما) فيقتل الساقي ويحبس
الممسك حتى يموت. (أو تبع) مكلف (رجلا ليقتله فهرب) الرجل (فأدركه آخر فقطع رجله
فحبسه)، فأدركه فقتله قتل القاتل، وأقيد من القاطع وحبس حتى يموت. (أو أمسكه آخر ليقطع
طرفه) فيقطع القاطع ويحبس الممسك حتى يقطع طرفه. (فلو قتل الولي الممسك فقال
القاضي: يجب عليه) أي الولي (القصاص) لأنه تعمد قتله بغير حق في قتله. (وخالفه المجد)
لأن له شبهة في قتله وهي اختلاف العلماء، فقد اختار أبو محمد الجوزي أن له قتله، وقدمه
في الرعاية وادعاه سليمان بن موسى إجماعا لأن قتله حصل بفعلهما. (وإن كتفه وطرحه
في أرض مسبعة، أو) في أرض (ذات حياة، فقتله لزمه القود) لأنه فعل ما يقتل غالبا. (وإن
كانت) الأرض (غير مسبعة) ولا ذات حياة (لزمته الدية)، لأنه فعل ما لا يقتل غالبا، (وتقدم)
ذلك (في الباب).
فصل
وإن اشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما، لو انفرد، كأب وأجنبي
612

اشتركا (في قتل ولد، وكحر وعبد) شاركه (في قتل عبد، وكمسلم وذمي) شارك (في قتل
ذمي). وكولي مقتص وأجنبي، (و) ك‍ (- خاطئ وعامد و) ك‍ (- مكلف وغير مكلف، وشريك
سبع وشريك نفسه، بأن يجرحه سبع أو إنسان ثم يجرح هو نفسه متعمدا - وجب القصاص على
شريك الأب، وعلى العبد، وعلى الذمي). لأن قتلهم عمدا محض عدوان، ولأنهم شاركوا في
القتل العمد العدوان فيقتل به. (كمكره أبا على قتل ولده، وسقط) القصاص (عن غيرهم)،
لأنه لم يتمحض عمدا فلم يجب به قود لشبه العمد، وكما لو قتله واحد بجرحين عمدا
وخطأ. (ويجب على شريك القن) في قتل قن (نصف قيمة المقتول)، لأنه شارك في إتلافه
فكان عليه قسطه. (وعلى شريك الأب وشريك الذمي وشريك الخاطئ، ولو أنه نفسه) أي
نفس العامد (بأن جرحه جرحين أحدهما خطأ والآخر عمدا، وشريك غيره المكلف، وشريك
السبع في غير قتل نفسه نصف الدية)، كالشريك في إتلاف مال (في ماله، لأنه عمد) فلا
تحمله العاقلة. (ولو جرحه إنسان عمدا فداوى) المجروح (جرحه بسم قاتل، أو خاطه في
اللحم الحي، وفعل ذلك وليه، أو) فعله (الامام فمات) المجروح، (فلا قود على الجارح) لان
المداوى قصد مداواة النفس، فكان فعله عمد خطأ كشريك الخاطئ. (وعليه) أي الجارح
(نصف الدية) كشريك الخاطئ، (لكن إن كان الجرح موجبا للقصاص استوفى) بشرطه، (وإلا
أخذ الأرش). وإن كان السم لا يقتل غالبا ففعل الرجل في نفسية شبه عمد، وشريكه كشريك
الخاطئ، وإن خاطه غيره بغير إذنه فهما قاتلان عليهما القود.
باب شروط القصاص
(وهي خمسة: أحدها: أن يكون الجاني مكلفا) لأن القصاص عقوبة وغير المكلف
613

ليس محلا لها. (فأما الصبي والمجنون وكل زائل العقل بسبب يعذر فيه كالنائم والمغمى عليه
ونحوهما) كالسكران كرها (فلا قصاص عليهم)، لأن التكليف من شروطه وهو معدوم،
ولأنه لا قصد لهم صحيح. (فإن قال) الجاني: (قتلته وأنا صبي وأمكن) ذلك (صدق بيمينه)
لأنه محتمل (وتقدم في الباب قبله، وإن قال) القاتل: (قتلته وأنا مجنون فإن عرف له حال
جنون فالقول قوله مع يمينه) كما تقدم، (وإلا) أي وإن لم يعرف له حال جنون (فقول
الولي) لأن الأصل عدم الجنون. (وكذلك إن عرف له حال جنون ثم عرف زواله قبل
القتل)، لأن الأصل بقاؤه على الحال التي عرف عليها. (فإن ثبت زوال عقله فقال: كنت
مجنونا وقال الولي: بل) كنت (سكران، فقول القاتل مع يمينه) لأن الأصل عدم السكر
والأصل أيضا العصمة. (فأما إن قتله وهو عاقل ثم جن لم يسقط عنه) القصاص لأنه كان
حين الجناية عاقلا. (سواء ثبت ذلك ببينة أو إقرار ويقتص منه) أي ممن جنى عاقلا ثم جن
(في حال جنونه ولو ثبت عليه حد زنا أو غيره) كشرب أو سرقة، (بإقراره ثم جن لم يقم عليه
حال جنونه) لأن رجوعه عن ذلك يمنع إقامته بخلاف القصاص.
قلت: ومثله حد القذف. (والسكران وشبهه) كمن زال عقله بسبب لا يعذر فيه كمن
يشرب الأدوية المخبئة. (إذا قتل فعليه القصاص) لأن الصحابة أوجبوا عليه حد القذف وإذا
وجب الحد فالقصاص المتمحض حق آدمي أولي، ولأنه يفضي إلى أن يصير عصيانه سببا
لاسقاط العقوبة عنه. الشرط (الثاني: أن يكون المقتول معصوما) لأن القصاص إنما شرع
حفظا للدماء المعصومة، وزجرا عن إتلاف البنية المطلوب بقاؤها، وذلك معدوم في غير
المعصوم. (فلا يجب قصاص، ولا دية د ولا كفارة بقتل حربي)، لأنه مباح الدم على الاطلاق
(ولا مرتد قبل توبة) لأنه مباح الدم أشبه الحربي. (لا) إن قتل المرتد (بعدها) أي التوبة (إن
قبلت) توبته (ظاهرا) فيقتل قاتله إذن لأنه معصوم (ولا) يجب قصاص ولا دية ولا كفارة
بقتل (زان محصن، ولو قبل توبته) أي الزاني (عند حاكم) لأنه مباح الدم متحتم قتله فلم
614

يضمن كالحربي. (ولا) يجب قصاص ولا دية ولا كفارة بقتل (محارب)، أي قاطع طريق
(تحتم قتله)، بأن قتل وأخذ المال لأنه مباح الدم أشبه الحربي (في نفس)، أي لا قصاص على
جان واحد من هؤلاء في نفس (ولا) قصاص في الأطراف (بقطع طرف) لواحد منهم،
لأن من يؤخذ بغيره في النفس لا يؤخذ به فيما دونها، وذلك متناول للزاني المحصن وغيره.
قال في الفروع: فدل أن طرف محصن كمرتد. (بل ولا يجوز) معطوف على فلا يجب، أي لا
يجب القصاص بقتل واحد من هؤلاء ولا يجوز. (والمراد) قاله في الرعاية والفروع. (قبل
التوبة) وأما قتل المحارب بعد التوبة، فإن كان من ولي المقتول فقد استوفى حقه، وإن كان من
غيره ولا شبهة فإنه يقتل، لأنه معصوم بالنسبة إلى غير ولي المقتول كالقاتل في غير
المحاربة لسقوط التحتم بالتوبة. (ولو كان القاتل) للحربي أو المرتد أو الزاني المحصن أو
المحارب المتحتم قتله (ذميا)، فالذمي فيه كالمسلم، لأن القتل منهما صادف محله (ويعزر
فاعل ذلك) لافتياته على الامام. (والقاتل معصوم الدم لغير مستحق دمه)، لأنه لا سبب فيه
يباح به دمه لغير ولي مقتول. (ولو قطع مسلم) يد مرتد (أو) قطع (ذمي يد مرتد فأسلم)
المرتد ثم مات، (أو) قطع مسلم يد (حربي فأسلم ثم مات)، فلا شئ على القاطع (أو رمى)
مسلم أو ذمي (حربيا أو مرتدا فأسلم) المرمي، (قبل أن يقع به السهم - فلا شئ عليه)، أي
الجاني لأنه لم يجن على معصوم، ولأنه رمى من هو مأمور برميه فلم يضمن، لأن الاعتبار
في التضمين بابتداء حال الجناية لأنها موجبة. (وإن قطع) مكلف (طرفا أو أكثر من مسلم
فارتد المقطوع، ومات من جراحه - فلا قود على القاطع) في النفس، لأنها نفس مرتد غير
معصوم ولا مضمون، بدليل ما لو قطع طرف ذمي فصار حربيا ثم مات من جراحه. (وعليه)
أي القاطع (الأقل من دية النفس، أو المقطوع)، لأنه لما لم يرتد لم يجب عليه أكثر من دية
النفس فمع الردة أولى. (يستوفيه الامام) لأن مال المرتد فئ (وإن عاد) المقطوع (إلى
الاسلام ثم مات وجب القصاص في النفس) ولو بعد زمن تسرى فيه الجناية، لأنه مسلم
حال الجناية والموت كما لو لم يرتد. (وإن جرحه وهو مسلم ثم ارتد أو بالعكس) بأن
جرحه وهو مرتد فأسلم، (ثم جرحه جرحا آخر ومات منهما فلا قصاص فيه)، لأن أحد
615

الجرحين غير مضمون أشبه شريك المخطئ. (ويجب نصف الدية لذلك)، لأن الجرح في
الحالين كجرح اثنين في الحالتين المذكورتين. (وسواء تساوى الجرحان، أو زاد أحدهما: مثل
إن قطع يديه وهو مسلم، و) قطع (رجليه وهو مرتد، أو بالعكس). أو قطع يديه وهو مسلم
ورجليه وهو مرتد أو بالعكس. (ولو قطع طرفا أو أكثر من ذمي ثم صار) الذمي (حربيا) بأن
انتقض عهده أو لحق بدار حرب مقيما، (ثم مات من الجراحة فلا شئ على القاطع)، لأنه قتل
لغير معصوم وقياس ما سبق في المسلم إذا ارتد لا قصاص، وعليه الأقل من دية النفس أو
المقطوع، وإن قطع يد نصراني أو يهودي فتمجس، وقلنا: لا يقر فهو كما لو جنى على
مسلم فارتد، وإن قطع يد مجوسي فتنصر أو تهود ثم مات، وقلنا: يقر وجبت دية كتابي ولو
جرح ذمي عبدا ثم لحق بدار حرب فأسر واسترق، لم يقتل بالعبد، لأنه حر حين وجب
القصاص. الشرط (الثالث: أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني)، لأن المجني عليه إذا لم
يكافئ الجاني كان أخذه به أخذ الأكثر من الحق. (وهو) أي كونه مكافئا للجاني (أن يساويه
في الدين والحرية أو الرق) يعني أن لا يفضل القاتل المقتول بإسلام أو حرية أو ملك. (فيقتل
المسلم الحر) بمثله لقوله (ص): المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولا يقتل
مؤمن بكافر. رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وفي لفظ: ولا يقتل مسلم بكافر. (و) يقتل
(الذمي الحر بمثله) اتفقت أديانهم أو اختلفت لقوله تعالى: * (كتب عليكم القصاص في
القتلى الحر بالحر) * ولا أثر لتفاوت الفضائل كالعلم والشرف. (ويقتل العبد
بالعبد والمسلم بالمسلم والذمي بالذمي) لحصول المكافأة بينهما. (ويجري القصاص بينهما
فيما دون النفس) كالنفس، (فله) أي العبد (استيفاؤه) أي القصاص فيما دون النفس. (وله
العفو عنه) لأنه محض حقه (دون السيد سواء كانا) أي العبدان الجاني والمجني عليه
(مكاتبين أو مدبرين أو أمي ولد أو) كان (أحدهما كذلك أو لا) بأن كانا قنين (وسواء
تساوت القيمة أو لا، أو كان القاتل والمقتول لواحد أو لا) لتساويهم في الرق والمكاتب
616

عبد ما بقي عليه درهم. (ولو قتل عبد مسلم) ولو لمسلم (عبدا مسلما لذمي قتل به)، لأنه
يكافئه، وإن فضل سيده (ولا يقتل مكاتب لعبده الأجنبي)، لأن المكاتب فضله بالملك. (ويقتل)
المكاتب (بعبده ذي الرحم) قال في المبدع: في الأشهر والأصح لا كما قطع به في
المنتهى، لأنه فضله بالملك فهو كالأجنبي. (ولو قتل من بعضه حر) كنصف (مثله)، بأن قتل
منصفا (أو أكثر منه حرية) بأن قتل منصفا من ثلثاه حر، (قتل به) لأن القاتل لم يفضله. و (لا)
يقتل مبعض (بأقل منه حرية) بأن قتل من ثلثاه حر منصفا مثلا، لأن القاتل فضل بما فيه
زائدا من الحرية (وإذا قتل الكافر الحر عبدا مسلما لم يقتل به قصاصا) لأنه فضله بالحرية
(وتؤخذ منه قيمته) لسيده، (ويقتل) الكافر (لنقضه العهد) بقتل المسلم، (ويقتل الذكر بالأنثى
ولا يعطي أولياؤه شيئا) لقوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * (المائدة:
45). ولأنه (ص) قتل يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، ولأنها شخصان يحد كل
منهما بقذف الآخر، فقتل به كالرجل بالرجل. (وتقتل الأنثى بالذكر) لأنها دونه (ويقتل كل
واحد منهما) أي الذكر والأنثى (بالخنثى، ويقتل) الخنثى (بكل واحد منهما) أي من الذكر
والأنثى لعموم: * (أن النفس بالنفس) *. (ويقتل الذمي بالذمي حرا وعبدا بمثله) أي * (الحر بالحر
والعبد بالعبد) * لما تقدم. (و) يقتل (ذمي بمستأمن وعكسه) فيقتل المستأمن
بالذمي (ولو مع اختلاف أديانهم) فيقتل النصراني باليهودي، (ويقتل النصراني واليهودي
بالمجوسي)، لأن الكفر يجمعهم. (ويقتل الكافر بالمسلم) لأنه (ص) قتل يهوديا بجارية، ولأنه
إذا قتل بمثله فمن فوقه أولى: (إلا أن يكون) الكافر (قتله) أي المسلم (وهو حربي ثم أسلم
فلا يقتل) لقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (الأنفال: 38).
ولأنه (ص) لم يقتل قاتل حمزة. (وإن كان القاتل) للمسلم (ذميا قتل لنقضه العهد) قطع به في
الفروع والتنقيح وغيرهما، (وعليه دية حر) إن كان المسلم المقتول حرا. (أو قيمة عبد إن كان
617

المسلم المقتول عبدا) كما لو مات، (ويقتل المرتد بالذمي)، وبالمستأمن ولو تاب وقبلت توبته
(ويقدم القصاص على القتل بالردة ونقض العهد)، لأنه حق آدمي ويأتي في الردة يقتل لهما
ولا دية، وتقدم أنه يقتل لنقض العهد وتؤخذ الدية من ماله. (فإن عفا عنه) أي المرتد (ولي
القصاص إلى الدية فله دية المقتول) من مال المرتد كغيره، (وإن أسلم المرتد) وعفا عنه ولي
القصاص (ف‍) - الدية (في ذمته)، كسائر الحقوق عليه. (وإن قتل المرتد بالردة أو مات تعلقت)
الدية (بماله) كسائر الديون. (ولا يقتل مسلم ولو عبدا بكافر ذمي) في قول أكثر العلماء منهم
عمر وعثمان وعلي وزيد لقوله (ص): لا يقتل مسلم بكافر، رواه البخاري. ولأنه منقوض
بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن. (ولو ارتد) المسلم بعد جنايته على الكافر اعتبارا بحال
الجناية. (ولا) يقتل (حر ولو ذميا بعبد)، روي عن أبي بكر وعمر وعلي وزيد وابن الزبير
لقوله تعالى: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) * فدل على أنه لا يقتل به الحر،
ولما روى أحمد عن علي أنه قال من السنة أن لا يقتل حر بعبد، وعن ابن عباس مرفوعا
مثله رواه الدارقطني، ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة، فلا يقتل به
كالأب مع ابنه. (إلا أن يقتله) أي الكافر بالعبد أو (وهو) أي القاتل كافر (عبد أو يجرحه وهو
مثله) كافر أو عبد، (أو يكون الجارح مرتدا ثم يسلم القاتل، أو الجارح أو يعتق العبد قبل
موت المجروح، أو بعده، فإنه يقتل به نصا). لأن الاعتبار في التكافؤ بحال الوجوب كالحد،
فإذا قتل ذمي ذميا أو جرحه ثم أسلم الجارح ومات المجروح وجب القصاص، لأنهما
متكافئان حال الجناية، ولان القصاص قد وجب فلا يسقط بما طرأ كما لو جن. (ولو جرح
مسلم ذميا أو) جرح (حر عبدا ثم أسلم المجروح أو عتق ومات فلا قود)، لأن المكافأة
معدومة حال الجناية (وعليه) أي الجاني (دية جرح المسلم) لأن الاعتبار في الأرش بحال
استقرار الجناية بدليل ما لو قطع يدي رجل ورجليه، فسرى إلى نفسه ففيه دية واحدة اعتبارا
618

بحال استقرار الجناية ولو اعتبر حال الجناية وجب ديتان. (فيأخذ سيد العبد ديته إلا إن
تجاوز الدية أرش الجناية فالزيادة لورثة العبد). لأنه مات حرا فيورث عنه ما تجدد بالحرية،
فأما أرش الجناية فقد استحقه السيد حين كان رقيقا فلم يسقط بعتقه. (ولا يقتل السيد) ولو
مكاتبا (بعبده) لأنه فضله بالملك، (ويقتل به) أي السيد (عبده) لأنه دونه (و) يقتل العبد
(بحر غيره) أي غير سيده لما سبق، (ولا يقطع طرف الحر بطرف العبد) كما لا يقاد به في
النفس. (وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود)، لعدم المكافأة
(وعليه) أي الرامي (للورثة) دون سيده، (دية حر مسلم إن مات من الرمية) لأن الاتلاف
حصل لنفس حر مسلم.
فصل
ولو قطع أنف عبد قيمته ألف فاندمل الجرح ثم أعتق
العبد وجبت القيمة للسيد. (أو) قطع أنفه ثم (أعتق ثم اندمل)، وجبت قيمته بكمالها
للسيد، (أو) قطع أنفه وأعتق و (مات من سراية الجرح وجبت قيمته بكمالها للسيد)، لأنه حين
الجناية كان رقيقا له، والجناية يراعى فيها حال وجودها. (وإن قطع) الجاني (يده) أي العبد
(فأعتق) أي أعتقه سيده، (ثم عاد) الجاني (فقطع رجله واندمل الجرحان وجب في يده
نصف قيمته) لأنه حين الجناية عليها كان رقيقا (و) وجب (القصاص في الرجل) لأنه
مكافئ له وقت الجناية عليها. (أو نصف الدية إن عفا) العتيق (عن القصاص) ويكون له لا
لسيده لأنه حر. (وإن اندمل قطع اليد وسرى قطع الرجل إلى نفسه ففي اليد نصف قيمته
لسيده) اعتبارا بوقت الجناية، (وعلى القاطع القصاص في النفس) للمكافأة حال الجناية التي
سرت. (أو الدية كاملة لورثته) أي العتيق نسبا أو ولاء (مع العفو منهم عن القصاص، (وإن
619

اندمل قطع الرجل وسرى قطع اليد ففي الرجل القصاص أو نصف الدية لورثته) كما تقدم.
(ولا قصاص في اليد ولا في سرايتها) لأنه وقت قطعها كان رقيقا فلا مكافأة. (وعلى الجاني
لسيده أقل الأمرين من أرش القطع أو دية حر).
قلت: وما بقي من الدية بعد أرش القطع للورثة على ما تقدم، (وإن سرى الجرحان لم
يجب القصاص إلا في الرجل) لوجود المكافأة حينها بخلاف اليد والنفس. (فإن اقتص منه
وجب نصف الدية) لقطع الرجل، (وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو نصف الدية، فإن
كان قاطع الرجل غير قاطع اليد، واندملا فعلى قاطع اليد نصف القيمة لسيده)، لأنه قنه وقت
جنايته عليه. (وعلى قاطع الرجل القصاص) فيها (أو نصف الدية) لورثة العتيق حر حين قطع
رجله، (وإن سرى الجرحان إلى نفسه فلا قصاص على الأول) لأن جنايته حال الرق فلا
مكافأة، (وعليه نصف دية حر) اعتبارا بحال استقرار الجناية كما مر. (وعلى الثاني القصاص
في النفس) لمكافأته له حال جنايته عليه حيث تعمد، لأنه شاركه في القتل عمدا عدوانا
كشريك الأب. (وإن قطع) مكلف (عين عبد ثم عتق) العبد (ثم قطع آخر يده ثم) قطع (آخر
رجله، فلا قود على الأول اندمل جرحه أو سرى)، لأنه لم يكن مكافئا حين الجناية. (وعلى
الآخرين القصاص في الطرفين) إن اندملا للمكافأة، (وإن سرت الجراحات كلها فعليهما) أي
قاطع اليد وقاطع الرجل (القصاص في النفس) للمكافأة، لأن جنايتهما على حر. (وإن عفا)
ولي العتيق (عن القصاص فعليهم الدية أثلاثا) لموته بسراية جراحاتهم، (ويستحق السيد أقل الأمرين
من نصف القيمة) لقلع عينه، (أو ثلث الدية) والباقي للورثة، (وإن كان الجانيان) أو
الأجنياء (في حال الرق والثالث في حال الحرية فمات) العتيق (فعليهم الدية) أثلاثا، (وللسيد
أقل الأمرين من أرش الجنايتين أو ثلثي الدية) والباقي للورثة كما تقدم. (وإن قطع يده ثم
620

عتق فقطع آخر رجله ثم عاد الأول فقتله بعد الاندمال فعليه القصاص للورثة)، لأنه قتل بعد
الحرية، (و) عليه (نصف القيمة للسيد) لقطع يده، (وعلى الآخر القصاص في الرجل أو نصف
الدية) للورثة، (وإن كان) قتله (قبل الاندمال فعلى الجاني الأول القصاص في النفس)
لمكافأته له حين قتله، (دون اليد) لأنه قطعها في رقه، (فإن اختار الورثة القصاص في النفس
سقط حق السيد) لأنه لا يجوز أن يستحق عليه النفس وأرش الطرف قبل الاندمال، فإن
الطرف داخل في النفس في الأرش. (وإن اختاروا العفو فعليه الدية دون أرش الطرف)
لاندراجه في دية النفس. (وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو أرش الطرف والباقي
للورثة) كما تقدم. (وعلى الثاني القصاص في الرجل) لأنه مكافئ له حال الجناية. (و)
عليه (مع العفو نصف الدية) لقطع الرجل، (وإن كان) القاطع (الثاني هو الذي قتله قبل
الاندمال فعليه القصاص في النفس) لمكافأته له حين القتل، (ومع العفو نصف دية واحدة)
يعني إن كان بعد استيفاء القصاص في الرجل، أما قبله فدية كاملة كما يعلم من السوابق
واللواحق. (وعلى الأول نصف القيمة للسيد ولا قصاص) على الأول، لأنه لم يكافئه حين
الجناية. (وإن كان القاتل ثالثا فقد استقر القطعان)، لأن قتل الثالث له قطع سرايتهما، (وعلى
الأول نصف القيمة للسيد)، لأنه جنى عليه حين كان رقيقا. (وعلى الثاني القصاص في الرجل
أو نصف الدية لورثته، وعلى الثالث القصاص في النفس أو الدية مع العفو)، لأنه كان حرا
حين جنايتهما، (وإذا قطع يد عبده، ثم أعتقه ثم اندمل فلا شئ عليه) لأنه حين الجناية كان
ملكه، (وإن مات) العبد (بعد العتق بسراية الجرح - فلا قصاص فيه) اعتبارا بحال الجناية. (ويضمنه
بما زاد على أرش القطع من الدية لورثته)، لأنه مات حرا، (فإن لم يكن له وارث سواه وجب)
621

ذلك (لبيت المال)، لأن السيد قاتل فلا يرث. (ولو قتل من يعرفه) أو يظنه (ذميا عبدا، فبان
أنه قد أسلم وعتق، فعليه) أي القاتل (القصاص) لأنه قتل من يكافئه عمدا محصنا بغير حق
أشبه ما لو علم حاله، (ومثله من قتل من يظنه قاتل أبيه) فلم يكن (أو قتل من يعرفه) مرتدا
(أو) من (يظنه مرتدا فلم يكن)، كذلك فيجب القصاص لما سبق. الشرط (الرابع: أن لا
يكون المقتول من ذرية القاتل فلا يقتل والد أبا كان أو أما، وإن علا بولده، وإن سفل، من ولد
البنين أو البنات)، لحديث ابن عباس مرفوعا: لا يقتل والد بولده، رواه ابن ماجة
والترمذي من رواية إسماعيل بن مسلم المكي، ورواه أحمد والترمذي وابن ماجة من رواية
حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده،
قال ابن عبد البر: هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق، يستغنى
بشهرته وقبوله والعمل به عن الاسناد، حتى يكون الاسناد في مثله مع شهرته تكلفا. وقال
(ص): أنت ومالك لأبيك. فمقتضى هذه الإضافة تمكينه إياه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية
ثبتت للإضافة بشبهة في إسقاط القصاص، ولأنه كان سببا في إيجاده، فلا يكون سببا في
إعدامه. (وتؤخذ من حر الدية) أي دية المقتول، كما تجب على الأجنبي لعموم أدلتها. (ولا
تأثير لاختلاف الدين، و) لاختلاف (الحرية) فلو كان أحدهما مسلما والآخر كافرا أو
أحدهما رقيقا، والآخر حرا فلا قصاص (كاتفاقهما. فلو قتل الكافر ولده المسلم، أو) قتل
(العبد ولده الحر لم يجب القصاص لشرف الأبوة، إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنا فيقتل
الوالد به)، لأنه ليس بولده حقيقة. (ولو تداعى نفسان نسب صغير مجهول النسب ثم قتلاه
قبل إلحاقه بواحد منهما، فلا قصاص عليهما)، لأنه يجوز أن يكون ابن كل واحد منهما أو
ابنهما، (وإن ألحقته القافة بواحد منهما ثم قتلاه، لم يقتل أبوه) لما سبق، (وقتل الآخر) لأنه
ليس بأب. (وإن رجعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما عن إقرارهما، كما لو ادعاه واحد فألحق
به ثم جحده) فإنه لا يقبل جحوده، لأن النسب حق للولد فرجوعه عنه رجوع إقرار بحق
622

لآدمي. (وإن رجع أحدهما) عن دعواه (صح رجوعه وثبت نسبه من الآخر)، لزوال المعارض
ورجوعه لا يسقط نسبه، (ويسقط القصاص عن الذي لم يرجع) لأنه أب (ويجب)
القصاص (على الراجع)، لأنه أجنبي. (وإن عفا عنه) من وراث المقتول (فعليه نصف الدية)
كما تقدم في شريك الأب. (ولو اشترك رجلان في وطئ امرأة في طهر واحد وأتت بولد
يمكن أن يكون منهما)، بأن كانت لستة أشهر فأكثر من وطئهما، (فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما
لم يجب القصاص) على واحد منهما لعدم تحقق الشرط. (وإن نفيا نسبه لم ينتف)، لان
النسب حق للولد. (إلا باللعان) بشروطه ومنها أن يكون بين زوجين، وأن يتقدمه قذف، وإن
نفاه أحدهما لم ينتف لقوله، لأنه لحقه بالفراش فلا ينتفى إلا باللعان بخلاف التي قبلها،
لأن أحدهما إذا رجع هناك لحق الآخر، وأيضا ثبوته هناك بالاعتراف فيسقط بالجحد، وههنا
بالاشتراك فلا ينتفى بالجحد. (ويقتل الولد) المكلف ذكرا كان أو أنثى (بكل واحد من
الأبوين المتكافئين، وإن علوا) للآية، والاخبار وموافقة القياس وقياسه على الأب ممتنع لتأكد
حرمته، ولأنه إذا قتل بالأجنبي فبأبيه أولى، ولأنه يحد بقذفه فيقتل به كالأجنبي، (ومتى
ورث ولده) أي القاتل (القصاص أو) ورث (شيئا منه) أي القصاص، وإن قل سقط
القصاص، لأنه لو لم يسقط لوجب للولد على الوالد وهو ممنوع، ولأنه إذا لم يجب
بالجناية عليه فلئلا يجب بالجناية على غيره أولى. (أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط
القصاص)، لأنه لو لم يسقط لوجب له على نفسه القصاص وهو ممنوع. (فلو قتل أحد
الزوجين الآخر ولهما ولد) فلا قود، لأنه لو وجب لوجب لولده، وإذا لم يجب للولد
بالجناية فعلى غيره أولى، وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى، أو كان للمقتول من يشاركه في
الميراث، لأنه لو وجب لثبت له حرمته ولا يمكن وجوبه، وإذا سقط بعضه سقط كله، لأنه
لا يتبعض كما لو عفا أحد الشريكين. (أو قتل رجل أخا زوجته فورثته ثم ماتت فورثها)
زوجها القاتل، (أو) ورثها (ولده) لم يجب القصاص، سواء كان لها ولد من غيره أو لا، لأنه
ورث هو أو ولده شيئا من دمه وهو لا يتبعض. (أو قتلت) المرأة (أخا زوجها فصار القصاص
أو جزء منه لابنها) بموت زوجها الوارث لأخيه. (أو قتل رجل أخاه فورثه ابن القاتل أو) ورثه
623

(أحد يرث ابنه منه شيئا لم يجب القصاص) لإرث ولده جزءا من دمه، (وإذا قتل أحد أبوي
المكاتب المكاتب) لم يجب القصاص لعموم ما سبق، (أو) قتل أحدهما (عبدا له) أي للمكاتب (لم
يجب القصاص) لأنه لو وجب لكان للمكاتب ولا يثبت له قصاص على أبويه، كما لو قتلاه،
وأولى (وإن اشترى المكاتب أحد أبويه) أو غيره من ذوي رحمه المحرم، (ثم قتله لم يجب
القصاص) لأنه فضله بالملك. وهذا بخلاف ما قدمه فيما سبق وتقدم التنبيه عليه، (ولو قتل)
مكلف (أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما) أي الأخوين (صاحبه سقط القصاص عن
الأول لأنه ورث بعض دم نفسه)، لأن أخويه يستحقان دم أبيهما أو أخيهما، فإذا قتل
أحدهما صاحبه ورث القاتل الأول ما كان يستحقه المقتول، لأنه أخوه، فعلى هذا يستحق
نصف دمه، لأن دم الأب أو الأخ بين أخوين نصفين ضرورة أن القاتل لا يرث المقتول، وإن
قتل الثاني الأول ثم الثالث الرابع قتل الثالث دون الثاني، لإرثه نصف دمه عن الرابع، وعليه
نصف دية الأول للثالث. (وإن قتل أحد الاثنين أباه و) قتل (الآخر أمه وهي زوجة الأب
سقط القصاص عن الأول)، وهو قاتل الأب (لذلك)، أي لإرثه بعض دم نفسه وذلك ثمن دم
الأب. (والقصاص على القاتل الثاني) فلأخيه قتله ويرثه، وإنما سقط القصاص عن قاتل
الأب. (لأن القتيل الثاني) وهو الام (ورث جزءا من دم الأول) وهو الثمن، (فلما قتل ورثه)
قاتل الأب ضرورة أن القاتل لا يرث (فصار له جزء من دم نفسه) وهو الثمن، (فسقط
القصاص عن الأول وهو قاتل الأب، لإرثه ثمن أمه وعليه سبعة أثمان ديته لأخيه) قاتل أمه
لإرثه ذلك من أبيه، (وله) أي قاتل الأب (أن يقتص من أخيه) قاتل أمه (ويرثه) لأن القتل
بحق لا يمنع الميراث. (ولو كانت الزوجة بائنا) أو قتلاهما معا مطلقا، (فعلى كل واحد منهما
القصاص لأخيه). لأن أحدهما لا يرث من دم نفسه شيئا لعدم الزوجية أو لموتهما معا. (فإن
بادر أحدهما) فقتل (أحدهما أخاه سقط عنه القصاص، لأنه يرث أخاه إن لم يكن للمقتول ابن
أو ابن ابن فإن كان) له ابن أو ابن ابن فالأخ محجوب به، (فله) أي الابن أو ابن الابن (قتل
624

عمه ويرثه إن لم يكن له وارث سواه)، لما مر أن القتل بحق لا يمنع الميراث. (فإن تشاحا في
المبتدئ منهما بالقتل احتمل أن يبدأ بقتل القاتل الأول)، واختاره ابن حمدان (أو يقرع بينهما
) قدمه في المبدع، قال في الشرح: وهو قول القاضي، (وأيهما قتل صاحبه أو بمبادرة أو
قرعة ورثه إن لم يكن له وارث سواه) لأن قتله بحق. (وسقط عنه القصاص) لإرثه دم نفسه
(وإن كان) الأخ القاتل لأخيه (محجوبا عن ميراثه كله) بابن أو ابن ابن (فلوارث القتل) وهو
وارث المال، (قتل الآخر) لإرثه دمه وعدم المانع، وله العفو إلى الدية أو مجانا. (وإن عفا
أحدهما) أي الأخوين (عن الآخر ثم قتل المعفو عنه العافي ورثه أيضا) إن لم يكن حاجب
لأنه قتل بحق. (وسقط عنه ما وجب عليه من الدية) إذ لا يجب للانسان على نفسه شئ
(وإن تعافيا جميعا) بأن عفا كل منهما عن الآخر، (على الدية تقاصا بما استويا فيه) فيسقط
من دية الأب بقدر دية الام. (ووجب لقاتل الام الفضل عن قاتل الأب لأن عقلها) أي ديتها
(نصف عقل الأب، وإن كان لكل واحد منهما ابن) أو ابن ابن (يحجب عمه من ميراث أبيه)
بأن لم يقم به مانع (فإذا قتل أحدهما صاحبه ورثه ابنه) أو ابن ابنه (وللابن) أو ابن الابن
(أن يقتل عمه) لإرثه دمه، (ويرثه) أي المقتول منهما (ابنه) أو ابن ابنه (ويرث كل واحد من
الابنين مال أبيه، ومال جده الذي قتله عمه دون) القتيل (الذي قتله أبوه)، ضرورة أن القاتل لا
يرث المقتول (وإن كان لكل واحد منهما بنت فقتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عنه،
لأنه يرث نصف ميراث أخيه ونصف قصاص نفسه، فورث مال أبيه الذي قتله أخوه) أو مال
625

أمها الذي قتلها أخوه (و) ورث (نصف مال أبيه الذي قتله هو وورثت البنت التي قتل أبوها
نصف) مال (أبيها ونصف مال جدها الذي قتله عمها، ولها على عمها نصف دية قتيله، وإذا كان
أربع إخوة قتل الأول الثاني و) قتل (الثالث والرابع، فالقصاص على الثالث) دون الأول، لإرثه
نصف دمه عن الرابع. (ووجب له) أي الثالث (نصف الدية على الأول)، لقتله أخاه ضرورة أن
القاتل لا يرث. (وللأول قتله) أي الثالث بأخيه الرابع، (فإن قتله ورثه) لأنه قاتل بحق
(وورث ما يرثه من أخيه الثاني)، لأنه من جملة تركته. (فإن عفا) الأول (عنه) أي الثالث (إلى
الدية وجبت عليه) أي الثالث (بكمالها يقاصه) الثالث (بنصفها) الذي ورثه من الثاني
ويعطيها نصفها. (وإن كان لهما) أي للأول والثالث (ورثة) تحجب الآخر أو لا. (فتفصيلهما
كالتي قبلها) فيما إذا قتل أحدهما أباه والآخر أمه. الشرط (الخامس): ب‍ (أن تكون الجناية عمدا)
محضا بخلاف شبه العمد والخطأ، فلا قصاص فيهما إجماعا حكاه في الشرح. (وإن قتل
من لا يعرف) بإسلام أو حرية، (وادعى كفره أو رقه) وجب القصاص، لأنه محكوم بإسلامه
بالدار، ولهذا يحكم بإسلام اللقيط، ولان الأصل الحرية والرق طارئ (أو ضرب ملفوفا
فقده أو ألقي عليه) أي الملفوف (حائطا وادعى أنه كان ميتا وأنكر وليه) وجب القصاص
لأن الأصل الحياة. (أو قطع طرف البنان وادعى شلله أو قلع عينا وادعى عماها)، وأنكر
المجني عليه وجب القصاص، لأن الأصل السلامة. (أو قطع ساعدا وادعى أنه لم يكن عليه
كف، أو) قطع (ساقا وادعى أنها) أي الساق (لم يكن لها قدم) وجب القصاص، لأن الأصل
بقاء الكف والقدم. (أو قتل) مكلف (رجلا في داره وادعى أنه دخل لقتله أو أخذ ماله أو
يكابره على أهله فقتله دفعا عن نفسه)، أو ماله أو أهله، (وأنكر وليه) وجب القصاص لان
الأصل عدم ما يدعيه سواء وجد في دار القاتل أو غيرها، معه سلاح أو لا لما روي عن
علي أنه: سئل عمن وجد مع امرأته رجلا آخر فقتله، فقال: إن لم يأت بأربعة فليعط برمته
رواه سعيد ورجاله ثقات، ولان الأصل عدم ما يدعيه، قال في الفروع: ويتوجه عدمه في
626

معروف بالفساد. (أو تجارح اثنان وادعى كل منهما أنه جرحه دفعا عن نفسه) وأنكر الآخر
، (وجب القصاص والقول قول المنكر مع يمينه إذا لم تكن بينة) لعموم قوله (ص): البينة على
المدعي واليمين على من أنكر. (ومتى صدق المنكر) في شئ مما تقدم من الصور، (فلا
قود ولا دية) لقول عمر رواه سعيد وهو منقطع، وروي عن الزبير نحوه، ولان الخصم
اعترف بما يبيح قتله فسقط حقه، كما لو أقر بقتله قصاصا. (وإن ادعى القاتل أن المقتول زنى
وهو محصن لم تقبل دعواه من غير بينة)، لأن الأصل عدم ذلك. (وإن أقام شاهدين بإحصانه
قبل) بخلاف الزنا فلا بد فيه من أربعة كما يأتي. (وإن اختصم قوم بدار فجرح) بعضهم بعضا
(وقتل بعضهم بعضا وجهل الحال) بأن لم يعلم القاتل ولا الجارح، (فعلى عاقلة المجروحين
دية القتلى، يسقط منها أرش الجراح)، قضى به علي رواه أحمد. (فإن كان فيهم) أي
المختصمين (من ليس به جرح شارك المجروحين في دية القتل) هذا أحد وجهين أطلقهما
ابن حمدان. قال في تصحيح الفروع: اختاره في التصحيح الكبير، والوجه الثاني لا دية
عليهم وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب. (ويأتي في القسامة: إذا قال إنسان ما قتل هذا
المدعى عليه بل أنا قتلته، وله قتل من وجده يفجر بأهله، وظاهر كلام أحمد لا فرق بين
كونه) أي الفاجر (محصنا أو غيره) روي عن عمر وعلي. (وصرح به الشيخ) لأنه ليس بحد
وإنما هو عقوبة على فعله وإلا اعتبرت شروط الحد، وقال الشافعي: له قتله فيما بينه وبين
الله تعالى إذا كان الزاني محصنا، وللمالكية قولان في اعتبار إحصانه. (والحر المسلم يقاد به
قاتله) عدوانا، (وإن كان مجدع الأطراف) أي مقطوعها (معدوم الحواس) من سمع وبصر
وشم وذوق ولمس، (والقاتل صحيح سوى الخلق وبالعكس)، بأن كان القاتل مجدع الأطراف
627

معدوم الحواس والمقتول صحيح سوى الخلق. (وكذلك إن تفاوتا في العلم والشرف والغنى
والفقر والصحة والمرض والقوة والضعف والكبر والصغر ونحو ذلك) كالحذق والبلادة
إجماعا حكاه في الشرح لعموم الآيات، لقوله (ص): المؤمنون تتكافأ دماؤهم (ويجري
في القصاص بين الولاة) جمع وال ويتناول الامام والقاضي والأمير. (والعمال) على
الصدقات أو الخراج أو غيرهما، (وبين رعيتهم) قال في الشرح: لا نعلم في هذا خلافا
لعموم الآيات والاخبار. (ولا يشترط في وجوب القصاص كون القتل في دار الاسلام) فيقتل
مكافئه بشروطه، وإن كان بدار حرب سواء كان هاجر أو لم يهاجر لعموم الأدلة. (وقتل
الغيلة) بكسر الغين المعجمة وهي القتل على غرة (وغيره) أي غير قتل الغيلة (سواء في
القصاص والعفو) لعموم الأدلة، (وذلك) أي القصاص والعفو في قتل الغيلة وغيره، (للولي)
الوارث للمقتول لقيامه مقامه، (دون السلطان) فليس له قصاص ولا عفو مع وجود وارث
لعموم قوله تعالى: * (فقد جعلنا لوليه سلطانا) * وقوله (ص): فأهله بين
خيرتين فإن لم يكن فهو ولي المقتول له القصاص. والعفو على الدية لا مجانا.
باب استيفاء القصاص
(وهو) أي استيفاء القصاص (فعل مجني عليه) إن كانت الجناية على ما دون النفس
(أو) فعل (وليه) أي وارثه إن كانت على النفس (بجان عامد مثل ما فعل) الجاني (أو شبهه)
أي شبه فعل الجاني. (وله) أي استيفاء القصاص (ثلاثة شروط: أحدها أن يكون مستحقه
مكلفا) لأن غير المكلف ليس أهلا للاستيفاء بعد تكليفه، بدليل أنه لا يصح إقراره ولا تصرفه
(فإن كان) مستحق القصاص (صغيرا أو مجنونا لم يجز) لآخر (استيفاؤه) لما تقدم.
(ويحبس القاتل حتى يبلغ الصغير و) حتى (يعقل المجنون)، لأن فيه حظا للقاتل بتأخير قتله
628

وحظا للمستحق بإيصاله إلى حقه، ولأنه يستحق إتلاف نفسه ومنفعته فإذا تعذر استيفاء
النفس لعارض بقي إتلاف المنفعة سالما عن المعارض، وقد حبس معاوية هدبة بن خشرم
في قود حتى بلغ ابن القتيل فلم ينكر ذلك وكان في عصر الصحابة. (وليس لأبيهما) أي
الصغير والمجنون (استيفاؤه) لهما (كوصي وحاكم) لأن القصد التشفي وترك الغيظ، ولا
يحصل ذلك باستيفاء الأب أو غيره بخلاف الدية، فإن الغرض يحصل باستيفائه، ولان الدية
يملك استيفاءها إذا تعينت والقصاص لا يتعين. (فإن كانا محتاجين إلى نفقة فلولي مجنون
العفو إلى الدية دون ولي الصغير نصا)، لأن المجنون ليس في حالة معتادة ينتظر فيها إفاقته
ورجوع عقله بخلاف الصبي، وتقدم في اللقيط ما في ذلك. (وإن ماتا) أي الصغير والمجنون
(قبل البلوغ والعقل قام وارثهما مقامهما فيه)، أي في استيفاء القصاص، لأنه حق لهما فانتقل
بموتهما إلى وارثهما كسائر حقوقهما. (وإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما) أي الصغير
والمجنون (قهرا) سقط حقهما، لأنه أتلف عين حقه فسقط الحق أشبه ما لو كان لهما وديعة
عند شخص فأتلفاها. (أو اقتصا ممن لا تحمل العاقلة ديته كالعبد سقط حقهما) وجها
واحدا، لأنه لا يمكن إيجاب ديته على العاقلة فلم يكن إلا سقوطه. الشرط (الثاني: اتفاق
المستحقين له) أي القصاص (على استيفائه)، لأن الاستيفاء حق مشترك لا يمكن تبعيضه، فلم
يجز لاحد التصرف فيه بغير إذن شريكه. (وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض) لأنه يكون
مستوفيا لحق غيره بغير إذن، ولا ولاية له عليه أشبه الدين. (فإن فعل) بأن استوفى أحدهم
القصاص بدون إذن الباقي، (فلا قصاص عليه) لأنه قتل نفسا يستحق بعضها فلم يجب قتله
بها، لأن النفس لا تؤخذ ببعض نفس، ولأنه مشارك في استحقاق القتل فلم يجب عليه قود
كالشريك في الجارية إذا وطئها. ويفارق ما إذا قتل الجماعة واحدا، فإنا لم نوجب القصاص
بقتل بعض النفس. (ولشركائه في تركة الجاني حقهم من الدية) لأن حقهم من القصاص
سقط بغير اختيارهم، فأشبه ما لو مات القاتل. (وترجع ورثة الجاني على المقتص بما فوق
حقه) من الدية (فلو كان الجاني أقل دية من قاتله مثل: امرأة قتلت رجلا له ابنان قتلها
أحدهما بغير إذن) الابن (الآخر، فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة) التي قتلته كما لو
629

ماتت. (وترجع ورثتها بنصف ديتها على قاتلها) لأنه لا يستحق سوى نصف دمها وقد
استوفاه. (وهو) أي نصف دية المرأة (ربع دية الرجل) لأن دية المرأة نصف دية الرجل كما
يأتي. (وإن عفا بعضهم) أي الورثة عن القصاص، (وكان ممن يصح عفوه) بأن كان مكلفا
(ولو) كان العفو (إلى الدية سقط القصاص) روي عن عمر وعلي لأن القصاص حق مشترك
بين الورثة لا يتبعض مبناه على الدرء والاسقاط، فإذا أسقط بعضهم حقه سرى إلى الباقي
كالعتق. (وإن كان العافي) على القصاص (زوجا أو زوجة) لقول زيد بن وهب: أن عمر
أتي برجل قتل قتيلا فجاء ورثة المقتول ليقتلوه فقالت امرأة المقتول وهي أخت القاتل
عفوت عن حقي. فقال عمر: الله أكبر عتق القتيل رواه أبو داود لأن من ورث المال ورث
القود كما يأتي. (وكذا لو شهد أحدهم) أي الورثة (ولو مع فسقه بعفو بعضهم)، فإنه يسقط
حق الجميع من القصاص لكون شهادته إقرارا بأن نصيبه من القصاص سقط وهو لا يتبعض
(وللباقي) الذين لم يعفوا (حقهم من الدية على الجاني) سواء عفا مطلقا أو إلى الدية، لان
حقه من القصاص سقط بغير رضاه، فثبت له البدل كما لو ورث بعض دمه أو مات (فإن قتله
الباقون عالمين بالعفو و) عالمين ب‍ (- سقوط القصاص فعليهم القود حكم بالعفو حاكم أو
لا)، لأنه لو قتل عمد عدوان أشبه ما قتلوه ابتداء. (وإن لم يكونوا عالمين بالعفو) وبسقوط
القصاص، (فلا قود) عليهم (ولو كان قد حكم بالعفو)، لأن عدم العلم بذلك شبهته درأت
القود كالوكيل إذا قتله بعد العفو وقبل العلم به. (وعليهم) أي القاتلين (ديته) لأن القتل قد
تعذر والدية بدله. (وسواء كان الجميع حاضرين أو) كان بعضهم حاضرا و (بعضهم غائبا)
لاستوائهم معنى. (فإن كان القاتل هو العافي فعليه القصاص) ولو ادعى نسيانه أو جوازه،
(وإن كان بعضهم) أي الورثة (غائبا انتظر قدومه وجوبا)، لأنه حق مشترك أشبه ما لو كان
المقتول عبدا مشتركا. (ويحبس القاتل حتى يقدم) الغائب كما تقدم في الصغير والمجنون.
(وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي
630

الأرحام) لأنه حق فيستحقه الوارث من جهة مورثه أشبه المال، والأحسن رفع الزوجين
وذوي الأرحام عطفا على كل، وعلى عبارة المصنف تبعا للمقنع تكون حتى حرف جر
لانتهاء الغاية، أي كل من ورث المال ورث القصاص ينتهي ذلك إلى الزوجين وذوي
الأرحام. (ومن لا وارث له فوليه الامام) لأنه ولي من لا ولي له، (إن شاء اقتص) لأن بنا
حاجة إلى عصمة الدماء، فلو لم يقتل من لا وارث له لقتل. (وإن شاء عفا إلى دية كاملة)
فأكثر لأنه يفعل ما يرى فيه المصلحة للمسلمين في القصاص والعفو. (وليس له العفو
مجانا) ولا على أقل من دية لأنها للمسلمين ولاحظ لهم في ذلك. (وإذا اشترك جماعة في
قتل واحد فعفا عنهم) ورثته (إلى الدية، فعليهم دية واحدة وإن عفا عن بعضهم فعلى المعفو
عنه قسطه منها) أي من الدية بدل المحل، وهو واحد فتكون ديته واحدة سواء أتلفه واحد أو
جماعة. وأما القصاص فهو عقوبة على الفعل فيتقدر بقدره. الشرط (الثالث: أن يؤمن في
الاستيفاء التعدي إلى غير الجاني) لقوله تعالى: * (فلا يسرف في القتل) * (الإسراء: 33).
وإذا أفضى إلى التعدي ففيه إسراف، (فلو وجب القود أو الرجم على حامل أو) على حائل
أو (حملت بعد وجوبه لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ)، قال في المبدع: بغير خلاف
لما روى ابن ماجة بإسناده عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثنا معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن
الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس، قالوا: إن رسول الله (ص) قال: إذا قتلت المرأة
عمدا فلا تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها وإن زنت لم
ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها. ولأنه يخاف على ولدها وقتله حرام
والولد يتضرر بترك اللبأ ضررا كثيرا، وقال
في الكافي: لا يعيش إلا به. (ثم إن وجد من يرضعه مرضعة راتبة قتلت) لأن تأخير
قتلها إنما كان للخوف على ولدها وقد زال ذلك. (وإن وجد مرضعات غير رواتب أو) وجد
(لبن شاة ونحوها ليسقي منه راتبا جاز قتلها) لأنه لا يخاف على الولد إذن التلف (ويستحب
631

لولي القتل تأخيره) حينئذ (إلى الفطام)، دفعا لضرر الولد بذلك. (وإن لم يكن له) أي الولد
(من يرضعه تركت حتى ترضعه حولين ثم تفطمه) للخبر والمعنى. لأن القتل إذا أخر من أجل
حفظ الحمل، فلان يؤخر من أجل حفظ الولد أولى. (ولا تجلد) الحامل (في الحد) حتى
تضع، (ولا يقتص منها في الطرف حتى تضع)، لأنه لا يؤمن التعدي إلى تلف الولد. أشبه
الاقتصاص في النفس بل يقاد منها بمجرد الوضع، صرح به في الفروع وغيره وجزم به في
المنتهى. (قال الموفق وغيره) حتى تضع (وتسقيه للبأ) قال في المبدع وهو ظاهر
(فإن وضعت الولد وانقطع النفاس، وكانت قوية يوم تلفها ولا يخاف على الولد الضرر من
تأثر اللبن أقيم عليها الحد من قطع الطرف والجلد) لعدم المانع. (وإن كانت في نفاسها أو
ضعيفة يخاف تلفها لم يقم عليها حتى تطهر وتقوى) دفعا للضرر. وقال في الانصاف:
الصحيح من المذهب أنه لا يقتص منها بالوضع. قال في التنقيح: بل بمجرد الوضع قبل
سقي اللبأ (ويأتي في كتاب الحدود) بأوضح من هذا. (وإن ادعت من وجد عليها القصاص
الحمل قبل منها إن أمكن)، لأن للحمل أمارات خفية تعلمها من نفسها دون غيرها لوجب أن
يحتاط له كالحيض. (وتحبس حتى يتبين أمر ها) احتياطا لمن وجب له القصاص، (ولا تحبس
لحد) يعني لو ادعت من وجب عليها الحد إنها حامل قبل منها، إن أمكن ولم تحبس. (وإن
اقتص من حامل فإن كانت لم تضعه) ولم تتيقنه حملا. (لكن ماتت على ما بها من انتفاخ
البطن وأمارة الحمل فلا ضمان في حق الجنين، لأنه لا يتحقق أن الانتفاخ حمل) فلا توجب
بالشك. (وإن ألقته) أي الجنين (حيا فعاش فلا كلام) أي لا ضمان على المقتص لكن يؤدب
632

(وإن ألقته حيا وبقي) الولد (خاضعا ذليلا زمانا يسيرا ثم مات ففيه دية كاملة، إذا كان وضعه
لوقت يعيش مثله) وهو ستة أشهر فأكثر (وإن ألقته ميتا أو حيا في وقت لا يعيش) فيه (مثله)
وهو ما دون ستة أشهر، (ففيه غرة) عبد أو أمة كما يأتي في الجنين. (والضمان في ذلك على
المقتص من أمه) لأنه المباشر والحاكم الذي مكنه متسبب، وإن علم الحاكم دون الولي
فالضمان على الحاكم وحده، كالسيد إذا أمر عبده الأعجمي، الذي لا يعرف تحريم القتل
ذكره في الشرح والمبدع ويكون وجوب ما تقدم من الدية أو الغرة. (مع الكفارة) على
المقتص لأنه قاتل نفس.
فصل
ولا يستوفي القصاص ولو في النفس إلا بحضرة السلطان أو نائبه وجوبا
لأنه يفتقر إلى اجتهاده ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي. (فلو خالف) الولي
(وفعل) أي اقتص بغير حضرة السلطان أو نائبه، (وقع الموقع) لأنه استوفى حقه. (وله) أي
الامام أو نائبه (تعزيره) لافتياته على السلطان. وفي عيون المسائل: لا يعزره لأنه حق له
كالمال. (ويستحب إحضار شاهدين) عند الاستيفاء لئلا ينكره المقتص. (ويجب أن تكون
الآلة) التي يستوفي بها القصاص (ماضية) لحديث: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة (وعلى الامام
تفقدها) أي آلة الاستيفاء لأن منها ما لا يجوز الاستيفاء به. (فإن كانت) لآلة (كآلة أو مسمومة
منعه من الاستيفاء بها) لخبر: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة رواه مسلم من حديث شداد ولئلا
يعذب المقتول، ولان المسمومة تفسد البدن وربما منعت غسله. (فإن عجل) الولي (واستوفى
بها) أي بالآلة الكالة أو المسمومة (عزر) لفعله ما لا يجوز. (و) ينظر الامام أو نائبه في الولي
633

(إن كان الولي يحسن الاستيفاء ويقدر عليه بالقوة والمعرفة مكنه منه الامام وخيره بين
المباشرة والتوكيل). لقوله تعالى: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * (الاسراء:
33). ولأنه عليه الصلاة والسلام: أتاه رجل يقود آخر فقال: إن هذا قتل أخي فاعترف بقتله
فقال النبي (ص): اذهب فاقتله رواه مسلم. (إلا) أي وإن لم يحسن الولي لاستيفاء أو لم
يقدر عليه، (أمره بالتوكيل) لأنه عاجز عن استيفائه فيوكل فيه من يحسنه لأنه قائم مقامه
(فإن ادعى) الولي (المعرفة فأمكنه) الامام أو نائبه (فضرب عنقه فأبانه فقد استوفي) القصاص
(وإن أصاب غير العنق وأقر بتعمد ذلك عزر) لفعله ما لا يجوز. (فإن قال) الولي (أخطأت، أو
كانت الضربة قريبا من العنق كالرأس والمنكب قبل قوله مع يمينه). لأنه ممكن. (وإن كان)
الضرب (بعيدا) عن العنق. (كالوسط والرجلين لم يقبل)، قول الولي أنه أخطأ لأنه خلاف
الظاهر. (ثم إن أراد) الولي العود للاستيفاء، (لم يمكن لأنه ظهر منه أنه لا يحسن
الاستيفاء) فيوكل من يحسنه. (وإن احتاج الوكيل إلى أجرة فمن مال الجاني كالحد) لأنها
أجرة لايفاء ما عليه من الحق، فكانت لازمة له كأجرة الكيال، وذهب بعض أصحابنا أنه يرزق
من بيت المال رجل يستوفي الحدود والقصاص، لأن هذا من المصالح العامة، فإن لم
يحصل فعلى الجاني لأن الحق عليه، ورد بأن الذي على الجاني التمكين لا الفعل. (و) لهذا
(إن باشر الولي الاستيفاء فلا أجرة له) على الجاني، لأنه استوفى حقه. (ويجوز اقتصاص جان
من نفسه برضا الولي)، ويكون نائبا عنه كالأجنبي. (ولو أقام) المحدود (حد زنا) على نفسه
(أو) حد (قذف) على نفسه، (أو قطع سرقة على نفسه بإذن سقط قطع السرقة فقط) لحصول
المقصود وهو قطع العضو الواجب قطعه، بخلاف حد الزنا والقذف لعدم حصول الردع
والزجر بجلده نفسه، وله ختن نفسه إن قوى عليه. وأحسنه نصا، لأنه يسير. (وإن كان) الحق
في (الاستيفاء لجماعة) بأن كان الوارث اثنين فأكثر. (لم يجز أن يتولاه جميعهم) لما فيه
من تعذيب الجاني وتعدد أفعالهم، (وأمروا بتوكيل واحد منهم أو من غيرهم) ليستوفي
634

القصاص لهم. (فإن تشاحوا وكان كل واحد منهم يحسن الاستيفاء قدم أحدهم بقرعة) لأنه
لا مزية لأحدهم كما لو تشاحوا في تزويج موليتهم. (لكن لا يجوز) لمن خرجت له القرعة
(الاستيفاء حتى يوكله الباقون) لأن الحق لهم. (فإن لم يتفقوا على التوكيل منع الاستيفاء
حتى يوكلوا)، وقال ابن أبي موسى: إذا تشاحوا أمر الامام من شاء باستيفائه.
فصل
ولا يجوز استيفاء القصاص في النفس إلا بالسيف في العنق سواء كان القتل به
أي السيف (أو بمحرم لعينه) أي ذاته (كسحر وتجريع خمر ولواط أو قتله بحجر أو
تغريق أو تحريق أو هدم) حائط عليه، (أو حبس أو خنق أو قطع يده من مفصل أو غيره، أو
أوضحه أو قطع يديه ورجليه، ثم عاد فضرب عنقه قبل البرء أو أجافه)، بأن جرحه جرحا
وصل إلى جوفه فمات، (أو أمه) أي جنى عليه آمة وهي ما تصل إلى جلدة الدماغ فمات، (أو
قطع يدا ناقصة الأصابع أو شلاء أو زائدة)، فمات (أو) جنى (جناية غير ذلك) عليه (فمات)
لعموم حديث النعمان بن بشير أن النبي (ص) قال: لا قود إلا بالسيف رواه ابن ماجة
والدارقطني من غير طريق.
وقال أحمد: ليس إسناده بجيد. (ويدخل قود العضو في قود النفس) لأن القصاص حد
بدل النفس فدخل الطرف في حكم الجملة كاليد. (ولا يفعل به) أي بالمقتص منه (كما فعل
إذا كان القتل بغير السيف) للنهي عن المثلة، ولان فيه زيادة تعذيب. (فإن فعل) الولي به كما
فعل، (فقد أساء) بالمخالفة (ولم يضمن) شيئا كما لو استوفي بآلة كآلة. (فإن ضربه) الولي
(بالسيف فلم يمت كرر عليه) الضرب (حتى يموت) ليحصل الاستيفاء، (ولا يجوز) استيفاء
635

القصاص في النفس (بسكين)، لأن السيف أوحى. (ولا) يجوز استيفاء القصاص (في طرف إلا
بها) أي بسكين لئلا تحيف. وذكر في الانتصار وغيره أن الرجم بحجر لا يجوز بسيف.
(ويأتي فيما يوجب القصاص فيما دون النفس) أي أنه لا يستوفى إلا بسكين، وبيان كيفية
استيفائه. (ولا تجوز الزيادة أيضا على ما أتى به) الجاني (ولا قطع شئ من أطرافه) لقوله
تعالى: * (فلا يسرف في القتل) * (فإن فعل) أي قطع الولي شيئا من أطرافه
(فلا قصاص عليه)، لأن القصاص عقوبة تدرأ بالشبهة، وهي هنا متحققة لأنه مستحق لاتلاف
الطرف ضمنا لاستحقاق إتلاف الجملة. (ويجب فيه) أي الزائد (ديته) أي دية ذلك الزائد لأنه
حصل بالتعدي، (سواء عفا عنه) الولي (أو قتله) لأن استحقاق إتلاف الطرف موجود في
حالتي العفو والقتل. (وإن زاد) المقتص (في الاستيفاء من الطرف مثل: أن يستحق قطع إصبع
فيقطع اثنين فحكمه حكم القاطع ابتداء إن كان) القطع (عمدا من مفصل) وجب القصاص
لانتفاء الشبهة (أو) زاد المقتص عمدا في (شجة يجب في مثلها القصاص)، وهي الموضحة
(فعليه القصاص في الزيادة) لانتفاء الشبهة. (وإن كان) ذلك (خطأ أو) كان (جرحا لا يجب
القصاص مثل من يستحق موضحة فاستوفى هاشمة، فعليه أرش الزيادة). كالجاني ابتداء (إلا
أن يكون ذلك) الحاصل زيادة (بسبب من الجاني) المقتص منه، (كاضطرابه حال الاستيفاء) منه
(فلا شئ على المقتص) لأنه لم يجن عليه بل هو جنى على نفسه. (فإن اختلفا) أي المقتص
والمقتص منه (على فعله)، أي قطع الزائد ونحوه (عمدا أو خطأ) فقول المقتص لأنه أدرى
بنيته. (أو قال المقتص: حصل هذا باضطرابك أو) ب‍ (- فعل من جهتك) وقال المقتص: منه بل
بجنايتك، (فالقول قول المقتص مع يمينه) لأن الأصل براءته. (وإن قطع) الجاني (يده فقطع
المجني عليه رجل الجاني لزمه) أي المجني عليه (دية رجله)، لأن الجاني لم يقطعها. (وإن
سرى الاستيفاء الذي حصلت به الزيادة إلى نفس المقتص منه، أو) سرى (إلى بعض أعضائه
636

مثل أن قطع إصبعه فسرى إلى جميع يده أو اقتص منه بآلة كآلة أو) بآلة (مسمومة)، فسرى (أو)
اقتص منه (في حال حر مفرط أو) في (برد شديد، فسرى فعلى المقتص نصف الدية). وقال في
المنتهى، في آخر باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس يلزمه: بقية الدية لأنه تلف بفعل
جائز ومحرم. (قال القاضي: كما لو جرحه جرحين جرحا في ردته وجرحا بعد إسلامه فمات
منهما)، أي من الجرحين. (وإن قطع) الجاني (بعض أعضائه) أي المجني عليه (ثم قتله بعد أن
برئت الجراح مثل إن قطع) الجاني (يديه ورجليه فبرئت جراحته، ثم قتله) الجاني (فقد استقر
حكم القطع) بالبرء، (ولولي القتيل) وهو وارث المجني عليه (الخيار) بين القصاص والعفو. ف‍
(- إن شاء عفا وأخذ ثلاث ديات) دية لليدين ودية للرجلين ودية للنفس. (وإن شاء) الولي (قتله
وأخذ ديتين) دية لليدين ودية للرجلين. (وإن شاء قطع يديه ورجليه وأخذ دية نفسه، وإن شاء)
الولي (قطع يديه أو رجليه وأخذ ديتين، وإن شاء) الولي (قطع طرفا واحدا) من اليدين أو
الرجلين، (وأخذ دية الباقي) وهو ديتان ونصف، لأن كل جناية من ذلك استقر حكمها فهي
كالمتحدة (وإن اختلفا في اندمال الجرح قبل القتل وكانت المدة بينهما يسيرة لا يحتمل اندماله
في مثلها) عادة، (فقول الجاني) في عدمه (بغير يمين)، لأنه الظاهر. (وإن اختلفا في مضيها) أي
مضي مدة يندمل فيها الجرح. (فقوله) أي الجاني (أيضا مع يمينه) لأن الأصل عدم الاندمال
وعدم المضي. (وإن كانت المدة) التي مضت بين الجرح والقتل (ما يحتمل البرء فيها، فقول
الولي مع يمينه) لأن الأصل عدم سقوط حكم الجناية (فإن كان للجاني بينة ببقاء المجني عليه
ضمنا حتى قتله حكم له ببينته) لعدم ما يعارضها. (وإن كانت) البينة (للولي ببرئه حكم له) أي
للولي (أيضا) ببينته لعدم المعارض لها. (فإن تعارضتا) أي البينتان (قدمت بينة الولي لأنها مثبتة
637

للبرء) والمثبت مقدم على النافي. (وإن ظن ولي دم أنه اقتص في النفس فلم يكن، وداواه)
أي الجاني أهله (حتى برئ فإن شاء الولي دفع إليه دية فعله) الذي فعله به وقتله، (وإلا) أي
وإن لم يشأ الولي ذلك (تركه) ولم يتعرض له. قال في الفروع: وهذا قضاء عمر وعلي
ويعلى بن أمية. ذكره أحمد.
فصل
وإن قتل واحد اثنين فأكثر: واحدا بعد واحد أو دفعة واحدة
فاتفق أولياؤهم على قتله قتل لهم)، لأن الحق لهم كما لو قتل عبد عبيدا خطأ
فرضوا بأخذه، ولأنهم رضوا ببعض حقهم، كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء
(ولا شئ لهم سواه) أي سوى القتل، لأنهم رضوا بقتله فلم يكن لهم سواه، وإن طلب
أحدهم القصاص والباقون الدية فلهم ذلك. (وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد
للأول، إن كان قتلهم واحدا بعد واحد)، لأن حقه أسبق، ولان المحل صار مستحقا له بالقتل
(وللباقين) بعد الأول (دية قتلاهم)، لأن القتل إذا فات تعينت الدية. (كما لو بادر غير) ولي
(الأول، واقتص) بجنايته فللباقين الدية. (فإن كان ولي الأول غائبا أو صغيرا أو مجنونا انتظر)
قدومه أو بلوغه أو عقله لأن الحق له. (وإن قتلهم دفعة واحدة وتشاحوا أقرع بينهم)، فيقتل من
خرجت له القرعة وللباقين الدية. (وإن بادر غير من وقعت له القرعة فقتله)، فقد (استوفى حقه
وسقط حق الباقين إلى الدية) لفوات القتل بالنسبة إليهم. (وإن قتلهم متفرقا) واحدا بعد واحد
(وأشكل الأول وادعى كل واحد) من الأولياء (الأولية ولا بينة) لواحد منهم، (فأقر القاتل
638

لأحدهم قدم) المقر له بالأولية، (بإقراره) أي القاتل على نفسه، (وإلا) أي وإن لم يقر القاتل
بالأولية لأحدهم (أقرع) كما لو قتلهم معا، (فإن عفا ولي الأول عن القود قدم ولي المقتول
الأول بعده). لأن الأول إنما قدم عليه بسبقه، وقد سقط حقه لرضاه بالدية. (فإن لم تكن أولية
بعده) أي العافي (أو جهلت) الأولية بعده (فبقرعة)، لأنه لا مرجح غيرها، (وإن عفا أولياء
الجميع إلى الديات فلهم ذلك)، لأنهم رضوا ببعض حقهم، ولا تتداخل حقوقهم، لأنها
حقوق مقصودة لآدمي فلا تتداخل كالديون. (وإن أراد أحدهم القود و) أراد (الآخر الدية قتل
لمن اختار القود وأعطى الباقون دية قتلاهم، من مال القاتل). لأنه عمد محض، فلا تحمله
العاقلة. (وإن قتل رجلا) أو امرأة (وقطع طرفا من آخر قطع طرفه أولا)، لأنه لو بدئ بالقتل
لفات القطع، وفيه تفويت لحق المقطوع فوجب تقديم القطع لما فيه من الجمع بين حقي
القتل والقطع. (ثم قتل لولي المقتول بعد الاندمال) لأنه معارض له، و (تقدم القتل) على القطع
(أو تأخر) عنه لأنهما جنايتان على شخصين، فلم يتداخلا كقطع يد رجلين، ولأنه أمكن
الجمع بين الحقين، فلم يجز إسقاط أحدهما. (وإن قطع يد رجل وقتل آخر ثم سرى القطع
إلى نفس المقطوع فمات، فهو قاتل لهما)، لأن سراية العمد مضمونة. (فإن تشاحا في
الاستيفاء قتل بالذي قتله) لسبقه وتأخر السراية. (ووجبت الدية كاملة للمقتول بالسراية ولم
يقطع طرفه)، لأنه قطع صار قتلا. (وإن قطع يد واحد وإصبع آخر من يد نظيرتها قدم رب
اليد إن كان أولا) لسبقه (وللآخر دية أصبعه). لتعذر القصاص فيه (ومع أوليته) بأن كان
قطع الإصبع أولا (تقطع أصبعه ثم يقتص رب اليد بلا أرش). لأنه لا يجمع في عفو واحد
بين قصاص ودية النفس، وهذا بخلاف النفس، فإنها لا تنقص بقطع الطرف فقطعه لا يمنع
التكافؤ، بدليل أخذ صحيح الأطراف بمقطوعها، وقطع الإصبع من اليد لا يمنع التكافؤ في
اليد، بدليل أنا لا نأخذ الكاملة بالناقصة واختلاف ديتها. (وإن قطع أيدي جماعة) اثنين فأكثر
دفعة أو متفرقا، (فحكمه حكم القتل فيما تقدم)، لأن القطع كالقتل. فإن رضوا بقطع يده
639

قطعت لهم ولا شئ لهم سواه، وإن تشاحوا بدئ بالأول ولمن بقي الدية، وإن كان القطع
معا أو جهل الأول أقرع، وإن رضي الأول بالدية أعطيها وقطع للباقين. (وإن بادر بعضهم
فاقتص بجنايته في النفس أو الطرف فلمن بقي الدية على الجاني) في ماله، ولا تحملها العاقلة
لأنه عمد محض. (ويأتي إذا قتل) خارج الحرم ثم لجأ إليه، (أو أتى حدا خارج الحرم ثم
لجأ إلى الحرم، آخر كتاب الحدود) مفصلا.
باب العفو عن القصاص
أجمعوا على جواز العفو عن القصاص، وأنه أفضل لقوله تعالى: * (فمن عفي له من
أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) * (البقرة:
178). والقصاص كان حتما على اليهود وحرم عليهم العفو والدية، وكانت الدية حتما
على النصارى وحرم عليهم القصاص، فخيرت الأمة بين القصاص وأخذ الدية والعفو تخفيفا
ورحمة، وكان النبي (ص): لا يرفع إليه أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو، رواه الخمسة
إلا النسائي من حديث أنس، والقياس يقتضيه لأن القصاص حق له فجاز تركه كسائر
الحقوق. والعفو: المحو والتجاوز. (الواجب بقتل العمد أحد شيئين القود أو الدية)، لقوله
تعالى: * (فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) * (البقرة: 178).
أوجب الاتباع بمجرد العفو، ولو أوجب العمد بالقصاص عينا لم تجب الدية عند العفو
المطلق. (فيخير الولي بينهما) فإن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية. (ولو لم يرض الجاني)
لقول ابن عباس: كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية، فأنزل الله هذه الآية -
(كتب عليكم القصاص في القتلى) * - الآية رواه البخاري. وعن أبي هريرة
مرفوعا: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودي وإما أن يقاد متفق عليه (وإن
عفا مجانا فهو أفضل). لقوله تعالى: * (فمن تصدق به فهو كفارة له) *. وقوله
تعالى: * (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) * وكان النبي (ص) يأمر به، (ثم
لا عقوبة على جان لأنه إنما عليه حق واحد) و (قد سقط) كعفو عن دية قاتل خطأ. قال الشيخ
640

تقي الدين: العدل نوعان، أحدهما: هو الغاية وهو العدل بين الناس، والثاني: ما يكون
الاحسان أفضل منه، وهو عدل الانسان بينه وبين خصمه في الدم والمال والعرض، فإن
استيفاء حقه عدل والعفو إحسان والاحسان هنا أفضل، لكن هذا الاحسان لا يكون إحسانا
إلا بعد العدل. وهو أن لا يحصل بالعفو ضرر. فإذا حصل منه ضرر كان ظلما من العافي
لنفسه، وأما لغيره فلا يشرع، ومحله ما لم يكن لمجنون أو صغير فلا يصح العفو إلى غير
مال، لأنه لا يملك إسقاط حقه. (وإن اختار) الولي (القود أو عفا عن الدية فقط فله أخذها)
أي الدية لما فيه من المصلحة له وللجاني، وتكون بدلا عن القصاص وليست التي وجبت
بالقتل. (ولو سخط الجاني) لأن الدية دون القصاص فكان له أن ينتقل إليها لأنها أقل من
حقه. (وله) أي لمن وجب له القصاص (الصلح على أكثر منها) أي الدية، (وتقدم في الصلح)
موضحا. (ومتى اختار) الولي (الدية تعينت وسقط القود)
قال أحمد: إذا أخذ الدية فقد عفا عن الدم. (ولا يملك طلبه) أي القود (بعد) أي
بعد اختيار الدية، لأنه إذا أسقط لا يعود. (فإن قتله بعد ذلك) أي اختيار الدية (قتل به)، لأنه
عمد عدوان. (وإن عفا مطلقا) بأن لم يقيده بقود ولا دية فله الدية لانصراف العفو إلى القود
لأنه في مقابلة الانتقام، والانتقام إنما يكون بالقتل. (أو) عفا (على غير مال) بأن عفا على
خمر ونحوه فله الدية. (أو) عفا (على القود مطلقا) بأن قال: عفوت عن القود ولم يقيده بشئ
(ولو) كان العفو (عن يده) أي المجني عليه أو رجله ونحوهما، (فله الدية) لانصراف العفو
إلى القود كما تقدم. (وإن قال) مستحق القود (لمن) له (عليه قود عفوت عن جنايتك، أو
) عفوت (عنك برئ من الدية كالقود نصا). لأن عفوه عن ذلك يتنا ولهما، (وإذا جنى عبد على
حر جناية موجبة للقصاص فاشتراه المجني عليه بأرش الجناية سقط القصاص) لأن شراءه
بالأرش اختيار للمال. (ولم يصح الشراء لأنهما لم يعرفا قدر الأرش فالثمن مجهول)، وشرط
البيع معرفة الثمن. (وإن عرفا عدد الإبل) أو البقر أو الغنم (أو أسنانها فصفتها مجهولة)، وذلك
ينافي صحة البيع. (فإن قدر الأرش يذهب أو فضة فباعه به صح) البيع للعلم بالثمن. (وتقدم
641

أول الباب قبله عفو ولي المجنون والصغير، ويصح عفو المفلس والمحجور عليه لسفه عن
القصاص)، لأنه ليس بمال. (وإن أراد المفلس القصاص لم يكن لغرمائه إجباره على تركه)
ليأخذ الدية، لأنها غير معينة له. (وإن أحب) المفلس (العفو عنه إلى مال فله ذلك) كغير
المفلس و (لا) يعفو (مجانا) لأن المال واجب وليس له إسقاطه إذا قلنا: الواجب أحد شيئين
وإن قلنا: الواجب القود عينا صح عفوه عنه مجانا، لأنه لم يجب إلا القود وقد أسقطه، هذا
معنى كلامه في الكافي والشرح، وفي المنتهى وغيره يصح عفوه مجانا لأن الدية لم
تتعين. وقاله في المغني. (وكذا) أي كالمفلس فيما تقدم من استيفاء القصاص والعفو على
مال أو مجانا. (السفيه ووارث المفلس والمكاتب وكذا المريض فيما زاد على الثلث)
والمذهب صحة العفو من هؤلاء مجانا، لأن الدية لم تتعين كما تقدم في المفلس (إن مات
القاتل، أو قتل وجبت الدية في تركته)، لأنه تعذر استيفاء القود من غير إسقاط. (كتعذره في
طرفه) أي تعذر القود في طرف الجاني لقطع أو شلل. (و) ك‍ (- قتل غير المكافئ، وإن لم
يخف) الجاني (تركه سقط الحق)، يعني لم تطالب به عاقلته، لأنها لا تحمل العمد المحض
(وإن قطع) الجاني (أصبعا عمدا فعفا) المجني عليه (عنه ثم سرت) الجناية (إلى الكف، أو
إلى النفس والعفو على مال أو على غير مال فله تمام دية ما سرت إليه) الجناية، لأن المجني
عليه، إنما عفا عن دية الإصبع، فوجب أن يثبت له تمام الدية ضرورة كونه غير معفو عنه، ولا
قصاص لتعذره في النفس دون ما عفا عنه، فسقط في النفس كما لو عفا بعض الأولياء. (وإن
كان الجرح لا قصاص فيه كالجائفة، فعفا) المجروح (عن القصاص ثم سرى إلى النفس
فلوليه القصاص، لأنه لا يصح العفو عن قود ما لا قود فيه)، فلم يؤثر عفوه. (وله) أي ولي
642

المجروح (بعد السراية العفو عن القصاص، وله) حينئذ (كمال الدية)، كما لو لم يتقدمه عفو
(وإن عفا) المجروح (عن دية الجرح صح) عفوه، لأن الحق له وقد وجب بالجناية وقد
أسقطه. (وله) أي لورثته (بعد السراية دية النفس)، قال في الشرح: إلا أرش الجرح اه‍.
لأن الجرح موجب، وإنما سقط الوجوب بالعفو فيختص القود بمحل العفو. (وإن عفا) ولي
القود (مطلقا) بأن قال: عفوت فقط فله الدية. (أو عفا عن القود مطلقا) بأن قال: عفوت عن
القود، (فله الدية) لأن الواجب أحد شيئين فإذا سقط القود تعينت الدية. (وإن قال الجاني)
لولي الجناية (عفوت مطلقا) أي عن القود والدية، (أو) قال الجاني (عفوت عنها) أي الجناية
(وعن سرايتها وقال) ولي الجناية: (بل عفوت إلى مال أو عفوت عنها) أي الجناية (دون
سرايتها، فالقول قول المجني عليه أو وليه) مع يمينه، لأن الأصل معه. (وإن قتل الجاني العافي
فيما إذا عفا على مال قبل البرء فالقود)، أي لولي العافي القود لأن قتله انفرد عن قطعه، أشبه
ما لو كان القاطع غيره. (أو الدية كاملة) لأن القتل منفرد عن القطع فلم يدخل حكم أحدهما
في الآخر، ولان القتل موجب له فأوجب الدية كاملة، كما لو لم يتقدمه عفو. وكذا لو كان
العفو على غير مال كما يدل عليه كلامه في الشرح. قال: وسواء فيما ذكر كان العافي عن
الجرح أخذ دية طرفه أو لم يأخذها. (وإن وكل) مستحق القود (في قصاص ثم عفا) الموكل
(ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شئ عليهما)، أما الموكل فلان العفو إحسان فلا يقتضي
وجوب الضمان وأما الوكيل فلأنه لا تفريط منه، كما لو عفا بعد ما رماه. (وإن علم الوكيل)
بعفو الموكل (فعليه القود) لأنه قتله ظلما كما لو قتله ابتداء. (وإن عفا) المجروح (عن قاتله
بعد الجرح صح سواء كان) العفو (بلفظ العفو أو الوصية أو الابراء أو غير ذلك). لأنه إسقاط
للحق فصح بكل لفظ يؤدي معناه. (فإن قال) ولي الجناية (عفوت عن الجناية وما يحدث
منها صح) العفو، لأنه إسقاط للحق بعد انعقاد سببه. (ولم يضمن) الجاني (السراية) للعفو
عنها، (فإن كان) الجرح (عمدا لم يضمن) الجاني (شيئا) ولم يعتبر خروج ذلك من الثلث،
643

لأن الواجب القود عينا أو أحد شيئين فلم يتعين إسقاط أحدهما، (وإن كان) الجرح (خطأ
اعتبر خروجهما) أي الجناية وسرايتها (من الثلث) كالوصية، (وإلا) أي وإن لم تخرج من
الثلث (سقط عنه)، أي الجاني من ديتها) أي السراية (ما احتمله الثلث) كوصية، (وإن أبرأه)
أي أبر المجني عليه الجاني (من الدية أو وصى له بها فهو وصية لقاتل، وتصح) لتأخرها
عن الجناية بخلاف ما لو وصى له ثم قتله. (وتقدم في الموصى له) مفصلا، (وتعتبر) البراءة
من الدية أو الوصية بها للقاتل (من الثلث) كسائر العطايا المرض والوصايا. (وإن أبرأ)
المجني عليه أو وارثه (القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو) أبرأ المجني عليه أو وارثه
(العبد من الجناية المتعلق أرشها برقبته لم يصح) الابراء، لأنه أبرأه من حق على غيره، لان
الدية الواجبة على العاقلة غير واجبة على القاتل، والجناية المتعلق أرشها برقبة العبد غير
واجبة عليه بل متعلقة بملك السيد. (وإن أبرأ العاقلة أو) أبرأ (السيد صح) لأنه أبرأهما من
حق عليهما كالدين الواجب عليهما. (وإن وجب لعبد قصاص) في الطرف (أو تعزير قذف
فله) أي العبد (طلبه والعفو عنه)، لأنه مختص به، والقصد منه التشفي. (وليس ذلك للسيد)
لأنه ليس بحق له. (إلا أن يموت العبد) فينتقل إليه وحينئذ فله طلبه وإسقاطه كالوارث. (ومن
صح عفوه مجانا، فإن أوجب الجرح مالا عينا) كالجائفة وجناية الخطأ (فكوصية) يعتبر من
الثلث، لأنه تبرع بمال. (وإلا) أي وإن لم يوجب المال عينا كالعمد المحض. (فمن رأس
المال) لأن المال لم يتعين. (ويصح قول مجروح) لجان (أبرأتك وحللتك من دمي أو قتلي أو
وهبتك ذلك أو نحوه)، كأنت في حل من دمي، أو تصدقت به عليك (معلقا) ذلك (بموته)
بأن يقول: إن مت فأنت برئ من دمي أو وهبتك دمي إن مت ونحوه، لأنه وصية وقد
تقدم أنه يصح تعليقها. (فلو برئ) المجني عليه من الجناية (بقي حقه) فيطالب به لعدم ما
يسقطه، (بخلاف عفوت عنه ونحوه) كأبرأتك من دمي، فإنه يبرأ مطلقا برئ أو عوفي لأنه
إبراء منجز اه‍.
644

باب ما يوجب قصاصا فيما دون النفس من الأطراف والجراح
والأصل فيه قوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * إلى قوله * (والجروح
قصاص) * وقوله (ص) في حديث أنس في قصة الربيع عمته لما كسرت ثنية
جارية وطلبوا العفو فأبوا وعرضوا الأرش، فأبوا. فقال النبي (ص): كتاب الله القصاص متفق
عليه. وأجمعوا على وجوب القصاص فيما دون النفس إذا أمكن، لأن ما دون النفس كالنفس
في الحاجة إلى حفظه بالقصاص فكان كالنفس في وجوبه. (كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به
فيما دونها من حر وعبد)، لأن من أقيد به في النفس إنما أقيد به لحصول المساواة المعتبرة للقود
فوجب أن يقاد به فيما دونها، فلو قطع مسلم يد مسلم قطعت يده، لأنه يقاد به في النفس.
(ومن لا يجري القصاص بينهما في النفس لا يجري بينهما في الطرف كالأب مع ابنه) وك‍
(- الحر مع العبد و) ك‍ (- المسلم مع الكافر) فلا تقطع يد الأب بيد ابنه، ولا يد الحر بيد العبد، ولا
يد المسلم بيد الكافر، لأنه لا يقاد به في النفس. (ولا يجب) القصاص في ما دون النفس. (إلا بما
يوجب القود في النفس وهو العمد المحض فلا قود في شبه العمد). خلافا لأبي بكر وابن أبي
موسى. (ولا) قود في (خطأ). قال في المبدع: إجماعا، والآية مخصوصة بهما. (وهو) أي ما دون
النفس (نوعان: أحدهما الأطراف) لما ذكرنا (فتؤخذ العين) بالعين اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى
(و) يؤخذ (الانف) بالأنف (و) يؤخذ (الحاجز وهو وتر الانف) بمثله، (و) يؤخذ (الاذن) بالاذن
(و) يؤخذ (السن) بالسن، (والجفن) بالجفن بفتح الجيم. وحكى ابن سيده كسرها، (والشفة) بمثلها
(واليد والرجل واللسان والإصبع والكتف والمرفق والذكر والخصية والألية وشفر المرأة بمثله)،
لأن المماثلة موجودة، والقصاص ممكن فوجب إلحاقا لغير المنصوص عليه من ذلك بالمنصوص
والشفر بضم الشين أحد شفري المرأة، فأما شفر العين فهو منبت الهدب، وقد حكي فيه الفتح.
645

فصل
ويشترط للقصاص في الأطراف ثلاثة شروط
أحدها: إمكان الاستيفاء بلا حيف)، لأن الحيف جور وظلم، وإذا لم يمكن القصاص إلا
به لم يجز فعله. (وأما الامن من الحيف فشرط لجواز الاستيفاء)، مع أنه في نفس الامر واجب
إذ لا مانع منه لوجود شرطه، وهو العدوان على من يكافئه عمدا مع المساواة في الاسم
والصحة والكمال، لكن الاستيفاء غير ممكن لخوف العدوان على الجاني. وفائدة ذلك أنا إذا
قلنا: إنه شرط للوجوب تعينت الدية إذا لم يوجد الشرط، وإن قلنا: إنه شرط للاستيفاء دون
الوجوب انبنى على أصل وهو أن الواجب ماذا؟ فإن قلنا: القصاص عينا لم يجب بذلك
شئ، إلا أن المجني عليه إذا عفا يكون قد عفا عمن يحصل له ثوابه، وإن قلنا: موجب
العمد أحد شيئين انتقل الوجوب إلى الدية كغيره، وإمكان الاستيفاء بلا حيف. (بأن يكون
القطع من مفصل)، لأن المماثلة في غير ذلك غير ممكنة ولا يؤمن أن يستوفي في أكثر من
الحق. (أو) يكون القطع (له حد ينتهي) القطع (إليه كمارن الانف وهو مالان منه، وهو
الذي يجب فيه القصاص أو الدية دون القصبة). لأن لذلك حدا ينتهي إليه أشبه اليد. (فإن
قطع القصبة) أي قصبة الانف (أو قطع من نصف كل من الساعد، أو الكف، أو الساق، أو
العضد، أو الورك، أو قطع يده من الكوع ثم تأكلت إلى نصف الذراع فلا قصاص وله الدية)
لخبر: أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل فاستدعي عليه
النبي (ص) فأمر له بالدية. فقال: إني أريد القصاص، قال: خذ الدية بارك الله لك فيها رواه
ابن ماجة. ولان القطع ليس من مفصل فلا يؤمن فيه من الحيف. (ولا أرش للباقي) أي لا
يجب سوى دية يد أو رجل لئلا يجمع في عضو واحد بين دية وحكومة. (ولا قود في
اللطمة ونحوها)، لأن المماثلة فيها غير ممكنة. (ويؤخذ الانف الكبير ب‍) - الانف (الصغير)
646

لمساواته له في الاسم. (و) يؤخذ الانف (الأقنى بالأفطس والأشم بالأخشم الذي لا شم له)،
لأن عدم الشم لعلة في الدماغ ونفس الانف صحيح، فوجب أخذ الأشم به لأنه مثله. (و)
يؤخذ الانف (الصحيح ب‍) - الانف (الأجذم) لأنه مثله. (ما لم يسقط منه) أي الأجذم (شئ
إلا أن يكون) الساقط (من أحد جانبيه فيؤخذ من الصحيح مثل ما بقي منه)، أي الأجذم (أو
يؤخذ أرش ذلك فلا يشترط) لوجوب القصاص (التساوي في الصغر والكبر والصحة
والمرض في العين والاذن ونحوهما، فتقلع عين الشاب بعين الشيخ المريضة، و) تقلع (عين
الكبير بعين الصغير، وعين الصحيح) تقلع العين الصحيحة (بعين الأعمش)، لأن التفاوت في الصفة لا
يمنع القصاص. (لكن إن كان) الجاني (قلع عينه بأصبعه لا يجوز) للمجني عليه (أن يقتص
بأصبعه، لأنه لا يمكن المماثلة فيه ولا تؤخذ) العين (الصحيحة بالقائمة)، وهي صحيحة في
موضعها، وإنما ذهب نورها وإبصارها لانتفاء استوائهما في الصحة. (وتؤخذ) العين (القائمة
بالصحيحة) لأنها دون حقه. (ولا أرش لها معها) لعدم التفاوت. (كما يأتي، وتؤخذ أذن
السميع بمثلها) أي بأذن سميع للمماثلة، (و) تؤخذ أذن السميع (بأذن الأصم)، لأن العضو
صحيح ومقصوده الجمال، وذهاب السمع لعلة في الرأس، لأنه محله وليس بنقص في
الاذن. (تؤخذ أذن الأصم بكل واحدة منهما) أي من أذن السميع والأصم، (وتؤخذ) الاذن
(الصحيحة ب‍) - الاذن (المثقوبة)، لأنه ليس بنقص في الاذن، وإنما يفعل في العادة للقرط
والتزين به. (فإن كان الثقب في غير محله أو كانت) الاذن (مخرومة أخذت بالصحيحة)، لأنه
رضي بدون حقه. (ولم تؤخذ) الاذن (الصحيحة بها) أي بالمثقوبة في غير محل الثقب أو
بالمخرومة، لأنه عيب فتفوت المساواة. (ويخير المجني عليه بين أخذ الدية إلا قدر النقص
وبين أن يقتص فيما سوى العيب ويتركه من أذن الجاني، ويجب له في قدر النقص حكومة.
وإن قطع) الجاني (بعض أذنه فله أن يقتص من أذن الجاني بقدر ما قطع من أذنه ويقدر ذلك
647

بالاجزاء) كالنصف والثلث والربع. و (لا يؤخذ (بالمساحة) لأنه قد يفضي إلى أخذ جميع
أذن الجاني لصغره ببعض أذن المجني عليه لكبره، وكذا أنف ولسان وشفة. (ومن قطع طرفه
من أذن أو غيرها فرده فالتحم) بحرارة الدم، (وثبت فلا قصاص) في ذلك القطع، لأنها لم
تبن على الدوام فلا يستحق إبانة أذن الجاني دواما. (ولا دية) لأنه لم يفت بالكلية. (ولا أرش
نقصه خاصة نصا) قاله في شرح المنتهى، وذلك حكومة لأنها أرش كل نقصان حصل
بالجناية. (وإن سقط) ما كان رده والتحم (بعد ذلك) بغير جناية (قريبا أو بعيدا، فله القصاص
ويزد ما أخذه) من الأرش، لأن ذلك الالتحام كعدمه. (وإن قطع بعض الطرف فالتصق فله
أرش الجرح ولا قصاص) كما تقدم في الاذن (ومن قطعت أذنه ونحوها) كمارنه (قصاصا،
فألصقها فالتصقت فطلب المجني عليه إبانتها لم يكن له ذلك). لأنه استوفى القصاص. قطع
به في المغني والشرح، والمنصوص أنه يقاد ثانيا. اقتصر عليه في الفروع، وقدمه في
المحرر وغيره. قال في الانصاف في ديات الأعضاء ومنافعها أقيد ثانية على الصحيح
من المذهب، وقطع به في التنقيح هناك وتبعه في المنتهى. قال في شرحه: للمجني عليه
إبانته ثانيا، نص عليه لأنه أبان عضوا من غيره دواما فوجبت إبانته منه دواما لتحقق المقاصة
. (فإن كان المجني عليه لم يقطع جميع الطرف، وإنما قطع بعضه فالتصق فللمجني عليه قطع
جميعه) ليستوفي تمام حقه. (والحكم في السن) إذا قلعها ثم أعيدت، (كالحكم في الاذن)
648

على ما سبق من التفصيل. (وتؤخذ السن ربطها بذهب أولا بالسن) لقوله تعالى: * (والسن
بالسن) * (الثنية بالثنية والناب بالناب والضاحك بالضاحك والضرس
بالضرس، الأعلى بالأعلى والأسفل بالأسفل) لأن المماثلة موجودة في ذلك كله. (ممن قد
أثغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت) قال في حاشيته: يقال ثغر الصبي بضم الثاء وكسر الغين
يثغر بضم الياء، وفتح الغين فهو مثغور، إذا سقطت رواضعه فإذا نبتت قيل اتغر بتاء مثناة من
فوق مشددة على مثال اتزر، قلبت الثاء تاء ثم أدغمت. (وإن كسر) الجاني (بعضها) أي السن
(يرد من سن الجاني مثله) أي مثل ما كسره، (إذا أمن قلعها وسوادها) لامكان الاستيفاء بلا
حيف، فإن لم يأمن ذلك سقط القصاص. (فإن لم يكن) المجني على سنه (أثغر لم يقتص)
له (من الجاني في الحال، لأنه) يرجى عوده و (لا قود ولا دية لما رجي عوده من عين)
كسن، (أو منفعة) كعدو، (في مدة تقولها أهل الخبرة) لأنه لا يمكن عوده، فلا يجب فيه شئ
وتسقط المطالبة به فوجب تأخيره. (فإن عاد مثلها) أي السن ونحوها والمنفعة كالعدو (في
موضعها على صفتها)، أي الذاهبة (فلا شئ عليه) أي الجاني لأن المتلف عاد فلم يجب به
شئ، كما لو قطع شعره وعاد. (وإن عادت) السن (مائلة أو متغيرة عن صفتها فعليه حكومة)
لأنه نقص حصل بفعله فوجب عليه ضمانه. (وإن عادت) السن (قصيرة ضمن ما نقص) منها
(بالحساب، ففي ثلثها ثلث ديتها) كما لو كسر ثلثها جزم به في الشرح، وقال في
المنتهى: وإن عاد ناقصا في قدر أو صفة فحكومة، كما قال في شرحه كما لو ضربه
فانكسر بعضه أو اسود. (وإن عادت) السن (والدم يسيل ففيها حكومة)، لما نقصته بسبب
استدامة سيلان الدم لحصوله بجنايته. (وإن مضى زمن يمكن عودها) أي السن الذاهبة
ونحوها (فيه فلم تعد وأيس من عودها بقول أهل العلم بالطب خير المجني عليه بين
649

القصاص والدية)، كسائر الجنايات العمد المحض. (فإن مات المجني عليه) في المدة التي
قال أهل الخبرة أنه يعود فيها (قبل الأياس من عودها فلا قصاص)، لأن الاستحقاق
له غير محقق فيكون ذلك شبهة في درء القود. (وتجب الدية) لأنه لا يتأتى العود بعد موته.
(وإن قلع) الجاني (له سنا زائدا قلع) المجني عليه (له) سنا (مثلها إن كان) له سن مثلها
للمساواة (أو حكومة) إن اختار عدم القصاص إذن، (فإن لم يكن له) أي الجاني سن (زائد
فحكومة) لتعذر القصاص، (وإن قلع) الجاني (سنا فاقتص منه ثم عادت سن المجني عليه
فقلعها الجاني فلا شئ عليه)، أي لا قصاص ولا دية، لأن سن المجني عليه لما عادت
وجب للجاني عليه دية سنه، فلما قلعها وجب على الجاني ديتها للمجني عليه، فقد وجب
لكل منهما دية فيتقاصان. (ويؤخذ كل من جفن البصير والضرير بالآخر)، أي يؤخذ جفن
البصير بجفن الضرير، وجفن الضرير بجفن البصير، للمساواة وعدم البصر نقص في غيره،
ويؤخذ جفن البصير بجفن البصير، وجفن الضرير (بمثله) للمماثلة. (وإن قطع) الجاني
(الأصابع الخمس من مفاصلها فله) أي المجني عليه (القود) لأن القطع من مفصل فأمن
الحيف موجود. (وإن قطعها) أي الأصابع (من الكوع فله القود منه)، أي الكوع للمماثلة، (فإن
أراد) المجني عليه (قطع الأصابع فقط فليس له ذلك)، لأن للجناية عليه محلا يمكن
الاقتصاص منه، وهو مفصل الكوع فلا يقتص من غيره لاعتبار المساواة في المحل حيث لا
مانع. (وإن قطع) الجاني (من المرفق فله) أي المجني عليه (القصاص منه) أي من المرفق
لامكان المماثلة. (فإن أراد القود من الكوع منع) لما سبق. (وإن قطع) الجاني (من الكتف أو
خلع عظم المنكب - ويقال له مشط الكتف - فله القود إذا لم يخف جائفة) بلا نزاع ذكره في
شرح المغني. (فإن خيف) إن اقتص من منكب جائفة وهي الجرح الذي يصل إلى الجوف
فيفسد بدخول الهواء فيه. (فله) أي المجني عليه (أن يقتص من مرفقه)، لأنه أخذ ما أمكن
650

من حقه. (ومتى خالف واقتص مع خشية الحيف) من منكب أو نحوه (أو) اقتص (من مأمومة
أو) من (جائفة أو من نصف الذراع ونحوه) كالساعد والساق، (أجزأ) أي وقع الموقع ولا
شئ عليه، لأنه فعل كما فعل به. (والرجل كاليد فيما تقدم) من التفصيل. (ويؤخذ الذكر
بالذكر وسواء في ذلك ذكر الصغير والكبير والذكر الصغير والكبير والطويل والقصير
والصحيح والمريض)، لأن ما وجب فيه القصاص من الأطراف لا يختلف بهذه المعاني
كذلك الذكر. (والمختون والأقلف) للمساواة في الاسم والقلفة في زيادة تستحق إزالتها.
(ويؤخذ ذكر الخصي) بذكر الخصي، (و) ذكر (العنين بمثله) لحصول المساواة، لا ذكر فحل
بذكر خصي أو عنين، لأنه لا منفعة فيهما. (وتؤخذ الأنثيان بالأنثيين) لقوله تعالى:
* (والجروح قصاص) * (فإن قطع إحداهما) أي الأنثيين، (فقال أهل الخبرة)
بالطب (أنه يمكن أخذها مع سلامة الأخرى جاز القود) لعدم المانع. (وإلا فلا) يجوز القود
لما فيه من الحيف. (وله نصف الدية وإن قطع) الجاني (ذكر خنثى مشكل أو) قطع (أنثييه أو)
قطع (شفريه لم يجب القصاص)، لأنا لا نعلم أن المقطوع فرج أصلي. (ويقف الامر حتى
يتبين أمره) أي الخنثى فتتضح ذكورته أو أنوثيته، (وإن اختار) الخنثى (الدية وكان يرجى
انكشاف حاله) بأن كان غير بالغ (أعطى اليقين) لأن ما زاد عليه مشكوك فيه فلا نوجبه
بالشك. (وهو) أي اليقين (الحكومة في المقطوع) من الذكر أو الأنثيين أو الشفرين لاحتمال
الزيادة. (وإن كان) الجاني (قد قطع جميعها) أي الذكر والأنثيين والشفرين، (فله) أي الخنثى
(دية امرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين)، لأن أقل أحواله أن يكون أنثى. (وإن
يئس من انكشاف حاله) بأن بلغ ولم يتضح، (أعطى نصف دية الذكر والأنثيين ونصف دية
الشفرين وحكومة في نصف ذلك كله) كما في ديته لو قتل وميراثه. (وإن أوضح) الجاني
(إنسانا فذهب ضوء عينه أو) ذهب (سمعه أو شمه، فإنه يوضحه) كما فعل به لأنه جرح
يمكن القود منه من غير حيف، لأنه له حدا ينتهي إليه. (فإن ذهب) ذلك فقد استوفى حقه
651

(وإلا) أي وإن لم يذهب (استعمل ما يذهبه من غير أن يجني على حدقته أو أذنه أو أنفه)
لأنه يستوفي حقه من غير زيادة، فيطرح في العين كافورا أو يقرب منه مرآة، أو يحمي له
حديدة أو مرآة، ثم يقطر عليها ماء ثم يقطر منه في العين ليذهب بصرها. (فإن لم يمكن)
استعمال ما يذهب ضوء البصر أو السمع أو الشم من غير جناية على العضو، (سقط القود
إلى الدية) لتعذر الاستيفاء بلا حيف. (وإن أذهب ذلك) أي ضوء البصر أو السمع أو الشم
(بشجة لا قود فيها مثل أن تكون دون الموضحة أو لطمه فأذهب ذلك) أي بصره أو
سمعه أو شمه، (لم يجز أن يفعل به كما فعل) لأن المماثلة فيها غير ممكنة. (لكن يعالج بما
يذهب ذلك)، أي البصر والسمع والشم. (فإن لم يذهب سقط القود إلى الدية) لتعذر الاستيفاء
بلا حيف، وقال القاضي: له أن يلطمه مثل لطمته فإن ذهب ضوء عينه وإلا أذهبه بما ذكر،
قال في الشرح والمبدع: ولا يصح هذا، لأن اللطمة لا يقتص منها منفردة، فكذا إذا
سرت إلى العين كالشجة دون الموضحة، انتهى. وكلامه في التنقيح والمنتهى يوهم القصاص
فيهما، وصرح به شارح المنتهى. (وإن لطم) الجاني (عينه فذهب بصرها أو ابيضت
وشخصت عولجت عين الجاني حتى تصير كذلك بدواء، أو بمرآة ومحمية ونحوها، تقرب
إلى عينه حتى يذهب بصرها بعد تغطية عينه الأخرى بقطن ونحوه) لئلا يذهب ضوؤها. (وإن
وضع فيها) أي عين الجاني (كافورا فذهب ضوؤها من غير أن يجني على الحدقة جاز)
لحصول الاستيفاء من غير جناية على الحدقة. (وإن لم يمكن إلا ذهاب بعض ذلك مثل أن
يذهب بصرها دون أن تبيض وتشخص، فعليه حكومة في الذي لم يمكن القصاص منه) لتعذر
القصاص فيه.
652

فصل
الشرط الثاني المماثلة في الاسم والموضع
قياسا على النفس، ولان القصاص يعتمد المماثلة، ولأنها جوارح مختلفة المنافع
والأماكن فلم يؤخذ بعضها ببعض كالعين بالأنف. (فتؤخذ اليمين باليمين، و) تؤخذ (اليسار
باليسار، من كل ما انقسم إلى يمين ويسار من يد، ورجل، وأذن ومنخر، وثدي، وألية، وخصية
وشفر). وتؤخذ (العليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، من شفة وجفن وأنملة، فلا تؤخذ يمين بيسار
ولا يسار بيمين ولا سفلى بعليا ولا عليا بسفلى)، لعدم المساواة في الموضع (وتؤخذ
الإصبع) بمثلها (و) تؤخذ (السن) بمثلها، (و) تؤخذ (الأنملة بمثلها في الاسم والموضع) دون
ما خالفها في ذلك. (ولو قطع أنملة رجل عليا وقطع) أيضا الأنملة (الوسطى من تلك
والإصبع من) رجل (آخر ليس له عليا فصاحب) الأنملة (الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته
الآن ولا قصاص له بعد) ذلك. ولو ذهبت الأنملة العليا لأن أخذ عقلها عفو عن القصاص
(وبين أن يصبر حتى تذهب عليا قاطع بقود أو غيره ثم يقتص من الوسطى)، لأنه لا يمكن
القصاص في الحال لما فيه من الحيف، وأخذ الزيادة على الواجب ولا سبيل إلى تأخير حقه
حتى يتمكن من القصاص لما فيه من الضرورة، فوجبت الخيرة بين الامرين. (ولا أرش له) أي
لصاحب الوسطى (الآن) إذا اختار الصبر حتى تذهب عليا قاطع، (ل‍) - أجل ا (لحيلولة)
بخلاف غصب مال لسد مال مسد مال كما تقدم. (وإن قطع) من قطع أنملة من رجل
والوسطى من آخر من أصبع نظيرتها. (من ثالث) الأنملة (السفلى فللأول أن يقتص من العليا،
ثم للثاني أن يقتص من الوسطى، ثم للثالث أن يقتص من السفلى سواء جاءوا معا أو واحدا
653

بعد واحد) لأن كلا يستوفي حقه من غير حيف. (فإن جاء صاحب الوسطى أو) صاحب
(السفلى يطلب القصاص قبل صاحب العليا لم يجب إليه) بالبناء للمفعول، أي لم تجز إجابته
إلى ما طلبه من القصاص لما فيه من الحيف. (ويخيران) أي صاحب السفلى والوسطى (بين
أن يرضيا بالعقل) أي دية الأنملتين، (أو الصبر حتى يقتص الأول)، ولا أرش كما تقدم. (وإن
عفا) أي صاحب العليا (فلا قصاص لهما) أي لصاحب الوسطى والسفلى في الحال،
ويخيران كما سبق، (وإن اقتص) صاحب العليا (فللثاني) وهو صاحب الوسطى (الاقتصاص)
لأنه تمكن من الاستيفاء بغير حيف. (وحكم الثالث) صاحب السفلى (مع الثاني) صاحب
الوسطى (حكم الثاني مع الأول) صاحب العليا، فإن اقتص من الوسطى جاز للثالث أن
يقتص من السفلى، وإلا فلا ما لم تذهب الوسطى قبل أن يأخذ الثالث عقل السفلى. (فإن
قطع صاحب الوسطى الوسطى والعليا فعليه دية العليا)، لأنها زائدة عن حقه ولا قصاص
عليه، لأن له شبهة في قطع الوسطى فدرئ لها القصاص. (تدفع) دية العليا (إلى صاحب
العليا) أي إلى الجاني ليدفعها لصاحب العليا أو يدفع له من ماله نظيرها. هذا مقتضى
القواعد، والله أعلم. (وإن قطع) صاحب الوسطى (الإصبع كلها فعليه القصاص في الأنملة
الثالثة) السفلى، لأنه لا شبهة له في قطعها (وعليه أرش العليا للأول) على ما تقدم. (وأرش
السفلى على الجاني لصاحبها) لتعذر القصاص عليه، (وإن عفا الجاني عن قصاصها) أي
السفلى (وجب أرشها) أي السفلى (يدفعه إليه ليدفعه إلى المجني عليه) بقطع أنملته السفلى
(وإن قطع أنملة رجل العليا ثم قطع أنملتي آخر العليا والوسطى من تلك الإصبع، فللأول
قطع العليا) لسبقه (ثم يقطع الثاني الوسطى)، لأنه لا معارض له فيها. (ويأخذ أرش العليا من
الجاني) لتعذر القصاص عليه بفواتها كما لو سقطت بتآكل أو غيره. (وإن بادر الثاني فقطع
654

الأنملتين فقد استوفى حقه)، لأنه مجني عليه فيهما، وإنما استحق الأول التقديم لسبقه. (وللأول
الأرش) أي دية الأنملة (على الجاني) لتعذر القصاص فيها. (وإن كان قطع الأنملتين أولا قدم
صاحبهما في القصاص) لسبقه، (ولصاحب العليا أرشها) لفوات القصاص. (فإن بادر صاحبها)
أي العليا (فقطعها فقد استوفى حقه، ثم تقطع الوسطى للأول، ويأخذ) الأول (أرش العليا) كما
تقدم. (ولو قطع أنملة رجل العليا ولم يكن للقطاع أنملة) عليا نظيرتها، (فاستوفى) المجني عليه
من (الجاني من الوسطى، فإن عفا) صاحب الوسطى (إلى الدية تقاصا وتساقطا) لأنه قد وجب
لكل منهما على الآخر مثل ما وجب له. (وإن اختار الجاني القصاص) من المجني عليه من
الوسطى (فله ذلك) أي القصاص، (ويدفع أرش العليا) أي ديتها.
قال في الشرح: ويجئ على قول أبي بكر أنه لا يجب القصاص لأن ديتهما واحدة،
واسم الأنملة يشملهما فتساقطا كقوله في إحدى اليدين بدلا عن الأخرى. (ولا تؤخذ
أصلية بزائدة) لأن الزائدة دونها (ولا زائدة بأصلية)، لأنها لا تماثلها. (ويؤخذ زائد بمثله
موضعا وخلقة ولو تفاوتا قدرا) كالأصلي بالأصلي إذا اتفقا في الموضع والخلقة واختلفا في
القدر. (فإن اختلفا) أي الزائدان (في غير القدر) بأن اختلفا في الموضع أو الخلقة، (لم يؤخذ)
أحدهما بالآخر، (ولو بتراضيهما) لما يأتي. (فإن لم يكن للجاني زائدا يؤخذ) بما جني عليه
(فحكومة) لتعذر القصاص، (وتؤخذ) يد أو رجل (كاملة الأصابع) بيد أو رجل (زائدة أصبعا)
لأن الزيادة عيب ونقص في المعنى فلم يمنع وجودها القصاص كالسلعة. (وإن تراضيا على
أخذ الأصلية بالزائدة، أو) على (عكسه) كأخذ الزائدة بالأصلية (أو تراضيا) على أخذ
(خنصر ببنصر، أو) على (أخذ شئ من ذلك) المذكور (بما يخالفه) في الاسم أو الموضع
(لم يجز لأن الدماء لا تستباح بالإباحة والبدل، فلا يحل لاحد قتل نفسه ولا قطع طرفه، ولا
655

يحل لغيره) ذلك (ببذله) أي بإباحته له (لحق الله تعالى، فإن فعلا فقطع يسار جان من له
قود في يمينه) بتراضيهما، (أو عكسه) بأن قطع يمين جان من له قود يساره (بتراضيهما)
أجزأت وسقط القود لأن القود سقط في الأولى بإسقاط صاحبها، وفي الثانية بإذن صاحبها
في قطعها وديتها مساوية.
قاله أبو بكر. (أو قطعها) أي اليسار من له قود اليمين أو بالعكس (تعديا) أجزأت ولا
قود، لأنهما متساويتان في الدية والألم والاسم فتساقطا، ولان إيجاب القود يفضي إلى قطع
يد كل منهما وإذهاب منفعة الجنس، وكل من القطعين مضمون بسرايته لأنه عدوان. (أو)
قطع (خنصرا ببنصر) أجزأت ولا ضمان لما سبق، (أو قال) المجني عليه للجاني: (أخرج
يمينك فأخرج يساره عمدا أو غلطا أو ظنا أنها تجزي فقطعها أجزأت على كل حال)، قال
في الانصاف: وهذا المذهب. (ولم يبق قود، ولا ضمان) كقطع يسار السارق بدل يمينه،
(حتى ولو كان أحدهما) أي الجاني والمجني عليه (مجنونا لأنه لا يزيد على التعدي)
بخلاف ما إذا قطع يد إنسان وهو ساكت، لأنه لم يوجد منه البذل. وقد أشرت في الحاشية
إلى ما في كلام المصنف والمنتهى بما يغني عن الإعادة.
فصل
الشرط الثالث استواؤهما
أي الطرفان (في الصحة والكمال)، لأن القصاص يعتمد المماثلة. (فلا تؤخذ صحيحة)
من يد أو غيرها (بشلاء)، لأنه لا نفع فيما سوى الجمال فلا تؤخذ بما فيه نفع، (ولا) تؤخذ
(كاملة الأصابع) من يد أو رجل (بناقصة) الأصابع، فلو قطع من له خمس أصابع يد من له
أقل من ذلك لم يجز القصاص، لأنها فوق حقه وهل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد
أصابعه فيه وجهان؟.
656

قاله في المبدع. (ولا) تؤخذ يد أو رجل (ذات أظفار بما لا أظفار لها) لزيادتها على
حقه. (ولا بناقصة الأظفار، رضي الجاني) بذلك (أو لا)، لما تقدم من أن الدماء لا تستباح
بالإباحة. (فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أربع) أصابع فأقل، (أو قطع من له أربع)
أصابع (يد من له ثلاث) أصابع فأقل، فلا قصاص لعدم المساواة. (أو قطع ذو اليد الكاملة
يدا فيها أصبع شلاء فلا قصاص) لعدم المساواة. (وإن كانت المقطوعة) من يد أو رجل
(ذات أظفار إلا أنها) أي الأظفار (خضراء أو مستحشفة) أي رديئة، (أخذت بها السليمة)
كما يؤخذ الصحيح بالمريض، (ولا يؤخذ لسان ناطق ب‍) لسان (أخرس) لنقصه، (ولا) يؤخذ
(ذكر صحيح بأشل، ولا ذكر فحل بذكر خصي أو عنين)، لأنه لا نفع فيهما، لأن الخصي لا
يولد له، ولا ينزل ولا يكاد العنين أن يقدر على الوطئ فهما كالأشل. (ويؤخذ مارن الأشم
الصحيح بمارن الأخشم) الذي لا يجد رائحة شئ لعدم الشم لعلة في الدماغ ونفس
الانف صحيح فوجب أخذ الأخشم به لأنه مثله. (و) يؤخذ مارن الصحيح ب‍ (- المجذوم
وهو المقطوع وتر أنفه و) ب‍ (- المستحشف وهو الردئ)، لأن ذلك مرض، ولأنه لا يقوم
مقام الصحيح. (و) تؤخذ (أذن سميع صحيحة بأذن أصم شلاء) لأن العضو صحيح
ومقصوده الجمال لا السمع، وذهاب السمع لنقص في الرأس لأنه محله وليس بنقص في
الاذن. (ويؤخذ معيب من ذلك) المذكور (كله بصحيح) لأنه رضي بدون حقه كما رضي
المسلم بالقود من الذمي، والحر من العبد، (و) يؤخذ معيب من ذلك كله (بمثله) لحصول
المساواة (فتؤخذ الشلاء) من يد أو نحوها (بالشلاء إذا أمن من قطع الشلاء التلف)، بأن
يسأل أهل الخبرة، فإن قالوا: إنها إذا قطعت لم تفسد العروق ولم يدخل الهواء، أجيب إلى
ذلك. وإن قالوا: يدخل الهواء في البدن، فيفسد سقط القصاص. (وتؤخذ الناقصة بالناقصة
إذا تساوتا فيه) أي في النقص. (بأن يكون المقطوع من يد الجاني كالمقطوع من يد المجني
657

عليه) لحصول المماثلة، (فإن اختلفا) في النقص (فكان المقطوع من يد أحدهما الابهام، و)
المقطوع (من الأخرى أصبع غيرها) كالسبابة، (لم يجز القصاص) لعدم المساواة. (ولا يجب له
) أي المجني عليه (إذا أخذ المعيب بالصحيح و) أخذ (الناقص بالزائد مع ذلك) الاخذ (أرش)
لأن الأشل كالصحيح في الخلقة، وإنما نقص في الصفة، ولان الفعل الواحد لا يوجب مالا
وقودا. (وإن اختلفا) أي الجاني وولي الجناية (في شلل العضو وصحته)، بأن قال الجاني: كان
أشل وأنكره ولي الجناية. (فالقول قول ولي الجناية مع يمينه)، وكذا لو اختلفا في نقص العضو
بغير شلل، لأن الظاهر السلامة. (وظفر كسن في انقلاع و) في (عود) على ما سبق تفصيله،
(وإن قطع) الجاني (بعض لسان أو) بعض (شفة أو) بعض (حشفة أو) بعض (ذكر أو) بعض
(أذن، قدر بالاجزاء كنصف وثلث وربع، وأخذ منه مثل ذلك) لقوله تعالى: * (والجروح
قصاص) * ولأنه يؤخذ جميعه بجميعه فأخذ بعضه ببعضه. و (لا) يؤخذ
(بالمساحة) لئلا يفضي إلى أخذ جميع عضو الجاني ببعض عضو المجني عليه.
فصل
النوع الثاني: الجراح
للآية والخبر. (فيقتص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة في الوجه والرأس
وجرح العضد، والساعد، والفخذ، والساق، والقدم)، لأنه يمكن استيفاؤه من غير حيف ولا
زيادة، لانتهائه إلى عظم أشبه قطع الكف من الكوع، ولان الله نص على القصاص في
الجروح، فلو لم يجب في كل جرح ينتهي إلى عظم سقط حكم الآية. (ولا يستوفى القصاص
فيما دون النفس بالسيف) فوق التعدي (ولا) يستوفى (بآلة يخشى منها الزيادة) لأنها عدوان
658

(وسواء كان الجرح بها) أي بالآلة التي يخشى منها الزيادة (أو بغيرها) لحديث: إن الله
كتب الاحسان على كل شئ. (فإن كان الجرح موضحة أو ما أشبهها، ف‍) أنه يستوفى
(بالموسى أو حديدة ماضية معدة لذلك) لا يخشى منها الزيادة، (ولا يستوفى) ذلك (إلا من
له علم بذلك كالجرائحي ومن أشبهه)، ممن له خبرة بذلك. (فإن لم يكن للولي علم بذلك
أمره بالاستنابة)، لأنه أحد نوعي القصاص كالنفس. (ولا يقتص في غير ذلك) أي في غير
جرح ينتهي إلى عظم (من الشجاج، والجرح كما دون الموضحة) كالباضعة، (أو أعظم منها)
أي الموضحة (كالهاشمة والمنقلة والمأمومة) وأم الدماغ، لأنه ليس له حد ينتهي إليه، ولا
يمكن الاستيفاء من غير حيف. (وله أن يقتص فيهن) أي في الهاشمة وما بعدها (موضحة)
، لأنه يقتص على بعض حقه ويقتص من محل جنايته، فإنه إنما وضع السكين في موضع
وضعها الجاني فيه، لأن سكين الجاني وصلت العظم ثم تجاوزته، بخلاف قاطع الساعد
فإنه لا يضع سكينه في الكوع. (ويجب له) إذا اقتص موضحة والجناية فوقها (ما بين دية
الموضحة ودية تلك الشجة)، لأنه تعذر فيه القصاص فوجب الأرش، كما لو تعذر في
جميعها وفارق الشلاء بالصحيحة، فإن الزيادة ثم من حيث المعنى وليست متميزة بخلاف
مسألتنا. (فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل) لأن التفاوت بينها وبين الموضحة (و) يأخذ
(في المنقلة عشرا) من الإبل، لأنه ما بين الموضحة والمنقلة، (وفي المأمومة) وأم الدماغ
(ثمانية وعشرين) بعيرا، (وثلثا) من بعير، لأن الواجب فيهما ثلث الدية، فإذا سقط منها دية
موضحة خمس بقي ذلك. (ويعتبر قدر الجرح بالمساحة دون كثافة اللحم)، لأن حده العظم
والناس يختلفون في قلة اللحم وكثرته، فلا يمكن اعتباره. (فلو أوضح) الشاج (إنسانا في
بعض رأسه) و (مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له) أي المشجوج (أن
يوضحه في جميع رأسه) لتحصل المماثلة بحسب الامكان، ولان الجميع رأس. (ولا أرش
له) أي للمشجوج (للزائد) لئلا يجتمع في عضو واحد قصاص ودية. (وإن أوضح) الجاني
659

(كل الرأس ورأس الجاني أكبر) من رأس المجني عليه (فله قدر شجته من أي جانب شاء
المقتص)، لأن الجميع محل الجناية. و (لا) يستوفى (من جانبين جميعا، لأنه يأخذ
موضحتين بموضحة)، وذلك حيف. (وإن كان رأس المجني عليه أكبر فأوضحه الجاني في
مقدمه ومؤخره موضحتين، قدرهما قدر جميع رأس الجاني، فله) أي المقتص (الخيار بين
أن يوضحه موضحة واحدة في جميع رأسه) لأن الجميع رأس. (أو يوضحه موضحتين
يقتص في كل واحدة منهما على قدر موضحته). لأن الحق في الزائد له وقد تركه. (ولا
أرش للمقتص (لذلك) المتروك، لأنه ترك الاستيفاء مع إمكانه. (وإن كانت الشجة بقدر
بعض الرأس منهما) أي من الجاني والمجني عليه (لم يعدل عن جانبها إلى غيره) لأنه
أمكنه أن يستوفي ما وجب له فلم يجر له العدول إلى غيره. (وإذا أراد الاستيفاء من
موضحة وشبهها) من الجروح المنهية إلى العظم، (فإن كان على موضعها شعر أزاله) بحلق
أو غيره ليتمكن من الاستيفاء (ويعمد إلى موضع الشجة من رأس المشجوج، فعلم طولها
وعرضها بخشبة أو خيط) فعلم حتى يقتص من الجاني مثله، (ثم يضعها) أي الخشبة أو
نحوها (على رأس الشاج ويعلم طرفيه) أي الموضع على رأس الجاني أو غيره من خشبة
أو نحوها (بسواد أو غيره، ثم يأخذ حديدة عرضها كعرض الشجة فيضعها في أول الشجة
ويجرها إلى آخرها، فيأخذ مثل الشجة طولا وعرضا). لأن القصاص يعتمد المماثلة. (ولا
يراعى العمق) لأن حده العظم ولو روعي لتعذر الاستيفاء لأن الناس يختلفون في قلة
اللحم وكثرته كما سبق.
660

فصل
وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو في جرح موجب للقصاص
حتى ولو في موضحة أو تساوت أفعالهم فلم يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر مثل
أن يضعوا حديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا، حتى تبين) أي تنفصل اليد، (أو يشهدوا بما
يوجب قطعه) كسرقة، (فيقطع ثم يرجعوا عن الشهادة، أو يكرهوا إنسانا على قطع طرف)
فيقطعه (فيجب قطع المكرهين والمكره) كما يقتلون بالنفس، (أو يلقوا صخرة على طرف
إنسان فتقطعه) الصخرة، (أو يمدها) أي اليد ونحوها (فتبين) بالمد (ونحوه) أي نحو ما ذكر
كما لو ألقموها لسبع أو نحوه (فعليهم كلهم القصاص) لقول علي للشاهدين: لو علمت
أنكما تعمدتما لقطعتكما. فأخبر أن القصاص على كل منهما لو تعمد أو لأنه أحد نوعي
القصاص فتؤخذ الجماعة بالواحد كالنفس، وفي الانتصار: لو حلف كل منهما لا يقطع يدا
حنث بذلك، وعنه لا قود، لأنه لا تساوي بين طرف وأطراف، وفي الرعاية بعد ذكر
الخلاف: وعلى كل واحد دية الطرف والجرح كما لو قطع كل إنسان من جانب أو في
وقت. قال ابن حمدان: ويحتمل أن يشتركوا في ديته اه‍.
قلت هنا: الاحتمال هو قياس ما تقدم في النفس. (وإن تفرقت أفعالهم) أي القاطعين
(فقطع كل إنسان من جانب أو قطع أحدهم بعض المفصل وأتمه غيره)، بأن قطع الباقي (أو
ضرب كل واحد) منهم على حديدة أو نحوها وضعت على اليد أو نحوها (ضربة حتى
انفصلت، أو وضعوا منشارا على مفصل ثم مده كل واحد مرة حتى بانت اليد) أو نحوها
(فلا قصاص) لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها. (وسراية
الجناية) مضمونة (كهي) أي الجناية (في القود والدية في النفس ودونها)، لأن السراية أثر
الجناية والجناية مضمونة فكذا أثرها. (حتى لو اندمل الجرح فاقتص) المجني عليه (ثم
انتقض) الجرح (فسرى) كانت سرايته مضمونة، لأنه إعراض من المجني عليه، لاعتماده
661

على الظاهر. (فلو قطع أصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل) وجب
القصاص، (أو) قطع أصبعا ف‍ (- تأكلت اليد وسقطت من الكوع) أو المرفق (وجب
القصاص في ذلك)، لأن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية كالنفس، وفارق ما لو
رمى سهما إلى شخص فمرق منه إلى آخر، لأن ذلك فعل وليس بسراية، ولو قصد قطع
إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص. (وإن شل) بفتح الشين وقيل بضمها أي فسد العضو
وذهبت حركته بالسراية، (ففيه ديته دون القصاص) لعدم إمكان القصاص في الشلل فيضمن
بما يضمن به، كما لو لم يكن معه قطع. (وسراية القود غير مضمونة) لما روى سعيد أن
عمر وعلي بن أبي طالب قالا: من مات من حد أو قصاص لا دية له، الحق قتله. ولأنه
قطع مستحق فلا تضمن سرايته كقطع السارق، ولا فرق بين سرايته إلى النفس أو ما دونها
(فلو قطع) المجني عليه (اليد قصاصا فمات الجاني فهدر) لأنه مستحق له (لكن لو اقتص)
المجني عليه (قهرا) على الجاني (مع حر أو برد أو بآلة كآلة أو مسمومة ونحوه)، كما لو
حرق العضو المستحق له فسرى فمات (لزمه بقية الدية)، يعني أنه يضمن دية النفس
منقوصا منها دية ذلك العضو الذي وجب له القصاص فيه، فلو وجب له في يد كان عليه
نصف الدية، وإن كان في جفن كان عليه ثلاثة أرباعها وهكذا. (ويحرم أن يقتص من طرف
قبل برئه)، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا طعن رجلا بقرن في
ركبته فجاء إلى النبي (ص) فقال: أقدني. فقال: حتى تبرأ، ثم جاء إليه فقال: أقدني.
فأقاده، ثم جاء إليه. فقال: يا رسول الله عرجت. فقال: قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله
وأبطل عرجك ثم نهى رسول الله (ص) أن يقتص من جرح حتى يبرأ رواه أحمد
والدارقطني، ولان الجرح لا يدري أيؤدي إلى القتل أم لا؟ فوجب أن ينتظر ليعلم حكمه
(فإن فعل) أي اقتص للطرف قبل برئه (سقط حقه من سرايته فلو سرى) الجرح بعد (إلى
نفسه) فهدر للخبر (أو سرى القصاص إلى نفس الجاني فهدر)، وتقدم. (وإن قطع) جان
(يد رجل من الكوع ثم قطعها) جان (آخر من المرفق فمات المجني) عليه (بسرايتهما) أي
662

القطعتين (فللولي قتل القاطعين) لأنهما قاتلان، لأن سراية الجناية مضمونة بالقود كما
سبق.
663