الكتاب: الشرح الكبير
المؤلف: عبد الرحمن بن قدامه
الجزء: ٨
الوفاة: ٦٨٢
المجموعة: فقه المذهب الحنبلي
تحقيق:
الطبعة: جديدة بالأوفست
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: بعناية جماعة من العلماء

الشرح الكبير
على متن المقنع، تأليف الشيخ الإمام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد
بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 682 ه‍ كلاهما على مذهب إمام الأئمة (أبي عبد الله أحمد بن محمد بن
حنبل الشيباني) مع بيان خلاف سائر الأئمة وأدلتهم رضي الله عنهم
الجزء الثامن
دار الكتاب العربي
للنشر والتوزيع
1

بسم الله الرحمن الرحيم
* (كتاب الصداق) *
وهو مشروع والأصل في مشروعية الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى (وأحل
لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وقال تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن
نحلة) قال أبو عبيد يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى وقيل النحلة الهبة والصداق
في معناها لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه وجعل الصداق للمرأة كأنه عطية بغير عوض
وقيل نحلة من الله تعالى للنساء وقال تعالى (فآتوهن أجورهن فريضة) وأما السنة فروى أنس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران فقال النبي صلى الله عليه وسلم " مهيم؟ " فقال
يا رسول الله تزوجت امرأة قال " ما أصدقتها؟ " قال وزن نواة من ذهب قال " بارك الله لك أو لم
ولو بشاة " متفق عليه وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح. وللصداق تسعة أسماء:
2

الصداق والصدقة والمهر والنحلة والاجر والفريضة والعلائق والعقر والحباء، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال " أدوا العلائق " قيل يا رسول الله وما العلائق؟ قال " ما تراضى به الأهلون " وقال عمر: لها
عقر نسائها ويقال أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال أمرتها
* (مسألة) * (ويستحب تخفيفه لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أعظم النساء بركة أيسرهن
مؤنة " رواه أبو حفص باسناده عن أبي العجفاء قال قال عمر الا لا تغلوا صداق النساء فإنه لو كان
مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
أصدقت امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية وان الرجل ليغلو بصداق امرأته حتى يكون لها
عداوة في قلبه وحتى يقول كلفت لكم علق القربة، أخرجه النسائي وأبو داود مختصرا وعن أبي سلمة
قال سألت عائشة عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: اثنتا عشرة أوقية ونش فقلت ما النش؟ قالت نصف
أوقية أخرجاه أيضا والأوقية أربعون درهما
* (مسألة) * (ويستحب أن لا يعرى النكاح من تسميته)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوج بناته وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق وقال للذي
زوجه الموهوبة " هل من شئ تصدقها؟ " قال لا أجد شيئا قال " التمس ولو خاتما من حديد " فلم
3

يجد شيئا فزوجه إياها بما معه من القرآن متفق عليه ولأنه أقطع للنزاع والخلاف فيه وليس ذكره
شرطا بدليل قوله تعالى (ولا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة)
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة ولم يسم لها مهرا
* (مسألة) * (ويستحب أن لا يزيد على صداق أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته وهو خمسمائة درهم)
لما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم
* (مسألة) * (ولا يتقدر أقله ولا أكثره بل كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا)
وبهذا قال الحسن وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى والأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو
داود، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وقال لو أصدقها سوطا لحلت وعن سعيد بن جبير والنخعي
وابن شبرمة ومالك وأبو حنيفة أنه مقدر الأقل، ثم اختلف فيه فقال مالك وأبو حنيفة أقله ما يقطع به السارق
وقال ابن شبرمة خمسة دراهم وعن النخعي أربعون درهما وعنه عشرون وعنه رطل من الذهب وعن
سعيد بن جبير خمسون درهما، واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا مهر أقل من عشرة
دراهم " ولأنه يستباح به عضو فكان مقدرا كالذي يقطع به السارق
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي زوجه " هل عندك من شئ تصدقها " قال لا أجد قال " التمس ولو
خاتما من حديد " متفق عليه وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال
4

رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين؟ " قالت نعم فأجازه. أخرجه أبو داود
والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو أن رجلا أعطى
امرأة صداقا ملء يده طعاما كانت حلالا له " رواه الإمام أحمد في المسند وفي لفظ عن جابر قال كنا
ننكح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبضة من الطعام رواه الأثرم ولان قول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء
ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) يدخل فيه القليل والكثير ولأنه بدل منفعتها فجاز ما تراضيا عليه
كالعشرة وكالأجرة وحديثهم غير صحيح رواه ميسرة بن عبيد وهو ضعيف عن الحجاج بن أرطاة
وهو مدلس ورووه عن جابر وقد روينا عنه خلافه أو نحمله على مهر امرأة بعينها أو على الاستحباب
وقياسهم لا يصح فإن النكاح استباحة الانتفاع بالجملة والقطع اتلاف عضو دون استباحته وهو عقوبة
وحد وهذا عوض وقياسه على الأعواض أولى. فأما أكثره فلا توقيت فيه باجماع أهل العلم قاله ابن
عبد البر وقد قال الله تعالى (وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا
منه شيئا) وروى أبو حفص باسناده أن عمر أصدق أم كلثوم بنت علي أربعين ألفا وعن عمر رضي الله
عنه أنه قال: خرجت وأنا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرت هذه الآية (وآتيتم إحداهن
قنطارا) قال أبو صالح القنطار مائة رطل وقال أبو سعيد ملء مسك ثور ذهبا وعن مجاهد سبعون ألف مثقال
* (مسألة) * (كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا من قليل وكثير وعين ودين ومعجل ومؤجل
ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة وخياطة ثوب ورد عبدها الآبق من موضع معين)
5

ومنافع الحر والعبد سواء فقد روى الدارقطني باسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنكحوا
الأيامى وأدوا العلائق " قيل وما العلائق يا رسول الله قال " ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيبا من
أراك " ورواه الجوزجاني وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة منافع الحر لا يجوز أن تكون
صداقا لأنها ليست مالا وإنما قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم)
ولنا قول الله تعالى (اني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج)
والحديث الذي ذكرناه ولأنها منفعة يجوز العوض عنها في الإجارة فجازت صداقا كمنفعة العبد
وقولهم ليست مالا ممنوع فإنها يجوز المعاوضة عنها وبها ثم إن لم تكن مالا فقد أجريت مجرى المال في
هذا فكذلك في النكاح.
* (مسألة) * (وان كانت المنفعة مجهولة كرد عبدها أين كان وخدمتها فيما شاءت لم يصح لأنه عوض
في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كالثمن في المبيع والأجرة في الإجارة
* (مسألة) * (وكل ما يجوز أن يكون ثمنا في البيع كالمحرم والمعدوم والمجهول وما لا منفعة فيه ومالا
يتم ملكه عليه كالمبيع من المكيل والموزون قبل قبضه، وما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء
والسمك في الماء وما لا يتمول عادة كقشرة جوزة وحبة حنطة لا يجوز أن يكون صداقا)
لأنه نقل الملك فيه بعوض فلم يجز فيه ما ذكرناه كالبيع. ويجب أن يكون له نصف يتمول عادة ويبذل
6

العوض في مثله عرفا لأن الطلاق يعرض فيه قبل الدخول فلا يبقى للمرأة إلا نصفه فيجب ان يبقى
لها مال تنتفع به وتعتبر نصف القيمة لا نصف عين الصداق فإنه لو أصدقها عبدا جاز وان لم تمكن قسمته
(فصل) ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية وبه قال الشافعي وقال النخعي والثوري ومالك
والأوزاعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد يصح
ولنا أن الحملان مجهول لا يوقف له على حد فلا يصح كما لو أصدقها شيئا
(فصل) وان أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب لم تفسد التسمية ولم يجب مهر المثل لأن تعذر
ما أصدقها بعينه لا يوجب مهر المثل كما لو أصدقها قفيز حنطة فهلك قبل تسليمه ويجب عليه أجرة مثل
خياطته لأن المعقود عليه العمل فيه تلف فوجب الرجوع إلى عوض العمل كما لو أصدقها تعليم عبدها
صناعة فمات قبل التعليم، وان عجز عن خياطته مع بقاء الثوب لمرض أو نحوه فعليه أن يقيم مقامه من
يخيطه وإن طلقها قبل خياطته وقبل الدخول فعليه خياطة نصفه ان أمكن معرفة نصفه وان لم يمكن
فعليه نصف أجرة خياطته الا ان يبذل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط النصف يقينا
وإن كان الطلاق بعد خياطته رجع عليها بنصف أجره وان أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة
صح لأنه منفعة معلومة يجوز بذل العوض عنها فجاز جعلها صداقا كخياطة ثوبها
* (مسألة) * (وان تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين)
7

(إحداهما) لا يصح وقد نقل مهنأ عن أحمد إذا تزوجها على أن يخدمها سنة أو أكثر كيف يكون
هذا؟ قيل له امرأة لها ضياع وأرضون لا تقدر على أن تعمرها قال لا يصلح هذا، ووجه هذه الرواية
أنها ليست مالا فلا يصح أن يكون مهرا كرقبته ومنفعة البضع وهذا قول أبي حنيفة ولأن المرأة
تستحق على الزوج خدمته بدليل أنه إذا لم يقم لها من يخدمها لزمه أن يتولى خدمتها فإذا كانت خدمته
مستحقه لها لم يجز أن يأخذ عليها عوضا
(والثانية) يصح وهي أصح بدليل قصة موسى عليه السلام وقياسا على منفعة العبد وتأول أبو بكر
رواية مهنا على ما إذا كانت الخدمة مجهولة، فإن كانت معلومة جاز وكذلك نقل أبو طالب عن أحمد
التزويج على بناء الدار وخياطة الثوب جائز لأنه معلوم يجوز أخذ العوض عنه أشبه الأعيان وإن تزوجها
على أن يأتيها بعبدها الآبق من مكان معلوم صح لذلك وإن أصدقها الاتيان به أين كان لم يصح لأنه مجهول
* (مسألة) * (وكل موضع لا تصح التسمية يجب مهر المثل فإن أصدقها مالا يجوز أن يكون صداقا
كالخمر والخنزير وتعليم التوراة والإنجيل والمعدوم والآبق والطير في الهواء، والمجهول كعبد وثوب ودار
لا يفسد به النكاح في الصحيح من المذهب) وعنه يفسد اختاره أبو بكر لأنه عقد معاوضة أشبه البيع
ولنا أن فساد المسمى ليس أكثر من عدمه وعدمه لا يفسد العقد كذلك هذا، إذا ثبت هذا فإنه
8

يجب لها مهر المثل لأنها لم ترض ببدل ولم يسلم البدل وتعذر به العوض فوجب رد بدله كما لو باعه سلعة
بخمر فتلفت عند المشتري.
* (مسألة) * (وان أصدقها تعليم أبواب من الفقه أو الحديث أو قصيدة من الشعر المباح صح)
وكل ما يجوز أخذ الأجرة على تعليمه جاز وصحت التسمية لأنه يجوز أخذ الأجرة عليه فجاز
صداقا كمنافع الدار.
* (مسألة) * (وإن كان لا يحفظها لم يصح ويحتمل أن يصح ويتعلمها ويعلمها)
وجملته أنه ينظر في قوله فإن قال احصل لك تعليم هذه الصورة صح لأن هذه منفعة في ذمته
لا يختص بها فجاز أن يستأجر عليها من لا يحسنها كالخياطة إذا استأجر من يحصلها وان قال على أن أعلمك
فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح لأنه معين بفعله وهو لا يقدر عليه فأشبه ما لو استأجر من لا يحسن
الخياطة ليخيط له، وذكر في المجرد أنه يحتمل الصحة لأن هذا يكون في ذمته فأشبه ما لو أصدقها
مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال، فعلى هذا يتعلمها ثم يعلمها أو يقيم لها من يعلمها.
(فصل) فإن جاءته بغيرها فقالت علمه السورة التي تريد تعليمي إياها لم يلزمه لا المستحق عليه
العمل في عين لم يلزمه ايقاعه في غيرها كما لو استأجرته لخياطة ثوب فأتته بغيره فقالت خط هذا ولان
9

المتعلمين يختلفون في التعليم اختلافا كثيرا وقد يكون له غرض في تعليمها فلا يجبر على تعليم غيرها فإن
أتاها بغيره يعلمها لم يلزمها قبول ذلك لأن المعلمين يختلفون في التعليم، وقد يكون لها غرض في التعليم
منه لكونه زوجها، تحل له ويحل لها، ولأنه لما لم يلزمه تعليم غيرها لم يلزمها التعليم من غيره قياسا
لأحدهما على الآخر.
* (مسألة) * (فإن تعلمتها من غيره فعليه أجر تعليمها)
وكذلك إن تعذر عليه تعليمها كما لو أصدقها خياطة ثوب فتعذر، فإن ادعى انه علمها فأنكرته
فالقول قولها لأن الأصل عدمه. وفيه وجه آخر أنهما ان اختلفا بعد أن تعلمتها فالقول قوله لأن
الظاهر معه، وإن علمها السورة ثم أنسيتها فلا شئ عليه لأنه قد وفى لها بما شرط وإنما تلف الصداق
بعد القبض وان لقنها الجميع وكلما لقها شيئا نسيته لم يعتد بذلك تعليما لأن ذلك لا يعد تعليما في العرف
ولو جاز ذلك لأفضى إلى أنه متى أقرأها بيتا من الشعر أو مسألة من الفقه أو آية فقرأتها بلسانها من
غير حفظ كان تلقينا، ويحتمل أن يكون ذلك تلقينا لأنه قد لقنها وحفظها فأما ما دون الآية فليس
تلقينا وجها واحدا.
* (مسألة) * (فإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها ففيه وجهان)
(أحدهما) عليه نصف أجرة تعليمها لأنها قد صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها الفتنة.
10

(والثاني) يباح له تعليمها من وراء حجاب من غير خلوة بها كما يجوز له سماع كلامها في المعاملات
وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها الجميع وجهان، وان طلقها قبل الدخول بعد تعليمها رجع
عليها بنصف أجر التعليم لأن الطلاق قبل الدخول وقبل الرد فعليه نصف أجر الرد لأنه لا يمكنه نصف
الرد فإن طلقها بعد الرد رجع عليها بنصف الأجرة.
* (مسألة) * (وان أصدقها تعليم شئ من القرآن معين لم يصح وعنه يصح)
اختلف الرواية عن أحمد في جعل تعليم شئ من القرآن صداقا فقال في موضع أكرهه، وقال
في موضع آخر لا بأس أن يتزوج الرجل المرأة على أن يعلمها سورة من القرآن أو على نعلين وهذا
مذهب الشافعي، قال أبو بكر في المسألة قولان يعني روايتين قال واختياري انه لا يجوز وهو مذهب
مالك والليث وأبي حنيفة ومكحول وإسحاق واحتج من أجازه بما روى سهل بن سعد الساعدي ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت اني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها
ان لم يكن لك بها حاجة فقال " هل عندك من شئ تصدقها؟ " فقال ما عندي الا إزاري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" ازارك ان أعطيتها إياه جلست ولا ازار لك فالتمس شيئا " قال لا أجد قال " التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس
فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " زوجتكها بما معك من القرآن " متفق عليه ولأنها منفعة معينة مباحة
فجاز جعلها صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح
11

ولنا ان الفروج لا تستباح الا بالأموال لقوله تعالى (ان تبتغوا بأموالكم) وقوله سبحانه (ومن لم يستطع
منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات) والطول المال وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا
على سورة من القرآن ثم قال " لا يكون لاحد بعدك مهرا " رواه البخاري باسناده ولان تعليم القرآن
لا يجوز ان يقع الا قربة لفاعله فلم يصح أن يكون صداقا كالصوم والصلاة وتعليم الايمان، وأما حديث
الموهوبة فقد قيل معناه أنكحتكها بما معك من القرآن أي زوجتكها لأنك من أهل القرآن كما زوج
أبا طلحة على اسلامه، فروى ابن عبد البر باسناده ان أبا طلحة اتى أم سليم يخطبها قبل ان يسلم فقالت
أتزوج بك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بنى فلان؟ ان أسلمت تزوجت بك قال فاسلم أبو طلحة فتزوجها
علي اسلامه، وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم ويحتمل أن يكون خاصا لذلك الرجل كما روى
البخاري (1) ولا تفريع على هذه الرواية، فاما على قولنا بالصحة فلابد من تعيين ما يعلمها إياه اما
سورة أو سورا أو آيات بعينها لأن السور تختلف وكذلك الآيات
* (مسألة) * (ولا يحتاج إلى ذكر قراءة من وقال أبو الخطاب يحتاج إلى ذلك)
لأن الأغراض تختلف فمنها صعب كقراءة حمزة وسهل فأشبه تعيين الآيات ووجه الأول ان هذا اختلاف
يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه ويقوم مقامه ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة قراءة وقد كانوا

(1) كذا وتقدم في المغني انه النجاد
12

يختلفون في القراءة أشد من اختلاف القراء اليوم فأشبه ما لو أصدقها قفيزا من صبرة وللشافعي
في هذا وجهان كهذين
(فصل) ولو أصدق الكتابية تعليم سورة من القرآن لم يجز ولها مهر المثل وقال الشافعي يصح
لقوله تعالى (حتى يسمع كلام الله)
ولنا ان الجنب يمنع قراءة القرآن مع ايمانه واعتقاده انه حق فالكافر أولى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
" لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة ان تناله أيديهم " فالتحفظ أولى ان يمنع منه فأما الآية التي
احتجوا بها فلا حجة لهم فيها فإن السماع غير الحفظ فإن أصدقها أو أصدق مسلمة تعليم شئ من التوراة
لم يصح في المذهبين لأنه مبدل مغير ولو أصدق الكتابي الكتابية شيئا من ذلك كان كما لو أصدقها محرما
* (مسألة) * (وان تزوج نساءا بمهر واحد وخالعهن بعوض واحد صح ويقسم بينهن على قدر مهورهن
في أحد الوجهين وفي الآخر يقسم بينهن بالسوية)
وجملته انه إذا تزوج أربع نسوة في عقد واحد بمهر واحد مثل أن يكون لهم ولى واحد كبنات
الأعمام أو موليات لولي واحد ومن ليس لهن ولي فزوجهن الحاكم فالنكاح صحيح والمهر صحيح وبهذا
قال أبو حنيفة وهو أشهر قولي الشافعي والقول الثاني ان المهر فاسد ويجب مهر المثل لأن ما يجب لكل
واحدة منهن من المهر غير معلوم
13

ولنا ان الغرض في الجملة معلوم فلا يفسد لجهالته في التفصيل كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل
بثمن واحد وكذلك الصبرة بثمن واحد وهو لا يعلم قدر كل قفيز منها. إذا ثبت هذا فإن المهر يقسم
بينهن على قدر مهورهن في قول القاضي وابن حامد وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والشافعي وقال أبو بكر
يقسم بينهن بالسوية لأنه أضافه إليهن إضافة واحدة فكان بينهن بالسوية كما لو وهبه لهن أو أقر به
وكما لو اشترى جماعة ثوبا بأثمان مختلفة ثم باعوه مرابحة أو مساومة كان الثمن بينهم بالسوية وان اختلفت
رؤوس أموالهم ولان القول بالتقسيط يفضي إلى جهالة العوض لكل واحد منهن وذلك يفسده
ولنا ان الصفقة اشتملت على شيئين مختلفي القيمة فوجب تقسيط العوض عليهما بالقيمة كما لو باع
شقصا وسيفا أو اشترى عبدين فوجد أحدهما حرا فإنه يرجع بقيمته من الثمن وكذلك نص فيمن
تزوج على جاريتين فإذا إحداهما حرة انه يرجع بقيمة الحرة وما ذكره من المسألة ممنوع وان
سلم فالقيمة ثم واحدة بخلاف مسألتنا
وأما الهبة والاقرار فليس فيهما قيمة يرجع إليها وتقسم الهبة عليها بخلاف مسئلتنا وافضاؤه إلى
جهالة لا يمنع الصحة إذا كان معلوم الجملة، ومثل هذه المسألة إذا خالع نساءه بعوض واحد فإنه يصح مع
الخلاف فيه ويقسم العوض في الخلع على قدر مهورهن وعند أبي بكر يقسم بالسوية
(فصل) فإن تزوج امرأتين بصداق واحد إحداهما ممن لا يصح العقد عليها لكونها محرمة عليه
أو غير ذلك وقلنا بصحة النكاح في الأخرى فلها حصتها من المسمى وبه قال الشافعي على قول وأبو
14

يوسف وقال أبو حنيفة المسمى كله للتي يصح نكاحها لأن العقد الفاسد لا يتعلق به حكم بحال فصار كأنه
تزوجها والحائط بالمسمى
ولنا أنه عقد على عينين إحداهما لا يجوز العقد عليها فلزمه في الأخرى بحصتها كما لو باع عبده وأم
ولده وما ذكره لا يصح فإن المرأة في مقابلة نكاحها مهر بخلاف الحائط
(فصل) فإن جمع بين نكاح وبيع فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري هذه بألف صح ويقسط
الألف عليهما على قدر صداقها وقيمة الدار وان قال زوجتك ابنتي واشتريت منك عبدك هذا بألف
فقال بعتكه وقبلت النكاح صح ويسقط الألف على العبد ومهر مثلها وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح
البيع والمهر لافضائه إلى الجعالة
ولنا أنهما عقدان يصح كل واحد منهما منفردا فصح جمعهما كما لو باعه ثوبين وان قال زوجتك ولك
هذه الألف بألفين لم يصح لأنه كمدعجوة
* (فصل) * قال رضي الله عنه (ويشترط أن يكون معلوما كالثمن فإن أصدقها دارا غير معينة
أو دابة لم يصح)
وهذا اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي وقال القاضي يصح مجهولا ما لم تزد جهالته على مهر المثل
لأن جعفر بن محمد نقل عن أحمد في رجل تزوج امرأة على ألف درهم وخادم فطلقها قبل ان يدخل
15

يقوم الخادم وسطا على قدر ما يخدم مثلها ونحو هذا قول أبي حنيفة، فعلى هذا لو تزوجها على عبد أو
أمة أو فرس أو بغل أو حيوان من جنس معلوم أو ثوب هروي أو مروي أو ما أشبهه مما يذكر جنسه
فإنه يصح ولها القسط وكذلك قفيز حنطة وعشرة أرطال زيت فإن كانت الجهالة تزيد على جهالة مهر
المثل كثوب أو دابة أو حيوان أو على حكمها أو حكمه أو حكم أجنبي أو على حنطة أو شعير أو زيب
أو على ما اكتسبه من العام لم يصح لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط فيتعذر تسليمه وفي الأول يصح
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أدوا العلائق ما تراضى عليه الأهلون " وهذا قد تراضوا عليه ولأنه موضع يثبت فيه
الحيوان في الذمة بدلا عما ليس المقصود فيه المال فيثبت مطلقا كالدية ولان جهالة التسمية ههنا أقل
من جهالة مهر المثل لأنه يعتبر بنسائها من تساويها في صفاتها وبلدها وزمانها ونسبها ولأنه لو تزوجهما
على مهر المثل صح فههنا مع قلة الجهل أولى، ويفارق البيع فإنه لا يحتمل فيه الجهالة بحال وقال مالك يصح
مجهولا لأنه ليس بأكثر من ترك ذكره وان أصدقها عبدا مطلقا لم يصح وهو قول أبي بكر،
وقال القاضي يصح ولها الوسط وهو السندي كما لو أصدقها عبدا أو ثوبا وذكر جنسه لأن له
وسطا تعطاه المرأة.
* (مسألة) * (وان أصدقها عبدا من عبيده لم يصح)
ذكره أبو بكر وقال أبو الخطاب يصح وقد روى صحته عن أحمد ولها أحدهم بالقرعة وكذلك
16

يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه أو قميصا من قمصانه أو نحوه فإنه قد روي عن أحمد في رواية مهنا
فيمن تزوج على عبد من عبيده جائز فإن كانوا عشرة عبيد تعطى من أوسطهم فإن تشاحا أقرع بينهم
قلت: وتستقيم القرعة في هذا؟ قال نعم ووجه ذلك أن الجهالة في هذا يسيرة ويمكن التعيين بالقرعة بخلاف
ما إذا أصدقها عبدا مطلقا فإن الجهالة تكثر ولا تصح
ولنا ان الصداق عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كعوض البيع والإجارة ولان المجهول لا
يصلح عوضا في البيع فلم يصح تسميته كالمحرم وكما لو زادت جهالته على مهر المثل وأما الخبر فالمراد به
ما تراضوا عليه مما يصلح عوضا بدليل سائر ما لا يصلح، وأما الدية فإنها تثبت بالشرع لا بالعقد وهي
خارجة عن القياس في تقديرها ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا، ثم إن الحيوان الثابت فيها
موصوف بسنه مقدر بقيمته فكيف يقاس عليه العبد المطلق في الامرين؟ ثم ليست عقدا وإنما
الواجب فيها بدل متلف لا يعتبر فيه التراضي فهو كقيمة المتلفات فكيف يقاس عليها عوض في عقد
يعتبر تراضيهما به؟ ثم إن قياس العوض في عقد معاوضة على عوض في معاوضة أخرى أصح وأولى من
قياسه على بدل متلف، وأما مهر المثل فإنما يجب عند عدم التسمية الصحيحة كما تجب قيم المتلفات
17

وان كانت تحتاج إلى نظر، الا ترى انا نصير إلى مهر المثل عند عدم التسمية ولا نصير إلى عبد مطلق
ولو باع ثوبا بعبد مطلق فاتلفه المشتري فانا نصير إلى تقويمه ولا نوجب العبد المطلق ثم لا نسلم ان جهالة المطلق
من الجنس الواحد دون جهالة مهر المثل فإن العادة في القبائل والقرى أن يكون لنسائهم مهر لا يكاد
يختلف الا بالبكارة والثيوبة فقط فيكون إذا معلوما والوسط من الجنس يبعد الوقوف عليه لكثرة أنواع
الجنس واختلافها واختلاف الأعيان في النوع الواحد، وأما تخصيص التصحيح بعبد من عبيده فلا نظير له
يقاس عليه ولا نعلم فيه نصا يصار إليه فكيف يثبت الحكم فيه بالتحكم؟
وأما نصوص أحمد على الصحة فتأولها أبو بكر على أنه تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه، إذا
ثبت هذا فإن لها مهر المثل في كل موضع حكمنا بفساد التسمية ومن قال بصحتها أوجب الوسط من
المسمى والوسط من العبيد السندي لأن الاعلى التركي والرومي والأسفل الزنجي والحبشي والوسط
السندي والمنصوري.
(فصل) وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لأنه يجوز أن يكون عوضا في البيع فإن
جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها، وبهذا قال الشافعي وهو اختيار أبي الخطاب، وقال القاضي يلزمها ذلك
قياسا على الإبل في الدية
ولنا أنها استحقت عليه عبدا بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه ولأنه عبد وجب صداقا
18

فأشبه ما لو كان معيبا، وأما الدية فلا يلزمه أخذ قيمة الإبل وإنما الأثمان أصل في الدية فيتخير بين أي
الأصول شاء فيلزم الولي قبوله لا على طريق القيمة بخلاف مسئلتنا، ولان الدية خارجة عن القياس فلا
يناقض بها ولا يقاس عليها ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من قياسه على عقود المعاوضات ثم
ينتقض بالعبد المعين
* (مسألة) * (وكذلك ان أصدقها عبدا مطلقا فجاءها بقيمته أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته
لم يلزمهما قبولها)
وقال القاضي يلزمهما ذلك الحاقا بالدية وقد ذكرنا الفرق بينهما وان الصحيح خلاف قوله
(فصل) وان تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد فإن طلبت أكثر من قيمته أو تعذر عليه فلها
قيمته وهذا قول الشعبي لما نذكره في الفصل الذي يليه فإن جاءها بقيمته مع امكان شرائه لم يلزمها قبوله
لما ذكرناه ولأنه يفوت عليها الغرض في عتق أبيها
(فصل) فإن تزوجها على أن يشتري لها عبدا بعينه فلم يبعه سيد، أو طلب به أكثر من قيمته أو
تعذر عليه فلها قيمته نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقال الشافعي لا تصح التسمية ولها مهر المثل لأنه
جعل ملك غيره عوضا فلم يصح كالبيع
ولنا أنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو تزوجها على رد عبدها الآبق من مكان معلوم ولا
19

نسلم أنه جعل ملك غيره عوضا وإنما العوض تحصيله وتمليكها إياه، إذا ثبت هذا فإنه ان قدر عليه بثمن
مثله لزمه تحصيله ودفعه إليها وان جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها لأنه قدر على دفع صداقها إليها فلزمه
كما لو أصدقها عبدا يملكه فإن تعذر عليه الوصول إليه لتكلفه أو غير ذلك أو طب به أكثر من
قيمته فلها قيمته لأنه تعذر الوصول إلى قبض المسمى المتقدم فوجب قيمته كما لو تلف فإن كان الذي جعل
لها مثليا فلها مثله عند التعذر لأن المثل أقرب إليه
* (مسألة) * (وان أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح وعنه يصح فإن فات طلاقها بموتها
فلها مهرها في قياس المذهب)
ظاهر المذهب ان المسمى ههنا لا يصح ولها مهر مثلها، وهذا اختيار أبي بكر وقول الفقهاء لأن
هذا ليس بمال وقد قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تسأل المرأة طلاق
أختها لتكفي ما في صحيفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها " صحيح وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال " لا يحل لرجل ان ينكح امرأة بطلاق أخرى " ولان هذا لا يصلح ثمنا في بيع ولا أجرا في
إجارة فلم يصح صداقا كالمنافع المحرمة، فعلى هذا يكون حكمه حكم ما لو أصدقها خمرا أو نحوه ويكون
لها مهر المثل أو نصفه ان طلقها قبل الدخول أو المتعة عند من يوجبها في التسمية الفاسدة، وعن أحمد
رواية أخرى ان التسمية صحيحة لأنه شرط فعل لها فيه نفع وفائدة لما يحصل لها من الراحة بطلاقها
20

من مقاسمتها وضررها والغيرة منها فصح هذا كعتق أبيها وخياطة قميصها ولهذا صح بدل العوض في
طلاقها بالخلع، فعلى هذا ان لم تطلق ضرتها فلها مثل صداق الضرة لأنه سمى لها صداقا لم تصل إليه
فكان لها قيمته كما لو أصدقها عبدا فخرج حرا، ويحتمل أن لها مهر مثلها لأن الطلاق لا قيمة له فإن جعل
صداقها أن طلاق ضرتها إليها إلى سنة أو إلى وقت فجاء الوقت ولم تقض شيئا رجع الامر إليه فقد
أسقطه أحمد لأنه جعله لها إلى وقت فإذا مضى الوقت ولم تقض فيه شيئا بطل تصرفها كالوكيل وهل
يسقط حقها من المهر؟ فيه وجهان ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يسقط لأنها تركت ما شرط لها باختيارها فسقط
حقها كما لو تزوجها على عبد فاعتقه (والثاني) لا يسقط لأنها أخرت استيفاء حقها فلم يسقط كما لو أخرت
قبض دراهمها، وهل يرجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الأخرى؟ يحتمل وجهين
(فصل) الزيادة في الصداق بعد العقد تلحق به نص عليها أحمد قال في الرجل يتزوج المرأة
على مهر فلما رآها زادها في مهرها فهو جائز، فإن طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الصداق الأول
ونصف الزيادة وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي لا تلحق الزيادة في العقد فإن زادها فهي هبة
تفتقر إلى شروط الهبة، فإن طلقها بعد هبتها لم يرجع بشئ من الزيادة، قال القاضي وعن أحمد مثل
21

ذلك فإنه قال: إذا زوج رجل أمته عبده ثم أعتقهما جميعا فقال الأمة زدني في مهري حتى أختارك
فالزيادة للأمة، ولو لحقت بالعقد كانت الزيادة للسيد
قال شيخنا وليس هذا دليلا على أن الزيادة لا تلحق بالعقد فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد أنها
تلزم ويثبت فيها أحكام الصداق من التنصيف بالطلاق قبل الدخول وغيره ولان معناه أن الملك يثبت
فيها قبل وجودها وانها تكون للسيد، وحجة الشافعي أن الزوج ملك البضع بالمسمى في العقد فلم يحصل
بالزيادة شئ من المعقود عليه فلا يكون عوضا في النكاح كما لو وهبها شيئا ولأنها زيادة في عوض العقد
بعد لزومه فلم تلحق به كما في البيع.
ولنا قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) ولان ما بعد العقد زمن
لفرض المهر فكان حالة الزيادة كحالة العقد وبهذا فارق البيع والإجارة وقولهم انه لا يملك شيئا من
المعقود عليه قلنا هذا يبطل بجميع الصداق فإن الملك ما حصل به ولهذا صح خلوه عنه وهذا ألزم
عندهم فإنهم قالوا مهر المفوضة إنما وجب بفرضه لا بالعقد وقد ملك البضع بدونه، ثم إنه يجوز أن يستند
ثبوت هذه الزيادة إلى حالة العقد فيكون كأنه ثبت بهما جميعا كما قالوا في مهر المفوضة إذا فرضه وكما
قلنا جميعا فيما إذا فرض لها أكثر من مهر مثلها. إذا ثبت هذا فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد أنه ثبت
لها حكم المسمى في العقد في أنها تنصف بالطلاق قبل الدخول ولا تفتقر إلى شروط الهبة وليس معناه
22

أن الملك يثبت فيها من حين العقد ولا أنها تثبت لمن كان الصداق له لأن الملك لا يجوز تقديمه على
سببه ولا وجوده في حال عدمه وإنما يثبت الملك بعد سببه من حينئذ وقال القاضي في الزيادة وجه
آخر أنها تسقط بالطلاق
قال شيخنا لا أعرف ذلك فإن من جعلها صداقا جعلها تستقر بالدخول وتتنصف بالطلاق قبله وتسقط
كلها إذا جاء الفسخ من قبل المرأة ومن جعلها هبة لا تتنصف بطلاقها الا أن تكون غير مقبوضة فإنها
عدة غير لازمة فإن كان القاضي أراد ذلك فهذا وجه والا فلا
* (مسألة) * (وان تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا لم تصح التسمية)
ولها صداق نسائها نص عليه أحمد في رواية مهنأ لأن حال الأب غير معلومة فيكون مجهولا
* (مسألة) * (وان تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وعلى الفين ان كانت له زوجة لم تصح التسمية)
في قياس التي قبلها وكذلك إذا تزوجها على الف ان لم يخرجها من دارها ونص أحمد على صحة التسمية
في هاتين المسئلتين قال أبو بكر في الجميع روايتان
(إحداهما) لا يصح وهو اختيار أبي بكر لأن سبيله سبيل الشرطين فلم يجز كالبيع (والثانية) يصح
لأن الألف معلوم وإنما جهل الثاني وهو معلوم على شرط فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق وهي
جائزة والأولى أولى، والقول بأن هذا تعليق على شرط لا يصح لوجهين (أحدهما) أن الزيادة لا يصح
تعليقها على شرط فلو قال أن مات أبوك فقد زدتك إلى صداقك ألفا لم يصح ولم تلزم الزيادة عند موت
23

الأب (والثاني) أن الشرط ههنا لم يتجدد في قوله إن كان لي زوجة وإن كان أبوك ميتا ولا الذي جعل
الألف فيه معلوم الوجود ليكون الألف الثاني زيادة عليه، ويمكن الفرق بين المسألة التي نص أحمد على
ابطال التسمية فيها وبين التي نص على الصحة فيها بان الصفة التي جعل الزيادة فيها ليس للمرأة فيها
غرض يصح بذل العوض فيه وهو كون أبيها ميتا بخلاف المسئلتين اللتين صحح التسمية فيها فإن خلو
المرأة من ضرة تعيرها وتقاسمها وتضيق عليها من أكبر أغراضها وكذلك اقرارها في دار لها بين أهلها
وفي وطنها فلذلك خففت صداقها لتحصيل غرضها وثقلته عند فواته، فعلى هذا يمتنع قياس إحدى
الصورتين على الأخرى ولا يكون في كل مسألة الا رواية واحدة وهي الصحة في المسئلتين الآخرتين
والبطلان في المسألة الأولى وما جاء من المسائل الحق ما أشبهها به
* (مسألة) * (وإذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق ولم يلزمه
شئ وكذلك ان قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوج بي لم يلزمه ذلك يعتق ولم يلزمه قيمة نفسه)
لأنها اشترطت عليه شرطا هو حق له فلم يلزمه كما لو شرطت عليه أن تهبه دنانير فيقبلها ولان النكاح
من الرجل لا عوض له بخلاف نكاح المرأة، وكذلك لو شرط السيد على أمته أن تزوجه نفسها لم يلزمه ذلك
* (مسألة) * (وإذا فرض الصداق مؤجلا ولم يذكر محل الاجل صح ومحله الفرقة عند أصحابنا
وعند أبي الخطاب لا يصح)
24

يجوز أن يكون الصداق مؤجلا ومعجلا وبعضه معجلا وبعضه مؤجلا لأنه عقد في معاوضة فجاز
ذلك فيه كالثمن ومتى أطلق اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وان شرطه مؤجلا إلى وقت فهو إلى
أجله وان شرطه مؤجلا ولم يذكر أجله فقال القاضي يصح ومحله الفرقة عند أصحابنا قال أحمد إذا زوج
على العاجل والآجل لا يحل الا بموت أو بفرقة وهذا قول النخعي والشعبي وقال الحسن وحماد بن
أبي سليمان وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد يبطل الاجل ويكون حالا وقال اياس بن معاوية لا يحل
حتى تطلق أو يخرج من مصرها أو يتزوج وعن مكحول والأوزاعي يحل إلى سنة بعد الدخول بها
واختار أبو الخطاب فساد المسمى ولها مهر المثل وهو قول الشافعي ولأنه عوض مجهول المحل ففسد
كثمن المبيع ووجه الأول أن المطلق يحمل على الفرقة والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به
إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوما بذلك فأما ان جعل الاجل مدة معلومة كقدوم زيد
ونحوه لم يصح للجهالة وإنما صح المطلق لأن أجله الفرقة بحكم العادة وقد صرفه ههنا عن العادة بذكر
الاجل ولم يبينه فبقي مجهولا فيحتمل أن تبطل التسمية ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل
* (فصل) * قال رضي الله عنه (وان أصدقها خمرا أو خنزيرا أو مالا مغصوبا صح النكاح ووجب
مهر المثل نص عليه أحمد وبه قال عامة الفقهاء منهم الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وحكي
25

عن أبي عبيد أن النكاح فاسد اختاره أبو بكر عبد العزيز وروي عن أحمد نحو ذلك فإنه قال في رواية
المروذي إذا تزوج على غير طيب فكرهه فقلت ترى استقبال النكاح فأعجبه وحكي عن مالك أنه
يثبت إذا دخل بها وإن كان قبله فسخ قالوا لأنه نكاح جعل الصداق فيه محرما فأشبه نكاح الشغار
ولنا أنه نكاح لو كان عوضه صحيحا كان صحيحا فوجب ان يصح وإن كان فاسدا كما لو كان مجهولا
ولأنه عقد لا يبطل بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع ولان فساد العوض لا يزيد على عدمه ولو
عدم كان العقد صحيحا فكذلك إذا فسد وكلام احمد في رواية المروذي محمول على الاستحباب فإن
مسألة المروذي في المال الذي ليس بطيب وذلك لا يفسد العقد بتسميته فيه وما حكي عن مالك لا
يصح وما كان فاسدا قبل الدخول فهو بعده فاسد كنكاح ذوات المحارم فأما إذا فسد الطلاق لجهالته أو
عدمه أو العجز عن تسليمه فالنكاح ثابت لا نعلم فيه اختلافا
(فصل) ويجب مهر المثل في قول أكثر أهل العلم منهم مالك والثوري، والشافعي وأبو ثور يبطلان
التسمية ويرجع بالقيمة كلها في المسئلتين كما في تفريق الصفقة قلنا لأن القيمة بدل إنما يصار إليها عند
العجز عن الأصل وههنا العبد المملوك مقدور عليه ولا عيب فيه وهو مستحق في العقد فلا يجوز
الرجوع إلى بدله أما تفريق الصفقة فإنه إذا بطل العقد في الجميع صدنا إلى الثمن وليس هو بدلا عن
المبيع وإنما انفسخ العقد فرجع في رأس العقد وههنا لا ينفسخ العقد وإنما يرجع إلى قيمة الحر منهما
26

لتعذر تسليمه فلا وجه لايجاب قيمته أما إذا كان نصفه حرا ففيه عيب فجاز رده بعيبه وقال أبو حنيفة
إذا أصدقها عبدين فإذا أحدهما حر فلها العبد وحده صداقا ولا شئ لها سواه
ولنا أنه أصدقها حرا فلم تسقط تسميته إلى غير شئ كما لو كان منفردا
* (مسألة) * وان وجدت به عيبا فلها الخيار بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته)
وجملة ذلك أن الصداق إذا كان معينا فوجدت به عيبا فلها رده كالمبيع المعيب ولا نعلم في هذا
خلافا إذا كان العيب كثيرا وإن كان يسيرا فحكي عن أبي حنيفة أنه لا يرد به
ولنا أنه عيب يرد به المبيع فرد به الصداق كالكثير إذا رد به فلها قيمته ولا ينفسخ برده
فيبقى سبب استحقاقه فتجب عليه قيمته كما لو غصبها إياه فأتلفه فإن كان الصداق مثليا كالمكيل
والموزون فردته فلها عليه مثله لأنه أقرب إليه فإن اختارت امساك المعيب وأخذ أرشه فلها ذلك في
قياس المذهب وان حدث به عيب عندها ثم وجدت به عيبا خيرت بين أخذ أرشه ورده ورد أرش
عيبه لأنه عوض في عقد معاوضة فيثبت فيه ذلك كالبيع، وسائر فروع الرد بالعيب ثبتت ههنا مثل ما
تثبت في البيع والخلاف فيه كالبيع لما ذكرنا
(فصل) فإن شرطت في الصداق صفة مقصودة كالكتابة والصناعة فبان بخلافها فلها الرد كما
ترد في البيع وهكذا ان دلسه تدليسا يرد به المبيع كتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتضمير الماء على الرحا
وأشباه ذلك فلها الرد به وان وجدت الشاة مصراة فلها ردها وترد صاعا من تمر قياسا على البيع ونقل مهنا عن أحمد
فيمن تزوج امرأة على الف ذراع فإذا هي تسعمائة هي بالخيار ان شاءت أخذت الدار وان شاءت أخذت قيمة الف
ذراع والنكاح جائز وهذا فيما إذا أصدقها دارا بعينها على أنها الف ذراع فخرجت تسعمائة فهذا كالعيب في ثبوت
27

الرد لأنه شرطا شرطا مقصودا فبان بخلافه فأشبه ما لو شرط العبد كاتبا فبان بخلافه، وجوز أحمد
الامساك لأن المرأة رضيت بها ناقصة ولم يجعل لها مع الامساك أرشا لأن ذلك ليس بعيب، ويحتمل
ان لها الرجوع بقيمة بعضها أو ردها وأخذ قيمتها
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وان تزوجها على الف لها والف لأبيها صح)
وجملة ذلك أنه يجوز لأبي المرأة أن يشترط شيئا من صداقها لنفسه وبهذا قال إسحاق. وقد
روي عن مسروق انه كما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف فجعلها في الحج والمساكين ثم قال
للزوج جهز امرأتك، وروى ذلك علي بن الحسين، وقال عطاء وطاوس وعكرمة وعمر بن عبد العزيز
والثوري وأبو عبيد يكون ذلك كله للمرأة
وقال الشافعي: إذا فعل ذلك فلها مهر المثل وتفسد التسمية لأنه نقص من صداقها لأجل هذا
الشرط الفاسد لأن المهر لا يجب إلا للزوجة لكونه عوض بضعها فيبقى مجهولا لأننا نحتاج أن نضم
إلى المهر ما قص منه لأجل هذا الشرط وذلك مجهول فيفسد
ولنا قول الله تعالى في قصة شعيب عليه السلام (اني أريد أن أنكحت إحدى ابنتي هاتين على
أن تأجرني ثماني حجج) فجعل الصداق الإجارة على رعاية غنمه وهو شرط لنفسه ولان الموالد الاخذ
من مال ولده بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " أنت ومالك لأبيك " وقوله " ان أولادكم من أطيب
28

كسبكم فكلوا من أموالهم " خرجه أبو داود وأخرج نحوه الترمذي وقال هذا حديث حسن، فإذا
شرط لنفسه شيئا من الصداق يكون ذلك أخذا من مال ابنته وله ذلك
قولهم هو شرط فاسد ممنوع، قال القاضي ولو شرط جميع الصداق لنفسه صح بدليل قصة شعيب عليه
السلام فإنه شرط الجميع لنفسه
* (مسألة) * (فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بالألف الذي قبضته ولم يكن على الأب شئ مما أخذ)
لأن الطلاق قبل الدخول يوجب تنصيف الصداق والألفان جميع صداقها فرجع عليها بنصفها
وهو الف ولم يكن على الأب شئ لأنه أخذ من مال ابنته ألفا فلا يجوز الرجوع عليه به وهذا فيما إذا
كان قبضها الألفين، فإن طلقها قبل قبضها سقط عن الزوج الف وبقي عليه الف للزوجة يأخذ الأب
منها ما شاء، وقال القاضي يكون بينهما نصفين، وقال نقله مهنا عن أحمد لأنه شرط لنفسه النصف ولم
يحصل من الصداق الا النصف، وليس هذا القول على سبيل الايجاب فإن للأب ان يأخذ ما شاء ويترك
ما شاء وإذا ملك الاخذ من غير شرط فكذلك إذا شرط
(فصل) فإن شرط لنفسه جميع الصداق ثم طلق قبل الدخول يعد تسليم الصداق إليه رجع في
نصف ما أعطى الأب لأنه الذي فرضه لها فيرجع في نصفه لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) ويحتمل أن
يرجع عليها بنصفه ويكون ما أخذه الأب له لأننا قدرنا أن الجميع صار لها ثم أخذه الأب منها فتصير
29

كأنها قبضته ثم أخذه منها، وهكذا لو أصدقها ألفا لها وألفا لأبيها ثم ارتدت قبل الدخول فهل يرجع في
الألف الذي قبضه الأب عليه أو عليها؟ على وجهين
* (مسألة) * (وان فعل ذلك غير الأب فالكل لها دونه)
إذا شرط ذلك غير الأب من الأولياء كالجد والأخ فالشرط باطلا نص عليه أحمد وجميع المسمى
لها ذكره أبو حفص وهو قول من سمينا في أول المسألة، وقال الشافعي يجب مهر المثل وهكذا ذكر
القاضي في المجرد لأن الشرط إذا بطل احتجنا أن ترد إلى الصداق ما نقصت الزوجة لأجله ولا نعرف
قدره فيصير الكل مجهولا فيفسد وان أصدقها الفين على أن تعطى أخاها ألفا فالصداق صحيح لأنه
شرط لا يزاد في المهر من أجله ولا ينقص منه فلا يؤثر في المهر بخلاف التي قبلها
ولنا أن ما اشترطه عوض في تزويجها فيكون صداقا لها كما لو جعله لها وإذا كان صداقا انتفت
الجهالة وهكذا لو كان الأب هو المشترط لكان الجميع صداقا وإنما هو أخذ من مال ابنته لأن له ذلك،
ويشترط أن لا يكون مجحفا بمال ابنته فإن كان مجحفا بمالها لم يصح الشرط وكان الجميع لها كما لو
اشترطه سائر الأولياء ذكره القاضي في المجرد
* (مسألة) * (وللأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها وان كرهت)
30

وجملة ذلك أن للأب تزويج المتعة بدون صداق مثلها بكرا كانت أو ثيبا صغيرة أو كبيرة وبه
قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي ليس له ذلك فإن فعله فلها مهر مثلها لأنه عقد معاوضة فلم يجز أن
ينقص فيه عن قيمة المعوض كالبيع ولأنه تفريط في مالها وليس له ذلك
ولنا أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال ألا لا تغالوا في صداق النساء فما أصدق رسول الله
صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه ولا أحدا من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وكان ذلك بمحضر من
الصحابة ولم ينكروه فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون صداق المثل،
وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو من أشرف قريش شرفا وعلما ودينا، ومن المعلوم انه لم
يكن مهر مثلها، ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض وإنما المقصود السكن والأزواج ووضع
المرأة في منصب عند من يكفلها ويصونها ويحسن عشرتها، والظاهر من الأب مع تمام شفقته وبلوغ
نظره انه لا ينقصها من صداقها الا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح فلا ينبغي أن يمنع من تحصيل المقصود
بتفويت غيره، ويفارق سائر عقود المعاوضات فإن المقصود فيها العوض فلم يجز تفويته
* (مسألة) * (وان فعل ذلك غيره بأختها صح)
ولم يكن لغيره الاعتراض إذا كانت رشيدة لأن الحق لها وقد أسقطته فأشبه ما لو أذنت في بيع
31

سلعة لها بدون ثمن مثلها، وان فعله بغير اذنها وجب مهر المثل لأنه قيمة بضعها وليس للولي نقصها منه
فوجب مهر المثل والنكاح صحيح لأن فساد التسمية وعدمها لا يؤثر في النكاح
(فصل) وتمام المهر على لزوج لأن التسمية فاسدة ههنا لكونها غير مأذون فيها شرعا فوجب على
الزوج مهر المثل كما لو زوجها لمحرم وعلى الولي ضمانه لأنه المفرط فكان عليه الضمان كما لو باع مالها بدون
ثمن مثله، قال أحمد أخاف أن يكون ضامنا وليس الأب مثل الولي، ويحتمل أن لا يلزم الزوج الا
المسمى والباقي على الولي كالوكيل في البيع
* (مسألة) * (وان زوج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل صح ولزم ذمة الابن) وفيه اختلاف
ذكرناه فيما مضى لأن العوض له فكان المعوض عليه كالكبير وكثمن المبيع
* (مسألة) * (فإن كان معسرا فهل يضمنه الأب؟ يحتمل وجهين)
ذكر شيخنا في كتاب المغني فيه روايتين مطلقا (إحداهما) يضمنه نص عليه احمد فقال تزويج
الأب لابنه الطفل جائز ويضمن الأب المهر لأنه التزم العوض عنه فضمنه كما لو نطق بالضمان والأخرى
لا يضمنه لأنه عقد معاوضة ناب فيه عن غيره فلم يضمن عوضه كثمن مبيعه وكالوكيل قال القاضي وهذا
أصح. قال القاضي إنما الروايتان فيما إذا كان الابن معسرا. أما الموسر فلا يضمنه الأب رواية
32

واحدة، فإن طلق قبل الدخول سقط نصف الصداق فإن كان ذلك بعد دفع الأب الصداق عنه رجع
نصفه إلى الابن وليس للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع في الهبة لأن الابن ملكه بالطلاق عن غير أبيه
فأشبه ما لو وهبه الأب أجنبيا ثم وهبه الأجنبي للابن، ويحتمل أن يرجع فيه لأنه تبرع عن أبيه فلم يستقر
الملك حتى استرجعه الابن وكذلك الحكم فيما لو قضي الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول
فالحكم في الرجوع في جميعه كالحكم في الرجوع في نصفه بالطلاق
* (مسألة) * (وللأب قبض صداق ابنته الصغيرة بغير إذنها)
لأنه يلي مالها فكان له قبضه كثمن مبيعها، ولا يقبض صداق الثيب الكبيرة الا باذنها إذا
كانت رشيدة لأنها المتصرفة في مالها فاعتبر اذنها في قبضه كثمن مبيعها وفي البكر البالغة العاقلة روايتان
(أصحهما) أنه لا يقبضه إلا باذنها إذا كانت رشيدة كالثيب (والثانية) له قبضه بغير إذنها لأنه العادة ولأنه يملك
اجبارها على النكاح أشبهت الصغيرة وهو قول أبي حنيفة
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه: وان تزوج العبد باذن سيده على صداق مسمى صح بغير
خلاف نعلمه والمهر على سيده وكذلك النفقة ضمنها أو لم يضمنها وسواء كان مأذونا له في التجارة أو
محجورا عليه نص عليه احمد وعنه ما يدل على أن ذلك يتعلق بكسبه فإنه قال نفقته من ضريبته، وقال
إن كانت نفقته بقدر ضريبته أنفق عليها ولا يعطى الولي وان لم يكن عنده ما ينفق فرق بينهما وهذا
33

قول الشافعي لأنه لا يخلو إما أن يتعلق برقبة العبد أو بذمته أو كسبه أو ذمة السيد لا جائزا أن يتعلق
بذمة العبد يتبع به بعد العتق لأنه يستحق العوض في الحال معجلا فلا يجوز تأخير العوض ولا جائز أن
يتعلق برقبته لأنه وجب برضاء سيده أشبه ما لو اقترض برضائه ولا جائزا أن يتعلق بذمة السيد لأنه
إنما يتعلق بذمته ما ضمنه عن عبده ولم يضمن عنه المهر والنفقة ثبت تعلقه بكسبه ضرورة، وفائدة
الخلاف أن من ألزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه وان لم يكن للعبد كسب وليس للسيد الفسخ
لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه الاكتساب، ومن علقه بكسبه فللمرأة الفسخ إذا لم يكن له
كسب وليس لسيده منعه من التكسب
ولنا انه حق تعلق بالعقد برضاء سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو أرهنه بدين، فعلى هذا
أو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه لأنه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه
كأرش جنايته فأما النفقة فإنها تجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري وعلى العبد إذا عتق
* (مسألة) * (وان تزوج بغير إذن سيده لم يصح النكاح)
أجمع العلماء على أن العبد ليس له ان ينكح بغير اذن السيد فإن فعل لم ينفذ نكاحه في قول
الجميع قال ابن المنذر أجمعوا على أن نكاحه باطل قال شيخنا الصواب ما قلنا إن شاء الله تعالى فإنهم
اختلفوا في صحته فعن احمد في ذلك روايتان (أظهرهما) انه باطل وهو قول عثمان وابن عمر رضي الله عنهما
وبه قال شريح وهو قول الشافعي، وعن أحمد انه موقوف على إجازة السيد فإن اجازه والا بطل
وهو قول أصحاب الرأي لأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية
34

ولنا ما روى جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما عبد تزوج بغير اذن مواليه فهو عاهر " رواه الأثرم
والترمذي وقال حسن وأبو داود وابن ماجة وروى الخلال باسناده عن موسى بن عقبة عن نافع
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما عبد تزوج بغير اذن مواليه فهو زان قال أحمد ذكرت
هذا الحديث لأبي عبد الله فقال هذا حديث منكر رواه أبو داود وابن ماجة عن ابن عمر موقوفا من
قوله ولأنه عقد فقد شرطه فلم يصح كما لو تزوجها بغير شهود
* (مسألة) * (فإن فارقها قبل الدخول فلا شئ عليه)
لأنه عقد باطل فلا يوجب بمجردة شيئا كالبيع الباطل وهكذا سائر الأنكحة الفاسدة لا توجب
بمجردها شيئا فإن أصابها وجب لها المهر في الصحيح من المذهب رواه عن أحمد جماعة وروى عنه حنبل
انه لا مهر لها إذا تزوج العبد بغير اذن سيده وهذا يمكن حمله على ما قبل الدخول فيكون موافقا لرواية
الجماعة ويمكن حمله على عمومه في عدم الصداق وهو قول ابن عمر ورواه الأثرم عن نافع قال كان إذا
تزوج مملوك لابن عمر جلده الحد وقال للمرأة انك أبحت فرجك وأبطل صداقها ووجهه انه وطئ
امرأة مطاوعة في غير نكاح صحيح فلم يجب به مهر كالمطاوعة على الزنا قال القاضي هذا إذا كانا
عالمين بالتحريم فاما ان جهلت المرأة ذلك فلها المهر لأنه لا ينقص عن وطئ الشبهة ويمكن حمل هذه
الرواية على أنه لا مهر لها في الحال بل يجب في ذمة العبد يتعلق به بعد العتق وهو قول الشافعي الجديد
35

لأن هذا حق لزم رضاء من له حق فكان محله الذمة كالدين والصحيح ان المهر واجب لقوله عليه الصلاة
والسلام " أيما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من
فرجها " وهذا قد استحل فرجها فيكون مهرها عليه لأنه استوفى منافع البضع باسم النكاح فكان المهر
واجبا كسائر الأنكحة الفاسدة
(فصل) ويتعلق المهر برقبته يباع فيه الا ان يفديه السيد ويحتمل ان يتعلق بذمة العبد وقد ذكرناه
وهذا أظهر لأن الوطئ أجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير اذن المولى ولذلك وجب المهر ههنا
وفي سائر الأنكحة الفاسدة ولو لم تجر مجراها ما وجب شئ لأنه برضى المستحق
(فصل) والواجب مهر المثل وهو قول أكثر الفقهاء لأنه وطئ يوجب المهر فأوجب مهر المثل
بكماله كالنكاح بلا ولي وسائر الأنكحة الفاسدة وعنه يجب خمسا المسمى اختارها الخرقي وعنه
رواية ثالثة انها ان علمت أنه عبد فلها خمسا المهر وان لم تعلم فلها المهر في رقبة العبد ووجه قول الخرقي
ما روى الإمام أحمد باسناده عن خلاس ان غلاما لأبي موسى تزوج بمولاة تيحان اليتمي بغير اذن
مولاه فكتب أبو موسى في ذلك إلى عثمان بن عفان فكتب إليه ان فرق بينهما وخذ لها الخمسين من
صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة ولان المهر أحد موجبي الوطئ فجاز ان ينقص العبد فيه عن الحر
كالحد والواجب خمسا المسمى لأنه صار فيه إلى قصة عثمان وظاهرها انه أوجب خمسي المسمى ولهذا
36

قال كان صداقها خمسة أبعرة ولأنه لو اعتبر مهر المثل أوجب جميعه كسائر قيم المتلفات والا وجبت القيمة
وهي الأثمان دون الأبعرة ويحتمل ان يجب خمسا مهر المثل لأنه عوض عن جناية فكان المرجع فيه
إلى قيمة المحل كسائر أروش الجنايات وقيمة المحل مهر المثل
(فصل) فإن كان الواجب زائدا على قيمة العبد لم تلزم السيد الزيادة لأن الواجب عليه ما يقابل
قيمة العبد بدليل انه لو سلم العبد لم يلزمه شئ فإذا اعطى القيمة فقد اعطى ما يقابل الرقبة فلم تلزمه
زيادة عليه وإن كان الواجب أقل من قيمة العبد لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه أرش الجناية فلا يجب
عليه أكثر منها والخيرة في تسليم العبد وفدائه إلى السيد وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع
(فصل) وان اذن السيد لعبده في التزويج بمعينة أو من بلد معين أو من جنس معين فنكح
غير ذلك فنكاحه فاسد والحكم فيه كما ذكرنا وان أذن له في تزويج صحيح فنكح نكاحا فاسدا فكذلك
لأنه غير مأذون له فيه وان اذن له في النكاح وأطلق فنكح نكاحا فاسدا احتمل أن يكون كذلك
لأن الاذن في النكاح لا يتناول الفاسد واحتمل ان يتناوله اذنه لأن اللفظ باطلاقه يتناوله وان اذن
له في نكاح فاسد وحصلت الإصابة فالمهر على سيده لأنه باذنه والله أعلم
* (مسألة) * (وان زوج السيد عبده أمته لم يحب مهر ذكره أبو بكر والقاضي)
37

لا يجب للسيد على عبده مال وقيل يجب الصداق على السيد ثم يسقط قاله أبو الخطاب قال يجب المسمي
أو مهر المثل ان لم يكن مسمى كيلا يخلو النكاح عن مهر ثم يسقط لتعذر اثباته وقال أبو عبد الله إذا
زوج عبده من أمته فأحب أن يكون بمهر وشهود، قيل فإن طلقها؟ قال يكون الصداق عليه إذا أعتق
قيل فإن زوجها منه بغير مهر؟ قال قد اختلفوا فيه فذهب جابر إلى أنه جائز لأن النكاح لا يخلو من
مهر ولا يثبت للسيد علي عبده مال فسقط
* (مسألة) * (وان زوج عبده حرة ثم باعها إياه بثمن في الذمة تحول صداقها أو نصفه إن كان
قبل الدخول إلى ثمنه)
إذا اشترت الحرة زوجها أو ملكته انفسخ النكاح لأن ملك النكاح واليمين يتنافيان لاستحالة
كون الشخص مالكا لمالكه ولأن المرأة تقول أنفق علي لأني امرأتك وانا أسافر بك لأنك عندي ويقول
هو أنفقي علي لأني عبدك وانا أسافر بك لأنك امرأتي فيتنافى ذلك فثبت أقواهما وهو ملك اليمين
وينفسخ النكاح لأنه أضعفهما ولها على سيده المهر إن كان بعد الدخول وعليها الثمن فإن كانا دينين
من جنس تقاضا وتساقطا ان كانا متساويين وان تفاضلا سقط الأقل منهما بمثله وبقي الفاضل وان
اختلف جنسهما لم يتساقطا وعلى كل واحد منهما تسليم ما عليه إلى صاحبه وقال الشافعي في أحد قوليه
يسقط مهرها لأنه دين في ذمة العبد فإذا ملكته لم يجز ان يثبت لها دين في ذمة عبدها كما لو أتلف
38

لها مالا وهذا بناء منهم على أن المهر يتعلق بذمة العبد وقد بينا انه يتعلق بذمة سيده فلا يؤثر ملك العبد
في اسقاطه وذكر القاضي وجها انه يسقط لأن ثبوت الدين في ذمة السيد تبع لثبوته في ذمة العبد
فإذا سقط من ذمة العبد سقط من ذمة السيد تبعا كالدين الذي على الضامن إذا سقط من ذمة
المضمون عنه ولا يعرف هذا في المذهب ولأنه ثبت في الذمتين جميعا إحداهما تبع للأخرى بل المذهب
انه لا يسقط بعد الدخول حال فأما إن كان الشراء قبل الدخول سقط نصفه كما لو طلقها قبل الدخول
بها وفى سقوط باقية وجهان (أحدهما) لا يسقط لأن زوال الملك إنما هو بفعل البائع فالفسخ إذا من
جهته فلم يسقط جميع المهر (والثاني) يسقط لأن الفسخ إنما تم بشراء المرأة فأشبه الفسخ بالعيب في أحدهما
وفسخها لاعساره وشراء الرجل امرأته فإن قلنا لا يسقط جميعه فالحكم في النصف الباقي كالحكم في
جميعه إذا فسخ النكاح بعد الدخول على ما ذكرنا
(فصل) فإن باعها إياه بالصداق صح نص عليه وذكره أبو بكر والقاضي ويرجع عليها بنصفه ان
قلنا يسقط نصفه أو بجميعه ان قلنا يسقط جميعه ويحتمل ان لا يصح قبل الدخول لكون انفساخ النكاح
جاء من قبلها فيبقي الشراء بغير عوض فلا يصح وهو قول أصحاب الشافعي لأن ثبوت البيع يقتضي نفيه
فإن صحة البيع تقتضي فسخ النكاح وسقوط المهر يقتضي بطلان البيع لأنه عوض ولا يصح بغير عوض
ووجهه الأول انه يجوز أن يكون ثمنا لغير هذا العبد فجاز أن يكون ثمنا له كغيره من الديون
وما سقط منه رجع عليها به
39

(فصل) قال رضي الله عنه وتملك المرأة الصداق المسمى بالعقد
هذا قول عامة أهل العلم وحكي عن مالك انها لا تملك الا نصفه وعن أحمد ما يدل على ذلك وقال
ابن عبد البر هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار، وأما الفقهاء اليوم فعلى انها تملكه وقول النبي صلى الله عليه وسلم
" ان أعطيتها ازارك جلست ولا إزار لك " دليل على أن الصداق كله للمرأة لا يبقي للرجل منه شئ ولأنه
عقد يملك به العوض بالعقد فملك فيه العوض كاملا كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب
جميعه بالعقد ألا ترى انها لو ارتدت سقط جميعه وان كانت قد ملكت نصفه
* (مسألة) * فإن كان معينا كالعبد والدار فلها التصرف فيه ونماؤه لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها سواء
قبضته أو لم تقبضه متصلا كان النماء أو منفصلا وعليها زكاته إذا حال عليها الحول نص عليه أحمد وان
تلف فهو من ضمانها، ولو زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كلها عليها لأنها قد ملكته أشبه
ما لو ملكته بالبيع الا ان يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه لأنه بمنزلة الغاصب فإن زاد فالزيادة لها
وان نقص فالنقص عليه ويكون الخيار بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت
من يوم العقد إلى حين القبض لأنه إذا زاد بعد العقد فالزيادة لها وان نقص فالنقص عليه الا أن
تكون الزيادة لتغير السعر فقد ذكرناه في الغصب وعن أحمد فيمن تزوج على عبد ففقئت عينه. ان
كانت قد قبضته فهو لها وان لم تقبضه فهو على الزوج هكذا نقله مهنا فظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من
40

ضمان الزوج بكل حال سواء كان معينا أو لم يكن كغير المعين وهو مذهب الشافعي.
* (مسألة) * (فإن كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها ولم تملك التصرف فيه
الا بقبضه كالبيع)
وجملة ذلك أن حكم الصداق حكم البيع في أن ما كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه
قبل قبضه وما عداه لا يحتاج إلى قبض ولها التصرف فيه قبل قبضه، وقال القاضي وأصحابه ما كان معينا
فلها التصرف فيه وما لم يكن معينا كقفيز من صبرة ورطل من زيت لم تملك التصرف فيه حتى تقبضه
كالبيع وقد ذكرنا في المبيع رواية أخرى أنها لا تملك التصرف في شئ من قبل قبضه وهذا مذهب
الشافعي وهذا أصل ذكر في البيع وذكر القاضي في موضع آخر ان ما لم ينتقض العقد بهلاكه كالمهر
وعوض الخلع يجوز التصرف فيه قبل قبضه كالوصية والميراث، وقد نص أحمد على هبة المرأة زوجها
صداقها قبل قبضها وهو نوع تصرف وقياس المذهب ان ما جاز لها التصرف فيه فهو من ضمانها ان
تلف أو نقص وما لا تصرف لها فيه فهو من ضمان الزوج إلا أن يمنعها من قبضه فيكون من ضمان الزوج
بكل حال كالغاصب وقد ذكرنا ما رواه مهنا عن أحمد في العبد إذا فقئت عينه ان ضمانه على الزوج ما لم
تكن قبضته وهذا كمذهب الشافعي
41

(فصل) وكل موضع قلنا هو من ضمان الزوج قبل القبض إذا تلف قبل قبضه لم يبطل الصداق
بتلفه ويضمنه بمثله إن كان مثليا وبقيمته ان لم يكن مثليا، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي في القديم
وقال في الجديد يرجع إلى مهر المثل لأن تلف العوض يوجب الرجوع إلى المعوض فإذا تعذر رده رجع
إلى قيمته كالمبيع ومهر المثل هو القيمة فوجب الرجوع إليه
ولنا أن كل عين وجب تسليمها مع وجودها إذا تلفت مع بقاء سبب استحقاقها فالواجب بدلها
كالمغصوب والقرض والعارية وفارق المبيع إذا تلف فإن المبيع انفسخ وزال سبب الاستحقاق فإذا
ثبت هذا فإن التالف في يد الزوج لا يخلو من أربعة أحوال (أحدها) أن يتلف بفعلها فيكون ذلك
قبضا منها ويسقط عن الزوج ضمانه (الثاني) تلف بفعل الزوج فهو من ضمانه على كل حال ويضمنه
لها بما ذكرناه (الثالث) أتلفه أجنبي فلها الخيار بين الرجوع على الأجنبي بضمانه وبين الرجوع
على الزوج ويرجع الزوج على الأجنبي (الرابع) تلف بفعل الله تعالى فهو على ما ذكرنا من
التفصيل في صدر المسألة
* (مسألة) * (فإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه إن كان باقيا)
لقول الله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)
وليس في هذا اختلاف بحمد الله ويدخل في ملكه حكما كالميراث هذا قياس المذهب ولا يفتقر إلى
42

اختياره وارادته فما يحدث من النماء يكون بينهما وهو قول زفر وذكر القاضي احتمالا أنه لا يدخل في
ملكه حتى يختار كالشفيع وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالوجهين فعلى هذا ما ينمي قبل
ذلك فهو لها وعلى القول الآخر يكون بينهما نصفين
ولنا قول الله تعالى (فنصف ما فرضتم) أي لكم أولهن فاقتضى ذلك أن النصف لها والنصف له
بمجرد الطلاق ولان الطلاق سبب يملك به بغير عوض فلم يقف الملك على ارادته واختياره كالإرث
ولأنه سبب لنقل الملك فيه فنقل الملك بمجرده كالبيع وسائر الأسباب ولا تلزم الشفعة فإن سبب الملك
فيها الاخذ ومتى أخذ بها ثبت الملك من غير إرادة واختيار وقبل الاخذ ما وجد السبب وإنما استحق
بمباشرة سبب الملك ومباشرة الأسباب موقوفة على اختياره كما أن الطلاق مفوض إلى اختياره فالأخذ
بالشفعة نظير الطلاق وثبوت الملك للاخذ بالشفعة نظير ثبوت الملك للمطلق فإن ثبوت الملك حكم لهما وثبوت
أحكام الأسباب بعد مباشرتها لا يقف على اختيار أحد ولا ارادته
(فصل) فإن زاد زيادة منفصلة رجع في نصف الأصل والزيادة لها وان كانت متصلة فهي مخيرة
بين دفع نصفه زائدا وبين دفع نصف قيمته يوم العقد
وجملة ذلك أن الصداق إذا زاد بعد العقد لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة كسمن العبد
وكبره وتعلمه صناعة أو متميزة كالولد والكسب والثمرة فإن كانت زيادة متميزة اخذت الزيادة ورجع
43

بنصف الأصل وان كانت غير متميزة فالخيرة إليها ان شاءت دفعت إليه قيمته يوم العقد لأن الزيادة لها
لا يلزمها بذلها ولا يمكنها دفع الأصل بدونها فصرنا إلى نصف القيمة وان شاءت دفعت إليه نصفه زائدا
فيلزمه قبوله لأنها دفعت إليه حقه وزيادته لا تضر ولا تتميز فإن كانت محجورا عليها لم يكن له الرجوع
الا في نصف القيمة لأن الزيادة لها ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشئ لا يجب عليها
* (مسألة) * (وإن كان ناقصا خير الزوج بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ القيمة يوم العقد)
إذا نقص الصداق بعد العقد فهو من ضمانها وقد ذكرناه مفصلا ولا يخلو من أن يكون النقص
متميزا أو غير متميز فإن كان متميزا كعبدين تلف أحدهما فإنه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة
التالف أو مثل نصف التالف إن كان من ذوات الأمثال وان لم يكن متميزا كأن شاب فصار شيخا
فنقصت قيمته أو نسي صناعة أو كتابة أو هزل فالخيار إلى الزوج ان شاء رجع بنصف قيمته وقت ما
أصدقها لأن ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لأنه دون حقه وان شاء رجع بنصفه ناقصا فتجبر
المرأة على ذلك لأنه رضي أن يأخذ نصف حقه ناقصا فإن اختار ان يأخذ أرش النقص مع هذا لم
يكن له ذلك في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء، وقال القاضي القياس أن له ذلك كالمبيع
يمسكه ويطالب بالأرش وبما ذكرناه كله قال أبو حنيفة والشافعي وقال محمد بن الحسن الزيادة غير
المتميزة تابعة للعين فللزوج الرجوع فيها لأنها تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة السوق
44

ولنا أنها زيادة حديث في ملكها فلم تتنصف بالطلاق كالمميزة فأما زيادة السوق فليست ملكها
وفارق نماء المبيع لأن سبب الفسخ العيب وهو سابق على الزيادة وسبب تنصيف المهر الطلاق وهو
حادث بعدها ولان الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين ولهذا لو وجدها ناقصة كان له
الرجوع إلى نصف بدلها بخلاف المبيع المعيب والمفروض لم يكن سمينا فلم يكن له اخذه والمبيع تعلق
حقه بعينه فتبعه سمنه فأما ان نقص الصداق من وجه وزاد من وجه مثل ان يتعلم صناعة وينسى أخرى
أو هزل وتعلم ثبت الخيار لكل واحد منهما وكان له الامتناع والرجوع إلى القيمة فإن اتفقا على نصف
العين جاز وان امتنعت المرأة من بذلها فلها ذلك لأجل الزيادة وان امتنع هو من الرجوع في نصفها فله
ذلك لأجل النقص وإذا امتنع أحدهما رجع في نصف قيمتها
(فصل) فإن أصدقها شقصا وقلنا للشفيع أحذه فأخذه ثم طلق الزوج رجع في نصف قيمته لزوال
ملكها عنه فإن طلقها قبل الاخذ بالشفعة فطالب الشفيع قدم حقه في أحد الوجهين لأن حقه أسبق
فإنه يثبت بالنكاح وحق الزوج ثابت بالطلاق ولان الزوج يرجع إلى بدل وهو نصف القيمة وحق
الشفيع إذا بطل فإلى غير بدل (والثاني) يقدم الزوج لأن حقه ثبت بنص القرآن والاجماع فكان آكد
وحق الشفيع مختلف فيه فعلى هذا يكون للشفيع أخذ النصف الباقي بنصف ما كان يأخذ به الجميع
* (مسألة) * (وإن كان تالفا أو مستحقا بدين أو شفعة فله نصف القيمة يوم العقد الا أن يكون
مثليا فيرجع بنصف مثله)
45

وقال القاضي له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض، قال شيخنا: هذا مبنى على أن
الصداق لا يدخل في ضمان المرأة الا بقبضه وإن كان معينا كالمبيع في رواية فعلى هذا ان كانت القيمة
وقت العقد أقل لم يلزمها إلا نصفها لأن الزيادة بعد العقد لها لأنها نماء ملكها فأشبهت الزيادة
بعد القبض وان كانت القيمة وقت القبض أقل لم يلزمها أكثر من نصفها لأن ما نقص من القيمة
من ضمانه تلزمه غرامته لها فكيف يجب له عليها؟
(فصل) فإن أصدقها نخلا حائلا فأطلعت ثم طلقها قبل الدخول فله نصف قيمتها يوم العقد وليس له
الرجوع في نصفها لأنها زادت زيادة متصلة فهي كسمن الجارية وسواء كان الطلع مؤبرا أو غير مؤبر
لأنه متصل بالأصل لا يجب فصله عنه في هذه الحال فأشبه السمن وتعلم الصناعة فإن بذلت له المرأة
الرجوع فيها مع طلعها لزمه ذلك لأنها زيادة متصلة لا يجب فصلها، وإن قال اقطعي ثمرتك حتى أرجع
في نصف الأصل لم يلزمها لأن العرف في هذه الثمرة أنها لا تؤخذ الا بالجذاذ بدليل البيع ولان حق
الزوج انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين إلا برضاهما فإن قالت المرأة اترك الرجوع حتى آخذ ثمرتي
وترجع في نصف الأصل وأرجع في نصف الأصل وأمهلني حتى أقطع الثمرة أو قال الزوج انا أصبر
حتى إذا أخذت ثمرتك رجعت في الأصل، أو قال أنا أرجع في الأصل وأصبر حتى تجذي ثمرتك لم يلزم
46

أحدهما قبول قول الآخر لأن الحق انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين الا بتراضيهما ويحتمل أن يلزمها
قبول ما عرض عليها لأن الضرر عليه فأشبه ما لو بذلت له نصفها مع طلعها وكما لو وجد العين ناقصة
فرضي بها، وإن تراضيا على شئ من ذلك جاز والحكم في سائر الشجر كالحكم في النخل واخراج
النور في الشجر بمنزلة الطلع الذي لم يؤبر.
(فصل) فإن كانت أرضا فحرثتها فتلك زيادة محضة ان بذلتها له بزيادة لزمه قبولها كالزيادات المتصلة
كلها وإن لم تبذلها دفعت نصف قيمتها، وإن زرعتها فحكمها حكم النخل إذا طلع إلا في موضع واحد
وهو انها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله بخلاف الطلع مع النخل والفرق
بينهما من وجهين: (أحدهما) أن الثمرة لا تنقص بها الشجرة، والأرض تنقص بالزرع وتضعف.
(الثاني) أن الثمرة متولدة من الشجر فهي تابعة له، والزرع ملكها أودعته في الأرض فلم يجبر على
قبوله. وقال القاضي يجبر على قبوله كالطلع سواء، وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق. ومسائل الغراس
كمسائل الزرع فإن طلقها بعد الحصاد ولم تكن الأرض زادت ولا نقصت رجع في نصفها وإن نقصت
الزرع أو زادت به رجع في نصف قيمتها إلا أن يرضى بأخذها ناقصة أو ترضى هي ببذلها زائدة.
(فصل) فإن أصدقها خشبا فشقته أبوابا فزادت قيمته لم يكن له الرجوع في نصفه لزيادته ولا يلزمه
قبول نصفه لأنه نقص من وجه فإنه لم يبق مستعدا لما كان يصلح له من التسقيف وغيره، وإن
47

أصدقها ذهبا أو فضة فصاغته حليا فزادت قيمته فلها منعه من نصفه، وإن بذلت له النصف لزمه القبول
لأن الذهب لا ينقص بالصياغة ولا يخرج عن كونه مستعدا لما كان يصلح له قبل صياغته وإن أصدقها
دنانير أو دراهم أو حليا فكسرته ثم صاغته على غير ما كان عليه لم يلزمه قبول نصفه لأنه نقص في
يدها ولا يلزمها بذل نصفه لزيادة الصناعة التي أحدثتها فيه، وإن أعادت الدراهم والدنانير إلى ما كانت
عليه فله الرجوع في نصفها وليس له طلب قيمتها لأنها عادت إلى ما كانت عليه من غير نقص ولا
زيادة فأشبه ما لو أصدقها عبدا فمرض أو برئ، وإن صاغت الحلي على ما كان عليه ففيه وجهان.
(أحدهما) له الرجوع كالدراهم إذا أعيدت (والثاني) ليس له الرجوع في نصفه لأنها جددت فيه
صناعة فأشبه ما لو صاغته على صفة أخرى ولو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت فعادت إلى حالتها الأولى
فهل يرجع في نصفها؟ على وجهين.
* (مسألة) * (وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تضمن بعضه؟ يحتمل وجهين)
أما ان كانت منعته منه بعد طلبه فعليها الضمان لأنها غاصبة وان تلف قبل مطالبته فقياس المذهب
أنه لا ضمان عليها لأنه حصل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه كالوديعة، وان اختلفا
في مطالبته لها فالقول قولها لأنها منكرة، وفيه وجه آخر: أن عليها الضمان لأنه حصل في يدها من
من غير اذن الزوج لها في امساكه أشبهت الغاصب وهذا ظاهر قول أصحاب الشافعي قالوا لأنه
48

حصل في يدها بحكم قطع العقد فأشبه البيع إذا ارتفع العقد بالفسخ والأول أولى لما ذكرناه وأما البيع
فيحتمل أن يمنع وان سلمنا فإن الفسخ إن كان منهما أو من المشتري فقد حصل منه التسبب إلى جعل
ملك غيره في يده، وفي مسئلتنا ليس من المرأة فعل وإنما حصل ذلك بفعل الزوج وحده فأشبه
ما لو ألقى ثوبه في دارها بغير اذنها.
* (مسألة) * (وان قال الزوج نقص قبل الطلاق فعليك ضمانه وقالت بعده فالقول قولها مع يمينها)
لأنه ادعى ما يوجب الضمان عليها وهي منكرة والقول قول المنكر.
(فصل) إذا خالع امرأته بعد الدخول ثم تزوجها وطلقها قبل دخوله بها فلها في النكاح الثاني
نصف الصداق المسمى فيه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لها جميعه لأن حكم الوطئ موجود
فيه بدليل أنها لو أتت بولد لزمه.
ولنا قول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف
ما فرضتم) ولأنه طلاق من نكاح صحيح لم يمسها فيه فوجب أن يتنصف المهر كما لو تزوجها بعد العدة
وما ذكره غير صحيح فإن لحوق النسب لا يقف على الوطئ عنده فلا يقوم مقامه فاما إن كان لم يدخل
بها في النكاح الأول فعليه نصف الصداق للنكاح الأول ونصف الصداق للنكاح الثاني بغير خلاف
49

(فصل) إذا طلق المرأة قبل الدخول وقد تصرفت في الصداق بعقد من العقود لم يخل من ثلاثة أقسام
(أحدها) ما يزيل الملك عن الرقبة كالبيع والهبة والعتق فهذا يمنع الرجوع به وله نصف القيمة
لزوال ملكها وانقطاع تصرفها فإن عادت العين إليها قبل طلاقها ثم طلقها وهي في يدها بحالها فله
الرجوع في نصفها لأنه وجدها بعينها فأشبه ما لو لم يخرجها ولا يلزم الوالد إذا وهب ولده شيئا فخرج
عن ملكه ثم عاد إليه حيث لا يملك الرجوع لأنا نمنع ذلك، وان سلمنا فإن حق الوالد سقط بخروجه
عن يد الولد بكل حال بدليل أنه لا يطالبه ببدله والزوج لم يسقط حقه بالكلية بل يرجع بنصف
قيمته عند عدمه فإذا وجد كان الرجوع في نفسه أولى، وفي معنى هذه التصرفات الرهن فإنه لم يزل
الملك عن الرقبة لكنه يراد للبيع المزيل للملك ولذلك لا يجوز رهن مالا يجوز بيعه ففي الرجوع
في العين ابطال حق المرتهن من الوثيقة فلم يجز، وكذلك الكتابة فإنها تراد للعتق المزيل للملك وهي
عقد لازم فجرت مجرى الرهن، ويحتمل أن لا يمنع الرجوع إذا قلنا يجوز بيع المكاتب كالتدبير
فإن طلق الزوج قبل اقباض الهبة أو الرهن أو في مدة الخيار في البيع ففيه وجهان
(أحدهما) لا تجبر على رد نصفه إليه لأنه عقد عقدته في ملكها فلم يملك ابطاله كاللازم ولان
ملكها قد زال فلم يملك الرجوع فيما ليس بمملوك لها
(والثاني) تجبر على تسليم نصفه فإنها قادرة على ذلك ولا زيادة فيها وللشافعي قولان كهذين
50

الوجهين، فأما ان طلقها بعد تقبيض الهبة والرهن ولزوم البيع فلم يأخذ قيمة النصف حتى فسخ البيع
والرهن والهبة لم يكن له الرجوع في نصفها لأن حقه ثبت في القيمة (الثاني) تصرف غير لازم لا ينقل
الملك كالوصية والشركة والمضاربة فهذا لا يبطل الرجوع في نصفه ويكون وجوده بهذا التصرف كعدمه
لأنه تصرف لم ينقل الملك ولم يمنع المالك من التصرف فلا يمنع من له الرجوع على المالك من الرجوع
كالايداع والعارية، فأما ان دبرته فظاهر المذهب أنه لا يمنع الرجوع لأنه لا يمنع البيع فلم يمنع الرجوع
كالوصية، ولا يجبر على الرجوع في نصفه بل يخير بين ذلك وبين أخذ نصف قيمته ولان شركة من
نصفه مدبر نقص ولا يؤمن أن يرفع إلى حاكم حنفي فيحكم بعتقه، وان كانت أمة فدبرتها فإن قلنا تباع
في الدين فهي كالعبد، وإن قلنا لا تباع لم يجز الرجوع في نصفها (الثالث) تصرف لازم لا يراد لإزالة
الملك كالإجارة والتزويج فهو نقص فيخير الزوج بين أن يرجع في نصفه ناقصا وبين الرجوع في نصف
قيمته فإن رجع في نصف المستأجر صبر حتى تنفسخ الإجارة، فإن قيل فلم قلتم في الطلع الحادث في النخيل
إذا قال أنا أصبر حتى تنتهي الثمرة لم يكن له ذلك؟ قلنا الفرق بينهما أن في تلك المسألة تكون المنة له
فلا يلزمها قبول منته بخلاف مسئلتنا ولان ذلك يؤدي إلى التنازع في سقي الثمرة وجذاذها وقطعها
لخوف العطش أو غيره بخلاف مسئلتنا
(فصل) قد ذكرنا أن المهر إذا كان معينا يدخل في ملك المرأة بمجرد العقد فإذا زاد فالزيادة
51

لها وان نقص فعليها فإذا كانت غنما فولدت فالأولاد زيادة منفصلة تنفرد المرأة بها لأنه نماء ملكها وترجع
في نصف الأمهات ان لم تكن نقصت ولا زادت زيادة متصلة لأنه نصف ما فرض لها. وقد قال الله
تعالى (فنصف ما فرضتم) فإن كانت نقصت بالولادة أو بغيرها فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصا لأنه
رضي بدون حقه وبين أخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة لا يرجع في نصف الأصل وإنما يرجع في نصف القيمة لأنه لا يجوز فسخ العقد في
الأصل دون النماء لأنه موجب للعقد فلم يجز رجوعه في الأصل بدونه.
ولنا أن هذا نماء منفصل عن الصداق فلم يمنع رجوع الزوج كما لو انفصل قبل القبض، وما ذكروه
لا يصح لأن الطلاق ليس برفع العقد ولا النماء من موجباته إنما هو من موجبات الملك، إذا ثبت هذا
فلا فرق بين كون الولادة قبل تسليمه إليها أو بعده إلا أن يكون قد منعها قبضه فيكون النقص من
ضمانه والزيادة لها فينفرد بالأولاد، وان نقصت الأمهات خيرت بين أخذ نصفها ناقصة وبين أخذ نصف
قيمتها أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها وإن أراد الزوج أخذ نصف قيمة الأمهات من
المرأة لم يكن له. وقال أبو حنيفة إذا ولدت في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول رجع في نصف الأولاد
أيضا لأن الولد دخل في التسليم المستحق بالعقد لأن حق التسليم تعلق بالام فسرى إلى الولد لحق
الاستيلاد وما دخل في التسليم المستحق ينصف بالطلاق كالذي دخل في العقد
52

ولنا قول الله تعالى (فنصف ما فرضتم) وما فرض ههنا إلا الأمهات فلا يتنصف سواها ولان الولد
حدث في ملكها أشبه ما حدث في يدها، ولا يشبه حق التسليم حق الاستيلاد فإن حق الاستيلاد
يسري وحق التسليم لا سراية له فإن تلف في يد الزوج وكانت المرأة قد طالبت به فمنعها ضمنه كالغاصب
والا لم يضمنه لأنه تبع لامه.
(فصل) والحكم في الصداق إذا كان جارية كالحكم في الغنم إذا ولدت كان الولد لها كولد
الغنم إلا أنه ليس له الرجوع في نصف الأصل لأنه يفضي إلى التفريق بين الام وولدها في بعض
وكما لا يجوز التفريق بينها وبين ولدها في جميع الزمان لا يجوز في بعضه فيرجع عليها في نصف قيمتها
وقت من أصدقها لا غير.
(فصل) فإن كان الصداق بهيمة حائلا فحملت فالحمل فيها زيادة متصلة ان بذلتها له بزيادتها لزمه
قبولها لأن الحمل في البهيمة لا يعد نقصا ولذلك لا يرد به المبيع، وان كانت أمة فحملت فقد زادت من
وجه لأجل ولدها ونقصت من وجه لأن الحمل في النساء نقص لخوف التلف عليها حين الولادة ولهذا
يرد بها المبيع فحينئذ لا يلزمها بذلها لأجل الزيادة ولا يلزمه قبولها لأجل النقص وله نصف قيمتها
وإن اتفقا على تنصيفها جاز، وإن أصدقها حاملا فولدت فقد أصدقها عينين جارية وولدها وزاد الولد
في ملكها فإن طلقها فرضيت ببذل النصف في الولد والام جميعا أجبر على قبولها لأنها زيادة غير مميزة
53

وإن لم تبذله لم يجز له الرجوع في نصف الولد لزيادته ولا في نصف الام لما فيه من التفرقة بينها
وبين ولدها ويرجع بنصف قيمة الام وفي نصف الولد وجهان
(أحدهما) لا يستحق نصف قيمته لأنه حالة العقد لا قيمة له وحالة الانفصال قد زال في ملكها
فلا يقوم الزوج بزيادته. ويفارق ولد المغرور فإن وقت الانفصال وقت الحيلولة ولهذا قوم بخلاف مسئلتنا
(والثاني) له نصف قيمته لأنه أصدقها عينين فلا يرجع في إحداهما دون الأخرى ويقوم حالة
الانفصال لأنها أول حالة امكان تقويمه وفي المسألة وجه آخر وهو أن الحمل لا حكم له فيكون كأنه حادث
(فصل) وان أصدقها أرضا فبنتها دارا أو ثوبا فصبغته ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف قيمته
وقت ما أصدقها إلا أن يشاء أن يعطيها قيمة البناء والصبغ فيكون له النصف أو تشاء هي أن تعطيه زائدا
فلا يكون لها غيره، وذكر الخرقي إنما كان له نصف القيمة لأنه قد صار في الأرض والثوب زيادة للمرأة
وهي البناء والصبغ فإن دفعت إليه نصف الجميع زائدا فعليه قبوله لأنه حقه وزيادة وان بذل لها نصف
قيمة البناء والغراس ليكون له النصف فقال الخرقي له ذلك قال القاضي هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لأنها لا تجبر
على المعاوضة وهذه معاوضة، قال شيخنا والصحيح أنها تجبر لأن الأرض حصلت له وفيها بناء لغيره فإذا بذل القيمة
لزم الآخر قبوله كالشفيع إذا أخذ الأرض بعد بناء المشتري فيها فبذل الشفيع قيمته لزم المشتري قبولها
وكذلك إذا رجع المعير في أرضه وفيها بناء أو غراس للمستعير فبذل المعير قيمة ذلك لزم المستعير قبولها
(فصل) فإن أصدقها نخلا حائلا فأثمرت في يده فالثمرة لها لأنها نماء ملكها فإن جدها بعد تناهيها
54

وجعلها في ظروف وألقى عليها صفرا من صفرها وهو سيلان الرطب بغير خلع وهذا يفعله أهل الحجاز
لحفظ رطوبتها لم تخل من ثلاثة أحوال
(أحدها) أن لا تنقص قيمة الثمرة والصفر بل كانا بحالهما أو زادا فإنه بردهما عليها ولا شئ عليه
(الثاني) أن تنقص قيمتهما وذلك على ضربين (أحدهما) أن يكون بعضهما متناهيا فإنه يدفعهما إليها
وأرش نقصهما له لأنه تعدى ما فعله من ذلك (الضرب الثاني) أن لا يتناهى بل يتزايد ففيه وجهان
(أحدهما) أنها تأخذ قيمتها لأنها كالمستهلكة (الثاني) هي مخيرة بين ذلك وبين تركها حتى يستقر بعضها
وتأخذها وأرشها كالمغصوب منه
(الحال الثالث) أن لا تنقص قيمتها لكن ان أخرجها من ضروفها نقصت قيمتها فللزوج اخراجها
وأخذ ضروفها إن كانت الضروف ملكه وإذا نقصت فالحكم على ما ذكرنا وإن قال الزوج أنا أعطيكها
مع ضروفها فقال القاضي يلزمها قبولها لأن ضروفها كالمتصلة بها التابعة لها ويحتمل أن لا يلزمها قبولها
لأن الضروف عين ماله فلا يلزمه قبولها كالمنفصلة عنها فإن كانت بحالها الا أن الصفر المتروك على الثمرة
ملك الزوج فإنه ينزع الصفر ويرد الثمرة، والحكم فيها ان نقصت أو لم تنقص كالتي قبلها، وان قال أنا
أسلمها مع الصفر والضروف فعلى الوجهين اللذين ذكرناهما وفي الموضع الذي حكمنا أن له زيادة إذا
55

قالت أنا أرد الثمرة وآخذ الأصل فلها ذلك في أحد الوجهين والآخر ليس لها ذلك مبنيان على تفريق
الصفقة في البيع وقد ذكرنا ذلك في موضعه
(فصل) إذا كان الصداق جارية فوطئها الزوج عالما بزوال ملكه وتحريم الوطئ عليه فعليه الحد
لأنه وطئ في غير ملك وعليه المهر لسيدتها أكرهها أو طاوعته لأن المهر لمولاتها فلا يسقط ببذلها
ومطاوعتها كما لو بذلت يدها للقطع، وان ولدت فالولد رقيق للمرأة وان اعتقد أن ملكه لم يزل عن
جميعها أو كان عالم بتحريمها عليه فلا حد عليه للشبهة وعليه المهر والولد حر لا حق به وعليه قيمته يوم
ولادته ولا تصير أم ولد له وان ملكها بعد ذلك لأنه لا ملك له فيها وتجبر المرأة بين أخذها في حال
حملها وبين أخذ قيمتها لأنه نقصها باحبالها، وهل لها الأرش بعد ذلك؟ يحتمل أن لها الأرش لأنها نقصت
بعدوانه أشبه ما لو نقصها الغاصب بذلك وقال بعض أصحاب الشافعي في الأرش ههنا قولان وقال
بعضهم ينبغي أن يكون لها المطالبة بالأرش قولا واحدا لا النقص حصل بفعله الذي تعدى به فهو
كالغاصب وكما لو طالبته فمنع تسليمها وهذا أصح
(فصل) وان أصدق ذمي ذمية خمرا فتخللت في يدها ثم طلقها قبل دخوله بها احتمل أن لا
يرجع عليها بشئ لأنها قد زادت في يدها بالتخليل والزيادة لها وان أراد الرجوع بنصف قيمتها قبل
التخلل فلا قيمة لها وإنما يرجع إذا زادت في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين
56

القبض وحينئذ لا قيمة لها وان تخللت في يد الزوج ثم طلقها فلها نصفها لأن الزيادة لها ويحتمل أن يكون
الخل له وعليه نصف مهر مثلها إذا ترافعا إلينا قبل القبض أو أسلما أو أحدهما
(فصل) إذا تزوج امرأة فضمن أبوه نفقتها عشر سنين صح ذكره أبو بكر لأن أكثر ما فيه أنه
ضمان مجهول أو ضمان ما لم يجب وكلاهما صحيح ولا فرق بين كون الزوج موسرا أو معسرا واختلف
أصحاب الشافعي فمنهم من قال كقولنا ومنهم من قال لا يصح ضمان نفقة المعسر لأن غير المعسر يتغير
حاله فيكون عليه نفقة الموسر أو المتوسط فيكون ضمان مجهول والمعسر معلوم ما عليه ومنهم من قال لا
يصح أصلا لأنه ضمان ما لم يجب
ولنا أن الجهل لا يمنع صحة الضمان بدليل صحة ضمان نفقة المعسر مع احتمال أن يموت أحدهما
فتسقط النفقة ومع ذلك صح الضمان فكذلك هذا
* (مسألة) * (والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح فإذا طلقها قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما
وجب له من الامر وهو جائز الامر في ماله برئ منه صاحبه وعنه أنه الأب فله أن يعفوا عن نصف
صداق ابنته الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول)
اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح فظاهر مذهب أحمد أنه الزوج روي ذلك عن علي وابن
عباس وجبير بن مطعم رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وشريح وسعيد بن جبير ونافع مولى
57

ابن عمر ومجاهد وإياس بن معاوية وجابر بن زيد وابن سيرين والشعبي والثوري وأصحاب الرأي
والشافعي في الجديد وعن أحمد أنه الولي إذا كان أبا الصغيرة وهو قول الشافعي القديم إذا كان أبا
أو جدا وحكي عن ابن عباس وعلقمة والحسن وطاوس والزهري وربيعة ومالك أنه الولي لأن الولي
بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح لكونها قد خرجت عن يد الزوج ولان الله تعالى ذكر عفو
النساء عن نصيبهن فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه ليكون المعفو عنه في الموضعين
واحدا ولان الله تعالى بدأ بخطاب الأزواج على المواجهة بقوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن)
ثم قال (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهذا خطاب غير حاضر
ولنا ما روى الدارقطني باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن البني صلى الله عليه وسلم أنه قال
" ولي العقدة الزوج " ولان الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج فإنه يتمكن من قطعه وفسخه وامساكه
وليس للولي منه شئ ولان الله تعالى قال (وان تعفوا أقرب للتقوى) ولان المهر مال للزوجة فلا يملك الولي هبته
واسقاطه كغيره من أموالها وحقوقها كسائر الأولياء ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى الغائب كقوله تعالى
(حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) فعلى هذا متى طلق الزوج قبل الدخول ينصف المهر بينهما فإن
عفى الزوج لها عن النصف الذي له كمل لها الصداق جميعه وان عفت المرأة عن الصف الذي لها منه وتركت
58

له جميع الصداق جاز إذا كان العافي منهما رشيدا جائز الامر في ماله فإن كان صغيرا أو سفيها لم يصح
عفوه لأنه ليس له التصرف في ماله بهبة ولا إسقاط ولا يصح عفو الولي عن الزوجة أبا كان أو غيره
صغيرة كانت أو كبيرة نص عليه احمد في رواية الجماعة روى عنه ابن منصور إذا طلق وهي بكر قبل
أن يدخل بها فعفا أبوها أو زوجها ما أرى عفو الأب الا جائزا. قال أبو حفص ما أرى ما نقله ابن
منصور الا قولا لأبي عبد الله قديما فظاهر قول أبي حفص أن المسألة رواية واحدة، وان أبا عبد الله
رجع عن قوله بجواز عفو الأب وهو الصحيح لأن مذهبه أن لا يجوز للأب إسقاط ديون ولده الصغير
ولا اعتاق عبيده ولا تصرفه لهم إلا بما فيه مصلحتهم ولاحظ لها في هذا الاسقاط فلا يصح، وإن
قلنا برواية ابن منصور لم يصح إلا بخمس شرائط (أحدها) أن يكون أبا لأنه الذي يلي مالها ولا يتهم
عليها (الثاني) أن تكون صغيرة ليكون وليا على مالها فإن الكبيرة تلي مال نفسها (الثالث) أن تكون
بكرا لتكون غير متبذلة ولأنه لا يملك تزويج الثيب وان كانت صغيرة إلا على بعض الوجوه فلا تكون
ولايته عليه تامة (الرابع) أن تكون مطلقة لأنها قبل الطلاق معرضة لاتلاف البضع (والخامس)
أن يكون قبل الدخول لأن ما بعده قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف، ومذهب الشافعي على
نحو هذا إلا أنه يجعل الجد كالأب
(فصل) ولو ماتت امرأة الصغير أو السفيه أو المجنون على وجه يسقط صداقها عنهم مثل أن تفعل
59

امرأته ما يفسخ نكاحها برضاع من ينفسخ نكاحها برضاعه أو ردة أو بصفة كطلاق من السفيه أو رضاع
من أجنبية لم ينفسخ نكاحها برضاعه أو نحو ذلك ولم يكن لوليه العفو عن شئ من الصداق رواية واحدة
وهذا قول الشافعي، والفرق بينهم وبين الصغيرة أن وليها أكسبها المهر بتزويجها وههنا لم يكسبه
شيئا إنما رجع المهر إليه بالفرقة
(فصل) إذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته إياه بعد قبضه
وهي جائزة الامر في مالها جاز ذلك وصح بغير خلاف علمناه لقول الله تعالى (إلا أن يعفون) يعني
الزوجات. وقال تعالى (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال احمد في رواية
المروزي ليس بشئ قال الله تعالى (فكلوه هنيئا مريئا عنى المهر تهبه المرأة للزوج، وقال علقمة لامرأته
هبي لي من الهنئ المرئ يعني من صداقها وهل لها أن ترجع فيما وهبت زوجها؟ فيه روايتان عن أحمد
واختلاف من أهل العلم ذكرناه فيما مضى
(فصل) إذا طلقت قبل الدخول وتنصف المهر بينهما لم يخل من أن يكون عينا أو دينا فإن كان
دينا لم يخل اما أن يكون في ذمة الزوج لم يسلمه إليها أو في ذمتها بأن تكون قد قبضته وتصرفت فيه
أو تلف في يدها وأيهما كان فإن للذي له الدين أن يعفو عن حقه منه بأن يقول عفوت عن حقي من
الصداق أو أسقطته أو أبرأتك منه أو ملكتك إياه أو وهبتكه أو أحللتك منه أو أنت منه في حل أو
60

تركته لك أي ذلك سقط به المهر وبرئ منه الآخر، وإن لم يقبله لأنه إسقاط حق فلم يفتقر إلى
قبول كاسقاط القصاص والشفعة والعتق والطلاق ولذلك صح إبراء الميت مع عدم القبول منه ولو رد
ذلك لم يرتد وبرئ منه لما ذكرناه، وإن أحب العفو من الصداق في ذمته لم يصح العفو لأنه إن كان
في ذمة الزوج فقد سقط عنه بالطلاق، وإن كان في ذمة الزوجة فلا يثبت في ذمتها الا النصف الذي
يستحقه الزوج، وأما النصف الذي لها فهو حقها تصرفت فيه، وإنما يتجدد ملك الزوج للنصف
بطلاقه فلا يثبت في ذمتها غيره وأيهما أراد تكميل الصداق لصاحبه فإنه يتجدد له هبة مبتدأة، وأما
إن كان الصداق عينا في يد أحدهما فعفى الذي هو في يده للآخر فهو هبة له تصح بلفظ العفو والهبة
والتمليك ولا تصح بلفظ الابراء والاسقاط ويفتقر إلى القبض فيما يشترط القبض فيه، وان عفى غير الذي
هو في يده صح بهذه الألفاظ وافتقر إلى مضي زمان يتأتي القبض فيه إن كان الموهوب مما يفتقر إلى
القبض. وفيه اختلاف ذكرناه في الهبة
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه وإذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل
الدخول رجع عليها بنصفه وعنه لا يرجع بشئ، وإن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه؟ على
الروايتين إذا أصدق امرأته عينا فوهبتها له ثم طلقها قبل أن يدخل بها فعن أحمد فيه روايتان
61

(إحداهما) يرجع عليها بنصف قيمتها اختاره أبو بكر وهو أحد قولي الشافعي لأنها عادت إلى
الزوج بعقد مستأنف فلا يمنع استحقاقها بالطلاق كما لو عادت إليه بالبيع أو وهبها لأجنبي ثم وهبها له
(والرواية الثانية) لا يرجع عليها وهو قول مالك والمزني وأحد قولي الشافعي وقول أبي حنيفة
إلا أن تزيد العين أو تنقض ثم تهبها له لأن الصداق عاد إليه فلو لم تهبه لم يرجع بشئ وعقد الهبة لا يقتضي
ضمانا ولان نصف الصداق تعجل إليه بالهبة فإن كان الصداق دينا فأبرأته منه فإن قلنا لا يرجع ثم فههنا
أولى، وإن قلنا يرجع ثم خرج ههنا وجهان
(أحدهما) لا يرجع لأن الابراء اسقاط حق وليس بتمليك كتمليك الأعيان ولهذا لا يفتقر إلى
قبول، ولو شهد شاهدان على رجل بدين فأبرأه مستحقه ثم رجع الشاهدان لم يغرما شيئا، ولو كان
قبضه منه ثم وهبه له ثم رجع الشاهدان غرما
(والثاني) يرجع لأنه عاد إليه بغير الطلاق فهو كالعين والابراء بمنزلة الهبة ولهذا يصح بلفظها
فإن قبضت الدين منه ثم وهبته له ثم طلقها فهو كهبة العين لأنه تعين بقبضه، وقال أبو حنيفة يرجع ههنا
لأن الصداق قد استوفته كله ثم تصرفت فيه فوجب الرجوع عليها كما لو وهبته أجنبيا، ويحتمل أن
لا يرجع لأنه عاد إليه ما أصدقها فأشبه ما لو كان عينا فقبضتها ثم وهبتها، وإن وهبته العين وأبرأته من
62

الدين ثم فسخت النكاح بفعل من جهتها كاسلامها أو ردتها أو رضاعها لمن يفسخ نكاحها ارضاعه ففي
الرجوع عليها بجميع الصداق روايتان كما في الرجوع في النصف سواء
(فصل) فإن أصدقها عبدا فوهبته ثم طلقها قبل الدخول انبنى ذلك على الروايتين فإن قلنا إذا
وهبته الكل لم يرجع بشئ رجع ههنا في ربعه، وعلى الرواية الأخرى يرجع في النصف الباقي كله لأنه
وجده بعينه وبهذا قال أبو يوسف ومحمد والمزني وقال أبو حنيفة لا يرجع بشي لأن النصف حصل في
يده فقد استعجل حقه. وقال الشافعي في أحد أقواله كقولنا
(والثاني) له نصف النصف الباقي ونصف قيمة الموهوب
(والثالث) يتخير بين هذا وبين الرجوع بقيمة النصف. ولنا أنه وجد نصف ما أصدقها بعينه
فأشبه ما لو لم تهبه شيئا
(فصل) وان خالع امرأته بنصف صدقها قبل الدخول بها صح وصار الصداق كله له نصفه
بالطلاق ونصفه بالخلع ويحتمل أن يصير له ثلاثة أرباعه لأنه إذا خالعها بنصفه مع علمه أن النصف
يسقط عنه صار مخالفا بنصف النصف الذي يبقى لها فيصير له النصف بالطلاق والربع بالخلع، وان
خالعها بنصف مثل الصداق في ذمتها صح وصار جميع الصداق له نصفه بالطلاق ونصفه بالمقاصة بما
في ذمتها له عوض الخلع، ولو قالت أخلعني بما تسلم لي من صداقي فقد صح، وبرئ من جميع
63

الصداق وكذلك لو قالت اخلعني على أن لا تبعة عليك في المهر صح ويسقط جميعه عنه، وان خالعته
بمثل جميع الصداق في ذمتها صح ويرجع عليها بنصفه لأنه يسقط نصفه بالمقاصة بالنصف الذي لها عليه
ويسقط عنه النصف يبقى له عليها النصف وان خالعته بصداقها كله فكذلك في أحد الوجهين، وفي
الآخر لا يرجع عليها بشئ لأنه لما خالعها به مع العلم بسقوط نصفه بالطلاق كان مخالعا لها بنصفه
ويسقط عنه بالطلاق نصفه ولا يبقى لها شئ
(فصل) وإذا أبرأت المفوضة من المهر صح قبل الدخول وبعده وسواء في ذلك مفوضة البضع
ومفوضة المهر وكذلك من سمي لها مهر فاسد كالمهر المجهول لأن المهر واجب في هذه المواضع وإنما
جهل قدره والبراءة من المجهول صحيحة لأنها إسقاط فصحت في المجهول. وقال الشافعي لا تصح البراءة
في شئ من هذا لأن المفوضة لم يجب لها مهر فلا يصح الابراء مما لم يجب وغيرها مهرها مجهول والبراءة
من المجهول لا تصح الا أن تقول أبرأتك من درهم إلى الف فيبرأ من مهرها إذا كان دون الألف
وسوف نذكر الدليل على وجوبه فيما يأتي فيصح الابراء منه كما لو قال أبرأتك من درهم إلى ألف فإذا
أبرأت المفوضة ثم طلقت قبل الدخول فإن قلنا لا يرجع إلى المسمى لها لم يرجع ههنا، وإن قلنا يرجع
ثم احتمل أن لا يرجع ههنا لأن المهر كله سقط بالطلاق ووجبت المتعة بالطلاق ابتداء ويحتمل أن
يرجع لأنه عاد إليه مهرها بسبب غير الطلاق وفيما يرجع به احتمالان (أحدهما) يرجع بنصف مهر المثل
64

لأنه الذي وجب بالعقد فهو نصف المفروض (والثاني) يرجع بنصف المتعة لأنها التي تجب
بالطلاق فأشبهت المسمى
(فصل) فإن أبرأته المفوضة من نصف صداقها ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها لأن المتعة قائمة
مقام نصف الصداق وقد أبرأته منه فصار كما لو قبضته ويحتمل أن يجب لها نصف المتعة إذا قلنا إنه
لا يرجع عليها بشئ إذا أبرأته من جميع صداقها.
(فصل) إذا باع رجل عبدا بمائة ثم أبرأه البائع من الثمن أو قبضه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري
بالعبد عيبا فهل له رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ أرش العيب مع امساكه؟ على وجهين بناء على
الروايتين في الصداق إذا وهبته المرأة لزوجها ثم طلقها قبل الدخول، وان كانت بحالها فوهب
المشتري العبد للبائع ثم أفلس المشتري والثمن في ذمته فللبائع أن يضرب بالثمن مع الغرماء وجها واحدا
لأن الثمن ما عاد منه إلى البائع وكذلك كان يجب أداؤه إليه قبل الفلس بخلاف التي قبلها، ولو كاتب
عبدا ثم أسقط عنه مال الكتابة برئ وعتق ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب على السيد
أن يؤتيه إياه وكذلك لو أسقط عنه القدر الذي يلزمه إيتاؤه إياه واستوفى الباقي لم يلزمه أن يؤتيه
شيئا لأن اسقاطه عنه يقوم مقام الايتاء، وخرجه بعض أصحابنا على وجهين بناء على الروايتين
في الصداق ولا يصح لأن المرأة أسقطت الصداق الواجب لها قبل وجود سبب استحقاق
65

الزوج عليها نصفه وههنا أسقط السيد عن المكاتب ما وجد بسبب ايتائه إياه فقام اسقاطه مقام ايتائه
ولهذا لو قبضه السيد منه ثم آتاه إياه لم يرجع عليه بشئ، ولو قبضت المرأة صداقها أو وهبته لزوجها
ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها فافترقا.
(فصل) ولا يبرأ الزوج من الصداق الا بتسليمه إلى من يتسلم مالها فإن كانت رشيدة لم يبرأ
الا بالتسليم إليها أو إلى وكيلها ولا يبرأ بالتسليم إلى أبيها ولا إلى غيره بكرا كانت أو ثيبا
قال أحمد إذا أخذ مهر ابنته فأنكرت فذلك لها ترجع على زوجها بالمهر ويرجع الزوج على أبيها
فقيل له أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " قال نعم ولكن هذا لم يأخذ منها إنما يأخذ من
زوجها وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة له قبض صداق البكر دون الثيب لأن ذاك العادة
ولان البكر تستحي فقام أبوها مقامها كما قام مقامها في تزويجها.
ولنا أنها رشيدة فلم يكن لغيرها قبض صداقها كالثيب أو عوض ملكته وهي رشيدة فلم يكن لغيرها
قبضه بغير اذنها كثمن مبيعها، وان كانت غير رشيدة سلمه إلى وليها في مالها من أبيها أو وصيه من
الحاكم لأنه من جملة أموالها فهو كأجرة دارها.
66

* (مسألة) * (وكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول كطلاقه وخلعه واسلامه وردته
أو من أجنبي كالرضاع ونحوه يتنصف بها المهر بينهما)
لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ثبت في
الطلاق وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج، وأما فرقة الأجنبي كالرضاع ونحوه تسقط نصف المهر ويجب
نصفه أو المتعة لغير من سمى لها ثم يرجع الزوج على من فسخ النكاح إذا جاء الفسخ من قبل أجنبي
لأنه قرره عليه، وان قتلت المرأة استقر المهر جميعه لأنها فرقة حصلت الموت وأثبتها النكاح أشبه ما لو
ماتت حنف أنفها سواء قتلها زوجها أو أجنبي أو قتلت نفسها أو قتل الأمة سيدها وان طلق الحاكم على
الزوج في الايلاء فهو كطلاقه لأنه قام مقامه في إيفاء الحق عند امتناعه منه
* (مسألة) * (وكل فرقة جاءت من المرأة قبل الدخول كاسلامها أو ردتها أو رضاعها من ينفسخ
النكاح برضاعه أو ارتضاعها وهي صغيرة أو فسخها لعنته واعساره أو فسخه لعيبها أو فسخها لعتقها
تحت عبد فإنه يسقط به مهرها ولا تجب المتعة لأنها أتلفت العوض قبل تسليمه فسقط البدل كله
كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه
* (مسألة) * (وفرقة للعان تخرج على روايتين) [إحداهما] هي كطلاقه لأن سبب اللعان قذفه
67

الصادر منه فأشبه الخلع (والثانية) يسقط به مهرها لأن الفسخ عقب لعانها فهو كفسخها لعيبه
* (مسألة) * (وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان)
إذا اشترت المرأة زوجها ففيه وجهان [أحدهما] يتنصف به مهرها، لأن البيع الموجب للفسخ تم بالسيد
وبالمرأة، فأشبه الخلع (والثاني) يسقط به المهر لأن الفسخ وجد عقيب قبولها فأشبه فسخها لعيبه وكذلك
شراء الزوج امرأته وان جعل لها الخيار فاختارت نفسها أو وكلها في الطلاق فطلقت نفسها فهو كطلاقه
لا يسقط مهرها لأن المرأة وان باشرت الطلاق فهي نائبة عنه ووكيلة عنه وفعل الوكيل كفعل الموكل
فكأنه صدر عن مباشرته، وان علق طلاقها على فعل من قبلها لم يسقط مهرها لأن السبب منه وجد وإنما
هي حققت شرطه والحكم ينسب إلى صاحب السبب
* (مسألة) * (وفرقة الموت يستقر بها المهر كله، كالدخول إذا كان المهر مسمى)
وفي المفوضة اختلاف نذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى ولو قتلت نفسها أو قتلها غيرها فهو كالموت
حتف أنفها لأنها فرقة حصلت بانقضاء الاجل وأثبتها النكاح فهو كموتها حتف أنفها
* (فصل) * قال رضي الله عنه (وإذا اختلف الزوجان في قدر الصداق فالقول قول الزوج مع
يمينه وعنه القول قول من يدعى مهر المثل منهما)
إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق ولا بينة لهما فقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك
فروي عنه أن القول قول الزوج بكل حال، وهذا قول الشعبي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي ثور
68

وبه قال أبو يوسف إلا أن يدعي مستنكرا وهو أن يدعى مهرا لا يتزوج بمثله في العادة لأنه منكر
للزيادة ومدعى عليه فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام " ولكن اليمين على المدعى عليه "
وروي عنه أن القول قول من يدعى مهر المثل فإذا ادعت المرأة مهر المثل أو أقل منه فالقول قولها وان
ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر فالقول قوله وبهذا قال أبو حنيفة وهو الذي ذكره الخرقي وعن الحسن
والنخعي وحماد بن أبي سليمان وأبي عبيد نحوه
* (مسألة) * (فإن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إليه بلا يمين عند القاضي في الأحوال كلها
لأن الظاهر قول من يدعى مهر المثل فكان القول قوله قياسا على المنكر في سائر الدعاوى وعلى
المودع إذا ادعى التلف أو الرد، وقال أبو الخطاب تجب اليمين لأنه اختلاف فيما يجوز بذله فتشرع فيه
اليمين كسائر الدعاوى في الأموال، وقال القاضي لا تشرع اليمين في الأحوال كلها لأنها دعوى في
النكاح، والأولى أن يتحالفا فإن ما يقوله كل واحد منهما يحتمل الصحة فلا يعدل عنه الا بيمين
كسائر الدعاوى، ولأنهما تساويا في عدم الظهور فيشرع التحالف كما لو اختلف المتبايعان وهذا
قول أبي حنيفة وقال الشافعي يتحالفان، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت ما قاله وان حلفا وجب
مهر المثل وبه قال الثوري قياسا على المتبايعين إذا اختلفا في الثمن وقال مالك إن كان الاختلاف قبل
الدخول تحالفا وفسخ النكاح وإن كان بعده فالقول قول الزوج وبناه على أصله في المبيع فإنه يفرض
69

في التحالف قبل القبض أو بعده لأنه إذا سلمت نفسها بغير اشهاد فقد رضيت بأمانته،
ووجه قول من لا يرى التحالف أنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلا يشرع فيه كالعفو عن دم
العمد ولان القول بالتحالف يفضي إلى ايجاب أكثر مما يدعيه أو أقل مما يقر لها به فإنها إذا
كان مهر مثلها مائة فادعت ثمانين وقال هو بل هو خمسون أوجب لها عشرين يتفقان على أنها غير واجبة
ولو ادعت مائتين وقال هو بل مائة وخمسون ومهر مثلها مائة فقد أسقط خمسين يتفقان على وجوبها
ولان مهر المثل ان لم يوافق دعوى أحدهما لم يجز ايجابه لاتفاقهما على أنه غير ما أوجبه العقد وان
وافق قول أحدهما فلا حاجة في ايجابه إلى يمين من ينفيه لأنها لا تؤثر في ايجابه، وفارق البيع فإنه
ينفسخ بالتحالف ويرجع كل واحد منهما في ماله، وما ادعاه مالك من أنها استأمنته لا يصح فإنها لم
تجعله أمينا ولو كان أمينا لها لوجب أن تكون أمينة حين لم يشهد عليها على أنه لا يلزم من الاختلاف
عدم الاشهاد لأنه قد يكون بينهما بينة فيموت أو يغيب أو ينسى الشهادة. إذا ثبت هذا فكل من
قلنا القول قوله فهو مع يمينه لأنه اختلاف فيما يجوز بذله فتشرع فيه ليمين كسائر الدعاوي لما ذكرنا من الحديث
* (مسألة) * (وان قال تزوجتك على هذا العبد قالت بل على هذه الأمة خرج على الروايتين)
فإن كانت قيمة العبد مهر المثل أو أكثر وقيمة الأمة فوق ذلك حلف الزوج ووجب لها قيمة العبد
لأن قوله يوافق الظاهر ولا يجب عين العبد لئلا يدخل في ملكها ما ننكره، وإن كانت قيمة الأمة مهر
70

المثل أو أقل وقيمة العبد أقل من ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها وهل تجب الأمة أو قيمتها؟ فيه
وجهان (أحدهما) تجب عينها لأننا قبلنا قولها في القدر فكذلك في العين فأوجبناه وليس في ذلك ادخال
ما تنكره في ملكها (والثاني) يجب لها قيمتها لأن قولها إنما وافق الظاهر في القدر لا في العين فأوجبنا
لها ما وافق الظاهر فيه، وإن كان كل واحد منهما قدر مهر المثل أو كان العبد أقل من مهر المثل والأمة
أكثر منه وجب مهر المثل بالتحالف وظاهر قول القاضي ومن وافقه أن اليمين لا تشرع في هذا كله والله أعلم
(فصل) إذا أنكر الزوج صداق امرأته وادعت ذلك عليه فالقول قولها فيما يوافق مهر مثلها
سواء ادعى أنه وفاها أو أبرأته منه أو قال لا تستحق علي شيئا وسواء في ذلك ما قبل الدخول وبعده
وبه قال سعيد بن جبير والشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب
الرأي، وحكي عن الفقهاء السبعة أنهم قالوا إن كان بعد الوفاة فالقول قول الزوج والدخول بالمرأة يقطع
الصداق وبه قال مالك قال أصحابه إنما قال ذلك إذا كانت العادة تعجيل الصداق كما كان بالمدينة أو كان
الخلاف فيما تعجل منه في العادة لأنها لا تسلم نفسها في العادة الا بقبضه فكان الظاهر معه
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى عليه " ولأنه ادعى تسليم الحق الذي عليه فلم يقبل بغير
بينة كما لو ادعى تسليم الثمن أو كما قبل الدخول
71

(فصل) فإن دفع إليها ألفا ثم اختلفا فقال دفعتها إليك صداقا وقالت بل هبة فإن اختلفا ببينة فقالت
قصدت الهبة فقال بل قصدت دفع الصداق فالقول قول الزوج بغير يمين لأنه اعلم ببينته ولا تطلع
المرأة عليها، وان اختلفا في لفظه فقالت قد قلت هذي هبة أو هدية فأنكرها فالقول قوله مع يمينه
لأنها تدعي عليه عقدا على ملكه وهو ينكره فأشبه ما لو ادعت عليه بيع ملكه لها لكن إن كان
المدفوع من غير جنس الواجب عليه كأن أصدقها دراهم فدفع إليها عرضا ثم اختلفا وحلف أنه دفع
إليها ذلك من صداقها فللمرأة رد العوض ومطالبته بصداقها قال أحمد في رواية الفضل بن زياد في
رجل تزوج امرأة على صداق الف فبعث إليها بقيمته متاعا وثيابا ولم يخبرهم أنه من الصداق فلما دخل
سألته الصداق فقال لها قد بعثت إليك بهذا المتاع واحتسبته من الصداق فقالت المرأة صداقي دراهم
ترد الثياب والمتاع وترجع إليه بصداقها، فهذه الرواية إذا لم يخبرهم أنه صداق، فأما إذا ادعى أنها
احتسبت به من الصداق وادعت المرأة أنه قال هي هبة فينبغي أن يحلف كل واحد منهما ويتراجعان
بما لكل واحد منهما وحكي عن مالك أنه إن كان مما جرت العادة بهديته كالثوب والخاتم فالقول
قولها لأن الظاهر معها والا فالقول قوله
ولنا أنهما اختلفا في صفة انتقال ملكه فكان القول قول المالك كما لو قال أودعتك هذه
العين قالت بل وهبتنيها.
72

(فصل) فإن مات الزوجان فاختلفت ورثتهما قام ورثة كل واحد منهما مقامه الا أن من يحلف منهم على
الاثبات يحلف على البت ومن يحلف على النفي يحلف على نفي العلم لأنه يحلف على نفي فعل الغير وبه قال الشافعي
وقال أبو حنيفة ان مات أحد الزوجين فكذلك وان مات الزوجان فادعى ورثة المرأة التسمية وأنكرها
ورثة الزوج جملة لم يحكم عليهم بشئ قال أصحابه إنما قال ذلك إذا تقادم العهد لأنه تعذر الرجوع
إلى مهر المثل لأنه تعتبر فيه الصفات والأوقات وقال محمد بن الحسن يقضى بمهر المثل وقال زفر
بعشرة دراهم لأنه أقل الصداق.
ولنا أن ما اختلف فيه المتعاقدان قام ورثتهما مقامهما كالمتبايعين وما ذكروه ليس بصحيح لأن الحق
لا يسقط لتقادم العقد ولا يتعذر الرجوع في ذلك كقيم سائر المتلفات
(فصل) فإن اختلف الزوج وأبو الصغيرة والمجنونة قام الأب مقام الزوجة في اليمين لأنه يحلف
على فعل نفسه ولان قوله مقبول فيما اعترف به من الصداق فسمعت يمينه كالزوجة فإن لم يحلف
حتى بلغت وعقلت فاليمين عليها دونه لأن الحق لها وإنما يحلف هو لتعذر اليمين من جهتها فإذا أمكن في
حقها صارت اليمين عليها كالوصي إذا بلغ الأطفال قبل يمينه فيها يحلف فيه فأما في البكر البالغة العاقلة
فلا تسمع مخالفة الأب لأن قولها مقبول في الصداق والحق لها دونه وأما سائر الأولياء فليس لهم
تزويج صغيرة إلا على رواية في بنت تسع وليس لهم أن يزوجوا بدون مهر المثل ولو زوجوها
73

بدون مهر المثل ثبت مهر المثل من غير يمين فادعى ادعى أنه زوجها بأكثر من مهر مثلها فاليمين على
الزوج لأن القول قوله في قدر مهر المثل
(فصل) إذا أنكر الزوج تسمية الصداق وادعى أنه تزوجها بغير صداق فإن كان بعد الدخول
نظرنا فإن ادعت المرأة مهر المثل أو دونه وجب من غير يمين لأنها لو صدقته في ذلك لوجب مهر
المثل فلا فائدة في الاختلاف وإن ادعت أقل من مهر المثل فهي مقرة بنقصها عما يجب لها بدعوى
الزوج فيجب ان يقبل قولها بغير يمين وان ادعت أكثر من مهر المثل لزمته اليمين على نفي ذلك
ويجب لها مهر المثل وإن كان اختلافهما قبل الدخول انبنى على الروايتين فيما إذا اختلفا في
قدر الصداق فإن قلنا القول قول الزوج فلها المتعة وإن قلنا القول قول من يدعي مهر المثل قبل
قولها ما ادعت مهر المثل هذا إذا طلقها وإن لم يطلقها فرض لها مهر المثل على الروايتين وكل من
قلنا القول قوله فعليه اليمين.
* (مسألة) * وإن اختلفا في قبض الصداق فالقول قولها مع يمينها إذا لم تكن بينة)
لأن الأصل عدمه وإن اختلفا فيما يستقر به فالقول قوله لأنه منكر والقول قول المنكر
ولان الأصل عدمه.
74

* (مسألة) * (وان تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية وإن كان انعقد بالسر في
ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي ان تصادقا على السر لم يكن لها غيره)
ظاهر كلام أحمد أنه يؤخذ بالعلانية على ما رواه الأثرم وهو قول الشعبي وابن أبي ليلى والثوري وأبي
عبيد وقال القاضي الواجب المهر الذي انعقد به النكاح سرا كان أو علانية وحمل كلام أحمد والخرقي على أن
المرأة لم تفر بنكاح السر فثبت مهر العلانية لأنه الذي انعقد به النكاح وهذا قول سعيد بن عبد العزيز
وأبي حنيفة والأوزاعي والشافعي ونحوه عن شريح والحسن والزهري والحكم بن عتيبة ومالك وإسحاق
لأن العلانية ليس بعقد ولا يتعلق به وجوب شئ ووجه قول الخرقي أنه إن كان مهر السر أكثر
من العلانية وجب مهر السر لأنه وجب عليه بعقده ولم تسقطه العلانية فنفى وجوبه فاما ان اتفقا على
أن المهر الف وأنهما يعقدان العقد بألفين تجملا ففعلا ذلك فالمهر الفان لأنها تسمية صحيحة في عقد
صحيح فوجب كما لو لم يتقدمها اتفاق على خلافها وهذا أيضا قول القاضي ومذهب الشافعي ولا فرق
فيما ذكرناه بين أن يكون السر من جنس العلانية نحو أن يكون السر ألفا والعلانية الفين أو يكونا من
جنسين مثل أن يكون السر مائة درهم والعلانية مائة دينار إذا قلنا إن الواجب مهر العلانية فيستحب
للمرأة أن تفي الزوج بما وعدت به وشرطته من أنها لا تأخذ إلا مهر السر قال أحمد في رواية ابن
منصور إذا زوج امرأة في السر بمهر وأعلنوا بمهر ينبغي لهم أن يفوا ويؤخذ بالعلانية فاستحب الوفاء
75

بالشرط لئلا يحصل منهم غرور ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " المؤمنون على شروطهم " وعلى قول القاضي
إذا ادعى الزوج عقدا في السر انعقد به النكاح فيه مهر قليل فصدقته المرأة فليس لها سواه وان أكذبته
فالقول قولها لأنها منكرة.
* (مسألة) * (وان قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها
لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكما كالأول ولان المهر في العقد الثاني إن كان دخل بها ونصف
المهر في العقد الأول ان ادعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول وان أصر على الانكار سئلت المرأة
فإن ادعت أنه دخل بها في النكاح الأول ثم طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها نكاحا ثانيا حلفت على ذلك
واستحقت وان أقرت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما أقرت به
(فصل) إذا خلا الرجل بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة
وان لم يطأ روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال علي بن الحسين
وعروة وعطاء والزهري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي وهو قول أصحاب الشافعي القديم
قال شريح والشعبي وطاوس وابن سيرين والشافعي في الجديد لا يستقر إلا بالوطئ وحكي
ذلك عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وروي ذلك عن أحمد فري عنه يعقوب بن بختان أنه قال
إذا أصدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة وذلك لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن
76

من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه قد طلقها قبل أن يمسها وقال
الله تعالى (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض؟) والافضاء الجماع، ولأنها مطلقة لم تمس
أشبهت ما لم يخل بها.
ولنا اجماع الصحابة فروى الإمام أحمد والأثرم باسنادهما عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء
الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة. ورواه أيضا
عن الأحنف عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب وعن سعيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق
كاملا. وهذه قضايا اشتهرت ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان اجماعا، وما رواه عن ابن عباس:
لا يصح، قال أحمد يرويه ليث وليس بالقوي وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث وحنظلة أقوى من
ليث وحديث ابن مسعود منقطع قاله ابن المنذر ولان التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به
البدل كما لو وطئها أو كما لو أجرت دارها أو سلمتها أو باعتها، وأما قوله تعالى (من قبل أن تمسوهن)
فيحتمل أنه كنى بالسبب عن المسبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرناه، وأما قوله (وقد أفضى بعضكم
إلى بعض) فقد حكي عن الفراء أنه قال الافضاء الخلوة دخل بها أو لم يدخل لأن الافضاء مأخوذ من
الفضاء وهو الخالي فكأنه قال وقد خلا بعضكم إلى بعض
(فصل) وحكم الخلوة حكم الوطئ في تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا
77

طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة له عليها في عدتها، وقال الثوري وأبو حنيفة لا رجعة له عليها
إذا أقر أنه لم يصبها
ولنا قول الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ولأنها معتدة من نكاح صحيح لم ينفسخ
نكاحها وكمل عدد طلاقها ولا طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة كما لو أصابها ولها عليه نفقة العدة
والسكنى لأن ذلك لمن لزوجها عليها الرجعة وتفارق الخلوة الوطئ في أنها لا تثبت بها الإباحة للزوج
المطلق ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي
عسيلته ويذوق عسيلتك " ولا يثبت بها الاحصان لأنه يعتبر لايجاب الحد والحدود تدرأ بالشبهات
ولا يجب الغسل لأنها ليست من موجبات الغسل اجماعا ولا يخرج بها من العنة لأن العنة العجز عن
الوطئ فلا تزول إلا بحقيقته ولا تحصل بها الفيئة لأنها الرجوع عما حلف عليه وإنما حلف على ترك
الوطئ، ولان حق المرأة لا يحصل إلا بيقين الوطئ ولا تفسد بها العبادات ولا تجب بها الكفارة،
وأما تحريم الربيبة فعن أحمد أنه يحصل بالخلوة، وقال القاضي وابن عقيل لا تحرم، وحمل القاضي
كلام احمد على أنه حصل مع الخلوة نظر أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين أن ذلك يحرم
والصحيح أنها لا تحرم لقول الله تعالى (فإن لم تكونوا دخلتم بهن) والدخول كناية عن الوطئ والنص
صريح في إباحتها بدونه فلا يجوز خلافه
78

(فصل) وسواء في ذلك الخلوة بها وهما محرمان أو صائمان أو حائض أو سالمان من الوطئ شرعي
كالاحرام والصيام والحيض والنفاس أو حقيقي كالجب والعنة والرتق في المرأة فعنه أن الصداق يستقر
بكل حال وبه قال عطاء وابن أبي ليلى والثوري لعموم ما ذكرناه من الاجماع وقال عمر في العنين يؤجل
سنة فإن وطئها وإلا أخذت الصداق كاملا وفرق بينهما وعليها العدة ولان التسليم المستحق عليها قد
وجد وإنما الحيض والاحرام والرتق من غير جهتها فلا يؤثر في المهر كما لا يؤثر في اسقاط النفقة وروي
أنه لا يكمل الصداق وهو قول شريج وأبي ثور لأنه لم يتمكن من تسليمها فلم يجب عليه مهرها كما لو
منعت نفسها منه يحققه أن المنع من التسليم لا فرق بين كونه من أجنبي أو من العاقد كالإجارة، وعنه
رواية ثالثة إن كانا صائمين صوم رمضان لم يكمل الصداق وإن كان غيره كمل
قال أبو داود سمعت احمد وسئل عن رجل دخل على أهله وهما صائمان في غير شهر رمضان
فأغلق الباب وأرخى الستر؟ قال وجب الصداق، قيل لأحمد فشهر رمضان؟ قال شهر رمضان خلاف
لهذا، قيل له فكان مسافرا في رمضان؟ قال هذا مفطر يعنى وجب الصداق وهذا يدل على أنه متى
كان المانع متأكدا كالاحرام وصوم رمضان لم يكمل الصداق، وقال القاضي إن كان المانع لا يمنع
دواعي الوطئ كالجب والعنة والرتق والمرض والحيض والنفاس وجب الصداق، وإن كان يمنع
دواعيه كالاحرام وصيام الفرض فعلى روايتين، وقال أبو حنيفة إن كان المانع من جهتها لم يستقر
79

الصداق، وإن كان من جهته صيام فرض أو إحرام لم يستقر الصداق أيضا وإن كان حقا ادعته كمل الصداق
لأن المانع من جهته وذلك لا يمنع وجود التسليم المستحق منها فكمل حقها كما تلزم الصغير نفقة امرأته إذا أسلمت إليه
(فصل) فإن خلا بها وهي صغيرة لا يمكن وطؤها أو كانت كبيرة فمنعته نفسها أو كان أعمى فلم
يعلم بدخولها عليه لم يكمل صداقها نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج المرأة فأدخلت عليه فأرخى الستر
وأغلق الباب فإن كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق وأومأ إلى أنها إذا نشزت عليه ومنعته نفسها
لا يكمل صداقها. وذكره ابن حامد وذلك لأنه لم يوجد لتمكين من جهتها فأشبه ما لو لم يخل بها،
وكذلك لو خلا بها وهو طفل لا يتمكن من الوطئ لم يكمل الصداق لأنه في معنى الصغيرة في عدم
التمكن من الوط.
(فصل) فإن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة كالقبلة ونحوها فالنصوص عن أحمد
انه يكمل به الصداق فإنه إذا أخذها فشمها وقبض عليها من غير أن يخلو بها لها الصداق كاملا إذا
نال منها شيئا لا يحل لغيره، وقال في رواية مهنا إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة تغتسل أوجب
عليه المهر، ورواه عن إبراهيم إذا اطلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر لأنه نوع استمتاع فهو كالقبلة
قال القاضي يحتمل أن هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك وفيه روايتان فيكون في تكميل
الصداق به وجهان:
80

(أحدهما) يكمل به الصداق لما روى الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل " ولأنه
مسيس فيدخل في قوله (من قبل أن تمسوهن) ولأنه استمتاع بامرأته فكمل به الصداق كالوطئ،
(والوجه الآخر) لا يكمل به الصداق وهو قول أكثر أهل العلم لأن قول الله تعالى (تمسوهن) إنما أريد
به في الظاهر الجماع ومقتضى قوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) أن لا يكمل الصداق لغير
من وطئها ولا تجب عليها العدة، ترك عمومه فيمن دخل بها للاجماع الوارد عن الصحابة فيبقى فيما
سواه على مقتضى العموم.
* (فصل) * في المفوضة وهي على ضربين (تفويض البضع) وهو أن يزوج الأب ابنته البكر أو تأذن
المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر (والثاني) تفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أو
شاء أجنبي فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل.
يصح النكاح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم بدليل قوله تعالى (لا جناح عليكم إن
طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن امرأة تزوجها
رجل ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات؟ فقال ابن مسعود لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط
81

وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت
واشق امرأة منا مثل ما قضيت. رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولان القصد من
النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة، وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه
مثل أن يقول زوجتك بغير مهر فيقبله كذلك، ولو قال زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح أيضا
وقال بعض الشافعية لا يصح في هذه الصورة لأنها تكون كالموهوبة وليس بصحيح فإنه يصح فيما
إذا قال زوجتك بغير مهر فيصح ههنا لأن معناهما واحد فما صح في إحدى الصورتين المتساويتين
صح في الأخرى وليس كالموهوبة لأن الشرط يفسد ويجب المهر، وقد ذكرنا أن المزوجة بغير مهر تسمى
مفوضة بكسر الواو وفتحها فمن كسر أضاف الفعل على أنها فاعلة ومن فتح أضافه إلى وليها ومعنى
التفويض الاهمال كأنهما أهملت أمر المهر حيث لم تسمه. قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لاسراء لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا
يعني مهملين والذي ذكره الخرقي تفوض البضع وهو الذي ينصرف إليه اطلاق التفويض
(الضرب الثاني) تفويض المهر وهو أن يجعلا الصداق إلى رأي أحدهما أو رأي أجنبي فيقول
زوجتك على ما شئت أو على حكمك أو حكمها أو حكم أجنبي ونحوه فهذه لها مهر المثل في ظاهر كلام احمد
82

لأنها لم تزوج نفسها إلا بصداق لكنه مجهول فسقط لجهالته ووجب مهر المثل والتفويض الصحيح أن
تأذن المرأة الجائزة الامر لوليها في تزويجها بغير مهر أو بتفويض قدره أو يزوجها أبوها كذلك، فأما
إن زوجها غير أبيها ولم يذكر مهرا بغير اذنها في ذلك فإنه يجب مهر المثل، وقال الشافعي لا يكون التفويض إلا
الصورة الأولى وقد مضى الكلام معه في أن للأب أن يزوج ابنته بدون صداق مثلها فلذلك يجوز تفويضه
* (مسألة) * (ولها المطالبة بفرضه لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجب لها المطالبة ببيان قدره)
وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا فإن اتفق الزوجان على فرضه جاز ما فرضاه قليلا كان أو
كثيرا سواء كانا عالمين بمهر المثل أو لا، وقال الشافعي في قوله لا يصح الفرض لغير مهر المثل الا مع
علمها بمهر المثل لأن ما فرضه بدل عن مهر المثل فيحتاج أن يكون المبدل معلوما
ولنا أنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه وان رضيت باليسير فقد رضيت
بدون ما يجب لها فلا يمنع من ذلك، قولهم انه بدل لا يصح فإن البدل غير المبدل والمفروض إن كان
ناقصا فهو بعضه وإن كان أكثر فهو الواجب وزيادة ولا يصح جعله بدلا، ولو كان بدلا
لما جاز مع العلم لأنه يبدل ما فيه الربا بجنسه متفاضلا
وقد روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل " أترضى أني أزوجك فلانة؟ " قال:
نعم، وقال للمرأة " أترضي أن أزوجك فلانا؟ " قالت نعم، فزوج أحدهما بصاحبه فدخل عليها
83

ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاء قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم يفرض لها صداقا
ولم أعطها شيئا واني قد أعطيتها عن صداقها سهمي الذي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة الف، فاما ان
تشاحا فيه ففرض لها مهر مثلها أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه فإن لم ترض به لم يستقر لها
حتى ترضاه فإن طلقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة لأنه لا يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة
الابتداء، وان فرض لها أقل من مهر المثل فلها المطالبة ولم يثبت لها بفرضه ما لم ترض به. فإن
ارتفعا إلى الحاكم فليس له ان يفرض لها الا مهر المثل لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها.
ولا يحل الميل ولأنه إنما يفرض له بدل البضع فيقدر بقدره كالسلعة إذا أتلفت يرجع إلى تقويمها بقول
أهل الخبرة، ويعتبر معرفة مهر المثل ليتوصل إلى امكان فرضه ومتى صح الفرض صار كالمسمى في
العقد في أنه يتنصف بالطلاق ولا تجب المتعة معه ويلزمها ما فرضه الحاكم سواء رضيت به أو لم ترض
كما يلزم ما حكم به.
(فصل) وان فرض لها أجنبي مهر مثلها فرضيته لم يصح وكان وجوده كعدمه لأنه ليس بزوج
ولا حاكم فإن سلم إليها ما فرض لها فريضته احتمل ان يصح لما ذكرنا فيكون حكمها حكم من لم يفرض
لها ويسترجع ما أعطاها لأن تصرفه ما صح ولا برئت به ذمة الزوج ويحتمل ان يصح لأنه يقوم مقامه
في قضاء المسمى فيقوم مقامه في قضاء ما يوجبه العقد غير المسمى. فعلى هذا إذا طلقت قبل الدخول
84

رجع نصفه إلى الزوج لأنه ملكه إياه حين قضى به دينا عليه فيعود إليه كما لو دفعه هو. ولأصحاب
الشافعي مثل هذين الوجهين ولهم وجه ثالث انه يرجع بنصفه إلى الأجنبي وذكره القاضي لنا وجها ثالثا
قال شيخنا وقد ذكرنا ما يدل على صحة ما قلناه ولو أن رجلا قضى المسمى عن الزوج صح،
ثم إن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إليه وان فسخت نكاح نفسها بفعل من جهتها رجع جميعه إليه
وعلى الوجه الآخر يرجع إلى من قضاه.
(فصل) ويجب المهر للمفوضة بالعقد وإنما يسقط إلى المتعة بالطلاق وهذا مذهب أبي حنيفة، واختلف
أصحاب الشافعي فمنهم من قال الصحيح انه يجب بالعقد وقال بعضهم لا يجب بالعقد قولا واحدا ولا يجئ على
أصل الشافعي غير هذا لأنه لو وجب بالعقد لتنصف بالطلاق كالمسمى في العقد
ولنا أنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كما في
العقد الفاسد ولان النكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي إلى خلوه عنه وإلى أن
النكاح انعقد صحيحا وملك الزوج الوطئ ولا مهر فيه وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى نقل غير المسمى
لها بالطلاق إلى المتعة كما نقل ما سمى لها إلى نصف المسمى لها، فعلى هذا لو فوض الرجل مهر أمته ثم
أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر كان لمعتقها أو بائعها لأن المهر وجب بالعقد في ملكه، ولو فوضت المرأة
نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد بغير مهر مثلها أو دخل بها لوجب مهر مثلها حالة العقد لما ذكرناه
85

ووافق أصحاب الشافعي على ذلك لأن الوجوب يستند إلى حالة العقد إلا في الأمة التي أعتقها أو
باعها في أحد الوجهين
(فصل) يجوز الدخول بالمرأة قبل اعطائها شيئا سواء كانت مفوضة أو مسمى لها، وبه قال سعيد
ابن المسيب والحسن والنخعي والثوري والشافعي وروي عن ابن عباس وابن عمر والزهري وقتادة
ومالك لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا قال الزهري مضت السنة ان لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا
قال ابن عباس يخلع إحدى نعليه ويلقيها إليها وروى أبو داود باسناده عن رجل من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئا فقال
يا رسول الله ليس لي شئ فقال " أعطها درعك، فأعطاها درعه ثم دخل بها ورواه ابن عباس
أيضا قال لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطها شيئا " قال ما عندي قال " أعطها درعك
الحطمية " رواه أبو داود والنسائي
ولنا حديث عقبة بن عامر في الذي زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها ولم يعطها شيئا وروت عائشة
قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا رواه ابن ماجة ولأنه
عوض في عقد معاوضة فلم يقف جواز تسليم المعوض على قبض شئ منه كالثمن في البيع والأجرة في
الإجارة، وأما الاخبار فمحمولة على الاستحباب فإنه يستحب أن يعطيها قبل الدخول شيئا موافقة
86

للاخبار ولعادة الناس فيما بينهم ولتخرج المفوضة عن شبه الموهوبة وليكون ذلك اقطع للخصومة
ويمكن حمل قول ابن عباس ومن وافقه على الاستحباب فلا يكون بين القولين فرق والله أعلم
* (مسألة) * (وإن مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه ولها مهر نسائها)
إذا مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض فللآخر الميراث بغير خلاف فيه فإن الله تعالى فرض
لكل واحد من الزوجين فرضا وعقد الزوجية ههنا صحيح ثابت فيورث به لدخوله في عموم النص
(فصل) (ولها مهر نسائها وعنه أنه يتنصف بالموت الا أن يكون قد فرضه لها) ظاهر المذهب أن
لها مهر نسائها وهو الصحيح إن شاء الله تعالى واليه ذهب ابن مسعود ابن شبرمة وابن أبي ليلى
والثوري وإسحاق. وروي عن علي وابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة ومالك والأوزاعي لا مهر لها
لأنها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس فلم يجب بها مهر كفرقة الطلاق وقال أبو
حنيفة كقولنا في المسلمة وكقولهم في الذمية وعن أحمد رواية أخرى لا يكمل وتنصف إذا لم يكن
فرضه لها لأن المفروض لها تخالف التي لم يفرض لها في الطلاق فجاز أن تخالفها بعد الموت
وللشافعي قولان كالروايتين
ولنا ما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قضى لامرأة لم يفرض لها زوجها صداقا ولم
87

يدخل بها حتى مات فقال لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل
ابن سنان الأشجعي فقال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق مثل ما قضيت قال الترمذي
هذا حديث حسن صحيح وهو نص في محل النزاع ولان الموت معنى يكمل به المسمى فكمل به مهر
المثل للمفوضة كالدخول، وقياس الموت على الطلاق لا يصح فإن الموت يتم به النكاح فيكمل به الصداق
والطلاق يقطعه ويزيله قبل اتمامه وكذلك وجبت العدة بالموت قبل الدخول ولم تجب بالطلاق وكمل
المسمى بالموت ولم يكمل بالطلاق فإنها زوجة مفارقة بالموت فكمل لها الصداق كالمسلمة أو كما لو سمى لها
ولان المسلمة والذمية لا يختلفان في الصداق في موضع فوجب ان لا يختلفا ههنا وإن كان قد فرضه لها
لم يتنصف بالموت على الروايتين جميعا
* (مسألة) * (فإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا المتعة)
إذا طلقت المفوضة البضع قبل الدخول فليس لها الا المتعة نص عليه احمد في رواية جماعة وهو قول
ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأبي
عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح يوجب مهر
المثل بعد الدخول فيوجب نصفه بالطلاق قبل الدخول كما لو سمى لها محرما، وقال مالك والليث وابن أبي
ليلى المتعة مستحبة غير واجبة لأن الله تعالى قال (حقا على المحسنين) فخصهم بها فيدل على أنها على سبيل
الاحسان والتفضيل والاحسان ليس بواجب ولأنها لو كانت واجبة لم يخص المحسنين دون غيرهم
88

ولنا قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره) والامر يقتضي الوجوب وقال تعالى (وللمطلقات
متاع بالمعروف حقا على المتقين) وقال تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن) ولأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضا فلم يعر عن العوض
كما لو سمى مهرا وأداء الواجب من الاحسان فلا تعارض بينهما
(فصل) فإن فرض لها بعد العقد ثم طلقها قبله فلها نصف ما فرض لها ولا متعة وهذا قول ابن
عمر وعطاء والشعبي والنخعي والشافعي وأبي عبيد، وعن أحمد أن لها المتعة ويسقط المهر وهو قول
أبي حنيفة لأنه نكاح عري عن تسمية فوجبت المتعة كما لو لم يفرض لها
ولنا قوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)
ولأنه مفروض يستقر بالدخول فيتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد
(فصل) والمتعة تجب على كل زوج لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول وسواء في ذلك
الحر والعبد والحرة والأمة والمسلم والذمي والمسلمة والذمية وحكي عن أبي حنيفة لا متعة للذمية وقال
الأوزاعي إن كان الزوجان أو أحدهما رقيقا فلا متعة
ولنا عموم النص ولأنها قائمة مقام نصف المهر في حق من سمى فتجب لكل زوجة على كل زوج
كنصف المسمى ولان ما يجب من الفرض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد كالمهر
(فصل) فأما المفوضة المهر وهي التي يزوجها على ما شاء أحدهما أو التي زوجها غير ابنها بغير
89

اذنها بغير صداق أو التي مهرها فاسد فإنه يجب لها مهر المثل ويتنصف بالطلاق قبل الدخول ولا متعة
لها هذا ظاهر كلام الخرقي وهو مذهب الشافعي، وعن أحمد أن لها المتعة دون نصف المهر وهو الذي
ذكره شيخنا في الكتاب كالمفوضة البضع وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خلا عقدها عن تسمية صحيحة
فأشبهت التي لم يسم لها شئ. ولنا أن هذه لها مهر واجب قبل الطلاق فوجب أن يتنصف كما لو سماه
أو نقول لم ترض بغير صداق فلم تجب المتعة كالمسمى لها، وتفارق التي رضيت بغير عوض فإنها رضيت
بغير صداق وعاد نصفها سليما ففرضت المتعة بخلاف مسئلتنا
(فصل) وكل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة وما سقط به المسمى من
الفرق كاختلاف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا يجب به متعة لأنها أقيمت مقام
نصف المسمى فسقطت في كل موضع يسقط كما تسقط الابدال إذا سقط مبدلها
(فصل) قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهرا ثم وهب
لها غلاما ثم طلاقها قبل الدخول قال لها المتعة، وذلك لأن الهبة لا تنقص بها المتعة كما لا ينقص بها نصف
المسمى وكأن المتعة وإنما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله ولأنها واجبة فلا نقص بالهبة كالمسمى
* (مسألة) * (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، فأعلاها خادم وأدناها كسوة يجوز لها أن تصلي فيها)
وجملة ذلك أن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره واعساره نص عليه أحمد وهو وجه الأصحاب
90

الشافعي والوجه الآخر هو معتبر بحال الزوجة لأن المهر معتبر بها كذلك للمتعة القائمة مقامه ومنهم من
قال يجزئ في المتعة ما يقع عليه الاسم كما يجزئ في الصداق ذلك
ولنا قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) وهذا نص في أنها معتبرة
بحال الزوج ولأنها تختلف ولو أجزأ ما يقع عليه الاسم سقط الاختلاف، ولو اعتبر بحال المرأة لما كان
على الموسع قدره وعلى المقتر قدره. إذا ثبت هذا فقد اختلفت الرواية عن أحمد فيها فروي عنه أعلاها
خادم إذا كان موسرا وإن كان فقيرا متعها كسوتها درعا وخمارا وثوبا تصلي فيه ونحو ذلك قال ابن
عباس والزهري والحسن قال ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة
ونحو ما ذكرنا في أدناها قال الثوري والأوزاعي وعطاء ومالك وأبو عبيد وأصحاب الرأي قالوا
درع وخمار وملحفة
* (مسألة) * (وعن أحمد يرجع في تقديرها إلى الحاكم)
وهو أحد قولي الشافعي لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره وهو مما يحتاج إلى الاجتهاد فيجب الرجوع
فيه إلى الحاكم كسائر المجتهدات وعنه يجب لها نصف مهر المثل ذكرها القاضي في المجرد فقال هي
مقدرة بما يضاف مهر المثل لأنها بدل عنه فيجب أن تنقدر به، قال شيخنا وهذه الرواية تضعف لوجهين
91

(أحدهما) أن نص الكتاب يقتضي تقديرها بحال الزوج وتقديرها بنصف المهر يوجب اعتبارها
بحال المرأة لأن مهرها معتبر بها لا بزوجها
(الثاني) أنا لو قدرناها بنصف مهر المثل لكانت نصف مهر المثل إذ ليس المهر معينا في شئ، ووجه الرواية
الأولى قول ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك الكسوة رواه أبو حفص اسناده وقدرها بكسوة يجوز
لها الصلاة فيها لأن الكسوة الواجبة بمطلق الشرع تتقدر بذلك كالكسوة في الكفارة والسترة في
الصلاة، وروي كنيف السلمي أن عبد الرحمن بن عوف طلق تماضر الكلبية فحملها بجارية سوداء
يعني متعها قال إبراهيم العرب تسمي المتعة للتحميم وهذا فيما إذا تشاحا في قدرها فإن سمح لها بزيادة
على الخادم أو رضيت بأقل من الكسوة جاز لأن الحق لهما وهو مما يجوز بذله فجاز ما اتفقا عليه كالصداق
وقد روي عن الحسن بن علي أنه متع المرأة بعشرة آلاف درهم فقالت * متاع قليل من حبيب مفارق *
* (مسألة) * (فإن دخل بها استقر مهر المثل لأن الوطئ في نكاح من غير مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة؟ على روايتين أصحهما لا تجب)
كل من وجب لها نصف المهر لم تجب لها متعة سواء كانت ممن سمى لها صداقا أو لم يسم لها لكن
فرض لها بعد العقد وبهذا قال أبو حنيفة فيمن سمي لها وهو قديم قولي الشافعي
وروي عن أحمد لكل مطلقة متاع وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن
92

وسعيد بن جبير وأبي قلابة والزهري وقتادة والضحاك وأبي ثور لظاهر قوله تعالى (وللمطلقات متاع
بالمعروف حقا على المتقين) ولقوله سبحانه لنبيه عليه السلام (قل لأزواجك - إلى قوله - فتعالين أمتعكن)
فعلى هذه الرواية لكل مطلقة متاع سواء كانت مفوضة أو سمي لها مدخولا بها أو غيرها لما ذكرنا
وظاهر المذهب أن المتعة لا تجب إلا المفوضة التي لم يدخل بها إذا طلقت قال أبو بكر كل من روى
عن أبي عبد الله فيما أعلم روى عنه أنه لا بحكم بالمتعة إلا لمن سمي لها مهر إلا حنبلا روى عن أحمد
أن لكل مطلقة متاعا قال أبو بكر والعمل عليه عندي لولا تواتر الروايات عنه بخلافها
ولنا قوله تعالى (ولا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن
على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) الآية فخص الأولى بالمتعة والثانية بنصف المفروض مع تسلمه
للنساء قسمين واثباته لكل قسم حكما فيدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه وهذا يخص ما ذكروه
ويحتمل أن يحمل الامر بالمتاع في غير المفوضة على الاستحباب كدلالة الآيتين اللتين ذكرناهما على
نفي وجوبها جمعا بين دلالات الآيات والمعنى فإنه عوض واجب في عقد فإذا سمي فيه عوض صحيح
لم يجب غير كسائر عقود المعاوضة ولأنها لا تجب لها المتعة قبل الفرقة ولا ما يقوم مقامها فلم يجب
لها عند الفرقة كالمتوفى عنها زوجها
(فصل) قد ذكرنا أن الزوج إذا طلق المسمى لها أو المفوضة المفروض لها بعد الدخول فلا
93

متعة لواحدة منهما على رواية حنبل وذكرنا قول من ذهب إليه فظاهر المذهب أنه لا متعة لواحدة
منهما وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالروايتين وقد ذكرنا ذلك. إذا هذا فإنه يستحب
أن يمتعها نص عليه أحمد فقال أنا أوجبها على من لم يسم لها صداقا فإن كان قد سمى لها صداقا فلا
أوجبها عليه واستحب أن يمتع وان سمي لها صداقا، وإنما استحب ذلك لعموم النص الوارد فيها ودلالته
على ايجابها وقول علي ومن سمينا من الأئمة بها فلما امتنع الوجوب لدلالة الآيتين المذكورتين على
نفي الوجوب ودلالة المعنى المذكور عليه تعين حمل الأدلة الدالة عليها على الاستحباب أو على أنه
أريد به الخصوص، وأما المتوفى عنها فلا متعة لها بالاجماع لأن النص العام لم يتناولها وإنما تناول المطلقات
ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ومهر المثل معتبر بما يساويها من نساء عصباتها كأختها
وعمتها وبنت أخيها وعمها) يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها وقال مالك يعتبر بمن هي في مثل حمالها
ومالها وشرفها ولا يختص بأقربائها لأن الأغراض إنما تختلف بذلك دون الأقارب
ولنا قوله في حديث ابن مسعود لها مهر نسائها ونساؤها أقاربها وما ذكره فنحن نشترطه ونشترط
معه أن تكون من نساء أقاربها لأنها أقرب إليهن، وقوله إنما يختلف بهذه الأوصاف دون الأقارب
لا يصح لأن المرأة تطلب لحسبها كما جاء في الأثر وحسبها يختص به أقاربها ويزداد المهر بذلك ويقل
94

وقد يكون الحي وأهل القرية لهم عادة في الصداق ورسم مقرر لا يشاركهم فيه غيرهم ولا يغيرونه
بتغير الصفات فيعتبر ذلك دون سائر الصفات، واختلفت الرواية عن أحمد فيمن يعتبر من أقاربها فقال
في رواية حنبل لها مهر مثلها من نسائها من قبل أبيها فاعتبر بنساء العصبات خاصة وهذا مذهب الشافعي
وقال في رواية إسحاق بن هانئ لها مهر نسائها مثل أمها أو أختها أو عمتها أو بنت عمها اختاره أبو بكر
وهذا مذهب أبي حنيفة وابن أبي ليلى لأنهن من نسائها والأولى أولى فإنه قد روي في قصة
بروع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في تزويج بنت واشق بمثل مهر نساء قومها، ولان شرف المرأة معتبر
في مهرها وشرفا بنسبها وأمها وخالتها لا يساويانها في شرفها، وقد تكون أمها مولاة وهي شريفة،
وقد تكون أمها قرشية وهي غير قرشية، وينبغي أن يكون الأقرب فالأقرب، فأقرب نساء عصباتها
أخواتها لأبيها، ثم عماتها، ثم بنات عمها الأقرب فالأقرب
* (مسألة) * (وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والأدب والسن والبكارة والثيوبة والبلد)
وصراحة نسبها وكل ما يختلف لأجله الصداق وإنما اعتبرت هذه الصفات كلها لأن مهر المثل بدل
متلف فاعتبرت الصفات المقصودة فيه فإن لم يكن في عصباتها من هو في مثل حالها فمن نساء أرحامها
كأمها وجداتها وخالاتها وبناتهن.
* (مسألة) * (فإن لم يوجد الا دونها زيدت بقدر فضيلتها) لأن زيادة فضيلتها تقتضي زيادة في المهر
فتقدرت الزيادة بقدر الفضيلة، وإن لم يوجد إلا فوقها نقصت بقدر نقصها كأرش العيب بقدر نقص المبيع
(فصل) ويجب مهر المثل حالا لأنه بدل متلف فأشبه قيم المتلفات ولا يكون الا من نقد البلد
لما ذكرنا ولا تلزم الدية لأنها تختلف باختلاف صفات المتلف بل هي مقدرة بالشرع فكانت بحكم
ما جعله من الحلول والتأجيل فلا يعتبر بها غيرها ولأنها عدل بها عن سائر الابدال فيمن وجب عليه
فكذلك في تأجيلها تخفيفا عنه بخلاف غيرها
95

* (مسألة) * (فإن كانت عادة نسائها تأجيل المهر فرض مؤجلا في أحد الوجهين)
لأنه مهر مثلها (والثاني) يفرض حالا لما ذكرنا وإن كان عادتهم التخفيف عن عشيرتهم دون
غيرهم اعتبر ذلك وهذا مذهب الشافعي، فإن قيل فإذا كان مهر المثل بدل متلف يجب أن لا يختلف
باختلاف المتلف كسائر المتلفات، قلنا النكاح يخالف سائر المتلفات فإن سائر المتلفات المقصود بها المالية
خاصة فلم تختلف باختلاف المتلفين والنكاح يقصد به أعيان الزوجين فاختلف باختلافهم ولان سائر
المتلفات لا تختلف باختلاف العوائد والمهر يختلف بالعادات، فإن المرأة ان كانت من قوم عادتهم تخفيف
مهور نسائهم وجب مهر المرأة منهم خفيفا، وإن كانت أفضل وأشرف من نساء عادتهم تثقيل المهر
وعلى هذا متى كانت عادتهم التخفيف لمعنى مثل الشرف واليسار ونحو ذلك اعتبر جريا على عادتهم
* (مسألة) * (فإن لم يكن لها أقارب اعتبر شبهها من أهل بلدها) فإن عدم ذلك اعتبرنا أقرب النساء
شبها بها من أقرب البلاد إليها من غيرهم كما اعتبرنا قرابتها البعيد إذا لم يوجد القريب.
* (فصل) * قال رضي الله عنه (فأما النكاح الفاسد فمتى افترقا قبل الدخول بطلاق أو غيره فلا مهر)
لأن المهر يجب بالعقد والعقد فاسد، فإن وجوده كالعدم ولأنه عقد فاسد فيخلو من العوض كالبيع الفاسد
* (مسألة) * (فإن دخل بها استقر المسمى وعنه يجب مهر المثل وهي أصح)
المنصوص عن أحمد أن لها المسمى لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة " ولها الذي أعطاها بما أصاب
منها " قال القاضي حدثناه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال باسناديهما، وقال أبو حنيفة الواجب
الأقل من المسمى أو مهر المثل لأنها ان رضيت بدون مهر مثلها فليس لها أكثر منه كالعقد الصحيح
وإن كان المسمى أكثر لم تجب الزيادة بعقد غير صحيح، والصحيح وجوب مهر المثل، أومأ إليه
أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فجعل لها
96

المهر بالإصابة، والإصابة إنما توجب مهر المثل ولان العقد ليس بموجب بدليل الخبر وأنه لو طلقها قبل مسيسها
لم يكن لها شئ وإذا لم يكن موجبا كان وجوده كعدمه وبقي الوطئ موجبا بمفرده فأوجب مهر المثل
كوطئ الشبهة ولان القسمة لو فسدت لوجب مهر المثل فإذا فسد العقد من أصله كان أولى، وقول
أبي حنيفة إنها رضيت بدون صداقها إنما يصح إذا كان العقد هو الموجب، وقد بينا أنه إنما يجب
بالإصابة فيوجب مهر المثل كاملا كوطئ الشبهة.
* (مسألة) * (ولا يستقر بالخلوة)
وهو قول أكثر أهل العلم، وقال أصحابنا يستقر قياسا على العقد الصحيح ونص عليه أحمد
والأول أولى لأن الصداق لم يجب بالعقد وإنما أوجبه الوطئ ولم يوجد ولذلك لا يتنصف بالطلاق
قبل الدخول فأشبه الخلوة بالأجنبية ولان النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل لها المهر بما استحل من فرجها ولم يوجد
ذلك في الخلوة بغير إصابة وقد ذكرناه.
(فصل) إذا تزوجت المرأة تزويجا فاسدا لم يحل تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو
يفسخ نكاحها فإن امتنع من طلاقها فسخ الحاكم نكاحه نص عليه أحمد، وقال الشافعي لا حاجة إلى
فسخ ولا طلاق لأنه نكاح غير منعقد أشبه النكاح في العدة
ولنا أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتيج في التفريق إلى إيقاع فرقة كالصحيح المختلف فيه
ولان تزويجها من غير فرقة يفضي إلى تسليط زوجين عليها كل واحد منهما يعتقد صحة نكاحه
وفساد نكاح الآخر ويفارق النكاح الباطل من هذين الوجهين فعلى هذا متى تزوجت بآخر قبل
97

التفريق لم يصح الثاني ولم يجز تزويجها حتى يطلق الأولان أو يفسخ نكاحهما ومتى كان التفريق
قبل الدخول فلا مهر لأنه عقد فاسد لم يتصل به قبض فلم يجب به عوض كالبيع الفاسد وإن كان بعد
الدخول فلها المهر لما ذكر وان تكرر الوطئ لم يجب به أكثر من مهر واحد بدليل قوله عليه الصلاة
السلام " فلها المهر بما استحل من فرجها " ولأنه إصابة في عقد أشبه الإصابة في العقد الصحيح
* (مسألة) * (ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة والمكرهة على الزنا ولا يجب معه أرش البكارة
ويحتمل أن يجب للمكرهة)
وأما الموطوءة بشبهة فيجب لها مهر المثل بغير خلاف علمناه ويجب للمكرهة على الزنا في ظاهر
المذهب، وعن أحمد لا يجب لها مهر إن كانت ثيبا اختاره أبو بكر ولا يجب معه أرش البكارة، وذكر
القاضي أن أحمد ذكر في رواية أبي طالب في حق الأجنبية إذا أكرهها على الزنا فعليه المهر وأرش
البكارة وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة لا مهر للمكرهة على الزنا.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فلها المهر بما استحل من فرجها " وهي حجة على أبي حنيفة فإن المكرهة
مستحل لفرجها فإن الاستحلال الفعل في غير موضع الحل لقوله عليه السلام " ما آمن بالقرآن من
استحل محارمه " وهو حجة أيضا على من أوجب الأرش لكونه أوجب المهر وحده من غير أرش
ولأنه استوفى ما يجب بدله بالشبهة وفي العقد الفاسد فوجب بالتعدي كاتلاف المال وأكل طعام الغير
ولنا انه لا يجب الأرش لأنه وطئ ضمن بالمهر فلم يجب معه أرش كسائر الوطئ يحققه ان المهر
بدل المنفعة المستوفاة بالوطئ وبدل المتلف لا يختلف بكونه في عقد فاسد وكونه تمحض عدوانا ولان الأرش
يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل ومهر البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها فكانت الزيادة في المهر
مقابلة لما أتلف من البكارة ولا يجب عوضها مرة ثانية يحققه انه أخذ أرش البكارة مرة لم يجز أخذه
98

مرة أخرى فتصير كأنها معدومة ولا يجب لها إلا مهر ثيب ومهر الثيب مع أرش البكارة هو مهر البكر
فلا تجوز الزيادة عليه
(فصل) ولا فرق بين كون الموطوءة أجنبية أو من ذوات محارمه وهو اختيار أبي بكر ومذهب
النخعي ومكحول وأبي حنيفة والشافعي وعن أحمد رواية أخرى ان النساء من ذوات محارمه لا مهر لهن
وهو قول الشعبي لأن تحريمهن تحريم أصل فلا يجب به مهر كاللواط وفارق من حرمت تحريم المصاهرة
فإن تحريمها طال، وكذلك ينبني أن يكون الحكم فيمن حرمت بالرضاع لأنه طارئ وكذلك ينبغي
أن يكون الحكم فيمن حرمت بالرضاع لأنه طارئ أيضا، وعن أحمد رواية أخرى ان من تحرم ابنتها
لا مهر لها كالأم والبنت والأخت ومن تحل ابنتها كالعمة والخالة فلها المهر لأن تحريمها أخف. ولنا أن ما
ضمن للأجنبي ضمن للمناسب كالمال ومهر الأمة ولأنه أتلف منفعة بضعها بالوطئ فلزمه مهرها كالأجنبية
ولأنه محل مضمون على غيره فوجب عليه ضمانه كالمال وبهذا فارق اللواط فإنه غير مضمون على أحد
(فصل) ولا يجب المهر بالوطئ في الدبر ولا اللواط لأن الشرع لم يرد ببدله ولا هو اتلاف لشئ
فأشبه القبلة والوطئ دون الفرج، وقال في المحرر يجب بوطئ المرأة في الدبر كالوطئ في القبل
والأول أولى لأنه ليس بسبب للبضعية أشبه اللواط، ولا يجب للمطاوعة على الزنا لأنها باذلة لما يجب
بذله لها فلم يجب شئ كما لو أذنت له في قطع يدها فقطعها إلا أن تكون أمة فيكون المهر لسيدها ولا
يسقط ببذلها لأن الحق لغيرها فأشبه ما لو بذلت قطع يدها
(فصل) ومن طلق امرأته قبل الدخول طلقة وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل ونصف
المسمى، وقال مالك لا يلزمه إلا مهر واحد.
ولنا أن المفروض تنصف بطلاقه بقوله سبحانه (فنصف ما فرضتم)
ووطؤه بعد ذلك عري عن
الفعل فوجب به مهر المثل كما لو علم أو كغيرها أو كما لو وطئها غيره فاما من نكاحها باطل بالاجماع
99

كالمزوجة والمعتدة إذا نكحها رجل فوطئها عالما بالحال وتحريم الوطئ وهي مطاوعة عالمة فلا مهر لأنه
زنا يوجب الحد وهي مطاوعة عليه وإن جهلت تحريم ذلك أو كونها في العدة فالمهر لها لأنه وطئ شبهة
وقد روى أبو داود باسناده ان رجلا يقال له نصر بن أكتم نكح امرأة فولدت لأربعة أشهر فجعل
النبي صلى الله عليه وسلم لها الصداق بما استحل من فرجها وفي لفظ قال " الصداق بما استحللت من فرجها فإذا ولدت
فاجلدوها " وروى سعيد في سننه عن عمران بن كثير أن عبيد الله بن الحر تزوج امرأة من قومه يقال لها
الدرداء فانطلق عبيد الله فلحق بمعاوية ومات أبو الجارية فزوجها أهلها رجلا يقول له عكرمة فبلغ ذلك
عبيد الله فقدم فخاصمهم إلى علي فقصوا عليه قصتهم فرد عليه المرأة وكانت حاملا من عكرمة فوضعت على
يد عدل فقالت المرأة لعلي أنا أحق بمالي أو عبيد الله؟ قال بل أنت أحق بمالك. قالت فاشهدوا أن ما كان
لي عند عكرمة من صداق فهو له. فلما وضعت ما في بطنها ردها على عبيد الله بن الحر وألحق الولد بأبيه
* (مسألة) * (وإذا دفع أجنبية فاذهب عذرتها فعليه أرش بكارتها)
وقال القاضي يجب مهر المثل إذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها أو فعل ذلك بأصبعه أو غيرها فعليه
أرش بكارتها وهو مذهب الشافعي لأنه اتلاف حر لم يرد الشرع بتقدير عوضه فرجع في ديته إلي
الحكومة كسائر ما لم يقدر ولأنه إذا لم يكمل به الصداق في حق الزوج ففي حق الأجنبي أولى وروي
عن أحمد أن لها صداق نسائها اختاره القاضي وقال أحمد إن تزوج امرأة فدفعها هو وأخوه فأذهبا
عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فعلى الزوج نصف المهر وعلى الأخ نصفه روي عن علي وابنه الحسن
وعبد الله بن معقل وعبد الملك بن مروان فروى سعيد ثنا هشيم ثنا مغيرة عن إبراهيم أن رجلا كان عنده
أجنبية فخافت امرأته أن يتزوجها فاستعانت نسوة فضبطنها لها فأفسدت عذرتها وقالت لزوجها انها
فجرت فأخبر علي رضي الله عنه بذلك فأرسل إلى امرأته والنسوة فلما أتينه لم يلبثن أن اعترفن فقال
للحسن بن علي اقض فيها يا حسن فقال الحد على من قذفها والمهر عليها وعلى الممسكات فقال علي لو كلفت
100

الإبل طحنا لطحنت وما يطحن يومئذ بعير قال ثنا هشيم أنا إسماعيل بن سالم أخبرنا الشعبي أن جواري
أربعا قالت إحداهن هي رجل وقالت الأخرى هي امرأة وقالت الثالثة هي أبو التي زعمت أنها رجل
وقالت الرابعة هي أبو التي زعمت أنها امرأة فخطبت التي زعمت أنها أبو الرجل التي زعمت أنها أبو المرأة
فزوجوها إياها فعمدت إليها فأفسدتها بإصبعها فرفع ذلك إلى عبد الملك بن مروان فجعل الصداق بينهن
أربعا وألقى حصة التي أمكنت من نفسها فبلغ ذلك عبد الله بن معقل فقال لو وليت أنا لجعلت الصداق
على التي أفسدت الجارية وحدها وهذه قصص نشرت ولم تنكر فكانت اجماعا ولان اتلاف العذرة مستحق
بعقد النكاح فإذا أتلفه أجنبي وجب المهر كنفقة البضع والقول الأول هو القياس لولا ما روي عن الصحابة
رضي الله عنهم وأرش البكارة ما بين مهر البكر والثيب والله أعلم
* (مسألة) * (فإن فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا نصف المسمى)
وقال أبو يوسف ومحمد عليه الصداق كاملا لأنه أذهب عذرتها في نكاح صحيح فأشبه
ما لو أذهبها بالوطئ.
ولنا قول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)
وهذه مطلقة قبل المسيس فأشبه ما لو لم يدفعها ولأنه أتلف ما يستحق اتلافه بالعقد فلم يضمنه لغيره
كما لو أتلف عذرة أمته ويتخرج أن يجب لها الصداق كاملا فإن أحمد قال إذا فعل ذلك أجنبي
عليه الصداق ففيما إذا فعله الزوج أولى فإن ما يجب به الصداق ابتداء أحق بتقدير الصداق وقد روي
عن أحمد فيمن أخذ امرأته وقبض عليها أو نظر إليها وهي عريانة أن عليه الصداق كاملا فهذا أولى
* (مسألة) * (وللمرأة منع نفسها حتى تقبض مهرها إذا كان حالا)
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها
حتى يعطيها مهرها فإن قال الزوج لا أسلم إليها الصداق حتى أسلمها أجبر على تسليم الصداق أولا ثم تجبر
101

هي على تسليم نفسها ومذهب الشافعي في هذا على نحو مذهبه في البيع
ولنا أن في اجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع والامتناع من بذل الصداق فلا يمكن
الرجوع في البضع بخلاف المبيع الذي يجبر على تسليمه قبل تسليم ثمنه فإذا تقرر ذلك فلها النفقة إن
امتنعت لذلك وإن كان معسرا بالصداق لأن امتناعها بحق فإن كان الصداق مؤجلا فليس لها منع نفسها
قبل قبضه لأن رضاها بتأجيله رضى منها بتسليم نفسها قبل قبضه كالثمن المؤجل في البيع فإن حل المؤجل
قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأن التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه فلم يكن لها
أن تمتنع منه فإن كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الآجل فإن سلمت
نفسها قبل قبضه ثم أرادت منع نفسها حتى تقبضه فهل لها ذلك؟ على وجهين وقد توقف أحمد رحمه الله عن الجواب
في هذه المسألة وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحاق بن شاقلا إلى أنها ليس لها ذلك وهو قول مالك
والشافعي وأبو يوسف ومحمد لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمنع نفسها بعد
ذلك كما لو سلم البائع المبيع وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن لها ذلك وهو مذهب أبي حنيفة لأنه
تسليم يوجبه عليها عقد النكاح فملكت أن تمتنع منه قبل قبض صداقها الأول فأما إن وطئها مكرهة لم
يسقط حقها من الامتناع لأنه حصل بغير رضاها فهو كالمبيع إذا أخذه المشتري من البائع كرها فإن
أخذت الصداق فوجدت به عيبا فلها منع نفسها حتى يبذله أو يعطيها أرشه لأن صداقها صحيح وإن لم
تعلم عيبه حتى سلمت نفسها خرج على وجهين فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها نم بدا لها أن تمتنع
والأولى ههنا أن لها الامتناع لأنها إنما سلمت نفسها ظنا أنها قد قبضت صداقها بخلاف المسألة المقيس عليها
وكل موضع قلنا لها الامتناع من تسليم نفسها فلها السفر بغير إذن الزوج لأنه لم يثبت للزوج عليها حق
الحبس فصارت كمن لا زوج لها، ولو بقي منه درهم كان كبقاء جميعه لأن كل من ثبت له الحبس بجميع البدل
102

ثبت له الحبس ببعضه كسائر الديون
* (مسألة) * (وإن أعسر بالمهر قبل الدخول فلها الفسخ إذا كان حالا)
اختاره أبو بكر لأنه تعذر الوصول إلى عوض العقد قبل تسليم العوض فكان لها الفسخ كما لو أعسر
المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع وفيه وجه آخر ليس لها الفسخ اختاره ابن حامد قال شيخنا وهو الصحيح
لأنه دين فلم ينفسخ بالاعسار به كالنفقة الماضية ولأنه لا نص فيه ولا يصح قياسه على الثمن في المبيع
لأن الثمن كان مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة ونحلة ليس هو المقصود في النكاح ولذلك
لا يفسد النكاح بفساده ولا بترك ذكره والعادة تأخيره ولان أكثر من يشتري بثمن حال يكون موسرا
به وليس الأكثر أن من يتزوج بمهر يكون موسرا به وفيه وجه ثالث أنه ان أعسر قبل الدخول فلها
الفسخ كما لو أفلس المشتري والمبيع بحاله فإن كان بعد الدخول لم يملك الفسخ لأن المعقود عليه قد
استوفي فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد تلف المبيع أو بعضه وللشافعي نحو هذه الوجوه وقيل إذا أعسر
بعد الدخول انبنى على منع نفسها إن قلنا لها منع نفسها بالدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول، وإن قلنا
ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين آخر
* (مسألة) * (ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم)
لأنه فسخ يجتهد فيه مختلف فيه فأشبه الفسخ للعنة والفسخ للاعسار بالنفقة ولأنه لو فسخ بغير
حكم اعتقدت أن النكاح انفسخ وأبيح لها أن تتزوج والزوج يعتقد أنها زوجته لم ينفسخ نكاحها
فيصير للمرأة زوجان كل واحد يعتقد حلها له وتحريمها على الآخر وهذا لا يجوز في الاسلام وفيه
وجه آخر أنه يجوز بغير حكم حاكم كخيار المعتقة تحت العبد والصحيح الأول ولا يصح قياسه على
المعتقة لأن ذلك متفق عليه وهذا مختلف فيه
103

* (باب الوليمة) *
وهي اسم لدعوة العرس خاصة لا يقع هذا الاسم على غيره كذلك حكاه ابن عبد البر عن ثعلب
وغيره من أهل اللغة وقال بعض أصحابنا وغيرهم إنها تقع على كل طعام لسرور حادث إلا أن استعمالها
في طعام العرس أكثر وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان
العرب والعذيرة اسم لدعوة الختان وتسمى الاعذار والخرس والخرسة، عند الولادة والذكيرة
دعوة البناء يقال ذكر وخرس مشدد والنقيعة عند قدوم الغائب يقال نقع مخفف والعقيقة الذبح لأجل
الولد. قال الشاعر:
كل الطعام تشتهي ربيعه * الخرس والاعذار والنقيعه
والحذاق الطعام عند حذاق الصبي والمأدبة اسم لكل دعوة لسبب كانت أو لغير سبب والآدب
صاحب المأدبة قال الشاعر:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى * لا يرى الآدب منا ينتقر
والجفلى في الدعوة أن يعم الناس بدعوته والنقرى هو أن يخص قوما دون قوم
* (مسألة) * (وهي مستحبة)
لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة في العرس سنة مشروعة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها
104

وفعلها فقال لعبد الرحمن بن عوف حين قال له تزوجت " أولم ولو بشاة " وقال أنس ما أولم رسول
الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب جعل يبعثني أدعو له الناس فأطعمهم لحما وخبزا حتى
شبعوا وقال أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية لنفسه فخرج بها حتى بلغ بها ثنية الصهباء فبنى بها
ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال " ائذن لمن حولك " فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية متفق عليهن
ويستحب أن يؤلم بشاة لحديث عبد الرحمن بو عوف وقال أنس ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه
ما أولم على زينب أولم بشاة لفظ البخاري فإن أولم بغير هذا جاز فقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بحيس وأولم
على بعض نسائه بمدين من شعير
(فصل) وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب الشافعي هي واجبة لأن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولان الإجابة إليها واجبة
ولنا أنها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والخبر محمول على الاستحباب لما ذكرنا وكونه
أمر بشاة ولا خلاف في أنها لا تجب وما ذكروه من المعنى لا أصل له ثم هو باطل بالسلام ليس هو بواجب
وإجابة المسلم واجبة.
* (مسألة) * (والإجابة إليها واجبة إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول)
105

قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو، وبه
يقول مالك والشافعي والثوري والعنبري وأبو حنيفة وأصحابه ومن أصحاب الشافعي من قال هي من فروض
الكفايات لأن الإجابة اكرام وموالاة فهي كرد السلام
ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " وفي لفظ
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها " وقال أبو هريرة شر الطعام الوليمة
يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله رواهن البخاري، وهذا عام في معنى
قوله شر الطعام طعام الوليمة والله أعلم أي طعام اليمة التي يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ولم يرد أن
كل وليمة طعامها شر الطعام فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها ولا أمر بالإجابة إليها ولا فعلها ولان
الإجابة تجب بالدعوة فكل من دعي فقد وجب عليه الإجابة
(فصل) وإنما تجب الإجابة على من عين بالدعوة بان يدعو رجلا بعينه أو جماعة معينين
* (مسألة) * (فإن دعا الجفلى كقوله يا أيها الناس تعالوا إلى الطعام أو يقول الرسول أمرت أن أدعو
كل من لقيت أو شئت لم تجب الإجابة ولم تستحب لأنه لم يعين بالدعوة فلم تتعين عليه الإجابة ولأنه غير
منصوص عليه ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك اجابته وتجوز الإجابة بهذا لدخوله في عموم الدعاء.
106

* (مسألة) * (أو دعاه فيما بعد اليوم الأول)
إذا صنعت الوليمة أكثر من يوم جاز فقد روى الخلاف باسناده عن أبي أنه أعرس فدعا الأنصار
ثمانية أيام فمتى دعا فيما بعد اليوم الأول فإن كان في اليوم الثاني استحبت الإجابة ولم تجب وفي اليوم
الثالث لا تستحب. قال أحمد الأول يجب والثاني يستحب والثالث فلا وهكذا مذهب الشافعي، وقد
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة " رواه أبو داود
وابن ماجة وغيرهما وروي عن سعيد بن المسيب أنه دعي إلى وليمة عرس مرتين فأجاب فدعي لثالثة فحصب
الرسول رواه الخلال.
(فصل) فإن دعاه ذمي لم تجب الإجابة قال أصحابنا لأن الإجابة للمسلم للاكرام والموالاة وتأكيد
المودة والإخاء فلا تجب على المسلم للذمي ولأنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة وتجوز
اجابتهم لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه
ذكره الإمام أحمد في الزهد
* (مسألة) * (وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة لما فيها من اطعام الطعام
107

وكذلك الإجابة إليها) وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وقال العنبري تجب الإجابة إلى كل دعوة لما روى ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غير عرس " رواه أبو داود
ولنا أن الصحيح من السنة إنما ورد في إجابة الداعي إلى الوليمة وهي الطعام في العرس خاصة
كذلك قال الخليل وثعلب وغيرهما من أهل اللغة وقد صرح بذلك في بعض روايات ابن عمر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " رواه ابن ماجة وقال عثمان بن
أبي العاص كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى إليه رواه الإمام أحمد في المسند
ولان التزويج يستحب اعلانه وكثرة الجمع فيه والتصويت والضرب بالدف بخلاف غيره، فأما الامر
بالإجابة إلى غيره فمحمول على الاستحباب بدليل أنه لم يخص به دعوة ذات سبب دون غيرها، وإجابة
كل داع مستحبة لهذا الخبر، وقد روى البراء ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإجابة الداعي متفق عليه ولأنه جبر
قلب للداعي وتطييب قلبه وقد دعي أحمد إلى ختان فأجاب وأكل فأما غير دعوة العرس في حق فاعلها
فليست لها فضيلة تختص بها لعدم ورود الشرع بها وهي بمنزلة الدعوة لغير سبب حادث فإذا قصد فاعلها شكر
نعمة الله عليه واطعام إخوانه وبذل طعامه فله أجر ذلك أن شاء الله تعالى
108

* (مسألة) * (وإذا حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر وإن كان نفلا أو مفطرا استحب له
الاكل وان أحب دعا وانصرف)
وجملة ذلك أن الواجب الإجابة إلى الدعوة لأنها الذي أمر به وتوعد على تركه أما الاكل فغير
واجب صائما كان أو مفطرا نص عليه أحمد لكن إن كان صومه واجبا أجاب ولم يفطر لأن الفطر محرم
والاكل غير واجب وقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فإن
كان صائما فليدع وإن كان مفطرا فليطعم " رواه أبو داود وفي رواية فليصل يعني يدعو، ودعي ابن عمر
إلى وليمة فحضر ومد يده وقال بسم الله ثم قبض يده وقال كلوا فاني صائم وإن كان صائما تطوعا استحب
له الاكل لأن له الخروج من الصوم ولان فيه ادخال السرور على قلب أخيه المسلم وقد روي أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعة فاعتزل رجل من القوم ناحية فقال إني صائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم
" دعاكم أخوكم وتكلف لكم كل ثم صم يوما مكانه ان شئت وان أحب اتمام الصيام " جاز لما ذكرنا من
حديث ابن عمر وفعله ولكن يدعو لهم ويبارك ويخبرهم بصيامه ليعلموا عذره فتزول عنه التهمة في ترك الأكل
فقد روى أبو حفص باسناده عن عثمان بن عفان أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم فقال إني صائم
109

ولكن أحببت ان أجيب الداعي فادعو بالبركة وعن عبد الله قال إذا عرض على أحدكم الطعام وهو
صائم فليقل اني صائم وإن كان مفطرا فالأولى له الاكل لأنه أبلغ في اكرام الداعي وجبر قلبه ولا يجب عليه
الاكل وقال أصحاب الشافعي فيه وجه أنه يجب عليه الاكل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإن كان مفطرا فليطعم " ولان
المقصود منه الاكل فكان واجبا كالإجابة
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وان شاء ترك " حديث صحيح
ولأنه لو وجب الاكل لوجب على المتطوع بالصوم فلما لم يلزمه الاكل لم يلزمه إذا كان مفطرا وقولهم
المقصود الاكل قلنا بل المقصود الإجابة ولذلك وجبت على الصائم الذي لم يأكل
* (مسألة) * (وان دعاه اثنان أجاب أولهما)
لأن اجابته وجبت حين دعاه فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني ولم تجب إجابة الثاني لأنها غير ممكنة
مع إجابة الأول فإن استويا أجاب أقربهما بابا لما روى أبو داود باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا
اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإن سبق أحدهما فأجب الذي
سبق " وروى البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله ان لي جارين فإلى أيهما أهدى قال " إلى
110

أقربهما منك بابا " ولان هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أجاب أقربهما رحما لما
فيه من صلة الرحم فإن استويا أجاب أدناهما فإن استويا إجابة أقرع بينهما لأن القرعة تعين المستحق
عند استواء الحقوق.
* (مسألة) * (وان علم أن في الدعوة منكرا كالزمر والخمر وأمكنه الانكار حضر وأنكر والا لم يحضر)
من يدعى إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه فأمكنه إزالة المنكر لزمه الحضور
والانكار لأنه يؤدي فرضين إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر، وان لم يقدر على الانكار لم يحضر فإن لم
يعلم بالمنكر حتى حضر أزاله فإن لم يمكنه انصرف ونحو هذا قال الشافعي، وقال مالك أما اللهو الخفيف
كالدف والكير فلا يرجع وقاله ابن القاسم وقال أصبغ يرجع وقال أبو حنيفة إذا وجد اللعب فلا بأس
أن يقعد فيأكل، وقال محمد بن الحسن إن كان ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج وقال الليث إذا
كان فيها الضرب بالعود فلا ينبغي له أن يشهدها. والأصل في هذا ما روى سفينة أن رجلا أضافه علي
فصنع له طعاما فقالت فاطمة لعلي لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على
عضادتي الباب فرأي قراما في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة لعلي الحقه فقال له ما رجعك يا رسول الله
111

الله فقال إنه ليس لي ان أدخل بيتا مزوقا حديث حسن وروى أبو حفص باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وعن نافع قال كنت
أسير مع عبد الله بن عمر فسمع زمارة راع فوضع إصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق ثم قال هكذا
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع رواه أبو داود والخلال ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة
إلى ذلك فمنع منه كما لو قدر على إزالته، ويفارق من له جار مقيم على المنكر والزمر حيث يباح له المقام فإن
تلك حال حاجة لما في الخروج من المنزل من الضرر
* (مسألة) * (وان علم به فلم يره ولم يسمعه فله الجلوس والاكل نص عليه أحمد)
وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه فإنه سئل عن الرجل يدعى إلى الختان أو العرس وعنده
المخنثون فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس عنده أولئك فقال أرجو أن لا يأثم ان لم يجب وان
أجاب فأرجو أن لا يكون آثما فاسقط الوجوب لاسقاط الداعي حرمة نفسه بايجاد المنكر ولم يمنع
الإجابة لكون المجيب لا يرى منكرا ولا يسمعه، وقال أحمد إنما تجب الإجابة إذا كان المكسب
طيبا ولم ير منكرا، فعلى هذا لا تجب إجابة من طعامه من مكسب خبيث لأن ايجاده منكر والاكل منه
منكر فهو أولى بالامتناع وان حضر لم يأكل
* (مسألة) * (وان شاهد ستورا معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إلى أن تزال وان كانت مبسوطة
أو على وسائد فلا بأس
112

إذا كانت صور الحيوان على الستور والحيطان ومالا يوطأ وأمكنه حطها أو قطع رؤوسها فعل وجلس
وان لم يمكن انصرف ولم يجلس وعلى هذا أكثر أهل العلم، قال ابن عبد البر هذا اعدل المذاهب وحكاه عن سعد
ابن أبي وقاص وسالم وعروة وابن سيرين وعطاء وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي
وكان أبو هريرة يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط وكذلك مالك إلا أنه كان يكرهها تنزها ولا
يراها محرمة ولعلهم يذهبون إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة " متفق عليه
وروي عن ابن مسعود أنه دعي إلى طعام فلما قيل له إن في البيت صورة أبى أن يذهب حتى كسرت
ولنا ما روت عائشة قالت قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير
فلما رآه قال " أتسترين الخدر بشئ فيه تصاوير؟ " فهتكه قالت فجعلت منه منتبذتين كأني أنظر إلى النبي
صلى الله عليه وسلم متكئا على إحداهما رواه ابن عبد البر، ولأنها إذا كانت تداس وتبتذل ولم تكن معززه معظمة
فلا تشبه الأصنام التي تعبد وتتخذ آلهة فلا تكره وما رويناه أخص مما رووه وقد روي عن أبي طلحة
أنه قيل له ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " قال ألم تسمعه يقول
" الا رقما في ثوب " متفق عليه وهو محمول على ما ذكرناه من أن المباح ما كان مبسوطا، والمكروه منه ما
كان معلقا بدليل حديث عائشة
113

(فصل) فإن قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة قال ابن عباس الصورة الرأس فإذا قطع الرأس
فليس بصورة وحكي ذلك عن عكرمة وقد روي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل فقال
أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت الا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت ستر فيه تماثيل وكان في
البيت كلب فمر برأس التماثيل التي على باب البيت فتقطع حتى تصير كهيئة الشرجة ومر بالستر فليقطع منه
وسادتان منبوذتان يوطآن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وان قطع منه ما لا تبقي الحياة
بعد ذهابه كصدره أو بطنه أو جعل له رأس منفصل عن بدنه لم يدخل تحت النهي لأن الصورة
لا تبقى بعد ذهابه فهو كقطع الرأس، وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده كالعين واليد والرجل
فهو صورة داخلة تحت النهي فإن كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس أو رأس بلا بدن
أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي لأنه ليس بصورة حيوان
(فصل) وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الذين
يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم " وعن مسروق قال دخلنا
مع عبد الله بيتا فيه تماثيل فقال لتمثال منها تمثال من هذا؟ قالوا تمثال من صنم قال عبد الله قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " ان أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " متفق عليهما والامر بعمله محرم كعمله
(فصل) فاما دخول منزل فيه صورة فليس بمحرم وإنما أبيح ترك إجابة الدعوة لأجله عقوبة
114

للداعي باسقاط حرمته لاتخاذه المنكر في داره ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر
كلام أحمد فإنه قال في رواية الفضل إذا رأى صورا على الستر لم يكن رآها حين دخل قال هو أسهل
من أن يكون على الجدار قيل له فإن لم يره الا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج؟ فقال لا تضيق
علينا ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم يعني لا يخرج وهذا مذهب مالك فإنه كان يكرهها تنزها
ولا يراها محرمة، وقال أكثر أصحاب الشافعي إذا كانت الصور على الستور أو ما ليس بموطوء لم يجز له
الدخول لأن الملائكة لا تدخله ولأنه لو لم يكن محرما لما جاز ترك الدعوة الواجبة لأجله
ولنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام
فقال " قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط " رواه أبو داود وما ذكرنا من خبر عبد الله أنه دخل
بيتا فيه تماثيل وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ليدخلها
المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم، وروى ابن عائد في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه
حين قدم الشام طعاما فدعوه فقال أين هو؟ قالوا في الكنيسة فأبى أن يذهب وقال لعلي امض
بالناس فليتغدوا فذهب علي بالناس فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون وجعل علي ينظر إلى
115

الصور وقال ما على أمير المؤمنين لو دخل وأكل وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور لأن
دخول الكنائس والبيع غير محرم فكذلك المنازل التي فيها الصور وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب
تحريم دخوله كما لو كان فيه كلب ولا يحرم صحبة رفقة فيها جرس مع أن الملائكة لا تصحبهم وإنما أبيح
ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله وزجرا له عن فعله
* (مسألة) * (فإن سترت الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل تباح؟ على روايتين)
أما إذا استعمل ذلك لحاجة من وقاية حر أو برد فلا بأس به لأنه يستعمله لحاجة فأشبه الستر
على الباب وإن كان لغير حاجة ففيه روايتان
[إحداهما] هو مكروه غير محرم وهو عذر في ترك الإجابة إلى الدعوة بدليل ما روى سالم
ابن عبد الله بن عمر قال أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس فكان فيمن آذن أبو أيوب وقد ستروا
بيتي بخباء أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرأى البيت مستورا بخباء أخضر فقال يا عبد الله أتسترون
الجدر؟ فقال أبي واستحيا غلبتنا النساء يا أبا أيوب فقال من خشيت أن يغلبنه فلم أخش أن يغلبنك ثم
قال لا أطعم لكم طعاما ولا أدخل لكم بيتا ثم خرج رواه الأثرم. قال القاضي وكلام أحمد يحتمل
أمرين (أحدهما) الكراهة من غير تحريم لأن ابن عمر أقر على فعله ولان كراهته لما فيه من الستر،
وذلك لا يبلغ به التحريم كالزيادة في الملبوس والمأكول والطيب ويحتمل التحريم وهي الرواية الثانية
116

لما روى الخلال باسناده عن علي بن الحسين قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر وروت عائشة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نستر الجدر " واختار شيخنا أن ستر الحيطان مكروه
غير محرم وهو مذهب الشافعي إذ لم يثبت في تحريمه حديث وقد فعله ابن عمر وفعل في زمن الصحابة رضي
الله عنهم ولو ثبت الحديث حمل عى الكراهة لما ذكرنا والله أعلم
(فصل) سئل أحمد عن الستور فيها القرآن فقال لا ينبغي أن يكون شيئا معلقا فيه القرآن ليستهان
به ويمسح قبل له فيقلع فكره أن يقلع القرآن، وقال إذا كان ستر فيه ذكر الله فلا بأس، وكره أن
يشترى الثوب فيه ذكر الله مما يجلس عليه
(فصل) قيل لأبي عبد الله الرجل يكتري بيتا فيه تصاوير ترى أن يحكها قال نعم: قال المروذي
قلت لأبي عبد الله دخلت حماما فرأيت صورة ترى أن أحك الرأس؟ قال نعم، إنما جاز ذلك لأن
اتخاذ الصورة منكر فجاز تغييرها كآلة اللهو والصليب والصنم ويتلف منها ما يخرجها عن حد الصورة
كالرأس ونحوه لأن ذلك يكفي. قال أحمد ولا بأس باللعب ما لم تكن صورة لما روي عن عائشة
قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب باللعب فقال " ما هذا يا عائشة؟ " فقلت هذه خيل
سليمان فجعل يضحك
(فصل) واتخاذ آنية الذهب والفضة محرم فإذا رآه المدعو في منزل الداعي فهو منكر يخرج منه
117

أجله وكذلك ما كان من الفضة مستعملا كالمكحلة ونحوه. قال الأثرم سئل أحمد إذا رأى حلقة مرآة
فضة ورأس مكحلة يخرج من ذلك؟ فقال هذا تأويل تأولته. وأما الآنية نفسها فليس فيها شك، وقال
مالا يستعمل فهو أسهل مثل الضبة في السكين والقدح وذلك لأن رؤية المنكر كسماعه فكما لا يجلس في
موضع يسمع فيه صوت الزمر لا يجلس في موضع يرى فيه من يشرب الخمر وغيره من المنكر
* (مسألة) * (ولا يباح الاكل لغير إذن)
لأن أكل مال الغير بغير اذنه محرم والدعاء إلى الوليمة إذن في الدخول والاكل بدليل ما روى
أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعي أحدكم فأتى مع الرسول فذلك إذن له " رواه أبو داود،
وقال عبد الله بن مسعود إذا دعيت فقد أذن لك، رواه الإمام أحمد باسناده
* (مسألة) * (والنثار والتقاطه مكروه وعنه لا يكره)
اختلفت الرواية عن أحمد في النثار والتقاطه فروي أن ذلك مكروه في العرس وغيره،
روي ذلك عن أبي مسعود البدري وعكرمة وابن سيرين وعطاء وعبد الله بن زيد الخطمي وطلحة
وزبيد اليامي وبه قال مالك والشافعي
وروي عن أحمد انه ليس بمكروه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وقتادة والنخعي وأبي حنيفة
وأبي عبيد وابن المنذر لما روى عبد الله بن قرط قال قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست فطفقن
118

يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كلمة لم أسمعها فسألت من قرب منه فقال قال
" من شاء اقتطع " رواه أبو داود. وهذا جار مجرى النثار. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى
وليمة رجل من الأنصار ثم أتوا بنهب فأنهب عليه. قال الراوي ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاحم
الناس أو نحو ذلك فقلت يا رسول الله أوما نهيتنا عن النهبة؟ قال " نهيتكم عن نهبة العساكر " ولأنه نوع
إباحة فأشبه إباحة الطعام للضيفان
ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحل النهبى والمسألة " ولان فيه نهبا وتزاحما وقتالا وربما أخذه من
يكره صاحب النثار أخذه لحرصه وشرهه ودناءة نفسه ويحرمه من يحب صاحبه لمروءته وصيانة نفسه وعرضه
والغالب عليه هذا فإن أهل المروءات يصونون أنفسهم عن مزاحمة سفلة الناس على شئ من الطعام
أو غيره ولان في هذا دناءة والله يجب معالي الأمور ويكره سفسافها فأما خبر البدنات فيحتمل أن
النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه لا نهبة في ذلك لكثرة اللحم وقلة الآخذين أو فعل ذلك لاشتغاله
بالمناسك عن تفريقها.
وفي الجملة فالخلاف إنما هو في كراهية ذلك وأما الإباحة فلا خلاف فيها ولا في الالتقاط لأنه نوع
إباحة لماله فأشبه سائر المباحات
(فصل) فأما ان قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز والسكر وغيره فلا خلاف في أن ذلك حسن
غير مكروه وقد روي عن أبي هريرة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تمرا فأعطى كل إنسان
119

سبع تمرات فأعطاني سبع تمرات إحداهن حشفة فلم يكن منهن تمرة أعجب إلي منها شدت في مضاغي
رواه البخاري وكذلك إن وضعه بين أيديهم وأذن لهم في أخذه على وجه لا يقع تناهب فلا يكره
أيضا قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر فكرهه وقال يعطون يقسم عليهم وقال علي (1) بن محمد بن
بحر سمعت حسن أم ولد أحمد بن حنبل تقول لما حذق ابني حسن قال لي مولاي حسن لا تنثروا
عليه فاشترى تمرا وجوزا فأرسله إلى المعلم، قالت وعملت أنا عصيدة وأطعمت الفقراء فقال أحسنت
أحسنت وفرق أبو عبد الله على الصبيان الجوز خمسة خمسة
* (مسألة) * (ومن حصل في حجره شئ فهو له غير مكروه)
لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت في حجره وليس لاحد أن
يأخذه لما ذكرناه وقال في المحرر يملكه مع القصد وبدون القصد وجهان
* (مسألة) * (ويستحب اعلان النكاح والضرب عليه بالدف)
وقال أحمد يستحب أن يظهر النكاح ويضرب عليه بالدف حتى يشتهر ويعرف قيل له ما الدف؟
قال هذا الدف، وقال لا بأس بالغزل في العرس كقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار
أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحييكم * ولولا الذهب الأحمر * ما حلت بواديكم
ولولا الحبة السوداء * ما سمنت عذاريكم

(1) قد ذكره في المغني محمد بن علي
120

لا على ما يصنع الناس اليوم ومن غير هذا الوجه " ولولا الحنطة الحمراء ما سمنت عذاريكم " وقال أحمد
أيضا يستحب ضرب الدف والصوت في الاملاك فقيل له ما الصوت؟ قال يتكلم ويتحدث ويظهر
والأصل في هذا ما روى محمد بن حاطب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فصل ما بين الحلال والحرام
الصوت والدف في النكاح " رواه النسائي وقال عليه الصلاة والسلام " أعلنوا النكاح " وفي لفظ
" أظهروا النكاح " وكان يحب أن يضرب عليها بالدف وفي لفظ " فاضربوا عليه بالغربال " وعن عائشة أنها
زوجت يتيمة رجلا من الأنصار وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها قالت فلما رجعنا قال لنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم " ما قلتم يا عائشة؟ " قالت سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا فقال " ان الأنصار قوم فيهم
غزل ألا قلتم يا عائشة أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم " روي هذا كله عن عبد الله بن ماجة في سننه
وقال أحمد لا بأس بالدف في العرس والختان وأكره الطبل وهو المنكر وهو الكوبة التي نهى عنها النبي
صلى الله عليه وسلم وإنما يستحب الضرب بالدف للنساء ذكره شيخنا رحمه الله
(فصل) ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعا وان أكل بعضهم أكثر من
بعض فلا بأس وقد كان السلف يتناهدون في الغزو والحج ويفارق النثار فإنه يؤخذ بنهب وتسالب
وتجاذب بخلاف هذا.
121

* (فصل في آداب الاكل) *
يستحب غسل اليد قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء قال المروذي رأيت أبا عبد الله يغسل
يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أحب أن يكثر
خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع " رواه ابن ماجة وروى أبو بكر باسناده عن الحسن
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم " يعني به غسل اليدين
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من نام وفي يده ربح غمر فأصابه شئ فلا يلومن الا نفسه " رواه أبو داود ولا بأس
بترك الوضوء لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغائط فأني بطعام فقال رجل يا رسول الله
ألا آتيك بوضوء قال " ما أريد الصلاة " رواه ابن ماجة وعن جابر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من
شعب بالجبل وقد قضى حاجته وبين أيدينا تمر على ترس أو حجفة فدعوناه فأكل معنا وما مس ماء
رواه أبو داود وروي عنه أنه كان يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها من يده ثم
قام فصلى ولم يتوضأ رواه البخاري ولا بأس بتقطيع اللحم بالسكين قال أحمد: حديث لا تقطعوا اللحم
بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم وانهشوه نهشا فإنه أهنأ وأمرأ قال ليس بصحيح واحتج بهذا
الحديث الذي ذكرناه.
(فصل) وتستحب التسمية عند الاكل وأن يأكل بيمينه مما يليه لما روى عمر بن أبي سلمة قال كنت
يتيما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي تطيش في الصفحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا غلام سم الله
وكل بيمينك وكل مما يليك " متفق عليه وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليأكل
122

بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " رواه مسلم وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" إذا أكل أحدكم فليذكر الله فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره " وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيمن قال
بسم الله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال " ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر الله قاء ما في بطنه " رواهن
أبو داود وعن عكراش بن ذؤيب قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجفنة كثيرة الثريد والودك فأقبلنا نأكل فخبطت
يدي في نواحيها فقال " يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد " وأتينا بطبق فيه ألوان من
الرطب فجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق وقال يا عكراش " كل من حيث شئت فإنه غير لون
واحد " رواه ابن ماجة ولا يأكل من ذروة الثريد لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا
أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلا الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها "
وفي حديث آخر " كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها تبارك " رواهما ابن ماجة
(فصل) ويستحب الاكل بالأصابع الثلاث ولا يمسح يده حق يلعقها قال مهنأ سألت أبا عبد الله
عن الاكل بيده كلها فذهب إلى ثلاث أصابع فذكرت له الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان
يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير الا ثلاث أصابع وقد روى كعب بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم
يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الخلال باسناده ويكره الاكل متكئا لما روى أبو
جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا آكل متكئا " رواه البخاري ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها
لما روينا وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها " رواه
أبو داود وعن نبيشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له
القصعة " رواه الترمذي وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وقعت اللقمة من يد أحدكم فليمسح
ما عليها من الأرض ليأكلها " رواهن ابن ماجة
123

(فصل) ويحمد الله إذا فرغ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليرضى من العبد أن
يأكل الاكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها " رواه مسلم، وعن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا أكل طعاما قال " الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " رواه أبو داود، وعن
أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا رفع طعامه " الحمد لله كثيرا مباركا فيه غير
مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " وعن معاذ بن أنس الجهمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما
تقدم من ذنبه " رواهن ابن ماجة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعاما هو وأبو بكر وعمر ثم قال
" من قال في أوله بسم الله الله وبركة الله وفي آخره الحمد لله الذي أطعم وأروى وأنعم وأفضل " فقد أدى
شكره " ويستحب الدعاء لصاحب الطعام لما روى جابر بن عبد الله قال صنع أبو الهيثم للنبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه طعاما فدعى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغ قال " أثيبوا صاحبكم " قالوا يا رسول الله وما
إثابته قال " ان الرجل إذا دخل بينه وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته " وعن أنس
أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة يعوده فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله
عليه وسلم " أفطر عندك الصائمون واكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة " رواه أبو داود
(فصل) ولا بأس بالجمع بين طعامين فإن عبد الله بن جعفر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل
124

القثاء بالرطب ويكره عيب الطعام لقول أبي هريرة ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط
إذا اشتهى شيئا اكله وان لم يشتهه تركه متفق عليهما وإذا حضر فصادف قوما يأكلون فدعوه لم يكره
الاكل لما قدمنا من حديث جابر حين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معهم ولا يجوز له ان
يتحين وقت اكلهم فيهجم عليهم ليطعم معهم لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي
الا ان يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) اي غير منتظرين بلوغ نضجه وعن انس قال ما اكل
رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة قال فعلام كنتم تأكلون؟ قال على السفر
وقال ابن عباس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في
الاناء وفي المتفق عليه من حديث أبي قتادة ولا يتنفس أحدكم في الاناء
وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وضعت المائدة فلا يقوم الرجل حتى ترفع المائدة ولا
يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم وليقعد فإن الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسى أن يكون له
في الطعام حاجة " رواهن كلهن ابن ماجة
(فصل) قال محمد بن يحيى قلت لأبي عبد الله الاناء يؤكل فيه ثم تغسل فيه اليد؟ قال لا بأس به.
وقيل لأبي عبد الله ما تقول في غسل اليد بالنخالة؟ قال لا بأس به نحن نفعله. واستدل الخطابي على
جواز ذلك بما روى أبو داود باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه أمر امرأة أن تجعل مع الماء ملحا ثم
تغتسل به الدم من حيضة، والملح طعام ففي معناه ما أشبه
125

* (باب عشرة النساء) *
تلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف وأن لا يمطله بحقه ولا يظهر الكراهة
لبذله لقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وقال (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) قال أبو زيد
يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال ابن عباس إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن
تتزين لي لأن الله تعالى يقول (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقال الضحاك في تفسيرها إذا أطعن
الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته، وقال بعض أهل
العلم التماثل ههنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يمطله به ولا يظهر
الكراهة بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه إذا ولا منة لأن هذا من المعروف الذي أمر الله تعالى به.
ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه لقول الله تعالى (وبالوالدين
إحسانا وبذي القربى) إلى قوله (والصاحب بالجنب) قيل هو كل واحد من الزوجين. وقال النبي
صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله "
رواه مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة فإن ذهبت
تقيمها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج " متفق عليه، وقال " خياركم خياركم لنسائهم "
رواه ابن ماجة، وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه، قال الله تعالى (وللرجال عليهن درجة)
126

وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن
لما جعل الله لهم عليهن من الحق " رواه أبو داود، وقال " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها
الملائكة حتى ترجع " متفق عليه، وقال لامرأة " أذات زوج أنت؟ " قالت نعم، قال " فإنه جنتك
ونارك " وقال " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا باذنه ولا تأذن في بيته إلا باذنه وما
أنفقت من نفقة بغير إذنه فإنه يرد إليه شطره " رواه البخاري
* (مسألة) * (وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها)
لأن بالعقد يستحق الزوج تسليم المعوض كما تستحق المرأة تسليم العوض وكما تستحق المستأجرة
تسليم العين المستأجرة وتستحق عليه الأجرة به، وقوله وكانت حرة لأن الأمة لا يجب تسليمها إلا
بالليل على ما نذكره، ويشترط إمكان الاستمتاع بها فإن كانت صغيرة لا يجامع مثلها وذلك معتبر بحالها
واحتمالها لذلك، قاله القاضي وذكر انهن يختلفن فقد تكون صغيرة السن تصلح وكبيرة لا تصلح،
وحده أحمد رحمه الله بتسع سنين فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها فإن أتى عليها
تسع سنين دفعت إليه ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع وذهب في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم
بنى بعائشة وهي بنت تسع سنين، قال القاضي هذا عندي ليس على طريق التحديد وإنما ذكره لأن
127

الغالب ان ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها ومتى كانت لا تصلح للوطئ لا يجب على أهلها تسليمها إليه
وان ذكر انه يحصنها ويربيها لأنه لا يملك الاستمتاع بها وليت له بمحل ولا يؤمن شرة نفسه إلى مواقعتها
فيفضها، وإن كانت مريضة مرضا مرجوا الزوال لم يلزمها تسليم قبل برئها لأنه مانع مرجو الزوال
فهو كالصغر ولان العادة لم تجر بتسليم المريضة إلى زوجها والتسليم في العقد يجب على حسب العرف
فإن كان المرض غير مرجو الزوال لزم تسليمها إلى الزوج إذا طلبها ولزمه تسلمها إذا عرفت عليه
لأنها ليست لها حالة يرجى زوال ذلك فيها، فلو لم تسلم نفسها لم يفد التزويج وله أن يستمتع بها فإن كانت
نضوة الخلق وهو جسيم تخاف على نفسها الافضاء من عظمه فلها منعه من جماعها وله الاستمتاع بها فيها
دون لفرج وعليه النفقة ولا يثبت له خيار الفسخ لأن هذه يمكن الاستمتاع بها لغيره وإنما الامتناع
لأمر من جهته وهو عظم خلقه بخلاف الرتقاء فإن طلب تسليمها إليه وهي حائض احتمل أن لا يجب ذلك
كالمرض المرجو زواله، واحتمل وجوب التسليم لأنه يزول قريبا ولا يمنع من الاستمتاع بما دون الفرج
* (مسألة) * (وإنما يجب تسليمها في بيت الزوج إذا لم تشترط دارها) وقد ذكرنا ذلك في بابه
ويجب عليها تسليم نفسها في دارها
(فصل) فإن كانت حرة لزم تسليمها ليلا ونهارا لأنه لا حق لغيره عليها
* (مسألة) * (فإن سألت الانظار أنظرت مدة جرت العادة باصلاحها أمرها فيها كاليومين والثلاثة)
128

لأن ذلك يسير جرت العادة بمثله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تطرقوا النساء ليلا حتى
تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " فمنع من الطروق وأمر بامهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبتها له فههنا أولى
* (مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل)
وللسيد استخدامها نهارا وعليه إرسالها بالليل للاستمتاع بها لأنه زمانه وذلك لأن السيد يملك من
أمته منفعتين الاستخدام والاستمتاع، فإذا عقد على إحداهما لم يلزمه تسليمها إلا في زمن استطابتها
كما لو أجرها للخدمة لم يلزمه تسليمها إلا في زمنها وهو النهار، فإن أراد الزوج السفر بها لم يملك
ذلك لأنه يفوت خدمتها المستحقة لسيدها، وإن أراد السيد السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك فقال
ما أدري؟ فيحتمل المنع منه لأنه يفوت حق الزوج منها فمنع منه كما لو أراد الزوج السفر بها ويحتمل أن
له السفر بها لأنه مالك لرقبتها فهو كسيد العبد إذا زوجه
(فصل) ويجوز للسيد بيعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في شراء بريرة وهي ذات
زوج ولا ينفسخ النكاح بذلك بدليل ان بيع بريرة لم يبطل نكاحها
* (مسألة) * (وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع "
129

متفق عليه، ولقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وله السفر بها إلا أن تشترط بلدها لأن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه، فإن اشترطت بلدها فلها شرطها لقول النبي صلى الله عليه وسلم
" إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج "
* (مسألة) * (ولا يجوز وطؤها في الحيض اجماعا)
لقول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) ولا يجوز وطؤها في
الدبر في قول أكثر أهل العلم منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمر وأبو هريرة
رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب
الرأي وابن المنذر ورويت إباحته عن عبد الله بن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال
ما رأيت أحدا اقتدى به في ديني يشك في أنه حلال وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك
واحتج من أحله بقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وقوله سبحانه (والذين هم
لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية.
ولنا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء
في أعجازهن " وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ينظر الله إلى رجل
جامع امرأته في دبرها " رواهما ابن ماجة، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " من
130

أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواهن كلهن
الأثرم، فأما الآية فروى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها
جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) من بين يديها ومن
خلفها غير أن لا يأتيها إلا في المأتي متفق عليه، وفي رواية " ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك
في الفرج " والآية الأخرى المراد بها ذلك
(فصل) فإن وطئها في دبرها فلا حد عليه لأن في ذلك شبهة ويعزر لفعله المحرم وعليهما الغسل
لأنه إيلاج فرج في فرج وحكمه حكم الوطئ في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر ووجوب
العدة، فإن كان الوطئ في أجنبية فعليه حد اللوطي ولا مهر عليه لأنه لم يفوت منفعة لها عوض في الشرع
ولا يحصل بوطئ زوجته في الدبر احصان إنما يحصل بالوطئ في الفرج لأنه وطئ كامل بخلاف هذا
ولا الاحلال للزوج الأول لأن المرأة لا تذوق عسيلة الرجل ولا تحصل به الفيئة لأن الوطئ لحق المرأة
وحقها الوطئ في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصماتها في الاذن في النكاح لأن بكارة الأصل باقية
(فصل) فأما التلذذ بين الأليتين من غير إيلاج فلا بأس به لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر
فهو مخصوص بذلك ولأنه حرم لأجل الأذى وذلك مخصوص في الدبر فاختص التحريم به
* (مسألة) * (ولا يعزل عن الحرة إلا باذنها)
131

معنى العزل أن ينزع إذا قرب الانزال فينزل خارجا من الفرج وهو مكروه، رويت كراهته عن
عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود، وروي عن أبي بكر الصديق أيضا لأن فيه تقليل النسل وقطع اللذة
عن الموطوءة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد فقال " تناكحوا تناسلوا
تكثروا " وقال " سوداء ولود خير من حسناء عقيم " إلا أن يكون العزل لحاجة مثل أن يكون في
دار الحرب فتدعو حاجته إلى الوطئ
ذكر الخرقي في هذه: أو تكون زوجته أمة فيخشى الرق على ولده، أو تكون له أمة فيحتاج
إلى وطئها وإلى بيعها. فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يعزل عن إمائه فإن عزل من غير حاجة
كره ولم يحرم وقد رويت الرخصة فيه عن علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر
وابن عباس والحسن بن علي وخباب بن الأرت وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والنخعي ومالك
والشافعي وأصحاب الرأي. وروى أبو سعيد قال ذكر يعني العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال " فلم يفعل
ذلك أحدكم؟ - ولم يقل فلا يفعل - فإنه ليس من نفس مخلوقة إلا الله خالقها " متفق عليه، وعنه أن رجلا
قال: يا رسول الله ان لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن
132

اليهود تحدث أن العزل هي الموؤودة الصغرى قال " كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن
تصرفه " رواه أبو داود
ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا باذنها قال القاضي ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة
في العزل، ويحتمل أن يكون مستحبا، لأن حقها في الوطئ دون الانزال بدليل أنه يخرج به من الفيئة
والعنة، وللشافعية في ذلك وجهان، والأول أولى لما روي عن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل
عن الحرة إلا باذنها، رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة ولان لها في الولد حقها وعليها في العزل
ضرر فلم يجز إلا باذنها.
(فصل) والنساء ثلاثة أقسام إحداهن زوجته الحرة فلا يجوز العزل عنها إلا باذنها في ظاهر
المذهب وقد ذكرنا ذلك. (الثانية): أمته فيجوز العزل عنها، نص عليه أحمد، وهو قول مالك
وأبي حنيفة والشافعي وذلك لأنه لا حق لها في الوطئ ولا في الولد ولذلك لم تملك المطالبة بالقسم ولا
الفيئة فلان تملك المنع من العزل أولى. (الثالثة) زوجته الأمة فالأولى جواز العزل عنها بغير اذنها
وهو قول الشافعي استدلالا بمفهوم الحديث المذكور.
وقال ابن عباس يستأذن الحرة، ولا يستأذن الأمة ولان عليه ضررا في ارقاق ولده بخلاف الحرة،
ويحتمل أن لا يجوز الا باذنها لأنها زوجة تملك المطالبة بالوطئ في الفيئة والفسخ عند تعذره بالعنة فلم يجز
133

بغير إذنها كالحرة. وقال أصحابنا لا يجوز العزل عنها إلا باذن سيدها لأن الولد له والأولى جوازه
لأن تخصيص الحرة بالاستئذان دليل سقوطه في غيرها ولان السيد لا حق له في الوطئ فلا يجب
استئذانه في كيفيته ويحتمل أن يكون استئذانها مستحبا لأن حقها في الوطئ لا في الانزال بدليل
خروجه بذلك من الفيئة والعنة.
* (مسألة) * (وله اجبارها على الغسل من الحيض والجنابة والنجاسة واجتناب المحرمات وأخذ
الشعر الذي تعافه النفس الا الذمية فله اجبارها على الغسل من الحيض والنفاس وفي سائر الأشياء روايتان)
وجملة ذلك أن للزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية حرة
أو مملوكة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه فإن احتاجت إلى
شراء الماء فثمنه عليه لأنه لحقه، وله اجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لأن الصلاة واجبة
عليها ولا تتمكن منها إلا بالغسل. فأما الذمية ففيها روايتان.
(أحديهما) له اجبارها عليه لأن كمال الاستمتاع يقف عليه فإن النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة
(والثانية): ليس له إجبارها. وهو قول مالك والثوري فإن الوطئ لا يقف عليه لاباحته بدونه،
وللشافعي قولان كالروايتين، وفي إزالة الوسخ والدرن وفي تقليم الأظافر وجهان بناء على الروايتين في
غسل الجنابة، ويستوي في هذا المسلمة والذمية لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها، وله إجبارها
134

على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة رواية واحدة ذكرها القاضي وكذلك الأظفار فإن طالا
قليلا بحيث تعافه النفس ففيه وجهان، وهل له منعها من أكل ما له رائحة كريهة كالبصل والثوم
والكرات؟ على وجهين (أحدهما) له منعها من ذلك لأنه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع. (والثاني)
ليس له ذلك لأنه لا يمنع الوطئ، وله منعها من السكر وان كانت ذمية لأنه يمنع الاستمتاع بها ويزيل
عقلها ولا يأمن أن تجني عليه فأما شرب ما لا يسكر فله منع المسلمة منه لأنهما يعتقدان تحريمه، وليس له
منع الذمية منه نص عليه أحمد لأنها تعتقد اباحته في دينها، وله إجبارها على غسل فيها منه لما فيه من
الرائحة الكريهة فهو كالثوم، وهكذا الحكم لو تزوج مسلمة تعتقد حل يسير النبيذ ومذهب الشافعي
على نحو من هذا كله.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من كل أربع ليال ان كانت حرة)
وجملة ذلك أن قسم الابتداء واجب ومعناه أنه إذا كانت له امرأة حرة لزمه المبيت عندها
ليلة من كل أربع ليال ما لم يكن له عذر، وإن كان له نساء فلكل واحدة منهن ليلة من كل أربع،
وبه قال الثوري وأبو ثور، وقال القاضي في المجرد لا يجب قسم الابتداء إلا إن كان بترك الوطئ مضرة
فإن كان تركه غير مضر لم يلزمه قسم ولا وطئ لأن أحمد قال إذا وصل الرجل إلى امرأته مرة بطل
أن يكون عنينا أي لا يؤجل. وقال الشافعي لا يجب قسم الابتداء بحال لأن القسم لحقه فلم يجب عليه
135

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص " يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم
الليل "؟ قلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل " صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك
عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا " متفق عليه فأخبر أن للمرأة عليه حقا
وقد روى الشعبي أن كعب بن سوار كان جالسا عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت يا أمير
المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي والله انه ليبيت ليله قائما ويظل نهاره صائما فاستغفر لها
وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت راجعة فقال كعب يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها
فجاء فقال لكعب اقض بينهما فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهم قال فاني أرى أنها امرأة عليها ثلاث
نسوة وهي رابعتهن فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما رأيك
الأول بأعجب إلي من الآخر اذهب فأنت قاض علي البصرة روي ذلك عن عمر بن شبة في كتاب
قضاة البصرة من وجوه هذا أحدهما وفي لفظ قال عمر نعم القاضي أنت، وهذه قضية اشتهرت فلم
تنكر فكانت إجماعا ولأنه لو لم يكن حقا للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته كالزيادة في
النفقة على قدر الواجب.
* (مسألة) * (وان كانت أمة فمن ثمال ليال ليلة)
هذا اختيار شيخنا قال أصحابنا من كل سبع لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها
136

السابعة والأولى أولى ليكون على النصف مما للحرة فإن حق الحرة من كل ثمان ليلتان ولو كان للأمة
ليلة من سبع لزاد على النصف ولم يكن للحرة ليلتان وللأمة ليلة ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة
فلم يرد أن يزيدهن على الواجب لهن فقسم بينهن سبعا فماذا نصنع في الليلة الثامنة ان أوجبنا عليه مبيتها
عند حرة فقد زادها على ما يجب لها وإن باتها عند الأمة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه وعلى ما اختاره
شيخنا تكون هذه الليلة الثامنة له ان أحب انفرد فيها وان أحب بات عند الأولى مستأنفا للقسم
وإن كان عنده حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال من ثمان وله الانفراد في خمس وإن كان تحته حرتان
وأمة فلهن خمس وله ثلاث وإن كان حرتان وأمتان فلهن ست وله ليلتان وان كانت أمة واحدة فلها
ليلة وله سبع وعلى قول الأصحاب لها ليلة وله ست
* (مسألة) * (وله الانفراد بنفسه فيما بقي وقد ذكرناه لأنه قد وفاهن حقهن فلم تجب عليه زيادة
كما لو وفاهن حقهن من النفقة والكسوة والسكن)
* (مسألة) * (وعليه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة)
137

الوطئ واجب على الرجل إذا لم يكن عذر وبه قال مالك وقال القاضي لا يجب الا أن يتركه
للاضرار وقال الشافعي لا يجب عليه لأنه حق له فلا يجب عليه كسائر حقوقه)
ولنا ما تقدم في المسألة المتقدمة في أول الفصل ولان في بعض الروايات حديث كعب حين
قضى بين الرجل وامرأته قال إن لها عليك حقا بابعل تصيبها في أربع لمن عدل فأعطها ذاك ودع
عنك العلل فاستحسن عمر قضاءه ورضيه ولأنه حق يجب بالاتفاق إذا حلف على تركه فيجب قبل
أن يحلف كسائر الحقوق الواجبة يحقق هذا أنه لو لم يكن واجبا لم يصر باليمين على تركه واجبا
كسائر مالا يجب ولان النكاح شرع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما وهو مفض إلى رفع ضرر
الشهوة عن المرأة كالضائه إلى رفع ذلك عن الرجل فيجب تعليله بذلك ويكون ء الوط حقا لهما جميعا
ولأنه لو لم يكن لهما فيه حق لما وجب استئذانها في العزل كالأمة
(فصل) ويجب في كل أربعة أشهر مرة نص عليه أحمد ووجه ان الله تعالى قدره بأربعة أشهر
في حق المولي فكذلك في حق غيره لأن اليمين لا توجب ما حلف على تركه فيدل على أنه واجب بدونها
* (مسألة) * (فإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك أن لم يكن له عذر)
وجملة ذلك أنه إذا سافر عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطئ وان طال سفره
ولذلك لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة وان لم يكن له عذر مانع من الرجوع فإن أحمد
138

رحمه الله ذهب إلى توقيته بستة أشهر فإنه قيل له كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال ستة أشهر يكتب إليه فإن
أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما وإنما صار إلى تقديره بهذا لحديث عمر، رواه أبو حفص باسناده عن
زيد بن أسلم قال بينما عمر بن الخطاب يحرس بالمدينة فمر بامرأة وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه * وطال على أن لا خليل ألاعبه
ووالله لولا خشية الله وحده * لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عنها عمر فقيل له هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث
إلى زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت سبحان الله مثلك
يسأل مثلي عن هذا فقال لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك قالت خمسة أشهر أو ستة أشهر فوقت
للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة ويسيرون شهرا راجعين وسئل أحمد كم للرجل
يغيب عن أهله؟ قال يروى ستة أشهر وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لأمر لا بد له
* (مسألة) * (فإن أتي شيئا من ذلك لم يكن ثم عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما)
قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها يقول غدا أدخل بها إلى شهر
يجبر على الدخول قال أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما فجعله أحمد كالمولى وقال أبو
بكر بن جعفر لم يرو مسألة بن منصور غيره وفيها نظر وظاهر قول أصحابنا أنه لا يفرق بينهما لذلك
139

وهو قول أكثر الفقهاء لأنه لو ضربت له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للايلاء أثر ولا خلاف في
اعتباره وقال بعض أصحابنا إن غاب أكثر من ذلك لغير عذر يراسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ
نكاحه، وروي ذلك عن أحمد ومن قال لا يفسخ نكاحه إذا ترك الوطئ وهو حاضر فههنا أولى
وفي جميع ذلك لا يجوز الفسخ عند من يراه الا بحكم الحاكم لأنه مختلف فيه، وعن أحمد ما يدل
على أن الوطئ غير واجب فيكون هذا كله غير واجب لأنه حق له فلم يجبر عليه كسائر حقوقه وهذا مذهب
والأول أولى لما ذكرنا
(فصل) سئل أحمد يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة قال له إي والله يحتسب الولد
فإن لم يرد الولد يقول هذه المرأة شابة لم لا يؤجر؟ وهذا صحيح وإن أبا ذر روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " مباضعتك أهلك صدقة " قلت يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال " أرأيت لو وضعه في غير
حقه؟ ما كان عليه وزر " قال بلى قال " أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير؟ " ولأنه وسيلة إلى الولد
وإعفاف نفسه وامرأته وغض بصره وسكون نفسه أو إلى بعض ذلك
* (مسألة) * (ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني)
لقول الله تعالى (وقدموا لأنفسكم) قال عطاء هي التسمية عند الجماع، وروى ابن عباس قال:
140

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب
الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان ابدا " متفق عليه
(فصل) ويكره التجرد عند المجامعة لما روى عتبة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردان تجرد العيرين " رواه ابن ماجة وعن عائشة قالت كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه ولا يجامع بحيث يراهما أحد
أو يسمع حسهما ولا يقبلها ويباشرها عند الناس قال أحمد ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله وقال أحمد
في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع قال كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي ولا يتحدث
بما كان بينه وبين أهله لما روي عن الحسن قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء
فأقبل على الرجال فقال " لعل أحدكم يحدث بما يصنع باهله إذا خلا - ثم أقبل على النساء فقال -
لعل إحداكن تحدث بما يصنع بها زوجها قال فقالت امرأة إنهم ليفعلون وإنا لنفعل فقال - لا تفعلوا فإنما
مثلكم كمثل الشيطان لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون " وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم مثله بمعناه ولا يستقبل القبلة حال الجماع لأن عمرو بن حزم وعطاء كرها ذلك.
* (مسألة) * (ولا يكثر الكلام حال الوطئ)
لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تكثروا الكلام عند مجامعة
141

النساء فإن منه يكون الخرس والفأفاء ولأنه يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه ويستحب أن
يلاعب امرأته عند الجماع لتنهض شهوتها لتنال من لذة الجماع ما ناله، وقد روى عمر بن العزيز
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تواقعها الا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا
تسبقها بالفراغ " قلت وذلك إلي؟ قال " نعم إنك تقبلها وتغمزها وتلمسها فإذا رأيت أنه قد جاءها
مثل ما جاءك واقعتها "
* (مسألة) * (ولا ينزع إذا فرغ قبلها حتى تفرغ)
لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل أهله فليقصدها ثم إذا قضى
الرجل حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها " ولان في ذلك ضررا عليها ومنعا لها من قضاء شهوتها
ويستحب للمرأة أن تتخذ خرقه تناولها الزوج بعد فراغه يتمسح بها فإن عائشة قالت: ينبغي للمرأة
إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة فإذا جامعها زوجها ناولته فمسح عنه ثم تمسح عنها فيصليان في ثوبهما
ذلك ما لم تصبه جنابة
* (مسألة) * (ولا بأس أن يجمع بين وطئ نسائه وإمائه بغسل واحد)
لما روى أنس قال سكبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسل من نسائه غسلا واحدا في ليلة واحدة
ولان حدث الجنابة لا يمنع الوطئ بديل إتمام الجماع ويستحب الوضوء عند معاودة الوطئ نص عليه
142

أحمد قال فإن لم يفعل فأرجو أن لا يكون به بأس ولان الوضوء يزيده نظافة ونشاطة فاستحب وان
اغتسل بين كل وطئين فهو أفضل فإن أبا رافع روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه
جميعا فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا فقلت يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب
وأطهر رواه الإمام أحمد في المسند وروى هذه الأحاديث التي في آداب الجماع كلها أبو حفص العكبري وروى
ابن بطة باسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل من أول الليل ثم
أراد ان يعود توضأ وضوءه للصلاة "
(فصل) وليس للرجل ان يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد إلا برضاهما صغيرا كان المسكن أو كبيرا
لأن عليهما ضررا لما بينهما من العداوة والغيرة فاجتماعهما يثير الخصومة والمقابلة وتسمع كل واحدة منهما
حسه إذا اتى الأخرى أو ترى ذلك فإن رضيا بذلك جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن
رضيا بنومه بينهما في لحاف واحد فإن رضيا بان يجامع إحداهما بحيث ثراه الأخرى لم يجز لأن
فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة فلم يجز برضاهما وان أسكنهما في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت
جاز إذا كان ذلك سكن مثلهما
* (مسألة) * (ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرهما لأن فيه دناءة ولا يحدثها بما جرى بينهما
ولا يحدث غيرها لما روي من حديث الحسن
143

(فصل) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تعجبون من سعد لأنا أغير منه والله أغير مني "
وعن علي رضي الله عنه قال بلغني ان نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق أما تغارون انه لا خير فيمن
لا يغار وقال محمد بن علي بن الحسين كان إبراهيم عليه السلام غيورا وما من امرئ لا يغار
إلا منكوس القلب.
* (مسألة) * (وله منعها من الخروج من منزلها إلى مالها منه بد سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما
أو حضور جنازة أحدهما)
قال احمد في امرأة لها زوج وأم مريضة طاعة زوجها أوجب عليها من أمها الا ان يأذن لها وقد
روى ابن بطة في أحكام النساء عن انس ان رجلا سافر ومنع زوجته الخروج فمرض أبوها فاستأذنت
رسول الله صلى الله عيله وسلم في عيادة أبيها فقال لها رسول الله عليه وسلم " اتقي الله لا تخالفي زوجك "
فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم " اني قد غفرت لها بطاعة زوجها ولان طاعة الزوج واجبة والعيادة
غير واجبة فلا يجوز ترك واجب لما ليس بواجب ولا يجوز لها الخروج الا باذنه
* (مسألة) * (فإن مرض بعض محارمها أو مات استحب له ان يأذن لها في الخروج إليه)
لما في ذلك من صلة الرحم وفي منعها منه قطيعة الرحم وحمل لزوجته على مخالفته وقد أمر الله تعالى
144

بالمعاشرة بالمعروف وليس هذا من المعاشرة بالمعروف فإن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى
الكنيسة ولان ذلك ليس بطاعة ولا نفع فإن كانت مسلمة فقال القاضي له منعها من الخروج إلى المساجد
وهو مذهب الشافعي وظاهر الحديث منعه من منعها وهو قوله عليه الصلاة والسلام " لا تمنعوا إماء الله
مساجد الله " وروي أن ابن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فكانت تخرج إلى المساجد
وكان غيورا فيقول لها لو صليت في بيتك فتقول لا أزال أخرج أو تمنعني فكره منعها لهذا وقال أحمد في
الرجل تكون له المرأة والأمة النصرانية يشتري لها زنارا قال لا بل تخرج هي تشتري لنفسها فقيل له
جاريته تعمل الزنانير؟ قال لا
(فصل) وليس على المرأة خدمة زوجها في العجن والخبز والطبخ وأشباهه نص عليه أحمد وقال
أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني عليها ذلك واحتجا بقصة علي وفاطمة فإن النبي صلى الله
عليه وسلم قضي على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى علي ما كان خارجا من البيت من عمل رواه الجوزجاني
من طرق وقال الجوزجاني وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد
لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ولو أن رجلا أمر امرأته ان تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر
أو من جبل أحمر إلى جبل أسود كان عليها أن تفعل " ورواه باسناده قال فهذا طاعته فيما لا منفعة فيه
145

فكيف بمؤنة معاشه؟ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه بخدمته فقال " يا عائشة اسقينا يا عائشة
أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة واشحذ بها بحجر " وروي أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت
إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادما يكفيها ذلك
ولنا أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه فأما قسم النبي صلى
الله عليه وسلم بين علي وفاطمة فعلى ما يليق بها من الأخلاق المرضية ومجرى العادة لا على سبيل الايجاب كما قد روي
عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقوم بغرس الزبير وتلتقط له النوى وتحمله على رأسها ولم يكن ذلك واجبا
عليها وكذلك لا يجب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت ولا الزيادة على ما يجب لها من النفقة
والكسوة ولكن الأولى فعل ما جرت به العادة بقيامها به لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به ولا
تنتظم المعيشة بدونه.
* (مسألة) * (ولا تملك المرأة إجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها)
أما إذا فعلت ذلك باذنه جاز ولزم العقد لأن الحق لهما لا يخرج عنهما وإن كان بغير إذنه لم يصح لما
يتضمن من تفويت حق زوجها وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويجوز في الآخر لأنه تناول محلا
غير محل النكاح لكن للزوج فسخه لأنه يفوت به الاستمتاع ويختل
ولنا أنه عقد يفوت به حق من ينسب له الحق بعقد سابق فلم يصح كإجارة المستأجر فأما ان أجرت
146

المرأة نفسها للرضاع ثم تزوجت صح العقد ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى
تنقضي المدة لأن منافعها ملكت بالعقد السابق على نكاحه فأشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة ودارا
مشغولة فإن نام الصبي واشتغل بغيرها فللزوج الاستمتاع وليس لولي الصبي منعها وبهذا قال الشافعي وقال
مالك ليس له وطؤها الا برضى الولي لأن ذلك ينفص اللبن
ولنا أن وطئ الزوج مستحق بالعقد فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن فيه الولي ولأنه يجوز له
الوطئ مع اذن الولي فجاز مع عدمه لأنه ليس للولي الاذن فيما يضر بالصبي ويسقط حقوقه
* (مسألة) * (وله أن يمنعها من رضاع ولدها الا أن يضطر إليها ويخشى عليه)
وجملته أن للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ومن رضاع ولد غيرها الا أن يضطر إليها
لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلوات
والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات فكان له المنع كالخروج من منزله فإن اضطر الولد
إليها بأن لا يوجد مرضعة سواها ولا يقبل الولد الارتضاع من غيرها وجب التمكين من إرضاعه
لأنها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم
يكن بالمالك مثل ضرورته.
147

(فصل) فإن أرادت رضاع ولدها منه ففيه وجهان (أحدهما) أن له منعها من رضاعه ولفظ شيخنا
في هذا الكتاب يقتضيه بعموم لفظه وهو قول الشافعي ولفظ الخرقي يقتضيه أيضا لأنه يخل باستمتاعه
منها فأشبه ما لو كان الولد من غيره وهذا ظاهر كلام القاضي (والثاني) ليس له منعها ويحتمله كلام
الخرقي فإنه قال فإن أرادت رضاع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج
أو مطلقة وهكذا ذكره شيخنا في كتاب نفقة الأقارب في الكتاب المشروح لقول الله تعالى (والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين) وهو خبر يراد به الامر وهو عام في كل واحدة ولا يصح من
أصحاب الشافعي حمله على المطلقات لأنه جعل لهن رزقهن وكسوتهن وهم لا يجيزون جعل ذلك أجرا
لرضاع ولا غيره وقولنا فط الوجه الأول انه يخل باستمتاعه قلنا لايفاء حق عليه وليس ذلك ممتنعا كما
أن قضاء دينه بدفع ماله فيه واجب سيما إذا تعلق به حق الولد في كونه مع أمه وحق الام في الجمع
بينها وبين ولدها وهذا ظاهر كلام ابن أبي موسى
* (فصل) * في القسم الأول قال رضي الله عنه (وعلى الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم الأول)
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم قال الله تعالى (وعاشروهن
بالمعروف) وليس مع الميل معروف وقال سبحانه (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) وروى أبو
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت له امرأتان إلى أحديهما جاء يوم القيامة
148

وشقه مائل " وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول " اللهم هذا
قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " رواهما أبو داود
* (مسألة) * (وعماد القسم الليل الا لمن معيشته بالليل كالحارس)
ولا خلاف في هذا وذلك لأن الليل لسكن والايواء يأوي فيه الانسان إلى منزلة ويسكن إلى
أهله وينام في فراشه مع زوجته عادة والنهار للمعاش والخروج والكسب والاشتغال قال الله تعالى
(وجعل الليل سكنا) وقال سبحانه (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (ومن رحمته
جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله)
فعلى هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلة ليلة ويكون في النهار في معاشه فيما شاء مما يباح له إلا أن
يكون ممن معاشه بالليل كالحارس ومن أشبه فإنه يقسم بين نسائه بالنهار ويكون الليل في حقه
كالنهار في حق غيره
(فصل) والنهار يدخل في القسم تبعا لليل بدليل ما روي أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه
وقالت عائشة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي في يومي وإنما قبض صلى الله عليه وسلم نهارا ويتبع اليوم
الليلة الماضية لأن النهار تابع لليل ولهذا يكون أول الشهر الليل ولو نذر اعتكاف شهر دخل معتكفه
قبل غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه بعد غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه من بعد
149

غروب شمس آخر يوم منه فيبدأ بالليل وان أحب أن يجعل النهار مضافا إلى الليل الذي يعقبه جاز لأن ذلك لا يتفاوت
* (مسألة) * (وليس له البداءة بإحداهن ولا السفر إلا بقرعة)
متى كان عنده نسوة لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن إلا بقرعة لأن البداءة بها تفضيل لها
والتسوية واجبة ولأنهن متساويات في الحق ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة لأن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أفرع بين نسائه فمن خرجت لها القرعة خرج بها معه متفق
عليه فالقرعة في السفر منصوص عليها وابتداء القسم مقيس عليه
* (مسألة) * (إذا بات عندها بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية)
لتعين حقها فإن كانتا اثنتين كفاه قرعة واحدة ويصير في الليلة الثانية إلى الثانية بغير قرعة لأن
حقها متعين فإن كن ثلاثا أقرع في الليلة الثانية للبداءة بإحدى الباقيتين فإن كن أربعا أقرع في الليلة
الثالثة ويصير في الليلة إلى الرابعة بغير قرعة ولو أقرع في الليلة الأولى فجعل سهما للأولى وسهما
للثانية وسهما للثالثة وسهما للرابعة ثم أخرجها عليهن مرة واحدة جاز وكانت لكل واحدة ما خرج لها
* (مسألة) * (وليس عليه التسوية بينهن في الوطئ بل يستحب)
ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع وهو مذهب الشافعي
وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك فإن قلبه قد يميل إلى
150

إحداهما دون الأخرى قال الله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قال عبيدة
السلماني في الحب والجماع وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فإنه أبلغ في العدل
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بينهن فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما
لا أملك " وروي أنه كان يسوي بينهن حتى في القبلة ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون
الفرج من القبلة واللمس ونحوهما لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى
(فصل) وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن
قال أحمد في الرجل له امرأتان له ان يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والسكنى إذا
كانت الأخرى في كفاية ويشتري لهذه ارفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية وهذا لأن التسوية
في هذا كله تشق فلو وجبت لم يمكنه القيام بها الا بحرج فسقط وجوبها كالتسوية في الوطئ
* (مسألة) * (ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وان كانت كتابية)
وبهذا قال علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب ومسروق والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وذكر أبو
عبيد انه مذهب الثوري والأوزاعي وأهل الرأي وقال مالك في إحدى الروايتين عنه يسوي بين الحرة
والأمة في القسم لأنهما سواء في حقوق النكاح من النفقة والسكنى وقسم الابتداء فكذلك هذا
ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه انه كان يقول إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة
151

ليلتين رواه الدارقطني واحتج به أحمد ولان الحرة يجب تسليمها ليلا ونهارا فكان حظها الايواء
ويخالف النفقة والسكنى فإنه مقدر بالحاجة وحاجتها كحاجة الحرة وأما قسم الابتداء فإنما شرع
ليزول الاحتشام من كل واحد منهما من صاحبه ولا يختلفان في ذلك وفي مسئلتنا يقسم لهما ليتساوى حظهما
(فصل) والمسلمة والكتابية سواء في القسم فلو كان له امرأتان أمة مسلمة وحرة كتابية قسم
للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانتا جميعا حرتين فليلة وليلة قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من
أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء كذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والنخعي
والزهري والحكم وحماد ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأن القسم من
حقوق الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسكنى ويفارق الأمة لأن الأمة لا يتم تسليمها
ولا يحتمل لها الايواء التام بخلاف الكتابية
(فصل) فإن أعتقت الأمة في ابتداء مدتها أضاف إلى ليلتها ليلة أخرى لتساوي الحرة وإن كان
بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساويا ولم يقض لها ما مضى لأن الحرية حصلت لها بعد استيفاء حقها
وإن عتقت قسم للحرة ليلة لم يزدها على ذلك لأنهما تساويا فسوي بينهما
(فصل) والحق في القسم للأمة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها كالحرة
وليس لسيدها الاعتراض عليها ولا أن يهبه دونها لأن الأبواء والسكن حق لها دون سيدها فملكت
152

اسقاطه، وذكر القاضي ان قياس قول احمد انه يستأذن سيد الأمة في العزل عنها ان لا يجوز هبتها
لحقها من القسم الا باذنه، وهذا لا يصح لأن الوطئ لا يتناوله القسم فلم يكن للمولى فيه حق ولان المطالبة
بالفيئة للأمة دون سيدها وفسخ النكاح بالجب والعنة لها دون سيدها فلا وجه لاثبات الحق له ههنا
(فصل) ويقسم المريض والمجبوب والعنين والخصي وبذلك قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي
لأن القسم للانس وذلك حاصل ممن لا توطأ وقد روت عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه
جعل يدور على نسائه ويقول " أين أنا غدا أين أنا غدا " رواه البخاري، فإن شق عليه ذلك
استأذنهن في الكون عند إحداهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعث إلى النساء فاجتمعن قال " اني لا أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون
عند عائشة فعلتن " فأذن له رواه أبو داود. فإن لم يأذن له أقام عند إحداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعا
إن أحب، فإن كان الزوج مجنونا لا يخاف منه طاف به الولي عليهن وإن كان يخاف منه فلا قسم عليه لأنه
لا يحصل منه أنس ولا فائدة فإن لم يعدل الولي في القسم بينهن ثم أفاق المجنون فعليه أن يقضي للمظلومة
لأنه حق ثبت في ذمة فلزمه ايفاؤه حال الإفاقة كالمال
* (مسألة) * (ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها وكلهن
153

سواء في القسم) وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وكذلك
التي ظاهر منها لأن القصد الايواء والسكن والانس وهو حاصل لهن، فأما المجنونة فإن كانت لا يخاف
منها فهي كالعاقلة، وان خاف منها فلا قسم لها لأنه لا يأمنها على نفسه ولا يحصل لها أنس ولا بها
* (مسألة) * (فإن دخل في ليلتها إلى غيرها لم يجز إلا لحاجة داعية فإن لم يلبث لم يقض وإن لبث
أو جامع لزمه أن يقضي لها ذلك من حق الأخرى)
وجملة ذلك أنه إذا دخل في زمنها إلى ضرتها فإن كان ليلا لم يجز إلا لضرورة مثل أن يكون
منزولا بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه أو ما لابد منه فإن فعل ولم يلبث أن خرج لم يقض وإن أقام
وبرأت المرأة المريضة قضى للأخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها، وإن دخل لحاجة غير ضرورية
أثم والحكم في القضاء كما لو دخل لضرورة لأنه لا فائدة في قضاء اليسير، وان دخل عليها فجامعها في
الزمن اليسير ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه قضاؤه لأن الوطئ لا يستحق في القسم والزمن اليسير لا يقضى
(والثاني) يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما وهذا
هو الصحيح لأن اليسير مع الجماع أشق علي ضرتها وأغبط لها من الكثير من غير جماع فكان وجوب
قضائه أولى، فأما الدخول إلى المرأة في يوم غيرها في النهار فيجوز للحاجة من دفع النفقة أو عيادة
أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لعبد عهده بها فيجوز لذلك ولما روت عائشة قالت كان
154

رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري فينال مني كل شئ إلا الجماع، وإذا دخل
عليها لم يجامعها ولم يطل عندها لأن السكن يحصل بذلك وهي لا تستحقه، وفي الاستمتاع منها بما دون
الفرج وجهان (أحدهما) يجوز لحديث عائشة (والثاني) لا يجوز لأنه يحصل به السكن فأشبه الجماع فإن
أطال المقام عندها قضاه وان جامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان علي ما ذكرنا ومذهب الشافعي على نحو
ما ذكرنا إلا أنه لا يقضي إذا جامع في النهار. ولنا انه زمن يقضيه إذا طال المقام فيقضيه إذا جامع كالليل
(فصل) فإن خرج من عند بعض نسائه في زمانها فإن كان في النهار أو أول الليل أو آخره
الذي جرت العادة بالانتشار فيه والخروج إلى الصلاة جاز فإن المسلمين يخرجون لصلاة العشاء ولصلاة
الفجر قبل طلوعه، وأما النهار فهو للمعاش والانتشار، وإن خرج في غير ذلك ولم يلبث أن عاد لم
يقض لها لأنه لا فائدة في قضاء ذلك وان أقام قضاه لها سواء كانت اقامته لعذر من شغل أو حبس
أو لغير عذر لأن حقها قد فات بغيبته عنها، وان أحب أن يجعل قضاءه لذلك غيبته عن الأخرى مثل
ما غاب عن هذه جاز لأن التسوية تحصل بذلك ولأنه إذا جاز له ترك الليلة بكمالها في حق كل واحدة
منهما فبعضها أولى، ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت لأنه أبلغ في المماثلة والقضاء يعتبر فيه
المماثلة كقضاء العبادات والحقوق، وان قضاه من غيره من الليل مثل أن فاته في أول الليل فقضاه في
155

آخره أو بالعكس جاز في أحد الوجهين لأنه قد قضى بقدر ما فاته من الليل والآخر لا يجوز لعدم
المماثلة. إذا ثبت هذا فإنه لا يمكن قضاؤه كله من ليلة الأخرى لئلا يفوت حق الأخرى فيحتاج إلى
قضاء، ولكن إما أن ينفرد بنفسه في ليلة فيقضي منها واما أن يقسم ليلة بينهن ويفضل هذه بقدر
ما فات من حقها وله ان يترك من ليلة كل واحدة مثل ما فات من ليلة هذه، واما أن يقسم المتروك بينهما مثل
ان يترك من ليلة إحداهما ساعتين فيقضي لها من ليلة الأخرى ساعة فيصير الفائت على كل واحدة منهما ساعة
(فصل) والأولى أن يكون لكل واحدة من نسائه مسكن يأتيها فيه لأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يقسم هكذا ولأنه أصون لهن واستر حتى لا يخرجن من بيوتهن، فإن اتخذ لنفسه منزلا يدعو
إليه كل واحدة منهن في ليلتها ويومها جاز ذلك لأن الرجل ينقل زوجته حيث شاء ومن امتنعت منهن
من اجابته سقط حقها من القسم لنشوزها، وان اختار أن يقصد بعضهن في منازلهن ويستدعي البعض
كان له ذلك لأن له ان يسكن كل واحدة منهن حيث شاء، وان حبس الزوج فأحب القسم بين نسائه
بأن يستدعي كل واحدة في ليلتها فعليهن طاعته إن كان ذلك سكنى مثلهن وإن لم يكن لم يلزمهن اجابته
لأن عليهن في ذلك ضررا، وان أطعنه لم يكن له أن يترك العدل بينهن ولا استدعاء بعضهن دون
بعض كما في غير الحبس
(فصل) ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن، وقال القاضي
156

له أن يقسم ليلة ليلة وليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن، والأولى مع هذه
ليلة وهذه ليلة لأنه أقرب لعهدهن به، ويجوز الثلاث لأنها في حد القلة فهي كالليلة وهذا مذهب الشافعي
ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم إنما قسم ليلة ليلة ولان التسوية واجبة وإنما جوزنا البداية بواحدة
لتعذر الجمع فإذا بات عند إحداهن ليلة بقيت الليلة الثانية حقا للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها
ولأنه تأخير لحقوق بعضهن فلم يجز بغير رضاهن كالزيادة على الثلاث ولأنه إذا كان له أربع نسوة
فجعل لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الأخيرة في تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان
فأراد أن يجعل لكل واحدة تسعا ولان للتأخير عليها ضرر فإن لم يفعل فلا يجوز مع امكان التعجيل
بغير رضا المستحق كتأخير الدين الحال، والتحديد بالثلاث تحكم لا يسمع من غير دليل وكونه في حد
القلة لا يوجب جواز تأخير الحق كالديون الحالة وسائر الحقوق
(فصل) فإن كانت امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط
حقهما عنه بذلك فاما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها وإما أن يقدمها إليه فيجمع بينهما في بلد واحد
فإن امتنعت من القدوم مع الامكان سقط حقها لنشوزها، وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن
157

أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن كشهر وشهر أو أكثر أو أقل على حسب ما يمكنه وعلى
حسب تقارب البلدين وتباعدهما
(فصل) فإن قسم ثم جاء ليقسم للثانية فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت
لا تدخل علي ولا تبيت عندي أو ادعت الطلاق سقط حقها من القسم فإن عادت بعد ذلك إلى المطاوعة
استأنف القسم بينهما ولم يقض للناشز لأنها أسقطت حق نفسها، فإن كان له أربع نسوة فأقام عند
ثلاث منهن ثلاثين ليلة لزمه أن يقيم عند الرابعة عشرا لتساويهن فإن نشزت إحداهن عليه وظلم واحدة
فلم يقسم لها ثلاثا وللناشز ليلة خمسة أدوار فيكمل للمظلومة خمس عشرة ليلة ويحصل للناشز خمسة ثم
يستأنف القسم بين الجميع، فإن كان له ثلاث نسوة فقسم بين اثنتين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة ثم تزوج
جديدة ثم أراد أن يقضي للمظلومة فإنه يخص الجديدة بسبع ان كانت بكرا وثلاث ان كانت ثيبا ثم
يقسم بينها وبين المظلومة خمسة أدوار على ما قدمنا للمظلومة من كل دور ثلاثا وواحدة للجديدة
* (مسألة) * (وان أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ إحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة)
وجملة ذلك أن الزوج إذا أراد الانتقال بنسائه إلى بلد آخر فأمكنه استصحاب الكل في سفره
فعل وليس له افراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن، فإن خص
158

إحداهن قضى للباقيات كالحاضر فإن لم يمكنه الجمع أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعا مع غيره ممن
هو محرم لهن جاز ولا يقضى لاحد ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن، وان أراد افراد بعضهن
بالسفر معه لم يجز الا بقرعة فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات مدة
كونها معه في البلد خاصة لأنه صار مقيما وانقطع حكم السفر عنه
* (مسألة) * (ومتى سافر بها بقرعة لم يقض وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأخرى)
وجملة ذلك أن الزوج إذا أراد سفرا فأحب حمل نسائه كلهن معه أو تركهن كلهن لم يحتج إلى
قرعة، لأن القرعة لتعيين المخصوصة منهن بالسفر وههنا قد سوى، وإن أراد السفر ببعضهن لم يجز له
ذلك إلا بقرعة، وهذا قول أكثر أهل العلم. وحكي عن مالك أن له ذلك كن غير قرعة وليس
بصحيح فإن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها
خرج بها معه، متفق عليه ولان في المسافرة ببعضهن من غير قرعة تفضيلا لها وميلا إليها فلم يجز بغير
قرعة كالبداية بها في القسم، وإن أحب المسافرة بأكثر من واحدة أقرع أيضا فقد روت عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فصارت القرعة لعائشة وحفصة، رواه البخاري. ومتى
سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كما يسوي بينهن في الحضر ولا يلزمه القضاء للحاضرات بعد
159

قدومه، وهذا قول أكثر أهل العلم. وحكى عن داود أنه يقضي لقول الله تعالى (فلا تميلوا كل
الميل فتذروها كالمعلقة)
ولنا أن عائشة لم تذكر قضاء في حديثها، ولأن هذه التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء
ما حصل من السكن مثل ما يحصل في الحضر فلو قضى للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل
لكن إن كان مسافرا بإحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة ومالك لا يقضي لأن قسم الحضر ليس بمثل قسم السفر فيتعذر القضاء.
ولنا انه خص بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا. إذا ثبت
هذا فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة وإنما يقضي منها ما أقام منها بمبيت ونحوه فاما زمان السير فلم يحصل لها
منه الا المشقة والتعب فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتا عندها واستمتاعا بها لمال كل الميل.
(فصل) فإن خرجت القرعة لإحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن
القرعة لا توجب وإنما تعين من تستحق التقديم فإن أراد السفر بغيرها لم يجز لأنها تعينت بالقرعة
فلم يجز العدول عنها إلى غيرها وان وهبت حقها من ذلك لغيرها جاز إذا رضي الزوج لأن الحق لها
فيجوز هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ولا يجوز بغير رضاه كما لو وهبت ليلتها في الحضر وان
وهبته للزوج أو للجميع جاز، وان امتنعت من السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج، وان أبى فله
اكراهها على السفر معه لما ذكرنا، وان رضي بذلك استأنف القرعة بين البواقي، وان رضي الزوجات
160

كلهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز لأن الحق لهن الا أن لا يرضى الزوج ويريد غير من اتفقن
عليها فيصار إلى القرعة، ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى.
وذكر القاضي احتمالا أنه يقضي للبواقي في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة وهو وجه لأصحاب الشافعي
ولنا أنه سافر بها بقرعة فلم يقض كالطويل ولو كان في حكم الإقامة لم تجز المسافرة بإحداهن
دون الأخرى كما لا يحوز افراد إحداهن بالقسم دون غيرها، ومتى سافر بإحداهن بقرعة ثم بدا له
بعد السفر نحو أن يسافر إلى القدس ثم يبدو له فيمضي إلى مصر فله استصحابها معه لأنه سفر واحد
قد أقرع له فإن أقام في بلدة مدة إحدى وعشرين صلاة فما دون لم يحتسب عليه بما لأنه في حكم
السفر يجري عليه أحكامه وان زاد على ذلك قضي الجميع مما أقامه لأنه خرج من حكم السفر وان أجمع
على المقام قضى ما أقامه وان قل لأنه خرج عن حكم السفر ثم إذا خرج بعد ذلك إلى بلد، أو بلدة
أخرى لم يقض ما سافره لأنه في حكم السفر الواحد وقر أقرع له
* (مسألة) * (وان امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير اذنه سقط حقها من القسم)
لا نعلم خلافا في ذلك لأنها عاصية له بمنع نفسها منه فسقط حقها كالناشزة
* (مسألة) * (وان أشخصها هو فهي على حقها من ذلك)
161

نحو أن يبعثها في حاجته أو يأمرها بالنقلة من بلدها لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم لأنها
لم تفوت عليه التمكين، ولا فات من جهتها وإنما حصل بتفويته فلم يسقط حقها، كما لو أتلف المشتري
المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه، فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها، وان
سافرت معه فهي على حقها منهما جميعا.
* (مسألة) * (وان سافرت لحاجتها باذنه فعلى وجهين)
إذا سافرت المرأة في حاجتها باذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة لم يبق لها
حق في نفقة ولا قسم في أحد الوجهين، هذا الذي ذكره الخرقي والقاضي، وقال أبو الخطاب فيه
وجه آخر انها لا تسقط، وهو قول الشافعي لأنها سافرت باذنه أشبه ما لو سافرت معه، ووجه الأول
ان القسم للانس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فسقط كما لو تعذر
ذلك قبل دخوله بها، وفارق ما إذا سافرت معه لأنه لم يتعذر ذلك ويحتمل ان يسقط القسم وجها
واحدا لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها بسفر كان أولى
ويكون في النفقة الوجهان
* (مسألة) * (وللمرأة ان تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها باذنه أو له فيجعله لمن شاء منهن)
لأن الحق لها وللزوج فإذا رضيت هي والزوج جاز لأن الحق لا يخرج عنهما فإن أبت الموهوبة
162

قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع ثابت في كل وقت إنما منعته المزاحمة لحق
صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه في الاستمتاع بها وان كرهت لما لو كانت منفردة، وقد ثبت
أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، متفق عليه
ونحو ذلك في جميع الزمان وفي بعضه فإن سودة وهبت يومها في جميع زمانها، وروى ابن ماجة عن
عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفية بنت حيي في شئ فقالت صفية لعائشة هل
لك أن ترضي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك يومي؟ فأخذت خمارا مصبوغا بزعفران فرشته
ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إليك يا عائشة انه ليس يومك " قالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته بالامر فرضي عنها
إذا ثبت هذا فإن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها صار القسم بينهن كما لو طلق الواهبة وإن وهبتها للزوج
فله جعلها لمن شاء لأنه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع وإن شاء خص بها واحدة
منهن وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض، وان وهبتها لواحدة كفعل سودة جاز ثم إن كانت
تلي ليلة الموهوبة والى بينهما، وان كانت لا تليها لم يجز له الموالاة بينهما إلا برضا الباقيات ويجعلها لها
في الوقت الذي كان للواهبة لأن الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها
163

كما لو كانت باقية للواهبة ولان في ذلك تأخيرا لحق غيرها وتغييرا لليلتها بغير رضاها فلم يجز، وكذلك
الحكم إذا وهبتها الزوج فآثر بها امرأة منهن بعينها، وفيه وجه آخر انه لا يجوز الموالاة بين الليلتين
لعدم الفائدة في التفريق والأول أصح وقد ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز اطراحها
* (مسألة) * (فمتى رجعت في الهبة عاد حقها ولها ذلك في المستقبل لأنها هبة لم تقبض وليس لها
الرجوع فيها مضى) لأنه بمنزلة المقبوض، ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها
فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئا لأن التفريط منها
(فصل) فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال فلا يجوز
مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالا لزمها رده وعليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها
فإن كان عوضها غير المال مثل ارضاء زوجها عنها أو غيره جاز لأن عائشة أرضت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفية
وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره
* (مسألة) * (ولا قسم عليه في ملك اليمين وله الاستمتاع بهن كيف شاء)
ومن له نساء وإماء فله الدخول على الإماء كيف شاء والاستمتاع بهن ان شاء كالنساء، وان شاء
أقل وإن شاء أكثر، وان شاء ساوى بين الإماء وان شاء فضل، وان شاء استمتع ببعضهن دون بعض،
بدليل قول تعالى (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية
القبطية وريحانة فلم يقسم لهما ولان الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بجب السيد
ولاعنته ولا يضرب لها مدة الايلاء
* (مسألة) * (ويستحب التسوية بينهن لئلا يضر ببعضهن وان لا يعضلهن ان لم يرد الاستمتاع بهن)
إذا احتاجت الأمة إلى النكاح وجب عليه اعفافها اما بوطئها أو تزويجها أو بيعها
* (فصل) * قال رحمه الله (وإذا تزوج بكرا أقام عندها سبعا ثم دار، وإن كانت ثيبا أقام
عندها ثلاثا ثم دار)
متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة قطع الدور وأقام عندها سبعا ان كانت بكرا ولا يقضيها
164

للباقيات، وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا ولا يقضيها إلا أن تشاء هي أن يقيم عندها سبعا فإنه يقيمها
عندها ويقضي الجميع للباقيات. روي ذلك عن انس وبه قال الشعبي والنخعي ومالك والشافعي
وأبو عبيدة وابن المنذر.
وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وخلاس بن عمرو ونافع مولى ابن عمر: للبكر ثلاث
وللثيب ليلتان ونحوه قال الأوزاعي، وقال الحكم وحماد وأصحاب الرأي: لا فضل للجديدة في القسم
فإن أقام عندها قضاه للباقيات لأنه فضلها بمدة فوجب قضاؤها كما لو أقام عند الثيب سبعا.
ولنا ما روى أبو قلابة عن أنس قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم،
وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم، قال أبو قلابة ولو شئت لقلت ان أنسا رفعه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم متفق عليه. وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة
أقام عندها ثلاثا وقال " ليس بك على أهلك هو ان إن شئت سبعت لك، وان سبعت لك سبعت لنسائي "
رواه مسلم، وفي لفظ " وإن شئت ثلثت ثم درت " وفي لفظ رواه الدارقطني " ان شئت أقمت ثلاثا
خالصة لك وان شئت سبعت لك ثم سبعت لنسائي " وهذا يمنع قياسهم ويقدم عليه
قال ابن عبد البر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب على ما قلناه، وليس مع ما خالفنا حديث
مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة.
(فصل) والأمة والحرة في هذا سواء ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) كقولنا
(والثاني) الأمة على النصف من الحرة كسائر القسم (والثالث) للبكر من الإماء أربع وللثيب
ليلتان تكميلا لبعض الليلة.
ولنا عموم قوله عليه السلام " للبكر سبع وللثيب ثلاث " ولأنه يراد للانس وإزالة الاحتشام والأمة
والحرة سواء في الاحتياج إلى ذلك فاستويا فيه كالنفقة
165

* (مسألة) * (وان زفت إليه امرأتان قدمت السابقة منهما ثم أقام عند الأخرى ثم دار وان زفتا
معا قدم إحداهما بالقرعة ثم أقام عند الأخرى)
يكره ان تزف إليه امرأتان في ليلة واحدة أو في مدة عقد إحداهما لأنه لا يمكنه أن يوفيهما
وتستضر التي لا يوفيها حقها، فإن دخلت إحداهما إليه قبل الأخرى بدأ بها فوفاها حقها ثم عاد فوفى الثانية
ثم ابتدأ القسم، وان زفت الثانية في أثناء مدة العقد أتمه للأولى ثم قضى حق الثانية وان دخلتا عليه جميعا
في مكان واحد أقرع بينهما وقدم من خرجت لها القرعة منهما ثم وفى للأخرى بعدها
(فصل) وإذا كان عنده امرأتان فبات عند إحداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية قدم المزفوفة
بلياليها لأن حقها آكد لأنه ثبت بالعقد وحق الثانية ثبت بفعله فإذا قضى حق الجديدة بدأ بالثانية فوفاها
ليلتها ثم ثبت عند الجديدة ثم يبتدئ انقسم وذكر القاضي أنه إذا وفى الثانية ليلتها بات عند الجديدة
نصف ليلة ثم يبتدئ القسم لأن الليلة التي يوفيها الثانية نصفها من حقها ونصفها من حق الأخرى فيثبت
للجديدة في مقابلة ذلك نصف ليلة بإزاء حصل لكل واحدة من ضرتها وعلى هذا القول يحتاج أن ينفرد
بنفسه في نصف ليلة وفيه حرج فإنه ربما لا يجد مكانا ينفرد فيه أو لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة أو
المجئ منه وفيما ذكرناه من البداية بها بعد الثانية وفاء حقها بدون هذا الحرج فيكون أولى إن شاء الله تعالى
* (مسألة) * (وان أراد السفر فخرجت القرعة لإحداهما سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر
فإذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد)
إذا تزوج امرأتين وعزم على السفر أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة ويدخل حق العقد
في قسم السفر فإذا قدم قضى للثانية حق العقد في أحد الوجهين لأنه حق وجب لها قبل سفره لم يؤده
إليها فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه (والثاني) لا يقضيه لئلا يكون تفضيلا لها على التي
سافر بها لأنه لا يحصل للمسافرة من الايواء والسكن والمبيت عندها مثل ما يحصل في الحضر فيكون ميلا
166

فيتعذر قضاؤه فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى أتمه في الحضر وقضى
للحاضرة مثله وجها واحدا وفيما زاد الوجهان، ويحتمل في المسألة وجها ثالثا وهو أن يستأنف حق العقد
لكل واحدة منهما ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد
وهذا أقرب إلى الصواب من اسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط
(فصل) فإن كانت له امرأة فتزوج أخرى وأراد السفر بهما جميعا قسم للجديدة سبعا إن كانت بكرا
وثلاثا إن كانت ثيبا ثم يقسم بعد ذلك بينهما وبين القديمة وان أراد السفر بإحداهما أقرع بينهما فإن خرجت
قرعة الجديدة سافرت معه ودخل حق العقد لأنه سافر بعد وجوبه عليه
* (مسألة) * (وإن طلق إحدى نسائه في ليلتها أتم لأنه فوت حقها الواجب لها فإن عادت إليه برجعة
أو نكاح قضى لها لأنه قدر على ايفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين
* (مسألة) * (وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس)
لقوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (وهو الذي جعل لكم الليل
لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) أي لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار. وحكم السبعة والثلاثة
التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم فيما ذكرنا فإن تعذر عليه المقام عندها ليلا لشغل أو حبس
أو ترك ذلك لغير عذر قضاه لها وله الخروج إلى صلاة الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الجماعة لذلك ويخرج
لما لابد له منه فإن أطال قضاه ولا يقضي اليسير
* (فصل في النشوز) *
وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت
وتعالت عما وجب عليها من طاعته
* (مسألة) * (فمتى ظهرت منها امارات النشوز بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة ومتكرهة
167

وعظها فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ما دون ثلاثة أيام فإن أصرت فله أن
يضربها ضربا غير مبرح)
متى ظهرت من المرأة امارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره
ودمدمة فإنه يعظها فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة
وما يلحقها من الاثم بالمخالفة والمعصية وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة وما يباح له من هجرها
وضربها لقول الله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) فإن أظهرت النشوز وهو أن تعصيه
وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع ما شاء لقول الله تعالى
(واهجروهن في المضاجع) قال ابن عباس لا تضاجعها في فراشك فأما الهجران في الكلام فلا يجوز
أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه " لا يحل لمسلم أن يهجر
أخاه فوق ثلاثة أيام " وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة وقد روي عن
أحمد ان عصت المرأة زوجها فله ضربها ضربا غير مبرح ظاهر هذا إباحة ضربها لقول الله تعالى
(واضربوهن) ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت ولان عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار
وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقي أن المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه
بالأسهل فالأسهل كمن هجم عليه منزله فأراد اخراجه، وأما قوله (واللاتي تخافون نشوزهن) الآية
ففيها اضمار تقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع فإن أصررن
فاضربوهن كما قال سبحانه (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا
أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) والذي يدل على هذا أنه رتب
هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف أنه لا يضر بها لخوف النشوز قبل اظهاره وللشافعي قولان
كهذين فإذا لم ترتدع بالهجر والوعظ فله ضربها لقول الله تعالى (واضربوهن) وقال النبي صلى الله عليه
168

وسلم " إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح "
رواه مسلم ومعنى غير مبرح أي ليس بالشديد قال الخلال سألت أحمد بن يحيى عن قوله ضربا غير
مبرح قال غير شديد وعليه أن يجتنب الوجه المواضع المخوفة لأن المقصود التأديب لا الاتلاف وقد
روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟
قال " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح ولا تهجر الا في البيت " وروى عبد
الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر
اليوم " ولا يزيد في ضربها على عشرة أصوات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجلد أحد
فوق عشرة أسواط الا في حد من حدود الله " متفق عليه
(فصل) وله تأديبها على ترك فرائض الله تعالى وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربا
رفيقا غير مبرح وقال علي في تفسير قوله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) قال علموهم أدبوهم وروى
الحلال باسناده عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله عبدا علق في بيته سوطا
يؤدب أهله " فإن لم تصلي فقد قال أحمد: أخشى أن لا يحل لرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي ولا
تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن قال أحمد في الرجل يضرب امرأته لا ينبغي لاحد أن يسأله ولا
أبوها لم يضربها؟ والأصل في هذا ما روى الأشعث عن عمر أنه قال يا أشعث احفظ عني شيئا سمعته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسألن رجلا فيما ضرب امرأته " رواه أبو داود لأنه قد يضربها
لأجل الفراش فإن أخبر بذلك استحيا وان أخبر بغيره كذب
(فصل) وان خافت المرأة نشوز زوجها واعراضه عنها لرغبته عنها لمرض بها أو كبر أو دمامة فلا
بأس ان تضع عنه بعض حقوقها لتسترضيه بذلك لقوله تعالى (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا
أو اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا) وروى البخاري عن عائشة (وان امرأة خافت من بعلها
نشوزا أو اعراضا) قالت هي المراة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج عليها تقول
له أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي وعن عائشة ان سودة
169

بنت زمعة حين أسنت وفرقت ان يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله يومي
لعائشة فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قالت ففي ذلك أنزل الله جل شأنه وفي أشباهها أراه
قال (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) رواه أبو داود ومتى صالحت على ترك شئ من قسمها
أو نفقتها أو على ذلك كله جاز فإن رجعت فلها ذلك قال احمد في الرجل يعيب على امرأته فيقول لها
ان رضيت على هذا والا فأنت اعلم فتقول قد رضيت فهو جائز فإن شاءت رجعت
* (مسألة) * (فإن ادعى كل واحد منهما ظلم صاحبه له أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يشرف
عليهما ويلزمهما الانصاف)
وجملة ذلك أن الزوجين إذا وقع بينهما شقاق نظر الحاكم فإن كان من المرأة فهو نشوز وقد ذكرناه
وان بان انه من الرجل أسكنهما إلى جنب ثقة يمنعه من الاضرار بها والتعدي عليها وكذلك ان بان من
كل واحد منهما تعد أو ادعى كل واحد منهما ان الآخر ظلمه أسكنهما إلى جنب من يشرف عليهما ويلزمهما
الانصاف لأن ذلك طريق الانصاف فتعين فعله كالحكم بالحق
* (مسألة) * (فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين)
والأولى ان يكونا من اهلهما للآية بتوكيلهما ورضاهما فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من
جمع بينهما أو تفريق بطلاق أو خلع فما فعلا من ذلك لزمهما والأصل في ذلك قوله سبحانه (وان خفتم
شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما)
* (مسألة) * (فإن امتنعا من ذلك لم يجبرا عليه وعنه أن الزوج ان وكل في الطلاق بعوض أو وكلت
المرأة في بذل العوض وإلا جعل الحاكم إليهما ذلك)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الحكمين ففي إحدى الروايتين عنه انهما وكيلان لهما ولا
يملكان التفريق إلا باذنهما وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي، وحكي عن الحسن وأبي حنيفة
لأن البضع حقه والمال حقها وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما أو ولاية عليهما
(والثانية) أنهما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغير عوض ولا يحتاجان إلى
توكيل الزوجين ولا رضاهما، روي نحو ذلك عن علي وابن عباس وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي
170

والنخعي وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي وإسحاق وابن المنذر لقول الله تعالى (فابعثوا حكما من
أهله وحكما من أهلها فسماهما حكمين ولم يعتبر رضى الزوجين ثم قال (إن يريدا إصلاحا) فخاطب
الحكمين، بذلك، وروى أبو بكر باسناده عن عبيدة السلماني ان رجلا وامرأة أتيا عليا مع كل واحد
منهما فئام من الناس، فقال علي ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، فبعثوا حاكمين ثم قال علي للحاكمين
هل تدريان ما عليكما، من الحق؟ عليكما، من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما،
فقالت المرأة رضيت بكتاب الله علي ولي. فقال الرجل أما الفرقة فلا، فقال علي كذبت حتى ترضى
بما رضيت به وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك، ويروى أن عقيلا تزوج فاطمة بنت عقبة فتخاصما
فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان فبعث حكما من أهله عبد الله بن عباس وحكما من أهلها معاوية، فقال
ابن عباس لأفرقن بينهما، وقال معاوية ما كنت لافرق بين شخصين من بني عبد مناف، فلما بلغا الباب
كانا قد أغلقا الباب واصطلحا، ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق
كما يقضى عنه الدين من ماله إذا امتنع ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع
(فصل) ولا يكون الحكمان إلا عاقلين بالغين عدلين مسلمين لأن هذه من شروط العدالة سواء
قلنا هما حكمان أو وكيلان لأن الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إلا عدلا كما لو
نصب وكيلا لصبي أو مفلس ويكونان ذكرين لأنه يفتقر إلى الرأي والنظر، فقال القاضي ويشترط
كونهما حرين وهو مذهب الشافعي لأن العبد عنده لا تقبل شهادته فتكون الحرية من شروط العدالة.
قال شيخنا والأولى أن يقال إن كانا وكيلين لم تعتبر الحرية لأن توكيل العبد جائز وإن كانا حاكمين
اعتبرت الحرية لأن الحاكم لا يجوز أن يكون عبدا ويعتبر أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق لأنهما يتصرفان
في ذلك فيعتبر علمهما به والأولى أن يكونا من أهلهما لأمر الله تعالى بذلك ولأنهما أشفق وأعلم بالحال
فإن كانا من غير أهلهما جاز لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة فكان الامر بذلك إرشادا
واستحبابا، فإن قلنا هما وكيلان فلا يفعلان شيئا حتى يأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو صلح
أو تأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه، فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا، وان قلنا إنهما
حكمان فإنهما يمضيان ما يريانه من طلاق وخلع فينفذ حكمهما عليه رضياه أو أبياه
171

* (مسألة) * (فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الرواية الأولى وينقطع على
الثانية، وان جنا انقطع نظرهما على الرواية الأولى ولم ينقطع على الثانية)
إذ ا غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث الحكمين جاز لهما امضاء رأيهما إن قلنا إنهما وكيلان لأن الوكالة
لا تبطل بالغيبة، وان قلنا إنهما حكمان لم يجز لهما امضاء الحكم لأن كل واحد من الزوجين محكوم له
وعليه والقضاء للغائب لا يجوز الا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم الوكيل لا بالحكم، وإن كان
أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته، وان جن أحدهما بطل حكم وكيله لأن الوكالة
تبطل بجنون الموكل ولا تبطل إذا قلنا إنهما حاكمان لأن الحاكم يحكم على المجنون. وذكر شيخنا في
كتاب المغني أنه لا يجوز له الحكم أيضا لأن من شرط ذلك بقاء الشقاق وحضور المتداعيين ولا
يتحقق ذلك مع الجنون.
(فصل) فإن شرط الحاكمان شرطا أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشرطا ترك بعض النفقة
والقسم لم يلزم الوفاء به لأنه إذا لم يلزم برضى الموكلين فبرضى الوكيلين أولى، وان أبرأ وكيل المرأة
من الصداق أو دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع، وإن أبرأ وكيل الزوج من دين له أو من الرجل.
إن لم ترض الزوجة لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالاصلاح لا في اسقاط الحقوق
172

* (كتاب الخلع) *
* (مسألة) * (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه فلا بأس
أن تفتدي نفسها منه)
وجملة ذلك أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك
(وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى
فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى
الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما شأنك؟ "
قالت لا أنا ولا ثابت فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه حبيبة بنت سهل فذكرت
ما شاء الله ان تذكر وقالت حبيبة يا رسول الله كلما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت
ابن قيس " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها وهذا حديث صحيح ثابت الاسناد رواه الأئمة مالك
واحمد وغيرهما وفي رواية للبخاري قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت
يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق الا اني أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم فردتها عليه وأمره ففارقها، وفي رواية فقال له " اقبل الحديقة
173

وطلقها تطليقة ولان حاجتها داعية إلى فرقته ولا تصل إليها الا ببذل العوض فأبيح لها ذلك كشراء
المتاع وبهذا قال جميع الفقهاء بالشام والحجاز قال ابن عبد البر لا نعلم أحدا خالفه الا بكر بن عبد الله
المزني فإنه لم يجزه وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله سبحانه (وان أردتم استبدال زوج مكان زوج)
الآية وروي عن بن سيرين وأبي قلابة أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لقول الله تعالى
(ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا ان يأتين بفاحشة مبينة)
ولنا الآية التي تلونا والخبر ولأنه قول عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ولم يعرف لهم في
عصرهم مخالف فيكون اجماعا ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وأن الآية الناسخة متأخرة
ولم يثبت شئ من ذلك إذا ثبت هذا فإنه يسمى خلعا لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها قال الله
تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ويسمى افتداء لأنها تفتدي نفسها بما تبذله قال الله تعالى (فلا جناح
عليهما فيما افتدت به)
(فصل) ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه احمد فقال يجوز الخلع دون السلطان، وروى
البخاري ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال شريح والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب
الرأي وعن الحسن وابن سيرين لا يجوز الا عند السلطان
174

ولنا قول عمر وعثمان ولأنه معاوضة فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح ولأنه قطع عقد
بالتراضي أشبه الإقالة:
(فصل) ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها لأن المنع من الطلاق في الحيض لأجل الضرر
الذي يلحقها بطول العدة والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تركه وتبغضه
وذلك أعظم من ضرر طول العدة فجاز دفع أعلاهما بأدناهما ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم
المختلعة عن حالها ولان ضرر تطويل العدة عليها والخلع بسؤالها فيكون ذلك رضى منها به ودليلا
على رجحان مصلحتها فيه
* (مسألة) * (وان خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع وعنه لا يجوز)
أي ان خالعته مع استقامة الحال كره لها ذلك ويصح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة
والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وعن أحمد ما يدل على تحريمه فإنه قال الخلع مثل حديث سهلة
تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحا الا في هذه الحال وهذا
قول ابن المنذر وداود قال ابن المنذر روي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم وذلك لأن
175

الله تعالى قال (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا الا يقيما حدود الله) وهذا
صريح في التحريم إذا لم يخافا الا يقيما حدود الله ثم قال (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما
فيما افتدت به) فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بهما فيما افتدت من غير خوف ثم غلظ بالوعيد فقال (تلك
حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)، وروى ثوبان قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما باس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه أبو داود
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المختلعات والمتبرجات هن المنافقات " رواه أبو حفص وأحمد
في المسند وذكره محتجا به وهذا يدل على تحريم المخالعة من غير حاجة ولأنه اضرار واحتج من أجازه
بقوله سبحانه (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال ابن المنذر لا يلزم من الجواز
في غير عقد الجواز في المعاوضة بدليل الربا حرمه الله في العقد وأجازه في الهبة قال شيخنا والحجة مع
من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمها في عموم آية الجواز مع ما عضدها من الاخبار
* (مسألة) * (فاما ان عضلها لتفدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها
الا أن يكون طلاقا فيكون رجعيا)
يعني بعضلها مضارا بها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك
لتفدي نفسها فإن فعلت فالخلع باطل والعوض مردود روي نحو ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي
176

والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري وبه قال مالك والنخعي
والثوري والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة العقد صحيح والعوض لازم وهو آثم عاص
ولنا قول الله تعالى (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن)
ولأنه عوض أكرهت على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع والاجر في الإجارة وإذا لم يملك العوض
وقلنا الخلع طلاق ووقع الطلاق بغير عوض فإن كان أقل من ثلاث فله رجعتها لأن الرجعة إنما سقطت بالعوض
فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة. وان قلنان هو فسخ ولم ينوبه الطلاق لم يقع شئ لأن الخلع بغير
عوض لا يقع على إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى إنما رضي بالفسخ ههنا بالعوض فإذا لم
يحصل العوض فقال مالك ان أخذ منها شيئا على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه ويتخرج لنا مثل
لك إذا قلنا يصح الخلع بغير عوض فاما ان ضربها على نشوزها أو منعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لأن
لك لا يمنعهما ان لا يخافا الا يقيما حدود الله وفى بعض حديث حبيبة أنها كانت تحت ثابت بن قيس
ضربها فكسر ضلعها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فدعى النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا فقال " خذ بعض مالها وفارقها "
فعل رواه أبو داود وهكذا لو ضربها ظلما لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم
عليه مخالعتها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض الذي آتاها ولكن عليه اثم الظلم
(فصل) فإن أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت صح الخلع لقول الله تعالى (ولا تعضلوهن
177

لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا أن يأتين بفاحشة مبينة) والاستثناء من النهي إباحة ولأنها متى زنت لم
يأمن أن تلحق به ولدا من غيره وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى
(فإن خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر
لا يجوز لأنه عوض أكرهت عليه أشبه ما لو لم تزن والعمل بالنص أولى
* (مسألة) * ويصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا لأنه إذا ملك الطلاق وهو
مجرد إسقاط من غير تحصيل شئ فلان يملكه محصلا للعوض أولى
* (مسألة) * فإن كان محجورا عليه دفع المال إلى وليه لأن ولي المحجور عليه هو الذي يقبض حقوقه
وأمواله وهذا من حقوقه
* (مسألة) * (وإن كان عبدا دفع إلى سيده لأنه للسيد لكونه من اكتساب عبده واكتسابه له)
وإن كان مكاتبا دفع العوض إليه لأنه يملك اكتسابه وهو الذي يتصرف لنفسه، وقال القاضي
يصح القبض من كل من يصح خلعه فعلى قوله يصح قبض العبد والمحجور عليه لأن من صح خلعه صح
قبضه للعوض كالمحجور عليه لفلس واحتج بقول احمد ما ملكه العبد من خلع فهو لسيده وان استهلكه
لم يرجع على الواهب والمختلعة بشئ والمحجور عليه في معنى العبد والأولى أنه لا يجوز لأن العوض في
178

الخلع لسيد العبد فلا يجوز دفعه إلى غير من هو له من غير اذن مالكه والعوض في خلع المحجور عليه ملك
له الا انه لا يجوز تسليمه إليه لأن الحجر أفاد منعه من التصرف وكلام أحمد محمول على ما أتلفه العقد قبل
تسليمه على أن عدم الرجوع عليها لا يلزم منه جواز الدفع إليه فإنه لو رجع عليها لرجعت على العبد
وتعلق حقها برقبته وهي ملك لسيد فلا فائدة في الرجوع عليها بما يرجع به فيما له وان سلمت العوض
إلى المحجور عليه لم يبرأ فإن اخذه الولي منه برئت وان أتلفه أو تلف كان لوليه الرجوع عليها به
* (مسألة) * وهل للأب خلع ابنته الصغير أو طلاقها؟ على روايتين)
(إحداهما) له ذلك قال احمد في رجلين زوج أحدهما ابنه بابنة الآخر وهما صغيران ثم إن الأبوين
كرها هل لهما أن يفسخا؟ قال قد اختلف في ذلك وكأنه رآه قال أبو بكر لم يبلغني عن أبي عبد الله في هذه
المسألة الا هذه الرواية فيخرج على قولين (أحدهما) يملك ذلك وهو قول عطاء وقتادة لأنها ولاية يستفيد
بها تمليك البضع فجاز ان يملك بها إزالته إذا لم يكن متهما كالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون
والاعسار وتزويج الصغير، والقول الآخر لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك لقول
179

النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " رواه ابن ماجة وعن عمر أنه قال إنما الطلاق
لم يحل له الفرج ولأنه اسقاط لحقه فلم يملكه كالابراء من الدين واسقاط القصاص ولان طريقه الشهوة
فلم يدخل في الآية والقول في زوجة عبده الصغير كالقول في زوجة ابنه الصغير لأنه في معناه فأما غير
الأب فليس تطليق امرأة المولى عليه سواء كان ممن يملك التزويج كوطئ الأب والحاكم على قول ابن حامد
أو لا يملكه لا نعلم في هذا خلافا
* (مسألة) * (وليس له خلع ابنته الصغيرة بشئ من مالها)
لأنه إنما ملك التصرف بمالها فيه الحظ وليس في هذا حظ بل فيه إسقاط نفقتها وكسوتها وبذل
مالها ويحتمل ان يملك ذلك إذا رأى الحظ فيه فإنه يجوز أن يكون لها الحظ فيه بتخليصها ممن يتلف
مالها وتخاف منه على نفسها وعقلها ولذلك لم يعد بذل المال في الخلع تبذيرا ولا سفها فيجوز له بذل مالها
لتحصيل حظها وحظ نفسها ومالها كما يجوز له بذله في مداواتها وفكها من الأسر، وهذا مذهب مالك
والأب وغيره من أوليائها في هذا سواء إذا خالعوا في حق المجنونة والمحجور عليها للسفه والصغر فأما
ان خالع بشئ من ماله جاز لأنه يجوز من الأجنبي فمن الولي أولى
* (مسألة) * (ويصح الخلع مع الزوجة)
وقد ذكرناه ويصح مع الأجنبي بغير اذن المرأة مثل ان يقول الأجنبي للزوج طلق امرأتك بألف
180

علي وهذا قول أكثر أهل العلم وقال أبو ثور لا يصح لأنه سفه فإنه يبذل عوضا في مقابلة مالا منفعة له فيه
فإن الملك لا يحصل له فأشبه ما لو قال بع عبدك لزيد بألف علي
ولنا أنه بذل في اسقاط حق عن غيره فصح كما لو قال أعتق عبدك وعلي ثمنه ولأنه لو قال ألق متاعك
في البحر وعلي ثمنه صح ولزمه ثمنه مع أنه لا يسقط حقا عن أحد فهنا أولى ولأنه حق على المرأة يجوز
أن يسقطه عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين وفارق البيع فإنه تمليك فلا يجوز بغير رضى من ثبت له الملك
وإن قال طلق امرأتك بمهرها وأنا ضامن له صح ويرد عليه بمهرها.
* (مسألة) * (ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف لأنه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع)
(فصل) إذا قالت له امرأته طلقني وضرتي بألف وطلقها وقع الطلاق بهما بائنا واستحق
الألف على باذلته لأن الخلع من الأجنبي جائز وان طلق إحداهما فقال القاضي تطلق طلاقا بائنا
وتلزم الباذلة بحصتها من الألف وهذا مذهب الشافعي الا أن بعضهم قال يلزمها مهر مثل المطلقة.
وقياس قول أصحابنا فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يلزمها شئ ووقعت بها التطليقة
إنما لا يلزم الباذلة ههنا شئ لأنه لم يجبها إلى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت ولأنه قد يكون غرضها
في بينونتهما جميعا منه فإذا طلق إحداهما لم يحصل غرضها فلا يلزمها عوضها
(فصل) فإن قالت طلقني بألف علي أن تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والبذل لازم.
قال الشافعي الشرط والعوض باطلان ويرجع إلى مهر المثل لأن الشرط سلف في الطلاق والعوض
181

نقضه في مقابلة الشرط الباطل فيكون الباقي مجهولا وقال أبو حنيفة الشرط باطل والعوض صحيح لأن
العقد يستقل بذلك العوض.
ولنا أنها بذلت عوضا في طلاقها وطلاق ضرتها فصح كما لو قالت طلقني وضرتي بألف فإن لم يف لها
بشرطها فعليه الأقل من المسمى أو الألف الذي شرطته ويحتمل ألا يستحق شيئا من العوض لأنها
إنما بذلته بشرط لم يوجد فلم يستحقه كما لو طلقها بغير عوض
* (مسألة) * (فإن خالعته الأمة على شئ معلوم بغير اذن سيدها كان في ذمتها تتبع به بعد العتق)
الخلع مع الأمة صحيح سواء كان باذن سيدها أو بغير إذنه لا الخلع يصح مع الأجنبي فمع الزوجة
أولى ويكون طلاقها على عوض بائنا والخلع معها كالخلع مع الحرة سواء فإن كان الخلع بغير إذن سيدها
على شئ في ذمتها فإنه يتبعها إذا عتقت لأنه رضي بذمتها وإن كان على عين فقال الخرقي إنه يثبت في
ذمتها مثله أو قيمته ان لم يكن مثليا لأنها لا تملك العين وما في يدها من شئ فهو لسيدها فيلزمها كما لو
خالعها على عبد فخرج حرا أو مستحقا وقياس المذهب أنه لا شئ له لأنه إذا خالعها على عين وهو
يعلم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين فيكون راضيا بغير عوض فلا يكون له شئ كما لو قال خالعتك
على هذا المغصوب أو هذا الحر وكذلك ذكر القاضي في المجرد فقال هو كالخلع على المغصوب لأنها لا
تملكها وهذا قول مالك وقال الشافعي يرجع عليها بمهر المثل كقوله في الخلع على الحر والمغصوب
182

ويمكن حمل كلام الخرقي على أنها ذكرت لزوجها ان سيدها أذن لها في ذلك ولم تكن صادقة أو جهل
أنها لا تملك العين أو يكون اختياره فيما إذا خالعها على مغصوب أنه يرجع عليها بقيمة ويكون الرجوع
عليها في حال عتقها لأنه الوقت الذي يملك فيه كالمعسر يرجع عليه في حال يساره ويرجع بقيمته أو مثله
لأنه مستحق بعد تسليمه مع بقاء سبب الاستحقاق فوجب الرجوع بمثله أو قيمته كالمغصوب
(فصل) فإن كان الخلع باذن السيد تعلق العوض بذمته في قياس المذهب كما لو أذن لعبده في
أن يستدين ويحتمل أن يتعلق برقبة الأمة بناء على استئذانها باذن سيدها وإن خالعته على معين باذن
السيد فيه ملكه وان أذن في قدر من المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها وان أطلق الاذن
اقتضي الخلع بالمسمى لها فإن خالعت به أو بما دونه لزم السيد وإن كان بأكثر منه تعلقت الزيادة بذمتها
كما لو عين لها قدرا فخالعت بأكثر منه وان كانت مأذونا لها في التجارة سلمت العوض بما في يدها
(فصل) والحكم في المكاتبة كالحكم في الأمة القن سواء لأنها لا تملك التصرف فيما في يدها
بتبرع وما لاحظ فيه وبذل المال في الخلع لا فائدة فيه من حيث تحصيل المال بل فيه ضرر بسقوط
نفقتها وبعض مهرها ان كانت غير مدخول بها وإذا كان الخلع بغير اذن السيد فالعوض في ذمتها يتبعها
به بعد العتق وإن كان باذن السيد سلمته بما في يدها وان لم يكن في يدها شئ فهو على سيدها
* (مسألة) * (وان خالعته المحجور عليها لم يصح الخلع ووقع طلاقه رجعيا أما المحجور عليها للفلس
فيصح خالعها وبذلها للعوض)
183

لأن لها ذمة يصح تصرفها فيها ويرجع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها وليس له
مطالبتها في حال حجرها كما لو استدانت منه أو باعها شيئا في ذمتها وأما المحجور عليها لسفه أو صغر
أو جنون فلا يصح بذل العوض منها في الخلع لأنه تصرف في المال وليس هي من أهله وسواء أذن
فيه الولي أو لم يأذن لأنه ليس له الاذن في التبرعات وهذا كالتبرع وفارق الأمة لأنها أهل للتصرف
تصح منها الهبة وغيرها من التبرعات باذن سيدها وتفارق المفلسة لأنها من أهل التصرف فإن خالع
المحجور عليها بلفظ يكون طلاقا فهو طلاق رجعي ولا يستحق عوضا وان لم يكن اللفظ مما يقع به
الطلاق كان كالخلع بغير عوض. ويحتمل أن لا يقع الخلع ههنا لأنه إنما رضي به بعوض ولم يحصل
له ولا أمكن الرجوع ببذله
* (مسألة) * (والخلع طلاق بائن الا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ والمفاداة ولا ينوي به الطلاق
فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين (والأخرى) هو طلاق بائن بكل حال)
اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع إذا لم ينو به الطلاق فروي عنه أنه فسخ اختاره أبو بكر وروي ذلك عن
ابن عباس وطاوس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي وروي عنه أنه طلقة بائنة
بكل حال روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وقبيصة وشريح ومجاهد وأبي سلمة بن
عبد الرحمن والنخعي والزهري ومكحول وابن أبي نجيح ومالك والثوري الأوزاعي وأصحاب الرأي
184

وقد روي عن عثمان وعلي وابن مسعود لكن ضعف أحمد الحديث قال ليس لنا في الباب شئ أصح
من حديث ابن عباس أنه فسخ، واحتج ابن عباس بقوله تعالى (الطلاق مرتان) ثم قال فلا جناح عليهما
فيما افتدت به) ثم قال (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة
بعدها فلو كان الخلع طلاقا لكان رابعا، ولأنه فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكان فسخا
كسائر الفسوخ، ووجه الرواية الثانية أنها بذلت العوض للفرقة والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي
الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون طلاقا ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصدا فراقها فكان طلاقا كغير
الخلع، وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا إنها طلقة فخالعها مرة حسبت طلقة فنقص بها عدد طلاقه وان خالعها
ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وان قلنا هو فسخ لم تحرم عليه وان خالعها مائة مرد، وهذا لخلاف
فيما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق ولم ينوه فأما ان بذلت العوض على فراقها فطلقها فهو طلاق لا اختلاف
فيه وكذلك ان وقع بغير لفظ الطلاق مثل كنايات الطلاق أو لفظ الخلع أو المفاداة ونوى به الطلاق
فهو طلاق أيضا لأنه كناية نوى بها الطلاق فكانت طلاقا كما لو كان بغير عوض، وان لم ينو به الطلاق
فهو الذي فيه الروايتان
(فصل) وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح ثلاثة ألفاظ: خالعتك لأنه ثبت له
185

الفرق، والمفاداة لأنه ورد به في القرآن بقوله سبحانه (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وفسخت نكاحك
لأنه حقيقة فيه فإذا اتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية، وما عدا هذه مثل باريتك وأبنتك فهو
كناية لأن الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية كالطلاق وهذا قول الشافعي الا أن له في
لفظ الفسخ وجهين فإذا طلبت وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع أو كنايته صح من غير نية لأن
دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه فأغنى من النية فيه، وان لم تكن دلالة حالة
فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية سواء قلنا هو فسخ أو طلاق، ولا تقع الكناية الا بنية ممن يلفظ به
منهما ككنايات الطلاق مع صريحه
(فصل) ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ من الزوج قال القاضي هذا
الذي عليه شيوخنا البغداديون، وقد أومأ إليه احمد، وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب إلى
وقوع الفرقة بقبول الزوج للعوض وأفنى بذلك ابن شهاب بعكبر واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز
واستفتى عليه من كان ببغداد من أصحابنا، فقال ابن شهاب المختلعة على وجهين مستبرئة ومفتدية فالمفتدية
هي التي تقول لا أنا ولا أنت ولا أبرئك قسما وأنا أفدي نفسي منك فإذا قبل الفدية وأخذ المال
انفسخ النكاح لأن إسحاق بن منصور روى عن أحمد قال قلت لأحمد كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ
المال فهي فرقة، وقال إبراهيم النخعي أخذ المال تطليقة بائنة ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي
186

الله عنه من قبل مالا على فراق فهي تطليقة بائنة لا رجعة فيها، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه
حديقته؟ " قالت نعم ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها ولا تزدد " ولم يستدع منه
لفظا ولان دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبه إلى قصار أو خياط معروفين بذلك
فعملاه استحقا الاجر وان لم يشترطا عوضا
ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع فلم يصح بدون لفظ كما لو سألته أن لا يطلقها بعوض ولأنه تصرف
في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق ولان أخذ المال قبض بعوض فلم يقم بمجرده
مقام الايجاب كقبض أحد العوضين في البيع ولأن الخلع إن كان طلاقا فلا يقع بدون صريحه أو كنايته
وإن كان فسخا فهو أحد طرفي عقد النكاح، فيعتبر فيه اللفظ كابتداء العقد، فأما حديث جميلة فقد رواه
البخاري " أقبل الحديقة وطلقها تطليقة " وهذا صريح في اعتبار اللفظ، وفي رواية فأمره ففارقها ومن لم
يذكر الفرقة فإنما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق فإن القصة واحدة
والزيادة من الثقة مقبولة ويدل على ذلك أنه قال ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها " فجعل
التفريق قبولا لعوض ونسب التفريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يباشر التفريق فدل
على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ لأنه معلوم منه وعلى هذا
يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظا ولا دلالة حال ولابد منه اتفاقا.
187

* (مسألة) * (ولا يقع بالعدة من الخلع طلاق ولو واجهها به)
وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق بحال وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن
زيد والحسن والشعبي ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة أنه يلحقها الطلاق
الصريح المعين دون الكناية والطلاق المرسل وهو أنه يقول كل امرأة لي طالق وروي ذلك عن سعيد
ابن المسيب وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد والثوري لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال " المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة "
ولنا أنه قول ابن عباس وابن الزبير ولا يعرف لها مخالف في عصرهما ولأنها لا تحل له إلا بنكاح
جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول والمنقضية عدتها ولأنه لا يملك بضعها فلم يلحق طلاقه
كالأجنبية ولأنها لا يقع بها الطلاق المرسل ولا تطلق بالكناية فلم يلحقها الصريح كما قبل الدخول
ولا فرق بين أن يواجهها به فيقول أنت طالق أو لا يواجهها به مثل أن يقول فلانة طالق وحديثهم
لا يعرف له أصل ولا ذكره أهل السنن
(فصل) ولا يثبت في الخلع رجعة سواء قلنا هو فسخ أو طلاق في قول أكثر أهل العلم منهم
الحسن وعطاء وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق وحكي عن الزهري
وسعيد بن المسيب أنهما قالا الزوج بالخيار بين إمساكه العوض ولا رجعة له وبين رده وله الرجعة
188

وقال أبو ثور إن كان الخلع بلفظ الطلاق فله الرجعة لأن الرجعة من حقوق الطلاق فلا تسقط بالعوض
كالولاء مع العتق وأما قوله سبحانه وتعالى (فيما افتدت) وإنما يكون فداء إذا خرجت عن قبضته وسلطانه
وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه ولان القصد إزالة الضرر عن المرأة فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر
وفارق الولاء فإن العتق لا ينفك منه والطلاق ينفك عن الرجعة فيما قبل الدخول وإذا أكمل العدد
* (مسألة) * (وان شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين وفي الآخر يصح
الشرط ويبطل العوض)
إذا شرط في الخلع الرجعة فقال ابن حامد يبطل الشرط ويصح الخلع، وهو قول أبي حنيفة واحدى
الروايتين عن مالك لأن الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسدا فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح ولأنه
لفظ يقتضي البينونة فإذا شرط الرجعة معه بطل الشرط كالطلاق الثلاث (والوجه الثاني) يصح ويبطل
العوض فتثبت الرجعة وهو منصوص الشافعي لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان فإذا شرطاهما سقطا
وبقي مجرد الطلاق فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط ولأنه شرط في العقد ما ينافي مقتضاه فأبطله،
كما لو شرط أن لا يتصرف في المبيع، وإذا حكمنا بالصحة فقال القاضي يسقط المسمى في العوض لا به
لم يرض به عوضا حتى ضم إليه الشرط فإذا سقط الشرط وجب ضم النقصان الذي نقصه من أجله إليه
فيصير مجهولا فيسقط ويجب المسمى في العقد، ويحتمل أن يجب المسمى في الخلع لأنهما تراضيا به عوضا
فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة
189

(فصل) نقل مهنا في رجل قالت له امرأته اجعل أمري بيدي فأعطيك عبدي هذا فقبض العبد
وجعل أمرها بيدها وباع العبد قبل أن تقول المرأة شيئا هو له إنما قالت اجعل أمري بيدي وأعطيك
فقيل له متى شاءت تختار؟ قال نعم ما لم يطأها أو ينقض فجعل له الرجوع ما لم تطلق وإذا رجع فينبغي
أن ترجع عليه بالعوض لأنه استرجع ما جعل لها فتسترجع منه ما أعطته، ولو قال إذا جاء رأس الشهر
فأمرك بيدك ملك ابطال هذه الصفة لأن هذا يجوز الرجوع فيه لو لم يكن معلقا فمع التعليق أولى كالوكالة،
قال أحمد ولو جعلت له امرأته ألف درهم على أن يخيرها فاختارت الزوج لا يرد عليها شيئا، ووجهه
أن الألف في مقابلة تمليكه إياها الخيار وقد فعل فاستحق الألف وليس الألف في مقابلة الفرقة
(فصل) إذا قالت امرأته طلقني بدينار فطلقها ثم ارتدت لزمها الدينار ووقع الطلاق بائنا ولا
تؤثر الردة لأنها وجدت بعد البينونة، وإن طلقها بعد ردتها قبل دخوله بها بانت بالردة ولم يقع الطلاق
لأنه صادفها بائنا، فإن كان بعد الدخول وقلنا إن الردة ينفسخ بها النكاح في الحال فكذلك، وإن قلنا
تقف على القضاء العدة كان الطلاق مراعى فإن أقامت على ردتها حتى انقضت عدتها تبينا أنها لم تكن زوجة
حين طلقها فلم يقع ولا شئ له عليها، وإن عادت إلى الاسلام تبينا ان الطلاق صادف زوجة فوقع
واستحق عليها العوض
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ولا يصح الخلع إلا بعوض في إحدى الروايتين فإن خالعها بغير
190

أعوض لم يقع إلا أن يكون طلاقا فيقع رجعيا، والأخرى يصح بغير عوض اختارها الخرقي
اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فروى عنه ابنه عبد الله قال: قلت لأبي رجل علقت به امرأته
تقول اخلعني قال قد خلعتك؟ قال يتزوج بها ويجدد نكاحا جديدا وتكون عنده على شئ فظاهر
هذا صحة الخلع بغير عوض وهو قول مالك لأنه قطع للنكاح فصح من غير عوض كالطلاق، ولان
الأصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها أو حاجة إلى فراقه فتسأله فراقها فإذا
أجابها حصل المقصود من الخلع فيصح كما لو كان بعوض، قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أن
الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال فلا نزاع في أنه طلاق يملك به الرجعة ولا يكون
فسخا (والرواية الثانية) لا يكون خلع الا بعوض روى عنه مهنا إذا قال لها اخلعي نفسك فقالت
خلعت نفسي لم يكن خلعا إلا على شئ إلا أن يكون نوى الطلاق فيكون ما نوى، فعلى هذه الرواية
لا يصح الخلع إلا بعوض فإن تلفظ به بغير عوض ونوى الطلاق كان طلاقا رجعيا لأنه يصلح كناية
عن الطلاق، وان لم ينو به الطلاق لم يكن شيئا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأن الخلع كان فسخا
فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها ولذلك لو قال فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق لم يقع شئ
بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة فلا يجتمع له العوض والمعوض، وإن قلنا الخلع طلاق
فليس بصريح فيه اتفاقا وإنما هو كناية والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية أو بذل العوض فيقوم مقام
191

النية وما وجد أحد منهما، ثم إن وقع الطلاق فإذا لم يكن بعوض لم يقتض البينونة إلا أن يكمل الثلاث
(فصل) فإن قالت بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح وكان بيعا وخلعا بعوض واحد
لأنهما عقدان يصح افراد كل واحد منهما بعوض فصح جمعهما كبيع ثوبين وقد نص احمد على الجمع
بين بيع وصرف انه يصح وهذا نظير لهذا
وذكر أصحابنا فيه وجها آخر انه لا يصح لأن أحكام العقدين تختلف والأول أصح لما ذكرنا
وللشافعي قولان أيضا، فعلى قولنا يتقسط الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد فيكون عوض الخلع
ما يخص المسمى وعوض العبد ما يخص قيمته حتى لو ردته بعيب رجعت بذلك، وإن وجدته حرا أو
مغصوبا رجعت به لأن له عوضه، وإن كان مكان العبد شقص مشفوع ثبتت فيه الشفعة ويأخذه الشفيع
حصة قيمته من الألف لأنها عوضه
* (مسألة) * (ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل كره وصح، وقال أبو بكر
لا يجوز وبترك الزيادة)
إذا تراضيا على الخلع بشئ صح وإن كان أكثر من الصداق وهذا قول أكثر أهل العلم. روي
ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب والنخعي ومالك والشافعي
وأصحاب الرأي، ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها
192

وعقاص رأسها كان ذلك جائزا، وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب لا يأخذ أكثر مما
أعطاها، وروي ذلك عن علي باسناد منقطع واختاره أبو بكر فإن فعل رد الزيادة. وعن سعيد بن
المسيب قال: ما أرى ان يأخذ كل مالها ولكن ليدع لها شيئا، واحتجوا بما روي أن جميلة بنت سلول
أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكن أكره الكفر في الاسلام
لا أطيقه بغضا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ
منها حديقته ولا يزداد. رواه ابن ماجة، ولأنه بدل في مقابلة فسخ فلم يزد على قدره في ابتداء العقد
كالعوض في الإقالة.
ولنا قول الله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولأنه قول من سمينا من الصحابة قالت
الربيع بنت معوذ اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك علي رضي الله عنه ومثل هذا
اشتهر ولم ينكر فيكون اجماعا ولم يصح عن علي خلافه. إذا ثبت هذا فإنه لا يستحب له أن يأخذ منها
أكثر مما أعطاها، وبذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وإسحاق وأبو عبيد
وإن فعل جاز مع الكراهة ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي، قال مالك لم أزل أسمع إجازة الفداء
بأكثر من الصداق
193

ولنا حديث جميلة وروي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما
أعطاها. رواه أبو حفص باسناده وهو صريح في الحكم فنجمع بين الآية والخبر فنقول الآية دالة
على الجواز والنهي عن الزيادة للكراهة
* (مسألة) * (وان خالعها على محرم كالخمر والحر فهو كالخلع بغير عوض إذا علما تحريمه)
ولا يستحق شيئا وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي له عليها مهر المثل لأنه معاوضة بالبضع
فإذا كان العوض محرما وجب مهر المثل كالنكاح
ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم على ما أسلفنا فإذا رضي بغير عوض لم يكن له شئ
كما لو طلقها أو علق طلاقها على فعل شئ ففعلته، وفارق النكاح فإن دخول البضع في ملك الزوج متقوم
ولا يلزم إذا خلعها على عبد فبان حرا لأنه لم يرض بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور وههنا رضي
بما لا قيمة له. إذا تقرر هذا فإن كان الخلع بلفظ الطلاق فهو طلاق رجعي لأنه خلا عن عوض، وإن كان
بلفظ الخلع ولم ينو كنايات الخلع فكذلك إذا نوى الطلاق ولان الكناية مع النية كالصريح، وإن كان
بلفظ الخلع ولم ينو الطلاق انبنى على أصل هو انه هل يصح الخلع بغير عوض؟ وفيه روايتان، فإن
قلنا يصح صح ههنا، وان قلنا لا يصح لم يصح ولم يقع شئ، فإن قال إن أعطيتني خمرا أو ميتة فأنت
طالق فأعطته ذلك طلقت ولا شئ عليها وعند الشافعي عليها مهر المثل كقوله في التي قبلها
194

* (مسألة) * (وان خالعها على عبد فبان حرا أو مستحقا فله قيمته عليها، وان بان معيبا فله
أرشه أو قيمته ويرده)
وجملة ذلك أن الرجل إذا خالع امرأته على عوض فبان غير ماله أو انه ليس لها مثل ان يخالعها
على عبد بعينه فبان حرا أو مغصوبا أو على خل فبان خمرا فالخلع صحيح في قول أكثر أهل العلم لأن
الخلع معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح ولكنه يرجع عليها بقيمته لو كان عبدا وبهذا
قال أبو ثور وصاحبا أبي حنيفة، وان خالعها على هذا الدن الخل فبان خمرا رجع عليهما بمثله خلا لأن
الخل من ذوات الأمثال وقد دخل على أن هذا المعين خل فكان له مثله، كما لو كان خلا فتلف قبل
قبضه، وقد قيل يرجع بقيمة مثل خلا لأن الخمر ليس من ذوات الأمثال، والصحيح الأول لأنه إنما وجب
عليه مثله لو كان خلا كما تجب قيمة الحر بتقدير كونه عبدا فإن الحر لا قيمة له، وقال أبو حنيفة في
المسألة كلها يرجع بالمسمى، وقال الشافعي يرجع بمهر المثل لأنه عقد على البضع بعوض فاسد فأشبه
النكاح بخمر، واحتج أبو حنيفة بأن خروج البضع لا قيمة له فإذا غرته رجع عليها بما أخذت
ولنا أنها عين يجب تسليمها مع سلامتها وبقاء سبب الاستحقاق فوجب بذلها مقدرا بقيمتها أو
مثلها كالمغصوب والمستعار، وإذا خالعها على عبد فخرج مغصوبا أو على أمة فخرجت أم ولد فقد سلمه
أبو حنيفة ووافقنا فيه.
195

(فصل) وان ظهر معيبا فله الخيار بين أخذ أرشه ورده وأخذ قيمته لأنه عوض في معاوضة
فيستحق فيه ذلك كالبيع والصداق فإن كان على معين كقولها اخلعني على هذا العبد فيقول خلعتك
ثم يجد به عيبا لم يكن علم به فهذا يخير فيه بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته على ما ذكرنا، وان قال إن
أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته إياه طلقت وملكه. قال أصحابنا والحكم فيه كما لو خالعها عليه وهذا
مذهب الشافعي الا أنه لا يجعل له المطالبة بالأرش مع امكان الرد، وهذا أصل ذكرناه في البيع وله قول
أنه إذا رده رجع مهر المثل، وهذا الأصل ذكر في الصداق
* (مسألة) * (وان خالعها على رضاع ولده عامين أو سكنى دار صح فإن مات الولد أو خربت
الدار رجع بأجرة باقي المدة)
أما إذا خالعها على سكنى دار معينة فلابد من تعيين المدة كالإجارة فإن خربت الدار رجع عليها
بأجرة باقي المدة وتقدر بأجرة المثل وينفسخ العقد والإجارة إذا هلكت الدابة، وأما إذا خالعته على
رضاع ولده مدة معلومة صح قل أو كثر وبهذا قال الشافعي لأن هذا إنما تصح المعاوضة عليه في غير
الخلع ففي الخلع أولى فإن خالعته على رضاع ولده مطلقا ولم يذكر مدة صح أيضا وينصرف إلى ما بقي
من الحولين نص عليه احمد قيل له ويستقيم هذا الشرط رضاع ولدها ولا يقول ترضعه سنتين؟ قال نعم
وقال أصحاب الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع كما لا تصح الإجارة حتى يذكر المدة
196

ولنا أن الله تعالى قيده بالحولين فقال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)
وقال سبحانه (وفصاله في عامين) وقال (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ولم يبين مدة الحمل والفصال
ههنا فحمل على ما فصلته الآية الأخرى وجعل الفصال عامين والحمل ستة أشهر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم
" لا رضاع بعد فصال " يعني بعد العامين فيحمل المطلق من كلام الآدمي على المطلق من كلام الله
تعالى، ولا يحتاج إلى وصف الرضاع لأن جنسه كاف كما لو ذكر جنس الخياطة في الإجارة. فإن
ماتت المرضعة أو جف لبنها فعليها أجر المثل لما بقي من المدة، وان مات الصبي فكذلك، وقال
الشافعي في أحد قوليه لا ينفسخ ويأتيها بصبي ترضعه لأن الصبي مستوفى به لا معقودا عليه فأشبه
ما لو استأجر دابة ليركبها فمات
ولنا أنه عقد على فعل في عين فينفسخ بتلفها كما لو ماتت الدابة المستأجرة ولان ما يستوفيه من
اللبن إنما يتقدر بحاجة الصبي وحاجات الصبيان لا تنضبط فلم يجز أن يقوم غيره مقامه كما لو أراد إبداله
في حياته فلم يجز بعد موته كالمرضعة بخلاف راكب الدابة، وان وجد أحد هذه الأمور قبل مضي
شئ من المدة فعليها أجرة رضاع مثله وعن مالك كقولنا وعنه لا يرجع بشئ وعن الشافعي
كقولنا وعنه يرجع بالمهر
ولنا أنه عوض معين تلف قبل قبضه فوجبت قيمته أو مثله كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه
197

(فصل) وان خالعها على كفالة ولده عشر سنين صح وان لم يذكر مدة الرضاع منها ولا قدر الطعام
والادم ويرجع عند الاطلاق إلى نفقة مثله وقال الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع وقدر الطعام
وجنسه وقدر الادم وجنسه ويكون المبلغ معلوما مضبوطا بالصفة كالمسلم فيه وما يحل منه كل يوم. ومبنى
الخلاف على اشتراط الطعام للأجير مطلقا وقد ذكرناه في الإجارة ودللنا عليه بقصة موسى عليه السلام
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " رحم الله أخي موسى آجر نفسه بطعام بطنه وعفة فرجه " ولان نفقة
الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة وهي غير مقدرة كذا ههنا وللوالد أن يأخذ منها ما تستحقه من مؤونة
الصبي وما يحتاج إليه لأنه بدل ثبت له في ذمتها فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره فإن أحب أنفقه بعينه
وان أحب أخذه لنفسه وأنفق عليه غيره، وان أذن لها في انفاقه على الصبي جاز فإن مات الصبي بعد
انقضاء مدة الرضاع فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤونة، وهل يستحقه دفعة أو يوما بيوم؟ فيه وجان
(أحدهما) يستحقه دفعة واحدة ذكره القاضي في الجامع واحتج بقول أحمد إذا خالعها على رضاع ولده
فمات في أثناء الحولين قال يرجع عليها ببقية ذلك فلم يعتبر الاجل ولأنه إنما فرق لحاجة الولد إليه متفرقا
فإذا زالت الحاجة إلى التفريق استحق جملة واحدة (والثاني) لا يستحقه الا يوما بيوم ذكره القاضي
في المجرد وهو الصحيح لأنه ثبت منجما فلا يستحقه معجلا كما لو أسلم إليه في خبز يأخذ منه كل يوم
أرطالا معلومة فمات المستحق له ولان الحق لا يستحق بموت المستوفي كما لو مات وكيل صاحب الحق
198

وان وقع الخلاف في استحقاقه بموت من هو عليه ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كهذين، وان ماتت
المرأة خرج في استحقاقه في الحال وجهان كهذين بناء على أن الدين هل يحل بموت من هو عليه أولا
* (مسألة) * (وان خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت)
وحكي جواز ذلك عن أحمد وأبي حنيفة وهذا إنما يخرج على أصل احمد إذا كانت حاملا اما غير الحامل
فلا نفقة لها عليه فلا يصح عوضا وقال الشافعي لا تصح النفقة عوضا فإن خالعها به وجب مهر المثل لأن
النفقة لم تجب بالعقد فلم يصح الخلع عليها كما لو خالعها على عوض ما يتلفه عليها
ولنا انها إحدى النفقتين فصحت المخالعة عليها كنفقة الصبي فيما إذا خالعته على كفالة ولده وقتا
معلوما وقولهم انها لم تجب ممنوع فقد قيل إن النفقة تجب بالعقد ثم إنها ان لم تجب فقد وجد سبب وجوبها
كنفقة الصبي بخلاف عوض ما يتلفه
(فصل) والعوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع إن كان مكيلا أو موزونا لم يدخل في
ضمان الزوج ولم يملك التصرف فيه الا بقبضه وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه
فيه، قال أحمد في امرأة قالت لزوجها اجعل أمري بيدي ففعل ثم خيرت فاختارت نفسها بعدما مات
العبد جائز وليس عليها شئ ولو أعتقت العبد ثم اختارت نفسها لم يصح عتقها فلم يصحح عتقها لأن
ملكها زال عنه بجعلها له عوضا في الخلع ولم يضمنها إياه إذا تلف لأنه عوض معين غير مكيل ولا موزون
199

فدخل في ضمان الزوج بمجرد العقد، ويخرج فيه وجه أنه لا يدخل في ضمانه ولا يصح تصرفه فيه حتى
يقبضه كما ذكرنا في عوض البيع وفي الصداق، فأما المكيل والموزون فلا يصح تصرفه فيه ولا يدخل
في ضمانه إلا بقبضه فإن تلف قبل قبضه فالواجب مثله لأنه من ذوات الأمثال وقد ذكر القاضي في
الصداق أنه يجوز التصرف فيه قبل قبضه وإن كان مكيلا أو موزونا لأنه لا ينفسخ سببه بتلفه فههنا مثله
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله ويصح الخلع بالمجهول)
وقال أبو بكر لا يصح والتفريع على الأول فإذا قلنا يصح فللزوج ما جعل له وهذا قول أصحاب
الرأي وقال أبو بكر لا يصح الخلع ولا شئ له لأنه معاوضة فلا يصح بالمجهول كالبيع وهذا قول
أبي ثور وقال الشافعي يصح الخلع وله مهر مثلها لأنه معاوضة بالبضع فإذا كان العوض مجهولا وجب
مهر المثل كالنكاح.
ولنا أن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط فجاز أن يستحق به العوض المجهول كالوصية ولأن الخلع
اسقاط لحقه من البضع وليس فيه تمليك شئ والاسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز من غير عوض
بخلاف النكاح، وإذا صح الخلع فلا يجب مهر المثل لأنها لم تبذله ولا فوت عليه ما يوجبه فإن خروج
البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو أخرجته من ملكه بردتها أو ارضاعها لمن ينفسخ به
نكاحها لم يجب عليها شئ، ولو قتلت نفسها أو قتلها أجنبي لم يجب للزوج عوض عن بضعها ولو
200

وطئت بشبهة أو مكرهة لوجب المهر لها دون الزوج ولو طاوعت لم يكن للزوج شئ وإنما يتقوم البضع
على الزوج في النكاح خاصة وأباح لها افتداء نفسها لحاجتها إلى ذلك فيكون الواجب ما رضيت ببذله
فأما إيجاب شئ لم يرض به فلا وجه له
* (مسألة) * (فإن خالعها على ما في يدها من الدراهم صح وله ما في يدها وان لم يكن في يدها شئ
فله عليها ثلاثة دراهم)
نص عليه أحمد لأنه أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة ولفظها دل على ذلك فاستحقه كما لو وصى له بدراهم
وإن كان في يده أقل من ثلاثة احتمل أن لا يكون له غيره لأنه من الدراهم وهو في يدها واحتمل أن يكون له ثلاثة
كاملة لأن اللفظ يقتضيها فيما إذا لم يكن في يدها شئ فكذلك إذا كان في يدها.
* (مسألة) * (وان خالعها على ما في بيتها من المتاع فإن كان فيه متاع فهو له قليلا كان أو كثيرا
لأن الخلع على المجهول جائز كالوصية به معلوما كان أو مجهولا لأن الاسم يقع عليه وان لم يكن فيه متاع
فله أقل ما يقع عليه اسم المتاع كالوصية وكالمسألة قبلها)
201

وقال القاضي وأصحابه له المسمى في صداقها لأنها فوتت عليه البضع بعوض مجهول فيجب فيه
قيمة ما فوتت عليه وهو الصداق وهو قول أصحاب الرأي ووجه القولين ما تقدم
* (مسألة) * (وان خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها فله ذلك فإن لم تحملا فقال أحمد
ترضيه بشئ وقال القاضي لا شئ له)
إذا خالعها على حمل أمتها أو غنمها أو غيرهما من الحيوان أو قال على ما في بطونها أو ضروعها صح الخلع
وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح الخلع على ما في بطنها إذا ثبت هذا فإن الولد إذا خرج سليما أو كان
في ضروعها شئ من اللبن فهو له وان لم يخرج شئ فقال القاضي لا شئ له وبه قال مالك وأصحاب
الرأي وقال ابن عقيل له مهر المثل وقال أبو الخطاب له المسمى وان خالعها على ما تحمل أمتها أو
على ما يثمر نخلها صح، قال احمد إذا خالع امرأته على ثمرة نخلها سنين فجائز فإن لم تحمل نخلها ترضيه
بشئ قيل له فإن حمل نخلها؟ قال هذا أجود من ذاك قيل له يستقيم هذا؟ قال نعم جائز فيحمل قول
أحمد ترضيه بشئ على الاستحباب لأنه لو كان واجبا لتقدر بتقدير يرجع إليه وفرق بين المسئلتين
ومسألة الدراهم والمتاع حيث يرجع منهما على ما يقع عليه الاسم إذا لم يجد شيئا وههنا لا يرجع بشئ
إذا لم يجد حملا ولا ثمرة أن ثم أو همته ان معها دراهم وفي بيتها متاع لأنها خاطبته بلفظ يقتضي الوجود
مع إمكان علمها به فكان له ما دل عليه لفظها كما لو خالعته على عبد فوجد حرا وفي هاتين المسئلتين دخل
202

معها في النقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال فلم يكن له شئ غيره كما
لو قال خالعتك على هذا الحر وقال أبو حنيفة لا يصح العوض ههنا لأنه معدوم
ولنا ان ما جاز في الحمل في البطن جاز فيما يحمل كالوصية واختار أبو الخطاب أن له المسمى في
الصداق وأوجب له الشافعي مهر المثل ولم يصحح أبو بكر الخلع في هذا كله وقد ذكرنا نصوص أحمد
على جوازه والدليل عليه.
* (مسألة) * (وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبدا وان قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق
طلقت بأي عبد أعطته طلاقا بائنا وملك العبد نص عليه أحمد وقال القاضي يلزمها عبد وسط فيهما
إذا خالعها على عبد مطلق أو عبيد وإن قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فإنها تطلق بأي عبد أعطته
إياه ويملكه بذلك ولا يكون له غيره وليس له الا ما يقع عليه اسم العبد وان خالعته على عبيد فله ثلاثة هذا ظاهر
كلام أحمد وقياس قوله وقول الخرقي في مسألة الدراهم وقال القاضي لها عليه عبد وسط وتأول كلام
أحمد على أنها تعطيه عبدا وسطا وقد قال أحمد إذا قال إذا أعطيتني عبدا فأنت طالق فإذا أعطته
عبدا فهي طالق والظاهر من كلامه خلاف ما ذكره القاضي لأنها خالعته على مسمى مجهول فكان له أقل
ما يقع عليه الاسم كما لو خالعها على ما في يدها من الدراهم ولأنه إذا قال إن أعطيتني عبدا فأنت
طالق فأعطته عبدا فقد وجد شرطه فيجب أن يقع الطلاق كما لو قال إن رأيت عبدا فأنت طالق ولا
203

يلزمها أكثر منه لأنها لم تلتزم له شيئا فلا يلزمها شئ كما لو طلقها بغير خلع
(فصل) فإن أعطته مدبرا أو معتقا نصفه وقع الطلاق لأنهما كالقن في التمليك وإن أعطته حرا
أو مغصوبا أو مرهونا لم تطلق لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه وما لا يصح تمليكه لا
تكون معطية له.
(فصل) فإن خالعها على دابة أو بعير أو بقرة أو ثوب أو يقول إن أعطيتني ذلك فأنت طالق فالواجب
في الخلع ما يقع عليه الاسم من ذلك ويقع الطلاق بها إذا أعطته إياه فيما إذا علق طلاقها على عطيته
إياه ولا يلزمها غير ذلك في قياس ما قبلها، وقال القاضي وأصحابه من الفقهاء ترد عليه ما أخذت من
صداقها لأنها فوتت البضع ولم يحصل له العوض بجهالته فوجب عليها قيمة ما فوتت وهو المهر
ولنا ما تقدم ولأنها ما التزمت له المهر المسمى ولا مهر المثل فلم يلزمها كما لو قال إن دخلت الدار فأنت
طالق فدخلت ولان المسمى قد استوفى بدله بالوطئ فكيف يجب عليها بغير رضى ممن يجب عليه؟ والأشبه
لمذهب أحمد أن يكون الخلع بالمجهول كالوصية به
* (مسألة) * (وإذا قال إذا أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته إياه طلقت فإن خرج
معيبا فلا شئ له)
ذكره أبو الخطاب لأنه شرط لوقوع اطلاق أشبه ما لو قال إن ملكته فأنت طالق ثم ملكه وان
204

خرج مغصوبا لم يقع الطلاق لأن الاعطاء إنما يتناول ما يصح تمليكه منها وما لا يصح تمليكه متعذر فلا
يصح من جهتها اعطاء وعنه يقع وله قيمته وكذلك فيما إذا قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق ثم
فأعطته عبدا مغصوبا لأنه خالعها على عوض يظنه مالا فبان غير مال فيكون الخلع صحيحا لأنه
معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح فعلى هذا يرجع عليها بالقيمة لأنه لم يرض بغير عوض
(فصل) وان خالعها على ثوب موصوف في الذمة واستقصى صفات السلم صح وعليها ان تعطيه إياه
سليما لأن اطلاق ذلك يقتضي السلامة كما في البيع والصداق فإن دفعته إليه معيبا أو ناقصا عن الصفات
المذكورة فله الخيار بين امساكه ورده والمطالبة بثوب سليم على تلك الصفة لأنه إنما وجب في الذمة
سليم تام الصفات فيرجع بما وجب له لأنها ما أعطته الذي وجب عليها له فإن قال إن أعطيتني ثوبا
صفته كذا وكذا فأعطته ثوبا على تلك الصفات طلقت وملكه وان أعطته ناقصا صفة لم يقع الطلاق ولم
يملكه لأنه ما وجد الشرط فإن كان على الصفة لكن به عيب وقع الطلاق لوجود شرطه قال القاضي
ويتخير بين إمساكه ورده والرجوع بقيمته، وهذا قول الشافعي الا أن له قولا أن يرجع بمهر المثل
على ما ذكرنا وعلى ما ذكرنا فيما تقدم أنه قال إذا قال إذا أعطيتني ثوبا أو عبدا أو هذا الثوب أو هذا العبد فأعطته
إياه معيبا طلقت وليس له سواه، وقد نص أحمد على من قال إن أعطيتني هذا الألف فأنت
طالق فأعطته إياه فوجده مصيبا فليس له البدل وقال أيضا ان أعطيتني عبدا فأنت طالق فإذا
205

أعطته عبدا فهي طالق وتملكه وهذا يدل على أن كل موضع قال إن أعطيتني كذا فأعطته إياه فليس
له غيره وذلك لأن الانسان لا يلزمه شئ الا بالزام أو التزام ولم يرد الشرع بالزامها هذا ولا هي التزمته
له وإنما علق طلاقها على شرط وهو عطيتها له ذلك فلا يلزمها شئ سواه وقد ذكرناه
(فصل) إذا قال إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألفا أو أكثر طلقت لوجود الصفة
وان أعطته دون ذلك لم تطلق لعدمها وان أعطته ألفا وازنة لا ينقص في العدد طلقت وان أعطته ألفا
عددا ينقص في الوزن لم تطلق لأن اطلاق الدراهم ينصرف إلى الوازن من دراهم الاسلام وهي أن
كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل ويحتمل أن الدراهم إذا كانت تنفق برؤوسها من غير وزن طلقت لأنها
يقع عليها اسم الدراهم ويحصل منها مقصودها ولا تطلق إذا أعطته وازنة تنقص في العدد كذلك وان
أعطته ألفا مغشوشة بنحاس أو رصاص أو نحوه لم تطلق لأن اطلاق الألف يتناول ألفا من الفضة وليس
في هذه ألف من الفضة وان زادت على الف بحيث تكون فيها الفضة طلقت لأنها قد أعطته ألفا فضة
وان أعطته سبيكة تبلغ ألفا لم تطلق لأنها لا تسمى دراهم فلم توجد الصفة بخلاف المغشوشة فإنها تسمى
دراهم وان أعطته ألفا ردئ الجنس خشونة أو سوادا أو كانت خشنة السكة لأن الصفة وجدت قال القاضي
وله ردها وأخذ بدلها وهذا قد ذكرناه في المسألة التي قبلها
* (مسألة) * (وان قال أعطيتيني ثوبا هرويا فأنت طالق فأعطته مرويا لم تطلق)
206

لأن الصفة التي علق الطلاق عليها لم توجد وان أعطته هرويا طلقت وان خالعها علي مروي فأعطته
هرويا فالخلع واقع ويطالبها بما خالعها عليه وان خالعها علي ثوب بعينه على أنه هروي فبان مرويا
فالخلع صحيح لأن جنسهما واحد وإنما ذلك اختلاف صفة فجرى مجرى العيب في العوض وهو مخير بين
امساكه ولا شئ له غيره وبين رده وأخذ قيمته هرويا لأن مخالفة الصفة بمنزلة العيب في جواز الرد
وقال أبو الخطاب وعندي أنه لا يستحق شيئا سواه لأن الخلع على عينه وقد أخذه وان خالعها على
ثوب على أنه قطن فبان كتابا رده ولم يكن له امساكه لأنه جنس آخر واختلاف الأجناس كاختلاف
الأعيان بخلاف ما لو خالعها على هروي فخرج مرويا فإن الجنس واحد.
(فصل) وكل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض ببينة وقع الطلاق
سواء قبضه منها أو لم يقبضه لأن العطية وجدت فإنه يقال أعطيته فلم يأخذ ولأنه علق اليمين على فعل
من جهتها والذي من جهتها في العطية البدل علي وجه يمكنه قبضه فإن هرب الزوج أو غاب قبل عطيتها
أو قالت يضمنه لك زيد أو اجعله قصاصا بمالي عليك وأعطته به رهنا أو أحالته به لم يقع الطلاق لأن
العطية ما وجدت ولا يقع الطلاق بدون شرطه وكذلك كل موضع تعذرت العطية فيه لا يقع الطلاق
سواء كان التعذر من جهته أو من جهتها أو من جهة غيرها لانتفاء الشرط ولو قالت طلقني بألف فطلقها
استحق الألف وبانت وان لم يقبض نص عليه احمد وقال احمد لو قالت لا أعطيك شيئا يأخذها بالألف
يعني ويقع الطلاق لأن هذا ليس بتعليق على شرط بخلاف الأول
207

* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وان قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني أو متى أعطيتني ألفا فأنت طالق
كان على التراخي أي وقت أعطته ألفا طلقت
وجملة ذلك أن تعليق الطلاق على شرط العطية أو الضمان أو التمليك لازم من جهة الزوج لزوما لا
سبيل إلى رفعه فإن المغلب فيها حكم التعليق المحض بدليل صحة تعليقه على الشروط ويقع الطلاق بوجود
الشرط سواء كانت العطية على الفور أو التراخي وقال الشافعي إذا قال متى أعطيتني أو متى ما أعطيتني
وأي حين أو اي زمان أعطيتني ألفا فأنت طالق كان على التراخي وان قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني
ألفا فأنت طالق كان على الفور فإن أعطته جوابا لكلامه وقع الطلاق وان تأخر الاعطاء لم يقع الطلاق
لأن قبول المعاوضات على الفور فإن لم يوجد تصريح منه بخلافه وجب حمل ذلك على المعاوضات بخلاف
متى وأي فإن فيها تصريحا بالتراخي ونصا فيه وان صارا معاوضة فإن تعليقه بالصفة جائز اما ان وإذا
فإنهما يحلان على الفور والتراخي فإذا تعلق بهما العوض حملا على الفور
ولنا انه علق الطلاق بشرط الاعطاء فكان على التراخي كسائر التعليق أو نقول علق الطلاق بلفظ
مقتضاة التراخي فكان على التراخي كما لو خلا عن العوض والدليل على أنه يقتضي التراخي انه يقتضيه
إذا خلا عن العوض ومقتضيات الألفاظ لا تختلف بالعوض وعدمه وهذه المعاوضة معدول بها عن سائر
المعاوضات بدليل جواز تعليقها على الشروط ويكون على التراخي فيما إذا علقها بمتى أو بأي وكذلك في
208

مسئلتنا، ولا يصح قياس ما نحن فيه على غيره من المعاوضات لما ذكرنا من الفرق، ثم يبطل قياسهم بقول السيد
لعبده ان أعطيتني ألفا فأنت حر فإنه كمسئلتنا وهو على التراخي على اننا قد ذكرنا ان حكم هذه الشروط
حكم اللفظ المطلق.
(فصل) إذا قال لامرأته أنت طالق بألف ان شئت لم تطلق حتى تشاء فإذا شاءت وقع الطلاق بائنا
ويستحق الألف سواء سألته الطلاق فقالت طلقني بألف فأجابها أو قال ذلك لها ابتداء لأنه علق
طلاقها على شرط فلم يوجد قبل وجوده، وتعتبر مشيئتها بالقول فإنها وإن كان محلها القلب فلا يعرف ما في
القلب الا بالنطق فتعلق الحكم به، ويكون ذلك على التراخي فمتى شاءت طلقت نص عليه أحمد ومذهب
الشافعي كذلك الا انه على الفور عنده، ولو أنه قال لامرأته أمرك بيدك ان ضمنت لي ألفا فقياس قول
أحمد أنه على التراخي لأنه نص على أن أمرك بيدك على التراخي ونص على أنه إذا قال لها أنت طالق ان شئت ان
لها المشيئة بعد مجلسها ومذهب الشافعي على الفور لما تقدم
ولنا أنه لو قال لعبده إن ضمنت لي ألفا فأنت حر كان على التراخي، ولو قال له أنت حر
على الف إن شئت كان على التراخي والطلاق نظير العتق، فعلى هذا متى ضمنت له ألفا كان أمرها
بيدها وله الرجوع بما جعل إليها لأن أمرك بيدك توكيل منه لها، وله الرجوع فيه كما يرجع في الوكالة
209

وكذلك لو قال لزوجته طلقي نفسك ان ضمنت لي ألفا فمتى ضمنت له ألفا وطلقت نفسها وقع ما لم يرجع
وإن ضمنت الألف ولم تطلق أو طلقت ولم تضمن لم يقع الطلاق
* (مسألة) * (إذا قالت اخلعني بألف أو على الف ففعل بانت واستحق الألف)
لأن الباء للمقابلة وعلى في معناها فيقع العقد بهما ويستحق العوض ويكفي قوله وإن لم يذكر
الألف لأن قوله جواب لما استدعته منه والسؤال كالمعاد في الجواب فأشبه ما لو قال بعني عبدك بألف
فقال بعتكه وكذلك إن قالت طلقني ثلاثا بألف أو على ألف أو على أن لك ألفا أو إن طلقتني
فلك علي الف فقال أنت طالق لما ذكرنا.
(فصل) فإن قالت اخلعني بألف فقال أنت طالق، فإن قلنا الخلع طلقة بائنة وقع واستحق الألف،
لأنه أجابها إلى ما بذلت العوض فيه، وإن قلنا هو فسح احتمل أن يستحق العوض أيضا، لأن
الطلاق يتضمن ما طلبت وهو البينونة وفيه زيادة نقصان العدد فأشبه ما لو قالت طلقني واحدة بألف
فطلقها ثلاثا واحتمل أن لا يستحق شيئا لأنها استدعت منه فسخا فلم يجبها إليه وأوقع ما طلبته
ولا بذلت فيه عوضا، فعلى هذا يحتمل أن يقع الطلاق رجعيا لأنه أوقعه مبتدئا به غير مبذول فيه
عوض فأشبه ما لو طلقها ابتداء، ويحتمل أن لا يقع لأنه أوقعه بعوض فإذا لم يحصل العوض لم يقع لأنه
كالشرط فيه فأشبه ما لو قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، فإن قالت طلقني بألف قال خلعتك فإن
210

قلنا هو طلاق استحق العوض لأنه طلقها، وإن نوى به الطلاق فكذلك لأنه كناية فيه، وإن لم ينو
الطلاق وقلنا ليس بطلاق لم يستحق عوضا لأنه ما أجابها إلى ما بذلت العوض فيه ولا يتضمنه لأنها
سألته طلاقا ينقص به عدد الطلاق فلم يجبها إليه وإذا لم يجب العوض لم يصح الخلع لأنه إنما خالعها
معتقدا لحصول العوض فإذا لم يحصل لم يصح ويحتمل أن يكون كالخلع بغير عوض فيه من الخلاف ما فيه
* (مسألة) * (وإذا قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحق الألف)
وقال محمد بن الحسن قياس قول أبي حنيفة أنه لا يستحق شيئا لأن الثلاث مخالفة للواحدة لأن
تحريمها لا يرتفع إلا بزوج وإصابة وقد لا يريد ذلك ولا يبذل العوض فيه فلم يكن ايقاعا لما استدعته
بل هو ايقاع مبتدأ فلم يستحق شيئا
ولنا أنه أوقع ما استدعته وزيادة لأن الثلاث واحدة واثنتان وكذلك لو قال طلقي نفسك ثلاثا
فطلقت نفسها واحدة وقع فيستحق العوض بالواحدة وما حصل من الزيادة التي لم تبذل العوض فيها
لا يستحق بها شيئا، وان قال لها أنت طالق بألف وطالق وطالق وقعت الأولى بائنة ولم تقع الثانية
ولا الثالثة وهذا مذهب الشافعي، وان قال لها أنت طالق وطالق وطالق بألف وقع الثلاث، وان
قال أنت طالق وطالق وطالق ولم يقل بألف قيل له أيتهن أوقعت بالألف؟ فإن قال الأولى بانت بها،
211

ولم يقع ما بعدها، وان قال الثانية بانت بها ووقع بها طلقتان ولم تقع الثالثة، وان قال الثالثة وقع
الكل، وان قال نويت أن الألف في مقابلة الكل بانت بالأولى وحدها ولم يقع بها ما بعدها
لأن الأولى حصل في مقابلتها عوض وهو قسطها من الألف فبانت بها وله ثلث الألف لأنه رضي أن
يوقعها بذلك مثل أن تقول طلقني بألف فيقول أنت طالق بخمسمائة هكذا ذكره القاضي وهو مذهب
الشافعي ويحتمل أن يستحق الألف لأنه أتى بما بذلت بالعوض فيه بنية العوض فلم يسقط بعضه بنيته
كما لو قال رد عبدي بألف فرده ينوي خمسمائة وان لم ينو شيئا استحق الألف بالأولى ولم يقع
ما بعدها، ويحتمل أن يقع الثلاث لأن الواو للجمع لا تقتضي ترتيبا فهو كقوله أنت طالق ثلاثا بألف
وكذلك لو قال ذلك لغير مدخول بها أو قال أنت طالق وطالق وطالق بألف طلقت ثلاثا
* (مسألة) * (وان قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يستحق شيئا ويحتمل أن يستحق
ثلث الألف)
فعلى هذا يقع الطلاق ولا يستحق شيئا، ويحتمل أن يستحق ثلث الألف وهو قول أبي حنيفة
وصاحبه ومالك والشافعي لأنها استدعت منه فعلا بعوض فإذا فعل بعضه استحق بقسطه كما لو قال: من
رد عبيدي فله ألف فرد ثلثهم استحق ثلث الألف وكذلك في بناء الحائط وخياطة الثوب
212

ولنا أنها بذلت العوض في مقابلة شئ لم يجبها إليه فلم يستحق شيئا كما لو قال في المسابقة: من
سبق إلى خمس إصابات فله الف فسبق إلى بعضها، أو قال بعني عبدك بألف فقال بعتك أحدهما
بخمسمائة، وكما لو قالت طلقني ثلاثا على الف عند أبي حنيفة، فإن قيل الفرق بينهما ان الباء للعوض دون
الشرط وعلى للشرط فكأنها شرطت في استحقاقه الألف أن يطلقها ثلاثا، قلنا لا نسلم أن على للشرط
فإنها ليست مذكورة في حروفه وإنما معناها ومعنى الباء واحد وقد سوى بينهما فيما إذا قالت طلقني
وضرتي بألف أو على الف ومقتضى اللفظ لا يختلف بكون المطلقة واحدة أو اثنتين
(فصل) فإن قالت طلقني ثلاثا ولك الف فهي كالتي قبلها ان طلقها أقل من ثلاث وقع الطلاق
ولا شئ له، وان طلقها ثلاثا استحق الألف، ومذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد فيها كمذهبهم
في التي قبلها، وقال أبو حنيفة لا يستحق شيئا، وان طلقها ثلاثا لأنه لم يعلق الطلاق بالعوض
ولنا أنها استدعت منه الطلاق بالعوض فأشبه ما لو قال رد عبدي ولك الف فرده، وقوله لم تعلق
الطلاق بالعوض ممنوع فإن معنى الكلام ولك الف عن طلاقي فإن قرينة الحال دالة وان قالت طلقني
وضرتي بألف أو على ألف علينا فطلقها وحدها طلقت وعليها قسطها من الألف لأن عقد الواحد
مع الاثنين بمنزلة العقدين وخلعه للمرأتين بعوض عليهما خلعان فجاز أن ينعقد أحدهما صحيحا موجبا
للعوض دون الآخر وإن كان العوض منها وحدها فلا شئ له في قياس المذهب لأن العقد لا يتعدد بتعدد
213

العوض وكذلك لو اشترى من انسان عبدين بثمن واحد كان عقدا واحدا بخلاف ما إذا كان العاقد
من أحد الطرفين اثنين فإنه يكون عقدين
* (مسألة) * (وان لم يكن بقي من طلاقها الا واحدة ففعل استحق الألف علمت أو لم تعلم ويحتمل
أن لا يستحق الا ثلثه إذا لم تعلم)
إذا قالت طلقني ثلاثا، بألف ولم يكن بقي من طلاقها الا واحدة فطلقها واحدة أو ثلاثا بانت بثلاث. قال
أصحابنا ويستحق الألف علمت أو لم تعلم وهو منصوص الشافعي.
وقال المزني لا يستحق الا ثلث الألف لأنه إنما طلقها ثلث ما طلبت منه فلا يستحق الا ثلث الألف
كما لو كان طلاقها ثلاثا ويحتمل أن لا يستحق الا ثلثه إذا لم تعلم وهو قول ابن شريح لأنها ان كانت
عالمة كان معنى كلامها كمل لي الثلاث وقد فعل ذلك. ووجه قول أصحابنا أن هذه الواحدة كملت الثلاث
وحصلت ما يحصل بالثلاث من البينونة وتحريم العقد فوجب بها العوض كما لو طلقها ثلاثا
(فصل) فإن لم يكن في طلاقها إلا واحدة فقالت طلقني بألف واحدة أبنى بها واثنتين في نكاح
آخر فقال أبو بكر قياس قول أحمد أنه إذا طلقها واحدة استحق العوض فإن تزوج بها بعد
ولم يطلقها رجعت عليه بالعوض لأنه بذلت العوض في مقابلة ثلاث، فإذا لم يوقع الثلاث لم يستحق
العوض كما لو كانت ذات تطليقات ثلاث فقالت طلقني ثلاثا فلم يطلقها الا واحدة. ومقتضى هذا أنه إذا لم
214

ينكحها نكاحا آخر أنها ترجع عليه بالعوض وإنما يفوت نكاحه إياها بموت أحدهما، وان نكحها
نكاحا آخر وطلقها اثنتين لم ترجع عليه بشئ، وإن لم يطلقها إلا واحدة رجعت عليه بالعوض كله.
وقال القاضي الصحيح من المذهب أن هذا لا يصح في الطلقتين الآخرتين لأنه سلف في طلاق
ولا يصح السلف في الطلاق ولأنه معاوضة على الطلاق قبل النكاح لا يصح فالمعاوضة عليه أولى، فإذا
بطل فيهما انبنى ذلك على تفريق الصفقة فإن قلنا تفرق فله ثلث الألف وان قلنا لا تفرق فسد العوض
في الجميع ويرجع بالمسمى في عقد النكاح.
(فصل) ولو قالت طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة أو اثنتين فلا شئ له لأنه لم يجبها إلى
ما سألت فلا يستحق عليها ما بذلت، وان طلقها ثلاثا استحق الألف على قياس قول أصحابنا فيما إذا
قال طلقني ثلاثا بألف ولم يكن بقي من طلاقها الا واحدة فطلقها واحدة استحق الألف لأنه قد
حصل بذلك جميع المقصود.
* (مسألة) * (ولو لم يكن بقي من طلاقها الا واحدة فقالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق طلقتين
الأولى بألف والثانية بغير شئ وقعت الأولى واستحق الألف ولم تقع الثانية، وإن قال الأولى
بغير شئ وقعت وحدها ولم يستحق شيئا لأنه لم يجعل لها عوضا وكملت الثلاث وان قال إحداهما بألف
لزمها ألف لأنها طلبت منه طلقة بألف فأجابها إليه وزادها أخرى.
215

(فصل) وان قالت طلقني بألف إلى شهر أو أعطته ألفا علي أن يطلقها إلى شهر فقال إذا جاء رأس
الشهر فأنت طالق صح ذلك واستحق العوض ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائنا لأنه بعوض وان
طلقها قبل مضي الشهر طلقت ولا شئ له ذكره أبو بكر وقال روى ذلك عن أحمد علي بن سعيد
وذلك لأنه إذا طلقها قبل رأس الشهر فقد اختار ايقاع الطلاق من غير عوض، وقال الشافعي إذا أخذ
منها ألفا على أن يطلقها إلى شهر فطلقها بألف بانت وعليها مهر المثل لأن هذا سلف في طلاق فلم يصح
لأن الطلاق لا يثبت في الذمة ولأنه عقد تعلق بعين فلا يجوز شرط تأخير التسليم فيه.
ولنا انها جعلت عوضا صحيحا على طلاقها فإذا طلقها استحقه كما لو لم يقل إلى شهر ولأنها جعلت له
عوضا صحيحا على طلاقها فلم تستحق أكثر منه كالأصل، وان قالت لك الف على أن تطلقني أي وقت
شئت من الآن إلى شهر صح في قياس المسألة التي قبلها
وقال القاضي لا يصح لأن زمن الطلاق مجهول فإذا طلقها فله مهر المثل وهذا مذهب الشافعي لأنه
طلقها على عوض لم يصح افساده
ولنا ما تقدم في التي قبلها ولا تضر الجهالة في وقع الطلاق لأنه مما يصح تعليقه على الشرط فصح
بذل العوض فيه مجهول الوقت كالجعالة ولأنه لو قال متى أعطيتني ألفا فأنت طالق صح وزمنه مجهول أكثر
216

من الجهالة ههنا في شهر واحد ويتم في العمر كله وقول القاضي له مهر المثل مخالف لقياس المذهب فإنه
ذكر في المواضع التي يفسد فيها العوض ان له المسمى فكذلك يجب أن يكون ههنا ان حكمنا
بفساده والله أعلم
* (مسألة) * (وإن كان له امرأتان مكلفة وغير مكلفة مميزة فقال لهما أنتما طالقتان ان شئتما فقالتا
قد شئنا لزم المكلفة نصف الألف وطلقت بائنا ووقع بالأخرى رجعيا ولا شئ عليها)
إنما كان كذلك لأن المكلفة إذا كانت رشيدة فمشيئتها صحيحة وتصرفها في مالها صحيح فيقع الطلاق
عليهما ويجب على الرشيدة بقسطها من العوض ووقع بائنا ويقسط العوض بينهما على قدر مهريهما
في ظاهر المذهب وعلى قول أبي بكر يكون بينهما نصفين ولا شئ على غير المكلفة وكذلك ان
كانت محجورا عليها للسفه ويقع الطلاق عليها رجعيا لأن لها مشيئة بقسطها ولكن الحجر وعدم التكليف
منع صحة تصرفها ونفوذه فإن كانت (إحداهما) مجنونة أو صغيرة غير مميزة لم تصح المشيئة
منهما ولم يقع الطلاق
(فصل) فإن كانتا رشيدتين وقع الطلاق بهما بائنا إذا قالتا قد شئنا ويلزمهما العوض بينهما على
قدر مهريهما في الصحيح من المذهب وهو قول ابن حامد ومذهب أهل الرأي واحد قولي الشافعي وقال
217

في الآخر يلزم كل واحدة منهما مهر مثلها وعلى قول أبي بكر من أصحابنا يكون العوض بينهما نصفين
وأصل هذا في النكاح إذا تزوج امرأتين بمهر واحد وقد ذكرناه فإن شاءت (إحداهما) دون الأخرى
لم تطلق واحدة منهما لأنه جعل مشيئتها شرطا في طلاق كل واحدة منهما ويخالف هذا ما إذا قال
أنتما طالقتان بألف فقبلت إحداهما دون الأخرى لزمه الطلاق بعوضه لأنه لم يجعل لطلاقها شرطا
وههنا علق طلاق كل واحدة منهما بمشيئتهما جميعا ويتعلق الحكم بمشيئتهما لفظا إذا قالتا قد شئنا لأن ما في
القلب لا سبيل إلى معرفته فلو قال الزوج ما شئتما وإنما قلتما ذلك بألسنتكما أو قالتا ما شئنا بقلوبنا لم يقبل
* (مسألة) * (فإن قال لامرأته أنت طالق وعليك الف طلقت ولا شئ عليها لأنه لم يجعل له
العوض في مقابلتها ولا شرطا فيها وإنما عطف ذلك على طلاقها فأشبه ما لو قال أنت طالق وعليك
الحج فإن أعطته المرأة عن ذلك عوضا لم يكن عوضا لأنه لم يقابله شئ وكان ذلك هبة مبتدأة تعتبر
فيها شرائط الهبة وان قالت المرأة ضمنت لك ألفا لم يصح لأن الضمان إنما يكون عن غير الضامن لحق
واجب أو مآله إلى الوجوب وليس ههنا شئ من ذلك وذكر القاضي انه يصح لأن ضمان ما لم يجب
يصح قال شيخنا ولم أعرف لذلك وجها الان أن يكون أراد انها إذا قالت له قبل طلاقها ضمنت لك
ألفا على أن تطلقني فقال أنت طالق وعليك الف وقع الطلاق وعليها الف لأن قوله أنت طالق يكفي
في صحة الخلع واستحقاق العوض وما وصل به تأكيد فإن اختلفا فقال أنت استدعيت مني الطلاق
218

بألف فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل عدمه فإذا حلفت برئت من العوض وبانت لأن قوله مقبول في
في بينونتها لأنها حقه غير مقبول في العوض لأنه عليها وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وان قال
ما استدعيت مني الطلاق وإنما انا ابتدأت به فلي عليك الرجعة وادعت ان ذلك كان جوابا لاستدعائها
فالقول قول الزوج لأن الأصل معه ولا يلزمها الألف لأنه لا يدعيه
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق على الف)
فالمنصوص عن أحمد ان الطلاق يقع رجعيا كقوله أنت طالق وعليك الف فإنه قال في رواية مهنا في
الرجل يقول لامرأته أنت طالق على ألف درهم فلم تقل هي شيئا فهي طالق تملك الرجعة وقال
القاضي في المجرد ذلك للشرط تقديره ان ضمنت لي ألفا فأنت طالق فإن ضمنت له ألفا وقع الطلاق
بائنا والا لم يقع وكذا الحكم إذا قال أنت طالق على أن لي عليك ألفا فقياس قول احمد ان الطلاق
يقع رجعيا ولا شئ له وعلى قول القاضي ان قبلت ذلك لزمها الألف وكان خلعا والا لم يقع الطلاق
وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه استعمل على بمعنى الشرط في كتابه في مواضع منها قوله إذا نكحها
على أن لا يتزوج عليها فلها فراقه ان تزوج عليها وذلك أن على تستعمل بمعنى الشرط بدليل قوله تعالى
في قصة شعيب (اني أريد ان أنكحك إحدى ابنتي هاتين علي ان تأجرني ثماني حجج) وقوله (فهل
نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا؟) وقال موسى (هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت
رشدا؟) ولو قال في النكاح زوجتك ابنتي على صداق كذا صح فإذا أوقعه بعوض لم يقع بدونه وجرى
مجرى قوله أنت طالق ان أعطيتني ألفا ووجه الأول انه أوقع الطلاق غير معلق بشرط وجعل عليها
219

عوضا لم تبذله فوقع رجعيا من غير عوض كما لو قال أنت طالق وعليك الف ولان على ليست للشروط
ولا للمعاوضة ولذلك لا يصح ثوبي على دينار
* (مسألة) * (وان قال بألف فكذلك ويحتمل ان لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف)
يعني ان قوله أنت طالق بألف مثل قوله أنت طالق على الف لأنها ليست من حروف الشرط
والأولى انها لا تطلق في قوله بألف حتى تختار فيلزمها الألف كما ذكره القاضي في علي الف لأنها ان لم
تكن من حروف الشرط فهي للمعاوضة في قوله بعتك بكذا وزوجتك بكذا فإنه يصح البيع والنكاح
بغير خلاف فإن قال أنت طالق ثلاثا فقالت قد قبلت واحدة وقع الثلاث واستحق الألف لأن ايقاع
الطلاق إليه وإنما علقه بعوض يجري مجرى الشرط من جهتها وقد وجد الشرط فيقع الطلاق وان قالت
قبلت بألفين وقع ولم يلزمها الألف الزائد لأن القبول لما أوجبه دون ما لم يوجبه فإن قالت قبلت
بخمسمائة لم يقع لأن الشرط لم يوجد وان قالت قبلت واحدة من الثلاث بثلث الألف لم يقع لأنه لم
يرض بانقطاع رجعته عنها الا بألف وان قال أنت طالق طلقتين (إحداهما) بألف وقعت بها واحدة
لأنها بغير عوض ووقعت الأخرى على قولها لأنها بعوض
(فصل) إذا قال الأب طلق ابنتي وأنت برئ من صداقها فطلقها وقع الطلاق رجعيا ولم يبرأ
من شئ ولم يرجع على الأب ولم يضمن له لأنه برأه مما ليس له الابراء منه فأشبه الأجنبي قال
220

القاضي وقد قال احمد انه يرجع على الأب قال القاضي هذا محمول على أن الزوج كان جاهلا بان إبراء
الأب لا يصح فكان له الرجوع عليه كما لو غره فزوجه معيبة وان علم أن ابراء الأب لا يصح لم يرجع
عليه بشئ ويقع الطلاق رجعيا لأنه خلا عن العوض وفي الموضع الذي يرجع عليه يقع الطلاق بائنا
لأنه بعوض فإن قال الزوج هي طالق ان أبرأتني من صداقها فقال قد أبرأتك لم يقع الطلاق لأنه لم يبرأ
وروي عن أحمد أن الطلاق واقع فيحتمل أنه أوقعه إذا قصد الزوج تعليق الطلاق على مجرد التلفظ بالابراء
دون حقيقة البراءة وان قال الزوج هي طالق ان أبرأتني من صداقها لم يقع لأنه علقه على شرط لم
يوجد وان قال الأب طلقها على الف من مالها وعلي الدرك فطلقها طلقت بائنا لأنه بعوض وهو ما لزم
الأب من ضمان الدرك ولا يملك الألف لأنه ليس له بدلها.
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا خالعته في مرض موتها فله الأقل من المسمى أو ميراثه منها)
المخالعة في المرض صحيحة سواء كان المريض الزوج أو الزوجة أو هما جميعا لأنها معاوضة فتصح
في المرض كالبيع ولا نعلم في هذا خلافا ثم إذا خالعته المريضة بميراثه منها فما دونه صح ولا رجوع،
وان خالعته بزيادة بطلت الزيادة وهذا قول الثوري وإسحاق، وقال أبو حنيفة له العوض كله
وان أجابته فمن الثلث لأنه ليس بوارث لها فصحت محاباتها له من الثلث كالأجنبي، وعن مالك
كالمذهبين وعنه يعتبر بخلع مثلها، وقال الشافعي ان خالعت بمهر مثلها جاز وان زاد فالزيادة من الثلث
ولنا أنه لا يعتبر مهر المثل لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بما قدمناه واعتبار مهر
221

المثل يقوم له وعلى ابطال الزيادة أنها متهمة في أنها قصدت الخلع لتوصل إليه شيئا من مالها بغير عوض
على وجه لم تكن قادرة عليه وهو وارث لها فبطل كما لو أوصت له أو أقرت له، وأما قدر الميراث
فلا تهمة فيه فإنها لو لم تخالعه لورث ميراثه وان صحت من مرضها ذلك صح الخلع وله جميع ما خالعها
به لأننا تبينا أنه ليس بمرض الموت والخلع في غير مرض الموت كالخلع في الصحة
* (مسألة) * (وان خالعها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها لم تستحق أكثر من ميراثها)
أما خلعه لزوجته فلا اشكال في صحته سواء كان بمهر مثلها أو أقل أو أكثر وان أوصى لها بمثل
ميراثها أو أقل صح لأنه لا تهمة في أنه أبانها ليعطيها ذلك فإنه لو لم يبنها لاخذته بميراثها وان أوصى لها
بزيادة عليه فللورثة منعها ذلك لأنه اتهم في أنه قصد ايصال ذلك إليها لأنه لم يكن له سبيل إلى إيصاله
إليها وهي في حباله وطلقها ليوصل ذلك إليها فمنع منه كما لو أوصى لوارث
* (مسألة) * (وان خالعها وحاباها فهو من رأس المال)
مثل أن يخالعها بأقل من مهر مثلها أو يكون قادرا بألف فخالعها بمائة لم يحسب ما حاباها به من الثلث
إذا كان في مرض موته ولا يعتبر من الثلث لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلان يصح بعوض أولى
ولان الورثة لا يفوتهم بخلعه شئ فإنه لو مات وله امرأة لبانت بموته ولم تنتقل إلى ورثته
(فصل) إذا خالع امرأة في مرضها بأكثر من مهرها فللورثة أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها
222

لأنها متهمة في أنها قصدت إيصال أكثر من ميراثه إليه وعند مالك ان زاد على مهر المثل فالزيادة مردودة
وعنه أن خلع المريضة باطل وقال الشافعي الزيادة على مهر المثل محاباة تعتبر من الثلث وقال أبو حنيفة
ان خالعها قبل دخوله بها بعد انقضاء عدتها فالعوض من الثلث ومثال ذلك امرأة اختلعت من زوجها
بثلاثين لا مال لها سواها وصداق مثلها اثنا عشر فله خمسة عشر سواء قل صداقها أو كثر لأنها قدر ميراثه
وعند الشافعي له ثمانية عشر اثنا عشر لأنها قدر صداقها وثلث باقي المال بالمحاباة وهو ستة وإن كان صداقها
ستة فله أربعة عشر لأن ثلث الباقي ثمانية
(فصل) مريض تزوج امرأة على مائة لا يملك غيرها ومهر مثلها عشرة ثم مرضت فاختلعت منه
بالمائة ولا مال لها سواها فلها مهر مثلها ولها شئ بالمحاباة والباقي له ثم يرجع إليه نصف مالها بالمحاباة وهو
خمسة ونصف شئ وصار مع ورثته خمسة وتسعون إلا نصف شئ يعدل شيئين فبعد الجبر يخرج به
الشئ ثمانية فقد صح لها بالصداق والمحاباة ثمانية وأربعون وبقي مع ورثته اثنان وخمسون
ورجع إليه بالخلع أربعة وعشرون فصار معهم ستة وسبعون وبقي للمرأة أربعة وعشرون وعند الشافعي
يرجع إليهم صداق المثل وثلث شئ بالمحاباة فصار بأيديهم مائة إلا ثلث شئ يعدل شيئين فالشئ
ثلاثة أثمانها وهو سبعة وثلاثون ونصف فصار لها ذلك ومهر المثل، رجع إليه مهر المثل وثلث الباقي اثنا
عشر ونصف فيصير بأيدي ورثته خمسة وسبعون وهو مثلا محاباتها وعند أبي حنيفة يرجع إليهم ثلث
223

العشرة وثلث الشئ فصار معهم ثلاثة وتسعون وثلث إلا ثلثي شئ فالشئ ثلاثة أثمانها وهو خمسة
وثلاثون مع العشرة صار لها خمسة وأربعون ورجع إلى الزوج ثلثها صار لورثته سبعون ولورثتها ثلاثون
هذا إذا مات بعد انقضاء عدتها وإن تركت المرأة مائة أخرى فعلى قولنا يبقى مع ورثة الزوج مائة
وخمسة وأربعون إلا نصف شئ يعدل شيئين والشئ خمسا ذلك وهو ثمانية وخمسون وهذا الذي صحت
المحاباة فيه صار لها ذلك وعشرة مهر المثل صار لها مائة وثمانية وستون يرجع إلى الزوج نصفها أربعة
وثمانون صار له مائة وستة عشر ولورثتها أربعة وثمانون
(فصل) ولو خالعته بمحرم وهما كافران فقبضته ثم أسلما أو أحدهما لم يرجع عليها بشئ لأن الخلع
من الكفار جائز سواء كانوا أهل ذمة أو أهل حرب لأن من ملك الطلاق ملك المعاوضة عليه
كالمسلم فإن تخالعا بعوض صحيح ثم أسلما وترافعا إلى الحاكم أمضى ذلك بينهما كالمسلمين وإن كان بمحرم
كخمر وخنزير فقبضته ثم أسلما وترافعا إلينا أو أسلم أحدهما امضى ذلك عليهما ولم يعرض له ولم يزده
ولم يبق له عليها شئ كما لو أصدقها خمرا ثم أسلما أو تبايعا خمرا وتقابضا ثم أسلما وإن كان اسلامهما
أو ترافعهما قبل القبض لم يمضه الحاكم ولم يأمر باقباضه لأن الخمر والخنزير لا يكون عوضا لمسلم أو من
مسلم ولا يأمر الحاكم باقباضه قال القاضي في الجامع ولا شئ له لأنه رضي منها ما ليس بمال كالمسلمين
إذا تخالعا بخمر وقال في المجرد يجب مهر المثل وهو مذهب الشافعي لأن العوض فاسد فرجع إلى قيمة
المتلف وهو مهر المثل وكلام الخرقي يدل بمفهومه على أنه يجب لأن تخصيصه بحالة القبض ينفي الرجوع
224

يدل على الرجوع مع عدم القبض، والفرق بينه وبين المسلم أن المسلم لا يعتقد أن الخمر والخنزير مالا
فإذا رضي به عوضا فقد رضي بالخلع بغير مال فلم يكن له شئ والمشرك يعتقده مالا فلم يرض بالخلع
بغير عوض فيكون العوض واجبا له كما لو خالعها على حر يظنه عبدا أو خمر يظنه خلا. إذا ثبت أنه
يجب له العوض فذكر القاضي أنه مهر المثل كما لو تزوجها على خمر ثم أسلما وعلى ما عللناه به
يقتضي وجوب قيمة ما سمى لها على تقدير كونه مالا فإنه رضي بمالية ذلك فيكون له قدره من المال
كما لو خالعها على خمر يظنه خلا وإن حصل القبض في بعضه دون بعض سقط ما قبض وفيما لم يقبض
الوجوه الثلاثة والأصل فيه قوله تعالى (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)
* (مسألة) * (وإذا وكل الزوج في خلع امرأته مطلقا فخالع بمهرها فما زاد صح وإن نقص من
المهر رجع على الوكيل بالنقص ويحتمل أن يتخير بين قبوله ناقصا وبين رده وله الرجعة وإن عين
له العوض فنقص منه لم يصح الخلع عند ابن حامد وصح عند أبي بكر ويرجع على الوكيل بالنقص)
يصح التوكيل في الخلع من كل واحد من الزوجين ومن أحدهما منفردا وكل من صح أن يتصرف في الخلع
لنفسه صح توكيله ووكالته حرا كان أو عبدا ذكرا أو أنثى مسلما كان أو كافرا محجورا عليه أو رشيدا لأن كل
واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع فصح أن يكون وكيلا وموكلا كالحر الرشيد وهو مذهب الشافعي
وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا. ويكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء: استدعاء الخلع أو الطلاق
وتقدير العوض وتسليمه، وتوكيل الرجل في ثلاثة أشياء: شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق أو الخلع ويجوز
225

التوكيل مع تقدير العوض ومن غير تقدير لأنه عقد معاوضة فصح كذلك كالبيع والنكاح، والمستحب
التقدير لأنه أسلم من الغرر وأسهل على الوكيل لاستغنائه عن الاجتهاد، فإن وكل الزوج لم يخل من
حالين (أحدهما) أن يقدر له العوض فإن خالع به أو بما زاد صح ولزم المسمى لأنه فعل ما أمر به وإن
خالع بأقل منه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الخلع وهو اختيار ابن حامد ومذهب الشافعي لأنه
خالف موكله فلم يصح تصرفه كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى ولأنه لم يؤذن له في الخلع
بهذا العوض فلم يصح منه كالأجنبي (والثاني) يصح ويرجع على الوكيل بالنقص وهذا قول أبي بكر لأن
المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع كحالة الاطلاق والأول أولى. فإن خالف في الجنس مثل أن
يأمره بالخلع على دراهم فيخالع على عبد أو بالعكس أو يأمره بالخلع حالا فخالع على عوض نسيئة
فالقياس أنه لا يصح لأنه مخالف لموكله في جنس العوض فلم يصح كالوكيل في البيع ولان ما خالع به
لا يملكه الموكل لكونه لم يأذن فيه ولا الوكيل لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه، وفارق المخالفة في
القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل، وقال القاضي: القياس أن يلزم الوكيل القدر
الذي أذن فيه ويكون له ما خالع به قياسا على المخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع ولان
هذا خلع لم يأذن فيه الزوج فلم يصح كما لو لم يوكله في شئ ولأنه يفضي إلى أن يملك عوضا ما
ملكته إياه المرأة ولا قصد هو تمليكه وتنخلع المرأة من زوجها بغير عوض لزمها له بغير إذنه، وأما
المخالفة في القدر فلا يلزم فيها ذلك مع أن الصحيح أنه لا يصح فيها أيضا لما تقدم (الحال الثاني)
إذا أطلق الوكالة فإنه يقتضي الخلع بمهرها المسمى حالا من جنس نقد البلد فإن خالع بذلك فما زاد صح
226

لأنه زاده خيرا، وإن خالع بدونه ففيه الوجهان المذكوران فيما إذا قدر له العوض فخالع بدونه، وذكر
القاضي احتمالين آخرين (أحدهما) أن يسقط المسمى ويجب مهر المثل لأنه خالع بما لم يؤذن له فيه
(والثاني) يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصا وبين رده وله الرجعة فإن خالع بغير نقد البلد
فحكمه حكم ما لو عين له عوضا فخالع بغير جنسه وإن خالع الوكيل بما ليس بمال كالخمر والخنزير لم
يصح الخلع ولم يقع الطلاق لأنه غير مأذون له فيه ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي، وسواء
عين له العوض أو أطلق، وذكر في الجامع أن الخلع يصح ويرجع على الوكيل بالمسمى ولا شئ على
المرأة. هذا إذا قلنا إن الخلع بغير عوض يصح وإن قلنا لا يصح لم يصح الا أن يكون بلفظ الطلاق
فيقع طلقة رجعية. واحتج بأن وكيل الزوجة لو خالع بذلك صح فكذلك وكيل الزوج، وهذا القياس
غير صحيح فإن وكيل الزوج إذا خالع على محرم فوت على موكله العوض ووكيل الزوجة يخلصها منه
فلا يلزم من الصحة في موضع يخلص موكله من وجوب العوض عليه الصحة في موضع يفوته عليه
الا ترى أن وكيل الزوجة لو صالح بدون العوض الذي قدر له به صح ولزمها ولو خالع وكيل الزوج
بدون العوض الذي قدره له لم يصح
* (مسألة) * (وان وكلت المرأة في خلعها فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح وان زاد
لم يصح ويحتمل أن يصح وتبطل الزيادة)
227

متى خالع وكيل المرأة بما عينته له فما دونه صح ولزمها ذلك لأنه زادها خيرا وان خالعها بأكثر
منه صح ولم تلزمها الزيادة لأنها لم تأذن فيها ولزم الوكيل لأنه التزمة للزوج فلزمه الضمان كالمضارب
إذا اشترى من يعتق على رب المال، وقال القاضي في المجرد عليها مهر مثلها ولا شئ على وكيلها لأنه
لا يقبل العقد لنفسه إنما يقبله لغيره ولعل هذا مذهب الشافعي، والأولى أنه لا يلزمها أكثر مما بذلته
لأنها ما التزمت أكثر منه ولا وجد منها تغرير للزوج ولا ينبغي أن يجب للزوج أيضا أكثر مما بذل
له الوكيل لأنه رضي بذلك عوضا وهو عوض صحيح معلوم فلم يكن له أكثر منه أشبه ما لو بذلته
المرأة فإن أطلقت الوكالة اقتضى خلعها بمهرها من جنس نقد البلد فإن خالعته بمهرها فما دون صح
ولزمها وان خالعته بأكثر منه فهو كما لو خالع بأكثر مما قدرت له على ما مضى من القول فيه
* (مسألة) * (وإن تخالعا تراجعا بما بينهما من الحقوق وعنه أنها تسقط)
إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق، فإن كان قبل الدخول
فلها نصف المهر فإن كانت قبضته ردت نصفه وإن كانت مفوضة فلها المتعة، وهذا قول عطاء والنخعي
والزهري والشافعي، وقال أبو حنيفة ذلك براءة لكل واحد منهما مما لصاحبه عليه من المهر، وأما
الديون التي ليست من حقوق الزوجية، فعنه فيها روايتان ولا تسقط النفقة في المستقبل، لأنها ما وجبت بعد.
228

ولنا أن المهر حق لا يسقط بلفظ الطلاق فلا يسقط بلفظ الخلع كسائر الديون ونفقة العدة
إذا كانت حاملا، ولان نصف المهر الذي يصير له لم يجب له قبل الخلع فلم يسقط بالمبارأة كنفقة العدة
والنصف لها لا تبرأ منه بقوله بارأتك لأن ذلك يقتضي براءتها من حقوقه لا براءته من حقوقها،
وعنه أنها تسقط كمذهب أبي حنيفة
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا قال خالعتك بألف فأنكرته وقالت إنما خالعت غيري
بانت باقراره والقول قولها مع يمينها في العوض لأنها منكرة وان قالت نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف
لأنها أقرت بها ولا يلزم الغير شئ الا أن يقر به، فإن ادعته المرأة وانكره الزوج فالقول قوله كذلك
ولا يستحق عليها عوضا لأنه لا يدعيه.
* (مسألة) * (وان اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله فالقول قولها وكذلك ان اختلفا
في صفة) حكاه أبو بكر نصا عن أحمد
وهو قول مالك وأبي حنيفة وعنه أن القول قول الزوج. حكاها القاضي عن أحمد لأن البضع يخرج
عن ملكه فكان القول قوله في عوضه كالسيد مع مكاتبه، وقال الشافعي يتحالفان لأنه اختلاف في
عوض فيتحالفان فيه كالمتبايعين إذا اختلفا في الثمن
ولنا أنه أحد نوعي الخلع فكان القول قول المرأة كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره، ولأن المرأة
منكرة للزائد في القدر أو الصفة فكان القول قولها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى عليه "
وأما التحالف في البيع فيحتاج إليه لفسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا ينفسخ
(فصل) فإن قال سألتني طلقة بألف فقالت بل سألتك ثلاثا بألف فطلقتني واحدة، بانت
باقراره والقول قولها في سقوط العوض، وعند أكثر الفقهاء يلزمها ثلث الألف بناء على أصلهم
229

فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أنه يلزمها ثلث الألف وان خالعها على الف فادعى انها
دنانير فقالت بل هي دراهم فالقول قولها لما ذكرنا في أول الفصل، وان قال أحدهما كانت دراهم
قراضة وقال الآخر مطلقة فالقول قولها الا على الرواية التي حكاها القاضي فإن القول قول الزوج
في هاتين المسئلتين، وان اتفقا على الاطلاق لزمه من غالب نقد البلد، وان اتفقا على أنهما أرادا دراهم
قراضة لزمها ما اتفقا عليه، وان اختلفا في الإرادة كان حكمها حكم المطلقة يرجع إلى غالب نقد البلد.
وقال القاضي إذا اختلفا في الإرادة وجب المهر المسمى في العقد لأن اختلافهما يجعل البدل مجهولا
فيجب المسمى في النكاح والأول أصح لأنهما لو أطلقا لصحت التسمية ووجب الف من غالب نقد
البلد ولم يكن اطلاقهما جهالة تمنع صحة العوض فكذلك إذا اختلفا، ولأنه يجيز العوض المجهول إذا
لم تكن جهالته تزيد على جهالة مهر المثل كعبد مطلق والجهالة ههنا أقل فالصحة أولى
* (مسألة) * (وان علق طلاقها بصفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة
طلقت نص عليه ويتخرج أن لا تطلق بناء على الرواية في العتق واختاره أبو الحسن التميمي، وان
لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة)
مثال ذلك إذا قال إن كلمت أباك فأنت طالق ثم أبانها ثم تزوجها فكلمت أباها فإنها تطلق
نص عليه أحمد، فأما ان وجدت الصفة في حال البينونة ثم تزوجها ثم وجدت مرة أخرى فظاهر
230

المذهب أنها تطلق، وعن أحمد ما يدل على أنها لا تطلق، نص عليه في العتق في رجل قال لعبده أنت
حر ان دخلت الدار فباعه ثم رجع يعني فاشتراه فإن رجع وقد دخل الدار لم يعتق، وان لم يكن
دخل فلا يدخل إذا رجع إليه فإن دخل عتق، فإذا نص في العتق على أن الصفة لا تعود وجب أن
يكون في الطلاق مثله بل أولى، لأن العتق يتشوف الشرع إليه ولذلك قال الخرقي إذا قال إن تزوجت
فلانة فهي طالق لم تطلق ان تزوجها، ولو قال إن ملكت فلانا فهو حر فملكه صار حرا وهذا اختيار
أبي الحسن التميمي، وأكثر أهل العلم يرون أن الصفة لا تعود إذا أبانها بطلاق ثلاث، وان لم توجد
في حال البينونة، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق
ثلاثا ان دخلت الدار فطلقها ثلاثا ثم نكحت غيره ثم نكحها الحالف ثم دخلت الدار لا يقع عليها
الطلاق وهذا مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأن اطلاق الملك يقتضي ذلك فإن أبانها دون
الثلاث فوجدت الصفة ثم تزوجها انحلت يمينه في قولهم وان لم توجد الصفة في البينونة ثم نكحها لم تنحل
في قول مالك وأصحاب الرأي وأحد أقوال الشافعي، وله قول آخر لا تعود الصفة بحال وهو اختيار
231

المزني وأبي إسحاق لأن الايقاع وجد قبل النكاح فلم يقع كما لو علقه بالصفة قبل أن يتزوج بها فإنه
لا خلاف في أنه لو قال لأجنبية أنت طالق إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخلت الدار لم تطلق وهذا
في معناه، فاما إذا وجدت الصفة في حال البينونة انحلت اليمين لأن الشرط وجد في وقت لا يمكن وقوع
الطلاق فيه فسقطت اليمين، وإذا انحلت مرة لم يمكن عودها الا بعقد جديد
ولنا أن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح فيقع كما لو لم يتخلله بينونة أو كما لو بانت بما دون
الثلاث عند مالك وأبي حنيفة ولم تفعل الصفة، وقولهم ان هذا طلاق قبل نكاح قلنا يبطل بما إذا لم يكمل
الثلاث، وقولهم تنحل الصفة بفعلها قلنا إنما تنحل بفعلها على وجه يحنث به وذلك لأن اليمين حل وعقد
ثم ثبت ان عقدها يفتقر إلى الملك فكذلك حلها والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال بينونتها فلا تنحل
اليمين به، وأما العتق ففيه روايتان
(إحداهما) انه كالنكاح في أن الصفة لا تنحل بوجودها بعد بيعه فيكون كمسئلتنا
(والثانية) تنحل لأن الملك الثاني لا ينبني على الأول في شئ من أحكامه، وفارق النكاح فإنه
ينبني على الأول في بعض أحكامه وهو عدد الطلاق فجاز أن ينبني عليه في عود الصفة، ولان هذا يفعل
حيلة على ابطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فإن ابن ماجة وابن بطة رويا باسناديهما
عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال قوم يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته قد طلقتك،
232

قد راجعتك قد طلقتك " وفي لفظ رواه ابن بطة " خلعتك وراجعتك " وروى باسناده عن أبي هريرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل "
(فصل) فإن كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني مثل ان قال إن أكلت هذا الرغيف فأنت
طالق ثلاثا، ثم أبانها ثم أكلته ثم نكحها لم يحنث لأن حنثه بوجود الصفة في النكاح الثاني وما وجدت
ولا يمكن ايقاع الطلاق بأكلها له حال البينونة لأن الطلاق لا يلحق البائن والله أعلم.
* (كتاب الطلاق) *
وهو حل قيد النكاح وهو مشروع والأصل في مشروعية الكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب
فقوله تعالى (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وقال سبحانه (يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء فطلقوهن لعدتهن) وأما السنة فروى ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر
ثم إن شاء أمسك بعد وان شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء "
متفق عليه في آي وأخبار سوى هذين كثير وأجمع الناس على جواز الطلاق والعبرة دالة على
233

جوازه فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة واضرارا مجردا بالزام
الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع
ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه
* (مسألة) * (ويباح عند الحاجة ويكره من غير حاجة وعنه أنه يحرم، ويستحب إذا كان
بقاء النكاح ضررا)
الطلاق على خمسة أضرب (واجب) وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفئة وطلاق الحكمين
في الشقاق إذا رأيا ذلك (والثاني) مكروه وهو الطلاق من غير حاجة إليه لأنه مزيل للنكاح المشتمل
على المصالح المندوب إليها فيكون مكروها وقال القاضي فيه روايتان (إحداهما) أنه محرم لأنه ضرر بنفسه
وزوجته واعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه فكان حراما كاتلاف المال ولقول النبي صلى الله عليه وسلم
" لا ضرر ولا اضرار " (والثانية) أنه مباح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " وفي
لفظ " ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " رواه أبو داود (والثالث) مباح وهو عند الحاجة إليه
لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر منها من غير حصول الغرض بها (والرابع) مندوب إليه وهو
عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه اجبارها عليها أو يكون
له امرأة غير عفيفة قال أحمد لا ينبغي له امساكها وذلك لأن فيه نقصا في دينه ولا يأمن افسادها فراشه
234

والحاقها به ولدا من غيره ولا بأس بعضلها في هذه الحال في التضييق عليها لتفتدي منه قال الله تعالى (ولا
تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا أن يأتين بفاحشة مبينة)
ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق وفي الحال
التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر (والخامس) المحظور وهو طلاق الحائض أو في طهر
أصابها فيه وقد أجمع العلماء في جميع الأمصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة
وترك أمر الله ورسوله. قال الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن شاء طلق قبل أن
يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " وفي لفظ رواه الدارقطني باسناده عن ابن عمر أنه
طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال " يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله انك أخطأت السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل
قرء " ولأنه إذا طلق في الحيض طول العدة عليها فإن الحيضة التي طلق فيها لا تحسب من عدتها ولا
الطهر الذي بعدها عند من يجعل الأقراء الحيض وإذا طلق في طهر أصابها فيه لم يأمن من أن تكون
حاملا فيندم وتكون مرتابة أتعتد بالحمل أو الأقراء؟
* (مسألة) * (ويصح من الزوج العاقل البالغ المختار ومن الصبي العاقل وعنه لا يصح حتى يبلغ)
235

أما صحة الطلاق من الزوج العاقل المختار فلا نعلم فيه خلافا لأنه عقد معاوضة فصح منه كالبيع، وأما
الصبي فإن لم يعقل فلا طلاق له بغير خلاف وأما الذي يعقل الطلاق ويعلم أن زوجته تبين منه وتحرم
عليه فأكثر الروايات عن أحمد أن طلاقه يقع، وذكره الخرقي واختاره أبو بكر وابن حامد وروي نحو
ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي وإسحاق وروى أبو طالب عن أحمد لا يجوز
طلاقه حتى يحتلم وهو قول النخعي والزهري ومالك وحماد والثوري وأبي عبيد وذكر أبو عبيد أنه قول
أهل العراق وأهل الحجاز وروي ذلك عن ابن عباس لقول النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن الصبي حتى
يحتلم " ولأنه غير مكلف فلم يقع طلاقه كالمجنون ووجه الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ
بالساق - وقوله - كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله " وروي عن علي رضي الله عنه
قال: اكتموا الصبيان النكاح فيفهم أن فائدته أن لا يطلقوا. ولأنه طلاق من عاقل صادف محل
طلاق فأشبه طلاق البالغ
(قصل) وأكثر الروايات عن أبي عبد الله تحديد من يقع طلاقه من الصبيان بكونه يعقل وهو اختيار
القاضي وروى أبو الحارث عن أحمد إذا عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين عشر إلى اثنتي عشرة وهذا
يدل على أنه لا يقع دون العشر وهو اختيار أبي بكر لأن العشر حد الضرب على الصلاة والصيام وصحة
الوصية فكذلك هذا وعن سعيد بن المسيب إذا احصى الصلاة وصام رمضان جاز طلاقه وقال عطاء
236

إذا بلغ أن يصيب النساء وعن الحسن إذا عقل وحفظ الصلاة وصام رمضان وقال إسحاق إذا
جاز اثنتي عشرة.
(فصل) ومن أجاز طلاقه اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره وقد أومأ إليه فقال في
رجل قال لصبي طلق امرأتك فقال قد طلقتك ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق قيل له فإن كانت
له زوجة صبية فقالت له صير أمري إلي فقال لها أمرك بيدك فقالت قد اخترت نفسي؟ فقال أحمد ليس شيئا حتى
يكون مثلها يعقل الطلاق، وقال أبو بكر لا يصح أن يوكل حتى يبلغ، وحكاه عن أحمد
ولنا أن من صح تصرفه في شئ مما تجوز الوكالة فيه بنفسه صح توكيله ووكالته فيه كالبالغ وما روي
عن أحمد من منع ذلك فهو على الرواية التي لا تجيز طلاقه وتأنى إن شاء الله تعالى
(فصل) فأما السفيه فيقع طلاقه في قول أكثر أهل العلم منهم القاسم بن محمد ومالك والشافعي وأبو
حنيفة وأصحابه ومنع منه عطاء والأولى صحته لأنه مكلف مالك لمحل الطلاق فوقع طلاقه كالرشيد
والحجر عليه في ماله لا يمنع من التصرف في غير ما هو محجور عليه فيه كالمفلس
* (مسألة) * (ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم لم يقع طلاقه)
أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو ما في معناه لا يقع طلاقه كذلك قال عثمان وعلي
وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشعبي وقتادة وأبو قلابة والزهري ويحيى الأنصاري ومالك
237

والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأجمعوا على أن الرجل في حال نومه أنه لا طلاق له وقد ثبت
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون
حتى يعقل " وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب
على عقله " رواه البخاري وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث عطاء عن ابن عجلان وهو ذاهب
الحديث وروي عن علي باسناده مثل ذلك ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال
بجنون أو اغماء أو شرب دواء أو اكراه على شرب الخمر أو شرب ما يزيل عقله أو لم يعلم أنه مزيل
للعقل فكل هذا يمنع وقوع الطلاق رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافا
* (مسألة) * وإن كان بسبب لا يعذر فيه كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ففي صحة طلاقه
روايتان وكذا يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وايلائه)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في طلاق السكران فروي عنه أنه يقع اختارها أبو بكر الخلال
والقاضي وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي والحكم
ومالك والأوزاعي والشافعي وابن شبرمة وأبي حنيفة وصاحبيه وسليمان بن حرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم
" كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه " ومثل هذا عن علي ومعاوية وابن عباس، قال ابن عباس طلاق
السكران جائز ان ركب معصية من معاصي الله نفعه ذلك ولان الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد
238

بالقذف بدليل ما روى أبو وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد وعنده عثمان وعلي
وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت ان خالدا يقول إن الناس انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة قال عمر
هؤلاء عندك فسلهم فقال علي نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر
أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي ولأنه ايقاع طلاق من مكلف غير مكره صادق ملكه فوجب
أن يقع كطلاق الصاحي ويدل على تكليفه أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون (والثانية)
لا يقطع طلاقه اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان رضي الله عنه ومذهب عمر بن عبد العزيز
والقاسم وطاوس وربيعة ويحيي الأنصاري والليث والعنبري وإسحاق وأبي ثور والمزني قال ابن المنذر
هذا ثابت عن عثمان لا نعلم أحدا من الصحابة خالفه وقال أحمد حديث عثمان أرفع شئ فيه وهو أصح
يعني من حديث علي وحديث الأعمش عن منصور ولا يرفعها علي ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم
ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره ولان العقل شرط التكليف إذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهي
ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل أن من كسر
ساقه جاز له أن يصلي قاعدا ولو ضربت المرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة ولو ضربت رأسه
فجن سقط التكليف وحديث أبي هريرة لا يثبت وأما قتله وقذفه وسرقته فهو كمسئلتنا
239

(فصل) والحكم في عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته واقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم في
طلاقه لأن المعنى في الجميع واحد وقد روي عن أحمد بيعه وشرائه الروايتان وسألته ابن منصور
إذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو اشترى أو باع فقال أخبر عنه لا يصح من أمر السكران
شئ وقال أبو عبد الله بن حامد حكم السكران حكم الصاحي فيما له وفيما عليه أما في ماله وعليه كالبيع
والنكاح والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شئ وقد أومأ إليه أحمد والأولى أن ماله أيضا لا يصح
منه لأن تصحيح تصرفاته مما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح له وكذلك الحكم فيمن
شرب أو أكل ما يزيل عقله لغير حاجة وهو يعلم قياسا على السكران في وقوع طلاقه وبهذا قال أصحاب
الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة لا يقع طلاقه لأنه لا يلتذ بشربها
ولنا أنه زال عقله فأشبه السكران
(فصل) وحد السكر الذي يقع الخلاف في صاحبه هو الذي يجعله يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه
من رداء غيره وفعله من فعل غيره ونحو ذلك لأن الله تعالى قال (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة
وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول وروي عن عمر رضي الله
240

عنه أنه قال: استقرئوه القرآن أو ألقوا رداءه في الأردية فإن قرأ أم القرآن أو عرف رداءه والا
فأقم عليه الحد ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى لأن ذلك لا يخفى على
المجنون فغيره أولى.
(فصل) في المغمى عليه إذا طلق فلما أفاق وعلم أنه كان أغمي عليه وهو ذاكر لذلك فقال إذا
كان ذاكرا لذلك فليس هو مغمى عليه فقال أحمد يجوز طلاقه وقال في رواية أبي طالب في المجنون
يطلق فقيل له لما أفاق انك طلقت امرأتك فقال ما أنا أذكر اني طلقت ولم يكن عقلي معي فقال إذا كان
يذكر أنه طلق فقد طلقت فلم يجعله مجنونا إذا كان يذكر الطلاق ويعلم به. قال شيخنا وهذا والله أعلم
فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه، فأما من كان جنونه لنشاف أو كان متبرسما فإن
ذلك يسقط حكم تصرفه مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكره للطلاق إن شاء الله تعالى
* (مسألة) * (ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه)
لا تختلف الرواية عن أحمد ان طلاق المكره لا يقع روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس
241

وابن الزبير وجابر بن سمرة وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد وشريح
وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز وابن عمر وأيوب السختياني ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق
وأبو ثور وأبو عبيد واجازه أبو قلابة والشعبي والنخعي والزهري والثوري وأبو حنيفة وصاحباه لأنه
طلاق من مكلف في محل يملكه فنفذ كطلاق غير المكره. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله وضع عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجة وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
" لا طلاق في اغلاق " رواه أبو داود وقال أبو عبيد والقتيبي معناه في اكراه، وقال أبو بكر سألت
ابن دريد وأبا طاهر النحويين فقالا يريد الاكراه لأنه إذا أكره انغلق عليه رأيه، ويدخل في هذا المعنى
المبرسم والمجنون ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون اجماعا ولأنه قول
حمل عليه بغير حق فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر إذا أكره عليها
(فصل) وإن كان الاكراه بحق كاكراه الحاكم المولي على الطلاق بعد التربض إذا لم بقئ
أو اكراهه الرجلين اللذين زوجهما الوليان ولم يعلم السابق منهما على الطلاق فإنه يقع لأنه قول حمل
عليه لحق فصح كاسلام المرتد إذا أكره عليه، ولأنه إنما جاز اكراهه على الطلاق ليقع طلاقه
فلو لم يقع لم يحصل المقصود.
242

* (مسألة) * (وإن هدده بالقتل وأخذ المال ونحوه قادر يغلب على ظنه وقوع ما هدده به فهو
اكراه، وعنه لا يكون مكرها حتى يناله شئ من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق واختاره
الخرقي) أما إذا نيل بشئ من العذاب كالضرب والخنق والعصر والحبس والغط في الماء مع الوعيد
فإنه يكون اكراها بلا اشكال لما روي أن المشركين أخذوا عمارا فأرادوه على الشرط فأعطاهم فأتى
إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول " أخذك المشركون فغطوك في الماء
وأمروك أن تشرك بالله ففعلته، فإن أخذوك مرة أخرى فافعل ذلك بهم " رواه أبو حفص باسناده
وقال عمر رضي الله عنه ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته وهذا يقتضي
وجود فعل يكون به إكراها.
فاما الوعيد بمفرده فعن أحمد فيه روايتان (إحداها) ليس باكراه لأن الذي ورد الشرع
بالرخصة معه هو ما ورد في حديث عمار وفيه " إنهم أخذوك فغطوك " فلا يثبت الحكم إلا فيما كان
مثله (والثانية) أن الوعيد بمفرده اكراه قال في رواية ابن منصور حد الاكراه إذا خاف القتل
أو ضربا شديدا، وهذ قول أكثر الفقهاء وبه يقول أبو حنيفة والشافعي لأن الاكراه لا يكون
243

إلا بالوعيد الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه ولا يخشى من وقوعه وإنما أبيح له
فعل المكروه عليه دفعا لما يتوعد به من العقوبة فيما بعد وهو في الموضعين واحد لأنه متى توعد بالقتل
وعلم أنه يقتله فلم يبح له فعل ما أفضى إلى قتله وافضاؤه بيده إلى التهلكة ولا يفيد ثبوت الرخصة
بالاكراه شيئا لأنه إذا طلق في هذه الحال وقع طلاقه فيصل المكره إلى مراده ويقع الضرر
بالمكره وثبوت الاكراه في حق من نيل بشئ من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره.
وقد روي عن عمر في الذي تدلى يشتار عسلا فوقفت امرأته على الحبل وقالت طلقني ثلاثا والا
قطعته، فذكرها الله والاسلام فقالت لتفعلن أو لأفعلن، فطلقها ثلاثا فردها إليه. رواه سعيد
باسناده وهذا كان وعيدا.
(فصل) ومن شرط الاكراه ثلاثة أمور (أحدها) أن يكون قادرا بسلطان أو تغلب كاللص ونحوه.
وحكي عن الشعبي ان أكرهه النص لم يقع طلاق، وان أكرهه السلطان وقع. وقال ابن عيينة لأن
اللص يقتله. وعموم ما ذكرناه في دليل الاكراه يتناول الجميع، والذين أكرهوا عمارا لم يكونوا
لصوصا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ان عادوا فعد " لأنه اكراه فمنع وقوع الطلاق كاكراه اللص
244

(الثاني) أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به ان لم يجبه إلى ما طلبه.
(الثالث) أن يكون فيما يستضر به ضررا كبيرا كالقتل والضرب الشديد والحبس والقيد
الطويلين، فأما السب والشتم فليس باكراه رواية واحدة وكذلك أخذ المال اليسير. فأما الضرب
اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به فليس باكراه، وإن كان في حق ذوي المروءات على وجه
يكون اخراقا لصاحبه وغضا له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره، وان توعد بتعذيب
ولده فقد قيل ليس باكراه لأن الضرر لا حق بغيره والأولى أن يكون اكراها لأن ذلك أعظم عنده
من أخذ ماله والوعيد بذلك اكراه فكذلك هذا.
(فصل) فإن أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها وقع لأنه غير مكره عليه وان أكره على طلقة
فطلق ثلاثا وقع أيضا لأنه لم يكره على الثلاث، وان طلق من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها دونها
وان خلصت نيته في الطلاق دون دفع الاكراه وقع لأنه قصده واختاره ويحتمل أن لا يقع لأن
اللفظ مرفوع عنه فلا يبقى الا مجرد النية فلا يقع بها طلاق، وان طلق ونوى بقلبه غير امرأته وتأول
في يمينه فله تأويله ويقبل قوله في نيته لأن الاكراه دليل على تأويله، وان لم يتأول وقصدها بالطلاق
لم يقع لأنه معذور. وذكر أصحاب الشافعي وجها أنه يقع لأنه لا يكره على نيته
245

ولنا أنه مكره عليه لعموم ما ذكرنا من الأدلة ولأنه قد لا يحضره التأويل في تلك الحال فتفوت الرخصة
* (مسألة) * (ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا)
واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته
ولنا أنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فجاز أن ينفذ في العقد الفاسد إذا لم يكن في نفوذه
اسقاط حق الغير ولأنه عقد يسقط الحد ويثبت النسب والعدة والمهر أشبه الصحيح، ووجه قول أبي
الخطاب أنه ليس بعقد صحيح ولم يثبت به النكاح فلم يقع فيه الطلاق كالمتفق على بطلانه فإن اعتقد
صحته وقع فيه الطلاق كالمتفق على صحة.
* (مسألة) * (وإذا وكل في الطلاق من يصح توكيله صح طلاقه)
لأنه إزالة ملك فصح التوكيل فيه كالعتق ولا يصح التوكيل إلا للبالغ العاقل، فاما الطفل والمجنون
فلا يصح توكيلهما فإن فعل فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه، وقال أصحاب الرأي يقع
ولنا أنهما ليسا من أهل التصرف فلا يصح تصرفهم كما لو وكلهم في العتق، وإن وكل كافرا أو
عبدا صح لأنهما ممن يصح طلاقه لنفسه فصح توكيلهما فيه، وان وكل امرأة صح لأنه يصح توكيلها
246

في العتق فصح في الطلاق كالرجل فإنه جعله في يد صبي يعقل الطلاق انبنى ذلك على صحة طلاقه
لزوجته وقد مضى ذلك، وقد نص أحمد ههنا على اعتبار وكالته بطلاقه فقال إذا قال لصبي طلق
امرأتي ثلاثا فطلقها ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق أرأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها
أكان يجوز طلاقه؟ فاعتبر طلاقه بالوكالة بطلاقه لنفسه وهكذا لو جعل أمر الصغيرة والمجنونة بيدها
لم تملك ذلك، نص عليه أحمد في امرأة صغيرة قال لها أمرك بيدك فقالت اخترت نفسي، ليس
بشئ حتى يكون مثلها يعقل لأنه تصرف بحكم التوكيل وليس من أهل التصرف، فظاهر كلام أحمد
هذا أنها إذا عقلت الطلاق وقع طلاقها وان لم تبلغ كما قررناه في الصبي، وفيه رواية أخرى أن الصبي
لا يصح طلاقه حتى يبلغ فكذلك يخرج في هذه لأنها مثله في المعنى
* (مسألة) * (وله أن يطلق متى شاء إلا أن يحل له حدا)
لأن الفظ التوكيل يقتضي ذلك لكونه توكيلا مطلقا فأشبه التوكيل في البيع الا أن يحد له حدا
فيكون على ما أذن له لأن الامر إلى الموكل في ذلك لكون الحق له والوكيل نائبة فتنسب له الوكالة
على ما يقتضيه لفظ الموكل، إن كان لفظه عاما اقتضى العموم، وإن كان خاصا اقتضى ذلك
247

* (مسألة) * (ولا يطلق أكثر من واحدة الا أن يجعل ذلك إليه)
لأن الامر المطلق يتناول ما يقع عليه الاسم الا أن يجعل أكثر من واحدة بلفظه أو نيته، نص
عليه لأنه نوى بكلامه ما يحتمله والقول قوله في نيته لأنه أعلم بها.
* (مسألة) * (فإن وكل اثنين صح وليس لأحدهما أن يطلق على الانفراد الا أن يجعل ذلك إليه)
ولأنه إنما رضي بتصرفهما جميعا وبهذا قال الحسن ومالك والثوري والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر
فإن أذن لأحدهما في الانفراد صح لأن الحق له
(فصل) فإن وكلهما في ثلاث فطلق أحدهما أكثر من الآخر مثل أن يطلق أحدهما واحدة
والآخر ثلاثا فتقع واحدة وبهذا قال إسحاق، وقال الثوري لا يقع بشئ
ولنا أنهما طلقا جميعا واحدة مأذونا فيها فصح كما لو جعل إليهما واحدة وان طلق أحدهما اثنتين
والآخر ثلاثا وقع اثنتان لأنهما اجتمعا عليهما.
* (مسألة) * (وان قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل فإن نوى عددا فهو على ما نوى
وان طلق من غير نية لم يملك الا واحدة)
248

لأن الامر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم، وكذلك الحكم لو وكل أجنبيا فقال طلق
زوجتي فالحكم على ما ذكرناه.
قال أحمد لو قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا فهي ثلاث وإن كان
نوى واحدة لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثا فأيهما نواه فقد نوى بلفظ ما احتمله وان لم ينو تناول
اليقين فإن طلقت نفسها أو طلقها الوكيل في المجلس أو بعده وقع الطلاق لأنه توكيل
وقال القاضي إذا قال لامرأته طلقي نفسك تقيد بالمجلس لأنه تفويض للطلاق إليها فتقيد بالمجلس
كقوله اختاري. ولنا أنه توكيل في الطلاق فكان على التراخي كتوكيل الأجنبي وكقوله أمرك
بيدك وفارق اختاري فإنه تخيير وينتقض ما ذكره بقوله أمرك بيدك فإن قال طلقي ثلاثا فطلقت واحدة
وقع، نص عليه، وقال مالك لا يقع شئ لأنها لم تمثل أمره.
ولنا أنها ملك ايقاع ثلاث فملكت ايقاع واحدة كالموكل ولأنه لو قال وهبتك هؤلاء العبيد
249

الثلاثة فقال قبلت واحدا منهم صح كذا ههنا، وان قال طلقي واحدة فطلقت ثلاثا وقعت واحدة
نص عليه أيضا وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يقع شئ لأنها لم تأت بما يصلح قبولا
فلم يصح كما لو قال بعتك نصف هذا العبد فقال قبلت البيع في جميعه
ولنا أنها أوقعت طلاقا مأذونا فيه وغيره فوقع المأذون فيه دون غيره كما لو قال طلقي نفسك فطلقت
نفسها وضرائرها فإن قال طلقي فقالت أنا طالق ان قدم زيد لم يصح لأن إذنه انصرف إلى المنجز فلم
يتناول المعلق على شرط وحكم توكيل الأجنبي في الطلاق كحكمها فيما ذكرناه كله
(فصل) نقل عنه أبو الحارث إذا قال طلقي نفسك طلاق السنة فقالت قد طلقت نفسي ثلاثا هي
واحدة وهو أحق برجعتها إنما كان كذلك لأن التوكيل بلفظ يتناول أقل ما يقع عليه اللفظ وهو طلقة واحدة
وسيما وطلاق السنة في الصحيح واحدة في طهر لم يصبها
* (مسألة) * (وان قال اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنتين)
لأن لفظه يقتضي ذلك لأن من للتبعيض فلم يكن لها استيعاب الجميع والله أعلم
250

باب سنة الطلاق وبدعته
والسنة في الطلاق أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها
يعني طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى
(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وفي حديث عبد الله بن عمر الذي ذكرناه ولا خلاف
في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه واحدة ثم تركها حتى تنقضي عدتها أنه مصيب للسنة مطلق للعدة
التي أمر الله بها قاله ابن عبد البر وابن المنذر قال ابن مسعود طلاق السنة أن يطلقها من غير جماع،
وقال في قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) قال طاهرا من غير جماع ونحوه عن ابن عباس، وفي حديث
ابن عمر الذي رويناه " ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثمم ان شاء أمسك وان شاء طلق قبل أن يمس
فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " وقوله ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فمعناه أن لا يتبعها
طلاقا آخر قبل انقضاء عدتها، ولو طلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار كان حكم ذلك حكم جميع الثلاث في طهر
واحد. قال احمد طلاق السنة واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض وبذلك قال مالك والأوزاعي
والشافعي وأبو عبيد، وقال أبو حنيفة والثوري السنة أن يطلقها ثلاثا في كل قرء طلقة وهو قول سائر
251

الكوفيين واحتجوا بحديث ابن عمر حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم راجعها ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض
ثم تطهر قالوا وإنما أمره بامساكها في هذا الطهر لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل فإذا مضى
ومضت الحيضة التي بعده أمره بطلاقها، وقوله في حديثه الآخر والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل
قرء، وروى النسائي باسناده عن عبد الله قال: طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر في غير جماع
فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك
ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يطلق أحد للسنة فيندم رواه الأثرم وهذا لا يحصل
الا في حق من لم يطلق ثلاثا، وقال ابن سيرين ان عليا كرم الله وجهه قال لو أن الناس أخذوا بما
أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض
ثلاثا فمتى شاء راجعها رواه البخاري باسناده: وروي ابن عبد البر عن ابن مسعود أنه قال: طلاق
السنة أن يطلقها وهي طاهر ثم يدعها حتى تنقضي عدتها أو يراجعها إن شاء. فأما حديث ابن عمر الأول
فلا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه جمع الثلاث، وأما حديثه الآخر فيحتمل أن يكون ذلك بعد ارتجاعها
ومتى ارتجع بعد الطلقة ثم طلقها كان للسنة على كل حال، حتى قال أبو حنيفة لو أمسكها بيده لشهوة ثم والى
252

بين الثلاث كان مصيبا للسنة لأن يكون مرتجعا والمعنى فيه أنه إذا ارتجعها سقط حكم الطلقة الأولى
فصارت كأنها لم توجد ولا تغني به عن الطلقة الأخرى إذا احتاج إلى فراق امرأته بخلاف ما إذا لم
يرتجعها فإنه مستغن عنها لافضائها إلى مقصوده من ابانتها فافترقا ولان ما ذكروه ارداف طلاق من غير
ارتجاع فلم يكن للسنة كجمع الثلاث
* (مسألة) * (وإن طلق المدخول بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع
طلاقه في قول عامة أهل العلم)
قال ابن المنذر وابن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال، وحكاه أبو نصر عن
ابن علية وهشام بن الحكم والشيعة قالوا لا يقع طلاقه لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة فإذا طلق في
غيره لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بايقاعه في غيره
ولنا حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها وفي رواية الدارقطني
قال: قلت يا رسول الله أفرأيت لو أني طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال " لا كانت تبين
منك وتكون معصية " وقال نافع وكان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقه وراجعها كما أمره
253

رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر قال قلت لابن عمر أتعتد عليه أو تحتسب عليه؟
قال نعم أرأيت إن عجز واستحمق وكلها أحاديث صحاح ولأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق فوقع
كطلاق الحامل ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فايقاعه
في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له أما غير الزوج فلا يملك الطلاق والزوج يملكه بملك محله
* (مسألة) * (تستحب رجعتها وعنه أنها واجبة)
إنما استحبت مراجعتها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها وأقل أحوال الامر الاستحباب ولأنه بالرجعة
يزيل المعنى الذي حرم الطلاق ولا يجب في ظاهر المذهب وهو قول الثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى
والشافعي وأصحاب الرأي وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أن الرجعة تجب واختارها وهو قول مالك
وداود لأن ظاهر الامر الوجوب ولان الرجعة تجري مجرى استيفاء النكاح واستيفاؤه ههنا واجب
بدليل تحريم الطلاق لأن الرجعة امساك للزوجة بدليل قوله تعالى (فأمسكوهن بمعروف) فوجب
ذلك كامساكها قبل الطلاق، وقال مالك وداود يجبر على رجعتها. قال أصحاب مالك يجبر على رجعتها
254

ما دامت في العدة الا أشهب قال ما لم تطهر ثم تحيض ثم تطهر لأنه لا تجب عليه امساكها في تلك الحال
فلا تجب عليه رجعتها فيه.
ولنا أنه طلاق لا يرتفع بالرجعة فلا تجب عليه الرجعة فيه كالطلاق في طهر أصابها فيه فإنهم أجمعوا
على أن الرجعة لا تجب حكاه ابن عبد البر عن جميع العلماء وما ذكروه من المعنى ينتقض بهذه الصورة
والامر بالرجعة محمول على الاستحباب لما ذكرنا
(فصل) فإذا راجعها وجب امساكها حتى تطهر ويستحب أن يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى
ثم تطهر على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر الذي رويناه، قال ابن عبد البر ذلك من وجوه
عند أهل العلم منها أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها الا بالوطئ لأنه المعني من النكاح ولا يحصل الوطئ
إلا في الطهر فإذا وطئها حرم طلاقها فيه حتى تحيض ثم تطهر فاعتبرنا مظنة الوطئ ومحله لا حقيقته
ومنها أن الطلاق كره في الحيض لتطويل العدة فلو طلقها عقيب الرجعة من غير وطئ كانت في معنى المطلقة
قبل الدخول وكانت تبني على عدتها فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع حكم الطلاق بالوطئ واعتبر الطهر
الذي هو موضع الوطئ فإذا وطئ حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر وقد جاء في حديث عن ابن عمر
255

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مره أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها
وإن شاء أمسكها " رواه ابن عبد البر، ومنها أنه عوقب على ايقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في
الوقت الذي يباح له وذكره غير هذا فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة قبل أن يمسها فهو طلاق سنة
وقال أصحاب مالك لا يطلقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر على ما جاء في الحديث
ولنا قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وهذا مطلق للعدة فيدخل وقد روى يونس بن جبير
وسعيد بن جبير وابن سيرين وزيد بن أسلم وأبو الزبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها
حتى تطهر ثم إن شاء طلق وان شاء أمسك ولم يذكروا تلك الزيادة وهو حديث صحيح متفق عليه
ولأنه طهر لم يمسها فيه فأشبه الطهر الثاني وحديثهم محمول على الاستحباب
* (مسألة) * وان طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كره وفي تحريمه روايتان)
اختلفت الرواية عن أحمد في جمع الثلاث فروي عنه أنه غير محرم اختارها الخرقي وهو مذهب
الشافعي وأبي ثور وداود وروي ذلك عن الحسن بن علي وعبد الرحمن بن عوف والشعبي لأن عويمر
العجلاني لما لاعن امرأته قال كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره
256

رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولم ينقل انكار النبي صلى الله عليه وسلم عليه وعن عائشة أن امرأة جاءت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان رفاعة طلقني فبت طلاقي متفق عليه وفي حديث فاطمة بنت قيس
ان زوجها أرسل إليها ولأنه طلاق جاز تفريقه فجاز جمعه كطلاق النساء (والرواية الثانية) ان جمع
الثلاث محرم وهو طلاق بدعة اختارها أبو بكر وأبو حفص روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود
وابن عباس وابن عمر وهو قول مالك وأبي حنيفة قال علي لا يطلق أحد للسنة فيندم وفي رواية قال
يطلقها واحدة ثم يدعها ما بينها وبين ان تحيض ثلاث حيض فمتى شاء راجعها، وعن عمر انه كان إذا
اتي برجل طلق ثلاثا أوجعه ضربا، وعن مالك بن الحارث قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إن ابن
عمي طلق امرأته ثلاثا فقال إن ابن عمك عصى الله وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجا. ووجه
ذلك قول الله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) إلى قوله (لا تدري لعل الله
يحدث بعد ذلك أمرا) ثم قال بعد ذلك (ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ومن يتق الله يجعل له
من امره يسرا) ورى النسائي باسناده عن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته
257

ثلاث تطليقات جميعا فغضب قال " أيلعب بكتاب الله عز وجل وانا بين أظهركم؟ " حتى قام رجل فقال يا رسول
الله ألا أقتله وفي حديث ابن عمر قال قلت يا رسول الله لو طلقتها ثلاثا قال " إذا عصيت ربك وبانت منك
امرأتك " وروى الدارقطني باسناده عن علي قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلق البتة فغضب وقال " يتخذون آيات
الله هزوا ولعبا من طلق البتة ألزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره " ولأنه تحريم للبضع بقول الزوج
من غير حاجة فحرم كالظهار بل هذا أولى لأن الظهار يرفع تحريمه بالتكفير وهذا لا سبيل للزوج إلى دفعه
بحال ولأنه ضرر وإضرار بنفسه وبامرأته من غير حاجة فيدخل في عموم النهي وربما كان وسيلة إلى عوده
إليها حراما أو بحيلة لا تزيل التحريم، ووقوع الندم خسارة الدنيا والآخرة فكان أولى بالتحريم من
الطلاق في الحيض الذي ضرره بقاؤها في العدة أياما يسيرة والطلاق في طهر مسها فيه الذي ضرره
احتمال الندم بظهور الحمل فإن ضرر جمع الثلاث يتضاعف على ذلك أضعافا كثيرة فالتحريم ثم تنبيه على
التحريم ههنا ولأنه قول من سمينا من الصحابة رواه الأثرم وغيره ولم يصح عندنا في عصرهم خلاف
قولهم فيكون ذلك اجماعا، فأما حديث المتلاعنين فغير لازم فإن الفرقة لم تقع بالطلاق فإنها وقعت بمجرد
لعانهما وعند الشافعي بمجرد لعان الزوج فلا حجة فيه ثم إن اللعان يوجب تحريما مؤبدا فالطلاق بعده
258

كالطلاق بعد انفساخ النكاح بالرضاع أو غيره ولان جمع الثلاث إنما حرم لما يعقبه من الندم ويحصل به
من الضرر ويفوت عليه من حل نكاحها ولا يحصل ذلك بالطلاق بعد اللعان لحصوله باللعان، وسائر الأحاديث
ليس فيها جمع الثلاث بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مقرا عليه ولا حضر المطلق عند النبي صلى الله عليه وسلم حين
أخبر بذلك لينكر عليه، على أن حديث فاطمة قد جاء فيه ان أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها
وحديث امرأة رفاعة جاء فيه ان طلاقها آخر ثلاث تطليقات متفق عليه فلم يكن في شئ من ذلك
جمع الثلاث، ولا خلاف بين الجميع في أن الاختيار والأولى أن يطلق واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها
إلا ما حكينا من قول من قال إنه يطلقها في كل قرء طلقة والأولى أولى فإن في ذلك امتثالا لأمر الله
سبحانه وموافقة لقول السلف وأمنا من الندم فإنه متى ندم راجعها فإن فات ذلك بانقضاء عدتها له
نكاحها قال محمد بن سيرين إن عليا كرم الله وجهه قال لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع
رجل نفسه امرأة ابدا يطلقها تطليقة ثم يدعها حتى ما بينها وبين ان تحيض ثلاثا فمتى شاء راجعها رواه النجاد
باسناده وقال عبد الله من أراد أن يطلق الطلاق الذي هو الطلاق فليمهل حتى إذا حاضت ثم طهرت
طلقها تطليقة في غير جماع ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ولا يطلقها ثلاثا وهي حامل فيجمع الله عليه نفقتها
وأجر رضاعها ويندمه فلا يستطيع إليها سبيلا
259

(فصل) فإن طلق ثلاثا بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق
بين قبل الدخول وبعده روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود
وأنس وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم وكان عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وأبو
الشعثاء وعمرو بن دينار يقولون من طلق البكر ثلاثا فهي واحدة، وروى طاوس عن ابن عباس قال
كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة رواه
أبو داود وروى سعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث عن ابن عباس خلاف رواية
طاوس أخرجه أيضا أبو داود وأفتي ابن عباس بخلاف ما روى عنه طاوس وقد ذكرنا حديث ابن عمر
أرأيت لو طلقها ثلاثا، وروى الدارقطني باسناده عن عبادة بن الصامت قال طلق بعض ابائي امرأته ألفا
فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن أبانا طلق امنا ألفا فهل له مخرج؟ فقال " إن
أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبعة وتسعون اثم
في عنقه " ولان النكاح ملك يصح إزالته متفرقا فصح مجتمعا كسائر الاملاك، فأما حديث ابن عباس فقد
صحت الرواية عنه بخلافه وأفتى بخلافه قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس بأي شئ
260

تدفعه فقال أدفعه برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه ثم ذكر عن ابن عباس من وجوه
خلافه أنها ثلاث، وقيل معنى حديث ابن عباس أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر والا فلا يجوز أن يخالف عمر ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ولا يسوغ لابن عباس ان
يروي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفتي بخلافه
(فصل) فإن طلق ثنتين في طهر ثم تركها حتى انقضت عدتها فهو للسنة لأنه يحرمها على نفسه ولم
يسد على نفسه المخرج من الندم ولكنه ترك الاختيار لأنه فوت على نفسه طلقة جعلها الله له من غير
فائدة يحصل بها فكان مكروها كتضييع المال، فإن كانت المرأة صغيرة أن آيسة أو غير مدخول بها أو حاملا
قد استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة إلا في العدد، فإذا قال لها أنت طالق للسنة أو قال للبدعة
طلقت في الحال واحدة قال ابن عبد البر أجمع العلماء ان طلاق السنة إنما هو للمدخول بها فأما غير
المدخول بها فليس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عدد الطلاق على اختلاف بينهم فيه وذلك لأن الطلاق
في حق المدخول بها إذا كانت من ذوات الأقراء إنما كان له سنة وبدعة لأن العدة تطول عليها
بالطلاق في الحيض وترتاب بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الأمران بالطلاق في الطهر
261

الذي لم يجامعها فيه، أما غير المدخول بها فلا عدة عليها تبقى بتطويلها أو الارتياب فيها وكذلك ذوات
الأشهر كالصغيرة التي لم تحض، والآيسات من المحيض لا سنة لطلاقهن ولا بدعة لأن العدة لا تطول
بطلاقها في حال ولا تحمل فترتاب، وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء كلهن ليس لطلاقهن سنة
ولا بدعة من جهة الوقت في قول أصحابنا وهو مذهب الشافعي وكثير من أهل العلم، فإذا قال لاحدى
هؤلاء أنت طالق للسنة أو للبدعة وقعت طلقة في الحال ولغت الصفة لأن طلاقها لا يتصف بذلك فصار
كأنه قال أنت طالق ولم يزد، وكذلك إن قال أنت طالق للسنة والبدعة أو قال أنت طالق
لا للسنة ولا للبدعة طلقت في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها ويحتمل كلام الخرقي أن يكون للحامل
طلاق سنة لأنه طلاق أمر به لقوله عليه الصلاة والسلام " ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " رواه مسلم
وهو ظاهر كلام أحمد فإنه قال أذهب إلى حديث سالم عن أبيه يعني هذا الحديث ولأنها في حال
انتقلت إليها بعد زمن البدعة ويمكن أن تنتقل عنها إلى زمان البدعة فكان طلاقها طلاق سنة كالطاهر
من الحيض من غير مجامعة، ويتفرع منه انه لو قال لها أنت طالق للبدعة لم تطلق في الحال فإذا
وضعت الحمل طلقت لأن النفاس زمان بدعة كالحيض. وقوله إلا في العدد يعني انه يكره له أن يطلق
ثلاثا أو يحرم لأنه إذا طلق ثلاثا لم يبق له سبيل إلى الرجعة فطلاق السنة في حقهم أن يكون واحدة
ليكون له سبيلا إلى تزوجها من غير أن تنكح زوجا غيره
(فصل) وإن قال لصغيرة أو غير مدخول بها أنت طالق للبدعة ثم قال أردت إذا حاضت الصغيرة
أو أصيبت غير المدخول بها أو قال لهما أنتما طالقتان للسنة أو قال أردت طلاقهما في زمن يصير طلاقهما فيه
للسنة دين فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي (أحدهما) لا يقبل
262

وهو أشبه بالمذهب لأنه فسر كلامه بما يحتمله فيقبل كما لو قال أنت طالق وقال أردت بالثانية افهامها
(فصل) إذا قال لها في طهر جامعها فيه أنت طالق للسنة فيئست من الحيض لم تطلق لأنه وصف
طلاقها بأنه للسنة في زمن يصلح له فإذا صارت آيسة فليس لطلاقها سنة فلم توجد الصفة فلا يقع وكذلك
ان استبان حملها لم يقع أيضا إلا على قول من جعل طلاق الحامل سنة فإنه ينبغي ان يقع لوجود الصفة
كما لو حاضت ثم طهرت
* (مسألة) * (وإن قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة)
إذا قال لامرأته أنت طالق للسنة فمعناه في وقت السنة فإن كانت في طهر غير مجامعة فيه فهو وقت
السنة على ما أسلفناه، وكذلك ان كانت حاملا قد استبان حملها على ظاهر كلام أحمد وقد ذكرنا الخلاف
في الحامل فإذا قال لها أنت طالق للسنة في الحالتين طلقت لأنه وصف الطلقة بصفتها فوقعت في الحال
وإن قال ذلك لحائض لم يقع في الحال لأن طلاقها طلاق بدعة لكن إذا طهرت طلقت
لأن الصفة وجدت حينئذ فصار كأنه قال أنت طالق في النهار فإن كان في النهار طلقت وإن كان في الليل
263

طلقت إذا جاء النهار وإن كانت في طهر جامعها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض
بعده زمان بدعة فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة طلقت حينئذ لأن الصفة وجدت وهذا مذهب أبي
حنيفة والشافعي، فإن أولج في آخر الحيضة واتصل بأول الطهر أو أولج مع أول الطهر لم يقع الطلاق في
ذلك الطهر لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه طلقت في أوله وهذا كله مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا
(فصل) (إذا انقطع الدم من الحيض فهو زمان السنة يقع عليها طلاق السنة وإن لم تغتسل كذلك
قال أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان طهرت لأكثر الحيض مثل ذلك
وإن انقطع الدم لدون أكثره لم يقع حتى تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء أو تصلي أو يخرج عنها وقت
الصلاة لأنه متى لم يوجد فما حكمنا بانقطاع حيضها
ولنا انها طاهر فوقع بها طلاق السنة كالتي طهرت لأكثر الحيض، والدليل على أنها طاهر أنها
تؤمر بالغسل ويلزمها ويصح منها وتؤمر بالصلاة وتصح صلاتها ولان في حديث ابن عمر " فإذا طهرت
طلقها إن شاء " وما قاله لا يصح فانا لو لم نحكم بالطهر لما أمرناها بالغسل ولا صح منها
* (مسألة) * (وإن قال لها أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت في الحلال
264

وإن كان في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت هذه المسألة عكس المسألة التي قبلها فإنه
وصف الطلقة بأنها للبدعة فإذا كان ذلك لحائض أو طاهر مجامعة فيه وقع الطلاق في الحال لأنه وصف
الطلقة بصفتها وان كانت في طهر لم يصبها فيه لم يقع في الحال فإذا حاضت طلقت بأول الحيض وإن
أصابها طلقت بالتقاء الختانين فإن نزع من غير توقف فلا شئ عليهما وان أولج بعد النزع فقد وطئ
مطلقته ويأتي بيان حكم ذلك وان وطئها واستدام فسنذكرها إن شاء الله تعالى فيما بعد
(فصل) فإن قال لطاهر أنت طالق للبدعة في الحال فقد قيل تلغوا الصفة ويقع الطلاق لأنه وصفها
بما لا تصف به فلغت الصفة دون الطلاق ويحتمل أن تطلق ثلاثا في الحال لأن ذلك طلاق بدعة
فانصرف الوصف بالبدعة إليه لتعذر صفة البدعة من الجهة لاخرى، وان قال للحائض أنت طالق للسنة
في الحال لغت الصفة ووقع الطلاق لأنه وصف الطلقة بما لا تنصف به، وان قال أنت طالق ثلاثا للسنة
وثلاثا للبدعة طلقت ثلاثا في الحال بناء على ما سنذكره
* (مسألة) * (وان قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثا في طهر لم يصبها فيه في إحدى
الروايتين، وفي الأخرى تطلق في الحال واحدة وتطلق الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين ان أمكن)
265

المنصوص عن أحمد في هذه المسألة أنها تطلق ثلاثا ان كانت في طهر لم يجامعها فيه،
وان كانت حائضا طلقت ثلاثا إذا طهرت وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي وأبو
الخطاب هذا على الرواية التي قال فيها ان جمع الثلاث سنة فاما على الرواية الأخرى
فإذا طهرت طلقت واحدة وتطلق الثانية والثالثة في نكاحين آخرين أو بعد رجعتين، وقد أنكر أحمد
هذا القول فقال في رواية مهنا إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة فقد اختلفوا فيه فمنهم من يقول
يقع عليها الساعة واحدة فلو راجعها تقع عليها تطليقة أخرى وتكون عنده على أخرى وما يعجبني قولهم
هذا فيحتمل ان أحمد أوقع الثلاث لأن ذلك عنده سنة، ويحتمل أنه أوقعها لوصفه الثلاث بما لا تتصف
به فألغى الصفة وأوقع الطلاق كما لو قال لحائض أنت طالق في الحال للسنة، وقد قال في رواية أبي الحارث
ما يدل على هذا؟ قال يقع عليها الثلاث ولا معنى لقوله للسنة، وقال أبو حنيفة يقع في كل قرء طلقة
وان كانت من ذوات الأشهر وقع في كل شهر طلقة وبنى على أصله في أن السنة تفريق الثلاث على
الأطهار، وقد بينا أن ذلك في حكم جمع الثلاث فإن قال أردت بقولي للسنة إيقاع واحدة في الحال
واثنتين في نكاحين آخرين قبل منه، وان قال أردت أن يقع في كل قرء طلقة قبل أيضا لأنه مذهب
266

طائفة من أهل العلم، وقد ورد به الأثرم فلا يبعد أن يريده قال أصحابنا يدين وهل يقبل في الحكم؟
على وجهين (أحدهما) لا يقبل لأن ذلك ليس بسنة (والثاني) يقبل لما قدمنا. فإن كانت في زمن
البدعة فقال سبق لساني إلى قولي للسنة ولم أرده وإنما أردت الايقاع في الحال وقع في الحال لأنه ملك
لايقاعها فإذا اعترف بما يوقعها قبل منه
(فصل) فإن قال أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت في الحال طلقتين وتأخرت
الثالثة إلى الحال الآخرى لأنه سوى بين الحالتين فاقتضى الظاهر أن يكونا سواء فيقع في الحال واحدة
ونصف ثم يكمل النصف لكون الطلاق لا يتبعض. ويحتمل ان يقع طلقة ويتأخر اثنتان إلى الحال
الأخرى لأن البعض يقع على ما دون الكل ويتناول القليل من ذلك والكثير فيقع أقل ما يقع عليه
الاسم لأنه اليقين وما زاد لا يقع بالشك فيتأخر إلى الحال الأخرى فإن قيل لم لا يقع من كل طلقة
بعضها ثم يكمل فتقع الثلاث؟ قلنا متى أمكنت القسمة من غير تكسير وجبت القسمة على الصحة فإن قال
نصفهن للسنة ونصفهن للبدعة وقع في الحال اثنتان وتأخرت الثالثة وان قال طلقتان للسنة وواحدة
للبدعة أو طلقتان للبدعة وواحدة للسنة فهو على ما قال فإن طلق ثم قال نويت ذلك أن فسر نيته بما
267

يوقع في الحال طلقت وقبل لأنه يقتضي الاطلاق ولأنه غير متهم فيه وان فسرها بما يوقع طلقة واحدة
ويؤخر اثنتين دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان (أظهرهما) انه يقبل لأن
البعض حقيقة في القليل والكثير فما فسر كلامه به لا يخالف الحقيقة فيجب ان يقبل (والثاني) لا يقبل
لأنه فسر كلامه بأخف مما يلزمه حالة الاطلاق ومذهب الشافعي على نحو هذا فإن قال أنت طالق
ثلاثا بعضهن للسنة ولم يذكر شيئا آخر احتمل أن تكون كالتي قبلها لأنه يلزم من ذلك أن يكون
بعضها للبدعة فأشبه ما لو صرح به ويحتمل ان لا يقع في الحال الا واحدة لأنه لم يسو بين الحالين
والبعض لا يقتضي النصف فتقع الواحدة لأنها اليقين والزائد لا يقع بالشك وكذلك لو قال بعضها
للسنة وباقيها للبدعة أو سائرها للبدعة
(فصل) إذا قال أنت طالق إذا قدم زيد فقدم وهي حائض طلقت للبدعة الا انه لا يأثم لأنه لم
يقصده وان قالت أنت طالق إذا قدم للسنة فقدم زيد في زمان السنة طلقت وان قدم في زمان البدعة
لم يقع حتى إذا صارت إلى زمن السنة وقع ويصير كأنه قال إن قدم زيد أنت طالق للسنة لأنه أوقع
الطلاق بقدوم زيد على صفة فلا يقع الا عليها وان قال لها أنت طالق للسنة إذا قدم زيد قبلي ان يدخل
268

بها طلقت عند قدومه حائضا كانت أو طاهرا لأنها لا سنة لطلاقها ولا بدعة وان قدم بعد دخوله
بها وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت وان قدم في زمن البدعة لم تطلق حتى يجئ زمن السنة لأنها صارت
ممن لطلاقها سنة وبدعة وان قال لامرأته أنت طالق إذا جاء رأس الشهر للسنة فكان رأس الشهر في
زمن السنة وقع وإلا وقع إذا جاء زمان السنة.
* (مسألة) * (وان قال لها أنت طالق في كل قرء طلقة وهي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض
فتطلق في كل حيضة طلقة)
وإن كانت من ذوات القروء وقع في كل قرء طلقة فإن كانت في القرء أوقعت بها واحدة في
الحال ووقع بها طلقتان في قرأين آخرين في أولهما سواء قلنا القرء الحيض أو الأطهار، وسواء كانت
مدخولا بها أو غير مدخول بها، إلا أن غير المدخول بها تبين بالطلقة الأولى فإن تزوجها وقع بها في القرء
الثاني طلقة أخرى وكذلك الحكم في الثالثة فإن كانت من اللائي لم يحضن وقلنا القرء
الحيض لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة، وان قلنا القرء الأطهار احتمل أن تطلق
في الحال واحدة ثم لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر فتطلق الثانية ثم الثالثة في القرء، لأن الطهر قبل
الحيض كله قرء واحد، واحتمل أن لا تطلق حتى تطهر بعد الحيض لأن القرء هو الطهر بين
269

حيضتين وكذلك لو حاضت الصغيرة في عدتها لم تحتسب بالطهر الذي قبل الحيض من عدتها في أحد
الوجهين، والحكم في الحامل كالحكم في الصغيرة لأن زمن الحمل كله قرء واحد في أحد الوجهين
إذا قلنا الأقراء الأطهار، والوجه الآخر ليس بقرء على كل حال، وإن كانت آيسة فقال القاضي
تطلق واحدة على كل حال لأنه علق طلاقها بصفة يستحيل فيها فلغت ووقع بها الطلاق كما لو قال لها:
أنت طالق للبدعة، وإذا طلقت الحامل في حال حملها بانت بوصفه لأن عدتها تنقضي به فلم يلحقها
طلاق آخر فإن استأنف أو راجعها قبل وضع حملها ثم طهرت من النفاس طلقت أخرى ثم إذا حاضت
ثم طهرت وقعت الثالثة
(فصل) فإن قال أنت طالق للسنة إن كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت
بوجود الصفة، وإن لم تكن في زمن السنة انحلت الصفة ولم يقع بحال لأن الشرط ما وجد وكذلك
إن قال أنت طالق للبدعة إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة، وان كانت في زمن البدعة وقع، والا
لم يقع بحال فإن كانت ممن لا سنة لطلاقها ولا بدعة فذكر القاضي فيها احتمالين
(أحدهما) لا يقع في المسئلتين لأن الصفة ما وجدت فأشبه ما لو قال: أنت طالق إن كنت
هاشمية ولم تكن كذلك.
270

(والثاني) تطلق لأنه شرط لوقوع الطلقة شرطا مستحيلا فلغى ووقع الطلاق، والأول أشبه،
وللشافعي وجهان كهذين.
* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله فهو كقوله أنت طالق للسنة)
وكذلك إن قال أعدله أو أكمله أو أتمه أو أو فضله أو طلقة جليلة أو سنية، فكذلك كله عبارة
عن طلاق السنة، وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن إذا قال أعدل الطلاق أو أحسنه كقولنا، وان
قال سنته أو أعدله وقع الطلاق في الحال لأن الطلاق لا يتصف بالوقت والسنة والبدعة وقت، فإذا وصفها
بما لا تتصف به سقطت الصفة كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة رجعية، أو قال لها
أنت طالق للسنة أو للبدعة.
ولنا أن ذلك عبارة عن طلاق السنة ويصح وصف الطلاق بالسنة والحسن لكونه في ذلك الوقت
موافقا للسنة مطابقا للشرع فهو كقوله أحسن، وفارق قوله طلقة رجعية، لأن الرجعية لا تكون إلا
في عدة ولا عدة لها فلا يحصل ذلك بقوله فإن قال نويت بقولي أعدل الطلاق وقوعه في زمان
الحيض لأنه أشبه بأخلاقها القبيحة ولم أرد الوقت وكانت في الحيض وقع الطلاق لأنه إقرار على
نفسه بما فيه تغليظ، وان كانت في حال السنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟
على وجهين فيما تقدم.
271

* (مسألة) * (وان قال أقبحه أو أسمجه أو أفحشه أو أردأه أو ألكعه حمل على طلاق البدعة)
فإن كانت في وقت البدعة والا وقف على مجئ زمان البدعة
وحكي عن أبي بكر أنه يقع ثلاثا ان قلنا إن جمع الثلاث بدعة وينبغي أن يقع الثلاث في وقت
البدعة ليكون جامعا لبدعتي الطلاق فيكون أقبح الطلاق، وان نوى بذلك غير طلاق البدعة نحو
أن يقول إنما أردت ان طلاقك أقبح الطلاق لأنك لا تستحقينه لحسن عشرتك وجميل طريقتك وقع
في الحال، وان قال أردت بذلك طلاق السنة ليتأخر الطلاق عن نفسه إلى زمن السنة لم يقبل،
لأن لفظه لا يحتمله.
* (مسألة) * (وان قال أردت أن أحسن أحوالك أو أقبحها أن تكوني مطلقة فيقع في الحال)
لأن هذا يوجد في الحال فوقع فيه.
* (مسألة) * (وان قال أنت طلق مطلقة حسنة قبيحة فاحشة جميلة تامة ناقصة وقع في الحال)
لأنه وصفها بصفتين متضادتين فلغتا وبقي مجرد الطلاق فوقع فإن قال أردت أنها حسنة لكونها في
زمان السنة وقبيحة لاضرارها بك أو قال أردت أنها حسنة لتخليصي من شرك وسوء خلقك وقبيحة
272

لكونها في زمن البدعة وكان ذلك يؤخر وقوع الطلاق وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على وجهين
(فصل) فإن قال أنت طالق الحرج فقال القاضي معناه طلاق البدعة لأن الحرج الضيق
والاثم فكأنه قال طلاق الاثم وطلاق البدعة طلاق الاثم وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه
يقع ثلاثا لأن الحرج الضيق والذي يضيق عليه ويمنعه الرجوع إليها ويمنعها الرجوع هو الثلاث وهو مع
ذلك طلاق بدعة وفيه اثم فيجتمع عليه الأمران الضيق والاثم، وان قال طلاق الحرج والسنة كان
كقوله طلاق السنة والبدعة
* (باب صريح الطلاق وكنايته) *
لا يقع الطلاق بغير لفظه فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع في قول عامة أهل العلم منهم عطاء وجابر
ابن زيد وسعيد بن جبير ويحيى بن أبي كثير والشافعي وإسحاق وروي أيضا عن القاسم وسالم والحسن
والشعبي وقال الزهري إذا عزم على ذلك طلقت وقال ابن سيرين فيمن طلق في نفسه أليس قد علمه الله
273

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعلم " رواه
النسائي والترمذي وقال هذا حديث صحيح ولأنه تصرف يزيل الملك فلم يحصل بمجرد النية كالبيع والهبة
وكذلك إن نواه بقلبه وأشار بأصبعه فإنه لا يقع لما ذكرناه. إذا ثبت أنه يعتبر له اللفظ فهو يتصرف
إلى صريح وكناية، فصريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه في الصحيح وهو اختيار ابن حامد فإذا قال
أنت طالق أو مطلقة أو قال طلقتك وقع الطلاق من غير نية، والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه
أو يأتي بما يقوم مقام نيته
* (مسألة) * (وقال الخرقي صريحه ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح وما تصرف منهن)
وهذا مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة أن صريحه يختص بلفظ الطلاق وما تصرف منه ووجه
هذا القول أن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا فلم يكونا صريحين فيه كسائر
كناياته، ووجه قول الخرقي أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب في الفرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه
كلفظ الطلاق قال الله تعالى (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وقال (فامسكوهن بمعروف أو
سرحوهن بمعروف) وقال سبحانه (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال سبحانه (فتعالين أمتعكن
274

وأسرحكن سراحا جميلا) والقول الأول أصح فإن الصريح في الشئ ما كان نصا فيه لا يحتمل غيره إلا
احتمالا بعيدا، ولفظة الفراق والسراح إن وردت في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين فقد وردت فيه
لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيرا قال الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)
وقال (وما
تفرق الذين أوتوا الكتاب) فلا معنى لتخصيصه بفرقة الطلاق على أن قوله (أو فارقوهن بمعروف)
لم يرد به الطلاق وإنما هو ترك ارتجاعها وكذلك قوله (أو تسريح باحسان) ولا يصح قياسه على
لفظ الطلاق فإنه مختص بذلك سابق إلى الافهام من غير قرينة ولا دلالة بخلاف الفراق والسراح
* (مسألة) * (فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه)
وجملة ذلك أن الصريح لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد فمتى قال أنت طالق أو مطلقة أو
طلقتك وقع من غير نية بغير خلاف لأن ما يعتبر له القول يكتفى فيه به من غير نية إذا كان صريحا
فيه كالبيع سواء قصد المزح أو الجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق
والرجعة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ
عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء روي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ونحوه عن
عطاء وعبيدة وبه قال الشافعي وأبو عبيد قال أبو عبيد هو قول سفيان وأهل العراق. فأما لفظ الفراق
275

والسراح فينبني على الخلاف فيه، فمن جعله صريحا أوقع به الطلاق من غير نية ومن جعله كناية لم
يوقع به الطلاق حتى ينويه ويكون بمنزلة الكنايات الخفية، فإن قال أردت بقولي فارقتك أي بجسمي أو
بقلبي أو بمذهبي أو سرحتك من يدي أو شغلي أو من حبسي أو سرحت شعرك قبل قوله
* (مسألة) * (فإن نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو أراد ان يقول طاهر فسبق لسانه أو أراد
أنها مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق فإن ادعى ذلك دين، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين الا أن يكون
في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل)
إذا نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو قال أردت أن أقول طلبتك فسبق لساني فقلت طلقتك
أو نحو ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى (فمتى علم من نفسه ذلك لم يقع عليه فيما بينه وبين ربه) قال
أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله انه إذا أراد أن يقول لزوجته اسقيني ماء فسبق لسانه فقال أنت طالق
أو أنت حرة أنه لا طلاق فيه ونقل ابن منصور عنه انه سئل عن رجل حلف فجرى على لسانه غير ما في
قلبه فقال أرجو أن يكون الامر فيه واسعا، وهل تقبل دعواه في الحكم؟ ينظر فإن كان في حال الغضب
أو سؤالها الطلاق لم يقبل في الحكم لأن لفظه ظاهر في الطلاق وقرينة حاله تدل عليه فكانت دعواه
276

مخالفة للظاهر من وجهين فلا تقبل وان لم يكن في هذه الحال فظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور
وأبي الحارث أنه يقبل قوله وهو قول جابر بن زيد والشعبي والحكم حكاه عنهم أبو حفص لأنه فسر
كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد فقبل كما لو قال أنت طالق أنت طالق وقال أردت بالثانية افهامها، وقال
القاضي فيه روايتان (إحداهما) التي ذكرناها قال وهي ظاهر كلام احمد (والثانية) لا يقبل وهو مذهب
الشافعي لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر في العرف فلم يقبل في الحكم كما لو أقر بعشرة ثم قال زيوفا أو
صغارا أو إلى شهر، فاما ان صرح بذلك في اللفظ فقال طلقتك من وثاقي أو فارقتك بجسمي أو سرحتك
من يدي فلا شك أن الطلاق لا يقع لأن ما يتصل بالكلام يصرفه عن مقتضاه كالاستثناء والشرط وذكر
أبو بكر في قوله أنت مطلقة إن هو نوى أنها مطلقة طلاقا ماضيا من زوج كان قبله لم يكن عليه شئ، وان لم
ينو شيئا فعلى قولين أحدهما يقع والثاني لا يقع وهذا من قوله يقتضي أن تكون هذه اللفظة غير صريحة
في أحد القولين قال القاضي والمنصوص عن أحمد انه صريح وهو صحيح لأن هذه متصرفة من لفظ
الطلاق فكانت صريحة فيه كقوله أنت طالق، فإن قال أردت بقولي أنها مطلقة من زوج كان قبلي ففيه
وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد لأن كلامه يحتمله ولا يقبل ان لم يكن وجد لأنه لا يحتمله وقد ذكرنا في
ذلك روايتين غير هذا الوجه
277

* (مسألة) * (ولو قيل له أطلقت امرأتك فقال نعم وأراد الكذب طلقت ولو قيل له ألك امرأة
قال لا وأراد الكذب لم تطلق)
أما إذا قيل له أطلقت امرأتك قال نعم أو قيل له امرأتك طالق فقال نعم طلقت امرأته وإن لم
ينو وهذا الصحيح من مذهب الشافعي واختاره المزني لأن نعم صريح في الجواب والصريح للفظ الصريح
صريح، الا ترى لو قيل له لفلان عليك الف؟ قال نعم وجب عليه فإن قيل له أطلقت امرأتك فقال قد
كان بعض ذلك وقال أردت الايقاع وقع وان قال أردت أنني علقت طلاقها بشرط قبل لأن ما قاله
محتمل وان قال أردت الاخبار عن شئ ماض أو قيل له ألك امرأة فقال قد طلقتها ثم قال إنما أردت
أني طلقتها في نكاح آخر دين فيما بينه وبين الله تعالى وأما في الحكم فإن لم يكن وجد ذلك منه لم يقبل وإن كان
وجد فعلى وجهين، وأما إذا قيل له ألك امرأة فقال لا وأراد به الكذب لم يلزمه شئ لأن قوله لي امرأة
كناية يفتقر إلى نية الطلاق وإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع وهكذا لو نوى أنه ليس لي امرأة
تخدمني أو ترضيني أو انني كمن لا امرأة له أو لم ينو شيئا لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية وإن
أراد بهذا اللفظ طلاقها طلقت لأنها كناية صحبتها النية وبهذا قال الزهري ومالك وحماد بن أبي سليمان
278

وأبو حنيفة والشافعي وقال أبو يوسف ومحمد لا تطلق لأن هذا ليس بكناية ولكنه خبر هو كاذب
فيه وليس بايقاع
ولنا انه محتمل للطلاق لأنه إذا طلقها فليست له بامرأة فأشبه قوله أنت بائن وغيرها من الكنايات
الظاهرة وبهذا يبطل قولهم
(فصل) فاما لفظة الاطلاق فليست صريحة في الطلاق لأنها لم يثبت لها عرف الشرع ولا الاستعمال
فأشبهت سائر كناياته، وذكر القاضي فيها احتمالا انها صريحة لأنه لا فرق بين فعلت وأفعلت نحو عظمته
وأعظمته وكرمته وأكرمته، وليس هذا الذي ذكره مطردا فإنهم يقولون حييته من التحية وأحييته من
الحياة وأصدقت المرأة صداقا وصدقت حديثها تصديقا ويفرقون بين اقبل وقبل ودبر وادبر وبصر
وابصر ويفرقون بين المعاني المختلفة بحركة أو حرف فيقولون حمل لما في البطن وبالكسر لما على الظهر
والوقر بالفتح الثقل في الاذن وبالكسر لنقل الحمل، وههنا فرقوا بين قيد النكاح بالتضعيف في أحدهما
والهمزة في الآخر ولو كان معنى اللفظين واحدا لقيل طلقت الأسير والفرس والطائر وطالق وطلقت
الدابة فهي طالق ومطلقة ولم يسمع هذا في كلامهم وهذا مذهب الشافعي
279

* (مسألة) * (وان لطم امرأته أو أطعمها أو أسقاها وقال هذا طلاقك طلقت الا ان ينوي ان
هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك لأن هذا اللفظ كناية في الطلاق إذا نواه به وقع ولا يقع من غير نية
أو دلالة حال لأنه أضاف إليها الطلاق فوقع بها كما لو قال أنت طالق)
وقال ابن حامد تطلق من غير نية لأن تقديره أوقعت عليك طلاقا هذا الضرب من أجله فعلى
قوله يكون صريحا وقال أكثر الفقهاء ليس بكناية ولا يقع به طلاق وان نوى لأن هذا لا يؤدي معنى
الطلاق ولا هو سبب له ولا حكم فيه فلم يصح التعبير به عنه كما لو قال غفر الله لك. ولنا على أنه كناية انه
يحتمل هذا التفسير الذي ذكره ابن حامد ويحتمل أن يكون سببا للطلاق لكون الطلاق معلقا عليه
فصح أن يعبر به عنه ولان الكناية ما احتملت الطلاق وهذا يحتمله لأنه يجوز أن يكون قد علق
طلاقها فلما فعله قال هذا طلاقك اخبارا لها فلزمه ذلك كقوله اعتدى، ويدل على أنه ليس بصريح أنه
احتاج إلى التقدير والصريح لا يحتاج إلى تقدير فيكون كناية، فإن نوى ان هذا سبب طلاقك أو نحو
ذلك فلا تطلق لأنه إذا أراد سبب الطلاق جاز أن يكون سببا له في زمان بعد هذا الزمان
* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق لا شئ أوليس بشئ أو لا يلزمك طلقت)
وكذلك إن قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو طالق طلقة لا ينقضي بها عدد طلاقك لأن ذلك
280

ورفع لجميع ما أوقعه فلم يصح كاستثناء الجميع، وإن كان ذلك خبرا فهو كذب لأن الواحدة إذا أوقعها
وقعت وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا
* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق أولا؟ أو طالق واحدة أولا؟ لم تطلق)
لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج عن أن يكون لفظا لايقاع ويخالف المسألة قبلها لأنه ايقاع
ويحتمل أن يقع لأن لفظه لفظ الايقاع لا لفظ الاستفهام لأن لفظ الاستفهام يكون بالهمزة أو نحوها
فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكره بعده كالتي قبلها، وكذلك إن قال أنت طالق واحدة أولا؟ وبه
قال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قياس قول الشافعي وقال محمد في هذه تقع واحدة لأن قوله أولا
يرجع إلى ما يليه من اللفظ وهو واحدة دون لفظ الايقاع ولا يصح لأن واحدة صفة للطلقة الواقعة
فما اتصل بها رجع إليها فصار كقوله أنت طالق أولا؟
* (مسألة) * (وإن كتب طلاق امرأته ونوى الطلاق وقع وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع
وهل تقبل دعواه في الحكم؟ على روايتين)
إذا كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق طلقت زوجته وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري والحكم
281

وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي وذكر بعض أصحابه أن له قولا آخر أنه لا يقع به
طلاق وإن نواه لأنه فعل من قادر على النطق فلم يقع به الطلاق كالإشارة
ولنا أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق فإذا أنى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه وقع كاللفظ
ولان الكتابة تقوم مقام الكاتب بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته فجعل ذلك في حق
البعض بالقول وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف ولان كتاب القاضي يقوم مقام لفظه
في اثبات الديون والحقوق فإن نوى بذلك تجويد خطه أو تجربة قلمه لم يقع لأنه لو نوى باللفظ غير
الايقاع لم يقع فالكتابة أولى، وإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى ويقبل في الحكم في
أصح الوجهين لأن ذلك يقبل في اللفظ الصريح في أحد الوجهين فههنا مع أنه ليس بلفظ أولى، وإن
قال نويت غم أهلي فقد قال في رواية أبي طالب فيمن كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق وقع، وإن
أراد أن يغم أهله فقد عمل في ذلك أيضا يعني أنه يؤاخذ به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عما
حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به " فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق لأن غم أهله يحصل بالطلاق
فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه كما لو قال أنت طالق يريد به غمها، ويحتمل أن لا يقع لأنه أراد غم أهله
بتوهم الطلاق دون حقيقته فلا يكون ناويا للطلاق والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به
أو الكلام وهذا لم ينو طلاقا فلا يؤاخذ به
282

* (مسألة) * (وإن لم ينو شيئا)
فقال أبو الخطاب قد خرجها القاضي والشرف في الارشاد على روايتين (إحداهما) يقع وهو
قول الشعبي والنخعي والزهري والحكم لما ذكرنا من أن الكتابة تقوم مقام اللفظ (والثانية) لا يقع إلا
بنيته وهو قول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي لأن الكتابة محتملة فإنه يقصد بها تجربة القلم أو
تجويد الخط وغم الأهل فلم يقع من غير نية ككنايات الطلاق
* (مسألة) * (وإن كتبه بشئ لا يبين مثل بأصبعه على وسادة أو في الهواء فظاهر كلام أحمد أنه لا يقع)
وقال أبو حفص العكبري يقع، ورواه الأثرم عن الشعبي لأنه كتب حروف الطلاق فأشبه ما لو كتبه
بشئ يبين والأول أولى لأن الكتابة لا تبين كالهمس بالفم بما لا يستبين وثم لا يقع فههنا أولى
(فصل) ولا يقع الطلاق بغير لفظ الا في موضعين (أحدهما) إذا كتب الطلاق ونواه وقد ذكرناه
(الثاني) من لا يقدر على الكلام كالأخرس إذا طلق بالإشارة طلقت زوجته وبهذا قال الشافعي وأصحاب
الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لأنه لا طريق له إلى الطلاق الا بالإشارة فقامت إشارته مقام النطق
283

من غيره فيه كالنكاح، وأما القادر فلا يصح طلاقه بالإشارة كما لا يصح نكاحه بها فإن أشار الأخرس
بأصابعه الثلاث لم يقع الا واحدة لأن إشارته لا تكفي
* (مسألة) * (وصريح الطلاق في لسان العجم بهشتم)
فإذا أتى بها العجمي وقع الطلاق منه بغير نية وقال النخعي وأبو حنيفة هو كناية لا تطلق به الا
بنية لأن معناه وخليتك وهذه اللفظة كناية
ولنا أن هذه اللفظة بلسانهم موضعة للطلاق ويستعملونها فيه فأشبه لفظ الطلاق بالعربية ولو لم تكن
هذه صريحة لم يكن في العجمية صريح في الطلاق وهذا بعيد ولا يضر كونها بمعنى خليتك فإن معنى
طلقتك خليتك أيضا الا أنه لما كان موضوعا له تستعمل فيه كان صريحا كذا هذه ولا خلاف في أنه
إذا نوى بها الطلاق كانت طلاقا كذلك قال الشعبي والنخعي والحسن ومالك والثوري وأبو حنيفة وزفر
والشافعي فإن قاله العربي ولا يفهمه أو طلق لم يقع لأنه لم يختر الطلاق لعدم علمه بمعناه، وان نوى
موجبه فعلى وجهين (أحدهما) لا يقع لأنه لا يتحقق اختياره لما لا يعلمه فأشبه ما لو نطق بكلمة الكفر
فإنه لا يعرف معناها (والثاني) يقع لأنه أتى بالطلاق ناويا مقتضاه فوقع كما لو علمه
284

* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه والكنايات نوعان ظاهرة وهي سبعة: أنت خلية وبرية
وبائن وبتة وبتلة وأنت حرة وأنت الحرج. أكثر الروايات عن أبي عبد الله رحمه الله كراهية الفتيا
في هذه الكنايات مع ميله إلى أنها ثلاث وحكى ابن أبي موسى في الارشاد عنه روايتين (إحداهما) انها
ثلاث (والثانية) يرجع إلى ما نواه واختارها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي قال يرجع إلى ما نوى
فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة، ونحوه قول النخعي الا أنه قال تقع طلقة بائنة لأن لفظه يقتضي البينونة
ولا يقتضي عددا وروى حنبل عن أحمد ما يدل على هذا فإنه قال يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها
ولو وقع ثلاث لم تبح له رجعتها ولو لم تبن لم يحتج إلى زيادة في مهرها، واحتج الشافعي بما روى
أبو داود باسناده أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال والله
ما أردت إلا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله ما أردت الا واحدة؟ " فقال ركانة الله ما أردت الا واحدة
فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان قال علي بن محمد الطنافسي
ما أشرف هذا الحديث لأن الكنايات مع النية كالصريح فلم يقع به عند الاطلاق أكثر من واحدة
كقوله أنت طالق وقال الثوري وأصحاب الرأي ان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى اثنتين أو واحدة وقعت
واحدة ولا يقع اثنتان لأن الكناية تقتضي البينونة دون العدد والبينونة بينونتان صغرى وكبرى
285

فالصغرى بالواحدة والكبرى بالثلاث ولو أوقعنا اثنتين كان موجبه العدد وهي لا تقتضيه، وقال
ربيعة ومالك يقع بها الثلاث وإن لم ينو الا في الخلع أو قبل الدخول فإنها تطلق واحدة لأنها
تقتضي البينونة والبينونة تحصل في الخلع وقبل الدخول بواحدة فلم يزد عليها لأن اللفظ لا يقتضي زيادة
عليها وفي غيرها يقع الثلاث ضرورة لأن البينونة لا تحصل إلا بها ووجه أنها ثلاث أنه قول أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي عن علي وعمر وزيد بن ثابت أنها ثلاث قال أحمد في الخلية والبرية والبتة
قول علي وابن عمر قول صحيح ثلاثا قال علي والحسن والزهري في البائن انها ثلاث وروى النجاد
باسناده عن نافع باسناده أن رجلا جاء إلى عاصم وابن الزبير فقال إن ظئري هذا طلق امرأته البتة
قبل أن يدخل بها فهل تجد أن له رخصة؟ فقالا لا ولكنا تركنا ابن عباس وأبا هريرة عند عائشة
فسلهم ثم ارجع إلينا فأخبرنا فسألهم فقال أبو هريرة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقال ابن عباس
هي ثلاث وذكر عن عائشة متابعتهما وروى باسناده أن عمر جعل البتة واحدة ثم جعلها بعد ثلاث
تطليقات. وهذه أقوال علماء الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا ولأنه طلق
امرأته بلفظ يقتضي البينونة فوجب الحكم بطلاق تحصل به البينونة كما لو طلق ثلاثا أو نوى الثلاث
وافضاؤه إلى البينونة ظاهر في قوله أنت بائن وكذا في قوله البتة لأن البت القطع فكأنه قطع النكاح
286

كله وكذلك يعبر به عن الطلاق الثلاث كما قال امرأة رفاعة ان رفاعة طلقني فبت طلاقي وبتله هو
من القطع أيضا وكذلك قيل في مريم البتول لانقطاعها عن النكاح ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل وهو
الانقطاع عن النكاح بالكلية وكذلك الخلية والبرية يقتضيان الخلو من النكاح والبراءة منه وإذا
كان اللفظ معنى فاعتبره الشرع إنما يعتبره فيما يقتضيه ويؤدي معناه ولا سبيل إلى البينونة بدون الثلاث
فوقعت ضرورة الوفاء بما يقتضيه لفظه ولا يمكن ايقاع واحدة بائنة لأنه لا يقدر على ايقاع ذلك
بصريح الطلاق فكذلك بكنايته ولا يفرق بين المدخول بها وغيرها لأن الصحابة لم يفرقوا لأن كل
لفظة أوجبت الثلاث في مدخول بها أوجبتها في غيرها كقوله أنت طالق ثلاثا فأما حديث ركانة فإن
أحمد ضعف اسناده فلذلك تركه، وقوله أنت حرة يقتضي ذهاب الرق عنها وخلوصها منه والرق
ههنا النكاح، وقوله أنت الحرج يعني الحرام والاثم. قال الله تعالى (ليس على الأعمى حرج) أي
اثم وأصله الضيق قال الله تعالى (فلا يكن في صدرك حرج منه) فكأنه حرمها واثم نفسه في امساكها
فصار في ضيق من أمرها وإنما تكون بالبينونة على ما مر
287

* (مسألة) * (والخفية نحو أخرجي واذهبي وذرقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة
ولست لي بامرأة واعتدي واستبرئي وما أشبه واختاري ووهبتك لأهلك فهذه ثلاث إن نوى ثلاثا
واثنتان إن نواهما وواحدة ان نواها أو اطلق)
ما ظهر وما عنى به الطلاق فهو على ما عنى مثل حبلك على غاربك إذا نوى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فهو
على ما نوى. وقد ذكر الخرقي في قوله حبلك على غاربك في الكنايات الظاهرة: وان قال أنت واحدة
فهي كناية خفية لكنه لا يقع بها إلا واحدة وان نوى ثلاثا ذكره شيخنا لأنهما لا تحتمل أكثر منها، وان
قال أغناك الله فهو كناية خفية لأنه يحتمل أغناك الله بالطلاق قال الله تعالى (وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته)
وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة في الكنايات لا يقع اثنتان وان نواهما وتقع واحدة وقد ذكرناه
* (مسألة) * (واختلف في قوله ألحقي بأهلك وحبلك على غاربك وتزوجي من شئت وحللت
للأزواج ولا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك وأنت علي حرام وأنت على حرج هل هي ظاهرة أو خفية؟
وغطي شعرك وقد أعتقتك فهذه عن أحمد فيها روايتان)
(إحداهما) انها ثلاث والأخرى ترجع إلي ما نواه وان لم ينو شيئا فواحدة كسائر الكنايات
288

الخفية، وقد قاسوا على هذه استبرئي رحمك وتقنعي فهذه في معنى المذكورة فيكون حكمها حكمها.
والصحيح في الحقي بأهلك انها واحدة ولا تكون ثلاثا إلا بنية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون
" الحقي بأهلك " متفق عليه ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثا وقد نهى عنه أمته قال الأثرم قلت
لأبي عبد الله إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون " الحقي بأهلك " ولم يكن طلاقا غير هذا ولم يكن النبي
صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثا فيكون غير طلاق السنة قال لا أدري، وكذلك قوله استبرئي رحمك لمن لا تحيض
ثلاث فإن ذلك يكون من الواحدة كما يكون من الثلاث، وقد روى هاشم أنا الأعمش عن المنهال بن
عمر أن نعيم بن دجاجة الأسدي طلق امرأته تطليقتين ثم قال هي على حرج فكتب في ذلك إلى عمر
ابن الخطاب فقال اما انها ليست بأهونهن، فأما سائر اللفظات فإن قلنا هي ظاهرة فإن معناها معنى
الظاهرة فإن قوله لا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك إنما يكون في المبتوتة. أما الرجعية فله عليها
سبيل وسلطان، وقوله أعتقتك يقتضي ذهاب الرق عنها والرق ههنا النكاح، وقوله أنت علي حرام
يقتضي بينونتها منه لأن الرجعية غير محرمة وكذلك قوله حللت للأزواج لأنك بنت مني وكذلك
سائرها، وان قلنا هي واحدة فإنها محتملة فإن قوله حللت للأزواج أي بعد انقضاء عدتك لأنه لا يمكن حلها
289

قبل ذلك والواحدة تحلها وكذلك انكحي من شئت وكذلك سائر الألفاظ يتحقق معناها بعد انقضاء
عدتها، وذكر بعض أصحابنا اعتدى المختلف فيه والصحيح أنها من الخفية لما روى أبو هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة " اعتدي " متفق عليه
(فصل) فإن قال أنت طالق بائن البتة ففيه من الخلاف ما ذكرنا في الكنايات الظاهرة لأنه
لا يحتاج إلى نية لأنه وصف بها الطلاق الصريح، فإن قال أنت طالق لا رجعة لي عليك وهي مدخول بها قال
احمد إذا قال لامرأته أنت طالق لا رجعة لي فيها ولا مبتوتة هذه مثل الخلية والبرية ثلاثا هكذا عندي وهو
مذهب أبي حنيفة، وان قال ولا رجعة لي فيها بالواو فكذلك وقال أصحاب أبي حنيفة تكون رجعية لأنه لم
يصف الطلقة بذلك وإنما عطف عليها
ولنا أن الصفة تصح مع العطف كما لو قال بعتك بعشرة وهي مغرية وكان صفة للثمن قال الله
تعالى (إلا استمعوه وهم يلعبون) وان قال أنت طالق واحدة بائنا أو واحدة بتة ففيها ثلاث روايات
(إحداهن) انها واحدة رجعية ويلغو ما بعدها قال احمد لا أعرف شيئا متقدما ان بواحدة تكون بائنا
وهذا مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة كما لو قال أنت طالق طلقة لا تقع
عليك (والثانية) هي ثلاث قاله أبو بكر وقال هو قول احمد لأنه أتى بما يقتضي الثلاث فوقع ولنا
290

وله واحدة كما قال أنت طالق واحدة (والثالثة) رواها حنبل عن أحمد إذا طلق امرأته البتة
فإن أمرها بيدها يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها فهذا يدل على أنه أوقع بها واحدة بائنا لأنه جعل
أمرها بيدها ولو كانت رجعية لما جعل أمرها بيدها ولو وقع ثلاث لما حلت له رجعتها قال أبو الخطاب
هذه الرواية تخرج في جميع الكنايات الظاهرة فيكون مثل قول إبراهيم النخعي ووجهه أنه أوقع
الطلاق بصفة البينونة فوقع على ما أوقعه ولم يزد على واحدة لأن لفظه لم يقتض عددا فلم يقع أكثر من
واحدة كما لو قال أنت طالق، وحمل القاضي رواية حنبل على أن ذلك بعد انقضاء العدة
* (مسألة) * (ومن شرط وقوع الطلاق بها أن ينوي بها الطلاق)
يعني من شرط وقوع الطلاق بالكناية النية للطلاق لأنها كناية فلا يقع بها طلاق بدون النية
كالكناية الخفية، وان لم ينو شيئا ولا دلت عليه قرينة لم يقع لأنه ظاهر في غير الطلاق فلم يصرف
إليه عند الاطلاق كما لا ينصرف الصريح إلى غيره، وان نوى بها الطلاق وقع وذكر القاضي أن ظاهر كلام
احمد والخرقي أن الطلاق يقع بالكنايات الظاهرة من غير نية وهو قول مالك لأنه اشتهر استعمالها فيه فلم تحتج
إلى نية كالصريح ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يقع إلا بنية لأنه كناية فأشبه سائر الكنايات
291

(فصل) إذا ثبت اعتبار النية فإنها تعتبر مقارنة للفظه فإن وجدت في ابتدائه وعزبت عنه في سائره
وقع الطلاق، وقال بعض أصحاب الشافعي لا يقع فلو قال أنت بائن ينوي الطلاق وعزبت نيته حين قال أنت
بائن لم يقع لأن القدر الذي صاحبته النية لا يقع به شئ
ولنا أن ما يعتبر له النية يكتفى فيه بوجودها في أوله كالصلوات وسائر العبادات فاما ان تلفظ بالكناية
غير ناو ثم نوى بها بعد ذلك لم يقع بها الطلاق كما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه
* (مسألة) * (الا أن يأتي بها في حال الخصومة والغضب فعلى روايتين)
ذكرهما أبو بكر والقاضي وأبو الخطاب (إحداهما) يقع الطلاق ذكره الخرقي. قال في رواية
الميموني إذا قال لزوجته أنت حرة لوجه الله في الغضب أخشى أن يكون طلاقا
(والرواية الثانية) ليس بطلاق وهو قول أبي حنيفة والشافعي الا أن أبا حنيفة يقول في اعتدي
واختاري أمرك بيدك كقولنا في الوقوع، واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه فلم يقع
به الطلاق كحال الرضا ولان مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضا والغضب، ويحتمل أن ما كان من الكنايات
لا يستعمل في غير الفرقة إلا نادرا نحو قوله أنت حرة لوجه الله واعتدي واستبرئي رحمك وحبلك
292

على غاربك وأنت بائن وأشباه ذلك أنه يقع في حال الغضب وجواب سؤال الطلاق من غير نية، وما
كثر استعماله لغير ذلك نحو أخرجي واذهبي وروحي تقنعي لا يقع الطلاق به الا بنية ومذهب أبي حنيفة
قريب من هذا، وكلام الخرقي إنما ورد في قوله أنت حرة وهو مما لا يستعمله الانسان في حق زوجته
غالبا إلا كناية عن الطلاق، ولا يلزم من الاكتفاء كذلك بمجرد الغضب وقوع غيره من غير نية لأن
ما كثر استعماله يوجد كثيرا غير مراد به الطلاق في حال الرضاء فكذلك في حال الغضب إذ لا حجر
عليه في استعماله والتكلم به بخلاف ما لم تجر العادة بذكره فإنه لما قل استعماله في غير الطلاق كان مجرد
ذكره يظن منه إرادة الطلاق فإذا انضم إلى ذلك مجيئه عقيب سؤال الطلاق أو في حال الغضب قوى
الظن فصار ظنا غالبا، ووجه الرواية الأخرى ان دلالة الحال تغير حكم الأقوال والافعال فإن من قال
لرجل يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحا له، وان قاله في حال شتمه وتنقصه كان قذفا وذما
ولو قال إنه لا يغدر بذمة ولا يظلم حبة خردل وما أحدا وفى ذمة منه في حال المدح كان مدحا بليغا كما قال حسان
فما حملت من ناقة فرق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد
ولو قال في حال الذم كان هجوا قبيحا كقول النجاشي
قبيلته لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل
293

وقال آخر: كأن ربي لم يخلق لخشيته * سواهم من جميع الناس انسانا
وهذا في هذا الموضع هجاء قبيح وذم حتى حكي عن حسان أنه قال: ما أراه إلا قد سلح عليهم
ولولا القرينة ودلالة الحال كان من أحسن المدح وأبلغه، وفي الافعال لو أن رجلا قصد رجلا بسيف
والحال تدل على المزح واللعب لم يجز قتله، ولو دلت الحال على الجد جاز دفعه بالقتل والغضب
ههنا على عقد الطلاق فيقوم مقامه
* (مسألة) * (وان جاء جوابا لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع بها الطلاق)
لدلالة الحال عليه فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أتى بها في حال الغضب على ما فيه من الخلاف
والتفصيل والوجه لذلك ما تقدم من التوجيه. قال شيخنا والأولى في الألفاظ التي يكثر استعمالها لغير
الطلاق نحو أخرجي واذهبي أنه لا يقع بها لطلاق حتى ينويه بخلاف ما لا يستعمل في غير الطلاق إلا نادرا
وقد ذكرنا في المسألة التي قبلها دليل ذلك
294

(فصل) فإن ادعى أنه لم ينو فالمنصوص عن أحمد ههنا أنه لا يصدق في عدم النية. قال في رواية
الحارث إذا قال لم أنوه صدق في ذلك إذا لم تكن سألته الطلاق وإن كان بينهما غضب قبل ذلك ففرق
بين كونه جوابا للسؤال وكونه في حال الغضب وذلك لأن الجواب ينصرف إلى السؤال فلو قال لي
عندك دينار قال نعم أو صدقت كان اقرارا به ولم يقبل تفسيره بغير الاقرار، ولو قال زوجتك
ابنتي أو بعتك ثوبي هذا قال قبلت كفى هذا ولم يحتج إلى زيادة عليه، ولو أراد بالكناية حال الغضب
أو سؤال الطلاق غير الطلاق لم يقع الطلاق لأنه لو أراده بالصريح لم يقع فالكناية أولى، وإذا ادعى
ذلك دين، وهل يقبل في الحكم؟ ظاهر كلام أحمد في رواية الحارث انه يصدق وإن كان في حال الغضب
ولا يصدق إن كان جوابا لسؤال الطلاق.
ونقل عنه في موضع آخر أنه قال: أنت خلية أو برية أو بائن ولم يكن بينهما ذكر طلاق
ولا غضب صدق فمفهومه أنه لا يصدق مع وجودهما وحكي هذا عن أبي حنيفة الا في الأربعة المذكورة
والصحيح أنه يصدق لما روى سعيد باسناده أن رجلا خطب إلى قوم فقالوا لا نزوجك حتى تطلق
امرأتك فقال قد طلقت ثلاثا فزوجوه بها ثم أمسك امرأته فقالوا ألم تقل انك طلقت ثلاثا؟ قال ألم تعلموا
295

أني تزوجت فلانة وطلقتها ثم تزوجت فلانة ثم طلقتها، ثم تزوجت فلانة وطلقتها، فسئل عثمان عن
ذلك فقال: له نيته ولأنه أمر تعتبر نيته فيه فقبل قوله فيما يحتمله، كما لو كرر لفظا وقال أردت
التوكيد والله أعلم.
* (مسألة) * (ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة)
هذا ظاهر المذهب لما ذكرنا من اجماع الصحابة وعنه يقع ما نواه وهو مذهب الشافعي كالكنايات
الخفية ولحديث ركانة، وعنه يقع واحدة بائنة وهي رواية حنبل لما ذكرنا من قبل ويقع بالخفية ما نواه
لأنه محتمل وهو قول الشافعي إلا إذا قال أنت واحدة فإنه لا يقع بها إلا واحدة وإن نوى ثلاثا لأنها
لا تحتمل غير الواحدة ذكره شيخنا.
(فصل) والطلاق الواقع بالكنايات رجعي ما لم يقع به الثلاث في ظاهر المذهب وهو مذهب
الشافعي. وقال أبو حنيفة كلها بوائن إلا اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة لأنها تقتضي البينونة
فيقع كقوله أنت طالق ثلاثا
ولنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فوجب أن يكون رجعيا كصريح
296

الطلاق وما سلموه من الكنايات وقولهم انها تقتضي البينونة قلنا فينبغي أن تبين بثلاث لأن المدخول بها
لا تبين إلا بعوض أو ثلاث.
* (مسألة) * (وأما ما لا يدل على الطلاق نحو كلي واشربي واقعدي واقربي وبارك الله عليك
وأنت مليحة أو قبيحة وقومي وأطعميني واسقيني وغفر الله لك ما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية
ولا تطلق به وان نوى)
لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية وقد ذكرنا أنه لا يقع بها وهذا مذهب
أبي حنيفة، واختلف أصحاب الشافعي في قوله كلي واشربي فقال بعضهم كقولنا، وقال بعضهم هو
كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فوقع كقوله ذوقي أو تجرعي
ولنا أن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله تعالى (كلوا واشربوا
هنيئا بما كنتم تعلمون) وقال (فكلوه هنيئا مريئا) فلم يكن كناية كقوله أطعميني وفارق ذوقي وتجرعي
فإنه يستعمل في المكاره لقول الله سبحانه (ذق إنك أنت العزيز الكريم - وذوقوا عذاب الحريق -
297

وذوقوا مس سقر) وكذلك التجرع، قال الله تعالى (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) فلم يصح أن
يلحق بهما ما ليس مثلهما.
* (مسألة) * (وكذلك قوله أنا طالق لأن الزوج ليس محلا للطلاق، وإن قال: أنا منك طالق
لم تطلق زوجته) نص عليه في رواية الأثرم في رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت أنت طالق لم تطلق
وهو قول ابن عباس والثوري وأبي سعيد وأصحاب الرأي وابن المنذر. وروي ذلك عن عثمان رضي
الله عنه ويحتمل أنه كناية يطلق به إذا نوى وبه قال مالك والشافعي وروي ذلك عن عمر وابن مسعود
وعطاء والقاسم وإسحاق لأن الطلاق إزالة النكاح وهو مشترك بينهما فإذا صح في أحدهما صح في الآخر
ولا خلاف في أنه لا يقع به الطلاق من غير نية.
ولنا أنه محل لا يقع الطلاق إذا أضافه إليه من غير نية فلم يقع وان نوى كالأجنبي ولأنه لو قال
أنا طالق ولم يقل منك لم يقع ولو كان محلا للطلاق لوقع بذلك كالمرأة ولان الرجل مالك في النكاح
والمرأة مملوكة فلم تقع إزالة الملك بالإضافة إلى المالك كالعتق ويدل على هذا أن الرجل لا يوصف بأنه
مطلق بخلاف المرأة وجاء رجل إلى ابن عباس فقال ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا فقال ابن عباس
خطأ الله نواها ان الطلاق لك وليس لها عليك، رواه أبو عبيد والأثرم واحتج به أحمد
298

* (مسألة) * (وان قال أنا منك بائن أو حرام فهل هو كناية أو لا؟ على وجهين)
إذا قال أنا منك بائن أو برئ فقد توقف أحمد عنها وقال أبو عبد الله بن حامد يتخرج على
وجهين (أحدهما) لا يقع لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه، فلم يقع بإضافة كنايته
إليه كالأجنبي. (والثاني) يقع لأن لفظ البينونة والبراءة والتحريم يوصف به كل واحد من الزوجين
يقال بان منها وبانت منه، وحرم عليها وحرمت عليه، وكذلك لفظ الفرقة يضاف إليهما، قال الله
تعالى (وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال تعالى (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) ويقال
فارقته المرأة وفارقها، ولا يقال طلقته ولا سرحته ولا تطلقا ولا تسرحا. فإن قال: أنا بائن ولم يقل
منك فذكر القاضي فيما إذا قال لها: أمرك بيدك، فقالت: أنت بائن ولم تقل مني، أنه لا يقع،
وجها واحدا، وان قالت أنا بائن ونوت وقع، وان قالت أنت مني بائن فعلى وجهين فيخرج ههنا مثل ذلك.
* (مسألة) * (وان قالت أنت علي كظهر أمي، تنوي به الطلاق لم يقع وكان ظهارا)
لأنه صريح فلم يكن كناية في الطلاق كما لا يكون الطلاق كناية في الظهار ولان الظهار يشبه بمن
299

هي محرمة على التأبيد والطلاق يفيد تحريما غير مؤبد فلم تصح الكناية بأحدهما على الآخر ولو صرح
به وقال أعني به الطلاق لم يصر طلاقا لأنه لا تصح الكناية به عنه
* (مسألة) * (وان قال أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام ففيه ثلاث روايات (إحداهن) أنه
ظهار وان نوى الطلاق اختاره الخرقي (والثانية) كناية ظاهرة (والثالثة) هو يمين)
إذا قال ذلك أو أطلق فهو ظهار وقال الشافعي لا شئ عليه، وله قول آخر عليه كفارة يمين وليس
يمينا وقال أبو حنيفة هو يمين وقد روي ذلك عن أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن مسعود وقال سعيد
ثنا خالد بن عبد الله عن جويبر عن الضحاك ان أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا في الحرام إنه يمين
وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعن أحمد ما يدل على ذلك لأن الله تعالى قال
(لم تحرم ما أحل الله لك؟) ثم قال (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقال ابن عباس (لقد كان
لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولأنه تحريم للحلال أشبه تحريم الأمة ووجه الأول أنه تحريم للزوجة
بغير طلاق فوجب به كفارة الظهار كما لو قال أنت علي حرام كظهر أمي فأما ان نوى غير الظهار فالمنصوص عن
أحمد في رواية جماعة أنه ظهار نوى الطلاق أو لم ينوه ذكره الخرقي وممن قال إنه ظهار عثمان بن
300

عفان وأبو قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي وروى الأثرم باسناده عن بن عباس في الحرام
أنه تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا ولأنه صريح في تحريمها فكان
ظهارا وان نوى غيره كقوله أنت علي كظهر أمي وعن أحمد أنه إذا نوى به الطلاق أخاف أن يكون
ثلاثا ولا أفتي به وهذا مثل قوله في الكنايات الظاهرة فكأنه جعله من كنايات الطلاق يقع به الطلاق
إذا نواه، ونقل عنه البغوي في رجل قال لامرأته أمرك بيدك فقالت أنا عليك حرام فقد حرمت
عليه فجعله منها كناية في الطلاق فكذلك من الرجل واختاره ابن عقيل وهو مذهب أبي حنيفة
والشافعي وروي ذلك عن ابن مسعود وممن روي عنه طلاق ثلاث علي وزيد بن ثابت وأبو هريرة والحسن
البصري وابن أبي ليلى وهو مذهب مالك في المدخول بها لأن الطلاق نوع تحريم فصح ان يكنى به
عنه كقوله أنت بائن فإن لو ينو به الطلاق لم يكن طلاقا بحال لأنه ليس بصريح في الطلاق فإن لم ينوه لم يقع
به طلاق كسائر الكنايات وان قلنا إنه كناية في الطلاق ونوى به فحكمه حكم الكنايات الظاهرة
على ما مضى من الاختلاف فيها وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي كل على أصله ويمكن حمله على الكنايات
الخفية إذا قلنا إن الرجعية محرمة لأن أقل ما تحرم به الزوجة طلقة رجعية فحمل على اليقين وقد روي
301

عن أحمد ما يدل عليه قال إذا قال أنت علي حرام أعني به طلاقا فهي واحدة وروي هذا عن عمر
ابن الخطاب والزهري وقد روي عن مسروق وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي ليس بشئ لأنه
قول هو كاذب فيه وهذا يبطل بالظهار لأنه منكر من القول وزور، وقد أوجب الكفارة ولان
هذا ايقاع للطلاق فأشبه قوله أنت بائن وأنت طالق وروي عن أحمد انه إذا نوى اليمين كان يمينا وهذا
مذهب ابن مسعود وقول أبي حنيفة والشافعي وممن روي عنه: عليه كفارة يمين أبو بكر الصديق وعمر
وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وطاوس وسليمان بن
يسار وقتادة والأوزاعي وفي المتفق عليه عن سعيد بن جبير انه سمع ابن عباس يقول إذا حرم الرجل
عليه امرأته فهي يمين يكفرها وقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولان الله قال (يا أيها
النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم؟ * قد فرض الله لكم تحلة
ايمانكم) فجعل الحرام يمينا ومعنى قوله نوى يمينا والله أعلم انه نوى بقوله أنت علي حرام ترك وطئها
واجتنابها وأقام ذلك مقام والله لا وطأتك
* (مسألة) * (وان قال ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق فقال احمد تطلق امرأته ثلاثا وان
قال أعني به طلاقا طلقت واحدة)
302

رواه الجماعة عن أحمد فروى أبو عبد الله النيسابوري أنه قال إذا قال أنت علي حرام أريد به
الطلاق كنت أقول إنها طالق يكفر كفارة الظهار وهذا كأنه رجوع عن قوله إنه طلاق ووجهه أنه
صريح في الظهار فلم يصر طلاقا بقوله أريد به الطلاق كما لو قال أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق
قال القاضي ولكن جماعة أصحابنا على أنه طلاق وهي الرواية المشهورة التي رواها عنه الجماعة لأنه
صرح بلفظ الطلاق فكان طلاقا كما لو ضربها وقال هذا طلاقك وليس هذا صريحا في الظهار وإنما هو
صريح في التحريم والتحريم يتنوع إلى تحريم بالظهار وإلى تحريم بالطلاق فإذا بين بلفظه إرادة تحريم
الطلاق وجب صرفه إليه وفارق قوله أنت علي كظهر أمي فإنه صريح في الظهار وهو تحريم لا يرتفع
إلا بالكفارة فلم يمكن جعل ذلك طلاقا بخلاف مسئلتنا ثم إن قال أعني به الطلاق أو نوى به ثلاثا فهي
ثلاث نص عليه أحمد لأنه أنى بالألف واللام التي للاستغراق تفسيرا للتحريم فدخل فيه الطلاق كله
وإذا نوى الثلاث فقد نوى بلفظه ما يحتمله من الطلاق فوقع كما لو قال أنت بائن وعنه لا يكون ثلاثا حتى
ينويها سواء كانت فيه الألف واللام أو لم تكن لأن الألف واللام تكون لغير الاستغراق في أكثر
أسماء الأجناس وإن قال أعنى به طلاقا فهي واحدة لأنه ذكره منكرا فيكون طلاقا واحدا نص عليه
303

أحمد وقال في رواية حنبل إذا قال أعني طلاقا فهي واحدة أو اثنتان إذا لم يكن فيه الألف واللام
وعنه أنه ظهار فيهما وقد ذكرناه وذكرنا دليله
* (مسألة) * (وإن قال أنت علي كالميتة والدم وقع ما نواه من الطلاق والظهار واليمين وإن لم ينو شيئا
فهل يكون ظهارا أو يمينا؟ على وجهين)
أما إذا نوى الطلاق كان طلاقا لأنه يصلح أن يكون كناية فيه فإذا اقترنت به النية وقع به الطلاق
ويقع ما نواه من عدد الطلاق فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة لأنه من الكنايات الخفية وهذا حكمها وإن
نوى به الظهار وهو أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها احتمل أن يكون ظهارا كما قلنا في قوله أنت
علي حرام واحتمل أن لا يكون ظهارا كما لو قال أنت علي كظهر البهيمة أو كظهر أبي وإن نوى اليمين وهو أن
يريد بذلك ترك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها فهو يمين وإن لم ينو شيئا لم يكن طلاقا لأنه ليس بصريح
في الطلاق ولو نواه به وهل يكون ظهارا أو يمينا؟ على وجهين (أحدهما) يكون ظهارا لأن معناه أنت
حرام علي كالميتة والدم فإن تشبيهها بهما يقتضي التشبيه بهما في الامر الذي استهزأ به وهو التحريم لقول
الله تعالى فيهما (حرمت عليكم الميتة والدم) والثاني يكون يمينا لأن الأصل براءة الذمة فإذا أتى بلفظ محتمل
304

ثبت فيه أقل الحكمين لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا ثبته بالشك ولا نزول عن الأصل إلا بيقين
وعند الشافعي هو كقوله أنت حرام سواء
* (مسألة) * (وإن قال حلفت بالطلاق وكذب لزمه إقراره في الحكم ولا يلزمه فيما بينه وبين
الله تعالى وان قال حلفت بالطلاق أو علي يمين بالطلاق ولم يكن حلف لم يلزمه شئ فيما بينه وبين
الله تعالى ولزمه ما أقر به في الحكم)
ذكره القاضي وأبو الخطاب لأنه يحتمل ما قاله ويلزمه في الحكم لأنه خلاف ما أقربه وقال أحمد
في رواية محمد بن الحكم في الرجل يقول حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هي كذبة ليس عليه يمين وذلك
لأن قوله حلفت ليس بحلف وإنما هو خبر عن الحلف فإذا كان كاذبا فيه لم يصر حالفا كما لو قال حلفت
بالله وكان كاذبا واخبار أبو بكر أنه يلزمه ما أقر به وحكى في زاد المسافر عن الميموني عن أحمد أنه
قال إذا قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف يلزمه الطلاق ويرجع إلى نيته في الطلاق الثلاث أو الواحدة
وقال القاضي معنى قول أحمد يلزمه الطلاق أي في الحكم ويحتمل أنه أراد يلزمه إذا نوى به الطلاق
فجعله كناية عنه وكذلك قال يرجع إلى نيته أما الذي قصد الكذب فلا نية له في الطلاق فلا يقع به
شئ لأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نوى الطلاق فلم يقع به طلاق كسائر الكنايات وذكر القاضي في
305

كتاب الايمان فيمن قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هل يقع به؟ على روايتين (إحداهما) لا يلزمه
شئ لأنه لم يحلف واليمين إنما تكون بالحلف (والثانية) يلزمه ما أقر به اختاره أبو بكر لأنه إذا أقر ثم
قال كذبت كان جحودا بعد الاقرار فلا يقبل كما لو أقر بدين ثم أنكر ويرجع إلى نيته لأنه أعلم بحاله
(فصل) والقول قوله في قدر ما حلف به وفي الشرط الذي علق اليمين به لأنه أعلم بحاله ويمكن حمل كلام أحمد
على هذا وهو أن يكون قوله ليس عليه يمين فيما بينه وبين الله تعالى وقوله يلزمه الطلاق أي في الحكم لأنه
يتعلق بحق إنسان معين فلم يقبل في الحكم وفيما بينه وبين الله سبحانه إذا علم أنه لم يحلف فلا شئ عليه
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (إذا قال لامرأته أمرك بيدك فلها أن تطلق ثلاثا وان نوى واحدة
وهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ)
الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) أنه إذا قال لامرأته أمرك بيدك كان
لها ان تطلق ثلاثا وان نوى أقل منها هذا ظاهر المذهب لأنها من الكنايات الظاهرة وقد
مضى الكلام فيها روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن علي أيضا وفضالة بن
عبيد وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والزهري قالوا إذا طلقت ثلاثا فقال لم أجعل إليها الا واحدة لم
يلتفت إلى قوله والقضاء ما قضت وعن عمر وابن مسعود أنها طلقة واحدة وبه قال عطاء ومجاهد والقاسم
وربيعة ومالك والأوزاعي والشافعي وقال الشافعي ان نوى ثلاثا فلها ان تطلق ثلاثا وان نوى غير ذلك
306

لم تطلق ثلاثا والقول قوله في نيته قال القاضي ونقل عبد الله عن أحمد ما يدل على أنه إذا نوى واحدة
فهي واحدة لأنه نوع تخيير فيرجع إلى نيته فيه كقوله اختاري
ولنا انه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كما
لو قال طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله أردت واحدة لأنه بخلاف مقتضى اللفظ لا يبين في هذا
لأنه من الكنايات الظاهرة والكنايات الظاهرة تقتضي ثلاثا (الفصل الثاني) أنه لا يتقيد بالمجلس ويكون في
يدها ما لم يفسخ أو يطأ وان جعل أمرها في يد غيرها فكذلك في الفصل الأول والثاني ووافق الشافعي
في أنه إذا جعله في يد غيرها أنه لا يتقيد بالمجلس لأنه وكيل، وإذا قال له جعلت أمر امرأتي في يدك أو جعلت
لك الخيار في طلاق امرأتي أو طلق امرأتي فالجميع سواء في أنه لا يتقيد بالمجلس وقال أصحاب أبي حنيفة ذلك
مقصور على المجلس لأنه نوع تخيير أشبه ما لو قال اختاري
ولنا انه توكيل مطلق فكان على التراخي كالتوكيل في البيع. إذا ثبت هذا فإن له ان يطلق ما لم
يفسخ أو يطأ وله ان يطلق ثلاثا وواحدة كالمرأة فإن فسخ الوكالة بطلت كسائر الوكالات وكذلك ان
وطئها لأنه يدل على الفسخ أشبه ما لو فسخ بالقول
* (مسألة) * (وان قال اختاري نفسك لم يكن لها ان تطلق أكثر من واحدة الا ان يجعل إليها
أكثر من ذلك وليس لها ان تطلق الا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه)
307

وجملة ذلك أن لفظ التخيير لا يقتضي بمطلقه أكثر من طلقة رجعية قال احمد هذا قول ابن عمر
وابن مسعود وزيد بن ثابت وعمر وعائشة رضي الله عنهم وروي ذلك عن جابر وعبد الله بن عمر وقال
أبو حنيفة هي واحدة بائنة وهو قول ابن شبرمة لأن اختيارها نفسها يقتضي زوال سلطانه ولا يكون الا
بالبينونة وقال مالك هي ثلاث في المدخول بها لأن المدخول بها لا تبين الا بالثلاث الا أن تكون بعوض
ولنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن من سمينا منهم قالوا إن اختارت نفسها فهي واحدة وهو
أحق بها رواه النجاد عنهم بأسانيده ولان قوله اختاري تفويض مطلق فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم
وذلك طلقة واحدة ولا تكون بائنا لأنها طلقة بغير عوض لم يكمل بها العدد بعد الدخول فأشبه ما لو طلقها
واحدة ولا تكون بائنا لأنها طلقة، ويخالف قوله أمرك بيدك فإنه للعموم لأنه اسم جنس مضاف فيتناول
جميع أمرها لكن ان جعل لها أكثر من ذلك فلها ما جعل إليها سواء جعله بلفظه بان يقول اختاري
ما شئت أو اختاري الطلقات ان شئت فلها ان تختار ذلك أو جعله بنيته وهو ان ينوى بقوله اختاري
عددا فإنه يرجع إلى ما نواه لأن قوله اختاري كناية خفية فيرجع في قدرها إلى نيته كسائر الكنايات
الخفية، فإن نوى ثلاثا أو اثنتين أو واحدة فهو على ما نوى وان اطلق فهي واحدة وان نوى ثلاثا
فطلقت أقل منها وقع ما طلقته لأنه يعتبر قولهما جميعا كالوكيلين إذا طلق أحدهما واحدة والآخر
308

ثلاثا وليس لها ان تطلق الا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه هذا قول أكثر أهل العلم ان التخيير
على الفور ان اختارت في وقتها والا فلا خيار لها بعده روي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر
وبه قال عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب
الرأي، وقال الزهري وقتادة وأبو عبيد وابن المنذر ومالك في رواية انه على التراخي ولها الاختيار
في المجلس وبعده ما لم يفسخ أو يطأ، واحتج ابن المنذر بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعائشة اني ذاكر لك
أمرا فلا عليك ان لا تعجلي حتى تستأمري أبويك " وهذا يمنع قصره على المجلس ولأنه جعل أمرها
إليها أشبه ما لو قال امرك بيدك
ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة فروى النجاد باسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال قضى عمر
وعثمان في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما لم يتفرقا وعن عبد الله بن عمر قال ما دامت في مجلسها ونحوه
عن ابن مسعود وجابر ولم نعرف لهما مخالفا في الصحابة فكان اجماعا ولأنه خيار تمليك فكان على الفور
كخيار القبول، وأما الخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار على التراخي، فأما أمرك بيدك فهو توكيل
والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسئلتنا
* (مسألة) * (وليس لها ان تطلق إلا ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه)
309

وذلك أن لا يخرجا من الكلام إلى غير ذلك الطلاق فإن تفرقا عن ذلك الكلام إلى كلام غيره بطل
خيارها قال أحمد إذا قال لامرأته اختاري فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام فإن طال المجلس وأخذوا في كلام
غير ذلك ولم تختر فلا خيار لها وهذا مذهب أبي حنيفة ونحوه مذهب الشافعي على اختلاف عنه فقيل عنه
انه يتقيد بالمجلس وقيل هو على الفور وقال أحمد الخيار على مخاطبة الكلام وأن تجاريه ويجاريها إنما هو جواب
كلام ان أجابته من ساعته وإلا فلا شئ، ووجهه أنه تمليك مطلق تأخر قبوله عن أول حال الامكان فلم يصح
كما لو قامت من مجلسها فإن قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها بطل خيارها، وقال أبو حنيفة يبطل
بقيامها دون قيامه على أصله بان الزوج لا يملك الرجوع، وعندنا ان الزوج يملك الرجوع فبطل بقيامه كما
يبطل بقيامها، وإن كان أحدهما قائما فركب أو مشى بطل الخيار وإن قعد لم يبطل لأن القيام يبطل الفكر
والارتياء في الخيار فيكون اعراضا والقعود بخلافه ولو كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت لم يبطل
لأن ذلك لا يبطل الفكرة، وإن تشاغلت بالصلاة بطل الخيار وان كانت في صلاة فأتمتها لم يبطل خيارها
وان أضافت إليها ركعتين أخريين بطل خيارها وإن أكلت شيئا أو قال بسم الله أو سبحت شيئا
يسيرا لم يبطل لأن ذلك ليس باعراض وان قالت ادعوا لي شهودا أشهدهم على ذلك لم يبطل وإن
كانت راكبة فسارت لم يبطل خيارها وهذا كله قول أصحاب الرأي
* (مسألة) * (فإن جعل لها الخيار اليوم كله أو جعل أمرها بيدها فردته أو رجع فيه أو وطئها
بطل خيارها هذا المذهب)
310

إذا جعل لها الخيار اليوم كله أو أكثر من ذلك أو متى شاءت فلها الخيار في تلك المدة وان قال
اختاري إذا شئت أو متى شئت فلها ذلك لأن هذه تفيد جعل الخيار لها في عموم الأوقات فإن ردت
ذلك أو جعل أمرها بيدها فردته بطل خيارها لأنها إنما ملكته بالوكالة فهي كالوكيل إذا رد الوكالة
وان رجع فيما ملكها بطل أيضا كما إذا رجع الموكل فيما وكل فيه، وان وطئها فهو رجوع أيضا لأنه
يدل على الرجوع أشبه ما لو رجع بالقول، ويحتمل ان لا تنفسخ الوكالة كما لو وكله في بيع دار وسكنها
ذكره ابن أبي موسى وان قال اختاري اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك فإن ردت الخيار في الأول بطل
كله وان قال لها لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ونحوه فلها الخيار على التراخي فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال
ذلك لعائشة فدل على أن خيارها لا يبطل بالتأخير، وإن قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك
غدا فردته في اليوم الأول لم يبطل في الثاني، وقال أبو حنيفة لا يبطل في المسألة الأول أيضا لأنهما
خياران في وقتين فلم يبطل أحدهما برد الآخر قياسا على المسألة الثانية
ولنا أنه خيار واحد في مدة واحدة فإذا بطل أوله بطل ما بعده كما لو كان الخيار في يوم واحد وكخيار
الشرط، ولا نسلم أنهما خياران، وإنما هو خيار واحد في يومين، وفارق ما إذا قال اختاري نفسك اليوم
واختاري نفسك غدا فإنهما خياران لأن كل واحد ثبت بسبب مفرد
(فصل) ولو خيرها شهرا فاختارت ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار وعند أبي حنيفة لها الخيار
311

ولنا انها استوفت ما جعل لها في هذا العقد فلم يكن لها في عقد ثان كما لو اشترط الخيار في سلعة مدة
ثم فسخ ثم اشتراها بعقد آخر في تلك المدة، ولو لم تختر نفسها أو اختارت زوجها وطلقها الزوج ثم تزوجها
بطل لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كما في البيع، والحكم في قوله أمرك بيدك في هذا كله
كالحكم في التخيير لأنه نوع تخيير ولو قال لها اختاري أو أمرك بيدك اليوم وبعد الغد فردت في اليوم
الأول لم يبطل في بعد غد لأنهما خياران ينفصل أحدهما عن صاحبه فلا يبطل أحدهما ببطلان الآخر
بخلاف ما إذا كان الزمان متصلا واللفظ واحد فإنه خيار واحد فبطل كله ببطلان بعضه، وإن قال لك
الخيار يوما أو أمرك بيدك يوما فابتداؤه من حين نطق به إلى مثله من الغد لأنه لا يمكن استكمال
يوم بتمامه إلا بذلك وإلا قال شهرا فمن ساعة نطق إلى استكمال ثلاثين يوما إلى مثل تلك الساعة وان
قال الشهر أو اليوم أو السنة فهو على ما بقي من اليوم والشهر والسنة، وخرج أبو الخطاب في كل مسألة
وجها مثل حكم الأخرى أي خرج في قوله أمرك بيدك وجها أنها لا تطلق أكثر من واحدة وأنها
تتقيد بالمجلس بشرط ان لا يتشاغلا بما يقطع كلامهما، وفي قوله اختاري نفسك أنه لا يتقيد بالمجلس وان
لها ان تطلق أكثر من واحدة عند الاطلاق قياسا لكل واحدة منهما علي الآخرى
(فصل) فإن خيرها فاختارت زوجها أو ردت الخيار أو الامر لم يقع شئ نص عليه أحمد في
رواية الجماعة وروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول عمر
ابن عبد العزيز وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وابن المنذر وعن الحسن تكون واحدة
312

رجعية وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ورواه إسحاق بن منصور عن أحمد قال إن اختارت زوجها
فواحدة يملك الرجعة وان اختارت نفسها فثلاث قال أبو بكر انفرد بهذا إسحاق بن منصور والعمل
على ما رواه الجماعة ووجه هذه الرواية ان التخيير كناية نوى بها الطلاق فوقع بها بمجرده كسائر
كناياته كقوله أنكحي من شئت
ولنا قول عائشة قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان طلاقا وقالت لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه
بدأ بي فقال إني لمخبرك خبرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك ثم قال إن الله تعالى قال (يا أيها
النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها - حتى بلغ - ان الله أعد للمحسنات منكن
أجرا عظيما) فقلت في أي هذا أستأمر أبوي؟ فاني أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت ثم فعل
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت متفق عليهما قال مسروق ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو
ألفا بعد أن تختارني ولأنها مخيرة اختارت النكاح فلم يقع بها الطلاق كالمعتقة تحت عبد وقولهم ان التخيير
كناية نوي بها الطلاق فوقع بها بمجردها كسائر كناياته قلنا إنما أراد بذلك تفويض الطلاق إلى
زوجته لا إيقاع الطلاق وصار ذلك كقوله طلقي نفسك فإنه لا يقع بذلك طلاق والكناية مع النية
لا ترد على الصريح فأما ان نوى بقوله اختاري نفسك ايقاع الطلاق وقع كسائر الكنايات
313

* (مسألة) * (ولفظه الامر والخيار كناية في حق الزوج تفتقر إلى نيته)
فلفظة الامر من الكنايات الظاهرة والخيار من الخفية وكلاهما يحتاج إلى النية لما ذكرنا في الكناية
الظاهرة قوله إنها تحتاج إلى نية وهو قول مالك وقد ذكرناه فإن قبلته بلفظ الكناية فقالت اخترت
نفسي افتقر إلى نيتها أيضا كالزوج وان قالت طلقت نفسي وقع من غير نية لأنه صريح فلم يحتج إلى
نية كقوله أنت طالق فإن نوى أحدهما دون الآخر لم يقع لأن الزوج إذا لم ينو فما فوض إليها
الطلاق فلا يصح ان يوقعه وان نوى ولم تنو هي فقد فوض إليها الطلاق فما أوقعته فلم يقع شئ كما لو
وكل وكيلا في الطلاق فلم يطلق وان نويا جميعا وقع ما نواه من العدد وان نوى أحدهما أقل من
الآخر وقع الأقل لأن ما زاد انفرد به أحدهما فلم يقع
* (مسألة) * (فإن اختلفا في نيتها فقال لم تنو الطلاق باختيارك نفسك فقالت قد نويت فالقول قولها)
لأنها أعلم بنيتها ولا نعلم ذلك الا من جهتها وان اختلفا في رجوعه فالقول قوله لأنهما اختلفا فيما
يختص فكان القول قوله فيه كما لو اختلفا في نيته
(فصل) وإن قال امرك بيدك أو قال اختاري فقالت قبلت لم يقع شئ كما لو قال لأجنبي أمر
امرأتي بيدك فقال قبلت واختاري في معناه ونحوه ان قالت أخذت أمري نص عليهما أحمد في رواية
إبراهيم بن هانئ إذا قال لامرأته أمرك بيدك فقالت قبلت ليس بشئ حتى يبين وقال إذا قالت اخذت
314

أمري ليس بشئ قال وإذا قال لامرأته اختاري فاختارت فقالت قبلت نفسي واخترت نفسي كان
أبين قال القاضي ولو قالت اخترت ولم تقل نفسي لم تطلق وان نوت ولو قال الزوج اختاري ولم
يقل نفسك ولم ينوه لم تطلق ما لم يذكر نفسها ما لم يكن في كلام الزوج أو جوابها ما يصرف الكلام
إليه لأن ذلك في حكم التفسير فإذا عري عن ذلك لم يصح وان قالت اخترت زوجي واخترت البقاء
على النكاح أو رددت الخيار أو رددت عليك سفهتك بطل الخيار وان قالت اخترت نفسي أو أنوي
ونوت وقع الطلاق ولان هذا يصلح أن يكون كناية من الزوج فيما إذا قال الحقي باهلك فكذلك
منها وان قالت اخترت الأزواج فكذلك لأنهم لا يحلون الا بمفارقة هذا الزوج ولذلك كان كناية
منه في قوله أنكحي من شئت
(فصل) فإن كرر لفظة الخيار ثلاث مرات فقال اختاري اختاري اختاري فقال أحمد إن كان
ما يردد عليها ليفهمها وليست نيته ثلاثا فهي واحدة وإن كان أراد بذلك ثلاثا فهي ثلاث فرد الامر إلى
نيته في ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قبلت وقع ثلاث لأنه كرر ما يقع به الطلاق
فيكرر كما لو كرر الطلاق
ولنا أنه يحتمل التأكيد فإذا قصده قبلت نيته كما لو قال أنت طالق الطلاق وان أطلق فقد روي
عن أحمد ما يدل على أنها واحدة تملك الرجعة وهذا اختيار القاضي ومذهب عطاء وأبي ثور لأن تكرر
315

التخيير لا يزيد به الخيار كشرط الخيار في البيع وروي عن أحمد رحمه الله إذا قال لامرأته اختاري
فقالت اخترت نفسي هي واحدة الا ان يقول اختاري اختاري وهذا يدل على أنها تطلق ثلاثا ونحوه
قال الشعبي والنخعي وأصحاب الرأي ومالك لأن لفظة الواحدة إذا تكررت اقتضت ثلاثا كلفظة الطلاق
(فصل) ويجوز أن يجعل أمر امرأته بيدها بعوض وحكمه حكم ما لا عوض له في أن له الرجوع
فيما جعل لها وأنه يبطل بالوطئ قال أحمد إذا قالت امرأته اجعل أمري بيدي وأعطيك عبدي هذا
فقبض العبد وجعل أمرها بيدها فلها أن تختار ما لم يطأها أو ينقضه وذلك لأنه توكيل والتوكيل لا يبطل
بدخول العوض فيه وكذلك التحليل بعوض لا يلزم ما لم يتصل به القبول
* (مسألة) * (وإن قال طلقي نفسك فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع)
ويحتمل أن لا يقع لأنه فوضه إليها بلفظ الصريح فلا يصح أن يوقع ما فوضه إليها، ووجه الأول
أنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعته فوقع كما لو أوقعته بلفظ الصريح ولا يصح ما ذكروه ولان التوكيل
في شئ لا يقتضي أن يكون ايقاعه بلفظ الامر كما لو وكله فقال بع داري فباع بلفظ التمليك صح وكما
لو قال لها اختاري نفسك فقالت طلقت نفسي فإنه يقع مع اختلاف اللفظ
* (مسألة) * (وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة الا أن يجعل إليها أكثر منها)
قال أحمد رحمه الله إذا قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا فهي ثلاث
316

وان نوى واحدة فهي واحدة وذلك لأن الطلاق يكون واحدة ثلاثا فأيهما نواه فقد نوى بلفظه
ما احتمله وإن لم ينو وقع واحدة لأنها اليقين لأن النطق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم
* (مسألة) * (وإذا قال وهبتك لأهلك فإن قبلوها فواحدة وإن ردوها فلا شئ، وعنه إن قبولها
فثلاث وإن ردوها فواحدة وكذلك إذا قال وهبتك لنفسك)
الرواية الأولى هي المشهورة عن أحمد نص عليها وبه قال ابن مسعود وعطاء ومسروق والزهري
ومكحول ومالك وإسحاق وروي عن علي رضي الله عنه والنخعي إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها
فواحدة رجعية، وروي عن أحمد مثل ذلك وعن زيد بن ثابت والحسن ان قبلوها فثلاث، وقال ربيعة
ويحيى بن سعيد وأبو الزناد ومالك هي ثلاث على كل حال قبلوها أو ردوها، وقال أبو حنيفة فيها كقوله
في الكناية الظاهرة ومثله قال الشافعي واختلفا ههنا بناء على اختلافهما ثم
ولنا على أنها لا تطلق إذا لم يقبلوها أنه تمليك للبضع فافتقر فيه إلى القبول كقوله اختاري وأمرك
بيدك وكالنكاح وعلى أنها لا تكون ثلاثا انه لفظ يحتمل فلا يحمل عى الثلاث عند الاطلاق كقوله
اختاري وعلى أنها رجعية انها طلقة لمن عليها عدة بغير عوض قبل استيفاء العدد فكانت رجعية كقوله
أنت طالق ثنتين وقوله انها واحدة محمول على ما إذا أطلق النية أو نوى واحدة فأما ان نوى ثلاثا
أو اثنتين فهو على ما نوى لأنها كناية غير ظاهرة فيرجع إلى نيته في عددها كسائر الكنايات ولابد
317

من أن ينوي بذلك الطلاق أو تكون ثم دلالة حال لأنها كناية ولابد للكناية من ذلك. قال القاضي
وينبغي أن تعتبر النية من الذي يقبل أيضا كما تعتبر في اختيار الزوجة إذا قال لها اختاري أو أمرك بيدك
إذا ثبت هذا فإن صفة القبول أن يقول أهلها قبلناها نص عليه أحمد والحكم في هبتها لنفسها أو
لأجنبي كالحكم في هبتها لأهلها
(فصل) فإن باع امرأته لغيره لم يقع به طلاق وان نوى، وبه قال الثوري وإسحاق وقال مالك
تطلق واحدة وهي أملك بنفسها لأنه أتى بها يقتضي خروجها عن ملكه أشبه ما لو وهبها
ولنا أن البيع لا يتضمن معنى الطلاق لأنه نقل ملك بعوض والطلاق مجرد اسقاط لا يقتضي العوض
فلم يقع به طلاق كقوله أطعميني واسقيني
(فصول في قول الزوج لامرأته أمرك بيدك) قد ذكرنا أن الزوج إذا قال لامرأته أمرك بيدك
أنه في يدها ما لم يفسخ أو يطأ لأن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه وبين أن يوكل فيه وان يفوضه
إلى المرأة ويجعله إلى اختيارها لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترنه ومتى جعل أمر امرأته بيدها لم
يتقيد بالمجلس روي ذلك عن علي رضي الله، وبه قال الحكم وأبو ثور وابن المنذر، وقال مالك والشافعي
وأصحاب الرأي هو مقصور على المجلس كقوله اختاري
318

ولنا قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها قال هو لها حتى تنكل ولأنه نوع
توكيل في الطلاق فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي فإن رجع الزوج فيما جعل إليها أو قال فسخت
ما جعلت إليك بطل وبذلك قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والأوزاعي وإسحاق وقال الزهري
والثوري ومالك وأصحاب الرأي ليس له الرجوع لأنه ملكها ذلك فلم يملك الرجوع كما لو طلقت
ولنا أنه توكيل فكان له الرجوع فيه كالتوكيل في البيع وكما لو وكل في ذلك أجنبيا ولا يصح
قولهم تمليكا لأن الطلاق لا يصح تمليكه ولا ينتقل عن الزوج وإنما ينوب غيره فيه عنه وان سلم أنه
تمليك فالتمليك يصح الرجوع فيه قبل ايصال القبول به كالبيع، وان وطئها الزوج كان رجوعا
لأنه نوع توكيل والتصرف فيما توكل فيه يبطل الوكالة وان ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما
تبطل الوكالة برد الوكيل.
(فصل) ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ما لم ينو به ايقاع طلاقها في الحال أو تطلق نفسها
ومتى ردت الامر الذي جعل إليها بطل ولم يقع شئ في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وسعيد بن
المسيب وعمر بن عبد العزيز ومسروق وعطاء ومجاهد والزهري والثوري والأوزاعي والشافعي وقال
قتادة ان ردت فواحدة رجعية
ولنا أنه توكيل رده الوكيل أو تمليك لم يقبله المملك فلم يقع به شئ كسائر التوكيل والتمليك فأما
319

ان نوى بهذا تطليقها في الحال طلقت في الحال ولم يحتج إلى قبولها كما لو قال حبلك على غاربك
* (مسألة) * (فإن قالت اخترت نفسي فهي واحدة رجعية)
روي ذلك عن عمر وابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز والثوري وابن أبي ليلى والشافعي
وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وروي عن علي أنها واحدة بائنة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه لأن تمليكه
إياها أمرها يقتضي زوال سلطانه عنها فإذا قبلت ذلك الاختيار وجب ان يزول عنها ولا يحصل ذلك مع
بقاء الرجعة وعن زيد بن ثابت انها ثلاث، وبه قال الحسن ومالك والليث الا أن مالكا قال: إذا
لم تكن مدخولا بها قبل منه إذا أراد واحدة أو اثنتين وحجتهم ان ذلك يقتضي زوال سلطانه عنها
ولا يكون ذلك الا بثلاث وفي قول مالك ان غير المدخول بها يزول سلطانه عنها بواحدة فاكتفي بها
ولنا أنها لم تطلق بلفظ الثلاث ولا نوت ذلك فلم تطلق ثلاثا كما لو أتى الزوج بالكنايات الخفية
وهذا إذا لم تنو الا واحدة فإن نوت أكثر منها وقع ما نوت لأنها تملك الثلاث بالتصريح فملكتها
بالكنايات كالزوج وهكذا ان أتت بشئ من الكنايات فحكمها فيها حكم الزوج ان كانت مما يقع بها
الثلاث من الزوج وقع بها الثلاث إذا أتت بها وان كانت من الكنايات الخفية نحو قولها لا تدخل علي
ونحوها وقع ما نوت. قال احمد إذا قال لها امرك بيدك فقالت لا تدخل على الا باذن سواء في ذلك أن
قالت واحدة فواحدة وان قالت أردت ان أغيظه قبل منها يعني لا يقع شئ، وكذلك ان جعل
320

أمرها بيد أجنبي فأتى بهذه الكنايات لا يقع شئ حتى ينوي الوكيل الطلاق ثم إن طلق بلفظ صريح
ثلاثا أو بكناية ظاهرة وقعت الثلاث وإن كان بكناية خفية وقع ما نواه
* (باب ما يختلف به عدد الطلاق) *
(يملك الحر ثلاث طلقات وإن كان تحته أمة ويملك العبد اثنتين وان كانت تحته حرة)
وجملة ذلك أن الطلاق معتبر بالرجال فإن كان الزوج حرا فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة
أو أمة وإن كان عبدا فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة روي ذلك عن عمر وعثمان وزيد وابن
عباس وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال ابن عمر أيهما رق نقص
الطلاق برقه فطلاق العبد اثنتان وإن كان تحته حرة وطلاق الأمة اثنتان وإن كان زوجها حرا، وعنه
ان الطلاق بالنساء فيملك زوج الحرة ثلاثا وإن كان عبدا وزوج الأمة اثنتين وإن كان حرا روي
ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول ابن مسعود وبه قال الحسن وابن سيرين وعكرمة وعبيدة ومسروق
والزهري والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " طلاق الأمة
تطليقتان " رواه أبو داود وابن ماجة ولأن المرأة محل الطلاق فيعتبر بها كالعدة
321

ولنا ان الله خاطب الرجال بالطلاق فكان محله معتبرا بهم ولان الطلاق خالص حق الزوج وهو
مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به كعدد المنكوحات، وحديث عائشة قال أبو داود رواه
مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث وقد أخرجه الدارقطني في سننه عن عائشة قالت قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقروء الأمة حيضتان وتتزوج الحرة
على الأمة ولا تتزوج الأمة على الحرة " وهذا نص ولان الحر يملك ان يتزوج أربعا فملك طلقات
ثلاثا كما لو كان تحته حرة. ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاث وان العبد الذي
تحته أمة طلاقه اثنتان، وإنما الخلاف فيما إذا كان أحد الزوجين حرا والآخر رقيقا قال احمد المكاتب
عبد ما بقي عليه درهم وطلاقه وأحكامه كلها أحكام العبد وهذا صحيح فإنه جاء في الحديث " المكاتب
عبد ما بقي عليه درهم " ولأنه يصح عتقه ولا ينكح الا اثنتين ولا يتزوج ولا يتسرى الا باذن سيده وهذه
أحكام العبيد فيكون طلاقه كطلاق سائر العبيد، وقد روى الأثرم في سننه عن سليمان بن يسار
مكاتب أم سلمة طلق امرأة حرة تطليقتين فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك فقالا حرمت عليك
والمدبر كالعبد القن في نكاحه وطلاقه وكذلك المعلق عتقه بصفة لأنه عبد فثبت فيه أحكام العبد
(فصل) قال احمد في رواية محمد بن الحكم العبد إذا كان نصفه حرا ونصفه عبدا يتزوج ثلاثا ويطلق ثلاث تطليقات
322

وكذلك كل ما يجري بالحساب إنما جعل له نكاح ثلاث لأن عدد المنكوحات يتبعض فوجب ان يتبعض
في حقه كالحد فكذلك كان له ان ينكح نصف ما ينكح العبد وذلك ثلاث، وأما الطلاق فلا تمكن قسمته في حقه
لأن مقتضى حاله أن يكون له ثلاثة أرباع الطلاق وليس له ثلاثة أرباع فكمل في حقه ولان لأصل اثبات
الطلقات الثلاث في حق كل مطلق وإنما خولف في حق من كمل الرق فيه ففيما عداه يبقى على الأصل
* (مسألة) * (فإذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم ونوى الثلاث طلقت ثلاثا)
قال القاضي لا تختلف الرواية عن أحمد فيمن قال لامرأته أنت الطلاق انه يقع نواه أو لم ينوه
وبهذا قال أبو حنيفة ومالك ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) انه غير صريح لأنه مصدر والأعيان
لا توصف بالمصادر إلا مجازا
ولنا ان الطلاق لفظ صريح فلم يفتقر إلى نية كالتصرف وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر:
نوهت باسمي في العالمين * وأفنيت عمري عاما فعاما
فأنت الطلاق وأنت الطلاق * وأنت الطلاق ثلاثا تماما
قولهم انه مجاز قلنا نعم الا انه يتعذر حمله على الحقيقة ولا محمل له يظهر سوى هذا المحمل فتعين
فيه. إذا ثبت ذلك فإنه إذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم أو الطلاق يلزمني أو علي الطلاق فهو
323

بمثابة قوله الطلاق يلزمني لأن من يلزمه شئ يضره فهو عليه كالدين. وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع
الطلاق فهو صريح فإنه يقال لمن وقع طلاقه لزمه الطلاق وقالوا إذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه ولعلهم
أراد والزمه حكمه فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية
وانغمرت الحقيقة فيه ويقع ما نواه واحدة أو اثنتين أو ثلاثا
* (مسألة) * (فإن لم ينو شيئا ففيه روايتان)
إحداهما يقع الثلاث نص عليها أحمد في رواية مهنا وهي اختيار أبي بكر لأن الألف واللام للاستغراق
فتقتضي استغراق الكل وهو ثلاث (والثانية) انها واحدة لأنه يحتمل ان تعود الألف واللام إلى معهود
يربد الطلاق الذي أوقعته ولان الألف واللام في أسماء الأجناس تستعمل لغير الاستغراق كثيرا كقوله
ومن أكره على الطلاق وإذا عقل الصبي الطلاق وأشباه هذا مما يراد به ذلك الجنس ولا يفهم منه
الاستغراق، فعند ذلك لا يحمل على التعميم الا بنية صارفة إليه، قال شيخنا والأشبه في هذا جميعه أن يكون
واحدة في حال الاطلاق لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يعلمون ان الألف واللام للاستغراق
ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثا ولا يعتقد انه طلق الا واحدة فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة
فلا يريدون الا ما يعتقدونه مقتضى لفظهم فيصير كأنهم نووا واحدة
(فصل) فاما ان قال لامرأته أنت طالق ثلاثا فهي ثلاث وان نوى واحدة، لا نعلم بين أهل العلم
324

فيه خلافا لأن اللفظ صريح في الطلاق الثلاث والنية لا تعارض الصريح لأنها أضعف من اللفظ كما
لا يعارض النص القياس ولان النية إنما تعمل في صرف اللفظ إلى بعض محتملا له والثلاث نص فيها لا يحتمل
الواحدة بحال فإذا نوى واحدة فقد نوى ما لا يحتمله فلم يصح كما لو قال له علي ثلاثة دراهم وقال أردت واحدا
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق ونوى ثلاثا ففيه روايتان)
إحداهما تطلق ثلاثا وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد وابن المنذر لأن لفظه لو قرن به لفظ
الثلاث كان ثلاثا فإذا نوى به الثلاث كان ثلاثا كالكنايات ولأنه نوى بلفظه ما يحتمله فوقع ذلك
به كالكناية وبيان احتمال اللفظ للعدد انه يصح تفسيره به فيقول أنت طالق ثلاثا ولان قوله طالق اسم
فاعل واسم الفاعل يقتضي المصدر كما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل والكثير
(والرواية الثانية) لا تقع الا واحدة وهو قول الحسن وعمرو بن دينار والثوري والأوزاعي وأصحاب
الرأي لأن هذا اللفظ لا يتضمن عددا ولا بينونة فلم يقع به الثلاث كما لو قال أنت واحدة. بيانه ان قوله
أنت طالق اخبار عن صفة هي عليها فلم يتضمن العدد كقوله قائمة وحائض وطاهر، والأولى أصح لما
ذكرنا، وفارق قوله أنت حائض وطاهر لأن الحيض والطهر لا يمكن تعدده في حقها والطهر يمكن تعدده
(فصل) فإن قال أنت طالق طلاقا ونوي ثلاثا وقع ثلاث لأنه صريح بالمصدر والمصدر يقع على القليل
325

والكثير فقد نوى بلفظه ما يحتمله وان نوى واحدة فهي واحدة وان اطلق فهي واحدة لأنه اليقين
وان قال أنت طالق الطلاق وقع ما نواه، وان ينو شيئا فذكر القاضي فيها روايتين
(إحداهما) تقع الثلاث لأن الألف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهو ثلاث (والثانية)
انها واحدة لما ذكرنا من أن الألف واللام تعود إلى المعود
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا لم يقع الا واحدة)
لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها فإذا نوى ثلاثا فقد نوى ما لا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر من ذلك لوقع
بمجرد النية ومجرد النية لا يقع بها طلاق، وقال أصحاب الشافعي تقع ثلاث في أحد الوجهين لأنه يحتمل
واحدة معها اثنتان وهذا لا يصح فإن قوله معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة
فلا يعمل كما لو نوى الطلاق من غير لفظه، وفيه لأصحابنا أنه يقع ثلاث والأول أصح
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا)
لأن قوله هكذا صريح بالتشبيه بالأصابع في العدد وذلك يصلح بيانا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهر هكذا
وهكذا " وأشار بيده مرة ثلاثين ومرة تسعا وعشرين فإن قال أردت تعدد المعتوقين قبل منه لأنه
326

يحتمل ما يدعيه، فأما ان قال أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث ولم يقل هكذا لم يقع الا واحدة لأن إشارته لا تكفي
(فصل) وان قال لاحدى امرأتيه أنت طالق واحدة بل هذه وأشار إلى الأخرى ثلاثا طلقت
الأولى واحدة والثانية ثلاثا لأنه أوقعه بهما كذلك أشبه ما لو قال له علي هذا الدرهم بل هذا فإنه يجب
الدرهمان ولا يصح اضرابه عن الأول
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثر أو جميعه أو منتهاه أو طالق كألف أو بعدد
الحصى أو القطر أو الرمل أو الريح أو التراب طلقت ثلاثا وان نوى واحدة)
لأن هذا يقتضي عددا ولان للطلاق أقل وأكثر فأقله واحدة وأكثره ثلاث، وان قال كعدد
الماء أو التراب وقع ثلاث، وقال أبو حنيفة يقع واحدة بائن لأن الماء والتراب من أسماء الأجناس لا عدد له
ولنا أن الماء تتعدد أنواعه وقطراته والتراب تتعدد أنواعه وأجزاؤه فأشبه الحصى، وان قال
يا مائة طالق أو أنت مائة طالق طلقت ثلاثا، وان قال أنت طالق كمائة أو الف فهي ثلاث قال احمد
فيمن قال أنت طالق كألف تطليقة فهي ثلاث، وبه قال محمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ان لم يكن له نية وقعت واحدة لأنه لم يصرح بالعدد، وإنما شبهها
بالألف وليس الموقع المشبه به
ولنا أن قوله كألف يشبه العدد خاصة لأنه لم يذكر إلا ذلك فوقع العدد كقوله أنت طالق
327

كعدد الألف، وفي هذا انفصال عما قال، وان قال أردت أنها كالف في صعوبتها دين، وهل
يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين
* (مسألة) * (وان قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا ونوى الثلاث
وقع الثلاث وان لم ينو شيئا أو نوى واحدة فهي واحدة)
قال أحمد فيمن قال لامرأته أنت طالق ملء البيت فإن أراد الغلظة عليها يعني يريد أن تبين
منه فهي ثلاث فاعتبر نيته فدل على أنه إذا لم ينو تقع واحدة وذلك لأن هذا الوصف لا يقتضي عددا
وهذا لا نعلم فيه خلافا فإذا وقعت الواحدة فهي رجعية وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة وأصحابه تكون بائنا لأنه وصف الطلاق بصفة زائدة فيقتضي الزيادة عليها وذلك
هو البينونة، ولنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير استيفاء عدد ولا عوض فكان رجعيا كقوله
أنت طالق، وما ذكروه لا يصح لأن الطلاق حكم فإذا ثبت ثبت في الدنيا كلها فلا يقتضي ذلك زيادة
فإن قال أنت طالق مثل الجبل أو مثل عظم الجبل ولا نية له وقعت طلقة رجعية وبه قال الشافعي وقال
أبو حنيفة تقع بائنا، وقال أصحابه ان قال مثل الجبل كانت رجعية وان قال مثل عظم الجبل كانت
بائنا ووجه القولين ما تقدم
328

ولنا انه لا يملك إيقاع البينونة فإنها حكم وليس ذلك إليه وإنما تثبت البينونة بأسباب معينة
كالخلع والطلاق قبل الدخول فيملك مباشرة سببها فثبتت وان أراد اثباتها بدون ذلك لم تثبت،
ويحتمل أن يكون ابتداء الطلاق عليه أو عليها ليعجلها أو لحب أحدهما صاحبه ومشقة فراقه عليه فلم
يقع أمر زيد بالشك، فإن قال أقصى الطلاق أو أكثره فكذلك في قياس المذهب، ويحتمل أن يكون
أقصى الطلاق ثلاثا لأن أقصاه آخره وآخر الطلاق الثالثة ومن ضرورة كونها ثالثة وقوع اثنتين، وان
قال أتم الطلاق وأكمله فواحدة إلا أنها تكون بنيته
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث وقع طلقتان)
وبهذا قال أبو حنيفة لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل)
وإنما كانت بمعنى مع وذلك خلاف موضوعها، وقال زفر: تطلق واحدة لأن ابتداء الغاية ليس منها
كقوله بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط، ويحتمل أن تطلق ثلاثا وهو قول أبي يوسف ومحمد لأنه
نطق بها فلم يجز إلغاؤها وكقوله بعتك هذا الثوب من أوله إلى آخره
ولنا على أن ابتداء الغاية يدخل قوله خرجت من البصرة فإنه يدل على أنه كان فيها وأما انتهاء
329

الغاية فلا يدخل بمقتضي اللفظ ولو احتمل الدخول وعدمه لم يقع الطلاق بالشك فإن قال أنت طالق
ما بين واحدة وثلاث وقعت لأنها التي بينهما
* (مسألة) * (وإذا قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين وقعت الثلاث)
وان نوي موجبة عند الحساب وهو يعرفه طلقت طلقتين وان لم يعرفه فكذلك عند ابن حامد
وعند القاضي تطلق واحدة وان لم ينو وقع بامرأة الحاسب طلقتان وبغيرها طلقه ويحتمل ان تطلق
إذا قال أنت طالق طلقة في طلقتين أو واحدة في اثنتين ونوى به ثلاثا فهي ثلاث لأنه بغير نفي عن
كقوله تعالى (ادخلي في عبادي) فتقدير الكلام طلقة مع طلقتين فإن أقر بذلك على نفسه قبل منه وان
قال أردت واحدة قبل أيضا وإن كان كان حاسبا وقال القاضي لا يقبل إذا كان عارفا بالحساب ووقع
طلقتان لأنه خلاف ما اقتضاه اللفظ
ولنا انه فسر كلامه بما يحتمله فإنه لا يبعد ان يريد بكلامه ما يريده العامي وان لم يكن له نية
وكان عارفا بالحساب وقع طلقتان وقال الشافعي ان أطلق لم يقع الا واحدة لأن لفظ الايقاع إنما هو
الواحدة وما زاد عليها لم يحصل فيه لفظ الايقاع وإنما يقع الزائد بالقصد فإذا خلا عن القصد لم يقع الا ما
أوقعه وقال بعض أصحابه كقولنا وقال أبو حنيفة لا يقع الا واحدة سواء قصد به الحساب أو لم يقصد به
واحدة أو اثنتين لأن الضرب إنما يصح فيما له مساحة فأما ما لا مساحة له فلا حقيقة فيه للحساب وإنما حصل
330

منه الايقاع في واحدة فوقعت دون غيرها
ولنا ان هذا اللفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنين فإذ لفظ به وأطلق وقع كما لو قال أنت طالق
اثنتين وبهذا يحصل الانفصال عما قاله الشافعي فإن اللفظ الموضوع لا يحتاج معه إلى نية فأما ما قاله
أبو حنيفة فإنما ذلك في موضع الحساب بالأصل ثم صار مستعملا في كل ماله عدد فصار حقيقة فيه فأما
ا لجاهل بمقتضي ذلك الحساب إذا أطلق وقعت طلقة واحدة لأن لفظ الايقاع إنما هو لفظة واحدة وإنما صار
مصروفا إلى اثنين بوضع أهل الحساب واصطلاحهم فمن لا يعرف اصطلاحهم لا يلزمه مقتضاه كالعربي
ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها فإن نوى موجبه عند الحساب وهو لا يعرفه فقال ابن
حامد لا يقع هو كالحاسب قياسا عليه لاشتراكهما في النية وعند القاضي تطلق واحدة لأنه إذا لم يعرف
موجبه لم يقصد ايقاعه فهو كالعجمي ينطلق بالطلاق بالعربي لا يفهمه وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي
إذا لم يكن يعرف موجبه لأنه لا يصح منه قصد ما لا يعرفه ويحتمل ان تطلق ثلاثا بناء على أن في معناها
مع فالتقدير أنت طالق طلقة مع طلقتين قال شيخنا ولم يفرق أصحابنا في ذلك بين أن يكون المتكلم
بذلك ممن لهم عرف في هذا أولا والظاهر أن كان المتكلم بذلك ممن عرفهم ان في ههنا بمعني مع وقعت
الثلاث لأن كلامه يحمل على عرفهم والظاهر منه ارادته وهو المتبادر إلى الفهم من كلامه
331

(فصل) إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان نص عليه أحمد وقال الشافعية يقع ثلاث
في أحد الوجهين لأن قوله أنت طالق ايقاع فلا يجوز ايقاع الواحدة مرتين فيدل على أنه أوقعها ثم
أراد دفعها ووقع اثنتين آخرتين فوقع الثلاث
ولنا أن ما لفظ به قبل الاضراب لفظ به بعده فلم يلزمه أكثر مما بعده كقوله له على درهم بل
درهمان وقولهم لا يجوز ايقاع ما أوقعه قلنا يجوز أن تجبره بوقوعه مع وقوع غيره فلا يقع الزائد بالشك
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه وإذا قال أنت طالق نصف طلقة أو نصفي طلقة أو نصف
طلقتين طلقت طلقة وإذا قال أنت طالق نصف طلقة أو جزءا منها وان قل وقع طلقة كاملة في قول
عامة أهل العلم إلا داود قال لا تطلق بذلك قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنها
تطلق بذلك منهم الشعبي والحارث العكلي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد قال
أبو عبيد وهو قول مالك وأهل الحجاز وأهل العراق وذلك لأن ذكر ما لا يتبعض في الطلاق ذكر
لجميعه كما لو قال نصفك طالق فإن قال نصفي طلقة وقعت طلقة لأن نصفي الشئ كله وان قال أنت طالق
نصف طلقتين وقعت واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة وذكر أصحاب الشافعي وجها آخر أنه يقع
طلقتان لأن اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل وما ذكرناه أولى لأن التنصيف يتحقق
به وفيه عمل باليقين والغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة فكان أولى
332

* (مسألة) * (وان قال نصفي طلقتين وقعت طلقتان) لأن نصفي النئ جميعه فهو كما لو قال أنت طالق طلقتين
* (مسألة) * (وان قال ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين)
لأن ثلاثة الانصاف طلقة ونصف وكمل النصف فصار طلقتين وهذا وجه لأصحاب الشافعي
ولهم وجه آخر أنها لا تطلق إلا واحدة لأنه جعل الانصاف من طلقة واحدة فسقط ما ليس منها ويقع
طلقة لأن إسقاط الطلاق الموقع من الأول في المجلس لا سبيل إليه وإنما الإضافة إلى الطلقة الواحدة
غير صحيحة فلغت الإضافة وان قال أنت طالق نصف ثلاث طلقات طلقت طلقتين لأن نصفها طلقة
ونصف ثم يكمل النصف فيصير طلقتين
* (مسألة) * (وان قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثا ويحتمل ان تطلق طلقتين)
نص أحمد على وقوع الثلاث في رواية مهنا وقال أبو عبد الله بن حامد تقع طلقتان لأن معناه
ثلاثة انصاف من طلقتين وذلك طلقة ونصف ثم يكمل فيصير وقيل بل لأن النصف الثالث من
طلقتين محال ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين
ولنا ان نصف الطلقتين طلقة وقد أوقعت ثلاثا فيقع ثلاث كما لو قال أنت طالق ثلاث طلقات
وقولهم معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين تأويل يخالف ظاهر اللفظ فإنه على ما ذكره يكون ثلاثة أنصاف
333

طلقتين مخالفة لثلاثة أنصاف طلقة وقولهم إنه مخالف قلنا وقوع نصف الطلقتين عليها ثلاث مرات
ليس بمحال فوجب ان يقع
* (مسألة) * (وان قال نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة)
لأنه لم يعطف بواو العطف فيدل على أن هذا الاجزاء من طلقة غير متغايرة وان الثاني ههنا
يكون بدلا من الأول والثالث من الثاني والبدل هو المبدل أو بعضه فلم تتبعض المغايرة وعلى هذا التعليل
لو قال أنت طالق طلقة نصف طلقة أو طلقة طلقة لم تطلق إلا طلقة وكذلك ان قال نصفا وثلثا
وسدسا لم يقع إلا طلقة لأن هذه أجزاء للطلقة إلا أن يريد من كل طلقة جزءا فتطلق ثلاثا ولو قال أنت
طالق نصفا وثلثا وربعا طلقت طلقتين لأنه يزيد على الطلقة نصف سدس طلقة ثم يكمل وان أراد من
كل طلقة جزءا طلقت ثلاثا وان قال أنت طلقة وأنت نصف طلقة أو أنت نصف طلقة ثلث طلقة سدس
طلقة أو أنت نصف طالق وقع بها طلقة بناء على قولنا في قوله أنت الطلاق إنه صريح في الطلاق وههنا مثله
* (مسألة) * (وان قال نصف طلقة وثلث طلقة طلقت ثلاثا)
ذكره أصحابنا لأنه عطف جزءا من طلقة على جزء من طلقة وظاهره أنها طلقات متغايرة ولأنه
لو كانت الثانية هي الأولى لجاء بها بلام التعريف فقال ثلث الطلقة وسدس الطلقة فإن أهل العربية قالوا
إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكرا فالثاني غير الأول وان أعيد معرفا بالألف واللام فالثاني هو الأول
334

لإعادته معرفا وليس الثاني غير الأول لإعادته منكرا ولهذا قيل لن يغلب عسر يسيرين وقيل لو
أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير لأنه أولى
* (مسألة) * (وإذا قال لأربع نسوة أوقعت بينكن طلقة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا وقع بكل واحدة طلقة)
إذا قال أوقعت بينكن طلقة وقع بكل واحدة منهن طلقة كذلك قال الحسن والشافعي وأبو عبيد
وأصحاب الرأي لأن اللفظ اقتضى قسمها بينهن لكل واحدة ربعها ثم يكمل وان قال بينكن طلقة
فكذلك نص عليه احمد لأن معناه أوقعت بينكن طلقة وان قال أوقعت بينكن طلقتين فكذلك ذكره
أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وقال أبو بكر والقاضي يقع بكل واحدة طلقتان وعن أحمد
ما يدل عليه فإنه روي عنه في رجل قال أوقعت بينكن ثلاث تطليقات ما أرى إلا قد بن منه ووجه
ذلك انا إذا قسمنا كل طلقة بينهن حصل لكل واحدة جزء من طلقتين ثم يكمل والأول أولى لأنه لو
قال أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة ويكمل نصيبها من الطلاق في واحدة فيكون لكل واحدة
نصف ثم يكمل طلقة واحدة وإنما يقسم بالاجزاء مع الاختلاف كالدور ونحوها من المختلفات أما الجمل
المتساوية من جنس كالنقود فإنما تقسم برؤوسها ويكمل نصيب كل واحد من واحد كاربعة لهم درهمان
صحيحان فإنه يجعل لكل واحد نصف من درهم واحد والطلقات لا خلاف فيها ولان فيما ذكرناه
أخذا باليقين فكان أولى من إيقاع طلقة زائدة بالشك فاما ان أراد قسمة كل طلقة بينهن فهو على
335

ما قال أبو بكر وان قال أوقعت بينكن ثلاثا أو أربعا فعلى قولنا يقع بكل واحدة طلقة وعلى قولهما يطلقن ثلاثا ثلاثا
* (مسألة) * (وان قال أوقعت بينكن خمسا وقع بكل واحدة طلقتان)
وبه قال الحسن وقتادة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأن نصيب كل واحدة تطليقة وربع
ثم يكمل وكذلك ان قال ستا أو سبعا أو ثمانيا وان قال أوقعت بينكن تسعا وقع بكل واحدة ثلاث
على القولين جميعا
(فصل) فإن قال أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة وقع بكل واحدة منهن ثلاث لأنه لما عطف وجب
قسم كل طلقة على حدتها ويستوي في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب لأن الواو لا تقتضي
ترتيبا وقيل يقع بها واحدة على الأولى خاصة كما إذا قال أوقعت بينكن ثلاثا ذكره صاحب المجرد
وان قال أوقعت بينكن نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فكذلك لأن هذا يقتضي وقوع ثلاث
على ما قدمنا وان قال أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة أو طلقتها طلقة ثم طلقة أو أوقعت بينكن طلقة
وأوقعت بينكن طلقة طلقن ثلاثا إلا التي لم يدخل بها فإنها لا تطلق إلا واحدة لأنها بانت بالأولى فلم يلحقها ما بعدها
(فصل) فإن قال لنسائه أنتن طالق ثلاثا أو طلقتكن ثلاثا طلقن ثلاثا نص عليه أحمد لأن قوله
طلقتكن يقتضي تطليق كل واحدة منهن وتعميمهن به ثم وصف ما عمهن به من الطلاق بأنه ثلاث فصار
336

لكل واحدة ثلاث بخلاف قوله أوقعت بينكن ثلاثا فإنه يقتضي قسمة الثلاث عليهن لكل واحدة
منهن جزءا منها وجزء الواحدة من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة
(فصل) إذا قال نصفك أو جزء منك أو أصبعك أو دمك طالق طلقت، متى طلق جزءا من
المرأة من أجزائها النابتة طلقت كلها سواء كان شائعا كنصفها أو سدسها أو جزءا من ألف جزء منها
أو جزءا معينا كيدها أو رأسها أو أصبعها، وهذا قول الحسن ومذهب الشافعي وأبي ثور وابن القاسم
من أصحاب مالك وقال أصحاب الرأي ان أضافه إلى جزء شائع أو واحد من أعضاء خمسة: الرأس
والوجه والرقبة والظهر والفرج طلقت وان أضافه إلى جزء معين غير هذه الخمسة لم تطلق لأنه جزء
تبقى الجملة بدونه أو جزء لا يعبر به عن الجملة فلم تطلق المرأة لإضافة الطلاق إليه كالسن والظفر
ولنا أنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع والأعضاء الخمسة
ولأنها جملة لا تتبعض في الحل والحرمة وجد فيها ما يقتضي التحريم والإباحة فغلب فيها حكم التحريم
كما لو اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد، وفارق ما قاسوا عليه فإنه ليس يبقى فإن الشعر والظفر يزولان
ويخرج غيرهما ولا تنقض منها الطهارة
337

* (مسألة) * (وان قال شعرك أو ظفرك أو سنك طالق لم تطلق)
وبهذا قال أصحاب الرأي ويحتمل أن تطلق ذكره صاحب المحرر وقال مالك والشافعي تطلق بذلك
ونحوه عن الحسن لأنه جزء يستباح بنكاحها فتطلق بطلاقه كالإصبع
ولنا أنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة، وفارق الإصبع فإنها لا تنفصل في حال السلامة والسن
تزول من الصغير ويخلق غيرها وتنقلع من الكبير بخلاف الإصبع فلم تطلق بطلاقه كالحمل والريق
ولان الشعر لا روح فيه ولا ينقض الوضوء مس فأشبه العرق واللبن
* (مسألة) * (وان أضافه إلى الريق والحمل والدمع والعرق لم تطلق)
لا نعلم فيه خلافا لأن هذه ليست من جسمها فإن الريق والدمع والعرق فضلات والحمل وإن كان
متصلا بها الا ان مآله إلى الانفصال فلذلك لم تطلق به وهو مودع فيها. قال الله تعالى (وهو الذي
أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) في بطن الام
* (مسألة) * (وان قال روحك طالق طلقت)
لأن الحياة لا تبقى بدون روحها كالدم، وقال أبو بكر لا يختلف قول أحمد في الطلاق والعتاق
والظهار والحرام ان هذه الأشياء لا تقع إذا ذكر أربعة أشياء: الشعر والسن والظفر والروح. جرد
لقول عنه مهنأ بن يحيى والفضل بن زياد القطان فبذلك أقول ووجهه أن الروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به
338

(فصل) فيما يخالف المدخول بها غيرها
* (مسألة) * (إذا قال للمدخول بها أنت طالق أنت طالق طلقت طلقتين الا أن ينوي بالثانية
التأكيد أو افهامها)
إذا قال لامرأته المدخول بها أنت طالق مرتين ونوى بالثانية إيقاع طلقة ثانية وقعت بها طلقتان بلا
خلاف وان نوى بها افهامها أن الأولى قد وقعت بها أو التأكيد لم تطلق الا واحدة، وان لم تكن له نية
وقعت طلقتان، وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو الصحيح من قولي الشافعي وقال في الآخر تطلق واحدة
لأن التكرار يكون للتأكيد والافهام ويحتمل الايقاع فلا نوقع طلقة بالشك
ولنا أن هذا اللفظ للايقاع ويقتضي الوقوع بدليل ما لو يتقدمه مثله وإنما ينصرف عن ذلك بنية
التأكيد والافهام فإذا لم يوجد ذلك وقع مقتضاه كما يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصص
وبالاطلاق في المطلق إذا لم يوجد المقيد، فأما غير المدخول بها فلا تطلق الا واحدة سواء نوى الايقاع
أو غيره وسواء قال ذلك منفصلا أو متصلا وهذا قول عكرمة والنخعي وحماد بن أبي سليمان والحكم
والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبي عبيد وابن المنذر وذكره الحاكم عن علي وزيد بن ثابت
وابن مسعود وقال مالك والأوزاعي والليث يقع بها طلقتان وان قال ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا إذا كان
متصلا لأنه طلق ثلاثا بكلام متصل أشبه قوله أنت طالق ثلاثا
339

ولنا أنه طلاق مفرق في غير المدخول بها فلم يقع الا الأولى كما لو فرق كلامه ولان غير المدخول
بها تبين بطلقة لأنه لا عدة عليها فتصادفها الطلقة الثانية بائنا فلا يقع الطلاق بها لأنها غير زوجة ولأنه قول
من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم فيكون اجماعا
(فصل) فأما إن قال أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية ولم
يقبل قوله نويت التوكيد لأن التوكيد تابع للكلام فشرطه أن يكون متصلا به كسائر التوابع من
العطف والصفة والبدل.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو طالق بل طلقتين أو بل طلقة أو
طالق طلقة بعدها أو قبل طلقة طلقت طلقتين إن كانت مدخولا بها وإن كانت غير مدخول بها
بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها وعنه فيما إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقة أو طالق بل طالق أنه لا يقع
بالمدخول بها الا طلقة بناء على ما إذا قال له علي درهم بل درهم ذكره في المحرر)
كل طلاق مرتب في الوقوع يأتي بعضه بعد بعض لا يقع بغير المدخول بها منه أكثر من واحدة
لما ذكرنا ويقع بالمدخول بها ثلاث إذا أوقعها كقوله أنت طالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق وأنت
طالق أو فطالق وأشباه ذلك لأن هذه حروف تقتضي الترتيب فتقع بها الأولى فتبينا فتأتي الثانية فتصادفها
بائنا غير زوجة فلا تقع بها
340

فأما المدخول بها فتأتي الثانية فتصادفها محل النكاح فتقع وكذلك الثالثة وكذلك لو قال أنت طالق بل
طالق وطالق ذكره أبو الخطاب، وان قال أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعد طلقة أو بعدها طلقة أو
طلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة وقع بغير المدخول بها طلقة وبالمدخول بها اثنتان لما ذكرنا من أن هذا
يقتضي طلقة بعد طلقة
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي)
وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يقع بغير المدخول بها شئ بناء على قولهم في السريجية وقال
أبو بكر وأبو الخطاب يقع اثنتان وهو قول أبي حنيفة لأنه استكمال وقوع الطلقة الأخرى قبل
الطلقة الموقعة فوقعت معها لأنها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد ايقاعها فيه لكونه زمانا ماضيا وجب
ايقاعها في أقرب الأزمنة وهو معها ولا يلزم تأخرها إلى ما بعدها لأن قبله زمنا يمكن الوقوع فيه وهو
زمن قريب فلا يؤخر إلى البعيد
ولنا أن هذا طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه كما لو قال طلقه بعد طلقة أو
قال أنت طالق طلقة غدا وطلقة اليوم ولو قال جاء زيد بعد عمرو أو جاء زيد وقبله عمرو أو أعط زيدا
بعد عمرو كان كلامه صحيحا يفيد تأخر المتقدم لفظا عن المذكور بعده. وليس هذا طلاقا في زمن
ماض وإنما يقع ايقاعه في المستقبل على الوجه الذي رتبه، ولو قدر أن إحداهما موقعة في زمن ماض
341

لامتنع وقوعها ووقعت الأخرى وهذا تعليل القاضي لكونه لا يقع الا واحدة. قال شيخنا والأول
من التعليلين أصح إن شاء الله تعالى
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين)
إذا قال أنت طلق طلقة معها طلقة وقع بها طلقتان سواء في ذلك المدخول بها أو غيرها وان
قال معها اثنتان وقع بها ثلاث في قياس المذهب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وقال أبو يوسف
تقع واحدة لأن الطلقة إذا وقعت مفردة لم يكن أن يكون معها شئ
ولنا أنه أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهن معا فوقعن كلهن كما لو قال أنت طالق ثلاثا ولا
نسلم أن الطلقة تقع مفردة فإن الطلاق لا يقع بمجرد اللفظ به إذ لو وقع بذلك لما صح تعليقه بشرط
ولا صح وصفه بالثلاث ولا بغيرها
(فصل) إذا قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق وقعت طلقتان، وان قال أنت طالق
وطالق وطالق طلقت ثلاثا وبه قال مالك والأوزاعي والليث وربيعة وابن أبي ليلى وحكي عن الشافعي
في القديم ما يدل عليه، وقال الثوري والشافعي لا يقع الا واحدة لأنه أوقع الأولى قبل الثانية فلم يقع عليها
شئ آخر كما لو فرقها وذكره ابن أبي موسى في الارشاد وجها في المذهب
ولنا أن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها فيكون موقعا للثلاث جميعا فيقعن عليها كقوله أنت طالق
342

ثلاثا أو طلقة معها طلقتان، ويفارق ما إذا فرقها فإنه لا يقع جميعا وكذلك إذا عطف بعضها على بعض
بحرف يقتضي الترتيب فإن الأولى تقع قبل الثانية بمقتضى إيقاعه وههنا لا تقع الأولى حين نطقه بها
حتى يتم كلامه بدليل أنه لو ألحقه استثناءا أو شرطا لحق به ولم يقع الأول مطلقا ولو كان يقع حين نطقه
لم يلحقه شئ من ذلك، وإذا ثبت أنه يقف وقوعه على تمام الكلام فإنه يقع عند تمام كلامه على الوجه
الذي اقتضاه لفظه ولفظه يقتضي وقوع الطلقات الثلاث مجتمعات، فإن قيل إنما أوقعنا أول الكلام
على آخره مع الشرط والاستثناء لأنه معبر له والعطف لا يعبر فلا يتوقف عليه، ويتبين أنه وقع أول
ما لفظ به وكذلك لو قال لها أنت طالق أنت طالق لم يقع إلا واحدة، قلنا ما لم يتم الكلام فهو عرضة
للتغيير اما بما يخصه بزمن أو يقيده بقيد كالشرط وإما بما يمنع بعضه كالاستثناء، واما بما يبين عدد
الواقع كالصفة بالعدد وأشباه هذا فيجب أن يكون واقعا ولولا ذلك لما وقع بغير المدخول بها ثلاث
بحال لأنه لو قال لها أنت طالق ثلاثا فوقعت بها طلقة قبل قوله ثلاثا لم يكن أن يقع شي آخر وأما إذا
قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهاتان جملتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى ولو تعقب إحداهما
شرط أو استثناء أو صفة لم يتناول الأخرى فلا وجه لوقوف إحداهما على الأخرى والمعطوف مع
343

المعطوف عليه شئ واحد لو تعقبه شرط لعاد إلى الجميع ولان المعطوف لا يستقل بنفسه ولا يفيد
بمفرده بخلاف قوله أنت طالق فإنها جملة مفيدة لا تعلق لها بالأخرى فلا يصح قياسها عليها
(فصل) فإن قال أنت طلق طلقتين ونصفا فهي عندنا كالتي قبلها تقع الثلاث وقال مخالفونا تقع طلقتان
(فصل) وإذا قال أنت طالق طلقة بعدها طلقة ثم قال أردت أن أوقع بعدها طلقة دين وهل
يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين. وان قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقال أردت أني طلقتها
قبل هذا في نكاح آخر أو أن زوجا قبلي طلقها دين، وهل يقبل في الحكم؟ فيه ثلاثة أوجه
(أحدها) يقبل (والثاني) لا يقبل (والثالث) يقبل إن كان وجد، والصحيح أنه لا يقبل إذا
لم يكن وجد لأنه لا يحتمل ما قاله.
(فصل) فإن قال أنت طالق طالق طالق وقال أردت التوكيد قبل منه لأن الكلام تكرار للتأكيد
كقوله عليه السلام " فنكاحها باطل باطل باطل " وإن قصد الايقاع وتكرار اللفظان طلقت ثلاثا.
وإن لم ينو شيئا لم يقع إلا واحدة لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة فلا تكن متغايرات، وإن
قال أنت طالق وطالق وطالق وقال أردت بالثانية التأكيد لم يقبل لأنه غاير بينهما وبين الأولى بحرف
يقتضي العطف والمغايرة وهذا يمنع. وأما الثالثة فهي كالثانية في لفظها فإن قال أردت بها التوكيد دين
وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين
344

(إحداهما) يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه كرر لفظ الطلاق مثل الأول فقبل تفسيره بالتأكيد
كما لو قال أنت طالق أنت طالق والثانية لا يقبل لأن حرف العطف للمغايرة فلا يقبل منه ما يخالف
ذلك كما لا يقبل في الثانية ولو قال أنت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق فالحكم فيها
كالتي عطفها بالواو فإن غاير بين الحروف فقال أنت طالق وطالق ثم طالق ثم طالق وطالق أو طالق
وطالق فطالق ونحو ذلك فلم يقبل في شئ منها إرادة التوكيد لأن كل كلمة مغايرة ما قبلها مخالفة لها في
لفظها والتوكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته
(فصل) فإن قال أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة وقال أردت التوكيد بالثانية والثالثة قبل لأنه
لم يغاير بينهما بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد اللفظة بمعناها ومثل هذا يعاد توكيدا
وان قال أنت طلقة ومسرحة ومفارقة وقال أردت التوكيد احتمل ان يقبل منه لأن اللفظ المختلف يعطف
بعضه على بعض توكيدا * فألفي قولها كذبا ومينا * ويحتمل ان لا يقبل لأن الواو تقتضي المغايرة فأشبه
ما لو كان بلفظ واحدا
* (مسألة) * (والمعلق كالمنجز في حكم المدخول بها وغيرها)
فلو قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق فدخلت الدار طلقت ثلاثا وبه قال أبو يوسف
345

ومحمد وأصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة تقع واحدة لأن الطلاق المطلق إذا وجدت
الصفة يكون كأنه أوقعه في الحال على تلك الصفة ولو أوقعه كذلك لم يقع الا واحدة
ولنا انه وجد شرط وقوع ثلاث طلقات غير مرتبات فوقع الثلاث كما لو قال إن دخلت الدار فأنت
طالق وكرر ذلك ثلاثا فدخلت فإنها تطلق ثلاثا في قول الجميع
* (مسألة) * (وان قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقة فدخلت طلقت طلقتين وذكر
مثل هذا بعض أصحاب الشافعي ولم يحك عنهم فيه خلافا وكذلك إذا قال طلقة مع طلقة فدخلت
* (مسألة) * (وان قال لغير مدخول بها أنت طالق ثم طالق ثم طالق ان دخلت الدار وان دخلت الدار
فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت واحدة فبانت بها ولم تطلق غيرها)
وبهذا قال الشافعي وذهب القاضي إلى انها تطلق في الحال واحدة تبين بها وهو قول أبي حنيفة
في الصورة الأولى لأن ثم تقطع الأولى عما بعدها للمهلة فتكون الأولى واقعة والثانية معلقة بالشرط وقال أبو
يوسف
ومحمد لا يقع حتى تدخل الدار فيقع بها ثلاث لأن دخول الدار شرط للثلاث فوقعت كما لو قال إن
دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق
ولنا ان ثم للعطف وفيها ترتيب فتعلقت التطليقات كلها بالدخول لأن العطف لا يمنع تعلق الشرط
346

بالمعطوف عليه ويجب الترتيب فيها كما يجب لو لم يعلقه بالشرط وفي هذا انفصال عما ذكروه ولان
الأولى تلي الشرط فلم يجز وقوعها بدونه كما لو لم يعطف عليها ولأنه جعل الأولى جزءا للشرط وعقبه
إياها بفاء التعقيب الموضوعة للجزاء فلم يجز تقديمها عليه كسائر نظائره ولأنه لو قال إن دخل زيد
داري فاعطه درهما ثم درهما لم يجز ان يعطيه قبل دخوله فكذا ههنا وما ذكروه تحكم ليس له شاهد
في اللغة ولا أصل في الشرع فاما ان قال لمدخول بها ان دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق لم يقع
بها شئ حتى تدخل الدار فيقع بها الثلاث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وذهب القاضي إلى وقوع
طلقتين في الحال وتبقى الثالثة معلقة بالدخول وهو ظاهر الفساد فإنه يجعل الشرط المتقدم للمعطوف دون
المعطوف عليه ويعلق به ما بعد عنه دون ما يليه ويجعل جزاءه ما لم يوجد فيه الفاء التي يجازى بها دون ما
وجدت يه تحكما لا يعرف عليه دليل ولا نعلم له نظيرا وان قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق فطالق
فطالق فدخلت طلقت ثلاثا في قولهم جميعا
* (مسألة) * (وان قال إن دخلت الدار فأنت طالق ان دخلت فأنت طالق فدخلت طلقت طلقتين بكل حال)
وان كرر ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا في قول الجميع لأن الصفة وجدت فاقتضى وقوع الطلاق
والثلاث دفعة واحدة والله أعلم
347

(باب الاستثناء في الطلاق)
حكي أبي بكر انه لا يصح الاستثناء في الطلاق والمذهب على أنه يصح استثناء ما دون النصف
ولا يصح فيما زاد عليه وفي استثناء النصف وجهان
إذا استثنى في الطلاق بلسانه صح استثناؤه وهو قول جملة أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من
نحفظ عنه من أهل العلم علي أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا الا واحدة انها تطلق طلقتين منهم الثوري
والشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن أبي بكر ان الاستثناء لا يؤثر في عدد الطلقات ويجوز في المطلقات فلو قال
أنت طالق ثلاثا الا واحدة وقع الثلاث ولو قال نسائي طوالق الا فلانة لم تطلق لأن الطلاق لا يمكن
رفعه بعد ايقاعه والاستثناء يرفعه لو صح وما ذكره من التحليل باطل بما يسلمه من الاستثناء في
المطلقات وليس الاستثناء رفعا لما وقع إذ لو كان كذلك لما صح في المطلقات والاعتاق لا في الاقرار ولا في
الاخبار وإنما هو مبين أن المستثنى غير مراد في الكلام فهو يمنع أن يدخل فيه ما لولاه لدخل فقوله
(فليث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) عبارة عن تسعمائة وخمسين عاما، وقوله (انني براء مما
تعبدون الا الذي فطرني) مقتضاه أنه لم يتبرأ من الله، فكذلك قوله أنت طالق ثلاثا الا واحدة عبارة
عن اثنتين لا غير، وحرف الاستثناء المستولي عليه إلا ويشبه به أسماء وأفعال وحروف فالأسماء غير
348

وسوى، والافعال ليس وعدا، والحروف حاشا وخلا، فبأي كلمة استثنى بها صح الاستثناء
(فصل) ولا يصح استثناء الأكثر، نص عليه أحمد فلو قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين وقع
ثلاث والأكثرون على أن ذلك جائز، إلا أن أهل العربية إنا أجازوه في القليل من الكثير حكي
ذلك عن جماعة من أئمة اللغة فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وقع اثنتان ولو قال إلا اثنتين
وقع ثلاث، وان قال طلقتين الا طلقة ففيه وجهان
[أحدهما] يقع طلقة (والثاني) طلقتان بناء على صحة استثناء النصف هل يصح أولا؟ على وجهين
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا أو ثلاثا الا اثنتين أو خمسا الا ثلاثا أو ثلاثا الا
ربع طلقة طلقت ثلاثا)
إذا قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا وقع ثلاث بغير خلاف لأن الاستثناء لرفع المستثنى منه فلا
يصح أن يرفع جميعه وان قال ثلاثا الا اثنتين فعندنا يقع ثلاث بناء على أنه لا يصح استثناء الأكثر
وسنذكر ذلك والخلاف فيه ودليل كل واحد من القولين في كتاب الاقرار إن شاء الله تعالى وان
قال أنت طالق خمسا الا ثلاثا وقع ثلاث لأن الاستثناء ان عاد إلى الخمس فقد استثني الأكثر وان
عاد إلى الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلامها لا يصح، وان قال خمسا الا طلقة ففيه وجهان
[أحدهما] يقع ثلاث لأن الكلام مع الاستثناء كأنه نطق بما عدا المستثني فكأنه قال أنت طالق
349

أربعا (والثاني) يقع اثنتان، ذكره القاضي لأن الاستثناء يرجع إلى ما ملكه من الطلقات وما زاد
عليها يلغو وقد استثنى واحدة من الثلاث فيصح ويقع طلقتان وان قال ثلاث الا ربع طلقة طلقت ثلاثا
لأن الطلقة الناقصة تكمل فتصير ثلاثا
* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق اثنتين إلا واحدة فعلى وجهين ذكرناهما، وذلك مبني على
صحة استثناء النصف)
وان قال أنت طالق أربعا إلا اثنتين فعلى الوجهين يصح الاستثناء ويقع طلقتان وعلى قول القاضي
ينبغي أن لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى الثلاث فيكون استثناء الأكثر
* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين الا واحدة، فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين؟
على وجهين).
وجملة ذلك أن الاستثناء من الاستثناء لا يصح منه في الطلاق إلا هذه المسألة فإنه يصح إذا
أجزنا استثناء النصف فيقع به طلقتان فإن قيل فكيف أجزتم استثناء الثنتين من الثلاث وهي أكثرها؟
قلنا لأنه لم يسكت عليها بل وصلها بأن استثنى منها طلقة فصارتا عبارة عن واحدة وان قلنا لا يصح
استثناء النصف وقع الثلاث.
350

* (مسألة) * (وان قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا واحدة لم يصح ووقع ثلاث)
لأنه إذا استثنى واحدة من ثلاث بقي اثنتان لا يصح استثناؤهما من الثلاث الأولى فيقع الثلاث
وذكر أبو الخطاب فيها وجها آخر أنه يصح لأن الاستثناء الأول يغلو لكونه استثنى الجميع فيرجع قوله
الا واحدة إلى الثلاث المثبتة فيقع منها طلقتان والأول أولى لأن الاستثناء من الاثبات نفي، ومن
النفي اثبات، فإذا استثنى من الثلاث المنفية طلقة كان مثبتا لها فلا يجوز جعلها من الثلاث المثبتة لأنه
يكون اثباتا من اثبات.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق وطالق الا واحدة أو طلقتين وواحدة الا واحدة أو طلقتين
ونصفا الا واحدة طلقت ثلاثا ويحتمل أن يقع طلقتان)
في هذه المسائل الثلاث وجهان:
(أحدهما) لا يصح الاستثناء لأن الاستثناء يرفع الجملة الأخيرة بكمالها من غير زيادة عليها فيصير
ذكره استثناءها لغوا وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى الغائه والغاء المستثنى منه بطل كاستثناء الجميع
ولان الغاءه وحده أولى من الغائه والغاء غيره ولان الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة في أحد الوجهين
فيكون استثناء للجميع
351

(والوجه الثاني) يصح الاستثناء ويقع طلقتان لأن العطف بالواو يجعل الجملتين كالجملة الواحدة
فيصير مستثنيا واحدة من ثلاث وكذلك لو قال له علي مائة وعشرون الا خمسين صح والأول مذهب
أبي حنيفة والشافعي.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق واحدة، واثنتين الا واحدة)
فعلي الوجه الثاني يصح الاستثناء، وعلى الوجه الأول يخرج في صحته وجهان بناء على استثناء
النصف فإن كان العطف بغير واو كقوله أنت طالق فطالق أو طالق ثم طالق ثم طالق الا طلقة لم يصح
الاستثناء لأن هذا حرف يقتضي الترتيب وكون الطلقة الأخيرة مفردة عما قبلها فيعود الاستثناء إليها
وحدها فلا يصح، وان قال أنت طالق اثنتين واثنتين الا اثنتين لم يصح لأنه ان عاد إلى الجملة الأخيرة
فهو رفع لجميعها وان عاد إلى الثلاث التي يملكها فهو رفع لأكثرها وكلاهما لا يصح، ويحتمل أن
يصح بناء على أن العطف بالواو يجعل الجملتين جملة واحدة وان استثناء النصف يصح فكأنه قال أربعا
الا اثنتين فإن قال أنت طالق اثنتين واثنتين الا واحدة احتمل أن يصح لأنه استثنى واحدة من ثلاث
واحتمل أن لا يصح لأنه عاد إلى الرابعة فقد بقي بعدها ثلاث، وان عاد إلى الواحدة الباقية من
الاثنتين فهو استثناء الجميع.
(فصل) وان قال أنت طالق ثلاثا الا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان (أحدهما) يلغو الاستثناء
352

ويقع ثلاث لأن العطف يوجب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه فيصير مستثنيا ثلاثا من ثلاث
وهذا وجه لأصحاب الشافعي، وقال أبو حنيفة والشافعي يصح الاستثناء في طلقة لأن استثناء الأقل
جائز وإنما لا يصح استثناء الثانية والثالثة فيلغو وحده، وقال أبو يوسف ومحمد يصح استثناء الثنتين وتلغو
الثالثة بناء على أصلهم في أن استثناء الأكثر جائز وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي، وان قال أنت
طالق طلقتين الا طلقة وطلقة ففيه الوجهان، وان قال أنت طالق ثلاثا الا طلقة ونصفا احتمل وجهين
أيضا أحدهما يلغو الاستثناء لأن النصف يكمل فيكون مستثنيا للأكثر فيلغو والثاني يصح في طلقة فيقع
طلقتان لما ذكرنا في التي قبلها، وان قال أنت طالق ثلاثا الا واحدة والا واحدة كان عاطفا لاستثناء
على استثناء فيصح الأول ويلغو الثاني لأننا لو صححناه لكان مستثنيا للأكثر فيقع به طلقتان، ويجئ
على قول من أجاز استثناء الأكثر انه يصح فيها فيقع طلقة واحدة، وان قال أنت طالق ثلاثا الا واحدة
الا واحدة كان مستثنيا من الواحدة المستثناة واحدة فيحتمل ان يلغو الاستثناء الثاني ويصح الأول
فيقع به طلقتان ويحتمل ان يقع به الثلاث لأن الاستثناء الثاني معناه اثبات طلقة في حقها لكون
الاستثناء من النفي اثباتا فيقع ذلك في إيقاع طلاقه وان لم يقبل في نفيه كما لو طلق طلقتين
ونصفا وقع به ثلاث
353

* (مسألة) * (وان قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه الا واحدة وقعت الثلاث وان قال نسائي
طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق)
وجملة ذلك أن ما يتصل باللفظ من قرينة أو استثناء على ثلاثة اضرب (أحدها) ما لا يصح نطقا ولا نية وذلك
نوعان (أحدهما) ما يرفع حكم اللفظ كله مثل ان يقول أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا وأنت طالق طلقة
لا تلزمك ولا تقع عليك فهذا لا يصح بلفظه ولا نيته لأنه يرفع حكم اللفظ كله فيصير الجميع لغوا فلا
يصح هذا في اللغة بالاتفاق وإذا كان كذلك سقط الاستثناء والصفة ووقع الطلاق
(الضرب الثاني) ما يقبل لفظا ولا يقبل نية لا في الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو استثناء
الأقل فهذا يصح لفظا لأنه من لسان العرب ولا يصح بالنية مثل ان يقول أنت طالق ثلاثا واستثنى
بقلبه الا واحدة أو أكثر فهذا لا يصح لأن العدد نص فيما يتناوله لا يحتمل غيره فلا يرتفع بالنية ما ثبت
بنص اللفظ فإن اللفظ أقوى من النية ولو نوى بالثلاث اثنتين كان مستعملا للفظ في غير ما يصلح
له فوقع مقتضى اللفظ ولغت نيته، وحكى عن بعض الشافعية انه يقبل فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال
نسائي طوالق واستثنى بقلبه الا فلانة، والفرق بينهما ان نسائي اسم عام يجوز التعبير به عن بعض ما وضع
له وقد استعمل العموم بإزاء الخصوص كثيرا فإذا أراد به البعض صح وقوله ثلاثا اسم عدد للثلاث لا يجوز
354

التعبير به عن عدد غيرها ولا يحتمل سواها بوجه فإذا أراد بذلك اثنتين فقد أراد باللفظ ما لا يحتمله
وإنما تعمل النية في صرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته فاما ما لا يحتمل فلا فإنه لو عملنا بها فيما لا يحتمل
كان عملا بمجرد النية ومجرد النية لا يعمل في نكاح ولا طلاق ولا بيع، ولو قال نسائي الأربع طوالق
أو قال لهن أربعتكن طوالق واستثنى بعضهن بالنية لم يقبل على قياس ما ذكرناه ولا يدين فيه
لأنه عنى باللفظ ما لا يحتمله
(الضرب الثالث) ما يصح نطقا وإذا نواه دين فيما بينه وبين الله تعالى وذلك مثل تخصيص العام
واستعمال اللفظ في مجازه مثل قوله نسائي طوالق يريد بعضهن أو ينوي بقوله طالق أي من وثاق فهذا
يقبل إذا كان لفظا واحدا لأنه وصل كلامه بما بين به مراده وإن كان بنيته قبل منه فيما بينه وبين الله
تعالى لأنه أراد تخصيص اللفظ العام واستعماله في الخصوص وهذا سائغ في الكلام فلا يمنع من استعماله
والتكلم به ويكون اللفظ بنيته منصرفا إلى ما اراده دون ما لم يرده وهل يقبل ذلك في
الحكم؟ يخرج على روايتين (إحداهما) يقبل لأنه فسر كلامه بما لا يحتمله فصح كما لو قال أنت طالق
أنت طالق وأراد بالثانية افهامها
(والثانية) لا يقبل لأنه خلاف الظاهر وهو مذهب الشافعي والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن
355

أكثر نصوص القرآن العامة أريد بها الخصوص، ومن شرط هذا أن تكون النية مقارنة للفظ وهو ان
يقول نسائي طوالق يقصد بهذا اللفظ بعضهن فأما ان كانت متأخرة عن اللفظ مثل ان قال نسائي
طوالق ثم بعد فراغه نوى بلفظه بعضهن لم تنفعه النية ووقع الطلاق بجميعهن وكذلك لو طلق نساءه
ونوى بعد طلاقهن أي من وثاقي لزمه الطلاق لأنه مقتضى اللفظ والنية الا ان خبره نية لا لفظ معها
فلا تعمل، ومن هذا الضرب تخصيص حال دون حال مثل ان يقول أنت طالق ثم يصله بشرط أو صفة
مثل قوله ان دخلت الدار أو بعد شهر أو قال إن دخلت الدار بعد شهر فهذا يصح إذا كان نطقا بغير
خلاف وان نواه ولم يلفظ به دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين
قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن حلف لا تدخل الدار وقال نويت شهرا يقبل منه
أو قال إذا دخلت دار فلان فأنت طالق ونوى تلك الساعة وذلك اليوم قبلت نيته والرواية الأخرى
لا يقبل فإنه قال إذا قال لامرأته أنت طالق ونوى في قلبه إلى سنة تطلق ليس بنظر إلى نيته وقال إذا قال
أنت طالق وقال نويت ان دخلت الدار لا يصدق، ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين بان يحمل قوله في عدم
القبول على الحكم فلا يكون بينهما اختلاف، والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها ان إرادة
الخاص بالعام شائع كثير وإرادة الشرط من غير ذكره غير سائغ فهو قريب من الاستثناء ويمكن ان يقال
هذا كله من جملة التخصيص
356

(فصل) إذا قالت له امرأة من نسائه طلقني فقال نسائي طوالق ولا نية له طلقن كلهن بغير خلاف
لأن لفظه عام وان قالت له طلق نساءك فقال نسائي طوالق فكذلك وحكى عن مالك ان السائلة لا تطلق
في هذه الصورة لأن الخطاب يقصر على سببه الخاص وسببه سؤال طلاق من سواها
ولنا ان اللفظ عام فيها ولم يرد به غير مقتضاه فوجب العمل بعمومه كالصورة الأولى والعمل بعموم
اللفظ أولى من خصوص السبب لأن ذلك الحكم هو للفظ فيجب اتباعه والعمل بمقتضاه في خصوصه
وعمومه، وكذلك لو كان أخص من السبب لوجب قصره على خصوصه واتباع صفة اللفظ دون
صفة السبب، فأما ان اخرج السائلة بنيته دين فيما بينه وبين الله تعالى في الصورتين وقيل في الحكم
وقيل في الصورة الثانية لأن خصوص السبب دليل على نيته ولم يقبل في الصورة الأولى قاله ابن حامد
لأن طلاقه جواب لسؤالها الطلاق لنفسها فلا يصدق في صرفه عنها لأنه يخالف الظاهر من وجهين ولأنها
سبب الطلاق وسبب الحكم لا يجوز اخراجه من العموم بالتخصيص وقال القاضي يحتمل ان لا تطلق لأن
لفظه عام والعام يحتمل التخصيص
357

* (باب الطلاق في الماضي والمستقبل) *
* (مسألة) * (إذا قال لزوجته أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك ينوي الايقاع وقع في الحال)
لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ
* (مسألة) * (وإن لم ينو لم يقع في ظاهر كلامه)
فروي عنه فيمن قال لزوجته أنت طالق أمس وإنما تزوجها اليوم ليس بشئ وهذا قول أبي بكر وقال
القاضي في بعض كتبه يقع الطلاق وهو مذهب الشافعي لأنه وصف المطلقة بما لا تتصف به فلغت
الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لها ولا بدعة أنت طالق للسنة أو قال أنت طالق طلقة لا
تلزمك، ووجه الأول أن الطلاق رفع للاستباحة ولا يمكن رفعها في الزمن الماضي فلم يقع كما لو قال
أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم فإن أصحابنا لم يختلفوا في أن الطلاق لا يقع وهو قول
أصحاب الشافعي وهذا طلاق في زمن ماض ولأنه علق الطلاق بمستحيل فلغا كما لو قال أنت طالق
ان قلبت الحجر ذهبا، والحكم في قوله أنت طالق قبل أن تزوجك كما إذا قال أنت طالق أمس
* (مسألة) * (وحكي عن أبي بكر أنه يقع إذا قال قبل أن أتزوجك ولا يقع إذا قال أنت طالق أمس)
قال القاضي ورأيت بخط أبي بكر في جزء مفرد أنه قال إذا قال أنت طالق قبل أن أتزوجك
طلقت ولو قال أنت أمس لم يقع لأن أمس لا يمكن وقوع الطلاق فيه وقبل تزوجها متصور
358

الوجود فإنه يمكن أن يتزوجها ثانيا وهذا الوقت قبله فوقع في الحال كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد
* (مسألة) * (وإذا قال أردت ان زوجا قبلي طلقها أو طلقتها أنا في نكاح قبل هذا قبل منه إذا
احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد)
إذا أراد الاخبار أنه كان طلقها هو أو زوج قبله في ذلك الزمان الذي ذكره وكان قد وجد
ذلك قبل منه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي يقبل على ظاهر كلام أحمد لأنه فسره بما يحتمله وان أراد
اني كنت طلقتك أمس فكذبته لزمتها الطلقة وعليها العدة من يومها لأنها اعترفت أن أمس لم يكن من عدتها
* (مسألة) * فإن مات أو جن أو خرس قبل العلم بمراده فهل تطلق؟ على وجهين)
بناء على اختلاف القولين في المطلق ان قلنا لا يقع به شئ لم يلزمه ههنا شئ وان قلنا بوقوعه ثم وقع ههنا
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل مضي شهر لم تطلق بغير
خلاف من أصحابنا)
وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه تعليق للطلاق على صفة كان وجودها ممكنا فوجب اعتبارها
وان قدم زيد مع مضي الشهر لم تطلق لأنه لابد من جزء يقع الطلاق فيه
* (مسألة) * (وان قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا وقوعه فيه لأنه ايقاع للطلاق بعد عقده)
وبهذا قال الشافعي وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه يقع عند قدومه لأنه جعل الشهر شرطا لوقوع
الطلاق فلا يسبق الطلاق شرطه
359

ولنا أنه أوقع الطلاق في زمن على صفة فإذا حصلت الصفة وقع فيه كما لو قال أنت طالق قبل
شهر رمضان بشهر أو قبل موتك بشهر فإن أبا حنيفة خاصة يسلم ذلك ولا نسلم أنه جعل الشهر
شرطا وليس فهي حرف الشرط
* (مسألة) * (وإن خالعها بعد اليمين بيوم وكان الطلاق بائنا ثم قدم بعد الشهر بيومين صح الخلع وبطل الطلاق)
لأنه صادفها بائنا وان قدم بعد شهر وساعة وقع الطلاق دون الخلع ولها الرجوع بالعوض الا
أن يكون الطلاق رجعيا لأن الرجعية يصح خلعها
(فصل) فإن مات أحدهما بعد عقد الصفة بيومين ثم قدم زيد بعد شهر وساعة من حين عقد الصفة
لم يرث أحدهما الآخر لأنا تبينا أن الطلاق قد كان وقع قبل موت الميت منهما فلم يرثه صاحبه الا أن
يكون الطلاق رجعيا فإنه لا يقطع التوارث ما دامت في العدة فإن قدم بعد الموت بشهر وساعة تبينا أن
الفرقة وقعت بالموت ولم تقع بالطلاق، فإن قال أنت طالق قبل موتي بشهر فمات أحدهما قبل مضي
شهر لم يقع طلاق لأن الطلاق لا يقع في الماضي وإن مات بعد عقد اليمين بشهر وساعة تبينا وقع
الطلاق في تلك الساعة ولم يتوارثا الا أن يكون الطلاق رجعيا وتموت في عدتها
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال)
لأن ما قبل موته من حين عقد الصفة محل للطلاق فوقع لاوله، وان قال قبل موتك أو موت زيد
فكذلك وان قال أنت طالق قبيل موتي أو قبيل قدوم زيد لم يقع في الحال وإنما يقع ذلك في الجزء الذي
360

يليه الموت لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء الصغير الذي يبقى وان قال أنت طالق قبل قدوم زيد أو قبل
دخولك الدار فقال القاضي تطلق في الحال سواء قدم زيد أو لم يقدم بدليل قول الله تعالى (يا أيها
الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها)
ولم يوجد الطمس في المأمورين ولو قال لغلامه اسقيني قبل أن أضربك فسقاه في الحال عد ممتثلا
وان لم يضربه وان قال أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر فقال القاضي تتعلق الصفة بأولهما موتا
لأن اعتباره بالثاني يفضي إلى وقوعه بعد موت الأول واعتباره بالأول لا يفضي إلى ذلك فكان أولى
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق بعد موتي أو مع موتي لم تطلق نص عليه احمد)
وكذلك ان قال بعد موتك أو مع موتك وبه قال الشافعي ولا نعلم في مخالفا لأنها تبين بموت
أحدهما فلا يصادف الطلاق نكاحا يزيله
* (مسألة) * (وان تزوج أمة أبيه ثم قال إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق فمات أبوه أو
اشتراها لم يقع الطلاق)
اختاره القاضي لأنه بالموت والشراء يملكها فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق فلم يقع
كما لو قال أنت طالق مع موتي ويحتمل ان تطلق اختاره أبو الخطاب لأن الموت سبب ملكها وطلاقها
361

وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه وهذا
أظهر إن شاء الله تعالى.
(فصل) وان قال الأب إذا مت فأنت حرة وقال الابن إذا مات أبي فأنت طالق وكانت تخرج من
من الثلث فكذلك لأن بعضها ينقل إلى الورثة فيملك الابن جزءا منها فينفسخ به النكاح فيكون ذلك
جميعها في فسخ النكاح ومنع وقوع الطلاق فإن أجاز الورثة عتقها فذكر بعض أهل العلم ان هذا ينبني
على الإجازة هل هي تنفيذ أو عطية مبتدأة؟ فإن قلنا هي عطية مبتدأة فقد انفسخ النكاح قبلها فلم يقع
الطلاق وان قلنا هي تنفيذ لما فعل السيد وقع الطلاق وكذلك ان أجاز الزوج وحده عتق ابنه فإن كان
على الأب دين يستغرق تركته لم يعتق. قال شيخنا والصحيح ان ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة
فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح فإن كان الدين لا يستغرق التركة وكانت تخرج من الثلث بعد
أداء الدين عتقت وطلقت وان لم تخرج من الثلث لم تعتق كلها فيكون حكمها في فسخ النكاح
ومنع الدين كما لو استغرق الدين التركة وان أسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق لأن
النكاح انفسخ قبل اسقاطه.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وان قال أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء
362

فيه أو لأقتلن فلانا الميت أو لأصعدن السماء أو لأطيرن أو ان لم اصعد السماء ونحوه طلقت في الحال
وقال أبو الخطاب في موضع لا تنعقد يمينه)
وجملة ذلك أنه قد استعمل الطلاق والعتاق استعمال القسم وجعل جواب القسم جوابا له فإذا قال
أنت طالق لأقومن وقام لم تطلق امرأته فإن لم يقم في الوقت الذي عينه حنث هذا قول أكثر أهل العلم
منهم سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والزهري وسعيد بن جبير والشعبي والثوري وأصحاب الرأي
وقال شريح يقع طلاقه وان قام لأنه طلق طلاقا غير معلق بشرط فوقع كما لو لم يقم
ولنا انه حلف بر فيه فلم يحنث كما لو حلف بالله تعالى وان قال أنت طالق ان أخاك لعاقل وكان
أخوها عاقلا لم يحنث وان لم يكن عاقلا حنث كما لو قال والله ان أخاك لعاقل وان شك في عقله لم
يقع الطلاق لأن الأصل بقاء النكاح فلا يزول بالشك وان قال أنت طالق لا اكلت هذا الرغيف
فأكله حنث والا فلا وان قال أنت طالق ما أكلته لم يحنث إن كان صادقا ويحنث إن كان كاذبا كما لو
قال والله ما أكلته وان قال أنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقا لم تطلق وإن كان كاذبا لم
تطلق ولو قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق لأكرمتك طلقت في الحال ولو قال إن
حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال عبدي حر لأقومن طلقت المرأة وان قال إن حلفت بعتق
عبدي فأنت طالق لقد صمت أمس عتق العبد
363

رجعنا إلى مسائل الكتاب وهو ما إذا علقه على مستحيل كقوله أنت طالق لأشربن الماء الذي
في الكوز ولا ماء فيه أو لأقتلن الميت وقع الطلاق في الحال كما لو قال أنت طالق أو لم أبع عبدي
فمات العبد ولأنه علق الطلاق على نفي فعل مستحيل وعدمه معلوم في الحال وفي الثاني وقوع الطلاق
لما ذكرناه وكذلك قوله أنت طالق لأصعدن السماء أو لأطيرن أو إن لم أصعد السماء أو أطيرن وذكر
أبو الخطاب عن القاضي أنه لا تنعقد يمينه والصحيح أنه يحنث فإن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث
قال الله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) إلى قوله (وليعلم الذين كفروا أنهم
كانوا كاذبين) ولأنه لو حلف على فعل متصور فصار ممتنعا حنث بذلك فلان يحنث بكونه ممتنعا حال يمينه أولى
* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شربت ماء الكوز ولا ماء فيه وإن صعدت السماء أو إن شاء
الميت أو البهيمة لم تطلق في أحد الوجهين وتطلق في الآخر)
إذا علق الطلاق على فعل مستحيل كالذي ذكرناه ونحوه كقوله ان جمعت بين الضدين أو كان
الواحد أكثر من اثنين وسواء كان مستحيلا عقلا أو عادة كقوله ان طرت أو صعدت السماء أو قلبت
الحجر ذهبا أو شربت ماء النهر كله أو حملت الجبل ففيه وجهان: (أحدهما) يقع الطلاق في الحال
لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ويمنع وقوعه في الحال وفي الثاني فلم يصح كاستثناء الكل وكما لو قال
أنت طالق طلقة لا تقع عليك (والثاني) لا يقع، وهو الصحيح، ولأنه علق الطلاق بصفة لم توجد
364

ولان ما يقصد تبعيده يعلق على المحال. قال الله تعالى في حق الكفار (لا يدخلون الجنة حتى يلج
الجمل في سم الخياط). وقال الشاعر
إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب
أي لا يأتيهم أبدا، وقيل إن علقه على ما يستحيل عقلا وقع في الحال لأنه لا وجود له فلم تتعلق به
الصفة وبقي مجرد الطلاق فوقع، وان علقه على المستحيل عادة كالطيران وصعود السماء لم يقع لأن له وجودا
أو قد وجد جنس ذلك في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء فجاز تعلق الطلاق به ولم يقع قبل وجوده.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق اليوم إذا جاء غدا فعلى وجهين)
وقال القاضي لا تطلق، وقال أبو الخطاب يقع في الحال لأنه علقه بشرط محال، فلغا الشرط
ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لطلاقها ولا بدعة أنت طالق للسنة أو للبدعة وقال في المجرد لا يقع
لأن شرطه لم يتحقق لأن مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء غد في اليوم ولا يأتي غد الا بعد ذهاب اليوم
وذهاب محل الطلاق وهو قول أصحاب الشافعي.
(فصل) في الطلاق في زمن مستقبل.
* (مسألة) * (إذا قال أنت طالق غدا أو يوم السبت في رجب طلقت بأول ذلك)
365

إذا قال أنت طالق في شهر عينه كشهر رجب وقع الطلاق في أول جزء من الليلة الأولى منه،
وذلك حين تغرب الشمس من آخر الشهر الذي قبله وهو شهر جمادى، وبهذا قال أبو حنيفة. وقال
أبو ثور يقع الطلاق في آخر رجب لأن ذلك يحتمل وقوعه في أوله وآخره فلا يقع إلا بعد زوال الاحتمال
ولنا أنه جعل الشهر ظرفا للطلاق فإذا وجد ما يكون ظرفا له طلقت كما لو قال إذا دخلت الدار
فأنت طالق فإذا دخلت أول جزء منها طلقت فأما ان قال إن لم أقضك حقك في شهر رمضان فامرأتي
طالق لم تطلق حتى يخرج رمضان قبل قضائه لأنه إذا قضاه في آخره لم توجد الصفة وفي الموضعين
لا يمنع من وطئ زوجته قبل الحنث. وقال مالك يمنع وكذلك كل يمين على فعل يفعله يمنع من الوطئ
قبل فعله لأن الظاهر أنه على حنث لأن الحنث ترك الفعل وليس بفاعل
ولنا أن طلاقه لم يقع فلا يمنع من الوطئ لأجل اليمين كما لو حلف لا فعلت كذا ولو صح ما ذكره
لوجب ايقاع الطلاق، ولو قال أنت طالق غدا أو يوم السبب وقع الطلاق في أول جزء منه لما ذكرنا
* (مسألة) * (ولو قال أنت طالق اليوم أو في هذا الشهر فكذلك لما ذكرنا وان قال أردت في
آخره أو أوسطه أو يوم كذا من الشهر أو في النهار دون الليل قبل فيما بينه وبين الله تعالى، وهل
يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين)
(إحداهما) يقبل وهو الصحيح ولان آخر الشهر منه فارادته لا تخالف ظاهر لفظه وكذلك
366

وسطه إذا ليس أوله بأولى في ذلك من وسطه وآخره بل ربما كان آخره أولى لأنه متيقن وما قبله مشكوك فيه
(والثانية) لا يقبل لأنه لو أطلق لتناول أوله فأما ان قال أنت طالق في أول رمضان أو غرة رمضان
أو في رأس شهر رمضان أو استقبال شهر رمضان أو مجئ شهر رمضان طلقت بأول جزء منه ولم يقبل
قوله أردت أوسطه أو آخره ظاهرا أو باطنا لأن لفظه لا يحتمله. وان قال بانقضاء رمضان أو انسلاخه
أو نفاده أو مضيه طلقت في آخر جزء منه. وان قال أنت طالق أول نهار من شهر رمضان أو في
أول يوم منه طلقت بطلوع فجر أول يوم منه لأن ذلك أول النهار واليوم ولهذا لو نذر اعتكاف يوم
أو صيام يوم لزمه من طلوع الفجر وان قال أنت طالق إذا كان رمضان أو إلى رمضان أو إلى هلال
رمضان أو في هلال رمضان طلقت ساعة يستهل الا أن يكون من الساعة إلى الهلال فتطلق في الحال.
وان قال أنت طالق في مجئ ثلاثة أيام طلقت في أول اليوم الثالث
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق اليوم وغدا وبعد غدا أو في اليوم وفي غد وفي بعده فهل تطلق
ثلاثا أو واحدة؟ على وجهين)
[أحدهما] تطلق واحدة لأنها إذا طلقت اليوم فهي طالق في غد وفي بعده (والثاني) تطلق ثلاثا
لأن ذكره لأوقات الطلاق يدل على تعداده لعدم الفائدة ثم ذكر أوقاته بدون تعداد وقيل في الأولى
واحدة لما ذكرنا للوجه الأول وفي الثانية ثلاثا لأن ذكره في وتكرارها يدل على تكرار الطلاق
367

* (مسألة) * (وان قال أنت طالق اليوم ان لم أطلقك اليوم طلقت في آخر جزء منه إذا بقي من
اليوم مالا يتسع لتطليقها فيه)
وهذا اختيار أبي الخطاب وقول أصحاب الشافعي، وحكي القاضي فيها وجهين هذا ووجها آخر
أن الطلاق لا يقع وحكي ذلك عن أبي بكر وابن سريج لأن محل الطلاق اليوم ولا يوجد شرط
طلاقها إلا بخروجه فلا يبقى من محل طلاقها ما يقع الطلاق فيه
ولنا أن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الامكان كموت أحدهما
في اليوم وذلك لأن معنى يمينه ان فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه فإذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها
فقد فاته طلاقها فيه فوقع حينئذ كما يقع طلاقه في مسئلتنا في آخر حياة أولهما موتا وما ذكروه باطل
بما لو مات أحدهما في اليوم فإن محل الطلاق يفوت بموته ومع ذلك فإن الطلاق يقع قبيل موته كذا ههنا
فإن قال لها أنت طالق اليوم ان لم أتزوج عليك اليوم أو ان لم اشتر لك ثوبا اليوم ففيه الوجهان
والصحيح منهما وقوع الطلاق بها إذا بقي من اليوم مالا يتسع لفعل المحلوف عليه فيه، فإن قال لها
أنت طالق ان لم أطلقك اليوم طلقت بغير خلاف في آخر اليوم في أحد الوجهين، والوجه الآخر بعد
خروج اليوم وان قال أنت طالق اليوم ان لم أطلقك فهو كقوله أنت طالق اليوم ان لم أطلقك اليوم
لأنه جعل عدم طلاقها شرطا لطلاقها اليوم والشرط يتقدم المشروط
368

(فصل) فإن قال لعبده إن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق اليوم ولم يبعه حتى خرج اليوم ففيه
الوجهان وان أعتق العبد أو مات أو مات الحالف أو المرأة في اليوم طلقت زوجته حينئذ لأنه قد فات
بيعه وان دبره أو كاتبه لم تطلق امرأته لأن بيعه جائز ومن منع بيعهما قال يقع الطلاق بذلك كما لو
مات وان وهب العبد لانسان لم يقع الطلاق لأنه يمكن عوده إليه فيبيعه فلم يفك بيعه ولو قال إن لم
أبع عبدي فامرأتي طالق ولم يقيده باليوم فكاتب العبد لم يقع الطلاق لأنه يمكن عجزه فلم يعلم فوات
البيع فإن عتق بالكتابة أو غيرها وقع الطلاق حينئذ لأنه قد فات بيعه
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق يوم يقدم زيد فماتت غدوة وقدم بعد موتها فهل يقع بها
لطلاق؟ على وجهين).
[أحدهما] يبين أن طلاقها وقع من أول اليوم لأنه لو قال أنت طالق يوم الجمعة طلقت من أوله
فكذا إذا قال أنت طالق يوم يقدم زيد ينبغي أن تطلق بطلوع فجره
(والثاني) لا يقع الطلاق لأن شرطه قدوم زيد ولم يوجد الا بعد موت المرأة فلم يقع بخلاف
يوم الجمعة فإن شرط الطلاق مجئ يوم الجمعة وقد وجد وههنا شرطان فلا تطلق بأحدهما والأول أولى
ليس هذا شرطا إنما هو بيان للوقت الذي يقع فيه الطلاق معرفا بفعل يقع فيه فيقع في أوله كقوله
369

أنت طالق اليوم الذي نصلي فيه الجمعة، وان قال أنت طالق في اليوم الذي يقدم فيه زيد، وكذلك
لو مات الرجل غدوة ثم قدم زيد أو مات لزوجان قبل قدوم زيد كان الحكم كما لو ماتت المرأة ولو
قال أنت طالق في شهر رمضان ان قدم زيد فقدم زيد فيه ففيه وجهان
[أحدهما] لا تطلق حتى يقدم زيد لأن قدومه شرط فلا يتقدمه المشروط بدليل ما لو قال أنت
طالق ان قدم زيد فإنها لا تطلق قبل قدومه بالاتفاق وكما لو قال إذا قدم زيد
(والثاني) أنه ان قدم زيد تبينا وقوع الطلاق من أول الشهر وهو أصح قياسا على المسألة التي قبل هذه
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق في غد إذا قدم زيد فماتت قبل قدومه لم تطلق حتى يقدم لأن
إذا اسم زمن مستقبل فمعناه أنت طالق غدا وقت قدوم زيد فإن لم يقدم زيد في غد لم تطلق وان
قدم بعده لأنه قيد طلاقها بقدوم مقيد بصفة فلا تطلق حتى توجد، وان ماتت غدوة وقدم بعد موتها
لم تطلق لأن الوقت الذي أوقع طلاقها فيه لم يأت وهي محل للطلاق فلم تطلق كما لو ماتت قبل
دخوله ذلك اليوم.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا
* (مسألة) * (فإن أراد طالق اليوم وطالق غدا فتطلق طلقتين في اليومين فإن قال أردت أنها
تطلق في أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا لأنه جعل الزمان كله ظرفا لوقوع الطلاق فوقع في أوله
370

* (مسألة) * (وان أراد نصف طلقة اليوم ونصفها غدا فتعلق اليوم واحدة وغدا الأخرى لأن
النصف يكمل فيصير طلقة تامة وان قال أردت نصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل وجهين
[أحدهما] لا تطلق الا واحدة لأنه إذا قال نصفها اليوم كملت كلها فلم يبق لها بقية تقع غدا ولم يقع
شئ غيرها لأنه ما أوقعه، وذكر القاضي هذا لاحتمال أيضا في المسألة الأولى وهو مذهب الشافعي،
ذكر أصحابه فيها الوجهين، ويحتمل أن يقع اثنتان كالمسألة التي قبلها
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق إلى شهر طلقت عند انقضائه)
إذا قال أنت طالق إلى شهر كذا أو سنة كذا فهو كما لو قال في شهر كذا أو سنة كذا ولا
يقع طلاق إلا في أول ذلك الوقت، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تطلق في الحال لأن قوله أنت
طالق ايقاع في الحال وقوله إلى شهر كذا توقيت له وغاية وهو لا يقبل التاقيت فوقع في الحال
لأنه لا يقبل التأقيت.
ولنا أن ذلك قد روي عن ابن عباس وأبي ذر ولان هذا يحتمل أن يكون توقيتا لايقاعه كقول
الرجل أنا خارج إلى سنة أي بعد سنة وإذا احتمل الامرين لم يقع الطلاق بالشك وقد ترجح
ما ذكرناه من وجهين.
371

[أحدهما] أنه جعل للطلاق غاية ولا غاية لآخرة وإنما الغاية لاوله (والثاني) ان ما ذكرناه
عمل باليقين وما ذكروه أخذ بالشك.
(فصل) فإن نوى طلاقها في الحال إلى سنة كذا وقع في الحال، لأنه يقر على نفسه بما هو
أغلط ولفظه يحتمله.
(فصل) وان قال أنت طالق من اليوم إلى سنة طلقت في الحال لأن من لابتداء الغاية فيقتضي
أن طلاقها من اليوم فإن قال أردت تكرير طلاقها من حين لفظت به إلى سنة طلقت من ساعتها ثلاثا
إذا كانت مدخولا بها. قال أحمد إذا قال لها أنت طالق من اليوم إلى سنة يريد التوكيد وكثرة الطلاق
فتلك طالق من ساعتها.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق في آخر الشهر أو أول آخره طلقت في أول جزء من آخر يوم
منه لأنه آخره. وان قال في آخر أوله طلقت في آخر أول يوم منه لأنه أوله)
وقال أبو بكر تطلق في المسئلتين بغروب شمس الخامس عشر منه لأن الشهر نصفان أول وآخر فآخر أوله
يلي أول آخره وهذا قول أبي العباس بن شريح وقال أكثرهم كقولنا وهو أصح فإن ما عدا اليوم الأول
لا يسمى أول الشهر ويصح نفيه عنه وكذلك لا يمسى أوسط الشهر آخره ولا يفهم ذلك من اطلاقه لفظه
فوجب ان لا يصرف كلام الحالف إليه ولا يحمل عليه
372

* (مسألة) * (وان قال إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهرا بالأهلة ويكمل
الشهر الذي حلف إلى تمام اثنى عشر شهرا بالأهلة)
لقوله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) فإن حلف في أول شهر فإذا مضى اثنا عشر
شهرا وقع طلاقه وان حلف في أثناء شهر عددت ما بقي منه ثم حسبت بعد بالأهلة فإذا مضت أحد عشر
شهرا بالأهلة نظرت ما بقي من الشهر الأول فكملت ثلاثين يوما لأن الشهر اسم لما بين هلالين فإن تفرق
كان ثلاثين يوما، وفيه وجه آخر انه تعتبر الشهور كلها بالعدد نص عليه أحمد فيمن نذر صيام شهرين
متتابعين فاعترض الأيام قال يصوم ستين يوما، وان ابتدأ من شهر فصام شهرين كانا ثمانية وخمسين
يوما أجزأه وذلك لأنه لما صام نصف شهر وجب تكميله من الذي يليه فكان ابتداء الثاني من نصفه أيضا
فوجب ان يكمله بالعدد وهذا المعنى موجود في السنة، ووجه الأول انه أمكن استيفاء أحد عشر شهرا
بالأهلة فوجب الاعتبار بها كما لو كانت يمينه في أول شهر ولا يلزمه ان يتم الأول من الثاني بل يتمه
من آخر الشهور وان قال أردت بقولي سنة إذا انسلخ ذو الحجة قبل لأنه يقر على
نفسه بما هو أغلظ
* (مسألة) * (وان قال إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة)
373

لأنه لما عرفها بلام التعريف انصرفت إلى السنة المعروفة التي آخرها ذو الحجة وان قال أردت بالسنة
اثنى عشر شهرا قبل لأن السنة اثنا عشر شهرا حقيقة
* (مسألة) * (وإذا قال أنت طالق في كل سنة طلقة فهذه صفة صحيحة)
لأنه يملك إيقاعه في كل سنة فإذا جعل ذلك صفة جاز ويكون ابتداء المدة عقيب يمينه لأن كل أجل
ثبت بمطلق العقد ثبت عقيبه كقوله والله لأكلمك سنة فتقع الأولى في الحال لأنه جعل السنة ظرفا
للطلاق فيقع في أول جزء منها وتقع الثانية في أول الثانية والثالثة إن دخلتها عليها وهي في نكاحه
لكونها لم تنقض عدتها أو راجعها في عدة الطلقة الأولى وعدة الثانية أو جدد نكاحها بعد أن بانت
فإن انقضت عدتها فبانت منه ودخلت السنة الثانية وهي بائن لم تطلق لكونها غير زوجة له فإن تزوجها
في أثنائها اقتضى قول أكثر أصحابنا وقوع الطلاق عقيب تزوجه بها لأنه جزء من السنة الثانية التي
جعلها ظرفا للطلاق ومحلا له وكان سبيله أن يقع في أولها فمنع منه كونها غير محل للطلاق لعدم نكاحه
حينئذ، فإذا عادت الزوجة وقع في أولها، وقال القاضي تطلق بدخول السنة الثالثة، وعلى قول التميمي
ومن وافقه تنحل الصفة بوجودها في حال البينونة فلا تعود بحال، وإن لم يتزوجها حتى دخلت السنة
الثالثة ثم نكحها طلقت عقيب زويجها ثم طلقت الثالثة بدخول السنة الرابعة وعلى قول القاضي لا تطلق
إلا بدخول السنة الرابعة ثم تطلق الثالثة بدخول الخامسة، وعلى قول التميمي قد انحلت الصفة، واختلف
374

في مبدأ السنة الثانية فظاهر ما ذكره القاضي أن أولها بعد انقضاء اثنى عشر شهرا من حين يمينه
وكذلك قال أصحاب الشافعي، وقال أبو الخطاب ابتداء السنة الثانية أول المحرم على ما ذكرناه لأنها
السنة المعروفة فإذا علق ما يتكرر على تكرر السنين انصرف إلى السنين المعروفة لقول الله تعالى (أولا
يرون أنهم يفتنون في كل عام)
* (مسألة) * وإن قال أردت بالسنة اثنى عشر شهرا قبل لأنها سنة حقيقة، وهل يقبل في
الحكم؟ يخرج على روايتين)
(أصحهما) أنه يقبل لما ذكرنا (والثانية) لا يقبل لأنه يخالف الظاهر وإن قال أردت أن أبتدئ
السنين من المحرم دين ولم يقبل في الحكم ذكره القاضي لأنه خلاف الظاهر. قال شيخنا والأولى أنه
يخرج على روايتين لأنه محتمل مخالف للظاهر
* (مسألة) * (وإذا قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق إلا أن يريد باليوم الوقت
فتطلق وقت قدومه لأن الوقت يسمى يوما قال الله تعالى (ومن يولهم يومئذ دبره)
* (مسألة) * (وإن قدم ميتا أو مكرها لم تطلق)
إذا كان محمولا لم تطلق لأنه لم يقدم وإنما قدم به وهذا قول الشافعي ونقل عن أبي بكر أنه يحنث
375

لأن الفعل ينسب إليه ولذلك يقال دخل الطعام البلد إذا حمل إليه ولو قال أنت طالق إذا دخل الطعام
البلد طلقت إذا حمل إليه
ولنا أن الفعل ليس منه والفعل لا ينسب إلى غير فاعله إلا مجازا والكلام عند تحقيقه إذا أمكن
فأما الطعام فلا يمكن وجود الفعل منه حقيقة فتعين حمل الدخول فيه على مجازه، فأما إن قدم بنفسه
لاكراه فعلى قول الخرقي لا يحنث وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وقال أبو بكر يحنث وحكاه
عن أحمد لأن الفعل منه حقيقة وينسب إليه قال الله تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى
إذا جاءوها) ويصح أمر المكره بالفعل قال الله تعالى (ادخلوا أبواب جهنم) ولولا أن الفعل يتحقق
منه لما صح أمره به، ووجه الأول أنه بالاكراه زال اختياره فإذا وجدت الصفة منه كان كوجود الطلاق
منه وهذا فيما إذا طلق وإن كانت له نية حمل عليها كلامه ويقيد بها
(فصل) فإن قدم مختارا حنث الحالف سواء علم القادم باليمين أو جهلها قال أبو بكر الخلال يقع
الطلاق قولا واحدا وقال أبو عبد الله بن حامد إن كان القادم ممن لا يمنع القدوم بيمينه كالسلطان
والحاج والرجل الأجنبي حنث الحالف ولا يعتبر علمه ولا جهله وإن كان ممن يمتنع باليمين من القدوم
كقرابة لهما أو لأحدهما أو غلام لأحدهما فجهل اليمين أو نسيها فالحكم فيه كما لو حلف على فعل نفسه ففعله
جاهلا أو ناسيا وفي ذلك روايتان كذلك ههنا وذلك أنه إذا لم يكن ممن تمنعه اليمين كان تعليقا للطلاق
376

على صفة ولم يكن يمينا فأشبه ما لو علقه على طلوع الشمس وإن كان ممن يمتنع كان يمينا فيعذر فيها
بالنسيان والجهل وينبغي أن تعتبر على هذا القول نية الحالف وقرائن أحواله الدالة على قصده فإن
كان قصده بيمينه منع القادم من القدوم كان يمينا وإن كان قصده جعله صفة في طلاقها مطلقة لم يكن
يمينا ويستوي فيه علم القادم وجهله ونسيانه وجنونه وإفاقته مثل أن يقصد طلاقها إذا حصل معها
محرمها ولا يطلقها وحدها وتعتبر قرائن الأحوال فمتى علق اليمين على قدوم غائب بعيد يعلم أنه لا يعلم
اليمين ولا يمتنع بها أو فعل صغير أو مجنون أو من لا يمتنع بها لم تكن يمينا وإن علق ذلك على فعل
حاضر يعلم بيمينه ويمتنع لأجلها من فعل ما علق الطلاق عليه كان يمينا ومتى أشكلت الحال فينبغي أن
يقع الطلاق لأن لفظه يقتضي وقوع الطلاق عند وجود هذه الصفة على العموم وإنما ينصرف عن ذلك
بدليل فمتى شككنا في الدليل المخصص وجب العمل بمقتضى العموم
(فصل) فإن قال إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فانفلت الصبي بغير اختيارها فخرج فإن
كان نوى ان لا يخرج فقد حنث وإن نوى أن لا تدعه لم يحنث نص أحمد على معنى هذا وذلك لأن
اليمين إذا وقعت على فعلها فقد فعل الخروج بغير اختيار منها فكانت كالمكره إذا لم يمكنها حفظه ومنعه
وإن نوى فعله فقد وجد وحنث وإن لم تعلم نيته انصرفت يمينه إلى فعلها لأنه الذي تناوله لفظه فلا
يحنث إلا إذا خرج بتفريطها في حفظه أو باختيارها
377

(فصل) وإن حلف لا تأخذ حقك مني فأكره على دفعه أو أخذ منه قهرا حنث لأن المحلوف عليه
فعل الاخذ وقد أخذه مختارا وإن أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الوجهين فيمن أكره
على القدوم وإن وضعه الحالف في حجره أو بين يديه أو جنبه فلم يأخذه لم يحنث لأن الاخذ ما وجد
وإن أخذه الحاكم أو السلطان من الغريم فدفعه إلى المستحق فأخذه فقال القاضي لا يحنث وهو مذهب
الشافعي لأنه ما أخذه منه وإن قال لا تأخذ حقك علي حنث لأنه قد أخذ حقه الذي عليه والمنصوص
عن أحمد أنه يحنث في الصورتين قاله أبو بكر وهو الذي يقتضيه مذهبه لأن الايمان عنده على الأسباب
لا على الأسماء ولأنه لو وكل وكيلا فأخذه منه كان آخذا لحقه منه عرفا ويمسى آخذا قال الله تعالى
(وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) وقال (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) وإن كان اليمين من صاحب
الحق فخلف لا اخذت حقي فالتفريع فيها كالتي قبلها فإن تركها الغريم في أثناء متاع في خرج ثم دفع
الخرج إلى الحالف فأخذه ولم يعلم أنها فيه لم يحنث لأن هذا ليس معدودا أخذا ولا يبرأ بها
الغريم منها، وإن كانت اليمين لا أعطيك حقك فأخذه الحاكم منه كرها ودفعه إلى الغريم لم يحنث
وان أكرهه علي دفعه إليه خرج علي الوجهين في المكره وان أعطاه باختياره حنث وان وضعه في حجره
أو جيبه أو صندوقه وهو يعلم حنث لأنه أعطاه وان دفعه إلى الحاكم اختيارا ليدفعه إلى الغريم فدفعه أو أخذه
من ماله باختياره فدفعه إلى الغريم حنث وقال القاضي لا يحنث والمذهب انه يحنث لأنه أوصله إليه مختارا
378

فأشبه ما لو دفعه إلى وكيله فأعطاه إياه ولان الايمان على الأسباب لا على الأسماء على ما ذكرناه فيما مضى
(فصل) وان قال إن رأيت أباك فأنت طالق فرأته مينا أو نائما أو مغمى عليه أو رأته من خلف
زجاج أو جسم شفاف طلقت لأنها رأته وان رأت خياله في ماء أو مرآة أو ضوءه على حائط أو غيره لم
تطلق لأنها لم تره وان أكرهت على رؤيته خرج على الوجهين
(باب تعليق الطلاق بالشروط)
يصح ذلك من الزوج ولا يصح من الأجنبي فلو قال إن تزوجت فلانة أو ان تزوجت امرأة فهي
طالق لم تطلق ان تزوجها وعنه تطلق
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة فالمشهور عنه انه لا يقع الطلاق وهو قول أكثر
أهل العلم روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وبه قال عطاء والحسن وعروة وجابر بن زيد
وسوار القاضي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر ورواه الترمذي عن علي رضي الله عنه وجابر بن
عبد الله وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين وشريح وغير واحد من فقهاء التابعين وروي عن أحمد رحمه
الله ما يدل علي وقوع الطلاق وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه يصح تعليقه على الاخطار فصح على
379

حدوث الملك كالوصية والأول أصح إن شاء الله تعالى لما روى عمرو بن شعيب عنه أبيه عن جده قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك "
قال الترمذي هذا حديث حسن وهو أحسن ما روي في هذا الباب وعن عائشة ان رسول الله صلى الله عيه وسلم
قال " لا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم وان عينها رواه الدارقطني وروي أبو بكر في الشافعي عن
الخلال عن الرمادي عن عبد الرزاق عن معمر عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي بن
أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا طلاق قبل نكاح " قال أحمد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من الصحابة
ولان من لا يقع طلاقه بالمباشرة لا تنعقد له صفة كالمجنون ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف
لهم مخالف في عصرهم فيكون اجماعا قال أبو بكر في كتاب الشافعي لا يختلف قول أبي عبد الله ان الطلاق
إذا وقع قبل النكاح لا يقع والرواية الأولى أصح لأنه تعليق للطلاق قبل الملك فأشبه ما لو قال إن دخلت
الدار فأنت طالق ثم تزوج الأجنبية ودخلت فإن الطلاق لا يقع بغير خلاف نعلمه كذلك هذا
* (مسألة) * (وان قال لأجنبية ان قمت فأنت طالق فتزوجها ثم قامت لم تطلق)
رواية واحدة لا نعلم فيه خلافا لأنه لم يضفه إلى زمن يقع فيه الطلاق فأشبه ما لو أسلم في معدوم
ولم يذكر له أجلا يوجد السلم فيه
380

* (مسألة) * (وان علق الزوج الطلاق بشرط لم تطلق قبل وجوده) لأنه إزالة ملك بني علي التغليب
والسراية أشبه العتق
* (مسألة) * (وان قال عجلت ما علقته لم يتعجل)
لأنه تعلق بالشرط فلم يكن له تغييره فإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة وقعت بها فإذا جاء
الزمن الذي علق الطلاق به وهي زوجته وقع بها الطلاق المعلق
* (مسألة) * (وان قال سبق لساني بالشرط ولم اراده وقع في الحال)
لأنه أقر على نفسه بما يوجب التغليظ من غير تتمة وهو يملك ايقاعه في الحال
(فصل) وإذا تخلل الشرط وحكمه غيرهما تخللا منتظما كقوله أنت طالق يا زانية ان قمت لم يقطع
التعليق وقال القاضي يحتمل ان يقطعه ويجعل كسكتة كما لو قال بنيهما سبحان الله أو أستغفر
الله ذكره صاحب المحرر
* (مسألة) * (فإن قال أنت طالق ثم قال أردت ان قمت دين)
لأنه أعلم بنيته وما ادعاه محتمل فأشبه ما لو قال أنت طالق ثم قال من وثاقي ولم يقبل في الحكم
نص عليه لأنه يدعي خلاف ما يقتضيه اطلاق اللفظ وقال شيخنا في كتاب الكافي يخرج على روايتين
381

(إحداهما) لا يقبل لما ذكرنا والثانية يقبل لأنه محتمل أشبه ما لو قال أنت طالق ثم قال أردت من
وثاقي وهذا مثله والله أعلم
(فصل) وأدوات الشرط ست ان وإذا ومتى ومن وأي وكلما
* (مسألة) * (وليس فيها ما يقتضي التكرار الا كلما)
لأن موضوعها للتكرار قال الله تعالى (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) ولا نعلم في ذلك خلافا
فأما متى ففيها وجهان
(أحدهما) انها تقتضي التكرار ذكره أبو بكر لأنها تستعمل للتكرار بدليل قول الشاعر
متى تأته تعشو إلى ضوء تارة * تجد خير نار عندها خير موقد
أي في كل وقت ولأنها تستعمل في الشرط والجزاء ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه (الثاني)
لا تقتضيه قال شيخنا وهو الصحيح لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت وبمعنى إذا فلا تقتضي ما لا يقتضيانه
وكونها تستعمل للتكرار في بعض أحيانها لا يمنع استعمالها في غيره مثل إذا وأي وقت فإنهما يستعملان
في الامرين قال الله تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم - وإذا جاءك الذين
يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم - وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها؟) وقال الشاعر
قوم إذا الشر ابدى ناجذيه لهم * طاروا إليه زرافات ووحدانا
382

وكذلك أي وقت وزمان فإنهما يستعملان للتكرار وسائر الحروف يجازى بها إلا أنها لما كانت
تستعمل للتكرار وغيره لا تحمل على التكرار إلا بدليل كذلك حتى
* (مسألة) * (وكلها على التراخي إذا تجردت عن لم فإذا اتصلت بها صارت على الفور إلا أن وفي إذا وجهان)
متى علق الطلاق بايجاد فعل بواحد منها كان على التراخي فإن قال إن قمت أو إذا قمت أو من
قام منكن أو أي وقت قمت أو متى قمت أو كلما قمت فأنت طالق فمتى قامت طلقت لوجود الشرط وإن
مات أحدهما قبل وجود الشرط سقط اليمين
* (مسألة) * (وإن اتصلت بها أي بلم صارت على الفور إلا أن فإنها عليا لتراخي لأنها لا تقتضي
وقتا إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت فهي مطلقة في الزمان كله)
فإذا قال إن لم تدخلي الدار فأنت طالق لم يقع الطلاق إلا عند تعذر إيقاعه بالموت أو ما يقوم مقامه
* (مسألة) * (وفي إذا وجهان)
(أحدهما) هي على التراخي وهو قول أبي حنيفة ونصره القاضي لأنها تستعمل شرطا بمعنى ان. قال الشاعر:
* وإذا تصبك خصاصة فتحملي *
فجزم بها كما يجزم بان ولأنها تستعمل بمعنى متى وان وإذا احتملت الامرين فاليقين بقاء النكاح فلا يزول
بالاحتمال (والآخر) انها على الفور وهو قول أبي يوسف ومحمد وهو المنصوص عن الشافعي لأنها اسم لزمن
383

مستقبل فتكون كمتي وأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضعها فإن متي يجازي بها ألا ترى إلى قول الشاعر
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد
ومن يجازى بها أيضا وكذلك أي وسائر الحروف ولم يخرجها ذلك عن كونها للفور في النفي
(فصل) وقولهم ان هذه الأدوات الأربع في النفي تكون على الفور صحيح في كلما وأي ومتى
فإنها تعم الزمان فإذا قال كلما لم أطلقك أو أي وقت لم أطلقك أو متى لم أطلقك فأنت طالق ثم مضي
زمن يملك طلاقها فيه ولم يطلقها طلقت لوجوده الصفة فإنها اسم لوقت الفعل فيقدر بهذا ولهذا يصح السؤال
به فتقول متى دخلت أو أي وقت دخلت أما من فليست من أسماء الزمان إنما تعم الاشخاص فلا
يظهر لي انها تقتضي الفور لذلك فعلي هذا إذا قال من لم أطلقها منكن فهي طالق لم تطلق واحدة منهن
الا ان يتعذر طلاقها كما قلنا في أن.. إذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق فإن كل واحدة منهما ليست
من أسماء الزمان
* (مسألة) * (وان تكرر القيام لم يتكرر الطلاق الا في كلما وفي متى في أحد الوجهين وقد ذكرنا
دليل الوجهين في مقتضى التكرار وعدمه)
* (مسألة) * (فإذا قال إذا اكلت رمانة فأنت طالق وكلما اكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت
رمانة طلقت ثلاثا لوجود صفة النصف مرتين والجميع مرة فتطلق بكل نصف طلقة وبالرمانة طلقة ولو
384

جعل مكان كلما (ان) لم تطلق الا طلقتين بصفة النصف مرة وبالكمال مرة ولا تطلق بالنصف الآخر
لأنها لا تقتضي التكرار
* (مسألة) * (ولو علق طلاقها على صفات ثلاث فاجتمعن في عين واحدة نحو ان يقول إن رأيت رجلا
فأنت طالق وان رأيت أسود فأنت طالق وان رأيت فقيها فأنت طالق فرأت رجلا اسود فقيها طلقت ثلاثا)
لوجود الصفات الثلاث فيه أشبه ما لو رأت ثلاثة فيهم الثلاث صفات
(فصل) وهذه الحروف الستة إذا تقدم جزاؤها عليها لم تحتج إلى حروف الفاء في الجزاء كقوله أنت
طالق ان دخلت الدار وان تأخر جزاؤها احتاجت في الجزاء إلى حرف الفاء إذا كان جملة من مبتدأ
وخبر كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، وإنما اختصت بالفاء لأنها للتعقيب فتربط بين الجزاء وشرطه
وتدل على تعقيبه به.
* (مسألة) * (وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما إلا
أن يكون له نية)
لأن حرف ان موضوع للشرط لا يقتضي زمنا ولا يدل عليه إلا من حيث أن الفعل المعلق به من
ضرورته الزمان فلا يتقيد بزمن معين فما علق عليه كان على التراخي سواء في ذلك الاثبات والنفي.
385

فعلى هذا إذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا بعينه ولم يطلقها كان على التراخي
لا يحنث بتأخره لأن كل زمن يمكن أن يفعل فيه ما حلف عليه فلم يفت الوقت، فإذا مات أحدهما علمنا
حنثه حينئذ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما فتبين أنه يقع إذا لم يبق من حياته ما يتسع
لتطليقها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا، ولو قال إن لم أطلق عمرة فحفصة
طالق فأي الثلاثة مات أولا وقع الطلاق قبل موته لأن تطليقه حفصة على وجه تنحل به يمينه إنما
يكون في حياتهم جميعا، وكذلك إن قال إن لم أعتق عبدي أو إن لم اضربه فامرأتي طالق وقع بها الطلاق
في آخر جزء من حياة أولهم موتا، فأما ان عين وقتا بلفظه أو نيته تعين وتعلقت يمينه به
قال أحمد إذا قال إن لم أضرب فلانا فأنت طالق ثلاثا فهو على ما أراد من ذلك لأن الزمان
المحلوف على ترك الفعل فيه تعين بينته وارادته فصار كالمصرح به في لفظه فإن مبنى الايمان على النية
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وإنما لامرئ ما نوى "
(فصل) ولا يمنع من وطئ زوجته قبل فعل ما حلف عليه، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي،
وقال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي ومالك وأبو عبيد لا يطأ حتى يفعل لأن الأصل عدم الفعل
ووقوع الطلاق. وروى الأثرم عن أحمد مثل ذلك، وقال الأنصاري وربيعة ومالك يضرب له أجل
المولي كما لو حلف أن لا يطأها
386

ولنا أنه نكاح صحيح لم يقع فيه طلاق ولا غيره من أسباب التحريم فحل له الوطئ فيه كما لو قال إن
طلقتك فأنت طالق، وقولهم الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق قلنا هذا الأصل لم يقتض وقوع
الطلاق فلم يقتض حكمه ولو وقع الطلاق بعد وطئه لم يضر كما لو طلقها ناجزا وعلى أن الطلاق ههنا إنما
يقع في زمن يمكن الوطئ بعده بخلاف قوله ان وطئتك فأنت طالق.
(فصل) إذا كان المعلق طلاقا بائنا فماتت لم يرثها لأن طلاقه أبانها منه فلم يرثها كما لو طلقها ناجزا
عند موتها فإن مات ورثته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب إذا قال الرجل لزوجته أنت طالق ثلاثا
إن لم أتزوج عليك ومات ولم يتزوج عليها ورثته، وإن ماتت لم يرثها وذلك لأنها تطلق في آخر حياته
فأشبه طلاقه لها في تلك الحال ونحو هذا قال عطاء ويحيى الأنصاري. ويتخرج لنا أنها لا ترثه أيضا
وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي وأبي عبيد لأنه إنما طلقها في صحته وإنما تحقق شرط
وقوعه في المرض فلم ترثه كما لو علقه على فعلها ففعلته في مرضه، وقال أبو حنيفة إن حلف إن لم تأت
البصرة فأنت طالق فلم تفعل فإنهما لا يتوارثان، وإن قال إن لم آت البصرة فأنت طالق فمات ورثته
وان ماتت لم يرثها فإنه في الأول علق الطلاق على فعلها فإذا امتنعت منه فقد حققت شرط الطلاق
فلم ترثه كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها، وإذا علقه على فعل نفسه فامتنع كان الطلاق
منه فأشبه ما لو نجزه في الحال، ووجه الأول أنه طلاق في مرض موته فمنعه ميراثها ولم يمنعها كما لو طلقها
387

ابتداء ولان الزوج أخر الطلاق اختيارا منه حتى وقع ما علق عليه في مرضه فصار كالمباشر له، فأما
ما ذكره عن أبي حنيفة فحسن إذا كان الفعل مما لا مشقة عليها فيه لأن تركها له كفعلها لما حلف
عليها لتتركه، وإن كان مما فيه مشقة فلا ينبغي أن يسقط ميراثها بتركه، كما لو حلف عليها بترك
مالا بدلها من فعله.
(فصل) إذا حلف ليفعلن شيئا ولم يعين له وقتا بلفظه ولا نيته فهو على التراخي أيضا لأن لفظه
مطلقا بالنسبة إلى الزمان كله فلا يتقيد بدون تقييده ولذلك لما قال الله تعالى في الساعة (قل بلى وربى
لتأتينكم) وقال (قل بلى وربى لتبعثن ثم لتنبئون بما علمتم) وذلك على التراخي ولما قال الله (لتدخلن
المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) كان ذلك على التراخي فإن الآية نزلت في نوبة الحديبية في سنة ست
وتأخر الفتح إلى سنة ثمان ولذلك روي عن عمر أنه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي
البيت ونتطوف به؟ قال " بلى أفأخبرتك أنك آتيه العام؟ " قلت لا قال " فإنك آتيه ومطوف به " وهذا لا خلاف فيه نعلمه.
* (مسألة) * (وان قال إذا لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها فهل تطلق في الحال؟ على وجهين)
بناء على قولنا هي على الفور أو على التراخي وقد ذكرنا وجه القولين
* (مسألة) * (وإن قال كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضي زمن يمكن فيه طلاقها ثلاثا ولم يطلقها
388

طلقت ثلاثا) لأن كلما تقتضي التكرار على ما بينا قال الله تعالى (كلما جاء أمة رسولها كذبوه) فيقتضي
زمن تكرار الطلاق بتكرار الصفة والصفة عدم طلاقه لها، فإذا مضى زمن يمكن فيه أن يطلقها ولم يفعل
فقد وجدت الصفة فتقع واحدة وثانية وثالثة ان كانت مدخولا بها وان لم تكن مدخولا بها بانت بالأولى
ولم يلزمها ما بعدها لأن البائن لا يقع عليها طلاق
* (مسألة) * (ولو قال العامي أن دخلت الدار فأنت طالق بفتح الهمزة فهو شرط لأن العامي
لا يريد بذلك إلا الشرط ولا يعرف أن مقتضاها التعليل فلا يريده فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه ولا
يريده كما لو نطق بكلمة الطلاق بلسان لا يعرفه، وإن كان نحويا وقع في الحال لأن أن المفتوحة ليست
للشرط إنما هي للتعليل فمعناه أنت طالق لانت دخلت الدار أو لدخولك الدار، كقوله تعالى (يمنون
عليك ان أسلموا - وتخر الجبال هذا ان دعوا للرحمن ولدا - ويخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا
بالله ربكم) قال القاضي هذا التفصيل قياس المذهب، وحكى عن الخلال أن حكم النحوي حكم العامي
في أنه لا يقع طلاقه بذلك الا أن ينويه لأن الطلاق يحمل على العرف في حقهما جميعا، وقال أبو بكر
تطلق في الحال في حقهما جميعا عملا بمقتضى اللغة، واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه (أحدها)
يقع في الحال في حقهما جميعا كقول أبي بكر (والثاني) يكون شرطا في حق العاص وتعليلا في حق النحوي
على ما ذكره القاضي (والثالث) يقع الطلاق إلا أن يكون من أهل الاعراب فيقول أردت بالشرط فيقبل
389

لأنه لا يجوز صرف الكلام عن مقتضاة إلا بقصده، فإن أنت طالق إذا دخلت الدار طلقت
في الحال لأن إذ للماضي ويحتمل أن لا يقع لأن الطلاق لا يقع في زمن ماض كقوله أنت طالق أمس
* (مسألة) * (وان قال إن قمت وأنت طالق طلقت في الحال لأن الواو ليست جوابا للشرط فإن
قال أردت بها الجزاء أو أردت أني أجعل قيامها وطلاقها شرطين لشئ ثم أمسكت دين لأن ما قاله
محتمل وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين)
[إحداهما] لا يقبل لأنه خلاف الظاهر (والثانية) يقبل لأن قوله يحتمله وهو أعلم بمراده، وان
جعل لهذا جزاء فقال إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر صح ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار
وهي طالق لأن الواو وههنا للحال كقول الله تعالى (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ولو قال إن دخلت
الدار طالقا فأنت طالق فدخلت وهي طالق طلقت أخرى لأن هذا حال فجرى مجرى قوله ان
دخلت الدار راكبة.
(فصل) فإن قال إن دخلت الدار أنت طالق لم تطلق حتى تدخل، وبه قال بعض الشافعية
وقال محمد بن الحسن تطلق في الحال لأنه لم يعلقه بدخول الدار بالفاء التي إنما يتعلق بها فيكون كلاما
مستأنفا غير معلق بشرط فيثبت حكمه في الحال.
ولنا أنه أنى يحرف الشرط فيدل بذلك على أنه أراد بتعليق وإنما حذف الفاء وهي مرادة كما
390

يحذف المبتدأ تارة والخبر أخرى لدلالة باقي الكلام على المحذوف، ويجوز أن يكون حذف الفاء على
التقديم والتأخير ومهما أمكن حمل كلام العاقل على فائدة وتصحيحه عن الفساد وجب، وفيما ذكرنا تصحيحه
وفيما ذكروه إلغاؤه، وان قال أردت الايقاع في الحال وقع لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ. وان قال
أنت طالق وان دخلت الدار وقع الطلاق في الحال لأن معناه أنت طالق في كل حال ولا يمنع من ذلك
دخولك لدار كقول النبي صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وان زنى وان سرق " وقال صلى الله عليه وسلم
" صلهم وان قطعوك وأعطهم وان حرموك "، وان قال أردت الشرط دين وهل يقبل في الحكم؟
يخرج على روايتين، فإن قال إن دخلت لدار فأنت طالق وان دخلت الأخرى فمنى دخلت الأولى
طلقت سواء دخلت الأخرى أو لم تدخل ولا تطلق الأخرى وقال ابن الصباغ تطلق بدخول كل
واحدة منهما ومقتضى اللغة ما قلناه، وان قال أردت جعل الثاني شرطا لطلاقها أيضا طلقت بكل واحدة
منهما لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ، وان قال أردت أن دخول الثانية شرط لطلاق الثانية، فهو على
ما اراده، وان قال إن دخلت الدار وان دخلت هذه الأخرى فأنت طالق فقد قيل لا نطلق إلا بدخولهما
لأنه جعل طلاقها جزاء لهذين الشرطين ويحتمل أن تطلق بإحداهما أيهما كان لأنه ذكر شرطين بحرفين
فيقتضي كل واحد منهما جزاءا فترك ذكر جزاء الأول وكان الجزاء الآخر دالا عليه كما لو قال
ضربت وضربني زيد، قال الفرزدق
391

ولكن نصفا لو سببت وسبني * بنو عبد شمس من قريش وهاشم
والتقدير سبني هؤلاء وسببتهم، وقال الله تعالى (عن اليمين وعن الشمال قعيد) أي عن اليمين
قعيد وعن الشمال قعيد.
(فصل) ولو قال أنت طالق لو قمت كان ذلك شرطا بمنزلة قوله إن قمت ويحكى هذا عن أبي يوسف
لأنها لو لم تكن للشرط لكانت لغوا، والأصل اعتبار كلام المكلف وقيل يقع الطلاق في الحال وهذا
قول بعض أصحاب الشافعي لأنها بعد الاثبات تستعمل لغير المنع كقوله تعالى (وانه لقسم لو تعلمون
عظم - ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) وإن قال أردت أن أجعل لها جوابا دين، وهل يقبل في
الحكم؟ يخرج على روايتين
* (مسألة) * (وإن قال إن قمت فقعدت فأنت طالق أو إن قمت ثم قعدت لم تطلق حتى تقوم ثم
تقعد لأنهما حرفا ترتيب وكذلك إن قال إن قعدت إذا قمت أو إن قعدت إن قمت لأن اللفظ اقتضى
تعليق الطلاق بالعقود بعد القيام
(فصل) وإن قال إن قمت إذا قعدت أو إن قمت إن قعدت لم تطلق حتى تقعد ثم تقوم وكذلك
إن قال أنت طالق إن أكلت إذا لبست أو إن أكلت إن لبست أو إن أكلت متى لبست لم تطلق
حتى تلبس ثم تأكل ويسميه النحويون اعتراض الشرط على الشرط فيقتضى تقديم المتأخر وتأخير المتقدم
392

لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطا للذي قبله والشرط يتقدم المشروط. قال الله تعالى (ولا ينفعكم نصحي
إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) فلو قال لامرأته ان أعطيتك ان وعدتك ان
سألتيني فأنت طالق لم تطلق حتى تسأله ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية الوعد وفي الوعد
السؤال فكأنه قال إن سألتني فوعدتك فأعطيتك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال القاضي إذا
كان الشرط بإذا كقولنا وفيما إذا كان بان مثل قوله إن شربت إن أكلت أنها تطلق بوجودهما كيفما
وجدا قال لأن أهل العرف لا يعرفون ما يقوله أهل العربية في هذا فتعلقت اليمين بما يعرفه أهل العرف
بخلاف ما إذا كان الشرط بإذا. قال شيخنا والصحيح الأول وليس لأهل العرف في هذا عرف فإن
هذا الكلام غير متداول بينهم ولا ينطقون به إلا نادرا فيجب الرجوع فيه إلى مقتضاه عند
أهل اللسان والله أعلم.
* (مسألة) * (وإن قال إن قمت وقعدت فأنت طالق طلقت بوجودهما كيفما كان)
لأن الواو لا تقتضي ترتيبا ولا تطلق بوجود أحدهما لأنها للجمع فلم يقع قبل وجودهما جميعا وعنه
أنها تطلق بوجود أحدهما وخرجه القاضي وجها بناء على إحدى الروايتين فيمن حلف لا يفعل شيئا
ففعل بعضه والأول أصح وهذه الرواية بعيدة جدا تخالف الأصول ومقتضى اللغة والعرف وعامة أهل
393

العلم فإنه لا خلاف بينهم في أنه إذا علق الطلاق على شرطين مرتبين في مثل قوله إن قمت فقعدت أنه
لا يقع بوجود أحدهما فكذلك هنا ثم يلزم على هذا ما لو قال إن أعطيتني درهمين فأنت طالق أو إذا مضى
شهران فأنت طالق فإنه لا خلاف في أنها لا تطلق قبل وجودهما جميعا وكان قوله يقتضي الطلاق
باعطائه بعض درهم ومضي بعض يوم وأصول الشرع تشهد بأن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما
وقد نص أحمد رحمه الله في أنه إذا قال إذا حضت حيضة فأنت طالق أو إذا صمت يوما فأنت طالق
أنها لا تطلق حتى تحيض حيضة كاملة وإذا غابت الشمس من اليوم الذي يصوم فيه طلقت وأما اليمين
فإنه متى كان في لفظه أو نيته ما يقتضي جميع المحلوف عليه لم يحنث إلا بفعل جميعه وفي مسئلتنا ما
يقتضي تعليق الطلاق بالشرطين لتصريحه بهما وجعلهما شرط للطلاق والحكم لا يثبت بدون شرطه على
أن اليمين مقتضاها المنع مما حلف عليه فيقتضي المنع من فعل جميعه كنهي الشارع عن شئ يقتضي المنع
من كل جزء منه كما يقتضي المنع من جملته وما علق على شرط جعل جزاء وحكما والجزاء لا يوجد بدون
شرطه والحكم لا يتحقق قبل تمام شرطه لغة وعرفا وشرعا
* (مسألة) * (وإن قال إن قمت أو قعدت فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما)
لأن أو لاحد الشيئين، كذلك إن قال إن أكلت أو إن لبست أو لا أكلت ولا لبست لأن
394

أو تقتضي تعليق الجزاء على واحد من المذكور، كقوله سبحانه (فمن كان منكم مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر)
(فصل) في تعليقه بالحيض) قال الشيخ رحمه (إذا قال لامرأته إن حضت فأنت طالق طلقت
بأول الحيض لأن الصفة وجدت وكذلك حكمنا أنه حيض في المنع من الصلاة والصيام فإن بان أن الدم
ليس بحيض لم تطلق، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي لأنا تبينا أن الصفة لم توجد
(فصل) وإذا قال لطاهر إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر نص عليه
لأنها لا تحيض حيضة إلا بذلك ولا تعتد بالحيضة التي هي فيها لأنها ليست حيضة كاملة، وإن قال إذا
حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة طلقت طلقة واحدة فإذا
حاضت الثانية عند طهرها وإن قال إدا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم
تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة لأن ثم للترتيب فتقتضي حيضتين بعد الطلقة الأولى
لكونها مرتبتين عليها.
* (مسألة) * (وإذا قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق طلقت إذا ذهب نصف الحيضة)
وينبغي أن يحكم بوقوع الطلاق إذا حاضت نصف عادتها لأن الأحكام تعلقت بالعادة فيتعلق بها
وقوع الطلاق، ويحتمل أن لا يقع الطلاق حتى يمضي سبعة أيام ونصف لأنا لا نتيقن مضي نصف
الحيض الا بذلك الا أن تطهر لأقل من ذلك ومتى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصف الحيضة،
395

وحكي عن القاضي أنه يلغو قوله نصف حيضة فعلى هذا يتعلق طلاقها بأول الدم لأنها لا نصف لها
فيكون كقوله إذا حضت وقيل يلغو قوله نصف فهو كقوله إذا حضت حيضة، والأول أصح فإن
الحيض له مدة أقلها يوم وليلة أو يوم فيكون له حقيقة والجهل بقدر ذلك لا يمنع وجوده
وتعلق الحكم به كالحمل.
* (مسألة) * (وإن قال إذا طهرت فأنت طالق وكانت طاهرا لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر)
وهذا يحكى عن أبي يوسف، وقال بعض أصحاب الشافعي الذي يقتضيه مذهب الشافعي أنها
تطلق بما يتجدد من طهرها وكذلك قال في قوله إذا حضت فأنت طالق فكانت حائضا أنها تطلق
بما يتجدد من الحيض لأنه قد وجد منها الحيض والطهر فوقع الطلاق لوجود صفته
ولنا أن إذا اسم لزمن مستقبل يقتضي فعلا مستقبلا، وهذا الطهر والحيض مستدام غير متجدد
ولا يفهم من اطلاق حاضت المرأة وطهرت الا ابتداء ذلك فتعلقت الصفة به فأما إذا قال إذا طهرت
فأنت طالق وهي حائض طلقت بانقطاع الدم قبل الغسل نص عليه أحمد في رواية إبراهيم الحربي
وذكر أبو بكر في التنبيه فيها قولا أنها لا تطلق حتى تغتسل بناء على العدة في أنها لا تنقضي الا بالغسل
ولنا أن الله تعالى قال (ولا تقربوهن حتى يطهرن) أي ينقطع دمهن فإذا تطهرن أي اغتسلن
ولأنه قد ثبت لها أحكام الطهارات في وجوب الصلاة وصحة الطهارة والصيام وإنما بقي بعض الأحكام
396

وقوفا على وجود الغسل ولأنها ليست حائضا فيلزم أن تكون طاهرا لأنهما ضدان على التعيين فيلزم من
انتفاء أحدهما وجود الآخر.
* (مسألة) * (وإذا قالت قد حضت وكذبها قبل قولها في نفسها في أحد الروايتين بغير يمين
لأنها أمينة على نفسها)
وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وهو ظاهر المذهب لأن الله قال (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق
الله في أرحامهن) قيل هو الحيض والحمل ولولا أن قولها فيه مقبول ما حرم الله عليها كتمانه وصار كقوله
تعالى (ولا تكتموا الشهادة) لما حرم كتمانها دل على قبولها كذا ههنا ولأنه معنى فيها لا يعرف الا من
جهتها فوجب الرجوع إلى قولها فيه كقضاء عدتها (والرواية الثانية) لا يقبل قولها ويختبرها النساء
بادخال قطنة في الفرج في الزمان الذي ادعت الحيض فيه فإن ظهر الدم فهي حائض والا فلا. قال
أحمد في رواية منها في رجل قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وعبدي حر قالت قد حضت ينظر
إليها النساء فتعطى قطنة فتخرجها فإن خرج الدم فهي حائض تطلق ويعتق العبد، قال أبو بكر وبهذا
أقول لأن الحيض يمكن التوصل إلى معرفته من غيرها فلم يقبل فيه مجرد قولها كدخول الدار والأول
المذهب ولعل أحمد إنما اعتبر البينة في هذه الرواية من أجل عتق العبد فإن قولها إنما يقبل في حق نفسها
دون غيرها وهل تعتبر يمينها إذا قلنا القول قولها؟ على وجهين بناء على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها وأنكرها
397

ولا يقبل قولها الا في حق نفسها خاصة دون غيرها من طلاق أخرى أو عتق عبد نص عليه أحمد في
رجل قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وهذه معك لامرأة أخرى قالت قد حضت من ساعتها تطلق
هي ولا تطلق هذه حتى تعلم لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها فصارت كالمودع يقبل قوله في
الرد علي المودع دون غيره.
* (مسألة) * (ولو قال قد حضت فأنكرته طلقت باقراره)
لأنه أقر بما يوجب طلاقها فأشبه ما لو قال قد طلقتها
* (مسألة) * (فإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت وكذبها طلقت وحدها)
لأن قولها مقبول على نفسها ولا تطلق الضرة إلا أن تقيم بينة على حيضها وإن ادعت الضرة أنها
قد حاضت لم تقبل لأن معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به وإنما اؤتمنت على نفسها في حيضها، وإن
قال قد حضت وأنكرت طلقتا باقراره.
* (مسألة) * (وإن قال لامرأتيه إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا)
لأنهما أقرتا وصدقهما فوجدت الصفة في حقهما وإن كذبهما لم تطلق واحدة منهن لأن طلاق
كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضها وحيض ضرتها ولا يقبل قول ضرتها عليها فلم يوجد
الشرطان وإن كذب إحداهما طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حقها وقد صدق الزوج
398

ضرتها فوجد الشرطان في طلاقها ولم تطلق المصدقة لأن قول ضرتها غير مقبول في حقها ولم يصدقها
الزوج فلم يوجد شرط طلاقها
* (مسألة) * (وان قال ذلك لأربع فقد علق طلاق كل واحدة منهن على حيض الأربع فإن قلن
قد حضن فصدقهن طلقن)
لأنه قد وجد حيضهن بتصديقه وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأن شرط طلاقهن حيض
الأربع ولم يوجد وان صدق واحدة أو اثنتين لم تطلق واحدة منهن لأنه لم يوجد الشرط لكون
قول كل واحدة منهن لا يوجد إلا في نفسها وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها لأن قولها
مقبول في حيضها وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت ولا تطلق المصدقات
لأن قول المكذبة غير مقبول في حقهن.
* (مسألة) * (وإن قال كلما حاضت إحداكن فضرائرها طوالق)
فقد جعل حيض كل واحدة منهن شرطا لطلاق ضرائرها فقلن قد حضن فصدقهن طلقت كل واحدة
منهن لا قولهن غير مقبول عليه في طلاق غيرهن وإن صدق واحدة منهن لم تطلق لأنه لا ليس لها
صاحبة ثبت حيضها وطلقت ضراتها طلقة طلقة لأن لهن صاحبة قد ثبت حيضها وان صدق اثنتين طلقت كل
399

واحدة منهما طلقة لأن كل واحدة منهما ضرة مصدقة وطلقت المكذبتان طلقتين طلقتين لأن لكل
واحدة منهما ضرتين مصدقتين وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا لأن لها ثلاث ضرائر مصدقات
وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين لأن لكل واحدة ضرتين مصدقتين
(فصل) إذا قال لامرأتيه ان حضتما حيضة واحدة فأنتما طالقتان لم تطلق واحدة منهما حتى تحيض
كل واحدة منهما حيضة واحدة ويكون التقدير ان حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما
طالقتان ويكون كقوله تعالى (فاجلدوهم ثمانين جلدة) أي فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة،
ويحتمل أن يتعلق بها الطلاق بحيض إحداهما حيضة لأنه لما تعذر وجود الفعل منهما وجب اضافته إلى
إحداهما كقوله تعالى (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) وإنما يخرج من أحدهما. وقال القاضي يغلو
قول حيضة واحدة لأن حيضة وحدة من امرأتين محال فيبقى كأنه قال إن حضتما فأنتما طالقتان وهذا
أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر لا تنعقد هذه الصفة لأنها مستحيلة فيصير كتعليق الطلاق
بالمستحيلات. والوجه الأول أولى لأن فيه تصحيح كلام المكلف بحمله على محل سائغ وتبعيدا
لوقوع الطلاق واليقين بقاء النكاح فلا يزول حتى يوجد ما يقع به الطلاق يقينا وغير هذا الوجه
لا يحصل به اليقين فإن أراد بكلامه أحد هذه الوجوه حمل عليه وإذا ادعى ذلك قبل منه وإذا
قال أردت أن تكون الحيضة الواحدة منهما فهو تعليق للطلاق بمستحيل فيحتمل أن يلغو قوله حيضة
400

ويحتمل أن يقع الطلاق لأن هذه الصفة لا توجد فلا يوجد ما علق عليها ويحتمل أن يقع الطلاق في
الحال ويلغو بناء على ما ذكرناه في تعليق الطلاق على المستحيل
(فصل) إذا كان له أربع نسوة فقال أيتكن لما أطأها فضرائرها طوالق وقيده بوقت فمضى
الوقت ولم يطأهن طلقن ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث ضرائر غير موطوءات وإن وطئ ثلاثا
وترك واحدة لم تطلق المتروكة لأنها ليست لها ضرة غير موطؤة وتطلق كل واحدة من الموطوءات
طلقة طلقة وإن وطئ اثنتين طلقتا طلقتين وإن لم يقيده بوقت كان وقت الطلاق مقيدا بعمره
وعمرهن فأيتهن ماتت طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة وإذا ماتت أخرى فكذلك وإذا مات
هو طلقن كلهن في آخر جزء من حياته
* (فصل في تعليقه بالحمل) * قال شيخنا رحمه الله تعالى (إذا قال إن كنت حاملا فأنت طالق فتبين
انها كانت حاملا تبينا وقوع الطلاق من حين اليمين والا فلا)
ويعلم حملها بان تلد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين فيقع الطلاق لوجود شرطه، وان ولدت
لأكثر من أربع سنين لم تطلق لأنا علمنا براءتها من الحمل وان ولدت لأكثر من ستة أشهر ولاقل من
أربع سنين ولم يكن لها من يطؤها طلقت لأنها كانت حاملا وإن كان لها زوج يطؤها فولدت لأقل من
ستة أشهر من حين وطئه طلقت لأننا علمنا أنه ليس من الوطئ وان ولدته لأكثر من ستة أشهر من حين
وطئ الزوج بعد اليمين ولاقل من أربع سنين من حين عقد الصفة لم تطلق لأن يقين النكاح باق والظاهر
401

حدوث الولد من الوطئ لأن الأصل عدمه قبله
* (مسألة) * (وان قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق فهي بالعكس)
ففي كل موضع يقع الطلاق في التي قبلها لا يقع ههنا وفي كل موضع لا يقع ثم يقع ههنا لأنها ضدها
الا إذا أتت بولد لأكثر من ستة أشهر ولاقل من أربع سنين هل يقع الطلاق ههنا؟ فيه وجهان (أحدهما)
تطلق لأن الأصل عدم الحمل قبل الوطئ والثاني لا تطلق لأن الأصل بقاء النكاح
* (مسألة) * (ويحرم وطؤها قبل استبرائها في إحدى الروايتين إن كان الطلاق بائنا نص عليه أحمد)
وكذلك يحرم في التي قبلها لاحتمال الحمل فغلب التحريم وقال القاضي يحرم الوطئ وإن كان
الطلاق رجعيا سواء قلنا إن الرجعية مباحة أو محرمة لأنه يمنع المعرفة بوقوع الطلاق وعدمه وقال
أبو الخطاب فيه رواية أخرى ان الوطئ لا يحرم لأن الأصل بقاء النكاح وبراءة الرحم من الحمل
فإن استبرأها حل وطؤها على الروايتين ويكفي في الاستبراء حيضة قال أحمد في رواية أبي الخطاب إذا
قال لامرأته متى حملت فأنت طالق لا يقربها حتى تحيض فإذا طهرت وطئها فإن تأخر حيضها أريت النساء
من أهل المعرفة فإن لم يوجدن أو خفي عليهن انتظر عليها تسعة أشهر غالب مدة الحمل، وذكر القاضي
رواية أخرى انها تستبرأ بثلاثة قروء لأنه استبراء الحرة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي قال شيخنا
402

والصحيح ما ذكرناه لأن المقصود معرفة براءة رحمها وهو يحصل بحيضة بدليل قوله عليه السلام " لا توطأ حامل
حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " يعني حتى تعلم براءتها من الحمل بحيضة ولان ما تعلم به البراءة
في حق الأمة والحرة واحد لأنه أمر حقيقي لا يختلف بالرق والحرية، وأما العدة ففيها نوع تعبد لا يجوزان
يعدى بالقياس وهل يعتد بالاستبراء قبل عقد اليمين أو بالحيضة التي حلف فيها؟ على وجهين (أصحهما)
الاعتداد به لأنه يحصل به ما يحصل بالاستبراء بعد اليمين (والثاني) لا يعتد به لأن الاستبراء لا يقدم على سببه
ولأنه لا يعتد به في استبراء الأمة المملوكة قال أحمد إذا قال لامرأته إذا حبلت فأنت طالق يطؤها في
كل طهر مرة يعني إذا حاضت ثم طهرت حل وطؤها لأن الحيض علم على براءتها من الحمل ووطؤها سبب
له فإذا وطئها اعتزلها لاحتمال أن تكون قد حملت من وطئه فطلقت به
* (مسألة) * (وإذا قال إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق واحدة وان كنت حاملا بانثى فأنت
طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا لوجود الصفة)
ولو قال إن كان حملك غلاما فأنت طالق واحدة وإن كان حملك جارية فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما
وجارية لم تطلق لأن حملها كله ليس بغلام ولا جارية. ذكره القاضي في المجرد وأبو الخطاب، وبه
قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال القاضي في الجامع في وقوع الطلاق وجهان بناء على
الروايتين فيمن حلف لا لبست ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه من غزلها
403

(فصل) في تعليقه بالولادة إذا قال إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت
طالق اثنتين فولدت ذكرا ثم أنثى طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به. ذكره أبو بكر لأن العدة
انقضت بوضعه فصادفها الطلاق فلم يقع كما لو قال إذا مت فأنت طالق، وهذا قول الشافعي وأصحاب
الرأي وحكي عن ابن حامد أنها تطلق لأن زمن البينونة زمن الوقوع فلا تنافي بينهما، والصحيح الأول
لما ذكرنا وقد نص أحمد فيمن قال أنت طالق مع موتي انها لا تطلق فهذا أولى فإن ولدتهما دفعة واحدة
طلقت ثلاثا لوجود الشرطين.
* (مسألة) * (فإن أشكل كيفية وضعهما وقعت واحدة بيقين ولغا ما زاد فلا تلزمه الثانية لأنه
مشكوك فيه والورع أن يلتزمها)
وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، قال القاضي قياس المذهب أن يقرع بينهما لأنه يحتمل كل
واحدة منهما احتمالا مساويا للأخرى فيقرع بينهما كما لو أعتق عبديه معا ثم نسيه فإن قال إن كان أول
ما تلدين ذكرا فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة لم يقع بها
شئ لأنه لا أول فيهما فلم توجد الصفة وان ولدتهما دفعتين طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به
الا على قول ابن حامد وقد ذكرناه
404

* (مسألة) * (ولا فرق بين أن تلده حيا أو ميتا)
لأن الشرط ولادة ذكر أو أنثى وقد وجد، لأن العدة تنقضي به وتصير به الجارية أم ولد كذلك هذا
(فصل) إذا قال إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وان ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين
فولدت غلاما كانت حاملا به وقت اليمين تبينا أنها طلقت واحدة حين حلف وانقضت عدتها بوضعه
وان ولدت أنثى طلقت ولادتها طلقتين واعتدت بالقروء، وان ولد غلاما وجارية وكان الغلام
أولهما ولادة تبينا أنها طلقت واحدة وبانت بوضع الجارية ولم تطلق بهما إلا على قول ابن حامد وان
كانت الجارية ولدت أولا طلقت ثلاثا واحدة بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية وانقضت
عدتها بوضع الغلام.
(فصل) فإن كان له أربع نسوة، فقال كلما ولدت واحدة منكن فضرائرها طوالق فولدن دفعة
واحدة طلقن كلهن ثلاثا ثلاثا، وان ولدن في دفعات وقع بضرائر الأولى طلقة طلقة فإذا ولدت الثانية
بانت بوضع الولد ولم تطلق وهل يطلق سائرهن؟ فيه احتمالان
[أحدهما] لا يقع بهن طلاق لأنها لما انقضت عدتها بانت فلم يبقين ضرائر لها والزوج إنما
علق بولادتها اطلاق ضرائرها.
405

(والوجه الثاني) يقع بكل واحدة طلقة طلقة لأنهن ضرائرها في حال ولادتها، فعلى هذا يقع
بكل واحدة من اللتين لم يلدن طلقتان طلقتان وتبين هذه، ويقع بالوالدة الأولى طلقة فإذا ولدت الثالثة
بانت وفي وقوع الطلاق بالباقيتين وجهان، فإذا قلنا يقع بهن طلقت الرابعة ثلاثا والأولى طلقتين وبانت
الثانية والثالثة وليس فيهن من له رجعتها إلا الأولى ما لم تنقض عدتها وإذا ولدت الرابعة لم تطلق واحدة
منهن وتنقضي عدتها بذلك، وان قال كلما ولدت واحدة منكن فسائركن طوالق أو فباقيكن طوالق فكلما
ولدت واحدة منهن وقع بباقيهن طلقة طلقة وتبين الوالدة بوضع ولدها الا الأولى، والفرق بين هذه
وبين التي قبلها أن الثانية والثالثة يقع الطلاق بباقيهن بولادتهما ههنا وفي الأولى لا يقع لأنهن لم
يبقين ضرائرها وههنا لم يعلقه بذلك وان قال كلما ولدت واحدة منكن فأنتن طوالق فكذلك إلا أنه
لا يقع على الأولى طلقة بولادتها، فإن كانت الثانية حاملا باثنتين فوضعت الأولى منهما وقع بكل واحدة
من ضرائرها طلقة في المسائل كلها ووقع بها طلقة في المسألة الثالثة، وإذا وضعت الثالثة أو كانت حائلا
باثنتين فكذلك فتطلق الرابعة وتطلق كل واحدة من الوالدات طلقتين طلقتين في المسئلتين الأوليين
وثلاثا ثلاثا في المسألة الثالثة ثم كلما وضعت واحدة منهن تمام حملها انقضت به عدتها، قال القاضي
إذا كان له زوجتان فقال كلما ولدت واحدة منكما فأنتما طالقتان، فولدت إحداهما يوم الخميس طلقتا
406

جميعا ثم ولدت الثانية يوم الجمعة بانت وانقضت عدتها ولم تطلق وطلقت الأولى ثانية فإن كانت كل
واحدة منهما حائلا باثنين طلقتا بوضع الثانية طلقة طلقة أيضا، ثم إذا ولدت الأولى تمام حملها انقضت
عدتها به وطلقت الثانية ثلاثا فإذا وضعت الثانية تمام حملها انقضت عدتها به
(فصل) في تعليقه بالطلاق إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق وقعت واحدة
بالمباشرة وأخرى بالصفة ان كانت مدخولا بها لأنه جعل تطليقها شرط الوقوع طلاقها فإذا وجد الشرط
وقع الطلاق، وان كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم تقع الثانية لأنه لا عدة عليها ولا تمكن رجعتها
فلا يقع طلاقها الا بائنا ولا يقع الطلاق بالبائن فإن قال عنيت بقولي هذا أنك تكونين طالقا بما
أوقعته عليك ولم أرد طلاقا سوى ما باشرتك به دين وهل يقبل في الحكم، لا يخرج على روايتين
[إحداهما] لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف الظاهر إذ الظاهر أن هذا تعليق للطلاق
بشرط الطلاق ولان اخباره إياها بوقوع طلاقه بها لا فائدة فيه
(والوجه الثاني) لا يقبل قوله لأنه يحتمل ما قاله فقيل كما لو قال أنت طالق أنت طالق، وقال أردت
بالثاني التأكيد أو افهامها.
* (مسألة) * (إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إن قمت فأنت طالق فقامت طلقت بقيامها
407

ثم طلقت بالصفة أخرى لأنه قد طلقها بعد عقد الصفة لأن الصفة تطليقة لها وتعليقه لطلاقها بقيامها إذا
اتصل به القيام تطليق لها.
* (مسألة) * (ولو قال أولا ان قمت فأنت طالق ثم قال إن طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام
واحدة ولم تطلق بتعليق الطلاق لأنه لم يطلقها بعد ذلك)
لأن هذا يقتضي ابتداء ايقاع وقوع الطلاق ههنا بالقيام إنما هو وقوع بصفة سابقة تعقد الطلاق شرطا
* (مسألة) * (ولو قال إن قت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام
ثم تطلق الثانية بوقوع الطلاق عليها ان كانت مدخولا بها لأن الطلاق الواقع بها طلاقه فقد وجدت الصفة
* (مسألة) * (وان قال كلما طلقتك فأنت طالق فهذا حرف يقتضي التكرار)
فإذا قال لها بعد أنت طالق طلقت طلقتين إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة ولا تقع ثالثة لأن
الثانية لم تقع بايقاعه بعد عقد الصفة لأن قوله كلما طلقتك يقتضي كلما أوقعت عليك الطلاق، وهذا
يقتضي تجديد ايقاع طلاق بعد هذا القول وإنما وقعت الثانية بهذا القول، وان قال لها بعد عقد الصفة
ان خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج طلقة وبالصفة أخرى لأنه قد طلقها ولم تقع الثالثة
فإن قال لها كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق فهو كقوله كلما طلقتك فأنت طالق، وذكر القاضي في
هذه أنه إذا وقع عليها طلاقه بصفة عقدها بعد قوله إذا أوقعت عليك طلاقا فأنت طالق لم تطلق
408

لأن ذلك ليس بايقاع منه. وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وفيه نظر فإنه قد أوقع الطلاق
عليها بشرط فإذا وجد الشرط فهو الموقع للطلاق عليها فلا فرق بين هذا وبين قوله إذا طلقتك فأنت طالق
* (مسألة) * (وان قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب
أو بصفة عقدها بعد ذلك أو قبله طلقت ثلاثا لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتقع بها الثالثة
(فصل) فإن قال لها ان خرجت فأنت طالق ثم قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم خرجت وقع عليها
طلقة بالخروج ثم وقعت عليها الثانية بوقوع الأولى ثم وقعت الثالثة بوقوع الثانية لأن كلما تقتضي
التكرار وقد عقد الصفة بوقوع الطلاق فكيفما وقع يقتضي وقوع أخرى ولو قال لها إذا طلقتك
فأنت طالق ثم قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت ثلاثا واحدة بالمباشرة
واثنتين بالصفتين لأن تطليقه لها يشتمل على الصفتين هو تطليق منه وهو وقوع طلاقه ولأنه إذا قال
أنت طالق طلقت بالمباشرة واحدة فتطلق الثانية بكونه طلقها وذلك طلاق منه واقع عليها فتطلق به
الثالثة وهذا كله في المدخول بها فاما غير المدخول بها فلا تطلق الا واحدة في جميع هذا. وهذا كله
مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا
(فصل) فإن قال كلما طلقتك طلاقا أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت
اثنتين (إحداهما) بالمباشرة (والأخرى) بالصفة الا أن تكون الطلقة بعوض أو في غير مدخول بها فلا يقع
409

بها ثانية لأنها تبين بالطلقة التي باشرها بها فلا يملك رجعتها فإن طلقها ثنتين طلقت الثالثة، وقال
أبو بكر: قيل تطلق وقيل لا تطلق واختياري أنها تطلق، وقال أصحاب الشافعي لا تطلق الثالثة لأنا لو
أوقعناها لم يملك الرجعة ولم يوجد شرط طلاقها فيفضي ذلك إلى الدور فنسقطه بمنع وقوعه
ولنا انه طلاق لم يكمل به العدد بغير عوض في مدخول بها فتقع التي بعدها كالأولى وامتناع
الرجعة ههنا لعجزه عنها لا لعدم الملك كما لو طلقها واحدة وأغمي عليه عقيبها وان الثانية تقع وان
امتنعت الرجعة لعجزه عنها وإن كان الطلاق بعوض أو في غير المدخول بها لم يقع الا الطلقة التي
باشرها بها لأنه لا يملك رجعتها وان قال كلما وقع عليك طلاق أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم وقع
عليها طلقة بالمباشرة أو صفة طلقت ثلاثا وعندهم لا تطلق لما ذكرنا في التي قبلها ولو قال لامرأته إذا
طلقتك طلاقا أملك فيه الرجعة فأنت طالق فأنت طالق فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها طلقت ثلاثا،
وقال المزني لا تطلق وهو قياس قول أصحاب الشافعي لما تقدم
* (مسألة) * (وان قال كلما وقع عليك طلاقي أو ان وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم
قال أنت طالق فلا نص فيها)
وقال أبو بكر والقاضي تطلق ثلاثا واحدة بالمباشرة واثنتان بالمعلق، وهو قياس قول الشافعي
وبعض أصحابه، وقال ابن عقيل تطلق بالطلاق المنجز ويلغوا المعلق لأنه طلاق في زمن ماض، وقال
410

أبو العباس بن سريج وبعض الشافعية لا تطلق ابدا لأن وقوع الواحدة يقتضي وقوع ثلاث قبلها
وذلك يمنع وقوعها فاثباتها يؤدي إلى نفيها فلا تثبت ولان ايقاعها يفضي إلى الدور لأنها إذا وقعت
وقع قبلها ثلاث فيمنع وقوعها وما افضى إلى الدور وجب قطعه من أصله
ولنا انه طلاق من مكلف مختار في محل النكاح صحيح فيجب ان يقع كما لو لم يعقد هذه الصفة ولان
عمومات النصوص تقتضي وقوع الطلاق مثل قوله سبحانه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره) وقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وكذلك سائر النصوص ولان الله تعالى
شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به وما ذكروه يمنعه بالكلية وتبطل مشروعيته وتفوت مصلحته فلا يجوز
ذلك بمجرد الرأي والتحكم وما ذكروه غير مسلم فاما إذا قلنا لا يقع الطلاق المعلق فله وجه لأنه أوقعه
في زمن ماض ولا يمكن وقوعه في الماضي فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بيوم فقدم في
اليوم ولأنه جعل الطلقة الواقعة شرطا لوقوع الثلاث ولا يوجد المشروط قبل شرطه فعلى هذا لا يمنع
من وقع الطلقة المباشرة ولا يفضي إلى دور ولا غيره وان قلنا بوقوع الثلاث فوجهه انه وصف الطلاق
المعلق بما يستحيل وصفه به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال أنت طالق طلقة لا تلزمك ولا تنقص
عدد طلاقك أو قال للآيسة أنت طالق للسنة أو للبدعة وبيان استحالته ان تعليقه بالشرط يقتضى
وقوعه بعده لأن الشرط يتقدم مشروطه ولذلك لو اطلق لوقع بعده وتعقيبه بالفاء في قوله فأنت طالق
411

يقتضي كونه عقيبه وكون الطلاق المعلق قبله بعده محال لا يصح الوصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما
لو قال إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا لا تلزمك ثم يبطل ما ذكروه بقوله إذا انفسخ نكاحك فأنت
طالق قبله ثلاثا ثم وجد ما يفسخ نكاحها من رضاع أو ردة أو وطئ أمها أو ابنتها بشبهة فإنه يرد
ما ذكروه ولا خلاف في انفساخ النكاح قال القاضي ما ذكروه ذريعة إلى أن لا يقع عليها الطلاق جملة
وان قال أنت طالق ثلاثا قبيل وقوع طلاقي بك واحدة أو أنت طالق اليوم ثلاثا أو طلقتك غدا
واحدة فالكلام عليها من وجه آخر وهو وارد على المسئلتين جميعا وذلك أن الطلقة الموقعة يقتضي وقوعها
وقوع ما لا يتصور وقوعها معه فيجب ان يقضى بوقوع الطلقة الموقعة دون ما تعلق بها لأن ما تعلق بها تابع
ولا يجوز إبطال المتبوع لامتناع حصول التبع فيبطل التابع وحده كما لو قال في مرضه إذا أعتقت سالما فغانم
حر ولم يخرج من ثلثه الا أحدهما فإن سالما يعتق وحده ولا يقرع بينهما لأن ذلك ربما أدى إلى عتق المشروط
دون الشرط وذلك غير جائز ولا فرق بين ان يقول فغانم معه أو قبله أو بعده أو يطلق كذا ههنا
(فصل) إذا قال إن طلقت حفصة فعمرة طالق ثم قال إن طلقت عمرة فحفصة طالق ثم طلق
حفصة طلقتا معا حفصة بالمباشرة وعمرة بالصفة ولم تزد كل واحدة منهما على طلقة وان بدأ بطلاق
عمرة طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة لأنه إذا طلق حفصة طلقت بالصفة لكونه علق طلاقها
على طلاق حفصة ولم يعد على حفصة طلاق آخر لأنه ما أحدث في عمرة طلاقها إنما طلقت بالصفة السابقة
412

على تعليقه طلاقها وان بدأ بطلاق عمرة طلقت حفصة لكون طلاقها معلقا على طلاق عمرة ووقوع الطلاق
بها تطليق منه لها لأنه أحدث فيه طلاقا بتعليقه طلاقها على تطليق عمرة بعد قوله ان طلقت حفصة فعمرة
طالق ومتى وجد التعليق والوقوع معا فهو تطليق فإن وجدا معا بعد تعليق الطلاق بطلاقها وقع الطلاق المعلق
بطلاقها وطلاق عمرة ههنا معلق بطلاقها فوجب القول بوقوعه ولو قال لعمرة كلما طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال
لحفصة كلما طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة أنت طالق طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة وان طلق
حفصة ابتداء لم يقع بكل واحدة منهما الا طلقة لأن هذه المسألة كالتي قبلها سواء فإنه بدأ بطلاق عمرة علي تطليق
حفصة ثم ثنى بتعليق طلاق حفصة على تطليق عمرة ولو قال لعمرة ان طلقتك فحفصة طالق ثم قال لحفصة ان طلقتك
فعمرة طالق ثم طلق حفصة طلقت طلقتين وطلقت عمرة طلقة، وان طلق عمرة طقت كل واحدة منهما طلقة
لأنها عكس التي قبلها وذكرها بين المسئلتين القاضي في المجرد ولو قال لاحدى زوجتيه كلما طلقت
ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت طلقتين وطلقت الثانية طلقة،
وان طلق الثانية طلقت كل واحدة منهما طلقة، وان قال كلما طلقتك فضرتك طالق ثم قال للأخرى
مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت كل واحدة منهما طلقة وإن طلق الثانية طلقت طلقتين وطلقت الأولى طلقة
وتعليل ذلك على ما ذكرنا في المسألة الأولي
413

(فصل) فإن كان له ثلاث نسوة فقال إن طلقت زينب فعمرة طالق، وان طلقت عمرة فحفصة
طالق، وان طلقت حفصة فزينب طالق ثم طلق زينب طلقت عمرة ولم تطلق حفصة لأنه ما أحدث
في عمرة طلاقا بعد تعليق طلاق حفصة بتطليقها، وإنما طلقت بالصفة السابقة على ذلك فيكون وقوعا
للطلاق وليس بتطليق، وان طلق عمرة طلقت حفصة ولم تطلق زينب لذلك، وان طلق حفصة
طلقت زينب ثم طلقت حفصة فيقع الطلاق بالثلاث لأنه أحدث في زينب طلاقا بعد تعليقه طلاق
عمرة بتطليقها فكان وقوع الطلاق بزينب تطليقا وطلقت به عمرة بخلاف غيرها ولو قال لزينب ان
طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة ان طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال لحفصة ان طلقت زينب
فأنت طالق ثم طلق زينب طلق الثلاث زينب بالمباشرة وحفصة بالصفة ووقوع الطلاق بحفصة تطليق
لها وتطليقها شرط طلاق عمرة فتطلق به أيضا والدليل على أنه تطليق لحفصة انه أحدث فيها طلاقا
بتعليقه طلاقها على تطليق زينب بعد تعليق طلاق عمرة بتطليقها وتحقق شرطه والتعليق مع شرطه
تطلق وقد وجدا معا بعد جعل تطليقها صفة لطلاق عمرة، وان طلق عمرة طلقت هي وزينب ولم
تطلق حفصة وان طلق حفصة طلقت هي وعمرة ولم تطلق زينب لما ذكرنا في المسألة التي قبلها، وان
قال لزينب ان طلقتك فضرتاك طالقتان ثم قال لعمرة مثل ذلك ثم قال لحفصة مثل ذلك ثم طلق زينب
طلقت كل واحدة منهن طلقة واحدة لأنه لم يحدث في غير زينب طلاقا وإنما طلقتا بالصفة على تعليق
414

الطلاق بتطليقهما وان طلق عمرة طلقت زينب طلقة وطلقت عمرة وحفصة كل واحدة منهما طلقتين
لأن عمرة طلقت واحدة بالمباشرة وطلقت زينب وحفصة بطلاقها واحدة واحدة وطلاق زينب تطليق لها
لأنه وقع بها بصفة أحدثها فيهما بعد تعليق طلاقهما بتطليقها فعاد على حفصة وعمرة بذلك طلقتان
ولم يعد على زينب بطلاقهما طلاق لما تقدم وان طلق حفصة طلقت ثلاثا لأنها طلقت واحدة بالمباشرة
وطلقت بها ضرتاها ووقوع الطلاق بكل واحدة منهما تطليق لأنه بصفة أحدثها فيهما بعد تعليق طلاقها
بطلاقهما فعاد عليها من طلاق كل واحدة منهم طلقة فكمل لها ثلاث وطلقت عمرة طلقتين واحدة
بتطليق حفصة وأخرى بوقوع الطلاق على زينب لأنه تطليق لزينب على ما ذكرناه وطلقت زينب
واحدة لأن طلاق ضرتيها بالصفة ليس بتطليق في حقها وان قال لكل واحدة منهن كلما طلقت إحدى
ضرتيك فأنت طالق ثم طلق الأولى طلقت ثلاثا وطلقت الثانية طلقتين والثالثة طلقة واحدة لأن
تطليقه للأولى شرط لطلاق ضرتيها ووقوع الطلاق بهما تطليق بالنسبة إليها لكونه واقعا بصفة أحدثها بعد
تعليق طلاقها بطلاقهما فعاد عليها من تطليق كل واحدة منهما طلقة فكمل لها الثلاث وعاد على الثانية
من طلاق الثالثة طلقة ثانية لذلك ولم يعد على الثالثة من طلاقهما الواقع بالصفة شئ لأنه ليس بتطليق
في حقهما وان طلق الثانية طلقت أيضا طلقتين وطلقت الأولى ثلاثا والثالثة طلقة وان طلق الثالثة طلقت
الأولى طلقتين وطلق كل واحدة من الباقيتين طلقة طلقة
415

(فصل) وان قال لامرأته ان طلقتك فعبدي حر ثم قال لعبده ان قمت فامرأتي طالق فقام طلقت
المرأة وعتق البعد ولو قال لعبده ان قمت فامرأتي طالق ثم قال لامرأته ان طلقتك فعبدي حر فقام
العبد طلقت المرأة ولم يعتق العبد لأن وقوع الطلاق بالصفة إنما يكون تطليقا مع وجود الصفة ففي
الصورة الأولى وجدت الصفة والوقوع بعد قوله ان طلقتك فعبدي حر وفي الصورة الأخرى لم يوجد
بعد ذلك الا الوقوع وحده وكانت الصفة سابقة فلذلك لم يعتق العبد ولو قال لعبده ان أعتقتك
فامرأتي طالق ثم قال لامرأته ان حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لعبده ان لم أضربك فامرأتي طالق
عتق العبد وطلقت المرأة.
* (مسألة) * (وان قال لنسائه الأربع أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ثم وقع على
إحداهن طلاقه طلق الجميع ثلاثا)
لأنه إذا وقع طلاقه على واحدة وقع على صواحبها ووقوعه على واحدة منهن يقتضي وقوعه
على صواحبها فيتسلسل الوقوع عليهن إلى أن تكمل الثلاث لكل واحدة منهن
* (مسألة) * (وان قال كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت
ثلاثا فثلاثة أحرار وكلما طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلق الأربع مجتمعات أو متفرقات عتق خمسة عشر عبدا)
وقيل يعتق عشرة بالواحدة واحد وبالثانية اثنان وبالثلاث ثلاثة وبالأربع أربعة وهذا غير صحيح فإن
416

قائل هذا لا يعتبر صفة طلاق الواحدة في غير الأولى ولفظه كلما تقتضي لتكرار فيجب تكرار الطلاق
بتكرار الصفات وتسقط أيضا صفة التثنية في الثالثة والرابعة، والصحيح انه يعتق خمسة عشر عبدا لأن
فيهن أربع صفات هن أربع فيقع أربعة وهن أربعة آحاد وهن اثنتان واثنتان فيعتق بذلك أربعة وفيهن
ثلاث فيعتق بهن ثلاثة. وان شئت قلت يعتق بالواحدة واحد وبالثانية ثلاثة لأن فيها صفتين هي واحدة
وهي مع الأولى اثنتان ويعتق بالثالثة أربعة لأنها واحدة وهي مع الأولى والثانية ثلاث ويعتق بالرابعة
سبعة لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة وهي مع الثالثة اثنتان وهي مع الثلاث التي قبلها أربع، وقيل
يعتق سبعة عشر لأن صفة التثنية قد وجدت ثلاث مرات فإنها توجد بضم الأولى إلى الثانية وبضم الثانية
إلى الثالثة وبضم الثالثة إلى الرابعة، وقيل يعتق عشرون وهو قول أبي حنيفة لأن صفة الثالثة وجدت
مرة ثانية بضم الثانية والثالثة إلى الرابعة، وكلا القولين غير سديد لأنهم عدوا الثانية مع الأولى في صفة
التثنية مرة ثم عدوها مع الثالثة مرة أخرى وعدوا الثانية والثالثة في صفة الثلاث مرتين مرة مع الأولى
ومرة مع الرابعة وما عد في صفة مرة لا يجوز عدة في تلك الصفة مرة أخرى ولذلك لو قال كلما أكلت
نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة لم تطلق الا اثنتين لأن الرمانة نصفان ولا يقال إنها تطلق ثالثة
بان يضم الرابع الثاني إلى الربع الثالث فيصيران نصفا وكذلك في مسئلتنا لم تضم الأولى إلى الرابعة
417

فيصيران اثنتين وعلى سياق هذا القول ينبغي ان يعتق اثنان وثلاثون واحد بطلاق واحدة وثلاثة بطلاق
الثانية وثمانية بطلاق الثالثة لأنها واحدة وهي مع ما قبلها ثلاث وهي مع ضمها إلى الأولى اثنتان ومع
ضمها إلى الثانية اثنتان ففيها صفة التثنية مرتان، ويعتق بطلاق الرابعة عشرون لأن فيها ثماني صفات
هي واحدة وهي مع ما قبلها أربع، وفيها صفة الثلاث ثلاث مرات هي مع الأولى والثانية ثلاث ومع
الثمانية والثالثة ثلاث ومع الأولى والثالثة ثلاث فيعتق بذلك تسعة، وفيها صفة التثنية ثلاث مرات مع
الأولى اثنتان ومع الثالثة اثنتان فيعتق لذلك ستة فيصير الجميع اثنين وثلاثين، وقال شيخنا وما نعلم بهذا
قائلا قال شيخنا ويحتمل ان لا يعتق الا أربعة كما لو قال كلما أعتقت أربعة فأربعة أحرار لأن هذا الذي
يسبق إلى أذهان العامة، وهذه الأوجه التي ذكرناها مع الاطلاق، فأما ان نوى بلفظه غير ما يقتضيه
الاطلاق مثل ان ينوي بقوله اثنين غير الواحدة فيمينه على ما نواه ومتى لم يعين العبيد المعتقين أخرجوا
بالقرعة، ولو جعل مكان كلما ان في المسألة المذكورة لم يعتق الا عشرة بالواحد واحد وبالثانية اثنان وبالثالثة
ثلاثة وبالرابعة أربعة لأن إن لا تقتضي التكرار
(فصل) ولو قال كلما أعتقت عبدا من عبيدي فامرأة من نسائي طالق وكلما أعتقت اثنين فامرأتان
طالقتان ثم أعتق الاثنين طلق الأربع على القول الصحيح، وعلى القول الثاني يطلق ثلاث ويخرجن
بالقرعة، ولو قال كلما أعتقت عبدا من عبيدي فجارية من جواري حرة وكلما أعتقت اثنين فجاريتان حرتان
418

وكلما أعتقت ثلاثة فثلاث أحرار وكلما أعتقت أربعة فأربع أحرار أعتق من جواريه بعدد ما أعتق من
عبيده في المسألة التي ذكرنا خمس عشرة على الصحيح وقيل عشر وقيل تسع عشرة وقيل عشرون لأنها
مثلها، وان أعتق خمسا فعلى القول الصحيح يعتق إحدى وعشرون لأن عتق الخامس عتق به ست لكونه
واحدا وهو ما قبله خمسة ولم يمكن عده في سائر الصفات لأن ما قبل ذلك قد عد في ذلك مرة فلا يعد
ثانية وعلى القول الآخر يعتق من جواريه خمس عشرة: بالواحد واحدة وبالثاني اثنتين وبالثالث ثلاث
وبالرابع أربع وبالخامس خمس
(فصل) فإن قال إن دخل الدار رجل فعبد من عبيدي حر وان دخلها طويل فعبدان حران وان
دخلها اسود فثلاثة أعبد أحرار، وان دخلها فقيه فأربعة أعبد أحرار فدخلها فقيه طويل اسود
عتق من عبيده عشرة
* (مسألة) * (إذا قال لامرأته إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت
طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين)
لأن علق طلاقها بصفتين مجئ الطلاق ومجئ كتابه وقد اجتمعت الصفات في مجئ الكتاب
فوقع بها طلقتان، فإن قال أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بالطلاق الأول دين لأنه يحتمل ما قاله
فيدين فيه كما لو كرر قوله أنت طالق وقال أردت بالثانية افهامها والتأكيد ويقبل قوله في الحكم
في إحدى الروايتين لما ذكرنا والأخرى لا يقبل لظاهر اللفظ والله أعلم
419

(فصل في تعليقه بالحلف)
اختلف أصحابنا في الحلف بالطلاق فقال القاضي في الجامع وأبو الخطاب هو تعليقه على شرط أي شرط
كان الا قوله إذا شئت فأنت طالق ونحوه فإنه تمليك وإذا حضت فأنت طالق فإنه طلاق بدعة وإذا
طهرت فأنت طالق فإنه طلاق سنة وهو قول أبي حنيفة لأن ذلك يسمى حلفا عرفا فيتعلق الحكم به كما
لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ولان الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون
الجواب فأشبه قول والله وبالله وتالله، وقال القاضي في المجرد هو تعليقه على شرط يقصد به الحث على
فعل أو المنع منه كقوله ان دخلت الدار فأنت طالق أو إن لم تدخلي فأنت طالق، أو على تصديق خبره كقوله
أنت طالق لقدوم زيد أو إن لم يقدم، فاما التعليق على غير ذلك كقوله أنت طالق ان طلعت الشمس أو قدوم الحاج
أو إن لم يقدم السلطان فهو شرط محض ليس بحلف لأن حقيقة الحلف القسم، وإنما سمي تعليق الطلاق على
شرط حلفا تجوزا لمشاركته الحلف في المعنى المشهور وهو الحث أو المنع أو تأكيد الخبر نحو والله لا فعلن
أو لا أفعل أو لقد فعلت أو ان لم افعل، وما لم يوجه فيه هذا المعنى لا يصح تسميته حلفا وهذا مذهب الشافعي
* (مسألة) * (فإذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق)
ثم قال أنت طالق ان قمت أو دخلت الدار أن ان لم تدخلي الدار أو ان لم يكن هذا القول حقا
فأنت طالق طلقت في الحال لأنه حلف بطلاقها فإن قال إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فأنت طالق
420

لم تطلق في الحال على الوجه الثاني وهو قول الشافعي واختاره ابن عقيل وتطلق على الأول وهو
قول أبي الخطاب وقد ذكرنا دليل القولين
* (مسألة) * (وان قال إن حلفت فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة لأن اعادته حلف
وان أعاده ثلاثا طلقت ثلاثا)
لأن كل مرة يوجد بها شرط الطلاق وينعقد شرط طلقة أخرى وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي
وقال أبو ثور ليس ذلك بحلف ولا يقع الطلاق بتكراره لأنه تكرار للكلام فيكون تأكيدا لا حلفا
ولنا انه تعليق للطلاق على شرط يمكن فعله وتركه فكان حلفا كما لو قال إن دخلت الدار فأنت
طالق، وقوله انه تكرار للكلام حجة عليه فإن تكرار الشئ عبارة عن وجوده مرة أخرى، وأما التأكيد
فإنه يحمل عليه الكلام المكرر إذا قصده وههنا ان قصد افهامها فاما ان كرر ذلك لغير مدخول بها بانت
بطلقة ولم يقع بها أكثر منها
* (مسألة) * (وان قال إن كلمتك فأنت طالق واعاده ثلاثا طلقت ثلاثا) لوجود الصفة كالمسألة قبلها
* (مسألة) * (وان قال لامرأتيه كلما حلقت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم أعاد ذلك ثلاثا طلقت كل
واحدة منهما ثلاثا)
421

لوجود شرطها وهو الحلف فإن كانت إحداهما غير مدخول بها بانت بالمرة الثانية فإذا اعاده بعد ذلك
لم تطلق واحدة منهما لأن غير المدخول بها بائن فلم يكن إعادة هذا القول حلفا بطلاقها وهي غير زوجة
فلم يوجد الشرط، فإن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما جميعا فإن جدد نكاح البائن ثم قال لها ان تكملت
فأنت طالق فقد قيل يطلقان حينئذ لأنه بهذا صار حالفا بطلاقهما وقد حلف بطلاق المدخول بها بإعادة قوله
في المرة الثالثة فطلقتا حينئذ، قال شيخنا ويقوى عندي انه لا يقع الطلاق بهذه التي جدد نكاحها
لأنها حين اعادته المرة الثالثة بائن فلم تنعقد الصفة بالإضافة إليها كما لو قال لأجنبية ان حلفت
بطلاقك فأنت طالق ثم تزوجها وحلف بطلاقها ولكن تطلق المدخول بها حينئذ لأنه قد حلف بطلاقها
في المرة الثالثة وحلف بطلاق هذه حينئذ فكمل شرط طلاقها فطلقت وحدها
(فصل) فإن كان له امرأتان حفصة وعمرة، فقال إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق ثم أعاده لم
تطلق واحدة منهما لأن هذا حلف بطلاق عمرة وحدها فلم يوجد الحلف بطلاقهما، وان قال بعد
ذلك أن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت عمرة لأنه حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقهما على الحلف
بطلاقهما ولم تطلق حفصة لأنها ما حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقهما عليه، فإن قال بعد هذا ان حلفت
بطلاقكما فعمرة طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه لم يحلف بطلاقهما إنما حلف بطلاق عمرة وحدها فإن
قال بعد هذا ان حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت حفصة وعلى هذا القياس
422

(فصل) إذا قال لإحداهما إذا حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك طلقت الثانية
لأن إعادته للثانية هو حلف بطلاق الأولى وذلك شرط وقوع طلاق الثانية، ثم إن أعاده للأولى طلقت
ثم كلما أعاده على هذا الوجه لامرأة طلقت حتى يكمل للثانية ثلاث، ثم إذا أعاده للأولى لم تطلق لأن
الثانية قد بانت منه فلم يكن ذلك حلفا بطلاقها، ولو قال هذا القول لامرأة ثم أعاده لها لم تطلق واحدة
منهما لأن ذلك ليس بحلف بطلاقها إنما هو حلف بطلاق ضرتها ولم يعلق على ذلك طلاقا
* (مسألة) * (وان قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال ذلك
للأخرى طلقت الأولى)
لأن التعليق حلف وقد علق طلاق ضرتها فتطلق الأولى لوجود شرط طلاقها وهو تعليق طلاق
ضرتها فإن أعاده الأولى طلقت الأخرى لذلك، وكلما أعاده لامرأة منها على هذا الوجه طلقت
الأخرى وان كانت إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة بانت ولم تطلق الأخرى بإعادته لها لأنه
ليس بحلف بطلاقهما لكونها بائنا
* (مسألة) * (وان قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاد ثانيا
طلقت كل واحدة طلقتين) لأن قوله ذلك حلف بطلاق كل واحدة منهما وحلفه بكل واحدة يقتضي
طلاق اثنتين فطلقتا بحلفه بطلاق واحدة طلقة طلقة وبحلفه بطلاق الأخرى طلقة طلقة
423

* (مسألة) * (وان قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق أو فضرتها طالق وأعاده
طلقت كل واحدة منهما طلقة)
لأن حلفه بطلاق وإجازة إنما اقتضى طلاقها وحدها وما حلف بطلاقها إلا مرة فلا تطلق إلا طلقة
(فصل) وان قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك
لم تطلق واحدة منهما، ثم إن أعاد ذلك لإحداهما طلقت الأخرى ثم إن أعاده للأخرى طلقت صاحبتها
ثم كلما أعاده لامرأة طلقت الأخرى إلا أن تكون إحداهما غير مدخول بها أو لم يبق من طلاقها
إلا دون الثلاث فإنها إذا بانت صارت كالأجنبية، فإن قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي
طالق ثم قال للأخرى إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق طلقت في الحال، ثم إن قال للأولى مثل ما قال
لها أو قال للثانية مثل ما قال لها طلقت الثانية وكذلك الثالثة، ولا يقع بالأولى بهذا طلاق لأن الحلف
في الموضعين إنما هو بطلاق الثانية، ولو قال للأولى ان حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال للأخرى
ان حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق طلقت الأولى، ثم متى أعاد هذين الشرطين مرة أخرى طلقت
الأولى ثانية وكذلك الثالثة، ولا يقع به لثانية بهذا طلاق، ولو قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك
فأنت طالق ثم قال للأخرى إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه في
الموضعين علق طلاق الثانية على الحف بطلاق الأولى ولم يحلف بطلاقها، ولو أعاد ذلك لهما لم تطلق
424

واحدة منهما وسواء تقدم القول للثانية على القول للأولى أو تأخر عنه
(فصل) فإن كان له ثلاث نسوة فقال إن حلفت بطلاق زينب فعمرة طالق ثم قال إن حلفت
بطلاق عمرة فحفصة طالق ثم قال إن حلفت بطلاق حفصة فزينب طالق طلقت عمرة وان جعل مكان
زينب عمرة طلقت حفصة ثم متى أعاده بعد ذلك طلقت منهن واحدة على الوجه الذي ذكرناه وإن
قال إن حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق زينب بعد تعليقه طلاق نسائه على الحلف
بطلاقها فطلقت كل واحدة منهن طلقة ولما قال إن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق
عمرة ولم يقع بحلفه بطلاق زينب شئ لأنه قد حنث به مرة فلا يحنث ثانية ولو كان مكان قوله ان
كلما لطلقت كل واحدة منهن ثلاثا لأن كلما تقتضي التكرار ولو قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكن
فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك مرة ثانية طلقن ثلاثا ثلاثا لأنه بإعادته حالف بطلاق كل واحدة منهن وحلفه
لطلاق واحدة شرط لطلاقهن جميعا ولو قال إن حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد
ذلك طلقت كل واحدة منهن طلقة لأن ان لا تقتضي التكرار، وان قال بعد ذلك لإحداهن ان قمت
فأنت طالق لم تطلق واحدة منهن وان قال ذلك للاثنتين الباقيتين طلق الجميع طلقة طلقة
(فصل) وان قال لزوجته ان حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال إن حلفت بطلاقك فعبدي
425

حر طلقت ثم قال لعبده ان حلفت بعتقك فامرأتي طالق عتق العبد ولو قال له ان حلفت بطلاق
امرأتي فأنت حر ثم قال لها ان حلف بعتق عبدي فأنت طالق عتق العبد ولو قال لعبده ان حلفت
بعتقك فأنت حر ثم أعاده عتق العبد
(فصل) في تعليقه بالكلام إذا قال إن كلمتك فأنت طالق فتحقق ذلك طلقت لأنه كلمها بعد
عقد اليمين إلا أن يريد بعد انقضاء كلامي هذا أو نحوه وكذلك ان زجرها فقال تنحي أو اسكتي
أو قال إن قمت فأنت طالق طلقت لأنه كلمها بعد اليمين الا أن ينوي كلاما مبتدأ ويحتمل أن لا
يحنث بالكلام المتصل بيمينه لأن اتيانه به يدل على ارادته الكلام المفصل عنها وان سمعها تذكرة
فقال الكاذب عليه لعنة حنث نص عليه أحمد لأنه كلمها
* (مسألة) * (وان قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق
فقالت إن بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه لأنها كلمته فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداء إلا
أن ينوي أنه لا يبدؤها في مرة أخرى وبقيت يمينها معلقة فإن بدأها بكلام انحلت يمينها أيضا وان
بدأته هي عتق عبدها هكذا ذكره أصحابنا، قال شيخنا: ويحتمل أن يحنث ببدايته إياها بالكلام
في وقت آخر لأن الظاهر ارادته ذلك بيمينه
* (مسألة) * (وإذا قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لتشاغله أو غفلته أو
كاتبته أو راسلته أو حنث)
426

إذا كلمته فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث لأنها كلمته وكذلك ان كاتبته أو راسلته إلا أن يكون قصد
ألا تشافهه، نص عليه أحمد، وذلك لقول الله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا أو من
وراء حجاب أو يرسل رسولا) ولان القصد بالترك لكلامها إياه هجرانا ولا يحصل ذلك مع مواصلته
بالرسل والكتب، ويحتمل أن لا يحنث الا ان ينوي ترك ذلك لأن هذا القسم ليس بتكلم حقيقة
ولأنه لو حلف لتكلمنه لم يبرأ بذلك الا أن ينويه فكذلك لا يحنث به فإن أرسلت انسانا يسأل أهل
العلم عن مسألة أحدثت فجاء الرسول فسأل المحلوف عليه لم يحنث بذلك
* (مسألة) * (وان أشارت إليه احتمل وجهين)
(أحدهما) لا تطلق لأنه لم يوجد الكلام (والثاني) تطلق لأنه يحصل به مقصود الكلام والأول أولى
* (مسألة) * (وان كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه أو مجنونا يسمع كلامها حنث)
لأن السكران يكلم ويحنث وربما كان تكليمه في حال سكره أضر من تكليمه في صحوه ولان المجنون
يسمع الكلام أيضا ويحنث وكذلك ان كلمت صبيا يسمع ويعلم أنه مكلم حنث فأما ان جنت هي وكلمته.
لم يحنث لأن القلم مرفوع عنها ولم يبق لكلامها حكم وان كلمته سكرانة حنث لأن حكمها حكم الصاحي
وقيل لا يحنث لأنه لا عقل لها
* (مسألة) * (وان كلمته ميتا أو غائبا أو مغمى عليه أو نائما لم يحنث) وقال أبو بكر يحنث لقول أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها
427

ولنا أن التكليم فعل يتعدى إلى المكلم وقد قيل إنه مأخوذ من الكلم وهو الجرح لأنه يؤثر فيه
كتأثير الجرح ولا يكون ذلك الا باسماعه فأما تكليم النبي صلى الله عليه وسلم الموتى فمن معجزاته فإنه قال " ما أنتم
بأسمع لما أقول منهم " ولم يثبت هذا لغيره وقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها
حجة لنا فإنهم قالوا ذلك استعبادا وسؤالا عما خفي عنهم سببه وحكمته حتى كشف لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك
بأمر مختص به فيبقى الامر فيمن سواه على النفي وان سلمت عليه حنث لأنه كلام فإن كان أحدهما إماما
والآخر مأموما لم يحنث بتسليم الصلاة لأنه للخروج منها الا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون
حكمه كما لو سلم عليهم في غير الصلاة، ويحتمل أن لا يحنث بحال لأن هذا لا يعد تكليما ولا يريده الحالف
(فصل) فإن حلف لا يكلم انسانا فكلم غيره وهو يسمع يقصد بذلك اسماعه كما لو قال إياك أعني
واسمعي بإجارة حنث نص عليه أحمد فقال إذا حلف لا يكلم فلانا فكلم انسانا وهو يسمع يريد بكلامه
إياه المحلوف عليه حنث لأنه قد أراد تكليمه، وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث فإنه حلف
أن لا يكلم أخاه زيادا فأراد زياد الحج فجاء أبو بكرة فدخل قصره وأخذ ابنه في حجره فقال إن أباك
يريد الحج والدخول على زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا السبب وقد علم أنه غير صحيح ثم خرج ولم ير
أنه كلمه والأول أصح لأنه أسمعه كلامه يريده به فأشبه ما لو خاطبه به ولان مقصود تكليمه قد
حصل باسماعه كلامه
428

(فصل) فإن حلف لا يكلم امرأته فجامعها لم يحنث الا أن تكون نيته هجرانها قال أحمد في رجل
قال لامرأته ان كلمتك خمسة أيام فأنت طالق إن له ان يجامعها ولا يكلمها فقال أي شئ كان به؟ وهذا يسوؤها
أو يغبطها فإن لم تكن له نية فله أن يجامعها ولا يكلمها وان حلف لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه
ولم يحرك شفتيه حنث لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس فتنصرف يمينه إليه الا أن ينوي حقيقة
القرآن قال أحمد إذا حلف لا قرأت لفلان كتابا ففتحه حتى استقصى آخره الا أنه لم يحرك شفتيه فإن
أراد أن يعلم ما فيه فقد علم ما فيه وقرأه
* (مسألة) * (فإن قال لامرأتيه ان كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة منهما واحدا
طلقتا ويحتمل ان لا يحنث حتى تكلما جميعا كل واحد منهما)
هذه المسألة فيما وجهان (أحدهما) يحنث لأن تكليمهما وجد منهما فحنث كما لو قال إن حضتما فأنتما
طالقتان فحاضت كل واحدة حيضة وكذلك لو قال إن ركبتما دابتيكما فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة دابتها
(والثاني) لا يحنث حتى تكلم كل واحدة منهما الرجلين معا لأنه علق طلاقهما بكلامهما لهما فلا تطلق واحدة بكلام
الأخرى وحدها، وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي وهو أولى انشاء الله إذا لم تكن له نية وهكذا ان قال إن
دخلتما هاتين الدارين فالحكم فيها كذلك لأن الأصل بقاء النكاح قال شيخنا فيما لم تجر العادة بانفراد الواحدة
به فاما ما جرت العادة بانفراد الواحدة فيه بالواحد كنحو ركبا دابتيهما ولبسا ثوبيهما وتقلدا سيفيهما
429

واعتقلا رمحيهما ودخلا بزوجتيهما وأشباه هذا فإنه يحنث إذا وجد منهما منفردين وما لم تجر العادة
فيه بذلك فهو على الوجهين فاما ان قال إن أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفا فإنه
يحنث لأنه يستحيل ان تأكل كل واحدة منهما الرغيفين بخلاف الرجلين والدارين
* (مسألة) * (فإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق)
فنهاها فخالفته لم يحنث الا أن ينوي مطلق المخالفة اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي لأنها
خالفت أمره لا نهيه، وقال أبو الخطاب يحنث إذا لم يكن ممن يعرف حقيقة الأمر والنهي إذا كان كذلك
فإنما يريد نفي المخالفة، ويحتمل أن تطلق بكل حال لأن الامر بالشئ نهي عن ضده والنهي عنه أمر
بضده فقد خالفت أمره وان قال لها ان نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له لا تعطها من مالي
شيئا لم يحنث لأن اعطاءها من مالها لا يجوز ولا يجوز النفع به فيكون هذا النفع محرما فلا تتناوله يمينه ويحتمل
أن يحنث لأنه نفع ولفظه عام فيدخل المحرم فيه.
(فصل) إذا قال أنت طالق ان كلمت زيدا ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تلكم زيدا في حال كون
محمد فيها مع خالد، وذكر القاضي أنه يحنث بكلام زيد فقط لأن قوله ومحمد مع خالد استئناف كلام بدليل
أنه مرفوع والصحيح الأول لأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى من فصله والرفع لا ينفي
كونه حالا فإن الجملة من المبتدا والخبر تكون حالا كقوله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)
430

وقوله (الا استمعوه وهم يلعبون) وهذا كثير فلا يجوز قطعه عن الكلام الذي هو في سياقه مع امكان
وصله به ولو قال إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال كون محمد مع خالد
فكذلك إذا تأخر قوله محمد مع خالد ولو قال أنت طالق ان كلمت زيدا وانا غائب لم تطلق حتى تكلمه
في حال غيبته وكذلك لو قال أنت طالق ان كلمت زيدا وأنت راكبة أو هو راكب أو ومحمد راكب
لم تطلق حتى تكلمه في تلك الحال ولو قال أنت طالق ان كلمت زيدا ومحمد أخوه مريض لم تطلق
حتى تكلمه وأخوه محمد مريض
(فصل) وان قال إن كلمتني إلى أن يقدم زيد أو حتى يقدم زيد فأنت طالق فكلمته قبل قدومه
حنث لأنه مد المنع إلى غاية هي قدوم زيد فلا يحنث بعدها فإن قال أردت ان استدمت كلامي من الآن
إلى أن يقدم زيد دين وهل يقبل في الحكم؟ يحتمل وجهين
(فصل في تعليقه بالاذن)
* (مسألة) * (إذا قال إن خرجت بغير اذني أو الا باذني أو حتى آذن لك فأنت طالق ثم أذن لها
فخرجت ثم خرجت بغير اذنه طلقت لخروجها بغير اذنه وعنه لا تطلق حتى ينوي الاذن في كل مرة)
لأن إن لا تقتضي التكرار فتتناول الخروج في المرة الأولى
* (مسألة) * (وان أذن لها من حيث لا تعلم فخرجت طلقت)
431

لأنها إذ لم تعلم فليس باذن لأن الاذن هو الاعلام ولم يعلمها، ويحتمل أن لا تطلق لأنه يقال
اذن لها ولم تعلم.
* (مسألة) * (وإن قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير اذني فأنت طالق فخرجت إلى غير الحمام طلقت
سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل
وان خرجت تريد الحمام وغيره ففيه وجهان (أحدهما) يحنث لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم
إليه غيره فحنث بما حلف عليه كما لو حلف لا يكلم زيدا وعمرا (والثاني) لا يحنث لأنها ما خرجت إلى
غير الحمام بل الخروج مشترك
* (مسألة) * (وان خرجت تريد الحمام ثم عدلت إلى غيره)
فقياس المذهب أنه يحنث لأن ظاهر هذه اليمين المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث كما
لو خالفت لفظه، ويحتمل أن لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها لم تفعل ما حلف عليه وتناوله لفظه ونقل
الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل إذا حلف بالطلاق أنه لا يخرج من بغداد الا لنزهة فخرج إلى النزهة
ثم مر إلى مكة فقال النزهة لا تكون إلى مكة فظاهر هذا أنه أحنثه ووجهه ما ذكرنا وقال في رجل
حلف بالطلاق ان لا يأتي أرمينية الا باذن امرأته فقالت امرأته اذهب حيث شئت فقال لا حتى تقول
إلي أرمينية والصحيح أنه متى أذنت له اذنا عاما ما لم يحنث. قال القاضي: وهذا من كلام احمد محمول
432

على أن هذا خرج مخرج العضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قبلها كان اذنا منها وله الخروج
وإن كان بلفظ عام.
* (مسألة) * (وان حلف لعامل ان لا يخرج الا باذنه فعزل فهل تنحل يمينه؟ على وجهين)
وهذا مبني على ما إذا خلف يمينا عامة لسبب خاص هل تختص يمينه بسبب اليمين؟ على وجهين
(أحدهما) أنها تختص به لأن الظاهر أنه أراده فاختصت يمينه به كما لو نواه، فعلى هذا تنحل يمينه لأنه
إنما حلف عليه لكونه عاملا له، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة، وروي عن أحمد ما يدل على أن
يمينه تحمل على العموم فقال فيمن قال لله علي أن لا أصيد في هذا النهر لظلم رآه فتغير حاله فقال النذر
يوفى به وذلك لأن اللفظ دليل الحكم فيجب اعتباره في الخصوص والعموم كما في لفظ الشارع
ووجه الأول أن السبب الخاص يدل على قصد الخصوص ويقوم مقام النية عند عمومها لدلالته
عليها فوجب أن يختص به اللفظ العام كالنية، وفارق لفظ الشارع فإنه يريد بيان الأحكام ولا يختص
بمحل السبب لكون الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير محل السبب، فعلى هذا لو قامت امرأته
لتخرج فقال إن خرجت فأنت طالق فرجعت ثم خرجت بعد ذلك أو دعاه انسان إلى غدائه فقال
امرأتي طالق ان تغديت ثم رجع فتغدى في منزله لم يحنث على الأول ويحنث على الثاني وان حلف
433

لعامل ان لا يخرج الا باذنه أو حلف بذلك على امرأته أو مملوكه فعزل العامل أو طلق المرأة أو باع
المملوك أو حلف على وكيل فعزله خرج في ذلك كله وجهان
(فصل في تعليقه بالمشيئة)
إذا قال أنت طالق ان شئت أو إذا شئت أو متى شئت أو كلما شئت أو كيف شئت أو حيث شئت
أو أنى شئت لم تطلق حتى تقول قد شئت لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فيعلق الحكم بما
ينطق به دون ما في القلب فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم يقع به طلاق ولو قالت قد شئت بلسانها وهي
كارهة وقع الطلاق اعتبارا بالنطق وكذلك ان علق الطلاق بمشيئة غيرها
* (مسألة) * (ومتى وجدت المشيئة باللسان وقع الطلاق سواء كان على الفور أو التراخي)
نص عليه أحمد في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وفيما إذا قال أنت طالق حيث شئت أو أين شئت
ونحو هذا قال الزهري وقتادة، وقال أبو حنيفة دون صاحبيه إذا قال أنت طالق كيف شئت تطلق في
الحال طلقة رجعية لأن هذا ليس بشرط إنما هو صفة للطلاق الواقع بمشيئتها
ولنا أنه أضاف الطلاق إلى مشيئتها فأشبه ما لو قال حيث شئت وقال الشافعي في جميع الحروف
ان شئت في الحال والا فلا تطلق لأن هذا تمليك للطلاق فكان على الفور كقوله اختاري
434

وقال أصحاب الرأي في أن كقوله وفي سائر الحروف كقولنا لأن هذه الحروف صريحة في
التراخي فحملت على مقتضاها بخلاف ان فإنها لا تقتضي زمانا وإنما هي لمجرد الشرط فتقيده بالفور يقتضيه
وقال الحسن وعطاء في قوله أنت طالق ان شئت إنما ذلك ماداما في المجلس
ولنا انه تعليق للطلاق على شرط فكان على التراخي كالعتق وفارق اختاري فإنه ليس بشرط
إنما هو تخيير فتقيد بالمجلس كخيار المجلس ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار لأنه تمليك للطلاق
فكان على الفور كقوله اختاري، والصحيح الأول وقد ذكرنا الفرق بين الأصل والفرع فإن قيد المشيئة
بوقت فقال أنت طالق ان شئت اليوم تقيد به فإن خرج اليوم قبل مشيئتها لم تطلق وان علقه على مشيئة
اثنين لم يقع حتى توجد مشيئتهما، وخرج القاضي وجها انه يقع بمشيئة أحدهما كما يحنث بفعل بعض
المحلوف عليه وقد بينا فساد هذا
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق ان شئت فقالت قد شئت ان شئت فقال قد شئت لم تطلق)
لأنها لم تشأ فإن المشيئة أمر حقيقي لا يصح تعليقها على شرط وكذلك ان قالت قد شئت ان طلعت
الشمس نص أحمد على هذا وهو قول سائر أهل العلم منهم الشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق ان
شئت فقالت قد شئت ان شاء فلان انها قد ردت الامر ولا يلزمها الطلاق وان شاء فلان وذلك لأنه
لم يوجد منها مشيئة إنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس تعليق المشيئة بشرط مشيئة، وان علق الطلاق
435

على مشيئة اثنين فشاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي وقع الطلاق لأن المشيئة قد
وجدت منهما جميعا
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق ان شئت وشاء أبوك لم تطلق حتى يشاءا) لأن الصفة مشيئتهما ولا
تطلق بمشيئة أحدهما لعدم وجود الشرط
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق ان شاء زيد فمات أو جن أو خرس قبل المشيئة لم تطلق)
لأن شرط الطلاق لم يوجد وحكى عن أبي بكر انه يقع ولأنه علقه على شرط فوقع في الحال كما لو
قال أنت طالق إن شاء الله وليس بصحيح لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كالمعلق
على دخول الدار، وان شاء وهو مجنون لم يقع طلاقه لأنه لا حكم لكلامه وان شاء وهو منكران فالصحيح
انه لا يقع لأنه زائل العقل أشبه المجنون، وقال أصحابنا يخرج علي الروايتين في طلاقه، والفرق بينهما
ان إيقاع طلاقه تغليظ عليه كيلا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه وههنا إنما يقع الطلاق بغير فلا
يصح منه في حال زوال عقله، وان شاء وهو صبي طفل لم يقع كالمجنون وإن كان يعقل الطلاق وقع لأن
له مشيئة ولذلك صح اختياره لاحد أبويه وإن كان أخرس فشاء بالإشارة وقع الطلاق لأن إشارته تقوم
مقام نطق الناطق ولذلك وقع طلاقه بها وإن كان ناطقا حال التعليق فخرس ففيه وجهان
(أحدهما) يقع الطلاق بها لأن طلاقه في نفسه يقع بها فكذلك طلاق من علقه بمشيئته (والثاني)
436

لا يقع بها لأنه حال التعليق كان لا يقع الا بالنطق فلم يقع بغيره كما لو قال في التعليق ان نطق
فلان بمشيئته فهي طالق
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق الا ان يشا زيد فمات أو جن أو خرس طلقت في الحال)
لأنه أوقع الطلاق وعلق عقبه بشرط ولم يوجد وأما إذا خرس فشاء بالإشارة خرج فيه الوجهان
اللذان ذكرناهما بناء على وقوع الطلاق بإشارته إذا علقت على مشيئته
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق واحدة الا ان يشاء زيد ثلاثا فشاء ثلاثا فقال أبو بكر
تطلق ثلاثا في أحد الوجهين)
لأن السابق إلى الفهم من هذا الكلام ايقاع الثلاث إذا شاءها زيد كما لو قال له على درهم الا ان تقيم
بينة بثلاثة وخذ درهما الا ان تريد أكثر منه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا الا بيع
الخيار " أي ان بيع الخيار يثبت الخيار فيه بعد تفرقهما والثاني لا تطلق وقال أصحاب الشافعي وأبي
حنيفة لا تطلق إذا شاء ثلاثا لأن الاستثناء من الاثبات نفي فتقديره أنت طالق واحدة الا ان يشاء
زيد ثلاثا فلا تطلقي ولأنه لو لم يقل ثلاثا لما طلقت بمشيئه ثلاثا فكذلك إذا قال ثلاثا لأنه إنما ذكر
الثلاث صفة لمشيئة زيد الرافعة لطلاق الواحدة فيصير كما لو قال أنت طالق الا ان يكرر زيد مشيئته
ثلاثا فاما ان لم يشأ زيد أو شاء أقل من ثلاث طلقت واحدة
437

* (مسألة) * (وان قال أنت طالق إن شاء الله طلقت وان قال لامته أنت حرة إن شاء الله عتقت
وحكي عنه انه يقع العتق دون الطلاق)
نص أحمد رحمه الله على وقوع الطلاق والعتق في رواية جماعة وقال ليس هما من الايمان وبهذا
قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول وقتادة والزهري ومالك والليث والأوزاعي وأبو عبيد وعن
أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع ولا العتاق وهو قول طاوس والحكم وأبي حنيفة والشافعي لأنه
علقه على مشيئة لم يعلم وجودها فلم يقع كما لو علقها على مشيئة زيد ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " من حلف فقال إن
شاء الله لم يحنث " رواه الترمذي وقال حديث حسن
ولنا ما روى أبو حمزة قال سمعت ابن عباس يقول إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله
فهي طالق رواه أبو حفص باسناده عن أبي بردة نحوه وروى ابن عمر وأبو سعيد قال كنا معاشر
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزا في كل شئ الا في الطلاق والعتاق ذكره
أبو الخطاب وهذا نقل للاجماع فإن قدرته انه قول بعضهم فقد انتشر ولم يعرف له مخالف فهو اجماع
ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا ولأنه انشاء حكم في محل
فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح أو نقول إزالة ملك فلم يصح تعليقه على مشيئة الله كما لو قال أبرأتك
438

إن شاء الله أو تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فأشبه تعليقه على المستحيلات، والحديث لا حجة لهم فيه فإن
الطلاق انشاء وليس بيمين حقيقة وان سمي بذلك فمجاز لا تترك الحقيقة من أجله، ثم إن الطلاق
إنما سمي يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن فعله وتركه ومجرد قوله أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا
مجازا فلم يكن الاستثناء بعد يمين، وقولهم علقه على مشيئة لا نعلم قلنا قد علمت مشيئة الله للطلاق بمباشرة
الآدمي سببه قال قتادة قد شاء الله حين اذن ان تطلق ولو سلمنا انها لم تعلم لكن قد علقه على شرط
يستحيل علمه فيكون كتعليقه على المستحيلات يلغو ويقع الطلاق في الحال، وحكي عن أحمد انه يقع العتق
دون الطلاق وعلله أحمد رحمه الله بان العتق لله سبحانه والطلاق ليس هو لله ولا فيه قربة إليه ولأنه لو
قال لامته كل ولد تلدينه فهو حر فهذا تعليق للحرية على الملك وهو صحيح ولان من نذر العتق لزمه
الوفاء به ومن نذر الطلاق لا يلزمه الوفاء به فكما افترقا في النذر جاز ان يفترقا في اليمين
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق الا ان يشاء الله طلقت) ووافق أصحاب الشافعي على هذا في
الصحيح من المذهب لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم
* (مسألة) * (وان قال إن لم يشأ الله أو ما لم يشأ الله فعلى وجهين)
(أحدهما) يقع في الحال لأن وقوع طلاقها إذا لم يشأ الله محال فلغت هذه الصفة ووقع الطلاق
(والثاني) لا يقع بناء على تعليق الطلاق على المحال مثل قوله أنت طلق ان جمعت بين الضدين أو شربت
الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه
439

(فصل) وان قال أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم تطلق دخلت أو لم تدخل لأنها ان
دخلت فقد فعلت المحلوف عليه وان لم تدخل علمنا أن الله لم يشأه لأنه لو شاءه لوجد فإن ما شاء الله
كان وكذلك ان قال أنت طالق لا تدخلي الدار إن شاء الله لما ذكرنا وان أراد بالاستثناء والشرط رده
إلى الطلاق دون الدخول خرج فيه من الخلاف ما ذكرنا في المنجز وان لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه
إلى الدخول ويحتمل ان يرجع إلى الطلاق
* (مسألة) * (وان قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت فهل تطلق؟ على روايتين)
(أحدهما) يقع الطلاق بدخول الدار ولا ينفعه الاستثناء لأن الطلاق والعتاق ليسا من الايمان
ولما ذكرناه فيما إذا قال أنت طالق إن شاء الله (والثانية) لا تطلق وهو قول أبي عبيد إذا علق الطلاق بشرط
صار يمينا وحلفا فصح الاستثناء فيه لعموم قوله عليه السلام " من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث "
وفارق إذا لم يعلقه فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم
* (مسألة) * (وان إن قال أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته طلقت في الحال)
لأن معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه كقوله هو حر لوجه الله أو لرضى الله فإن قال
أردت به الشرط دين قال القاضي ويقبل في الحكم لأنه محتمل فإن ذلك يستعمل للشرط كقوله أنت
طالق للسنة وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني لا يقبل لأنه خلاف الظاهر
440

(فصل) فإن قال أنت طالق إن أحببت أو أردت أو كرهت احتمل ان يتعلق الطلاق بقولها
بلسانها قد أحببت أو أردت أو كرهت لأن هذه المعاني في القلب لا يمكن الاطلاع عليها الا من قبلها
فيعلق الحكم بقولها كالمشيئة ويحتمل ان يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ويكون اللسان دليلا عليه فعلي
هذا لو أقر الزوج بوجوده وقع طلاقه وإن لم تتلفظ به ولو قالت أنا أحب ذلك ثم قالت كنت كاذبة لم تطلق
* (مسألة) * (وإن قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله في النار فأنت طالق أو قال إن كنت تحبينه
بقلبك فقالت أنا أحبه)
فقد توقف أحمد رحمه الله عنها وسئل فلم يجب فيها بشئ وفيها احتمالان (أحدهما) لا تطلق وهو
قول أبي ثور لأن المحبة في القلب ولا يوجد من أحد محبة ذلك وخبرها بحبها له كذب معلوم فلم يصح
دليلا على ما في قلبها (والاحتمال الثاني) تطلق قاله القاضي وهو قول أصحاب الرأي لأن ما في القلب
لا يوقف عليه الا من لفظها فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به كاذبة كانت أو صادقة كالمشيئة ولا فرق
بين قوله ان كنت تحبين ذلك وبين قوله ان كنت تحبينه بقلبك لأن المحبة لا تكون إلا بالقلب. قال شيخنا
والأولى أنها لا تطلق إن كانت كاذبة، وهذا الاحتمال الأول والله أعلم
441

(فصل في مسائل متفرقة)
إذا قال أنت طالق إذا رأيت الهلال طلقت إذا رئي في أول الشهر. وبهذا قال الشافعي وقال
أبو حنيفة لا تطلق حتى تراه لأنه علق الطلاق على رؤية نفسه أشبه تعليقه على رؤية زيد
ولنا أن الرؤية في عرف الشرع العلم به في أول الشهر بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " إذا
رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا " والمراد به رؤية البعض وحصول العلم فانصرف لفظ
الحالف إلى عرف الشرع كما إذا قال إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الطلاة الشرعية لا إلى
الدعاء وفارق رؤية زيد فإنه لم يثبت له عرف شرعي يخالف الحقيقة وكذلك لو لم يره أحد لكن ثبت
الشهر بتمام العدد لأنه قد علم طلوعه إلا أن ينوي حقيقة رؤيتها فلا تطلق حتى تراه ويقبل قوله في
ذلك لأنها رؤية حقيقة وتتعلق الرؤية برؤيته بعد الغروب فإن رأت قبل ذلك لم تطلق لأن هلال الشهر
ما كان في أوله ولأنا جعلنا رؤية الهلال عبارة عن دخول الشهر، ويحتمل أن تطلق برؤيته قبل الغروب
لأنه يسمى رؤية والحكم متعلق به في الشهر فإن قال أردت إذا رأيته أنا بعيني فلم يره حتى أقمر لم
تطلق لأنه ليس بهلال، واختلف فيما يصير به قمرا فقيل بعد ثالثة وقيل إذا استدار وقيل إذا بهر ضوؤه
(فصل) قال أحمد إذا قال لها أنت طالق ليلة القدر يعتزلها إذا دخل العشر وقبل الشعر أهل
442

المدينة يرونها في السبع عشرة الا أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشعرة الأواخر إنما
أمره باجتنابها في العشر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتماس ليلة القدر في العشر الأواخر فيحتمل
أن تكون أول ليلة منه ويمكن أو يكون هذا منه على سبيل الاحتياط ولا يتحقق حنثه إلى آخر ليلة من الشهر
لاحتمال أن تكون هي تلك الليلة
* (مسألة) * (وان قال من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبرته امرأتاه طلقت الأولى منهما
الا أن تكون الثانية هي الصادقة وحدها فتطلق وحدها)
إنما طلقت الأولى وحدها لأن التبشير خبر صدق تغير به بشرة الوجه من سرور أو غم وقد
حصل بخبر الأولى واشترطنا صدقها لأنه متى علم أنه كذب زال السرور فإن كانت الثانية هي الصادقة
طلقت وحدها لأن السرور إنما حصل بخبرها هذا إذا أخبرته إحداهما بعد الأخرى، وان بشره
بذلك اثنتان أو ثلاث أو أربع دفعة واحدة طلقن كلهن لأن من تقع على الواحد فما زاد قال الله تعالى
(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال (ومن يقنت منكن لله ورسوله
وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين)
* (مسألة) * (وان قال من أخبرتني بقدومه فهي طالق)
فكذلك عند القاضي تطلق المخبرة الأولى ان كانت صادقة وان كانت كاذبة احتمل أن لا تطلق
443

وهو ظاهر كلام القاضي لأن الظاهر من حاله أنه أراد من أعلمتني ولا يحصل الا بالصدق ولذلك لو قال
من بشرتني بقدومه فهي طالق لم تطلق الكاذبة وإن كان السرور يحصل إذا جهل كذبها وان أخبرته
أخرى طلقت في قول أبي الخطاب لأنها مخبرة، ولم تطلق عند القاضي الثانية ولا الكاذبة كالبشارة سواء.
(فصل) إذا قال أول من يقوم منكن فهي طالق أو قال لعبيده أول من قام منكم فهو حر فقام
الكل دفعة واحدة لم يقع طلاق ولا عتق لأنه لا أول فيهم وان قام واحد أو واحدة ولم يقم بعد
أحد احتمل وجهين (أحدهما) يقع الطلاق أو العتق لأن الأول ما كان بعده شئ ولم يوجد.
فعلى هذا لا يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه حتى ييأس من قيام أحد منهم بعده فتنحل بيمينه، وان قام
اثنان أو ثلاثة دفعة واحدة وقام بعدهم آخر وقع الطلاق والعتق بمن قام في الأول بوقوعه على القليل
والكثير قال الله تعالى (ولا تكونوا أول كافر به) وحكي عن القاضي فيمن قال أول من يدخل من
عبيدي فهو حر فدخل اثنتان دفعة واحدة ثم دخل بعدهم آخر: لم يعتق واحد منهم وهذا بعيد فإنه قد
دخل بعضهم بعد بعض ولا أول فيهم وهذا لا يستقيم الا أن يكون قال أول من يدخل منكم وحده ولم
يدخل بعد الثالث أحد فإنه لو دخل بعد الثالث أحد عتق لكونه أول من دخل وحده وإذا لم يقل وجده
فإن لفظة الأول تتناول الجماعة كما ذكرنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أول من يدخله الجنة
444

فقراء المهاجرين " ولو قال آخر من يدخل منكن الدار فهي طالق فدخل بعضهن لم يحكم بطلاق واحدة
منهن حتى ييئس من دخول غيرها بموته أو موتهن أو غير ذلك فيتبين وقوع الطلاق بآخرهن دخولا
من حين دخلت وكذلك الحكم في العتق
(فصل) إذا قال إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لانسان ان دخل دارك
أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها فقال القاضي لا يحنث لا قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما حلف
على غيره ويمنع من سواه فيخرج هو من العموم بالقرينة ويخرج المخاطب من اليمين أيضا ويحتمل الحنث
اخذا بعموم اللفظ واعراضا عن السبب
* (مسألة) * (وان حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا حنث في الطلاق والعتاق ولم يحنث في اليمين
المكفرة في ظاهر المذهب)
نقل ذلك عن أحمد جماعة واختاره الخلال وصاحبه وهو قول أبي عبيد وعن أحمد رواية أخرى
انه لا يحنث في الطلاق والعتاق أيضا وهو قول عطاء وعمرو بن دينار وابن أبي نجيح وإسحاق وابن
المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي لقول الله تعالى (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت
قلوبكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله تجاوز لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأنه غير
قاصد للمخالفة فلم يحنث كالنائم والمجنون ولأنه أحد طرفي اليمين فاعتبر فيه القصد كحالة الابتداء بها
445

وعن أحمد رواية ثالثة انه يحنث في الجميع وتلزمه الكفارة في اليمين المكفرة وهو قول سعيد بن جبير
ومجاهد والزهري وقتادة وربيعة ومالك (والقول الثاني) للشافعي لأنه فعل ما حلف عليه قاصدا لفعله
فلزمه الحنث كالذاكر وكما لو كانت اليمين بالطلاق والعتاق ووجه الأولى ان الكفارة إنما تجب لرفع
الاثم ولا اثم على الناسي ولما ذكرنا من الآية والخبر واما الطلاق والعتاق فهو معلق بشرط فيقع بوجود
شرطه من غير قصد كما لو قال أنت طالق ان طلعت الشمس أو قدم الحاج ولان هذا يتعلق به حق آدمي
فيعلق الحكم به مع النسيان كالاتلاف
* (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل على إنسان بيتا أو لا يكلمه أو لا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى
يقضيه حقه فدخل بيتا هو فيه ولم يعلم أو سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم أو قضاه حقه ففارقه فخرج
رديئا أو أحاله به ففارقه ظنا منه أنه قد برئ خرج على الروايتين في الناسي والجاهل فإن في الناسي
روايتين والجاهل مقيس عليه)
لأنه غير قاصد للمخالفة وقد سبق دليل ذلك، وكذلك إن حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبيا
أو حلف لا يبيع لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه إلى الحالف فباعه من غير علمه فهو
كالناسي لأنه غير قاصد للمخالة أشبه الناسي
* (مسألة) * (وإن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه لم يحنث وعنه يحنث الا ان ينوي جميعه)
446

هذه الرواية ظاهر المذهب نص احمد على ذلك في رواية حنبل وصالح فيمن حلف على امرأته
لا تدخل بيت أختها لم تطلق حتى تدخل كلها ألا ترى أن عوف بن مالك قال كلي أو بعضي لأن
الكل لا يكون بعضا والبعض لا يكون كلا وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب أبي حنيفة والشافعي لأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه وهو معتكف إلى عائشة فترجله وهي حائض والمعتكف ممنوع من الخروج
من المسجد والحائض ممنوعة من اللبث فيه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي بن كعب " اني لا أخرج
من المسجد حتى أعلمك سورة " فلما أخرج رجله من المسجد علمه إياها ولان يمينه تعلقت بالجميع فلم
تنحل بالبعض كالاثبات وعنه أنه يحنث إلا أن ينوى جميعه حكي ذلك عن مالك وهو اختيار الخرقي
لأن اليمين تقتضي المنع من تخلف فعل المخلوف عليه فاقتضت المنع من فعل شئ منه كالنهي ونظير الحلف
على ترك الشئ قوله سبحانه (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) وقوله (لا تدخلوا بيوت النبي) لا يكون النهي
ممتثلا الا بترك الدخول كله فمتى أدخل بعضه لم يكن تاركا لما حلف عليه فكان مخالفا كالنهي عن الدخول
والخلاف إنما هو في اليمين المطلقة فأما ان نوى الجميع أو البعض فيمينه على ما نوى وكذلك ان اقترنت
به قرينة تقتضي أحد الامرين تعلقت يمينه به كمن حلف لا شربت هذا النهر أو هذه البركة تعلقت يمينه
ببعضه وجها واحدا وفيه خلاف نذكره في موضعه بعد
447

* (مسألة) * (وان حلف ليفعلن شيئا أو ليدخل الدار، لم يبرأ إلا بفعل جميعه، والدخول
إلى الدار بجملته).
لا يختلف المذهب في ذلك ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافا لأن اليمين تناولت فعل الجميع فلم
يبرأ إلا بفعله كما لو أمره الله تعالى بفعل شئ لم يخرج من عهدة الامر إلا بفعل الجميع لأن اليمين على
فعل شئ اخبار بفعله في المستقبل مؤكد بالقسم والخبر بفعل شئ يقتضي فعله كله
* (مسألة) * (وان حلف لا يدخل دارا فأدخلها بعض جسده أو دخل طاق الباب أولا يلبس
ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه أو لا يشرب ماء هذا الكوز فشرب بعضه خرج على الروايتين فيمن فعل
بعض المحلوف عليه، وقد ذكرناه قبل هذه المسألة
* (مسألة) * (وان حلف لا يشرب ماء هذا النهر فشرب منه حنث وجها واحدا)
لأن فعل الجميع ممتنع فلا تنصرف يمينه إليه وكذلك ان قال والله لا آكل الخبز ولا أشرب الماء وما
أشبهه مما علق على اسم جنس أو علقه على اسم جمع كالمسلمين والمشركين والفقراء والمساكين فإنه
يحنث بالبعض، وبهذا قال أبو حنيفة وسلمة وأصحاب الشافعي في اسم الجنس دون الجمع وسواه علقه
على اسم جنس مضاف كقوله والله لا شربت ماء هذا النهر، أو قال والله لا شربت الماء وهو قول
448

أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر لا يحنث لأن لفظه يقتضي جميعه فلم
يحنث بفعل بعضه كالإداوة
ولنا أنه لا يمكن شرب جميعه فتعلقت يمينه ببعضه كما لو حلف لا يكلم الناس فكلم بعضهم وبهذا
فارق ماء الإداوة فإن نوى بيمينه فعل الجميع وكان في لفظه ما يتقضي ذلك لم يحنث إلا بفعل الجميع
بلا خلاف فلو قال لا صمت يوما أو لا صليت صلاة أو لا أكلت رغيفا أو قال لزوجته ان حضت حيضة
فهذا وشبهة مما يدل على إرادة الجميع فوجب تعلق اليمين به
(فصل) إذا حلف لا شربت من ماء الفرات فشرب من مائه حنث سواء كرع فيه أو اغترف منه
ثم شربه وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة لا يحنث حتى يكرع فيه لأن حقيقة
ذلك الركع فلم يحنث بغيره كما لو حلف لا يشرب من هذا الاناء فصب منه في غيره وشرب
ولنا أن معنى يمينه أن لا يشرب من ماء الفرات لأن الشرب يكون من مائها لا منها في العرف
فحملت اليمين عليه كما لو حلف لا شربت من هذا البئر ولا أكلت من هذه الشجرة ولا شربت من هذه
الشاة، ويفارق الكوز فإن الشرب في العرف منه لأنه آلة للشرب بخلاف النهر، وما ذكروه يبطل
بالبئر والشاة والشجرة وقد سلموا أنه لو استسقى من البئر أو حلف لبن الشاء أو التقط من الشجرة فشرب
وأكل أنه يحنث فكذا في مسئلتنا
(فصل) وان حلف لا يشرب من ماء الفرات فشرب من نهر يأخذ منه حنث لأنه من ماء الفرات
وان حلف لا يشرب من الفرات فشرب من نهر يأخذ منه ففيه وجهان
[أحدهما] يحنث لأن معنى الشرب منه الشرب من مائة فحنث كما لو حلف لا شربت من مائه وهذا
أحد الاحتمالين لأصحاب الشافعي
(والثاني) لا يحنث، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف فإن عنه رواية أنه يحنث
449

وإنما قلنا إنه لا يحنث لأن ما أخذه النهر يضاف إلى ذلك النهر لا إلى الفرات وبزول بإضافته إليه عن
إضافته إلى الفرات فلا يحنث به كغير الفرات
* (مسألة) * (وان حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد أو نسجه أو لا يأكل طعاما طبخه فلبس ثوبا
نسجه هو وغيره أو اشتراه أو أكل طعاما طبخاه فعلى روايتين)
[إحداهما] يحنث كما لو حلف أن لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها
(والثانية) لا يحنث وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه لم يلبس ثوبا كاملا، وكذلك ان حلف لا يلبس
ثوبا نسجه زيد ولا يأكل من قدر طبخها ولا يدخل دارا اشتراها ولا يلبس ثوبا خاطه زيد ففعل ذلك
هو وغيره فلبس الثوب أو دخل الدار أو أكل الطعام ففي هذا كله من الخلاف ما ذكرنا فيمن حلف
لا يفعل شيئا ففعل بعضه، فأما ان حلف لا يلبس مما خاطه زيد فإنه يحنث بلبس ثوب خاطاه جميعا
لأنه لبس مما خاطه زيد بخلاف ما إذا قال ثوبا خاطه زيد، وان حلف لا يدخل دارا لزيد فدخل دارا
له ولغيره خرج فيه وجهان بناء على ما ذكرنا
* (مسألة) * (وان حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل طعاما اشتراه هو وغيره حنث إلا
أن يكون أراد أن لا ينفرد أحدهما بالشراء)
وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي لا يحنث وذكر أبو الخطاب فيه احتمالين لأن كل
جزء لم ينفرد أحدهما بشرائه فلم يحنث كما لو حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد فلبس ثوبا اشتراه هو وغيره
ولنا أن زيدا اشترى نصفه وهو طعام وقد أكله فأشبه ما لو اشتراه زيد وخلطه بما اشتراه عمرو
فأكل الجميع، فأما الثوب فلا نسلمه وان سلمناه فالفرق بينهما أن نصف الثوب ليس بثوب ونصف
الطعام طعام وقد أكله بعد أن اشتراه زيد، وان اشتري زيد نصفه مشاعا أو اشترى نصفه ثم اشترى
آخر باقيه فأكل منه حنث والخلاف فيه على ما تقدم، فاما ان اشترى زيد نصفه معينا ثم خلطه بالنصف
الآخر ثم أكل أكثر من النصف حنث وجها واحدا بغير خلاف لأنه أكل مما اشتراه زيد يقينا
450

وان أكل نصفه أو أقل من نصفه ففيه وجهان
[أحدهما] يحنث لأنه يستحيل في العادة انفراد ما اشتراه زيد من غيره فيكون الحنث ظاهرا
(والثاني) لا يحنث لأن الأصل عدم الحنث ولم يتيقن وان أكل من طعام اشتراه زيد ثم باعه أو اشتراه
لغيره حنث ويحتمل أن لا يحنث وكل وضع لا يحنث فحكمه حكم ما لو حلف لا يأكل تمرة فوقعت في
تمر فاكل منه واحدة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم
* (باب التأويل في الحلف) *
ومعنى التأويل أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره فإن كان الحالف ظالما لم ينفعه تأويله لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " وان لم يكن ظالما فله تأويله نحو أن يحلف أنه أخي
يريد بذلك أخره في الاسلام أو يعني بالسقف والبناء السماء وبالبساط والفراش الأرض وبالأوتاد
الجبال وباللباس الليل أو يقول ما رأيت فلانا أي ما ضربت رئته ولا ذكرته أي ما قطعت ذكره
أو يقول جواري أحرار، يعني سفنه ونسائي طوالق يعني النساء الأقارب منه أو يقول ما كاتبت فلانا
ولا عرفته ولا أعلمته ولا سأله حاجة ولا أكلت له دجاجة ولا فروجا ولا شربت له ماء ولا في بيتي
فرش ولا حصير ولا بارية، ويعني بالمكاتبة مكاتبة الرقيق بالتعريف جعله عريفا وبالاعلام جعله
أعلم الشفة والحاجة شجرة صغيرة والدجاجة الكبة من الغزل والفروج الدراعة والفرش صغار الإبل
والحصير الحبس والبارية السكين التي يبري بها، أو يقول والله ما أكلت من هذا شيئا ولا أخذت منه
يعني الباقي بعد أخذه وأكله فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه إذا عناه بيمينه فهو تأويل
لأنه خلاف الظاهر.
(فصل) ولا يخلو حال الحالف المتأول من ثلاثة أحوال
[أحدها] أن يكون مظلوما مثل أن يستحلفه ظالم على شئ لو صدقه لظلمه أو ظلم غيره أو نال
451

مسلما منه ضرر فهذا له تأويله، قال مهنا سألت أحمد عن رجل له امرأتان اسم كل واحدة منهما
فاطمة فماتت واحدة منهما فحلف بطلاق فاطمة ونوى التي ماتت، قال إن كان المستحلف له ظالما
فالنية نية صاحب الطلاق وإن كان المطلق هو الظالم فالنية نية الذي استحلفه، وروى أبو داود باسناده
عن سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فاخذه عدو له فتحرج
القوم أن يحلفوا فحلفت أنه أخي فخلى سبيله فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال " أن كنت
أصدقهم وأبرهم المسلم أخو المسلم " وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ان في المعاريض لمندوحة عن الكذب " يعني سعة
المعاريض التي يوهم بها السامع غير ما عناه، قال محمد بن سيرين الكلام أوسع من أن يكذب ظريف
يعني لا يحتاج أن يكذب لكثرة المعاريض وخص الظريف بذلك يعني به الكيس الفطن فإنه
يفطن التأويل فلا حاجة به إلى الكذب
(الوجه الثاني) أن يكون الحالف ظالما كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده فهذا تنصرف
يمينه إلى ظاهر الذي عناه المستحلف ولا ينفع الحالف تأويله، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا
فإن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يمينك على ما يصدقك به صاحبك " رواه مسلم ولأنه لو
ساغ التأويل لبطل المعنى المبتغى باليمين إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود خوفا من
عاقبة اليمين الكاذبة، فمتى ساغ التأويل له انتفى ذلك فصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق، قال
إبراهيم في رجل استحلفه السلطان على شئ بالطلاق فورى في يمينه إلى شئ أجزأ عنه وإن كان
ظالما لم يجز عنه التأويل.
(الحال الثالث) أن لا يكون ظالما ولا مظلوما فظاهر كلام أحمد أن له تأويله فإنه روي أن مهنا
كان عنده هو والمروذي وجماعة فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي ان يكلمه فوضع مهنا
أصبعه في كفه، وقال ليس المروذي ههنا وما يصنع المروذي ههنا يريد ليس المروذي في كفه
فلم ينكره أبو عبد الله.
452

وروي أن مهنا قال إني أريد الخروج يعني السفر إلى بلده وأحب ان تسمعني الجزء الفلاني
فاسمعه إياه ثم رآه بعد ذلك فقال ألم تقل انك تريد الخروج فقال له مهنا قلت لك إني أريد الخروج
الآن؟ فلم ينكر عليه، وهو مذهب الشافعي ولا نعلم في هذا خلافا أيضا، وروى سعيد عن جرير عن
المغيرة قال كان إذا طلب انسان إبراهيم ولم يرد إبراهيم أن يلقاه خرجت إليه الخادم فقال اطلبوه في
المسجد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول الا حقا ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه فقال
لعجوز " لا يدخل الجنة عجوز " يعني أن الله ينشئهن عربا أترابا، وقال أنس ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله احملني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انا حاملوك على ولد ناقة " فقال وما أصنع بولد الناقة؟
قال " وهل تلد الإبل الا النوق " رواه أبو داود وقال لامرأة وقد ذكرت له زوجها، هو الذي في عينه
بياض " فقالت يا رسول الله انه لصحيح العين وأراد النبي صلى الله عليه وسلم البياض الذي حول الحدقة وقال لرجل
احتضنه من ورائه " من يشتري العبد؟ فقال يا رسول الله تجدني إذا كاسدا قال " لكنك عند الله لست
بكاسد " وهذا كله من التأويل والمعاريض، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حقا فقال " لا أقول الا حقا "
وروي عن شريح أنه خرج من عند ابن زيادة وقد حضره الموت فقيل له كيف تركت الأمير؟ فقال
تركته يأمر وينهى فلما مات قيل له كيف قلت ذلك؟ فقال تركته يأمر بالصبر وينهى عن البكاء
والجزع، ويروى عن شقيق أن رجلا خطب امرأة وتحته أخرى فقالوا لا نزوجك حتى تطلق
امرأتك فقال اشهدوا اني قد طلقت ثلاثا فزوجوه فقام على امرأته فقالوا قد طلقت ثلاثا قال ألم
تعلموا أنه كان لي ثلاث نسوة فطلقتهن؟ قالوا بلى قال قد طلقت قالوا ما هذا أردنا فذكر ذلك شقق
لعثمان فجعلها نيته، ويروى عن الشعبي أنه كان في مجلس فنظر إليه رجل ظن أنه طلب منه التعريف به
والثناء عليه فقال الشعبي ان له بيتا وشرفا فقيل للشعبي بعد ما ذهب الرجل تعرفه؟ فقال لا ولكنه نظر
453

إلى قيل فكيف أثنيت عليه؟ قال شرفه أذناه وبيته الذي يسكنه، وروى أن رجلا أخذ على شراب
فقيل له من أنت فقال:
أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره * وإن نزلت يوما فسوف تعود
ترى الناس أفواجا على باب داره * فمنهم قيام حولها وقعود
فظنوه شريفا فخلوا سبيله ثم سألوا عنه فإذا هو ابن الباقلاني، وأخذ الخوارج رافضيا فقالوا تبرأ
من عثمان علي فقال أنا من علي وعثمان برئ فهذا وشبهه هو التأويل الذي لا يعذر به الظالم ويسوغ
لغيره مظلوما كان أو غير مظلوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في المزاح من غير حاجة إليه
* (مسألة) * (فإذا أكل تمرا فقال لتخبرني بعدد ما أكلت أو لتميزن نوى ما أكلت ولم تعلم فإنها تعد
له عددا يعلم أنه قد أتى على عدد ذلك)
مثل أن يعلم أن عدد ذلك ما بين مائة إلى ألف فتعد ذلك كله وكذلك ان قال إن لم تخبريني بعدد
حب هذه الرمانة ولا يحنث إذا كانت نيته ذلك، وان نوى الاخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة لم يبرأ
الا بذلك وان أطلق فقياس المذهب أنه لا يبرأ الا بذلك أيضا لأن ظاهر حال الحالف ارادته فتنصرف
يمينه إليه كالأسماء العرفية التي تنصرف اليمين عليها إلى مسماها عرفا دون مسماها حقيقة ولو أكلا تمرا
فحلف لتميزن نوى ما أكلت فأفردت كل نواء وحدها فالحكم فيها كالتي قبلها
* (مسألة) * (وان حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا يدخله بارية فإنه يدخل قصبا فينسجه فيه
فيجلس عليها في البيت فلا يحنث)
454

لأنه قد قعد على بارية في بيته ولم يدخله بارية إنما أدخله قصبا وليس هو بارية
* (مسألة) * (وان حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق به بيضا
ويأكل منه ولا يحنث) لأن الصفة وجدت
* (مسألة) * (وان حلف لا يأكل بيضا ولا تفاحا وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجد فيه بيضا وتفاحا
فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا ويأكل منه لا يحنث) لأن ذلك ليس ببيض ولا تفاح
* (مسألة) * (وإن كان على سلم فحلف لا نزلت إليك ولا صعدت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة)
يريد إذا كان له امرأتان إحداهما في الغرفة والأخرى أسفل (فلتنزل العليا ولتصعد السفلى ثم ينزل
إن شاء أو يصعد فتنحل يمينه) لأن الصفة لم توجد
* (مسألة) * (وان حلف لا قمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر وتنحل
يمينه) لأنه لم يقم عليه ولا صعد فيه ولا نزل منه إنما نزل أو صعد من غيره
* (مسألة) * (وان حلف لا قمت في هذا الماء ولا خرجت منه وكان الماء جاريا لم يحنث) لأن الماء
المحلوف عليه جرى وصار في غيره فلم يحنث سواء أقام أو خرج لأنه إنما يقف في غيره أو يخرج منه،
وهذا الذي ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي لأن الايمان عندهم تبني على اللفظ لا على القصد
وكذلك قالوا لا يحنث في هذه الايمان السابقة كلها، وقال القاضي في كتاب آخر: قياس المذهب أنه
يحنث إلا أن ينوي عين الماء الذي هي فيه لأن إطلاق يمينه يقتضي خروجها من النهر أو إقامتها فيه
* (مسألة) * (فإن كان الماء واقفا حمل منه مكرها) لئلا ينسب إليه فعل
* (مسألة) * (وان استحلفه ظالم ما لفلان عندك وديعة وكانت عنده وديعة فإنه يعني بما الذي
ويبر في يمينه) لأنه صادق
* (مسألة) * (وان حلف عاملان ههنا وعنى موضعا معينا بر في يمينه)
لصدقه في ذلك. وقد ذكرنا ما رواه مهنا انه كان هو والمروذي عند أحمد فجاء رجل يطلب
المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه فوضع مهنا أصبعه في كفه وقال ليس المروذي ههنا، يريد
ليس هو في كفه فلم ينكره أبو عبد الله
* (مسألة) * ولو سرقت منه امرأته شيئا فحلف بالطلاق لتصدقني أسرقت مني شيئا أم لا وخانت
455

أن تصدقه فإنها تقول سرقت منك ما سرقت منك، ولو استحلفه ظالم هل رأيت فلانا أو لا وكان قد
رآه فإنه يعني بما رأيته ما ضربت رئته
* (مسألة) * (ولو حلف على امرأته لا سرقت مني شيئا فخانته في وديعته لم يحنث)
لأن الخيانة ليس بسرقة الا أن ينوي ذلك فيحنث
(فصل) ولو قال إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق
وكانا جميعا في السوق فقيل يعتق العبد ولا تطلق المرأة لأنه لما حنث في اليمين الأولى عتق العبد فلم يبق
له في السوق عبد، ويحتمل أن يحنث بناء على قولنا فيمن حلف على معين تعلقت اليمين بعينه دون صفته
كما لو قال إن كلمت عبدي سعدا فأنت طالق ثم أعتقه وكلمته طلقت فكذلك ههنا لأن يمينه تعلقت بعبد
معين وان لم يرد عبدا بعينه لم تطلق المرأة لأنه لم يبق له عبد في السوق، ولو كان في فيها تمرة فقال أنت
طالق ان أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها لم يحنث إلا على قول من قال إنه يحنث
بفعل بعض المحلوف عليه وان نوى الجميع لم يحنث بحال
(فصل) قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن رجل قال لامرأته أنت طالق ان لم أجامعك اليوم
وأنت طالق ان اغتسلت منك اليوم قال يصلي العصر ثم يجامعها فإذا غابت الشمس اغتسل ان لم يكن
أراد بقوله اغتسلت منك المجامعة، وقال في رجل قال لامرأته أنت طالق ان لم أطأك في رمضان
فسافر مسيرة أربعة أيام أو ثلاثة ثم وطئها فقال لا يعجبني لأنها حيلة ولا تعجبني الحيلة في هذا ولا
في غيره قال القاضي إنما كره احمد هذا لأن السفر الذي يبيح الفطر السفر المباح المقصود وهذا لا يقصد
به غير حل اليمين، والصحيح أن هذا تنحل به اليمين ويباح به الفطر لأنه سفر بعيد مباح لقصد صحيح
فإن إرادة حل يمينه من المقاصد الصحيحة، وقد أبحنا لمن له طريقان قصيرة لا يقصر فيها وبعيدة أن يملك
البعيدة ليقصر فيها الصلاة ويفطر مع أنه لا قصد له سوى الترخص فههنا أولى
(باب الشك في الطلاق)
إذا شك هل طلق أو لا لم تطلق)
وجملة ذلك أن من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه احمد وهو مذهب الشافعي وأصحاب
الرأي لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك، والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد عن النبي
456

صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة فقال " لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد
ريحا " متفق عليه فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك ولأنه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه كما
لو شك المتطهر في الحدث. قال شيخنا والورع التزام الطلاق فإن كان المشكوك فيه طلاقا رجعيا راجع
امرأته إن كانت مدخولا بها أو جدد نكاحها ان كانت غير مدخول بها، وقد انقضت عدتها وان
شك في طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق فلا تحل لغيره وحكي عن
شريك أنه إذا شك في طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها لتكون الرجعة عن طلقة فتكون صحيحة في الحكم
وليس بشئ لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق ولا يفتقر إلى ما تفتقر إليه العبادات من النية
ولأنه لو شك في طلقتين فطلق واحدة لصار شاكا في تحريمها عليه فلا تفيد الرجعة
* (مسألة) * (وان شك في عدد الطلاق بنى على اليقين لما ذكرنا وقال الخرقي إذا طلق فلم يدر
واحد ة طلق أم ثلاثا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت في العدة فإن راجعها في العدة لزمته النفقة ولم يطأها
حتى يتيقن كم الطلاق؟ لأنه متيقن للتحريم شاك في التحليل)
وجملة ذلك أن من طلق وشك في عدد الطلقات بنى على اليقين نص عليه أحمد في رواية ابن
منصور في رجل لفظ بطلاق امرأته لا يدري واحدة أم ثلاثا فقال أما الواحدة فقد وجبت عليه وهي
عنده حتى يستيقن
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأن ما زاد على القدر الذي تيقنه طلاق مشكوك فيه فلم يلزمه كما
لو شك في أصل الطلاق إذا ثبت هذا فإنه تبقى أحكامه أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة الرجعة
وإذا رجع عادت إلى ما كانت عليه قبل الطلاق وقال الخرقي يحرم وطؤها ونحوه قول مالك الا انه حكي
عنه انه يلزمه الأكثر من الطلاق المشكوك فيه وقولهما متيقن للتحريم لأنه تيقن وجوده بالطلاق وشك
في رفعه بالرجعة فلا يرتفع بالشك كما لو أصاب ثوبه نجاسة وشك في موضعها فإنه لا يزول حكم النجاسة
بغسل موضع من الثوب ولا يزول حتى يغسله جميعه وفارق لزوم النفقة فإنها لا تزول بالطلقة الواحدة
فهي باقية لأنها كانت باقية وقد شككنا في زوالها
وظاهر قول سائر أصحابنا انه إذا راجعها حلت له وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو ظاهر كلام
أحمد في رواية ابن منصور لأن التحريم المتعلق بما تيقنه يزول بالرجعة يقينا فإن التحريم أنواع (تحريم)
457

تزيله الرجعة (وتحريم) يزيله نكاح جديد (وتحريم) يزيله نكاح بعد زوج وإصابة ومن تيقن الأدنى لا يثبت
فيه حكم الاعلى كمن تيقن الحدث الأصغر لا يثبت فيه حكم الأكبر ويزول تحريم الصلاة بالطهارة الصغرى
ويخالف الثوب فإن غسل بعضه لا يرفع ما تيقنه من النجاسة فنظير مسئلتنا إذا تيقن نجاسة كم الثوب وشك
في نجاسة سائره فإن حكم النجاسة فيه يزول بغسل الكم وحده كذا ههنا ويمكن منع حصول التحريم
ههنا ومنع تيقنه فإن الرجعية مباحة لزوجها في ظاهر المذهب فما هو إذا متيقن للتحريم بل هو متيقن
للإباحة شاك في التحريم وكذلك قال الخرقي فيمن حلف لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة
منع من وطئ امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر
كله وهذه المسألة لا تخلو من أحوال ثلاث
(أحدها) ان يتحقق أكل التمرة المحلوف عليها اما ان يعرفها بعينها أو صفتها أو يأكل التمر كله
أو الجانب الذي وقعت فيه كله فيحنث بلا خلاف بين أهل العلم لأنه أكل التمرة المحلوف عليها
(الثاني) ان يتحقق انه لم يأكلها اما بان لا يأكل من التمر شيئا أو يأكل شيئا يعلم أنه غيرها فلا
يحنث أيضا بلا خلاف ولا يلزمه اجتناب زوجته
(الثالث) أكل من التمر شيئا واحدة أو أكثر إلى أن لا يبقى منه الا واحدة ولم يدر أكلها
أولا فهذه مسألة الخرقي ولا يتحقق حنثه لأن الباقية يحتمل انها المحلوف عليها ويقين النكاح ثابت فلا
يزول بالشك وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي فعلى هذا يكون حكم الزوجية باقيا في لزوم نفقتها
وكسوتها ومسكنها وسائر أحكامها الا في الوطئ فإن الخرقي قال يمنع من وطئها لأنه شاك في حلها
فحرمت عليه كما لو اشتبهت عليه امرأته بأجنبية وذكر أبو الخطاب أنها باقية على الحل وهو مذهب
الشافعي لأن الأصل الحل فلا يزول بالشك كسائر أحكام النكاح ولان النكاح باق حكمه فأثبت الحل
كما لو شك هل طلق أولا؟ وان كانت يمينه ليأكلن هذه التمرة فلا يتحقق بره حتى يعلم أنه أكلها
* (مسألة) * (وان قال لامرأتيه إحداكما طالق ينوي واحدة بعينها طلقت وحدها فإن لم
ينو أخرجت المطلقة بالقرعة)
أما إذا نوى واحدة بعينها فإنها تطلق وحدها لأنه عينها بنيته فأشبه ما لو عينها بلفظه فإن قال إنما
أردت فلانة قبل منه لأن ما قاله محتمل ولا يعرف الا من جهته وأما إن لم ينو واحدة بعينها فإنه تخرج
بالقرعة نص عليه في رواية جماعة وبه قال الحسن وأبو ثور وقال قتادة ومالك يطلقن جميعا وقال
458

حماد بن أبي سليمان الثوري وأبو حنيفة والشافعي له ان يختار أيتهن شاء فيوقع عليها الطلاق لأنه
لا يمكن إيقاعه ابتداء وتعيينه فإذا أوقعه ولم يعينه ملك تعينه لأنه استيفاء ما ملكه
ولنا أن ما ذكرناه مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهم ولا مخالف لهما من الصاحبة ولأنه إزالة
ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وقد ثبت الأصل بكون النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين
العبيد الستة ولان الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة كالحرية في العبيد إذا أعتقهم في مرضه
ولم يخرج جميعهم من الثلث وكالسفر بإحدى نسائه والبداية بإحداهن في القسم وكالشريكين إذا اقتسما
ولأنه طلق واحدة من نسائه لا يعلم عينها فلم يملك تعيينها باختياره كالمنسية وأما الدليل على أنهن
لا يطلقن جميعا انه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم يطلق الجميع كما لو عينها، قولهم إنه كان يملك الايقاع
والتعيين قلنا ملكه للتعيين بالايقاع لا يلزم ان يملكه بعده كما لو طلق واحدة بعينها وأنسيها فإن مات
قبل القرعة والتعيين أقرع الورثة بينهن فمن وقعت عليها قرعة الطلاق فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها
بالتطليق منهن وقال الشافعي يوقف الميراث المختص بهن حتى يصطلح من عليه لأنه لا يعلم المستحق منهن
ووجه قول الخرقي قول علي رضي الله عنه ولأنهن قد تساوين ولا سبيل إلى التعيين فوجب المصير إلى
القرعة كمن أعتق عبيدا في مرضه لا مال له سواهم وقد ثبت الحكم فيهم بالنص لأن في توريث الجميع
توريث من لا يستحق يقينا والوقف لا إلى غاية حرمان للمستحق يقينا والقرعة تسلم من هذين
المحذورين ولها نظير في الشرع
* (مسألة) * (فإن قال لنسائه إحداكن طالق غدا طلقت واحدة منهن إذا جاء
الغد وأخرجت بالقرعة)
فإن مات قبل الغد ورثنه كلهن وإن ماتت إحداهن ورثها لأنها ماتت قبل وقوع الطلاق فإذا جاء غد أقرع
بين الميتة والاحياء فإن وقعت القرعة على الميتة لم يطلق شئ من الاحياء وصارت كالمعينة بقوله أنت طالق غدا وقال
القاضي قياس المذهب أن يتعين الطلاق في الاحياء فلو كانتا اثنتين فماتت إحداهما طلقت كما لو قال لامرأته وأجنبية
إحداكما طالق وهو قول أبي حنيفة والفرق بينهما ظاهر فإن الأجنبية ليست محلا للطلاق وقت قوله فلا ينصرف
قوله إليها وهذه قد كانت محلا للطلاق فإرادتها بالطلاق ممكنة وارادتها بالطلاق كإرادة الأخرى وحدوث
الموت بها لا يقتضي في حق الأخرى طلاقها فتبقى على ما كانت عليه والقول في تعليق العتق كالقول
459

في تعليق الطلاق فإذا جاء غد وقد باع بعض العبيد أقرع بينه وبين العبد الآخر فإن وقعت على المبيع
لم يعتق منه شئ وعلى قول القاضي ينبغي ان يتعين العتق في الباقين وكذلك ينبغي أن يكون مذهب
أبي حنيفة والشافعي لأن له تعيين العتق عندهم بقوله فبيع أحدهم صرف للعتق عنه فيتعين في الباقين فإن
باع نصف العبد أقرع بينه وبين الباقين فإن وقعت قرعة العتق عليه عتق نصفه وسري إلى باقيه إن
كان المعتق موسرا وإن كان معسرا لم يعتق الا نصفه
(فصل) وإذا قال امرأتي طالق وأمتي حرة وله نساء وإماء ونوى معينة انصرف إليها وإن نوى
واحدة مبهمة فهي مبهمة فيهن وإن لم ينو شيئا فقال أبو الخطاب يطلق نساؤه كلهن ويعتق إماؤه لأن
الواحد المضاف يراد به الكل كقوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها - و - أحل لكم ليلة الصيام) ولان
ذلك يروى عن ابن عباس وقال الجماعة يقع على واحدة مبهمة وحكمه حكم ما لو قال إحداكن طالق
وإحداكن حرة لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجمع الا مجازا والكلام يحمل على حقيقته ما لم يصرفه
عنها دليل ولو تساوي الاحتمال لوجب قصره على الواحدة لأنها اليقين فلا يثبت الحكم فيما زاد عليها
بأمر مشكوك فيه وهذا أصح والله أعلم
* (مسألة) * (وإن طلق واحدة وأنسيها فكذلك عند أصحابنا)
أكثر أصحابنا على أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة فيثبت حكم
الطلاق فيها تحل له الباقيات وقد روي إسماعيل بن سعيد عن أحمد ما يدل على أن القرعة لا تستعمل
ههنا لمعرفة الحل وإنما تستعمل لمعرفة الميراث فإنه قال سألت أحمد عن الرجل يطلق المرأة من نسائه
ولا يعلم أيتهن طلق قال أكره ان أقول في الطلاق بالقرعة قلت أرأيت إن مات هذا؟ قال أقول بالقرعة
وذلك لأن القرعة تصير على المال وجماعة من روي عنه القرعة في المطلقة المنسية إنما هو في التوريث
فأما في الحل فلا ينبغي ان يثبت بالقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم فالكلام إذا في المسألة في شيئين
(أحدهما) في استعمال القرعة في المنسية في التوريث (والثاني) في استعمالها فيها للحل أما الأول فوجهه ما روى
عبد الله بن حميد قال قال سألت أبا جعفر عن رجل قدم من خراسان وله أربع نسوة قدم البصرة فطلق إحداهن
ونكح ثم مات لا يدري الشهود أيتهن طلق؟ فقال قال علي رضي الله عنه أقرع بين الأربع وأنذر منهن واحدة
وأقسم بينهن الميراث ولان الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز الا بالقرعة صح استعمالها لأنها اشتبهت عليه
زوجته بأجنبية فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت أجنبية لم يكن له عليها عقد ولان القرعة لا تزيل التحريم
عن المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه ولاحتمال كون المطلقة غير من وقعت عليها القرعة ولهذا لو
460

ذكر ان المطلقة غيرها حرمت عليه ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد بالذكر فيجب بقاء التحريم بعد
القرعة كما كان قبلها وقال الخرقي فيمن طلق امرأته فلم يدر واحدة طلق أم ثلاثا؟ ومن حلف بالطلاق لا يأكل
تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة لا تحل له امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت اليمين عليها فحرمها مع أن الأصل
بقاء النكاح ولم يعارضه يقين التحريم فههنا أولى وكذلك الحكم فيمن أوقع الطلاق على امرأة بعينها
ثم اشتبهت بغيرها مثل أن يرى امرأة مولية فيقول أنت طالق ولا يعلم عينها من نسائه فإن جميع
نسائه يحرمن عليه حتى يعلم المطلقة ويؤخذ بنفقة الجميع لأنهن محبوسات عليه وان أقرع بينهن لم تفد
القرعة شيئا ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزويج لأنها يجوز أن تكون غير المطلقة، وقال أصحابنا
إذا أقرع بينهن فخرجت القرعة على إحداهن ثبت حكم الطلاق فيها فحل لها النكاح بعد قضاء عدتها
وأبيح للزوج من سواها كما لو طلق واحدة غير معينة واحتجوا بما ذكرنا من حديث علي رضي الله
عنه ولأنها مطلقة لم تعلم بعينها فأشبه ما لو قال إحداكن طالق ولم يرد واحدة بعينها ولأنه إزالة أحد
الملكين المبنيين على التغليب والسراية أشبه العتق، قال شيخنا والصحيح أن القرعة لا مدخل لها
ههنا لما ذكرنا من الأدلة وتحرمان عليه كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية، وفارق ما قاسوا عليه فإن الحق
لم يثبت لواحد بعينه فجعل الشرع القرعة معينة فإنها تصلح للتعيين، وفي مسئلتنا الطلاق واقع على
معينة لا محالة والقرعة لا ترفعه عنها ولا توقعه على غيرها ولا يؤمن وقوع القرع على غيرها واحتمال
وقوع القرعة على غيرها كاحتمال وقوعها عليها بل هو أظهر من غيرها فإنهن إذا كن أربعا فاحتمال وقوعه
في واحدة منهن بعينها أندر من احتمال وقوعه في واحدة من ثلاث وكذلك لو اشتبهت أخته بأجنبية
أو ميتة بمذكاة أو زوجته بأجنبية أو حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر وأشباه ذلك مما يطول
ذكره لا تدخله قرعة فكذا ههنا وأما حديث علي فهو في الميراث لا في الحل وما نعلم بالقول بها
في الحل من الصحابة قائلا.
* (مسألة) * (فعلى قول أصحابنا إن تبين أن المطلقة غير التي وقعت عليها القرعة بان يذكر ذلك
تبين انها كانت محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حين طلق لا من حين ذكر، وقوله في هذا مقبول
لأنه يقر على نفسه وترد إليه التي خرجت عليها القرعة لأننا ظهر لنا أنها غير مطلقة والقرعة
ليس بطلاق صريح ولا كناية فإن لم تكن تزوجت ردت إليه وقبل قوله في هذا لأنه أمر من
جهته لا يعرف الا من قبله
461

* (مسألة) * (إلا أن تكون قد تزوجت أو يكون بحكم حاكم لأنها إذا تزوجت فقد تعلق بها
حق الزوج الثاني فلا يقبل قوله في فسخ نكاحه والقرعة من جهة الحاكم بالفرقة لا يمكن الزوج رفعها
فتقع الفرقة بالزوجين)
قال أحمد في رواية الميموني إذا كان له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ولم يدر أيتهن طلق ويقرع بينهن فإن وقت
القرعة على واحدة ثم ذكر فقال هذه ترجع إليه والتي ذكر أنها التي طلق يقع الطلاق عليها فإن تزوجت فهذا
شئ قد مر فإن كان الحاكم أقرع بينهن فلا أحب أن ترجع إليه لأن الحاكم في ذلك أكثر منه، وقال
أبو بكر وابن حامد تطلق المرأتان ولا يرجع إليه واحدة منهما لأن الثانية حرمت بقوله وترثه ان مات
ولا يرثها ويجئ على قياس قولهما ان تلزمه نفقتها ولا يحل وطؤها والأولى بالقرعة
(فصل) إذا قال هذه المطلقة قبل منه لما ذكرنا وان قال هذه المطلقة بل هذه طلقتا لأنه أقر بطلاق
الأولى فقبل اقراره بطلاق الثانية، ولم يقبل اضرابه عن اقراره بطلاق الأولى وكذلك لو كن ثلاثا
فقال هذه بل هذه بل هذه طلقن كلهن، وان قال هذه أو هذه بل هذه طلقت الثالثة وإحدى الأولتين
وان قال طلقت هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الآخريين، وان قال أنت طالق أو هذه
أو هذه، فقال القاضي هي كذلك وذكر أنه قول الكسائي وقال محمد بن الحسن تطلق الثانية وبقى
الشك في الأولى والثالثة، ووجه الأول أنه عطف الأولى على الثانية بغير شك ثم فصل بين الثانية
والثالثة بحرف الشك فيكون الشك فيهما ولو قال طلقت هذه أو هذه طلقت الثالثة وكان الشك في
الأولتين ويحتمل في هاتين المسئلتين أن يكون الشك في الجميع لأنه في الأولى أتى بحرف الشك بعدهما
فيعود إليهما وفي المسألة الثانية عطف الثالثة على الشك فعلى هذا إذا قال طلقت هذه أو هذه وهذه طولب
بالبيان فإن قال هي الثالثة طلقت وحدها وان قال لم أطلقها طلقت الأولتان وان لم يبين أقرع بين
الأولتين والثالثة، قال القاضي في المجرد وهذا أصح، وان قال ليست الأولى طلقت الأخيرتان
كما لو قال طلقت هذه أو هاتين وليس له الوطئ قبل التعيين فإن فعل لم يكن تعيينا وان ماتت إحداهما
لم يتعين الطلاق في الأخرى وقال أبو حنيفة يتعين الطلاق في الأخرى لأنها ماتت قبل ثبوت طلاقها
ولنا أن موت إحداهما أو وطأها لا ينفي احتمال كونها مطلقة فلم يكن تعيينا لغيرها مرضها وان
قال طلقت هذه وهذه وهذه والظاهر أنه طلق اثنتين لا يدري أيهما الأولتان أم الآخرتان؟ كما لو
462

قال طلقت هاتين أو هاتين فإن قال هما الأوليان تعين الطلاق فيهما وان لم يطلق الأولتين تعين الآخرتان
وان قال إنما أشك في طلاق الثانية والاخريين طلقت الأولى وبقي الشك في الثلاث ومتى فسر كلامه
بشئ يحتمل قبل منه.
(فصل) فإن مات بعضهن أو جميعهن أقرعنا بين الجميع خرجت القرعة لها لم نورثها وان
مات بعضهن قبله وبعضهن بعده فخرجت القرعة لميتة قبله حرمناه ميراثها وان خرجت لميتة بعده حرمناها
ميراثه والباقيات يرثهن ويرثنه، فإن قال الزوج بعد موتها هذه التي طلقتها أو قال في غير المعينة هذه
التي أردتها حرم ميراثها لأنه يقر على نفسه ويرث الباقيات سواء صدقه ورثتهن أو كذبوه لأن علم
ذلك إنما يعرف من جهته لأن الأصل بقاء النكاح بينهما وهم يدعون طلاقه إياها والأصل عدمه وهل
يستحلف في ذلك؟ فيه روايتان، فإن قلنا يستحلف فنكل حرمناه ميراثها لنكوله ولم يرث الأخرى
لاقراره بطلاقها فإن مات فقال ورثته لإحداهن هذه المطلقة فأقرت أو أقر ورثتها بعد موتها حرمناها
ميراثه وان أنكرت أو أنكر ورثتها بقياس ما ذكرناه ان القول قولها لأنها تدعي بقاء نكاحها وهم
يدعون زواله والأصل معها فلا يقبل قولهم عليها الا ببينة وإن شهد اثنان من ورثته أنه طلقها قبلت
شهادتهما إذا لم يكونا ممن يتوفر عليهما ميراثها ولا على من لا تقبل شهادتهم له كأمهما وجدتهما لأن
ميراث إحدى الزوجات لا يرجع إلى ورثة الزوج وإنما يتوفر على ضرائرها وان ادعت إحدى الزوجات
أنه طلقها طلاقا تبين به فأنكرها فالقول قوله وان مات لم ترثه لاقرارها بأنها لا تستحق ميراثه فقبلنا
قولها فيما عليها دون مالها وعليها العدة لأنا لم نقبل قولها فيما عليهما وهذا التفريع فيما إذا كان الطلاق
يبينها فإن كان رجعيا ومات في عدتها أو ماتت ورث كل واحد منهما صاحبه
(فصل) إذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات ولم
يعلم أيتهن طلق؟ فللتي تزوجها ربع ميراث النسوة، نص عليه أحمد ولا خلاف فيه بين أهل العلم ثم يقرع
بين الأربع فأيتهن خرجت قرعتها حرمت وورثت الباقيات، نص عليه أحمد أيضا وذهب الشعبي
والنخعي وعطاء الخراساني وأبو حنيفة إلى أن الباقي بين الأربع وزعم أبو عبيد أنه قول أهل الحجاز
وأهل العراق جميعا، وقال الشافعي يوقف الباقي بينهن حتى يصطلحن، ووجه الأول ما تقدم وقد
قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ثلاثا وواحدة اثنتين وواحدة
واحدة ومات على أثر ذلك ولا يدرى أيتهن طلق ثلاثا وأيتهن طلق اثنتين وأيتهن واحدة يقرع بينهن
463

فالتي أبانها تخرج ولا ميراث لها هذا إذا مات في عدتهن وكان طلاقه في صحته فإنه لا يحرم الميراث
الا المطلقة ثلاثا والباقيات رجعيات يرثنه في العدة ويرثن ومن انقضت عدتها منهن لم ترثه ولم يرثها
ولو كان طلاقه في مرضه الذي مات فيه لورثه الجميع في العدة وفيما بعدها قبل التزويج روايتان
(فصل) إذا طلق واحدة لا بعينها أو بعينها فإن نسبها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة
قبل القرعة وخرج ابن حامد وجها في أنه لا يصح نكاح الخامسة لأن المطلقة في حكم نسائه بالنسبة
إلى وجوب الانفاق عليها وحرمة النكاح في حقها ولا يصح ما قاله لأننا علمنا أن منهن واحدة بائنا منه
ليس في نكاحه ولا في عدة من نكاحه فكيف تكون زوجته وإنما الانفاق عليها لأجل حبسها ومنعها
من التزوج بغيره لأجل اشتباهها؟ ومتى علمنا بعينها إما بتعيينه أو بقرعة فعدتها من حين طلقها لا من
حين عينها، وذكر أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي أن عدتها من حين التعيين وهذا فاسد فإن
الطلاق وقع حين ايقاعه وثبت حكمه في تحريم الوطئ وحرمان الميراث من الزوج وحرمانه
منها قبل التعيين فكذلك العدة وإنما التعيين يبين لما كان وقعا فإن مات الزوج قبل التعيين
فعلى الجميع عدة الوفاة في قول الشعبي والنخعي وعطاء الخراساني، قال أبو عبيد وهو
قول أهل الحجاز والعراق، لأن كل واحدة منهن يحتمل أنها باقية على النكاح والأصل
بقاؤه فتلزمها عدته والصحيح أنه يلزم كل واحدة أطول الأجلين من عدة الوفاة وعدة الطلاق لكن
عدة الطلاق من حين طلق وعدة الوفاة من حين موته لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون عليها
عدة الوفاة ويحتمل أنها المطلقة فعليها عدة الطلاق فلا تبرأ يقينا الا بأطولهما وهذا في الطلاق البائن فأما
الرجعية فعليها عدة الوفاة بكل حال لأنها زوجة
(فصل) إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله لأنه منكر ولان الأصل بقاء
النكاح فإن كان لها بما ادعته بينة قبلت ولا يقبل فيه إلا عدلان، ونقل ابن منصور عن أحمد أنه
سئل أتجوز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق؟ قال: لا والله إنما كان كذلك لأن الطلاق ليس بمال ولا
المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يقبل فيه إلا عدلان كالحدود والقصاص
فإن عدمت البينة استحلف في أصح الروايتين نقلها أبو طالب عن أحمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ولكن اليمين
على المدعي عليه - وقوله - اليمين على من أنكر " ولأنه يصح من الزوج بذله فيستحلف فيه كالمهر، ونقل
ابن منصور عنه لا يستحلف في الطلاق لأنه لا يقضي فيه بالنكول فلا يستحلف فيه كالنكاح إذا ادعى
464

زوجيتها فأنكرته فإن اختلفا في عدد الطلاق فالقول قوله لما ذكرنا، فعلى هذا إذا طلق ثلاثا وسمعت
ذلك فأنكر أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها وعليها أن تفر منه ما استطاعت
وتمتنع منه إذا أرادها وتفتدي منه إن قدرت ولا تزين له ولا تقر به وتهرب إن قدرت ولا تقيم معه
وهذا قول أكثر أهل العلم قال جابر بن زيد وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين تفر منه ما استطاعت
وتفتدي منه بكل ما يكن وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف تفر منه وقال مالك لا تتزين له ولا
تبدي له شيئا من شعرها ولا يصيبها إلا مكرهة، وروي عن الحسن والزهري والنخعي يستحلف ثم
يكون الاثم عليه، والصحيح ما قاله الأولون لأن هذه تعلم أنها أجنبية منه محرمة عليه فوجب عليها الامتناع
والفرار منه كسائر الأجانب، وهكذا لو ادعى نكاح امرأة كذبا وأقام بذلك شاهدي زور فحكم له الحاكم
بالزوجية أو لو تزوجها تزويجا باطلا فسلمت إليه بذلك فالحكم في هذا كالحكم في المطلقة ثلاثا
(فصل) ولو طلقها ثلاثا ثم جحد طلاقها لم ترثه نص عليه أحمد وبه قال قتادة وأبو حنيفة وأبو
يوسف والشافعي وابن المنذر وقال الحسن ترثه لأنها في حكم الزوجات ظاهرا
ولنا أنها تعلم أنها أجنبية فلم ترثه كسائر الأجنبيات وقال أحمد في رواية أبي طالب تهرب منه ولا
تتزوج حتى يظهر طلاقها ويعلم ذلك يجئ فيدعيها فترد عليه وتعاقب، وإن مات ولم يقر بطلاقها لا ترثه
لا تأخذ ما ليس لها تفر منه ولا تخرج من البلد ولكن تختفي في بلدها، قيل له فإن بعض الناس قال
تقتله هي بمنزلة من يدفع عن نفسه فلم يعجبه ذلك فمنعها من التزوج قبل ثبوت طلاقها لأنها في ظاهر
الحكم زوجة هذا المطلق فإذا تزوجت غيره وجب عليها في ظاهر الحكم العقوبة والرد إلى الأول
ويجتمع عليها زوجان هذا بظاهر الامر وذلك بباطنه ولم يأذن لها في الخروج من البلد لأن ذلك يقوي
التهمة في نشوزها ولا في قتله قصدا لأن الدافع عن نفسه لا يقتل قصدا، فأما إن قصدت الدفع عن
نفسها فآل إلى نفسه فلا اثم عليها ولا ضمان في الباطن فأما في الظاهر فإنها تؤخذ بحكم القتل ما لم يثبت صدقها
(فصل) قال أحمد إذا طلقها ثلاثا فشهد أربعة أنها وطئها أقيم عليه الحد إنما أوجبه لأنها
صارت بالطلاق أجنبية فهي كسائر الأجنبيات بل هي أشد تحريما لأنها محرمة وطأ ونكاحا فإن جحد
طلاقها ووطئها ثم قامت البينة بطلاقه فلا حد عليه وبهذا قال الشعبي ومالك وأهل الحجاز والثوري
والأوزاعي وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لأن جحده لطلاقه يوهمنا أنه نسيه وذلك شبهة
465

في درء والحد عنه ولا سبيل لنا إلى علم معرفته بالطلاق حالة وطئه إلا باقراره بذلك فإن قال وطئتها عالما
بأنني كنت طلقتها ثلاثا كان إقرارا منه بالزنا فيعتبر فيه ما يعتبر في الاقرار بالزنا
* (مسألة) * (وإن طار طائر فقال إن كان هذا غرابا ففلانة طالق وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق فهي
كالمنسية والحكم فيها على ما ذكرنا فيها لأنها في معناها والخلاف فيها على ما ذكرنا
* (مسألة) * (وإن قال إن كان الطائر غرابا ففلانة طالق وإن كان حماما ففلانة طالق لم يحكم بحنثه
في واحدة منهما) لأنه متيقن للنكاح شاك في الحنث فلا يزول عن يقين النكاح بالشك لأنه يحتمل أنه غيرهما
(فصل) إذا رأى رجلان طائرا فحلف أحدهما بالطلاق أنه غراب وحلف الآخر أنه حمام
فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بحنث واحد منهما لأن يقين النكاح ثابت ووقوع الطلاق مشكوك فيه فإن
ادعت امرأة أحدهما حنثه فيها فالقول قوله لأن الأصل واليقين في جانبه
(فصل) فإن قال أحد الرجلين إن كان غرابا فامرأته طالق ثلاثا وقال الآخر إن لم يكن غرابا فامرأته
طالق ثلاثا فطار ولم يعلما حاله فقد حنث أحدهما لا بعينه ولا يحكم به في حق واحد منهما بعينه
بل يبقى في حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكن لأن كل واحد منهما يقين نكاح باق ووقوع
طلاقه مشكوك فيه، فأما الوطئ فذكر القاضي أنه يحرم عليهما لأن أحدهما حانث يقينا فامرأته محرمة
عليه وقد أشكل فحرم عليهما جميعا كما لو حنث في إحدى امرأتيه لا بعينها وقال أصحاب الرأي
والشافعي لا يحرم على واحد منهما وطئ امرأته لأنه محكوم ببقاء نكاحه عن إحدى زوجتيه قمنا إنما
تحقق حنثه في واحدة غير معينة وبالنظر إلى كل واحدة مفردة فيقين نكاحها باق وطلاقها مشكوك
فيه لكن لما تحققنا أن إحداهما حرام ولم يمكن تمييزها حرمتا عليه جميعا وكذلك ههنا قد علمنا أن
أحد هذين الرجلين قد طلقت امرأته وحرمت عليه وتعذر التمييز فيحرم الوطئ عليهما ويصير كما لو
تنجس أحد الإنائين لا بعينه فإنه يحرم استعمال كل واحد منهما سواء كانا لرجل واحد أو لرجلين
وقال مكحول يحمل الطلاق عليهما جميعا ومال إليه أبو عبيد فإن ادعى كل واحدة منهما أنه علم الحال
وأنه لم يحنث دين فيما بينه وبين الله تعالى ونحو هذا قال عطاء والشعبي والزهري والحارث العكلي
والثوري والشافعي لأن كل واحد منهما يمكن صدقه فيما ادعاه وإن أقر كل واحد منهما أنه الحانث
466

طلقت زوجتاهما على أنفسهما وإن أقر أحدهما حنث وحده فإن ادعت امرأة أحدهما عليه
الحنث فأنكر فالقول قوله وهل يحلف؟ على روايتين
* (مسألة) * (فإن قال أحدهما إن كان غرابا فعبدي حر وقال الآخر ان لم يكن غرابا فعبدي حر
فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بعتق واحد من العبدين)
لأن الأصل بقاء الرق فإن اشترى أحدهما عبد الآخر بعد أن أنكر حنث نفسه عتق الذي اشتراه
لأن انكاره حنث نفسه اعتراف منه بحنث صاحبه واقرار منه بعتق الذي اشتراه، وإن اشترى من أقر
بحريته عتق عليه، وإن لم يكن منه انكار ولا اعتراف فقد صار العبدان في يده أحدهما حر لا يعلم عينه
فيرجع في تعيينه إلى القرعة وهو قول أبي الخطاب وقال القاضي يعتق الذي اشتراه في الموضعين لأن
تمسكه بعبده اعتراف منه برقه وحرية صاحبه وهذا مذهب الشافعي
ولنا أنه لم يعترف لفظا ولا فعل ما يلزم منه الاعتراف فإن الشرع سوغ له امساك عبده مع الجهل
استنادا إلى الأصل فكيف يكون معترفا مع تصريحه بأنني لا أعلم الحر منهما؟ وإنما اكتفينا في ابقاء رق
عبده باحتمال الحنث في حق صاحبه فإذا صار العبدان له وأحدهما حر لا بعينه صار كأنهما كانا له فأعتق
أحدهما وحده فيقرع بينهما حينئذ، فإن كان الحالف واحدا فقال إن كان غرابا فعبدي حر وإن لم يكن
غرابا فأمتي حرة ولم يعلم حاله فإنه يقرع بينهما فيعتق أحدهما، فإن ادعى أحدهما أنه الذي أعتق أو ادعى
كل واحد منهما ذلك فالقول قول السيد مع يمينه
(فصل) فإن قال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن لم يكن غرابا فعبيده أحرار ولم يعلم حاله منه
من التصرف في الملكين حتى يبين وعليه نفقة الجميع فإن كان غرابا طلق نساؤه ورق عبيده فإن ادعى
العبيد أنه لم يكن غرابا ليعتقوا فالقول قول السيد وهل يحلف؟ يخرج على روايتين، وإن لم يكن غرابا
عتق عبيده ولم تطلق النساء فإن ادعين أنه كان غرابا ليطلقن فالقول قوله وفي تحليفه وجهان
وكل موضع قلنا يستحلف فنكل قضي عليه بنكوله وإن قال لا أعلم ما الطائر فقياس المذهب أن
يقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الغراب طلق النساء ورق العبيد وإن وقعت على العبيد
عتقوا ولم تطلق النساء وهذا قول أبي ثور وقال أصحاب الشافعي إن وقعت القرعة على العبيد
عتقوا وإن وقعت على النساء لم يطلقن ولم يعتق العبيد لأن القرعة لها مدخل في العتق لكون النبي
صلى الله عليه وسلم أقرع بين العبيد الستة ولا مدخل لها في الطلاق لأنه لم ينقل مثل ذلك
467

فيه ولا يمكن قياسه على العتق لأن الطلاق حل قيد النكاح والقرعة لا تدخل في النكاح والقرعة حل
الملك، والقرعة تدخل في تمييز الاملاك قالوا ولا يقرع بينهم إلا بعد موته.
قال شيخنا ويمكن أن يقال على هذا إن ما لا يصلح للتعيين في حق الموروث لا يصح في حق
الوارث كما لو كانت اليمين في زوجتين ولان الإماء محرمات على الموروث تحريما لا تزيله القرعة فلم يبحن
للوارث بها كما لو تعين العتق فيهن.
* (مسألة) * (إذا قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق، أو قال لحماته ابنتك طالق أو قال سلمى
طالق، واسم امرأته سلمى، طلقت امرأته)
لأنه لا يملك طلاق غيرها ولأنه إزالة ملك أشبه ما لو باع ماله ومال غيره صح في ماله دون غيره
فإن قال أردت الأجنبية لم يصدق.
قال أحمد في رجل تزوج امرأة فقال لحماته ابنتك طالق وقال أردت ابنتك الأخرى التي ليست
بزوجتي فلا يقبل منه. وقال في رواية أبي داود في رجل له امرأتان اسماهما فاطمة ماتت إحداهما
فقال فاطمة طالق ينوي الميتة فقال الميتة تطلق؟ قال أبو داود كأنه أراد في الرواية الأولى أن لا نصدقه
في الحكم، وفي الثانية يدين.
وقال القاضي فيما إذا نظر إلى امرأته وأجنبية فقال إحداكما طالق وقال أردت الأجنبية فهل
يقبل؟ على روايتين. وقال الشافعي يقبل ههنا ولا يقبل فيما إذا قال سلمى طالق وقال أردت أجنبية
اسمها سلمى لأن سلمى لا يتناول الأجنبية بصريحه بل من جهة الدليل وقد عارضه دليل آخر وهو
أن لا تطلق غير زوجته فصار اللفظ في زوجته أظهر فلم يقبل خلافه. أما إذا قال إحداكما فإنه تناول
الأجنبية بصريحه، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور يقبل في الجميع لأنه فسر كلامه بما يحتمله.
ولنا أنه لا يحتمل غير امرأته على وجه صحيح فلم يقبل تفسيره به كما لو فسر كلامه بما لا يحتمله
وكما لو قال سلمى طالق عند الشافعي، ولا يصح ما ذكروه من الفرق فإن قوله إحداكما ليس بصريح في
واحدة منهما بعينها وسلمى يتناول واحدة لا بعينها ثم تعينت الزوجة لكونها محلا للطلاق وخطاب غيرها
به عبث كما لو قال إحداكما طالق ثم لو تناولها بصريحه لكن صرفه عنها دليل فصار ظاهرا في غيرها
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للمتلاعنين " إحداكما كاذب " لم ينصرف إلا إلى الكاذب منهما وحده ولما
قال حسان يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا سفيان * فشركما لخيركما الفداء * لم ينصرف شرهما الا إلى أبي سفيان
وخيرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحده وهذا في الحكم، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيدين فيه فمتى علم من
468

نفسه أنه أراد الأجنبية لم تطلق زوجته لأن اللفظ محتمل له وإن كان غير مقيد، ولو كانت ثم قرينة دالة
على إرادته الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه قبل قوله في الحكم لوجود
الدليل الصارف إليها وإن لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته لأنها محل الطلاق واللفظ يحتملها
ويصلح لها ولم يصرفه عنها فوقع بها كما لو نواها
* (مسألة) * (فإن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى فقال أنت طالق بظنها المناداة طلقت
في إحدى الروايتين)
وهو قول النخعي وقتادة والأوزاعي وأصحاب الرأي واختاره ابن حامد لأنه خاطبها بالطلاق
وهي محل له فطلقت كما لو قصدها
(والثانية) تطلق التي ناداها وحدها وهو قول الحسن والزهري وأبي عبيد، قال أحمد في رواية
مهنا في رجل له امرأتان فقال فلانة أنت طالق فالتفت فإذا هي غير التي حلف عليها قال: قال إبراهيم
يطلقان والحسن يقول تطلق التي نوى، قيل له ما تقول أنت، قال تطلق التي نوى وذلك لأنه لم يقصدها
بالطلاق فلم تطلق كما لو أراد أن يقول أنه طاهر فسبق لسانه فقال أنت طالق، وقال أبو بكر لا يختلف
كلام احمد أنها لا تطلق، وقال الشافعي تطلق المجيبة وحدها لأنها مخاطبة بالطلاق فطلقت كما لو لم ينو
غيرها ولا تطلق المنوية لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولم يعترف بطلاقها، وهذا يبطل بما لو علم أن المجيبة غيرها
فإن المنوية تطلق بإرادتها بالطلاق ولولا ذلك لم تطلق بالاعتراف به لأن الاعتراف بما لا يوجب
لا يوجب ولان التي لم تجب مقصودة بلفظ الطلاق فطلقت كما لو علم الحال، فإن قال علمت أنها غيرها
وأردت طلاق المناداة طلقتا معا في قولهم جميعا، وان قال أردت طلاق الثانية وحدها طلقت وحدها
لقصده لها وخطابه
* (مسألة) * (وإن لقي أجنبية ظنها زوجته فقال فلانة أنت طالق فإذا هي أجنبية طلقت زوجته)
نص عليه احمد وقال الشافعي لا تطلق لأنه خاطب بالطلاق غيرها فلم يقع كما لو علم أنها أجنبية
فقال أنت طالق
ولنا أنه قصد زوجته بلفظ الطلاق واحتمل أن لا تطلق لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولا ذكر اسمها معه
وإن علمها أجنبية وأراد بالطلاق زوجته طلقت وإن لم يردها بالطلاق لم تطلق
(فصل) وإن لقي امرأته فظنها أجنبية فقال أنت طالق أو تنحي يا مطلقة أو لقي أمته فظنها
أجنبية فقال أنت حرة أو تنحي يا حرة فقال أبو بكر فيمن لقي امرأة فقال تنحي يا مطلقة أو يا حرة
469

وهو لا يعرفها فإذا هي زوجته أو أمته لا يقع بهما طلاق ولا حرية لأنه لم يردهما بذلك فلم يقع بهما شئ
كسبق اللسان إلى ما لم يرده ويحتمل أن لا تعتق الأمة لأن عادة الناس مخاطبة من لا يعرفها بقوله يا حرة
وتطلق الزوجة لعدم العادة في المخاطبة بقوله يا مطلقة
* (كتاب الرجعة) *
وهي ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع
أما الكتاب فقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - إلى قوله - وبعولتهن أحق
بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) والمراد به الرجعة عند جماعة العلماء وأهل التفسير، وقال تعالى (إذا طلقتم
النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف)
أي بالرجعة ومعناه إذا قاربن بلوغ أجلهن أي انقضاء عدتهن
وأما السنة فروى ابن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال " مره
فليراجعها " متفق عليه. وروى أبو داود عن عمر قال: ان النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها،
وأجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق الحرة دون الثلاث أو العبد إذا طلق واحدة أن لهما الرجعة في
العدة ذكره ابن المنذر
470

* (مسألة) * (إذا طلق الحر امرأته بعد دخوله بها أقل من ثلاث أو العبد واحدة بغير عرض والامر
يقتضي بينونتها فله رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو كرهت لما ذكرنا)
أجمع على ذلك أهل العلم وأجمعوا على أنه لا رجعة له عليها بعد قضاء عدتها وقد ذكرنا ان الطلاق
معتبر بالرجال فيكون له رجعتها ما لم يطلقها ثلاثا كالحرة وفيما إذا طلق الأمة اثنتين خلاف ذكرناه فيما
مضى، ولا يعتبر في الرجعة رضا المرأة في ذلك لقول الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) أي
في العدة فجعل الحق لهم، وقال سبحانه (فأمسكوهن بمعروف) فخاطب الأزواج بالامر ولم يجعل لهن
اختيارا، ولان الرجعة امساك للمرأة بحكم الزوجية فلم يعتبر رضاها في ذلك كالتي في صلب نكاحه
وأجمع أهل العلم على هذا وللعبد بعد الواحدة ما للحر قبل الثلاث، وقد أجمع العلماء على أن للعبد رجعة
امرأته بعد الطلقة الواحدة إذا وجدت شروطها، فإذا طلقها ثانية فلا رجعة له سواء كانت امرأته حرة
أو أمة لأن طلاق العبد اثنتان وفي هذا خلاف ذكرناه فيما مضى
* (مسألة) * (وألفاظ الرجعة راجعت امرأتي أو رجعتها أو ارتجعتها أو رددتها أو أمسكتها)
لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة فالرد والامساك ورد بهما الكتاب بقوله تعالى (وبعولتهن
أحق بردهن في ذلك) وقال (فامسكوهن بمعروف) يعني الرجعة، والرجعة وردت بها السنة لقول النبي
صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها " وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه فإنهم
471

يسمونها رجعة والزوجة رجعية قال شيخنا) ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره
دون غيره كقولنا في صريح الطلاق
(فصل) والاحتياط أن يقول اشهدا علي أني قد راجعت زوجتي إلى نكاحي أو زوجيتي أو
راجعتها لما وقع عليها من طلاقي
* (مسألة) * (فإن قال نكحتها أو تزوجتها فليس هو بصريح فيها وهل تحصل الرجعة به؟ فيه وجهان)
(أحدهما) لا تحصل به لأن هذا كناية والرجعة استباحة بضع مقصود فلا يحصل بالكناية كالنكاح
(والثاني) تحصل به الرجعة أومأ إليه احمد واختاره ابن حامد لأن الأجنبية تباح به فالرجعية
أولى فعلى هذا يحتاج أن ينوي به الرجعة لأن ما كان كناية تعتبر له النية ككنايات الطلاق
(فصل) فإن قال راجعتك لصحبة أو للإهانة وقال أردت أنني راجعتك لمحبتي إياك أو إهانة
لك صحت الرجعة لأنه أتى بالرجعة وبين سببها، وان قال أردت أنني كنت أهينك أو أحبك وقد
رددتك بفرقي إلى ذلك فليس برجعة، وان أطلق ولم ينو شيئا صحت الرجعة ذكره القاضي لأنه
أتى بصريح الرجعة وضم إليه ما يحتمل أن يكون سببا ويحتمل غيره فلا يزول اللفظ عن مقتضاه
بالشك وهذا مذهب الشافعي
* (مسألة) * (وهل من شرطها الاشهاد؟ على روايتين)
472

وجملة ذلك أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضى المرأة ولا علمها باجماع أهل العلم
لأن حكم الرجعية حكم الزوجات لما نذكره والرجعية امساك لا واستبقاء لنكاحها ولهذا سمى الله
تعالى الرجعة امساكا وتركها فراقا وسراحا فقال (فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن
بمعروف) وفي رواية أخرى (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وإنما تشعث النكاح بالطلقة
وانعقد لها سبب زواله فالرجعة تزيل شعثه وتقطع مضيه إلى البينونة فلم تحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه
ابتداء النكاح. فأما الاشهاد ففيه روايتان (إحداهما) يجب، وهذا أحد قولي الشافعي لأن الله تعالى
قال (فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم) فظاهر الامر الوجوب
ولأنه استباحة بضع مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع. (والرواية الثانية) لا تجب
الشهادة وهي اختيار أبي بكر وقول مالك وأبي حنيفة لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة
كسائر حقوق الزوج ولان ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الاشهاد كالبيع وهذه أولى إن شاء
الله تعالى ويحمل الامر على الاستحباب ويؤكد ذلك أن الامر بالشهادة عقيب قوله (أو فارقوهن)
فهو يرجع إلى أقرب المذكورين يقينا ولا تجب الشهادة فيه فكذلك ما قبله وهو قوله (فامسكوهن)
بطريق الأولى ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب الاشهاد فإن قلنا هو شرط فإنه يعتبر وجوده
473

حال الرجعة فإن ارتجع بغير اشهاد لم يصح لأن المعتبر وجودها في الرجعة دون الاقرار بها إلا أن يقصد
بذلك الاقرار الارتجاع فيصح
* (مسألة) * (والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار والايلاء ولعانه ويرث أحدهما صاحبه ان مات
بالاجماع وان خالعها صح خلعه)
وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح لأنه يراد للتحريم وهي محرمة. ولنا أنها زوجة يصح طلاقها
فصح خلعها كما قبل الطلاق وليس مقصود الخلع التحريم بل الخلاص من الزوج ونكاحه الذي هو سببه
والنكاح باق ولا يأمن رجعته على أننا نمنع كونها محرمة.
* (مسألة) * (ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها ولها أن تتزين له وتتشرف له)
قال القاضي هذا ظاهر المذهب. قال أحمد في رواية أبي طالب لا تحتجب عنه، وفي رواية
أبي الحارث تتشرف له ما كانت في العدة فظاهر هذا أنها مباحة له له أن يسافر بها ويخلو بها ويطؤها
وهذا مذهب أبي حنيفة لأنها في حكم الزوجات فأبيحت له كما قبل الطلاق.
وعن أحمد رحمه الله أنها ليست مباحة ولا تحصل الرجعة بوطئها وان أكرهها عليه فلها المهر إن
لم يرتجعها بعده وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب الشافعي وحكي ذلك عن عطاء ومالك لأنها مطلقة فكانت
محرمة كما لو طلقها بعوض واحدة ولا حد عليه بالوطئ وإن قلنا إنها محرمة لا ينبغي أن يلزمه مهر سواء
474

راجع أو لم يراجع لأنه وطئ زوجته التي يلحقها طلاقه فلم يكن عليه مهر كسائر الزوجات ويفارق
ما إدا وطئ الزوج بعد اسلام أحدهما في العدة حيث يجب المهر إذا لم يسلم الآخر في العدة لأنه إذا لم يسلم
تبينا أن الفرقة وقعت من حين اسلام الأول وهي فرقة فسخ تبين به من نكاحه فأشبهت التي أرضعت
من ينفسخ نكاحها برضاعه وفي مسئلتنا لا تبين إلا بانقضاء العدة فافترقا وقال أبو الخطاب إذا
أكرهها على الوطئ وجب عليه المهر عند من حرمها وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح
وهو المنصوص عن الشافعي لأنه وطئ حرمه الطلاق فوجب به المهر كوطئ المختلعة في عدتها والأول
أولى لظهور الفرق بينهما فإن البائن ليست زوجة له وهذه زوجة يلحقها طلاقه وقياس الزوجة على
الأجنبية في الوطئ وأحكامه بعيدة.
(فصل) فإذا قلنا إنها مباحة حصلت الرجعة وطئها سواء نوى الرجعة أو لم ينو، اختارها ابن
حامد والقاضي وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس والزهري والثوري
والأوزاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي، قال بعضهم.. ويشهد، وقال مالك وإسحاق يكون رجعة
إذا أراد به الرجعة لأن هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطئ كمدة الايلاء ولان الطلاق سبب
الزوال الملك ومعه خيار فتصرف الملك بالوطئ يمنع عمله كوطئ البائع الأمة المبيعة في مدة الخيار وكما
ينقطع به التوكيل في طلاقها
475

* (مسألة) * (ولا تحصل بمباشرتها والنظر إلى فرجها والخلوة بها الشهرة)
نص عليه أحمد وخرجه ابن حامد على وجهين مبنيين على الروايتين في تحريم المصاهرة به أحدهما
هو رجعة، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي لأنه استمتاع يباح بالزوجية فحصلت الرجعة به كالوطئ
(والثاني) ليس برجعة لأنه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به الرجعة كالنظر فأما
الخلوة بها فليست برجعة لأنه ليس باستمتاع وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن غيره من أصحابنا
أن الرجعة تحصل به لأنه معنى يحرم من الأجنبية ويحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع
والصحيح أن الرجعة لا تحصل بها لأنها لا تبطل خيار المشتري للأمة كاللمس لغير شهوة فأما
اللمس للشهوة والنظر كذلك ونحوه فليس برجعة لأنه يجوز في غير الزوجة عند الحاجة فأشبهت الحديث معها
(فصل) وان قلنا ليست مباحة لم تحصل الرجعة بوطئها ولا تحصل إلا بالقول، وهذا مذهب
الخرقي لقوله والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين اشهدا أني قد راجعت امرأتي، وهذا مذهب
الشافعي لأنها استباحة بضع مقصود وأمر بالاشهاد فيه فلم يحصل من القادر بغير قول كالنكاح ولان غير
القول فعل من قادر على القول فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهو رواية عن أحمد
* (مسألة) * (ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح)
فلو قال راجعتك ان شئت لم يصح لذلك ولو قال كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح أيضا لأنه راجعها
476

قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح وان قال إن قدم أبوك فقد راجعتك لم يصح لأنه تعليق
على شرط فإن راجعها في الردة من أحدهما لم يصح، ذكره أبو الخطاب وهو صحيح مذهب الشافعي
لأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح مع الردة كالنكاح ولان الرجعة تقرير للنكاح والردة تنافي ذلك
فلم يصح اجتماعهما، وقال القاضي ان قلنا بتعجيل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لأنها قد بانت بها وان
قلنا لا تتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة، فإن أسلم المرتد منهما في العدة صحت الرجعة لأنا تبينا أنه ارتجعها
في نكاحه ولأنه نوع امساك فلم تمنع منه الردة كما لو لم يطلق وان لم يسلم في العدة تبينا أن الفرقة
وقعت قبل الرجعة وهذا قول المزني واختيار ابن حامد وهكذا ينبغي أن يكون فيما إذا راجعها
بعد اسلام أحدهما
(فصل) قد ذكرنا أن من طلق طلاقا بغير عوض فله رجعة زوجته ما دامت في العدة إذا كان
طلاق الحر أقل من ثلاث أو العبد واحدة فعلى هذا ان كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما فله
مراجعتها ما لم تضع الثاني، هذا قول عامة العلماء إلا أنه حكي عن عكرمة أن العدة تنقضي بوضع الأول
وما عليه سائر أهل العلم أصح فإن العدة لا تنقضي إلا بوضع الحمل كله لقول الله تعالى (وأولات
الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) واسم الحمل متناول لكل ما في البطن فتبقى العدة مستمرة إلى حين
وضع باقي الحمل فتبقى الرجعة ببقائها ولأن العدة لو انقضت بوضع بعض الحمل لحل لها التزويج وهي
477

حامل من زوج آخر ولا قائل به، قال شيخنا وأظن أن قتادة ناظر عكرمة في هذا فقال عكرمة تنقضي
عدتها بوضع أحد الولدين فقال له قتادة أيحل لها أن تتزوج؟ قال. لا قال خصم العبد ولو خرج بعض
الولد فارتجعها قبل أن تضع باقيه صح لأنها لم تضع جميع حملها فصارت كمن ولدت أحد الولدين
* (مسألة) * (وان طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فهل له رجعتها؟ على روايتين)
وجملة ذلك أنه إذا نقطع حيض المرأة المعتدة في المرة الثالثة ولما تغتسل فهل تنقضي عدتها
بطهرها فيه روايتان ذكرهما ابن حامد
[إحداهما] لا تنقضي حتى تغتسل ولزوجها رجعتها في ذلك، وهذا ظالم كلام الخرقي فإنه قال
في العدد فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت للأزواج وبه قال كثير من أصحابنا روي ذلك
عن عمر وعلي وابن مسعود وسعيد بن المسيب والثوري وأبي عبيد وروي نحوه عن أبي بكر الصديق وأبي موسى
وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم وروي عن شريك له الرجعة وان فرطت في الغسل عشرين سنة لأنه قول
من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا ولان أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا
بالغسل فكذا هذا، والرواية الثانية أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل وهو قول طاوس وسعيد بن
جبير والأوزاعي واختاره أبو الخطاب لقول الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)
والقرء الحيض وقد زالت فيزول التربص وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " وقرء الأمة الحيضان "
478

وقال " دعي الصلاة أيام أقرائك " أي أيام حيضك ولان انقضاء العدة تتعلق به بينونتها من الزوج
وحلها من غيره فلم يتعلق بفعل اختياري من جهة المرأة بغير تعليق الزوج كالطلاق وسائر العدد ولأنها
لو تركت الغسل اختيارا أو لجنون أو نحوه لم تحل فاما ان يقال بقول شريك إنها تبقى معتدة ولو بقيت
عشرين سنة وذلك خلاف قول الله تعالى (ثلاثة قروء) فإن عدتها تصير أكثر من مائتي قرء أو يقال
تنقضي العدة قبل الغسل والله أعلم
(فصل) إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدة الأول بوطئ الثاني
وهل يملك الزوج رجعتها في مدة الحمل؟ يحتمل وجهين
(أولهما) أن له رجعتها لأنها لم تنقض عدته فحكم نكاحه باق بأن يلحقها طلاقه وظهاره، وإنما
انقطعت عدته لعارض فهو كما لو وطئت في صلب نكاحه فإنها تحرم عليه ويبقى سائر أحكام الزوجية
ولأنه يملك ارتجاعها إذا عادت إلى عدته فملكه قبل ذلك كما لو ارتفع حيضها في أثناء عدتها
(والوجه الثاني) ليس له رجعتها لأنها ليست في عدته فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الثاني وبنت
على ما مضى من عدة الأول وله ارتجاعها حينئذ وجها واحدا ولو كانت في نفاسها لأنها بعد الوضع
تعود إلى عدة الأول وإن لم تحتسب به فكان له الرجعة فيه كما لو طلق حائضا فإن له رجعتها في حيضها
وإن كانت لا تعتد بها، وإن حملت حملا يمكن أن يكون منهما فعلى الوجه الذي لا يملك رجعتها في حملها
479

من الثاني إذا رجعها في هذا الحمل ثم بان أنه من الثاني لم يصح فإن بان من الأول احتمل أن لا يصح
لأنه راجعها في عدتها منه واحتمل أن لا تصح لأنه راجعها مع الشك في إباحة الرجعة والأول أصح
فإن الرجعة ليست بعبادة يبطلها الشك في صحتها وعلى أن العبادة تصح مع الشك فيما إذا نسي صلاة
من يوم لا يعلم عينها فصلى خمس صلوات فإن كل صلاة يشك في أنها هل هي المنسية أو غيرها؟ لو شك
في الحدث فتطهر ينوي رفع الحدث صحت طهارته وارتفع حدثه فههنا أولى فإن راجعها بعد الوضع
وبان الحمل من الثاني صحت رجعته وإن بان من الأول لم تصح لأن العدة انقضت بوضعه
* (مسألة) * (وإن انقضت عدتها ولم يرتجعها بانت ولا تحل إلا بنكاح جديد) لقول الله سبحانه
(وبعولتهن أحق بردهن) يريد الرجعة عند جماعة أهل التفسير في ذلك أي في العدة، وأجمع أهل
العلم على أن المرأة إذا طلقها زوجها فلم يرتجعها حتى انقضت عدتها أنها تبين منه فلا تحل له إلا بنكاح جديد
* (مسألة) * (وتعود على ما بقي من طلاقها سواء رجعت بعد نكاح زوج غيره أو قبله وعنه أنها
إن رجعت بعد نكاح زوج غيره رجعت بطلاق ثلاث)
وجملة ذلك أن المطلقة لا تخلو من أحد ثلاثة أحوال (أحدها) أن يطلقها دون الثلاث ثم تعود
إليه برجعة أو نكاح جديد قبل زوج ثان فهذه تعود إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف علمناه
480

(والثاني) أن يطلقها ثلاثا فتنكح زوجا غيره ويصيبها ثم تزوجها الأول فهذه تعود بطلاق ثلاث باجماع
من أهل العلم حكاه ابن المنذر (الثالث) طلقها دون الثلاث فقضت عدتها ثم نكحت غيره ثم تزوجها
الأول ففيها روايتان (أظهرهما) أنها تعود إليه على ما بقي من الثلاث وهو قول الأكثر من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر وعلي وأبي ومعاذ وعمران بن حصين وأبو هريرة وزيد وعبد الله بن عمرو
ابن العاص رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة والحسن ومالك والثوري وابن أبي ليلى
والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر (والرواية الثانية) عن أحمد أنها
ترجع إليه عن طلاق ثلاث وهو قول ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي وشريح وأبي حنيفة وأبي
يوسف لأن وطئ الثاني يهدم الطلقات الثلاث فأولى أن يهدم ما دونها
ولنا أن وط الثاني لا يحتاج إليه في الاحلال للزوج الأول فلا يغير حكم الطلاق كوطئ السيد
ولأنه تزويج قبل استيفاء الثلاث فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطئ الثاني وقولهم ان وطئ الثاني يثبت
الحل لا يصح لوجهين (أحدهما) منع كونه مثبتا للحل أصلا وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية التحريم
بدليل قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وحتى للغاية وإنما سمى النبي صلى الله عليه وسلم
الزوج الذي قصد الحيلة محللا تجوزا بدليل أنه لبنه ومن أثبت حلالا لم يستحق لعنا (والثاني) أن
481

الحل إنما يثبت في محل فيه تحريم وهي المطلقة ثلاثا وههنا هي حلال له فلا يثبت فيها حل وقولهم انه
بهدم الطلاق قلنا بل هو غاية لتحريمه وما دون الثلاث لا تحريم فيها فلا يكون غاية له
* (مسألة) * (وإن ارتجعها في عدتها وأشهد على رجعتها من حيث لا تعلم فاعتدت ثم تزوجت من
أصابها ردت إليه ولا يطؤها حتى تنقضي عدتها في إحدى الروايتين والأخرى هي زوجة الثاني)
وجملة ذلك أن زوج الرجعية إذا راجعها من حيث لا تعلم صحت المراجعة لأنها لا تفتقر إلى
رضاها فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها وتزوجت ثم جاء وادعى أنه كان
راجعها قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك ثبت أنها زوجته وأن نكاح الثاني فاسد لأنه تزوج امرأة
غيره وترد إلى الأول سواء دخل بها أو لم يدخل وهذا هو الصحيح وهو قول أكثر الفقهاء منهم الثوري
والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي رضي الله عنه. وروي عن أبي عبد الله
رحمه الله رواية ثانية ان دخل بها الثاني فهي امرأته ويبطل نكاح الأول روي ذلك عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وهو قول مالك، وروي معناه عن سعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن القاسم
ونافع لأن كل واحد منهما عقد عليها وهي ممن يجوز العقد عليها في الظاهر ومع الثاني مزية الدخول فقدم بها
ولنا أن الرجعة قد صحت وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح نكاحها كما لو لم يطلقها، إذا ثبت
هذا فإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما وردت إلى الأول ولا شئ على الثاني وإن كان دخل بها
فلها عليه مهر المثل لأن هذا وطئ شبهة وتعتد ولا تحل للأول حتى تقضي عدتها منه فإن كان أقام البينة
482

قبل دخول الثاني بها ردت إلى الأول بغير خلاف في المذهب وهي إحدى الروايتين عن مالك، وأما
ان تزوجها مع علمها بالرجعة أو علم أحدهما فالنكاح باطل بغير خلاف والوطئ محرم على من علم وحكمه
حكم الزاني في الحد وغيره لأنه وطئ امرأة غيره مع علمه
(فصل) وان لم يكن للمدعي بينة بالرجعة فأنكره أحدهما لم يقبل قوله فإن أنكراه جميعا فالنكاح
صحيح في حقهما وان اعترفا له بالرجعة ثبتت والحكم فيه كالحكم فيما إذا قامت به البينة سواء في أنها
ترد إليه، وان أقر له الزوج وحده فقد اعترف بفساد نكاحه فتبين منه وعليه المهر إن كان دخل بها
أو نصفه إن كان لم يدخل بها لأنه لا يصدق على المرأة في اسقاط حقها عنه ولا تسلم المرأة إلى المدعي
لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها وإنما يقبل في حقه ويكون القول قولها، وهل هو مع يمينها أولا؟
على وجهين. قال شيخنا ولا تستحلف لأنها لو أقرت لم يقبل اقرارها فإذا أنكرت لم تجب اليمين وفيه
وجه آخر أنها تجب عليها، وان اعترفت المرأة وأنكر الزوج لم يقبل اعترافها على الزوج في فسخ
نكاحه لأن قولها إنما يقبل على نفسها في حقها وهل يستحلف؟ يحتمل وجهين
(أحدهما) لا يستحلف اختاره القاضي لأنه دعوى في النكاح فلم يستحلف كما لو ادعى زوجية
امرأة فأنكرته (والثاني) يستحلف قال القاضي وهو قول الخرقي لعموم قوله عليه السلام " ولكن
اليمين على المدعى عليه " ولأنه دعوى في حق آدمي فيستحلف فيه كالمال فإن حلف فيمينه على نفي
483

العلم لأنه على نفي فعل الغير فإذا زال نكاحه بطلاق أو فسخ أو موت رددت إلى الأول من غير عقد
لأن المنع من ردها إنما كان لحق الثاني فإذا زال زال المنع وحكم بأنها زوجة الأول كما لو شهد بحرية
عبد ثم اشتراه عتق عليه ولا يلزمها للأول مهر بحال، وذكر القاضي أن له عليها مهرا وهو قول بعض
أصحاب الشافعي لأنها أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها بغير حق فأشبه شهود الطلاق إذا رجعوا
ولنا أن ملكها استقر على المهر فلم يرجع به عليها كما لو ارتدت أو أسلمت أو قتلت نفسها فإن
ماتت الأول وهي في نكاح الثاني فينبغي أن ترثه لاقراره بزوجيتها واقرارها بذلك وان ماتت لم
يرثها لأنها لا تصدق في ابطال ميراث الزوج الثاني كما لم تصدق في ابطال نكاحه ويرثها الزوج الثاني لذلك
وان مات الزوج الثاني لم ترثه لأنها تنكر صحة نكاحه فتنكر ميراثه
* (مسألة) * وإن ادعت المرأة انقضاء عدتها قبل قولها إذا كان ممكنا إلا أن تدعيه بالحيض في شهر
فلا يقبل الا ببينة)
وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها في وقت يمكن انقضاؤها فيها قبل قولها لقول الله تعالى
(ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قيل في التفسير هو الحيض والحمل ولولا أن قولهن
مقبول لم يحرجن بكتمانه، ولأنه أمر تختص بمعرفته فكان القول قولها فيه كالنية من الانسان فيما تعبر
فيه النية أو أمر لا يعرف إلا من جهتها قبل قولها فيه كما يجب على التابعي قبول خبر الصحابي عن رسول الله
484

صلى الله عليه وسلم فأما ما تنقضي به العدة فهو ثلاثة أقسام:
(الأول) أن تدعي انقضاء عدتها بالقروء وهو ينبني على الخلاف في أقل الطهر بين الحيضتين وعلي الخلاف
في أقل الحيض وهل الأقراء الحيض أو الطهر، فإن قلنا هي الحيض وأقل الطهر ثلاثة عشر يوما، فأقل ما تنقضي به
العدة تسعة وعشرون يوما ولحظة وذلك أن يطلقها مع آخر الطهر ثم تحيض بعده يوما وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر
يوما ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر لحظة ليعرف بها انقطاع الحيض
وان لم تكن هذه اللحظة من عدتها فلا بد منها لمعرفة انقطاع حيضتها ولو صادفتها رجعته لم تصح ومن اعتبر
الغسل في انقضاء العدة فلا بد من وقت يمكن الغسل فيه بعد انقطاع الحيض، وإن قلنا القروء الحيض
وأقل الطهر خمسة عشر يوما فأقل ما تنقضي به العدة ثلاثة وثلاثون يوما لحظة تزيد أربعة أيام في
الطهرين، وإن قلنا القروء الأطهار وأقل الطهر ثلاثة عشر يوما فإن العدة تنقضي بثمانية وعشرين يوما
ولحظتين وهو أن يطلقها في آخر لحظة من طهرها فتحتسب بها قرءا ثم تحتسب طهرين آخرين ستة
وعشرين يوما وبينهما حيضتين يومين فإذا طعنت في الحيضة الثالثة لحظة انقضت عدتها وان قلنا الطهر
خمسة عشر يوما زدنا على هذا أربعة أيام في الطهرين فيكون اثنين وثلاثين يوما لحظتين وهذا قول
الشافعي، فإن كانت أمة انقضت عدتها بخمسة عشر يوما ولحظة على الوجه الأول وتسعة عشر يوما ولحظة
على الوجه الثاني وبأربعة عشر يوما ولحظتين على الوجه الثالث وبستة عشر يوما ولحظتين على الوجه
الرابع فمتى ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من هذا لم يقبل قولها عند أحد فيما أعلم لأنه لا يحتمل صدقها
485

* (مسألة) * (فإن ادعت انقضاء عدتها بالقروء في أقل من شهر لم يقبل الا بينة)
لأن شريحا قال إذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض في شهر وجاءت بينة من النساء العدول من
بطانة أهلها ممن يرضى صدقه وعدله أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث وتغتسل عند كل قرء
وتصلي فقد انقضت عدتها والا فهي كاذبة فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالون ومعناه بالرومية أصبت
أو أحسنت فأخذ أحمد بقول على في الشهر فإن ادعت ذلك في أكثر من شهر صدقها لأنها أوتمنت على ذلك وإنما لم
يصدقها في الشهر لأن حيضها ثلاث مرات فيه يندر جدا فرجع بينة ولا يندر فيما زاد على الشهر كندرته فيه،
وقال الشافعي لا يقبل قولها في أقل من اثنين وثلاثين يوما ولحظتين لأنه لا يتصور عنده في أقل من ذلك
وقال أبو حنيفة لا يقبل في أقل من ستين يوما وقال صاحباه لا يقبل في أقل من تسعة وثلاثين يوما ولحظتين
لأن أقل الحيض عندهم ثلاثة أيام فثلاث حيض تسعة أيام وطهران ثلاثون، والخلاف في هذا مبني على أقل
الحيض وأقل الطهر وفي القرء ما هو، ومما يدل عليه في الجملة قبول علي وشريح بينتها على انقضاء عدتها
في شهر ولولا تصوره لما قبلت عليه بينة ولا سمعت فيه دعوى، ولا يتصور الا بما قلنا، وأما إذا ادعت
القضاء عدتها في أقل من ذلك لم تسمع دعواها ولا يصغى إلى بينتها لأننا نعلم كذبها فإن بقيت على
486

دعواها حتى أتى عليها ما يمكن صدقها فيه نظرنا فإن بقيت على دعواها المردودة لم يسمع قولها لأنها تدعي محالا، وإن
ادعت أنها انقضت عدتها في هذه المدة كلها أو فيما يمكن منها قبل قولها لأنه أمكن صدقها، ولا
فرق في ذلك بين الفاسقة والمرضية والمسلمة والكافرة لأن ما يقبل فيه قول الانسان على نفسه
لا يختلف باختلاف حاله كاخباره عن نيته فيما تعتبر فيه نيته.
(فصل) فإن ادعت انقضاء عدتها بوضع الحمل فإن ادعته لتمام لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر
من حين امكان الوطئ بعد العقد (1) لأن أقل سقط تنقضي به العدة ما أتى عليه ثمانون يوما لأنه يكون نطفة أربعين
يوما وعلقة مثل ذلك ثم يصير مضغة بعد الثمانين ولا تنقضي به العدة قبل ان يصير مضغة بحال، وهذا ظاهر
قول الشافعي، فأما ان ادعت انقضاء عدتها بالشهور فلا يقبل قولها فيه لأن الخلاف في ذلك ينبني على الاختلاف في
الطلاق والقول قول الزوج فيه فيكون القول قوله فيما ينبني عليه إلا أن يدعي انقضاء عدتها ليسقط عن نفسه
نفقتها مثل أن يقول طلقتك في شوال فتقول هي بل في ذي القعدة فالقول قولها لأنه يدعي ما يسقط النفقة
والأصل وجوبها فلا يقبل الا بينة، فإن ادعت ذلك ولم يكن لها نفقة قبل قولها لأنها تقر على نفسها
بما هو أغلظ وإن انعكس الحال فقال طلقتك في ذي القعدة فلي رجعتك قالت بل طلقتني في شوال

(1) قوله بعد العقد لأنه لا يكمل في أقل من ذلك وان ادعت انها أسقطته لم يقبل قولها في أقل
من ثمانين يوما من حين امكان الوطئ بعد عقد النكاح لها من المغني
487

فلا رجعة لك فالقول قوله لأن الأصل بقاء نكاحه ولان القول قوله في اثبات الطلاق ونفيه فكذلك
في وقته، إذا ثبت ذلك فكل موضع قلنا القول قولها فأنكرها الزوج فقال الخرقي عليها اليمين، وهو
قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب، وقال القاضي قياس
المذهب ان لا يجب عليه يمين وقد أوما إليه أحمد أيضا فقال لا يمين في نكاح ولا طلاق وهو قول أبي
حنيفة لأن الرجعة لا يصح بذلها فلا تستحلف فيها كالحدود والأول أولى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
" اليمين على المدعى عليه " ولأنه حق آدمي يمكن صدق مدعيه فتجب اليمين فيه كالأموال فإن نكلت
عن اليمين فقال القاضي لا يقضى بالنكول لأنه لا يصح بذله. قال شيخنا ويحتمل أن يستحلف الزوج
وله رجعتها على القول برد اليمين على المدعي لأنه لما وجد النكول منها ظهر صدق الزوج وقوي جانبه
واليمين تشرع في حق من قوي جانبه ولذلك شرعت في حق المدعي عليه لقوة جانبة باليد في العين وبالأصل
في براءة الذمة في الدين وهو مذهب الشافعي
(فصل) إذا ادعى الزوج في عدتها أنه كان راجعها أمس أو منذ شهر قبل قوله لأنه لما ملك الرجعة
ملك الاقرار بها كالطلاق وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم فإن قال بعد انقضاء عدتها كنت
راجعتك في عدتك فأنكرت فالقول قولها باجماعهم لأنه ادعاها في زمن لا يملكها والأصل عدمها
وحصول البينونة.
488

* (مسألة) * (إذا قالت انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فالقول قولها)
وجملة ذلك أنه إذا كان اخلافهما في زمن يمكن فيه انقضاء عدتها وبقاؤها فبدأت فقالت انقضت
عدتي فقال قد كنت راجعتك فأنكرته فالقول قولها لأن خبرها بانقضاء عدتها مقبول لامكانه فصارت
دعواه للرجعة بعد الحكم بانقضاء عدتها فلم تقبل.
* (مسألة) * وان سبق فقال ارتجعتك فقالت قد انقضت عدتي قبل رجعتك فأنكرها فالقول قوله)
ذكره القاضي لما ذكرنا وهو أحد الوجوه لأصحاب الشافعي وظاهر كلام الخرقي أن قولها مقبول
سواء سبقها بالدعوى أو سبقته وهو وجه ثان لأصحاب الشافعي لأن الظاهر البينونة والأصل عدم
الرجعة فكان الظاهر معها ولان من قبل قوله سابقا كان كذلك مسبوقا كسائر من يقبل قوله
ولهم وجه ثالث أن القول قول الزوج بكل حال لأن المرأة تدعي ما يرفع النكاح وهو ينكره فكان
القول قول من أنكره بخلاف ما قاسوا عليه.
* (مسألة) * (وان تداعيا معا قدم قولها)
لأن خبرها بانقضاء عدتها يكون بعد انقضائها فيكون قوله بعد العدة فلا يقبل وقيل يقدم من تقع
489

له القرعة ذكره أبو الخطاب احتمالا والصحيح الأول
(فصل) فإن اختلفا في الإصابة فقال قد أصبتك فلي رجعتك فأنكرته أو قالت قد أصابني فلي المهر كاملا
فالقول قول المنكر منهما لأن الأصل معه فلا يزول الا بيقين وليس له رجعتها في الموضعين لأنه إن أنكر الإصابة
فهو يقر على نفسه بينونتها وأنه لا رجعة له عليها وان أنكرتها هي فالقول قولها ولا تستحق الا نصف
المهر وان أنكرها فالقول قوله هذا إذا كان المهر غير مقبوض فإن كان اختلافهما بعد قبضها له وادعى
اصابتها فأنكرته لم يرجع عليها بشئ لأنه يقر لها به ولا يدعيه وإن كان هو المنكر رجع عليها
بنصفه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن قيل فلم قبلتم قول المولي والعنين في الإصابة ولم تقبلوه
ههنا؟ قلنا المولي والعنين يدعيان ما يبقى النكاح علي الصحة ويمنع فسخه والأصل صحة العقد وسلامته
فكان قولهما موافقا للأصل فقبل وفي مسئلتنا قد وقع ما يرفع النكاح ويزيله وهو مار إلى بينونة وقد
اختلفا فيما يرفع حكم الطلاق ويثبت له الرجعة والأصل عدم ذلك فكان قوله مخالفا للأصل فلم يقبل
ولان المولي والعنين يدعيان الإصابة في موضع تحققت فيه الخلوة والتمكين من الوطئ لأنه لو لم يوجد
ذلك لما استحقتا الفسخ بعدم الوطئ فكان الاختلاف فيما يختص به وفي مسئلتنا لم تتحقق خلوة ولا
تمكين لأنه لو تحقق ذلك لوجب المهر كاملا فكان الاختلاف في أمر ظاهر لا يختص به فلم يقبل فيه قول
مدعيه الا ببينة وهل تشرع اليمين في حق من القول قوله؟ على وجهين
490

(فصل) والخلوة كالإصابة في اثبات الرجعة للزوج على المرأة التي خلا بها في ظاهر كلام الخرقي
لقوله حكمها حكم الدخول في جميع أمورها وهذا قول الشافعي القديم وقال أبو بكر لا رجعة له عليها الا
ان يصيبها وبه قال أبو حنيفة وصاحباه والشافعي في الجديد لأنها غير مصابة فلا يستحق رجعتها كالتي
لم يخل بها ووجه الأول قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق
الله في أرحامهن - إلى قوله - وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ولأنها معتدة من طلاق لا عوض فيه ولم
يستوف عدده فثبتت عليها الرجعة كالموطوءة ولأنها معتدة يلحقها طلاقة فملك رجعتها كالتي أصابها وفارق
التي لم يخل بها فإنها بائن منه لا عدة لها ولا يلحقها طلاقه وإنما تكون الرجعة للمعتدة التي يلحقها طلاقه
والخلاف في هذا مبني على وجوب العدة بالخلوة من غير إصابة ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى
(فصل) فإن ادعى زوج الأمة بعد عدتها فأنكره وصدقه مولاها فالقول قولها نص عليه وبذلك
قال أبو حنيفة ومالك وقال أبو يوسف ومحمد القول قول الزوج وهو أحق بها لأن إقرار مولاها مقبول
في نكاحها فقبل في رجعتها كالحرة إذا أقرت
ولنا ان قولها في انقضاء عدتها مقبول فقبل انكارها للرجعة كالحرة ولأنه اختلاف منهما فيما يثبت به النكاح
فيكون المنازع هي دون سيدها كما لو اختلفا في الإصابة وإنما قبل قول السيد في النكاح لأنه يملك انشاءه
فملك الاقرار به بخلاف الرجعة وإن صدقته وكذبه مولاها لم يقبل إقرارها لأن حق السيد تعلق بها
491

وحلت بانقضاء عدتها فلم يقبل قولها في إبطال حقه كما لو تزوجت ثم أقرت ان مطلقها كان راجعها ولا
يلزم من قبول إنكارها قبول تصديقها كالتي تزوجت فإنه يقبل انكارها ولا يقبل تصديقها إذا ثبت
هذا فإن مولاها إذا علم صدق الزوج لم يحل له وطؤها ولا تزويجها وإن علمت هي صدق الزوج في
رجعتها فهي حرام على سيدها ولا يحل لها تمكينه من وطئها الا مكرهة كما قبل طلاقها
(فصل) ولو قالت انقضت عدتي ثم قالت ما انقضت بعد فله رجعتها لأنه أقرت بكذبها فيها يثبت
له حقا عليها فقبل إقرارها ولو قال أخبرتني بانقضاء عدتها ثم راجعتها ثم أقرت بكذبها في انقضاء عدتها
ثم أقرت بكذبها في انقضاء عدتها وأنكرت ما ذكر عنها وأقرت بان عدتها لم تنقض فالرجعة صحيحة لأنه لم يقر
بانقضاء عدتها وإنما أخبر بخبرها عن ذلك وقد رجعت عن خبرها فقبل رجوعها لما ذكرناه
(فصل) قال الشيخ رحمه الله وإن طلقها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويطؤها في القبل
وأدنى ما يمكن من ذلك تغييب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل)
وجملة ذلك أن المرأة إذا لم يدخل بها تبينها تطليقة وتحرمها الثلاث من الحر والاثنتان من العبد
وقد أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق مطلقها رجعتها لأن
الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) فبين سبحانه أنه لا عدة
492

عليها فتبين بمجرد طلاقها وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء عدتها لا رجعة عليها ولا نفقة لها فإن رغب فيها
مطلقها فهو خاطب من الخطاب لا تحل له الا ان يتزوجها برضاها جديدا وترجع إليه بطلقتين فإن
طلقها اثنتين ثم تزوجها رجعت إليه بطلقة واحدة بغير خلاف ان لم تكن تزوجت غيره بغير
خلاف فإن طلقها ثلاثا بلفظ واحد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره) في قول عامة أهل العلم وقد
ذكرنا ذلك فيما مضى ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثا بعد الدخول لا تحل حتى تنكح زوجا غيره لقول
الله سبحانه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وروت عائشة ان امرأة رفاعة القرظي
جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن
ابن الزبير وانه والله ما معه الا مثل هذه الهدبة واخذت بهدبة من جلبابها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحاكا
وقال " تريدين ان ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " متفق عليه وفي إجماع أهل
العلم على هذا غنية عن الإطالة فيه وجمهور العلماء على أنها لا تحل للزوج الأول حتى يطأها الثاني وطئا
يوجد فيه التقاء الختانين إلا أن سعيد بن المسيب من بينهم قال إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد
به اخلالا فلا بأس ان يتزوجها قال ابن المنذر ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال بقول سعيد بن المسيب
هذا الا الخوارج أخذوا بظاهر قوله سبحانه (حتى تنكح زوجا غيره) ومع تصريح النبي صلى الله عليه وسلم ببيان
المراد من كتاب الله تعالى وأنها لا تحل للأول حتى يذوق الثاني عسيلتها وتذوق عسيلته لا يعرج
493

على شئ سواه ولا يسوغ لاحد المصير إلى غيره مع ما عليه جملة أهل العلم منهم علي بن أبي طالب وابن عمر
وابن عمرو وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وممن بعدهم مسروق والزهري ومالك وأهل
المدينة والثوري وأصحاب الرأي والأوزاعي وأهل الشام والشافعي وأبو عبيد وغيرهم
(فصل) ويشترط لحلها للأول ثلاثة شروط
(أحدها) ان تنكح زوجا غيره فلو كانت أمة فوطئها سيدها لم تحل لقول الله تعالى (حتى تنكح
زوجا غيره) وهذا ليس بزوج
(الشرط الثاني) أن يكون نكاحا صحيحا فلو كان فاسدا لم يحلها الوطئ فيه وبهذا قال الحسن
والشعبي وحماد ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد
وقال في القديم يحلها وهو قول الحكم وخرجه أبو الخطاب وجها في المذهب لأنه زوج فيدخل في عموم
النص ولان النبي صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له فسماه محللا مع فساد نكاحه
ولنا قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) واطلاق النكاح يقتضي الصحيح ولذلك
لو حلف لا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لم يحنث ولو حلف ليتزوجن لم يبر بالتزوج الفاسد ولان
أكثر أحكام التزويج غير ثابتة فيه من الاحصان واللعان والظهار والايلاء والنفقة وأشباه ذلك وأما
تسميته محللا فلقصد التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحلل له وإنما هذا كقول النبي
494

صلى الله عليه وسلم " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه وقال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) ولأنه وطئ في غير
نكاح صحيح أشبه وطئ الشبهة وعلى هذا لو وطئها بشبهة لم تبح لأنه في غير نكاح
* (مسألة) * (ولو كانت أمة فاشتراها مطلقها لم يحل له وطؤها في قول أكثر أهل العلم
ويحتمل ان تحل)
وقال بعض أصحاب الشافعي تحل له لأن الطلاق يختص الزوجية فأثر في التحريم بها وقول الله
عز وجل (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) صريح في تحريمها فلا نعول على ما خالفه ولان
الفرج لا يجوز أن يكون محرما مباحا فسقط هذا
(الشرط الثالث) ان يطأها في الفرج لما ذكرنا من حديث عائشة فعلى هذا ان وطئها دون الفرج
أو في الدبر لم يحلها لأنه علق الحل على ذواق العسيلة ولا يحصل الا بالوطئ في الفرج وأدناه تغييب
الحشفة في الفرج وان لم ينزل لأن أحكام الوطئ تتعلق بذواق العسيلة ولا يحصل من غير انتشار
* (مسألة) * (فإن كان مجبوبا قد بقي من ذكره قدر الحشفة فأولجه أحلها وإلا فلا)
وان وطئها زوج مراهق أحلها في قولهم الا مالكا وأبا عبيد فإنهما قالا لا يحلها ويروى ذلك عن الحسن
لأنه وطئ من غير بالغ فأشبه وطئ الصغير
ولنا ظاهر النص وانه وطئ من زوج في نكاح صحيح فأشبه البالغ ويخالف الصغير فإنه لا يمكن
495

الوطئ منه ولا تذاق عسيلته قال القاضي يشترط أن يكون له اثنتا عشرة سنة لأن من دون ذلك
لا يمكنه المجامعة ولا معنى لهذا فإن الخلاف في المجامعة ومتى أمكنه الجماع فقد وجد منه المقصود فلا معنى
لاعتبار سن ما ورد الشرع باعتبارها وتقدير بمجرد الرأي والتحكم
* (مسألة) * (فإن كانت ذمية فوطئها زوجها الذمي أحلها لمطلقها المسلم)
نص عليه أحمد وقال هو زوج وبه تجب الملاعنة والقسم وبه قال الحسن والزهري والثوري والشافعي
وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال ربيعة ومالك لا يحلها
ولنا ظاهر الآية لأنه وطئ من زوج في نكاح صحيح تام أشبه وطئ المسلم
(فصل) فإن كانا مجنونين أو أحدهما فوطئها أحلها، وقال أبو عبد الله بن حامد لا يحلها
لأنه لا يذوق العسيلة.
ولنا ظاهر الآية ولأنه وطئ مباح في نكاح صحيح أشبه العاقل وقوله (لا يذوق العسيلة) لا يصح
فإن الجنون إنما هو تغطية العقل وليس العقل شرطا في الشهرة وحصول اللذة بدليل البهائم، لكن
إن كان المجنون ذاهب الحس كالمصروع والمغمى عليه لم يحصل الحل بوطئه ولا بوطئ مجنونة في هذه
الحال لأنها لا تذوق العسيلة ولا تحصل لها اللذة ولعل ابن حامد إنما أراد المجنون الذي هذا حاله
496

فلا يكون ههنا اختلاف وكوطئ مغمى عليها أو نائمة لا تحس بوطئه فينبغي أن لا تحل بهذا لما ذكرنا
وحكاه ابن المنذر ويحتمل حصول الحل في ذلك كله لعموم النص، فإن وجد على فراشه امرأة فظنها
أجنبية أو ظنها جاريته فوطئها فإذا هي امرأته أحلها لأنه صادف نكاحا صحيحا، ولو وطئها فأفضاها
أو وطئها وهي مريضة تتضرر بوطئه أحلها لأن التحريم ههنا لحقها فإن استدخلت ذكره وهو نائم
أو مغمى عليه لم تحل لأنه لم يذق عسيلتها ويحتمل أن تحل لعموم الآية
(فصل) فإن كان خصيا أو مسلولا أو موجوءا حلت بوطئه لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا
الانزال وهو غير معتبر في الاحلال وهذا قول الشافعي، قال أبو بكر وقد روي عن أحمد في الخصي
أنه لا يحلها فإن أبا طالب سألته عن المرأة تتزوج الخصي تستحل به قال لا حتى تذوق العسيلة، قال
أبو بكر والعمل على ما رواه مهنا أنها تحل ووجه الأول أن الخصي لا يحصل منه الانزال فلا تنال لذة الوطئ
فلا يذوق العسيلة، ويحتمل أن أحمد قال ذلك لأن الخصي في الغالب لا يحصل منه الوطئ أوليس مظنة
الانزال ولا يحصل الاحلال بوطئه كالوطئ من غير انتشار، والأولى إن شاء الله حصول الاحلال به
لأنه يحصل بوطئ المراهق الذي لا يحصل منه الانزال ولذلك تحل المراهقة التي لا يتصور منها الانزال
قبل البلوغ كذلك هذا وعلى هذا يمنع أن لا تذوق العسيلة إذا حصل منه الانتشار كغير البالغ
ولدخوله في عموم الآية.
* (مسألة) * (وان وطئها في الدبر أو وطئت بشبهة أو بملك يمين لم تحل)
لأن الوطئ في الدبر لا تذوق به العسيلة والوط بالشبهة وبملك اليمين وطئ من غير زوج فلا يدخل
497

في عموم قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) فتبقى على المنع
(فصل) فإن وطئها في ردته أو ردتها لم يحلها لأنه ان عاد إلى الاسلام فقد وقع الوطئ في نكاح
غير تام لانعقاد سبب البينونة ان لم تعلم في العدة فلم يصادف الوطئ نكاحا وهكذا لو أسلم أحد الزوجين
فوطئها الزوج قبل اسلام الآخر لم يحلها لذلك
* (مسألة) * (وان وطئها زوجها في حيض أو نفاس أو احرام أحلها وقال أصحابنا لا يحلها)
اشتراط أصحابنا أن يكون الوطئ حلالا فعلى قولهم ان وطئها في حيض أو نفاس أو احرام أو صيام
فرض من أحدهما أو منهما لم تحل، وهو قول مالك لأنه وطئ حرام لحق الله تعالى فلم يحصل به الاحلال
كوطئ المرتدة، وظاهر النص حلها وهو قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره وهذه قد نكحت زوجا غيره)
وأيضا قوله عليه السلام " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " وقد وجد ولأنه وطئ في نكاح
صحيح في محل الوطئ على سبيل التمام فأحلها كالوطئ المباح وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة أو
وطئها مريضة يضرها الوطئ وهذا أصح إن شاء الله تعالى وهو قول أبي حنيفة ومذهب الشافعي، فأما
وطئ المرتدة فقد ذكرناه وأشرنا إلى الفرق
(فصل) فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها وبذلك قال عطاء ومالك والشافعي وأصحاب الرأي
ولا نعلم لهم مخالفا لأنه دخل في عموم النص ووطؤه كوطئ الحر
498

* (مسألة) * وان طلق العبد زوجته اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره سواء عتقا أو بقيا على الرق)
وجملة ذلك أن الطلاق معتبر بالرجال فإذا كان الزوج حرا فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو
أمة وإن كان عبدا فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة فإذا طلق اثنتين حرمت عليه حتى تنكح
زوجا غيره روي ذلك عن عمر وزيد وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي
وإسحاق وابن المنذر وفيه رواية أخرى أن الطلاق بالنساء وقد ذكرنا ذلك في كتاب
الطلاق، والمختار أن الطلاق بالرجال والتفريع عليه. فعلى هذا إذا طلقها اثنتين حرمت عليه
بالطلاق تحريما لا ينحل إلا بزوج وإصابة ولم يوجد ذلك فلا يزول التحريم، هذا ظاهر المذهب
وقد روي عن أحمد أنه يحل له أن يتزوجها وتبقى عنده على واحدة وذكر حديث ابن عباس في
المملوكين إذا طلقها تطليقتين ثم عتقا فله أن يتزوجها وقال لا أرى شيئا يدفعه وغير واحد يقول به أبو
سلمة وجابر وسعيد بن المسيب رواه الإمام أحمد في المسند وأكثر الروايات عن أحمد على الأول وقال في
حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد وحديث ابن عباس يرويه عمرو بن مغيث ولا أعرفه وقال
ابن المبارك من أبو حسن هذا؟ لقد حمل صخرة عظيمة منكرا لهذا الحديث، قال أحمد أما أبو حسن
499

فهو عندي معروف ولكن لا أعرف عمرو بن مغيث، قال أبو بكر ان صح الحديث فالعمل عليه وان لم يصح
فالعمل على حديث عثمان وزيد وبه أقول وقال أحمد ولو طلق عبد زوجته الأمة تطليقتين ثم عتق واشتراها لم تحل
له ولو تزوج وهو عبد فلم يطلقها أو طلقها واحدة ثم عتق فله عليها ثلاث تطليقات أو طلقتان إن كان طلقها
واحدة لأنه في حال الطلاق حر فاعتبر حاله حينئذ كما يعتبر حال المرأة في العدة حين وجودها ولو
تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق ثم أسلما جميعا لم يملك الاطلاق العبيد اعتبارا بحاله حين الطلاق
ولو طلقها في كفره واحدة وراجعها ثم سبى واسترق لم يملك إلا طلقة واحدة ولو طلقها في كفره طلقتين
ثم استرق فأراد التزوج بها جاز وله طلقة واحدة لأن الطلقتين وقعتا غير محرمتين فلا يتغير حكمهما
بما يطرأ بعدهما كما أن الطلقتين من العبد لما وقعتا محرمتين لم يتغير ذلك بالعتق بعدهما
* (مسألة) * (وإذا غاب عن مطلقته فأتته فذكرت أنها نكحت من أصابها وانقضت عدتها
منه وكان ذلك ممكنا فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها وإلا فلا)
وجملة ذلك أن المطلقة المبتونة إذا مضى بعد طلاقها زمن يمكن فيه انقضاء عدتين بينهما
نكاح ووطئ فأخبرته بذلك وغلب على ظنه صدقها اما بأمانتها أو بخبر غيرها ممن يعرف حالها فله أن
500

يتزوجها في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والأوزاعي والثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي
وذلك لأن المرأة مؤتمنة على نفسها وعلى ما أخبرت به عنها، ولا سبيل إلى معرفة هذه الحال على الحقيقة
إلا من جهتها فيجب الرجوع إلى قولها كما لو أخبرت بانقضاء عدتها فاما ان لم يعرف ما يغلب على ظنه
صدقها لم يحل له نكاحها، وقال الشافعي له نكاحها لما ذكرنا أولا والورع أن لا ينكحها
ولنا أن الأصل التحريم ولم يوجد غلبة ظن تقل عنه فوجب البقاء عليه كما لو أخبره فاسق عنها
(فصل) إذا أخبرت أن الزوج أصابها فأنكرها فالقول قولها في حلها للأول والقول قول الزوج
في المهر ولا يلزمه إلا نصفه إذا لم يقر بالخلوة بها فإن قال الزوج الأول أنا أعلم انه ما أصابها لم يحل
له نكاحها لأنه يقر على نفسه بتحريمها فإن عاد فأكذب نفسه وقال قد علمت صدقها دين فيما بينه وبين
الله تعالى، فإذا علم حلها لم تحرم بكذبه، وهذا مذهب الشافعي ولأنه قد يعلم ما لم يكن علمه ولو
قال ما أعلم أنه أصابها لم تحرم عليه بهذا لأن المعتبر في حلها له خبر يغلب على ظنه صدقه لا حقيقة العلم
(فصل) إذا طلقها طلاقا رجعيا وغاب فقضت عدتها وأرادت التزوج فقال وكيله توقفي كيلا
يكون راجعك لم يجب عليها التوقف لأن الأصل عدم الرجعة وحل النكاح، فلا يجب الزوال عنه
بأمر مشكوك فيه ولأنه لو وجب عليها التوقف في هذه الحال لوجب عليها التوقف قبل قوله
لأن احتمال الرجعة موجود سواء قال أو لم يقل فيفضي إلى تحريم النكاح على كل رجعية غاب زوجها أبدا
501

(فصل) فإذا قالت قد تزوجت من أصابني ثم رجعت عن ذلك قبل ان يعقد عليها لم يجز العقد
لأن الخبر المبيح للعقد قد زال فزالت الإباحة وإن كان ذلك بعد العقد عليها لم يقبل لأن ذلك
ابطال للعقد الذي لزمها بقولها فلم يقبل كما لو ادعى زوجية امرأة فأقرت له بذلك ثم رجعت عن الاقرار
* (كتاب الايلاء) *
الايلاء في اللغة الحلف، يقال آلى يولى إيلاء وألية وجمع الالية ألايا. قال الشاعر
قليل الألايا حافظ ليمينه * إذا صدرت منه الالية برت
ويقال تألى يتألى وفي الخبر " من يتأل على الله يكذبه "
* (مسألة) * (وهو الحلف على ترك الوطئ في موضع الشرع والأصل فيه قول الله تعالى (للذين
يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر وكان أبي بن كعب وابن عباس يقرآن يقسمون)
* (مسألة) * (ويشترط له أربعة شروط أحدهما) الحلف على ترك الوطئ في القبل لأنه الذي يحصل
الضرر به فإن تركه بغير يمين لم يكن موليا) لأن الايلاء الحلف
502

* (مسألة) * (فإن تركه مضرا بها من غير عذر فهل تضرب له مدة الايلاء ويحكم عليه بحكمه؟ على روايتين)
أما إذا تركه لعذر من مرض أو غيبة أو نحوه لم تضرب له مدة والا ففيه روايتان (إحداهما)
تضرب له مدة أربعة أشهر فإن وطئها والا دعي بعدها إلى الوطئ فإن امتنع منه أمر بالطلاق كما يفعل
في الايلاء سواء لأنه أضر بها بترك الوطئ في مدة الايلاء فيلزم حكمه كما لو حلف ولان ما وجب
أداؤه إذا حلف على تركه وجب أداؤه إذا لم يحلف كالنفقة وسائر الواجبات، يحققه أن اليمين لا تجعل غير
الواجب واجبا إذا حلف على تركه فوجوبه معها يدل على وجوبه قبلها ولان وجوبه في الايلاء إنما
كان لدفع حاجة المرأة وإزالة الغرر عنها وضررها لا يختلف بالايلاء وعدمه فلا يختلف الوجوب، فإن
قيل فلا يبقى للايلاء أثر فلم أفردتم له بابا؟ قلنا بل له أثر فإنه يدل على قصد الاضرار فيتعلق الحكم
به وان لم يظهر منه قصد الاضرار اكتفينا بدلالته وإذا لم يوجد الايلاء احتجنا إلى دليل سواه
يدل على المضارة فيعتبر الايلاء لدلالته على المقتضى لا لعينه (والثانية) لا تضرب له مدة وهو قول أبي
حنيفة والشافعي لأنه ليس بمول فلا تضرب له مدة كما لو لم يقصد الاضرار ولان تعليق الحكم بالايلاء
يدل على انتفائه عند عدمه إذا لو ثبت هذا الحكم بدونه لم يكن له أثر وليس امتناعه باليمين أقوى
من امتناعه بقصد الضرر لأنه يمتنع بقصد الضرر وبلزومه الكفارة فلا يصح الالحاق إذا لم يحلف بما
إذا حلف لقوة المانع والله أعلم
503

* (مسألة) * (وان حلف على ترك الوطئ في الدبر أو دون الفرج لم يكن موليا)
لأنه إذا حلف على ترك الوطئ في الدبر لم يترك الوطئ الواجب عليه ولا تتضرر المرأة بتركه لأنه
وطئ محرم وقد اكد منع نفسه بيمينه وكذلك ان حلف على ترك الوطئ دون الفرج لأنه لم يحلف على
الوطئ الذي يطالب به في الفيئة ولا ضرر على المرأة في تركه
* (مسألة) * (وان حلف لا يجامعها الاجماع سواء يريد جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن موليا)
لأنه يمكنه الوطئ الواجب عليه من غير حنث وان قال أردت وطأ لا يبلغ التقاء الختانين فهو مول
لأنه لا يمكنه الوطئ الواجب عليه في الفيئة بغير حنث وكذلك ان أراد به الوطئ في الدبر أو دون الفرج
فكذلك وان لم يكن له نية فليس بمول لأنه محتمل فلا يتعين ما يكون به موليا، وان قال والله لا جامعتك
جماع سوء لم يكن موليا بحال لأنه لم يحلف على ترك الوطئ إنما حلف على ترك صفته المكروهة.
* (مسألة) * (وإذا حلف على ترك الوطئ بلفظ لا يحتمل غيره كلفظه الصريح وقوله لا أدخلت ذكري
في فرجك وللبكر خاصة لا افتضضتك لم يدين فيه)
وجملته أن الألفاظ التي يكون به موليا تنقسم ثلاثة أقسام
(أحدها) ما هو صريح في الحكم والباطن جميعا كقوله والله لا أنيكك ولا أدخل أو أغيب
504

أو أولج ذكري في فرجك ولا افتضضتك للبكر خاصة فهذه صريحة لا يدين فيها لأنها
لا تحتمل غير الايلاء.
(القسم الثاني) صريح في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهي عشرة ألفاظ لا وطئتك ولا
جامعتك ولا باضعتك ولا باعتك ولا باشرتك ولا قربتك ولا أصبتك ولا أتيتك ولا مسستك ولا اغتسلت
منك فهذه صريحة في الحكم لأنها تستعمل في العرف في الوطئ وقد ورد القرآن ببعضها فقال سبحانه
(ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن) وقال (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)
وقال (من قبل أن تمسوهن) وأما الجماع والوطئ فهما أشهر الألفاظ في الاستعمال فلو قال أردت بالوطئ
الوطئ بالقدم وبالجماع اجتماع الأجسام وبالإصابة الإصابة باليد دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم
يقبل في الحكم لأنه خلاف الظاهر والعرف وقد اختلف قول الشافعي فيما عدا الوطئ والجماع من هذه
الألفاظ فقال في موضع ليس بصريح في الحكم لأنه حقيقة في غير الجماع وقال في لا باضعتك ليس
بصريح لأنه يحتمل أن يكون انتقاء البضعتين البضعة من البدن بالبضعة منه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" فاطمة بضعة مني "
505

ولنا أنه مستعمل في الوطئ عرفا وقد ورد ببعضه القرآن والسنة فكان صريحا كلفظ الوطئ والجماع
وكونه حقيقة في غير الجماع لا يبطل بلفظ الوطئ والجماع وكذلك قوله فارقتك وسرحتك في ألفاظ
الطلاق فإنهم قالوا هي صريحة في ألفاظ الطلاق مع كونها حقيقة في غيره، وأما قوله باضعتك فهو
مشتق من البضع ولا يستعمل هذا اللفظ في غير الوطئ فهو أولى أن يكون صريحا من سائر الألفاظ لأنها
تستعمل في غيره وبه قال أبو حنيفة
(القسم الثالث) ما لا يكون موليا فيها الا بالنية وهو ما عدا هذه الألفاظ مما يحتمل الجماع كقوله
والله لا يجمع رأسي ورأسك شئ لا ساقف رأسي رأسك لأسوءنك لأغيظنك لتطولن غيبتي عنك لا مس
جلدي جلدك لا قربت فراشك لا آويت معك لا نمت عندك فهذه ان أراد بها الجماع واعترف بذلك كان
موليا والا فلا لأن هذه الألفاظ ليست ظاهرة في الجماع كظهور التي قبلها ولم يرد النص في استعمالهما
فيه الا أن هذه الألفاظ منقسمة إلى ما يفتقر إلى نية الجماع والمدة معا وهي قوله لأسوءنك
أو لأغيظنك أو لتطولن غيبتي عنك فلا يكون موليا حتى ينوي ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة
أشهر لأن غيظها يوجد بترك الجماع فيما دون ذلك وسائر الألفاظ يكون موليا بنية الجماع فقط فإن
قال والله لا أدخلت جميع ذكري في فرجك لم يكن موليا لأن الوطئ الذي تحصل به الفيئة يحصل
بدون إيلاج جميع الذكر فإن قال والله لا أولجت حشفتي في فرجك كان كان موليا لأن الفيئة لا تحصل
بدون ذلك (الشرط الثاني) أن يحلف بالله أو بصفة من صفاته، ولا خلاف بين أهل العلم في أن
الحلف بذلك إيلاء.
506

* (مسألة) * (فإن حلف بنذر أو عتق أو طلاق لم يصر موليا في الظاهر عنه وعنه يكون موليا)
إذا حلف على ترك الوطئ بغير اسم الله تعالى وصفة من صفاته مثل ان حلف بطلاق أو عتاق
أو صدقة المال أو الحج أو الظهار ففيه روايتان:
[إحداهما] لا يكون موليا وهو قول الشافعي القديم
(والرواية الثانية) هو مول، وروي عن ابن عباس أنه قال كل يمين منعت جماعها فهي إيلاء
وبذلك قال الشعبي والنخعي ومالك وأهل الحجار والثوري وأبو حنيفة وأهل العراق والشافعي وأبو
ثور وأبو عبيد وغيرهم لأنها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء كالحلب بالله تعالى ولان تعليق الطلاق
والعتاق حلف بدليل أنه لو قال متى حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال إن وطئتك فأنت طالق
طلقت في الحال، وقال أبو بكر كل يمين من حرام أو غيرها تجب بها كفارة يكون الحالف بها موليا
وأما الطلاق والعتاق فليس الحلف به إيلاء لأنه يتعلق به حق آدمي وما أوجب كفارة تعلق به
حق الله تعالى.
(والرواية الأولى) هي المشهورة لأن الايلاء المطلق إنما هو القسم ولهذا قرأ أبي وابن عباس
(يقسمون) بدل يؤلون وروي عن ابن عباس في تفسير (يؤلون) قال يحلفون بالله ذكره الإمام أحمد والتعليق
بشرط ليس بقسم ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ولا يجاب بجوابه ولا ذكره أهل العربية في باب
507

القسم فلا يكون إيلاء وإنما يمسى حلفا تجوزا لمشاركته القسم في المعنى المشهور فيه وهو الحث على
الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر والكلام عند اطلاقه لحقيقته ويدل على هذا قول الله تعالى (فإن
فاءوا فإن الله غفور رحيم) وإنما يدخل الغفران في اليمين بالله وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله ينهاكم
أن تحلفوا بآبائكم " متفق عليه وان سلمنا ان غير القسم حلف لكن الحلف باطلاقه إنما ينصرف
إلى القسم وإنما يصرف إلى غيره بدليل، ولا خلاف في أن القسم بغير الله وصفاته لا يكون إيلاء
لأنه لا يوجب كفارة ولا شيئا يمنع من الوطئ فلا يكون ايلاء كالخبر بغير قسم وإذا قلنا بالرواية لثانية
فلا يكون موليا الا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه حق كقوله ان وطئتك فعبدي حر أو فأنت
طالق أو فأنت علي كظهر أمي أو فأنت حرام أو فلله علي صوم سنة أو الحج أو صدقة فهذا يكون ايلاء
لأنه يلزمه بوطئها حق يمنعه من وطئها خوفه من وجوبه
* (مسألة) * (وان قال إن وطئتك فأنت زانية أو فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن موليا لأنه لو
وطئها لم يلزمه حق ولا بصير قاذفا بالوطئ لأن القذف لا يتعلق بالشرط ولا يجوز أن تصير زانية بوطئه
لها كما لا تصير زانية بطلوع الشمس، وأما قوله ان وطئتك فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن موليا
لأنه لو وطئها بعد مضيه لم يلزمه حق فإن صوم هذا الشهر لا يتصور بعد مضي بعضه فلا يلزم بالنذر
508

كما لو قال إن وطئتك فلله علي صوم أمس فلو قال إن وطئتك فلله علي أن أصلي عشرين رجعة كان
موليا وقال أبو حنيفة لا يكون موليا لأن الصلاة لا يتعلق بها مال ولا تتعلق بمال فلا يكون الحالف بها
موليا كما لو قال إن وطئتك فلله علي أن أمشي في السوق
ولنا أن الصلاة تجب بالنذر فكان الحالف بها موليا كالصوم والحج وما ذكره لا يصح فإن الصلاة
تحتاج إلى الماء والسترة، وأما المشي في السوق فقياس المذهب على هذه الرواية أنه يكون موليا لأنه
يلزمه بالحنث في هذا النذر أحد شيئين إما الكفارة وإما المشي فقد صار الحنث موجبا لحق عليه
فعلى هذا يكون موليا بنذر فعل المباحات والمعاصي فإن نذر المعصية موجب للكفارة في ظاهر المذهب
وان سلمنا فالفرق بينهما أن المشي لا يجب بالنذر بخلاف مسئلتنا وإذا استثنى في يمينه لم يكن موليا في
قول الجميع لأنه لا يلزمه كفارة بالحنث فلم يكن الحنث موجبا لحق عليه وهذا إذا كانت اليمين بالله
تعالى أو كانت يمينا مكفرة فأما الطلاق والعتاق فمن جعل الاستثناء فيهما غير مؤثر فوجوده كعدمه
ويكون موليا بهما سواء استثنى أو لم يستثن (الشرط الثالث) أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر
وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس ومالك والأوزاعي والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد
وقال عطاء والثوري وأصحاب الرأي إذا حلف على أربعة أشهر فما زاد كان موليا وحكى ذلك القاضي
أبو الحسين رواية عن أحمد لأنه ممتنع عن الوطئ باليمين أربعة أشهر فكان موليا كما لو حلف على
509

ما زاد وقال النخعي وقتادة وحماد وابن أبي ليلى وإسحاق من حلف على ترك الوطئ في قليل من
الأوقات أو كثير فتركها أربعة أشهر فهو مول لقول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة
أشهر) وهذا مول لأن الايلاء الحلف وهذا حالف
ولنا أنه لم يمنع نفسه من الوطئ باليمين أكثر من أربعة أشهر إذا حلف على أربعة فما دونها فلا
معنى للتربص لأن مدة الايلاء تنقضي قبل ذلك أو مع انقضائه وتقدير التربص بأربعة أشهر يقتضي
كونه في مدة تناولها الايلاء ولان المطالبة إنما تكون بعد أربعة أشهر فإذا انقضت المدة بأربعة فما
دون لم تصح المطالبة من غير ايلاء وأبو حنيفة ومن وافقه بنوا ذلك على قولهم في العنة إنها تكون
في مدة أربعة أشهر وظاهر الآية خلافه فإن الله تعالى قال (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة
أشهر فإن فاءوا) فعقب الفيئة عقيب التربص بقاء التعقيب فيدل على تأخيرها عنه إذا ثبت هذا فقد حكي
عن ابن عباس أن المؤلي من يحلف على ترك الوطئ ابدا أو مطلقا لأنه إذا حلف على ما دون ذلك
أمكنه التخلص بغير الحنث فلم يكن موليا كما لو حلف لا وطئها في مدينة بعينها
ولنا أنه لا يمكنه التخلص بعد التربص من يمينه بغير حنت فأشبه المطلقة بخلاف اليمين على مدينة
معينة فإنه يمكن التخلص بغير الحنث ولان الأربعة الأشهر مدة تتضرر المرأة بتأخير الوطئ عنها فإذا
حلف على أكثر منها كان موليا كالأبد ودليل الوصف ما روي أن عمر رضي الله عنه كان يطوف
ليلة في المدينة فسمع امرأة تقول:
510

تطاول هذا الليل وأزور جانبه * وليس إلى جنبي خليل ألاعبه
فوالله لولا الله لا رب غيره * لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفني * واكرام بعلي أن ننال مراكبه
فسأل عمر نساء كم تصبر المرأة عن الزوج؟ فقلن شهرين وفي الثالث يقل الصبر وفي الرابع ينفد
الصبر فكتب إلى أمراء الأجناد أن لا يحبسوا رجلا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر
(فصل) إذا علق الايلاء بشرط مستحيل كقوله والله لا وطئتك حتى تصعدي السماء أو تقلبي
الحجر ذهبا أو يشيب الغراب فهو مؤل لأن معنى ذلك ترك وطئها فإن ما يراد إحالة وجوده يعلق على
المستحيلات قال الله تعالى في الكفار (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) معناه
لا يدخلون الجنة أبدا. وقال بعضهم
إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب
* (مسألة) * (أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل من أربعة أشهر)
كقوله والله لا وطئك حتى ينزل عيسى بن مريم أو يخرج الدجال أو الدابة أو غير ذلك من اشراط
الساعة أو ما عشت أو حتى أموت أو تموتي أو يموت ولدك أو زيد أو حتى يقدم زيد من مكة والعادة
أنه لا يقدم في أربعة أشهر فإنه يكون موليا فإن الغالب ان ذلك لا يوجد في أربعة أشهر فأشبه ما لو قال
والله لا وطئتك في نكاحي هذا كذلك لو علق الطلاق على مرضها أو مرض بعينه، وان قال والله لا وطئتك
511

إلى قيام الساعة أو حتى آتي الهند أو نحوه فهو مؤل لأنه معلوم أنه لا يوجد ذلك في أربعة أشهر لأن قيام
الساعة له علامات تسبقه فقد علم أنه لا يوجد في المدة المذكورة
* (مسألة) * (وان قال والله لا وطئتك حتى تحبلي فهو مؤل)
لأن حبلها من غير وطئ مستحيل عادة فهو كصعود السماء، وقال القاضي وأبو الخطاب وأصحاب الشافعي
ليس بمؤل إلا أن تكون صغيرة يغلب على الظن انها لا تحمل في أربعة أشهر أو تكون آيسة فاما ان كانت
من ذوات الأقراء لم يكن مؤليا لأن حملها ممكن
ولنا أن الحمل بدون الوطئ مستحيل عادة فكان تعليق اليمين عليه إيلاء كصعود السما، ودليل
استحالته قول مريم (أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا؟) ولولا استحالته لما نسبت نفسها
إلى البغاء لوجود الولد وأيضا قول عمر رضي الله عنه: الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت
به البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ولان العادة أن الحبل لا يوجد من غير الوطئ فإن قالوا يمكن
حبلها من وط غيره أو باستدخال منيه قلنا أما الأول فلا فإنه لو صرح به فقال لا وطئتك حتى تحبلي
من غيري أو ما دمت في نكاحي أو حتى نزني كان مؤليا ولو صح ما ذكروه لم يكن مؤليا
وأما الثاني فهو من المستحيلات عادة ان وجد كان من خوارق العادات بدليل ما ذكرناه، وقد
قال أهل الطب ان المني إذا يرد لم يخلق منه ولد وصحح قولهم قيام الأدلة التي ذكرنا بعضها وجريان
العادة على وفق ما قالوه وإذا كل تعليقه على موتها أو موته ايلاء فتعليقه على حبلها من غير وطئ أولى فإن قال أردت
بقولي حتى تحبلي السببية ولم أرد الغاية ومعناه لا أطؤك لتحبلي قبل منه ولم يكن مؤليا لأنه ليس بحالف على ترك
الوطئ وإنما حلف على ترك قصد الحبل به فإن حتى تستعمل بمعنى السببية
512

* (مسألة) * (وان قال والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي لجماعك لم يكن موليا حتى ينوي
أكثر من أربعة أشهر)
لأن ذلك بقع على القليل والكثير فلا يصير موليا به فإن نوى أكثر من أربعة أشهر صار موليا
* (مسألة) * (وان حلف على ترك الوطئ حتى يقدم زيد أو نحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة
أشهر أو لا وطئتك في هذه البلدة لم يكن موليا)
لأنه لا يعلم قدره فهذا ليس بايلاء لكونه لا يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ولأنه يمكنه وطؤها في
غير البلدة المحلوف عليها وهذا قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وقال ابن أبي ليلى
وإسحاق هو مول لأنه حالف على ترك وطئها
ولنا أنه يمكن وطؤها بغير حنث فلم يكن موليا كما لو استثنى في يمينه، فإن علقه على ما يعلم أنه
يوجد في أقل من أربعة أشهر أو يظن ذلك كذبول يقل وجفاف ثوب ونزول المطر في أوانه وقدوم
الحاج في زمانه فهذا لا يكون موليا لما ذكرناه، ولأنه لم يقصد الاضرار بترك وطئها أكثر من أربعة
أشهر أشبه ما لو قال والله لا وطئتك شهرا
(فصل) فإن علقه على فعل منها هي قادرة عليه أو فعل من غيرها فهو منقسم ثلاثة أقسام
513

(أحدها) أن يعلقه على فعل مباح لا مشقة فيه كقوله والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار أو
تلبسي هذا الثوب أو حتى أتنفل بصوم يوم أو حتى أكسوك، فهذا ليس بايلاء لأنه ممكن الوجود
بغير ضرر عليه فيه
(الثاني) أن يعلقه على محرم كقوله والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر أو تزني أو تسقطي ولدك أو تتركي
صلاة الفرض أو حتى أقتل زيدا ونحوه فهذا إيلاء لأنه علقه على ممتنع شرعا فأشبه الممتنع حسا
(الثالث) أن يعلقه على ما على فاعله فيه مضرة كقوله والله لا أطؤك حتى تسقطي صداقك
أو جنينك أو حتى تكفلي ولدي أو حتى تهبيني دارك أو حتى يبيعني أبوك داره أو نحو ذلك
فهذا ايلاء لأن أخذه لمالها أو مال غيرها عن غير رضى صاحبه محرم فجرى مجرى شرب الخمر فإن قال
والله لا أطؤك حتى أعطيك مالا أو أفعل في حقك جميلا لم يكن ايلاء لأن فعله ذلك ليس بمحرم ولا ممتنع
فجرى مجرى قوله حتى أصوم يوما.
(فصل) فإن قال والله لا وطئتك الا برضاك لم يكن موليا لامكان وطئها بغير حنث ولأنه محسن في
كونه ألزم نفسه اجتناب سخطها، وعلى قياس ذلك كل حال يمكنه الوطئ فيها بغير حنث كقوله والله
لا وطئتك مكرهة أو محزونة ونحو ذلك فإن قال والله لا وطئتك مريضة لم يكن موليا الا أن يكون بها
مرض لا يرجى برؤه أو لا يزول في أربعة أشهر فينبغي أن يكون موليا لأنه حالف على ترك وطئها أربعة أشهر
514

فإن قال ذلك لها وهي صحيحة فمرضت مرضا يمكن برؤه قبل أربعة أشهر لم يصر موليا وان لم يرج
برؤه فيها صار موليا، وكذلك إن كان الغالب أنه لا يزول في أربعة أشهر لأن ذلك بمنزلة ما لا يرجى
زواله وان قال والله لا وطئتك حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة فرضا لم يكن موليا لأن ذلك ممنوع منه شرعا
فقد آكد منع نفسه بيمينه، وان قال والله لا وطئتك طاهرا أولا وطئتك وطأ مباحا صار موليا لأنه حالف على
ترك الوطئ الذي يطالب به في الفيئة فكان موليا كما لو قال والله لا وطئتك في قبلك وان قال والله
لا وطئتك ليلا أو والله لا وطئك نهارا لم يكن موليا لأن الوطئ ممكن بدون الحنث
* (مسألة) * (وان قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك وان دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يكن
موليا في الحال لأنه لا يلزمه بالوطئ حق لكن ان وطئها أو دخلت الدار صار موليا)
لأنها تبقى يمينا تمنع الوطئ على التأييد وهذا الصحيح عن الشافعي ويحتمل أن يكون موليا،
وحكي عنه قول قديم أنه يكون موليا من الأول لأنه لا يمكنه الوطئ الا أن يصير موليا فيلحقه بالوطئ
ضرر ولأنه علقه على شئ إذا وجد صار موليا فيصير موليا في الحال كذلك ههنا
ولنا أن يمينه معلقة على شرط ففيما قبله ليس بحالف فلا يكون موليا ولأنه يمكنه الوطئ من غير
حنث فلم يكن موليا كما لو لم يقل شيئا
515

* (مسألة) * (وان قال والله لا وطئك في السنة الا مرة لم يصر موليا في الحال)
لأنه يمكنه الوطئ بغير حنث فلم يكن ممنوعا من الوطئ بحكم يمينه فإن وطئها وقد بقي من السنة
أكثر من أربعة أشهر صار موليا وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي وظاهر مذهب الشافعي وقال
الشافعي في القديم يكون موليا في الحال لأنه لا يمكنه الوطئ الا بأن يصير موليا فيلحقه بالوطئ ضرر
ولنا أن يمينه معلقة بالإصابة فقبلها لا يكون حالفا لأنه لا يلزمه بالوطئ شئ وكونه يصير موليا
لا يلزمه به شئ إنما يلزمه بالحنث، وقوله لا يمكنه الوطئ الا بأن يصير موليا ممنوع فيما إذا لم يطأ إلا
وقد بقي من السنة أربعة أشهر فما دون
* (مسألة) * (وان قال والله لا وطئتك في السنة إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين)
وهو قول أبي حنيفة لأن اليوم منكر فلم يختص يوما دون يوم وكذلك لو قال صمت رمضان
إلا يوما لم يختص اليوم الآخر، وكذلك لو قال لا أكلمك في السنة إلا يوما لم يختص يوما منها،
وفيه وجه آخر أنه يصير موليا في الحال لأن اليوم المستثنى يكون من آخر المدة كالتأجيل، ومدة
الخبار بخلاف قوله لا وطئتك في السنة إلا مرة فإن المرة لا تختص وقتا بعينه، ومن نصر الأول فرق
بين هذا وبين التأجيل ومدة الخيار من حيث أن التأجيل ومدة الخيار تجب الموالاة فيهما ولا
يجوز أن يتخلاهما يوم لا أجل فيه ولا خيار لو جازت له المطالبة لزم قضاء الدين فيسقط التأجيل
516

بالكلية ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز فتعين جعل اليوم المستثني من آخر المدة
بخلاف ما نحن فيه فإن جواز الوطئ في يوم من أول السنة أو أوسطها لا يمنع حكم اليمين فيما بقي منها
فصار كقوله لا وطئتك في السنة إلا مرة
(فصل) فإن قال والله لا وطئك عاما ثم قال والله لا وطئتك عاما فهو إيلاء واحد حلف عليه
بيمينين الا أن ينوي عاما آخر سواه، فإن قال والله لا وطئتك عاما ثم قال والله لا وطئتك نصف عام
أو قال والله لا وطئتك نصف عام ثم قال والله لا وطئتك عاما دخلت المدة القصيرة في الطويلة لأنها
بعضها ولم يجعل إحداهما بعد الأخرى فأشبه ما لو أقر بدرهم لرجل ثم أقر له بنصف درهم أو أقر بنصف
درهم ثم بدرهم فيكون إيلاء واحدا لهما وقت واحد وكفارة واحدة، وان نوى بإحدى المدتين غير
الأخرى في هذه أو في التي قبلها أو قال والله لا وطئتك عاما فإذا مضى فوالله لا وطئتك عاما فهما إيلاءان
في زمانين لا يدخل حكم أحدهما في الآخر، أحدهما منجز والآخر متأخر فإذا مضى حكم أحدهما بقي
حكم الآخر لأنه أفرد كل واحد منهما بزمن غير زمن صاحبه فيكون له حكم ينفرد به، فإن قال في المحرم والله
لا وطئتك هذا العام ثم قال في رجب والله لا وطئتك عاما فهما إيلاءان في مدتين بعض إحداهما داخل في
الأخرى فإن فاء في رجب أو فيما بعده من بقية العام الأول حنث في اليمينين ويجزئه كفارة واحدة وينقطع حكم
الايلاءين وان فاء قبل رجب أو بعد العام الأول حنث في إحدى اليمينين دون الأخرى، وان فاء في
الموضعين حنث في اليمينين وعليه كفارتان
517

(فصل) فإن حلف على وطئ امرأته عاما ثم كفر يمينه انحل الايلاء قال الأثرم قيل لأبي عبد الله المولي
يكفر يمينه قبل مضي أربعة أشهر قال يذهب عنه الايلاء ويوقف بعد الأربعة وذهب الايلاء حين ذهبت
اليمين وذلك لأنه لم يبق ممنوعا من الوطئ بيمينه فأشبه من حلف واستثنى، فإن كان تكفيره قبل مضي الأربعة
الأشهر انحل الايلاء حين التكفير وصار كالحالف على ترك الوطئ أقل من أربعة أشهر وان كفر بعد الأربعة
وقبل الوقف صار كالحالف على أكثر منها إذا مضت يمينه قبل وقفه
* (مسألة) * (فإن قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر أو فإذا
مضت فلا وطئتك شهرين أو لا وطئتك فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر ففيه وجهان
(أحدهما) ليس بمول لأنه حالف بكل يمين على مدة ناقصة عن مدة الايلاء فلم يكن موليا كما
لو لم ينو الا مدتهما ولأنه يمكنه الوطئ بالنسبة إلى كل يمين عقيب مدتها من غير حنث فيها فأشبه ما لو
اقتصر عليها، ويحتمل أن يصير موليا لأنه منع نفسه من الوطئ بيمينه أكثر من أربعة أشهر متوالية
فكان موليا كما لو منعها بيمين واحدة، ولأنه لا يمكن الوطئ بعد المدة الا بحنث في يمينه فأشبه ما لو
حلف على ذلك بيمين واحدة، ولو لم يكن هذا إيلاء أفضى إلى أن يمتنع من الوطئ طول دهره باليمين
وفلا يكون موليا وهكذا الحكم في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعها على أربعة أشهر لما ذكرنا من التعليلين
هذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى
518

* (مسألة) * (وان قال والله لا وطئتك ان شئت فشاءت صار موليا)
وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه يصير ممتنعا من الوطئ حيث تشاء الا أن أصحاب
الشافعي قالوا إن شات على الفور جوابا لكلامه صار موليا وان أخرت المشيئة انحلت يمينه لأن ذلك
تخيير لها فكان على الفور كقوله اختاري في الطلاق
ولنا أنه علق اليمين على المشيئة بحرف ان فكان على التراخي كمشيئة غيرها، فإن قيل فهلا قلتم
لا يكون موليا فإنه علق ذلك بإرادتها فأشبه ما لو قال لا وطئتك الا برضاك؟ قلنا الفرق بينهما انها إذا
شات انعقدت يمينه مانعة من وطئها بحيث لا يمكنه الوطئ بعد ذلك بغير حنث، وإذا قال والله
لا وطئتك الا برضاك فما حلف الا على ترك وطئها في بعض الأحوال وهو حال سخطها فيمكنه الوطئ في حال
رضاها بغير حنث وإذا طالبته بالفيئة فهو برضاها، وان قال والله لا وطئتك الا أن يشاء أبوك أو فلان لم يكن
موليا لأنه عقله بفعل منه يمكن وجوده في الأربعة الأشهر امكانا غير بعيد وليس بمحرم ولا فيه مضرة
أشبه ما لو قال والله لا وطئتك الا أن تدخلي الدار
* (مسألة) * (وان قال الا أن تشائي أو الا باختيارك أو الا أن تختاري لم يصير موليا وصار
كقوله الا برضاك أو حتى تشائي)
وقال أبو الخطاب ان شاءت في المجلس لم يصر موليا والا صار موليا وقال أصحاب الشافعي ان شاءت
519

على الفور عقيب كلامه لم يصر موليا والا صار موليا لأن المشيئة عندهم على الفور وقد فأنت بتراخيها، وقال
القاضي تنعقد يمينه فإن شاءت انحلت والا فهي منعقدة
ولنا أنه منع نفسه بيمينه من وطئها الا عند ارادتها فأشبه ما لو قال الا برضاك أو حتى تشائي ولأنه
علقه على وجود المشيئة أشبه ما لو علقه على مشيئة غيرها، فأما قول القاضي فإن أراد وجود المشيئة على الفور
فهو كقولهم، وان أراد وجود المشيئة على التراخي تنحل به اليمين لم يكن ذلك ايلاء لأن تعليق اليمين على
فعل يمكن وجوده في مدة أربعة أشهر امكانا غير بعيد ليس بايلاء
* (مسألة) * (وان قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن صار موليا منهن الا أن يريد واحدة بعينها
وان أراد واحدة مبهمة فقال أبو بكر تخرج بالقرعة)
وجملة ذلك أن الرجل إذا قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن وأطلق كان موليا من جميعهن
في الحال لأنه لا يمكنه وطئ واحدة منهن الا بالحنث، فإن طلق واحدة منهن أو ماتت كان موليا من
البواقي فإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات لأنها يمين واحدة
فإذا حنث فيها مرة لم يحنث مرة ثانية ولا يبقى حكم اليمين بعد حنثه فيما بخلاف ما إذا طلق واحدة
أو ماتت فإنه لم يحنث ثم فيبقى حكم يمينه في الباقيات منهن وهذا مذهب الشافعي، وذكر القاضي أنه
إذا أطلق كان الايلاء في واحدة غير معينة وهو اختيار بعض أصحاب الشافعي لأن لفظه تناول
واحدة منكرة فلا يقتضي العموم
520

ولنا أن النكرة في سياق النفي تعم كقوله (لم يتخذ صاحبة ولا ولدا) وقوله (ولم يكن له كفوا
أحد) ولو قال انسان والله لا شربت ماء من إدواة حنث بالشرب من أي إدواة كانت فيجب حمل
اللفظ عند الاطلاق على مقتضاه في العموم فإن قال نويت واحدة بعينها تعلقت يمينه بها وحدها وصار
موليا منها دون غيرها لأن اللفظ يحتمله احتمالا غير بعيد، وان قال نويت واحدة مبهمة قبل منه لذلك،
وهذا مذهب الشافعي ولا يصير موليا منهن في الحال فإذا وطئ ثلاثا كان موليا من الرابعة، وقال أبو
بكر تخرج بالقرعة كما لو طلق واحدة من نسائه لا بعينها ومذهب الشافعي فيما إذا أبهم المحلوف عليها
فله أن يعينها بقوله وأصل هذا مذكور فيما إذا طلق واحدة بعينها
* (مسألة) * (وان قال والله لا وطئت كل واحدة منكن كان موليا من جميعهن في الحال ولا يقبل
فوله نويت واحدة منهن معينة ولا مبهمة لأن لفظة كل أزالت احتمال الخصوص وتنحل يمينه بوطئ
واحدة كالمسألة التي قبلها)
وقال القاضي وبعض أصحاب الشافعي لا تنحل في الباقيات لأنه صرح يمنع نفسه من كل واحدة
فأشبه ما لو حلف على كل واحدة يمينا
ولنا أنها يمين واحدة حنث فيها فسقط حكمها كما لو حلف على واحدة ولان اليمين الواحدة إذا
حنث فيها مرة لم يمكن الحنث فيها مرة أخرى فلم يبق ممتنعا من وطئ الباقيات بحكم اليمين فلم يبق الايلاء
كسائر الايمان التي حنث فيها
521

* (مسألة) * (وان قال والله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين)
وهذا ينبني على أصل وهو الحنث بفعل بعض المحلوف عليه أولا؟ فإن قلنا يحنث فهو مؤل منهن
كلهن في الحال لأنه لا يمكنه وطئ واحدة بغير حنث فصار مانعا لنفسه من وطئ كل واحدة منهن في الحال
فإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وزال الايلاء من البواقي وان طلق بعضهن أو ماتت لم ينحل
الايلاء في البواقي وإن قلنا لا يحنث بفعل البعض لم يكن موليا منهن في الحال لأنه يمكنه وطئ واحدة
منهن من غير حنث فلم يمنع نفسه بيمينه من وطئها فلم يكن موليا منها فإن وطئ ثلاثا صار موليا من الرابعة
لأنه لا يمكنه وطؤها من غير حنث في يمينه وان ماتت بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال الايلاء لأنه لا يحنث
إلا بوطئ الأربع فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه وذكر القاضي أنا إذا قلنا يحنث بفعل
البعض فوطئ واحدة يحنث ولم ينحل الايلاء في البواقي لأن الايلاء من امرأة لا ينحل بوطئ غيرها
522

ولنا أنها يمين واحدة حنث فيها فوجب أن تنحل كسائر الايمان ولأنه إذا وطئ واحدة حنث
ولزمته الكفارة فلا يلزمه بوطئ الباقيات شئ فلم يبق ممتنعا من وطئهن بحكم يمينه فانحل الايلاء كما
لو كفرها، واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهما لا يكون موليا منهن حتى يطأ ثلاثا فيصير موليا
من الرابعة وحكى المزني عن الشافعي أنه يكون موليا منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن فإذا أصاب
بعضهن خرجت من حكم الايلاء ويوقف لمن بقي حتى يفئ أو يطلق ولا يحنث حتى يطأ الأربع، وقال
أصحاب الرأي يكون موليا منهن كلهن فإن تركهن أربعة أشهر بن منه جميعا بالايلاء وان وطئ بعضهن
سقط الايلاء في حقها ولا يحنث إلا بوطئهن جميعا.
ولنا أن من لا يحنث بوطئها لا يكون موليا منها كالتي لم يحلف عليها
(فصل) وفي هذه المواضع التي قلنا يكون موليا منهن كلهن إذا طالبن كلهن بالفيئة وقف لهن
كلهن وان طالبن في أوقات مختلفة ففيه روايتان
523

[إحداهما] يوقف للجميع وقت مطالبة أولاهن، قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد (والثانية)
يوقف لكل واحدة منهن عند مطالبتها اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي وإذا وقف للأولى فطلقها
وقف للثانية فإن طلقها وقف للثالثة فإن طلقها وقف للرابعة وكذلك من مات منهن لم يمنع من وقفه
للأخرى لأن يمينه لم تنحل وإيلاؤه باق لعدم حنثه فيهن فإن وطئ إحداهن حين وقف لها أو قبلها
انحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات على ما قلناه وعلى قول القاضي ومن وافقه يوقف للباقيات
كما لو طلق التي وقف لها.
(فصل) فإن قال كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها طوالق فإن قلنا ليس هذا بايلاء فلا كلام
وان قلنا هو إيلاء فهو مول منهن كلهن لأنه لا يمكنه وطئ واحدة منهن إلا بطلاق ضرائرها فيوقف
لهن فإن فاء إلى واحدة طلق ضرائرها فإن كان الطلاق بائنا انحل الايلاء لأنه لم يبق ممنوعا من وطئها
بحكم يمينه فإن كان رجعيا فراجعهن بقي حكم الايلاء في حقهن لأنه لا يمكنه وطئ واحدة إلا بطلاق
524

ضرائرها وكذلك ان راجع بعضهن كذلك إلا أن المدة تستأنف من حين الرجعة ولو كان الطلاق تاما
فعاد فتزوجهن أو تزوج بعضهن عاد حكم الايلاء واستؤنفت المدة من حين النكاح وسواء تزوجها
في العدة أو بعدها أو بعد زوج آخر وإصابة لما سنذكره بعد إن شاء الله تعالى وان قال نويت واحدة
بعينها قبل منه وتعلقت يمينه بها فإذا وطئها طلق ضرائرها وان وطئ غيرها لم يطلق منهن شئ ويكون
موليا من المعينة دون غيرها لأنها التي يلزمه بوطئها الطلاق دون غيرها
* (مسألة) * (وان آلى من واحدة وقال للأخرى شركتك معها لم يصر موليا من الثانية لأن
اليمين بالله لا تصح الا بلفظ صريح من اسم أو صفة والتشريك بينهما كناية فلم تصح به اليمين، وقال
القاضي يكون موليا منهما كما لو طلق واحدة، وقال للأخرى شركتك معها ينوي به الطلاق والفرق
بينهما أن الطلاق ينعقد بالكناية ولا كذلك اليمين وان قال إن وطئتك فأنت طالق ثم قال للأخرى
شركتك معها ونوى فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها أيضا لأن الطلاق يصح بالكناية وان
525

قلنا إن ذلك ايلاء في الأولى صار ايلاء في الثانية لأنها صارت في معناها والا فليس بايلاء في واحدة
منهما وكذلك لو آلى رجل من زوجته فقال آخر لامرأته أنت مثل فلانة لم يكن موليا، وقال أصحاب
الرأي هو مول.
ولنا أنه ليس بصريح في القسم فلا يكون موليا به كما لو لم يشبهها بها
ويصح الايلاء بكل لغة كالعجمية وغيرها ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها لأن اليمين تنعقد
بغير العربية وتجب بها الكفارة والمولي هو الحالف بالله أو بصفته على ترك وطئ زوجته الممتنع من
ذلك بيمينه فإن آلى بالعجمية من لا يحسنها وهو لا يدري معناها لم يكن موليا وان نوى موجبها عند
أهلها وكذلك الحكم إذا آلى بالعربية من لا يحسنها لأنه لا يصح منه قصد الايلاء بلفظ لا يدري
معناه فإن اختلف الزوجان في معرفته بذلك فالقول قوله إذا كان متكلما بغير لسانه لأن الأصل عدم
526

معرفته بها فأما ان آلى العربي بالعربية ثم قال جرى على لساني من غير قصد أو قال ذلك العجمي
في ايلائه بالعجمية لم يقبل قوله في الحكم لأنه خلاف الظاهر
(فصل) ولا يصح الايلاء الا من زوجته لقول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص
أربعة أشهر) وان حلف على ترك وطئ أمته لم يكن موليا إذا بقي من مدة يمينه أكثر من أربعة أشهر
لأنه ممتنع من وطئ امرأته بتحكم يمينه مدة الايلاء فكان موليا كما لو حلف في الزوجية وحكي عن
أصحاب الرأي أنه من مرت به امرأة فحلف أن لا يقربها ثم تزوجها لم يكن موليا وان قال تزوجت
فلانة فوالله لا قربتها صار موليا لأنه أضاف اليمين إلى حال الزوجية فأشبه ما لو حلف بعد تزوجها
ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) وليست هذه من نسائه ولان الايلاء حكم من أحكام
النكاح فلم يتقدمه كالطلاق والقسم ولان المدة تضرب له لقصده الاضرار بها بيمينه فإذا كانت اليمين
527

قبل النكاح لم يكن قاصدا للاضرار فأشبه الممتنع بغير يمين، قال الشريف أبو جعفر وقد قال أحمد
يصح الظهار قبل النكاح والمنصوص عدم الصحة لما ذكرنا
(فصل) فإن آلى من الرجعية صح إيلاؤه، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذكر ابن
حامد فيه رواية أخرى أنه لا يصح ايلاؤه لأن الطلاق يقطع مدة الايلاء إذا طرأ فلان يمنع
صحته ابتداء أولى.
ولنا أنها زوجة يلحقها طلاقه فصح ايلاؤه منها كغير المطلقة وإذا آلى منها احتسب بالمدة من حين آلى
وان كانت في العدة ذكره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة ويجئ على قول الخرقي أن لا يحتسب عليه بالمدة
الا من حين راجعها لأن الرجعة في ظاهر كلامه محرمة وهو مذهب الشافعي لأنها معتدة أشبهت البائن ولان
الطلاق إذا طرأ قطع المدة ثم لا يحتسب عليه بشئ من المدة قبل رجعتها فأولى أن لا يستأنف المدة في العدة
ووجه الأول أنه من صح إيلاؤه احتسب عليه بالمدة من حين إيلائه كما لو لم تكن مطلقة، ولأنها
528

مباحة واحتسب عليه بالمدة فيها كما لو لم يطلقها، وفارق البائن فإنها ليست زوجة، ولا يصح الايلاء
منها بحال فهي كسائر الأجنبيات
(فصل) ويصح الايلاء من كل زوجة مسلمة كانت أو ذمية حرة أو أمة لعموم قوله سبحانه (للذين
يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ولان كل واحدة منهن زوجة فصح الايلاء منها كالحرة المسلمة،
ويصح الايلاء قبل الدخول وبعده، وبهذا قال النخعي ومالك والأوزاعي والشافعي، وقال عطاء
والزهري والثوري إنما الايلاء بعد الدخول
ولنا عموم الآية والمعنى ولأنه ممتنع من جماع زوجته بيمينه فأشبه ما بعد الدخول ويصح الايلاء
من الصغيرة والمجنونة إلا أنه لا يطالب بالفيئة في حال الصغر والجنون لأنهما ليستا من أهل المطالبة.
فأما الرتقاء والقرناء فلا يصح الايلاء منهما لأن الوطئ متعذر دائما فلم تنعقد اليمين على تركه كما لو حلف
529

لا يصعد السماء ويحتمل أن يصح وتضرب له المدة لأن المنع بسبب من جهتها فهي كالمريضة، فعلى هذا
يفئ فيئة المعذور لأن الفيئة بالوطئ في حقها متعذرة فلا يمكن المطالبة به فأشبه المجبوب
* (فصل) * (الشرط الرابع أن يكون من زوج يمكنه الوطئ وتلزمه الكفارة بالحنث مسلما كان أو
كافرا حرا أو عبدا سليما أو خصيا أو مريضا يرجى برؤه)
وجملة ذلك أنه يشترط أن يكون الايلاء من زوج لقول الله سبحانه (للذين يؤلون من نسائهم)
ويشترط أن يكون مكلفا فأما الصبي والمجنون فلا يصح إيلاؤهما لأن القلم مرفوع عنهما
* (مسألة) * (ويصح إيلاء الذمي ويلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضوا إلينا)
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وان أسلم لم ينقطع حكم إيلائه، وقال مالك ان أسلم سقط
حكم يمينه وقال أبو يوسف ومحمد إن حلف بالله لم يكن موليا لأنه لا يحنث إذا جامع لكونه غير مكلف وان
كانت يمينه بطلاق أو عتاق فهو مول لأنه يصح عتقه وطلاقه
ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ولأنه مانع نفسه باليمين من
530

جماعها فكان موليا كالمسلم ولان من صح طلاقه صح إيلاؤه ومن صحت يمينه عند الحاكم صح إيلاؤه
كالمسلم فأما العاجز عن الوطئ فإن كان لعارض مرجو الزوال كالمرض والحبس صح إيلاؤه لأنه يقدر
على الوطئ فصح منه للامتناع منه وإن كان غير مرجو الزوال كالجب والشلل لم يصح إيلاؤه لأنها يمين
على ترك مستحيل فلم تنعقد كما لو حلف لا يقلب الحجارة ذهبا ولان الايلاء اليمين المانعة من الوطئ
وهذا لا يمنعه بيمينه فإنه متعذر منه ولا يضر المرأة بيمينه
قال أبو الخطاب ويحتمل أن يصح الايلاء منه قياسا على العاجز بمرض أو حبس، وفيئته لو قدرت
لجامعتك لأنه معذور فيفئ بلسانه كالعاجز بعذر يزول، وللشافعي في ذلك قولان والأول أولى لما ذكرنا
فأما الخصي الذي سلت بيضتاه أو رضت فيمكنه الوطئ وينزل ماء رقيقا فيصح إيلاؤه وكذلك المجبوب
الذي بقي من ذكره ما يمكن الجماع به
* (مسألة) * (ولا يصح إيلاء الصبي والمجنون)
لأن القلم مرفوع عنهما ولأنه قول يجب بمخالفته كفارة أو حق فلم ينعقد منهما كالنذر
531

* (مسألة) * (وفي إيلاء السكران وجهان) بناء على طلاقه
(فصل) ولا يشترط في صحة الايلاء الغضب ولا قصد الاضرار روي ذلك عن ابن مسعود،
وبه قال الثوري والشافعي وأهل العراق وابن المنذر
وروي عن علي رضي الله عنه ليس في إصلاح إيلاء، وعن ابن عباس قال: إنما الايلاء في الغضب
ونحوه عن الحسن والنخعي وقتادة، وقال مالك والأوزاعي وأبو عبيد من حلف لا يطأ زوجته حتى
تفطم ولده لا يكون إيلاء إذا أراد الصلاح لولده
ولنا عموم الآية ولأنه مانع لنفسه من جماعها بيمينه فكان موليا كحال الغضب، يحققه أن حكم
الايلاء ثبت لحق الزوجة فيجب أن يثبت سواء قصد الاضرار أو لم يقصد كاستيفاء ديونها واتلاف
مالها ولان الطلاق والظهار وسائر الايمان سواء في الغضب والرضاء فكذلك في الايلاء، وأما إذا
حلف أن لا يطأها حتى تفطم ولده فإذا أراد وقت الفطام وكانت مدته تزيد على أربعة أشهر فهو مول
532

وإن أراد فعل الفطام لم يكن موليا لأنه ممكن قبل أربعة أشهر وليس بمحرم ولا فيه تفويت حق لها
فلم يكن موليا كما لو حلف أن لا يطأها حتى تدخل الدار
* (مسألة) * (ومدة الايلاء في الأحرار والرقيق سواء، وعنه أنها في العبد على النصف)
يصح إيلاء العبد كما يصح من الحر قياسا عليه ولدخوله في عموم الآية ولا تختلف مدته فلا فرق
بين الحرة والمسلمة والذمية والأمة والصغيرة والكبيرة في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وابن
المنذر. وعن أحمد رواية أخرى أن مدة الايلاء للعبد شهران وهو اختيار أبي بكر وقول عطاء والزهري
ومالك وإسحاق لأنهم علي النصف في الطلاق وعدد المنكوحات فكذلك في الايلاء. وقال الحسن
والشعبي إيلاؤه من الأمة شهران ومن الحرة أربعة وقال أبو حنيفة إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة
لأن ذلك تتعلق به البينونة فاختلف بالرق والحرية كالطلاق ولأنها مدة ثبت ابتداؤها بقول الزوج
فوجب أن تختلف برق الأمة وحريتها كمدة العنة
ولنا عموم الآية ولأنها مدة ضربت للوطئ فاستوى فيها الرق والحرية، ولا نسلم أن البينونة تتعلق بها
533

ثم يبطل ذلك بمدة العنة ويخالف مدة العدة لأن العدة مبنية على الكمال بدليل أن الاستبراء يحصل
بقرء واحد، وأما مدة الايلاء فإن الاستمتاع بالحرة أكثر وكان ينبغي أن تقدم مطالبتها مطالبة الأمة
والحق على الحر في الاستمتاع أكثر منه على العبد ولا تجوز الزيادة عليه في مطالبة العبد عليه
* (مسألة) * (ولا حق لسيد الأمة في طلب الفيئة والعفو عنها وإنما ذلك إليها)
وجملة ذلك أن الحرة والأمة سواء في استحقاق المطالبة سواء عفا السيد عن ذلك أو لم يعف
لأن الحق لها لأن الاستمتاع يحصل لها فإن تركت المطالبة لم يكن لمولاها الطلب، ولأنه لا حق له، فإن
قيل حقه في الولد ولهذا لم يجز العزل عنها إلا باذنه، قلنا لا يستحق على الزوج استيلاد المرأة ولذلك
لو حلف ليعزلن عنها أو لا يستولدها لم يكن موليا ولو أن المولي وطئ بحيث يوجب التقاء الختانين
وجبت الفيئة وزالت عنه المطالبة وإن لم ينزل وإنما استؤذن السيد في العزل لأنه يضر بالأمة فربما
نقص قيمتها ولنا في وجوب استئذانه منع
534

* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا صح الايلاء ضربت له مدة أربعة أشهر)
وجملة ذلك أن المولي يتربص أربعة أشهر كما أمر الله تعالى ولا يطالب بالوطئ فيهن فإذا مضت
أربعة أشهر ورافعته امرأته إلى الحاكم أمره بالفيئة فإن أبى أمره بالطلاق ولا تطلق زوجته بمضي المدة
قال أحمد في الايلاء يوقف عن الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر ما يدل على ذلك وعن
عثمان وعلي وجعل يثبت حديث علي وبه قال ابن عمر وعائشة وروي ذلك عن أبي الدرداء وقال سليمان
ابن يسار كان تسعة عشر رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوقفون في الايلاء وقال سهيل بن أبي صالح سألت
اثنى عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلهم يقول ليس عليه شئ حتى يمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء
وإلا طلق وبه قال سعيد بن المسيب وعروة ومجاهد وطاوس ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد
وأبو ثور وابن المنذر
وقال ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء ومسروق والحسن وقبيصة والنخعي
535

والأوزاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة. وروي ذلك
أيضا عن علي وعثمان وزيد وابن عمر وروي عن أبي بكر بن عبد الرحمن ومكحول والزهري تطليقة
رجعية. ويحكى عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (فإن فاءوا فيهن فإن الله غفور رحيم) ولأن هذه مدة
ضربت لاستدعاء الفعل منه فكان ذلك في المدة كمدة العنة
ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) لذكره الفيئة بعدها بالفاء المقتضية
للتعقيب ثم قال (وان عزموا الطلاق فإن الله سميع) ولو وقع بمضي المدة لم يحتج إلى عزم عليه وقوله
سميع عليم يقتضى ان الطلاق مسموع ولا يكون المسموع الا كلاما ولأنها مدة ضربت له تأجيلا فلم يستحق
المطالبة فيها كسائر الآجال ولأن هذه مدة لم يتقدمها ايقاع فلم يتقدمها وقوع كمدة العنة ومدة العنة
حجة لنا فإن الطلاق لا يقع بمضيها ولان مدة العنة ضربت له ليختبر فيها ويعرف عجزه عن الوطئ
بتركه في مدتها وهذه ضربت تأخيرا لها وتأجيلا فلا تستحق المطالبة الا بمضي الاجل كالدين
536

(فصل) وابتداء المدة من حين اليمين ولا تفتقر إلى ضرب مدة لأنها ثبتت بالنص والاجماع فلا
تفتقر إلى ضرب كمدة العدة ولا يطالب بالوطئ فيها لما ذكرنا
* (مسألة) * (فإن كان بالرجل عذر يمنع الوطئ احتسبت عليه بمدة وإن كان ذلك نهاية لم يحتسب
عليه وإن طرأ بها استؤنفت المدة عند زواله)
يعنى إذا انقضت المدة وكان بالرجل عذر يمنع الوطئ كحبسه واحرامه حسبت عليه المدة من
حين إيلائه لأن المانع من جهته وقد وجد التمكين الذي عليها ولذلك لو أمكنته من نفسها وكان ممتنعا
لعذر وجبت لها النفقة وان طرأ شي من هذه الاعذار بعد الايلاء أو جن لم تنقطع المدة للمعنى الذي
ذكرناه وإن كان المانع من جهتها كصغرها ومرضها وحبسها وصيامها واعتكافها المفروضين واحرامها
وغيبتها فإن وجد منها حال الايلاء لم تضرب له المدة حتى يزول لأن المدة تضرب لامتناعه من وطئها
والمنع ههنا من قبلها وان طرأ بها شئ من هذه الأسباب استؤنفت المدة ولم تبن على ما مضي لأن
قوله سبحانه (تربص أربعة أشهر) يقتضي متوالية فإذا قطعتها وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة
* (مسألة) * (الا الحيض فإنه يحتسب عليه بمدته وفي النفاس وجهان)
قد ذكرنا ان المانع إذا كان من جهتها لا يحتسب عليه الا الحيض فإنه يحتسب عليه ولا يمنع ضرب
المدة إذا كان موجودا وقت الايلاء لأنه لو منع لم يمكن ضرب المدة لأن الحيض في الغالب لا يخلو منه
شهر فيؤدي ذلك إلى اسقاط حكم الايلاء وان طرأ الحيض لم تقع المدة لما ذكرنا والنفاس مثل الحيض
537

في أحد الوجهين لأن أحكامه أحكام الحيض (والثاني) هو كسائر الاعذار التي من جهتها لأنه نادر غير
معتاد فأشبه سائر الاعذار فأما ان جنت وهربت من يده انقطعت المدة وان بقيت في يده وأمكنه وطؤها
احتسب عليه بها فإن قيل فهذه الأسباب منها ما لا صنع لها فيه فلا ينبغي ان يقطع المدة كالحيض قلنا إذا
كان المنع لمعني فيها فلا فرق بين كونه بفعلها أو بغير فعلها كما أن البائع إذا تعذر عليه تسليم المعقود
عليه لم تتوجه له المطالبة بعوضه سواء كان لعذر أو لغير عذر وان آلى في الردة لم تضرب له المدة الا من
حين رجوع المرتد منهما إلى الاسلام فإن طرأت الردة في أثناء المدة انقطعت لأن النكاح قد تشعث
وحرم الوطئ فإن عاد إلى الاسلام استؤنفت المدة سواء كانت الردة منهما أو من أحدهما وكذلك ان
أسلم أحد الزوجين الكافرين أو خالعها ثم تزوجها
* (مسألة) * (وان طلقها في أثناء المدة انقطعت)
لأنها صارت ممنوعة بغير اليمين فانقطعت المدة كما لو كان الطلاق بائنا سواء بانت بفسخ أو طلاق ثلاث
أو بخلع أو بانقضاء عدتها من الطلاق الرجعي لأنها صارت أجنبية منه ولم يبق شئ من أحكام نكاحها
فإن عاد فتزوجها عاد حكم الايلاء من حين تزوجها وكذلك إن كان الطلاق رجعيا فراجعها استؤنفت
المدة كما لو كان الطلاق بلائنا فتزوجها فإن كان الباقي من مدة يمينه أربعة أشهر فما دون لم يثبت حكم
الايلاء لأن مدة التربص أربعة أشهر وإن كان أكثر من أربعة أشهر تربص أربعة أشهر ثم وقف
لها فاما ان يفئ أو يطلق فإن لم يطلق طلق عليه الحاكم وهذا قول مالك وقال أبو حنيفة إن كان الطلاق
أقل من ثلاث ثم تركها حتى انقضت عدتها ثم نكحها عاد الايلاء وان استوفي عدد الطلاق لم يعد الايلاء
538

لأن حكم النكاح الأول زال بالكلية ولهذا ترجع إليه في طلاق ثلاث فصار ايلاؤه في النكاح الأول
كايلائه من أجنبية وقال أصحاب الشافعي يحصل من أقواله ثلاثة أقاويل قولان كالمذهبين وقول ثالث
لا يعود حكم الايلاء بحال وهو قول ابن المنذر لأنها صارت بحال لو آلى منها لم يصح ايلاؤه فبطل حكم
الايلاء منهما كالمطلقة ثلاثا
ولنا انه ممتنع من وطئ امرأته بيمين في حال نكاحها فثبت له حكم الايلاء كما لو لم يطلق وفارق
الايلاء من الأجنبية فإنه لا يقصد باليمين عليها الاضرار بها بخلاف مسئلتنا
(فصل) فإن آلى من امرأته الأمة ثم اشتراها ثم أعتقها وتزوجها عاد الايلاء ولو كان المولي عبدا
فاشترته امرأته ثم أعتقته وتزوجته عاد الايلاء ولو بانت الزوجة بردة أو اسلام من أحدهما أو غيره ثم
تزوجها تزويجا جديدا عاد الايلاء وتستأنف المدة في جميع ذلك سواء عادت إليه بعد زوج ثان أو
قبله لأن اليمين كانت منه في حال الزوجية فبقي حكمها ما وجدت الزوجية وهكذا لو قال لزوجته ان
دخلت الدار والله لا جامعتك ثم طلقها ثم نكحت غيره ثم تزوجها عاد حكم الايلاء لأن الصفة المعقودة في
حال الزوجية لا تنحل بزوال الزوجية فإن دخلت الدار في حال البينونة ثم عاد فتزوجها لم يثبت حكم
الايلاء في حقه لأن الصفة وجدت في حال كونها أجنبية ولا ينعقد الايلاء بالحلف على الأجنبية
بخلاف ما إذا دخلت وهي امرأته
* (مسألة) * (وان انقضت المدة وبها عذر يمنع الوطئ لم تملك طلب الفيئة)
لأن الوطئ ممتنع من جهتها فلم يكن لها مطالبته بما تمنعه منه ولان المطالبة مع الاستحقاق وهي
539

لا تستحق الوطئ في هذه الأحوال وليس لها المطالبة بالطلاق لأنه إنما يستحق عند امتناعه ولم يجب
عليه شئ ولكن تتأخر المطالبة إلى حال زوال العذر وان لم يكن العذر قاطعا للمدة كالحيض أو كان
العذر حدث بعد انقضاء المدة
* (مسألة) * (وإن كان العذر به وهو مما يعجز به عن الوطئ من مرض أو حبس بغير حق
أو غيره لزمه ان يفئ بلسانه)
فيقول متى قدرت جامعتك أو نحو هذا وممن قال يفئ بلسانه إذا كان ذا عذر ابن مسعود وجابر بن
زيد والنخعي والحسن والزهري والأوزاعي وعكرمة وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال سعيد بن جبير
لا يكون الفيئ الا الجماع في حال العذر وغيره وقال أبو ثور إذا لم يقدر لم يوقف حتى يصح أو يصل
إن كان غائبا ولا تلزمه الفيئة بلسانه لأن الضرر ترك الوطئ ولا يزول بالقول وقال بعض الشافعية
يحتاج ان يقول قد ندمت على ما فعلت وان قدرت وطئت
ولنا ان القصد بالفيئة ترك ما قصد بنفس الاضرار وقد ترك قصد الاضرار بما أتي به من الاعتذار
والقول مع العذر يقوم مقام فعل القادر بدليل ان اشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة عند العجز عن طلبها
يقوم مقام طلبها عند الحضور في اثباتها ولا يحتاج ان يقول ندمت لأن الغرض ان يظهر رجوعه من المقام
علي اليمين وقد حصل بظهور عزمه عليه وحكى أبو الخطاب عن القاضي ان فيئة المعذور ان يقول فئت
إليك وهو قول الثوري وأبي عبيد وأصحاب الرأي والذي ذكر القاضي في المجرد مثل ما ذكر الخرقي
وهو أحسن لأن وعده بالفعل عند القدرة عليه دليل على ترك قصد الاضرار وفيه نوع من الاعتذار وإخبار
540

بإزالته الضرر عند امكانه ولا يحصل بقوله فئت إليك شئ من هذا فأما العاجز لجب أو شلل ففيئته ان يقول
لو قدرت لجامعتها لأن ذلك يزيل ما حصل بايلائه والاحرام كالمرض في ظاهر قول الخرقي وكذلك
على قياسه الاعتكاف المنذور والظهار ومتي قدر على الفيئة وهي الجماع طولب به لأنه تأخر للعذر فإذا زال
العذر طولب به كالدين الحال فإن لم يفعل أمر بالطلاق وهذا قول كل من يقول يوقف المولي لأن الله تعالى قال
(فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) فإذا امتنع من أداء الواجب عليه فقد امتنع من الامساك بالمعروف
فيؤمر بالتسريح بالاحسان فإن كان قد فاء بلسانه في حال العذر ثم قدر على الوطئ أمر به فإن فعل والا أمر بالطلاق
وهذا قول الشافعي وقال أبو بكر إذا فاء بلسانه لم يطالب بالفيئة مرة أخرى وخرج من الايلاء وهو قول الحسن وعكرمة والأوزاعي لأنه فاء مرة فخرج من الايلاء ولم تلزم فيئة ثانية كما لو فاء
بالوطئ وقال أبو حنيفة تستأنف له مدة الايلاء لأنه وفاها حقها بما أمكنه من الفيئة فلا يطالب الا بعد
استئناف مدة الايلاء كما لو طلقها
ولنا أنه أخر حقها لعجزه عنه فإذا قدر عليه لزمه ان يوفيها إياه كالدين على المعسر إذا قدر
عليه وما ذكره فليس بحقها ولا يزال الضرر عنها وإنما وعدها بالوفاء فلزمها الصبر عليه وانظاره
كالغريم المعسر.
541

(فصل) وليس على من فاء بلسانه كفارة ولا حنث لأنه لم يفعل المحلوف عليه وإنما وعد بفعله فهو
كمن عليه دين حلف أن لا يوفيه ثم أعسر به فقال متى قدرت وفيته
* (مسألة) * (وإن كان مظاهرا فقال أمهلوني حتى أطلب رقبة أعتقها عن ظهاري أمهل ثلاثة أيام
ذكر شيخنا أن الظهار كالمرض في قياس قول الخرقي. وكذلك الاعتكاف المنذور، وقد ذكر
أصحابنا أن المظاهر لا يمهل ويؤمر بالطلاق فيخرج من هذا أن كل عذر من فعله يمنع الوطئ لا يمهل
من أجله وهو مذهب الشافعي لأن الامتناع بسبب منه فلا يسقط حكما واجبا فعلى هذا لا يؤمر بالوطئ
لأنه محرم عليه ولكن يؤمر بالطلاق
ووجه القول الأول أنه عاجز من الوطئ بأمر لا يمكنه الخروج منه فأشبه المريض. فأما المظاهر
فيقال له إما أن تكفر وتفئ واما أن تطلق فإن قال أمهلوني حتى أطلب رقبة أو أطعم فإن علم أنه
قادر على التكفير في الحال وإنما يقصد المدافعة والتأخير لم يمهل لأن الحق حال عليه وإنما يمهل للحاجة
وان لم يعلم أمهل ثلاثة أيام فإنها قريبة ولا يزاد على ذلك وإن كان فرضه الصيام فطلب الامهال ليصوم
شهرين متتابعين لم يمهل لأنه كثير ويتخرج أن يفئ بلسانه فيئة المعذور ويمهل حتى يصوم كقولنا في
المحرم فإن وطئها فقد عصى وانحل إيلاؤه ولها منعه لأنه وطئ محرم عليهما، وقال القاضي:
يلزمها التمكين، وان امتنعت سقط حقها في الوطئ وقد بذله لها ومتى وطئها فقد وفاها حقها
والتحريم عليه دونها.
ولنا انه وطئ حرام فلا يلزم التمكين منه كالوطئ في الحيض والنفاس وهذا ينقض دليله ولا نسلم
أن التحريم عليه دونها فإن الوطئ متى حرم على أحدهما حرم على الآخر لكونه فعلا واحدا
542

ولو جاز اختصاص أحدهما بالتحريم لاختصت المرأة بتحريم الوطئ في الحيض والنفاس واحرامها
وصيامها لاختصاصها بسببه
(فصل) وان انقضت المدة وهو محبوس بحق يمكنه أداؤه طولب بالفيئة لأنه قادر عليها بأداء ما عليه
فإن لم يفعل أمر بالطلاق وإن كان عاجزا عن أدائه أو حبس ظلما أمر بفيئة المعذور وان انقضت وهو
غائب والطريق آمن فلها أو توكل من يطالبه بالمسير إليها أو حملها إليه فإن لم يفعل أخذ بالطلاق وإن كان
الطريق مخوفا أوله عذر يمنعه فاء فيئة المعذور
(فصل) فإن كان مغلوبا على عقله بجنون أو اغماء لم يطالب لأنه لا يصلح للخطاب ولا يصح منه الجواب
وتتأخر المطالبة إلى حال القدرة وزوال العذر ثم يطالب حينئذ
* (مسألة) * وان قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو أتغدى فاني جائع أو حتى ينهضم الطعام أو أنام
فاني ناعس أمهل بقدر ذلك)
لأنه عذر ولا يمهل أكثر من قدر الحاجة كالدين الحال وكذلك ان قال أمهلوني حتى أفطر من
صومي أمهل لذلك وان قال أمهلوني حتى أرجع إلى بيتي أمهل لأن العادة فعل ذلك في بيته
(فصل) فإن كانت المرأة صغيرة أو مجنونة فليس لهما المطالبة لأن قولهما غير معتبر وليس لوليهما
المطالبة لأن هذا طريقه الشهوة فلا يقوم غيرهما مقامهما فيه فإن كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب
عليه بالمدة لأن المنع من جهتهما وإن كان وطؤهما ممكنا فأفاقت المجنونة أو بلغت الصغيرة قبل انقضاء
المدة تمت المدة ثم لهما المطالبة وإن كان ذلك بعد انقضاء المدة فلهما المطالبة يومئذ لأن الحق لهما
543

ثابت وإنما تأخر لعدم امكان المطالبة، وقال الشافعي لا تضرب المدة في الصغيرة حتى تبلغ وقال أبو
حنيفة تضرب المدة سواء أمكن الوطئ أو لم يمكن فإن لم يمكن الوطئ فاء بلسانه والا بانت بانقضاء
المدة وكذلك الحكم عنده في الناشز والرتقاء والقرناء والتي غابت في المدة لأن هذا إيلاء صحيح فوجب
أن تتعقبه المدة كالتي يمكنه جماعها
ولنا أن حقها من الوطئ يسقط بتعذر جماعها فوجب أن تسقط المدة المضروبة له كما يسقط أجل
الدين بسقوطه، وأما التي أمكنه جماعها فتضرب له المدة في حقها لأنه إيلاء صحيح ممن يمكنه جماعها
فتضرب له المدة كالبالغة ومتى قصد الاضرار بهما بترك الوطئ اثم ويستحب ان يقال له اتق الله فاما أن
تفئ واما أن تطلق فإن الله تعالى قال (وعاشروهن بالمعروف)
* (مسألة) * فإن لم يبق له عذر طلبت الفيئة وهي الجماع
وليس في هذا اختلاف قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الفئ الجماع
كذلك قال ابن عباس، وروي ذلك عن علي وابن مسعود، وبه قال عطاء والشعبي والنخعي
وسعيد بن جبير والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي إذا لم يكن عذر وأصل الفئ
الرجوع إلى فعل ما تركه.
* (مسألة) * (فإذا جامع انحلت يمينه وعليه كفارتها) في قول أكثر أهل العلم منهم زيد وابن عباس
وبه قال ابن سيرين والثوري والنخعي وقتادة ومالك وأهل المدينة وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن
544

المنذر وهو ظاهر مذهب الشافعي وله قول آخر لا كفارة عليه وهو قول الحسن وقال النخعي كانوا يقولون
ذلك لأن الله تعالى قال (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) قال قتادة هذا خالف الناس يعني قول الحسن
ولنا قول الله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين - إلى قوله -
ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وقال سبحانه (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا
حلفت على يمينه فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك " متفق عليه ولأنه حالف
حانث في يمينه فقبلت منه الكفارة كما لو حلف على ترك فريضة ثم فعلها، والمغفرة لا تنافي الكفارة فإن
الله تعالى قد غفر لرسوله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقد كان يقول " اني والله لا أحلف علي يمين فأرى
غيرها خيرا منها الا اتيت الذي هو خير وتحللتها " متفق عليه
* (مسألة) * (وأدنى ما يكفي من ذلك تغييب الحشفة في الفرج) لأن أحكام الوطئ تتعلق به فإن وطئ
في الدبر أو دون الفرج لم تحصل الفيئة به لأنه ليس بمحلوف عليه ولا يزول الضرر بفعله
(فصل) فإن وطئها ناسيا ليمينه فهل يحنث؟ على روايتين فإن قلنا يحنث انحل إيلاؤه وان قلنا لا
يحنث فهل ينحل إيلاؤه؟ على وجهين قياسا على المجنون، وكذلك يخرج فيما إذا آلى من زوجته ثم وجدها
في فراشه فظنها الأخرى فوطئها لأنه جاهل بها والجاهل كالناسي في الحنث وكذلك ان ظنها أجنبية
فبانت زوجته وان استدخلت ذكره وهو نائم لم يحنث لأنه لم يفعل ما حلف عليه، ولان القلم مرفوع عنه
وهل يخرج من حكم الايلاء؟ يحتمل وجهين (أحدهما) يخرج لأن المرأة وصلت إلى حقها فأشبه ما لو وطئ (الثاني)
545

لا يخرج من حكم الايلاء لأنه ما وفاها حقها وهو باق على الامتناع من الوطئ بحكم اليمين فكان موليا كما لو لم تفعل
به ذلك والحكم فيما إذا وطئ وهو نائم كذلك لأنه لا يحنث به
* (مسألة) * (وان وطئها في الفرج وطأ محرما مثل أن يطأ في الحيض أو النفاس أو الاحرام أو صيام
فرض من أحدهما أو مظاهرا فقد فاء إليها)
لأن يمينه انحلت فزال حكمها وزال عنها الضرر وهذا مذهب الشافعي وقال أبو بكر قياس المذهب
أن لا يخرج من الايلاء لأنه وطئ لا يؤمر به في الفيئة فلم يخرج به من الفيئة كالوطئ في الدبر، والذي
ذكره لا يصح لأن يمينه انحلت ولم يبق ممتنعا من الوطئ بحكم اليمين فلم يبق الايلاء كما لو كفر يمينه أو
كما لو وطئها مريضة، وقد نص أحمد فيمن حلف ثم كفر يمينه أنه لا يبقى موليا لعدم حكم اليمين مع أنه
ما وفاها حقها فلان يزول بحنثه فيها أولى، وقد ذكر القاضي في المحرم والمظاهر أنهما إذا وطئا فقد وفياها
حقها، وفارق الوطئ في الدبر فإنه لا يحنث به وليس بمحل للوطئ بخلاف مسئلتنا
(فصل) فإن كان الايلاء بتعليق عتق أو طلاق وقع بنفس الوطئ لأنه معلق بصفة وقد وجدت
وإن كان على نذر عتق أو صوم أو صلاة أو حج أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات فهو مخير بين الوفاء
به وبين التكفير لأنه نذر لجاج أو غضب وهذا حكمه، فإن علق طلاقها الثلاث بوطئها لم يؤمر بالفيئة وأمر
بالطلاق لأن الوطئ غير ممكن لكونها تبين منه بايلاج الحشفة فيصير مستمتعا بأجنبية وهذا قول بعض
أصحاب الشافعي وأكثرهم قال تجوز الفيئة لأن النزع ترك للوطئ وترك الوطئ ليس بوطئ وقد ذكر القاضي
ان كلام احمد يقتضي روايتين كهذين الوجهين، قال شيخنا واللائق بمذهب أحمد تحريمه لوجوه ثلاثة:
(أحدها) ان آخر الوطئ يحصل في أجنبية كما ذكرناه فإن النزع يتلذذ به كما يلتذ بالايلاج فيكون في
546

حكم الوطئ ولذلك قلنا فيمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع أنه يفطر، والتحريم ههنا أولى لأن الفطر
بالوطئ ويمكن منع كون النزع وطأ والمحرم ههنا الاستمتاع والنزع استمتاع فكان محرما ولان لمسها
على وجه التلذذ محرم فمس الفرج بالفرج أولى بالتحريم، فإن قيل فهذا إنما يحصل ضرورة ترك الوطئ
المحرم قلنا فإذا لم يمكن الوطئ إلا بفعل محرم حرم ضرورة ترك الحرام كما لو اختلط لحم الخنزير بلحم
مباح لا يمكنه أكله إلا بأكل لحم الخنزير حرم، ولو اشتبهت ميتة بمذكاة أو امرأته بأجنبية حرم الكل
(والوجه الثاني) أنه بالوطئ يحصل الطلاق بعد الإصابة وهو طلاق بدعة فكما يحرم إيقاعه
بلسانه يحرم بتحقيق سببه
(الثالث) أنه يقع به طلاق البدعة من وجه آخر وهو جمع الثلاث فإن وطئ فعليه النزع حين يولج
الحشفة ولا يزيد على ذلك ولا يلبث ولا يتحرك عند النزع لأنها أجنبية فإن فعل ذلك فلا حد ولا مهر
لأنه تارك للوطئ وان لبث أو تمم الايلاج فلا حد عليه لتمكن الشبهة منه لكونه وطأ في زوجته، وفي المهر
وجهان (أحدهما) يلزمه لأنه حصل منه وطئ محرم في محل غير مملوك فأوجب المهر كما لو أولج بعد النزع
(والثاني) لا يجب لأنه تابع الايلاج في محل مملوك فكان تابعا له في سقوط المهر، وان نزع ثم أولج وكانا
جاهلين بالتحريم فلا حد عليهما وعليه المهر لها ويلحقه النسب، وان كانا عالمين بالتحريم فعليهما الحد لأنه
ايلاج في أجنبية بغير شبهة فأشبه ما لو طلقها ثلاثا ثم وطئها ولا مهر لها لأنها مطاوعة على الزنا ولا يلحقه
النسب لأن من زنا لا شبهة فيه، وذكر القاضي وجها أنه لا حد عليهما لأن هذا يخفى على كثير من الناس
وهو وجه لأصحاب الشافعي، والصحيح الأول لأن الكلام في العالمين وليس هو في مظنه الخفاء لأن أكثر
547

المسلمين يعلمون أن الطلاق الثلاث محرم للمرأة، وإن كان أحدهما عالما والآخر جاهلا نظرت فإن كان
هو العالم فلها المهر وعليه الحد ولا يلحقه النسب لأنه زان محدود وان كانت هي العالمة دونه فعليها الحد
وحدها ولا مهر لها ويلحقه النسب لأن وطأه وطئ شبهة
(فصل) فإن قال إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي فقال أحمد لا يقربها حتى يكفر وهذا نص في
تحريمها قبل التكفير وهو دليل على تحريم الوطئ في المسألة التي قبلها بطريق التنبيه لأن المطلقة ثلاثا
أعظم تحريما من المظاهر منها فإذا وطئ ههنا فقد صار مظاهرا من زوجته وزال حكم الايلاء ويحتمل
ان أحمد أراد إذا وطئها مرة فلا يطؤها أخرى حتى يكفر لكونه صار بالوطئ مظاهرا إذ لا يصح تقديم
الكفارة على الظهار لأنه سببها ولا يجوز تقديم الحكم على سببه، ولو كفر قبل الظهار لم يجزئه وقد روى
إسحاق قال قلت لأحمد فيمن قال لزوجته أنت علي كظهر أمي ان قربتك إلى سنة فقال إن جاءت تطلب
فليس له ان يعضلها بعد مضي الأربعة الأشهر فيقال له إما ان تفئ وإما ان تطلق فإن وطئها فقد وجب
عليه كفارة وان أبى وأرادت مفارقته طلقها الحاكم عليه فينبغي ان تحمل الرواية الأولى على الوطئ
بعد الوطئ الذي صار به مظاهرا لما ذكرناه فتكون الروايتان متفقتين والله أعلم
(فصل) وان انقضت المدة وادعى أنه عاجز عن الوطئ فإن كان قد وطئها مرة لم تسمع دعواه
الفيئة كما لا تسمع دعواها عليه ويؤخذ بالفيئة أو بالطلاق كغيره وان لم يكن وطئها ولم تكن حاله معروفة
فقال القاضي تسمع دعواه ويقبل قوله لأن العنة من العيوب التي لا يقف عليها غيره وهذا ظاهر نص
548

الشافعي ولها ان تسأل الحاكم فيضرب له مدة العنة بعد أن يفئ فيئة المعذور، وفيه وجه آخر أنه لا يقبل
قوله لأنه متهم في دعوى ما يسقط عنه حقا توجه عليه الطلب به والأصل سلامته منه، وان اعترفت أنه
قد أصابها مرة وأنكر ذلك لم يكن لها المطالبة بضرب مدة العنة لاعترافها بعدم عنته والقول قوله
في عدم الإصابة
* (مسألة) * (وان لم يفئ وأعفته المرأة سقط حقها ويحتمل ان لا يسقط ولها المطالبة بعد)
إذا عفت المرأة عن المطالبة بالفيئة بعد وجوبها فقال بعض أصحابنا يسقط حقها وليس لها المطالبة
قال القاضي هذا قياس المذهب لأنها رضيت باسقاط حقها من الفسخ فسقط حقها منه كامرأة العنين إذا
رضيت بعنته ويحتمل ان لا يسقط حقها ولها المطالبة متى شاءت وهذا مذهب الشافعي لأنها ثبتت لدفع الضرر
بترك ما يتجدد مع الأحوال فكان لها الرجوع كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة بالفسخ ثم طالبت،
وفارق الفسخ للعنة فإنه فسخ لعيبه فمتى رضيت بالعيب سقط حقها كما لو عفا المشتري عن عيب المبيع، فاما
ان سكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك وجها واحدا لأنها حقها يثبت على التراخي فلم يسقط
بتأخر المطالبة كاستحقاق النفقة
* (مسألة) * (وان لم تعفه أمر بالطلاق ان طلبت ذلك)
لقول الله سبحانه (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن
عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) وقال تعالى (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) فإذا امتنع
من أداء الواجب فقد امتنع من الامساك بالمعروف فيؤمر بالتسريح باحسان
549

* (مسألة) * (فإن طلق واحدة فله رجعتها وعنه أنها تكون بائنة)
وجملة ذلك أن الطلاق الواجب على المولي رجعي سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم عليه وبهذا
قال الشافعي قال الأثرم قلت لأبي عبد الله في الولي فإن طلقها قال تكون واحدة وهو أحق بها وعن
أحمد رواية أخرى ان فرقة الحاكم تكون بائنا ذكر أبو بكر الروايتين جميعا وقال القاضي المنصوص
عن أحمد في فرقة الحاكم أنها تكون بائنا فإن في رواية الأثرم وقد سئل إذا طلق عليه السلطان
أتكون واحدة؟ فقال إذا طلق فهي واحدة وهو أحق بها، فأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة، وقال أبو ثور
طلاق المولي بائن سواء طلق هو أو طلق عليه الحاكم لأنها فرقة لدفع الضرر فكانت بائنا كفرقة العنة
ولأنها لو كانت رجعية لم يندفع الضرر، وقال أبو حنيفة يقع الطلاق بانقضاء المدة بائنا، ووجه الأول أنه
طلاق صادق مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا كالطلاق في غير الايلاء، ويفارق
فرقة العنة لأنها فسخ لعيب وهذه طلقة ولأنه لو أبيح له ارتجاعها لم يندفع عنها الضرر وهذه يندفع عنها
الضرر فهذه إذا ارتجعها ضربت له مدة أخرى ولان العنين قد يئس من وطئه فلا فائدة في رجعته
وهذا غير عاجز ورجعته دليل على رغبته فيها وإقلاعه عن الاضرار بها فافترقا
* (مسألة) * (فإن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين والأخرى
يطلق الحاكم عليه)
إذا امتنع المولي من الفيئة بعد التربص أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه أو امتنع من الوطئ بعد
زوال عذره أمر بالطلاق فإن طلق وقع طلاقه الذي أوقعه واحدة كانت أو أكثر وليس للحاكم إجباره
550

على أكثر من طلقة لأنه يحصل الوفاء لحقها بها فإنها تفضي إلى البينونة والتخلص من ضرره، وان امتنع
من الطلاق طلق الحاكم عليه وبه قال مالك، وعن أحمد رواية أخرى ليس للحاكم الطلاق عليه لأن
ما خير الزوج فيه بين أمرين لم يقم الحاكم مقامه فيه كالاختيار لبعض الزوجات في حق من أسلم وتحته أكثر
من أربع نسوة أو أختان، فعلى هذا يحبسه أو يضيق عليه حتى يفئ أو يطلق وللشافعي قولان كالروايتين
ووجه الرواية الأخرى ان ما دخلته النيابة وتعين مستحقه وامتنع من هو عليه قام الحاكم مقامه فيه كقضاء الدين
وفارق الاختيار فإنه ما تعين مستحقه وهذا أصح في المذهب وهو اختيار الخرقي وليس للحاكم ان يأمره بالطلاق
ولا يطلق عليه إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه حق لها وإنما الحاكم يستوفي لها الحق فلا يكون إلا عند طلبها
* (مسألة) * (فإن طلق واحدة فهو كطلاق المولي)
يعني إذا طلق الحاكم واحدة فهل هي رجعية أو بائنة؟ على روايتين لأنه قام مقامه وناب عنه فكان حكمه
حكم المولي وان طلق الحاكم ثلاثا أو فسخ جاز لأن المولي إذا امتنع من الفيئة والطلاق قام الحاكم مقامه
فملك من الطلاق ما يملكه المولي واليه الخيرة فيه وإن شاء طلق واحدة وان شاء اثنتين وان شاء ثلاثا
وان شاء فسخ قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد وقال الشافعي ليس له إلا واحدة لأن ايفاء الحق
يحصل بها فلم يملك زيادة عليها كما لم يملك الزيادة على وفاء الدين في حق الممتنع
ولنا ان الحاكم قائم مقامه فملك من الطلاق ما يملكه كما لو وكله في ذلك وليس ذلك زيادة على حقها
فإن حقها الفرقة غير أنها تتنوع وقد يرى الحاكم المصلحة في تحريمها عليه ومنعه رجعتها لعلمه بسوء قصده
وحصول المصلحة ببعده قال أبو عبد الله إذا قال فرقت بينكما فإنما هو فسخ وإذا قال طلقت واحد فهي
واحدة وإذا قال طلقت ثلاثا فهي ثلاث
* (مسألة) * (وان ادعى ان المدة ما انقضت وادعت مضيها فالقول قوله في أنها لم تمض مع يمينه)
وإنما كان كذلك لأن الاختلاف في مضي المدة ينبني على الخلاف في وقت يمينه فإنهما لو اتفقا
551

على وقت اليمين حسب من ذلك الوقت فعلم هل انقضت المدة أو لا وزال الخلاف، أما إذا اختلفا في
وقت اليمين فقال حلفت في غرة رمضان وقالت بل حلفت في غرة شعبان فالقول قوله لأنه يصدر من
جهته وهو أعلم به فكان القول قوله فيه كما لو اختلفا في أصل الايلاء، ولان الأصل عدم الحلف في غرة
شعبان فكان قوله في نفيه موافقا للأصل ويكون ذلك مع يمينه في قول الخرقي وهو مذهب الشافعي
وقال أبو بكر لا يمين عليه قال القاضي وهو أصح لأنه اختلاف في أحكام النكاح فلم تشرع فيه اليمين كما
لو ادعى زوجية امرأة فأنكرته، والأول أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليه ولأنه حق لآدمي
يجوز بذله فيستحلف فيه كالديون
* (مسألة) * (فإن ادعى انه وطئها فأنكرته وكانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه)
اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي لأن الأصل بقاء النكاح والمرأة تدعي رفعه وهو يدعي
ما يوافق الأصل فكان القول قوله كما لو ادعى الوطئ في العنة ولان هذا أمر خفي ولا يعلم الا من جهته
فقبل قوله فيه كقول المرأة في حيضها وتلزمه اليمين لأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين
ونص أحمد في رواية الأثرم على أنه لا يلزمه يمين لأنه لا يقضى فيه بالنكول وهذا اختيار أبي بكر
فأما ان كانت بكرا واختلفا في الإصابة وادعت انها عذراء أريت النساء الثقات فإن شهدن بثيوبتها فالقول
قوله وان شهدن ببكارتها فالقول قولها لأنه لو وطئها زالت بكارتها، وظاهر كلام الخرقي انه لا يمين ههنا
لأنه قال في باب العنين فإن شهدن بما قالت أجل سنة ولم يذكر يمينه وهذا قول أبي بكر لأن
البينة تشهد لها فلا تجب اليمين معها وقيل تجب عليها اليمين لاحتمال أن تكون العذرة عادت بعد زوالها
وان لم يشهد بها أحد فالقول قوله كما لو كانت ثيبا وهل يحلف؟ على وجهين مضي توجيههما
552

(كتاب الظهار)
الظهار مشتق من الظهر وإنما خصوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء لأن كل مركوب يسمى
ظهرا لحصول الركوب على ظهره في الأغلب فشبهوا الزوجة بذلك وهو محرم لقول الله تعالى وانهم ليقولون
منكرا من القول وزورا ومعناه ان الزوجة ليست كالأم في التحريم قال الله تعالى (ما هن أمهاتهم - وقال
سبحانه - وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتهم) والأصل في الظهار الكتاب والسنة والاجماع
أما الكتاب فقوله تعالى (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم) والآية التي بعدها وأما السنة
فروى أبو داود باسناده عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت تظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أشكوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول " اتق الله فإنه ابن عمك " فما برحت حتى نزل القرآن
(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) فقال - يعتق رقبة - فقلت لا يجد فقال - يصوم شهرين متتابعين - فقلت
يا رسول الله انه شيخ كبير ما به من صيام قال - فليطعم ستين مسكينا - قلت ما عنده من شئ يتصدق قال " فاني
سأعينه بعرق من تمر - فقلت يا رسول الله فاني سأعينه بعرق آخر قال - قد أحسنت اذهبي فأطعمي عنه
ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك - قال الاصمي العرق بفتح العين والراء هو ما سف من خوص كالزنبيل
الكبير وروي أيضا باسناده عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر البياضي قال كنت أصيب من النساء
553

ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت ان أصيب من امرأتي شيئا يتتايع حتى أصبح فظاهرت
منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شئ فلم البث ان نزوت
عليها فلم أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا
والله فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر فقال " أنت بذاك يا سلمة؟ " فقلت أنا بذاك يا رسول الله وانا
صابر لحكم الله فاحكم في ما أراد الله قال حرر رقبة قلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيري وضربت
صفحة رقبتي قال " فصم شهرين متتابعين " قلت وهل أصبت الا من الصيام؟ قال " فأطعم وسقا من تمر
بين ستين مسكينا " قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين مالنا طعام قال - فانطلق إلى صاحب صدقة
بني زريق فليدفعها إليك - قال - فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها " فرجعت
إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي
وقد أمر لي بصدقتكم
* (مسألة) * (والظهار ان يشبه امرأته أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد أو بها أو
بعضو منها فيقول أنت علي كظهر أمي أو كيد أختي أو كوجه حماتي أو يقوم ظهرك أو يدك علي كظهر
554

أمي أو كيد أختي أو خالتي من نسب أو رضاع فمتى شبه امرأته بظهر من تحرم عليه على التأبيد فيقول
أنت علي كظهر أمي فهذا ظهار اجماعا)
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن تصريح الظهار ان يقول أنت علي كظهر أمي وفي حديث
خويلة امرأة أوس بن الصامت أنه قال لها أنت علي كظهر أمي فذكر ذلك لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فأمره بالكفارة
(الضرب الثاني) أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوي رحمه كجدته وعمته وخالته وأخته فهذا
ظهار في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري
والأوزاعي ومالك وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو جديد قولي الشافعي وقال
في القديم لا يكون الظهار الا بأم وجدة لأنها أم أيضا لأن اللفظ الذي ورد به القرآن مختص بالام فإذا
عدل عنه لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه
ولنا أنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الام واما الآية فقد قال فيها (وانهم ليقولون منكرا من
القول وزورا) وهذا موجود في مسئلتنا فجرى مجراه وتعليق الحكم بالام لا يمنع الحكم في غيرها
إذا كانت مثلها.
(الثالث) أن يشبهها بظهر من تحرم عليه على التأبيد سوى الأقارب كالأمهات المرضعات والأخوات
555

من الرضاعة وحلائل الاباء والأبناء وأمهات النساء والربائب اللاتي دخل بأمهن فهو ظهار أيضا والخلاف
فيها كالتي قبلها ووجه المذهبين ما تقدم ويزيد في الأمهات المرضعات في دخولها في عموم الأمهات وسائرهن
في معناها فيثبت فيهن حكمها
(فصل) وان قال أنت عندي أو مني أو معي كظهر أمي كان ظهارا بمنزلة علي لأن هذه الألفاظ
في معناه وان قال جملتك أو بدنك أو جسمك أو ذاتك أو ذلك على كظهر أمي كان ظهارا لأنه أشار إليها
فهو كقوله أنت وان قال أنت كظهر أمي كان ظهارا لأنه اتى بما يقتضي تحريمها عليه فانصرف الحكم
إليه كما لو قال أنت طالق وقال بعض الشافعية ليس بظهار لأنه ليس فيه ما يدل على أن ذلك في حقه
وليس بصحيح فإنها إذا كانت كظهر أمه فظهر أمه محرم عليه، وأما إذا شبه عضوا من امرأته بظهر
أمه أو عضوا من أعضائها فهو مظاهر فلو قال فرجك أو ظهرك أو رأسك أو جلدك كظهر أمي أو بدنها
أو رأسها أو يدها فهو مظاهر، وبهذا قال مالك وهو نص الشافعي وعن أحمد رواية أخرى انه ليس
بمظاهر حتى يشبه جملة امرأته لأنه لو حلف بالله لا يمس عضوا منها لا يسري إلى غيره فكذلك المظاهرة
ولان هذا ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص لأن تشبيهه بجملتها تشبيه بمحل الاستمتاع
بما يتأكد تحريمه وفيه تحريم لجملتها فيكون آكد
وقال أبو حنيفة ان شبهها بما يحرم النظر إليه من الام كالفرج والفخذ ونحوهما فهو مظاهر وإن
556

لم يحرم النظر إليه كالرأس والوجه لم يكن مظاهرا لأنه شبهها بعضو من أمه فكان مظاهرا كما لو شبهها بظهرها
وفارق الزوجة فإنه لو شبهها بظهرها لم يكن مظاهرا والنظر ان لم يحرم فإن التلذذ يحرم وهو المستفاد بعقد النكاح
(فصل) فإن قال كشعر أمي أو سنها أو ظفرها أو شبه شيئا من ذلك من امرأته بأمه أو بعضو
من أعضائها لم يكن مظاهرا لأنها ليست من أعضاء الام الثابتة ولا يقع الطلاق بإضافته إليها فكذلك
الظهار وكذلك ان قال بروح أمي فإن الروح لأن توصف بالتحريم ولا هي محل للاستمتاع وكذلك
الريق والعرق والدم فإن قال وجهي من وجهك حرام فليس بظهار نص عليه أحمد وقال هذا شئ
يقوله الناس ليس شيئا وذلك لأن هذا يستعمل كثيرا في غير الظهار ولا يؤدي معنى الظهار فلم يكن
ظهارا كما لو قال لا أكلمك.
(فصل) فإن قال أنا مظاهر أو علي الظهار أو علي الحرام أو الحرام لي لازم ولا نية له لم يلزمه
شئ لأنه ليس بصريح في الظهار وإن نوى به الظهار أو اقترنت به قرينة تدل على إرادة الظهار مثل
أن يعلقه على شرط مثل أن يقول علي الحرام إن كلمتك احتمل أن يكون ظهارا لأنه أحد نوعي
التحريم للزوجة فصح بالكناية مع البينة كالطلاق ويحتمل أن لا يثبت الظهار به لأن الشرع إنما ورد به
بصريح لفظه، وهذا ليس بصريح فيه ولأنه يمين موجبة للكفارة فلم يثبت حكمه بغير الصريح
كاليمين بالله تعالى.
557

(فصل) يكره أن يسمي الرجل امرأته بمن تحرم عليه كأمه وأخته وبنته لما روى أبو داود
باسناده عن أبي تميم الهجيمي أن رجلا قال لامرأته يا أخته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أختك هي؟ "
فكره ذلك ونهى عنه ولأنه لفظ يشبه لفظ الظهار ولا تحرم بهذا ولا يثبت حكم الظهار لأن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يقل له حرمت عليك ولان هذا اللفظ ليس بصريح في الظهار ولا نواه به فلا يثبت التحريم
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن إبراهيم عليه السلام أرسل إليه جبار فسأله عنها يعني
عن سارة فقال إنها أختي ولم يعد ذلك ظهارا
* (مسألة) * (وإن قال أنت علي كأمي كان مظاهرا فإن قال أردت كأمي في الكرامة أو نحوه
دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين)
إذا قال أنت علي كأمي أو مثل أمي ونوى الظهار فهو ظهار في قول عامة العلماء منهم أبو حنيفة
وصاحباه والشافعي وإسحاق وان أطلق فقال أبو بكر هو صريح في الظهار وهو قول مالك ومحمد
ابن الحسن. وقال ابن أبي موسى فيه روايتان أظهرهما أنه ليس بظهار حتى ينويه وهذا قول أبي
حنيفة والشافعي لأن هذا يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم فلم ينصرف إليه بغير نية
558

ككنايات الطلاق. (والثانية) هو ظهار لأنه شبه امرأته بجملة أمه فكان مشبها لها بظهرها فيثبت
الظهار كما لو شبهها به منفردا
قال شيخنا والذي يصح عندي في قياس المذهب أنه ان وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن
يخرجه مخرج الحلف فيقول إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي أو قال ذلك حال الخصومة والغضب
فهو ظهار لأنه إذا أخرجه مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شئ أو الحث عليه وإنما يحصل
ذلك بتحريمها عليه ولان كونها مثل أمه في صفتها وكرامتها لا يتعلق بشرط فيدل على أنه إنما أراد
الظهار ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأدائها ويوجب
اجتنابها وهو الظهار وإن عدم ذلك فليس بظهار لأنه محتمل لغيره احتمالا كثيرا فلا يتعين الظهار فيه
بغير دليل ونحوه قول أبي ثور فأما إن قال أردت كأمي في الكرامة ونحو ذلك فإنه يدين لأن ما قاله
محتمل ويقبل في الحكم في أصح الروايتين. اختاره شيخنا لأنه لما احتمل الظهار وغيره ترجح عدم
الظهار بدعوى الإرادة، (والثانية) لا يقبل لأنه لما قال أنت علي كأمي اقتضي أن يكون عليه فيها
تحريم فأشبه ما لو قال أنت علي كظهر أمي
559

* (مسألة) * (وإن قال أنت كأمي أو مثل أمي ولم يقل علي ولا عندي فإن نوى به الظهار كان
ظهارا لأنه يحتمله)
قال شيخنا وحكمه كما إذا قال أنت علي كأمي أو قال أنت أمي أو امرأتي أمي إن نواه أو كان
مع الدليل الصارف له إلى الظهار فهو ظهار وإلا فلا. وذكر أبو الخطاب فيها روايتين مثل قوله:
أنت علي كأمي والأولى أن هذا ليس بظهار إذا أطلق لأنه ليس صريح في الظهار لكونه غير
اللفظ المستعمل فيه فلا يكون ظهارا بغير نية كما لو قال أنت كبيرة مثل أمي ولأنه يحتمل التشبيه في
التحريم وغيره فلا يجوز أن يتعين التحريم بغير نية فأما إن قال أمي امرأتي أو مثل امرأتي لم يكن ظهارا
لأنه تشبيه لامه وصف لها وليس بوصف لامرأته
* (مسألة) * (وإن قال أنت علي كظهر أبي ففيه روايتان)
(إحداهما) هو ظهار لأنه شبهها بظهر من يحرم عليه على التأبيد أشبه الام وكذلك إن شبهها
بظهر غيره من الرجال أو قال أنت على كظهر البهيمة أو أنت علي كالميتة والدم قال الميموني قلت لأحمد إن
ظاهر من ظهر الرجل قال فظهر الرجل حرام يكون ظهارا وبهذا قال ابن القاسم صاحب مالك فيما إذا
قال أنت علي كظهر أبي وروي ذلك عن جابر بن زيد
560

والرواية الثانية ليس بظهار وهو قول أكثر العلماء لأنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه ما لو قال
أنت علي كمال زيد وهل فيه كفارة؟ على روايتين (إحداهما) فيه كفارة لأنه نوع تحريم أشبه ما لو حرم
ماله (والثانية) ليس فيه شئ نقل ابن القاسم عن أحمد فيمن شبه امرأته بظهر الرجل لا يكون ظهارا ولم
أر يلزمه فيه شئ وذلك لأنه تشبيه لامرأته بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه التشبيه بمال غيره وان قال
انا عليك كظهر أمي أو حرام ونوى به الظهار فهل هو ظهار؟ على وجهين ذكره في المحرر
* (مسألة) * (وان قال أنت علي كظهر أجنبية أو أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها فعلى روايتين)
إذا شبه امرأته بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأته أو عمتها أو الأجنبية فعن أحمد فيه
روايتان (إحداهما) أنه ظهار اختاره الخرقي وهو قول أصحاب مالك (والثانية) ليس بظهار وهو مذهب
الشافعي لأنها غير محرمة على التأبيد فلا يكون التشبيه بها ظهارا كالحيض والمحرمة من نسائه، ووجه
الرواية الأولى أنه شبهها بمحرمة فأشبه ما لو شبهها بالام ولان مجرد قوله أنت علي حرام إذا نوى به الظهار
ظهار، والتشبيه بالمحرمة تحريم فكان ظهارا، فأما الحائض فيباح الاستمتاع بها في غير الفرج والمحرمة يحل
النظر إليها ولمسها لغير شهوة وليس في وطئ واحدة منهما حد بخلاف مسئلتنا، واختار أبو بكر ان الظهار
لا يكون إلا من ذوات المحارم من النساء قال فبهذا أقول
* (مسألة) * (وان قال أنت علي كظهر البهيمة لم يكن مظاهرا)
لأنه ليس بمحل للاستمتاع وفيه وجه آخر أنه يكون مظاهرا كما لو شبهها بظهر أبيه
561

* (مسألة) * (وان قال أنت علي حرام فهو ظهار إلا أن ينوي طلاقا أو يمينا فهل يكون ظهارا أو
ما نواه؟ على روايتين)
إذا نوى به الظهار فهو ظهار في قول عامتهم وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وإن نوى به الطلاق
فقد ذكرناه في باب صريح الطلاق وكنايته، وان أطلق ففيه روايتان (إحداهما) أنه ظهار ذكره الخرقي
ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه وحكاه إبراهيم الحربي عن عثمان وابن عباس وأبي قلابة
وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي أنهم قالوا الحرام ظهار، وروي عن أحمد ما يدل على أن التحريم
يمين وروي عن ابن عباس أنه قال التحريم يمين في كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل (يا أيها النبي لم تحرم
ما أحل الله لك؟ - ثم قال - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذ لم ينو به
الظهار فليس بظهار وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي للآية المذكورة ولان التحريم يتنوع منه ما هو
بظهار وبطلاق وبحيض وإحرام وصيام فلا يكون التحريم صريحا في واحد منها ولا ينصرف إليه بغير
نية كما لا ينصرف إلى تحريم الطلاق، ووجه الأولى أنه تحريم أوقعه في امرأته فكان باطلاقه ظهارا
كتشبيهها بظهر أمه، قولهم ان التحريم يتنوع قلنا إلا أن تلك الأنواع منتفية ولا يحصل بقوله منها إلا الطلاق
وهذا أولى منه لأن الطلاق تبين به المرأة وهذا يحرمها مع بقاء الزوجية فكان أدنى التحريمين فكان
أولى، فأما ان قال ذلك لمحرمة عليه بحيض أو نحوه ونوى الظهار فهو ظهار وان قصد أنها محرمة عليه بذلك
فليس بظهار لأنه يحتمل الخبر عن حالها ويحتمل إنشاء التحريم فيها بالظهار فلا يتعين أحدهما بغير تعيين
562

(فصل) فإن قال الحل علي حرام أو ما أحل الله علي حرام أو ما أنقلب إليه حرام وله امرأة فهو مظاهر
نص عليه أحمد في الصور الثلاث وذلك لأنه لفظه يقتضي العموم فيتناول المرأة بعمومه وان صرح
بتحريم المرأة أو نواها فهو آكد قال أحمد فيمن قال ما أحل الله علي حرام من أهل ومال: عليه كفارة
الظهار هو يمين ويجزئه كفارة واحدة في ظاهر كلام أحمد هذا، واختار ابن عقيل أنه يلزمه
كفارتان للظهار ولتحريم المال لأن التحريم يتناولهما وكل واحد منهما لو انفرد أوجب كفارة
فكذلك إذا اجتمعا.
ولنا أنها يمين واحدة فلا توجب كفارتين كما لو تظاهر من امرأتين أو حرم من ماله شيئين وما
ذكره منتقض بهذا وفي قول أحمد هو يمين إشارة إلى التعليل بما ذكرناه لأن اليمين الواحدة لا
توجب أكثر من كفارة واحدة، فإن نوى بقوله ما أحل الله علي حرام وغيره من لفظات العموم المال
لم يلزمه الا كفارة اليمين لأن اللفظ العام يجوز استعماله في الخاص، وعلى الرواية الأخرى التي تقول
إن الحرام باطلاقه ليس بظهار لا يكون ههنا مظاهرا إلا أن ينوي الظهار
(فصل) وان قال أنت علي كظهر أمي حرام فهو صريح في الظهار لا ينصرف إلى غيره سواء
نوى الطلاق أو لم ينوه وليس فيه اختلاف بحمد الله لأنه صرح بالظهار وبينه بقوله حرام وان قال
أنت علي حرام كظهر أمي أو كأمي فكذلك وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي، والقول
الثاني إذا نوى الطلاق فهو طلاق وهو قول أبي يوسف ومحمد الا ان أبا يوسف قال لا أقبل قوله في
نفي الظهار، ووجه قولهم ان قوله أنت علي حرام إذا نوى به الطلاق فهو طلاق، وزيادة قوله كظهر أمي
بعد ذلك لا تنفي الطلاق كما لو قال قال أنت طالق كظهر أمي
563

ولنا انه أتى بصريح الظهار فلم يكن طلاقا كالتي قبلها، وقولهم ان التحريم مع نية الطلاق طلاق
لا نسلمه وان سلمناه لكنه فسر لفظه ههنا بصريح الظهار بقوله فكان العمل بصريح القول
أولى من العمل بالنية
(فصل) وان قال أنت طالق كظهر أمي طلقت وسقط قوله كظهر أمي لأنه أتى بصريح الطلاق
أولا وجعل قوله كظهر أمي صفة له فإن نوى بقوله كظهر أمي تأكيدا للطلاق لم يكن ظهارا كما لو أطلق
وإن نوى به الظهار وكان الطلاق بائنا فهو كالظهار من الأجنبية لأنه أتى به بعد بينونتها بالطلاق
وإن كان رجعيا كان ظهارا صحيحا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه أتى بلفظ الظهار في زمن
هي زوجة، وان نوى بقوله أنت طالق الظهار لم يكن ظهارا لأنه نوى الظهار بصريح الطلاق وان
قال أنت علي كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معا سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا لأن
الظهار سبق الطلاق.
(فصل) وان قال أنت علي حرام ونوى الطلاق والظهار معا كان ظهارا ولم يكن طلاقا لأن اللفظ
الواحد لا يكون ظهارا وطلاقا، والظهار أولى بهذا اللفظ فينصرف إليه، وقال بعض أصحاب الشافعي
يقال له اختر أيهما شئت وقال بعضهم إن قال أردت الطلاق والظهار كان طلاقا لأنه بدأ به وان قال
أردت الظهار والطلاق كان ظهارا لأنه بدأ به فيكون ذلك اختيارا له ويلزمه ما بدأ به
ولنا أنه أتى بلفظ الحرام ينوي به الظهار فكانت ظهارا كما لو انفرد الظهار بنيته ولا يكون طلاقا
لأنه زاحمت نيته نية الظهار وتعذر الجمع والظهار أولى بهذه اللفظة لأن معناهما واحد وهو التحريم
فيجب ان يغلب ما هو الأولى. أما الطلاق فإن معناه الاطلاق وهو حل قيد النكاح وإنما التحريم حكم
564

له في بعض أحواله وقد ينفك عنه فإن الرجعية مطلقة مباحة، وأما التخيير فلا يصح لأن هذه اللفظة
قد ثبت حكمها حين لفظ بها لكونه أهلا والمحل قابلا ولهذا لو حكمنا بأنه طلاق لكانت عدتها من
حين أوقع الطلاق وليس إليه رفع حكم ثبت في المحل باختياره وابداله بإرادته، والقول الآخر مبني
على أن له الاختيار وهو فاسد على ما ذكرنا ثم إن الاعتبار بجميع لفظه لا بما بدأ به ولذلك لو قال طلقت
هذه أو هذه لم يلزمه طلاق الأولى
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ويصح من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا)
كل زوج صح طلاقه صح ظهاره وهو البالغ العاقل مسلما كان أو كافرا حرا أو عبدا قال أبو بكر
وظهار السكران مبني على طلاقه قال القاضي وكذلك ظهار الصبي مبني علي طلاقه، قال شيخنا والأقوى
عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ولا إيلاء لأنها يمين موجبة للكفارة فلم تنعقد يمينه كاليمين بالله
تعالى ولان الكفارة وجبت لما فيه من قول المنكر والزور وذلك مرفوع عن الصبي لكون القلم
مرفوعا عنه فأما ظهار العبد فهو صحيح، وقيل لا يصح ظهاره لأن الله تعالى قال (فتحرير رقبة)
والعبد لا يملك الرقاب.
ولنا عموم الآية ولأنه مكلف يصح طلاقه فصح ظهاره كالحر وأما إيجاب الرقبة فإنما هو على من
يجدها ولا ينفي الظهار في حق من لم يجدها كالمعسر فرضه الصيام، ويصح ظهار الذمي وبه قال الشافعي
وقال مالك وأبو حنيفة لا يصح لأن الكفارة لا تصح منه وهي الرافعة للتحريم فلا يصح منه التحريم ودليل
أن الكفارة لا تصح منه أنها تفتقر إلى النية فلا تصح منه كسائر العبادات
ولنا أن من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم فاما ما ذكروه فيبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم
565

وكذلك الحد يقام عليه ولا نسلم أن التكفير لا يصح منه فإنه يصح منه العتق وإنما لا يصح منه الصيام
فلا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة كما في حق العبد، والنية إنما تعتبر لتعيين الفعل
للكفارة فلا يمتنع ذلك في حق الكافر كالنية في كنايات الطلاق ومن يخنق في الأحيان يصح ظهاره
في إفاقته كما يصح طلاقه فيه
(فصل) ومن لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره كالطفل والزائل العقل بجنون أو اغماء أو نوم أو غيره
وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا ولا يصح ظهار المكره، وبه قال
الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو يوسف يصح ظهاره، والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في صحة
طلاقه وقد مضى ذكره.
* (مسألة) * (ويصح من كل زوجة كبيرة كانت أو صغيرة مسلمة أو ذمية ممكن وطؤها أو غير ممكن)
وبه قال مالك والشافعي وقال أبو ثور لا يصح الظهار ممن لا يمكن وطؤها لأن الظهار لتحريم وطئها
وهو ممتنع منه بغير اليمين. ولنا عموم الآية ولأنها زوجة يصح طلاقها فصح الظهار منها كغيرها
* (مسألة) * فإن ظاهر من أمته أو أم ولده لم يصح وعليه كفارة يمين ويحتمل أن تلزمه كفارة الظهار
وممن روي عنه انه لا يصح الظهار منهما ابن عمر وعبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب ومجاهد
والشعبي وربيعة والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وروي عن الحسن وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار
وسليمان بن يسار والزهري وقتادة والحكم والثوري ومالك في الظهار من الأمة كفارة تامة لأنها مباحة
566

له فصح الظهار منها كالزوجة وعن الحسن والأوزاعي إن كان يطؤها فهو ظهار وإلا فلا لأنه إذا لم
يطأها فهو كتحريم ماله، وقال عطاء عليه نصف كفارة حرة لأن الأمة على النصف من الحرة في كثير
من أحكامها وهذا من أحكامها فيكون على النصف
ولنا قوله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) فخصهن به ولأنه لفظ تعلق به تحريم الزوجة فلا
تحرم به الأمة كالطلاق، ولان الظهار كان طلاقا في الجاهلية فنقل حكمه وبقي محله قال أحمد قال
أبو قلابة وقتادة ان الظهار كان طلاقا في الجاهلية ويلزمه كفارة يمين لأنه تحريم لمباح من ماله فكانت
فيه كفارة يمين كتحريم سائر ماله، قال نافع حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمره الله ان يكفر يمينه
وعن أحمد عليه كفارة ظهار لأنه أتى بالمنكر من القول والزور وكما لو قالت المرأة لزوجها أنت علي
كظهر أبي قال أبو بكر لا يتوجه هذا على مذهب لأنه لو كانت عليه كفارة ظهار كان ظهارا ويحتمل ان
لا يلزمه شئ قاله أبو الخطاب بناء على قوله في المرأة إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي لا يلزمها
شئ فإن قال لامته أنت علي حرام فعليه كفارة يمين لقول الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله
لك؟ - إلى قوله - قد فرض الله لكم تحله أيمانكم) نزلت في تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لجاريته في قول بعضهم
ويخرج على الرواية الأخرى أن يلزمه كفارة ظهار لأن التحريم ظهار والأول هو الصحيح
إن شاء الله تعالى.
* (مسألة) * (وان قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة)
وجملة ذلك أن المراة إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي أو قالت إن تزوجت فلانا فهو علي
567

كظهر أبي فليس ذلك بظهار قال القاضي لا تكون مظاهرة رواية واحدة وهو قول أكثر أهل العلم
منهم مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الزهري والأوزاعي هو ظهار روي ذلك
عن الحسن والنخعي الا أن النخعي قال إذا قالت ذلك بعدما تزوجت فليس بشئ، ولعلهم يحتجون بأنها
أحد الزوجين ظاهر من الآخر فكان مظاهرا كالرجل
ولنا قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) فخصهم بذلك ولأنه قول يوجب تحريما في
الزوجة يملك الزوج رفعه فاختص به الرجل كالطلاق، ولان الحل في المرأة حق الرجل فلم تملك المرأة
إزالته كسائر حقوقه. إذا ثبت ذلك فاختلف عن أحمد في الكفارة فنقل عنه جماعة عليها كفارة الظهار
لما روى الأثرم باسناده عن إبراهيم أن عائشة بنت طلحة قالت إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي
كظهر أبى فسألت أهل المدينة فرأوا ان عليها الكفارة وروى علي بن مسهر عن الشيباني قال كنت
جالسا في المسجد أنا وعبد الله بن المغفل المري فجاء رجل حتى جلس إلينا فسألته من أنت فقال
أنا مولى لعائشة بنت طلحة أعتقتني عن ظهارها خطبها مصعب بن الزبير فقالت هو علي كظهر أبي
ان تزوجته ثم رغبت فيه بعد فاستفتت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ كثير فأمروها ان تعتق
رقبة وتتزوجه فتزوجته وأعتقتني، وروى سعيد هذين الخبرين مختصرين ولأنها زوج اتى بالمنكر من القول
والزور فلزمه كفارة الظهار كالآخر ولان الواجب كفارة يمين فاستوى فيها الزوجان كاليمين بالله تعالى
والرواية الثانية عليها كفارة يمين
قال احمد قد ذهب عطاء مذهبا حسنا جعله بمنزلة من حرم على نفسه شيئا كالطعام وما أشبه
568

وهذا أقيس على مذهب احمد وأشبه بأصوله لأنه ليس بظهار ومجرد القول من المنكر والزور لا يوجب
كفارة الظهار بدليل سائر الكذب والظهار قبل العود والظهار من أمته وأم ولده ولأنه تحريم لا يثبت
التحريم في المحل فلم يوجب كفارة الظهار كتحريم سائر الحلال ولأنه ظهار من غير امرأته فأشبه الظهار
من أمته وما روي عن عائشة بنت طلحة في عتق الرقبة فيجوز أن يكون اعتاقها تكفيرا ليمينها فإن
عتق الرقبة أحد خصال كفارة اليمين ويتعين وحمله على هذا لكون الموجود منها ليس بظهار وكلام
احمد في رواية الأثرم لا يقتضي وجوب كفارة الظهار وإنما قال الأحوط أن يكفر وكذا قال ابن المنذر
ولا شك أن الأحوط التكفير بأغلظ الكفارات ليخرج من الخلاف وعن أحمد رواية ثالثة لا شئ عليها
وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور لأنه قول منكر وزور وليس بظهار فلم يوجب كفارة
كالسب والقذف وإذا قلنا بوجوب الكفارة عليها فلا تجب عليها حتى يطأها وهي مطاوعة فإن طلقها
أو مات أحدهما قبل وطئها أو أكرهها على الوطئ فلا كفارة عليها لأنها يمين فلم تجب كفارتها قبل الحنث فيها
كسائر الايمان ويجوز تقديمها لذلك
* (مسألة) * (وعليها تمكين زوجها من وطئها قبل التكفير)
لأنه حق له عليها فلا يسقط بيمينها ولأنه ليس بظهار وإنما هو تحريم للحلال فلا يثبت تحريمها
كما لو حرم طعامه وقيل ظاهر كلام أبي بكر انها لا تمكنه قبل التكفير الحاقا بالرجل وليس بجيد لأن
الرجل ظهاره صحيح وظهار المرأة غير صحيح ولان حل الوطئ حق للرجل فملك رفعه وهو
حق عليها فلا تملك ازالته
569

* (مسألة) * وان قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي لم يطأها ان تزوجها حتى يكفر)
الظهار من الأجنبية صحيح سواء قال ذلك لامرأة بعينها أو قال كل النساء علي كظهر أمي
وسواء أوقعه مطلقا أو علقه على التزويج فقال كل امرأة تزوجها فهي علي كظهر أمي ومتى تزوج التي
ظاهر منها لم يطأها حتى يكفر يروى نحو ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب
وعروة وعطاء والحسن ومالك وإسحاق، ويحتمل ان لا يثبت حكم الظهار قبل التزويج وهو قول
الثوري وأبي حنيفة والشافعي، وروي ذلك عن ابن عباس لقول الله تعالى (والذين يظاهرون من
نسائهم) والأجنبية ليس من نسائه ولان الظهار يمين ورد الشرع بحكمها مقيدا بنسائه فلم يثبت حكمها
في الأجنبية كالايلاء فإن الله تعالى قال (والذين يظاهرون من نسائهم - كما قال - للذين يؤلون من نسائهم)
ولأنها ليست بزوجة فلم يصح الظهار منها كأمته ولأنه حرم محرمة فلم يلزمه شئ كما لو قال أنت حرام ولأنه
نوع تحريم فلم يتقدم النكاح كالطلاق
ولنا ما روى الإمام أحمد باسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله أنه قال في رجل قال إن تزوجت
فلانة فهي علي كظهر أمي فتزوجها قال عليه كفارة الظهار ولأنها يمين مكفرة فصح انعقادها قبل
النكاح كاليمين بالله تعالى واما الآية فإن التخصيص خرج مخرج الغالب فإن الغالب ان الانسان إنما
يظاهر من نسائه فلا يوجب تخصيص الحكم بهن كما أن تخصيص الربيبة التي في حجره بالذكر لم يوجب
اختصاصها بالتحريم وأما الايلاء فإنما اختص حكمه بنسائه لكونه يقصد الاضرار بهن دون غيرهن
والكفارة ههنا وجبت لقول المنكر والزور فلا يختص ذلك بنسائه ويفارق الظهار الطلاق من وجهين
570

(أحدهما) ان الطلاق حل قيد النكاح ولا يمكن حله قبل عقده والظهار تحريم للوطئ فيجوز تقديمه
على العقد الحيض
(الثاني) ان الطلاق يرفع العقد فلم يجز ان يسبقه وهذا لا يرفعه وإنما تعلق الإباحة على شرط فجاز
تقديمه واما الظهار من الأمة فقد انعقد يمينا وجبت به الكفارة ولم تجب كفارة الظهار لأنها ليست
امرأة له حال التكفير بخلاف مسئلتنا
(فصل) إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وقلنا بصحة الظهار من الأجنبية ثم
تزوج نساء وأراد العود فعليه كفارة واحدة سواء تزوجهن في عقد أو في عقود متفرقة نص عليه أحمد
وهو قول عروة وإسحاق لأنها يمين واحدة فكفارتها واحدة كما لو ظاهر من أربع نسائه بكلمة واحدة
وعنه ان لكل عقد كفارة فلو تزوج اثنتين في عقد وأراد العود فعليه كفارة واحدة ثم إذا تزوج أخرى
وأراد العود فعليه كفارة أخرى وروي ذلك عن إسحاق لأن المرأة الثالثة وجد العقد عليها الذي يثبت
به الظهار وأراد العود إليها بعد التفكير عن الأولتين فكانت لها عليه كفارة كما لو ظاهر منها ابتداء فإن
قال لأجنبية أنت علي كظهر أي وقال أردت أنها مثلها في التحريم في الحال دين في ذلك وهل يقبل في الحكم؟
يحتمل وجهين (أحدهما) لا يقبل لأنه صريح للظهار فلا يقبل صرفه إلى غيره (والثاني) يقبل لأنها حرام
عليه كما أن أمه عليه حرام
* (مسألة) * (وان قال لأجنبية أنت علي حرام وأراد في تلك الحال لم يكن عليه شئ لأنه صادق
وان أراد في كل حال لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر)
571

أما إذا أراد تحريمها في الحال أو أطلق فلا شئ عليه لذلك وان أراد تحريمها في كل حال فهو ظهار
لأن لفظة الحرام إذا أريد بها الظهار ظهار في الزوجة فكذلك في الأجنبية وصار كقوله أنت
علي كظهر أمي
* (مسألة) * (ويصح الظهار معجلا ومعلقا بشرط ومطلقا وموقتا نحو ان يقول أنت علي كظهر أمي
في شهر رمضان وان دخلت الدار فمتى انقضى الوقت زال الظهار وان أصابها فيه وجبت الكفارة عليه)
أما الظهار المطلق فهو ان يقول أنت علي كظهر أمي وقد سبق ذكره ويصح موقتا مثل ان يقول
أنت علي كظهر أمي شهرا أو حتى ينسلخ شهر رمضان فإذا مضى الوقت زال الظهار وحلت بلا كفارة
ولا يكون عائدا إلا بالوطئ في المدة وهذا قول ابن عباس وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأبي ثور
واحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يكون ظهارا وبه قال ابن أبي ليلى والليث لأن الشرع ورد بلفظ
الظهار مطلقا وهذا لم يطلق فأشبه ما لو شبهها بمن تحرم عليه في وقت دون وقت وقال طاوس إذا ظاهر في
وقت فعليه الكفارة وان بر وقال مالك يسقط التأقيت ويكون مظاهرا مطلقا لأن هذا لفظ يوجب
تحريم الزوجة فإذا وقته لم يتوقت
ولنا حديث سلمة بن صخر وقوله تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم
أنه أصابها في الشهر فأمره بالكفارة ولم يغير عليه تقييده ولأنه منع نفسه منها بيمين لها كفارة فصح
572

مؤقتا كالايلاء وفارق الطلاق فإنه يزيل الملك وهذا يقع تحريما يرفعه التكفير فجاز تأقيته ولا يصح
قول من أوجب الكفارة وان بر لأن الله تعالى إنما أوجب الكفارة على الذين يعودون لما قالوا ومن
بر وترك العود في الوقت الذي ظاهر فيه فلم يعد لما قال فلا تجب عليه كفارة وفارق التشبيه بمن لا تحرم
عليه على التأبيد لأن تحريمها غير كامل وهذه حرمها في هذه المدة تحريما مشبها بتحريم ظهر أمه على أنا نمنع
الحكم فيها إذا ثبت هذا فإنه لا يكون عائدا إلا بالوطئ في المدة وهذا المنصوص عن الشافعي وقال بعض
أصحابه ان لم يطلقها عقيب الظهار فهو عائد عليه الكفارة وقال أبو عبيد إذا أجمع على غشيانها في الوقت
لزمته الكفارة وإلا فلا لأن العود العزم على الوطئ
ولنا حديث سلمة بن صخر وأنه لم يوجب عليه الكفارة إلا بالوطئ ولأنها يمين لم يحنث فيها فلا يلزمه
كفارتها كاليمين بالله تعالى ولان المظاهر في وقت عازم على إمساك زوجته في ذلك الوقت فمن أوجب
عليه الكفارة كان قوله كقول طاوس فلا معنى لقوله يصح الظهار مؤقتا لعدم تأثير التأقيت
(فصل) ويصح تعليق الظهار بالشروط نحو ان يقول الرجل ان دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي
أو ان شاء زيد فأنت على كظهر أمي فمتى شاء زيد أو دخلت الدار صار مظاهرا وإلا فلا وبهذا قال
الشافعي وأصحاب الرأي لأنه يمين فجاز تعليقه على شرط كالايلاء ولان أصل الظهار أنه كان طلاقا
والطلاق يصح تعليقه بالشرط فكذلك الظهار ولأنه قول تحرم به الزوجة فصح تعليقه على شرط كالطلاق
ولو قال لامرأته ان تظاهرت من امرأتي الأخرى فأنت علي كظهر أمي ثم تظاهر من الأخرى صار
مظاهرا منهما جميعا وان قال إن تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي ثم قال للأجنبية
573

أنت علي كظهر أمي صار مظاهرا من امرأته عند من يرى الظهار من الأجنبية ومن لا فلا وقد ذكرنا ذلك
(فصل) وان قال أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم ينعقد ظهاره نص عليه أحمد فقال إذا قال لامرأته
عليه كظهر أمه إن شاء الله فليس عليه شئ هي يمين وقال ابن عقيل هو مظاهر ذكره في المحرر وإذا قال
ما أحل الله علي حرام إن شاء الله وله أهل هي يمين ليس عليه شئ وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب
الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنها يمين مكفرة فصح الاستثناء فيها كاليمين بالله تعالى أو كتحريم
ماله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه " رواه الترمذي وقال
حديث حسن غريب وفي لفظ " من حلف فاستثنى فإن شاء فعل وان شاء رجع غير حنث " رواه أبو داود
والنسائي وان قال أنت علي حرام والله لا أكلمك إن شاء الله عاد الاستثناء إليهما في أحد الوجهين لأن
الاستثناء إذا تعقب جملا عاد إلى جميعها إلا أن ينوي الاستثناء في بعضها فيعود إليه وحده وان قال أنت علي
حرام إذا شاء الله أو إلا ما شاء الله أو إلى أن يشاء الله أو ما شاء الله فكله استثناء يرفع حكم الظهار
ولان الشرط إذا تقدم يجاب بالفاء وان قال إن شاء الله أنت حرام فهو استثناء لأن الفاء مقدرة وان
قال إن شاء الله فأنت حرام صح أيضا والفاء زائدة وان قال أنت حرام إن شاء الله وشاء زيد فشاء زيد لم
يكن مظاهرا إلا أنه علقه على مشيئتين فلا يحصل بإحديهما قال رضي الله عنه
(فصل) في حكم الظهار، يحرم وطئ المظاهر منها قبل التكفير إذا كان التكفير بالعتق أو بالصيام
وليس في ذلك اختلاف لقول الله تعالى (فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا) قوله سبحانه (فمن لم
يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا) وأكثر أهل العلم على أن التكفير بالاطعام مثل ذلك منهم
574

عطاء والزهري والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد إباحة الوطئ قبل التكفير بالاطعام لأن الله تعالى
لم يمنع المسيس قبله كما في المعتق والصيام اختاره أبو بكر وهو قول أبي ثور لما ذكرنا
ولنا ما روى عكرمة عن ابن عباس ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني تظاهرت من
امرأتي فوقعت عليها قبل ان أكفر " فقال ما حملك على ذلك يرحمك الله؟ " قال رأيت خلخالها في ضوء
القمر فقال " لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن فحرم
عليه جماعها كما لو كانت كفارته العتق والصيام وترك النص عليها لا يمنع قياسها على المنصوص الذي في معناها
* (مسألة) * (وهل يحرم الاستمتاع منها بما دون الفرج؟ على روايتين)
(إحداهما) يحرم وهو قول أبي بكر وبه قال الزهري ومالك والأوزاعي وأبو عبيد وأصحاب
الرأي وهو أحد قولي الشافعي لأن ما حرم الوطئ من القول حرم دواعيه كالطلاق والاحرام (والثانية)
لا يحرم قال أحمد أرجو ألا يكون به بأس وهو قول الثوري وإسحاق وأبي حنيفة وحكي عن مالك أيضا
وهو القول الثاني للشافعي لأنه وطئ يتعلق بتحريمه مال فلم يتجاوزه التحريم كوطئ الحائض
* (مسألة) * (وتجب الكفارة بالعود وهو الوطئ نص عليه أحمد وأنكر قول مالك أنه العزم على الوطئ)
العود هو الوطئ عند أحمد رحمه الله وهو اختيار الخرقي فمتى وطئ لزمته الكفارة ولا تجب
قبل ذلك إلا أنها شرط لحل الوطئ فيأمر بها من اراده ليستحله بها كما يأمر بعقد النكاح من أراد
حال المرأة. وحكي نحو ذلك عن الحسن والزهري، وهو قول أبي حنيفة إلا أنه لا يوجب الكفارة
على من وطئ وهي عنده في حق من وطئ كمن لم يطأ.
وقال القاضي وأصحابه العود العزم على الوطئ إلا أنهم لم يوجبوا الكفارة على العازم إذا مات
575

أحدهما أو طلق قبل الوطئ إلا أبا الخطاب فإنه قال: إذا مات بعد العزم أو طلق فعليه الكفارة،
وهذا قول مالك وأبي عبيد، وقد أنكر أحمد هذا وقال مالك يقول إذا أجمع لزمته الكفارة،
فكيف يكون هذا لو طلقها بعدما يجمع كان عليه كفارة؟ إلا أن يكون يذهب إلى قول طاوس إذا
تكلم لزمه مثل الطلاق ولم يعجب أحمد قول طاوس.
وقال أحمد في قو تعالى (ثم يعودون لما قالوا) قال العود الغشيان إذا أراد أن يغشي كفر واحتج
من ذهب إلى هذا بقوله تعالى (ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) فأوجب الكفارة
بعد العود قبل التماس وما يحرم قبل الكفارة لا يجوز كونه متقدما عليها ولأنه قصد بالظهار تحريمها
فالعزم على وطئها عود فيما قصده ولان الظهار تحريم فإذا أراد استباحتها فقد رجع في ذلك التحريم
فكان عائدا. وقال الشافعي العود إمساكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه لأن ظهاره منها
يقتضي إبانتها فامساكها عود فيما قال. وقال داود: العود تكرار الظهار مرة ثانية لأن العود
في الشئ إعادته.
ولنا أن العود فعل ضد قوله ومنه العائد في هبته هو الراجع في الموهوب والعائد في عدته التارك
للوفاء بما وعد والعائد فيما نهى عنه فاعل المنهي عنه قال الله تعالى (ثم يعودون لما نهوا عنه) فالمظاهر
محرم للوطئ على نفسه ومانع لها منه فالعود فعله، وقولهم إن العود يتقدم التكفير والوطئ يتأخر عنه،
قلنا المراد بقوله (ثم يعودون) أي يريدون العود كقوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة) أي أردتم
ذلك وقوله (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) فإن قيل هذا تأويل وهو رجوع إلى وجوب الكفارة
576

بالعزم المجرد قلنا دليل التأويل ما ذكرنا، وأما الامر بالكفارة عند العزم فإنما أمر بها شرطا للحل
كالأمر بالطهارة لمن أراد النافلة والامر بالنية لمن أراد الصيام، فأما الامساك فليس بعود لأنه ليس بعود
في الظهار المؤقت فكذلك في المطلق ولان العود فعل ضد ما قاله والامساك ليس بضد له، وقولهم إن
الظهار يقتضي إبانتها ممنوع وإنما يقتضي تحريمها واجتنابها ولذلك صح توقيته ولأنه قال (ثم يعودون)
وثم للتراخي والامساك غير متراخ وأما قول داود فلا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أوسا وسلمة بن صخر
بالكفارة من غير إعادة للفظ ولان العود إنما هو في مقوله دون قوله كالعود في العدة والهبة والعود فيما
نهى عنه، ويدل على إبطال هذه الأقوال كلها أن الظهار يمين مكفرة فلا تجب الكفارة إلا بالحنث فيها
وهو فعل ما حلف على تركه كسائر الايمان وتجب الكفارة به كسائر الايمان ولأنها يمين تقتضي ترك
الوطئ فلا تجب كفارتها إلا به كالايلاء
* (مسألة) * (فإن مات أحدهما أو طلقها قبل الوطئ فلا كفارة عليه فإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر)
وجملة ذلك أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار فلو مات أحدهما أو فارقها قبل العود فلا كفارة
عليه وهو قول عطاء والنخعي والحسن والأوزاعي والثوري ومالك وأبي عبيد وأصحاب الرأي،
وقال طاوس ومجاهد والشعبي والزهري وقتادة: عليه الكفارة بمجرد الظهار لأنه سبب الكفارة
وقد وجد، ولان الكفارة وجبت لقول المنكر والزور، وهذا يحصل بمجرد الظهار. وقال الشافعي
متى أمسكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه فلم يطلقها فعليه الكفارة لأن ذلك هو العود عنده.
577

ولنا قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) فأوجب
الكفارة بأمرين ظهار وعود فلا يثبت بأحدهما ولان الكفارة في الظهار كفارة يمين فلا تجب بغير
الحنث كسائر الايمان والحنث فيها هو العود وذلك فعل ما حلف على تركه وهو الجماع وقد ذكرنا ذلك
في المسألة التي قبلها. إذا ثبت هذا فإنه لا كفارة عليه إذا مات قبل وطئها وكذلك إن فارقها سواء كان
ذلك متراخيا عن يمينه أو عقيبه وأيهما مات ورثه صاحبه في قول الجمهور وقال قتادة إن ماتت لم يرثها حتى يكفر
ولنا أن من ورثها إذا كفر ورثها وان لم يكفر كالمولى منها ومتى طلق من ظاهر منها ثم تزوجها
لم يحل له وطؤها حتى يكفر سواء كان الطلاق ثلاثا أو أقل منه وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر أو قبله
نص عليه أحمد وهو قول الحسن وعطاء والزهري والنخعي ومالك وأبي عبيد. وقال قتادة إذا بانت
سقط الظهار فإذا عاد فنكحها فلا كفارة عليه. وللشافعي قولان كالمذهبين وقول ثالث ان كانت
البينونة بالثلاث لم يعد الظهار وإلا عاد وبناه على الأقاويل في عود صفة الطلاق في النكاح الثاني.
ولنا عموم قوله تعالي (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل
أن يتماسا) وهذا قد ظاهر من امرأته فلا يحل أن يتماسا حتى يكفر ولأنه ظاهر من امرأته فلا يحل
له مسها قبل التكفير كالتي لم يطلقها ولان الظهار يمين مكفرة فلم يبطل حكمها بالطلاق كالايلاء
* (مسألة) * (وان وطئ قبل التكفير اثم واستقرت عليه الكفارة)
578

قد ذكرنا أن المظاهر يحرم عليه وطئ زوجته قبل التكفير لقول الله تعالى في العتق والصيام (من
قبل أن يتماسا) فإن وطئ عصى ربه وتستقر الكفارة في ذمته فلا تسقط بعد ذلك بموت ولا طلاق
ولا غيره وتحريم زوجته عليه باق حتى يكفر هذا قول أكثر أهل العلم.
روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطا وطاوس وجابر بن زيد ومورق العجلي والنخعي وعبد الله
ابن أذينة ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وتلزمه الكفارة إذا وطئها
وهو مجنون نص عليه في المجرد
* (مسألة) * (وتجزئه كفارة واحدة)
وهو قول الحسن وابن سيرين وبكر المزني ومورق وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وقتادة وحكي
عن عمرو بن العاص أن عليه كفارتين، وروي ذلك عن قبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة
لأن الوطئ يوجب كفارة والظهار يوجب أخرى، وقال أبو حنيفة لا تثبت الكفارة في ذمته وإنما هي
شرط للإباحة بعد الوطئ كما كانت قبله، وحكي عن بعض العلماء أن الكفارة تسقط لأنه قد فات
وقتها لكونها وجبت قبل المسيس
ولنا حديث سلمة بن صخر حين ظاهر ثم وطئ قبل التكفير فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة واحدة
ولأنه وجد الظهار والعود فيدخل في عموم قوله (ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) فاما قولهم فات وقتها
فيبطل بما ذكرناه وبالصلاة وسائر العبادات يجب قضاؤها بعد فوات وقتها
579

* (مسألة) * (وإن ظاهر من امرأته الأمة ثم اشتراها لم تحل له حتى يكفر، وقال أبو بكر يبطل
الظهار وتحل له فإن وطئها فعليه كفارة يمين)
وجملة ذلك أن الظهار يصح من كل زوجة أمة كانت أو حرة لعموم الآية فإذا ظاهر من زوجته
الأمة ثم ملكها انفسخ النكاح، واختلف أصحابنا في بقاء حكم الظهار فذكر الخرقي أنه باق ولا يحل
له الوطئ حتى يكفر وبه يقول مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي ونص عليه الشافعي، قال القاضي المذهب
ما ذكر الخرقي وهو قول أبي عبد الله بن حامد لقول الله تعالى [والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون
لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا] وهذا قد ظاهر من امرأته فلم يحل له مسها حتى يكفر، ولان الظهار
قد صح فيها وحكمه لا يسقط بالطلاق المزيل للملك والحل فبملك اليمين أولى ولأنها يمين انعقدت
موجبة للكفارة فوجبت دون غيرها كسائر الايمان، وقال أبو بكر عبد العزيز وأبو الخطاب يسقط
الظهار بملكه لها، وان وطئها حنث وعليه كفارة يمين كما لو تظاهر منها وهي أمته ويقتضي قول أبي بكر
وأبي الخطاب ههنا أن تباح قبل التكفير لأنه أسقط الظهار وجعله يمينا كتحريم أمته، فإن أعتقها عن
كفارته صح على القولين جميعا فإن تزوجها بعد ذلك حلت له بغير كفارة لأنه كفر عن ظهاره باعتاقها
ولا يمتنع إجزاؤها عن الكفارة التي وجبت بسببها كما لو قال إن ملكت أمة فلله علي عتق رقبة فملك
أمة فأعتقها، وإن أعتقها عن غير الكفارة ثم تزوجها لم تحل له حتى يكفر
* (مسألة) * [وإن كرر الظهار قبل التكفير فكفارة واحدة]
580

هذا ظاهر المذهب سواء كان في مجلس أو مجالس ينوي به التأكيد أو الاستئناف أو أطلق نقله
عن أحمد جماعة اختاره أبو بكر وابن حامد والقاضي وبه قال مالك وإسحاق وأبو عبيد والشافعي
في القديم ونقل عن أحمد من حلف أيمانا كثيرة فأراد التأكيد فكفارة واحدة فمفهومه أنه إن نوى
الاستئناف فكفارتان وهو قول الثوري والشافعي في الجديد، وقال أصحاب الرأي إن كان في مجلس فكفارة
واحدة، وإن كان في مجالس فكفارات وعن أحمد مثل ذلك، وروي ذلك عن علي وعمرو بن دينار لأنه
قول يوجب تحريم الزوجة فإذا نوى الاستئناف تعلق بكل مرة حكم كالطلاق
ولنا أنه قول لم يؤثر تحريما في الزوجة فلم تجب به كفارة الظهار كاليمين بالله تعالى ولا يخفى أنه لم
يؤثر تحريما فإنها حرمت بالقول الأول ولأنه لفظ يتعلق به كفارة فإذا تكرر كفاه كفارة واحدة كاليمين بالله
تعالى، وأما الطلاق فإن ما زاد منه على الثلاث لا يثبت له حكم بالاجماع وبهذا ينتقض ما ذكروه، وأما
الثالثة فإنها تثبت تحريما زائدا وهو التحريم قبل زوج وإصابة بخلاف الظهار الثاني فإنه لا يثبت به تحريم فنظير
الظهار الطلقة الثالثة لا يثبت بما زاد عليها تحريم ولا يثبت له حكم كذلك الظهار، فاما ان كفر عن الأول
ثم ظاهر لزمه للثاني كفارة بلا خلاف لأن الظهار الثاني مثل الأول فإنه حرم الزوجة المحللة فأوجب
الكفارة كالأول بخلاف ما قبل التكفير
* (مسألة) * (وان ظاهر من نسائه بكلمة واحدة فكفارة واحدة، وإن كان بكلمات فلكل واحدة كفارة)
إذا ظاهر من نسائه بلفظ واحد فقال أنتن علي كظهر أمي فليس عليه أكثر من كفارة بغير
خلاف في المذهب وهو قول عمر وعلي وعروة وطاوس وعطاء وربيعة ومالك والأوزاعي وإسحاق
581

وأبي ثور والشافعي في القديم، وقال الحسن والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري والحكم والثوري
وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد عليه لكل امرأة كفارة، وعن أحمد مثل ذلك من المحرر لأنه
وجد الظهار والعود في حق كل امرأة منهن فوجب عليه لكل واحدة كفارة كما لو أفردها
ولنا قول عمر وعلي رضي الله عنهما رواه عنهما الأثرم ولا نعرف لهما في الصاحبة مخالفا فكان
إجماعا ولان الظهار كلمة تجب بمخالفتها الكفارة فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين
بالله تعالى، وفارق ما إذا ظاهر بكلمات فإن كل كلمة تقتضي كفارة ترفعها وتكفر اثمها وههنا الكلمة واحدة
فالكفارة الواحدة ترفع حكمها وتمحوا إثمها فلا يبقى لها حكم. فاما ان كرره بكلمات فقال لكل
واحدة أنت علي كظهر أمي فإن لكل يمين كفارة وهذا قول عروة وعطاء قال أبو عبد الله بن حامد
المذهب رواية واحدة في هذا قال القاضي المذهب عندي ما ذكره الشيخ أبو عبد الله وقال أبو بكر فيه رواية
أخرى أنه يجزئه كفارة واحدة، واختار ذلك وقال هذا الذي قلناه اتباعا لعمر بن الخطاب والحسن
وعطاء وإبراهيم وربيعة وقبيصة وإسحاق لأن كفارة الظهار حق الله تعالى فلم تكرر بتكرر سببها
كالحدود وعليه يخرج الطلاق
ولنا أنها ايمان متكررة على أعيان متفرقة فكان لكل واحدة كفارة كما لو كفر ثم ظاهر ولأنها
ايمان لا يحنث في إحداها بالحنث في الأخرى فلا يكفرها كفارة واحدة كالأصل ولان الظهار معنى يوجب
الكفارة فتتعدد الكفارة بتعدده في المجال المختلفة كالقتل، ويفارق الحد فإنه عقوبة تدرأ بالشبهات
(فصل) فإن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي ثم تزوج نساء في عقد واحد فكفارة
582

واحدة وان تزوجهن في عقود فكذلك في إحدى الروايتين لأنها يمين واحدة، والأخرى لكل عقد
كفارة فعل هذا لو تزوج امرأتين في عقد وأخرى في عقد لزمته كفارتان لأن لكل عقد حكم نفسه فتعلق
بالثاني كفارة كالأول
* (فصل في كفارة الظهار وما في معناها) *
* (مسألة) * (كفارة الظهار على الترتيب فيجب عليه تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين
فإن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا)
والأصل في ذلك قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا)
الآيتين. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لخولة حين ظاهر منها زوجها " يعتق رقبة " قلت لا يجد قال " فيصوم شهرين
متتابعين " قلت يا رسول الله انه شيخ كبير ما به صيام قال " فيطعم ستين مسكينا " وهذا الترتيب
لا خلاف فيه إذا كان المظاهر حرا فأما العبد فنذكر حكمه إن شاء الله، تعالى وكفارة الوطئ في نهار
رمضان مثلها في ظاهر المذهب لما روى أبو هريرة ان رجلا قال يا رسول الله وقعت على امرأتي وأنا
صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا قال " فهل تستطيع ان تصوم شهرين متتابعين؟ "
قال لا قال " فهل تستطيع اطعام ستين مسكينا؟ " وذكر الحديث وهو صحيح متفق عليه وفي كفارة
الوطئ في رمضان رواية أنها على التخيير وقد ذكرنا ذلك في الصوم
* (مسألة) * (وكفارة القتل مثلها)
583

لأن التحرير والصيام منصوص عليهما في كتاب الله تعالى إلا الاطعام ففي وجوبه روايتان
(إحداهما) لا يجب لأن الله تعالى لم يذكره في الكفارة (والثانية) يجب قياسا على كفارة الظهار والجماع
في نهار شهر رمضان
* (مسألة) * (والاعتبار في الكفارة بحال الوجوب في إحدى الروايتين)
وهي ظاهر كلام الخرقي لأنه قال إذا حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق فعليه الصوم لا يجزئه
غيره وكذلك قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن عبد حلف على يمين فحنث فيها وهو عبد فلم
يكفر حتى عتق أيكفر كفارة حر أو كفارة عبد؟ قال يكفر كفارة عبد لأنه إنما يكفر ما وجب عليه يوم
حنث لا يوم حلف قلت له حلف وهو عبد وحنث وهو حر قال يوم حنث واحتج فقال افترى وهو عبد
أي ثم أعتق فإنما يجلد جلد العبد وهذا أحد أقوال الشافعي، فعلى هذه الرواية يعتبر يساره واعساره حال
وجوبها عليه فإن كان موسرا حال الوجوب استقر وجوب الرقبة عليه فلم تسقط باعساره بعد ذلك وإن كان
معسرا ففرضه الصوم فإذا أسر بعد ذلك لم يلزمه الانتقال إلى الرقبة (والرواية الثانية) الاعتبار بأغلظ
الأحوال من حين الوجوب إلى حين التكفير فمتى وجد رقبة فيما بين الوجوب إلى حين التكفير لم يجزئه
إلا الاعتاق وهو قول ثان للشافعي لأنه حق يجب في الذمة بوجود مال فاعتبر فيه أغلظ الأحوال كالحج،
وله قول ثالث ان الاعتبار بحالة الأداء وهو قول أبي حنيفة ومالك لأنه حق له بدل من غير جنسه فكان
الاعتبار فيه بحالة الأداء كالوضوء
ولنا ان الكفارة تجب على وجه الطهرة فكان الاعتبار فيها بحالة الوجوب كالحد أو نقول من
وجب عليه الصيام في الكفارة لم يلزمه غيره كالعبد إذا عتق، ويفارق الوضوء فإنه لو تيمم ثم وجد الماء
لما بطل تيممه وههنا لو صام ثم قدر على الرقبة لم يبطل صومه وليس الاعتبار في الوضوء بحالة الأداء
584

إنما الاعتبار بأداء الصلاة فأما الحج فهو عبادة العمر وجميعه وقت لها فمتى قدر عليه في جزء من وقته
وجب بخلاف مسئلتنا ثم يبطل ما ذكروه فإن قيل العبد كان ممن لا تجب عليه الرقبة ولا تجزئه في حال
رقه فلما لم تجزئه لم تلزمه بتغير الحال بخلاف مسألتنا قلنا هذا مما لا أثر له
(فصل) وإذا قلنا إن الاعتبار بحالة الوجوب وكان معسرا ثم أيسر فله الانتقال إلى العتق ان شاء
وهو قول الشافعي على القول الذي يوافقنا فيه بان الاعتبار بحالة الوجوب لأن العتق هو الأصل فوجب
ان يجزئه كسائر الأصول وعن أحمد في العبد إذا أعتق لا يجزئه غير الصوم وهذا على قولنا ان الاعتبار
بحالة الوجوب وهي حين حنث اختاره الخرقي لأنه حنث وهو عبد فلم يكن يجزئه غير الصوم فكذلك
بعد وقد نص أحمد على أنه يكفر كفارة عبد قال القاضي وفي ذلك نظر ومعناه أنه لا يلزمه التكفير
بالمال فإن كفر به أجزأه وهذا منصوص الشافعي ومن أصحابه من قال كقول الخرقي ووجه ذلك أنه
حكم تعلق بالعبد في رقه فلم يتغير بحريته كالحد وهذا على القول الذي لا يجوز للعبد التكفير بالمال بأذن
سيده فأما على القول الآخر فله التكفير ههنا بطريق الأولى لأنه إذا جاز له في حال رقه ففي حال
حريته قد زال ذلك فلا حاجة إلى إذنه فأما ان قلنا الاعتبار في التكفير بأغلظ الأحوال لم يكن له ان
يكفر إلا بالمال إن كان له مال فأما ان حلف وهو عبد وحنث وهو حر فحكمه حكم الأحرار لأن الكفارة
لا تجب قبل الحنث وإنما وجبت وهو حر والله أعلم
* (مسألة) * (فإن شرع في الصوم ثم قدر على العتق لم يلزمه الانتقال إليه)
وبه قال الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وهو أحد قولي
الحسن ويحتمل ان يلزمه واليه ذهب ابن سيرين وعطاء والنخعي والحكم وحماد والثوري وأبو عبيد
585

وأصحاب الرأي لأنه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل فلزمه العود إليه كالمتيمم يجد الماء قبل
الصلاة أو في أثنائها
ولنا أنه لم يقدر على العتق قبل تلبسه بالصيام فأشبه ما لو استمر العجز إلى ما بعد الفراغ ولأنه
وجد المبدل بعد الشروع في صوم البدل فلم يلزمه الانتقال إليه كالمستمتع يجد الهدى بعد الشروع في
الأيام السبعة ويفارق ما إذا وجد الماء في الصلاة قضاؤها يسير والمشقة في هذا أكبر
(فصل) وإذا قلنا الاعتبار بحال الوجوب فوقته في الظهار من حين العود لا وقت المظاهرة لأن
الكفارة لا تجب حتى يعود ووقته في اليمين من الحنث لا وقت اليمين وفي القتل زمن الزهوق لا زمن
الجرح وتقديم الكفارة قبل الوجوب تعجيل لها قبل وجوبها لوجود سببها كتعجيل الزكاة قبل
الحول بعد كمال النصاب
(فصل) إذا كان المظاهر ذميا فتكفيره بالعتق أو بالاطعام لأنه يصح منه في غير الكفارة فصح
منه فيها وليس له الصيام لأنها عبادة محضة والكافر ليس من أهلها ولأنه لا يصح منه في غير الكفارة
فلا يصح منه فيها ولا يجزئه في العتق إلا عتق رقبة مؤمنة فإن كانت في ملكه أو ورثها أجزأت عنه وان
لم يكن كذلك فلا سبيل له إلى شراء رقبة مؤمنة لأن الكافر لا يصح منه شراء المسلم ويتعين تكفيره
بالاطعام إلا أن يقوم لمسلم أعتق عن كفارتي وعلي تمنه فيصح في إحدى الروايتين وان أسلم الذمي قبل
التكفير بالاطعام فحكمه حكم العبد يعتق قبل التكفير بالصيام على ما مضى لأنه في معناه وان ظاهر
وهو مسلم ثم ارتد وصام في ردته عن كفارته لم يصح وان كفر بعتق أو اطعام فقد اطلق أحمد القول
586

أنه لا يجزئه وقال القاضي المذهب ان ذلك موقوف فإن أسلم تبينا أنه أجزأه وان مات أو قتل تبينا أنه
لم يصح منه كسائر تصرفاته
(فصل) قال الشيخ رحمه الله فمن ملك رقبة أو أمكنه تحصيلها فاضلا عن كفايته وكفاية من
يمونه على الدوام وغيرها من حوائجه الأصلية بثمن مثلها لزمه العتق أجمع أهل العلم على ذلك وأنه ليس
له الانتقال إلى الصيام إذا كان مسلما حرا
* (مسألة) * (فإن كانت له رقبة يحتاج إلى خدمتها لكبر أو مرض أو زمن أو عظم خلق ونحوه
مما يعجز عن خدمة نفسه أو يكون ممن لا يخدم نفسه في العادة ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته
فليس عليه الاعتاق)
وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي متى وجد رقبة لزمه اعتاقها ولم يجز له
الانتقال إلى الصيام سواء كان محتاجا إليه أو لم يكن لأن الله تعالى شرط في الانتقال إلى الصيام ان
لا يجد رقبة بقوله (فمن لم يجد) وهذا واجد وان وجد ثمنها وهو محتاج إليه لم يلزمه شراؤها وبه قال أبو
حنيفة وقال مالك يلزمه لأن وجدان ثمنها كوجدانها
ولنا ان ما استغرقته حاجة الانسان فهو كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل كمن وجد ماء يحتاج
إليه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم فإن كان له خادم وهو ممن يخدم نفسه عادة لزمه اعتاقها لأنه
فاضل عن حاجته بخلاف من لم تجر عادته بخدمة نفسه فإن عليه مشقة في اعتاق خادمه وتضييعا لكثير
من حوائجه وإن كان له خادم يخدم امرأته وهو ممن عليه خدمتها أو كان له رقيق يتقوت بخراجهم
لم يلزمه العتق لما ذكرنا
587

* (مسألة) * (فإن كان له دار يسكنها أو عقار يحتاج إلى غلته لمؤنته أو عرض للتجارة لا يستغني عن
ريحه في مؤنته لم يلزمه العتق)
وان استغنى عن شئ من ذلك مما يمكنه ان يشتري به رقبة لزمه لأنه واجد للرقبة وان كانت له
رقبة تخدمه يمكنه بيعها وشراء رقبتين بثمنها يستغني بخدمة إحداهما ويعتق الأخرى لزمه لأنه لا ضرر في
ذلك وهكذا لو كانت له ثياب فاخره تزيد على ملابس مثله يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه في لباسه ورقبة
يعتقها لزمه ذلك وكذلك ان كانت له دار يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه لسكني مثله ورقبة أو ضيعة يفضل
منها عن كفايته ما يمكنه به شراء رقبة ومراعي في ذلك الكفاية التي يحرم معها أخذ الزكاة فإذا فضل
عن ذلك شئ يمكنه شراء رقبة به لزمته الكفارة وإن كان له دابة يحتاج إلى ركوبها أو كتب يحتاج
إليها لم يلزمه العتق ومذهب الشافعي في هذا الفصل على نحو ما ذكرنا وان كانت له سرية لم يلزمه
اعتاقها لأنه محتاج إليها وان أمكنه بيعها وشراء سرية أخرى ورقبة يعتقها لم يلزمه ذلك لأن الغرض قد
يتعلق بعينها فلا يقوم غيرها مقامها سيما إذا كان بدون مثلها
* (مسألة وان وجد رقبة بثمن مثلها لزمه شراؤها وان كانت بزيادة تجحف بماله لم يلزمه شراؤها
لأن عليه ضررا في ذلك وان كانت الزيادة لا تجحف بما له ففيه وجهان
(أحدهما) يلزمه لأنه قدر على الرقبة بثمن يقدر عليه لا تجحف به فأشبه ما لو بيعت بثمن مثلها
(والثاني) لا يلزمه لأنه لم يجد رقبة بثمن مثلها فأشبه العادم واصل الوجهين العادم للماء إذا وجده بزيادة على
ثمن مثله فإن وجد رقبة بثمن مثلها إلا انها رقبة رفيعة يمكن ان يشتري بثمنها رقابا من غير جنسها لزمه
588

شراؤها لأنها بثمن مثلها ولا يعد شراؤها بذلك ضررا وإنما الضرر في اعتاقها وذلك لا يمنع الوجوب
كما لو كان مالكا لها
* (مسألة) * (وان وهب له رقبة لم يلزمه قبولها)
لأن عليه منة في قبولها وذلك ضرر في حقه
* (مسألة) * (وإن كان ماله غائبا وأمكنه شراؤها بنسيئة فقد ذكر شيخنا فيما إذا عدم الماء فبذل له
بثمن في الذمة يقدر على أدائه في بلده وجهين
أحدهما يلزمه شراؤه قاله القاضي لأنه قادر على اخذه بما لا مضرة فيه وقال أبو الحسن التميمي
لا يلزمه لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته وربما تلف ماله قبل أدائه فيخرج ههنا على وجهين
والأولى إن شاء الله انه لا يلزمه لذلك وإن كان ماله غائبا ولم يمكنه شراؤها نسيئة فإن كان مرجو
الحضور قريبا لم يجز الانتقال إلى الصيام لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة وإن كان بعيدا لم يجز
الانتقال إلى الصيام في غير كفارة الظهار لأنه لا ضرر في الانتظار وهل يجوز في كفارة الظهارة؟ على وجهين
(أحدهما) لا يجوز لوجود الأصل في ماله لوجود الكفارات (والثاني) يجوز لأنه يحرم عليه المسيس
فجاز له الانتقال للحاجة فإن قيل فلو عدم الماء وثمنه جاز له الانتقال إلى التيمم وإن كان قادرا عليهما
في بلده قلنا الطهارة تجب لأجل الصلاة وليس له تأخيرها عن وقتها فدعت الحاجة إلى الانتقال بخلاف
مسئلتنا ولأننا لو منعناه من التيمم لوجود العذر للقدرة على الماء في بلده بطلت رخصة التيمم فإن
كل أحد يقدر على ذلك
* (مسألة) * (ولا يجزئ في كفارة القتل الا رقبة مؤمنة)
لقول الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة) وكذلك في سائر الكفارات في ظاهر
589

المذهب وهو قول الحسن وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وعن أحمد رواية ثانية انه يجزئ
فيما عدا كفارة القتل من الظهار وغيره عتق رقبة ذمية وهو قول عطاء والثوري والنخعي وأبي ثور
وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن الله تعالى أطلق الرقبة في كفارة الظهار فوجب ان يجزئ ما تناوله الاطلاق
ولنا ما روى معاوية بن الحكم قال كانت لي جارية فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت علي رقبة أفأعتقها؟ فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين الله؟ - قالت في السماء - قال - من انا؟ قالت أنت رسول الله فقال رسول صلى الله عليه وسلم - أعتقها
فإنها مؤمنة " أخرجه مسلم فعلل جواز اعتاقها عن الرقبة التي عليها بأنها مؤمنة فدل على أنه لا يجزئ عن
الرقبة التي عليها الا مؤمنة ولأنه عتق في كفارة فلا يجزئ فيه الكفارة ككفارة القتل والجامع بينهما
ان الاعتاق يتضمن تفريغ العبد المسلم لعبادة ربه وتكميل أحكامه وعبادته وجهاده ومعونة المسلمين فناسب
ذلك شرع اعتاقه في الكفارة تحصيلا لهذا المصالح والحكم مقرون بها في كفارة القتل المنصوص
على الايمان فيها فيعلل بها ويتعدى ذلك إلى كل عتق في كفارة مختص بالمؤمنة لاختصاصها بهذه الحكمة
فأما المطلق الذي احتجوا به فإنه يحمل على المقيد في كفارة القتل كما حمل مطلق قوله تعالى (واستشهدوا
شهيدين من رجالكم) على المقيد في قوله (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وان لم يحمل عليه من جهة
اللغة حمل عليه من جهة القياس
* (مسألة) * (ولا يجزئ الا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا)
لأن المقصود تمليك العبد منافعه وتمكينه من التصرف لنفسه ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا
590

بينا فلا يجزئ الأعمى لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع ولا المقعد وكذلك مقطوع اليدين والرجلين
أو أشلهما لأن اليدين آلة البطش والرجلين آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما ولا يجزئ
المجنون جنونا مطبقا لأنه وجد فيه المعنيان ذهاب منفعة الجنس وحصول الضرر بالعمل وبهذا قال مالك
والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وحكي عن داود انه جوز كل رقبة يقع عليها الاسم اخذا باطلاق اللفظ
ولنا ان هذا نوع كفارة فلم يجزئ مطلق ما يقع عليه الاسم كالاطعام فإنه لا يجزئ ان يطعم مسوسا
ولا عفنا وإن كان سمى طعاما والآية مقيدة بما ذكرناه
* (مسألة) * (لا يجزئ مقطوع اليد أو الرجل ولا أشلهما ولا مقطوع ابهام اليد أو سبابتها أو الوسطى)
لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء ولا يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة لأن نفع
اليد يزول أكثره بذلك وان قطعت كل واحدة منهما من يد جاز لأن نفع الكفين باق وقطع أنملة
الابهام كقطعها لأن نفعها يذهب بذلك لكونها أنملتين وإن كان من غير الابهام لم يمنع لأن منفعتها
لا تذهب فإنها تصير كالأصابع القصار حتى لو كانت أصابعه كلها غير الابهام قد قطعت من كل واحدة
منهما أنملة لم يمنع وان قطع من الإصبع أنملتان فهو كقطعها لأنه يذهب بمنفعتها وهذا كله مذهب
الشافعي وقال أبو حنيفة يجزئ مقطوع إحدى اليدين واحدى الرجلين ولو قطعت يده ورجله جميعا
من خلاف أجزأ لأن منفعة الجنس باقية فأجزأ في الكفارة كالأعور وأما ان قطعتا من وفاق اي
من جانب واحد لم يجزئ لأن منفعة الشئ تذهب
ولنا ان هذا يؤثر في العلم ويضر ضررا بينا فيمنع كما لو قطعتا من وفاق ويخالف العور فإنه
لا يضر ضررا بينا
591

ولنا فيه منع وان سلم فالاعتبار بالضرر أولى بالاعتبار بمنفعة الجنس فإنه لو ذهب شمه أو قطعت
أذناه معا أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس
* (مسألة) * (ولا يجزئ المريض المأيوس من برئه كمرض السل)
لأن برأه يندر ولان يتمكن من العمل مع بقائه وإن كان المرض يرجى زواله كالحمى ونحوها لم
يمنع الاجزاء في الكفارة ولا يجزئ النحيف العاجز عن العمل لأنه كالمريض المأيوس من برئه وإن كان
يتمكن من العمل أجزأ
* (مسألة) * (ولا يجزئ غائب)
لا يعلم خبره لأنه مشكوك في حياته والأصل بقاء شغل الذمة فلا تبرأ بالشك وهو مشكوك في
وجوده فيشك في اعتاقه فإن قيل الأصل حياته قلنا إن الموت قد علم أنه لابد منه وقد وجدت دلالة
عليه وهو انقطاع اخباره فإن تبين بعد هذا كونه حيا صح اعتاقه وتبينا براءة ذمته من الكفارة وإلا
فلا وان لم ينقطع خبره أجزأ عتقه لأنه عتق صحيح:
* (مسألة) * (ولا يجزئ مجنون مطبق لأنه لا يقدر على العمل)
* (مسألة) * (ولا يجزئ الأخرس)
وهو قول القاضي وبعض الشافعية قال شيخنا والأولى أنه متى فهمت إشارته وفهم إشارة غيره
أنه يجزئ لأن الإشارة تقوم مقام الكلام في الافهام وأحكامه كلها تثبت إشارته فكذلك عتقه وكذلك
الأخرس الذي تفهم إشارته، وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور وعن أحمد أنه لا يجزئ وبه قال
592

أصحاب الرأي لأن منفعة الجنس ذاهبة فأشبه زائل العقل ولان الخرس نقص كبير يمنع كثيرا من
الأحكام مثل القضا والشهادة وكثير من الناس لا تفهم إشارته فيتضرر بترك استعماله، والأول أولى
إن شاء الله لما ذكرنا، وذهاب منفعة الجنس لا يمنع الاجزاء كذهاب الشم وذهاب الشم لا يمنع الاجزاء
لأنه لا يضر بالعمل ولا بغيره ويجزئ مقطوع الاذنين وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي، وقال
مالك وزفر لا يجزئ
ولنا ان قطعهما لا يضر بالعمل ضررا بينا فلم يمنع كنقص السمع بخلاف قطع اليدين ويجزئ
مقطوع الانف لذلك.
* (مسألة) * (ولا يجزئ عتق من علق عتقه بصفة عند وجودها)
فأما ان علق عتقه للكفارة وأعتقه عند وجود الصفة أجزأه لأنه أعتق عبده الذي يملكه عن
كفارته ولا يجزئ عتق المدبر لأن عتقه مستحق في غير الكفارة فلم يجزئه كالذي استحق عليه
الاطعام في النفقة فدفعه في الكفارة.
* (مسألة) * (ولا يجزئ من يعتق عليه بالقرابة)
وجملة ذلك أنه إذا اشترى من يعتق عليه إذا ملكه ينوي بشرائه عتقه عن الكفارة عتق ولم
يجزئه وبهذا قال مالك والشافعي وأبي ثور وقال أصحاب الرأي يجزئه استحسانا لأنه يجزئ عن كفارة
البائع فأجزأ عن كفارة المشتري كغيره
ولنا قوله تعالى (فتحرير رقبة) والتحرير فعل العتق ولم يحصل العتق ههنا بتحرير منه ولا
593

اعتاق فلم يكن ممتثلا للامر ولان عتقه مستحق بسبب آخر فلم يجزئه كما لو ورثه ينوي به العتق عن
كفارته أو كأم الولد ويخالف المشتري البائع من وجهين (أحدهما) أن البائع يعتقه والمشتري لم
يعتقه وإنما يعتق باعتاق الشرع عن غير اختيار منه (الثاني) أن البائع لا يستحق عليه اعتاقه
والمشتري بخلاف ذلك
(فصل) إذا اشترى عبدا ينوي اعتاقه عن كفارته فوجد به عيبا لا يمنع من الاجزاء في الكفارة
وأخذ أرشه ثم أعتق العبد عن كفارته أجزأه وكان الأرش له لأن العتق إنما وقع على العبد المعيب
دون الأرش فإنه أعتقه قبل العلم بالعيب ثم ظهر على العيب فاخذ أرشه فهو له كما لو اخذ قبل اعتاقه
وعنه أنه يصرف الأرش في الرقاب لأنه أعتقه معتقدا أنه سليم فكان بمنزلة العوض عن حق الله
تعالى فكان الأرش مصروفا في حق الله تعالى كما لو باعه كان الأرش للمشتري فإن علم العيب ولم يأخذ
أرشه حتى أعتقه كان الأرش للمعتق لأنه أعتقه معيبا عالما بعيبه فلم يلزمه أرش كما لو باعه
لمن يعلم عيبه.
* (مسألة) * (ولا يجزئ من اشتراه بشرط العتق)
في ظاهر المذهب وهو ظاهر مذهب الشافعي، وقد روي عن معقل بن يسار ما يدل عليه وذلك
لأنه إذا اشتراه بشرط العتق فالظاهر أن البائع نقصه من الثمن لأجل هذا الشرط فكأنه أخذ عن
العتق عوضا فلم يجزئه عن الكفارة. قال أحمد ان كانت رقبة واجبة لم تجزئه لأنها ليست رقبة
سليمة ولان عتقها مستحق بسبب آخر وهو الشرط فلم يجزئه كما لو اشترى قريبه فنوى بشرائه
594

العتق عن الكفارة أو قال إن دخلت الدار فأنت حر ثم نوى عند دخوله أنه عن كفارته
(فصل) ولو قال رجل له أعتق عبدك عن كفارتك ولك عشرة دنانير ففعل لم يجزئه عن الكفارة
لأن الرقبة لم تقع خالصة عن الكفارة، وذكر القاضي ان العتق كله يقع عن باذل العوض وله ولاؤه
وهذا فيه نظر فإن المعتق لم يعتقه عن باذل العوض ولا رضي باعتاقه عنه وباذل العوض لم يطلب
ذلك، والصحيح أن اعتاقه عن المعتق والولاء له فإن رد العشرة على باذلها ليكون العتق عن الكفارة
لم يجز عنها لأن العتق إذا وقع على صفة لم ينتقل عنها وان قصد العتق عن الكفارة وحدها وعزم على
رد العشرة أو رد العشرة قبل العتق وأعتقه عن كفارته أجزأه
* (مسألة) * (ولا أم ولده في الصحيح عنه)
هذا ظاهر المذهب وبه قال الأوزاعي ومالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد
رواية أخرى أنها تجزئ يروى ذلك عن الحسن وطاوس والنخعي وعثمان البتي لقول الله تعالى (فتحرير
رقبة) ومعتقها قد حررها
ولنا أن عتقها مستحق بسبب آخر فلم تجز عنه كما لو اشترى قريبه أو عبدا بشرط العتق فاعتقه
وكما لو قال لعبده أنت حر ان دخلت الدار ونوى عتقه عن كفارته عند دخوله والآية مخصوصة
بما ذكرنا فنقيس عليه ما اختلفنا فيه وولد أم الولد الذي ولدته بعد كونها أم ولد حكمه حكمها فيما ذكرناه
لأن حكمه حكمها في العتق بموت سيدها
* (مسألة) * ولا يجزئ مكاتب قد أدى من كتابته شيئا في اختيار شيوخنا وعنه يجزئ وعنه
لا يجزئ مكاتب بحال)
595

روي عن أحمد رحمه الله في المكاتب ثلاث روايات:
(إحداهن) يجزئ مطلقا اختاره أبو بكر وهو مذهب أبي ثور لأن المكاتب عبد يجوز بيعه
فأجزأ عتقه كالمدبر ولأنه رقبة فيدخل في عموم مطلق قوله سبحانه (فتحرير رقبة)
(والثانية) لا يجزئ مطلقا وهو قول مالك والشافعي وأبو عبيد لأن عتقه مستحق بسبب آخر
ولهذا لا يملك ابطال كتابته فأشبه أم الولد
(والثالثة) إن كان أدى شيئا من كتابته لم يجزئه ولا أجزأه وبه قال الليث والأوزاعي وإسحاق
وأصحاب الرأي قال القاضي هو الصحيح لأنه إذا أدى شيئا فقد حصل العوض عن بعضه فلم يجز
كما لو أعتق بعض رقبة وإذا لم يؤد فقد أعتق رقبة كاملة مؤمنة سالمة الخلق تامة الملك لم
يحصل عن شئ منها عوض فأجزأ عتقها كالمدبر ولو أعتق عبدا عن مال يأخذه من العبد لم يجز عن
كفارته في قولهم جميعا.
(فصل) ولا يجزئ اعتاق الجنين في قول أكثر أهل العلم، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وقال
أبو ثور يجزئ لأنه آدمي مملوك يصح اعتاق فصح عن الرقبة كالمولود
ولنا أنه لم يثبت له أحكام الدنيا بعد فإنه لا يملك الا بالإرث والوصية ولا يشترط لهما كونه آدميا
لكونه يثبت له ذلك وهو نطفة أو علقة وليس بآدمي في تلك الحال
(فصل) فإن أعتق غيره عنه عبدا بغير اذنه لم يقع عن المعتق عنه إذا كان حيا وولاؤه للمعتق ولا
596

يجزئ من كفارته وان نوى ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكى عن مالك أنه يجزئ إذا
أعتق عن واجب على غيره بغير اذنه لأنه قضى عنه واجبا فصح كما لو قضى عنه دينا
ولنا انه عبادة من شرطها النية فلم يصح أداؤها عمن وجب عليه بغير أمره مع كونه من أهل الامر
كالحج ولأنه أحد خصال الكفارة فلم يصح عن المكفر بغير أمره كالصيام، وهكذا الخلاف فيمن كفر
عنه بالاطعام، فاما الصيام فلا يجوز ان ينوب عنه اذنه ولا بغير اذنه لأنه عبادة بدنية فلا تدخلها النيابة
فأما إن أعتق عنه بأمره نظرت فإن جعل له عوضا صح العتق عن المعتق عنه وله ولاؤه وأجزأ عن
كفارته بغير خلاف علمناه وبه يقول أبو حنيفة والشافعي وغيرهما لأنه حصل العتق عنه بماله فأشبه
ما لو اشتراه ووكل البائع في إعتاقه عنه وإن لم يشترط عوضا ففيه روايتان.
(إحداهما) يقع العتق عن المعتق عنه ويجزئ عن كفارته وهو قول مالك والشافعي لأنه أعتق
عنه بأمره فصح كما لو شرط عوضا.
(والأخرى) لا يجزئ والولاء للمعتق وهو قول أبي حنيفة لأن العتق بعوض كالبيع وبغير عوض
كالهبة ومن شرط الهبة القبض ولم يحصل فلم يقع عن الموهوب له، ويفارق البيع لأنه لا يشترط فيه
القبض، فإن كان المعتق عنه ميتا وكان قد وصى بالعتق عنه صح لأنه بأمره وان لم يوص فأعتق عنه
أجنبي لم يصح لأنه ليس بنائب عنه، وإن أعتق عنه وارثه فإن لم يكن عليه واجب لم يصح العتق عنه
ووقع عن المعتق، وإن كان عليه عتق واجب صح العتق عنه لأنه نائب عنه في ماله وأداء واجباته
فإن كنت عليه كفارة يمين فأطعم عنه جاز، وإن أعتق عنه ففيه وجهان
597

(أحدهما) ليس له ذلك لأنه غير متعين فجرى مجرى التطوع (والثاني) يجزئ لأن العتق يقع
واجبا لأن الوجوب يتعين فيه بالفعل فأشبه المعين ولأنه أحد خصال كفارة اليمين فجاز أن يفعله عنه
كالاطعام والكسوة، ولو قال من عليه الكفارة أطعم عن كفارتي أو اكس صح إذا فعل رواية واحدة
سواء ضمن له عوضا أو لا
* (مسألة) * (ويجزئ الأعرج يسيرا)
لأنه قليل الضرر بالعمل فإن كان فاحشا كثيرا لم يجز لأنه يضر بالعمل فهو كقطع الرجل ويجزئ
المجدع الانف والاذن، وفي مجدع الاذنين خلاف ذكرناه، ويجزئ المجبوب والخصي ومن يخنق
في الأحيان والأصم لأن هذا لا يضر بالعمل، وتجزئ الرتقاء والكبيرة التي تقدر على العمل لأن ما لا
يضر بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه وتكميل أحكامه فحصل الاجزاء به كالسالم من العيوب.
(فصل) ويجزئ عتق الجاني وان قتل قصاصا والمرهون وعتق المفلس عبده إذا قلنا بصحة عتقه
(فصل) ويجزي الأعور في قولهم جميعا، وقال أبو بكر فيه قول آخر لا يجزئ لأنه نقص يمنع
التضحية والاجزاء في الهدي فأشبه العمى، والصحيح ما ذكرناه فإن المقصود تمليك العبد المنافع وتكميل
الأحكام والعور لا يمنع ذلك، ولأنه لا يضر بالعمل أشبه قطع إحدى الاذنين، ويفارق العمى فإنه يضر
بالعمل ضررا بينا ويمنع كثيرا من الصنائع ويذهب بمنفعة الجنس، ويفارق قطع إحدى اليدين أو
الرجلين فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما وأما الأضحية
598

والهدي فإنه لا يمنع منهما مجرد العور وإنما يمنع انخساف العين لأنها عضو مستطاب ولان الأضحية يمنع
فيها قطع الاذن والقرن والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل
* (مسألة) * (ويجزئ عتق المدبر)
وهذا قول طاوس والشافعي وأبى ثور وابن المنذر، وقال مالك والأوزاعي وأبو عبيد وأصحاب
الرأي: لا يجزئ لأن عتقه مستحق بسبب آخر فأشبه أم الولد ولان بيعه عندهم غير جائز فهو كأم الولد
ولنا قوله تعالى (فتحرير رقبة) وقد حرر رقبة ولأنه عبد كامل المنفعة لم يحصل عن شئ منه
عوض فجاز عتقه كالقن ولأنه يجوز بيعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا، وقد ذكرنا ذلك، ولان التدبير
اما أن يكون وصية أو عتقا بصفة وأيهما كان فلا يمنع التكفير باعتاقه قبل وجود الصفة والصفة ههنا
الموت ولم توجد، ويجزئ المعلق عتقه بصفة قبل وجودها لأن ملكه فيه تام ويجوز بيعه
* (مسألة) * (ويجوز عتق ولد الزنا)
وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن فضالة بن عبيد وأبي هريرة وبه قال ابن المسيب
والحسن وطاوس والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر وروي عن عطاء والشعبي والنخعي
والأوزاعي وحماد انه لا يجزئ لأن أبا هريرة رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولد الزنا
شر الثلاثة " قال أبو هريرة ولان أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي منه رواه أبو داود
ولنا دخوله في مطلق قوله (فتحرير رقبة) ولأنه مملوك مسلم كامل العمل لم يعتق عن شئ
ولا استحق عتقه بسبب آخر فأجزأ عتقه كولد الرشدة، فأما الأحاديث الواردة في ذمه فاختلف
599

أهل العلم في تفسيرها فقال الطحاوي ولد الزنا هو الملازم للزنا كما يقال ابن السبيل الملازم لها وولد
الليل الذي لا يهاب السير فيه. وقال الخطابي عن بعض أهل العلم قال هو الثلاثة أصلا وعنصرا ونسبا
لأنه خلق من ماء الزنا وهو خبيث وأنكر قوم هذا التفسير وقالوا ليس عليه من وزر والديه شئ.
قال الله تعالى (ولا تزروا وازرة وزر أخرى) وقد جاء في بعض الأحاديث " هو شر الثلاثة إذا عمل
عملهم " فإن صح ذلك اندفع الاشكال. وفي الجملة هذا يرجع إلى أحكام الآخرة أما أحكام الدنيا فهو
كغيره في صحة إمامته وبيعه وعتقه وقبول شهادته فكذلك في اجزاء عتقه عن الكفارة لأنه من أحكام الدنيا
* (مسألة) * (ويجزئ الصغير)
وقال الخرقي لا يجزئ حتى يصلي ويصوم. قال القاضي لا يجوز اعتاق من له دون سبع سنين
لأنه لا تصح منه العبادات في ظاهر كلام أحمد، ظاهر كلام الخرقي أن المعتبر العقل دون السن فمن صلى
وصام ممن له عتق يعرف الصلاة والصيام ويتحقق من الاتيان به بنيته وأركانه فإنه يجزئ في
الكفارة وان لم يبلغ السبع، وإن لم يوجد منه لم يجز في الكفارة وإن كان كبيرا وقال أبو بكر
وغيره من أصحابنا يجوز اعتاق الطفل في الكفارة وهو قول الحسن وعطاء والزهري والشافعي وابن
المنذر لأن المراد بالايمان ههنا الاسلام بدليل أعناق الفاسق قال الثوري المسلمون مؤمنون كلهم عندنا
في الأحكام وما ندري ما هم عند الله وبهذا تعلق حكم القتل بكل مسلم بقوله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ)
والصبي محكوم باسلامه يرثه المسلمون ويرثهم ويدفن في مقابر المسلمين ويغسل ويصلى عليه وان سبي
600

منفردا عن أبويه أجزأ عنه عتقه لأنه محكوم باسلامه وكذلك ان سبي مع أحد أبويه ولو كان أحد
أبوي الطفل كافرا والآخر مسلما أجزأ اعتاقه لأنه محكوم باسلامه قال القاضي في موضع يجزئ اعتاق
الصغير في جميع الكفارات إلا كفارة القتل فإنها على روايتين وقال إبراهيم النخعي ما كان في القرآن
من رقبة مؤمنة فلا يجزئ إلا من صام وصلى وما كان في القرآن رقبة ليست بمؤمنة فالصبي يجزئ
ونحو هذا قول الحسن ووجه قول الخرقي ان الواجب رقبة مؤمنة والايمان قول وعمل فما لم يحصل
الصلاة والصيام لا يحصل العمل قال مجاهد وعطاء في قوله (فتحرير رقبة مؤمنة) قد صلت ونحو هذا قول
الحسن وإبراهيم وقال مكحول إذا ولد المولود فهو نسمة فإذا انقلب ظهرا لبطن فهو رقبة فإذا صلى فهو
مؤمنة ولان الطفل لا يصح منه عبادة لأنه لا نية له فلم يجز في الكفارة كالمجنون ولان الصبي نقص
يستحق به النفقة على القرابة فأشبه الزمانة قال شيخنا والقول الآخر أقرب إلى الصواب والصحة إن شاء الله
لأن الايمان الاسلام وهو حاصل في حق الصبي الصغير ويدل على هذا ان معاوية بن الحكم
السلمي أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية فقال يا رسول الله ان علي رقبة مؤمنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين
الله؟ " فأشارت برأسها إلى السماء قال " من انا؟ " فأشارت إلى رسول الله وإلى السماء أي أنت رسول الله
قال " أعتقها فإنها مؤمنة " فحكم لها بالايمان بهذا القول
* (مسألة) * (ولو ملك نصف عبد فاعتقه عن كفارته ثم اشترى باقيه فاعتقه أجزأه)
لأنه أعتق رقبة كاملة في وقتين فأجزأ كما لو أطعم المساكين في وقتين الا على رواية وجوب
الاستسعاء والصحيح في المذهب خلافها
601

* (مسألة) * (فإن أعتقه عن كفارته وهو موسر فسرى إلى نصيب شريكه عتق)
ولم يجزئه عن كفارته في قول أبي بكر الخلال وصاحبه وحكاه عن أحمد وهو قول أبي حنيفة
لأن عتق نصيب شريكه لم يحصل باعتاقه إنما حصل بالسراية وهو غير فعله وإنما هي من آثار فعله
فأشبه ما لو اشترى من يعتق عليه ينوي به الكفارة يحقق هذا أنه لم يباشر بالاعتاق إلا نصيبه فسرى
إلى غيره ولو خص نصيب غيره بالاعتاق لم يعتق منه شئ ولأنه إنما يملك اعتاق نصيبه لا نصيب
غيره، وقال القاضي قال غيرهما من أصحابنا يجزئه إذا نوى إعتاق جميعه عن كفارته وهو مذهب
الشافعي لأنه أعتق عبدا كامل الرق سليم الخلق غير مستحق العتق ناويا به الكفارة فأجزأ كما لو كان
الجميع ملكه والأول أصح إن شاء الله تعالى ولا نسلم أنه أعتق العبد كله وإنما أعتق نصفه وعتق الباقي
عليه فأشبه شراء قريبه ولان إعتاق باقيه مستحق بالسراية فهو كالقريب فعلى هذا هل يجزئه عتق نصفه
الذي هو نصيبه ويعتق نصفا آخر وتكمل الكفارة؟ ينبني على ما إذا أعتق نصفي عبدين، وسنذكر ذلك
فاما إن نوى عتق نصيبه عن الكفارة ولم ينو ذلك في نصيب شريكه لم يجزئه في نصيب شريكه،
وفي نصيب نفسه ما سنذكره إن شاء الله تعالى
(فصل) فإن كان العبد كله له فأعتق جزءا منه معينا أو مشاعا عتق جميعه فإن نوى به الكفارة أجزأ
عنه لأن اعتاقه بعض العبد اعتاق لجميعه وان نوى اعتاق الجزء الذي باشره بالاعتاق عن الكفارة دون غيره
وهل يحتسب له بما نوى به الكفارة؟ على وجهين
602

* (مسألة) * ولو أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف عبد ونصف أمة أجزأ عنه)
ذكره الخرقي قال الشريف أبو جعفر هذا قول أكثرهم، وقال أبو بكر بن جعفر لا يجزئ لأن
المقصود من العتق تكميل الأحكام ولا يحصل من اعتاق نصفين، واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة
أوجه (أحدها) كقول الخرقي، (والثاني) كقول أبي بكر، (والثالث) إن كان نصف الرقيق حرا أجزأ
لأنه يحصل تكميل الأحكام، وإن كان رقيقا لم يجز لأنه لا يحصل، ووجه الأول أن الأشقاص كالاشخاص
فيما لا يمنع منه العيب اليسير وبدليل الزكاة فإذا كان له نصف ثمانين شاة مشاعا وجبت الزكاة كما لو
ملك أربعين منفردة وكالهدايا والضحايا إذا اشتركوا فيها قال شيخنا والأولى أنه لا يجزئ اعتاق
نصفين إذا لم يكن الباقي منهما حرا لأن اطلاق الرقبة إنما ينصرف إلى اعتاق الكاملة ولا يحصل من
الشخصين ما يحصل من الرقبة الكاملة في تكميل الأحكام وتخليص الآدمي من ضرر الرق ونقصه
فلا يثبت به من الأحكام ما يثبت باعتاق رقبة كاملة، ويمتنع قياس الشخصين على الرقبة الكاملة ولهذا
لو أمر انسانا بشراء رقبة أو بيعها أو باهداء حيوان أو بالصدقة به لم يكن له أن يشقصه كذا ههنا
(فصل) فمن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين إذا قدر على الصيام وهذا اجماع من أهل العلم
لقول الله تعالى (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) ولحديث أوس بن الصامت
وسلمة بن صخر حرا كان أو عبدا ويستوي في ذلك الحر والعبد عند أهل العلم لا نعلم فيه خلافا،
وأجمعوا على وجوب التتابع لأنه شرط في الصيام وقد تناوله نص القرآن والسنة ومعنى التتابع الموالاة
بين صيام أيامها فلا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفارة ولا تجب نية التتابع ويكفى فعله لأنه شرط
603

وشرائط العبادات لا تحتاج إلى نية، وإنما تجب النية لأفعالها وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي،
والوجه الآخر أنها واجبة لكل ليلة لأن ضم العبادة إلى العبادة إذا كان شرطا وجبت النية فيه
كالجمع بين الصلاتين، والثالث تكفي نية التتابع في الليلة الأولى
ولنا أنه تتابع واجب في العبادة فلم يفتقر إلى نية كالتتابع بين الركعات، ويفارق الجميع بين الصلاتين
فإنه رخصة فافتقر إلى نية الترخص وما ذكروه ينتقض بالمتابعة بين الركعات
* (مسألة) * (فإن تخلل صومها صوم شهر رمضان أو فطر واجب كفطر العيد أو الفطر لحيض أو
نفاس لم ينقطع التتابع وبنى على ما مضى من صيامه)
وجملة ذلك أنه إذا تخلل صوم الظهار زمان لا يصح صومه فيه عن الكفارة مثل أن يبتدئ
الصوم من أول شعبان فيتخلله رمضان ويوم الفطر أو يبتدئ من ذي الحجة فيتخلله يوم النحر وأيام
التشريق فإن التتابع لا ينقطع بهذا وينبني على ما مضى من صيامه، وقال الشافعي ينقطع التتابع
ويلزمه الاستئناف لأنه أفطر في أثناء الشهرين بما كان يمكنه التحرز منه فأشبه إذا أفطر لغير ذلك
أو صام عن نذر أو كفارة أخرى
ولنا أنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة فلم يقطع التتابع كالحيض والنفاس فإن قالوا
الحيض والنفاس غير ممكن التحرز منه قلنا قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا يبتدئ الصوم في حال
الحمل، ومن الحيض إذا كان طهرها يزيد على الشهرين بأن تبتدئ الصوم عقيب طهرها من الحيضة ومع
هذا لا ينقطع التتابع به، ولا يجوز للمأموم مفارقة إمامه لغير عذر ويجوز أن يدخل معه المسبوق مع
604

علمه بلزوم مفارقته قبل إتمامها، ويتخرج في أيام التشريق رواية أخرى أنه يصومها عن الكفارة
ولا يفطر إلا يوم النحر وحده فعلى هذا إن أفطرها استأنف لأنها أيام أمكنه صيامها في الكفارة
ففطرها يقطع التتابع كغيرها إذا ثبت هذا فإنه إن ابتدأ الصوم من أول شعبان أجزأه صوم شعبان
عن شهر، وإن كان ناقصا، وأما شوال فلا يجوز أن يبتدأ من أوله لأن أوله يوم الفطر وصومه حرام
فيشرع فيه من اليوم الثاني ويتمم شهرا بالعدد ثلاثين، وان بدأ من أول ذي الحجة إلى آخر المحرم
قضى أربعة أيام وأجزأه لأنه بدأ من أولهما ولو ابتدئ صوم الشهرين من يوم الفطر لم يصح صوم يوم
الفطر ويصح صوم بقية الشهر وصوم ذي القعدة ويحتسب له بذي القعدة، وإن كان ناقصا لأنه بدأه
من أوله، وأما شوال فإن كان تاما صام يوما من ذي الحجة وإن كان ناقصا صام يومين لأنه لم يبدأه من
أوله وان بدأ بالصيام من أول أيام التشريق وقلنا يصح صومها عن الفرض فإنه يحتسب له بالمحرم ويكمل
صوم ذي الحجة بتمام ثلاثين يوما من صفر، وان قلنا لا يصح عن الفرض صام مكانها من صفر
(فصل) وإن أفطر لحيض أو نفاس فقد أجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعا إذا حاضت قبل
اتمامه تقضي إذا طهرت وتبني وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى
الإياس وفيه تغرير بالصوم لأنها ربما ماتت قبله، والنفاس كالحيض في أنه لا ينقطع التتابع في أحد الوجهين
لأنه بمنزلته في أحكامه ولان الفطر لا يحصل فيهما بفعلهما وإنما ذلك الزمان كزمان الليل في حقهما (والثاني)
أن النفاس يقطع التتابع لأنه فطر أمكن التحرز منه لا يتكرر في العام فقطع التتابع كالفطر لغير عذر ولا
يصح قياسه على الحيض لأنه أندر منه ويمكن التحرز منه
* (مسألة) * (فإن أفطر لمرض مخوف أو جنون لم ينقطع التتابع)
605

روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والشعبي وطاوس
ومجاهد ومالك وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في القديم، وقال في الجديد
ينقطع التتابع وهو قول سعيد بن جبير والحكم والثوري وأصحاب الرأي لأنه أفطر فعله فلزمه
الاستئناف كما لو أفطر لسفر
ولنا أنه أفطر بسبب لا صنع له فيه فلم يقطع التتابع كافطار المرأة للحيض وما ذكروه من الأصل ممنوع
وان أفطر لجنون أو اغماء لم ينقطع التتابع لأنه لا صنع له فيه فهو كالحيض
* (مسألة) * (وكذلك فطر الحامل والمرضع لخوفهما على أنفسهما) لأنهما كالمريض
* (مسألة) * (فإن خافتا على ولديهما فأفطرتا ففيه وجهان)
(أحدهما) لا ينقطع التتابع اختاره أبو الخطاب لأنه فطر أبيح لهما بسبب لا يتعلق باختيارهما
فلم ينقطع التتابع كما لو أفطرتا خوفا على أنفسهما (والثاني) ينقطع لأنه لأجل الخوف على غيرهما،
ولذلك يلزمهما الفدية مع القضاء
* (مسألة) * (وان أفطر لغير عذر أو صام تطوعا أو قضاء أو نذرا أو عن كفارة أخرى لزمه الاستئناف)
لأنه أخل بالتتابع المشروط ويقع صومه عما نواه لأن هذا الزمان ليس بمستحق معين للكفارة
ولهذا يجوز صومها في غيره بخلاف شهر رمضان فإنه متعين لا يصلح لغيره وإذا كان عليه نذر صوم غير
معين أخره إلى فراغه من الكفارة وإن كان متعينا أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه ان أمكن وإن كان
أياما من كل شهر كيوم الخميس وأيام البيض قدم الكفارة عليه وقضاه بعدها لأنه لو وفى بنذره
606

انقطع التتابع ولزمه الاستئناف فيفضى إلا أن لا يتمكن من التكفير والنذر يمكن قضاؤه فيكون هذا
عذرا في تأخيره كالمرض
* (مسألة) * (وان أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر والمرض غير المخوف فعلى وجهين)
إذا أفطر لمرض غير مخوف يبيح الفطر ففيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يقطع التتابع
لأنه مرض أباح الفطر أشبه المخوف (والثاني) يقطع التتابع لأنه أفطر اختيارا فانقطع التتابع كما لو أفطر
لغير عذر فإن السفر مبيح للفطر فكلام أحمد محتمل الامرين وأظهرهما أنه لا ينقطع التتابع فإنه قال
في رواية الأثرم كان السفر غير المرض ولا ينبغي أن يكون أوكد من رمضان فظاهر هذا أنه لا ينقطع
التتابع وهذا قول الحسن ويحتمل ان ينقطع التتابع وهو قول مالك وأصحاب الرأي واختلف أصحاب
الشافعي فمنهم من قال فيه قولان كالمرض ومنهم من يقول يقطع التتابع وجها واحدا لأن السفر يحصل
باختياره فقطع التتابع كما لو أفطر لغير عذر والصحيح الأول لأنه أفطر لعذر يبيح الفطر في رمضان
فلم ينقطع التتابع كافطار المرأة للحيض وفارق الفطر لغير عذر فإنه لا يباح فإن أكل يظن أن الفجر لم
يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أفطر ويتخرج في انقطاع التتابع وجهان
(أحدهما) لا ينقطع لأنه فطر لعذر (والثاني) ينقطع التتابع لأنه بفعل أخطأ فيه فأشبه ما لو ظن أنه قد
أتم الشهرين انقطع التتابع لأنه أفطر لجهله فقطع التتابع كما لو ظن أن الواجب شهر واحد وان أكره
على الأكل والشرب بان أوجر الطعام والشراب لم يفطر وان أكل خوفا فقال القاضي لا يفطر وفيه
وجه آخر أنه يفطر فعلى ذلك هل يقطع التتابع؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقطعه لأنه عذر مبيح للفطر
أشبه المرض (والثاني) يقطعه وهو مذهب الشافعي لأنه أفطر بفعله لعذر نادر والأول أولى
607

(فصل) ويجوز ان يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر ومن أثنائه بغير خلاف نعلمه لأن الشهر
اسم لما بين الهلالين والثلاثين يوما فأيهما صام فقد أدى الواجب فإن بدأ من أول شهر فصام شهرين
بالأهلة أجزأه ذلك وان كانا ناقصين إجماعا وبه قال الثوري وأهل العراق ومالك في أهل الحجاز
والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وغيرهم لأن الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين) وهذان شهران
متتابعان وان بداء من أثناء شهر فصام ستين يوما أجزأه بغير خلاف أيضا. قال ابن المنذر: أجمع كل
من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا فأما ان صام شهرا بالهلال وشهرا بالعدد فصام خمسة عشر يوما
من المحرم وصفر جميعه وخمسة عشر من ربيع فإنه يجزئه سواء كان صفر تاما أو ناقصا لأن الأصل
اعتبار الشهور بالأهلة لكن تركناه في الشهر الذي بدأ من وسطه لتعذره ففي الشهر الذي أمكن اعتباره
وجب ان يعتبر وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ويتوجه ان لا يجزئه الا شهران بالعدد لأنا لما
ضممنا إلى الخمسة عشر من المحرم خمسة عشر من صفر فصار ذلك شهرا صار ابتداء صوم الشهر الثاني
من أثناء شهر أيضا وهذا قول الزهري
(فصل) فإن نوى شهر رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن رمضان ولا عن الكفارة وانقطع
التتابع حاضرا كان أو مسافرا لأنه تخلل صوم الكفارة فطر غير مشروع وقال مجاهد وطاوس يجزئه
عنهما وقال أبو حنيفة إن كان حاضرا أجزأه عن رمضان دون الكفارة لأن تعيين النية غير مشترط
لرمضان وإن كان في سفر أجزأه عن الكفارة دون رمضان وقال صاحباه تجزئ عن الكفارة دون
رمضان حضرا أو سفرا
608

ولنا ان رمضان متعين لصومه محرم صومه عن غيره فلم يجزئه عن غيره كيومي العيدين ولا يجزئ
عن رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى) وهذا ما نوى رمضان فلا
يجزئه، ولا فرق بين الحضر والسفر لأن الزمان متعين وإنما جاز فطره في السفر رخصة فإذا تكلف
وصام رجع إلى الأصل فإن سافر في رمضان المتخلل لصوم الكفارة وأفطر لم ينقطع التتابع لأنه زمن
لا يستحق صومه عن الكفارة فلم ينقطع التتابع بفطره كالليل
* (مسألة) * (وان أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا انقطع التتابع)
وبهذا قال مالك والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي لأن الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين
من قبل ان يتماسا) فامر بهما خاليين عن وطئ ولم يأت بهما على ما أمر فلم يجزئه كما لو وطئ نهارا ذاكرا
ولأنه تحريم للوطئ لا يختص النهار فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف وروي عن أحمد ان التتابع
لا ينقطع بالوطئ ليلا وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لأنه وطئ لا يفسد الصوم فلا يوجب الاستئناف
كوطئ غيرها، ولان التتابع في الصيام عبارة عن اتباع صوم يوم للذي قبله من غير فارق وهذا متحقق
وان وطئ ليلا - وارتكاب المنهي في الوطئ قبل اتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط لا يمنع صحته وإجزاءه
كما لو وطئ قبل الشهرين أو لو وطئ ليلة أول الشهرين وأصبح صائما والاتيان بالصيام قبل الثمانين
لا سبيل إليه سواء بنى أو استأنف وان وطئها أو وطئ غيرها في نهار الشهرين عامدا أفطر وانقطع التتابع
609

اجماعا إذا كان غير معذور وان وطئها أو وطئ غيرها نهارا ناسيا أفطر وانقطع التتابع في إحدى الروايتين
لأن الوطئ لا يعذر فيه بالنسيان وعن أحمد رواية أخرى لا يفطر ولا ينقطع التتابع وهو قول الشافعي وأبي
ثور وابن المنذر لأنه فعل المفطر ناسيا أشبه ما لو أكل ناسيا ولو أبيح له الفطر لعذر فوطئ غيرها نهارا لم
ينقطع التتابع لأن الوطئ لا أثر له في قطع التتابع وإن كان وطئها كان كوطئها ليلا هل يقطع التتابع على وجهين
* (مسألة) * (وإن وطئ غيرها ليلا لم ينقطع التتابع)
لأن ذلك غير محرم عليه ولا هو يخل باتباع الصوم فلم يقطع التتابع كالأكل وليس في هذا اختلاف نعلمه فإن لمس
المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به قطع التتابع لاخلاله بموالاة الصيام وإلا لم ينقطع والله أعلم
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (فإن لم يستطع لزمه اطعام ستين مسكينا مسلما حرا صغيرا كان أو كبيرا
إذا أكل الطعام) أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام ان فرضه اطعام
ستين مسكينا على ما أمر الله تعالى في كتابه وجاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم سواء عجز عن الصيام لكبر أو
مرض يخاف بالصوم تباطؤه والزيادة فيه أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع فإن أوس بن الصامت لما
أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم قالت امرأته يا رسول الله انه شيخ كبير ما به من صيام قال " فيطعم
ستين مسكينا " ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال وهل أصبت ما أصبت الا من الصيام؟ قال " فأطعم " فنقله
إلى الاطعام لما أخبره ان به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما ويجوز
ان ينتقل إلى الاطعام إذا عجز عن الصيام للمرض وإن كان مرجو الزوال لدخوله في قوله تعالى (فمن
لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) ولأنه لا يعلم أن له نهاية فأشبه الشبق، ولا يجوز ان ينتقل لأجل السفر
610

لأن السفر لا يعجزه عن الصيام وله نهاية ينتهي إليها وهو من أفعاله الاختيارية والواجب إطعام ستين مسكينا
لا يجزئه أقل من ذلك وقال أبو حنيفة لو أطعم مسكينا واحدا في ستين يوما أجزأه وسنذكر ذلك أن شاء الله تعالى
(فصل) يشترط في المساكين ثلاثة شروط الاسلام والحرية وأن يكون قد أكل الطعام، والمساكين هم الذين
تدفع إليهم الزكاة لحاجتهم المذكورون في أبواب الزكاة ويدخل في ذلك الفقراء لأنهم وان كانوا في الزكاة صنفين
فهم في غيرها صنف واحد لكونهم يأخذون لحاجتهم إلى ما يكفيهم أو ما تتم به كفايتهم (أحدها) اسلامهم فلا يجوز
دفعها إلى كافر ذميا كان أو حربيا وبذلك قال الحسن والنخعي والأوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد،
وقال أبو ثور وأصحاب الرأي يجوز دفعها إلى الذمي لدخوله في اسم المساكين فيدخل في عموم الآية ولأنه
مسكين من أهل دار الاسلام فأجزأ الدفع إليه من الكفارة كالمسلم وروي نحوه عن الشعبي وخرجه أبو الخطاب
وجها في المذهب بناء على جواز اعتاقه في الكفارة وقال الثوري يعطيهم إذا لم يجد غيرهم
ولنا انهم كفار فلم يجز اعطاؤهم كمساكين أهل الحرب والآية مخصوصة بهذا فنقيس عليه.
(الثاني) أن يكونوا أحرارا فلا يجوز دفعها إلى عبد ولا مكاتب ولا أم ولد ولا خلاف في أنه لا
يجوز دفعها إلى عبد لأن نفقته واجبة على سيده، ولا إلى أم ولد لذلك وبهذا قال مالك والشافعي
واختار الشريف أبو جعفر جواز دفعها إلى مكاتبه وغيره وقال أبو الخطاب يتخرج دفعها إليه بناء على
جواز اعتاقه لأنه يأخذ من الزكاة حاجته فأشبه المسكين
611

ولنا ان الله تعالى عده صنفا في الزكاة غير صنف المساكين ولا هو في معنى المساكين لأن حاجته
من غير جنس حاجتهم فيدل على أنه ليس بمسكين والكفارة إنما هي للمساكين بدليل الآية ولان
المسكين يدفع إليه لتتم كفايته والمكاتب إنما يأخذ لفكاك رقبته، وأما كفايته فإنها حاصلة بكسبه وماله
فإن لم يكن له كسب ولا مال عجزه سيده ورجع إليه فاستغني بانفاقه عليه، ويفارق الزكاة فإنها تصرف
إلى الغني والكفارة بخلافها
(الثالث) أن يكونوا أكلوا الطعام فإن كان طفلا لم يأكل الطعام لم يدفع إليه في ظاهر كلام الخرقي
وهو قول القاضي وهو ظاهر قول مالك فإنه قال يجوز الدفع إلى الفطيم وهذا إحدى الروايتين عن أحمد
والثانية يجوز دفعها إلى الصغير الذي لم يطعم وبقبض له وليه وهذا الذي ذكره أبو الخطاب المذهب وهو
مذهب الشافعي وأصحاب الرأي قال أبو الخطاب وهو قول أكثر الفقهاء لأنه حر مسلم محتاج فأشبه
الكبير ولأنه أكله للكفارة ليس بشرط وهذا يصرف الكفارة إلى ما يحتاج إليه مما تتم به كفايته فأشبه الكبير
ولنا قوله تعالى (فاطعام عشرة مساكين) وهذا يقتضي أكلهم له فإذا لم يعتبر حقيقة أكلهم وجب
اعتبار امكانه ومظنته ولا تتحق مظنته فيمن لا يأكل ولأنه لو كان المقصود دفع حاجته لجاز دفع القيمة
612

ولم يتعين الاطعام وهذا يفسد ما ذكروه فإذا اجتمعت هذه الأوصاف في واحد جاز الدفع إليه كبيرا
كان أو صغيرا محجورا عليه أو غير محجور عليه الا ان من لا حجر عليه يقبض لنفسه أو يقبض له وكيله
والمحجور عليه كالصغير والمجنون يقبض له وليه.
* (مسألة) * (ولا يجوز دفعها إلى الكافر) وقد ذكرناه، ولا إلى من تلزمه مؤنته وقد ذكرنا ذلك
في الزكاة وفي دفعها إلى الزوج وجهان بناء على دفع الزكاة إليه
* (مسألة) * ويجوز دفع الكفارة إلى من ظاهره العقر فإن بان غنيا فهل يجزئه؟ فيه وجهان) بناء على
الروايتين في الزكاة وان بان كافرا أو عبدا لم يجزئه وجها واحدا
* (مسألة) * (وان رددها على مسكين واحد ستين يوما لم يجزئه الا أن لا يجد غيره فيجزئه في ظاهر
المذهب وعنه لا يجزئه وعنه يجزئه وان وجد غيره)
وجملة ذلك أن الواجب في كفارة الظهار اطعام ستين مسكينا للآية لا يجزئه أقل من ذلك وبهذا
قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجزئه أن يطعم مسكينا واحدا في ستين يوما، وروي ذلك عن أحمد
حكاه القاضي أبو الحسين لأن هذا المسكين لم يستوف الا قوت يومه من هذه الكفارة فجاز أن يعطي
منها كاليوم الأول، وعن أحمد رواية ثالثة ان وجدهم لم يجزئه لأنه أمكنه امتثال الامر بصورته ومعناه
وان لم يجد غيره أجزأه لتعذر المساكين
ووجه الأولى قول الله تعالى (فاطعام ستين مسكينا) وهذا لم يطعم الا واحدا فلم يمتثل الامر لأنه
لم يطعم ستين مسكينا فلم يجزئه كما لو دفعها إليه في يوم واحد ولأنه لو جاز الدفع إليه في أيام لجاز الدفع
إليه في يوم واحد كالزكاة وصدقة الفطر، يحقق هذا أن الله تعالى أمر بعدد المساكين لا بعدد الأيام
وقائل هذا يعتبر عدد الأيام دون عدد المساكين، والمعنى في اليوم الأول أنه لم يستوف حقه من هذه
الكفارة وفي اليوم الثاني قد استوفى حقه وأخذ منها قوت يوم فلم يجز أن يدفع إليه في اليوم الثاني كما
لو أوصى انسان بشئ لستين مسكينا
613

* (مسألة) * (وان دفع إلى مسكين واحد في يوم من كفارتين أجزأه)
وهذا مذهب الشافعي وهو اختيار الخرقي لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب فأجزأ كما
لو دفع إليه المدين في يومين وفيه رواية أخرى أنه لا يجزئه وهو قول أبي حنيفة لأنه استوفى قوت
يوم من كفارة فلم يجز الدفع إليه ثانيا كما لو دفعها إليه من كفارة واحدة، فعلى هذه الرواية يجزئه عن
إحدى الكفارتين وهل لها الرجوع في الأخرى؟ ينظر فإن كان اعلمه أنها عن كفارتين فله الرجوع والا
فلا ويتخرج أن لا يرجع بشئ على ما ذكرنا في الزكاة، والرواية الأولى أقيس وأصح فإن اعتبار عدد
المساكين أولى من اعتبار عدد الأيام ولو دفع إليه ذلك في يوم أجزأه ولأنه لو كان الدافع اثنين أجزأ
عنهما فكذلك إذا كان الدافع واحدا ولو دفع ستين مدا إلى ثلاثين مسكينا من كفارة واحدة أجزأه
من ذلك ثلاثون ويطعم ثلاثين آخرين فإن دفع الستين من كفارتين خرج على الروايتين في المسألة
قبلها وهي إذا أطعم مسكينا واحدا مدين من كفارتين في يوم واحد.
* (مسألة) * (والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة وهو البر والشعير والتمر والزبيب سواء كان
قوت بلده أو لم يكن) وما عداها فقال القاضي: لا يجزئ اخراجه سواء كان قوت بلده أو لم يكن لأن
الخبر ورد باخراج هذه الأوصاف على ما جاء في الأحاديث التي نذكرها ولأنه الجنس المخرج في الفطرة
فلم يجز غيره كما لو لم يكن قوت بلده
* (مسألة) * (فإن كان قوت بلده غير ذلك كالذرة والدخن والأرز لم يجز اخراجه على قول القاضي
وقال أبو الخطاب عندي أنه يجزئه الاخراج من جميع الحبوب التي هي قوت بلده لأن الله تعالى
قال (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وهذا مما يطعمه أهله فوجب أن يجزئه بظاهر النص وهذا مذهب
الشافعي فإن أخرجه عن قوت بلده أجود منه فقد زاد خيرا
* (مسألة) * (واخراج الحب أفضل عند أبي عبد الله)
لأنه يخرج به من الخلاف وهي حالة كماله لأنه يدخر فيها ويتهيأ لمنافعه كلها بخلاف غيره فإن
أخرج دقيقا جاز لكن يزيد على المد قدرا يبلغ المد حبا أو يخرجه بالوزن لأن الحب يروع فيكون
في مكيال الحب أكثر مما يكون في مكيال الدقيق قال الأثرم قيل لأبي عبد الله فيعطي البر والدقيق
قال أما الذي جاء فالبر ولكن ان أعطاهم الدقيق بالوزن جاز وقال الشافعي لا يجزئ لأنه ليس بحال
الكمال لأجل ما يقوت به من وجوه الانتفاع فأشبه الهريسة
614

ولنا قول الله تعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم والدقيق من
أوسط ما يطعمه أهله ولان الدقيق أجزاء الحنطة وقد كفاهم مؤنته وطحنه وهيأه وقربه من الاكل
وفارق الهريسة فإنها تفسد عن قرب ولا يمكن الانتفاع بها في غير الاكل في تلك الحال بخلاف مسئلتنا
* (مسألة) * (وفي الخبز روايتان)
(إحداهما) يجزئ اختارها الخرقي ونص عليه احمد في رواية الأثرم فإنه قال قلت لأبي عبد الله
رجل أخذ ثلاثة عشر رطلا وثلثا دقيقا وهو كفارة اليمين فخبزه للمساكين وقسم الخبز على عشرة
مساكين أيجزئه ذلك؟ قال ذلك أعجب إلي والذي جاء فيه الحديث أن يطعمهم مد بر وهذا ان فعل
فأرجو أن يجزئه قلت إنما قال الله (فاطعام عشرة مساكين) فهذا قد أطعمهم وأوفاهم المد قال أرجو
أن يجزئه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، ونقل الأثرم في موضع آخر ان أحمد سأله رجل عن الكفارة
قال أطعمهم خبزا وتمرا قال ليس فيه تمر قال فخبز قال لا ولكن برا أو دقيقا بالوزن رطل وثلث لكل
مسكين فظاهر هذا أنه لا يجزئه وهو مذهب الشافعي لأنه خرج عن حالة الكمال والادخار فأشبه
الهريسة، قال شيخنا والأول أحسن لأن الله تعالى قال (فاطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون
أهليكم وهذا من أوسط ما يطعم أهله وليس الادخار مقصودا في الكفارة فإنها مقدرة بما يقوت المسكين
في يومه فيدل ذلك على أن المقصود كفايته في يومه وهذا قد هيأه للاكل المعتاد للاقتيات وكفاهم
مؤنته فأشبه ما لو نقى الحنطة وغسلها، فأما الهريسة والكبولا ونحوهما فلا يجزئ لأنهما خرجا عن الاقتيات
المعتاد إلى حيز الادام، وأما السويق فيحتمل الا يجزئ لذلك ويحتمل أن يجزئ لأنه يقتات
615

في بعض البلدان ولان السويق يجزئ في الفطرة فكذلك ههنا
* (مسألة) * (ولا يجزئ من البر أقل من مد ولا من غيره أقل من مدين)
وجملة ذلك أن قدر الاطعام في الكفارات مد من بر لكل مسكين أو نصف صاع تمر أو شعير
وممن قال مد بر زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر حكاه عنهم الإمام أحمد ورواه عنهم الأثرم وعن
عطاء وسليمان بن موسى وقال سليمان بن يسار أدركت الناس إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة
بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو هريرة يطعم مدا من أي الأنواع كان، وبه قال
عطاء والأوزاعي والشافعي لما روى أبو داود باسناده عن أوس بن أخي عبادة بن الصامت أن النبي
صلى الله عليه وسلم أعطاه يعني المظاهر خمسة عشر صاعا من شعير اطعام ستين مسكينا، وروى
الأثرم باسناده عن أبي هريرة في حديث المجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعرق فيه
خمسة عشر صاعا فقال " خذه وتصدق به " وإذا ثبت هذا في المجامع بالخبر ثبت في المظاهر قياسا عليه
ولأنه اطعام واجب فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج كالفطرة، وقال مالك لكل مسكين مدان من
جميع الأنواع، وممن قال مدان من قمح مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي لأنها كفارة تشتمل على صيام
واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع كفدية الأذى، وقال الثوري وأصحاب الرأي من القمح مدان
ومن التمر والشعير صاع لكل مسكين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن صخر " فأطعم وسقا من
تمر " رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما وروى الخلال باسناده عن يوسف بن عبد الله بن سلام
عن خويلة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " فليطعم ستين مسكينا وسقا (1) من تمر " وفي رواية أبي داود

(1) لعله عرقا
616

والعرق ستون صاعا، وروى ابن ماجة باسناده عن ابن عباس قال: كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من
تمر وأمر الناس " فمن لم يجد فنصف صاع من بر " وروى الأثرم باسناده عن عمر رضي الله عنه قال:
أطعم عني صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر ولأنه اطعام للمساكين فكان صاعا من التمر والشعير
أو نصف صاع من بر كصدقة الفطر
ولنا ما روى الإمام أحمد ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن أبي يزيد المدني قال: جاءت امرأة من بني
بياضة بنصف وسق شعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر " أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مدبر " وهذا
نص ولأنه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ولم نعرف لهم في الصحابة مخالفا فكان اجماعا
وعلى أنه نصف صاع من التمر والشعير ما روى عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخويلة امرأة أوس
ابن الصامت " اذهبي إلى فلان الأنصاري فإن عنده شطر وسق من تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق
به فلتأخذيه فليتصدق به على ستين مسكينا " وفي حديث أوس بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" اني سأعينه بعرق من تمر - قلت يا رسول الله فاني سأعينه بعرق آخر - قال أحسنت اذهبي فأطعمي
617

بها عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك " وروى أبو داود باسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
أنه قال العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا فالعرقان ثلاثون صاعا لكل مسكين نصف صاع ولأنها
كفارة تشتمل على صيام واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع من التمر والشعير كفدية الأذى،
وأما رواية أبي داود أن العرق ستون صاعا فقد ضعفها وقال غيرها أصح منها وفي الحديث ما يدل
على الضعف لأن ذلك في سياق قوله " اني سأعينه بعرق - فقال امرأته اني سأعينه بعرق آخر -
قال - فأطعمي بها عنه ستين مسكينا " فلو كان العرق ستين صاعا لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعا
ولا قائل به، وأما حديث المجامع الذي أعطاه خمسة عشر صاعا فقال تصدق به فيحتمل أنه اقتصر
عليه إذا لم يجد سواه ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله وفي الحديث المتفق عليه قريب من
عشرين صاعا وليس ذلك مذهبا لاحد فيدل على أنه اقتصر على البعض الذي لم يجد سواه وحديث
أوس أخي عبادة مرسل يرويه عنه عطاء ولم يدركه على أنه حجة لنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عرقا
وأعانته امرأته بعرق آخر فصارا جميعا ثلاثين صاعا كما فسر أبو سلمة بن عبد الرحمن وسائر
الأحاديث يجمع بينها وبين اخبارنا بحملها على الجواز واخبارنا على الاجزاء، وقد عضد هذان ابن
618

عباس راوي بعضها ومذهبه أن المد من البر يجزئ وكذلك أبو هريرة وسائر ما ذكرنا من الاخبار
مع الاجماع الذي نقله سليمان بن يسار
* (مسألة) * (ولا يجزئ من الخبر أقل من رطلين بالعراقي الا أن يعلم أنه مد)
وجملة ذلك أنه إذا أعطى المسكين رطلي خبز بالعراقي أجزأه ذكره الخرقي وذلك بالرطل الدمشقي
الذي هو ستمائة درهم خمس أواقي وسبع أوقية لأن ذلك لا يكون أقل من مد وقال القاضي المد يجئ
منه رطلان لأن الغالب أن رطلين من الخبز لا يكون أقل من مد فأما ان علم أنه مد بحيث يأخذ
مدا من حنطة فيطحنه ويخبزه أو رطلا وثلثا من دقيق الحنطة فيصنعه خبزا فيجزئه وهذا في البر فاما
إن كان من الشعير فلا يجزيه الا ضعف ما قدرنا أو يخبز نصف صاع شعير كما قلنا في البر ويخرجه فيجزئه
* (مسألة) * (فإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه ويحتمل أن يجزئه لا يجزئ
اخراج القيمة في الكفارة)
نقلها الميموني والأثرم وهو مذهب مالك والشافعي وابن المنذر وهو الظاهر من قول عمر بن الخطاب
وابن عباس وأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي لأن المقصود دفع حاجة المسكين وهو يحصل بذلك
619

وخرج بعض أصحابنا من كلام أحمد رواية أخرى أنه يجزئه وهو ما روى الأثرم أن رجلا سأل
أحمد قال أعطيت في كفارة خمس دوانيق فقال لو استشرتني قبل أن تعطي لم أشر عليك ولكن
أعط ما بقي من الأثمان على ما قلت لك وسكت عن الذي أعطى وهذا ليس برواية وإنما سكت عن
الذي أعطى لأنه مختلف فيه فلم ير التضييق عليه فيه والمذهب الأول لظاهر قوله سبحانه (فاطعام ستين
مسكينا) ومن أخرج القيمة لم يطعم وقد ذكرناه في الزكاة
* (مسألة) * (وان غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه وعنه يجزئه)
ظاهر المذهب في كيفية إطعام المساكين أن الواجب أن يملك كل انسان من المساكين القدر
الواجب من الكفارة فلو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه سواء كان ذلك بقدر الواجب أو أقل
أو أكثر، ولو غدى كل واحد غداء لم يجزئه إلا أن يملكه إياه وهذا مذهب الشافعي، وعن أحمد
رواية أخرى أنه يجزئه إذا أطعمهم القدر الواجب لهم وهو قول النخعي وأبي حنيفة وأطعم أنس في
فدية الصيام قال احمد أطعم شيئا كثيرا وضع الجفان، وذكر حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن
أنس وذلك لقول الله تعالى (فاطعام ستين مسكينا) وهذا قد أطعمهم فينبغي أن يجزئه ولأنه أطعم
620

المساكين فأجزأه كما لو ملكهم ووجه الأولى أن المنقول عن الصحابة اعطاؤهم ففي قول زيد وابن
عباس وابن عمر وأبي هريرة مد لكل فقير، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب في فدية الأذى " أطعم
ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين " ولأنه مال وجب للفقراء شرعا فوجب تمليكهم إياه كالزكاة
فإن قلنا يجزئ اشترط ان يغديهم ستين مدا فصاعدا ليكون قد أطعمهم قدر الواجب، وان قلنا
لا يجزئ أن يغديهم فقدم إليهم ستين مدا وقال هذا بينكم بالسوية فقبلوه أجزأ لأنه ملكهم التصرف
فيه والامتناع قبل القسمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال أبو عبد الله بن حامد يجزئه وان لم يقل
بالسوية لأن قوله خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية لأن ذلك حكمها وقال القاضي ان علم أنه وصل
إلى كل واحد قدر حقه أجزأ وان لم يعلم لم يجزئه لأن الأصل شغل ذمته ما لم يعلم وصول الحق إلى
مستحقه، ووجه الأول أنه دفع الحق إلى مستحقه مشاعا فقبلوه فبرئ منه كديون غرمائه
(فصل) ولا يجب التتابع في الاطعام نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقيل له يكون عليه كفارة
يمين فيطعم اليوم واحدا والاخر بعد أيام وآخر بعد حتى يستكمل عشرة فلم ير بذلك بأسا وذلك لأن
621

الله تعالى لم يشترط التتابع فيه ولو وطئ في أثناء الاطعام لم يلزمه إعادة ما مضى منه وبه قال أبو حنيفة
والشافعي وقال مالك يستأنف لأنه وطئ في أثناء الكفارة فوجب الاستئناف كالصيام
ولنا أنه وطئ في أثناء ما لا يشترط فيه التتابع فلم يوجب الاستئناف كوطئ غير المظاهر منها أو كما
لو وطئ في كفارة اليمين وبهذا فارق الصيام
(فصل) ولا يجزئ الاخراج الا بنية وكذلك الاعتاق والصيام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال
بالنيات " ولان العتق يقع متبرعا به وعن كفارة أخرى أو نذر فلم ينصرف إلى هذه الكفارة الا بنيته
وصفتها ان ينوي العتق أو الاطعام أو الصيام عن الكفارة فإن زاد الواجبة فهو تأكيد والا أجزأت
نية الكفارة وان نوى وجوبها ولم ينو الكفارة لم تجزئه لأن الوجوب يتنوع عن كفارة ونذر
622

فوجب تمييزه وموضوع النية مع التكفير أو قبله بيسير وهذا الذي نص عليه الشافعي وقال به بعض
أصحابه وقال بعضهم لا يجزئ حتى يستصحب النية وان كانت الكفارة صياما اشترطت نية الصيام
عن الكفارة في كل ليلة لقوله عليه السلام " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل "
* (مسألة) * (فإن كانت عليه كفارة واحدة فنوى عن كفارتي أجزأه لأن النية تعينت لها وإن
كان عليه كفارات من جنس واحد لم يجب تعيين سببها)
وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا. فعلى هذا لو كان مظاهرا من
أربع نسائه فأعتق عبدا عن ظهاره أجزأه عن إحداهن وحلت له إحداهن غير معينة لأنه واجب
من جنس واحد فأجزأته نية مطلقة كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان، وقياس المذهب أنه يقرع
623

بينهن فتخرج المحللة منهن بالقرعة، وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي له أن يصرفها إلى أيتهن شاء
فتحل، وهذا يفضي إلى أنه يتخير بين كون هذه المرأة محللة له أو محرمة عليه وإن كان الظهار من
ثلاث نسوة فأعتق عبدا عن إحداهن ثم صام شهرين عن أخرى ثم مرض فأطعم ستين مسكينا عن
أخرى أجزأه وله الجميع من غير قرعة ولا تعيين، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور
يقرع بينهن فمن تقع لها القرعة فالعتق لها ثم يقرع بين الباقيتين فمن تقع لها القرعة فالصيام لها والاطعام
عن الثالثة لأن كل واحدة من هذه الخصال لو انفردت احتاجت إلى قرعة فكذلك إذا اجتمعت
ولنا أن التكفير قد حصل عن الثلاث وزالت حرمة الظهار فلم يحتج إلى قرعة كما لو أعتق ثلاثة
عن ظهارهن دفعة واحدة
* (مسألة) * (وان كانت من أجناس كظهار وقتل وجماع في رمضان ويمين فقال أبو الخطاب لا
تفتقر إلى تعيين السبب. وبهذا قال الشافعي لأنها عبادة واجبة فلم تفتقر صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو
كان من جنس واحد)
624

وقال القاضي يحتمل أن يشترط تعيين سببها ولا يجزئ بنية مطلقة وحكاه بعض أصحاب الشافعي عن
أحمد وهو مذهب أبي حنيفة لأنهما عبادتان من جنسين فوجب تعيين النية لهما كما لو وجب عليه صوم من قضاء ونذر
فعلى هذا لو كانت عليه كفارة واحدة لا يعلم سببها أجزأته كفارة واحدة على الوجه الأول قاله أبو
بكر وعلى الوجه الثاني ينبغي ان يلزمه كفارات بعدد الأسباب كل واحد عن سبب كمن نسي صلاة
من يوم لا يعلم عينها فإنه يلزمه خمس صلوات، ولو علم أن عليه يوما لا يعلم هل هو من قضاء أو من نذر
لزمه صوم يومين فإن كان عليه صيام ثلاثة أيام لا يدري أهي من كفارة أو نذر أو قضاء لزمه صوم تسعة
أيام كل ثلاثة عن واحدة من الجهات الثلاث
(فصل) إذا كان على رجل كفارتان فاعتق عنهما عبدين لم يخل من أربعة أحوال (أحدها) ان يقول
أعتقت هذا عن هذه الكفارة وهذا عن هذه فيجزئه اجماعا
(الثاني) ان يقول أعتقت هذا عن إحدى الكفارتين وهذا عن الأخرى من غير تعيين فإن كانا
من جنس واحد ككفارتي ظهار أو قتل أجزأه وان كانتا من جنسين ككفارة ظهار وكفارة قتل خرج
على وجهين في اشتراط تعيين السبب فإن قلنا يشترط لم يجزئه واحد منهما وان قلنا لا يشترط أجزأه عنهما
(الثالث) ان يقول أعتقتهما عن الكفارتين فإن كانتا من جنس أجزأ عنهما ويقع كل واحد عن
كفارة لأن عرف الشرع والاستعمال اعتاق الرقبة عن الكفارة فإذا اطلق ذلك وجب حمله عليه وان
625

كانتا من جنسين خرج على الوجهين (الرابع) ان يعتق كل واحد منهما عنهما جميعا فيكون معتقا عن كل واحدة
من الكفارتين نصف العبدين فينبني على أصل آخر وهو إذا أعتق نصف رقبتين عن كفارة هل
يجزئه أولا؟ فعلى قول الخرقي يجزئه لأن الأشقاص بمنزلة الاشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير بدليل
الزكاة فإن من ملك نصف ثمانين شاة كان كمن ملك أربعين ولا تلزم الأضحية فإنه يمنع منها العيب
اليسير. وقال أبو بكر وابن حامد ولا يجزئه وهو قول مالك وأبي حنيفة لأن ما أمر بصرفه إلى شخص
في الكفارة لم يجز تفريقه على اثنين كالمد في الاطعام ولأصحاب الشافعي كهذين الوجهين، ولهم وجه
ثالث وهو انه إن كان باقيهما حرا أجزأ والا فلا لأنه متى كان باقيهما حرا حصل تكميل الأحكام والتصرف
وخرجه القاضي وجها لنا أيضا الا ان للمعترض عليه ان يقول إن تكميل الأحكام ما حصل بعتق هذا وإنما حصل
بانضمامه إلى عتق النصف الآخر فلم يجزئه فإذا قلنا لا يجزئ عتق النصفين لم يجز في هذه المسألة عن شئ
من الكفارتين وان قلنا يجزئ وكانت الكفارتان من جنس أجزأ العتق عنهما وان كانتا من جنسين
فقد قيل يخرج على الوجهين والصحيح أنه يجزئ وجها واحدا لأن عتق النصفين عنهما كعتق عبدين عنهما
(فصل) ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله لأن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه فلو قال لعبده
أنت حر الساعة ان تظاهرت عتق ولم يجزئه عن ظهار ان تظاهر لأنه قدم الكفارة على سببها المختص
لم يجز كما لو قدم كفارة القتل على الجرح، ولو قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي
626

لم يجز التكفير قبل دخول الدار لأنه تقديم للكفارة قبل الظهار فإن أعتق عبدا عن ظهاره ثم
دخلت الدار عتق العبد وصار مظاهرا ولم يجزئه لأن الظهار معلق على شرط ولو قال لعبده ان تظاهرت
فأنت حر عن ظهاري ثم قال لامرأته أنت علي كظهر أمي عتق العبد لوجود الشرط وهل يجزئه
عن الكفارة فيه وجهان
(أحدهما) يجئه لأنه عتق بعد الظهار وقد نوى اعتاقه عن الكفارة (والثاني) لا يجزئه لأن عتقه
مستحق بسبب آخر وهو الشرط ولان النية لم توجد عند عتق العبد والنية عند التعليق لا تجزئ لأنه
تقديم لها على سببها والله سبحانه وتعالى اعلم
آخر الباب ويتلوه باب اللعان إن شاء الله تعالى، تم تسويد كتابة ذلك الكتاب في اليوم السادس
من العشر الثانية من الشهر السابع من السنة السادسة من العشر الخامسة من المائة الثالثة من الألف
الثاني من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام بقلم الفقير إلى الله محمد بن حمد بن نصر
الله بن فوزان بن نصر الله بن محمد بن عيسى بن حمد بن عيسى بن صقر بن مشعاب
ان تجد عيبا فسد الخللا * جل من لا عيب فيه وعلا
* (تم بحمد الله وعونه الجزء الثامن من كتاب الشرح الكبير) *
* (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء التاسع وأوله (كتاب اللعان) *
627