الكتاب: المحلى
المؤلف: ابن حزم
الجزء: ٤
الوفاة: ٤٥٦
المجموعة: فقه المذهب الظاهري
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات: طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر

المحلى
تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الأصولي، قوي العارضة
شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف
الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والأصول
والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الأندلس
أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
المتوفى سنة 456 ه‍.
طبعة مصححة ومقابلة
على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة
كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ
الشيخ احمد محمد شاكر
الجزء الرابع
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
377 مسألة وكل من سها عن شئ مما ذكرنا أنه فرض عليه حتى ركع لم يعتد
بتلك الركعة، وقضاها إذا أتم الامام إن كان مأموما وكذلك يلغيها الفذ والامام، ويتمان
صلاتهما، وعلى جميعهم سجود السهو، لأنهم لم يأتوا بالركعة كما أمروا، وكل ما أمر به
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمل في مكان من الصلاة فلا يجوز أن يعمل في غير ذلك الموضع
لقول الله تعالى (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) *
378 مسألة ولا يحل تعمد الكلام مع أحد من الناس في الصلاة، لا مع
الامام في اصلاح الصلاة ولا مع غيره. فان فعل بطلت صلاته. ولو قال في صلاته: رحمك الله
يا فلان، بطلت صلاته *
حدثنا عبد الله بن الربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل
ثنا أبان هو ابن يزيد العطار ثنا عاصم هو ابن أبي النجود عن أبي وائل عن
ابن مسعود قال: (كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجاتنا (1)، فقدمت على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يصلى، فسلمت عليه يرد على السلام، فأخذني ما قدم وما حدث (2)، فلما
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وان الله
قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فرد على السلام *

(1) في أبى داود (ج 2 ص 347) (بحاجتنا) بالافراد
(2) الرواية بضم الدال فيهما
فقط. وأصل (حدث) بفتحها وضمت هنا للازدواج. قال في اللسان (يعنى همومه
وأفكاره القديمة والحديثة، يقال حدث الشئ - يعنى بالفتح - فإذا قرن بقدم ضم
للازدواج) ورواه النسائي (ج 1 ص 181) بلفظ (فأخذني ما قرب وما بعد)
2

379 مسألة ولا يجوز أن يفتى الامام إلا في أم القرآن وحدها. فان
التبست القراءة على الامام فليركع، أو فلينتقل إلى سورة أخرى، فمن تعمد افتاءه وهو يدري
أن ذلك لا يجوز له بطلت صلاته *
برهان ذلك ما قد ذكرناه باسناده من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتقرأون
خلفي؟ قالوا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن) *
فوجب أن من أفتى الامام لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون قصد به قراءة القرآن،
أو لم يقصد به قراءة القرآن، فإن كان قصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز، لان رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى أن يقرأ المأموم شيئا من القرآن حاشا أم القرآن، وإن كان لم يقصد به
قراءة القرآن فهذا لا يجوز، لأنه كلام في الصلاة، وقد أخبر عليه السلام أنه لا يصلح فيها شئ
من كلام الناس، وهو قول علي بن أبي طالب وغيره. وبه يقول أبو حنيفة *
فان ذكروا خبرا رويناه من طريق يحيى بن كثير الأسدي عن المسور (1) بن يزيد
الأسدي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي آية في الصلاة، فلما سلم ذكره رجل بها،
فقال له: أفلا أذكرتنيها؟ (2) فان هذا موافق لمعهود الأصل من إباحة القراءة في الصلاة،
وبيقين ندري أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ خلفه إلا بأم القرآن فناسخ لذلك ومانع
منه، ولا يجوز العود إلى حال منسوخة بدعوى كاذبة في عوديها *
380 مسألة ومن تكلم ساهيا في الصلاة فصلاته تامة، قل كلامه أو كثر،
وعليه سجود السهو فقط، وكذلك ان تكلم جاهلا *
وقال أبو حنيفة: الكلام في الصلاة عمدا وسهوا سواء تبطل بكليهما، ورأي
السلام في الصلاة عمدا يبطلها، ولا يبطلها إذا كان سهوا. وهذا تناقض *

(1) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الواو المفتوحة. هكذا ضبطه الأمير ابن مأكولا
فيما نقله عنه ابن حجر في التهذيب. وكذلك ضبطه الذهبي في المشتبه. وضبط بالحركات بكسر
الميم وإسكان السين في طبقات ابن سعد وهو خطأ.
(2) رواه ابن سعد في الطبقات (ج 6 ص 32 و 33) عن الحميدي عن مروان بن معاوية عن يحيى بن كثير. ورواه أبو داود (ج 1 ص 341) من طريق مروان بن معاوية، والمسور هذا مالكي نسبة إلى بطن من بنى أسد بن خزيمة. والحديث نسبه في المنتقى لعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ولم أجده فيه *
3

برهان صحة قولنا قول الله عز وجل: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن
ما تعمدت قلوبكم) *
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ثنا الحسين (1) بن عبد الله الجرجاني ثنا عبد الرزاق بن أحمد
ابن عبد الحميد الشيرازي أخبرتنا فاطمة بنت الحسن بن الريان المخزومي وراق بكار بن قتيبة
القاضي قالت: ثنا الربيع بن سليمان المؤذن ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح
عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تجاوز لي عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (2) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد
ابن علي نا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية
عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن
معاوية بن الحكم السلمي قال: (بينا (3) أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس
رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه!
ما شأنكم تنظرون إلى؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني
سكت، فلما صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن
تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من
كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) *
قال علي: هذا الحديث يبطل قول أبي حنيفة، لان فيه أنه كان بعد تحريم الكلام في الصلاة
بيقين، ولم يبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته *

(1) في نسخة (الحسن) ويحرر فانى لم أجد له ترجمة ولا لشيخه ولا لفاطمة. والظاهر أنه
الحسين كما في الأحكام في هذا الاسناد
(2) رواه الطحاوي في معاني الآثار (ج 2 ص 56) عن
الربيع بن سليمان. وهذا اسناد صحيح وقد نسبه السيوطي في الجامع الصغير للحاكم ولم أجده
فيه. ورواه أيضا ابن ماجة (ج 1 ص 322) من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي.
وقد رواه المؤلف في الأحكام (ج 5 ص 149) بالاسناد الذي هنا. وانظر تلخيص
الحبير (ج 4 ص 112 و 114) وجامع العلوم لابن رجب (ص 270 و 272) (3) في نسخة
(بينما) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 151) *
4

فان قيل: ولا أمره بسجود السهو. قلنا: قد صح الامر بالسجود من زاد في صلاته أو
نقص. فواجب ضم هذا الحكم إلى ما وقع عليه ولا بد *
وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن يعقوب
ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن عن
أبي هريرة قال: (بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فسلم رسول الله
صلى الله عليه وسلم من ركعتين، فقام رجل من بنى سليم فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة
أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تقصر ولم أنس، فقال يا رسول الله، إنما صليت
ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعتين) *
قال علي: فغلط في هذا الخبر صنفان: أحدهما أصحاب أبي حنيفة، والثاني ابن القاسم
ومن وافقه *
فأما أصحاب أبي حنيفة فإنهم قالوا لعل هذا الخبر كان قبل تحريم الكلام في الصلاة، وقالوا:
الرجل المذكور قتل يوم بدر، ذكر ذلك سعيد بن المسيب والزهري، وعمدوا إلى لفظ ذكره بعض
رواة الخبر وهو (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقالوا: هذا إخبار بأنه صلى للمسلمين *
قال علي: وهذا كله باطل وتمويه وظن كاذب *
أما قولهم: لعله كان قبل تحريم الكلام فباطل، لان تحريم الكلام في الصلاة كان قبل يوم
بدر بيقين *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا ابن
نمير ثنا ابن فضيل هو محمد ثنا الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود
قال: (كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو في الصلاة) (1) فيرد علينا، فلما
رجعنا (2) من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة شغلا). ولا
خلاف في أن ابن مسعود شهد بدرا بعد إقباله من أرض الحبشة *
وأبو هريرة وعمران بن الحصين وكلاهما متأخر الاسلام يذكران جميعا حديث ذي
اليدين، وإسلامهما بعد بدر بأعوام. وكذلك معاوية بن خديج أيضا *

(1) زيادة من البخاري (ج 2 ص 139 منيرية)
(2) في نسخة (فإذا رجعنا) وهو خطأ *
5

وأما قولهم: ان الرجل المذكور قتل يوم بدر فتمويه بارد، لوجوه: *
أحدها أن أعلى من ذكر ذلك فابن المسيب، ولم يولد إلا بعد بدر ببضعة عشر عاما *
والثاني أن المقتول يوم بدر إنما هو ذو الشمالين، واسمه عبد عمرو، ونسبه الخزاعي،
والمكلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو ذو اليدين، واسمه الخرباق، ونسبه سلمي *
وأما قولهم: ان قول أبي هريرة: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) إنما هو إخبار
عن صلاته بالمسلمين الذين أبو هريرة معهم: فباطل، يبين ذلك قول أبي هريرة الذي
ذكرناه آنفا: (بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) فظهر فساد قولهم *
فان قالوا: قسنا السهو في الكلام على العمد. قيل لهم: القياس كله باطل، ثم لو صح
لكان هذا منه عين الباطل، لان القائلين بالقياس مجمعون على أن الشئ إنما يقاس على نظيره،
لا على ضده، والنسيان ضد العمد، ثم يقال لهم: فهلا قستم الكلام في الصلاة سهوا على
السلام في الصلاة سهوا، فهو أشبه به، لأنهما معا كلام؟! فأي شئ قصدوا به إلى التفريق
بينهما؟ فان الفرق بين سهو الكلام وعمده أبين وأوضح. وبالله تعالى التوفيق *
وأما ابن القاسم ومن وافقه فإنهم أجازوا بهذا الخبر كلام الناس مع الامام في
إصلاح الصلاة *
قال علي: وهذا خطأ، لان الناس إنما كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، وتعمد
الكلام معه عليه السلام لا يضر الصلاة شيئا، وكلمهم عليه السلام وهو يقدر أن صلاته قد
تمت، وأن الكلام له مباح، وكذلك تكلم الناس يومئذ بعضهم مع بعض وهم يظنون أن
الصلاة قصرت وتمت *
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر
ابن أبي شيبة ثنا محمد بن جعفر: غندر عن شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم
عن أبي سعيد بن المعلى قال: (كنت أصلى فرآني النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني فلم آته حتى
صليت، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قلت كنت أصلى، قال: ألم يقل الله تعالى: (يا أيها
الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم)؟ ثم ذكر باقي الحديث *
فصح أن هذا بعد تحريم الكلام في الصلاة، لامتناع أبي سعيد من إجابة النبي صلى الله
عليه وسلم حتى أتم الصلاة، وصح أن الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم مباح في
6

الصلاة، هذا خاص له، وفيه حمل اللفظ على العموم، واجماع أهل الاسلام المتيقن
على أن المصلى يقول في صلاته (السلام عليك أيها النبي) ولا يختلف الحاضرون من
خصومنا على أن من قال عامدا في صلاته: السلام عليك يا فلان، أن صلاته قد بطلت
وبالله تعالى التوفيق *
381 مسألة ولا يحل للمصلى أن يضم ثيابه أو يجمع شعره قاصدا بذلك
للصلاة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه باسناده: (أمرت أن
أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكفت شعرا ولا ثوبا) *
382 مسألة وفرض على المصلى أن يغض بصره عن كل ما لا يحل له النظر
إليه، لقول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) (وقل
للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) فمن فعل في صلاته ما حرم عليه فعله
ولم يشتغل بها فلم يصل كما أمر، فلا صلاة له، إذ لم يأت بالصلاة التي أمر بها. وبالله
تعالى التوفيق. وقد روى عن مالك: من تأمل عورة انسان في صلاته بطلت صلاته *
383 مسألة وفرض عليه أن لا يضحك ولا يتبسم عمدا، فان فعل بطلت
صلاته، وان سها بذلك فسجود السهو فقط *
أما القهقهة فاجماع، وأما التبسم فان الله تعالى يقول: (وقوموا لله قانتين) والقنوت
الخشوع، والتبسم ضحك، قال الله عز وجل: (فتبسم ضاحكا من قولها). ومن ضحك
في صلاته فلم يخشع، ومن لم يخشع فلم يصل كما أمر *
روينا عن محمد بن سيرين: أنه سئل عن التبسم في الصلاة: فتلا هذه الآية، وقال:
لا أعلم التبسم إلا ضحكا *
ومن طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر: أنه أمر أصحابه بإعادة الصلاة من الضحك *
قال علي: إنما فرق بين القهقهة والتبسم من يقول بالاستحسان، فيفرق بين العمل
الكثير والقليل، وهذا باطل، وفرق لا دليل عليه إلا الدعوى، ولا يخلو الضحك من
أن يكون مباحا في الصلاة أو محرما في الصلاة فإن كان محرما فقليله وكثيره سواء في التحريم،
وإن كان مباحا فقليله وكثيره سواء في الإباحة. وبالله تعالى التوفيق *
384 مسألة وأن لا يمسح الحصا أو ما يسجد عليه إلا مرة واحدة،
7

وتركها أفضل، لكن يسوى موضع سجوده قبل دخوله في الصلاة *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام
الدستوائي حدثني ابن أبي كثير هو يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن معيقيب (1)
(أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسح في الصلاة فقال: واحدة) *
قال مسلم: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان عن يحيى
- هو ابن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني معيقيب: (أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوى التراب حيث يسجد، قال: إن كنت
فاعلا فواحدة) (2) *
385 مسألة ويقطع صلاة المصلى كون الكلب بين يديه، مارا أو غير مار
صغيرا أو كبيرا، حيا أو ميتا، أو كون الحمار بين يديه كذلك أيضا، وكون المرأة بين
يدي الرجل، مارة أو غير مارة، صغيرة أو كبيرة، إلا أن تكون مضطجعة معترضة
فقط، فلا تقطع الصلاة حينئذ، ولا يقطع النساء بعضهن صلاة بعض *
فإن كان بين يدي المصلى شئ مرتفع بقدر الذارع وهو قدر مؤخرة (3) الرحل
المعهودة عند العرب ولا نبالي بغلظها لم يضر صلاته كل ما كان وراء السترة مما ذكرنا،
ولا ما كان من كل ذلك فوق السترة *

(1) بضم الميم وفتخ العين المهملة وإسكان الياء وكسر القاف وبعدها ياء ثم موحدة
وهو ابن أبي فاطمة الدوسي. أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة وعاد مع جعفر بن أبي طالب
في غزوة خيبر. وزعم ابن حجر في التهذيب أنه شهد بدرا وتبع في ذلك ابن منده،
وهو خطأ. ولذلك لم يعده فيهم ابن هشام ولا ابن سعد. انظر السيرة (ص 781
و 782) والطبقات (ج 4 ق 1 ص 86 و 87) وقد ذكره في (الطبقة الثانية من المهاجرين
والأنصار ممن لم يشهدوا بدرا)
(2) هذا والذي قبله في مسلم (ج 1 ص 153) (3) بضم
الميم وإسكان الهمزة وفتح الخاء أو كسرها، وبفتح الهمزة مع تشديد الخاء وفتحها أو
كسرها، ويقال أيضا (آخر الرحل وآخرته) والمراد بها في الكل خلاف قادمته وهي
التي يستند إليها الراكب *
8

ومن حمل صبية صغيرة على عنقه في الصلاة لم تبطل صلاته، وسواء علم المصلى
بذلك أو لم يعلم *
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى
ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن
راهويه ثنا المخزومي هو أبو هشام المغيرة بن سلمة ثنا عبد الواحد بن
زياد ثنا عبيد الله (1) بن عبد الله بن الأصم ثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقى ذلك
مثل مؤخرة الرحل (2) *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع عن عبد الله
ابن عمر قال: (ان رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم كان يركز له الحربة (4) فيصلى
إليها) *
وقد روينا أيضا من طريق شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة) *
فان قيل: فقد رويتم من طريق أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إذا قام أحدكم فصلى فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن
بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود) قلنا:
نعم، وحديث أبي هريرة وأنس فيهما زيادة على حديث أبي ذر، والزيادة الواردة في
الدين عن الله عز وجل فرض قبولها، ومن فعل هذا فقد أخذ بحديث أبي ذر ولم يخالفه
لأنه ليس في حديث أبي ذر إلا ذكر الأسود فقط، ومن اقتصر على ما في حديث
أبي ذر فقد خالف رواية أبي هريرة وأنس، وهذا لا يحل (5) *

(1) مصغر، وفى الأصل بالتكبير وهو خطأ
(2) في مسلم (ج 1 ص 145)
(3) في البخاري (عن عبد الله أن النبي)
(4) في الأصل (كان تركز الجربة له) وصححناه من البخاري (ج 1 ص 212)
(5) غالط المؤلف هنا مغالطة غريبة فجعل الحديث المطلق زائدا على المقيد، وهو أمر راجع إلى المعنى، وإنما الراجح أن زيادة الثقة
مقبولة بمعنى أنه إذا زاد في الرواية لفظا أو قيدا قبلت الزيادة، وفى معنى هذا حمل
المطلق على المقيد إذا اتحد المخرج. ثم حديث أبي ذر يرد ما قاله المؤلف ردا واضحا، ففي صحيح مسلم
(ج 1 ص 144) عن عبد الله بن الصامت (عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا قام أحدكم يصلى فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه
مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قلت يا أبا ذر ما بال الكلب
الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال يا ابن أخي سألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان) ورواه أيضا سائر
الجماعة سوى البخاري. فهذا صريح في التفريق بين الكلب الأسود وبين غيره
ودال على أن القيد بهذا اللون زيادة حافظ تجب مراعاتها، وعلى أن من أطلق فلم يذكر
اللون فإنما اختصر الحديث *
9

وأما كون المرأة معترضة لا تقطع الصلاة فان عبد الله بن يوسف حدثنا قال ثنا
أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن
الحجاج نا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي ثنا الأعمش ثنا إبراهيم هو النخعي ومسلم
هو أبو الضحى كلاهما عن مسروق عن عائشة: (والله لقد رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يصلى وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة فأكره أن
أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنسل من عند رجليه) *
قال علي: فقد فرقت أم المؤمنين بين حال جلوسها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يصلى، فأخبرت بأنه أذى له، وبين اضطجاعها بين يديه وهو يصلى فلم تره أذى، وهذا
نص قولنا ولله الحمد *
وقد ذكرنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملا أمامة بنت أبي العاصي على عنقه
فاستثنينا ما استثناه النص، وأبقينا ما أبقاه النص *
وقد قال بهذا جماعة من السلف *
روينا من طريق الحجاج بن المنهال ثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه
سمع ابن عباس قال: يقطع الصلاة الكلب والمرأة *
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن قتادة سمعت جابر بن زيد يقول قال
ابن عباس: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة *
10

وهذان سندان لا يوجد أصح منهما *
ومن طريق شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك قال: يقطع
الصلاة الكلب والحمار والمرأة *
ومن طريق الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني
قال: كنت أصلى إلى جنب ابن عمر فدخل بيني وبينه يريد جروا فمر بين يدي
فقال لي ابن عمر: أما أنت فأعد الصلاة وأما أنا فلا أعيد، لأنه لم يمر بين يدي *
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني: ان جروا
مر بين يدي ابن عمر فقطع عليه صلاته *
وهذا أيضا من أصح إسناد يكون *
ومن طريق علي بن المديني: حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي ثنا أبي عن قتادة عن زرارة
ابن أوفى عن سعد بن هشام عن عامر عن أبي هريرة قال: يقطع الصلاة الكلب والحمار
والمرأة *
ومن طريق عبد الله بن المبارك حدثني سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن
عبد الله بن الصامت قال: صلى الحكم بن عمرو الغفاري بالناس في سفر وبين يديه سترة،
فمرت حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة *
ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن بن مسلم المكي عن صفية بنت شيبة
عن عائشة أم المؤمنين قالت: جعلتمونا بمنزلة الكلب والحمار وإنما يقطع الصلاة
الكلب والحمار والسنور. *
ومن طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم أن عبد الله بن عباس قال:
يقطع الصلاة الكلب والحمار *
وهو قول عطاء وابن جريج، إلا أنهما خصا الكلب الأسود والمرأة الحائض *
وعن عكرمة: يقطع الصلاة الكلب والمرأة الحائض *
ومن طريق شعبة عن زياد بن فياض قال سمعت أبا الأحوص هو صاحب
ابن مسعود يقول: يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار *
وقال أحمد بن حنبل: يقطع الصلاة الكلب الأسود والحمار والمرأة إلا أن تكون
مضطجعة
11

قال علي: وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يقطع الصلاة شئ من هذا كله.
وما نعلم لهم حجة إلا حديث عائشة، وهو حجة عليهم كما أوردناه، وحديثا رويناه من
طريق ابن عباس: (أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى، فمررت بين يدي الصف، فنزلت فأرسلت الأتان
ترتع ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك على أحد) (1) *
قال علي: وهذا لا حجة فيه لوجوه:
أولها ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد
ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر نا شعبة
عن الحكم هو ابن عتيبة سمعت أبا جحيفة قال: (خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين (2) وبين يديه عنزة) وزاد
فيه عون بن أبي جحيفة عن أبيه: (وكان يمر من ورائها (3) الحمار والمرأة (4) *
وبه إلى مسلم: ثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري (5) ثنا أبي ثنا شعبة عن
يعلى هو ابن عطاء سمع (6) أبا علقمة سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (إنما الامام جنة، فإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا) *
قال علي: فما لم يحل بين الإمام والمأموم مما ذكرنا فلا يقطع الصلاة، لان الامام سترة
لجميع المأمومين، ولو امتد الصف فراسخ *
برهان ذلك الاجماع المتيقن الذي لا شك فيه في أن سترة الامام لا يكلف أحد من
المأمومين اتخاذ سترة أخرى، بل اكتفى الجميع بالعنزة التي كان عليه السلام يصلى إليها،
فلم تدخل أتان ابن عباس بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بين رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبين سترته (7) *

(1) نسبه في المنتقى إلى الجماعة. انظر الشوكاني (ج 3 ص 16) ومسلم (ج 1 ص 143)
(2) في مسلم (ج 1 ص 143) (فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين)
(3) في نسخة (من ورائه) وهو خطأ
(4) في مسلم (المرأة والحمار)
(5) في مسلم (ج 1 ص 122) (عبيد الله بن معاذ) وهو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري
(6) في نسخة (سمعت) وما هنا هو الموافق لمسلم
(7) في نسخة (فلم تدخل أتان ابن عباس بين العنزة وبين
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الناس)
12

وأيضا: فقد ثبت عن ابن عباس كما أوردنا قبل أن الحمار والمرأة والكلب
يقطع الصلاة، وعهدنا بهم يقولون: ان الراوي من الصحابة أعلم بما روى (1) ثم
لو صح غير هذا وهو لا يصح لكان ما رواه أبو هريرة وأنس وأبو ذر هو الناسخ
بيقين لا شك فيه لما كانوا عليه قبل ورود ما رووه *
وذكروا خبرين: أحدهما من طريق العباس بن عبيد الله بن العباس عن الفضل بن العباس
: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار العباس فصلى وبين يديه حمارة وكليبة (2) *
قال علي: وهذا باطل، لان العباس بن عبيد الله لم يدرك عمه الفضل *
وحديث من طريق مجالد (3) عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: (لا يقطع الصلاة شئ، وادرءوا ما استطعتم (4) *
قال علي: أبو الوداك ضعيف، ومجالد مثله (5)، ثم لو صح كل هذا لما وجب الاخذ

(1) الرواية عن ابن عباس مختلفة، وقد ورد عنه ما يدل على عدم القطع، فيحمل ما ورد
باثباته على معنى آخر، كما روى الطحاوي في معاني الآثار (ج 1 ص 266) عن عكرمة
قال: (ذكر عنه ابن عباس ما يقطع الصلاة، قالوا الكلب والحمار، فقال ابن عباس:
(إليه يصعد الكلم الطيب) وما يقطع هذا ولكنه يكره) وروى النسائي (ج 1 ص 123
عن صهيب قال (سمعت ابن عباس يحدث أنه مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
غلام وهو من بني هاشم على حمار بين يدي رسول الله صلى الله على وسلم وهو يصلى فنزلوا
ودخلوا معه وهو يصلى فلم ينصرف فجاءت جاريتان تسعيان من بنى عبد المطلب فأخذتا
بركبتيه ففرع بينهما ولم ينصرف)
(2) رواه أبو داود (ج 1 ص 261) ولفظه: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا ومعه عباس فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالي ذلك) ورواه النسائي (ج 1 ص 123) وفيه أنه صلى العصر، وفى آخره (فلم يزجرا ولم يؤخرا). ورواه الطحاوي أيضا بمعناه (ج 1 ص 266)
(3) في نسخة (مجاهد) وهو خطأ
(4) رواه أبو داود (ج 1 ص 262)
(5) أبو الوداك هو جبر بن نوف البكالي. وهو ثقة وثقة ابن معين وابن
حبان، واختلف فيه قول النسائي، فمرة قال (صالح) ومرة قال (ليس بالقوى) ومثل
هذا لا يطلق عليه الحكم بالضعف وقد أخرج له مسلم. وأما مجالد فهو ابن سعيد الهمداني
الكوفي، ضعفه أحمد وغيره، وقال يعقوب بن سفيان (تكلم الناس فيه وهو صدوق)
وقال البخاري (صدوق) وأخرج له مسلم مقرونا بغيره. ومثله أيضا لا يطرح حديثه. ولذلك
قال أبو داود بعد رواية الحديث (إذا تنازع الخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر
إلى ما عمل به أصحابه من بعده)
13

بإحدى الروايتين دون الأخرى الا بحجة بينة، لا بالهوى والمطارفة، فلو صحت هذه الآثار -
وهي لا تصح - لكان حكمه صلى الله عليه وسلم بأن الكلب والحمار والمرأة يقطعون الصلاة -
هو الناسخ بلا شك لما كانوا عليه قبل، من أن لا يقطع الصلاة شئ من الحيوان، كما
لا يقطعها الفرس والسنور والخنزير وغير ذلك، فمن الباطل الذي لا يخفى ولا يحل ترك
الناسخ المتيقن والاخذ بالمنسوخ المتيقن. ومن المحال أن تعود الحالة المنسوخة ثم
لا يبين عليه السلام عودها (1) *

(1) الراجح أن حديث قطع الصلاة بهذه الأشياء حديث
منسوخ، فان قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقطع الصلاة شئ) فيه إشارة إلى أنه كان
معروفا عند السامعين قطعها بأشياء من هذا النوع بل هو يكاد يكون كالصريح فيه لمن
تأمل وفكر في معنى الحديث. ثم قد ورد ما يؤيد هذا، فروى الدارقطني (ص 140
و 141) والبيهقي (ج 2 ص 277 و 278) من طريق إبراهيم بن منقذ الخولاني (ثنا
إدريس بن يحيى أبو عمرو المعروف بالخولاني عن بكر بن مضر عن صخر بن عبد الله بن
حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى بالناس فمر بين أيديهم حمار فقال عياش بن أبي ربيعة. سبحان الله. سبحان الله. سبحان
الله، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من المسبح آنفا سبحان الله؟ قال:
أنا يا رسول الله، إني سمعت ان الحمار لا يقطع الصلاة، قال: لا يقطع الصلاة شئ)
وقد رواه الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن هشام بن عبيد الله، ثم رواه
الحافظ أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى - راوي المسند عن الباغندي - عن محمد
ابن موسى الحضرمي عن إبراهيم بن سعد، كلاهما عن إدريس بن يحيى، ولم أجد ترجمة
لإدريس هذا، وما أظن أحدا ضعفه، ولذلك لما أراد ابن الجوزي في التحقيق أن
ينصر مذهبه ضعف الحديث بصخر بن عبد الله فأخطأ جدا لأنه زعمه (صخر بن
عبد الله الحاجبي المنقري) وهو كوفي متأخر روى عن مالك والليث وبقى إلى حدود
سنة 230، وأما الذي في الاسناد فهو (صخر بن عبد الله بن حرملة المدلجي) وهو حجازي
قديم كان في حدود سنة 130 وهو ثقة. ثم إن الباغندي قال في مسند عمر (ص 3): (حدثنا
هشام بن خالد الأزرق نا الوليد بن مسلم عن بكر بن مضر المصري عن صخر بن عبد الله
المدلجي قال سمعت عمر بن عبد العزيز يحدث عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى يوما بأصحابه إذ مر بين أيدينا حمار فقال عياش
سبحان الله، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم سبح؟ قال عياش: أنا
يا رسول الله، سمعت ان الحمار يقطع الصلاة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقطع
الصلاة شئ) وقد قلت في شرحي على التحقيق لابن الجوزي بعد رواية هذا الحديث (وهذا
اسناد صحيح إلا أن عمر بن العزيز لم يسمع من عياش فقد مات سنة 15، ولكنه محمول
على الرواية الأخرى عن أنس، وكأن عمر لما سمعه من أنس صار يرويه مرة عنه ومرة
يرسله عن عياش، يريد بذلك رواية القصة لا ذكر الاسناد، وهذا كثير من رواة الحديث
وخصوصا القدماء. وهو صريح في الدلالة على أن الأحاديث التي فيها الحكم بقطع الصلاة
- بالمرأة والحمار والكلب - منسوخة، فقد سمع عياش ان الحمار يقطع الصلاة، وعياش
من السابقين الذين هاجروا الهجرتين، ثم حبس بمكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعو له في القنوت كما ثبت في الصحيحين، فعلم الحكم الأول ثم غاب عنه نسخه، فأعلمه رسول
الله بعد: أن الصلاة لا يقطعها شئ). وهذا تحقيق دقيق واستدلال طريف لم أر
من سبقني إليه
14

واحتج بعض المخالفين (1) بقول الله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح
يرفعه) قال: فما يقطع هذا؟ *
قال علي: يقطعه عند هؤلاء المشغبين قبلة الرجل امرأته ومسه ذكره وأكثر من
قدر الدرهم البغلي من بول، ويقطعه عند الكل رويحة تخرج من الدبر متعمدة! *
وأما النساء فقد أخبر عليه السلام أن خير صفوفهن آخرها، فصح أنه لا يقطع بعضهن
صلاة بعض. وبالله تعالى التوفيق *
386 مسألة ولا يحل للمصلى أن يرفع بصره إلى السماء، ولا عند الدعاء
في غير الصلاة أيضا *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب
ابن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لينتهين

(1) ممن احتج بهذه الآية ابن عباس كما سبق
15

أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم (1) *
وروينا أيضا من طريق صحيحة عن أنس وابن عمر وأبي هريرة (2) *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا ابن مفرج نا عبد الله بن جعفر بن الورد ثنا يحيى
ابن أيوب بن بادي العلاف ثنا يحيى هو ابن بكير ثنا الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن
عراك بن مالك والأعرج كلاهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لينتهين أناس عن رفع أبصارهم عند الدعاء إلى السماء حتى لتخطف (3) *
قال علي: هذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون إلا على كبيرة من الحرام، لا على مباح
مكروه أصلا، ولا على صغيرة مغفورة *
وقال بهذا طائفة من السلف. كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان
الثوري عن زياد بن فياض عن تميم بن سلمة (4) قال رأى ابن مسعود قوما رافعي أبصارهم إلى
السماء في الصلاة، فقال: لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم في الصلاة أو لا ترجع إليهم *
وقال أيضا: أو ما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الامام أن يحول الله تعالى رأسه
رأس كلب؟ *
ومن طريق حماد بن سلمة عن عمران بن حدير عن أبي مجلز (5) قال: أما يخشى
الذي يرفع بصره إلى السماء أن يختلس بصره؟، ألا أرى (6) أنه كان الملائكة تنزل *

(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 127) ورواه أبو داود (ج 1 ص 343) وابن ماجة (ج 1
ص 167) والدارمي (ص 154)
(2) أما حديث أنس فرواه أبو داود (ج 1 ص 343) والبخاري
(ج 1 ص 299) والنسائي (ج 1 ص 177) والدارمي (ص 154) وأما حديث ابن عمر فرواه
ابن ماجة (ج 1 ص 167) وقال في الزوائد (اسناد صحيح ورجاله ثقات) ونسبه المنذري
في الترغيب (ج 1 ص 188 منيرية) إلى ابن حبان والطبراني في الكبير وصححه
(3) في نسخة (لتختطف) ورواه مسلم (ج 1 ص 127) والنسائي (ج 1 ص 187) من طريق ابن وهب عن
الليث عن جعفر عن الأعرج - وحده - عن أبي هريرة ولفظهما (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم
عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم)
(4) هذا مرسل لان تميم بن سلمة لم يدرك ابن مسعود فإنه مات سنة 100 وابن مسعود سنة 33
(5) بكسر الميم واسكان الجيم وفتح اللام وآخره زاي، وهو تابعي واسمه لاحق بن حميد
(6) كذا في الأصل، وفى نسخة (ألا يرى) والتركيب غير ظاهر فيهما
16

قال علي: من العجب أن يكون الحنفيون يبطلون صلاة من صلى خلف امام والى
جانبه امرأة تصلى بصلاة ذلك الامام وهو لا يقدر على إزالتها! وصلاة من تكلم ساهيا
في صلاته! والمالكيون يبطلون صلاة من صلى وقد توضأ بماء بل فيه خبز! والشافعيون
يبطلون صلاة من صلى وعلى ثيابه شعر من شعره نفسه قد سقط من لحيته ورأسه! وما
جاء قط نص ولا دليل على بطلان صلاة أحد من هؤلاء، ثم يجيزون صلاة من تعمد في
صلاته عملا صح النص بتحريمه عليه وشدة الوعيد فيه! وبالله تعالى التوفيق (1) *
387 مسألة فان صلت امرأة إلى جنب رجل لا تأتم به ولا بامامه فذلك جائز
فإن كان لا ينوى أن يؤمها ونوت هي ذلك فصلاته تامة وصلاتهما باطلة. فان نوي أن
يؤمها وهي قادرة على التأخر عنه فصلاتهما جميعا فاسدة. فإن كانا جميعا مؤتمين بامام واحد
ولا تقدر هي ولا هو على مكان آخر فصلاتهما تامة. وإن كانت قادرة على التأخر وهو غير
قادر على تأخيرها فصلاتها باطلة وصلاته تامة. فلو قدر على تأخيرها فلم يفعل فصلاتهما
جميعا باطل *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى -
هو ابن سعيد القطان ثنا شعبة عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس بن مالك عن
أبيه قال: (صلى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبامرأة من أهلي، فأقامني عن يمينه،
والمرأة خلفنا) (2) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد عن مالك
ابن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم صلى بهم، قال أنس: فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا،
فصلى لنا ركعتين وانصرف) (3) *
فصح أن مقام المرأة والمرأتين والأكثر إنما هو خلف الرجال ولا بد مع رجل واحد

(1) بالغ ابن حزم وتغالى، وما تدل هذه الأحاديث على بطلان الصلاة
(2) في نسخة (من خلفنا) وما هنا هو الموافق للنسائي (ج 1 ص 129)
(3) في النسائي (ج 1 ص 129) (ثم انصرف) والحديث اختصره المؤلف، وقد رواه الجماعة الا ابن ماجة كما في الشوكاني (ج 3 ص 224)
17

أصلا ولا أمامه، وان موقف الرجل والرجلين والأكثر إنما هو أمام المرأة والمرأتين والأكثر
ولا بد. فمن تعدى موضعه الذي أمره الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصلى
فيه وصلى حيث منعه الله كذلك: فقد عصى الله عز وجل في عمله ذلك، ولم يأت بالصلاة التي
أمر الله بها والمعصية لا تجزئ عن الطاعة. وهو قول أبي حنيفة وبعض أصحاب أبي سليمان (1) *
وأما من عجز عن المكان الذي أمر به ولم يقدر على غيره فقد قال تعالى: (وقد فصل لكم
ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)، وقال عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه
ما استطعتم) *
388 مسألة ومن تعمد في الصلاة وضع يده على خاصرته بطلت صلاته. وكذلك
من جلس في صلاته متعمدا أن يتعمد على يده أو يديه *
حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا يحيى
ابن حبيب بن عربي ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أنه
قال: (نهى (2) عن التخصر في الصلاة) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله
ابن المبارك عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى أن يصلى الرجل مختصرا) (3) *
قال علي: فصح أن النهى الأول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد صح أنه عليه السلام
قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهو قول طائفة من السلف *
كما روينا من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين
انها قالت في وضع اليد على الخاصرة في الصلاة: فعل اليهود، وكرهته *
وعن وكيع عن ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن عائشة أم المؤمنين: أنها رأت رجلا في

(1) وأما ما يرويه بعض علماء الحنفية بلفظ (أخروهن من حيث أخرهن الله) على أنه
حديث مرفوع فإنما هو موقوف من كلام ابن مسعود، رواه عنه عبد الرزاق في مصنفه
انظر نصب الراية (ج 1 ص 243)
(2) (نهى) بالبناء للمجهول، وقد فسره الحديث الذي بعده كما قال المؤلف.
(3) في النسائي (ج 1 ص 142) ورواه الدارمي (ص 173)
ومسلم (ج 1 ص 153) وأبو داود (ج 1 ص 357) والبخاري (ج ص 148) *
18

الصلاة واضعا يده على خاصرته فقالت: هكذا أهل النار في النار. (1) *
وعن وكيع عن سعيد بن زياد عن زياد بن صبيح (2) الحنفي قال: (صليت إلى جنب ابن
عمر فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينهى عنه) (3) *
وعن ابن عباس: انه كره وضع اليد على الخاصرة في الصلاة، وقال الشيطان: يحضره *
ومن طريق سفيان الثوري عن صالح بن نبهان سمعت أبا هريرة يقول: إذا قام أحدكم
إلى الصلاة فلا يجعل يده في خاصرته، فان الشيطان يحضر ذلك *
وأما الاعتماد على اليد فحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق
عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يجلس الرجل في صلاته معتمدا على يده (4) *
قال عبد الرزاق: أخبرني إبراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو بن الشريد يخبر عن النبي
صلى الله عليه وسلم. كأن يقول في وضع الرجل شماله إذا جلس في الصلاة: (هي قعدة
المغضوب عليهم (5) *
قال علي: قد صح عنه عليه السلام أنه قال: (صلوا كما تروني أصلى) فمن صلي بخلاف
صلاته عليه السلام من رجل أو امرأة: فقد صلى غير الصلاة التي أمره الله تعالى بها، فلا
تجزئه، والاعتماد على اليد في الصلاة خلاف صلاته عليه السلام، بلا خلاف من أحد *
وروينا من طريق نافع عن ابن عمر أنه قال لانسان: ما يجلسك في صلاتك جلسة
المغضوب عليهم؟! وكان رآه معتمدا على يديه *
389 مسألة والاتيان بعدد الركعات والسجدات فرض لا تتم الصلاة
إلا به، لكل قيام ركوع واحد، ثم رفع واحد، ثم سجدتان بينهما جلسة. هذا

(1) في هذا المعنى حديث عن أبي هريرة مرفوعا (الاختصار في الصلاة راحة أهل
النار) رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه كما في الترغيب (ج 1 ص 193)
(2) بضم الصاد ويقال بفتحها
(3) رواه أبو داود (ج 1 ص 340) من طريق وكيع، ورواه
النسائي (ج 1 ص 142) من طريق سفيان بن حبيب عن سعيد بن زياد بمعناه
(4) رواه أبو داود (ج 1 ص 376 و 377) عن أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق
(5) هذا مرسل لان عمرو بن الشريد تابعي، والاسناد إليه صحيح *
19

لا خلاف فيه من أحد من الأمة *
فمن نسي سجدة واحدة وقام عند نفسه إلى ركعة ثانية فان الركعة الأولى لم تتم، وصار
قيامه إلى الثانية لغوا ليس بشئ، ولو تعمده ذاكرا لبطلت صلاته، حتى إذا ركع ورفع
فكل ذلك لغو، لأنه عمله في غير موضعه نسيانا، والنسيان مرفوع *
فإذا سجد تمت له حينئذ ركعة بسجدتيها *
ولو نسي من كل ركعة من صلاته سجدة لكان إن كانت الصبح أو الجمعة
أو الظهر أو العصر أو العتمة في السفر قد صحت له ركعة، فليأت بأخرى ثم يسجد
للسهو. وإن كان ذلك في المغرب فكذلك أيضا، وليسجد سجدة واحدة ثم يقوم إلى
الثانية، فإذا أتمها جلس ثم قام إلى الثالثة ثم يسجد للسهو. وإن كانت الظهر أو العصر
أو العتمة في الحضر فقد صحت له ركعتان كما ذكرنا، فعليه أن يأتي بركعتين ثم يسجد للسهو *
برهان ذلك قول الله تعالى: (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى). وقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فصح يقينا أن كل
عمل عمله المرء في موضعه كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معتد له به، وكل عمل
عمله المرء في غير موضعه الذي أمره به عليه السلام فيه فهو رد. وهذا نص قولنا ولله تعالى الحمد.
وقال بهذا الشافعي وداود وغيرهما *
وقال مالك: يلغى قيامه في الأولى وركوعه ورفعه والسجدة التي سجدها ويعتد
بالثانية. وهذا خطأ لما ذكرنا، لأنه اعتد له بقيام فاسد وركوع فاسد ورفع فاسد، وضع
كل ذلك حيث لا يحل له، وحيث له وضعه عامدا لبطلت صلاته بلا خلاف من أحد، وألغى
له قياما وركوعا ورفعا وسجدة أداها باجماع الأمة، وهو معهم كما أمره الله تعالى *
فان قيل: أردنا أن لا يحول بين السجدتين بعمل *
قلنا: قد أجزتم له أن يحول بين الاحرام للصلاة وبين القيام والقراءة المتصلين بها
بعمل أبطلتموه، فما الفرق؟! وقد حال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أعمال صلاته
ناسيا بما ليس منها، من سلام وكلام ومشى واتكاء ودخوله منزله، ولم يضر ذلك ما عمل
من صلاته شيئا، فالحيلولة بينهما إذا كانت بنسيان لا تضر *
فان قيل: إنه لم ينو بالسجدة أن تكون من الركعة الأولى، وإنما نواها من الثانية،
والأعمال بالنيات
20

قلنا لهم: هذا لا يضر، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نوى بالجلسة التي سلم
منها أنها من الركعة الرابعة، وهي من الثانية، ثم اعتد بها للثانية، وكذلك أمر عليه
السلام من لم يدر كم ركعة صلى أن يصلى حتى يكون على يقين من التمام، وعلى شك من
الزيادة، فالمصلى على هذا ينوى بالركعة أنها الثالثة ولعلها رابعة، ولا يضر ذلك شيئا.
ثم نقول لهم: هذا نفسه لازم (1) لكم، لأنه نوى بالتكبير للاحرام أن تلي الركعة (2)
التي أبطلتم عليه، لا الركعة التي جعلتموها أولا *
وقال أبو حنيفة يسجد في آخر صلاته أربع سجدات متواليات (3) وتمت صلاته. *
وهذا كلام في غاية الفساد، لأنه اعتد له بأربع ركعات متواليات لم يتم منها ولا واحدة
وهذا باطل، ثم أجاز له سجدات متتابعات لم يأمر الله تعالى قط بها، أتى بها عامدا مخالفا
لأمر الله عز وجل بالقصد، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني
أصلى) ولتعليمه عليه السلام المصلى كيف يعمل، من طريق أبي هريرة ورفاعة بن رافع،
وقد ذكرنا كل ذلك باسناده، وهم يدعون أنهم أصحاب قياس، ولا يختلفون في أنه لا يحل
للمصلى تعمد تقديم سجدة قبل الركعة، ولا تعمد تقديم ركوع قبل السجدة التي في الركوع
الذي قبله، ثم أجازوا هذا بعينه وبالله تعالى التوفيق *
390 مسألة ولا يحل للمصلى أن يفترش ذراعيه في السجود *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن
بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت قتادة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه (4) قال: (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط (5) أحدكم ذراعيه انبساط الكلب). *
وروينا عن أبي وائل عن حذيفة: أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده،
فلما قضى صلاته قال له: ما صليت (6) *

(1) في نسخة (هذا تفسير لازم)
(2) في نسخة (بالتكبير للاحرام إذا الركعة) الخ وهو غير واضح
(3) في نسخة (متتابعات)
(4) في البخاري (ج 2 ص 9) بحذف (أنه)
(5) هذه توافق رواية ابن عساكر وهي الأحسن، وفى رواية الأكثرين في البخاري
(ولا ينسبط) وفى رواية الحموي (ولا يبتسط) بتقديم الباء على التاء
(6) رواه البخاري (ج 1 ص 313) من طريق زيد بن وهب عن حذيفة وتمامه (ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا صلى الله عليه وآله عليها) *
21

قال علي: من افترش ذراعيه في السجود فلم يتم سجوده، ومن لم يتم سجوده فلا
صلاة له عند حذيفة، ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم *
391 مسألة وفرض على المصلى أن لا يبصق أمامه ولا عن يمينه، في صلاة
كان أو في غير صلاة. وحكمه أن يبصق في الصلاة في ثوبه أو عن يساره تحت قدمه،
أو على بعد على يساره، ما لم يلق البصقة في المسجد، أو يبصق خلفه ما لم يؤذ بذلك أحدا *
ولا يجوز البصاق في المسجد البتة، وإن كان في غير صلاة، الا ان يدفنه *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق أنا الثوري
هو سفيان عن منصور هو ابن المعتمر عن ربعي بن حراش عن طارق بن
عبد الله المحاربي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صليت فلا تبصق بين يديك ولا
عن يمينك، وابصق تلقاء شمالك إن كان فارغا، والا فتحت قدمك، وأشار برجله
ففحص الأرض). (1) *
وروينا أيضا بأجل اسناد عن شعبة ثنا قتادة سمعت أنس بن مالك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه (2) *
وعن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (3). وعن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم (4) *
وروينا النهى عن ذلك عن حذيفة (5) وأبي هريرة، ولا مخالف لهما من الصحابة
رضي الله عنهم *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم
ثنا شعبة ثنا قتادة قال سمعت أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: البصاق
في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها (6) *

(1) رواه أحمد (ج 6 ص 396) بثلاث أسانيد عن منصور. ورواه أبو داود (ج 1
ص 178) والترمذي (ج 1 ص 113) والنسائي (ج 1 ص 119) وابن ماجة (ج 1
ص 165) والحاكم (ج 1 ص 256) وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي
(2) حديث أنس سيذكره المؤلف باسنادين من طريق البخاري
(3) رواه البخاري (ج 1 ص 181)
(4) حديث ابن عمر رواه البخاري (ج 1 ص 179) والدارمي (ص 169) وابن ماجة (ج 1
ص 133)
(5) اثر حذيفة في ابن ماجة (ج 1 ص 165) (6) رواه البخاري (ج 1 ص 181) *
22

وبه إلى البخاري ثنا حفص بن عمر (1) ثنا شعبة أخبرني قتادة سمعت أنس
ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتفلن أحدكم بين يديه ولا عن يمينه،
ولكن عن يساره أو تحت رجله *
فهذا عموم في الصلاة (2) وغيرها وأمر الصلاة يدخل في هذا الخبر والى كل هذا
ذهب السلف الطيب *
روينا عن طاوس: أن معاوية بزق في المسجد وذهب ثم رجع ومعه شعلة من نار
فجعل يتبع البزاق حتى دفنه *
وعن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد: كنا مع عبد الله
ابن مسعود فأراد أن يبصق وما عن يمينه فارغ، فكره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة *
وعن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي نصر (3) عن عبد الله بن الصامت
عن معاذ بن جبل: أنه كان مريضا فقال: ما بصقت عن يميني مذ أسلمت *
وعن ابن جريج أن ابن نعيم أخبره أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول لابنه عبد الملك
وبصق (5) عن يمينه وهو في مسير، فنهاه عمر عن ذلك وقال: إنك تؤذي صاحبك
ابصق عن شمالك *
وعن عبد الرحمن بن مهدي ثنا المنذر بن ثعلبة عن همام بن خناس (6) قال: نهاني
ابن عمر عن أن أبصق عن يميني في غير صلاة *
وعن أبي إسحق السبيعي قال: رأيت عمرو بن ميمون يصلى فأراد أن يبصق فلم يجد
عن يساره موضعا فالتفت خلفه فبزق (7) *
وعن همام بن يحيى قال: دخلت على محمد بن سيرين فرأيته دخل في الصلاة،

(1) في الأصل (عمر بن حفص) وهو خطأ صححناه من البخاري (ج 1 ص 180)
فان حفص بن عمر هو الذي يروى عن شعبة. واما عمر بن حفص فإنه من شيوخ البخاري
أيضا ولكنه لم يرو عن شعبة
(2) في نسخة (للصلاة)
(3) هو حميد بن هلال البصري تابعي ثقة
(4) في نسخة (منذ) وهي توافق ما في فتح الباري (ج 1 ص 427)
(5) في نسخة (وبزق)
(6) خناس: بضم الخاء المعجمة وتخفيف النون، هكذا ضبطه الذهبي في المشتبه (ص 140) وصاحب القاموس وزاد شارحه أنه مروزي، ولم أجد له ترجمة
(7) في نسخة (فبصق) *
23

فأراد أن يبزق (1) وكان الحائط عن يساره، فالتفت عن يساره حتى أخرج
البزاق من المسجد *
قال علي: هؤلاء طائفة من الصحابة رضي الله عنهم (2) لا يعرف لهم منهم مخالف،
وبالله تعالى التوفيق *
392 مسألة ولا تحل الصلاة في عطن إبل، وهو الموضع الذي تقف
فيه الإبل عند ورودها الماء وتبرك، وفى المراح والمبيت، فإن كان لرأس واحد من
الإبل أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة، وإنما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا *
ثم استدركنا فقلنا: إنه لا تجوز الصلاة البتة في الموضع المتخذ لبروك جمل واحد
فصاعدا، ولا في المتخد عطنا لبعير واحد فصاعدا، على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى (3) *
والصلاة إلى البعير جائزة وعليه فان انقطع أن تأوى الإبل إلى ذلك المكان حتى
يسقط عنه اسم عطن جازت الصلاة فيه *
فمن صلى في عطن إبل بطلت صلاته عامدا كان أو جاهلا *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد
ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري
والقاسم بن زكرياء، قال أبو كامل: ثنا أبو عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب،
وقال القاسم بن زكريا: ثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان، كلاهما عن جعفر بن أبي ثور
عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ان رجلا سأله: أصلى (4)
في مبارك الإبل؟ قال: لا (5) *
حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أبو عيسى بن أبي عيسى القاضي ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن
وضاح ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن
سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تجدوا إلا مرابض الغنم

(1) في نسخة (ويبصق)
(2) ومن التابعين أيضا، فليس كل الذين روى عنهم المؤلف من الصحابة بل منهم تابعون
(3) من أول قوله (ثم استدركنا) زيادة من النسخة رقم (45) وهي زيادة واجبة، ولله در ابن حزم، إذا أخطأ ثم بان له الدليل أسرع إلى الفيئة واعترف بخطئه رحمه الله ورضى عنه
(4) في النسخة (45) (أأصلي) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 108)
(5) اختصر المؤلف الحديث *
24

وأعطان الإبل فصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل (1) *
وروينا ذلك أيضا باسناد في غاية الصحة عن البراء بن عازب وعبد الله بن مغفل
كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، فهذا نقل تواتر يوجب يقين العلم *
وقد احتج بعض من خالف هذا بأن قال: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: (فضلت على الأنبياء بست)، فذكر فيها (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا
فحيثما أدركتك الصلاة فصل) قال: وهذه فضيلة، والفضائل لا تنسخ، وذكر قول
الله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) *
فقلنا. ان هذا كله حق، وليس للنسخ ههنا مدخل والواجب استعمال كل هذه
النصوص، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يستثنى الأقل من الأكثر، فتستعمل جميعا حينئذ
ولا يحل لمسلم مخالفة شئ منها، ولا تغليب بعضها على بعض بهواه *
ثم نسأل المخالف عن الصلاة في كنيف أو مزبلة إن كان شافعيا أو حنفيا، وعن صلاة
الفريضة في جوف الكعبة إن كان مالكيا، وعن الصلاة في ارض مغصوبة إن كان من
أصحابنا فإنهم يمنعون من الصلاة في هذه المواضع ويختصونها من الآية المذكورة
ومن الفضيلة المنصوصة. وقد قال تعالى وذكر مسجد الضرار: (لا تقم فيه أبدا) فحرم
الصلاة فيه وهو من الأرض، فصح أن الفضيلة باقية، وأن الأرض كلها مسجد وطهور
إلا مكانا نهى الله تعالى عن الصلاة فيه *
فان قيل: قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعيره والى بعيره، قلنا: نعم
ومن منع هذا فهو مبطل، ومن صلى على بعيره أو إلى بعيره فلم يصل في عطن إبل،
وعن هذا جاء النهى لا عن الصلاة إلى البعير *

(1) رواه البيهقي (ج 2 ص 44) بهذا اللفظ من طريق يزيد بن زريع عن هشام
ابن حسان، وأوله (إذا حضرت الصلاة فلم تجدوا) الخ وكذلك رواه الدارمي (ص 168)
عن محمد بن منهال عن يزيد بن زريع، ورواه ابن ماجة قريبا من اللفظ الذي هنا عن أبي بكر
ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون، وعن بكر بن خلف عن يزيد بن زريع (ج 1 ص
(134) ورواه الترمذي مختصرا وصححه (ج 1 ص 71)
(2) حديث البراء رواه أبو داود (ج 1 ص 73 - 184) والبيهقي. وحديث عبد الله بن مغفل رواه ابن ماجة. والبيهقي، ورواه الشافعي في الام أيضا (ج 1 ص 80) والنسائي (ج 1 ص 120)
25

وقد زاد بعضهم كذبا وجرأة وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
إنما نهى عن الصلاة في معاطنها ومباركها لنفارها واختلاطها، أو لان الراعي يبول بينها! *
قال علي: وهذا كذب مجرد على النبي صلى الله عليه وسلم، وإخبار عنه بالباطل وبما لم
يقله عليه السلام قط، ولو أطلق مثل هذا على رجل من عرض الناس لكان إثما وفسقا،
فكيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولو أنه عليه السلام أراد ما ذكروا لبينه *
ثم هبك أنه كما قالوا ومعاذ الله من ذلك فان النهي والتحريم بذلك باقي كما.
كان، فكيف يستحلون أن يصححوا النهى ويدعوا أنه لعلة يذكرونها: ثم يبيحون
ما صح النهي عنه؟! هذا أمر ما ندري كيف هو؟ ونعوذ بالله من البلاء *
وقد روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه قال: لا تصلوا في أعطان الإبل *
وسئل مالك عمن لم يجد إلا عطن إبل قال: لا يصلى فيه، قال فان بسط عليه ثوبا
قال: لا أيضا (1) *
وقال أحمد بن حنبل: من صلى في عطن إبل أعاد أبدا *
فان قيل: فإنه قد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فإنها خلقت من
الشياطين) (2) *
قلنا نعم، هذا حق، ونحن نقر بهذا، ولا اعتراض في هذا على نهيه عليه السلام عن
الصلاة في أعطانها *
قال علي: والبعير والبعيران لا يشك في أن الموضع المتخذ لمبركهما أو لمبرك أحدهما
داخل في جملة مبارك الإبل وعطن الإبل، وكل عطن فهو مبرك، وليس كل مبرك عطنا
لان العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط، والمبرك أعم، لأنه الموضع
المتخذ لبروكها في كل حال. وإذا سقط عن العطن والمبرك اسم عطن ومبرك فليس عطنا ولا
مبركا، فالصلاة فيه جائزة *
فأما قولنا عالما كان أو غير عالم، فلانه أتي بالصلاة في غير موضعها ومكانها، والصلاة
لا تصح إلا في زمان ومكان محدودين، فإذا لم تؤد في مكانها وزمانها فليس هي التي أمر الله

(1) في المدونة (ج 1 ص 90) عن القاسم (سألت مالكا عن أعطان الإبل في المناهل
أيصلى فيها؟ قال: لا خير فيه)
(2) هو في حديث البراء وحديث ابن مغفل
26

تعالى بها، بل هي غيرها. وبالله تعالى التوفيق *
393 مسألة ولا تحل الصلاة في حمام، سواء في ذلك مبدأ بابه إلى منتهى
جميع حدوده، ولا على سطحه ومستوقده وسقفه وأعالي حيطانه، خربا كان أو قائما،
فان سقط من بنائه شئ فسقط عنه اسم (حمام) جازت الصلاة في أرضه حينئذ *
ولا في مقبرة، مقبرة مسلمين كانت أو مقبرة كفار، فان نبشت وأخرج ما فيها من
الموتى جازت الصلاة فيها *
ولا إلى قبر ولا عليه، ولو أنه قبر نبي أو غيره *
فإن لم يجد إلا موضع قبر أو مقبرة أو حماما أو عطنا أو مزبلة أو موضعا فيه شئ أمر
باجتنابه: فليرجع، ولا يصلى هنالك جمعة ولا جماعة *
فان حبس في موضع مما ذكرنا فإنه يصلى فيه، ويجتنب ما افترض عليه اجتنابه بسجوده،
لكن يقرب مما بين يديه من ذلك ما أمكنه، ولا يضع عليه جبهة ولا أنفا ولا يدين ولا
ركبتين، ولا يجلس إلا القرفصاء. فإن لم يقدر إلا على الجلوس أو الاضطجاع صلى كما
يقدر وأجزأه *
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن
خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى
الأنصاري (1) عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال:
(الأرض كلها مسجد الا الحمام والمقبرة) (2) *
حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو
البزار ثنا أبو كامل هو الجحدري ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عمرو بن يحيى المازني عن أبيه
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأرض كلها مسجد إلا الحمام

(1) في النسخة رقم (45) (عمرو بن يحيى المازني) وكلاهما صواب فهو أنصاري ما زنى
(2) رواه الدارمي (ص 168) والترمذي (ج 1 ص 65 و 66) والحاكم (ج 1 ص 251)
كلهم من طريق عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد مرفوعا. ورواه
أبو داود (ج 1 ص 184) ورواه الشافعي في الام (ج 1 ص 79) عن سفيان بن عيينة عن
عمرو بن يحيى عن أبيه مرفوعا مرسلا
27

والمقبرة (1) *
قال البزار: أسنده أيضا عن عمرو بن يحيى: أبو طوالة (2) عبد الله بن عبد الرحمن
الأنصاري وأحمد بن إسحاق (3) *
قال علي: قال بعض من لا يتقي عاقبة كلامه في الدين: هذا حديث أرسله سفيان
الثوري، وشك في اسناده موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة (4) *

(1) رواية عبد الواحد بن زياد رواها أيضا الحاكم (ج 1 ص 251) من طريق
موسى بن إسماعيل التبوذكي عن عبد الواحد. وروى البيهقي طرقه كلها (ج 2 ص 434
و 435)
(2) بضم الطاء المهملة وفتح الواو. وهو ثقة حجة، وكان قاضى المدينة في زمن
عمر بن عبد العزيز. مات سنة 134
(3) كذا في الأصلين، وما عرفت من هو؟ ويغلب
على ظني أن صوابه (محمد بن إسحاق) لما سنذكره من كلام الترمذي إن شاء الله.
ويؤيد ذلك أيضا حكاية ابن حجر في التلخيص أن محمد بن إسحاق رواه موصولا
أما شك موسى بن إسماعيل فإنه في أبى داود (ج 1 ص 184) ولكن رواه الحاكم من
طريقه كما ذكرنا موصولا مسندا من غير شك، وأما إرسال الثوري إياه فقد زعمه الترمذي
والبيهقي، ولم أره مرسلا إلا من طريق سفيان بن عيينة عند الشافعي كما سبق، فما أدرى
هل اشتبه عليهم سفيان بسفيان؟! ومن الغريب أن البيهقي رواه من طريق يزيد بن هارون
عن الثوري موصولا ثم قال: (حديث الثوري مرسل وقد روى موصولا وليس بشئ
وحديث حماد بن سلمة وقد تابعه على وصله عبد الواحد بن زياد والدراوردي) يعنى عبد العزيز
ابن محمد! ويزيد بن هارون حجة حافظ، ولكن المهم هو نصر المذهب فقط. وأما
الترمذي فإنه قال (حديث أبي سعيد قد روى عن عبد العزيز بن محمد روايتين، منهم من
ذكره عن أبي سعيد ومنهم من لم يذكره، وهذا حديث فيه اضطراب، روى سفيان
الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ورواه محمد بن إسحاق
عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال: وكان عامة روايته عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولم يذكر فيه عن أبي سعيد، وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى
الله عليه وسلم أثبت وأصح). وما ضر الحديث ارسال الثوري - أو ابن عيينة - ولا
شك موسى بن إسماعيل - إن ثبت ذلك - وزيادة الثقة مقبولة ومن حفظ حجة على من
لم يحفظ، وقد ورد من طريق أخرى صحيحة ترفع الشك وتؤيد من رواه موصولا، وهي
في المستدرك للحاكم من طريق بشر بن المفضل (ثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن عمارة
الأنصاري - والد عمرو بن يحيى - عن أبي سعيد الخدري) مرفوعا، ولذلك قال الحاكم
بعد ان رواه منها ومن طريقي عبد الواحد بن زياد والدراوردي عن عمرو عن أبيه: (هذه
الأسانيد كلها صحيحة على شرط البخاري ومسلم) ووافقه الذهبي وقد صدقا
28

قال على: فكان ماذا؟! لا سيما وهم يقولون: إن المسند كالمرسل ولا فرق! ثم أي منفعة
لهم في شك موسى ولم يشك حجاج؟! وان لم يكن فوق موسى فليس دونه! أو في إرسال
سفيان وقد أسنده حماد وعبد الواحد وأبو طوالة وابن إسحاق، وكلهم عدل! *
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا أحمد بن الفضل الدينوري ثنا محمد بن جرير الطبري
ثنا محمد بن بشار بدار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد
ابن جابر حدثني بسر بن عبيد الله (1) سمعت أبا إدريس الخولاني قال: سمعت وائلة
ابن الأسقع يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها (2) *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن عائشة وابن عباس أخبراه: (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جعل يلقى على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها
عن وجهه، وهو يقول لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، تقول
عائشة يحذر مثل ما صنعوا (3) *

(1) بسر: بضم الباء واسكان السين المهملة، وعبيد الله: بالتصغير. ويظهر أن بسرا سمع الحديث
من أبى إدريس عن واثلة ثم من واثلة. ولذلك جاء عنه بالاسنادين في مسند أحمد وصحيح
مسلم. وصريح بالسماع من واثلة في أبى داود والمسند
(2) رواه أحمد في المسند (ج 4)
(3) الحديث رواه أحمد في المسند (ج 6 ص 228 و 229) مطولا عن عبد الرزاق
ورواه بأسانيد أخرى (ج 1 ص 218 و ج 6 ص 34 و 80 و 121 و 146 و 252
و 255 و 274) ورواه ابن سعد في الطبقات (ج 2 ق 2 ص 34) ورواه البخاري
(ج 1 ص 189) ومسلم (ج 1 ص 149 والنسائي ج 1 ص 115)
29

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة
واللفظ له، قال إسحاق: أخبرنا زكرياء بن عدي، وقال أبو بكر: ثنا زكرياء بن عدي
عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله
ابن الحارث النجراني حدثني جندب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن
يموت بخمس: (وان (1) من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا
فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك) (2) في حديث طويل
قال علي: من زعم أنه عليه السلام أراد بذلك قبور المشركين فقد كذب على رسول
الله صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه السلام عم بالنهي جميع القبور، ثم أكد بذمه من فعل
ذلك في قبور الأنبياء والصالحين *
قال علي: فهذه آثار متواترة توجب ما ذكرناه حرفا حرفا، ولا يسع أحدا
تركها *
به يقول طوائف من السلف رضي الله عنهم *
روينا عن نافع بن جبير بن مطعم أنه قال: ينهى أن يصلى وسط القبور والحمام
والحشان (3) *
وعن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال:
لا تصلين إلى حش ولا في حمام ولا في مقبرة! (4) *

(1) اختصر المؤلف الحديث من أوله، وفى النسخة (45) (فان) وما هنا هو الموافق لمسلم
(ج 1 ص 149)
(2) حديث جندب ليس في مسند أحمد على سعته. وقد رواه ابن سعد في
الطبقات (ج 2 ق 2 ص 34 و 35) عن عبد الله بن جعفر الرقى عن عبيد الله بن عمرو الرقى باسناده
(3) الحش - بفتح الحاء المهملة وبضمها مع تشديد الشين المعجمة - النخل المجتمع
أو البستان، وسمى المتوضأ بذلك لأنهم كانوا يذهبون عند قضاء الحاجة إلى البساتين
وقيل إلى النخل المجتمع يتغوطون فيها. والجمع حشان وحشان - بكسر الحاء وبضمها
مع تشديد الشين وآخرهما نون - وحشاشين، وهي جمع الجمع. هكذا قال في اللسان
(4) نقله البيهقي (ج 2 ص 435) عن أبي ظبيان عن ابن عباس بغير إسناد
30

قال علي: ما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم، وهم
يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم *
وعن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون
أن يتخذوا ثلاث أبيات قبلة. الحش. والحمام. والقبر *
وعن العلاء بن زياد عن أبيه وعن خيثمة بن عبد الرحمن أنهما قالا: لا تصل
إلى حمام ولا إلى حش ولا وسط مقبرة (1) *
وقال أحمد بن حنبل: من صلى في حمام أعاد أبدا *
وعن وكيع عن سفيان الثوري عن حميد عن أنس قال: رآني عمر بن الخطاب أصلى
إلى قبر فنهاني، وقال: القبر أمامك *
وعن معمر عن ثابت البناني عن أنس قال: رآني عمر بن الخطاب أصلى عند قبر
فقال لي: القبر لا تصل إليه (2). قال ثابت: فكان أنس يأخذ بيدي إذا أراد أن
يصلى فيتنحى عن القبور * (3)
وعن علي بن أبي طالب: من شرار الناس من يتخذ القبور مساجد *
وعن ابن عباس رفعه: لا تصلوا إلى قبر ولا على قبر *
وعن ابن جريج أخبرني ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة
يقول: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد * (4)

(1) في نسخة (ولا إلى وسط مقبرة)
(2) في نسخة (لا يصلى إليه)
(3) أثر أنس نسبه ابن حجر في الفتح (ج 1 ص 437) إلى أبى نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة. ورواه البيهقي مطولا (ج 2 ص 435)
(4) أتى المؤلف بالحديث موقوفا، وأظنه أخذه من مصنف
عبد الرزاق فقد رواه أحمد في المسند (ج 2 ص 285) عن محمد بن بكر وعبد الرزاق كلاهما
عن ابن جريج، ورفعه ابن بكر ولم يرفعه عبد الرزاق. ورفعه صحيح فقد رواه البخاري (ج 1
ص 190) ومسلم (ج 1 149) وأبو داود (ج 3 ص 210) كلهم من طريق مالك عن
الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا، ورواه أحمد في المسند بأسانيد متعددة
(ج 2 ص 284 و 285 و 453 و 454 و 518) وفى بعض ألفاظ المسند (قاتل الله اليهود
والنصارى) وكذلك في رواية مسلم عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة، وهو بهذا اللفظ
في بعض نسخ المحلى
31

قال ابن جريج: قلت لعطاء: أتكره أن تصلى وسط القبور أو إلى قبر؟ قال:
نعم، كان ينهي عن ذلك، لا تصل وبينك وبين القبلة قبر، فإن كان بينك وبينه سترة
ذراع فصل *
قال ابن جريج: وسئل عمرو بن دينار عن الصلاة وسط القبور فقال: ذكروا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كانت بنو إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد فلعنهم الله) *
قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: لا أعلمه إلا أنه كان
يكره الصلاة وسط القبور كراهية شديدة *
وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: كانوا إذا خرجوا
في جنازة تنحوا عن القبور للصلاة *
وقال أحمد بن حنبل: من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا *
قال علي: فهؤلاء عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة وأنس وابن عباس
ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم *
قال علي: وكره الصلاة إلى القبر وفى المقبرة وعلى القبر أبو حنيفة والأوزاعي وسفيان
ولم ير مالك بذلك بأسا، واحتج له بعض مقلديه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى على قبر المسكينة السوداء *
قال علي: وهذا عجب ناهيك به، أن يكون هؤلاء القوم يخالفون هذا الخبر
فيما جاء فيه، فلا يجيزون أن تصلى صلاة الجنازة على من قد دفن ثم يستبيحون (1)
بما ليس فيه منه أثر ولا إشارة مخالفة السنن الثابتة، ونعوذ بالله من الخذلان *
قال علي: وكل هذه الآثار حق، فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا، إلا صلاة
الجنازة فإنها تصلى في المقبرة وعلى القبر الذي قد دفن صاحبه، كما فعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم، نحرم ما نهى عنه، ونعد من القرب إلى الله تعالى أن نفعل مثل
ما فعل، فأمره ونهيه حق، وفعله حق، وما عدا ذلك فباطل، والحمد لله رب العالمين *
وأما قولنا أن يرجع من لم يجد موضعا غير ما ذكرنا، فإنه لم يجد موضعا تحل فيه
الصلاة، وكذلك لو وجد زحاما لا يقدر معه على ركوع ولا سجود *

(1) في نسخة (يستجيزون)
32

وأما المحبوس فليس قادرا على مفارقة ذلك الموضع، ولا على الصلاة في غيره، فله
حكم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول (إذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه،
وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فهذا يسقط عنه ما عجز عنه، ويلزمه ما قدر عليه،
ويجتنب ما قدر على اجتنابه مما نهى عنه، قال عز وجل (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *
394 مسألة ولا تجوز الصلاة في أرض مغصوبة ولا متملكة بغير حق من بيع فاسد
أو هبة فاسدة أو نحو ذلك من سائر الوجوه، وكذلك من كان في سفينة مغصوبة أو فيها لوح
مغصوب لولاه لغرقها الماء، فإنه إن قدر على الخروج عنها فصلاته باطل، وكذلك الصلاة
على وطاء مغصوب أو مأخوذ بغير حق، أو على دابة مأخوذة بغير حق، أو في ثوب
مأخوذ بغير حق، أو في بناء مأخوذ بغير حق وكذلك إن كان مسامير السفينة مغصوبة،
أو خيوط الثوب الذي خيط بها مغصوبة أو أخذ كل ذلك بغير حق *
فإن كان لا يقدر على مفارقة ذلك المكان أصلا، ولا على الخروج عن السفينة أو
كان اللوح لا يمنع الماء من الدخول، أو كان غير مستظل بذلك البناء ولا مستترا به،
أو كان قد يئس عن (1) معرفة من أخذ منه ذلك الشئ بغير حق، أو كانت سفينة
أو بناء لم يغصب شئ من أعيانها لكن سخر الناس فيها ظلما: فالصلاة في كل ذلك
جائزة، قدر على مفارقة ذلك المكان أو لم يقدر *
وكذلك إن خشي البرد وأذاه، أو الحر وأذاه، فله أن يصلى في الثوب المأخوذ
بغير حق وعليه إذا كان صاحبه غير مضطر إليه، وإلا فلا، وكذلك الأرض المباحة
التي لم يحظرها صاحبها ولا منع منها، فالصلاة فيها جائزة *
برهان ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى
تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. فإن لم تجدوا فيها أحدا
فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم). وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) صح ذلك من
طريق أبي بكرة، وعبد الله بن عمر، ونبيط بن شريط الأشجعي (2). وقال عليه السلام

(1) كذا في الأصول (يئس عن) وإنما يقال (يئس من الشئ) قال في اللسان: (ويئس
أيضا وهو شاذ) وما أكثر شذوذ ابن حزم!
(2) نبيط: بضم النون وفتح الباء
الموحدة، وشريط: بفتح الشين المعجمة، وكلاهما في آخره طاء مهملة. وحديث نبيط
رواه أحمد (ج 4 ص 305 و 306)
33

(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). فإذا كان من حرم الله عليه الدخول إلى مكان ما،
والإقامة فيه، ولباس ثوب ما، والتصرف فيه، أو استعمال شئ ما: ففعل في صلاته
كل ما حرم عليه فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلم يصل أصلا، والصلاة طاعة
وفريضة، قيامها وقعودها والإقامة فيها، وبعض اللباس فيها، فإذا قعد حيث نهى عنه أو
عمل متصرفا فيما حرم، أو استعمل ما حرم عليه: فإنما أتي بعمل معصية وقعود معصية،
ومن الباطل أن تنوب المعصية المحرمة عن الطاعة المفترضة، وأن يجزئ الضلال والفسوق
عن الهدى والحق *
وقد عارض ذلك بعض المتعسفين فقال: يلزمكم إذا طلق في شئ مما ذكرتم، أو
أعتق فيه، أو نكح فيه، أو باع فيه، أو اشترى، أو وهب أو تصدق: أن
تنقضوا كل ذلك، وكذلك من صبغ لحيته بحناء مغصوبة ثم صلى، ومن تعلم القرآن
من مصحف مسروق أن ينساه، أو علمه إياه عبد آبق، وأكثروا من مثل هذه
الحماقات، وقالوا: كل من ذكرتم بمنزلة من صلى مصرا على الزنا وقتل النفس وشرب
الخمر والسرقة ولا فرق *
قال علي: ليس شئ مما قالوا من باب ما قلنا، لان الصلاة لابد فيها من إقامة
في مكان واحد، ومن جلوس مفترض، ومن ستر عورة، ومن ترك كل عمل لم يبح له
في الصلاة، ومن زمان محدود مؤقت لها، ومن مكان موصوف لها، ومن ماء يتطهر به
أو تراب يتيمم به ان قدر على ذلك، هذا ما لا خلاف فيه بيننا وبينهم، ولا بين أحد
من أهل الاسلام *
وليس الطلاق ولا النكاح ولا العتاق ولا البيع ولا الهبة ولا الصدقة ولا تعلم القرآن:
معلقا بشئ مما ذكرنا، ولا مأمورا فيه بهيئة ما، ولا بجلوس ولا بد، ولا بقيام
على صفة، ولا بمكان موصوف، لكن كل هذه الاعمال أيضا محتاجة ولا بد إلى ألفاظ
موضوعة، أو أعمال محدودة، وأوقات محدودة، فكل من أتى بالصلاة أو النكاح أو
34

الطلاق أو البيع أو الهبة أو الصدقة على خلاف ما أمره الله تعالى به على لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم فهو كله باطل لا يصح منه شئ، لا طلاق ولا نكاح ولا عتاق ولا هبة ولا
صدقة، وكذلك كل شئ من أعمال الشريعة ولا فرق *
فمن صلى فجعل الجلوس المحرم عليه بدل الجلوس المأمور به، والإقامة المحرمة عليه
بدل الإقامة المفترضة عليه، وستر عورته بما حرم عليه سترها به، وأتى بها في غير الزمان الذي
أمر بأن يأتي بها فيه، أو في غير المكان الذي أمر أن يأتي بها فيه، وعوض من ذلك زمانا
ومكانا حرما عليه، وعوض الماء المحرم عليه أو التراب المحرم عليه من الماء المأمور به أو التراب
المأمور به: فلم يصل قط الصلاة التي أمره الله تعالى بها، وهو والذي صلى إلى غير
القبلة عمدا سواء ولا فرق، وكلاهما صلى بخلاف ما أمر به *
وكذلك من طلق أجنبية، أو بغير الكلام الذي جعل الله تعالى الطلاق به وحرم به الفرج
الذي كان حلالا أو نكح ذات زوج أو في عدة أو بغير الكلام الذي أباح به النكاح وحلل به الفرج
الحرام قبله، أو باع بيعا محرما، أو اشترى من غير مالك، أو وهب هبة لم يطلق عليها
أو أعتق عتقا حرم عليه، كمن أعتق غلام غيره، أو تصدق بثوب على الأوثان:
فكل ذلك باطل مردود، لا يصح شئ منه، وليس تبطل شريعة بما تبطل به أخرى
لكن بأن يعمل بخلاف ما أمر الله تعالى بأن تعمل عليه *
والذي صبغ لحيته بحناء مغصوبة فان صلى حاملا لتلك الحناء فلا صلاة له. وأما إذا
نزعها ولم يصل بها فاللون غير متملك فلم يصل بخلاف ما أمر *
وأما المصر على المعاصي فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان كل من كان من أمته
فقد عفا الله عز وجل له عن كل ما حدث به نفسه من قول أو عمل، فهذا معفو له عنه *
فان قيل: فأنتم تبطلون صلاة من نوى خروجه من الصلاة، وإن لم يعمل ولا قال *
قلنا: بلي قد عمل، لأنه بنيته تلك صار وقوفه إن كان واقفا، وقعوده إن كان
قاعدا، وركوعه إن كان راكعا، وسجوده إن كان ساجدا،: عملا يعمله ظاهرا
لغير الصلاة، فقد بطلت صلاته، إذ حال عامدا بين أعمالها بما ليس منها، لكن لو نوى
أن يبطلها في غير وقته ذلك لم تبطل بذلك صلاته. وبالله تعالى التوفيق *
وأما من عجز عن المفارقة لشئ مما ذكرنا فقد قال الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم
35

عليكم إلا ما اضطررتم إليه). وأخبر عليه السلام أنه عفا الله من أمته الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه. فهذا مضطر مكره، فلا تبطل صلاته إلا بنص جلى في إبطالها
بذلك كالحدث المتفق على أنه لا يجزئ التمادي في الصلاة إثره إلا باحداث وضوء.
وأما السفينة والبناء الذي سخر الناس ظلما فيهما فليس هناك عين محرمة كان للمصلى؟
مستعملا لها، والآثار لا تتملك، فان يئس من معرفة صاحبه فقد صار من جماعة المسلمين
وهو أحدهم فله التصرف فيه حينئذ. وبالله تعالى التوفيق (1) *
395 مسألة ولا تحل الصلاة للرجل خاصة في ثوب فيه حرير
أكثر من أربع أصابع عرضا في طول الثوب، إلا اللبنة (2) والتكفيف (3)، فهما مباحان.
ولا في ثوب فيه ذهب، ولا لابسا ذهبا في خاتم ولا في غيره. فان أجبر على لباس شئ
من ذلك أو اضطر إليه خوف البرد: حل له الصلاة فيه، أو كان به داء يتداوي من مثله
بلباس الحرير: فالصلاة له فيه جائزة. وكذلك لو حمل ذهبا له في كمه ليحرزه، أو حريرا
أو ثوب حرير كذلك. فصلاته تامة *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ومحمد بن المثنى
وزهير بن حرب قالوا: ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الشعبي عن سويد
ابن غفلة (4): أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع). (5)
وبه إلى مسلم ثنا شيبان بن فروخ ثنا جرير بن حازم ثنا نافع عن ابن عمر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة) (6)

(1) الحكم ببطلان الصلاة إذا كانت في موضع مغصوب أو ثوب كذلك الخ ما قاله المؤلف
-: لا نرى دليله على الرغم من كل ما ذكر، وقد رددنا هذا الرأي فيما كتبناه
على الأحكام للمؤلف (ج 3 ص 61)
(2) بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وهي رقعة تعمل موضع جيب القميص
(3) أظنه من (كفة القميص) بضم الكاف وفتح الفاء المشددة، وهي ما استدار حول الذيل
(4) بالغين المعجمة والفاء واللام المفتوحات
(5) في مسلم (ج 2 ص 152)
(6) الحديث في مسلم (ج 2 ص 150 و 151) وقد اختصره المؤلف
36

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا على
- هو ابن المديني ثنا وهب بن جرير بن حازم ثنا أبي قال سمعت ابن أبي نجيح عن
مجاهد عن ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن عن حذيفة قال: (نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم (1) أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن (2) نأكل فيها، (3) وعن لبس (4)
الحرير والديباج وأن نجلس عليه) *
أخبرنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا عبد الرحمن بن أسد الكازروني (5)
ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر عن سعيد بن
أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحل الذهب والحرير
للإناث من أمتي وحرم على ذكورها) (6) *

(1) في البخاري (ج 7 ص 276) (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم)
(2) في النسخة (45) (أو أن) وما هنا هو الموافق للبخاري
(3) في الأصلين (فيهما) وصححناه من البخاري
(4) في النسخة (45) (وعن لباس) وما هنا هو الموافق للبخاري
(5) بفتح الزاي كما ضبطه صاحب القاموس والذهبي في المشتبه، وضبطه السمعاني في الأنساب باسكانها وأظنه خطأ
(6) رواية عبد الرزاق عن معمر في هذا الحديث رواها احمد في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل عن أبي موسى (ج 4 ص 392 و 393) فزاد في الاسناد مجهولا كما ترى، ورواه أيضا (ج 4 ص 392) عن عبد الرزاق عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن رجل عن أبي موسى، ورواه أيضا (ج 4 ص 393) عن سريج عن عبيد الله العمرى عن نافع عن سعيد عن رجل من أهل البصرة عن أبي موسى. ثم رواه عن محمد ابن عبيد (ج 4 ص 394) ويحيى بن سعيد (ج 4 ص 407) كلاهما عن عبيد الله عن نافع عن سعيد عن أبي موسى بحذف الرجل المجهول. وقد رواه الترمذي (ج 1 ص 321) من طريق عبد الله ابن نمير والنسائي (ج 2 ص 294) من طريق يحيى ويزيد ومعتمر وبشر بن المفضل والبيهقي (ج 2 ص 425) من طريق عبد الله بن المبارك، ورواه الطحاوي (ج 2 ص 346) من طريق حماد بن سلمة، كلهم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد عن أبي موسى، ورواه الطيالسي (رقم 506) عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن سعيد عن أبي موسى، فلم يذكروا في الاسناد رجلا مجهولا وكل هؤلاء ثقات الا عبد الله بن نافع فإنه ضعيف. وسعيد بن أبي هند قفة تابعي، وقد اختلفت الرواية عنه في هذا الحديث كما ترى، قال ابن حجر في التهذيب (ج 4 ص 94): (ذكر عبد الحق أن في مصنف عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل عن أبي موسى
في لباس الحرير، كذا قال، وقوله: عن رجل، زيادة ليست في كتاب عبد الرزاق ولا غيره
من حديث نافع، نعم رواه عبد الرزاق قال: سمعت عبد الله بن سعيد بن أبي هند يحدث عن
أبيه عن رجل عن أبي موسى أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث أحمد بن حنبل عن
عبد الرزاق - هو في مسند أحمد (ج 4 ص 392) - وقال هو وهم وقع من عبد الله بن سعيد بن أبي
هند لسوء حفظه، كذا قال، وأراد ترجيح رواية نافع عن سعيد عن أبي موسى وقد
ذكر أبو زرعة وغيره ان حديثه عنه مرسل) وقد رأيت مما ذكرنا لك من طريق الحديث ان
أكثر الرواة الثقات رووه من غير ذكر الرجل، ويظهر لنا ان نسخ مصنف عبد الرزاق
اختلفت في رواية نافع، فان رواية ابن حزم هنا ليس فيها المجهول وكذلك نقل ابن حجر عن
مصنف عبد الرزاق، ونقل عبد الحق ريادته وهي موجودة في مسند أحمد عن عبد الرزاق
وعبد الله بن سعيد بن أبي هند - الذي رد الحاكم روايته - ثقة ويخطئ في بعض حديثه
وقد اختلف عليه أيضا في هذا الحديث، فقد رواه الطحاوي (ج 2 ص 346) من طريق
محمد بن جعفر عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي موسى، فلم يذكر المجهول، والظاهر من كل
هذه الطرق ان سعيد بن أبي هند سمعه من رجل عن أبي موسى ثم صار يرسله عن أبي موسى،
ويبعد أن يكون سمع منه، لان أبا موسى اختلف في سنة موته اختلافا كبيرا فقيل سنة 42
وأقصى ما قيل إنه سنة 53، وسعيد مات سنة 116 فبين وفاتيهما من 63 سنة إلى 74 على اختلاف
الأقوال في وفاة أبى موسى. وقد صحح الترمذي هذا الحديث، ونقل الشوكاني تصحيحه عن
الحاكم، وما أظنه مع كل هذا يكون صحيحا، ونقل ابن أبي حاتم في المراسيل (ص 28) عن
أبيه أن سعيدا لم يلق أبا موسى، وكذلك قال الدارقطني في العلل، وقال ابن حبان في صحيحه
انه (معلول لا يصح) نقله عنهما الشوكاني (ج 2 ص 75)
37

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عفان بن مسلم ثنا همام ثنا قتادة (1) أن أنس
ابن مالك أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا إليه عبد الرحمن بن عوف والزبير بن
العوام القمل، فرخص لهما في قمص الحرير) * (2)

(1) في الأصلين (ثنا عفان بن مسلم ثنا قتادة) بحذف همام، وهو خطأ صححناه من مسلم، وفى حاشية النسخة (45) إنما في كتاب مسلم ثنا عفان ثنا همام ثنا قتادة، وهو الصحيح)
(2) الحديث في مسلم (ج 2 ص 154) بلفظ (ان عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل) الخ
38

وبه إلى مسلم: ثنا أبو بكر بن شيبة ثنا محمد بن بشر (1) ثنا سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن أنس: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير
ابن العوام في القمص الحرير لحكة كانت بهما أو وجع) (2) *
وبه إلى مسلم ثنا يحيى بن يحيى ثنا خالد بن عبد الله هو الطحان عن ابن جريج عن
عبد الله (3) مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق: (أن أسماء أخرجت إليه جبة طيالسية
كسروانية (4) لها لبنة ديباج وفرجاها مكنوفان بالديباج، (5) فقالت: هذه جبة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت عند عائشة حتى قبضت فقبضتها، وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى (6) يستشفى بها) *
ومس الحرير والذهب وملكهما وحملهما حلال بالنص والاجماع *
فان قيل: قد روى لباس الخز عن بعض الصحابة رضي الله عنهم *
قلنا: قد جاء تحريمه عن بعضهم *
كما روينا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهز جيشا فغنموا فاستقبلهم عمر فرآهم قد
لبسوا أقبية الديباج ولباس العجم، فأعرض عنهم وقال: ألقوا عنكم ثياب أهل النار، فألقوها *
وعن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر سمعت الشعبي يحدث عن سويد بن غفلة قال:
أصبنا فتوحا بالشأم فأتينا المدينة، فلما دنونا لبسنا الديباج والحرير، فلما رآنا عمر رمانا،
فنزعناها، فلما رآنا قال: مرحبا بالمهاجرين، ان الحرير والديباج لم يرض الله به لمن كان
قبلكم، فيرضى به عنكم؟! لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا، قال شعبة: إصبعين
أو ثلاثا أو أربعا *

(1) بكسر الباء واسكان الشين المعجمة وفى النسخة رقم (16) (بشير) وهو تصحيف
(2) الحديث فس مسلم (ج 2 ص 153) وفى البخاري (ج 7 ص 277)
(3) في صحيح مسلم طبع بولاق (ج 2 ص 151) (خالد بن عبد الله بن عبد الملك عن عبد الله) وهو خطأ، وصوابه (خالد بن عبد الله عن عبد الملك) وصححناه من طبعة الآستانة (ج 6 ص 139) ومن نسخة مخطوطة صحيحة ومن كتب الرجال. واعلم أن المؤلف فهم ان عبد الملك في هذا الحديث هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهو خطأ فقد بين البيهقي في السنن الكبرى في رواية هذا الحديث انه عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وقد رواه عن جعفر بن محمد عن يحيى بن يحيى شيخ مسلم فيه بهذا الاسناد (ج 2 ص 423)
(4) في الأصلين (خسروانية) وصححناه من مسلم
(5) في مسلم (وفرجيها مكفوفين بالديباج)
(6) في النسخة رقم (45) (للمريض) وهي نسخة في صحيح مسلم أيضا
39

وروينا عن أبي الخير: أنه سأل عقبة بن عامر الجهني عن لبنة حرير في جبته؟ قال:
ليس بها بأس *
وعن يزيد بن هارون: أنا هشام هو ابن حسان عن حفصة بنت سيرين عن
أبي ذبيان (1) هو خليفة بن كعب: أن ابن عمر سمع الخبر في أن (من لبس
الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) فقال: إذن والله لا يدخلها، قال الله تعالى: (ولباسهم
فيها حرير * (2)
وعن محمد بن المثنى: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن منصور هو ابن
المعتمر عن مجاهد قال قال ابن عمر: اجتنبوا من الثياب ما خالطه الحرير *
وعن عبيد الله بن عمرو (3) الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن زبيد (4) عن أبي بردة عن
ربعي بن حراش (5) عن حذيفة قال: من لبس ثوب حرير ألبسه الله تعالى ثوبا من نار،
ليس من أيامكم ولكن من أيام الله الطوال *
وعن علي بن أبي طالب: أنه رأى رجلا لابسا جبة على صدرها ديباج فقال له على:
ما هذا النتن على صدرك؟! *
وعن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: كنت عند
ابن مسعود فجاؤه ابن له عليه قميص حرير فشقه ابن مسعود *
وعن ابن الزبير: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة *
فإذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم فالفرض الرد عند تنازعهم إلى رسول الله صلى الله

(1) بكسر الذال المعجمة واسكان الباء الموحدة
(2) نسبه الشوكاني (ج 2 ص 72)
إلى النسائي ولم أجده فيه وقد قال ابن الزبير مثل ذلك، كما رواه البيهقي (ج 2 ص 422) وكما
نقله السندي في حاشية النسائي (ج 2 ص 297) عن السنن الكبرى ثم قال (وهذا منه
رضي الله عنه استنباط لطيف، لكن دلالة هذا الكلام على الحصر غير لازم) وقد صدق فان
الحاكم روى في المستدرك (ج 4 ص 191 و 192) والطحاوي في معاني الآثار (ج 2 ص
343) من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لبس الحرير في
الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وان دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه) قال الحاكم: (هذا
حديث صحيح، وهذه اللفظة تعلل الأحاديث المختصرة أن من لبسها لم يدخل الجنة) ووافقه
الذهبي على تصحيحه
(3) بفتح العين، وفى النسخة رقم (16) (عمر) وهو خطأ
(4) بضم الزاي وفتح الباء الموحدة
(5) بكسر الحاء المهملة وآخره شين معجمة
40

عليه وسلم، كما أمر الله عز وجل، وقد باع سمرة خمرا، وأكل أبو طلحة البرد وهو صائم
ولا حجة في أحد دون (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم *
ولا يصح في الرخصة في الثوب (2) سداه حرير خبر أصلا، لان الرواية فيه عن
ابن عباس انفرد بها خصيف، وهو ضعيف (3) *
فكيف وكل من روى عنه أنه لبس الخز من الصحابة رضي الله عنهم ليس في شئ من
تلك الأخبار أنهم عرفوا أن سداها حرير *
روينا عن شعبة عن عامر بن عبيده (4) الباهلي قال: رأيت على أنس جبة خز فسألته
عن ذلك فقال: أعوذ بالله من شرها *
وعن معمر عن عبد الكريم الجزري قال: رأيت على أنس بن مالك جبة خز وكساء
خز وأنا أطوف بالبيت مع سعيد بن جبير: فقال سعيد بن جبير: لو أدركه السلف
لأوجعوه *
فهذا يوضح أن الصحابة كانوا يحرمون ذلك، إذ لا يوجعون على مباح *
وعن عبد الله بن شقيق أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير أشد
النهى (5) فقال له رجل. أليس هذا عليك حريرا؟ فقال عبد الله: سبحان الله! هذا

(1) في نسخة (مع)
(2) في نسخة (في ثوب)
(3) حديث ابن عباس رواه أبو داود (ج 4 ص 87 و 88) والطحاوي (ج 2 ص 348) من طريق خصيف بن ابن عبد الرحمن الجزري، وهو ثقة اضطربت الرواية عنه في بعض الأحاديث، وأعدل ما قيل فيه قول ابن عدي: (لخصيف نسخ وأحاديث كثيرة وإذا حدث عن خصيف ثقة
فلا بأس بحديثه ورواياته، الا أن يروى عنه عبد العزيز بن عبد الرحمن فان رواياته عنه
بواطيل والبلاء من عبد العزيز لا من خصيف) والحديث الذي هنا من رواية زهير بن
معاوية وشريك عن خصيف، وقد توبع عليه خصيف، فرواه الحاكم في المستدرك
(ج 4 ص 192) من طريق أحمد بن حنبل عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن عكرمة عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس وهذا اسناد صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم
والذهبي
(4) في النسخة (16) (عبيد) وهو خطأ
(5) عبد الله بن شقيق تابعي، فهذا الحديث مرسل
41

خز، قال. بلى ولكن سداه حرير، قال: ما شعرت *
وعن عمر بن عبد العزيز: أنه أمر أن يتخذ له ثوب من خز سداه كتان *
وعن هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان له ثوب خز سداه كتان *
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحو ذلك *
ولا يخلو كل من روى عنه من الصحابة رضي الله عنهم أنه لبس من أحد وجوه ثلاثة:
إما أن سدى تلك الثياب كان كتانا، وإما أنهم لم يعلموا أنه حرير، وهذا هو الذي لا يجوز
أن يظن بهم غيره، وإما أنهم استغفروا الله تعالى من لباسه، فأقل يوم من أيامهم مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يغطى على أضعاف هذا، وليس غيرهم مثلهم، فنصف مد شعير يتصدق
به أحدهم يفضل جميع أعمال أحدنا لو عمر مائة سنة، لان نصف مد أحدهم أفضل من جبل
أحد ذهبا ننفقه نحن في وجوه البر، وما نعلم أحدا ينفق في البر زنة حجر ضخم من حجارة أحد
فكيف الجبل كله. وبالله تعالى التوفيق *
وأما من اضطر إليه خوف البرد فقد قال الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا
ما اضطررتم إليه) *
396 مسألة ولا يحل لاحد أن يقرأ القرآن في ركوعه ولا في سجوده، فان تعمد
بطلت صلاته، وان نسي، فإن كان ذلك بعد أن اطمأن وسبح كما أمر أجزأه سجود السهو
وتمت صلاته، لأنه زاد في صلاته ساهيا ما ليس منها، وإن كان ذلك في جميع ركوعه وسجوده
ألغى تلك السجدة أو الركعة وكان كأن لم يأت بها، وأتم صلاته وسجد للسهو، لأنه لم يأت
بذلك كما امر، وقد قال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج انا زهير بن حرب ثنا سفيان بن عيينة انا سليمان بن سحيم
عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم
الستارة والناس صفوف خلف أبى بكر، فقال: أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة
إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت ان اقرأ القرآن راكعا أو
ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، واما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن
يستجاب لكم (1) *

(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 138) وقوله فقمن أي خليق وجدير اه‍ نهاية
42

قال علي فان قيل قد روى هذا المعنى من طريق على وفيه (نهاني ولا أقول نهاكم)
قلنا: نعم، وليس في هذا الخبر إلا نهى على، وفى الذي ذكرنا نهى الكل لان
كل ما نهى عنه عليه السلام فحكمنا حكمه، إلا أن يأتي نص بتخصيصه *
فان قيل: قد روت عائشة رضي الله عنها: أنها سمعته صلى الله عليه وسلم يقول في
سجوده (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) يتأول القرآن *
قلنا: نعم، وقد روينا (1) هذا الخبر عن سفيان الثوري عن منصور عن أبي الضحى
عن مسروق عن عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في سجوده
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي: يتأول القرآن، يعنى (إذا جاء نصر الله والفتح) *
هكذا. في الخبر نصا، فصح أن معنى تأوله عليه السلام القرآن هو قوله تعالى
في هذه السورة (واستغفره) (2) *
وقد روينا عن علي بن أبي طالب: لا تقرأ وأنت راكع ولا وأنت ساجد *
وعن مجاهد: لا تقرأ في الركوع ولا السجود، إنما جعل الركوع والسجود للتسبيح *
397 مسألة فلو قرأ المصلى القرآن في جلوسه بعد أن يتشهد وهو إمام أو فذ، أو
تشهد في قيامه أو ركوعه أو سجوده بعد ان يأتي بما عليه من قراءة وتسبيح: جازت صلاته عمدا
فعل ذلك أو نسيانا، ولا سجود سهو في ذلك، وغير ذلك من ذكر الله تعالى أحب الينا *
فأما جواز صلاته وسقوط سجود السهو عنه فلانه لم يأت بشئ نهى عنه، بل قرأ،
والقراءة فعل حسن ما لم ينه المرء عنه، والتشهد أيضا ذكر حسن *
واما قولنا: إن غير ذلك من الذكر أحب الينا، فلانه لم يأت به امر ولا حض. وبالله
تعالى التوفيق *
398 مسألة ولا تجزئ أحدا الصلاة في مسجد الضرار الذي بقرب قباء،
لا عمدا ولا نسيانا *
لقول الله تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين
وإرصادا لمن حارب الله وسوله) إلى قوله تعالى: (لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على
التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه) فصح أنه ليس موضع صلاة *

(1) في نسخة (روى)
(2) هذا المعنى واضح كثير في البخاري وفى روايات
أخرى في مسلم (ج 1 ص 139) ولكني لم أجد رواية سفيان الثوري
43

399 مسألة ولا تجزئ (1) الصلاة في مسجد أحدث مباهاة أو ضرارا
على مسجد آخر، إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول ولا حرج عليهم في قصده،
والواجب هدمه، وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان، أو يقصدها أهل
الجهل طلبا لفضلها، وليست عندها آثار لنبي من الأنبياء عليهم السلام *
ولا يحل قصد مسجد أصلا يظن فيه فضل زائد على غيره إلا مسجد مكة ومسجد المدينة
ومسجد بيت المقدس فقط، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذم تقارب المساجد *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن
الصباح أنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن
ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أمرت بتشييد المساجد) قال ابن عباس
لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى (2) *
قال علي: التشييد البناء بالشيد (3) *
وبه إلى أبي داود ثنا محمد بن العلاء ثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن
تطيب وتنظف (4) *
قال علي: فلم يأمر عليه السلام ببناء المساجد في كل مكان، وأمر ببناء المساجد في
الدور، فصح أن الذي نهى عنه عليه السلام هو غير الذي أمر به، فإذ ذلك كذلك فحق بناء
المساجد هو كما بين صلى الله عليه وسلم بأمره وفعله، وهو بناؤها في الدور، كما قال عليه السلام
والدور هي المحلات، قال عليه السلام: (خير دور الأنصار دار بنى النجار، ثم دار بنى
عبد الأشهل، ثم دار بنى الحارث بن الخزرج، ثم دار بنى ساعدة (5) *

(1) في نسخة (ولا تجوز)
(2) قوله (قال ابن عباس) الخ سقط من النسخة رقم
(16) وزدناه من النسخة رقم (45) ومن أبى داود (ج 1 ص 170 و 171) والحديث اسناده
صحيح، وقد صححه ابن حبان كما نقله عنه الشوكاني (ج 2 ص 156)
(3) الشيد - بكسر الشين المعجمة - كل ما طلى به الحائط من جص أو بلاط، وبناء مشيد معمول بالشيد، وكل ما أحكم من البناء فقد شيد، وتشييد البناء إحكامه ورفعه. قاله في اللسان
(4) رواه أبو داود (ج 1 ص 173) ونسبه المنذري للترمذي أيضا
(5) انظر صحيح مسلم (ج 2 ص 266)
44

وعلى قدر ما بناها عليه السلام بالمدينة، لكل أهل محلة مسجدهم الذي لا حرج عليهم
في إجابة مؤذنه للصلوات الخمس، فما زاد على ذلك أو نقص مما لم يفعله عليه السلام فباطل
ومنكر، والمنكر واجب تغييره *
وقد افترض عليه السلام النكاح والتسري، ونهى عن الرهبانية، فكل ما أحدث بعده
عليه السلام مما لم يكن في عهده وعهد الخلفاء الراشدين فبدعة وباطل. وقد هدم ابن مسعود
مسجدا بناه عمرو بن عتبة بظهر الكوفة ورده إلى مسجد الجماعة. ولا فضل لجامع علي
سائر المساجد *
ولا يحل السفر إلى مسجد، حاشا مسجد مكة والمدينة وبيت المقدس *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور ثنا
سفيان هو ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة (1) مساجد: مسجد الحرام ومسجدي
هذا والمسجد الأقصى (2) *
حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو
البزار ثنا محمد بن معمر ثنا روح بن عبادة ثنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الرحلة إلى ثلاثة
مساجد. مسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد إيلياء) *
400 مسألة ولا تجزئ الصلاة في مكان يستهزأ فيه بالله عز وجل أو برسوله
صلى الله عليه وسلم أو بشئ من الدين، أو في مكان يكفر بشئ من ذلك فيه، فإن لم يمكنه
الزوال ولا قدر صلى وأجزأته صلاته *
قال الله تعالى: (أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا
في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) وقال تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض
عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) *
فمن استجاز القعود في مكان هذه صفته فهو مثل المستهزئ الكافر بشهادة الله تعالى،

(1) في نسخة رقم (16) (الا لثلاثة) وما هنا هو الموافق للنسائي (ج 1 ص 114)
(2) في النسائي (ومسجد الأقصى)
45

فمن أقام (1) حيث حرم الله عز وجل عليه الإقامة وقعد حيث حرم الله عز وجل عليه القعود
فقعوده وإقامته معصية، وقعود الصلاة طاعة، ومن الباطل أن تجزئ المعاصي عن الطاعات
وأن تنوب المحارم عن الفرائض. وأما من عجز فقد قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا
الا وسعها) *
401 مسألة ولا تجوز القراءة في مصحف ولا في غيره لمصل، إماما كان أو غيره
فان تعمد ذلك بطلت صلاته. وكذلك عد الآي، لان تأمل الكتاب عمل لم يأت نص
بإباحته في الصلاة *
وقد روينا هذا عن جماعة من السلف: منهم سعيد بن المسيب. والحسن البصري. والشعبي
وأبو عبد الرحمن السلمي. وقد قال بابطال صلاة من أم بالناس في المصحف أبو حنيفة
والشافعي (2) وقد أباح ذلك قوم منهم، والمرجوع عند التنازع إليه هو القرآن والسنة،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن في الصلاة لشغلا (3) فصح انها شاغلة عن كل
عمل لم يأت فيه نص بإباحته. وبالله تعالى التوفيق *
402 مسألة ومن سلم عليه وهو يصلى فليرد إشارة لا كلاما، بيده أو برأسه
فان تكلم عمدا بطلت صلاته. ومن عطس فليقل (الحمد لله رب العالمين) ولا يجوز أن
يقول له أحد يصلى (رحمك الله) فان فعل بطلت صلاة القائل له ذلك إن تعمد عالما بالنهي
وقد ذكرنا حديث معاوية بن الحكم في ذلك وحديث الرد أيضا فأغنى عن إعادته.
وبالله تعالى التوفيق *
403 مسألة ولا تجزئ الصلاة بحضرة طعام المصلى غداء كان أو عشاء
ولا وهو يدافع البول أو الغائط، وفرض عليه أن يبدأ بالاكل والبول والغائط *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب

(1) في نسخة (فقد أقام) وهو خطأ
(2) هنا بحاشية النسخة رقم (16) ما نصه
(نقله عن الشافعي غلط لا شك فيه، ولا يعرف هذا في مذهبه، بل مذهبه يلزمه أن
يقرأ في الصلاة من المصحف لو عجز عن الاستظهار) وهذا نقد صحيح. انظر المجموع
للنووي (ج 3 ص 379 و ج 4 ص 95) والعزيز للرافعي (ج 3 ص 346) في البخاري
(ج 2 ص 139) ومسلم (ج 1 ص 151) بلفظ (شغلا)
46

ابن مجاهد هو أبو حزرة (1) عن ابن أبي عتيق قال: تحدثت أنا والقاسم - هو
ابن محمد عند عائشة فاتى بالمائدة فقام القاسم بن محمد، قالت عائشة: أين؟ قال: أصلى
قالت: اجلس غدر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا صلاة بحضرة طعام
ولا وهو يدافعه الأخبثان (2) *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن
هشام بن عروة عن أبيه قال: كنا مع عبد الله بن أرقم فأقام الصلاة ثم ذهب للغائط وقال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة وبأحدكم الغائط فليبدأ)
بالغائط (3) *
وحدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن
عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال:
كان عبد الله بن أرقم في حج أو عمرة فأقام الصلاة ثم قال لأصحابه: صلوا، فانى سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة وبأحدكم حاجة فليقض
حاجته ثم يصلى) فقضى حاجته ثم توضأ وصلى *
وبه قال السلف. روينا عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد عن أنس: وضعت
المائدة وحضرت الصلاة فقمت لأصلي المغرب، فأخذ أبو طلحة بثوبي وقال: اجلس
وكل ثم صله *
وعن عمر بن الخطاب؟ لا تدافعوا الأخبثين في الصلاة فإنه سواء عليه يصلى من شكى
به أو كان في طرف ثوبه. وعن ابن عباس مثل هذا *
قال علي: فان خشي فوات الوقت فكذلك لأنه مأمور على الجملة بأن يبتدئ بالبول
أو الغائط والاكل، فصح أن الوقت متمادي (4) له إذ أمر بتأخيرها حتى يتم شغله كما

(1) بفتح الحاء المهملة واسكان الزاي وفتح الراء
(2) في صحيح مسلم (ج 1 ص 155 و 156) مطولا
(3) رواه أحمد في المسند (ج 3 ص 483) عن يحيى بن سعيد و (ج 4
ص 35) عن عبد الله بن سعيد كلاهما عن هشام. ورواه الدارمي (ص 173) عن محمد بن كناسة
عن هشام ورواه مالك في الموطأ (ص 56) عن هشام ورواه أبو داود (ج 1 ص 33) من
طريق زهير عن هشام
(4) في نسخة (متماد)
47

ذكرنا. وبالله تعالى التوفيق *
404 مسألة ومن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا ففرض عليه أن لا يصلى في
المسجد حتى تذهب الرائحة، وفرض اخراجه من المسجد إن دخله قبل انقطاع الرائحة،
فان صلى في المسجد كذلك فلا صلاة له ولا يمنع أحد من المسجد غير من ذكرنا ولا أبخر
ولا مجذوم ولا ذو عاهة *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن
عبيد الله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من
أكل من هذه الشجرة يعنى الثوم فلا يقربن (1) المساجد) *
وبه إلى يحيى بن سعيد: ثنا هشام هو الدستوائي ثنا قتادة عن سالم بن أبي
الجعد عن معدان بن أبي طلحة: أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة فذكر
كلاما كثيرا وفيه: (إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا
البصل والثوم، ولقد (2) رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما (3)
من الرجل في المسجد امر به فأخرج إلى البقيع) *
وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن حاتم ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني عطاء
عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل البصل والثوم
والكراث فلا يقربن مسجدنا، فان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه (4) بنو آدم) *
قال علي: إذا لم يقل مسجدنا هذا: أو لفظا يبين تخصيصه بمسجده بالمدينة:
فكل مسجد فهو مسجدنا، لأنه عليه السلام يخبر عن المسلمين بقوله (مسجدنا) مع
ما قد بين ذلك في الحديث الآخر *
قال علي: روينا من طريق مصعب بن سعيد: كان رجل من أصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم إذا أراد ان يأكل الثوم خرج إلى البرية، كأنه يعنى أباه *

(1) في مسلم (ج 1 ص 156) (فلا يأتين)
(2) في النسخة (45) (لقد) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 157)
(3) في النسخة رقم (45) (ريحها)
(4) في النسخة (45) بحذف (منه) وإثباتها موافق لمسلم (ج 1 ص 156)
48

وروينا عن علي بن أبي طالب وشريك بن حنبل من التابعين تحريم الثوم النئ *
قال علي بن أحمد: ليس حراما لان النبي صلى الله عليه وسلم اباحه في الأخبار المذكورة
، وروينا عن عطاء منع آكل الثوم من جميع المساجد *
قال علي: لم يمنع عليه السلام من حضور المساجد أحدا غير من ذكرنا، (وما ينطق
عن الهوى) * (وما كان ربك نسيا) *
405 مسألة ومن تعمد فرقعة أصابعه أو تشبيكها في الصلاة بطلت صلاته،
لقوله صلى الله عليه وسلم: (ان في الصلاة لشغلا) *
406 مسألة ومن صلى معتمدا على عصا أو على جدار أو على إنسان أو
مستندا فصلاته باطل *
لامره صلى الله عليه وسلم بالقيام في الصلاة، فإن لم يقدر فقاعدا فإن لم يقدر فمضطجعا
وكان الاتكاء والاستناد عملا لم يأت به أمر، وقال عليه السلام: (ان في الصلاة لشغلا) *
قال علي: الا أن يصح أثر في إباحة ذلك فنقول به، ولا نعلمه يصح، لان الرواية فيه
إنما هي من طريق عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي عن أبيه، ولا يعلم حاله ولا حال
أبيه (1) ثم لو صح لكان لا إباحة فيه للاعتماد في الصلاة، ولا للاستناد، لان لفظه إنما
هو عن أم قيس بنت محصن: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ
عمودا في مصلاه يعتمد عليه) (2) *
قال علي: وليس فيه أنه كان عليه السلام يعتمد عليه في نفس الصلاة، والأحاديث
الصحاح أنه عليه السلام كان يصلى قاعدا فإذا بقي عليه من القراءة (3) مقدار ما قام فقرأ
ثم ركع *

(1) أما عبد السلام فإنه ثقة معروف، واما أبوه عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن
بن وابصة بن معبد فلم يذكر بجرح ولا تعديل والله أعلم بحاله، ولكنهما لم ينفردا بهذا
الحديث كما سيأتي
(2) الحديث رواه أبو داود (ج 1 ص 357) عن عبد السلام بن عبد الرحمن
عن أبيه، ورواه البيهقي (ج 2 ص 288) من طريق عبيد الله بن موسى، كلاهما عن شيبان بن
عبد الرحمن عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف عن وابصة بن معبد عن أم قيس
بنت محصن، وهذا اسناد صحيح جدا
(3) قوله (من القراءة) سقط من نسخة رقم (45)
49

407 مسألة ومن تختم في السبابة أو الوسطى أو الابهام أو البنصر الا
الخنصر وحده - وتعمد الصلاة كذلك فلا صلاة له *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار وهناد
ابن السرى، قال محمد بن بشار: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عاصم بن كليب عن أبي بردة
هو ابن أبي موسى الأشعري قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1) يقول: (نهاني
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخاتم في السبابة والوسطى) وقال هناد بن السرى:
عن أبي الأحوص عن عاصم بن كليب عن أبي بردة هو ابن أبي موسى الأشعري عن علي
ابن أبي طالب قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتختم في إصبعي هذه وفي
الوسطى أو التي تليها (2) *
قال علي: حديث شعبة هذا يقضى على كل خبر شك فيه من رواه عن عاصم، ولا
فرق بين من صلى متختما في إصبع نهى عن التختم فيها وبين من صلى لابس حرير أو على
حال محرمة، لان كلهم قد فعل في الصلاة فعلا نهى عنه، فلم يصل كما أمر *
408 مسألة فلو صرف نيته في الصلاة متعمدا إلى صلاة أخرى أو إلى
تطوع عن فرض أو إلى فرض عن تطوع: بطلت صلاته، لأنه لم يأت بها كما أمر، فلو
فعل ذلك ساهيا لم تبطل صلاته، ولكن يلغى ما عمل بخلاف ما امر به، طال أم قصر،
ويبنى على ما صلى كما امر، ويتم صلاته ثم يسجد للسهو، ذلك ما لم ينتقض وضوؤه، فان
انتقض وضوؤه ابتدأ الصلاة من أولها، لما قد ذكرنا في الكلام والعمل في الصلاة
ولا فرق *
409 مسألة ومن اتى عرافا وهو الكاهن فسأله مصدقا له وهو يدري ان
هذا لا يحل له: لم تقبل له صلاة أربعين ليلة الا ان يتوب إلى الله عز وجل *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى العنزي حدثني يحيى بن سعيد القطان عن
عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن صفية هي بنت أبي عبيد عن بعض أزواج

(1) في النسخة رقم (16) (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو خطأ ظاهر *
(2) هذه الأسانيد لم أجدها في سنن النسائي، والحديث فيها بأسانيد أخرى (ج 2
ص 290) ولعله رواها في السنن الكبرى. وانظر سنن أبي داود (ج 4 ص 145 و 146)
50

النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين
ليلة (1) *
قال علي: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كلهن في غاية الصدق والعدالة والطهارة
والثقة، لا يمكن ان يخفين ولا ان يختلط بهن من ليس منهن. بخلاف مدعى الصحبة
وهو لا يعرف *
ومن أتى العراف (2) فسأله غير مصدق له لكن ليكذبه فليس سائلا له ولا آتيا إليه،
ومن تاب فقد استثنى الله بالتوبة سقوط جميع الذنوب إذا صحت التوبة وكانت على وجهها،
وبالله تعالى التوفيق *
ومن ادعى أن هذا على التغليظ فقد نسب تعمد الكذب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفي هذا ما لا يخفى على أحد *
410 مسألة ومن ظن أن إمامه قد سلم أو نسي أنه في إمامة الامام فقام لقضاء ما لم يدرك
أو لتطوع أو لحاجة ساهيا: فعليه أن يرجع متى ما ذكر ويجلس ويتشهد إن كان لم
يكن تشهد ولا يسلم إلا بعد سلام إمامه وجالسا ولا بد. فان حيل بينه وبين الجلوس سلم
كما يقدر ويسجد للسهو فان انتقض وضوؤه قبل أن يعمل ما ذكرنا ابتدأ الصلاة ولا
بد فلو تعمد شيئا مما ذكرنا قبل ذاكرا لأنه في إمامة الامام بطلت صلاته لما ذكرناه
من بطلان الصلاة بكل عمل تعمد لم يؤمر به ولا أبيح له وبأن النسيان معفو عنه والسلام
لا يكون بالنص والاجماع إلا في آخر الجلوس الذي فيه التشهد. وبالله تعالى التوفيق *
411 مسألة والصلاة خلف من يدرى المرء انه كافر باطل وكذلك خلف من
يدري انه متعمد للصلاة بلا طهارة أو متعمد للعبث في صلاته. وهذا لا خلاف فيه من أحد
مع النص الثابت بأن يؤم القوم أقرؤهم (وليؤمكم أحدكم) في حديث أبي موسى والكافر ليس
أحدنا وليس الكافر من المصلين ولا مضافا إليهم وليس العابث مصليا ولا في صلاة
فالمؤتم بواحد منهما لم يصل كما امر *
412 مسألة فان صلى خلف من يظنه مسلما ثم علم أنه كافر أو انه لم يبلغ
فصلاته تامة لأنه لم يكلفه الله تعالى معرفة ما في قلوب الناس وقد قال عليه السلام (لم أبعث

(1) في مسلم (ج 2 ص 192)
(2) بتشديد الراء هو المنجم أو الكاهن يخبر بالمغيبات
51

لأشق عن قلوب الناس وإنما كلفنا ظاهر أمرهم (1) فأمرنا إذا حضرت الصلاة ان يؤمنا
بعضنا في ظاهر امره فمن فعل ذلك فقد صلى كما امر وكذلك العابث في نيته أيضا لا سبيل
إلى معرفة ذلك منه. وبالله تعالى التوفيق *
413 مسألة وأما من تأول في بعض ما يوجب الوضوء فلم ير الوضوء منه:
فالائتمام به جائز، وكذلك من اعتقد متأولا أن بعض فروض صلاته تطوع، لأنه
معذور بجهله، وقد أجاز عليه السلام صلاة معاوية بن الحكم، وهو قد تعمد الكلام
في صلاته جاهلا *
414 مسألة ومن علم أن إمامه قد زاد ركعة أو سجدة فلا يجوز له أن
يتبعه عليها، بل يبقى على الحالة الجائزة، ويسبح بالامام، وهذا لا خلاف فيه، وقد
قال تعالى (لا تكلف إلا نفسك) *
415 مسألة وأيما رجل صلى خلف الصف بطلت صلاته ولا يضر
ذلك المرأة شيئا *
وفرض على المأمومين تعديل الصفوف، الأول فالأول، والتراص فيها، والمحاذاة
بالمناكب والأرجل، فإن كان نقص كان في آخرها *
ومن صلى وأمامه في الصف فرجة يمكنه سدها بنفسه فلم يفعل بطلت صلاته، فإن لم
يجد في الصف مدخلا فليجتذب إلى نفسه رجلا يصلى معه، فإن لم يقدر فليرجع ولا
يصل وحده خلف الصف إلا أن يكون ممنوعا فيصلى وتجزئه *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود
ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد
عن وابصة هو ابن معبد الأسدي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا
يصلى خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة) (2) *

(1) في النسخة رقم (16) (وإنما كلفنا ظاهرهم) وما هنا أحسن
(2) رواه أبو داود (ج 1 ص 254) وهذا الحديث من طريق هلال عن عمرو بن راشد رواه أحمد في المسند (ج 4 ص 227 و 228) عن محمد بن جعفر وعن يحيى بن سعيد كلاهما عن شعبة، ورواه الطيالسي عن شعبة (ص 166 رقم 1201) والترمذي (ج 1 ص 48) عن محمد بن بشار
عن محمد بن جعفر عن شعبة، ورواه الطحاوي (ج 1 ص 229) باسنادين عن شعبة،
كلهم بهذا الاسناد وسيأتي الكلام عليه
52

وروينا من طريق جرير بن عبد الحميد عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن
يساف أن زياد بن أبي الجعد أخبره عن وابصة بن معبد: (أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر رجلا صلى خلف الصف وحده ان يعيد الصلاة) (1) *
فقال قوم بآرائهم: لعله امره بالإعادة لأمر غير ذلك لا نعرفه! *
قال علي: وهذا باطل لأنه عليه السلام لم يكن ليدع بيان ذلك لو كان كما ادعوا وإذا
جوزوا مثل هذا لم يعجز أحد لا يتقى الله عز وجل أن يقول إذا ذكر له حديث: لعله
نقص منه شئ يبطل هذا الحكم الوارد فيه! *
فكيف وقد حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا
أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر حدثني عبد الرحمن بن علي
ابن شيبان عن أبيه قال: (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا خلفه،
فقضى الصلاة فرأى رجلا فردا (2) يصلى خلف الصف فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى انصرف، فقال له: استقبل صلاتك، فإنه لا صلاة للذي خلف الصف (3) *
قال علي: ملازم ثقة، وثقة ابن أبي شيبة وابن نمير وغيرهما. وعبد الله بن بدر ثقة
مشهور وما نعلم أحدا عاب عبد الرحمن بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الله بن بدر،
وهذا ليس جرحة (4) *
ورواية هلال بن يساف حديث وابصة مرة عن زياد بن أبي الجعد ومرة عن

(1) الحديث من طريق هلال عن زياد بن أبي
الجعد رواه أحمد (ج 4 ص 228) عن وكيع عن سفيان عن حصين عن هلال
عن زياد، وأشار الترمذي إلى رواية حصين هذه
(2) كلمة (فردا) سقطت من النسخة رقم (16)
(3) رواه ابن ماجة (ج 1 ص 163) عن أبي بكر بن أبي شيبة
باسناده ومعناه، قال شارحه (وفى الزوائد اسناده صحيح ورجاله ثقات). ورواه
أحمد بن حنبل (ج 4 ص 23) عن عبد الصمد وسريج عن ملازم مطولا
(4) وعبد الرحمن روى عنه أيضا ابنه يزيد ووعلة بن عبد الرحمن، وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له في صحيحه، ووثقه العجلي وأبو العرب التميمي، وهذا الاسناد صحيح
53

عمرو بن راشد قوة للخبر، وعمرو بن راشد ثقة، وثقة أحمد بن حنبل وغيره * (1)

(1) قد ذكرنا أسانيد الحديث من الطريقين، أي من طريق هلال عن عمرو بن
راشد عن وابصة ومن طريق هلال عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة، وقد ظن
بعض المحدثين أن هذا اختلاف على هلال يضعف به الخبر، وهو ظن خطأ بل هو
انتقال من ثقة إلى ثقة فيقوى به الحديث كما قال المؤلف، وقد حدث به عمرو بن مرة
عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة عند الترمذي (ج 1 ص 48)، وهو الذي رواه
عن هلال عن عمرو بن راشد عن وابصة، وهذا يؤيد أن عمرو بن راشد وزياد أحدثا به
عن وابصة، وقد صح أن هلال بن يساف سمع هذا الحديث من وابصة نفسه، فقد
روى الترمذي (حدثنا هناد أبو الأحوص عن حصين عن هلال بن يساف قال
أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرقة فقام بي على شيخ يقال له وابصة بن معبد
من بنى أسد فقال زياد حدثني هذا الشيخ أن رجلا صلى خلف الصف وحده والشيخ
يسمع فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة) وهذا صريح في رواية
هلال عن وابصة، إذ هو من باب العرض على الشيخ وهو حجة كالسماع عند علماء
الحديث، ولذلك قال الترمذي (وفى حديث حصين ما يدل على أن هلالا قد أدرك
وابصة) ورواه أحمد عن وكيع عن سفيان، وعن محمد بن جعفر عن شعبة، وابن ماجة
عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس، والطحاوي (ج 1 ص 229) من
طريق سعيد بن منصور عن هشيم، الأربعة كلهم عن حصين عن هلال أن زيادا أقامه
على وابصة وحدثه به عنده، ولكن لم يصرحوا بأن وابصة كان يسمع، ورواية الترمذي
تفسر هذا وتؤيده. ويقوى هذا جدا أن احمد رواه أيضا عن أبي معاوية عن الأعمش
عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف عن وابصة، وهذا اسناد صحيح، ويتلخص مما
قلناه أن هلالا سمع الحديث من عمرو بن راشد ومن زياد بن أبي الجعد كلاهما عن
وابصة وانه حدثه به زياد عن وابصة ووابصة يسمع فكأنه سمعه منه. وقد جاء
من طريق أخرى عن زياد، فرواه أحمد عن وكيع عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد
عن عمه عبيد بن أبي الجعد عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة بن معبد، وهذا اسناد
صحيح رواته ثقات، وهو يدل على أن الحديث كان عند زياد فرواه عنه آله
54

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا أبو الوليد هو الطيالسي ثنا شعبة أنا عمرو بن مرة قال سمعت سالم بن أبي الجعد
قال سمعت النعمان بن بشير يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتسون صفوفكم
أو ليخالفن الله بين وجوهكم) * (1)
قال علي: هذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون إلا في كبيرة من الكبائر *
وبه نصا إلى شعبة: عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: (سووا صفوفكم، فان تسوية الصف من تمام الصلاة) (2) *
قال علي: تسوية الصف إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض، لان إقامة الصلاة
فرض، وما كان من الفرض فهو فرض * (3)
وبه إلى البخاري: ثنا أحمد بن أبي رجاء ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة بن قدامة ثنا حميد
الطويل ثنا أنس بن مالك قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا صفوفكم وتراصوا،
فانى أراكم من وراء ظهري (4) *
وروينا عن أنس أنه قال: (كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه
بقدمه (5) *

(1) في البخاري (ج 1 ص 289)
(2) الذي في البخاري (ج 1 ص 290) (فان
تسوية الصف من إقامة الصلاة) وليس في هذه الرواية لفظ (من تمام الصلاة) فما
ادرى من أين جاء بها ابن حزم من طريق البخاري؟ قال ابن حجر (ج 2 ص 142 و 143)
(هكذا ذكره البخاري عن أبي الوليد وذكره غيره عنه بلفظ: من تمام الصلاة كذلك
أخرجه الإسماعيلي عن ابن حذيفة، والبيهقي من طريق عثمان الدارمي كلاهما عنه، وكذلك
أخرجه أبو داود وغيره، وكذا مسلم وغيره)
(3) قال في الفتح (وقد استدل ابن حزم
بقوله: إقامة الصلاة على وجوب تسوية الصفوف قال: لان إقامة الصلاة واجبة وكل
شئ من الواجب واجب. ولا يخفى ما فيه ولا سيما وقد بينا ان الرواة لم يتفقوا على هذه
العبارة) اه‍ وابن حزم استدل بالعبارتين ودليله قوى صحيح.
(4) في البخاري (ج 1 ص 289 و 290)
(5) في البخاري (ج 1 ص 291)
55

قال علي: هذا إجماع منهم والآثار في هذا كثيرة جدا، والصف الأول هو الذي
يلي الامام *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد حرب الواسطي ثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن
ثنا شعبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
(لو تعلمون أو يعلمون (1) ما في الصف الأول لكانت قرعة) (2) *
قال علي: لا يمكن أن تكون القرعة إلا فيما لا يسع الجميع فيقع فيه التغاير والمضايقة
ولو كان الصف الأول للمبادر بالمجئ (3) كما يقول من لا يحصل كلامه لما كانت القرعة
فيه إلا حماقة لأنه لا يمنع أحد من المبادرة بالمجئ حتى يحتاج فيه إلى قرعة *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسماعيل بن مسعود
- هو الجحدري عن خالد بن الحارث ثنا سعيد هو ابن أبي عروبة عن قتادة عن انس
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه فإن كان (4) نقص
فليكن في الصف المؤخر) (5) *
قال علي: شغب من أجاز صلاة المنفرد خلف الصف بصلاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم بأنس واليتيم خلفه والمرأة خلفهما *

(1) كلمة (أو يعلمون) سقطت من النسخة رقم (16)
(2) رواه مسلم (ج 1 ص 129) عن شيخين ولفظ محمد بن حرب (ما كانت الا قرعة)
(3) في النسخة رقم (45) (للمبادر إليه بالمجئ) وزيادة (إليه) هنا تفسد المعنى المراد لان من يزعم هذا المعنى يفسر الصف الأول بأن المبادرة بالمجئ للصلاة من غير قيد بصف مخصوص فمن بادر فقد كان في الصف الأول وان جلس في آخر المسجد. هكذا يتبادر المعنى من
نقل المؤلف والرد على هذا القائل وهو قول غريب نقله أيضا الشوكاني (ج 3 ص 232)
فقال: (قيل الصف الأول عبارة عن مجئ الانسان إلى المسجد أولا وان صلى في صف آخر قيل
لبشر بن الحارث: نراك تبكر وتصلى في آخر الصفوف فقال: إنما يراد قرب القلوب
لا قرب الأجساد! والأحاديث ترد هذا) وصدق.
(4) في النسائي (ج 1 ص 131) (وإن كان)
(5) رواه أيضا أبو داود (ج 1 ص 252) واسناد النسائي اسناد صحيح
56

وهذا لا حجة لهم فيه، لان هذا حكم النساء خلف الرجال، وإلا فعليهن من إقامة
الصفوف إذا كثرن ما على الرجال، لعموم الامر بذلك، ولا يجوز أن يترك حديث مصلى
المرأة المذكورة لحديث وابصة، ولا حديث وابصة لحديث مصلى المرأة، فليس من ترك
هذا لهذا بأولى ممن ترك ما أخذ هذا وأخذ بما ترك وكل ذلك لا يجوز *
وشغبوا بحديث ابن عباس وجابر إذ جاء كل منهما فوقف عن يسار رسول الله صلى الله
عليه وسلم مؤتما به وحده فأدار عليه السلام كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه، قالوا:
فقد صار جابر وابن عباس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الإدارة *
قال علي: وهذا لا حجة فيه لهم، لما ذكرنا من أنه لا يحل ضرب السنن بعضها ببعض.
وهذا تلاعب بالدين! *
وليت شعري! ما الفرق بين من ترك حديث جابر وابن عباس لحديث وابصة وعلى
ابن شيبان وبين من ترك حديث وابصة وعلى لحديث جابر وابن عباس؟ وهل هذا كله إلا
باطل بحت، وتحكم بلا برهان؟! *
بل الحق في ذلك الاخذ بكل ذلك، فكله حق، ولا يحل خلافه، فإدارة الامام من
صلى عن يساره إلى يمينه حق، ولا تبطل بذلك الصلاة، وبخلاف من صلى عن يسار الامام
وهو عالم بالمنع من ذلك فصلاة هذين باطل، بخلاف حكم المصلى خلف الصف، وما سمى
قط المدار عن شمال إلى يمين مصليا وحده خلف الصف! *
وموهوا أيضا بخبر أبي بكرة إذ أتى وقد حفزه النفس فركع دون الصف ثم دخل
الصف *
قال علي: وهذا الخبر حجة عليهم لنا، لان عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا عمر بن
عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حميد بن مسعدة أن يزيد بن زريع حدثهم قال
ثنا سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم ثنا الحسن أن أبا بكرة حدث (1): (أنه دخل
المسجد ونبي الله صلى الله عليه وسلم راكع، قال: فركعت دون الصف، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد (2) *

(1) في الأصل (حدثه) وصححناه من أبى داود (ج 1 ص 254)
(2) رواه البخاري (ج 1 ص 311) من طريق همام عن الأعلم، ورواه النسائي (ج 1 ص 139) من طريق سعيد عن الأعلم
57

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن
عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن الأعلم هو زياد عن الحسن عن أبي
بكرة: (أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وقد ركع، فركع ثم دخل
الصف وهو راكع، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم دخل الصف (1)
وهو راكع؟ فقال له أبو بكرة: أنا، قال زادك الله حرصا ولا تعد (2)
قال علي: فقد ثبت ان الركوع دون الصف ثم دخول الصف كذلك لا يحل *
فان قيل: فهلا امره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعادة كما امر الذي أساء الصلاة والذي
صلى خلف الصف وحده؟ *
قلنا: نحن على يقين نقطع به ان الركوع دون الصف إنما حرم حين نهى النبي
صلى الله عليه وسلم، فإذ ذلك كذلك فلا إعادة على من فعل ذلك قبل النهى، ولو كان ذلك محرما
قبل النهى لما أغفل عليه السلام أمره بالإعادة، كما فعل مع غيره * (3)
فبطل أن يكون لمن أجاز صلاة المنفرد خلف الصف وصلاة من لم يقم الصفوف حجة أصلا
لا من قرآن ولا من سنة ولا إجماع *
وبقولنا يقول السلف الطيب
روينا بأصح إسناد عن أبي عثمان النهدي (4) قال: كنت فيمن ضرب عمر بن الخطاب قدمه
لإقامة الصف في الصلاة *
قال علي: ما كان رضي الله عنه ليضرب أحدا ويستبيح بشرة محرمة على غير فرض *
وعن يحيى بن سعيد القطان ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع أنه أخبره عن ابن عمر: ان عمر
ابن الخطاب كان يبعث رجالا يسوون الصفوف، فإذا جاءوا كبر *
وعن عمر بن الخطاب من كان بينه وبين الامام نهر أو حائط أو طريق فليس مع الامام *
وعن مالك عن أبي النضر عن مالك بن أبي عامر عن عثمان بن عفان أنه كأن يقول ذلك
في خطبته قلما يدع ذلك كلاما فيه: إذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف، وحاذوا

(1) في النسخة رقم (16) (أيكم داخل الصف)
(2) رواية حماد عن الأعلم رواها أبو داود (ج 1 ص 254 و 255) عن موسى بن إسماعيل عن حماد
(3) في نسخة رقم (45) (كما فعل بغيره)
(4) في النسخة رقم (16) (عن عثمان النهدي) وهو خطأ
58

بالمناكب، فان اعتدال الصف (1) من تمام الصلاة، ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد
وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أنها استوت فيكبر * (2)
هذا فعل الخليفتين رضي الله عنهما بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، لا يخالفهم في
ذلك أحد منهم *
وعن عثمان انه كأن يقول: اعدلوا الصفوف وصفوا الاقدام وحاذوا بالمناكب *
وعن سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمران الجعفي عن سويد بن غفلة
قال: كان بلال هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب أقدامنا في الصلاة
ويسوي مناكبنا * (3)
فهذا بلال ما كان: ليضرب أحدا على غير الفرض *
وعن ابن عمر: من تمام الصلاة اعتدال الصف. وأنه قال: لان تخر ثنيتاي أحب
إلى من أن أرى خللا في الصف فلا أسده *
قال علي: هذا لا يتمنى في ترك مباح أصلا *
وعن ابن عباس: إياكم وما بين السواري، وعليكم بالصف الأول *
وعن عبيد الله بن أبي يزيد: رأيت المسور بن مخرمة يتخلل الصفوف حتى ينتهى
إلى الصف الأول أو الثاني *
وعن وكيع عن مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن النعمان
ابن بشير قال: والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم * (4)
وقيل لانس بن مالك: أتنكر شيئا مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: لا، إلا أنكم لا تقيمون الصفوف * (5)

(1) في الموطأ (ص 36) (فان اعتدال الصفوف)
(2) في الموطأ (أن قد استوت فيكبر) وقد اختصر المؤلف الخبر
(3) نقله ابن حجر في الفتح (ج 2 ص 134) عن سويد ووصفه بالصحة، ولم أجد ترجمة لعمارة بن عمران الجعفي وأظنه خطأ في النقل صوابه (عمران بن مسلم الجعفي) فهو من هذه الطبقة ويروى عن سويد بن عفلة وقد سبقت له رواية عنه في المسألة (289) والله أعلم
(4) سبق هذا عن النعمان مرفوعا من رواية البخاري
(5) هذا المعنى في البخاري (ج 1 ص 290 و 291) عن أنس
59

قال علي: المباح لا يكون منكرا *
وعن سعيد بن جبير الامر بتسوية الصفوف *
وعن عطاء: على الناس أن يسووا الصفوف *
وعن عبد الرحمن بن يزيد: سووا الصفوف، (1) فان من تمام الصلاة إقامة الصف *
وعن إبراهيم النخعي في الرجل يجئ وقد تم الصف، قال: إن قدر فليدخل معهم
في الصف، أو يجتذب رجلا فيصلى معه، فان صلى وحده فليعد الصلاة *
وعن شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة عن الرجل يصلى وحده خلف الصف قال: يعيد *
وببطلان صلاة من صلى خلف الصف منفردا يقول الأوزاعي والحسن بن حي
وأحد قولي سفيان الثوري، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق * (2)
416 مسألة وواجب على من دخل المسجد أن يقول: (اللهم افتح لي
أبواب رحمتك) فإذا خرج منه فليقل: (اللهم إني أسألك من فضلك) وهذا إنما
هو من شروط دخول المسجد متى دخله، لا من شروط الصلاة، فصلاة من لم يقل
ذلك جائزة، وقد عصى في تركه قول ما أمر به *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا سليمان بن بلال عن ربيعة
ابن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد هو ابن سويد الأنصاري عن أبي
حميد أو عن أبي أسيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد
فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك * (3) قال علي: أيهما
كان فهو خير من كل من بعده * (4)
417 مسألة وفرض على كل مأموم أن لا يرفع ولا يركع ولا يسجد

(1) في النسخة رقم (16) (صفوا الصفوف) (2) حكاه عبد الله بن أحمد عن أبيه
في المسند (ج 4 ص 228) بعد رواية حديث وابصة قال: (وكان أبى يقول بهذا الحديث)
وحكاه الترمذي عن أحمد واسحق وحماد بن أبي سليمان وابن أبي ليلى ووكيع (3) في مسلم
(ج 1 ص 198) (4) يريد أن شك الراوي وتردده بين أبى حميد وبين أبى أسيد لا يضر
فإنهما صحابيان جليلان. وفى النسخة رقم (16) (فهو خير من الذي بعده) وما هنا أحسن
60

ولا يكبر ولا يقوم ولا يسلم قبل امامه، ولا مع امامه، فان فعل عامدا بطلت صلاته لكن
بعد تمام كل ذلك من إمامه، فان فعل ذلك ساهيا فليرجع ولا بد حتى يكون ذلك كله منه
بعد كل ذلك من امامه وعليه سجود السهو *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل الجحدري ثنا أبو عوانة عن قتادة
عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي ثنا أبو موسى قال: (ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنة الخير، (1) وعلمنا صلاتنا، فقال: إذا صليتم فأقيموا
صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: (غير المغضوب عليهم ولا
الضالين) فقولوا (آمين) يجبكم الله (2)، فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فان
الامام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا،
فان الامام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك) وذكر باقي الحديث * (3)
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري حدثني أبو إسحاق هو
السبيعي ثنا عبد الله بن يزيد الأنصاري ثنا البراء بن عازب قال: (كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع
النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده) (4) *
وقد روينا أيضا من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب (5) *
وبه إلى البخاري: ثنا الحجاج بن المنهال ثنا شعبة عن محمد بن زياد قال سمعت
أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما يخشى أحدكم أو لا يخشى أحدكم
إذا رفع رأسه قبل الامام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة
حمار (6)؟) *

(1) في مسلم (ج 1 ص 119) (فبين لنا سنتنا)
(2) بالجيم من الإجابة
(3) اختصره المؤلف من أوله ووسطه وآخره
(4) في البخاري (ج 1 ص 280) ورواه مسلم (ج 1 ص 136 و 137) وأبو داود (ج 1 ص 239)
(5) رواية ابن أبي ليلى في أبى داود
(6) في البخاري (ج 1 ص 280 و 281)
61

حدثنا حمام ثنا ابن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل
الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري
أنه سمع محمد بن يحيى بن حبان (1) عن ابن محيريز سمعت معاوية بن أبي سفيان
يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبادروني بالركوع ولا بالسجود، فاني قد
بدنت (2)، فمهما أسبقكم به إذا ركعت فإنكم تدركوني به إذا رفعت، ومهما أسبقكم به إذا
سجدت فإنكم تدركوني به إذا رفعت) (3) وبه قال السلف *
روينا عن أبي هريرة أنه قال: إن الذي يرفع رأسه قبل الامام ويخفض قبله فان
ناصيته بيد شيطان *
وعن عبد الله بن مسعود: ما يؤمن الرجل إذا رفع رأسه قبل الامام أن تعود
رأسه رأس كلب *
قال علي: لا وعيد أشد من المسخ في صورة كلب أو حمار، ولا عقوبة أعظم من
إسلام ناصية المرء إلى يد الشيطان *
وعن ابن مسعود: لا تبادروا أئمتكم بالسجود فان سبقكم من ذلك شئ فليضع
أحدكم رأسه كقدر ما سبق، *
وعن عمر بن الخطاب مثل هذا حرفا حرفا *

(1) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة
(2) بضم الدال المهملة وبالتخفيف أي كثر لحمي وسمنت
(3) رواه أبو داود (ج 1 ص 239) عن مسدد عن يحيى عن ابن عجلان
عن محمد بن يحيى بن حبان باسناده ومعناه ورواه أحمد (ج 4 ص 92) عن يحيى بن سعيد
عن ابن عجلان، ورواه أيضا (ج 4: ص 98) عن سفيان عن ابن عجلان، ورواه
البيهقي (ج 2 ص 92) من طريق الليث بن سعد عن ابن عجلان. وهذه أسانيد
صحيحة جدا. واعلم أن يحيى بن سعيد في أسانيد أبى داود وأحمد في هذا الحديث هو
يحيى بن سعيد بن فروخ القطان وأما الذي في اسناد المؤلف فهو يحيى بن سعيد
ابن قيس الأنصاري وهو قديم مات سنة 143 وروى عن محمد بن يحيى بن حبان. وأما
القطان فمتأخر عنه ولد سنة 120 ومات سنة 198
62

قال على: والمعصية المحرمة المبعدة من الله تعالى لا تنوب عن الطاعة المفترضة المقربة
منه عز وجل *
418 - مسألة - فمن كان عليل البصر وخشي ضررا (1) من طول الركوع أو
السجود فليؤخر ذلك إلى قرب رفع الامام رأسه بمقدار ما يركع ويطمئن ويقول (سبحان
ربى العظيم وبحمده) وبمقدار ما يسجد ويطمئن ويقول (سبحان ربي الأعلى وبحمده)
ثم يرفع بعد رفع الامام، *
لقول الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ولقوله عز وجل: (لا يكلف
الله نفسا إلا وسعها) ولقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) *
والعجب كله من قول أبي حنيفة ومالك: لا يحل لمأموم أن يكبر للاحرام قبل إمامه،
ولا مع امامه، ولا أن يسلم قبل إمامه، ولا مع امامه: ثم أجازوا له أن يفعل سائر ذلك
مع الامام! وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم
فأتموا) أو (فاقضوا) نص جلى على أنه لا يحل للمأموم أن يفارق الامام حتى تتم
صلاة الامام، ولا تتم صلاة الامام إلا بتمام سلامه *
419 مسألة ولا يحل لاحد أن يكبر قبل إمامه إلا في أربعة مواضع *
أحدها: من دخل خلف إمام فلما كبر الامام وكبر الناس ذكر الامام أنه على غير
طهارة، فإنه يشير إلى الناس أن أمكثوا، ثم يخرج فيتطهر، ثم يأتي فيبتدئ التكبير
للاحرام، وهم باقون على ما كبروا، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم *
والثاني: أن يكبر الامام ويكبر الناس بعده ثم يحدث، فيستخلف من دخل حينئذ،
فيصير إماما مكانه، ويكون المؤتمون به قد كبروا قبله. وهذا اجماع من الحنفيين والمالكيين
والشافعيين والحنبليين *
والثالث: أن يغيب الامام الراتب فيستخلف الناس من يصلى بهم ثم يأتي الامام الراتب
فيتأخر المقدم، ويتقدم هو، فيصلى بالناس وقد كبر المأمومون قبله، كما فعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة إذ مضى عليه السلام إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم

(1) في النسخة رقم (16) (وخشي ضرورة)
63

فقدم الناس للصلاة التي حضرت أبا بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأخر أبو بكر
وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس بانين على ما صلوا مع أبي بكر: وكما فعل
صلى الله عليه وسلم في آخر صلاة صلاها بالمسلمين. وقد ذكرنا ذلك باسناده فيما سلف
من كتابنا هذا ولله الحمد *
والرابع: من كان معذورا في ترك حضور الجماعة أو يئس عن أن يجد جماعة فبدأ
الصلاة فلما دخل فيها أتى الامام، فإنه يدخل في صلاة الامام ويعتد بتكبيره وبما
صلى، لأنه كبر كما أمر، وصلى ما مضى من صلاته كما أمر، ومن فعل ما أمر به فقد
أحسن، ومن أحسن فلا يجوز ابطال ما عمل إلا بنص: قرآن أو سنة ثابتة، وقد قال تعالى:
(ولا تبطلوا أعمالكم). *
وكذلك لا يحل لاحد أن يسلم قبل امامه الا في أربعة مواضع: *
أحدها: صلاة الخوف، كما نذكر في أبوابها إن شاء الله تعالى *
والثاني: من كان له عذر في ترك حضور الجماعة أو يئس عن وجود جماعة فبدأ بالصلاة
ثم أتي الامام، فصار هذا مؤتما به وتمت صلاته قبل صلاة الامام، فهذا مخير، إن شاء
سلم ونهض، لان صلاته قد تمت، ولا يجوز له الائتمام بالامام في أحوال يفعلها الامام من
صلاته، ولا يحل للمؤتم أن يزيدها في صلاته، فإذ لا يجوز له الائتمام بالامام فقد خرج
عن إمامته وتمت صلاته، فليسلم، وان شاء يتمادى (1) على تشهده ودعائه، حتى إذا
سلم الامام سلم بعده أو معه *
والثالث: مسافر دخل خلف من يتم الصلاة إما مقيما وإما متأولا معذورا بخطئه
فإذا تمت للمأموم ركعتان بسجداتها فقد تمت صلاته، فهو مخير بين ما ذكرنا من سلام
أو تمادي على الجلوس والدعاء، وان شاء بعد سلامه ان ينهض فله ذلك، وان شاء ان يصلى
مع الامام باقي صلاته متطوعا فذلك له *
والرابع: من طول عليه الامام تطويلا يضر به في نفسه أو في ضياع ماله، فله ان
يخرج عن إمامته، ويتم صلاته لنفسه، ويسلم وينهض لحاجته *
كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد

(1) في النسخة رقم (45) (وان شاء أن يتمادى) وما هنا أحسن
64

ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان - هو ابن
عيينة عن عمرو هو ابن دينار عن جابر بن عبد الله قال: (كان معاذ يصلى مع
النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم
العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم، ثم صلى وحده
وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟! (1) قال: لا والله، ولآتين رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلأخبرنه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، انا أصحاب
نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معاذ، أفتان أنت؟! اقرأ بكذا، واقرأ بكذا
(2) وذكر باقي الكلام *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
حدثني محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله
قال: (كان معاذ بن جبل يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم، (3)
فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف رجل (4) فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
فتان فتان فتان! أو قال: فاتنا فاتنا فاتنا! وأمره بسورتين من أوسط المفصل) *
وهذا اجماع من الصحابة رضي الله عنهم مع النص *
وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق السبيعي
عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: إذا تشهد الرجل وخاف أن يحدث قبل
أن يسلم الامام فليسلم وقد تمت صلاته (5). ولا نعلم له من الصحابة رضي الله عنهم

(1) في النسخة رقم (16) (فقالوا كأنك نافقت يا فلان) وما هنا هو الموافق لصحيح
مسلم (ج 1 ص 134)
(2) في الأصلين (اقرأ بكذا اقرأ بكذا) بدون الواو، وزدناها من مسلم *
(3) في البخاري (ج 1 ص 283) (فيؤم قومه)
(4) في البخاري (فانصرف الرجل)
(5) رواه البيهقي (ج 2 ص 256) من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل
عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، والحارث هو الأعور، وهو كذاب ضعيف، وأما
عاصم بن ضمرة فالحق أنه ثقة
65

في ذلك مخالفا. وبكل الوجوه التي ذكرنا، قد قالت طوائف من السلف رضي الله عنهم *
420 مسألة ومن سبق إلى مكان من المسجد لم يجز لغيره اخراجه عنه.
وكذلك إن قام عنه غير تارك له فرجع فهو أحق به، لان المسجد لجميع الناس، وقد نهى
النبي صلى الله عليه وسلم أن يقام أحد عن مكانه *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى
ابن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع فهو أحق به) (1) *
421 مسألة ولا يحل لاحد أن يصلى أمام الامام إلا لضرورة حبس فقط،
أو في سفينة حيث لا يمكن غير ذلك *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا حاتم بن إسماعيل عن
يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت: أتينا جابر بن عبد الله
فحدثنا: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، قال جابر: فتوضأت من متوضأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته، فقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليصلى، ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأيدينا جميعا حتى أقامنا خلفه) (2) *
فوجب أن يكون الاثنان فصاعدا خلف الامام ولا بد، ويكون الواحد عن يمين
الامام ولا بد، لان دفع النبي صلى الله عليه وسلم جابرا وجبارا إلى ما وراءه أمر منه
عليه السلام بذلك لا يجوز تعديه، وإدارته جابرا إلى يمينه كذلك، فمن صلى بخلاف
ما أمر به عليه السلام فلا صلاة له *

(1) في أبى داود (ج 4 ص 414) (ثم رجع إليه) ورواه مسلم (ج 2 ص 178)
وابن ماجة (ج 2 ص 209 و 210)
(2) هو قطعة اختصرها المؤلف من حديث جابر الطويل في صحيح مسلم (ج 2 ص 394) وجبار بن صخر صحابي من أهل بدر، وقد روى قصة الصلاة هذه، رواها احمد (ج 3 ص 421)
66

وقد قال قوم: ان الاثنين يكونان حفافى (1) الامام *
واحتجوا في ذلك برواية رويناها عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة والأسود:
أنهما صليا مع ابن مسعود رضي الله عنه فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه، والآخر
عن شماله، وقام بينهما، ثم ركع بهما، فوضعا أيديهما على ركبهما، فضرب أيديهما،
ثم طبق يديه فجعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) *
وروينا من طريق فيها هارون بن عنترة وأخرى فيها الحارث بن أبي أسامة
- وكلاهما متروك -: أن هكذا كان يفعل عليه السلام إذا كانوا ثلاثة * (3)
قال علي: أما رواية الأعمش وهي الثابتة فلا بيان فيها إلى أي شئ أشار ابن
مسعود بقوله (هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)؟ إلى موقف الامام بين المأمومين والى
التطبيق معا؟ أم إلى التطبيق وحده؟ وإذ لا بيان في ذلك فلا يجوز أن يترك اليقين
للظنون. ثم حتى لو صح هذا مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان ابعاده عليه
السلام لجابر وجبار عن كونهما حفافيه وإيقافهما خلفه: مدخلا لنا في يقين منع الاثنين
من كونهما حفافى الامام، وأنه لا يجوز، وإذ ذلك كذلك فجواز كون الاثنين حفافي
الامام قد حرم بيقين، فلا يجوز أن يعود إلى الجواز ما قد تيقن تحريمه إلا بنص جلى
بعودته. وبالله تعالى التوفيق *
422 مسألة وكل من استخلفه الإمام المحدث فإنه لا يصلى إلا صلاة نفسه
لا على صلاة إمامه المستخلف له، ويتبعه المأمومون فيما يلزمهم، ولا يتبعونه فيما لا
يلزمهم، بل يقفون على حالهم، ينتظرونه حتى يبلغ إلى ما هم فيه فيتبعوه حينئذ *

(1) الحفافان - بكسر الحاء المهملة - الجانبان
(2) حديث ابن مسعود في صحيح مسلم (ج 1 ص 150) بألفاظ مختلفة وفى بعضها من كلام ابن مسعود: (وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعا، وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم) ورواه أيضا الطحاوي (ج 1 ص 134 و 135)
(3) اما طريق هارون بن عنترة فقد نسبها الشوكاني (ج 3 ص
221) إلى احمد وأبى داود والنسائي، وهارون ليس متروكا وإن ضعفه بعضهم. وأما
طريق الحارث بن محمد بن أبي أسامة فلم أرها، والحارث مختلف فيه، قال الذهبي (كان
حافظا عارفا بالأحاديث تكلم فيه بلا حجة) وقال في تلخيص المستدرك (ليس بعمدة)
67

وقال أبو حنيفة ومالك. بل يصلى الامام المستخلف كما كان يصلى لو كان مأموما، وعلى
حكم صلاة إمامه الذي استخلفه *
قال علي: ما نعلم لهم حجة الا أنهم ونحن تنازعنا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إنما جعل الامام ليؤتم به) *
قال علي: والامام الذي أحدث واستخلف وخرج (1) قد بطلت إمامته باجماع منا
ومنهم، وبضرورة الحس والمشاهدة، لأنه الآن في داره يحدث أو يأكل أو يعمل ما الله
تعالى أعلم به في غير صلاة، وأنه لو رجع لكان مؤتما عندكم لا إماما، فقد أيقنا ان
إمامته قد بطلت *
فان قالوا: إنما قلنا: بقي حكم إمامته، لا إمامته *
قلنا: في هذا نازعناكم، فليس دعواكم حجة لنفسها، وإذ قد أقررتم أن إمامته قد
بطلت، وانه ليس اماما. فلا يجوز بقاء (2) حكم امامة قد بطلت أصلا. *
واما الثاني فهو باجماع (3) منا ومنهم الامام الذي أمر عليه السلام ان نأتم به،
وان نكبر إذا كبر، ونرفع إذا رفع، ونركع إذا ركع، ونسجد إذا سجد، فإذ هو كذلك
فهو الامام لا المأموم والامام هو المأمور بأن يأتي بالصلاة كما أمر، والمؤتمون به هم
المأمورون بالائتمام به *
فان قالوا: فأنتم تقولون: إن المأموم إذا أتم صلاته لم ينتظر الامام *
قلنا: نعم، وهؤلاء لم تتم صلاتهم بعد، فواجب عليهم انتظاره، كما فعل المسلمون
في انتظار رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج ثم رجع وقد اغتسل، وكما فعلوا في صلاة
الخوف، لأنهم بعد مؤتمون به، وهو إمامهم، وصلاتهم لم تتم، فلا عذر لهم في الخروج
عن الائتمام به، ولا يحل لهم أن يتبعوه فيما ليس من صلاتهم، فيزيدوا فيها بالعمد ما قد
صلوه، فوجب انتظارهم إياه ولا بد وبالله تعالى التوفيق *
وأما من تمت صلاته منهم فان شاء سلم وان شاء أطال التشهد، فذلك له، حتى

(1) في النسخة رقم (16) (فخرج واستخلف)
(2) في النسخة رقم (45) (إبقاء)
(3) في النسخة رقم (45) (فهو اجماع) الخ وهو خطأ، لان المراد أن الإمام الثاني هو الامام الذي أمر المصلون بالائتمام به وأن هذا باجماع من المؤلف ومن مخالفيه
68

يسلم مع الامام وبالله تعالى التوفيق *
423 مسألة وأيما عبد أبق عن مولاه فلا تقبل له صلاة حتى يرجع، إلا
أن يكون أبق لضرر محرم لا يجد من ينصره منه، فليس آبقا حينئذ، إذا نوى بذلك
البعد عنه فقط *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي
ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا جرير عن المغيرة عن الشعبي قال: كان جرير بن عبد الله
البجلي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (1): (إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة) *
وبهذا يقول أبو هريرة، كما روينا عن محمد بن المثنى: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا
شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت وانا صبي عن أبي هريرة أنه قال في الآبق:
لا تقبل له صلاة * (2)
قال علي: هذا صاحب لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف، وخصومنا (3)
يشغبون بأقل من هذا إذا وافق تقليدهم *
424 مسألة ومن صلى من الرجال وهو لابس معصفرا بطلت صلاته إذا كان
ذاكرا عالما بالنهي وإلا فلا، فإن كان مصبوغا بعصفر لا يظهر فيه إلا أنه لا يطلق عليه اسم
(معصفر) فصلاته فيه جائزة. والصلاة فيه جائزة للنساء *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا القعنبي ثنا مالك عن
نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب: (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي (4) وعن لبس المعصفر (5) وعن تختم الذهب وعن
القراءة في الركوع) *
وبهذا يقول بعض السلف الصالح *

(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 34) (قال)
(2) هذا منقطع كما هو ظاهر، ولان حبيب ابن أبي ثابت لم يدرك أبا هريرة
(3) في النسخة رقم (16) (وأصحابنا)
(4) بفتح القاف وتشديد السين المهملة بعدها ياء نسبة، نسبة إلى بلد يقال لها القس. وفسرها علي بن أبي طالب بقوله. (ثياب تأتينا من قبل الشأم مضلعة فيها أمثال الأترج) انظر مسند أحمد (ج 1 ص 134 و 154)
(5) في النسخة رقم (16) (ولبس المعصفر) وما هنا هو الموافق لأبي داود (ج 4 ص 83)
69

كما روينا عن معمر عن قتادة: أن عمر بن الخطاب رأى على رجل ثوبا معصفرا فقال:
دعوا هذه البراقات للنساء * (1)
وعن معمر عن بديل العقيلي (2) عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير عن سليمان بن
صرد (3) الخزاعي قال: رأى عمر بن الخطاب على رجل ثوبين ممصرين (4) فقال: ألق
هذين عنك، لعلك أن توهم من عملك ما هو أشد من هذا * (5)
قال علي. هذا تشديد عظيم جدا *
وروينا أن (6) أم الفضل بنت غيلان: أرسلت إلى أنس بن مالك تسأله عن
المعصفر فقال أنس: لا بأس به للنساء *
قال على: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم إباحته للنساء *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن
حنبل ثنا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -
ثنا أبي عن محمد بن إسحاق أن نافعا مولى ابن عمر حدثه عن عبد الله بن عمر: (أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في احرامهن عن القفازين والنقاب،
وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت (7) من ألوان الثياب

(1) الشئ البراق ذو البريق. ومنه - فيما أرى - أبرقت المرأة
بوجهها وسائر جسمها وبرقت وبرقت - بالتخفيف والتشديد مع فتح الراء - إذا تعرضت
وتحسنت، وامرأة براقة وإبريق تفعل ذلك، ورعدت المرأة وبرقت - بتخفيف العين
والراء - أي تزينت مقتبس من اللسان فلعل هذا الذي هنا مأخوذ من هذه المعاني،
وكلها ترجع لمعنى البريق. وهذا الأثر مرسل، لان قتادة من صغار التابعين ولد سنة 61
ومات سنة 117 فلم يدرك عمر.
(2) بديل مصغر، والعقيلي بضم العين المهملة
(3) بضم الصاد المهملة وفتح الراء.
(4) بضم الميم الأولى وفتح الثانية وفتح الصاد المهملة المشددة
والثوب الممصر المصبوغ بحمرة أو بصفرة
(5) كذا في الأصول (توهم) ويحتمل أن يكون من قولهم (أوهمت الشئ إذا تركته كله، وأوهم من الحساب مائة أي أسقط) *
(6) في النسخة رقم (16) (عن) وهو خطأ. وأم الفضل هذه لم أجد لها ترجمة ولا ذكرا
في شئ من الكتب
(7) في النسخة رقم (45) (وليلبسن بعد ذلك ما أحببن) وما هنا هو الموافق
لأبي داود (ج 2 ص 103)
70

من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف) (1) *
425 مسألة ومن صلى وهو يحمل شيئا مسروقا أو مغصوبا (2) أو إناء فضة
أو ذهب بطلت صلاته إلا أن يحمل المأخوذ بغير حقه ليرده إلى صاحبه، أو يحمل الاناء
ليكسره: فصلاته تامة *
فان صلى وفى كفه أو حجزته حلي ذهب يتملكه لأهله أو ليبيعه أو ثوب حرير
كذلك أو دنانير: فصلاته تامة. وكذلك لو صلى وفي فيه (3) دينار أو لؤلؤة يحرزهما
بذلك فصلاته تامة *
برهان ذلك أنه عمل في صلاته ما لا يحل له، ومن عمل في صلاته ما لا يحل له فلم يصل
الصلاة التي امره الله عز وجل بها فإذا حمل ذلك لما امر به فلم يعمل في صلاته الا ما أمر
به فصلاته صحيحة وبالله تعالى التوفيق *
426 مسألة وفرض على الرجل ان صلى في ثوب واسع أن يطرح منه على
عاتقه أو عاتقيه، فإن لم يفعل بطلت صلاته فإن كان ضيقا اتزر به (4) وأجزأه، كان معه
ثياب غيره أو لم يكن *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا أبو عاصم هو النبيل عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصلى (5) أحدكم في الثوب الواحد ليس على
عاتقه منه شئ) (6) *

(1) في أبى داود من ألوان الثياب. معصفرا أو خزا) الخ
بحذف (من) واسناد هذا الحديث اسناد صحيح، وابن إسحاق امام حجة وقد صرح بسماعه من
نافع، فارتفعت شبهة التدليس إن ثبت انه مدلس *
(2) في النسخة رقم (16) (أو غصبا)
(3) في النسخة رقم (16) (وفى فمه)
(4) (اتزر) بتشديد التاء وفى النسخة رقم (45) (ائتزر) وكلاهما
صحيح، تقول ائتزر واتزر) بالهمزة وبادغامها في التاء كما تقول (اتمنه) والأصل (ائتمنه)
(5) نقل ابن حجر في الفتح أن ابن الأثير قال (كذا هو في الصحيحين باثبات الياء
ووجهه أن لا نافية وهو خبر بمعنى النهى)
(6) في البخاري (ج 1 ص 162) (ليس على عاتقيه شئ) ولعل ما هنا رواية للمؤلف في صحيح البخاري
71

ورويناه من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه (1)
منه شئ) *
قال علي: المعنى في كلا اللفظين واحد، لأنه متى ألقى بعض الثوب على عاتقه
فلم يصل في ثوب ليس على عاتقيه منه شئ، بل صلى في ثوب على أحد عاتقيه منه شئ *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب
ابن مجاهد أبي حرزة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال. أتينا جابر بن
عبد الله أنا وأبي فحدثنا في حديث. ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (يا جابر، إذا كان
واسعا فخالف بين طرفيه، وإذا كان (2) ضيقا فاشدده على حقوك (3) يعنى ثوبه
وهذه الأحاديث تقضى على سائر الأخبار في الصلاة في الثوب الواحد *
وروينا عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال في الثوب. إذا
كان واسعا فتوشح به، وإن كان قصيرا فاتزر به (4) *
وعن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال إذا لم يكن عليك إلا ثوب واحد إن كان
واسعا فتوشح به وإن كان صغيرا فاتزر به *
وعن طاوس بنحو هذا *
وعن محمد بن الحنفية. لا صلاة لمن لم يخمر على عاتقيه في الصلاة *

(1) في النسخة رقم (16) عاتقه بالافراد، وهو خطأ، لان المؤلف جمع بين روايتي الافراد
والتثنية فدل على اختلافهما في اللفظ. وهذا إذا صح أن الأولى رواية له في نسخ البخاري.
ورواية سفيان عن أبي الزناد رواها مسلم (ج 1 ص 146) وأشار ابن تيمية في المنتقى
(نيل الأوطار ج 2 ص 58) إلى أن رواية البخاري بالافراد ورواية مسلم بالتثنية، وهو
يؤيد صحة رواية ابن حزم للفظ البخاري. وهذا الحديث ليس في الموطأ
(2) في الأصل (وإن كان) وصححناه من مسلم، وهذا قطعة من حديث جابر الطويل في مسلم (ج 2 ص 394 - 397)
(3) بفتح الحاء المهملة ويجوز كسرها، وهو الكشح أو معقد الإزار
(4) في النسخة رقم (45) (فائتزر به)
72

427 مسألة ولا يجوز لاحد ان يصلى وهو مشتمل الصماء، وهو ان يشتمل المرء
ويداه تحته، الرجل والمرأة سواء *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد الفربري ثنا البخاري ثنا
عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن خبيب (1) بن عبد الرحمن عن حفص بن
عاصم عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين وعن لبستين) فذكر
الحديث وفيه (عن اشتمال الصماء (2) *
428 مسألة ولا تجزئ الصلاة ممن جر ثوبه خيلاء من الرجال، وأما المرأة
فلها أن تسبل ذيل ما تلبس ذراعا لا أكثر، فان زادت على ذلك عالمة بالنهي بطلت صلاتها.
وحق كل ثوب يلبسه الرجل أن يكون إلى الكعبين لا أسفل البتة، فان أسبله فزعا
أو نسيانا فلا شئ عليه *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد هو
القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء) (3) *
فهذا عموم للسراويل والإزار والقميص وسائر ما يلبس *
ورواه أيضا عبد الله بن دينار وزيد بن أسلم عن ابن عمر مسندا (4) *
ورويناه أيضا من طريق أبي ذر مسندا بوعيد شديد (5) *
وروينا عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود أنه قال: المسبل إزاره في الصلاة ليس
من الله في حل ولا في حرام (6) *

(1) هو بضم الخاء المعجمة
(2) في البخاري (ج 1 ص 241) بهذا الاسناد، ورواه أيضا
بأسانيد أخرى (ج 1 ص 165 و ج 7 ص 270) وغير ذلك
(3) في مسلم (ج 2 ص 155)
(4) هو في مسلم أيضا من طريق مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم
(5) رواه مسلم (ج 1 ص 41) عن أبي ذر مرفوعا (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) وذكر منهم المسبل، ورواه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة *
(6) رواه أبو داود (ج 1 ص 243) من طريق الطيالسي عن أبي عوانة عن عاصم عن أبي
عثمان عن ابن مسعود مرفوعا (من أسبل ازاره في صلاته خيلاء) الخ ثم قال أبو داود
(روى هذا جماعة عن عاصم موقوفا على ابن مسعود: منهم حماد بن سلمة وحماد بن زيد
وأبو الأحوص وأبو معاوية) وهو مسند الطيالسي (ص: 47 رقم 351) عن أبي
عوانة وثابت عن عاصم وهذا اسناد صحيح ولا يضره وقف من وقفه، فرفعه زيادة ثقة
وهي مقبولة.
73

وعن ابن عباس: لا ينظر الله إلى مسبل *
وعن مجاهد: كان يقال: من مس ازاره كعبه لم يقبل الله له صلاة *
فهذا مجاهد يحكى ذلك عمن قبله، وليسوا إلا الصحابة رضي الله عنهم، لأنه ليس من
صغار التابعين، بل من أوساطهم *
وعن ذر بن عبد الله المرهبي وهو من كبار التابعين (1) كان يقال. من
جر ثيابه لم تقبل له صلاة *
ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم *
قال علي. فمن فعل في صلاته ما حرم عليه فعله فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلا
صلاة له *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا النفيلي
- هو عبد الله بن محمد ثنا محمد ثنا زهير هو ابن معاوية ثنا موسى بن عقبة عن
سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من جر ثوبه
خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة (2) فقال أبو بكر الصديق. إن أحد جانبي إزاري
يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لست
ممن يفعله خيلاء) * (3) *

(1) ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء والمرهبي بضم الميم واسكان الراء وكسر
الهاء ثم باء موحدة، نسبة إلى مرهبة بطن من همدان. وفى النسخة رقم (16) (المرهفى) وهو
خطأ، ولم أجد ما يؤيد أن ذرا هذا من التابعين، فلم يذكر أحد روايته عن صحابي، وإنما روايته
عن التابعين كعبد الله بن شداد وابن المسيب وابن أبزى، فما ادرى كيف يكون من كبارهم؟!
(2) قوله (يوم القيامة) سقط من الأصول، وزدناه من أبى داود (ج 4 ص 99)
(3) رواه أيضا النسائي (ج 2 ص 299)
74

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا نوح بن حبيب
القومسي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم. (من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه، قالت أم سلمة
يا رسول الله (1) فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال. ترخينه شبرا، قالت. إذن
تنكشف أقدامهن، قال. ترخينه (2) ذراعا لا يزدن عليه) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن
يزيد المقرئ ثنا سفيان هو ابن عيينة ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال. سألت
أبا سعيد الخدري فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إزرة المؤمن إلى
انصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما أسفل ذلك في النار، لا ينظر
الله إلى من جر إزاره بطرا) (3) *
429 مسألة والصلاة جائزة في ثوب الكافر والفاسق، ما لم يوقن فيها
شيئا يجب اجتنابه *
لقول الله تعالى. (خلق لكم ما في الأرض جميعا) وقد صح ان رسول الله صلى في جبة
رومية، ونحن على يقين من طهارة القطن والكتان والصوف والشعر والوبر والجلود
والحرير للنساء، وإباحة كل ذلك فمن ادعى نجاسة أو تحريما لم يصدق الا بدليل من نص
قرآن أو سنة صحيحة، قال تعالى. (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وقال تعالى. (ان الظن

(1) قوله (يا رسول الله) زدناه من النسائي (ج 2 ص 299)
(2) في النسخة رقم (16) (ترخين) وفى النسخة رقم (45) (فيرخينه) وصححناه من النسائي
(3) لم أجد هذا الحديث في النسائي ولعله في السنن الكبرى. ثم إن المؤلف ترك حديثا قد يكون دليلا قويا على بطلان صلاة المسبل خيلاء، وهو ما رواه أبو داود (ج 1 ص 243 و ج 4 ص 100) عن أبي هريرة قال. (بينما رجل يصلى مسبلا ازاره إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم. اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء، ثم قال. اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال له
رجل يا رسول الله مالك أمرته ان يتوضأ ثم سكت عنه؟ قال. انه كان يصلى وهو مسبل
ازاره وان الله جل ذكره لا يقبل صلاة رجل مسبل ازاره) وهو حديث صحيح، قال النووي
في رياض الصالحين (اسناد صحيح على شرط مسلم)
75

لا يغني من الحق شيئا) * فان قيل. قد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم آنيتهم الا بعد غسلها وأن لا يوجد غيرها *
قلنا. نعم، والآنية غير الثياب، (وما كان ربك نسيا) ولو أراد الله تعالى تحريم ثيابهم
لبين ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما فعل بالآنية *
والعجب أن المانع من الصلاة في ثيابهم يبيح آنيتهم لغير ضرورة! وهذا
عكس الحقائق! *
وإباحة الصلاة في ثياب المشركين هو قول سفيان الثوري وداود بن علي، وبه نقول *
430 مسألة ولا يجزئ أحدا من الرجال أن يصلى وقد زعفر جلده
بالزعفران، فان صبغ ثيابه أو عمامته بالزعفران أو زعفر لحيته فحسن، وصلاته بكل
ذلك جائزة *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد
ثنا حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية كلاهما عن عبد العزيز بن صهيب
عن أنس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل) هذا لفظ
إسماعيل، ولفظ حماد (عن التزعفر للرجال (1) *
حدثنا عبد الله بن ربيع عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الأشعث
ثنا زهير بن حرب ثنا محمد بن عبد الله الأسدي ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس
عن جديه قالا: سمعنا أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شئ من خلوق (2) *
قال علي: الخلوق الزعفران، وأول مراتب هذا الخبر كونه من قول أبي موسى (3) *

(1) رواه أبو داود (ج 4 ص 129 و 130) ورواه النسائي (ج 2 ص 294) عن إسحاق
ابن إبراهيم عن ابن علية. ورواه أيضا مسلم والترمذي كما في شرح أبى داود
(2) قال أبو داود (جداه زيد وزياد) ولم ينسبا، قال ابن القطان زيد وزياد غير معروفين ولم
يذكرا بغير ما في هذا الاسناد) وتبعه الذهبي. وأبو جعفر الرازي يقال. اسمه عيسى
ابن أبي عيسى، ويقال غير ذلك وهو ثقة صدوق ولكنه سئ الحفظ وليس بمتقن، وقد
انفرد بهذا الاسناد
(3) نعم! ولكن أين الاسناد الصحيح إلى أبى موسى؟!
76

قال علي: هذا النهي ناسخ لما كان في أول الهجرة من إباحته عليه السلام لان
يتزعفر الرجل، إذ رأى عبد الرحمن بن عوف حين تزوج وعليه الخلوق، فلم ينكر عليه،
إذ الأصل في ذلك الإباحة، ثم طرأ النهي فجاء ناسخا *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا يعقوب بن إبراهيم
ثنا الدراوردي هو عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم قال: رأيت ابن عمر يصفر
لحيته بالخلوق، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أنك تصفر لحيتك بالخلوق قال: (اني
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر بها لحيته (1) ولم يكن شئ من الصبغ أحب
إليه منها، ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته (2) *
قال علي. ولم ينه عليه السلام النساء عن التزعفر، فهو مباح لهن، قال عز وجل
(وقد فصل لكم ما حرم عليكم) *
431 مسألة ولا يحل للرجل أن يصفق بيديه في صلاته، فان فعل وهو عالم
بالنهي بطلت صلاته، لكن إن نابه شئ في صلاته فليسبح *
وأما المرأة فحكمها إن نابها شئ في صلاتها أن تصفق بيديها، فان سبحت فحسن *
وهو قول الشافعي وداود *
وقال أبو حنيفة: إن سبح الرجل مريدا إفهام غيره بأمر ما بطلت صلاته *
وقال مالك: لا تصفق المرأة بل تسبح *
وكلا القولين خطأ، وخلاف للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم ثنا حماد بن زيد ثنا أبو حازم المدني عن
سهل بن سعد فذكر حديثا وفيه: ان الناس صفحوا إذ رأوا رسول الله صلى
الله عليه وسلم جاؤهم يصلون خلف أبى بكر، وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لهم إذ سلم: (إذا رابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء) في الصلاة (3) *

(1) الزيادة التي بين القوسين من النسائي (ج 2 ص 279) وليست في أصول المحلى
(2) رواه أيضا أبو داود (ج 4 ص 91) عن القعنبي عن الدراوردي
(3) قوله (في الصلاة) ليس من لفظ الحديث في البخاري (ج 9 ص 134) وقد نبه على هذا في حاشية النسخة
رقم (45) وهذا الحديث بهذا الاسناد في كتاب (الأحكام) من صحيح البخاري،
وقد رواه أيضا بأسانيد أخرى (ج 1 ص 276 و ج 2 ص 140 - 154 و ج 4 ص 18
- 20)
77

قال علي: لا خلاف في أن التصفيق والتصفيح. بمعنى واحد، وهو الضرب بإحدى
صفحتي الأكف على الأخرى *
وروينا عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما قالا: التسبيح للرجال والتصفيق
للنساء. ولا يعرف لهما من الصحابة رضي الله عنهم مخالف *
وإنما جاز التسبيح للنساء لأنه ذكر الله تعالى، والصلاة مكان لذكر الله عز وجل *
432 مسألة ولا يحل للمرأة إذا شهدت المسجد أن تمس طيبا، فان فعلت بطلت
صلاتها، سواء في ذلك الجمعة والعتمة والعيد وغير ذلك من جميع الصلوات *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد
القطان عن محمد بن عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن
زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا
شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا (1) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن
إسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة هو ابن
عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن يخرجن وهن تفلات) (2) *
قال علي: ان أمكن المرأة أن تتطيب يوم الجمعة طيبا تذهب ريحه قبل الجمعة فذلك
عليها، وإلا فلا بد لها من ترك الطيب أو ترك الجمعة، أي ذلك فعلت فمباح لها *
433 مسألة ولا يحل للمرأة أن تصلى وهي واصلة شعرها بشعر انسان أو
غيره أو بصوف أو بأي شئ كان، وكذلك الرجل أيضا. وأما التي تضفر غديرتها أو

(1) في مسلم (ج 1 ص 130)
(2) رواه أبو داود (ج 1 ص 222) وقوله (تفلات) بفتح التاء المثناة وكسر الفاء، أي غير متطيبات، يقال: امرأة تفلة، إذا كانت متغيرة الريح. قاله ابن عبد البر
78

غدائرها بخيط من حرير أو صوف أو كتان أو قطن أو سير (1) أو فضة أو ذهب فليست
واصلة ولا إثم عليها. ولا صلاة للتي تعظم رأسها بشئ تختمر عليه *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا
الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة ثنا هشام هو ابن عروة أنه سمع فاطمة بنت
إنذر تقول: انها سمعت أسماء بنت أبي بكر الصديق تقول: (سألت امرأة النبي
صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ان ابنتي أصابتها الحصبة فأمزق (2) شعرها
وإني زوجتها، أفأصل فيه: قال: لعن الله الواصلة والموصولة) * (3)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن يحيى
ابن الحارث الحمصي ثنا محبوب بن موسى أنا ابن المبارك عن يعقوب هو ابن القعقاع
عن قتادة عن ابن المسيب عن معاوية أنه قال: (أيها الناس، ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم نهاكم عن الزور، وجاء بخرقة سوداء فألقاها بين أيديهم، قال: هو هذا تجعله
المرأة في رأسها ثم (4) تختمر عليه) * (5)
قال علي: قول معاوية نهاكم خطاب من النبي صلى الله عليه وسلم للرجال والنساء،
فمن صلى وهو عامل في صلاته حالا محرمة عليه فلم يصل كما أمر، فلا صلاة له. وبالله تعالى التوفيق *
434 مسألة وأما التي تتولى وصل شعر غيرها، والواشمة، والمستوشمة
- والوشم النقش في الجلد ثم يعمل بالكحل الأسود والمتفلجة والنامصة والمتنمصة -
والنمص هو نتف الشعر من الوجه فكل من فعلت ذلك في نفسها أو في غيرها فملعونات
من الله عز وجل وصلواتهن تامة *

(1) كذا في النسخة رقم (16) والسير ما قد من الجلد طولا وهو معروف، وهذا أقرب
ما يناسب رسم الكلمة. وفى النسخة رقم (45) (غير) بدون نقط، وما أدرى ما صحته؟
وأظنه خطأ.
(2) (الحصبة) بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملة، و (امزق) بتشديد
الميم المفتوحة وفتح الزاي، أصلها (انمزق) وفى رواية (امرق) بالراء.
(3) في البخاري (ج 7 ص 305)
(4) كلمة (ثم) زيادة من النسائي (ج 2 ص 293)
(5) رواه النسائي أيضا مطولا ومختصرا باسنادين آخرين (ج 2 ص 280) ورواه بثلاث أسانيد أخرى
في (ص 293)
79

أما اللعنة فقد صح لعن كل من ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم *
وأما تمام صلاتهن فإنهن بعد حصول هذه الاعمال فيهن ومنهن لا يقدرن
على التبرئ من تلك الأحوال، ومن عجز عما كلف سقط عنه. قال تعالى (لا يكلف
الله نفسا إلا وسعها). وقال عليه السلام (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فلم
يكلف أحد إلا ما يستطيع، فإذا عجزن عن إزالة تلك الأحوال فقد سقط عنهن ازالتها،
وهن مأمورات بالصلاة، فيؤدينها كما يقدرن *
وأما الواصلة في شعر نفسها فقادرة على ازالته، فإذ لم تزله فقد استصحبت في صلاتها
عملا هي فيه عاصية لله عز وجل، فلم تصل كما أمرت، فلا صلاة لها. وبالله تعالى التوفيق *
435 مسألة والصلاة جائزة على ظهر الكعبة، وعلى أبي قبيس وعلى كل
سقف بمكة، وإن كان أعلى من الكعبة، وفي جوف الكعبة أينما شئت منها، الفريضة
والنافلة سواء *
وقال مالك: لا تجوز الصلاة في جوف الكعبة، الفرض خاصة، وأجاز فيها التنفل *
والذي قلنا نحن هو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان وغيرهم *
واحتج أتباع مالك بأن قالوا: إن من صلى داخل الكعبة فقد استدبر بعض الكعبة *
قال علي: إنما قال الله عز وجل: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد
الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره). فلو كان ما ذكره المالكيون حجة لما حل
لاحد أن يصلى في المسجد الحرام، لأنه هو القبلة بنص كلام الله تعالى في القرآن، وكل
من يصلى فيه فلا بد له من أن يستدبر بعضه. فظهر فساد هذا القول *
وأيضا: فان كل من صلى إلى المسجد الحرام أو إلى الكعبة فلا بد له من أن يترك
بعضها عن يمينه وبعضها عن شماله، ولا فرق عند أحد من أهل الاسلام في أنه لافرق بين
استدبار القبلة في الصلاة وبين أن يجعلها على يمينه أو على شماله، فصح أنه (1) لم يكلفنا
الله عز وجل قط مراعاة هذا، وإنما كلفنا أن نقابل بأوجهنا ما قابلنا (2) من جدار
الكعبة أو من جدار المسجد قبالة الكعبة حيثما كنا فقط *

(1) في النسخة رقم (45) (فصح اننا) الخ
(2) في النسخة رقم (16) (ما قابلها) وما هنا أحسن
80

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا عبد الله بن يوسف قال: أنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: (دخل رسول الله
صلى الله عليه وسلم الكعبة وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه
ومكث فيها، فسألت بلالا حين خرج: ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: جعل
عمودا عن يساره وعمودين (1) عن يمينه وثلاثة أعمدة من ورائه ثم صلى) *
قال علي: ما قال أحد قط إن صلاته المذكورة صلى الله عليه وسلم كانت إلى غير القبلة،
وقد نص عليه السلام على أن الأرض كلها مسجد، وباطن الكعبة أطيب الأرض وأفضلها،
فهي أفضل المساجد وأولاها بصلاة الفرض والنافلة، ولا يجوز لغير الراكب أو الخائف أو
المريض (2) أن يصلى نافلة إلى غير القبلة، والتفريق بين الفرض والنافلة بلا قرآن ولا
سنة ولا إجماع خطأ. وبالله تعالى التوفيق. وكل مكان أعلى من الكعبة فإنما علينا مقابلة
جهة الكعبة فقط: وقد هدمت الكعبة لتجدد فما قال أحد ببطلان صلاة المسلمين *
436 مسألة ومن صلى وفي قبلته مصحف فذلك جائز، ما لم يتعمد عبادة
المصحف، إذ لم يأت نص ولا إجماع بالمنع من ذلك *
437 مسألة ومن صلى وفي قبلته نار أو حجر أو كنيسة أو بيعة أو بيت نار أو
إنسان، مسلم، أو كافر، أو حائض أو أي جسم كان حاشا الكلب والحمار وغير المضطجعة من
النساء فكل ذلك جائز، لأنه لم يأت بالفرق بين شئ مما ذكرنا وبين سائر الأجسام
كلها قرآن ولا سنة ولا اجماع، ولا بد من أن يكون بين يدي المصلى جسم من أجسام العالم،
فالتفريق بينها باطل، لأنه دعوى بلا برهان وبالله تعالى التوفيق *
438 مسألة والصلاة في البيعة والكنيسة وبين النار والمجزرة ما اجتنب
البول والفرث والدم وعلى قارعة الطريق وبطن الوادي ومواضع الخسف والى البعير
والناقة وللتحدث والنيام (3) وفي كل موضع: جائزة، ما لم يأت نص أو اجماع متيقن في
تحريم الصلاة في مكان ما، فيوقف عند النهي في ذلك *

(1) في البخاري (ج 1 ص 214) (وعمودا) وقال في آخر الحديث (وقال لنا إسماعيل
حدثني مالك وقال: وعمودين) وكذلك هو في الموطأ (ص 155) بالتثنية
(2) في النسخة رقم (16) بحذف (ان)
(3) في النسخة (رقم 16) والناقة والمنام وهو خطأ
81

حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر وسفيان
الثوري كلاهما عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: (قلت: يا رسول الله،
أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى،
قلت: كم بينهما؟ قال أربعون سنة، ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل، فهو مسجد) (1)
قال علي: فهذا نص جلى ان (2) الكعبة مسجد، مع مجئ القرآن بذلك، وما علم أحد
مسجدا تحرم فيه صلاة الفرض وتحل فيه النافلة! *
وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة وجابر وحذيفة وانس. ان
من فضائلنا ان الأرض جعلت لنا مسجدا، وكل ما ذكرنا من الأرض، فالصلاة فيه جائزة،
حاشا ما جاء النص من المنع من الصلاة فيه كعطن الإبل، والحمام، والمقبرة، والى قبر وعليه
والمكان المغصوب، والنجس، ومسجد الضرار فقط *
وإنما جاء النهى عن الصلاة في المجزرة وظهر بيت الله الحرام من طريق زيد بن جبيرة، وهو
لا شئ (3)، ومن طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو ضعيف (4) *
وجاء النهى عن الصلاة في موضع الخسف من طريق ابن لهيعة، وهو لا شئ (5) *
وجاء النهى عن الصلاة على قارعة الطريق من طريق الحسن (6) عن جابر، ولا يصح

(1) رواه البخاري (ج 4 ص 288 - 314) من طريقين عن الأعمش، ومسلم (ج 1
ص 146 و 147) من طرق عن الأعمش أيضا
(2) في النسخة رقم (45) فهذا نص على أن الخ
(3) هو من حديث زيد عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر. رواه الترمذي (ج 1 ص 71)
وابن ماجة (ج 1 ص 130) وزيد هذا ضعيف جدا قال الساجي حدث عن داود بن الحصين
بحديث منكر جدا يعنى هذا الحديث في النهى عن الصلاة في سبعة مواطن
(4) هو من حديث عبد الله بن صالح عن الليث عن نافع عن ابن عمر. رواه ابن ماجة (ج 1 ص 130) وعبد الله ثقة ولا عبرة بتضعيف من ضعفه فالاسناد صحيح
(5) ابن لهيعة ثقة، والحديث رواه أبو داود (ج 1 ص 182 - 184) من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار ابن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري عن علي، ورواه البيهقي (ج 2 ص 451) من طريق أبى داود، فلم ينفرد به ابن لهيعة وإنما العلة فيه أن أبا صالح الغفاري لم يعرف له سماع من على وروايته عنه مرسلة.
(6) في النسخة رقم (16) (وهو عن الحسن)
82

سماع الحسن من جابر * (1)
439 مسألة والصلاة جائزة على الجلود وعلى الصفوف وعلى كل ما يجوز القعود
عليه إذا كان طاهرا، وجائز للمرأة أن تصلى على الحرير، وهو قول أبي حنيفة والشافعي
وأبي سليمان وغيرهم *
وقال عطاء: لا تجوز الصلاة إلا على التراب والبطحاء *
وقال مالك: تكره الصلاة على غير الأرض أو ما تنبت الأرض *
قال علي: هذا قول لا دليل على صحته، والسجود واجب على سبعة أعضاء: الرجلين
والركبتين، واليدين، والجبهة، والانف، وهو يجيز وضع جميع هذه الأعضاء على كل ما ذكرنا،
حاشا الجبهة، فأي فرق بين أعضاء السجود؟! ولا سبيل إلى وجود فرق بينها لا من قرآن
ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من اجماع ولا من قياس، ولا من قول صاحب ولا من رأى
له وجه. وبالله تعالى التوفيق *
وروينا عن ابن مسعود: أنه صلى على مسح شعر *
وعن عمر بن الخطاب: أنه كان يسجد في صلاته على عبقري (2)، وهو بساط صوف *
وعن ابن عباس: انه سجد في صلاته على طنفسة (3) وهي بساط صوف *
وعن أبي الدرداء مثل ذلك. وعن شريح والزهري مثل ذلك، وعن الحسن، ولا مخالف
لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك وبالله تعالى التوفيق *
440 مسألة ومن زحم يوم الجمعة أو غيرها فلم يقدر على السجود على ما بين
يديه، فليسجد على رجل من يصلى بين يديه أو على ظهره ويجزئه، وهو قول أبي حنيفة
والشافعي وأبي سليمان وغيرهم *

(1) النهى عن الصلاة في محجة الطريق جاء في حديث ابن عمر الذي رواه ابن ماجة من
طريق الليث وأشرنا إليه
(2) رواه البيهقي (ج 2 ص 436) ثم قال: (قال أبو عبيد. قوله عبقري
هو هذه البسط التي فيها الأصباغ والنقوش) وفى اللسان (قال ابن سيده. العبقري والعباقري
ضرب من البسط، الواحدة عبقرية، وعبقر قرية باليمن توشى فيها الثياب والبسط)
وقال ياقوت (لعل هذا كان بلدا قديما وخرب)
(3) مثلثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس قاله في القاموس. والأثر رواه البيهقي (ج 2 ص 436)
83

وقال مالك. لا يجوز ذلك *
قال علي. أمرنا الله تعالى بالسجود، ولم يخص شيئا نسجد عليه من شئ، (وما
كان ربك نسيا) *
حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك
ابن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري
عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن زيد بن وهب عن عمر بن الخطاب قال: إذا اشتد
الحر فليسجد أحدكم على ثوبه، وإذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر رجل (1) *
وروينا عن الحسن البصري وعن طاوس: إذا كثر الزحام فاسجد على ظهر أخيك،
وعن مجاهد: اسجد على رجل أخيك، ولا يعرف في هذا لعمر رضي الله عنه من الصحابة
رضي الله عنهم مخالف *
441 مسألة وجائز للامام أن يصلى في مكان أرفع من مكان جميع المأمومين،
وفي أخفض منه، سواء في كل ذلك العامة والأكثر والأقل فان أمكنه السجود فحسن والا فإذا
أراد السجود فلينزل حتى يسجد حيث يقدر، ثم يرجع إلى مكانه. وهو قول الشافعي
وأبي سليمان *
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز ذلك، وأجازه أبو حنيفة في مقدار قامة فأقل،
وأجازه مالك في الارتفاع اليسير *
قال علي: هذان تحديدان فاسدان، لم يأت بهما نص قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا
قياس ولا قول صاحب ولا رأى له وجه، وما علم في شئ من ذلك فرق بين قليل الارتفاع

(1) هذا الاسناد ليس في مسند أحمد المطبوع، فاما أنه سقط من النسخ، وإما
أنه من كتاب آخر من كتب أحمد، والذي فيه (ج 1 ص 32) (ثنا سليمان بن داود هو
أبو داود الطيالسي - ثنا سلام يعنى أبا الأحوص عن سماك بن حرب عن سيار بن المعرور
قال سمعت عمر بن الخطاب يخطب وهو يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى
هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار، فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم
على ظهر أخيه، ورأي قوما يصلون في الطريق فقال. صلوا في المسجد) وهو في مسند
الطيالسي (ص 13 برقم 70) بهذا الاسناد وليس فيه قوله (ورأي قوما يصلون في الطريق) الخ
84

وكثيره، والتحريم والتحليل والتحديد بينهما لا يحل الا بقرآن أو سنة *
ولئن كان وقوف الامام في الصلاة في مكان أرفع من المأمومين بمقدار أصبع حلالا، فإنه
لحلال بأصبع بعد أصبع، حتى يبلغ ألف قامة وأكثر، ولئن كانت الألف قامة حراما في ذلك
فإنه لحرام كله إلى قدر الإصبع فأقل *
وان المتحكم في التفريق بين ذلك برأيه لقائل على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه
وسلم ما لم يقله قط *
والعجب أن أبا حنيفة ومالكا قالا: إن كان مع الامام في العلو طائفة جازت صلاته
بالذين أسفل والا فلا؟ وهذا عجب وزيادة في التحكم *
وأجازا أن يكون الامام في مكان أسفل من المأمومين وهذا تحكم ثالث! كل ذلك
دعوى بلا برهان *
قال علي: والحكم في ذلك أن يكون المأمومون خلف الامام صفوفا صفوفا، فلا يحل لهم
ان يخلوا بهذه الرتبة، لما قد ذكرنا قبل من وجوب ترتيب الصفوف، بأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بذلك فان اتفق مصلى الامام في دكان أو غرفة أو رابية لا يسع فيها (1)
معه صف خلفه صلوا تحته *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما عن عبد العزيز
ابن أبي حازم عن أبيه. أن نفرا جاؤوا إلى سهل بن سعد فقال سهل: (رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم قام عليه يعنى على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر، ثم رفع فنزل
القهقري حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم اقبل على الناس فقال:
يا أيها الناس، انى إنما (2) صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا (3) صلاتي) *
قال علي: لا بيان أبين من هذا في جواز صلاة الامام في مكان ارفع من مكان
المأمومين *

(1) كذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) لا يسمع فيها وهو خطأ
(2) في الأصول (إنما) بحذف كلمة (انى) وزدناها من مسلم (ج 1 ص 153)
(3) في الأصول (وتعلموا) وصححناه من مسلم
85

واحتج المخالفون بخبر فيه النهى عن صلاة الامام في مكان ارفع من مكان المأمومين
وهو خبر ساقط، انفرد به زياد بن عبد الله البكائي، وهو ضعيف (1) *
والخبر الذي أوردنا اجماع من الصحابة بحضرة رسول الله صلى الله وسلم فهذا هو
الحجة لا الباطل الملفق *
وقال بعض المخالفين. هذا من الكبر *
قال علي. هذا باطل ويعكس عليهم في اجازتهم صلاة المأمومين في مكان ارفع من مكان
الامام فيقال لهم. هذا كبر من المأمومين ولا فرق؟! ويلزمهم على هذا ان يمنعوا أيضا
من صلاة الامام متقلدا سيفا ولابس درع؟ فهذا ادخل في الكبر من صلاته في
مكان عال! *
وبمثل قولنا يقول أحمد بن حنبل والليث بن سعد والبخاري وغيرهما، وبالله
تعالى التوفيق *

(1) البكائي بفتح الباء وتشديد الكاف نسبة إلى بطن من بنى عامر بن صعصعة،
وزياد هذا ثقة صدوق، وقد ضعفه بعضهم من قبل حفظه وهو راوي السيرة عن إسحاق ثم
رواها عنه ابن هشام، وحديثه هذا رواه الدارقطني (ص 197) والحاكم (ج 1 ص 210)
من طريق زياد بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم عن همام قال (صلى حذيفة بالناس
بالمدائن فتقدم فوق دكان فاخذ أبو مسعود بمجامع ثيابه فمده فرجع فلما قضى الصلاة قال له
أبو مسعود ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى ان يقوم الامام فوق ويبقى
الناس خلفه؟ قال فلم ترني أجبتك حين مددتني؟) هذا لفظ الحاكم قال الدارقطني (لم يروه
غير زياد البكائي) وقد تبعه ابن حزم في دعوى انفراد زياد به وقد أخطأ كلاهما فرواه
أبو داود (ج 1 ص 232) والحاكم (ج 1 ص 210) من طريق يعلي بن عبيد عن الأعمش وليس
فيه التصريح بالرفع بل قال أبو مسعود (ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك) أو (ألم تعلم أنه كان
ينهى عن ذلك) ويعلى ثقة حجة، ومثل هذا محمول على أنه مرفوع وقد فسرته رواية
زياد وكل رواية منهما زادت الأخرى قوة ولذلك قال الحاكم (حديث صحيح على شرط
الشيخين) ووافقه الذهبي ونقل ابن حجر في التلخيص (ص 128) تصحيحه أيضا
عن ابن خزيمة وابن حبان
86

(الاعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا) 442 مسألة رفع اليدين عند كل ركوع وسجود وقيام وجلوس، سوى
تكبيرة الاحرام *
قال علي: اختلف الناس في هذا:
فطائفة لم ترفع اليدين في شئ من الصلاة إلا في أولها عند تكبيرة الاحرام على
ظلع (1) أيضا ورأوه أيضا إن كان فرفع يسير وهذه رواية ابن القاسم عن مالك *
وقال أبو حنيفة وأصحابه برفع اليدين للاحرام أولا سنة لا فريضة ومنعوا منه
في باقي الصلاة *
ورأت طائفة رفع اليدين عند الاحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع وهو
قول الشافعي وأحمد وأبي سليمان وأصحابهم، وهو رواية أشهب وابن وهب وأبى المصعب
وغيرهم عن مالك أنه كان يفعله ويفتى به *
ورأت طائفة رفع اليدين عند كل تكبير في الصلاة، الفرض والتطوع، وعند كل
قول (سمع الله لمن حمده) *
فأما رواية ابن القاسم عن مالك فما نعلم لها وجها أصلا، ولا تعلقا بشئ من الروايات،
ولا قائلا بها من الصحابة ولا من التابعين *
وأما قول أبي حنيفة فإنهم احتجوا بما حدثناه حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا محمد
ابن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا زهير بن حرب ثنا وكيع عن سفيان
الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن ابن مسعود قال:
(ألا أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فرفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يعد (2) *

(1) بفتح الظاء المعجمة واللام، أي على ميل، أو باسكان اللام، وهو العرج،
فيكون المراد انهم يقولون هذا على تكلف، ويكادون لا يرضونه
(2) رواه أبو داود (ج 1 ص 272) عن عثمان بن أبي شيبة، ورواه الترمذي (ج 1 ص 54) عن هناد ورواه النسائي (ج 1 ص 158) من طريق عبد الله بن المبارك، ورواه الطحاوي (ج 1 ص 132) من طريق نعيم بن حماد، ورواه البيهقي (ج 2 ص 78) من طريق محمد
ابن إسماعيل الأحمسي، كل هؤلاء عن وكيع باسناده. وهو حديث صحيح وحسنه
الترمذي، وأحاديث اثبات رفع اليدين أصح منه، بل هي متواترة حقا، وابن مسعود
نفى رفع اليدين، وكثيرون من الصحابة رووا اثباته والمثبت مقدم على النافي بل لعل
ابن مسعود حكى الصلاة الأولى كما حكى التطبيق في الركوع وهو منسوخ. وقد
أطلنا القول في هذه المسألة فيما كتبناه على (التحقيق لابن الجوزي) فلا داعى لتكراره
هنا وانظر ما ورد فيها من الأحاديث في كتاب (رفع اليدين) للبخاري، ومعاني
الآثار للطحاوي (ج 1 ص 131) والام للشافعي (ج 1 ص 90) وموطأ محمد بن الحسن
(89) والرد على أهل المدينة لمحمد أيضا رقم (22) ونصب الراية للزيلعي (ج 1 ص 205) وسنن
البيهقي (ج 2 ص 68) وشرح أبى داود (ج 1 ص 262) وغير ذلك. وسيذكر المؤلف
كثيرا منها
87

قالوا: وكان على وابن مسعود لا يرفعان أيديهما إلا في تكبيرة الاحرام فقط *
ما نعلم لهم حجة غير هذا، ولا حجة لهم فيه، لما نذكر إن شاء الله تعالى،
فنقول وبالله تعالى التوفيق *
ان هذا الخبر صحيح، وليس فيه الا أن رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الاحرام ليس
فرضا فقط، ولولا هذا الخبر لكان رفع اليدين عند كل رفع وخفض وتكبير وتحميد
في الصلاة: فرضا، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين عند كل
رفع على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله عز وجل، وصح عنه عليه السلام أنه قال:
(صلوا كما تروني أصلى) وقد ذكرناه باسناده في كتابنا هذا في باب وجوب الأذان والإقامة
فلولا حديث ابن مسعود هذا لكان فرضا على كل مصل أن يصلى كما كان
عليه السلام يصلى، وكان عليه السلام يصلى رافعا يديه عند كل رفع وخفض، لكن لما
صح خبر ابن مسعود علمنا أن رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الاحرام سنة وندب فقط *
وإن كان على وابن مسعود رضي الله عنهما لا يرفعان، فقد كان ابن عمر وابن عباس
وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون، فليس فعل بعضهم حجة
على فعل بعض، بل الحجة على جميعهم ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى
كل حال فإن كان ابن مسعود وعلى لا يرفعان، فما جاء قط أنهما كرها الرفع ولا نهيا عنه كما
يفعل هؤلاء! *
وأما من رأى رفع اليدين عند الركوع والرفع من الركوع فإنهم احتجوا بما
رويناه من طريق مالك ويونس بن يزيد وسفيان بن عيينة وابن جريج والزبيدي
88

ومعمر وغيرهم، كلهم عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: (ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع
وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك، وكان لا يفعل ذلك في السجود) *
وروينا هذا الفعل في الصلاة عن جابر بن عبد الله، وأبي سعيد، وأبي الدرداء
وأم الدرداء (1)، وابن عباس *
وروينا أيضا هذا الفعل في الصلاة عن أبي موسى الأشعري، وانه كان يعلمه الناس
من طريق حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن
أبي موسى الأشعري (2) *
وروينا أيضا عن ابن الزبير (3) وأبي هريرة والنعمان بن أبي عياش (4) وجملة أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم، من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن معاذ بن معاذ عن سعيد
ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن. (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرفعون
أيديهم إذا أحرموا وإذا ركعوا وإذا رفعوا كأنها المراوح) (5) *
ورويناه أيضا عن عبد الرحمن بن سابط، والحسن، والقاسم، وسالم، وعطاء،
وطاوس، ومجاهد، وابن سيرين، ونافع مولى ابن عمر، وقتادة، والحسن بن مسلم،

(1) في النسخة رقم (16) (وأم أبى الدرداء) وهو خطأ
(2) رواه الدارقطني (ص 109) من طريق النضر بن شميل وزيد بن الحباب عن حماد باسناده مرفوعا، وحكى شارحه ان ابن المبارك رواه موقوفا
(3) في النسخة رقم (16) (عن الزبير). وحديث ابن الزبير عند البيهقي (ج 2 ص 73) رواية فعل وقول، وقال البيهقي عقبه رواته ثقات
(4) في الأصول (والنعمان بن عياش) وهو خطأ والنعمان هذا تابعي وان أوهم كلام المؤلف أنه صاحب. وكذلك ذكره البخاري في (رفع اليدين) فيمن نقل عنهم القول به من التابعين. ورواه عنه باسناده (ص 17)
(5) أثر الحسن رواه البخاري في (رفع اليدين) (ص 11) عن مسدد عن يزيد
ابن زريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن. ونقل الزيلعي في نصب الراية (ج 1 ص 216)
أن ابن عبد البر رواه باسناده إلى الأثرم عن أحمد بن حنبل (ثنا معاذ بن معاذ وابن أبي عدى
وغندر عن سعيد عن قتادة عن الحسن) ورواه البيهقي (ج 2 ص 75) من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع
89

وابن أبي نجيح، وعبد الله بن دينار، ومكحول، ومعتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد
القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسماعيل بن علية، والليث بن سعد، والأوزاعي،
وسفيان بن عيينة، والحميدي، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن المبارك، وابن وهب،
وأحمد بن حنبل، وإسحاق، والمزني، وأبي ثور، (1) ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد
ابن جرير الطبري، وابن المنذر، وابني عبد الله بن عبد الحكم، والربيع، ومحمد بن
نمير، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ويزيد بن هارون، وغيرهم *
وأما من ذهب إلى رفع اليدين في كل خفض ورفع فاحتجوا بما حدثناه حمام بن
أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل
ثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ثنا المعتمر بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن ابن
شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان
يرفع يديه إذا جاء الصلاة، وإذا أراد ان يركع. وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام
من الركعتين يرفع يديه. في ذلك كله) *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا عياش قال ثنا عبد الأعلى ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه كان (2) إذا دخل
في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه (3)، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع
يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ابن عمر ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم) *
ورواه أيضا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله
عليه وسلم * (4)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود
ثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عبيد المحاربي قالا ثنا ابن فضيل عن عاصم بن كليب عن
محارب بن دثار (5) عن ابن عمر قال. (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين (6)
كبر ورفع يديه) *

(1) في الأصلين (وأبو ثور)
(2) في البخاري (ج 1 ص 295) (عن نافع: أن ابن عمر كان)
(3) قوله (وإذا ركع رفع يديه) سقط من الأصول وزدناه من البخاري *
(4) هذا التعليق ذكره البخاري عقب الحديث
(5) بكسر الدال المهملة وتخفيف الثاء المثلثة.
(6) هكذا هو هنا، وفى أبى داود، وفى بعض نسخ أبى داود (إذا قام من الركعتين)
(ج 1 ص 271) وكل صحيح. وهذا الحديث صحيح، وصححه الترمذي
90

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل
ثنا أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد ثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني محمد بن عمرو بن
عطاء قال. سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيهم (1) أبو قتادة، فقال أبو حميد: (أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا.
فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا تبعة (2) ولا أقدمنا له صحبة! قال بلى، قالوا. فأعرض فقال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع (3) يديه حتى يحاذي بهما
منكبيه، ثم يكبر حتى يقر (4) كل عظم في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع (5) يديه
حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل، فلا يصب رأسه ولا
يقنع (6) ثم يرفع رأسه فيقول. سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه)
وذكر الحديث وفيه. (ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر
عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، وذكر باقي الحديث (قالوا. صدقت
هكذا كان يصلى) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن
ميسرة الجشمي (7) ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد ثنا محمد بن جحادة (8) حدثني
عبد الجبار بن وائل حدثني علقمة بن وائل (9) عن وائل بن حجر قال (صليت مع

(1) في أبى داود (ج 1 ص 265) (منهم)
(2) أي اقتداء، وفى أبى داود (بأكثرنا له تبعة)
(3) في النسخة رقم (45) (رفع) وما هنا هو الموافق لأبي داود
(4) في النسخة رقم (45) (يستقر)
(5) في النسخة رقم (16) (ثم يكبر ثم يرفع) وفى النسخة رقم (45) (ثم يكبر ويرفع)
وصححناه من أبى داود
(6) يصب. من الصب أي لا يميله إلى أسفل ويقنع. من أقنع رأسه
إذا رفع أي لا يرفعه حتى يكون أعلى من ظهره. قاله في شرح سنن أبي داود
(7) عبيد الله بالتصغير، وفى الأصول بالتكبير وهو خطأ، والجشمى بضم الجيم وفتح الشين المعجمة والميم، وفى النسخة رقم (45) (الخشني) وهو خطأ
(8) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة
(9) هكذا هو هنا من طريق أبى داود على الصواب، وفى أبى داود (ج 1 ص 263) (وائل بن
علقمة) وهو خطأ لان علقمة هو ابن وائل بن حجر وأخو عبد الجبار وقد نص على أن هذا خطأ
من بعض الرواة انظر التهذيب (ج 11 ص 110)
91

رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كبر رفع يديه، ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه
وأدخل يديه في ثوبه، فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع
رأسه من الركوع رفع يديه، ثم سجد، ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود
أيضا رفع يديه، حتى فرغ من صلاته. قال محمد بن جحادة: فذكرت ذلك للحسن بن أبي
الحسن فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله من فعله وتركه من تركه) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا محمد بن المثنى ثنا
معاذ بن هشام الدستوائي وعبد الاعلى ومحمد بن أبي عدي.، قال عبد الأعلى وابن أبي عدى
عن سعيد بن أبي عروبة (1) عن قتادة، وقال معاذ: حدثني أبي عن قتادة، ثم اتفقوا، عن
نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث (رأى (2) النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في صلاته
إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه (3) وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده (4)
حتى يحاذي بهما فروع أذنيه) هذا لفظ ابن أبي عدي وعبد الاعلى، وقال. معاذ في حديثه.
كان عليه السلام إذا دخل في الصلاة رفع يديه، وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه فعل
مثل ذلك (5) *
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر
ابن أبي شيبة ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد عن انس ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يرفع يديه في الركوع والسجود (6) *
قال علي: فهذه آثار متظاهرة متواترة عن ابن عمر، وأبي حميد، وأبي قتادة، ووائل
ابن حجر، ومالك، بن الحويرث وأنس وسواهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،

(1) هذه الأسانيد في النسائي (ج 1 ص 164 - 165) ولكن فيه في حديث ابن أبي
عدى (عن شعبة) وابن أبي عدى يروى عن شعبة وعن سعيد بن أبي عروبة وكلاهما
يروى عن قتادة، ولكن أميل إلى ترجيح ما هنا وأن ما في النسائي تصحيف، ويؤيد أن
هناك في حديث عبد الأعلى (حدثنا سعيد)
(2) في النسائي (أنه رأى)
(3) في النسائي (من الركوع)
(4) في النسائي من السجود
(5) الذي في النسائي (كان إذا دخل في الصلاة، فذكر نحوه، - يعنى ما قبله - وزاد فيه: وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك
(6) هذا اسناد صحيح جدا
92

وهذا يوجب يقين العلم *
قال علي: فكان ما رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر زائدا على ما رواه علقمة عن ابن
مسعود ووجب أخذ الزيادة لان ابن عمر حكى انه رأى ما لم يره ابن مسعود من رفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه عند الركوع وعند الرفع من الركوع وكلاهما ثقة وكلاهما
حكى ما شاهد، وقد خفى على ابن مسعود رضي الله عنه أمر وضع اليدين على الركبتين، فكيف
وما تحمل كلا روايتيهما إلا على المشاهدة الصحيحة؟ *
وكان ما رواه نافع ومحارب بن دثار، كلاهما عن ابن عمر، وما رواه أبو حميد وأبو قتادة
وثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله وسلم، من رفع اليدين عند القيام إلى
الركعتين: زيادة على ما رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر، وكل ثقة، وكل مصدق
فيما ذكر أنه سمعه ورآه، وأخذ الزيادة واجب *
وكان ما رواه أنس من رفع اليدين عند السجود: زيادة على ما رواه ابن عمر،
والكل ثقة فيما روى وما شاهد *
وكان ما رواه مالك بن الحويرث من رفع اليدين في كل ركوع ورفع من ركوع
وكل سجود ورفع من سجود: زائدا على كل ذلك، والكل ثقات فيما رووه وما سمعوه،
وأخذ الزيادات فرض لا يجوز تركه، لان الزيادة حكم قائم بنفسه، رواه من علمه، ولا
يضره سكوت من لم يروه عن روايته، كسائر الأحكام كلها ولا فرق *
وممن قال بما ذكرناه ابن عمر، كما أوردنا قبل من عمله، والحسن البصري، والصحابة
جملة، كما أوردناه *
حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا
محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن عبيد الله
ابن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع،
وإذا قال: سمع الله لمن حمده، وإذا سجد، وبين الركعتين، يرفعهما إلى ثدييه (1) *

(1) روى البخاري في (رفع اليدين) (ص 20) عن ابن عمر انه كان يرفع في الافتتاح
والركوع والرفع وللقيام من الركعتين، ثم قال (وزاد وكيع عن العمرى عن نافع عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا ركع وإذا سجد. قال البخاري:
والمحفوظ ما روى عبيد الله وأيوب ومالك وابن جريج والليث وعدة من أهل الحجاز وأهل
العراق عن نافع عن ابن عمر في رفع الأيدي عند الركوع وإذا رفع رأسه من الركوع، ولو صح
حديث العمرى عن نافع عن ابن عمر لم يكن مخالفا للأول لان أولئك قالوا إذا رفع رأسه
من الركوع، فلو ثبت لاستعملنا كليهما، وليس هذا من الخلاف الذي يخالف بعضهم بعضا
لأن هذه الزيادة في الفعل والزيادة مقبولة إذا ثبتت) والعمرى الذي يشير إليه هو (عبد الله
ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب) أخو عبيد الله الذي روى هذا الحديث،
والعمرى ثقة وفيه ضعف من قبل حفظه وأخوه عبيد الله ثقة حجة يقدمه بعض الحفاظ
على مالك في الرواية عن نافع، وعبد الوهاب الثقفي ثقة حجة، فقد ثبت بأصح اسناد
فعل ابن عمر للرفع عند السجود، وأيد هذا رواية العمرى إياه عن نافع عن ابن عمر من فعل
النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهر أن ابن عمر بعد أن روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن
يرفع عند السجود صح عنده من بعض الصحابة ذلك فرجع إليه عملا ورواه قولا، كما قال
ابن حزم لله دره
93

قال علي: هذا اسناد لا داخلة فيه، وما كان ابن عمر ليرجع إلى خلاف ما روى
من ترك الرفع عند السجود إلا وقد صح عنده فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام
الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو سهل النضر بن كثير السعدي (1) قال: صلى إلى جنبي ابن
طاوس في مسجد الخيف بمنى، فكان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى رفع يديه تلقاء
وجهه، فأنكرت ذلك، وقلت لوهيب بن خالد: إن هذا يصنع شيئا لم أر أحدا يصنعه؟!
فقال ابن طاوس: رأيت أبى يصنعه، وقال لي: رأيت عبد الله بن عباس يصنعه * (2)
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا أحمد بن خالد ثنا الحسن
ابن أحمد ثنا محمد بن عبيد بن حساب ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني قال: رأيت طاوسا
ونافعا مولى ابن عمر يرفعان أيديهما بين السجدتين، قال حماد: وكان أيوب يفعله *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج:

(1) النضر هذا ضعيف
(2) رواه الدولابي في الكنى والأسماء (ج 1 ص 198) عن النسائي عن موسى بن عبد الله البصري عن النضر بن كثير باسناده، وزاد في آخره (وقال عبد الله بن عباس، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه)
94

قلت لعطاء رأيتك تكبر بيديك حين تستفتح وحين تركع وحين ترفع رأسك من الركعة،
وحين ترفع رأسك من السجدة الأولى ومن الآخرة وحين تستوى من مثنى؟ قال: أجل
قلت: تخلف باليدين الاذنين؟ (1) قال: لا، قد بلغني ذلك عن عثمان، أنه كان يخلف
بيديه أذنيه، قال ابن جريج: قلت لعطاء: وفى التطوع من التكبير باليدين؟ قال: نعم،
في كل صلاة *
443 مسألة والتوجيه سنة حسنة، وهو أن يقول الامام والمنفرد بعد
التكبير لكل صلاة، فرض أو غير فرض، جهرا أو سرا: *
ما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن
أحمد بن حنبل وأحمد بن زهير بن حرب، كل واحد منهما يقول: حدثني أبي، ثم قال أحمد
ابن حنبل: ثنا أبو سعيد ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون ثنا عبد الله بن الفضل
وأبو يوسف (2) بن أبي سلمة الماجشون، كلاهما عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن
عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر
استفتح ثم قال) وقال زهير بن حرب: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن
أبي سلمة هو ابن الماجشون حدثني عمى هو أبو يوسف (3) بن أبي سلمة عن
عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب. (أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال) واتفق احمد وزهير في روايتهما جميعا. (وجهت
وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، ان صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وانا أول المسلمين) اللهم أنت الملك لا إله
إلا أنت (4) أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي لي ذنوبي جميعا (5)

(1) قوله (تخلف) أظنه من قولهم أخلف الرجل بيده وأخلف يده) إذا هو أهوى بها
إلى خلفه ليأخذ من رحله سيفا أو غيره، أو من قولهم، (أخلفه) إذا جعله خلفه *
(2) في الأصول (ويوسف) وهو خطأ، فإنه (أبو يوسف يعقوب بن أبي سلمة
الماجشون) والماجشون بكسر الجيم وضم الشين المعجمة وآخره نون، قال في المغنى
(هو معرب ماه كون أي شبه القمر سمى به لحمرة وجنتيه)
(3) في الأصول (يوسف) وهو خطأ
(4) في مسند أحمد (ج 1 ص 94) (اللهم لا إله إلا أنت) بحذف قوله (أنت الملك)
(5) في المسند بحذف (انه)
95

إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لاحسنها إلا أنت،
واصرف عنى سيئها، لا يصرف عنى سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك
والشر ليس إليك، أنا بك وإليك (1) تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك) (2) *
قال علي: وقد رويناه من طريق الحجاج بن المنهال وأبي النضر ومعاذ بن معاذ،
كلهم عن ابن الماجشون. ورويناه أيضا من طريق جابر بن عبد الله وغيره من الصحابة
رضي الله عنهم (3) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد
ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب وأبو بكر بن
أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كامل، قال أبو كامل: ثنا عبد الواحد بن زياد،
وقال أبو بكر وابن نمير: ثنا ابن فضيل، وقال زهير: ثنا جرير بن عبد الحميد، ثم اتفق
عبد الواحد وابن فضيل وجرير واللفظ له كلهم عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة
ابن عمرو بن جرير (4) عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
إذا كبر في الصلاة سكت هنية (5) قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت
وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني
وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب
الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (6) *

(1) من قوله (لبيك) إلى هنا محذوف في المسند
(2) رواه أيضا احمد في المسند (ج 1
ص 102 و 103) عن هاشم بن القاسم وعن حجين، كلاهما عن عبد العزيز الماجشون
عن عمه عن الأعرج، ورواه أيضا عن حجين عن عبد العزيز عن عبد الله بن الفضل الهاشمي
عن الأعرج، وقد رواه الطيالسي (ص 22 رقم 152) عن عبد العزيز الماجشون والدارمي
(ص 146) عن يحيى بن حسان عن عبد العزيز. ورواه أيضا مسلم (ج 1 ص 215)
وأبو داود (ج 1 ص 277 و 278) والنسائي (ج 1 ص 142) والطحاوي (ج 1
ص 117) والبيهقي (ج 2 ص 32 و 33) كلهم بأسانيد صحيحة
(3) لم أجد هذه الأسانيد
(4) في النسخة رقم (45) (أبى زرعة بن عمر بن جرير) وفى النسخة رقم
(16) (أبى زرعة بن عمر عن جرير) وكلاهما خطأ
(5) بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء بغير همزة، ومن همزها فقد أخطأ، قاله النووي. وفى النسخة رقم (45) (هنيئة) بالهمز وهو خطأ كما ترى
(6) في صحيح مسلم (ج 1 ص 167)
96

ورويناه أيضا من طريق سفيان عن عمارة بن القعقاع باسناده نحوه *
وإنما لم نذكر ذلك فرضا (1) لأنه فعل منه عليه السلام ولم يؤمر به فكان الائتساء
به (2) حسنا *
ونستحب أيضا أن يكون للامام سكته بعد فراغه من القراءة قبل ركوعه *
كما حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي
القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث بن سعيد التنوزي ثنا يونس هو ابن عبيد عن الحسن
البصري: (ان سمرة بن جندب صلى فكبر ثم سكت ساعة ثم قرأ فلما ختم السورة سكت
ساعة ثم كبر فركع فقال له عمران بن الحصين: ما هذا؟ فقال له سمرة: حفظت ذلك عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب في ذلك إلى أبي بن كعب فصدق سمرة (3) *
قال علي: فنحن نختار أن يفعل كل امام كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله
بعده سمرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ويقرأ المأموم في السكتة الأولى أم القرآن
فمن فاتته قرأ في السكتة الثانية *
قال علي: وقد فعل ما قلنا جمهور السلف *
روينا من طريق حماد بن سلمة عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال كان عمر بن الخطاب

(1) في النسخة رقم (45) (وإنما لم يكن ذلك فرضا)
(2) في النسخة رقم (45) (فكان الاتيان به)
(3) رواه أبو داود (ج 1 ص 282) عن يعقوب بن إبراهيم عن
إسماعيل عن يونس عن الحسن. ورواه بعد ذلك بأسانيد أخرى عن الحسن أيضا، ورواه
الترمذي (ج 1 ص 52 و 53) وحسنه، ورواه الدارمي (ص 146) ورواه البيهقي (ج 2 ص 195
و 196) ورواه الحاكم (ج 1 ص 215) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وفى
سماع الحسن عن سمرة خلاف، والحق أنه سمع منه كما قال علي بن المديني فيما نقله عنه
الترمذي (ج 1 ص 38) قال: (قال محمد - يعنى البخاري - قال علي بن عبد الله: حديث
الحسن عن سمرة بن جندب حديث صحيح وقد سمع منه) وقال الحاكم: (حديث سمرة
لا يتوهم متوهم ان الحسن لم يسمع من سمرة فإنه قد سمع منه) وانظر الكلام في هذا في
نصب الراية (ج 1 ص 46 و 47)
97

إذا دخل في الصلاة قال الله أكبر سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك،
ولا إله غيرك يرفع بها صوته فظننا انه يريد أن يعلمنا *
وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن الأسود
عن عمر بن الخطاب. انه كان إذا كبر قال: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى
جدك، ولا إله غيرك *
فهذا فعل عمر رضي الله عنه بحضرة الصحابة لا مخالف له منهم *
ورويناه أيضا عن علي بن أبي طالب، وعن ابن عمر، وعن طاوس وعطاء، كلهم يتوجه
بعد التكبير في صلاة الفرض. وهو قول الأوزاعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة والشافعي
وأحمد وإسحاق وداود وأصحابهم *
وقال مالك: لا أعرف التوجيه *
قال علي: ليس من لا يعرف حجة على من عرف *
وقد احتج بعض مقلديه في معارضته ما ذكرنا بما روى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم من أنه: كان يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين *
قال علي: وهذا لا حجة لهم فيه، بل هو قولنا، لان استفتاح القراءة بالحمد لله رب
العالمين لا يدخل فيه التوجيه، لأنه ليس التوجيه قراءة. وإنما هو ذكر، فصح أنه عليه السلام
كان يفتتح الصلاة بالتكبير ثم يذكر ما قد صح عنه من الذكر ثم يفتتح القراءة بالحمد لله
رب العالمين، وزيادة العدول لا يجوز ردها. وبالله تعالى التوفيق *
ولا يقولها المأموم لان فيها شيئا من القرآن، وقد نهى عليه السلام أن يقرأ خلف
الامام إلا بأم القرآن فقط فان دعا بعد قراءة أم القرآن في حال سكتة الامام بما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم فحسن *
444 مسألة ويجب على الامام التخفيف إذا أم جماعة لا يدري كيف
طاقتهم، *
ويطول المنفرد ما شاء، وحد ذلك ما لم يخرج وقت الصلاة التي تلي التي هو فيها وان
خفف المنفرد فذلك له مباح *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا
98

البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أم أحدكم الناس (1) فليخفف فان فيهم الضعيف
والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) *
وبه إلى البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير هو ابن معاوية ثنا إسماعيل هو
ابن أبي خالد سمعت قيسا هو ابن أبي حازم قال: أخبرني أبو مسعود: (أن رجلا قال:
والله يا رسول الله اني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان، مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا (2) منه يومئذ، ثم قال عليه السلام. إن منكم منفرين فأيكم
ما صلى بالناس فليتجوز، فان فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق القاضي ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى
ابن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة أنا سعيد الجريري عن أبي العلاء (3) عن مطرف بن عبد الله
- هو ابن الشخير عن عثمان بن أبي العاصي قال قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي
قال أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا) * (4)
قال على: هذا حد التخفيف، وهو أن ينظر ما يحتمل أضعف من خلفه وأمسهم
حاجة من الوقوف والركوع والسجود والجلوس فليصل على حسب ذلك *
وروينا ذلك عن السلف الطيب *
روينا عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد كلاهما عن أنس قال ما صليت خلف
أحد أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، كانت صلاته متقاربة، وصلاة
أبي بكر متقاربة فلما كان عمر مد في صلاة الفجر) (5) *
ومن طريق وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي رجاء العطاردي قال: قلت للزبير بن العوام

(1) في البخاري (ج 1 ص 284) (إذا صلى أحدكم للناس) وكذلك هو في
الموطأ (ص 47) وأما قوله (إذا أم أحدكم) فإنه في صحيح مسلم (ج 1 ص 135)
من حديث المغيرة الحزامي عن أبي الزناد
(2) في النسخة رقم (16) (غيظا) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 1 ص 284)
(3) في النسخة رقم (45) (عن أبي الاعلى) وهو خطأ، فإنه أبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف أصغر منه
(4) رواه أبو داود (ج 1 ص 209) (5) رواه مسلم (ج 1 ص 136) عن أبي بكر بن نافع العبدي عن بهز عن حماد
99

مالكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أخف الناس صلاة؟! قال: نبادر الوسواس * (1)
وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول: إذا كنت إماما
فخفف (2) الصلاة، فان في الناس الكبير والضعيف والمعتل وذا الحاجة، وإذا صليت
وحدك فطول ما بدا لك، وأبرد، فان شدة الحر من فيح جهنم *
وعن طلحة التخفيف أيضا، وعن عمار كذلك *
وعن سعد بن أبي وقاص: أنه كان يطيل الصلاة في بيته، ويقصر عند الناس،
ويحض على ذلك. *
وعن عمرو بن ميمون الأودي: لو أن رجلا أخذ شاة عزوزا (3) لم يفرغ من لبنها
حتى أصلى الصلوات الخمس، أتم ركوعها وسجودها (4) *
وعن علقمة: لو أمر بذبح شاة فأخذ في سلخها لصليت الصلوات الخمس في تمام قبل
أن يفرغ منها. *
وأما الحد الذي ذكرنا في التطويل فهو: أننا قد ذكرنا في أوقات الصلوات أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر في الوقت الذي صلى فيه العصر بالأمس، وقال عليه السلام
(وقت الصبح ما لم تطلع الشمس، ووقت العصر ما لم تغرب الشمس، ووقت المغرب ما لم
يسقط نور الشفق (5)، ووقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل) فصح يقينا أن من دخل
في صلاة في آخر وقتها فإنما يصلى باقيها في وقت الأخرى، وفي وقت ليس له تأخير ابتداء
الصلاة إليه أصلا. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن التفريط أن تؤخر صلاة
حتى يدخل وقت أخرى) فصح أن له إذا دخل في الصلاة في وقتها أن له أن يطول

(1) هذا إسناد صحيح جدا، ونقل ابن حجر في الفتح (ج 2 ص 138) من كتاب
ابن أبي شيبة (من طريق أبى مجلز قال. كانوا أي الصحابة يتمون ويوجزون ويبادرون
الوسوسة)
(2) في النسخة رقم (16) (فأخفف)
(3) لم ينقط في الأصلين، وهو بفتح العين المهملة وضم الزاي وبعد الواو زاي أخرى والشاة العزوز هي ضيقة الاحاليل التي لا تدر حتى تحلب بجهد، والجمع عزز بضم العين والزاي الأولى. قاله في اللسان
(4) قال في اللسان (يريد التجوز في الصلاة وتخفيفها)
(5) في النسخة رقم 45 (نور)
(6) تقدم في المحلى (ج 3 ص 169) مسألة (رقم 335)
100

ما شاء، كما أمر عليه السلام، الا تطويلا منع منه النص، وليس الا ان يطيل حتى تفوته
الصلاة التالية لها فقط. وبالله تعالى التوفيق *
445 مسألة قد قلنا: إن الفرض في كل ركعة أن يقرأ بأم القرآن فقط، فان
زاد على ذلك قرآنا فحسن، قل أم كثر، أي صلاة كانت من فرض أو غير فرض، لا نحاش (1)
شيئا الا اننا نستحب أن يقرأ في صلاة الصبح مع أم القرآن في كل ركعة من ستين آية
إلى مائة آية من أي سورة شاء، وفى الظهر في الأولتين (2) في كل ركعة مع أم القرآن
نحو ثلاثين آية كذلك، وفي الآخرتين منها مع أم القرآن في كل ركعة نحو خمس عشرة
آية، وفى الأولتين من العصر كالآخرتين من الظهر، وفى الآخرتين من العصر أم القرآن
فقط، وفى المغرب نحو العصر، ولو أنه قرأ في المغرب بالاعراف. أو المائدة. أو الطور. أو
المرسلات فحسن، وفى العتمة في الأولتين مع أم القرآن بالتين. والزيتون. والشمس وضحاها
ونحو ذلك، وفي صبح يوم الجمعة ألم تنزيل السجدة. وهل أتى على الانسان مع أم القرآن
وفى صلاة الجمعة في الركعة الأولى مع أم القرآن سورة الجمعة، وفى الثانية مع أم القرآن مرة
سورة المنافقين، ومرة سورة الغاشية، ولو قرأ في كل ذلك سورتين أو أكثر في ركعة
فحسن ولو قدم السورة قبل أم القرآن كرهنا ذلك وأجزأه ومن أراد من الأئمة
تطويل صلاة ثم أحس بعذر ممن خلفه فليوجز في مدها *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا
آدم ثنا شعبة ثنا سيار بن سلامة هو أبو المنهال قال. دخلت على أبي برزة فسألناه
فأخبرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يصلى الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه،
وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة (3) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن هشيم عن منصور
هو ابن زاذان عن الوليد بن مسلم هو أبو بشر العنبري عن أبي الصديق هو
بكر بن عمرو الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: (كنا نحزر قيام رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية وحزرنا قيامه في الأخريين

(1) بدون الياء في الأصول
(2) استعمل المؤلف في تأنيث (أول) (أولة) بالهاء مرارا وليس هذا بالمرضى كما قال في المصباح.
(3) في البخاري (ج 1 ص 305 - 306)
101

قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه
في الأخريين (1) من الظهر، وفى الأخريين (2) من العصر على النصف من ذلك) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني هارون
ابن عبد الله الحمال (3) ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله
- هو ابن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال: (ما صليت وراء أحد أشبه
صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان: كان يطيل الركعتين الأوليين (4)
من الظهر، ويخفف الأخريين (5)، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار (6) المفصل،
ويقرأ (7) في العشاء بوسط المفصل ويقرأ (8) في الصبح بطوال المفصل) *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا
عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن
ابن عباس أنه قال: (إن أم الفضل سمعته وهو (9) يقرأ والمرسلات عرفا، فقالت:
يا بنى والله لقد ذكرتني بقراءتك (10) هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا
أبي عن صالح عن الزهري (11) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، فذكر هذا

(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 132) طبع بولاق (من الأخريين)، وفى طبع الآستانة
(في الأخريين) وكذلك في نسخة مخطوطة صحيحة، وقال النووي (كذا هو في معظم
الأصول من الأخريين وفى بعضها في الأخريين، وهو معنى رواية من)
(2) في أصول المحلى (الأولتين والآخرتين) في المواضع كلها في هذا الحديث، والذي في صحيح مسلم الأوليين والأخريين وكذلك قال النووي هو بياءين مثناتين تحت
(3) بفتح الحاء المهملة
(4) في الأصل (الأولتين) وصححناه من النسائي (ج 1 ص 154)
(5) في الأصل (الآخرتين)
(6) في الأصل (بصغار)
(7) في الأصل بحذف كلمة (يقرأ) في الموضعين
(8) في الأصل بحذف كلمة (يقرأ) في الموضعين
(9) كلمة (وهو) محذوفة في الأصل وزدناها من البخاري (ج 1 ص 303 و 304)
(10) في الأصلين بحذف القسم، وفى النسخة رقم (45) (أذكرتني)، وفى النسخة رقم
(16) (بقراءة) وصححناه من البخاري
(11) في الأصلين (يعقوب بن إبراهيم بن سعد
عن الزهري) بحذف والد يعقوب وصالح، وهو خطأ، صححناه من مسلم (ج 1
ص 134)
102

الحديث، وأن أم الفضل قالت: (ثم ما صلى بعد حتى قبضه الله عز وجل) * فهذا آخر صلاة مغرب صلاها عليه السلام، وآخر عمله عليه السلام، فأين المدعون
أنهم يتبعون عمله وآخر عمله؟! *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه:
(سمعت رسول الله صلى الله وسلم قرأ في المغرب بالطور (1) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر البصري ثنا أبو داود
السجستاني ثنا الحسن بن علي هو الحلواني ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج حدثني
ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت:
مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في
المغرب بطولى (2) الطوليين؟! قلت: ما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف قال
ابن جريج: وسألت ابن أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه: المائدة والأعراف (3) * فهذا زيد رضي الله عنه ينكر على أمير المدينة الاقتصار على صغار المفصل في المغرب
ويحضه على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة الأعراف في صلاة المغرب *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير
عن جابر بن عبد الله قال: (صلى معاذ لأصحابه العشاء فطول عليهم، فانصرف رجل منا
فصلى، فأخبر معاذ عنه، فقال. انه منافق (4) فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأخبره ما قال معاذ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم. أتريد
أن تكون فتانا يا معاذ؟! إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك
الاعلى، واقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى) *

(1) في البخاري (ج 1 ص 304)
(2) طولى: تأنيث أطول، وفى النسخة رقم (45) (بطول) وهو خطأ
(3) رواه أبو داود (ج 1 ص 298)
(4) في النسخة رقم (16) (فقال له منافق) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 134)
103

قال علي: وكل ذلك قد روى عن السلف رضي الله عنهم *
روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس. ان أبا بكر الصديق
رضي الله عنه أم الصحابة رضي الله عنهم في صلاة الصبح بسورة البقرة، قرأها في الركعتين (1)
وعن معمر عن قتادة عن أنس أن أبا بكر أيضا أمهم في الصبح بآل عمران *
وعن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة كلاهما عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن
حصين بن سبرة (2) أن عمر بن الخطاب قرأ في الفجر يوسف، ثم قرأ في الثانية والنجم
فسجد، ثم قام فقرأ إذا زلزلت *
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحكم بن عتيبة أنه سمع عمرو بن
ميمون يقول: إن عمر بن الخطاب صلى الصبح بذى الحليفة فقال: سبحانك اللهم
وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وقرأ قل يا أيها الكافرون، وقل
هو الله أحد، وكان يتم التكبير *
وعن عمر: أنه قرأ في الظهر ق والذاريات *
وعن عبد الله بن عمر (3) انه قرأ في الظهر كهيعص *
وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي العالية البراء: (4) سألت ابن عباس
أو سأله رجل: أأقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: هو إمامك، اقرأ منه ما قل أو كثر،
وليس في القرآن قليل *
وعن حماد بن سلمة عن قتادة وثابت البناني وحميد وعثمان البتي، كلهم عن أنس
ابن مالك: أنه كان يقرأ في الظهر والعصر (سبح اسم ربك الاعلى) و (هل أتاك حديث

(1) رواه البيهقي (ج 2 ص 389) من طريق الشافعي عن ابن عيينة عن الزهري
ورواه مالك في الموطأ (ص 28) عن هشام بن عروة عن أبيه
(2) بفتح السين المهملة واسكان الباء الموحدة، وفى النسخة رقم (45) (سمرة) بالميم، وهو خطأ، والحصين هذا لم أجد له ترجمة ولا ذكرا إلا قول ابن سعد (ج 6 ص 102) (روى عن عمر بن الخطاب قال: صلى بنا عمر الفجر فقرأ في الركعة الأولى يوسف)
(3) في النسخة رقم (45) (عمرو) ويحتاج إلى تحرير صحة إحداهما
(4) بفتح الباء وتشديد الراء نسبة إلى برى الأشياء، واسمه (زياد بن فيروز) على الراجح، وهو تابعي ثقة مات في شوال سنة 90
104

الغاشية) ويسمعنا النغمة أحيانا *
وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يقرأ في
المغرب يس *
وعن سفيان بن عيينة عن عثمان بن أبي سليمان النوفلي عن عراك بن مالك سمع أبا هريرة
يقول: (قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فوجدت رجلا من
غفار يؤم الناس في المغرب، فقرأ في الركعة الأولى سورة مريم، وفى الثانية (ويل
للمطففين) (1) *
وبكل ما ذكرنا يأخذ الشافعي وداود وجمهور أصحاب الحديث *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح
ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب الأنصاري أو
زيد بن ثابت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالاعراف في المغرب في الركعتين (2) *
وروينا عن أبي بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما: أن كل واحد منهما صلى الصبح
بالصحابة (3) رضي الله عنهم فقرأ في الركعة مائة آية من آل عمران، ثم قرأ في الثانية
باقي السورة. وصح مثل هذا أيضا عن ابن مسعود *
وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير (4) ثنا قاسم بن أصبغ ثنا
محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا الهيثم بن عبيد الصيرفي عن أبيه (5)
عن الحسن البصري قال: لقد غزونا غزوة إلى خراسان معنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم، فكان الرجل منهم يصلى بنا، فيقرأ بالآيات من السورة ثم يركع *

(1) رواه ابن سعد مطولا (ج 4 ق 2 ص 54) عن أحمد بن إسحاق الحضرمي عن
وهيب عن خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن نفر من قومه (أن أبا هريرة) الخ *
(2) رواه أحمد في المسند (ج 5 ص 185) عن يحيى بن سعيد عن هشام، ورواه أيضا
(ج 5 ص 418) عن وكيع عن هشام
(3) في النسخة رقم (45) (بأصحابه)
(4) في النسخة رقم (16) (أحمد بن عبد الله البصري) وهو خطأ، وسيأتي على الصواب في المسألة (448)
(5) لم أجد ترجمة للهيثم هذا ولا لأبيه
105

وعن ابن جريج عن عطاء: أنه إن قرأ في الركعة من صلاة الفرض آيات من بعض
السورة، من أولها أو من وسطها أو من آخرها، قال عطاء: لا يضرك، كله قرآن *
وعن علقمة انه كان يقرأ في الأولى من صلاة الصبح وسورة الدخان. والطور. وسورة
الجن، ويقرأ في الثانية منها آخر البقرة وآخر آل عمران والسورة القصيرة *
وعن أبي وائل: انه قرأ في احدى ركعتي الصبح أم القرآن وآية. وعن إبراهيم
النخعي نحو هذا *
ومن طريق مالك عن نافع ان ابن عمر كان أحيانا يقرأ بالسورتين والثلاث في الركعة
الواحدة في صلاة الفريضة (1) *
وعن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون قال:
صلى بنا عمر بن الخطاب صلاة المغرب، فقرأ في الركعة الثانية ألم تر كيف ولايلاف قريش
جمعهما. ومثل هذا عن طاوس والربيع بن خثيم (2) وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي
وغيرهم *
وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا محمد بن بشار
وعمرو بن علي، قال ابن بشار: ثنا يحيى بن سعيد القطان، وقال عمرو بن علي: ثنا
عبد الرحمن بن مهدي، ثم اتفق يحيى وعبد الرحمن قالا: ثنا سفيان الثوري عن سعد
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة: (ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة آلم تنزيل، وهل أتى (3) *
وقد صح أيضا من طريق ابن عباس، وهو اختيار الشافعي وأبي سليمان وأصحاب الحديث *

(1) في الموطأ (ص 27)
(2) في الأصلين (خيثم) بتقديم الياء المثناة، وكذلك جاء
في الأحكام للمؤلف ج 6 ص 53) وهو الموافق لضبط الخزرجي في الخلاصة، وكل هذا
خطأ، والصواب بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة واسكان الياء مصغرا، وبه ضبطه ابن
حجر في التقريب، وكذلك ابن دريد في الاشتقاق (ص 112 و 113) وقال ومنهم الربيع
ابن خثيم وكان أعبد أهل زمانه وكان ابن مسعود إذا رآه قال: بشر المخبتين، وقد مر تفسير
الربيع وخثيم تصغير أخثم والأخثم العريض الانف)
(3) في النسائي (ج 1 ص 151) وروى نحوه أيضا عن ابن عباس (ج 1 ص 152 و 209)
106

ومن طريق مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية -
انا ابن جريج عن عطاء قال قال أبو هريرة: في كل الصلاة يقرأ، فقال له رجل:
ان لم أزد على أم القرآن قال إن زدت عليها فهو خير، وان انتهيت إليها أجزأت عنك (1) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا سليمان هو ابن
بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن أبي رافع (2) قال صلى لنا أبو هريرة الجمعة فقرأ
بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة: (إذا جاءك المنافقون) قال ابن أبي رافع فأدركت
أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين (3) كان علي بن أبي طالب يقرأ
بهما (4) بالكوفة، فقال أبو هريرة: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ
بهما يوم الجمعة *
وبه إلى مسلم: ثنا عمرو الناقد ثنا سفيان بن عيينة عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن
عبد الله قال: كتب الضحاك بن قيس إلى النعمان بن بشير يسأله: (أي شئ قرأ رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة سوى سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ هل أتاك
حديث الغاشية) * (5)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الأعلى
ثنا خالد هو ابن الحارث عن شعبة أخبرني معبد بن خالد عن زيد هو
ابن عقبة عن سمرة بن جندب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة
بسبح (6) اسم ربك الاعلى وهل أتاك حديث الغاشية) *
وقال أبو حنيفة: يكره أن يكون الامام يلتزم في الجمعة أو غيرها سورة بعينها
أو سورا بعينها *
قال علي: كره السنة، وخالف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك من كره

(1) في مسلم (ج 1 ص 116) واختصره المؤلف
(2) في النسخة رقم (45) (عن أبي رافع) وهو خطأ
(3) في الأصلين (سورتين) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 239)
(4) في النسخة رقم (16) (يقرؤهما) وما هنا هو الموافق لمسلم
(5) في صحيح مسلم (ج 1 ص 239)
(6) في الأصلين (سبح) بدون حرف الجر، وصححناه؟ من النسائي (ج 1 ص 210)
107

شيئا مما صح انه عليه السلام فعله *
وأما تقديم السورة قبل أم القرآن فلم يأت أمر بخلاف ذلك، لكن عمل المسلمين
وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تقديم أم القرآن، فكرهنا خلاف هذا، ولم نبطل
الصلاة به، لأنه لم يأت عنه نهى، وقد قال تعالى (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) *
والعجب ممن يشنع هذا ويجيز تنكيس الوضوء، وتنكيس الطواف وتنكيس الاذان! *
وأما من بدأ الصلاة يريد تطويلها فأحس بعذر من بعض من خلفه، فان
عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا قال: ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إبراهيم
ابن موسى الفراء (1) ثنا الوليد هو ابن مسلم ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله
أبن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأقوم في الصلاة أريد أن
أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، كراهية (2) أن أشق (3) على أمه) *
446 مسألة ويستحب الجهر في ركعتي صلاة الصبح، والأولتين من المغرب،
والأولتين من العتمة، وفى الركعتين من الجمعة، والاسرار في الظهر كلها، وفى العصر كلها، وفي
الثالثة من المغرب، وفى الآخرتين من العتمة، فان فعل خلاف ذلك كرهناه وأجزأه *
وأما المأموم ففرض عليه الاسرار بأم القرآن في كل صلاة ولا بد، فلو جهر بطلت
صلاته * برهان ذلك: أن الجهر فيما ذكرنا أنه يجهر فيه والاسرار فيما ذكرنا أنه يسر فيه
إنما هما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليسا أمرا منه، وأفعاله عليه السلام
على الائتساء لا على الوجوب، وهو عليه السلام الامام، وحكم المنفرد كحكم الامام *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن علي
ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن أبي عدي عن الحجاج يعنى
الصواف (4) عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة وأبي سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف كلاهما عن أبي قتادة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا:

(1) ليس في البخاري كلمة الفراء
(2) في الأصلين كراهة وصححناه من البخاري (ج 1 ص 286)
(3) في النسخة رقم (16) (يشق) وما هنا هو الموافق للبخاري
(4) في الأصلين عن الحجاج يعنى (ابن محمد) وهو خطأ، وأظنه من المؤلف، ومسلم نفسه قال في صحيحه (عن الحجاج يعنى الصواف) فما أدرى كيف فات هذا على ابن حزم! والحجاج الصواف هو ابن أبي عثمان مات سنة 143، وأما الحجاج بن محمد المصيصي الأعور فهو متأخر عنه مات سنة 206
108

فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا
الآية أحيانا (1) *
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببعض القراءة في الظهر *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن إبراهيم (2)
عن سلم (3) بن قتيبة ثنا هاشم بن البريد (4) عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال:
(كنا نصلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فيسمعنا الآية بعد الآيات من لقمان
والذاريات (5) *
وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان: ثنا إسماعيل بن مسلم ثنا أبو المتوكل هو
علي بن داود الناجي (6) - قال: كان عمر بن الخطاب يقرأ في الظهر والعصر بالذاريات
ذروا، وق والقرآن المجيد يعلن فيهما *
ومن طريق معمر عن ثابت البناني قال: كان أنس بن مالك يصلى بنا الظهر والعصر
فربما سمعنا من قراءته إذا السماء انفطرت، وسبح اسم ربك الاعلى *
فهذا فعل عمر بن الخطاب وأنس بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، لا ينكر ذلك عليهما أحد *
وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: من صلى المغرب فقرأ في نفسه فأسمع نفسه
أجزأ عنه *
وعن حماد بن سلمة عن داود هو ابن أبي هند عن الشعبي: أن سعيد بن العاص
جهر في صلاة الظهر أو العصر، فمضى في جهره، فلما قضى صلاته قال: إني كرهت أن
أخفى القرآن بعد ما جهرت به، ولم يذكر سجدتي السهو *
قال علي: هذا منه بحضرة الصحابة، لا ينكر ذلك عليه منهم أحد (7) *

(1) في مسلم (ج 1 ص 131 و 132)
(2) هو محمد بن إبراهيم بن صدران، بضم الصاد واسكان الدال المهملتين
(3) سلم بفتح السين المهملة واسكان اللام، وفى النسخة رقم (16)
(سالم) وفى النسخة رقم (45) (مسلم) وكلاهما خطأ
(4) البريد: بفتح الباء الموحدة وكسر الراء وبعدها ياء مثناة تحتية وآخره دال مهملة
(5) في النسائي (ج 1 ص 153) *
(6) بالنون والجيم
(7) سعيد بن العاص وإن لم يكن صحابيا، إلا أنه كان أميرا على الكوفة من
قبل عثمان ثم على المدينة من قبل معاوية، والصحابة فيهما متوافرون إذ ذاك
109

وقد روينا أيضا الجهر في العصر عن خباب بن الأرت رضي الله عنه *
وعن وكيع عن الربيع عن الحسن البصري قال: إذا جهر فيما يخافت به فلا
سهو عليه
وعن وكيع عن إسرائيل عن جابر بن عبد الرحمن (1) بن الأسود بن يزيد عن
الأسود وعلقمة (2): أنهما كانا يجهران فيما يخافت فيه فلا يسجدان (3) *
ومن طريق البخاري: ثنا محمد بن بشار ومحمد بن كثير، قال ابن بشار: ثنا غندر
عن شعبة، وقال ابن كثير أنا سفيان الثوري، ثم اتفق شعبة وسفيان كلاهما عن سعد
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: (صليت خلف
ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنها سنة (4) *
قال علي: وإنما كرهنا ذلك لان الجمهور من فعله عليه السلام كان الجهر فيما ذكرنا أنه
يجهر به، والاسرار فيما ذكرنا انه يسر فيه، ولا سجود سهو في ذلك، لان ما أبيح تعمد
فعله أو تركه فلا سهو فيه، لأنه فعل ما هو مباح له، وإنما السهو الذي يسجد له فيما
لو فعله عمدا بطلت صلاته، من ترك أو فعل *
وقال الشافعي: من جهر فيما يسر فيه أو أسر فيما يجهر فيه كرهناه وتمت صلاته. ولا
سجود سهو فيه، وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا بنا وبه نقول *
وقال مالك: إن جهر فيما يسر فيه أو أسر فيما يجهر فيه فإن كان ذلك كثيرا سجد للسهو،
وإن كان قليلا فلا شئ فيه *
قال علي: وهذا خطأ لأنه لا يخلو أن يكون مباحا فالكثير منه والقليل سواء أو يكون
محظورا، فالقليل منه والكثير سواء، ولا يجوز ان يحل قليل ما حرم كثيره إلا بنص
وارد في ذلك وأيضا: فيسأل عن حد الكثير الموجب لسجود السهو من القليل الذي
لا يوجبه، فلا سبيل له إلى تحديده الا بتحكم لا برهان عليه، ولا يعجز عن مثله أحد

(1) جابر هو ابن يزيد الجعفي - ضعيف جدا - وفى النسخة رقم (16) (عن جابر بن
عبد الرحمن) الخ وهو خطأ
(2) الأسود هو ابن يزيد بن قيس النخعي، وعلقمة هو ابن قيس النخعي، فعبد الرحمن رواه عن أبيه الأسود وعن عم أبيه علقمة
(3) في النسخة رقم (45) (ولا يسجدان.
(4) في البخاري (ج 2 ص 189) طبع إدارة الطباعة المنيرية
110

ومن المحال إيجاب حكم فيما لا يبين مقداره الموجب لذلك الحكم *
وقال أبو حنيفة: إن أسر الامام فيما يجهر فيه أو جهر فيما يسر فيه، فإن كان سهوا
فعليه سجود السهو، وإن كان عمدا فلا سجود سهو فيه، والصلاة تامة، فان فعل ذلك
المنفرد عمدا أو سهوا فصلاته تامة، ولا سجود سهو فيه، والصلاة تامة، فان فعل ذلك
المنفرد عمدا أو سهوا فصلاته تامة، ولا سجود سهو فيه * (1)
قال على: وهذا خطأ من وجهين: أحدهما: إباحته تعمد ذلك، ولا سجود عنده
على العامد، وإيجابه السجود على الساهي، وهو لم يسه إلا عما أبيح له عنده تركه وفعله،
فأي سجود في هذا؟! والثاني تفريقه في ذلك بين الامام والمنفرد، وهذا عجب آخر!
ولا نعرف قول أبي حنيفة وقول مالك ههنا عن أحد قبلهما، وقد خالفا في ذلك كل رواية
عن الصحابة رضي الله عنهم *
قال علي: وأما المأموم فأنما تبطل صلاته إن جهر في شئ من قراءته فلقول الله تعالى
(وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. واذكر ربك في نفسك
تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول). وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إنما
جعل الامام ليؤتم به). وفى الحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا) فمن لم ينصت من المأمومين
وجهر فقد خالف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في صلاته، ولم يصل كما أمر،
فلم يصل. وبالله تعالى التوفيق *
447 مسألة ويستحب تطويل الركعة الأولى من كل صلاة أكثر من الركعة
الثانية منها *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا
موسى بن إسماعيل ثنا همام هو ابن يحيى (2) عن يحيى هو ابن أبي كثير عن عبد الله بن
أبي قتادة عن أبيه: (ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب
وسورتين. وفى الركعتين الأخريين بأم الكتاب. ويسمعنا الآية. ويطول في الركعة

(1) ما بين القوسين وهو من أول قوله (والصلاة تامة) إلى هنا زيادة من النسخة رقم
(45) كتب بحاشيتها وكتب بجواره (صح)
(2) في النسخة رقم (16) (ثنا يحيى) وما هنا
هو الموافق للبخاري (ج 1 ص 309)
111

الأولى ما لا يطول (1) في الركعة (2) الثانية وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا عمران بن يزيد بن خالد
الدمشقي ثنا إسماعيل بن عبد الله بن سماعة ثنا الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير ثنا عبد الله
ابن أبي قتادة حدثني أبي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بأم القرآن
وسورتين في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر. ويسمعنا الآية أحيانا
وكان يطيل (3) في الركعة الأولى) *
قال علي: هذا عموم لكل صلاة. لأنها قضية قائمة بنفسها *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم هو
النخعي قال الأول من الصلوات كلها الطوال في القراءة *
وعن عبد الرزاق عن إسرائيل عن عيسى بن أبي عزة (4) عن الشعبي مثل قول إبراهيم
وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: إني لأحب أن يطول الامام الأولى
من كل صلاة حتى يكثر الناس، فإذا صليت لنفسي فاني أحرص على أن اجعل الأولتين
والآخرتين سواء *
448 مسألة ونستحب أن يضع المصلى يده اليمنى على كوع يده اليسرى في
الصلاة، في وقوفه كله فيها *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عفان هو ابن مسلم ثنا همام ثنا
محمد بن جحادة ثنا عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل انه حدثه عن أبيه وائل بن
حجر: (انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر (5)، ثم
التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى وذكر باقي الحديث *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن اصبغ ثنا محمد بن

(1) في الأصلين في الموضعين (ويطيل) وصححناه من البخاري
(2) كلمة (الركعة) محذوفة من الأصلين
(3) في الأصلين (ويطيل) بحذف (كان) وزدناها من النسائي (ج 1 ص 153)
(4) بفتح العين المهملة وتشديد الزاي المفتوحة
(5) في النسخة رقم (16) (رفع يديه في الصلاة ثم كبر) وفى النسخة رقم (45) (رفع يديه في الصلاة حين كبر) وما هنا هو الذي في صحيح مسلم (ج 1 ص 118)
112

عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي انا هشيم عن الحجاج
ابن أبي زينب قال سمعت أبا عثمان النهدي يحدث عن ابن مسعود (1) قال: رآني النبي
صلى الله عليه وسلم وقد وضعت شمالي على يميني في الصلاة فأخذ بيميني فوضعها على
شمالي (2) *
وروينا عن علي رضي الله عنه. انه كان إذا طول قيامه في الصلاة يمسك بيده اليمنى
ذراعه اليسرى في أصل الكف الا ان يسوى ثوبا أو يحك جلدا *
وعن أبي هريرة قال: وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة (3) *
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ثلاث من النبوة: تعجيل الافطار، وتأخير السحور،
ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة *
وعن أنس مثل هذا أيضا، إلا أنه قال: من أخلاق النبوة، وزاد: تحت
السرة (4) *

(1) في النسخة رقم (16) (عن أبي مسعود) وهو خطأ
(2) رواه النسائي (ج 1 ص 141) عن عمرو بن علي عن ابن مهدي نحوه، ورواه أبو داود (ج 1 ص 274) عن محمد بن بكار بن الريان، وابن ماجة (ج 1 ص 140) عن أبي إسحاق الهروي كلاهما عن هشيم مختصرا ورواه البيهقي (ج 2 ص 28) من طريق أبى داود والحديث اسناده صحيح كما قال ابن سيد الناس
(3) أثرا على وأبي هريرة روى نحوهما أبو داود (ج 1 ص 274 و 275) باسنادين ضعيفين
(4) أما أثر أنس فلم أجده، وأما أثر عائشة فقد نسبه
الزرقاني في شرح الموطأ (ج 1 ص 286) إلى سعيد بن منصور، وذكر السيوطي نحوه
من حديث أبي الدرداء ونسبه للطبراني ورمز إليه برمز الحديث الحسن، وذكره الحافظ
الهيثمي في مجمع الزوائد (ج 1 ص 183) وقال. (رواه الطبراني في الكبير مرفوعا
وموقوفا على أبى الدرداء والموقوف صحيح والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه)
وذكر أيضا عن ابن عباس مرفوعا (انا معشر الأنبياء أمرنا. بتعجيل فطرنا. وتأخير سحورنا
وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) ثم قال (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال
الصحيح) وذكر الزيلعي نحوه في نصب الراية (ج 1 ص 165) من حديث ابن عباس
ومن حديث أبي هريرة عن الدارقطني، وضعفهما الزيلعي، فلا أدرى هل اسناد الدارقطني
في حديث ابن عباس مثل اسناد الطبراني أو لا؟ ولكن يظهر من كلام ابن حجر في التلخيص
(ص 84) أنهما اسنادان مختلفان. ثم وجدت أثر عائشة في سنن البيهقي (ج 2 ص 29)
وحديثي أبي هريرة وابن عباس في الدارقطني (ص 106)
113

ومن طريق مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع
الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (1) *
قال علي: هذا راجع في أقل أحواله إلى فعل الصحابة رضي الله عنهم، إن لم
يكن مسندا *
ومن طريق أبي حميد الساعدي أنه قال: (أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(ثم وصف أنه) كبر فرفع يديه إلى وجهه ثم وضع يمينه على شماله) * (2)
وروينا فعل ذلك عن أبي مجلز وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون ومحمد
ابن سيرين وأيوب السختياني وحماد بن سلمة: أنهم كانوا يفعلون ذلك، وهو قول أبي حنيفة
والشافعي وأحمد وداود *
449 مسألة ونستحب أن لا يكبر الامام إلا حتى يستوي كل من وراءه
في صف أو أكثر من صف، فان كبر قبل ذلك أساء وأجزأه *
وقال أبو حنيفة: إذا قال المقيم (قد قامت الصلاة) فليكبر الامام *
وروينا عن إبراهيم النخعي إجازة تكبير الامام قبل أن يأخذ المؤذن في الإقامة *
قال علي: وكلا القولين خطأ *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هارون بن معروف وحرملة بن يحيى قالا: ثنا ابن
وهب أخبرني يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف سمع أبا هريرة يقول: أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج الينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مصلاه *

(1) في الموطأ (ص 55 و 56)
والبخاري من طريق مالك (ج 1 ص 296) وفى آخره عند البخاري (قال أبو حازم.
لا أعلمه إلا أنه ينمى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا صريح في أنه مرفوع *
(2) حديث أبي حميد سيذكر المؤلف بعضا منه باسناده إلى البخاري في المسألة رقم (455)
ونتكلم على طرقه وما قيل فيه هناك إن شاء الله تعالى
114

وقبل (1) أن يكبر ذكر فانصرف، وقال لنا: مكانكم، فلم نزل قياما ننتظره حتى
خرج الينا وقد اغتسل، ينطف رأسه ماء، فكبر فصلى بنا) *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ثابت
البناني عن أنس قال: (كانت الصلاة تقام فيكلم الرجل النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجة
تكون له: يقوم بينه وبين القبلة قائما يكلمه، فربما رأيت بعض القوم ينعس من طول
قيام النبي صلى الله عليه وسلم) * (2)
وأيضا فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمأمومين: (وإذا كبر فكبروا) يعنى
الامام: مبطل لقول أبي حنيفة، لأنه إذا كبر الامام ولم يتم المقيم الإقامة لم يمكن المقيم
أن يكبر إذا كبر الامام فأبو حنيفة يأمره بخلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن
يكبر إذا كبر الامام *
وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
قال: كان عمر يبعث رجالا يسوون الصفوف فإذا جاؤه كبر * (3)
وعن مالك عن أبي النضر عن مالك ابن أبي عامر قال: كان عثمان بن عفان لا يكبر
حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف، فيخبرونه أنها قد استوت فيكبر * (4)
وعن وكيع عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن ميسرة عن معقل بن أبي قيس (5) عن عمر
ابن الخطاب: أنه كان ينتظر بعد ما أقيمت الصلاة قليلا *

(1) في مسلم (ج 1 ص 168) (قبل) بدون الواو
(2) رواه البخاري بثلاث أسانيد عن أنس بمعناه (ج 1 ص 262 و ج 8 ص 117) ورواه مسلم بأسانيد كثيرة (ج 1 ص 111 و 112) *
(3) رواه مالك في الموطأ (ص 55) عن نافع ان عمر الخ وهو منقطع فيستفاد وصله من
هنا، لان هذا الاسناد صحيح جدا
(4) روى نحوه أيضا مالك في الموطأ عن عمه أبى سهيل ابن مالك عن أبيه، وأبوه هو مالك بن أبي عامر الأصبحي وهو جد مالك بن انس، وابنه أبو سهيل عم مالك اسمه نافع
(5) معقل بن أبي قيس هذا لم أجد له ترجمة ولا ذكرا، ويحتمل
جدا أن يكون (معقل بن قيس) الذي ذكر ابن دريد في الاشتقاق (ص 136) انه كان
على شرطة على صلوات الله عليه. وكان من قواد على وأنصاره وله ذكر في تاريخ الطبري
مرارا، انظر (ج 5 ص 237 و 243 و ج 6 ص 31 و 45 و 48 و 70 - 75 و 106 و
108 و 109 و 111 و 113 و 115 - 120) والله أعلم
115

وروينا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما نحو هذا *
فهذا فعل الخليفتين بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، واجماعهم معهم على ذلك *
وروينا عن الحجاج بن المنهال عن عبد الله بن داود الخريبي (1) قال: أذن سفيان
الثوري في المنار وأقام في المنار، ثم نزل فأمنا *
وقولنا هو قول مالك والشافعي وأحمد وداود ومحمد بن الحسن وأحد قولي أبي يوسف
قال علي: واحتج مقلد أبي حنيفة بأثر رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري
عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي: ان بلالا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله، لا تسبقني بآمين) * (2)
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن أبي هريرة: أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فقال له أبو هريرة:
لتنتظرني بآمين أو لا أؤذن لك (3) *
قال علي: واحتجاجهم بهذين الاثرين من أقبح ما يكون من التمويه في الدين!
واقدام على الفضيحة بالتدليس على من اغتر بهم! ودليل على قلة الورع جملة! لأنهم لا
يرون للمأموم ان يقرأ خلف الامام أصلا بل يرون للامام أن يقول (وجهت وجهي)
إلى آخر الكلام المروي في ذلك قبل ان يقرأ أم القرآن، وبالضرورة والمشاهدة يدرون
ان المقيم إذا قال (قد قامت الصلاة) فكبر الامام، فلم يبق على المقيم شئ إلا أن
يقول (الله أكبر الله أكبر لا إله الا الله) فمن المحال الممتنع الذي لا يشكل أن يكون الامام
يتم قراءة أم القرآن قبل ان يتم المقيم قول (الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله) ثم يكبر،
فكيف يكون هذا دليلا على أن الامام يكبر إذا قال المقيم (قد قامت الصلاة)!
بل لو كبر الامام مع ابتداء المقيم الإقامة لما أتم أم القرآن أصلا إلا بعد اتمام المقيم
الإقامة، وبعد ان يكبر للاحرام، فكيف بثلاث كلمات؟! فلقد كان ينبغي لهم أن
يستحيوا من التمويه في دين الاسلام بمثل هذا الضعف! *
فان قيل: ما معنى قول بلال وأبي هريرة: لا تسبقني بآمين؟ *

(1) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء
(2) سبق الكلام عليه في هذا الكتاب (ج 3 ص 263)
(3) سبق أيضا في ج 3 ص 264
116

قلنا: معناه بين في غاية البيان، لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الامام إذا
قال (آمين) قالت الملائكة آمين فان وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم
من ذنبه، فأراد بلال من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمهل في قول آمين
فيجتمع معه في قولها، رجاء لموافقة تأمين الملائكة، وهذا الذي أراد أبو هريرة من
العلاء. فبطل تعلقهم بهذين الاثرين *
وموهوا أيضا بما حدثناه أحمد بن الطلمنكي قال ثنا ابن مفرج ثنا أحمد بن عمرو بن
عبد الخالق البزار ثنا محمد بن المثنى ثنا الحجاج بن فروخ عن العوام بن حوشب عن
عبد الله بن أبي أوفى قال: كان بلال إذا قال: قد قامت الصلاة، نهض رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالتكبير (1) قال البزار: لم يرو هذا أحد من غير هذا الطريق. ورووا
نحو هذا أيضا عن عمر بن الخطاب *
قال علي: وهذان أثران مكذوبان *
أما حديث ابن أبي أوفى فمن طريق الحجاج بن فروخ، وهو متفق على ضعفه وترك
الاحتجاج به *
وأما خبر عمر فمن طريق شريك القاضي، وهو ضعيف. فبطل التعلق بهما *
وقد ذكرنا أن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر خلاف هذا *
قال علي: وهم يقولون: لا نقبل خبر الواحد فيما تعظم البلوي به؟ *
قال علي: وهذا مما تعظم به البلوى. فلو كان كما يقولون ما خفى على سائر الفقهاء، وقد
قبلوا فيه خبرا واهيا، وتركوا له الآثار الثابتة *
450 مسألة ونستحب لكل مصل إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من
فضله، وإذ مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله عز وجل من النار *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار
حدثني يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن أبي عدي، كلهم عن شعبة

(1) رواه البيهقي (ج 2 ص 22) من طريق أزهر بن جميل عن حجاج بن فروخ
التميمي الواسطي، وضعفه، ونسبه الهيثمي في مجمع الزوائد (ج 1 ص 144) إلى الطبراني
في الكبير وضعفه جدا، ونقله ابن حجر في لسان الميزان (ج 2 ص 178)
117

عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة:
(أنه صلى إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فكان إذا مر بآية عذاب وقف فتعوذ، (1)
وإذا مر بآية رحمة وقف فدعا، وكأن يقول في ركوعه: سبحان ربى العظيم، وفي سجوده:
سبحان ربي الأعلى) (2) *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى: أن
عائشة أم المؤمنين مرت بهذه الآية: (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) فقالت: رب
من على وقني عذاب السموم *
وبه إلى سفيان: عن السدي ومسعر قال السدى: عن عبد خير الهمداني قال: سمعت
علي بن أبي طالب قرأ في صلاة (سبح اسم ربك الاعلى) فقال. سبحان ربي الأعلى *
وقال مسعر: عن عمير بن سعيد. (3) أن أبا موسى الأشعري قرأ في الجمعة (سبح
اسم ربك الاعلى) فقال: سبحان ربي الأعلى *
وعن عبد الرزاق عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. أنه
كان إذا قرأ. أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى؟ قال. اللهم بلى، وإذا قال. (سبح
اسم ربك الاعلى) قال. سبحان ربي الأعلى *
وعن شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه *
وعن علقمة. أنه قرأ (رب زدني علما) فقال. رب زدني علما *

(1) في النسائي (وتعوذ) (2) في النسائي (ج 1 ص 156) ورواه أيضا مطولا عن
ابن راهويه عن جرير عن الأعمش (ج 1 ص 169 و 170) ورواه أيضا عن حسين
ابن منصور عن ابن نمير عن الأعمش (ج 1 ص 245) ورواه مسلم (ج 1 ص 156)
وأبو داود (ج 1 ص 325 والترمذي (ج 1 ص 55) وابن ماجة (ج 1 ص 110) بعضها
مطول وبعضها مختصر (3) هكذا في النسخة رقم (45) وأنا أرجح أنه الصواب وأنه
(عمير بن سعيد النخعي الصهباني - بضم المهملة وسكون الهاء - الكوفي) وفى النسخة
رقم (16) (مسعر عن عبيد بن عمير بن سعيد) وأظنه خطأ، فانى لم أجد ترجمة لهذا وإنما
الموجود (عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر) وهو مكي ومسعر كوفي، وعمير بن
سعيد وعبيد بن عمير بن قتادة يرويان كلاهما عن أبي موسى
118

وعن حجر المدري (1) أنه. كان يصلى، فإذا قرأ (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم
نحن الخالقون؟) قال. بل أنت رب *
451 مسألة ونستحب لكل مصل إذا قال سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد
أن يقول (ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شئ بعد) فان زاد على ذلك أهل الثناء
والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع
ذا الجد منك الجد) فحسن وان اقتصر على الأول فحسن *
برهان ذلك ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله
ابن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عبيد بن الحسن (2) عن عبد الله
(3) بن أبي أوفى قال. (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده، قال. اللهم
ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد (4) *
حدثنا حمام ثنا عباس ابن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش
عن عبيد بن الحسن المزني قال. سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: (كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء
السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد) *
قال علي: وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد
ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن أبي شيبة أبو بكر ثنا أبو معاوية
ووكيع عن الأعمش عن عبيد بن الحسن عن عبيد الله بن أبي أوفى قال (كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع قال. سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء
السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد (5) *
وبه إلى مسلم: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ثنا مروان بن محمد الدمشقي
ثنا سيعد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة (6) عن أبي سعيد الخدري قال.

(1) بفتح الميم والدال المهملة، وهو حجر بن قيس الهمداني اليمنى، تابعي ثقة *
(2) في النسخة رقم (16) عبيد بن الحسين وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (45) عبيد الله وهو خطأ
(4) في مسند أحمد، (ج 4 ص 381) ورواه أيضا عن وكيع عن الأعمش ومسعر (ص 353) عن عبيد، ورواه أيضا بأسانيد أخرى (ص 354 - 356)
(5) في مسلم (ج 1 ص 137) (6) بفتح القاف والزاي
119

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال. ربنا (1) لك الحمد ملء
السماوات والأرض وملء ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد (2) أحق ما قال العبد،
وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك
الجد *
وبه إلى مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا هشيم بن بشير أنا هشام بن حسان
عن قيس بن سعد عن عطاء هو ابن أبي رباح عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال. اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء
الأرض وما بينهما (3) وملء ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما
أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد *
قال علي: فهذه آثار متظاهرة وأحاديث متواترة، وروايات متناصرة، ولا يسع أحدا
الرغبة عنها *
وقد قال بهذا طائفة من السلف الصالح كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد
ابن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا
قيس بن سعد وحماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس كان إذا رفع رأسه
من الركوع قال. (اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات (4) وملء الأرض وملء ما شئت
من شئ بعد (5) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ثنا أبي ثنا شعبة عن
الحكم. ان أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود كان يصلى بالناس، فإذا رفع رأسه من الركوع

(1) في النسخة رقم (45) اللهم ربنا وما هنا هو الموافق للدارمي (ص 156) وصحيح مسلم
(ج 1 ص 137)
(2) في النسخة رقم (45) (والحمد) وما هنا هو الموافق للدارمي ومسلم *
(3) في النسخة رقم (16) (وملء ما بينهما) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (ج 1
ص 137 و 138)
(4) في النسخة رقم (45) (السماء) وما هنا أصح لموافقته المرفوع
من حديث ابن عباس نفسه
(5) رواه مسلم (ج 1 ص 137 و 138) والبيهقي (ج 2 ص 94) من طريق هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا
120

قام قدر ما يقول (1). اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت
من شئ بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت ولا ينفع
ذا الجد منك الجد *
قال علي: وهذا أيضا قول الشافعي وأصحابه وبعض أصحابنا، وبه نأخذ. وبالله
تعالى التوفيق *
452 مسألة فان طول الانسان ركوعه وسجوده ووقوفه في رفعه من
الركوع وجلوسه بين السجدتين، حتى يكون كل شئ من ذلك مساويا لوقوفه مدة قراءته
قبل الركوع فحسن *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن الحسين الجحدري عن أبي عوانة
عن هلال بن أبي حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: (رمقت
الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته
فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته وجلسته (2) ما بين التسليم والانصراف -:
قريبا من السواء) وبه إلى مسلم: ثنا أبو بكر بن نافع العبدي ثنا بهز بن أسد ثنا حماد انا ثابت عن
انس قال. (ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام،
كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة، وكانت صلاة أبي بكر متقاربة،
فلما كان عمر بن الخطاب مد في صلاة الفجر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
قال: سمع الله لمن حمده قام حتى نقول. قد أوهم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين
حتى نقول. قد أوهم) (3) *

(1) الذي في صحيح مسلم (ج 1 ص 136) (قدر ما أقول) وكذلك هو في كل نسخ
مسلم، فالقائل هو الراوي وهو الحكم
(2) كلمة (وجلسته) هذه سقطت من صحيح مسلم المطبوع في بولاق (ج 1 ص 136) والمطبوع في الآستانة (ج 2 ص 44 و 45) واثباتها هو الصواب، وهي ثابتة في نسخة مخطوطة صحيحة من مسلم وأيدها ثبوتها في الأصلين هنا
(3) في صحيح مسلم (ج 1 صحيفة 136)
121

وفعله السلف الطيب كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد
ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن انس أنه قال
: (إني لا آلو ان أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا، قال
ثابت. فكان أنس يصنع شيئا لم أركم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى
يقول القائل. قد نسي، وبين السجدتين حتى يقول القائل. قد نسي) (1) *
قال علي: هذا يوضح أنه لا حجة في عمل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم *
وعن وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال. كان أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود
يطيل القيام بعد الركوع، فكانوا يعيبون ذلك عليه *
قال علي: المعيب هو من عاب عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعول على ما لا حجة
فيه وبالله تعالى التوفيق *
453 مسألة وتحسين الركوع هو أن لا يرفع رأسه إذا ركع ولا يميله، لكن
معتدلا مع ظهره، وأما في السجود فيقنطر ظهره جدا ما أمكنه، ويفرج ذراعيه ما أمكنه،
الرجل والمرأة في كل ذلك سواء *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا
يحيى بن بكير ثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن ابن هرمز عن عبد الله بن مالك
ابن بحينة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض
إبطيه (2) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن
عبد الله بن الأصم عن عمه يزيد بن الأصم: أنه أخبره عن ميمونة زوج النبي صلى الله
عليه وسلم قالت (3) (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين

(1) في البخاري (ج 2 ص 9) ورواه أيضا مسلم عن خلف بن هشام عن حماد
(2) في البخاري (ج 2 ص 5) ورواه مسلم أيضا عن قتيبة عن بكر (ج 1 ص 141)
(3) الذي في مسلم (يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت) (ج 1 ص 141) واما اللفظ الذي
هنا فهو رواية مروان الفزاري عن عبيد الله بن عبد الله في صحيح مسلم أيضا
122

يديه لمرت (1) *
وبه إلى مسلم: ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه أنا عيسى يونس
ثنا حسين المعلم عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم (كان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه (2) *
وروينا عن حماد بن سلمة عن أبي جمرة (3): قلت لعائذ بن عمرو المزني (4): إذا ركعت
أنصب في ركوعي؟ قال. لا، ولكن اعتدل حتى تستوى أطباق صلبك (5)، قلت: إذا
سجدت أسجد على مرفقي؟ قال: لا، ولكن جافيهما (6) *
وعن وكيع عن طلحة القصاب عن الحسن البصري قال: كان عمر بن الخطاب يعلم أصحابه
إذا ركعوا ان لا يقنعوا ولا يصوبوا *
وعن وكيع عن أبيه عن شهاب البارقي (7): ان علي بن أبي طالب كان إذا سجد خوى
كما يخوى البعير الضامر (8) *
وعن وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة عن أبي إسحاق السبيعي قال: رأيت مسروقا
ساجدا كأنه أحدب *
وعن الحسن: يركع الرجل غير شاخص ولا منكس *

(1) قوله (لمرت) سقط من الأصلين وزدناه من صحيح مسلم
(2) في مسلم (ج 1 ص 141 و 142) واختصره المؤلف
(3) بالجيم والراء، واسمه نصر بن عمران. تابعي ثقة
(4) بضم الميم وفتح الزاي وفى النسخة رقم (16) (المدني) وهو تصحيف، وعائذ هذا شهد بيعة الرضوان
(5) الطبق فقار الظهر واحدته طبقة، وكل مفصل طبق وجمعه أطباق. نقله
في اللسان عن الأصمعي
(6) أي باعدهما، وفى النسخة رقم (16) (ولكن جافيا) قال
في اللسان: (وفى الحديث أنه كان يجافي عضديه عن جنبيه في السجود أي يباعدهما،
وفى الحديث إذا سجدت فتجاف وهو من الجفاء البعد عن الشئ، جفاه إذا بعد عنه
وأجفاه إذا أبعده) فاللفظتان محتملتان اذن، والأولى عندي أقرب وأرجح
(7) شهاب هذا لم أجد له ذكرا ولا ترجمة
(8) في اللسان. (خوى الرجل - بفتح الواو المشددة -
تجافى في سجوده وفرج ما بين عضديه وجنبيه، وكذلك البعير إذا تجافى لبروكه) ثم
قال (ومنه يقال للناقة إذا بركت فتجافى بطنها في بروكها لضمرها -: قد خوت)
123

وعن إبراهيم النخعي: أنه كان يكره أن يقنع أو يصوب في الركوع *
وهو قول الشافعي وأبي سليمان وأصحاب الحديث *
وأما المرأة فلو كان لها حكم بخلاف ذلك لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ذلك،
والذي يبدو منها في هذا العمل هو بعينه الذي يبدو منها في خلافه، ولا فرق. وبالله تعالى نعتصم *
454 مسألة ونستحب لكل مصل إذا رفع رأسه من السجدة الثانية ان يجلس
متمكنا ثم يقوم من ذلك الجلوس إلى الركعة الثانية والرابعة *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا محمد بن الصباح انا هشيم انا خالد هو الحذاء عن أبي قلابة انا مالك بن
الحويرث الليثي. (انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى، فإذا كان في وتر من صلاته
لم ينهض حتى يستوي قاعدا) (1) *
وهو عمل طائفة من السلف *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود
ثنا مسدد ثنا إسماعيل هو ابن علية عن أيوب السختياني عن أبي قلابة ثنا أبو سليمان
مالك بن الحويرث في مسجدنا قال. (- إني لأصلي بكم ما أريد (2) الصلاة، ولكني
أريد أريكم (3) كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو قلابة. كان يصلى
مثل صلاة شيخنا هذا، يعنى عمرو بن سلمة امامكم، (4) وذكر. انه كان إذا رفع رأسه
من السجدة الثانية (5) في الركعة الأولى قعد ثم قام) (6) *
قال علي: عمرو هذا له صحبة، ولأبيه صحبة، (7) فهو عمل طائفة من الصحابة وغيرهم
معهم *
وروينا عن أحمد بن حنبل. أن حماد بن زيد كان يفعل ذلك على حديث مالك
ابن الحويرث، وهو قول الشافعي وأحمد وداود *

(1) في البخاري (ج 2 ص 9)
(2) في أبى داود (ج 1 ص 312) (وما أريد)
(3) في أبى داود (أريد أن أريكم)
(4) في أبى داود (امامهم)
(5) في أبى داود (من السجدة الآخرة)
(6) رواه أيضا البخاري (ج 1 ص 273 و 317 و ج 2 ص 108) ورواه النسائي (ج 1
ص 113)
(7) عمرو مختلف في صحبته، وكنيته أبو بريد - بضم الباء الموحدة وفتح الراء -
ويقال أبو يزيد، والذي في البخاري هو الأول واسم أبيه سلمة - بفتح السين وكسر اللام
124

ولم ير ذلك أبو حنيفة ومالك *
قال علي: وهذا مما تركوا فيه عمل صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم
، وهم يعظمون ذلك إذا وافق تقليدهم *
فان احتجوا بحديث أبي حميد الذي تذكره بعد هذا الفصل إن شاء الله تعالى
بأنه (1) ليس فيه هذا الجلوس *
قلنا لهم: لا حجة لكم في هذا، لأنه ليس تذكر جميع السنن في كل حديث، وإن
كان لم يذكره أبو حميد فقد ذكره غيره من الصحابة، ولم يذكر أبو حميد أنه كان لا يفعل ذلك،
فمن أقحم ذلك في حديث أبي حميد فقد كذب على أبي حميد وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا فرق بين من قال. لو فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لذكر أبو حميد أنه فعله: وبين
من عارضه فقال: لو لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لذكر أبو حميد أنه كان لا يفعله *
والعجب أنهم خالفوا حديث أبي حميد فيما ذكر فيه نصا، كما نبين إن شاء الله تعالى،
فلم يروه حجة فيما فيه، واحتجوا به فيما ليس فيه! وهذا عجب جدا؟ *
قال علي: وهذا مما تركوا فيه السنة والقياس وهم يدعون أنهم أصحاب قياس؟ فهلا
قالوا: كما لا يقوم إلى الركعة الثالثة إلا من قعود فكذلك لا يقوم إلى الثانية والرابعة
إلا من قعود، ولكنهم لا السنن يتبعون، ولا القياس يحسنون وبالله تعالى التوفيق *
455 مسألة ففي الصلاة أربع جلسات: جلسة بين كل سجدتين، وجلسة
اثر السجدة الثانية من كل ركعة وجلسة للتشهد بعد الركعة الثانية، يقوم منها إلى الثالثة في
المغرب، والحاضر في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، وجلسة للتشهد في آخر كل صلاة،
يسلم في آخرها. وصفة جميع الجلوس المذكور أن يجعل أليته اليسرى على باطن قدمه اليسرى
مفترشا لقدمه، وينصب قدمه اليمنى، رافعا لعقبها، مجلسا لها على باطن أصابعها، الا
الجلوس الذي يلي السلام من كل صلاة، فان صفته أن يفضى بمقاعده إلى ما هو جالس عليه،
ولا يقعد على باطن قدمه فقط *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا بشر
ابن المفضل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: (قلت لأنظرن إلى

(1) في النسخة رقم (45) (وأنه)
125

صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل
القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا بأذنيه (1)، ثم أخذ شماله بيمنيه، فلما أراد
أن يركع رفعهما مثل ذلك، ثم جلس فافترش رجله اليسرى) وذكر باقي الحديث *
فهذا عموم لكل جلوس في الصلاة *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا محمد بن يوسف الفربري
ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث هو ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد
ابن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء: (أنه كان جالسا في
نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال
أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته
إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره فإذا رفع
رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما
واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى
ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد
على مقعدته (2) *
قال البخاري: سمع الليث يزيد بن أبي حبيب، وسمع يزيد بن حلحلة (3) وابن

(1) كذا في الأصلين، وفى أبى داود (أذنيه بحذف الباء (ج 1 ص 264)
(2) الحديث رواه أيضا أبو داود (ج 1 ص 266) والبيهقي (ج 2 ص 84 - 97 - 102) مختصرا ومطولا كلهم من طريق محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء. ورواه أيضا الدارمي (ص 163) واحمد (ج 5 ص 424) وأبو داود (ج 1 ص 265) والبيهقي (ج 2 ص 72) والترمذي (ج 1 ص 62) وابن ماجة (ج 1 ص 169) وابن الجارود (ص 101) كلهم من طريق عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، وروى البيهقي قطعا منه في مواضع متعددة بأسانيد مختلفة وكذلك النسائي (ج 1 ص 159 و 169 و 186) وكذلك ابن ماجة
(ص 146) وأطال الكلام عليه الطحاوي (ج 1 ص 152 و 154) وانظر فتح الباري (ج 2
ص 207 - 209) وتحقيق الكلام فيه يطول أمره وقد أشرنا لك إلى مواضعه ولله الحمد
(3) في البخاري (ج 2 ص 11 و 12) ويزيد عن محمد بن حلحلة
126

حلحلة من ابن عطاء *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن عطاء ونافع مولى ابن عمر كلاهما عن ابن عمر: أنه
كان يجلس في مثنى فيجلس على يسرى رجليه، يتبطنها جالسا عليها، ويقعى على أصابع
يمناه ثانيها وراءه *
وهو قول الشافعي وأبي سليمان *
وقال أبو حنيفة: الجلوس كله لا نحاش شيئا مفترشا بأليته اليسرى باطن قدمه اليسرى *
وقال مالك: الجلوس كله لا نحاش شيئا مفضيا بمقاعده إلى الأرض *
قال علي وكلا القولين خطأ وخلاف للسنة الثابتة التي أوردنا *
ومن العجب احتجاج الطائفتين كلتيهما بحديث أبي حميد المذكور في اسقاط الجلسة
اثر السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة، وليس فيه ذكر لها أصلا لا باثبات ولا باسقاط،
ثم يخالفون حديث أبي حميد في نص ما فيه من صفة الجلوس. وهذا غريب جدا! *
واعترض بعض المعترضين بالباطل على حديث أبي حميد هذا بأن العطاف بن خالد
رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء عن رجل عن أبي حميد، وأن محمد بن عمرو بن عطاء روى
هذا الحديث أيضا عن عباس بن سهل الساعدي عن أبيه، وليس فيه هذا التقسيم (1) *
قال علي: هذا اعتراض من لا يتقى الله، لان عطاف بن خالد ساقط، لا تحل
الرواية عنه الا على بيان ضعفه، فلا يجوز أن يحتج به على رواية الليث عن يزيد بن أبي
حبيب عن محمد بن عمرو عن ابن عطاء: أنه شهد الامر (2) *
وأما رواية محمد بن عمرو عن عباس بن سهل فهذا خطأ ممن قال ذلك (3)، إنما

(1) الذي اعترض بهذين هو الطحاوي
(2) عطاف - بتشديد الطاء المهملة - والحق أنه ليس ضعيفا إلى الحد الذي قاله ابن حزم، بل هو ثقة يخطئ، وروى أحاديث لم يتابع عليها، قال ابن حبان. (يروى عن الثقات ما لا يشبه حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به الا فيما يوافق فيه الثقات) وهذا أعدل ما قيل فيه، فلا حجة في روايته على رواية الليث وقد رواه أيضا ابن لهيعة كرواية الليث (عند البيهقي ج 2 ص 102 والطحاوي ج 1 ص 152 وأبى داود ج 1 ص 266 وابن لهيعة ثقة يحتج به إذا كان الراوي عنه ثقة، خلافا لمن ضعفه *
(3) في النسخة رقم (45) (فقد أخطأ من قال ذلك)
127

رواه عيسى بن عبد الله بن مالك عن عباس بن سهل أو عياش هكذا بالشك (1). ورواه
أيضا فليح بن سليمان عن عباس بن سهل وهاتان الروايتان أيضا على علاتهما موافقتان
لرواية أبي حميد. *
وقال بعض القائلين: إن بعض الرواة روى حديث محمد بن عمرو عطاء (2) عن أبي حميد
فذكر فيه. أن أبا قتادة شهد المجلس، وأبو قتادة قتل مع علي، ولم يدركه محمد بن عمرو (3) *
قال علي: والذي ذكر عن أبي قتادة انه قتل مع علي من أحاديث السمريين والروافض،
ولا يصح ذلك، ولا يعترض بمثل هذا على رواية الثقات (4) *
وأيضا: فإنما ذكر أبا قتادة عبد الحميد بن جعفر، ولعله وهم فيه. فبطل ما شغبوا به.
وبالله تعالى التوفيق *
456 مسألة وفرض على كل مصل ان يضع إذا سجد يديه على الأرض قبل
ركبتيه ولا بد *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر البصري ثنا

(1) هو بالشك عند الطحاوي (ج 1 ص 153) والبيهقي (ج 2: ص 101) من طريق
(عيسى بن عبد الله بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بنى مالك عن عياش أو
عباس) وعند البيهقي (ج 2 ص 118) (عن عباس) بغير شك، ومن هذا يعلم أن في الأصلين
هنا خطأ، إذ حذف من الاسناد عن محمد بن عمرو بن عطاء) والحق ان هذا الشك خطأ
من بعض الرواة، وانه (عباس) بالموحدة وهو تابعي ثقة، وذكره ابن سعد معرفا، بالألف
واللام (العباس) مرارا (ج 5 ص 200) وذكر انه كان ابن خمسة عشر سنة حين مقتل
عثمان (تنبيه) وقع في الطحاوي (عيسى بن عبد الرحمن بن مالك) وهو خطأ، صوابه (عيسى
ابن عبد الله) ووقع في البيهقي (ج 2 ص 101) (أخبرني مالك) بدلا من (أحد بنى مالك)
وهو خطأ وتصحيف
(2) في الأصلين (عمرو بن محمد بن عطاء) وهو خطأ ظاهر
(3) الذي اعترض بهذا هو الطحاوي أيضا
(4) بعد ان ذكر ابن سعد قول من زعم أنه مات بالكوفة في زمن على. (وأما محمد بن عمر - يعنى الواقدي - فأنكر ذلك، وقال. حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ان أبا قتادة توفى بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة) (ج 6 ص 8 و 9) وآل الرجل وأبناؤه أعلم بتاريخ موته ومكانه
128

أبو داود ثنا سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي ثنا محمد بن
عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك
البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) (1) *
فان ذكر ذاكر ما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن اصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن
أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا العلاء بن إسماعيل ثنا حفص بن غياث عن عاصم
الأحول عن انس بن مالك قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في
الصلاة فإذا انحط للسجود (2) سبقت ركبتاه يديه) (3) *

(1) رواه أبو داود (ج 1 ص 311) ورواه الدارمي (ص 157) والترمذي (ج 1 ص 56)
والنسائي (ج 1 ص 165) والبيهقي (چ 2 ص 99)، وهذا اسناد صحيح، محمد بن عبد الله
ابن الحسن هو النفس الزكية وهو ثقة، وقد أعل البخاري الحديث بأنه لا يدرى هل سمع
محمد من أبى الزناد أو لا؟ وهذه ليست علة، وشرط البخاري معروف لم يتابعه عليه
أحد، وأبو الزناد مات سنة 130 بالمدينة ومحمد مدني أيضا غلب على المدينة ثم قتل في سنة 145
وعمره 53 سنة. فقد أدرك أبا الزناد طويلا. وقد روى الحاكم (ج 1 ص 266) والبيهقي
(ج 2 ص 100) من حديث الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: (انه
كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال. كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك) وصححه الحاكم
على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ونسبه الشوكاني (ج 2 ص 284) أيضا إلى الدارقطني وصحيح
ابن خزيمة، وروى الطحاوي الحديثين. حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر (ج 1
ص 149)
(2) في النسخة رقم (45) (في السجود)
(3) رواه الحاكم (ج 1 ص 226) وعنه البيهقي (ج 2 ص 99) من طريق عباس الدوري عن العلاء بن إسماعيل العطار، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وقال البيهقي. (تفرد به العلاء بن إسماعيل) وقد أخطأ الحاكم في تصحيحه، فان العلاء هذا مجهول كما قال ابن القيم في زاد المعاد (ج 1 ص 58) ونقل ابن حجر في لسان الميزان عن أبي حاتم انه أنكر هذا الحديث وحكى عن الدارقطني انه أخرجه وقال: إن العلاء تفرد به، ثم قال ابن حجر: (وخالفه عمر بن حفص بن غياث وهو من أثبت الناس في أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وغيره عن عمر موقوفا عليه، وهذا هو المحفوظ والله أعلم)
129

قلنا هذا لا حجة فيه لوجهين *
أحدهما. انه ليس في حديث انس انه عليه السلام كان يضع ركبتيه قبل يديه، وإنما
فيه سبق الركبتين اليدين فقط، وقد يمكن أن يكون هذا السبق في حركتهما لا في وضعهما
فيتفق الخبران *
والثاني. انه لو كان فيه بيان وضع الركبتين قبل اليدين، لكان ذلك موافقا لمعهود
الأصل في إباحة كل ذلك، ولكان خبر أبي هريرة واردا بشرع زائد رافع للإباحة السالفة
بلا شك، ناهية عنها يقين، ولا يحل ترك اليقين لظن كاذب. وبالله تعالى التوفيق *
وركبتا البعير هي في ذراعيه *
457 مسألة ونستحب لكل مصل إماما كان أو مأموما أو منفردا، في فرض كان
أو نافلة، رجلا كان أو امرأة: ان يسلم تسليمتين فقط: إحداهما عن يمينه، والأخرى عن
يساره، يقول في كلتيهما. (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) لا ينوى بشئ
منهما سلاما على إنسان، لا على المأمومين ولا على من على يمينه، ولا ردا على الامام، ولا على
من على يساره، لكن ينوى بالأولى وهي الفرض الخروج من الصلاة فقط،
والثانية سنة حسنة، لا يأثم تاركها *
أما وجوب فرض التسليمة الأولى فقد ذكرناه قبل، فأغنى عن إعادته *
وأما التسليمة الثانية فان عبد الله بن ربيع التميمي حدثنا قال ثنا محمد بن معاوية المرواني ثنا أحمد
ابن شعيب أنا محمد بن المثنى وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه قال إسحاق. ثنا أبو نعيم
الفضل بن دكين ويحيى بن آدم، وقال ابن المثنى. ثنا معاد بن معاذ العنبري، قال الفضل
ويحيى ومعاذ. ثنا زهير هو ابن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن
الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد الله بن مسعود قال. (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكبر في كل خفض. ورفع. وقيام. وقعود، ويسلم عن يمينه وعن شماله. السلام عليكم ورحمة الله
السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده، ورأيت أبا بكر وعمر يفعلانه) * (1)
ورويناه أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق
السبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك * (2)

(1) طريق محمد بن مثنى في النسائي (ج 1 ص 194) وأما طريق ابن راهويه فلم
أجدها، ولعلها في موضع آخر خفى على أو لعلها في السنن الكبرى. وفى النسائي بدل
(يفعلانه) (يفعلان ذلك)
(2) رواية الثوري في النسائي (ج 1 ص 195).
130

وعن عبد الرزاق عن معمر وسفيان الثوري كلاهما عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى
عن مسروق عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك *
وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن أبي معمر عن
ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم *
وعن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان: قلت لابن عمر أخبرني
عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر: (السلام عليكم ورحمة الله، عن يمينه،
السلام عليكم ورحمة الله، عن يساره) * (1)
وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عمه عامر بن سعد بن أبيه: (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده) * (2)
بأسانيد صحاح متواترة متظاهرة. وهو فعل أبي بكر وعمر كما ذكرنا آنفا *
وروينا من طريق حارثة بن مضرب (3): أن عمار بن ياسر كان يسلم عن يمينه
(السلام عليكم ورحمة الله) وعن يساره (السلام عليكم ورحمة الله) *
ومن طريق أبي وائل وأبي عبد الرحمن السلمي: أن علي بن أبي طالب كان يسلم عن
يمينه وعن شماله (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) *
وعن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار (4) قال: كان مسجد الأنصار يسلمون
تسليمتين عن أيمانهم وعن شمائلهم، وكان مسجد المهاجرين يسلمون تسليمة واحدة *
ومن طريق أبي عبد الرحمن السلمي. أن ابن مسعود كان يسلم من الصلاة تسليمتين *
قال علي بن أحمد. أبو بكر وعمر وعلى وعمار وابن مسعود من أكابر المهاجرين،
وهو فعل أبى عبيدة بن عبد الله، وخيثمة، والأسود وعلقمة وعبد الرحمن بن أبي ليلى،
ومن أدركوا من الصحابة، وبه يقول إبراهيم النخعي وحماد بن سلمة وأبو حنيفة وسفيان
والحسن بن حيى والشافعي وأحمد وداود وجمهور أصحاب الحديث *
وقال مالك. يسلم الامام والفذ تسليمة واحدة، ويسلم المأموم الذي ليس على يساره

(1) في النسائي (ج 1 ص 194 و 195)
(2) في مسلم (ج 1 ص 162) والنسائي (ج 1 ص 194)
(3) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة، وحارثة تابعي ثقة
(4) عمار تابعي ثقة
131

أحد تسليمتين، إحداهما رد على الامام، ويسلم المأموم الذي على يساره غيره ثلاث
تسليمات، الثالثة رد على الذي عن يساره *
قال علي: أما تسليمة واحدة فلا يصح فيها شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم، لان
الاخبار في ذلك إنما هي من طريق محمد بن المفرج (1) عن محمد بن يونس وكلاهما مجهول
أو مرسل من طريق الحسن (2) أو من طريق زهير بن محمد، وهو ضعيف (3) أو من
طريق ابن لهيعة، وهو ساقط وروى من طريق أبي المصعب عن الدراوردي من طريق
سعد بن أبي وقاص، (4) والثابت عن سعد تسليمتان كما ذكرنا، فهي زيادة عدل ثم
لو صحت لكان من روى تسليمتين قد زاد حكما وعلما على من لم يرو إلا واحدة، وزيادة
العدل لا يجوز تركها، وهي زيادة خير *
وإنما لم نقل بوجوب التسليمتين جميعا فرضا كما قال الحسن بن حي. فلان الثانية إنما هي
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليست أمرا منه عليه السلام، وإنما يجب أمره لا فعله *

(1) هكذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) (محمد بن الفرج) ولم أعرفه ولم
أجد له ولا لشيخه الذي ذكره هنا (محمد بن يونس) ترجمة، ولم أجد حديثا في التسليمة
الواحدة من طريقهما فالله أعلم بما يريده المؤلف
(2) مرسل الحسن نسبه الشوكاني لابن أبي شيبة
(3) رواية زهير في المستدرك (ج 1 ص 230 و 231) والبيهقي (ج 2 ص 179) عن زهير
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه
الذهبي، وروى البيهقي من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد (ثنا عبيد الله بن عمر عن القاسم
عن عائشة أنها كانت تسلم في الصلاة تسليمة واحدة قبل وجهها. السلام عليكم) ثم قال
البيهقي (تابعه وهيب ويحيى بن سعيد عن عبيد الله عن القاسم، وقال الدراوردي عن عبيد الله عن
عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، والعدد أولى بالحفظ من الواحد) فهذا يؤيد صحة حديث
عائشة الذي رواه زهير، وزهير ثقة أخرج له الشيخان
(4) رواية ابن لهيعة وحديث سعد لم أجدهما. وقد تكلم الشوكاني على أحاديث التسليمة الواحدة طويلا (ج 2 ص 341 - 343) وقال. (وبما ذكرنا نعرف عدم صحة قول العقيلي ولا يصح في تسليمة واحدة شئ، وكذا قول ابن القيم انه لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح) وهو حق. وقال البيهقي. (وروى عن جماعة من الصحابة أنهم سلموا تسليمة واحدة وهو من الاختلاف المباح والاقتصار على الجائز)
132

وتفريق مالك بين سلام المأموم والامام والمنفرد. قول لا برهان له عليه، لا من
قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قول لصاحب ولا قياس *
وإنما قلنا. ان التسليم خروج عن الصلاة فقط، لا يجوز أن يكون ابتداء سلام
ولا ردا. لبرهانين *
أحدهما الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ابن مسعود (ان الله أحدث
من أمره أن لا تكلموا في الصلاة) وانه عليه السلام قال. (ان هذه الصلاة لا يصلح فيها
شئ من كلام الناس) من طريق معاوية بن الحكم، والتسليم المقصود به الابتداء أو
الرد كلام مع الناس، وهذا منسوخ لا يحل، بل تبطل به الصلاة ان وقع *
والثاني: أنهم مجمعون معنا على أن الفذ يقول (السلام عليكم وليس بحضرته انسان
يسلم عليه، وكذلك الامام لا يكون معه الا الواحد فإنه يقول (السلام عليكم) بخطاب
الجماعة. فصح انه ليس ابتداء سلام على إنسان ولا ردا *
فان ذكر ذاكر ما رويناه من طريق مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا ثنا
أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال: (خرج
علينا رسول الله صلى الله وسلم فقال: مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل
شمس؟. اسكنوا في الصلاة) *
وبه إلى مسلم: ثنا أبو كريب ثنا ابن أبي زائدة عن مسعر ثنا عبيد الله ابن القبطية عن
جابر بن سمرة قال: (كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم
ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانيين، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: علام تومؤن بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم أن
يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله (1) *
قال علي: لا حجة في هذا لمن ذهب إلى تسليمة واحدة لان فيه تسليمتين كما ترى *
وأما من تعلق به في أن السلام من الصلاة ابتداء سلام على من معه، فان هذا بلا شك
كان ثم نسخ، لان نص الخبر أنهم كانوا يفعلون ذلك في الصلاة، فأمروا بالسكون فيها،

(1) هذا والذي قبله في صحيح مسلم (ج 1 ص 127). والشمس بضم الشين المعجمة
واسكان الميم وآخره سين مهملة - جمع شموس، وهو النفور من الدواب الذي لا يستقر
لشغبه وحدته
133

وأن هذا كان إذ كان الكلام في الصلاة مباحا ثم نسخ، وليس فيه أن المراد بذلك التسليم،
الذي هو التحليل من الصلاة، فبطل تعلقهم به. وبالله تعالى التوفيق *
458 مسألة ونستحب إذا أكمل التشهد في كلتي الجلستين أن يصلى على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى أزواجه
وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى
آل محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد
مجيد) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة عن
ابن القاسم حدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد لله بن زيد الأنصاري -
وعبد الله بن زيد هو الذي أرى النداء للصلاة (1) أخبره عن أبي مسعود
الأنصاري (2) قال (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة، فقال
له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلى عليك يا رسول الله، فكيف نصلى عليك؟ فسكت
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم (3) في العالمين انك حميد مجيد *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه ثنا

(1) في النسائي (ج 1 ص 189) (بالصلاة) وهذه الجملة ليست في الموطأ (ص 58)
(2) ما هنا هو الذي في النسخة رقم (45) وهو الموافق للنسائي والموطأ، وفى النسخة
رقم (16) (عن أبي مسعود البدري) وهو البدري الأنصاري
(3) في الموطأ (كما صليت على إبراهيم) و (كما باركت على آل إبراهيم) وفى النسائي باثبات (آل) فيهما، قال الزرقاني (ج 1 ص 299): (وفى رواية بدون لفظ آل في الموضعين، فقيل هي مقحمة في الحديث الأول فيهما ورده الحافظ بأن ذكر محمد وإبراهيم وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابتة في أصل الخبر وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر) وهي ثابتة في الموضعين في صحيح مسلم من طريق مالك (ج 1 ص 119 و 120)
134

روح عن مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم انا (1) أبو حميد
الساعدي: (أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلى عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على
محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه
وذريته كما باركت على آل إبراهيم (2) انك حميد مجيد) *
وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة قال:
سمعت ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك
هدية؟ (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك،
فكيف نصلى عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل
إبراهيم، انك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم،
انك حميد مجيد (3) *
قال علي: جمعنا قبل جميع ألفاظه عليه السلام في هذه الأحاديث *
وان اقتصر المصلى على بعض ما في هذه الأخبار أجزأه، وان لم يفعل أصلا كرهنا
ذلك وصلاته تامة *
إلا أن فرضا عليه ولا بد أن يقول ما في خبر من هذه الأخبار ولو مرة واحدة في
دهره، لامره عليه السلام بأن يقال ذلك، ولقول الله تعالى: (ان الله وملائكته يصلون على
النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). والمرء إذا فعل ما أمر به مرة فقد أدى
ما عليه، إلا أن يأتي الامر بترديد (4) ذلك مقادير معلومة، أو في أوقات معلومة،
فيكون ذلك لازما. ومن قال: إن تكرار ما أمر به يلزم: كان كلامه باطلا، لأنه
يكلف من ذلك ما لا حد له، ولو كان ذلك لازما لأدى إلى بطلان كل شغل، وبطلان
سائر الأوامر، وهذا هو الاصر والحرج اللذان قد آمننا الله تعالى منهما *
وإنما كرهنا تركه لأنه فضل عظيم لا يزهد فيه إلا محروم. وصح عن النبي صلى الله
عليه وسلم: أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشرا *

(1) في الموطأ (ص 58) ومسلم (ج 1 ص 120) (أخبرني)
(2) في الموطأ بحذف كلمة (آل) في الصلاة واثباتها في التبريك، وفى مسلم باثباتها فيهما
(3) في مسلم (ج 1 ص 120)
(4) في النسخة رقم (45) (بترداد) وكل صحيح، يقال: ردده ترديدا وتردادا
135

وقال الشافعي: من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بطلت صلاته،
واحتج بأن التسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض، وهو في التشهد فرض،
قال: وقد روى عبد الرحمن بن بشر عن أبي مسعود: (قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:
أمرنا أن نصلى عليك وأن نسلم، فأما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلى عليك؟ فعلمهم
عليه السلام بعض ما ذكرنا قبل). وفي بعض ما ذكرنا: أنه عليه السلام قال لهم:
(والسلام كما علمتم) قالوا: فالصلاة فرض حيث السلام *
قال علي: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الصلاة حيث يكون السلام:
لكان ما قالوه، لكن لما لم يقله عليه السلام لم يكن ذلك، ولم يجز أن نحكم بما لم يقل
عليه السلام، فيكون فاعل ذلك مقولا له عليه السلام ما لم يقل، وشارعا ما لم يأذن به
الله تعالى (1) *
قال علي: ولقد كان يلزم من قال: إن الصيام فرض في الاعتكاف من أجل أن الله
تعالى ذكر الاعتكاف مع ذكره للصوم: أن يجعل الصلاة على رسول الله صلى الله
عليه وسلم في كل صلاة فرضا، لان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ذكرا (2)

(1) المطلع على ألفاظ سؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم عن صفة الصلاة عليه يوقن
أنهم فهموا أن الامر بالسلام والصلاة عليه إنما هو في الصلاة، وفى بعض ألفاظ حديث أبي
مسعود قال بشير بن سعد (قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلى عليك إذا نحن
صلينا عليك في صلاتنا) نسبه ابن حجر في التلخيص (ص 101) إلى ابن خزيمة وابن
حبان والدار قطني والحاكم. وهو في المستدرك (ج 1 ص 268) وقد أقرهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم على هذا الفهم، فكانت الآية مفسرة بأن الامر بالصلاة والسلام عليه
إنما هو في الصلاة فالسلام علمهم إياه في التشهد ثم سألوا عن الصلاة وتعلموها، وهذا
واضح. ولذلك قال الشافعي في الام (ج 1 ص 102): (فلما روى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة -: لم يجز والله تعالى أعلم ان نقول: التشهد واجب والصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم غير واجبة، والخبر فيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم زيادة
فرض القرآن)
(2) في الأصلين (ذكر) بالافراد وليس بشئ
136

الصلاة عليه مع التسليم عليه *
فان ذكر ذاكر حديث ابن وهب عن أبي هاني (1) أن أبا على الجنبي (2) حدثه أنه
سمع فضالة بن عبيد يقول: (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته
لم يمجد الله (3) ولم يصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم: عجلت أيها المصلى، ثم علمهم (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع (5) رجلا
يصلى فمجد الله تعالى وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ادع تجب، وسل تعط) (6) *
قال علي: ليس في هذا إيجاب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ولو كان
ذلك لما قال له (عجلت) فليس من عجل في صلاته بمبطل لها، بل كأن يقول له: ارجع فصل
فإنك لم تصل، لكن في هذا الخبر استحباب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة
وغيرها فقط *
فان ذكروا حديث كعب بن عجرة الذي فيه: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترض
له جبريل، فقال له. بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقال عليه السلام. آمين) *
قال علي. هذا خبر لا يصح، لان راويه أبو بكر بن أبي أويس، وقد غمز غمزا شديدا، (7)

(1) أبو هانئ اسمه حميد بن هانئ الخولاني مات سنة 142 وهو أكبر شيخ لابن
وهب.
(2) بفتح الجيم واسكان النون بعدها باء موحدة، نسبة إلى قبيلة تسمى بذلك
وأبو علي اسمه عمرو بن مالك الهمداني المصري
(3) في الأصلين لم يذكر لفظ الجلالة، والتصحيح من النسائي (ج 1 ص 189)
(4) في الأصلين (علمهن) والتصحيح من النسائي *
(5) في النسائي (وسمع)
(6) هذا اللفظ الذي هنا لفظ النسائي، وقد رواه عن محمد بن سلمة عن ابن وهب، ورواه أيضا بمعناه الترمذي (ج 2 ص 260) من طريق رشدين بن سعد عن أبي هانئ الخولاني. ورواه أيضا الحاكم (ج 1 ص 230 - 268) والترمذي واحمد (ج 6 ص 18) والبيهقي (ج 2 ص 147) كلهم من طريق حياة بن شريح عن أبي هانئ، وصححه الترمذي والحاكم. ونسبه الشوكاني أيضا (ج 2 ص 326) إلى أبى داود وابن خزيمة وابن حبان
(7) أبو بكر بن أبي أويس اسمه عبد الحميد بن عبد الله، وهو ثقة روى له الشيخان
وغيرهما والغمز هو قول الأزدي (كان يضع الحديث) قال الذهبي (وهذا منه زلة قبيحة)
وقال ابن حجر: (ما أظنه ظن إلا أنه غيره) فليس قول الأزدي هنا بقادح فيه.
137

عن محمد بن هلال، وهو مجهول، عن سعد بن إسحاق، وهو مضطرب في اسمه غير
مشهور الحال (1) *
ولو صح: لكان فيه ايجاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا متى ذكر
في صلاة أو غيرها، ولم يكن فيه تخصيص ما بعد التشهد في الصلاة بذلك *
وقد ذكر بعضهم ما يوافق قولهم عن أبي حميد وأبي أسيد *
قال على: هذا لازم لمن رأى تقليد الصاحب، لا لنا. وبالله تعالى التوفيق *
459 مسألة والقنوت فعل حسن، وهو بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من
كل صلاة فرض، الصبح وغير الصبح، وفى الوتر، فمن تركه فلا شئ عليه في ذلك *
وهو أن يقول بعد قوله. (ربنا ولك الحمد) (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن
عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضى ولا يقضى
عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت) ويدعو لمن شاء، ويسميهم
بأسمائهم ان أحب. فان قال ذلك قبل الركوع لم تبطل صلاته بذلك، وأما السنة فالذي ذكرنا *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعيد
عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري وشعبة قالا ثنا عمرو بن مرة بن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب. (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في
الصبح والمغرب) * (2)
حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي

(1) محمد بن هلال ثقة وكذلك سعد بن إسحاق، ولم أجد في اسمه اضطرابا، وقد سبق أن ضعف المؤلف هذا الحديث في المسألة (374 ج 3 ص 273) ورددنا عليه هناك من غير أن نعرف لفظ الحديث، وقد نسبه الشوكاني للطبراني ونقل عن الحافظ العراقي أنه وثق رجاله (ج 2 ص 323) *
(2) في النسائي (ج 1 ص 164) ورواه الطيالسي (ص 100 رقم 737) عن شعبة،
ورواه الدارمي (ص 198) ولم يذكر فيه المغرب، ورواه أيضا مسلم (ج 1 ص 188)
والترمذي وصححه (ج 1 ص 81) والطحاوي (ج 1 ص 142) وأبو داود (ج 1 ص 540
و 541) والبيهقي (ج 2 ص 198)
138

القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد التنوزي عن هشام بن أبي
عبد الله الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي
هريرة قال: (- والله اني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فكان
أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح،
بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار، وقال أبو هريرة:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من
صلاة العشاء (2): قنت فقال: اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام،
اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين * (3)
حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو عبد الله
الكابلي (4) ثنا إبراهيم بن موسى الرازي نا محمد بن أنس عن أبي الجهم (5) عن البراء
ابن عازب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلى صلاة الا قنت فيها) * (6)

(1) هكذا هنا وهو صحيح، وهو في بعض ألفاظ الحديث كرواية البيهقي، وفى بعضها
(لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(2) في النسخة رقم (45) (من العشاء الآخرة) وهو يوافق بعض ألفاظ الحديث
(3) هذا الحديث مروى في كتب السنة على أنه حديثان، كل قسم من قسميه حديث، وألفاظه كثيرة يطول بنا الكلام ان ذكرناها تفصيلا، فارجع إليها في صحيح البخاري (ج 1 ص 316 - 318 - 319 و ج 2 ص 74 و ج 4 ص 116 - 295 و ج 6 ص 78 و 96 و ج 8 ص 81 و 150 و 151 و ج 9 ص 35) وصحيح مسلم (ج 1 ص 187) وأبى داود (ج 1 ص 540) والنسائي (ج 1 ص 164) والطحاوي (ج 1 ص 142) والبيهقي (ج 2 ص 197 و 198 و 206 و 207) (4) بضم الباء وباللام نسبة إلى (كابل) بلاد في الهند. وأبو عبد الله هذا اسمه (محمد بن العباس بن الحسن بن ماهان) وله ترجمة في الأنساب في (ورقة 469) ووقع فيه اسم أبيه (الحسن) وهو خطأ، وله ترجمة أيضا في لسان الميزان (ج 5 ص 215) ووقع فيه نسبته
(الكاهلي) وهو خطأ. أيضا مات ببغداد سنة 277، وهو ثقة وثقه الدارقطني
(5) أبو الجهم اسمه (سليمان بن الجهم بن أبي الجهم الأنصاري) وهو مولى البراء.
(6) رواه البيهقي (ج 2 ص 198) من طريق أبى حاتم الرازي (ثنا إبراهيم بن موسى ثنا محمد يعنى عن مطرف
عن أبي الجهم عن البراء) وزيادة مطرف في الاسناد ضرورية، لان محمد بن أنس القرشي
لم يرو عن أبي الجهم مباشرة وإنما روى عن مطرف بن طريف عن أبي الجهم، فلعل اسم
(مطرف) سقط خطأ من الناسخين. ويؤيد هذا ان الحازمي رواه في الناسخ والمنسوخ
(ص 86) من طريق الطبراني عن يعقوب بن إسحاق المخرمي عن علي بن بحر عن محمد بن
أنس عن مطرف عن أبي الجهم، ثم قال: (قال سليمان - يعنى الطبراني - لم يروه عن
مطرف الا محمد بن أنس)
139

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد ثنا حماد
- هو ابن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين: (أن أنس بن مالك سئل: هل قنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم (في صلاة الصبح)؟ (1) قال: نعم، قيل له: قبل الركوع
أو بعده؟ قال: بعد الركوع) (2) *
قال علي: فهذا كله نص قولنا. ولله الحمد *
فان قيل: فقد روى عن أنس: أنه سئل عن القنوت: أقبل الركوع أم بعده؟
فقال: قبل الركوع (3) *

(1) قوله (في صلاة الصبح) سقط من الأصلين وزدناه من النسائي (ج 1 ص 163)
(2) رواه أيضا البخاري (ج 2 ص 72 و 73) ومسلم (ج 1 ص 188)
والدارمي (ص 198) وأبو داود (ج 1 ص 541) والطحاوي (ج 1 ص 143) والبيهقي (ج 2
ص 206) ولفظه عندهم كلهم (بعد الركوع يسيرا.
(3) هذه الرواية عن أنس رواها البخاري
(ج 2 ص 73) ومسلم (ج 1 ص 188) والدارمي (ص 198) والمروزي في كتاب الوتر (ص 133)
والطحاوي (ج 1 ص 143) والبيهقي (ج 2 ص 207)، ولفظ البخاري من رواية عاصم قال.
(سألت أنس بن مالك عن القنوت؟ فقال. قد كان القنوت، قلت قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله،
قال فان فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع! فقال كذب! إنما قنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعد الركوع شهرا، أراه كان بعث قوما يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلا إلى قوم
من المشركين دون أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فقنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو عليهم) وقد اختلفت الرواية عن أنس كما ترى، وأكثر الرواة
عنه يقولون بعد الركوع وكذلك أكثر الروايات عن غيره من الصحابة فهي أرجح، ولعل
لانس عذرا أو لعله نسي والله أعلم. ويؤيد هذا ما روى المروزي في الوتر (ص 133)
(حدثنا محمد بن يحيى ثنا إبراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز بن محمد عن حميد عن أنس قال. كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت بعد الركعة وأبو بكر وعمر، حتى كان عثمان قنت قبل الركعة
ليدرك الناس (واسناده جيد كما قال الحافظ العراقي، وروى البيهقي (ج 2 ص 208) من
طريق سفيان عن عاصم عن أنس قال. (إنما قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا، فقلت.
كيف القنوت؟ قال. بعد الركوع) قال البيهقي. (فهو ذا قد أخبر أن القنوت المطلق
بعد الركوع، وقوله. إنما قنت شهرا، يريد به اللعن، ورواة القنوت بعد الركوع أكثر
وأحفظ فهو أولى) *
140

قلنا: إنما أخبر بذلك أنس عن أمراء عصره، لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
كما سئل عن بعض أمور الحج فأخبر بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: افعل كما يفعل
أمراؤك. وهذا من أنس إما تقية، وإما رأى منه، ولا حجة في أحد بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم *
وأما عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فروينا عن يحيى بن سعيد القطان: ثنا العوام
ابن حمزة قال. سألت أبا عثمان النهدي عن القنوت في الصبح؟ فقال: بعد الركوع،
فقلت: عمن؟ قال: عن أبي بكر وعمر وعثمان (1) *
وروى أيضا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي. أن عمر بن الخطاب
كان يقنت بعد الركوع، (2) وقد شاهد أبو عثمان النهدي أبا بكر وعمر وعثمان *
ومن طريق البخاري عن مسدد عن إسماعيل بن علية أنا خالد الحذاء عن أبي قلابة
عن أنس قال: كان القنوت في المغرب والفجر (3) *

(1) رواه المروزي في الوتر واختصره المقريزي فلم يذكر اسناده،
وروى البيهقي نحوه (ج 2 ص 208) عن حماد بن زيد عن العوام ولم يذكر فيه عثمان بن عفان
ثم قال البيهقي (ورويناه عن يحيى بن سعيد القطان عن العوام بن حمزة بزيادة عثمان بن عفان
رضي الله عنه) والعوام بن حمزة - بفتح العين المهملة وتشديد الواو - ثقة، واستنكر أحمد منه ثلاثة
أحاديث، ووثقه ابن راهويه وأبو داود وغيرهما ورواه أيضا البيهقي عن يحيى بن سعيد عن العوام
(ج 2 ص 202)
(2) رواه البيهقي من طريق عفان بن مسلم (ثنا شعبة عن عاصم الأحول وسليمان
التيمي وعن بن زيد: أخبرني كل هؤلاء انه سمع أبا عثمان يحدث عن عمر انه كان يقنت
بعد الركوع) وهذا من أصح الأسانيد على الاطلاق
(3) في البخاري (ج 2 ص 73)
141

ومن طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن معقل (1). أن على
ابن أبي طالب قنت في المغرب بعد الركعة فدعا على أناس (2) *
وعن معمر عن أيوب عن ابن سيرين. أن أبي بن كعب قنت في الوتر بعد الركوع *
وروينا أيضا عن علقمة والأسود أن معاوية كان يقنت في الصلاة *
وروينا أيضا عن ابن عباس القنوت بعد الركوع *
فهؤلاء أئمة الهدى، أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاوية، ومعهم أبي وابن عباس *
وذهب قوم إلى المنع من القنوت *
كما روينا عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال. (صليت خلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلم يقنت، وخلف أبى بكر فلم يقنت، وخلف عمر فلم يقنت، وخلف عثمان فلم
يقنت، وخلف على فلم يقنت، يا بنى إنها بدعة (3) *
وعن علقمة والأسود قالا: (4) صلى بنا عمر بن الخطاب زمانا فلم يقنت *
وعن الأسود بن يزيد قال كان ابن مسعود لا يقنت في صلاة الغداة *
وعن سفيان عن منصور عن إبراهيم النخعي عن أبي الشعثاء قال سألت ابن عمر عن
القنوت في الفجر؟ فقال: ما شعرت أن أحدا يفعله *
وعن مالك عن نافع: أن ابن عمر كان لا يقنت في الفجر *
وروينا عن ابن عباس: أنه لم يقنت *
وعن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح: قال سألت سالم بن عبد الله بن عمر: هل
كان عمر بن الخطاب يقنت في الصبح؟ قال: لا، إنما هو شئ أحدثه الناس *
وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: انه كأن يقول من أين أخذ الناس القنوت؟!
ويعجب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما ثم ترك ذلك *

(1) باسكان العين المهملة وكسر القاف.
(2) روى نحوه البيهقي (ج 2 ص 204) وقال (هذا عن علي صحيح مشهور)
(3) هذا لفظ النسائي (ج 1 ص 164) واختصره المؤلف
قليلا، وأبو مالك اسمه (سعد) (وأبو طارق بن أشيم) بفتح الهمزة وإسكان الشين
المعجمة وفتح الياء المثناة وآخره ميم. والحديث رواه الطيالسي (ص 189 رقم 1328) واحمد
(ج 3 ص 472 و ج 6 ص 394) والترمذي وصححه (ج 1 ص 82) وابن ماجة (ج 1 ص 194)
والطحاوي (ج 1 ص 146) والبيهقي (ج 2 ص 213)
(4) في الأصلين (قال) بالافراد وهو خطأ
142

قال علي: وكان يحيى بن يحيى الليثي وبقى بن مخلد لا يريان القنوت وعلى ذلك جرى
أهل مسجديهما بقرطبة إلى الآن *
قال على: اما الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلى وابن
عباس رضي الله عنهم بأنهم لم يقنتوا فلا حجة في ذلك في النهى عن القنوت لأنه قد صح عن
جميعهم انهم قنتوا، وكل ذلك صحيح، قنتوا وتركوا، فكلا الامرين مباح، والقنوت
ذكر لله تعالى، ففعله حسن، وتركه مباح، وليس فرضا، ولكنه فضل *
وأما قول والد أبي مالك الأشجعي. إنه بدعة. فلم يعرفه، ومن عرفه أثبت فيه ممن لم يعرفه،
والحجة فيمن علم لا فيمن لم يعلم (1) *
واما ابن مسعود فلم يأت عنه أنه كرهه، ولا انه نهى عنه، وإنما جاء انه كان لا يقنت في الفجر
فقط، وهذا مباح، وقد قنت غيره من الصحابة رضي الله عنهم *
وأما ابن عمر فلم يعرفه كما لم يعرف المسح، وليس ذلك بقادح في معرفة من عرفة *
وأما الزهري فجهل القنوت ورآه منسوخا، كما صح عنه من تلك الطريق نفسها: أن كون
زكاة البقر في كل ثلاثين تبيع وفي أربعين مسنة: منسوخ، وان زكاتها كزكاة الإبل.
فإن كان قول الزهري في نسخ القنوت حجة، فهو حجة في نسخ زكاة البقر في ثلاثين تبيع
وفي أربعين مسنة، وان لم يكن هنالك حجة فليس هو ههنا حجة *
والعجب من المالكيين المحتجين بقول ابن عمر إذا وافق تقليدهم! ثم سهل عليهم
ههنا خلاف ابن عمر وخلاف سالم ابنه وخلاف الزهري، وهما عالما أهل المدينة!
والعجب ممن يحتج في ترك القنوت بقول سالم. أحدثه الناس، وهو يرى حجة قول
القائل، فعدل الناس مدين من بر بصاع من شعير في زكاة الفطر وهذا كله تحكم في
الدين بالباطل!
وقالوا: لو كان القنوت سنة ما خفى عن ابن مسعود ولا عن ابن عمر *
فقلنا! قد خفى وضع الأيدي على الركب في الركوع على ابن مسعود، فثبت على القول
بالتطبيق إلى أن مات، وخفي على ابن عمر المسح على الخفين، ولم يروا ذلك حجة فما بال خفاء

(1) قال البيهقي بعد حديث أبي مالك عن أبيه طارق. (طارق بن اشيم الأشجعي لم يحفظه
عمن صلى خلفه، فرآه محدثا، وقد حفظه غيره فالحكم له دونه)
143

القنوت عنهما صار حجة؟ (ان هذا لعجب وتلاعب بالدين، مع أن القنوت ممكن أن يخفى لأنه
سكوت متصل بالقيام (1) من الركوع، لا يعرفه إلا من سأل عنه، وليس فرضا فيعلمه الناس
ولابد، فكيف وقد عرفه ابن عمر كما نذكر بعد هذا، ولم ينكر ابن مسعود؟ *
وقال بعض الناس: الدليل على نسخ القنوت ما رويتموه من طريق معمر عن الزهري
عن سالم بن عبد الله عن أبيه (انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة
الصبح من الركعة الأخيرة (2) قال: اللهم العن فلانا وفلانا، دعا على ناس من المنافقين (3)
فأنزل الله عز وجل (ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) * (4)
قال علي: هذا حجة في اثبات القنوت: لأنه ليس فيه نهى عنه، فهذا حجة في بطلان
قول من قال: إن ابن عمر جهل القنوت، ولعل ابن عمر إنما أنكر القنوت في الفجر قبل
الركوع، فهو موضع إنكار، وتتفق الروايات عنه، فهو أولى، لئلا يجعل كلامه خلافا
للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما في هذا الخبر اخبار الله تعالى بأن الامر
له، لا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن أولئك الملعونين لعله تعالى يتوب عليهم، أو في
سابق علمه أنهم سيؤمنون فقط *
وذهب قوم إلى أن القنوت إنما يكون في حال المحاربة *
واحتجوا بما رويناه من طريق ابن المجالد (5) عن أبيه عن إبراهيم النخعي عن

(1) في النسخة رقم (45) (في القيام)
(2) في النسخة رقم (45) الآخرة وهو موافق لما في النسائي
(3) في النسائي (يدعو على أناس من المنافقين)
(4) اللفظ الذي هنا أقرب إلى لفظ عبد الرزاق عن معمر، وقد رواه النسائي (ج 1 ص 164) عن ابن راهويه عن عبد الرزاق، ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (ص 89) والواحدي في أسباب النزول (ص 90) والطحاوي (ج 1 ص 142) كلهم من طريق عبد الرزاق، عن معمر ورواه البخاري (ج 5 ص 223 و ج 6 ص 78 و ج 9 ص 191) من طريق عبد الله ابن المبارك عن معمر، وقد زعم بعض الكوفيين ان هذا يدل على نسخ القنوت في الصبح، وليس كما زعموا، قال النحاس: (فهذا اسناد مستقيم وليس فيه دليل على ناسخ ولا منسوخ، وإنما نبهه الله على أن الامر إليه، ولو كان هذا ناسخا لما جاز ان يلعن المنافقون) *
(5) في النسخة رقم (16) (أبى المجالد) ولا أعلم أيتها أصوب، وإن كان المراد به إسماعيل
ابن مجالد بن سعيد فهو بعيد، لان النخعي مات سنة 96 ومجالد بن سعيد مات سنة 144،
وما وجدت هذا الأثر، ويقرب من معناه ما نقل الزيلعي في نصب الراية (ج 1 ص 282).
(روى محمد بن الحسن في الآثار: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي
عن الأسود بن يزيد انه صحب عمر بن الخطاب سنين في السفر والحضر فلم يره قانتا في الفجر
حتى فارقه، قال إبراهيم. وأهل الكوفة إنما أخذوا القنوت عن علي، قنت يدعو على معاوية
حين حاربه، وأهل الشأم أخذوا القنوت عن معاوية، قنت يدعو على علي). وما روى الطحاوي
(ج 1 ص 147) من طريق أبى شهاب الخياط عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن
الأسود قال (كان عمر إذا حارب قنت، وإذا لم يحارب لم يقنت) وما رواه أيضا (ج 1 ص 148)
عن مغيرة عن إبراهيم قال. (إنما كان على يقنت فيها ههنا لأنه كان محاربا فكان يدعو على
أعدائه في القنوت في الفجر والمغرب)
144

علقمة، والأسود قالا: (ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ من الصلوات، إلا
إذا حارب، فإنه كان يقنت في الصلوات كلهن، ولا قنت أبو بكر ولا عمر ولا عثمان حتى
ماتوا، ولا قنت على حتى حارب أهل الشأم، فكان يقنت في الصلوات كلهن، وكان معاوية
يقنت أيضا، يدعو كل واحد منهما على صاحبه) *
قال علي: هذا لا حجة فيه لأنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل، ولا حجة في
مرسل، وفيه عن أبي بكر وعمر وعثمان. أنهم لم يقنتوا، وقد صح عنهم بأثبت من هذا الطريق:
أنهم كانوا يقنتون، والمثبت العالم أولى من النافي الذي لم يعلم، أو نقول: كلاهما صحيح، وكلاهما
مباح، وفيه لو انسند اثبات القنوت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حال المحاربة في جميع
الصلوات، وعن علي ومعاوية كذلك، وليس فيه نهى في غير حال المحاربة، فهو حجة لنا
لو ثبت ونحن غانون عنه بالثابت الذي ذكرنا قبل، ولله تعالى الحمد *
وأما أبو حنيفة ومن قلده فقالوا: لا يقنت في شئ من الصلوات كلها، إلا في الوتر، فإنه
يقنت فيه قبل الركوع السنة كلها، فمن ترك القنوت فيه فليسجد سجدتي السهو *
وأما مالك والشافعي فإنهما قالا: لا يقنت في شئ من الصلوات المفروضة كلها إلا
في الصبح خاصة. وقال مالك: قبل الركوع، وقال الشافعي: بعد الركوع، وقال الشافعي:
145

فان نزلت بالمسلمين نازلة قنت في جميع الصلوات، ولا يقنت في الوتر إلا في ليلة النصف
من رمضان خاصة بعد الركوع *
قال علي: أما قول أبي حنيفة: فما وجدناه كما هو عن أحد من الصحابة نعنى النهي
عن القنوت في شئ من الصلوات حاشا الوتر فإنه يقنت فيه، وعلى من تركه سجود السهو
وكذلك قول مالك في تخصيصه الصبح خاصة بالقنوت ما وجدناه عن أحد من الصحابة،
ولا عن أحد من التابعين، وكذلك تفريق الشافعي بين القنوت في الصبح وبين القنوت
في سائر الصلوات *
وهذا مما خالفوا فيه كل شئ روى في هذا الباب عن الصحابة رضي الله عنهم، مع
تشنيعهم على من خالف بعض الرواية عن صاحب لسنة صحت عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم *
قال علي: وقولنا هو قول سفيان الثوري *
وروى عن ابن أبي ليلى: ما كنت لأصلي خلف من لا يقنت، وأنه كان يقنت في صلاة
الصبح قبل الركوع *
وعن الليث كراهة القنوت جملة *
وروى عنه أيضا: أنه كان يقنت في صلاة الصبح *
وعن أشهب ترك القنوت جملة *
قال علي: وأما من رأى القنوت قبل الركوع فإنهم ذكروا أثرا رويناه من طريق يزيد
ابن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن ابن أبزى *
قال علي: وعزرة ليس بالقوى (1) *

(1) كذا في النسخة رقم (16) في الموضعين (عزرة) وفى النسخة رقم (45) (عدره)
بدون نقط وما أدرى أيتهما الصواب، ولعلهما مصحفان عن (عبدة) فقد روى الطحاوي
(ج 1 ص 147) من طريق شعبة عن عبدة بن أبي لبابة عن سعيد بن عبد الرحمن بن
أبزى عن أبيه (أن عمر قنت في صلاة الغداة قبل الركوع بالسورتين)، وروى نحوه
البيهقي (ج 2 ص 211) من طريق الأوزاعي عن عبدة، وعبدة ثقة ولم ينفرد به، فقد روى
الطحاوي أيضا نحوه من طريق شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن عمر، وروى
نحوه أيضا بأسانيد أخرى. ثم رأيت في النسائي (ج 1 ص 248) من طريق ابن أبي
عروبة عن قتادة عن عزرة - بفتح العين المهملة والراء وبينهما زاي ساكنة - عن سعيد بن
عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب، فذكر صفة وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وليس فيه ذكر القنوت، ولكن رواه النسائي من طريق سفيان عن زبيد عن سعيد بن
عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن أبي، وفيه صفة الوتر والقنوت قبل الركوع
146

وبأثر آخر في الوتر من حديث حفص بن غياث، قيل: إنه أخطأ فيه (1) وإنما
الثابت بعد الركوع كما ذكرنا *
ومن قنت قبل الركوع فلم يأت بالمختار، ولم تبطل صلاته، لأنه ذكر لله تعالى *
وأما القنوت في الوتر فان عبد الله بن ربيع حدثنا قال عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر
ثنا أبو داود ثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن جواس (2) الحنفي قالا ثنا أبو الأحوص عن أبي
إسحاق السبيعي عن بريد بن أبي مريم (3) عن أبي الحوراء (4) هو ربيعة بن شيبان
السعدي قال: قال الحسن بن علي: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن
في الوتر قال ابن جواس في روايته: في قنوت الوتر، ثم اتفقا: اللهم اهدني فيمن
هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر
ما قضيت، انك تقضى ولا يقضى عليك، وانه لا يذل من واليت (5)، تباركت ربنا
وتعاليت (6)

(1) لم أر هذا الأثر *
(2) بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره سين مهملة.
(3) بريد - بضم الباء الموحدة وفتح
الراء وفى الأصلين (يزيد) وكذلك في الطيالسي ومسند أحمد وهو تصحيف
(4) بفتح الحاء المهملة وإسكان الواو وبعدها راء ووقع في كثير من كتب الحديث المطبوعة (أبى
الجوزاء) بالجيم والزاي وهو تصحيف
(5) في بعض نسخ أبى داود زيادة (ولا يعز عن عاديت) (ج 1 ص 536)
(6) رواه الطيالسي (ص 163 رقم 1179) قال. حدثنا
شعبة قال أخبرني بريد قال سمعت أبا الحوراء قال قلت للحسن بن علي ما تذكر عن
النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال. يعلمنا هذا الدعاء) فذكر الحديث، وهذا اسناد صحيح
متصل بالسماع، وبريد وأبو الحوراء ثقتان، ورواه أحمد (ج 1 ص 199) عن وكيع عن
يونس بن أبي إسحاق عن بريد، و (ص 200) عن عبد الرزاق عن سفيان عن أبي إسحاق
عن بريد، ورواه أحمد (ج 1 ص 200) والدارمي (ص 197) من طريق شعبة عن بريد،
ورواه الترمذي (ج 1 ص 93) والنسائي (ج 1 ص 252) وابن ماجة (ج 1 ص 185)
والمروزي في الوتر (ص 134) كلهم من طريق أبي إسحاق عن بريد، ورواه ابن
الجارود (ص 142) من طريق يونس بن أبي إسحاق عن بريد، ومن طريق بن أبي إسحاق
أيضا، ورواه البيهقي (ج 2 ص 209) من طريق أبى اسحق، ورواه من طريق العلاء
ابن صالح عن بريد وفيه أن بريدا قال (فذكرت ذلك لمحمد ابن الحنفية فقال: إنه
الدعاء الذي كان أبى يدعو به في صلاة الفجر في قنوته). وقد رواه أحمد بن حنبل (ج 1 ص 201)
في مسند الحسين بن علي من طريق شريك عن أبي إسحاق وجعل الحسين بدلا من
الحسن، وأنا أكاد أوقن انه من أغلاط شريك بن عبد الله القاضي فإنه كان سيئ الحفظ،
وقد رواه الحاكم (ج 3 ص 172) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى
ابن عقبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي قال: (علمني رسول
الله صلى الله عليه وسلم في وترى إذا رفعت رأسي ولم يبق الا السجود) فذكره، قال الحاكم
(صحيح على شرط الشيخين) وهو كما قال، وقد اختلف في اسناده على موسى بن عقبة
فرواه محمد بن جعفر بن أبي كثير عن موسى عن أبي إسحاق عن بريد عند الحاكم
أيضا، ورواه يحيى بن عبد الله بن سالم عن موسى عن عبد الله بن علي بن الحسين بن علي
عن الحسن بن علي، عند النسائي (ج 1 ص 252) ويظهر أن موسى رواه عن هؤلاء الثلاثة
وابن أخيه إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ثقة روى له البخاري، وبهذه الطرق كلها ظهر
أن الحديث صحيح حجة خلافا لما قال ابن حزم رحمه الله.
147

قال علي: القنوت ذكر الله تعالى ودعاء، فنحن نحبه، وهذا الأثر وان لم يكن مما يحتج بمثله
فلم نجد فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله:
ضعيف الحديث أحب الينا من الرأي (1) *
قال علي: وبهذا نقول *
وقد جاء عن عمر رضي الله عنه القنوت بغير هذا (2) والمسند أحب الينا *

(1) نقل ابن حجر في التهذيب (ج 3 ص 256) كلام ابن حزم هذا، ولم يتعقبه بشئ، ولكن الحديث صحيح كما ترى.
(2) الرواية عن عمر في القنوت للمروزي (ص 134 - 135) والبيهقي (ج 2 ص 210 - 211) وغيرهما
148

فان قيل: لا يقوله عمر الا وهو عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم *
قلنا لهم: المقطوع في الرواية على أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من
المنسوب إليه عليه السلام بالظن الذي نهى الله تعالى عنه ورسوله عليه السلام *
فان قلتم: ليس ظنا، فأدخلوا في حديثكم انه مسند، فقولوا: عن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم! فان فعلتم كذبتم، وان أبيتم حققتم انه منكم قول على رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالظن الذي قال الله تعالى فيه. (ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) *
وأما تسمية من يدعى له، فقد ذكرنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كما
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني
يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن
أنهما سمعا أبا هريرة يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من
صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه. سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد،
ثم يقول وهو قائم: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة
والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني
يوسف، اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية، عصت الله ورسوله، ثم بلغنا أنه
ترك ذلك لما أنزل الله تعالى (1). (ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم
فإنهم ظالمون) *
وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن مهران الرازي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي عن
يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثهم. (ان النبي صلى
الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة شهرا، إذا قال: سمع الله لمن حمده يقول في
قنوته. اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج عياش بن أبي
ربيعة، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، (2) اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم

(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 187) (لما أنزلت)
(2) في هذه الرواية في المواضع الثلاثة (نج) بالتضعيف، وفى التي قبلها (أنج) بالهمزة
149

اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ترك الدعاء بعد، فقلت، أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك (1) الدعاء؟
فقيل: وما تراهم قدموا! *
قال علي: إنما ترك الدعاء لأنهم قدموا *
قال علي: واختلف الناس في هذا، فروى عن ابن مسعود أنه قال: احملوا حوائجكم
على المكتوبة *
وعن عمرو بن دينار وغيره من تابعي أهل مكة. ما من صلاة أدعو فيها بحاجتي
أحب إلى من المكتوبة *
وعن الحسن البصري. ادع في الفريضة بما شئت *
وعن عروة بن الزبير. انه كأن يقول: في سجوده. اللهم اغفر للزبير بن العوام
وأسماء بنت أبي بكر. *
وبه يقول ابن جريج والشافعي ومالك وداود وغيرهم. *
وروينا عن عطاء وطاوس ومجاهد: أن لا يدعى في الصلاة المكتوبة بشئ أصلا *
وعن عطاء: من دعا في صلاته لانسان سماه باسمه بطلت صلاته. *
وعن ابن سيرين: لا يدعى في الصلاة الا بما في القرآن *
وذهب أبو حنيفة إلى أن من سمى في صلاته إنسانا يدعو له باسمه بطلت صلاته،
ثم زاد غلوا فقال: من عطس في صلاته فقال: (الحمد لله رب العالمين) وحرك به لسانه
بطلت صلاته، ولا يدعى في الصلاة الا بما يشبه ما في القرآن *
قال علي: وهذا خلاف لما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ دعا لقوم
سماهم، وعلى قوم سماهم، وما نهى قط عن ذلك، ومن ادعى ذلك فقد كذب *
واحتج في ذلك قوم بقوله عليه السلام: (ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ
من كلام الناس) *
قال علي: لا حجة لهم في هذا، لان هذا النهى إنما هو عن أن يكلم المصلى أحدا

(1) في الأصلين (ترك) بحذف (قد) وزدناه من مسلم (ج 1 ص 187)
150

من الناس، وأما الدعاء فإنما هو كلام مع الله تعالى، والا فالقراءة كلام الناس، وقد
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن أن يقرأ المصلى القرآن ساجدا، وأمر بالدعاء
في السجود، فصح بطلان قول أبي حنيفة، وثبت أنه لا يحل الدعاء في السجود بما في
القرآن إذا قصد به القراءة، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعد التشهد:
(ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به) وهذا مما خالف فيه أبو حنيفة
ابن مسعود، ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم *
460 مسألة ونستحب أن يشير المصلى إذا جلس للتشهد بأصبعه ولا يحركها،
ويده اليمنى على فخذه اليمنى، ويضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود
ثنا القعنبي عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي (1) قال:
رآني عبد الله بن عمر أعبث (2) بالحصى في الصلاة، فلما انصرف نهاني وقال: اصنع
كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع (3): (إذا جلس في الصلاة (4) وضع
كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الابهام،
ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) *
461 مسألة ونستحب لكل مصل أن يكون أخذه في التكبير مع ابتدائه
للانحدار للركوع، ومع ابتدائه للانحدار للسجود، ومع ابتدائه للرفع من السجود،
ومع ابتدائه للقيام من الركعتين، ويكون ابتداؤه لقول (سمع الله لمن حمده) مع
ابتدائه في الرفع من الركوع، ولا يحل للامام البتة أن يطيل التكبير، بل يسرع فيه،
فلا يركع ولا يسجد ولا يقوم ولا يقعد الا وقد أتم التكبير *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر

(1) بضم الميم نسبة إلى بنى معاوية بن مالك بطن من الأوس، وضبطه ابن حجر في التقريب
بفتح الميم وأظنه خطأ
(2) في أبى داود (وأنا أعبث)
(3) في النسخة رقم (16) (كما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وما هنا هو الموافق للموطأ (ص 30) وأبى داود (ج 1 ص 374)
(4) قوله (في الصلاة) محذوف من الأصلين، وزدناه من الموطأ وأبى داود
151

عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: (كان أبو هريرة يصلى
فيكبر حين يقوم، وحين يركع، وإذا أراد أن يسجد، وإذا سجد بعد ما يرفع من
السجود وإذا جلس، وإذا أراد أن يقوم من الركعتين كبر، فإذا سلم قال: والذي
نفسي بيده انى لأقربكم شبها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما زالت هذه
صلاته حتى فارق الدنيا (1). *
ورويناه أيضا عن علي وابن الزبير وعمران بن الحصين، أما على وابن الزبير فمن
فعلهما، وعن عمران مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث هو ابن سعد عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو
بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى
الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع
صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: (ربنا لك الحمد) (3) وذكر باقي الخبر *
وبهذا يقول أبو حنيفة وأحمد والشافعي وداود وأصحابهم *
وقال مالك بذلك، إلا في التكبير للقيام من الركعتين، فإنه لا يراه إلا إذا استوى
قائما، وهذا قول لا يؤيده قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب، وهذا مما
خالفوا فيه طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف *
وأما قولنا بايجاب تعجيل التكبير للامام فرضا فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنما جعل الامام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا) فأوجب عليه السلام التكبير على المأمومين
فرضا إثر تكبير الامام وبعده ولا بد، فإذا مد الامام التكبير أشكل ذلك على المأمومين

(1) روى نحوه مسلم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن أبي بكر بن
عبد الرحمن عن أبي هريرة، ومن طريق يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة
ومن طرق أخرى (ج 1 ص 115) والبخاري من طريق الليث عن عقيل عن الزهري عن أبي بكر
عن أبي هريرة (ج 1 ص 312 و 313) وسيأتي قريبا
(2) أما عن علي وعمران ففي البخاري (ج 1 ص 311 و 312) ومسلم (ج 1 ص 115). واما عن ابن الزبير فلم أجده
(3) في النسخة (رقم 45) (ربنا ولك الحمد) وهو رواية في البخاري (ج 1 ص 312 - 313)
152

فكبروا معه وقبل تمام تكبيره، فلم يكبروا كما أمروا، ومن لم يكبر فلا صلاة له، لأنه
لم يصل كما أمر، فقد أفسد على الناس صلاتهم، وأعان على الاثم والعدوان. وبالله
تعالى التوفيق *
462 مسألة كل حدث ينقض الطهارة بعمد أو نسيان فإنه متى وجد
بغلبة أو باكراه أو بنسيان في الصلاة ما بين التكبير للاحرام لها إلى أن يتم سلامه منها:
فهو ينقض الطهارة والصلاة معا، ويلزمه ابتداؤها، ولا يجوز له البناء فيها، سواء
كان إماما أو مأموما أو منفردا، في فرض كان أو في تطوع، إلا أنه لا تلزمه الإعادة
في التطوع خاصة، وهو أحد قولي الشافعي *
وقال أبو سليمان وأبو حنيفة وأصحابهما: يبنى بعد أن يتوضأ، إلا أن أبا حنيفة قال:
لو نام في صلاته فاحتلم فإنه يغتسل ويبتدئ ولا يبنى، ولا ندري قولهم فيه إن كان حكمه
التيمم، فإنهم إن كانوا راعوا طول العمل في الغسل، فليس التيمم كذلك، لان حكم
المحدث والجنب فيه سواء! *
وقالوا: إن أحدث الامام بغلبة وهو ساجد، فان كبر ورفع رأسه بطلت صلاته
وصلاة من وراءه! وان رفع رأسه ولم يكبر لم تبطل صلاته ولا صلاة من وراءه فان استخلف
عليهم أو استخلفوا قبل خروج الامام من المسجد لم تبطل صلاة الامام ولا صلاة المأمومين،
فإن لم يستخلف عليهم ولا استخلفوا حتى خرج من المسجد بطلت صلاته وصلاتهم!
والأشهر عن أبي حنيفة تبطل صلاة المأمومين وتتم صلاة الامام، فان خرج فأخذ الماء
من خابية باناء فتوضأ رجع وبني، فان استقى الماء من بئر بطلت صلاته، فان تكلم
سهوا أو عمدا بطلت صلاته *
قال علي: هذه أقوال في غاية الفساد والتناقض والتحكم في دين الله تعالى بلا دليل!
ومع ذلك فأكثرها لم يقله أحد قبلهم، وإنما كلامنا (1) في ابطال البناء واثباته *
قال علي: احتج من قال بالبناء بأثرين ضعيفين: أحدها من طريق أبى الجهم (2)

(1) كذا في النسخة رقم (16) وهو صواب، وفى النسخة رقم (45) (وإنما قولنا) وهو
أيضا صواب، ولكن ناسخها كتب بحاشيتها ان الصواب (واما قولنا) وهذا التصويب
خطأ ظاهر
(2) كذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) (ابن الجهم) ويحرر
153

عن أبي بكر المطوعي (1) عن داود بن رشيد (2) عن إسماعيل بن عياش عن ابن جريج
عن أبيه، وابن أبي ملكية عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. (إذا قاء أحدكم أو قلس
فليتوضأ وليبن علي ما صلى ما لم يتكلم) *
ومن طريق سعيد بن منصور. ثنا إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن أبيه، وابن أبي
مليكة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن قاء أحدكم في صلاته أو رعف
أو قلس فلينصرف ويتوضأ وليبن علي ما مضى من صلاته) * (3)
ومن طريق الأنصاري عن ابن جريج عن أبيه مرسلا * (4)
والثاني من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم * (5)
وكلاهما لا حجة فيه، لان إسماعيل بن عياش ضعيف، لا سيما فيما روى عن الحجازيين
فمتفق على أنه ليس بحجة. وعبد الرحمن بن زياد في غاية السقوط *
وأثر ساقط من طريق عمر بن رياح (6) البصري وهو ساقط عن ابن طاوس
عن أبيه عن ابن عباس. (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رعف في الصلاة توضأ

(1) بصم الميم وفتح الطاء المهملة المشددة وكسر الواو المشددة أيضا. نسبة إلى المطوعة
وهم جماعة فرغوا أنفسهم للغزو والجهاد ورابطوا في الثغور وتطوعوا بالغزو وتصدوا
للعدو في بلاد الكفر. وأبو بكر هذا اسمه محمح بن خالد بن الحسن وله ترجمة في الأنساب
(ورقة 534)
(2) رشيد بضم الراء وفتح الشين المعجمة مصغر.
(3) الحديث رواه
ابن ماجة (ج 1 ص 190) والدار قطني بأسانيد كثيرة ص (56) والبيهقي (ج 1 ص 142)
كلهم من طريق إسماعيل بن عياش به. ونقل البيهقي عن أحمد قال: (إسماعيل بن عياش
ما روى عن الشاميين صحيح وما روى عن أهل الحجاز فليس بصحيح) وقال أيضا:
(هكذا رواه ابن عياش، وإنما رواه ابن جريج عن أبيه ولم يسنده عن أبيه ليس فيه
ذكر عائشة)
(4) الرواية المرسلة رواها البيهقي من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري
وعبد الرزاق وابن عاصم عن ابن جريج، ورواها الدارقطني بأسانيد أخرى.
(5) هذا الحديث لم أجده وما عرفته.
(6) رياح بكسر الراء وفتح الياء المثناة التحتية، وفى الأصلين
(عمير بن رباح) وهو خطأ، وعمر هذا مولى عبد الله بن طاوس، وهو دجال متروك،
وقال ابن حبان (يروى الموضوعات عن الثقات) *
154

وبنى على ما مضى من صلاته) * (1)
وأما الحنفيون فإنهم تناقضوا فقاسوا على ما ذكر في هذين الخبرين جميع الاحداث
التي لم تذكر فيهما، ولم يقيسوا الاحتلام على ذلك، وهذا تناقض! وما جاء قط أثر - صحيح
ولا سقيم - في البناء من الاحداث، كالبول والرجيع والريح والمذي *
وأما أصحابنا فاحتجوا بأنه قد صح ما صلى فلا يجوز ابطاله إلا بنص *
قال علي. وهذا احتجاج صحيح، ولولا النص الوارد بابطال ما مضى منها ما أبطلناه.
ولكن البرهان على بطلان ما صلى. أن عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا محمد بن إسحاق
ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن محمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق انا معمر
عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة
أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) (2) *
قال علي. وروينا من طرق، فإذ صح ان الصلاة ممن احدث لا يقبلها الله حتى
يتوضأ، وقد صح بلا خلاف وبالنص ان الصلاة لا تجزئ إلا متصلة، ولا يجوز
أن يفرق بين أجزائها بما ليس صلاة: فنحن نسأل من يرى البناء للمحدث فنقول *
أخبرونا عن المحدث الذي أمرتموه بالبناء، مذ يحدث فيخرج فيمشي فيأخذ الماء
فيغسل حدثه أو يستنجي فيتوضأ فينصرف إلى أن يأخذ في عمل الصلاة، أهو عندكم
في صلاة؟ أم هو في غير صلاة، ولا سبيل لهم إلى قسم ثالث *
فان قالوا: هو في صلاة أكذبهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله لا يقبل
صلاة من أحدث حتى يتوضأ) ومن المحال الباطل أن يعتد له بصلاة قد أيقنا أن الله
تعالى لا يقبلها، فصح ان عمل صلاته الذي كان قبل قد انقطع، واما أجره فباق له بلا شك،
إلا أنه الان في غير صلاة بلا شك، إذ هو في حال لا يقبل الله تعالى معها صلاة *
وان قالوا: بل هو في غير صلاة. قلنا: صدقتم، فإذ هو في غير صلاة فعليه أن
يأتي بالصلاة متصلة، لا يحول بين أجزائها - وهو ذاكر قاصدا بما ليس من الصلاة
وبوقت ليس هو فيه في صلاة، وهذا برهان لا مخلص منه *

(1) رواه الدارقطني (ص 57) وانظر الكلام على هذه الأحاديث مفصلا في نصب
الراية (ج 1 ص 21 و 23 و 253 و 254)
(2) رواه أبو داود (ج 1 ص 22)
155

ولو أردنا ان نحتج من الحديث بأقوى مما احتجوا به لذكرنا ما حدثنا عبد الله بن
ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير
ابن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان (1) عن مسلم بن سلام (2) عن
علي بن طلق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فليتوضأ
وليعد الصلاة) (3) *
فان ذكروا من بنى من الصحابة رضي الله عنهم فقد روينا عن عبد الله بن أحمد بن
حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثني عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري:
أن المسور بن مخرمة كان إذا رعف في الصلاة يعيدها ولا يعتد بما مضى *
وقد اختلف السلف الصالح في هذا: فروينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي
خالد عن الشعبي: أنه قال في الذي يحدث في صلاته ثم يتوضأ: صل ما بقي من
صلاتك وإن تكلمت *
ومن طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن المغيرة بن
مقسم عن إبراهيم النخعي قال: في الغائط والبول والريح يتوضأ ويستقبل الصلاة وفي القئ
والرعاف يتوضأ ويبنى على صلاته ما لم يتكلم *
وعن المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن ابن سيرين فيمن أحدث في صلاته قبل
ان يسلم، قال: إن صلاته لم تتم *
وعن معمر عن الزهري فيمن أحدث في صلاته قبل ان يسلم: انه يعيد الصلاة *
وهو قول سفيان الثوري ومالك وابن شبرمة وآخر قولي الشافعي، وبه نأخذ *

(1) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين
(2) بتشديد اللام
(3) رواه أبو داود (ج 1 ص 83) وروى الترمذي (ج 1 ص 218) وقال (حديث حسن، وسمعت محمدا يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث من حديث طلق بن علي السحيمي، وكأنه رأى أن هذا رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) ورجح ابن حجر أن عليا هذا والد الطلق بن علي والحديث نسبه الزيلعي في نصب الراية (ج 1 ص 254) إلى النسائي وصحيح ابن حبان، وأعله ابن قطان بأن مسلم بن سلام مجهول الحال. والحق انه ثقة ذكره ابن حبان في الثقات وصحح احمد حديثه
156

463 مسألة فان رعف أحد ممن ذكرنا في صلاة كما ذكرنا فان أمكن
أن يسد أنفه وأن يدع الدم يقطر على ما بين يديه، بحيث لا يمس له ثوبا ولا شيئا من
ظاهر جسده، فعل وتمادى على صلاته، ولا شئ عليه *
برهان ذلك: أن الرعاف ليس حدثا على ما ذكرنا قبل، فإذ ليس حدثا ولا مس له
الدم ثوبا ولا ظاهر جسد فلم يعرض في طهارته ولا في صلاته شئ *
فان مس الدم شيئا من جسده أو ثوبه فامكنه غسل ذلك غير مستدبر القبلة فليغسله
وهو متمادي في صلاته، وصلاته تامة، وسواء مشى إلى الماء كثيرا أو قليلا *
برهان ذلك: أن غسل النجاسة واجتناب المحرمات فرض بلا خلاف، فهو في مشيه
لذلك وفي عمله لذلك مؤدى فرض، ولا تبطل الصلاة بأن يؤدى فيها ما أمر بأدائه، لأنه
لم يخالف، بل صلى كما أمر، ومن فعل ما أمر به فهو محسن. وقد قال تعالى: (ما على
المحسنين من سبيل) *
فان عجز عن ذلك: صلى كما هو، وصلاته تامة، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله
نفسا إلا وسعها) فثبت انه لا يكلف ما لا يستطيع *
فان تعمد استدبار القبلة لذلك: بطلت صلاته، لأنه مخالف ما افترض الله تعالى
عليه قاصدا إلى ذلك *
وقال مالك: إن أصابه الرعاف قبل أن يتم ركعة بسجدتيها قطع صلاته وابتدأ، وان
أصابه بعد أن أتم ركعة بسجدتيها فليخرج فليغسل الدم ويرجع فيبنى *
قال علي: وهذا تقسيم لم يأت به قرآن ولا سنة، لا صحيحة ولا سقيمة، ولا قول صاحب
ولا قياس، وما كان كذلك فلا معنى للاشتغال به * (1)
464 مسألة ومن زوحم حتى فاته الركوع أو السجود أو ركعة أو ركعات:
وقف كما هو، فان أمكنه أن يأتي بما فاته فعل، ثم اتبع الامام حيث يدركه وصلاته تامة،
ولا شئ عليه غير ذلك، فإن لم يقدر على ذلك إلا بعد سلام الامام بمدة قصيرة أو طويلة -
فعل كذلك أيضا، وصلاته تامة والجمعة وغيرها سواء في كل ما ذكرنا *
فلو أدرك مع الامام ركعة صلاها وأضافها إلى ما كان صلى، ثم أتم صلاته، ولا شئ

(1) في النسخة رقم (45) (للاشتغال فيه)
157

عليه غير ذلك *
والغافل سهوا والمزحوم سواء في كل ما ذكرنا *
فان قدر أن يسجد على ظهر أحد ممن بين يديه أو على رجله، فليفعل ويجزئه *
برهان ذلك قول الله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) فمن صح له الاحرام فما زاد فقد
صح له عمل مفترض أداؤه كما امر، فلا يحل له ابطاله بغير نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم
في إبطاله، وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا
آدم ثنا ابن أبي ذئب حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة
وعليكم السكينة (1) والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) (2) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد
ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن ابن عجلان حدثني محمد بن يحيى بن حبان
عن ابن محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تبادروني بركوع ولا بسجود، (3) فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني
به (4) إذا رفعت، إني قد بدنت) (5) *
فأمر عليه السلام بصلاة ما أدرك المرء، وان لا يسبق الامام بركوع ولا بسجود،
وانه مهما فات المأموم من ركوع أدركه بعد رفع الامام، ولم يخص عليه السلام ركعة أولى
من ثانية، ولا ثالثة ولا رابعة، وامر بقضاء ما فاته. وقد أخبر عليه السلام انه رفع عن أمته
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وهذا يوجب يقين ما قلنا: من أن يأتي المرء بصلاته حسب ما يستطيع وما عدا هذا فهو قول فاسد *

(1) في البخاري (ج 1 ص 260) (وعليكم بالسكينة) وهي رواية أبي ذر، وفى رواية
الباقين كما هنا
(2) رواه البخاري أيضا في الجمعة بهذا الاسناد بلفظ آخر (ج 2 ص 37 - 38)
(3) في النسخة رقم (16) (بركوعي ولا بسجودي) وهو خطأ
(4) كلمة (به) زدناها من سنن أبي داود (ج 1 ص 239)
(5) يجوز فيه تشديد الدال المفتوحة ويجوز ضم الدال المخففة
158

465 مسألة ومن لم يمس بالماء في وضوئه وغسله ولو مقدار شعرة مما أمر
بغسله في الغسل أو الوضوء فلا صلاة له، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله
صلاة من أحدث حتى يتوضأ) وهذا لم يتوضأ بعد، إذ لم يكمل طهارته كما أمر *
466 (مسألة) ومن أحال القرآن (1) متعمدا فقد كفر، وهذا ما لا خلاف فيه *
ومن كانت لغته غير العربية جاز له ان يدعو بها في صلاته، ولا يجوز له ان يقرأ بها، ومن
قرأ بغير العربية فلا صلاة له *
وقال أبو حنيفة: من قرأ بالفارسية في صلاته جازت صلاته *
قال علي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) وقال الله
تعالى. (قرآنا عربيا) وقال تعالى. (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) فصح
ان غير العربية لم يرسل به الله تعالى محمدا عليه السلام، ولا انزل به عليه القرآن، فمن قرأ بغير
العربية (2) فلم يقرأ ما ارسل الله تعالى به نبيه عليه السلام، ولا قرأ القرآن، بل لعب
بصلاته، فلا صلاة له، إذ لم يصل كما أمر. *
فان ذكروا قول الله تعالى: (وانه لفي زبر الأولين) *
قلنا: نعم، ذكر القرآن والانذار به في زبر الأولين، وأما أن يكون الله تعالى
أنزل هذا القرآن على أحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباطل وكذب ممن ادعى
ذلك، ولو كان هذا ما كان فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا معجزة له، وما
نعلم أحدا قال هذا قبل أبي حنيفة *
ومن لم يحفظ أم القرآن صلى كما هو، وعليه أن يتعلمها، لقول الله تعالى: (لا يكلف
الله نفسا إلا وسعها) فهو غير مكلف ما لا يقدر عليه، فان حفظ شيئا من القرآن غيرها
لزمه فرضا أن يصلى به، ويتعلم أم القرآن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:،
(لا صلاة الا بقراءة) ولقول الله تعالى (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) *
سجود السهو
467 مسألة كل عمل يعمله المرء في صلاته سهوا وكان ذلك العمل مما

(1) في النسخة رقم (16) (القراءة) وما هنا أحسن وأصح
(2) في النسخة رقم (16) (فمن قرأ بالعربية) وهو خطأ فاحش
159

لو تعمده ذاكرا بطلت صلاته -: فإنه يلزمه في السهو سجدتا السهو، *
ويشبه أن يكون هذا مذهب الشافعي إلا أنه رأى السهو في ترك الجلسة بعد الركعتين،
وظاهر مذهبه أنها ليست فرضا، وقال: من أسقط شيئا من صلب صلاته سهوا فعليه
سجود السهو. *
وقال أبو سليمان وأصحابنا: لا سجود سهو إلا في مواضع: وهي: من سلم أو تكلم
أو مشى ساهيا في الصلاة المفروضة، أو من قام من اثنتين في صلاة مفروضة، أو من شك
فلم يدر كم صلى؟ أو من زاد في صلاته ركعة فما فوقها ساهيا في صلاة مفروضة. *
وقال أبو حنيفة: لا سجود سهو إلا في عشرة أوجه: إما قيام مكان قعود، وإما
قعود مكان قيام للامام والفذ وإما سلام قبل تمام الصلاة للامام أو الفذ، أو
نسيان تكبير صلاة العيد خاصة للامام أو الفذ، أو نسيان القنوت في الوتر للامام أو
الفذ، أو نسيان التشهد للامام أو الفذ، أو نسيان أم القرآن للامام أو الفذ، أو تأخيرها
بعد قراءة السورة للامام أو للفذ، أو من جهر في قراءة سر أو أسر في قراءة جهر للامام
خاصة، فقط *
قال: فان تعمد ذلك فصلاته تامة ولا سجود سهو عليه.
قال: فان نسي سجدة أو شك فلم يدر كم صلى؟ فإن كان ذلك أول مرة أعاد الصلاة
وإن كان قد عرض له ذلك ولو مرة سجد للسهو، فإن لم يذكر ذلك إلا بعد أن خرج
من المسجد بطلت صلاته وأعادها *
وأما مذهب مالك في سجوده لسهو فغير منضبط، لأنه رأى فيمن ترك ثلاث تكبيرات
من الصلاة فصاعدا غير تكبيرة الاحرام ان يسجد للسهو، فإن لم يفعل حتى
انتقض وضوؤه أو تطاول ذلك بطلت صلاته وأعادها. ورأي فيمن سها عن تكبيرتين
من الصلاة كذلك أن يسجد للسهو، فإن لم يفعل حتى انتقض وضوؤه أو تطاول ذلك فلا
شئ عليه وصلاته تامة، ولا سجود سهو عليه، ورأي فيمن سها عن تكبيرة واحدة غير
تكبيرة الاحرام (1) أن لا شئ عليه، لا سجود سهو ولا غيره. ورأي على من جعل
(الله أكبر) مكان (سمع الله لمن حمده) سجود السهو. ورأي على من جهر في قراءة سر

(1) في النسخة رقم (45) (ورأي فيمن سها عن تكبيرة الاحرام) الخ وهو خطأ ظاهر
160

أو أسر في قراءة جهر، إن كان ذلك قليلا فلا شئ عليه، وإن كان كثيرا فعليه سجود السهو
قال علي: ورأي فيمن سها عن قراءة أم القرآن في ركعتين من صلاته فصاعدا ان صلاته
تبطل، فان سها عنها في ركعة، فمرة رأى عليه سجود السهو فقط، ومرة رأى عليه ان
يأتي بركعة ويسجد للسهو *
قال علي: اما قول أبي حنيفة فأفسد من أن يشتغل به! فإنه لم يتعلق فيه بقرآن ولا سنة صحيحة
ولا سقيمة، ولا بقياس، ولا بقول صاحب، ولا برأي سديد! بل ما نعلم أحدا قاله قبله *
وكذلك قول مالك سواء سواء، وزيادة انه لا يختلف مسلمان في أن كل صلاة فرض
تكون أربع ركعات فان فيها اثنتين وعشرين تكبيرة سوى تكبيرة الاحرام، وان كل صلاة فرض تكون ركعتين
ففيها عشر تكبيرات سوى تكبيرة الاحرام، فتسويتهم بين من سها عن ثلاث تكبيرات
وبين من سها عن تكبيرتين، وتفريقهم بين من سها عن تكبيرتين وبين من سها عن تكبيرة
واحدة: أحد عجائب الدنيا! وحسبنا الله ونعم الوكيل *
وأما قول الشافعي فظاهر التناقض، إذ رأى سجود السهو في ترك الجلسة الأولى،
وليست عنده فرضا، ولم ير سجود السهو في ترك جميع تكبير الصلاة حاشا تكبيرة الاحرام
ولا في العمل القليل الذي تفسد الصلاة عنده بكثيره - ولم يحد في القليل الذي اسقط فيه
السجود حدا يفصله به مما تبطل الصلاة عنده بتعمده، ويجب سجود السهو في سهوه
وهذا فاسد جدا! ومن العجب قوله (صلب الصلاة) وما علم الناس للصلاة صلبا ولا بطنا ولا
كبدا ولا معي!! ومثل هذا قد أغنى ظاهر فساده عن تكلف نقضه *
وأما قول أصحابنا فإنهم قالوا: لا سجود سهو إلا حيث سجده رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو امر بسجوده، ولم يسجد عليه السلام إلا حيث ذكرنا *
قال علي: وهذا قول صحيح لا يحل خلافه، إلا أننا قد وجدنا خبرا صحيحا يوجب صحة
قولنا، وجعلوه معارضا لغيره، وهذا باطل لا يجوز، بل الاخبار كلها تستعمل، ولا يحل
ترك شئ منها، فإن لم يكن وجب الاخذ بالشرع الزائد الوارد فيها، لأنه حكم من الله
تعالى فلا يحل تركه.
161

قال علي: وبرهان صحة قولنا: هو ان اعمال الصلاة قسمان بيقين لا شك فيه -
لا ثالث لهما: إما فرض، يعصى من تركه، وإما غير فرض، فلا يعصى من تركه، *
فما كان غير فرض فهو مباح فعله ومباح تركه، وإن كان بعضه مندوبا إليه مكروها
تركه، فما كان مباحا تركه فلا يجوز ان يلزم حكما في ترك امر أباح الله تعالى تركه،
فيكون فاعل ذلك شارعا ما لم يأذن به الله تعالى *
واما الفرض وهو القسم الثاني (1) وهو الذي تبطل الصلاة بتعمد تركه ولا تبطل
بالسهو فيه، لقول الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم):
فإذ الصلاة لا تبطل بالسهو فيه وكان سهوا، ففيه سجود السهو، إذ لم يبق غيره، فلا يجوز
ان يخص بعضه بالسجود دون بعض. وبالله تعالى التوفيق *
قال علي: وقد جاء ما قلنا نصا، كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب
ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا القاسم بن زكرياء ثنا الحسين
ابن علي الجعفي عن زائدة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال. (صلينا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاما زاد أو نقص شك إبراهيم (2) قال ابن مسعود.
قلنا: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شئ؟ قال لا، فقلنا له الذي صنع، فقال. إذا زاد الرجل
أو نقص فليسجد سجدتين) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسماعيل بن مسعود
الجحدري ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة قال: قرأت على منصور وسمعته يحدث وكتب به
إلى (3) عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لهم: (إنما أنا بشر، فإذا نسيت فذكروني، إذا أوهم أحدكم في صلاته
فليتحر أقرب ذلك من الصواب ثم ليتم عليه (4) ثم ليسجد (5) سجدتين *

(1) في النسخة رقم (45) (وهو القسم الباقي)
(2) في مسلم (ج 1 ص 160) (فاما زاد واما نقص، قال إبراهيم. وأيم الله ما جاء ذاك الا من قبلي)
(3) عبارة النسائي في (ج 1 ص 184) عن شعبة (قال. كتب إلى منصور وقرأته عليه وسمعته يحدث رجلا)
(4) في النسخة رقم (45) (أقرب ذلك من الصلوات ثم ليتم ما عليه) وهو خطأ
(5) في النسائي (ثم يسجد) وقد اختصر المؤلف الحديث جدا، ورواه النسائي بأسانيد كثيرة عن منصور، ورواه مسلم كذلك (ج 1 ص 158 و 159)
162

قال علي: فهذا نص قولنا في إيجاب السجود في كل زيادة ونقص في الصلاة وكل
وهم، ولا يقال لمن أدى صلاته بجميع فرائضها كما أمره الله تعالى: انه زاد في صلاته،
ولا نقص منها، ولا أوهم فيها، بل قد أتمها كما أمر، وإنما الزائد (1) في الصلاة أو الناقص
منها والواهم من زاد فيها ما ليس منها أو نقص منها ما لا تتم إلا به على سبيل الوهم.
وبالله تعالى التوفيق *
وقد قال بقولنا طائفة من السلف رضي الله عنهم. كما روينا عن حماد بن سلمة عن
سعيد بن قطن: (2) أن أبا زيد الأنصاري قال: إذا أوهم أحدكم في صلاته
فليسجد سجدتي الوهم *
وعن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال
لا وهم إلا في قعود أو قيام أو زيادة أو نقصان أو تسليم في ركعتين *
ومن طريق معمر عن قتادة عن أنس: أنه نسي ركعة من الفريضة حتى دخل في التطوع، ثم ذكر، فصلى بقية صلاة الفريضة ثم سجد سجدتين وهو جالس *
قال علي: ما نعلم (3) لانس في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم *
وعن ابن جريج. قلت لعطاء. فان استيقنت أني صليت خمس ركعات قال. فلا تعد
ولو صليت عشر ركعات، واسجد سجدتي السهو وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري إذا زدت
أو نقصت فاسجد سجدتي السهو *
468 مسألة قال علي: وكل ما عمله المرء في صلاته سهوا من كلام أو إنشاد
شعر أو مشى أو اضطجاع أو استدبار القبلة أو عمل أي عمل كان أو أكل أو شرب أو زيادة
ركعة أو ركعات أو خروج إلى تطوع كثر ذلك أو قل أو تسليم قبل تمامها، فإنه متى
ذكر طال زمانه أو قصر، ما لم ينتقض وضوؤه: فإنه يتم ما ترك فقط، ثم يسجد سجدتي
السهو، إلا انتقاض الوضوء فإنه تبطل به الصلاة، لما ذكرنا قبل *
برهان ذلك ما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه متصلة بها *
وقال أبو حنيفة: من تكلم في صلاته ساهيا بطلت صلاته، فان سلم منها ساهيا

(1) في النسخة رقم (45) (وأيضا الزائد) الخ وما هنا أحسن وأصح
(2) بفتح القاف والطاء المهملة
(3) في النسخة رقم (45) (لا نعلم)
163

لم تبطل صلاته، فان أكل ساهيا أو زاد ركعة ولم يكن جلس في آخرها مقدار التشهد
بطلت صلاته، فان بال أو تغوط بغلبة لم تبطل صلاته، فان عطس فقال (الحمد لله) محركا
بها لسانه بطلت صلاته! *
قال علي: وهذا الكلام فيه من التخليط والقبح مع مخالفة السنة ما نسأل الله
تعالى السلامة من مثله! *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد
ابن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة قالا ثنا
إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال
ابن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (بينا أنا أصلى مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم
بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه (1)! ما شأنكم تنظرون إلى؟ فجعلوا يضربون بأيديهم
على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني (2)، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله (3) ما كهرني (4)
ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هو
التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) *
حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن: قرئ على أبى
قلابة (5) وأنا أسمع: حدثكم بشر بن عمر الزهراني (6) حدثني رفاعة بن يحيى إمام مسجد
بنى زريق (7) قال: سمعت معاذ بن رفاعة بن رافع يحدث عن أبيه قال: (صلينا مع رسول الله

(1) الثكل - بضم الثاء المثلثة واسكان الكاف، ويجوز فتحهما - هو فقدان المرأة
ولدها، وأمياه بكسر الميم
(2) في الأصلين بنون واحدة وصححناه من مسلم (ج 1 ص 151)
(3) كلمة (فوالله) زدناها من صحيح مسلم
(4) أي ما انتهرني
(5) بكسر القاف واسمه عبد الملك ابن محمد بن عبد الله الرقاشي الضرير الحافظ، وكنيته أبو محمد، وغلب عليه أبو قلابة، ولد سنة 190 ومات في شوال سنة 276، وهو غير أبى قلابة الجرمي التابعي عبد الله بن زيد ابن عمرو المتوفى في أوائل المائة الثانية.
(6) في النسخة رقم (16) (الزهراني) وفى النسخة رقم (45) (بشر بن عمرو) وكلاهما خطأ
(7) بتقديم الزاي وضمها وآخره قاف، وفى النسخة رقم (45) (رزين) وهو تصحيف، ورفاعة هذا هو رفاعة بن يحيى بن عبد الله ابن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان الزرقي، ومعاذ عم أبيه
164

صلى الله عليه وسلم المغرب فعطس رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الحمد لله
حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فلما انصرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها
ويصعد بها إلى السماء (1) *
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غبط الذي حمد الله تعالى إذ عطس في الصلاة جاهرا
بذلك، ولم يلزم الذي تكلم ناسيا بإعادة، على ما ذكرنا فيما خلا من هذا الديوان *
قال علي: واما من فرق بين قليل العمل وكثيره، فأبطل الصلاة بكثيرة ولم يبطلها بقليله، أو
رأى سجود السهو في كثيرة ولم يره في قليله، أو حد الكثير بالخروج عن المسجد والقليل بأن
لا يخرج عنه. فكلام في غاية الفساد! *
ونسألهم عمن رمى نزقا (2) لنسج مرة واحدة عامدا في الصلاة، أو أخذ حبة سمسمة عمدا
ذاكرا فأكلها أو تكلم بكلمة واحدة ذاكرا، فمن قولهم: إن قليل هذا وكثيره يبطل
الصلاة. فنسألهم عمن كثر حكه لجسده محتاجا إلى ذلك من أول صلاته إلى آخرها، وكان عليه
كساء فلوت (3) فاضطر إلى جمعه على نفسه من أول الصلاة إلى آخرها، فمن قولهم: هذا كله
مباح في الصلاة: قلنا: صدقتم، فهاتوا نصا أو اجماعا غير مدعى بلا علم على أن ههنا أعمالا
يبطل الصلاة كثيرها ولا يبطلها قليلها، ثم هاتوا نصا أو اجماعا متيقنا غير مدعى بالكذب
على تحديد القليل من الكثير! ولا سبيل إلى ذلك أبدا. *
فصح ما قلناه. من أن كل عمل أبيح في الصلاة بالنص: فقليله وكثيره مباح فيها،
وكل عمل لم يبح بالنص في الصلاة: فقليله وكثيره يبطل الصلاة بالعمد، ويوجب سجود
السهو إذا كان سهوا. *

(1) رواه الترمذي (ج 1 ص 82) والنسائي (ج 1 ص 147) كلاهما عن قتيبة بن سعيد عن
رفاعة بن يحيى، ورواه البيهقي (ج 2 ص 92) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن سعيد بن عبد
الجبار البصر عن رفاعة بن يحيى. وقال الترمذي (حديث حسن) ونقل ابن حجر في
التهذيب (ج 3 ص 283) عن الترمذي تصحيحه فلعل نسخ الترمذي مختلفة
(2) كذا في الأصلين، ولعل الكلمة محرفة ويحرر
(3) كذا في النسخة (رقم 45) ولعل الصواب (فالتوى) أو ما قرب من هذا المعنى والمراد واضح والكلمة غير مفهومة، وهذه الجملة سقطت من النسخة (رقم 16)
165

وأما الخروج عن المسجد فرب مسجد يكون طوله أزيد من ثلاثمائة خطوة، ورب
مسجد يخرج منه بخطوة واحدة وبالله تعالى التوفيق. *
وقد سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهيا وتكلم وراجع وخرج عن المسجد ودخل
بيته ثم عرف فخرج فأتم ما بقي من صلاته وسجد لسهوه سجدتين فقط. وقد قال عليه السلام
(من رغب عن سنتي فليس مني) *
وبهذا يبطل أيضا قول من قال: لكل سهو في الصلاة سجدتان) *
وأما من قال: إن تطاولت المدة على من ترك سجود السهو بطلت صلاته ولزمه إعادتها،
وقول من قال: إن تطاولت المدة عليه سقط عنه سجود السهو وصحت صلاته. فقولان
في غاية الفساد *
وأول ذلك أنهما قولان بلا برهان، وما كان هكذا فهو باطل *
والثاني: أنه يلزمهم الفرق بين تطاول المدة وبين قصرها بنص صحيح أو اجماع
متيقن غير مدعى بالكذب، ولا سبيل إلى ذلك *
والحق في هذا: هو أن من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجدتي السهو فقد لزمه
أداء ما امره به، ولا يسقطه عنه رأى ذي رأى، وعليه ان يفعل ما امره به ابدا: ولا يسقطه
عند الا تحديد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العمل بوقت محدود الآخر *
والعجب من قوم اتوا إلى امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة في وقت محدود
الطرفين، وبالصيام في وقت محدود الطرفين. فقالوا: لا يسقط عملهما وإن بطل ذلك
الوقت الذي جعله الله تعالى وقتا لهما ولم يجعل ما عدا ذلك الوقت وقتا لهما! ثم أتوا إلى
سجود السهو الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إصلاحا لما وهم فيه من فروض
الصلاة وأطلق بالامر به ولم يحده: فأبطلوه بوقت حدوه من قبل أنفسهم! *
وقولنا هذا هو قول الأوزاعي، وقال به الشافعي في أول قوليه (1) *
469 مسألة وإذا سها الامام فسجد للسهو ففرض على المؤتمين أن يسجدوا معه،
الا من فاتته معه ركعة فصاعدا، فإنه يقوم إلى قضاء ما عليه، فإذا أتمه سجد هو للسهو،

(1) في النسخة رقم (16) (وقال به الشعبي أول قوليه) وهو خطأ فيما نرى فلم نسمع
أن للشعبي مذهبين كما للشافعي.
166

إلا أن يكون الامام سجد للسهو قبل السلام، ففرض على المأموم أن يسجدهما معه،
وإن كان بقي عليه ما فاته، ثم لا يعيد سجودهما (1) إذا سلم *
برهان ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سها فسجد وسجد المسلمون
معه بعلمه بذلك *
وأما من عليه قضاء ركعة فصاعدا فان الامام إذا سلم فقد خرج من صلاته، ولزم
المأموم القضاء، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم
فاقضوا) وقال عليه السلام أيضا. (فأتموا) فلا يجوز له الاشتغال بغير الاتمام المأمور
به موصولا بما أدرك، فلم يتم صلاته بعد، والسجود للسهو لا يكون الا في آخر
الصلاة وبعد تمامها، بأمره عليه السلام بذلك كما ذكرنا آنفا *
وأما إذا سجدهما الامام قبل أن يسلم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما
جعل الامام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا) ففرض عليه الائتمام به في كل ما يفعله الامام
في موضعه وإن كان موضعه للمأموم بخلاف ذلك، وكذلك يفعل في القيام والقعود
والسجود. وبالله تعالى التوفيق *
470 مسألة وإذا سها المأموم ولم يسه الامام ففرض على المأموم أن
يسجد للسهو، كما كان يسجد لو كان منفردا أو اماما ولا فرق *
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كما أوردنا آنفا كل من أوهم في صلاته بسجدتي
السهو، ولم يخص عليه السلام بذلك اماما ولا منفردا من مأموم، فلا يحل تخصيصهم
في ذلك *
ومن قال: إن الامام يحمل السهو عن المأموم: فقد أبطل، وقال مالا برهان
له به، وخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور برأيه، ولا خلاف منا ومنهم
في أن من اسقط ركعة أو سجدة أو أحدث سهوا كان كل ذلك أو عمدا فان الامام
لا يحمله عنه، فمن أين وقع لهم ان يحمل عنه سائر ما سها فيه من فرض؟! ان هذا لعجب
وقد روى هذا القول عن ابن سيرين وغيره، وهو قول أبي سليمان، وبه تأخذ *
471 مسألة ومن سجد سجدتي السهو على غير طهارة أجزأتا عنه
ونكره ذلك *

(1) في الأصليين (ثم لا يعيد سجودهما معه) وزيادة (معه) خطأ ظاهر ولا معنى لها هنا
167

برهان ذلك ما قد ذكرناه مما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية المرواني ثنا احمد
ابن شعيب انا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر غندر و عبد الرحمن بن مهدي قالا جميعا: ثنا
شعبة عن يعلي بن عطاء أنه سمع علي بن عبد الله الأزدي هو البارقي انه سمع ابن عمر
يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) (1) *
قال علي: فلا يجوز أن تكون صلاة غير مثنى، إلا ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلاة وهو غير مثنى، كالفروض التي هي أربع أربع، وكالوتر، وكالصلاة قبل الظهر
وبعد الجمعة أربعا لا تسليم بينهن وصلاة الجنائز وما عدا ذلك فليس صلاة، ولم يسم عليه
السلام سجدتي السهو صلاة *
ولا وضوء يجب لازما الا لصلاة كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب
ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عمرو بن عباد بن
جبلة (2) ثنا أبو عاصم عن ابن جريج ثنا سعيد بن الحويرث انه سمع ابن عباس يقول: (ان
النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته من الخلاء فقرب إليه طعام فأكل فلم يمس ماء) قال
ابن جريج. وزادني (3) عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث (ان النبي صلى الله عليه
وسلم قيل له: انك لم تتوضأ، قال: ما أردت صلاة فأتوضأ) قال عمرو. سمعته من
سعيد بن الحويرث *

(1) في النسائي (ج 1 ص 246) وقال النسائي عقبه (هذا الحديث عندي خطأ والله
تعالى أعلم) ثم رواه بأسانيد كثيرة صحيحة عن ابن عمر مرفوعا بلفظ (صلاة الليل مثنى
مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) وقد رواه الجماعة كلهم بهذا اللفظ بحذف
النهار وقد ضعف جماعة من الحفاظ زيادة النهار، منهم ابن معين والترمذي، واختلف
قول الحاكم فيها، فقد نقل عنه ابن حجر في التلخيص (ص 119) أنه قال في علوم
الحديث: انها خطأ كقول النسائي، وانه صححه من المستدرك، ونقل تصحيحها عن ابن
خزيمة وابن حبان والخطابي لأنها زيادة من ثقة وهي مقبولة، وعمدة من ضعفها أنها انفرد
بها علي بن عبد الله البارقي، وليس تفرده ضعفا لها فإنه ثقة. وقد روى الحديث البيهقي
(ج 2 ص 487) من طريق علي بن عبد الله البارقي ثم روى باسناده عن البخاري تصحيحه
ثم روى عن ابن عمر موقوفا نحوه وهو شاهد قوى للمرفوع. وانظر تفصيل الكلام على طرقه
وأسانيده في التلخيص والبيهقي.
(2) في النسخة رقم (16) (ثنا عمر بن عمر بن عباد بن
جبلة) وهو خطأ.
(3) في الأصلين (وزاد) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 111)
168

ورويناه أيضا عن سفيان بن عيينة وحماد بن زيد كلاهما عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث
عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: نحو ذلك (1) *
472 مسألة والأفضل أن يكبر لكل سجدة من سجدتي السهو ويتشهد بعدهما
ويسلم منهما، فان اقتصر على السجدتين دون شئ من ذلك أجزأه *
قال علي: أما الاقتصار على السجدتين فقط فلما أوردناه آنفا من أمره عليه السلام
من أوهم في صلاته أو زاد أو نقص بسجدتين، ولم يأمر عليه السلام فيهما بغير ذلك *
وأما اختيارنا التكبير لهما والتشهد والسلام: فلما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد
ابن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن عبيد بن حساب (2) ثنا حماد هو ابن
زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال. (صلى بنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم احدى صلاتي العشى، الظهر قال: أو العصر، فصلى بنا ركعتين ثم
سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه (3) عليها، إحداهما على الأخرى، يعرف (4)
في وجهه الغضب، ثم خرج سرعان (5) الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت
الصلاة، وفى الناس أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، فقام رجل كان يسميه رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذا اليدين، فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس
ولم تقصر الصلاة قال: بل نسيت يا رسول الله (6)، فاقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
على القوم فقال: أصدق ذو اليدين؟ فأومؤا إليه أي نعم (7) فرجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى مقامه، فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع
وكبر ثم كبر وسجد (8) مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر) فقيل لمحمد بن سيرين: سلم في
السهو؟ قال: لم احفظ من أبي هريرة (9)، ولكن نبئت ان عمران بن الحصين قال:

(1) رواية سفيان وحماد في مسلم أيضا
(2) بكسر الحاء وفتح السين المهملتين
(3) في الأصلين (يده) وهو خطأ صححناه من أبى داود (ج 1 ص 385 - 378)
(4) في النسخة (رقم 45) (فعرف) وما هنا هو الموافق لأبي داود
(5) بالسين المهملة والراء المفتوحتين، وهم المسرعون إلى الخروج، ويقال: باسكان الراء مع فتح السين ومع ضمها
(6) في النسخة رقم (16) (بلى نسيت يا رسول الله) وما هنا هو الموافق لأبي داود
(7) في النسخة رقم (16) بحذف (أي) وفى أبى داود باثباتها وحذف (إليه)
(8) في أبى داود (ثم رفع وكبر وسجد) الخ وما هنا أصح
(9) في الأصلين (عن أبي هريرة) وصححناه من أبى داود
169

(ثم سلم) (1) *
وبه إلى أبي داود. ثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى حدثني
أشعث هو بن عبد الملك (2) عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي
المهلب عن عمران بن الحصين. (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سها فسجد (3) سجدتين ثم
تشهد ثم سلم) (4) *
قال علي: وهذه اعمال لا أوامر، فالائتساء فيها حسن *
روينا عن ابن جريج عن عطاء قال: ليس في سجدتي السهو قراءة ولا ركوع ولا تشهد *
وعن الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن انس بن مالك والحسن. انهما كانا
لا يتشهدان في سجدتي السهو *
وعن الحسن: ليس فيهما تسليم: *
قال علي: ولا بد له فيهما من أن يقول: (سبحان ربي الأعلى) لقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم (اجعلوها في سجودكم) وهذا عموم لكل سجود *
473 مسألة وسجود السهو كله بعد السلام إلا في موضعين، فان الساهي فيهما
مخير بين ان يسجد سجدتي السهو بعد السلام وإن شاء قبل السلام *
أحدهما: من سها فقام من ركعتين ولم يجلس ويتشهد، فهذا سواء كان إماما أو فذا
فإنه إذا استوى قائما فلا يحل له الرجوع إلى الجلوس فان رجع وهو عالم بأن ذلك
لا يجوز ذاكر لذلك: بطلت صلاته، فإنه فعل ذلك ساهيا لم تبطل صلاته، وهو
سهو يوجب السجود، لكن يتمادى في صلاته فإذ أتم التشهد الآخر فان شاء سجد
سجدتي السهو ثم سلم، وان شاء سلم ثم سجد سجدتي السهو *
والموضع الثاني: ان لا يدري في كل صلاة تكون ركعتين أصلى ركعة أو ركعتين؟

(1) الحديث رواه الشيخان وأصحاب السنن
(2) في النسخة رقم (16) (أشعث بن عبد الله) وهو محتمل، لان أشعث بن عبد الملك وأشعث بن عبد الله كلاهما رويا عن محمد ابن سيرين، وروى عن كليهما محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، ولكن حققنا انه أشعث بن عبد الملك بأن البيهقي رواه (ج 2 ص 354) من طريق ابن المثنى (ثنا أشعث ابن عبد الملك الحمراني) ثم قال: (تفرد به أشعث الحمراني).
(3) في أبى داود (ج 1 ص 401) (صلى بهم فسها فسجد)
(4) الحديث رواه الترمذي بهذا الاسناد (ج 1 ص 80) وقال
(حديث حسن غريب)
170

وفي كل صلاة تكون ثلاثا أصلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثا؟ وفي كل صلاة تكون أربعا
أصلى أربعا أم أقل؟ فهذا يبنى على الأقل ويصلى أبدا حتى يكون على يقين من أنه
قد أتم ركعات صلاته وشك في الزيادة، فإذا تشهد في آخر صلاته فهو مخير ان شاء سجد
سجدتي السهو قبل السلام، ثم يسلم وان شاء سلم ثم سجد سجدتي السهو وان أيقن
في خلال ذلك أنه كان قد أتم جلس من حينه وتشهد وسلم ولا بد، ثم سجد للسهو وإن
ذكر بعد أن سلم وسجد أنه زاد يقينا فلا شئ عليه وصلاته تامة *
والسجود في صلاة التطوع واجب كما هو في صلاة الفرض، ولا فرق في كل ما ذكرناه *
وقال أبو حنيفة: السجود كله للسهو بعد السلام *
وقال الشافعي: هو كله قبل السلام *
وقال مالك: هو في الزيادة بعد السلام، وفى النقصان قبل السلام *
قال علي: تعلق أبو حنيفة ببعض الآثار وترك بعضا وهذا لا يجوز، وكذلك فعل
الشافعي، وزاد حجة نظرية وهي: أنه قال: إن جبر الشئ لا يكون الا فيه لا بائنا عنه *
قال علي: والنظر لا يحل ان يعارض به كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليت
شعري، من أين لهم بأن جبر الشئ لا يكون الا فيه لا بائنا عنه؟! وهم مجمعون على أن
الهدى والصيام يكونان جبرا لما نقص من الحج، وهما بعد الخروج عنه، وان عتق الرقبة
أو الصدقة أو صيام الشهرين جبر لنقص وطئ التعمد في نهار رمضان، وبعض ذلك لا يجوز
الا بعد تمامه، وسائر ذلك يجوز بعد تمامه، وهذه صفة الآراء المقحمة في الدين بلا
برهان من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم *
وأما قول مالك فرأى مجرد فاسد بلا برهان على صحته، وهو أيضا مخالف للثابت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من امره بسجود السهو قبل السلام من شك فلم يدر كم صلى؟
وهو سهو زيادة فبطلت هذه الأقوال كلها، وبالله تعالى التوفيق *
قال علي: وبرهان صحة قولنا: ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد
ابن شعيب ثنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان ثنا الفضيل هو ابن عياض عن منصور
ابن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لهم: (فأيكم ما نسي في صلاته شيئا (1) فليتحر الذي يرى أنه صواب ثم يسلم

(1) الذي في النسائي (ج 1 ص 184) (فأيكم شك في صلاته شيئا)
171

ثم سجد سجدتي السهو *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عثمان
ابن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة. قال قال عبد الله هو ابن
مسعود. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم في حديث: (إذا شك (1)
أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد (2) سجدتين) *
قال علي: ورويناه من طرق كثيرة جياد غاية (3). فلو لم يرد غيره هذه السنة لم يجز
سجود السهو الا بعد السلام *
حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا
قتيبة بن سعيد عن مالك بن انس عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة (4)
قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس
معه، فلما قضى صلاته ونظرنا (5) تسليمه كبر فسجد (6) سجدتين وهو جالس قبل
التسليم، ثم سلم) (7) *
فلم يرجع عليه السلام إلى الجلوس، وقد قال عليه السلام (صلوا كما تروني أصلى) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد
الله بن عمر الجشمي (8) ثنا يزيد بن هارون أنا المسعودي هو أبو العميس عتبة بن عبد
الله بن عتبة عبد الله بن مسعود (9) عن زياد بن علاقة (10) قال: (صلى بنا المغيرة

(1) في الأصلين (وإذا شك) والواو الزائدة ليست في أبى داود
(2) في الأصلين وليسجد وصححناه من أبى داود (ج 1 ص 390)
(3) نسبه المنذري للصحيحين وابن ماجة أيضا
(4) هو عبد الله بن مالك، وبحينة - بالتصغير - أمه ولذلك أثبتنا الف (ابن)
(5) أي انتظرنا
(6) كذلك هو في النسائي (ج 1 ص 181)، وفى الموطأ (ص 34) (ثم سجد)
(7) رواه أيضا أبو داود (ج 1 ص 397 و 398) ونسبه المنذري للشيخين والترمذي وابن ماجة
(8) بضم الجيم وفتح الشين المعجمة
(9) هكذا في الأصلين، وقد أخطأ ابن حزم جدا، فان
المسعودي في هذا الاسناد هو (عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود)
واما أبو العميس - بضم العين المهملة وفتح الميم - فهو أخو المسعودي، وهو (عتبة بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود)، ولم يرو أبو العميس هذا الحديث عن زياد بن علاقة،
بل رواه عن غيره، قال أبو داود بعد هذا الحديث (ورواه أبو العميس عن ثابت بن
عبيد قال صلى بنا المغيرة بن شعبة مثل حديث زياد بن علاقة، قال أبو داود: أبو عميس
أخو المسعودي) (ج 1 ص 399 و 400)
(10) بكسر العين المهملة وتخفيف اللام
172

ابن شعبة فنهض في الركعتين، فقلنا: سبحان الله، فقال: سبحان الله، ومضى، فلما أتم
صلاته وسلم سجد (1) سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يصنع كما صنعت) (2) *
قال على: وكلا الخبرين صحيح، فكلاهما الاخذ به سنة *
وقد قال بعض مقلدي أبي حنيفة: لعل ابن بحينة لم يسمع تسليم رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذ سلم! *
قال علي: وهذا تعلل بدعوى الكذب، واسقاط السنن بالظن الكاذب. ولا يحل
ان يقال فيما رواه الثقة فكيف الصاحب: لعله وهم، إلا بيقين وارد بأنه وهم، واما بالظن فلا، قال
عليه السلام: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) ومن الباطل أن يسلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم من صلاته ولا يسلم المؤتمون بسلامه، وأن يسلموا كما سلم عليه السلام ولا يسمع ابن
بحينة شيئا من ذلك! فلا يدعي هذا إلا قليل الحياء، رقيق الدين مستهين بالكذب (3)! *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا موسى بن داود ثنا سليمان
ابن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى، أثلاثا أم أربعا؟ (4)
فليطرح الشك وليبن علي ما استيقن، ثم يسجد (5) سجدتين قبل أن يسلم) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد
ابن العلاء أبو كريب ثنا أبو خالد هو الأحمر عن محمد بن عجلان عن زيد بن
أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) في الأصلين (فلما أتم صلاته سلم وسجد) وصححناه من أبى داود
(2) رواه أيضا الترمذي (ج 1 ص 74) عن الدارمي عن يزيد بن هارون، وقال (حسن صحيح) والمسعودي تكلم فيه والحق انه ثقة، وقد تابعه اخوه وغيره على روايته، قال الترمذي
(وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة)
(3) في النسخة رقم (16) (مستيقن)
(4) قوله (أثلاثا أم أربعا) سقط من الأصلين وزدناه من مسلم (ج 1 ص 158)
(5) في النسخة رقم (16) (ثم ليسجد) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم
173

(إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك (1) وليبن علي اليقين، فإذا استيقن التمام سجد
سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان (2) وإن كانت ناقصة
كانت الركعة تماما لصلاته، وكانت السجدتان ترغيما للشيطان. (3) *
ورويناه من طريق مالك مرسلا (4) *
فهذا نص ما قلنا، وهذا هو بيان التحري المذكور في حديث ابن مسعود. *
وفي هذا بطلان قول أبي حنيفة: إن عرض له ذلك أول مرة أعاد الصلاة، وأما بعد ذلك
فيتحرى أغلب ظنه. مع أن هذا التقسيم فاسد، لأنه بلا برهان *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص
ابن عمر هو الحوضي ومسلم بن إبراهيم ثنا شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة عن إبراهيم
عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا،
فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذلك؟ قيل: (5) صليت خمسا، فسجد سجدتين
بعد ما سلم) (6) *
فقال أبو حنيفة من صلى خمسا ساهيا فصلاته باطل، إلا أن يكون جلس في آخر الرابعة
مقدار التشهد. *
قال علي: وهذا تقسيم مخالف للسنة، خارج عن القياس، بعيد عن سداد الرأي! *
وروينا عن يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أبيه عن الحارث
ابن شبيل (7) عن عبد الله بن شداد: أن ابن عمر لم يجلس في الركعتين، فمضى فلما سلم في
آخر صلاته سجد سجدتين وتشهد مرتين *
حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ ثنا

(1) في أبى داود (ج 1 ص 392) (فليلق الشك) بالقاف
(2) في الأصلين (كانت الركعة في النافلة والسجدتين) وهو خطأ صححناه من أبى داود
(3) في أبى داود (وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان)
(4) رواه أبو داود عن القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار
مرسلا، وهذا الحديث - أعنى المتصل - رواه مسلم والنسائي والدار قطني وغيرهم بألفاظ
مختلفة، انظرها في شرح أبى داود.
(5) في بعض نسخ أبى داود (قال) وفى بعضها (قالوا)
(6) نسبه المنذري للشيخين والترمذي والنسائي
(7) بضم الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة
174

أحمد بن زهير بن حرب ثنا أبي ثنا أبو معاوية الضرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن
أبي حازم عن سعد بن أبي وقاص: (أنه نهض في الركعتين فسبحوا له، فاستتم قائما، ثم
سجد سجدتي السهو حين انصرف، ثم قال: كنتم تروني أجلس؟! إني صنعت كما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع) (1) *
وعن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار سمعت ابن عمر يقول: إذا شك أحدكم
في صلاته فليتوخ حتى يعلم أنه قد أتم، ثم ليسجد سجدتين وهو جالس (2) *
ففسر ابن عمر التحري كما قلناه *
فان احتج محتج بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر وسفيان بن عيينة كلاهما
عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: (التسليم بعد سجدتي السهو) *
قلنا: لم يسمع ابن سيرين من عمران بن الحصين، فهذا منقطع، (3) ثم لو أسند لما
كان معارضا لامره عليه السلام بسجود السهو بعد السلام، بل كأن يكون مضافا إليه،
وإنما كأن يكون فيه أن بعد السجدتين تسليما منهما فقط. وبالله تعالى التوفيق *
وروينا عن عطاء إيجاب سجود السهو في التطوع، وعموم أمره صلى الله عليه وسلم
من أوهم في صلاة بسجدتي السهو: يدخل فيه التطوع، ولا يجوز اخراجه منه بالظن
وبالله تعالى نتأيد *

(1) رواه الحاكم (ج 1 ص 322 و 323) من طريق يحيى بن يحيى، والبيهقي (ج 2
ص 344) من طريق أحمد بن عبد الجبار كلاهما عن أبي معاوية باسناده وصححه الحاكم
على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وهو كما قالا
(2) روى البيهقي نحوه (ج 2 ص 323) من طريق مالك عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر، ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر
(3) نص أحمد بن حنبل على أن ابن سيرين سمع من عمران كما نقله في التهذيب، ويظهر لي أن هذا الحديث مختصر من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة في سجود السهو الذي قال في آخره (ولكن نبئت ان عمران بن حصين قال ثم سلم) ثم رواه ابن سيرين فبين عمن سمع ذلك فرواه عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران، وقد سبق في المسألة 472، واما اللفظ الذي هنا فانى لم أجده
175

474 مسألة ومن أكره على السجود لوثن أو لصليب أو لانسان وخشي
الضرب أو الأذى أو القتل على نفسه أو على مسلم غيره ان لم يفعل: فليسجد لله تعالى قبالة
الصنم، أو الصليب، أو الانسان، ولا يبالي إلى القبلة يسجد أو إلى غيرها *
وقد قال بعض الناس: إن كان المأمور بالسجود له في القبلة فليسجد لله تعالى والا فلا *
قال علي: وهذا تقسيم فاسد، لان المنع من السجود لله تعالى إلى كل جهة عمدا
قصدا لم يأت منه منع. قال تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) وإنما أمرنا باستقبال الكعبة
في الصلاة خاصة. والسجود وحده ليس صلاة، وهو جائز بلا طهارة، والى غير القبلة،
وللحائض لأنه لم يأت نص بايجاب ذلك فيه. وقال تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان *
475 مسألة ومن عجز عن القيام أو عن شئ من فروض صلاته أداها قاعدا
فإن لم يقدر فمضطجعا بايماء، وسقط عنه ما لا يقدر عليه ويجزئه ولا سجود سهو في ذلك
ويكون في اضطجاعه كما يقدر، إما على جنبه ووجهه إلى القبلة، وإما على ظهره بمقدار
ما لو قام لاستقبل القبلة، فان عجز عن ذلك فليصل كما يقدر إلى القبلة والى غيرها، وكذلك
من قدح عينيه، (1) فإنه يصلى كما يقدر. *
قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال تعالى. (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم إلا ما اضطررتم إليه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (إذا أمرتكم بأمر
فأتوا منه ما استطعتم) وأمر تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالتداوي *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص
ابن عمر هو الحوضي ثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال: (أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما (2) على رؤسهم الطير، فسلمت ثم قعدت،
فجاءت الاعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: تداووا فان الله لم يضع
داءا إلا وضع له دواء، (3) غير داء واحد، الهرم (4) *

(1) قدح الطبيب العين أخرج منها الماء المنصب إليها من داخل.
(2) في الأصلين
(كأن) وصححناه من أبى داود (ج 4 ص 1) ومن مسند الطيالسي (ص 171 رقم
1232) وقد رواه عن شعبة والمسعودي عن زياد بن علاقة
(3) في النسخة رقم (45) (إلا وله دواء) وما هنا هو الموافق لأبي داود السجستاني، وأبى داود الطيالسي
(4) رواه أيضا احمد (ج 4 ص 278) والترمذي (ج 2 ص 3) والحاكم (ج 4 ص 198 و 199)
وصححه هو والترمذي والذهبي
176

فان ذكروا ان عائشة نهت ابن عباس عن ذلك *
قلنا: كم قصة لها رضي الله عنها خالفتموها؟ حيث لا يعلم لها مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، وحيث لم تأت سنة بخلافها، كأمرها المستحاضة بالوضوء لكل صلاة إيجابا
ومعها في ذلك علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن الزبير رضى الله عن جميعهم، ولا مخالف
لهم في ذلك يعرف من الصحابة، ومعها السنة الصحيحة، وكامامتها هي وأم سلمة رضي الله عنهما النساء في الفريضة، ولا مخالف لهما في ذلك من الصحابة يعرف، ومثل هذا كثير
جدا! فإن كان لا يحل خلافها في مكان لم يحل في كل مكان، وإن كان خلافها للسنة مباحا
في موضع فهو واجب بالسنة في كل موضع *
476 مسألة ومن ابتدأ الصلاة مريضا مومئا أو قاعدا أو راكبا لخوف ثم
أفاق أو أمن. قام المفيق ونزل الآمن، وبنيا (1) على ما مضى من صلاتهما، وأتما ما بقي،
وصلاتهما تامة، سواء كان ما مضى منها أقلها أو لم يكن الا التكبير، أو لم يبق منها إلا السلام
فيما بين ذلك، كل ذلك سواء *
ومن ابتدأ صلاته صحيحا آمنا قائما إلى القبلة، ثم مرض مرضا أصاره إلى القعود أو
إلى الايماء أو إلى غير القبلة، أو خاف فاضطر إلى الركوب والركض والدفاع. فليبن علي
ما مضى من صلاته، وليتم ما بقي، كما ذكرنا سواء سواء ولا فرق، لما ذكرنا من قوله تعالى
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر
فأتوا منه ما استطعتم) *
وهو قول مالك وزفر وأبي سليمان وغيرهم *
وقال الشافعي: ان أمن بعد الخوف فنزل بنى وتمت صلاته، وإن خاف بعد الامن
فركب ابتدأ الصلاة *
قال علي: وهذا تقسيم فاسد، وتفريق على أصله بين قليل العمل وكثيره، وهو
أصل في غاية الفساد. وقال تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) وقد صلى بعض الصحابة

(1) في النسخة رقم (16) (وبنى) وهو خطأ
177

ماشيا إلى عدوه * (1)
وقال أبو حنيفة. من ابتدأ الصلاة جالسا لمرض به ثم صح في صلاته فإنه يبنى لا يختلف
قوله في ذلك، واختلف قوله في الذي يفتتحها مومئا لمرض به ثم يصح فيها، وفى الذي يفتتحها
صحيحا قائما ثم يمرض فيها مرضا ينقله إلى القعود أو إلى الايماء مضطجعا، فمرة قال: يبنى
ومرة قال يبتدئها ولا بد، وسواء أصابه ذلك بعد أن قعد مقدار التشهد وقبل أن يسلم، أو
أصابه قبل ذلك، وهذه الرواية في غاية الفساد، والتفريق بالباطل الذي لا يدري كيف
يتهيأ في عقل ذي عقل قبوله من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى
(إن هو إلا وحى يوحى) من عند الخالق الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون *
وقال أبو يوسف. ان افتتح الصلاة صحيحا قائما ثم مرض فانتقل إلى الايماء أو إلى
الجلوس، أو افتتحها مريضا قاعدا ثم صح: فان هؤلاء ما لم ينتقل حالهم قبل أن يقعدوا
مقدار التشهد فإنهم يبنون قال: ومن افتتحها مريضا مومئا ثم صح فيها قبل أن يقعد
مقدار التشهد فإنه يبتدئ ولابد *
وقال محمد بن الحسن (2) من افتتحها مريضا قاعدا أو مومئا ثم صح فيها فإنه يبتدئ
الصلاة ولا بد، ومن افتتحها قائما ثم مرض فيها قبل أن يقعد مقدار التشهد فصار إلى القعود
أو إلى الايماء فإنه يبنى *
قال على: وهذه أقوال في غاية الفساد بلا برهان، وإنما ذكرناها لنرى أهل السنة مقدار
فقه هؤلاء القوم وعلمهم! *
477 مسألة ومن اشتغل باله بشئ من أمور الدنيا في الصلاة كرهناه، ولم
تبطل لذلك صلاته، ولا سجود سهو في ذلك، إذا عرف ما صلى ولم يسه عن شئ من صلاته *
برهان ذلك ما قد ذكرناه باسناده من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تجاوز
لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل) وهذا نفس قولنا *
فان قيل: فإنكم تبطلون الصلاة بأن ينوى فيها عمدا الخروج عن الصلاة جملة أو الخروج

(1) هو عبد الله بن أنيس - بالتصغير - وذلك حين بعثه رسول الله صلى الله عليه
وسلم لقتل خالد بن سفيان الهذلي، انظر حديثه في أبى داود (ج 1 ص 485)
(2) في النسخة رقم (16) (محمد بن المثنى) وهو خطأ
178

عن إمامة الامام بلا سبب يوجب ذلك عليه أو الخروج عن فرض إلى تطوع،
أو من تطوع إلى فرض، أو من صلاة إلى صلاة أخرى، إذا عمد كل ذلك ذاكرا (1)،
ويوجبون في سهوه بكل ذلك سجود السهو، وحكم السهو في الغاء ما عمل في تلك الحال
من واجبات صلاته *
قلنا: نعم، لان هذا قد أخرج ما حدث به نفسه بعمل فعمل شيئا ما. في صلاته عمدا بخلاف
ما أمر به، فبطلت صلاته، أو سها بذلك العمل، فوجب عليه سجود السهو *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي
- هو الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثهم
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودي بالاذان أدبر الشيطان له ضراط حتى
لا يسمع الاذان، فإذا قضى الاذان أقبل، فإذا ثوب بها (2) أدبر، فإذا قضى التثويب
أقبل يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا وكذا (3)، لما لم يكن يذكر، حتى يظل
المرء (4) إن يدري كم صلى؟ فإذا لم يدر أحدكم كم صلى؟ فليسجد سجدتين وهو جالس)
فلم يبطل عليه السلام الصلاة بتذكير الشيطان له ما يشغله به عن صلاته، ولا جعل
في ذلك سجود سهو، وجعل عليه السلام سجود السهو في جهله كم صلى فقط؟ *
ومن طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه. أن عمر بن الخطاب قال: إني لأحسب
جزية البحرين في الصلاة (5) *
478 مسألة ومن ذكر في نفس صلاته أي صلاة كانت أنه نسي صلاة فرض
واحدة أو أكثر من واحدة، أو كان في صلاة الصبح فذكر أنه نسي الوتر. تمادى

(1) استعمل (عمد) متعديا بنفسه في هذا المعنى ولا دليل عليه
(2) في الأصلين (فإذا ثوب لها) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 158)
(3) في مسلم (اذكر كذا اذكر كذا)
(4) في مسلم (حتى يظل الرجل)
(5) مضى في المسألة 303 (ج 3 ص 210) وقد ذكره ابن حجر
في الفتح (ج 3 ص 71) في أبواب العمل في الصلاة في باب (تفكر الرجل الشئ في الصلاة)
ونسبه لابن أبي شيبة. وروى البخاري معلقا عن عمر (انى لأجهز جيشي وانا في الصلاة)
ونسبه ابن حجر لابن أبي شيبة باسناد صحيح كما قال
179

في صلاته تلك حتى يتمها، ثم يصلى التي ذكر فقط، لا يجوز له غير ذلك، ولا يعيد التي
ذكرها فيها. قال الله تعالى. (ولا تبطلوا أعمالكم) فهذا في عمل قد نهى عن ابطاله *
وقال أبو حنيفة: إن كان الذي ذكر خمس صلوات فأقل قطع التي هو فيها وصلى
التي ذكر، وقطع صلاة الصبح وأوتر، ثم صلى التي قطع، فان خشي فوت التي هو فيها
تمادى فيها ثم صلى التي ذكر ولا مزيد، فإن كانت التي ذكر ست صلوات فصاعدا تمادى
في صلاته التي هو فيها ثم قضى التي ذكر *
وقال مالك. إن كانت التي ذكر خمس صلوات فأقل أتم التي هو فيها ثم صلى التي ذكر،
ثم أعاد التي ذكرها فيها، وإن كانت ست صلوات فأكثر أتم التي هو فيها ثم قضى التي
ذكرها ولا يعيد التي ذكرها فيها *
قال علي: وهذان قولان فاسدان *
أول ذلك: أنه تقسيم بلا برهان، ولا فرق بين ذكر الخمس وذكر الست، لا بقرآن
ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ولا اجماع ولا قول صاحب، ولا قياس ولا رأى سديد، ولا فرق
بين وجوب الترتيب في صلاة يوم وليلة وبين وجوبه في ترتيب صلاة أمس قبل صلاة اليوم،
وصلاة أول أمس قبل صلاة أمس، وهكذا أبدا *
فان ذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)،
لا كفارة لها إلا ذلك) *
قلنا: هذا حق وهو عليه السلام الآمر بهذا قد ذكر صلاة الصبح إذ انتبه بعد
طلوع الشمس، فأمر الناس بالاقتياد والوضوء والاذان، ثم صلى هو وهم ركعتي الفجر
ثم صلى الصبح، فصح ان معنى قوله عليه السلام (فليصلها إذا ذكرها) كما امر، لا كما لم
يؤمر من قطع صلاة قد امره عليه السلام بالتمادي فيها بقوله (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم
فأتموا) وبقوله عليه السلام (إن في الصلاة لشغلا) *
ثم هم أول مخالف لهذا الخبر لتفريقهم بين ذكر خمس فأقل وبين ذكره أكثر من
خمس، وليس في الخبر نص ولا دليل بالفرق بين ذلك *
فان ذكروا خبر ابن عمر (من ذكر صلاة في صلاة) انهدمت عليه (1) *

(1) لم أجد هذا الخبر بهذا اللفظ، وورد هذا المعنى عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا عند
البيهقي (ج 2 ص 221 و 222)
180

فقد قلنا: إنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم قد خالفوا
قول ابن عمر في تفريقهم بين خمس فأقل وبين أكثر من خمس *
فان ادعوا اجماعا في ذلك كانوا كاذبين على الأمة. لقولهم عليهم بغير علم، وبالظن
الذي لا يحل وأكذبهم أن أحمد بن حنبل وأحد قولي الشافعي انه يبدأ بالفائتة، ولو أنها
صلاة عشرين سنة *
لا سيما امر أبي حنيفة بابطال الصبح وهي فريضة للوتر وهي تطوع ولا يأتم من
تركه، وامر مالك بأن يتم صلاة لا يعتد له، ثم يعيدها! وهذا عجب جدا! ان يأمره
بعمل لا يعتد له به! *
ولا يخلو هذا المأمور بالتمادي في صلاته من أن تكون هي الصلاة التي أمر الله تعالى
بها أم هي صلاة لم يأمره الله تعالى بها. ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن كان امره بالتمادي
في الصلاة التي امره الله تعالى بها فأمره بإعادتها باطل وإن كان امره بالتمادي في صلاة لم يأمره
الله تعالى بها فقد امره بما لا يجوز *
وقولنا هو قول طاوس، والحسن، والشافعي، وأبي ثور، وسليمان وغيرهم، ولافرق
بين ذكره الصلاة التي نسي أو نام عنها في صلاة أخرى أو بعد ان أتم صلاة أخرى أو في وقت
صلاة أخرى قبل ان يبدأ بها من طريق النظر أصلا وبالله تعالى التوفيق *
479 مسألة فان ذكر صلاة وهو في وقت أخرى، فإن كان في الوقت فسحة
فليبدأ بالتي ذكر، سواء كانت واحدة أو خمسا أو عشرا أو أكثر، يصلى جميعها مرتبة
ثم يصلى التي هو في وقتها، سواء كانت في جماعة أو فذا، وحكمه ولا بد ان يصلى
تلك الصلاة مع الجماعة من التي نسي، فان قضاها بخلاف ذلك أجزأه *
فإن كان يخشى فوت التي هو في وقتها بدأ بها ولا بد، لا يجزئه غير ذلك، سواء كانت
التي ذكر واحدة أو أكثر، فإذا أتم التي هو في وقتها صلى التي ذكر، لا شئ عليه غير
ذلك، فان بدأ بالتي ذكر وفات وقت التي ذكرها في وقتها بطل كلاهما، وعليه ان يصلى
التي ذكر، ولا يقدر على التي تعمد تركها حتى خرج وقتها. وهو قول أبي حنيفة والشافعي
وأبي سليمان *
وقال مالك: إن كانت التي ذكر خمس صلوات فأقل بدأ بالتي ذكر، وان خرج وقت
181

التي حضرت، وإن كانت أكثر من خمس بدأ بالتي حضر وقتها *
قال علي: وهذا قول لا برهان على صحته أصلا، لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة،
ولا اجماع. ولا قياس، ولا قول صاحب، ولا رأى له وجه، لكنه طرد المسألة التي قبل هذه
إذ تناقض أبو حنيفة *
وبرهان صحة قولنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي الظهر والعصر يوم الخندق
حتى غربت الشمس، فأمر بالأذان والإقامة ثم صلى الظهر، ثم امر بالأذان والإقامة ثم
صلى العصر، ثم أمر بالأذان والإقامة فصلى المغرب في وقتها، وإنما لم نجعل ذلك واجبا
لأنه عمل لا أمر، وأما إن فاته وقت الحاضرة فان التي ذكر من اللواتي خرج وقتها لغير
الناسي متمادية الوقت للناسي أبدا لا تفوته باقي عمره، والتي هو في وقتها تفوته بتعمده
تركها حتى يخرج وقتها وهو ذاكر لها، فهو مأمور بصلاتها، كما هو مأمور بالتي نسي
ولا فرق، فإذ حرام (1) (عليه التفريط في صلاة يذكرها حتى يدخل وقت أخرى أو يخرج
وقت هذه فلا يحل له ذلك *
فان تعلق بقوله عليه السلام: (فليصلها إذا ذكرها) *
قلنا: أنتم أول مخالف لهذا الخبر، في تفريقكم بين الخمس وبين أكثر من الخمس،
وأما نحن فما خالفناه، لأنه لابد من أن يصلى احدى التي ذكر قبل الأخرى، فالتي
يكون عاصيا لله إن أخرها أوجب من التي لا يكون عاصيا له تعالى إن أخرها *
وبقولنا هذا يقول سعيد بن المسيب، والحسن، وسفيان الثوري وغيرهم *
480 مسألة ومن أيقن انه نسي صلاة لا يدري أي صلاة هي؟ فان مالكا،
وأبا يوسف، والشافعي، وأبا سليمان قالوا: يصلى صلاة يوم وليلة. ويلزم على هذا القول إن لم
يدر أمن سفر أم من حضر؟ ان يصلى ثماني صلوات *
وقال سفيان الثوري، ومحمد بن الحسن: يصلى ثلاث صلوات إحداها ركعتان، ينوى
بها الصبح، والثانية ثلاث ينوى بها المغرب، والثالثة أربع ينوى بها الظهر أو العصر؟
أو العشاء الآخرة. ويلزم على هذا القول إن لم يدر أمن سفر هي أم من حضر؟ أن يصلى
صلاتين فقط إحداهما ركعتان والأخرى ثلاث ركعات؟! وقال زفز والمزني: يصلى صلاة

(1) في النسخة رقم (16) (فإذ حرم) الخ
182

واحدة أربع ركعات، يقعد في الثانية، ثم في الرابعة، ثم يسجد للسهو، قال زفر:
بعد السلام، وقال المزني: قبل السلام! *
وقال الأوزاعي: يصلى صلاة واحدة أربع ركعات فقط، لا يقعد إلا في الثانية
والرابعة، ثم يسجد للسهو ينوى في ابتدائه إياها أنها التي فاتته في علم الله تعالى. وبهذا
نأخذ، إلا أن الأوزاعي قال: يسجد للسهو قبل السلام، وقلنا نحن: بعد السلام *
برهان صحة قولنا: إن الله عز وجل لما فرض عليه بيقين مقطوع لا شك فيه،
ولا خلاف من أحد منهم ولا منا صلاة واحدة، وهي التي فاتته، فمن أمره بخمس صلوات
أو ثمان صلوات أو ثلاث صلوات أو صلاتين فقد أمره يقينا بما لم يأمره الله تعالى به
ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وفرضوا عليه صلاة أو صلاتين أو صلوات ليست عليه،
وهذا باطل بيقين، فلا يجوز أن يكلف إلا صلاة واحدة كما هي عليه ولا مزيد فسقط
قول كل من ذكرنا، حاشا قولنا وقول زفر والمزني *
فاعترضوا علينا بأن قالوا: إن النية للصلاة فرض عندنا وعندكم، وأنتم تأمرونه بنية
مشتركة لا تدرون انها الواجب عليه، وهذا الاعتراض إنما هو للذين أمروه بالخمس أو
الثمان فقط *
قلنا لهم: نعم ان النية فرض عندنا وعندكم، وأنتم تأمرونه لكل صلاة أمرتموه بها
بنية مشكوك فيها أو كاذبة بيقين، ولابد من أحدهما، ولا بد من أحدهما، لأنكم ان أمرتموه أن ينوى لكل
صلاة أنها التي فاتته قطعا فقد أوجبتم عليه الباطل والكذب، وهذا لا يحل، لأنه ليس
على يقين من أنها التي فاتته، فإذا لم يكن على يقين منها ونواها قطعا فقد نوى الباطل، وهذا
حرام. وإن أمرتموه أن ينوى في ابتداء كل صلاة منها أنها التي علم الله أنها فاتته فقد
أمرتموه بما عبتم علينا، سواء سواء، لا بمثله، ونحن نقول. إن هذه الملامة ساقطة
عنه، لأنه لا يقدر على غيرها أصلا، وقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)
وقال عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فقد سقطت عنه النية
المعينة، لعدم قدرته عليها، وبقى عليه وجوب النية المرجوع فيها إلى علم الله تعالى، إذ هو
قادر عليها. وبالله تعالى التوفيق. فسقط ذلك القول أيضا *
ثم قلنا لزفر والمزني: إنكم ألزمتموه جلسة بعد الركعة الثالثة لم يأمر الله تعالى بها قط،
183

ولا يجوز أن يلزم أحد إلا ما نحن على يقين من أن الله تعالى ألزمه إياه، فسقط أيضا
قولهما، لأنهما دخلا في بعض ما أنكرا على غيرهما. *
قال علي وبرهان صحة قولنا هو أن الله تعالى إنما أوجب عليه صلاة واحدة فقط،
لا يدري أي صلاة هي؟ فلا يقدر البتة على نية لها بعينها، ولا بد له من نية مشكوك فيها أي
صلاة هي، فينوي انه يؤدى الصلاة التي فاتته التي يعلمها الله تعالى، فيصلى ركعتين ثم
يجلس ويتشهد فإذا أتم تشهده فقد شك: أتم صلاته التي هي عليه إن كانت الصبح أو إن كانت
صلاة تقصر في السفر؟ أم صلى بعضها كما أمر ولم يتمها، إن كانت صلاة تتم في
الحضر؟ أو كانت المغرب؟ فإذا كان في هذه الحال فقد دخل في جملة من أمره النبي صلى الله
عليه وسلم إذا لم يدر كم صلى؟ ان يصلى حتى يكون على يقين من التمام، وعلى شك من الزيادة،
فيقوم إلى ركعة ثالثة ولابد، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية منها فقد شك: هل أتم
صلاته التي عليه إن كانت المغرب فيقعد حينئذ؟ أم بقيت عليه ركعة، إن كانت
الظهر أو العصر أو العتمة في حضر، فإذا صار في هذا الحال فقد دخل في جملة من أمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يدر كم صلى؟ بأن يصلى حتى يكون على يقين من
التمام وعلى شك من الزيادة، فعليه ان يقوم إلى رابعة، فإذا أتمها وجلس في آخرها وتشهد فقد
أيقن بالتمام بلا شك، وحصل في شك من الزيادة، فليسلم حينئذ، وليسجد كما أمره
الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الحق المقطوع على وجوبه.
والحمد لله رب العالمين *
ويدخل على زفر والمزني في الزامهما إياه جلسة في الثالثة انهما ألزماه افراد النية في تلك
الجلسة أنها للمغرب خاصة، وهذا خطأ لأنه اعمال يقين فيما لا يقين فيه *
فان أيقن أنها من سفر صلى صلاة واحدة كما ذكرنا، يقعد في الثانية ثم في الثالثة
ويسلم ثم يسجد للسهو *
قال علي: فان نسي ظهرا وعصرا لا يدري؟ أمن يوم واحد أم من يومين أو يدري صلاهما
فقط ولا يبالي أيهما قدم؟ لأنه لم يوجب عليه غير ذلك نص سنة ولا قرآن ولا اجماع
ولا قياس ولا قول صاحب، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان *
وقال المالكيون: ان لم يدر أهي من يوم أم من يومين؟ فليصل ثلاث صلوات اما ظهرا
بين عصرين واما عصرا بين ظهرين
184

قال علي: وهذا تخليط ناهيك به! وإنما يجب الترتيب ما دامت الأوقات قائمة
مرتبة بترتيب الله تعالى لها، وأما عند خروج بعض الأوقات فلا: إذ لم يأت بذلك نص
قرآن ولا سنة ولا اجماع. وبالله تعالى التوفيق *
481 مسألة فإن كان قوم في سفينة لا يمكنهم الخروج إلى البر الا بمشقة
أو بتضبيعها فليصلوا فيها كما يقدرون، بامام وأذان وإقامة ولا بد، فان عجزوا عن إقامة الصفوف
وعن القيام لميد (1) أو لكون بعضهم تحت السطح أو لترجح (2) السفينة: صلوا كما
يقدرون وسواء كان بعضهم أو كلهم قدام الامام أو معه أو خلفه، إذا لم يقدروا على أكثر،
وصلى من عجز عن القيام قاعدا ولا يجزئ القادر على القيام الا القيام. لقول الله تعالى
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ولقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) *
وقال أبو حنيفة يصلى قاعدا من قدر على القيام. وهذا خلاف أمر الله تعالى بالقيام
في الصلاة. واحتج بأن أنسا صلى في سفينة قاعدا فقلنا: وما يدريكم أنه كان قاعدا؟ وهو
يقدر على القيام؟ حاشا لله أن يظن بأنس رضي الله عنه انه صلى قاعدا، وهو قادر على القيام *
482 مسألة والصلاة جائزة في البيع والكنائس والهبارات (3) والبيت من
بيوت النيران وبيوت البد (4) والديور: - (5) إذا لم يعلم هنالك ما يجب اجتنابه من دم أو خمر

(1) مصدر ماد وأصل الميد الحركة والميل ومنه الميد بمعنى الحيرة التي تكون عن السكر
أو الغثيان أو ركوب البحر، قال أبو الهيثم (المائد الذي يركب البحر فتغثى نفسه من نتن ماء
البحر حتى يدار به ويكاد يغشى عليه فيقال: ماد به البحر يميد به ميدا)
(2) بالجيم ثم الحاء المهملة. قال الليث (الأراجيح الفلوات كأنها تترحج بمن سار فيها أي تطوح يمينا وشمالا) ومنه الأرجوحة والمرجوحة التي يلعب بها الغلمان، وترجحت الأرجوحة بالغلام
أي مالت.
(3) هكذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) (الهارات) بدون نقط
وقد أطلت البحث عن معنى الكلمتين بما يناسب سياق الكلام فلم أجد ويحرر *
(4) بضم الباء الموحدة وتشديد الدال المهملة، وهو بيت فيه أصنام وتصاوير وهو
اعراب (بت) بالفارسية، وقال ابن دريد: (البد الصنم نفسه الذي يعبد لا أصل له
في اللغة فارسي معرب والجمع البددة بباء ودالين مفتوحات قاله في اللسان
(5) جمع دير وفى النسخة رقم (16) (والوفود) وهو خطأ وليس له معنى
185

أو ما أشبه ذلك. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجدا أو طهورا،
فحيثما أدركتك الصلاة فصل) *
483 مسألة وحد دنو المرء من سترته أقرب ذلك قدر ممر الشاة، وأبعده
ثلاثة أذرع لا يحل لاحد الزيادة على ذلك فان بعد عن سترته عامدا أكثر من ثلاثة
أذرع وهو ينو انها سترته بطلت صلاته، فإن لم ينو انها سترة له فصلاته تامة *
وكل ما مر أمامه مما يقطع الصلاة والسترة بينه وبينه أو مقدارها نوى ذلك سترة
أو لم ينو: فصلاته تامة، وسواء مر ذلك على السترة أو خلفها *
وحد مقدار السترة ذراع في أي غلظ كان *
ومن مر أمام المصلى وجعل بينه وبينه أكثر من ثلاثة أذرع فلا اثم على المار، وليس
على المصلى دفعه، فان مر أمامه على ثلاثة أذرع فأقل فهو آثم الا أن تكون سترة
المصلى أقل من ثلاثة أذرع، فلا حرج على المار في المرور وراءها أو عليها *
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا على
ابن حجر وإسحاق بن منصور قالا انا سفيان هو ابن عيينة عن صفوان بن سليم
عن نافع بن جبير بن مطعم عن سهل بن أبي حثمة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته) * (1)
قال علي: فصار فرضا على من صلى إلى سترة أن يدنو منها، وكان من لم يدن منها
إذا صلى إليها غير مصل كما أمر، فلا صلاة له *
فإذ الدنو منها فرض فلا بد من بيان مقدار الدنو المفترض من خلافه، إذ لا يمكن أن
يأمرنا عليه السلام بأمر يلزمنا، ثم لا يبينه علينا، والله تعالى قد أمره بالبيان علينا، والتبليغ
الينا، قال تعالى (بلغ ما أنزل إليك من ربك) وقال تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) *
فنظرنا في ذلك فوجدنا عبد الله بن يوسف بن نامي حدثنا قال ثنا أحمد بن فتح نثا عبد الوهاب
ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي
ثنا ابن أبي حازم هو عبد العزيز ثنا أبي عن سهل بن سعد الساعدي قال: (كان بين مصلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة) (2) فكان هذا أقل ما يمكن من

(1) في النسائي (ج 1 ص 122)
(2) في مسلم (ج 1 ص 144)
186

الدنو، إذ ما كان أقل من هذا فمانع من الركوع ومن السجود إلا بتقهقر، ولا يجوز
تكلف ذلك الا لمن لا يقدر على أكثر من ذلك *
وقد وجدنا عبد الله بن ربيع حدثنا، قال ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد
ابن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر، قال: (إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم (1) دخل الكعبة، هو وأسامة بن زيد، وبلال وعثمان بن طلحة الحجبى (2)
فأغلقها عليه، (3) فسألت بلالا حين خرج: ماذا صنع (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ
على ستة أعمدة - ثم صلى، وجعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع) (5) *
قال علي: لم نجد في البعد عن السترة أكثر من هذا، فكان هذا حد البيان في أقصى
الواجب من ذلك. وقد ذكرنا البراهين فيما عدا ذلك فيما خلا من كتابنا هذا ولله
تعالى الحمد *
وقد قال بهذا قبلنا طائفة من السلف *
روينا عن ابن جريج عن عطاء قال: يقال: أدنى ما يكفيك فيما بينك وبين السارية
ثلاثة أذرع *
وقد صلى عليه السلام إلى الحربة والعنزة والبعير، وحد السترة في ارتفاعها بمؤخرة
الرحل، ورويناه عن أبي سعيد وعطاء وغيرهم *
ولم يصح في الخط شئ، فلا يجوز القول به. وبالله تعالى التوفيق *
484 مسألة ومن بكى في الصلاة من خشية الله تعالى أو من هم عليه (6)
ولم يمكنه رد البكاء فلا شئ عليه، ولا سجود سهو ولا غيره، فلو تعمد البكاء عمدا
بطلت صلاته. *

(1) في الموطأ (ص 155) والنسائي (ج 1 ص 122) (عن عبد الله بن عمر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم) بحذف كلمة (قال)
(2) في النسخة رقم (16) (وعثمان بن أبي طلحة الحجبى) وهو خطأ
(3) في الموطأ زيادة (ومكث فيها)
(4) ما هنا هو الموافق للنسائي، وفى الموطأ (ما صنع)
(5) قوله (وجعل بينه وبين الجدار) الخ ليس في الموطأ رواية يحيى بن
يحيى ولا في رواية محمد بن الحسن (ص 228) فهو زيادة من رواية ابن القاسم
(6) هكذا في الأصول (هم عليه) والمعروف في اللغة أن يقال (هم به) فلعل المؤلف اطلع على شاهد لهذا
187

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله
ابن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن مطرف - هو ابن الشخير (1) - عن أبيه
قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل،
يعنى يبكى) (2) *
قال على: هكذا هو التفسير نصا في نفس الحديث. *
وأما غلبة البكاء فقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). وقال عليه السلام: (إذا
أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وأما تعمد البكاء فعمل لم يأت بإباحته نص، وقال عليه
السلام (إن في الصلاة لشغلا) فصح أن كل عمل فهو محرم في الصلاة، إلا عملا جاء
بإباحته نص أو اجماع، وبالله تعالى التوفيق *
(صلاة الجماعة (3))
485 - مسألة - ولا تجزئ صلاة فرض أحدا من الرجال إذا كان بحيث
يسمع الاذان أن يصليها الا في المسجد مع الامام، فان تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت
صلاته، فإن كان بحيث لا يسمع الاذان (4) ففرض عليه أن يصلى في جماعة مع واحد إليه
فصاعدا ولابد، فإن لم يفعل فلا صلاة له الا ان لا يجد أحدا يصليها معه فيجزئه حينئذ
الا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة *
وليس ذلك فرضا على النساء، فان حضرنها حينئذ فقد أحسن، وهو أفضل لهن
فان استأذن الحرائر أو الإماء بعولتهن أو ساداتهن في حضور الصلاة في المسجد ففرض
عليهم الاذن لهن. ولا يخرجن إلا تفلات غير متطيبات ولا متزينات، فان تطيبن أو تزين
لذلك فلا صلاة لهن، ومنعهن حينئذ فرض *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا

(1) هو مطرف بن عبد الله بن الشخير - بكسر الشين وتشديد الخاء المعجمتين - وأبوه
عبد الله بن الشخير له صحبة
(2) الأزيز - بزايين بوزن كريم - هو ان يجيش جوفه ويغلى
بالبكاء. والمرجل - بكسر الميم واسكان الراء - الاناء الذي يغلى فيه الماء. والحديث
في النسائي (ج 1 ص 179)
(3) هذا العنوان في بعض النسخ دون بعض، وإثباته أحسن، وفائدته أكثر
(4) في النسخة رقم (45) (لا يسمع أذانا)
188

أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ويعقوب بن إبراهيم الدورقي وإسحق
ابن إبراهيم هو ابن راهويه كلهم عن مروان بن معاوية الفزاري عن عبيد الله بن
الأصم عن يزيد بن الأصم (1) عن أبي هريرة قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل
أعمى فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد (2) يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يرخص له، فيصلى في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه وقال له: هل
تسمع (3) النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأجب) * (4)
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا
البخاري ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث
الليثي قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت (5) الصلاة فأذنا وأقيما
ثم ليؤمكما أكبركما) *
وبه إلى البخاري: حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة
عن مالك بن الحويرث: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين أتياه يريدان السفر:
(إذا خرجتما (6) فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما) *
وبه إلى البخاري: حدثنا معلى بن أسد ثنا وهيب هو ابن خالد عن أيوب عن
أبي قلابة (7) عن مالك بن الحويرث قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا وقد
أتيته في نفر من قومي. إذا حضرت الصلاة. فليؤذن لكم أحدكم. وليؤمكم أكبركم) * (8)

(1) في مسلم (ج 1 ص 181) (ثنا يزيد بن الأصم)
(2) في مسلم (انه ليس لي قائد)
(3) في مسلم (دعاه فقال: هل تسمع) الخ
(4) في مسلم (قال: فأجب)
(5) في البخاري بهذا الاسناد (ج 1 ص 266) (عن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حضرت) الخ فلعل السياق الذي هنا في موضع آخر في البخاري لم نطلع عليه
أو لعله في نسخة من نسخ البخاري المختلفة
(6) في البخاري (ج 1 ص 257 و 258) (عن مالك بن الحويرث. قال. أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم. إذا أنتما خرجتما) الخ
(7) في الأصلين (ثنا وهيب - هو ابن خالد - عن أبي قلابة) بحذف (عن أيوب) وهو خطأ صرف صححناه من البخاري (ج 1 ص 257)
(8) الحديث روى المؤلف أوله بالمعنى
189

حدثنا أحمد بن قاسم حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم حدثني جدي قاسم بن أصبغ
ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال. (من سمع النداء فلم
يجب فلا صلاة له إلا من عذر) (1) *
حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إبراهيم بن
محمد ثنا ابن بكير عن مالك بن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال. (والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر
بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم
والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين (2) حسنتين لشهد
العشاء) * (3)
وقد رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مسندا

(1) رواه ابن ماجة (ج 1 ص 137) عن عبد الحميد بن بيان عن هشيم بن بشير
عن شعبة باسناده وهذا اسناد صحيح. ورواه الدارقطني (ص 161) عن علي بن عبد الله
ابن مبشر عن عبد الحميد بن بيان عن هشيم، ورواه الحاكم (ج 1 ص 245) من طريق
عمرو بن عون وعبد الحميد بن بيان كلاهما عن هشيم عن شعبة، ورواه الدارقطني والحاكم من
طريق العباس الدوري عن عبد الرحمن بن غزوان قراد أبى نوح عن شعبة ورواه الحاكم
بأسانيد أخرى عن شعبة، قال الحاكم (هذا حديث قد أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة
وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وهشيم وقراد أبو نوح ثقتان فإذا وصلاه فالقول
فيه قولهما) ووافقه الذهبي والموقوف سيذكره المؤلف قريبا، ومن الغريب ان الدارقطني
زعم أن قرادا شيخ مجهول مع أنه ثقة معروف وقد وثقه هو نفسه في الجرح والتعديل كما نقله
عنه ابن حجر في التهذيب. والحديث رواه أيضا أبو داود (ج 1 ص 216) والدار قطني
والحاكم من طريق أبى جناب عن مغراء العبدي عن عدى بن ثابت عن سعيد بن جبير وهذا
اسناد ضعيف لضعف أبى جناب الكلبي واسمه يحيى بن أبي حية ولكن الأسانيد السابقة
صحيحة وفيها مقنع.
(2) بفتح الميم الأولى وبكسرها مع اسكان الراء وهي ما بين ظلفي الشاة
(3) في الموطأ (ص 45) والبخاري من طريق مالك (ج 1 ص 262)
190

ومن طريق شعبة، وعبد الله بن نمير، وأبي معاوية كلهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة مسندا (1) *
وليس في ذكر العشاء في آخر الحديث دليل على أنها المتوعد على تركها دون غيرها،
بل هي قضيتان متغايرتان *
وأيضا فالمخالف موافق لنا على أن حكم صلاة العشاء في وجوب حضورها كسائر
الصلوات ولا فرق *
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهم بباطل ولا يتوعد إلا بحق *
فان قيل فلم لم يحرقها؟ *
قيل. لأنهم بادروا وحضروا الجماعة، لا يجوز غير ذلك *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود
ثنا النفيلي هو عبد الله بن محمد ثنا أبو المليح - هو الحسن بن عمر الرقي - حدثني يزيد
ابن يزيد - هو ابن جابر حدثني يزيد بن الأصم، قال سمعت أبا هريرة يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد همت أن آمر فتيتي فتجمع (2) حزما من حطب،
ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم، قال يزيد: فقلت ليزيد
ابن الأصم: يا أبا عوف، الجمعة عنى أو غيرها؟ قال: صمتا أذناي إن لم أكن سمعت
أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعة ولا غيرها *
قال علي وقد أقدم قوم على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا فقال:
إنما عنى المنافقين! *
ومعاذ الله من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المحال البحت أن
يكون عليه السلام يريد المنافقين فلا يذكرهم، ويذكر تاركي الصلاة وهو لا يريدهم! *
فان ذكروا حديث أبي هريرة وابن عمر كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ان صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد سبعا وعشرين درجة) *
قلنا: هذان خبران صحيحان، وقد صحت الاخبار التي صدرناها، وثبت أنه لا صلاة

(1) هذه الروايات كلها في مسلم (ج 1 ص 180 و 181) الا رواية شعبة فانى لم أجدها
(2) في سنن أبي داود (ج 1 ص 251) (فيجمعوا)
191

لمتخلف عن الجماعة إلا أن يكون معذورا، فوجب استعمال هذين الخبرين على ما قد صح
هنالك، لا على التعارض والتناقض المبعدين عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم *
فصح أن هذا التفاضل إنما هو على صلاة المعذور التي تجوز، وهي دون صلاة الجماعة
في الفضل (1) كما أخبر عليه السلام، ومن حمل هذين الخبرين على غير ما ذكرنا حصل
على خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الاخر، وعلى تكذيبه عليه
السلام في قوله: أن لا صلاة في غير الجماعة إلا لمعذور، واستخف بوعيده، وعصى أمره
عليه السلام في إجابة النداء، وبأن يؤم الاثنين فصاعدا أحدهما، وهذا عظيم جدا *
وهذا الذي قلنا: هو مثل قول الله تعالى: (لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى
الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم
على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا
عظيما. درجات منه) فنص تعالى على أن المتخلف عن الجهاد بغير عذر مذموم أشد الذم
في غير ما موضع من القرآن، منها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا
في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا
في الآخرة إلا قليل الا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم) في آيات كثيرة جدا،
ثم بين الله تعالى أن المجاهدين مفضلون على القاعدين درجة ودرجات، فصح انه إنما
عنى القاعدين المعذورين الذين لهم نصيب من وعد الله الحسنى والاجر، لا الذين
توعدوا بالعذاب، *
وكما أخبر عليه السلام ان صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، ولم يختلفوا معنا
في أن المصلى قاعدا بغير عذر لا أجر له، ولا نصيب من الصلاة، فصح ان النسبة المذكورة من
الفضل إنما هي بين المباح له الصلاة قاعدا لعذر من خوف أو مرض أو في نافلة. *
فان أرادوا ان يخصوا بذلك النافلة فقط، سألناهم الدليل على ذلك؟ ولا سبيل لهم إليه،
الا بدعوى في أن المعذور في الفريضة صلاته كصلاة القائم، وهذه دعوى كاذبة، مخالفة
لعموم قوله عليه السلام: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) دون تخصيص منه
عليه السلام *

(1) في النسخة رقم (16) (في المصلى) وهو خطأ ظاهر
192

وأيضا فان حمام بن أحمد حدثنا قال: ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن
ثنا بكر بن حماد والقاضي أحمد بن محمد البرتي قال القاضي البرتي: ثنا: أبو معمر هو عبد الله
ابن عمرو الرقي (1) ثنا عبد الوارث، وقال بكر: ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان وعبد
الوارث بن سعيد التنوري، ثم اتفقا عن الحسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران
ابن الحصين، قال القاضي البرتي في حديثه: أن عمران بن الحصين حدثه وكان رجلا
مبسورا (2): (انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد، فقال
عليه السلام: (من صلى قائما، فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن
صلى نائما فله نصف أجر القاعد) (3) *
قال على: وخصومنا لا يجيزون التنفل بالايماء للصحيح، فبطل تأويلهم جملة.
ولله تعالى الحمد *
ولا شك في أن من فعل الخير أفضل من آخر منعه العذر من فعله، وهذا منصوص
عليه في الخبر الذي فيه: ان الفقراء قالوا: يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور،
فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذكر الذي علمهم، فبلغ الأغنياء ففعلوه زائدا
على ما كانوا يفعلونه من العتق والصدقة، فذكر الفقراء ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) *
ولا خلاف في أن من حج أفضل ممن لم يحج ممن أقعده العذر، وهكذا في سائر الأعمال
. وقد جاء في الأثر الصحيح. (من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فان
عملها كتبت له عشرا) فعم عليه السلام من لم يعملها بعذر أو بغير عذر *
فان ذكروا الأثر الوارد فيمن كان له حزب من الليل فأقعده عنه المرض أو النوم
كتب له *

(1) في النسخة رقم (16) (عبد الله بن عمر الرقى) وهو خطأ. وما هنا أيضا خطأ في نسبة
عبد الله هذا إلى الرقة فإنه (أبو معمر عبد الله بن عمرو التميمي المنقري البصري المقعد) ولعله
اشتبه على المؤلف فظنه (عبيد الله - بالتصغير - بن عمرو الرقى الأسدي) ولكن هذا كنيته
(أبو وهب)
(2) أي كانت به بواسير
(3) سبق هذا الحديث في المسألة 297 (ج 3 ص 56) من طريق البخاري وانظر، فتح الباري (ج 2 ص 394 - 397)
193

قلنا: لا ننكر تخصيص ما شاء الله تعالى تخصيصه إذا ورد النص بذلك، وإنما ننكره
بالرأي والظن والدعوى، وقد يكتب له القيام كما في الحديث، ويضاعف الاجر للقائم
عشرة أمثال قيامه، فهذا ممكن موافق لسائر النصوص. وبالله تعالى التوفيق *
فان ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم الناس في بيته وهو منفك القدم
وفي منزل أنس *
قلنا: نعم، وهو معذور عليه السلام بانفكاك قدمه، ولا يخلوا الذين معه من أن
يكونوا جميع أهل المسجد فصلوا هنالك فهنالك كانت الجماعة، وهذا لا ننكره، أو من أن
يكونوا ممن لزمه الكون معه عليه السلام لضرورة فهذا عذر، وتكون إمامته في منزل
أنس في غير وقت صلاة فرض، لكن تطوعا *
وكل هذا لا يعارض به ما ثبت من وجوب فرض الصلاة في جماعة، ووجوب إجابة
داعى الله تعالى في قوله (حي على الصلاة) *
وقال الشافعي: هي فرض على الكفاية *
قال علي: وهذه دعوى بلا برهان، وإذ أقر بأنها فرض ثم ادعى سقوط الفرض لم
يصدق إلا بنص *
وقد قال: بمثل هذا جماعة من السلف *
روينا عن أبي هريرة انه رأى إنسانا خرج من المسجد بعد النداء فقال: (أما هذا
فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) (1) *
وروينا عن أبي الأحوص عن ابن مسعود أنه قال: (حافظوا على هذه الصلوات
الخمس حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنهن الا منافق
بين النفاق ولقد رأيتنا وأن الرجل يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف وما منكم أحد
الا له مسجد في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم، ولو
تركتم سنة نبيكم لكفرتم) (2) *
ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن أبي حصين عن أبي بردة بن أبي موسى

(1) سبق هذا في المسألة 328 (ج 3 ص 147)
(2) هذا لفظ أبى داود (ج 1
ص 215 و 216) ورواه مسلم (ج 1 ص 181) نحو هذا ورواه غيرهما
194

عن أبي موسى الأشعري قال: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له (1) *
وعن ابن مسعود: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له *
وعن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر. أنه صلى ركعتين من المكتوبة
في بيته فسمع الإقامة فخرج إليها *
قال على: لو أجزأت ابن عمر صلاته في منزله ما قطعها *
وعن أبي هريرة: لان يمتلئ أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع
المنادي فلا يجبيه *
وعن سفيان الثوري عن منصور عن عدى بن ثابت الأنصاري عن عائشة أم المؤمنين
قالت: من سمع النداء فلم يأته فلم يرد خيرا ولم يرد به *
وعن يحيى بن سعيد القطان: ثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي حدثني أبي عن علي
ابن أبي طالب. لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، فقيل له: يا أمير المؤمنين. ومن
جار المسجد؟ قال: من سمع الاذان *
ومثله من طريق سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري عن أبي حيان المذكور عن أبيه
عن علي (2) *

(1) رواه الحاكم (ج 1 ص 246) من طريق أبى بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي
بردة عن أبيه مرفوعا (من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له) وصححه
هو والذهبي ونسبه ابن حجر في التلخيص (ص 123) إلى البزار مرفوعا وموقوفا
(2) هذا الاسناد والذي قبله صحيحان، وقد روى الدارقطني (ص 161) من طريق
الحارث الأعور عن علي قال: (من كان جار المسجد فسمع المنادى ينادى فلم يجبه
من غير عذر فلا صلاة له) والحارث ضعيف جدا. وقد ورد حديث (لا صلاة
لجار المسجد الا في المسجد) مرفوعا عند الدارقطني والحاكم من حديث أبي هريرة
وفى اسنادهما سليمان بن داود اليمامي وهو منكر الحديث كما قال البخاري وأبو حاتم، وقال
البخاري: (من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه) وعند الدارقطني من
حديث جابر، وفى اسناده محمد بن سكين - بالتصغير - وهو ضعيف. ولذلك قال
ابن حجر في التلخيص (ص 123) (حديث لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد مشهور
بين الناس وهو ضعيف)
195

وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن عدي بن ثابت سمعت سعيد بن جبير يحدث
عن ابن عباس أنه قال: من سمع النداء ثم لم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (1) *
وعن عطاء. ليس لأحد من خلق الله تعالى في الحضر والقرية يسمع النداء والإقامة
-. رخصة في أن يدع الصلاة، قال ابن جريج: فقلت له: وإن كان على بز يبيعه يفرق (2)
ان قام عنه أن يضيع قال: لا، لا رخصة له في ذلك، قلت: إن كان به مرض أو رمد
غير حابس أو تشتكي يده؟ قال: أحب إلى أن يتكلف، قلت له: أرأيت من لم يسمع
النداء من أهل القرية وإن كان قريبا من المسجد؟ قال: إن شاء فليأت وان
شاء فليجلس *
وعن عطاء. كنا نسمع أنه لا يتخلف عن الجماعة إلا منافق *
وعن إبراهيم النخعي. انه كان لا يرخص في ترك الصلاة في الجماعة إلا لمريض
أو خائف *
وعن هشام بن حسان عن الحسن قال: إذا سمع الرجل الاذان فقد احتبس *
وعن سفيان بن عيينة حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال: كنت عند سعيد بن المسيب
فجاؤه رجل فسأله عن بعض الامر ونادى المنادي فأراد أن يخرج فقال له سعيد: قد
نودي بالصلاة، فقال له الرجل: ان أصحابي قد مضوا وهذه راحلتي بالباب، فقال له
سعيد: لا تخرج، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخرج من هذا المسجد
بعد النداء إلا منافق، إلا رجل خرج وهو يريد الرجعة إلى الصلاة) فأبى الرجل الا
الخروج، فقال سعيد: دونكم الرجل، قال: فانى عنده ذات يوم إذ جاءه رجل فقال:
يا أبا محمد، ألم تر الرجل؟ يعنى ذلك الذي خرج وقع عن راحلته فانكسرت رجله!
قال سعيد: قد ظننت أنه سيصيبه أمر. *
وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا *
وأما النساء فلا خلاف في أن شهودهن الجماعة ليس فرضا، وقد صح في الآثار كون
نساء النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن لا يخرجن إلى المسجد *

(1) هذا هو الذي أشار الحاكم إليه عند الكلام عليه مرفوعا وذكر ان غندرا - وهو
محمد بن جعفر - رواه موقوفا
(2) أي يخاف
196

واختلف الناس في أي الامرين أفضل لهن؟ أصلاتهن في بيوتهن؟ أم في المساجد
في الجماعات *
وبرهان صحة قولنا هو ما قد ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان
صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة) وهذا عموم لا يجوز ان يخص
منه النساء من غيرهن *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج أنا حرملة بن يحيى أنا ابن وهب انا يونس هو ابن يزيد
عن ابن شهاب انا سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تمنعوا نساءكم (1) المساجد إذا استأذنكم إليها)
فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن، فأقبل عليه (2) عبد الله (3) بن عمر فسبه سبا
سيئا، ما سمعته سبه مثله قط، قال. أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول.
والله لنمنعهن! *
وبه إلى مسلم. حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان بن عيينة عن
الزهري سمع سالم بن عبد الله بن عمر يحدث عن أبيه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها) (4) *
وبه إلى مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي وعبد الله بن إدريس قالا ثنا
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تمنعوا
إماء الله مساجد الله) *
وبه إلى مسلم: حدثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل) *
وبه إلى مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن
عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زينب امرأة ابن مسعود

(1) في الأصلين (اماءكم) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 129)
(2) في النسخة رقم (16) (فأقبل إليه) وما هنا هو الموافق لمسلم
(3) في النسخة رقم (16) (عبيد الله بن عمر) وهو خطأ
(4) في مسلم (ج 1 ص 129) وكذلك الحديثان بعده
197

قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس
طيبا) (1) *
حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن وضاح
ثنا حامد: هو ابن يحيى البلخي - ثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن محمد بن عمرو
ابن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولا يخرجن
إلا وهن تفلات) (2) *
قال علي: وهذا نفس قولنا، فإذا خرجن متزينات أو متطيبات فهن عاصيات لله تعالى،
خارجات بخلاف ما أمرن، فلا يحل إرسالهن حينئذ أصلا *
والآثار في حضور النساء صلاة الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة في
غاية الصحة، لا ينكر ذلك إلا جاهل *
كحديث عائشة أم المؤمنين. (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى الصبح
فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس) (3) *
وحديث أبي حازم عن سهل بن سعد. (لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم
من ضيق الأزر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قائل: يا معشر النساء، لا ترفعن
رؤوسكن حتى يرفع الرجال) (4) *
وقوله عليه السلام: (إني لادخل في الصلاة أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي
فأتجوز في صلاتي خشية أن تفتن أمه) *

(1) في مسلم (ج 1 ص 130) وحديث ابن عمر هذا بألفاظه المتعددة لا يدل على الوجوب
فقد روى أبو داود (ج 1 ص 222) عن ابن عمر مرفوعا (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن
خير لهن) وهذه الزيادة صحيحة ونسبها الشوكاني (ج 3 ص 160) وابن حجر (ج 2
ص 237) إلى صحيح ابن خزيمة، ورواه الحاكم (ج 1 ص 209) وصححه هو والذهبي وقد
سبق في (ج 3 ص 123)
(2) بفتح التاء وكسر الفاء يعنى غير متطيبات. والحديث رواه أبو داود (ج 1 ص 222) عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن محمد بن عمرو. وقد سبق للمؤلف بالاسناد الذي هنا في المسألة 321 (ج 3 ص 130)
(3) في مسلم (ج 1 ص 178)
(4) في مسلم (ج 1 ص 129)
198

والخبر الذي رويناه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا حسين بن علي الجعفي عن
زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير
صفوف الرجال المقدم، وشرها المؤخر، وشر صفوف النساء المقدم، وخيرها المؤخر،
ثم قال: يا معشر النساء، إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن، لا ترين عورات الرجال
من ضيق الأزر) (1) *
وحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (لو
تركنا هذا الباب للنساء، فما دخل من ذلك الباب ابن عمر حتى مات) (2) *
وان عمر بن الخطاب كان ينهى ان يدخل من باب النساء (3) *
وحديث أسماء في صلاة الكسوف، وانها صلت في المسجد مع النساء خلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم. *
فما كان عليه السلام ليدعهن يتكلفن الخروج في الليل والغلس يحملن صغارهن ويفرد لهن
بابا ويأمر بخروج الابكار وغير الابكار ومن لا جلباب لها فتستعير جلبابا إلى المصلى،
فيتركهن يتكلفن من ذلك ما يحط أجورهن، ويكون الفضل لهن في تركه، هذا لا
يظنه بناصح للمسلمين إلا عديم عقل، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الذي
أخبر تعالى انه (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن
الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة انه سمع عبد الله بن عمرو
ابن العاص قال: - اجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنه لم يكن نبي قبلي
الا كان حقا عليه (4) أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم)
قال علي: واحتج من خالف الحق في هذا بخبر موضوع عن عبد الحميد بن المنذر
الأنصاري عن عمته أو جدته أم حميد. ان النبي صلى الله عليه وسلم قال. (ان صلاتك
في بيتك أفضل من صلاتك معي)

(1) تقدم في المحلى (ج 3 ص 131)
(2) رواه أبو داود (ج 1 ص 223) والمحلى (ج 3 ص 131)
(3) سبق في المحلى (ج 3 ص 131 و 132)
(4) في الأصلين (الا كان عليه حقا) وصححناه من مسلم (ج 2 ص 87) وهو حديث طويل اختصره المؤلف
199

قال علي: عبد الحميد بن المنذر مجهول لا يدريه أحد (1) *
وذكروا أيضا ما رويناه عن عائشة رضي الله عنها من قولها: لو أدرك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما احدث النساء لمنعهن من الخروج كما منعه نساء بني إسرائيل *
وهذا لا حجة فيه لوجوه ثمانية. *
أولها. ان الله تعالى باعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق موجب دينه إلى يوم القيامة
الموحى إليه بأن لا يمنع النساء حرائرهن وإماءهن، ذوات الأزواج وغيرهن من
المساجد ليلا ونهارا - قد علم ما يحدث النساء، فلم يحدث تعالى لذلك منعا لهن، ولا قال
له: إذا أحدثن فامنعوهن *
والثاني. انه عليه السلام، لو صح انه لو أدرك احداثهن لمنعهن - لما كان ذلك مبيحا
منعهن، لأنه عليه السلام لم يدرك فلم يمنع، فلا يحل المنع، إذ لم يأمر به عليه السلام *
والثالث: أن من الكبائر نسخ شريعة مات عليه السلام ولم ينسخها، بل هو
كفر مجرد *
والرابع أنه لا حجة في قول أحد بعده عليه السلام *
والخامس: أن عائشة رضي الله عنها لم تقل: إن منعهن لكم مباح، بل منعت منه
وإنما أخبرت ظنا منها بأمر لم يكن ولا تم، فهم مخالفون لها في ذلك *
والسادس: أنه لا حدث منهن أعظم من الزنا، وقد كان فيهن على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقد نهاهن الله تعالى عن التبرج، وأن يضربن بأرجلهن
ليعلم ما يخفين من زينتهن، وأنذر عليه السلام بنساء كاسيات عاريات مائلات مميلات
رؤسهن كأسنمة البخت لا يرحن رائحة الجنة، وعلم أنهن سيكن بعده، فما منعهن
من أجل ذلك *
والسابع: أنه لا يحل عقاب من لم يحدث من أجل من أحدث، فمن الباطل أن يمنع
من لم يحدث من أجل من أحدث، والله تعالى يقول (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر
وازرة وزر أخرى) والثامن: انهم لا يختلفون في أنه لا يحل منعهن من التزاور، ومن
الصفق في الأسواق، والخروج في حاجاتهن، وليس في الضلال والباطل أكثر من
اطلاقهن على كل ذلك وقد أحدث منهن من أحدث، وتخص صلاتهن في المسجد
الذي هو أفضل الأعمال بعد التوحيد بالمنع، حاشا لله من هذا، وما ندري كيف

(1) سبق الكلام على روايات هذا الحديث وانه حديث صحيح (ج 3 ص 123 و 134)
200

ينطلق لسان من يعقل بالاحتجاج بمثل هذا (1) في خلاف السنن الثابتة المتواترة (2) *
قال علي: والصحيح من هذا. هو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق
ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى أن عمرو بن عاصم الكلابي
حدثهم قال ثنا همام هو ابن يحيى عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل
من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مسجدها أفضل من صلاتها في بيتها) (3) *
وروينا هذا الخبر بلفظ آخر كما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا عباس بن أصبغ ثنا
محمد بن قاسم ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عمرو بن عاصم الكلابي
ثنا همام عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان،
وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها
في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها (4) *
قال علي: هكذا بذكر المخدع ليس فيه للمسجد ذكر أصلا، ثم لو صح فيه أن صلاتها
في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها وهذا لا يوجد أبدا من طريق فيها خير لما كانت
فيه حجة، لأنه كأن يكون منسوخا بلا شك، بما ذكرنا من تركه عليه السلام لهن
يتكلفن الكلف في الغبش، راغبات في الصلاة في الجماعة معه إلى أن مات عليه السلام،
فهذا آخر الامر بلا شك *
قال علي: مسجدها ههنا هو مسجد محلتها ومسجد قومها، ولا يجوز أن يظن أنه
مسجد بيتها، إذ لو كان ذلك لكان عليه السلام قائلا: صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك
في بيتك، وهذه لكنة وعى، حرام أن ينبسا إليه عليه السلام *

(1) في النسخة رقم (16) (بالاحتجاج في مثل هذا) وفى النسخة رقم (45) (بالاحتجاج
لمثل هذا) والصواب ما هنا
(2) سبق مثل هذه الإجابة من المؤلف في المسألة 321
(3) سبق الكلام عليه أيضا في (ج 3 ص 137) وذكرنا هناك أن المؤلف تصحف عليه الحديث، وان صوابه (وصلاتها في مخدعها) بدل (مسجدها) كما في أبى داود، وبذلك يسقط استدلاله
بهذه اللفظة التي وهم فيها
(4) هذه الرواية تؤيد صحة ما ذهبنا إليه من أن الحديث تصحف على المؤلف
201

وبقولنا قال الأئمة *
روينا عن معمر عن الزهري: أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عمر
ابن الخطاب، وكانت تشهد الصلاة في المسجد، فكان عمر يقول لها: والله انك لتعلمين
ما أحب هذا، فقالت: والله لا انتهى حتى تنهاني، فقال عمر: فانى لا أنهاك، قال: فلقد
طعن عمر يومئذ وانها لفي المسجد (1) *
قال علي: ولو رأى عمر صلاتها في بيتها أفضل لكان أقل أحواله أن يخبرها بذلك
ويقول لها: إنك تدعين الأفضل وتختارين الأدنى، لا سيما مع أنى لا أحب لك ذلك، فما فعل،
بل اقتصر على اخبارها بهواه الذي لا يقدر على صرفه، ومن الباطل أن تختار - وهي صاحبة،
ويدعها هو - ان تتكلف اسخاط زوجها فيما غيره أفضل منه، فصح انهما رأيا الفضل
العظيم الذي يسقط فيه موافقة رضا الزوج، وأمير المؤمنين وصاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم في خروجها إلى المسجد في الغلس وغيره، وهذا في غاية الوضوح لمن عقل *
وروينا من طريق هشام بن عروة: ان عمر بن الخطاب امر سليمان بن أبي حثمة
أن يؤم النساء في مؤخر المسجد في شهر رمضان (2) *
ومن طريق عرفجة: ان علي بن أبي طالب كان يأمر الناس بالقيام في رمضان، فيجعل
للرجال إماما، وللنساء اماما، قال عرفجة: فأمرني فأممت النساء (3) مع ما ذكرنا من شدة
عضب ابن عمر على ابنه إذ قال إنه يمنع النساء من الخروج إلى الصلاة *
فهؤلاء أئمة المسلمين بحضرة الصحابة، ثم على هذا عمل المسلمين في أقطار الأرض
جيلا بعد جيل. وبالله تعالى التوفيق *
486 - مسألة ومن العذر للرجال في التخلف عن الجماعة في المسجد: المرض،
والخوف، والمطر، والبرد، وخوف ضياع المال، وحضور الاكل، وخوف ضياع
المريض أو الميت، وتطويل الامام حتى يضر بمن خلفه، وأكل الثوم أو البصل أو
الكراث ما دامت الرائحة باقية، ويمنع آكلوها من حضور المسجد، ويؤمر باخراجهم
منه ولا بد، ولا يجوز أن يمنع من المساجد أحد غير هؤلاء، لا مجذوم ولا أبخر ولا
ذو عاهة ولا امرأة بصغير معها *
فأما المرض والخوف فلا خلاف في ذلك، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا

(1) سبق الكلام عليه في (ج 3 ص 139)
(2) سبق في (ج 3 ص 138 و 139)
(3) وسبق هذا أيضا في (ج 3 ص 140)
202

وسعها) وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) وقال تعالى:
(الا من أكره) *
وكذلك إضاعة المال وقد نهى عليه السلام عن إضاعة المال *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا حاتم هو ابن إسماعيل -
عن يعقوب بن مجاهد أبي حرزة (1) عن ابن أبي عتيق انه شهد عائشة أم المؤمنين
قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا
وهو يدافعه الأخبثان) (2) *
نا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا إسحاق بن منصور
انا يحيى هو ابن سعيد القطان عن ابن جريج ثنا عطاء عن جابر بن عبد الله قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل من هذه الشجرة، قال أول يوم: الثوم
ثم قال: الثوم والبصل والكراث: فلا يقربنا في مساجدنا (3)، فان الملائكة تتأذى
مما يتأذى منه الانس) (4) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا محمد بن المثنى ثنا
يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام هو الدستوائي ثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن
معدان بن أبي طلحة: ان عمر بن الخطاب قال: (انكم أيها الناس تأكلون من شجرتين
ما أراهما الا خبيثتين، هذا البصل والثوم، لقد رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا
وجد ريحهما (5) من الرجل امر به فأخرج إلى البقيع)
ولا يخرج غير هؤلاء، لان الله تعالى لو أراد منع أحد غيرهم من المساجد لبين ذلك،
(وما كان ربك نسيا) *
فان ذكر ذاكر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا

(1) بفتح الحاء المهملة والراء وبينهما زاي ساكنة
(2) مختصر من صحيح مسلم (ج 1 ص 155 و 156)
(3) بحاشية النسخة رقم (45) ان في نسخة من المحلى (مسجدنا)
وما هنا هو الموافق للنسائي (ج 1 ص 116)
(4) روى نحوه مسلم عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد باسناده (ج 1 ص 156)
(5) في الأصلين (ريحها) وصححناه من النسائي (ج 1 ص 116) والحديث روى نحوه مسلم مطولا عن محمد بن المثنى شيخ النسائي (ج 1 ص 157)
203

طيرة، وفر من المجذوم فرارك من الأسد) *
فان معناه كقول الله تعالى: (اعملوا ما شئتم) أي فر من المجذوم فرارك من الأسد لا عدوى،
انه لا يعديك، ولا ينفعك فرارك مما قدر عليك، ولو لم يكن معناه هذا لكان آخر الحديث
ينقض أوله، وهذا محال. وأيضا: فلو كان على معنى الفرار لكان الامر به عموما، فوجب ان
تفر منه امرأته وولده وكل أحد حتى يموت جوعا وجهدا، ولوجب ان تقفل الأزقة امامه، كما يفعل
بالأسد وهذا باطل بيقين، وما يشك أحد انه قد كان في عصره عليه السلام مجذومون
فما فر عنهم أحد، فصح ان مراده عليه السلام ما ذكرناه *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا
البخاري ثنا سعيد بن عفير حدثني الليث حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أخبرني
محمود بن الربيع الأنصاري: (ان عتبان بن مالك ممن شهد بدرا من الأنصار أتى
إلى (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قد أنكرت بصرى، وأنا أصلى
لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع ان آتي المسجد (2)،
ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلى في بيتي فأتخذه مصلى، فقال (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سأفعل إن شاء الله، قال عتبان: فغدا (4) على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث *
وبه إلى البخاري: ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر
حدثني نافع قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان (5) ثم قال: ألا (6) صلوا في رحالكم،
فأخبرنا: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن، ثم يقول على اثره:
ألا صلوا في الرحال) *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه هو أسامة
ابن عمير الهذلي أنه قال له: (رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية،

(1) في البخاري (ج 1 ص 184 و 185) (أتى رسول الله) بحذف (إلى)
(2) في البخاري (لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم)
(3) في البخاري (فقال له)
(4) في البخاري بحذف (على)
(5) بفتح الضاد المعجمة واسكان الجيم وهو موضع خارج مكة
(6) في البخاري (ج 1 ص 258) بحذف (ألا). وقد مضى هذا الحديث من طريق عبد الرزاق (ج 3 ص 162)
204

ومطرنا مطرا فلم تبل السماء أسفل نعالنا، فنادى منادى النبي صلى الله عليه وسلم: أن صلوا
في رحالكم) (1) *
وبه إلى عبد الرزاق: ثنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر عن نعيم بن النحام (2)
قال: (أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فيها برد، وانا تحت اللحاف،
فتمنيت ان يلقى الله على لسانه: ولا حرج، فلما فرغ قال: ولا حرج) (3) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا
مسدد ثنا إسماعيل هو ابن علية ثنا عبد الحميد صاحب الزيادي ثنا عبد الله بن الحارث
ابن عم محمد بن سيرين: أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير (4): إذا قلت (أشهد
أن محمدا رسول الله) فلا تقل: (حي على الصلاة) قل: (صلوا في بيوتكم) وقال
ابن عباس: قد فعل هذا من هو خير منى، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم (5)
فتمشون في الطين والمطر (6) *

(1) رواه أحمد في المسند (ج 5 ص 74) عن عبد الرزاق باسناده، ورواه أيضا بأسانيد
أخرى هنا وفى (ص 24 ج 5) ورواه أبو داود (ج 1 ص 410) والنسائي (ج 1 ص 137)
والطيالسي (ص 187 رقم 1320) والاسناد الذي هنا صحيح جدا وكذلك بعض أسانيده
الأخرى
(2) الصواب (عن نعيم النحام) لان النحام وصف لنعيم وأبوه عبد الله بن أسيد
(3) أما الذي في مسند أحمد عن عبد الرزاق فهو (أنا معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ سماه
عن نعيم) (ج 4 ص 220) وهذا فيه مجهول كما ترى، وكذلك نقله في مجمع الزوائد (ص 160
و 161) عن المسند، ورواه أحمد أيضا من طريق إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد
عن محمد بن يحيى بن حبان عن نعيم، وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين ويحيى
حجازي، ولكن ذكر ابن حجر في الإصابة (ج 6 ص 248) أن ابن قانع رواه من طريق
عمر بن نافع عن نافع عن ابن عمر قال قال نعيم الخ. وهذا يؤيد الاسناد الذي هنا وهو بذلك
صحيح جدا. ورواه البيهقي باسنادين آخرين (ج 1 ص 398 و 423) والحاكم وصححه هو
والذهبي (ج 1 ص 293)
(4) في النسخة رقم (16) (مطر) وما هنا هو الموافق لأبي داود (ج 1 ص 411 و 412) (5) بالحاء المهملة كما ضبطه شارح أبى داود، وفى الأصلين بالمعجمة
(6) روى المؤلف هذا الحديث فيما مضى (ج 3 ص 162) من طريق
بكر بن حماد عن مسدد عن حماد بن زيد عن أيوب وعاصم وعبد الحميد كلهم عن عبد الله
ابن الحارث، وكذلك رواه البخاري عن مسدد عنهم عن عبد الله بن الحارث (ج 1
ص 253 و 254)
205

حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي القاضي ثنا
إسحاق بن أحمد ثنا العقيلي ثنا موسى بن إسحاق هو الأنصاري ثنا أبو بكر بن أبي
شيبة ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن سعيد هو ابن أبي عروبة عن قتادة
عن كثير مولى ابن سمرة قال: مررت بعبد الرحمن بن سمرة وهو على بابه جالس، فقال:
ما خطب أميركم؟ قلت: أما جمعت معنا؟! قال: منعنا هذا الردغ (1) *
قال علي: فهذا ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن سمرة بحضرة الصحابة يتركون
الجمعة وغيرها للطين، ويأمرون المؤذن أن يقول: (ألا صلوا في الرحال) ولا نعرف
لهم مخالفا من الصحابة رضى الله تعالى عنهم *
واما التطويل فقد ذكرنا حديث معاذ والذي خرج عن إمامته فلم ينكر النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك على الخارج *
وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن
قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من اجل فلان، مما يطيل بنا، فما رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: يا أيها
الناس، ان منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز، فان من ورائه الكبير والضعيف
وذا الجاجة) (2) *
فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخره عن الصلاة الفريضة من اجل إطالة الامام *
وأما المجذوم، والابخر، وآكل الفجل وغيرهم: فلو جاز منعهم المسجد لما أغفل ذلك

(1) بفتح الراء واسكان الدال المهملة وآخره غين معجمة، ويقال
(رزغ) بالزاي بدل الدال والمراد المطر أو الطين. وهذا الاسناد صحيح. وقد روى
عبد الرحمن بن سمرة أيضا مرفوعا (إذا كان يوم مطر وابل فليصل أحدكم في رحله)
رواه أحمد في المسند (ج 4 ص 62) وكذلك ابنه عبد الله ورواه الحاكم (ج 1 ص 292
- 293) وفى اسناده أبو العلاء ناصح بن العلاء مولى بني هاشم مختلف فيه والحق أنه ثقة
وأن الحديث صحيح.
(2) في مسلم (ج 1 ص 135)
206

رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وما كان ربك نسيا) *
487 مسألة والأفضل ان يؤم الجماعة في الصلاة أقرؤهم للقرآن وإن كان أنقص
فضلا، فان استووا في القراءة فأفقههم فان استووا في الفقه والقراءة فأقدمهم صلاحا فان حضر
السلطان الواجبة طاعته أو أميره على الصلاة فهو أحق بالصلاة على كل حال، فإن كانوا في منزل
إنسان فصاحب المنزل أحق بالإمامة على كل حال الا من السلطان، وان استووا في كل
ما ذكرنا فأسنهم *
فان أم أحد بخلاف ما ذكرنا أجزأ ذلك، الا من تقدم بغير أمر السلطان على السلطان،
أو بغير امر صاحب المنزل على صاحب المنزل، فلا يجزئ هذين ولا تجزئهم *
وقد ذكرنا حديث مالك بن الحويرث: (وليؤمكما أكبركما) وكانا في القراءة والفقه
والهجرة سواء *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد
ابن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد هو القطان ثنا شعبة عن قتادة
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانوا
ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) (1) *
ورويناه أيضا من طريق عبد الله بن المبارك عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد
الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم *
وبه إلى مسلم: ثنا أبو سعيد الأشج ومحمد بن المثنى، قال الأشج: عن أبي خالد الأحمر عن
الأعمش، وقال ابن المثنى: ثنا محمد بن جعفر عن شعبة ثم اتفق شعبة والأعمش عن إسماعيل بن
رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود، قال شعبة: سمعت أوس بن ضمعج يقول: سمعت
أبا مسعود - هو البدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله،
فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا
في الهجرة سواء فأقدمهم سلما، (2) ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته
على تكرمته إلا باذنه) (3) *

(1) في مسلم (ج 1 ص 186) وكذلك طريق ابن المبارك
(2) بكسر السين المهملة واسكان اللام، أي اسلاما وهي رواية أبى بكر بن أبي شيبة عن الأحمر. ولم يذكرها المؤلف، وفى النسخة رقم (45) (سنا) بالنون وهي رواية الأشج وابن المثنى
(3) في صحيح مسلم (ج 1 ص 186)
207

قال علي: وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة الباقية أبدا كما حدثنا عبد الرحمن
ابن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة عن عبد الله
ابن أبي السفر وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) (1) *
قال علي: وقال مالك: يؤم الأفضل وإن كان أقل قراءة. وهذا خطأ، لأنه خلاف أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج
أنا نافع أنه سمع ابن عمر يقول: (كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنصار في مسجد قباء، فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة،
وزيد بن حارثة، وعامر بن ربيعة *
قال على: وحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال:
(لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضعا بقباء (2) قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا) (3) *
قال علي: فهذا فعل الصحابة رضي الله عنهم بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
مخالف لهم من الصحابة في ذلك *
فان قيل: إن عمر قدم صهيبا *
قلنا: نعم وصار صهيب أميرا مستخلفا من قبل الامام، فهو أحق الناس يومئذ
لأنه سلطان *
قال علي: وروينا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير فقال أبو سلمة: قال النبي
صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم، وإن كان أصغرهم سنا،
فإذا أمهم فهو أميرهم) وقال أبو سلمة: فذاك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) في البخاري (ج 1 ص 16) وهذا تأول بعيد جدا من المؤلف وإنما المراد في ذاك
الحديث أقدمهم هجرة إلى المدينة وقد كان التفاضل بينهم بالسبق إليها
(2) العصبة بضم العين واسكان الصاد المهملتين ويقال بفتح العين مع اسكان الصاد أو مع فتحها. وقوله (موضعا) في البخاري (موضع) بالرفع
(3) في البخاري (ج 1 ص 281) وأبو داود (ج 1 ص 229)
(4) هذا مرسل
208

وإنما أجزنا إمامة من أم بخلاف ذلك لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية
ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ثنا بكر بن عيسى قال سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن
أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين: (أن أبا بكر الصديق صلى
للناس (1) ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف) *
وبه إلى أحمد بن شعيب: أنا علي بن حجر ثنا إسماعيل هو ابن علية ثنا حميد عن
أنس قال: (آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم: صلى في ثوب
واحد متوشحا به (2) خلف أبي بكر) (3) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع وحسن بن علي الحلواني جميعا عن
عبد الرزاق أنا ابن جريج حدثني ابن شهاب (4) عن حديث عباد بن زياد أن عروة بن
المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره فذكر حديثا وفيه قال: (فأقبلت معه
يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى
لهم، فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين، فصلى عليه السلام مع الناس
الركعة الآخرة، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتم
صلاته (5) فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلاته أقبل عليهم فقال (6): أحسنتم، أو قد أصبتم، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها)
وبهذا الاسناد إلى ابن شهاب: عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن حمزة بن
المغيرة بن شعبة نحو هذا الحديث: وفيه قال المغيرة: (أردت تأخير عبد الرحمن بن عوف
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه) (7) *
قال علي: فبهذين الخبرين علمنا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم

(1) في الأصلين (بالناس) وصححناه من النسائي
(2) كلمة (به) ليست في النسائي
(3) هذا والذي قبله في النسائي (ج 1 ص 127)
(4) في النسخة رقم (45) (ثنا أبي شهاب) وفى النسخة رقم (16) (قال ابن شهاب) وما هنا هو الذي في مسلم (ج 1 ص 125)
(5) قوله (يتم صلاته) زيادة من صحيح مسلم
(6) في مسلم (ثم قال)
(7) في مسلم (ج 1 ص 126)
209

أقرؤهم فان استووا فأفقههم فان استووا فأقدمهم هجرة فان استووا فأقدمهم سنا):
ندب لا فرض، لأنه عليه السلام أقرأ من أبي بكر وعبد الرحمن، وأفقه منهما، وأقدم هجرة،
إلى الله تعالى منهما وأسن منهما *
وبهذين الاثرين جازت الصلاة خلف كل مسلم، وإن كان في غاية النقصان، لأنه لا مسلم
إلا ونسبته في الفضل والدين إلى أفضل المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أقرب من نسبة أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وهما من أفضل المسلمين رضي الله عنهما في الفضل والدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج هذا بدليله *
ولم نجد في التقدم على السلطان وعلى صاحب المنزل أثرا يخرجهما عن الوجوب إلى
الندب، فبقي على الوجوب (1) *
بل وجدنا ما يشد وجوب ذلك، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن
السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن
محمد بن إسحاق حدثني الزهري حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: (لما استعز (2) برسول الله صلى الله عليه
وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة، فقال: مروا من يصلى بالناس
(3)، فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبا، فقال: (4) قم يا عمر
فصل بالناس، فتقدم وكبر، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وكان عمر رجلا مجهرا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون (5)، فبعث إلى أبي

(1) في هذا نظر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب السلطان ومرجع الامر والنهى،
وإنما وجبت طاعة السلطان علينا طاعة لامره صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، فهو - بأبى هو
وأمي - أعلى من أن يسمى سلطانا وأسمى، وقد صح أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف
كما تقدم، وعبد الرحمن من بعض رعيته، ولم تكن صلاة عبد الرحمن عن إذن من النبي صلى الله عليه وسلم *
(2) بالعين المهملة والزاي مبنى للمجهول وأصله من العز وهو الغلبة، والمعنى لما اشتد به
المرض
(3) في الأصلين (مروا أبا بكر يصلى بالناس) وهو خطأ صححناه من أبى داود
(ج 4 ص 348) ومن سيرة ابن إسحاق التي هذبها ابن هشام (ص 1009) والحديث
حديث ابن إسحاق، وهو الموافق لما في مسند أحمد
(4) في أبى داود (فقلت) بدل (فقال) وهو أحسن
(5) هذا الجملة مكررة مرتين في أبى داود ومسند أحمد والسيرة
210

بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس) (1) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن
عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة
عن أبي سعيد مولى أبي أسيد (2) قال: تزوجت امرأة فكان عندي ليلة زفاف امرأتي
نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما حضرت الصلاة أراد أبو ذر ان يتقدم فيصلى،
فجذبه حذيفة وقال: رب البيت أحق بالصلاة، فقال لابن مسعود: أكذلك؟ قال: نعم
قال أبو سعيد: فتقدمت فصليت بهم وانا يومئذ عبد *
وعن ابن جريج عن عطاء في القوم يتنازلون (3) فيهم القرشي والعربي والمولى
والأعرابي والعبد، لكل امرئ منهم فسطاط، فانطلق أحدهم إلى فسطاط أحدهم
فحانت الصلاة، قال: صاحب الرحل يؤمهم هو، حقه يعطيه من يشاء *
488 مسألة والأعمى، والبصير، والخصي، والفحل، والعبد، والحر، وولد الزنا،
القرشي: سواء في الإمامة في الصلاة، كلهم جائز أن يكون إماما راتبا، ولا تفاضل
بينهم إلا بالقراءة والفقه وقدم الخير والسن فقط *
وكره مالك إمامة ولد الزنا وكون العبد اماما راتبا. ولا وجه لهذا القول، لأنه
لا يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا اجماع، ولا قياس، ولا قول صاحب، وعيوب
الناس في أديانهم وأخلاقهم، لا في أبدانهم ولا في أعراقهم، قال الله عز وجل: (إن أكرمكم
عند الله أتقاكم) *
واحتج بعض المقلدين له بأن قال: يفكر من خلفه فيه فيلهي عن صلاته! *

(1) رواه أحمد في المسند (ج 4 ص 322) عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق باسناده
وزاد في آخره: (قال عبد الله بن زمعة قال لي عمر: ويحك ماذا صنعت بي يا ابن زمعة؟!
والله ما ظننت حين أمرتني الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس،
قال قلت: والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر
بالصلاة، وروى ابن سعد مثله بمعناه عن الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري باسناده
(ج 2 ق 2 ص 20 و 21)
(2) أبو سعيد هذا تابعي، وذكره ابن منده في الصحابة، ولا دليل على ذلك. وانظر الإصابة
(3) يظهر ان المراد ان ينزل كل منهم في موضع
يضرب فيه خباءه، ومنه النزال في الحرب: ان يتنازل الفريقان عن ابلهما إلى خيلهما
فيتضاربوا
211

قال علي: وهذا في غاية الغثاثة والسقوط! ولا شك في أن فكرة المأموم في امر الخليفة
إذا صلى بالناس، أو الأحدب إذا أمهم أكثر من فكرته في ولد الزنا، ولو كان لشئ
مما ذكرنا حكم في الدين لما أغفله الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (وما كان ربك
نسيا) والعجب كله في الفرق بين الامام الراتب وغير الراتب! *
وتجوز إمامة الفاسق كذلك ونكرهه، الا أن يكون هو الأقرأ، والأفقه، فهو أولى
حينئذ من الأفضل، إذا كان انقص منه في القراءة أو الفقه. ولا أحد بعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلا وله ذنوب، قال عز وجل: (فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين
ومواليكم). وقال تعالى: (والصالحين من عبادكم وإمائكم) فنص تعالى على أن من
لا يعرف له أب إخواننا في الدين، وأخبر ان في العبيد والإماء صالحين *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني عبد الله بن أبي مليكة: انهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي، هو
وأبوه وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة (1) وهو
غلامها لم يعتق، فكان (2) إمام أهلها بنى محمد بن أبي بكر وعروة وأهلها، الا عبد الله
ابن عبد الرحمن (3) كان يستأخر عنه أبو عمرو (4)، فقالت عائشة رضي الله عنها: إذا
غيبني أبو عمرو (5) ودلاني في حفرتي فهو حر *
وعن إبراهيم النخعي قال: يؤم العبد الأحرار *
وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: كان يؤمنا في مسجدنا هذا عبد، فكان شريح
يصلى فيه *
وعن وكيع عن سفيان الثوري عن يونس عن الحسن البصري قال: ولد الزنا

(1) أبو عمرو هذا اسمه (ذكوان)
(2) في النسخة رقم (16) (وكان)
(3) هكذا في الأصلين (عبد الله بن عبد الرحمن) وأظنه خطأ، فان في التهذيب في ترجمة ذكوان (قال ابن أبي مليكة: كان عبد الرحمن بن أبي بكر يؤم عائشة، فإذا لم يحضر ففتاها ذكوان) وفى طبقات ابن سعد (ج 5 ص 218) نحو ذلك من رواية أيوب عن ابن أبي مليكة،
وفيه أيضا عن عروة بن الزبير (أن ذكوان غلام عائشة كان يؤم قريشا وخلفه عبد الرحمن
ابن أبي بكر لأنه كان أقرؤهم للقرآن)
(4) في النسخة رقم (45) في الموضعين (أبو عمر) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (45) في الموضعين (أبو عمر) وهو خطأ
212

وغيره سواء *
وعن وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال: ولد الزنا بمنزلة رجل من المسلمين،
يؤم وتجوز شهادته إذا كان عدلا *
وعن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت إذا سئلت
عن ولد الزنا: قالت ليس عليه من خطيئة أبويه شئ (لا تزر وازرة وزر أخرى) *
وعن وكيع عن سفيان الثوري عن برد أبي العلاء عن الزهري قال: كان أئمة من ذلك
العمل، قال وكيع: يعنى من الزنا *
وعن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان قال: سألت إبراهيم عن ولد الزنا
والأعرابي، والعبد، والأعمى: هل يؤمون؟ قال: نعم، إذا أقاموا الصلاة *
وعن الشعبي: ولد الزنا تجوز شهادته ويؤم *
وعن معمر قال سألت الزهري عن ولد الزنا: هل يؤم؟ قال نعم، وما شانه؟! (1)
وقد كان أبو زيد (2) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم وهو مقعد ذاهب الرجل *
وقد كان طلحة أشل اليد، وما اختلف في جواز إمامته، وقد كان في الشورى *
ومن طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبيد الله بن عدي بن الخيار
أنه دخل على عثمان رضي الله عنه وهو محصور، فقال له: إنك امام عامة، ونزل بك ما
نرى ويصلى لنا، امام فتنة ونتحرج، فقال له عثمان: إن الصلاة أحسن ما يعمل الناس
فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم *
وكان ابن عمر يصلى خلف الحجاج ونجدة، أحدهما خارجي، والثاني أفسق البرية.
وكان ابن عمر يقول: الصلاة حسنة ما أبالي من شركني فيها *
وعن ابن جريج قلت لعطاء: أرأيت إماما يؤخر الصلاة حتى يصليها مفرطا فيها؟
قال: أصلى مع الجماعة أحب إلى، قلت: وان اصفرت الشمس ولحقت برؤس الجبال؟

(1) من الشين بمعنى العيب فهو بدون همزة وبفتح النون
(2) هكذا في النسخة رقم (45) وفى النسخة رقم (16) (ابن زيد) وأنا أرجح ما هنا وانه (أبو زيد عمرو بن أخطب بن رفاعة الأنصاري الأعرج) فإنه اشتهر بكنيته، وأبو زيد هذا عاش أكثر من مائة سنة وما شاب رأسه الا قليل بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
213

قال: نعم، ما لم تغب، قلت لعطاء: فالامام لا يوفى الصلاة، أعتزل الصلاة معه؟ قال:
بل صل معه، وأوف ما استطعت، الجماعة أحب إلى، فان رفع رأسه من الركوع ولم
يوف الركعة فأوف أنت فان رفع رأسه من السجدة ولم يوف فأوف أنت فان قام وعجل
عن التشهد فلا تعجل أنت، وأوف وإن قام *
وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عقبة عن أبي وائل: أنه كان يجمع مع
المختار الكذاب. *
وعن أبي الأشعث (1) قال: ظهرت الخوارج علينا فسألت يحيى بن أبي كثير، فقلت
يا أبا نصر، كيف ترى في الصلاة خلف هؤلاء؟ قال: القرآن إمامك، صل معهم ما صلوها *
وعن إبراهيم النخعي قلت لعلقمة: إمامنا لا يتم الصلاة قال علقمة: لكنا نتمها،
يعنى نصلى معه ونتمها *
وعن الحسن: لا تضر المؤمن صلاته خلف المنافق، ولا تنفع المنافق صلاته
خلف المؤمن *
وعن قتادة قلت لسعيد بن المسيب: أنصلي خلف الحجاج؟ قال: إنا نصلى خلف
من هو شر منه *
قال علي: ما نعلم أحدا من الصحابة رضي الله عنهم امتنع من الصلاة خلف المختار وعبيد
الله بن زياد والحجاج، ولا فاسق أفسق من هؤلاء، وقد قال الله عز وجل: (وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ولا بر أبر من الصلاة وجمعها في المساجد
فمن دعا إليها ففرض اجابته وعونه على البر والتقوى الذي دعا إليهما، ولا اثم بعد الكفر
آثم من تعطيل الصلوات في المساجد، فحرام علينا أن نعين على ذلك، وكذلك الصيام
والحج والجهاد، من عمل شيئا من ذلك عملناه معه، ومن دعانا إلى اثم لم نجبه ولم نعنه
عليه. وكل هذا قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان *
489 مسألة ومن صلى جنبا أو على غير وضوء عمدا أو نسيانا فصلاة
من ائتم به صحيحة تامة، الا أن يكون علم ذلك يقينا فلا صلاة له، لأنه ليس مصليا،
فإذا لم يكن مصليا فالمؤتم بمن لا يصلى عابث عاص مخالف لما أمر به، ومن هذه صفته في

(1) في النسخة رقم (16) (وعن أبي الأشهب) ولا أدرى أيتهما أصح
214

صلاته فلا صلاة له. *
وقال أبو حنيفة: لا تجزئ صلاة من ائتم بمن ليس على طهارة عامدا كان الامام أو ناسيا *
وقال مالك: إن كان ناسيا فصلاة من خلفه تامة، وإن كان عامدا فلا صلاة لمن خلفه *
وقال الشافعي وأبو سليمان كما قلنا *
قال علي: برهان صحة قولنا قول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وليس
في وسعنا علم الغيب من طهارته، وكل إمام يصلى وراءه في العالم ففي الممكن أن
يكون على غير طهارة عامدا أو ناسيا، فصح أننا لم نكلف علم يقين طهارتهم، وكل
أحد يصلى لنفسه، ولا يبطل صلاة المأموم إن صحت بطلان صلاة الامام، ولا
يصح صلاة المأموم إن بطلت صحة صلاة الامام (1)، ومن تعدى هذا فهو مناقض
لأنهم لا يختلفون - نعنى الحنيفيين والمالكيين في أن الامام إن أحدث مغلوبا فان
طهارته قد انتقضت، قال المالكيون: وصلاته أيضا قد بطلت، ثم لا يختلفون ان صلاة
من خلفه لم تنتقض ولا طهارتهم، فبطل أن تكون صلاة المأموم متعلقة بصلاة
الامام وان تفسد بفسادها، وهم أصحاب قياس بزعمهم، وهم لا يختلفون في أن صلاة
المأموم ان فسدت فإنه لا يصلحها صلاح صلاة الامام، فهلا طردوا أصلهم فقالوا: فكذلك
إن صحت صلاة المأموم لم يفسدها فساد صلاة الامام!؟ فلو صح قياس يوما لكان هذا
أصح قياس في الأرض *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا
الفضل بن سهل ثنا الحسن بن موسى (2) الأشيب ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد
ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يصلون لكم، فان
أصابوا فلكم، وإن أخطؤا فلكم وعليهم) (3) *
قال علي: وعمدتنا في هذا هو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم
ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون (4)

(1) قوله (ولا يبطل) الخ فاعل يبطل (بطلان صلاة الامام) وهو مؤخر، ومفعوله
(صلاة المأموم) وهو مقدم، وكذلك قوله (ولا يصح) الخ وهو بضم أوله مضارع (أصح)
(2) في النسخة رقم (45) (الفضل بن موسى) وهو خطأ
(3) في البخاري (ج 1 ص 281)
(4) في الأصلين (ثنا أبو داود السجستاني ثنا يزيد بن هارون) بحذف عثمان بن أبي شيبة من
الاسناد، وهو خطأ صححناه من أبى داود (ج 1 ص 93 و 94)
215

أنا حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن أبي بكرة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة
الفجر فكبر فأومأ إليهم: ان مكانكم (1)، ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى
الصلاة قال: إنما انا بشر مثلكم، واني كنت جنبا) *
قال علي: فقد اعتدوا بتكبيرهم خلفه وهو عليه السلام جنب (2)، *
قال علي: ورويناه من طريق هشام بن عروة عن أبيه (3): ان عمر بن الخطاب صلى
بالناس وهو جنب فأعاد، ولم يبلغنا ان الناس أعادوا *
وعن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر: ان أباه صلى بالناس صلاة العصر
وهو على غير وضوء، فأعاد ولم يعد أصحابه *
وعن إبراهيم النخعي، والحسن، وسعيد بن جبير، فيمن أم قوما وهو على غير طهارة
انه يعيد ولا يعيدون، ولم يفرقوا بين ناس وعامد. *
وقال عطاء: لا يعيدون خلف غير المتوضئ، ويعيدون خلف الجنب، وهذا لا معنى له *
وروينا عن علي بن أبي طالب: يعيد ويعيدون *
ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالفه عمر وابن عمر، هذا لو
صح عن علي، فكيف ولا يصح! لان في الطريق إليه عباد بن كثير، وهو مطرح، وغالب

(1) في أبى داود (فأومأ بيده أن مكانكم)
(2) هكذا زعم ابن حزم، والروايات في هذا الحديث مختلفة فبعضها فيه أنه كبر وبعضها أنه لم يكبر، وفى لفظ البخاري (ثم خرج الينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه) وانظر بيان هذا مفصلا في شرح أبى داود
(3) في الموطأ (ص 17): (مالك عن هشام بن عروة عن زبيد بن الصلت أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أراني الا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت، قال فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير، وأذن وأقام ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا) وفيه أيضا. (مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان ابن يسار. أن عمر بن الخطاب صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد
في ثوبه احتلاما فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق! فاغتسل وغسل الاحتلام من
ثوبه وعاد لصلاته) فيظهر من هذا ان ما هنا من قوله (ولم يبلغنا أن الناس أعادوا) انه من
قول ابن حزم بيانا للأثر أو لعله في رواية له لم نرها
216

ابن عبيد الله (1) وهو مجهول، وعبيد الله بن زحر عن علي بن زيد، (2) وكلاهما ضعيف *
وروى المخالفون عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو كذاب عمن لم يسمه
وهو مجهول عن أبي جابر البياضي وهو كذاب عن سعيد بن المسيب:
في القوم يصلون خلف من ليس على طهارة ناسيا: أنهم يعيدون. ولو صح لكان مرسلا
لا حجة فيه، فكيف وفيه كذابان ومجهول! فحصلت الرواية عن عمرو بن عمر، لا يصح
عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلافها، وهي في غاية الصحة *
قال على: وأما الألثغ، والألكن، والأعجمي اللسان، واللحان فصلاة من ائتم بهم
جائزة، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فلم يكلفوا إلا ما يقدرون عليه،
لا ما لا يقدرون عليه، فقد أدوا صلاتهم، كما أمروا، ومن أدى صلاته كما أمر فهو محسن
قال تعالى: (ما على المحسنين من سبيل). والعجب كل العجب ممن يجيز صلاة الألثغ واللحان
والألكن لنفسه ويبطل صلاة من ائتم بهم في الصلاة، وهم مع ذلك يبطلون صلاة من
صلى وهو جنب ناسيا، ويجيزون صلاة من ائتم به وهو لا صلاة له! وبالله تعالى التوفيق *
490 - مسألة - ولا تجوز إمامة من لم يبلغ الحلم، لا في فريضة ولا نافلة، ولا أذانه *
وقال الشافعي: تجوز إمامته في الفريضة والنافلة، ويجوز أذانه *
وقال مالك: تجوز إمامته في النافلة ولا تجوز في الفريضة *

(1) كذا في الأصلين بالتصغير، وفى لسان الميزان (غالب بن عبد الله) وأظن أن ما هنا
أصح
(2) كذا في الأصلين (علي بن زيد) ولكن عبيد الله بن زحر معروف بالرواية
عن علي بن يزيد الألهاني روى عنه نسخة، وقال ابن حبان في عبيد الله بن زحر: (يروى
الموضوعات عن الاثبات، فإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في
اسناد خبر عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن متن ذلك
الخبر الا مما عملته أيديهم) قال ابن حجر في التهذيب بعد كلام ابن حبان: (وليس في الثلاثة
من اتهم الا علي بن يزيد، واما الآخران فهما في الأصل صدوقان وإن كانا يخطئان)
ولذلك انا أرجح ان ما في الأصل خطأ صوابه (علي بن يزيد) وان كنت لم أجد الأثر الذي
يشير إليه المؤلف حتى أرى اسناده
217

قال علي: احتج من أجاز إمامته بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد
ابن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة أنا أيوب هو السختياني
عن عمرو بن سلمة الجرمي (1) قال: (كنا بحاضر (2) يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم،
فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وقال كذا، وكنت
غلاما حافظا، فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا، فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، وقال: يؤمكم أقرؤكم، فكنت أقرأهم لما كنت احفظ،
فقدموني فكنت أؤمهم، وعلى بردة لي صغيرة، فكنت إذا سجدت تكشفت عنى، فقالت امرأة
من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصا عمانيا، فما فرحت بشئ بعد الاسلام
ما فرحت به (3)، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين) *
قال على: فهذا فعل عمرو بن سلمة وطائفة من الصحابة معه، لا يعرف لهم من الصحابة
رضي الله عنهم مخالف، فأين الحنيفيون والمالكيون المشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق
تقليدهم؟! وهم أترك الناس له، لا سيما من قال منهم، إن ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع،
وقد وجدنا لعمرو بن سلمة هذا صحبة ووفادة على النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيه (4) *
قال علي: وأما نحن فلا حجة عندنا في غير ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقرار
أو قول أو عمل، ولو علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف هذا وأقره لقلنا به، فأما إذا لم
يأت بذلك أثر فالواجب عند التنازع ان يرد ما اختلفنا فيه إلى ما افترض الله علينا الرد إليه
من القرآن والسنة، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم
أحدكم وليؤمكم أقرؤكم) فكان المؤذن مأمورا بالاذان، والامام مأمورا بالإمامة، بنص
هذا الخبر، ووجدناه صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن القلم رفع عن الصغير حتى يحتلم) فصح أنه
غير مأمور ولا مكلف، فإذ هو كذلك فليس هو المأمور بالاذان ولا بالإمامة، وإذ
ليس مأمورا بهما فلا يجزئان إلا من مأمور بهما، لا ممن لم يؤمر بهما، ومن ائتم بمن
لم يؤمر أن يأتم به وهو عالم بحاله فصلاته باطل، فإن لم يعلم بأنه لم يبلغ، وظنه رجلا

(1) (سلمة) بفتح السين وكسر اللام، و (الجرمي) بفتح الجيم واسكان الراء
(2) في شرح أبى داود (قال الخطابي: الحاضر القوم النزول على ما يقيمون به لا يرحلون
عنه، وربما جعلوه اسما لمكان الحضور، يقال: نزلنا حاضر بنى فلان، فهو فاعل بمعنى
مفعول)
(3) في أبى داود (ج 1 ص 228) (فرحى به)
(4) انظر المسألة 454 والتهذيب
218

بالغا: فصلاة المؤتم به تامة، كمن صلى خلف جنب أو كافر لا يعلم بهما ولا فرق
وبالله التوفيق *
وأما الفرق بين إمامة من لم يبلغ في الفريضة وبين إمامته في النافلة: فكلام
لا وجه له أصلا، لأنه دعوى بلا برهان *
491 مسألة وصلاة المرأة بالنساء جائزة، ولا يجوز أن تؤم الرجال، وهو
قول أبي حنيفة والشافعي، إلا أن أبا حنيفة كره ذلك وأجاز ذلك، وقال الشافعي: بل
هي السنة، ومنع مالك من ذلك *
قال علي: اما منعهن من امامة الرجال فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر ان المرأة تقطع
صلاة الرجل، وأن موقفها في الصلاة خلف الرجال، والامام لا بد له من التقدم أمام
المؤتمين، أو من الوقوف عن يسار المأموم إذا لم يكن معه غيره، فلو تقدمت المرأة أمام
الرجل لقطعت صلاته وصلاتها، وكذلك لو صلت إلى جنبه، لتعديها المكان الذي أمرت
به، فقد صلت بخلاف ما أمرت *
واما امامتها النساء. فان المرأة لا تقطع صلاة المرأة إذا صلت أمامها أو إلى جنبها، ولم
يأت بالمنع من ذلك قرآن ولا سنة، وهو فعل خير وقد قال تعالى: (وافعلوا الخير) وهو
تعاون على البر والتقوى *
وكذلك ان أذن وأقمن فهو حسن لما ذكرنا *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن
عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ميسرة
ابن حبيب النهدي هو أبو حازم عن ريطة الحنفية: أن عائشة أم المؤمنين أمتهن
في الفريضة *
حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن
عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا زياد بن لاحق عن تميمة
بنت سلمة عن عائشة أم المؤمنين: أنها أمت النساء في صلاة المغرب فقامت وسطهن
وجهرت بالقراءة *
وبه إلى يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ان أم الحسن بن أبي
الحسن حدثتهم: ان أم سلمة أم المؤمنين كانت تؤمهن في رمضان وتقوم معهن في الصف
219

قال علي: هي خيرة، ثقة الثقات. وهذا إسناد كالذهب (1)
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج
عن عطاء قال: تقيم المرأة لنفسها *
وقال طاوس: كانت عائشة أم المؤمنين تؤذن وتقيم *
وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن حجيرة بنت حصين (2)
قالت: أمتنا أم سلمة أم المؤمنين في صلاة العصر وقامت بيننا، ورويناه أيضا من طريق
وكيع عن سفيان باسناده *
وعن ابن عباس: تؤم المرأة النساء وتقوم وسطهن *
وعن ابن عمر: أنه كان يأمر جارية له تؤم نساءه في رمضان *
وعن عطاء ومجاهد والحسن جواز إمامة المرأة للنساء في الفريضة والتطوع وتقوم
وسطهن في الصف *
وعن النخعي والشعبي: لا بأس بأن تصلى المرأة بالنساء في رمضان وتقوم وسطهن *
قال علي: وقال الأوزاعي وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه
وأبو ثور: يستحب أن تؤم المرأة النساء وتقوم وسطهن *
قال علي: ما نعلم لمنعها من التقدم حجة أصلا، وحكمها عندنا التقدم أمام النساء
وما نعلم لمن منع من إمامتها النساء حجة أصلا، لا سيما وهو قول جماعة من الصحابة كما
أوردنا، لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم أصلا، وهم يعظمون هذا
إذا وافق أهواءهم، ويرونه خلاف للاجماع! وهو سهل عليهم خلافهم إذ لم يوافق أهواءهم،
وبالله تعالى التوفيق *
492 مسألة وإذا أحدث الامام أو ذكر انه غير طاهر فخرج فاستخلف
فحسن فإن لم يستخلف فليتقدم (3) أحدهم يتم بهم الصلاة ولا بد، فان أشار إليهم ان

(1) هذه الآثار الثلاثة مضت في المسألة رقم (319) (ج 3 ص 126 - 127)
(2) حجيرة بنت حصين) بالتصغير فيهما، وفى النسخة رقم (16) (حجير) بدون الهاء، وفى النسخة رقم (45) (حجرة) بالتكبير وكلاهما خطأ، وهذا الأثر مضى أيضا (ج 3 ص 127)
(3) في النسخة رقم (45) (فليقدموا) وهي أحسن
220

ينتظروه ففرض عليهم انتظاره حتى ينصرف فيتم بهم صلاتهم ثم يتم لنفسه *
اما انتظاره فلما ذكرنا آنفا من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جنب فخرج وأومأ إليهم
أن مكانكم ثم عاد، وقد اغتسل فصلى بهم *
وأما استخلافهم (1): فلما ذكرنا قبل من أن النبي صلى الله عليه وسلم مضى إلى قباء فقدم المسلمون
أبا بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أحس أبو بكر به تأخر وتقدم عليه السلام فصلى بالناس،
ولان فرضا على الناس أن يصلوا في جماعة كما قدمنا، فلا بد لهم من إمام، إما باستخلاف
إمامهم وإما باستخلافهم أحدهم وإما بتقدم أحدهم *
وقال أبو حنيفة: إن أحدث الامام وهو ساجد فرفع رأسه ولم يكبر واستخلف جار
ذلك. وصلاتهم كلهم تامة، فلو كبر ثم استخلف بطلت صلاة الجميع، فلو خرج من المسجد
قبل أن يستخلف بطلت صلاة الجميع *
قال علي: وهذه أقوال في غاية الفساد والتخليط، وليس عليها من بهجة الحق أثر!
وليت شعري! إذا أحدث ساجدا فرفع رأسه ولم يكبر: في صلاة هو أم في غير
صلاة؟ وهل إمامته لهم باقية أو لا؟ ولا بد من أحد الوجهين *
فان قالوا: هو في صلاة وامامته باقية، جعلوه مصليا بلا وضوء، وإماما لهم بلا وضوء.
وهذا خلاف أصلهم الآخر الفاسد في بطلان صلاة من ائتم بامام هو على غير طهارة
ناسيا أو ذاكرا *
ثم نقول لهم: إذ هو في صلاة وهو بعد باق على إمامته لهم، فما ذنبه إذ كبر فأبطل صلاة
نفسه وصلاتهم؟! هذه عداوة منكم لذكر الله تعالى! وأخية قولكم: (2) من عطس في
صلاته فقال بلسانه: (الحمد لله رب العالمين) بطلت صلاته، ولو قعد مقدار التشهد فقذف
محصنة أو ضرط، عامدا لم تبطل صلاته! تعالى الله، ما أوحش هذه الأقوال التي لا يحل قبولها
الا لو قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، الذي لم نأخذ الصلاة ولا الدين ولا ذكر الله تعالى
الا عنه، فلا يحل لنا اذن شئ من ذلك الا كما أمرنا. *
وان قالوا: بل ليس في صلاة، ولا هم بعد في إمامته، قلنا لهم: فإذ قد خرج بالحدث
من امامتهم وعن الطهارة التي لا صلاة الا بها: فما الذي ولد عليه تكبيره من الضرر،

(1) في النسخة رقم (45) (واما استخلافه)
(2) كذا في الأصلين، ويظهر أن مراده بالأخية البقية التي يرجع إليها أصل القول، انظر لسان العرب
221

حتى أحدث عليه قوله (الله أكبر) بطلان صلاته، وكذلك خروجه من المسجد، وفى
هذا القول من السخافة غير قليل! وهذا مسجد بيت المقدس طوله ثمانمائة ذراع ونيف،
ورب مسجد ليس عرضه الا ثلاثة أذرع أو نحوها وطوله مثلا ذلك فقط! ونحمد الله
على تسليمه إيانا من مثل هذه الأقوال المنافرة لصحة الدماغ *
قال علي: فان استخلف من دخل حينئذ ولم يكبر بعد، أو قد كبر، أو من أدرك
معه أول صلاته، أو قدموا هم من هذه صفته، أو تقدم هو: فكل ذلك جائز، إذ استخلاف
امام يتم بهم فرض كما ذكرنا، لوجوب الصلاة في جماعة عليهم، فليبدأ المستخلف إن كان
لم يدرك من الصلاة ركعة واحدة واستخلف في الثانية: فيتم تلك الركعة بهم، ثم إذا
سجد سجدتيها أشار إليهم فجلسوا، وقام هو إلى ثانيته، فإذا أتمها جلس وتشهد، ثم قام
وقاموا معه فأتم بهم الركعتين أو الركعة إن كانت المغرب، فإن كانت الصبح فكذلك
سواء سواء، فإذا أتم تشهده سلم وسلموا، *
فان فاتته ركعتان واستخلف في الجلوس كبر وقاموا معه بعد أن يتموا تشهدهم بأسرع
ما يمكن، وأتى بالركعتين الباقيتين وهم معه، فإذا جلسوا قام إلى باقي صلاته فأتمها ثم
يتشهد ويسلم ويسلمون. فإن كان ذلك في جلوس الصبح فكذلك ثم جلس وتشهد
وسلم وسلموا *
فان فاتته ثلاث ركعات واستخلف في أول الرابعة صلاها، فإذا رفع من آخر سجوده
قام وجلسوا، ثم أتى بركعة وجلس تشهد، ثم قام وأتى بباقي صلاته، ثم جلس وتشهد
وسلم وسلموا *
وبالجملة فلا يصلى إلا صلاة نفسه، لا كما كان يصلى لو كان مأموما، لأنه إمام،
والامام لا يتبع أحدا في صلاته لكن يتبع فيها، واما هم فيتبعونه فيما لا يزيدون به في
صلاتهم وقوفا ولا سجدة ثالثة، وكل أحد يصلى لنفسه، قال تعالى: (ولا تكسب
كل نفس إلا عليها) *
فإن كان المستخلف في مؤخر الصفوف فما بين ذلك إلى أحد جهات الصف الأول:
ففرض عليه المشي مستقبلا للقبلة كما هو على أحد جنبيه إلى موقف الامام، لان فرض الامام
- لغير الضرورة - أن يقف أمام المأمومين وهم وراءه ولا بد، ففرض عليه المشي إلى
ما أمر به من ذلك، ولا يجوز له ان يخالف عن كون وجهه إلى شطر المسجد الحرام الا
222

لضرورة لا يقدر على غير ذلك معها. وبالله تعالى التوفيق *
493 - مسألة ولا يحل لاحد أن يؤم وهو ينظر ما يقرأ به في المصحف،
لا في فريضة ولا نافلة، فان فعل عالما بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته وصلاة من ائتم
به عالما بحاله عالما بأن ذلك لا يجوز *
قال علي: من لا يحفظ القرآن فلم يكلفه الله تعالى قراءة ما لا يحفظ، لأنه ليس ذلك
في وسعه، قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فإذا لم يكن مكلفا ذلك فتكلفه
ما سقط عنه باطل، ونظره في المصحف عمل لم يأت بإباحته في الصلاة نص، وقد قال
عليه السلام: (ان في الصلاة لشغلا) *
وكذلك صلاة من صلى معتمدا على عصا أو إلى حائط لضعفه عن القيام لأنه لم يؤمر
بذلك، وحكم من هذه صفته ان يصلى جالسا، وليس له ان يعمل في صلاته ما لم يؤمر
به، ولو كان ذلك فضلا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك، لكنه لم يفعله، بل صلى جالسا
إذ عجز عن القيام، وامر بذلك من لا يستطيع، فصلاة المعتمد مخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد قال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهو قول سعيد بن المسيب
والحسن وغيرهما *
494 - مسألة ومن نسي صلاة فرض - أي صلاة كانت فوجد اماما يصلى صلاة
أخرى أي صلاة كانت في جماعة ففرض عليه ولا بد أن يدخل فيصلى التي فاتته،
وتجزئه، ولا نبالي باختلاف نية الإمام والمأموم. *
وجائز صلاة الفرض خلف المتنفل، والمتنفل خلف من يصلى الفرض، وصلاة فرض
خلف من يصلى صلاة فرض أخرى كل ذلك حسن وسنة *
ولو وجد المرء جماعة تصلى التراويح في رمضان، ولم يكن صلى العشاء الآخرة،
فليصلها معه، ينوى فرضه، فإذا سلم الامام ولم يكن هو أتم صلاته فلا يسلم، بل يقوم،
فان قام الامام إلى الركعتين قام هو أيضا فائتم به فيهما، ثم يسلم بسلام الامام. وكذلك
لو ذكر صلاة فائتة *
وجائز أن يصلى امام واحد بجماعتين فصاعدا في مساجد شتى صلاة واحدة، هي لهم
فرض، وكلها له نافلة سوى التي صلى أولا،
وكذلك من صلى صلاة فرض في جماعة فجائز له أن يؤم في تلك الصلاة جماعة أخرى،
223

وجماعة بعد جماعة *
ومن فاتته الصبح فوجد قوما يصلون الظهر صلى معهم ركعتين ينوى بهما الصبح، ثم
سلم، وصلى الباقيتين بنية الظهر، ثم أتم ظهره، وهكذا يعمل (1) في كل صلاة على حسب
ما ذكرنا. وهذا قول الشافعي وأبي سليمان *
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز أن تختلف نية الإمام والمأموم.
قال علي: إن من العجب أن يكون الحنيفيون يجيزون الوضوء للصلاة والغسل
من الجنابة بغير نية أو بنية التبرد، وفيهم من يجيز صوم رمضان بنية الافطار وترك الصوم،
وكلهم يجيزه بنية التطوع ويجزئه عن فرضه، وبنية الفطر إلى زوال الشمس، فيبطلون النيات
حيث أوجبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يوجبونها ههنا حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله
صلى الله عليه وسلم! وفى المالكيين من يجزئ عنده غسل الجمعة ودخول الحمام من غسل الجنابة،
فيسقطون النية حيث هي فرض، ويوجبونها حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم *
قال على: وإنما يجب الكلام في وجوب اتفاق نية الإمام والمأموم، أو في سقوط وجوبه، فإذا
سقط وجوبه صحت المسائل التي ذكرنا كلها، لأنها مبنية على هذا الأصل، ومنتجة منه *
قال على: فنقول وبالله تعالى التوفيق: إنه لم يأت قط، قرآن. ولا سنة. ولا إجماع. ولا قياس
: يوجب اتفاق نية الإمام والمأموم، وكل شريعة لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا إجماع
فهي غير واجبة، وهذه شريعة لم يوجبها شي مما ذكرنا، فهي باطل *
ثم البرهان يقوم على سقوط وجوب ذلك، وقد كان يكفي من سقوطه عدم البرهان
على وجوبه *
قال على: من المحال أن يكلفنا الله تعالى موافقة نية المأموم منا لنية الامام لقول الله
تعالى. (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وليس في وسعنا علم ما غيب عنا من نية الامام حتى
نوافقها، وإنما علينا ما يسعنا ونقدر عليه من القصد بنياتنا تأدية ما أمرنا به كما أمرنا، وهذا
برهان ضروري سمعي وعقلي *
وبرهان آخر. وهو قول الله تعالى. (لا تكلف إلا نفسك) وهذا نص جلى كاف
في ابطال قولهم *
فان قالوا. قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الامام ليؤتم به) *
قلنا. نعم، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر نفسه - المواضع التي يلزم الائتمام

(1) في النسخة رقم (45) (وكذلك العمل) الخ
224

بالامام فيها، وهي قوله عليه السلام: (فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد
فاسجدوا، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا) فههنا أمر عليه السلام بالائتمام فيه، لا في النية
التي لا سبيل إلى معرفتها لغير الله تعالى ثم لناويها وحده *
والعجب كل العجب ان المحتجين بهذا الخبر فيما ليس فيه منه اثر من ايجاب موافقة
نية المأموم لنية الامام - أول عاصين لهذا الخبر، فيقولون: لا يقتدى المأموم بالامام في
قول: (سمع الله لمن حمده)! فإذا قيل لهم: هذا، قالوا: لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك،
فقيل لهم: ولا نهى عنه ولا ذكر عليه السلام أيضا موافقة نية المأموم للامام، لا في هذا
ولا في غيره، ثم خالفه المالكيون في امره بأن نصلى قعودا إذا صلى قاعدا، فأي عجب
أعجب من احتجاجهم بخبر يخالفون نص ما فيه، ويوجبون به ما ليس فيه؟! نعوذ
بالله من مثل هذا *
وقال عليه السلام. (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فنص عليه السلام
نصا جليا على أن لكل أحد ما نوى، فصح يقينا ان للامام نيته، وللمأموم نيته، لا تعلق لإحداهما
بالأخرى، وما عدا هذا فباطل بحت لا شك فيه. وبالله تعالى نتأيد *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى انا هشيم عن منصور عن عمرو بن دينار
عن جابر بن عبد الله: (ان معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة،
ثم يرجع إلى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة) (1) *
وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن
جابر بن عبد الله: (ان معاذ بن جبل كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى
ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل
فسلم ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله، ولآتين
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، انا أصحاب نواضح
نعمل بالنهار، وان معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: يا معاذ، أفتان أنت؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا) (2) *

(1) في مسلم (ج 1 ص 134 و 135)
(2) في مسلم (ج 1 ص 134) *
225

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم بالامر وأقره على حاله ولم ينكرها *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن
عمر بن ميسرة ثنا يحيى بن سعيد هو القطان عن محمد بن عجلان ثنا عبيد الله بن مقسم عن
جابر بن عبد الله: (أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصلى
بهم تلك الصلاة) (1) *
قال على: إنما أوردنا هذا الخبر لان بعض من لا يردعه دين عن الكذب قال: لم
يرو أحد هذه اللفظة الا عمرو بن دينار، فأريناه أنه قد رواها عبيد الله بن مقسم، وهو
متفق على ثقته، ثم حتى لو انفرد بها عمرو فكان ماذا؟! *
ما يختلف مسلمان في أن عمرا، هو النجم الثاقب ثقة وحفظا وامامة وبلا شك فهو فوق
أبي حنيفة ومالك اللذين يعارض هؤلاء السنن برأيهما الذي أخطئا فيه، لان عمرا لقى
الصحابة واخذ عنهم وأقل مراتب عمرو أن يكون في نصاب شيوخ مالك وأبي حنيفة كالزهري،
ونافع وحماد بن أبي سليمان وغيرهم، وقد روى عن عمرو من هو أجل من مالك وأبي
حنيفة ومثلهما، كأيوب، ومنصور، وشعبة، وحماد بن زيد، وسفيان، وابن جريج وغيرهم، *
فكيف وقد صح في هذا ما هو أجل من فعل معاذ؟ كما حدثنا يونس بن عبد الله ثنا
أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد
ابن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان عن الأشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري
عن أبي بكرة: (انه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصلى بالذين (2) خلفه
ركعتين، والذين جاءوا بعد ركعتين، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربعا ولهؤلاء ركعتين) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود
ثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثنا أبي (3) ثنا الأشعث هو ابن عبد الملك -
عن الحسن البصري عن أبي بكرة قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر،
فصف بعضهم خلفه، وبعضهم بإزاء العدو، فصلى ركعتين ثم سلم، فانطلق الذين صلوا
معه (4) فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصفوا خلفه، فصلى بهم ركعتين ثم سلم،

(1) رواه أبو داود (ج 1 ص 233)
(2) في النسخة رقم (16) (بالذي) وهو خطأ
(3) قوله (ثنا أبي) سقط من الأصلين خطأ وزدناه من أبى داود (ج 1 ص 484)
(4) كلمة (معه) سقطت من الأصلين
226

فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين) وبه كان يفتى الحسن *
قال علي وقد صح سماع الحسن من أبي بكرة كما قد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد
ابن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا محمد بن منصور ثنا سفيان هو ابن عيينة أنا أبو موسى
- هو إسرائيل بن موسى قال: سمعت الحسن يقول: سمعت أبا بكرة يقول: (لقد
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر والحسن بن علي معه) (1) وذكر الحديث، وأبو موسى
هذا ثقة روى عنه سفيان والحسين بن علي الجعفي *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عفان هو ابن مسلم -
ثنا أبان هو ابن يزيد العطار ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
عن جابر قال: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع) وذكر الحديث
قال (فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة (2) ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى
ركعتين، قال جابر: فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان) *
قال علي: وهذا حديث سمعه يحيى من أبي سلمة، وسمعه أبو سلمة من جابر،
ورويناه كذلك من طرق، اكتفينا بهذا طلب الاختصار، فهذا آخر فعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم، لان أبا بكرة شهده، وإنما كان اسلامه يوم الطائف بعد فتح مكة وبعد حنين *
وقد لجأ بعضهم إلى ما يلجأ إليه المفضوح المبلح (3) الذي لا يتقى الله تعالى فيما يتكلم
به فقال: ليس في حديث جابر أنه سلم عليه السلام بين الركعتين والركعتين *
قال علي فيقال له: كذبت، قد روينا من طريق قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر
(انه عليه السلام سلم بينهما) (4) *

(1) لم أجده في سنن النسائي ولا في خصائص على له، وهو في مسند أحمد (ج 5 ص 37 و 38)
عن سفيان باسناده، وهو حديث (ان ابني هذا سيد ولعل الله تبارك وتعالى ان يصلح
به بين فئتين من المسلمين) وهو في البخاري من طريق ابن عيينة (ج 5 ص 100) وفيه التصريح
بسماع الحسن أيضا. ورواه أبو داود (ج 4 ص 349) والحاكم (ج 3 ص 174 و 175)
بأسانيد أخرى
(2) في الأصلين (فصلى بالطائفة) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 231 و 232)
(3) يقال: بلح - بفتحات - إذا انقطع من الاعياء فلم يقدر على التحرك. ومصدره
البلوح، ويقال: بلح أيضا - بتشديد اللام المفتوحة
(4) رواية اليشكري رواها الطحاوي
(ج 1 ص 187) وأشار إليها أبو داود (ج 1 ص 484)، قال بعد حديث أبي بكرة: (وكذلك
رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال سليمان
اليشكري عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقد روى نحوه الحسن عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم
صلى ركعتين ثم سلم ثم ركعتين ثم سلم، وذلك عند النسائي (ج 1 ص 231) باسناد صحيح،
وروى نحوه البيهقي في المعرفة من طريق الشافعي عن الثقة ابن علية أو غيره عن يونس عن
الحسن عن جابر، نقله الزيلعي في نصب الراية (ج 1 ص 251)
227

فقالوا: قد تكلم في سماع قتيبة من سليمان *
فقلنا: أنتم تقولون: المرسل كالمسند، فالآن أتاكم التعلل بالباطل في المسند بأنه
قد قيل - ولم يصح ذلك (1) القول. انه مرسل، ان هذا لعجب! لا سيما وقد بين
أبو بكرة في حديثه أنه عليه السلام سلم بين الركعتين والركعتين، ولم يرو أحد انه عليه
السلام لم يسلم بين الركعتين والركعتين *
ولو صح انه عليه السلام لم يسلم بين الركعتين والركعتين لكان ذلك أشد على المخالفين،
لأنهم إنما هم مقلدو أبي حنيفة ومالك *
وأبو حنيفة يرى على من صلى أربعا وهو مسافر أن صلاته فاسدة، الا ان يجلس في
الاثنتين، مقدار التشهد فتصح صلاته، وتكون الركعتان اللتان يقوم إليهما تطوعا، فإن كان
عليه السلام لم يقعد بين الركعتين مقدار التشهد فصلاته عندهم فاسدة، فان أقدموا
على هذا القول كفروا بلا مرية، وإن كان عليه السلام قعد بين الركعتين مقدار التشهد
فقد صارت الطائفة الثانية مصلية فرضهم خلفه، وهو عليه السلام متنفل، وهذا قولنا لا قولهم *
وأما المالكيون فإنهم يقولون: ان المسافر ان صلى أربعا فقد أساء في صلاته
وعليه (2) أن يعيدها في الوقت، فان قالوا: هذا في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا بلا
مرية، وان قالوا: بل سلم بين الركعتين والركعتين أقروا بأن الطائفة الثانية رضي الله عنهم
صلوا فرضهم خلفه عليه السلام وهو متنفل *
وهذا اجماع صحيح من جميع الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ممن حضر،

(1) نقل ابن حجر عن البخاري ويحيى بن معين ان قتادة لم يسمع من اليشكري
(2) في النسخة رقم (16) (وعليها) وهو خطأ
228

ولا يخفى مثل هذا على من غاب، وكلهم مسلم لامره عليه السلام *
وقد لجأ بعض المفتونين من مقلدي مالك إلى أن قال: هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم،
لان في الائتمام به من البركة في النافلة ما ليس في الائتمام بغيره في الفريضة *
قال علي: فر هذا البائس من الاذعان للحق إلى الكذب على الله تعالى في دعواه الخصوص
فيما لم يقل عليه السلام قط أنه خصوص له، بل قد صح عنه عليه السلام من طريق مالك
ابن الحويرث أنه قال: (صلوا كما تروني أصلى) وقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة). وما قال قط أحد: إنه يجوز معه عليه السلام في الصلاة ما لا يجوز مع غيره،
إلا هؤلاء المقدمون، نصرا لتقليدهم الفاسد! ونعوذ بالله من الخذلان (1) *
قال علي: واعترضوا في حديث معاذ بأشياء! نذكرها، وان كنا غانين عن ذلك بحديث
أبي بكرة وجابر، لكن نصر الحق فضيلة، وقمع الباطل وسيلة إلى الله تعالى *
قال بعضهم: لا يجوز اختلاف نية الإمام والمأموم لما رويتموه من طريق ابن سخبر (2)
الجرجاني عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن عبد الله بن عياش
ابن عباس القتباني عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه قال: (إذا أقيمت
الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت) *
قال علي: وهذا خبر لا يصح، لان راويه أبو صالح، وهو ساقط (3)، وإنما
الصحيح من هذا الخبر فهو ما رواه أيوب السختياني وابن جريج وحماد بن سلمة وورقاء
ابن عمر وزكرياء بن إسحاق كلهم عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة). وقد ذكرناه باسناده
في صدر كتاب الصلاة من ديواننا هذا (4) *
ثم لو صح لفظ أبي صالح لكان حجة عليهم لا لهم، لأنهم مخالفون له، لان المالكيين
والحنيفيين معا متفقون على أن صلاة الصبح إذا أقيمت فان من لم يكن أوتر ولا ركع ركعتي
الفجر: يصليهما قبل أن يدخل في التي أقيمت! فسبحان من يسرهم للاحتجاج بما
لا يصح من الاخبار في إبطال ما صح منها! ثم لا مؤنة عليهم من خلاف ما احتجوا

(1) في النسخة رقم (45) (ونعوذ بالله من مثل هذا)
(2) كذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) (سحر) بدون نقط، ولم اعرف من هو؟
(3) كلا بل أبو صالح ثقة، وإنما ضعف هذه الرواية - إن كانت لم تجئ بغير هذا الاسناد - من قبل عبد الله بن عياش ابن عباس، فإنه ضعيف. ولم أجد هذا الرواية
(4) في المسألة 308 (ج 3 ص 106)
229

به حيث لا يجوز خلافه *
وأيضا: فهم مصفقون (1) على جواز التنفل خلف من يصلى الفريضة في الظهر والعصر،
فهم أول مخالف لما صححوه من الباطل من حديث أبي صالح *
وأما نحن فلو صح هذا الخبر لقلنا به، ولاستعملنا معه ما قد صح من سائر الأخبار،
من حديث معاذ وجابر وأبي بكرة وأبي ذر، ولم نترك منها شيئا لشئ آخر *
وذكر بعضهم خبرا رويناه من طريق عمرو بن يحيى المازني عن معاذ بن رفاعة عن
رجل من بنى سلمة (2) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له سليم (3): (أنه أتى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فيأتي معاذ فيطول علينا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ لا تكن فتانا؟ إما ان تخفف لقومك أو تجعل صلاتك معي) (4)
فادعوا من هذا أن معاذا كان يجعل التي يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم نافلة *
قال علي: وهذا تأويل لا يحل القول به، لوجوه ستة *
أحدها أنه كذب ودعوى بلا دليل، وهذا لا يعجز عنه من لا يحجزه عنه تقوى أو حياء *
والثاني ان هذا خبر لا يصح، لأنه منقطع، لان معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي
صلى الله عليه وسلم، ولا أدرك هذا الذي شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعاذ *
حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب ثنا أحمد بن عمرو بن
عبد الخالق البزار ثنا محمد بن معمر ثنا أبو بكر هو عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي
- عن أسامة بن زيد قال: سمعت معاذ بن عبد الله بن خبيب (5) قال سمعت جابر بن
عبد الله قال: كان معاذ فذكر الحديث وفيه. ان سليمان قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (انى

(1) في النسخة رقم (45) (متفقون) والمعنى واحد فيهما
(2) بفتح السين المهملة وكسر اللام. وفى الأصلين (من بنى سليم) وهو خطأ صححناه من مسند أحمد والطحاوي والاستيعاب
(3) في النسخة رقم (16) (سلم) وهو خطأ
(4) رواه أحمد (ج 5 ص 74) عن عفان عن وهيب عن عمرو بن يحيى، ورواه الطحاوي (ج 1 ص 238) وابن عبد البر (ج 2 ص 578)
(5) بضم الخاء المعجمة مصغر. ومن الغريب ان يحتج ابن حزم بهذا
الاسناد مع أن فيه أسامة بن زيد الليثي وقد قال فيه هو في الأحكام (ج 5 ص 136):
انه ضعيف لا يحتج بحديثه وحكم على حديث من روايته بأنه مكذوب، وقد أخطأ في
حكمه، ثم في الاسناد معاذ بن عبد الله بن خبيب هذا وقد نقل ابن حجر عن ابن
حزم أنه قال فيه (مجهول) فهل صار أسامة قويا وابن خبيب معروفا لدى المؤلف؟
230

رجل أعمل نهاري حتى إذا أمسيت أمسيت ناعسا، فيأتينا معاذ وقد أبطأ علينا، فلما
احتبس صليت) وذكر الحديث وفيه. أن سليما صاحب هذه القصة قتل يوم أحد *
والثالث أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)
ويقول الله تعالى. (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) ثم يكون معاذ وهو من أعلم هذه
الأمة بالدين - يضيع فرض صلاته الذي قد تعين عليه، فيترك أداءه، ويشتغل
بالتنفل، وصلاة الفرض قد أقيمت، حتى لا يدرك منها شيئا، لا سيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فليت شعري، إلى من كان يؤخر معاذ صلاة فرضه حتى يصليها معه راغبا عن أن يصليها مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعا لرأى أبي حنيفة ومالك؟ ألا ان هذا هو الضلال المبين، قد نزه
الله تعالى معاذا عنه عند كل ذي مسكة عقل *
والرابع: أن هذا التأويل السخيف الذي لم يستحيوا من أن ينسبوه إلى معاذ رضي الله عنه
: لا يجوز عندهم أيضا، وهو ان تحضر صلاة فرض فينوي بعض الحاضرين
ممن لم يكن صلى بعد تلك الصلاة - أن يصليها مع الامام لا ينوى بها الا التطوع. *
فعلى كل حال قد نسبوا إلى معاذ ما لا يحل عندهم ولا عند غيرهم، وهذه فتنة سوء
مذهبة للعقل والدين، ونعوذ بالله من الخذلان، فأي راحة لهم في أن ينسبوا إلى معاذ
ما لا يحل عندهم بلا معنى؟ *
والخامس أن يقال لهم: إذ جوزتم لمعاذ ما لا يجوز عندكم، من أن يصلى نافلة
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ لم يصل ذلك الفرض بعد، وهو عليه السلام يصلى فرضه -:
فأي فرق في شريعة أو في معقول بين صلاة نافلة خلف مصلى فريضة، وبين ما منعتم منه
من صلاة فرض خلف المصلى نافلة، وكلاهما اختلاف نية الامام مع المأموم ولا فرق؟
فهلا قاسوا أحدهما على الآخر؟ وهلا قاسوا جواز صلاة الفريضة خلف المتنفل من الأئمة
على جواز حج الفريضة خلف الحاج تطوعا من الأئمة، يقف بوقوفه ويدفع بدفعه ويأتم
به في حجه؟ فلو كان شئ من القياس حقا لكان هذا من أحسن القياس وأصحه، وهم
أهل قياس بزعمهم ولكن هذا مقدار علمهم فيما شغلوا به أنفسهم وتركوا السنن
فكيف بما لا يشتغلون به من طلب السنن والاعتناء بها والحمد لله على عظيم نعمته *
قال علي: وموه بعضهم ههنا بكلام يشبه كلام الممرورين وهو أنه قال: الفرق
بينهما أن بعض سبب التطوع سبب الفريضة، وأن من ابتدأ صلاة لا ينوى بها شيئا
كان داخلا في نافلة
231

قال علي: هذا كلام لا يفهمه قائله فكيف سامعه! وحق قائله سكنى المارستان ومعاناة دماغه
ويقال له: أجعل هذا الكلام حجة في المساواة بين الامرين؟ وأيضا: فقد قال الباطل
والكذب، بل من ابتدأ صلاة لا ينوي بها شيئا فليس مصليا ولا شئ له، لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (وإنما لكل امرئ ما نوى) فنحن ندين بأن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق
بالاتباع من كلام هذا الممخرق بالهذيان! *
ثم لو صح هذا الحديث الذي ذكروه من طريق معاذ بن رفاعة لما كان لهم فيه
متعلق أصلا، لأنه واضح المعنى، وكأن يكون قوله عليه السلام (إما ان تخفف عن
قومك أو اجعل صلاتك معي) أي لا تصل بهم إذا لم تخفف بهم، واقتصر على أن
تكون صلاتك معي فقط، هذا مقتضى ذلك اللفظ الذي لا يحتمل سواه *
وموه بعضهم بخبر رويناه من طريق قتادة عن عامر الأحول (1) عن عمرو بن شعيب
عن خالد بن أيمن المعافري (2) قال: (كان أهل العوالي يصلون في منازلهم ويصلون مع
النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا الصلاة في يوم مرتين) (3) *
وخبر آخر فيما كتب به إلى أبو سليمان داود باب شاذ بن داود المصري (4) قال ثنا
عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ ثنا هشام بن محمد بن قرة الرعيني ثنا أبو جعفر أحمد بن
محمد بن سلامة الطحاوي قال ثنا الحسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون يقول
أنا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار قال: أتيت ابن عمر على البلاط
وهم يصلون، فقلت: ألا تصلى معهم؟ قال قد صليت في رحلي: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
أن تصلى فريضة في يوم مرتين) (5) *

(1) هو عامر بن عبد الواحد الأحول البصري يروى عن عمرو بن شعيب، وهو غير
عاصم بن سليمان الأحول، وقتادة يروى عن كليهما
(2) خالد بن أيمن هذا تابعي، وكذلك قال ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر وغيرهم
(3) رواه أيضا الطحاوي (ج 1 ص 187)
(4) كذا هو في الأصلين ولكن في النسخة رقم (45) (شاد) بالدال المهملة ويحرر
(5) هكذا روى المؤلف من طريق الطحاوي، ولعله بهذا السياق في كتاب
آخر من كتبه، واما الذي في معاني الآثار (ج 1 ص 187) بهذا الاسناد فلفظه (عن سليمان
مولى ميمونة - هو ابن يسار - قال: اتيت المسجد فرأيت ابن عمر جالسا والناس في الصلاة
فقلت: ألا تصلى مع الناس؟ فقال: قد صليت في رحلي، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن
تصلى فريضة في يوم مرتين) وقد رواه أبو داود (ج 1 ص 226) من طريق يزيد بن زريع
عن حسين المعلم باسناده، وفى آخره (انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلوا صلاة في
يوم مرتين) ورواه النسائي (ج 1 ص 138) من طريق يحيى بن سعيد عن المعلم. والبلاط
- بفتح الباء الموحدة - موضع معروف بالمدينة
232

قال: فكانت صلاة معاذ إذ كان مباحا أن تصلى الصلاة مرتين في اليوم، ثم نسخ ذلك *
قال علي: أما حديث ابن عمر فصحيح، وأما حديث خالد بن أيمن فساقط،
لأنه مرسل *
ثم لا حجة لهم في شئ منهما *
أول ذلك: أن قائل هذا قد كذب، وما كان قط مباحا أن تصلى صلاة واحدة على أن
ها فرض مرتين، ولا خلاف في أن الله تعالى لم يفرض ليلة الاسراء إلا خمس صلوات فقط،
حاشا ما اختلفوا فيه من الوتر فقط، وصح أنه عليه السلام أخبر أنه قال له: (هن خمس
وهن خمسون، (لا يبدل القول لدى) فبطل كل ما موه به هذا المموه *
ووجه آخر وهو أن معنى الحديثين واحد، وهو حق، وما حل قط ولا قلنا نحن
- ومعاذ الله من ذلك ان تصلى صلاة في يوم مرتين،: وإنما قلنا: إنه تؤدى الفريضة
خلف المتنفل، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وتصلى النافلة خلف
مصلى الفرض، كما أمر عليه السلام، وكما يجيزون هم أيضا معنا، وتؤدى الفريضة خلف
مؤدى فريضة أخرى، كما أخبر عليه السلام بأن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى،
ولم ينه عليه السلام عن ذلك قط ولا أحد من أصحابه، حتى حدث ما حدث. وإنما المجيزون
أن تصلى صلاة في يوم مرتين فالمالكيون القائلون بإعادة الصلاة في الوقت، وبأن من
ذكر صلاة في أخرى صلى التي هو فيها ثم التي ذكر ثم يصلى التي صلى، وأما نحن فلا.
والعجب من احتجاجهم بابن عمر وهم يخالفونه في هذه المسألة نفسها *
وقال بعضهم قولا يجري في القبح مجرى ما تقدم لهم ويربى عليه وهو أنه قال: إنما
كان ذلك من معاذ لعدم من كان يحفظ القرآن حينئذ *
233

قال علي: لو اتقى الله قائل هذا الهوس أو استحيى من الكذب لم ينصر الباطل بما
هو أبطل منه، ولو عرف قدر الصحابة ومنزلتهم في العلم لم يقل هذا لأننا نجد الزنجي
والتركي والصقلبي والرومي واليهودي يسلمون، فلا تمضى لهم جمعة الا وقد تعلمت المرأة
منهم والرجل أم القرآن، وقل هو الله أحد، وما يقيمون به صلاتهم، ولم يستحى هذا الجاهل
الوقاح ان ينسب إلى حي عظيم من أحياء الأنصار وحى آخر صغير منهم، وهم بنو سلمة، وبنو
أدى (1) قد أسلم منهم قبل الهجرة بعامين واشهر ثلاثة رجال، وأسلم جمهورهم قبل الهجرة
بدهر: أنهم بقوا المدة الطويلة التي ذكرنا بعد اسلامهم لم يهتبلوا (2) بصلاتهم، ولا تعلموا
سورة يصلون بها، وهم أهل العربية والبصائر في الدين: اللهم العن من لا يستحيى من المجاهرة
بالباطل والكذب المفضوح *
فليعلم أهل الجهل انه كان فيمن يصلى في مسجد بنى سلمة الذي كان يؤم فيه معاذ بن
جبل - ثلاثون عقبيا، وثلاثة وأربعون بدريا سوى غيرهم، أفما كان في جميع هؤلاء الفضلاء
أحد يحسن من القرآن ما يصلى به؟ ما شاء الله كان، وكان من جملتهم جابر بن عبد الله
ووالده، وكعب بن مالك، وأبو اليسر (3)، والحباب بن المنذر، ومعاذ ومعوذ وخلاد
بنو عمرو بن الجموح، وعقبة بن عامر بن نابئ (4) وبشر بن البراء بن معرور، وجبار بن

(1) (سلمة) بفتح السين وكسر اللام و (أدى) بضم الهمزة وفتح الدال المهملة وتشديد
الياء آخر الحروف بوزن (سمى). وفى الأصلين (أذن) وهو تصحيف مزعج. وأدى
هذا من أجداد معاذ، فإنه معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب
ابن عمرو بن أدى بن سعد بن علي الخزرجي، وأدى أخو سلمة بن سعد، وقد انقرض
عقب أدى هذا كما نقل شارح القاموس عن الروض وآخر من مات منهم عبد الرحمن بن
معاذ بن جبل، فالحي العظيم من الأنصار هو بنو سلمة، والحي الصغير أبناء عمهم بنو أدى
وانظر المشتبه للذهبي (ص 8) وطبقات ابن سعد (ج 3 ق 2 ص 105 و 109 - 120 وغير ذلك)
وشرح القاموس (ج 12 ص 13)
(2) يعنى لم يغنموا بها والاهتبال الاغتنام
(3) بفتح الياء والسين المهملة واسمه (كعب بن عمرو بن عباد بن سواد بن غنم - بفتح الغين المعجمة واسكان النون - ابن كعب بن سلمة بن سعد بن علي) انظر الطبقات (ج 3 ق 2 ص 118 و 104) *
(4) بالنون والباء الموحدة وآخره همزة وقد حذف هذا الاسم من النسخة رقم (45)
وهو نابئ بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد. انظر الطبقات
(ج 3 ق 2 ص 110)
234

صخر، وغيرهم من أهل العلم والفضل، وقد روينا من أصح طريق عن كعب بن مالك
قال: ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حفظت سورا من القرآن) (1) *
ثم إن هذه الكذبة التي قالها هذا الجاهل دعوى افتراها لم يجدها قط في شئ من
الروايات السقيمة فكيف الصحيحة وما كان هكذا فلا وجه للشغل بها إلا فضيحة
قائلها فقط، ثم تحذير الضعفاء منه والتقرب إلى الله تعالى بذلك *
والثالث: أن يقال له: هبك أن هذه الكذبة كما ذكرت، أيجوز ذلك عندكم؟
وهل يحل لديكم أن تسلم طائفة فلا يكون فيهم من يقرأ شيئا من القرآن الا واحد فيصلى
ذلك الواحد مع غيرهم ثم يؤمهم في تلك الصلاة؟ فمن قولهم: لا، فيقال لهم: فأي راحة
لكم في استنباط كذب لا تنتفعون به في ترقيع فاسد تقليدكم؟ *
ثم يقال لهم: احملوه على ما شئتم، أليس قد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقره؟ فبأي
وجه تبطلون فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه؟ *
وقد تعلل بعضهم في حديث جابر وأبي بكرة بنحو هذه الفضائح فقال: لعل هذا كان
قبل أن تقصر الصلاة، أو في سفر لا تقصر الصلاة في مثله *
فقلنا: هذا جهل وكذب آخر، أبو بكرة متأخر الاسلام، لم يشهد بالمدينة قط
خوفا ولا صلاة خوف ولا فيما يقرب منها، وإنما كان ذلك قال جابر: بنخل وبذات
الرقاع، فكلا الموضعين على أزيد من ثلاثة أيام من المدينة وقد صح عن عائشة رضي الله عنها
أن الصلاة أنزلت بمكة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتمت صلاة
الحضر وأقرت صلاة السفر *
فبطل كل عار أتوا به في ابطال الحقائق من السنن المجتمع عليها *
ثم هو فعل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم *
روينا من طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن عمار العنزي: أن عاملا لعمر
ابن الخطاب كان بكسكر (2)، فكان يصلى بالناس ركعتين ثم يسلم، ثم يصلى ركعتين
أخريين ثم يسلم فبلغ ذلك عمر فكتب إلى عمر: إني رأيتني شاخصا عن أهلي
ولم أرني بحضرة عدو فرأيت أن أصلى بالناس ركعتين ثم أسلم ثم أصلى ركعتين

(1) هو كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم وقصته
في الصحيحين وغيرهما
(2) بفتح الكافين بينهما سين ساكنة كورة ببلاد فارس
235

ثم أسلم، فكتب إليه عمر بن الخطاب: أن قد أحسنت *
ومن طريق حميد بن هلال أخبرني عبد الله بن الصامت قال: كنا مع الحكم بن
عمر والغفاري هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش، وهو يصلى بنا صلاة الصبح،
وبين يديه عنزة، فمر حمار (1) بين يدي الصفوف فأعاد بهم الصلاة، وقال: قد كان بين
يدي ما يسترني يعنى العنزة - ولكني أعدت لمن لم يكن بين يديه ما يستره. وذكر
الحديث. فهذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نافلة بمن يؤدى فريضة *
وعن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن عطاء الخراساني: ان أبا الدرداء أتى
مسجد دمشق وهم يصلون العشاء وهو يريد المغرب، فصلى معهم فلما قضى الصلاة قام
فصلى ركعة، فجعل ثلاثة للمغرب وركعتين تطوعا. ومن طريق قتادة هذا الخبر، وزاد
فيه. ثم صلى العشاء *
وعن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك: فيمن أتى التراويح في شهر رمضان ولم
يكن صلى العشاء وقد بقي للناس ركعتان! قال: اجعلهما من العشاء *
وعن عطاء قال: من صلى مع قوم هو ينوى الظهر وهم يريدون العصر، قال: له
ما نوى، ولهم ما نووا، وكان يفعل ذلك، وعن إبراهيم النخعي مثل ذلك *
وعن طاوس: من وجد الناس يصلون القيام وهو لم يصل العشاء فليصلها معهم،
وليعتدها المكتوبة *
وروى ذلك ابن جريح عن عطاء، وحماد بن أبي سليمان عن إبراهيم، وعبد الله بن طاوس
عن أبيه، ورواه عن هؤلاء الثقات *
قال على: ما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفا أصلا، وهم يعظمون
هذا إذا وافق تقليدهم! وقولنا هذا هو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي سليمان
وجمهور أصحاب الحديث. وبالله تعالى التوفيق *
495 - مسألة ومن أتى مسجدا قد صليت فيه صلاة فرض جماعة بامام راتب
وهو لم يكن صلاها: فليصلها في جماعة، ويجزئه الاذان الذي أذن فيه قبل، وكذلك
الإقامة، ولو أعادوا أذانا وإقامة فحسن، لأنه مأمور بصلاة الجماعة، واما الأذان والإقامة
فإنه لكل من صلى تلك الصلاة في ذلك المسجد ممن شهدهما أو ممن جاء بعدهما

(1) في النسخة رقم (45) (فمر حماران)
236

وهو قول أحمد بن حنبل وأبي سليمان وغيرهما *
وقال مالك: لا تصلى فيه جماعة أخرى إلا أن لا يكون له امام راتب. واحتج له مقلدوه
بأنه قال هذا قطعا لان يفعل ذلك أهل الأهواء *
قال علي: ومن كان من أهل الأهواء لا يرى الصلاة خلف أئمتنا فإنهم يصلونها
في منازلهم، ولا يعتدون بها في المساجد مبتدأة أو غير مبتدأة مع امام من غيرهم، فهذا الاحتياط
لا وجه له، بل ما حصلوا الا على استعجال المنع مما أوجبه الله تعالى من أداء الصلاة
في جماعة خوفا من امر لا يكاد يوجد ممن لا يبالي باحتياطهم *
ولقد أخبرني يونس بن عبد الله القاضي قال: كان محمد بن يبقي بن زرب القاضي (1)
إذا دخل مسجدا قد جمع فيه امامه الراتب وهو لم يكن صلى تلك الصلاة بعد جمع بمن
معه في ناحية المسجد *
قال علي: القصد إلى ناحية المسجد بذلك عجب آخر *
قال علي: وأما نحن فان من تأخر عن صلاة الجماعة لغير عذر، لكن قلة اهتبال، أو
لهوى، أو لعداوة مع الامام -: فإننا ننهاه، فان انتهى والا أحرقنا منزله كما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم *
والعجب أن المالكيين يقولون: فان صلوها فيه جماعة أجزأتهم فيالله! ويا للمسلمين!
أي راحة لهم في منعهم من صلاة جماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة؟ وهي
عندهم جازية عمن صلاها فأي اختيار أفسد من هذا؟ *
وروينا عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الجعد أبي عثمان (2) قال: جاءنا
أنس بن مالك عند الفجر وقد صلينا فأقام وأم أصحابه *
وروينا أيضا: انه كان معه نحو عشرة من أصحابه فأذن وأقام ثم صلى بهم، وروينا
أيضا من طريق معمر وحماد بن سلمة عن أبي عثمان عن انس، وسماه حماد فقال: في
مسجد بنى رفاعة *
وعن ابن جريج قلت لعطاء: نفر دخلوا مسجد مكة خلاف الصلاة (3) ليلا أو نهارا،

(1) كذا في الأصلين ويحرر
(2) هو الجعد بن دينار اليشكري البصري.
(3) أي بعد الصلاة، وله شواهد في اللسان
237

أيؤمهم أحدهم؟ قال: نعم، وما بأس ذلك؟ (1) *
وعن سفيان الثوري عن عبد الله بن يزيد أمنى إبراهيم في مسجد قد صلى فيه، فأقامني
عن يمينه بغير أذان ولا إقامة *
وعن معمر صحبت أيوب السختيان من مكة إلى البصرة، فأتينا مسجد أهل ماء قد صلى
فيه، فأذن أيوب وأقام ثم تقدم فصلى بنا *
وعن حماد بن سلمة عن عثمان البتي (2) قال: دخلت مع الحسن البصري وثابت البناني
مسجدا قد صلى فيه أهله، فأذن ثابت وأقام، وتقدم الحسن فصلى بنا، فقلت: يا أبا سعيد:
اما يكره هذا؟ قال: وما بأسه؟ *
قال علي: هذا مما لا يعرف فيه لانس مخالف من الصحابة رضي الله عنهم *
وروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة: ثنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة
عن سليمان هو ابن الأسود (3) الناجي عن أبي المتوكل هو علي بن داود الناجي
عن أبي سعيد الخدري قال: (جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيكم يتجر
على هذا؟ فقام رجل فصلى معه) (4) *
قال علي: لو ظفروا بمثل هذا لطاروا به كل مطار! *
496 - مسألة وإن دخل اثنان فصاعدا فوجدوا الامام في بعض صلاته فإنهم يصلون
معه، فإذا سلم فالأفضل للذين يتمون ما فاتهم أن يقضوه بامام يؤمهم منهم، لأنهم مأمورون
بالصلاة، جماعة، ولولا نص ورد بأن يقضوا فرادى لما أجزأ ذلك *
روينا عن عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان التيمي (5) عن ليث قال: دخلت مع

(1) في النسخة رقم (45) (ولا بأس بذلك)
(2) بفتح الباء الموحدة وكسر التاء المثناة الفوقية المشددة آخره الياء آخر الحروف
(3) كذا في الأصلين وهو يوافق ما قاله ابن حبان، والراجح (سليمان الأسود) فقد ذكر الحاكم أنه (سليمان بن سحيم)
(4) هذا اللفظ يوافق لفظ الترمذي (ج 1 ص 46) وحسن الحديث. ورواه أيضا أبو داود
(ج 1 ص 224 و 225) والحاكم (ج 1 ص 209) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي،
ونسبه الشوكاني (ج 3 ص 185) أيضا لأحمد والبيهقي وابن حبان.
(5) في النسخة رقم (16) (عن معمر بن سليمان التيمي) وهو خطأ
238

ابن سابط (1) في أناس المسجد والامام ساجد فسجد بعضنا وتهيأ بعضنا للسجود، فلما
سلم الامام قام ابن سابط فصلى بأصحابه، فذكرت ذلك لعطاء فقال: كذلك ينبغي،
فقلت: إن هذا لا يفعل عندنا، قال: يفرقون *
قال علي: هذا يبين أن الناس مضوا على أعمال سلاطين الجور المتأخرين *
وعن معمر عن قتادة: في القوم يدخلون المسجد فيدركون فيه مع الامام ركعة
قال: يقومون فيقضون ما بقي عليهم، يؤمهم أحدهم وهو قائم معهم في الصف *
(حكم المساجد (2))
497 مسألة وتكره المحاريب في المساجد، وواجب كنسها، ويستحب أن
تطيب بالطيب. ويستحب ملازمة المسجد لمن هو في غنى عن الكسب والتصرف *
وقال علي: أما المحاريب فمحدثة، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف وحده، ويصف
الصف الأول خلفه *
حدثنا عبد الرحمن الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا سعيد بن عفير (3) ثنا الليث هو ابن سعد حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني
أنس بن مالك: (أن المسلمين بيناهم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلى بهم،
لم يفجأهم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف سجف (4) حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم
صفوف في الصلاة ثم تبسم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده: أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر)
قال علي: لو كان أبو بكر في محراب لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كشف الستر، وكان
هذا يوم موته عليه السلام *
وروينا عن علي بن أبي طالب: أنه كان يكره المحراب في المسجد *
وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي: أنه كان يكره أن يصلى
في طاق الامام، قال سفيان: ونحن نكرهه *

(1) ليث هو ابن سليم - وابن سابط - هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط -
وهو تابعي ثقة مات سنة 118
(2) هذا العنوان لم يكن هكذا في الأصول وإنما كان في النسخة رقم (16) (مسألة حكم المساجد. وتكره المحاريب) الخ وفى النسخة رقم (45) بحذف قوله (حكم المساجد) فاخترنا ان نثبته مفصولا على سبيل العنوان
(3) في النسخة رقم (16) (إسماعيل بن عفير) وهو خطأ
(4) في البخاري (ج 6 ص 34) ستر وكلاهما بكسر السين المهملة ومعناهما واحد
239

وعن المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال: رأيت الحسن جاء إلى ثابت البناني فحضرت
الصلاة فقال ثابت: تقدم يا أبا سعيد، قال الحسن: بل أنت أحق، قال ثابت: والله لا أتقدمك
ابدا (1)، فتقدم الحسن فاعتزل الطاق ان يصلى فيه. قال معتمر: ورأيت أبي وليث بن أبي
سليم (2) يعتزلانه. *
وعن كعب (3) يكون في آخر الزمان قوم تنقص أعمارهم، يزينون مساجدهم، ويتخذون
لها مذابح كمذابح النصارى فإذا فعلوا ذلك صب عليهم البلاء *
وهو قول (4) محمد بن جرير الطبري وغيره (5) *
وأما كنس المساجد فان الله تعالى يقول: (في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها
اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة)
والعجب ممن يجيز المجئ إلى المسجد قبل غروب الشمس لصلاة المغرب وقبل الزوال لصلاة
الجمعة: ثم يكره المجئ إلى سائر الصلوات قبل أوقاتها (6) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا
محمد بن العلاء حدثنا حسين بن علي هو الجعفي عن زائدة عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن
تطيب وتنظف (7) *
قال علي: الدور هي المحلات والارباض، تقول: دار بنى عبد الأشهل، ودار بنى
النجار. تريد محلة كل طائفة منهم. *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن
إبراهيم هو ابن راهويه أنا عائذ بن حبيب ثنا حميد الطويل عن أنس قال: (رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من

(1) في النسخة رقم (16) لا أتقدم بك أبدا
(2) في الأصلين ليث بن أبي سليمان وهو خطأ وسليم بضم السين المهملة وفتح اللام
(3) في النسخة رقم (16) (وعن وكيع) وما هنا أصح في ظني، لان هذا القول أشبه بكلمات كعب الأحبار وأمثاله ممن أدخلوا على المسلمين حكايات وأقاويل يخدعونهم بها ويوهمونهم أنها مما قرؤا في الكتب الأولى.
(4) كلمة (وهو قول) سقطت من النسخة رقم (16) فاضطرب الكلام
(5) لم يأت ابن حزم بدليل صحيح على كراهة المحاريب التي ادعى
(6) هكذا في الأصول قوله (والعجب) الخ ولم أر له مناسبة لسياق البحث.
(7) رواه أبو داود (ج 1 ص 173)
240

الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا (1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا (2) *
498 مسألة والتحدث في المسجد بمالا إثم فيه من أمور الدنيا مباح،
وذكر الله تعالى أفضل، وإنشاد الشعر فيه مباح، والتعلم فيه للصبيان وغيرهم مباح،
والسكن فيه والمبيت مباح، ما لم يضق على المصلين، وإدخال الدابة فيه مباح إذا كان
لحاجة، والحكم فيه والخصام كل ذلك جائز، والتطرق (3) فيه جائز، إلا أن من خطر فيه
بنبل (4) فإنه يلزمه أن يمسك بحدائدها، فإن لم يفعل فعليه القود في كل ما أصاب منها *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا إبراهيم بن أحمد بن ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا زكرياء بن يحيى ثنا عبد الله بن نمير ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (أصيب
سعد بن معاذ (5) يوم الخندق في الاكحل، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلم يرعهم وفى المسجد خيمة لقوم (6) من بنى
غفار إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا
سعد يغذو (7) جرحه دما، فمات منها) *
وحديث السوداء التي كانت تسكن في المسجد من طريق أبي أسامة عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة أيضا، وأهل الصفة كانوا سكانا في المسجد *
وبه إلى البخاري: ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني
نافع أخبرني عبد الله بن عمر: أنه كان ينام وهو شاب أعزب في المسجد (8) *
ومن طريق مالك. عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن زينب بنت أبي

(1) بفتح الخاء المعجمة: نوع من الطيب مركب من زعفران وغيره
(2) في النسائي (ج 1 ص 119)، وانظر حكم البصاق في الصلاة وفى المسجد في المسألة 391
(3) أي المرور لحاجة، يقال: تطرق إلى الامر ابتغى إليه طريقا
(4) أي مشى فيه ومعه النبل
(5) قوله (ابن معاذ) ليس في البخاري (ج 1 ص 199 و 200) وهو سعد
ابن معاذ
(6) كلمة (لقوم) ليست في البخاري
(7) بالغين والذال المعجمتين أي يسيل
(8) لفظ البخاري بهذا الاسناد (ج 1 ص 191) (وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي
صلى الله عليه وسلم)
241

سلمة عن أم سلمة قالت: (شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى أشتكي، قال: (1) طوفي من
وراء الناس وأنت راكبة *
وبه إلى البخاري: ثنا عبد الله بن محمد ثنا عثمان بن عمر أنا يونس عن الزهري عن
عبد الله بن كعب بن مالك (2) عن أبيه: (أنه تقاضى ابن أبي الحدرد (3) دينا كان
له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته
فخرج إليهما (5)، فنادى: يا كعب (6) ضع من دينك هذا، وأومأ إليه: أي البشطر
قال: لقد فعلت يا رسول الله قال: قم فاقضه) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم عن ابن
عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: (أن عمر بن الخطاب مر بحسان
ابن ثابت (7) وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال: قد كنت أنشد وفيه (8)
من هو خير منك) وذكر الحديث *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إبراهيم
ابن موسى ثنا الوليد - هو ابن مسلم ثنا الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير (9) عن عبد الله
ابن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال. (انى لاقوم في الصلاة أريد ان أطول فيها
فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية (10) ان أشق على أمه). ورويناه أيضا من
طريق قتادة عن انس (11) *

(1) ما هنا هو الموافق للبخاري من طريق مالك بهذا الاسناد (ج 1 ص 200) وفى النسخة رقم
(45) (فقال) وهو الموافق للموطأ (ص 144)
(2) عبد الله - بالتكبير - وفى النسخة رقم (16) (عبيد الله) بالتصغير، وهو خطأ
(3) بفتح الحاء واسكان الدال المهملتين وفتح الراء وآخره دال مهملة، وفى البخاري (ج 1 ص 197) (ابن أبي حدود؟) بدون الألف واللام
(4) في البخاري (سمعها)
(5) في البخاري زيادة (حتى كشف سجف حجرته)
(6) في البخاري زيادة (قال: لبيك يا رسول الله، قال:)
(7) ليس في صحيح مسلم لفظ (بن ثابت)
(8) في الأصلين (وقد كنت أنشد فيه وفيه) الخ وزيادة (فيه) ليست في صحيح مسلم طبع بولاق (ج 1 ص
259) ولا طبع الآستانة (ج 7 ص 162) ولا في النسخة المخطوطة الصحيحة ولذلك حذفناها
(9) في البخاري (ج 1 ص 286) (عن يحيى بن أبي كثير)
(10) في الأصلين (كراهة) وصححناه من البخاري
(11) في البخاري أيضا (ج 1 ص 286)
242

وقد صلى عليه السلام حاملا أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم *
وبه إلى البخاري ثنا موسى بن إسماعيل ثنا عبد الواحد نا أبو بردة - هو بريد (1)
ابن عبد الله أنه سمع أبا بردة - هو جده عامر بن أبي موسى - عن أبيه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (من مر في شئ من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها بكفه
لا يعقر مسلما) (2) *
قال علي: والخبر الذي فيه النهي عن إنشاد الشعر لا يصح، لأنه من طريق عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده، وهي صحيفة (3)، أو من طريق أسقط منها *
وروينا عن ابن عمر والحسن والشعبي إباحة التطرق في المسجد *
499 - مسألة ودخول المشركين في جميع المساجد جائز، حاشا حرم مكة
كله، المسجد وغيره، فلا يحل البتة أن يدخله كافر، وهو قول الشافعي وأبي سليمان *
وقال أبو حنيفة: لا بأس ان يدخله اليهودي والنصراني، ومنع منه سائر الأديان *
وكره مالك دخول أحد من الكفار في شئ من المساجد، قال الله تعالى: (إنما
المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) *
قال علي: فخص الله المسجد الحرام، فلا يجوز تعديه إلى غيره بغير نص، وقد كان
الحرم قبل بنيان المسجد وقد زيد فيه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا) فصح أن الحرم كله هو المسجد الحرام *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله
ابن يوسف ثنا الليث ثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال (4)، فربطوه بسارية

(1) بضم الباء الموحدة وفتح الراء، وفى الأصلين (يزيد) وهو تصحيف
(2) هذا موافق لرواية الأصيلي، وفى باقي روايات البخاري (لا يعقر بكفه مسلما) ورواية الأصيلي أصح. انظر البخاري (ج 1 ص 196) والعيني (ج 4 ص 216) ومعنى لا يعقر. لا يجرح
(3) حديث عمرو بن شعيب نسبه في المنتقى إلى احمد وأصحاب السنن ونقل الشوكاني
(ج 2 ص 166) عن الترمذي تحسينه وعن ابن خزيمة تصحيحه، وهو حديث صحيح، ورواية
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواية صحيحة على التحقيق إذا صح الاسناد إليه
(4) ثمامة بضم الثاء المثلثة، وأثال. بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة
243

من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال،: ما عندك يا ثمامة؟ قال:
عندي خير، يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد
المال فسل منه ما شئت) وذكر الحديث وأنه عليه السلام أمر باطلاقه في اليوم الثالث:
(فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله
الا الله وأن محمدا رسول الله، يا محمد، والله: ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلى من وجهك
فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى، والله ما كان من دين أبغض إلى من دينك، فأصبح
دينك أحب الدين إلى) وذكر الحديث (1) فبطل قول مالك *
واما قول أبي حنيفة فإنه قال: إن الله تعالى قد فرق بين المشركين وبين سائر الكفار،
فقال تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين). وقال تعالى:
(ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ان الله يفصل
بينهم). قال: والمشرك هو من جعل لله شريكا لا من لم يجعل له شريكا *
قال علي: لا حجة له غير ما ذكرنا *
فأما تعلقه بالآيتين فلا حجة له فيهما، لان الله تعالى قال: (فيهما فاكهة ونخل ورمان)
والرمان من الفاكهة. وقال تعالى: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل
وميكال) وهما من الملائكة، وقال تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح
وإبراهيم وموسى وعيسى). وهؤلاء من النبيين *
إلا أنه كأن يكون ما احتج به أبو حنيفة حجة. ان لم يأت برهان بأن اليهود والنصارى
والمجوس والصائبين مشركون، لأنه لا يحمل شئ معطوف على شئ إلا أنه غيره، حتى
يأتي برهان بأنه هو أو بعضه فنقول وبالله تعالى التوفيق *
إن أول مخالف لنص الآيتين أبو حنيفة، لان المجوس عنده مشركون، وقد فرق الله
تعالى في الذكر بين المجوس وبين المشركون فبطل تعلقه بعطف الله تعالى إحدى
الطائفتين على الأخرى *
ثم وجدنا الله تعالى قد قال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك
لمن يشاء) فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان مغفورا لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك

(1) هو بهذا السياق والاسناد في البخاري مطولا (ج 6 ص 2 و 3) وقد رواه البخاري
أيضا بهذا الاسناد مختصرا (ج 1 ص 199 و ج 3 ص 247) ورواه أيضا مختصرا عن قتيبة
عن الليث (ج 1 ص 202 و ج 3 ص 247)
244

وهذا لا يقوله مسلم *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن راهويه عن جرير - هو ابن
عبد الحميد - عن الأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله بن مسعود
(قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله ندا وهو
خلقك، قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك (1) *
وبه إلى مسلم: أنا عمرو بن محمد بن بكير الناقد ثنا إسماعيل بن علية عن سعيد الجريري
ثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أنبئكم
بأكبر الكبائر؟ ثلاثا؟ الاشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور (2) *
وبه إلى مسلم: حدثني هارون بن سعيد الأيلي ثنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال
عن ثور بن زيد (3) عن أبي الغيث (4) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع
الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي
حرم الله الا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا (5)، والتولي يوم الزحف، وقذف
المحصنات الغافلات المؤمنات) *
قال علي: فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان ذلك الكفر خارجا عن الكبائر،
ولكان عقوق الوالدين وشهادة الزور أعظم منه، وهذا لا يقوله مسلم، فصح أن كل كفر
شرك، وكل شرك كفر، وأنهما اسمان شرعيان أوقعهما الله تعالى على معنى واحد *
وأما حجته بأن المشرك هو من جعل لله شريكا فقط: فهي منتقضة عليه من وجهين: *
أحدهما: ان النصارى يجعلون لله تعالى شريكا يخلق كخلقه، وهو يقول: إنهم ليسوا
مشركين وهذا تناقض ظاهر *
والثاني: ان البراهمة والقائلين بان العالم لم يزل، وان له خالقا واحدا لم يزل، والقائلين
بنبوة علي بن أبي طالب والمغيرة وبزيغ (6). كلهم لا يجعلون لله تعالى شريكا وهم عند أبي

(1) في مسلم (ج 1 ص 37)
(2) في صحيح مسلم (ج 1 ص 37)
(3) في النسخة رقم (16) (ثور بن يزيد) وهو خطأ وهو ثور بن زيد الديلي
(4) بفتح الغين المعجمة واسكان الياء آخر الحروف وآخره ثاء مثلثة وهو سالم المدني مولى ابن مطيع
(5) في مسلم (ج 1 ص 37) (واكل الربا واكل مال اليتيم)
(6) المغيرة هو ابن سعيد العجلي مولى بجيلة وهو الذي أحرقه خالد بن عبد الله القسري بالنار. وبزيغ - بفتح الموحدة والزاي
المكسورة وآخره غين معجمة - هو ابن خالد صالح قتل في فتنة ابن الأشعث وانظر الفصل
في الملل والنحل للمؤلف (ج 4 ص 183 - 186). والفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي
(ص 43 و 44 و 214 و 229 و 235) وتاريخ الطبري (ج 8 ص 240 و 241)
245

حنيفة مشركون، وهو تناقض ظاهر *
ووجه ثالث: وهو انه لو لم يكن المشرك إلا ما وقع عليه اسم التشريك في اللغة -
وهو من جعل لله تعالى شريكا فقط - لوجب ان لا يكون الكفر إلا من كفر بالله تعالى
وأنكره جملة، لا من أقر به ولم يجحده فيلزم من هذا ان لا يكون الكفار الا الدهرية
فقط، وان لا يكون اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا البراهمة كفارا، لأنهم كلهم مقرون
بالله تعالى: وهو لا يقول بهذا ولا مسلم على ظهر الأرض، أو كان يجب أن يكون كل من غطى
شيئا كافرا، فان الكفر في اللغة التغطية، فإذ كل هذا باطل فقد صح أنهما اسمان نقلهما الله
تعالى عن موضوعهما في اللغة إلى كل من أنكر شيئا من دين الله الاسلام يكون بانكاره
معاندا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النذارة إليه وبالله تعالى التوفيق *
500 - مسألة واللعب والزفن (1) مباحان في المسجد *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن
هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: (جاء حبش يزفنون في المسجد في يوم
عيد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه، فجعلت أنظر إلى لعبهم، حتى كنت
أنا التي انصرفت (2) *
501 مسألة ولا يجوز إنشاد (3) الضوال في المساجد، فمن نشدها فيه
قيل له: لا وجدت، لا ردها الله عليك *
حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إسماعيل بن
إسحاق القاضي ثنا الحجبي (4) ثنا عبد العزيز هو الدراوردي حدثني يزيد بن

(1) بفتح الزاي واسكان الفاء وآخره نون وهو من باب ضرب وأصله اللعب والدفع وهو شبيه بالرقص
(2) في مسلم (ج 1 ص 243) (حتى كنت انا التي أنصرف عن النظر إليهم)
(3) المعروف في اللغة أن (نشد الضالة) إذا نادى وسأل عنها -: ثلاثي فقط، وان (انشدها) إذا عرفها ولكن قيل أيضا إن (أنشد الضالة) استرشد عنها، فيكون تعبير المؤلف صحيحا على هذا.
(4) هكذا في الأصلين، ولم اعرف من هذا الحجبى؟
246

خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إذا رأيتم الرجل ينشد ضالته - يعنى في المسجد فقولوا: لا رد الله عليك (1)
وقد روينا أيضا (لا وجدت (2) *
502 - مسألة ولا يجوز البول في المسجد، فمن بال فيه صب على بوله ذنوبا من ماء،
ولا يجوز البصاق فمن بصق فيه فليدفن بصقته، ولا يحل أن يبنى مسجد بذهب ولا فضة
الا المسجد الحرام خاصة *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا قتيبة بن سعيد ثنا
أبو عوانة عن قتادة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البزاق في المسجد خطيئة،
وكفارتها دفنها) (3) *
وروينا القول بذلك عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاوية *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو اليمان
انا شعيب (4) عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ان أبا هريرة قال: قام اعرابي
فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه واهريقوا (5) على بوله
سجلا من ماء. أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) *
قال علي: امر النبي صلى الله عليه وسلم بتنظيف المساجد وتطييبها - كما أوردنا قبل - يقتضى
كل ما وقع عليه اسم تنظيف وتطييب، والتنظيف والتطييب يوجبان ابعاد كل محرم وكل
قذر وكل قمامة، فلا بد من اذهاب عين البول وغيره *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الأشعث
ثنا محمد بن الصباح بن سفيان (6) انا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة

(1) رواه البيهقي (ج 2 ص 447) من طريق محمد بن أبي بكر عن الدراوردي وروى
نحوه مسلم (ج 1 ص 157) والبيهقي من حديث أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد عن أبي
هريرة.
(2) لفظ (لا وجدت) رواه مسلم والبيهقي من حديث بريدة مرفوعا ومن حديث جابر عند النسائي (ج 1 ص 118)
(3) في النسائي (ج 1 ص 118)
(4) في النسخة رقم (16) (أنا أبو اليمار هو شعيب) وهو خطأ بل صحته (أبو اليمان) واسمه الحكم بن نافع وشعيب شيخه
(5) هكذا في الأصلين وهو الموافق لرواية البخاري (ج 8 ص 56)
بهذا الاسناد مع اسناد آخر، وفى روايته بهذا الاسناد وحده (ج 1 ص 108 و 109)
(وهريقوا) بدون الهمزة، وكلاهما صحيح (6) قوله (ابن سفيان) لم يذكر في النسخة رقم (45)
247

عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أمرت بتشييد المساجد،
قال ابن عباس. لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى) (1) *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد بن ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عمرو بن
العباس (2) ثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي ثنا سفيان الثوري عن واصل عن أبي وائل قال
جلست إلى شيبة - يعنى ابن عثمان بن أبي طلحة (3) الحجبي قال (4): جلس إلى عمر في مجلسك
هذا فقال: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء الا قسمتها بين المسلمين، قلت: ما أنت
بفاعل، قال: لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك، قال: هما المرآن يقتدى بهما) *
وروينا عن أبي الدرداء: إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم فالدمار عليكم. *
وعن علي بن أبي طالب أنه قال: إن القوم إذا زينوا مساجدهم فسدت أعمالهم، وأنه كان
يمر على مسجد للتيم مشوف (5) فكأن يقول: هذه بيعة التيم! *
وعن عمر بن الخطاب أنه قال لمن أراد أن يبنى مسجدا: لا تحمر ولا تصفر *
503 - مسألة ولا يحل بناء مسجد عليه بيت متملك ليس من المسجد ولا
بناء مسجد تحته بيت متملك ليس منه، فمن فعل ذلك فليس شئ من ذلك مسجدا وهو
باق على ملك بانيه كما كان *
برهان ذلك ان الهواء لا يتملك، لأنه لا يضبط ولا يستقر، وقال تعالى: (وان المساجد
لله) فلا يكون مسجدا إلا خارجا عن ملك كل أحد دون الله تعالى لا شريك له، فإذ ذلك
كذلك فكل بيت متملك لانسان فله أن يعليه ما شاء، ولا يقدر على إخراج الهواء الذي
عليه من ملكه، وحكمه الواجب له لا إلى إنسان ولا غيره. *
وكذلك إذا بنى على الأرض مسجدا وشرط الهواء له يعمل فيه ما شاء: فلم يخرجه

وهو ثابت في أبى داود (ج 1 ص 170 و 171) وهو صحيح، فإنه (محمد بن الصباح بن سفيان
ابن أبي سفيان) (1) مضى هذا الحديث في المسألة 399 ص 44 من هذا الجزء *
(2) في النسخة رقم (16) (عمر بن العباس) وهو خطأ (3) في الأصلين (شيبة يعنى ابن عثمان
ابن طلحة بن أبي طلحة) وزيادة طلحة في النسب خطأ، صححناه من التهذيب ومن طبقات
ابن سعد (ج 5 ص 331) (4) في البخاري من هذا الاسناد (ج 9 ص 166) (جلست إلى
شيبة في هذا المسجد قال) الخ، وفيه من طريق أخرى (ج 2 ص 291) (جلست مع شيبة
على الكرسي في الكعبة) (5) بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد الواو المفتوحة: أي
مزين، يقال: شوف الجارية زينها
248

عن ملكه إلا بشرط فاسد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله
فهو باطل) *
وأيضا: فإذا عمل مسجدا على الأرض وأبقى الهواء لنفسه: فإن كان السقف له فهذا
مسجد لا سقف له، ولا يكون بناء بلا سقف أصلا، وإن كان السقف للمسجد فلا يحل
له التصرف عليه بالبناء، وإن كان المسجد في العلو والسقف للمسجد (1) فهذا مسجد لا أرض
له، وهذا باطل، فإن كان للمسجد فلا حق له فيه، فإنما أبقى لنفسه بيتا بلا سقف،
وهذا محال *
وأيضا: فإن كان المسجد سفلا فلا يحل له أن يبنى على رؤس حيطانه شيئا، واشتراط
ذلك باطل، لأنه شرط ليس في كتاب الله، وإن كان المسجد علوا فله هدم حيطانه متى
شاء، وفي ذلك هدم المسجد وانكفاؤه، ولا يحل منعه من ذلك، لأنه منع له من
التصرف في ماله، وهذا لا يحل (2) *
504 مسألة والبيع جائز في المساجد، قال الله تعالى (وأحل الله البيع)
ولم يأت نهى عن ذلك إلا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهي صحيفته (3) *
505 - مسألة الصلاة الوسطى *
والصلاة الوسطى هي العصر، واختلف الناس في ذلك: فصح عن زيد بن ثابت وأسامة
ابن زيد: أنها الظهر. وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري. وروى أيضا عن عائشة
أم المؤمنين وأبي هريرة وابن عمر باختلاف عنهم. وروى أيضا عن جملة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

(1) هكذا في النسخة رقم (16)، وفى النسخة رقم (45) (والسقف الباني) بدون نقط،
ولعل الصواب (والسقف للباني) فيصح الكلام
(2) في النسخة رقم (45) (لا يجوز)
(3) حديث عمرو بن شعيب رواه الترمذي (ج 1 ص 66) والبيهقي (ج 2 ص 448)
ونسبه الشوكاني (ج 2 ص 166) إلى احمد وأصحاب السنن ونقل عن ابن خزيمة تصحيحه.
وحسنه الترمذي ونقل عن البخاري قال (رأيت أحمد وإسحق - وذكر غيرهما - يحتجون
بحديث عمرو بن شعيب، قال محمد: وقد سمع شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو)
والحق ان أحاديث عمرو عن أبيه عن جده أحاديث صحيحة إذا صح الاسناد إلى عمرو
وقد جاء في روايات كثيرة التصريح من شعيب بسماعه من جده عبد الله بن عمرو بن العاص،
وقد حققنا هذا في مواضع كثيرة والحمد لله
249

وعن أبي موسى الأشعري: أنها الصبح. وعن ابن عباس وابن عمر باختلاف عنهما. وعن علي
ولم يصح عنه. وهو قول طاوس وعطاء ومجاهد وعكرمة، وهو قول مالك، وعن بعض
الصحابة رضي الله عنهم: أنها المغرب. ورويناه من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب
وقد ذكر عن بعض العلماء أنه قال: هي العتمة *
وذهب الجمهور إلى أنها العصر *
واحتج من ذهب إلى أنها الظهر بما رويناه عن زيد بن ثابت باسناد صحيح قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر بالهاجرة، والناس في قائلتهم وأسواقهم، ولم يكن
يصلى وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصف والصفان، فأنزل الله تعالى (حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام أو لأحرقن بيوتهم: قال زيد
ابن ثابت: قبلها صلاتان وبعدها صلاتان) (1) *
قال علي: ليس في هذا بيان جلى بأنها الظهر *
واحتج من ذهب إلى أنها المغرب بأن أول الصلوات فرضت الظهر، فهي الأولى،
وبذلك سميت الأولى، وبعدها العصر، صلاتان للنهار، فالمغرب هي الوسطى، وبأن
بعض الفقهاء لم يجعل لها إلا وقتا واحدا *
قال علي: وهذا لا حجة فيه، لأنها خمس أبدا بالعدد من حيث شئت، فالثالثة
الوسطى، ومن جعل لها وقتا واحدا فقد أخطأ، إذ قد صح النص بأن لها وقتين
كسائر الصلوات *
وما نعلم لمن ذهب إلى أنها العتمة حجة نشتغل بها *
واحتج من قال إنها الصبح بأن قال: إنها: تصلى في سواد من الليل وبياض من النهار *
قال علي: وهذا لا شئ، لان المغرب تشاركها في هذه الصفة، وليس في كونها
كذلك بيان بأن إحداهما الصلاة الوسطى *
وقالوا: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام
ليلة ومن صلى العشاء الآخرة في جماعة فكأنما قام نصف ليلة) *
قال علي: ليس في هذا تفضيل لها على الظهر ولا على العصر ولا على المغرب، وإنما فيه
تفضيلها على العتمة فقط، وليس في هذا بيان أنها الصلاة الوسطى، وقد صح عن النبي

(1) رواه أحمد (ج 5 ص 183) وأبو داود (ج 1 ص 159) بمعناه، وكذلك الطبري
في تفسيره من حديث زيد بن ثابت، ومن حديث أسامة بن زيد (ج 2 ص 348)
250

صلى الله عليه وسلم (من فاته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) *
وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار،
يجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر) *
قال علي: قد شاركها في هذا صلاة العصر، وليس في هذا بيان بأن إحداهما هي
الصلاة الوسطى. وكذلك القول في قوله عليه السلام: (ان استطعتم ان لا تغلبوا على
صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) ومن صلى البردين (1) دخل
الجنة) ولا فرق *
وذكروا قول الله تعالى (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) *
وهذا لا بيان فيه بأنها الوسطى، لأنه تعالى أمر في هذه الآية بغير الصبح كما أمر
بصلاة الصبح قال تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر
كان مشهودا) فالامر بجميعها سواء، وقد صح ان الملائكة تتعاقب في الصبح والعصر،
فقرآن العصر مشهود كقرآن الفجر ولا فرق، وليس في قوله تعالى: (وقرآن الفجر إن
قرآن الفجر كان مشهودا) دليل على أن قرآن غير الفجر من الصلوات ليس مشهودا، حاشا
لله من هذا بل كلها مشهود بلا شك *
واحتجوا بأنها أصعب الصلوات على المصلين، في الشتاء للبرد، وفى الصيف للنوم
وقصر الليالي *
قال علي: وهذا لا دليل فيه أصلا على أنها الوسطى، والظهر يشتد فيها الحر حتى
تكون أصعب الصلوات كما قال زيد بن ثابت *
قال على: هذا كل ما احتجوا به، ليس في شئ منه حجة، وإنما ظنون كاذبة،
وقد قال تعالى. (ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال عليه السلام
(إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) ولا يحل الاخبار عن مراد الله تعالى بالظن
الكاذب، معاذ الله من ذلك *
وقد قال قوم: نجعل كل صلاة هي الوسطى! *
قال علي: وهذا لا يجوز، لان الله تعالى خص بهذه الصفة صلاة واحدة، فلا يحل حملها

(1) بفتح الموحدة واسكان الراء، ويقال (الابردان) وهما الغداة والعشي. وهذا الحديث
رواه الشيخان وغيرهما من حديث أبي موسى مرفوعا
251

على أكثر من واحدة، ولا على غير التي (1) أراد الله تعالى بها، فيكون من فعل ذلك
بعد قيام الحجة عليه كاذبا على الله تعالى *
قال علي: فوجب طلب مراد الله تعالى بالصلاة الوسطى من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم،
لا من غيره، قال تعالى. (لتبين للناس ما نزل إليهم) *
فنظرنا في ذلك فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري
ثنا البخاري ثنا عبد الله بن محمد - هو المسندي وعبد الرحمن بن بشر، قال عبد الرحمن ثنا يحيى
ابن سعيد - هو القطان -، وقال المسندي. ثنا يزيد، ثم اتفق يزيد ويحيى قالا. أنا هشام
هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: (شغلونا عن الصلاة الوسطى (2) حتى غابت الشمس، ملا الله قبورهم
وبيوتهم أو أجوافهم - نارا) (3) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر وابن أبي
عدي قالا ثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أبي حسان - هو مسلم الاجرد - عن عبيدة
السلماني عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى
آبت الشمس، ملا الله بيوتهم وقبورهم نارا) هذا لفظ ابن أبي عدى، ولفظ محمد بن جعفر
(قبورهم أو بيوتهم أو بطونهم نارا (4) *
حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا إبراهيم بن حماد ثنا إسماعيل
ابن إسحاق ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي
ثنا سفيان الثوري (5) عن عاصم بن أبي النجود (6) عن زر بن حبيش قال: قلت لعبيدة:
سل عليا عن الصلاة الوسطى، فسأله، فقال: كنا نراها صلاة الفجر، حتى سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملا الله قلوبهم

(1) في النسخة رقم (16) (ولا يحل غير التي) الخ وما هنا أصح
(2) الذي في البخاري في هذا الاسناد (ج 6 ص 65) (حبسونا عن صلاة الوسطى)
(3) رواه البخاري بأسانيد وألفاظ مختلفة (ج 4 ص 116 و ج 5 ص 241 و ج 8 ص 151 و 152)
(4) في مسلم (ج 1 ص 174)
(5) في النسخة رقم (45) (عن سفيان الثوري)
(6) بفتح النون المشددة كما ضبطه صاحب القاموس
252

وأجوافهم أو بيوتهم (1) نارا *
قال علي: وقد رويناه أيضا من طريق حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة (2) عن زر عن
علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورويناه أيضا من طريق مسلم عن أبي بكر بن أبي
شيبة وزهير بن حرب وأبي كريب قالوا: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن
شتير بن شكل (3) عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (4) وشتير تابعي ثقة، وأبوه أحد الصحابة،
وقد سمعه شتير من على، (5) ورويناه أيضا من طرق (6) *
فهذه آثار متظاهرة متواترة لا يسع الخروج عنها، وهو قول جماعة من السلف، كما
نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى *
قال علي: فتعلل بعض المخالفين بأن ذكروا ما رويناه طريق ابن جريج عن
نافع: أن حفصة (7) أم المؤمنين كتبت بخط يدها في مصحفها (حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) (8) *

(1) روى الطبري في التفسير نحوه (ج 2 ص 345) عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدي
. ورواه أيضا عن زكريا الضرير عن عبيد الله عن إسرائيل عن عاصم، وهذه
أسانيد صحيحة جدا
(2) بفتح الموحدة وإسكان الهاء وفتح الدال المهملة، وفى النسخة رقم (45)
بالذال المعجمة وهو تصحيف. وعاصم بن بهدلة هو عاصم بن أبي النجود
(3) شتير: بضم الشين المعجمة وفتح التاء، وشكل بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين.
(4) في صحيح مسلم (ج 1 ص 174)
(5) التصريح بسماع شتير من على هو في رواية البيهقي من طريق الثوري
عن الأعمش عن أبي الضحى (ج 1 ص 460)
(6) في النسخة رقم (16) (من طريق) وهو خطأ. وهذه الطرق في صحيح مسلم وتفسير الطبري وغيرهما
(7) في النسخة رقم (45) (عن نافع أو حفصة) وهو خطأ ظاهر
(8) رواه الطبري (ج 2 ص 344) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن حفصة: (أنها قالت لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أخبرها قالت: اكتب فانى سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر)
وإسناده صحيح جدا، وهو يرد على من استدل باللفظ الذي هنا على أنها غير العصر،
ويبين ان المراد ليس تلاوة الآية ولكن تفسير الصلاة الوسطى. وروى نحو رواية
المؤلف مالك في الموطأ (ص 49) والطبري (ج 2 ص 349) عن عمرو بن رافع مولى عمر بن
الخطاب عن مصحف حفصة بنت عمر
253

وبما رويناه عن عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عبد الله بن رافع: أن أم سلمة
أم المؤمنين أمرته أن ينسخ لها مصحفا، وأمرته أن يكتب فيه إذا بلغ إلى هذا المكان
(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر. وقوموا لله قانتين) (1) *
وعن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين
أنها أملت عليه في مصحف كتبه لها: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة
العصر وقوموا لله قانتين) وقالت (سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) *
وعن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه: كان في مصحف عائشة أم المؤمنين
(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) (3) *
وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن أبي إسحاق عن عمير بن يريم (4) سمعت
ابن عباس يقول: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) *
وعن إسرائيل عن عبد الملك بن عمير (5) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان أبي
ابن كعب يقرؤها: (على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) *

(1) عبد الله بن رافع هذا هو مولى أم سلمة، وقد روى
الطبري حديثه (ج 2 ص 343) من طريق وكيع عن داود بن
(2) في الموطأ (ص 48 و 49) وأبو داود من طريق مالك (ج 1 ص 158) والطبري (ج 2
ص 349) من طريق
سعيد عن زيد بن أسلم.
(3) رواه الطبري (ج 2 ص 343) من طريق الحجاج عن حماد عن هشام عن أبيه قال. (كان في مصحف عائشة. حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر)
(4) هكذا في الأصلين (يريم) بالياء آخر الحروف، وفى
تفسير الطبري (ج 2 ص 349) (عمير بن مريم) وقد رواه من طريق وهب بن جرير عن
شعبة عن أبي إسحق عن عمير هذا، ولم أجد له ترجمة يظهر منها صحة اسمه، إلا أن ابن سعد
ذكره باسم (عمير) فقط وانه مولى أم الفضل بنت الحارث أم بنى العباس بن عبد المطلب وأنه
يروى عنها وعن ابنها عبد الله بن عباس وقال (وفى بعض الرواية عمير مولى ابن عباس وإنما هو
مولى أمه) (ج 5 ص 211) وسماه ابن حجر في التهذيب (عمير بن عبد الله) وله ابن اسمه
(عبد الله بن عمير) فلعل ذاك أصله (عمير أبو عبد الله) فاشتبه على بعض الرواة
(5) في النسخة رقم (16) (عن عبد الملك عن عمير) وهو خطأ، فإنه (عبد الملك بن عمير بن سويد
ابن حارثة) ويروى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
254

قالوا فدل هذا على أنها ليست صلاة العصر *
قال على: هذا اعتراض في غاية الفساد، لأنه كله ليس منه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ
وإنما هو موقوف على حفصة وأم سلمة وعائشة أمهات المؤمنين وابن عباس وأبي بن
كعب، حاشا رواية عائشة فقط، ولا يجوز أن يعارض نص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بكلام غيره *
فان وهنوا تلك الروايات، قيل لهم: هذه الروايات هي الواهية! وهذا كله لا يجوز *
ثم نقول لهم: من العجب احتجاجكم بهذه الزيادة التي أنتم مجمعون معنا على أنها *
لا يحل لاحد أن يقرأ بها ولا أن يكتبها في مصحفه وفي هذا بيان انها روايات لا تقوم بها حجة.
وكل ما كان عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه، لان الله تعالى لم يأمر عند التنازع بالرد
إلى أحد غير كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ لا إلى غيرهما، فمن حكم في التنازع غيرهما فقد
عصى الله تعالى وخالف أمره، فهذا برهان كاف *
ثم آخر، وهو. ان الرواية قد تعارضت عن هؤلاء الصحابة المذكورين على أن
نسلم لكم كل ما تريدون في معنى هذه اللفظة الزائدة التي في هذه الآثار وهي.
أننا روينا خبر أم سلمة من طريق وكيع عن داود بن قيس عن عبد الله بن رافع. ان
أم سلمة أم المؤمنين كتبت مصحفا فقالت: اكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
صلاة العصر) (1) هكذا بلا واو *
وأما خبر ابن عباس فرويناه من طريق وكيع عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي
عن عمير بن يريم قال: سمعت ابن عباس يقول: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
صلاة العصر) هكذا بلا واو *
فاختلف وكيع وعبد الرزاق على داود (2) بن قيس في حديث أم سلمة، واختلف وكيع
ويحيى على شعبة (3) في حديث ابن عباس، وليس وكيع دون يحيى ولا دون عبد الرزاق *
وأما خبر أبي بن كعب فرويناه من طريق إسماعيل بن إسحاق عن محمد بن أبي
بكر عن مجلوب أبي جعفر (4) عن خالدا الحذاء عن أبي قلابة قال: في قراءة أبي بن كعب

(1) هكذا في رواية الطبري التي أشرنا إليها من طريق وكيع. ولا فرق عندنا في المعنى
بين اثبات الواو وبين حذفها فان المراد بكل منهما تفسير معنى الصلاة الوسطى. وهو
الظاهر الذي تؤيده الروايات الأخرى وأقوال الصحابة المروى عنهم أنفسهم
(2) في النسخة رقم (16) (عن داود)
(3) في النسخة رقم (16) (عن شعبة)
(4) هكذا في النسخة رقم (16)
وفي النسخة رقم (45) (عن محبوب بن أبي جعفر) ولم أجد له ترجمة ولا ذكرا، ولا أدرى
أيهما الصواب ولعله محرف عن اسم آخر؟
255

صلاة الوسطى صلاة العصر فليست هذه الرواية دون الأولى، فقد اختلف على أبي
ابن كعب أيضا *
وأما خبر عائشة فإننا روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن أبي سهل (1)
محمد بن عمرو الأنصاري عن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين قالت: الصلاة
الوسطى صلاة العصر: فهذه أصح رواية عن عائشة، وأبو سهل (2) محمد بن عمرو الأنصاري
ثقة. روى عنه ابن مهدي ووكيع ومعمر وعبد الله بن المبارك وغيرهم (3) *
فبطل التعلق بشئ مما ذكرنا قبل، إذ ليس بعض ما روى عن هؤلاء المذكورين
بأولى من بعض، والواجب الرجوع إلى ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقد ذكرنا انه
لم يصح عنه عليه السلام إلا أن الصلاة الوسطى صلاة العصر *
فان قيل: فكيف تصنعون أنتم في هذه الروايات التي أوردت عن حفصة وعائشة وأم سلمة
وأبي وابن عباس -؟: التي فيها (وصلاة العصر) والتي فيها (صلاة العصر) عنهم بلا واو حاشا
حفصة (4): وكيف تقولون في القراءة بهذه الزيادة، وهي لا تحل القراءة بها اليوم؟ *
فجوابنا وبالله تعالى التوفيق: إن الذي يظن من اختلاف الرواية في ذلك فليس اختلافا
بل المعنى في ذلك مع الواو ومع إسقاطها سواء، وهو أنها تعطف (5) الصفة على الصفة،
لا يجوز غير ذلك، كما قال الله تعالى (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) فرسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) في النسخة رقم (45) (أبى سهيل) في الموضعين وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (45) (أبى سهيل) في الموضعين وهو خطأ
(3) أبو سهل هذا ضعيف. وقد روى الطبري هذا الأثر عن سفيان بن وكيع
عن أبيه عن محمد بن عمرو (ج 2 ص 343) ولكن وقع فيه (عن محمد بن عمرو وأبى سهل
الأنصاري) فجعلهما اثنين وهو خطأ مطبعي. ورواه أيضا من طريقين عن قتادة عن أبي
أيوب عن عائشة. وأبو أيوب هو المراغي الأزدي وهو ثقة، وسيذكر المؤلف هذه الرواية *
(4) بل حفصة روى عنها أيضا باسناد صحيح كما سبق عن الطبري - أنها قالت عن النبي
صلى الله عليه وسلم (والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر) وقد روى الطبري أيضا باسناد صحيح (ج 2
ص 349) عن نافع قال: (فقرأت ذلك المصحف - يعنى مصحف حفصة - فوجدت فيه الواو)
وهذا يدل على أن رواية اثبات الواو إنما هي على معنى التفسير للصلاة الوسطى
(5) في النسخة رقم (45) (لعطف)
256

هو خاتم النبيين، وكما تقول: أكرم إخوانك (1) وأبا زيد الكريم والحسيب أخا محمد
فأبو زيد هو الحسيب، وهو أخو محمد، فقوله (وصلاة العصر) (2) بيان للصلاة الوسطى
فهي الوسطى (3) وهي صلاة العصر، واما قوله عليه السلام: (شغلونا عن الصلاة الوسطى
صلاة العصر) فلا يحتمل تأويلا أصلا، فوجب بذلك حمل قوله عليه السلام (والصلاة
الوسطى وصلاة العصر) على أنها عطف صفة على صفة ولا بد *
ويبين أيضا صحة هذا التأويل عنهم ما قد أوردناه عنهم أنفسهم من قولهم (والصلاة
الوسطى صلاة العصر). وصحت الرواية عن عائشة بأنها العصر وهي التي روت نزول الآية
وفيها (وصلاة العصر) فصح أنها عرفت (4) أنها صفة لصلاة العصر، وهي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يتلوها كذلك، وبهذا ارتفع (5) الاضطراب عنهم، وتتفق أقوالهم، ويصح كل
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وينتفي عنه الاختلاف، وحاشا لله أن يأتي اضطراب
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أبى من هذا لم يحصل على ما يريد، ووجب الاضطراب في الرواية
عنهم، ولم يكن بعض ذلك أولى من بعض، ووجب سقوط الروايتين معا، وصح ما جاء في
ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبطل الاعتراض عليه بروايات اضطرب على أصحابها بما يحتمل
التأويل مما يدعيه المخالف، وبما لا يحتمل التأويل مما يوافق قولنا، ولله الحمد *
وأما القراءة بهذه الزيادة فلا تحل، ومعاذ الله أن تزيد أمهات المؤمنين وأبي وابن عباس
في القرآن ما ليس فيه، والقول في هذا: هو أن تلك اللفظة كانت منزلة ثم نسخ لفظها *
كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا ابن
جريج (6) أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن عن أمه أم حميد بنت عبد الرحمن قالت:
سألت عائشة أم المؤمنين عن الصلاة الوسطى؟ فقالت: كنا نقرؤها في الحرف الأول على

(1) في النسخة رقم (45) (أكرم الله إخوانك) الخ وما هنا أظهر
(2) في النسخة رقم (45) (صلاة العصر) بدون واو وهو خطأ
(3) قوله (فهي الوسطى) سقط من النسخة رقم (45) خطأ
(4) في النسخة رقم (45) (علمت)
(5) في النسخة رقم (45) (يرتفع) (6) في النسخة رقم (45) (عن ابن جريج)
257

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر (1) وقوموا
لله قانتين) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا يحيى بن
آدم ثنا الفضيل بن مرزوق عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: (نزلت هذه الآية
(حافظوا على الصلوات وصلاة العصر (2). فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله تعالى
فنزلت: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى). فقال رجل كان جالسا عند شقيق له:
هي إذن صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت؟ وكيف نسخها الله؟
والله أعلم *
قال علي: فصح نسخ هذه اللفظة، وبقى حمها كآية الرجم، وبالله تعالى التوفيق،
وقد يثبتها من ذكرنا من أمهات المؤمنين على معنى التفسير والله أعلم *
قال علي: وقال: بهذا من السلف طائفة *
كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن أبي صالح السمان عن
أبي هريرة أنه قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر (3) *
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق ثنا علي بن عبد الله هو ابن المديني ثنا بشر بن
المفضل ثنا عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن بن نافع: أن أبا هريرة سئل عن الصلاة
الوسطى! فقال للذي سأله: ألست تقرأ القرآن؟! قال: بلى، قال: فانى سأقرأ عليك بها
القرآن حتى تفهمها، قال الله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) المغرب
وقال: (من بعد صلاة العشاء) العتمة، وقال (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)

(1) رواه الطبري (ج 2 ص 343) عن سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن ابن جريج
باسناده، وفيه (صلاة العصر) بحذف الواو ورواه عن عباس بن محمد عن حجاج عن
ابن جريج باسناده باثباتها
(2) هكذا في النسخة رقم (45) وهو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 175) وفى النسخة رقم (16) (على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) وهو خطأ في الرواية، وانظر الطبري (ج 2 ص 346)
(3) روى نحوه الطبري (ج 2 ص 342 و 343)
258

الغداة، ثم قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) هي العصر، هي العصر (1) *
وعن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أنه كان يرى الصلاة الوسطى
صلاة العصر (2) *
وعن يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن قتادة عن أبي أيوب - هو يحيى بن
يزيد (3) المراغي - عن عائشة أم المؤمنين قالت: الصلاة الوسطى صلاة العصر *
وعن القاسم بن محمد عنها مثل ذلك *
وعن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن علي بن
أبي طالب في الصلاة الوسطى قال: هي التي فرط فيها ابن داود (4) يعنى صلاة العصر *
وعن يحيى بن سعيد القطان عن أبي حيان (5) يحيى بن سعيد التيمي حدثني أبي:
ان سائلا سأل عليا: أي الصلوات يا أمير المؤمنين الوسطى؟ وقد نادى مناديه العصر،
فقال: هي هذه *
قال علي: لا يصح عن علي ولا عن عائشة غير هذا أصلا، وقد روينا قبل عن أم
سلمة أم المؤمنين وابن عباس وأبي بن كعب، وروى أيضا عن أبي أيوب الأنصاري (6) *
وعن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر *
وعن أبي هلال عن قتادة قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر *
وعن معمر عن الزهري قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر *
وعن معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال: الصلاة
الوسطى صلاة العصر *

(1) في النسخة رقم (16) (فقال هي العصر) بزيادة (فقال) وعدم تكرار لفظ
(هي العصر)
(2) روى نحوه الطبري (ج 2 ص 343)
(3) هكذا في الأصلين، وهو خطأ، بل هو يحيى بن مالك، كما في طبقات ابن سعد (ج 7 ق 1 ص 164) والكنى للدولابي (ج 1 ص 102) والتهذيب وغيرهما
(4) يعنى سليمان بن داود نبي الله عليه السلام، وقد روى الطبري نحو هذا (ج 2 ص 342)
(5) في النسخة رقم (45) (عن ابن حيان) وهو خطأ. وأبو حيان هذا هو يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي مات سنة 145
(6) في الطبري (ج 2 ص 344)
259

وهو قول سفيان الثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل وداود وجميع أصحابهم،
وهو قول إسحاق بن راهويه وجمهور أصحاب الحديث، وقد رويناه أيضا مسندا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم من طريق ابن مسعود وسمرة (1) *
506 - مسألة ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن
دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس - وهو جد عمرو - (2) قال سمعته يحدث عن ابن
عباس قال: (ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بالتكبير) *
قال علي: فان قيل: قد نسي أبو معبد هذا الحديث وأنكره (3) قلنا: فكان ماذا؟!
عمرو أوثق الثقات، والنسيان لا يعرى منه آدمي، والحجة قد قامت برواية الثقة *
507 - مسألة وجلوس الامام في مصلاه بعد سلامه حسن مباح لا يكره،
وإن قام ساعة يسلم فحسن *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري عن أبي
عوانة عن هلال بن أبي حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: (رمقت
الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) فوجدت قيامه فركعته، فاعتداله بعد
ركوعه فسجدته (5) فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته وجلسته (6) ما بين

(1) حديث ابن مسعود مرفوعا عند الطبري (ج 2 ص 344 و 345) وكذلك عنده نحوه
عن ابن عباس وأبي هريرة وحديث سمرة عنده أيضا (ص 346)
(2) أبو معبد هذا اسمه (نافذ) بالفاء والذال المعجمة، ووقع في طبقات ابن سعد (ج 5 ص 216) (فاقد) بالقاف والدال المهملة وهو تصحيف. ولم أجد ما بين انه كان جد عمرو لأبيه أو لامه
(3) في مسلم بعد ذكر الحديث: (قال عمرو: فذكرت ذلك لأبي معبد فأنكره وقال: لم أحدثك
بهذا، قال عمرو: وقد أخبرنيه قبل ذلك) (ج 1 ص 163)
(4) في مسلم (ج 1 ص 136) (مع محمد صلى الله عليه وسلم) وهو الموافق لما مضى في المسألة 452 (ج 4 ص 121)
(5) لفظ (فسجدته) محذوف في النسخة رقم (45) وهو خطأ
(6) اثبات كلمة (وجلسته) هو الصواب كما حققناه في المسألة 452 وتأيد أيضا باثباتها هنا فالحمد لله
260

التسليم والانصراف -: قريبا من السواء) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة ثنا
ابن وهب عن يونس بن يزيد قال ابن شهاب: أخبرتني هند الفراسية أن أم سلمة أم
المؤمنين أخبرتها: (ان النساء كن إذا سلمن (1) من الصلاة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال) *
وقد صحت أخبار كثيرة مسندة تدل على هذا *
وبه إلى أحمد بن شعيب: أنا يعقوب بن إبراهيم ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن
سفيان الثوري حدثني يعلي بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه: (أنه صلى مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فلما صلى انحرف) (2) *
قال علي: وكلا الامرين مأثور عن السلف *
روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنه كان إذا سلم كأنه على الرصف (3) *
حتى يقوم *
وروينا خلاف ذلك عن ابن مسعود: أنه سئل عن الرجل يصلى المكتوبة: أيتطوع
في مكانه؟ قال: نعم، ولم يفرق بين إمام وغير إمام *
وعن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: انه كان يؤمهم ثم
يتطوع في مكانه *
وعن ابن جريج عن عطاء قال: قد كان يجلس الامام بعد ما يسلم *
وعن إبراهيم بن ميسرة. قيل لطاوس: أيتحول الرجل إذا صلى المكتوبة من مكانه
ليتطوع؟ فقال. (أتعلمون الله بدينكم)؟!.
508 - مسألة ومن وجد الامام جالسا في آخر صلاته قبل أن يسلم ففرض عليه
أن يدخل معه، سواء طمع بادراك الصلاة من أولها في مسجد آخر أو لم يطمع، فان
وجده قد سلم فان طمع بادراك شئ من صلاة الجماعة في مسجد آخر لا مشقة في قصده

(1) في النسخة رقم (16) (كن إذا سلموا) وهو خطأ، وما هنا هو الموافق للنسائي (ج
1 ص 196)
(2) في النسائي (ج 1 ص 196)
(3) بفتح الراء واسكان الضاد المعجمة وآخره فاء وهي الحجارة التي حميت بالشمس أو بالنار، واحدتها رضفة
261

ففرض عليه النهوض إليه. ولا يجوز الاسراع إلى الصلاة، وإن علم أنها قد ابتدئت *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - ثنا شيبان عن يحيى - هو ابن أبي كثير عن
عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال. (بينما (1) نحن نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع
جلبة رجال (2)، فلما صلى قال. ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: فلا تفعلوا،
إذا اتيتم الصلاة فعليكم السكينة (3)، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) *
وبه إلى البخاري: ثنا آدم ثنا (4) ابن أبي ذئب حدثني (5) الزهري عن سعيد بن
المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة
وعليكم السكينة (6) والوقار (7) فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) *
فهذا عموم لما أدركه المرء من الصلاة، قل أم كثر، وهذان الخبران زائدان على
الخبر الذي فيه: (من أدرك من الصلاة مع الامام ركعة فقد أدرك الصلاة) ولا يحل
ترك الاخذ بالزيادة *
وروينا عن ابن مسعود: أنه أدرك قوما جلوسا في آخر صلاتهم فقال: أدركتم
إن شاء الله *
وعن شقيق بن سلمة: من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة *
وعن الحسن قال: إذا أدركهم سجودا سجد معهم *
وعن ابن جريج: قلت لعطاء: إن سمع الإقامة أو الاذان (8) وهو يصلى المكتوبة
أيقطع صلاته ويأتي الجماعة؟ قال: إن ظن أنه يدرك من المكتوبة شيئا فنعم *
وعن سعيد بن جبير: أنه جاء قوما فوجدهم قد صلوا فسمع مؤذنا فخرج إليه *
وروينا: أن الأسود بن يزيد فعله أيضا *

(1) في الأصلين (بينا) وما هنا هو الذي في البخاري (ج 1 ص 259)
(2) في بعض نسخ البخاري (جلبة الرجال)
(3) هكذا الأصلين بدون الباء، وفى البخاري (فعليكم بالسكينة) باثباتها
(4) في النسخة رقم (45) (حدثني)
(5) في البخاري (ج 1 ص 260) (حدثنا)
(6) هكذا في الأصلين بحذف الباء، وفى البخاري (وعليكم بالسكينة) باثباتها
(7) في البخاري زيادة (ولا تسرعوا)
(8) في النسخة رقم (45) (ان سمع الأذان والإقامة)
262

وعن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة: إذا كان أحدكم مقبلا إلى صلاة فليمش
عن رسله (1) فإنه في صلاة، فما أدرك فليصل، وما فاته فليقضه بعد، قال عطاء. وإني لأصنعه *
وعن ثابت البناني قال. أقيمت الصلاة وأنس بن مالك واضع يده على فجعل يقارب
بين الخطا، فانتهينا إلى المسجد وقد سبقنا بركعة، فصلينا مع الامام وقضينا ما فاتنا فقال
لي أنس: يا ثابت، أغمك ما صنعت بك؟ قلت: نعم، قال: صنعه بي أخي زيد بن ثابت *
وعن أبي ذر. من أقبل ليشهد الصلاة فأقيمت وهو في الطريق فلا يسرع ولا يزد
على مشيته الأولى، فما أدرك فليصل مع الامام، وما لم يدرك فليتمه *
وعن سفيان بن زياد (2) أن الزبير أدركه وهو يعجل إلى المسجد، فقال له الزبير:
اقصد، فإنك في صلاة، لا تخطو خطوة الا رفعك الله بها درجة، أو حط عنك
بها خطيئة *
قال علي: وحديث الذي جاء وقد حفزه النفس فقال: (الله أكبر كبيرا) وحديث
أبي بكرة: فيهما النهى عن الاسراع أيضا *
509 مسألة ويستحب لكل مصلى أن ينصرف عن يمينه، فان انصرف
عن شماله فمباح، لا حرج في ذلك ولا كراهة *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا حفص
ابن عمر ثنا شعبة أخبرني أشعث بن سليم سمعت أبي عن مسروق عن عائشة قالت: (كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله، وفي شأنه كله) (3) *
وروينا عن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن السدي: سألت أنس بن مالك: كيف
أنصرف إذا صليت؟ قال: (أما أنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف على يمينه) *

(1) الرسل والرسلة - بكسر الراء وإسكان السين المهملة فيهما -: الرفق والتؤدة
(2) قال في لسان الميزان: (سفيان بن زياد عن الزبير بن العوام، ما روى عنه سوى داود بن
فراهيج، وذكره ابن حبان في الثقات. (وقال ابن سعد في الطبقات (ج 5 ص 228) في ترجمة
داود: (أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن داود بن فراهيج قال
حدثني مولاي سفيان) فيغلب على الظن أنه هو مولى داود وداود هذا تابعي سمع أبا هريرة
وأبا سعيد الخدري
(3) في البخاري (ج 1 ص 89) (وترجله وطهوره وفى شأنه كله)
263

وعن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الأسود بن يزيد
عن ابن مسعود: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره، قال عمارة: فرأيت
حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يسار القبلة) *
510 - مسألة ومن وجد الامام راكعا أو ساجدا أو جالسا فلا يجوز البتة أن يكبر
قائما لكن يكبر وهو في الحال التي يجد إمامه عليها ولا بد، تكبيرتين ولا بد، إحداهما
للاحرام بالصلاة، والثانية للحال التي هو فيها.، *
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الامام ليؤتم به) ولقوله عليه السلام: (ما أدركتم
فصلوا ما فاتكم فأتموا) فأمر عليه السلام (1) بالائتمام بالامام، والائتمام به هو أن لا يخالفه
الانسان في جميع عمله، ومن كبر قائما والامام غير قائم فلم يأتم به، فقد صلى بخلاف ما أمر،
ولا يجوز أن يقضى ما فاته من قيام أو غيره إلا بعد تمام صلاة الامام، لا قبل ذلك. وبالله
تعالى التوفيق *
(صلاة المسافر (2))
511 - مسألة صلاة الصبح ركعتان في السفر والحضر أبدا، وفى الخوف كذلك،
وصلاة المغرب ثلاث ركعات في الحضر والسفر والخوف أبدا، ولا يختلف عدد الركعات
إلا في الظهر والعصر والعتمة، فإنها أربع ركعات في الحضر للصحيح والمريض، وركعتان
في السفر، وفى الخوف ركعة، كل هذا إجماع متيقن، إلا كون هذه الصلوات ركعة
في الخوف ففيه خلاف (3) *
512 - مسألة وكون الصلوات المذكورة في السفر ركعتين فرض، سواء كان سفر طاعة
أو معصية، أو لا طاعة ولا معصية، أمنا كان أو خوفا فمن أتمها أربعا عامدا، فإن كان عالما بأن
ذلك لا يجوز بطلت صلاته، وإن كان ساهيا سجد للسهو بعد السلام فقط. وأما قصر
كل صلاة من الصلوات المذكورة إلى ركعة في الخوف في السفر فمباح، من صلاها ركعتين
فحسن، ومن صلاها ركعة فحسن *
وقال أبو حنيفة: قصر الصلاة في كل سفر طاعة أو معصية فرض، فمن أتمها فإن لم
يقعد بعد الاثنتين مقدار التشهد بطلت صلاته وأعاد أبدا *

(1) في النسخة رقم (45) (فإنه عليه السلام أمر) الخ
(2) هذا العنوان في النسخة رقم (16) فقط
(3) سيذكره المؤلف في المسألة التالية وفى صلاة الخوف إن شاء الله في المسألة 519
264

وقال مالك: من أتم في السفر. فعليه الإعادة في الوقت *
وقال الشافعي: القصر مباح، ومن شاء أتم *
ولا قصر عند مالك والشافعي إلا في سفر مباح فقط *
ولم ير أبو حنيفة ولا مالك والا الشافعي القصر في الخوف إلى ركعة أصلا لكن ركعتان فقط *
برهان صحة قولنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري
ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة. قالت:
(فرضت الصلاة ركعتين. ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرضت أربعا، وتركت صلاة
السفر على الأولى) (1) *
ورويناه أيضا من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة، ومن طريق مالك
عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة، ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن رافع ثنا محمد
ابن بشر ثنا يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زبيد اليامي (2) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن كعب بن عجرة. قال قال عمر بن الخطاب: (صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر
ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم
صلى الله عليه وسلم، وقد خاب من افترى) (3) *

(1) في الأصلين (على الحالة الأولى) ولفظ (الحالة) ليس في أي رواية من روايات
البخاري. انظر البخاري (ج 5 ص 172) وشرح العيني (ج 17 ص 67) وقد رواه البخاري
أيضا بلفظين آخرين (ج 1 ص 159 و ج 2 ص 105)
(2) في النسخة رقم (45) (الأيامى) وهو زبيد - بالموحدة مصغر - ابن الحارث اليامي أو الأيامى نسبة إلى (أيام) بكسر الهمزة وفتح الياء المخففة، وهو بطن يسمى بذلك، ويسمى (يام) أيضا بحذف الهمزة
(3) هذا الاسناد لم أجده في سنن النسائي، ولعله في موضع آخر لم أوفق إلى رؤيته أو في السنن الكبرى، وقد رواه النسائي عن علي بن حجر عن شريك عن زبيد (ج 1 ص 209) وعن حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب عن شعبة عن زبيد (ج 1 ص 211 و 212) وعن عمران بن
موسى عن يزيد بن زريع عن سفيان بن سعيد عن زبيد (ج 1 ص 232)، وليس في أي
واحد من هذه المواضع ذكر كعب بن عجزة، ولا قول عمر في آخره (وقد خاب من افترى)
وقال النسائي في الاسناد الأول بعد أن روى الحديث (عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع
من عمر)، وهو كما قال، فان عبد الرحمن ولد لست بقين نم خلافة عمر، وقد روى يزيد
ابن هارون عن الثوري هذا الحديث، وقال فيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (سمعت
عمر) وقد تفرد بذلك يزيد بن هارون وهو خطأ، انظر التهذيب، واما هنا بزيادة كعب بن
عجزة فهو اسناد صحيح دل على وصل المرسل. وقد رواه ابن ماجة (ج 1 ص 170) عن
محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد بن بشر باسناده كما هنا، وفيه زيادة كعب بن عجزة أيضا
265

حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو يحيى زكريا بن
يحيى الناقد (1) ثنا محمد بن الصباح الجرجرائي (2) ثنا عبد الله بن رجاء (3) ثنا هشام
الدستوائي عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (صلاة
السفر ركعتان، من ترك السنة فقد كفر) (4) *
وقد روينا هذا أيضا من كلام ابن عمر (5) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم عن عبد الله بن إدريس
عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بأبيه (6) عن

(1) اما الناقد هذا فلا اعرف من هو؟ ويحتمل أن يكون زكريا بن يحيى الساجي المتوفى
سنة 307 وقد قارب التسعين، فان شيخه محمد بن الصباح مات سنة 240 فاحتمل السماع
منه، ثم إن تلميذه ابن أيمن رحل سنة 274 ومات سنة 330 فاحتمل أن يكون لقى
الساجي وسمع منه وهذا كله ظن لا أجزم به ولا أرجحه
(2) في الأصلين (الجرجاني) وهو خطأ والجرجرائي - بفتح الجيمين وبينهما راء ساكنة - نسبة إلى (جرجرايا) قال ياقوت (بلد من اعمال النهر وان الأسفل بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي كانت مدينة وخربت مع ما خرب من النهروانات، ومحمد بن الصباح ثقة وفيه مقال
(3) هو المكي وهو ثقة ولكن قال احمد (زعموا ان كتبه ذهبت فكان يكتب من حفظه فعنده مناكير)
(4) اما هذا الحديث بهذا اللفظ مرفوعا فانى لم أجده الا في هذا الموضع وهو أشبه بأن
يكون من كلام ابن عمر كما سيأتي موقوفا ويحتمل ان الخطأ في رفعه من محمد بن الصباح أو من
شيخه عبد الله بن رجاء
(5) سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى
(6) في النسخة رقم (16) (عبيد الله بن بأبيه) وهو خطأ. وبابيه بفتح الباءين بينهما الف وباسكان الياء المثناة التحتية وآخره هاء ويقال: باباه.
266

يعلي بن أمية قلت لعمر بن الخطاب: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم
أن يفتنكم الذين كفروا) فقد أمن الناس،! قال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) (1) *
قال علي: فصح أن الصلاة فرضها الله تعالى ركعتين ثم بلغها في الحضر بعد الهجرة
أربعا، وأقر صلاة السفر على ركعتين، وصح ان صلاة السفر ركعتان بقوله عليه السلام
فإذ قد صح هذا فهي ركعتان لا يجوز ان يتعدى ذلك، ومن تعداه فلم يصل كما أمر، فلا
صلاة له، إذا كان عالما بذلك، ولم يخص عليه السلام سفرا من سفر، بل عم، فلا يجوز
لاحد تخصيص ذلك، ولم يجز رد صدقة الله تعالى التي (2) أمر عليه السلام بقبولها، فيكون
من لا يقبلها عاصيا. *
واحتج من خص بعض الاسفار بذلك بأن سفر المعصية محرم، فلا حكم له. *
فقلنا: أما محرم فنعم، هو محرم، ولكنه سفر، فله حكم السفر، وأنتم تقولون. انه
محرم، ثم تجعلون فيه التيمم عند عدم الماء، وتجيزون الصلاة فيه، وترونها فرضا، فأي فرق
بين ما أجزتم - من الصلاة والتيمم لها - وبين ما منعتم من تأديتها ركعتين كما فرض الله
تعالى في السفر؟! ولا سبيل إلى فرق *
وكذلك الزنا محرم، وفيه من الغسل كالذي في الحلال لأنه إجناب ومجاوزة ختان
لختان، فوجب فيه حكم عموم الاجناب (3) ومجاوزة الختان للختان. *
وكما قالوا فيمن قاتل في قطع الطريق (4) فجرح جراحات منعته من القيام، فان له
من جواز الصلاة جالسا ما لمن قاتل في سبيل الله ولا فرق، لعموم قوله عليه السلام:
(صلوا قياما فمن لم يستطع فقاعدا) *
فان قيل لنا: فإنكم تقولون: من صلى في غير سبيل الحق راكبا أو مقاتلا أو ماشيا
فلا صلاة له فما الفرق؟ *
قلنا: نعم إن هؤلاء فعلوا في صلاتهم حركات لا يحل لهم فعلها، فبذلك بطلت صلاتهم
ولم يفعل المصلى ركعتين أو ركعة في صلاته شيئا غيرها، واما الذين ذكرتم فمشوا مشيا محرما
في الصلاة، وقاتلوا فيها قتالا محرما *

(1) في مسلم (ج 1 ص 191 و 192)
(2) في النسخة رقم (16) (الذي) وهو خطأ.
(3) في النسخة رقم (45) (فوجب فيه عموم الاخبار) وهو خطأ
(4) في النسخة رقم (45) (فيمن قاتل فقطع الطريق) وما هنا أحسن جدا
267

والعجب كل العجب من المالكيين الذين أتوا إلى عموم الله تعالى للسفر، وعموم
رسول الله صلى الله عليه وسلم للسفر، (وما كان ربك نسيا) فخصوه بآرائهم! ولم يروا قصر
الصلاة في سفر معصية! ثم أتوا إلى ما خصه الله تعالى وأبطل فيه العموم، من تحريمه
الميتة جملة، ثم قال: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم) وقوله (فمن
اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم): فقالوا بآرائهم: ان أكل
الميتة والخنزير حلال للمضطر، وإن كان متجانفا لاثم وباغيا عاديا قاطعا للسبيل، منتظرا
لرفاق المسلمين يغير على أموالهم ويسفك دماءهم! وهذا عجب جدا! *
واحتج بعضهم في هذا بأن قالوا: حرام عليه قتل نفسه *
فقلنا لهم: ولم يقتل نفسه؟! بل يتوب الآن من نيته الفاسدة، ويحل له أكل
الميتة من حينه، والتوبة فرض عليه ولا بد *
وقال أبو سليمان وأصحابنا: لا تقصر الصلاة إلا في حرج أو جهاد أو عمرة، وهو قول
جماعة من السلف *
كما روينا من طريق محمد بن أبي عدى (1) ثنا شعبة عن الأعمش عن عمارة بن عمير
عن الأسود عن ابن مسعود قال: لا يقصر الصلاة إلا حاج أو مجاهد *
وعن طاوس: انه كان يسأل عن قصر الصلاة؟ فيقول: إذا خرجنا حجاجا أو عمارا
صلينا ركعتين *
وعن إبراهيم التيمي: أنه كان لا يرى القصر إلا في حج أو عمرة أو جهاد *
واحتجوا بقول الله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) *
وقالوا: لم يصل عليه السلام ركعتين الا في حج أو عمرة أو جهاد *
قال علي: لو لم يرد الا هذه الآية وفعله عليه السلام لكان ما قالوا، لكن لما ورد
على (2) لسانه عليه السلام ركعتان في السفر وأمر بقبول صدقة الله تعالى بذلك. كان
هذا زائدا على ما في الآية وعلى عمله عليه السلام، ولا يحل ترك الاخذ بالشرع الزائد

(1) في النسخة رقم (16) (محمد بن عدي) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (من) بدل (على) وهو خطأ
268

واحتج الشافعيون في قولهم: ان المسافر مخير بين ركعتين أو أربع ركعات. بهذه
الآية، وأنها جاءت بلفظ (لا جناح) وهذا يوجب الإباحة لا الفرض *
وبخبر رويناه من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة. (أنها اعتمرت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فلما قدمت مكة (1) قالت: يا رسول الله، بأبي أنت
وأمي قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت، قال: أحسنت يا عائشة) *
ومن طريق عطاء عن عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر فيتم الصلاة ويقصر) *
وبأن عثمان أتم الصلاة بمنى بحضرة جميع الصحابة رضي الله عنهم فأتموها معه *
وبأن عائشة - وهي روت (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين) - كانت تتم في السفر *
قال علي: هذا كل ما احتجوا به، وكله لا حجة لهم فيه: *
أما الآية فإنها لم تنزل في القصر المذكور، بل في غيره، على ما نبين بعد هذا، إن شاء الله تعالى *
وأما الحديثان فلا خير فيهما: *
أما الذي من طريق عبد الرحمن بن الأسود فانفرد به العلاء بن زهير الأزدي، لم يروه
غيره، وهو مجهول (2) *
وأما حديث عطاء فانفرد به المغيرة بن زياد، لم يروه غيره، وقال فيه أحمد بن حنبل:
هو ضعيف، كل حديث أسنده فهو منكر *
وأما فعل عثمان وعائشة رضي الله عنهما فإنهما تأولا تأويلا خالفهما فيه غيرهما من الصحابة
رضي الله عنهم *
كما حدثنا أحمد بن عمر الغدري ثنا أبو ذر الهروي ثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي
ثنا إبراهيم بن خزيم (3) ثنا عبد بن حميد ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة

(1) في النسخة رقم (45) (المدينة) وهو خطأ، فان الحديث في النسائي (ج 1 ص 213)
بلفظ (مكة) وكذلك نقله ابن حجر في التلخيص (ص 128) والشوكاني (ج 3 ص 248)
وكذلك هو في الدارقطني (ص 242)
(2) قال ابن حجر في التهذيب في ترجمة العلاء هذا: (قال ابن حزم مجهول، ورد ذلك عليه عبد الحق، وقال: بل هو ثقة مشهور والحديث الذي رواه في القصر صحيح، وتناقض فيه ابن حبان فقال في الضعفاء: يروى عن الثقات ما لا يشبه حديث الاثبات فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات، ورده الذهبي بأن العبرة بتوثيق يحيى) وقد وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات
(3) بالخاء المعجمة والزاي مصغر
269

عن عائشة فذكر الخبر، وفيه قال الزهري: فقلت لعروة: فما كان عمل عائشة أن تتم في
السفر وقد علمت أن الله تعالى فرضها ركعتين ركعتين (1)؟ قال: تأولت من ذلك ما تأول عثمان
من اتمام الصلاة بمنى *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن الزهري قال: بلغني أن عثمان إنما صلاها أربعا
يعنى بمنى لأنه أزمع أن يقيم بعد الحج. فعلى هذا أتم (2) معه من كان يتم معه من
الصحابة رضي الله عنهم، لأنهم أقاموا بإقامته *
وقد خالفهما من الصحابة طوائف *
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: انه كان
إذا صلى مع الامام بمنى أربع ركعات انصرف إلى منزله فصلى فيه ركعتين أعادها *
ومن طريق عبد الرزاق عن سعيد بن السائب بن يسار حدثني داود بن أبي عاصم قال:
سألت ابن عمر عن صلاة السفر بمنى؟ فقال: (سمعت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان (3)
يصلى بمنى ركعتين ركعتين) فصل إن شئت أو دع *
ومن طريق عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا أبو التياح عن مورق (4) العجلي عن صفوان
ابن محرز قلت لابن عمر: حدثني عن صلاة السفر، قال: أتخشى أن تكذب على؟ قلت:
لا، قال: ركعتان، من خالف السنة كفر *
ومن طريق سعيد بن منصور: ثنا مروان بن معاوية هو الفزاري ثنا حميد بن علي
العقيلي عن الضحاك بن مزاحم قال قال ابن عباس: من صلى في السفر أربعا كمن صلى في
الحضر ركعتين *
ومن طريق سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: اعتل عثمان وهو بمنى
فأتى على فقيل له، صل بالناس، فقال: إن شئتم صليت لكم (5) صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعنى ركعتين قالوا لا:، إلا صلاة أمير المؤمنين، يعنون عثمان: أربعا (6)! فأبى عثمان

(1) في النسخة رقم (45) بغير تكرار ركعتين
(2) في النسخة رقم (45) (أتمها)
(3) في النسخة رقم (16) (سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كان) الخ وهو غير واضح
(4) في النسخة رقم (16) (مروان) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (45) (بكم)
(6) في النسخة رقم (16) بحذف قوله (عثمان) *
270

وهكذا عمن بعدهم: روينا عن عمر بن عبد العزيز، وقد ذكر له الاتمام في السفر
(1) لمن شاء، فقال لا: الصلاة في السفر ركعتان حتمان لا يصح غيرهما *
فإذا اختلف الصحابة فالواجب رد ما تنازعوا فيه إلى القرآن والسنة *
واما المالكيون والحنفيون فقد تناقضوا ههنا أقبح تناقض، لأنهم إذا تعلقوا بقول
صاحب وخالفوا روايته قالوا: هو أعلم بما روى، ولا يجوز ان يظن به أنه خالف
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لعلم كان عنده رآه أولى مما روى (2)، وههنا أخذوا رواية عائشة
وتركوا فعلها، وقالوا: بأقبح ما يشنعون به على غيرهم، فرأوا ان عثمان وعائشة ومن معهما
صلوا صلاة فاسدة يلزمهم إعادتها، إما أبدا وإما في الوقت *
قال علي: واما قولنا في صلاة الخوف ركعة فلما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد
ابن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى
ابن يحيى وسعيد بن منصور وأبو الربيع الزهراني وقتيبة، كلهم عن أبي عوانة عن بكير
ابن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم
في الحضر أربعا، وفى السفر ركعتين، وفى الخوف ركعة) *
ورويناه أيضا من طريق حذيفة وجابر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عمر،
كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد في غاية الصحة *
وقال تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة إن خفتم
أن يفتنكم الذين كفروا) *
كتب إلى هشام بن سعيد الخير قال: ثنا عبد الجبار بن أحمد المقرئ الطويل ثنا الحسن
ابن الحسين (3) بن عبدويه النجيرمي ثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصفهاني (4) ثنا أبو بشر
يونس بن حبيب بن عبد القادر (5) ثنا أبو داود الطيالسي ثنا المسعودي - هو عبد الرحمن
ابن عبد الله - عن يزيد الفقير - هو يزيد بن صهيب - قال: سألت جابر بن عبد الله عن

(1) في النسخة رقم (16) (الائتمام) وهو خطأ، وفى النسخة رقم (45) بحذف كلمة
(السفر)
(2) في النسخة رقم (16) (الا لعلم كان عنده رواه مما روى) وهو غير جيد
(3) في النسخة رقم (45) (الحسن بن أبي الحسن)
(4) في النسخة رقم (16) (الأصبهاني) بالباء
(5) في النسخة رقم (45) (عن عبد القادر) وهو خطأ
271

الركعتين في السفر، أقصرهما؟ قال جابر لا: إن الركعتين في السفر ليستا بقصر، إنما
القصر ركعة عند القتال. *
قال علي: وبهذه الآية قلنا: إن صلاة الخوف في السفر - إن شاء - ركعة - وان شاء - ركعتان
لأنه جاء في القرآن بلفظة (لا جناح) لا بلفظ الامر والايجاب، وصلاهما الناس مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم مرة ركعة فقط، ومرة ركعتين، فكان ذلك على الاختيار كما قال جابر رضي الله عنه *
(تم)
بحمد الله تعالى وحسن معونته تم الجزء الرابع من كتاب المحلى
للامام العلامة أبي محمد على المشهور بابن حزم الأندلسي
وذلك في شهر ربيع الأول سنة 1349 ه‍ ومطلع
الجزء الخامس المسألة الثالثة عشر بعد الخمسمائة
(ومن خرج عن بيوت مدينته أو قريته)
الخ ونسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى إتمام
طبعه انه على ما يشاء قدير
وبالإجابة جدير
إدارة الطباعة المنيرية
لصاحبها ومديرها محمد منير الدمشقي
272