الكتاب: المحلى
المؤلف: ابن حزم
الجزء: ٩
الوفاة: ٤٥٦
المجموعة: فقه المذهب الظاهري
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات: طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر

المحلى
تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الأصولي، قوي العارضة
شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف
الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والأصول
والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الأندلس
أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
المتوفى سنة 456 ه‍.
طبعة مصححة ومقابلة
على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة
كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ
الشيخ أحمد محمد شاكر
الجزء التاسع
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
1508 مسألة والشركة. والإقالة. والتولية كلها بيوع مبتدأة لا يجوز
في شئ منها الا ما يجوز في سائر البيوع لا تحاش شيئا وهو قال الشافعي. وأصحابنا في الشركة.
والتولية وقالوا: الإقالة فسخ بيع وليست بيعا، وقال ربيعة. ومالك: كل ما لا يجوز
فيه البيع قبل القبض أو قبل الاكتيال فإنه لا بأس فيه بالشركة. والتولية. والإقالة قبل
القبض وقبل الاكتيال، وروى هذا عن الحسن في التولية فقط * واحتجوا بما رويناه
من طريق عبد الرزاق قال ابن جريح: أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال حديثا مستفاضا في المدينة: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه الا أن يشرك
فيه أو يوليه أو يقيله، وقال مالك. ان أهل العلم اجتمع رأيهم على أنه لا بأس بالشركة.
والإقالة. والتولية في الطعام وغيره يعنى قبل القبض قال أبو محمد: وما نعلم روى
هذا الا عن ربيعة. وعن طاوس فقط، وقوله عن الحسن في التولية قد جاء عنه خلافها *
قال على: أما خبر ربيعة فمرسل ولا حجة في مرسل ولو استند (1) لسارعنا إلى الاخذ به
ولو كانت استفاضته عن أصل صحيح لكان الزهري أولى بأن يعرف ذلك من ربيعة فبينهما
في هذا الباب بون بعيد والزهري مخالف له في ذلك * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري قال: التولية بيع في الطعام وغيره، وبه إلى معمر عن أيوب السختياني قال: قال
ابن سيرين: لا تولية حتى يقبض ويكال * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا الربيع بن صبيح
قال: سألت الحسن عن الرجل يشترى الطعام فيوليه الرجل؟ قال: ليس له أن يوليه حتى
يقبضه فقال له عبد الملك بن الشعشاع: يا أبا سعيد أبرأيك تقوله؟ قال: لا أقوله برأيي
ولكنا أخذناه عن سلفنا. وأصحابنا *
قال على: سلف الحسن هم الصحابة رضي الله عنهم أدرك منهم خمسمائة صاحب
وأكثر وغزا مع مئين منهم، وأصحابه هم أكابر التابعين فلو أقدم أمرؤ على دعوى الاجماع

(1) في النسخة رقم 14 ولو انسند
2

ههنا لكان أصح من الاجماع الذي ذكره مالك بلا شك ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان
الثوري عن زكريا بن أبي زائدة. وفطر بن خليفة قال زكريا: عن الشعبي وقال فطر: عن
الحكم ثم اتفق الشعبي. والحكم على أن التولية بيع قال سفيان: ونحن نقول: والشركة
بيع ولا يشرك حتى يقبض، فهؤلاء الصحابة. والتابعون كما ترى *
قال أبو محمد: الشركة والتولية إنما هو نقل ملك المرء عينا ما صح ملكه لها أو بعض
عين ما صح ملكه لها إلى ملك غيره بثمن مسمى وهذا هو البيع نفسه ليست هذه الصفة البتة
الا للبيع ولا يكون بيع أصلا الا بهذه الصفة فصح أنهما (1) بيع صحيح وهم لا يخالفوننا في أنه
لا يجوز فيها الا ما يجوز في البيع الا فيما ذكرنا ههنا فقط وهذا تخصيص بلا برهان،
وأما الحنيفيون فإنهم يقولون: بالمرسل ونقضوا ههنا أصلهم فتركوا مرسل ربيعة الذي
ذكرناه وما نعلم المالكيين احتجوا بغير ما ذكرنا الا أن بعضهم قال الشركة والتولية.
والإقالة معروف فقلنا: فكان ماذا؟ والبيع أيضا معروف وما عهدنا المعروف تباح
فيه محرمات ولو كان ذلك لكان منكرا لا معروفا، وسنتكلم إن شاء الله تعالى في الإقالة
اثر هذه المسألة في مسألة مفردة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم *
1509 مسألة وأما الإقالة فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحض عليها *
روينا من طريق أبى داود نا يحيى بن معين نا حفص هو ابن غياث عن الأعمش عن أبي
صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أقال نادما (2) أقاله الله
عثرته) وقال أبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان: ليست بيعا إنما هي فسخ بيع، وقال
أبو يوسف: هي بعد القبض بيع وقبل القبض فسخ بيع، وروى عن مالك أنها بيع،
وروى عنه ما يدل على أنها فسخ بيع، فأما تقسيم أبى يوسف فدعوى بلا برهان وتقسيم
بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل، وأما من قال: ليست بيعا فإنهم احتجوا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سماها باسم الإقالة واتبعه المسلمون على ذلك ولم يسمها عليه السلام بيعا والتسمية
في الدين لا تؤخذ إلا عنه عليه السلام، فلا يجوز أن تسمى بيعا لأنه عليه السلام لم يسمها
هذا الاسم، وقالوا: قد صح الاجماع على جواز الإقالة في السلم: والبيع قبل القبض
لا يجوز فصح أنها ليست بيعا ما نعلم لهم حجة غير هاتين *
قال أبو محمد: احتجاجهم بالتسمية من النبي صلى الله عليه وسلم فقولهم حق إلا أننا لا نسلم لهم
أنه عليه السلام سمى إقالة فعل من باع من آخر بيعا ثم استقاله فيه فرد إليه ما ابتاع منه
وأخذ ثمنه منه وأنه عليه السلام لم يسم ذلك بيعا ولا يجدون هذا أبدا لا في رواية صحيحة.

(1) في النسخة رقم 16 انها
(2) في سنن أبي داود (من أقال مسلما) وروى الحديث أيضا ابن ماجة في سننه بلفظ
(أقاله الله عثرته يوم القيامة) وعثرته خطيئته
3

ولا سقيمة، وهذا الخبر المرسل من طريق ربيعة لو شئنا أن نستدل منه بان الإقالة بيع
لفعلنا لأنه فيه النهى عن البيع قبل القبض الا من أشرك. أو ولى. أو أقال فهذا ظاهر أنها
بيوع مستثناة من جملة البيوع، وأما الخبر الصحيح الذي ذكرنا فإنما فيه الحض
على الإقالة فقط، والإقالة تكون في غير البيع لكن في الهبة ونحو ذلك، ولا فيه أيضا
أن الإقالة لا تسمى بيعا ولا لها حكم البيع فبطل ما صدروا به من هذا الاحتجاج الصحيح
أصله الموضوع في غير موضعه، واما دعواهم الاجماع على جواز الإقالة في السلم قبل
القبض فباطل وإقدام على الدعوى على الأمة وما وقع (1) الاجماع قط (2) على جواز
السلم فكيف على الإقالة فيه، وقد روينا عن عبد الله بن عمرو. وعبد الله بن عمر. والحسن.
وجابر بن زيد. وشريح. والشعبي. والنخعي. وابن المسيب. وعبد الله بن معقل.
وطاوس. ومحمد بن علي بن الحسن. وأبى سلمة بن عبد الرحمن. ومجاهد. وسعيد بن جبير.
وسالم بن عبد الله. والقاسم بن محمد. وعمرو بن الحرث أخي أم المؤمنين جويرية أنهم
منعوا من أخذ بعض السلم والإقالة في بعضه فأين الاجماع؟ فليت شعري هل تقروا جميع
الصحابة أولهم عن آخرهم حتى أيقنوا بأنهم أجمعوا على ذلك؟ أم تقروا جميع علماء التابعين
من أقصى خراسان إلى الأندلس فما بين ذلك كذلك، ثم لو صح لهم هذا وهو لا يصح أبدا
فما يختلف مسلمان في أن من الجن قوما صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ومن أنكر هذا
فهو كافر لتكذيبه القرآن فلأولئك الجن من الحق ووجوب التعظيم منا ومن منزلة العلم.
والدين ما لسائر الصحابة رضي الله عنهم هذا ما لا شك فيه عند مسلم فمن له باجماعهم على ذلك؟
ورحم الله أحمد بن حنبل فلقد صدق إذ يقول: من يدعى الاجماع فقد كذب ما يدريه لعل
الناس اختلفوا لكن ليقل: لا أعلم خلافا هذه أخبار المريسي: والأصم
قال أبو محمد: لا تحل دعوى الاجماع الا في موضعين، أحدهما ما تيقن أن جميع
الصاحبة رضي الله عنهم عرفوه بنقل صحيح عنهم وأقروا به، والثاني ما يكون من خالفه
كافرا خارجا عن الاسلام كشهادة أن لا إله الا الله. وأن محمدا رسول الله. وصيام
رمضان. وحج البيت. والايمان بالقرآن. والصلوات الخمس. وجملة الزكاة.
والطهارة للصلاة. ومن الجنابة. وتحريم الميتة. والخنزير. والدم. وما كان من
هذا الصنف فقط. ثم لو صح لهم ما ادعوه من الاجماع على جواز الإقالة في السلم لكان
بيعا مستثنى بالاجماع من جملة البيوع فكيف وقد صح عن ابن عباس ما يدل على المنع من
الإقالة في السلم * روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو

(1) في النسخة رقم 14 (وما صح)
(2) لفظ (قط) سقط من النسخة رقم 14
4

ابن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: إذا أسلفت في شئ إلى أجل مسمى فجاء ذلك
الأجل ولم تجد الذي أسلفت فيه فخذ عرضا بأنقص ولا تربح مرتين ولم يفت بالإقالة *
قال على: ولا تجوز الإقالة في السلم لأنه بيع ما ليس عندك وبيع غرر وبيع ما لم يقبض.
وبيع مجهول لا يدرى أيما في العالم هو وهذا هو أكل المال بالباطل. إذ لم يأت بجوازه
نص فيستثنيه من جملة هذه المحرمات فإنما الحكم فيمن لم يجد ما أسلف فيه أن يصبر حتى
يوجد أو يأخذ منه قصاصا ومعاقبة ما اتفقا عليه وتراضيا به قيمة ما وجب له عنده لقول
الله تعالى: (والحرمات قصاص) وحريمة المال حرمة محرمة يجب أن يقتص منها فان
أراد الاحسان إليه فله ان يبرئه من كل ماله عنده أو يأخذ بعض ماله عنده أو يبرئه مما شاء
منه ويتصدق به عليه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المفلس إذ قال: (تصدقوا عليه) ثم قال
عليه السلام: (خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك) وقد ذكرناه باسناده في التفليس،
وفى الجوائح من كتابنا هذا
قال أبو محمد: فإذ بطل كل ما احتجوا به فلنقل على تصحيح قولنا بعون الله تعالى،
فنقول وبه تعالى نتأيد: ان الإقالة لو كانت فسخ بيع لما جازت الا برد عين الثمن نفسه
لا بغيره ولا بد له (1) كما قال ابن سيرين كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا
الربيع بن حبيب كنا نختلف إلى السواد في الطعام وهو أكداس قد حصد فنشتريه منهم
الكر بكذا وكذا وننقد أموالنا فإذا أذن لهم العمال في الدراس فمنهم من يفي لنا بما سمى
لنا، ومنهم من يزعم أنه نقص طعامه فيطلب الينا أن نرتجع بقدر ما نقص رؤوس
أموالنا فسألت الحسن عن ذلك؟ فكرهه الا أن يستوفى ما سمى لنا أو نرتجع أموالنا
كلها، وسألت ابن سيرين؟ فقال: إن كانت دراهمك بأعيانها فلا بأس، وسألت عطاء؟
فقال: ما أراك الا قد رفقت (2) وأحسنت إليه *
قال أبو محمد: هذه صفة الفسخ ثم نرجع فنقول: إن البيع عقد صحيح بالقرآن.
والسنن. والاجماع المتيقن لمقطوع به من كل مسلم (3) على أديم الأرض كان أو هو
كائن فإذ هو كذلك باليقين لا بالدعاوي الكاذبة فلا يحل فسخ عقد صححه الله تعالى في كتابه
وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بنص آخر ولا نص في جواز فسخه مطارفة بتراضيهما
إلا فيما جاء نص بفسخه كالشفعة وما فيه الخيار بالنص فإذ ذلك كذلك ولم يكن بين
من أجاز الفسخ نص أصلا فقد صح أن الإقالة بيع من البيوع بتراضيهما يجوز فيها
ما يجوز في البيوع ويحرم فيها ما يحرم في البيوع، ومن رأى أن الإقالة فسخ بيع لزمه أن

(1) في النسخة رقم 14 (لا بغيره بدله)
(2) في النسخة رقم 16 وفقت
(3) في النسخة رقم 16 على كل مسلم
5

لا يجيزها بأكثر مما وقع به البيع لان الزيادة إذ لم تكن بيعا فهو أكل مال بالباطل، وأما
من رآها بيعا فإنه يجيزها بأكثر مما وقع به البيع أولا وبأقل وبغير ما وقع به البيع وحالا.
وفى الذمة. والى أجل فيما يجوز فيه الأجل، وبهذا نأخذ وبالله تعالى التوفيق *
1510 مسألة ولا يحل بيع دين يكون لانسان على غيره لا بنقد. ولا بدين.
لا بعين ولا بعرض كان ببينة أو مقرا به أو لم يكن كل ذلك باطل: ووجه العمل في ذلك لمن
أراد الحلال أن يبتاع في ذمته ممن شاء ما شاء مما يجوز بيعه ثمن إذا تم البيع بالتفرق أو التخير
ثم يحيله بالثمن على الذي له عنده الدين فهذا حسن
برهان ذلك أنه بيع مجهول وما لا يدرى عينه. وهذا هو أكل مال بالباطل، وهو قول
الشافعي * وروينا من طريق وكيع نا زكريا بن أبي زائدة قال: سئل الشعبي عمن اشترى
صكا فيه ثلاثة دنانير بثوب؟ قال: لا يصلح، قال وكيع: وحدثنا سفيان عن عبد الله
ابن أبي السفر عن الشعبي قال: هو غرر، وقال مالك: إن كان مقر بما عليه جاز بيعه بعرض
نقد فإن لم يكن مقرا لم يجز بيعه كانت عليه بينة أو لم تكن لأنه شراء خصومة *
قال على: وهذا لا شئ لأنه وان أقر اليوم فيمكن (1) أن ينكر غدا فيرجع الامر إلى
البينة باقراره فيحصل على شراء خصومة ولا فرق، واحتج المجيزون له بما روينا من
طريق عبد الرزاق نا الأسلمي أخبرني عبد الله بن أبي بكر عن عمر بن عبد العزيز (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في الدين وهو الرجل يكون له الدين على رجل فيبيعه فيكون
صاحب الدين الدين أحق به) * قال عبد الرزاق: وحدثنا معمر عن رجل من قريش أن عمر
ابن عبد العزيز قضى في مكاتب اشترى ما عليه بعرض فجعل المكاتب أولى بنفسه ثم قال: ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع دينا على رجل فصاحب الدين أولى إذا أدى مثل الذي أدى
صاحبه * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج نا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل
عمن له دين فابتاع به غلاما؟ قال: لا بأس به
قال أبو محمد: حديثا عمر بن عبد العزيز مرسلان، أحدهما عن الأسلمي وهو
إبراهيم بن أبي يحيى وهو متروك متهم، والآخر أيضا عمن لم يسم ولا حجة في أحد دون
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما ترك فيه الشافعيون صاحبا لا يعرف له مخالف منهم، ولا
حجة للمالكيين في هذين الخبرين. ولا في خبر جابر لأنه ليس في شئ منها أنه كان باقرار
دون بينة فهم مخالفون لعموم الخبر وبالله تعالى التوفيق
1511 مسألة ولا يحل بيع الماء بوجه من الوجوه لا في ساقية ولا من نهر

(1) في النسخة رثم 14 (فقد يمكن)
6

أو من عين (1) ولا من بئر. ولا في صهريج. ولا مجموعا في قربة. ولا في إناء
لكن من باع حصته من عنصر الماء ومن جزء مسمى (2) منها أو باع البئر كلها
أو جزءا مسمى منها أو باع الساقية كلها أو الجزء المسمى منها جاز ذلك وكان الماء بيعا له،
ولا يملك أحد الماء الجاري الا ما دام في ساقيته ونهره فإذا فارقهما بطل ملكه عنه وصار
لمن صار في أرضه وهكذا أبدا فمن اضطر إلى ماء لسقيه أو لحاجته فالواجب أن يعامل على
سوقه إليه أو على صبه عنده في إنائه على سبيل الإجارة فقط، وكذلك من كان معاشه
من الماء فالواجب عليه أن يعامل أيضا على صبه أو جلبه كذلك فقط، ومن ملك بئر بحفر فهو
أحق بمائها ما دام محتاجا إليه فان فضل عنه ما لا يحتاج إليه لم يحل له منعه عمن يحتاج إليه
وكذلك فضل النهر، والساقية ولا فرق *
برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا أحمد بن عثمان النوفلي نا أبو عاصم الضحاك
ابن مخلد نا ابن جريج أخبرني زياد بن سعد أخبرني هلال بن أسامة أن أبا سلمة بن عبد الرحمن
أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يباع فضل الماء ليباع به
الكلأ (3) * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب
نا أبى عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وأخبره أبو المنهال ان اياس بن عبد المزني قال
لرجل: لا تبع الماء فان رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الماء * ومن طريق ابن أبي شيبة نا سفيان
ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال قال: سمعت اياس بن عبد المزني ورأي أناسا
يبيعون الماء فقال: لا تبيعوا الماء فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينهى أن يباع الماء *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون أنا ابن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن عن
أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع نقع (4)
البئر يعنى فضل الماء هكذا في الحديث تفسيره * ورويناه أيضا مسندا من طريق
جابر، فهؤلاء أربعة من الصحابة رضي الله عنهم فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته، وأما من
قال بذلك فقد ذكرناه آنفا عن اياس بن عبد من فتياه * ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا
المسعودي هو أبو عميس عن عمران بن عمير قال: منعني جارى فضل مائه فسألت عبيد
الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود؟ فقال: سمعت أبا هريرة يقول: لا يحل بيع فضل الماء *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيي بن آدم نا زهير عن أبي الزبير عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده أن غلاما لهم باع فضل ماء لهم من عين بعشرين ألفا فقال له عبد الله بن عمرو
ابن العاص: لا تبعه فإنه لا يحل بيعه * ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيي بن زكريا بن أبي زائدة

(1) في النسخة رقم 14 لا في ساقية من نهر أو من عين
(2) في النسخة رقم 14 جزءا مسمى
(3) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 460
(4) هو بالنون بعدها قاف. لأنه ينقع به العطش أي يروى
7

عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر أنه قال: يكره بيع فضل الماء، فهذا
اياس بن عبد. وأبو هريرة. وعبد الله بن عمرو يحرمون بيع الماء جملة ولا مخالف لهم من
الصحابة رضي الله عنهم، واثنان من التابعين القاسم. وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وروينا
اباحه بيع الماء في الآنية وبيعه في الشرب عن عطاء. وأبي حنيفة. والشافعي، وإباحة
بيعه كذلك، وفى الشرب عن مالك، وعن مسروق إباحة ثمن الماء جملة ولا حجة في أحد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم * وبرهان زائد على تحريم بيع ماء الشرب وهو أن الله تعالى يقول: (أنزل من
السماء ماءا فسلكه ينابيع في الأرض) وقد صح النهى عن بيع المجهول لأنه غرر فلا يحل
بيع الشرب لأنه لا يدرى أفي السماء هو أم لا فهو أكل مال بالباطل، وأيضا فإنه إنما
يأتي إلى العين. والنهر: والبئر من خروق. ومنافس في الأرض بعيدة هي (1) في غير ملك
صاحب المفجر فإنما يبيع ما لم يملك بعد، وهذا باطل محرم وبالله تعالى التوفيق *
1512 مسألة ولا يحل بيع الخمر. لا لمؤمن. ولا لكافر. ولا بيع الخنازير
كذلك. ولا شعورها. ولا شئ منها ولا بيع صليب ولا صنم ولا ميتة ولا دم الا المسك (2)
وحده فهو حلال بيعه وملكه، فمن باع من المحرم الذي ذكرنا شيئا فسخ أبدا *
وروينا من طريق مسلم نا أبو كريب نا أبو معاوية [عن الأعمش] (3) عن مسلم هو
أبو الضحى عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم [إلى المسجد] (4)
فحرم التجارة في الخمر) * وبه إلى مسلم: نا قتيبة بن سعيد نا ليث هو ابن سعد عن
يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام الفتح وهو بمكة يقول: ان الله عز وجل ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير
والأصنام فقيل: يا رسول الله أرأيت شحم الميتة (5) فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها
الجلود [ويستصبح بها الناس] قال: لا هو حرام قاتل الله اليهود ان الله لما حرم عليهم
شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) *
قال أبو محمد: موه قوم بهذا الخبر في تصحيح القياس وليس فيه للقياس أثر
لكن فيه أن الأوامر على العموم لأنه عليه السلام أخبر أن الله تعالى حرم الشحوم على
اليهود فاستحلوا بيعها فأنكر ذلك عليهم أشد الانكار إذ خصوا التحريم ولم يحملوه على
عمومه فصح بهذا أنه متى حرم شئ فحرام ملكه وبيعه والتصرف فيه وأكله على عموم
تحريمه الا أن يأتي نص بتخصيص شئ من ذلك فيوقف عنده، وقد حرم الله تعالى الخنزير
والخمر. والميتة والدم فحرم ملك كل ذلك وشربه والانتفاع به وبيعه، وقد أوجب

(1) لفظ هي زيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 16 الا السمك وهو تصحيف
(3) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 464
(4) الزيادة من صحيح مسلم وفيه زيادة
(5) في صحيح مسلم شحوم الميتة
8

الله تعالى دين الاسلام على كل انس وجن، وقال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله)
وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) وقال تعالى: (وقاتلوهم حتى
لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) فوجب الحكم على اليهود. والنصارى. والمجوس
بحكم الاسلام أحبوا أم كرهوا، ومن أجاز لهم بيع الخمر ظاهرا وشراءها كذلك وتملكها
علانية. وتملك الخنازير كذلك لأنهم من دينهم بزعمه وصدقهم في ذلك لزمه أن
يتركهم أن يقيموا شرائعهم في بيع من زنى من النصارى الأحرار. وخصاء القسيس إذا
زنى. وقتل من يرون قتله وهم لا يفعلون ذلك فظهر تناقضهم وقال أبو حنيفة:
إذا أمر المسلم نصرانيا بان يشترى له خمرا جاز ذلك، وهذه من شنعه التي نعوذ بالله
من مثلها، وأما المسك فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التطيب بالمسك
وتفضيله على الطيب، وأيضا فقد سقط عنه اسم الدم وصفاته وحده فليس دما
والأحكام إنما هي على الأسماء والأسماء إنما هي على الصفات. والحدود *
روينا من طريق أبى عبيد نا مروان بن معاوية نا عمر المكتب نا حزام عن ربيعة بن زكا
أو زكار قال: نظر علي بن أبي طالب إلى زرارة فقال: ما هذه القرية؟ قالوا: قرية تدعى زرارة يلحم فيها ويباع فيها الخمر قال: أين الطريق إليها؟ قالوا: باب
الجسر قالوا: يا أمير المؤمنين نأخذ لك سفينة قال: لا تلك شجرة ولا حاجة لنا في الشجرة
انطلقوا بنا إلى باب الجسر فقام يمشى حتى أتاها فقال: على بالنيران أضرموها فيها فاحترقت *
ومن طريق أبى عبيد نا هشام. ومروان بن معاوية الفزاري عن إسماعيل بن أبي خالد
عن الحرث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني قال: بلغ عمر بن الخطاب أن رجلا من أهل السواد
أثرى في تجارة الخمر فكتب أن اكسروا كل شئ قدرتم له عليه وسيروا كل ماشية له ولا
يؤوين أحد له شيئا، فهذا حكم على. وعمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم فيمن باع الخمر
من المشركين ولا مخالف لهم يعرف من الصحابة فخالفوهما *
1513 مسألة ولا يحل بيع كلب أصلا لا كلب صيد ولا كلب ماشية ولا
غيرهما فان اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فله ابتياعه وهو حلال للمشترى حرام على
البائع ينتزع منه الثمن متى قدر عليه كالرشوة في دفع الظلم. وفداء الأسير. ومصانعة
الظالم ولا فرق، ولا يحل اتخاذ كلب أصلا الا لماشية أو لصيد أو لزرع أو لحائط،
واسم الحائط يقع على البستان وجدار الدار فقط، ولا يحل أيضا قتل الكلب
فمن قتلها ضمنها بمثلها أو بما يتراضيان عليه عوضا منه الا الأسود البهيم أو الأسود
9

ذا النقطتين أينما كانت النقطتان منه فان عظمتا حتى لا تسميا (1) في اللغة العربية نقطتين لكن
تسمى لمعتين لم يجز قتله فلا يحل ملكه أصلا لشئ (2) مما ذكرنا وقتله واجب حيث وجد (3) *
برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه أنا الوليد
ابن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني إبراهيم بن قارظ عن السائب بن يزيد
حدثني رافع بن خديج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث
وكسب الحجام خبيث (4) فهذان صاحبان في نسق * ومن طريق مالك عن ابن شهاب
عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن (5) وصح أيضا من طريق أبي هريرة.
وجابر. وأبى جحيفة، فهذا نقل تواتر لا يسع تركه ولا يحل خلافه * وروينا من طريق أحمد
ابن شعيب نا الحسن بن أحمد بن شبيب (6) نا محمد بن عبد الرحمن بن نمير نا أسباط نا الأعمش
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال أبو هريرة: أربع من السحت. ضراب الفحل. وثمن
الكلب. ومهر البغي. وكسب الحجام * ورويناه عن جابر أيضا * ومن طريق
ابن أبي شيبة نا وكيع عن إسرائيل عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن ابن عباس رفعه (ثمن
الكلب ومهر البغي وثمن الخمر حرام) وأقل ما فيه أن يكون قول ابن عباس ومن طريق
ابن أبي شيبة نا ابن إدريس عن أشعث عن ابن سيرين قال: أخبث الكسب كسب الزمارة.
وثمن الكلب، الزمارة الزانية سمعت أبا عبيدة يقول ذلك * ومن طريق ابن أبي شيبة نا يونس
ابن محمد نا شريك عن أبي فروة سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: ما أبالي ثمن كلب أكلت
أكلت أو ثمن خزير * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن إدريس عن شعبة سمعت الحكم.
وحماد بن أبي سليمان يكرهان ثمن الكلب، ولا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة، وهو
قول مالك. والشافعي. وأحمد. وأبي سليمان. وأبي ثور وغيرهم، وخالف الحنيفيون
السنن في ذلك وأباحوا بيع الكلاب وأكل أثمانها، واحتجوا في ذلك بما روينا من طريق أحمد
ابن شعيب قال: أخبرني إبراهيم بن الحسن بن أحمد المصيصي نا حجاج بن محمد عن حماد
ابن سلمة عن أبي الزبير عن جابر [بن عبد الله] (7) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السنور
والكلب الا كلب صيد (8) * وبما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا محمد بن إسماعيل
نا ابن أبي مريم نا يحيى بن أيوب حدثني المثنى بن الصباح عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة

(1) في النسخة رقم 16 لا تسمى
(2) في النسخة رقم 16 بشئ
(3) في النسخة رقم 16 وجده
(4) هو في صحيح مسلم ج 1 461
(5) هو في الموطأ ج 2 ص 151
(6) كذا في جميع النسخ، وفى تهذيب التهذيب ابن حبيب ولعله مصحف هنا عنه والله أعلم
(7) الزيادة من سنن النسائي ج 7 ص 309
(8) قال النسائي بعد ما سرد هذا الحديث: هذا منكر
10

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثمن الكلب سحت الا كلب صيد) * وما رويناه من طريق
ابن وهب عمن أخبره عن ابن شهاب عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث هن سحت.
حلوان الكاهن. ومهر الزانية. وثمن الكلب العقور) * ومن طريق ابن وهب عن الشمر
ابن نمير عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب (أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب العقور)
قال أبو محمد: أما حديثا ابن وهب هذان فأسقط من أن يشتغل بهما الا جاهل
بالحديث أو مكابر يعلم الحق فيوليه (1) ظهره لان حسين بن عبد الله في غاية السقوط
والاطراح باتفاق أهل النقل، والآخر منقطع في موضعين، ثم لو صحا لما كان لهم فيهما
حجة لأنه ليس فيهما الا النهى عن ثمن الكلب العقور فقط، وهذا حق وليس فيه إباحة ثمن
ما سواه من الكلاب، وجاءت الآثار المتواترة التي قدمنا بزيادة على هذين لا يحل تركها *
وأما حديث أبي هريرة ففي غاية السقوط لان فيه يحيى بن أيوب. والمثنى بن الصباح
وهما ضعيفان جدا قد شهد مالك على يحيى بن أيوب بالكذب وجرحه أحمد، وأما المثنى
فجرحه بضعف الحديث أحمد وتركه يحيى. وعبد الرحمن، ثم لو صح لكان حجة عليهم لأنه
ليس فيه الا استثناء كلب الصيد فقط وهم يبيحون ما حرم فيه من ثمن كلب الزرع وكلب
الماشية وسائر الكلاب فهم مخالفون لما فيه، وأما حديث جابر فإنه من رواية أبى الزبير عنه
ولم يسمعه منه باقرار أبى الزبير على نفسه حدثني يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الله بن عمر
ومحمد بن يوسف الأزدي نا إسحاق بن أحمد العقيلي نا زكريا بن يحيى الحلواني نا محمد بن سعيد
ابن أبي مريم نا أبى نا الليث بن سعد قال: ان أبا الزبير دفع إلى كتابين فقلت في نفسي: لو
سألته أسمع هذا كله من جابر؟ فرجعت إليه فقلت: هذا كله سمعته من جابر فقال: منه ما سمعته
ومنه ما حدثت عنه فقلت له: أعلم لي على ما سمعت فاعلم لي على هذا الذي عندي
قال أبو محمد: فكل حديث لم يقل فيه أبو الزبير: إنه سمعه من جابر أو حدثه به جابر
أو لم يروه الليث عنه عن جابر فلم يسمعه من جابر باقراره، وهذا الحديث لم يذكر فيه أبو الزبير
سماعا من جابر ولا هو مما عند الليث فصح أنه لم يسمعه من جابر فحصل منقطعا، ثم لو صح
لكانوا مخالفين له لأنه ليس فيه إباحة ثمن شئ من الكلاب غير كلب الصيد والنهى عن
ثمن سائرها وهم يبيحون أثمان سائر الكلاب المتخذة لغير الصيد فبطل كل ما تعلقوا به من
الآثار، وأما النطر فإنهم قالوا: كان النهى عن ثمنها حين الامر بقتلها فلما حرم قتلها وأبيح
اتخاذ بعضها انتسخ النهى عن ثمن ما أبيح اتخاذه منها

(1) في النسخة رقم 14 ويوليه
11

قال أبو محمد: هذا كذب بحت على الله تعالى. وعلى رسوله عليه السلام لأنه اخبار
بالباطل. وبما لم يأت به قط نص ودعوى بلا برهان. وليس نسخ شئ بموجب نسخ شئ
آخر وليس إباحة اتخاذ شئ بمبيح لبيعه، فهؤلاء هم القوم المبيحون اتخاذ دود الفز. ونحل
العسل ولا يحلون ثمنهما إضلالا وخلافا (1) للحق واتخاذ أمهات الأولاد حلال ولا يحل
بيعهن فظهر فساد هذا الاحتجاج * وقالوا: حرم ثمن الكلب وكسب الحجام فلما نسخ
تحريم كسب الحجام نسخ تحريم ثمن الكلب *
قال أبو محمد: وهذا كذب كالذي قبله. وكلام فاسد. ودعوى بلا برهان،
ويلزمهم أيضا أن ينسخ أيضا تحريم مهر الزانية لأنه ذكر معهما ثم من لهم بنسخ تحريم
كسب الحجام إذا وقع على الوجه المنهى عنه فوضح فساد قولهم جملة، وهذا مما خالفوا
فيه الآثار المتواترة وصاحبين لا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة، فان ذكروا قضاء
عثمان. وعبد الله بن عمرو بقيمة الكلب العقور قلنا: ليس هذا خلافا لأنه ليس بيعا ولا
ممنا إنما هو قصاص مال عن افساد مال فقط ولا ثمن لميت أصلا * وروينا من طريق
ابن أبي شيبة نا وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر. وأبى المهزم عن أبي هريرة
أنهما كرها ثمن الكلب الا كلب صيد وكرها ثمن الهر، وأبو المهزم ضعيف جدا، وقد
خالفوهما في ثمن الهر كما ترى، وقد روينا إباحة ثمن الكلب عن عطاء. ويحيى بن سعيد.
وربيعة. وعن إبراهيم إباحة ثمن كلب الصيد ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما من احتاج إليه فقد قال الله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم) فما لا يحل بيعه وتحل هبته
فامساك من عنده منه فضل عن حاجته ذلك الفضل عمن هو مضطر إليه ظلم له وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) والظلم واجب أن يمنع منه
وبالله تعالى التوفيق *
وأما اتخاذها فإننا روينا من طريق مسلم حدثني إسحاق بن منصور أنا روح بن
عبادة نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى رسول الله عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين
فإنه شيطان (2) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمران بن موسى أنا يزيد بن زريع نا
يونس بن عبيد عن الحسن البصري عن عبد الله بن مغفل قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا
أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم وأيما قوم اتخذوا كلبا
ليس بكلب حرث أو صيد أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط) * ومن طريق مسلم

(1) في النسخة رقم 16 أصلا وخلافا وهو تحريف
(2) الحديث في صحيح مسلم ج 1 ص 461 وفيه زيادة
12

حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض
فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم) (1) وتدخل الدار في جملة (2) الأرض لأنها
أرض، فهذه الأحاديث فيها نص ما قلنا * وقد روينا عن إبراهيم النخعي أمرنا بقتل
الكلب الأسود، وقد ذكرناه باسناده في كتاب الصيد من ديواننا هذا وبالله تعالى التوفيق *
1514 مسألة ولا يحل بيع الهر فمن اضطر إليه لأذى الفأر فواجب على
من عنده منها فضل عن حاجته أن يعطيه منها ما يدفع به الله تعالى عنه الضرر كما قلنا فيمن
اضطر إلى الكلب ولا فرق *
برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم حدثني سلمة بن شبيب قال: نا الحسن بن أعين نا
معقل (3) عن أبي الزبير قال: سألت جابر بن عبد الله عن ثمن الكلب. والسنور؟ فقال
زجر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: الزجر أشد النهى * وروينا من طريق قاسم ابن أصبغ نا محمد بن
وضاح نا محمد بن أدم نا عبد الله بن المبارك نا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن عبد الله انه
كره ثمن الكلب والسنور، فهذه فتيا جابر لما روى ولا نعرف له مخالفا (4) من الصحابة * ومن
طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص عن ليث عن طاوس. ومجاهد انهما كرها ان
يستمتع بمسوك السنانير وأثمانها ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص. - هو ابن غياث - عن
ليث عن طاوس. ومجاهد انهما كرها بيع الهر وثمنه وأكله وهو قول أبى سليمان. وجميع
أصحابنا، وزعم بعض من لا علم له ولا ورع يزجره عن الكذب ان ابن عباس. وأبا هريرة
رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم إباحة ثمن الهر *
قال أبو محمد: وهذا لا نعلمه أصلا من طريق واهية تعرف عند أهل النقل، وأما
صحيحه فنقطع بكذب من ادعى ذلك جملة، وأما الوضع في الحديث فباق ما دام إبليس
واتباعه في الأرض، ثم لو صح لهم لما كان لهم فيه حجة لأنه كأن يكون موافقا لمعهود الأصل
بلا شك ولا مرية في أن حين زجره عليه السلام عن ثمنه بطلب الإباحة السالفة ونسخت
بيقين لا مجال للشك فيه، فمن ادعى ان المنسوخ قد عاد فقد كذب وافترى وافك وقفا ما لا
علم له به، وحاش لله أن يعود ما نسخ ثم لا يأتي بيان بذلك تقوم به حجة الله تعالى فيما نسخ
وفيما بقي على المأمورين بذلك من عباده هيهات دين الله عز وجل أعز من ذلك وأحرز وأمنع،
وقال المبيحون له: لما صح الاجماع على وجوب دخول الهر. والكلب المباح اتخاذه في

(1) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 462
(2) في النسخة رقم 16 (وتدخل الدار بيع جملة)
(3) في النسخة رقم 14 نا مغفل وهو تصحيف، وما هنا موافق لما في صحيح مسلم
(4) في النسخة رقم 14 ولا يعرف له مخالف.
13

الميراث. والوصية. والملك جاز بيعهما *
قال أبو محمد: وهذا مما جاهروا فيه بالباطل وبخلاف أصولهم أول ذلك أنه دعوى
بلا برهان ثم أنهم يجيزون دخول النحل. ودود الحرير في الميراث. والوصية وكذلك
الكلب (1) عندهم ولا يجيزون (2) بيع شئ من ذلك ويجيزون الوصية بما لم يخلق بعد من
ثمر النخل وغيرها ويدخلونه في الميراث ولا يجيزون بيع شئ من ذلك فظهر تخاذلهم وبالله
تعالى التوفيق *
1515 مسألة ولا يحل (3) البيع على أن تربحني للدينار درهما ولا على أني أربح
معك فيه كذا وكذا درهما فان وقع فهو مفسوخ أبدا فلو تعاقدا البيع دون هذا الشرط لكن
أخبره البائع بأنه اشترى السلعة بكذا وكذا وأنه لا يربح معه فيها الا كذا وكذا فقد
وقع البيع صحيحا فان وجده قد كذب فيما قال لم يضر ذلك البيع شيئا ولا رجوع له بشئ
أصلا الا من عيب فيه أو غبن ظاهر كسائر البيوع، والكاذب آثم في كذبه فقط *
برهان ذلك أن البيع على أن تربحني (4) كذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل والعقد
به باطل، وأيضا فإنه بيع بثمن مجهول لأنهما إنما تعاقدا البيع على أنه يربح معه للدينار
درهما فإن كان شراؤه دينارا غير ربع كان الشراء بذلك والربح درهما غير ربع درهم فهذا
بيع الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيع بثمن لا يدرى مقداره، فإذا سلم البيع
من هذا الشرط فقد وقع صحيحا كما أمر الله تعالى، وكذبة البائع معصية لله تعالى ليست
معقودا عليها البيع لكن كزناه لو زنى أو شربه لو شرب الخمر ولا فرق * روينا من طريق
وكيع نا سفيان الثوري عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كره بيع ده دوازده
معناه أربحك للعشرة اثني عشر وهو بيع المرابحة * وروينا عن ابن عباس أنه قال: هو
ربا * ومن طريق وكيع. وعبد الرزاق قالا جميعا: نا سفيان الثوري عن عمار الدهني
عن ابن أبي نعم عن ابن عمر أنه قال: بيع ده دوازده ربا، وقال عكرمة: هو حرام،
وكرهه الحسن. وكرهه مسروق وقال: بل اشتريه بكذا أو أبيعه بكذا * وروينا عن
ابن مسعود أنه أجازه إذا لم يأخذ للنفقة ربحا، وأجازه ابن المسيب. وشريح، وقال ابن
سيرين: لا بأس بده دوازده وتحسب النفقة على الثياب، ولمن أجازه تطويل كثير فيمن
ابتاع نسيئة، وباع نقدا. وفيمن اشترى في نفاق وباع في كساد وما يحسب (5) كراء الشد
والطي. والصباغ. والقصارة. وما أطعم الحرفا. وأجرة السمسار. وإذا ادعى غلطا، وإذا
انكشف أنه كذب، وكله رأى فاسد لكن نقول: من امتحن بالتجارة في بلد لا ابتياع

(1) في النسخة رقم 14 (وكذلك المكاتب)
(2) في النسخة رقم 16 (ولا يبيحون)
(3) في النسخة رقم 14 (ولا يجوز)
(4) في النسخة رقم 16 (أن يربحه) وما هنا أنسب بما سبق
(5) في النسخة رقم 14 وهل يحسب
14

فيه الا هكذا فليقل قام: علي بكذا ويحسب نفقته (1) عليه أو يقول: ابتعته بكذا ولا يحسب
في ذلك نفقة ثم يقول: لكني لا أبيعه على شرائي تريد أخذه منى بيعا بكذا وكذا والا
فدع فهذا بيع صحيح لا داخلة فيه * وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة نا جرير - هو ابن عبد
الحميد - عن أبي سنان عن عبد الله بن الحارث قال: (مر رجل بقوم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعه ثوب فقال له بعضهم: بكم ابتعته؟ فاجابه ثم قال: كذبت وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرجع فقال: يا رسول الله ابتعته بكذا وكذا بدون ما كان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تصدق بالفصل) وهم يقولون: المرسل كالمسند وهذا مرسل قد خالفوه لأنه لم يرد بيعه
ولا حط عنه شيئا من الربح *
1516 مسألة ولا يجوز البيع على الرقم ولا ان يغر أحدا بما يرقم على سلعته
لكن يسوم ويبين الزيادة التي يطلب على قيمة ما يبيع ويقول: ان طابت نفسك بهذا والا فدع *
1517 مسألة ولا يحل بيعتان في بيعة مثل أبيعك سلعتي بدينارين على أن
تعطيني بالدينارين كذا وكذا درهما، أو كمن ابتاع سلعة بمائة درهم على أن يعطيه دنانير
كل دينار بعدد من الدراهم، ومثل أبيعك سلعتي هذه بدينارين نقدا أو بثلاثة نسيئة،
ومثل أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا على أن تبيعني سلعتك هذه بكذا وكذا فهذا
كله حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب *
برهان ذلك ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا يحيى بن معين نا هشيم عن
يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) وروينا
عن الشعبي. ومحمد بن علي أنهما كرها ذلك، وما نعلم للمالكيين حجة الا أنهم قالوا: البيعة
الأولى لغو، فهذا الاحتجاج أفسد من القول الذي احتجوا له به وافقر إلى حجة لأنه دعوى
مجردة على أنهم أتوا بعظائم طردا منهم لهذا الأصل الفاسد فأجازوا بيع هذه السلعة بخنزير
أو بقسط خمر على أن يأخذوا بالخنزير أو الخمر دينارين وهذه عظيمة تملأ الفم، ويكفى
ذكرها عن تكلف الرد عليها وما الديانة كلها الا بأسمائها وأعمالها لا بأحد الامرين دون
الآخر، ونحن نجد المستقرض يقول: أقرضني دينارين على أن أرد لك دينارين إلى شهر لكان
قولا حسنا وعملا صحيحا فلو قال له (2): بعني دينارين بدينارين إلى شهر لكان قولا خبيثا
وعملا فاسدا حراما والعمل واحد والصفة واحدة وما فرق بينهما الا اللفظ، ولو قال
امرؤ لآخر: أبحني وطئ ابنتك بدينار ما شئت فقال له نعم: لكان قولا حراما وزنا مجردا
فلو قال له: زوجنيها بدينار لكان قولا صحيحا وعملا صحيحا والصفة واحدة والعمل

(1) في النسخة رقم 14 نفقاته
(2) لفظ له زيادة من النسخة رقم 16
15

واحد وإنما فرق بينهما الاسم، وقولهم هذا جمع وجوها من البلاء وأنواعا من الحرام:
منها تعدي حدود الله تعالى وشرط ليس في كتاب الله تعالى وبيعتين في بيعة، وبيع ما لا يحل
وابتياعه معا. وبيع غائب بناجز فيما يقع فيه الربا وبيع الغرر ونعود بالله من مثل هذا، فان
قيل: تقولون فيما رويتم من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو
ابن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من باع بيعتين
في بيعة (1) فله أوكسهما أو الربا) وقد أخذ بهذا شريح كما حدثنا حمام نا عياش بن أصبغ
نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا عبد الأعلى نا حماد عن قتادة
وأيوب السختياني. ويونس بن عبيد. وهشام بن حسان كلهم عن محمد بن سيرين قال:
شرطين في بيع أبيعك إلى شهر بعشرة فان حسبته شهرا فتأخذ عشرة قال شريح: أقل الثمنين
وأبعد الأجلين أو الربا، قال عبد الله: فسألت أبى؟ فقال: هذا بيع فاسد *
قال أبو محمد: يريد فان حبسته شهرا آخر فتأخذ عشرة أخرى قال * أبو محمد:
فنقول: هذا خبر صحيح الا أنه موافق لمعهود الأصل وقد كان الربا وبيعتان في بيعة
والشروط في البيع كل ذلك مطلقا غير حرام إلى أن حرم كل ذلك فإذ حرم كل ما ذكرنا
فقد نسخت الإباحة بلا شك. فهذا خبر منسوخ بلا شك بالنهي عن بيعتين في بيعة بلا شك
فوجب ابطالهما معا لأنهما عمل منهى عنه وبالله تعالى التوفيق *
1518 مسألة وكل صفقة جمعت حراما وحلالا فهي باطل كلها لا يصح
منها شئ مثل أن يكون بعض المبيع مغصوبا أو لا يحل ملكه أو عقدا فاسدا، وسواء كان
أقل الصفقة أو أكثرها أو أدناها أو أعلاها أو أوسطها، وقال مالك: إن كان ذلك
وجه الصفقة بطلت كلها وإن كان شيئا يسيرا بطل الحرام وصح الحلال *
قال على: وهذا قول فاسد لا دليل على صحته لا من قرآن. ولا من سنة. ولا رواية
سقيمة. ولا قول صاحب. ولا قياس * ومن العجائب احتجاجهم لذلك بان قالوا:
ان وجه الصفقة هو المراد والمقصود فقلنا لهم: فكان ماذا؟ ومن أين وجب بذلك
ما ذكرتم؟ وما هو الا قولكم احتججتم له بقولكم فسقط هذا القول، وقال آخرون:
يصح الحلال قل أو كثر ويبطل الحرام قل أو كثر *
قال أبو محمد: فوجدنا هذا القول يبطله قول الله عز وجل: (ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فهذان لم يتراضيا ببعض
الصفقة دون بعض وإنما تراضيا بجميعها فمن ألزمهما بعضها دون بعض فقد ألزمهما

(1) جملة (في بيعة) في النسخة رقم 16 فقط
16

ما لم يتراضيا به حين العقد فخالف أمر الله تعالى وحكم بأكل المال بالباطل وهو حرام
بالقرآن، فان تراضيا الآن بذلك لم نمنعهما ولكن بعقد مجرد برضاهما معا لأن العقد الأول
لم يقع هكذا، وأيضا فان الصحيح من تلك الصفقة لم يتعاقدا لصحته الا بصحة الباطل الذي
لا صحة له وكل ما لا صحة له الا بصحة ما لا يصح أبد فلا صحة له أبدا، وهو (1) قول أصحابنا
وبالله تعالى التوفيق *
1519 مسألة ولا يحل (2) بيع الحر * برهان ذلك ما روينا من طريق البخاري
نا بشر بن مرحوم نا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل
أعطى بي ثم غدر. ورجل باع حرا فأكل ثمنه. ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم
يعطه اجره) *
قال على: وفى هذا خلاف قديم وحديث نورد إن شاء الله تعالى منه ما يسر لايراده ليعلم
مدعى الاجماع فيما هو أخفى من هذا أنه كاذب *
روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن
ابن مهدي. ومعاذ بن هشام الدستوائي قال عبد الرحمن: نا همام بن يحيى وقال معاذ: نا أبى
ثم اتفق هشام. وهمام كلاهما عن قتادة عن عبد الله بن بريدة أن رجلا باع نفسه فقضى
عمر بن الخطاب بأنه عبد كما أقر على نفسه وجعل ثمنه في سبيل الله عز وجل، هذا لفظ همام وأما
لفظ هشام قانه أقر لرجل حتى باعه واتفقا فيما عدا ذلك والمعنى واحد في كلا اللفظين ولا بد *
ومن طريق بن أبي شيبة نا شريك عن جابر عن عامر الشعبي عن علي بن أبي طالب قال: إذا
أقر على نفسه بالعبودية فهو عبد * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا المغيرة بن مقسم عن
إبراهيم النخعي فيمن ساق إلى امرأته رجلا حرا فقال إبراهيم: هو رهن بما جعل فيه حتى
يفتك نفسه * وعن زرارة بن أوفى قاضى البصرة من التابعين انه باع حرا في دين، وقد
روينا هذا القول عن الشافعي وهي قولة غريبة لا يعرفها من أصحابه (3) الا من تبحر في
الحديث والآثار *
قال على: هذا قضاء عمر. وعلى بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ولا يعترضهم في ذلك
منهم معترض، فان شنعوا هذا قلنا: يا هؤلاء لا عليكم والله لقد قلتم بأشنع من هذا وأشد
في هذه المسألة نفسها أليس الحنيفيون يقولون: أن ارتد الحسنى أو الحسيني. أو العباسي.
أو المنافى. أو القرشي فلحق بأرض الحرب فان ولد ولده يسترقون وان أسلموا كانوا عبيدا،
وان القرشية ان ارتدت ولحقت بدار الحرب سبيت وأرقت فان أسلمت كانت مملوكة تباح

(1) في النسخة رقم 16 وهذا
(2) في النسخة رقم 14 ولا يصح
(3) في النسخة رقم 14 من الصحابة
17

ويستحل فرجها بملك اليمين وان لم تسلم تركت على كفرها وجاز أن يسترقها اليهودي.
والنصراني؟ أوليس ابن القاسم صاحب مالك يقول. ان تذمم أهل الحرب وفى أيديهم
أسرى مسلمون. ومسلمات أحرار. وحرائر فإنهم يقرون عبيدا لهم واما يتملكونهم
ويتبايعونهم؟ فأف لهذين القولين وتف، فأيهما أشنع مما لم يقلدوا فيه (1) عمر. وعليا
رضي الله عنهما؟ *
قال أبو محمد: كل من صار حرا بعتق. أو بأن كان ابن حر من أمة له. أو بأن
حملت به حرة. أو بأن أعتقت أمة وهي حامل به ولم يستثنه المعتق فان الحرية قد حصلت له فلا
تبطل عليه ولا عمن تناسل منه من ذكر أو أنثى على هذه السبيل من الولادة التي ذكرنا
أبدا لا بأن يرتد ولا بأن ترتد ولا بأن يسبى ولا بأن يرتد أبوه أو جده وان بعد أو جدته وان
بعدت. ولا بلحاق بأرض الحرب من أحد أجداده أو جداته أو منه أو منها ولا باقراره
بالرق ولا بدين ولا ببيعه نفسه ولا بوجه من الوجوه أبدا (2) لأنه لم يوجب ذلك قرآن.
ولا سنة. وقد جاء أثر بأن الحر كان يباع في الدين في صدر الاسلام إلى أن أنزل الله تعالى
(وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى مسيرة) وبالله تعالى التوفيق *
1520 مسألة ولا يحل بيع أمة حملت من سيدها لما حدثنا يوسف بن عبد الله
نا عبد الوارث بن سفيان نا قاسم بن أصبغ نا مصعب بن سعيد نا عبد الله بن عمرو الرقى عن
عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية إبراهيم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أعتقها ولدها، وهذا خبر صحيح السند والحجة به قائمة، فان قيل: الثابت عن ابن
عباس القول بجواز بيع أمهات الأولاد وهذا الخبر من روايته فما كان ليترك ما روى الا
لضعفه عنده ولما هو أقوى عنده قلنا: لسنا نعارض معشر الظاهريين بهذا الغثاء من القول ولا
يعترض بهذا علينا الا ضعاف العقل لان الحجة عندنا في الرواية لا في الرأي أنما يعارض بهذا
من يتعلق به إذا عورض بالسنن الثابتة وهو مخالف لها من الحنيفيين والمالكيين الذين
لا يبالون بالتناقض في ذلك مرة هكذا ومرة هكذا، والذين لا يبالون بأن يدعوا ههنا
الاجماع ثم لا يبالون بأن يجعلوا ابن مسعود. وزيد بن ثابت. وعلي بن أبي طالب
وابن عباس مخالفين للاجماع، فهذه صفة علمهم بالسنن وهذا مقدار علمهم بالاجماع وحسبنا
الله ونعم الوكيل *
قال أبو محمد: إذا وقع منى السيد في فرج أمته فأمرها مترقب فان بقي حتى يصير خلقا
يتبين أنه ولد فهي حرام بيعها من حين سقوط المنى في فرجها (3) ويفسخ بيعها أن بيعت.

(1) في النسخة رقم 14 فيها
(2) في النسخة رقم 14 أصلا
(3) في النسخة رقم 14 من حين يسقط المنى في رحمها
18

وان خرج عنها قبل إن يصير خلقا يتبين انه ولد فلم يحرم بيعها قط * برهان صحة هذا القول انه لو لم
يستحق المنع من البيع في الحال التي ذكرنا لكان بيعها حلالا ولو كان بيعها حلالا لحل فرجها
لمشتريها قبل إن يصير المنى ولدا وهذا خلاف النص المذكور، وهكذا القول في الميت
اثر (1) كون منيه في فرج امرأته انه مترقب أيضا فان ولد حيا علمنا أنه قد وجب ميراثه
بموت أبيه وان ولد ميتا علمنا أنه لم يجب له قط ميراث إذ لو كان غير هذا لما حدث له حق في
ميراث قد استحقه غيره وبالله تعالى التوفيق *
1521 مسألة ولا يحل بيع الهواء أصلا كمن باع ما على سقفه وجدراته للبناء
على ذلك فهذا باطل مردود أبدا لان الهواء لا يستقر فيضبط بملك أبدا إنما هو متموج منتقل
يمضى منه شئ ويأتي آخر ابدا فكأن يكون بيعه أكل مال بالباطل لأنه باع ما لا يملك ولا يقدر
على امساكه فهو بيع غرر. وبيع ما لا يملك. وبيع مجهول، فإنه قيل: إنما بيع المكان (2)
لا الهواء قلنا: ليس هنالك مكان أصلا غير الهواء فلو كان ما قلتم لكان لم يبع شيئا أصلا
لأنه عدم فهو أكل مال بالباطل حقا، فان قيل: إنما باع (3) سطح سقفه وجدراته قلنا:
هذا باطل هو أيضا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل لأنه شرط له ان لا يهدم شيئا
من سقفه ولا من رؤوس جدراته وهذا شرط لم يأت النص بإباحته فهو باطل حرام
مفسوخ أبدا، وقد روينا هذا القول عن الشافعي، وقد ذكرناه في كتاب القسمة وأنه
لا يحل البتة أن يملك أحد شيئا (4) ويملك غيره العلو الذي عليه، ومن باع سقفه فقط
فحلال ويؤخذ المشترى بإزالة ما اشترى عن مكان ملكه لغيره وبالله تعالى التوفيق *
1522 مسألة ولا يجوز بيع من لا يعقل لسكر. أو جنون ولا يلزمهما لقول
الله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فشهد عز وجل
بان السكران لا يدرى ما يقول والبيع قول أو ما يقوم مقام القول ممن لا يقدر على القول
ممن به آفة من الخرس أو بفمه آفة فمن لا يدرى ما يقول فلم يبع شيئا ولا ابتاع شيئا
وأجازه قوم ولا نعلم لهم حجة أصلا أكثر من أن قالوا: هو عصى الله تعالى عز وجل وأدخل
ذلك على نفسه فقلنا: نعم وحقه على ذلك الحد في الدنيا والنار في الآخرة الا أن يغفر الله
تعالى له وليس ذلك بموجب الزامه حكما زائدا لم يلزمه الله تعالى إياه وهم لا يختلفون
في سكران عربد فوقع فانكسرت ساقه فان به من الرخصة في الصلاة قاعدا كالذي لمن
أصابه ذلك في سبيل الله تعالى ولا فرق، وكذلك في التيمم إذا جرح (5) جراحات

(1) في النسخة رقم 16 وهكذا القول في المنى اثر
(2) في النسخة رقم 14 (إنما باع المكان)
(3) في النسخة رقم 16 (ابتاع)
(4) في النسخة رقم 14 (بيتا)
(5) في النسخة رقم 14 (ان انجرح)
19

يمنعه من الوضوء والغسل وهذا تناقض سمج وبالله تعالى التوفيق * ويقولون فيمن تناول
البلاذر عمدا فذهب عقله: ان حكمه حكم المجنون الذي لم يدخل ذلك على نفسه في البيع
والطلاق وغير ذلك فان فرق بين الامرين، وأما المجنون فلا يختلفون معنا في ذلك، فان
قالوا: ومن يدرى أنه سكران؟ قلنا: ومن يدرى أنه مجنون؟ ولعله قد تحامق وإنما القول (1)
فيمن علم كلا الامرين منه بالمشاهدة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث فذكر
المبتلى حتى يفيق والصبي (2) حتى يبلغ) *
1523 مسألة ولا يحل بيع من لم يبلغ الا فيما لا بد له منه ضرورة كطعام
لاكله وثوب يطرد به عن نفسه البرد والحر وما جرى هذا المجرى إذا أغفله أهل
محلته وضيعوه *
برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا، فإذا ضيعه أهل محلته فاشترى ما ذكرنا بحقه فقد وافق الواجب وعلى أهل محلته امضاؤه فلا يحل لاحد رد الحق وتكون
مبايعته حينئذ إن كان جائز الامر هو الذي عقد ذلك العقد عليه فهو عقد صحيح، فإن كان
أيضا غير جائز الامر فهو كما ذكرنا عمل وافق الحق الواجب فلا يجوز رده وبالله
تعالى التوفيق * وأما بيع من لم يبلغ لغيره بأمر ذلك الآخر وابتياعه له بأمره فهو نافذ جائز
لان يده وعقده إنما هما يد الآمر وعقده فهو جائز وبالله تعالى التوفيق *
1524 مسألة ولا يجوز بيع نصف هذه الدار ولا هذا الثوب (3) أو هذه
الأرض. أو هذه الخشبة من هذه الجهة، وكذلك ثلثها أو ربعها أو نحو ذلك، فلو علم منتهى
كل ذلك جاز لأنه ما لم يعلم بيع مجهول وبيع المجهول لا يجوز لان التراضي لا يقع على
مجهول، وبالله تعالى التوفيق *
1525 مسألة ولا يجوز بيع دار أو بيت أو أرض لا طريق إليها لأنه إضاعة
للمال ولا يجوز أن يلزم طريقا لم يبعه فلو كان كل ذلك متصلا بمال المشترى جاز ذلك
البيع لأنه يصل إلى ما اشترى فلا تضييع، فلو استحق مال المشترى بطل هذا الشراء لأنه
وقع فاسدا إذا كان لا طريق له إليه البتة *
1526 مسألة ولا يحل بيع جملة مجهولة القدر على أن كل صاع منها بدرهم
أو كل رطل منها بدرهم أو كل ذراع منها بدرهم أو كل أصل منها أو كل واحد منها بكذا
وكذا وهكذا في جميع المقادير والاعداد، فان علما جميعا مقدار ما فيها من العدد أو
الكيل أو الوزن أو الزرع وعلما قدر الثمن الواجب في ذلك جاز ذلك، فان بيعت الجملة

(1) في النسخة رقم 14 وإنما نقول
(2) في النسخة رقم 14 والصغير
(3) في النسخة رقم 14 أو هذا الثوب
20

كما هي ولا مزيد فهو جائز، وكذلك لو بيعت جملة على أن فيها كذا وكذا من الكيل أو من
الوزن أو من الزرع أو من العدد فهو (1) جائز فان وجدت كذلك صح البيع والا فهو مردود *
برهان ذلك ان بيعها على أن كل كيل مذكور منها بكذا أو كل وزن بكذا أو كل زرع
بكذا أو كل واحد بكذا بيع بثمن مجهول لا يدرى البائع ما يجب له ولا المشترى ما يجب عليه
حال العقد (2) وقد قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن
تراض منكم) والتراضي لا يمكن الا في معلوم فهو أكل مال بالباطل وبيع غرر، وقد صح النهى
عن بيع الغرر فإذا خرج كل ذلك إلى حد العلم منهما معا وكان ذلك بعد العقد فمن الباطل أن
يبطل العقد حين عقده ويصح بعد ذلك حين لم يتعاقداه ولا التزماه فإذا علما جميعا قدر ذلك
عند العقد فهو تراض صحيح لا غرر فيه، فان بيعت الجملة بثمن معلوم على أن فيها كذا وكذا فهذا
بيع بصفة هو صحيح ان وجد كما عقد عليه والا فإنما وجد غير ما عقد عليه فلم يعقد قط على
الذي وجد فهو أكل مال بالباطل * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال:
إذا فلت: أبتاع منك ما في هذا البيت ما بلغ كل جزء كذا بكذا فهو بيع (3) مكروه،
وقال أبو حنيفة: إذ باع هذه الصبرة قفيزا بدرهم لم يلزمه منها الا قفيز واحد بدرهم فقط،
وقال محمد بن الحسن: يلزمه كلها كل قفيز بدرهم، وهذان رأيان فاسدان لما ذكرنا
وبالله تعالى التوفيق *
1527 مسألة ولا يحل بيع الولاء ولا هبته لما روينا من طريق شعبة. وعبيد
الله بن عمر. ومالك. وسفيان بن عيينة كلهم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته، وقد اختلفت الأمة في هذا وسنذكره إن شاء الله
تعالى في العتق من ديواننا هذا، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ولا حجة في أحد
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
1528 مسألة ولا يحل بيع من أكره على البيع وهو مردود لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (أن الله عفى لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولقوله تعالى: (ولا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فصح أن كل بيع لم يكن
عن تراض فهو باطل الا بيعا أوجبه النص كالبيع على من وجب عليه حق وهو عائب أو
ممتنع من الانصاف لأنه مأمور بانصاف ذي الحق قبله ونحن مأمورون بذلك وبمنعه من
المطل الذي هو الظلم وإذ لا سبيل إلى منعه من الظلم الا ببيع بعض ماله فنحن مأمورون

(1) في النسخة رقم 14 فهذا
(2) في النسخة رقم 14 في حين العقد
(3) سقط لفظ (بيع) من النسخة رقم 14
21

بيعه، ولو أن القاضي قضى للغريم بما يمكن انتصاف ذي الحق منه من عين مال الممتنع أو
الغائب ثم باعها المقضى له بأمر الحاكم لتوصيله إلى مقدار حقه فان فضل فضل رد إلى المقضى
عليه لكان أولى وأصح وأبعد من كل اعتراض، وقد وافقنا الحنيفيون. والمالكيون.
والشافعيون. على ابطال بيع المكره على البيع وبالله تعالى التوفيق *
1529 مسألة وأما المضطر إلى البيع كمن جاع وخشي الموت فباع فيما يحيى به
نفسه وأهله وكمن لزمه فداء نفسه أو حميمه من دار الحرب أو كمن أكرهه ظالم على غرم ماله
بالضغط ولم يكرهه على البيع لكن ألزمه المال فقط فباع في أداء ما أكره عليه بغير حق فقد
اختلف الناس في هذا فروينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا صالح بن رستم نا شيخ من بنى تميم قال: خطبنا على أو قال: قال على: (سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر
على ما في يديه ولم يؤمر بذلك قال: (ولا تنسوا الفضل بينكم) وينهد (1) الأشرار ويستذل
الأخيار ويبايع المضطرون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر: وعن بيع الغرر.
وعن بيع الثمر قبل أن يطعم) وبه إلى هشيم عن كوثر بن حكيم عن مكحول قال: بلغني عن
حذيفة انه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ان بعد زمانكم هذا زمانا عضوضا يعض
الموسر (1) على ما في يديه ولم يؤمر بذلك قال الله تعالى: (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو
خير الرازقين) وينهد شرار خلق الله تعالى يبايعون كل مضطر ألا ان بيع المضطرين (2) حرام
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخونه وإن كان عندك خير فعد به على أخيك ولا تزده هلاكا
إلى هلاكه *
قال أبو محمد: لو استند (3) هذان الخبران لقلنا بهما مسارعين لكنهما مرسلان
ولا يجوز القول في الدين بالمرسل، ولقد كان يلزم من رد السنن الثابتة برواية شيخ من بنى
كنانة ويقول: المرسل كالمسند من الحنيفيين، والمالكيين أن يقول: بهذين الخبرين
شيخ من بنى تميم وشيخ من بنى كنانة، وهذه الرواية أمكن (4) وأوضح، ثم هي عن علي.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن حذيفة ولكنهم قوم مضطربون *
قال أبو محمد: فإذ لم يصح هذان الخبران فلنطلب هذا الحكم من غيرهما فوجدنا كل
من يبتاع قوت نفسه وأهله للاكل واللباس فإنه مضطر إلى ابتياعه بلا شك فلو بطل ابتياع
هذا المضطر لبطل بيع كل من لا يصيب القوت من ضيعته وهذا باطل بلا خلاف وبضرورة
النقل من الكواف، وقد ابتاع النبي صلى الله عليه وسلم أصوعا من شعير لقوت أهله ومات عليه السلام
ودرعه مرهونة في ثمنها فصح أن بيع (5) المضطر إلى قوته وقوت أهله وبيعه ما يبتاع به القوت

(1) أي ينهض
(2) في النسخة رقم 16 المؤمن
(3) في النسخة رقم 16 المضطر
(4) في النسخة رقم 14 لو انسند
(5) في النسخة رقم 14 أبين
(6) في النسخة رقم 14 ابتياع
22

بيع صحيح لازم فهو أيضا بيع تراض لم يجبره أحد عليه فهو صحيح بنص القرآن، ثم نظرنا
فيمن باع في إنقاذ نفسه أو حميمه من يد كافر أو ظلم ظالم فوجدنا الكافر والظالم لم يكرها فادى
الأسير ولا الأسير ولا المضغوط على بيع ما باعوا في استنقاذ أنفسهم أو من يسعون
لاستنقاذه وإنما أكرهوهم على اعطاء المال فقط ولو أنهما أتوهما بمال من قرض أو من غير
البيع ما ألزموهما البيع، فصح أنه بيع تراض والواجب على من طلب بباطل ان يدفع عن
نفسه وان يغير المنكر الذي نزل به لا ان يعطى ماله بالباطل فصح أن بيعه صحيح لازم له وان
الذي أكره عليه من دفع المال في ذلك هو الباطل الذي لا يلزمه فهو باق في ملكه كما كان يقضى
له به متى قدر على ذلك ويأخذه الظالم ومن الحربي الكافر متى أمكنه أو متى وجده في مغنم
قبل القسمة وبعد القسمة من يد من وجده في يده من مسلم أو ذمي أو من يد ذلك الكافر
لو تذمم أو أسلم أبدا هذا إذا وجد ذلك المال بعينه لأنه ماله كما كان ولا يطلب الكافر
بغيره بدلا منه لان الحربي إذا أسلم تذمم غير مؤاخذ بما سلف من ظلم أو قتل، وأما المسلم
الظالم فيتبعه به أبدا أو بمثله أو قيمته سواء كان خارجيا أو محاربا أو باغيا أو سلطانا أو متغلبا
لأنه (1) أخذ منه بغير حق والله تعالى يقول: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) *
1530 مسألة ولا يحل بيع الحيوان (2) الا لمنفعة اما لاكل واما لركوب
واما لصيد. واما لدواء، فإن كان لا منفعة فيه لشئ من ذلك لم يحل بيعه ولا ملكه لأنه
إضاعة مال من المبتاع وأكل مال بالباطل من البائع فإن كان فيه منفعة لشئ مما ذكرنا أو لغيره
جاز بيعه لأنه بيع عن تراض وأحل الله البيع، وليس إضاعة مال ولا أكل مال بالباطل
وبالله تعالى التوفيق *
1531 مسألة ولا يصح البيع (3) بغير ثمن مسمى كمن باع بما يبلغ في السوق
أو بما اشترى فلان أو بالقيمة فهذا كله باطل لأنه بيع غرر وأكل مال بالباطل لأنه لم يصح
فيه التراضي ولا يكون التراضي الا بمعلوم المقدار وقد يرضى لأنه يظن أنه يبلغ ثمنا ما فان بلغ
أكثر لم يرض المشترى وان بلغ أقل لم يرض البائع * ومن عجائب الدنيا قول أبي حنيفة:
من باع بالريح أو بالكعبة أو بلا ثمن فإنه لا يملكه بالقبض فان باع بالميتة أو بالدم فكذلك
أيضا ولا يجوز عتقه له وان قبضه باذن بائعه فان باعه بثمن لم يسمياه أو باعه بخمر أو
خنزير فقبضه باذن بائعه فاعتقه جاز عتقه له *
قال على: ما في الجنون أكثر من هذا الكلام ونعوذ بالله من الضلال، فان قال: ان

(1) في النسخة رقم 16 فإنه
(2) في النسخة رقم 16 حيوان
(3) في النسخة رقم 14 ولا يحل البيع
23

في الناس من يتملك الخمر. والخنزير - وهم الكفار من النصارى - فلنا: انهم يتملكون
أيضا الميتة والدم كذلك والمجوس أيضا كذلك ولا فرق وبالله تعالى التوفيق *
1532 مسألة ولا يحل بيع النرد لما روينا من طريق مالك عن موسى بن ميسرة
عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لعب
بالنرد فقد عصى الله ورسوله) فهي محرمة فملكها حرام وبيعها حرام، وقد روينا عن
مالك عن نافع عن ابن عمر انه كان إذا أخذ أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها *
ومن طريق مالك عن علقمة عن أمه عن عائشة أم المؤمنين أنها بلغها أن أهل بيت في دارها
كانوا سكانا فيها ان عندهم نردا فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري
وأنكرت عليهم *
1533 مسألة ولا يحل أن يبيع اثنان سلعتين متميزتين لهما ليسا فيهما شريكين
من إنسان واحد بثمن واحد لان هذا بيع بالقيمة ولا يدرى كل واحد منهما ما يقع لسلعته
حين العقد فهو بيع غرر وأكل مال بالباطل، وأما بيع الشريكين أو الشركاء من واحد أو
من أكثر أو ابتياع اثنين فصاعدا من واحد أو من شريكين فحلال لان حصة كل واحد منهما
معلومة الثمن محدودته وبالله تعالى التوفيق *
1534 مسألة ومن كان في بلد تجرى فيه سكك كثيرة شتى فلا يحل البيع الا
ببيان من أي سكة يكون الثمن وان لم يبينا ذلك فهو بيع مفسوخ مردود لأنه وقع عن غير تراض
بالثمن وهو أيضا بيع غرر وبالله تعالى التوفيق *
1535 مسألة ولا يحل بيع كتابة المكاتب ولا بيع خدمة المدبر وهو قول
الشافعي. وأبي سليمان. وأبي حنيفة، وأجاز مالك كلا الامرين أما المدبر فمن نفسه فقط وأما
المكاتب فمن نفسه ومن غيره، وأجاز بيعهما جملة الزهري. وابن المسيب، وروينا مثل قول
مالك عن عطاء. وابن سيرين لان كتابة المكاتب إنما تجب بالنجوم ولا تجب قبل ذلك فمن
باعها فقد باع ما لا يملك بعد ولا يدرى أيجب له أم لا؟ وأيضا فليست عينا معينة فلا يدرى البائع
أي شئ باع من نوع ما باع ولا يدرى المشترى ما اشترى فهو بيع غرر ومجهول العين. وأكل
مال بالباطل، فان قيل: فقد روى عن جابر أنه أجاز بيعها قلنا: وكم قصة رويت عن جابر
خالفتموها، ومنها قوله الذي قد أوردنا أن لا يباع شئ اشترى كائنا ما كان الا حتى يقبض
وقوله: العمرة فريضة، وقوله: لا يحرم أحد قبل أشهر الحج بالحج، وقوله: لا يجوز ثمن
الهر وغير ذلك كثير مما لا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك فالآن صار حجة
وهنالك لا؟ ان هذا لعجب! ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقولنا هو قول الشافعي
24

وأما خدمة المدبر فبيعها ظاهر الفساد والبطلان لأنها لا يدرى كم يخدم ولعله سيخدم خمسين
سنة أو لعله يموت غدا أو بعد ساعة أو يخرج حرا كذلك فهذا هو الحرام البحت وأكل المال
بالباطل. وبيع الغرر وبيع ما ليس عينا وبيع ما لم يخلق بعد فقد جمع كل بلاء، فان قيل: فقد
رويتم من طريق محمد بن علي بن الحسين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم باع خدمة المدبر) روينا ذلك
من طريق شعبة عن الحكم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قلنا: هذا مرسل والمرسل
لا تقوم به حجة، وكذلك لا يجوز بيع خدمة المخدم أصلا لما ذكرنا في خدمة المدبر ولا فرق
وبالله تعالى التوفيق *
1536 مسألة ولا يجوز بيع السمن المائع يقع فيه الفأر حيا أو ميتا لأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بهرقه وقد ذكرناه في كتاب الطهارة من ديواننا هذا. وفى كتاب ما يحل أكله
وما يحرم فأغنى عن إعادته، فإن كان جامدا أو وقع فيه ميتة غير الفأر أو نجاسة فلم تغير لونه
ولا طعمه ولا ريحه أو وقع الفأر الميت أو الحي أو أي نجاسة أو أي ميتة كانت في مائع غير
السمن فلم تغير طعما ولا لونا ولا ريحا فبيعه حلال واكله حلال لأنه لم يمنع من ذلك نص وقد
قال الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وقال تعالى: (وما كان ربك نسيا) وهذا قول
أصحابنا وقد ذكرناه عن بعض السلف في الكتب المذكورة فان تغير طعمه أو لونه أو ريحه
جاز بيعه أيضا كما يباع الثوب النجس وقد قلنا: إن الطاهر لا ينجس بملاقاته النجس (1)
ولو أمكننا ان نفصله من الحرام لحل اكله ولم يمنع من الانتفاع به في غير الاكل نص فهو مباح
وبالله تعالى التوفيق * وهذا قول أبي حنيفة يعنى بيع ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه من
المائعات التي حلتها النجاسات لأنه إنما يباع الشئ الذي حلته النجاسة لا النجاسة (2) وبالله
تعالى التوفيق *
1537 مسألة ولا يحل بيع الصور الا للعب الصبايا فقط فان اتخاذها لهن حلال
حسن وما جاز ملكه جاز بيعه الا ان يخص شيئا من ذلك نص فيوقف عنده قال الله تعالى:
(وأحل الله البيع) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وكذلك لا يحل اتخاذ
الصور الا ما كان في ثوب لما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه
عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن أبي طلحة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) ومن طريق مالك عن أبي
النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبى طلحة يعوده قال: فوجد (3) عنده
سهل بن حنيف فأمر أبو طلحة ينزع نمط كان تحته فقال له سهل: لم نزعته؟ قال: لان فيه

(1) في النسخة رقم 14 (بملاقاة النجس)
(2) في النسخة رقم 14 لا النجس
(3) في النسخة رقم 14 فوجدنا
25

تصاوير وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قد علمت قال سهل: ألم يقل الا ما كان رقما؟
قال: بلى ولكنه أطيب لنفسي *
قال أبو محمد: حرام علينا تنفير الملائكة عن بيوتنا وهم رسل الله عز وجل
والمتقرب إليه عز وجل بقربهم * ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى قال: انا عبد العزيز بن
محمد الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: (كنت ألعب
بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتيني صواحبي فكن يتقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيسر بهن إلى) فوجب استثناء البنات للصبايا من جملة ما نهى عنه من الصور (1) وأما
الصلب فبخلاف ذلك ولا يحل تركها في ثوب ولا في غيره لما روينا من طريق قاسم بن
اصبغ نا بكر بن حماد نا مسدد نا يحيى هو ابن سعيد القطان عن هشام الدستوائي عن يحيى
ابن أبي كثير عن عمران بن حطان عن عائشة أم المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع في
بيته ثوبا فيه تصليب الا نقضه) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) انه كره الستر المعلق فيه
التصاوير فجعلت له منه وسادة فلم ينكرها فصح ان الصور في الستور مكروهة غير محرمة،
وفى الوسائد وغير الستور ليست مكروهة الاستخدام بها *
1538 مسألة ولا يحل البيع مذ تزول الشمس من يوم الجمعة إلى مقدار تمام
الخطبتين والصلاة لا لمؤمن ولا لكافر. ولا لامرأة. ولا لمريض، وأما من شهد
الجمعة فإلى ان تتم صلاتهم للجمعة وكل بيع وقع في الوقت المذكور فهو مفسوخ وهذا (3)
قول مالك، وأجاز البيع في الوقت المذكور الشافعي، وأبو حنيفة، وأما النكاح، والسلم
والإجارة. وسائر العقود فجائزة كلها في ذلك الوقت لكل واحد وهو قول الشافعي.
وأبي حنيفة ولم يجزها مالك *
برهان صحة قولنا قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة
فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) فهما أمران مفترضان. السعي إلى ذكر الله تعالى.
وترك البيع فإذا سقط أحدهما بنص ورد فيه كالمريض. والخائف. والمرأة. والمعذور
لم يسقط الآخر إذا لم يوجب سقوطه قرآن ولا سنة ووجب الزام الكفار كذلك لقول
الله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولقوله تعالى: (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة
ويكون الدين كله لله) وأما ادخال مالك النكاح. والإجارة في ذلك فخطأ ظاهر لان الله
تعالى إنما نهى عن البيع ولو أراد النهى عن النكاح والإجارة لما عجز عن ذلك ولا كتمنا

(1) قال مصحح النسخة رقم 14 فيه نظر لاحتمال أن يكون كان هذا على معهود الأصل ثم نسخ بالنهي عن
الصورة والله أعلم
(2) في النسخة رقم 14 وقد صح عنه
(3) في النسخة رقم 14 وهو
26

ما ألزمنا وما كان ربك نسيا. وتعدى حدود الله تعالى لا يحل، ولو كان القياس حقا
لكان هذا منه باطلا لان القياس عند القائلين به إنما هو ان يقاس الشئ على نظيره
وليس البيع نظير النكاح لأنه يجوز بلا ذكر مهر ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن والمتناكحان
لا يملك أحدهما الآخر ولا في النكاح نقل ملك والبيع نقل ملك، وأما الإجارة فإنما
هي معاوضة في منافع لم يخلقها الله تعالى بعد ولا يجوز بيع ما لم يخلق بعد ويجوز أن يؤاجر
الحر نفسه ولا يحل له أن يبيع نفسه فلا شبه (1) بين الإجارة والنكاح وبين البيع فان
علل النهى عن البيع بما يشاغل (2) عن السعي صار إلى قول أبي حنيفة. والشافعي
ولزمه أن يجيز من البيع ما لا تشاغل منه عن السعي، ولا قياس عند القائلين به الا على
علة فإن لم يعلل بطل القياس، وما نعلم له سلفا في هذا القول، وأما اجازه أبي حنيفة.
والشافعي البيع في الوقت المذكور فخلاف لأمر الله تعالى، ولا نعلم (3) لهم حجة
أصلا أكثر من أن قالوا: إنما نهى عن التشاغل عن السعي إلى الصلاة فقط ولو أن امرءا
باع في الصلاة لصح البيع
قال أبو محمد: وهذان فاسدان من القول جدا أما قولهم: إنما أراد الله بذلك التشاغل عن
السعي فقط فعظيم من القول جدا ليت شعري من أخبرهم بذلك وهم يسمعون الله تعالى يقول:
(وان تقولوا على الله ما لا تعلمون) ولو أن الله تعالى أراد ما قالوا لما نهانا عن البيع مطلقا ولا
عجز عن بيان مراده من ذلك وما ههنا ضرورة توجب فهم هذا ولا نص فهو باطل محض
ودعوى كاذبة بلا برهان: وأما قولهم: لو باع في الصلاة لجاز البيع فتمويه بارد لان
المصلى بأول أخذه في الكلام في المساومة بطلت صلاته فصار غير مصل فظهر فساد
احتجاجهم جملة، فان قالوا: هذا ندب قلنا: ما دليلكم على ذلك وكيف يقول الله تعالى:
افعل فيقولون: معناه لا تفعل ان شئت؟ أم كيف يقول الله تعالى: لا تفعل فيقولون:
معناه افعل ان شئت؟ وهذا ابطال الحقائق ونفس المعصية وتحريف للكلم (4) عن
مواضعه، فان قالوا: قد وجدنا أوامر ونواهي معناها الندب قلنا: نعم بنص آخر
بين ذلك (5)، وكذلك وجدنا آيات منسوخات بنص آخر ولم يجب بذلك حمل كل
آية على أنها منسوخة ولا على أنها ندب ومن فعل ذلك فقد أبطل ما شاء بلا دليل * روينا من
طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا محمد بن أبي بكر هو المقدمي نا سليمان بن داود نا
سليمان بن معاذ نا سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا يصلح البيع يوم الجمعة حين
ينادى للصلاة فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع (6) ولا نعلم له مخالفا من الصحابة * وعن

(1) في النسخة رقم 16 (فلا نسبة)
(2) في النسخة رقم 14 (بالتشاغل)
(3) في النسخة رقم 14 وما نعلم
(4) في النسخة رقم 14 وتحريف الكلم
(5) في النسخة رقم 16 يبين ذلك
(6) في النسخة رقم 16 فانتشروا
27

حماد بن زيد عن الوليد بن أبي هشام عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه انه فسخ بيعا
وقع بين نساء وبين عطار بعد النداء للجمعة *
1539 مسألة ومن لم يبق عليه من وقت الصلاة الا مقدار الدخول في الصلاة
بالتكبير وهو لم يصل بعد وهو ذاكر للصلاة. وعارف بما بقي عليه من الوقت فكل شئ فعله
حينئذ من بيع أو غيره باطل مفسوخ أبدا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه
أمرنا فهو رد) وهو في ذلك الوقت محرم عليه البيع وغيره مأمور بالدخول في الصلاة فلو
لم يكن عارفا بذلك جاز كل ما عمل فيه لان وقت الصلاة للناسي ممتد أبدا وأما من سها فسلم
قبل تمام صلاته فما أنفذ من بيع أو غيره فمردود كله لأنه قد عرف النهى عن ذلك ما دام في
صلاة وهو في صلاة لكن عفى له عن النسيان فهو إنما ظن أنه باع ولم يبع لأنه غير البيع
الذي أحله الله تعالى له فإذا هو غيره فهو جائز، وبالله تعالى التوفيق *
1540 مسألة ولا يحل أن يجبر أحد على أن يبيع مع شريكه لا ما ينقسم ولا
ما لا ينقسم ولا على أن يقاومه فيبيع أحدهما من الآخر لكن من شاء الشريكين أو الشركاء
أن يبيع حصته فله ذلك ومن أبى لم يجير فان أجبره على ذلك حاكم أو غيره فسخ حكمه
أبدا وحكم فيه بحكم الغصب *
برهان ذلك قول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون
تجارة عن تراض منكم) ومن أجبر على بيع حقه فلم يرض فلا يجوز عليه لأنه خلاف
أمر الله تعالى فهو أكل مال بالباطل إلا حيث أمر الله تعالى بالبيع وان لم يرض كالشفعة
وعلى الغائب: وعلى الصغير. وعلى الظالم، واحتج القائلون باجبار الشريك على البيع مع
شريكه بخبر روى فيه (لا ضرر ولا ضرار) وهذا خبر لم يصح قط إنما جاء مرسلا.
أو من طريق فيها إسحاق بن يحيى وهو مجهول، ثم لو صح لكان حجة عليهم لان أعظم
الضرار والضرر هو الذي فعلوه من اجبارهم انسانا على بيع ماله بغير رضاه وبغير أن
يوجب الله تعالى عليه ذلك، وما أباح الله تعالى قط أن يراعى رضا أحد الشريكين
باسخاط شريكه في ماله نفسه وهذا هو (1) الجور والظلم الصراح، ولا فرق بين أن يجاب
أحد الشريكين إلى قوله لا بد أن يبيع شريكي معي لاستجزل الثمن في حصتي وبين عن يجاب
الآخر إلى قوله لابد أن يمنع شريكي من بيع حصته لان في ذلك ضررا على في حصتي
وكلا الامرين عدوان وظلم لكن الحق أن كليهما ممكن من حصته من شاء باع حصته
ومن شاء أمسك حصته، وقد موهوا في ذلك بما روينا من طريق وكيع نا أبو بشر عن ابن

(1) في النسخة رقم 14 (هذا هو)
28

أبى نجيح عن مجاهد أن نخلة كانت لانسان في حائط آخر فسأله أن يشتريها منه فأبى فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر في الاسلام) وهذا مرسل ثم لو صح لكان حجة عليهم لأننا نقول
لهم: نعم هذا منع من أن يجبر الآخر على الشراء من شريكه وهو لا يريد ذلك. أو على البيع
منه أو من غيره وهو لا يريد ذلك، فهذان ضرر ظاهر * وذكروا أيضا ما رويناه من
طريق أبى داود نا سليمان بن داود العتكي نا حماد نا واصل مولى أبى عيينة قال: سمعت محمد
ابن علي يحدث عن سمرة بن جندب (أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار
قال: ومع الرجل أهله فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به فطلب إليه أن يبيعه أو يناقله
فأبى فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى
قال: فهبه له ولك كذا وكذا أمرا رغبة فيه فأبى فقال: أنت مضار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للأنصاري: اذهب فاقلع نخله) *
قال أبو محمد: هذا منقطع لان محمد بن علي لا سماع له من سمرة ثم لو صح لكانوا
مخالفين له في موضعين، أحدهما أنهم لا يجبرون غير الشريك على البيع من جاره ولا على
البيع معه، وفى هذا الحديث خلاف ذلك، والثاني قلع نخله وهم لا يقولون بهذا وبالله
تعالى التوفيق *
1541 مسألة ولا يجوز بيع ما غنمه المسلمون من دار الحرب لأهل الذمة (1)
لا من رقيق ولا من غيره وهو قول عمر بن الخطاب على ما ذكرنا في كتاب الجهاد * ومن
طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة بن مقسم عن أم موسى قالت: أتى علي بن أبي
طالب بآنية مخوصة بالذهب من آنية العجم فأراد (2) أن يكسرها ويقسمها بين المسلمين
فقال ناس من الدهاقين: ان كسرت هذه كسرت ثمنها ونحن نغلي لك بها فقال علي: لم أكن
لأرد لكم ملكا نزعه الله منكم فكسرها وقسمها بين الناس *
قال أبو محمد: هذا من الصغار وكل صغار فواجب حمله عليهم، وأما الرقيق ففيه
وجه آخر وهو أن الدعاء إلى الاسلام واجب بكل حال، ومن الأسباب المعينة على الاسلام
كون الكافر. والكافرة في ملك المسلم، ومن الأسباب المبعدة عن الاسلام كونهما عند
كافر يقوى بصائرهما في الكفر وبالله تعالى التوفيق *
1542 مسألة ولا يحل بيع شئ ممن يوقن أنه يعصى الله به أو فيه وهو مفسوخ
أبدا كبيع كل شئ ينبذ أو يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمرا، وكبيع الدراهم الرديئة ممن
يوقن أنه يدلس بها. وكبيع الغلمان ممن يوقن أنه يفسق بهم أو يخصيهم. وكبيع المملوك

(1) في النسخة رقم 14 من أهل الذمة
(2) في النسخة رقم 14 وأراد
29

ممن يوقن انه يسئ ملكته. أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه يعدو بها (1) على
المسلمين أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه وهكذا في كل شئ لقول الله تعالى: (وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) والبيوع التي ذكرنا تعاون ظاهر
على الاثم والعدوان بلا تطويل وفسخها تعاون على البر والتقوى. فإن لم يوقن بشئ
من ذلك فالبيع صحيح لأنه لم يعن علي إثم فان عصى المشترى الله تعالى بعد ذلك فعليه *
روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن ابن جرير عن عطاء قال: لا تبعه ممن يجعله خمرا *
1543 مسألة ومن باع شيئا جزافا يعلم كيله أو وزنه أو زرعه أو عدده ولم يعرف
المشترى بذلك فهو جائز لا كراهية فيه لأنه لم يأت عن هذا البيع نهى في نص أصلا ولا فيه
غش ولا خديعة، ومنع منه طاوس. ومالك واجازه أبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان *
قال على: ولا فرق بين أن يعلم كيله. أو وزنه. أو زرعه. أو عدده ولا يعلمه المشترى
وبين أن يعلم من نسج الثوب ولمن كان ومتى نسج وأين أصيب هذا البر وهذا التمر ولا يعلم
المشترى شيئا (2) من ذلك والمفرق بينهما مخطئ وقائل بلا دليل واحتجوا في ذلك بما
رويناه من طريق عبد الرزاق قال قال: ابن المبارك عن الأوزاعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا يحل لرجل ان يبيع طعاما جزافا قد علم كيله حتى يعلم صاحبه وهذا منقطع فاحش الانقطاع
ثم لو صح لكان حجة على المالكيين لأنهم لا يخصون بهذا الحكم الطعام دون غيره وليس
في هذا المرسل إلا الطعام فقط، فان قالوا: قسنا على الطعام غير الطعام قلنا: فهلا قستم على
الطعام غير الطعام في المنع من بيعه حتى يقبض؟ فان قالوا: لم يأت النص إلا في الطعام قلنا: وليس
في هذا الخبر الا الطعام فاما اتبعوا النصين معا دون القياس وإما قيسوا عليهما جميعا وما عدا
هذا فباطل متيقن فكيف والنص فد جاء بالنهي عن البيع في كل ما ابتيع قبل أن يقبض
فخالفوه وبالله تعالى التوفيق *
1544 مسألة وبيع الحيتان الكبار أو الصغار أو الأترج الكبار أو الصغار
أو الدلاع أو الثياب أو الخشب أو الحيوان أو غير ذلك جذافا حلال لا كراهية فيه
ومنع مالك من ذلك في الكبار من الحيتان والخشب، وأجازه في الصغار وهذا باطل
لوجوه، أولها انه خلاف (3) القرآن في قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) وقال تعالى:
(وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فهذا بيع حلال (4) ولم يأت تفصيل بتحريمه، والثاني
انه فاسد إذ لم يحد الكبير (5) الذي منع به من بيع الجذاف من الصغير الذي أباحه به وهذا ردئ
جدا لأنه حرم وحلل ثم لم يبين ما الحرام فيجتنبه من يبيعه وما الحلال فيأتيه، والثالث انه

(1) في النسخة رقم 14 بهما
(2) في النسخة رقم 14 بشئ
(3) في النسخة رقم 14 انه خالف
(4) في النسخة رقم 14 فهذا بيع فهو حلال
(5) في النسخة رقم 14 الكبر
30

لا كبير الا بإضافته إلى ما هو أصغر منه ولا صغير الا بإضافته إلى ما هو أكبر منه فالشابل
صغير جدا بالإضافة إلى الشولى وكبير جدا بالإضافة إلى السرذين، والمداري كبار جدا
بالإضافة إلى السهام وصغار جدا بالإضافة إلى الصواري وهكذا في كل شئ والرابع انه لم
يزل عمل المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده في شرق الأرض وغربها بيع الضياع
وفيها النخل الكثير والشجر وغير ذلك بغير عدد لكن جذافا وهو أحد من يجيز ذلك هنالك
ويمنعه ههنا وما نعلم له متعلقا أصلا ولا أحدا قاله قبله *
1545 مسألة وبيع ألبان النساء جائز. وكذلك الشعور، وبيع العذرة
والزبل للتزبيل. وبيع البول للصباغ جائز، وقد منع قوم من بيع كل هذا *
قال أبو محمد: لا خلاف في أن للمرأة أن تحلب لبنها في إناء وتعطيه لمن يسقيه صبيا
وهذا تمليك منها له، وكل ما صح ملكه وانتقال الاملاك فيه حل بيعه لقول الله تعالى:
(وأحل الله البيع) الا ما جاء فيه نص بخلاف هذا، وأما الشعور. والعذرة. والبول فكل
ذلك يطرح ولا يمنع منه أحد هذا عمل جميع أهل الأرض، فإذا تملك لاحد (1) جاز بيعه كما
ذكرنا * روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك العرزمي عن عطاء بن أبي رباح
لا بأس بأن يستمتع بشعور الناس كان الناس يفعلونه *
1546 مسألة وبيع النحل. ودود الحرير. والضب. والضبع جائز حسن
أما الضب. والضبع فحلال أكلهما كما ذكرنا قبل وصيد من الصيود، وما جاز تملكه جاز
بيعه كما قدمنا، وأما النحل. ودود الحرير فلهما منفعة ظاهرة وهما مملوكان فبيعهما جائز،
ومنع أبو حنيفة من كل ذلك وما نعلم له حجة أصلا ولا أحد سبقه إلى المنع من بيع النحل.
ودود القز، وأما ما عسلت النحل في غير خلايا مالكها فهو لمن سبق إليه لأنه ليس بعضها ولا
متولدا منها كالبيض. والولد. واللبن. والصوف لكنه كسب لها كصيد الجارح
وهما غير النحل والجارح فهو لمن سبق إليه، وأما ما وضعت في خلايا صاحبها فله لأنه لذلك
وضع الخلايا فما صار فيها فهو له (2) وكذلك من وضع حبالة للصيد أو قلة للماء أو حظيرا
للسمك فكل ما وقع في ذلك فهو له لأنه قد تملكه بوضع ما ذكرنا له وبالله تعالى التوفيق *
1547 مسألة وابتياع الحرير جائز وقال بالمنع منه بعض السلف كما
روينا من طريق محمد بن المثنى نا حفص بن غياث عن ليث عن طاوس انه كره التجارة في
الشابرى الرقيق. والحرير ولبسه، وجاء في ذلك ما روينا من طريق ابن وهب نا معاوية
ابن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: (أن

(1) في النسخة رقم 14 فإذا تملك بالاخذ
(2) في النسخة رقم 16 فله
31

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان الله تبارك وتعالى حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم
الحرير وثمنه) وهذا فيه معاوية بن صالح (1) وهو ضعيف ولو صح لقلنا به،
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حلة الحرير التي كساها عمر: (لم أكسكها لتلبسها لكن
لتبيعها) أو كلاما هذا معناه *
1548 مسألة وابتياع ولد الزنا. والزانية حلال * روينا من طريق محمد
ابن المثنى نا معتمر بن سليمان عن ليث عن مجاهد قال: ولد الزنا لا تبعه (2) ولا تشتره ولا
تأكل ثمنه * قال على: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحل الله البيع، وقد
أمر عليه الصلاة والسلام ببيع الأمة المحدودة في الزنا ثلاث مرات إذا زنت الرابعة *
1549 مسألة وبيع جلود الميتات كلها حلال إذا دبغت، وكذلك جلد
الخنزير وأما شعره وعظمه فلا، ومع مالك من بيع
جلودها وان دبغت وأباحه الشافعي. وأبو حنيفة، وأباح مالك بيع صوف الميتة ومنع
منه الشافعي
برهان صحة قولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به
قالوا: يا رسول الله انها ميتة قال: إنما حرم أكلها) وقد ذكرناه باسناده في كتاب
الطهارة من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته فأمر عليه السلام بان ينتفع بجلود الميتة بعد الدباغ
وأخبر ان أكلها حرام والبيع منفعة بلا شك فهو داخل في التحليل وخارج عن التحريم إذ لم
يفصل تحريمه قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وأما الخنزير فحرام كله حاشا
طهارة جلده بالدباغ فقط * ومن عجائب احتجاج المالكيين ههنا قولهم: ان الجلد يموت
وكذلك الريش تسقيه الميتة وأما الصوف والشعر فلا يموت فلو عكس قولهم فقيل
لهم: بل الجلود لا تموت وكذلك الريش وأما الصوف والشعر فتسقيه الميتة بأي شئ
كانوا ينفصلون، وهل هي الا دعوى كدعوى؟ * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن حماد بن أبي سليمان لا بأس بريش الميتة وأباح الانتفاع بعظم الفيل وبيعه طاوس.
وابن سيرين. وعروة بن الزبير ومنع منه الشافعي وغيره وبالله تعالى التوفيق *
1550 - مسألة وبيع المكاتب قبل أن يؤدى شيئا من كتابته جائز وتبطل
الكتابة بذلك فان أدى منها شيئا حرم بيع ما قابل منه ما أدى وجاز بيع ما قابل منه ما لم يؤد
وبطلت الكتابة فيما بيع منه وبقى ما قابل منه ما أدى حرا مثل أن يكون أدى عشر كتابته
فان عشره حر ويجوز بيع تسعة أعشاره، وهكذا في كل جزء كثر أو قل، وهذا مكان اختلف

(1) قال الحافظ الذهبي في ميزانه، وثقه أحمد وأبو زرعة وغيرهما، وكان يحيى القطان يتعنت ولا يرضاه
وقال أبو حاتم، لا يحتج به وكذا لم يخرج له البخاري ولينه ابن معين اه‍
(2) في النسخة رقم 16 لا تلتعه
32

الناس فيه فقالت طائفة: المكاتب عبد ما بقي عليه ولو درهم من كتابته أو أقل وبيعه جائز
ما دام عبدا وتنتقض الكتابة بذلك، والمكاتب عندهم معتق بصفة، وهذا قول (1)
أبى سليمان وأصحابنا، وقالت طائفة: المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم أو أقل
الا أنه لا يحل بيعه الا أن يعجز وهو قال أبي حنيفة. ومالك. والشافعي، وهذا قول
ظاهر التناقض لأنه إن كان عبدا فبيعه جائز ما لم يأت نص بالمنع من بيعه ولا نص في
ذلك، وذهب قوم إلى أنه ان أدى ربع كتابته فهو حر وهو غريم يتبع بما (2) بقي عليه
منها * روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا المغيرة قال: سمعت إبراهيم. والشعبي
يقولان: كان ابن مسعود يقول في المكاتب إذا أدى ربع قيمته (3) فهو غريم لا يسترق
وكان زيد بن ثابت يقول: هو عبد ما بقي عليه درهم، وقال علي بن أبي طالب: المكاتب
يعتق منه بقدر ما أدى ويرق منه بقدر ما بقي ويرث بقدر ذلك، ويحجب بقدر ذلك *
ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود عن عمه القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن جابر بن سمرة قال: قال
عمر بن الخطاب: تكاتبون مكاتبين فأيهم ما أدى الشطر فلا رق عليه، وروى عن ابن
مسعود أيضا إذا أدى الثلث فهو غريم * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن منصور
ابن المعتمر عن إبراهيم كان يقال: إذا أدى المكاتب الربع فهو غريم * ومن طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء إذا بقي على المكاتب ربع كتابته وأدى سائرها فهو
غريم ولا يعود عبدا * ومن طريق عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير
قال: قال ابن عباس: إذا بقي على المكاتب خمس أواق: أو خمس زود. أو خمسة أوسق فهو
غريم، وروى عنه أيضا إذا أخذ الصك فهو غريم وبكل هذه الأقوال قالت من العلماء *
قال على: الحجة عند التنازع هو ما أمر الله تعالى بالرجوع إليه ان كنا مؤمنين من
كتابه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق البخاري نا قتيبة نا الليث هو ابن سعد
عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين (أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها
في كتابتها ولم تكن قضت منها شيئا فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فان أحبوا أن
أقضى عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا:
أن شاءت ان تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابتاعي واعتقي فإنما الولاء لمن أعتق) (4) * ومن طريق البخاري

(1) في النسخة رقم 14 وهو قول
(2) في النسخة رقم 16 وهو غريم لم يبع بما
(3) في النسخة رقم 14 إذا أدى قيمته
(4) الحديث في صحيح البخاري ج 3 ص 302 بأطول من هذا
33

نا خلاد بن يحيى نا عبد الواحد بن أيمن المكي عن أبيه قال: (دخلت على عائشة فقالت: دخلت
على بريرة [وهي مكاتبة] (1) فقالت: يا أم المؤمنين اشتريني فان أهلي يبيعوني فاعتقيني
فقالت: نعم فقالت: ان أهلي لا يبيعونني حتى يشترطوا ولائي فقالت: لا حاجة لي فيك
فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه فقال: ما شأن بريرة اشتريها فاعتقيها وليشترطوا ما شاءوا
[قالت] فاشتريتها فأعتقتها) وذكرت باقي الخبر) فامر بيع بريرة وهي مكاتبة على
تسع أواقي في تسع سنين كل سنة أوقية أشهر من الشمس وانها لم تكن أدت بعد من كتابتها
شيئا. وانها بيعت كذلك وان أهلها عرضوها للبيع وهي مكاتبة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم لا ننكر
ذلك عليهم بل أمر بشرائها وعتقها والولاء لمن أعتقها، وهذا ما لا مخلص منه فبلحوا (2)
عندها فقالت طائفة: انها كانت عجزت وهذا كذب بحت مجرد ما روى قط أحد أنها
كانت (3) عجزت ولا جاء ذلك عنها (4) في الخبر، وأين العجز منها وهي في استقبال
تسعة أعوام وعائشة بعد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جائزة الامر تبتاع وتعتق ولم تقم عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تسعة (5) أعوام فقط، واحتج بعضهم بقول الله تعالى: (أوفوا بالعقود)
فقلنا: نعم وهو مأمور بالوفاء بالعقد وليس له نقضه ولكن إذا خرج عن ملكه بطل عقده
عن غيره لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نقس إلا عليها) والعجب أن المحتجين بهذا يرون
الرجوع في العتق في الوصية ولا يحتجون على أنفسهم بأوفوا بالعقود وليس إجماعا فان سفيان
الثوري لا يرى (6) الرجوع في العتق والوصية. وكلهم يجيز بيع العبد يقول له سيده: ان جاء
أبى فأنت حر، ويبطلون بيعه بهذا العقد ولا يجيزون له الرجوع في العقد بغير اخراجه عن
ملكه فظهر عظيم تناقضهم وفساد قولهم * فان ذكر ذاكر الآثار التي جاءت (المكاتب
عبد ما بقي عليه درهم) (7) فإنها كلها ساقطة، أحدها من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده وهي صحيفة وكم خالفوا هذه الطريق إذا خالفت مذاهبهم، والآخر من
طريق عطاء بن السائب عن ابن عمرو بن العاصي ولا سماع به منه والحديث منقطع،
ثم لو صح لما كان فيهما الا تحديد انه عبد ما بقي عليه عشر مكاتبته أو عشر عشرها، وخبر
موضوع من طريق ابن عمر مكذوب فسقطت كلها * وأما الذي أدى شيئا من كتابته فلما
رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عيسى الدمشقي نا يزيد بن هارون أنا حماد بن
سلمة عن قتادة، وأيوب السختياني قال قتادة: عن خلاس عن علي بن أبي طالب، وقال

(1) الزيادة من صحيح البخاري ج 4 ص 23
(2) يقال بلح الرجل بلوحا وتبليحا أي أعيا
(3) لفظ كانت زيادة من النسخة رقم 16
(4) لفظ عنها زيادة من النسخة رقم 14
(5) في النسخة رقم 16 الا سبعة وهو غلط لان النبي صلى الله عليه وسلم خطبها وهي ابنة ست سنين ودخل عليها وهي ابنة تسع ومات عنها صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ثمانية عشر عاما
(6) في النسخة رقم 14 سفيان الثوري يرى
(7) في النسخة رقم 16 شئ
34

أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ثم اتفق على، وابن عباس كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: (المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويورث بقدر
ما عتق منه) *
قال على: وهذا اسناد في غاية الصحة وما نعلم أحدا عابه الا بأنه قد أرسله بعض الناس
فكان هذا عجبا! لان المعترضين بهذا يقولون: ان المرسل أقوى من المسند أو مثله
فالآن صار ارسال من ارسل يبطل ويبطل به الاسناد ممن أسنده وما يسلك في دينه هذه
الطريق الا من لا دين له ولا حياء ونعوذ بالله من الخذلان *
1551 مسألة وبيع المدبر. والمدبرة حلال لغير ضرورة ولغير دين لا كراهة
في شئ من ذلك ويبطل التدبير بالبيع كما تبطل الوصية ببيع الموصى بعتقه ولا فرق، وهو
قول الشافعي. وأبي سليمان، وقال أحمد: يباع المدبر كما قلنا ولا تباع المدبرة وهذا تفريق
لا برهان على صحته، وقال مالك، لا يباع المدبر ولا المدبرة الا في الدين فقط فإن كان
الدين قبل التدبير بيعا فيه في حياة سيدهما وإن كان الدين بعد التدبير لم يباعا فيه في حياة
المدبر وبيعا فيه بعد موته، فإن لم يحمل الثلث المدبر ولا دين هنالك أعتق منه ما يحمل
الثلث ورق سائره قال: فان بيع في الحياة بغير دين فاعتقه الذي اشتراه نفذ البيع وجاز،
وهذه (1) أقوال في غاية التناقض، ولإن كان بيعه حراما فما يحل بيعه (2) لا في دين ولا
في غيره أعتق أو لم يعتق كما لا تباع أم الولد ولا ينفذ بيعها وان أعتقت ولإن كان بيعه
حلالا فما يحرم (3) متى شاء سيده بيعه، وما نعلم لهم في هذا التقسيم حجة لا من نص.
ولا من رواية سقيمة. ولا قول صاحب. ولا قياس. ولا رأى له وجه وقال أبو حنيفة
: لا يباع المدبر لا في دين ولا في غير دين لا في الحياة ولا بعد الموت وهو من الثلث فإن لم يحمله
الثلث استسعى في ثلثي قيمته (4)، وقال زفر: هو من رأس المال كأم الولد وما نعلم لهم
حجة أصلا ولا متعلق لهم في قول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) أما المالكيون فأجازوا
بيعه في مواضع قد ذكرناها فلم يفوا بالعقود، وأما الحنيفيون فاستسعوه في ثلثي قيمته
فلم يفوا بالعقود *
قال أبو محمد: واحتجوا بأشياء نذكرها إن شاء الله تعالى * منها خبر رواه عبد
الباقي بن قانع عن موسى بن زكريا عن علي بن حرب عن عمرو بن عبد الجبار ثقة (5)
عن عمه عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله
(المدبر لا يباع ولا يشترى وهو حر من الثلث، وهذا خبر موضوع لان عبد الباقي راوي

(1) في النسخة رقم 16 فهذه
(2) لفظ بيعه زيادة من النسخة رقم 16
(3) في النسخة رقم 14 فلا يحرم
(4) في النسخة رقم 14 في باقي قيمته والمعنى واحد
(5) لفظ ثقة زيادة من النسخة رقم 16.
35

كل بلية وقد ترك حديثه إذ ظهر فيه البلاء، ثم سائر من رواه إلى أيوب ظلمات بعضها فوق
بعض كلهم مجهولون، وعمرو بن عبد الحبار إن كان هو السنجاري فهو ضعيف وإن كان
غيره فهو مجهول، ثم لو صح لكان المالكيون قد خالفوه وقد أجاز الحنيفيون بيع المدبر في
بعض الأحوال وهو أنهم قالوا في عبد بين اثنين دبره أحدهما ثم أعتق الآخر نصيبه: فان
على الذي دبر نصيبه أن يضمن قيمة نصيب صاحبه الذي أعتق حصته وهذا بيع للمدبر فقد
خالفوا هذا الخبر الموضوع مع احتجاجهم به، وان العجب ليكثر ممن يرد حديث بيع
المكاتب. وحديث المصراة. وحديث النهى عن بيع الكلب مع صحة أسانيدها وانتشارها
ثم يحتج بهذه الكذبة، وذكروا ما روينا من طريق أبى جعفر محمد بن علي بن الحسين: (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم باع خدمة المدبر) وهذا مرسل ولا حجة في مرسل، ثم لو صح لكان
حجة على الحنيفيين والمالكيين لأنهم لا يرون بيع خدمة المدبر ما لهم أثر غير ما ذكرنا *
واحتجوا برواية عن نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع
جابر بن عبد الله يقول في أولاد المدبرة: إذا مات سيدها ما نراهم الا أحرار أو ولدها كذلك
منها فكأنه عضو منها * ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ابن شهاب. وربيعة
قالا جميعا: ان عائشة أم المؤمنين باعت مدبرة لها في الاعراب فأخبر بذلك عمر فبعث
في طلب الجارية فلم يجدها فأرسل إلى عائشة فأخذ الثمن فاشترى به جارية فجعلها مكانها
على تدبيرها * ومن طريق وكيع نا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كره بيع
المدبر * هذا كل ما موهوا به عن الصحابة رضي الله عنهم وكله لا حجة لهم فيه *
أما خبر عمر فساقط لان الزهري. وربيعة لم يولدا الا بعد موت عمر بخمس وثلاثين
سنة وزيادة فهو منقطع وأيضا ففيه عبد الجبار بن عمر وهو ضعيف، ثم لو صح لكان هذا
عليهم لا لهم (1) لوجوه، أولها أن أم المؤمنين قد خالفته في ذلك فليس قوله حجة عليها ولا أولى
من قولها وهذا تنازع فالواجب عند التنازع الرد إلى القرآن، والسنة وهما يبيحان بيع
المدبر، والثاني أنهم قد خالفوه لان فيه انه قد أخذ الثمن فابتاع به جارية فجعلها مدبرة
مكانها ويعيذ الله أمير المؤمنين من هذا الحكم الفاسد الظاهر العوار إذ يحرم بيع مملوكة من
أجل مملوكة أخرى بيعت لا يحل بيعها، ويلزم على هذا من باع حرا أن يبتاع بالثمن عبدا
فيعتقه مكانه وهذا خلاف قول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر
وازرة وزر أخرى) وكيف ان ذهب الثمن أو لم توجد به رقبة أو وجدت به رقاب أو
وجدت المبيعة بعد ان جعلت هذه الأخرى مدبرة مكانها ولعل هذه تموت مملوكة فكيف (2)

(1) لفظ لا لهم زيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 16 وكيف
36

العمل أو لعلها تعيش وتموت المبيعة مملوكة فكيف العمل في هذا الخليط حاشا لله من هذا
فبطل تعلقهم بقول عمر * وأما خبر جابر فلا متعلق لهم فيه أصلا وأنما هو تمويه منهم مجرد
لأنه ليس فيه المنع من بيع المدبرة أصلا وإنما فيه حكم ولدها ان عتقت هي فقط ولو كان لهم
حياء ما موهوا في الدين بمثل هذا فكيف وقد جاء عن جابر خلاف قولهم كما روينا من
طريق ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر انه كان يقول: ولد المدبرة بمزلتها
يرقون برقها ويعتقون بعتقها، وذكر ابن وهب عن رجال (1) من أهل العلم عن عثمان
ابن عفان. وعلي بن أبي طالب. وزيد بن ثابت. وجابر بن عبد الله وغيرهم مثل قول
ابن عمر فهذا جابر يرى ارقاق المدبرة، قان قيل: هذا مرسل قلنا: بالمرسل احتججتم
علينا فخذوه أو فلا تحتجوا به * وأما حديث ابن عمر فإنما فيه الكراهة فقط، وقد صح
عن ابن عمر بيان جواز بيع المدبرة كما روينا بأصح سند من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر
أنه كان يقول: لا يطأ الرجل وليدة الا وليدة ان شاء باعها، وان شاء وهبها، وان
شاء صنع بها ما شاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن
ابن عمر أنه دبر جاريتين له فكان يطؤهما حتى ولدت أحداهما فهذا نص جلى من ابن عمر على
جواز (2) بيع المدبرة، فان ادعوا اجماعا على جواز وطئها كذبوا لما روينا من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه كان يكره أن يطأ الرجل مدبرته قال معمر: فقلت
له: لم تكرهه؟ فقال: لقول عمر: لا تقربها وفيها شرط لاحد، فظهر فساد ما تعلقوا به
عن الصحابة رضي الله عنهم وانه (3) ليس لهم حجة في شئ جاء عنهم، وموهوا من طريق النظر
بان قالوا: لما فرق بين اسم المدبر واسم الموصى بعتقه وجب أن يفرق بين حكميهما *
قال أبو محمد: وهذا باطل لأنه دعوى بلا برهان. وليس كل اسمين اختلفا وجب
أن يختلف معناهما وحكمهما إذا وجدا في اللغة متفقي المعنى فان المحرر. والمعتق اسمان مختلفان
ومعناهما واحد، والزكاة. والصدقة كذلك والزواج. والنكاح كذلك، وهذا
كثير جدا، وحتى لو صح لهم هذا الحكم الفاسد لكان الواجب إذا جاء فيهما نص ان
يوقف عنده، وأيضا فليس في اختلاف الاسمين ما يوجب ان يباع أحدهما ولا يباع
الآخر وقد اختلف اسم الفرس، والعبد وكلاهما يباع *
قال على: فلم يبق لهم متعلق أصلا، ومن البرهان على جواز بيع المدبر. والمدبرة
قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فصح
أن بيع كل متملك جائز الا ما فصل لنا تحريم بيعه ولم يفصل لنا تحريم بيع المدبر. والمدبرة

(1) في النسخة رقم 16 عن رجل
(2) في النسخة رقم 16 عمر يحل جواز
(3) في النسخة رقم 16 وانهم
37

فبيعهما حلال * ومن السنة ما روينا من طريق وكيع أنا سفيان الثوري. وإسماعيل بن أبي
خالد كلاهما عن سلمة بن كهيل عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله (أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم باع المدبر) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار
أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: دبر رجل من الأنصار غلاما له لم يكن له مال غيره فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يبتاعه منى فاشتراه رجل من بنى عدى بن كعب) قال جابر:
غلاما قبطيا مات عام أول في امارة ابن الزبير * ورويناه أيضا من طريق الليث. وأيوب
عن أبي الزبير أنه سمعه من جابر، فهذا أثر مشهور مقطوع بصحته بنقل التواتر وأمر كان
بحضرة الصحابة رضي الله عنهم كلهم مسلم راض فلو ادعى المسلم ههنا الاجماع لما أبعد
لا كدعاويهم الكاذبة، فقال بعض أهل الكذب: بيع في دين والا فلأي وجه بيع فقلنا:
كذبتم وأفكتم وإنما بيع لأنه لم يكن لمدبره مال غيره فلهذا باعه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما لو
كان له مال غيره فبيعه مباح لا واجب كسائر من تملك، ومن طريق النظر (1) أنه صح
الاجماع على جواز بيع المدبر قبل أن يدبر فمن منع منه بعد أن يدبر فقد أبطل وادعى ما لا
برهان له به * ومن طريق القياس الذي لو صح القياس لم يكن شئ أصح من هذا وهو ان
المعتق بصفة لا يدرى أيدركها المعتق بها أم لا والموصى بعتقه لا يختلفون في جواز بيعه
قبل مجئ تلك الصفة والمدبر موصى بعتقه كلاهما من الثلث فواجب ان صح القياس ان
يباع المدبر كما يباع الآخران ولكن لا النصوص يتبعون ولا القياس يحسنون * وممن صح
عنه بيع المدبر ما روينا (2) من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد
الأنصاري عن جدته عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أم المؤمنين. باعت مدبرة لها *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عمر بن عبد العزيز
ومحمد بن سيرين قالا جميعا: المدبر وصية * وبه إلى معمر عن عبد الله بن طاوس قال:
سألني محمد بن المنكدر عن المدبر كيف كان قول أبى فيه أيبيعه صاحبه؟ فقلت: كان أبى
يقول: يبيعه ان احتاج إليه فقال ابن المنكدر: وان لم يحتج * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال: كان طاوس لا يرى بأسا ان يعود الرجل في
عتاقته قال عمرو. يعنى التدبير * ومن طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال: المدبر وصية يرجع فيه إذا شاء * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سمعت
عطاء يقول: يعاد في المدبر وفى كل وصية * وقد روينا عن ابن سيرين. وعطاء كراهية
بيع المدبر * وعن الشعبي يبيعه الجرئ ويرع عنه الورع *

(1) في النسخة رقم 16 وأما من طريق النظر
(2) في النسخة رقم 16 كما روينا
38

قال أبو محمد: بل يبيعه الورع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقف عنه الجاهل وتالله
ما نخاف تبعة من الله تعالى في أمر لم يفصل لنا تحريمه في كتابه ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل
نخاف التبعة منه عز وجل في تحريمنا ما لم يفصل لنا تحريمه أو في توقفنا فيه خوف أن
يكون حراما ونعوذ بالله تعالى من هذا قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر
بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وبيع المدبر مما قضى به رسول
الله صلى الله عليه وسلم فمن كان مؤمنا فلا يجد في نفسه حرجا مما قضى فيه وبالله تعالى التوفيق *
1552 مسألة وبيع ولد المدبرة من غير سيدها حملت به قبل التدبير أو بعده
حلال، وبيع ما ولدت المكاتبة قبل أن تكاتب وبعد أن كوتبت ما لم تؤد شيئا من كتابتها
حلال، وبيع ولد أم الولد من غير سيده قبل أن تكون أم ولد حلال هذا كله لا خلاف
في شئ منه الا ما حملت به المدبرة بعد التدبير، وأما ما ولدت أم الولد من غير سيدها بعد
أن صارت أم ولد فحرام بيعه وحكمه كحكم أمه وسنذكر إن شاء الله تعالى حكم ما حملت به
المكاتبة بعد أن تؤدى شيئا من كتابتها في كتاب المكاتب من ديواننا هذا إن شاء الله
تعالى ولا حول ولا قوة الا بالله عز وجل
برهان صحة قولنا في ولد المدبرة التي تحمل به بعد التدبير هو أنه ولد أمة جائز بيعها فهو
عبد لان ولد الأمة عبد، وروينا مثل قولنا هذا عن عبد الرزاق عن معمر أخبرني من
سمع عكرمة يقول: أولاد المدبرة لا عتق لهم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج:
وابن عيينة قال ابن جريج: عن عمرو بن دينار. وعطاء كلاهما عن أبي الشعثاء، وقال ابن
عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال: أولاد المدبرة عبيد، وأما ما حملت به ثم
أدركها العتق قبل أن تضعه فهو حر معها ما لم يستثنه السيد لما ذكرنا قبل من أنه
وإن كان غيرها فهو تبع لها * واحتج المخالفون على القول بان ولد المدبرة بمنزلة أمهم
بأنه قد صح عن عثمان. وجابر. وابن عمر، وروى عن علي. وابن عباس. وزيد ولا
يعرف لهم من الصحابة مخالف *
قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا خلافهم لطوائف
من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف كالذي صح عن عثمان. وصهيب. وتميم الداري من أن
البيع لدار واشتراط سكناها مدة عمر البائع وذلك بحضرة الصحابة لا يعرف لهم
منهم مخالف، وغير ذلك كثير جدا، وأما ولد أم الولد قبل أن تكون أم ولد فلا خلاف
فيه، وأما ما حملت به بعد أن تكون أم ولد فلا يحل بيعهم لأنها حرام بيعها وهو إذا
حملت به بعضها فحرام بيعه وما حرم بيعه بيقين فلا يحل بعد ذلك الا بنص ولا نص في
39

جواز بيعه بعد مفارقته لها * فان ذكروا كل ذات رحم فولدها بمنزلتها فهو ليس عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه، ثم هم أول مخالف لهذا في ولد المعتقة بصفة. وولد المعتقة
إلى أجل وبالله تعالى التوفيق *
1553 مسألة وبيع المعتق إلى أجل أو بصفة حلال ما لم يجب له العتق بحلول
تلك الصفة كمن قال لعبده: أنت حر غدا فله بيعه ما لم يصبح الغد أو كمن قال له: أنت حر
إذا أفاق مريضي فله بيعه ما لم يفق مريضه لأنه عبد ما لم يستحق العتق وهو قول الشافعي.
وأبي حنيفة وأبي سليمان. وأصحابهم، وقال مالك. كذلك في المعتق بصفة يمكن أن
تكون ويمكن أن لا تكون ولم يقله في المعتق إلى أجل، واحتج بأنه لابد أن يكون فقلنا:
نعم فكان ماذا؟ الا أنه حتى ألآن لم يكن بعد ولا دليل لهم على هذا الفرق أصلا وإنما هو
دعوى واحتجاج لقولهم بقولهم
1554 مسألة وجائز لمن أتى السوق من أهله أو من غير أهله أن يبيع سلعته
بأقل من سعرها في السوق وبأكثر ولا اعتراض لأهل السوق عليه في ذلك ولا للسلطان،
وقال المالكيون: ليس له أن يبيع بأقل من سعرها ويمنع من ذلك وله أن يبيع بأكثر *
قال على: وهذا عجب جدا أن يمنعوه من الترخيص على المسلمين ويبيحون له التغلية
ان هذا لعجب (1) وما نعلم قولهم هذا عن أحد قبل مالك، ثم زادوا في العجب
واحتجوا بالذي روينا من طريق مالك عن يونس بن يوسف عن سعيد بن المسيب أن
عمر مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق فقال له عمر: اما أن تزيد في
السعر واما أن ترفع عن سوقنا *
قال على: هذا لا حجة لهم فيه لوجوه، أحدها انه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والثاني انهم كم قصة خالفوا فيها عمر (2) كاجباره بنى عم على النفقة على ابن عمهم. وكعتقه
كل ذي رحم محرمة إذا ملك وغير ذلك، والثالث انه لا يصح عن عمر لان سعيد بن المسيب
لم يسمع من عمر الا نعيه النعمان بن مقرن فقط، والرابع انه لو صح لكانوا قد أخطئوا فيه
على عمر فتأولوه بما لا يجوز وإنما أراد عمر بذلك لو صح عنه بقوله اما أن تزيد في السعر يريد
أن تبيع من المكاييل أكثر مما تبيع بهذا الثمن وهذا خلاف قولهم هذا الذي لا يجوز أن
يظن بعمر غيره فكيف وقد جاء عن عمر مبينا كما (3) روينا هذا الخبر عنه من طريق (4)
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: وجد عمر حاطب بن أبي بلتعة يبيع الزبيب
بالمدينة فقال: كيف تبيع يا حاطب؟ فقال مدين فقال عمر: تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا

(1) في النسخة رقم 16 لعجيب
(2) في النسخة رقم 14 خالفوها لعمر
(3) لفظ كما سقط من النسخة رقم 14
(4) في النسخة رقم 16 هذا الخبر عن عبد الرزاق
40

وأسواقنا تقطعون في رقابنا ثم تبيعون كيف شئتم بع صاعا والا فلا تبع في أسواقنا والا
فسيبوا في الأرض ثم اجلبوا ثم بيعوا كيف شئتم، فهذا خبر عمر مع حاطب في الزبيب كما
يجب ان يظن بعمر، فان قالوا: في هذا ضرر على أهل السوق قلنا: هذا باطل بل في قولكم
أنتم الضرر على أهل البلد كلهم. وعلى المساكين. وعلى هذا المحسن إلى الناس ولا ضرر
في ذلك على أهل السوق لأنهم أن شاءوا أن يرخصوا كما فعل هذا فليفعلوا والا فهم أملك
بأموالهم كما هذا أملك بماله، والحجة القاطعة في هذا قول الله تعالى: (الا أن تكون
تجارة عن تراض منكم) وقوله تعالى: (وأحل الله البيع) *
1555 مسألة ومن ابتاع سلعة في السوق فلا يحل ان يحكم عليه بأن يشركه فيها
أهل تلك السوق وهي لمشتريها خاصة وهو قال الناس، وقال المالكيون: يجبر على أن
يشركوه فيها وما نعلم أحدا قاله غيرهم وهو ظلم ظاهر ويبطله قول الله تعالى: (الا أن تكون تجارة
عن تراض منكم) فلم يتراض البائع الا مع هذا المبتاع لا مع غيره فالحكم به لغيره أكل مال
بالباطل بلا دليل أصلا وبالله تعالى التوفيق، بل قد جاء عن عمر الحكم على أهل السوق بهذا في
غيرهم لا لهم كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري
عن مسلم بن جندب قال: قدم المدينة طعام فخرج أهل السوق إليه فابتاعوه فقال لهم عمر:
أفي سوقنا (1) هذا تتجرون؟ أشركوا الناس أو اخرجوا فاشتروا ثم ائتوا فبيعوا *
قال على: وهذا الذي حكم به المالكيون أعظم الضرر على المسلمين لان أهل الصناعة من
السوق يتواطؤن على إماتة السلعة التي يبيعها الجالب أو المضطر ويتفقون على أن لا يزيدوا
فيها ويتركوا واحدا منهم يسومه حتى يترك المضطر على حكمه ثم يقتسمونها بينهم وهذا
واجب منعهم منه لأنه غش وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من غشنا) *
1556 مسألة ولا يجوز البيع بالبراءة من كل عيب ولا على أن لا يقوم على
بعيب والبيع هكذا فاسد مفسوخ أبدا. وذهب أبو حنيفة إلى جواز البيع بالبراءة ولم ير
للمشترى القيام بعيب أصلا علمه البائع أو لم يعلمه، وذهب سفيان. والحسن بن حي
وأبو سليمان إلى أنه لا يبرأ بشئ من ذلك (2) من العيوب علمه البائع أو لم يعلمه، وذهب
الشافعي إلى أنه لا يبرأ بذلك من شئ من العيوب الا في الحيوان خاصة فإنه يبرأ به مما لم يعلم
من عيوب الحيوان المبيع ولا يبرأ مما علمه من عيوبه فكتمه، ولمالك ثلاثة أقوال.
أحدها وهو الذي ذكرنا انه المجتمع عليه عندهم وهو مثل قول الشافعي حرفا حرفا وهو قوله
في الموطأ، والثاني انه لا يبرأ بذلك الا في الرقيق خاصة فيبرأ مما لم يعلم ولا يبرأ مما علم

(1) في النسخة رقم 16 في زماننا
(2) في النسخة رقم 14 لا يبرأ بذلك من شئ
41

فكتم، وإنما في سائر الحيوان وغير الحيوان فلا يبرأ به من عيب أصلا، والثالث وهو الذي
رجع إليه وهو انه لا ينتفع بالبراءة الا في ثلاثة أشياء فقط وهو بيع السلطان للمغنم أو على
مفلس، والثاني العيب الخفيف خاصة في الرقيق خاصة لكل أحد، والثالث فيما يصيب
الرقيق في عهدة الثلاث خاصة * وذهب بعض المتقدمين منهم عطاء. وشريح إلى أنه
لا يبرأ أحد وان باع بالبراءة الا من عيب بينه ووضع يده عليه فأما القول بوضع اليد فرويناه
عن شريح وصح عن عطاء. وروينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني
عن أبي عثمان النهدي قال: ما رأيتهم يجيزون من الداء إلا ما بينت ووضعت يدك عليه *
قال أبو محمد: ولو وجد الحنيفيون. والمالكيون مثل هذا لطاروا به كل مطار لان
أبا عثمان أدرك جميع الصحابة أولهم عن آخرهم وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم الا انه لم يلقه فلو
وجدوا مثل هذا فيما يعتقدونه لقالوا: إنما ذكر ذلك عن الصحابة وهذا اجماع *
قال على: وأما نحن فلا نقطع بالظنون ولا ندري لوضع اليد معنى ومثل هذا لا يؤخذ
الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن غيره وبالله التوفيق * وأما قول الشافعي فما نعلم له
حجة إلا أنه قلد ما روينا عن عثمان (1) من طريق مالك عن ابن سعيد الأنصاري عن سالم
ابن عبد الله قال: ان أباه باع غلاما له بالبراءة فخاصمه المشترى إلى عثمان وقال: باعني
عبدا وبه داء لم يسمه لي فقال ابن عمر: بعته بالبراءة فقضى عثمان على ابن عمر بأن يحلف لقد
باعه الغلام وما به داء يعلمه فأبى ابن عمر من أن يحلف وارتجع العبد *
قال أبو محمد: وهذا عجب جدا إذ قلد عثمان ولم يقلد (2) ابن عمر جواز البيع بالبراءة
في الرقيق، والشافعي أشد الناس انكارا للتقليد، ثم عجب آخر كيف قلد عثمان فيما لم
يقله عثمان قط ولا صح عنه ولم يقلده في هذا الخبر نفسه في قضائه على ابن عمر بالنكول
وهو صحيح عنه ان هذا هو عين العجب * واحتج لترجيحه رأى عثمان بان الحيوان لا يكاد
يخلو من عيب باطن وأنه يتغذى بالصحة والسقم فقلنا: فكان ماذا؟ ومن أين وجب
بهذا أن ينتفع بالبراءة فيه مما لم يعلمه من العيوب ولا ينفعه مما علم فكتم؟ ان هذا لعجب
فوجب رفض هذا القول لتعريه من الدلائل، وأيضا فان عثمان رضي الله عنه لم يقل:
إن الحكم بما حكم به إنما هو في الحيوان دون ما سواه فمن أين خرج له تخصيص الحيوان
بذلك؟ فان قالوا: إنما حكم بذلك في عبد قلنا: فلا تتعدوا بذلك العبيد أو الرقيق. فان قالوا:
قسنا الحيوان على العبد قلنا: ولم لم تقيسوا جميع المبيعات على العبد؟ فحصلوا على خبال
القياس. وعلى مخالفة عثمان. وابن عمر فكيف وقد روينا هذا الخبر من طريق سعيد

(1) سقط جملة عن عثمان من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 إذ قلدوا عثمان ولم يقلدوا الخ بواو الجمع وهو غلط بدليل سابقه ولاحقه
42

ابن منصور نا هشيم أنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه باع
سلعة كانت له بالبراءة ثم ذكر الخبر بتمامه وقضى عثمان عليه باليمين أنه ما باعه وبه داء
يعلمه (1) فكره ابن عمر اليمين وارتجع السلعة، فهذا عموم لكل مبيع واسناده متصل
سالم عن أبيه وما نعلم لهم سلفا في تفريقهم هذا من الصحابة أصلا واما أقوال مالك فشديدة
الاضطراب أول ذلك (2) انه حكى عن أحدها وهو الموافق لقول الشافعي انه الامر
المجتمع عليه عندهم وهذا اللفظ عند مقلديه من الحجج التي لا يجوز خلافها وفى هذا عجبان
عجيبان، أحدهما أنه روى عن عثمان. وابن عمر خلاف هذا الامر المجتمع عليه وما علمنا (3)
اجماعا يخرج منه عثمان. وابن عمر، والثاني أنه رجع مالك نفسه عن هذا القول الذي
ذكره أنه المجتمع عليه عندهم فلئن كان الامر المجتمع عليه عندهم بالمدينة حجة لا يجوز
خلافها فكيف استجاز مالك أن يخالف المجتمع عليه بالمدينة وهو الحق؟ فلقد خالف
الحق وتركه بعد أن علمه، وإن كان الامر المجتمع عليه عندهم بالمدينة ليس حجة ولا يلزم
اتباعه فما بالهم يغرون الضعفاء به ويحتجون به في رد السنن اما هذا عجب! فان قالوا: لم
يرجع مالك عنه الا لخلاف وجده هنالك فقلنا (4): فقد جاز الوهم عليه في دعوى
الاجماع ووجد الخلاف بعد ذلك فلا تنكروا مثل هذا في سائر ما ذكر فيه انه الامر
المجتمع عليه ولا تنكروا وجود الخلاف (5) فيه وهذا ما لا مخلص لهم منه الا أن هذا
القول قد بينا في ابطالنا قول الشافعي بطلانه وبالله تعالى نتأيد. وأما قوله الثاني في تخصيصه
الرقيق خاصة فما ندري له متعلقا أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا من رواية سقيمة.
ولا قول صاحب. ولا قياس. ولا رأى. ولعل قائلا يقول: انه قلد عثمان فقلنا: وما
بال تقليد عثمان دون تقليد ابن عمر وكلاهما صاحب. وأيضا فما قلد عثمان لان عثمان لم
يقل: ان هذا الحكم إنما هو في الرقيق خاصة وقد خالفه في قضائه بالنكول فما حصل الا
على خلاف عثمان. وابن عمر فبطل هذا القول أيضا لتعريه عن الأدلة جملة. وأما قوله
الثالث الذي رجع إليه فاشدها فسادا لأنه لا متعلق له بقول أحد نعلمه لا صاحب. ولا تابع.
ولا قياس. ولا سنة ولا رواية سقيمة. ولا رأى له وجه. ثم تخصيصه البيع على المفلس
عجب وعهدة الثلاث كذلك ثم تخصيصه بالعيب الخفيف وهو لم يبين ما الخفيف من
الثقيل فحصل مقلدوه في أضاليل لا يحكمون بها في دين الله تعالى الا بالظن فسقطت هذه
الأقوال كلها وبالله تعالى التوفيق * وأما قول أبي حنيفة فإنهم قالوا: قد صح الاجماع
المتيقن على أنه إذا باع وبرئ من عيب سماه فإنه يبرأ منه ولا فرق بين تفصيله عيبا عيبا

(1) في النسخة رقم 14 علمه
(2) في النسخة رقم 14 أولها
(3) في النسخة رقم 16 وما نعلم
(4) في النسخة رقم 14 قلنا
(5) في النسخة رقم 16 الاختلاف
43

وبين اجماله العيوب وقالوا: قد روى قولنا عن بعض الصحابة كما ذكرنا عن ابن عمر.
وزيد بن ثابت ولعلهم يحتجون بالمسلمين عند شروطهم *
قال أبو محمد: ما نعلم لهم شغبا غير هذا فاما المسلمون عند شروطهم فقد قدمنا أنه باطل
لا يصح وانه لو صح لم يكن لهم فيه حجة لان شروط المسلمين ليست الا الشروط التي نص
الله تعالى على اباحتها ورسوله صلى الله عليه وسلم لا شروطا لم يبحها الله تعالى ولا رسوله عليه السلام
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل) وأما الرواية
عن بعض الصحابة فقد اختلفوا ولا حجة في قول بعضهم دون بعض، وأما قولهم: لا فرق
بين تفصيل العيوب وبين اجمالها فكذبوا بل بينهما أعظم الفرق لأنه إذا سمى العيب
ووقف عليه فقد صدق وبرئ منه وإذا أجمل العيوب فقد كذب بيقين لان العيوب تتضاد
فصارت صفقة انعقدت على الكذب فهي مفسوخة وكيف لا يكون فرق بين صفقة
صدق وصفقة كذب، وأما الصحابة فقد اختلفوا ولا حجة في قول أحد دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبطل هذا القول أيضا لتعريه من الأدلة *
قال أبو محمد: فلنذكر الآن البرهان على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته وهو أن
من باع بشرط ان لا يقام عليه بعيب ان وجد فهو بيع فاسد باطل لأنه انعقد على شرط ليس
في كتاب الله تعالى فهو باطل ولأنه غش والغش محرم قال عليه السلام: (من غشنا فليس
منا) وقال عليه السلام: (الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم)
ومن باع بالبراءة من العيوب فلا يخلو من أن يكون أراد بذلك أن لا يقام عليه بعيب ان
وجد وأنه برئ منه فقد ذكرنا أن البيع هكذا باطل أو يكون أراد فيه كل عيب فهذا باطل
بيقين لان الحمى عيب وهي من حر والفالج عيب وهو من برد وهما متضادان وكل بيع
انعقد على الكذب والباطل فهو باطل لأنه انعقد على أنه لا صحة له الا بصحة ما لا صحة له فلا صحة
له، ولا فرق في هذا الوجه بين أن يسمى العيوب كلها أو بعضها أو لا يسميها لأنه إنما
سمى عيبا واحدا فأكثر وكذب فيه فالصفقة باطل لانعقادها على الباطل وعلى أن به ما ليس
فيه وانه على ذلك يشتريه فإذ ليس به ذلك العيب فلا شراء له فيه. وهذا في غاية الوضوح
وبالله تعالى التوفيق: فان باع وسكت ولم يبرأ من عيب أصلا ولا شرط سلامة فهو
بيع صحيح ان وجد العيب (1) فالخيار لواجده في رد أو امساك والا فالبيع لازم وبالله
تعالى التوفيق *
1557 مسألة وبيع المصاحف جائز وكذلك جميع كتب العلوم عربيها وعجميها

(1) في النسخة رقم 14 عيب
44

لان الذي يباع إنما هو الرق أو الكاغد أو القرطاس والمداد والاديم إن كانت مجلدة
وحلية (1) إن كانت عليها فقط، وأما العلم فلا يباع لأنه ليس جسما وهو قول أبي حنيفة.
ومالك والشافعي. وأبي سليمان. وروينا من طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله
هو الطحان عن سعيد بن إياس الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف. وتعليم الصبيان بالأرش يعظمون ذلك *
ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن سالم بن عجلان هو الأفطس عن سعيد بن
جبير قال: قال ابن عمر: وددت انى قد رأيت أن (2) الأيدي تقطع في بيع المصاحف * ومن
طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى أنا قتادة عن زرارة بن أوفى الحرشي عن مطرف
ابن مالك قال: شهدت فتح تستر مع أبي موسى الأشعري فأصبنا دانيال بالسوس ومعه
ربعة فيها كتاب ومعنا أجير نصراني فقال: تبيعوني (3) هذه الربعة وما فيها؟ قالوا:
إن كان فيها ذهب أو فضة أو كتاب الله لم نبعك قال فان الذي فيها كتاب الله تعالى فكرهوا
بيعه قال: فبعناه الربعة بدرهمين ووهبنا له الكتاب قال قتادة فمن ثم كره بيع المصاحف
لان الأشعري. والصحابة (4) كرهوا بيع ذلك الكتاب *
قال أبو محمد: إنما كرهوا البيع نفسه ليس من أجل أن المشترى كان نصرانيا ألا
ترى أنهم قد وهبوه له بلا ثمن * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أبي حصين
عن أبي الضحى سألت عبد الله بن يزيد، ومسروقا. وشريحا عن بيع المصاحف؟ فقالوا:
لا نأخذ لكتاب الله ثمنا * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان أن ابن جريج ذكر عن
عطاء عن ابن عباس قال في المصاحف: اشترها ولا تبعها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا
عبد الله بن إدريس الأودي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال في
المصاحف: اشترها ولا تبعها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا إسماعيل بن إبراهيم هو
ابن علية عن ليث عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أنه كره
شراء المصاحف وبيعها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم
النخعي قلت لعلقمة أبيع مصحفا؟ قال: لا * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن سعيد
ابن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم قال: لحس الدبر أحب إلى من بيع المصاحف *
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي
أنه كان يقول: لا يورث المصحف هو لأهل البيت القراء * منهم ومن طريق الحجاج
ابن المنهال نا يزيد بن زريع نا خالد هو الحذاء عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال:

(1) في النسخة رقم 16 والحلي
(2) لفظ أن زيادة من النسخة رقم 16
(3) في النسخة رقم 14 بيعوني
(4) في النسخة رقم 14 وأصحابه
45

كان يكره بيع المصاحف وابتياعها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن خالد الحذاء عن
محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني أنه كره بيع المصاحف وابتياعها ومن طريق الحجاج
ابن المنهال نا مهدي بن ميمون سألت محمد بن سيرين عن كتاب المصاحف بالاجر؟
فقال: كره كتابها واستكتابها وبيعها وشراؤها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن
عكرمة بن عمار عن سالم هو ابن عبد الله بن عمر قال: بئس التجارة بيع المصاحف *
ومن طريق وكيع عن سعيد بن أبي عروبة. وشعبة قال سعيد: عن قتادة عن سعيد
ابن المسيب وقال شعبة عن أبي بشير عن سعيد بن جبير، ثم اتفق (1) ابن المسيب. وابن
جبير قالا جميعا: اشتر المصاحف ولا تبعها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا المعتمر بن سليمان
عن معمر عن قتادة قال: اشتر ولا تبع يعنى المصاحف * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عفان
نا همام عن يحيي بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن
بيع المصاحف؟ قال: اشترها ولا تبعها وهو قول الحكم بن عتيبة. ومحمد بن علي بن
الحسين * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن بيع المصاحف؟
فكرهه * ومن طريق وكيع نا إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي قال: اشتر
المصاحف ولا تبعها * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أنه كره بيع المصاحف
فلم يزل به مطر الوراق حتى ارخص له * فهؤلاء أبو موسى الأشعري. وكل من معه من
صاحب أو تابع أيام عمر بن الخطاب. وابن مسعود. وعبد الله بن عباس. وعبد الله بن
زيد. وجابر بن عبد الله. وابن عمر ستة من الصحابة بأسمائهم، ثم جميع الصحابة
باطلاق لا مخالف لهم منهم، ومن التابعين المسلمين: مسروق. وسريح. ومطرف
ابن مالك. وعلقمة. وإبراهيم. وعبيدة السلماني. وابن سيرين. وسالم بن عبد الله. وسعيد
ابن المسيب. وسعيد بن جبير. وأبو سلمة بن عبد الرحمن: وقتادة. والزهري
والشعبي. والحسن كلهم ينهى عن بيع المصاحف ولا يراه سوى من ذكر ذلك عنه
من الجمهور ممن لم يسم وما نعلمه روى إباحة بيعها الا عن الحسن. والشعبي باختلاف
عنهما. وعن أبي العالية وأثرين موضوعين أحدهما من طريق عبد الملك بن
حبيب عن طلق بن السمح عن عبد الجبار بن عمرو الأيلي قال: كان ابن مصبح
يكتب المصاحف في زمان عثمان ويبيعها ولا ينكر ذلك عليه، والآخر أيضا من
طريق ابن حبيب عن الحارث بن أبي الزبير المدني عن أنس بن عياض عن بكير بن
مسمار عن ابن عباس أنه كان يكره للرجل أن يبيعها يتخذها متجرا ولا يرى بأسا بما عملت يداه

(1) في النسخة رقم 16 ثم اتفقوا
46

منها أن يبيعه، ابن حبيب ساقط، وابن مصبح. والحارث بن أبي الزبير. وطلق بن
السمح لا يدرى أحد من هم من خلق الله تعالى، وعبد الجبار بن عمرو ساقط ولم يدرك عمان
وبكير بن مسمار ضعيف، ثم هما مخالفان لقولهم لأنه ليس في حديث ابن مصبح أن عثمان
عرف بذلك ولا أن أحدا من الصحابة عرف بذلك، وفى حديث ابن عباس أنه كره أن
يتخذ بيعها متجرا. فأين المالكيون. والحنيفيون. والشافعيون المشنعون بخلاف الصاحب
الذي لا يعرف له مخالف، والمشنعون بخلاف جمهور العلماء. وقد وافقوا ههنا كلا
الامرين. ثم العجب كل العجب. قولهم في قول عائشة الذي لم يصح عنها أبلغي زيد بن
أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب في ابتياعه عبدا إلى العطاء بثمانمائة
درهم وبيعه إياه من التي باعته منه بستمائة درهم نقدا وقد خالفها زيد بن أرقم فقالوا:
مثل هذا لا يقال بالرأي فلم يبق إلا أنه توقيف ولم يقولوا ههنا فيما صح عن ابن عمر مما لم يصح
عن أحد من الصحابة خلافه من إباحة قطع الأيدي في بيع المصاحف. وعن الصحابة جملة
فهلا قالوا: مثل هذا لا يقال بالرأي ولكن ههنا يلوح تناقضهم في كل ما تحكموا (1) به
في دين الله تعالى ونحمد الله (2) على السلامة. وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون
رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر القائلون به أم قلوا كائنا من كان القائل ولا نتكهن فنقول: مثل
هذا لا يقال بالرأي فننسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله وهذا هو الكذب عليه جهارا،
والحجة كلها قول الله تعالى (وأحل الله البيع) وقوله عز وجل: (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم) فبيع المصاحف كلها حلال. إذ لم يفصل لنا تحريمه. وما كان ربك نسيا، ولو
فصل تحريمه لحفظه الله تعالى حتى تقوم به الحجة على عباده وبالله تعالى التوفيق *
1558 مسألة ومن باع سلعة بثمن مسمى حالة أو إلى أجل مسمى قريبا
أو بعيدا (3) فله أن يبتاع تلك السلعة من الذي باعها منه بثمن مثل الذي باعها به منه وبأكثر منه
وبأقل حالا والى أجل مسمى أقرب من الذي باعها منه إليه أو أبعد ومثله كل ذلك حلال لا
كراهية في شئ منه ما لم يكن ذلك عن شرط مذكور في نفس العقد فإن كان عن شرط فهو
حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب وهو قول الشافعي. وأبي سليمان. أصحابها *
برهان ذلك قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم) فهذان بيعان فهما حلالان (4) بنص القرآن ولم يأت تفصيل تحريمها في كتاب
ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان ربك نسيا فليسا بحرام، وأما اشتراط ذلك
فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)،

(1) في النسخة رقم 16 ما يحكمون
(2) في النسخة رقم 14 والحمد لله
(3) في النسخة رقم 14 قريب أو بعيد
(4) في النسخة رقم 16 فهما حلال
47

وذهب أبو حنيفة إلى أن من اشترى سلعة بثمن ما وقبض السلعة ثم باعها من البائع لها
منه بأقل من الثمن الذي اشتراها به قبل أن ينقد هو الثمن الذي كان اشتراها هو به فالبيع
الثاني باطل فان باعها من الذي كان ابتاعها منه بدنانير وكان هو قد اشتراها بدراهم أو
ابتاعها بدنانير ثم باعها من بائعها (1) بدراهم فإن كان قيمة الثمن الثاني أقل من قيمة الثمن
الأول فإنه لا يجوز، فإن كان اشتراها بدنانير أو بدراهم ثم باعها من الذي ابتاعها هو
منه بسلعة جاز ذلك كان ثمنها أقل من الثمن الذي اشتراها به أو أكثر فان ابتاعها في كل
ما ذكرنا بثمن ثم باعها من بائعها منه بثمن أكثر من الثمن الذي ابتاعها به منه فهو جائز،
قال: وكل ما يحرم في هذه المسألة على البائع الأول فهو يحرم على شريكه في التجارة التي تلك
السلعة منها وعلى وكيله. وعلى مدبره. وعلى مكاتبه. وعلى عبده المأذون له في التجارة، وقال
مالك: من اشترى سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى ثم ابتاعها هو من الذي ابتاعها منه
بأكثر من ذلك الثمن إلى مثل ذلك الأجل لم يجز فان ابتاع سلعة ليست طعاما ولا شرابا
بثمن مسمى ثم اشتراها منه الذي كان باعها منه قبل أن يقبضها منه بأقل من ذلك الثمن أو
بأكثر فلا بأس به إلا أن يكون من أهل العينة وقد نقده الثمن فلا خير فيه فان ابتاع سلعة بثمن
مسمى إلى أجل مسمى فإنه لا يجوز له أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أقل من ذلك الثمن أو
بسلعة تساوى أقل من ذلك الثمن نقدا والى أجل أقل من ذلك الأجل أو مثله لم يجز شئ
من ذلك وله أن يبيعها من الذي باعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن نقدا أو إلى
أجل أقل من ذلك الأجل أو مثله وليس له أن يبيعها من بائعها منه بثمن أكثر من
ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الأجل ولا بسلعة تساوى أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد
من ذلك الأجل *
قال أبو محمد: احتج أهل هذين القولين بما رويناه من طريق شعبة عن أبي
إسحاق عن امرأته، ومن طريق يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع بن
شراحيل ثم اتفقا عنها قالت: دخلنا على عائشة أم المؤمنين. وأم ولد لزيد بن أرقم
فقالت أم ولد زيد بن أرقم: انى بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة إلى العطاء
واشتريته بستمائة فقالت عائشة: أبلغي زيدا أنك قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
الا أن يتوب بئس ما اشتريت وبئس ما شريت قالت: أرأيت أن لم آخذ الا رأس مالي؟
قالت فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف فقالوا: مثل هذا الوعيد لا يقال
بالرأي ولا فيما سبيله الاجتهاد فصح أنه توقيف * وبما روينا من طريق وكيع نا سفيان

(1) في النسخة رقم 16 (من بائعها منه)
48

الثوري عن سليمان التيمي عن حيان بن عمير القيسي عن ابن عباس في الرجل يبيع الجريرة
إلى رجل فكره أن يشتريها يعنى (1) بدون ما باعها وقالوا: هي دراهم بأكثر منها وقالوا:
هذان أرادا الربا فتحيلا له بهذا البيع ما لهم شئ شغبوا به غير ما ذكرناه *
فأما خبر امرأة أبي إسحاق ففاسد جدا لوجوه، أولها ان امرأة أبي إسحاق مجهولة
الحال لم يرو عنها أحد غير زوجها. وولدها يونس على أن يونس قد ضعفه شعبة بأقبح
التضعيف. وضعفة يحيى القطان. وأحمد بن حنبل جدا وقال فيه شعبة: أما قال لكم:
حدثنا ابن مسعود، والثاني انه قد صح انه مدلس وان امرأة أبي إسحاق لم تسمعه من أم المؤمنين
وذلك أنه لم يذكر عنها زوجها ولا ولدها انها سمعت سؤال المرأة لام المؤمنين ولا جواب أم
المؤمنين لها إنما في حديثها دخلت على أم المؤمنين أنا وأم ولد لزيد بن أرقم فسألتها أم ولد زيد
ابن أرقم وهذا يمكن أن يكون ذلك السؤال في ذلك المجلس ويمكن أن يكون في غيره فوجدنا
ما حدثناه علي بن محمد بن عباد الأنصاري نام حمد بن عبد الله بن محمد بن يزيد اللخمي نا ابن مفرج
القاضي نا الحسن بن مروان القيسراني نا إبراهيم بن معاوية نا محمد بن يوسف الفريابي نا سفيان
الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة أبى السفر أنها باعت من زيد بن أرقم خادما لها
بثمانمائة درهم إلى العطاء فاحتاج فابتاعتها منه بستمائة درهم فسألت عائشة أم المؤمنين؟ فقالت:
بئس ما شريت وبئس ما اشتريت مرارا أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده ان لم يتب
قالت: فإن لم آخذ الا رأس مالي قالت عائشة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف *
وما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته
قالت: سمعت امرأة أبى السفر تقول: سألت عائشة أم المؤمنين؟ فقلت بعت زيد بن أرقم
خادما إلى العطاء بثمانمائة درهم وابتعتها منه بستمائة درهم فقالت لها عائشة: بئس ما شريت
أو بئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يتوب
قالت: أفرأيت أن أخذت رأس مالي؟ قالت: لا بأس فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله
ما سلف، فبين سفيان الدفينة التي في هذا الحديث وانها لم تسمعه امرأة أبي إسحاق من أم
المؤمنين وإنما روته عن امرأة أبى السفر وهي التي باعت من زيد وهي أم ولد لزيد وهي في الجهالة
أشد وأقوى من امرأة أبي إسحاق فصارت مجهولة عن أشد منها جهالة ونكرة فبطل (2) جملة
ولله تعالى الحمد، وليس بين يونس. وبين سفيان نسبة في الثقة. والحفظ. فالرواية ما روى
سفيان * والثالث ان من البرهان الواضح على كذب هذا الخبر ووضعه وانه لا يمكن أن
يكون حقا أصلا ما فيه مما نسب إلى أم المؤمنين من أنها قالت: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد

(1) سقط لفظ يعنى من النسخة رقم 14
(2) في النسخة رقم 16 فبطلت
49

أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لم يتب وزيد لم يفته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا غزوتان
فقط بدر وأحد فقط وشهد معه عليه السلام سائر غزواته، وأنفق قبل الفتح وقاتل وشهد
بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية ونزل فيه القرآن وشهد الله تعالى له بالصدق وبالجنة
على لسان رسوله عليه السلام انه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، ونص القرآن بأن
الله تعالى قد رضي عنه وعن أصحابه الذين بايعوا تحت الشجرة فوالله ما يبطل هذا كله ذنب من
الذنوب غير الردة (1) عن الاسلام فقط وقد أعاذه الله تعالى منها برضاه عنه وأعاذ أم
المؤمنين من أن تقول هذا الباطل * والرابع أنه يوضح كذب هذا الخبر أيضا أنه لو صح
أن زيدا أتى أعظم الذنوب من الربا المصرح وهو لا يدرى انه حرام لكان مأجورا في ذلك
أجرا واحدا غير آثم ولكان له من ذلك ما لابن عباس رضي الله عنه في إباحة الدرهم بالدرهمين
جهارا يدا بيد وما لطلحة رضي الله عنه إذ أخذ دنانير مالك بن أوس ثم أخره بالدراهم في
صرفها إلى مجئ خازنه من الغابة بحضرة عمر رضي الله عنه فما زاد عمر على منعه من تعليمه
ولا زاد أبو سعيد على لقاء ابن عباس وتعليمه، وما أبطل عمر. ولا أبو سعيد بذلك تكبيرة
واحدة من عمل طلحة. وابن عباس وكلا الوجهين بالنص الثابت ربا صراح،
ولا شئ في الربا (2) فوقه فكيف يظن بأم المؤمنين ابطال جهاد زيد بن أرقم في شئ عمله
مجتهدا لا نص في العالم يوجد بخلافه لا صحيح ولا من طريق واهية هذا والله الكذب المحض
المقطوع به فليتب إلى الله تعالى من ينسبه إلى أم المؤمنين ومن يحرم به في دين الله تعالى ما لم
يحرمه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم * فهذه براهين أربعة في بطلان هذا الخبر وانه خرافة
مكذوبة ثم نقول: إنه لو صح صحة الشمس لما كان لهم فيه حجة لوجوه أولها أنه قول من أم
المؤمنين وما قولها بأولى من قول زيد وإن كانت أفضل منه إذا تنازعا لان الله تعالى يقول:
(فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ولم
يأمرنا (3) بالرد إلى أحد دون القرآن والسنة، والثاني ان نقول لهم كم قولة رددتموها لام
المؤمنين بالدعاوي الفاسدة كبيعها المدبرة واباحتها الاشتراط في الحج فأطرحتم حكمها
وتعلقتم بمخالفة عمر لها في المدبرة، وصح عن عمر من قدم ثقله من منى قبل إن ينفر فلا حج له
والاشتراط في الحج فأطرحتم قول عمر ولم تقولوا: مثل هذا لا يقال بالرأي فلم يبق الا انه
توقيف وخالفتموه لقول ابنه: لا أعرف الاشتراط في الحج فمرة يكون قول أم المؤمنين
حجة ومرة لا يشتغل به ومرة تكون عائشة حجة على زيد بن أرقم. وعمر حجة على عائشة.
وابن عمر حجة على عمر وغير ابن عمر حجة على ابن عمر، وهذا هو التلاعب بالدين وبالحقائق،

(1) في النسخة رقم 14 الا الردة
(2) في النسخة رقم 14 لا شئ في الربا
(3) في النسخة رقم 14 (فأمر)
50

والثالث أن ابن عمر قد صح عنه ما أوردناه في الباب الذي قبل هذا من قوله: وددت انى رأيت
الأيدي تقطع في بيع المصاحف فهلا قلتم مثل هذا لا يقال بالرأي كما قلتم ههنا، والرابع أن من
الضلال العظيم أن يظن أن عندها رضي الله عنها في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرا ثم تكتمه
فلا ترويه لاحد من خلق الله تعالى حاشا لها من ذلك من أن تكتم ما عندها من البينات والهدى
فما حصلوا الا على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقويله ما لم يقله قط إذ لو قاله لكان
محفوظا بحفظ الله تعالى حتى يبلغ إلى أمته والكذب على أم المؤمنين، والخامس انها
أنكرت البيع إلى العطاء بقولها بئس ما شريت والمالكيون يبيحونه بمثل هذا، وهذا
عجب جدا نصف كلامها حجة ونصفه ليس بحجة، والسادس اننا روينا من طريق سعيد
ابن منصور عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي عن أم محبة ختنة أبى السفر انها
نذرت مشيا إلى مكة فعجزت فقال لها ابن عباس: هل لك ابنة تمش عنك؟ قالت: نعم
ولكنها أعظم في نفسها من ذلك * فإن كانت هذه الطريق لا حجة فيها فهي تلك نفسها أو
مثلها بل قد جاء في حديث زيد بن أرقم عن أم محبة أيضا، إن كان ذلك الخبر حجة فهذا
حجة والا فقد حصل التناقض فظهر فساد هذا الاحتجاج جملة ولله تعالى الحمد *
وأما خبر ابن عباس فهو رأى منه وقد خالفه ابن عمر كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن سفيان عن ليث عن مجاهد قال: ذكر لابن عمر رجل باع سرجا بنقد ثم أراد أن
يبتاعه بدون ما باعه قبل أن ينتقد فقال أبن عمر: لعله لو باعه من غيره باعه بدون ذلك ولم
ير به بأسا، وكم قصة لابن عباس خالفوه فيها كما ذكر نا قبل هذا آنفا فسقط تعلقهم بابن
عباس * وروينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين
قال: لا بأس بان يشترى الشئ إلى أجل ثم يبيعه من الذي اشتراه منه بأقل من الثمن
إذا قاصصه *
قال أبو محمد: وأما قولهم: انها دراهم بأكثر منها فعجب لا نظير له جدا وقد قلت
لبعضهم: ما تقولون فيمن باع سلعة إلى أجل بدينار (1) ثم اشتراها بنقد بدينارين؟ فقال:
حلال فقلت له: ومن أين وجب أن يكون إذ باعه بدينارين واشتراه بدينار ربا ودينارا
بدينارين ولم يجب إذا باعه بدينار إلى أجل واشتراه بدينارين أن يكون ربا ودينارا
بدينارين وهل في الهوس أعظم من أن يبيع زيد من عمرو دينارا بدينارين فيكون ربا ويبيع
منه دينارين بدينار فلا يكون ربا ليت شعري في أي دين وجدتم هذا؟ أم في أي عقل؟
فما أتى بفرق ولا يأتون به أبدا * وأما قولهم: انهما أرادا الربا كما ذكرنا فتحيلا بهذا

(1) في النسخة رقم 16 بدنانير ويشهد لما هنا اتفاق النسختين بعد على ما هنا والله أعلم
51

العمل فجوابهم (1) انهما إن كانا أرادا الربا كما ذكرتم فتحيلا بهذا العمل فبارك الله فيهما
فقد أحسنا ما شاءا إذ هربا من الربا الحرام إلى البيع الحلال وفرا من معصية الله تعالى إلى
ما أحل ولقد أساء ما شاء من أنكر هذا عليهما وأثم مرتين لانكاره احسانهما ثم لظنه
بهما ما لعلهما لم يخطر ببالهما، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الظن أكذب الحديث) *
وأما أقوال أبي حنيفة، ومالك في هذه المسألة فقد ذكرنا طرفا يسيرا من تقسيمهما وكل
من تأمله يرى أنها تقاسيم في غاية الفساد. والتناقض. كتفريق أبي حنيفة بين ابتياعه
بسلعة وبين ابتياعه بدنانير وفى كلا الوجهين إنما باع بدراهم، وكتحريمه ذلك على وكيله
وشريكه، وكتفريق مالك بين ابتياعه بأكثر مما كان باعها به فيراه حلالا وبين ابتياعه
بأقل فيراه حراما، وهذه عجائب بلا دليل كما ترى، ثم أن أبا حنيفة أوهم أنه أخذ بخبر
عائشة رضي الله عنها ولم يأخذ به لأنه يرى ذلك فيمن باع بثمن حال ما لم ينتقد جميع الثمن
وليس هذا في خبر عائشة أصلا وبالله تعالى التوفيق *
1559 مسألة وبيع دور مكة أعزها الله تعالى وابتياعها حلال وقد ذكرناه
في كتاب الحج فأغنى عن اعادته *
1560 مسألة وبيع الأعمى. أو ابتياعه بالصفة جائز كالصحيح ولا فرق
لأنه لم يأت قرآن. ولا سنة بالفرق بين شئ في شئ من ذلك وأحل الله البيع فدخل في
ذلك الأعمى. والبصير وبالله تعالى التوفيق *
1561 مسألة وبيع العبد وابتياعه بغير اذن سيده جائز ما لم ينتزع سيده
ماله فان انتزعه فهو حينئذ مال السيد لا يحل للعبد التصرف فيه * برهان ذلك قول الله تعالى:
(وأحل الله البيع) فلم يخص حرا من عبد، وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم)
فلو كان بيع العبد ماله بغير اذن سيده حراما لفصله عز وجل لنا ولما ألجأنا فيه إلى الظنون
الكاذبة، والآراء المدبرة، فإذ لم يفصل لنا تحريمه فصح أنه حلال غير حرام وقد ذكرنا
في كتاب الزكاة من ديواننا هذا وغيره صحة ملك العبد لماله: وأما انتزاع السيد مال العبد
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطى الحجام أجره وسأل عن ضريبته؟ فامر مواليه
أن يخففوا عنه منها * روينا من طريق مسلم نا عبد بن حميد أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عاصم
عن الشعبي عن ابن عباس [قال] (2) (حجم النبي صلى الله عليه وسلم عبد لبنى بياضة فأعطاه النبي
صلى الله عليه وسلم أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته)، فصح أن العبد يملك لأنه عليه السلام
أعطاه اجره فلو لم يكن له ما أعطاه ما ليس له وصح أن للسيد أخذه بأمره عليه السلام بان يخفف

(1) في النسخة رقم 14 فجوابنا
(2) الزيادة من صحيح مسلم وهو فيه مطول
52

عنه من خراجه فصح أن مال العبد له ما لم ينتزعه سيده وصح أن للسيد أخذ كسب عبده
لنفسه * واختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة: إذا أدان العبد ببيع أو ابتياع بغير
اذن سيده فهي جناية في رقبته ويلزم السيد فكه بها أو اسلامه إلى صاحب دينه *
قال أبو محمد: أول ما يقال لهم: من أين قلتم هذا؟ وليس هذا الحكم موجودا
في قرآن. ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قول صاحب. ولا قياس. ولا رأى يعقل
له وجه بل هو ضد ذلك كله قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة
وزر أخرى) فبطل أن يكسب الحر أو العبد على سيده أو على غير نفسه الا حيث أوجبه
النص كالعاقلة، ثم وجه آخر وهو قوله: ان البيع والابتياع جناية وهذا تخليط آخر،
وقال مالك: إذا تداين العبد بغير اذن سيده فلسيده فسخ الدين عنه وهذا باطل شنيع
لأنه إباحة لاكل أموال الناس بالباطل وقد حرمه الله تعالى. ورسوله عليه السلام
قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) ومن عجائب الدنيا أنهم
يوجبون على من لم يبلغ جزاء ما جنى وكذلك المجنون ثم يسقطون البيع الواجب عن
العبد العاقل ثم أتوا من ذلك بقول لم يأت قط في قرآن. ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قول
أحد قبل مالك نعلمه: ولا في قياس. ولا رأى له وجه * وعجب آخر وهو أنهم يقولون:
ان وجدت السلعة التي اشترى العبد بيده وجب ردها إلى صاحبها فليت شعري من أين
وجب إزالة السلعة عن يد العبد ولم يجب اغرامه الثمن عنها ان لم توجد ولئن كانت السلعة
مال البائع فان الثمن ماله ولئن كان الثمن ليس هو مال البائع فان السلعة ليست ماله بل قد
عكس الامر ههنا أقبح العكس (1) وأوضحه فسادا لأنه رد إلى البائع سلعة قد بطل
ملكه عنها وصح ملك العبد المشترى عليها فأعطاه ما ليس له ولم يعطه الثمن الذي هو له بلا
شك وهذه طوام لا نظير لها، وقال الشافعي: بل الثمن دين عليه في ذمته إذا أعتق يوما ما
وهذا قول في غاية الفساد لأنه إن كان الثمن لازما للعقد فلأي معنى يؤخر به إلى أن يعتق:
ولئن كان الثمن ليس لازما الآن فلا يجوز اغرامه إياه إذا أعتق، ولئن كان ابتياعه صحيحا
فان الثمن عليه الآن واجب، ولئن كان ابتياعه فاسدا فما يلزمه ثمن أنما يلزمه قيمة ما أتلف
فقط، فهذه آراء فاسدة متخاذلة متناقضة لا دليل على صحة شئ منها واختلافهم فيها
دليل (2) على أنها ليست من عند الله عز وجل فتيقن (3) كل موقن سقوطها كلها،
وقولنا هو قول أبى سليمان وأصحابنا، قد ذكرناه أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما

(1) في النسخة رقم 16 أقبح عكس
(2) في النسخة رقم 14 برهان
(3) في النسخة رقم 16 ليتيقن
53

وعن غيره وبالله تعالى التوفيق *
1562 مسألة وبيع المرأة مذ تبلغ البكر ذات الأب وغير ذات الأب والثيب
ذات الزوج والتي لا زوج لها جائز وابتياعها كذلك لما ذكرناه قبل في كتاب الحجر من
ديواننا هذا فأغنى عن اعادته وبالله تعالى التوفيق *
1563 مسألة ومن ملك معدنا له جاز بيعه لأنه مال من ماله فإن كان معدن
ذهب لم يحل بيعه بذهب لأنه ذهب بأكثر منه إذ الذهب مخلوق في معدنه كما هو وهو جائز
بالفضة يدا بيد [وبغير الفضة] (1) نقدا والى أجل وحالا في الذمة فإن كان معدن فضة
جاز بيعه بفضة أو بذهب نقدا أو في الذمة والى اجل لأنه لا فضة هنالك وإنما يستحيل
ترابه بالطبخ فضة، ومن خالفنا في هذا فقد أجاز بيع النخل لا ثمر فيها بالتمر نقدا وحالا (2)
في الذمة ونسيئة والتمر يخرج منها، وكذلك أباح بيع الأرض بالبر، وكل هذا سواء
وبالله تعالى التوفيق *
1564 مسألة وبيع الكلأ جائز في أرض وبعد قلعه لأنه مال من مال صاحب
الأرض وكل ما تولد من مال المرء فهو من ماله كالولد من الحيوان. والثمر. والنبات (3)
واللبن. والصوف. وغير ذلك وأحل الله البيع ولم يأت نص بتحريم بيع شئ من ذلك
كله وما كان ربك نسيا، وقد فصل لكم ما حرم عليكم، وقال أبو حنيفة، لا يحل بيع الكلأ
الا بعد قلعه * قال على: وما نعلم لهذا القول حجة أصلا وإنما هو تقسيم فاسد، ودعوى
ساقطة * فان ذكر ذاكر ما روينا من طريق حريز بن عثمان نا أبو خداش (أنه سمع رجل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: انه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث غزوات فسمعه
يقول: المسلمون شركاء في ثلاث الماء. والكلأ. والنار) ورواه أيضا حريز بن عثمان
عن حبان بن زيد الشرعبي - وهو أبو خداش نفسه عن رجل من قرن * ومن طريق
الحذافي أخبرني يزيد بن مسلم الجريري قال لي وهب بن منبه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا
السحت. بيع الشجر. وإجارة الأمة المسافحة. وثمن الخمر) * ومن طريق أبى داود
نا عبيد الله بن معاذ العنبري نا أبى نا كهمس عن سيار بن منظور الفزاري عن أبيه عن بهيسة
عن أبيها سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي لا يحل بيعه؟ فاجابه الماء. والملح *
قال أبو محمد: هذا كله لا شئ أبو خداش هو حبان بن زيد الشرعبي نفسه وهو
مجهول، وأيضا فإنه مخالف لقول الحنيفيين لأنهم لا يختلفون في أن صاحب الماء أولى
به ولا يشاركه فيه غيره، وكذلك صاحب النار فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وأيضا فإنهم

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 16 أو حالا
(3) في النسخة رقم 14 والثياب
54

لا يختلفون في أن من أخذ ماء في إناء أو كلا فجمعه فإنه يبيعهما ولا يشاركه فيهما أحد،
وهذا خلاف عموم الخبر فعاد حجة عليهم، فان قالوا: إنما عنى به الكلأ قبل أن يجمع
قلنا: بل الكلأ الثابت في الأرض غير مملوكة، وهذا التأويل متفق عليه وتأويلكم دعوى
مختلف فيها لا برهان على صحته * وأما حديث وهب بن منبه فمنقطع ثم القول فيه وفى
خلافهم له كالقول في حديث حريز بن عثمان ولا فرق، وحديث بهيسة مجهول عن مجهول
عن مجهولة، ثم ليس فيه ذكر الكلأ أصلا وكان يلزم المالكيين القائلين: بالمرسل الاخذ
بهذه المراسيل لكنهم تناقضوا فتركوها، وروينا عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله
ابن طاوس عن أبية أنه لم يجز لصاحب الأرض بيع الكلأ أرضه وأباح له أن يحميه
لدوابه * ومن طريق عبد الرزاق عن وهب بن نافع أنه سمع عكرمة يقول، لا تأكلوا ثمن
الشجر فإنه سحت * وعن الحسن أنه كره بيع الكلأ كله * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا
إسماعيل بن إسحاق النصري نا عيسى بن خبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد نا جدي
محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى قال: قال لنا سفيان بن عيينة: ثلاث لا يمنعن. الماء. والكلأ.
والنار فهؤلاء أخذوا بعموم هذه المراسيل فمن ادعى من أصحاب أبي حنيفة الخصوص (1)
فقد كذب ولهذا أوردناها *
1565 مسألة وبيع الشطرنج والمزامير والعيدان والمعازف.
والطنابير حلال كله ومن كسر شيئا من ذلك ضمنه الا أن يكون صورة مصورة فلا ضمان
على كاسرها لما ذكرنا قبل لأنها مال من مال مالكها وكذلك بيع المغنيات وابتياعهن قال
تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعا) وقال تعالى: (وأحل الله البيع) وقال تعالى:
(وقد فصل لكم ما حرم عليكم) ولم يأت نص بتحريم بيع شئ من ذلك، ورأي أبو حنيفة
الضمان على من كسر شيئا من ذلك، واحتج المانعون بآثار لا تصح أو يصح بعضها ولا
حجة لهم فيها وهي ما روينا من طريق أبى داود الطيالسي نا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي
سلام عن عبد الله بن زيد بن الأزرق عن عقبة بن عامر الجهني قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كل شئ يلهو به الرجل فباطل الا رمى الرجل بقوسه، أو تأديبه فرسه، أو ملاعبته امرأته
فإنهن من الحق)؟ عبد الله بن زيد بن الأزرق مجهول * ومن طريق ابن أبي شيبة عن عيسى
ابن يونس عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر نا أبو سلام الدمشقي عن خالد بن زيد الجهني قال
لي عقبة بن عامر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس لهو المؤمن الا ثلاث) ثم ذكره: خالد

(1) لفظ الخصوص سقط من النسخة رقم 14
55

ابن زيد مجهول * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا سعيد نا ابن حفص نا موسى بن أعين عن
خالد بن أبي يزيد حدثني عبد الرحيم عن الزهري عن عطاء بن أبي رباح رأيت جابر بن عبد الله.
وجابر بن عبيد الأنصاريين يرميان فقال أحدهما لآخر: (أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: كل شئ ليس من ذكر الله فهو لعب لا يكون أربعة. ملاعبة الرجل امرأته.
وتأديب الرجل فرسه. ومشى الرجل بين الغرضين: وتعليم الرجل السباحة) هذا
حديث مغشوش مدلس دلسة سوء لان الزهري المذكور فيه ليس هو ابن شهاب لكنه
رجل زهري مجهول اسمه عبد الرحيم رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن وهب الحراني
عن محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم هو خالد بن أبي يزيد وهو خال محمد بن سلمة
عن عبد الرحيم الزهري عن عطاء رأيت جابر بن عبد الله. وجابر بن عبيد الأنصاريين يرميان
فقال أحدهما للآخر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل شئ ليس فيه ذكر الله تعالى فهو
سهو ولعب الا أربعة. ملاعبة الرجل امرأته. وتأديب الرجل فرسه. ومشيه بين
الغرضين. وتعليم الرجل السباحة) فسقط هذا الخبر * ورويناه أيضا من طريق أحمد
ابن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم أنا محمد بن سلمة أنا أبو عبد الرحيم عن عبد الوهاب بن بخت
عن عطاء بن أبي رباح رأيت جابر بن عبد الله، وجابر بن عبيد فذكره وفيه (كل شئ ليس
من ذكر الله فهو لغو وسهو) عبد الوهاب بن بخت غير مشهور بالعدالة ثم ليس فيه الا أنه
سهو ولغو وليس فيه تحريم، وروى من طريق العباس بن محمد الدوري عن محمد
ابن كثير العبدي نا جعفر بن سليمان الضبعي عن سعيد بن أبي رزين عن أخيه عن ليث
ابن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (ان الله حرم المغنية وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها) فيه ليث وهو ضعيف،
وسعيد بن أبي رزين وهو مجهول لا يدرى من هو عن أخيه وما ادراك ما عن أخيه
هو ما يعرف وقد سمي فكيف أخوه الذي لم يسم * وحدثنا أحمد بن عمر بن أنس نا
أبو أحمد سهل بن محمد بن أحمد بن سهل المروزي نا لاحق بن الحسين المقدسي - قدم مرو - نا
أبو المرجى ضرار بن علي بن عمير القاضي الجيلاني نا أحمد بن سعيد بن عبد الله بن كثير
الحمصي نا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه على
ابن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها
البلاء فذكر منهن (1) (واتخذوا القينات. والمعازف فليتوقعوا عند ذلك ريحا حمراء
ومسخا وخسفا) لاحق بن الحسين. وضرار بن علي. والحمصي. مجهولون. وفرج

(1) في النسخة رقم 14 فيها بدل منهن
56

ابن فضالة حمصي متروك تركه يحيى. وعبد الرحمن * ومن طريق فاسم بن أصبغ نا إبراهيم
ابن إسحاق النيسابوري نا أبو عبيد بن الفضيل بن عياض نا أبو سعيد مولى بني هاشم
هو عبد الرحمن بن عبد الله نا عبد الرحمن بن العلاء عن محمد بن المهاجر عن كيسان مولى
معاوية نا معاوية قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع وانا أنهاكم عنهن الآن فذكر
فيهن الغناء والنوح) محمد بن المهاجر ضعيف. وكيسان مجهول * ومن طريق أبى داود
نا مسلم بن إبراهيم نا سلام بن مسكين عن شيخ انه سمع أبا وائل يقول: سمعت ابن مسعود
يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أن الغناء ينبت النفاق في القلب) عن شيخ
عجب جدا * ومن طريق محمد بن أحمد بن الجهم نا محمد بن عبدوس نا ابن أبي شيبة نا زيد
ابن الحباب عن معاوية بن صالح نا حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم حدثني عبد الرحمن
ابن غنم حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يشرب ناس من أمتي الخمر
يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات (1) يخسف الله بهم الأرض)
معاوية بن صالح ضعيف وليس فيه ان الوعيد المذكور إنما هو على المعازف كما أنه ليس
على اتخاذ القينات، والظاهر أنه على استحلالهم الخمر بغير اسمها والديانة لا تؤخذ بالظن *
حدثنا أحمد بن إسماعيل الحضرمي القاضي نا محمد بن أحمد بن الحلاض نا محمد بن القاسم
ابن شعبان المصري حدثني إبراهيم بن عثمان بن سعيد نا أحمد بن الغمر بن أبي حماد بحمص.
ويزيد بن عبد الصمد نا عبيد بن هشام الحلبي هو ابن نعيم نا عبد الله بن المبارك عن مالك
ابن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جلس إلى
قينة فسمع (2) منها صب الله في أذنيه الآنك (3) يوم القيامة) هذا حديث موضوع مركب
فضيحة ما عرف قط من طريق أنس ولا من رواية ابن المنكدر. ولا من حديث مالك.
ولا من جهة ابن المبارك، وكل من دون ابن المبارك إلى ابن شعبان مجهولون، وابن شعبان
في المالكيين نظير عبد الباقي بن قانع في الحنيفيين قد تأملنا حديثهما فوجدنا فيه البلاء البين.
والكذب البحت. والوضع اللائح. وعظيم الفضائح فاما تغير ذكرهما أو اختلطت
كتبهما واما تعمدا الرواية عن كل من لا خير فيه من كذاب، ومغفل يقبل التلقين. وأما
الثالثة وهي ثالثة الأثافي أن يكون البلاء من قبلهما ونسأل الله العافية. والصدق. وصواب
الاختيار * ومن طريق ابن شعبان قال: روى هاشم بن ناصح عن عمر بن موسى عن
مكحول عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا
عليه) هاشم. وعمر مجهولان ومكحول لم يلق عائشة. وحديث لا ندري له طريقا إنما

(1) في النسخة رقم 16 يضرب على رؤوسهن المعازف والمغنيات
(2) في النسخة رقم 16 يسمع
(3) هو الرصاص الأبيض وقيل الأسود
57

ذكروه هكذا مطلقا ان الله تعالى (نهى عن صوتين ملعونين صوت نائحة وصوت مغنية)
وهذا لا شئ * ومن طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن عياش عن مطرح بن يزيد نا
عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن وثمنهن حرام وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله: (ومن
الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) الآية، والذي نفسي بيده ما رفع
رجل قط عقيرة صوته بغناء الا ارتدفه شيطانان يضربانه على صدره وظهره حتى يسكت)
إسماعيل ضعيف. ومطرح مجهول. وعبيد الله بن زحر ضعيف. والقاسم ضعيف.
وعلي بن يزيد دمشقي مطرح متروك الحديث * ومن طريق عبد الملك بن حبيب
الأندلسي عن عبد العزيز الأويسي عن إسماعيل بن عياش عن علي بن يزيد عن القاسم
ابن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل تعليم
المغنيات ولا شراؤهن ولا بيعهن ولا اتخاذهن وثمنهن حرام وقد انزل الله ذلك في كتابه
ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم والذي نفسي بيده ما رفع
رجل عقيرته بالغناء الا ارتدفه شيطانان يضربان بأرجلهما صدره وظهره حتى يسكت) *
ومن طريق ابن حبيب أيضا نا ابن معبد عن موسى بن أعين عن القاسم عن عبد الرحمن
عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أن الله حرم تعليم المغنيات وشراءهن وبيعهن وأكل
أثمانهن) أما الأول فعبد المالك هالك. وإسماعيل بن عياش ضعيف. وعلي بن يزيد
ضعيف متروك الحديث. والقاسم بن عبد الرحمن ضعيف * والثاني عن عبد الملك.
والقاسم أيضا. وموسى بن أعين ضعيف * ومن طريق عبد الملك بن حبيب عن
عبد العزيز الأويسي عن عبد الله بن عمر قال قال رجل: يا رسول الله لي إبل أفأحدو فيها قال:
نعم قال أفأغنى فيها؟ قال: اعلم أن المغنى أذناه بيد شيطان يرغمه حتى يسكت، هذا
عبد الملك والعمرى الصغير وهو ضعيف * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو داود
هو سليم بن سالم بصرى نا حسان بن أبي سنان عن رجل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة. وخنازير قالوا: يا رسول الله
يشهدون أن لا إله إلا الله وانك رسول الله؟ قال: نعم ويصلون ويصومون ويحجون
قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال: اتخذوا المعازف: والقينات: والدفوف ويشربون
هذه الأشربة فباتوا (1) على لهوهم وشرابهم فأصبحوا قردة وخنازير) هذا عن رجل
لم يسم ولم يدر (2) من هو * ومن طريق سعيد بن منصور أيضا نا الحارث بن نبهان

(1) في النسخة رقم 16 فيباتون
(2) في النسخة رقم 16 ولا يدرى
58

نا فرقد السبخى عن عاصم بن عمرو عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبيت
طائفة من أمتي على لهو ولعب. وأكل وشرب فيصبحوا قردة وخنازير يكون فيها
خسف وقذف ويبعث على حي من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم
باستحلالهم الحرام ولبسهم الحرير. وضربهم الدفوف. واتخاذهم القيان) الحارث
ابن نبهان لا يكتب حديثه. وفرقد السبخي ضعيف نعم. وسليم بن سالم. وحسان
ابن أبي سنان. وعاصم بن عمرو لا أعرفهم فسقط هذان الخبران بيقين * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا فرج بن فضالة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني بمحو المعازف. والمزامير. والأوثان.
والصلب لا يحل بيعهن ولا شراؤهن ولا تعليمهن ولا التجارة بهن وثمنهن حرام)
نعنى الضوارب، القاسم ضعيف * ومن طريق البخاري قال هشام بن عمار: نا صدقة
ابن خالد نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن
غنم الأشعري [قال] (1) حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري ووالله ما كذبني أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكونن من أمتي قوم (2) يستحلون الخز (3) والحرير
والخمر. والمعازف) وهذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري. وصدقة بن خالد، ولا
يصح في هذا الباب شئ أبدا وكل ما فيه فموضوع، ووالله لو أسند جميعه أو واحد منه
فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ترددنا في الاخذ به، ولو كان ما في هذه الأخبار
حقا من أنه لا يحل بيعهن لوجب أن يحد من وطئهن بالشراء وأن لا يلحق به
ولده منها، ثم ليس فيها تحريم ملكهن وقد تكون أشياء يحرم بيعها ويحل ملكها وتمليكها (4)
كالماء. والهر. والكلب، هذا كل ما حضرنا ذكره مما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم *
وأما عمن دونه عليه السلام فروينا من طريق ابن أبي شيبة نا حاتم بن إسماعيل عن
حميد بن صخر عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء عن أبن مسعود في قول
الله تعالى: (ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) الآية فقال: الغناء
والذي لا اله غيره * ومن طريق وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن
عباس في هذه الآية قال كالغناء وشراء المغنية * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن فضيل
عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال: الغناء ونحوه * ومن طريق
سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن عبد الكريم الجزري عن أبي هاشم الكوفي عن ابن عباس

(1) الزيادة من صحيح البخاري
(2) في صحيح البخاري أقوام وهو مطول فيه اختصره المصنف واقتصر على
محل الشاهد منه
(3) في النسخة رقم 14 بخاء معجمة وما هنا موافق لصحيح البخاري
(4) في النسخة رقم 16 تملكها
59

قال: الدف حرام والمعازف حرام: والمزمار حرام. والكوبة (1) حرام * من
طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال: الغناء يثبت
النفاق في القلب * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو وكيع (2) عن منصور عن
إبراهيم قال: كان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد في قول الله تعالى: (ومن
الناس من يشترى لهو الحديث) قال: الغناء، وهو أيضا قول حبيب بن أبي ثابت *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن شعيب عن
عكرمة في هذه الآية قال: هو الغناء *
قال أبو محمد: لا حجة في هذا كله لوجوه، أحدها أنه لا حجة لاحد دون رسول
الله صلى الله عليه وسلم، والثاني أنه قد خالف غيرهم من الصحابة والتابعين، والثالث أن نص الآية
يبطل احتجاجهم بها لأنه فيها (ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله
بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) وهذه صفة من فعلها كان كافرا بلا خلاف
إذا اتخذ سبيل الله تعالى هزوا، ولو أن امرءا اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله
ويتخذها هزوا لكان كافرا، فهذا هو الذي ذم الله وما ذم قط عز وجل من اشترى
لهو الحديث ليلتهى به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالى فبطل تعلقهم بقول كل
من ذكرنا، وكذلك من اشتغل عامدا عن الصلاة بقراءة القرآن. أو بقراءة السنن:
أو بحديث يتحدث به أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك فهو فاسق عاص لله تعالى. ومن
لم يضيع شيئا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن * واحتجوا فقالوا: من الحق
الغناء أم من غير الحق ولا سبيل إلى قسم ثالث؟ فقالوا: وقد قال الله عز وجل: (فماذا بعد
الحق الا الضلال) فجوابنا وبالله تعالى التوفيق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات
ولكل امرئ ما نوى) فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو
فاسق وكذلك كل شئ غير الغناء ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله
عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق ومن لم ينو
طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الانسان إلى بستانه متنزها وقعوده على
باب داره متفرجا وصباغه ثوبه لازورديا أو أخضر أو غير ذلك ومد ساقه وقبضها (1)
وسائر أفعاله فبطل كل ما شغبوا به بطلانا متيقنا ولله تعالى الحمد، وما نعلم لهم
شبهة غير ما ذكرنا

(1) قال ابن الأثير في النهاية، هي النرد وقيل الطبل وقيل البربط
(2) في النسخة رقم 16 نا وكيع
(3) في النسخة رقم 14 ومد ساقيها وقبضها
60

وأما الشطرنج فروينا من طريق عبد الملك بن حبيب حدثني عبد الملك بن الماجشون
عن المغيرة عن محمد بن كعب القرظي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لعب بالميسر يعنى
النرد والشطرنج ثم قام يصلى مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يصلى أفنقول:
يقبل الله صلاته)؟ هذا مرسل وعبد الملك ساقط، وعبد الملك بن الماجشون ضعيف *
وهذا الخبر حجة على المالكيين. والحنيفيين القائلين بالمرسل لأنهم يلزمهم الاخذ
به فينقضون الوضوء بلعب الشطرنج فان تركوه تناقضوا وتلاعبوا * ومن طريق عبد الملك
ابن حبيب نا أسد بن موسى. وعلي بن معبد عن ابن جريج عن حبة بن سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: الشطرنج ملعونة ملعون من لعب بها والناظر إليها كأكل لحم الخنزير، ابن حبيب
لا شئ، وأسد ضعيف وحبة بن سلم مجهول وهو منقطع * ومن طريق ابن حبيب حدثنا
الحذامي عن ابن أبي رواد عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان أشد الناس عذابا يوم
القيامة صاحب الشاة الذي يقول قتلته والله أهلكته والله استأصلته والله افكا وزورا
وكذبا على الله) عبد الملك لا شئ وهو منقطع * ورووا في ذلك عمن دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما روينا من طريق ابن حبيب عن اصبغ بن الفرج عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب
عن أبي قبيل عن عقبة بن عامر الجهني أنه قال: لان اعبد وثنا من دون الله تعالى أحب إلى
من ألعب بالشطرنج، هذا كذب بحت ومعاذ الله أن يقول صاحب إن عبادة الأوثان من
دون الله تعالى يعدلها شئ من الذنوب فكيف أن يكون الكفر أخف منها؟ ويحيى
ابن أيوب لا شئ. وأبو قبيل غير مذكور بالعدالة ومن طريق ابن حبيب عن علي
ابن معبد، وأسد بن موسى عن رجالهما أن علي بن أبي طالب مر برجال يلعبون بشطرنج
فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لان يمسك أحدكم جمرة حتى تطفى خير له
من أن يمسها لولا أن تكون سنة لضربت بها وجوهكم ثم أمر بهم فحبسوا، هذا منقطع
وفيه ابن حبيب ما نعلم لهم شيئا غير ما ذكرنا * والجواب عن قولهم أهو من الحق أم من
الباطل؟ كجوابنا في الغناء ولا فرق وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: فلما لم يأت عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم تفصيل بتحريم
شئ مما ذكرنا صح أنه كله حلال مطلق، فكيف وقد روينا من طريق مسلم حدثني
هارون بن سعيد الأيلي حدثني ابن وهب انا عمرو هو ابن الحارث انا ابن شهاب حدثه
عن عورة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين: (أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان
تغنيان وتضربان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف رسول الله
صلى الله عليه وسلم وجهه وقال: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد) * وبه
61

أيضا (1) إلى عمرو بن الحارث أن محمد بن عبد الرحمن هو أبو الأسود حدثه عن عروة
ابن الزبير عن عائشة أم المؤمنين: (قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان
تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال لي:
أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهما) فان قيل:
قد رويتم هذا الخبر من طريق أبي أسامة (2) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
وقال فيه: وليستا بمغنيتين قلنا: نعم ولكنها قد قالت إنهما كانتا تغنيان فالغناء منها قد صح:
وقولها ليستا بمغنيتين أي ليستا بمحسنتين، وهذا كله لا حجة فيه إنما الحجة في إنكاره صلى الله عليه وسلم
على أبى بكر قوله: أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصح أنه مباح مطلق لا كراهية
فيه وان من أنكره فقد أخطأ بلا شك * ومن طريق أبى داود نا أحمد بن عبيد الغداني نا
الوليد بن مسلم نا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع مولى ابن عمر قال:
سمع ابن عمر مزمارا فوضع إصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي: يا نافع هل تسمع
شيئا؟ قلت: لا فرفع أصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وسمع مثل هذا
وضع مثل هذا *
قال أبو محمد: هذه هي الحجة القاطعة بصحة هذه الأسانيد ولو كان المزمار حراما
سماعه لما أباح عليه السلام لابن عمر سماعه ولو كان عند ابن عمر حراما سماعه لما أباح
لنافع سماعه ولامر عليه السلام بكسره وبالسكوت عنه فما فعل عليه السلام شيئا من ذلك
وإنما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباح من أكثر أمور الدنيا كتجنبه الاكل
متكئا وأن يبيت عنده دينار أو درهم وان يعلق الستر على سهوة في البيت والستر الموشى في
بيت فاطمة فقط وبالله تعالى التوفيق * ومن طريق مسلم بن الحجاج نا زهير بن حرب نا
جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: جاء حبش يزفنون
في يوم عيد في المسجد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم
حتى كنت أنا التي انصرفت عن النظر * وروينا من طريق سفيان الثوري عن أبي
إسحاق السبيعي عن عامر بن سعد البجلي انه رأى أبا مسعود البدري. وقرظة بن كعب.
وثابت بن يزيد وهم في عرس وعندهم غناء فقلت لهم: هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فقالوا: انه رخص لنا في الغناء في العرس والبكاء على الميت من غير نوح، ليس فيه النهى
عن الغناء في غير العرس * ومن طريق حماد بن زيدا أيوب السختياني. وهشام بن حسان
وسلمة هو ابن كهيل دخل حديث بعضهم في حديث بعض كلهم عن محمد بن سيرين

(1) في النسخة رقم 16 به نصا
(2) في النسخة رقم 14 فان قيل روى هذا الخبر أبو أسامة الخ
62

أن رجلا قدم المدينة بجوار فأتى إلى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن
فأحدت قال أيوب: بالدف، وقال هشام: بالعود حتى ظن ابن عمر أنه قد نظر إلى ذلك
فقال ابن عمر: حسبك سائر اليوم من مزمور الشيطان فساومه ثم جاء الرجل إلى ابن عمر
فقال: يا أبا عبد الرحمن أن غبنت بسبعمائة درهم فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال
له: انه غبن بسبعمائة درهم فاما أن تعطيها إياه واما أن ترد عليه بيعه فقال: بل نعطيها
إياه، فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية، وهذه أسانيد صحيحة لا تلك
الملفقات الموضوعة * ومن طريق وكيع نا فضيل بن مرزوق عن ميسرة الهندي قال:
مر علي بن أبي طالب بقوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون،
فلم ينكر الا التماثيل فقط، وهذا هو الصحيح عنه لا تلك الزيادة المكذوبة التي رواها
من لا خير فيه * فان قيل: قد روى أعلنوا النكاح وأضربوا عليه بالغربال قلنا: هذا
ساقط لأنه من طريق عبد الملك بن حبيب عن اصبغ عن السبيعي عن ربيعة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قاله، وعبد الملك ساقط، والسبيعي مجهول، ثم هو منقطع * فان قيل: الدف
مجمع عليه * قلنا: هذا الباطل * روينا من أصح طريق عن يحيى بن سعيد القطان نا سفيان
الثوري حدثني منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي أن أصحاب ابن مسعود كانوا يستقبلون
الجواري في المدينة (1) معهن الدفوف فيشققونها * وقد جاء عن سعيد بن جبير.
ومحمد بن سيرين انهما كانا يحسنان اللعب بالشطرنج وعن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
ابن عوف أنه كان يغنى بالعود وبالله تعالى التوفيق *
1566 مسألة والبيع في المسجد مكروه وهو جائز لا يرد، والبيع قبل
طلوع الشمس جائز. وابتياع المرء ما ليس عنده ثمنه جائز لقول الله تعالى: (وأحل الله
البيع) وقد رويت في ذلك آثار لا تصح روى الربيع بن حبيب عن نوفل بن عبد الله عن
أبيه وكلهم مجهولون عن علي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السوم قبل طلوع الشمس * ومن طريق
ابن وهب أخبرني أسامة هو ابن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء (2) في المسجد * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان
عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحلق
في المسجد قبل الصلاة، وعن البيع. والشراء في المسجد، هذه صحيفة * ومن طريق
أبى داود عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس
(أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع من غيره بيعا وليس عنده ثمنه فاربح فيه فباعه وتصدق بالثمن

(1) في النسخة رقم 14 في الأزقة
(2) في النسخة رقم 16 والاشتراء
63

على أرامل بنى عبد المطلب ثم قال: لا اشترى بعدها شيئا الا وعندي ثمنه) سماك. وشريك
ضعيفان * وروى (1) من طريق الدراوردي عن يزيد بن خصيف عن محمد بن عبد
الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل ينشد في
المسجد فقولوا له لا رد الله عليك وإذا رأيتموه يبيع فقولوا له: لا أربح الله تجارتك)
ليس فيه منع (2) من البيع ولكنها كراهية *
1567 مسألة والحكرة المضرة بالناس حرام سواء في الابتياع أو في إمساك
ما ابتاع ويمنع من ذلك والمحتكر في وقت رخاء ليس آثما بل هو محسن لان الجلاب إذا
أسرعوا البيع أكثروا الجلب وإذا بارت سلعتهم ولم يجدوا لها مبتاعا تركوا الجلب
فاضر ذلك بالمسلمين قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم
والعدوان) فان قيل: فإنكم تصححون الحديث من طريق محمد بن عجلان عن محمد
ابن عمرو بن عطاء عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: لا يحتكر الا خاطئ قلنا: نعم ولكننا روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: (كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يحبس نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي من ثمرة (3) مجعل مال الله) فهذا النبي عليه السلام
قد احتبس قوت أهله سنة ولم يمنع من أكثر فصح أن امساك ما لابد منه مباح والشراء
مباح والمذكور بالذم هو غير المباح بلا شك فهذا الاحتكار الذي ذكرناه (4) وكل
احتكار فإنه امساك والاحتكار مذموم وليس كل امساك مذموما بل هو مباح حتى يقوم
دليل (5) بالمنع من شئ منه فهو المذموم حينئذ وبالله تعالى التوفيق * وقد روينا
حديثا من طريق يزيد بن هارون عن أصبغ بن زيد الجهني عن أبي بشر عن أبي الزاهرية
عن كثير بن مرة الحضرمي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من احتكر طعاما أربعين
يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه، وهذا لا يصح لان اصبغ بن زيد، وكثير بن
مرة مجهولان (6) * وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي عن

(1) سقط لفظ روى من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 منعه
(3) في النسخة رقم 14 من تمر
(4) في النسخة رقم 14 الذي ذكرنا
(5) في النسخة رقم 14 برهان
(6) قال ابن النقاش فيما كتبه عن المحلى اعترض به على المصنف ونقله عنه مصحح النسخة رقم 14، لما فهم أبو محمد من الاحتكار في هذا الحديث مطلقه ضعف الحديث فلو حمله على الشراء في وقت الغلاء كما قال أولا كان أليق وهو معنى الحديث، وأيضا فعجب عظيم
من هذا الامام كيف جعل هذين الرجلين مجهولين وهما معروفان فاما كثير بن مرة فروى له أصحاب السنن الأربعة وروى عن الصحابة وقيل إنه أدرك سبعين بدريا ووثقه أهل الحديث وله ترجمة حسنة في التذهيب والتهذيب وغيرهما وأما أصبغ بن زيد فهو جهني مولاهم واسطى ناسخ المصاحف من اقران هشيم وثقه ابن معين والنسائي والدار قطني، وروى عنه عشرة أنفس وإن كان بعضهم وهاه بلا حجة فالحديث صحيح إن شاء الله تعالى
64

ليث بن أبي سليم أخبرني أبو الحكم أن علي بن أبي طالب أحرق طعاما احتكر بمائة
ألف * ومن طريق ابن أبي شيبة نا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن حي عن
الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن قيس قال: قال: حبيش أحرق لي علي بن أبي طالب
بيادر بالسواد كنت احتكرتها لو تركها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة، البيادر
أنادر الطعام *
قال أبو محمد: وهذا بحضرة الصحابة ويلزم من شنع بمثل هذا أن يأخذ به *
1568 مسألة وإن كان التجار المسلمون إذا دخلوا أرض الحرب أذلوا بها
وجرت عليهم أحكام الكفار فالتجارة إلى أرض الحرب حرام ويمنعون من ذلك والا
فنكرهها فقط والبيع منهم جائز الا ما يتقوون به على المسلمين من دواب أو سلاح أو حديد
أو غير ذلك فلا يحل بيع شئ من ذلك منهم أصلا قال تعالى: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم
وأنتم الأعلون) فالدخول إليهم بحيث تجرى على الداخل أحكامهم وهن وانسفال ودعاء
إلى السلم وهذا كله محرم وقال تعالى: (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فتقويتهم بالبيع
وغيره (1) مما يقوون به على المسلمين حرام وينكل من فعل ذلك ويبالغ في طول حبسه *
1569 مسألة ومن اشترى سلعة على السلامة من العيوب فوجدها معيبة فهي
صفقة مفسوخة كلها لا خيار له في امساكها الا بأن يجددا (2) فيها بيعا آخر بتراض منهما لان
المعيب بلا شك غير السالم وهو إنما اشترى سالما فأعطي معيبا فالذي أعطى غير الذي اشترى
فلا يحل له ما لم يشتر لأنه أكل مال بالباطل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم
عليكم حرام) وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن
تراض منكم) وقد ذكرنا كلاما كثيرا في هذه المسألة فيما سلف من كتابنا هذا، وفى هذا
كفاية (3) وبالله تعالى التوفيق *
1570 مسألة فإن لم يشترط السلامة ولا بين له معيب فوجد عيبا فهو مخير
بين امساك أو رد فان أمسك فلا شئ له لأنه قد رضى بعين (4) ما اشترى فله أن يستصحب
رضاه وله أن يرد جميع (5) الصفقة لأنه وجد خديعة وغشا وغبنا والغش. والخديعة
حرامان (6) وليس له أن يمسك ما اشترى ويرجع بقيمة العيب لأنه إنما له ترك الرضا بما
غبن فيه فقط ولأنه لم يوجب له حقا في مال البائع قرآن. ولا سنة بل ماله عليه حرام كما
ذكرنا وليس له رد البعض لان نقس المعامل له لم تطب له ببعض ما باع منه دون بعض
ولا يحل مال أحد الا بتراض أو بنص يوجب احلاله لغيره، وسواء كان المعيب وجه

(1) في النسخة رقم 14 أو غيره
(2) في النسخة رقم 16 الا ان يجددا
(3) في النسخة رقم 14 وفيه كفاية
(4) في النسخة رقم 14 رضى عين
(5) في النسخة رقم 14 وان رد رد جميع
(6) في النسخة رقم 14 لا يحلان
65

الصفقة أو أكثرها أو أقلها لأنه لم يأت بالفرق بين شئ من ذلك قرآن. ولا سنة، وبالله
تعالى التوفيق *
1571 مسألة هذا حكم كل معيب حاشا المصراة فقط فان حكمها ان من اشترى
مصراة وهي ما كان يحلب من إناث الحيوان وهو يظنها لبونا فوجدها قد ربط ضرعها حتى
اجتمع اللبن فلما حلبها افتضح له الامر فله الخيار ثلاثة أيام فان شاء أمسك ولا شئ له وان شاء
ردها ورد معها صاعا من تمر ولا بد، وسواء كانت المصراة واحده أو اثنتين أو ألفا أو
أكثر لا يرد في كل ذلك الا صاعا واحدا من تمر، وسواء كان اشتراها بكثير أو بقليل
ولو بعشر صاع تمر فإن كان اللبن الذي في ضرعها يوم اشترها حاضرا رده كما هو حليبا
أو حامضا، فإن كان قد استهلكه رد معها لبنا مثله وإن كان قد مخضه أو عقده رده فان نقص
عن قيمته لبنا رد ما بين النقص والتمام لأنه لبن البائع وليس عليه رد ما حدث من اللبن في
كونها عنده لأنه حدث في ماله فهو له، فان ردها بعيب آخر غير التصرية لم يلزمه رد التمر
ولا شئ غير اللبن الذي كان في ضرعها إذا اشتراها فان انقضت الثلاثة الأيام ولم يردها بعد
لزمته وبطل خياره الا من عيب آخر غير التصرية وإنما سميت مصراة لان التصرية هي
الجمع (1) وهذه جمع لبنها وهي أيضا المحفلة لأنه قد حفل لبنها في ضرعها *
برهان ذلك ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن
أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم:
(من ابتاع محفلة أو مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام ان شاء أن يمسكها أمسكها وان شاء أن
يردها ردها وصاعا من تمر لا سمراء) السمراء البر فهذا خبر صحيح يقتضى كل ما قلناه
وهو الزائد على سائر الأخبار، وقد روينا من طريق البخاري نا محمد بن عمرو بن جبلة
نا مكي بن إبراهيم أخبرنا ابن جريج أخبرني زيادة قال: ان ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره
انه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فان
رضيها أمسكها وان سخطها ففي حلبتها صاع من تمر (2) *
قال أبو محمد: روينا خبر المصراه من طريق ابن سيرين. وثابت مولى عبد الرحمن
ابن زيد كما أوردنا، ومن طريق محمد بن زياد، وموسى بن يسار. وأبى صالح السمان.
وهمام بن منبه. والأعرج. ومجاهد. وأبي إسحاق. ويزيد بن عبد الرحمن بن أذينة
وغيرهم، ورواه عن هؤلاء حماد بن سلمة، وداود بن قيس. وسهيل بن أبي صالح.
ومعمر. وأيوب. وحبيب بن الشهيد. وهشام بن حسان. ومالك. وابن عيينة.

(1) في النسخة رقم 14 هو الجمع، وكلاهما جائز
(2) هو في صحيح البخاري ج 3 ص 147
66

وعبيد الله بن عمر كلهم عن أبي الزناد عن الأعرج. وابن جريج عن زياد عن ثابت.
والليث بن سعد عن الأعرج وهؤلاء الأئمة الاثبات الثقات، ورواه
عن هؤلاء من لا يحصيهم الا الله عز وجل فصار نقل كافة وتواتر لا يرده الا محروم غير
موفق، وبهذا يأخذ السلف قديما وحديثا * روينا من طريق البخاري نا مسدد نا المعتمر
ابن سليمان التيمي سمعت أبي يقول نا أبو عثمان هو النهدي عن عبد الله بن مسعود قال:
(من اشترى محفلة فليرد معها صاعا من تمر) وهذا اسناد كاللؤلؤ، وصح أيضا عن أبي
هريرة من فتياه ولا مخالف لهما من الصحابة في ذلك وهو قول الليث بن سعد، ومالك
في أحد قوليه. وأصحابه الا أشهب وهو قول الشافعي. وأحمد بن حنبل. وأصحابهما.
وأبي ثور. وأبى عبيد. وإسحاق بن راهويه. وأبي سليمان. وجميع أصحابنا. وأحد قولي
أبن أبي ليلى، وقال زفر بن الهذيل: يردها وصاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف
صاع من بر *
قال أبو محمد: وهذه زيادة على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعد لحدوده والزائد في
الشئ كالناقص منه، وقال أبن أبي ليلى في أحد قوليه (1)
يردها وقيمة صاع من، وهو (2) أيضا خلاف أمره عليه الصلاة والسلام، وقال
مالك في أحد قوليه: يؤدى أهل كل بلد صاعا من أغلب عيشهم وهذا خلاف لأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن: إن كان اللبن حاضرا لم يتغير ردها ورد
اللبن ولا يرد معها صاع تمر ولا شيئا وإن كان قد أكل اللبن لم يكن له ردها لكن يرجع
بقيمة العيب فقط وهذا خلاف ظاهر لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من ذلك *
وقال أبو يوسف: إن كان قد أكل اللبن ردها وقيمة ما أكل من اللبن، ويكفى من
فساد هذين القولين انهما خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا سلف لهم فيه وما نعلم أحدا
قاله قبلهم. وأنه خلاف قول ابن مسعود: وأبي هريرة ولا مخالف لهم من الصحابة وهم
يعظمون مثل هذا إذا خالف تقليدهم *
قال أبو محمد: واعترضوا في ذلك بان تعللوا في الخبر بعلل فمرة قالوا: هو مخالف
للأصول فقلنا: كذبتم بل هو أصل من كبار الأصول وإنما المخالف للأصول قولكم في
الوضوء من القهقهة في الصلاة خاصة. وقولكم بأن القلس لا ينقض الوضوء أصلا الا إذا
كان ملء الفم (3). وقولكم في جعل الآبق أربعون درهما إذا كان على مسيرة ثلاث.
وقولكم في عين الدابة ربع ثمنها. والوضوء بالخمر. وسائر تلك الطوام التي هي بالمضاحك

(1) في النسخة رقم 16 في آخر قوليه
(2) في النسخة رقم 16 وهذا
(3) في النسخة رقم 14 حلا الفم
67

وبما يأتي به المبرسم أشبه منها بشرائع الاسلام، ومرة قالوا: لما لم يقس عليه القائلون به
علمنا أنه متروك فقلنا: القياس باطل وهلا عارضتم أنفسكم بهذا الاعتراض إذ لم تقيسوا
على المنع من بيع المدبر المنع من بيع الموصى بعتقه والمعتق بصفة. وإذ لم تقيسوا على الخبز
في الاكل ناسيا وهو صائم وإذ لم تقيسوا على الجنين يلقى فيكون فيه غرة، ومرة قالوا:
هو منسوخ بالتحريم في الربا لأنه طعام من التمر بطعام من اللبن فقلنا: كذبتم ما هو لبن
بطعام ولا بتمر وإنما هو تمر أوجبه الله تعالى للبائع على المبتاع ان رد عليه المصراة كما
أوجب الصداق على الزوج لا على المرأة وهي مستحلة بذلك النكاح فرجه الذي كان
حراما عليها كما هو مستحل به فرجها الذي كان عليه حراما ولا فرق، وكما أوجب الدية
على العاقلة ولا ذنب لها، ومرة قالوا: أرأيتم إن كان إنما باعها منه بمد تمر أليس ترجع
إليه وصاع تمر؟ أو أرأيتم أن كان لبنها كثيرا جدا أو قليلا جدا أليس صاع التمر عوضا مرة
عن نصف صاع اللبن ومرة عن صيعان كثيرة من اللبن؟ قلنا: لا ما هو عوضا عن اللبن
وأما في ابتياعه إياها بمد تمر فنقول: نعم فكان ماذا؟ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى
الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم، وهلا عارضتم أنفسكم بهذه المعارضة
إذ قلتم: يغرم سيد الآبق لمن رده عليه أربعين درهما وإن كان الآبق لا يساوى الا درهما
واحدا ولا يؤدى قاتل الأمة خطأ إلا خمسة آلاف درهم غير خمسة دراهم ولو أنها كانت
تساوي مائة ألف دينار؟ فههنا في هذه الحماقات هو الاعتراض لا على المتيقين عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ومرة قالوا: كان هذا الحكم إذ كانت العقوبات في الأموال كحرق رحل الغال ونحو
ذلك فقلنا. كذبتم كما كذب الشيطان وقلتم ما لم يأت قط في شئ من الروايات وتلك الأخبار
التي ذكرتم منقسمة إلى ثلاث أقسام؟ اما خبر باطل كحديث أخذ نصف مال مانع الزكاة.
وحديث حرق رحل الغال: وحديث واطئ أمة امرأته * وإما خبر ثابت فحكمه باق
كالكفارة على الواطئ عامدا في نهار رمضان. والدية على قاتل العمد إذا رضيها أولياء
القتيل. وجزاء الصيد، وإما قسم ثبت بنص آخر نسخه فوجب القول بأنه منسوخ وما
نذكره (1) في وقتنا هذا الا أنه لو وجد لصدق، وأما كل من ادعى في خبر ثابت نسخا فهو
كاذب آفك آثم قائل على الله تعالى ما لم يقله. ومخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم (2)
يخبر به عن نفسه قاف ما لا علم له به، وهكذا كل من حمل الحديث على غير ظاهره بأي
وجه أحاله فجوابه كذبت كذبت كذبت وقلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: الباطل وقولته
ما لم يقله (3) وحكمت بالظن الذي هو أكذب الحديث ورددت اليقين بالظنون * وقال

(1) في النسخة رقم 14 (وما نذكر)
(2) في النسخة رقم 14 ما لم
(3) في النسخة رقم 16 ما لم يقل
68

بعضهم: هذا حديث مضطرب فيه رواه سعيد بن منصور عن فليح بن سليمان عن أيوب
ابن عبد الرحمن عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اشترى
شاة مصراة فالمشترى بالخيار ان شاء ردها وصاعا من لبن) * ورواه أبو داود نا أبو كامل
نا عبد الواحد نا صدقة بن سعيد عن جميع بن عمير التيمي [قال] (1) (وسمعت عبد الله بن
عمر يقول فذكره وفيه فان ردها [رد معها] (2) مثل أو مثلي لبنها قمحا) * ورواه حماد بن أبي
الجعد عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر (3) لا سمراء)
وهكذا رواه أشعث بن عبد الملك الحمراني عن ابن سيرين عن أبي هريرة مسندا، وهكذا
رواه عبد الأعلى عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة مسندا، ورواه قرة بن
خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (صاعا من طعام لا سمراء) * رويناه (4)
من طريق البزار نا عمرو بن علي أبو عاصم عن الأشعث هو ابن عبد الملك الحمراني عن
محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اشترى شاة محفلة فهو
بالخيار ثلاثة أيام ان ردها ردها ورد معها صاعا من تمر (5) لا سمراء) * ومن طريق مسلم نا
محمد بن عمرو بن جبلة نا أبو عامر هو العقدي نا قرة هو ابن خالد عن محمد بن سيرين
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام قان
ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء) وهكذا وراه الحجاج بن المنهال عن حماد بن
سلمة عن أيوب. وحبيب بن الشهيد عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (صاعا
من طعام لا سمراء) * ومن طريق شعبة أخبرني الحكم بن عتيبة أنه سمع عبد الرحمن بن أبي
ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها ومعها صاع من طعام * ومن طريق
روح بن عبادة عن عوف بن أبي جميلة عن خلاس بن عمرو. وابن سيرين كلاهما عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ردها واناء من طعام قالوا: فهذا اضطراب شديد قلنا: كلا، أما
حديث سعيد بن منصور ففيه فليح وهو متكلم فيه، وأيوب بن عبد الرحمن هو العدوي
ضعيف مجهول، ويعقوب بن أبي يعقوب مجهول فسقط * وأما حديث ابن عمر ففيه
صدقة بن سعيد. وجميع بن عمير وهما ضعيفان فسقط * وأما رواية عوف اناء من طعام
فمجمل فسرته سائر الأحاديث بان ذلك الاناء صاع * وأما رواية الحجاج عن حماد بن سلمة
فإننا رويناها من طريق محمد بن المثنى عن الحجاج باسناده فشك فيه الحجاج أهو
بر أم لا؟ * ورويناها عن حماد بن سلمة عن أيوب. وهشام بن حسان. وحبيب بن
الشهيد من طريق موسى بن إسماعيل فقال: صاع تمر ولا يشك وحماد بن الجعد عن

(1) الزيادة من سنن أبي داود
(2) الزيادة من سنن أبي داود
(3) في النسخة رقم 14 من
(4) في النسخة رقم 16 وروينا
(5) في النسخة رقم 14 من بر
69

قتادة ضعيف فلم يبق الا حديث أشعث (1) وقرة عن ابن سيرين عن أبي هريرة وهما
صحيحان لا علة فيهما أحدهما صاع تمر لا سمراء. والآخر صاع طعام لا سمراء، والطعام
قد بينا قبل أنه البر نفسه فقط إذا أطلق هكذا فقال قوم: ان ابن سيرين هو الذي اضطرب
عليه فالواجب ترك ما اضطرب عليه فيه والرجوع إلى رواية من رواه عن أبي هريرة سواه
فلم يضطرب عليه فيه وهم جماعة *
قال أبو محمد: ولسنا نقول بهذا لأنه لم يوجب هذا الحكم قرآن. ولا سنة.
ولا معقول لكنا نقول وبالله تعالى التوفيق: ان كلا اللفظين صحيح من طريق الاسناد
ولا سبيل إلى القطع بالوهم والخطأ على رواية ثقة الا بيقين لا يحتمل غيره ولا تخلو السمراء
من أن تكون لفظة واقعة على بعض أصناف البر أو تكون اسما واقعا على جميع البر فإن كان
ت واقعة على جميع البر فحديث هؤلاء وهم بلا شك وخطأ بلا محالة لأنه لا يجوز أن يقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعا من بر لا من بر وإن كانت لفظة السمراء واقعة على بعض
أصناف البر فالواجب أن لا يجزى في المصراة من جميع أنواع الحيوان (2) كلها الا صاع تمر
فقط الا الشاه وحدها فإنه يرد معها صاعا من تمر كما ذكرنا أو صاعا من أي أصناف البر
أعطى حاشا السمراء لا يجزى (3) غير التمر وغير البر في الشاة إن كان كما ذكرنا وبالله
تعالى التوفيق، فإن لم يوجد التمر فقيمته لو وجد في ذلك المكان أو تكليف المجئ بالتمر
ولابد، فان قيل: فمن أين قلتم برد اللبن أو تضمينه وليس هو في الخبر قلنا: ولا في الخبر
ان لا يرده الا أن اللبن مشترى مع الشاة صفقة واحدة والواجب امساك الصفقة أو ردها
كما قدمنا بالنصوص التي ذكرنا لا يترك بعضها البعض، فان قيل قد جاء في الخبر ففي
حلبتها صاع من تمر قلنا: نعم والحلبة هي الفعل وقد تكون أيضا اللبن المحتلب الا أنه إنما
سمى بذلك مجازا ولا يجوز نقل اللفظة عن موضوعها إلى المجاز الا بنص والأموال محرمة
الا بنص وبالله تعالى التوفيق *
1572 مسألة فان فات المعيب بموت. أو بيع. أو عتق. أو ايلاد. أو تلف
فللمشتري أو البائع الرجوع بقيمة العيب لأنه إذا لم يرهن وأخذ العيب بما عليه من الغبن
فماله حرام على آخذه بغير رضاه ولا سبيل إلى رد الصفقة فالواجب الرجوع بما لم يرض
ببدله من ماله، وكذلك من غبن في بيعه فإنه يرجع بقيمة الغبن ولابد، وكذلك من
اشترى زريعة فزرعها فلم تنبت فإنه يرجع بما بين قيمتها كما هي رديئة وبين قيمتها نابتة
لأنها قد تلفت عينها فإنما له الرجوع بقيمة الغبن فإن كان اشتراها على أنها نابتة فالصفقة

(1) في النسخة رقم 16 الأشعث
(2) في النسخة رقم 16 الحبوب وهو تصحيف بديع الا انه غلط
(3) في النسخة رقم 16 ولا يجزى
70

فاسدة ويرد مثلها أو قيمتها ان لم توجد ويرجع بالثمن كله وبالله تعالى التوفيق *
1573 مسألة فان باعه فرد عليه لم يكن له أن يرد هو لكن يرجع بقيمة العيب
فقط لأنه قد بطل ما كان له من الرد بخروج المعيب عن ملكه لقول الله تعالى: (ولا تكسب
كل نفس الا عليها) ولم يجب له الا قيمة الغبن فقط وما سقط حكمه ببرهان فلا يرجع الا
بنص (1) يوجب رجوعه وبالله تعالى التوفيق *
1574 مسألة فان مات الذي له الرد قبل أن يلفظ بالرد وبأنه لا يرضى فقد
لزمت الصفقة ورثته لان الخيار لا يورث إذ ليس مالا ولأنه قد رضى بالعقد فهو على الرضا
ما لم يتبين انه غير راض فإن لم يتبين ذلك فقد قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) *
1575 مسألة فان مات الذي يجب عليه الرد كان لواجد العيب ان يرد المعيب
على الورثة لان له الرضا أو الرد فلا يبطله موت الغابن وبالله تعالى التوفيق *
1576 مسألة والعيب الذي يجب به الرد هو ما حط من الثمن الذي اشترى به
أو باع به ما لا يتغابن الناس بمثله لان هذا هو الغبن لا غبن غيره فإن كان اشترى الشئ
بثمن هو قيمته معيبا أو باعه بثمن هو قيمته معيبا وهو لا يدرى العيب ثم وجد العيب فلا
رد له لأنه لم يجد عيبا (2) وقد قال قوم: له الرد وهذا خطأ فاحش لأنه ظلم للبائع وعناية ومحاباة
للمشترى بلا برهان لا من قرآن. ولا سنة *
1577 مسألة فلو كان قد اشترى بثمن ثم اطلع على عيب كان يحط من
الثمن حين اشتراه الا أنه قد غلا حتى صار لا يحط من الثمن الذي اشتراه شيئا أو زال العيب قبل
أن يعلم به أو بعد أن علم به فله الرد في كل ذلك لأنه حين العقد وقع عليه غبن فله ان لا يرضى
بالغبن إذا علمه ولا يوجب سقوط ماله من الخيار لما ذكرنا قرآن. ولا سنة وبالله تعالى التوفيق *
1578 مسألة ومن باع بدراهم أو بدنانير في الذمة أو إلى أجل أو سلم فيما
يجوز فيه السلم فلما قبض الثمن أو ما سلم فيه وجد عيبا أو استحق ما أخذ أو بعضه فليس له إلا
الاستبدال فقط لأنه ليس له عين معينة إنما له صفة فالذي أعطى هو غير حقه فعليه أن يرد
ما ليس له وان يطلب ماله وبالله تعالى التوفيق *
1579 مسألة ومن وكل وكيلا ليبتاع له شيئا سماه فابتاعه له بغبن بما
لا يتغابن الناس بمثله أو وجده معيبا عيبا يحط به من الثمن الذي اشتراه به فله من الرد أو
الامساك أو الاستبدال أو من فسخ الصفقة كالذي ذكرنا قبل سواء سواء لان يد وكيله
هي يده وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم 14 الا ببرهان
(2) في النسخة رقم 16 غبنا
71

1580 مسألة فإن لم يعرف هل العيب حادث أم كان قبل البيع؟ فليس على
المردود عليه الا اليمين بالله ما بعته إياه وانا أدرى فيه هذا العيب ويبرأ الا أن تقوم بينة عدل
بأن هذا العيب أقدم من أمد التبايع فيرد لان الصفقة بيع وقد أحل الله البيع فلا يجوز
نقضه بالدعاوي ولا بالظنون وبالله تعالى التوفيق *
1581 مسألة ومن اشترى من اثنين فأكثر سلعة واحدة صفقة واحدة
فوجد عيبا فله ان يرد حصة من شاء ويتمسك بحصة من شاء وله أن يرد الجميع ان شاء أو
يمسك الكل كذلك، وكذلك لو استحقت حصة أحدهم لم ينفسخ العقد في حصة الاخر
لان بيع كل واحد منها أو منهم حصته هو عقد غير عقد الاخر قال الله تعالى: (ولا تكسب
كل نفس الا عليها وتزر وازرة وزر أخرى) *
1582 مسألة وكذلك لو اشترى اثنان فصاعدا سلعة من واحد فوجدا
عيبا فأيهما شاء أن يرد رد وأيهما شاء أن يمسك أمسك لما ذكرنا من أن صفقة كل واحد
منهما غير صفقة الاخر، فكذلك لو استحق الثمن الذي دفعه أحدهما وكان بعينه فإنه
ينفسخ ولا ينفسخ بذلك عقد الآخر في حصته وبالله تعالى التوفيق *
1583 مسألة ومن اشترى سلعة فوجد بها عيبا وقد كان حدث عنده فيها
عيب من قبل الله تعالى أو من أو من فعل غيره فله الرد كما قلنا أو الامساك ولا يرد من
أجل ما حدث عنده شيئا ولا من أجل ما أحدث هو فيه شيئا لأنه في ملكه وحقه لم يتعد
ولا ظلم فيه أحدا والغبن قد تقدم فله ما قد وجب له من رد الغبن الذي ظلم فيه ولأنه لم يوجب
عليه في ذلك غرامة قرآن. ولا سنة وبالله تعالى التوفيق *
1584 مسألة ومن اشترى جارية. أو دابة. أو ثوبا. أو دارا أو غير ذلك
فوطئ الجارية أو افتضها إن كانت بكرا أو زوجها فحملت أو لم تحمل أو لبس الثوب
وأنضى الدابة وسكن الدار واستعمل ما اشترى واستغله وطال استعماله المذكور
أو قل ثم وجد عيبا فله الرد كما ذكرنا أو الامساك ولا يرد مع ذلك شيئا من أجل استعماله
لذلك لأنه تصرف في مال نفسه وفى متاعه بما أباح الله تعالى له الله تعالى: (والذين هم
لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى
وراء ذلك فأولئك هم العادون) فمن لم يلمه الله تعالى وأباح له فعله ذلك فهو بضرورة
العقل محسن، وقال تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) واغرام المال سبيل مسبلة على من
كلفها وقد أسقط الله تعالى عنه ذلك ثم هو كسائر واجدي الغبن في أن له الرضا أو الرد
وبالله تعالى التوفيق *
72

1585 مسألة ومن اطلع فيما اشترى على عيب يجب به الرد فله أن يرد
ساعة يجد العيب وله ان يمسك ثم يرده متى شاء طال ذلك الأمد أم قرب ولا يسقط
ما وجب له من الرد تصرفه بعد علمه بالعيب بالوطئ والاستخدام. والركوب واللباس.
والسكنى ولا معاباته إزالة العيب ولا عرضه إياه على أهل العلم بذلك العيب ولا
تعريضه ذلك الشئ البيع ولا يسقط ما وجب له من الرد الا أحد خمسة أوجه لا سادس
لها، وهي نطقه بالرضا بامساكه أو خروجه كله أو بعضه عن ملكه أو ايلاد الأمة أو موته
أو ذهاب عين الشئ أو بعضها بموت أو غيره وهو قول أبي ثور. وغيره، ومن أدعى
سقوط من وجب له من الرد بشئ مما ذكرنا قبل فقد ادعى ما لا برهان له به وهذا باطل *
وبرهان صحة قولنا هو أن الرد قد وجب له باتفاق منا ومن مخالفينا وبما أوردنا من براهين
القرآن، والسنة في تحريم الغش وايجاب النصيحة فهو على ما وجب له ولا يجوز أن يسقطه عنه
الا نص أو اجماع متيقن ولا سبيل إلى وجودهما ههنا وليس شئ مما ذكرنا قبل رضا،
وأما سقوط الرد بالرضى أو بخروج الشئ أو بعضه عن الملك أو بذهاب بعض (1) عينه أو
كله أو بموته فقد ذكرنا البرهان على ذلك وهو في ذهاب عينه أو بعضها ممتنع منه الرد لما
اشترى والله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وأما الايلاد فقد ذكرنا
البرهان على المنع من جواز تمليك المرء أم ولده غيره وبالله تعالى التوفيق *
1586 مسألة ومن اشترى شيئا فوجد في عمقه عيبا كبيض أو قثاء أو قرع
أو خشب أو غير ذلك فله الرد أو الامساك سواء كان مما يمكن التوصل إلى معرفته أو مما
لا يمكن الا بكسره أو شقه لان الغبن لا يجوز ولا يحل الا برضا المغبون ومعرفته بقدر
الغبن وطيب نفسه به والا فهو أكل مال بالباطل والبائع وإن كان لم يقصد الغش فقد حصل
بيده مال أخيه بغير رضا منه والله تعالى قد حرم ذلك بقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) ولا يمكن وجود الرضا الا بعد
المعرفة بما يرضى به وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان
1587 مسألة ومن اشترى عبدا أو أمة فبين له بعيب الإباق أو الصرع فرضيه
فقد لزمه ولا رجوع له بشئ عرف مدة الإباق وصفة الصرع أو لم يبين له ذلك لان جميع
أنواع الإباق إباق. وجميع أنواع الصرع صرع وقد رضى بجملة اطلاق ذلك فلو قلل
له الامر (2) فوجد خلاف ما بين له بطلت الصفقة لأنه غير ما اشترى ولو وجد زيادة على
ما بين له فله الخيار في رد أو امساك لأنه عيب لم يبين له وبالله تعالى التوفيق *

(1) لفظ بعض سقط من النسخة رقم 14
(2) في النسخة رقم 16 الأمد
73

1588 مسألة ومن اشترى عدلا على أن فيه عددا مسمى من الثياب أو كذا
وكذا رطل من سمن أو عسل أو غير ذلك مما يوزن أو كذا وكذا تفاحة أو غير ذلك مما
يعد أو كذا وكذا مدا مما يكال أو اشترى صبرة على أن فيها كذا وكذا قفيزا أو نحو
ذلك أو شيئا على أن فيه كذا وكذا ذراعا فوجد أقل أو أكثر فالصفقة كلها مفسوخة أبدا
لأنه أخذ غير ما اشترى به وأكل مال بالباطل لا بتجارة عن تراض، وبالضرورة يدرى
كل سليم الحس أن العدل الذي فيه خمسون ثوبا ليس هو العدل الذي فيه تسعة وأربعون ثوبا
ولا هو أيضا العدل الذي فيه واحد وخمسون ثوبا وهكذا أيضا في سائر الاعداد. والأوزان.
والاكيال، والذرع: فلو لم يقع عقد البيع على ذلك لكن المعهود والمعروف ان في تلك
الاعدال عددا معروفا وكذلك تلك الصبره وكذلك سائر المكيلات. والموزونات.
والمذروعات: والمعدودات أو وصفه البائع بتلك الصفة الا أن البيع لم ينعقد على ذلك
فإن كان ما وجد من النقص يحط من الثمن الذي اشتراه به ما لا يتغابن به الناس بمثله فهو
مخير بين رد أو امساك ولا شئ له غير ذلك وإن كان ما وجد من الزيادة يزيد على الثمن
الذي باع به البائع زيادة لا يتغابن الناس بها فالبائع مخير بين رد أو رضا لان كلا الامرين
غبن لاحد المتبايعين والغبن لا يحل الا برضا المغبون ومعرفته بقدره والا فهو أكل مال
بالباطل لا تجارة عن تراض، وليس أحدهما أولى بالحياطة والنظر له من الآخر، ومن قال
غير هذا فهو مبطل متحكم بلا برهان تعالى نتأيد *
1589 مسألة ومن قال لمعامله: هذه دراهمك أو دنانيرك وجدت فيها هذا
الردئ أو قال المشترى: هذه سلعتك وجدت فيها عيبا فقال الآخر: ما أميزها ولا أدرى
أنها دراهمي أو دنانيري أو سلعتي أم لا (1) فإن كانت للذي يذكر وجود العيب والردئ
بينة بأنها تلك قضى له والا فعلى الذي يقول: لا أدرى اليمين بالله تعالى ما أدرى ما تقول
ويبرأ لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالبينة على المدعى واليمين على المدعى عليه والمدعى ههنا
هو الذي يريد أخذ شئ من الآخر والمدعى عليه هو الذي ينكر وجوب (2) ذلك عليه
فإن كانت السلعة والثمن بيد المشترى فالقول قوله مع يمينه لأنه مدعى عليه خروج
ما بيده عن يده *
1590 مسألة ومن رد بعيب وقد اغتل الولد واللبن. والثمرة. والخراج
وغير ذلك فله الرد ولا يرد شيئا من كل ذلك لأنه حدث ماله وفى ملكه وليس مما وقع
عليه الشراء فلا حق للمردود عليه فيه وبالله تعالى التوفيق. وهو قول أبي حنيفة. ومالك

(1) في النسخة رقم 16 أولا
(2) في النسخة رقم 16 وجود
74

في بعض ذلك وهو قول الشافعي. وأبي سليمان. وأحمد، وفى هذا خلاف قديم * روينا
من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا المغيرة عن الحارث العكلي أن رجلا اشترى أمة لها
لبن فاكتراها ظئرا وأصاب من غلتها ثم وجد بها داء كان عند البائع فخاصمه إلى شريح فقال
له شريح: ردها بدائها ورد معها ما أصبت من غلتها قال: فانى (1) لا أردها إذ كلفتني
أن أرد ما أصبت من غلتها فأقبلها بدائها فقال له شريح: ليس ذلك إلى قد مضى قضائي
ذلك إلى خصمك، وقد روى عن شريح. والحسن. والشعبي مثل قولنا *
قال أبو محمد: وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه ما يسر الله تعالى لنا ذكره، فمن ذلك
فوت المعيب بموت أو عتق. أو ايلاد أو تلف أو قوت بعضه فان أصحابنا قالوا:
ليس له إلا الامساك ولا يرجع بشئ وهو قول قتادة * رويناه (2) من طريق عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة قال: لا عهدة بعد الموت إذا ماتت جاز عليه وهو قول شريح.
والحسن البصري * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زكريا ابن أبي
زائدة عن الشعبي فيمن ابتاع عبدا فأعتقه ثم وجد به عيبا قال: يرد على صاحبه فضل ما بينهما
ويجعل (3) ما رد عليه في رقاب لأنه قد وجهه *
قال على: إنما وجه لله تعالى العبد لا ما وجب له من رد بعض ماله إليه مما غبن فيه فهو
غير العبد فلا يلزمه أن يوجهه الا أن يشاء إذ لم يوجب عليه ذلك قرآن. ولا سنة، وقد روى
عن الشعبي. والزهري أيضا أنه يرجع بقيمة العيب كقولنا، وقال أبو حنيفة: إذا باعه أو
باع بعضه أو وهبه أو وهب بعضه أو أعتقه على مال ثم وجد عيبا فلا رجوع له بشئ فلو
أعتقه على غير مال أو دبره. أو أولد الأمة ثم وجد عيبا رجع بقيمة العيب قال: فلو باعه
ثم رد عليه بعيب فإن كان هذا الرد بعد القبض فإن كان بقضاء قاض رده هو أيضا على الذي
باعه عنه وإن كان بغير قضاء قاض لم يكن له أن يرده على الأول، وإن كان هذا الرد قبل
القبض فله أن يرده أيضا هو على البائع له منه سواء رد عليه بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض،
وقال مالك ان مات العبد أو دبره السيد أو كاتبه. أو وهبه لغير ثواب. أو تصدق
به أو بالعرض ثم اطلع على عيب فله الرجوع بقيمة العيب فقط، فلو باعه أو رهنه (4)
أو اجره ثم اطلع على عيب فلا رجوع له ولا رد فإذا خرج عن الرهن أو تمت الإجارة أو
رجع إليه بعد البيع فله الرد والهبة للثواب كالبيع، فان باع نصف السلعة قيل للبائع رد نصف
قيمة العيب أو خذ النصف الباقي (5) في نصف ثمن، وقال الشافعي: ان أعتقه أو مات العبد
رجع بقيمة العيب فلو باعه أو باع بعضه لم يرجع بشئ، وقال عثمان البتي: ان باعه أو أعتقه

(1) في النسخة رقم 14 فانا
(2) في النسخة رقم 16 روينا
(3) في النسخة رقم 16 وحصل
(4) في النسخة رقم 16 أو وهبه
(5) في النسخة رقم 14 نصف الباقي
75

رجع بقيمة العيب وهو قولنا، وقال عثمان: فلو باعه بما كان اشتراه لم يرجع بشئ: قال أبو محمد:
إنما نراعي الغبن حين عقد البيع لا بعده ولا قبله فلو أبق العبد ثم اطلع على عيب قال مالك: له
الرد ويأخذ جميع الثمن
قال على: وبهذا نأخذ لأنه في ملكه بعد وتمليكه غيره جائز وليس عليه تسليمه إنما عليه
اطلاق يد من ملكه إياه عليه فقط، وقال سفيان الثوري: لا شئ له حتى يحضر الآبق فيرده أو
يموت فيرجع بقيمة العيب قال على: قول أبي حنيفة. ومالك لا برهان عليهما ولا نعلم لهما قائلا
قبلهما نعنى تقسيمهما المذكور، وأما السلعة التي تتبعض فيوجد ببعضها عيب فقول شريح
والشعبي. والشافعي وأبي ثور كقولنا إما أن يرد الجميع وإما أن يمسك الجميع وقال
مالك: إن كان المعيب هو وجه الصفقة أو الذي فيه الربح رد الجميع أو أمسك الجميع،
وإن كان المعيب ليس هو كذلك كان له رده بحصته من الثمن فقط وهذا قول لا نعلمه عن أحد
قبله ولا برهان على صحته، وقال أبو حنيفة: إن كانت السلعة خفين. أو مصراعين
فوجد بأحدهما عيبا لم يكن له الا ردهما معا أو امساكهما معا فإن كانا عبدين أو ثوبين
كان له رد المعيب بحصته من الثمن وامساك الآخر * قال أبو محمد: وهذا باطل لأنهم
مجمعون معنا على جواز بيع أحد الخفين واحد المصراعين دون الآخر كجواز بيع أحد
الثوبين وأحد العبدين ولا فرق، فالتفريق بين ذلك في الرد باطل، وهو أيضا قول
لا نعلمه عن أحد قبله، ومما يبطل رد بعض السلعة ان باقيها الذي يحتبس به يرجع إلى
القيمة لأنه إنما يمسكه بحصته من الثمن فصار بيعا بقيمة والبيع بالقيمة لا يجوز، وأما من
وطئ أو استغل أو استعمل ثم وجد العيب فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة
عن شريك عن جابر عن الشعبي ان عمر بن الخطاب قال فيمن اشترى جارية فوطئها
ثم وجد بها عيبا: إن كانت ثيبا ردها ونصف عشر قيمتها وإن كانت بكرا ردها ورد
معها عشر قيمتها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا مطرف هو ابن طريف. والمغيرة
هو ابن مقسم قال مطرف: عن الشعبي عن شريح وقال المغيرة: عن إبراهيم ثم اتفق
شريح. وإبراهيم قالا جميعا: إذا وطئها ثم رأى بها عيبا ردها بالعيب ورد معها عقرها
إن كانت بكرا فالعشر وإن كانت ثيبا فنصف العشر، وصح أيضا عن قتادة من طريق عبد
الرزاق عن معمر عنه، وقد روينا أيضا من طريق وكيع عن شريك عن أبي هند المرهبي
عن الضحاك عن عمر بن الخطاب قال: إذا وطئها فهي من ماله ويرد عليه البائع قيمة
العيب * ومن طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية أنا أيوب
السختياني عن محمد بن سيرين أن رجلا اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبا فخاصم إلى
شريح فقال شريح: أيسرك أن أقول لك: انك زنيت؟ قال ابن سيرين: ثم أخبرت
76

انه قضى بالكوفة ان يردها ويرد معها عقرها مائة قال ابن سيرين: وأحب إلي أن يتجوزها
ويوضع عنه قدر الداء وهو قول سفيان الثوري: والزهري، وقد روينا عن علي قولين،
أحدهما من طريق ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
عن أبيه عن جده علي بن الحسين أن علي بن أبي طالب قال: لا يردها لكن يرد عليه قيمة العيب
يعنى في الذي يطأ الجارية ثم يجد بها عيبا * والآخر من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا
جويبر عن الضحاك أن علي بن أبي طالب قال: إذا وطئها وجبت عليه وان رأى العيب قبل
أن يطأها فان شاء أخد وان شاء رد، وصح هذا القول عن الحسن. وعن عمر بن عبد
العزيز أنه لا يردها ولا يرجع بشئ * وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن
معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: يرد معها عشرة دنانير يعنى إذا وطئها ثم
اطلع على عيب * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة عن الحارث العكلي
في رجل اشترى جارية فوقع عليها ثم استحقت قال: يأخذ المستحق جاريته ولا يرد هذا
المشترى عليه عقر (1)، والدور. والأرضون. وأشباه ذلك على مثل هذا يكون رده
إذا وجد بها عيبا كالذي استحق فاستنقذ (2) من يديه *
قال أبو محمد: هذا هو قولنا وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: إذا وطئها ثم
اطلع على عيب فليس له الا قدر قيمة العيب فقط الا أن يشاء البائع قبولها فله رد ذلك
ويرد الثمن، وقال ابن أبي ليلى: يردها ويرد معها ثلاثة أرباع عشر قيمتها وهذا هو
عقرها، ووجهه عنده ان يأخذ عشر قيمتها ونصف عشر قيمتها فيجمعها ثم يأخذ نصف
ما اجتمع فهو الذي يقضى عليه برده، وقال ابن شبرمة. والحسن بن حي. وعبيد الله بن
الحسن: يردها ويرد معها مهر مثلها بالغا ما بلغ، وقال عثمان البتي: ان لم ينقصها الوطئ
فإنه يردها ولا يرد معها شيئا فان نقصها ردها ورد معها ما نقصها، وقال مالك. والليث
ابن سعد. والشافعي في أحد قوليه: أن كانت بكرا ردها ورد معها ما نقصها وطؤه وإن كان
ت ثيبا ردها ولم يرد معها شيئا، وقال الشافعي في أشهر قوليه: إن كان افتضها فليس
له ردها لكن يرجع بقيمة العيب فقط وإن كانت ثيبا ردها ولم يرد معها شيئا *
قال على: قول مالك لا نعلمه عن أحد قبله ولا معنى لايجاب عقر ولا غرامة على
المشترى لأنه وطئ أمته التي لو حملت لحقه ولدها والتي لا يلام على وطئها ولو أن البائع
وطئها وهي في ملك المشتري لكان زانيا يرجم إن كان محصنا ويجلد الحد إن كان
غير محصن فأي حق له في بضعها حتى يعطى له عقرا أو قيمة، وقد يوجد في الإماء من لا يحط

(1) العقر بالضم ما تعطاه المرأة على وطئ الشبهة، وأصله أن واطئ البكر يعقرها إذا افتضها فسمى ما تعطاه
العقر عقرا ثم صار عاما لها وللثيب اه‍ من النهاية
(2) في النسخة رقم 16 فاستنفذ
77

الافتضاض من قيمتها شيئا كخدم الخدمة ويوجد من يحطها الوطئ وإن كانت ثيبا كالرقيق
العالي يطؤها النذل الذي يعير به سيدها وولدها وهي أيضا، فهذه كلها أقوال لا برهان على
صحتها، ولقد كان يلزم المالكيين المعظمين لخلاف الصاحب القائلين: ان المرسل كالمسند
القائلين فيما وافقهم: مثل هذا لا يقال بالرأي أن يقولوا ههنا بقول عمر بن الخطاب كما
قالوا في تقويم الغرة بخمسين دينارا وتقويم الدية وغير ذلك ولكن لا يبالون بالتناقض *
وأما من أحدث فيها حدثا فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الوهاب الثقفي
عن أيوب عن ابن سيرين عن عثمان بن عفان انه قضى في الثوب يشتريه الرجل وبه العوار
انه يرده إذا كان قد لبسه * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد أن ابن عمر اشترى عمامة فقبلها ورضيها وكورها على رأسه فرأى
خيطا أحمر فردها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن جبلة بن سحيم
قال: رأيت ابن عمر اشترى قميصا فلبسه فاصابته صفرة من لحيته فأراد أن يرده فلم يرده
من أجل الصفرة * ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن الحسن بن عبيد الله
عن إبراهيم عن شريح أنه اختصم إليه رجل اشترى من آخر هروية فقطعها ثم وجد
بها عيبا فقال له شريح: الذي أحدث بها أشد من الذي كان بها قال غندر: ونا شعبة
قال: سألت الحكم عمن اشترى ثوبا فقطعه فوجد به عورا؟ قال: يرده قال شعبة:
وسألت حماد بن أبي سليمان عن هذا؟ فقال: يرده ويرد معه أرش التقطيع قال
شعبة: وأخبرني الهيثم عن حماد أنه قال: يوضع عنه أرش العوار * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا إسماعيل بن علية عن أيوب السختياني عن ابن سيرين قال: اشترى رجل
دابة فسافر عليها فلما رجع وجد بها عيبا فخاصمه إلى شريح فقال له: أنت أذنت
له في ظهرها *
قال أبو محمد: وقول الحكم هذا هو قول عثمان البتي. وهو أحد أقوال الشافعي. وهو
قول قد روى عن شريح أيضا وهو قولنا * وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: من
قطع ثوبا اشتراه أو حدث بما اشترى عيب عنده ثم اطلع على عيب فلا رد له لكن يرجع
بقيمة العيب وهو أحد قولي حماد، وذهب بعض أصحابه منهم الطحاوي. ومحمد بن شجاع
إلى أنه لا يرده ولا يرجع بشئ، وللشافعي قولان أحدهما كقول أبي حنيفة وهو قول
سفيان الثوري، وابن شبرمة، والثاني أنه يرده ويرد معه قيمة ما حدث عنده من العيب وهو
قول أبي ثور. وأحد قولي حماد، وقال أحمد. وإسحاق: هو بالخيار بين أن يرده ويرد
معه قدر ما حدث عنده وبين أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب، وقال مالك إن كان العيب
78

الذي حدث عنده مفسدا فإنه يرده ويرد قيمة ما حدث عنده وإن كان العيب خفيفا رده
ولم يرد معه شيئا وهذا قول لا نعلم أحدا قاله قبله - يعنى هذا التقسيم - وقول أبي حنيفة.
ومالك ههنا خلاف ما روى عن عثمان. وابن عمر رضي الله عنهما ولا نعلم في هذا عن
الصحابة قولا غيره، وقد أباح عثمان رضي الله عنه الرد بالعيب بعد اللباس واللباس يخلق
الثوب وليس امتناع ابن عمر من الرد من أجل الصفرة دليلا على أنه لم يجيز الرد وقد يترك
ذلك اختيارا مع أن الصفرة ليست عيبا لأنها تزول سريعا بالمسح وبالغسل للقميص،
وأما ما عيبه في جوفه فان مالكا قال: لا رجوع له فيه (1) وهو من المشترى كالبيض والخشب
وغير ذلك وأوجب أبو حنيفة. والشافعي الرجوع بحكم ما في ذلك *
قال أبو محمد: ما نعلم لمالك سلقا ولا حجة في هذه القولة وما في العجب والعكس
أعجب من قوله فيمن باع بيضا فوجده فاسدا أو خشبا فوجده مسوس الداخل: ان الثمن كله للبائع ولا شئ للمشترى عليه وهو قد باعه شيئا فاسدا وأكل (2) مال أخيه
بالباطل ثم يقول: من باع عبدا فمات أو قتل في اليوم الثالث أو هرب فيه أو أعورت
عينه فيه فهو من مصيبة البائع، وان جن أو تجذم أو برص إلى قبل تمام سنة من
بعد بيعه له فإنه من مصيبة البائع، ومن ابتاع تمرا في رؤوس الشجر فاصابته ريح أو
أكلته جراد فمن مصيبة البائع فهو يهنيه الثمن الذي أخذه بالباطل ويغرمه الثمن الذي
أخذه بالحق ويجعل من مصيبة المشترى ما حدث عند البائع من العيوب ويجعل من
مصيبة البائع ما حدث عند المشترى من العيوب حاشا لله من هذا * حدثنا حمام بن أحمد نا عبد
الله بن محمد بن علي الباجي نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا الحسين بن زكريا نا أبو ثور نا معلى
نا هشيم عن المغيرة عن الحارث هو العكلي عن شريح أن مولى لعمرو بن حريث اشترى
لعمرو بن حريث بيضا من بيض النعام أربعا أو خمسا بدرهم فلما وضعهن بين يدي
عمرو بن حريث كسر واحدة فإذا هي فاسدة ثم ثانية ثم ثالثة حتى تتابع منهن فاسدات
فطلب الاعرابي فخاصمه إلى شريح فقال شريح: أما ما كسر فهو ضامن له بالثمن الذي
أخذه به وأما ما بقي فأنت يا أعرابي بالخيار ان شئت كسروا فما وجدوا فاسدا ردوه
وما وجدوا طيبا فهو لهم بالسعر الذي بعتهم به *
قال على: أما حكم شريح فالمالكيون والحنيفيون لا يأخذون به ولا نحن فلا متعلق
للمالكيين به، وأما عمرو بن حريث فقد رأى الرد في ذلك وهو قولنا وهو صاحب
لا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم وهم يعظمون مثل هذا إذا

(1) في النسخة رقم 14 وهو مذ باعه شيئا فاسدا أو اكل
79

وافق آراءهم وأما الاستعمال. والوطئ بعد الاطلاع على العيب فإنه صح عن شريح أنه
قال: إذا وطئ بعد ما رأى المعيب أو عرضها على البيع فقد وجب عليه وهذا قوله في
جميع السلع، وهو أيضا قول الحسن البصري. وأبي حنيفة. ومالك والشافعي. وأحمد.
وإسحاق الا أن أبا حنيفة قال: سكنى الدار بعد المعرفة بالعيب وتقبيل الأمة
لشهوة ووطئها رضا بالعيب، قال واما استخدام الأمة أو ركوب الدابة أو لباس
القميص ليختبر كل ذلك بعد اطلاعه على العيب فليس شئ من ذلك رضا، وقال
عبيد الله بن الحسن: ليس الاستخدام رضا *
قال أبو محمد: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي
قال: نا أحمد بن خالد قال: نا الحسن بن أحمد الصنعاني نا محمد بن عبيد بن حساب نا حماد
ابن زيد عن أيوب هو السختياني وهشام بن حسان كلاهما عن محمد بن سيرين قال:
ابتاع عبد الرحمن بن عوف جارية فقيل له: ان لها زوجا فأرسل إلى زوجها فقال
له: طلقها فأبى فجعل له مائة فأبى فجعل له مائتين فأبى فجعل له خمسمائة فأبى فأرسل إلى
مولاه أنه قد أبى أن يطلق فاقبلوا. جاريتكم، فهذا عبد الرحمن بن عوف قد اطلع على عيب
أن لها زوجا فلم يرد حتى أرسل إلى الزوج وراوضه على طلاقها وجعل له مالا على
ذلك ثم زاده ثم زاده فلما يئس رد حينئذ، ولا يعرف به من الصحابة مخالف وهم
يعظمون مثل هذا * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار
قال: سمعت ابن عمر يقول: كنت ابتاع إن رضيت حتى سمعت عبد الله بن مطيع يقول:
ان الرجل ليرضى ثم يدع قال أبن عمر: فكأنما أيقظني فكان ابن عمر يبتاع ويقول:
ان أخذت، فهذا ابن عمر لا يرى الرضا بالقلب شيئا حتى يظهره بالقول ولا يعرف له
مخالف من الصحابة وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم، وأما رد الغلة فيما رد
بالعيب فقد ذكرنا الخلاف في ذلك، وقال زفر بن الهذيل. وعثمان البتي. وعبيد الله
ابن الحسن في ذلك ما نذكره، فأما زفر بن الهذيل فإنه قال: من اشترى جارية فوطئها
ثم اطلع على عيب بها فان ردها بقضاء قاض ردها ورد معها مهر مثلها فان وطئها غيره
بشبهة فأخذ لها مهرا أو زوجها فأخذ مهرها أو جنى عليها فأخذ للجناية أرشا ثم اطلع
على عيب فإنه يردها ويرد معها المهر في الزوجية الصحيحة وفى الوطئ بالشبهة ويرد
معها الأرش الذي أخذ لها وكذلك يرد ثمر النخل والشجر إذا رد الأصول بالعيب فان أكل
الثمرة ردها ورد معها قيمة ما أكل من الثمرة، وقال عثمان البتي. وعبيد الله بن الحسن: من
اشترى عبدا فاستغله ثم اطلع على عيب فله رده فان رده لزمه ان يرد الغلة كلها معه قال
80

عبيد الله: وكذلك لو وهب للعبد هبة فإنه يرد الهبة معه أيضا، وقال مالك: الغلة كلها
للمشترى من اللبن. والثمرة وغيره ذلك حاشا الأولاد فإنه يردهم مع الأمهات في الحيوان
كله والإماء، وقال أبو حنيفة: أما من ابتاع شاة فحلبها أو ولدت عنده أو أصولا فأثمرت
عنده فاكل تمرتها أو لم يأكل ثم اطلع على عيب فلا رد له لكن يرجع بأرش العيب فقط
فلو كانت دار فسكنها أو أجرها أو دابة فركبها أو اجرها أو عبدا فاستخدمه أو اجره ثم
اطلع على عيب فله رد العبد والدابة ولا يلزمه رد شئ من الغلة ولا رد شئ عما سكن وأجر.
واستخدم وركب، وممن قال بان كل ما حدث في ملك المشتري فإنه له ولا يرده ويرد
الأمهات. والأصول. والشئ المعيب شريح. والنخعي. وسعيد بن جبير. والحسن
وابن سيرين. والشافعي. وسفيان. وأحمد. وإسحاق. وأبو ثور. وأبو عبيد (1).
وأبو سليمان. وغيرهم *
قال على: أما قول أبي حنيفة. ومالك فظاهر المناقضة وعديم: من الدليل ولا (2)
نعلم لهما أحدا قال به قبلهما، وأما قول عثمان. وعبيد الله وزفر فيشبه أن تكون الحجة
لهم أن يقولوا: ان الرد بالعيب إنما هو فسخ للبيع فإذ هو فسخ للبيع فكأنه لم يزل المبيع المعيب
في ملك البائع *
قال أبو محمد: وهذا باطل ما هو فسخ للعقد في البيع بل هو ابطال لبقائه في ملك المشتري
ورده إلى البائع بالبراهين الموجبة لذلك ولو كان ما قالوه لكان زانيا بوطئه وهذا
باطل بل العقد الأول صحيح ثم حدث ما جعل للمشترى في الخيار في ابقائه به كذلك أو رده
من الآن لا بابطال الملك المتقدم للرد أصلا وبالله تعالى التوفيق * وعهدنا بهم يصححون
الخبر الفاسد (الخراج بالضمان) ويحتجون به في الغصوب وفى غير ذلك ثم قد خالفوه (3)
ههنا كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
1591 مسألة ومن كان لآخر عنده حق من بيع أو سلم أو غير ذلك من جميع
الوجوه بكيل أو وزن أو ذرع فالوزن والكيل والذرع على الذي عليه الحق ومن كان
عليه دنانير أو دراهم أو شئ بصفة من سلم أو صداق أو إجارة أو كتابة أو غير ذلك فالتقليب
على الذي عليه الحق أيضا لان الله تعالى أوجب على كل من عليه حق أن يوفى ما عليه من ذلك
من هو له عليه وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يعطى كل ذي حق حقه فمن كان حقه كيلا أو وزنا
أو ذرعا أو عددا موصوفا بطيب أو بصفة ما فعليه احضار ما عليه كما هو عليه ولا شئ
على الذي له الحق إنما الحق له ولا حق عليه، وقال تعالى: (أوفوا المكيال والميزان بالقسط)

(1) في النسخة رقم 16 أبو عبيدة
(2) في النسخة رقم 14 وما
(3) في النسخة رقم 14 خالفوا
81

وقال تعالى: (وزنوا بالقسطاس المستقيم) وقال تعالى: (وأقيموا الوزن بالقسط
ولا تخسروا الميزان) فان ذكروا قول الله تعالى: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا
على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) قلنا: نعم هذا هو قولنا لان
الله تعالى جعل في هذه الآية الكيل والوزن على الذين عليهم الحق وتوعدهم على اخسار ذي
الحق وعلى التطفيف وليس في اخباره تعالى بأنهم إذا اكتالوا على الناس يستوفون دليل
على أنهم يكتالون لأنفسهم وان الذي لهم عليه الحق لا يكيل لهم لأنه تعالى إنما ذكر استيفاءهم
ما لهم من الكيل فقط والاستيفاء يكون بكيل كائل ما فلا متعلق لهم في هذه اللفظة وصح
بقوله تعالى: (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) ان الذي عليه الحق هو يكيل ويزن وانه
منهى عن الاخسار *
1592 مسألة ومن اشترى أرضا فهي له بكل ما فيها من بناء قائم أو شجر
نابت، وكذلك كل من اشترى دارا فبناؤها كله له وكل ما كان مركبا فيها من باب أو درج
أو غير ذلك وهذا اجماع متيقن، وما زال الناس يتبايعون الدور والأرضين من عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا لا يخلو يوم من أن يقع فيه بيع دار أو ارض هكذا ولا يكون
له ما كان موضوعا فيها غير مبنى كابواب وسلم ودرج وآجر ورخام وخشب وغير ذلك
ولا يكون له الذرع الذي يقلع ولا ينبت بل هو لبائعه وبالله تعالى التوفيق، ومن ابتاع
انقاضا أو شجرا دون الأرض فكل ذلك يقلع ولابد وبالله تعالى التوفيق *
1593 مسألة وفرض على التجار أن يتصدقوا في خلال بيعهم وشراءهم بما
طابت به نفوسهم لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن قدامة المصيصي عن جرير
عن منصور عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر
التجار انه يشهد بيعكم الحلف واللغو شوبوه بالصدقة) وأمره صلى الله عليه وسلم على الفرض قال
الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم)
وقوله عليه السلام: (شوبوه بالصدقة) يقتضى المداومة والتكرار في موضوع اللغة
وبالله تعالى التوفيق *
(تم كتاب البيوع والحمد لله رب العالمين)
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الشفعة
1594 مسألة الشفعة واجبة في كل جزء بيع مشاعا غير مقسوم بين اثنين فصاعدا
من أي شئ كان مما ينقسم ومما لا ينقسم من أرض. أو شجرة واحدة فأكثر. أو عبد. أو ثوب.
أو أمة. أو من سيف. أو من طعام أو من حيوان أو من أي شئ بيع لا يحل لمن له ذلك الجزء
82

ان يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه فان أراد من يشركه فيه الاخذ له بما أعطى
فيه غيره فالشريك أحق به وان لم يرد أن يأخذ فقد سقط حقه ولا قيام له بعد ذلك إذا
باعه ممن باعه فإن لم يعرض عليه كما ذكرنا حتى باعه من غير من يشركه فيه فمن يشركه
مخير بين أن يمضى ذلك البيع وبين أن يبطله ويأخذ ذلك الجزء لنفسه بما بيع به *
وههنا خلاف في أربعة مواضع، أحدها هل يجوز بيع المشاع أم لا، والثاني هل يكون
في بيعه شفعة أم لا؟ والثالث الأشياء التي تكون فيها الشفعة، والرابع ان عرض البائع على من
يشركه قبل أن يبيع فأبى شريكه من الاخذ هل يسقط حقه بذلك أم لا؟ فقال عبد الملك بن يعلى
- وهو تابعي قاضى البصرة: لا يجوز بيع المشاع روينا ذلك من طريق حماد بن زيد نا أيوب
السختياني قال: رفع إلى عبد الملك بن يعلى قاضى البصرة رجل باع نصيبا له غيره مقسوم فلم يجزه
فذكر لمحمد بن سيرين فرآه غير جائز، وقال محمد بن سيرين: لا بأس بالشريكين يكون بينهما
المتاع أو الشئ الذي لا يكال ولا يوزن أن يبيعه قبل أن يقاسمه، وقال الحسن؟ لا يبع منه ولا
من غيره حتى يقاسمه الا أن يكون لؤلؤة أو ما لا يقدر على قسمته، وأجاز عثمان البتي بيع المشاع
ولم ير الشفعة للشريك، وقال أبو حنيفة. والشافعي: لا شفعة الا في الأرض فقط أو في أرض
بما فيها من بناء أو شجر نابت فقط، وقال مالك: الشفعة واجبة في الأرض وحدها وفى الأرض
لما فيها من بناء أو شجر نابت أو في الثمار التي في رؤوس الشجر وان بيعت دون الأصول * وروينا
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه لا شفعة في بئر ولا فحل رويناه من طريق ابن أبي شيبة
نا عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن عمر بن حزم عن ابان
ابن عثمان بن عفان عن أبيه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل والأرف يقطع كل شفعة * الأرف
الحدود والمعالم (1) *
قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا ما رويناه من طريق البخاري نا مسدد نا عبد الواحد
هو ابن زياد نا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله
قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا
شفعة) (2): ومن طريق البخاري أيضا أنا محمود هو ابن غيلان نا عبد الرزاق نا معمر عن
الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشفعة في كل مال لم يقسم (3) فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) ووجدت في
كتاب يحيى بن مالك بن عائذ بخطه أخبرني القاضي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن سلمة
المعروف بابن أبي حنيفة قال: نا أبو جعفر الطحاوي قال نا محمد بن خزيمة نا يوسف بن عدي هو

(1) سقط لفظ والمعالم من النسخة رقم 14
(2) هو في صحيح البخاري ج 3 ص 179
(3) في النسخة رقم 14 في كل ما لم يقسم، وما هنا موافق لما في صحيح البخاري ج 3 ص 164
83

القراطيسي نا ابن إدريس هو عبد الله الأودي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: قضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شئ قال الطحاوي: وحدثنا إبراهيم بن أبي داود نا نعيم نا الفضل
ابن موسى عن أبي حمزة السكري عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشريك شفيع والشفعة في كل شئ) * ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر
أنا ابن وهب عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (الشفعة في كل شرك في ارض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه
فيأخذ أو يدع فان أبى فشريكه أحق به يؤذنه) *
قال أبو محمد: فهذه آثار متواترة متظاهرة بكل ما قلنا، جابر: وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
بأن الشفعة في كل مال وفى كل شئ وفى كل ما لم يقسم، ورواها كذا عن جابر أبو الزبير سماعا منه
وعطاء. وأبو سلمة ورواه عن ابن عباس ابن أبي مليكة فارتفع الاشكال جملة ولله تعالى الحمد
وممن قال بقولنا في هذا كما روينا عن ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون انا يحيى بن سعيد عن عون
ابن عبيد الله بن أبي رافع عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قال:
إذا وقعت الحدود وعرف الناس حقوقهم فلا شفعة بينهم * ومن طريق سعيد بن منصور
نا هشيم نا محمد بن إسحاق عن منظور بن أبي ثعلبة عن أبان بن عثمان بن عفان أن أباه عثمان
قال: لا مكايلة إذا وقعت الحدود فلا شفعة، فهذان عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان
رضي الله عنهما يحملان قطع الشفعة بعد وجوبها بوقوع الحدود ومعرفة الناس حقوقهم ولم
يخصا أرضا دون سائر الأموال بل أجملا ذلك والحدود تقع في كل جسم مبيع وكذلك معرفة
كل أحد حقه * ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي
مليكة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شئ الأرض. والدار. والجارية. والخادم
فقال عطاء: إنما الشفعة في الأرض والدار فقال له ابن أبي مليكة: تسمعني لا أم لك أقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تقول مثل هذا، والى هذا رجع عطاء كما روينا من طريق وكيع قال نا ابان
عن عبد الله البجلي قال: سألت عطاء عن الشفعة في الثوب فقال له شفعة وسألته عن الحيوان فقال
له شفعة وسألته عن العبد؟ فقال: له شفعة فهذان عطاء. وابن أبي مليكة بأصح اسناد عنهما *
قال أبو محمد: فلا تخلو الشفعة من أن تكون من طريق النص كما نقول نحن أو من طريق
النظر كما يقول المخالفون، فإن كانت من طريق النص فهذه النصوص التي أوردنا لا يحل الخروج
عنها وإن كانت من طريق النظر كما يزعمون أنها إنما جعلت لدفع ضرر (1) عن الشريك فالعلة
بذلك موجودة في غير العقار كما هي موجودة (2) في العقار بل أكثر وفيما لا ينقسم كوجودها

(1) في النسخة رقم 14 دفعا للضرر
(2) سقط لفظ موجودة من النسخة رقم 14
84

فيما ينقسم بل هي فيما لا ينقسم أشد ضررا فاما من منع بيع (1) المشاع فما نعلم لهم حجة أصلا بل هو
خلاف القرآن. والسنة قال الله تعالى (وأحل الله البيع) وقال تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم)
فهذا بيع لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال ولقد كان يلزم الحنيفيين المحرمين رهن الجزء من المشاع
رهبة الجزء من المشاع. والصدقة بالحزء من المشاع. والإجارة للجزء المشاع ان يمنعوا
من بيع الحزء من المشاع لان العلة في كل ذلك واحدة والقبض واجب في البيع كما هو في
الهبة. والرهن. والصدقة. والإجارة (1) ولكن التخاذل في أقوالهم في الدين أخف شئ
عليهم، فان قالوا: اتبعنا في إجازة بيع المشاع الآثار المذكورة قلنا: ما فعلتم بل خالفتموها
كما نبين بعد هذا إن شاء الله عز وجل، وأقرب ذلك مخالفتكم إياها في سقوط حق الشريك
إذا عرض عليه الاخذ قبل البيع فلم يأخذ فقلتم: بل حقه باق ولا يسقط، وأيضا فقد جاء
نص بهبة المشاع إذ وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعريين ثلاث زود من الإبل بينهم فلم
تجيزوه، وأما من لم يقل بالشفعة فان حجته أن يقول: خبر الشفعة مخالف للأصول
ومن ملك شيئا بالشراء فلا يجوز لغيرة أخذه وهذا خلاف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولقد كان يلزم الحنيفيين المخالفين للثابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حكم المصراة.
ومن حكم من وجد سلعته عند مفلس فهو أولى بها. والقرعة بين الأعبد الستة في العتق،
وقالوا: هذه الأخبار مخالفة للأصول أن يقولوا مثل هذا في خبر الشفعة ولكن التناقض
أسهل شئ عليهم، ولا جحة في نظر مع حكم ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الخلاف فيما
تكون فيه الشفعة فإنهم قالوا: إنما ذكر في حديث جابر من رواية أبى الزبير في كل شرك
في أرض أو ربع أو حائط، وفى رواية أبى سلمة عنه (فإذا وقعت الحدود وصرفت
الطرق فلا شفعة) وما نعلم لهم شيئا شغبوا به الا هذا فجوابنا وبالله تعالى التوفيق انه لا حجة
لهم في هذين اللفظين، أما قوله عليه الصلاة والسلام: في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط
فليس فيه انه لا شفعة الا في هذا فقط وإنما فيه ايجاب الشفعة في الأرض والربع والحائط
وليس فيه ذكر هل الشفعة فيما عداها أم لا؟ فوجب طلب حكم ما عدا هذه في غير هذا اللفظ
وقد وجدنا خبر جابر هذا نفسه من طريق عطاء بان الشفعة في كل شئ وما يجهل ان عطاء
فوق أبى الزبير الا جاهل، وقد جاء هذا الخبر من طريق أبى خيثمة زهير بن معاوية عن أبي
الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (من كان له شريك في ربعة أو نخل فليس له أن يبيع حتى
يؤذن شريكه فان رضى أخذ وان كره ترك) أفترون هذا حجة في أن لا شفعة الا في ربع
أو نخل فقط دون سائر الثمار؟ فان قالوا: قد جاء خبر آخر بزيادة قلنا: وقد جاء خبر آخر

(1) في النسخة رقم 14 من بيع
(2) في النسخة رقم 14 والتجارة وهو خطأ
85

لنا أيضا بزيادة كل مال لم يقسم ولا فرق، فكيف والحنيفيون. والمالكيون، والشافعيون
المخالفون لنا في هذا أصحاب قياس بزعمهم فهلا قاسوا على حكم الأرض. والحائط.
والبناء سائر الاملاك بعلة الضرر ودفعه كما قاسوا على الذهب. والفضة. والبر.
والشعير، والملح. والتمر وسائر الأنواع؟ فليت شعري ما الموجب للقياس هنالك وفى
سائر ما قاسوا فيه ومنع منه ههنا لا سيما والمالكيون: والشافعيون يجعلون الشفعة في
الصداق قياسا على البيع فهلا قاسوا البيع على البيع فهو أولى من قياس الصداق على البيع؟
والمالكيون يرون الشفعة في الثمرة دون الأصول فهلا قاسوا غير الثمرة على العقار كما
قاسوا الثمرة على العقار لا سيما مع اقراره بأنه لا يعرف أحدا قال بذلك قبله ثم كلهم مخالفون
لهذا الخبر نفسه في أنهم لا يسقطون حق الشريك في الشفعة إذا عرض عليه شريكه أخذ
الشقص بما يعطى فيه فلم يأخذه، فكيف يحل لمسلم أن يجعل بعض خبر حجة
لا سيما فيما ليس فيه منه شئ ولا يجعله حجة فيما هو فيه منصوص ونعوذ بالله من مثل هذا *
وأما اللفظ الذي في رواية أبى سلمة عن جابر (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق
فلا شفعة) فلا حجة لهم فيه لأنه ليس في هذا اللفظ نص ولا دليل على أن ذلك لا يكون
الا في الأرض. والعقار. والبناء بل الحدود واقعة في كل ما ينقسم من طعام. وحيوان.
ونبات. وعروض والى كل ذلك طريق ضرورة كما هو إلى البناء والى الحائط ولا فرق،
وكان ذكره عليه السلام للحدود والطرق اعلاما بحكم ما يمكن قسمته وبقى الحكم فيما
لا يقسم على حسبه فكيف وأول الحديث بيان كاف في أن الشفعة واجبة في كل مال
يقسم وفى كل ما لم يقسم وهذا عموم لجميع الأموال ما احتمل منها القسمة وما لم يحتملها،
ومن الباطل الممتنع أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد بهذا الحكم الأرض فقط ثم يجمل
هذا الاجمال حاش لله من هذا، وهو مأمور بالبيان لا بالايهام والتلبيس هذا أمر لا يتشكل
في عقل ذي عقل سواه وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: فبطل أن يكون لهم متعلق وقد جسر بعضهم على جارى عادته في الكذب
فادعى الاجماع على وجوب الشفعة في الأرض. والبناء. والأشجار فقط وادعى الاجماع على
سقوط الشفعة فيما سواها *
قال أبو محمد: أما الاجماع على وجوب الشفعة في الأرض وما فيها من بناء وشجر فقد أوردنا
عن الحسن. وابن سيرين. وعبد الملك بن يعلى وعثمان البتي خلاف ذلك وهؤلاء فقهاء تابعون
وأما الاجماع على أن لا شفعة فيما عدا ذلك فقد ذكرنا عموم الرواية عن عمر وعثمان والرواية
عن ابن أبي مليكة وعطاء وهو قول فقهاء أهل مكة وهذا مالك يرى الشفعة في الثمرة المبيعة دون
86

الأصل وما نعلم روى اسقاط الشفعة فيما عدا الأرض الا عن ابن عباس وشريح وابن المسيب
ولا يصح عنهم وعن عطاء وقد رجع عن ذلك وعن إبراهيم، والشعبي. والحسن وقتادة وحماد
ابن أبي سليمان وربيعة وهو عن هؤلاء صحيح، أما ابن عباس فان الرواية عنه في ذلك من طريق
محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس لا شفعة في الحيوان محمد بن عبد الرحمن مجهول وليس
فيه أيضا أنه لا شفعة في غير الحيوان كما ليس في حديث عثمان اسقاط الشفعة عن غير البر والفحل
فبطل تعلقهم بها جملة، وأما ابن المسيب فهو من طريق ابن سمعان وهو مذكور بالكذب وهو
عن شريح من طريق جابر الجعفي ويكفى * ورويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن
عبيدة وجرير. ويونس وقال عبيدة عن إبراهيم وقال جرير عن الشعبي قالا جميعا: لا شفعة الا
في دار، أو عقار، وقال يونس عن الحسن: لا شفعة الا في تربة *
قال أبو محمد: ومثل عدد هؤلاء لا يعدهم اجماعا الا كذاب قليل الحياء وقد أوردنا
الخلاف في ذلك عمن ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * وقد خالف هؤلاء كلهم مالك فرأى الشفعة في
التين، والعنب والزيتون. والفواكه في رؤوس الشجر وليست دارا ولا عقارا ولا تربة ورأي
ابن شبرمة الشفعة في الماء، والعجب من المالكيين في اجبارهم الشريك على يبيع مع
شريكه ولم يوجب قط ذلك نص ولا أثر ولا قياس ولا نظر ثم لا يوجب له الشفعة وقد جاء بها
النص وعجب آخر منهم ومن الحنيفيين في قولهم المسند كالمرسل سواء حتى أن بعضهم قال: بل
المرسل أقوى وقد ذكرنا آنفا أحسن المراسيل بايجاب الشفعة في الجارية وفى الخادم وروينا
من طريق محمد بن جعفر نا شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة قال النبي صلى الله عليه وسلم في العبد
شفعة وفى كل شئ وما نعلم في المرسلات أقوى من هذا فخالفوه وما عابوه الا بارسال فأي
دين أو أي حياء يبقى مع هذا؟ ونعوذ بالله من الخذلان، وأما سقوط حق الشريك إذا عرض
عليه شريكه الاخذ فلم يأخذه فان الحنيفيين حاشا الطحاوي. والمالكيين. والشافعيين
قالوا: لا يسقط حقه بذلك بل له ان يأخذ بعد البيع واحتجوا بان قالوا: بان الشفعة لم تجب له بعد
وإنما تجب له بعد البيع فتركه ما لم يجب له بعد لا معنى له ولا يسقط حقه إذا وجب، ما لهم حجة
غير هذا أصلا وهذا ليس بشئ أول ذلك قولهم إن الشفعة لم تجب له بعد فهذا باطل لان الشفعة
وغير الشفعة من أحكام الديانة كلها لا تجب الا إذا أوجبها الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
والا فما لم يجئ هذا المجئ فليس هو من الدين ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أوجب حق الشفيع
بعرض الشفعة عليه قبل البيع وأسقط حقه بتركه الاخذ حينئذ ولم يجعل له بعد البيع حقا أصلا
الا بان لا يعرض عليه قبل البيع فحينئذ يبقي له الحق بعد البيع والا فلا هذا هو حكم الله تعالى
على لسان رسوله عليه السلام فليأتونا عنه عليه السلام بان الاخذ لا يجب للشفيع الا بعد البيع
87

فقط وهذا ما لا يجدونه أبدا فظهر فساد قولهم من كثب وليت شعري أين كان الحنيفيون عن
هذا النظر حيث أجازوا الزكاة قبل الحول نعم وقبل دخوله. والمالكيون كذلك قبل تمام
الحول بشهرين. والشافعيون كذلك قبل تمام الحول؟ وأين كان المالكيون عن هذا النظر
حيث أجازوا اذن الوارث للموصى في أكثر من الثلث والمال لم يجب لهم بعد ولا لهم فيه حق
ولعله هو يرثهم أو لعله سيحدث له ولد يحجبهم وأين كانوا عن هذا النظر في اجازتهم الطلاق قبل
النكاح والعتق قبل الملك فاعجبوا لهذه التخاليط وبه يقول جماعة من أهل العلم كما روينا من
طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن أشعث عن الحكم بن عتيبة في الرجلين بينهما دار أو
أرض فقال أحدهما للآخر: أريد أن أبيع ولك الشفعة فاشتر منى فقال له الآخر: لا حاجة لي
به قد أذنت لك ان تبيع فباع ثم يأتي طالب الشفعة فيقول قد قام الثمن وانا أحق قال الحكم لا شئ له
إذا اذن قال سفيان: وبه نأخذ وهو قول أبى عبيد. وإسحاق. والحسن بن حي. وأحد قولي
أحمد. وطائفة من أصحاب الحديث فان قال قائل قد جاء هذا الخبر من طريق أبى الزبير عن جابر
وفيه لا يحل له أن يبيع قلنا: لم يذكر فيه أبو الزبير سماعا من جابر وهو قد اعترف على نفسه بأن
ما لم يذكر فيه سماعا فإنه حدثه به من لم يسمه عن جابر ثم لو صح لكان آخر الخبر حاكما
على أوله ولا يحل ترك شئ صح من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا خبر رويناه من
طريق إسحاق بن راهويه نا عبد الله بن إدريس نا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى
يؤذن شريكه فان شاء أخد وان شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به *
قال أبو محمد: فإنما جعله عليه السلام بعد البيع الذي لا يحل أحق فقط فلاح أن الحق
في الاخذ أو الترك بعد البيع إلى الشفيع إذا لم يؤذن قبل البيع فان أبطله بطل وان أجازه
فحينئذ جاز وبالله تعالى التوفيق *
1595 مسألة ولا شفعة الا في البيع وحده ولا شفعة في صداق ولا في
إجارة ولا في هبة ولا غير ذلك وهو قول جماعة من السلف كما روينا من طريق سعيد بن
منصور نا هشيم عن منصور بن المعتمر عن الحسن أنه كان لا يرى الشفعة في الصداق *
ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن منصور بن
المعتمر قال: بلغني أنه قال: لا شفعة في صداق وهو قول أبي حنيفة. وأصحابه. وأبي سليمان
. وأصحابنا. والليث بن سعد. وقال الحارث العكلي. وابن أبي ليلى. وابن
شبرمة. والحسن بن حي. ومالك. والشافعي في الصداق والشفعة، ثم اختلفوا فقال العكلي.
والشافعي: يأخذ الشفيع بصداق مثلها وقال ابن أبي ليلى. وابن شبرمة. والحسن بن حي. ومالك
88

يأخذه بقيمة الشقص وأوجب مالك والشافعي الشفعة في الإجارة *
قال أبو محمد: ان قيل: فهلا أخذتم بايجاب الشفعة في كل ذلك بعموم قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقضائه بالشفعة في كل مال لم يقسم قلنا: لم يجز ما تقولون لان الشفعة ليست لفظة قديمة
إنما هي لفظة شريعية لم تعرف العرب معناها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لم تعرف لفظة الصلاة
ولفظة الزكاة. ولفظة الصيام، ولفظة الكفارة ولفظة النسك ولفظة الحد الوارد كل ذلك
في الدين حتى بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم تعرفه العرب قط من صفة الركوع والسجود والقراءة
وما يعطى من الأموال وما يمتنع منه في رمضان وغير ذلك وكذلك الشفعة من هذا الباب
لا يدرى أحد ما المراد بها حتى بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بين أن ذلك في البيع ولم يذكرها
في غير ذلك فلم يجز أن يتعدى بها بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الظنون الكاذبة، فان قالوا:
قسنا الصداق. والإجارة على البيع قلنا: هذا باطل لان القياس كله باطل (1)، ثم لو صح
لكان هذا منه عين الفساد لان الصداق. والإجارة لا يشبهان البيع في شئ من الأشياء
وإنما القياس عند القائلين به أن يحكم للشئ بحكم نظيره والبيع تمليك للمبيع وليست
الإجارة تمليكا للمؤاجر إنما هي إباحة للمنافع الحادثة الظاهرة ولا الصداق تمليكا للرقبة ولا
يحل بيع ما لم يخلق والإجارة إنما هي فيما لم يخلق من المنافع والنكاح يجوز بلا ذكر صداق
ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن، ثم اختلافهم في ذلك أبصداق مثلها أم بقيمة الشقص؟
بيان أنه رأى فاسد متعارض ليس أحد القولين أولى من الآخر، وليت شعري أين كانوا
عن هذا القياس في أن يقيسوا على الأرضين في الشفعة سائر الأموال؟ وهذا (2) أصح في
القياس لو صح القياس يوما، فان ذكروا الخبر الذي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (من ابتاع دينا
على رجل فصاحب الدين أولى) فهذا باطل لأنه عمن لم يسم عن عمر بن عبد العزيز عن النبي
صلى الله عليه وسلم، ثم لو صح لم ينتفعوا به لأنه في البيع أيضا فهو حجة عليهم في منعهم من الشفعة
فيما عدا العقار *
1596 مسألة ومن لم يعرض على شريكه الاخذ قبل البيع حتى باع فوجبت
الشفعة بذلك للشريك فالشريك على شفعته علم بالبيع أو لم يعلم. حضره أو لم يحضره.
أشهد عليه أو لم يشهد حتى يأخذ متى شاء ولو بعد ثمانين سنة أو أكثر أو يلفظ بالترك
فيسقط حينئذ ولا يسقط حقه بعرض غير شريكه أو رسوله عليه * واختلف الحاضرون
في هذا فقال أبو حنيفة: متى علم بالبيع وعلم أن له الشفعة فان طلب في الوقت أو أشهد
على أنه آخذ بشفعته فله الشفعة أبدا وان سكت بعد ذلك سنين فإن لم يشهد ولا طلب

(1) في النسخة رقم 14 كله فاسد
(2) في النسخة رقم 14 فهذا
89

فقد بطل حقه، وروى عن أبي حنيفة في الحاضر أن له اجل ثلاثة أيام فان طلب الشفعة فيها قضى
له، وان مرت الثلاث ولم يطلب الشفعة بطل حقه ولا شفعة له، وقال صاحبه محمد بن الحسن
كذلك الا أنه قال: لا ينتفع بالاشهاد على أنه طالب بالشفعة الا بأن يكون اشهاده
بذلك بحضرة المطلوب بالشفعة أو بحضرة الشقص المطلوب، وقال أيضا: فان سكت
بعد الاشهاد المذكور شهرا واحدا لا يطلب بطلت شفعته، وقال بعض كبار نظار
مقلدي أبي حنيفة: للشفيع من أمد الخيار ان سكت ولم يشهد ولا طلب ما للمرأة المخيرة،
وبقول أبي حنيفة يقول البتي. وابن شبرمة. وعبيد الله ابن الحسن. والأوزاعي الا
أن عبيد الله قال: لا يمهل الا ساعة واحدة وقال مالك: ثلاثة أقوال: مرة قال: ان بلغه
البيع وعلم أن له القيام بالشفعة فسكت ولم يطلب ولا أشهد فهو على حقه وله أن يطلب
ما لم يطل الأمد جدا دون تحديد في ذلك، ومرة قال: ان قام ما بينه وبين خمسة أعوام فله ذلك
وان لم يقم حتى مضت خمسة أعوام فقد بطل حقه، ومرة قال: له القيام ما بينه وبين سنة
فإن لم يطلب حتى مضت سنة فقد بطل حقه، وقال الشافعي: ان ترك الطلب ثلاثة أيام
فأقل كان له ان يطلب فإن لم يطلب حتى مضت له ثلاثة أيام فقد بطل حقه وهو قول سفيان
الثوري، ثم رجع الشافعي فقال: ان ترك الطلب دون عذر مانع ما قل أو كثر فقد
بطل حقه وان تركه لعذر فهو على حقه طال الأمد أو قصر وهو قول معمر، وروى
عن شريح وصح عن الشعبي، وروى عن الشعبي أن له أجل يوم واحد: وممن قال مثل
قولنا (1) ما روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري
عن أبي إسحاق الشيباني عن حميد الأزرق أن عمر بن عبد العزيز قضى بالشفعة بعد
بضع عشرة سنة *
قال أبو محمد: أما أقوال مالك كما هي فهي في غاية الفساد (2) لأنها اما تحديد بلا
برهان واما اجمال بلا تحديد فلا يدرى أحد متى يسقط حقه ولا متى لا يسقط حقه
وليس في الزمان طويل الا بالإضافة إلى ما هو أقصر منه فاليوم طويل لمن عذب فيه وبالإضافة
إلى ساعة ومائة عام قليل بالإضافة إلى عمر الدنيا مع أنها أقوال لم تعهد عن أحد قبله
ولا يعضدها قرآن. ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قول سلف. ولا قياس. ولا رأى
له وجه، وكذلك قول سفيان. والأول من قولي الشافعي. وقول الشعبي في تحديد يوم
فهما قولان في غاية الفساد لأنهما تحديد بلا برهان وليس رد ذلك إلى ما جاء من الاخبار
بخيار ثلاثة أيام أولى من أن يرد إلى خيار العدة ان شاء ارتجع وان شاء أمضى

(1) في النسخة رقم 14 وممن قال بقولنا
(2) في النسخة رقم 14 ففي غاية الفساد
90

الطلاق وهو ثلاثة أشهر، وهذه كلها تخاليط، وكذلك قول محمد بن الحسن وتحديده
بشهر وبان لا يكون الاشهاد الا بحضرة المطلوب بالشفعة أو الشقص المبيع فهذا تخليط
ناهيك به وتحكم في الدين بالباطل * وأما قول من قال: له من الأمد ما للمخيرة فأسخف
قول سمع به لأنه احتجاج للباطل بالباطل وللهوس بالهوس وما سمع بأحمق من أقوالهم في حكم
المخيرة * وأما قول أبي حنيفة، والأوزاعي. والبتي ومن وافقهم فان تحديدهم في ذلك
بالاشهاد ثم السكوت ان شاء قال بلا برهان له وما كان هكذا فهو باطل، وقد علمنا أن
حق الشريك واجب بعد البيع إذا لم يؤذنه البائع قبل البيع فأي حاجة به إلى الاشهاد أو
من أين ألزموه إياه وأسقطوا حقه بتركه هذا خطأ فاحش واسقاط لحق قد وجب بايجاب
الله تعالى له فما يقويه الاشهاد ولا يضعفه تركه فبطل قول أبي حنيفة ولم يبق (1) إلا أحد قولي
الشافعي، والشعبي فنظرنا فيه فلم نجد لهم حجة أصلا الا أن بعض المموهين نزع بقول
مكذوب موضوع مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشفعة كنشطة عقال والشفعة لمن
واثبها) وهذا خبر رويناه من طريق البزار قال: نا محمد بن المثنى نا محمد بن الحارث نا
محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا شفعة
لغائب ولا لصغير والشفعة كحل العقال من مثل بمملوكه فهو حر وهو مولى الله ورسوله
والناس على شروطهم ما وافقوا الحق) *
قال أبو محمد: أفيكون أعجب من مخالفتهم كل ما في هذا الخبر واحتجاجهم ببعضه
فبعضه حق وبعضه باطل؟ أف لهذه الأديان، وأما الشفعة لمن واثبها فما يحضرنا الان
ذكر اسنادها الا أنه جملة لا خير فيه، وابن البيلماني ضعيف مطرح ومتفق على تركه *
وأما لفظ لمن واثبها فهو لفظ فاسد لا يحل أن يضاف مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لان
قول القائل: الشفعة لمن واثبها موجب أن يلزمه الطلب مع البيع لا بعده لان المواثبة فعل من
فاعلين فوجب أن يكون طلبه مع البيع لا بعده لان التأني في الوثب لا يسمى مواثبة * وأما
قوله: الشفعة كنشطة عقال فمعناه ظاهر ولا حجة لهم فيه لان نشط العقال هو حل العقال
وكذلك الشفعة لأنها حل ملك عن المبيع وايجابه لغيره فقط *
قال على: وقد جعل الله تعالى حق الشفيع واجبا وجعله على لسان رسوله عليه السلام
المصدق أحق إذا لم يؤذن قبل البيع فكل حق ثبت بحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا
يسقط أبدا الا بنص وارد بسقوطه فان وقفه المشترى على أن يأخذ أو يترك لزمه أحد
الامرين ووجب على الحاكم اجباره على أحد الامرين لأنه قد أعطى حقه فلا ينبغي له (2)

(1) في النسخة رقم 14 وما بقي
(2) في النسخة رقم 14 فلا يحل له
91

تضييعه فهو إضاعة للمال ولابد له من أخده أو أن يبيحه لغيره والا فهو غاش غير ناصح لأخيه
المنصف له وبالله تعالى التوفيق * وأما من منع حقه ولم يعطه فليس سقوطه عن طلبه قطعا
لحقه ولو سكت عمره كله، ولا يختلفون فيمن غصب مالا أو كان له دين أو ميراث أو حق ما
فان سقوطه عن طلبه لا يبطله وانه على حقه أبدا فمن أين خصوا حق الشفعة من سائر الحقوق
بهذه التخاليط؟ *
1597 مسألة فان أخذ الشفيع حقه لزم المشترى رد ما استغل وكان كل ما أنفذ
فيه من هبة أو صدقة (1) أو عتق. أو حبس. أو بنيان. أو مكاتبة. أو مقاسمة فهو كله
باطل مردود مفسوخ أبدا وتقلع أنقاضه (2) ليس له غير ذلك لا سيما المخاصم المانع فان هذا
غاصب ظالم متعد مانع حق غيره بلا مرية فان ترك الشريك الاخذ بالشفعة نفذ كل ذلك
وصح ولم يرد شيئا منه وكانت الغلة له هذا إذا كان ايذانه الشريك ممكنا له أو للبائع حين
اشترى فإن لم يكن ايذان الشريك ممكنا للبائع لعذر ما أو لتعذر طريق فان الشفعة للشريك متى
طلبها وليس على المشترى (3) رد الغلة حينئذ لكن كل ما أحدث فيه مما ذكرنا فمفسوخ (4)
ويقلع بنيانه ولابد *
برهان ذلك قوله عليه السلام الذي أوردنا قبل: لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فلا
يخلو بيع الشريك قبل إن يؤذن شريكه من أحد أوجه ثلاثة لا رابع لها، إما أن يكون باطلا
وان صححه الشفيع بتركه الشفعة وهذا باطل لأنه لو كان ذلك لوجب عليه رد الغلة على كل
حال أخذ الشفيع أو ترك والخبر يوجب غير هذا بل يوجب أن الشريك أحق وانه ان ترك
فله ذلك فلو كان البيع باطلا لاحتاج إلى تجديد عقد آخر وهذا خطأ أو يكون صحيحا حتى
يبطله الشفيع بالاخذ وهذا باطل بقوله عليه الصلاة والسلام: لا يصلح، فمن الباطل أن
يكون صحيحا ما أخبر عليه الصلاة والسلام انه لا يصلح أو يكون موقوفا فان أخذ الشفيع
بالشفعة علم أن البيع وقع باطلا وان ترك حقه علم أن البيع وقع صحيحا وهذا هو الصحيح
لبطلان الوجهين الأولين لقوله (5) عليه السلام: (الشريك أحق) فصح أن للمشترى (6)
حقا بعد حق الشفيع فصح ما قلناه وبالله تعالى التوفيق *
ونسأل من خالف في هذا متى كان الشفيع أحق أحين أخذ أم حين رد البيع؟ فان قالوا:
من حين أخذ قلنا: هذا باطل لأنه خلاف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعله أحق حين البيع
فإذ هو أحق حين البيع فإذا أخذ فقد أخذ حقه من حين البيع، وأما إذا لم يمكن للبائع
اعلام الشريك فان الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) في بعض النسخ أو صداق
(2) في النسخة رقم 14 ويقلع أنقاضه
(3) في النسخة رقم 16 للشريك
(4) في النسخة رقم 14 فهو مفسوخ
(5) في النسخة رقم 16 ولقوله
(6) في النسخة رقم 16 للشريك
92

(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فصح بلا شك ان ممن لم يقدر على ايذان الشريك ولم
يستطعه فقد سقط حقه (1) وحل له البيع لان قوله عليه السلام: (لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن
شريكه) يقتضى ضرورة من يقدر على ايذانه فخرج عن هذا النص حكم من لم يقدر على
ايذانه فهو قادر البيع وعاجز عن الايذان فمباح له ما قدر عليه وساقط عنه ما ليس في
وسعه فهذا إذا طلب الشفيع وأخذ شفعته فحينئذ بطل العقد وكان قبل ذلك صحيحا فإذ
هو كذلك فالغلة له لأنها غلة ماله، وأما البناء وسائر ما أحدث فقد أبطله حكم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأن الشفيع أحق منه فإنما أنفذ حكمه فيما غيره أحق به منه فبطل أن ينفذ حكمه فيما
جعله تعالى حقا لغيره لقوله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) واختلف الناس في
هذا فروينا من طريق عبد الرزاق انا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي.
وابن أبي ليلى قالا جميعا: إذا بنى ثم جاء الشفيع بعده فالقيمة، وقال حماد بن أبي سليمان:
يقلع بناءه وبه يأخذ سفيان الثوري. وأبو حنيفة. وأبو سليمان. وأصحابهم، وبقول
الشعبي يأخذ مالك. والبتي. والأوزاعي. والشافعي. وأحمد *
قال أبو محمد: الزامه قلع بنائه واجب بما ذكرنا وبأنه لا يجوز له ابقاء أنقاضه في
ساحة غيره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) ولا يجوز الزامه
غرامة في ابتياع ما لا يريد ابتياعه من أنقاض بناء المخرج من الابتياع لأنه لم يوجب
ذلك نص فهو ظلم مجرد، ولا فرق بين الزامه غرامة للمخرج عن الملك وبين إباحة
أنقاض المخرج للشفيع وكل ذلك أكل مال محرم بالباطل بل كل ذي حق أولى بحقه
وبالله تعالى التوفيق *
قال على: أوجب الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام الخيار في البيع في خمسة
مواضع، المصراة ومن بايع وقال. لا خلابة فهذان خيارهما ثلاثة أيام بلياليها فقط، ومن
تلقيت سلعته فهذا له الخيار إذا السوق لا قبل ذلك، ومن وجد عيبا لم يبين له به ولا
شرط السلامة منه، والشريك مبيع مع غير شريكه ولا يؤذنه فهؤلاء لهم الخيار بلا تحديد
مدة الا حتى يقروا بترك حقهم فوجدنا مشترى المصراة ومن بايع على أن لا خلابة ينقضي
خيارهما بتمام الثلاثة الأيام ولا يكون لهما خيار بعدها ويلزمهما (2) الشراء فصح هذا بما ذكرنا
وانه لو وقع فاسدا لم يخير في امضائه أو في رده بل كأن يكون باطلا خيار لاحد في تصحيحه
فقد صح أنه وقع صحيحا ثم جعل تعالى للمشترى رده ان شاء فصح ان الغلة له رد أو أخذ

(1) في النسخة رقم 14 (عنه)
(2) في النسخة رقم 16 ولا يلزمهما
93

لأنها حدثت في ماله ووجدنا من تلقى السلع فابتاع وإن كان منهيا عن ذلك فان الله تعالى لم
يجعل للبائع خيارا الا بعد دخوله إلى السوق ولم يجعل له قبل ذلك خيارا فصح أن البيع صحيح
وإن كان منهيا عن التلقي ولم ينه عن الابتياع لان التلقي غير الابتياع فهما فعلان، أحدهما
غير الآخر نهى عن أحدهما ولم ينه عن الآخر لكن جعل البائع خيار في رده أو امضائه ولو وقع
فاسدا لبطل جملة فوجب بذلك أن الغلة للمشترى في رد البائع البيع أو اجازته ووجدنا
[أيضا] (1) من وجد عيبا لم يبين له به ولا شرط السلامة منه له الخيار أيضا في امضاء البيع أو
رده فعلمنا أن البيع وقع صحيحا إذ لو وقع فاسدا لم يجز امضاؤه فوجب أيضا أن الغلة له رد أو اخذ
وبقى أمر الشفيع فوجدناه بخلاف كل ما ذكرنا من البيوع لأنه لم يأت نص بالمنع من
البيوع المذكورة بل جاء النص بإجازتها كما قدمنا وبان الدليل بأنها وقعت صحيحة
ووجدنا من يمكنه ايذان شريكه فقد جاء النص بأنه لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذنه فلو لم
يكن الا هذا اللفظ وحده لوجب بطلان العقد بكل حال لكن لما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشريك
أحق وأباح له الاخذ أو الترك وجب أنه مراعى كما ذكرنا فان أخذ فقد علمنا أنه لم
يمض ذلك العقد بل أبطله فصح أنه أنعقد فاسدا فلزمه رد الغلة وان ترك الاخذ فقد
أجازه فصح أنه انعقد جائزا، وأما من لم يمكنه الايذان فلم يأت النص فيه بأنه لا يصلح
وقد أحل الله البيع الا أن للشريك الاخذ أو الترك فان أخذ فحينئذ بطل العقد لا قبل ذلك
فالغلة للمشترى ههنا على كل حال وبالله تعالى التوفيق *
1598 مسألة والشفعة واحدة للبدوي. وللساكن في غير المصر وللغائب
وللصغير إذا كبر. وللمجنون إذا أفاق. وللذمي بعموم قوله عليه السلام: فشريكه
أحق به، وقد قال قوم من السلف: لا شفعة. قال الشعبي: لا شفعة لمن لا يسكن المصر
ولا لذمي، وقال أحمد بن حنبل: لا شفعة لذمي، وقال النخعي: لا شفعة لغائب وقاله
أيضا الحارث العكلي. وعثمان البتي قالا: الا القريب الغيبة، وقال ابن أبي ليلى:
لا شفعة لصغير، وما نعلم لمن منع من ذلك حجة أصلا وبالله تعالى التوفيق * فان
ترك ولى الصغير أو المجنون الاخذ بالشفعة فإن كان ذلك نظرا لهما لزمهما لأنه فعل
ما أمر به من النصيحة لهما وإن كان الترك ليس نظرا لهما لم يلزمهما ولهما الاخذ أبدا
لأنه فعل ما نهى عنه من غشهما *
1599 مسألة فان باع الشقص بعرض أو بعقار لم يجز للشفيع (2) أخذه الا
بمثل ذلك العقار أو مثل ذلك العرض فإن لم يقدر على ذلك أصلا فالمطلوب مخير

(1) لفظ أيضا زيادة من النسخة رقم 14
(2) في النسخة رقم 14 للشريك
94

بين أن يلزمه قيمة العرض أو العقار. وبين أن يسلم إليه الشقص (1) ويلزمه
مثل ذلك العقار أو مثل ذلك العرض متى قدر على لان البيع لم يقع الا بذلك العرض
أو ذلك العقار، وليس للشريك أخذ الشقص الا بما رضى به البائع سواء عرضه عليه
قبل البيع أو أخذه بعد البيع هذا ما لا خلاف فيه من أحد: فلا يجوز (2) اجبار
البائع على أخذ غير ما طابت به نفسه وبالله تعالى التوفيق * فإن لم يقدر عليه فقد تعين
له قبل عرض أو عقار عجز عنه، وقال تعالى: (والحرمات قصاص) فله الاقتصاص
بالقيمة التي هي مثل حرمة المال الذي له عنده وبالله تعالى التوفيق *
1600 مسألة ومن باع شقصه بثمن إلى اجل فالشفيع أحق به بذلك الثمن
إلى ذلك الأجل، وقال مالك: إن كان مليا أخذ الشقص بذلك الثمن إلى ذلك الأجل
وكذلك إن كان معسرا فضمنه ملئ والا فلا، وقال الشافعي. وأبو حنيفة: لا يأخذه
الا بالنقد فان أبى قيل له: أصبر فإذا جاء الأجل (3) فخذها حينئذ *
قال على: احتجوا بأن قالوا: إن البائع لم يرض ذمة الشريك وقد يعسر قبل
الأجل * قال أبو محمد: هذا لا شئ ونقول لهم: إن كان لم يرض ذمة الشريك فكان
ماذا؟ ومن أين وجب مراعاة رضاه وسخطه؟ (4) وكذلك أيضا لم يرض معاملته
وقد يعسر الذي باع منه أيضا فالأرزاق مقسومة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فالشريك
أحق) موجب له الاخذ بما يبيع به جملة وتفضيله على المشترى فيما اشترى فقط
وبالله تعالى التوفيق *
1601 مسألة ولو أن الشريك بعد بيع شريكه قبل أن يؤذنه باع أيضا
حصته من ذلك الشريك البائع أو من اشترى منه أو من أجنبي علم بان له الشفعة أو
لم يعلم علم بالبيع أو لم يعلم فالشفعة له كما كانت لأنه حق قد أوجبه الله تعالى له
فلا يسقطه عنه بيع ماله ولا غير ذلك أصلا وبالله تعالى التوفيق *
1602 مسألة ومن وجبت له الشفعة ولا مال له لم يجب أن يهمل لكن
يباع ذلك الشقص عليه فان وفى بالثمن فذلك وان فضلت فضلة دفعت إليه وان لم
يف اتبع بالباقي وأنظر فيه إلى أن يوسر وذلك لأنه ذو مال بذلك الشقص
الواجب له ومن كان له مال فليس ذا عسرة لكن يباع ماله في الدين الذي عليه فإن لم
يف فهو حينئذ ذو عسرة بالباقي فنظرة إلى ميسرة حينئذ كما أمر الله تعالى، وقال
قوم: يبطل حقه في الشفعة وهذا باطل لأنه اخراج حقه الذي جعله الله تعالى أحق

(1) في النسخة رقم 16 أن يسلمه الشقص
(2) في النسخة رقم 14 فلا يحل
(3) في النسخة رقم 14 فإذا حل الأجل
(4) في النسخة رقم 16 رضاه أو سخطه
95

به عن يده بلا برهان وهذا لا يجوز وبالله تعالى التوفيق *
1603 مسألة وان مات الشفيع قبل أن يقول: أنا آخذ شفعتي فقد بطل
حقه ولا حق لورثته في الاخذ بالشفعة أصلا لان الله تعالى إنما جعل الحق له لا لغيره
والخيار لا يورث وهذا قول محمد بن سيرين * وروينا من طريق عبد الرزاق عن
فضيل عن محمد بن سالم عن الشعبي قال: سمعنا أن الشفعة لا تباع ولا توهب ولا
تورث ولا تعار هي لصاحبها الذي وقعت له قال عبد الرزاق: وهو قول سفيان الثوري
وهو قول أبي حنيفة. وسفيان بن عيينة. والحسن بن حي. وأحمد. وإسحاق.
وأبي سليمان. وأصحابهم، وقال مالك. والشافعي: الشفعة لورثته احتجوا بأن قالوا:
تورث الشفعة كما يورث العفو في الدم أو القصاص ما نعلم لهم شيئا أوهموا به غير
هذا (1) وهذا باطل لأنها دعوى بلا برهان، ثم هو احتجاج للخطأ بالخطأ. وقولهم إن
العفو والقصاص يورثان خطأ بل هما لمن جعلهما الله تعالى له من ذكور الأولياء فقط وإنما أوجب (2) الله تعالى الميراث في الأموال لا (3) فيما ليس مالا ولو ورث الخيار
لوجب أن يورث عندهم فيمن جعل أمر امرأته بيد انسان بعينه وخيره في طلاقها
أو ابقائها فمات ذلك الانسان فكان يجب على قولهم إن يرث ورثته ما جعل له من الخيار
وهم لا يقولون هذا، ونسألهم أيضا لمن يأخذوا الورثة بالشفعة أللميت أم لأنفسهم؟ فان
قالوا: للميت فلنا: هذا باطل لان الميت لا يملك شيئا وان قالوا: لأنفسهم قلنا: هذا باطل
لان شركتهم إنما حدثت بعد البيع فلا توجد شفعة ولم يكونوا حين البيع شركاء فلم تجب لهم
شفعة وهذا مما تناقض فيه المالكيون وخالفوا جمهور العلماء لأنهم يقولون: ان أحد الأولياء
الذين لهم العفو أو القصاص ان مات وترك زوجة وبنات لم يرثن الخيار الذي له وهذا مما
تناقض فيه الحنيفيون لأنهم يورثون العفو والقصاص ولا يورثون الخيار ههنا فأما إذا بلغ
الشريك أمر البيع فقال: أنا آخذ بالشفعة ثم مات فقد صحت له وهي موروثة
عنه حينئذ ولورثته الطلب لأنها حينئذ مال قد تم له ولا معنى للطلب عند القاضي ولا
لحكم القاضي لان الله تعالى لم يوجب ذلك (4) قط ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما
جعل القاضي ليجبر الممتنع من الحق فقط ولا مزيد، ولو تعاطى الناس الحقوق بينهم
ما احتيج إلى قاض وبالله تعالى التوفيق *
1604 مسألة ومن باع شقصا أو سلعة معه صفقة واحدة فجاء الشفيع
يطلب (5) فليس له الا أن يأخذ الكل أو يترك الكل، وهذا قول عثمان البتي، وسوار

(1) في النسخة رقم 14 الا هذا
(2) في النسخة رقم 16 جعل
(3) سقط لفظ (لا) من النسخة رقم 14
(4) في النسخة رقم 16 يوجبه
(5) في النسخة رقم 16 فطلب
96

ابن عبد الله. وعبيد الله بن الحسن القاضيين، وروى أيضا عن أبي حنيفة من
طريق خاملة، وقال أبو حنيفة في المشهور عنه: وسفيان. ومالك. وابن شبرمة.
والشافعي: يأخذ الشقص بحصته من الثمن واحتجوا بأنه لا يدخل في الشفعة ما لا شفعة
فيه ولا يقطع الشفعة فيما فيه شفعة بالنص *
قال على: ليس للشفيع بعد البيع الا ما كان له إذا أذنه البائع قبل البيع، والنص
والاجماع المتيقن قد بينا (1) بأنه لا يخرج عن ملك البائع الا ما رضى باخراجه عن
ملكه قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض
منكم) والبائع لم يرض ببيع الشقص وحده دون تلك السلعة فلا يجوز اجباره على بيع
ما لا يرضى بيعه بغير نص ولو عرض عليه قبل البيع لم يكن للشريك الا أخذ الكل
أو الترك باجماعهم معنا وكذلك لو حضر عند البيع ولم يجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
البيع من غيره الا ما كان حقه لو أخذه إذا عرض عليه قبل البيع فقط وليس له في العرض
قبل البيع تبعيض ما لا يريد البائع تبعيضه فإنما له الآن ما كان له حينئذ ولا مزيد وبالله
تعالى التوفيق؟ وأيضا فلا يجوز أن يلزم المشترى بعض صفقة لم يرض قط تبعيضها ولا أن
يفسخ على البائع بيعا وقع صحيحا الا بنص وارد ولا نص في شئ من ذلك فهو كله باطل، فان
رضى المشترى بتسليم الشقص وحده فقد قيل ليس للشفيع غيره لأنه كرضى البائع بذلك
حين الايذان والأولى عندنا أن الشريك أحق بجميع الصفقة ان أراد ذلك لأنها صفقة
واحدة وعقد واحد اما تصح فتصح كلها وأما تفسد فتفسد كلها ولا يمكن تبغيض عقد واحد
بتصحيح بعضه وافساد بعضه الا بنص وارد في ذلك *
1605 مسألة ومن كان له شركاء فباع من أحدهم كان للشركاء مشاركته فيه وهو
باق على حصته مما اشترى كأحدهم لأنه شريك وهم شركاء فهو داخل في قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (فشريكه أحق) وقد قال قائل: لا حصة للمشترى وهذا خلاف النص
كما ذكرنا وروينا من طريق ليث بن أبي سليم عن الشعبي أنه قال: إذا باع من أحد
شركائه فلا شفعة للآخرين منهم وكذلك أيضا عن الحسن. وعثمان البتي، قال على:
وهذا خلاف النص أيضا *
1606 مسألة فلو كان بعض الشركاء غيبا (2) فاشترى فأحدهم فكذلك أيضا
وليس للحاضر أن يقول: لا آخذ الا حصتي (3) لان البائع لا يرضى ببيع بفض ذلك دون
بعض كما ذكرنا آنفا فيمن باع شقصا وسلعة فلو باع من أجنبي فحضر أحد الشركاء فليس
له أن يأخذ الا حصته فقط في قول قوم والذي نقول به: إنه ليس له الا أخذ الكل أو ترك

(1) في النسخة رقم 14 قد ثبتا
(2) في النسخة رقم 16 (غائبا)
(3) في النسخة رقم 14 لا آخذ حصتي
97

الكل لأنه لم يكن له حين الايذان الا ذلك فإنما هو أحق بما كان حقه حين الايذان فقط (1)
وبالله تعالى التوفيق *
1607 مسألة فان باع اثنان فأكثر من واحد أو من أكثر من واحد أو باع واحد
من اثنين فصاعدا فللشريك ان يأخذ أي حصة شاء ويدع أيها شاء وله أن يأخذ الجميع لأنها
عقود مختلفة وإن كانت معا لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فعقد زيد غير
عقد عمرو، ولو استحق الثمن الذي أعطى أحدهما فانفسخ عقده لم يكدح ذلك في حصة غيره
لما ذكرنا، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي وبالله تعالى التوفيق *
1608 مسألة وإن كان شركاء في شئ بعضهم بميراث وبعضهم ببيع وبعضهم
بهبة وفيهم أخوة ورثوا أباهم ما كان أبوهم ورثه مع أعمامهم فباع أحدهم فالجميع شفعاء على
عددهم ليس الأخ أولى بحصة أخيه من عمه ولا من امرأة أبيه ولا من امرأة جده ولا من
الأجنبي لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فشريكه أحق) وكلهم شريكه وهو قول أبي حنيفة.
والشافعي وقال مالك: إن كان اخوة لام وزوجات وبنات وأخوات وعصبة فباع أحد
الاخوة للام فسائر الاخوة للام أحق بالشفعة من سائر الورثة، كذلك لو باع احدى
الزوجات فسائرهن أحق بالشفعة (2) من سائر الورثة وكذلك لو باع أحد البنات فسائرهن
أحق بالشفعة من سائر الورثة، وكذلك لو باع احدى الأخوات فسائرهن أحق بالشفعة
من سائر الورثة، ثم ناقض فقال: لو باع أحد العصبة لم يكن سائر العصبة أحق بالشفعة بل
يأخذها معهم البنات والزوجات. والأخوات. والاخوة لام (3) قال: فلو اشترى بنات
انسان شقصا آخر من ذلك الشئ واشترى أجنبيون شقصا ثالثا منه
فباع احدى البنات أو احدى الأخوات لم يكن أخواتها أحق بالشفعة من عمتها ولا من
الأجنبيين قال: ولو كان ورثة ومشترون في شئ فباع أحد الورثة فللأجنبيين الشفعة
في ذلك مع سائر الورثة وهذا كلام يغنى ايراده عن تكلف افساده لفحش تناقضه وظهور
فساده وبالله تعالى التوفيق *
1609 مسألة ومن باع شقصا وله شركاء لأحدهم مائة سهم ولآخر عشرون
ولآخر عشر العشر أو أقل أو أكثر فكلهم سواء في الاخذ بالشفعة ويقتسمون ما أخذوا
بالسواء ولا معنى لتفاضل حصصهم وهو قول إبراهيم النخعي. والشعبي. والحسن
البصري. وابن أبي ليلى. وابن شبرمة. وسفيان الثوري. وأبي حنيفة وأصحابه.
وشريك. والحسن بن حي. وعثمان البتي. وعبيد الله بن الحسن. وأبي سليمان. وأشهر

(1) من قوله (لأنه لم يكن له) إلى هنا سقط من النسخة رقم 16
(2) لفظ بالشفعة زيادة من النسخة رقم 16
(3) في النسخة رقم 14 اللام
98

قولي الشافعي وروينا (1) من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن عبيدة: وأشعث قال
عبيدة عن إبراهيم وأشعث عن الشعبي قالا جميعا: الشفعة على رؤوس الرجال قال هشيم:
وبه كان يقضى ابن أبي ليلى. وابن شبرمة. وقال آخرون: هي على قدر الانصباء وهو قول
عطاء: وابن سيرين، وروى عن الحسن أيضا وبه يقول مالك. وسوار بن عبد الله.
وإسحاق. وأبو عبيد (2) * قال على: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فشريكة) تسوية بين
جميع الشركاء ولو كان هنالك مفاضلة لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمل الامر فبطلب
المفاضلة ولا يختلفون في أن من أوصى لورثة فلان فإنهم في الوصية سواء ولا يقتسمونها على
حصص الميراث وإنما استحقوها بكونهم من الورثة *
1610 مسألة ولا شفعة الا بتمام البيع بالتفريق أو التخيير لأنها ليس بيعا قبل
ذلك وهو قول كل من يقول بتفرق الأبدان *
1611 مسألة والشفعة واجبة وإن كانت الاجزاء مقسومة إذا كان الطريق
إليها واحدا متملكا نافذا أو غير نافذ لهم فان قسم الطريق أو كان نافذا غير متملك لهم
فلا شفعة حينئذ كان ملاصقا أو لم يكن *
برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)
فلم يقطعها عليه السلام الا باجتماع الامرين معا وقوع الحدود وصرف الطرق لا بأحدهما
دون الآخر، ولا يقطع الشفعة قسمة فاسدة قبل البيع لأنها ليست قسمة، ولا يقطعها
قسمة صحيحة بعد البيع لان الحق قد وجب قبلها، وقال أبو حنيفة. وسفيان: الشفعة
للشريك فان ترك أو لم يكن له شريك فلشريكه في الطريق وإن كانت الأرض أو الدار قد
قسمت فان ترك أو لم يكن فالشفعة للجار الملاصق وإن كانت القسمة قد وقعت والطريق
غير الطريق ولا شفعة لجار غير ملاصق، وقال مالك. والشافعي. وأحمد. وإسحاق.
وأبو ثور. والأوزاعي. والليث بن سعد: لا شفعة الا لشريك لم يقاسم فقط، وقال
آخرون: الشفعة لكل جار ثم اختلفوا وروى في كل ذلك آثار * فروينا من طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب قال: إذا قسمت
الأرض وحددت فلا شفعة * ومن طريق ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر
ابن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبان بن عثمان عن أبيه إذا وقعت الحدود فلا شفعة *
وعن معمر عن إبراهيم بن ميسرة ان عمر بن عبد العزيز قال: إذا ضربت الحدود فلا شفعة *
وروى عن ابن المسيب. وسليمان بن يسار إنما الشفعة في الأرضين. والدور ولا تكون

(1) في النسخة رقم 14 رويناه
(2) في النسخة رقم 16 أبو عبيدة
99

الا بين الشركاء *
قال أبو محمد: يخرج كل هذا على وجوب الشفعة مع القسمة إذا بقي الطريق متملكا
غير مقسوم لان الحدود لم تضرب بعد والقسمة لم تتم، وصح عن يحيى بن سعيد الأنصاري
وأبى الزناد، وربيعة مثل قول مالك، والشافعي بينا * وروينا (1) من طريق سفيان بن عيينة نا
إبراهيم بن ميسرة نا عمرو بن الشريد أنه حضر مع المسور بن مخرمة. وسعد بن أبي وقاص.
وأبى رافع فقال أبو رافع للمسور: ألا تأمر هذا يعنى سعدا فيشترى منى بيتي اللذين في
داره فقال له سعد: والله لا أزيدك على أربعمائة دينار مقطعة أو قال منجمة فقال أبو رافع:
ان كنت لامنعهما من خمسمائة (2) دينار نقدا ولولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(الجار أحق بسقبه) ما بعتك * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الوهاب الثقفي عن
خالد الحذاء عن اياس بن معاوية انه كان يقضى بالجوار حتى أتاه كتاب عمر بن عبد العزيز
أن لا يقضى به الا ما كان بين جارين مختلطين أو دار يغلق عليها باب واحد ومن طريق
ابن أبي شيبة نا ابن علية عن ابن جريج أخبرني الزبير بن موسى عن عمر بن عبد العزيز قال
إذا قسمت الأرض وحدت وصرفت طرقها فلا شفعة فهذا كله قول موافق لقولنا لأنهم
كلهم لم يخالفوا أبا رافع في رؤيته الشفعة في المقسوم إذا كان الطريق واحدا متملكا *
ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن
حفص قال شريح: كتب لي عمر بن الخطاب اقض بالشفعة للجار زاد بعضهم الملازق *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا معاوية بن هشام نا سفيان عن أبي حيان عن أبيه أن عمرو
ابن حريث كان يقضى بالجوار * ومن طرق وكيع عن سفيان عن الحسن عن عمرو بن
فضيل بن عمرو عن إبراهيم النخعي قال: الخليط أحق من الجار والجار أحق من غيره،
فهذا موافق لقول أبي حنيفة، وروينا مثله عن قتادة، والحسن، وحماد، وقالوا
كلهم: لا شفعة لجار غير ملاصق بينهما طريق غير متملكة وروينا عن طاوس أنه
ذكر له قول عمر بن عبد العزيز إذا قسمت الأرض فلا شفعة فقال: لا الجار أحق به (3) *
ومن طريق ابن الجهم نا يحيى بن محمد نا ابن عسكر عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن جابر عن الشعبي عن شريح قال في الجار الأول فالأول يعنى في الشفعة، وقال الحسن
ابن حي: الشفعة للجار مطلقا بعد الشريك، وقال آخرون: الاجر الذي تجب له الشفعة أربعون
دارا حول الدار، وقال آخرون: من كل جانب من جوانب الدار أربعون دارا،
وقال آخرون: هو كل من صلى معه صلاة الصبح في المسجد، وقال بعضهم: أهل

(1) في النسخة رقم 16 والشافعي كما روينا
(2) في النسخة رقم 14 لامنعها من خمسمائة
(3) في النسخة رقم 14 لا الجار أحق بسقبه والسقب - بالسين المهملة وبالصاد المهملة أيضا - في الأصل القريب والمراد هنا الشفعة
100

المدينة كلهم جيران * وروينا من طريق ابن الجهم نا أحمد بن الهيثم نا سليمان بن حرب نا
أبو العيزار سمعت أبا قلابة يقول: الجواز أربعون دارا ومن طريق ابن الجهم نا أحمد
ابن فرج نا نصر بن علي الجهضمي انا أبى قال: نا الوليد سمعت الحسن يقول: أربعون
دارا ههنا وأربعون دارا هي من جوانبها الأربع أربعون أربعون أربعون * ومن طريق ابن
الجهم نا أحمد بن محمد بن المؤمل خالي نا علي بن المديني نا ابن أبي زائدة عن إسحاق بن فائد سئل
محمد بن علي بن الحسين بن علي من جار الرجل؟ قال: من يصلى معه الغداة *
قال أبو محمد: ولا يحضرنا الآن ذكر اسم من قال: جميع أهل المدنية الا أنه
قول قد قيل * قال على: أما من حد بأربعين دارا. أو بأهل المدينة فإنهم
تعلقوا بالخبر الجار أحق بسقبه الا أن تحديد الأربعين وصلاة الغداة لا وجه له فنظرنا
في الخبر الذي احتج به هؤلاء فوجدنا ما ذكرناه آنفا من طريق عمرو بن الشريد عن أبي
رافع. وما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد العزيز المروزي نا الفضل
ابن موسى عن حسين عن أبي الزبير عن جابر (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة والجوار) *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن
عطاء عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بشفعة داره إذا كان طريقهما
واحدا ينتظر بها وإن كان غائبا) وهكذا رويناه من طريق أبى داود عن أحمد بن حنبل
عن هشيم عن عبد الملك عن عطاء عن جابر * ومن طريق ابن أيمن نا محمد بن سليمان نا سليمان
ابن داود نا هشيم أنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء عن جابر قال: اشتريت
أرضا إلى جنب أرض رجل فقال: أنا أحق بها فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
يا رسول الله ليس له في أرضى طريق ولا حق فقال عليه السلام: (هو أحق بها فقضى له
بالجوار) * ومن طريق ابن أيمن أيضا نا أحمد بن محمد البرتي القاضي نا محمد بن كثير نا
سفيان الثوري عن منصور هو ابن المعتمر عن الحكم عمن سمع عليا. وابن مسعود قالا
جميعا: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجوار * ومن طريق شعبة عن قتادة عن الحسن عن
سمرة بن جندب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جار الدار أحق بالدار وبالأرض) يعنى في الشفعة *
ومن طريق ابن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا أحمد بن حباب نا عيسى بن يونس
عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جار الدار أحق بالدار)
قال أحمد بن حباب. أخطأ فيه عيسى إنما هو موقوف على الحسن ومن طريق قاسم
ابن أصبغ نا محمد بن إسماعيل نا الحسن بن سوار نا أبو المعلى نا أيوب بن عتبة اليمامي عن
الفضل عن قتادة عن عبد الله بن عمرو بن العاصي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
101

(الجار أحق بصقب أرضه) * ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن الحسين المعلم
عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد بن سويد عن أبيه قلت: (يا رسول الله أرض ليس
فيها لاحد قسم ولا شرك الا الجوار قال: الجار أحق بصقبه ما كان) ومن طريق ابن
الجهم نا يوسف بن يعقوب نا محمد بن أبي بكر هو المقدمي (1) عن دلال بنت أبي المدل
عن الصهفاق عن عائشة أم المؤمنين قلت: (يا رسول الله ما حق الجوار؟ قال: أربعون
دارا) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان عن هشام بن المغيرة الثقفي قال: سمعت الشعبي
يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشفيع أولى من الجار والجار أولى من الجنب) * ومن طريق
سعيد بن منصور نا هشيم انا يونس عن الحسن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالجوار) ومن طريق
سعيد بن منصور نا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشريك أولى بشفعته) (2) هذا كل ما جاء لهم مما يتعلقون به قد
تقصيناه لهم ما نعلم لهم غير هذا أصلا، وقبل كل شئ فهو كله أوله عن آخره مخالف
لقول أبي حنيفة لأنه ليس في شئ من الاخبار التي أوردنا الا اما الجار أحق على العموم فهي
حجة لمن رأى الشفعة لكل جار وهم لا يرونها لكل جار لكن للملاصق وحده أو للذي
طريقهما واحد متملك فقط، وإما الجار الذي طريقهما واحد فقط وهذا لا ننكره ولكن
من غير هذه الأخبار فبطل تمويه الحنيفيين بها جملة وحصل قولهم عاريا من موافقة شئ من
الاخبار، ثم نظرنا هل فيها حجة لمن يرى الشفعة لكل جار فبدأنا بالخبر عن أبي الزبير عن
جابر فوجدناه لا حجة لهم فيه لوجهين، أحدهما أن كل ما لم يذكر فيه أبو الزبير سماعا من
جابر ولا رواه الليث عنه فلم يسمعه من جابر لكن لا يدرى ممن هو أقر بذلك على نفسه فسقط
هذا الخبر، والوجه الثاني اننا لو شهدنا جابر رضى الله تعالى عنه يحدث به لما كان لهم فيه حجة
لان نصه ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة والجوار فأما الشفعة فقد عرفنا ما هي من أخبار أخر
وأما الجوار فما ندري ما هو من هذا الخبر أصلا، ومن فسر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقله
بما لا يقتضيه لفظه فهو كاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقول له ما لم يقل، وقول القائل: قضى
بالجوار لا دليل فيه على شئ من أحكام الشفعة ولعله البر للجار من أجل الجوار فهذا أبين
بصحة وجوبه بالقرآن وبالسنن الصحاح فسقط تعلقهم به، ثم نظرنا في حديث عطاء عن
جابر فوجدناه (3) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان وهو متكلم فيه ضعفه شعبة وغيره ثم
لو صح لكان حجة لنا لأنه موافق لنا ولكنا لا نحتج بما لا نصححه وان وافقنا لا كما يصنع من
لا يتقي الله عز وجل فلا يزال يحتج بما وافقه وإن كان ضعيفا أو صحيحا ويرد الضعيف.

(1) في النسخة رقم 14 الثقفي
(2) في النسخة رقم 14 بشفعة
(3) في النسخة رقم 16 (فوجدنا)
102

والصحيح إذا لم يوافق تقليده ثم نظرنا في الحديث (1) الثالث فوجدناه أيضا من رواية عبد
الملك بن أبي سليمان وهو ضعيف، ثم رواية عبدة وأحمد عن هشيم عن العرزمي جاءت بزيادة لم
يذكرها سليمان بن داود وهي كان الطريق واحد فلو صحت رواية العرزمي لكان الاخذ
بزيادة العدلين أولى، وقوله ليس له في أرضى طريق لا نخالف القول إذا كان طريقهما واحدا
لان الطريق المرعاة إنما هي إلى الأرض لا كونها في الأرض، ثم نظرنا في خبر على وابن مسعود
فوجدناه منقطعا لان الحكم لم يدركهما ولا سمى من سمعه منه عنهما فبطل، ثم لو صح لم
يكن لهم فيه متعلق أصلا لأنه إنما فيه انه عليه السلام قضى بالجوار وليس في هذا دليل على
الشفعة أصلا ثم نظرنا في خبر سمرة فوجدناه لا حجة لهم فيه لان الحسن لم يسمع من سمرة
الا حديث العقيقة وحده فبطل تعلقهم به ثم نظرنا في حديث أنس فوجدنا نصه (جار الدار
أحق بالدار) فكان (2) هذا ربما أمكن أن يكون حجة لمن جعل الشفعة لكل جار لولا
ما نذكره إذا أتممنا الكلام في هذه الأخبار إن شاء الله تعالى هذا وما نرى سماع عيسى
ابن يونس كان من ابن أبي عروبة إلا بعد اختلاطه وحسبك ان الذي رواه عنه ذكر انه
أخطأ فيه، وأيضا فليس فيه ذكر لشفعة أصلا والتكهن لا يحل ولعل المراد أنه أحق ببر أهل
الدار ورفدهم فهذا أحسن وأولى لصحة ورود القرآن بذلك قال الله تعالى: (والجار ذي
القربى والجار الجنب) وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار فبطل تعلقهم بأنه إنما أراد
الشفعة وكان قولهم هذا كهانة وظنا والظن أكذب الحديث، ثم نظرنا في حديث عبد الله
ابن عمرو بن العاصي فوجدناه في نهاية السقوط لأنه عن أيوب بن عتبة اليمامي وهو ضعيف ثم
عن الفضل فإن كان ابن دلهم فهو ساقط وإن كان غيره فهو مجهول ثم لم يسمع قتادة من عبد الله
ابن عمرو بن العاص قط كلمة ولا اجتمع معه فبطل من كل وجه (3) ثم لو صح لما كان فيه
الا الجار أحق بصقب أرضه فالقول فيه كالقول في حديث أنس سواء سواء، ثم نظرنا في
حديث عائشة فوجدناه أسقطها كلها لأنه عن دلال بنت أبي المدل ولا يدرى من هي عمن
لا يدرى من هو ثم ليس فيه أيضا بيان أنه في الشفعة، ولقد كان يلزم الحنيفيين المتكهنين في
الاخبار التي ذكرنا أن يأخذوه لأنه مثلها ولا فرق كهانة بكهانة، ثم نظرنا في حديث
الشعبي فوجدناه لا شئ لأنه منقطع ثم هو عن هشام بن المغيرة الثقفي وهو ضعيف، ثم نظرنا
في خبر الحسن فوجدناه مرسلا ثم ليس فيه الا أنه عليه السلام قضى بالجوار وليس في هذا
من الشفعة أثر ولا عثير ولا إشارة وكما ذكرنا قبل، ثم نظرنا في حديث ابن أبي ملكة
فوجدناه أيضا مرسلا ثم ليس فيه الا الشريك أولى بصقبه وهذا لا ننكره بل نقول به،

(1) في النسخة رقم 16 (الخبر)
(2) في النسخة رقم 16 وكان
(3) في النسخة رقم 14 (جهة)
103

ثم نظرنا في حديث عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن أبيه فوجدناه لا متعلق لهم به لأنه ليس
فيه الا الجار أحق بصقبه وليس فيه للشفعة ذكر ولا أثر، وقد حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ
نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير نا أبو نعيم الفضل بن دكين نا عبد الله بن عبد الرحمن
ابن يعلي بن كعب الثقفي قال: سمعت عمرو بن الشريد يحدث عن الشريد عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (المرء أحق وأولى بصقبه) قلت لعمرو: ما صقبه؟ قال: الشفعة قلت: زعم الناس
انها الجوار قال الناس: يقولون ذلك فهذا راوي الحديث عمرو بن الشريد لا يرى
الشفعة بالجوار ولا يرى لفظ ما روى يقتضى ذلك فبطل كل ما موهوا به، ثم لو صحت هذه
الأحاديث ببيان واضح أن الشفعة للجار لكان حكمه عليه الصلاة والسلام. وقوله. وقضاؤه
(فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) يقضى على ذلك كله ويرفع الاشكال فكيف
ولا بيان في شئ منها كما ذكرنا وأكثرها لا يصح ولا ينبغي ان يشتغل بها لسقوط طرقها
وبالله تعالى التوفيق * ومن عظيم اقدام المتأخرين في زمانهم وأديانهم وعند الله تعالى قول
بعضهم في الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (فإذا وقعت الحدود
وصرفت الطرق فلا شفعة) ان هذا اللفظ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فليت شعري
أين وجدوا هذا؟ ومن أخبرهم به؟ والقوم قد رزقهم الله تعالى من استسهال الكذب في
الدين حظا وافرا نعوذ بالله من مثله * وقالوا فيما رويناه من طريق أبى داود نا محمد بن يحيى بن
فارس نا الحسن بن الربيع نا ابن إدريس هو عبد الله عن ابن جريج عن ابن شهاب عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن أو عن سعيد بن المسيب أو عنهم جميعا عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها) قالوا: نعم ليست القسمة
ولا التحديد موجبين فيها شفعة إنما تجب الشفعة بالبيع فكان هذا برهانا قويا علي عدم
الحياء من وجه قائله فقط وقد أعاذ الله رسوله عليه السلام من أن يتكلم بالسخف وبما لا
معنى له، وقد علم كل ذي حس سليم أن الشفعة لا مدخل لها في القسمة فكيف (1) تكون
الشفعة في أرض قسمت أترى أحدهما يأخذ مال صاحبه مصادمة؟ هذا محال فكيف وهو
خبر مسند مرة ذكر الثقات هذا اللفظ وحده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة أضافوه إلى لفظ
آخر له عليه السلام كما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا عبيد الله بن محمد العمرى نا
أبو إبراهيم يحيى بن أبي قتيلة المدني نا مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب
وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشفعة فيما لم يقسم فإذا
وقعت الحدود فلا شفعة) فظهر فساد الأقوال المذكورة فأشدها فسادا أقوال أبي حنيفة

(1) في النسخة رقم 16 (فكيف)
104

لأنه خالف جميع الأخبار ولم يتعلق لا بخبر صحيح ولا برواية سقيمة ولا بقول صاحب
بل خالف كل رواية جاءت في ذلك عن صاحب لان الرواية عنهم رضي الله عنهم كما قدمنا عن
عمر. وعثمان أن الحدود تقطع الشفعة، ورواية عن عمر بالشفعة للجار وزاد بعضهم
الملازق ولا تعرف هذه اللفظة وحتى لو صحت فقد جاء عنه للجار جملة فهي زيادة على الملازق
وعن سعيد. وأبى رافع ولم يذكرا أن لا شفعة لجار بينهما طريق غير متملك لا عن عمرو بن
حريث ولا عن أحد من الصحابة، وأما قول مالك. والشافعي فإنهم تعلقوا بهذا الخبر وبمثله
مما فيه (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فقلنا: إن حديث معمر عن الزهري عن أبي
سلمة عن جابر فيه (إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فكان هذا بيانا زائدا
لا يحل تركه، وزيادة عدل أخذها واجب وأيضا فان قوله عليه السلام (إذا قسمت الأرض
فلا شفعة) يوجب قولنا لا قولهم حتى لو لم يأت زيادة معمر لأنه وان قسمت الأرض والدار
وكان الطريق إليها متملكا لأهلها فلم يقسموه فلم تقسم تلك الأرض بعد لكن قسم
بعضها وحد بعضها ولم يبطل النبي صلى الله عليه وسلم قط الشفعة بقسمة البعض لكن بقسمة الكل وبالله
تعالى التوفيق * (تم كتاب الشفعة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم)
بسم الله الرحمن الرحيم * وصلى الله على محمد وسلم تسليما
كتاب السلم
1612 مسألة قال أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم رضي الله عنه: السلم
ليس بيعا لان التسمية في الديانات (1) ليست الا لله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما
سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف أو التسليف أو السلم، والبيع يجوز بالدنانير وبالدراهم حالا وفى
الذمة إلى غير أجل مسمى والى الميسرة، والسلم لا يجوز الا إلى أجل مسمى ولابد والبيع يجوز في
كل متملك لم يأت النص بالنهي عن بيعه، ولا يجوز السلم الا في مكيل أو موزون فقط ولا يجوز
في حيوان ولا مذروع ولا معدود (2) ولا في شئ غير ما ذكرنا؟ والبيع لا يجوز فيما ليس
عندك، والسلم يجوز فيما ليس عندك، والبيع لا يجوز البتة الا في شئ بعينه ولا يجوز السلم في
شئ بعينه أصلا *
برهان ذلك ما روينا (3) من طريق مسلم نا شيبان بن فروخ. ويحيى بن يحيى. وأبو بكر
ابن أبي شيبة قال يحيى. وأبو بكر عن ابن علية * قال أبو محمد: هذا في كتابي عن ابن نامي وفى
كتاب غيري عن ابن عيينة، وقال شيبان نا عبد الوارث بن سعيد التنوري ثم اتفق عبد الوراث

(1) في النسخة رقم 14 (في الديانة)
(2) في النسخة رقم 14 (أو معدود)
(3) في النسخة رقم 16 (برهان ما ذكرنا ما روينا)
105

والآخر كلاهما عن ابن أبي نجيح حدثني عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أسلف فلا يسلف الا في كيل معلوم ووزن معلوم) فهذا منع
السلف وتحريمه البتة الا في مكيل أو موزون ومن طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد
نا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (من أسلف سلفا فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) *
ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي
المنهال عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى
أجل معلوم) ففي هذا ايجاب الأجل المعلوم، وقد صح نهى النبي (1) صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر
وعن بيع ما ليس عندك فصح ما قلنا نصا ولله تعالى الحمد، وقد فرق الأوزاعي. وجمهور
الحنيفيين. والمالكيين وأصحابنا الظاهريين بين البيع والسلم، قال ابن القصار: ما كان بلفظ
البيع جاز حالا وما كان بلفظ السلم لم يجز الا بأجل؟ وقال الأوزاعي: ما كان اجله ثلاثة أيام
فأقل فهو بيع وما كان اجله أكثر فهو سلم، قال القمي وهو من كبار الحنيفيين: السلم ليس
بيعا وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه ما يسر الله تعالى لذكره، فطائفة كرهت السلم جملة كما روينا
عن محمد بن المثنى نا عمرو بن عاصم الكلابي نا همام بن يحيى نا قتادة عن أبي كثير عن أبي
عبيدة بن عبد الله بن مسعود انه كان يكره السلم كله ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن
غياث عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال: نهى عن العينة * ومن طريق ابن أبي شيبة
نا معاذ بن معاذ عن عبد الله بن عون قال: ذكروا عند محمد بن سيرين العينة فقال نبئت أن ابن
عباس كان يقول: دراهم بدراهم وبينهما جريرة * ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص
عن أشعث عن الحكم عن مسروق قال: العينة حرام * ومن طريق ابن أبي شيبة (2) عن
الربيع بن صبيح عن الحسن. وابن سيرين أنهما كرها العينة وما دخل الناس فيه منها * ومن
طريق ابن أبي شيبة نا الفضل بن دكين عن أبي جناب. وزيد بن مرذانيه قالا: كتب عمر بن
عبد العزيز إلى عبد الحميد انه من قبلك عن العينة فإنها أخت الربا *
قال أبو محمد: العينة هي السلم نفسه أو بيع سلعة إلى أجل مسمى ولا خلاف في هذا
فبقي السلم قال على: لا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأباح مالك: وأبو حنيفة السلم (3)
في المعدود. والمذروع من الثياب بغير ذكر وزنه ومنعا من السلف حالا فكان هذا عجبا من
قولهما لأنه إن كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أجل معلوم مانعا من أن يكون السلم حالا أو
نقدا فان نهيه عليه السلام عن أن يسلف الا في كيل معلوم أو وزن معلوم أشد في التحريم

(1) في النسخة رقم 14 وقد صح النهى عن النبي
(2) في النسخة رقم 16 (ومن طريق وكيع)
(3) في النسخة رقم 14 (السلف)
106

وأوكد في المنع من السلم من غير كيل أو وزن ولئن كان القياس على المكيل. والموزون
والمذروع. والمعدود جائزا فان قياس جواز الحلول والنقد على جواز الأجل أولى فظهر
فساد قولهما بيقين لا شك (1) فيه بل المنع من السلف في غير المكيل والموزون أوضح
لأنه جاء بلفظ النهى ولا يجوز القياس عند القائلين به إذا خالف النص، وأما الشافعي
فأجاز: السلم حالا قياسا على جوازه إلى أجل وأجاز السلم في كل شئ قياسا على المكيل
والموزون فانتظم خلاف الخبر في كل ما جاء فيه وكان أطردهم للقياس وأفحشهم خطأ، فان
قيل: إن السلم بيع استثنى من جملة بيع ما ليس عندك قلنا: هذا باطل لأنه دعوى بلا دليل
وليس كان ما عوض (2) فيه بآخر بيعا فهذا القرض مال بمال وليس بيعا بلا خلاف
ولم يجز أبو حنيفة السلم في الحيوان واجازه مالك. والشافعي وما نعلم لتخصيصهم الحيوان
بالمنع من السلم فيه دون سائر ما أباحوا السلم فيه من غير المكيل والموزون حجة أصلا إلا
أن بعضهم موه بأنه قد روى عن عمر أنه قال: من الربا ما لا يكاد يخفى كالسلم في سن قالوا:
وعمر حجة في اللغة ولا يقول مثل هذا الا بتوقيف فقلنا له: هذا لا يسند عن عمر، ثم
لو صح لكان حجة (3) عليكم لان في هذا الخبر نفسه انه نهى عن بيع الثمرة وهي مغضفة (4)
لما تطب بعد وأنتم تجيزونه على القطع فمرة عمر حجة ومرة ليس هو بحجة * وروينا
من طريق ابن أبي شيبة نا ابن أبي زائدة عن وكيع عن معمر عن القاسم بن عبد الرحمن
قال: قال عمر: من الربا أن تباع الثمرة وهي مغضفة لما تطب * ومن طريق سعيد بن منصور
نا أبو عوانة عن أبن بشر عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر عن الرهن في السلف؟ فقال
ذلك الربا المضمون، وهم يجيزون الرهن في السلف ولم يكن قول ابن عمر في ذلك أنه الربا بأصح
طريق حجة في أنه ربا ما شاء الله كان * وأما المالكيون. والشافعيون فإنهم احتجوا بما روى
من طريق عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه كان يبتاع البعير بالقلوصين والثلاثة إلى إبل الصدقة
بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبامره (4)، وهذا حديث في غاية فساد الاسناد رويناه من طريق
محمد بن إسحاق فمرة رواه عن أبي سفيان ولا يدرى من هو عن مسلم بن كثير ولا يدرى من هو
وعن عمرو بن دينار الدينوري ولا يدرى من هو عن عمرو بن حريش الزبيدي ولا يدرى
من هو، ومرة قلب الاسناد فجعل أوله آخره وآخره أوله فرواه عن يزيد بن أبي حبيب
عن مسلم عن جبير ولا يدرى من هو عن أبي سفيان ولا يدرى من هو عن عمرو بن
حريش، ومثل هذا لا يلتفت إليه الا مجاهر بالباطل أو جاهل أعمى، ثم لو صح لكان
حجة على المالكيين. والشافعيين لان الأجل عندهم إلى الصدقة لا يجوز فقد خالفوه ومجئ

(1) في النسخة رقم 14 (لا اشكال)
(2) في النسخة رقم 16 (وليس كل مال عوض)
(3) سقط لفظ حجة من النسخة رقم 14
(4) أي قاربت الادراك وقد فسرت بقوله لما تطب
(5) في النسخة رقم 16 وأمره
107

إبل الصدقة كان على عهده عليه السلام يختلف اختلافا عظيما منه على أقل من يوم كبلى وجهينة
ومنه على عشرين يوما كتميم وطيئ (1) وأيضا فان المالكيين لا يجيزون سلم الإبل في
الإبل الا بشرط اختلافها في الرحلة والنجابة وليس هذا مذكورا في هذا الحديث، فان
قالوا: نحمله على هذا قلنا إن فعلتم كنتم قد كذبتم وزدتم في الخبر ما ليس فيه وما لم يرو
قط في شئ من الاخبار، ولقد كان يلزم الحنيفيين المحتجين بكل بلية كالوضوء من القهقهة
في الصلاة، والوضوء بالخمر أن يأخذوا بهذا الخبر لأنه مثلها، وقد قال بعضهم: لم يكن ذلك
بعلم النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا عجب يكون قول عمر (من الربا السلم في سن) مضافا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم بالظن الكاذب ويكون هذا الخبر بغير علم النبي صلى الله عليه وسلم وفى نصه فأمرني رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن آخذ في إبل الصدقة فكنت ابتاع البعير بالقلوصين والثلاثة إلى إبل الصدقة
فلما قدمت الصدقة قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأف أف لعدم الحياء ولا تموهوا بما روى
من أنه كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكر فقضاه فإنه صح انه كان قرضا كما ذكرناه في كتاب
القرض من ديواننا هذا، وكذلك ابتياع النبي صلى الله عليه وسلم العبد الذي هاجر إليه بعبدين وصفية
أم المؤمنين بسبعة ارؤس فكل ذلك كان نقدا، ولقد كان يلزم المالكيين المحتجين بخبر
الحجاج بن أرطأة في أن العمرة تطوع وبتلك المراسيل والبلايا أن يقولوا: بما رويناه
من طريق أحمد بن شعيب نا عمرو بن علي أنا يحيى بن سعيد القطان. ويزيد بن زريع.
وخالد بن الحارث كلهم قال: نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن
جندب نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة * ومن طريق ابن أبي شيبة نا
ابن أبي زائدة عن الحجاج بن أرطأة عن الزبير عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحيوان
اثنان بواحد لا بأس به يدا بيد ولا خير فيه نساء) * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن
يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مولى ابن عباس قال. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان
بالحيوان نسيئة، وهذا من أحسن المراسيل فخالفه المالكيون جملة، وأجازوا الحيوان
كله بالحيوان من غير جنسه نسيئة وأجازوه من جنس واحد إذا اختلفت أوصافه
بتخاليط لا تعقل، ونسي الحنيفيون قولهم: ان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الزكاة (2) في السائمة)
دليل على أن غير السائمة لا زكاة فيها فهلا قالوا: ههنا: نهيه عليه الصلاة والسلام عن
الحيوان بالحيوان نسيئة دليل على جواز العروض بالحيوان نسيئة ولكنهم قوم لا يفقهون *
وأجاز الحنيفيون المكاتبة على الوصفاء واصداق الوصفاء في الذمة ومنعوا من
السلم في الوصفاء فقالوا: النكاح يجوز فيه ما لا يجوز في البيوع (3) قلنا: والسرقة
حكمها غير حكم النكاح وقد قستم ما يكون صدقا على ما تقطع فيه اليد وما من حكم

(1) في النسخة رقم 14 كبني تميم وطي
(2) في النسخة رقم 14 بالزكاة
(3) في النسخة رقم 16 في البيع
108

الا وهو يخالف سائر الأحكام ثم لم يمنعكم ذلك من قياس بعضها على بعض حيث اشتهيتم *
قال أبو محمد: وممن روى عنه مثل قولنا كما روينا من طريق شعبة عن الأسود بن
قيس أنه سمع نبيحا العنزي عن أبي سعيد الخدري قال: السلم بالسعر ولكن استكثر
بدراهمك أو بدنانيرك إلى أجل مسمى وكيل معلوم * ومن طريق سفيان عن الأسود بن
قيس عن نبيح عن أبي سعيد مثله ومن طريق محمد بن المثنى نا محمد بن محبب نا سفيان الثوري
عن أبي حيان التيمي عن رجل عن ابن عباس نزلت هذه الآية (إذا تداينتم بدين إلى أجل
مسمى) في السلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم ومن طريق وكيع نا عيسى الحناط عن
أبيه سمعت ابن عمر يقول: كيل معلوم إلى أجل معلوم وعن ابن عمر إباحة السلم (1)
في الكرابيس وهي ثياب (2) وفى الحرير * وعن ابن عباس في السبائب وهو الكتان
وكل ذلك يمكن وزنه وما نعلم عن أحد من الصحابة إجازة سلم حال ولا في غير مكيل
ولا موزون الا ما اختلفوا فيه من السلم في الحيوان فاختلف فيه عن علي. وابن مسعود.
وابن عمر، وروينا أيضا اباحته عن ابن عباس باستدلال لا بنص، وروينا النهى
عن ذلك عن عمر. وحذيفة. وعبد الرحمن بن سمرة صحيحا وغيره من الصحابة
رضي الله عنهم وبالله تعالى التوفيق *
1613 مسألة والأجل في السلم ما وقع عليه اسم أجل كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم
يحد أجلا من اجل وما كان ربك نسيا وما ينطق عن الهوى أن هو الا وحى يوحى لتبين للناس
ما نزل إليهم فالاجل ساعة فما فوقها وقال بعض الحنيفيين: لا يكون الأجل في ذلك أقل من
نصف يوم، وقال بعضهم: لا يكون أقل من ثلاثة أيام *
قال أبو محمد: هذا تحديد فاسد لأنه بلا برهان، وقال المالكيون: يكره أن
يكون يومين فأقل، وقال سعيد بن المسيب: ما تتغير إليه الأسواق وهذا في غاية الفساد
لأنه تحديد بلا برهان ثم إن الأسواق قد تتغير من يومها وقد لا تتغير شهورا وكلاهما
لا نعلم أحدا سبقهم إلى التحديد في دين الله تعالى به: وقال الليث: خمسة عشر يوما *
1614 مسألة ولا يجوز أن يكون الثمن في السلم الا مقبوضا فان تفرقا قبل تمام
قبض جميعه بطلت الصفقة كلها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأن يسلف في كيل معلوم أو وزن
معلوم إلى أجل معلوم والتسليف في اللغة التي بها خاطبنا عليه السلام هو أن يعطى شيئا في شئ
فمن لم يدفع ما أسلف فلم يسلف شيئا لكن وعد بأن يسلف فلو دفع البعض دون البعض
سواء أكثرة أو أقله فهي صفقة واحدة وعقد واحد وكل عقد واحد جمع فاسدا وجائزا (3)

(1) في النسخة رقم 14 إباحة السلف
(2) أي من قطن
(3) في النسخة رقم 14 فساد أو جائزا
109

فهو كله فاسد لأن العقد لا يتبعض والتراضي منهما لم يقع حين العقد الا على الجميع لا على
البعض دون البعض فلا يحل الزامهما ما لم يتراضيا جميعا عليه فهو أكل مال بالباطل لا عن
تراض، والسلم وان لم يكن بيعا فهو دين تدايناه إلى اجل مسمى وتجارة فلا يجوز أن
يكون الا عن تراض، وقولنا هذا هو قول سفيان الثوري. وابن شبرمة. وأحمد والشافعي،
وأبي سليمان، وأصحابهم، وقال أبو حنيفة: يصح السلم فيما قبض ويبطل فيما لم يقبض،
وقال مالك: ان تأخر قبض الثمن يوما أو يومين جاز وان تأخر أكثر أو بأجل بطل الكل،
وهذان قولان فاسدان كما ذكرنا لا سيما قول مالك فإنه متناقض مع فساده وبالله تعالى التوفيق *
1615 مسألة فان وجد بالثمن المقبوض عيبا فإن كان اشترط السلامة بطلت
الصفقة كلها لان الذي أعطى غير الذي عقد عليه فصار عقد سلم لم يقبض ثمنه فإن كان لم يشترط
السلامة فهو مخير بين أن يحبس ما أخذ ولا شئ له غيره أو يرد وتنتقض الصفقة كلها لأنه ان
رد المعيب صار سلما لم يستوف ثمنه فهو باطل، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة:
يستبدل الزائف ويبطل من الصفقة بقدر ما وجد من الستوق ويصح في الباقي، وقال
مالك: يستبدل كل ذلك والحجة في هذه كالتي قبلها ولا فرق *
1616 مسألة ولا يجوز أن يشترطا في السلم دفعه في مكان بعينه فان فعلا فالصفقة
كلها فاسدة وكلما قلنا أو نقول إنه فاسد فهو مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب * برهان
ذلك أنه شرط ليس في كتاب الله تعالى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في
كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) لكن حق المسلم قبل المسلم إليه فحيث ما لقيه عند
محل الأجل فله أخذه يدفع حقه إليه فان غاب أنصفه الحاكم من ماله ان وجد له (1) بقول الله
تعالى: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فهو مأمور بأداء أمانته حيث
وجبت عليه ويسئلها، والمشهور عن ابن القاسم ان السلم يبطل ان لم يذكر مكان الايفاء *
وقال أبو حنيفة. والشافعي: ما له مؤنة وحمل فالسلم فاسد ان لم يشترط موضع الدفع
وما ليس له حمل ولا مؤنة فالسلم جائز وان لم يشترط موضع الدفع، وهذه أقوال لا برهان
على صحتها فهي فاسده *
1617 مسألة واشتراط الكفيل في السلم يفسد به السلم لأنه شرط ليس في
كتاب الله تعالى فهو باطل، وأما اشتراط الرهن فيه فجائز لما ذكرنا في كتاب الرهن فأغنى
عن إعادته، وممن أبطل به العقد ابن عمر. وسعيد بن جبير. وغيرها *
1618 مسألة والسلم جائز في الدنانير. والدراهم إذا سلم فيهما عرضا لأنهما وزن

(1) في النسخة رقم 16 ان وجده له
110

معلوم فهو حلال بنص كلامه عليه السلام ومنع من ذلك مالك وما نعلم له حجة أصلا،
ومن السلم الجائز أن يسلم الحيوان الذي يجوز تملكه وتمليكه وان لم يجز بيعه أو جاز بيعه
في لحم من صنفه إن كان يحل أكل لحمه أو في لحم من غير صنفه كتسليم عبد. أو أمة. أو
كلب. أو سنور. أو كبش. أو تيس. أو بعير. أو بقرة. أو ايل. أو دجاج. أو
غير ذلك كله في لحم كبش. أو لحم ثور. أو لحم تيس أو غير ذلك لأنه كله سلف في وزن
معلوم إلى أجل معلوم، ولا يجوز السلف في الحيوان أصلا لأنه ليس يكال ولا يوزن
وجائز ان يسلم البر في دقيق البر ودقيق البر في البر متفاضلا وكيف احبا، وكذلك الزيت
في الزيتون والزيتون في الزيت واللبن في اللبن وكل شئ حاشا ما بينا في كتاب الربا وهو
الذهب في الفضة أو الفضة في الذهب فلا يحل أصلا أو التمر. والشعير. والبر. والملح
فلا يحل أن يسلف صنف منها لا في صنفه ولا في غير صنفه منها خاصة وكلها يسلف فيما ليس منها
من المكيلات والموزونات وحاشا الزرع أي زرع كان فلا يجوز تسليفه في القمح أصلا
وحاشا العنب والزبيب فلا يحوز تسليف أحدهما والآخر كيلا ويحوز تسليف كل واحد
منهما في الآخر وزنا لما قد بيناه في كتاب الربا فأغنى عن اعادته، ومما يجمعه (1) قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) فلم يستثن (2)
عليه السلام من ذلك شيئا حاشا الأصناف المذكورة فقط: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا
وحى يوحى) * (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) * (وما كان ربك نسيا) * (ولتبين للناس
ما نزل إليهم) و (اليوم أكملت لكم دينكم) فمن حرم ما لم يفصل لنا تحريمه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أو أضاف إليه
ما لم يبينه فقد كذب عليه وقال عليه السلام: (من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار) وقد اختلف المخالفون لنا فأبو حنيفة يجيز أن يسلم كل ما يكال في كل ما يوزن
فيجيز هو وسفيان تسليم القمح في اللحم واللحم في القمح ويجيز مالك (3) تسليم الحديد
في النحاس وأبو حنيفة يحرم ذلك ويجعله ربا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا
كثيرا، والشافعي يجيز تسليم الفلوس في الفلوس، وسفيان يجيز الخبز في الدقيق من جنسه
(فصل) استدركنا شيئا يحتج به الشافعيون في اجازتهم السلم حالا في الذمة إلى
غير أجل وهما خبران، أحدهما رويناه من طريق البزار قال: نا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب
الحراني عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة أم
المؤمنين قالت: (ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم جزورا من أعرابي بوسق من تمر الذخرة وهي

(1) في النسخة رقم 14 (مما يجمعه)
(2) في النسخة رقم 14 ولم يستثن
(3) في النسخة رقم 14 ومالك يجيز
111

العجوة فجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فالتمس التمر فلم يجده فقال للاعرابي: يا عبد
الله انا ابتعنا منك جزورا بوسق من تمر الذخرة ونحن نرى أنه عندنا فالتمسناه فلم نجده فقال الاعرابي: وا غدراه فزجره الناس وقالوا: أتقول هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فان لصاحب الحق مقالا، ثم أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام
ثانية كما أوردنا فقال الاعرابي: وا غدراه قال: فلما لم يفهم عنه الاعرابي أرسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أم حكيم أقرضينا وسقا من تمر الذخرة حتى يكون عندنا فنقضيك فقالت: أرسل
رسولا يأتي بأخذه فقال للاعرابي: انطلق معه حتى يوفيك) وذكر باقي الخبر فهذا لا حجة لهم
فيه على مذهبهم ومذهبنا لان البيع لم يكن تم بعد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الاعرابي لأنهما لم يتفرقا
هكذا (1) نص الحديث ويبين ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم له (انا كنا ابتعنا منك بعيرا بوسق من
تمر الذخرة ونحن نرى أنه عندنا فالتمسناه فلم نجده) وقول أم المؤمنين في الخبر نفسه فلما لم
يفهم عنه الاعرابي استقرض من أم حكيم فصح أنه عليه السلام حينئذ أمضى معه العقد
المحدود وتم البيع بحضور الثمن وقبض الاعرابي، وهذا الخبر حجة على الحنيفيين. والمالكيين
لأنهم يرون البيع يتم قبل التفرق وليس لهم أن يقولوا: إن هذا منسوخ بذكر الأجل في
السلم لان ذكر الأجل في السلم كان في أول الهجرة كما روينا من طريق البخاري نا صدقة
هو ابن خالد نا سفيان بن عيينة أخبرني ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن
ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث فقال:
(من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وكان خبر عائشة
بعد ذلك؟ فان قيل إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه فان لصاحب الحق مقالا) دليل على أن البيع
قد كان تم بينهما قلنا: لأنه عليه السلام لم يقل: ان هذا الاعرابي صاحب حق إنما
أخبر أن لصاحب الحق مقالا فقط وهو كذلك وحاشا لله أن يكون الاعرابي صاحب حق
وهو يصف النبي صلى الله عليه وسلم بالغدر * والخبر الثاني رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله
ابن نمير نا يزيد بن زياد بن أبي الجعد نا أبو صخرة جامع بن شداد عن طارق
ابن عبد الله المحاربي: (قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بسوق ذي المجاز وهو
ينادى بأعلى صوته يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا وأبو لهب يتبعه بالحجارة قد أدمى
كعبيه وعرقوبيه فلما ظهر الاسلام قدم المدينة أقبلنا من الربذة حتى نزلنا قريبا من المدينة ومعنا
ظعينة لنا فأتانا رجل فسلم علينا فرددنا عليه السلام معنا جمل لنا فقال: أتبيعون
الجمل؟ فقلنا (2): نعم قال: بكم؟ قلنا: بكذا وكذا صاعا من تمر قال: قد أخذته ثم أخذ

(1) في النسخة رقم 16 لم يفترقا
(2) في النسخة رقم 14 قلنا:
112

برأس الجمل حتى دخل المدينة فتلاومنا وقلنا: أعطيتم جملكم رجلا لا تعرفونه فقالت
الظعينة: لا تلاوموا فلقد رأيت وجها ما كان ليخفركم ما رأيت وجها (1) أشبه بالقمر ليلة
البدر من وجهه فلما كان العشى أتانا رجل فقال: السلام عليكم انى رسول الله صلى الله عليه وسلم
إليكم وأنه يأمركم أن تأكلوا حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا فلما كان من
الغد دخلنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس) وذكر باقي الخبر *
قال على: هذا لا حجة لهم فيه لوجهين، أحدهما انه ليس فيه دليل على أن الذي اشترى
الجمل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا انه علم بصفة ابتياعه والأظهر ان غيره كان المبتاع بدليل قول
طارق بأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بذى المجاز ومرة على المنبر يخطب فلو كان عليه
السلام هو الذي ابتاع الجمل لكان قد رآه ثلاث مرات وهذا خلاف الخبر فصح انه كان غيره
ولا حجة في عمل غيره، وقد كان في أصحاب (2) النبي صلى الله عليه وسلم الجمال البارع. والوسامة.
والمعاملة الجميلة، وقد اشترى بلال وما يقطع بفضل أحد من الصحابة عليه غير أبى بكر.
وعمر صاعا من تمر بصاعي تمر وقد يكون مشترى الجمل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدى عنه
إلى القوم ثمن الجمل ففعل؟ * والوجه الثاني أنه لو صح انه عليه السلام كان المشترى أو انه
علم الامر فلم ينكره لكان حديث ابن عباس بايجاب الأجل زائدا عليه زيادة يلزم اضافتها
إليه ولا يحل تركها فبطل تعلقهم بهذين الخبرين، وليعلم من قرأ كتابنا هذا انهما صحيحان
لا داخلة فيهما الا أن القول فيهما كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
1619 مسألة ومن أسلم في صنفين ولم يبين مقدار كل صنف منهما فهو باطل
مفسوخ مثل أن يسلم في قفيزين من قمح وشعير لأنه لا يدرى كم يكون منهما قمحا وكم يكون
شعيرا ولا يجوز القطع بأنهما نصفان لأنه لا دليل على ذلك وبالله تعالى التوفيق، فلو أسلم
اثنان إلى واحد فهو جائز والسلم بينهما على قدر حصصهما في الثمن الذي يدفعان لان الذي
أسلما فيه إنما هو بإزاء الثمن بلا خلاف فلو أسلم واحد إلى اثنين صفقة واحدة فهما فيما قبضا
سواء لأنهما شريكان فيه وأخذاه معا فلا يجوز أن يتفاضلا فيه الا بأن يتبين عند العقد أن
لهذا ثلاثة ولهذا ثلثيه أو كما يتفقون عليه، وبالله تعالى التوفيق *
1620 مسألة ولابد من وصف ما يسلم فيه بصفاته الضابطة له لأنه ان لم
يفعل ذلك كان تجارة عن غير تراض إذ لا يدرى المسلم ما يعطيه المسلم إليه ولا يدرى المسلم
إليه ما يأخذ منه المسلم فهو أكل مال بالباطل، والتراضي لا يجوز ولا يمكن الا في معلوم
وبالله تعالى نتأيد *

(1) في النسخة رقم 14 ما رأيت رجلا
(2) في النسخة رقم 14 (في الصحابة رضي الله عنهم)
113

1621 مسألة والسلم جائز فيما لا يوجد حين عقد السلم وفيما يوجد والى من
ليس عنده منه شئ والى من عنده، ولا يجوز السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله * برهان
ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر (1) بالسلم كما ذكرنا وبين في الكيل وفى الوزن والى أجل
فلو كان كون السلم في الشئ لا يجوز الا في حال وجوده أو إلى من عنده ما سلم إليه فيه لما
أغفل عليه السلام بيان ذلك حتى يكلنا إلى غيره حاشا لله من ذلك: (وما ينطق عن الهوى ان
هو الا وحى يوحى) * (وما كان ربك نسيا) وأما السلم فيما لا يوجد حين (2) حلول أجله
فهو تكليف ما لا يطاق وهذا باطل قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فهو عقد على
باطل فهو باطل، وقولنا في هذا كله هو قول مالك، والشافعي، وأحمد. وأبي ثور
وأبي سليمان ولم يجز السلم في شئ لا يوجد حين السلم فيه سفيان. والأوزاعي.
وأبو حنيفة، وزاد أبو حنيفة فقال: لا يجوز السلم الا فيما هو موجود من حين السلم إلى حين
أجله لا ينقطع في شئ من تلك المدة وما نعلم هذا القول عن أحد قبله، وقال الحسن بن حي:
لا يجوز السلم في شئ ينقطع ولو في شئ من السنة ولا يعلم أيضا هذا عن أحد قبله، واحتج
المانعون من هذا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عن بيع السنبل حتى يشتد وعن بيع الثمر حتى
يبدو صلاحه) *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه أول ذلك أنهم مخالفون له لأنهم يجيزون السلم
في البر والشعير وهما بعد سنبل لم يشتد وأما بيع الثمر قبل بدو صلاحه فلا حجة لهم فيه لان
السلم عند الحنيفيين. وعندنا ليس بيعا فبطل تعلقهم به جملة، ولو كان بيعا لما حل لنهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك الا لمن هو عنده حين السلم، فان خصوا السلم من ذلك
قلنا: فخصوه من جملة بيع الثمر قبل بدو الصلاح فيه والا فقد تحكمتم في الباطل، وموهوا
بما روينا من طريق أبى داود نا محمد بن كثير نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن رجل نجراني
عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه (3) *
وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن محمد البرتي القاضي
نا أبو حذيفة نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن النجراني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(انه نهى أن يسلف في ثمرة نخل حتى يبدو صلاحه) النجراني عجب ما كان ليعدوهم حديث
النجراني ثم ليس فيه الا ثمر النخل خاصة، فان قالوا: قسنا على ثمرة النخل قلنا: وهلا
قستم على السائمة غير السائمة ثم ليس فيه ما قالوه (4) من تمادى وجوده إلى حين أجله * وأما
السلم إلى من ليس عنده منه شئ فروينا من طريق ابن أبي شيبة نا ابن أبي زائدة عن يحيى

(1) في النسخة رقم 16 (أمر له)
(2) في النسخة رقم 14 عند
(3) الحديث في سنن أبي داود مطولا اختصره المؤلف واقتصر على محل الشاهد منه
(4) في النسخة رقم 14 (ما قالوا)
114

ابن سعيد الأنصاري عن نافع قال كان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يبتاع شيئا إلى أجل
وليس عنده أصله لا يرى به بأسا، وكرهه ابن المسيب. وعكرمة. وطاوس.
وابن سيرين فبطل كل ما تعلقوا به من الآثار، وذكروا في ذلك عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما روينا من طريق البخاري نا أبو الوليد هو الطيالسي نا شعبة عن عمرو هو ابن مرة
عن أبي البختري قال: سألت ابن عمر عن السلم في النخل؟ فقال: (نهى عن بيع النخل حتى
يصلح وسألت ابن عباس عن السلم في النخل؟ فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل
حتى يؤكل منه) * وعن البخاري نا محمد بن بشار نا غندر نا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي
البختري سألت ابن عمر عن السلم في النخل؟ فقال: نهى عمر عن بيع التمر حتى يصلح) *
ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر لا بأس أن يسلم الرجل في الطعام الموصوف
إلى أجل مسمى ما لم يكن ذلك في زرع لم يبد صلاحه أو ثمر لم يبد صلاحه * ومن طريق
أبي ثور نا معلى نا أبو الأحوص نا طارق عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: لا تسلموا
في فراخ حتى تبلغ، وذكروا كراهية ذلك عن الأسود. وإبراهيم *
قال على لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف والظاهر من قول عمر. وابنه.
وابن عباس انهم إنما نهوا عن ذلك من أسلم في زرع لعينه أو في ثمر نحل بعينه، ونص هذه الأخبار
عن ابن عباس، وابن عمر انهما رأيا السلم بيعا والحنيفيون لا يرونه بيعا، ومن
الباطل أن يكون قولهما حجة في شئ غير حجة في شئ آخر وبالله تعالى التوفيق *
1622 - مسألة ومن سلم في شئ فضيع قبضه أو اشتغل حتى فات وقته وعدم
فصاحب الحق مخير بين أن يصبر حتى يوجد وبين أن يأخذ قيمته لو وجد في ذلك الوقت من
أي شئ تراضيا عليه لقول الله تعالى: (والحرمات قصاص) فحرمة حق صاحب السلم
إذا لم يقدر على عين حقه كحرمة مثلها وقد ذكرناه في كتاب البيوع *
1623 - مسألة ولا تجوز الإقالة في السلم لان الإقالة بيع صحيح على ما بينا قبل،
وقد صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض وعن بيع المجهول لأنه غرر لكن يبرئه مما شاء
منه فهو فعل خير وبالله تعالى التوفيق *
1624 - مسألة مستدركة من البيوع * من اشترى أرضا فهي له بكل ما فيها من
بناء قائم أو شجر ثابت، وكذلك من اشترى دارا فبناؤها كله له وكل ما يكون مركبا
فيها من باب أو درج أو غير ذلك، وهذا اجماع متيقن، وما زال الناس يتبايعون الدور
والأرضين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا لا يخلو يوم من أن يقع فيه بيع دار أو ارض
هكذا ولا يكون له ما كان موضوعا فيها غير مبنى كأبواب. وسلم. ودرج. وآجر.
115

ورخام: وخشب. وغير ذلك، ولا يكون له الزرع الذي يقلع ولا ينبت بل هو لبائعه
وبالله تعالى التوفيق *
ومن ابتاع أنقاضا أو شجرا دون الأرض فكل ذلك يقلع ولا بد
وبالله تعالى التوفيق تم كتاب السلم *
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله
كتاب الهبات
1625 - مسألة - لا تجوز هبة الا في موجود. معلوم معروف القدر، والصفات.
والقيمة والا فهي باطل مردودة، وكذلك ما لم يخلق بعد كمن وهب ما تلد أمته، أو شاته
أو سائر حيوانه أو ما يحمل شجره العام وهكذا كل شئ لان المعدوم ليس شيئا ولو كان
شيئا لكان الله عز وجل لم يزل والأشياء معه وهذا كفر ممن قاله، والهبة والصدقة والعطية
يقتضى كل ذلك موهوبا ومتصدقا فمن أعطى معدوما أو تصدق بمعدوم فلم يعط شيئا
ولا وهب شيئا ولا تصدق بشئ وإذ لم يفعل كل ما ذكرنا فلا يلزمه حكم وقد حرم الله
تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أموال الناس الا بطيب أنفسهم ولا يجوز أن تطيب النفس
على ما لا تعرف صفاته ولا ما هو. ولا ما قدره. ولا ما يساوي، وقد تطيب نفس المرء
غاية الطيب على بذل الشئ وبيعه ولو علم صفاته وقدره وما يساوى لم تطب نفسه به،
فهذا أكل مال بالباطل فهو حرام لا يحل، وكذلك من أعطى أو تصدق بدرهم من هذه
الدراهم أو برطل من هذا الدقيق أو بصاع من هذا البر فهو كله باطل لما ذكرنا لأنه لم
يوقع صدقته ولا هبته على مكيل بعينه ولا موزون بعينه ولا معدود بعينه فلم يهب ولا
تصدق أصلا، وكذلك لا يجوز شئ من ذلك لمن لا يدرى ولا لمن لم يخلق لما ذكرنا،
وأما الحبس فبخلاف هذا كله للنص الوارد في ذلك وبالله تعالى التوفيق * والقياس باطل
ولكل شئ حكمه الوارد فيه بالنص، فان ذكروا الحديث الذي روينا من طريق مسلم نا
زهير بن حرب نا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال له دحية يوم خيبر: يا رسول الله أعطني جارية من السبي قال: اذهب فخذ جارية
فاخذ صفية بنت حيى فجاء رجل فقال: يا رسول الله أعطيت دحية بنت حيى سيد قريظة
والنضير وما تصلح الا لك قال ادعه بها قال فجاء بها فلما نظر إليها صلى الله عليه وسلم قال له: خذ جارية
من السبي غيرها وأعتقها وتزوجها) قلنا: هذا أعظم حجة لنا لان العطية لو تمت لم يرتجعها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشا له من ذلك ليس له المثل السوء وهو عليه الصلاة والسلام يقول.
ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالعائد في قيئه كالكلب يعود في قيئه لكن أخذها وتمام
116

ملكه لها وكمال عطيته عليه السلام له إذ عرف عليه الصلاة والسلام عينها أو صفتها أو قدرها
ومن هي، فان قيل: فقد رويتم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه عليه السلام
اشترى صفية من دحية وقد وقعت في سهمه بسبعة أرؤس قلنا: كلا الخبرين عن أنس
صحيح وتأليفهما ظاهر، وقوله: انها وقعت في سهمه إنما معناه بأخذه إياها إذ سأل
النبي صلى الله عليه وسلم جارية من السبي فقال له: اذهب فخذ جارية وبلا شك أن من أخذ شيئا لنفسه
بوجه صحيح فقد وقع في سهمه، وقوله اشتراها عليه السلام بسبعة ارؤس يخرج على أحد
وجهين أحدهما، أنه عليه السلام عوضه منها فسمى أنس ذلك الفعل شراء، والثاني أن دحية إذ
أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: خذ غيرها قد سأله إياها وكان عليه السلام لا يسأل شيئا الا
أعطاء فأعطاه إياها فصحت له وصح وقوعها في سهمه ثم اشتراها منه بسبعة ارؤس ولا
شك في صحة الخبرين، ولا يمكن الجمع بينهما لصحتهما الا كما ذكرنا، وما لا شك فيه فلا
شك فيما لا يصح إلا به وبالله تعالى نتأيد * فان ذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لجابر: لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا قلنا: هذه عدة لا عطية
وقد أنفذ أبو بكر رضي الله عنه هذه العدة بعد موته عليه السلام وهم لا يختلفون في أن
من قال ذلك ثم مات لم ينفد قوله بعد موته وهذا قول سليمان وأصحابنا وبالله تعالى التوفيق *
1626 مسألة ومن كان له عند آخر حق في الذمة دراهم أو دنانير أو غير ذلك
أو أي شئ كان فقال له: قد وهبت لك مالي عندك أو قال قد أعطيتك مالي عندك أو قال لآخر
قد وهبت لك مالي عند فلان أو قال: أعطيتك مالي عند فلان فلا يلزم شئ من ذلك لما
ذكرنا لأنه لا يدرى ذلك الحق الذي له عند فلان (1) في أي جوانب الدنيا هو ولعله في
ملك غيره الآن وإنما يجوز هذا بلفظ الابراء أو العفو أو الاسقاط أو الوضع، ويجوز
أيضا بلفظ الصدقة للحديث الذي رويناه من طريق مسلم نا قتيبة نا ليث هو ابن سعد عن
بكير - هو ابن الأشج - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال: (أصيب رجل
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا
عليه فهذا عموم للغرماء وغيرهم، فان ذكروا قول الله عز وجل: (لأهب لك غلاما
زكيا) قلنا: أفعال الله (2) تعالى وهباته لا يقاس عليها أفعال خلقه، ولا هباتهم لأنه تعالى
لا آمر فوقه ولا شرع يلزمه بل يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه فكيف وذلك الغلام الموهوب
مخلوق (3) مركب من نفس موجودة قد تقدم خلقها ومن تراب وما تتغذى به أمه قد تقدم
خلق كل ذلك، وكذلك الهواء وقد أحاط الله تعالى علما بأعيان كل ذلك بخلاف خلقة والكل

(1) في النسخة رقم 14 عنده
(2) في النسخة رقم 16 (قلنا فعل الله)
(3) في النسخة رقم 16 المخلوق موهوب
117

ملكه بخلاف خلقه وبالله تعالى التوفيق * وقد فرق مخالفونا بين الهبة والصدقة فبعضهم
أجاز الصدقة غير مقبوضة ولم يجز الهبة الا مقبوضة وبعضهم أجاز الرجوع في الهبة
ولم يجزه في الصدقة ويكفى من هذا كله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهبة
والعطية ويأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وحرمت عليه الصدقة وعلى آله ولم يحرم عليهما
العطايا ولا الهبات وبالله تعالى التوفيق *
1627 مسألة ولا تجوز الهبة بشرط أصلا كمن وهب على أن لا يبيعها الموهوب
أو على أن يولدها أو غير ذلك من الشروط فالهبة بكل ذلك باطل مرودة لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وكل ما لا يعقد الا بصحة ما لا يصح
فلم يقع فيه عقد به *
1628 - مسألة ولا تجوز هبة يشترط فيها الثواب أصلا وهي فاسدة مردودة
لان هذا الشرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل بل في القرآن المنع منه بعينه قال الله
عز وجل: (ولات منن تستكثر) وهو قول جمهور من السلف * روينا من طريق محمد
ابن الجهم نا يحيى الجبابي نا محمد بن عبيد نا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن ابن عباس في
قول الله تعالى: (وما آتيتم من ربا) قال: هو هدية الرجل أو هبة الرجل يريد أن يثاب أفضل
منه فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر عليه صاحبه ولا اثم عليه * قال على: هذا
إذا أراده بقلبه وأما إذا اشترطه فعين الباطل والاثم * ومن طرق ابن الجهم نا محمد
بن سعيد العوفي نا أبي سعيد بن محمد بن الحسن حدثني عمى الحسين بن الحسن بن عطية حدثني أبي
عن أبيه عن ابن عباس نحوه * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا محمد بن
عبيد نا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قول الله تعالى: (ولا تمنن تستكثر) قال:
لا تعط شيئا لتثاب أفضل منه قال معمر: وقاله طاوس أيضا، وقال الحسن: لا تمنن
عطيتك ولا عملك ولا تستكثر * وبه إلى إسماعيل نا نصر بن علي الجهضمي أخبرني أبي عن
هارون عن أبي رجاء عن عكرمة (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تعط مالا مصانعة رجاء
أفضل منه من الثواب من الدنيا * ومن طريق عبد بن حميد نا محمد بن الفضل هو عارم
عن يزيد بن زريع عن أبي رجاء سمعت عكرمة في قول الله تعالى: (ولا تمنن تستكثر)
قال: لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه * ومن طريق عبد بن حميد نا هاشم بن القاسم عن أبي
معاوية عن منصور بن المعتمر عن مجاهد. وإبراهيم النخعي قالا جميعا: لا تعط شيئا
لتصيب أفضل منه * ومن طريق أبى الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي عن علي بن هاشم نا
الزيرقان عن أبي رزين (وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله)
118

قال: ما أعطيت من شئ تريد من عرض الدنيا أو تثاب عليه لم يصعد إلى الله عز وجل
(وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله) قال: ما أعطيت من هدية لوجه الله تعالى فهو
الذي يصعد * ومن طريق ابن الجهم نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا عبد الرحمن
ابن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور ابن صفية عن سعيد بن حبير (وما آتيتم من ربا
ليربوا) قال: يعطى العطية ليثيبه عليها، وبه إلى ابن الجهم نا أبو بكر النرسي نا عبيد الله
ابن موسى نا إسرائيل عن السدى عن أبي مالك قال: لا تعط الأغنياء لتصيب أفضل منه *
وبه إلى ابن الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي نا العلاء بن عبد الجبار نا نافع عن القاسم
ابن أبي بزة قال: لا تعط شيئا تطلب (1) أكثر منه * وبابطال هبة الثواب يقول الشافعي.
وأبو ثور. وأبو سليمان. وأصحابهم، وأجازها أبو حنيفة. ومالك وما نعلم لهما حجة الا
انهما رويا عن عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب. وأبى الدرداء. وفضالة بن عبيد
رضي الله عنهم اجازتها، وعن عمر بن عبد العزيز. وعطاء. وربيعة. وشريح
والقاسم بن محمد. وأبى الزناد. ويحيى بن سعيد الأنصاري. وجماعة من التابعين، واحتجوا
بما روى (المسلمون عند شروطهم) *
قال أبو محمد: أما مالك فإنه مخالف (2) لما ذكرنا لأنهم لا يجيزون الرجوع
في الهبة وهؤلاء يجيزون ذلك، وأما أبو حنيفة فمخالف لهم على ما نذكر في الرجوع في الهبة
إن شاء الله تعالى، وأما، وأما نحن فلا حجة عندنا الا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وقد خالف
هؤلاء ابن عباس كما ذكرنا، وأما (المسلمون عند شروطهم) فقد تقدم ابطالنا لهذا
الاحتجاج الفاسد بوجوه ثلاثة كل واحد منها كاف أولها انه كلام لم يصح قط عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رواه من فيه خير لأنها إنما هي من رواية كثير بن زيد وهو ساقط
مطرح أو مرسل، والثاني أنهم لا يخالفوننا في أن من شرط لآخر أن يغنى له أو ان يزفن له أو
ان يخرج معه إلى البستان أو أن يصبغ قميص نفسه احمر ان كل ذلك لا يلزمه، وقد أبطلوا
كثيرا من العقود بكثير من الشروط فأبطلوا احتجاجهم: (المسلمون عند شروطهم) فصح
أن المسلمين ليسوا عند شروطهم على الجملة فإذ لا شك في ذلك ولا خلاف فقد أفصح
رسول الله صلى الله عليه وسلم بان كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فصح ان المسلمين ليس لهم ان
يشترطوا شرطا ليس في كتاب الله عز وجل، والثالث أن هذا اللفظ لو صح لكان
لا يجوز أن يضاف إلى المسلمين من الشروط فيقال شروط المسلمين والمسلمون
عند شروطهم الا في الشروط الجائزة لا في الشروط المنهى عنها، وقد صح نهى رسول

(1) في النسخة رقم 16 تصب
(2) في النسخة رقم 14 فهو مخالف
119

الله صلى الله عليه وسلم عن كل شرط ليس في كتاب الله وابطاله إياه إذا وقع، فصح أن شروط المسلمين
إنما هي الشروط المنصوصة في كتاب الله تعالى. وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
المفترض اتباعها في كتاب الله تعالى، ولا يجوز أن يعلم أحد جواز شرط الا بورود
النص بجوازه والا فالنص قد ورد بابطال كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فوضح
الامر في بطلان هبة الثواب وبالله تعالى التوفيق * وقال من أجازها: هي بيع من البيوع *
قال أبو محمد. وهذا باطل لان البيع لا يجوز بغير ثمن مذكور ولا بثمن مجهول
وهبة الثواب لم يذكر ثوابها ولا عرف فهي إن كانت بيعا فهي بيع فاسد حرام خبيث وان
لم تكن بيعا فقد بطل حكمهم لها بحكم البيع وبالله تعالى نتأيد * ولهم ههنا تخاليط شنيعة،
منها ان أبا حنيفة قال: كل هبة وقعت على اشتراط عوض معلوم فهي وعوضها في حكم الهبة
ما لم يتقابضا الهبة وعوضها ولا تجوز في مشاع فإذا تقابضا ذلك حلا محل المتبايعين ولكل
واحد منهما الرد بالعيب ولا رجوع لهما بعد التقابض فهلا سمع بأفسد من هذا القول أن
تكون هبة تنقلب بيعا هكذا مطارفة بشرع أبي حنيفة الذي لم يأذن به الله تعالى؟،
وأجازوا هذه الهبة وهذا الشرط ثم قالوا: من وهب لآخر هبة على أن يرد عليه ثلثها أو ربعها
أو بعضها أو على أن يعوضه ثلثها أو ربعها أو بعضها أو وهب له جارية على أن يردها عليه أو
على أن يتخذها أم ولد أو على أن يعتقها فقبضها فالهبة في كل ذلك جائزة والشرط باطل،
فمرة جاز الشرط والهبة ومرة جازت الهبة وبطل الشرط فهل في التحكم أكثر من هذا؟
وقال مالك: الهبة على ثلاثة أوجه، أحدها هبة لذي رحم على الصلة. هبة الوالدين للولد.
وهبة للثواب (1) فهبة الثواب يرجع فيها على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى، وهذا
تقسيم لا دليل بصحته (2) وبالله تعالى التوفيق *
1629 - مسألة ومن وهب هبة سالمة من شرط الثواب أو غيره أو أعطى عطية
كذلك أو تصدق بصدقة كذلك فقد تمت باللفظ ولا معنى لحيازتها ولا لقبضها ولا يبطلها
تملك الواهب لها أو المتصدق بها، وسواء باذن الموهوب له أو المتصدق عليه كان ذلك
أم بغير اذنه سواء تملكها إلى أن مات أو مدة يسيرة أو كثيرة على ولد صغير كانت أو
على كبير أو على أجنبي الا أنه يلزمه رد كل ما استغل منها كالغصب سواء سواء في حياته
ومن رأس ماله بعد وفاته وهو قول أبى سليمان. وأصحابنا، وقال أبو حنيفة: من وهب
أو تصدق على أجنبي أو قريب صغير أو كبير ولد أو غيره فليس ذلك بشئ ولا يلزمه حكم هبة
ولا صدقة ولا يحكم عليه بأن يدفعها إلى الذي تصدق بها عليه ولا إلى الذي وهبها له فان دفع ذلك

(1) في النسخة رقم 16 وهبة الثواب
(2) كذا في النسخ كلها
120

مختارا فحينئذ تمت الهبة والصدقة وصح ملك الموهوب والمتصدق عليه فلو قبضها الموهوب له
أو المتصدق عليه بغير اذن الواهب والمتصدق لم يصح له بذلك ملك وقضى عليه بردها إلى
الواهب أو المتصدق الا الصغير فان أباه أو وصيه يقبضان له، قال: فان مات الواهب أو
المتصدق أو الموهوب له أو المتصدق عليه بطلب الصدقة والهبة، وقال مالك: من وهب أو
تصدق على ابن له صغير فذلك جائز وهو الجائز للصغير الذكر حتى يبلغ وللأنثى حتى
تنكح وترشد، فان وهب أو تصدق على ولد كبير أو على أجنبي أجبر على دفع ذلك إليهما
فان قبضاه بغير اذنه فهو قبض صحيح فان غفل عن ذلك حتى مات والهبة أو الصدقة في يده
واعتماره بطلت الصدقة والهبة وعادت ميراثا فان دفع البعض واعتمر البعض فإن كان الذي
اعتمر لنفسه أكثر من الثلث بطل الجميع وإن كان الثلث فأقل صحت الهبة والصدقة في الجميع فيما
اعتمر وفيما لم يعتمر، وقال الشافعي في الهبات والعطايا والصدقات المطلقة بقول أبي حنيفة.
وفى الاحباس فقط بالقول الذي ذكرنا عن أصحابنا *
قال أبو محمد: احتج من لم يجز الهبة. والصدقة الا بالقبض بما روينا من طريق شعبة
عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير (1) عن أبيه قال: لما نزلت ألهاكم التكاثر قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم. مالي مالي وهل لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت أو لبست
فأبليت أو أعطيت فمضيت) ومن طريق أبى داود الطيالسي نا هشام - هو الدستوائي -
عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ (2)
ألهاكم التكاثر ويقول: يقول ابن آدم. مالي مالي وهل لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت
أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت) قالوا: فشرط عليه الصلاة والسلام في العطية
والصدقة الامضاء وهو الاقباض وقالوا: قسنا ذلك على القرض. والعارية فلا يصحان
الا مقبوضين بعلة ان كل ذلك بر ومعروف وعلى الوصية فلا تصح باللفظ وحده لكن بمعنى
آخر مقترن إليه وهو الموت، وذكروا أيضا ما رويناه من طريق مالك أن ابن شهاب
أخبره عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين (أن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال لها:
أنى كنت نحلتك جاد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه لكان لك [فإذ لم تفعلي] (3)
فإنما هو مال الوارث) وذكر الخبر وفيه انها قالت: (والله يا أبه لو كان كذا وكذا لرددته) *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت:
لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لها: انى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من أرضى التي
بالغابة وانك لو كنت احتزتيه لكان لك فإذ لم تفعلي فإنما هو مال الوارث * ومن طريق

(1) في النسخة رقم 16 (مطرف بن عبد الرحمن بن الشخير) وهو غلط
(2) في النسخة رقم 16 (يقول) وهو تصحيف
(3) الزيادة من النسخة رقم 16
121

عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة أخبرني المسور بن مخرمة. وعبد الرحمن
ابن عبد القاري انهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذا مات
الابن قال الأب: مالي وفى يدي وإذا مات الأب قال: قد كنت نحلت ابني كذا وكذا
لا نحل الا لمن حازه وقبضه عن أبيه، قال الزهري: فأخبرني سعيد بن المسيب قال: فلما كان
عثمان شكى ذلك إليه فقال عثمان. نظرنا في هذه النحول فرأينا أحق من يحوز على الصبي
أبوه، فهذه أصح رواية في هذا، وصح أنهما مختلفان كما أوردنا * ومن طريق مالك عن
الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما بال
رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فان مات ابن أحدهم قال: مالي بيدي لم أعطه
أحدا وان مات قال: لابني قد كنت أعطيته إياه، من نحل نحلة لم يحزها الذي نحلها حتى
تكون لوارثه ان مات فهي باطل * ومن طريق ابن وهب عن مالك عن الزهري عن
سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان أنه قال: من نحل ولدا صغيرا له لم يبلغ أن يحوز نحلة
فأعلن بها واشهد عليها فهي جائزة وان وليها أبوه، قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل
العلم عن عمر بن الخطاب. وعمر بن عبد العزيز. وشريح. والزهري. وربيعة. وبكير
ابن الأشج مثل هذا * ومن طريق ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد الله - هو
العرزمي - عن عمرو بن شعيب. وابن أبي مليكة. وعطاء بن أبي رباح قال عمرو عن سعيد
ابن المسيب ثم اتفق سعيد، وعطاء وابن أبي مليكة ان أبا بكر. وعمر. وعثمان.
وابن عباس. وابن عمر قالوا: لا تجوز صدقة حتى تقبض * ومن طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن كان معاذ بن جبل لا يجيز الصدقة
حتى تقبض * وروينا من طريق وكيع عن سفيان باسناده وزاد فيه الا الصبي بين أبويه *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا مجالد عن الشعبي أن شريحا. ومسروقا
كانا لا يجيزان صدقة الا مقبوضة وكان الشعبي يقضى بذلك، قال هشيم: وأخبرني
مطرف - هو ابن طريف - عن الشعبي قال: الواهب أحق بهبته ما كانت في يده فإذا
أمضاها فقبضت فهي للموهوب له *
قال على: هذا كل ما احتجوا به ما نعلم لهم شيئا غير هذا وكله لا حجة لهم في شئ منه،
فأما (1) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الا ما تصدقت أو أعطيت فأمضيت) فلم يقل عليه
السلام ان الامضاء هو شئ آخر غير التصدق: والاعطاء ولا جاء ذلك قط في لغة بل
كل تصدق واعطاء اعطاء (2) فاللفظ بهما امضاء لهما واخراج لهما عن ملكه كما أن

(1) في النسخة رقم 14 (أما)
(2) سقط لفظ (اعطاء) من النسخة رقم 14
122

الاكل نفسه هو الأفناء واللباس وهو الابلاء لان لكل لبسة حظها من الابلاء، فإذا تردد
اللباس ظهر الابلاء فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وأيضا فان من قال: مالي هذا صدقة
على فلان أو قال: قد تصدقت عليك بهذا الشئ أو قال: مالي هذا هبة لفلان أو قال:
قد وهبته لفلان فلا يختلف اثنان ممن يحسن اللغة العربية في أنه يقال: قد تصدق فلان
بكذا على فلان وقد وهب له كذا (1) فلو لم تكن الصدقة كاملة تامة باللفظ لكان المخبر
عنه بأنه تصدق أو وهب كاذبا فوجب حمل الحكم على ما توجبه اللغة ما لم يأت نص بحكم
زائد لا تقتضيه اللغة فيوقف عنده ويعمل به، ويسأل المالكيون خاصة عمن قال: قد
وهبت هذا الشئ لك أو قال: هذا الشئ هبة لك أو قال: قد تصدقت عليك بهذا. أو قال:
هذا صدقة عليك أتصدق ووهب بذلك الشئ أم لم يتصدق به ولا وهبه؟ ولا ثالث لهذا
التقسيم، فان قالوا: نعم قد تصدق به ووهبه قلنا فإذ قد تصدق به ووهبه فقد تمت الصدقة
والهبة وصحت فما يضرهما ترك الحيازة والقبض إذ لم يوجب ذلك نص، فان قالوا: لم
يهب ولا تصدق قلنا: فمن أين استحللتم اجباره والحكم عليه بدفع مال من ماله لم يتصدق
به عليه ولا وهبه إلى من لم يهبه له ولا تصدق به عليه؟ هذا عين الظلم والباطل، ولا مخلص
لهم من أحدهما * وأما من دون الصحابة فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما
والخلاف قد ورد في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم، وأيضا فأكثر تلك الأخبار إما
لا تصح واما قد جاءت بخلاف ما تعلقوا به من ألفاظها واما قد خالقوا أولئك الصحابة فيما جاء
عنهم كمجئ هذه الروايات أو بأصح على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى، وأما قياسهم
الهبة. والصدقة على القرض. والوصية. والعارية فالقياس كله باطل ثم لو صح لكان
هذا منه عين الباطل، أما القرض فقد أبطلوا وهو لازم باللفظ ومحكوم به ولابد إذ لم يأت
نص بخلاف هذا وإنما يبطل من القرض بعدم الاقباض مثل ما يبطل من الهبة. والصدقة
سواء سواء، وليس ذلك الا ما كان في غير معين مثل أن يقول: قد أقرضتك عشرة
دنانير من مالي. أو تصدقت عليك بعشرة دنانير من مالي. أو وهبتك عشرة دنانير
من مالي فهذا كله لا يلزم لما ذكرنا قبل من أن كل ذلك لا يجوز الا في معين والا
فليس واهبا لشئ ولا متصدقا بشئ ولا مقرضا لشئ، والقول في العارية كالقول فيما
ذكرنا سواء سواء، ولو صح هذا القياس لكان حجة عليهم، وأيضا فان القرض
يرجع فيه متى أحب والعارية كذلك ولا يرجع عندنا في الهبة ولا في الصدقة، وأيضا
فان الصدقة والهبة. تمليك للرقبة بغير عوض والقرض تمليك للرقبة بعوض. والعارية

(1) في النسخة رقم 14 (وقد وهبه كذا)
123

ليست تمليكا للرقبة أصلا، فبطل قياس بعض ذلك على بعض لاختلاف أحكامها، وليس
قول من قال: اتفاق جميعها في أنها بر ومعروف فانا أقيس بعضها على بعض بأولى
ممن قال (1) افتراقها في أحكامها ويجب أن لا يقاس بعضها على بعض وإذا كان الاتفاق
يوجب القياس فالافتراق يبطل القياس والا فقد تحكموا بالدعوى بلا برهان، ويقال
لهم: هلا قستم كل ذلك على النذر الواجب عندكم باللفظ وان لم يقبض فهو أشبه بالصدقة
والهبة من العارية والقرض؟ وأما الوصية فقد كفونا مؤنة قياسهم عليها لأنهم لا يوجبون
فيها الصحة بالقبض أصلا بل هي واجبة بالموت فقط، وقولهم: لا تجب باللفظ دون معنى
آخر وهو الموت فتمويه بارد فاسد لان الموصى لم يوجب الوصية قط بلفظه بل إنما
أوجبها بعد الموت فحينئذ وجبت بما أوجبها به فقط دون معنى آخر فظهر فساد قياسهم
وبرده وغثاثته ومخالفته للحق والحمد لله رب العالمين * وأما الرواية عن الصحابة رضي الله عنهم
فنبدأ بخبر أبي بكر: وعائشة رضي الله عنهما فنقول وبالله تعالى التوفيق: لما نص
الحديث (2) انه نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلا يخلو ضرورة من أحد أمرين
لا ثالث لهما اما أن يكون أراد نخلا تجد منها عشرين وسقا واما أن يكون أراد تمرا يكون
عشرين وسقا مجدودة لابد من أحدهما وأي الامرين كان فإنما هي عدة؟ ولا يلزم هذه
القضية عندهم ولا عندنا لأنها ليست في معين من النخل ولا معين من التمر وقد تجد عشرين
وسقا من أربعين نخلة وقد تجد من مائتي نخلة وقد لا تجد من نخلة بالغابة عشرون وسقا
لعاهة تصيب الثمرة فهذا لا يتم الا حتى يعين النخل أو الأوساق في نخله فيتم حينئذ بالجداد
والحيازة فليست هذه القصة من الهبة المعروفة المحدودة ولا من الصدقة المعلومة المتميزة
في ورد ولا صدر ولكنهم قوم يوهمون في الاخبار ما ليس فيها، وأيضا فقد روى هذا
الخبر من هو أجل من عروة وآخر هو مثل عروة بخلاف ما رواه عروة كما روينا من طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
أخبره أن أبا بكر الصديق قال لعائشة أم المؤمنين: يا بنية انى نحلتك نخلا من خيبر وانى
أخاف أن أكون آثرتك على ولدى وانك لم تكوني احتزتيه فرديه على ولدى فقالت: (3)
يا أبتاه لو كانت لي خيبر بجدادها لرددتها، فالقاسم ليس دون عروة، وابن أبي مليكة ليس
دون ابن شهاب لأنه أدرك من الصحابة من لم يأخذ الزهري عنهم كأسماء. وابن عمر
وغيرهما. وابن جريج ليس دون مالك، وهذه السياقة موافقة لقولنا لا لقولهم، فمن
الباطل أن يكون ما رووه (4) مما لا يوافق قولهم بل يخالفه حجة لما لا يوافقه ولا يكون

(1) في النسخة رقم 14 (من قول من قال)
(2) في النسخة رقم 14 (انه إنما نص الحديث)
(3) في النسخة رقم 16 قالت
(4) في النسخة رقم 16 (ما رواه)
124

ما رويناه موافقا لقولنا حجة لما يوافقه هذه سواء سواء ممن أطلقها * ومن طريق
ابن الجهم نا إبراهيم الحربي نا ابن نمير - هو محمد بن عبد الله بن نمير - نا أبى عن الأعمش عن
شقيق أبى وائل عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال لي أبو بكر حين أحضر:
انى قد كنت ابنتك بنحل فان شئت ان تأخذي منه قطاعا أو قطاعين ثم تردينه إلى الميراث
قالت: قد فعلت، ولا خلاف من أن مسروقا أجل من عروة لأنه أفتى في خلافة عمر
وكان أخص الناس بأم المؤمنين. وشقيق أجل من الزهري لأنه أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإن كان لم يره وصحب الصحابة من بعد موته عليه الصلاة والسلام الأكابر الأكابر،
والأعمش إنما يعارض به شيوخ مالك لأنه (1) قد أدرك أنسا ورآه فهو من التابعين من
القرن الثاني وإنما فيه كما ترى بأنه إنما استرده باذنها لا بأنه لم يتم باللفظ * ورويناه أيضا
مرسلا كذلك من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي فبطل تعلقهم بخبر
أبى بكر جملة وعاد حجة عليهم ولله تعالى الحمد، وصح أنهما رأيا الهبة جائزة بغير قبض
وأما الرواية عن أبي بكر. وعمر. وعثمان وابن عباس. وابن عمر لا تجوز صدقة حتى
تقبض فباطل لان راويها محمد بن عبيد الله العرزمي وهو هالك مطرح، وأما الرواية
عن عمر الموافقة للرواية عن عثمان فلا شئ لان ابن وهب لم يسم من أخبره بها، والرواية
عن معاذ فيها جابر الجعفي وبقيت الرواية عن عمر. وعثمان فهي حجة (2) الا أنهما اختلفا
فعمر عم كل موهوب وعثمان خص من ذلك صغار الولد وإنما هي رأى من رأيهما
اختلفا فيه لا تقوم به حجة على أحد. وقد صح عن أبي بكر. وعائشة خلاف ذلك كما
أوردنا، وأيضا فإنما هو عن عمر، وعثمان في النحل خاصة لا في الصدقة، وقد روينا
من طريق الحجاج بن المنهال نا المعتمر بن سليمان التيمي قال: سمعت عيسى بن المسيب
يحدث أنه سمع القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه عن جده عبد الله
ابن مسعود قال: الصدقة جائزة قبضت أو لم تقبض * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن قال كان علي بن أبي طالب، وابن
مسعود يجيزان الصدقة وان لم تقبض فهذا اسناد كاسناد حديث معاذ وتلك المنقطعات *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن همام عن قتادة [عن الحسن البصري] (3) عن
النضر عن أنس بن مالك قال: نحلني أبى نصف داره فقال أبو بردة: ان سرك أن تحوز
ذلك فاقبضه فان عمر قضى في الانحال ما قبض منه فهو جائز وما لم يقبض منه فهو ميراث،
فهذا أنس بأصح سند لا يرى الحرز شيئا * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا

(1) لفظ قد زيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 (صحيحة)
(3) الزيادة من النسخة رقم 16.
125

يونس عن الحسن عن رجل وهب لامرأته قال: هي جائزة لها وان لم تقبضها، وكم قصة
خالفوا فيها عمر. وعثمان كقضائهما بولد المستحقة رقيقا لسيد أمهم وقضائهما في ولد
العربي من الأمة بخمس من الإبل: وكاباحتهما الاشتراط في الحج وما روى عن أبي بكر.
وعمر من أبطال هبة المجهول وككلام عمر. وعثمان يوم الجمعة في الخطبة بحضرة المهاجرين
والأنصار إذ ذكر له عمر غسل الجمعة، وكايجابهما القصاص من الوكزة (1) واللطمة
وسجودهما في الخطبة إذ قرأ السجدة بحضرة الصحابة دون مخالف، وقولهما: من
اشعر لزمته الحدود ولا مخالف لهما من الصحابة وكتخييرهما المفقود إذا قدم امرأته
بينها وبين الصداق، وغير ذلك كثير جدا فمرة هما حجة ومرة ليسا حجة، وأما تقسيم
مالك فيمن اعتمر مما تصدق به أو وهب الثلث فما فوقه أو ما دون الثلث فقول لا يعرف
عن أحد قبله مع تناقضه ههنا فجعل الثلث في حيز الكثير وجعله فيما تحكم فيه المرأة من
مالها في حيز القليل وهذا عجب جدا مع أنه خلاف مجرد للرواية عن عمر. وعثمان
وكل من روى عنه في ذلك من الصحابة لفظة لان جميعهم اما مبطل للهبة فيما لم يجز جملة
أو في الصدقة كذلك أو مجيز له جملة، وأما قول أبي حنيفة: ان قبضها الموهوب له أو المتصدق
عليه بغير اذن الواهب أو المتصدق فليس قبضا فلا يعرف عن أحد قبله وهو مخالف
للرواية عن عمر. وعثمان في ذلك لأنهما رضي الله عنهما لم يقولا حتى يقبض باذنه لكن قالا:
حتى يقبض فإن كان قولهما حجة واجماعا فقد خالف الحنيفيون. والمالكيون الحجة
والاجماع باقرارهم على أنفسهم وان لم يكن قولهما حجة ولا اجماعا فلا معنى
لاحتجاجهم به فبطل تعلقهم بكل ما تعلقوا به من ذلك، وأما قول الشافعي فإننا
روينا عن إبراهيم النخعي أن الصدقة جملة تتم بلا حيازة واحتجوا بأن الصدقة لا تكون
الا لله تعالى *
قال أبو محمد: وهذا ليس بشئ لان الهبة إذا لم تكن لله تعالى فهي باطل فلو علمنا
ذلك لما أجزناها إذ كل عمل عمل لغير الله تعالى فهو باطل ونبطل قوله في الهبة بما أبطلنا به قول
أبي حنيفة، ومالك وبالله تعالى التوفيق واحتج أصحاب الشافعي بان الهبات والصدقات
المطلقة يملكها أربابها فاحتاجوا إلى القبض، أما الحبس فلا مالك لها (2) الا الله
تعالى وكل شئ في قبضته عز وجل فلا قابض لها دونه *
قال على: الأرض كلها وكل شئ لله تعالى لم يخرج شئ عن ملكه فيرد إليه، وقد
بطل قوله في الهبة والصدقة بما بطل به قول مالك. وأبي حنيفة وبالله تعالى التوفيق، فإذا

(1) في النسخة رقم 14 من الوكضة، وهي الدفعة
(2) في النسخة رقم 16 له، والحبس بلفظ الجمع
126

بطل كل ما احتجوا به فالحجة لقولنا قول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) وهذا مكان
الاحتجاج بهذه الآية لا حيث احتجوا بها مما بينت السنن انه لا مدخل له فيها. وكذلك
قوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) ومن لفظ بالهبة أو الصدقة فقد عمل عملا وعقد
عقدا لزمه الوفاء به ولا يحل لاحد ابطاله الا بنص ولا نص في ابطاله وبالله تعالى التوفيق *
1629 مسألة ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ يلفظ
بها الا الوالد. والام فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما فلهما الرجوع فيه أبدا الصغير والكبير
سواء، وسواء تزوج الولد أو الابنة على تلك العطية أو لم يتزوجا داينا عليها أو لم
يداينا فان فات عينها فلا رجوع لهما بشئ ولا رجوع لهما بالغلة ولا بالولد الحادث
بعد الهبة فان فات البعض وبقى البعض كان لهما الرجوع فيما بقي فقط وهو قول الشافعي.
وأبي سليمان وأصحابهما: وقال أبو حنيفة: من وهب لذي رحم محرمة أو لوالد هبة
وأقبضه إياها أو وهب أحد الزوجين لصاحبه هبة وأقبضه إياها فلا رجوع لاحد
ممن ذكرنا (1) فيما وهب، ومن وهب لأجنبي أو لمولى أو لذي رحم غير محرمة
هبة وأقبضه إياها فللواهب أن يرجع فيما وهب من ذلك متى شاء وان طالت المدة
ما لم تزد الهبة في بدنها أو ما لم يخرجها الموهوب له عن ملكه أو ما لم يمت الواهب أو
الموهوب له أو ما لم يعوض الموهوب له أو غيره عنه الواهب عوضا يقبله الواهب فأي
هذه الأسباب كان فلا رجوع للواهب فيما وهب ولا يجوز الرجوع في الهبة إذا لم
يكن شئ مما ذكرنا إلا بتسليم الموهوب له ذلك أو بحضرة الحاكم أحب الموهوب
له أم كره قال: فلو وهب آخر جارية فعلمها الموهوب له القرآن والكتابة والخير
فليس ذلك بمانع من رجوع الواهب فيها فإن كان عليها دين فأداه الموهوب له عنها أو كانت
كافرة فأسلمت فلا رجوع للواهب فيها، وأما الصدقة فلا رجوع للمتصدق فيها
لأجنبي كانت أو لغير أجنبي بخلاف الهبة، وقال مالك، لا رجوع لواهب ولا لمتصدق
في هبته (2) أصلا لا لأجنبي ولا لذي رحم محرمة الا في هبة الثواب فقط وفيما وهب الرجل
لولده أو ابنته الكبيرين أو الصغيرين ما لم يقل انه وهبها لولده لوجه الله تعالى، فان قال هذا
فلا رجوع له فيما وهب فإن لم يقله فله الرجوع فيما وهب ما لم يداين الولد على تلك الهبة أو ما لم
يتزوج الابن أو الابنة عليها أو ما لم يثب الولد أو الابنة إياهما على ذلك، فأي هذه الوجوه
كان فقد بطل رجوع الأب في الهبة وترجع الام كذلك فيما وهبت الام لولدها الصغار خاصة
ما دام أبوهم حيا فلها الرجوع فيه فان مات أبوهم فلا رجوع لها وكذلك لا رجوع لها فيما

(1) في النسخة رقم 16 لأحدهما مما ذكرنا
(2) في النسخة رقم 14 في هبة
127

وهبت لولدها الكبار كان أبوهم حيا أو لم يكن قال: وهبة الثواب صاحبها الواهب لها له
الرجوع فيها ما لم يثب منها فان أثيب منها أقل من قيمتها فله الرجوع فان أثيب قيمتها فلهم
قولان، أحدهما أنه لا رجوع له والآخر ان له الرجوع ما لم يرض بذلك الثواب ولا ثواب
عندهم فيما وهب أحد الزوجين لصاحبه ولا للفقير فيما اهدى إلى الغنى يقدم من سفر كالموز
ونحو ذلك قال: ولا رجوع في صدقة أصلا لا لوالد فيما تصدق به على ولده ولا لغيره *
قال أبو محمد: هذه أقاويل (1) لا تعقل وفيها من التضاد. والدعاوى بلا دليل
ما يكفي سماعه عن تكلف الرد عليه فمن ذلك منع الفقير يهدى إلى الغنى يقدم الموز ونحوه من
طلب الثواب وما أحد أحوج إليه منه واطلاقهم الغنى على طلب الثواب ومنعهم الام من
الرجوع إذا مات أبو ولدها واباحتهم لهما الرجوع إذا كان أبوهم حيا واباحتهم الرجوع
فيما وهب ليتيم قريب أو بعيد وتفريقهم بينها وبين حكم الوالد في ذلك ثم تخصيصهم إذا
تزوج الولد أو الابنة على تلك الهبة بالمنع من الرجوع وكذلك أقوال أبي حنيفة أيضا إذ رأى
الاسلام بعد الكفر خيرا يمنع الرجوع ولم ير تعلم القرآن خيرا يمنع الرجوع، وإذ رأى
أداء دين العبد يمنع الرجوع ولم ير النفقة عليه تمنع الرجوع. وإذا لم ير الرجوع الا بحضرة
الحاكم فهذا عجب جدا ولئن كان الرجوع حقا فما باله لا يجوز بغير حضرة الحاكم ولئن كان
غير حق فمن أين جاز بحضرة الحاكم؟ ومن عجائب الدنيا احتجاجهم في ابطال السنة
الثابتة من رجوع بائع السلعة فيها إذا وجدها بعينها عند مفلس فإنه لا يخلو أن يكون المشترى
لها ملكها أو لم يملكها فإن كان لم يملكها فبأي شئ صارت عنده وفى جملة ماله وإن كان ملكها
فلا سبيل للبائع على ماله فههنا كان هذا الاعتراض صحيحا لا هنالك وههنا لا يخلو الموهوب
له من أن يكون ملك ما وهب له أم لم يملكه، فإن كان لم يملكه فبأي شئ حل له الوطئ
والاكل. والبيع. والتصرف وبأي شئ ورثت عنه ان مات وإن كان قد ملكه فلا
سبيل للواهب على ماله *
قال أبو محمد: احتج من رأى الرجوع في هبة الثواب ما لم يثب منها أو لم يرض
منها بما رويناه (2) من طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله
ابن عمر عن أبيه عن عمر قال: من وهب هبة فلم يثب منها فهو أحق بها الا لذي رحم *
ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود قال عمر
ابن الخطاب: من وهب هبة لذي رحم فهو جائز ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها ما لم
يثب عليها * ومن طريق وكيع نا حنظلة هو ابن أبي سفيان الجمحي عن سالم بن عبد الله بن عمر

(1) في النسخة رقم 14 (هذه أقوال)
(2) في النسخة رقم 16 روينا.
128

عن أبيه قال عمر: الرجل أحق بهبته ما لم يرض منها ومن طريق حماد بن سلمة عن
حميد عن الحسن قال: أول من رد الهبة عثمان بن عفان وأول من سأل البينة على أن غريمه
مات ودينه عليه عثمان * ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان عن جابر الجعفي عن
القاسم عن ابن أبزي (1) عن علي بن أبي طالب قال الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها * ومن طريق
ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن علي أنه قال: المواهب ثلاثة. موهبة
يراد بها وجه الله تعالى. وموهبة يراد بها وجه الناس. وموهبة يراد بها الثواب، فموهبة
الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثب (2) * ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن زكريا
ابن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: هو أحق بها ما لم يرض منها يعنى
الهبة - * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ربيعة
ابن يزيد عن عبد الله بن عامر قال: كنت جالسا عند فضالة بن عبيد فأتاه رجلان يختصمان إليه
في باز فقال أحدهما: وهبت له بازي رجاء أن يثيبني فأخذ بازي ولم يثبني فقال الآخر:
وهب لي بازيه ما سألته ولا تعرضت له فقال فضالة رد عليه بازيه أو أثبه منه فإنما يرجع في
المواهب النساء وشرار الأقوام * وروى عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي الدرداء
قال: المواهب ثلاثة رجل وهب من غير أن يستوهب فهي كسبيل الصدقة فليس له أن يرجع
في صدقته ورجل استوهب فوهب فله الثواب فان قبل على موهبته ثوابا فليس له الا ذلك وله أن
يرجع في هبته ما لم يثب، ورجل وهب واشترط الثواب فهو دين على صاحبها في حياته
وبعد مماته، فهؤلاء عمر. وعثمان، وعلى. وابن عمر. وفضالة بن عبيد. وأبو الدرداء
من الصحابة رضي الله عنهم لا مخالف لهم منهم * ومن طريق ابن وهب عن عمرو بن قيس
عن عدى بن عدي الكندي كتب إلى عمر بن عبد العزيز من وهب هبة فهو بالخيار حتى
يثاب منها ما يرضى فان نمت عند من وهبت له فليس لمن وهبها الا هي بعينها ليس له من
النماء شئ * ومن طريق ابن وهب سمعت عبد الرحمن بن زياد بن أنعم يحدث عن عمر
ابن عبد العزيز أنه كتب أيما رجل وهب هبة لم يثب عليها (3) فأراد أن يرجع في
هبته فان أدركها بعينها عند من وهبها له لم يتلفها أو تلفت عنده (4) فليرجع فيها علانية
غير سر ثم ترد عليه الا أن يكون وهب شيئا متثبتا (5) فحسن عند الموهوب له فليقض له
بشرواه يوم وهبها له الا من وهب لذي رحم فإنه لا يرجع فيها أو الزوجين أيهما أعطى
صاحبه شيئا طيبة به نفسه فلا رجعة له في شئ منها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم
أنا منصور. ويونس. وابن عون كلهم عن ابن سيرين عن شريح قال: من أعطى في صلة

(1) في النسخة رقم 14 عن القاسم بن أبي أبزي وهو غلط
(2) في النسخة رقم 14 (ما لم يثب)
(3) في النسخة رقم 16 لم يثب منها
(4) في النسخة رقم 16 (أو تتلف عندهم)
(5) في النسخة رقم 14 (متنبتا)
129

أو قرابة أو معروف أجزنا عطيته والجانب المستغزر يثاب على هبته أو ترد عليه *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن يمان عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب
قال: من وهب هبة لغير ذي رحم فله ان يرجع ما لم يثبه * ومن طرق سعيد بن منصور
أنا هشيم نا مغيرة عن إبراهيم قال: من وهب هبة لدى رحم فليس له أن يرجع ومن وهب
لغير ذي رحم فهو أحق بهبته فان أثيب منها قليل أو كثير فليس له أن يرجع في هبته، وقد
رويناه عنه بزيادة فرضى به فليس له أن يرجع فيه، وهو قول عطاء. وربيعة. وغيرهم *
ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم انا المغيرة عن الحارث العكلي أن رجلا تصدق
على أمه بخادم له وتزوج فساق الخادم إلى امرأته فقبضتها امرأته فخاصمتها الام إلى
شريح فقال لها شريح: ان ابنك لم يهبك صدقة وأجازها للمرأة لان الام لم تكن
قبضتها قالوا: فهؤلاء طائفة من الصحابة لا يعرف لهم مخالف وجمهور التابعين * وذكروا
ما رويناه من طريق أبى داود نا سليمان بن داود المهري أنا أسامة بن زيد أن عمرو بن
شعيب حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمر وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي
استرد ما وهب كمثل الكلب يقئ فيأكل قيئه) فإذا استرد الواهب فليوقف فليعرف
ما استرد ثم ليدفع إليه ما وهب * وما رويناه من طريق وكيع نا إبراهيم بن إسماعيل
ابن مجمع عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرجل أحق
بهبته ما لم يثب منها) * ومن طريق العقيلي نا علي بن عبد العزيز نا أبو عبيد نا أبو بكر بن عياش
عن يحيى بن هانئ أخبرني أبو حذيفة عن عبد الملك بن محمد بن بشير عن عبد الرحمن
ابن علقمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الصدقة يبتغى بها وجه الله عز وجل وان
الهدية يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة) * قالوا فعلى هذا له ما ابتغى إذ لكل امرئ
ما نوى * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة
قال: (وهب رجل للنبي صلى الله عليه وسلم هبة فأثابه فلم يرض فزاده فلم يرض فقال عليه السلام:
لقد هممت ان لا أقبل هبة) وربما قال معمر: (أن لا اتهب الا من قرشي أو أنصاري
أو ثقفي أو دوسي) وما نعلم لهم شيئا غير ما ذكرنا *
فأما حديث أبي هريرة هذا الأدنى وهو أحسنها اسنادا فلا حجة لهم فيه لأننا لم ننكر
إثابة الموهوب بل هو فعل حسن وإنما أنكرنا وجوبه إذ لم يوجبه نص قرآن ولا سنة
ولا أنكرنا أن يوجب في الناس الطمع الذي لا يقنعه تطوع من لا شئ له عنده وليس في
هذا الخبر مما أنكرنا معنى ولا إشارة وإنما فيه ما لا ننكره مما ذكرنا وانه عليه السلام
هم أن لا يقبل هبة الا ممن ذكر، ولو أنفذ ذلك لكان مباحا له فعله وتركه وليس من
130

المحذور عليه خلافه فيلزم القول بما هم به من ذلك فبطل تعلقهم بهذا الخبر إذ ليس فيه
إجازة هبة الثواب ولا ان تلك الهبة اشترط فيها الثواب ولا فيه إجازة الرجوع في الهبة
أصلا وبالله تعالى التوفيق *
ثم نظرنا في خبر عبد الرحمن بن علقمة فوجدناه لا خير فيه فيه أبو بكر بن عياش.
وعبد الملك بن محمد بن بشير وكلاهما ضعيف، ولا يعرف لعبد الملك سماع من عبد الرحمن
ابن علقمة، وفيه أيضا أبو حذيفة فإن كان إسحاق بن بشير النجاري فهو هالك وان لم يكنه
فهو مجهول فسقط جملة ولم يحل الاحتجاج به، ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة أصلا
لأنه ليس فيه ذكر لهبة الثواب أصلا ولا للرجوع في الهبة بوجه من الوجوه وإنما
فيه ان الهدية يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة * وأما قولهم له ما ابتغى فجنون
ناهيك به لان في هذا الخبر أنه ابتغى قضاء حاجته ومن له بذلك وقد تقضى ولا تقضى
ليس للمرء ما نوى في الدنيا إنما هذا من أحكام الآخرة في الجزاء فقط ثم نقول: إن
الله تعالى قد صان نبيه عليه السلام عن أن يصوب أن يجيز أكل هدية لم يبتغ بها
مهديها وجه الله تعالى وإنما قصد قضاء حاجته فقط ووجه الرسول وهذه هي الرشوة
الملعون قابلها ومعطيها في الباطل فلاح مع تعرى هذا الخبر عن أن يكون لهم فيه متعلق
مع أنه خبر سوء موضوع بلا شك، ثم نظرنا في خبر أبي هريرة الذي بدأنا به فوجدناه
لا حجة لهم فيه لوجهين، أحدهما أنه من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع وهو
ضعيف، والثاني أن عمرو بن دينار ليس له سماع أصلا من أبي هريرة ولا أدركه بعقله
أصلا وأعلا من عنده من كان بعد السبعين كابن عباس. وابن عمر. وابن الزبير. وجابر.
ومات أبو هريرة قبل الستين فسقط جملة، ثم إنه حجة عليهم ومخالف لقولهم لان نصه الرجل
أحق بهبته ما لم يثب منها فلم يخص ذا رحم من غيره ولا هبة اشترط فيها الثواب من غيرها ولا
ثوابا قليلا من كثير وهذا كله خلاف قول أبي حنيفة، ومالك، فإن كان هذا الحديث حقا
فقد خالفوا الحق باقرارهم وهذا عظيم جدا وإن كان باطلا فلا حجة في الباطل وهم يردون
السنن الثابتة بدعواهم الكاذبة انها خلاف القرآن والأصول، وكل ما احتجوا به ههنا
فخلاف القرآن. والأصول * وأما خبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو
فصحيفة منقطعة ولا حجة فيها ثم هو عن أسامة بن زيد وهو ضعيف ثم لو صح لكان حجة
عليهم ومخالفا لقولهم لأنه ليس فيه تخصيص ذي رحم من غيره ولا زوج لزوجة ولا
أداين عليها أو لم يداين ولا شئ مما خصه أبو حنيفة، ومالك ولا هبة ثواب من غيرها بل
أطلق ذلك على كل هبة فمن خصها فقد كذب باقراره على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله ما لم
131

يقله (1) ولا فرق بين من خالف حديثا بأسره ومن خالف بعضه وأقر ببعضه لا سيما مثلهم
ومثلنا فإنهم يخالفون ما يقرون بأنه حق وانه حجة لا يجوز خلافها فاعترفوا على أنفسهم
بالدمار والبوار وأما نحن فلا نخالف الا ما لا يصح كالذي يجب على كل مسلم ذي عقل ومعاذ
الله من أن نخالف خبرا نصححه الا بنسخ بنص آخر أو بتخصيص بنص آخر، والعجب
كل العجب من قولهم بلا حياء ان المنصوص في خبر الشفعة من أن إذا وقعت الحدود وصرفت
الطرق فلا شفعة ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ قد يمكن أن يكون من قول الراوي فهلا قالوا
ههنا في هذه المناقضة الفاسدة التي في هذا الحديث المكذوب بلا شك من أنه يوقف ثم يرد
عليه استرد ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إذ ممكن أن يكون من كلام الراوي بل لاشك
في هذا لو صح اسناد هذا الحديث إذ من الباطل أن يخبر عليه السلام أن مسترد الهبة كالكلب
في أقبح أحواله من أكل قيئه والذي ضرب الله تعالى به المثل للكافر فقال تعالى: (مثله كمثل
الكلب ان تحمل على يلهث أو تتركه يلهث) ثم ينفذ عليه السلام الحكم بما هذه صفته حاشا
لله من ذلك، بل لو احتج عليه محتج بهذا الخبر لكان أقوى تشغيبا لان ظاهره أن الواهب
إذا استرد ما وهب وقف وعرف ما استرد ثم ليدفع إليه ما وهب فهذا يوجب أن يوقف على
ما استرد ثم يدفع إلى الموهوب له ولا يترك عنده المسترد، واحتمال باحتمال ودعوى بدعوى،
والعجب من قلة الحياة في احتجاجهم بهذا الخبر وهو عليهم لا لهم كما بينا وصارت رواية وعمرو
ابن شعيب ههنا عن أبيه عن جده حجة وهم يردون الرواية التي ليست عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده أحسن منها كروايتنا عن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند وحبيب المعلم
كلاهما عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجوز لامرأة أمر
في مالها إذا ملك زوجها عصمتها) ورواية أبى داود نا محمود بن خالد نا مروان - هو ابن محمد -
نا الهيثم بن حميد نا العلاء بن الحارث نا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم في العين السادة لمكانها بثلث الدية وغير هذا كثير جدا لم يردوه الا بأنه صحيفة فأي
دين يبقى مع هذا أو أي عمل يرتفع معه وهذا هو التلبيس في دين الله تعالى جهارا نعوذ بالله
من الخذلان فبطل أن يكون لهم متعلق في شئ من الاخبار *
وأما ما تعلقوا به عن الصحابة رضي الله عنهم فكله لا حجة لهم فيه (2) إذ لا حجة في
أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لو كان حجة فهو كله عليهم لا لهم، أول ذلك حديث عمر
رضي الله عنه هو صحيح عنه من وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها ما لم يثب منها أو لم يرض
منها فلم يخص رحما محرمة من غير محرمة، وهذا خلاف قول الحنيفيين ولا خص ما وهبه أحد

(1) في النسخة رقم 14 ما لم يقل
(2) في النسخة رقم 14 فكله لا حجة فيه
132

الزوجين للآخر كما خصوا بل قد صح عنه أن لها الرجوع فيما وهبت لزوجها كما نذكر بعد
هذا إن شاء الله عز وجل فقد خالفوا عمر وهم يحتجون به في أنه لا يحل خلافه ألا لعنة الله
على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا، يا للمسلمين إن كان قول عمر
رضي الله عنه حجة لا يحل خلافه فكيف استحلوا خلافه وإن كان ليس بحجة (1) فلم
يموهون به في دين الله تعالى ويصدون به عن سبيل الحق * روينا من طريق وكيع نا أبو جناب
هو يحيى بن أبي حية عن أبي عون هو محمد بن عبيد الله الثقفي عن شريح القاضي أن عمر
ابن الخطاب قال في المرأة وزوجها: ترجع فيما أعطته ولا يرجع فيما أعطاها ومن طريق
ابن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد الله الثقفي قال: كتب
عمر بن الخطاب أن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها شيئا
فأرادت أن تعتصره فهي أحق به، وصح القضاء بها عن شريح. والشعبي. ومنصور
ابن المعتمر حتى أن شريحا قضى لها بالرجوع فيما وهبت له بعد موته * روينا ذلك من طريق
شيبة عن غيلان عن أبي إسحاق السبيعي عن شريح * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري قال: ما أدركت القضاة الا يقيلون المرأة فيما وهبت لزوجها ولا يقيلون الزوج
فيما وهب لامرأته فبطل تعلقهم بعمر وصار حجة عليهم ولاح أن قولهم خلاف قوله،
وأما خبر عثمان فبين فيه أنه رأى محدث لان في نصه ان أول من رد الهبة عثمان وما كان هذا
سبيله فلا حجة فيه، ثم هو أيضا مخالف لقولهم لان فيه رد الهبة جملة بلا تخصيص ذي رحم
ولا أحد الزوجين للآخر فصاروا مخالفين له وبطل (2) تعلقهم به *
وأما خبر على فباطل لان أحد طريقيه فيها جابر الجعفي وفى الآخر (3) ابن لهيعة ثم لو صح
لكانوا مخالفين له لان في أحدهما الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها دون تخصيص ذي رحم من
غيره ولا أحد الزوجين للآخر وهم مخالفون لهذا وفى الأخرى أيضا كذلك في هبة الثواب
جملة فبطل تعلقهم بكل ذلك وأما حديث ابن عمر فصحيح عنه والقول فيه كالقول في
الرواية عن عثمان من أنهم قد خالفوه لان فيه انه أحق بها ما لم يثب وليس فيه تخصيص
ذي رحم محرمة من غيرها ولا تخصيص ما وهبه أحد الزوجين للآخر فعاد حجة عليهم *
وأما خبر فضالة فكذلك أيضا وهو ضعيف لأنه عن معاوية بن صالح وليس بالقوى
وهو حجة عليهم لأنه لم يشترط ذا رحم من غيره ولا تخصيص ما وهبه أحد الزوجين
للآخر وظاهره ابطال هبة الثواب فعلى كل حال هو حجة عليهم لا لهم لأنهم قد خالفوه *
وأما خبر أبي الدرداء فكله مخالف لقولهم فعادت الاخبار كلها خلافا لهم، فان

(1) في النسخة رقم 14 ليس حجة
(2) في النسخة رقم 14 فبطل
(3) في النسخة رقم 14 (وفى الأخرى)
133

كانت اجماعا فقد خالفوا الاجماع وإن كان حجة حق لا يجوز خلافها فقد خالفوا حجة
الحق التي لا يجوز خلافها وان لم تكن حجة ولا اجماعا (1) فالايهام بايرادها لا يجوز
وقد روينا خلاف ذلك عن الصحابة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
ابن طاوس عن أبيه أنه قال في قضاء معاذ بن جبل باليمين بن أهلها قضى انه أيما رجل وهب
أرضا على أنك تسمع وتطيع فسمع له وأطاع فهي للموهوبة له: وأيما رجل وهب كذا
وكذا إلى اجل ثم رجع إليه فهو للواهب إذا جاء الأجل وأيما رجل وهب أرضا ولم يشترط
فهي للموهوبة له * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر قال: كان الحسن البصري يقول:
لا يعاد في الهبة * وبه إلى معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: لا يعود الرجل في الهبة فهذا معاذ.
والحسن. وطاوس يقولون بقولنا سواء سواء. وقالوا: إنما خصصنا ذوي الرحم
المحرمة (2) لان الهبة لهم مجرى الصدقة وبين الزوجين لقول النبي صلى الله عليه وسلم
: (ان المسلم إذا
انفق على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) قالوا: ولا خلاف في أنه لا يرجع في الصدقة *
قال على: فقلنا لهم: والهبة لغير ذي الرحم ولغير الزوجة أيضا صدقة لان الله تعالى
يقول: (ولا تنسوا الفضل بينكم) * وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا عباد بن العوام عن أبي
مالك الأشجعي عن ربعي بن خراش عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل معروف
صدقة) فهذا في غاية الصحة فصح أن كل هبة لمسلم فهي صدقة فإذ قد صح اجماع عندهم على أن
لا رجوع في الصدقة فهم أصحاب قياس بزعمهم فهلا قاسوا الهبة على الصدقة فهي أشبه شئ
بها؟ ولكنهم لا يحسنون قياسا ولا يتبعون نصا *
قال أبو محمد: فإذ قد بطل كل ما موهوا به فالحجة لقولنا هو قول الله تعالى: (أوفوا
بالعقود) وبقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) فهذا موضع الاحتجاج بهاتين الآيتين
لا حيث احتجوا بهما حيث بينت السنة انه لا مدخل له فيهما ونسوا احتجاجهم بالمسلمين عند
شروطهم، وأيضا ما روينا من طريق البخاري نا مسلم بن إبراهيم نا هشام - هو الدستوائي -
وشعبة قالا جميعا نا قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العائد
في هبته كالعائد في قيئه) * ومن طريق البخاري نا عبد الرحمن بن المبارك نا عبد الوارث هو
ابن سعيد التنوري نا أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه) ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبد
الرحمن بن محمد بن سلام نا إسحاق الأزرق نا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس
عن ابن عباس وابن عمر قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لاحد يعطى العطية فيرجع فيها

(1) في النسخة رقم 14 وان لم يكن اجماعا ولا حجة
(2) في النسخة رقم 14 (ذي الرحم المحرمة)
134

الا الوالد يعطى ولده ومثل الذي يعطى العطية فيرجع فيها كالكلب أكل حتى إذا شبع قاء
ثم عاد فرجع في قيئه) فهذه الآثار الثابتة التي لا يحل خلافها ولا الخروج عنها * ومن طريق
زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يعود في صدقته
مثله كمثل الكلب يعود في قيئه) *
قال أبو محمد: الحكم في العائد في هبته. وفى العائد في صدقته سواء على لسان رسول الله
صلى الله عليه وسلم والمفرق بينهما مخطئ، والعجب كله قولهم إنما شبهه بالكلب يعود في قيئه والكلب
ليس ذلك عليه حراما فهذا مثله، فهنيئا لهم هذا المثل الذي أباحوا لأنفسهم الدخول فيه
والنبي صلى الله عليه وسلم: يخبر انه مثل السوء فكيف وقد جاء الخبر الصحيح انه (1) كالعائد في قيئه
والقئ عندهم حرام لا ندري بماذا (2)؟ وأما عند غيرهم فبهذا النص، وأطم شئ قول
بعضهم: لا يمنع كونه حراما من جوازه وهذا هتك الاسلام جهارا * ومن العجائب أيضا
قولهم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لاحد يعطى العطية فيرجع فيها الا الوالد يعطى ولده)
انه عليه السلام أراد بذلك إذا احتاج الوالد فيأخذ نفقته
قال أبو محمد: الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم سهل خفيف وهل فهم أحد قط
من هذا الكلام هذا المعنى وقد علم الجميع أن الأب إذا احتاج لم يكن حقه فيما أعطى ولده
دون سائر ماله الذي لم يعطه إياه ونعوذ بالله من الخذلان * وأما جعلنا للجد وللأم
الرجوع فيما أعطيا لابن الابن وللابن عموما لقول الله تعالى: (يا بني آدم) وقال تعالى:
(كما أخرج أبويكم من الجنة) فجعل تعالى الجد والجدة أبوين والام والدة تقع على الجنس
وهي فيه اسم الوالد وبالله تعالى التوفيق * وأما المالكيون فإنهم احتجوا بما روينا من
طريق ابن الجهم نا إبراهيم الحربي نا محمد بن عبد الملك هو ابن أبي الشوارب نا عبد
الرزاق نا معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: كتب عمر بن الخطاب يعتصر الرجل من
ولده ما أعطاه ما لم يمت أو يستهلك أو يقع فيه دين * ومن طريق ابن الجهم نا إسماعيل
ابن إسحاق القاضي نا أبو ثابت المديني ني ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب
أن موسى بن سعد حدثه ان سعدا مولى الزبير نحل ابنته جارية فلما تزوجت أراد ارتجاعها
فقضى عمر بن الخطاب أن الوالد يعتصر ما دام يرى ماله ما لم يمت صاحبها فتقع في ميراث أو
تكون امرأة تنكح ثم تلاه عثمان على ذلك (3) * ورويناه من طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري أن رجلا وهب لابنه ناقة فرجع فيها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب
فردها عليه بعينها وجعل نماها لابنه قالوا: فهذا عمل عمر. وعثمان بحضرة الصحابة

(1) في النسخة رقم 14 بأنه
(2) في النسخة رقم 16 لماذا
(3) في النسخة رقم 14 بمثل ذلك
135

رضي الله عنهم *
قال أبو محمد: وقد ذكرنا عن عمر: وابنه بأصح من هذا السند رجوع المرء فيما وهب
ما لم يثب الا لذي رحم وعن عثمان مثله فما الذي جعل هذه الرواية أولى من تلك؟ فكيف
وقد خالفوا هذه أيضا لأنهم يقولون: إنما للأب الارتجاع في ذلك في صحته فقط وليس
هذا فيما روى عن عمر. وعثمان، ويقولون: ليس للأب الارتجاع فيما وهب ابنه لله
تعالى، وليس هذا فيما روى عن عمر. وعثمان وحاشا لهما ان يجيزا هبة لغير الله تعالى
وإذا لم تكن لله فهي للشيطان فحصل قول أبي حنيفة. ومالك لا حجة لهما أصلا ومخالفا
لكل ما أظهروا انهم تعلقوا به عن الصحابة رضي الله عنهم *
1630 مسألة فان تغيرت الهبة عند الولد حتى يسقط (1) عنها الاسم
أو خرجت عن ملكه أو مات أو صارت لا يحل تملكها (2) فلا رجوع للأب فيه لأنها
إذا تغيرت فهي غير ما جعل (3) له النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع فيه وإذا خرجت عن ملكه أو
مات فلا رجوع له على من لم يجعل له النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع عليه وإذا بطل تملكها فلا تملك
للأب فيها أصلا وبالله تعالى التوفيق *
1631 مسألة ولا تنفذ هبة ولا صدقة لاحد الا فيما أبقى له ولعياله غنى
فان أعطى ما لا يبقى لنفسه وعياله بعده غنى فسخ كله *
برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا أبو عوانة عن أبي مالك
الأشجعي عن حذيفة قال: قال نبيكم صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) * ومن طريق
أحمد بن شعيب أنا عمرو بن سواد عن ابن وهب أنا يونس عن ابن شهاب نا سعيد بن
المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الصدقة ما كان عن
ظهر غنى وابدأ بمن تعول) وروينا معناه أيضا من طريق أبى صالح عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا يحيى بن سعيد القطان
نا عمرو بن عثمان سمعت موسى بن طلحة بن عبيد الله أن حكيم بن حزام حدثه (أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى) فإذ كل معروف
صدقة وأفضل الصدقة وخيرها ما كان عن ظهر غنى فبلا شك وبالضرورة أن ما زاد في
الصدقة ونقص من الخير والأفضل فلا أجر فيه ولا خير فيه ولا فضل فيه وانه باطل
وإذا كان باطلا فهو أكل مال بالباطل فهذا محرم (4) بنص القرآن * ومن طريق يحيى
ابن سعيد القطان عن محمد بن عجلان حدثني سعيد المقبري عن أبي هريرة (أن رسول الله

(1) في النسخة رقم 16 حتى سقط
(2) في النسخة رقم 16 تمليكها
(3) في النسخة رقم 16 غير التي جعل
(4) في النسخة رقم 16 فهو حرام
136

صلى الله عليه وسلم قال: تصدقي فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار قال: تصدق به على
نفسك قال: عندي آخر قال: تصدق به على زوجتك قال: عندي آخر قال: تصدق به
على ولدك قال: عندي آخر قال: تصدق به على خادمك قال: عندي آخر قال: أنت
أبصر به) *
ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا الليث هو ابن سعد عن أبن الزبير
عن جابر قال: أعتق رجل من بنى عذرة عبدا له عن دبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألك مال
غيره؟ قال: لا قال: من يشتريه منى فاشتراه نعيم بن عبد الله بن النحام بثمانمائة درهم فدفعها
إليه ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فان فضل شئ فلاهلك فان
فضل عن أهلك شئ فلذى قرابتك فان فضل عن ذي قرابتك شئ فهكذا وهكذا) *
ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر هو أحمد بن عمرو بن السرح أخبرني ابن وهب أخبرني
يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك سمعت أبي يقول: فذكر
الحديث في تخلفه عن تبوك (قال: قلت: يا رسول الله ان من توبتي ان أنخلع من مالي
صدقة إلى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو
خير لك فقلت: انى أمسك سهمي الذي بخيبر) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبيد الله
ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف نا أبى وعمى سعد، ويعقوب ابنا إبراهيم
ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قالا جميعا: نا ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر
عن جابر بن عبد الله (أن رجلا أعتق عبدا له لم يكن له مال غيره فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وابتاعه نعيم بن النحام) * حدثنا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر
ابن حماد نا مسدد نا حماد هو ابن زيد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن
محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل البيضة من الذهب فقال:
يا رسول الله هذه صدقة ما تركت لي مالا غيرها فحذفه بها النبي صلى الله عليه وسلم فلو أصابه لأوجعه
ثم قال: ينطلق أحدكم فينخلع من ماله (1) ثم يصير عيالا على الناس) * وحدثنا عبد الله
ابن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا إسحاق بن إسماعيل نا سفيان عن ابن عجلان عن
عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: (دخل رجل
المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يطرحوا ثيابا فطرحوا فأمر له بثوبين ثم حث عليه
السلام على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح به رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ ثوبك) فهذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رد العتق. والتدبير. والصدقة بمثل البيضة من الذهب. وصدقة
كعب بن مالك بماله كله ولم يجز من ذلك شيئا، ويبين ذلك أيضا قوله عليه الصلاة

(1) في النسخة رقم 14 (فيخلع ماله)
137

والسلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) *
ومن طريق النظر ان كل عقد جمع حراما وحلالا فهو عقد مفسوخ كله لأنه لم ينعقد
كما أمر الله تعالى ولا تميز حلاله من حرامه فهو عقد لم يكن قط صحيحا عمله، وهذه آثار
متواترة متظاهرة في غاية الصحة (1) والبيان لا يحل لاحد خلافها من طريق أبي هريرة.
وجابر. وحكيم بن حزام. وكعب بن مالك. وأبي سعيد. وروينا أيضا معناها عن طارق
المحاربي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحا * ومن البرهان على صحة ذلك من القرآن قول الله تعالى:
(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) وقوله
تعالى: (وأتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) وقوله تعالى: (وآت
ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ان المبذرين كانوا اخوان
الشياطين)، وممن قال بهذا من السلف كما روينا من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن
ابن الهاد نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه قال لأبيه عمر بن الخطاب إني أريت أن أتصدق بمالي
كله فقال له عمر: لا تخرج من مالك كله ولكن تصدق وأمسك * ومن طريق ابن الجهم
نا إبراهيم الحربي نا محمد بن سهل نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال:
يرد من حيف الناحل ما يرد من حيف الميت في وصيته * ومن طريق ابن وهب عن يونس
ابن يزيد عن ابن شهاب قال: لا أرى أن يتصدق المرء بماله كله لكن يتصدق بثلث ماله (2)
يرد من حيف الناحل في حياته ما يرد من حيف الميت في وصيته عند موته * ومن طريق
ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبي أنه حضر عمر بن عبد العزيز وقد تصدق رجل من آل
الزبير على بعض ولده بجميع ماله الا شيئا يسيرا فأمضى للمتصدق عليه الثلث أو نحوه *
قال أبو محمد: لا نحد الثلث ولا أكثر ولا أقل إنما هو ما أبقى غنى * ومن طريق
ابن وهب عن يونس بن يزيد عن أبي الزناد قال. كل صدقة تصدق بها رجل أو امرأة قد بلغ
لا بأس بعقله وليس عليه دين لا وفاء له به جائزة الا أن يكون رجل أو امرأة له غنى فيتصدق
على بعض ورثته بماله كله دون بعض فان ذلك يعد سرفا فترد الولاة من ذلك الشئ بقدر
رأيهم فيه ويحيزون السداد على هذا جرى أمر القضاة، فهؤلاء عمر بن الخطاب. وعروة.
وابن شهاب. وعمر بن عبد العزيز. وأبو الزناد. والقضاة جملة لا يجيزون الصدقة
بجميع المال *
قال على: والغنى هو ما يقوم بقوت المرء وأهله على الشبع من قوت مثله وبكسوتهم
كذلك وسكناهم وبمثل حاله من مركب وزى فقط وبالله تعالى التوفيق * فهذا يقع عليه (3)

(1) في النسخة رقم 14 في نهاية الصحة
(2) في النسخة رقم 16 بثلثه
(3) في النسخة رقم 16 فهذه يقع عليه
138

في اللغة اسم غنى لاستغنائه عن الناس فما زاد فهو وفر ودثر ويسار. وفضل إلى الاكثار وما
نقص فليس غنى لكنه حاجة (1) وعسرة وضيقة إلى أن ينزل إلى المسكنة والفاقة والفقر
والادقاع. والضرورة، نعوذ بالله من ذلك ومن فتنة الغنى والمال * فان ذكر المخالف
قول الله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) وقوله تعالى: (ويؤثرون على
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وقوله تعالى: (والذين
لا يجدون الا جهدهم) وما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن زائدة عن الأعمش
عن أبي وائل عن ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدقة فينطلق أحدنا فيحامل
فيجئ بالمد * ومن طريق أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا الليث - هو ابن سعد - عن
ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبق درهم مائة
ألف كان لرجل درهمان فتصدق أجودهما وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منها مائة
ألف فتصدق بها * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الوهاب بن الحكم الرقى عن حجاج
قال ابن جريج: أخبرني عثمان بن أبي سلمان عن علي - هو ابن عبد الله البارقي - عن عبيد
ابن عمير عن عبد الله بن حبشي الصنعاني الخثعمي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الصدقة
أفضل؟ قال: جهد المقل) * ومن طريق شعبة أخبرني ابن أبي بردة هو سعيد قال:
سمعت أبي يحدث عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل مسلم صدقة قال: أرأيت أن لم
يجدها؟ قال: يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق) وذكر الحديث * ومن طريق مسلم عن أبي
كريب نا وكيع عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة (أن رجلا من الأنصار
بات به ضيف فلم يكن عنده الا قوته وقوت صبيانه فقال لامرأته نومي الصبية واطفئ
السراج وقربي للضيف ما عندك فنزلت هذه الآية: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة) * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب بلغنا أن رجلا تصدق
على أبويه صدقة وهو ماله كله ثم ورثهما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو كله لك حلال) *
ومن طريق ابن الجهم نا محمد بن يونس الكديمي نا العلاء بن عمرو الحنفي نا أبو إسحق
الفرازي عن سفيان الثوري عن آدم بن علي عن ابن عمر قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده
أبو بكر وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال إذ هبط عليه جبريل عليه السلام فقال:
يا رسول الله مالي أرى أبا بكر وعليه عباءة قد خلها بخلال؟ قال: يا جبريل انفق على ماله قبل
الفتح فقال: يا محمد ان الله تعالى يقول لك: اقرأ على أبى بكر الصديق السلام وقل له: أراض
أنت عنى يا أبا بكر في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبكى أبو بكر وقال:

(1) في النسخة رقم 16 (لكن ذو حاجة)
139

يا رسول لله آسخط على ربى أنا عن ربى راض) وكررها ثلاثا * ومن طريق أبى داود
نا عثمان بن أبي شيبة نا الفضل بن دكين نا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر
ابن الخطاب قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فأتى أبو بكر (1) بماله كله فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) * ومن طريق البزار نا
محمد بن عيسى نا إسحاق بن محمد الفروي نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: (أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك فقلت:
مثله قال: وجاء أبو بكر بكل ما عنده (2) فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: الله ورسوله)
هذا كل ما يمكن أن يذكروه قد تقصيناه وكله لا حجة لهم في شئ منه، اما قول
الله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) فلم يقل تعالى أموالهم كلها، ومن أنفق ثلاث
مرات في سبيل الله أو انفق ثلاثة بالعدد كذلك فقد انفق أمواله في سبيل الله تعالى كما أن من أنفق
درهما في سبيل الله تعالى أو أقل فقد انفق ماله في سبيل الله عز وجل لان بعض ماله وان قل يسمى
ماله، ثم بيان ما يجوز انفاقه وما لا يجوز في الآيات والأحاديث التي قدمنا ولا يجوز أن يقال إن
هذه الآية ناسخة لتلك ومبيحة لبسط يده كل البسط وللتبذير والسرف فيكون من قال
ذلك كاذبا على الله تعالى، وأما قوله تعالى: (والذين لا يجدون الا جهدهم) مع قوله عليه
الصلاة والسلام إذ سئل عن أفضل الصدقة: جهد المقل فان هذين النصين بينهما ما رويناه
من طريق أبى داود نا قتيبة نا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن يحيى بن جعدة عن أبي هريرة
أنه قال: (يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل وابدأ بمن تعول) فصح أن
هذه الآية. وخبر عبد الله بن حبشي إنما هما في جهده وإن كان مقلا من المال غير مكثر إذا أبقى
لمن يعول غنى ولابد، وأما قول الله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)
فحق ولا حجة فهم فيه لان ممن به خصاصة وآثر على نفسه فلا يكون ذلك الا في مجهود
وهكذا نقول وليس فيها أنه مباح له تضييع نفسه وأهله والصدقة على من هو أغنى منه *
وأما حديث ابن مسعود ان أحدهم كان يحامل فيأتي بالمد فيتصدق به فهذا حسن وهو أن يكون
له غنى ولأهله ولا فضل عنده فيحمل على ظهره فيصيب مدا هو عنه في غنى فيتصدق به وهذا
كله مبنى على ابدأ بمن تعول. وأفضل الصدقة ما أبقى غنى. ورده عليه الصلاة والسلام ما زاد
على ذلك * وأما حديث أبي هريرة (سبق درهم مائة الف) فصحيح وهو مبنى على أنه
كان له غنى وفضل له درهمان فقط فتصدق بأجودهما وكانت نسبة الدرهم من ماله أكثر
من نسبة المائة الألف من مال الآخر فقط وليس فيه أنه لم يكن له غنى سواهما * وأما حديث

(1) في النسخة رقم 14 (فجاء أبو بكر)
(2) في النسخة رقم 16 بكل مال عنده
140

أبى موسى يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق فبين كقولنا لأنه عليه السلام لم يفرد الصدقة
دون منفعة نفسه بل بدأ بنفسه لنفسه وهكذا نقول * وأما حديث الأنصاري الذي بات
به الضيف فقد رويناه ببيان لائح كما رويناه من طريق مسلم نا أبو كريب نا ابن فضيل عن
أبيه هو قضى بن غزوان عن أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة قال: (جاء رجل إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيفه فلم يكن عنده ما لضيفه فقال: ألا رجل يضيف هذا رحمه الله
فقام رجل من الأنصار يقال له: أبو طلحة فانطلق به إلى رحله، ثم ساق الحديث كما
رواه جرير. ووكيع عن فضيل بن غزوان فصح أن ذلك الرجل كان أبا طلحة وهو موسر
من مياسير الأنصار، وروينا عن أنس أنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار (1)
بالمدينة مالا من نخل، وقد لا يحضر الموسر أكل حاضر فبطل تعلقهم بهذا الخبر * وأما
حديث ابن شهاب فمنقطع وقد رويناه من طريق محمد
ابن الجهم نا أبو الوليد الأنطاكي نا الهيثم بن جميل نا سفيان عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج
كلاهما عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: (جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان حائطي صدقة إلى الله عز وجل ورسوله فأتى أبوه النبي
صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان لنا عيش غيرها فردها عليه يعنى على الأب فمات فورثها يعنى الابن
عن أبيه) فهذا أحسن من ذلك السند وفيه رده عليه السلام لتلك الصدقة التي كان لا عيش
لأبيه الا منها فردها عليه وليس فيه أن الابن لم يكن له غنى غيره وبالله تعالى التوفيق *
وأما حديث أبي بكر رضى الله تعالى عنه فغير صحيح أصلا لان احدى طريقيه من
رواية هشام بن سعد وهو ضعيف والثانية من رواية إسحاق الفروي وهو ضعيف
عن عبد الله بن عمر العمرى الصغير وهو ضعيف، ثم لو صح لهم لم يكن لهم فيه حجة لان
الأصل إباحة الصدقة ما لم يأت نهى عن تحريمها فكأن يكون موافقا لمعهود الأصل وكان
النص الذي قدمنا من القرآن والسنة واردا بالمنع من بعض الصدقة فهو بيقين لا شك
فيه ناسخ لما يقدمه ومن ادعى فيما تيقن انه ناسخ انه قد نسخ فقد كذب وقفا ما لا علم له به
ورام ابطال اليقين بالظن الإفك * وأما الحديث الآخر الذي فيه انفق على ماله قبل الفتح
فلا يحل الاحتجاج به لأنه من طريق العلاء بن عمرو الحنفي وهو هالك مطرح
ثم التوليد فيه لائح لان فيه نصا ان ذلك كان بعد الفتح وكان فتح خيبر قبل الفتح
بعامين، وكان لأبي بكر فيها من سهمه مال واسع مشهور، ومن أخذ بهذه الأحاديث كان
قد خالف تلك وهذا لا يحل وكان من أخذ بتلك قد أخذ بهذه ولا بد من تأليف ما صح من

(1) في النسخة رقم 16 (وأكثر أنصاري)
141

تلك الأخبار وضم بعضها إلى بعض ولا يحل ترك بعضها لبعض الا بزيادة أو نسخ أو
تخصيص بنص آخر * ومن العجب (1) احتجاجهم بالحديث الذي ذكرنا عن ابن
عمر أريت أن أتصدق بمالي كله فمن العجب الاحتجاج في الدين بأحلام نائم هذا عجب جدا،
وقد يمع عمر أبوه رضي الله عنه تلك الرؤيا فلم يعبأ بها، فبطل كل ما شغبوا به وبقى كل
ما أوردنا بحسبه وبالله تعالى التوفيق *
ومن عجائب الدنيا التي لا نظير لها منع المالكيين والشافعيين من يخدع في البيوع من أن
يتصدق بدرهم لله تعالى أو بعتق عبده لله تعالى وهو صاحب الف ألف دينار ومائة عبد
وقد حضه الله تعالى على فعل الخير ثم يجيزون له إذا شهد عند القاضي أن لا يغبن في
البيع فاطلقه القاضي على ماله وما ادراك ما القاضي أن يعطى جميع ماله لشاعر سفيه أو لنديمه
في غير وجه الله عز وجل ويبقى هو وأطفاله وعياله يسألون على الأبواب ويموتون
جوعا وبردا والله ما كان قط هذا من حكم الله تعالى وما هو الا من حكم الشيطان ونعوذ
بالله من الخذلان *
1632 مسألة ولا يحل لاحد أن يهب ولا أن يتصدق على أحد من ولده الا
حتى يعطى أو يتصدق على كل واحد منهم بمثل ذلك ولا يحل أن يفضل ذكرا على أنثى ولا
أنثى على ذكر فان فعل فهو مفسوخ مردود أبد ولابد وإنما هذا في التطوع، وأما في النفقات
الواجبات فلا، وكذلك الكسوة الواجبة لكن ينفق على كل امرئ منهم بحسب
حاجته وينفق على الفقير منهم دون الغنى ولا يلزمه ما ذكرنا في ولد الولد ولا في أمهاتهم
ولا في نسائهم، ولا في رقيقهم، ولا في غير ولد بل له أن يفصل بماله كل من أحب فإن كان له
ولد فأعطاهم ثم ولد له ولد فعليه أن يعطيه كما أعطاهم أو يشركهم (2) فيما أعطاهم وان
تغيرت عين العطية ما لم يمت أحدهم فيصير ماله لغيره فعلى الأب حينئذ أن يعطى هذا
الولد كما أعطى غيره فإن لم يفعل أعطى مما ترك أبوه من رأس ماله مثل ذلك، وروى ذلك
عن جمهور السلف كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر غن أيوب السختياني عن
ابن سيرين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين بنيه في حياته فولد له بعد ما مات فلقي عمر
أبا بكر فقال له: ما نمت الليلة من اجل ابن سعد هذا المولود لم يترك له شئ فقال
أبو بكر (3): وانا والله فانطلق بنا إلى قيس بن سعد نكلمه في أخيه فأتيناه فكلمناه
فقال قيس: أما شئ أمضاه سعد فلا أرده ابدا ولكن أشهدكما أن نصيبي له
قال أبو محمد: قد زاد قيس على حقه واقرار أبى بكر لتلك القسمة دليل على صحة

(1) في النسخة رقم 14 (ومن العجائب)
(2) في النسخة رقم 14 أو يشاركهم)
(3) في النسخة رقم 16 (قال أبو بكر)
(4) في النسخة رقم 14 فأتياه فكلماه
142

اعتدالها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أن القاسم بن
محمد أخبره أن أبا بكر الصديق قال لعائشة أم المؤمنين: يا بنية انى نحلتك نخلا من خيبر
وانى أخاف ان أكون آثرتك على ولدى وانك لم تكوني احتزتيه فرديه على ولدى فقالت:
يا أبتاه لو كان لي خيبر بجدادها ذهبا لرددتها ومن طريق محمد بن أحمد بن الجهم أنا
إبراهيم الحربي نا مؤمل بن هشام نا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية عن بهز بن حكيم
عن أبيه حكيم بن معاوية عن أبيه معاوية بن حيدة أن أباه حيدة كان له بنون لعلات أصاغر
ولده وكان له مال كثير فجعله لبنى علة واحدة فخرج ابنه معاوية حتى قدم على عثمان بن عفان
فأخبره بذلك فخير عثمان الشيخ بين أن يرد إليه ماله وبين أن يوزعه بينهم فارتد ماله فلما
مات تركه الأكابر لإخوتهم * وبه إلى إبراهيم الحربي نا موسى بن إسماعيل نا حماد هو
ابن سلمة عن حميد عن الحسن بن مسلم عن مجاهد قال: من نحل ولد له (1) نخلا دون
بنيه فمات فهو ميراث * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن
الزبير قال: يرد من حيف الناحل الحي ما يرد من حيف الميت من وصيته * ومن طريق
عبد الرزاق نا ابن جريج أنا ابن طاوس عن أبيه قال في الولد: لا يفضل أحد على أحد بشعرة
النحل باطل هو من عمل الشيطان اعدل بينهم كبارا وأبنهم به، قال ابن جريج: قلت له: هلك
بعض نحلهم ثم مات أبوهم قال: للذي نحله مثله من ماله أبيه * ومن طريق عبد الرزاق عن
زهير بن نافع قال: سألت عطاء بن أبي رباح؟ فقلت: أردت أن أفضل بعض ولدى في نحل
أنحله فقال: لا وأبى اباء شديدا وقال: سو بينهم * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج
قلت لعطاء: ينحل ولده أيسوى بينهم وبين أب وزوجة قال: لم يذكر الا الولد لم أسمع
عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ذلك *
قال أبو محمد: فهؤلاء أبو بكر. وعمر. وعثمان. وقيس بن سعد. وعائشة
أم المؤمنين بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف ثم مجاهد، وطاوس.
وعطاء. وعروة. وابن جريج وهو قول النخعي. والشعبي. وشريح. وعبد الله
ابن شداد بن الهاد: وابن شبرمة. وسفيان الثوري: وأحمد بن حنبل. وإسحاق بن راهويه.
وأبي سليمان. وجميع أصحابنا ثم اختلفوا فقال شريح. وأحمد. وإسحاق العدل أن يعطى الذكر
حظين. والأنثى حظا، وقال غيرهم: بالسوية في ذلك، وروينا خلاف ذلك وإجازة
تفضيل بعض الولد على بعض عن القاسم بن محمد. وربيعة. وغيرهما وبه يقول أبو حنيفة.
ومالك والشافعي، وكرهه أبو حنيفة وأجازه إن وقع، وكره مالك أن ينحل بعض

(1) في النسخة رقم 16 (ولده)
143

ولده ماله كله، وذكروا عن الصحابة رضي الله عنهم قصة أبى بكر. وعائشة. وقال عمر من
نحل ولدا له * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكير بن الأشج عن نافع أن ابن عمر
قطع ثلاثة أرؤس أو أربعة لبعض ولده دون بعض قال بكير: وحدثني القاسم بن عبد الرحمن
الأنصاري أنه كان مع ابن عمر إذ اشترى أرضا من رجل من الأنصار ثم قال له ابن عمر:
هذه الأرض لابني واقد فإنه مسكين نحله إياها دون ولده، قال ابن وهب: وبلغني عن
عمرو بن دينار أن عبد الرحمن بن عوف نحل ابنته من أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط
أربعة آلاف درهم وله ولد من غيرها * وذكروا ما رويناه من طريق ابن وهب عن سعيد
ابن أبي أيوب عن بشير بن أبي سعيد عن محمد بن المنكدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(كل ذي مال أحق بماله) وما نعلم لهم حجة غير هذا ووجدنا من قال بقولنا يحتج بما
روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى. وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم هو
ابن راهويه وابن أبي عمر. وقتيبة. ومحمد بن رمح. وحرملة بن يحيى. وعبد بن حميد قال
يحيى. نا إبراهيم بن سعد وقال ابن أبي شيبة. واسحق، وابن أبي عمر كلهم عن سفيان بن عيينة
وقال قتيبة. وابن رمح كلاهما عن الليث بن سعد، وقال حرملة: انا ابن وهب أخبرني
يونس وقال عبد أنا عبد الرزاق أنا معمر ثم اتفق إبراهيم. وسفيان. والليث: ويونس.
ومعمر كلهم عن الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير. وحميد بن عبد الرحمن بن عوف
كلاهما عن النعمان بن بشير قال: أتى بي أبى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انى نحلت ابني هذا
غلاما فقال: أكل بنيك نحلت؟ قال لا: فاردده، هذا لفظ إبراهيم. ويونس. ومعمر.
وقال سفيان. والليث: أكل ولدك نحلت؟ واتفقوا فيما سوى ذلك * ومن طريق مالك
عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف. ومحمد بن النعمان بن بشير أنهما حدثناه عن
النعمان بن بشير ان أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انى نحلت ابني هذا
غلاما فقال: أكل ولدك نحلت مثله، قال: لا قال: فارجعه، وهكذا رويناه أيضا نصا
من طريق الأوزاعي عن الزهري، ورويناه أيضا من طريق جرير. وعبد الله بن المبارك
كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير * ومن طريق شعبة عن سعد بن
إبراهيم عن عروة بن الزبير عن النعمان بن بشير كلهم يقول فيه: (ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال له: رده أو اردده) * ومن طريق البخاري نا حامد بن عمر
نا أبو عوانة عن حصين هو ابن عبد الرحمن عن الشعبي سمعت النعمان بن بشير وهو
على المنبر يقول: أعطاني أبى عطية فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى أعطيت
ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله فقال عليه السلام:
144

أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فرجع
فرد عطيته) * ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى نا أبو الأحوص عن حصين بن
عبد الرحمن عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: تصدق على أبى ببعض ماله فانطلق أبى إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليشهده على صدقتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك
كلهم؟ قال: لا قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبى فرد تلك الصدقة) (1) *
ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا محمد بن بشر نا أبو حيان هو يحيى بن سعيد
التيمي عن الشعبي حدثني النعمان بن بشير فذكر هذا الخبر وفيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)
قال: فلا أشهد على جور) فكانت هذه لاثار متواترة متظاهرة، الشعبي، وعروة بن الزبير
ومحمد بن النعمان، وحميد بن عبد الرحمن كلهم سمعه من النعمان، ورواه عن هؤلاء الحفلاء
من الأئمة كلهم متفق على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفسخ تلك الصدقة والعطية وردها وبين
بعضهم انها ردت وأنه عليه الصلاة والسلام أخبر أنها جور والجور لا يحل امضاؤه في
دين الله تعالى ولو جاز ذلك لجاز امضاء كل جور وكل ظلم، وهذا هدم الاسلام جهارا
فوجدنا المخالفين قد تعللوا بهذا في هذا (3) بان قال بعضهم؟ انه وهبه جميع ماله فقلنا:
سبحان الله في نص الحديث بعض ماله وفى بعض الروايات الثابتة بعض الموهبة من
ماله، وقال آخرون: روى هذا الخبر داود بن أبي هند عن الشعبي عن النعمان
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبشير: فاشهد على هذا غيري أيسرك أن يكونوا أولئك في
البر سواء؟ قال: بلى قال: فلا إذا) * ورواه المغيرة عن الشعبي عن النعمان وقال
فيه: فاشهد على هذا غيري فقلنا: هذا حجة عليكم لان قوله عليه السلام: (فلا إذا)
نهى صحيح كاف لمن عقل، وقاله عليه السلام: (اشهد على هذا غيري) لو لم
يأت الا هذا اللفظ لما كان لكم فيه متعلق، واما وقد روى من هو أجل من المغيرة وداود
ابن أبي هند الزيادة الثابتة التي لا يحل لاحد الخروج عنها من أمره عليه الصلاة والسلام
برد تلك الصدقة والعطية وارتجاعها فصح بهذه الزيادة وباخباره عليه الصلاة والسلام
انه جور ان معنى قوله: أشهد على هذا غيري أنما هو الوعيد كقول الله تعالى: (4)
(فان شهدوا فلا تشهد معهم) ليس على إباحة الشهادة على الجور والباطل لكن كما
قال تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وكقوله تعالى: (اعملوا ما شئتم)
(وكلوا وتمتعوا قليلا انكم مجرمون) وحاش له عليه السلام أن يبيح لاحد الشهادة على
ما أخبر به هو (5) أنه جور وان يمضيه ولا يرده هذا ما لا يجيزه مسلم، ويكفى من هذا ان نقول:

(1) الحديث في صحيح مسلم مطولا
(2) في النسخة رقم 14 (انه عليه السلام)
(3) في النسخة رقم 16 (قد تعلقوا في هذا)
(4) في النسخة رقم 16 كقوله تعالى
(5) في النسخة رقم 14 ما يخبر عنه
145

تلك العطية والصدقة أحق جائز هي أم باطل غير جائز؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث فان قالوا:
حق جائز أعظموا الفرية إذ أخبروا أنه عليه الصلاة والسلام أبى أن يشهد على الحق
وهو الذي اتانا عن ربنا تعالى بقوله تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) وبقوله تعالى:
(ولا يضار كاتب ولا شهيد) وان قالوا: انها باطل غير جائز أعظموا الفرية إذ أخبروا
أن النبي صلى الله عليه وسلم (1) حكم بالباطل وانفذ الجور وأمر بالاشهاد على عقده وكلا القولين
مخرج إلى الكفر بلا مرية ولا بد من أحدهما؟ وزاد بعضهم ضلالا وفرية فقال:
معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (أشهد على هذا غيري) أي انى امام والامام لا يشهد
فجمعوا فريتين، إحداهما الكذب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقويله ما لم يقل فليتبوأ من
أطلق هذا مقعده من النار، والثانية (2) قولهم: ان الامام لا يشهد فقد كذبوا (3)
وأفكوا في ذلك بل الامام يشهد لأنه أحد المسلمين المخاطبين بان لا يأبوا إذا دعوا وبقوله
عز وجل: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)
فهذا أمر للأئمة بلا شك ولا مرية، والعجب من قلة حياء هذا القائل ومن قوله ومذهبه
ان الامام إذا شهد عند حاكم من حكامه جازت شهادته فلو لم يكن من شأنه يشهد
لما جازت شهادته ثم أتى بعضهم بما كان الخرس أولى به فقال: لعل النعمان كان كبيرا ولم يكن
قبض النحل وقائل هذا اما في نصاب التيوس جهلا وأما منزوع الحياء والدين لان
صغر النعمان أشهر من الشمس وأنه ولد بعد الهجرة بلا خلاف من أحد من أهل العلم
وقد بين ذلك في حديث أبي حيان عن الشعبي عن النعمان وانا يومئذ غلام ولا تطلق هذه
اللفظة على رجل بالغ أصلا، وقال بعضهم لم يكن النحل تم إنما كان استشارة وموهوا
برواية شعيب بن أبي حمزة بهذا الخبر عن الزهري فقال فيه عن النعمان نحلني أبى غلاما
ثم جاء بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انى نحلت ابني هذا غلاما فان أذنت لي ان أجيزه أجزته *
قال أبو محمد: لولا عمى هؤلاء القوم وضلالهم ما تمكن الهوى منهم هذا التمكن
هم يسمعون في أول الخبر نحلني أبى غلاما وفى وسطه يا رسول الله نحلت ابني هذا غلاما
ويقولون: لم يتم النحل، وقال بشير فان أذنت لي أن أجيزه أجزته قول صحيح وقول
مؤمن لا يعمل الا ما أباحه له رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظاهره بلا تأويل نعم
ان أجازه النبي صلى الله عليه وسلم اجازه بشير وان لم يجزه عليه الصلاة والسلام
رده بشير ولم يجزه كما فعل * وذكروا أيضا رواية عبد الله بن عون لهذا الخبر
عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: نحلني أبى نحلا ثم أتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) في النسخة رقم 16 (عن النبي صلى الله عليه وسلم)
(2) في النسخة رقم 16 (والثاني)
(3) في النسخة رقم 16 (وقد كذبوا)
(4) في النسخة رقم 14 (لا يطلق هذا اللفظ)
146

ليشهده فقال: (أكل ولدك أعطيته هذا؟ قال: لا قال: أليس تريد منهم البر مثل
ما تريد من ذا؟ قال: بلى قال: فانى لا أشهد) قال ابن عون: فحدثت به ابن سيرين فقال:
إنما حدثنا أنه قال: قاربوا بين أبنائكم *
قال على: والقول في هذا انه أعظم حجة عليهم لما ذكرنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشهد
على باطل وهذا باطل إذ لم يستجز عليه السلام أن يشهد عليه، وهكذا رواية عبد الصمد
ابن عبد الوارث عن شعبة عن سعيد لهذا الخبر وفيه لا أشهد وأما قول ابن سيرين: قاربوا
بنى أبنائكم فمنقطع ثم لو صح لكان حجة لنا عليهم لأنه أمر بالمقاربة ونهى عن خلافها وهم
يجيزون خلاف المقاربة ولا يوجبون المقاربة فمن أضل من هؤلاء المحرومين، والمقاربة
هو الاجتهاد (1) في التعديل كما قال تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء لو حرصتم
فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) فصح أن المجتهد في التعديل بين أولاده ان لم يصادف
حقيقة التعديل كان مقاربا إذ لم يقدر على أكثر من ذلك * ومن عجائب الدنيا احتجاجهم
برواية زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر لهذا الخبر قال جابر: قالت امرأة بشير:
انحل ابني غلامك هذا وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر (2)
ذلك له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أله اخوة؟ قال: نعم قال: فكلهم أعطيته مثل ما أعطيته؟
قال: لا قال: فليس يصلح هذا الا وانى لا أشهد الا على حق
قال أبو محمد: أفيكون أعجب من احتجاجهم بهذا الخبر وهو أعظم حجة عليهم لان
في أوله ليس يصلح وفى آخره انى لا أشهد الا على حق فصح أنه ليس حقا وإذ ليس حقا فهو
باطل وضلال قال تعالى: (فماذا بعد الحق الا الضلال) فان قالوا: فقد قال عليه الصلاة
والسلام: (لا يصلح أن يبيع) في حديث الشفعة ثم أجزتموه إذا أجازه الشفيع ونهى عليه
الصلاة والسلام عن النذر ثم أوجبتموه إذا وقع قلنا: نعم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل
الخيار للشفيع ان شاء أخذ وان شاء ترك وفى تركه اقرار ذلك البيع فوقفنا عند أمره عليه
الصلاة والسلام في ذلك ونهى عليه السلام عن النذر ثم أمر بالوفاء به وأخبر أنه يستخرج
به من البخيل فوقفنا عند أمره فهانون في هذا الباب انه عليه الصلاة والسلام أمضاه بعد أن
أمره برده ونحن أول سامع ومطيع وذلك ما لا يجدونه أبدا، وأتى بعضهم بآبدة وهي انه
ذكر ما رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن فطر بن خليفة عن مسلم ين صبيح - هو
أبو الضحى - سمعت النعمان بن بشير يقول: ذهب بي أبى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ
أعطانيه: (فقال: ألك ولد غيره؟ قال: نعم وصف بيده أجمع كله كذا ألا سويت بينهم) *

(1) في النسخة رقم 14 (هو الاجهاد)
(2) في النسخة رقم 14 (فذكر)
147

قال أبو محمد: ان من عارض رواية كل من ذكرنا برواية فطر لمخذول وفطر
ضعيف ولولا أن سفيان رواه عن أبي الضحى عن النعمان ما كان لهم فيه حجة لان سائر
الروايات زائدة حكما ولفظا على هذه الرواية فكيف وقد روينا في حديث فطر هذا من
طريق من أن لم يكن فوق يحيى بن سعيد القطان لم يكن دونه وهو عبد الله بن المبارك عن
فطر عن مسلم بن صبيح سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول: جاء بي أبى إلى
ليشهده على عطية أعطانيها فقال: هل لك بنون سواه: قال: نعم قال: سو بينهم)
فهذا ايجاب للتسوية بينهم، وقد حمل المالكيون أمره عليه الصلاة والسلام بالتكبير على
الفرض بمجرد الامر وحمل الحنيفيون امره عليه الصلاة والسلام بالإعادة من ضحى قبل
الامام على الفرض بمجرد الامر وما زالوا يهجمون على وجوه السخف معارضة للحق
حتى قال بعضهم: هذا كما روى أنه عليه الصلاة والسلام أتى بخرز فقسمه للحرة والأمة *
قال أبو محمد: أي شبه بين هذا وبين أمره عليه الصلاة والسلام بأن يرد تلك الصدقة
والعطية واخباره بأنها جور لو عقلوا فبطل كل ما موهوا به والحمد لله رب العالمين، واما
الخبر (كل ذي مال أحق بماله) فصحيح فقد قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم) وقال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
فالذي حكم بايجاب الزكاة وفسخ اجر البغي. وحلوان الكاهن. وبيع الخمر. وبيع أم الولد.
وبيع الربا هو الذي فسخ الصدقة والعطية المفضل فيها بعض الولد على بعض، ولو أنهم
اعترضوا أنفسهم بهذا الاعتراض في ابطالهم النحل والصدقة التي لم تقض لكان أصح
وأثبت ولكنهم كالسكارى يخبطون، واحتج بعضهم بأنه عمل الناس فقلنا: عمل الناس
الغالب عليه الباطل، وقال أنس: ما أعرف مما أدركت الناس عليه الا الصلاة، وقال
بعضهم: لما جازت مفاضلة الاخوة جازت مفاضلة الأولاد قلنا: هذا حكم إبليس
وهلا قلتم لما جاز القود بين المرء وأخيه جاز بين المرء وولده؟ فكان أصح *
قال أبو محمد: وأما ما موهوا به عن الصحابة رضي الله عنهم فكله لا حجة لهم فيه لأنه
لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حديث أبي بكر قد أوردناه بخلاف ما أوردوه (1)
وأما قول عمر. وعثمان من نحل ولده نحلا فنحن لم نمنع نحل الولد وإنما منعنا المفاضلة
وليس في كلامهما إباحة المفاضلة كما ليس فيه إباحة بيع الخمر والخنازير ولا فرق، وقد صح
عنهما المنع منها كما أوردنا، وأما الرواية عن ابن عمر فليس فيها انه لم ينحل الآخرين قبل
ولا بعد لمثل ذلك بل فيها أنه قال: واقد ابني مسكين فصح أنه لم يكن نحله بعد كما نحل اخوته

(1) في النسخة رقم 14 بخلاف ما رووه
148

فالحقه بهم وأخرجه عن المسكنة على أنها من طريق ابن لهيعة وهو ساقط، وكذلك
القول في الرواية عن عبد الرحمن هي أيضا منقطعة ثم لو صحت فليس فيها انه لم يسو قبل
ولا بعد بينهم فبطل كل ما تعلقوا به وبالله التوفيق *
قال أبو محمد: وأما النفقات الواجبات فقوله عليه الصلاة والسلام: اعدلوا بين
أولادكم ايجاب لان ينفق على كل واحد ما لا قوام له الا به ومن تعدى هذا فلم يعدل بينهم،
وكذلك هذا القول منه عليه الصلاة والسلام ايجاب للتسوية بين الذكر والأنثى وليس
هذا من المواريث في شئ ولكل نص حكمه وليس هذا الحكم في غير الأولاد إذ لم يأت
النص الا فيهم، وأما ولد الولد فلا خلاف فيهم وقد كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بنو بنين
وبنو بنات فلم يوجب عليه الصلاة والسلام اعطاءهم ولا العدل فيهم، وإذا مات الولد بعد
ان وهب هبة لا محاباة فيها فقد صارت لورثته وبطل أمر الأب فيها وأما ان مات الوالد
فالتعديل بينهم دين عليه فهو من رأس ماله وبالله تعالى التوفيق *
1633 مسألة وهبة جزء مسمى منسوب من الجميع كثلث أو ربع أو نحو
ذلك من المشاع والصدقة به جائزة حسنة للشريك ولغير الشريك وللغنى والفقير فيما ينقسم
وفيما لا ينقسم كالحيوان وغيره ولا فرق، وهو قول عثمان البتي. ومعمر. ومالك.
والشافعي. وأحمد. وإسحاق. وأبي ثور. وأبي سليمان. وجميع أصحابهم، وهو قول
إبراهيم النخعي، وقال أبو حنيفة: لا تجوز هبة المشاع فيما ينقسم ولا الصدقة به لا للشريك
ولا لغيره لا على فقير ولا على غنى وتجوز الهبة والصدقة بمشاع لا ينقسم على الفقير والغنى
وللشريك ولغيره، والذي ينقسم عنده الدور، والأرضون. والمكيلات. والموزونات.
والمعدودات. والمذروعات. والذي لا ينقسم عنده الرأس الواحد من الحيوان.
والحمام. والسيف. واللؤلؤة. والثوب. والطريق. ونحو ذلك قال: والإجارة بمشاع
مما ينقسم ومما لا ينقسم لا تجوز البتة الا من الشريك وحده، قال: ورهن المشاع الذي
ينقسم والذي لا ينقسم لا يجوز البتة لا من الشريك ولا من غيره، قال وبيع المشاع
واصداقه والوصية به مما ينقسم وما لا ينقسم جائز من الشريك وغير الشريك وكذلك
عتق المشاع فأعجبوا لهذه التقاسيم التي لا تعقل ولا لها في الديانة أصل بالمنع خاصة في شئ
من ذلك ولم يختلف عنه في أن الهبة والصدقة بشئ واحد مما ينقسم كمائة دينار. أو كدار
واحدة. أو ضيعة واحدة، أو كر طعام أو قنطار حديد أو غير ذلك لغنيين لا يجوز، واختلف
عنه في الصدقة بذلك على فقيرين أو هبة ذلك لفقيرين فروى عنه في الهبة في الجامع الصغير
انها تجوز للفقيرين وفى الأصل انها لا تجوز، والأشهر عنه في الصدقة على الفقيرين كذلك
149

انها تجوز الا في رواية مبهمة غير مبينة أجمل فيها المنع فقط، وقال محمد بن الحسن: ان
وهب دارا لاثنين بينهما بنصفين جاز ذلك فان وهب لأحدهما الثلث وللآخر الثلثين
فدفعها إليهما معا جاز ذلك فان دفع إلى الواحد ثم إلى الآخر لم يجز ذلك، ومنع سفيان
من هبة المشاع الا أنه أجاز هبة واحد دارا لاثنين وهبة الاثنين دارا لواحد، ومنع
ابن شبرمة من هبة المشاع ومن هبة واحد دارا لاثنين فصاعدا وأجاز هبة لاثنين دارا لواحد *
قال أبو محمد: وما نعلم لهم شغبا موهوا به الا ان قالوا: قبض المشاع لا يمكن فقلنا
لهم: كذبتم بل هو ممكن وهبك انه غير ممكن فلم أجزتم بيعه والبيع عندكم يحتاج فيه إلى
القبض ولم أجزتم اصداقه والصداق واجب فيه الاقباض قال الله تعالى: (وآتوا النساء
صدقاتهن نحلة) وقال تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) ولم أجزتم
الوصية به. ولم أجزتم إجارة المشاع من الشريك ومنعتم الرهن فيه من الشريك. ومنعتم
الهبة من الشريك، وأقرب ذلك لم أجزتم هبة المشاع فيما لا ينقسم والعلة واحدة فهل
في التلاعب والسخافة أكثر من هذا؟ وموهوا أيضا بالرواية التي ذكرنا قبل من قول أبى بكر
لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما: انى كنت نحلتك جاد عشرين وسقا من مال الغابة فلو
كنت جددتيه واحتزتيه لكان لك، هذا دليل على المنع من هبة المشاع *
قال أبو محمد: هذا عظيم جدا وفاحش القبح لوجوه، أولها انه لا حجة في قول أحد
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثانيها انه كم قولة لأبي بكر. وعائشة رضي الله عنهما قد
خالفتموهما (1) فيها كقول أبى بكر، وغيره من الصحابة رضي الله عنهم في الزكاة ان لم تكن
بنت مخاض فابن لبون ذكر وكتركه التضحية وهو غنى، وكصيام عائشة أيام التشريق.
وقولها: لا صيام لمن لم يبيته من الليل وغير ذلك كثير جدا * وثالثها ان هذا الخبر نفسه قد
أوردناه بخلاف هذه القصة * ورابعها ان اللفظ الذي احتجوا به مخالف لقولهم جهارا بل
فيه إجازة هبة جزء من المشاع لغنية لأنه نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة ولا يخلو
ذلك ضرورة من أحد وجهين اما أن يكون نحلها من تلك النخل ما تجد منها عشرين وسقا
أو نحلها عشرين وسقا محدودة فهي اما عدة بأن ينحلها ذلك وهذا هو الأظهر وأما انه نحلها
وأمضى لها ذلك المقدار وهو مجهول (2) القدر والعقد والعين في مشاع فرأياه معا بحضرة
الصحابة جائزا ولا مخالف لهما منهم ولم يبطله أبو بكر لذلك فكذبوا في قولهم صراحا
وإنما أبطله أبو بكر بنص قوله لأنها لم تجزه فقط ولو جددته وحازته لكان نافذا فعاد حجة
عليهم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحياء من الايمان) فسقط كل ما موهوا به ولله تعالى الحمد *

(1) في النسخة رقم 16 خالفتموها وليس بصواب
(2) في النسخة رقم 14 وهذا مجهول
150

قال أبو محمد: فعدنا إلى قولنا فوجدنا الله تعالى قد حض على الصدقة، وفعل الخير.
والفضل كانت الهبة فعل خير وقد علم عز وجل أن في أموال المحضوضين على الهبة
والصدقة مشاعا وغير مشاع فلو كان تعالى لم يبح لهم الصدقة والهبة في المشاع لبينه لهم ولما
كتمه عنهم ومن حرم عن الله تعالى أو أوجب ما لم ينص الله عز وجل على تحريمه وايجابه على
لسان رسوله صلى الله عليه وسلم المأمور بالتبليغ. والبيان فقد كذب على الله تعالى وافترى عليه وهذا
عظيم جدا فصح يقينا ان هبة المشاع والصدقة به واجازته ورهنه جائز كل ذلك فيما ينقسم
وما لا ينقسم للشريك ولغيره للغنى وللفقير وما كان ربك نسيا * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا وكيع نا شريك عن إبراهيم بن المهاجر عن قيس بن أبي حازم (قال: أتى رجل
رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبة شعر من الغنيمة فقال: يا رسول الله هبها لي فانا أهل بيت نعالج الشعر
فقال عليه الصلاة والسلام: نصيبي منها لك) وهم يحتجون بالمرسل، وبرواية شريك.
وإبراهيم بن المهاجر فما صرفهم عن هذا الخبر؟ وقد صح عن أسماء بنت أبي بكر الصديق
أنها قالت للقاسم بن محمد بن أبي بكر. ولعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر: انى ورثت
عن أختي عائشة مالا بالغابة وقد أعطاني معاوية بها مائة الف فهو لكما لأنهما لم يرثا من
أم المؤمنين شيئا إنما ورثا أسماء. وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر فهذا هبة لغنيين
مكثرين مشاعة فعل أسماء رضى الله تعالى عنها بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ولا يعرف
لها منهم مخالف، وصدقات الصحابة علي بنيهم وبنى بنيهم بغلة أوقافهم أشهر من الشمس
صدقة أو هبة لأغنياء بمشاع * ورويناه من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده فذكر قصة حنين وطلب هوازن عيالهم وأبناءهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون والأنصار: وما كان لنا فهو
لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وذكر الحديث، فهذه هبة مشاع وهم يحتجون بهذه الطريق إذا وافقت
تقليدهم أو الخبر الذي رويناه من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى قال: أنا أبو حيثمة عن أبي الزبير
عن جابر قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيده نتلقى عيرا لقريش وزودنا
جرابا من تمر لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة) فهذه عطية عمر مشاعة
والحجة تقوم بما رويناه من طريق مسلم نا خلف بن هشام نا حماد بن زيد عن غيلان بن
جرير عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الأشعريين
نستحمله فامر لنا بثلاث ذود غر الذرى) وذكر الخبر فهذه هبة مشاع لم ينقسم *
وأما من النظر فليس الا ملك صحيح ثم تصرف فيما صح الملك فيه ولا مزيد فتملك الموهوب
له والمتصدق عليه بالجزء المشاع كما ملكه الواهب والمتصدق ولا فرق البتة ويتصرف
151

الموهوب له. والمتصدق. والمكترى كما يتصرف فيه الواهب. والمتصدق. والمكترى
ووكلاؤهم ولا فرق وتكون يد المرتهن عليه كما هي عليه يد الراهن ووكيله ولا فرق، وهذا
لا مخلص لهم منه أصلا وبالله تعالى التوفيق *
1634 مسألة وأما إذا أعطى شيئا غير معين من جملة أو عدد كذلك
أو ذرعا كذلك أو وزنا كذلك أو كيلا كذلك فهو باطل لا يجوز مثل أن يعطى درهما
من هذه الدراهم أو دابة من هذه الدواب أو خمسة دنانير من هذه الدنانير أو رطلا من
هذا الدقيق أو صاعا من هذا التمر أو ذراعا من هذا الثوب وهكذا في كل شئ والصدقة
بكل هذا والهبة والاصداق والبيع. والرهن والإجارة باطل كل ذلك سواء فيما
اختلفت أبعاضه أو لم تختلف لا لشريك ولا لغيره لا لغنى ولا لفقير لأنه لم يوقع الهبة
ولا الصدقة ولا الاصداق ولا الرهن ولا الإجارة على شئ أبانه عن ملكه أو أوقع
فيه حكم الرهن أو الإجارة فإذ ذلك كذلك فلم يخرج شئ من تلك الجملة عن ملكه ولا
أوقع فيه حكما فلا شئ في ذلك وهذا هو أكل المال بالباطل وهذا خلاف ما تقدم لان
الجزء المسمى متيقن انه لا جزء الا وفيه حظ للمشترى أو المصدق أو الموهوب له أو المتصدق
عليه أو المرتهن أو المستأجر * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر سألت الزهري عن
الرجل يكون شريكا لأبيه فيقول له أبوه: لك مائة دينار من المال الذي بيني وبينك؟ فقال
الزهري: قضى أبو بكر. وعمر أنه لا يجوز حتى يحوزه من المال ويعزله * وبه إلى معمر عن سماك
ابن الفضل كتب عمر بن عبد العزيز انه لا يجوز من النحل الا ما أفرد. وعزل. وأعلم *
1635 مسألة ومن أعطى شيئا من غير مسألة ففرض عليه قبوله وله أن يهبه
بعد ذلك ان شاء للذي وهبه له وهكذا القول في الصدقة والهدية وسائر وجوه النفع *
برهان ذلك ما رويناه من طريق البزار نا إبراهيم بن سعيد الجوهري نا سفيان بن عيينة
عن الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى عن ابن الساعدي عن عمر
ابن الخطاب قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا اشراف
نفس فاقبله) لا نعلم حديثا رواه أربعة من الصحابة في نسق بعضهم عن بعض الا هذا *
ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر أنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن
سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطى عمر العطاء فيقول له
عمر: يا رسول الله اعطه أفقر إليه منى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه فتموله أو تصدق به
وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك، قال سالم:
فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه) نا أحمد بن محمد بن
152

الجسور نا أحمد بن الفضل بن بهرام الدينوري نا محمد بن جرير الطبري نا الفضل بن الصباح
نا عبد الله بن يزيد نا سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر
ابن سعيد عن خالد بن عدي الجهني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جاءه من أخيه معروف
فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه) فهذه آثار متواترة لا يسع أحدا الخروج عنها
وأخذ بذلك من الصحابة ابن عمر كما ذكرنا (1) آنفا وأبوه عمر بن الخطاب كما روينا من
طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن منصور. وإسحاق بن منصور كلاهما عن الحكم بن نافع
هو أبو اليمان نا شعيب هو ابن أبي حمزة عن الزهري أخبرني السائب بن يزيد أن
حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن الساعدي أخبره أن عمر بن الخطاب قال لي في
خلافته: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا فإذا أعطيت العمالة كرهتها قلت: إن
لي أفراسا واعبدا وأنا بخير فأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين قال له عمر: فلا تفعل
ثم ذكر له خبره مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو ما ذكرناه فهذا عمر ينهى عن رد ما أعطى المرء *
ومن طريق حماد بن سلمة، نا ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: ما أحد يهدى
إلى هدية الا قبلتها فاما ان أسأل فلم أكن لأسأل * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا مهدي
ابن ميمون نا واصل مولى أبى عيينة عن صاحب له ان أبا الدرداء قال: من آتاه الله عز وجل
من هذا المال مسألة ولا اشراف فليأكله وليتموله * ومن طريق الحجاج
ابن المنهال نا عبد الله بن داود - هو الخريبي - عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت قال: رأيت
هدايا المختار تأتى ابن عباس: وابن عمر فيقبلانها ومن طريق محمد بن المثنى نا أبو عاصم
الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: خذ من
السلطان ما أعطاك *
قال أبو محمد: هذا من طريق الأثر وأما من طريق النظر فإنه لا يخلو من أعطاه سلطان
أو غير سلطان كائنا من كان من بر أو ظالم من أحد ثلاثة لوجه لا رابع لها أما أن يوقن المعطى
ان الذي أعطى (2) حرام واما أن يوقن انه حلال واما أن يشك فلا يدرى أحلال هو أم
حرام؟ ثم ينقسم هذا القسم ثلاثة أقسام اما أن يكون أغلب ظنه (3) انه حرام أو يكون
أغلب ظنه انه حلال وأما أن يكون كلا الامرين ممكنا على السواء فإن كان موقنا انه حرام
وظلم وغصب فان رده فهو فاسق عاص لله تعالى ظالم لأنه يعين به ظالما على الاثم والعدوان
بابقائه عنده ولا يعين على البر والتقوى في انتزاعه منه وقد نهى الله تعالى عن ذلك وأمره
بخلاف ما فعل بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)

(1) في النسخة رقم 14 كما أوردنا
(2) في النسخة رقم 16 يعطى
(3) في النسخة رقم 16 على ظنه
153

ثم لا يخلو من أن يكون (1) يعرف صاحبه الذي أخذ منه بغير حق أو لا يعرقه فإن كان
يعرقه فهنا زاد فسقه وتضاعف ظلمه وأتى كبيرة من الكبائر وصار أظلم من ذلك الظالم لأنه
قدر على رد المظلمة إلى صاحبها وعلى ازالتها عن الظالم فلم يفعل بل أعان الظالم وأيده وقواه
وأعان على المظلوم وإن كان لا يعرف صاحبه فكل مال لا يعرف (2) صاحبه فهو في مصالح
المسلمين فالقول في هذا القسم كالقول في الذي قبله سواء سواء إذ منع المساكين والفقراء
والضعفاء حقهم وأعان على هلاكهم وقوى الظالم لما لا يحل له وهذا عظيم جدا نعود بالله منه،
فإن كان يوقن انه حلال فان الذي أعطاه مكتسب بذلك حسنات جمة بلا شك فهو في رده
عليه ما أعطاه غير ناصح له إذ منعه الحسنات الكثيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين
النصيحة الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) فمن لم ينصح
لأخيه المسلم في دينه فقد عصى الله عز وجل في ذلك ولعله ان رده لا يحضر المردود عليه بنية
أخرى في بذله فيكون قد حرمه الاجر وصد عن سبيل من سبل الخير وإن كان لا يدرى أحلال
هو أم حرام؟ فهذه صفة كل ما يتعامل به الناس الا في اليسير الذي يوقن فيه انه حلال أو انه
حرام فلو حرم أخذ هذا لحرمت المعاملات كلها الا النادر القليل جدا وقد كان على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقات ومعاملات فاسدة غير مشهورة فما حرم عليه الصلاة والسلام
قط من أجل ذلك أخذ ما يتعامل به الناس الا أن قوما من أهل الورع اتقوا ما الأغلب
عندهم انه حرام فما كان من هذا القسم فهو داخل في باب وجوب النصيحة بأخذه فان طابت
نفسه عليه فحسن وان اتقاه فليتصدق به فيؤجر على كل حال فهذا برهان ظاهر لائح *
وبرهان آخر وهو ان من الجهل المفرط والعمل في الدين بغير علم أن يكون المرء يستسهل
بلا مؤنة أخذ مال زيد في بيع يبيعه منه أو في إجارة يؤجر نفسه في عمل يعمله له ثم يتجنب
أخذ مال ذلك الزيد نفسه إذا أعطاه إياه طيب النفس به فهذا عجب عجيب لا مدخل له في الورع
أصلا لأنه إن كان يتقى كون ذلك المال خبيثا فقد أخذ في البيع والإجارة فهذا يكاد يكون
رياء مشوبا بجهل، فان قيل: يكره المرء أخذه قيل: هذا خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
والرغبة عن سنته نعوذ بالله من هذا كما رويناه من طريق البخاري نا محمد بن بشار نا محمد
ابن أبي عدى عن شعبة عن سليمان هو الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ولو اهدى إلى ذراع أو كراع لقبلت)
ومن رغب عن سنته فما وفق لخير صح انه على الصلاة والسلام قال: (من رغب عن سنتي
فليس منى) *

(1) في النسخة رقم 16 لا يخلو اما أن يكون
(2) في النسخة رقم 16 (فكل ما لا يعرف)
154

قال أبو محمد: وكان مالك. والشافعي لا يردان ما أعطيا ولا يسألان أحدا
شيئا، فان احتج المخالف بحديث الصعب بن جثامة (إذ أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش
فرده عليه وقال: انا لم نرده عليك الا أنا حرم) وبما روينا من طريق عبد الرزاق أنا
معمر عن أبي عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد هممت
أن لا أقبل هبة الا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) * ومن طريق أبى داود نا محمد
ابن عمرو الرازي نا سملة بن الفضل نا محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن
أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأيم الله لا أقبل بعد يومى هذا من أحد
هدية الا أن يكون من مهاجري قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي) * وبما رويناه
من طريق البخاري نا محمد بن يوسف نا الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب. وعروة
ابن الزبير أن حكيم بم حزام قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني
ثم قال: يا حكيم ان هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن
أخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد
السفلى) قال حكيم: (فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أحدا شيئا
حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم
أن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا فقال عمر: يا معشر المسلمين انى أعرض عليه
حقه الذي قسمه الله له من هذا الفئ فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحد من الناس شيئا
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى) * وبما روينا من طريق أبي ذر أنه قال للأحنف بن
قيس وقد سأله الأحنف عن العطاء؟ فقال له أبو ذر: خذه فان فيه اليوم معونة فإذا
كان ثمنا لدينك فلا تأخذه، فكان هذا لا حجة لهم فيه أما حديث لقد هممت أن لا أقبل
هبة فان سعيد بن أبي سعيد لا يخلو اما أن يكون (1) سمعه من أبي هريرة أو لم يسمعه
فإن كان لم يسمعه فهو منقطع وإن كان سمعه فإنما فيه انه عليه السلام هم بذلك لا انه
أنفذه (2) وهو موافق لمعهود الأصل لان الأصل كان أن المعطى مخير (3) ان شاء قبل
وان شاء رد * وحديث عمر رضي الله عنه وارد بابطال الحال الأول ولا شك في ذلك
حين أمره عليه الصلاة والسلام بقبول ما جاء من المال من غير مسألة ولا اشراف نفس
فصح أن هذا الهم قد صح نسخه بيقين لا مرية فيه فمن ادعى أن الموقن نسخه قد عاد ونسخ
الناسخ فقد ادعى الباطل وما لا علم له به وحاش لله من جواز ذلك في الدين إذ لو كان ذلك لما
علمنا صحيح الدين من سقيمه فيه (4) ولا ما يلزمنا مما لا يلزمنا ومعاذ الله من هذا فبطل

(1) في النسخة رقم 14 (لا يخلو أن يكون)
(2) خالف المصنف هنا ما ذهب إليه في كتاب الصلاة من أن النبي لا يهم الا بحق
(3) في النسخة رقم 14 (من الكذب فيه)
(4) في النسخة رقم 16 (كان المعطى مخيرا)
155

التعلق بهذا الخبر جملة وأما الآخر لا أقبل بعد يومى هذا من أحد هدية فرواية سلمة بن
الفضل الأبرش وهو ساقط مطرح فبطل التعلق به جملة (1) * وأما حديث الصعب
ابن جثامة فقد بين عليه الصلاة والسلام السبب الذي من أجله رده وهو كونهم محرمين
وهذا بعض الأحوال التي عمها حديث عمر فهو مستثنى منه وكذلك نقول: إن المحرم إذا
أهدى له صيد فهو مخير في قبوله (2) ورده، وهكذا وروينا عن عائشة أم المؤمنين.
وابن عمر أنهما كانا يقبلان الهدايا (3) ويردان الصيد ان أهدى لها وهما محرمان
وأما حديث حكيم فبين جدا لأنه لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيمن أخذ المال باشراف
نفس ما قال من أنه (لا يبارك له فيه) وعلم من نفسه الاشراف إلى المال لم يستجز أخذه
وهكذا نقول: إنه إنما يلزم أخذه من كان غير مشرف النفس إليه، وبرهان ذلك اخباره
عن نفسه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه ثم سأله فأعطاه ثم سأله فأعطاه كذا جاء في بعض الروايات
حتى خاطبه بما خاطبه به * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد
ابن المسيب أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام يوم حنين عطاء فاستقله فزاده ثم ذكر الحديث
المذكور وهذا غاية اشراف النفس * وروينا من طريق أبى داود الطيالسي نا ابن أبي ذئب
عن مسلم بن جندب عن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحفت في المسألة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنكر مسألتك يا حكيم ان هذا المال حلو خضر) وذكر
الحديث فهذا بيان لائح ولا يجوز أن يظن بحكيم رضي الله عنه غير هذا، وأما قول أبي ذر
فصحيح لان ما أعطى المرء وطلب عوضا منه فحرام على أخذه وإنما يلزم أخذ ما أعطى دون
شرط فاسد * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن ذر بن
عبد الله المرهبي عن عبد الله بن مسعود أن رجلا سأله فقال: لي جار يأكل الربا وانه لا يزال
يدعوني فقال له ابن مسعود مهناه لك واسمه عليك قال سفيان؟ ان عرفته بعينه (4) فلا تأكله
قال أبو محمد: صدق سفيان الاكل غير الاخذ لما عرف أن عينه حرام لأنه يقدر
في أخذه على أن يؤدى فيه ما افترضه الله تعالى عليه من ايصاله إلى أهله وازالته عن
المظالم ولا يقدر على ذلك في الاكل ففرض عليه اجتناب أكله * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن الزبير هو ابن الخريت عن سلمان الفارسي قال:
إذا كان لك صديق عامل أو جار عامل أو ذو قرابة عامل فدعاك إلى طعام فاقبله فإنه مهناه
لك واثمه عليه * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر قال: كان عدى بن أرطأة هو عامل البصرة
يبعث إلى الحسن كل يوم بجفان ثريد فيأكل الحسن منها ويطعم أصحابه قال: وبعث عدى

(1) سقط لفظ (جملة) من النسخة رقم 14
(2) في النسخة رقم 16 قبوله
(3) في النسخة رقم 16 الهدية
(4) في النسخة رقم 16 بنفسه ويؤيدها هنا ما سيأتي قريبا بعده بسطر
156

إلى الحسن. والشعبي. وابن سيرين فقبل الحسن، والشعبي. ورد ابن سيرين قال: وسئل
الحسن عن طعام الصيارفة؟ فقال: قد أخبركم الله تعالى عن اليهود. والنصارى أنهم يأكلون
الربا وأحل لكم طعامهم وبه إلى معمر عن منصور بن المعتمر قلت لإبراهيم النخعي
عريف لنا يهمط (1) ويصيب من الظلم فيدعوني فلا أجيبه فقال إبراهيم: الشيطان عرض
بهذا ليوقع عداوة وقد كان العمال يهمطون ويصيبون ثم يدعون فيجابون قلت له:
نزلت بعامل فنزلني أجازني قال: أقبل قلت: فصاحب ربا فقال: اقبل ما لم تره بعينه *
قال على: وهكذا أدركنا من يوثق بعلمه وبالله تعالى التوفيق *
1636 مسألة ولا تحل الرشوة وهي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل أو ليولى
ولاية أو ليظلم له انسان فهذا يأثم المعطى والآخذ فاما من منع من حقه فأعطى ليدفع
عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطى واما الآخذ فآثم وفى كلا الوجهين فالمال المعطى باق على
ملك صاحبه الذي أعطاه كما كان كالغصب ولا فرق، ومن جملة هذا ما أعطيه أهل دار
الكفر في فداء الاسرى وفى كل ضرورة وكل هذا متفق عليه الا ملك أهل دار الكفر
ما أخذوه في فداء الأسير (2) وغير ذلك فان قوما قالوا: قد ملكوه وهذا باطل لأنه قول لم
يأت به قرآن ولا سنة ولا قياس ولا نظر وقولنا في هذا هو قول الشافعي، وأبي سليمان وغيرهما *
برهان صحة قولنا قول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون
تجارة عن تراض منكم) فنسأل من خالفنا ابحق اخذ الكفار ما أخذوا منا في الفداء وغيره
أم بباطل؟ فمن قولهم بالباطل ولو قالوا غير ذلك كفروا وفى هذا كفاية لأنه خطاب لجميع
الجن والإنس للزوم الدين لهم، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم
حرام) فان قيل: لم أبحتم اعطاء المال في دفع الظلم قد رويتم من طريق أبي هريرة قال:
(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان جاء رجل يريد أخذ مالي قال:
فلا تعطه مالك قال: أرأيت أن قاتلني قال قاتله قال أرأيت أن قتلى قال فأنت شهيد قال أرأيت
ان قتلته قال: فهو في النار) وبالخبر المأثور (لعن الله الراشي والمرتشي) قال أبو محمد:
خبر لعنة الراشي إنما رواه الحارث بن عبد الرحمن وليس بالقوى، وأيضا فان المعطى
في ضرورة دفع الظلم ليس راشيا، وأما الخبر في المقاتلة فهكذا نقول: من قدر على دفع الظلم
عن نفسه لم يحل له اعطاء فلس فما فوقه في ذلك، وأما من عجز فالله تعالى يقول: (لا يكلف
الله نفسا الا وسعها) وقال عليه السلام: (إذ أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
فسقط عنه فرض المقاتلة والدفاع وصار في حد الاكراه على ما أعطى في ذلك وقد قال

(1) يقال همط ماله وطعامه وعرضه واهتمطه إذا اخذه مرة بعد مرة في عير وجه
(2) في النسخة رقم 16 (في فداء الاسرى)
(3) في النسخة رقم 16 (بشئ) بدل بأمر،
157

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وقد ذكرناه
باسناده فيما سلف من ديواننا هذا والحمد الله رب العالمين، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من طريق أبى موسى الأشعري (أطعموا الجائع وفكوا العاني) وهذا عموم (1)
لكل عان عند كل كافر أو مؤمن بغير حق * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري. ومعمر قال: معمر عن الحسن البصري وقال سفيان: عن إبراهيم النخعي ثم اتفق
الحسن. وإبراهيم قالا جميعا: ما أعطيت مصانعة على مالك ودمك فإنك فيه مأجور
وبالله تعالى التوفيق *
1637 مسألة وأما من نصر آخر في حق أو دفع عنه ظلما ولم يشترط عليه في
ذلك عطاء فاهدى إليه مكافأة فهذا حسن لا نكرهه لأنه من جملة شكر المنعم وهدية
بطيب نفس وما نعلم قرآنا ولا سنة في المنع من ذلك، وقد روينا عن علي. وابن مسعود
المنع من هذا ولا نعلم برهان يمنع منه وبالله تعالى التوفيق *
1638 مسألة ولا يحل السؤال تكثرا الا لضرورة فاقة أو لمن تحمل حمالة
فالمضطر فرض عليه أن يسأل ما يقوته هو (2) وأهله مما لابد لهم منه من أكل وسكنى وكسوة
ومعونة فإن لم يفعل فهو ظالم فان مات في تلك الحال فهو قاتل نفسه، وأما من طلب غير متكثر
فليس مكروها، وكذلك من سأل سلطانا فلا حرج في ذلك * روينا من طريق مسلم حدثني
أبو الطاهر أخبرني عبد الله بن وهب أخبرني الليث هو ابن سعد عن عبيد الله بن أبي
جعفر عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم) *
ومن طريق مسلم نا أبو كريب نا ابن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل
جمرا فليستقل أو ليستكثر) * ومن طرق مسلم نا يحيى بن يحيى انا حماد بن زيد عن
هارون بن رياب حدثني كنانة بن نعيم العدوي عن قبيصة بن المخارق الهلالي (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا قبيصة ان المسالة لا تحل الا لاحد ثلاثة. رجل تحمل حمالة فحلت
له المسالة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسالة حتى
يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش. ورجل أصابته فاقة حتى يقوت ثلاثة من
ذوي الحجا من قومه فيقولون: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسالة حتى يصيب قواما
من عيش أو قال: سدادا من عيش فما سواهن من المسالة يا قبيصة سحت يأكلها

(1) في النسخة رقم 14 (وهذا عام)
(2) سقط لفظ (هو) من النسخة رقم 14
158

صاحبها سحتا) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان قال: نا وكيع نا سفيان عن
عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسألة
كد يكد الرجل بها وجهه الا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لابد له منه) فهذا نص ما قلنا
حرفا بحرف ولله الحمد *
ومن طريق النظر اننا قد ذكرنا في كتاب الزكاة من ديواننا هذا وجوب قيام ذوي
الفضل من المال بمن لا مال معه يقوم منه بنفسه وعياله فإذ ذلك كذلك فالمحتاج إنما يسأل حقه
الواجب ودينه اللازم الذي على الحاكم ان يحكم له به وله أخذه كيف قدران منعه فلا غضاضة
عليه في ذلك، وأما السلطان فليس يسأل من ماله شئ إنما بيده أموال المسلمين فلا حرج
على المسلم ان يسأله من أموال المسلمين الذين هو أحدهم، وأما سؤال غير المتكثر فقد ذكرنا
في كتاب الحج قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة وأصحابه في الحمار الذي عقروه معكم منه
شئ فقلت نعم فناولته العضد فاكلها حتى نفذها وهو محرم، وقوله عليه الصلاة والسلام في
حديث أبي سعيد الخدري الذي رقى عليه قطيع من الغنم اقتسموا واضربوا لي بسهم معكم *
1639 مسألة واعطاء الكافر مباح وقبول ما أعطى هو كقبول ما أعطى
المسلم * روينا من طريق البخاري نا سهل بن بكار نا وهيب. هو ابن خالد. عن عمرو
ابن يحيى عن عباس الساعدي عن أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
تبوك واهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا * ومن طريق البخاري
نا عبيد بن إسماعيل نا أبو أسامة عن هشام بن عروبة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت
أمي على وهي مشركة فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى: أمك) * ومن طريق مسلم
نا قتيبة عن مالك عن سمى مولى أبى بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل كبد رطبة أحر) فان قيل: فأين أنتم عما رويتم من طريق
ابن الشخير عن عياض بن حكار أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فقال أسلمت:؟ قلت:
لا قال: انى نهيت عن زبد المشركين) * ومن طريق الحسن عن عياض بن حمار مثله وقال:
فأبى أن يقبلها قال الحسن: زبد المشركين رفدهم قلنا: هذا منسوخ بخبر أبي حميد الذي
ذكرنا لأنه كان في تبوك وكان اسلام عياض قبل تبوك وبالله تعالى التوفيق *
1640 مسألة لا تقبل صدقة من مال حرام بل يكتسب بذلك اثما زائدا لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فكلما تصرف في الحرام فقد زاد
معصية وإذا زاد معصية زاد اثما قال الله تعالى: (من يعمل سوءا يجز به) *
1641 مسألة ولا يحل لاحد أن يمن بما فعل من خير إلا من كثر احسانه
159

وعومل بالمساءة فله أن يعدد احسانه قال الله عز وجل: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) *
روينا من طريق شعبة سمعت سليمان - هو الأعمش - عن سلمان بن مسهر عن خرشة
ابن الحر عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر
إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المنان. بما أعطى. والمسبل ازاره. والمنفق سلعته بالحلف
الكاذبة) * ومن طريق مسلم نا شريح بن يونس نا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن يحيى
ابن عمارة عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حينا قسم الغنائم
فأعطى المؤلفة قلوبهم فبلغه ان الأنصار يحبون أن يصيبوا ما أصاب الناس فقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله
بي ومتفرقين فجمعكم الله بي ويقولون الله ورسوله أمن فقال: ألا تجيبونني اما انكم لو شئتم ان
تقولوا كذا وكان من الامر كذا أشياء ذكر عمرو أنه لا يحفظها، فهذا موضع إباحة
تعديد الاحسان وبالله تعالى التوفيق *
1642 مسألة وهبة المرأة ذات الزوج. والبكر ذات الأب: واليتيمة. والعبد
والمخدوع في البيوع. والمريض مرض موته. أو مريض غير موته. وصدقاتهم كهبات
الأحرار واللواتي لا أزواج لهن ولا آباء كهبات الصحيح (1) ولا فرق، وقد ذكرنا
برهان ذلك فيما سلف من كتابنا، وجملة ذلك ان الله تعالى ندب جميع البالغين المميزين
إلى الصدقة وفعل الخير وانقاذ نفسه من النار، وكل من ذكرنا متوعد بلا خلاف من أحد
فلا يحل منعهم من القرب الا بنص ولا نص في ذلك وبالله تعالى التوفيق *
1643 مسألة والصدقة التطوع على الغنى جائزة وعلى الفقير ولا تحل لاحد
من بني هاشم والمطلب ابني عبد مناف ولا لمواليهم حاش الحبس فهو حلال لهم، وتحل
صدقة التطوع على من أمه منهم إذا لم يكن أبوه منهم، وأما الهبة. والهدية. والعطية.
والإباحة. والمنحة. والعمرى. والرقبى فكل ذلك حلال لبني هاشم والمطلب
ومواليهم هذا كله لا خلاف فيه حاش دخول بني المطلب فيهم وحاش دخول الموالي
فيهم وحاش جواز صدقة التطوع لهم فان قوما أجازوها لهم * روينا من طريق
يحيى بن سعيد القطان نا شعبة نا الحكم هو ابن عتيبة عن ابن أبي رافع هو عبيد الله
عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فأراد أبو رافع
أن يتبعه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الصدقة لا تحل لنا وان مولى القوم منهم) فهذا عموم
لكل صدقة * ومن طريق أبى داود نا مسدد نا هشيم عن محمد بن إسحاق عن الزهري

(1) في النسخة رقم 14 كهبات الصحاح
160

عن سعيد بن المسيب أخبرني جبير بن مطعم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: له أنا وبنو المطلب
لا نفترق في جاهلية ولا اسلام وإنما نحن وهم شئ واحد وشبك بين أصابعه) فان قيل: قد
صح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) فان أخذتم بظاهر هذا الخبر فامنعوهم
من كل بر، وهذا ما لا يقوله أحد ولا أنتم والا فلا تمنعوهم الا ما اتفق عليه انه لا يحل لهم وهو
صدقة الفرض فقط قلنا قوله عليه الصلاة والسلام: (كل معروف صدقة) قد خصه عطاؤه
لبني هاشم كالبعير الذي أعطى عليا من النفل من الخمس ومن المغنم وسائر هباته عليه الصلاة
والسلام لهم، فوجب خروج ذلك بدليله ووجدنا كل معروف وإن كان يقع عليه اسم
صدقة فله اسم آخر يخصه كالقرض. والهبة. والهدية. والإباحة. والحمالة. والضيافة
والمنحة وسائر أسماء وجوه البر، ووجدنا الصدقة التطوع ليس لها اسم غير الصدقة وقد
صح أن الصدقة محرمة على آل محمد صلى الله عليه وسلم ومواليهم فوجب ضرورة أن تكون الصدقة
التطوع حراما عليهم لأنها هي الصدقة التي لا اسم لها غير الصدقة ولا خلاف في تحريم الصدقة
المفروضة عليهم وهي الزكاة فان قيل: فقد رويتم من طريق أبى داود نا محمد بن عبيد
المحاربي نا محمد بن فضيل عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن كريب مولى ابن عباس عن
ابن عباس قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاه إياها من الصدقة) قلنا: هذا
صحيح ولا يخلو من أحد وجهين، أحدهما وهو ظاهر الخبر ان ابن عباس هو المعطى لتلك الإبل
من صدقة لازمة له فبعثه عليه الصلاة والسلام فيها إلى حيث يجمع إبل الصدقة، والثاني انه
حتى لو صح انه عليه الصلاة والسلام هو أعطى تلك الإبل لابن عباس وليس ذلك في الخبر
لكان ذلك منسوخا بتحريم الصدقة عليهم لان تحريم الصدقة عليهم هو الرافع لمعهود الأصل
وللحال الأول بلا شك من إباحة الصدقة لهم كسائر الناس، ومن ادعى عود المنسوخ
ناسخا فقد كذب الا أن يشهد له نص بين بذلك، وأما الغنى فقد روينا من طريق يحيى بن سعيد
القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عدى بن الخيار أن رجلين حدثاه أنهما سألا النبي صلى الله عليه وسلم
الصدقة، فقال: ان شئتما ولاحظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب) قلنا: هذا الخبر
وكل ما جاء بهذا اللفظ فإنما هو على الصدقة المفروضة التي حرمت على الأغنياء الا من
خصه النص منهم من العاملين عليها. والمؤلفة قلوبهم. والغارمين. وفى سبيل الله.
وابن السبيل فقط *
برهان ذلك ما روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني عمران بن بكار حدثني على
ابن عياش نا شعيب هو ابن أبي حمزة حدثني أبو الزناد حدثني عبد الرحمن الأعرج
أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه قال رجل؟ لأتصدقن
161

بصدقة فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق (1) فقال: اللهم لك الحمد
لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقة فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على
زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنى
فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غنى فقال: اللهم لك الحمد على سارق. وعلى زانية.
وعلى غنى فأتى فقيل له: أما صدقتك فقد تقبلت وذكر الخبر، فهذا بيان في جواز (2)
الصدقة على الغنى. والصالح. والطالح *
1644 مسألة وللعبد ان يتصدق من مال سيده بما لا يفسد واستدركنا في تصدق
العبد الخبر الذي قد ذكرناه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة المملوك) * وروينا
من طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة نا حاتم هو ابن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد قال:
سمعت عميرا مولى آبي اللحم قال: (أمرني مولاي أن أقدد لحما فجاءني مسكين فأطعمته فعلم
بذلك مولاي فضربني فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال: لم ضربته؟ فقال: يطعم
طعامي بغير أن آمره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الاجر بينكما) ومن طريق مسلم نا
أبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير. وزهير بن حرب كلهم عن حفص بن غياث عن محمد
ابن زيد عن عمير مولى آبي اللحم قال: (كنت مملوكا فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتصدق من
مال موالي شيئا؟ قال: نعم والاجر بينكما [نصفان] (3) *
قال أبو محمد: لا يخلو مال العبد من أن يكون له كما نقول نحن أو يكون لسيده كما
يقولون فإن كان ماله فصدقة المرء من ماله فعل حسن مندوب إليه وإن كان لسيده فهذا نص
جلى بإباحة الصدقة له منه فليعضدوا بالجندل، وقد بينا أن قوله تعالى: (عبدا مملوكا
لا يقدر على شئ) ليس بضرورة العقل والحس في كل مملوك لأننا نراهم لا يعجزون عن
شئ مما يعجز عنه الحر فصح أنه تعالى إنما عنى بعض العبيد ممن هذه صفته كما قال تعالى:
(ضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ) وليس كل أبكم كذلك فصخ أنه
تعالى أراد من البكم من هذه صفته، ويلزمهم على هذا أن يسقطوا عنه الصلاة. والوضوء.
والغسل. والصيام إذا كان عندهم لا يقدر على شئ، فان قالوا: هذه أعمال أبدان قلنا:
قد تركتم احتجاجكم بظاهر الآية بعد واتيتم بدعوى في الفرق بين أعمال الأبدان
وأعمال الأموال بلا برهان والحج عمل بدن فألزموه إياه، فان قالوا: قد يجبر بالمال قلنا
فأسقطوا عنه الصوم بهذا الدليل السخيف لأنه يجبر بالمال من عتق المكفر واطعامه
وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم 14 على السارق
(2) في النسخة رقم 14 (بيان جواز)
(3) الزيادة من صحيح مسلم
162

الإباحة
1645 مسألة والإباحة جائزة في المجهول بخلاف العطية. والهدية (1)
والصدقة. والعمرى. والرقبى. والحبس. وغير ذلك وذلك كطعام يدعى إليه قوم (2)
يباح لهم أكله ولا يدرى كم يأكل كل واحد، وهذا منصوص من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأمره بإجابة الدعوة والاكل فيها، وكأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء أن يقتطع إذ نحر
الهدى، وكأمره عليه الصلاة والسلام المرسل بالهدى إذا عطب أن ينحره ويخلى بينه
وبين الناس ونحو هذا وبالله تعالى التوفيق *
1646 مسألة وجائز للمرء أن يأكل من بيت والده ووالدته وابنه وابنته
وأخيه وأخته شقيقتين أو لأب أو لام وولد ولده. وجده وجدته كيف كانا، وعمه وعمته
كيف كانا. وخاله وخالته كيف كانا. وصديقه وما ملك مفاتحه سواء رضى من ذكرنا أو
سخط، أذنوا أو لم يأذنوا وليس له أن يأكل الكل * برهان ذلك قول الله تعالى في
نص القرآن، وقوله تعالى: (من بيوتكم أو بيوت آبائكم) نص ما قلنا لان من للتبعيض وقوله
عليه الصلاة والسلام: (ان ولد أحدكم من كسبه وان أطيب ما أكل أحدكم من كسبه) *
المنحة
1647 مسألة والمنحة جائزة وهي في المحتلبات (3) فقط يمنح المرء ما يشاء من أن
اث حيوانه من شاء للحلب، وكدار يبيح سكناها ودابة يمنح ركوبها وأرض يمنح ازدراعها.
وعبد يخدمه، فما حازه الممنوح من كل ذلك فهو له لا طلب للمانح فيها وللمانح أن يسترد
عين ما منح متى شاء سواء عين مدة أو لم يعين أشهد أو لم يشهد لأنه لا يحل مال أحد بغير
طيب نفسه الا بنص ولا نص في هذا وتعيينه المدة عدة، وقد ذكرنا أن الوعد لا يلزم الوفاء به في
باب النذور والايمان من كتابنا هذا فأغنى عن اعادته، والازراع. والاسكان والافقار.
والامتاع والاطراق. والاخدام والاعراء والتصيير حكم ما وقع بهذه الألفاظ كحكم المنحة
في كل ما ذكرنا سواء سواء ولا فرق، وهذا كله قول أبي حنيفة، والشافعي: وداود. وجميع
أصحابهم فالازراع يكون في الأرض يجعل المرء لآخر ان يزرع هذه الأرض مدة يسميها
أو طول حياته. والاسكان يكون في البيوت وفى الدور. والدكاكين كما ذكرنا. والافقار
يكون في الدواب التي تركب. والاطراق يكون في الفحول (4) تحمل على الإناث.

(1) في النسخة رقم 16 (والهبة)
(2) في النسخة رقم 14 (الناس)
(3) في النسخة رقم 16 (وهي في إناث المحتلبات)
(4) في النسخة رقم 14 (في الفحل)
163

والاخدام يكون في الرقيق الذكور والإناث. والأمتاع يكون في الأشجار ذوات الحمل
وفى الثياب وفى جميع الإناث وكذلك التصيير. وكذلك الجعل والاعراء يكون في
حمل النخل، فكل هذا ما قبضه المجعول له ذلك فلا رجوع لصاحب الرقبة فيه وما لم
يقبضه المجعول له كل ذلك فلصاحب الرقبة استرجاع رقبة ماله، ومنع المجعول له مما
جعل له * روينا من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: نعم المنحة اللقحة الصفي منحة والشاة الصفي تروح باناء وتغدو باناء) وقد
ذكرنا قوله عليه الصلاة والسلام: (من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه) ومن طريق
البخاري نا عبد الله بن يوسف نا ابن وهب نا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك
قال: قدم المهاجرون المدينة من مكة وليس بأيديهم شئ وكان الأنصار أهل الأرض
والعقار فقاسمهم الأنصار رضي الله عنهم على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم
العمل والمؤنة وكانت أم سليم أم أنس بن مالك أعطت رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقا فأعطاهن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر
رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم فرد عليه السلام إلى أم سليم
عذاقها وأعطى عليه الصلاة والسلام أم أيمن مكانهن من حائطه، وأما الارتجاع متى
شاء فإنه لم يهب الأصل ولا الرقبة فلا يجوز من ماله الا ما طابت به نفسه فما دام طيب النفس
فيما يحدث الله تعالى في ماله فهو جائز عليه فإذا أحدث الله تعالى شيئا ماله لم تطب به نفسه
فهو ماله حرام على غيره بقوله عليه الصلاة والسلام: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام)
وإنما طيب النفس حين وجود الشئ لا قبل خلقه وبالله تعالى التوفيق *
العمرى والرقبى (1)
1648 مسألة العمرى. والرقبى هبة صحيحة تامة يملكها المعمر والمرقب كسائر
ماله يبيعها ان شاء وتورث عنه ولا ترجع إلى المعمر ولا إلى ورثته سواء اشترط (2) ان
ترجع إليه أو لم يشترط وشرطه لذلك ليس بشئ، والعمرى هي أن يقول: هذه الدار وهذه
الأرض أو هذا الشئ عمري لك أو قد أعمرتك إياها أو هي لك عمرك أو قال: حياتك أو
قال: رقبى لك أو قد أرقبتكها كل ذلك سواء، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأحمد.
وأصحابهم، وبعض أصحابنا، وهو قول طائفة من السلف كما روينا من طريق وكيع نا شريك
عن عبد الله بن محمد ابن الحنيفة عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب: العمرى بتات ومن خير

(1) في النسخة رقم 14 الاقتصار على لفظ العمرى فقط
(2) في النسخة رقم 14 شرط
164

فقد طلق * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر
المدرى عن زيد بن ثابت قال: العمرى للوارث * ومن طريق معمر عن أيوب السختياني
عن نافع سأل رجل ابن عمر عمن أعطى ابنا له بعيرا حياته: فقال أبن عمر: هو له حياته
وموته ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن طاوس عن
ابن عباس قال: من أعمر شيئا فهو له ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن سعيد عن سفيان
الثوري عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس قال: العمرى. والرقبى سواء ومن طريق
وكيع نا شعبة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال علي بن أبي طالب: العمرى والرقبى
سواء، وصح أيضا عن جابر بن عبد الله في أحد قوليه من أعمر شيئا فهو له أبدا وعن
شريح. وقتادة. وعطاء بن أبي رباح. ومجاهد. وطاوس. وإبراهيم النخعي * روينا
من طريق الحجاج بن المنهال نا هشيم انا المغيرة بن مقسم قال: سألت إبراهيم النخعي عمن
أسكن آخر دارا حياته فمات المسكن والمسكن؟ قال: ترجع إلى ورثة المسكن فقلت
أليس يقال: من ملك شيئا حياته فهو لورثته من بعده؟ فقال إبراهيم: إنما ذلك في العمرى
وأما السكنى (1) والغلة والخدمة فإنها ترجع إلى صاحبها وهو قول سفيان الثوري.
والحسن بن حي. والأوزاعي. ووكيع. واحد قولي الزهري الا أن عطاء والزهري
قالا: ان جعل العمرى بعد المعمر في وجه من وجوه البر أو لانسان آخر غير نفسه نفذ
ذلك كما جعله، وقالت طائفة: العمرى هبة صحيحة إذا أعمرها له ولعقبه فاما ان لم يقل
له ولعقبه فهي راجعة إلى المعمر أو إلى ورثته إذا مات المعمر وهو قول صح عن جابر
ابن عبد الله، وعروة بن الزبير. وأحد قولي الزهري وبه يقول أبو ثور وبعض أصحابنا،
وقالت طائفة: العمرى راجعة إلى المعمر أو إلى ورثته على كل (2) حال فان قال:
أعمرتك هذا بشئ لك ولعقبك كانت كذلك فإذا انقرض المعمر وعقبه رجعت إلى
المعمر أو إلى ورثته وهو قول روى عن القاسم بن محمد. ويحيى بن سعيد الأنصاري
وهو قول مالك. والليث *
قال أبو محمد: فنظرنا فيما احتج به من ذهب مذهب مالك فوجدناهم يذكرون
قول الله تعالى: (هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) وقال تعالى: (إنا نحن
نرث الأرض ومن عليها) قالوا: فكان كذلك كل من أعمر عمري، وذكروا الخبر
(المسلمون عند شروطهم) وادعوا ما روينا من طريق ابن وهب بلغني عن عبد الرحمن بن
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (أن عائشة أم المؤمنين كانت تعمر بنى أخيها حياتهم فإذا

(1) في النسخة رقم 16 المسكن
(2) في النسخة رقم 16 بكل
165

انقرض أحدهم قبضت مسكنه فورثنا نحن ذلك كله اليوم عنها ما نعلم لهم شيئا غير هذا أصلا
وكله لا حجة لهم فيه، أما خبر عائشة رضي الله عنها فباطل وهذه آفة المرسل والذي لا شك
فيه أن عبد الرحمن بن القاسم وأباه القاسم وجده محمد لم يرثوا عائشة ولا صار إليهم بالميراث
عنها قيمة خردلة لان محمدا قتل في حياتها قبل موتها بنحو عشرين سنة وإنما ورثها عبد الله
ابن عبد الرحمن بن أبي بكر فقط لأنه كان ابن شقيقها فحجب القاسم بن محمد وقد ذكرنا
ذلك في باب هبة المشاع قبل هذا الباب بأوراق، ولو صح ذلك عنها لكان قد خالفها ابن
عباس، وابن عمر. وجابر. وزيد بن ثابت. وعلي بن أبي طالب على من أوردنا آنفا،
وأما (المسلمون عند شروطهم) فخبر فاسد لأنه إما عن كثير بن زيد وهو هالك. وأما
مرسل ثم لو صح لكانوا أول مخالفين له لأنهم يبطلون من شروط الناس أكثر من ألف
شرط كمن باع بشرط ان يقيله إلى يومين، وكمن باع أمة بشرط أن لا يبيعها، وكمن باع
بخيار إلى عشرين سنة، وكمن نكح على أن تنفق هي عليه وغير ذلك فكيف وهذا الشرط
يعنى رجوع العمرى إلى المعمر أو إلى ورثته شرط قد جاءت السنة نصا بابطاله كما نذكر
بعد هذا ان شاء تعالى، واحتجاجهم بالآية ههنا أبعد شئ من التوفيق لوجوه *
أولها انهم قاسوا حكم الناس على حكم الله تعالى فيهم وهذا باطل لان الله تعالى يقتل
الناس ولا ملامة عليه ويجيعهم ويعذبهم بالمرض ولا ملامة عليه ولا يجوز عند أحد
قياس المخلوق على الخالق * وثانيها انهم موهوا وقلبوا الآية لأننا لم ننازعهم (1) فيمن
أعمر آخر مالا له ولم يقل الله تعالى قد أعمرتكم الأرض إنما قال: انه استعمرنا فيها بمعنى
أنه عمرنا بالبقاء فيها مدة وليس هذا من العمرى في ورد ولا صدر * وثالثها أن هذه الآية
لو جعلناها حجة عليهم لكان ذلك أوضح مما موهوا به وهو أن الله تعالى بلا شك أباح لنا
بيع ما ملكنا من الأرض وجعلها لورثتنا بعدنا وهذا هو قولنا في العمرى لا قولهم فظهر
فساد ما يأتون به علانية وبطل هذا القول يقينا، وهذا مما خالفوا فيه كل ما صح عن
الصحابة رضي الله عنهم وجمهور العلماء: ومرسلات كثيره، ثم نظرنا في القول الثاني
الذي هو قول عروة. وأبي ثور فوجدناهم يحتجون بما روينا من طريق عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر قال: إنما العمرى التي
أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك فاما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها
ترجع إلى صاحبها *
قال أبو محمد: لم نجد لهم حجة غير هذا ولا حجة لهم فيه لان المسند منه إلى رسول الله

(1) في النسخة رقم 14 (لأننا معهم)
166

صلى الله عليه وسلم إنما هو ان العمرى التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك
وأما باقي لفظ الخبر فمن كلام جابر ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خالف
جابرا ههنا ابن عباس. وابن عمر وغيرهما كما ذكرنا قبل فإنما في هذا الخبر حكم العمرى إذا قال
المعمر: هي لك ولعقبك فقط وبقى حكمه إذا لم يقل هذا الكلام لا ذكر له في هذا الخبر
فوجب طلبه من غيره وبالله تعالى التوفيق، فسقط هذا القول أيضا فلم يبق الا قولنا
فوجدنا ما روينا من طريق مسلم نا محمد بن رافع نا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من أعمر عمري له ولعقبه فهي له بتلة ولا يجوز للمعطى فيها شرط ولا ثنيا) قال أبو سملة:
لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فقطعت المواريث شرطه * ومن طريق أبى داود
نا أحمد بن أبي الحوارى نا الوليد هو ابن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة
ابن الزبير عن جابر بن عبد الله (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعمر عمري فهي له ولعقبه يرثها
من يرثه من عقبه) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا إسماعيل هو ابن علية عن محمد
هو ابن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: لا عمري فمن أعمر شيئا فهو له) * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية
عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مثله مرسلا * ومن طريق
أبى داود نا النفيلي هو عبد الله بن محمد قال: قرأت على معقل عن عمرو بن دينار عن
طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعمر شيئا
فهو لمعمره حياته ومماته (1) ولا ترقبوا فمن أرقب شيئا فهو سبيله) *
قال على: هكذا رويناه بضم الميم الأولى من معمره وفتح الميم الثانية * ومن طريق
أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى عن سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء
ابن أبي رباح عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ترقبوا ولا تعمروا فمن
أرقب شيئا أو أعمر فهو لورثته) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن حرب نا
أبو معاوية عن حجاج هو ابن محمد عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس قال: قال
(رسول الله صلى الله عليه وسلم: العمرى لمن أعمرها والرقبى لمن أرقبها والعائد في هبته كالعائد في
قيئه) فهذه آثار متواترة زائدة على ما في رواية معمر فلم يسع أحدا الخروج عنها وليس
هذا الحكم الا في الاعمار والارقاب كما جاء النص وأما الاسكان فيخرجه متى شاء لأنها
عدة فيما لم يجزه من السكنى بعد وبالله تعالى التوفيق *

(1) في سنن أبي داود (محياه ومماته)
167

العارية
1649 مسألة والعارية جائزة وفعل حسن وهي فرض في بعض المواضع،
وهي إباحة منافع بعض الشئ كالدابة للركوب. والثوب للباس. والفأس للقطع. والقدر
للطبخ. والمقلى للقلو والدلو. والحبل. والرحى للطحن. والإبرة للخياطة وسائر ما ينتفع به،
ولا يحل شئ من ذلك إلى أجل مسمى لكن يأخذه ما أعار متى شاء ومن سألها إياه محتاجا ففرض
عليه اعارته إياه إذا وثق بوفائه فإن لم يأمنه على إضاعة ما يستعير أو على جحده فلا يعره شيئا *
أما كونها فرضا كما ذكرنا فلقول الله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) فتوعد عز وجل من منع الماعون بالويل * روينا
من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا حجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عاصم بن
بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود في قوله تعالى: (ويمنعون المانعون) قال هو
العوارى. القدر. والدلو. والميزان * ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش عن
إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن ابن مسعود قال: الماعون ما تعاوره الناس
بينهم الفأس، والقدر. وأشباهه * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن جابر
ابن صبح حدثتني أم شراحيل قالت: قالت لي أم عطية: اذهبي إلى فلانة فاقرئيها السلام
وقولي لها: أن أم عطية توصيك بتقوى الله عز وجل ولا تمنعي الماعون قالت: فقلت:
ما الماعون؟ فقالت لي: هبلت هي المهنة يتعاطاها الناس بينهم * ومن طريق يحيى بن سعيد
أيضا وعبد الرحمن بن مهدي قال ابن مهدي: عن سفيان الثوري وقال يحيى: عن شعبة
ثم اتفقا عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن عياض عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا: الماعون منع القدر. والفاس. والدلو * ومن طريق ابن علية وسفيان الثوري
كلاهما عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في تفسير الماعون المذكور في الآية
قال ابن علية في رواية: متاع البيت، وقال سفيان في روايته: هي العارية والمعنى
واحد * ورويناه أيضا عن علي بن أبي طالب من طريق ابن أبي شيبة عن ابن علية عن
ليث عن أبي إسحاق، وهؤلاء كلهم حجة في اللغة * وروينا عن ابن عمر هو المال يمنع
حقه وهو موافق لما ذكرنا وهو قول عكرمة. وإبراهيم وغيرهما، وما نعلم عن أحد
من الصحابة رضي الله عنهم خلافا لهذا * فان قيل: قد روى عن علي رضي الله عنه أنها
الزكاة قلنا: نعم ولم يقل ليست العارية ثم قد جاء عنه أنها العارية فوجب جمع قوليه، فان
قيل: قد روى عن ابن عباس لم يأت أهلها بعد من طريق ليث عن مجاهد قلنا: نعم وهذا
168

غير مخالف لما صح عنه من طريق مجاهد لان معنى قوله لم يأت أهلها بعد أي أن الناس اليوم
يتباذلون ولا يمنعون وسيأتي زمان يمنعونه، ولا يحتمل البتة قول ابن عباس الا هذا
الوجه وبالله تعالى التوفيق *
وأما منع ذلك لمدة مسماة فلانه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، وكذلك
من أعار أرضا للبناء فيها أو حائطا للبناء عليه فله أخذه بهدم بنائه متى أحب بلا تكليف
عوض لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وأن من أضاع
ما يستعير أو جحده ولم يؤمن ذلك منه فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن إضاعة المال
ونهى الله تعالى عن التعاون على الاثم والعدوان فلا يجوز عونه على ذلك وبالله
تعالى التوفيق *
1650 مسألة والعارية غير مضمونة ان تلفت من غير تعدى المستعير
وسواء ما غيب عليه من العوارى وما لم يغب عليه منها فان ادعى عليه أنه تعدى أو أضاعها
حتى تلفت أو عرض فينا عارض فان قامت بذلك بينة أو أقر ضمن بلا خلاف وان لم تقم
بينة ولا أقر لزمته العين وبرئ لأنه مدعى عليه وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
باليمين على المدعى عليه *
وأما تضمينها فان الناس اختلفوا فقالت طائفة: كما قلنا، وقالت طائفة: هي مضمونة
على كل حال بأي وجه تلفت، وقالت طائفة: لا يضمن الا أن يشترط المعير ضمانها
فيضمن حينئذ، وقالت طائفة: لا ضمان على المستعير غير المغل يعنى المتهم وقال
قائل: اما ما غيب عليه كالحلي والثياب ونحو ذلك فيضمن جملة، وقد روى عنه أنه قال:
ان قامت له بينة بأنها تلفت من غير فعله فلا ضمان عليه وان لم تقم بينة فهو ضامن وأما
ما ظهر كالحيوان ونحوه فلا ضمان فيه ما لم يتعد *
قال أبو محمد: وهذا قول مالك وما نعلم له فيه سلفا الا عثمان البتي وحده وما نعلم لهم
حجة أصلا الا أنهم قالوا: نتهم المستعير فيما غاب فقلنا: ليس بالتهمة تستحل أموال
الناس لأنها ظن والله تعالى قد أنكر اتباع الظن فقال تعالى: (إن يتبعون الا الظن وان
الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن أكذب
الحديث) ويلزمكم إذا أعملتم الظن أن تضمنوا المتهم ولا تضمنوا من لا يتهم كما يقول
شريح ويلزمكم أن تضمنوا الوديعة أيضا بهذه التهمة، وفساد هذا القول أظهر من أن
يتكلف الرد عليه بأكثر مما أوردنا وبالله تعالى التوفيق * وقال بعضهم: قسناه عليه الرهن
فقلنا: هذا قياس للخطأ على الخطأ وحجة لقولكم بقولكم وكلاهما خطأ، وقال بعضهم:
169

لما اختلف السلف في تضمين العاوية توسطنا قولهم قلنا لهم: وعن هذا سألناكم من أين
فعلتم هذا؟ وملتم إلى هذا التقسيم الفاسد ولا سبيل إلى دليل أصلا لا من قرآن. ولا من سنة.
ولا رواية سقيمة. ولا قياس. ولا قول صاحب. ولا رأى له وجه فسقط هذا القول *
وأما من قال: لا ضمان على المستعير غير المغل ولا على المستودع غير المغل فهو قول
شريح رويناه من طريق عبد الرزاق سمعت هشام بن حسان يذكر عن محمد بن سيرين عن
شريح هذا القول، وقال: المغل المتهم وهو يبطل بما بطل به قول مالك لأنه بناه على
التهمة وهو ظن فاسد، وأما من قال: لا ضمان على المستعير الا أن يشترط عليه الضمان
فهو قول قتادة. وعثمان البتي رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة *
قال أبو محمد: وهذا باطل لأنه شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل ولقد
كان يلزم الحنيفيين. والمالكيين المجيزين للشروط الفاسدة بالخبر المكذوب (المسلمون
عنده شروطهم) أن يقولوا بقول قتادة ههنا ولكن لا مؤنة عليهم من التناقض فبطل هذا
القول أيضا ولم يبق الا القول من ضمنها جملة أو قولنا فنظرنا في قول من ضمنها جملة
فوجدنا ما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن عيينة هو سفيان. عن عمرو بن دينار
عن ابن أبي مليكة. وعبد الرحمن بن السائب قال ابن أبي مليكة: عن ابن عباس وقال
ابن السائب: عن أبي هريرة قالا جميعا: العارية تغرم * ومن طريق ابن وهب عن
رجال من أهل العلم عن ابن عمر أنه كان يضمن العارية * ومن طريق عبد الرزاق عن
معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال في قضية معاذ بن جبل: العارية مؤداة، وكان شريح
يضمن العارية وضمنها الحسن ثم رجع عن ذلك، وصح عن مسروق أيضا. وعن
عطاء بن أبي رباح وذكره ابن وهب عن يحيى بن سعيد الأنصاري: وربيعة وذكرا
أنه قول علمائهم الذين أدركوا وبه كانوا يقضون، وذكره أيضا عن سليمان
ابن سيار. وعمر بن عبد العزيز. ومكحول. وقال الزهري: أجمع رأى القضاة على
ذلك إذ رأوا شرور الناس، وبهذا يقول الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأصحابهما واحتجوا
بقول الله تعالى: (أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فقلنا لهم: فضمنوا
بهذه الآية الوديعة فقد ضمنها عمر. وغيره ونعم هو مأمور بأدائها ما دام قادرا على
أدائها فان عجز عن ذلك فالله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فإذ ليس في وسعه
أداؤها فهو غير مكلف ذلك، وليس في هذا الآية تضمين لان أداء الغرامة هو غير أداء
الأمانة فلا متعلق لكم بهذه الآية أصلا لأنه ليس فيها أداء غيرها ولا ضمانها، واحتجوا
بما جاء في ادراع صفوان بن أمية. وبما روى العارية مؤداة والزعيم غارم وكلاهما
170

لا يصح، اما خبر دروع صفوان فإننا رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الرحمن بن محمد
ابن سلام نا يزيد بن هارون أنا شريك هو ابن عبد الله القاضي عن عبد العزيز بن رفيع عن
أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين ادراعا فقال:
غصب يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة) شريك مدلس للمنكرات إلى الثقات وقد روى
البلايا والكذب الذي لاشك فيه عن الثقات * ومن طريق الحارث بن أبي أسامة نا يحيى
ابن أبي بكير نا نافع عن صفوان بن أمية أنه استعار منه النبي صلى الله عليه وسلم سلاحا فقال: مضمونة
قال: مضمونة، الحارث متروك. ويحيى بن أبي بكير لم يدرك نافعا وأعلى من عنده شعبة
ولا نعلم لنافع سماعا من صفوان أصلا والذي لا شك فيه فان صفوان مات أيام عثمان قبل
الفتنة * ومن طريق ابن وهب عن أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه أن صفوان
ابن أمية (أعار رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحا فقال: أعارية مضمونة أم غصب؟ فقال: بل عارية
مضمونة) هذا منقطع لان محمد بن علي لم يدرك صفوان ولا ولد الا بعد موته بدهر *
ومن طريق مسدد نا أبو الأحوص نا عبد العزيز بن رفيع عن عطاء بن أبي رباح عن ناس
من آل صفوان بن أمية (استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان سلاحا فقال صفوان:
أعارية أم غصب؟ قال: بل عارية ففقدوا منها درعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن شئت
غرمناها لك فقال: يا رسول الله انه في قلبي من الايمان ما لم يكن يومئذ) هذا عن ناس لم
يسموا * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن سليمان نا عبيد الله بن موسى أنا إسرائيل عن
عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
استعار من صفوان بن أمية دروعا فهلك بعضها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان شئت غرمناها لك
قال: لا يا رسول الله) إسرائيل ضعيف ثم ليس فيه قوله عليه الصلاة والسلام: ان شئت
غرمناها لك لو صح بيان بوجوب غرمها إذا لم يكن ههنا غير هذا اللفظ، والأموال المحرمة
لا يجوز القضاء باباحتها بغير بيان جلى ومن طريق ابن وهب عن ابن جريج. ويونس.
وعبيد الله بن عمر قال ابن جريج عن عطاء وقال يونس عن ربيعة. وقال ابن عمر عن الزهري
فذكر دروع صفوان وان النبي صلى الله عليه وسلم قال: بل طوعا وهي علينا ضامنة هذا مرسل *
ومن طريق ابن وهب عن مسلمة بن علي عن بعض أهل العلم أنه بلغه ان في شرط أهل اليمن من
النبي صلى الله عليه وسلم إن كان بأرض اليمن كون أو حدث ان يعطوا رسل اليمن ثلاثين بعيرا وثلاثين
فرسا، وثلاثين درعا وهم ضامنون لها حتى يردوها، هذا مردد في الضعف منقطع وعمن لم
يسم. ومسلمة بن علي ساقط * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن عمرو بن دينار شرط
رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل نجران عارية ثلاثين فرسا وثلاثين درعا وثلاثين رمحا فان ضاع
171

منها شئ فهو ضامن على رسله، شهد المغيرة بن شعبة. وأبو سفيان بن حرب. والأقرع
ابن حابس، هذا منقطع لم يدرك عمرو من هؤلاء أحدا * ورويناه أيضا من طريق هشيم عن
حصين مرسل، وقد روينا من ابن أبي شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع
عن اياس بن عبد الله بن صفوان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أراد حنينا قال لصفوان: هل
عندك من سلاح؟ قال: عارية أم غصبا قال: لا بل عارية فأعاره ما بين الثلاثين إلى
الأربعين درعا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: انا قد فقدنا من أدراعك أدراعا فهل نغرم لك؟ فقال: لا يا رسول الله ان في قلبي
اليوم ما لم يكن) فهذا مرسل كتلك وهو يبين انها غير مضمونة في الحكم * واحتجوا بما
رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم سمعت أبا امامة
الباهلي قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع يقول: العارية مؤداة والدين مقضى
والزعيم غارم) إسماعيل بن عياش ضعيف * وروينا أيضا العارية مؤداة من طريق أحمد
ابن شعيب عن عبد الله بن الصباح نا المعتمر بن سليمان سمعت الحجاج بن القرافصة حدثني محمد
ابن الوليد عن أبي عامر الهوزني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الحجاج مجهول *
ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن منصور نا الهيثم بن خارجة نا الجراح بن مليح
حدثني حاتم بن حريث الطائي سمعت أبا امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حاتم بن حريث مجهول *
ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن حيان الليثي عن رجل منهم قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (العارية مؤداة والمنحة مرودة) ابن لهيعة لا شئ * ومن طريق
البزار نا عبد الله بن شبيب نا إسحاق بن محمد الفروي نا عبد الله بن عمر عن زيد بن أسلم عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (العارية مؤداة) الفروي ضعيف. وعبد الله بن عمر هو العمرى
الصغير ضعيف ثم لو صحت هذه الألفاظ لما كان فيها الا أنها مؤداة وهكذا نقول إن أداءها
فرض والتضمين غير الأداء وليس فيه انها مضمونة أصلا فبطل تلعقهم بشئ منها *
وذكروا ما روينا من طريق شعبة عن قتادة عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم على اليد
ما أخذت حتى تؤديه، وهذا منقطع لان قتادة لم يدرك سمرة * ورويناه من طريق يحيى
ابن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) الحسن لم يسمع من سمرة ثم لو صح
فليس فيه الا الأداء وهكذا نقول والأداء غير الضمان في اللغة والحكم، ويلزمهم إذا حملوا
هذا اللفظ على الضمان أن يضمنوا بذلك المرهون والودائع لأنها مما قبضت اليد، وكل
172

هذا قد قال بتضمينه طوائف من الصحابة فمن بعدهم (1) فظهر تناقضهم * وقد روينا
من طريق أحمد بن شعيب أنا إبراهيم بن المستمر نا حبان بن هلال نا همام بن يحيى نا
قتادة عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه قال: قال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (إذا أتتك رسلي فاعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا فقلت: يا رسول الله
أعارية مضمونة أم عارية مؤداة؟ قال: بل عارية مؤداة) فهذا حديث حسن ليس
في شئ مما روى في العارية خبر يصح غيره، وأما ما سواه فلا يساوى الاشتغال به: وقد
فرق فيه بين الضمان. والأداء وأوجب في العارية الأداء فقط دون الضمان فبطل كل
ما تعلقوا به من النصوص * وقالوا: وجدنا كل ما يقبضه بعض الناس من بعض من
الأموال ينقسم ثلاثة أقسام. أحدها قسم منفعة للدافع دون المدفوع إليه كالوديعة والوكالة
فهذا غير مضمون فواجب أن يكون كل ما في هذا الباب كذلك وثانيها قسم منفعة الدافع
والمدفوع إليه معا كالقراض وقد اتفقنا على أنه غير مضمون فوجب أن يكون الزمن وكل
ما في هذا الباب كذلك، وثالثها ما منفعته للمدفوع إليه دون الدافع كالقرض وقد صح
الاجماع على أنه مضمون فوجب أن تكون العارية وكل ما في هذا الباب كذلك *
قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل الا انه من المليح المموه من مقاييسهم
وانهم ليسفكون الدماء ويبيحون الفروج والأموال والابشار لأقل من هذا كقياسهم في
الصداق وفى جلد الشارب قياسا على القاذف. والقود للكافر من المؤمن. وفاعل فعل (2) قوم
لوط وسائر قياساتهم الا اننا نعارض هذا القياس بمثله وهو أن العارية دفع مال بغير عوض
كالوديعة، وأيضا فان ما بلى منها في اللباس وفيما استعيرت له فنقص منها بلا تعد فلا ضمان فيه
فكذلك سائر النقص، وهذا كله وساوس نعوذ بالله من الحكم بها في دينه *
قال على: فبقي قولنا فوجدناه قد روى عن عمر: وعلى كما روينا من طريق ابن أبي شيبة
نا وكيع عن علي بن صالح بن حي عن عبد الأعلى عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب
قال: العارية ليست بيعا ولا مضمونة إنما هو معروف الا أن يخالف فيضمن، وهذا
صحيح عن علي * ومن طريق عبد الرزاق نا قيس بن الربيع عن الحجاج بن أرطاة عن
هلال الوزان عن عبد الله بن عكيم قال عمر بن الخطاب: العارية بمنزلة الوديعة ولا
ضمان فيها الا أن يتعدى وهو قول إبراهيم النخعي. وعمر بن عبد العزيز. والزهري.
وغيرهم وهو قول أبى سليمان *
قال أبو محمد: قول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون

(1) في النسخة رقم 14 (فمن دونهم)
(2) سقط من النسخة رقم 14 لفظ (فعل)
173

تجارة عن تراض منكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام)
فصح أن مال المستعير محرم الا أن يوجبه نص قرآن أو سنة ولم يوجبه قط نص منهما
وقال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) وقال تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون
الناس ويبغون في الأرض بغير الحق) والمستعير ما لم يتعد ولا ضيع محسن فلا سبيل
عليه بنص القرآن، والغرم سبيل بيقين (1) فلا غرم عليه وبالله تعالى التوفيق *
الضيافة
1651 مسألة الضيافة فرض على البدوي. والحضري. والفقيه. والجاهل
يوم وليلة مبرة واتحاف، ثم ثلاثة أيام ضيافة ولا مزيد فان زاد فليس قراه لازما
وان تمادى على قراه فحسن، فان منع الضيافة الواجبة فله أخذها مغالبة وكيف أمكنه
ويقضى له بذلك * روينا من طريق أبى داود نا القعنبي عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن أبي شريح الكعبي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليكرم ضيفه جائزته يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام وما بعد ذلك فهو صدقة
ولا يحل له أن يثوى (2) عنده حتى يحرجه) قال أبو داود عن الحارث بن مسكين عن أشهب
عن مالك في قوله عليه الصلاة والسلام (جائزته يوم وليلة) قال مالك: يتحفه ويكرمه
ويخصه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة * ومن طريق محمد بن جعفر غندر نا شعبة نا منصور
ابن المعتمر عن الشعبي عن المقدام أبى كريمة (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليلة الضيف حق
واجب على من كان مسلما فان أصبح بفنائه فهو دين عليه ان شاء اقتضى وان شاء ترك *
ومن طريق شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص هو عوف بن مالك بن
عوف الجشمي عن أبيه (قال: قلت: يا رسول الله رجل نزلت به فلم يكرمني ولم يضفني
ولم يقرني ثم نزل بي أجزيه؟ قال بل أقره * ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح أنا الليث هو
ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قلنا: يا رسول الله انك
تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا فما ترى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان نزلتم بقوم فأمروا
لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم) *
ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أبوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة
يكفي الثمانية) * ومن طريق البخاري نا موسى بن إسماعيل نا المعتمر هو ابن سليمان

(1) في النسخة رقم 16 (متيقن) أي يقيم
174

التيمي عن أبيه نا أبو عثمان هو النهدي عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (أن
أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب
بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس ومن كان عنده طعام خمسة فليذهب
بسادس أو كما قال (1) وان أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة) فهذا
نص ايجاب الضيافة على أهل العلم والحاضرة، وهذه أخبار متواترة عن جماعة من الصحابة
لا يحل لاحد مخالفتها * روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن أبي عوف عن
محمد بن عبيد الله الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (أن ناسا من الأنصار سافروا فأرملوا
فمروا بحي من العرب فسألوهم القرى فأبوا عليهم فسألوهم الشراء فأبوا فضبطوهم فأصابوا
منهم فاتت الاعراب عمر بن الخطاب فأشفقت الأنصار فقال عمر: تمنعون ابن السبيل؟
ما يخلف الله تعالى في ضروع الإبل بالليل والنهار ابن السبيل أحق بالماء من الثاوى عليه،
فهذا فعل الصحابة وحكم عمر بحضرتهم لا مخالف له منهم وبالله تعالى التوفيق، وروينا
عن مالك لا ضيافة على أهل الحاضرة ولا على الفقهاء، وهذا قول في غاية الفساد
وبالله تعالى التوفيق *
الاحباس
1652 مسألة والتحبيس وهو الوقف جائز في الأصول من الدور والأرضين
بما فيها من الغراس والبناء إن كانت فيها وفى الارحاء. وفى المصاحف. والدفاتر،
ويجوز أيضا في العبيد. والسلاح. والخيل في سبيل الله عز وجل في الجهاد فقط لا في
غير ذلك، ولا يجوز في شئ غير ما ذكرنا أصلا وفى بناء دون القاعة. وجائز للمرء أن
يحبس على من أحب أو على نفسه ثم على من شاء، وخالفنا في هذا قوم فطائفة أبطلت الحبس
مطلقا (2) وهو قول شريح، وروى عن أبي حنيفة، وطائفة قالت: لا حبس الا في سلاح
أو كراع روى ذلك عن ابن مسعود. وعلى. وابن عباس رضي الله عنهم وطائفة أجازت
الحبس في كل شئ. وفى الثياب. والعبيد، والحيوان. والدراهم. والدنانير وهو قول
مالك، وأتى أبو حنيفة بقول خالف فيه كل من تقدم والسنة والمعقول فقال: الحبس جائز
في الصحة وفى المرض الا أن للمحبس ابطاله متى شاء وبيعه وارتجاعه بنقص الحبس
الذي عقد فيه ولا يجوز بعد الموت أيضا، وهذا أشهر أقواله، وروى عنه أنه لا يجوز
الا بعد الموت، ثم اختلفوا عنه أيجوز للورثة ابطاله وهذا هو الأشهر عنه أم لا يجوز؟

(1) في النسخة رقم 14 (فليذهب بخامس أو بسادس أو كما قال)
(2) في النسخة رقم 14 جملة
175

وهذا قول يكفي ايراده من فساده لأنه لم تأت به سنة ولا أيده قياس ولا يعرف عن أحد
قبله، وتفريق فاسد فسقط جملة، وأما القول المروى عن علي. وابن مسعود. وابن عباس
فإنه لم يصح عن أحد منهم، أما ابن مسعود فرويناه من طريق سفيان بن عيينة عن مطرف
ابن طريف عن رجل عن القاسم هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن ابن
مسعود أنه قال: لا حبس الا في سلاح أو كراع. وهذه رواية ساقطة لأنها عن رجل لم يسم
ولان والد القاسم لا يحفظ عن أبيه كلمة وكان له إذ مات أبوه ست سنين فكيف ولده
ولا نعرفها عن ابن عباس أصلا ولا عن علي بل نقطع على أنها (1) كذب على على لان
ايقافه ينبع وغيرها أشهر من الشمس والكذب كثير، ولعل من ذهب إلى هذا يتعلق
بأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجعل ما فضل عن قوته في السلاح والكراع
قال أبو محمد: فيقال: نعم وان صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ايقاف غير الكراع والسلاح
وجب القول به أيضا وقد صح ذلك فبطل أيضا هذا القول * وأما من أبطل الحبس جملة
فان عبد الملك بن حبيب روى عن الواقدي قال: مامن أحد من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم الا وقد أوقف وحبس أرضا الا عبد الرحمن بن عوف فإنه كان يكره الحبس،
وهذه رواية أخباث فإنها زادت ما جاءت فيه ضعفا ولعله قبلها كان أقوى وأما مالك
ومن قلده فإنهم احتجوا بأنهم قاسوا على ما جاء فيه النص ما لا نص فيه
قال أبو محمد: والقياس كله باطل فكيف والنص يبطله لان ايقاف الشئ لغير
مالك من الناس واشتراط المنع من أن يورث أو يباع أو يوهب شروط ليست في كتاب
الله عز وجل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له
وان شرط مائة مرة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) فصح أنه لا يجوز من هذه
الشروط الا ما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على جوازه فقط فكان ذلك في كتاب الله تعالى
لقوله عز وجل: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) ولقوله تعالى: (لتحكم
بين الناس بما أراك الله) لا سيما الدنانير. والدراهم وكل ما لا منفعة فيه الا باتلاف عينه
أو اخراجها عن ملك إلى ملك فهذا هو نقض الوقف وابطاله، ويمكن أن يحتجوا بما
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث أشياء من صدقة
جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فهذا لا حجة لهم فيه لان الصدقة الجارية
لاشك في أنه عليه الصلاة والسلام لم يعن بها الا ما أجازه من الصدقات لا كل ما يظنه المرء
صدقة كمن تصدق بمحرم أو شرط في صدقته شرطا ليس في كتاب الله عز وجل، فصح

(1) في النسخة رقم 14 نقطع بأنها
176

أن الصدقة الجارية الباقي أجرها بعد الموت إما صدقة مطلقة فيما تجوز الصدقة به مما
صح ملك المتصدق به عليه ولم يشترط فيها شرطا مفسدا، وإما صدقة موقوفة فيما يجوز
الوقف فيه فصح أنه ليس في هذا الخبر حجة فيما يختلف فيه من الصدقات أيجوز أم لا
كمن تصدق بصدقة لم يجزها المتصدق عليه وكمن تصدق في وصيته على وارث أو بأكثر
من الثلث. ولا بمحرم كمن تصدق بخمر، أو خنزير وإنما فيه أن الصدقة الجائزة (1)
المتقبلة يبقى أجرها بعد الموت فقط فبطل هذا القول جملة لتعريه من الأدلة وبالله
تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: احتج من لم ير الحبس جملة بما روينا من طريق سفيان بن عيينة عن
مسعر بن كدام عن أبي عون هو محمد بن عبيد الله الثقفي قال: قال لي شريح: جاء
محمد باطلاق الحبس * وبما رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب أنه
سمع شريحا وسئل فيمن مات وجعل داره حبسا؟ فقال: لا حبس عن فرائض الله *
قال على: هذا منقطع بل الصحيح خلافه، وهو أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء باثبات
الحبس نصا على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى فكيف وهذا اللفظ يقتضى أنه قد كان
الحبس وقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بابطاله وهذا باطل يعلم بيقين لان العرب لم تعرف في
جاهليتها الحبس الذي اختلفنا فيه إنما هو اسم شريعي وشرع اسلامي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
كما جاء بالصلاة. والزكاة. والصيام ولولاه عليه الصلاة والسلام ما عرفنا شيئا من هذه
الشرائع ولا غيرها فبطل هذا الكلام جملة، وأما قوله: لا حبس عن فرائض الله
فقول فاسد لأنهم لا يختلفون في جواز الهبة والصدقة في الحياة والوصية بعد الموت وكل
هذه مسقطة لفرائض الورثة عما لو لم تكن فيه لورثوه على فرائض الله عز وجل فيجب
بهذا القول ابطال كل هبة وكل صدقة وكل وصية لأنها مانعة من فرائض الله تعالى
بالمواريث، فان قالوا: هذه شرائع جاء بها النص قلنا: والحبس شريعة جاء بها النص ولولا
ذلك لم يجز، واحتجوا بما رويناه (2) من طريق العقيلي نا روح بن الفرج نا يحيى بن
بكير نا ابن لهيعة عن أخيه عيسى عن عكرمة عن ابن عباس لما نزلت سورة النساء قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حبس بعد سورة النساء)
قال أبو محمد: هذا حديث موضوع وابن لهيعة لا خير فيه وأخوه مثله وبيان وضعه أن
سورة النساء أو بعضها نزلت بعد أحد يعنى آية المواريث وحبس الصحابة بعلم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعد خيبر وبعد نزول المواريث في سورة النساء وهذا أمر متواتر جيلا بعد جيل

(1) في النسخة رقم 14 (الجارية)
(2) في النسخة رقم 16 روينا
177

ولو صح هذا الخبر لكان منسوخا باتصال الحبس بعلمه عليه الصلاة والسلام إلى أن مات،
وذكروا أيضا ما رويناه من طريق ابن وهب نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار. ومحمد.
و عبد الله ابني أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم كلهم عن أبي بكر بن محمد قال: (ان عبد الله
ابن زيد بن عبد ربه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله كان حائطي هذا صدقة وهو إلى الله
ورسوله فجاء أبواه فقالا: يا رسول الله كان قوام عيشنا فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما
ابنهما) زاد بعضهم (موقوفة) وهي زيادة غير صحيحة وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه، أولها
أنه منقطع لان أبا بكر لم يلق عبد الله بن زيد قط، والثاني أن فيه أنه قوام عيشهم وليس
لاحد ان يتصدق بقوام عيشه بل هو مفسوخ ان فعله فهذا الخبر لو صح لكان حجة لنا عليهم
وموافقا لقولنا ومخالفا لقولهم (1) في اجازتهم الصدقة لما لا يبقى للمرء بعده غنى، والثالث أن
لفظة (موقوفة) إنما انفرد بها من لا خير فيه، وموهوا باخبار نحو هذا ليس في شئ منها ذكر
الوقف وإنما فيها صدقة وهذا لا ننكره، وقال بعضهم: قد كان شريح لا يعرف الحبس
ولو كان صحيحا لم يجز ان يستقضى من لا يعرف (2) مثل هذا *
قال أبو محمد: لو استحيا قائل هذا لكان خيرا له. وهلا قالوا هذا في كل ما خالفوا فيه
شريحا، وأي نكرة في جهل شريح سنة وألف سنة والله لقد غاب عن ابن مسعود نسخ
التطبيق، ولقد غاب عن أبي بكر ميراث الجدة ولقد غاب عن عمر اخذ الجزية من المجوس
سنين: واجلاء الكفار من جزيرة العرب إلى آخر عام من خلافته، وبمثل هذا لو تتبع
لبلغ أزيد من ألف سنة غابت عمن هو أجل من شريح ولو لم يستقض. الا من لا تخفى عليه
سنة ولا تغيب عن ذكره ساعة من دهره حكم من أحكام القرآن ما استقضى أحد ولا قضى
ولا أفتى أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن من جهل هذر ومن علم غبط، وقالوا: الصدقة
بالثمرة التي هي الغرض من الحبس يجوز فيها البيع فذلك في الأصل أولى *
قال على: هذا قياس والقياس كله باطل ثم هو قياس فاسد لان النص ورد بالفرق
بينهما كما نذكر إن شاء الله تعالى من ايقاف الأصل وحبسه وتسبيل الثمرة فهذا اعتراض
منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على غيره والقوم مخاذيل، وقالوا: لما كانت الاحباس
تخرج إلى غير مالك بطل ذلك كمن قال: أخرجت داري عن ملكي *
قال أبو محمد: وهذه وساوس بأن الحبس ليس اخراجا إلى غير مالك بل إلى أجل
المالكين وهو الله تعالى كعتق العبد ولا فرق ثم قد تناقضوا فأجازوا تحبيس المسجد والمقبرة
واخراجهما إلى غير مالك وأجازوا الحبس بعد الموت في أشهر أقوالهم فبلحوا عند هذه

(1) في النسخة رقم 16 (وخلافا لقولهم)
(2) في النسخة رقم 14 ان يجهل
178

فقالوا: المسجد اخراج إلى المصلين فيه فقلنا: كذبتم لأنهم لا يملكونه بذلك وصلاتهم
فيه كصلاتهم في طريقهم في قضاء متملك ولا فرق، وقالوا: إنما خرجت عن ملكه
بموته فقلنا: فأجيزوا بهذا من أوصى فقال: تخرج داري بموتى عن ملكي إلى غير
مالك ولا فرق لان هذا القول نظير الحبس عندكم في الحياة فوجب أن يكون نظيره
في الموت ولا فرق، وقالوا: لما كانت الصدقات لا تجوز الا حتى تحاز وكان الحبس
لا مالك له وجب أن يبطل فقلنا: هذا احتجاج للخطأ وقد أبطلنا قولكم: ان
الصدقة لا تصح حتى تقبض وبينا أنه رأى من عمر، وعثمان رضي الله عنهما قد خالفهما
غيرهما فيه كابن مسعود. وعلى رضي الله عنهما فكيف والحبس خارج إلى قبض
الله عز وجل له الذي هو وارث الأرض ومن عليها وكل شئ بيده وفى قبضته؟ وقد
أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة أبى طلحة لله تعالى دون أن يذكر متصدقا عليه ثم أمره
عليه الصلاة والسلام أن يجعلها في أقاربه وبنى عمه وبالله تعالى التوفيق * ومن عجائب
الدنيا المخزية لهم احتجاجهم في هذا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق الهدى في الحديبية
وقلدها وهذا يقتضى ايجابه له ثم صرفها عما أوجبها له وجعلها للاحصار ولذلك
أبدلها عاما ثانيا *
قال أبو محمد أول ذلك كذبهم في قولهم وهذا يقتضى ذلك ايجابه له وما اقتضى
ذلك قط ايجابه لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينص (1) على أنه صار التطوع بذلك
واجبا بل أباح ركوب البدنة المقلدة، ومن المحال أن تكون واجبة لوجه ما (2) خارجة
بذلك عن ماله باقية في ماله، ثم كذبوا في قولهم: انه عليه الصلاة والسلام أبدله من قابل
فما صح هذا قط، ومن المجال أن يبدل عليه الصلاة والسلام هديا وضعه في حق في واجب
ثم أي شبه بين هدى تطوع ينحر عن واجب في الاحصار عن أصحابه وعن نفسه المقدسة
في حبس، أما يستحى من هذا مقدار علمه وعقله أن يتكلم في دين الله عز وجل ثم نقول
لهم: أنتم تقولون: ان له أن يحبس ثم يفسخه. وقستموه على الهدى المذكور فاخبرونا
هل له الرجوع في الهدى بعد أن يوجبه فيبيعه هكذا بلا سبب أم لا؟ فمن قولهم: لا
فنقول لهم فهذا خلاف قولكم في الحبس إذ أجزتم الرجوع فيه بلا سبب وظهر هوس
قياسكم الفاسد البارد: ويقال لهم: هلا قستموه على التدبير الذي لا يجوز فيه الرجوع
عندكم أو هلا قستم قولكم في التدبير على قولكم في الحبس لكن أبى الله تعالى لكم
الا خلاف الحق في كلا الوجهين *

(1) في النسخة رقم 14 (لم يقض)
(2) في النسخة رقم 14 (لوجوه ما)
179

قال أبو محمد: وكل هذا فإنما هو من احتجاج من لا يرى الحبس جملة وأما قول
أبي حنيفة فكل هذا خلاف له لأنه يجيز الحبس ثم يجيز نقضه للمحبس ولورثته بعده ويجيز
امضاءه وهذا لا يعقل، ونسوا احتجاجهم بالمسلم عند شرطه: وأوفوا بالعقود *
قال أبو محمد: فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها فلنذكر البرهان على صحة قولنا بحول
الله تعالى وقوته * روينا من طريق البخاري نا مسدد نا يزيد بن زريع نا ابن عون عن نافع
عن ابن عمر قال: (أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أصبت أرضا لم أصب
قط مالا أنفس منه فكيف تأمر به؟ فقال: ان شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق
بها عمر انه لا يباع أصلها ولا تورث في الفقراء. والقربى. والرقاب. وفى سبيل الله.
والضيف. وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير
متمول فيه ومن طريق أحمد بن شعيب أنا سعيد بن عبد الرحمن المكي نا سفيان بن عيينة
عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: ان المائة سهم التي بخيبر لم
أصب مالا قط هو أعجب إلى منها وقد أردت أن أتصدق بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: احبس
أصلها وسبل ثمرتا) ورويناه أيضا من طريق حامد بن يحيى البلخي عن سفيان بن عيينة
عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله وفيه (احبس الأصل وسبل الثمرة) وحبس
عثمان بئر رومة على المسلمين بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل ذلك الخلف عن السلف جيلا بعد
جيل وهي مشهورة بالمدينة، وكذلك صدقاته عليه السلام بالمدينة مشهورة كذلك وقد
تصدق عمر في خلافته بثمغ وهي على نحو ميل من المدينة وتصدق بماله وكان يغل مائه وسق
بوادي القرى كل ذلك حبسا وقفا لا يباع ولا يشترى أسنده إلى حفصة ثم إلى ذوي الرأي
من أهله، وحبس عثمان. وطلحة. والزبير. وعلي بن أبي طالب. وعمرو بن العاص
دورهم علي بنيهم وضياعا موقوفة، وكذلك ابن عمر. وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسائر الصحابة جملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشمس لا يجهلها أحد، وأوقف عبد الله
ابن عمرو بن العاص الوهط علي بنيه، اختصرنا الأسانيد لاشتهار الامر ومن طريق
مسلم نا زهير بن حرب نا علي بن حفص نا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله) في
حديث * ومن طريق محمد بن بكر البصري نا أبو داود نا الحسن بن الصباح نا شبابة هو
ابن سوار عن ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: (النبي صلى الله عليه وسلم
وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس أدراعه وأعبده في سبيل الله) في حديث (1) *

(1) ومن هذا الباب أيضا تحبيس عمر رضي الله عنه فرسا في سبيل الله، وحديثه مشهور.
180

قال أبو محمد: الاعتاد جمع عتد وهو الفرس قال القائل:
راحوا بصائرهم على أكتافهم * وبصيرتي تعدو بها عتدوأى
والأعبد جمع عبد، وكلا اللفظين صحيح فلا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر *
ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سيعد نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن مالك بن أوس بن
الحدثان عن عمر بن الخطاب قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق على أهله قوت سنة وما بقي
يجعله في الكراع والسلاح في سبيل الله عز وجل) الكراع الخيل فقط، والسلاح في لغة
العرب السيوف. والرماح، والقسي والنبل. والدروع. والجواشن. وما يدافع به
كالطبرزين. والدبوس. والخنجر. والسيف بحد واحد. والدرق. والتراس،
ولا يقع اسم السلاح على سرج ولا لجام ولا مهماز، وكان عليه السلام يكتب إلى الولاة
والاشراف إذا أسلموا بكتب فيها السنن والقرآن بلا شك فتلك الصحف لا يجوز تملكها
لاحد لكنها للمسلمين كافة يتدارسونها موقوفة لذلك، فهذا هو الذي يجوز فيه الحبس
فقط وأما ما لم يأت فيه نص فلا يجوز تحبيسه لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
ومن عجائب الدنيا قول من لا يتقى الله تعالى: ان صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جازت
لأنه كان لا يورث وان صدقات الصحابة رضي الله عنهم إنما جازت لان الورثة لم يردوها،
وان يونس بن عبد الأعلى روى عن ابن وهب عن مالك عن زياد بن سعد عن الزهري
أن عمر بن الخطاب قال: لولا أنى ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها *
قال أبو محمد: أما قولهم أن صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جازت لأنه لا يورث فقد
كذبوا بل لأنه عليه الصلاة والسلام جعلها صدقة فلذلك صارت صدقة هكذا روينا من طريق
قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا يوسف بن عدي نا أبو الأحوص - هو سلام بن سليم - عن أبي
إسحاق السبيعي عن عمرو بن الحارث - هو أخو جويرية أم المؤمنين - قال: (ما ترك
رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة الا بغلته البيضاء وأرضا جعلها صدقة)،
وإنما قوله: انه عليه الصلاة والسلام لم يورث فنعم وهذا لا يوجب الصدقة بأرضه بل
تباع فيتصدق بالثمن فظهر فساد قولهم (1)، وأما قولهم: إنما جازت صدقات الصحابة
رضي الله عنهم لان الورثة أجازوها فقد كذبوا ولقد ترك عمر ابنيه زيدا وأخته صغيرين
جدا، وكذلك عثمان. وعلى وغيرهم فلو كان الحبس غير جائز لما حل ترك أنصباء الصغار
تمضى حبسا، وأما الخبر الذي ذكروه عن مالك فمنكر وبلية من البلايا وكذب بلا
شك، ولا ندري (2) من رواه عن يونس ولا هو معروف من حديث مالك وهبك

(1) في النسخة رقم 14 (بطلان قولهم)
(2) في النسخة رقم 14 (وما ندري)
181

لو سمعناه من الزهري لما وجب أن يتشاغل به ولقطعنا بأنه سمعه ممن لا خير فيه كسليمان
ابن أرقم. وضربائه ونحن نبت ونقطع بأن عمر رضي الله عنه لم يندم على قبوله أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اختاره له في تحبيس أرضه وتسبيل ثمرتها والله تعالى يقول: (وما
كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) وليت
شعري إلى أي شئ كان يصرف عمر تلك الصدقة لو ترك ما أمره به عليه الصلاة والسلام
فيها حاش لعمر من هذا، وزادوا طامة وهي ان شبهوا هذا بتندم عبد الله بن عمرو بن العاص
إذ لم يقبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم ثلاثة أيام من كل شهر *
قال أبو محمد: ليت شعري أين ذهبت عقولهم؟ وهل يندم عبد الله الا على ما يحق
التندم عليه من تركه الامر الذي أشار به عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مرة ووقف عند المشورة
الأخيرة وهذا ضد ما نسبوا (1) إلى عمر مما وضعه عليه من لا يسعد الله جده من رغبته
عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة لا ندري إلى ماذا؟ فوضح فساد قول هؤلاء المحرومين جملة
ولله الحمد * وأما قولنا جائز ان يسبل المرء على نفسه وعلى من شاء فلقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(ابدأ بنفسك فتصدق عليها) وقال لعمر: (تصدق بالثمرة) فصح بهذا جواز صدقته
على نفسه وعلى من شاء، وهو قول أبى يوسف: وغيره وبالله تعالى التوفيق *
1653 مسألة ولا يبطل الحبس ترك الحيازة فان استغله المحبس ولم
يكن سبله على نفسه فهو مضمون عليه كالغصب ولا يحل الا فيما أبقى غنى وهو جائز في المشاع
وغير المشاع فيما ينقسم وفيما لا ينقسم والحجة في ذلك قد ذكرناها في كلامنا في الهبات
والصدقات ولله الحمد كثيرا *
1654 مسألة والتسوية بين الولد فرض في الحبس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اعدلوا بين أبنائكم) فان خص به بعض بنيه فالحبس صحيح ويدخل سائر الولد في
الغلة والسكنى مع الذي خصه * برهان ذلك أنهما فعلان متغايران بنص كلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم، أحدهما تحبيس الأصل فباللفظ تحبيسه يصح لله تعالى بائنا عن مال المحبس،
والثاني التسبيل والصدقة فان وقع فيها حيف رد ولم يبطل خروج الأصل محبسا لله
عز وجل ما دام الولد أحياء، فإذا مات المخصوص بالحبس رجع إلى من عقب عليه بعده
وخرج سائر الولد عنه لان المحاباة قد بطلت وبالله تعالى التوفيق *
1655 مسألة ومن حبس داره أو أرضه ولم يسبل على أحد فله أن يسبل
الغلة ما دام حيا علي من شاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وسبل الثمرة) فله ذلك ما بقي

(1) في النسخة رقم 16 (ما نسبوه)
182

فان مات ولم يفعل كانت الغلة لأقاربه وأولى الناس به حين موته، وكذلك من سبل
وحبس على منقطع فإذا مات المسبل عليه عاد الحبس على أقرب الناس بالمحبس يوم المرجع *
برهان ذلك ما رويناه من طريق مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة سمع أنس
ابن مالك يقول: (كان أبو طلحة أكثر أنصاري المدينة مالا من نخل فقال: يا رسول الله
ان الله عز وجل يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وان أحب أموال إلى
بيرحاء وانها صدقة لله عز وجل أرجو برها وزهوها عند الله فضعها يا رسول الله حيث
أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلام: (ثم إني أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها
أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه) *
1656 مسألة ومن حبس على عقبه وعلى عقب عقبه أو على زيد وعقبه فإنه
يدخل في ذلك البنات والبنون ولا يدخل في ذلك بنو البنات إذا كانوا ممن لا يخرج بنسب
آبائه إلى المحبس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شئ واحد)
وأعطاهم من سهم ذي القربى ولم يعط عثمان ولا غيره وجدة عثمان بنت عبد المطلب
فلم يدخل في بني هاشم إذ لم يخرج بنسب أبيه إليه وإن كان خارجا بنسب أمه إليه وهي أروى
بنت البيضاء بن عبد المطلب، وأعطى العباس وأمه نمرية وبالله تعالى التوفيق *
1657 مسألة ومن حبس وشرط أن يباع ان احتيج صح الحبس لما
ذكرنا من خروجه بهذا اللفظ إلى الله تعالى وبطل الشرط لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى
وهما فعلان متغايران الا أن يقول: لا أحبس هذا الحبس الا بشرط أن يباع، فهذا لم
يحبس شيئا لان كل حبس لم ينعقد الا على باطل فلم ينعقد أصلا وبالله تعالى التوفيق *
تم كتاب المنح والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم تسليما
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب العتق
1658 مسألة العتق فعل حسن لا خلاف في ذلك *
1659 مسألة ولا يحل للمرء أن يعتق عبده أو أمته الا لله عز وجل لا لغيره
ولا يجوز أخذ مال على العتق الا في الكتابة خاصة لمجئ النص بها، وقال بعض القائلين:
ان قال لعبده: أنت حر للشيطان نفذ ذلك *
قال أبو محمد: وهذا خلاف قول الله عز وجل: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل
عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وقال عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا
183

الله مخلصين له الدين) والعتق عبادة فإذا كانت لله تعالى خالصة جازت وإذا كانت لشريك
معه تعالى أو لغيره محضا بطلت لأنها وقعت بخلاف ما أمر الله تعالى، ثم لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فوجب رد هذا العتق وابطاله *
وروينا من طريق شبعة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أنه يقول: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه
غيري فأنا منه برئ وليلتمس ثوابه منه) *
1660 مسألة ومن قال: ان ملكت عبد فلان فهو حر أو قال: ان اشتريته
فهو حر أو قال: ان بعت عبدي فهو حر أو قال: شيئا من ذلك في أمة لسواه أو أمة له ثم
ملك العبد والأمة أو اشتراهما أو باعهما لم يعتقا بشئ من ذلك * أما بطلان ذلك في
عبد غيره وأمة غيره فلما رويناه من طريق مسلم حدثني زهير بن حرب نا إسماعيل بن
إبراهيم هو ابن علية نا أيوب هو السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران
ابن الحصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد
وأما بطلان ذلك في عبده وأمته فلانه إذ باعهما فقد بطل ملكه عنهما ولا وفاء
لعقده فيما لا يملكه * روينا من طريق حماد بن سلمة أنا زياد الأعلم عن الحسن البصري
فيمن قال لآخر: ان بعت غلامي هذا منك فهو حر فباعه منه قال الحسن: ليس بحر ثم
قال: ولو قال لآخر ان اشتريته منك فهو حر ثم اشتراه (1) منه فليس بحر، وهو قول
أبى سليمان. وأصحابنا، واختلف الحاضرون في ذلك فقال الشافعي: ان قال: ان بعت
غلامي فهو حر فباعه فهو حر، فان قال: ان اشتريت غلام فلان فهو حر فاشتراه فليس
بحر، واحتج بعض أصحابه لقوله هذا بأنه إذا باعه فهو في ملكه بعد ما لم يتفرقا
فلذلك عتق *
قال أبو محمد: وهذا باطل لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا بيع بينهما حتى يتفرقا فصح
أنه لم يبعه بعد فإذا تفرقا فحينئذ باعه ولا عتق له في ملك غيره؟ وقال أبو حنيفة وسفيان:
بعكس قول الشافعي وهو أنهما قالا: ان قال: ان بعث (2) عبدي فهو حر فباعه لم
يكن حرا بذلك، فان قال: ان اشتريت عبد فلان فهو حر فاشتراه فهو حر، وقال مالك:
من قال: ان بعت عبدي فهو حر فباعه فهو حر وان قال: ان اشتريت عبد فلان فهو حر
فاشتراه فهو حر فلو قال: ان بعت عبدي فهو حر، وقال آخر: ان اشتريت عبد فلان
فهو حر ثم باعه منه فإنه يعتق على البائع لا على المشتري، وقد روينا هذا القول عن

(1) في النسخة رقم 14 (فاشتراه)
(2) في النسخة رقم 14 (ان قال بعت)
184

إبراهيم النخعي والحسن أيضا، وهذا تناقض منه وكلاهما يلزمه عتقه (1) عتقه بقولهما
فقال بعض مقلديه: هو مرتهن بيمين البائع *
قال أبو محمد: وهذا تمويه لأنه يعارضه الحنفي فيقول: بل هو مرتهن بيمين المشترى
ويعارضه آخر فيقول: بل هو مرتهن بيمينهما جميعا فيعتق عليهما جميعا، وقال حماد
ابن أبي سليمان: يعتق على المشترى ويشترى البائع بالثمن عبدا فيعتقه وهذا عجب عجيب
ليت شعري كيف يجوز عنده بيعه لمن نذر عتقه ثم يلزمه عتقا فيما لم ينذر عتقه وهذه صفة
الرأي في الدين، ونحمد الله على عظيم نعمته *
1661 مسألة ولا يجوز عتق بشرط أصلا ولا باعطاء مال الا في الكتابة
فقط ولا بشرط خدمة ولا بغير ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب
الله تعالى فهو باطل) فان ذكر ذاكر ما روينا من طريق حماد بن سلمة نا سعيد بن جمهان نا
سفينة أبو عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قالت لي أم سلمة: أريد أن
أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت (2) قلت:
ان لم تشترطي على لم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أموت قال: فأعتقتني واشترطت
على أن أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش) *
ورويناه أيضا من طريق عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن جمهان عن سفينة،
فسعيد بن جمهان غير مشهور بالعدالة بل مذكور انه لا يقوم حديثه، ثم لو صح فليس
فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف ذلك فأقره والحنيفيون. والمالكيون
والشافعيون لا يجيزون العتق بشرط أن يخدم فلانا ما عاش فقد خالفوا هذا الخبر *
وروينا من طريق ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن أبي بكر عن سالم بن عبد الله بن عمر
قال: أعتق عمر بن الخطاب كل من صلى سجدتين من رقيق الامارة واشترط على بعضهم
خدمة من بعده أن أحب سنتين أو ثلاثا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
أيوب بن موسى أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر قال: ان عمر بن الخطاب أعتق كل من صلى
من سبي العرب فبت عتقهم وشرط عليهم انكم تخدمون الخليفة بعدي ثلاث سنوات وشرط
لهم انه يصحبكم بمثل ما كنت أصحبكم به فابتاع الخيار خدمته تلك الثلاث سنوات من عثمان
بأبى فروة وخلى عثمان سبيل الخيار وقبض أبا فروة * وبه إلى ابن جريج عن موسى
ابن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه أعتق غلاما له وشرط عليه أن له عمله سنتين فعمل له بعض
سنة ثم قال له: قد تركت لك الذي اشترطت عليك فأنت حر وليس عليك عمل *

(1) في النسخة رقم 14 يلزم عتقه
(2) في نسخة ما عاش
185

ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: كان علي بن أبي طالب تصدق بعد
موته بأرض له وأعتق بعض رقيقه وشرط عليهم أن يعملوا فيها خمس سنين * ومن طريق
ابن أبي شيبة نا عباد عن حجاج عن القاسم بن عبد الرحمن عن المغيرة بن سعد بن الأخرم
عن أبيه أن رجلا اتى ابن مسعود فقال: أنى أعتقت أمتي هذه واشترطت عليها أن تلي منى
ما تلي الأمة من سيدها الا الفرج فلما غلظت رقبتها قالت: انى حرة فقال ابن مسعود: ليس
ذلك لها خذ برقبتها فانطلق بها فلك ما اشترطت عليها *
قال أبو محمد: الحنيفيون. والمالكيون. والشافعيون مخالفون لجميع هذه الآثار
لان في جميعها العتق بشرط الخدمة بعد العتق والى غير أجل وهم لا يجيزون هذا ولا يعرف
لهم من الصحابة مخالف وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق رأيهم، وأما نحن فلا حجة عندنا
في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * وروينا عن سعيد بن المسيب من أعتق عبده واشترط
خدمته عتق وبطل شرطه، رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد
عن ابن المسيب * ومن طريق ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن يحيى بن سعيد التيمي عن أبيه
عن شريح مثله، وأجازوا العتق على اعطاء مال ولا يحفظ هذا فيما نعلمه عن أحد من الصحابة
رضي الله عنهم في غير الكتابة، فان قالوا: قسنا ذلك على الكتابة قلنا: ناقضتم لأنكم
لا تجيزون في الكتابة الضمان ولا الأداء بعد العتق وتجيزون كل ذلك في العتق على المال،
ولا تجيزون في الكتابة أن يكون أمد أداء المال مجهولا وتجيزون ذلك في العتق على مال
فقد أبطلتم قياسكم فكيف والقياس كله باطل، ثم لهم في هذا غرائب فأما أبو حنيفة
فإنه قال: من قال لعبده: أنت حر على أن تخدمني أربع سنين فقبل العبد ذلك فعتق ثم مات
من ساعته فمرة قال في ماله قيمة خدمته أربع سنين وهو قول الشافعي ثم رجع فقال في ماله
قيمة رقبته قال: ومن قال لعبده: أنت حر على ألف درهم أو على أن عليك ألف درهم
فالخيار للعبد في قبول ذلك أو رده، فان قبل ذلك في المجلس فهو حر والمال دين عليه وان لم يقبل
فلا عتق له ولا مال عليه قال: فان قال له: إذا أديت إلى ألف درهم فأنت حر فله بيعه ما لم يؤدها فإذا
أداها فهو حر، وقال مالك: من قال لعبده: أنت حر على أن عليك ألف درهم لم يلزم
العبد أداؤها ولا حرية له الا بأدائها فإذا أداها فهو حر، قال: فلو قال: إن جئتني بألف درهم
فأنت حر أو متى ما جئتني بألف درهم فأنت حر فليس له ان يبيعه حتى يتلوم له السلطان
ولا ينجم عليه فان عجز عجزه السلطان وكان لسيده بيعه قال: فلو قال لعبده: أنت حر الساعة
وعليك ألف درهم فهو حر والمال عليه، قال ابن القاسم صاحبه: هو حر ولا شئ عليه *
قال أبو محمد: وهذا هو الصحيح لأنه لم يعلق الحرية بالغرم بل أمضاها بتلة بغير شرط
186

ثم ألزمه ما لا يلزمه فهو باطل، ولكن ليت شعري كم يتلوم له السلطان أساعة أم ساعتين
أم يوما أم يومين أم جمعة أم جمعتين أم حولا أم حولين؟ وكل حد في هذا فهو باطل بيقين
لأنه دعوى بلا برهان، والقول في هذا انه ان أخرج كلامه مخرج العتق بالصفة فهو لازم
لأنه ملكه فمتى ما جاءه بما قال له فهو حر له ذلك ما بقي عنده وللسيد بيعه قبل أن يستحق
العتق لأنه عبده وهذه أقوال لا تحفظ عمن قبلهم، وجعل خيارا للعبد حيث لا دليل على أن له
الخيار وبالله تعالى التوفيق *
1662 مسألة ومن قال: لله تعالى على عتق رقبة لزمته ومن قال: إن كان أمر
كذا مما لا معصية فيه فعبدي هذا حر فكان ذلك الشئ فهو حر، وقد ذكرنا هذا في كتاب
النذور، وأما من نذر رقبة فهو نذر لا عتق فيما لا يملك فهو لازم لما ذكرناه في كتاب
النذور: وقد جاء في هذا نص وهو قول معاوية بن الحكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم على لله رقبة
أفأعتقها؟ فسألها عليه السلام أين الله فأشارت إلى السماء فقال: هي مؤمنة فأعتقها فهذا نص
جلى على لزوم الرقبة لمن التزمها لله تعالى وبه عز وجل نتأيد *
1663 مسألة ولا يجوز عتق الجنين دون أمه إذا نفخ فيه الروح قبل إن
تضعه أمه ولا هبته دونها ويجوز عتقه قبل أن ينفخ فيه الروح وتكون أمه بذلك العتق
حرة وان لم يرد عتقها، ولا تجوز هبته أصلا دونها فان أعتقها وهي حامل فإن كان جنينها
لم ينفخ فيه الروح فهو حر الا ان يستثنيه فان استثناه فهي حرة وهو غير حر وإن كان قد
نفخ فيه الروح فان اتبعها إياه إذ أعتقها فهو حر وان لم يتبعها إياه أو استثناه فهي
حرة وهو غير حر، وكذلك القول في الهبة إذا وهبها سواء سواء ولا فرق، وحد نفخ
الروح فيه تمام أربعة أشهر من حملها *
برهان صحة قولنا قول الله عز وجل: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم
جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما
فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) ومن طريق *
مسلم نا الحسن بن علي الحلواني نا أبو توبة هو الربيع بن نافع نا معاوية يعنى ابن سلام أنه
سمع أبا سلام نا أبو أسماء الرحبي ان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه (أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى
المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا منى المرأة منى الرجل آنثا بإذن الله) وذكر الحديث *
ومن طريق شبعة. وسفيان كلاهما عن الأعمش نا زيد بن وهب نا عبد الله بن مسعود
قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون
187

علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات
فيكتب رزقه وعمله وأجله ثم يكتب شقى أو سيعد ثم ينفخ فيه الروح) وذكر الحديث
فهذه النصوص توجب كل ما قلنا، فصح أنه إلى تمام المائة والعشرين ليلة ماء من ماء أمه
ولحمة ومضغة من حشوتها كسائر ما في جوفها فهو تبع لها لأنه بعضها وله استثناؤه في كل
حال لأنه يزايلها كما يزايلها اللبن وإذ هو كذلك فإذا أعتق فقد أعتق بعضها فوجب بذلك
عتق جميعها لما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى * ولا تجوز هبته دونها لأنه مجهول ولا
تجوز هبة المجهول على ما ذكرنا في كتاب الهبات، وأما إذا نفخ فيه الروح فهو غيرها لان
الله تعالى سماه خلقا آخر وهو حينئذ قد يكون ذكرا وهي أنثى ويكون اثنين وهي واحدة
ويكون أسود أو أبيض وهي بخلافه في خلقه وخلقه وفى السعادة والشقاء فإذ هو كذلك
فلا تجوز هبته ولا عتقه دونها لأنه مجهول ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى الا بما تطيب
النفس عليه ولا يمكن البتة طيب النفس الا في معلوم الصفة والقدر فان أعتقها فلا عتق له
لأنه غيرها (1) فان وهبها فكذلك فان اتبعها حملها في العتق والهبة والصدقة جاز ذلك
لأنه لم يزل الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعلمه وبعده يعتقون الحوامل وينفذون
عتق حملها ويهبون كذلك ويبيعونها كذلك ويتملكونها بالقسمة كذلك ويتصدقون
ويهدون ويضحون بإناث الحيوان فيتبعون أحمالها لها (2) فتكون في حكمها وبالله تعالى
التوفيق * روينا من طريق ابن أبي شيبة نا قرة بن سليمان عن محمد بن فضالة عن أبيه
عن ابن عمر فيمن أعتق أمته واستثنى ما في بطنها قال: له ثنياه * ومن طريق محمد بن عبد الملك
ان أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا عبد الرحمن بن مهدي نا عباد بن عباد المهلبي عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه أعتق أمة له واستثنى ما في بطنها، وبه يقول عبيد الله
ابن عمر هذا اسناد كالشمس من أوله إلى آخره * ومن طريق يحيى بن سيعد القطان
نا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أنه قال في الذي يعتق أمته ويستثنى ما في بطنها
قال: ذلك له * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح فيمن أعتق
أمته واستثنى ما في بطنها قال ذلك له * ومن طريق أبي ثور نا أسباط عن سفيان الثوري
عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: من كاتب أمته واستثنى ما في بطنها فلا بأس
بذلك * ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن يمان عن سفيان الثوري عن منصور بن
المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: إذا أعتقها واستثنى ما في بطنها فله ثنياه * ومن طريق
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال: من أعتق أمته واستثنى ما في

(1) في النسخة رقم 14 (لأنها غيرها)
(2) في النسخة رقم 14 (فيتبعوا أحمالها).
188

بطنها فذلك له * ومن طريق ابن أبي شيبة نا حرمي بن عمارة بن أبي حفصة نا شعبة قال: سألت
الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان عن ذلك؟ يعنى عمن أعتق أمته واستثنى ما في بطنها
فقالا جميعا: ذلك له، وقد روى أيضا عن أبي هريرة وهو قول أبي ثور. وأحمد بن حنبل.
وإسحاق بن راهويه. والأوزاعي. والحسن بن حي. وابن المنذر وأبي سليمان.
وأصحابنا، وقال الحسن البصري. والزهري وقتادة. وربيعة إذا أعتقها فولدها
حر وليس له ان يستثنيه * وروى عن سعيد بن المسيب ولم يصح عنه وهو قول أبي حنيفة
وسفيان. ومالك. والشافعي، وقال ربيعة: ان أعتق ما في بطن أمته دونها فهو له فان ولدته
فعسى ان يعتق وله بيعها قبل إن تضع وترق هي وما ولدت ويبطل عتقه وكذلك ان مات
فهي وما في بطنها رقيق لا عتق له، وقال مالك: ان أعتق ما في بطن أمته فان مات وقام
غرماؤه بيعت وكان ما في بطنها رقيقا ولا عتق له فإن لم تبع حتى وضعت فهو حر، وقال
أبو حنيفة. والشافعي: ان أعتق ما في بطن أمته فهو حر ولا يرق أبدا *
قال أبو محمد: هذا مما خالفوا فيه ابن عمر ولا يعرف له من الصحابة مخالف وهم
يعظمون هذا، وأما قول ربيعة ومالك ففي غاية التناقض، ولا يخلو عتقه لجنين أمته من
أن يكون عتقا أو لا يكون عتقا فإن كان عتقا فلا يحل استرقاقه بيعت أمه أو لم تبع وإن كان
ليس عتقا فلا يجوز أن يصح له عتق وان وضعته بقول ليس عتقا ونسوا ههنا احتجاجهم
(بالمسلمين عند شروطهم) وبأوفوا بالعقود، وهذا قول لا يؤيده قرآن. ولا سنة.
ولا رواية سقيمة. ولا قول صاحب. ولا قول أحد قبل ربيعة. ومالك ولا غيرهما
ولا قياس ولا رأى سديد بل هو مخالف لكل ذلك وبالله تعالى التوفيق * وعهدناهم يحتجون
في بعض المواضع بشئ لا يعرف مخرجه (كل ذات رحم فولدها بمنزلتها) وهم أول
مخالف لهذا فيقولون في ولد الغارة والمستحقة هي أمة وولدها حر وقال بعضهم: لم نجد
قط امرأة حرة يكون جنينها مملوكا فقلنا: ولا وجدتم قط امرأة مملوكة وولدها حر
وقد قضيتم بذلك في أم الولد ولا وجد الحنيفيون قط حكم الآبق وجعله في غير الآبق
ولا وجد المالكيون قط امرأة متزوجة بزيد ترث عمرا بالزوجية وهي في عصمة زيد
ولا وجد الشافعيون قط حكم المصراة في غير المصراة وهذا تخليط لا نظير له
وبالله تعالى التوفيق *
1664 مسألة ومن أعتق عضوا أي عضو كان من أمته أو من عبده أو
أعتق عشرهما أو جزءا مسمى كذلك عتق العبد كله والأمة كلها وكذلك لو أعتق ظفرا
أو شعرا أو غير ذلك لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا عبدة بن سليمان الصفار البصري
189

نا سويد نا زهير بن معاوية نا عبيد الله هو ابن عمر عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شيئا من مملوكه فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه فإن لم يكن له
مال عتق منه نصيبه) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى نا أبو الوليد هو
الطيالسي - نا همام - هو ابن يحيى - عن قتادة عن أبي المليح الهذلي عن أبيه أن رجلا من
هذيل أعتق شقصا من مملوك فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم عتقه وقال: ليس لله شريك وهذان
اسنادان صحيحان ووجب بهذا القول ما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه ان من (1) أعتق
جنين أمته قبل أن ينفخ فيه الروح عتقت هي بذلك لأنه بعضها وشئ منها * روينا
من طريق محمد بن المثنى نا حفص بن غياث نا ليث بن أبي سليم عن عاصم عن ابن عباس أنه
قال في رجل قال لخادمه: فرجك حر قال: هي حرة أعتق منها قليلا أو كثيرا فهي حرة *
ومن طريق أبى عبيد نا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن البصري قال:
إذا أعتق من غلامه شعرة أو أصبعا فقد عتق * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة قال: من قال لعبده: أصبعك حر أو ظفرك أو عضو منك حر عتق كله * ومن طريق
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال: من أعتق من عبده عضوا عتق
كله ميراثه ميراث حر وشهادته شهادة حر وهو قول مالك. والليث. وابن أبي ليلى.
والحسن بن حي. والشافعي. وزفر الا أن مالكا ناقض فقال: ان أوصى بان يعتق من
عبده تسعة أعشاره عتق ما سمى ولا يعتق بذلك سائره، وقال أبو حنيفة وأصحابه حاش
زفر: لا يجب العتق بذكر شئ من الأعضاء الا في ذكره عتق الرقبة أو الوجه أو الروح
أو النفس أو الجسد أو البدن فأي هذه أعتق أعتق جميعه واختلف عنه في عتقه الرأس
أو الفرج أيعتق بذلك أم لا؟ واحتجوا في ذلك بان هذه ألفاظ يعبر بها عن الجميع،
قال لأنه يعبر بالوجه عن الجميع في اللغة، وهذا مما خالف فيه أبو حنيفة السنة الثابتة وصاحبا
لا يعرف له من الصحابة مخالف وهم يعظمون هذا إذا وافقهم وما نعمل لأبي حنيفة في
هذا التقسيم متقدما قبله، وقال أحمد. وإسحاق ان قال: ظفرك حر لم يجب العتق
بذلك لأنه يباين حامله، وكل هذا لا شئ وبالله تعالى التوفيق *
1665 مسألة ومن ملك عبدا أو أمة بينه وبين غيره فأعتق نصيبه كله أو
بعضه أو أعتقه كله عتق جميعه حين يلفظ بذلك فإن كان له مال يفي بقيمة حصة من يشركه
حين لفظ بعتق ما أعتق منه أداها إلى من يشركه فإن لم يكن له مال يفي بذلك كلف العبد
أو الأمة أن يسعى في قيمة حصة من لم يعتق على حسب طاقته لا شئ للشريك غير ذلك ولا له

(1) في النسخة رقم 14 (من أن من)
190

أن يعتق والولاء للذي أعتق أولا وإنما يقوم كله ثم يعرف مقدار حصة من لم يعتق (1)
ولا يرجع العبد المعتق على من أعتقه بشئ مما سعى فيه حدث له مال أو لم يحدث * وللناس في
هذا أربعة عشر قولا قال ربيعة: من أعتق حصة له من عبد بينه وبين آخر لم ينفذ عتقه *
حدثنا بذلك أحمد بن محمد بن الجسور قال نا محمد بن عبد الله بن أبي دليم نا محمد بن وضاح نا
سحنون نا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة قال يونس: سألته عن عبد بين اثنين فأعتق
أحدهما نصيبه من العبد فقال ربيعة: عتقه مردود لم يخص بذلك من أعتق باذن شريكه أو
بغير اذنه، وروى ذلك عنه الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران عن محمد بن سماعة (2) عن أبي
يوسف أن ربيعة قال له ذلك، وقال بكير بن الأشج في اثنين بينهما عبد فأراد أحدهما
أن يعتق أو يكاتب فإنهما يتقاومانه، روينا ذلك عن ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه،
وقالت طائفة: ينفذ عتق من أعتق ويبقى من لم يعتق على نصيبه يفعل فيه ما شاء كما روينا من
طريق ابن أبي شيبة. وسعيد بن منصور قالا جميعا: نا أبو معاوية هو محمد بن حازم
الضرير. عن الأعمش عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان بيني وبين الأسود
وامنا غلام شهد القادسية وأبلى فيها فأرادوا عتقه وكنت صغيرا فذكر ذلك الأسود لعمر
فقال: أعتقوا أنتم ويكون عبد الرحمن على نصيبه حتى يرغب في مثل ما رغبتم فيه أو يأخذ
نصيبه قال سعيد بن منصور مكان أعتقوا أنتم: أعتقوا ان شئتم لم يختلفا في غير ذلك، وهذا
اسناد كالذهب المحض * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن منصور عن النخعي عن
الأسود قال: كان لي ولإخوتي غلام ابلى يوم القادسية فأردت عتقه لما صنع فذكرت ذلك
لعمر فقال: أتفسد عليهم نصيبهم حتى يبلغوا فان رغبوا فيما رغبت فيه والا لم تفسد
عليهم نصيبهم *
قال أبو محمد: لو رأى التضمين لم يكن ذلك افسادا لنصيبهم * ومن طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء في عبد بين شريكين أعتق أحدهما نصيبه فأراد الآخر
أن يجلس على حقه من العبد وقال العبد: أنا أقضى قيمتي فقال عطاء. وعمرو بن دينار: سيده
أحق بما بقي يجلس عليه ان شاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر أنه قال في عبد بين رجلين
أعتق أحدهما نصيبه ثم أعتق الآخر بعد فولاؤه وميراثه بينهما وهو قول الزهري أيضا
قاله معمر * ومن طريق ابن وهب عن عقبة بن نافع عن ربيعة في عبد بين ثلاثة أعتق أحدهم
نصيبه وكاتب الآخر نصيبه وتمسك الآخر بالرق ثم مات العبد فان الذي كاتب يرد ما أخذ
منه ويكون جميع ما ترك بينه وبين الذي تمسك بالرق يقتسمانه وقالت طائفة: ينفذ عتق الذي

(1) في النسخة رقم 16 من لم يعتق بحسب طاقته
(2) في النسخة رقم 16 عن محمد بن أبي سماعة وهو غلط
191

أعتق في نصيبه ولا يلزمه شئ لشريكه الا أن تكون جارية رائعة إنما تلتمس للوطئ فإنه
يضمن للضرر الذي أدخل على شريكه وهو قول عثمان البتي، وقالت طائفة: شريكه بالخيار
ان شاء أعتق وان شاء ضمن المعتق كما روينا من طريق عبد الرزاق بن معمر عن أبي حمزة
عن النخعي ان رجلا أعتق شركا له في عبد وله شركاء يتامى فقال عمر بن الخطاب: ينتظر بهم
حتى يبلغوا فان أحبوا أن يعتقوا أعتقوا وان أحبوا أن يضمن لهم ضمن، وهذا لا يصح عن
عمر إنما الصحيح عنه ما ذكرنا انفا لأن هذه الرواية عن أبي حمزة ميمون وليس بشئ ثم
منقطعة لان إبراهيم لم يولد الا بعد موت عمر بسنين كثيرة الا أن القول بهذا قد روى عن
سفيان الثوري. والليث، وقالت طائفة: من أعتق نصيبا له في عبد أو أمة فشريكه بين
خيارين ان شاء أعتق نصيبه ويكون الولاء بينهما وان شاء استسعى العبد في قيمة حصته
فإذا أداها عتق والولاء بينها سواء كان في كلا الامرين المعتق معسرا أو موسرا وله إن كان
موسرا خيار في وجه ثالث، وهو ان شاء ضمن للمعتق قيمة حصته ويرجع المعتق المضمن
على العبد بما ضمنه شريكه الذي لم يعتق فإذا أداها العبد عتق والولاء في هذا الوجه خاصة
للذي أعتق حصته فقط قال: فان أعتق أم ولد بينه وبين آخر فلا ضمان عليه لشريكه ولا عليه
أيضا موسرا كان المعتق أو معسرا قال: فان دبر عبدا بينه وبين آخر فشريكه بالخيار ان شاء احتبس نصيبه رقيقا كما هو ويكون نصيب شريكه مدبرا وان شاء دبر نصيبه أيضا
وان شاء ضمن العبد قيمة حصته منه مدبرا وإذا أداها عتق وضمن الشريك الذي دبر العبد
أيضا قيمة حصته مدبرا ولا سبيل له إلى شريكه في تضمين وان شاء أعتق نصيبه فان
فعل كان لشريكه الذي دبر أن يضمن الشريك المعتق قيمة نصيبه مدبرا وهو قول أبي حنيفة
وما نعلم أحدا من أهل الاسلام سبقه إلى هذا التقسيم بين الموسر والمعسر ولا إلى هذه
الوساوس وأعجبها أم ولد بين اثنين ولا نعلم أحدا من أصحابه اتبعه عليه الا المتأخرين في أزمانهم
وأديانهم فقط وقالت طائفة: من أعتق شركا له في مملوك ضمن قيمة حصة شريكه
موسرا كان أو معسرا كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون عن حجاج هو
ابن أرطاة عن عبد الرحمن بن الأسود. وإبراهيم النخعي كلاهما عن الأسود قال: كان
بيني وبين إخوتي غلام فأردت أن أعتقه قال عبد الرحمن في روايته: فأتيت ابن مسعود
فذكرت ذلك له فقال: لا تفسد على شركائك فتضمن ولكن تربص حتى يشبوا، وقال
إبراهيم في روايته مكان ابن مسعود عمر واتفقا فيما عدا ذلك * ومن طريق ابن أبي شيبة نا
أزهر السمان عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين أن عبدا بين رجلين أعتقه أحدهما
فكتب عمر بن الخطاب أن يقوم عليه أعلى القيمة وهذا لا شئ لان الحجاج بن أرطاة
هالك والآخر مرسل الا أن هذا قد رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن مبشر عن هشام
192

ابن عروة عن أبيه في عبد بين اثنين أعتق أحدهما نصيبه قال: هو ضامن لنصيب صاحبه
وهو أيضا قول زفر بن الهذيل، وقالت طائفة: ان أعتق أحد الشريكين نصيبه استسعى
العبد سواء كان المعتق موسرا أو معسرا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عطاء إن كان عبد بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه بغير أمر شريكه أقيم ما بقي منه ثم عتق
في مال الذي أعتقه ثم استسعى هذا العبد بما غرم فيما أعتق عليه من العبد فقلت له يستسعى
العبد كان مفلسا أو غنيا؟ قال: نعم زعموا، قال ابن جريج: هذا أول قول عطاء ثم رجع
إلى ما ذكرت عنه قبل، وقالت طائفة: ان أعتق شركا له في عبد وهو مفلس فأراد العبد
أخذ نفسه بقيمته فهو أولى بذلك ان نفذه * رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
عن عبيد الله بن أبي يزيد قوله، وقالت طائفة في عبد بين اثنين أعتق أحدهما نصيبه:
ان باقيه يعتق من بيت مال المسلمين روى ذلك عن ابن سيرين، وقالت طائفة: من
أعتق شركا له في عبد أو أمة فإن كان موسرا قوم عليه حصص شركائه وأغرمها لهم
وأعتق كله بعد التقويم لا قبله وان شاء الشريك أن يعتق حصته فله ذلك وليس له ان
يمسكه رقيقا. ولا أن يكاتبه. ولا أن يبيعه. ولا أن يدبره فان غفل عن التقويم حتى
مات المعنق أو العبد بطل التقويم وماله كله لمن تمسك بالرق، فإن كان الذي أعتق نصيبه
معسرا فقد عتق منه ما أعتق والباقي رقيق يبيعه الذي هو له ان شاء أو يسمكه رقيقا أو
يكاتبه أو يهبه أو يدبره وسواء أيسر المعتق بعد عتقه أو لم يوسر، فإن كان عبد أو أمة
بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه وهو معسر ثم أعتق الآخر وهو موسر لم يقوم عليه ولا
على المعتق وبقى بحسبه فإن كان كلاهما موسرا قوم على الذي أعتق أولا فقط فلو
أعتق الاثنان معا وكانا غنيين قومت حصة الباقين عليهما فمرة قال بنصفين ومرة قال
على قدر حصصهما فإن كان أحدهما غائبا لم ينتظر لكن يقوم على الحاضر وهذا قول مالك
وما نعلم هذا القول لاحد قبله، وقالت طائفة: إن كان الذي أعتق موسرا قوم عليه
حصة من شركه وهو حر كله حين عتق الذي أعتق نصيبه وليس لمن يشركه أن يعتقوا ولا
أن يمسكوا فإن كان المعتق معسرا فقد عتق ما عتق وبقى سائره مملوكا يتصرف فيه مالكه كما
يشاء وهو أحد قولي الشافعي (1) وقال أحمد. وإسحاق: إن كان المعتق موسرا ضمن
باقي قيمته لا يباع له في ذلك داره قال إسحاق: ولا خادمه وسكتا عن المعسر فما سمعنا عنهما فيه
لفظة، وقالت طائفة: إن كان المعتق لنصيبه موسرا قوم عليه حصة من شركه وعتق
كله، فإن كان المعتق لنصيبه معسرا استسعى العبد في قيمة حصة من لم يعتق وعتق كله، ثم

(1) في النسخة رقم 16 (وهذا هو قول الشافعي)
193

اختلف هؤلاء أيكون حرا مذ يعتق الأول نصيبه ولا يكون الآخر تصرف بعتق ولا
بغيره أم لا يعتق الا بالأداء ولمن يكون ولاؤه ان أعتق باستسعائه؟ وهل يرجع على الذي أعتق
بعضه أولا بما سعى فيه أم لا * روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا أشعث بن سوار
عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: إذا أعتق نصيبا له في عبد فعلى الذي أعتق أنصباء
شركائه إن كان موسرا وإن كان معسرا استسعى العبد * ومن طريق سعيد بن منصور
نا أبو معاوية نا حجاج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب قال: كان ثلاثون من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمنون الرجل إذا أعتق العبد بينه وبين صاحبه إذا كان موسرا
ويستسعونه إذا كان معسرا * ومن طريق الطحاوي عن روح بن الفرج عن
يحيى بن بكير عن الليث بن سعد سئل أبو الزناد. وابن أبي ليلى عمن أعتق نصيبه من
عبد بينه وبين آخر؟ فذكرا تضمين المعتقد إن كان موسرا أو استسعاء العبد إن كان
المعتق معسرا فقالا: سمعنا أن عمر بن الخطاب تكلم ببعض ذلك * ومن طريق عبد
الرزاق نا سفيان الثوري أنا أسامة بن زيد أنه سمع سليمان بن يسار يقول: إذا أعتق
شقصا في عبد فإنه يضمنه بقيمته إن كان له مال فإن لم يكن له مال استسعى العبد في بقيته فقلت
لسليمان: أرأيت إن كان العبد صغيرا؟ قال: كذلك جاءت السنة * ومن طريق محمد
ابن المثنى نا مؤمل بن إسماعيل نا سفيان الثوري عن أسامة بن زيد عن سليمان بن يسار
قال: من أعتق شقصا من عبد فإنه يعتق عليه من ماله فإن لم يكن له مال استسعى العبد
في بقيته قال أسامة: فقلت لسليمان عمن؟ قال: جرت به السنة * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي
في العبد يكون بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه قال: يضمن إن كان له مال فإن لم يكن
له مال استسعى العبد * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان
أنه كان يقول: إن كان له من المال تمام نصيب صاحبه ضمن له وليس على العبد سعاية
فان نقص منه درهم فما فوقه سعى العبد وليس على المعتق ضمان * ومن طريق سعيد بن
منصور نا هشيم أنا يونس وإسماعيل بن سالم قال يونس عن الحسن وقال إسماعيل:
عن الشعبي قالا جميعا: إن كان المعتق موسرا ضمن أنصباء أصحابه وإن كان معسرا استسعى
العبد * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة من أعتق شركا له في عبد فإنه يقوم
عليه يوم أعتقه ولا يتبعه السيد بما غرم عنه والعبد غير معتق حتى يتم أداء ما استسعى فيه *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: يستسعى العبد ولا بد إن كان المعتق
لنصيبه معسرا ولا يستسعى إن كان موسرا ويعتق كله يعنى على الذي أعتق نصيبه منه *
194

ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري فيمن أعتق نصيبه من عبد
بينه وبين غيره فقال الزهري: يقوم العبد بماله على المعتق في مال المعتق إن كان له مال فإن لم
يكن للعبد مال استسعى، وروى عن أبي الزناد. وابن أبي ليلى أنهما قالا في عبد بين
ثلاثة أعتق اثنان نصيبهما منه فقالا: نرى أن يضمنا عتاقه جميعا فإن لم يكن لهما مال قوم
العبد قيمة عدل فسعى العبد فيها فأداها وهو قول سفيان الثوري. وابن شبرمة
والأوزاعي: والحسن بن حي. وأبى يوسف. ومحمد بن الحسن وقد ذكرناه عن ثلاثين
من الصحابة رضي الله عنهم * وعن ابن عمر وبعضه عن عمر، وقال سليمان بن يسار: وهو
السنة، وقال سعيد بن المسيب. وسليمان بن يسار. والزهري. وأبو الزناد. والنخعي.
والشعبي. والحسن. وحماد. وقتادة. وابن جريج، وأما هل يكون حرا حين يعتق
الأول بعضه أم لا فان أبا يوسف. ومحمد بن الحسن. والأوزاعي. والحسن بن حي
قالوا: هو حر ساعة يلفظ بعتقه وقال قتادة: هو عبد حتى يؤدى إلى من لم يعتق حقه
وأما من يكون ولاؤه فان حماد بن أبي سليمان. والحسن البصري كلاهما قال: إن كان
للمعتق مال فضمنه فالولاء كله له وان عتق بالاستسعاء فالولاء بينهما وهو قول سفيان،
وقال إبراهيم. والشعبي. وابن شبرمة. والثوري. وابن أبي ليلى. وكل من قال: هو
حر حين عتق بعضه: ان ولاءه كله للذي أعتق بعضه عتق عليه أو بالاستسعاء، وأما
رجوعه أو الرجوع عليه فان ابن أبي ليلى. وابن شبرمة قالا جميعا: لا يرجع المعتق بما أدى
على العبد ويرجع العبد إذا استسعى بما أدى على الذي ابتدأ عتقه، وقال أبو يوسف.
وغيره: لا رجوع لأحدهما على الآخر *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ينظر فيما احتجت به كل طائفة
فوجدنا قول ربيعة يشبه قول أبي حنيفة في منعه من هبة المشاع. ومن الصدقة بالمشاع.
ومن إجارة المشاع. ورهن المشاع وقول الحسن. وعبد الملك بن يعلى القاضي في
المنع من بيع المشاع ورهن المشاع ويحتج له بما احتج به من ذكرنا وليس كل ذلك
بشئ لان النص والنظر يخالف كل ذلك، أما النص فقد ذكرناه ونذكره إن شاء الله
تعالى، واما النظر فكل أحد أحق بماله ما لم يمنعه منه نص وقد حض الله تعالى على العتق
والهبة. والصدقة وأمرنا بالرهن وأباح البيع والإجارة فكل ذلك جائز على كل حال
ما لم يمنع النص من شئ من ذلك وقد يمكن أن يحتج بذلك بأنه لا يمكن أن يكون انسان
بعضه حر وبعضه عبد فقلنا: وما المانع من ذلك فقالوا: كما لا تكون امرأة بعضها
مطلقة وبعضها زوجة فقلنا: هذا قياس والقياس كله باطل ثم يلزم على هذا أن يقولوا:
195

إذا وقع هذا أعتق كله كما يقولون: في المرأة إذا طلق بعضها وقالوا: هذا ضرر على الشريك
وقد جاء (لا ضرر ولا ضرار) فقلنا: افتراق الملك أيضا ضرر فامنعوا منه وأعظم
الضرر منع المؤمن (1) من عتق حصته، وأما من قال بالتقاوم فخطأ لأنه لم يأت به نص
ولا يجوز ان يجبر أحد على اخراج ملكه عن يده الا أن يوجب ذلك عليه نص فسقط
هذا القول أيضا، وأما القول المأثور عن عمر بن الخطاب، وعطاء والزهري.
وعمرو بن دينار، وربيعة فوجدنا من حججهم (2) ما روينا من طريق سعيد بن منصور
نا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن عمرو بن سعيد بن العاصي أن
بنى سعيد بن العاصي كان لهم غلام فأعتقوه كلهم الا رجل واحد فذهب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يستشفع به على الرجل فوهب الرجل نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتقه فكان
يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه رافع أبو البهاء *
قال أبو محمد: هذا منقطع لان محمد بن عمرو بن سعيد لم يذكر من حدثه ثم لو صح
لكان ذلك على معهود الأصل والأصل ان كل أحد أملك بماله ثم نسخ ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن
يعتق على الموسر ويستسعى إن كان المعتق معسرا فبطل بهذا الحكم ما كان قبل ذلك بلا شك،
وقالوا: هو قول صح عن عمر ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه فقلنا: عارضوا بهذا
الحنيفيين: والمالكيين الذين يتركون السنن لأقل من هذا كما فعلوا في البيعين بالخيار
ما لم يتفرقا وفى عتق صفية وجعله عليه الصلاة والسلام عتقها صداقها. وتوريث المطلقة
ثلاثا في مرض الموت، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكروا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عبد الله بن عبد الحكم نا محمد بن
جعفر غندر نا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي بشر هو الوليد بن مسلم العنبري. عن ابن الثلب
عن أبيه (أن رجلا أعتق نصيبا له من مملوك فلم يضمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهذا عن ابن
الثلب وهو مجهول، وقال قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) ولا فرق
بين عتق نصيبه وبين بيع نصيبه قلنا: نعم ولكن السنة أولى أن تتبع وهو عليه الصلاة
والسلام يفسر القرآن قال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) وقد حكمتم بالعاقلة ولم
تبطلوها بهذه الآية، وحكمتم بالشفعة ولم تقولوا: كل أحد أملك بحقه، وقالوا: لو
ابتدأ عتق نصيب شريكه لم ينفذ فكذلك بل أحرى أن لا ينفذ إذا لم يعتقه لكن أعتق
نصيب نفسه وقد جاء لا عتق قبل ملك فقلنا: هذا كله كما ذكرتم وكله لا يعارض به
النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تضرب السنن بعضها ببعض، وقالوا: لو أعتقا معا لجاز

(1) في النسخة رقم 14 (منع المرء)
(2) في النسخة رقم 14 (من حجتهم)
196

فصح أن كل أحد أملك بحقه قلنا: نعم وليس هذا بمشبه لعتقه بعد عتق شريكه لان له
أن يبيع مع عتق شريكه معا وأن يهب وليس له عند بعض من قال بهذا القول أن يبيع بعد عتق
شريكه ولا أن يهب وله ذلك عند بعضهم وكل هذا فيمكن أن يشغب به لو لم تأت السنة
بخلاف ذلك، وأما وقد جاء ما يخص هذا كله فلا يحل خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: هذا مما تناقض فيه الحنيفيون. والمالكيون فخالفوا صاحبا لا يصح
عن أحد من الصحابة خلافه وخالفوا أثرين مرسلين. وهم يقولون بالمرسل، وخالفوا
القياس، فأما أبو حنيفة فلم يتعلق بشئ أصلا، وأما مالك فتعلق بحديث ناقص عن
غيره وقد جاء غيره بالزيادة عليه، وأما قول عثمان البتي في تخصيصه الجارية الرائعة فقول
لا دليل عليه أصلا واستدلاله فاسد لان الضرر الداخل عليهم بالشركة المانعة من الوطئ
هو بعينه ولا زيادة داخل عليهم في عتق بعضها ولا فرق وكلتاهما يمكن أن تتزوج ولا
فرق فبطل هذا القول، وأما قول زفر فان الحجة له ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب
أنا عمرو بن عثمان نا الوليد بن مسلم عن حفص بن غيلان عن سليمان بن موسى عن نافع.
وعطاء قال نافع: عن ابن عمر. وقال عطاء: عن جابر ثم اتفق جابر. وابن عمر عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه
بقيمة لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شئ) وبما روينا من طريق سعيد بن
منصور نا هشيم أنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل كان له نصيب في عبد فاعتق نصيبه فعليه أن يكمل عتقه بقيمة عدل *
قال أبو محمد: الأول إنما فيه حكم من له وفاء ولم يذكر فيه من لا وفاء عنده، وأيضا
فهو من طريق حفص بن غيلان لا نعرفه واخلق به أن يكون مجهولا لا يعتد به * ومن طريق
شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس (1) عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن رسول الله (2)
صلى الله عليه وسلم أنه قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما قال: (يضمن وعليه خلاصه)
وأما الثاني. والثالث فصحيحان الا أنه قد جاء خبر آخر بزيادة عليهما فاخذ الزيادة
أولى ولو لم يأت الا هذان الخبران لما تعديناهما، وقالوا: جنى على شركائه فوجب تضمينه
قال أبو محمد: ما جنى شيئا بل أحسن وتقرب إلى الله عز وجل ولكن عهدنا بالحنيفيين
والمالكيين يجعلون خبر المعتق نصيبه حجة لقولهم الفاسد في أن المتعدى لا يضمن الا قيمة
ما أفسد لا مثل ما أفسد فإذ هو عندهم افساد وهم أصحاب تعليل. وقياس فالواجب عليهم أن
يقولوا بقول زفر هذا والا فقد أبطلوا تعليلهم ونقضوا قياسهم وأفسدوا احتجاجهم

(1) في النسخة رقم 14 (عن أبي النضر عن أنس) وهو غلط وسيأتي يذكره المصنف صحيحا من رواية مسلم بن الحجاج قريبا
(2) في النسخة رقم 14 (أن رسول الله) الخ
197

وتركوا ما أصلوا، وهذه صفات شائعة في أكثر أقوالهم وبالله تعالى التوفيق، فسقط هذا
القول أيضا، وأما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد لأنه قول لم يتعلق بقرآن. ولا سنة
صحيحة. ولا رواية سقيمة. ولا قول صاحب. ولا تابع ولا أحد نعلمه قبله. ولا بقياس
ولا برأي سديد. ولا احتياط بل هو مخالف لكل ذلك. وما وجدناهم موهوا الا بكذب
فاضح من دعواهم ان قولهم موافق لقول عمر وكذبوا كما يرى كل ذي فهم مما أوردنا وحكموا
بالاستسعاء وخالفوا حديث الاستسعاء في اجازتهم الذي لم يعتق أن يعتق وأن يضمن في
حال اعسار الشريك وأجازوا له أن يعتق ومنعوه ان يحتبس ثم أتوا بمقاييس سخيفة على
المكاتب والمكاتب عندهم قد يعجز، فيرق ولا يرق عندهم المستسعى وغير ذلك مما لم يفارقوا
فيه الكذب البارد، فان قالوا: ان كل فصل من قولنا موجود في حديث من الأحاديث
قلنا: وموجود أيضا خلافه بعينه في هذه القضية فمن أين أخذتم ما أخذتم وتركتم ما تركتم
هكذا مطارفة؟ وأيضا فلا يوجد في شئ من الآثار خيار في تضمين الموسر أو ترك تضمينه
ولا رجوع الموسر على العبد ولا تضمين العبد في حال يسار الذي أعتقه أصلا وبالله تعالى
التوفيق، وسائر الأقوال لا متعلق لها أصلا، وأما قول مالك والشافعي فوجدناهم
يحتجون بما روينا من طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبى نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن
ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعتق شركا له من مملوك فعليه عتقه كله إن كان له
مال يبلغ ثمنه فإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق *
قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا وهو خبر صحيح الا أنه قد جاء خبر
آخر بزيادة عليه لا يحل تركها، وقد أقدم بعضهم فزاد في هذا الخبر (ورق منه ما رق)
وهي موضوعة مكذوبة لا نعلم أحدا رواها لا ثقة ولا ضعيف، ولا يجوز الاشتغال بما
هذه صفته وليس في قوله عليه الصلاة والسلام والا فقد عتق منه ما عتق دليل على حكم
المعسر أصلا وإنما هو مسكوت عنه في هذا الخبر، ولا شك في أنه قد عتق منه ما عتق وبقى
حكم المعسر فوجب طلبه من غير هذا الخبر على أنه قد قيل: إن لفظة (وإلا فقد عتق منه
ما عتق) إنما هو من كلام نافع ولسنا نلتفت إلى هذه لأنه دعوى بلا دليل لكن ينبغي طلب
الزيادة فإذا وجدت صحيحة وجب الاخذ بها، وبالله تعالى نتأيد * فلم يبق الا قولنا فوجدنا
الحجة له ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا عمرو الناقد. وإسماعيل - هو ابن علية
كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقصا (1) له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال

(1) الشقص بكسر الشين المعجمة النصيب قليلا كان أو كثيرا، ويقال له: الشقيص أيضا بزيادة ياء
آخر الحروف ويقال له أيضا، الشرك بكسر الشين
198

فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق (1) عليه) * ومن طريق أبى داود نا مسلم - هو
ابن إبراهيم الكشي - ابان هو ابن يزيد العطار نا قتادة نا النضر بن أنس بن مالك عن
بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقصا في مملوك فعليه أن
يعتقه كله إن كان له مال والا استسعى العبد غير مشقوق عليه) * ومن طريق البخاري
نا أحمد بن أبي رجاء. وأبو النعمان - هو محمد بن الفضل عارم - قال أحمد: نا يحيى بن آدم
نا جرير بن حازم سمعت قتادة وقال أبو النعمان: نا جرير بن حازم عن قتادة ثم اتفقا
عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق شقيصا
في عبد عتق كله إن كان له مال والا استسعى غير مشقوق عليه) وقد سمع قتادة هذا الخبر
من النضر بن أنس كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك نا أبو هشام
نا أبان بن يزيد العطار نا قتادة نا النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة: (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شقيصا له من عبد فان عليه أن يعتق بقيته إن كان له مال والا
استسعى العبد غير مشقوق عليه) وهذا خبر في غاية الصحة فلا يجوز الخروج عن الزيادة التي
فيه فقال قوم: قد روى هذا الخبر شعبة. وهمام. وهشام الدستوائي فلم يذكروا ما ذكر
ابن أبي عروبة *
قال أبو محمد: فكان ماذا؟ وابن أبي عروبة ثقة فكيف وقد وافقه عليه جرير.
وأبان وهما ثقتان، فان قيل: فان هماما قال في هذا الحديث فكان قتادة يقول: ان لم يكن له
مال استسعى العبد قلنا صدق همام قاله قتادة مفتيا بما روى وصدق ابن أبي عروبة. وجرير
وابان. وموسى بن خلف: وغيرهم فأسندوه عن قتادة ولو لم يصح حديث قتادة هذا لكان
حديث ابن عمر. وأبي هريرة بالتضمين جملة زائدة على ما تعلق به مالك من رواية نافع
فكأن يكون القول ما ذهب إليه زفر بن الهذيل وهذا لا مخلص له عنه وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: أنه حر ساعة يعتق بعضه فان بعض الرواة قال ثم يعتق وكان في رواية
جرير بن حازم التي ذكرنا عتق كله فكانت هذه زيادة لا يجوز تركها فإذ قد عتق كله
فولاؤه للذي عتق عليه، وأما رجوع أحدهما على الآخر فباطل لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ألزم الغرامة للمعتق في يساره وألزمها العبد المعتق في إعسار المعتق ولم يذكر رجوعا فلا
يجوز لاحد القضاء برجوع في ذلك *
قال على: فإن كان له مال لا يفي بجميع قيمة العبد فلا غرامة على المعتق لكن (2)
يستسعى العبد وهذا مقتضى لفظ الخبر وبه يقول حماد وبالله تعالى التوفيق *

(1) معناه لا يكلف ما يشق عليه، وهو من جهة الاعراب حال أي حال كون العبد لا يشق عليه
(2) في النسخة رقم 16 (ولكن) بزيادة واو
199

1666 مسألة ومن أعتق بعض عبده فقد عتق كله بلا استسعاء ولو أوصى
بعتق بعض عبده أعتق ما أوصى به وأعتق باقيه واستسعى في قيمة ما زاد على ما أوصى
بعتقه لما ذكرنا قبل، فلو أوصى بعتق عبده فلم يحمله ثلثه أعتق منه ما حمل الثلث وأعتق
باقيه واستسعى لورثته فيما زاد على الثلث ولا يعتق في ثلثه لان ما لم يوص به الميت فهو
للورثة فالورثة شركاؤه فيما أعتق ولا مال للميت فوجب أن يستسعى لهم * روينا (1)
عن محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن خالد بن سلمة عن عمر بن
الخطاب من أعتق ثلث مملوكه فهو حر كله ليس لله شريك * رويناه من طريق يحيى
ابن سعيد الأنصاري. وعطاء بن أبي رباح. ونافع مولى ابن عمر من طريق ابن وهب
(من أعتق بعض عبده في صحة أو مرض عتق عليه في ماله) * وروى من طريق ابن عمر
والحكم. والشعبي. وإبراهيم النخعي من أعتق عبده في مرضه فمن ثلثه فان زاد على الثلث
استسعى للورثة وعتق كله، وقال أبو حنيفة: ان عتق بعض عبده في صحته عتق منه
ما أعتق واستسعى له في باقيه فإذا أدى عتق وقال أبو حنيفة: فان أوصى بعتق بعضه عتق منه
ما أوصى بعتقه وسعى للورثة في الباقي فإذا أدى عتق، وروى نحو هذا عن علي جملة؟ وقال
مالك: ان أعتق بعض عبد في صحته أعتق عليه كله فان أعتقه في مرضه أعتق عليه باقيه
ما حمل منه الثلث ويبقى الباقي رقيقا، فان أوصى بعتق بعض عبده لم يعتق منه الا ما أوصى
به فقط، وروى نحوه عن ابن مسعود * ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص عن أشعث عن
الحسن قال: قال علي بن أبي طالب: يعتق الرجل ما شاء من غلامه، ولا حجة في أحد
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلفوا كما ذكرنا *
1667 مسألة ومن ملك ذا رحم محرمة فهو حر ساعة يملكه فان ملك بعضه لم
يعتق عليه الا الوالدين خاصة والأجداد والجدات فقط فإنهم يعتقون عليه كلهم إن كان
له مال يحمل قيمتهم فإن لم يكن له مال يحمل قيمتهم استسعوا وهم كل من ولده من جهة
أم أو جدة أو جد أو أب، وكل من ولده هو من جهة ولد أو ابنة. والأعمام. والعمات وان
علوا كيف كانوا لام أو لأب والأخوات والاخوة كذلك، ومن نالته ولادة أخ
أو أخت باي جهة كانت، ومن كان له مال وله أب أو أم أو جد أو جدة أجبر على ابتياعهم
بأغلى قيمتهم وعتقهم إذا أراد سيدهم بيعهم فان أبى لم يجبر السيد على البيع وان ملك
ذا رحم غير محرمة أو ملك ذا محرم بغير رحم لكن بصهر أو وطئ أب أو ابن لم يلزمه عتقهم
وله بيعهم ان شاء وقالت طائفة: لا يعتق الا من ولده من جهة أب أو أم أو من ولده هو

(1) في النسخة رقم 14 (وروينا)
200

كذلك أو أخ أو أخت فقط ولا يعتق العم ولا العمة ولا الخال ولا الخالة ولا من ولد الأخ
أو الأخت وهو قول مالك، وصح عن يحيى بن سعيد الأنصاري وروى عن ربيعة
ومكحول. ومجاهد ولم يصح عنهم ولا روى عنهم ان من عدا هؤلاء لا يعتق وقالت طائفة
لا يعتق الا من ولده من جهة أب أو أم ومن ولده هو كذلك ولا يعتق غير هؤلاء
لا أخ ولا غيره وهو قول الشافعي، وقال أبو سليمان: لا يعتق أحد على أحد، وقال
الأوزاعي: يعتق كل ذي رحم محرمة كانت أو غير محرمة حتى ابن العم. وابن الخال
فإنهما يعتقان عليه ويستسعيهما *
قال أبو محمد: ما نعلم قول الشافعي عن أحد قبله، فان ذكروا أنه روى عن إبراهيم انه
إذا ملك الوالد والولد عتق قلنا: نعم وقد صح عنه هذا أيضا في كل ذي رحم وليس في
قوله إذا ملك الوالد والولد عتق ان غيرهما لا يعتق ولا نعلم له حجة الا دعوى الاجماع على
عتق من ذكرنا وهذه دعوى كاذبة فما يحفظ في هذه المسألة قول عن عشرين من صاحب
وتابع وهم ألوف فأين الاجماع؟ فان قالوا: قال الله تعالى: (وبالوالدين احسانا)
قلنا أتموا الآية (وبذي القربى) فسقط هذا القول، واحتج المالكيون بقول الله تعالى في
الوالدين: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قالوا: ولا يمكن خفض الجناح
والذل لهما مع استرقاقهما قالوا: وأما الولد فان الله تعالى يقول: (وما ينبغي للرحمن
أن يتخذ ولدا ان كل من في السماوات والأرض الا آتي الرحمن عبدا) قالوا: فوجب
ان الرق. والولادة لا يجتمعان قالوا: وأما الأخ فقد قال تعالى عن موسى عليه الصلاة
والسلام: (انى لا أملك الا نفسي وأخي) قالوا: فكما لا يملك نفسه كذلك لا يملك
أخاه * وبما روينا من طريق زكريا بن يحيى الساجي نا أحمد بن محمد نا سليمان بن
داود نا حفص بن سليمان - هو القاري - عن محمد بن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس
(كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مولى يقال: له صالح اشترى (1) أخا له مملوكا فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: قد عتق حين ملكته) *
قال أبو محمد: وهذا أثر فاسد لان حفص بن سليمان ساقط وابن أبي ليلى شئ الحفظ
ولو صح لم يكن فيه ارقاق من عدا الأخ، واما احتجاجهم بقول الله تعالى: (انى لا أملك إلا
نفسي وأخي) فتحريف للكلم عن مواضعه وتخليط سمج ولو كان هذا يحتج به من يرى أن
الأخ يملك لكان ادخل في الشبهة لان فيه اثبات الملك على الأخ والنفس ومن المحال ان يقع
لاحد ملك رق على نفسه وليس محالا ملك أخيه وأبيه ولا يجوز قياس الأخ على النفس لان

(1) في النسخة رقم 16 (فاشترى)
201

الانسان يصرف نفسه في الطاعة أو المعصية بقدر الله تعالى ويملك نفسه في ذلك كما قال موسى
عليه الصلاة والسلام انه يملك نفسه في الجهاد ولا يصرف أخاه كذلك ولا يطيعه ففسد
هذا القياس البارد الذي لم يسمع قط بأسخف منه، وأما قول الله تعالى: (وما ينبغي
للرحمن أن يتخذ ولدا ان كل من في السماوات والأرض الا آتي الرحمن عبدا) فلا يجوز
البتة ان يستدل من هذا على عتق الابن ولا على أنه لا يملك لان الله تعالى لم يدل على ذلك بهذه
الآية وليس فيها الا الخبر عنهم بما هم عليه من أنهم عبيد لا أولاد ولو كان ما قالوه لوجب
عتق الزوجة والشريك إذا ملكا لان الله تعالى انتفى عنهما كما انتفى عن الولد سواء سواء
وأخبر أن الكل عبيده ولا فرق فسقط احتجاجهم جملة وبالله تعالى التوفيق، وأما من
قال: لا يعتق أحد على أحد فإنهم ذكروا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يجزى ولد والدا
الا ان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) *
قال أبو محمد: هذا حجة عليهم لان الله تعالى يقول: (أن اشكر لي ولوالديك) فافترض
عز وجل شكر الأبوين وجزاؤهما هو من شكرهما فجزاؤهما فرض فإذ هو فرض وجزاؤهما
لا يكون الا بالعتق فعتقهما فرض وما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا، ثم نظرنا فيما احتج به
الأوزاعي فوجدنا من حجته قول الله تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى) *
قال على: هذا لا يوجب العتق لان الاحسان فرض إلى العبيد ولا يقتضى ذلك عتقهم
فرضا ولو وجب ذلك في ابن العم. وابن الخال لوجب في كل مملوك لان الناس يجتمعون
في أب بعد أب إلى آدم عليه السلام ولا يجوز أن يخص بهذا ابن العم. وابن الخال دون
ابن ابن العم وابن ابن الخال وهكذا صعدا فبطل هذا القول بيقين، ثم نظرنا في قولنا فوجدنا
ما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا عيسى بن محمد - هو أبو عمير الرملي - وعيسى
ابن يونس الفاخوري عن ضمرة بن سعيد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن
ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ملك ذا رحم محرم عتق) فهذا خبر صحيح كل
رواته ثقات تقوم به الحجة، وقد تعلل فيه الطوائف المذكورة بأن ضمرة انفرد به وأخطأ فيه
فقلنا: فكان ماذا إذا انفرد به؟ ومتى لحقتم بالمعتزلة في أن لا تقبلوا ما رواه الواحد عن
الواحد وكم خبر انفرد به راويه فقبلتموه وليتكم لا تقبلون ما انفرد به من لا خير فيه
كابن لهيعة وجابر الجعفي وغيره فأما دعوى أنه أخطأ فيه فباطل لأنها دعوى بلا برهان
وهذا موضع قبله الحنيفيون وقالوا به ولم يروا انفراد ضمرة به علة ثم أتوا إلى ما رويناه من
طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق عبد وله مال فماله له الا أن يستثنيه
202

السيد) فقالوا: انفرد به عبيد الله بن أبي جعفر وأخطأ فيه فيا للمسلمين. إذا رأى
المالكيون. والشافعيون هذا الخبر صحيحا وعملوا به ولم يروا انفراد عبيد الله بن أبي جعفر
به وقول من قال: انه خطأ فيه حجة في رده وتركه ورأي الحنيفيون انفراد عبيد الله
ابن أبي جعفر بهذا الخبر وقول من قال أنه أخطأ فيه حجة في تركه ورده ولم يروا انفراد
ضمره بذلك الخبر وقول من قال إنه أخطأ فيه حجة في تركه ورده فهل من الدليل على
التلاعب بالدين وقلة المراقبة لله تعالى أكثر من هذا؟ ونعوذ بالله من الضلال باتباع الهوى،
وقد روينا هذا الخبر أيضا من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول. وقتادة عن الحسن
البصري عن سمرة بن جندب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ملك ذا رحم محرمة فهو حر)
فصحح الحنيفيون هذا الخبر ورأوه حجة وقالوا: لا يضره ما قيل: إن الحسن لم يسمع من سمرة
والمنقطع تقوم به الحجة ثم أتوا إلى مرسل رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن بشر
عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: عهدة الرقيق ثلاث) فقالوا: لم يصح سماع الحسن من سمرة وهو منقطع لا تقوم
به حجة وقلب المالكيون هذا العمل فرأوا رواية الحسن عن سمرة في عهدة الرقيق حجة
لا يضره ما قيل من أن الحسن لم يسمع من سمرة والمنقطع تقوم به الحجة ولم يروا خبر عتق
ذي الرحم المحرمة حجة لان الحسن لم يسمع من سمرة شيئا والمنقطع لا تقوم به الحجة وفى
هذا كفاية لمن عقل ونصح نفسه *
قال أبو محمد: فبطلت الأقوال الا قولنا ولله الحمد وبه يقول جمهور السلف
روينا من طريق الخشني نا محمد بن بشار نا أبو عاصم - هو الضحاك بن مخلد - نا أبو عوانة
عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عمر بن الخطاب قال: من
ملك ذا رحم محرم فهو حر وبه إلى بندار نا غندر نا شعبة وسفيان الثوري قال شعبة عن
غيلان وقال سفيان عن سلمة بن كهيل كلاهما عن المستورد - هو ابن الأحنف - ان رجلا
أتى عبد الله بن مسعود فقال له: ان عمى زوجني جارية له وانه يريد أن يسترق ولدى فقال له
ابن مسعود: ليس له ذلك * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن ابن شبرمة
عن الحارث العكلي عن إبراهيم النخعي قال: من ملك ذا رحم فهو حر وهو قول ابن شبرمة *
ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن الحسن. وجابر بن زيد قالا جميعا: من
ملك ذا رحم عتق * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن
عطاء قال: إذا ملك الأخ والأخت والعمة والخالة عتقوا * ومن طريق وكيع عن شعبة
عن الحكم بن عتيبة. وحماد بن أبي سليمان قالا جميعا: كل من ملك ذا رحم محرمة عتق،
203

وصح أيضا عن قتادة وهو قول الزهري، وأبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. والليث
ابن سعد. وسفيان الثوري. والحسن بن حي. وأبي حنيفة. وجميع أصحابه. وعبد الله
ابن وهب. وغيرهم، وهذا مما خالف فيه المالكيون جمهور العلماء وصاحبين لا يعرف
لهما من الصحابة مخالف وهم يشنعون بأقل من هذا إذا وافق تقليدهم، وقد روينا من
طريق الحسن ما رواه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن من ملك أخاه من
الرضاعة عتق ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن
الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة أن ابن مسعود مقت رجلا أراد أن يبيع جارية له
أرضعت ولده *
قال أبو محمد: وما نعلم لهذا حجة الا أن الحنيفيين والمالكيين. والشافعيين.
أصحاب قياس بزعمهم فكان يلزمهم أن يقيسوا الام من الرضاع.
والولد من الرضاع. والأخ من الرضاع على كل ذلك من النسب لا سيما مع قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم. (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فهذا أصح من كل قياس قالوا به *
قال أبو محمد: ثم استدركنا فرأينا من حجتهم ان قالوا. ان السنة توجب ان يعتق
ذوو المحارم من الرضاع أيضا ولا بد لما روينا من طريق مسلم نا محمد بن رمح انا الليث عن
يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة أم المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) * ومن طريق مسلم نا هداب بن خالد نا
همام نا قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحرم من الرضاعة
ما يحرم من الرحم) ووجدنا يحرم من الرحم ومن النسب تمادى ملك كل ذي رحم
محرمة وذي نسب محرم فوجب ولابد ان يحرم تمادى الملك فيمن يمت بالرضاعة كذلك
ولابد فنظرنا في هذا الاحتجاج فوجدناه شغبيا، أول ذلك ان ملك ذي الرحم المحرمة
ليس حراما بل هو صحيح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ملك ذا رحم محرمة فهو حر)
فأوقع الملك عليه ثم ألزم العتق ولولا صحة ملكه لم يصح عتقه ثم وجدنا قولهم: ان تمادى
ملك ذي الرحم المحرمة يحرم خطأ لأنه لو لم يكن ههنا الا تحريم تمادى الملك لكان العتق
لا يجب ولابد بل كان له أن يهبه فيسقط ملكه عنه أو ان يتصدق به فيبطل بهذا ما قالوا
من أن تمادى الملك يحرم وكان الحق أن يقولوا: ان العتق يجب عقيب الملك بلا فصل ولا
مهلة ولم يقل عليه الصلاة والسلام: انه يجب في الرضاع ما يجب في النسب وما يجب في
الرحم، ولو قال: هذا لوجب العتق كما قالوا وإنما قال: يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب ومن الرحم فصح انه إنما يحرم النكاح والتلذذ فقط فهو حرام فيهما معا، وأما
204

من ملك بعض ذي الرحم المحرمة فلم يملك ذا رحم محرمة فليس عليه عتقه إذا لم يوجب
النص ذلك، وأما قولنا في الوالدين بخلاف ذلك فلما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي
شيبة. وزهير بن حرب قالا جميعا: نا جرير هو ابن حازم عن سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجزى والد ولدا الا أن يجده مملوكا
فيشتريه فيعتقه) قال أبو بكر في روايته والده واتفقا في غير ذلك ومن طريق محمد بن
المثنى نا مؤمل بن إسماعيل الحميري نا سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجزى ولد والديه الا أن يجدهما أو أحدهما
مملوكا فيشتريه فيعتقه) واسم الوالد يقع على الجد والجدة ما لم يخصهما نص، ويلزمه أن
يشتريه بما يشترى به الرقبة الواجبة للعتق. والحر والعبد سواء في كل ما ذكرنا لعموم قوله
عليه الصلاة والسلام: (من ملك ذا رحم محرمة فهو حر) فولد العبد من أمته حر على
أبيه * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: اليتيم أمه محتاجة أن ينفق عليها
من ماله؟ قال: نعم قلت فإن كانت أمه أمة أتعتق فيه؟ قال: نعم يكره على اعتاقها ان لم
يتمتعوا بها ويحتاجوه *
1668 مسألة ولا يصح عتق من هو محتاج إلى ثمن مملوكه أو غلته أو خدمته
فان أعتقه فهو مردود الا في وجه واحد وهو من ملك ذا رحم محرمة كما ذكرنا فإنه يعتق
عليه بالحكم المذكور صغيرا كان أو كبيرا مجنونا أو عاقلا غائبا أو حاضرا وهو حر
ساعة ذلك من حيث شاء بحكم السلطان وبغير حكم السلطان لما روينا من طريق البخاري
نا عاصم بن علي نا ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله (أن رجلا أعتق
عبدا له ليس له مال غيره فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتاعه منه نعيم بن النحام) فان قيل:
هذا حديث المدبر نفسه رواه عطاء وعمرو بن دينار. وأبو الزبير كلهم عن جابر فذكروا
أنه كان دبره قلنا: لو لم يمكن أن يكونا خبرين في عبدين لكان ما قلتم حقا وأما إذ في
الممكن أن يكونا خبرين في عبدين يبتاعهما معا نعيم بن النحام فلا يحل القطع بأنهما خبر
واحد فيكون من قال ذلك كاذبا قافيا ما لا علم له به * وأما من ملك ذا رحم محرمة فما يبالي
أعتقه أو لم يعتقه وليس هو الذي أعتقه بل هو حر ولابد، ومن أعتق شقصا له في عبد وهو
محتاج إليه ولا غنى به عنه فهو باطل وإذ هو باطل فلم يعتقه فليس له الحكم الذي ذكرنا
قبل وقد قال مالك: من أعتق والدين محيط بماله رد عتقه ولا نص له في ذلك *
1669 مسألة ولا يجوز عتق من لا يبلغ ولا عتق من لا يعقل من سكران أو
مجنون ولا عتق مكره ولا من لم ينو العتق لكن أخطأ لسانه الا أن هذا وحده ان قامت
205

عليه بينة ولم يكن له الا الدعوى قضى عليه بالعتق وأما بينه وبين الله تعالى فلا يلزمه لقول الله
تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فصح أن السكران لا يعلم
ما يقول ومن لا يعلم ما يقول لم يلزمه ما يقول حتى لو كفر بكلام لا يدرى ما هو لم يلزمه
ولقوله تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) ولقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) والمجنون والسكران والمكره لا نية
لهم وكذلك من أخطأ لسانه وليس من هؤلاء أحد أخلص لله الدين بما نطق به من العتق
فهو باطل، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي
حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ) وصح عنه عليه الصلاة والسلام
أنه قال: (عفى لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وقال أبو حنيفة.
ومالك: عتق السكران جائز ولا حجة لهم أصلا الا أنهم قالوا: هو أدخل على نفسه ذلك
بالمعصية فقلنا: نعم فكان ماذا؟ ومن أين وجب إذا ادخل على نفسه ذلك بالمعصية أن
يلزمه ما لم يلزمه الله تعالى قط؟ وما تقولون فيمن حارب قاطعا للطريق فأصابته ضربة
في رأسه خبلت عقله أتجيزون عتاقه؟ وهم لا يفعلون هذا وهو أدخله على نفسه وعمن تزنك
عاصيا لله تعالى فقطع لحم ساقيه وكوى ذراعيه عبثا أتجيزون له الصلاة جالسا أم لا؟
لأنه أدخل على نفسه ذلك بالمعصية. وعمن سافر في قطع الطريق فلم يجد ماء وخاف
ذهاب الوقت أيتيمم أم لا؟ وكل هذا ينقضون فيه هذا الأصل الفاسد، وقال أبو حنيفة:
عتق المكره جائز، وقال مالك. والشافعي: لا يلزمه وما نعلم للحنيفيين حجة أصلا إلا
آثارا فاسدة في الطلاق خاصة وليس العتاق من الطلاق (1) والقياس باطل، واحتج بعضهم
(بثلاث جدهن جد وهزلهن جد) فذكر بعضهم في ذلك العتاق وهو خبر مكذوب، ثم لو
صح لم تكن لهم فيه حجة أصلا لأننا لسنا معهم فيمن هزل فأعتق إنما نحن معهم فيمن
أكره فأعتق، وليس في هذا الخبر على نحسه ووضعه ذكر للاكراه ثم لا يجيزون بيع
المكره ولا اقراره ولا هبته وهذا تناقض ظاهر وتمامها في التي بعدها (2) وبالله تعالى التوفيق *
1670 مسألة ومن أعتق إلى أجل مسمى قريب أو بعيد مثل أن يقول أنت
حر غدا أو إلى سنة أو إلى بعد موتى أو إذا جاء أبى أو إذا أفاق فلان أو إذا نزل المطر أو نحو
هذا فهو كما قال وله بيعه ما لم يأت ذلك الأجل فان باعه ثم رجع إلى ملكه فقد بطل ذلك
العقد ولا عتق له بمجئ ذلك الأجل ولا رجوع له في عقده ذلك أصلا الا باخراجه عن ملكه
لان هذا العتق اما وصية واما نذر وكلاهما عقد صحيح قد جاء النص بالوفاء بهما فلو علق

(1) في النسخة رقم 14 (وليس الطلاق من العتاق)
(2) في النسخة رقم 14 (تأخير هذه الجملة)
206

العتق بمعصية أو بغير طاعة ولا معصية لم يجز العتق لأنه عقد فاسد محرم منهى عنه قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وفاء لنذر في معصية الله) وقد روينا عن عطاء من قال لعبده أنت حر
لم يكن حرا حتى يقول: لله وهذا حق لان العتق عبادة لله تعالى وبر وقربة إليه تعالى فكل
عبادة (1) وقربة لم تكن له تعالى مخلصا له بها فهي باطل مرودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقد رويت أثار فاسده، منها (من أعتق لاعبا فقد
جاز) وهو باطل لأنه مرسل عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق فيها إبراهيم
ابن أبي يحيى وهو مذكور بالكذب، وروى عن ابن عمر أربع مقفلات لا يجوز فيهن
الهزل. والطلاق والنكاح. والعتاقة. والنذر، وهذا لا يصح لأنه عن سعيد بن المسيب عن
عمر ولم يسمع سعيد من عمر شيئا الا نعيه النعمان بن مقرن ثم لو صح لم يكن لهم فيه متعلق لان
ظاهره خلاف قولهم بل موافق لقولنا لان الهزل لا يجوز في النكاح والطلاق والعتق والنذر
فإذ لا يجوز فيها فهي غير واقعة به، هذا مقتضى لفظ الخبر ثم لو صح كما يريدون فلا حجة
في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طريق فيها إبراهيم بن عمرو وهو ضعيف عن عبد الكريم
ابن أبي المخارق وهو غير ثقة عن جعدة بن هبيرة عن عمر ثلاث اللاعب فيهن والجاد سواء
الطلاق والصدقة والعتق، ثم هم مخالفون لهذا لأنهم لا يجيزون صدقة المكره عليها فبعض
كلام روى عن عمر حجة وبعضه ليس حجة هذا اللعب بالدين * ومن طريق الحسن عن أبي
الدرداء ثلاث اللاعب فيهن كالجاد. النكاح. والطلاق والعتاق هذا مرسل ولم يدرك
الحسن أبا الدرداء * ومن طريق جابر الجعفي عن عبد الله بن يحيى عن علي ثلاث لا لعب فيهن
النكاح. والطلاق. والعتاق، جابر كذاب ثم لو صح لكان ظاهره موافقا لقولنا لا لقولهم
وهو ابطال اللعب فيهن (2) فإذا بطل ما وقع منها باللعب * ومن طريق سقيان بن عيينة
بلغني أن مروان أخذ من على أربع لا رجوع فيهن الا بالوفاء. النكاح. والطلاق. والعتاق.
والنذر، ونعم كل هذه إذا وقعت كما أمر الله تعالى في دين الاسلام فالوفاء بها فرض
وأما إذا وقعت كما أمر إبليس فلا ولا كرامة للآمر والمطيع ثم ليس في شئ منها ذكر
للاكراه (3) على العتق وجوازه فوضح بطلان قولهم بلا شك، وأما قولنا: له بيعه ما لم
يأت الأجل فلانه عبد ما لم يستحق الحرية وأحل الله البيع، والتفريق بين الآجال المذكورة
باطل لأنه قد يجئ ذلك الأجل والعبد ميت أو السيد ميت، وأما قولنا انه ان أخرجه عن
ملكه ثم عاد إلى ملكه لم يلزمه العتق بمجئ ذلك الأجل فلانه قد بطل العقد بخروجه عن
ملكه قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وكل شئ بطل بحق فلا يجوز أن يعود

(1) في النسخة رقم 16 وكل عبادة
(2) في النسخة رقم 16 منهن
(3) في النسخة رقم 14 ذكر الاكراه
207

الا أن يأتي نص بعودته (1) ولا نص في عودة هذا العقد بعد بطلانه، وأما قولنا. لا رجوع
له في شئ من ذلك بالقول الا باخراجه من ملكه فقط فلأنها كلها عقود صحاح أمر الله تعالى
بالوفاء بها وما كان هكذا فلا يحل لاحد ابطاله إذ لم يأت نص بكيفية ابطاله في ذلك أصلا
فليس له (2) نقض عقد صحيح أصلا الا حيث جاء نص بذلك وبالله تعالى التوفيق *
1671 مسألة وجائز للمسلم عتق عبده الكتابي في أرض الاسلام وأرض
الحرب ملكه هنالك أو في دار الاسلام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل ذي كبد رطبة أجر)
ولحضه عليه الصلاة والسلام على العتق جملة الا أن عتق المؤمن أعظم أجرا وكذلك عتق
الكافر لعبده الكافر جائز وقد ذكرنا قول حكيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. يا رسول الله أرأيت أشياء
كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتاقة وصدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسلمت على ما أسلفت
من خير) فجعل عتق العبد الكافر خيرا فان أسلم المعتق ورثه سيده المسلم وكذلك لو أسلم
المعتق والمعتق لان الولاء للمعتق عموما قال عليه الصلاة والسلام: (الولاء لمن أعتق) فإن كان
أحدهما مسلما والآخر كافرا لم يتوارثا لاختلاف الدين *
1672 مسألة فإن كان للذمي أو الحربي عبد كافر فأسلما معا فهو عبده كما
كان فلو أسلم العبد قبل سيده بطرفه عين فهو حر ساعة يسلم ولا ولاء عليه لاحد لقول الله
تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) والرق أعظم السبيل وقد وافقنا
المخالفون لنا على أنه ان اخرج من دار الحرب فهو حر وما ندري للخروج في ذلك حكما
لا بنص ولا بنظر، فان قيل: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج إليه من عبيد الكافر
قلنا: هذه حجتنا، ومن أين لكم أنه بالخروج أعتقه وما قال عليه الصلاة والسلام قط
ذلك ثم يقولون: ان أسلم عبد الكافر بيع عليه فقلنا لما ذا تبيعونه ألانه لا يجوز ملكه
له أم لنص ورد في بيعه وإن كان ملكه له جائزا؟ ولا سبيل. إلى نص في ذلك، فان
قالوا: لان ملكه لا يجوز قلنا فإذ لا يحل ملكه فقد بطل ملكه عنه بلا شك والا فكلامكم
مختلط متناقض وإذ قد بطل ملكه عنه ولم يقع عليه بعد ملك لغيره فهو بلا شك حر إذ هذه
صفة الحر وإن كان ملكه له جائزا فبيعكم إياه ظلم وباطل وجور، وما الفرق بين ما قضيتم
به من ابقائه في ملك الكافر حتى يباع؟ ولعله لا يستبيع الا بعد سنة وبين منعكم من ملكه له
متماديا وهذا ما لا سبيل (3) له إلى وجود فرق في ذلك وبالله تعالى نتأيد وأما سقوط
الولاء عنه فلانه لم يعتق ولا ولاء الا للمعتق أو لمن أوجبه له النص وبالله تعالى التوفيق *
1673 مسألة وعتق ولد الزنا جائز لأنه رقبة مملوكة وقد جاءت أخبار بخلاف

(1) في النسخة رقم 14 يأتي بعودته نص
(2) في النسخة رقم 16 وليس له
(3) في النسخة رقم 14 وهذا لا سبيل
208

ذلك لا حجة فيها لأنها لا تصح، منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أحمد بن شعيب أنا
العباس بن محمد الدوري أنا الفضل بن دكين نا إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضبي
عن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ولد الزنا؟ فقال: لا خير
فيه نعلان أجاهد بهما أو قال أجهز بهما أحب إلى من أن أعتق ولد الزنا) إسرائيل ضعيف.
وأبو يزيد الضبي لا أعرفه * وعن الصحابة مرسلة وقد اختلفوا فيه ولا حجة في أحد دون
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وافقنا المخالفون ههنا *
1674 مسألة ومن قال: أحد عبدي هذين حر فليس منهما حر وكلاهما
عبد كما كان ولا يكلف عتق أحدهما فإنه لم يعتق هذا بعينه فليس حرا إذ لم يعتقه سيده ولا
أعتق هذا الآخر أيضا بعينه فليس أيضا حرا إذ لم يعتقه سيده فكلاهما لم يعتقه سيده
فكلاهما عبد وهذا في غاية البيان ولا يجوز اخراج ملكه عن يده بالظن الكاذب *
1675 مسألة من لطم خد عبده أو خد أمته بباطن كفه فهما حران ساعتئذ
إذا كان اللاطم بالغا مميزا وكذلك ان ضربهما أو حدهما حدا لم يأتياه فهما حران
بذلك ولا يعتق عليه مملوك لا بمثله ولا بغير ما ذكرنا فإن كان اللاطم محتاجا إلى خدمة
المملوك الملطوم أو الأمة كذلك ولا غنى له عنه أو عنها استخدمه أو استخدمها فإذا
استغنى عنه أو عنها فهي أو هو حران حينئذ لما روينا من طريق محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر
غندر. وعبد الرحمن بن مهدي قال غندر: نا شعبة، وقال عبد الرحمن: عن سفيان الثوري
ثم اتفق سفيان وشعبة كلاهما عن فراس بن يحيى قال: سمعت ذكوان هو أبو صالح
السمان - يحدث عن زاذان أبى عمر قال: دعا ابن عمر غلاما له فرأى بظهره أثرا فقال له:
أوجعتك؟ قال: لا قال فأنت عتيق ثم قال: (انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من
ضرب غلاما له حدا لم يأته أو لطمه فان كفارته أن يعتقه) اللطم لا يقع في اللغة الا بباطن
الكف على الخد فقط وهو في القفا الصفع، وحديث شعبة. وسفيان زائد على ما رواه
أبو عوانة عن فراس عن ذكوان عن ابن عمر وهو حديث واحد وزيادة العدل لا يجوز
ردها * ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبى نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل
عن معاوية بن سويد بن مقرن عن أبيه قال: (كنا بنى مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس لنا الا خادم واحدة فلطمها أحدنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعتقوها فقال: ليس
لهم خادم غيرها قال: فليستخدموها فإذا استغنوا فليخلوا سبيلها) فهذا أمر من سول الله
صلى الله عليه وسلم لا يحل لاحد مخالفته، فان قيل: قد رويتم من طريق أبى مسعود البدري (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه يضرب غلاما له فقال له: اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه
209

فقال: يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى ثم قال (1): أما لو لم تفعل للفحتك النار أو
لمستك النار) قلنا: ليس في هذا أمر بعتقه وإنما فيه أنه أتى ذنبا بضربه استحق عليه
النار فلما أعتقه كانت حسنة أذهبت تلك السيئة كما لو فعل حسنة أخرى توازيها أو تربى
عليها قال الله عز وجل: (ان الحسنات يذهبن السيئات) وأما أمره عليه الصلاة والسلام
بعتقه فقد قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم
عذاب أليم) فمن لزمه أمر فلم ينفذه وجب انفاذه عليه لقول الله تعالى: (كونوا قوامين
بالقسط شهداء لله) وقال مالك: يعتق بالمثلة وقاله الليث: والأوزاعي الا أن مالكا
رأى ولاءه لسيده الممثل به، وقال الليث: لا ولاء له لكن لجماعة المسلمين وروى هذا
أيضا عن ربيعة. والزهري. ويحيى بن سعيد الأنصاري وصح عن قتادة وعن الصحابة
رضي الله عنهم عن عمر بن الخطاب أنه أعتق أمة أقعدت على مقلى فأحرقت عجزها وهو
غير صحيح عن عمر لأنه من طريق معمر عن أيوب عن أبي قلابة أن عمر * ومن طريق
سفيان الثوري عن عبد الملك العرزمي عن رجل منهم ان عمر * ومن طريق مالك أن عمر *
ومن طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار أن عمر، فالأول مرسل
لان أبا قلابة لم يدرك عمر، والثاني منقطع. وعن ضعيف وعن مجهول، والثالث منقطع
أين مالك من عمر، والرابع منقطع في موضعين لان مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا
وسليمان لم يدرك عمر وقد صح خلاف هذا عن غير عمر كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج يقال: سأل حيان العبدي عطاء بن أبي رباح عمن شج عبده أو كسره؟
فقال عطاء: ليكسه ثوبا أو ليعطه شيئا فقال حيان: هكذا أخبرني جابر بن زيد وهو
أبو الشعثاء عن ابن عباس فيمن فقأ عين عبده قال ابن عباس: أحب إلى أن يعتقه فهذا
ثابت عن ابن عباس ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولنا هذا هو قول أبي حنيفة
والشافعي. وأبي سليمان، واحتج من رأى العتق بالمثلة بما روينا من طريق ابن وهب عن يحيى
ابن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو
ابن العاص ان زبناعا خصى عبدا له وجدع أذنيه وأنفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مثل به أو
حرق بالنار فهو حر وهو مولى الله ورسوله ثم أعتقه عليه الصلاة والسلام، وقال ابن لهيعة عن
يزيد بن أبي حبيب: كان زنباع يومئذ كافرا، وهذا مملوء مما لا خير فيه، يحيى بن أيوب.
والمثنى بن الصباح. وابن لهيعة. ثم هو صحيفة، والعجب أن مالكا يخالفه لأنه يرى الولاء
للمعتق * ومن طريق جيدة إلى معمر. وابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

(1) في النسخة رقم 14 فقال
210

(أن رجلا جب عبده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فأنت حر) وهذه صحيفة * ومن طريق
البزار نا محمد بن المثنى نا محمد بن الحارث نا محمد بن عبد الرحمن بن البيلمان عن أبيه عن ابن عمر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا شفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل العقال من مثل بمملوكه
فهو حر وهو مولى الله ورسوله والناس على شروطهم ما وافقوا الحق) وابن البيلمان
ضعيف مطرح لا يحتج بروايته * ومن عجائب الدنيا احتجاج المالكيين لصحيفة عمرو
ابن شعيب هذه في عتق الممثل به وهو قد خالف هذا الخبر نفسه إذ جعل الولاء لسيده
وليس هو الذي أعتقه بل أعتق عليه على رغمه، ونص الخبر (أنه مولى الله تعالى ورسوله)
وجعلوا الشفعة للغائب فصار حجة فيما اشتهوا ولم يكن حجة فيما لم يشتهوا، واحتجوا من
خبر ابن البيلمان بعتق من مثل بمملوكه وخالفوه في الشفعة ولم ير الحنيفيون: ولا الشافعيون
خبر عمرو بن شعيب ههنا حجة إذ خالفه رأى أبي حنيفة. والشافعي فإذا وافقهم صار
حينئذ صحيحا وحجة كروايته في أم الصغير أنت أحق به ما لم تنكحي. والمكاتب عبد ما بقي
عليه درهم، ورد شهادة ذي الغمر لأخيه. وشهادة القانع لأهل البيت واجازتها
لغيرهم، وقد رد المالكيون رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كثيرا إذا خالفت
رأى مالك ونعوذ بالله من مثل هذا اللعب بالدين * ومن عجائب الدنيا قول الحنيفيين
إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا على الندب *
قال أبو محمد: هذا كذب بحت لان في الخبر أنت حر من مثل به فهو حر وهلا
قلتم: مثل هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: من ملك ذا رحم محرمة عليه فهو حر واللفظ واحد، وقالوا:
بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه قيمته قلنا: هبكم قد صح لكم ذلك وهو الكذب بلا
شك فأعتقوه ثم أعطوه قيمته بل هذا خلاف آخر جديد منكم لما صححتم وأنتم تنكرون
على الشافعي ما ذكر أنه بلغه من عدد تكبير النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة وبعثته لقتل أبي سفيان
وهما حكايتان مشهورتان قد ذكرهما أصحاب المغازي ولم تعيبوا على محمد بن الحسن هذه
الكذبة التي لم يشار كم فيها أحد ثم عملها أيضا باردة عليه لا له، وقالوا: لعل عمر أعتقه
لغير المثلة فمجاهرة قبيحة لان نص الخبر عن عمر أنها شكت إليه أنه أحرقها فأعتقها وجلده
وقال له: ويحك أما وجدت عقوبة الا أن تعذبها بعذاب الله، وذكروا أيضا ما روينا
من طريق معمر عن رجل عن الحسن أشعل رجل وجه عبده نارا فأتى عمر بن الخطاب فأعتقه
ثم أتى عمر بسبي فأعطاه عبدا قال الحسن: كانوا يعتقون ويعاقبون يعنى يعطيه لما أعتقه
عقبة مكانه فقلنا: هذا مكسور في موضعين رجل لم يسم عن الحسن ثم الحسن عن عمر ولم
يولد الا قبل موت عمر بسنتين ثم هبك أنه صح فافعلوا كذلك ويا سبحان الله يكون
211

ما احتجوا فيه بعمر مما لم يصح عنه من أنه جلد في الخمر ثمانين حدا، وأنه أخذ الزكاة من
الخيل. وورث المطلقة ثلاثا في المرض حجة. ولا يكون ما جاء عن عمر من عتق الممثل
به حجة هذا التحكم بالباطل في دين الله تعالى، ويجعل المالكيون ما روى عن عمر في
هذا حجة ولا يجعلون حكمه في حليح الضحاك. وعبد الرحمن بن عوف وسائر ما خالفوه
فيه حجة * وذكرنا أيضا ما روينا من طريق البزار عن إبراهيم بن عبد الله عن سعيد
ابن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن ربيعة بن لقيط حدثهم أن عبد الله
ابن سندر حدثه عن أبيه أنه كان عبدا لزنباع بن سلامة وأنه خصاه وجدعه فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأغلظ القول لزنباع وأعتقه، ابن لهيعة لا شئ والآن صار
عند الحنيفيين ضعيفا وكان ثقة في رواية الوضوء بالنبيذ الا تبا لمن لا يستحى * ومن طريق
العقيلي نا محمد بن خزيمة. نا عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن عمرو بن عيسى
القرشي الأسدي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس جاءت جارية إلى عمر وقد
احرق سيدها فرجها فقالت: ان سيدي اتهمني فأقعدني على النار حتى أحرق فرجى فقال
لها عمر: هل رأى ذلك عليك؟ قالت: لا قال: فاعترفت له قالت: لا قال عمر: على به
فأتى به فقال له: أتعذب بعذاب الله؟ والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (لا يقاد مملوك من مالك ولا ولد من والد) لاقدتها منك ثم برزه فضربه مائة
سوط ثم قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى وأنت مولاة الله ورسوله اشهد لسمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حرق بالنار أو مثل به فهو حر وهو مولى الله ورسوله،
عبد الله بن صالح ضعيف. وعمر بن عيسى مجهول * والعجب كل العجب أن المالكيين
احتجوا بهذا الخبر في عتق الممثل به وفى أن لا يقاد مملوك من مالك ورواه حقا في ذلك
وخالفوه في القود من الحرق بالنار، وقد رآه عمر حقا الا في السيد لعبده والوالد لولده
وفى ان الولاء لغير الممثل. والحنيفيون والشافعيون رأوه حجة في أن الولد لا يقاد له
من والده والعبد لا يقاد له من سيده ولم يجيزوا خلافه ثم لم يروه حجة في جلده في التعذير
مائة ولا في عتق الممثل به فيا سبحان الله أي دين يبقى مع هذا العمل، ثم عجب آخر
انهم كلهم رأوا ما روى في خبر أبي قتادة إذ عقر الحمار وهو محل وأصحابه محرمون من
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفيكم من أشار إليه أو أعانه؟ قالوا: لا قال: فكلوا) حجة
في منع أكل من صيد من أجله وهو محرم ولم يروا قول عمر ههنا. هل رأى ذلك عليك
أو اعترفت له حجة في أن لا يعتق الممثل به إذا عرف زناه بإقرار أو معاينة ولو صح عن
عمر لكان قد خالفه ابن عباس ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم
212

قال أبو محمد: واحتجوا كما ترى بهذه العفونات الفاسدة وتركوا ما رويناه من
طريق أبى داود نا محمد بن المثنى نا معاذ بن هشام الدستوائي نا أبى عن قتادة عن الحسن عن
سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ومن خصى
عبده خصيناه) فالآن صار الحسن عن سمرة صحيفة ولم يصر حديث عمرو بن شعيب
كونه صحيفة إذا اشتهوا (1) ما فيها، وقد رأى المالكيون حديث الحسن عن سمرة حجة
في العهدة وحسبنا الله نعم الوكيل فلما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شئ كان من مثل
بعبده لا يجب عليه عتقه إذ لم يوجب عليه ذلك الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما يجب في
ذلك ما أوجبه الله تعالى إذ يقول: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
وإذ يقول تعالى: (والحرمات قصاص) وإذ يقول تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)
وبالله تعالى التوفيق *
1677 مسألة ومن أعتق عبدا وله مال فماله له الا أن ينتزعه السيد قبل عتقه
إياه فيكون حينئذ للسيد كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا غندر عن هشام
الدستوائي عن أبي الزبير عن عبد الله بن أبي مليكة أن عائشة أم المؤمنين
قالت لامرأة سألتها وقد أعتقت عبدها: إذا أعتقتيه ولم تشترطي ماله فماله له، ومثله
عن ابن عمر، وصح عن الحسن. وعطاء في عبد كاتبه مولاه وله مال وولد من
سرية له ان ماله وسريته له وولده أحرار والعبد إذا أعتق كذلك * رويناه من طريق
الحجاج بن المنهال عن زياد الأعلم. وقيس بن سعد قال زياد: عن الحسن وقال قيس:
عن عطاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري إذا أعتق العبد فماله له *
ومن طريق مالك عن الزهري مضت السنة إذا أعتق العبد يتبعه ماله (2) وروى
أيضا عن القاسم. وسالم. ويحيى بن سعيد الأنصاري. وريعة. وأبى الزناد. ومحمد
ابن عبد القاري. ومكحول مثل قول الزهري، قال يحيى: على هذا أدركت الناس وقال
ربيعة. وأبو الزناد سواء علم سيده ماله أو جهله وهو قول أبى سليمان، وقال مالك:
مال العبد المعتق له وأما أولاده فلسيده، وكذلك حمل أم ولده ولو أنه بعد عتقه أراد عتق أم
ولده لم يقدر لان حملها رقيق وقال: هي السنة التي لا اختلاف فيها ان العبد إذا أعتق يتبعه
ماله (3) ولم يتبعه ولده واحتج بان العبد والمكاتب إذا فلسا أو جرحا أخذ مالهما وأمهات
أولادهما ولم يؤخذ أولادهما وان العبد إذا بيع واشترط المبتاع ماله كان له ولم يدخل
ولده في الشرط *

(1) في النسخة رقم 16 (إذ قد اشتهوا)
(2) في النسخة رقم 14 (تبعه ماله)
(3) في النسخة رقم 14 (تبعه ماله)
213

قال أبو محمد: ما رأينا حجة أفقر إلى حجة من هذه وان العجب من هذه السنة التي
لا يعرف لها راو من الناس لا من طريق صحيحة ولا سقيمة، والخلاف فيها أشهر من ذلك
كما ذكرنا عن عطاء. والحسن بل إنما روى مثل قول مالك عن سليمان بن موسى. وعمرو
ابن دينار. والنخعي، وقد أجمعت الأمة. ومالك معهم في جملتهم وهؤلاء على أن ولد الأمة
مملوك لسيد أمه الا أن يكون ولد الرجل من أمته الصحيحة الملك فإنه حر والفاسدة الملك فإنه
عند بعضهم حر وعلى أبيه قيمته أو فداؤه ولا تخلو أم ولد العبد من أن تكون له فولدها له
اما حر واما مملوك فتعتق عليه بالملك أو لا تعتق واما أن تكون لسيده فلا يحل لاحد
وطئ أمة غيره الا بالزواج والا فهو زنا، والولد غير لاحق إذا علم أنها أمة غيره
ولا سبيل إلى ثالث وليس في الباطل والكلام المتناقض الذي يفسد بعضه بعضا أكثر من
أن تكون أمة للعبد لا يحل للسيد وطؤها إلا أن ينتزعها ويكون ولدها لسيد أبيه مملوكا
هذا عجب لا نظير له ولا أصل له فبطل هذا القول لظهور فساده، وأعجب منه منعه عتق
أم ولده وهو حر وهي أمته من أجل جنينها وهم يجيزون عتق الجنين دون أمه وهما لواحد
فما المانع من عتق أمه دونه وهما لاثنين، وقال الأوزاعي: كل ما أعطى المرء أم ولده في
حياته فهو لها إذا مات لا يعد من الثلث ومن أعتق عبده وله مال فما كان بيد العبد مما اطلع
عليه سيده فهو للعبد وما كان بيد العبد ولم يطلع عليه السيد فهو للسيد، وهذا تقسيم
لا برهان على صحته فهو باطل، وقالت طائفة: مال المعتق لسيده وهو قول أبي حنيفة
وسفيان. والشافعي قالوا كلهم: المكاتب: والموصى بعتقه. والمعتق. والموهوب:
والمتصدق به. وأم الولد يموت سيدها فمالهم كلهم للمعتق أو لورثته، وقال الحسن
ابن حي: مال المعتق والمكاتب لسيدهما، وقال ابن شبرمة: مال المعتق وأم الولد
للسيد ولورثته وقال أحمد. وإسحاق. مال المعتق لسيده وروى هذا القول عن الحكم
ابن عتيبة وصح عن قتادة، وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي
خالد الأحمر عن عمران بن عمير عن أبيه أنه كان عبدا لابن مسعود فاعتقه وقال:
أما أن مالك لي ثم قال: هو لك، وصح نحوه عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك.
فنظرنا فيما احتج به من قال: مال المعتق لسيده فوجدناهم يذكرون ما روينا من طريق
قاسم بن أصبغ نا جعفر بن محمد نا محمد بن سابق نا سفيان الثوري عن عبد الاعلي بن أبي المساور
حدثني عمران بن عمير عن أبيه قال لي ابن مسعود: أريد أن أعتقك وادع مالك فأخبرني
بمالك فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أعتق عبدا فماله للذي أعتقه) *
ومن طريق العقيلي نا عبد الرحمن بن الفضل نا محمد بن إسماعيل نا إسحاق بن إبراهيم
214

ابن عمران المسعودي مولاهم سمع عمه يونس بن عمران عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال
ابن مسعود (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أعتق مملوكا فليس للمملوك من ماله
شئ) هذا لا شئ لان عبد الاعلي بن أبي المساور ضعيف جدا والآخر منقطع لان
القاسم لا يحفظ أبوه عن ابن مسعود شيئا فكيف هو، وقالوا: قد صح ان العبد إذا
بيع فماله للسيد الا أن يشترطه المبتاع فعتقه كذلك، وهذا قياس والقياس كله باطل
ثم لو صح القياس لكان هذا منه باطلا لان البيع نقل ملك إلى ملك فلا يشبه العتق الذي هو
اسقاط الملك جملة والقياس عند من قال به إنما هو على ما يشبهه، لا على ما لا يشبهه، وقالوا:
مال العبد للسيد قبل العتق فكذلك بعد العتق فقلنا: هذا باطل ما هو له قبل العتق الا أن ينتزعه
وقد أوضحنا الحجة في أن العبد يملك ويكفى من ذلك قوله تعالى في الإماء: (فانكحوهن
باذن أهلهن وآتوهن أجورهن) فدخل في هذا الخطاب الحر. والبعد، وقوله تعالى:
(وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من
فضله) فصح أن صداق الأمة لها بأمر الله تعالى يدفعه إليها. وصح أن العبد مأمور بايتاء
الصداق فلولا أنه يملك ما كلف ذلك ولا نكاح الا بصداق ان لم يذكر في العقد فبعد العقد
ووعدهم الله بالغنى فهم كسائر الناس وبالله تعالى التوفيق * فإذ ماله له فهو له بعد العتق كما
كان قبل العتق ثم وجدنا ما روينا من طريق أبى داود نا أحمد بن صالح نا ابن وهب نا الليث
ابن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق عبدا وله مال فمال العبد له الا أن يشترطه السيد) فهذا
اسناد في غاية الصحة لا يجوز الخروج عنه، فان قيل: قد قيل: إن عبيد الله أخطأ فيه
قلنا: إنما أخطأ من ادعى الخطأ على عبيد الله بلا برهان ولا دليل والعجب من الحنيفيين
الذين لم يروا قول أصحاب الحديث أخطأ ضمرة في حديثه عن سفيان من ملك ذا رحم
محرمة فهو حر، وقالوا: لا يجوز ان يدعى الخطأ على الثقة بلا برهان (1) ثم تعلقوا
بقول أولئك أنفسهم ههنا أخطأ عبيد الله، وتعلق المالكيون بقولهم: أخطأ ضمره ولم
يلتفتوا إلى قولهم: أخطأ عبيد الله فهل في التلاعب بالدين أكثر من هذا العمل؟ ونسأل الله
العافية * وأما الشافعيون فردوا الخبرين معا وأخذوا في عدة مواضع بالخطأ الذي لا شك
فيه وبالله تعالى التوفيق *
1678 مسألة ولا يجوز للأب عتق عبد ولده الصغير ولا للوصي عتق عبد
يتيمه أصلا وهو مردود أن فعلا لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها)

(1) في النسخة رقم 14 (الا ببرهان)
215

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وما أباح الله تعالى قط
للأب من مال ولده الصغير دون الكبير قدر ذرة وبالله تعالى التوفيق، وهو قول الشافعي
وأبي سليمان، وقال مالك: يعتق عبد الصغير ولا يعتق عبد الكبير وهذا في غاية الفساد
إذ لا دليل عليه من قرآن ولا سنة وبالله تعالى التوفيق *
1679 - مسألة وعتق العبد وأم الولد لعبدهما جائز والولاء لهما يدور
معهما حيث دارا وميراث المعتق لأولى الناس بالعبد من أحرار عصبته أو لبيت مال
المسلمين، فإذا أعتق فان مات فالميراث له أو لمن أعتقه أو لعصبتهما لأننا قد بينا صحة الملك
للعبد (1) وإذ هو مالك فهو مندوب إلى فعل الخير من الصدقة. والعتق. وسائر أعمال
البر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لمن أعتق) ونص عليه الصلاة والسلام على
أن العبد لا يرث على ما نذكره في كتاب المواريث إن شاء الله تعالى وفى المكاتب بعد هذا
بحول الله تعالى وقوته فهو للحر من عصبته وليس لسيد العبد لأنه لا ولاء له على العبد ولا
على أحد بسببه فإذا عتق صح الميراث له أو لمن يجب له من أجله وبالله تعالى التوفيق *
1680 - مسألة ومن وطئ أمة له حاملا من غيره فجنينها حر أمنى فيها أو لم
يمن لما روينا من طريق أبى داود الطيالسي نا شعبة عن يزيد بن حمير سمعت عبد الرحمن
ابن جبير بن نفير يحدث عن أبيه عن أبي الدرداء (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة
مجح (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعل صاحب هذه أن يكون يلم بها لقد هممت أن
ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يسترقه وهو لا يحل
له) وهذا خبر صحيح لا يحل لاحد خلافه، فإذا لم يحل له أن يسترقه فهو حر بلا شك
وهو غير لاحق به وبه قال طائفة من السلف كما روينا من طريق ابن وهب أخبرني
أبو الأسود المعافري عن يحيى بن جبير المعافري عن عبد الله بن عمرو بن العاصي
قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره فان هو فعل ذلك
وغلب الشقاء عليه فليعتقه وليوص له ومن ماله، وبه إلى ابن وهب عن غوث بن سليمان
الحضرمي عن محمد بن سعيد الدمشقي أخبرني سليمان بن حبيب المحارمي عن الأمة الحامل
يطؤها سيدها قال: رأت الولاة أن يعتق ذلك الحمل قال ابن وهب قال: الليث بن سعد
وأنى أرى ذلك وهو قول مكحول: والأوزاعي. وأبى عبيد. وأبي سليمان. وأصحابنا.
وبعض الشافعيين *
قال أبو محمد: سليمان بن حبيب قاضى عمر بن عبد العزيز بالشام، وغوث بن سليمان

(1) في النسخة رقم 16 صحة ملك العبد
(2) جحت المرأة حملت وأصل الأجحاح للسباع والسبعة إذا حملت فاضربت وعظم بطنها قد اجحت فهي مجح اه‍ الصحاح
216

قاضى مصر، وهذا مما ترك فيه المالكيون والحنيفيون وجمهور الشافعيين صاحبا
لا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم *
1681 مسألة ومن أحاط الدين بماله كله فإن كان له (1) غنى عن
مملوكه جاز عتقه فيه والا فلا وقال مالك: لا يجوز عتق من أحاط الدين بماله، وقال
أبو حنيفة والشافعي بقولنا الا أنهما أجازا عتقه بكل حال
برهان صحة قولنا ان من لا شئ له فاستقرض مالا فان له أن يأكل منه بلا خلاف
وان يتزوج منه وان يبتاع جارية يطؤها فقد صح انه قد ملك ما استقرض وانه مال من
ماله فله أن يتصدق منه بما يبقى له بعده غنى والعتق نوع من أنواع البر وقد يرزق الله عباده
أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وهذا بخلاف الوصية بالعتق ممن أحاط الدين
بماله لان الميت لا سبيل إلى أن يرزقه الله تعالى مالا في الدنيا لم يرزقه (2) إياه في حياته
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقرض ويتصدق بما يستقرض وبالله تعالى التوفيق *
1682 مسألة والمدبر عبد موصى بعتقه والمدبرة كذلك وبيعهما حلال
والهبة لهما كذلك وقد ذكرناه في كتاب البيوع فأغنى عن اعادته ولا حجة لمن منع
من ذلك الا حديث موضوع قد بينا علته هنالك وبالله تعالى التوفيق *
1683 مسألة وكل مملوكة حملت من سيدها فأسقطت شيئا يدرى انه
ولد أو ولدته فقد حرم بيعها وهبتها ورهنها والصدقة بها وقرضها ولسيدها وطؤها
واستخدامها مدة حياته فإذا مات فهي حرة من رأس ماله وكل مالها فلها إذا عتقت
ولسيدها انتزاعه في حياته فان ولدت من غير سيدها بزنا أو اكراه. أو نكاح بجهل
فولدها بمنزلتها إذا عتقت عتقوا *
قال أبو محمد: اختلف الناس في هذا فروينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة
عن المغيرة عن الشعبي عن عبيدة السلماني قال: خطب على الناس فال: شاورني
عمر بن الخطاب (3) في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن فقضى به عمر
حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت أن ارقهن قال عبيدة: فرأى عمر. وعلى في الجماعة أحب
إلى من رأى على وحده *
قال أبو محمد: إن كان أحب إلى عبيده فلم يكن أحب إلى علي بن أبي طالب
وان بين الرجلين لبونا بائنا فأين المحتجون بقول الصاحب المشتهر المنتشر (4) وانه اجماع
أفيكون اشتهارا أعظم أو انتشارا أكثر من حكم عمر باقي خلافته وعثمان جميع خلافته.

(1) في النسخة رقم 16 (به)
(2) في النسخة رقم 16 (ما لم يرزقه)
(3) في النسخة رقم 14 شاورني ابن الخطاب
(4) في النسخة رقم 14 المنتشر المشتهر
217

في أمر فاش عام ظاهر مطبق وعلى موافق لهما على ذلك * وقد روينا عن وكيع نا سفيان
الثوري عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب قال: باع عمر أمهات الأولاد ثم
ردهن حتى ردهن حبالى من تستر فلا سبيل إلى أن يفشو حكم أكثر من هذا الفشو
بمثل هذا الحكم المعلن والأسانيد المنيرة ثم لم ير علي بن أبي طالب ذلك كله اجماعا
بل خالفه فإن كان ذلك (1) اجماعا فعلى أصول هؤلاء الجهال قد خالف على الاجماع
وحاشا له من ذلك فمخالف الاجماع عالما بأنه اجماع كافر ثم لا يستحيون دعوى
الاجماع على ما لم يصح قط عن عمر من أنه فرض في الخمر ثمانين حدا والخلاف فيه
من عمر وممن بعد عمر أشهر من الشمس * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كنا نبيع أمهات الأولاد ورسول
الله صلى الله عليه وسلم حي فينا لا نرى بذلك بأسا، قال ابن جريج: وأخبرني عبد الرحمن بن
الوليد ان أبا إسحاق السبيعي أخبره أن أبا بكر الصديق كان يبيع أمهات الأولاد في
امارته وعمر في نصف امارته، وذكر الحديث قال ابن جريج: وأخبرني عطاء أنه
بلغه أن علي بن أبي طالب كتب في عهده انى تركت تسع عشرة سرية فايتهن ما كانت
ذات ولد قومت في حصة ولدها بميراثه منى وأيتهن لم تكن ذات ولد فهي حرة
فسألت محمد بن علي بن الحسين بن علي أذلك في عهد على؟ قال: نعم *
ومن طريق الخشني محمد بن عبد السلام نا محمد بن بشار بندار نا محمد بن جعفر غندر نا
شعبة عن الحكم بن عتيبة عن زيد بن وهب قال: انطلقت إلى عمر بن الخطاب أسأله عن
أم ولد؟ قال مالك ان شئت بعت وان شئت وهبت ثم انطلقت إلى ابن مسعود فإذا
معه رجلان فسألاه؟ فقال لأحدهما: من أقرأك؟ قال: أقرأنيها أبو عمرة، وأبو حكيم
المزني وقال الآخر: أقرأنيها عمر بن الخطاب فبكى ابن مسعود وقال: اقرأ كما أقرأك
عمر فإنه كان حصنا حصينا يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه فلما أصيب عمر انثلم
الحصن فخرج الناس من الاسلام، قال زيد: وسألته عن أم الولد؟ فقال: تعتق
من نصيب ولدها *
قال أبو محمد: هذا اسناد في غاية الصحة وبعد موت عمر كما ترى فأين مدعوا
الاجماع في أقل من هذا؟ نعم وفيما لا خير فيه مما لا يصح * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج انا عطاء بن أبي رباح أن ابن الزبير أقام أم حيى أم ولد محمد بن
صهيب يقال لابنها خالد فأقامها ابن الزبير في مال ولدها وجعلها في نصيبه، قال عطاء:

(1) في النسخة رقم 16 (فإن كان هذا)
218

وقال ابن عباس: لا تعتق أم الولد حتى يلفظ سيدها بعتقها وهو قول زيد بن ثابت
وبه يقول أبو سليمان. وأبو بكر. وجماعة من أصحابنا وعن عمر قول آخر رويناه
من طريق ابن سيرين عن أبي العجفاء حرم بن نسيب. ومالك بن عامر الهمداني
كلاهما عن عمر بن الخطاب في أم الولد قال: إذا عتقت (1) وأسلمت عتقت وان
كفرت وفجرت أرقت، وروى هذا أيضا عن عمر بن عبد العزيز أنه باع أم ولد ارتدت
وتوقف فيها أبو الحسن بن المغلس وبعض أصحابنا، وروى ابطال بيعها عن الشعبي.
والنخعي. وعطاء ومجاهد والحسن. وسالم بن عبد الله. ويحيى بن سعيد الأنصاري.
والزهري. وأبى الزناد. وربيعة وهو قول أبي حنيفة. ومالك. وسفيان. والأوزاعي.
والحسن بن حي. وابن شبرمة. والشافعي. وأبى عبيد. وأحمد. وإسحاق. وأبى
عبد الله بن سالار. وطائفة من أصحابنا *
قال أبو محمد: أما حديث جابر فلا حجة فيه وإن كان غاية في صحة السند لأنه
ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك ولقد كان يلزم من يرى مسندا قول أبي سعيد
الخدري كنا نخرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي صدقة الفطر صاعا من طعام. صاعا من
شعير. صاعا من تمر. صاعا من أقط. صاعا من زبيب، وقول ابن عمر: كنا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي نقول: أبو بكر. ثم عمر. ثم عثمان. ثم نترك فلا نفاضل
ويرى هذا حجة أن يرى قول جابر هذا حجة والا فهو متلاعب *
قال أبو محمد: وأما من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة في أحد دونه عليه
الصلاة والسلام فنظرنا هل صح عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك منع فنقف عنده
وإلا فلا فوجدنا ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا مصعب بن محمد نا عبيد الله
ابن عمر هو الرقى عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما
ولدت مارية إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعتقها ولدها) فهذا خبر جيد السند
كل رواته ثقة، وسمعنا الله تعالى يقول: (انا خلفنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه)
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روينا في المسألة السادسة في صدر كتاب العتق من ديواننا
هذا أن الانسان يخلقه الله تعالى من منى أبيه ومنى أمه فصح أنه بعضها وبعض
أبيه * وروينا من طريق ابن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا أبو سعيد
مولى بن هشام هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد نا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي
المليح عن أبيه هو أبو أسامة بن عمير قال: أعتق رجل من هذيل شقصا له من

(1) في النسخة رقم 16 (ان عفت)
219

مملوك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو حر كله ليس لله شريك) ولما كان الولد بعض أبيه
وبعض أمه، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (من ملك ذا رحم محرمة فهو حر) فوجب
أن يعتق على أبيه وأن لا يملكه أحد فلما وجب ذلك وجب أن بعضها حر وإذ بعضها
حر فكلها حر، ولما لم يبن عليه الصلاة والسلام أم إبراهيم رضي الله عنها عن
نفسه ولم يزل يستبيحها بعد الولادة صح أنها باقية على إباحة الوطئ والتصرف قال الله
تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وصح أن العتق المذكور في أم
الولد لا يمنع الا من اخراجها عن الملك فقط، وهذا برهان ضروري قاطع ولله
تعالى الحمد الا أنه لا يسوغ للحنيفيين الاحتجاج به لان من أصولهم الفاسدة ان
من روى خبرا ثم خالفه فهو دليل على سقوط ذلك الخبر وابن عباس هو راوي خبر
أم إبراهيم عليها السلام وهو يرى بيع أمهات الأولاد فقد ترك ما روى، وما يثبت
على أصولهم الفاسدة دليل على المنع منن بيعهن لان عليا. وابن الزبير. وابن عباس
وابن مسعود بعد عمر أباحوا بيعهن وكل ما موهوا به ههنا فكذب ابتدعوه * وأما قولنا:
انها يحرم اخراجها عن ملكه إلى ملك غيره مما يدرى أنه ولد فان النص من القرآن والسنة
ورد بأنه أول ما يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما مكسوة لحما ثم ينفخ فيه الروح،
والنطفة اسم يقع على الماء فالنطفة ليست ولدا ولا فرق بين وقوع النطفة في الرحم وخروجها
اثر ذلك وبين خروجها كذلك إلى أربعين يوما ما دامت نطفة فإذا خرجت عن أن
تكون نطفة إلى أن تكون علقة فهي حينئذ ولد مخلق، وقال تعالى: (من نطفة مخلقة وغير
مخلقة) فغير المخلقة هي التي لم تنتقل عن أن تكون نطفة ولا خلق منها ولد بعده والمخلقة
هي المنتقلة عن اسم النطفة وحدها وصفتها إلى أن خلقها عز وجل علقة كما في القرآن فهي
حينئذ ولد مخلق فهي بسقوطه أو ببقائه أم ولد وهذا نص بين وبالله تعالى التوفيق *
وأما انتزاعه مالها صحيحا كان أو مريضا فلقول الله تعالى: (والذين هم لفروجهم
حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء
ذلك فأولئك هم العادون) وأم الولد ليست زوجة بلا خلاف فهي ضرورة مما
ملكت (1) أيماننا فان قيل كيف تكون معتقة حرة مما
ملكت أيماننا قلنا: كما نص الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام على ذلك
لا كما اشتهت العقول الفاسدة الشارعة بآرائها الزائغة ولا علم لنا الا ما علمنا ربنا
عز وجل، وقد قلتم: ان المكاتب لا عبد فيبتاع (2) ويستخدم ولا توطأ المكاتبة وعبد

(1) في النسخة رقم 16 (أحد مال ما ملكت)
(2) في النسخة رقم 14 فيباع
220

في جميع أحكامه ولا حرة فتطلق وحرة في المنع من بيعها ووطئها فأي فرق بين ما قلتموه
بآرائكم فجوزتموه فلما وجدتموه لله تعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام أنكرتموه
ألا هذا هو الهوس المهلك في العاجلة والآجلة؟ واما ولدها من غير سيدها فهو كما قلنا
في أول أمره بعضها فحكمه كحكمها، وصح بما ذكرنا انها لا يحرم بيعها الا بأن تكون
في حين أول حملها في ملك من لا يحل له تملك ولده وكذلك لو حملت منه وهي زوجة
له ملك لغيره ثم ملكها قبل أن يصير الولد حيا فإنها أم ولد لما ذكرناه، فاما لو لم يملكها
الا من نفخ الروح فيه فصار غيرها فلم يكن بعضها حرا قط فلا حرية لها وله بيعها فلو باعها
والذي في رحمها نطفة بعد فإنه ان خرجت عن رحمها وهي نطفة بعد فهو بيع صحيح لأنها
نطفة غير مخلقة فان صارت مضغة فالبيع فاسد مردود لأنه باعها وبعضها مضغة مخلقة
في علم الله تعالى منه فهي من أول وقوعها إلى خروجها ولد فهي أم ولد وبالله تعالى التوفيق *
1684 مسألة فلو أن حرا تزوج أمة لغيره ثم مات وهي حامل ثم أعتقت (1)
فعتق الجنين قبل نفخ الروح فيه لم يرث أباه لأنه لم يستحق العتق الا بعد موت أبيه وكان
حين موت أبيه مملوكا لا يرث فلو مات له بعد ان عتق من يرثه برحم أو ولاء ورثه ان
خرج حيا لأنه كان حين موت الموروث حرا، فلو مات نصراني وترك امرأته حاملا
فأسلمت بعده قبل نفخ الروح فيه أو بعد نفخ الروح فيه فهو مسلم باسلام أمه ولا
يرث أباه لأنه لم يصر له حكم الاسلام الذي يرث به ويورث له أو لا يرث به ولا يورث
به لاختلاف الدينين الا بعد موت أبيه فخرج إلى الدنيا مسلما على غير دين أبيه وعلى
غير حكم الدين الذي لو تمادى عليه لورث أباه وكذلك لو أن نصرانيا مات وترك امرأته
حاملا قد نفخ فيه الروح [أو لم ينفخ فيه الروح] (2) فتملكها نصراني آخر فاسترقها فولدت
في ملكه لم يرث أباه لأنه لم يخرج إلى الدنيا الا مملوكا لا يرث وإنما يستحق الجنين الميراث
ببقائه حرا على دين موروثه من حين يموت الموروث إلى أن يولد حيا وكذلك لو أن امرءا
ترك أم ولده حاملا فاستحقت بعده ثم أعتق الجنين بعتقها فان نسبه لاحق ولا يرث
أباه لان أباه مات حرا وهو مملوك ولم ينتقل إلى الحال التي يورث بها ويرث من الحرية
الا بعد موت أبيه فلو مات له موروث بعد ان عتق ورثه ان ولد حيا لما ذكرنا
وبالله تعالى التوفيق *
تم كتاب العتق وأمهات الأولاد والحمد له رب العالمين

(1) في النسخة رقم 16 زيادة وهي ثم أعتقت فعتق بعد موت أبيه
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
221

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وسلم تسليما
كتاب الكتابة
1685 مسألة من كان له مملوك مسلم أو مسلمة فدعا أو دعت إلى الكتابة
ففرض على السيد الإجابة إلى ذلك ويجبره السلطان (1) على ذلك بما يدرى أن المملوك
العبد أو الأمة يطيقه مما لا حيف فيه على السيد لكن مما يكاتب عليه مثلهما ولا يجوز
كتابة عبد كافر أصلا *
برهان ذلك قول الله تعالى: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم
ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) واختلف الناس في الخير فقالت
طائفة: المال وقالت طائفة: الدين فنظرنا في ذلك فوجدنا موضوع كلام العرب الذي
به نزل القرآن قال تعالى: (بلسان عربي مبين) انه تعالى لو أراد المال لقال: ان علمتم لهم
خيرا أو عندهم خيرا أو معهم خيرا لان بهذه الحروف يضاف المال إلى من هو له في لغة
العرب ولا يقال أصلا في فلان مال فلما قال تعالى: (ان علمتم فيهم خيرا) علمنا أنه تعالى
لم يرد المال فصح أنه الدين ولا خير في دين الكافر وكل مسلم على أديم الأرض فقد علمنا
أن فيه الخير (2) بقوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن لا دين الا الاسلام وهذا أعظم
ما يكون من الخير وكل خير بعد هذا فتابع لهذا، وهذا قول (3) روى عن علي رضي الله عنه
أنه سأله عبد مسلم أأكاتب وليس لي مال؟ فقال على: نعم، فصح أن الخير عنده
لم يكن المال * ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة
السلماني في قول الله تعالى: (فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) قال: ان أقاموا الصلاة *
ومن طريق سفيان هو الثوري عن يونس عن الحسن [في هذه الآية] (4) قال إن
علمتم فيهم خيرا قال دين وأمانة * ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن في
هذه الآية قال: الاسلام والوفاء، وجاء عن ابن عباس أنه المال وهو قول عطاء
وطاوس. ومجاهد. وأبى رزين وقالت طائفة كلا الامرين وهو قول سعيد
ابن أبي الحسن أخي الحسن البصري وهو قول الشافعي الا أنه ناقض في مسائله، وأما
الحنيفيون والمالكيون. فكان شرط الله [تعالى عندهم] (5) ههنا ملغى لا معنى له فسبحان
من جعل شرطه عندهم ضائعا وشروطهم الفاسدة عندهم لازمة وذلك أنهم يبيحون كتابة

(1) في النسخة رقم 14 (ويجبره الحاكم)
(2) في النسخة رقم 14 (علمنا فيه الخير)
(3) في النسخة رقم 14 وهو قول
(4) الزيادة من النسخة رقم 14
(5) الزيادة من النسخة رقم 16
222

الكافر الذي لا مال له وهو بلا شك خارج عن الآية لأنه لا خير فيه أصلا وخارج عن
قول كل من سلف، وهذا مما فارقوا فيه كل من حفظ عنه قول من الصحابة رضي الله عنهم *
ومن طرائف الدنيا احتجاج بعضهم بان قال: قسنا من لا خير فيه على من فيه خير * قال على
فهل سمع بأسخف من هذا القياس؟ وإنما قالوا بالقياس فيما يشبه المقيس عليه لا فيما
لا يشبهه، وهلا قاسوا من يستطيع الطول في نكاح الأمة على من لا يستطيعه،
وهلا قاسوا به غير السائمة في الزكاة على السائمة، وهلا قاسوا غير السارق على السارق
وغير القاتل على القاتل؟ وهذه حماقة لا نظير لها وقال بعضهم: لم يذكر في الآية الا من
فيه خير وبقى حكم من لا خير فيه فأجزنا كتابته بالاخبار التي فيها ذكر الكتابة جملة
فقلنا لهم: فأبيحوا بمثل هذا الدليل أكل كل مختلف فيه لقوله تعالى (كلوا واشربوا)
وهذا باطل بقوله عليه الصلاة والسلام: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)
ويلزمكم أن تجيزوا كتابة المجنون والصغير بعموم تلك الأحاديث وأيضا فإنه لا يكون
مكاتبا الا من أباح الله تعالى مكاتبته أو أمر بها، وأيضا فلم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر
قط في المكاتب الا وفيه بيان انه مسلم، وأمر الله تعالى بالمكاتبة وبكل ما أمر
به فرض لا يحل لاحد أن يقول له الله تعالى افعل أمرا كذا فيقول هو: لا أفعل
الا أن يقول له تعالى: ان شئت فافعل والا فلا * وروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق
نا علي بن عبد الله نا غندر نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ان
سيرين سأله المكاتبة فأبى عليه فقال له عمر بن الخطاب: والله لتكاتبنه وتناوله بالدرة
فكاتبه * وبه إلى علي بن عبد الله نا روح بن عبادة نا ابن جريج قلت لعطاء: أواجب
على إذا علمت له مالا أن أكاتبه؟ قال ما أراه الا واجبا قال ابن جريج: وقال (1) لي
أيضا عمرو بن دينار قال ابن جريج: وأخبرني عطاء ان موسى بن أنس بن مالك
أخبره ان سيرين أبا محمد بن سيرين سال أنس بن مالك الكتابة؟ وكان كثير المال
فأبى فانطلق إلى عمر بن الخطاب فاستأذنه فقال عمر لانس: كاتبه فأبى فضربه عمر
بالدرة وقال كاتبه ويتلو (وكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) فكاتبه أنس * وبه إلى ابن
المديني نا سعيد بن عامر نا جويرية بن أسماء عن مسلم بن أبي مريم عن عبد كان لعثمان
ابن عفان فذكر حديثا وفيه أنه استعان بالزبير فدخل معه على عثمان فقام بين يديه
قائما وقال: يا أمير المؤمنين فلان كاتبه فقطب ثم قال: نعم ولولا أنه في كتاب الله تعالى
ما فعلت ذلك (2) وذكر الخبر * وروى عن مسروق والضحاك، وقال إسحاق بن

(1) في النسخة رقم 14 وقال لي
(2) لفظ ذلك زيادة من النسخة رقم 16
223

راهويه: مكاتبته واجبة إذا طلبها وأخشى أن يأثم إن لم يفعل ذلك ولا يجبره الحاكم
على ذلك وبايجاب ذلك وجبر الحاكم عليه يقول أبو سليمان. وأصحابنا، فهذا عمر. وعثمان
يريايها واجبة ويجبر عمر عليها ويضرب في الامتناع من ذلك، والزبير يسمع حمل عثمان الآية
على الوجوب فلا ينكر على ذلك، وأنس بن مالك لما ذكر بالآية سارع إلى الرجوع إلى
المكاتبة وترك امتناعه فصح أنه لا يعرف في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم،
وخالف ذلك الحنيفيون. والمالكيون. والشافعيون فقالوا: ليست واجبة وموهوا في
ذلك بتشغيبات منها أنهم ذكروا آيات من القرآن على الندب مثل (وإذا حللتم فاصطادوا)
(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) وهذا لا حجة لهم فيه لأنه لولا نصوص اخر جاءت
لكان هذان الأمران فرضا لكن لما حل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجه وعمرته ولم يصطد
صار الامر بذلك ندبا ولما حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على القعود في موضع الصلاة
ورغب في ذلك كان الانتشار ندبا، فإن كان عندهم نص يبين أن الامر بالكتابة ندب صرنا
إليهم والا فقد كذب محرف القرآن عن موضع كلماته وليس إذا وجد أمر مخصوص أو
منسوخ وجب أن يكون كل أمر في القرآن منسوخا أو مخصوصا، وقالوا: لما لم
يختلفوا في أن له بيعه إذا طلب منه الكتابة علمنا أن الامر بها ندب *
قال أبو محمد: وهذا تمويه بارد نعم وله بيعه وان كاتبه ما لم يؤد وله بيع
ما قابل منه ما لم يؤد حتى يتم عتقه بالأداء وهم يقولون فيمن نذر عتق عبده ان قدم أبوه
أن له بيعه ما لم يقدم أبوه وفى ذلك بطلان نذره المفترض عليه الوفاء به لو لم يبعه،
وقالوا: لم نجد في الأصول أن يجبر أحد على عقد فيما يملك فقلنا: فكان ماذا؟
ولا وجدتم قط في الأصول أن يجبر أحد على الامتناع من بيع أمته وتخرج حرة
من رأس ماله ان مات وقد قلتم بذلك في أم الولد ولا وجدتم قط صوم شهر مفرد
الا رمضان فأبطلوا صومه بذلك، ولا فرق بين من قال: لا آخذ بشريعة حتى أجد لها
نظيرا وبين ما قال: لا آخذ بها حتى أجد لها نظيرين، وقد وجدنا المفلس يجبر على
بيع ماله في أداء ما عليه ووجدنا الشفيع يجبر المشترى على تصيير ملكه إليه، وقالوا:
لو كان ذلك واجبا على السيد إذا طلبه العبد لوجب أيضا أن يكون واجبا على
العبد إذا طلبه السيد وهذا أسخف ما أتوا به لان النص جاء بذلك إذا طلبها العبد ولم يأت بها
إذا طلبها السيد، فإن كان هذا عندهم قياسا صحيحا فليقولوا: إنه لما (1) كان الزوج إذا
أراد أن يطلق امرأته كان له أن يطلقها فكذلك أيضا للمرأة (2) إذا أرادت طلاقه أن

(1) في النسخة رقم 16 انه إذا
(2) في النسخة رقم 14 على المرأة
224

يكون لها أن تطلقه ولما كان للشفيع أخذ الشقص (1) وان كره المشترى كان للمشترى
أيضا الزامه إياه وان كره الشفيع، وهذه وساوس سخر الشيطان بهم فيما وشواذ
سبب لهم مثل هذه المضاحك في الدين فاتبعوه عليها ولا ندري بأي نص أم باي عقل وجب
هذا الذي يهذرون به؟ وقالوا: كان الأصل أن لا تجوز الكتابة لأنها عقد غرر وما
كان هذا فسبيله إذا جاء به نص أن يكون ندبا لأنه اطلاق من حظر فقلنا: كذبتم بل
الأصل انه لا يلزم شئ من الشريعة ولا يجوز القول به حتى يأمر الله تعالى به فإذا أمر
به عز وجل فسبيله أن يكون فرضا يعصى من أبى قبوله هذا هو الحق الذي لا تختلف
العقول فيه وما جاء قط نص ولا معقول بان الامر بعد التحريم لا يكون الا ندبا بل
قد كانت الصلاة إلى بيت المقدس فرضا والى الكعبة محظورة محرمة ثم جاء الامر بالصلاة
إلى الكعبة بعد الحظر فكان فرضا، وقالوا: لو كانت الكتابة إذا طلبها العبد فرضا
لوجب أن يجبر السيد عليها وان أرادها العبد بدرهم وهذا قول فاسد لان الله تعالى لم
يأمر قط بإجابة العبد إلى ما أراد أن يكاتب عليه وإنما أمر بإجابته إلى الكتابة ثم ترك
المكاتبة مجملة بين السيد والعبد لان قوله تعالى: (فكاتبوهم) فعل من فاعلين، قال
تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فوجب أن لا يكلف العبد ما ليس في وسعه،
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فوجب ان لا يكلف السيد إضاعة ماله، وصح
بهذين النصين ان اللازم لهما ما أطاقه العبد بلا حرج وما لا غبن فيه على السيد ولا
إضاعة لماله، وقد وافقونا على أن للسيد تكليف عبده الخراج واجباره عليه ولم يكن
ذلك عندهم مجيزا أن يكلفه مر ذلك ما لا يطيق ولا إجابة العبد إلى أداء ما لا يرضى السيد
به مما هو قادر فلا مشقة على أكثر منه وهذا هو الحكم في الكتابة بعينه وكذلك من
تزوج ولم يذكر صداقا فإنه يجبر على أداء صداق مثلها وتجبر على قبوله ولا تعطى
برأيها ولا يعطى هو برأيه، وقد رأى الحنيفيون الاستسعاء والقضاء به واجبا فهلا عارضوا
أنفسهم بمثل هذه المعارضة فقالوا: ان قال العبد: لا أؤدي الا درهما في ستين سنة وقال
المستسعى له: لا تؤدى الا مائة ألف دينار من يومه، وقد أوجب المالكيون الخراج
على الأرض المفتتحة فرضا لا يجوز غيره ثم لم يبينوا ما هو ولا مقداره وكم قصة
قال فيها الشافعيون بايجاب فرض حيث لا يحدون مقداره كقولهم: الصلاة تطيل
بالعمل الكثير ولا تبطل بالعمل اليسير، فهذا فرض غير محدود، وأوجبوا المتعة فرضا
ثم لم يحدوا فيها حدا ومثل هذا لهم كثير جدا فبطل كل ما موهوا به وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم 14 أن يأخذ الشقص
225

1686 - مسألة والكتابة جائزه على مال جائز تملكه وعلى عمل فيه إلى اجل
مسمى والى غير أجل مسمى لكن حالا أو في الذمة وعلى (1) نجم ونجمين وأكثر، وكنا
قبل (2) نقول: لا تجوز إلا على نجمين فصاعدا حتى وجدنا ما حدثناه أحمد بن محمد
الطلمنكي قال: نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري
نا إسحاق بن راهويه انا يحيى بن آدم نا ابن إدريس هو عبد الله نا محمد بن إسحاق عن
عاصم بن عمر بن قتادة هو ابن النعمان الظفري عن محمد بن لبيد عن ابن عباس حدثني
سلمان الفارسي فذكر حديثا طويلا وفيه فقدم رجل من بني قريظة فابتاعني ثم ذكر
خبرا وفيه فأسلمت وشغلني الرق حتى فاتتني بدر ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كاتب فسألت
صاحبي ذلك فلم أزل به حتى كاتبني على أن أحيى له ثلاثمائة نخلة وبأربعين أوقية من
ذهب فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لي: اذهب ففقر لها فإذا أردت أن تضعها
فلا تضعها حتى تأتيني فتؤذني فأكون أنا الذي أضعها بيدي قال: فقمت بتفقيرى
وأعانني أصحابي حتى فقرت لها سربها ثلاثمائة سربة وجاء كل رجل بما أعانني به من
النخل ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يضعه بيده ويسوى عليها ترابها ويبرك حتى فرغ
منها فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية وبقيت الذهب فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ أتاه (3) رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابها من بعض المعادن
فقال عليه الصلاة والسلام: ما فعل الفارسي المسكين المكاتب ادعوه لي فدعيت
فجئت فقال: اذهب بهذه فادها بما عليك من المال فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله
مما على؟ فقال: ان الله سيؤدي عنك ما عليك من المال قال: فوالذي نفسي بيده لقد وزنت
له منها أربعين أوقية حتى أوفيته الذي على قال: فاعتق سلمان وشهد الخندق وبقية
مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الشافعي: لا تجوز الكتابة الا على نجمين للاتفاق
على جوازها كذلك *
قال أبو محمد: لاحظ للنظر مع صحة الخبر، فان قيل: لم قلتم ان العبد إذا أسلم
وسيده كافر فهو حر وهذا سلمان أسلم وسيده كافر ولم يعتق بذلك قلنا: لم نقل بهذا الا
لعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج إليه مسلما من عبيد أهل الطائف. ولقول الله تعالى
(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) والطائف بعد الخندق بدهر وقصة
سلمان موافقة لمعهود الأصل فصح بنزول الآية نسخ جواز تملك الكافر للمؤمن وبقى
سائر الخبر على ما فيه وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم 14 أو على
(2) لفظ قبل زيادة من النسخة رقم 16
(3) في النسخة رقم 16 إذ جاءه
226

1687 مسألة ولا تجوز كتابة مملوك لم يبلغ لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن القلم
مرفوع عن الصبي حتى يبلغ، وقال أبو حنيفة: كتابته جائزة وهذا خلاف السنة ولا يجوز
ان يكاتب عبد غيره لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فلا يجوز
عمل أحد على غيره الا حيث أجازه القرآن والسنة، ولا تجوز كتابة (1) الوصي غلام
يتيمه ولا مكاتبة الأب غلام ابنه الصغير لأنه غير المخاطب في الآية ولأنه ليس نظرا للصغير
إذ هو قادر على أخذ كسبه بغير اخراجه عن ملكه *
1688 - مسألة والمكاتب عبد ما لم يؤد شيئا فإذا أدى شيئا من كتابته فقد
شرع (2) فيه العتق والحرية بقدر ما أدى وبقى سائره مملوكا وكان لما عتق منه حكم
الحرية في الحدود والمواريث والديات وغير ذلك وكان لما بقي منه حكم العبيد في الديات
والمواريث والحدود وغير ذلك هكذا أبدا حتى يتم عتقه بتمام أدائه لما روينا من طريق
أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي نا يزيد بن هارون انا حماد بن سلمة عن قتادة
وأيوب السختياني قال قتادة: عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب، وقال
أيوب: عن عكرمة عن ابن عباس كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال: المكاتب
يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما أعتق منه ويرث بقدر أعتق منه) *
ومن طريق أبى داود نا عثمان بن أبي شيبة نا يعلي بن عبيد الطنافسي نا حجاج
الصواف هو ابن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال:
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكاتب يقتل يؤدى ما أدى من مكاتبته دية الحر وما
بقي دية المملوك * ومن طريق أحمد بن شعيب النسائي نا سليمان بن سلم البلخي.
وعبيد الله بن سعيد قال سليمان: انا النضر بن شميل وقال عبيد الله نا معاذ بن هشام
الدستوائي ثم اتفق معاذ والنضر كلاهما يقول: نا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير
عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤدى المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر
وبقدر ما رق منه دية العبد) * ومن طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن عبد الله بن المبارك أنا
أبو هشام هو المغيرة بن سلمة المخزومي نا وهيب بن خالد عن أيوب عن عكرمة عن
علي بن أبي طالب عن النبي عليه السلام قال: (يؤدى المكاتب بقدر ما أدى) وهذا أثر
صحيح لا يضره قول من قال: انه أخطأ فيه بل هو الذي أخطأ لأنه من رواية الثقات
الاثبات * ومن عجائب الدنيا عيب الحنيفيين. والمالكيين. والشافعيين له بان حماد
ابن زيد أرسله عن أيوب عن عكرمة. وان ابن علية رواه عن أيوب عن عكرمة عن

(1) في النسخة رقم 14 لا يجوز مكاتبا
(2) في النسخة رقم 14 فان أدى من كتابته شيئا شرع
227

على أنه قال: يؤدى المكاتب بقدر ما أدى فأوقفه على علي *
قال أبو محمد: أليس هذا من عجائب الدنيا يكون الحنيفيون. والمالكيون عند كل
كلمة يقولون: المرسل كالمسند ولا فرق فإذا وجدوا مسندا يخالف هوى أبي حنيفة:
ورأي مالك جعلوا ارسال من أرسله عيبا يسقط به اسناد من أسنده ويكون الشافعيون
لا يختلفون في أن المسند لا يضره ارسال من أرسله فإذا وجدوا ما يخالف رأى صاحبهم
كان ذلك يضر أشد الضرر أيرون الله غافلا عن هذا العمل في الدين؟ وقد أسنده حماد بن
سلمة، ووهيب بن خالد، ويحيى بن أبي كثير. وقتادة عن خلاس عن علي وما
منهم أحد ان لم يكن فوق حماد لم يكن دونه فكيف وقد أسنده حماد بن زيد كما روينا
من طريق أحمد بن شعيب انا القاسم بن زكريا انا سعيد بن عمرو نا حماد بن زيد عن
أيوب. ويحيى ان أبى كثير كلاهما عن عكرمة عن ابن عباس أن مكاتبا قتل على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر عليه الصلاة والسلام أن يؤدى ما أدى دية الحر ومالا دية
المملوك. وأما ما ذكروه من ايقاف ابن علية له على علي فهو قوة للخبر لأنه فتيا من على
بما روى، وليت شعري من أين وقع لمن وقع ان العدل إذا أسند الخبر عن مثله وأوقفه
آخر أو أرسله آخر ان ذلك علة في الحديث وهذا لا يوجبه نص ولا نظر ولا معقول
والبرهان قد صح بوجوب الطاعة للسند دون شرط فبطل ما عدا هذا ولله
تعالى الحمد * وقالوا: قد رويتم من طريق أحمد بن شعيب انا حميد بن مسعدة نا سفيان
عن خالد هو الحذاء عن عكرمة عن علي بن أبي طالب في المكاتب إذا أدى النصف
فهو غريم * ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير
عن عكرمة عن ابن عباس حد المكاتب حد المملوك، وهذا ترك منهما لما رويا *
قال أبو محمد: فقلنا: هبك أنهما تركا ما رويا فكان ماذا؟ إنما الحجة فيما رويا
عن النبي صلى الله عليه وسلم لا في قولهما، وقد أفردنا جزءا ضخما لما تناقضوا فيه من هذا الباب،
وأيضا فإن كان هذا الاختلاف يوجب عندهم الوهن فيما رويا فانفصلوا ممن
عكس ذلك فقال: بل ذلك يوجب الوهن فيما روى عنهما مما هو خلاف لما رويا
وحاشا لهما من ذلك *
قال على: فكيف وقد يتأول الراوي فيما روى وقد ينساه فكيف وليس فيما ذكرنا
عن علي. وابن عباس خلاف لما روياه (1) أما قول على: إذا أدى النصف فهو غريم
فليس مخالفا للمشهور عنه من توريث من بعضه حر بما فيه من الحرية دون ما فيه من الرق

(1) في النسخة رقم 14 لما روى
228

ولا لما روى من حكم المكاتب لأنه لم يقل فيه: ليس باقيه عبدا ولا قال فيه: ليس ما قابل
ما أدى حرا لكن أخبر أنه لا يعجز لكن يتبع بباقي الكتابة فقط فلا خلاف في هذا لما
روى * وأما قول ابن عباس: حد المكاتب حد مملوك فإنما يحمل على أنه أراد ما لم يؤد
شيئا من كتابته وما قابل منه إذا أدى البعض ما لم يؤد فهذا صحيح وبه نقول، فبطل هذرهم
ودعواهم الكاذبة أنهما رضي الله عنهما خالفا ما رويا وبطل أن يكون لهم كدح في الخبرة *
وهذا مكان اختلف الناس فيه فروى عن عمر بن الخطاب، وعثمان. وجابر: وأمهات
المؤمنين المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، ولا يصح عن أحد منهم لأنه عن عمر من طريق
الحجاج بن أرطاة وهو هالك عن ابن أبي مليكة مرسل * ومن طريق محمد بن عبيد الله
العرزمي وهو مثله أو دونه ثم عن سعيد بن المسيب أن عمر مرسل * ومن طريق سليمان
التيمي أن عمر * ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عمر (1) وعثمان:
وجابر بن عبد الله، والتي عن أمهات المؤمنين هو من طريق عمر بن قيس سندل وهو ضعيف
وهو عن أم سلمة أم المؤمنين من طريق أبى معشر المدني وهو ضعيف لكنه صح عن
زيد بن ثابت. وعائشة أم المؤمنين وابن عمر وهو مأثور عن طائفة من التابعين
منهم عروة بن الزبير. وسليمان بن يسار، وصح عن سعيد بن المسيب، والزهري، وقتادة
وهو قول أبي حنيفة. ومالك والشافعي. والأوزاعي. وسفيان الثوري. وابن شبرمة
وابن أبي ليلى. واحمد وإسحاق. وأبي ثور. وأبي سليمان، وقالت طائفة: المكاتبون
على شروطهم صح ذلك عن جابر بن عبد الله، وقالت طائفة: هو حر ساعة العقد له بالكتابة
وهو قول روى عن ابن عباس ولم نجد له اسنادا إليه، وقالت طائفة: إذا أدى نصف
مكاتبته فهو غريم روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن بن عبد الله
ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن
جابر بن سمرة ان عمر بن الخطاب قال: إذا أدى المكاتب الا الشطر فهو غريم *
ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بهذا الاسناد نفسه قال عمر: إذا أدى
الشطر فلا رق عليه، وقد ذكرنا قبل في هذه المسألة نفسها قول على بمثل ذلك وهما اسنادان
جيدان، وصح عن شريح إذا أدى المكاتب النصف فلا رق عليه وهو غريم رويناه من
طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن شريح. وقالت طائفة:
إذا أدى المكاتب الثلث فهو غريم روينا ذلك من طريق أبى بكر بن أبي شيبة عن حفص بن
غياث عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود إذا أدى المكاتب ثلث كتابته

(1) في النسخة رقم 14 (ان عمر) ولا يختلف من جهة الحركة صورة
229

فهو غريم، وقالت طائفة: إذا أدى الربع فهو غريم روينا من طريق وكيع عن سفيان
عن منصور عن إبراهيم كان يقال: إذا أدى المكاتب الربع فهو غريم، وقالت
طائفة إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة فهو غريم روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج عن عطاء من رأيه قال: ولم يبلغني عن أحد، وقالت طائفة: إذا أدى
قيمته (1) فهو غريم روينا ذلك من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن أن
ابن مسعود قاله * ومن طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: قال لي الشعبي:
قول شريح مثل قول ابن مسعود إذا أدى المكاتب قيمته فهو غريم من الغرماء *
قال أبو محمد: هذا اسناد جيد لان الشعبي صحب شريحا وشريح صحب ابن مسعود
وليس هذا مخالفا لما روى من هذه الطريق نفسها إذا أدى نصف الكتابة فهو غريم لأنه
قد يمكن أن يقول القولين معا ولا يتمانعان وهو أن يكون يرى أن أدى الأقل من قيمته
أو من نصف الكتابة فهو غريم أيهما أدى فهو غريم * ومن طريق شعبة عن المغيرة بن
مقسم عن النخعي إذا أدى المكاتب ثمن رقبته فليس لهم أن يسترقوه * وقالت طائفة كما
روينا من طريق عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير قال: قال ابن عباس
إذا بقي على المكاتب خمس أواقي أو خمس ذود أو خمسة أوسق فهو غريم، وهذا لا يصح
لأنه منقطع. وعكرمة بن عمار ضعيف * وقالت طائفة بمثل قولنا روينا من طريق أحمد
ابن شعيب انا زكريا بن إسحاق انا إسماعيل بن علية عن أيوب السختياني عن عكرمة عن علي
يؤدى المكاتب بقدر ما أدى * ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي
عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب في
المكاتب: يعتق بالحساب * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني عن
عكرمة عن علي قال: المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى * ومن طريق وكيع نا المسعودي
عن الحكم بن عتيبة عن علي بن أبي طالب قال: تجزى العتاقة في المكاتب من أول نجم *
قال أبو محمد: وجميع هذه الأقوال لا نعلم لشئ منها حجة الا أنها كلها على كل حال
ان لم تكن أقوى من تحديد مالك ما أباح لذات الزوج الصدقة به وما أسقط من الجائحة
وما لم يسقط، ومن تحديد أبي حنيفة ما تبطل به الصلاة مما ينكشف من رأس الحرة أو من
بطنها أو من فخذها من ربع كل ذلك * ومن الشروط الفاسدة التي يحتجون لها (المسلمون
عند شروطهم) فليست أضعف بل لهذه مزية لان أكثرها من أقوال الصحابة رضي الله عنهم
إلا أن من قال: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فاحتجوا بما روينا من طريق عمرو بن

(1) في النسخة رقم 14 ثمنه
230

شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم * ومن طريق عبد الباقي
ابن قانع راوي الكذب عن موسى بن زكريا عن عباس بن محمد بن أحمد بن يوسن
عن هشيم عن جعفر بن اياس عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (المكاتب عبد
ما بقي عليه درهم) وهذا خبر موضوع بلا شك لم يعرف قط من حديث عباس بن محمد
ولا من حديث أحمد بن يونس ولا من حديث هشيم. ولا من حديث جعفر. ولا من
حديث نافع. ولا من حديث ابن عمر إنما هو معروف من قول ابن عمر، وأحاديث
هؤلاء كلهم أشهر من الشمس ولا ندري من موسى بن زكريا أيضا؟، وأما حديث
عمرو بن شعيب فصحيفة على أنه مضطرب فيه قد روينا من طريق أبى داود نا محمد
ابن المثنى حدثني عبد الصمد هو ابن عبد الوارث نا همام هو ابن يحيى نا عباس
الجريري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما عبد كاتب
على مائة أوقية فاداها الا عشر أواقي فهو عبد وأيما عبد كاتب على مائة دينار فاداها الا
عشرة دنانير فهو عبد * ومن طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن
عمرو بن العاصي من كاتب مكاتبا على مائة درهم فقضاها الا عشرة دراهم فهو عبد أو على
مائة أوقية فقضاها الا أوقية فهو عبد، عطاء هذا الخراساني لم يسمع عن عبد الله بن
عمرو بن العاصي شيئا ولا من أحد من الصحابة الا من أنس وحده، والعجب كله ممن
يعطل خبر على، وابن عباس وهو في غاية الصحة بأنه اضطرب فيه وقد كذب ثم يحتج
بهذه العورة وقد اضطرب فيها كما ترى *
(فان قالوا) هو قول أم المؤمنين عائشة وما كان الله تعالى ليهتك ستر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدخول من لا يحل دخوله على أزواجه قلنا: صدقتم وإنما حرم الله تعالى عليهن دخول
الأحرار عليهن فقط والمكاتب ما لم يؤد شيئا فهو عبد وما دام يبقى عليه فلس فليس
حرا لكن بعضه حر وبعضه عبد ولم ينهين قط عمن هذه صفته *
(فان قيل): هو قول الجمهور قلنا: فكان ماذا؟ وكم قصة خالفتم فيها الجمهور نعم وأتيتم
بقول لا يعرف أحد قاله قبل من قلدتموه دينكم، وهذا الشافعي خالف جمهور العلماء
في بطلان الصلاة بترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير وفى تحديد القلتين.
وفى تنجيس الماء بما يموت فيه من الذباب وفى نجاسة الشعر. وفى أزيد من مائة قضية، وهذا
أبو حنيفة خالف في زكاه البقر جمهور العلماء. وخالف في قوله: ان الخلطة لا تغير الزكاة
جمهور العلماء. وخالف في وضعه في الذهب أوقاصا جمهور العلماء. وفى أزيد من ألف
قضية وهذا مالك خالف في ايجاب الزكاة في السائمة جمهور العلماء: وفى الحامل والمرضع
231

تفطران. وفى أن العمرة تطوع وفى مئين من القضايا، فالآن صار أكثر من روى
عنه ولا يبلغون عشرة حجة لا يجوز خلافها وقد خالفهم غيرهم من نظرائهم، وكم
قصة خالفوا فيها رواية عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم كحديثه لا يجوز
لامرأة امر في مالها ولا عطية إذا ملك زوجها عصمتها. وان الدية على أهل البقر مائتا
بقرة. وعلى أهل الشاء ألفا شاة. وفى احراق رحل الغال وغير ذلك، وهذا لعب وعبث
في الدين (فان قالوا): قد صح أن المكاتب كان عبدا فهو كذلك فقلنا: نعم ما لم يأت نص
بخلاف هذا فيوقف عنده وقد صح النص بخلاف هذا وبشروع الحرية فيه، واحتج
أصحابنا ببيع بريرة وهي مكاتبة فقلنا: نعم ولم تكن أدت من كتابتها شيئا هكذا في
الحديث وبهذا نقول فبطل قولهم وصح قولنا والحمد لله رب العالمين كثيرا *
1689 مسألة ولا تجوز كتاب مملوكين معا كتابة واحدة سواء كانا أجنبيين
أو ذوي رحم محرمة * برهان ذلك أنها مجهولة لا يدرى ما يلزم منها كل واحد منهما
أو منهم وهذا باطل، وأيضا فان شرطه أن لا يعتق منهما واحد الا بأداء الآخر وعتقه
شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل قال الله عز وجل: (ولا تكسب كل نفس
الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) فصح أنه عقد مخالف للقرآن فلا يجوز ولا يقع
به عتق أصلا أديا أو لم يؤديا وهو قول أصحابنا *
1690 مسألة وبيع المكاتب. والمكاتبة ما لم يؤديا شيئا من كتابتهما جائز
متى شاء السيد، وكذلك وطئ المكاتبة جائز ما لم تؤد شيئا من كتابتها فان حملت أو لم
تحمل فهي على مكاتبتها فإذا بيع بطلت الكتابة فان عاد إلى ملكه فلا كتابة لهما الا
بعقد محدد ان طلبه العبد أو الأمة فان أديا شيئا من الكتابة قل أو كثر حرم وطؤها
جملة وجاز بيع ما قابل منهما ما لم يؤديا فان باع ذلك الجزء بطلت الكتابة فيه خاصة
وصح العتق فيما قابل منهما ما أديا فان عاد الجزء المبيع إلى ملك البائع يوما ما لم تعد
فيه الكتابة ولا الرجوع في الكتابة أصلا بغير الخروج من الملك، وكذلك ان مات
السيد فان ما قابل مما أديا حر وما بقي رقيق للورثة قد بطلت فيه الكتابة فإن كانا لم
يكونا أديا شيئا بعد فقد بطلت الكتابة كلها وهما رقيق للورثة، وكذلك ان مات
المكاتب أو المكاتبة ولم يكونا أديا شيئا فقد ماتا مملوكين ومالهما كله للسيد فإن كانا
قد أديا من الكتابة فما قابل منهما ما أديا فهو حر ويكون ما قابل ذلك الجزء مما تركا
ميراثا للأحرار من ورثتهما ويكون ما قابل ما لم يؤديا مما تركا للسيد وقد بطل باقي
الكتابة وما حملت به المكاتبة قبل الكتابة أو بعدها إلى أن يتم له مائة وعشرون
232

ليلة (1) مذ حملت به فحكمه حكمها حتى يتم له العدد المذكور فما عتق منها بالأداء عتق منه
فإذا نفخ فيه الروح فقد استقر أمره ولا يزيد قيمة (2) العتق فيه بعد بأدائها *
برهان ذلك ما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بان المكاتب
يعتق منه بقدر ما أدى ويرق بقدر ما لم يؤد فهذا يوجب كل ما ذكرنا وإذ هو عبد ما لم
يؤد فبيع المرء عبده ووطؤه أمته حلال له وما علمنا في دين الله تعالى مملوكا ممنوعا من بيعه،
ومنع الحنيفيون. والمالكيون من البيع والوطئ وما نعلم لهم في ذلك حجة أصلا لا من
قرآن. ولا سنة. ولا قياس. ولا معقول بل قولهم خلاف ذلك كله لا سيما مع
احتجاجهم لقولهم الفاسد بما لم يصح من أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فإذا هو عبد
فما المانع من بيعه وإذ هي أمة فما المانع من وطئها والله تعالى يقول: (والذين هم لفروجهم
حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) فلا تخلو من أن
تكون مما ملكت يمينه فوطؤها له حلال أو مما لا تملك يمينه فهي اما حرة واما أمة لغيره
لا يعقل في دين الله تعالى وفى طبيعة العقول الا هذا، ولو أنهم اعترضوا بهذا على أنفسهم
مكان اعتراضهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تزوجه أم المؤمنين صفية وجعل عتقها صداقها
فقالوا: لا يخلو من أن يكون تزوجها وهي مملوكة له فلا يجوز ذلك أو يكون تزوجها
وهي حرة فهذا نكاح بلا صداق لكان أسلم لهم من الاثم في الأخرى ومن السخرية
بهذا القول السخيف في الأولى، وجوابهم أنه عليه الصلاة والسلام ما تزوجها الا وهي
حرة بصداق صحيح قد حصلت عليه وأتاها إياه كما أمره ربه عز وجل وهو عتقها
التام لها قبل الزواج ان تزوجته ولا يخلو المكاتب (3) ضرورة من أحد أقسام
أربعة لا خامس لها اما أن يكون حرا من حين العقد كما ذكر عن بعض الصحابة
رضي الله عنهم وهم لا يقولون بهذا أو يكون عبدا كما يقولون أو يكون عبدا ما لم يؤد
فإذا أدى (4) شرع فيه العتق فكان بعضه حرا وبعضه مملوكا كما نقول نحن أو يكون (5)
لا حرا ولا عبدا ولا بعضه حر ولا بعضه عبد وهذا محال لا يعقل، فإذ هو عندهم عبد
فبيع العبد ووطئ الأمة حلال ما لم يمنع من ذلك نص ولا نص ههنا مانعا من ذلك
أصلا بل قد جاء النص الصحيح والاجماع المتيقن على جواز بيع المكاتب الذي لم يؤد
شيئا كما روينا من طريق البخاري نا قتيبة نا الليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن
عروة بن الزبير (أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم
تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فان أحبوا أن أقضى

(1) في بعض النسخ (يوما) بدل ليلة
(2) سقط لفظ (قيمة) من النسخة رقم 14
(3) في النسخة رقم 12 (المكاتبة) وهو غلط
(4) في النسخة رقم 16 فان أدى
(5) في النسخة رقم 14 أو لا يكون
233

عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت فذكرت ذلك بريره لأهلها فأبوا وقالوا: ان
شاءت ان تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابتاعي فاعتقي فإنما الولاء (1) لمن أعتق قالت: ثم قام رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: (ما بال الناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى من اشترط
شرطا ليس في كتاب الله تعالى فليس له وان اشترط مائة مرة شرط الله أحق وأوثق) *
ومن طريق مسلم نا أبو كريب محمد بن العلاء نا أبو أسامة نا هشام بن عروة يعنى
عن أبيه أخبرتني عائشة أم المؤمنين قالت: (دخلت على بريرة فقالت: ان أهلي كاتبوني
على تسع أواق في تسع سنين في كل سنة أوقية فأعينيني فقلت لها: ان شاء أهلك ان أعدها
لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك (2) لي فعلت فذكرت ذلك لأهلها فقالوا: لا
الا أن يكون الولاء لهم قالت: فأتتني فذكرت ذلك فانتهرتها فقلت: لا ها الله إذا فسمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فسألني فأخبرته فقال: اشتريها فأعتقيها واشترطي لهم الولاء
فان الولاء لمن أعتق ففعلت ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فحمد الله وأثنى عليه بما هو
أهله ثم قال: (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس
في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق) وذكر
باقي الحديث * ومن طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم المؤمنين عائشة نحوه *
ومن طريق البخاري نا أبو نعيم هو الفضل بن دكين نا عبد الواحد بن أيمن حدثني أبي
أيمن قال: دخلت على عائشة أم المؤمنين فقلت لها: كنت لعتبة بن أبي لهب ومات
وورثه بنوه وانهم باعوني من ابن أبي عمرو المخزومي فأعتقني واشترط بنو عتبة الولاء
فقالت عائشة: دخلت على بريرة وهي مكاتبة فقالت: اشتريني فاعتقيني فقلت: نعم
فقالت: لا يبيعونني حتى يشترطوا ولائي فقلت: لا حاجة لي بذلك فسمع بذلك النبي
صلى الله عليه وسلم أو بلغه فقال لعائشة: (اشتريها وأعتقيها) فذكرت الخبر * ومن طريق
أبى داود نا موسى بن إسماعيل نا حماد هو ابن سلمة عن خالد - هو الحذاء - عن عكرمة
عن ابن عباس (ان مغيثا كان عبدا فقال: يا رسول الله اشفع إليها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا بريرة اتقى الله فإنه زوجك وأبو ولدك قالت: يا رسول الله تأمرني بذلك؟ قال: لا إنما
أنا شافع فكانت دموعه تسيل على خده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: ألا تعجب
من حب مغيث بريرة وبغضها إياه) * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا خالد
عن عكرمة عن ابن عباس قال: (لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة

(1) في النسخة رقم 14 (فان الولاء) وما هنا موافق لما في صحيح البخاري
(2) في النسخة رقم 14 الولاء
234

ودموعه تسيل على لحيته فكلم له العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها فقال لها رسول الله
صلى الله عليه وسلم: زوجك وأبو ولدك فقالت: أتأمرني به يا رسول الله؟ قال: إنما أنا شافع
فقالت: فان كنت شافعا فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها وكان يقال له: المغيث
وكان عبدا لآل المغيرة من بنى مخزوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: ألا تعجب من
شدة بغض بريرة لزوجها ومن شدة حب زوجها لها) فهذا خبر ظاهر فاش رواه عن
النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين. وبريرة وابن عباس، ورواه عن ابن عباس عكرمة.
وعن بريرة عروة: وعن أم المؤمنين القاسم بن محمد. وعروة بن الزبير. وعمرة.
وأيمن، ورواه عن أيمن ابنه عبد الواحد. وعن عمرة يحيى بن سعيد الأنصاري. وعن
القاسم ابنه عبد الرحمن. وعن عروة الزهري. وهشام ابنه. ويزيد بن رومان، ورواه
عن هؤلاء الناس والأئمة الذين يكثر عددهم فصار نقل كافة وتواتر لا تسع مخالفته،
وهذا بيع للمكاتب قبل أن يؤدى شيئا، ولا شك عند كل ذي حس سليم انه لم يبق
بالمدينة من لم يعرف ذلك لأنها صفقة جرت بين أم المؤمنين وطائفة من الصحابة وهم
موالي بريرة، ثم خطب الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر بيعها خطبة في غير وقت الخطبة
ولا يكون شئ أشهر من هذا، ثم كان من مشى زوجها يبكى خلفها في أزقة المدينة ما زاد
الامر شهرة عند الصبيان والنساء والضعفاء فلاح يقينا انه اجماع من جميع الصحابة
إذ لا يجوز البتة أن يظن بصاحب خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أكد فيه هذا
التأكيد، وهذا هو الاجماع المتيقن لا اعطاء صاع من حنطة صدقة في بنى الحارث
ابن الخزرج على نحو ميل من المدينة. ولا جلد عمر أربعين جلدة زائده على سبيل التعزير
في الخمر قد صح عنه خلافها، وعن غيره من الصحابة قبله وبعده، ولا سبيل لهم إلى أن
يوجدونا عن أحد من الصحابة المنع من بيع المكاتب قبل أن يؤدى الا تلك القولة الخاملة
التي لا نعلم لها سندا عن ابن عباس *
قال أبو محمد: فبلحوا عند هذه فقالت منهم عصبة: إنما بيعت كتابتها فقلنا: كذبتم
كذبا مفتعلا للوقت وفى الخبر تكذيبكم بأن أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها وكان
الولاء لها، وقال بعضهم: إنما عجزت فقلنا: كذبتم كذبا مفتعلا من وقته، وفى الخبر ان
هذه القصة كانت بالمدينة والعباس. وابنه عبد الله بها وان الكتابة كانت لتسع سنين
في كل سنة أوقية وانها لم تكن بعد أدت شيئا، ولا خلاف بين أحد من أهل العلم
والرواية في أن العباس. و عبد الله لم يدخلا المدينة ولا سكناها الا بعد فتح مكة ولم يعش
النبي صلى الله عليه وسلم مذ دخل المدينة بعد الفتح الا عامين وأربعة أشهر فأين عجزها وأين حلول
235

نجومها تبارك الله ما أسهل الكذب على هؤلاء القوم في الدين نعوذ بالله من البلاء؟ *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: غلام كاتبته فبعته رقبة
أو كاتبته فعجز قال عطاء: هو عبد للذي ابتاعه وقاله أيضا عمرو بن دينار قلت لعطاء:
فقضى كتابته فعتق قال عطاء: هو مولى للذي ابتاعه قلت لعطاء: كيف والكتابة عتق
قال عطاء: كلا ليست عتقا إنما يقال في المكاتب يورث فلا يبيعه الذي ورثه الا
باذن عصبة الذي كاتبه وقاله أيضا عمرو بن دينار، قال ابن جريج: قلت لعطاء:
اذن لي في بيعه أخوتي بنو أبى ولم يأذن بنو جدي قال عطاء: حسبك أن يأذن لك وارثه
من عصبته يومئذ قال عطاء: وأما مكاتب أنت كاتبته فبعته رقبة والذي عليه فلا تستأذن
فيه أحدا فان عجز فهو للذي ابتاعه وان عتق فهو مولى الذي ابتاعه فهذا عطاء. وعمرو
ابن دينار يجيزان بيع رقبة المكاتب بلا عجز ولم يخالفهما ابن جريج، والعجب كله من
إجازة بعضهم بيع كتابة المكاتب وهو حرم لأنه بيع غرر ومنعوا من بيع رقبته قبل
أن يؤدى وهو حلال طلق، ثم قالوا: ان أدى فعتق فولاؤه لبائع كتابته وان عجز فهو
رقيق للمشترى كتابته وهذا تخليط لا نظير له لأنه بيع لا بيع وتمليك للرقبة لمن لم يشترها
وكل ذلك باطل * واحتج بعضهم في منع بيعه بقول الله تعالى: (أوفوا بالعقود)
قال أبو محمد: وهذا عليهم لا لهم لأنهم يرون تعجيزه ان عجز وابطال كتابته
ونسوا قول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) فقالوا: المسلمون عند شروطهم فقلنا:
فأجيزوا شرطه على المكاتبة وطئها كما فعل سعيد بن المسيب وغيره فقالوا: هذا شرط
ليس في كتاب الله تعالى فقلنا: والتعجيز شرط ليس في كتاب الله تعالى ولا فرق، ثم لم
يختلفوا فيمن عقد على نفسه لله عز وجل عتق غلامه هذا إن أفاق أبوه أو قدم غائبه فان
له بيعه ما لم يقدم الغائب وما لم يفق الأب فهلا منعوا من هذا بأوفوا بالعقود، فان
قالوا: قد لا يستحق العتق بموت الأب المريض والغائب قلنا وقد لا يستحق المكاتب
العتق عندكم بالعجز ولا فرق فكيف وليس قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) مانعا من
البيع وإنما هو مانع من أن يبطل عقده قاصدا إليه بالابطال، فقط * وأما وطئ المكاتبة
فإننا روينا من طريق أحمد بن حنبل نا عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري نا يحيى بن
سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: إذا كاتب الرجل أمته واشترط أن يغشاها
حتى تؤدى مكاتبتها فلا بأس بذلك، وبه يقول أبو ثور، والعجب أن المانعين من
وطئها اختلفوا فقال الحكم بن عتيبة: ان حملت بطلت الكتابة وهي أم ولد، وقال
الزهري: يجلد مائة فان حملت فهي أم ولد *
236

قال على: ليت شعري كيف يجلد مائة في وطئه من تكون أم ولده ان حملت ان هذا
لعجب وإنما هو فراش أو عهر ولا ثالث، وقال قتادة: يجلد مائة سوط غير سوط
وهي كذلك ان طاوعته، وقال سفيان الثوري: لا شئ عليه ان وطئها ولا عليها فان حملت
فهي بالخيار بين التمادي على الكتابة وبين أن تكون أم ولد وتبطل الكتابة، وقال
أبو حنيفة. ومالك: كقول سفيان الا انه زاد ان تمادت على الكتابة أخذت منه مهر مثلها
فاستعانت به في كتابتها الا أن مالكا زاد أنه يؤدب *
قال أبو محمد: ليت شعري لأي معنى تأخذ منه مهرا أهي زوجة له فيكون لها
مهر هذا الباطل أم هي بغى فقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهر البغي. أم هي ملك يمينه فهي
حلال ولا مهر لها أم هي محرمة بصفة كالحائض. أو الصائمة وما عدا ذلك فتخليط
لا يعقل؟ وقال الشافعي: يعزران ولها مهر مثلها وهي أم ولده، وهذا تناقض كما
ذكرنا، والعجب من احتجاجهم في المنع من وطئها بان قالوا: قد خرجت من يده
وصارت في يد نفسها كالمرهونة *
قال على: هذا كذب ما خرجت عن يده ولا عن ملكه الا بالأداء فقط والدعوى
لا تقوم بها حجة والمرهونة حلال لسيدها والمانع من وطئها مخطئ، وهذا احتجاج
للباطل بالباطل. وللدعوى بالدعوى، ولقولهم بقولهم، وقالوا: قد سقط ملكه عن منافعها
ووطؤها من منافعها *
قال أبو محمد: هذا كذب بل سقط ملكه عن رقبتها وملك رقبتها من منافعها
وإنما الحق ههنا ان منافعها له بلا خلاف فلا يخرج عن ملكه منها الا ما أخرجه النص
ولا نص في منعه من وطئها ما لم تؤد، وقال بعضهم: وطؤها كاتلاف بعضها وهذا
غاية السخف ولئن كان كاتلاف بعضها انه لحرام عليه قبل الكتابة كما يحرم عليه
اتلاف بعضها ولا فرق * وأما قولنا: ان عاد إلى ملكه لم تعد الكتابة فلان كل عقد
بطل بحق فلا يرجع الا بابتداء عقده أو بأن يوجب عودته بعد بطلانه نص ولا نص
ههنا، وأما إذا أديا شيئا فقد شرع العتق فيهما بمقدار ما أديا ولا يحل بيع حر ولا بيع
جزء حر ولا وطئ من بعضها حر لأنها ليست ملك يمين حينئذ بل بعضها ملك
يمينه وبعضها غير ملك يمينه والوطئ لا ينقسم ولا يحل وطئ حرام أصلا فان فعل فهو
زان فعليه الحد والولد غير لاحق وهو قول الحسن البصري، وله بيع ما في ملكه
منهما لما ذكرنا من جواز بيع المرء حصته التي في ملكه * واما قولنا ان مات السيد بطلت
الكتابة أو ما قابل ما لم يؤد منه فلقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها)
237

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شروع العتق في المكاتب بالأداء وبقاء سائره رقيقا
فإذا مات السيد فما عتق بالأداء حر لا يجوز أن يعود رقيقا وما بقي رقيقا فقد ملكه
الورثة والموصى لهم أو الغرماء (1) ولا يجوز عقد الميت في مال غيره وقد ذكرنا قبل
قول (2) الشعبي ليس لميت شرط، وقال هؤلاء: إنما يرثون الكتابة وهذا باطل على
أصولهم لان الكتابة عندهم ليست دينا ولا مالا مستقرا واجبا فبطل قولهم: إنها تورث *
وأما موت المكاتب ففيه خلاف قديم. وحديث فقالت طائفة: ماله كله لسيده
روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن معبد الجهني قال: قضى عمر
ابن الخطاب في المكاتب يموت وله ولد أحرار وله مال أكثر مما بقي عليه ان ماله كله
لسيده * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن طارق عن الشعبي عن زيد بن
ثابت قال في المكاتب يموت وله ورثة: ان ماله كله لسيده * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر قال فيما ترك المكاتب: هو كله لسيده وهو قول عمر
ابن عبد العزيز. وقتادة. والنخعي. والشافعي. وأحمد بن حنبل. وأبي سليمان.
وأصحابهم، وقالت طائفة: غير هذا كما روينا من طريق حماد بن سلمة. وعبد الرزاق قال
حماد: انا سماك بن حرب عن قابوس بن مخارق بن سليم عن أبيه، وقال عبد الرزاق:
عن ابن جريج عن عطاء ثم اتفقا عن علي في مكاتب مات وله ولد أحرار قال: يؤدى
مما ترك ما بقي من كتابته ويصير ما بقي ميراثا لولده * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان
ابن عيينة. والمعتمر بن سليمان كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: كان
ابن مسعود يقول في المكاتب إذا مات وترك مالا: أدى عنه بقية كتابته وما فضل رد
على ولده إن كان له ولد أحرار وبه كان يقضى شريح * ومن طريق عبد الرزاق عن
معمر عن قتادة عن معبد الجهني أن معاوية قال في مكاتب مات وله ولد أحرار ومال أن
يعطى سيده بقية كتابته ويكون ما بقي لولده الأحرار وبه يقول معبد وهو قول الحسن
البصري. وابن سيرين. والنخعي. والشعبي ان ذلك لورثته بعد أداء كتابته وهو
قول عمرو بن دينار * ومن طريق عبد الرزاق عن عمر عن الزهري قال: إذا كان
للمكاتب أولاد معه في كتابته وأولاد ليسوا معه في كتابته فإنه يؤدى ما بقي من
كتابته ثم يقسم ولده جميعا ما بقي من ماله على فرائضهم وهو قول سفيان الثوري.
والحسن بن حي. وأبي حنيفة. وإسحاق بن راهويه، وقالت طائفة: غير هذا كما روينا
عن مالك ومن قلده ان المكاتب إن كان معه في كتابته أمه وأبوه والجد والجدة وبنوه

(1) في النسخة رقم 16 (والغرماء)
(2) في النسخة رقم 16 (عن)
238

وبناته وبنو بنيه وبنو بناته وأخوته وأخواته وزوجاته أو بعض من ذكرنا، وقد
كان كاتب على نفسه وعلى من ذكرنا كتابة واحدة وكان له أولاد أحرار واخوة
أحرار وأبوان (1) حران فمات وترك مالا فإنه يؤدى ما بقي من كتابته ويرث
من ذكرنا ممن كان معه في الكتابة ما بقي على قسمة المواريث ولا يرثه أب حر ولا أم حرة
ولا أولاد أحرار ولا أخوة أحرار أصلا كان معه في الكتابة أحد من هؤلاء أو لم
يكن، قال: فإن كان معه في الكتابة من لا يعتق على المرء إذا ملكه كالعم وابن العم
وابن الأخ فلا شئ لهم والمال كله لسيده، واختلف قوله في الزوج والزوجة فمرة
قال: يرثان إذا كانا معه في كتابة واحدة ومرة قال: لا يرثانه ولم يختلف قوله: انهما
لا يرثان إذا لم يكونا معه في الكتابة، ولا نعلم هذا القول عن أحد من خلق الله تعالى
قبله، وهذه فريضة ما سمع بأطم منها وهي خلاف القرآن. والسنن. والمعقول وقول
كل أحد يعرف قوله، وقالت طائفة: كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة
عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي. والشعبي كلاهما عن علي بن أبي طالب قال:
المكاتب يرث بقدر ما أدى ويحجب بقدر ما أدى ويعتق منه بقدر ما أدى *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن علي بن أبي طالب قال في المكاتب
انه يرث بقدر ما أدى ويعتق منه بقدر ما أدى ويجلد الحد بقدر ما أدى ويكون دينه بقدر
ما أدى * ومن طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال علي بن أبي
طالب: المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة
عن الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه سئل عن المكاتب؟ فقال: إذا أدى قيمة رقبته
فهو غريم وان مات أدى عنه بقية مكاتبته وورث ولده بقدر ما عتق منه وورث
مواليه بقدر ما رق منه *
قال أبو محمد: أما قول مالك فتخاذله أشهر من أن يشتغل به ويكفى منه أنه لا يعرف
عن أحد قبله وانه لم يأت قط به نص. ولا رواية فاسده ولا قياس. ولا يعقل، وقال
بعضهم: لما كان المكاتب ليس له حكم العبيد ولا حكم الأحرار وجب أن يكون لميراثه
حكم آخر غير حكم العبيد في ميراثهم وغير حكم الأحرار *
قال على: فقلنا. فقولوا: هكذا في حدوده وأخرجوا له حدود طريفة وقولوا
كذلك في ديته، وقولوا مثل هذا في أم الولد فكيف وأصلكم هذا باطل ودعوى كاذبة
ولا فرق عندكم بينه وبين العبد الا أن سيده لا ينتزع ماله ولا يستخدمه ولا يمنعه من

(1) في النسخة رقم 16 (أو أبوان)
239

من التصرف والتكسب فقط كما أنه لا فرق بين أم الولد والأمة الا أنها لا تباع ابدا
ولا توهب أبدا ولا تعود إلى حكم الرق أبدا، وقالوا أيضا: هذا المال كان موقوفا
لعتق جميعهم فكان كأنه لهم فقلنا: فاجعلوه بينهم على السواء بهذا الدليل ولا تقسموه
قسمة المواريث وادخلوا فيه كل من معه في الكتابة بهذا الدليل، وبالجملة فما ندري
كيف انشرحت نفس أحد لقبول هذا القول على شدة فساده مع أن أصله فاسد، ولا
يجوز أن يكاتب أحد على نفسه وغيره كتابة واحدة لأنه شرط ليس في كتاب الله
عز وجل فهو باطل وبالله تعالى التوفيق * وأما قول أبي حنيفة فخطأ ظاهر أيضا لأنهم
مقرون بان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فإذ هو كذلك فإنما مات عبدا وإذا مات
عبدا فلا يمكن أن تقع الحرية على ميت بعد موته فظهر فساد قولهم جملة، ولا يختلفون
فيمن قال لعبده: أنت حر إذا زالت الشمس من يومنا هذا فمات العبد قبل زوال
الشمس بدقيقة فإنه مات عبدا ولا ترثه ورثته وماله كله لسيده * وأما من قال: ماله
كله لسيده فإنما بنوا على أنه عبد ما بقي عليه درهم وهذا قول قد بينا بطلانه بحكم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ان المكاتب يشرع فيه العتق بقدر ما أدى ويرث بقدر ما عتق منه فصح أن
لذلك البعض حكم الحر ولباقيه حكم العبد في الميراث وفى كل شئ وبالله تعالى التوفيق *
وأما حمل المكاتبة فإنه ما لم ينفخ فيه الروح فهو بعضها كما قدمنا فله حكمها وأما إذا نفخ
فيه الروح فهو غيرها قال تعالى: (ثم أنشأناه خلقا آخر) وهو عند ذلك ذكر وهي
أنثى أو أنثى غيرها فليس له ولا لها حكم الام قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس
الا عليها) فان قيل فهلا أجزتم عتق جميع المكاتب إذ بعضه حر بقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقصا له في مملوك عتق كله) وأوجبتم الاستسعاء بذلك الخبر
قلنا: لا يحل ضرب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها ببعض ولا أن يترك حكمه بحكم
له آخر بل كل أحكامه فرض اتباعها وكل كلامه حق مسموع له ومطاع وهو
عليه السلام أمر بعتق من أعتق بعضه اما على معتق بعضه إن كان له مال وأما بالاستسعاء
وهو عليه السلام خص المكاتب بحكم آخر وهو عتق بعضه وبقاء بعضه رقيقا فقبلنا (1)
كل ما أمرنا به ولم نعارض بعضه ببعض ولله تعالى الحمد، ومن تعاطى تعليم رسول الله
صلى الله عليه وسلم. الدين فهو أحمق وكلا هذين الحكمين قد صح فيهما اختلاف
من سلف وخلف وكلاهما نقل الآحاد الثقات فليس بعضها أولى بالقبول من بعض
وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم 14 فقلنا وهو غلط
240

1691 مسألة ولا تحل الكتابة على شرط خدمة فقط. ولا على عمل بعد العتق.
ولا على شرط لم يأت به نص أصلا، والكتابة بكل ذلك باطل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) *
1692 - مسألة ومن كوتب إلى غير أجل مسمى فهو على كتابته ما عاش
السيد [وهو] (1) وما لم يخرج عن ملك السيد (2) فمتى أدى ما كاتب عليه عتق لأن هذه
صفه كتابته وعقده فلا يجوز تعديه ومن كوتب إلى أجل مسمى نجم واحد أو نجمين
فصاعدا فحل وقت النجم ولم يؤد فقد اختلف الناس في ذلك فروينا من طريق عبد الرزاق
نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في المكاتب يؤدى
صدرا من كتابته ثم يعجز قال: يرد عبدا سيده أحق بشرطه الذي شرط، قال ابن جريج:
وأخبرني إسماعيل بن أمية ان نافعا أخبره أن ابن عمر فعل ذلك يعنى أنه رد مكاتبا له في
الرق إذ عجز بعد أن أدى نصف كتابته * ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن حصين بن
عبد الرحمن عن الشعبي أن عليا قال: إذا عجز المكاتب فادخل نجما في نجم رد في الرق *
وروينا عن أبي أيوب الأنصاري أنه كاتب أفلح ثم بداله فسأله ابطال الكتابة
دون أن يعجز فاجابه إلى ذلك فرده عبدا ثم أعتقه بتلا، وقد ذكر ذلك مخرمة بن بكير
عن أبيه انه لا بأس به وبه يقول أبو حنيفة. ومالك. والشافعي. وأبو سليمان، وقال
هؤلاء: تعجيز المكاتب جائز بينه وبين سيده دون السلطان الا ان لمالك قولا انه
لا يجوز التعجيز الا بحكم السلطان ثم اختلف القائلون بتعجيزه فروينا من طريق حماد
ابن سلمة. وابن أبي عروبة كلاهما عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب
قال: إذا عجز المكاتب استسعى حولين زاد ابن أبي عروبة (3) فان أدى والا رد في الرق
وبهذا يقول الحسن البصري. وعطاء بن أبي رباح ولم يقل جابر ولا ابن عمر بالتلوم
بل أرقه ابن عمر ساعة ذكر انه عجز، وبه يقول أبو سليمان. وأصحابنا * وروينا من
طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي أن على
ابن أبي طالب قال في المكاتب يعجز: أنه يعتق بالحساب - يعنى بحساب ما أدى وقال
ابن أبي ليلى. والحكم بن عتيبة والحسن بن حي. وأبو يوسف. وأحمد بن حنبل:
لا يرق حتى يتوالى عليه نجمان لا يؤديهما، وقال الأوزاعي: إذا عجز استوفى به شهران،
وقال أبو حنيفة: والشافعي: إذا عجز استوفى به ثلاثة أيام فقط ثم يرق، وقال مالك:
يتلوم له السلطان بقدر ما يرى * وروينا من طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار قال:

(1) زيادة (وهو) من النسخة رقم 14
(2) في النسخة رقم 14 (سيده)
(3) في النسخة رقم 16 (ابن أبي ليلى) واسم ابن أبي عروبة سعيد.
241

قال جابر بن زيد. إذا عجز المكاتب استسعى، وقد ذكرنا قبل قول عمر بن الخطاب.
وعلي بن أبي طالب. وشريح إذا أدى النصف فلا رق عليه وهو غريم وهو صحيح عنهم،
وقول ابن مسعود. إذا أدى ثلث كتابته فهو غريم، وقول إبراهيم: إذا أدى ربع
كتابته فهو غريم وقول عطاء: إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته فهو غريم. وقول ابن مسعود
وشريح إذا أدى قيمته فهو غريم وهو قول صحيح عنهما (1) *
قال أبو محمد: ما نعلم لشئ من هذه الأقوال حجة وأعجبها قول من حد التلوم
بثلاثة أيام أو بشهرين ومن جعل ذلك إلى السلطان أفرأيت ان لم يتلوم له السلطان إلا ساعة
إذ رأى أن يتلوم له خمسين عاما ثم نقول لجميعهم: لا تخلو الكتابة من أن تكون دينا لازما أو
تكون عتقا بصفة لا دينا ولا سبيل إلى ثالث أصلا لا في الديانة ولا في المعقول، فإن كانت عتقا
بصفة فالواجب انه ساعة يحل الأجل فلا يؤديه فلم يأت بالصفة التي لا عتق له الا بها فقد بطل
عقده ولا عتق له، ولا يجوز التلوم عليه طرفة عين كمن قال لغلامه: ان قدم أبى يومى هذا فأنت
حر فقدم أبوه بعد غروب الشمس فلا عتق له وهذا قول أصحابنا وهو قول جابر، وابن
عمر، وقد تناقضوا أقبح تناقض ومنعوا من بيعه وان لم يؤد شيئا فصح أنها ليست
عندهم عتقا بصفة أو يكون دينا واجبا فلا سبيل إلى ابطاله كما روينا عن جابر بن زيد
فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بشروع العتق فيه بقدر ما أدى فصح
يقينا أنها دين واجب يسقط منه بقدر ما أدى منه كسائر الديون وانه ليس عتقا بصفة
أصلا لان أداء بعض الكتابة ليس هو الصفة التي تعاقدا العتق عليها فإذ هي كذلك
فقد قال الله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) وقال تعالى: (أوفوا بالعقود)
فوجب الوفاء بعقد الكتابة وانه لا يجوز الرجوع فيها بالقول أصلا ووجبت النظرة
إلى الميسرة ولابد، فان قيل: فإذ هي دين كما تقول: فهلا حكمتم به وان مات العبد
أو السيد أو خرج عن ملكه كما حكمتم في سائر الديون؟ قلنا: لم نفعل لان ذلك ليس
دينا مطلقا وإنما هو دين يصح بثبات الملك ويبطل ببطلان الملك لأنه إنما وجب
للسيد بشرط ان يعتقه بأدائه على العبد بشرط أن يكون بأدائه حرا فقط بهذا جاء
القرآن وفسرته السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا مات السيد فقد بطل وجود المعتق
فبطل الشرط الذي كان عليه وبطل الشرط عن العبد إذ لا سبيل إلى تمامه أبدا وإذا
مات العبد فقد بطل وجوده وبطل (2) الشرط الذي كان له من العتق فبطل دين
السيد إذ لا سبيل إلى ما كان يستحق ذلك الدين الا به وان خرج عن ملكه فكذلك

(1) في النسخة رقم 14 صح عنهما
(2) في النسخة رقم 14 فقد بطل.
242

أيضا قد بطل عتقه في عبد غيره فبطل ما كان له من الدين مما لا يجب له إلا بما قد بطل
ولا سبيل إليه، وبالله تعالى التوفيق *
1693 مسألة ولا تصح الكتابة الا بان يقول له: إذا أديت إلى هذا العدد على
هذه الصفة فأنت حر فإن كان إلى أجل مسمى أو أكثر ذكر ذلك * برهان ذلك أن العبد
ملك للسيد فلا يستحق عتقا الا حتى يلفظ سيده له بالعتق والا فلا لأنه لم يوجب ذلك
نص ولا اجماع *
1694 مسألة ولا تجوز الكتابة على مجهول العدد. ولا على مجهول الصفة ولا
بما لا يحل ملكه كالخمر والخنزير وغير ذلك. ولا يصح بشئ من ذلك عتق أصلا ولا بكتابة
فاسدة وهو قول أبى سليمان وأصحابنا لان كل ذلك غرر محرم وقال الله تعالى: (ان الله لا يصلح
عمل المفسدين) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وكل شرط ليس
في كتاب الله فهو باطل) وبالضرورة يدرى كل ذي تمييز صحيح ان ما عقدا لا صحة له الا بصحة
ما لا صحة له فلا صحة له، وقال الشافعي: الكتابة الفاسدة تفسخ ما لم يؤدها فإذا أداها عتق *
قال أبو محمد: هذا عين الفساد ولا يجوز أن يصح الباطل بتمامه، وقد قال
تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق
ظالم حق) وقال مالك: إذا عقدت الكتابة بشرط فاسد بطل الشرط وصحت الكتابة *
قال على: هذا غاية الخطأ لأنه يلزمهما عقدا لم يلتزماه قط ولا أمر الله تعالى بالزامهما
إياه وإنما تراضيا الكتابة بهذا الشرط والا فلا كتابة بينهما فاما ان يصح شرطهما
فتصح كتابتهما واما أن يبطل الشرط فلا كتابة ههنا أصلا، وقال أبو حنيفة: من
كاتب على ثوب غير موصوف أو على حكمه أو على ميتة أو على ما لا يعرف له مقدار فهي
كتابة باطل ولا عتق له وان أدى، وان كاتب على خمر محدودة أو على خنزير موصوف
فان أدى ذلك عتق وعليه قيمته لمولاه *
قال على: ما سمع بأنتن من هذا التقسيم ولا بافسد منه وهم يقولون: من باع سلعة
بثمن الا أنهما لم يسميا ذلك الثمن ولا عرفاه فهو بيع فاسد وان قبض المشترى السلعة
وهي معه وأعتقه جاز عتقه وكانت حجتهم ههنا أقبح من قولهم لأنهم قالوا: العقود على
الخمر والخنزير جائزة بين أهل الذمة فلقد أنزلوا أنفسهم حيث لم ينزلهم من الائتساء
بأهل الذمة الكفار وما جعل الله تعالى قط أهل الكفر أسوة ولا قدوة وان في هذه
لدلائل سوء نعوذ بالله من الخذلان فكيف وما أحل ذلك بين أهل الذمة مذ بعث محمد
صلى الله عليه وسلم وما نعلم لهم في هذه الأقوال سلفا ولا لهم فيها متعلق بشئ *
243

1695 مسألة والكتابة جائزة بما لا يحل بيعه إذا حل ملكه كالكلب.
والسنور. والماء والثمرة التي لم يبد صلاحها والسنبل الذي لم يشتد لان كل ما ذكرنا مال
حلال تملكه وهبته واصداقه والكتابة ليست بيعا وبالله تعالى التوفيق *
1696 مسألة ولا يحل للسيد أن ينتزع شيئا من مال مكاتبه مذ يكاتبه فان باعه
قبل أن يؤدى أو باع منه ما قابل ما لم يؤد فماله للبائع الا أن يشترطه المبتاع إذا باعه كله وأما
في بيع بعضه فماله له ومعه * روينا من طريق حماد بن سلمة عن زياد الأعلم. وقيس قال
زياد عن الحسن وقال قيس عن عطاء ثم اتفقا جميعا ان العبد إذا كاتبه مولاه وله
مال وسرية وولد أن ماله له وسريته له وولده أحرار، وكذلك العبد إذا عتق، وممن
قال: بقولنا مالك. وأبو سليمان. وقال أبو حنيفة: ماله لسيده وقال سفيان الثوري:
المال للسيد الا أن يشترطه المكاتب، وقال الأوزاعي: ما عرفه السيد من مال العبد فهو
للعبد وما لم يعرفه فهو للسيد *
قال أبو محمد: مال العبد له وجائز للسيد انتزاعه بالنص فإذا كوتب فلا خلاف ان
كسبه له لا للسيد ولو كان للسيد انتزاعه لم يتم عتقه ابدا فصح ان حال الكتابة غير حاله
قبلها وكان ماله كله حكما واحدا في أنه ليس للسيد أخذه إذ لم يأت بذلك في المكاتب نص *
1697 - مسألة وولد المكاتب من أمته حر وكذلك لو ملك ذا رحم محرمة
منه وله أن يكاتب أو يعتق للنصوص الواردة في كل ما ذكرنا ولم يخص الله تعالى مكاتبا
من غيره وبالله تعالى التوفيق *
1698 مسألة وإذا حل النجم أو الكتابة ووجبت فضمانها من أجنبي جائز،
وهو قول الزهري لأنه مال قد صح وجوبه للسيد وهو دين لازم فضمانه جائز، ولو بيع
من العبد ما لم يؤد كان ما وجب عليه بعد دينا يتبع به وأما قبل حلول النجم فلا لأنه لم
يجب بعد ولعله يموت قبل وجوبه أو يموت السيد فلا يجب على العبد *
1699 مسألة ولا تجوز مقاطعة المكاتب ولا أن يوضع عنه بشرط أن يجعل
لأنهما شرط ليس في كتاب الله عز وجل وبيع ما لم يقبض وما لا يدرى أهو في العالم أم لا؟
وقال مالك. وأبو حنيفة: مقاطعة المكاتب جائزة ببعض ما عليه وبالعروض،
وصح عن ابن عمر أنه لا تجوز مقاطعته الا بالعروض فخالفا ابن عمر ولا يعلم له في ذلك
مخالف من الصحابة، وقال الشافعي: بقول ابن عمر ولا حجة الا في نص وبالله تعالى
التوفيق وبه نتأيد *
1700 مسألة ولا تجوز كتابة بعض عبد ولا كتابة شقص له في عبد مع
244

غيره لان الله تعالى يقول: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن
علمتم فيهم خيرا) وليس بعض العبد مما ملكت يمين مالك بعضه ولا يقال فيه: انه ملك
يمينه أصلا ولا انه مما ملكت يمينه ومن قال ذلك فقد كذب بيقين، فلو اتفق الشريكان
معا على كتابة عبدهما أو أمتهما معا بلا فصل جاز ذلك لأنهما حينئذ مخاطبون بالآية
بخلاف الواحد لأنه يقال لسادات المشترك إن كانوا جماعة: هذا العبد ملك يمينكم
ومما ملكت أيمانكم فكان فعلهما هذا داخلا في امر الله تعالى مع صحة خبر بريرة وانها
مكاتبة لجماعة هكذا في نص الخبر *
1701 مسألة وإذا كانت الكتابة نجمين فصاعدا أو إلى أجل فأراد العبد
تعجيلها كلها أو تعجيل بعضها قبل أجله لم يلزم السيد قبول ذلك ولا عتق العبد وهي إلى
أجلها وكل نجم منها أي أجله لقول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) وليت شعري أين
من خالفنا عن احتجاجهم بالمسلمون عند شروطهم؟ وقال مالك: يجبر على قبض ذلك
وتعجيل العتق للمكاتب، وقال الشافعي: إن كانت الكتابة دراهم أو دنانير أجبر السيد
على قبولها وإن كانت عروضا لم يجبر *
قال أبو محمد: أما قول الشافعي فتقسيم فاسد لا دليل عليه عليه لا من قرآن. ولا سنة.
ولا رواية سقيمة. ولا قول أحد نعلمه قبله ولا قياس وما كان هكذا فهو باطل بلا شك،
وقد يكون للسيد غرض في تأجيل الدراهم والدنانير ومنفعة ظاهرة من خوف لحقه
أو رجاء ارتفاع سعر لدينه منهما كما في العروض ولا فرق، وأما المالكيون فإنهم أوهموا
أنهم يحتجون بما روينا من طريق ابن الجهم نا الوزان نا على نا معاذ العنبري نا علي بن سويد
ابن منجوف نا أنس بن سيرين عن أبيه قال: كاتبني أنس بن مالك على عشرين ألفا فكنت
في مفتح تستر فاشتريت رثة فربحت فيها فاتيت أنسا بجميع مكاتبتي فأبى أن يقبلها إلا
نجوما فاتيت عمر فذكرت ذلك له فقال: أراد أنس الميراث وكتب إلى أنس أن أقبلها فقبلها
وهذا أحسن ما روى فيه عن عمر وسائرها منقطع * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن
يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
أن أباه كاتب عبدا له فلما فرغ من كتابته أتاه العبد بماله كله فأبى الحارث أن يأخذه
وقال: لي شرطي فرفع ذلك إلى عثمان فقال له عثمان: هلم المال فاجعله في بيت المال فتعطيه
منه في كل حل ما يحل فاعتق العبد *
قال أبو محمد: هذا عجب جدا إذ رأى عمر وعثمان إجابة السيد إلى كتابة عبده إذا طلبها
العبد وخالفه انس واحتج عمر، وعثمان بالقرآن كان قول أنس حجة وكان قول عمر
245

وعثمان ليس بحجة، وإذا وافق قول عمر. وعثمان رأى مالك وخالفهما أنس. والحارث
ابن هشام وهما صاحبان ومعهما القرآن صار قول عمر. وعثمان حجة ولم يكن قول أنس
حجة ان هذا لعجب وحسبنا الله ونعم الوكيل * فان موهوا بتعظيم أمر العتق قلنا: أين
كنتم عن هذا التعظيم؟ إذ لم توجبوا الكتابة فرضا لعتق العبد إذا طلبها والقرآن
يوجب ذلك. وعمر وعثمان وغيرهما، وأين كنتم عن هذا التعظيم إذ رددتم المكاتب رقيقا
من أجل دينار أو درهم بقي عليه لم يقدر عليه فبادرتم وأبطلتم: كل ما أعطى ولم تؤجلوه
الا ثلاثة أيام وبعضكم أيضا أمرا يسيرا وأنتم بزعمكم أصحاب نظر فأي فرق بين
طلب العبد تعجيل جميع ما عليه ليتعجل العتق والسيد يأبى الا شرطه الجائز بالقرآن
والسنة والاجماع فتجبرون السيد على ما لا يريد وبين أن يريد السيد تعجيل الكتابة
كلها لتعجيل عتق العبد والعبد قادر على ذلك الا أنه يأبى الا الجرى على نجومه فلا تجبرونه
على ذلك فهل في التخاذل والتحكم بالباطل والمناقضة أكثر من هذا؟ *
1702 مسألة وفرض على السيد أن يعطى المكاتب مالا من عند نفسه ما طابت
به نفسه مما يسمى مالا في أول عقد الكتابة ويجبر السيد على ذلك فلو مات قبل أن يطيعه
كلف الورثة ذلك من رأس المال مع الغرماء * برهان ذلك قول الله تعالى: (فكاتبوهم ان
علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) فهذا أمر لا يجوز تعديه وهو قول
الشافعي: وأبي سليمان الا أن الشافعي تناقض فرأى قوله تعالى فكاتبوهم ان علمتم فيهم
خيرا على الندب ورأي قوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) على الوجوب
وهذا تحكم وكلا الامرين لم يحد فيه عددا ما أحدهما موكول إلى السيد والآخر موكول
إليه والى العبد بالمعروف مما لا حيف فيه ولا مشقة ولا حرج عليهما، وقال أبو حنيفة:
ومالك. كلا الامرين ندب وقوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) أمر
للسيد ولغيره *
قال أبو محمد: هذا خطأ أما قولهم: كلا الامرين ندب فلا يحل أن يحمل قول الله تعالى:
افعلوا على لا تفعلوا ان شئتم ولا يفهم هذا المعنى أحد من هذا اللفظ وهذا إحالة لكلام
الله تعالى عن مواضعه الا بنص آخر ورد بذلك، وأما قولهم: انه أمر للسيد وغيره فباطل
لأنه معطوف على قوله (فكاتبوهم) فصح ضرورة ان المأمورين بالكتابة له هم المأمورون
باتيانهم من مال الله لا يفهم أحد من هذا الامر غير هذا فظهر فساد قولهم وتحكمهم بالدعوى
بلا دليل * وروينا هذا القول أنه حث السيد وغيره عن بريدة الأسلمي من طريق
فيها الحسن بن واقد وهو ضعيف ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت
246

طائفة أمر بذلك السيد وغيره، فهؤلاء رأوه واجبا كما روينا من طريق سعيد بن منصور
نا هشيم عن يونس. والمغيرة قال يونس عن الحسن وقال المغيرة عن إبراهيم ثم اتفقا في
قول الله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال أمر الله تعالى مولاه والناس
أن يعينوا المكاتب * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الأعلى نا
أبو عبد الرحمن السلمي وشهدته كاتب عبدا له على أربعة آلاف فحط عنه ألفا في آخر
نجومه ثم قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
الربع مما تكاتبوهم عليه * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن عبد الله
هو ابن المديني نا المعتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد في قوله تعالى:
(وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال: ربع الكتابة * وروينا أيضا في أنه عشر
الكتابة * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قول الله تعالى: (وآتوهم
من مال الله الذي آتاكم) قال: هو العشر يترك له من كتابته، وممن قال: انه واجب
كما روينا من طريق وكيع نا أبو شبيب عن عكرمة عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كاتب
مولى له يقال له: أبو أمية فجاءه بنجمه حين هل فقال له عمر: يا أبا أمية اذهب فاستعن
به فقال. يا أمير المؤمنين لو كان هذا في آخر نجم فقال عمر: لعلى لا ادركه قال عكرمة:
ثم قرأ (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ومن طريق الحجاج بن المنهال نا المبارك
ابن فضالة حدثتني أمي عن أبي عن جدي عبيد الله الجحدري قال المبارك: وحدثني
ميمون بن جابان عن عمى عن جدي قال: سألت عمر بن الخطاب المكاتبة قال لي: كم
تعرض؟ قلت: مائة أوقية قال: فما استزادني قال: فكاتبني وارسل إلى حفصة أم المؤمنين
انى كاتبت غلامي وأردت أن أعجل له طائفة من مالي فارسلي إلى بمائتي درهم إلى أن
يأتيني شئ فأرسلت بها إليه فأخذها عمر بيمينه وقرأ (والذين يبتغون الكتاب
مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
خذها بارك الله فيها *
قال أبو محمد: لقد كان أشبه بأمور الدين وأدخل في السلامة أن يقول الحنيفيون
بقول على في هذه المسألة وان يقولوا: مثل هذا لا يقال بالرأي منهم حيث يقولون:
ما يضحك الثكالى ويبعد من الله تعالى ومن المعقول انه ان انكشف من فخذ الحرة في
الصلاة أو من الساق أو من البطن أو من الذراع أو من الرأس الربع بطلت الصلاة فان
انكشف أقل لم تبطل الصلاة لا سيما وقد روينا من طريق إسحاق بن راهويه عن
عبد الرزاق نا ابن جريج عن عطاء بن السائب عن حبيب ابن أبي ثابت عن عاصم
247

ابن ضمرة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
قال: ربع الكتابة * ومن طريق الدبري عن عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عطاء
ابن السائب أن عبد الله بن حبيب هو أبو عبد الرحمن السلمي أخبره عن علي بن أبي
طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) قال: ربع الكتابة *
قال على: فان قيل: فلم لم تأخذوا بهذا الحديث؟ قلنا: لان ابن جريج لم يسمع
من عطاء بن السائب الا بعد اختلاط عطاء * روينا من طريق العقيلي نا إبراهيم بن
محمد نا سليمان بن حرب نا أبو النعمان عن يحيى بن سعيد القطان قال: تغير حفظ عطاء
ابن السائب بعد وحماد بن زيد سمع منه قبل أن يتغير * ومن طريق العقيلي نا محمد بن
إسماعيل نا الحسن بن علي الحلواني نا على هو ابن المديني قال: كان يحيى بن سعيد
القطان لا يروى حديث عطاء بن السائب الا عن شعبة. وسفيان *
قال أبو محمد: فصح اختلاطه فلا يحل أن يحتج من حديثه الا بما صح أنه كان
قبل اختلاطه وهؤلاء الذين ذكرنا لم يرو أحد منهم عنه الا موقوفا على علي رضي الله عنه
، وأما هم فإذا وافق الخبر رأيهم لم يعللوه وإن كان موضوعا فإذ قد سقط هذا الخبر
فلا حجة لأهل هذه المقالة، واحتج القائلون بأنه على الندب بحديث كتابة سلمان
رضي الله عنه وبحديث عائشة أم المؤمنين (أن جويرية أم المؤمنين وقعت في سهم ثابت
ابن قيس أو ابن عم له فكاتبها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه فقال لها عليه الصلاة
والسلام: أو خير من ذلك اقض عنك كتابتك وأتزوجك) قالوا: فلم يذكر في هذين
الخبرين إيتاء مال المكاتب *
قال على: لا حجة لهم في شئ من هذا أما خبر سلمان فان مالكه كان يهوديا غير
ذمي بل منابذ لا تجرى عليه أحكام الاسلام فلا متعلق لهم (1) بهذا، وأعجب شئ
احتجاجهم به فيما ليس فيه له ذكر من إيتاء المال ومخالفتهم له فيما أجازه فيه نصا رسول الله
صلى الله عليه وسلم من احياء ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية من ذهب (2) إلى غير أجل مسمى ولا
مقبوضة وهم لا يجيزون شيئا من هذا، فسبحان من أطلق ألسنتهم بهذه العظائم التي
يجب أن يردع عنها الحياء وان يردع عنها الدين * وأما خبر جويرية فليس فيه على
ماذا كاتبها ولا هل كاتب إلى أجل أم إلى غير أجل فيلزم على هذا أن يكون حجة في إجازة
الكتابة إلى غير أجل وكل كتابة أفسدوها إذ لم يذكروا فيها إيتاء المال فليس فيه أنها
لم تؤت المال فلا متعلق لهم به فكيف وهي كتابة لم تتم بلا شك لأنه لم يقل أحد من أهل

(1) سقط لفظ (لهم) من النسخة رقم 14
(2) في النسخة رقم 16 (أوقية ذهب)
248

العلم أن جويرية أم المؤمنين كانت مولاة لثابت ولا لابن عمه بل قد صح أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أعتقها وتزوجها جعل عتقها صداقها فبطل كل ما موهوا به والحمد لله رب العالمين،
وقالوا: لو كان فرضا لكان محدود القدر *
قال أبو محمد: فقلنا: من أين قلتم هذا؟ وما المانع من أن يفرض الله تعالى عليها
عطاء يكله إلى اختيارنا؟ وأي شئ أعطيناه كنا قد أدينا ما علينا وهلا قلتم هذا في المتعة
التي رآها الحنيفيون، والشافعيون فرضا وهي غير محدودة القدر: وهلا قال هذا
المالكيون في الخراج المضروب على الأرض المفتتحة عنوة وهو عندهم فرض غير محدود
القدر وكما قالوا فيما أوجبوا فيه الحكومة فرضا من الخراج وهو غير محدود القدر،
فسبحان من جعل لهم عند أنفسهم وفى ظنهم أن يتعقبوا على الله تعالى حكمه بما لا يتعقبونه
على أنفسهم فيما يشرعونه في الدين بآرائهم وحسبنا الله ونعم الوكيل * تم كتاب الكتابة
والحمد لله رب العالمين *
بسم الله الرحمن الرحيم * وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه
كتاب صحبة (1) ملك اليمين
1703 مسألة لا يجوز للسيد أن يقول لغلامه: هذا عبدي ولا لمملوكته هذه
أمتي لكن يقول: غلامي وفتاي ومملوكي ومملوكتي وخادمي وفتاتي، ولا يجوز
للعبد أن يقول هذا ربى أو مولاي أو ربتي ولا يقل أحد لمملوك: هذا ربك ولا ربتك
لكن يقول سيدي، وجائز أن يقول المرء لآخر: هذا عبدك وهذا عبد فلان
وأمة فلان. ومولى فلان لان النهى لم يرد الا فيما ذكرنا فقط، وجائز أن يقول:
هؤلاء عبيدك. وعبادك واماؤك * روينا من طريق أبى داود نا موسى بن إسماعيل
نا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقل أحدكم عبدي وأمتي ولا يقولن المملوك: ربى وربتى وليقل
المالك: فتاي وفتاتي وليقل المملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله عز
وجل) * ومن طريق عبد الرزاق انا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة
يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقل أحدكم أطعم ربك أسق ربك وضئ ربك
ولا يقل أحدكم ربى وليقل سيدي ولا يقل مولاي ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل
فتاي. فتاتي. غلامي) * ومن طريق مسلم نا أبو كريب نا أبو معاوية عن الأعمش

(1) سقط من النسخة رقم 16 لفظ (كتاب صحبة)
249

عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يقل العبد لسيده مولاي
فان مولاكم الله) *
قال أبو محمد: في هذه الرواية زيادة النهى عن قول مولاي والنهى هو الزائد والوارد
برفع الإباحة * ومن طريق أبى داود نا ابن السرح نا ابن وهب أخبرني عمرو هو
ابن الحارث أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه عن أبي هريرة بهذا الخبر فأسنده
عن أبي هريرة همام بن منبه. وأبو صالح. وابن سيرين. وعبد الله والد العلاء، وروى
عن أبي هريرة من فتياه أبو يونس غلامه، ولا يعلم له (1) مخالف من الصحابة، وقال الله
عز وجل: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم أن يكونوا
فقراء يغنهم الله من فضله) فان احتج محتج بقول يوسف عليه الصلاة والسلام: (انه
ربى أحسن مثواي) وقوله: (اذكرني عند ربك) فتلك شريعة وهذه أخرى وتلك
لغة وهذه أخرى، وقد كان هذا مباحا عندنا وفى شريعتنا حتى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك،
وقد قال يوسف عليه الصلاة والسلام: (توفني مسلما وألحقني بالصالحين) وقد نهينا
عن تمنى الموت *
1704 مسألة وفرض على السيد أن يكسو مملوكه. ومملوكته مما يلبس ولو
شيئا وأن يطعمه مما يأكل ولو لقمة وأن يشبعه ويكسوه بالمعروف مثل ما يكسى ويطعم
مثله أو مثلها وأن لا يكلفه ما لا يطيق * روينا من طريق البخاري نا آدم بن أبي اياس
نا شعبة نا واصل الأحدب سمعت المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر الغفاري وعليه
حلة وعلى غلامه حلة فسألناه عن ذلك؟ فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (اخوانكم
خولكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه
مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فان كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم) * ومن طريق مسلم
نا هارون بن معروف. ومحمد بن عباد قالا جميعا: نا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد
أبى حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أنه سمع أبا اليسر وقد لقيه وعليه بردة
ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري فقال له في ذلك، فقال له أبو اليسر: بصر عيناي
هاتان وسمع أذناي هاتان ووعاه قلبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أطعموهم مما
تأكلون واكسوهم مما تكسون) قال أبو اليسر: فكان إذا أعطيته من متاع الدنيا
أهون على من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة * وروينا مثل هذا عن أبي بكر الصديق،
ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم أصلا *

(1) في النسخة رقم 14 ولا يعرف له
250

1705 مسألة ولا يحل لاحد أن يسمى غلامه أفلح ولا يسار ولا نافع ولا
نجيح ولا رباح، وله أن يسمى أولاده بهذه الأسماء، وله أن يسمى مماليكه بسائر الأسماء
مثل نجاح ومنجح. ونفيع. وربيح. ويسير: وفليح وغير ذلك لا تحاش شيئا * روينا من
طريق مسلم نا يحيى بن يحيى أنه سمع المعتمر بن سليمان يحدث أنه سمع الركين بن الربيع
ابن عميلة يحدث عن أبيه عن سمرة بن جندب قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمي
رقيقنا بأربعة أسماء أفلح. ورباح. ويسار. ونافع) * ومن طريق مسلم نا أحمد بن
عبد الله بن يونس نا زهير بن معاوية. نا منصور بن المعتمر عن هلال بن ساف عن الربيع
ابن عميلة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسمين غلامك يسارا. ولا
رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فإنك تقول: أثم هو؟ فيقول: لا إنما هن أربع فلا تزيدن على *
قال على: ورويناه من طرق [قال أبو محمد] (1) فخالف قوم هذا ودفعوه بان
قالوا: قد صح يقينا من طريق جابر أنه قال: أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن ينهى أن
يسمى بيعلى وبركة وأفلح ونافع ويسار وبنحو ذلك ثم رأيته سكت بعد عنها ثم قبض صلى الله عليه وسلم
ولم ينه عن ذلك ثم أراد عمر بن الخطاب أن ينهى عن ذلك ثم تركه *
قال أبو محمد: ليس من لم يعلم حجة على من علم، جابر يقول ما عنده لأنه لم يسمع
النهى وسمرة يقول ما عنده لأنه سمع النهى والمثبت أولى من النافي لان عنده علما زائدا
لم يكن عند جابر ولا يمكن الاخذ بحديث جابر الا بتكذيب سمرة ومعاذ الله من هذا
فكيف وكثير من الأسماء التي ذكرها جابر لم ينه عنها أصلا فصح أن حديث سمرة
ليس مخالفا لأكثر ما في حديث جابر لان جابرا ذكر أنه عليه الصلاة والسلام
لم ينه عن تلك الأسماء التي ذكر وصدق وذكر سمرة أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن
بعضها وصدق *
وقالوا: قد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له غلام (2) أسود اسمه رباح يأذن عليه
وقد غاب عن عمر أمر جزية المجوس وهو أشهر من النهى عن هذه الأسماء، فما المانع
من أن يغيب عن جابر. وطائفة معه النهى عن هذه الأسماء، وقد غاب عن ابن عمر
النهى عن كرى الأرض ثم بلغه في آخر عمره فرجع إليه وهو أشهر من هذه الأسماء *
وأما تسمية غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم رباحا فإنما انفرد به عكرمة بن عمار وهو ضعيف
فلا حجة فيه ولو صح لكان موافقا لمعهود الأصل وكان النهى شرعا زائدا لا يحل الخروج
عنه * وقالوا: قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنك تقول: أثم هو؟ فيقول: لا بيان بالعلة في ذلك

(1) الزيادة من النسخة رقم 14
(2) في النسخة رقم 14 (خادم)
251

وهي علة موجودة في خيرة وخير وسعد وسعيد ومحمود وأسماء كثيرة فيجب المنع
منها عندكم أيضا قلنا: هذا أصل أصحاب القياس لا أصلنا وإنما نجعل نحن ما جعله الله تعالى
ورسوله عليه الصلاة والسلام سببا للحكم في المكان الذي ورد فيه (1) النص فقط لا نتعداه
إلى ما لم ينص عليه *
برهاننا على صحة ذلك أنه عليه الصلاة والسلام لو أراد أن يجعل ذلك علة في سائر
الأسماء لما عجز عن ذلك بأخصر من هذا اللفظ الذي أتى به فهذا حكم البيان والذي ينسبونه
إليه عليه الصلاة والسلام من أنه أراد أشياء كثيرة فتكلف ذكر بعضها وعلق الحكم
عليه وأخبر بالسبب في ذلك وسكت عن غير ذلك هو حكم التلبيس وعدم التبليغ
ومعاذ الله من هذا، ولا دليل لكم على صحة دعواكم الا الدعوى فقط والظن الكاذب،
وقالوا: قد سمى ابن عمر غلامه نافعا وسمى أبو أيوب غلامه أفلح بحضرة الصحابة
قلنا: قد غاب باقراركم عن أبي أيوب، وجوب الغسل من الايلاج وغاب عن ابن عمر حكم
كرى الأرض وغير ذلك فأيما أشنع مغيب مثل هذا أو مغيب النهى عن اسم من الأسماء
فبطل كل ما شغبوا به ولا حجة في أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم * تم كتاب صحبة ملك اليمين
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليما كثيرا
بسم الله الرحمن الرحيم * وصلى الله على محمد وسلم
كتاب المواريث
1706 مسألة أول ما يخرج من رأس المال دين الغرماء فان فضل منه شئ
كفن منه الميت وان لم يفضل منه شئ كان كفنه على من حضر من الغرماء أو غيرهم لما قد ذكرنا
في كتاب الجنائز من ديواننا هذا، وعمدة ذلك قوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها
أو دين) وان مصعب بن عمير رضي الله عنه لم يوجد له الا ثوب واحد فكفن فيه، ولان
تكليف الغرماء خاصة أن يكون الكفن ناقصا من حقوقهم ظلم لهم وهذا واجب على
كل (2) من حضر من المسلمين والغرماء من جملتهم *
1707 مسألة فان فضلت فضلة من المال كانت الوصية في الثلث فما دونه
لا يتجاوز بها الثلث على ما نذكر في كتاب الوصايا من ديواننا هذا إن شاء الله عز وجل
وكان للورثة ما بقي لقول الله تعالى ما بقي لقول الله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) *
1708 مسألة ولا يرث من الرجال الا الأب والجد أبو الأب. وأبو الجد

(1) في النسخة رقم 14 (جاء فيه)
(2) لفظ كل زيادة من النسخة رقم 16.
252

المذكور وهكذا ما وجد، ولا يرث مع الأب جد ولا مع الجد أبو جد ولا مع أبي الجد
جد جد ولا يرث جد من قبل الام ولا جد من قبل جدة ولا الأخ الشقيق أو للأب فقط
أو للام فقط وابن الأخ الشقيق. وابن الأخ للأب. ولا يرث ابن أخ لام والابن
وابن الابن وابن ابن الابن وهكذا ما وجد، والعم شقيق الأب وأخو الأب لأبيه
ولا يرث أخو الأب لامه. وابن العم الشقيق. وابن العم أخو الأب لأبيه. وعم
الأب الشقيق أو الأب (1) وهكذا ما علا وأبناؤهم الذكور والزوج والمعتق ومعتق
المعتق، وهكذا ما علا لا يرث من الرجال غير من ذكرنا ولا خلاف في أن هؤلاء
يرثون، ولا يرث من النساء الا الام والجدة والابنة وابنة الابن وابنة ابن الابن وهكذا
ما وجدت، ولا ترث ابنة ابنة ولا ابن ابنة والأخت الشقيقة أو للأب أو للام. والزوجة.
والمعتقة ومعتقة المعتقة وهكذا ما علا، ولا يرث ابن أخت ولا بنت أخت ولا ابنة
أخ ولا ابنة عم ولا عمة. ولا خالة ولا خال ولا جد لام ولا ابنة ابنة ولا ابن ابنة
ولا بنت أخ لام ولا ابن أخ لام، ولا خلاف في أن من ذكرنا لا يرث ولا يرث مع
الأب جد ولا ترث مع الام جدة ولا يرث أخ ولا أخت مع ابن ذكر ولا مع أب
ولا يرث ابن أخ مع أخ شقيق أو لأب ولا يرث أخ لام مع أب ولا مع ابن ولا مع
ابنة ولا مع جد، ولا يرث عم مع أب ولا مع جد ولا مع أخ شقيق أو لأب ولا مع ابن
أخ شقيق أو لأب وان سفل *
برهان هذا كله نصوص القرآن وقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رويناه من طريق وهيب
عن طاوس عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأصحابها فما
أبقت الفرائض فلا ولا رجل ذكر) وكل من ذكرنا أيضا فلا اختلاف فيه أصلا واخرنا
الذي فيه اختلاف (2) لنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في أبوابه *
1709 مسألة أول ما يخرج مما تركه الميت ان ترك شيئا من المال قل أو كثر
ديون الله تعالى إن كان عليه منها شئ كالحج. والزكاة. والكفارات ونحو ذلك ثم إن
بقي شئ أخرج منه ديون (3) الغرماء إن كان عليه دين فان فضل شئ كفن منه
الميت وان لم يفضل منه شئ كان كفنه على من حضر من الغرماء أو غيرهم، فان فضل
بعد الكفن شئ نفذت وصية الميت في ثلث ما بقي ويكون للورثة ما بقي بعد الوصية *
برهان ذلك قول الله تعالى في آيات المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فدين الله أحق أن يقضى أقضوا الله فهو أحق بالوفاء) وقد ذكرنا

(1) في النسخة رقم 14 (أو للأب)
(2) في النسخة رقم 16 (فيه خلاف)
(3) في النسخة رقم 16 ودين.
253

ذلك بأسانيده في كتاب الصيام والزكاة والحج من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته فالآية
تعم ديون الله تعالى وديون الخلق، والسنن الثابتة بينت ان دين الله تعالى مقدم على ديون
الخلق، وأما الكفن فقد ذكرناه في كتاب الجنائز، وصح ان حمزة. والمصعب بن عمير
رضي الله عنهما لم يوجد لهما شئ الا شملة شملة فكفنا فيهما، وقال قوم: الكفن
مقدم على الديون *
قال أبو محمد: وهذا خطأ لان النص جاء بتقديم الدين كما تلونا فإذ قد صار المال كله
للغرماء بنص القرآن فمن الظلم أن يخص الغرماء باخراج الكفن من مالهم دون مال سائر
من حضر إذ لم يوجب ذلك قرآن. ولا سنة. ولا اجماع. ولا قياس. ولا نظر ولا
احتياط لكن حكمه انه لم يترك شيئا أصلا ومن لم ترك شيئا فكفنه على كل من حضر
من المسلمين لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولى كفن أخيه أن يحسنه فصار احسان الكفن
فرضا على كل من حضر الميت، فهذا عموم للغرماء وغيرهم ممن حضر (1) ولا خلاف
في أن الوصية لا تنفذ الا بعد انتصاف الغرماء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم
وأموالكم عليكم حرام) فمال الميت (2) قد صار في حقول الله تعالى أو للغرماء بموته
كله أو بعضه فحرام عليه الحكم في مال غيره وإنما ينفذ حكمه في ماله الذي يتخلف فصح
بهذا أن الوصية فيما يبقى بعد الدين *
1710 مسألة ومن مات وترك أختين شقيقتين أو لأب أو أكثر من أختين
كذلك أيضا ولم يترك ولدا ولا أخا شقيقا ولا لأب ولا من يحطهن مما نذكر فلهما ثلثا
ما ترك أو لهن على السواء، وكذلك من ترك ابنتين فصاعدا ولم يترك ولدا ذكرا ولا من
يحطهن فلهما أو لهن ثلثا ما ترك أيضا *
برهان ذلك قول الله عز وجل: (ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف
ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * ومن طريق أحمد
ابن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود الجحدري نا خالد بن الحارث هو الهجيمي نا هشام هو
الدستوائي نا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال: (اشتكيت وعندي سبع أخوات لي فدخل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفخ في وجهي فأفقت فقلت: يا رسول الله ألا أوصى لأخواتي
بالثلثين ثم خرج وتركني ثم رجع إلى فقال: انى لا أراك ميتا من وجعك هذا وان الله
قد أنزل فبين الذي لأخواتك فجعل لهن الثلثين فكان جابر يقول: أنزلت هذه الآية في
(يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) وهذا لا خلاف فيه، وأما البنتان فلا خلاف

(1) في النسخة رقم 14 (للغرماء ومن حضر)
(2) في النسخة رقم 14 (فمال المسلم).
254

في الثلاث فصاعدا ولا ولد للميت ذكرا في أن لهن الثلثين إذا لم يكن هنالك من يحطهن
وهو قول الله تعالى: (وان كن نساءا فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) وأما البنتان فقد
روى عن ابن عباس أنه ليس لهما الا النصف كما للواحدة، والمرجوع إليه عند
التنازع (1) هو بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم * كما روينا من طريق مسدد نا بشر بن المفضل
نا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
جئنا امرأة من الأنصار في الأسواق وهي جدة خارجة بن زيد بن ثابت فذكر حديثا
وفيه فجاءت المرأة بابنتين لها فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن الربيع قتل معك
يوم أحد وقد استفى عمهما مالهما فلم يدع لهما مالا الا أخذه فما ترى يا رسول الله؟ فوالله
لا ينكحان ابدا الا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقضى الله في ذلك قال: ونزلت
سورة النساء (يوصيكم الله في أولادكم) الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي المرأة
وصاحبها فقال لعمهما: اعطهما الثلثين واعط أمهما الثمن وما بقي فلك) وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم
أعطى الابنة النصف وابنة الابن السدس تكملة الثلثين (2) وقد ادعى أصحاب القياس أن
الثلثين إنما وجب للبنتين قياسا على الأختين قالوا: والبنتان أولى بذلك من الأختين *
قال أبو محمد: وهذا باطل لأنه إن كان ذلك لان البنتين أحق من الأختين فواجب
أن يزيدوهما من أجل انهما أولى وأقرب فيخالفوا القرآن أو يبطلوا (3) قياسهم وأيضا
فإنهم نعنى هؤلاء المحتجين بهذا القياس لا يختلفون في عشر بنات وأخت لأب ان للأخت
الثلث كاملا ولكل واحدة من البنات خمس الثلث فقد أعطوا الأخت الواحدة أكثر
مما أعطوا أربع بنات فأين قولهم: ان البنات أحق من الأخوات؟، وهذا منهم تخليط
في الدين وليست المواريث على قدر التفاضل في القرابة إنما هي كما جاءت النصوص فقط، ولا
خلاف فيمن ترك جده أبا أمه وابن بنته وبنت أخيه وابن أخته وخاله وخالته وعمته
وابن عم له لا يلتقى معه الا إلى عشرين جدا ان هذا المال كله لهذا الابن العم البعيد ولا
شئ لكل من ذكرنا، وأين قرابته من قرابتهم؟ وبالله تعالى التوفيق *
1711 مسألة فان ترك أختا شقيقة وأختا واحدة للأب (4) أو اثنين
للأب أو أكثر من ذلك فللشقيقة النصف وللتي للأب أو اللواتي للأب السدس
فقط لان الله عز وجل أعطى الأخت النصف وأعطى الأختين فصاعدا الثلثين فصح
أنه ليس للأخوات اللواتي للأب أو اللواتي للأب والام وان كثرن الا الثلثان
فقط، وإذا وجب للشقيقة النصف بالاجماع المتيقن في أن لا يشاركها فيه التي ليست

(1) في النسخة رقم 14 في هذا بدل قوله عند التنازع
(2) في النسخة رقم 16 تتمة
(3) في النسخة رقم 14 ويبطلون
(4) في النسخة رقم 14 لأب
255

شقيقه فلم يبق الا السدس فهو للتي للأب أو اللواتي للأب *
1712 مسألة ولا ترث أخت شقيقة ولا غير شقيقة مع ابن ذكر ولا مع ابنة
أنثى ولا مع ابن ابن وان سفل ولا مع بنت ابن وان سفلت والباقي بعد نصيب البنت
وبنت الابن للعصبة كالأخ. وابن الأخ. والعم. وابن العم. والمعتق وعصبته الا ان
لا يكون للميت عاصب فيكون حينئذ ما بقي للأخت الشقيقة أو للتي للأب ان لم
يكن هنالك شقيقة، وللأخوات كذلك، وهو قول إسحاق بن راهويه وبه نأخذ،
وهنا قولان غير هذا، أحدهما ان الأخوات عصبة البنات وان الأخت المذكورة
أو الأخوات المذكورات يأخذن ما فضل عن الابنة أو بنت الابن أو ما فضل عن
البنتين أو بنتي الابن فصاعدا وهو قول مالك. وأبي حنيفة. والشافعي. واحمد،
وصح عن ابن مسعود. وزيد. وابن الزبير في ذلك روايات لا متعلق لهم بها، وصح
في الأخت والبنت عن معاذ وأبي موسى. وسلمان، وقد روى عن عمر كذلك أيضا،
والثاني انه لا ترث أخت أصلا مع ابنة، ولا مع ابنة ابن وصح عن ابن عباس وهو
أول قول ابن الزبير وهو قول أبى سليمان * واحتج من رأى الأخوات عصبة
البنات بما روينا من طريق شعبة. وسفيان عن أبي قيس الأودي هو عبد الرحمن بن
ثروان عن الهذيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت؟ فقال
للابنة النصف وللأخت النصف فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبى موسى فقال:
لقد ضلت إذا وما أنا من المهتدين أقضى فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم للابنة النصف
ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت *
قال أبو محمد: واحتج من لم يورث أختا مع ابنة ولا مع ابنة ابن بقول الله عز
وجل: (وان أمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم
يكن لها ولد) واسم الولد يقع على الابنة وبنت الابن كما يقع على الابن وابن الابن
في اللغة وفى القرآن، والعجب من مجاهرة بعض القائلين ههنا إنما عنى ولدا ذكرا،
وهذا اقدام على الله تعالى بالباطل وقول عليه بما لا يعلم بل بما يعلم أنه باطل، وليت
شعري أي فرق بين قوله تعالى: (ان امرئ هلك ليس له ولد وله أخت) وبين قوله
تعالى: (ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما
تركتم) وقوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد فإن كان لهن
ولد فلكم الربع مما تركن) وقوله تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما
ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له اخوة فلامه
256

السدس) فلم يختلفوا في جميع هذه الآيات ان الولد سواء كان ذكرا أو أنثى أو ولد الولد
كذلك فالحكم واحد ثم بدا لهم في ميراث الأخت ان الولد إنما أريد به الذكر وستكتب
شهادتهم ويسئلون فان شهدوا فلا تشهد معهم، واحتج أيضا من لم يورث أختا مع ابنة
ولا مع ابنة ابن بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق وهيب عن عبد الله بن طاوس عن
أبيه عن ابن عباس ألحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلاولى رجل ذكر *
قال أبو محمد: وهم مجمعون على أن توريثهم الأخت مع البنت وبنت الابن إنما
هو بالتعصيب لا بفرض مسمى لأنهم يقولون في بنت. وزوج. وأم. وأخت شقيقة
أو لأب. أو أخوات كذلك ان للبنت النصف وللزوج الربع وللأم السدس وليس
للأخت أو الأخوات وان كثرن الا نصف السدس، فإن كانت المسألة بحالها وكانت
ابنتان لم ترث الأخت ولا الأخوات شيئا * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قيل لابن عباس من ترك ابنته وأخته لأبيه
وأمه؟ فقال ابن عباس لابنته النصف وليس لأخته شئ مما بقي وهو لعصبته فقال له
السائل: ان عمر قضى بغير ذلك جعل للابنة النصف وللأخت النصف فقال ابن عباس: أأنتم
أعلم أم الله؟ قال معمر: فذكرت ذلك لابن طاوس قال لي ابن طاوس أخبرني أبي أنه سمع
ابن عباس يقول: قال الله تعالى: (ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) قال
ابن عباس: فقلتم أنتم: لها النصف وإن كان له ولد * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا على
ابن عبد الله هو ابن المديني حدثني سفيان هو ابن عيينة حدثني مصعب بن عبد الله
ابن الزبرقان عن ابن أبي ملكية عن ابن عباس قال: أمر ليس في كتاب الله تعالى ولا في
قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وستجدونه في الناس كلهم ميراث الأخت مع البنت *
قال أبو محمد: هذا يريك ان ابن عباس لم ير ما فشا في الناس واشتهر فيهم حجة
وانه لم ير القول به (1) إذا لم يكن في القرآن ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، وتكلم
أصحابنا في أبى قيس * قال على: أبو قيس ثقة ما نعمل أحدا جرحه بجرحة يجب بها
اسقاط روايته فالواجب الاخذ بما روى، وبحديث ابن عباس المسند الذي ذكرنا
فوجب بذلك إذا كان للميت عاصب أن يكون ما فضل عن فريضة الابنة أو البنتين أو
بنت الابن أو بنتي الابن للعصبة لأنه أولى رجل ذكر، وليست الأخت ههنا من أصحاب
الفرائض الذين أمرنا بالحاق فرائضهم بهم وهذا واضح لا اشكال فيه، فإن لم يكن
للميت رجل عاصب أصلا أخذنا بحديث أبي قيس وجعلنا الأخت عصبة كما في نصه

(1) في النسخة رقم 14 (بذلك)
(2) في النسخة رقم 16 (أولا في السنة)
257

ولم نخالف شيئا من النصوص والمعتق ومن تناسل منه من الذكور أو عصبته من
الذكور هم بلا شك من الرجال الذكور فهم أولى من الأخوات إذا كان للميت ابنة أو ابنة ابن
قال على: ليس في شئ من الروايات عن الصحابة المذكورين انهم ورثوا الأخت
مع البنت مع وجود عاصب ذكر فبطل أن يكون لهم متعلق في شئ منها وبالله تعالى التوفيق *
1713 مسألة والام مع الولد الذكر أو الأنثى أو ابن الابن أو بنت الابن
وان سفل السدس فقط لأنه نص القرآن كما ذكرنا آنفا وبالله تعالى التوفيق *
1714 مسألة وإن كان للميت أخ أو اخوان أو أختان أو أخت أو أخ
وأخت ولا ولد له ولا ولد ولد ذكر فلأمه الثلث فإن كان له ثلاثة من الاخوة ذكور
أو إناث أو بعضهم ذكر وبعضهم أنثى فلأمه السدس لقول الله تعالى: (فإن كان له اخوة
فلأمه السدس) وهو قول ابن عباس، وقال غيره: باثنين من الاخوة ترد الام إلى السدس،
ولا خلاف في أنها لا ترد عن الثلث إلى السدس بأخ واحد ولا بأخت واحدة ولا في أنها
ترد إلى السدس بثلاثة من الاخوة كما ذكرنا إنما الخلاف في ردها إلى السدس باثنين من
الاخوة * حدثنا يوسف بن عبد الله النمري قال: نا يوسف بن محمد بن عمر بن عمروس
الاستجى عن أبي الطاهر محمد بن جعفر بن إبراهيم السعيدي أنا يحيى بن أيوب بن بادي
العلاف نا أحمد بن صالح المصري نا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك نا الفقيه محمد بن عبد الرحمن
بن أبي ذئب. هو أبو الحارث عن شعبة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه دخل
على عثمان بن عفان فقال له: ان الأخوين لا يردان الام إلى السدس إنما قال الله تعالى:
(فإن كان له اخوة) والاخوان في لسان قومك ليسوا بأخوة فقال عثمان: لا أستطيع أن
أنقض أمرا كان قبلي توارثه الناس ومضى في الأمصار *
قال أبو محمد: أما ابن عباس فقد وقف عثمان على القرآن واللغة فلم ينكر عثمان
ذلك أصلا ولا شك في أنه لو كان عند عثمان في ذلك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو حجة من اللغة
لعارض ابن عباس بها ما فعل بل تعلق بأمر كان قبله توارثه الناس ومضى في الأمصار،
فعثمان رأى هذا حجة وابن عباس لم يره حجة والمرجوع إليه عند التنازع هو القرآن
والسنة ونصهما يشهد بصحة قول ابن عباس، ولكم قضية خالفوا فيها عثمان. وعمر
كتقويمهما الدية بالبقر والغنم. والحلل. واضعافها في الحرم، والقضاء بولد الغارة رقيقا
لسيد أمهم في كثير جدا، ومن ادعى مثل هذا اجماعا ومخالف الاجماع عندهم كافر
فابن عباس على قولهم كافر إذ خالف الاجماع ومعاذ الله من هذا بل مكفره أحق بالكفر
258

وأولى، وأما الخطأ مع قصد الحق فلا يرفع (1) عن أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال
بعضهم: الاخوان يقع عليهما اسم اخوة *
قال على: وهذا خطأ لان عثمان: وابن عباس حجة في اللغة وقد اجتمعا على خلاف
هذا وبنية اللغة مكذبة لهذا القول لان بنية التثنية في اللغة العربية التي بها خاطبنا الله تعالى
على لسان نيه عليه الصلاة والسلام غير بنية الجمع بالثلاثة فصاعدا، فلا (2) يجوز لاحد
أن يقول الرجلان قاموا ولا المرأتان قمن، واحتجوا في هذا بقوله تعالى: (والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما) وهذا لا حجة لهم فيه لان لكل واحد منهما يدين والواجب
قطعهما مرة بعد مرة، وذكروا قول الله تعالى: (فقد صغت قلوبكما) وهذا لا حجة لهم
فيه لان في لغة العرب ان كل اثنين من اثنين فإنه يخبر عنهم بلفظ الجمع قال الراجز:
ومهمهين قذفين مرتين * ظهراهما مثل ظهور الترسين
فهذا باب مضبوط لا يتعدى، واحتجوا بقول الله تعالى: (نبأ الخصم إذ تسوروا
المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا: لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض)
إلى قوله تعالى: (ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة) وهذا لا حجة لهم فيه
لأنه لا نكرة في دخولهما ومعهما غيرهما وذكروا قول الله تعالى: (عسى الله أن يأتيني
بهم جميعا) وهذا عليهم لا لهم لأنهم كانوا ثلاثة يوسف. وأخوه الأصغر المحتبس عن
الصواع: وكبيرهم الذي قال: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى) وقد اتفقوا على
أن من أقر لآخر بدراهم انه يقضى عليه بثلاثة لا بدرهمين وبالله تعالى التوفيق *
وقال بعضهم قال الله تعالى: (وإن كانوا اخوة رجالا ونساءا فللذكر مثل حظ الأنثيين)
قال: والحكم في الأخت والأخ هكذا فصح أن الأخ والأخت في قول الله تعالى: (فإن كان
له أخوة فلأمه السدس) كذلك أيضا *
قال أبو محمد: أما الآيتان (3) فحق وأما هذا الاستدلال ففي غاية الفساد لان الله تعالى
قال: (فللذكر مثل حظ الأنثيين) وهذا جلى من النص في حكم الأخ والأخت فقط
فان أوجدنا مثل ذلك في حجب الام فهو قوله والا فهو مبطل مدعى بلا برهان، وقال بعضهم:
وجدنا كل ما يتغير فيه حكم الفرض فيما بعد الواحد يستوى فيه الاثنان وما زاد عليهما
كالبنتين ميراثهما كميراث الثلاث، وكالأختين ميراثهما كميراث الثلاث وكالإخوة
للام إنما هو الثلث للاثنين كما هو للثلاث فوجب أن يكون حجب الام بالاثنين
كحجبها بالثلاث *

(1) في النسخة رقم 16 (فلا يدفع)
(2) في النسخة رقم 14 ولا يجوز
(3) في نسخة اما الاثنان
259

قال على: فقلنا: ما وجب هذا قط كما تقول لأنه حكم منك لا من الله تعالى، وكل ما قال
الله تعالى فحق وكل ما قلت أنت مما لم يقله عز وجل فكذب وباطل فهات برهانا على صحة
تشبيهك هذا والا فهو باطل وبالله تعالى التوفيق، وقد وجب للام بنص القرآن الثلث
ولم يحطها الله تعالى إلى السدس الا بولد للميت أو بأن يكون له أخوة فلا يجوز منعها مما
أوجبه الله تعالى لها الا بيقين من سنة واردة ولا سنة في ذلك ولا اجماع، وبالله
تعالى التوفيق *
1715 مسألة فإن كان الميت ترك زوجة وأبوين، أو ماتت امرأة وتركت
زوجا وأبوين فللزوج النصف وللزوجة الربع وللأم الثلث من رأس المال كاملا
وللأب من ابنته السدس ومن ابنه الثلث وربع الثلث، وقالت طائفة: ليس للام في كلتيهما
الا ثلث ما بقي بعد ميراث الزوج والزوجة وهذا قول رويناه صحيحا عن عمر بن الخطاب.
وعثمان. وابن مسعود في الزوجة والأبوين والزوج والأبوين وصح عن زيد وريناه
عن علي ولم يصح عنه وهو قول الحارث الأعور: والحسن. وسفيان الثوري. ومالك.
وأبي حنيفة. والشافعي. وأصحابهم وهو قول إبراهيم النخعي، وههنا قول آخر رويناه
من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا أيوب السختياني أن محمد بن سيرين قال في
رجل ترك امرأته وأبويه للمرأة الربع وللأم ثلث جميع المال وما بقي فللأب، وقال في
امرأة تركت زوجها وأبويها للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وللأب ما بقي قال:
إذا فضل الأب الام بشئ فان للأم الثلث، وأما القول الذي قلنا به فرويناه من طريق
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني عن عكرمة وعن ابن
عباس أنه قال في زوج وأبوين: للزوج النصف وللأم الثلث من جميع المال *
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال قال على
ابن أبي طالب: للام ثلث جميع المال في امرأة وأبوين وزوج وأبوين، وروى أيضا
عن معاذ بن جبل وهو قول شريح وبه يقول أبو سليمان
قال أبو محمد: احتج أهل القول بان للام ثلث ما بقي بما روينا من طريق وكيع
عن سفيان الثوري عن أبيه عن المسيب بن رافع قال قال ابن مسعود: ما كان الله ليراني أفضل
اما على أب، وبما روينا من طريق وكيع عن سفيان عن فضيل بن عمرو العقيمي عن إبراهيم
النخعي قال: خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج. وأبوين وقالوا: معنى قول الله
عز وجل: (وورثه أبواه فلأمه الثلث) أي مما يرثه أبواه ما نعلم لهم حجة غير هذا وكل
هذا لا حجة لهم فيه، أما قول ابن مسعود. فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
260

نكرة في تفضيل الام على الأب فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله فقال:
(يا رسول الله من أحق بحسن صحبتي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمك قال: ثم من
يا رسول الله؟ قال: أمك قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: أمك قال: ثم من يا رسول الله؟
قال: ثم أبوك) ففضل عليه الصلاة والسلام الام على الأب في حسن الصحبة وقد سوى
الله تعالى بين الأب والام باجماعنا واجماعهم في الميراث إذا كان للميت ولد فلأبويه لكل
واحد منهما السدس، فمن أين تمنعون من تفضيلها عليه إذا أوجب ذلك نص؟، ثم إن
هؤلاء المحتجين بقول ابن مسعود هذا أول مخالفين له في ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: ان عمر بن الخطاب وعبد الله
ابن مسعود لا يفضلان أما على جد *
قال أبو محمد: والمموهون بقول ابن مسعود هذا يخالفونه ويخالفون عمر فيفضلون
الام على الجد وهم يفضلون الأنثى على الذكر في بعض المواريث فيقولون في امرأة مات
وتركت زوجها وأمها وأخوين شقيقين وأختها لام أن للأخت للأم السدس كاملا
وللذكرين الأخوين الشقيقين السدس بينهما لكل واحد منهما نصف السدس،
ويقولون بآرائهم في امرأة ماتت وتركت زوجها وأختها شقيقتها وأخا لأب ان لأخ
لا يرث شيئا فلو كان مكانه أخت فلها السدس يعال لها به فهم لا ينكرون تفضيل الأنثى على
الذكر ثم يموهون بتشنيع تفضيل الام على الأب حيث أوجبه الله تعالى، وأما قول
إبراهيم: خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج وأبوين فإن كان خلاف أهل الصلاة
كفرا أو فسقا فلينظروا فيما يدخلون والمعرض بابن عباس في هذا أحق بهاتين الصفتين
من ابن عباس، والعجب من هذه الرواية كيف يجوز أن يقول هذا إبراهيم وهو يروى
عن علي بن أبي طالب موافقة ابن عباس في ذلك كما أوردنا، وما وجدنا قول المخالفين يصح
عن أحد الا عن زيد وحده وروى عن علي. وابن مسعود ولم يصح عنهما وقد يمكن
أن يخرج قول عمر. وعثمان. وابن مسعود على قول ابن سيرين، وليس يقال في اضعاف
هذه الروايات خالف أهل الصلاة فبطل ما موهوا به من هذا ولله تعالى الحمد * وأما قولهم
في قول الله تعالى: (وورثه أبواه فلأمه الثلث) أي مما يرثه أبواه فباطل وزيادة في
القرآن لا يجوز القول بها *
برهان ذلك ما رويناه من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان
الثوري عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت
أسأله عن زوج وأبوين؟ فقال: للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي فقال ابن عباس:
261

أتقول برأيك أم تجده في كتاب الله تعالى؟ قال زيد: أقوله برأيي لا أفضل اما على أب
قال على: فلو كان لزيد بالآية متعلق ما قال: أقوله برأيي لا أفضل أما على أب ولقال:
بل أقوله بكتاب الله عز وجل *
قال أبو محمد: ليس الرأي حجة ونص القرآن يوجب صحة قول ابن عباس بقوله
تعالى: (فلأمه الثلث) فهذا عموم لا يجوز تخصيصه، والعجب أنهم مجمعون معنا على أن
قوله تعالى: (فإن كان له اخوة فلأمه السدس) ان ذلك من رأس المال لا مما يرثه الأبوان
ثم يقولون ههنا في قوله تعالى (فلأمه الثلث) ان المراد به ما يرث الأبوان وهذا تحكم في القرآن
واقدام على تقويل الله تعالى ما لم يقل ونعوذ بالله من هذا * واما قول ابن سيرين فأصاب
في الواحدة وأخطأ في الأخرى لأنه فرق بين حكم النص في المسألتين وإنما جاء النص مجيئا
واحدا على كل حال وبالله تعالى التوفيق *
1716 مسألة وللزوج النصف إذا لم يكن للزوجة ولد ذكر أو أنثى ولا ولد
ولد ذكر أو أنثى من ولد ذكر وان سفل سواء كان الولد من ذلك الزوج أو من غيره
فإن كان للمرأة ابن ذكر أو أنثى أو ابن ابن ذكر أو بنت ابن ذكر وان سفل كما ذكرنا فليس
للزوج إلا الربع وللزوجة الربع ان لم يكن للزوج ابن ذكر ولا أنثى ولا ابن ابن ذكر
أو بنت ابن ذكر أو بنت ابن ابن ذكر وان سفل من ذكرنا سواء من تلك الزوجة كان الولد
المذكور أو من غيرها فإن كان للزوج ولد أو ولد ولد ذكر كما ذكرنا فليس للزوجة
الا الثمن، وسواء كانت زوجة واحدة أو اثنتان أو ثلاث أو أربع هن شركاء في
الربع أو الثمن *
برهان ذلك نص القرآن المحفوظ، ولا خلاف في هذا أصلا ولا حكم لولد البنات
في شئ من ذلك وبيقين يدرى كل أحد انه قد كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أموات تركوا
بنى بنات فاتسق نقل الجميع عصرا بعد عصر انهم لم يرثوا ولا حجبوا بل كأنهم لم يكونوا
بخلاف التحريم في عقد النكاح والوطئ المنقول عصرا بعد عصر بلا خلاف أنه
على العموم في بنى البنات وبنى البنين، وبخلاف وجوب الحق، والعتق. والنفقة التي
أوجبته النصوص (1) *
1717 مسألة ولاعول في شئ من مواريث الفرائض وهو أن يجتمع في
الميراث ذووا فرائض مسماة لا يحتملها الميراث مثل زوج أو زوجة وأخت شقيقة وأخت
لام أو أختين شقيقتين أو لأب وأخوين لام أو زوج أو زوجة وأبوين وابنة أو ابنتين

(1) في النسخة رقم 14 (النص)
262

فان هذه فرائض ظاهرها انه يجب النصف والنصف والثلث أو نصف ونصف وثلثان أو
نصف ونصف وسدس ونحو هذا، فاختلف الناس فقال بعضهم: يحط كل واحد من فرضه
شيئا حتى ينقسم المال عليهم ورتبوا ذلك على أن يجمعوا سهامهم كاملة ثم يقسم المال بينهم
على ما اجتمع مثل زوج وأم وأختين شقيقتين وأختين لام، فهذه ثلثان وثلث ونصف
وسدس ولا يصح هذا في بنية العالم قالوا: فيجعل للزوج النصف وهو ثلاثة من ستة وللأم السدس
وهو واحد من ستة فهذه أربعة سهام، وللشقيقتين الثلثان وهما أربعة من ستة فهذه
ثمانية، وللأختين للأم الثلث وهو اثنان من ستة، فهذه عشرة يقسم المال بينهم على عشرة
أسهم فللزوج الذي له النصف ثلاثة من عشرة فهو أقل من الثلث وللأم التي لها السدس
واحد من عشرة وهو العشر، وللشقيقتين اللتين لهما الثلثان أربعة من عشرة فذلك خمسان
وللأختين للام اللتين لهما الثلث اثنان من عشرة فهو الخمس وهكذا في سائر هذه المسائل
وهو قول أول من قال به زيد بن ثابت ووافقه عليه عمر بن الخطاب، وصح عنه هذا،
وروى عن علي وابن مسعود غير مسند، وذكر عن العباس ولم يصح وصح عن شريح.
ونفر من التابعين يسير، وبه يقول أبو حنيفة. ومالك. والشافعي. واحمد وأصحاب
هؤلاء القوم إذا اجتمع رأيهم على شئ كان أسهل شئ عليهم دعوى الاجماع فإن لم يمكنهم
ذلك لم تكن عليهم مؤنة من دعوى أنه قول الجمهور وان خلافه شذوذ. وان خصومهم
ليرثون لهم من تورطهم في هذه الدعاوى الكاذبة نعوذ بالله من مثلها * وأيم الله لا أقدم
على أن ينسب إلى أحد قول لم يثبت عنده ان ذلك المرء قاله الا مستسهل الكذب مقدم
عليه ساقط العدالة، وأما نحن فان صح عندنا عن إنسان أنه قال قولا نسبناه إليه وان رويناه
ولم يصح عندنا قلنا: روى عن فلان فإن لم يرو لنا عنه قول لم ننسب إليه قولا لم يبلغنا عنه
ولا نتكثر بالكذب ولم نذكره الا علينا ولا لنا * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا
عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه أول من عال في
الفرائض وأكثر ما بلغ بالعول مثل ثلثي رأس الفريضة *
قال أبو محمد: هذا يكفي من ابطال هذا القول انه محدث لم تمض به سنة من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو احتياط ممن رآه من السلف رضي الله عنهم قصدوا به الخير
وقال بالقول الأول عبد الله بن عباس كما روينا من طريق وكيع نا ابن جريج عن عطاء
عن ابن عباس قال: الفرائض لا تعول * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو
ابن عيينة - عن عمرو بن دينار قال: قال ابن عباس: لا تعول فريضة * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا سفيان بن عيينة نا محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
263

ابن مسعود عن ابن عباس قال: أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال
نصفا ونصفا وثلثا إنما هو نصفان وثلاثة أثلاث وأربعة أرباع * ومن طريق إسماعيل
ابن إسحاق القاصي نا علي بن عبد الله - هو ابن المديني - نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف نا أبى عن محمد بن إسحاق حدثني ابن شهاب
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: خرجت أنا. وزفر بن
أوس إلى ابن عباس فتحدثنا عنده حتى عرض ذكر فرائض المواريث (1) فقال ابن عباس:
سبحان الله العظيم أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا
النصفان قد ذهبا بالمال أين موضع الثلث؟ فقال له زفر: يا ابن العباس من أول من أعال
الفرائض؟ فقال: عمر بن الخطاب لما التقت عنده الفرائض ودافع بعضها بعضا وكان امرءا
ورعا فقال: والله ما أدرى أيكم قدم الله عز وجل ولا أيكم أخر فما أجد شيئا هو أوسع
من أن أقسم بينكم هذا المال بالحصص فأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من العول، قال
ابن عباس: وأيم الله لو قدم من قدم الله عز وجل ما عالت فريضة فقال له زفر: وأيها
يا ابن عباس قدم الله عز وجل؟ قال: كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة الا إلى
فريضة فهذا ما قدم وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها الا ما بقي فذلك
الذي أخر فأما الذي قدم فالزوج له النصف فان دخل عليه ما يزيله رجع إلى الربع لا يزايله
عنه شئ والزوجة لها الربع فان زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزايلها عنه شئ، والام لها الثلث
فان زالت عنه بشئ من الفرائض ودخل عليها صارت إلى السدس لا يزايلها عنه شئ، فهذه
الفرائض التي قدم الله عز وجل والتي أخر فريضة الأخوات والبنات لهن النصف فما فوق
ذلك والثلثان فإذا ازالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن الا ما يبقى فإذا اجتمع ما قدم الله
عز وجل وما أخرى بدئ بمن قدم وأعطى حقه كاملا فان بقي شئ كان لمن أخر وان لم يبق
شئ فلا شئ له فقال له زفر: فما منعك يا ابن عباس ان تشير عليه بهذا الرأي قال ابن عباس:
هبته قال ابن شهاب: والله لولا أنه تقدمه امام عادل لكان أمره على الورع فأمضى أمر امضى
ما اختلف على ابن عباس من أهل العلم اثنان (2) فيما قال وبقول ابن عباس هذا يقول عطاء ومحمد
ابن علي بن أبي طالب. ومحمد بن علي بن الحسين. وأبو سليمان. وجميع أصحابنا. وغيرهم *
قال أبو محمد: فنظرنا فيما احتج به من ذهب إلى العول فوجدنا ما ذكره عمر
رضي الله عنه من أنه لم يعرف من قدم الله تعالى ولا من أخر وزاد المتأخرون منهم ان قالوا:
ليس بعضهم أولى بالحطيطة من بعض فالواجب أن يكونوا كالغرماء والموصى لهم يضيق

(1) في النسخة رقم 16 (الميراث)
(2) في النسخة رقم 14 (اثنان من أهل العلم).
264

المال عن حقوقهم فالواجب أن يعموا بالحطيطة وادعوا على من أبطل العول تناقضا في مسألة
واحدة فقط، وقال بعضهم في مسألة أخرى فقط مالهم حجة أصلا غير ما ذكرنا ولا حجة
لهم في شئ منه * أما قول عمر رضي الله عنه: ما أدرى أيهم قدم الله عز وجل ولا أيهم أخر
فصدق رضي الله عنه ومثله لم يدع ما لم يتبين له الا اننا على يقين وثلج من أن الله تعالى لم
يكلفنا ما لم يتبين لنا فإن كان خفى على عمر فلم يخف على ابن عباس وليس مغيب الحكم عمن
غاب عنه حجة على من علمه وقد غاب عن عمر رضي الله عنه علم جواز كثرة الصداق.
وموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الكلالة وأشياء كثيرة فما كدح ذلك في علم من علمها وأما
تشبيهم ذلك بالغرماء والموصى له فباطل وتشبيه فاسد لان المال لو اتسع على ما هو لو أوسع
الغرماء والموصى لهم ولوجد بعد التحاص مال الغريم يقسم على الغرماء والموصى لهم أبدا
حتى يسعهم وليس كذلك أمر العول فان كل ما خلق الله تعالى في الدنيا والجنة والنار
والعرش لا يتسع لأكثر من نصفين أو ثلاثة أثلاث أو أربعة أرباع أو ستة أسداس
أو ثمانية أثمان فمن الباطل أن يكلفنا الله عز وجل المحال وما ليس في الوسع ومن الباطل أن
يكلفنا من الخراج من ذلك والمخلص منه ما لم يبين عنا كيف نعمل فيه * وأما قولهم: ليس
بعضهم أولى بالحطيطة من بعض فكلام صحيح ان زيد فيه ما ينقص منه وهو أن لا يوجب
حط بعضهم دون بعض نص أو ضرورة ويقال لهم ههنا أيضا ولا لكم أن تحطوا أحدا من
الورثة مما جعل الله تعالى باحتياطك وظنك لكن بنص أو ضرورة، وأما دعواهم التناقض
من المانعين بالعول في المسألة التي ذكروا فسنذكرها إن شاء الله تعالى ونرى أنهم لم
يتناقضوا فيها أصلا فإذ قد بطل كل ما شغبوا به فالواجب ان ننظر فيما احتج به المبطلون للعول
فوجدنا ابن عباس في الخبر الذي قد أوردنا من طريق عبيد الله بن عبد الله عنه قد انتظم بالحجة
في ذلك بما لا يقدر أحد على الاعتراض فيه، وأول ذلك اخباره بأن عمر أول من عال
الفرائض باعترافه انه لم يعرف مراد لله تعالى في ذلك فصح أنه رأى لم يتقدمه سنة وهذا
يكفي في رد هذا القول. وأما ابن عباس فإنه وصف أن قوله في ذلك هو نص القرآن فهو
الحق وبين أن الكلام في العول لا يقع الا في فريضة فيها أبوان وزوج وزوجة وأخوات
وبنات فقط أو بعضهم *
قال أبو محمد: ولا يشك ذو مسكة عقل في أن الله تعالى لم يرد قط اعطاء فرائض
لا يسعها المال ووجدنا ثلاث حجج قاطعة موجبة صحة قول ابن عباس إحداها التي ذكر
من تقديم من لم يحطه الله تعالى قط عن فرض مسمى على من حطه عن الفرض المسمى إلى
أن لا يكون له الا ما بقي، والثانية انه بضرورة العقل عرفنا أن تقديم من أوجب
265

الله تعالى ميراثه على كل حال ومن لا يمنعه من الميراث مانع أصلا إذا كان هو والميت
حرين على دين واحد على من قد يرث وقد لا يرث لان من لم يمنعه الله تعالى قط من الميراث
لا يحل منعه مما جعل الله تعالى له وكل من قد يرث وقد لا يرث فبالضرورة ندري أنه
لا يرث إلا بعد من يرث ولا بد، ووجدنا الزوجين والأبوين يرثون أبدا على كل حال
ووجدنا الأخوات قد يرثن وقد لا يرثن ووجدنا البنات لا يرثن الا بعد ميراث من يرث
معهن * والثالثة أن ننظر فيمن ذكرنا فان وجدنا المال يتسع لفرائضهن أيقنا أن الله عز وجل
أرادهم في تلك الفريضة نفسها بما سمى لهم فيها في القرآن وان وجدنا المال لا يتسع لفرائضهم
نظرنا فيهم واحدا واحد فمن وجدنا ممن ذكرنا قد اتفق جميع أهل الاسلام اتفاقا مقطوعا
به معلوما بالضرورة على أنه ليس له في تلك الفريضة ما ذكر الله عز وجل في القرآن أيقنا
قطعا ان الله تعالى لم يرد قط فيما نص عليه في القرآن فلم نعطه الا ما اتفق له عليه فإن لم يتفق
له على شئ لم نعطه شيئا لأنه قد صح أن لا ميراث له في النصوص في القرآن، ومن وجدنا
ممن ذكرنا قد اختلف المسلمون فيه فقالت طائفة: له ما سمى الله تعالى له في القرون، وقالت
طائفة: ليس له الا بعض المسمى في القرآن وجب ولابد يقينا أن يقضى له بالمنصوص
في القرآن وان لا يلتفت قول من قال بخلاف النص إذ لم يأت في تصحيح دعواه بنص آخر
وهذا غاية البيان ولا سبيل إلى شذوذ شئ عن هذه القضية لان الأبوين والزوجين في
مسائل العول كلها يقول المبطلون للعول: ان الواجب لهم ما سماه الله تعالى لهم في القرآن
وقال القائلون بالعول: ليس لهم الا بعضه فوجب الاخذ بنص القرآن لا بقول من
خالفه، وأما الأخوات والبنات فقد أجمع القائلون بالعول والمبطلون للعول وليس
في أهل الاسلام لهاتين الطائفتين ثالث لهما ولا يمكن أن يوجد لهما ثالث إذا ليس
في الممكن الا اثبات أو نفى على أنه لا يجب في جميع مسائل العول لهن ما جاء في نص القرآن
لكن اما بعض ذلك واما لا شئ فكان اجماعهم حقا بلا شك وكان ما اختلفوا فيه لا تقوم
به حجة إذ لم يأت به نص فوجب إذ لا حق لهن بالنص ان لا يعطوا الا ما صح الاجماع لهن
به فإن لم يجمع لهن على شئ قد خرجن بالاجماع وبالضرورة عن النص فلا يجوز أن
يعطين شيئا بغير نص ولا اجماع وهذا بيان لا اشكال فيه وبالله تعالى التوفيق * وأما
المسألة التي ادعوا علينا فيها التناقض فهي زوج. وأم. وأختان لأب. وأختان لام،
ومسألة أخرى ادعوا فيها التناقض على بعضنا دون بعض وهي زوج. وأم وأختان لام،
فقالوا في هذه المسألة كل هؤلاء أو لو فرض مسمى لا يرث منهم أحد بغير الفرض المسمى
في شئ من الفرائض وليس ههنا من يرث مرة بفرض مسمى فتقدموه ومرة ما بقي فتسقطوه
266

أو تؤخروه. وقالوا في الام والأخوات الشقائق أو للأب فقط أو للام فقط ممن قد
يرث وقد لا يرث شيئا فمن أين لكم اسقاط بعض واثبات بعض؟ *
قال أبو محمد: أما مسألة الزوج والام والأختين للأب والأختين للام فلا تناقض
فيها أصلا لان الأختين للأب قد يرثان بفرض مسمى مرة وقد لا يرثان الا ما بقي ان
بقي شئ فلا يعطيان ما لم يأت به نص لهما ولا اتفاق وليس للام ههنا الا السدس لان
للميت أخوة فوجب للزوج النصف بالنص وللأم السدس بالنص فذلك الثلثان وللأختين
للأم الثلث بالنص، وأيضا فهؤلاء كلهم مجمع على توريثهم في هذه الفريضة بلا خلاف
من أحد ومختلف في حطهم فوجب توريثهم بالنص والاجماع وبطل حطهم بالدعوى المخالفة
للنص وصح بالاجماع المتيقن ان الله تعالى لم يعط الأختين للأب في هذه الفريضة
الثلثين ولا نص لهما بغيره ولم يجمع لهما على شئ يعطيانه فإذ لا ميراث لهما بالنص ولا
بالاجماع فلا يجوز توريثهما أصلا. وأما مسألة الزوج. والام. والأختين للام
فإنها لا تلزم أبا سليمان ومن وافقه ممن يحط الام إلى السدس بالاثنين من الاخوة، وأما
نحن ومن أخذ بقول ابن عباس في أن لا يحط إلى السدس الا بثلاثة من الاخوة فصاعدا
فجوابنا فيها وبالله تعالى التوفيق ان الزوج والام يرثان بكل وجه وفى كل حال، وأما
الأختان للام فقد يرثان وقد لا يرثان فلا يجوز منع من نحن على يقين من أن الله تعالى
أوجب له الميراث في كل حال وأبدا ولا يجوز توريث من قد يرث وقد لا يرث الا بعد
توريث من نحن على يقين من وجوب توريثه وبعد استيفائه ما نص الله تعالى له عليه
فان فضل عنه شئ أخذه الذي قد لا يرث وان لم يفضل شئ لم يكن له شئ إذ ليس في
وسع المكلف الا هذا أو مخالفة القرآن بالدعوى بلا برهان فللزوج النصف بالقرآن
وللأم الثلث بالقرآن فلم يبق الا السدس فليس للاخوة للام غيره إذ لم يبق لهم سواه
وبالله تعالى التوفيق *
1718 مسألة وان مات وترك ولدا ذكرا أو أنثى أو ولد ولد ذكر كذلك
أو ترك أبا أو جدا لأب وترك أخا لام أو أختا لأم أو أخا وأختا لام أو أخوة لام فلا
ميراث لولد الام أصلا فإن لم يترك أحدا ممن ذكرنا فلأخ للأم السدس فقط وللأخت
للأم السدس فقط فإن كان أختا وأخا لأم فلهما الثلث بينهما على السواء لا يفضل الذكر
على الأنثى وكذلك إن كانوا جماعة فالثلث بينهم شرعا سواء، وكذلك ان وجب لهم
السدس في مسألة العول ولا فرق *
برهان ذلك قول الله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت
267

فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) وهذا قولنا.
وقول أبي حنيفة. ومالك. والشافعي. وأحمد. وأبي سليمان. وغيرهم الا روايتين رويتا
عن ابن عباس، إحداهما ان الاخوة للام يقسمون الثلث للذكر مثل حظ الأنثيين،
والثانية ان الأخ للام والأخت للام يرثان مع الأب، فأما المسألة الأولى فلا نقول بها
لأنها خلاف قول الله تعالى: (فهم شركاء في الثلث) ولقد كان يلزم القائلين بالقياس
أن يقولوا بهذه القولة قياسا على ميراث الإخوة للأب أو الأشقاء وبالله لو صح شئ من
القياس لكانت هذه المسألة أولى بالصحة من كل ما حكموا فيه بالقياس. وأين هذا
القياس من قياسهم ميراث البنتين على ميراث الأختين وسائر تلك المقاييس الفاسدة؟ *
وأما المسألة الثانية فلم تصح عن ابن عباس الا في السدس الذي حطه الاخوة من ميراث
الام فردوها إلى السدس عن الثلث فقط، والمشهور عنه خلافها ولم نقل بها لان الله تعالى
سمى هذا التوريث كلالة فوجب أن تعرف ما الكلالة وما أراد الله تعالى بهذه اللفظة ولا
يجوز أن يخبر عن مراد الله عز وجل الا بنص ثابت أو اجماع متيقن والا فهو افتراء على
الله تعالى فوجدنا من يرثه اخوة أو اخوان أو أخ اما شقيق واما لأب واما لام ولا ولد له
ولا ابنة ولا ولد ابن ذكر وان سفل ولا أب ولا جد لأب وان علا فهو كلالة ميراثه كلالة
باجماع مقطوع عليه من كل مسلم، ووجدنا أن من نقص من هذه الصفات شئ فقد
اختلف فيه أهو كلالة أم لا؟ فلم يجز أن يقطع على مراد الله تعالى الا بالاجماع المتيقن الثابت
إذا لم نجد نصا مفسرا فوجب بهذا ان لا يرث الاخوة كيف كانوا الا حيث يعدم كل من
ذكرنا الا أن يوجب ميراث بعضهم نص صحيح فيوقف عنده وليس ذلك الا في موضعين
فقط وهو الأخ الشقيق أو للأب مع الابنة فصاعدا وأخت مثله معه فصاعد ما لم يستوف
البنات الثلثين، والموضع الثاني الأخت كذلك مع البنت أو البنات حيث لا عاصب
للميت فقط وبالله تعالى التوفيق *
1719 مسألة ومن ترك ابنا وابنة أو ابنا وابنتين فصاعدا أو ابنة وابنا
فأكثر أو اثنين وبنتين فأكثر فللذكر سهمان وللأنثى سهم هذا نص القرآن واجماع متيقن *
1720 مسألة والأخ. والأخت الأشقاء أو للأب فقط فصاعدا كذلك
أيضا للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا نص القرآن واجماع متيقن *
1721 - مسألة - فإن كان أخ شقيق واحد فأكثر ومعه أخت شقيقة فأكثر
أو لا أخت معه لم يرث ههنا الأخ للأب ولا الأخت للأب شيئا، وهذا نص قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما أبقت الفرائض فلاولى رجل ذكر) واجماع متيقن أيضا،
268

والأقرب بالأم وقد استويا في الأب أولى من لم يقرب بالأم بضرورة الحس *
1722 - مسألة - ومن ترك أختا شقيقة وأخا لأب أو اخوة ذكورا لأب
فللشقيقة النصف وللأخ للأب أو الاخوة من الأب ما بقي وان كثروا وهذا اجماع متيقن
ونص القرآن والسنة فان ترك أختين شقيقتين فصاعدا أو أخا أو أخوة لأب فللشقيقتين
فصاعد الثلثان وما بقي فللأخ أو الإخوة للأب كما قلنا (1)
1723 - مسألة - فان ترك أختا شقيقة وأختا لأب أو أخوات للأب فللشقيقة
النصف وللتي للأب أو اللواتي للأب السدس فقط وان كثرن لقول الله تعالى: (وإن كانتا
اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) فلم يجعل تعالى للأخوات وان كثرن الا الثلثين فان ترك
أيضا أختا لأم كان لها سدس خامس وكذلك لو كان أخا لام فإن كان اخوان لام
أو أختان لام أو أخا أو أختا أو اخوة كثيرا لام فالثلث الباقي لهما أو لهم أو لهن وهذا
نص كما أوردنا واجماع متيقن فان ترك شقيقتين وأخوات لأب وابن عم أو عما فللشقيقتين
الثلثان وللعم أو لابن العم ما بقي ولا شئ للواتي للأب وهذا دليل النص واجماع متيقن
الا شيئا ذكر عن الحسن البصري ان الثلث الباقي للواتي للأب ولم يقل ذلك حيث
يوجد عاصب ذكر وكذلك لو ترك أختين شقيقتين وأختين لام وأخوات أو أختا
لأب أو اخوة لأب فللشقيقتين فصاعدا الثلثان وللبنتين للام فصاعدا الثلث ولا شئ
للأخت للأب ولا للأخوات للأب ولا للاخوة للأب، وهذا دليل النص كما ذكرنا
واجماع متيقن مقطوع به.
1724 - مسألة - ولو ترك أختا شقيقة واخوة وأخوات للأب فللشقيقة
النصف وما بقي بين الاخوة والأخوات للأب ما لم يتجاوز ما يجب للأخوات السدس
ولا يزدن على السدس أصلا ويكون الباقي للذكر وحده فإن كانتا شقيقتين وأختا
أو أخوات لأب وأخا لأب فالثلثان للشقيقتين والباقي للأخ الذكر ولا شئ للأخت للأب
ولا للأخوات للأب * روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو شهاب عن الأعمش عن أبي
الضحى هو مسلم بن صبيح عن مسروق بن الأجدع قال: كان ابن مسعود يقول في
أخوات لأب وأم واخوة وأخوات لأب للأخوات من الأب والام الثلثان وسائر المال
للذكور دون الإناث * وبه إلى سعيد نا أبو معاوية نا الأعمش عن إبراهيم عن مسروق
أنه كان يأخذ بقول عبد الله في أخوات لأب وأم فجعل ما بقي من الثلثين للذكور دون الإناث
فخرج إلى المدينة فجاء وهو يرى أن يشرك بينهم فقال له علقمة: ما ردك عن قول عبد الله ألقيت

(1) في النسخة رقم 14 كما ذكرنا
269

أحدا هو أثبت في نفسك منه؟ قال: لا ولكن لقيت زيد بن ثابت فوجدته من الراسخين في
العلم * ومن طريق وكيع نا سفيان عن معبد بن خالد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود
أنه قال في أختين لأب وأم واخوة وأخوات لأب ان للتين للأب والام الثلثين فما بقي
فللذكور دون الإناث وان عائشة شركت بينهم فجعلت ما بقي بعد الثلثين للذكر مثل حظ
الأنثيين * ومن طريق وكيع عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: قال مسروق
رأيت زيد بن ثابت وأهل المدينة يشركون بينهم قال الأعمش: وكان ابن مسعود يقول
في أخت لأب وأم وأخوة لأب: لهذا النصف ثم ينظر فإن كان إذا قاسم بها الذكور أصابها
أكثر من السدس لم يزدها على السدس وإذا أصابها أقل من السدس قاسم بها وكان غيره من
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون لهذه النصف وما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين * ومن طريق
وكيع نا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن زيد بن ثابت أنه قال فيها: هذا من قضاء
أهل الجاهلية أن يرث الرجال دون النساء قال على: بقول ابن مسعود يقول علقمة. وأبو ثور
واختلف فيه على أبى سليمان *
قال أبو محمد: احتج من خالف ابن مسعود بظاهر قول الله تعالى: (وإن كانوا اخوة رجالا
ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) وبما ذكرنا من أنه قول سائر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وانه من
قضاء أهل الجاهلية * قال على: ليس قضاء أهل الجاهلية ما أوجبه القرآن وقد صح الاجماع
على توريث العم. وابن الأخ دون العمة وبنت العم. وبنت الأخ فهل هذا من
قضاء أهل الجاهلية؟ *
وأما قول الأعمش: ان سائر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على خلاف هذا (1) فنقول للمحتج
بهذا هبك صح لك ذلك وهو لا يصح عن ستة منهم أهذا حجة عندك لأنه اجماع أم لماذا؟
فان قال. ليس اجماعا قلنا له: فما ليس اجماعا ولا نصا فلا حجة فيه وإن كان هو اجماع قلنا:
فمخالف الاجماع كافر أو فاسق فانظر فيماذا تدخل وبماذا تصف ابن مسعود والله ان
المعرض به في ذلك لهو المستحق لهاتين الصفتين لا ابن مسعود المقطوع له بالجنة. والعلم.
والدين والايمان، وأما الآية فهي حجة عليهم لان الله تعالى إنما قال ذلك فيما يرثه الاخوة
والأخوات بالتعصيب لا فيما ورثه الأخوات بالفرض المسمى والنص قد صح بان
لا يرث الأخوات بالفرض المسمى أكثر من الثلثين. وقد أجمع المخالفون لنا على أن
من ترك أختا شقيقة وعشر أخوات لأب وعما أو ابن عم أو ابن أخ فان ليس للأخوات
للأب الا السدس فقط والباقي لمن ذكرنا وأجمعوا على أنه لو ترك أختين شقيقتين
وعشر أخوات لأب وعما أو ابن أخ ان اللواتي للأب لا يرثن شيئا أصلا فمن

(1) في النسخة رقم 14 (على خلاف ذلك)
270

أين وجب ان يرثن مع الأخ ولا يرثن مع العم ولا مع ابن العم ولا مع ابن الأخ؟ وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلاولى رجل ذكر)
والفرائض في هذه المسألة إنما هو النصف للشقيقة أو الثلثان للشقيقتين أو النصف للشقيقة
والسدس للتي للأب أو اللواتي للأب فقط فصح أن الباقي لاولى رجل ذكر، وهذا مما خالفوا
فيه النص والقياس وبالله تعالى التوفيق *
1725 مسألة ولا يرث مع الابن الذكر أحد الا البنات والأب والام والجد
والجدة والزوج والزوجة فقط. وولد الحرة والأمة سواء في الميراث إذا كانت أمه
أم ولد أبيه وكان الولد حرا وإن كانت أمه أمة لغير أبيه وهذا كله عموم القرآن
واجماع متيقن *
1726 مسألة ولا يرث بنو الابن مع الابن الذكر شيئا أباهم كان أو عمهم
ولا يرث بنو الأخ الشقيق أو للأب مع أخ شقيق أو لأب وهذا نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله (فلاولى رجل ذكر) واجماع متيقن *
1727 مسألة ومن ترك ابنة وبنى ابن ذكورا فلابنته النصف ولبنى الابن الذكور
ما بقي، فان ترك بنتين فصاعدا وبنى ابن ذكورا فللبنتين الثلثان وما بقي فلبنى الابن فإن لم
يترك ابنة ولا ولدا وترك بنت ابن فلها النصف وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان فان
ترك بنات ابن وبنى ابن فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فان ترك ابنة وابنة ابن أو بنتي
ابن أو بنات ابن فللابنة النصف ولبنت الابن أو لبنتي الابن أو لبنات الابن السدس فقط
وان كثرن والباقي للعاصب فان ترك ابنتين وبنات ابن وعما وابن عم أو أخا أو ابن أخ
فللبنتين الثلثان ويكون ما بقي للعم أو لابن العم أو للأخ أو لابن الأخ ولا شئ لبنات
الابن وهذا كله نص واجماع متقين الا في مسألة واحدة نذكرها إن شاء الله تعالى الآن *
1728 مسألة من ترك ابنة وبنى ابن ذكورا وإناثا فللبنت النصف ثم
ينظر فان وقع البنات الابن بالمقاسمة السدس فأقل قاسمن وان وقع لهن أكثر لم يزدن
على السدس فان ترك ابنتين وبنى ابن ذكورا وإناثا فللبنتين الثلثان والباقي لذكور ولد
الولد دون الإناث فان ترك ابنة وبنت ابن وبنى ابن ابن فللبنت النصف وبنت الابن
السدس، وكذلك لو كان أكثر والباقي لذكور ولد الولد دون الإناث وهو قول ابن
مسعود وعلقمة وأبي ثور. وأبي سفيان، وقال آخرون: بل يقاسم الذكر من ولد
الولد من في درجته من الإناث ويقاسم أيضا ولد الولد عماته للذكر مثل حظ الأنثيين
وهذا خطأ والحجة فيه كالحجة في الاخوة والأخوات للأب مع الأخت والأخوات
271

الشقائق سواء سواء حرفا حرفا وبالله تعالى التوفيق *
1729 مسألة والجدة ترث الثلث إذا لم يكن للميت أم حيث ترث الام الثلث
وترث السدس حيث ترث الام السدس إذا لم يكن للميت أم وترث الجدة وابنها أبو الميت
حي كما ترث لو لم يكن حيا وكل جدة ترث إذا لم يكن هنالك أم أو جدة أقرب منها فان
استوين في الدرجة اشتركن في الميراث المذكور وسواء فيما ذكرنا أم الام وأم الأب
وأم أم الام وأم أم الأب. وأم أبى الأب. وأم أبى الام وهكذا ابدا، وهذا مكان
اختلف الناس فيه فروى عن أبي بكر أنه لم يورث الا جدة واحدة وهي أم الام فقط،
وروى عنه وعن غيره توريث جدتين فقط وهما أم الام وأمهاتها وأم الأب وأمهاتها
وقالت طائفة: بتوريث ثلاث جدات وهما اللتان ذكرنا، وأم أب الأب وأمهاتها،
وروى عن طائفة توريث كل جدة الا جدة من قبل أبى أم أو من قبل أبى جدة، وقال بعضهم
لا ترث الجدة والجدتان والأكثر الا السدس فقط، وقال بعضهم: إن كانت التي من
قبل الام أقرب انفردت بالسدس ولم ترث معها التي من قبل الأب فإن كانت التي من قبل الأب
مساوية للتي من قبل الام أو كانت التي من قبل الام أبعد اشتركتا في السدس، وقالت طائفة:
لا ترث الجدة ما دام ابنها الذي صارت به جدة حيا *
برهان ذلك قول الله تعالى: (وورثه أبواه فلأمه الثلث) وقال تعالى: (كما أخرج
أبويكم من الجنة) فجعل آدم وامرأته عليهما السلام أبوينا فهذا نص القرآن * وقد جسر
قوم على الكذب ههنا فادعوا الاجماع على أن ليس للجدة الا السدس وهذا من تلك
الجسرات، وكتب إلى علي بن إبراهيم التبريزي الأزدي قال: نا أبو الحسين محمد بن
عبد الله المعروف بابن اللبان نا علج بن أحمد نا الجارودي نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا
أبو نعيم الفضل بن دكين عن شريك عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: الجدة بمنزلة
الام إذا لم تكن أم، وقال طاوس: الجدة بمنزلة الام ترث ما ترث الام وما وجدنا ايجاب
السدس للجدة الا مرسلا عن أبي بكر. وعمر. وابن مسعود. وعلى. وزيد خمسة فقط
فأين الاجماع؟ *
قال أبو محمد: لا سيما من ورث الجد ميراث الأب فإنه ناقض إذ لم يورث الجدة
ميراث الام فان قيل: إن خبر منصور عن إبراهيم النخعي (أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث
جدات السدس) رويناه من طريق سفيان الثوري. وحماد بن زيد. وجرير بن عبد الحميد
كلهم عن منصور عن إبراهيم كذلك * وخبر مالك عن الزهري عن عثمان بن إسحاق بن
خرشة عن قبيصة بن ذئيب ان المغيرة بن شعبة. ومحمد بن سلمة شهدا عند أبي بكر الصديق
272

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس) * وخبر ابن وهب عمن سمع عبد الوهاب
ابن مجاهد بن جبر يحدث عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم جدتين
السدس إذا لم تكن أم أو شئ دونهما فإن لم توجد الا واحدة فلها السدس * وخبر أبي
داود السجستاني نا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة أخبرني أبي نا عبيد الله العتكي عن
ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم * وروى
نحو هذا عن ابن عباس، قالوا: ومن المحال أن يكون هذا عن ابن عباس ويخالفه قلنا:
هذا كله لا يصح منه شئ، حديث قبيصة منقطع لأنه لم يدرك أبا بكر ولا سمعه من المغيرة
ولا محمد، وخبر إبراهيم مرسل ثم لو صحا لما كان فيه خلاف لقولنا لأننا نقول بتوريثها
السدس من حيث ترث الام السدس مع الولد والاخوة، وأما خبر بريده عبد الله
العتكي مجهول، وخبر على أفسدها كلها لان ابن وهب لم يسم من أخبره به عن عبد الوهاب
وأيضا فعبد الوهاب هالك ساقط، وأيضا فلا سماع يصح لمجاهد من على والرواية عن
ابن عباس لا يعرف مخرجها ولو صحت لكان كما ذكرنا من أن لها السدس حيث للأم السدس
وهلا قالوا ههنا بقولهم المعهود إذا وافق تقليدهم: ان ابن عباس لم يترك ما روى الا لأمر
هو أقوى في نفسه وأما نحن فلو صح ههنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بخلاف قولنا لقلنا به
ولكنه لم يصح أصلا، فان قالوا: قد رويتم في حديث قبيصة المذكور جاءت الجدة إلى
أبى بكر فقالت: ان ابن ابني أو ابن ابنتي مات وقد أخبرت ان لي في كتاب الله حقا فقال
أبو بكر: ما أجد لك في الكتاب حقا وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضى لك بشئ
وسأسأل الناس قلنا: إنما أخبر الصديق رضي الله عنه عن وجوده وسماعه وصدق، وقد
رويتم في هذا الخبر ان المغيرة. ومحمد بن سلمة سمعا في ذلك ما لم يسمع فرجع هو رضي الله عنه
إلى ما سمعا مما لم يسمع هو فأي غريبة في أن لا يجد أيضا في الكتاب في ذكره حينئذ
ما يجد غيره، وقد منع عمر من التزيد على مقدار ما في الصداق فلما ذكر بالقرآن رجع،
ومثل هذا لهم كثير، وقد وجدنا نصا أن الجدة أحد الأبوين في القرآن وميراث
الأبوين في القرآن فميراثها في القرآن وليس في كل وقت يذكر الانسان ما في حفظه
ونسي آدم فنسي بنوه فهذا ميراث الجدة بنص القرآن وليس لمخالفنا متعلق أصلا لا بقرآن
ولا سنة ولا اجماع متيقن ولا قياس ولا نظر وما كان هكذا فهو مقطوع بأنه
باطل قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) ولا معنى لكثرة القائلين
بالقول وقلتهم وقد أفردنا اجزاء ضخمة فيما خالف فيه أبو حنيفة. مالك. والشافعي
جمهور العلماء وفيما قاله كل واحد منهم مما لا يعرف أحد قال به قبله وقطعة فيما خالف فيه كل
273

واحد منهم الاجماع المتيقن المقطوع به ولم يأت قط نص ولا اجماع ولا نظر صحيح بترجيح
ما كثر القائلون به على ما قل القائلون به فهذا ميراث الجدة، وأما كم جدة ترث فان طائفة
قالت: لا ترث الا جدة واحدة وهي أم الام، وروينا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري
نا القاسم بن محمد بن أبي بكر أن رجلا مات وترك جدتيه أم أمه وأم أبيه فأتوا أبا بكر الصديق
فأعطى أم أمه السدس دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل وكان بدريا لقد ورثت
التي لو كانت هي الميتة ما ورث منها شيئا وتركت امرأة لو كانت هي الميتة ورث مالها كله
فأشرك بينهما في السدس، ورويناه من طريق هشيم. وابن عيينة كلاهما عن يحيى بن سعيد،
ودخل حديث أحدهما في الآخر، ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن يحيى
ابن سعيد الأنصاري. وأبى الزناد ان أبا بكر ورث الجدة أم الام السدس فلما كان عمر
ابن الخطاب جاءته الجدة أم الأب فقال لها: مالك في كتاب الله شئ وسوف أسأل لك الناس
قال فلم يجد أحدا يخبره شيئا فقال غلام من بنى حارثة: لم لا تورثها يا أمير المؤمنين وهي لو
تركت الدنيا وما فيها ورثها وهذه لو تركت الدنيا وما فيها لم يرثها ابن ابنتها فورثها عمر
ابن الخطاب وقال: ان الله ليجعل في الجدات خيرا كثيرا، فهذا أبو بكر. وعمر جعلا
الميراث للجدة التي للام دون أم الأب، فان قيل: قد رجعا عن ذلك قلنا: قد قالا به ولا
حجة الا في اجماع متيقن فلا اجماع متيقن معكم أصلا، وقد قال بذلك عمر بعد أبي بكر
كما ترون وهذا على يخبر بان عمر قضى مدة حياته بمنع بيع أم الولد وعلى معه يوافقه. وعثمان
أيضا مدة حياته فلما ولى على خالف ذلك ولم ير ما سلف مما ذكرنا اجماعا فهذا أبعد من أن
يكون اجماعا والكذب على جميع الأمة أشد عارا واثما من الكذب على واحد وكل
ذلك لا خير فيه، والقول بالظن كذب نعوذ بالله منه * وقالت طائفة: لا يرث الا جدتان
فقط أم الام وأمها وأم أمها وأم أم أمها وهكذا أبدا أما فاما فقط وأم الأب وأمها وأم
أمها وأم أم أمها وهكذا أما فاما فقط، ولا يورثون أم جد أصلا وهو قول أبى بكر
ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. والزهري. وربيعة: وابن أبي ذئب. ومالك
والشافعي. وأبي ثور. وأبي سليمان، وقالت طائفة: يرث ثلاث جدات فقط كما روينا
من طريق عبد الرزاق حدثني يحيى عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي
أن سعد بن أبي وقاص قال لابن مسعود: أتغضب على أن أوتر بواحدة وأنت تورث ثلاث
جدات؟ أفلا تورث حواء امرأة آدم * وروينا من طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر.
ومسلمة بن علي. وابن أبي الزناد قال مسلمة: عن زيد بن واقد عن مكحول وقال عبد الجبار.
وابن أبي الزناد كلاهما عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت. ثم اتفق خارجة ومكحول
274

أن زيد بن ثابت ورث ثلاث جدات اثنتين من قبل الام وواحدة من قبل الأب *
ومن طريق حماد بن سملة عن داود بن أبي هند. وحميد قالا جميعا: ان زيد بن ثابت
قال: يرثن ثلاث جدات جدتا الأب وجدة الام لامها وقد روى أيضا عن علي بن أبي طالب *
ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا
يورثون من الجدات ثلاثا جدتين من قبل الأب وواحدة من قبل الام * ومن طريق
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث هو ابن سوار عن الشعبي قال: جئن أربع
جدات إلى مسروق فورث ثلاثا وألغى أم أبى الام * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر
عن قتادة إذا كن الجدات أربعا طرحت أم أبى الام وورث الثلاث السدس أثلاثا بينهن
وبه يقول الأوزاعي. وأحمد بن حنبل، وقالت طائفة: ترث أربع جدات كما روينا
من طريق حماد بن سلمة عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس أنه كان يورث
الجدات الأربع * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن
الحسن البصري. وابن سيرين أنهما كانا يورثان أربع جدات، وقالت طائفة: ترث كل
جدة الا جدة بينها وبين الميت أبو أم وهو قول سفيان الثوري. وأبي حنيفة. وأصحابهما *
وروينا من طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله عن داود بن أبي هند عن الشعبي
قال: إنما طرحت أم أبى الام لان أبا الام لا يرث، وقالت طائفة: ترث كل جدة كما
روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث. وأبى سهل وهو محمد
ابن سالم كلاهما عن الشعبي قال: كان عبد الله بن مسعود يروث ما قرب من الجدات
وما بعد وقد روى هذا أيضا من علي بن أبي طالب. وابن عباس. وزيد بن ثابت *
ومن طريق سعيد بن منصور نا أشعث بن سوار نا الشعبي قال: جئن إلى مسروق
أربع جدات يتساءلن فألغى أم أبى الام قال أشعث: فأخبرت بذلك ابن سيرين فقال
أوهم أبو عائشة يورثن جميعا *
قال أبو محمد: أبو عائشة كنية مسروق وهو قول جابر بن زيد. وعطاء بن أبي رباح.
والحسن كل هؤلاء روى عنهم توريث أم أبى الام وغيرها * قال على: فنظرنا في هذه
الأقوال فوجدنا حجة من لم يورث الا جدة واحدة وهي أم الام وأمها ثم أمها هكذا فقط
أن يقول: هذا المجتمع على توريثها ولا يصح أثر بخلاف ذلك، فان قيل: قد رجع
أبو بكر عن ذلك قلنا: نعم وعمر قد قال به بعد أبي بكر، فان قيل: فقد رجع قلنا: فكان
ماذا إذا وجد الخلاف ووسع الآخر ما وسع الأول من الاجتهاد والاستدلال وليست
الحجة التي احتج بها عليهما رضي الله عنهما بموجبة رجوعا لان أم الام ترث ولا تورث
275

بلا خلاف والعمة تورث ولا ترث بلا خلاف، وهذا عمر قد رجع عن تحريم
المنكوحة في العدة على ناكحها في الأبد وأباح له نكاحها فلم يرجع مالك عن قوله الأول
لرجوع عمر عنه، وهذا على قد رجع عن منعه بيع أمهات الأولاد ولم يرجع أبو حنيفة
ومالك. والشافعي لرجوعه وليس رجوع من رجع حجة كما أن قول من قال ليس حجة
الا ان يصحح القول أو الرجوع حجة، وقالوا أيضا: قد صح الاجماع على أنه لا يرث من
الأجداد الا واحد وهو أب الأب وأبوه وأبو أبيه هكذا فقط فالواجب ان لا يرث من
الجدات الا واحدة وهي أم الام وأمها وأم أمها وهكذا فقط *
قال أبو محمد: هاتان حجتان لازمتان لأهل القياس لان الأولى كثيرا ما يحتجون
بها والثانية أصح ما يمكن أن يكون من القياس وقد يتعلق لهذا القول بحديث ابن بريدة عن أبيه
ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس إذا لم يكن دونها أم بدليل ذكر الام التي دونها فلم يذكر
ههنا الا جدة تكون دونها أم، وقد ذكرنا هذا الخبر آنفا وعلته ولا يلزماننا لأننا لا نمنع
من الاخذ بقول مختلف فيه إذا أوجبه برهان بل نوجب الاخذ به حينئذ ولولا البرهان
الموجب لتوريث كل جدة لكان هذا القول هو الذي لا يجوز القول بسواه لأنه المجتمع
عليه بيقين لا شك فيه وما عداه فمختلف فيه ونحن لا نقول بالقياس وبالله تعالى التوفيق *
وأما من لم يورث الا جدتين فما نعلم لهم حجة أصلا الا أن بعضهم ادعى الاجماع على
ذلك وهذا باطل كما أوردنا فان تعلقوا بخبر مجاهد ان النبي صلى الله عليه وسلم أطعم جدتين السدس
قلنا: هذا خبر فاسد وليس فيه انه عليه الصلاة والسلام منع من توريث أكثر، وقد
جاء خبر أحسن منه انه عليه الصلاة والسلام ورث ثلاث جدات وليس قول سعد الا تورث
حواء امرأة آدم حجة لأنه لا خلاف في وجوب توريث حواء امرأة آدم لو كان حية
ولم تكن دونها أم ولا جدة لان كل ميت في العالم من بني آدم فله أم ولأمه أم ولام أمه أم
هكذا قطعا بيقين إلى بنت حواء فهي جدة من قبل أم الام وأمهاتها بيقين فبطل هذا
الاعتراض ولم يبق لهذا القول متعلق أصلا والعجب كل العجب من أن مالكا. والشافعي
في أقوالهما في الفرائض مقلدين لزيد بن ثابت وزيد يورث ثلاث جدات فخالفوه بلا معنى
وليس انكار سعد على ابن مسعود توريث ثلاث جدات موجبا ان سعدا كان يورث
جدتين بل قد يمكن أن يكون لا يورث الا جدة واحدة فبطل هذا القول بيقين وأما
من لم يورث الا ثلاث جدات فما نعلم لهم متعلقا الا خبر إبراهيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أطعم ثلاث جدات السدس وهذا مرسل ليس فيه انه عليه الصلاة والسلام منع من
توريث أكثر فبطل تعلقهم به وبطل أن يكون لهم حجة أصلا، وأما من لم يورث
276

الا أربع جدات فما نعلم لهم تعلقا أصلا فبطل لتعريه من الحجة، وأما من ورث كل
جدة الا جدة بينها وبين الميت أبو أم فلا حجة لهم أصلا الا ما قال الشعبي من أن الذي
تدلى به لا يرث فيقال لهم: فكان ماذا؟ هذا المسلم يموت له أب كافر وجد مسلم أو عم
مسلم وأخ مسلم أو ابن أخ مسلم أو ابن عم مسلم فلا خلاف في أن كل من ذكرنا يرث
وان الذي يدلى به لا يرث إنما المواريث بالنصوص لا بالقرب ولا بالادلاء وهذه المرأة
المعتقة لا تكون وليا في النكاح ولا المجنون فلا ينكحان وعاصبهما ينكح مولاتها وعاصب
المجنون ينكح ابنته وأخته والذي يدليان به لا ينكح، ولعلهم أن يدعوا اجماعا على
ما يقولون من منع الجدة أم أبى الام الميراث فما هذا ببدع من جسراتهم فقد أرينا كذبهم
بقول ابن سيرين وغيره فبطل هذا القول لتعريه من الحجة، وأما من ورث كل جدة فان
حجته ما صدرنا قبل من أن الجدة أم وأحد الأبوين بنص القرآن وميراث الأبوين مبين
بنص القرآن فلم يجز ان يحرم الأبوان الميراث الا بنص صحيح أو اجماع متيقن فصح الاجماع
المتيقن بنقل كواف الاعصار عصرا بعد عصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه عليه الصلاة والسلام
لم يورث قط من ابن بنت بالبنوة ولا ابن بنت بالبنوة فسقط ميراث كل جد يكون الميت
منه ابن بنت وبقى ميراث الجد الذي هو أب وأبو أب فقط، ولم يأت نص ولا اجماع
بمنع الجدة من الميراث بذلك فبقي ميراثها بنص القرآن واجبا وبالله تعالى التوفيق *
ووجدنا خبر قبيصة بن ذؤيب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس)
موافقا لهذا القول لأنه عم ولم يخص جدة من جدة فيلزم من قال بالمرسل أن يقول
بهذا لأنه أعم من سائر الأخبار المذكورة وأما نحن فلا نعتمد الا على نص القرآن الذي
ذكرنا فقط وبطلت سائر الأقوال بيقين لا مرية فيه لتعريها من حجة نص أو اجماع
وبالله تعالى التوفيق *
وأما تفاضل الجدات في القرب فان طائفة قالت: لا نبالي أي الجدات أقرب ولا أيتهن
أبعد في الميراث سواء كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحجاج بن أرطاة
عن الشعبي قال: كان ابن مسعود يساوى بين الجدتين كانت إحداهما أقرب أو لم
تكن أقرب، وروى عنه أيضا لا يحجب الجدات الا الام ويرثن وإن كان بعضهن أقرب
من بعض الا أن تكون إحداهن أم الأخرى فترث الابنة دون أمها، وقول آخر كما روينا من
طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي قال: كان بان مسعود يورث
ما قرب من الجدات وما بعد منهن جعل لهن السدس إذا كن من مكانين شتى فإذا كن من
مكان واحد ورث القربى، وقول ثالث قاله الحسن بن حي. وزفر بن الهذيل وهو إن كانت
277

احدى الجدتين جدة من جهتين وكانت الأخرى جدة من جهة واحدة فللتي من جهتين
ثلثا السدس وللتي من جهة واحدة ثلث السدس، ومثال ذلك امرأة تزوج ابن ابنها ابنة
ابنتها فولد لهما ولد فمات أبواه وجدتاه ولم يترك الا هذه المرأة التي هي أم أبى أبيه وأم أم أمه
فهي جدة من جهتين وجدة أخرى هي أم أم أبيه فهي جدة من جهة واحدة، وقول رابع
وهو أنه إن كانت الجدة التي من جهة الام (1) أبعد من التي من قبل الأب اشتركتا
في الميراث جميعا وكذلك إن كانتا سواء فإن كانت التي من قبل الام أقرب من التي من
قبل الأب كان الميراث كله للتي من قبل الام ولا شئ للتي من قبل الأب كما روينا من طريق
عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: إذا كانت
الجدة من قبل الام أقرب فهي أحق به فإن كانت أبعد فهما سواء * ومن طريق حماد بن سلمة
عن يحيى بن سعيد. وحميد عن أهل المدينة قالوا: إذا كانت جدتان من قبل الام ومن
قبل الأب فإن كانت التي من قبل الام أقرب فهي أحق بالسدس وإن كانت التي من قبل
الأب أقرب فالسدس بينهما * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد
قال: أدركت خارجة بن زيد. وطلحة بن عبد الله بن عوف: وسليمان بن يسار يقولون:
إذا كانت جدتان من قبل الأب ومن قبل الام فإن كانت التي من قبل الام أقرب فهي أحق
بالسدس وإن كانت أبعد فهما سواء وهو قول عطاء وبه يقول مالك: والأوزاعي،
وروى عن الشافعي، وقول خامس وهو أيتهن كانت أقرب فهي أحق بالميراث كما روينا
من طريق سفيان: ومعمر عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب فذكر توريث أبى بكر للجدة
من قبل الأب أو من قبل الام وفيه فلما كانت خلافة عمر جاءت الجدة التي يخالفها فقال
عمر: إنما كان القضاء في غيرك ولكن إذا اجتمعتما فالسدس بينكما وأيكما خلت به فهو لها *
ومن طريق وكيع نا سفيان هو الثوري عن حميد الطويل عن عمار بن أبي عمار
عن زيد بن ثابت أنه كان يورث القربى من الجدات * ومن طريق سعيد بن منصور نا
هشيم انا محمد بن سالم عن الشعبي أن علي بن أبي طالب. وزيد بن ثابت كانا يجعلان السدس
للقربى منهما يعنى الجدتين * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد عن أيوب
السختياني عن محمد بن سيرين في الجدات قال: إن كانت واحدة فالسدس لها وإن كانت
اثنتين فالسدس بينهما فان كن ثلاثا فالسدس بينهن وان كن أربعا فالسدس بينهن وأيتهن
كانت أقرب فهي أحق إنما هي طعمة وبه يقول الحسن البصري. ومكحول. وأبو حنيفة.
وأصحابه وسفيان الثوري. والحسن بن حي. وشريك. وداود، وهو أشهر قولي الشافعي *

(1) في النسخة رقم 14 (من قبل الام)
278

قال أبو محمد: أما القول الثاني الذي ذكرنا عن ابن مسعود. والقول الثالث
الذي ذكرنا عن زفر. والرابع الذي اختاره مالك فأقوال لا دليل على صحة شئ منها لا من
قرآن. ولا من سنة. ولا من رواية سقيمة. ولا من قول صاحب لا مخالف له. ولا
من اجماع. ولا من نظر. ولا قياس. ولا من رأى له وجه، والعجب من تقليد
المالكيين لقول زيد في ذلك دون قول زيد الثاني، فهذا عجب جدا: فلم يبق الا القول
الأول وهذا الآخر فوجدنا من حجة من ذهب إلى القول الأول أن يقول: الجدة
أم فكلهن أم وكلهن وارثه *
قال على: ووجدنا حجة القول الآخر ان ميراث الأب والام قد صح بالقرآن
فأول أم توجد وأول أب يوجد فميراثهما واجب ولا يجوز تعديهما إلى أم ولا إلى أب أبعد
منهما إذ لم يوجب ذلك نص أصلا وهذا هو الحق وبالله تعالى التوفيق * وأما هل ترث
الجدة أم الأب والأب حي؟ فطائفة قالت: لا ترث * روينا من طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن محمد بن سالم عن الشعبي قال: كان علي بن أبي طالب. وزيد بن ثابت
لا يورثان الجدة مع ابنها * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان بن عفان لم
يورث الجدة إن كان ابنها حيا قال الزهري: والناس عليه * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت كان لا يورث الجدة أم الأب
وابنها حي * ومن طريق ابن وهب عمن يثق به عن سعيد بن المسيب قال: قال ابن
مسعود في الجدة وابنها حي منعها الذي به تمت * ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن
زيد عن كثير بن شنظير عن عطاء أن زيد بن ثابت قال: يحجب الرجل أمه كما تحجب
الام أمها من السدس، كثير لا شئ، وحديث ابن وهب مرسل، وروى هذا عن سعد
ابن أبي وقاص. والزبير بن العوام وهو قول سعيد بن المسيب: وطاوس والشعبي وبه
يقول سفيان. والأوزاعي. ومالك. وأبو حنيفة. والشافعي. وروى عن داود،
والقول الثاني انها ترث كما روينا من طريق سعيد بن منصور. نا سفيان عن ابن أبي ليلى عن
الشعبي قال قال ابن مسعود: ان أول جدة ورثت في الاسلام كانت مع ابنها *
قال أبو محمد: أقل ما في هذا ان يراد خلاف أبى بكر * ومن طريق وكيع نا حماد بن
سلمة عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: مات ابن لحسكة الحبطى فترك حسكة
واما لحسكة فكتب أبو موسى الأشعري إلى عمر في ذلك فكتب إليه عمر ورثها مع
ابنها السدس * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي عمرو
الشيباني عن ابن مسعود انه ورث الجدة مع ابنها قال وكيع: ونا الأعمش عن إبراهيم
279

النخعي عن ابن مسعود قال لا يحجب الجدات الا الام * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم
انا سلمة بن علقمة عن حميد بن هلال العدوي عن رجل منهم ان رجلا منهم مات وترك أم أبيه
وأم أمه وأبوه حي فوليت تركته فأعطيت السدس أم أمه وتركت أم أبيه فقيل لي: كان
يبغي لك ان تشرك بينهما فاتيت عمران بن الحصين فسألته؟ فقال: أشرك بينهما في
السدس ففعلت * ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عن
الحسن وابن سيرين ان أبا موسى الأشعري ورث أم حسكة من ابن حسكة وحسكة حي *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن بلال بن أبي بردة ان أبا موسى الأشعري كان
يورث الجدة مع ابنها وقضى بذلك بلال - وهو أمير على البصرة - وهو قول عامر بن واثلة *
ومن طريق عبد الرزاق نا هشام بن حسان. ومعمر قال هشام عن أنس بن سيرين
وقال معمر: عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين ثم اتفق أنس: ومحمد على أن شريحا
كان يورث الجدة مع ابنها وهو حي * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو
ابن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن زيد قال: ترث الجدة مع ابنها * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا خالد. ومنصور كلاهما عن أنس بن سيرين قال: شهدت شريحا أتى في رجل
ترك جدتيه أم أمه وأم أبيه وأبوه حي فاشرك بين جديته في السدس * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا هشيم انا حميد عن الحسن. وابن سيرين في الجدة أنهما كانا يورثانها مع ابنها
فهم كما ترى خلافة أبى بكر. وعمر. وأبي موسى الأشعري. وابن مسعود. وعمران
ابن الحصين. وعامر بن واثلة. وجابر بن زيد. وشريح. والحسن. وابن سيرين، وهو
قول عروة بن الزبير. وسليمان بن يسار. ومسلم بن يسار. وعطاء بن أبي رباح.
والمسيب. وسوار بن عبد الله. وعبيد الله بن الحسن. وشريك بن عبد الله. وأحمد
ابن حنبل. واحساق بن راهويه. وفقهاء البصرة، وروى عن داود أيضا فوجدنا
أهل القول الأول يحتجون بالخبر الذي ذكرنا من طريق ابن وهب عمن سمع عبد الوهاب
ابن مجاهد بن جبر عن أبيه عن علي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم جدتين السدس إذا
لم تكن أم أو شئ دونهما *
قال أبو محمد: هذا خبر سوء منقطع ما بين ابن وهب. وعبد الوهاب ثم
عبد الوهاب متروك ثم لا يصح لمجاهد سماع من على ثم ليس فيه بيان بذكر الأب،
وقالوا أيضا: لما حجب أباه وجب أن يحجب أمه قال على: وهذا قياس والقياس كله فاسد
ثم لو صح لكان هذا منه غاية الفساد لأنه إنما يحجب أباه بأنه عاصب أولى منه والجدة
لا ترث بالتعصيب إنما ترث بالسهم فبابه غير بابها، ثم يعارضون بأن يقال لهم:
280

كما لا تحجب الام كذلك لا تحجب الجدة وكما لا تحجب أم الام كذلك لا تحجب أم نفسه
وقالوا: كما تحجب الام أمها كذلك يحجب الأب أمه قلنا: هذا قياس والقياس كله
باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه باطلا لان الام إنما حجبت أمها لأنها أم أقرب منها
وليس الأب كذلك، ثم يقال لهم: كما لا تحجب الام الجد وإنما تحجب الجدات كذلك
لا يحجب الأب الجدات وإنما يحجب الجد فقط وقالوا: حجبها الذي تدلى به وهذا ليس بشئ
لأنه قول لم يوجبه قرآن ولا سنة وقد وجدنا الجدة من الأب يكون الأب عبدا فلا يحجبها
عندهم وهي تدلى به، فان قالوا: إنما يحجبها إذا ورث قلنا: هذه زيادة لم يوجبها برهان قرآن
ولا سنة فهي لا شئ إنما هي دعوى لا نوافقكم عليها فهي ساقطة ما لم يوجبها قرآن ولا سنة
ولا اجماع، وقالوا: ميراثها مع وجود الأب مختلف فيه قلنا: نعم فإن لم يوجب ميراثها
برهان والا فلا ميراث لها *
قال أبو محمد: فسقط هذا القول إذ لا برهان على صحته وبقى ان نثبت صحة قولنا
بحول الله وقوته فنقول وبالله تعالى التوفيق: قد جاء نص القرآن بايجاب ميراث الأبوين
سواء فوجب بالقرآن ميراث الأب والجد وأبى الجد وجد الجد مع الام لأنهم أبوان ووجب
ميراث الجدة مع الجد كما قلنا ومع الأب لأنهما أبوان فليس ميراث الأب أولى من ميراث
الام وأمها أمه وهذا نص لا يسع خلافه، وكتب إلى أبو الحسن علي بن إبراهيم التبريزي
نا أبو الحسن محمد بن عبد الله البصري المعروف بابن اللبان انا أحمد بن كامل بن شجرة
القاضي نا أحمد بن عبيد الله نا يزيد بن هارون انا محمد بن سالم عن الشعبي عن مسروق عن
عبد الله بن مسعود رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه ورث جدة وابنها حي * ومن طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن الأشعث هو ابن عبد الملك الحمراني عن ابن سيرين قال:
أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أب مع ابنها * ومن طريق الحجاج بن المنهال
نا أبو يحيى بكر بن محمد الضرير عن الأشعث بن عبد الملك عن الحسن البصري قال:
أول جدة أطعمت السدس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنها حي *
قال على: عهدنا بالحنيفيين. والمالكيين يقولون: المسند والمرسل سواء وهذان
مرسلان ومسند صالح فليأخذوا بهما فان قالوا: لعل ابنها كان عم الميت قلنا: لا يرد
الدين بلعل لكن ابنها هو الأب والعم أيهما كانت ورثت معه وتخصيص العم بذلك
لا يجوز لأنه دعوى كاذبة وقطع بالظن وتفسير بارد للخبر لأنه لا فائدة ههنا في حياة
العم ولا في موته وبالله تعالى التوفيق *
(فصل) قال أبى محمد: ولا خلاف في أن الأب لا يحجب أم الام ولا أم أم الام فصاعدا
281

وقد قال بعض التابعين ان الجد أبا الأب يحجب جدة الأب أم أمه وهذا قول لا برهان
على صحته وبالله تعالى التوفيق *
1730 مسألة ولا ترث الاخوة الذكور ولا الإناث أشقاء كانوا أو لأب
أو لام مع الجد أبى الأب ولا مع أبي الجد المذكور ولا مع جد جده، والجد المذكور
أب إذا لم يكن الأب وكل واحد منهم يحجب أباه وللناس في الجد اختلاف كثير
فطائفة توقفت فيه كما روينا بأصح طريق إلى شعبة عن يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب
قال: سمعت الشعبي يحدث عن ابن عمر عن عمر قال: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يقبض حتى يبين لنا فيهن أمرا ينتهى إليه. الجد. والكلالة. وأبواب من أبواب الربا *
قال أبو محمد: ليس مغيب بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن أو بسنته لحكم الجد
والكلالة والربا عن عمر رضي الله عنه بموجب ان ذلك البيان غاب عن غيره من الصحابة
رضي الله عنهم وحاش لله من أن يكون له حكم في الدين افترضه على عباده ثم غاب بيانه
عن جميع أهل الاسلام إذا كأن يكون ذلك حكما من الدين قد بطل وشرعية لازمة قد
سقطت ولكان الدين ناقصا وليس أحد من الفقهاء الذين قلده المشنعون بمثل هذا دينهم
كأبي حنيفة. ومالك والشافعي الا وهم قالوا: بأن حكم الجد والربا والكلالة قد
تبين لهم اما بنص قرآن أو سنة أو نظر أو قياس، فان أنكر هذا منكر لم يقدر على أن
كار أقوالهم في كل ذلك بالايجاب والتحريم فإن كان قولهم ذلك لا عن أنه يتبين لهم
ما قالوه من ذلك فقد حكموا في الدين بالهوى ونحن نجلهم عن هذا ولله الامر من قبل ومن
بعد * ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب السختياني عن حميد بن هلال قال: سألت سعيد
ابن المسيب عن فريضة فيها جد؟ فقال: ما تصنع إلى هذا أو تريد إلى هذا ان عمر بن الخطاب
قال: أجزؤكم على الجد أجرؤكم على النار وإنما يجترئ على الجد من يجترئ على النار *
ومن طريق أيوب بن سليمان انا عبد الله بن المبارك. وعبد الاعلى. وعبد الرزاق كلهم
عن عمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان عمر بن الخطاب قال عند موته:
احفظوا عنى ثلاثا انى لم اقض في الجد شيئا. ولم أقل في الكلالة شيئا. ولم استخلف أحدا،
فهذا قوله عند موته رضي الله عنه * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي
عن عبيد بن عمرو الخارقي ان رجلا سأل علي بن أبي طالب عن فريضة؟ فقال: هاتها ان لم
يكن فيها جد * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع قال قال
ابن عمر: اجرؤكم على جراثيم جهنم اجرؤكم على الجد * ومن طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي أنه سأل شريحا عن فريضة فيها جد وأخ فلم يجبه
282

فيها بشئ مرة بعد مرة وقال له الذي يقف على رأسه أنه لا يقول في الجد شيئا * وعن سعيد
ابن جبير من سره ان يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والاخوة، فهؤلاء عمر. وعلى.
وابن عمر. وشريح. وسعيد بن جبير توقفوا في الجد جملة بأسانيد ثابتة، والى هذا رجع
محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة في آخر أقواله، وقالت طائفة: ليس للجد شئ معلوم
مع الاخوة إنما هو على حسب ما يقضى فيه الخليفة * روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق
القاضي نا إسماعيل بن أبي أويس نا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: أخبرني خارجة
ابن زيد بن ثابت عن أبيه قال: ان الجد أبا الأب معه الاخوة من الأب لم يكن يقض
بينهم الا أمير المؤمنين يكثر الاخوة حينا ويقلون حينا فلم يكن بينهم فريضة نعلمها
مفروضة الا ان أمير المؤمنين كان إذا أتى يستفتى فيهم يفتى بينهم بالوجه الذي يرى
فيهم على قدر كثرة الاخوة وقلتهم *
قال أبو محمد: روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا مغيرة انا الهيثم بن بدر
عن شعبة بن التوأم الضبي قال: أتينا ابن مسعود في فريضة فيها جد وأخوة فذكر
اختلاف حكمه فيها قال: فقلنا له في ذلك فقال ابن مسعود: إنما نقضي بقضاء أئمتنا، وقد
روينا من طريق حماد بن سلمة نا هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال:
قال لي عثمان بن عفان قال لي عمر: انى قد رأيت في الجد رأيا فان رأيتم ان تتبعوه فاتبعوه فقال
عثمان: ان نتبع رأيك فإنه رشد وان نتبع رأى الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان * ومن طريق
عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه أنه حدثه عن مروان بن الحكم
أن قول عثمان هذا لعمر كان بعد ان طعن عمر، فهؤلاء عمر. وعثمان: وزيد بن ثابت
لا يقطون فيه بشئ، أما الرواية عن عمر. وعثمان ففي غاية الصحة، وأما عن زيد فلا
سبيل إلى أن يوجد عنه أحسن من هذا الاسناد في شئ مما روى عنه في الجد الا قوله في الخرقاء
في أخت وأم وجد أن للجد سهمين وللأخت سهما وللأم الثلث فإنه ثابت عنه بأحسن من
هذا الاسناد، وقالت طائفة: ليس للجد مع الاخوة ميراث روينا من طريق إسماعيل
ابن إسحاق القاضي نا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أخبرني
خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه ان عمر لما استشار في ميراث الجد والاخوة قال زيد: وكان
رأيي يومئذ ان الاخوة أحق بميراث أخيهم من الجد وذكر الخبر *
قال أبو محمد: لا سبيل إلى أن يوجد عن زيد اسناد في الجد أحسن من هذا إلا
قوله في أخت وجد في الخرقاء فقط * ومن طريق حماد بن سلمة أنا داود بن أبي هند عن
شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن عمر بن الخطاب ذاكره الجد فقال عبد الرحمن
283

ابن غنم أن دون الجد شجرة أخرى فما خرج منها فهو أحق به يعني الأب وقول
عبد الرحمن هذا يوجب أن الاخوة أحق بالميراث من الجد، وهذه الأقوال الثلاثة
تكذب قول من احتج بقوله في توريث الجد مع الاخوة بالاجماع، وقالت طائفة:
يقاسم الجد الاخوة إلى اثنى عشر فيكون هو ثالث عشر لهم روى ذلك عن عمران بن
الحصين. وأبي موسى الأشعري، وقالت طائفة: يقاسم الجد الاخوة إلى سبعة اخوة
فيكون له الثمن معهم كما كتب إلى علي بن إبراهيم التبريزي قال: نا محمد بن عبد الله بن
اللبان انا القاضي أحمد بن كامل بن شجرة انا أحمد بن عبيد الله انا يزيد بن هارون عن قيس بن
الربيع عن فراس عن الشعبي قال: كتب ابن عباس من البصرة إلى علي بن أبي طالب
في سبعة اخوة وجد فكتب إليه علي اقسم المال بينهم سواء وامح كتابي ولا تخلده *
وقالت طائفة: يقاسم الجد الاخوة إلى ستة فيكون له السبع معهم روينا ذلك
بالاسناد المتصل بهذا قبله إلى قيس بن الربيع عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي قال
كتب ابن عباس إلى علي في ستة اخوة وجد فكتب إليه على أن اعطه سبعا * ومن طريق
وكيع نا سفيان هو الثوري عن فراس عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى علي
في ستة اخوة وجد فكتب إليه على اجعله كأحدهم وامح كتابي * وقالت طائفة:
يقاسم الجد الاخوة إلى السدس ثم لا ينقص من السدس وان كثروا روينا ذلك من
طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا عوف هو ابن أبي جميلة عن الحسن البصري قال:
كتب عمر بن الخطاب إلى عامل له ان اعط الجد مع الأخ الشطر ومع الأخوين الثلث
ومع الثلاثة الربع ومع الأربعة الخمس ومع الخمسة السدس فإن كانوا أكثر من ذلك
فلا تنقصه من السدس * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا الأعمش عن
إبراهيم النخعي عن عبيد بن نضيلة قال: كان عمر بن الخطاب. وعبد الله بن مسعود
يقاسمان الجد مع الاخوة ما بينه وبين أن يكون السدس خيرا له من مقاسمة الاخوة،
وهذا اسناد في غاية الصحة * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن البصري أن على
ابن أبي طالب كان يورث الجد مع خمسة اخوة السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فله
السدس لا ينقص منه شيئا * ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار
بندار نا أبو داود هو الطيالسي نا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة أن
علي بن أبي طالب كان يجعل الجد أخا حتى يكون سادسا * ومن طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: كان علي بن أبي طالب يعطي كل
صاحب فريضة فريضته ولا يورث أختا لأم ولا أخا لام مع الجد شيئا ولا يقاسم بالأخ
284

لأب مع الأخ لأب والام والجد شيئا وإذا كانت أخت لأب وأم وأخ لأب وجد
أعطى الأخت النصف وما بقي أعطاه الجد والأخ بينهما بنصفين فان كثر الاخوة
شركه معهم حتى يكون السدس خيرا له من المقاسمة فإن كان السدس خيرا له أعطاه السدس
وبقول على هذا يقول المغيرة بن مقسم. وعبيده السلماني. ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى القاضي. والحسن بن حي. وشريك القاضي. وهشيم بن بشير. والحسن بن
زياد اللؤلؤي، وبعض أصحاب أبي حنيفة، وقالت طائفة: للجد مع الاخوة الثلث على
كل حال كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن عليا شاوره عمر في الجد
فقال على: له الثلث على كل حال، وقالت طائفة كما روينا من طريق وكيع نا سفيان
الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: كان ابن مسعود يقاسم بالجد الاخوة إلى
الثلث ويعطى كل صاحب فريضة فريضته ولا يورث الاخوة من الام مع الجد شيئا
ولا يقاسم بالاخوة من الأب الاخوة من الأب والام مع الجد وإذا كانت أخت لأب
وأم، وأخ لأب وجد أعطى الأخت للأب والام النصف والجد النصف وبه يقول
مسروق وعلقمة. والأسود. وعبيدة السلماني في بعض أقواله. وروى أيضا عن
شريح وغيره، وعن بعض أصحاب أبي حنيفة، وقالت طائفة كما روينا من طريق ابن
وهب أخبرني مالك. والليث بن سعد ان يحيى بن سعيد - هو الأنصاري - حدثهما أنه
بلغه أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد؟ فكتب إليه أنك
كتبت إلى تسألني عن الجد والله أعلم وذلك مما لم يكن يقضى فيه الا الامراء - يعنى الخلفاء -
وقد حضرت الخليفتين قبلك يعطيانه النصف مع الأخ الواحد والثلث مع الاثنين فان كثر
الاخوة لم ينقصاه من الثلث * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن منصور عن
إبراهيم النخعي قال: كتب عمر إلى ابن مسعود انا قد خشينا أن نكون قد أجحفنا بالجد
فاعطه الثلث مع الاخوة فأعطاه * وروى من طريق حماد بن زيد. وإسماعيل بن علية.
وهشيم عن أبي المعلى العطار عن إبراهيم النخعي قال علقمة: قال ابن مسعود: يقاسم الجد
الاخوة في الثلث وقال لي عبيدة السلماني: قال ابن مسعود: يقاسم الجد الاخوة إلى
السدس قال إبراهيم: فذكرت ذلك لعبيدة بن نضيلة فقال: صدقا جميعا ان ابن مسعود
قدم من عند عمر. وعمر يقول: يقاسم الجد الاخوة إلى السدس فكان ابن مسعود يقول به
ثم رجع إلى عمر فإذا عمر قد رجع فقال يقاسم الجد الاخوة إلى الثلث * ومن طريق الحجاج
ابن المنهال نا هشيم انا المغيرة هو ابن مقسم عن الهيثم بن بدر الأسدي أخبرني شعبة
ابن التوأم قال توفى أخ لنا في عهد عمر وترك أخوته وجده فأتينا ابن مسعود فأعطى الجد
285

مع الاخوة السدس ثم توفى أخ لنا آخر في عهد عثمان وترك اخوته وجده فأتينا ابن مسعود
فأعطى الجد مع الاخوة الثلث فقلنا له: انك أعطيت جدنا في أخينا الأول السدس
وأعطيته الآن الثلث فقال: إنما نقضي بقضاء أئمتنا * ومن طريق سعيد بن منصور
نا هشيم انا مطرف هو ابن طريف عن الشعبي قال: كتب عمر إلى أبى موسى الأشعري
انا كنا أعطينا الجد مع الاخوة السدس ولا أحسبنا الا قد أجحفنا به فإذا أتاك كتابي
هذا فاعط الجد مع الأخ الشطر ومع الأخوين الثلث فإن كانوا (1) أكثر من ذلك
فلا تنقصه من الثلث، وقالت طائفة كما روينا من طريق ابن وهب عن يوسن بن يزيد عن
ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب. وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وقبيصة بن
ذؤيب أن عمر بن الخطاب قضى أن الجد يقاسم الإخوة للأب والام والإخوة للأم (2)
ما كانت المقاسمة خيرا له من ثلث المال فان كثر الاخوة أعطى الجد الثلث وكان ما بقي
للاخوة للذكر مثل حظ الأنثيين وان بنى الأب والام أولى بذلك من بنى الأب ذكورهم
ونسائهم غير أن بنى الأب يقاسمون الجد بنى الأب والام فيردون عليه ولا يكون
لبنى الأب شئ مع بنى الأب والام الا أن يكون بنو الأب يردون علي بنات الأب والام
فان بقي شئ بعد فرائض بنات الأب والام فهو للاخوة من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال:
كان زيد بن ثابت يشرك الجد مع الاخوة والأخوات إلى الثلث فإذا بلغ الثلث أعطاه الثلث
وكان للاخوة والأخوات ما بقي ويقاسم الأخ للأب ثم يرد على أخيه ويقاسم بالاخوة
من الأب أو الأخوات من الأب الاخوة والأخوات من الأب والام ولا يورثهم
شيئا فإذا كان الأخ للأب والام أعطاه النصف وإذا كان أخوات وجد أعطاه مع الأخوات
الثلث ولهن الثلثان وإن كانتا أختين أعطاهما النصف وله النصف ولا يعطى أخا لام
مع الجد شيئا *
قال أبو محمد: فهذا قول روى كما تسمعون عن عمر. وزيد وبه يقول الأوزاعي.
وسفيان الثوري. ومالك. وعبيد الله بن الحسين وأبو ثور. وأبو يوسف. ومحمد
ابن الحسن. والحسن اللؤلؤي. والشافعي. وأحمد بن حنبل وأبو عبيد ثم رجع
محمد بن الحسن إلى التوقيف (3) جملة ورجع اللؤلؤي إلى القول الذي ذكرنا عن علي وقد
روينا عن زيد أنه رجع عن هذا إلى أن ينقص الجد عن ذلك كما روينا من طريق أيوب بن
سليمان انا عبد الوارث هو ابن سعيد التنوري عن إسحاق بن سويد أنه سمع عبد الله

(1) في النسخة رقم 14 فإذا كانوا
(2) في النسخة رقم 16 (والإخوة للأب)
(3) في النسخة رقم 14 إلى الوقف والخطب سهل.
286

ابن بريدة أنه سمع أبا عياض أنه سمع زيد بن ثابت يقول: دخلت على عمر في الليلة التي قبض
فيها فقلت له: انى رأيت أن انتقص الجد وذكر الخبر، وأما عثمان. وأبو موسى الأشعري
وابن مسعود فليس عنهم (1) إلا أن يقاسم الجد الاخوة إلى الثلث فقط ولا يحط من الثلث
وليس عنهم هذه الزيادات وقالت طائفة: لا يرث مع الجد أخ شيئا لا شقيق ولا لأب ولا
لام وميراث الجد كميراث الأب سواء سواء إذا لم يكن هنالك أب وارث كما روينا من طريق
حماد بن سلمة أنا هشام بن عروة عن أبيه عن مروان بن الحكم قال: قال لي عثمان بن عفان ان
عمر قال لي انى قد رأيت في الجد رأيا فان رأيتم ان تتبعوه فاتبعوه فقال له عثمان: ان نتبع رأيك
فإنه رشد وأنت نتبع رأى الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان قال: وكان أبو بكر يجعله أبا *
ومن طريق البخاري نا أبو معمر نا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنوري - نا أيوب -
هو السختياني - عن عكرمة عن ابن عباس قال: اما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو
كنت متخذا خليلا من هذه الأمة (1) لاتخذته خليلا ولكن خلة الاسلام أفضل أو قال
خير فإنه أنزله أبا أو قال قضاه أبا) يعنى الجد في الميراث * ومن طريق محمد بن عبد السلام
الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني
عن كردوس عن أبي موسى الأشعري أن أبا بكر الصديق كان يجعل الجد أبا *
ومن طريق أبى داود الطيالسي نا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي نضرة عن أبي سعيد
الخدري أن أبا بكر الصديق كان يجعل الجد أبا * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج
قال: سمعت ابن أبي ملكية يحدث أن ابن الزبير كتب إلى أهل العراق أن الذي قاله النبي
صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا حتى ألقى الله سوى الله لاتخذت أبا بكر خليلا فكان
يجعل الجد أبا * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية الضرير عن أبي إسحاق الشيباني
عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أبى بردة بن أبي موسى الأشعري أن عمر بن الخطاب
كتب إلى أبى موسى الأشعري أن اجعل الجد أبا فان أبا بكر جعل الجد أبا *
ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله عن ليث بن أبي سليم عن عطاء أن
أبا بكر. وعمر. وعثمان. وابن عباس كانوا يجعلون الجد أبا، وقال ابن عباس:
يرثني ابن ابني دون أخي ولا أرث ابني ابني دون أخيه * ومن طريق سعيد بن منصور
نا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال: الجد أب وقرأ
(واتبعت ملة آبائي إبراهيم واسحق ويعقوب) ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي
نا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أخبرني خارجة بن زيد

(1) في النسخة رقم 16 فليس عندهم
(2) في صحيح البخاري (من هذه الأمة خليلا)
287

ابن ثابت عن أبيه أن عمر بن الخطاب لما استشار في ميراث بين الجد والاخوة وعمر يرى
يومئذ أن الجد أولى بميراث ابن ابنه من اخوته وذكر باقي الخبر *
ومن طريق أيوب بن سليمان أنا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنوري - عن إسحاق
ابن سويد أنه سمع عبد الله بن بريدة انه سمع أبا عياض أنه سمع زيد بن ثابت يقول: انه
دخل على عمر بن الخطاب في الليلة التي قبض فيها فقال له زيد: انى قد رأيت أن انتقص
الجد فقال له عمر: لو كنت منتقصا أحدا لاحد لانتقصت الاخوة للجد أليس بنو
عبد الله بن عمر يرثونني دون اخوتي فمالي لا أرثهم دون اخوتهم لان أصبحت لأقولن
فيه قال: فمات من ليلته، فهذا آخر قول عمر رضي الله عنه واسناده في غاية الصحة *
ومن طريق حماد بن سلمة أنا ليث بن أبي سليم عن طاوس أن عثمان بن عفان.
وابن مسعود قالا جميعا: الجد بمنزلة الأب * ومن طريق عبد الرزاق قال قال ابن جريج
أخبرني عطاء ان علي بن أبي طالب كان يجعل الجد أبا قال عبد الرزاق: وسمعت ابن جريج
يقول: سمعت ابن أبي مليكة يحدث ان ابن الزبير كان يجعل الجد أبا *
ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير قال: سمعت
الحسن يقول: لو وليت من أمر الناس شيئا لانزلت الجد أبا * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة أنه كان يفتى بأن الجد أب، فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم
أبو بكر. وعمر. وعثمان. وعلى. وابن مسعود. وأبو موسى الأشعري. وابن عباس.
وابن الزبير، وروى أيضا عن عائشة أم المؤمنين. وأبى الدرداء. وأبي بن كعب.
ومعاذ بن جبل. وأبي هريرة، ومن التابعين. طاوس. وعطاء. وعبيد الله بن عتبة
ابن مسعود والحسن. وجابر بن زيد. وقتادة. وعثمان البتي. وشريح. والشعبي
وجماعة سواهم * ومن بعدهم أبو حنيفة. ونعيم بن حماد. والمزني. وأبو ثور.
وإسحاق بن راهويه. وداود بن علي. وجميع أصحابنا. وجماعة غيرهم، ورواه عن أبي
بكر الصديق عمر. وعثمان. وابن عباس. وابن الزبير: وأبو موسى الأشعري.
وأبى سعيد الخدري. وغيرهم، وثبتت الأسانيد التي ذكرنا بلا شك، ورواه عن
عمر أبو بردة بن أبي موسى انه كتب بذلك إلى أبيه وهو اسناد ثابت، ورواه أيضا
عنه زيد بن ثابت، ورواه عن ابن عباس عكرمة. وعطاء. وطاوس. وسعيد بن جبير.
وغيرهم، ورواه عن ابن الزبير ابن أبي مليكة كل ذلك بأصح اسناد، وروى عن
عثمان. وعلى. وابن مسعود بأسانيد هي أحسن من كل ما روى عنهم * وعن زيد
مما أخذ به المخالفون *
288

قال أبو محمد: وجاءت مسئلتان لهم فيها (1) أقوال يجب ذكرها ههنا *
1731 مسألة وهي الخرقاء وهي أم. وأخت. وجد * روينا عن البزار نا
أبو الزنباع روح بن الفرج المصري قال البزار: يقال: ليس بمصر أوثق وأصدق
منه [حديثا] (2) نا عمرو بن خالد نا عيسى بن يونس انا عباد بن موسى عن الشعبي قال:
بعث لي الحجاج فقال: ما تقول في جد. وأم: وأخت؟ قلت: اختلف فيها خمسة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ابن مسعود. وعلى. وعثمان. وزيد. وابن عباس قال
الحجاج: فما قال فيها ابن عباس إن كان لمتقنا قلت: جعل الجد أبا ولم يعط الأخت
شيئا وأعطى الام الثلث قال: فما قال فيها ابن مسعود قلت: جعلها من ستة أعطى
الأخت ثلاثة وأعطى الجد اثنين وأعطى الام الثلث قال: فما قال فيها أمير المؤمنين
يعنى عثمان؟ قلت: جعلها أثلاثا قال فما قال فيها أبو تراب [يعنى عليا] (3)؟ قلت: جعلها
من ستة أعطى الأخت ثلاثة وأعطى الام اثنين وأعطى الجد سهما قال: فما قال فيها زيد؟
قلت: جعلها من تسعة أعطى الام ثلاثة وأعطى الجد أربعة وأعطى الأخت اثنين، قال
الحجاج: مر القاضي يمضيها على ما أمضاها عليه أمير المؤمنين يعنى عثمان *
ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي
عن عمر بن الخطاب في أخت. وأم وجد قال: للأخت النصف وللأم السدس وما
بقي فللجد *
قال أبو محمد: هذا موافق لقول ابن مسعود رضي الله عنه * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا هشيم عن عبيدة عن الشعبي قال: أرسل إلى الحجاج فقال لي: ما تقول في
فريضة أتيت بها أم وجد وأخت؟ فقلت: ما قال فيها الأمير؟ فأخبرني بقوله فقلت:
هذا قضاء أبى تراب * يعنى علي بن أبي طالب وقال فيها سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال عمر. وابن مسعود: للأخت النصف وللأم السدس وللجد الثلث، وقال على:
للأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس، وقال عثمان بن عفان: للأم الثلث وللأخت
الثلث وللجد الثلث، فقال الحجاج: ليس هذا بشئ، وقال زيد: للام ثلاثة وللجد أربعة
وللأخت سهمان، وقال ابن عباس. وابن الزبير: للأم الثلث وللجد ما بقي وليس
للأخت شئ *
1732 مسألة والأكدرية وهي أم وجد وأخت وزوج، روينا من طريق
سعيد بن منصور نا هشيم انا المغيرة عن إبراهيم النخعي قال: قال على: للزوج ثلاثة

(1) كذا في جميع النسخ بتثنية المسألة وتأنيث ضمير فيها، والمصنف ذكر في هذا المبحث مسائل
تنبه لذلك
(2) الزيادة من النسخة رقم 14
(3) الزيادة من النسخة رقم 14
289

أسهم. وللأم سهمان. وللجد سهم. وللأخت ثلاثة أسهم، وقال ابن مسعود: للزوج
ثلاثة أسهم وللأم سهم وللجد سهم وللأخت ثلاثة أسهم، وقال زيد بن ثابت: للزوج
ثلاثة أسهم وللأم سهمان وللجد سهم وللأخت ثلاثة أسهم تضرب جميع السهام في ثلاثة
فتكون سبعة وعشرين سهما للزوج من ذلك تسعة أسهم وللأم ستة تبقى اثنا عشر
سهما للجد منها ثمانية وللأخت أربعة، وقال ابن عباس للزوج النصف. وللأم الثلث
وللجد ما بقي وليس للأخت شئ * وروينا من طريق سفيان بن عيينة قال: حدثوني
عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: حدثني راوية زيد بن ثابت يعنى قبيصة.
ابن ذؤيب - أنه لم يقل في الأكدرية شيئا يعنى زيد ثابت * ومن طريق غندر نا
شعبة سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: أتينا عبيدة السلماني في زوج. وأم. وجد. وأخت
فقال: للزوج النصف وللأخت السدس وللأم السدس وللجد السدس *
1733 مسألة روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن
إبراهيم عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال في جد وابنة وأخت هي من أربعة للبنت سهمان
وللجد سهم وللأخت سهم فإن كانت أختين فمن ثمانية للبنت أربعة وللجد سهمان
وللأختين بينهما سهمان فان كن ثلاث أخوات فمن عشرة للبنت خمسة أسهم وللجد
سهمان وللأخوات ثلاثة أسهم بينهن *
1734 مسألة روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن إسماعيل
ابن أبي خالد عن الشعبي قال: كان علي بن أبي طالب ينزل بنى الأخ مع الجد منازلهم يعنى
منازل آبائهم ولم أجد أحدا من الناس يقوله غيره *
قال أبو محمد: إنما أوردنا هذه المسائل لتلوح مناقضتها لما ذكرنا قبلها ولنرى المقلد انه
ليس بعضها أولى من بعض وبالله تعالى التوفيق *
الآثار الواردة في الجد
روينا من طريق أحمد بن شعيب انا معاوية بن صالح. ومحمد بن عيسى. وسليمان
ابن سلم البلخي قال محمد بن عيسى هو ابن الطباع نا هشيم وقال معاوية: حدثني عبد الله
ابن سوار العنبري نا وهيب هو ابن خالد ثم اتفق هشيم. ووهيب كلاهما عن يونس
- هو ابن عبيد - عن الحسن عن معقل بن يسار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الجد السدس)
قال معاوية في حديثه: لا ندري مع من، وقال سليمان البلخي: انا النضر - هو ابن شميل -
أخبرني يونس - يعنى ابن أبي إسحاق - عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون أن
290

عمر جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الجد فنشدهم من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الجد شيئا؟ فقال معقل بن يسار المزني: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بفريضة فيها جد
فأعطى ثلثا أو سدسا فقال له عمر: ما الفريضة؟ فقال: لا أدرى وذكر الخبر * ومن طريق
أبى داود نا محمد بن كثير نا همام بن يحيى عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحضين
(أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان ابن ابني مات فمالي من ميراثه؟ قال:
السدس فلما أدبر دعاه فقال: لك سدس آخر، فلما أدبر دعاه فقال: ان السدس
الآخر طعمة) *
قال أبو محمد: في سماع الحسن من عمران كلام وهذا يخرج أحسن خروج في ابنتين
وجد فللبنتين الثلثان فريضة مسماة وللجد مع الولد عموما السدس فرضا مسمى وله
السدس الآخر بالتعصيب لأنه أولى رجل ذكر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن عيسى هو ابن أبي عيسى الحناط عن الشعبي أن عمر نشد الناس في الجد
فقام رجل فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه الثلث قال: من معه؟ قال: لا أدرى
فقال رجل: سمعت رسول الله صلى الله أعطاه السدس قال: من معه؟ قال: لا أدرى *
ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معشر عن عيسى بن أبي عيسى الحناط أن عمر
ابن الخطاب سأل الناس أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجد شيئا؟ فقال له رجل: أعطاه
سدس ماله وقال آخر: أعطاه ثلث ماله وقال آخر: أعطاه نصف ماله وقال آخر:
أعطاه المال كله ليس منهم أحد يدرى مع من من الورثة * ومن طريق سعيد بن منصور
نا يعقوب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار *
قال أبو محمد: هذا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد القاري من بنى الهون بن خزيمة
حليف لبنى زهرة ثقة ابن ثقة ما نعلم الآن في الجد أثرا غير هذه وليس فيها الا سدس
وثلث ونصف وكل، وبها نقول فللجد مع الولد الذكر السدس. ومع البنات الثلث ومع
البنت النصف. وإذا لم يكن ولد ولا أم ولا جدة ولا زوج ولا زوجة ولا أب فله الكل *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في حجة كل قول منها لنعلم الحق
فنتبعه بحول الله تعالى ومنه فوجدنا من توقف في ميراثه يمكن ان يحتج بمرسل سعيد الذي
أوردنا قبل هذا المكان بثلاثة أسطار أو أربعة وهو لا حجة فيه لأنه مرسل وحاش لله أن يكون
رسوله المبعوث بالبيان لا يبين ما أمر ببيانه ثم يتوعد لمن يتكلم فيها بأنه جرئ على النار
وما لم يبينه علينا فلا يلزمنا أصلا وكل ما ألزمنا فقد بينه علينا وإذا قلنا ما بينه علينا فما اجترأنا
291

على النار بل سلكنا في طريق الجنة، ولا يخلو الجد من أن يكون له ميراث أو لا
يكون له ميراث فإن كان لا ميراث له فمانعه محسن وإن كان له ميراث فاعطاؤه حقه فرض
لا يحل منعه منه فالجرأة على أحدهما فرض واجب ولا بد من اعطائه أومن منعه، فمن المحال
أن تكون الجرأة في حكمه في الميراث فرضا يعصى الله تعالى من تركها ثم يتوعد
على فعل ما افترض الله تعالى علينا بالنار ولكن هذا عيب المرسل والله قطعا ما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم قط هذا الكلام وهو يتلو كلام ربه تعالى (اليوم
أكملت لكم دينكم) و (قد تبين الرشد من الغى) ولكن سعيد إذ أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أوهم وإنما هو موقوف على على. وعمر وصحيح عن ابن عمر كما أوردنا (1)
قبل أو وهم من دون سعيد فاضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما المحفوظ من
طريق سعيد انه عن عمر كما أوردنا قبل أو سمعه سعيد ممن وهم فيه لابد من أحدهما فسقط
هذا القول، ثم نظرنا في قول زيد. وعبد الرحمن بن غنم اللذين منعاه الميراث مع الاخوة
فوجدنا حجتهم ان قالوا: وجدنا ميراث الإخوة منصوصا في القرآن ولم نجد للجد ميراثا
في القرآن ووجدنا الجد يدلى بولادته لأبي الميت ووجدنا الاخوة يدلون بولادة أبى
الميت فهم أقرب منه، وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عيسى
الحناط عن الشعبي ان عمر سأل زيدا عن الجد؟ فضرب له زيد مثلا شجرة خرجت لها
أغصان قال الشعبي: فذكر شيئا لا احفظه فجعل له الثلث، قال سفيان: بلغني أنه قال:
يا أمير المؤمنين شجرة أنبتت فانشعب منها غصن فانشعب من الغصن غصنان فما جعل
الغصن الأول أولى من الغصن الثاني وقد خرج الغصنان جميعا من الغصن الأول، ثم
سأل عليا؟ فضرب له مثلا واديا سال فيه سيل فجعله أخا فيما بينه وبين ستة فأعطاه السدس *
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد الرحمن
ابن أبي الزناد عن أبيه أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه ان عمر بن الخطاب لما
استشار في ميراث بين الجد والاخوة قال زيد: وكان رأيي يومئذ ان الاخوة أحق
بميراث أخيهم من الجد وعمر يؤمئذ يرى الجد أولى بميراث ابن ابنه من اخوته
فتحاورت. انا عمر محاورة شديدة فضربت له في ذلك مثلا فقلت: لو أن شجرة تشعب
من أصلها غصن ثم تشعب من ذلك الغصن خوطان (2) ذلك الغصن يجمع الخوطين دون
الأصل ويغدوهما الا ترى يا أمير المؤمنين ان أحد الخوطين أقرب إلى أخيه منه إلى الأصل
قال زيد: فأنا أعيد له واضرب له هذه الأمثال وهو يأبى الا ان الجد أولى من الاخوة

(1) في النسخة رقم 14 كما ذكرنا
(2) هو بالخاء المعجمة - الغصن الناعم لسنه
292

ويقول: والله لو أنى قضيته لبعضهم لقضيت به للجد كله ولكني لعلى لا أخيب سهم
أحد ولعلهم أن يكونوا كلهم ذي حق، وضرب علي بن أبي طالب: وابن عباس يومئذ
لعمر مثلا، معناه لو أن سيلا سال فخلج منه خليج ثم خلج من ذلك الخليج شعبتان *
قال أبو محمد: أما قول من قال: ميراث الإخوة منصوص في القرآن وليس
ميراث الجد منصوصا في القرآن فباطل بل ميراث الجد منصوص في القرآن بقوله تعالى:
(يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) فجعلنا بنين لآدم عليه السلام وجعله
أبا لنا وهو أبعد جد لنا فالجد أب، وقال تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس)
(وورثه أبواه فلأمه الثلث) وأما كون الجد يدلى بولادته لأبي الميت وكون الاخوة
يدلون بولادة أبى الميت لهم وللميت فهم أقرب فليست المواريث بالقرب ولا بالعبد
فهذا ابن البنت أقرب من ابن العم الذي لا يلتقى مع الميت الا إلى أزيد من عشرين أبا
وهو لا يرث مع ابن العم المذكور شيئا وهذه العمة أقرب من ابن العم ولا ترث معه
شيئا فكيف والجد أقرب لان ولادته لأبي الميت كانت قبل ولادة أبى الميت لاخوة
الميت فولد الابن هو بعض الجد فالجد أقرب إليه من أخيه فبطل هذا القول بيقين
وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: هذا التنظير. وهذا التشبيه. وهذا التمثيل. وهذا التعليل.
وهذا القياس به يحتج أهل القياس في اثبات القياس فانظروا واعتبروا، وحاش لله أن
يقول زيد أو على أو ابن عباس رضي الله عنهم هذه الفضائح، وهل رأى قط ذو مسكة عقل
ان غصنين تفرعا من غصن من شجرة أو جدولين تشعبا من خليج من نهر يوجب حكما
في ميراث الجد مع الاخوة بانفراده دونهم أو انفرادهم دونه فكيف ان صرنا إلى ايجاب
سدس. أو ربع. أو ثلث أو معادة أو مقاسمة والله ما قال قط زيد ولا على ولا ابن عباس
شيئا من هذه التخاليط، وهذه آفة المرسل. ورواية الضعفاء سفيان ان زيدا وعليا قالا
لعمر: بالله ان هذه لطفرة واسعة، وعيسى الحناط. وعبد الرحمن بن أبي الزناد هما
والله المرآن يرغب عن روايتهما ولا يقبلان الا مع عدل وحسبنا الله ونعم الوكيل *
ثم نظرنا في قول من قال: ليس للجد فرض معلوم إنما هو على قدر ما يراه أمير المؤمنين
على حسب قلة الاخوة وكثرتهم فوجدناه في غاية الفساد لأنه إذا لم يكن للجد
فرض لازم فحرام أخذ مال الاخوة واعطاؤه إياه وقد يكون فيهم الصغير. والمجنون.
والكاره. والغائب، وقد قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال
عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وقال تعالى: (للرجال
293

نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل
منه أو كثر نصيبا مفروضا) فإذ لكل وارث نصيب مفروض مما قل أو كثر فحرام
أخذ شئ منه واعطاؤه لغيره بغير نص وارد في ذلك ولم نجد لهذا القول حجة أصلا الا التي
سلفت قبل مما قد أبطلناه وبالله تعالى التوفيق، ثم نظرنا في الأقوال الباقية من مقاسمة الجد
الاخوة إلى اثنى عشر أو إلى ثمانية أو إلى سبعة أو إلى ستة أو إلى ثلاثة فوجدناها كلها عارية من
الدليل لا يوجب شيئا منها لا قرآن. ولا سنة صحيحة. ولا رواية ضعيفة. ولا دليل اجماع.
ولا نظر. ولا قياس ثم وجدنا أكثرها لا يصح على ما نبين إن شاء الله تعالى، أما الرواية
عن عمران. وأبي موسى رضي الله عنهما فغير معروفة يعنى في مقاسمة الجد اثنى عشر أخا له
سهم كسهم كل واحد منهم * وأما الرواية عن علي رضي الله عنه انه يقاسمهم إلى سبعة
فيكون له الثمن ففيها قيس بن الربيع وقد تكلم فيه * والرواية عن علي في المقاسمة بين
الجد وستة اخوة فيكون له السبع فصحيحة إلى الشعبي ثم لا يصح للشعبي سماع من على أصلا
ولم يذكر من أخبره عن علي. وأما الرواية عن عمر. وعلى. وابن مسعود في مقاسمة الجد
الاخوة إلى خمسة فيكون له السدس فهي ثابتة عنهم من طريق إبراهيم عن عبيد بن نضيلة عن
عمر. وابن مسعود * ومن طريق عمرو بن مرة عن عبد الله بن سملة عن علي * وأما الرواية عن علي
للجد الثلث على كل حال فلا تصح لأنها منقطعة عن قتادة ان عليا. وقتادة لم يولد الا
بعد موت علي رضي الله عنه. أما الرواية عن عمر. وعثمان. وابن مسعود بمقاسمة
الجد الاخوة إلى الثلث فإنما جاءت من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري أن عمر.
وعثمان وان زيدا كتب إلى معاوية ولم يدرك يحيى أحدا من هؤلاء. ومن طريق إبراهيم
أن عمرو هذا منقطع * ومن طريق أبى المعلى العطار عن إبراهيم عن علقمة وعبيد بن نضيلة
عن عمر. وابن مسعود * ومن طريق الهيثم بن بدر عن شعبة بن التوأم عن ابن مسعود.
وعمر. وعثمان * ومن طريق إسرائيل عن جابر الجعفي عن الشعبي عن مسروق عن عمر.
وابن مسعود، إسرائيل ضعيف. وجابر ساقط. والهيثم بن بدر مجهول، وأما أبو المعلى
العطار فهو يحيى بن ميمون مصري لا بأس به فهي من طريق جيدة واليها رجع ابن مسعود.
وعمر، وأما الرواية بالتفصيل الطويل عن عمر. وزيد بن ثابت فلا تصح البتة لأنه
منقطع عن عمر إنما هو سعيد بن المسيب. وقبيصة بن ذؤيب. وعبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة أن عمر ولا يصح سماع لعبيد الله ولا لقبيصة من عمر أصلا: ولا لسعيد عن
عمر الا نعيه النعمان بن مقرن على المنبر فقط، مات عمر رضي الله عنه ولسعيد ثمان سنين *
ومن طريق زيد بن إبراهيم أن زيدا ولم يلق إبراهيم قط زيد بن ثابت ولا أخبر
294

ممن سمعه أو عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه زيد.
وعبد الرحمن في غاية الضعف والترك، ولا سبيل إلى أن يوجد عن زيد من غير هاتين الطريقين
الا من أسقط منهما ان وجدت ولا يصح عن زيد في هذا شئ الا قوله في أم وجد وأخت
فقط لأنه عن الشعبي عنه والشعبي قد لقيه، وقد روينا عن الشعبي عن قبيصة بن ذؤيب أن
زيدا لم يقل في الأكدرية شيئا * وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري.
ومعمر وهشام بن حسان، قال سفيان. ومعمر كلاهما عن أيوب السختياني عن محمد
ابن سيرين، وقال هشام عن محمد بن سيرين ثم اتفقوا كلهم قال ابن سيرين: سألت عبيدة
السلماني عن فريضة فيها جد فقال عبيدة لقد حفظت عن عمر بن الخطاب فيها مائة قضية
مختلفة قال ابن سيرين: فقلت لعبيدة عن عمر قال عن عمر *
قال على: لا سبيل إلى وجود اسناد أصح من هذا، والعجب ممن يعترض عليه
وينكره ويقول: محال أن يقضى فيها مائة قضية، وما جعل الله تعالى قط هذا محالا إذ قد
يرجع من قول إلى قول ثم إلى القول الأول ثم يعود تلي الثاني مرارا فهي كلها قضايا
مختلفة وان لم تكن الا قولين ثم يصحح الباطل المحال الذي لا يعقل من ايجاب المقاسمة بين
الجد والاخوة إلى ستة أو إلى ثلاثة من أجل غصنين تشعبا من غصن من شجرة أو من
أجل جدولين من خليج من نهر فاعجبوا لهذه المصائب ولهذه الاطلاقات على الصحابة
رضي الله عنهم في الدين، وأعجبوا لانكار الحق وتحقيق الباطل الذي لا خفاء به *
قال أبو محمد: فان ادعوا ان قول زيد منقول عنه نقل التواتر كذبوا وإنما
اشتهرت تلك المقالة لما اتفق ان قال بها مالك. وسفيان. والأوزاعي. وأبو يوسف.
ومحمد بن الحسن. والشافعي اشتهرت عند من قلدهم فانتشرت عن مقلديهم وأصلها واه
ومخرجها ساقط ومنبعها لا يصح أصلا وإنما هؤلاء الذين أخذوا بهذه القولة كانوا يقولون
بالمرسل حاش الشافعي فقد أقر أكثر أصحابه انه فارق أصله في الفرائض فقلد ما روى عن
زيد وأقواله تدل على أنه كان قليل البصر بالفرائض والا فليأتونا عن أحد من التابعين قال
بها كما وجدناها عن هؤلاء *
قال أبو محمد: وموه بعضهم بان قال: قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفرض
أمته زيد بن ثابت قلنا: هذه رواية لا تصح إنما جاءت اما مرسلة واما مما حدثنا به أحمد
ابن عمر بن أنس العذري قال: نا علي بن مكي بن عيسون المرادي وأبو الموفا عبد السلام
ابن محمد بن علي الشيرازي قال مكي: نا أحمد بن أبي عمران الهروي نا أبو حامد احمد
ابن علي بن حسنويه المقرى بنيسابور نا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي نا سفيان
295

ابن وكيع نا حميد بن عبد الرحمن عن داود بن عبد الرحمن العطار عن معمر عن قتادة
عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وفيه وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أبي بن كعب
وقال أبو الوفاء: انا عبد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر السقطي نا إسماعيل بن محمد
ابن إسماعيل الصفار نا أحمد بن محمد بن غالب نا عبيد الله بن معاذ العنبري نا بشر
ابن المفضل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وفيه وأقرؤهم
أبى وأفرضهم زيد قال إسماعيل بن محمد الصفار: ونا الحسن بن الفضل بن السمج نا محمد
ابن أبي غالب نا هشيم عن الكوثر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وفيه
وان اقراها لأبي وان أفرضها لزيد وان أقضاها لعلى *
قال أبو محمد: هذه أسانيد مظلمة لان أحمد بن أبي عمران وأبا حامد بن حسنويه مجهولان
وإسماعيل الصفار مثلهم وأحمد بن محمد بن غالب إن كان غلام خليل فهو هالك متهم وإن كان
غيره فهو مجهول. والحسن بن الفضل. ومحمد بن أبي غالب. والكوثر مجهولون ثم لو
صحت لما كان لهم فيها حجة لأنه لا يوجب كونه أفرضهم ان يقلد قوله كما لم يجب عندهم ما في
هذه الأخبار من أن أبي بن كعب أقرؤهم وعليا أقضاهم ان يقتصروا على قراءة أبى دون
سائر القراءات ولا على أقضية على دون أقضية غيره وهم يقرون أن الصحابة خالفوا زيدا
في هذه المسألة. ثم المالكيون قد خالفوه في فرائض الجدة كما ذكرنا في روايتهم عن زيد
بمثل هذه التي تعلقوا بها انه كان يورث ثلاث جدات وهم لا يورثون الا جدتين فمرة يكون
زيد حجة ومرة لا يكون حجة هذا هو التلاعب بالدين، وأيضا فان في تلك الروايات
الواهيات التي تعلقوا بها بنيانا جليا بان زيدا إنما قال ذلك برأيه لا عن سنة عنده فلو صحت
عنه لما كان رأيه أولى من رأى غيره وهم لا يقدرون على إنكار هذا أصلا فكيف وقد
جاء الاختلاف عن زيد كما أوردنا بأقوال عنه مختلفة، ويكفى من هذا كله انها باطل وان
قولتهم التي قلدوا فيها زيدا لا تصح عنه *
قال أبو محمد: نعيذ الله زيدا وعمر من أن يقولا تلك القولة التي لا نعلم في الأقوال
أشد تخاذلا منها لان فيها ان المرأة تموت وتترك زوجا وأما وأختا شقيقة وجدا ان للزوج
ثلاثة من ستة وللأم اثنين من ستة وللجد واحد من ستة، ثم يقال للأخت بثلاثة من
ستة صارت تسعة يأخذ الجد السدس الذي وجب له ثم يضمه إلى النصف الذي وجب
للأخت فيخلطانه ثم يأخذ الجد ثلثي ما اجتمع والأخت ثلث ما اجتمع فيا للعجب إن كان
ت الأسهم الثلاثة التي عيل بها للأخت قد وجبت للأخت فلم يعط الجد منها فلسا وكيف
ينتزع حق الأخت ويعطى لمن لا يجب له وهو الجد ولعلها صغيرة أو مجنونة أو غائبة
296

أو كارهة فهو ظلم وأكل مال بالباطل، وإن كانت الثلاثة الأسهم التي عيل بها للأخت لم
تجب لها فلأي شئ اخذوها من يد الزوج والام؟ وقالوا: هذا سهم الأخت وهذا
هو الكذب فلا شك أن يقولوا: هو سهمها وليس هو سهمها وهذا ظلم للزوج وللأم
وأكل مال بالباطل ثم يقولون في أخت شقيقة وأخ لأب وجد إن الشقيقة تقول للجد:
هذا أخي لابد له من أن يقتسم المال معي ومعك للذكر مثل حظ الأنثيين فيقول الجد:
كلا إنما هو أخ للميت لأب لا يقاسمك أصلا إنما أنت ذات فرض مسمى فتقول له الأخت:
ما عليك من هذا هو أخونا فيقسم المال على رغم أنف الجد له الخمسان وللأخ للأب الخمسان
وللأخت الشقيقة الخمس فإذا أخذ الجد سهمه وولى خاسئا قالت الأخت لأخيها: مكانك
خل يدك عن المال إنما أقمتك لأزيل عن يد جدنا ما كان يحصل له وانا أولى بهذا منك
فينتزع من يد الأخ مما أعطوه على أنه حظه من الميراث خمسا ونصف خمس فتأخذه
الأخت فيحصل لها النصف وللجد الخمسان وللأخ للأب نصف الخمس، فإن كانتا أختين
شقيقتين وأخا لأب وجدا فعلنا كذلك فإذا ولى الجد انتزع ما بيد الأخ للأب كله
واخذه الأختان، فانظروا في هذه الأعجوبة لئن كان للأخ للأب حق واجب فما يحل انتزاعه
منه وإن كان لا حق له فيما يحل أن يقام وليجة ليعطى بالاسم ما لا يأخذه في الحقيقة وإنما
يأخذه غيره * ثم يقولون في ابنتين وزوج وأختين شقيقتين أو أخت شقيقة أو أخ شقيق
وجد: ان للبنتين الثلثين وللزوج الربع. وللجد السدس يعال له به ولا شئ للأخ ولا
للأخت ولا للاخوة ولا للأخوات، فمرة يحتاطون للجد فينتزعون من يد الأخت
ما يقولون إنه فرضها ويردون أكثره على الجد، ومرة يورثون الجد ويمنعون الاخوة
جملة، ومرة يحتاطون للأخت فيقيمون وليجة يظهرون أنهم يورثونه وهم لا يورثونه إنما
يعطونه للأخت ويحرمون الجد، هذه مخاتلات قد نزه الله تعالى زيدا عنها ونحن نشهد بشهادة
الله عز وجل ان زيدا ما قالها قط ولا عمر كان والله زيد. وعمر رضي الله عنهما أخوف لله
تعالى وأعلم من أن يقولا هذا وحسبنا الله ونعم الوكيل *
قال على: فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها بيقين لا اشكال فيه فلم يبق الا قول من
قال: انه أب لا يرث معه من لا يرث مع الأب وهو قول قد صح عن أبي بكر الصديق وعن
عمر. وابن عباس. وابن الزبير، وجاءت عن عثمان. وعلى. وابن مسعود بأسانيد ان
لم تكن أحسن من أسانيد الأقوال المختلفة التي تعلقوا بها عن عمر. وعثمان وعلى. وابن
مسعود. وزيد لم تكن دونها، فمن أعجب ممن ترك رواية صحت عن طائفة من الصحابة
ورويت عن جمهورهم وجمهور التابعين لرواية فاسده لم تصح قط عن أحد من الصحابة وإنما
جاءت عن بعضهم باختلاف عن الذي رويت عنه أيضا نفسه ورجوع من قول إلى قول
297

والعجب أنهم أصحاب تشنيع باتباع الجمهور وهم ههنا قد خالفوا الجمهور من الصحابة
والتابعين وهم أصحاب قياس بزعمهم وهم قد أجمعوا على أن يعطى الجد مع البنين الذكور.
والبنات ما يعطى الأب معهم وأجمعوا على توريث الجد مع البنين الذكور، وعلى أن
الاخوة لا يرثون معه هناك شيئا، وأجمعوا على أن لا يورثوا الاخوة للام مع الجد
شيئا كما لا يرثون مع الأب وليس هذا اجماعا في الأصل فقد جاء عن ابن عباس توريثهم
مع الأب ومع الجد، وأجمعوا على أن لا يورثوا بنى الأخ مع الجد كما لا يورثونهم مع
الأب وليس هذا اجماعا في الأصل فقد جاء عن علي توريثهم مع الجد وأجمعوا على أن
لا يورثوا الأعمام مع الجد كما لا يرثون مع الأب، وأجمعوا على ابن الابن انه يرث ميراث
الابن إذا لم يكن ابن، ولا يرث أخوة الجد منه شيئا معهم ثم لم يقيسوا على هذه الوجوه
كلها توريث الجد من ابن ابنه دون اخوته ولا قاسوه على الأب إذا لم يكن أب وأجمعوا
على أنه أب في تحريم ما نكح وفى تحريم القرائب فلا القياس أحسوا ولا التقليد اتبعوا
ولا النظر التزموا ولا بالنص أخذوا *
قال أبو محمد: والذي نعتمد عليه في هذا هو قول الله تعالى: (ولأبويه لكل
واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث
فإن كان له اخوة فلأمه السدس) وقوله تعالى: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما
أخرج أبويكم من الجنة) فصح ان الجد أب وان ابن الابن ابن فله ميراث الأب لأنه
أب ولابن الابن ميراث الابن لأنه ابن وكفى، وان العجب ليعظم ممن خفى عليه هذا،
وحسبنا الله نعم الوكيل.
قال على: وقد أتى بعضهم بآبدة وهي ان قال: ليس ما روى من أن أبا بكر جعل الجد
أبا بيان ان ذلك في الميراث قال: ولو كان ذلك ما خالفه عمر على تعظيمه أبا بكر، وذكروا
ما روينا من طريق شعبة نا عاصم الأحول عن الشعبي ان أبا بكر قال في الكلالة: اقضي فيها
فان يكن صوابا فمن الله وان يكن خطأ فمنى ومن الشيطان والله منه برئ هو ما دون الولد
والوالد فقال عمر: انى لأستحي من الله ان أخالف أبا بكر *
قال أبو محمد: هذا كله من المجاهرة القبيحة أول ذلك ان هذه رواية منقطعة أين
الشعبي من عمر والله ما ولد الا بعد موت عمر بأزيد من عشرة أعوام ثم إنها رواية باطلة
بلا شك لان مخالفة عمر لأبي بكر أشهر من الشمس وليس تعظيمه إياه بموجب ان لا
يخالفه، وأول ذلك الخبر الذي أوردنا بأصح اسناد من طريق عثمان بن عفان رضي الله عنه
أنه قال له عمر: انى قد رأيت في الجد رأيا فقال له عثمان: ان نتبع رأيك فإنه رأى رشد
298

وان نتبع رأى الشيخ قبك فنعم ذوي الرأي كان، قال عثمان: وكان أبو بكر يجعله أبا
فاعجبوا لهذا العمى ولعبادة الهوى والمجاهرة بالكذب، وانظروا هل يحتمل هذا القول
من عثمان شيئا غير أن أبا بكر كان يجعل الجد أبا في الميراث وقد صح خلاف عمر لأبي بكر
في الكلالة نفسها. وفى ترك الاستخلاف. وفى قضايا كثيره جدا نعوذ بالله من الخذلان *
ثم لو صح ما قال لكان لم يخالفه عمر لأنه قد صح عن عمر القول بان الجد أب في الميراث
كما أوردنا فلم يخالف أبا بكر إذا وافقه في ذلك بل هو آخر قول قاله واليه رجع كما أوردنا.
فهو أول أقوال عمر وآخر أقواله باسناد صحيح لا داخلة فيه *
قال أبو محمد: ومن براهيننا أيضا في هذه المسألة ان الله تعالى لم يذكر في القرآن
ميراث الإخوة البتة ولا ميراث الأخوات الا في آيتي الكلالة فوجب ضرورة بنص
القرآن ان لا يرث أخ ولا أخت الا في ميراث الكلالة ووجب ان لا يؤخذ ميراث الكلالة
الا من نص أو اجماع راجع إلى النص فوجدنا من ورثه اخوة ذكور أو إناث أو كلاهما
أشقاء أو لأب أو لام ولم يكن للميت ولد ذكر ولا ولد ولد ذكر ولا ابنة ولا أب ولا جد
لأب فإنه اجماع مقطوع عليه من جميع الأمة على أنه ميراث كلالة، ووجدنا السلف
مختلفين إذا كان للميت أحد ممن ذكرنا فبعضهم يقول: هو ميراث كلالة وبعضهم يقول
ليس ميراث كلالة فوجب الانقياد للاجماع المتيقن وترك ما اختلف فيه إذ لا نص عند
المختلفين في ذلك فوجب أن لا ميراث البتة لأخ ولا لأخت ما دام للميت أحد ممن ذكرنا
الا أن يوجب ذلك نص فيستثنى من هذا النص الآخر وليس ذلك الا في الأخ الذكر
الشقيق أو للأب مع الابنة والبنتين فصاعدا وفى الأخت مع البنت والبنتين فصاعدا إذا
لم يكن هنالك عاصب ذكر وبالله تعالى التوفيق *
1735 مسألة قال أبو محمد: ومن مات وترك أخا لأب وابن أخ شقيق
فلا أخ للأب أحق بالميراث بلا خلاف لأنه أولى رجل ذكر. وابن الأخ الشقيق أولى
بالميراث من ابن الأخ للأب لأنه أولى رجل ذكر بلا خلاف، فلو ترك ابن عم. وعما
فالعم أولى من ابن العم. وابن العم الشقيق أولى من ابن العم للأب، فان ترك ابني عم أحدهما
كان أبوه شقيق أبى الميت والآخر كان أبوه أخا أبى الميت لأبيه الا أن هذا هو أخو الميت
لامه فالمال كله لابن العم الذي هو أخ للام وهو قول ابن مسعود. وشريح لأنهم قد أجمعوا
في ابني عمين أحدهم ابن شقيق أبى الميت والآخر ابن أخي أبى الميت لأبيه وان ابن شقيق
أبى الميت أولى لاستوائه مع أبي الميت في ولادة جد الميت دون ابن العم الآخر وبالحس
يدرى كل أحد انهما قد استويا في ولادة جد الميت أبى أبيه وانفرد أحدهما بولادة جد
299

الميت لأبيه وأبى الميت وانفرد الآخر بولادة أم الميت له ولا يخيل على أحد ان ولادة
الام أقرب من ولادة الجدة فهو أولى رجل ذكر فان تركت ابني عم أحدهما زوج فالنصف
للزوج بالزوجية وما بقي فبين الابنى عم سواء *
1736 مسألة والرجل. والمرأة إذا أعتق أحدهما عبدا أو أمة ورث مال
المعتق ان مات ولم يكن له من يحط (1) بميراثه أو ما فضل عن ذوي السهام، وكذلك
يرث من تناسل منه من نسل الذكور من ولده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء
لمن أعتق) فعم عليه الصلاة والسلام ولم يخص، وأعتقت ابنة حمزة عبدا فمات وتخلف
ابنة فأعطى عليه الصلاة والسلام ابنته النصف وبنت حمزة النصف، وكذلك يرث من
أعتق من أعتقت وهكذا من سفل (2) *
1737 مسألة وما أعتقت المرأة ثم ماتت ولها بنون وعصبة من اخوة أو
بنى اخوة وان سفلوا أو أعمام أو بنى أعمام وان بعدو أو سفلوا فميراث من أعتقت لعصبتها
لا لولدها الا أن يكون ولدها عصبتها كأولاد أم الولد من سيدها أو يكونوا من بنى عمها (3)
لا أحد من بنى جدها ولا من بنى أبيها أقرب إليها منهم وقال آخرون: بل الميراث لولدها
وهذا مكان اختلف الناس فيه فروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد
ابن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن علي بن أبي طالب. والزبير بن العوام اختصما إلى عمر
في مولى لصفية بنت عبد المطلب فقضى عمر بالعقل على على وبالميراث للزبير * ومن طريق
عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن رباح عن عبد الله
ابن معقل عن علي بن أبي طالب قال: الولاء شعبة من النسب من أحرز الولاء أحرز
الميراث * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد نا أيوب السختياني عن محمد
ابن سيرين أنه كان يقول: أحقهم بالولاء أحقهم بالميراث * قال على: الأحق بالولاء
هم عصبتها الذين إليهم ينتمي الموالي فيقولون. نحن موالي بنى أسد إن كانت هي اسدية
ولا ينتمون إلى بنى تميم إن كان ولدها من تميم. قال أبو محمد: بقول على ههنا نقول، وقال
بقول عمر. الشعبي. وعطاء. وابن أبي ليلى. وأبو حنيفة. ومالك والشافعي. وأصحابهم *
قال أبو محمد: برهان صحة قولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مولى القوم منهم) وقال
عليه الصلاة والسلام: (ما أبقت الفرائض فلا ولى رجل ذكر) وإذا كانت المرأة من
مضر وبنوها من اليمن فمواليها من مضر بلا شك، ومن المحال أن يكون رجل يماني يرث
مضريا بالتعصيب بل يرثه الذي هو منهم، ومن المحال أن يكون رجل يماني أولى برجل

(1) في النسخة رقم 14 من يحيط
(2) في النسخة رقم 14 ما سفل
(3) في النسخة رقم 14 أو يكونوا بنى عمها
300

مضري، والعجب أنهم يقولون: ان انقرض ولدها عاد ميراثهم إلى عصبة أمهم من
مضر لا إلى عصبة أبناء المعتقة فهل سمع بأعجب من هذا؟ وكيف يرثون عن أمهم ولاء لا يرثه
عنهم عصبتهم ان هذا لمحال ظاهر وإذا لم يورث عنهم آخرا فمن المحال ان يرثوه هم أولا
وما نعلم لهم شيئا شغبوا به أكثر من أن قالوا: كما يرثون مال أمهم كذلك يرثون ولاء
مولاها الذي لو كانت حية لورثته هي *
قال على: وهذا باطل ليس من يرث المال يرث الولاء وهم لا يختلفون معنا في أن
امرأة لو ماتت ولها مال وموال وتركت زوجها وأختها وبنى عمها فان جميع ميراثها
لزوجها وأختها ولا حق لهما في ولاء مواليها وان ولاء مواليها لبنى عمها الذين لا يأخذون
من مالها شيئا، وكذلك امرأة ماتت وتركت زوجا وبنتين وأما وبنى ابن فان المال كله
للزوج والبنتين والام ولا يأخذ منه بنو الابن شيئا وان ولاء مواليها عندهم لبنى الابن
ولا يرث منه الذين ورثوا المال شيئا فظهر فساد احتجاجهم وبطل قولهم إذ عرى من
برهان وبالله تعالى التوفيق، فان موهوا بقضاء عمر فقد قضى عمر في هذه المسألة نفسها
بأن عصبة ولدها يرثون ولاء مواليها عن ولدها ولا يرثه اخوتها فقد خالفوا عمر في
ذلك تحكما بالباطل وبالله تعالى التوفيق *
1738 مسألة وما ولد للمملوك من حرة فإنه لا يرثه من أعتق أباه بعد ذلك
وإنما يرث المرء ما نفخ فيه الروح من حمل بعد أن أعتق أباه * برهان ذلك قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لمن أعتق) وهذا المولود خلق حرا لا ولاء
عليه لاحد فلا يجوز أن يحدث عليه بعد حريته ولاء لمن لم يعتقه ولا كان ذلك الولاء عليه
قبل الا بنص ولا نص في ذلك، وأما من نفخ فيه الروح بعد ثبات الولاء على أبيه فإنه لم يكن
قط موجودا إلا والولاء عليه ثابت فميراثه لمولاه، وقد روينا عن الشعبي لا ولاء
الا لذي نعمة *
1739 - مسألة - وما ولد لمولى من مولاة لآخرين فولاءه لمن أعتق أباه أو
أجداده وهذا لا خلاف فيه وما ولدت المولاة من عربي فلا ولاء عليه لموالي أمه وهذا
لا خلاف فيه وما ولدت المولاة من زوج مملوك أو من زنى أو من اكراه أو حربي
أو لاعنت عليه فقد قال قوم: ولاؤه لموالي أمه ولا نقول بهذا بل لا ولاء عليه لاحد لأنه لم
يأت بايجاب الولاء عليه نص ولا اجماع بل قد أجمعوا على كل ما ذكرنا من أنه لا حكم للولاء
المنعقد على أمه إن كان أبوه مولى أو عربيا فظهر تناقضهم وبالله تعالى التوفيق *
1740 مسألة والعبد لا يرث ولا يورث ماله كله لسيده هذا ما لا خلاف فيه
301

وقد جاء به نص نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى * وروينا عن بعض الصحابة انه يباع فيعتق
فيرث وهذا لا يوجبه قرآن ولا سنة فلا يجوز القول به *
1741 مسألة والمكاتب إذا أدى شيئا من مكاتبته فمات أو مات له موروث
ورث منه ورثته بقدر ما أدى فقط وورث هو أيضا بمقدار ما أدى فقط ويكون ما فضل عما
ورث لسائر الورثة ويكون ما فضل عن ورثته لسيده، وهذا مكان اختلف الناس فيه وقد
ذكرناه في كتاب المكاتب وذكرنا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأغنى عن اعادته، ومن
مات وبعضه حر وبعضه عبد فللذي له الولاء مما ترك بمقدار ماله فيه من الولاء والباقي للذي
له الرق سواء كان يأخذ حصته من كسبه في حياته أو لم يكن يأخذه لان الباقي بعد ما كان
يأخذ ملك لجميع المكاتب يأكله ويتزوج فيه ويتسرى ويقضى منه ديونه ويتصدق به
فهو ماله وهو ما لم يأخذه الذي له فيه بقية فإذا مات فهو مال يخلفه ليس للذي تمسك بالرق
ان يأخذه الآن إذ قد وجب فيه حق للذي له فيه بعض الولاء، وقد اختلف الناس في هذا
فقال مالك: ماله كله للذي له فيه شئ من الرق وهو قول الزهري. وأحد قولي الشافعي، وقال
قتادة: ميراثه كله للذي له فيه شعبة العتق، وقال أبو حنيفة: يؤدى من ماله قيمة ما فيه من الرق
ويرث الباقي ورثته وأن لم يرق بذلك فماله كله للمتمسك بالرق، وقال بعض أصحاب
الشافعي: ماله لبيت مال المسلمين، وقال الشافعي أحد أقوال: انه يورث بمقدار ما فيه
من العتق ولا يرث هو بذلك المقدار، وقولنا في ذلك الذي ذكرنا هو قول علي بن أبي طالب
وابن مسعود. وإبراهيم النخعي. وعثمان البتي. والشعبي. وسفيان الثوري. وأحمد
ابن حنبل. وداود. وجميع أصحابه وأحد أقوال الشافعي *
1742 - مسألة - وولد الزنا يرث أمه وترثه أمه ولها عليه حق الأمومية من
البر والنفقة والتحريم وسائر حكم الأمهات ولا يرثه الذي تخلق من نطفته ولا يرثه هو
ولا له عليه حق الأبوة لا في بر. ولا في نفقة. ولا في تحريم. ولا في غير ذلك وهو منه أجنبي
ولا نعلم في هذا خلافا الا في التحريم فقط *
برهان صحة ما قلنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وقوله
عليه الصلاة والسلام أيضا (الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر) فألحق الولد
بالفراش وهي الام وبصاحبه وهو الزوج أو السيد ولم يجعل للعاهر الا الحجر ومن
جعل تحريما بما لا حق له في الأبوة فقد ناقض. وبالله تعالى التوفيق *
1743 - مسألة - والمولودون في أرض الشرك يتوارثون كما يتوارث من ولد
في أرض الاسلام بالبينة أو باقرارهم ان لم تكن بينة سواء أسلموا وأقروا مكانهم أو
302

تحملوا أو سبوا فاعتقوا، وهذا مكان اختلف الناس فيه. فروينا عن عمر. وعثمان أنه لا يرث
أحد بولادة الشرك، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري أدركت الصالحين يذكرون أن في السنة
ان ولادة العجم ممن ولد في أرض الشرك ثم تحمل ان لا يتوارثوا، وعن عمر بن عبد العزيز.
وعروة بن الزبير. وعمرو بن عثمان بن عفان. وأبى بكر بن سليمان بن أبي خيثمة. وأبى بكر
ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام لا يورث أحد بولادة الأعاجم الا أحد ولد في
العرب ولا نعلم يصح عن عمر. وعثمان شئ من هذا لأنها منقطعة عن مالك عن الثقة عن
سعيد بن المسيب. أن عمر * ومن طريق فيها علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف
وأبان بن عثمان ان عمر ولم يدرك أبان عمر. ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن عمر
وعثمان وهذا أبعد والزهري أن عمر وعثمان وما ورث عمر ولده عبد الله وأم المؤمنين حفصة
الا بولادة الشرك وقالت طائفة: كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن سفيان
الثوري عن مجالد عن الشعبي عن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه أن لا يورث الحميل الا
ببينة * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر أخبرني عاصم بن سليمان قال: كتب عمر بن عبد العزيز
ان لا يتوارث الحملاء في ولادة الكفر فعاب ذلك عليه الحسن. وابن سيرين وقالوا: ما شأنهم ان
لا يتوارثوا إذا عرفوا وقامت البينة * ومن طريق حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد
عن ابن سيرين. والحسن قالا جميعا: إذا قامت البينة ورث الحميل * ومن طريق حماد بن سلمة
عن الحجاج. وحماد بن أبي سليمان أو أحدهما عن الشعبي. والنخعي قالا جميعا: لا يورث
الحميل الا ببينة وهو قول الثوري. وأبي حنيفة. وأبي سليمان. وأصحابهما وقالت
طائفة: يتوارث الحملاء بالبينة أو بالاقرار ان لم تكن بينة كما روينا من طريق محمد
ابن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري
عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: قال عمر بن الخطاب: كل نسب يتواصل
عليه في الاسلام فهو وارث موروث * ومن طريق غندر عن شعبة عن الحكم بن عتيبة
وحماد بن أبي سليمان قالا جميعا الحميل يورث * ومن طريق غندر عن شعبة عن المغيرة
ابن مقسم الضبي عن إبراهيم النخعي أنه قال في الحميل: إذا قامت البينة انه كان يصل منه
ما يصل من أخيه ويحرم منه ما يحرم من أخيه ورثه * ومن طريق أبى داود الطيالسي
عن شعبة عن الأعمش قال: كان أبى حميلا فورثه مسروق. وعن عبد الرحمن بن أذينة
أنه ورث حميلا بشهادة رجل وامرأة انه كان أخاه وبشهادة امرأة أخرى انها سمعته يقول
هو أخي * ومن طريق عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس عن أشعث بن أبي الشعثاء أنه
قال: خاصمت إلى شريح في مولاة للحى ماتت عن مال كثير فجاء رجل فخاصم مواليها وجاء
303

بالبينة انها كانت تقول: أخي فورثه شريح، وقال الشافعي: إذا قامت البينة ورث الحميل
كان عليه ولاء أو لم يكن فإن لم يكن الا اقرار فقط ورث به من لا ولاء عليه ولا يورث
به من عليه ولاء وقال مالك: لا يرث الحميل ببينة أصلا الا أن يكون أهل مدينة أسلموا
فشهد بعضهم لبعض بما يوجب الميراث فإنهم يتوارثون بذلك *
قال أبو محمد: أما قول مالك. والشافعي فلا نعلم أحدا قبلهما قسم هذا التقسيم
وهما قولان مخالفان للقرآن. والسنن. والأصول في اسقاط مالك الحكم ببينة العدل في
ذلك بخلاف جميع الأحكام وتفريق الشافعي. ومالك بين من عليه ولاء وبين من لا ولاء
عليه وبين أهل المدينة يسلمون أو يسبون فيسلموا ووجدنا الاقرار بالمواليد الموجبة
للمواريث لا نعلم البتة صحة المواليد الا به فما تصح بنوة أحد الا باقرار الآباء انه ولد أو
باقرار الأخوين يقدمان مسافرين ويجب ميراثهما، وبهذا الاقرار يتوارث أهل الكفر
إذا أسلموا عندنا من أهل الذمة فالتفريق بين كل ذلك لا وجه له وبالاقرار توارث المهاجرون
في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من احياء العرب وغيرهم فالتفريق بين ذلك خطأ لا خفاء به
وبالله تعالى التوفيق *
1744 مسألة ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم المرتد وغير المرتد
سواء الا أن المرتد مذ يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين رجع إلى الاسلام
أو مات مرتدا أو قتل مرتدا أو لحق بدار الحرب وكل من لم (1) يظفر به من ماله حتى
قتل أو مات مرتدا فلورثته من الكفار فان رجع إلى الاسلام فهو له أو لورثته من المسلمين
ان مات مسلما * روينا من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن
عمرو بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث الكافر المسلم
ولا المسلم الكافر) وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه شئ، فان قيل: إنكم تقولون: ان
مات عبد نصراني أو مجوسي. أو يهودي وسيده مسلم فماله لسيده قلنا: نعم لا بالميراث
لكن لان للسيد أخذه في حياته فهو له بعد وفاته والعبد لا يورث بالخبر الذي جاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم في ميراث المكاتب فلم يجعل للجزء المملوك ميراثا لا له ولا منه، واختلف الناس
في بعض هذا فروينا عن معاذ بن جبل. ومعاوية. ويحيى بن يعمر. وإبراهيم. ومسروق
توريث المسلم من الكافر ولا يرث الكافر المسلم وهو قول إسحاق بن راهويه وهو عن
معاوية ثابت كما روينا من طريق حماد بن سلمة أنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق
ان معاوية كان يورث المسلم من كافر ولا يورث كافر من المسلم قال مسروق:

(1) في النسخة رقم 14 ما لم
304

ما حدث في الاسلام قضاء أعجب إلى منه، وقال أحمد بن حنبل: لا يرث المسلم الكافر ولا
الكافر المسلم الا أن يكون مسلم أعتق كافرا فإنه يرثه واحتج لهذا القول بما روينا من
طريق ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته) *
قال أبو محمد: أبو الزبير عن جابر ما لم يقل سمعت أو نا أو أرنا تدليس ولو صح
فليس فيه الا عبده أو أمته ولا يسمى المعتق ولا المعتقة عبدا ولا أمة، واختلفوا في ميراث
المرتد فصح عن علي بن أبي طالب أنه لورثته من المسلمين كما روينا من طريق الحجاج
ابن المنهال نا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي عمرو الشيباني أن علي بن أبي طالب
جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين، وروى مثله عن ابن معسود ولم يصح *
ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن موسى بن أبي كثير قال: سألت سعيد بن المسيب
عن المرتد هل يرث المرتد بنوه؟ فقال: نرثهم ولا يرثوننا قال: وتعتد امرأته ثلاثة قروء
فان قتل فأربعة أشهر وعشرا * ومن طريق سفيان الثوري عن عمرو بن عبيد عن الحسن
قال: كان المسلمون يطيبون ميراث المرتد لأهله إذا قتل وروى توريث مال المقتول على
الردة لورثته من المسلمين عن عمر بن عبد العزيز. والشعبي. والحكم بن عتيبة.
والأوزاعي. وإسحاق بن راهويه، وقال سفيان الثوري: ما كان من ماله في ملكه إلى أن
ارتد فلورثته من المسلمين وما كسب بعد ردته فلجميع المسلمين وقال أبو حنيفة: ان راجع
الاسلام فماله له فان قتل على الردة أو لحق بدار الحرب (1) فما كسب بعد الردة فلجميع
المسلمين وما كان له قبل الردة فلورثته من المسلمين يقضى القاضي بعتق مدبريه وأمهات
أولاده فان رجع إلى أرض الاسلام مسلما أخذ ما وجد من ماله بأيدي ورثته ولا يرجع
عليهم بشئ مما أكلوه أو أتلفوه وكل ما حمل من ماله إلى أرض الحرب فهو لجميع المسلمين
إذا ظفر به لا لورثته فلو رجع من أرض الحرب إلى أرض الاسلام فأخذ مالا من ماله
فنهض به إلى أرض الحرب فظفر به فهو لورثته من المسلمين فلو كانت له أمتان إحداهما
مسلمة والأخرى كافرة فولدتا منه لأكثر من ستة أشهر مذ ارتد فأقر بهما لحقا به جميعا
وورثه ابن المسلمة ولم يرثه ابن الذمية قال: ولا يرث المرتد مذ يرتد إلى أن يقتل أو يموت.
أو يسلم أحد من ورثته المسلمين ولا الكافر أصلا، وقال طائفة: ميراثه لبيت
مال المسلمين كما روينا عن ابن وهب عن الثقة عنده عن عباد بن كثير عن أبي إسحاق
الهمداني عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال: ميراث المرتد في بيت مال المسلمين *

(1) في النسخة رقم 14 بأرض الحرب
305

وبه يقول ربيعة. وابن أبي ليلى. والشافعي. وأبو ثور، وقال مالك ان قتل أو مات
أو لحق بدار الحرب فهو في بيت مال المسلمين فان رجع إلى الاسلام فماله له فان ارتد
عند موته فان اتهم انه إنما ارتد ليمنع ورثته فماله لورثته هذا مع قوله: ان من ارتد عند موته
لم ترثه امرأته لأنه لا يتهم أحد بأنه يرتد ليمنع أخذ الميراث، وقال أبو سليمان: ميراث المرتد
ان قتل لورثته من الكفار، وقال أشهب: مال المرتد مذ يرتد لبيت مال المسلمين *
قال أبو محمد: أما قول مالك: فظاهر الاضطراب والتناقض كما ذكرنا وحكم
بالتهمة وهو الظن الكاذب الذي حرم القرآن والسنة الحكم به * وأما قول سفيان فتقسيم
فاسد لا دليل عليه من قرآن. ولا سنة ولا قياس. ولا قول صاحب. وأما قول أبي حنيفة
فوساوس كثيرة فاحشة، منها تفريقه بين المرتد وسائر الكافر، ومنها توريته ورثته
على حكم المواريث وهو حي بعد، ومنها قضاؤه له ان رجع (1) بما وجد لا بما استهلكوا
ولا يخلو من أن يكون وجب للورثة ما قضوا لهم به أو لم يجب لهم ولا سبيل إلى ثالث، فإن كان
وجب لهم فلأي شئ ينتزعه (2) من أيديهم وهذا ظلم وباطل وجور، وإن كان
لم يجب لهم فلأي شئ استحلوا أن يقضوا لهم به حتى أكلوه وورث عنهم وتحكموا فيه
ولئن كان رجع إلى المراجع (3) إلى الاسلام فما الذي خص برجوعه إليه ما وجد دون ما لم يجد
وإن كان لم يرجع إليه فبأي شئ قضوا له به ان هذا لضلال لا خفاء به، وأعجب شئ
اعتراض هؤلاء النوكى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاحه أم المؤمنين صفية وجعله عتقها
صداقها بقولهم السخيف: لا يخلو من أن يكون تزوجها وهي أمة فهذا لا يجوز أو تزوجها
وهي حرة معتقة فهذا نكاح بلا صداق مع اجازتهم لأبي حنيفة هذه الحماقات والمناقضات
وما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية رضي الله عنها الا وهي حرة معتقة بصداق قد صح لها
وتم وهو عتقه لها، ثم تفريق أبي حنيفة بين مال تركه في أرض الاسلام أو مال حمله مع
نفسه إلى أرض الكفر ومال تركه ثم رجع فيه فحمله فهذا من المضاعف نسجه ونعوذ بالله
من التخليط مع أن هذه الأحكام الفاسدة لا تحفظ عن أحد قبل أبي حنيفة ولا عن أحد
غيره قبل من ضل بتقليده، وأما من قال من السلف: بان ميراثه لورثته من المسلمين فلا
حجة لهذا القول الا التعلق بظاهر آيات المواريث وانه تعالى لم يخص مؤمنا من كافر
فيقال لهم: قد بينت السنة ذلك وأنتم قد منعتم المكاتب من الميراث والقرآن يوجبه له
والسنة كذلك ومنعتم القاتل برواية لا تصح ومنعتم سائر الكفار من أن يرثهم المسلمون
وقد قال بذلك بعض السلف: وهذا تحكم لا وجه له فبطل تعلقهم بالقرآن في ذلك *

(1) في النسخة رقم 16 ان يرجع
(2) في النسخة رقم 16 (ينتزعونه)
(3) كذا في جميع الأصول
306

قال أبو محمد: والذي نقول به فهو الذي ذكرنا قبل * برهاننا على ذلك ان كل ما ظفر
به من ماله فهو مال كافر لا ذمة له وقد قال تعالى: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم)
ولا يحرم مال كافر الا بالذمة وهذا لا ذمة له، فان رجع إلى الاسلام فلم يرجع إلا وقد بطل
ملكه له أو عنه ووجب للمسلمين فلا حق له فيه الا كأحد المسلمين، وأما ما لم يظفر به من
ماله فهو باق على ما قد ثبت وصح من ملكه له [فهو له] (1) ما لم يظفر المسلمون به لا فرق بينه
وبين سائر أهل الحرب الذين لا ذمة لهم في ذلك، فان مات أو قتل فهو لورثته الكفار
خاصة لقول الله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) وآيات المواريث
العامة للمسلمين والكفار فلا يخرج عن حكمها الا ما أخرجه نص سنة صحيح فإن كانوا
ذمة سلم إليهم متى ظفر به لأنهم قد ملكوه بالميراث وإن كانوا حربيين أخذ للمسلمين متى
ظفر به فان أسلم فهو له يرثه عنه ورثته من المسلمين كسائر المسلمين، وهذا حكم القرآن
والسنن. وموجب الاجماع، والحمد لله رب العالمين *
1745 مسألة ومن مات له موروث وهما كافران ثم أسلم الحي أخذ ميراثه
على سنة الاسلام ولا تقسم مواريث أهل الذمة الا على قسم الله تعالى المواريث في القرآن *
وبرهان ذلك قول الله تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه)
وقوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما) ولا أعجب
ممن يدع حكم القرآن وهو يقر أنه الحق وانه حكم الله تعالى ويحكم بحكم الكفر وهو
يقر أنه حكم الشيطان الرجيم وانه الضلال المبين، الذي لا يحل العمل به ان هذا لعجب
عجيب * روينا من طريق ابن وهب عن عمر بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال. أن زيد
ابن أسلم حدثه أن يهودية جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت: ان ابني هلك فزعمت اليهود
أنه لا حق لي في ميراثه فدعاهم عمر فقال: ألا تعطون هذه حقها فقالوا: لا نجد لها حقا
في كتابنا فقال: أفي التوراة قالوا: بلى في المثناة قال وما المثناة قولوا: كتاب كتبه أقوام علماء
حكماء فسبهم عمر وقال: اذهبوا فاعطوها حقها * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن
يزيد بن أبي حبيب (2) ان عمر بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن شريح أن اجعل
مواريث أهل الذمة على فرائض الله عز وجل، وقال أبو حنيفة: مواريث أهل الذمة
مقسومة على أحكام دينهم الا أن يتحاكموا الينا، وقال مالك: تقسم مواريث أهل
الكتاب على حكم دينهم سواء أسلم أحد الورثة قبل القسم أو لم يسلم، وأما غير أهل
الكتاب فمن أسلم منهم من الورثة بعد القسمة فليس له غير ما أخذ، ومن أسلم منهم

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 زيد بن أبي حبيب وهو غلط
307

قبل القسمة قسم على حكم الاسلام، وقال الشافعي، وأبو سليمان كقولنا *
قال أبو محمد: أما تقسيم مالك ففي غاية الفساد لأنه لم يوجب الفرق الذي ذكر
قرآن ولا سنة ولا رواية سقيمة. ولا دليل. ولا اجماع. ولا قول صاحب. ولا
قياس. ولا رأى له وجه وما نعلمه عن أحد قبل مالك، وأما قول أبي حنيفة وما وافقه فيه
مالك فقد ذكرنا ابطاله، وما في الشنعة أعظم من تحكيم الكفر واليهود والنصارى على
مسلم ان هذا لعجب، وما عهدنا قولهم في حكم بين مسلم وذمي الا أنه يحكم فيه ولا بد
بحكم الاسلام الا ههنا فإنهم أوجبوا أن يحكم على المسلم بحكم الشيطان في دين اليهود
والنصارى لا سيما ان أسلم الورثة كلهم فلعمري ان اقتسامهم ميراثهم بقول دكريز الفوطي.
وهلال اليهودي لعجب نعوذ بالله منه على أنه قد جاء في هذا أثران يحتجون بأضعف منهما
وباسنادهما نفسه إذا وافق تقليدهم وهو كما روينا من طريق أبى داود نا حجاج بن يعقوب
نا موسى بن داود نا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس
قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل قسم قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية وان ما أدرك
الاسلام ولم يقسم فهو على قسم الاسلام) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال
عمرو بن شعيب: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان كل ما قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية وان
ما أدرك الاسلام ولم يقسم فهو على قسمة الاسلام * قال على: محمد بن مسلم ضعيف،
والثاني مرسل ولا نعتمد عليهما إنما حجتنا ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق *
1746 مسألة ومن ولد بعد موت موروثه فخرج حيا كله أو بعضه أقله أو
أكثره ثم مات بعد تمام خروجه أو قبل تمام خروجه عطس أو لم يعطس وصحت حياته
بيقين بحركة عين أو يد أو نفس أو بأي شئ صحت فإنه يرث ويورث ولا معنى للاستهلال
وهو قول أبي حنيفة. وسفيان الثوري. والأوزاعي. وأبي سليمان * برهان ذلك قول
الله تعالى. (يوصيكم الله في أولادكم) وهذا ولد بلا شك، فان قيل: هلا ورثتموه وان
ولد ميتا بحياته في البطن قلنا: لو أيقنا حياته لورثناه، وقد تكون حركة ريح والجنين
ميت، وقد ينفش الحمل ويعلم أنه لي حملا (1) وإنما كان علة فإنما نوقن حايته إذا
شاهدناه حيا، وقال الشافعي: لا يرث ولا يورث حتى يخرج حيا كله (2) وهذا أقول
لا برهان على صحته، وقالت طائفة: لا يرث ولا يورث وان رضع وأكل ما لم يستهل
صارخا وهو قول مالك واحتج له مقلدوه بما روى من أن عمر كان يفرض للصبي
إذا استهل صارخا، وعن ابن عمر إذا صاح صلى عليه. وعن ابن عباس إذا استهل

(1) في النسخة رقم 14 انه لم يكن حملا
(2) في النسخة رقم 16 حتى يخرج جملة
308

الصبي ورث وورث * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع
جابر بن عبد الله يقول في المنفوس يرث إذا سمع صوته * ومن طريق وكيع عن سفيان
الثوري عن عبد الله بن شريك العامري عن بشر بن غالب قال: سئل الحسن بن علي متى
يجب سهم المولود؟ قال: إذا استهل، وصح عن إبراهيم النخعي إذا استهل الصبي وجب
عقله وميراثه، وصح عن شريح انه لم يورث من لم يستهل، وروى أيضا عن القاسم
ابن محمد. وابن سيرين. والشعبي. والحسن. والزهري. وقتادة وهو قول مالك
وروى أيضا عن أبي حنيفة *
قال أبو محمد: احتج من قلد هذا القول بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود
يولد الا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان الا ابن مريم وأمه)
وذكر باقي الخبر، وبالخبر الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (صياح المولود حين
يقع فزعة من الشيطان) وبما روينا من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن
قسيط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استهل المولود ورث * ومن طريق أحمد
ابن شعيب انا يحيى بن موسى البلخي نا شبابة بن سوار نا المغيرة بن مسلم (1) عن أبي الزبير
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصبي إذا استهل ورث وصلى عليه) * ومن طريق محمد
ابن عبد الملك بن أيمن حدثت عن أبي الأحوص محمد بن الهيثم نا محمد بن أبي السرى
العسقلاني عن بقية عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا استهل المولود
صلى عليه وورث ولا يصلى عليه حتى يستهل) * ومن طريق عبد الملك بن حبيب حدثني
طلق عن نافع بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إذا استهل المولود وجبت ديته وميراثه وصلى عليه ان مات، قال ابن حبيب: وحدثنيه
أيضا مطرف عن ابن أبي حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم *
قالوا (2): وهو قول عمر. وابن عمر (3) والحسين. وابن عباس. وجابر.
وأبي هريرة ستة من الصحابة وجماعة من التابعين لا يعرف لهم منهم مخالف هذا كل
ما شغبوا به وما نعلم لهم شيئا غير هذا وكله اما لا شئ واما لا حجة لهم فيه * أما الخبر
الصحيح فينبغي لهم أن يستغفروا الله تعالى من تمويههم به فيما ليس فيه منه شئ هل ذكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا من حكم الميراث بنص أو بدليل؟ أما هذا تقويل له عليه الصلاة
والسلام ما لم يقل وهل في ذلك الخبر الا أن كل مولود فان الشيطان ينخسه؟ وهذا حق
نؤمن به وما خولفوا قط في هذا ثم فيه انه يستهل صارخا من نخسة الشيطان هذا

(1) في النسخة رقم 16 بن مقسم
(2) في النسخة رقم 14 قال
(3) سقط من النسخة رقم 14 لفظ ابن عمر سهوا
309

فبضرورة الحس والمشاهدة ندري يقينا أنه عليه الصلاة والسلام إنما عنى بذلك من استهل
منهم وبقى حكم من لم يستهل فنقول لهم: أخبرونا أيوجد مولود يخرج حيا ولا يستهل
أم لا يوجد أصلا؟ فان قالوا: لا يوجد أصلا كابروا العيان وأنكروا المشاهدة فهذا
موجود كثير لا يستهل الا بعد أزيد من ساعة زمانية وربما لم يستهل حتى يموت ثم نقول
لهم: فإذ لا يوجد هذا أبدا فكلامكم وكلامنا فيها عناء وبمنزلة من تكلم فيمن يولد من
الفم ونحو ذلك من المحال، فان قالوا: بل قد يوجد هذا قلنا لهم: فأخبرونا الآن أتقولون
انه ليس مولودا فهذه حماقة ومكابرة للعيان أم تقولون: ان الشيطان لم ينخسه فتكذبوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا كما ترون أم تقولون: انه نخسه فلم يستهل؟ فهذا قولنا ورجعتم
إلى الحق من أنه عليه الصلاة والسلام ذكر في هذا الخبر من يستهل دون من لا يستهل ولا
بد من أحد هذه الثلاث الا أنه بكل حال ليس في هذا الخبر شئ من حكم المواريث فبطل
احتجاجهم به، وهكذا القول في الخبر الآخر سواء سواء * وأما حديث ابن قسيط عن أبي
هريرة فليس فيه الا أنه إذا استهل ورث وهكذا نقول وليس فيه انه إذا لم يستهل لم
يرث فاقحامه فيه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل تعلقهم به وأيضا فان لفظة الاستهلال
في اللغة هو الظهور تقول (1): استهل الهلال بمعنى ظهر فيكون معناه إذا ظهر المولود
ورث وهو قولنا * وأما خبر أبي الزبير عن جابر فلم يقل أبو الزبير إنه سمعه فهو مدلس،
وفى حديث الأوزاعي بقية (2) وهو ضعيف. وحديثا عبد الملك بن حبيب مرسلان.
وعبد الملك هالك فسقط تعلقهم بهذه الآثار، وأما قولهم: انه قول ستة من الصحابة
لا يعرف لهم منهم مخالف فكم قصة مثل هذه قد خالفوا فيها طوائف من الصحابة لا يعرف
لهم منهم مخالف كالقصاص من اللطمة * وامامة الجالس وغير ذلك كثير جدا، ولا حجة
في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضا فالآثار المذكورة عن الصحابة إنما فيها أنه إذا
استهل ورث ولم نخالفهم في ذلك، وليس فيها إذا لم يستهل لم يورث فلا حجة لهم فيها
ثم نسألهم عن مولود ولد فلم يستهل الا أنه تحرك ورضع وطرف بعينه ثم قتله قاتل عمدا
أيجب فيه قصاص أو دية أم ليس فيه الا غرة؟ فان قالوا: فيه القود أو الدية نقضوا
قولهم وأوجبوا أنه ولد حي فلم منعوه الميراث؟ وان قالوا: ليس فيه الا غرة تركوا
قولهم وبالله تعالى التوفيق *
1747 مسألة وإذا قسم الميراث فحضر قرابة للميت أو للورثة أو يتامى أو
مساكين ففرض على الورثة البالغين وعلى وصى الصغار وعلى وكيل الغائب ان يعطوا

(1) في النسخة رقم 14 (يقال)
(2) في النسخة رقم 14 تعبة وهو غلط
310

كل من ذكرنا ما طابت به أنفسهم مما لا يجحف بالورثة ويجبرهم الحاكم على ذلك ان أبوا
لقول الله تعالى (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه
وقولوا لهم قولا معروفا) وأمر الله (1) تعالى فرض لا يحل خلافه وهو قول طائفة:
من السلف كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير
عن حطان بن عبد الله قال: قسم لي بها أبو موسى الأشعري في قوله تعالى: (وإذا حضر
القسمة أولوا القربى) الآية * ومن طريق البخاري نا أبو النعمان هو محمد بن الفضل
عارم نا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يزعمون أن هذه
الآية نسخت (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) فلا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون
الناس بها هما واليان وال يرث وذلك الذي يرزق ووال لا يرث فذلك الذي يقول
بالمعروف يقول: لا أملك لك ان أعطيك * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا
محمود بن خداش نا عباد بن العوام نا حجاج عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الرحمن بن أبي بكر
الصديق أنه قال في قول الله عز وجل: (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى
والمساكين فارزقوهم منه) قال: هي واجبة يعمل بها وقد أعطيت بها * ومن طريق
إسماعيل بن إسحاق نا يحيى بن خلف نا أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد نا ابن جريج أخبرني
عبد الله بن أبي مليكة ان أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق والقاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قسم ميراث أبيه
عبد الرحمن وعائشة يومئذ حية فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة الا أعطاهم وتلا
(وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) وذكر باقي الحديث،
وصح أيضا عن عروة بن الزبير. وابن سيرين وحميد بن عبد الرحمن الحميري. ويحيى بن يعمر.
والشعبي. والنخعي. والحسن. والزهري. وأبى العالية. والعلاء بن بدر. وسعيد بن جبير
ومجاهد، وروى عن عطاء وهو قول أبى سليمان، وروى أنها ليست بواجبة عن ابن عباس.
وسعيد بن المسيب. وأبى مالك. وزيد بن أسلم وبه يقول مالك. وأبو حنيفة: والشافعي
وما نعلم لأهل هذا القول حجة أصلا بل هو دعوى مجردة، وما يفهم أحد من افعل
ان شئت فلا تفعل وليس وجودنا آيات قام البرهان على أنها منسوخة أو مخصوصة أو انها
ندب بموجب أن يقال فيما لا دليل بذلك فيه هذا ندب أو هذا منسوخ أو هذا مخصوص
فيكون قولا بالباطل وبالله تعالى التوفيق، وهذا مما خالفوا فيه جمهور السلف
رضي الله عنهم *
(تم كتاب الفرائض)

(1) في النسخة رقم 16 فأوامر الله
311

1748 مسألة - مستدركة ولا يصح نص في ميراث الخال فما فضل عن سهم ذوي
السهام وذوي الفرائض ولم يكن هنالك عاصب ولا معتق ولا عاصب معتق ففي مصالح
المسلمين لا يرد شئ من ذلك على ذي سهم ولا على غير ذي سهم من ذوي الأرحام إذ لم
يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا اجماع، فإن كانوا ذووا الأرحام فقراء أعطوا على قدر
فقرهم والباقي في مصالح المسلمين * والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم تسليما *
بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الوصايا
1749 مسألة الوصية فرض على كل من ترك مالا لما روينا من طريق مالك
عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى
فيه يبيت ليلتين الا ووصيته عنده مكتوبة) قال ابن عمر: ما مرت على ليلة مذ سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي * وروينا ايجاب الوصية من طريق ابن المبارك
عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر من قوله * ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن
ابن عبيد الله قال: كان طلحة. والزبير يشددان في الوصية، وهو قول عبد الله بن أبي أوفى.
وطلحة بن مطرف. وطاوس. والشعبي وغيرهم، وهو قول أبى سليمان وجميع أصحابنا،
وقال قوم: ليست فرضا واحتجوا بأن هذا الخبر رواه يحيى بن سعيد القطان عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه: (له شئ يريد أن يوصى فيه)
قالوا: فرد الامر إلى ارادته وقالوا: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص ورووا ان ابن عمر
وهو راوي الخبر لم يوص وان حاطب بن أبي بلتعة بحضرة عمر لم يوص. وان ابن عباس
قال فيمن ترك ثمانمائة درهم قليل: ليس فيها وصية، وان عليا نهى من لم يترك الا من السبعمائة
إلى التسعمائة عن الوصية، وان عائشة أم المؤمنين قالت فيمن ترك أربعمائة دينار في هذا
فضل عن ولده، وعن النخعي ليست الوصية فرضا، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي *
قال أبو محمد: كل هذا لا حجة لهم في شئ منه، وأما من زاد في روايته يريد أن
يوصى فان مالك بن انس رواه كما أوردنا بغير هذا اللفظ لكن بلفظ الايجاب فقط، ورواه
عبد الله بن نمير. وعبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر كما رواه مالك،
ورواه يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر كما رواه مالك، ورواه ابن وهب عن عمرو
ابن الحارث عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك. ويونس
عن نافع، وكلا الروايتين صحيح، فإذ هما صحيحان فقد وجبت الوصية برواية مالك ووجب
312

عليه أن يريدها ولابد وبالله تعالى التوفيق، وأما قولهم: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص
فقد كانت تقدمت وصيته بجميع ما ترك بقوله الثابت يقينا: انا معشر الأنبياء لا نورث
ما تركنا صدقة، وهذه وصية صحيحة بلا شك لأنه أوصى بصدقة كل ما يترك إذا مات
وإنما صح الأثر بنفي الوصية التي تدعيها الرافضة إلى علي فقط * وأما ما رووا من أن
ابن عمر لم يوص فباطل لان هذا إنما روى من طريق أشهل بن حاتم وهو ضعيف *
ومن طريق ابن لهيعة وهو لا شئ والثابت عنه ما رواه مالك عن نافع من ايجابه
الوصية وانه لم يبت ليلة مذ سمع هذا الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم الا ووصيته عنده مكتوبة *
وأما حديث حاطب (1) وعمر فمن رواية ابن لهيعة وهي أسقط من أن يشتغل بها *
وأما خبر ابن عباس ففيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف * وأما حديث على (2)
فإنه حد القليل بما بين السبعمائة إلى التسعمائة وهم لا يقولون بهذا وليس في حديث أم
المؤمنين بيان بما ادعوا ثم لو صح كل ذلك لما كانت فيه حجة لأنه قد عارضهم صحابة كما
أوردنا وإذا وقع التنازع لم يكن قول طائفة أولى من قول أخرى والفرض حينئذ هو
الرجوع إلى القرآن والسنة وكلاهما يوجب فرض الوصية أما السنة فكما أوردنا وأما
القرآن فكما نورد إن شاء الله تعالى *
1750 مسألة فمن مات ولم يوص ففرض أن يتصدق عنه بما تيسر ولابد
لان فرض الوصية واجب كما أوردنا فصح أنه قد وجب أن يخرج شئ من ماله بعد
الموت فإذ ذلك كذلك فقد سقط ملكه عما وجب اخراجه من ماله ولا حد في ذلك
الا ما رآه الورثة أو الوصي مما لا اجحاف فيه على الورثة وهو قول طائفة من السلف،
وقد صح به أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة أم المؤمنين أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ان أمي أفتلتت نفسها (3) وانها لو
تكلمت تصدقت أفأتصدق عنها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم فتصدق عنها)
فهذا ايجاب الصدقة عمن لم يوص وأمره عليه الصلاة والسلام فرض * ومن طريق مسلم
ابن الحجاج نا قتيبة نا إسماعيل هو ابن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي
هريرة: أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أبى مات ولم يوص فهل يكفر
عنه أن أتصدق عنه قال عليه الصلاة والسلام: نعم) فهذا ايجاب للوصية ولان
يتصدق عمن لم يوص ولابد لان التكفير لا يكون الا في ذنب فبين عليه الصلاة
والسلام ان ترك الوصية يحتاج فاعله إلى أن يكفر عنه ذلك بأن يتصدق عنه وهذا ما لا

(1) في النسخة رقم 14 (وأما خبر حاطب)
(2) في النسخة رقم 14 (وأما خبر على)
(3) أي ماتت فجأة وأخذت نفسها فلتة، يروى بنصب النفس ورفعها
313

يسع أحدا خلافه * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد
الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: مات عبد الرحمن بن أبي بكر
في منام له (1) فأعتقت عنه عائشة أم المؤمنين تلادا من تلاده فهذا يوضح إن الوصية
عندها رضي الله عنها فرض وان البر عمن لم يوص فرض إذ لولا ذلك ما أخرجت من ماله ما لم
يؤمر باخراجه * ومن طريق عبد الرزاق انا ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة أنه سمع
طاوسا يقول: ما من مسلم يموت لم يوص الا وأهله أحق أو محقون ان يوصوا عنه
قال ابن جريج: فعرضت على ابن طاوس هذا وقلت: أكذلك؟ فقال: نعم، والعجب
أنهم يقولون: ان المرسل كالمسند وقد روينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج. وسفيان.
ومعمر كلهم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أن رجلا قال: يا رسول الله ان أمي توفيت
ولم توص أفأوصي عنها؟ فقال: نعم * ومن طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي
بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق عن
امرأة ماتت ولم توص وليدة وتصدق عنها بمتاع) ولا مرسل أحسن من هذين
فخالفوهما لرأيهما الفاسد *
1751 مسألة وفرض على كل مسلم أن يوصى لقرابته الذين لا يرثون إما لرق
واما لكفر واما لان هنالك من يحجهم عن الميراث أو لأنهم لا يرثون فيوصى لهم بما
طابت به نفسه لا حد في ذلك فإن لم يفعل أعطوا ولا بد ما رآه الورثة أو الوصي فإن كان
والداه أو أحدهما على الكفر أو مملوكا ففرض عليه أيضا أن يوصى لهما أو لأحدهما ان
لم يكن الاخر كذلك فإن لم يفعل أعطى أو أعطيا من المال ولا بد ثم يوصى فيما شاء بعد ذلك
فان أوصى لثلاثة من أقاربه المذكورين أجزأه، والأقربون هم من يجتمعون مع الميت
في الأب الذي به يعرف إذا نسب ومن جهة أمه كذلك أيضا هو من يجتمع مع أمه في
الأب الذي يعرف بالنسبة إليه لان هؤلاء في اللغة أقارب ولا يجوز أن يوقع على غير هؤلاء
اسم أقارب بلا برهان * برهان ذلك قول الله تعالى: (الوصية للوالدين والأقربين
بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعدما سمعه فإنما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع
عليم) فهذا فرض كما تسمع فخرج منه الوالدان. والأقربون الوارثون وبقى من
لا يرث منهم على هذا الفرض، وإذ هو حق لهم واجب فقد وجب لهم من ماله جزء
مفروض اخراجه لمن وجب له ان ظلم هو ولم يأمر باخراجه وإذا أوصى لمن أمر به فلم
ينه عن الوصية لغيرهم فقد أدى ما أمره به وله أن يوصى بعد ذلك بما أحب، ومن أوصى

(1) يعنى انه مات فجأة من نومة نامها رضي الله عنه
314

لثلاثة أقربين فقد أوصى للأقربين وهذا قول طائفة من السلف روينا من طريق عبد الرزاق
عن معمر. وابن جريج كلاهما عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: من أوصى لقوم
وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على ذوي قرابته فإن لم يكن في أهله
فقراء فلاهل الفقر من كانوا * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن الحسن قال: إذا
أوصى في غير أقاربه بالثلث جاز لهم ثلث الثلث ورد على قرابته ثلثا الثلث * ومن طريق
الحجاج بن المنهال نا أبو هلال عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال فيمن أوصى لثلاثة (1)
في غير قرابته فقال: للقرابة الثلثان ولمن أوصى له الثلث * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق
القاضي نا علي بن عبد الله هو ابن المديني نا أبو معاوية الضرير نا الأعمش عن
مسروق أنه قال: ان الله قسم بينكم فأحسن القسمة وانه من يرغب برأيه عن رأى الله
عز وجل يضل أوص لقرابتك ممن لا يرث ثم دع المال على ما قسمه الله عليه * ومن طريق
إسماعيل نا سلمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن عطاء بن أبي ميمونة قال: سألت سالم
ابن يسار. والعلاء بن زياد عن قول الله عز وجل: (ان ترك خيرا الوصية للوالدين
والأقربين) فدعوا بالمصحف فقرءا هذا الآية فقالا: هي القرابة * ومن طريق إسماعيل
نا علي بن عبد الله نا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي عن قتادة عن عبد الملك بن يعلى أن
ه كان يقول فيمن يوصى لغير ذي القربى وله ذو قرابة ممن لا يرثه: انه يجعل ثلثا
الثلث لذوي القرابة وثلث الثلث لمن أوصى له به * ومن طريق إسماعيل نا محمد بن عبيد
نا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قول الله تعالى (ان ترك خيرا الوصية للوالدين
والأقربين) قال: نسخ منها الوالدان وترك الأقارب ممن لا يرث * ومن طريق إسماعيل
نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن اياس بن معاوية قال: هي للقرابة - يعنى الوصية
وبوجوب الوصية للقرابة الذين لا يرثون يقول اسحق: وأبو سليمان، وقال آخرون:
ليس ذك فرضا بل له أن يوصى لغير ذي قرابته وهو قول الزهري. وسالم بن عبد الله
ابن عمر، وسليمان بن يسار. وعمرو بن دينار. ومحمد بن سيرين، وهو قول أبي حنيفة.
والأوزاعي. وسفيان الثوري. ومالك. والشافعي، واحتجوا بحديث الذي أوصى
بعتق الستة الاعبد ولا مال له غيرهم فقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
فقالوا: هذه وصية لغير الأقارب *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه بيان انه كان بعد زول الآية
المذكورة ونحن لا نخالفهم في أن قبل نزولها كان للمرء أن يوصى لمن شاء فهذا الخبر موافق

(1) في النسخة رقم 16 بثلثه
315

للحال المنسوخة المرتفعة بيقين لا شك فيه قطعا فحكم هذا الخبر منسوخ بلا شك والآية
رافعة لحكمه ناسخة له بلا شك، ومن ادعى في الناسخ انه عاد منسوخا وفى المنسوخ انه
عاد ناسخا بغير نص ثابت وارد بذلك فقد قال الباطل وقفا ما لا علم له به. وقال على الله
تعالى ما لا يعلم وترك اليقين وحكم بالظنون، وهذا محرم بنص القرآن، ونحن نقول إن
الله تعالى قال: (تبيانا لكل شئ) فنحن نقطع وبنت ونشهد انه لا سبيل إلى نسخ ناسخ
ورد حكم منسوخ دون بيان وارد لنا بذلك ولو جاز غير هذا لكنا من ديننا في لبس
ولكنا (1) لا ندري ما أمرنا الله تعالى به مما نهانا عنه حاشا لله من هذا فظهر بطلان تمويههم
بهذا الخبر، وأيضا فليس فيه ان ذلك الرجل كان صليبة من الأنصار وكان له قرابة
لا يرثون فإذ ليس ذلك فيه فممكن أن يكون حليفا أتيا لا قرابة له فلا حجة لهم فيه، ولا
يحل القطع بالظن ولا ترك اليقين له، وأعجب شئ احتجاجهم في هذا بأن عبد الرحمن
ابن عوف أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف درهم. ولأهل بدر
بمائة دينار مائة دينار لكل واحد منهم وان عمر أوصى لكل أم ولد له بأربعة آلاف
درهم أربعة آلاف درهم، وان عائشة أم المؤمنين أوصت لآل أبى يونس مولاها بمتاعها *
قال أبو محمد: ان هذا لمن قبيح التدليس في الدين وليت شعري أي شئ في هذا مما يبيح
أن لا يوصى لقرابته؟ وهل في شئ من هذه الأخبار انهم رضي الله عنهم لم يوصوا
لقرابتهم؟ فان قالوا: لم يذكر هذا فيه قلنا: ولا ذكر فيه انهم أوصوا بالثلث فأقل ولعلهم
أوصوا بأكثر من الثلث وهذه كلها فضائح نعوذ بالله من مثلها ونسأله العصمة والتوفيق *
1752 - مسألة - ولا تحل الوصية لوارث أصلا فان أوصى لغير وارث فصار
وارثا عند موت الموصى بطلت الوصية له فان أوصى لوارث ثم صار (2) غير وارث لم تجز له
الوصية لأنها إذ عقدها كانت باطلا، وسواء جوز الورثة ذلك أو لم يجوزوا لان
الكواف نقلت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث) فإذ قد منع الله تعالى من
ذلك فليس للورثة أن يجيزوا ما أبطله الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يبتدئوا
هبة لذلك من عند أنفسهم فهو مالهم، وهذا قول المزني. وأبي سليمان، فان قيل: فقد
رويتم من طريق ابن وهب عن عبد الله بن سمعان. وعبد الجليل بن حميد اليحصبي. ويحيى
ابن أيوب. وعمر بن قيس سندل قال عمر بن قيس: عن عطاء بن أبي رباح وقال
الآخرون: نا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ثم اتفق عطاء. وعبد الله أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح في خطبته: لا تجوز وصية لوارث الا أن يشاء الورثة زاد عطا

(1) في النسخة رقم 14 وكنا
(2) في النسخة رقم 14 (فصار)
316

في حديثه وان أجازوا فليس لهم أن يرجعوا قلنا: هذا مرسل ثم هو من المرسل فضيحة
لان الأربعة الذين ذكرهم ابن وهب كلهم مطرح وان في اجتماعهم لأعجوبة، وعهدنا
بالحنيفيين. والمالكيين يقولون: ان المرسل كالمسند والمسند كالمرسل ولا يبالون
بضعيف فهلا أخذوا بهذا المرسل ولكن هذا مما تناقضوا فيه، وقال أبو حنيفة: لهم
أن يرجعوا بعد موته، وقال مالك: لا رجوع لهم الا أن يكونوا في كفالته فلهم
أن يرجعوا *
1753 - مسألة - ولا تجوز الوصية بأكثر من الثلث كان له وارث أو لم يكن
له وارث أجاز الورثة أو لم يجيزوا، صح من طرق عن سعد بن أبي وقاص أنه قال:
عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أوصى بمالي كله؟ قال: لا قلت: فالنصف قال: لا قلت:
فالثلث قال: نعم والثلث كثير) والخبر بان رجلا من الأنصار أوصى عند موته بعتق
ستة أعبد لا مال له غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق
أربعة، وقال مالك: ان زادت وصيته عن الثلث بيسير كالدرهمين ونحو ذلك جازت
الوصية في كل ذلك وهذا خلاف الخبر، وخطأ في تحديده ما ذكر دون ما زاد وما
نقص، ولا تخلو تلك الزيادة قلت أو كثرت من أن تكون من حق الموصى أو من حق
الورثة فإن كانت من حق الموصى فما زاد على ذلك فمن حقه أيضا فينبغي أن ينفذوا إن كانت (1)
من حق الورثة فلا يحل للموصى أن يحكم في مالهم وقالت طائفة: من لا وارث له فله
أن يوصى بماله كله. صح ذلك عن ابن مسعود وغيره كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: قال لي
عبد الله بن مسعود: انكم من أحرى حي بالكوفة أن يموت أحدكم فلا يدع عصبة ولا
رحما فلا يمنعه إذا كان ذلك أن يضع ماله في الفقراء والمساكين * ومن طريق سفيان
ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق أنه قال فيمن ليس له مولى
عتاقة: انه يضع ماله حيث يشاء (2) فإن لم يفعل فهو في بيت المال * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال:
إذا مات وليس عليه عقد لاحد ولا عصبة يرثونه فإنه يوصى بماله كله حيث شاء *
ومن طريق حماد بن سلمة أن أبا العالية الرياحي أعتقته مولاته سائبة فلما احتضر
أوصى بماله كله لغيرها فخصمت في ذلك فقضى لها بالميراث وهو قول الحسن البصري
وأبي حنيفة. وأصحابه. وشريك القاضي. وإسحاق بن راهويه، وقال مالك.

(1) في النسخة رقم 14 إن كان
(2) في النسخة رقم 16 حيث شاء
317

وابن شبرمة، والأوزاعي. والحسن بن حي: والشافعي: واحمد. وأبو سليمان: ليس
له أن يوصى بأكثر من الثلث كان له وارث أو لم يكن *
قال أبو محمد: احتج المجيزون لذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: الثلث والثلث
كثير أنك ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس قالوا: فإنما
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم العلة في أن لا يتجاوز الثلث في الوصية أن يغنى الورثة فإذا لم تكن
له ورثة فقد ارتفعت العلة فله ان يوصى بما شاء، وقالوا: هو قول ابن مسعود ولا يعرف
له من الصحابة مخالف، وقالوا: فلما كان مال من لا وارث له إنما يستحقه المسلمون لأنه
مال لا يعرف له رب فإذ هو هكذا ولم يكن فيه لاحد حق فلصاحبه ان يضعه حيث شاء
وقالوا كما للامام أن يضعه بعد موته حيث شاء فكذلك لصاحبه ما نعلم لهم شيئا يشغبون
به غير هذا (1) وكله لا حجة لهم فيه. أما قولهم: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل العلة في أن
لا يتجاوز الثلث غنى الورثة فباطل من قولهم، ما قال عليه الصلاة والسلام قط ان أمري
بان لا يتجاوز الثلث في الوصية إنما هو لغنى الورثة إنما قال عليه الصلاة والسلام:
الثلث والثلث كثير. فهذه قضية قائمة بنفسها وحكم فصل غير متعلق بما بعده ثم ابتدأ
عليه الصلاة والسلام قضية أخرى مبتدأة قائمة بنفسها غير متعلقة بما قبلها فقال: انك
ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس *
برهان صحة هذا القول انه لا يحل أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه علل علة فاسدة
منكرة (2) حاش له من ذلك ونحن نجد من له عشرة من الورثة فقراء ولم يترك الا درهما
واحدا فان له باقرارهم أن يوصى بثلثه ولا يترك لهم ما يغنيهم من جوع غداء واحدا
ولا عشاءا واحدا ونحن نجد من لا يترك وارثا الا واحدا غنيا موسرا مكثرا ولا يخلف
الا درهما واحدا فليس له عندهم ولا عندنا ان يوصى الا بثلثه وليس له غنى فيما يدع له
ولو كانت العلة ما ذكروا (3) لكان من ترك ابنا واحدا وترك ثلاثمائة ألف دينار يكون
له أن يوصى بالنصف لان له فيما يبقى غنى الأبد فلو كانت العلة غنى الورثة لروعى ما يغنيهم
على حسب كثرة المال وقتله وهذا باطل عند الجميع فصح أن الذي قالوه باطل وان
الشريعة في ذلك إنما هو تحديد الثلث فما دونه فقط قل المال أو كثر كان فيه للورثة غنى أو
لم يكن، وأما قولهم: انه قول ابن مسعود ولا يعرف له من الصحابة مخالف فلعلهم
يقرعون بهذه العلة المالكيين. والشافعيين الذين يحتجون عليهم بمثلها ويوردونها عليهم
في غير ما وضع ويتقاذفون لها أبدا، وأما نحن فلا نرى حجة إلا في نص قرآن أو سنة عن

(1) في النسخة رقم 14 يشنعون به غير ما ذكرنا
(2) في النسخة رقم 14 منكسرة
(3) في النسخة رقم 16 ما قالوا
318

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالله تعالى التوفيق * وأما قولهم: إنما يأخذ المسلمون مال من لا
وارث له لأنه لا رب له فإذ لا يستحقه بموته أحد فصاحبه أحق به ما زادونا على تكرار
قولهم وان جعلوا دعواهم حجة لدعواهم، وفى هذا نازعناهم وليس كما قالوا لكن نحن
وأموالنا لله تعالى ولا يحل لاحد ان يتصرف في نفسه ولا في ماله الا بما أذن الله له فيه مالكه
ومالك ماله عز وجل فقط (1)، ولولا أن الله تعالى أطلق أيدينا على أموالنا فيما شاء لما
جاز لنا فيها حكم كما لا يجوز لنا فيها حكم حيث لم يبح الله تعالى لنا التصرف فيها، ولولا أن
الله تعالى أذن لنا في الوصية بعد الموت لما جاز لنا أن نوصي بشئ فأباح الله تعالى
الثلث فما دونه فكان ذلك مباحا ولم يبح أكثر فهو غير مباح * وأما قولهم كما للامام
أن يضعه حيث يشاء فصاحبه أولى فكلام بارد وقياس فاسد وهم يقولون فيمن ترك
زوجة ولم يترك ذا رحم ولا مولى ولا عاصبا ان الربع للزوجة وان الثلاثة الأرباع
يضعها الامام حيث يشاء (2) وانه ليس له ان يوصى بأكثر من الثلث فهلا قاسوا
ههنا كما للامام أن يضع الثلاثة الأرباع حيث يشاء فكذلك صاحب المال ولكن هذا
مقدار قياسهم فتأملوه، وأما إذا اذن الورثة في أكثر من الثلث فان عطاء. والحسن.
والزهري وربيعة. وحماد بن أبي سليمان. وعبد الملك بن يعلى. ومحمد بن أبي ليلى.
والأوزاعي قالوا: إذا أذن الورثة فلا رجوع لهم ولم يخصوا اذنا في صحة من اذن في
مرض، وقال شريح. وطاوس. والحكم بن عتيبة. والنخعي. والشعبي: وسفيان
الثوري والحسن بن حي. وأبو حنيفة. والشافعي. وأبو ثور. وأحمد بن حنبل:
إذا أذنوا له في مرضه أو عند موته أو في صحته بأن يوصى بأكثر من الثلث لم يلزمهم ولهم
الرجوع إذا مات، وقالت طائفة: لا يجوز ذلك أصلا كما روينا من طريق وكيع عن
المسعودي هو أبو عميس عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبي عون
هو محمد بن عبيد الله الثقفي عن القاسم عن عبد الرحمن أن رجلا استأمر ورثته
في أن يوصى بأكثر من الثلث فاذنوا له فلما مات رجعوا فسئل ابن مسعود فقال لهم ذلك
النكرة لا يجوز * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن داود عن عكرمة عن
ابن عباس قال: الضرار في الوصية من الكبائر ثم قرأ ابن عباس (تلك حدود الله ومن
يتعد حدود الله) ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أشعث بن عبد الله عن شهر بن
حوشب عن أبي هريرة مسندا ان الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى جاز
في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وان الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة

(1) في النسخة رقم 14 سقط لفظ (فقط)
(2) في النسخة رقم 16 شاء
319

فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة تم يقول أبو هريرة: اقرءوا ان شئتم
(تلك حدود الله) إلى قوله (عذاب مهين) قال أبو محمد: إنما أوردناه لقول أبي هريرة
فقط * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: يرد
عن حيف الناحل الحي ما يرد من حيف الناحل في وصيته، فهؤلاء ثلاثة من الصحابة
لا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف ابطلوا ما خالف السنة في الوصية ولم
يجيزوا ولم يشترطوا رضى الورثة وهو قول المزني. وأبي سليمان. وأصحابنا، وقال مالك:
ان استأذنهم في صحته فاذنوا له فلهم الرجوع إذا مات وان استأذنهم في مرض موته
فاذنوا له فلا رجوع لهم الا أن يكونوا في عياله ونفقته فلهم الرجوع *
قال أبو محمد: أما قول مالك: فلا نعلمه عن أحد قبله ولا نعلم له حجة أصلا ولا
يخلو المال كله أو بعضه من أن يكون لمالكه في صحته وفى مرضه أو يكون كله أو بعضه
لورثته في صحته ومرضه (1) فإن كان المال لصاحبه في صحته ومرضه (2) فلا اذن
للورثة فيه، ومن المحال الباطل جواز اذنهم فيما لا حق لهم فيه وفيما هو حرام عليهم حتى
لو سرقوا منه دينارا لوجب القطع على من سرقه منهم، وقد يموت أحدهم قبل موت المريض
فيرثه، ولا سبيل إلى أن يقول أحد: ان شيئا من مال المريض لوارثه قبل موت الموروث
لما ذكرنا فبطل هذا القول بيقين، وأما من أجاز اذنهم فإنهم يحتجون بقول الله عز وجل:
(أوفوا بالعقود) وهذا عقد قد التزموه فعليهم الوفاء به *
قال أبو محمد: ولقد كان يلزم من أجاز العتق قبل الملك والطلاق قبل النكاح أن
يقول بالزامهم هذا الاذن ولكنهم تناقضوا في ذلك *
قال على: وأما نحن فنقول: كل عقد لم يأت به قرآن ولا سنة الامر به أو بإباحته
فهو باطل وإنما أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود التي أمر بها نصا أو أباحها نصا، وأما من
عقد معصية فما اذن الله تعالى قط في الوفاء بها بل حرم عليه ذلك كمن عقد على نفسه أن
يزني أو يشرب الخمر والزيادة على الثلث معصية منهى عنها فالعقد في الاذن من ذلك فيما لم
يأذن الله تعالى فيه باطل محرم فسقط هذا القول، وأما من أجاز للورثة أن يجيزوا ذلك
بعد الموت فخطأ ظاهر لان المال حينئذ صار للورثة فحكم الموصى فيما استحقوه بالميراث
باطل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام) فليس
لهم إجازة الباطل لكن ان أحبوا ان ينفذوا ذلك من مالهم باختيارهم فلهم ذك ولهم
حينئذ ان يجعلوا الاجر لمن شاءوا وبالله تعالى التوفيق، وهذا مما خالفوا فيه ثلاثة من

(1) في النسخة رقم 16 أو في مرضه
(2) في النسخة رقم 16 وفى مرضه
320

الصحابة (1) لا يعرف لهم منهم مخالف *
1754 مسألة ومن أوصى بأكثر من ثلث ماله ثم حدث له مال لم يجز من
وصيته الا مقدار ثلث ما كان له حين الوصية لان ما زاد على ذلك عقده عقدا حراما
لا يحل كما ذكرنا، وما كان باطلا فلا يجوز أن يصح في ثان إذ لم يعقد ولا محال أكثر من
عقد لم يصح حكمه إذ عقد ثم يصح حكمه إذ لم يعقد فلو أوصى بثلثه فأقل ثم نقص ماله
حتى لم يحتمل وصيته ثم زاد لم ينفذ من وصيته الا مقدار ثلث أقل ما رجع إليه من
ماله لان وصيته بما زاد على ثلث ما رجع إليه ماله قد بطلت وما بطل فلا سبيل إلى عودته
دون ان تبتدئ اعادته بعقد آخر إذ قد بطل العقد الأول، فلو أوصى بأكثر من ثلث ماله
عامدا وله مال لم يعلم به لم ينفذ الا في مقدار ثلث ما علم فقط لأنه عقد ما زاد على ذلك عقد
معصية فهو باطل، فلو قال في كل ما ذكرنا: ان رزقني الله مالا فانى أوصى منه بكذا أو قال
أوصى إذا مات أن يخرج عنه ثلث ما يتخلف أو جزءا مشاعا أقل من الثلث أو قال:
فيخرج مما يتخلف كذا وكذا فهذا جائز وتنفذ وصيته من كل ما كسبه قبل موته
وبعد تلك الوصية بأي وجه كسبه أو بأي وجه صحيح ملكه بميراث أو غيره علم به أو
لم يعلم لأنه عقد عقدا صحيحا فيما يتخلفه ولم يخص بوصيته ما يملك حين الوصية وقد
عقد وصيته عقدا صحيحا لم يتعد فيه ما أمر الله عز وجل فهي وصية صحيحة كما ذكرنا فلو
أوصى بثلث ماله وماله يحتمله وله مال لم يعلم به ثم نقص ماله الذي علم أو لم ينقص
فوصيته نافذة فيما علم وفيما لم يعلم لأنه عقدها عقدا صحيحا تاما من حين عقده إلى حين
مات ولا تدخل ديته ان قتل خطأ فيما تنفذ منه وصاياه لأنها لم تجب له قط ولا ملكها
قط وإنما وجبت بعد موته لورثته فقط وهو قول طائفة من السلف كما روينا من طريق
حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة وزياد الأعلم قال الحجاج عن أبي إسحاق السبيعي عن
الحارث عن علي بن أبي طالب وقال زياد الأعلم: عن الحسن ثم اتفق على. والحسن
فيمن أوصى بثلث ماله ثم قتل خطأ انه يدخل ثلث ديته في ثلثه وإن كان استفاد مالا ولم
يكن شعر به دخل ثلثه في وصيته وهو قول إبراهيم النخعي. والأوزاعي. وأبي حنيفة
وأصحابه وبه قال أبو ثور. وأحمد بن حنبل. واسحق حاش الدية فلا تدخل وصيته فيها،
وقال آخرون: لا تدخل وصيته الا فيما علم من ماله لا فيما لم يعلم به روى ذلك عن
أبان بن عثمان. وعمر بن عبد العزيز. ومكحول. ويحيى بن سعيد الأنصاري.
وربيعة، وقال مالك: كذلك الا فيما رجاه ولم يعلم قدره كربح مال ينتظره أو غلة

(1) في النسخة رقم 14 ثلاثة صحابة
321

لا يدرى مبلغها فان وصاياه تدخل فيها وما نعلم (1) هذا التقسيم عن أحد قبله، ولا نعلم
له حجة أصلا *
وبرهان صحة قولنا قول الله تعالى في آية المواريث: (من بعد وصية يوصى بها
أو دين) فأوجب عز وجل الميراث في كل ما علم به من ماله أو لم يعلم، وأوجب الوصية
والدين مقدمين كذلك على المواريث، فالمفرق بين ذلك مبطل بلا دليل، واما يبطل
من الوصية ما قصد به ما نهى الله تعالى عنه فقط وما نعلم لمخالفيا حجة أصلا، وقد خالفوا
في ذلك صاحبا لا يعرف له من الصحابة مخالف، فان قالوا: ان الرواية في ذلك عن علي
لا تصح لان فيها الحجاج. والحارث قلنا. والرواية عن أبان بن عثمان لا تصح لأنها
عن عبد الحكم بن عبد الله وهو ضعيف، ولا تصح عن عمر بن عبد العزيز لأنها عن يزيد
ابن عياض وهو مذكور بالكذب، ولا تصح عن مكحول لأنها عن مسلمة بن علي
وهو ضعيف ولا عن ربيعة. ويحيى بن سعيد لأنها عمن لم يسم وبالله تعالى التوفيق *
1755 مسألة ولا تجوز الوصية لميت لان الميت لا يملك شيئا فمن أوصى
لحي ثم مات بطلت الوصية له فان أوصى لحي وليمت جاز نصفها للحي وبطل نصف الميت،
وكذلك لو أوصى لحيين ثم مات أحدهما جازت للحي في النصف وبطلت حصة الميت
وهو قول علي بن أبي طالب وغيره، وقال مالك: إن كان علم الموصى بأن الذي أوصى له
ميت فهو لورثة الميت فإن كان لم يعلم فهو لورثة الموصى *
قال على: هذا تقسيم فاسد بلا برهان، فان قيل: إذا أوصى له وهو ميت فإنما أراد
أن يكون لورثته قلنا: هذا باطل، ولو أراد الوصية لورثته لقدر على أن يقول ذلك
فتقويله ما لم يقل حكم بالظن والحكم بالظن لا يحل *
1756 مسألة والوصية للذمي جائزة ولا نعلم في هذا خلافا وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل ذي كبد رطبة أجر) *
1757 مسألة ولا تجوز الوصية بمالا ينفذ لمن أوصى له بها أو فيما أوصى به
ساعة موت الموصى مثل ان يوصى بنفقة (2) على إنسان مدة مسماة أو بعتق عبد بعد أن
يخدم فلانا مدة مسماة قلت أو كثرت أو يحمل بستانه في المستأنف أو بغلة داره وما
أشبه ذلك: فهذا كله باطل لا ينفذ منه شئ، وهذا مكان اختلف الناس فيه فروينا من
طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب أنه قال فيمن
أوصى لآخر بغنم حياته انه جائز ويكون للموصى له من الغنم البانها وأصوافها وأولادها

(1) في النسخة رقم 14 ولا نعلم
(2) في النسخة رقم 16 (على نفقة)
322

مده حياته لأنه يعمل فيها ويقوم عليها وليس له أن يأكل منها الا بقدر ما كان ربها
يأكل من عروضها، وكذلك يصيب من أولادها ما يصيب من أمهاتها *
قال أبو محمد: وهذا قول ظاهر الخطأ أول ذلك ان جعل له أصوافها وألبانها وأولادها مدة حياته لأنه يقوم عليها فهذه إجارة إذا، والإجارة بمجهول على مدة مجهولة
باطل لا يحل وأكل مال بالباطل وشرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، ثم لم
يجعل له أن يأكل من أعيان الغنم الا ما كان يأكل الموصى منها وهذا في غاية البطلان
لأنه مجهول وقد كان يمكن أن يأكل منها الكثير في العام ويمكن أن لا يأكل منها شيئا
ويمكن أن يأكل منها قليلا فهذا أيضا أكل مال بالباطل، وقد كان للموصى أن يبيعها
ويهبها ويبيع منها ويهب منها فهلا جعل للموصى له أن يبيع منها وأن يهب كما كان للموصى
والا فما الفرق بين الاستهلاك بالاكل وبين الاستهلاك بالبيع أو الهبة؟ *
قال على: ويكفى من هذا أن الموصى له لا يخلو من أن يكون ملك الغنم التي أوصى له
بها مدة حياته أو لم يملكها ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن كان ملكها فله أن يبيعها كلها أو
ما شاء منها وان يهبها كذلك. وأن يأكلها كذلك، وإن كان لم يملكها لم يحل له أكل
شئ منها ولا من أصوافها ولا من البانها وأولادها لأنها مال غيره وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) ولا شك بنص القرآن في أن ما يخلفه الميت
مما لم يوص به قطعا فهو ملك للورثة وإذ هو ملكهم فلا يحل للموصى حكم في مال الورثة
وبالله تعالى التوفيق * وروينا عن عبد الرزاق عن معمر فيمن أوصى لزيد بثلث ماله
ولآخر بنفقته حتى يموت انه يوقف للموصى له بالنفقة نصف الثلث *
قال أبو محمد: وهذا خطأ لأنه قد لا يعيش الا يوما أو أقل وقد يعيش عشرات أعوام
فهذا مجهول فهو باطل لا يعرف بماذا أوصى له * وروينا عن سفيان الثوري فيمن أوصى
أن يكاتب عبده بألف درهم وقيمته ألف درهم أو أكثر فلم يوص له بشئ، فان أوصى
أن يكاتب بأقل من قيمته فان ما نقص من قيمته وصية له *
قال على: هذا خطأ والوصية بالمكاتبة جملة باطل لان العبد خارج بموت
الموصى إلى ملك الورثة فوصيته بمكاتبة عبد الورثة باطل لأنه مال الورثة، وقال
الأوزاعي فيمن له ثلاثة أولاد وعبد فأوصى بان يخدم ذلك العبد واحدا من أولاده
سماه وعينه سنة ثم العبد حر: فإنه يخدم أولاده كلهم سنة ثم هو حر *
قال على: وهذا خطأ لأنه حكم بغير ما أوصى به الموصى فلا هو أنفذ وصيته ولا
هو أبطلها، ولا يخلو من أن تكون صحيحة أو فاسدة فإن كانت صحيحة فقد أبطل الصحيح
323

وإن كانت فاسدة فقد أجاز الفاسد، فان قال: جمعت فسادا وصحة فأجزت الصحيح
وأبطلت الفاسد قلنا له: بل أجزت الفاسد وهو عتقه ملك بنيه وعبدهم وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وقال الليث بن سعد بجواز الوصية بكل
ما ذكرنا: انه لا يجوز، وقال فيمن أوصى لانسان بثلثه ولآخر بالنفقة ما عاش ان
الثلث بينهما بنصفين *
قال أبو محمد: وهذا خطأ لأنه غير ما أوصى به الموصى ولا يجوز ان يحال
ما أوصى به الموصى إلى غير ما أوصى به الا بنص بما قال الليث، وقال عثمان البتي
فيمن أوصى لزيد بنفقة عشرة دراهم كل شهر ولعمرو بمائة درهم كل شهر: فإنهما يتحاصان
يضرب بمائة للموصى له بمائة ويضرب بعشرة للموصى له بعشرة فيعطى حصته ويعطى
الباقي الذي أوصى له بالمائة فإذا كان في الشهر الثاني ضرب الموصى له بعشره بعشرين
وضرب صاحب المائة بمائة وحسب صاحب العشرة بعشرة وحسب له ما أخذ في الشهر
الأول وكذلك يقسم بينهما كل شهر *
قال أبو محمد: وهذا كلام لا يعقل ولا يدرى منبعثه وقال أبو حنيفة فيمن أوصى
بخدمة عبده فلانا سنة ثم يعتق ولا مال له غيره: فإنه يخدم الموصى له يوما والورثة يومين
فإذا مضت له ثلاث سنين هكذا أعتق *
قال أبو محمد: نرى انه في قوله إنه يسعى في ثلثي قيمته للورثة * قال على: وقوله هذا فاسد،
قال: ومن أوصى لآخر بسكنى داره ولا مال له غيرها سكن الموصى له بثلث الدار (1)
وسكن الورثة بثلثيها وليس له أن يؤاجرها ولا ان يؤاجر العبد الموصى له بخدمته ولا أن
يخرجه عن ذلك البلد الا أن يكون الموصى له في بلد آخر فله أن يخرجه إلى بلده *
قال على: وهذا في غاية (2) الفساد لأنه خالف عهد الميت في الوصية بسكنى جميع
الدار فلم يجعل له الا سكنى ثلثها فقط وقيمة سكنى ثلث الدار أقل من ثلث الميت بلا شك
لان جميع الدار مال تخلفه فإذ هذه الوصية عنده جائزة فهلا أنفذ له جميعها لأنها أقل من
الثلث بلا شك، وأيضا فلا فرق بين كون الموصى له في بلد آخر وبين رحيله إلى بلد آخر
فإن كان البعد للموصى فللموصى له التصرف فيما أوصى له به حيث شاء وإن كان ليس
هو للموصى فالوصية بخدمته باطل، قال أبو حنيفة: ومن أوصى بغلة بستانه لزيد
وفيه غلة ظاهرة إذ مات الموصى فليس للموصى له الا تلك الغلة بعينها فقط فلو لم يكن فيها
غلة إذ مات فله ثلثها أبدا ما عاش *

(1) في النسخة رقم 14 (ثلث الدار)
(2) في النسخة رقم 14 وهذا غاية
324

قال أبو محمد: وهذا باطل أيضا وفرق بلا برهان، وهلا جعلوا له أول غلة تظهر بعد
موت الموصى فقط ثم لا شئ له في المستأنف كما فعلوا في الغلة الظاهرة، فان قالوا: حملنا
ذلك على العموم قلنا لهم: وهلا حملتم وصيته أيضا على العموم إذا مات وفى البستان غلة
ولو أن عاكسا عكس قولهم فأعطاه غلة البستان أبدا إذا مات وفيه غلة ظاهرة ولم يعطه
إذا مات ولا غلة في البستان الا أول غلة تظهر ما كان بين الحكمين بالباطل فرق، قال
أبو حنيفة: وإنما تجوز الوصية بسكنى الدار وخدمة العبد إذا أوصى به لانسان بعينه قال:
فلو أوصى بذلك للفقراء. والمساكين لم يجز ذلك *
قال على: ليس في المصيبة أكثر من هذا أن يكون ان أوصى لكافر أو لفاسق جاز
فان أوصى لفقراء المسلمين لم يجز أف لهذا القول، قال أبو حنيفة: ولو أوصى لزيد
بالنفقة ما عاش فان جوز الورثة ذلك وقف له جميع المال كله وتحاص هو وسائر الموصى
لهم الا أن يعين الموصى لهم ان ينفق عليه من الثلث فيوقفه له الثلث خاصة ويحاص
أيضا الموصى لهم، وقال أبو يوسف: يجعل له عمر مائة سنة ثم يوقف له الثلث خاصة
ما ينفق عليه فيما بقي له من مائة سنة فان عاش أكثر أعطى النفقة أيضا حتى يفرغ الثلث *
قال أبو محمد: وهذه وساوس لا تعقل والأسعار تختلف اختلافا متباينا فكيف
يقدر على هذا الجنون: وأجاز أبو حنيفة أن يوص لانسان بخدمة عبد ما عاش ولآخر
برقبة ذلك العبد ورأي النفقة. والكسوة على الذي أوصى له بالخدمة ورأي ما وهب
للعبد للذي له الرقبة *
قال على: وهذا باطل أيضا، ومن أين استحل أن يلزم الموصى له بالخدمة نفقة غير
عبده وكسوته؟ ان هذا لعجب، وقال محمد بن الحسن: ومن أوصى بعتق عبده بعد موته
بشهر فمات ومضى شهر لم يعتق الا بتجديد عتق (1) لأنه لو جنا جناية قبل تمام الشهر
كان للورثة أن يسلموه بجنايته *
قال على: فإذ ملكه للورثة كما قال: فكيف يعتق عبدهم بغير رضاهم وهذا كله لا خفاء
بفساده وقال مالك: من أوصى بخدمة عبده أو بغلة بستانه أو بسكنى داره أو بنفقته
على إنسان فكل ذلك جائز، فلو أوصى بخدمة عبده ما عاش لزيد وبرقبته لعمرو فهو
جائز قال: فلو أن الموصى له بخدمة العبد وهب لذلك العبد ما أوصى له به من خدمته أو
باعها منه عتق العبد ساعتئذ ولا مدخل للورثة في ذلك *
قال على: وهذا خلاف أقواله المعهودة من أن الوصية إذا لم يقبلها الموصى

(1) في بعض النسخ (بتجديد عقد).
325

له بها رجعت ميراثا وهذا تناقض من قوله، وهو أيضا خلاف ما أوصى به الموصى،
واطرف شئ قوله فان أعتقه الورثة لم ينفذ عتقهم فأبطل عتق مالكيه باقراره وأجاز
عتقه بخلاف وصية الموصى بعتقه، وقال مالك: للموصى له بخدمة العبد أو بسكنى
الدار: ان يؤاجرها قال: الا أن يوصى بان يخدم ابنه ما عاش ثم هو حر فهذا لا يؤاجر
لأنه قصد به قصد الحضانة *
قال أبو محمد: وهذا تناقض وخلاف ما أوصى به الموصى من السكنى والخدمة،
قال مالك: ولو أوصى له بخدمة عبده سنة وليس للموصى مال غيره فالورثة بالخيار بين أن
يسلموا له خدمة العبد سنة ثم يرجع إليهم وبين أن يعطوه ثلث جميع ما تركه الموصى ملكا *
قال على: وهذا خلاف الوصية جهارا، وقال مالك فيمن أوصى له بالنفقة ما عاش
حسب له عمر سبعين سنة ووقف له ما ينفق عليه فيما بقي من عمره إلى تمام السبعين فما فضل
رد على سائر الوصايا أو على الورثة * قال على: وهذا خطأ فاحش أول ذلك تخصيصه
سبعين سنة ثم قوله: يوقف له ما ينفق عليه ما بقي من عمره إلى تمام سبعين
والأسعار تختلف اختلافا فاحشا ثم النفقة أيضا شئ غير محدود لأنه يدخل
في النفقة ما يستغنى عنه كالتوابل واللحم وغير ذلك وكل هذه الأقوال فليس شئ منها
عن قرآن ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قول أحد [نعلمه] (1) قبلهم ولا قياس
ولا معقول بل هي مخالفة لكل ذلك، وقال الشافعي: تجوز الوصية بخدمة العبد وبسكنى
الدار وبغلة البستان والأرض وأجاز للموصى له بسكنى الدار ان يؤاجرها، وهذا تبديل
للوصية. وأجاز الوصية بخدمة عبد لزيد وبرقبته لعمرو، وقال فمن أوصى لانسان
بخدمة عبده سنة ولا مال للموصى غير ذلك العبد: انه يجوز من ذلك ما حمل الثلث فقط،
وقال أبو ثور: يجوز (2) كل ذلك وان للورثة بيع العبد ويشترط على المشترى تمام
الخدمة للموصى بها وان يخرجه الموصى له بخدمته إلى أي بلد شاء *
قال أبو محمد: فاتفق من ذكرنا على جواز الوصية بخدمة العبد وغلة البستان وسكنى
الدار ووافقهم على ذلك سوار بن عبد الله. وعبيد الله بن الحسن العنبريان. وإسحاق
ابن راهويه، وقال ابن أبي ليلى. وأبو سليمان وجميع أصحابنا: لا يجوز شئ من ذلك *
قال على: احتج من أجاز ذلك بأنه كما تجوز الإجارة في منافع كل ذلك فكذلك تجوز
الوصية بمنافع كل ذلك وما نعلم لهم شيئا غير هذا، وهو قياس والقايس باطل ثم هو
أيضا حجة عليهم لا لهم لان الإجارة إنما تجوز فيما ملك المؤاجر رقبته لا فيما لا ملك له

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 16 لا يجوز
326

فيه والدار. والعبد. والبستان منتقلة بموت المالك لها إلى ما أوصى فيه بكل ذلك أو
إلى ملك الورثة لا بد من أحدهما، وهذا باقرارهم منتقل إلى ملك الورثة ووصية المرء في
ملك غيره باطل لا تحل كما أن اجارته لملك غيره لا تحل والإجارة إنما هي في منافع حدثت
في ملكه والوصية هي في منافع تحدث في ملك غير الموصى وهذا حرام *
قال أبو محمد: قال الله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فلم يجعل عز وجل
للورثة الا ما فضل عن الدين والوصية فصح بنص القرآن ان ما أوصى به الموصى فلم يقع
قط عليه ملك الورثة لكن خرج بموت الموصى إلى الوصية بنص القرآن وصح بنص
القرآن ان ما ملكه الورثة فهو خارج عن الوصية فثبت انه لا وصية فيه للموصى أصلا،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فصح يقينا أن ما ملكه
الورثة فقد سقط عنه ملك الميت وإذ لا ملك له عليه فوصاياه فيه بعتق أو بنفقة أو بغير
ذلك باطل مردود مفسوخ، وبالله تعالى التوفيق *
1758 مسألة ومن أوصى بمتاع بيته لام ولده أو لغيرها فإنما للموصى له
بذلك ما المعهود ان يضاف إلى البيت من الفرش المبسوطة فيه والمعلق والفراش الذي
يقعد عليه والذي ينام عليه بما يتغطى فيه ويتوسده والآنية التي يشرب فيها ويؤكل والمائدة
والمسامير المسمرة فيه والمناديل والطست والإبريق، ولا يدخل في ذلك مالا يضاف
إلى البيت من ثياب اللباس والمرفوعة والتخوت ووطاء لا يستعمل في البيت ودراهم
ودنانير. وحلي. وخزانة وغير ذلك لأنه إنما يستعمل في ذلك ما يفهم من لغة الموصى
وبالله تعالى نتأيد *
1759 مسألة ولا تحل وصية في معصية لا من مسلم ولا من كافر كمن أوصى ببنيان
كنيسة أو نحو ذلك لقول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ولقوله تعالى:
(وأن احكم بينهم بما أنزل الله) فمن تركهم ينفذون خلاف حكم الاسلام وهو قادر على
منعهم فقد أعانهم على الاثم والعدوان *
1760 مسألة ووصية المرأة البكر ذات الأب وذات الزوج البالغة والثيب
ذات الزوج جائزة كوصية الرجل أحب الأب أو الزوج أو كرها ولا معنى لاذنهما في
ذلك لان أمر الله تعالى بالوصية جاء عاما للمؤمنين وهو لفظ يعم الرجال والنساء ولم يخص
عز وجل فيه أحدا من أحد وما كان ربك نسيا، وما نعلم في ذلك خلافا من أحد
وبالله تعالى التوفيق *
1761 - مسألة - ووصية المرء لعبده بمال مسمى أو بجزء من ماله جائز وكذلك
327

لعبد وارثه ولا يعتق عبد الموصى بذلك ولوارث الموصى أن ينتزع من عبده نفسه ما أوصى
له به فلو أوصى لعبده برقبته فالوصية باطل ولا يعتق العبد بذلك ولا شئ له، فلو أوصى
لعبده بثلث ماله أعطى ثلث سائر ما يبقى من مال الموصى بعد اخراج العبد عن ماله ولا يعتق
بذلك، وقد اختلف الناس في هذا فقال الحسن. وابن سيرين. وأبو حنيفة. ومالك.
والشافعي: من أوصى لعبده بثلث ماله أعتق العبد من الثلث فان فضل من الثلث شئ
أعطيه أيضا وكذلك ان أوصى له بجزء مشاع في ماله أقل من الثلث فيعتق ويعطى
ما فضل من ذلك الجزء، ثم اختلفوا ان لم يحمله الثلث فقال الحسن. وابن سيرين.
وأبو حنيفة: يعتق منه ما حمل الثلث ثم يعتق باقيه ويستسعى في قيمة ما فضل منه عن الثلث،
وقال مالك. والشافعي: يعتق منه ما يحمل الثلث ويبقى سائره رقيقا وكذلك أيضا عند
من ذكرنا ان أوصى له برقبته أو بنفسه فلو أوصى له بشئ معين من ماله أو بمكيل أو
موزون أو معدود فان أبا حنيفة وسفيان الثوري. وإسحاق بن راهويه قالوا: الوصية
باطل ويشبه أن يكون هذا قول الشافعي، وقال مالك: الوصية نافذة وليس للوارث
ان ينتزع ذلك، وقال الأوزاعي: الوصية للعبد باطلة بكل حال، وقال أبو ثور.
وأبو سليمان كما قلنا.
قال أبو محمد: اما من جوز الوصية للمملوك برقبته فباطل وكذلك من أجاز
أن يوهب للمملوك نفسه أو رقبته أو يتصدق عليه بها أو أن يملكها وأوجب له العتق
بذلك. برهان ذلك أنه لم يأت نص قرآن ولا سنة قط بأن المرء يملك رق نفسه فإذ لم
يأت بذلك قرآن ولا سنة وهو (1) في العقل ممنوع لان الملك يقتضى مالكا ومملوكا وقد
جاءت النصوص بإباحة فرج المملوكة وبحسن الوصاة بما ملكنا فصح ان المملوك غير
الملك بيقين، وأيضا فلو أن المملوك جاز أن يملك نفسه لكان حينئذ لا بد ضرورة من
أحد وجهين لا ثالث لهما اما أن يعتق بملكه له نفسه (2) واما أن لا يعتق بذلك، فان
قالوا: يعتق ولا بد قلنا: ومن أين قلتم هذا ونص في ذلك، فان قالوا: قياسا على من
يعتق عليه من ذوي رحمه فهو أولى بذلك قلنا: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان
هذا منه عين الباطل لأنه لا خلاف في افتراق حكم المرء في نفسه وحكمه في ذوي رحمه
وانه يجوز له في نفسه ما لا يجوز له في ذوي رحمه فللمرء أن يؤاجر نفسه للخدمة وليس له
أن يؤاجر ذا رحمه للخدمة فبطل هذا القياس الفاسد على كل حال، ثم لوجب عتقه
بذلك لكان بلا شك إذ ملك رق نفسه فقد سقط ملك سيده عنه جملة وصار العبد هو

(1) في النسخة رقم 16 هو باسقاط الواو
(2) في النسخة رقم 14 بملكه لنفسه.
328

المعتق لنفسه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الولاء لمن أعتق) فبطل أن يكون الولاء
في ذلك للسيد ووجب أن يكون ولاؤه لنفسه لأنه هو الذي أعتق على نفسه، وهذا
خلاف قولكم، وان قلتم: لا يعتق بذلك لزمكم أن تجيزوا له أن يبيع نفسه وأنتم لا تقولون
بهذا فوضح (1) تناقض قولكم وفساده بلا شك، وبالله تعالى التوفيق. فان قالوا: قد
قال الله تعالى حاكيا عن موسى عليه الصلاة والسلام ومصوبا له انه: (قال رب انى لا أملك
الا نفسي وأخي) قلنا: صدق الله عز وجل وصدق موسى صلى الله عليه وسلم وكذب من يحرف
الكلم عن مواضعه أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يعن قط بلا خلاف من أحد
وبضرورة الحس ملك رق نفسه ورق أخيه عليهما السلام ومن قال هذا فقد كفر وسخف
وتوقح ما شاء وإنما عنى بلا شك ولا خلاف ملك التصرف في أمر ربه عز وجل، وهذا
حق لا ينكره ذو عقل، فمن أضعف قولا وافحش جهلا ممن يحتج (2) بآية في خلاف نصها
ومعناها ان هذا لأمر عظيم نعوذ بالله من مثله. فإذ قد بطل أن يملك أحد رق نفسه فقد
بطل تمليكه ذلك إذ بطل تمليكه ذلك فقد بطل أن يكون له حكم نافذ غير الانكار
والابطال، وصح قولنا والحمد لله رب العالمين وأما ابطال الأوزاعي الوصية لعبد جملة
فخطأ ظاهر لان الله تعالى أمر بالوصية جملة ولم يخص العبد من الحر، قال تعالى: (من بعد
وصية يوصى بها أو دين) فكل وصية جائزة الا وصية منع منها نص قرآن أو سنة، وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل ذي كبد رطبة أجر) فان قيل العبد لا يملك قلنا: بل يملك
لان الله تعالى أجاز للعبد النكاح وأمر بانكاح الإماء وكلف الناكح جملة النفقة والاسكان
والصداق ولا يكلف ذلك الا مالك وكل ذلك فرض على كل ناكح قال تعالى: (فانكحوهن
باذن أهلهن وآتوهن أجورهن) فأمر تعالى باعطاء الأمة مهرها فصح أنه لها ملك صحيح،
وقال تعالى: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم أن يكونوا فقراء
يغنهم الله من فضله) وهذا نص ظاهر فصح أن ملك العبيد والإماء للمال وكونهم أغنياء
وفقراء كالأحرار، فان ذكروا قول الله عز وجل: (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) قلنا:
لم يقل الله تعالى: ان هذه صفة كل مملوك إنما ذكر من هذه صفته من المماليك وقد قال تعالى:
(رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ) افترون كل أبكم فواجب لا يملك المال أصلا
ولا فرق ببين النصين؟ * وبرهان صحة قولنا: ان الله تعالى لم يقل عبدا مملوكا لا يمكن أن
يملك مالا إنما قال: لا يقدر على شئ والله تعالى لا يقول الا الحق ونحن نرى العبيد
يقدرون على أشياء كقدرة الأحرار أو أكثر فيقدرون على الصلاة والصيام والطهارة

(1) في النسخة رقم 14 فصح
(2) في النسخة رقم 14 ممن احتج
329

والجماع والحركة وحمل الأثقال والقتال والغزو فصح ان الله تعالى لم يعن قط بتلك الآية
ملك المال وإنما عنى عبدا لا يقدر على شئ لضعف جسمه جملة فبطل تمويههم وبالله تعالى
التوفيق * ومن العجائب ابطالهم ملك العبد لشئ من الأموال ثم ملكوه ما لا يملك
وهو رقبته واما إجازة أبي حنيفة الوصي للمملوك بالجزء المشاع في المال وابطاله الوصية له
بالشئ المعين أو المكيل المعين. أو الموزون. أو المعدود فخطأ لا خفاء به وفرق لا برهان
له أصلا لا من قرآن. ولا من سنة. ولا رواية ساقطة. ولا قول صاحب. ولا تابع. ولا
قياس. ولا رأى سديد وقد علم كل ذي حس سليم ان من أوصى لعبده بثلث ماله فان
الشئ الموصى به هو غير الانسان الموصى له بذلك الشئ فصح يقينا انه لم يوص له من
رقبته بشئ وإنما أوصى له بجزء من ماله لا تدخل فيه رقبته، وأما قول مالك: ان
الوصية جائزة وليس للوارث أن ينتزعه منه فخطأ فاحش وقول لا نعلم أحدا قاله قبله
وقول لا برهان على صحته، فان قيل: إنه إذا انتزعه منه صارت الوصية للوارث قلنا:
هذا باطل ما صارت قط وصية لوارث لكن هي وصية لغير وارث ثم أخذها الوارث
بحق له كما يجيز مالك الوصية لزوج الابنة الفقير الذي لا شئ له ثم تأخذه الوارثة
في صداقها، وفى نفقتها وكسوتها، وكما أجاز أيضا الوصية لغريم الوارث العديم ثم
يأخذه الوارث في دينه فأي فرق بين الامرين؟ وبالله تعالى التوفيق *
1762 مسألة ولا تجوز وصية من لم يبلغ من الرجال والنساء أصلا، وقد
اختلف الناس في هذا فروينا من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه أن عمر بن الخطاب أجاز لها وصية غلام لم يحتلم
ببئر جشم قال عمرو بن سليم: فبعتها أنا بثلاثين ألف درهم * ومن طريق ابن وهب عن رجال
من أهل العلم عن ابن مسعود انه أجاز وصية الصبي وقال: من أصاب الحق أجزنا،
وروى ولم يصح عن أبان بن عثمان انه أجاز وصية جارية بنت تسع سنين بالثلث *
وعن جابر الجعفي عن الشعبي من أصاب الحق من صغير أو كبير أجزتا وصيته *
وعن ابن سمعان عن الزهري إذا عرف الصلاة جازت وصيته وان لم يحتلم الغلام
والجارية سواء، وصح عن شريح. وعبد الله بن عتبة بن مسعود. وإبراهيم النخعي إجازة
وصية الصغيرين إذا أصابا الحق، وقال الليث بن سعد كقول الزهري، وأجاز مالك
وصية من بلغ تسع سنين فصاعدا، وقول آخر صح عن عمر بن عبد العزيز ان من لم
يبلغ الحلم فان وصيته تجوز في قرب الثلث ولا نرى أن أن تبلغ الثلث * وروينا من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عنه، وقول ثالث قاله القاضي عبيد الله بن الحسن
330

العنبري وهو أنه إذا بلغ الصغيران سنا من وسط ما يحتلم له الغلمان جازت وصيتهما،
وقول رابع وهو ان وصية من لم يحتلم لا تجوز وكذلك المرأة ما لم تحتلم أو تحض كما
روينا من طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن
ابن عباس لا تجوز وصية الغلام حتى يحتلم، وصح هذا عن الحسن البصري وإبراهيم
النخعي أيضا، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان. وأصحابهم *
قال أبو محمد: اما تحديد عبيد الله بن الحسن ببلوغ من هي وسط ما يحتلم لها
الغلمان ومنع عمر بن عبد العزيز من بلوغ الثلث واجازته ما قرب من ذلك. وتخصيص
مالك ابن تسع فصاعدا فأقوال لا متعلق لها بشئ أصلا وما نعلم أحدا حد ذلك قبل مالك
ولعل بعض مقلديه يقول صح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة أم المؤمنين وهي بنت تسع
سنين فنقول له: نعم وصح أنه عليه الصلاة والسلام تزوجها وهي بنت ست سنين فأجيزوا
وصية ابن ست سنين بذلك وهذا كله لا مدخل له في الوصية أصلا، وأما من أجاز وصية
الصغيرين إذا أصابا الحق فإنهم احتجوا بقول الله تعالى: (وافعلوا الخير) قالوا: وهذا
عموم وقال تعالى في المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وهذا عموم وبالثابت
عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ سألته المرأة عن الصغير أله حج؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم
ولك أجر قالوا: ووجدناه يحض على الصلاة والصيام فالوصية كذلك، وقالوا:
السفيه والصغير ممنوعان من أموالهما في حياتهما ووصية السفيه جائزة فالصغير كذلك
وقالوا: هذا حكم عمر بحضره الصحابة رضي الله عنهم والرواية عن ابن عباس بخلاف
ذلك لا تصح لأنها عن هالكين. إبراهيم بن أبي يحيى. والحجاج بن أرطاة ومثل هذا
لا يقال بالرأي مالهم شبهة غير ما ذكرنا، وكل ذلك لا متعلق لمالك ومن قلده بشئ منه
لأنهم خصوا من دون التسع بلا برهان فخالفوا كل ذلك *
قال أبو محمد: وكله لا حجة لهم في شئ منه، أما قوله تعالى: (وافعلوا
الخير) وقوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فان من لم يبلغ غير
مخاطب بشئ من الشرائع لا بفرض ولا بتحريم ولا بندب ولا داخلا في هذا الخطاب
لكن الله تعالى تفضل عليه بقبول اعماله التي هي أعمال البر ببدنه دون أن يلزمه ذلك،
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ فصح أنه غير مخاطب
فبطل التعلق بالآيتين المذكورتين، وأما قوله عليه الصلاة والسلام في الصغير له حج
فنعم هو حق وليس في ذلك اطلاقه على التقرب بالمال والصدقة به لا في حياته
ولا في وصيته بعد وفاته فبطل تعلقهم بهذا الخبر وبالله تعالى التوفيق، والقياس
331

باطل ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل لأنهم لم يقيسوا الصدقة في
الحياة من الصغير على الحج منه فقياس الوصية بالمال على الصدقة بالمال أولى أن يكون
لو كان القياس حقا من قياس الوصية على الحج والصلاة * وأما قولهم: ان من لم يبلغ
يحض على الصلاة والصيام فكذلك الوصية فباطل أيضا لأنه قياس فاسد كما ذكرنا *
وأما قولهم: ان الصغير. والسفيه ممنوعان من مالهما ووصية السفيه جائزة فكذلك
الصغير فهذا من أفسد ما شغبوا به لأننا لا نساعدهم على أن مسلما يعقل يكون سفيها أصلا
حاش لله من ذلك إنما السفيه الكافر أو المجنون الذي لا يميز لكن نقول لهم: ان الصغير
والأحمق الذي لا يميز ممنوعان من مالهما ووصية الأحمق الذي لا يميز لا تجوز فالصغير كذلك، فهذا قياس أصح من قياسهم لان القضية الأولى متفق عليها وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولهم: انه فعل عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ومثله لا يقال بالرأي
فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنها لا تصح عن عمر. ولا عن
ابن مسعود لان أم عمرو بن سليم مجهولة، وعمرو بن سليم لم يدرك عمر ولا يدرى من
رواه عن ابن مسعود وقد خالفهما ابن عباس والرواية عنهم كلهم في ذلك لا تصح وكم
قضية خالفوا فيها عمر بن الخطاب لا يعرف له فيها مخالف من الصحابة رضي الله عنهم
فبطل كل ما شغبوا به وبالله تعالى التوفيق، فلما بطل كل ما احتجوا به وجدنا الله
تعالى يقول: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها
واكسوهم وقولوا هم قولا معروفا وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم
منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) فصح بنص القرآن أن المجنون. والصغير ممنوعان من
أموالهما حتى يعقل الأحمق ويبلغ الصغير فصح أنه لا يجوز لهما حكم في أموالهما أصلا
وتخصيص الوصية في ذلك خطأ، وكذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رفع القلم
عن ثلاثة) فذكر فيهم الصغير حتى يبلغ فصح أنه غير مخاطب وبالله تعالى التوفيق (1) *
1763 مسألة ولا تجوز وصية العبد أصلا لان الله تعالى إنما جعل
الوصية حيث المواريث والعبد لا يورث فهو غير داخل فيمن أمر بالوصية في القرآن
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصية (من له شئ يوصى فيه) وليس لاحد شئ يوصى فيه
الا من أباح له النص ذلك وليس للعبد شئ يوصى فيه إنما له شئ إذا مات صار لسيده
لا يورث عنه فاما من بعضه حر وبعضه عبد فوصيته كوصية الحر لأنه يورث فهو داخل
في عموم المأمورين بالوصية وبالله تعالى التوفيق *

(1) إلى هنا تم الجزء الرابع من المحلى للامام أبى محمد علي بن حزم الأندلسي من النسخة رقم 14 وأرجو الله تعالى
ان يوفقني إلى اتمام طبعه
332

1764 مسألة ومن أوصى بما لا يحمله ثلثه بدئ بما بدأ به الموصى في الذكر
أي شئ كان حتى يتم الثلث فإذا تم بطل سائر الوصية فإن كان أجمل الامر تحاصوا في
الوصية، وهذا مكان اختلف الناس فيه فروى عن ابن عمر. وعطاء الخراساني. وصح
عن مسروق. وشريح. والحسن البصري. وإبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب.
والزهري. وقتادة. وسفيان الثوري. وإسحاق بن راهويه انه يبدأ بالعتق على جميع
الوصايا، وقول آخر رويناه من طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة عن إبراهيم
النخعي قال: إنما يبدأ بالعتق إذا كان مملوكا له سماه باسمه فأما إذا قال: أعتقوا عنى نسمة
فالنسمة وسائر الوصية سواء، وهو قول الشعبي * وروينا من طريق سعيد بن منصور
قال: نا أشعث بن سوار عن الشعبي قال هشيم: وسمعت ابن أبي ليلى. وابن شبرمة يقولانه،
وقول ثالث وهو انه تتحاص الوصايا العتق وغيره سواء رويناه من طريق الحجاج
ابن المنهال نا حماد بن سلمة نا حماد بن زيد قال ابن سلمة: أنا قيس عن عطاء بن أبي رباح وقال
ابن زيد: أنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين ثم اتفق عطاء. وابن سيرين فيمن أوصى
بعتق وأشياء فزادت على الثلث ان الثلث بينهم بالحصص * ومن طريق سعيد بن منصور
نا هشيم أنا مطرف - هو ابن طريف - عن إبراهيم النخعي قال: يبدأ بالعتاقة وقال الشعبي
بالحصص ومن طريق سعيد بن منصور قال هشيم: أنا يونس بن عبيد عن الحسن أنه قال: يبدأ
بالعتق، ثم قال بعد ذلك بالحصص وهو قول أحمد بن حنبل. وأبي ثور. وأحد قولي ابن
شبرمة وزاد أنه يستسعى في العتق فيما فضل عن الوصية * وأما المتأخرون فان الليث بن سعد
قال: يبدأ بالمدبر والمعتق بتلا في المرض ويتحاصان ان لم يحملهما الثلث ثم من بعدهما
بمن أوصى بعتقه بعينه وهو في ملكه حين الوصية ثم يتحاص العتق الموصى به جملة
مع سائر الوصايا، وقال الحسن بن حي: يبدأ بالمعتق بتلا في المرض ثم العتق وسائر
الوصايا سواء يتحاص في كل ذلك *
وقال أبو حنيفة: يبدأ بالمحاباة في المرض ثم بعده بالعتق بتلا في المرض إذا كان العتق بعد
المحاباة فان أعتق في مرضه ثم حابى تحاصا جميعا فان حابى في مرضه ثم أعتق ثم حابى
فللبائع المحابي أولا نصف الثلث ويكون نصف الثلث الباقي بين المعتق في المرض بتلا
وبين المحابي في المرض آخرا فهذا يقدم على جميع الوصايا سواء قدم في ذلك في الذكر
أو أخره فان أوصى مع ذلك بحج وعتق وصدقة ووصايا لقوم بأعيانهم قسم الثلث أو
ما بقي منه بين الموصى لهم بأعيانهم وبين سائر القرب فما وقع للموصى لهم بأعيانهم
دفع إليهم وتحاصوا فيه وما وقع لسائر القرب بدئ بما بدأ به الموصى في الذكر فإذا تم فلا
شئ لما بقي، وقال أبو يوسف: ومحمد بن الحسن القاضي يبدأ بالعتق في المرض أبدا على المحاباة
333

في المرض ثم المحاباة فان أوصى بعتق مطلق أو بعتق عبد في ملكه وبمال مسمى في سبيل الله
عز وجل بصدقة وفى الحج ولانسان بعينه تحاص كل ذلك فما وقع للموصى له بعينه أخذه
وسائر ذلك يبدأ بما بدأ به الموصى بذكره أولا فأولا فإذا تم الثلث فلا شئ لما بقي * وقال زفر
ابن الهذيل: ان أعتق بتلافى مرضه ثم حابى في مرضه بدئ بالعتق وان حابى في مرضه ثم أعتق
بدئ بالمحاباة ثم سائر الوصايا سواء ما أوصى به من القرب وما أوصى به لانسان بعينه كل
ذلك بالحصص لا يقدم منه شئ على شئ وقال مالك: يبدأ بالمحاباة والمرض ثم بالعتق
بتلافى المرض والمدبر في الصحة ويتحاصان ثم عتق من أوصى بعتقه وهو في ملكه وعتق من
سماه وأوصى بأن يبتاع فيعتق بعينه ويتحاصان ثم سائر الوصايا ويتحاص مع ما أوصى به
من عتق غير معين وقد روى عنه ان المدبر يبدأ أبدا على العتق بتلافى المرض * وقال الشافعي:
إذا أعتق في المرض عبدا بتلا بدئ بمن أعتق أولا فأولا ولا يتحاصون في ذلك ويرق
من لم يحمله الثلث أو يرق منه ما يحمله الثلث والهبة في المرض مبداة على جميع الوصايا
بالعتق وغيره وقال مرة أخرى: يتحاص في المحاباة في المرض وسائر الوصايا علي السواء
قال: وقد قيل: أن المحاباة في البيع في المرض مفسوخ لأنه وقع على غرر *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة. وأبى يوسف. ومحمد بن الحسن. وزفر. ومالك.
والشافعي. والليث. والحسن بن حي. فظاهره الخطا لأنها دعاوى وآراء بلا برهان
لا من قرآن. ولا من سنة. ولا من رواية سقيمة. ولا قول أحد من خلق الله تعالى نعلمه
قبلهم ولا قياس ولا رأى سديد وليس لاحد أن يموه ههنا بكثرة القائلين لأنهم كلهم
مختلفون كما ترى وأفسدها كلها قول أبي حنيفة ثم قول مالك لكثرة تناقضهما وتفاسد
اقسامهما وهي أقوال تؤدى إلى تبديل الوصية بعد ما سمعت وفى هذا ما فيه، ثم نقول وبالله
تعالى التوفيق قولا جامعا في ابطال ما اتفق عليه المذكورون من تبدية العتق بتلافى
المرض والمحاباة في المرض فنقول لهم: يا هؤلاء أخبرونا عن قضاء المريض في عتقه وهبته
ومحاباته في بيعه أهو كله وصية أم ليس وصية ولا بد من أحدهما فان قالوا: ليس شئ
منه وصية قلنا: صدقتم وهذا قولنا وإذا لم يكن وصية فلا مدخل له في الثلث أصلا لان
الثلث بالسنة المسندة مقصور على الوصايا فقد أبطلتم إذ جعلتم ذلك في الثلث فان قالوا:
بل كل ذلك وصية قلنا لهم: من أين وقع لكم تبدية ذلك على سائر الوصايا وابطال ما أوصى
به المسلم وتبديله بعد ما سمعتموه وقد قال الله تعالى: (فمن بدله بعدما سمعه فإنما اثمه على
الذين يبدلونه) واعلموا أنه لا متعلق لهم بمن روى عنه تبدية العتق من ابن عمر ومسروق.
وشريح. والزهري. وقتادة. ثم عن النخعي. والشعبي. والحسن. في أحد أقوالهم
334

لأنه لم يأت قط عن أحد من هؤلاء ولا من غيرهم تبدية العتق في المرض في الثلث
والمحاباة في المرض في الثلث على سائر الوصايا إنما جاء عمن ذكرنا تبدية العتق على
سائر الوصايا وعن النخعي. والشعبي في أحد قوليهما تبدية عتق من أوصى بعتقه باسمه
وعينه وهو في ملك الموصى على سائر الوصايا فقد خالف المذكورون كل من ذكرنا بآراء
مخترعة في غاية الفساد، فان قالوا: وقع ذلك لنا لان العتق في المرض والمحاباة في المرض أوكد
من سائر الوصايا قلنا: هذا باطل من وجهين أحدهما انه دعوى كاذبة لا دليل على صحتها من
أين وجب أن تكون محاباة النصراني في بيع ثوب حرير. أو لخليع ماجن في بيع تفاح لنقله
اوكد من الوصية في سبيل الله عز وجل في ثغور مهمة ومن فك مسلم فاضل أو مسلمة كذلك
أو صغار مسلمين من أسر العدو ونخاف عليهم الفتنة في الدين والفضيحة في النفس؟ ان
هذا لعجب ما مثله عجب! ودعاوى فاحشة مفضوحة بالكذب، فان قالوا: العتق في المرض
قد استحقه المعتق وكذلك المحاباة قلنا: فإن كانا قد استحقاه فلم تردانهما إلى الثلث إذا
وما هذا التخليط تارة يتسحق ذلك وتارة لا يستحق وفى هذا كفاية في فساد تلك الأقوال
التي هي النهاية في الفساد نحمد الله تعالى على تخليصه إيانا من الحكم بها في دينه وعلى عباده
ولم يبق الا قول من قال بتقديم العتق جملة على سائر الوصايا وهو قول من ذكرنا من
المتقدمين وقول سفيان. وإسحاق *
قال أبو محمد: احتج هؤلاء بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله (من أعتق رقبة
أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه، وقالوا: من الدليل
على تأكيد العتق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انفذ عتق الشريك في حصة شريكه، وذكروا
خبرا رواه بشر بن موسى عن عبد الله بن يزيد المقرى عن حياة بن شريح عن يحيى بن
سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: مضت السنة أن يبدأ بالعتق في الوصية
وقالوا: هو قول ابن عمر وهو صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف، وقالوا: هو قول
جمهور العلماء، وقال بعضهم: العتق لا يلحقه الفسخ وسائر الأشياء يلحقها الفسخ وقال
بعضهم: لو أن امرءا أعتق عبد غيره وباعه آخر فبلغ ذلك السيد فأجاز الامرين جميعا
انه يجوز العتق ويبطل البيع ولو أن امرءا وكل رجلا بعتق عبده ووكل آخر بيعه
فوقع البيع والعتق من الوكيلين معا ان العتق نافذ والبيع باطل *
قال على: اما هاتان القضيتان فهو نصر منه للخطأ بالضلال وللوهم بالباطل بل
ليس لسيد إجازة عتق وقع بغير اذنه ولا إجازة بيع وقع بغير أمره لان كل ذلك حرام
بنص القرآن والسنة. والاجماع قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وقال
335

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فمن أحل الحرام فتحليله باطل
وقوله مردود لكن ان أحب نفاذ عتق عبده فليعتقه هو بلفظه مبتدئا وان أحب بيعه
فليبعه كذلك مبتدئا ولا بد، والتوكيل في العتق لا يجوز لأنه لم يأت بإجازته قرآن ولا
سنة وأما التوكيل في البيع فجائز بالسنة فمن وكل بعتق عبده لم ينفذ عتقه أصلا ومن وكل
في بيعه جاز ذلك، واما قولهم: العتق لا يلحقه فسخ وسائر الأشياء يلحقها فسخ فقد كذبوا
وكل عقد من عتق أو غيره وقع صحيحا فلا يجوز فسخه الا أن يأتي بايجاب فسخه قرآن أو
سنة والعتق الصحيح قد يفسخ وذلك من أعتق عبدا نصرانيا ثم أن ذلك العبد النصراني لحق
بدار الحرب فسبى وقسم فان عتقه الأول يفسخ عندنا وعندهم فظهر فساد قولهم كله. وأما
قولهم: انه قول جمهور العلماء فقد خالفهم من ليس دونهم كعطاء. وابن سيرين. والشعبي
والحسن. وليس قول الجمهور حجة لأنه لم يأت بذلك قرآن ولا سنة وما كان هكذا
فلا يعتمد عليه في الدين. أما قولهم: انه قول ابن عمر ولا يعرف له مخالف من الصحابة
فإنه عن ابن عمر لا يصح لأنه من رواية أشعث بن سوار وهو ضعيف ولم يأمر الله تعالى
بالرد عند التنازع الا إلى كلامه. وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام لا إلى كلام صاحب
ولا غيره فمن رد عند التنازع إلى غير كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تعدى
حدود الله تعالى ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه قال تعالى: (فان تنازعتم في شئ
فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر). وأما الرواية عن سعيد
ابن المسيب مضت السنة أن يبدأ بالعتق في الوصية فهذا غير مسند ولا مرسل أيضا، من
أضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا فقد كذب عليه ومن كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعده
من النار ولم يقل سعيد رحمه الله: ان هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حكمه وقد يقول ابن
المسيب وغيره: مثل هذا في قول صاحب، ومن أعجب ممن لا يرى قول ابن عباس بأصح
طريق إليه في قراءة أم القرآن في الصلاة على الجنازة انها السنة حجة ثم يرى قول سعيد بن
المسيب لذلك حجة وحتى لو أن سعيد بن المسيب يقول: ان هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقوله لكان مرسلا لا حجة فيه * وأما احتجاجهم في تأكيد العتق بالخبر الثابت عن النبي
صلى الله عليه وسلم فيمن أعتق رقبة * وانفاذه عليه الصلاة والسلام عتق الشريك في حصة شريكه فهما
سنتا حق بلا شك وليس فيهما الأفضل العتق والحكم في فقط ولم يخالفونا في شئ من
هذا وليس في هذين الخبرين أن العتق أوكد مما سواه من القرب أصلا ومن ادعى ذلك
فيهما فقد كذب وقال الباطل بل قد جاء نص القرآن بالتسوية بين العتق والاطعام لمسكين
قال تعالى: (وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة
336

أو مسكينا ذا متربة) وكذلك في كفارة الايمان وهذا كفارة حلق الرأس في الحج لمن به
أذى منه لو أعتق فيه ألف رقبة ما أجزأه وإنما يجزيه صيام أو صدقة أو نسك أفترى هذا
دليلا على فضل النسك على العتق حاش لله من هذا؟ إنما هي أحكام يطاع لها ولا يزاد فيها
ما ليس فيها ثم قد جاء النص الصحيح بان بعض القرب أفضل من العتق ببيان لا اشكال فيه
يكذب دعواهم في تأكيد العتق على سائر القرب * حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح
نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن جعفر بن
زياد نا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: (سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاعمال أفضل؟ قال: ايمان بالله ورسوله قيل: ثم ماذا؟ قال:
الجهاد في سبيل الله قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد
ابن معاوية نا أحمد بن شعيب انا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان قال: سمعت ابن وهب
قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير - هو ابن الأشج - أنه سمع كريبا مولى ابن عباس
يقول: سمعت ميمونة بنت الحارث هي أم المؤمنين تقول: أعتقت وليدة في زمان
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لو أعطيت اخوالك كان
أعظم لاجرك) فهذا نص جلى يغنى الله تعالى به عن تقحم الكذب (1) وتكلف القول
بالباطل بالظن الكاذب (2) والحمد لله رب العالمين، ثم لو صح لهم ان العتق أفضل من كل
قربة فمن أين لهم ابطال سائر ما تقرب به الموصى الله تعالى إيثار للعتق الذي هو أقرب؟
وهذا تحكم لا يجوز، ويلزم من قال بهذا ان يقول بما صح عن عطاء. وابن جريج الذي
رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أوصى انسان في أمر
فرأيت غيره خيرا منه قال: فافعل الذي هو خير للمساكين أو في سبيل الله فرأيت خيرا من
ذلك فافعل الذي هو خير ما لم يسم انسانا باسمه قال ابن جريج: ثم رجع عطاء عن ذلك فقال
لينفذ قوله قال ابن جريج: وقوله الأول أعجب إلى *
قال أبو محمد: من أبطل شيئا مما أوصى به المسلم إيثارا للعتق فقد سلك سبيل قول عطاء
الأول. وقول ابن جريج الا أنهم جمعوا إلى ذلك تناقضا قبيحا زائدا *
قال على: فإذ قد بطل قول من يرى تبدية بعض الوصايا علي بعض فلم يبق الا قولنا.
أو قول من رأى التحاص في كل ذلك فنظرنا في ذلك فوجدنا من فعل ذلك فد خالف ما أوصى
به الموصى أيضا بغير نص من قرآن أو سنة وهذا لا يجوز، فان قالوا: وأنتم قد خالفتم أيضا
ما أوصى به الموصى قلنا: خلافنا لما أوصى غير خلافكم لأنكم قد خالفتموه بغير نص من

(1) في النسخة رقم 14 عن التقحم في الكذب
(2) في النسخة رقم 14 وتكلف الباطل بالظن الكاذب.
337

قرآن ولا سنة ونحن خالفناه بنص القرآن والسنة، وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره *
قال أبو محمد: فلما عرى هذا القول أيضا من البرهان لزمنا أن نأتي بالبرهان على
صحة قولنا فنقول وبالله تعالى التوفيق: وجدنا الله تعالى يقول: (أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول) وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز الوصية الا بالثلث فأقل فصح يقينا أن
من أوصى بثلثه فأقل انه مطيع لله تعالى فوجب انفاذ طاعة الله عز وجل، ووجدنا
من أوصى بأكثر من الثلث عاصيا لله عز وجل ان تعمد ذلك على علم وقصد وإما مخطئا
معفوا عنه الاثم إن كان جهل ذلك وفعله باطل بكل حال ولا يحل انفاذ معصية الله عز وجل
ولا امضاء الخطأ قال الله تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل) ووجدنا الموصى إذا أوصى
في وجه ما بمقدار ما دون الثلث فقد وجب انفاذ كل ما أوصى به كما ذكرنا فإذا زاد على الثلث
كانت الزيادة باطلا لا يحل انفاذه، فصح نص قولنا حرفا حرفا كما أمر الله تعالى. ورسوله
عليه الصلاة والسلام، فان قال قائل: ومن قال هذا قبلكم قلنا له: إن كان حنيفيا أو مالكيا
من قال قبل مالك وأبي حنيفة بأقوالهما في هذه المسألة الا أن بين الامرين فرقا وهو ان
أقوالهما لا يوافقهما نص ولا قياس وقولنا هو نفس ما أمر به الله تعالى ورسوله عليه
الصلاة والسلام وإنما في هذه المسألة قول عن عشرة من التابعين وواحد من الصحابة
رضي الله عنهم وهم عشرات ألوف فأين أقوال سائرهم، فكيف وقد قال بتبدية ما ابتدأ
به الموصى أبو حنيفة. والشافعي كما ذكرنا في بعض أقوالهما وما نقول هذا متكثرين
بأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مستوحشين إلى سواه ولكن لنرى المخالف فساد اعتراضه
وفاحش انتقاضه وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: فإن لم يبدأ الموصى بشئ لكن قال فلان وفلان وفلان يعطى
كل واحد منهم كذا وكذا فلم يحمل الثلث ذلك فهنا يتحاصون ولا بد لأنه ليس لهم الا الثلث
فيجوز لهم ما أجازه الله تعالى ويبطل لهم ما أبطله الله تعالى، وكذلك سائر القرب
وبالله تعالى التوفيق *
(فصل) قال أبو محمد: قد ذكرنا في كتاب الزكاة من كتابنا هذا وفى كتاب
الحج منه وفى كتاب التفليس منه ان كل من مات وقد فرط في زكاة أو في حج الاسلام
أو عمرته أو في نذر أو في كفارة ظهار أو قتل أو يمين أو تعمد وطئ في نهار رمضان أو
بعض لوازم الحج أو لم يفرط فان كل ذلك من رأس ماله لا شئ للغرماء حتى يقضى ديون
الله تعالى كلها ثم إن فضل شئ فللغرماء ثم الوصية ثم الميراث كما أمر الله عز وجل وذكرنا
الحجة في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقضوا الله فهو أحق بالوفاء فدين الله أحق أن
338

يقضى) وذكرنا هنالك قول الحسن. وطاوس بأصح طريق عنهما أن حجة الاسلام.
وزكاة المال هما بمنزلة الدين، وقول الزهري: ان الزكاة تؤخذ من رأس مال الميت
وكل شئ واجب فهو من جميع المال وهو قول الشافعي. وأحمد. وأبي سليمان وغيرهم.
وقول أبي هريرة: ان الحج والنذر يقضيان عن الميت. وقول ابن عباس بايجاب الحج عمن لم
يحج من الموتى وكذلك قول طاوس. والحسن البصري. وعطاء وان ذلك من رأس
المال وان لم يوص بذلك وهو قول ابن المسيب. وعبد الرحمن بن أبي ليلى. والأوزاعي.
والحسن بن حي. ومحمد بن أبي ليلى. وسفيان الثوري. والشافعي. وأبي ثور. واحمد.
واسحق. وأبي سليمان. وأصحابهم الا أن الشافعي مرة قال: تتحاص ديون الله تعالى
وديون الناس، ومرة قال كما قلنا وما نعلم (1) أحدا قال بأن لا تخرج الزكاة الا من الثلث
ان أوصى بها من التابعين الا ربيعة وبقى أن نذكر أقوال أبي حنيفة. ومالك في هذه
المسألة قال أبو حنيفة: ان أوصى المسلم بوصايا منها زكاة واجبة. وحجة الاسلام انه
يبدأ في الثلث بهذه الفروض سواء ذكرها أولا أو آخرا وتتحاص الفروض المذكورة
ثم كما ذكرنا من أقواله في الوصايا، وقال أبو يوسف: يبدأ بالزكاة ثم بحجة الاسلام
ومرة قال كقول أبي حنيفة قال ثم بعد الزكاة والحجة المفروضة ما أوصى به من عتق
في كفارة يمين وكفارة جزاء صيد وفدية الأذى يبدأ بما بدأ به بذكره من ذلك في
وصيته ثم التطوع، وقال محمد بن الحسن: يبدأ من حجة الاسلام ومن الزكاة بما بدأ
الموصى بذكره في وصيته، وقال مالك: يبدأ بالعتق البت في المرض. والتدبير في
الصحة ثم بعدهما الزكاة المفروضة التي فرط فيها ثم عتق عبد بعينه أوصى بعتقه وعتق
عبد بعينه أوصى بأن يشترى فيعتق، ثم الكتابة إذا أوصى بأن يكاتب عبده ثم الحج ثم
اقراره بالدين لمن لا يجوز له اقراره به قال: ويبدأ بالزكاة التي أوصى بها على ما أوصى
به من عتق رقبة عن ظهار أو قتل خطأ أو يتحاص رقبة الظهار مع رقبة قتل الخطأ ثم
ما أوصى به من كفارة الايمان قال: ويبدأ بالاطعام عما أوصى به مما فرط فيه من
قضاء رمضان على النذر *
قال أبو محمد: في هذا الأقوال عبرة لمن اعتبر وآية لمن تدبر أما قول أبي حنيفة
فهو اطردها لخطئه وأقلها تناقضا لكن يقال له: إن كانت الزكاة المفروضة وحجة
الاسلام وسائر الفروض إذا فرط فيها وتبرأ من ذلك عند موته يجرى كل ذلك مجرى
الوصايا فلأي شئ (2) قدمتها على سائر الوصايا فان قال: لأنها أوكد قيل له: ومن

(1) في النسخة رقم 16 ولا نعلم
(2) في النسخة رقم 16 فلأي وجه.
339

أين صارت أوكد عندك وأنت قد أخرجتها عن حكم الفرض الذي لا يحل اضاعته إلى
حكم الوصايا فبل التأكيد على قولك الفاسد ووجب أن يكون كسائر الوصايا ولا فرق
ويكون كل ذلك خارجا عن حكم الوصايا وباقيا علي حكم الفرض الذي لا يسع تعطيله فلم
جعلتها من الثلث ان أوصى بها أيضا؟ وما هذا الخبط والتخليط بالباطل في دين الله عز
وجل * واما قول أبى يوسف فآبدة في تقديمه الزكاة على الحج فان قال: الزكاة حق في
المال والحج على البدن قيل: فلم أدخلته في الوصايا إذا وهلا منعت من الوصية به كما منع
من ذلك أيوب السختياني. والقاسم بن محمد. والنخعي وروى أيضا عن ابن عمر، فان
قيل: للنص الوارد في ذلك قيل: فذلك النص يوجب أنه من رأس المال وهو خلاف
قولك الفاسد وهذا نفسه يدخل على محمد بن الحسن في تقديمه ذلك على سائر الوصايا *
وأما قول مالك فأفحشها تناقضا وأوحشها وأشدها فسادا لأنه قدم بعض الفرائض
على بعض بلا برهان فقدم بعض التطوع على بعض الفرائض بلا برهان وصار كله لا متعلق
له بشئ من وجوه الأدلة أصلا مع أنه قول لا يعرف عن أحد من خلق الله تعالى قبله
نعنى ذلك الترتيب الذي رتب واطرف شئ قوله اقراره لمن لا يجوز له اقراره فكيف
يجوز ما هو مقر انه لا يجوز ان هذا العجب عجيب *
قال على: فان قال قائل: لو كان قولكم لما شاء أحد أن يحرم ورثته ماله الا قدر على ذلك
بان يضع فروضه ثم يوصى بها عند موته قلنا له: ان تعمد ذلك فعليه اثمه ولا تسقط عنه
معصيته حقوق الله: تعالى إذ لم يأمر الله تعالى باسقاط حقوقه من اجل ما ذكرتم ثم نقول
لهم: هلا احتججتم على أنفسكم بهذا الاحتجاج نفسه إذ قلتم: ان ديون الناس من رأس
المال فنقول لكم: لو كان هذا لما شاء أحد أن يحرم ورثته الا أقر في صحته لمن شاء بما
يستوعب ماله ثم يظهر ذلك بعد موته ولا فرق ويقال لكم أيضا: لو كان قولكم لما شاء
أحد أن يبطل حقوق الله تعالى وحقوق أهل الصدقات ويهنى ذلك ورثته الا قدر على ذلك
ثم إن اعتراضهم بذلك المذكور في غاية الفساد لأنه ابطال لأوامر الله تعالى وفرائضه،
فان ذكروا ما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لأعرفن امرءا بخل بحق الله حتى إذا حضره الموت أخذ يدغدغ ماله ههنا وههنا) قلنا:
هذا حديث باطل لأنه لم يسند قط ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة لأنه ليس فيه سقوط
حقوق الله تعالى من أجل بخله به إلى أن يموت إنما فيه انكار ذلك على من فعله فقط، ونعم
فهو منكر بلا شك وحقوق الله تعالى نافذة في ماله ولا بد وبالله تعالى التوفيق *
1765 - مسألة - وجائز للموصى أن يرجع في كل ما أوصى به الا الوصية بعتق
340

مملوك له يملكه حين الوصية فإنه ليس له أن يرجع فيه أصلا الا باخراجه إياه عن ملكه
بهبة أو بيع أو غير ذلك من وجوه التمليك، وأما من أوصى بان يعتق عنه رقبة فله ان
يرجع في ذلك وقد اختلف الناس في هذا * وروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن
يحيى عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن أبي ربيعة أن عمر بن الخطاب قال:
يحدث الله في وصيته ما شاء وملاك الوصية آخرها، وصح عن طاوس. وعطاء،
وأبى الشعثاء جابر بن زيد. وقتادة. والزهري ان للموصى ان يرجع في وصيته عتقا كان
أو غيره وهو قول أبي حنيفة. ومالك. والشافعي، وقال آخرون: بخلاف ذلك *
روينا عن إبراهيم النخعي فيمن أوصى ان مات ان يعتق غلام له فقال أليس له أن يرده في
الرق وليس العتق كسائر الوصية * ومن طريق عبد الرزاق. والضحاك بن مخلد كلاهما
عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي قال: كل صاحب وصية يرجع
فيها الا العتاقة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن شبرمة وغيره من علماء أهل
الكوفة قالوا: كل صاحب وصية يرجع فيها الا العتاقة وبه يقول سفيان الثوري *
قال أبو محمد: احتج المجيزون للرجوع في العتق في الوصية بأنه قول صاحب
لا يعرف له مخالف من الصحابة وبأنهم قاسوه على سائر الوصايا ما نعلم لهم شيئا تعلقوا
به غير هذا وكله لا متعلق لهم به، أما قولهم: انه قول صاحب لا يعرف له مخالف من
الصحابة فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ورب قضية خالفوا فيها عمر ولا يعرف
له مخالف في ذلك من الصحابة كقوله في اليربوع يصيبه المحرم بعناق وفى الأرنب بجدى
وسائر ذلك مما قد تقصيناه في مواضعه والحمد لله رب العالمين على ذلك * وأما قياسهم
لذلك على سائر الوصايا فالقياس كله باطل ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين
الباطل لان الحنيفيين. والمالكيين لا يجيزون الرجوع في التدبير ولا بيع المدبر وهذه
وصية بالعتق في كل حال لأنه عتق لما لا يجب الا بالموت ولا يخرج الا من الثلث وهذا
صفة سائر الوصايا، واعجب شئ تبديتهم العتق على سائر الوصايا وتأكيدهم إياه وتغليظهم
فيه ثم سووه ههنا بسائر الوصايا فاعجبوا لهذه الآراء وهذه المقاييس، والشافعي في
أحد قوليه لا يجيز الرجوع في التدبير وهو عنده وصية بالعتق وهذا تناقض لا خفاء به،
وقياس الوصية بالعتق على الوصية بالعتق أولى من قياس الوصية بالعتق على الوصية بغير
العتق وكلهم لا يجيز الرجوع في العتق بالصفة البتة والوصية بالعتق عتق بصفة فعاد قياسهم
عليهم فإذ قد بطل قولهم فعلينا بعون الله تعالى أن نأتى بالبرهان على صحة قولنا فنقول وبالله
تعالى التوفيق قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وكان عهده بعتعه عبده
341

ان مات عقدا مأمورا بالوفاء به وما هذه صفته فلا يحل الرجوع فيه، وأما سائر الوصايا
فإنما هي مواعيد والوعد لا يلزم انفاذه على ما ذكرنا في باب النذر من هذا الديوان والحمد لله
رب العالمين * وأما الوصية بان يعتق عنه رقبة غير معينة فإنما هو أمر وهم بحسنة فلم ينفذها
فله ذلك وليس عقدا وبالله تعالى التوفيق * وأما إذا أخرجه عن ملكه فقد فعل ما هو مباح
له فإذ صار في ملك غيره فقد بطل عقده فيه لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها)
فان عاد إلى ملكه لم يرجع العقد لان ما بطل بواجب فلا يعود الا بنص ولا نص في عودته
فلو أخرج بعضه عن ملكه بطل العقد فيما سقط ملكه عنه وبقى العقد فيما بقي في ملكه *
1766 - مسألة - ومن أوصى لام ولده ما لم تنكح فهو باطل الا أن يكون يوقف
عليها وقفا من عقاره فان نكحت فلا حق لها فيه لكن يعود الوقف إلى وجه آخر من
وجوه البر فهذا جائز وقد اختلف الناس في هذا فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري فيمن أوصى لأمهات أولاده بأرض يأكلنها فان نكحن فهي للورثة قال:
تجوز وصيته على شرطه، وقال أبو حنيفة: ان أوصى لام ولده بمال سماه على أن لا تتزوج
أبدا قال: ان تزوجت فلا شئ لها وهو قول مالك *
قال أبو محمد: هذا كله خطأ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب
الله فهو باطل) وهذا شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وأيضا فإنه لا يعلم هل يستحق
هذه الوصية أم لا الا بموتها وهي بعد الموت لا تملك شيئا ولا تستحقه، وأيضا فلا يخلو
من أن تكون ملكت ما أوصى لها به أو لم تملكه فإن كانت ملكته فلا يجوز إزالة ملكها
عن يدها بعد صحته بغير نص في ذلك وإن كانت لم تملكه فلا يحل أن تعطى ما ليس لها
ولا بد من أحد الوجهين، وأما ادخالها في الوقف بصفة فهذا جائز لأنه تسبيل وقوف فيه
عند حد المسبل وليس تمليكا لرقبة الوقف ولا يجوز أن يؤخذ منها ما استحقت من غلة
الوقف قبل أن تتزوج لأنها قد ملكته، فلو أوصى بذلك كانت وصيته بذلك باطلا *
1767 - مسألة - ومن أوصى بعتق رقيق له لا يملك غيرهم أو كانوا أكثر من
ثلاثة لم ينفذ من ذلك شئ الا بالقرعة فمن خرج سهمه صح فيه العتق سواء مات العبد بعد
الموصى وقبل القرعة أو عاش إلى حين القرعة ومن خرج سهمه كان باقيا علي الرق
سواء مات قبل القرعة أو عاش إليها فان شرع السهم في بعض مملوك عتق منه ما حمل
الثلث بلا استسعاء وعتق باقيه واستسعى للورثة في قيمه ما بقي منه بعد الثلث فلو سماهم
بأسمائهم بدئ بالذي سمى أولا فأولا فإذا تم الثلث رق الباقون فلو شرع العتق في
بعض مملوك أعتق كله واستسعى للورثة فيما زاد منه على الثلث فلو أعتق جزءا مسمى
342

من كل مملوك منهم باسمه أعتق ذلك الجزء إن كان الثلث فأقل وأعتق باقيهم واستسعوا
فيما زاد على الثلث أو فيما زاد على ما أوصى به مما هو دون الثلث، فان أعتق من كل واحد
منهم باسمه أو جملة أكثر من الثلث أقرع بينهم ان أجملهم (1) فإذا تم الثلث رق الباقون
الا أن يشرع العتق في واحد منهم فيعتق ويستسعى فيما زاد على الثلث ويبدأ بالأول
فالأول ان سماهم بأسمائهم فإذا تم الثلث رق الباقون الا من شرع فيه العتق فإنه يستسعى
فيما زاد منه على الثلث *
برهان صحة قولنا انه إذا أعتق في وصيته الثلث من كل واحد منهم فأقل فإنه لم يتعد
ما أمره الله تعالى إذ له أن يوصى بالثلث فينفذ قوله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوردناه
في كتاب العتق من ديواننا هذا باسناده فيمن أعتق شركا له في مملوك فإنه حر كله ويستسعى
في حصة شريكه والورثة ههنا الشركاء للموصى فقد عتق المماليك كلهم بحكم الله تعالى
على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام ويستسعون في صحة الورثة وبالله تعالى التوفيق *
وأما إذا أعتق في وصيته جميعهم وسماهم بأسمائهم أو أعتق في وصيته أكثر من ثلث كل
واحد منهم وسماهم بأسمائهم فباليقين يدرى كل مسلم ان أول من سمى منهم فإنه لم يجز في
ذلك ولا خالف الحق بل أوصى كما أبيح له فهي وصية بر وتقوى وهكذا حتى يتم الثلث
فوجب تنفيذ وصيته لصحتها وان يستسعى المعتقون في حصص الورثة الذين هم شركاء
الموصى حين وجوب الوصية ولم يعتقوا حصصهم وكان الموصى في وصيته فيما زاد على
ثلثه مبطلا عاصيا مخالفا للحق إن كان عالما أو مخطئا مخالفا للحق فقط معفوا عنه إن كان
غير عالم والباطل عدوان فقط أو اثم وعدوان ساقط لا يحل انفاذه قال تعالى: (وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فوجب ابطال ما زاد على الثلث كما
ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * وأما إذا أجمل في وصيته عتقهم أو أجمل عتق ما زاد على
الثلث من كل واحد منهم في وصيته فبالضرورة والمشاهدة يدرى كل مسلم انه خلط
الوصية بعتق من لا يجوز له أن يوصى بعتقه مع الوصية بعتق من لا يحل له ان يوصى
بعتقه ولا يدرى غير الله تعالى أيهم المستحق للعتق وأيهم لا فصاروا جملة فيها حق لله
تعالى في أحرار أو في حر لا يعرف بعينه، وفيها حق للورثة في رقيق لا يعرف بعينه فلا
بد من القسمة ليميز حق الله تعالى من حق الورثة كما أمر الله عز وجل أن يعطى كل ذي
حق حقه ولا سبيل إلى تمييز الحقوق والأنصباء في القسمة الا بالقرعة فوجب الاقراع
بينهم فأيهم خرج عليه سهم العتق علمنا أنه الذي استحق العتق بموت الموصى وانه هو

(1) في النسخة رقم 16 ان شملهم
343

حق الله تعالى من تلك الجملة مات قبل القرعة أو لم يمت وأيهم خرج عليه سهم الرق
علمنا أنه لم يوص فيه الموصى وصية جائزة وانه هو حق الورثة من تلك الجملة قد ملكوه
بموت الموصى مات قبل القرعة أو لم يمت، فان شرع العتق في مملوك أعتق واستسعى فيما
زاد منه على ما عتق بالقرعة لان الورثة شركاء الموصى فيه وهكذا كل ما أوصى فيه
بالثلث فأقل من حيوان أو عقار أو متاع ولا بد من تمييز حق الوصية من حق الورثة ولا
يكون ذلك الا بتعديل القيمة والقرعة، وقد جاء أيضا في هذا أثر صحيح يؤكد ما قلنا
ولو لم يأت لكان الحكم ما وصفنا لما ذكرنا من وجوب تمييز حق الوصية من حق
الورثة وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم وهو ابن راهويه
وابن أبي عمر كلاهما عن الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختياني
عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين أن رجلا أوصى عند موته فاعتق
ستة مملوكين له لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم
فاعتق اثنين وارق أربعة، وقال له قولا شديدا، وقد اختلف الناس في هذا ونقول.
اننا لم نجد لاحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا لاحد من التابعين رحمهم الله في الوصية
بالعتق فيما هو أكثر من الثلث شيئا الا لعطاء وجده فيمن أوصى بعتق ثلث عبد له لا مال
له غيره فإنه يعتق كله ويستسعى للورثة في قيمة ثلثيه * ومن طريق ابن أبي شيبة نا هشيم عن
إسماعيل بن سالم عن الشعبي قال: من أوصى بعتق مملوك له فهو من الثلث فإن كان أكثر
من الثلث سعى فيما زاد وهو قولنا، وأما سائرهم فإنما وجدنا عنهم من أعتق من ثلثه (1)
عند موته ونحن ممن لا يعطى نصوص الروايات نصا مما يحرفها عن مواضعها وقد أعاذنا
الله تعالى من ذلك والحمد لله على نعمه كثيرا: وقد يمكن لهم في الوصية قول غير قولهم
فيمن أعتق عند موته ومن منع من ذلك عنهم فقد قفا ما لا علم له به وأوقع نهى الله تعالى له
عن ذلك واستسهل الكذب والقطع بالظن، وأما نحن فلا نورد الا ما روينا ولا نحكي
ما لم نسمع ولا نخبر بما لم يبلغنا وحاش لله من هذا الرتبة المهلكة في الدنيا والآخرة
وسنذكر الروايات التي بلغتنا في ذلك إن شاء الله تعالى أثر تمام هذه المسألة في مسألة
حكم المريض ومن حضره الموت في ماله وبالله تعالى التوفيق، فإذا الامر كما ذكرنا
فلنذكر ما وجدنا عن المتأخرين المصرحين بما قالوا في حكم الوصية بعتق أكثر من
الثلث قال أبو حنيفة: من أوصى بعتق مماليك له (2) لا يملك غيرهم وكانوا أكثر من الثلث
أعتقوا كلهم واستسعوا جميعهم فيما زاد من قيمتهم على مقدار ثلث الموصى، وقال

(1) في النسخة رقم 16 (من أعتق أكثر من ثلثيه)
(2) في النسخة رقم 16 مماليكه
344

مالك: من أوصى بعتق جزء من عنده لم يعتق منه الا ما أوصى بعتقه فقط ورق باقيه سواء
حمله الثلث كله أو قصر عنه فإن لم يحمل الثلث ما أوصى بعتقه لم يعتق منه الا ما حمل الثلث
مما أوصى بعتقه منه ورق سائره فان أوصى بعتق عبيده أو دبرهم فإنه يعتق من كل واحد
منهم ما حمله الثلث فقط ويرق سائره فلو دبر في صحته أو في مرضه بدئ بالأول فالأول
على رتبة تدبيره لهم فإذا تم الثلث رق الباقون ورق باقي من لم يحمل الثلث جميعه، وقال
الشافعي: من أوصى بعتق رقيق له لا يحملهم الثلث قوموا ثم أقرع بينهم فاعتق منهم ما حمله
الثلث ورق سائرهم ويرق باقي من لم يحمل الثلث جميعه.
قال أبو محمد: أما قول الشافعي فاقتصر على خبر عمران بن الحصين الذي ذكرنا
وترك خبر الاستسعاء وقد ذكرناه باسناده في كتاب العتق من ديواننا هذا ولا يجوز ترك شئ
من السنن الثابتة * وأما قول مالك فمخالف لجميع السنن الواردة في ذلك لا بحديث القرعة
الذي رواه عمران اخذ ولا بحديث أبي هريرة. وابن عمر في التقويم على من أعتق شركا
له في مملوك أخذ، والموصى شريك للورثة في العبد الذي أعتق وفى الاستسعاء وهذا لا يجوز
البتة. وأما أبو حنيفة فاقتصر على حديث الاستسعاء وخالف خبر عمران بن الحصين
ولا يجوز ترك شئ من السنن الثابتة واعتلوا في رد خبر عمران بن الحصين بأشياء فاسدة منها
أنهم قالوا: لو كانت القرعة تستعمل كما قضى بها على باليمين في الولد الذي ادعاه ثلاثة رجال
فألحقه بالذي خرج سهمه عليه ثم نسخ ذلك وأجمع المسلمون على تركه *
قال أبو محمد: وقد كذبوا ما نسخ ذلك قط وكيف يجمع المسلمون على تركه وقد
قضى به علي رضي الله عنه باليمين وأقره النبي عليه الصلاة والسلام وعلمه ومات عليه الصلاة
والسلام إلى نحو ثلاثة أشهر فمن ذا الذي نسخ ذلك ولعنة الله على كل اجماع يخرج عنه على
ابن أبي طالب ومن بحضرته من الصحابة، وما وجدنا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم
ولا من التابعين انكارا لفعل على في ذلك وحكمه، فمن أكذب من أصحاب هذه الدعاوى؟
والعجب كله في مخالفتهم حكم على بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ثابت صحيح وأخذهم في المسألة
نفسها برواية فاسده لا تصح نسبت إلى عمر رضي الله عنه من الحاقه الولد بأبوين والقرآن
والسنة والمعقول يبطل ذلك * وقالوا: ان من أخذ بحديث عمران بن الحصين في القرعة
قد خالفه فيمن بدأ بعتق الأول في وصيته فكذبوا ما خالفنا خبر عمران لأنه ليس
في خبر عمران أنه بدأ بالوصية بأسمائهم اسما اسما وإنما لفظه انه يقتضى عتقه لهم بالوصية
جملة واحدة لم نتعد لفظ الخبر إلى ما ليس فيه، وقالوا: وجدنا حديث عمران بن
الحصين مضطربا فيه فمرة رواه أبو قلابة عن أبي المهلب عن عمران ومرة رواه عن
345

أبى زيد ان رجلا من الأنصار *
قال أبو محمد: فكان ماذا وما يتعلل بهذا الا قليل الحياء رواه أبو قلابة عن أبي زيد
وهو مجهول فلم يحتج به، ورواه عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين فأسند وثبت فاخذنا به،
وأي نكرة في رواية رجل من أهل العلم خبرا واحدا من عشر طرق منها صحيح ومنها
مدخول، وكل خبر في الأرض فإنه ينقله الثقة وغير الثقة فيؤخذ نقل الثقة ويرك ما عداه،
وقالوا: وجدنا عتق عبيده بالوصية قد كان مالكا الثلث جميعهم وإذ ذلك كذلك فقد
عتق ثلث كل واحد منهم بالحق فلا يجوز ان يرق من وقع عليه العتق فقلنا: صدقتم الا أن
هذا الموصى بعتق جميعهم لم يعتق قط ثلث كل واحد منهم إنما أعتقهم جملة فكان فعله
ذلك جامعا لباطل وحق فلم يمكن انفاذ ذلك ومعرفته الا بالقرعة وما وقع العتق قط على
جميعهم لكن على بعضهم دون بعض فلم يكن بد من القرعة في تمييز ذلك ونسألهم ههنا عمن
أوصى بجميع غنمه ولا مال له غيرها أو بجميع خيله ولا مال له غيرها أو بجميع عبيده في
أهل الجهاد في الثغور ولا مال له غيرهم أينفذون ذلك برغم الورثة فينسلخوا عن الاسلام
أم يبطلون وصيته فيفسقوا أم يقسمون الثلث للوصية والثلثين لورثته بالقرعة؟
وهذا الذي أنكروا وقالوا: لما تساووا كلهم في السبب الموجب للعتق دون تفاضل لم
يجز ان يحابى بانفاذه بعضهم دون بعض فقلنا: كذبتم ما استووا قط في السبب الموجب
للعتق لان ذلك السبب هو الوصية بعتقهم وقد وقعت في بعضهم بحق وجب تنفيذه وفى
بعضهم بحرام لا يحل تنفيذه وهو ما زاد على الثلث فلم يكن بد في تمييز ذلك من القرعة
وقالوا: يحتمل أن يكون قول عمران فاعتق اثنين أي شائعين في الجميع كما يقول في كل
أربعين شاة شاة يعنى شائعة في الجميع. وذكروا اخبارا لا تصح فيها فاعتق الثلث فقلنا:
جمعتم في هذا الكذب والمجاهرة به لان في حديث عمران وارق أربعة فبطل ما رمتم
اقحامه في الخبر، وما كانت الشاة قط شائعة في الأربعين بل واحده بغير عينها أيها أعطى
مما فيه وفاء فقد أدى ما عليه، وقالوا: هذا قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم وليس عموم اسم يتناول
ما تحته فنقول لهم: هلا قلتم هذا لأنفسكم إذ جعلتم الخطبة فرضا في الجمعة وهو فعل لا عموم
اسم وإذ قضيتم بجواز الوضوء بالنبيذ في خبر مكذوب (1) ثم هو فعل وليس عموم
اسم لا يحتمل قولهم هذا الا تجويز النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كفر مجرد، وقالوا: هذا
من باب القمار. والميسر *
قال أبو محمد: وهذا كفر مكشوف مجرد من نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه حكم

(1) في النسخة رقم 14 بخبر كاذب
346

بالقمار. والميسر ونحن براء منه وكفى قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) فنحن حكمناه عليه
الصلاة والسلام فيما شجر بيننا ثم لم نجد في أنفسنا حرجا مما قضى وسلمنا تسليما، وهم لم
يحكموه فيما شجر بينهم ثم وجدوا في أنفسهم الحرج مما قضى ولم يسلموا تسليما فتبا لهم
وسحقا، وقالوا: هذا من أخبار الآحاد ولا يجوز أن يعترض به على الأصول فقلنا:
هذا أبرد مما أتيتم به وما علمنا في الدين أصولا الا القرآن وبيانه مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء
بنقل ثقة عن مثله مسندا أو بنقل تواتر، وأما فرقكم فضلال ودعوى كاذبة وافك مطرح
(قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) فبطل كل ما موهوا به والحمد لله رب العالمين *
1768 مسألة ومن أوصى بعتق مملوك له أو مماليك وعليه دين لله تعالى أو
للناس فإن كان ذلك الدين محيطا بماله كله بطل كل ما أوصى به من العتق جملة وبيعوا في الدين *
برهان ذلك قول الله تعالى في المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وحكم
الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام ان الوصية لا تجوز في أكثر من الثلث
فيما يخلفه (1) الموصى وان للورثة الثلثين أو ما فضل عن الوصية إن كانت أقل من الثلث
فصح ضرورة ان الوصية لا تكون الا بعد أداء الدين وكان الدين واجبا للغرماء فصح أن
من أحاط الدين بجميع ما ترك فإنه لم يتخلف ما لا يوصى فيه وان ما تخلفه انتقل إلى ملك
الغرماء أثر موته بلا فصل وليس لاحد ان يوصى في مال غيره فبطلت الوصية لذلك،
وهذا قول (2) مالك. والشافعي. وأبي سليمان. وأصحابهم، وقال أبو حنيفة: يسعى
في قيمته للغرماء ويعتق وهذا باطل لما ذكرنا، وموهوا في الاحتجاج بخبر ليس فيه
للوصية ذكر وإنما فيه ان رجلا أعتق عند موته عبدا وعليه دين وليس له مال غيره فأمره
النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعى في قمته وهذا خبر لو صح لم يكن لهم فيه حجة أصلا لأنه ليس فيه
حكم الوصية إنما فيه حكم من أعتق في حياته عند موته، فان قالوا: الامر سواء في كلا
الامرين قلنا: هذا باطل لأنه قياس والقياس كله باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه
عين الباطل لان بين الوصية وبين فعل الحي علة تجمع بينهما على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله
تعالى فكيف وهو خبر مكذوب لا يصح رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم
أنا حجاج هو ابن أرطاة عن العلاء بن بدر عن أبي يحيى المكي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الحجاج بن أرطاة وهو مطرح، وثالثها عن العلاء بن بدر وهو هالك متروك. ورابعها

(1) في النسخة رقم 16 (من ثلث ما تخلفه)
(2) في النسخة رقم 14 (وهو قول)
347

انه عن أبي يحيى المكي وهو مجهول، ولا يحل الاخذ في دين الله تعالى بما هذه صفته *
قال أبو محمد: فلو أوصى بعتق مملوك له أو مماليك وعليه دين لا يحيط بما ترك وكان
يفضل من المملوك فضلة عن الدين وان قلت أعتق من أوصى بعتقه ويسعى للغرماء في دينهم
ثم عتق منه ثلث ما بقي بلا استسعاء واستسعى للورثة في حقهم * برهان ذلك أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بانفاذ عتق من أعتق شركا له في مملوك وان يستسعى المملوك المعتق
لشريك معتقه وهذا الموصى بعتقه للموصى فيه حق وقد شركه الغرماء والورثة فيعتق
ويسعى، فإن كانوا أكثر من واحد أقرع بينهم فمن خرج للدين رق ومن خرج للوصية
عتق ورق الباقون الا أن يشرع بينهم للعتق في مملوك فيعتق ما بقي منه بالاستسعاء
لما ذكرنا في المسألة التي قبل هذه وبالله تعالى التوفيق *
(تم كتاب الوصايا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم)
بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب فعل المريض
مرضا يموت منه أو الموقوف للقتل. أو الحامل. أو المسافر في أموالهم
قال أبو محمد: كل من ذكرنا فكل ما أنفذوا في أموالهم من هبة أو صدقة أو
محاباة في بيع أو هدية. أقر اقرار كان كل ذلك لوارث أو لغير وارث أو اقرار بوارث
أو عتق. أو قضاء بعض غرمائه دون بعض كان عليهم دين أو لم يكن فكله نافذ من رؤوس
أموالهم كما قدمنا في الأصحاء الآمنين المقيمين ولا فرق في شئ أصلا، ووصاياهم كوصايا
الأصحاء ولا فرق *
برهان ذلك قول الله تعالى: (وافعلوا الخير) وحضه على الصدقة واحلاله البيع
وقوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم) ولم يخص عز وجل صحيحا من مريض ولا
حاملا من حائل ولا آمنا من خائف ولا مقيما من مسافر وما كان ربك نسيا، ولو
أراد الله تعالى تخصيص شئ من ذلك لبينه على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فإذ لم
يفعل فنحن نشهد بشهادة الله عز وجل الصادقة انه تعالى ما أراد قط تخصيص أحد ممن
ذكرنا والحمد لله رب العالمين * وقد اختلف الناس في ذلك فروينا من طريق مالك عن
الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين أن أبا بكر نحلها جاد عشرين وسقا من ماله
بالغابة فلما حضرته الوفاة قال لها: انى كنت نحلتك جاد عشرين وسقا من مالي بالغابة
فلو كنت فلو كنت جددتيه وحزيته كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث فاقتسموه على كتاب
الله تعالى * ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن الحسن
348

عن ابن مسعود فيمن أعتق عبدا في مرض موته (1) ليس له مال غيره قال: يعتق ثلثه *
وبه إلى ابن أبي شيبة نا حفص عن حجاج هو ابن أرطأة عن القاسم بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن مسعود قال: أعتقت امرأة جارية ليس لها مال غيرها فقال ابن مسعود: تسعى
في ثمنها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن بن عبد الله عن القاسم بن
عبد الرحمن قال: اشترى رجل جارية في مرضه فأعتقها عند موته فجاء الذين باعوها يطلبون
ثمنها فلم يجدوا لها مالا فرفعوا ذلك إلى ابن مسعود فقال لها: أسعى في ثمنك * ومن طريق
ابن أبي شيبة نا حفص عن حجاج بن أرطأة عن قتادة عن الحسن قال: سئل على عمن أعتق
عبدا له عند موته وليس له مال غيره وعليه دين؟ قال: يعتق ويسعى في القيمة، واما من بعدهم
فصح عن قتادة أن من أعتق مملوكا له عند موته ليس له غيره وعليه دين فإنه حر ويسعى في
ثمنه فإن لم يكن عليه دين استسعى في ثلثي ثمنه، وصح هذا أيضا عن إبراهيم، وصح
عن عطاء بن أبي رباح. وعبيد الله بن أبي يزيد من أعتق عند موته ثلث عبد له أقيم في ثلثه
وعتق كله وصح عن الشعبي من أعتق ولد عبده عند موته نفذ واستسعى في ثلث قيمته، وصح
عنه أيضا من أعتق عبده عند موته وليس له مال غيره فإنه يقوم قيمة عدل ثم يسعى في قيمته،
وصح عن شريح فيمن أعتق مملوكا له عند موته لا مال له غيره انه يعتق ثلثه ويستسعى في
ثلثي قيمته، وعن الحسن أيضا مثل هذا، وعن عطاء أيضا. وسليمان بن موسى وبه يقول
أبو حنيفة. وسفيان الثوري. وابن شبرمة. وعثمان البتي. وسوار بن عبد الله. وعبيد الله
ابن الحسن * وقول آخر رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا يونس هو ابن
عبيد عن الحسن. وإبراهيم: والشعبي انهم كانوا يقولون إذا لم يكن على المعتق دين
أعتق الثلث واستسعى في الثلثين فإن كان عليه دين أكثر من قيمة المملوك المعتق بيع الا أن يكون
الدين أقل من قيمته بدرهم واحد فما سواه فإذا كان كذلك وقعت السعاية * وقول
ثالثا رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني داود بن أبي عاصم
قال: سمعت سعيد بن المسيب سئل عمن مات وليس له الا غلام فأعتقه؟ فقال سعيد: إنما
له ثلثه فيقوم العبد قيمته فيستسعى في الثلثين فله من نفسه يوم ولهم يومان * وقول رابع
رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني كتب عمر بن عبد العزيز فيمن
عليه دين وليس له الا عبد فاعتقه عند موته انه يباع ويقضى الدين * وقول خامس رويناه
من طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أدركت مولى لسعيد
ابن بكر أعتق ثلث رقيق له نحو عشرين فرفع أمرهم إلى أبان بن عثمان فقسمهم أثلاثا فاقرع بينهم

(1) في النسخة رقم 14 في مرضه
349

فاعتق ثلثهم، وصح عن ابن جريج عتق ثلثهم بالقرعة والقيمة، وعن مكحول عتق ثلثهم بالقرعة
بالعدد دون تقويم وسواء خرج في العتق أقلهم قيمة أو أكثرهم ينفذ عتقه، فهذه
أقوال المتقدمين * وأما المتأخرون فقد ذكرنا قول أبي حنيفة انه لا يرى القرعة أصلا
ولا الارقاق لكن يعتق الثلث بلا استسعاء ويعتق الثلثان بالاستسعاء، وقال مالك:
ان أعتق في مرضه بتا أعتق الثلث بالقرعة والقيمة ورق الثلثان سواء أعتقهم في كلمة
واحدة أو أعتقهم واحدا بعد واحد بأسمائهم، وقال الشافعي: من أعتق في مرضه الذي
يموت منه عبيدا له بتلا وكانوا أكثر من ثلاثة فإن كان أعتقهم بأسمائهم واحدا واحدا
أعتق من سمى أولا فأولا فإذا تم الثلث بالقيمة رق الباقون وان شرع العتق في واحد
كان باقيه رقيقا وإن كان أعتقهم في كلمة واحدة قوموا ثم أقرع بينهم فأعتق الثلث ورق
الثلثان كما ذكرنا أيضا، فهذه أقوال في العتق في المرض، وأما ما سوى العتق فروينا
من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن الشعبي في الرجل يبيع ويشترى
وهو مريض قال: هو في الثلث وان مكث عشر سنين قال الشعبي: وكان يرى
ما صنعت الحامل في حملها وصية من الثلث * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم.
وجرير كلاهما عن المغيرة عن الشعبي قال جرير في روايته: إذا أعطى الرجل العطية حين
يضع رجله في الغرز للسفر فهو وصية من السفر، وقال هشيم في روايته: إذا وضع
المسافر رجله في الغرز فما صنع في شئ فهو من الثلث * ومن طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج قال لي عطاء: ما صنعت الحامل في حملها فهو وصية قلت لعطاء: أرأى أم
شئ سمعته؟ قال: بل سمعناه * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: ما صنعت
الحامل في حملها فهو وصية، وقال معمر: وأخبرني من سمع عكرمة يقول مثل ذلك *
ومن طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد الأنصاري انه سمع
القاسم بن محمد يقول: ما أعطت الحامل فثلثه لزوجها أو لبعض من يرثها في غير الثلث
وذلك إذا لم تكن مريضة * وبه إلى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال جابر: للحامل
ما أعطت ما لم يخف عليها، قال يونس: وقال ربيعة: يجوز عطاؤها ما لم تثقل أو
يحضرها نفاس، قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن سعيد بن المسيب.
ويحيى بن سعيد الأنصاري. وابن حجيرة الخولاني مثل ذلك، وقال ابن وهب:
وأخبرني يونس عن ابن شهاب أنه قال في مسجون في قتل أو في جرح أو خرج إلى صف
أو يعذب أنه لا يجوز له من ماله الا ما يجوز للموصى * ومن طريق سعيد بن منصور عن
محمد بن أبان عن النخعي قال: الحامل إذا ضربها الطلق فوصيتها يعنى ان فعلها من الثلث
350

وروى عن الحسن. ومكحول ان فعل الحامل من رأس مالها * وعن سعيد بن المسيب
ما أعطاه الغازي فمن الثلث، وقال مكحول: من رأس ماله ما لم تقع المسايفة * وعن الحسن
في المحبوس ان فعله من الثلث، وقال في راكب البحر ومن كان في بلد وقد وقع فيه
الطاعون: ان عطيته من رأس ماله، وقال مكحول كذلك في راكب البحر ما لم يهج البحر
فهذه أقوال السلف المتقدم، أما في العتق فروى فيه ما ذكرنا عن علي. وابن مسعود،
وصح عن قتادة. وعطاء وعبيد الله بن أبي يزيد. والنخعي. والشعبي. وشريح.
والحسن وعمر بن عبد العزيز. وأبان بن عثمان. وسعيد بن المسيب ان عتق المريض
من الثلث، ثم اختلفوا في الحكم في ذلك كما ذكرنا، وأما غير العتق فكما ذكرنا في المسافر
عن الشعبي، وفى الغازي عن سعيد بن المسيب وخالفهما إبراهيم. ومكحول ما لم تقع
المسايفة، وفى المريض عن الشعبي. وفى الحامل عن عطاء وذكر أنه سمعه *
وعن قتادة. وعكرمة وخالفهم القاسم بن محمد. ومكحول. والزهري، وقال
النخعي: إذا ضربها الطلق، وروى عن سعيد بن المسيب. وابن حجيرة، وصح عن
ربيعة ما لم تثقل، وفى المسجون عن الحسن. والزهري وخالفهما اياس بن معاوية،
وعن مكحول في راكب البحر إذا هال البحر، وروى خلاف ذلك عن بعض السلف
كما روينا من طريق حماد بن سلمة أنا يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين ان امرأة رأت
في منامها فيما يرى النائم انها تموت إلى ثلاثة أيام فأقبلت على ما بقي [عليها] (1) من القرآن
فتعلمته وشذبت مالها وهي صحيحة فلما كان اليوم الثالث دخلت على جاراتها فجعلت تقول:
يا فلانة استودعتك الله وأقرأ عليك السلام فجعلن يقلن لها: لا تموتين اليوم لا تموتين إن شاء الله
فماتت فسأل زوجها أبا موسى الأشعري؟ فقال له أبو موسى: أي امرأة كانت
امرأتك؟ قال: ما أعلم أحدا احرى أن يدخل الجنة منها الا الشهيد ولكنها فعلت ما فعلت
وهي صحيحة فقال أبو موسى: هي كما تقول فعلت ما فعلت وهي صحيحة فلم يرده أبو موسى *
ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني. وعبيد الله بن عمير عن نافع.
ويحيى بن سعيد الأنصاري أن رجلا رأى فيما يرى النائم أنه يموت إلى ثلاثة أيام فطلق
نساءه تطليقة تطليقة وقسم ماله فقال له عمر بن الخطاب: أجاءك الشيطان في منامك
فأخبرك أنك تموت إلى ثلاثة أيام فطلقت نساءك وقسمت مالك؟ رده ولو مت لرجمت
قبرك كما يرجم قبر أبى رغال فرد ماله ونساءه، وقال له عمر: ما أراك تلبث الا يسيرا
قال فمات في اليوم الثالث (2) * ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن مسهر نا إسماعيل

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 في ذلك اليوم
351

ابن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق انه سئل عمن أعتق عبدا له في مرضه ليس له مال
غيره قال مسروق: أجيزه شئ جعله لله تعالى لا أرده، وقال شريح: أجيز ثلثه واستسعيه
في ثلثيه قال الشعبي: قول مسروق أحب إلى في الفتيا وقول شريح أحب إلى في القضاء *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز في الرجل يتصدق بماله
كله قال إذا وضعه في حق فلا أحد (1) أحق بماله منه وإذا أعطى الورثة بعضهم دون بعض
فليس له الا الثلث * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن
الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي قال: إذا أبرأت المرأة زوجها في مرضها من صداقها
فهو جائز قال سفيان: لا يجوز *
قال أبو محمد: فهذا أبو موسى الأشعري يجيز فعل من أيقن بالموت وهو في أشد حال من
المريض وهي أيضا ذات زوج غير راض بما فعلت في مالها كله، وهذا عمر بن الخطاب رد
فعل من أيقن بالموت ولم يجز مثله لا ثلثا ولا غيره، وهذا مسروق بأصح طريق ينفذ ما
فعله المريض في ماله كله متقربا إلى الله عز وجل ومال إليه الشعبي في الفتيا * وعن إبراهيم
جواز فعل المريض من رأس ماله * وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: ليس للمريض
أن يقضى غرماءه بعضهم دون بعض. وأما محاباته في البيع. وهبته. وصدقته. وعتقه
كل ذلك من الثلث الا أن المعتق يستسعى في ثلثي قيمته ان لم يحمله الثلث قال: فان
أفاق من مرضه جاز ذلك كله من رأس ماله (2) قال: وكذلك الحامل إذا ضربها
وجع الطلق وما لم يضربها فكالصحيح في جميع مالها والواقف في الصف فكالصحيح في
جميع ماله قتل أو عاش، قال: والذي يقدم للقتل في قصاص أو رجم في زنا كالمريض
لا يجوز فعله الا في الثلث قال: فان اشترى ابنه وهو مريض فان خرج من ثلثه عتق وورثه
وان لم يخرج من ثلثه لم يرثه، وقال أبو يوسف. ومحمد بن الحسن: بل يرثه الا أنه يسعى
فيما يقع من قيمته للورثة فيأخذونه، وقالوا كلهم: إنما ذلك في المرض المخيف كحمى الصالب.
والبرسام. والبطن. ونحو ذلك، وأما الجذام. وحمى الربع. والسل ومن يذهب
ويجئ في مرضه فافعاله كالصحيح، وقال مالك: ليس للمريض أن يقضى بعض غرمائه
دون بعض قالوا: والحامل ما لم تتم ستة أشهر فكالصحيح فإذا أتمتها فأفعالها في مالها من
الثلث وهو قول الليث قال: والمريض. والزاحف في القتال صدقتهما ومحاباتهما في البيع
وهبتهما وعتقهما في الثلث. وقال فيمن اشترى ابنه في مرضه وفى صفة المرض كقول
أبي حنيفة سواء سواء، وقال الشافعي. وسفيان الثوري: للمريض أن يقضى غرماءه

(1) في النسخة رقم 16 ما أحد
(2) في النسخة رقم 14 من رأس المال
352

بعضهم دون بعض وقالا جميعا في الحامل كقول أبي حنيفة، وهو قول الأوزاعي،
وقال الشافعي، والثوري. والأوزاعي في أفعال المريض كقول أبي حنيفة. ومالك،
وكذلك في صفة المريض، وقال في الأسير يقدم للقتل والمقتحم في القتال ومن كان في
أيدي قوم يقتلون الاسرى مرة انهم كالمريض ومرة أخرى انهم كالصحيح إذ قد يسلمون
من القتل، وقال الحسن بن حي. والثوري: إذا التقى الصفان فافعالهم كالمريض،
وقال عبيد الله بن الحسن: وأحمد وإسحاق: افعال المريض في ماله من الثلث، وقال
أبو سليمان: أفعال المريض كلها من رأس ماله كالصحيح وكذلك الحامل وكل من
ذكرنا حاش عتق المريض وحده فهو من الثلث أفاق أو مات *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة. ومالك فيمن يشترى ابنه في مرضه فقول
لا نعلمه لاحد من أهل الاسلام قبلهما بل قد قال علي بن أبي طالب ك انه يشترى من مال أبيه
بعد الموت ويرث كسائر الورثة. وان في قولهما هذا لأعجوبة لأنه لا يخلو شراؤه لابنه
من أن يكون وصية أو لا يكون وصية فإن كان وصية فلا يجب أن يرث أصلا حمله الثلث
أو لم يحمله لأنها وصية لوارث وإن كان ليس وصية فينبغي أن يرث كسائر الورثة ولا فرق
وان قولهما ههنا لفي غاية الفساد ومخالفة النصوص: وأما قول مالك. والليث في الحامل
فقول أيضا لا نعلمه (1) عن أحد قبلهما وأطرف شئ احتجاج بعضهم لهذا القول
بقول الله تعالى: (حملته حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت) فقلنا: يا هؤلاء ومن لكم بان
الأثقال هو ستة أشهر؟ ثم هبكم أنه أثقال لا ما قبله فكان ماذا، ومن أين وجب منعها من
التصرف في جميع مالها إذا أثقلت؟ وكذلك قولهم في التفريق بين الأمراض فإنه لا يعرف
عن صاحب ولا تابع أصلا ولا في شئ من النصوص فحصل قولهم لا حجة له أصلا لا من
قرآن ولا من سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قول صاحب. ولا قياس، ولا نظر، ولو
أن امرءا ادعى عليهم خلاف اجماع كل من تقدم في هذه الأقوال لكان أقرب إلى الصدق
من دعواهم خلاف الاجماع فيما قد صح فيه الخلاف كما أوردنا عن مسروق. والشعبي.
وغيرهما وما نعلم لهم حجة أصلا الا أنهم قالوا: نقيس ذلك على الوصية فقلنا: القياس
كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل لان الوصية من الصحيح. والمريض سواء
لا تجوز الا في الثلث فيلزم أن يكون غير الوصية أيضا من الصحيح والمريض سواء فهذا
قياس أصح من قياسهم * وقالوا: نتهمه بالفرار بماله عن الورثة فقلنا: الظن أكذب
الحديث ولعله يموت الوارث قبله فيرثه المريض فهذا ممكن وأيضا فإذ ليس الا التهمة فامنعوا

(1) في النسخة رقم 14 فأقوال أيضا لا نعلمها
353

الصحيح أيضا من أكثر من ثلث ماله واتهموه أيضا انه يفر بماله عن ورثته فجائز أن يموت
ويرثوه كما يجوز ذلك في المريض. وجائز أن يموت الوارث فيرثه المريض كما يرثه
الصحيح ولا فرق، وكم من صحيح يموت (1) قبل مريض وأيضا فاتهموا الشيخ الذي
قد جاوز التسعين وامنعوه أكثر من ثلثه لئلا يفر بماله عن ورثته، فان قلتم: قد يعيش أعواما
قلنا: وقد يبرأ المريض فيعيش عشرات أعوام وإذ ليس الا التهمة فلا تتهموا من يرثه
ولده فاجعلوا فعله من رأس ماله واتهموا من يرثه عصبته فلا تطلقوا له الثلث، فان قالوا:
هذا خلاف النص قلنا: وفعلكم خلاف النص في التقرب إلى الله تعالى بما يحبه المرء من
ماله قال تعالى: (وأنفقوا مما رزقناكم) وقال تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما
تحبون) والمريض أحوج ما كان إلى ذلك، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة؟
فقال: جهد المقل، فان قالوا: قد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة؟ فقال: ان تصدق
وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى لا أن تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت:
لفلان كذا ولفلان كذا ألا وقد كان لفلان، قلنا: نعم هذا حق صحيح وإنما فيه تفاضل
الصدقة فقط وليس فيه منع من مرض وأيقن بالموت من أكثر من ثلث ماله أصلا لا بنص.
ولا بدليل. ولا بوجه من الوجوه *
قال أبو محمد: ثم نسألهم عن مال المريض لمن هواله أم للورثة؟ فان قالوا: بل له كما
هو للصحيح قلنا: فلم تمنعونه ماله دون أن تمنعوا الصحيح وهذا ظلم ظاهر، ولو قالوا:
بل هو للورثة لقالوا: الباطل لان الوارث لو أخذ منه شيئا لقضى عليه برده ولو وطئ
أمة المريض لحد ولو كان ذلك لما حل للمريض أن يأكل منه هو ومن تلزمه نفقته من غير
الورثة، ولا ندري من أين أطلقوا للمريض ان يأكل من ماله ما شاء ويلبس ما شاء وينفق
على من إليه من عبيد وإماء؟ وان أتى على جميع المال ومنعوه من الصدقة بأكثر من الثلث ان
هذا لعجب لا نظير له! فظهر فساد هذا القول جملة وتعريه عن أن يوجد عن أحد من
الصحابة رضي الله عنهم وإنما وجد عن نفر يسير من التابعين مختلفين، وقد خالفوا بعضهم
في قوله في ذلك كخلافهم للشعبي في فعل المسافر في ماله وغير ذلك على أن الشعبي أقوى حجة
منهم لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم السفر قطعة من العذاب، وروى أيضا (المسافر ورحله
على قلت (2) الا ما وقى الله) وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: ووجدناهم يشنعون بآثار لا حجة لهم في شئ منها يجب التنبيه
عليها بحول الله تعالى، منها الأثر الذي قد ذكرناه قبل هذا بأوراق في باب تبدية ديون

(1) في النسخة رقم 14 وكم صحيح مات
(2) هو - بفتح القاف واللام - الهلاك
354

الله تعالى من رأس المال وهو مرسل من طريق قتادة: (لا أعرفن أحدا بخل بحق الله
حتى إذا حضره الموت أخذ يدغدغ ماله ههنا وههنا) ثم لو صح لم يكن فيه حجة في المنع
من التصرف بالحق في المال ومنها ما حدثنا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك
ابن أيمن نا يزيد بن محمد العقيلي نا حفص بن عمر بن ميمون عن ثور بن يزيد عن مكحول
عن الصنابحي عن أبي بكر الصديق (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان الله قد تصدق عليكم بثلث
أموالكم عند موتكم رحمة لكم وزيادة في أعمالكم وحسناتكم) * نا محمد بن سعيد
ابن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع عن
طلحة بن عمرو المكي عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان الله تصدق عليكم
بالثلث من أموالكم) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سمعت سليمان بن موسى
يقول: سمعت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جعلت لكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم).
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن
الله تعالى: (جعلت لك طائفة من مالك عند موتك أرحمك به) *
قال أبو محمد: وهذا كله لا متعلق لهم بشئ منه أصلا أما خبر أبي بكر فمن طريق
حفص بن عمر الشامي وهو متروك: وأما حديث أبي هريرة فمن طريق طلحة بن عمرو
وهو ركن من أركان الكذب والآخران مرسلان، ثم لو صحت لما كان لهم بها متعلق
أصلا لأنه ليس فيها (1) الا أن الله تعالى جعل لنا عند موتنا ثلث أموالنا، وهذا معنى
صحيح وهو بلا شك الوصية التي لا تنفذ البتة الا عند الموت وليس في شئ من هذه الأخبار
ذكر للمرض أصلا لا بنص ولا بدليل فبطل تمويههم بها، ونسألهم عمن تصدق بثلثي
ماله وهو صحيح ثم مات بغتة أثر ذلك أو أعتق جميع مماليكه كذلك أيضا؟ فمن قولهم:
ان كل ذلك نافذ من رأس ماله فنقول لهم: قد خالفتم جميع هذه الآثار (2) لان هذا
فعل الصدقة والعتق عند موته كما في الآثار المذكورة وليس في شئ من تلك الآثار انه
أيقن بأنه يموت إذا أعتق أعبده إنما فيها عند موته فقط فظهر خلافهم للآثار كلها،
ومنها الخبر الصحيح من طريق مالك عن الزهري عن عامر بن سعيد بن أبي وقاص عن
أبيه قالك (جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتدنى فقلت: يا رسول الله قد
بلغ بي من الوضع ما ترى وانا ذو مال ولا يرثني الا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قلت. فالشطر قال: لا ثم قال عليه الصلاة والسلام: الثلث والثلث
كثير انك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) ثم ذكر

(1) في النسخة رقم 16 (ليس فيه)
(2) في النسخة رقم 14 هذه الأخبار
355

الحديث، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال لسعد يومئذ: (ولعلك أن تخلف حتى
ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون) وهكذا رواه سفيان بن عيينة عن الزهري باسناده،
[ورواه أيضا كذلك بعض الناس عن إبراهيم بن سعد عن الزهري باسناده] (1) وبلفظة
(الصدقة) (2) فقالوا: فقد منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقة في مرضه بأكثر من الثلث *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه، أحدها اننا روينا هذا الخبر نفسه
من طريق معمر عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه فذكر هذا الخبر
وفيه (قال سعد: فقلت: يا رسول الله أفأوصي بثلثي مالي؟ قال: لا قلت: فبشطر
مالي قال: لا قلت فبثلث مالي قال: الثلث والثلث كثير) وذكر باقي الخبر *
ورويناه من طريق أبى داود الطيالسي قال: نا إبراهيم بن سعد. وعبد العزيز
ان أبى سلمة الماجشون كلاهما عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن
أبيه أنه ذكر هذا الخبر، وفيه (قال: قلت أفأتصدق بمالي كله؟ قال: لا قلت:
أفأوصي بالشطر قال: لا قلت: يا رسول الله فبم أوصى؟ قال: الثلث والثلث كثير)
وذكر الخبر فذكروا أنه إنما سأل سعد عن الوصية وهو خبر واحد (3) عن مقام
واحد فصح ان لفظة الصدقة التي رواها مالك. وسفيان عن الزهري إنما معناها
الوصية كما رواه معمر. وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وليس معمر. وعبد العزيز
دون مالك. وسفيان. والزهري. وغيره فكيف وقد وافق معمر. وعبد العزيز على
لفظة أوصى، وفى هذا الخبر جماعة الاثبات كما روينا عن مسلم بن الحجاج عن القاسم
ابن زكريا عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد
ابن أبي وقاص عن أبيه، وعن مسلم عن ابن أبي عمر المكي عن عبد الوهاب بن عبد المجيد
الثقفي عن أيوب السختياني عن عمرو بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن
ثلاثة من ولد سعد كلهم عن سعد * ومن طريق البخاري عن أبي نعيم عن سفيان الثوري
عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه * ومن طريق البخاري عن
محمد بن عبد الرحيم عن زكريا بن عدي عن مروان بن معاوية الفزاري عن هاشم بن
هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه * ومن طريق أحمد
ابن شعيب عن محمد بن المثنى عن الحجاج بن المنهال عن همام بن يحيى عن قتادة عن
يونس بن جبير عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه * ومن طريق أحمد بن شعيب
عن إسحاق بن راهويه عن جرير عن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 أتصدق
(3) في النسخة رقم 14 (وهذا خبر واحد)
356

السلمي عن سعد بن أبي وقاص * ومن طريق أحمد بن شعيب عن إسحاق بن راهويه
عن وكيع عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن سعد بن أبي وقاص كلهم يذكر
نصا ان سعدا إنما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوصى به، والوجه الآخر انهم إنما
يمنعون من الصدقة فيما زاد على الثلث في المرض الذي يموت منه صاحبه لا الذي يبرأ
منه وقد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن سعدا سيبرأ من ذلك المرض كما روينا
من طريق أبى داود السجستاني نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن الأعمش عن أبي وائل
عن حذيفة (قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك [حتى] (1)
إلى قيام الساعة الا اخبر به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء) *
قال أبو محمد: وسعد بن أبي وقاص هو هزم عساكر الفرس يوم القادسية وافتتح
مدينة كسرى فهو من جملة ما أخبر به عليه الصلاة والسلام بل من أكبر ذلك وأهمه وأعمه
فتحا في الاسلام، وهذا قد أنذر به عليه السلام في ذلك المرض إذ قال له لعلك: ستخلف
حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون * وهذا خلاف قولهم. والوجه الثالث أن
في نص الخبر (2) الذي ذكرنا الآن اسناده من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري عن
ثلاثة من ولد سعد عن سعد بن أبي وقاص (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يومئذ: ان صدقتك
من مالك وان نفقتك على عيالك صدقة وان ما تأكل امرأتك من مالك صدقة) *
قال على: وهذا كله باجماع منا ومنهم ومن جميع أهل الاسلام من رأس مال المريض
مات أو عاش فثبت يقينا ضروريا ان صدقة المريض خارجة من رأس ماله لا من ثلثه
بنص حكمه صلى الله عليه وسلم وبطل ما خالف هذا بيقين لا اشكال فيه وعاد هذا الخبر أعظم حجة
عليهم وأوضح حجة لقولنا والحمد لله رب العالمين * وأما خبر أبي بكر في نحله عائشة رضي الله عنهم
ا فايرادهم إياه فضيحة الدهر لأنه ليس فيه من هبة المريض ذكر أصلا لا بنص
ولا بدليل وإنما كان نحلها ذلك في صحته وتأخر جدادها لذلك إلى أن مات رضي الله عنه
فكيف وقد صح رضي الله عنه انه رغب إليها في رد تلك النحلة برضاها فكيف وإنما كان
وعدا بمجهول (3) لا يدرى من كم من نخلة تجد العشرين وسقا ولا من أي تلك النخل
تجد فسقطت الأقوال المذكورة بيقين لا مرية فيه والحمد لله رب العالمين ولم يبق الا
قولنا وقول أبى سليمان أن جميع أفعال المريض من رأس ماله الا العتق فإنه من الثلث
فنظرنا فيما احتج به من ذهب إلى هذا فوجدنا الخبر الصحيح الذي رويناه من طريق

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 ان في بعض الخبر
(3) في النسخة رقم 14 وإنما كان وعد مجهول
357

أيوب السختياني ومحمد بن سيرين كلاهما عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران
ابن الحصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم
فاعتق اثنين وارق أربعة، ورويناه أيضا من طريق أيوب. وحبيب بن الشهيد. وهشام
ابن حسان. ويحيى بن عتيق كلهم عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين كما أوردنا،
وسماع ابن سيرين من عمران صحيح ورويناه أيضا من طريق عوف بن أبي جميلة
عن ابن سيرين عن أبي هريرة *
قال أبو محمد: فقلنا: هذا خبر صحيح لا تحل مخالفته الا أنه لا يحل (1) للحنيفيين
ولا للمالكيين ولا للشافعيين الحجة به أصلا فيما عدا العتق لأنه قياس والقياس باطل كله
كما لم يختلفوا في أنه لا يحل ان يقاس على الخبر الثابت في التقويم على من أعتق شركا له في
مملوك وانه لا يجوز أن يتعدى به ما جاء فيه من العتق خاصة لا إلى صدقة ولا إلى أنفاق ولا
إلى اصداق ولا إلى غير ذلك لا سيما والحنيفيون قد خالفوا نصه فيما جاء فيه فكيف يحتجون
به فيما ليس فيه منه أثر وهذا عار جدا، وأما أصحابنا فليس لهم فيه حجة لأنه ليس في شئ
من هذا الخبر ان الرجل كان مريضا وإنما فيه عند موته وقد يفجأ الموت الصحيح فيوقن
به فلا يحل أن يقحم في الخبر ما ليس فيه من ذكر المرض فبطل تعلقهم به، وأيضا فقد
بينا قبل إن هذا العتق للستة الأعبد إنما كان وصية كما روينا من طريق عبد الوهاب الثقفي
عن أيوب بالاسناد المذكر، وفى هذا كفاية، ووجه ثالث وهو أنه قد بين في ذلك
الخبر انه لم يكن له مال غيرهم ونحن نقول بهذا حقا فلا يجوز لاحد عتق في عبد أو عبيد
لا مال له غيره ينفذ من ذلك العتق ما وقع فيمن به عنه غنى ويبطل في مقدار ما لا
غنى به عنه فلو صح أن ذلك الفعل لم يكن وصية لكان حمل الحديث على هذا
الوجه أحق بظاهره وأولى من حمله على أنه عليه السلام أجاز للمريض ثلث ماله إذ ليس
في الخبر دليل على هذا أصلا فبطل تعلق أصحابنا بهذا الخبر جملة وصح قولنا ولله الحمد
وكذلك الخبر الساقط الذي رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا خالد عن أبي
قلابة عن رجل من بنى عذرة أن رجلا منهم أعتق غلاما له عند موته لم يكن له مال غيره
فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق منه الثلث واستسعى في الثلثين، فالقول في هذا
الخبر لو صح كالقول في خبر عمران فكيف وهو باطل لأنه مرسل وعن مجهول لا يدرى من
هو أيضا، وأما ما روى في ذلك عن علي. وابن مسعود فباطل لا يصح لان القاسم بن

(1) في النسخة رقم 14 لا يجوز
358

عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود كان لأبيه إذ مات عبد الله رضي الله عنه ست سنين
فكيف ابنه، ثم هو أيضا عن الحجاج بن أرطاة وهو هالك أو عن عبد الرحمن بن
عبد الله وهو مجهول عن القاسم، وأما الرواية عن علي فمن طريق الحجاج بن أرطاة
وهو هالك ثم هي مرسلة لان الحسن لم يسمع من على كلمة فبطل ان يصح عن أحد
من الصحابة رضي الله عنهم خلاف قولنا والحمد لله رب العالمين *
تم كتاب فعل المريض في ماله والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله
بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الإمامة
1768 مسألة لا يحل (1) لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لامام بيعة (2)
لما رويناه من طريق مسلم قال: نا عبيد الله (3) بن معاذ العنبري نا أبى قال: نا عاصم بن
محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن نافع قال قال لي عمر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة
مات ميتة جاهلية) فان قيل: قد مات عمر رضي الله عنه وجعل الخلافة شورى في ستة نفر
عثمان. وعلى. وعبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبي وقاص. وطلحة. والزبير رضي الله عنه
م وأمرهم أن يتشاوروا ثلاثة أيام في أيهم يولى قلنا: نعم وليس في هذا خلاف لأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا لأنه رضي الله عنه استخلف أحدهم وهو الذي يتفقون عليه
فعثمان هو الخليفة من حين موت عمر والناس تلك الثلاثة الأيام بمنزلة من بعد عن بلد الخليفة
فلم يعلمه باسمه ولا بعينه الا بعد مدة فهو معتقد لامامته وبيعته وان لم يعلمه باسمه ولا بنسبه
ولا بعينه وبالله تعالى التوفيق *
1769 مسألة ولا تحل الخلافة الا لرجل من قريش صليبة من ولد فهو بن
مالك من قبل آبائه ولا تحل لغير بالغ وإن كان قرشيا ولا لحليف لهم ولا لمولى لهم ولا لمن
أمه منهم وأبوه من غيرهم لما روينا من طريق مسلم نا أحمد بن يونس قال: نا عاصم بن محمد
ابن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال
هذا الامر في قريش ما بقي من الناس اثنان) * ومن طريق البخاري نا أبو اليمان انا شعيب
هو ابن أبي حمزة عن الزهري أن محمد بن جبير بن مطعم كان يحدث عن معاوية أنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان هذا الامر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله
على وجهه ما أقاموا الدين) *

(1) في النسخة رقم 16 مسألة قال أبو محمد رضي الله عنه، لا يحل
(2) في النسخة رقم 14 بيعة امام
(3) في النسخة رقم 14 عبد الله وهو غلط
359

قال أبو محمد: حديث ابن عمر أعم من حديث معاوية، وهذان الخبران وإن كانا
بلفظ الخبر فهما أمر صحيح مؤكد إذ لو جاز ان يوجد الامر في غير قريش لكان
تكذيبا لخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كفر ممن اجازه فصح أن من تسمى بالامر والخلافة
من غير قريش فليس خليفة ولا اماما ولا من أولي الأمر ولا أمر له فهو فاسق (1)
عاص لله تعالى هو وكل من ساعده أو رضى أمره لتعديهم حدود الله تعالى على
لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان حليفا أو مولى أو أبوه من غير قريش فإنه ليس من
قريش بيقين الحس (2) وإنما نسب إليهم لاستضافته اليم وإذ ليس من قريش على
الحقيقة ولا على جهة ولا على الاطلاق فلا حق له في الامر، وأما من لم يبلغ والمرأة
فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث) فذكر الصبي حتى يبلغ ولان عقود
الاسلام إلى الخليفة ولا عقد لغلام لم يبلغ ولا عقد عليه، وقد حدثنا أحمد بن محمد بن
الجسور نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي داود الطيالسي
عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة) *
1771 مسألة ولا يحل أن يكون في الدنيا الا امام واحد والامر للأول بيعة
لما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - وزهير بن حرب كلاهما
سمع جريرا عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدي
أنه قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاصي يقول: (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
في حديث طويل: ومن بايع اماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ان استطاع فان
جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر) * ومن طريق مسلم حدثني عثمان بن أبي شيبة نا
يونس بن أبي يعفور عن أبيه عن عرفجة - هو ابن شريح - قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد ان يشق عصاكم أو يفرق
جماعتكم فاقتلوه) * ومن طريق مسلم حدثني وهب بن بقية الواسطي نا خالد
ابن عبد الله - هو الطحان - عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) * وبه إلى مسلم نا محمد بن بشار نا محمد
ابن جعفر نا شعبة عن فرات القزاز عن أبي حازم قال: سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال في حديثه (انه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟
قال: فوا (3) ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فان الله سائلهم عما استرعاهم) *

(1) في النسخة رقم 16 وهو فاسق
(2) في النسخة رقم 14 بنفس الخبر
(3) في النسخة رقم 16 قال أوفوا وما هنا موافق لما في صحيح مسلم، والحديث مختصر
360

1772 مسألة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض على كل مسلم
ان قدر بيده فبيده وإن لم يقدر بيده فبلسانه وان لم يقدر بلسانه فبقلبه ولا بد وذلك أضعف
الايمان فإن لم يفعل فلا ايمان له، ومن خاف القتل أو الضرب أو ذهاب المال فهو عذر
يبيح له ان يغير بقلبه فقط ويسكت عن الامر بالمعروف وعن النهى عن المنكر فقط ولا
يبيح له ذلك العون بلسان أو بيد على تصويب المنكر أصلا لقول الله تعالى: (وان
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي
تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل) وقال عز وجل: (ولتكن
منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) *
ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة. ومحمد بن المثنى. ومحمد بن المثنى. ومحمد بن العلاء أبو كريب
قال ابن أبي شيبة: نا وكيع عن سفيان الثوري، وقال محمد بن المثنى: نا محمد بن جعفر
نا شعبة ثم اتفق سفيان. وشعبة كلاهما عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، وقال
أبو كريب: نا أبو معاوية نا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ثم اتفق طارق.
ورجاء كلاهما عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى
منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان) *
ومن طريق مسلم نا عمرو الناقد. وأبو بكر بن النضر. وعبد بن حميد واللفظ له
قالوا كلهم: نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف نا أبى
عن صالح بن كيسان عن الحارث هو ابن الفضيل الخطمي الأنصاري عن جعفر
ابن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبي رافع مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ان عبد الله بن مسعود حدثه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي الا
كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم يحدث من بعدهم
خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن
جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الايمان حبة
خردل) * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الله بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا
محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن زبيد
اليامي عن سعد بن عبيدة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لبشر في معصية
الله) * ومن طريق أبى داود نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن
ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما
أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) * وبه إلى أبى داود
361

نا يحيى بن معين نا عبد الصمد بن عبد الوارث نا سليمان بن المغيرة نا حميد بن هلال عن بشر بن
عاصم عن عقبة بن مالك عن رجل من رهطة قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية
فسلحت رجلا منهم سيفا فلما رجع قال: لو رأيت مالا منا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعجزتم
إذ بعثت رجلا فلم يمض لأمري ان تجعلوا مكانه من يمضى لأمري) *
قال أبو محمد: عقبة صحيح الصحبة والذي روى عنه صاحب وان لم يسمه فالصحابة
كلهم عدول، فإذا ثبتت صحة صحبته فهو عدل مقطوع بعدالته لقول الله تعالى: (محمد رسول
الله والذين معه أشداء على الكفار) الآية. قال على: [وهو قول على] (2) وكل من معه
من الصحابة وأم المؤمنين. وطلحة. والزبير وكل من معهم من الصحابة. ومعاوية
وكل من معه من الصحابة. وابن الزبير. والحسين بن علي رضى الله عن جميعهم وكل من قام
في الحرة من الصحابة. والتابعين. وغيرهم وهذه الأحاديث ناسخة للاخبار التي فيها
خلاف هذا لان تلك مواقفه لما كان عليه الدين قبل الامر بالقتال ولان الامر بالمعروف
والنهى عن المنكر باق مفترض لم ينسخ فهو الناسخ لخلافه بلا شك وبالله تعالى التوفيق *
1773 مسألة وصفة الامام أن يكون مجتنبا للكبائر مستترا بالصغائر عالما
بما يخصه حسن السياسة لان هذا هو الذي كلف ولا معنى لان يراعى أن يكون غاية الفضل
لأنه لم يوجب ذلك قرآن. ولا سنة، فان قام على الامام القرشي من هو خير منه أو مثله
أو دونه قوتلوا كلهم معه لما ذكرنا قبل الا أن يكون جائرا فإن كان جائرا فقام عليه مثله أو دونه
قوتل معه القائم لأنه منكر زائدا ظهر فان قام عليه أعدل منه وجب ان يقاتل مع
القائم لأنه تغيير منكر، وأما الجورة من غير قريش فلا يحل ان يقاتل مع أحد منهم
لأنهم كلهم أهل منكر الا أن يكون أحدهم أقل جورا فيقاتل معه من هو أجور منه لما
ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الأقضية
1774 مسألة ولا يحل الحكم الا بما أنزل الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو الحق وكل ما عدا ذلك فهو جور وظلم لا يحل الحكم به ويفسخ أبدا إذا حكم به حاكم *
برهان ذلك قول الله تعالى. (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) وقال تعالى: (وآمنوا بما نزل
على محمد وهو الحق من ربهم) وقال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) وقال تعالى: (وما
ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)

(1) سقط لفظ عن رجل من سنن أبي داود
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
362

والظلم لا يحل اقراره والخطأ لا يجوز امضاؤه *
1775 مسألة ولا يحل أن يلي القضاء والحكم في شئ من أمور المسلمين
وأهل الذمة الا مسلم بالغ عاقل عالم بأحكام القرآن. والسنة الثابتة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وناسخ كل ذلك ومنسوخه وما كان من النصوص مخصوصا بنص آخر صحيح لان
الحكم لا يجوز الا بما ذكرنا لما ذكرنا قبل فإذا لم يكن عالما بما لا يجوز الحكم الا به لم يحل له
أن يحكم بجهله بالحكم ولا يحل له إذا كان جاهلا بما ذكرنا ان يشاور من يرى أن عنده
علما ثم يحكم بقوله لأنه لا يدرى أفتاه بحق أم بباطل، وقد قال الله تعالى: (ولا تقف
ما ليس لك به علم) فمن أخذ بما لا يعلم فقد قفا ما لا علم له به وعصى الله عز وجل وليس هذا
بمنزلة الجاهل من العامة تنزل به النازلة فيسأل من يوصف له بعلم القرآن والسنة ويأخذ
بقوله بعد أن يخبره انه حكم الله تعالى في كتابه أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ان العامي مكلف
في تلك النازلة عملا ما قد افترضه الله عليه ولم يفسح له في اهماله فعليه في ذلك ان يبلغ في ذلك
حيث بلغ وسعه من العلم ما لم يلزمه قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وأما
الحاكم فبضد هذا لأنه غير مكلف ما لا يدرى من الحكم بين غيره من الناس بل هو
محرم عليه ذلك وإنما كلفه الله تعالى سواه من أهل العلم *
1776 مسألة ولا يحل الحكم بقياس ولا بالرأي (1) ولا بالاستحسان ولا
بقول أحد من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ان يوافق قرآنا أو سنة صحيحة لان كل ذلك
حكم بغالب الظن، وقد قال الله تعالى: (ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال تعالى:
(ان يتبعون الا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث)، فان قيل. فإنكم في أخذكم بخبر
الواحد متبعون للظن قلنا: كلا بل للحق المتيقن قال تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر وانا
له لحافظون) وقال تعالى: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى)، فان قيل: فإنكم في
الحكم بالبينة واليمين حاكمون بالظن قلنا: كلا بل بيقين (2) ان الله تعالى أمرنا بذلك نصا
وما علينا من مغيب الامر شئ إذ لم نكلفه، وأيضا فإنه لا يخلو ما أوجبه القياس أو
ما قيل برأي أو استحسان أو تقليد قائل من أحد أوجه ثلاثة (3) لا رابع لها ضرورة
اما أن يكون ذلك موافقا لقرآن أو لسنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا إنما يحكم
فيه بالقرآن أو بالسنة ولا معنى لطلب قياس أو رأى أو قول قائل موافق لذلك ومن
لم يحكم بالقرآن أو بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الا حتى يوافق ذلك قياس أو رأى أو

(1) في النسخة رقم 16 (ولا رأى)
(2) في النسخة رقم 14 (بل يتيقن)
(3) في النسخة رقم 14 (ثلاثة أوجه)
363

قول قائل فقد انسلخ عن الايمان قال الله عز وجل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى
يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)
وهذا الذي لم يحكم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر عنده فيما بين الناس الا حتى وافقه
قيا س أو رأى أو قول قائل فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلم له تسليما بل وجد في نفسه
حرجا مما قضى به عليه الصلاة والسلام فوربنا ما آمن، وإما أن يكون مخالفا للقرآن
أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الضلال المتيقن وخلاف دين الاسلام، ولا نحتاج ان
نطول في هذا مع مسلم قال تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) وقال تعالى. (ومن
يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) واما ان لا يوجد في القرآن
والسنة ما يوافقه نصا ولا ما يخالفه فهذا معدوم من العالم ولا سبيل إلى وجوده قال تعالى:
(اليوم أكملت لكم دينكم) وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم
على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فاتركوه) فصح
ضرورة انه لا يخرج حكم أبدا عن أن يأمر به الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة
والسلام فيكون فرضا ما استطعنا منه أو ينهى عنه الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام
فيكون حراما أو لا يكون فيه أمر ولا نهى فهو مباح فعله وتركه وبطل ان تنزل نازلة في
الدين لا حكم لها في القرآن والسنة ولو وجدت، وقد أبى الله عز وجل ان توجد لكان
من أراد ان يشرع فيها حكما داخلا في الدين ذم الله تعالى إذ يقول تعالى: (شرعوا لهم من
الدين ما لم يأذن به الله) فان قالوا: نحكم فيها بحكم ما يشبهها من القرآن والسنة قلنا:
وأين أمركم الله تعالى بهذا؟ وهذا هو الشرع في الدين بما لم يأذن به الله، فان قالوا: قال
الله تعالى: (فاعتبروا يا أولى الابصار) قلنا: نعم اعتبروا معناه اعجبوا قال الله تعالى *
(وان لكم في الانعام لعبره نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم) الآية وما فهم أحد قط
من اعتبروا احكموا للشئ بحكم نظيره، وهذا هو تحريف للكلم عن مواضعه والقول
على الله تعالى بالباطل وبما لم يقله، فان قالوا: قد قال الله تعالى: (وشاورهم في الامر)
قلنا: نعم فيما أبيح له فعله وتركه لا في شرع الدين بما لم يأذن فيه الله تعالى ولا في اسقاط
فرض فرضه الله تعالى ولا في إباحة ما حرمه الله تعالى ولا في تحريم ما أحله الله تعالى ولا
في ايجاب ما لم يوجبه الله تعالى وقد قال الله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو
يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) فصح أن الاخذ برأيهم لا يجوز في الدين الا حيث
صححه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وما كان هكذا فإنما صح طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
364

لا اتباعا لمن أشار به ثم كل ما أتوا به من آية أو سنة فيها ان الله تعالى حكم في امر كذا
بكذا من أجل كذا وكذا أو كما حكم في أمر كذا قلنا. هو حق كما هو وكلما أردتم أن
تشرعوا أنتم فيه تشبيها له بحكم آخر دون نص فهو باطل بحت لا يحل فليس لأحد أن يحرم
ما لم يحرمه الله تعالى من أجل ان الله تعالى حرم أشياء آخر ولا أن يوجب ما لم يوجبه الله
عز وجل من أجل ان الله عز وجل أوجب أشياء أخر فهذا كله تعد لحدود الله عز وجل
وشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، فان ادعوا في جواز ذلك اجماعا قلنا: هذا الكذب
والبهت بل الاجماع قد صح على بطلان كل ذلك لان الأمة كلها مجمعة على تصديق قول
الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) وعلى تصديق قول الله تعالى: (أطيعوا الله
وأطعيوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان
كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) وفى هذا بطلان الحكم بما عدا القرآن والسنة ثم
نقض من نقض فأخطأ قاصدا إلى الخير ولا سبيل لهم البتة إلى وجود حكم طول مدة
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقياس أصلا ولا برأي البتة وكل شرع حدث بعده عليه الصلاة
والسلام لم يحكم هو به فهو باطل بيقين وليس من الدين البتة قال تعالى: (اليوم أكملت
لكم دينكم) وما كمل فلا يجوز البتة ان يزاد فيه شئ أصلا ولا سبيل البتة إلى أن يوجد عن
أحد من الصحابة رضي الله عنهم الامر بالقياس في الدين من طريق صحيحة ابدأ وأيضا
فمدعى الاجماع على ما لا يتيقن أن كل مسلم فقد عرفه وقال به كاذب على الأمة كلها وقد
نص الله تعالى على أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم
صحابة وفضلاء فمن لهذا المدعى بالباطل باجماع أولئك فكيف واحصاء أقوال الصحابة
رضي الله عنهم لا تحصر (1) الا حيث لا يشك في أن كل مسلم فقد عرفه وقد قال أحمد
ابن حنبل رضي الله عنه. من ادعى الاجماع فقد كذب، وما يدريه لعل الناس اختلفوا
في ذلك * حدثنا بذلك حمام بن أحمد: ويحيى بن عبد الرحمن بن مسعود قال حمام نا عباس
ابن أصبغ، وقال يحيى نا أحمد بن سعيد بن حزم ثم اتفق أحمد. وعباس قالا: نا محمد
ابن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال قال أبى فذكره *
1777 مسألة ولا يقضى القاضي وهو غضبان لما روينا من طريق أحمد بن شعيب
انا علي بن حجر أنا هشيم عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقضى القاضي بين اثنين وهو غضبان) *
1778 مسألة ولا تجوز الوكالة عند الحاكم الا على جلب البينة وعلى طلب

(1) في النسخة رقم 14 (لا تحصى)
365

الحق. وعلى تقاضيه وعلى تقاضى اليمين لان كل هذا بيد الوكيل مقام يد الموكل وقد
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن لقبض حق ذوي القربى من خمس الخمس، وقال تعالى:
(كونوا قوامين بالقسط) ومن القيام بالقسط طلب حق كل ذي حق *
1779 - مسألة ولا يجوز التوكيل على الاقرار والانكار أصلا ولا يقبل إنكار
أحد عن أحد ولا اقرار أحد على أحد ولا بد من قيام البينة عند الحاكم على اقرار المقر
نفسه أو انكاره *
برهان ذلك قول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر
أخرى) وقد صح اجماع أهل الاسلام على أن لا يصدق أحد على غيره الا على حكم الشهادة
فقط ثم نقض من نقض فانفذ اقرار الوكيل على موكله وأخذه به في الدم. والمال.
والفرج، وهذا أمر يوقن أنه لم يكن قط ولا جاز ولا عرف في عصر (1) رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا في عصر أحد من الصحابة رضي الله عنهم، وما كان هكذا فهو حقا خلاف اجماع
المسلمين وخلاف القرآن. والباطل الذي لا يجوز وبالله تعالى التوفيق *
1780 - مسألة ويقضى على الغائب كما يقضى على الحاضر وهو قول الشافعي.
وأبي سليمان. وأصحابهما، وقال ابن شبرمة. لا يقضى على غائب، وقال أبو حنيفة.
وأصحابه: لا يقضى على غائب الا في بعض المواضع، وقال مالك: يقضى على الغائب
في كل شئ الا في الأرضين. والدور الا أن يكون غائبا غيبة طويلة، قال ابن القاسم:
كما بين مصر والأندلس *
قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر الخطأ من وجهين، أحدهما تفريقه بين العقار
وغيره (2) وهو قول بلا برهان، وما حرم الله تعالى على أحد من الناس من عقار غيره
الا كالذي حرمه من غير العقار ولا فرق بل العقار كان أولى في الرأي أن يحكم فيه على
الغائب لأنه لا ينقل ولا يغاب عليه ولا يفوت بل يستدرك الخطأ فيه في كل وقت وليس
كذلك سائر الأموال * والوجه الثاني تفريقه بين الغائب غيبة طويلة وغيبة غير طويلة
فهذا قول بلا برهان وتفريق فاسد، وليس في العالم غيبة الا وهي طويلة بالإضافة إلى ما هو
أقصر منها في الزمان. والمكان وهي أيضا قصيرة بالإضافة إلى ما هو أطول منها في المكان
والزمان، فمن غاب عامين إلى العراق فقد غاب غيبة طويلة بالإضافة إلى من غاب نصف
عام إلى مصر وقد غاب غيبة قصيرة بالإضافة إلى من غاب عشرة أعوام إلى الهند وهكذا في
كل زمان وكل مكان، ثم تحديد (3) ابن القاسم خطأ ثالث وهذا قول ما نعلمه لاحد من

(1) في النسخة رقم 16 في عهد
(2) في النسخة رقم 14 وغير العقار
(3) في النسخة رقم 14 وتحديد
366

خلق الله عز وجل قبل مالك فسقط هذا القول. وأما قول أبي حنيفة. وأصحابه ففاسد
أيضا لان كل من لم يحضر مجلس الحاكم فهو غائب عنه ولو أنه في رحبة باب دار الحاكم فعلى
هذا لا يحكم على أحد أبدا وهو فاسد كما ترى، فان قالوا: يبعث فيه قلنا: وابعثوا أيضا
في كل غائب ولا فرق، فان قالوا: قد يكون بحيث تتعذر البعثة فيه قلنا: وقد يكون إلى
جانب (1) حائط الحاكم وتتعذر البعثة فيه أيضا لتعذره أو لبعض الوجوه، ثم قد
فحش تناقضهم ههنا فقالوا: من غاب بحيث لا يعرف فإنه ينفق من ماله على زوجته
وأصاغر ولده وعلى أكابر ولده أن كانوا زمني وعلي بناته الابكار وان كن بالغات غير
زمنات وعلى أبويه الفقيرين الزمنين من طعامه وزيته وثيابه الذي تشاكل لباس
من ذكرنا ومن دراهمه ودنانيره ولا يباع في ذلك البتة عقار. ولا عروض. ولا
حيوان، وسواء كان ما ذكرنا من الطعام الزيت والناض والثياب وديعة عند مقر أو
غير مقر أو في منزل الغائب، وهذا كلام جمع من السخف وجوها عظيمة وهو حكم
على الغائب وتحكم بالفرق بين الأموال بالباطل إلى تخاليط لهم ههنا في غاية الفاسد وقضوا
على المرتد إذا لحق بأرض الحرب بأنه ميت وهو حي وقسموا ماله على ورثته وهذا
قضاء بالباطل على غائب ولا فرق بين حق من ذكرنا في النفقة وبين حق الغرماء في الديون
وحق المغصوبين فيما غصب منهم وتقاسيم. لا تعرف عن أحد من خلق الله تعالى قبلهم *
قال أبو محمد: وموهوا في ذلك بأشياء وهي عليهم لا لهم نذكرها إن شاء الله تعالى
ونبين أنها عليهم بحول الله تعالى وقوته، واما من أجمل ان لا يقضى على غائب كابن
شبرمة. وسفيان ومن وافقه فإنهم احتجوا بما روينا من طريق شريك عن سماك بن حرب
عن حنش ابن المعتمر عن علي بن أبي طالب قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
اليمن قاضيا فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن لا علم لي بالقضاء فقال إن الله
عز وجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى
تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء قال: فما زلت قاضيا
وما شككت في قضاء بعد * وما روينا من طريق ابن عيينة عن سماك بن حرب عن حنش
ابن المعتمر عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذا قعد الخصمان فلا تقض للأول
حتى تسمع حجة الآخر) * ونا محمد بن الحسن الرازي نا عبد الرحمن بن عمر بن النحاس نا
ابن الاعرابي نا سهل بن أحمد بن عثمان الواسطي نا القاسم بن عيسى بن إبراهيم الطائي نا
المؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري عن علي بن الأقمر عن جحيفة عن علي (أن النبي

(1) في النسخة رقم 14 إلى جنب
367

صلى الله عليه وسلم قال له في حديث: (فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع من
الآخر فإنه أحرى أن يثبت لك القضاء) *
قال أبو محمد: هكذا في كتابي عن الرازي عن جحيفة والصواب حجيفة (1) وذكروا
عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رويناه من طريق الكشورى عن الحذافي نا
عبد الملك الذماري نا محمد الغفاري حدثني ابن أبي ذئب الجهني عن عمرو بن عثمان (2)
ابن عفان قال: أتى عمر بن الخطاب رجل قد فقئت عينه فقال له عمر: تضر خصمك
فقال له: يا أمير المؤمنين أما بك من الغضب الا ما أرى فقال له عمر: فلعك قد فقأت عيني
خصمك معا فحضر خصمه قد فقئت عيناه معا فقال عمر: إذا سمعت حجة الآخر بان
القضاء، قالوا: ولا يعلم لعمر في ذلك مخالف من الصحابة * ومن طريق عبد الرزاق عن
الحذافي عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار قال قال عمر بن عبد العزيز: قال لقمان:
إذا جاءك الرجل وقد سقطت عيناه في يده فلا تقض له حتى يأتي خصمه * ومن طريق مجالد
عن الشعبي عن شريح لا يقضى على غائب * ومن طريق أبى عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي
عن سفيان الثوري عن الجعد بن ذكوان أن رجلا سأل شريحا عن شئ؟ فقال: لا
أغرى حاضرا بغائب *
قال أبو محمد: لا نعلم لهم شيئا غير هذا وكله لا حجة لهم في شئ منه أما الخبر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فساقط لان شريكا مدلس. وسماك بن حرب يقبل التلقين.
وحنش ابن المعتمر ساقط مطرح * وأما الطريق الأخرى فالقاسم بن عيسى بن إبراهيم
الطائي مجهول لا يدرى من هو ثم أعجب شئ اننا روينا من طريق البزار نا أبو كامل نا أبو
عوانة عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر قال: ان علي بن أبي طالب قدم اليمن فاختصم إليه
في أسد سقط في بئر فاجتمع الناس إليها فسقط فيها رجل فتعلق بآخر وتعلق الآخر بثالث
وتعلق الثالث برابع فسقطوا كلهم فطلبت دياتهم من الأول فقضى في ذلك بديتين
وسدس على من حضر البئر من الناس فللأول ربع دية لأنه هلك فوقه ثلاثة وللثاني ثلث
دية لأنه هلك فوقه اثنان وللثالث نصف دية لأنه هلك فوقه واحد. وللرابع دية فأخبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء على فقال: هو ما قضى بينكم وهم يخالفون هذا ولا يقولون به
فمرة تكون رواية سماك بن حرب عن حنش حجة إذا ظنوا ان تمويههم بها يجوز لهم
ومرة لا تكون حجة إذا لم يمكنهم أن يموهوا بها، وما أدرى أي دين يبقى مع هذا؟
ثم لو صحت الاخبار التي قدمنا لما كان لهم بها متعلق أصلا لأنه ليس فيها ان لا يقضى على

(1) في النسخة رقم 16 (أبو جحيفة)
(2) في النسخة رقم 16 (عمر بن عثمان) وهو غلط
368

غائب بل فيها أن لا يقضى على حاضر بدعوى خصمه دون سماع حجته، وهذا شئ لا نخالفهم
فيه، ولا يجوز أن يقضى على حاضر ولا غائب بقول خصمه لكن بالذي أمر الله تعالى به
من البينة العدلة فقط فظهر عظيم تمويههم بالباطل ونعوذ بالله من الخذلان *
ومن العجائب انهم قد خالفوا هذه الآثار التي موهوا بها في مكان آخر وهو أنهم
قضوا على الغائب باقرار وكيله عليه وليس هذا في شئ من الاخبار أصلا، وأما تمويههم
بعمر فإنه لا يصح عنه أيضا لأنه من طريق محمد الغفاري عن ابن أبي ذئب الجهني ولا
يدرى من هما في خلق الله تعالى، ثم عن عمرو بن عثمان بن عفان عن عمر ولم يولد عمرو
الا ليلة موت عمر: وأيضا فكم قضية لعمر. وعلى قد خالفوها حيث لا يجوز خلافها،
وأيضا فلو صح عن عمر فليس فيه الا أن لا يقضى على غائب بدعوى خصمه وهذا حق
لا ننكره، وأيضا فان الصحيح عن عمر. وعثمان القضاء على الغائب إذا صح الحق قبله
ولا يصح عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وأما عن عمر بن عبد العزيز فإنما ذكر عن
لقمان كلاما وأين لقمان من أيام عمر، ثم ليس فيه الا أن لا يقضى على غائب بدعوى
خصمه فقط، وهكذا نقول، وكم قصة خالفوا فيها قضاء عمر بن عبد العزيز وغيره،
وأما شريح فإنه لا يصح عنه لأنه عن مجالد ومجالد ضعيف، والطريق الأخرى إنما
فيها انه لا يلقن خصما فقط ولو صح لما كان في أحد دون رسول الله صلى اله عليه وسلم حجة فلم يبق
لهم شئ يعلقون به فسقط قولهم لتعريه من البرهان ووجدنا الله تعالى يقول: (كونوا
قوامين بالقسط شهداء لله) فلم يخص تعالى حاضرا من غائب، وقال تعالى: (وأقيموا
الشهادة لله) فلم يخص تعالى حاضرا من غائب فصح وجوب الحكم على الغائب كما هو على
الحاضر، وما ندري في الضلال أعظم من فعل حاكم شهد عنده العدول بان فلانا الغائب
قتل زيدا عمدا أو خطأ أو انه غصب هذه الحرة أو تملكها أو انه طلق امرأته ثلاثا أو
انه غصب هذه الأمة من هذا أو تملك مسجدا أو مقبرة فلا يلتفت إلى كل ذلك وتبقى
في ملكه الحرة والفرج الحرام. والمال الحرام ألا ان هذا هو الضلال المبين والجور
المتيقن والفسق المتين والتعاون على الاثم والعدوان، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحكم على الغائب كما حكم على العرنيين الذين قتلوا الرعاء وسملوا أعينهم وفروا فاتبعهم
يقائف وهم غيب حتى أدركوا واقتص منهم، وعلى أهل خيبر وهم غيب بان يقيم الحارثيون
أولياء عبد الله بن سهل رضي الله عنه البينة أو يحلف خمسون منهم على قاتله من
أهل خيبر ويسلم إليهم أو يودوا ديته أو يحلف خمسون من يهود انهم ما قتلوه
ويبرءون، والخبر المشهور الذي رويناه من طرق منها عن أحمد بن شعيب أنا اسحق
369

ابن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا أبو معاوية نا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين
قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ان زوجي أبا سفيان
رجل مسيك شحيح لا يعطيني ما يكفيني وبنى أفآخذ من ماله وهو لا يعلم؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف، وهذا حكم على الغائب *
فان قالوا: إنما حكم (1) عليه الصلاة والسلام على أبي سفيان لعلمه بصحة ما ذكرت
له هند قلنا: إن هذا لعجب عهدنا بكم تجعلون البينة أقوى من علم الحاكم في مواضع منها
ما علم قبل أن يلي الحكم، ومنها الحدود في الزنا. والقطع. والخمر. فإنكم ترون أن
يحكم في كل ذلك بالبينة ولا تجيزون أن يحكم في ذلك بعلمه وان علمه بعد ولايته
القضاء فمره يكون الحكم بالعلم عندكم أقوى من البينة ومرة تكون البينة أقوى من
العلم فكم هذا الخبط في ظلمات الجهل والتحكم في الدين بالباطل؟ وكل ما لزم الحاكم
أن يحكم فيه بعلمه فلازم له أن يحكم فيه بالبينة وكل ما لزمه أن يحكم فيه بالبينة لزمه
أن يحكم فيه بعلمه لقول الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) وأما الصحابة رضي الله عنه
م فروينا من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير
ابن عبد الله البجلي أن رجلا كان مع أبي موسى الأشعري وكان ذا صوت ونكاية في العدو
فغنموا فأعطاه أبو موسى الأشعري بعض سهمه فأبى أن يأخذ الا جميعا فضربه عشرين
سوطا وحلق رأسه فجمع شعره ورحل إلى عمر فدخل عليه قال جرير بن عبد الله: وأنا
أقرب الناس مجلسا من عمر فأخرج شعره فضرب به صدر عمر وقال: أما والله لولا
فقال عمر لولا ماذا صدق والله لولا النار فقال: كنت ذا صوت ونكاية في العدو ثم قص
قصته على عمر فكتب عمر إلى أبى موسى ان فلانا قدم على فأخبرني بكذا وكذا فان كنت
فعل ذلك به فعزمت عليك ان كنت فعلت به ذلك في ملا من الناس فعزمت عليك لما
جلست له في ملا من الناس حتى يقتص منك وان كنت فعلت به ذلك في خلاء لما جلست له
في خلاء حتى يقتص منك فقال له الناس: اعف عنه فقال: لا والله لا أدعه لاحد فلما قعد
أبو موسى للقصاص رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم قد عفوت عنه * حدثنا يونس بن
عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا
محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا يحيى بن سعيد التيمي نا عباية بن رفاعة بن رافع
ابن خديج قال: بلغ عمر بن الخطاب أن سعد بن أبي وقاص اتخذ بابا وقال: انقطع
الصوت فأرسل إليه عمر فحرقه وارسل محمد بن مسلمة الأنصاري وأخذ بيد سعد وأخرجه

(1) في النسخة رقم 16 قد حكم
370

واجلسه وقال: هنا اجلس للناس فاعتذر إليه سعد وحلف انه ما تكلم بذلك * حدثنا
محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني
نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن أبي حصين قال: سمعت الشعبي قال: كتب عمر
إلى أبى موسى أنه بلغني أن ناسا من قبلك دعوا بدعوى الجاهلية يا آل ضبة فإذا أتاك كتابي
هذا فأنهكهم عقوبة في أموالهم وأجسامهم حتى يفرقوا إذ لم يفقهوا * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قضى عمر بن الخطاب.
وعثمان بن عفان في المفقود ان امرأته تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا ثم تتزوج
وهذا كله قضاء على الغائب ولو تتبع ذلك للصحابة بعد ما يوجد من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
لكثر جدا، ولذي أوردنا عن عمر. وعثمان صحيح، ولا يصح عن أحد من الصحابة
خلافه أبدا وبالله تعالى التوفيق *
1781 مسألة وكل من قضى عليه ببينة عدل بغرمة أو غيرها ثم أتى هو
ببينة عدل انه كان قد أدى ذلك الحق أو برئ من ذلك الحق رد عليه ما كان غرم وفسخ
عنه القضاء الأول لأنه حق ظهر لم يكن في علم البينة التي شهدت أولا وبالله تعالى التوفيق *
1782 مسألة وكل من ادعى على أحد وأنكر المدعى عليه فكلف المدعى
البينة فقال: لي بينة غائبة أو قال: لا أعرف لنفسي بينة أو قال: لا بينة لي قيل له: ان شئت
فدع تحليفه حتى تحضر بينتك أو لعلك تجد بينة وان شئت حلفته وقد سقط حكم بينتك الغائبة
جملة فلا يقضى لك بها أبدا وسقط حكم كل بينة تأتى بها بعد هذا عليه ليس لك الا هذا فقط
فأي الامرين اختار قضى له به ولم يلتفت له إلى بينة في تلك الدعوى بعدها الا أن يكون
تواتر يوجب صحة العلم ويقينه انه حلف كاذبا فيقضى عليه بالحق أو يقر بعد ان [يكون] (1)
حلف فيلزمه ما أقر به، وقد اختلف الناس في هذا فروينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري
عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال: كان شريح يستحلف الرجل مع بينته ويقبل
البينة بعد اليمين ويقول البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة، وبالحكم على الحالف إذا
أقام الطالب بينة بعد يمين المطلوب يقول سفيان الثوري. والليث بن سعد وبه يقول
أبو حنيفة والشافعي. وأحمد. واسحق، وقال مالك: ان عرف الطالب ان له بينة فاختار
تحليف المطلوب فقد سقط حكم بينته ولا يقضى بها له ان جاء بها بعد ذلك، واما ان لم
يعرف ان له بينة فاختار تحليف المطلوب فحلف ثم وجد بينة فإنه يقضى له بها، وقد روى
عنه أنه قال: ان قال الطالب ان له بينة بعيدة (2) ولكن احلفه لي الآن ثم إن حضرت

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 قال الطالب لي بينة بعيدة
371

بينتي اتيت بها فإنه يجاب إلى ذلك ويحلف له المطلوب ثم يقضى له بينته إذا أحضرها
وقد روى نحو هذا عن شريح، وقال بقولنا ابن أبي ليلى. وأبو عبيد. وأبو سليمان.
وجميع أصحابنا *
قال أبو محمد: لا متعلق لأبي حنيفة. ومالك، والشافعي، وأحمد. بشريح
لأنهم قد خالفوه في تحليفه مقيم البينة مع بينته، ومن الباطل أن يكون قول شريح حجة
في موضع وغير حجة في آخر، واما قول مالك: فما نعلم أحدا قاله قبله في التفريق بين
علم الطالب بأن له بينة وبين جهله بذلك وهو قول لم يأت به قرآن. ولا سنة. ولا قول
متقدم ولا قياس، فان قالوا: إذا علم أن له بينة ثم أحلفه فقد أسقط بينته فقلنا:
ما فعل ولا أخبر انه اسقطها، وكذلك أيضا إذا لم يعلم بان له بينة فأحلف خصمه فقد
اسقط بينته أيضا ولا فرق، وأما قول أبي حنيفة. والشافعي. ومالك: وأحمد. في
قضائهم بالبينة بعد يمين المنكر فان قولهم: البينة العادلة خير من (1) اليمين الفاجرة
فقول صحيح لو أيقنا ان البينة عادلة عند الله عز وجل وان يمين الحالف فاجرة بلا شك وأما
إذا لم يوقن أن البينة صادقة ولا ان اليمين فاجرة فليست الشهادة أولى من اليمين إذ الصدق
في كليهما ممكن والكذب في كليهما ممكن الا بنص قرآن أو سنة تأمرنا بانفاذ البينة وان
حلف المنكر [لا يعتد به] (2) ولا يوجد في ذلك نص أصلا فسقط هذا القول بيقين،
بل وجدنا النص بمثل قولنا والحمد لله رب العالمين كما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا
زهير بن حرب. وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه جميعا عن أبي الوليد الطيالسي نا
أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن علقمة بن وائل بن حجر قال: (كنت عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأتاه رجلان يختصمان في أرض فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للطالب: بينتك
قال: ليس لي بينة قال: يمينه قال: إذا يذهب بها يعنى بمالي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك
الا ذلك) فنص عليه الصلاة والسلام على أنه ليس للطالب الا بينته أو يمين المطلوب فصح
يقينا أنه ليس الا أحدهما لا كلاهما وبطل أن يكون له كلا الامرين بيقين، فان قيل:
فإنكم تحكمون للطالب بعد يمين المطلوب بالتواتر وبعلم الحاكم وباقراره قلنا: نعم
وكل هذا ليس ببينة لكنه بيقين الحق ويقين الحق فرض انفاذه وليست شهادة العدول كذلك
بل يمكن أن يكونوا كاذبين أو مغفلين ولولا النص بقبولهم وباليمين ما حكمنا بشئ من ذلك
بخلاف يقين العلم وبالله تعالى التوفيق *
1783 مسألة فإن لم يكن للطالب بينة وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها

(1) في النسخة رقم 14 (أولى)
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
372

أحب أم كره بالأدب ولا يقضى عليه بنكوله في شئ من الأشياء أصلا ولا ترد اليمين
على الطالب البتة ولا ترد يمين أصلا الا في ثلاثة مواضع فقط، وهي القسامة فيمن وجد
مقتولا فإنه ان لم تكن لأوليائه بينة حلف خمسون منهم واستحقوا القصاص أو الدية
فان أبوا حلف خمسون من المدعى عليهم وبرئوا فان نكلوا أجبروا على اليمين أبدا وهذا
مكان يحلف فيه الطالبون فان نكلوا رد على المطلوبين. والموضع الثاني الوصية في السفر
لا يشهد عليها الا كفار وان الشاهدين الكافرين يحلفان مع شهادتهما فان نكلا لم يقض
بشهادتهما فان قامت بعد ذلك بينة من المسلمين حلف اثنان منهم مع شهادتهما وحكم
بها وفسخ ما شهد به الأولان فان نكلا بطلت شهادتهما وبقى الحكم الأول كما حكم
به فهذا مكان يحلف فيه الشهود لا الطالب ولا المطلوب. والموضع الثالث من قام له
بدعواه شاهد واحد عدل أو امرأتان عدلتان فيحلف ويقضى له فان نكل حلف المدعى
عليه وبرئ فان نكل أجبر على اليمين أبدا فهذا مكان يحلف فيه الطالب فان نكل رد على
المطلوب، وفى كل ما ذكرنا اختلاف فقالت طائفة: ان نكل المدعى عليه عن اليمين قضى
عليه بدعوى الطالب دون أن يحلف، وقال آخرون: لا يقضى عليه الا حتى يحلف على
صحة دعواه فيقضى له حينئذ فالقائلون يقضى على المطلوب بنكوله دون أن ترد اليمين فكما
روينا من طريق أبى عبيده نا يزيد هو ابن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه عبد الله باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة ثم إن
صاحب العبد خاصم فيه ابن عمر إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر: أحلف بالله لقد بعته وما به
من داء علمته فأبى ابن عمر من أن يحلف فرد عليه عثمان العبد * ومن طريق ابن أبي شيبة نا
حفص بن غياث عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس انه أمر ابن أبي ملكية.
ان يستحلف امرأة فأبت ان تحلف فألزمها ذلك، وروى نحو ذلك عن أبي موسى
الأشعري * ومن طريق ابن أبي شيبة عن شريك عن مغيرة عن الحارث قال: نكل رجل
عند شريح عن اليمين فقضى عليه فقال: أنا أحلف فقال شريح: قد مضى قضائي، وبهذا
يأخذ أحمد بن حنبل. واسحق في أحد قوليه، وقال أبو حنيفة: يقضى على الناكل عن
اليمين في كل شئ من الأموال. والفروج. والقصاص فيما دون النفس حاشا القصاص
في النفس فلا يقضى فيه بنكول المطلوب ولا ترد اليمين على الطالب لكن يسجن المطلوب
حتى يحلف أو يقر: وقال زفر: اقضي في النكول في كل شئ وفى القصاص في النفس وما
دون النفس وهو قول أبى يوسف. ومحمد في أحد قوليهما، وقالا مرة أخرى: يقضى
بالنكول في كل شئ حاش القصاص في النفس وفيما دونها فإنه يلزم الأرش والدية بالنكول
373

في كل ذلك ولا يقص منه، وقالوا كلهم: من ادعى على آخر انه سرق منه ما فيه القطع
ولا بينة له حلف المطلوب وبرئ، فان نكل غرم المال ولا قطع عليه، وقالوا كلهم:
لا يقضى عليه بالنكول حتى يدعوه إلى اليمين ثلاث مرات فان أبى وتمادى قضى عليه،
وقال الحسن بن حي: ان وجد قتيل في محلة قوم فادعى أولياؤه عليهم قتله ولا بينة لهم
حلف خمسون منهم بالله ما قتلناه ثم يغرمون الدية فان نكلوا قتلوا قصاصا، وقال مالك:
من ادعى حقا من مال على منكر وأقام شاهدا واحدا حلف مع شاهده، فان أبى قيل
للمطلوب احلف فتبرأ فان نكل قضى عليه بما شهد به شاهد طالبه عليه، قال: ومن قال:
أنا اتهم فلانا بأنه أخذ لي مالا ذكر عدده ولا أحقق ذلك قيل للمطلوب: احلف وتبرأ فان
نكل قضى عليه بما ذكره المتهم دون رد يمين، قال: ومن مات وترك ورثته صغارا
فأقام وصيهم شاهدا واحدا عدلا بدين لمورثهم على إنسان قيل للمدعى عليه: احلف
حتى تبلغ الصغار فيحلفوا مع شاهدهم ويقضى لهم فان حلف ترك حتى يبلغوا ويحلفوا
ويقضى لهم وان نكل غرم ما شهد به الشاهد، وقال فيمن ادعت عليه امرأته طلاقا أو
ادعت عليه أمته أو عبده عتاقا وقام عليه ذلك شاهد واحد عدل انه يقال له: احلف
ما طلقت ولا أعتقت وتبرأ فان نكل قضى عليه بالطلاق والعتق، وقال مره أخرى: يسجن حتى يطول أمره وحد ذلك بسنة ثم يطلق ومرة قال: يسجن أبدا حتى يحلف *
قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر الخطأ لأنه متناقض مرة يقضى بالنكول
كما أوردنا وفى سائر الدعاوى لا يقضى به، وهذه فروق ما نعلم أحدا من المسلمين فرق بها
قبله ولا دليل له على تفريقه لا من قرآن. ولا من سنة. ولا من رواية سقيمة ولا قول
أحد سبقه إلى ذلك. ولا قياس بل كل ذلك مبطل لفروقه فسقط هذا القول بيقين *
وأما قول أبي حنيفة. وأبى يوسف. ومحمد بن الحسن فظاهر التناقض أيضا وما نعلم
أحدا سبقهم إلى تلك الفروق الفاسدة ولا إلى ترديد دعائه إلى اليمين ثلاث مرات ولا
صحح ذلك قرآن. ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قول أحد قبلهم. ولا قياس بل كل
ذلك مخالف لفروقهم، ولا يخلو الحكم بالنكول من أن يكون حقا واجبا أو باطلا فإن كان
باطلا فالحكم بالباطل لا يحل وإن كان حقا فالحكم به في كل مكان واجب كما قال
زفر. والحسن بن حي. وأبو يوسف. ومحمد في أحد قوليهما إذ لم يأت قرآن. ولا
سنة بالفرق بين شئ من ذلك فسقط هذا القول أيضا جملة، وما جعل الله قط الاحتياط
للدم بأولى من الاحتياط للفروج. والمال. والبشرة بل الحرام من كل ذلك سواء
في أنه حرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم واعراضكم وأبشاركم
374

عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد)
بل قد وجدنا (1) الدم يباح بشاهدين وجلد مائة في الزنا أو خمسين ولا يباح الا بأربعة
عدول فصح أنه التسليم للنصوص فقط ولم يبق في الحكم بالنكول الا قول زفر الذي
وافقه عليه أبو يوسف. ومحمد بن الحسن صاحباه فوجدنا من حجة من ذهب إليه أنه
ذكر آية اللعان وقال: انه لا خلاف في أن الزوج ان نكل عن الايمان أو نكلت
هي فان على الناكل حكما ما يلزمه بنكول الناكل المذكور (2) اما السجن واما الحد،
فهذا قضاء بالنكول فقلنا: لا حجة لم في هذا لوجهين، أحدهما ان الزوج قاذف فجاء
النص بإزالة حد القذف عنه بأيمانه الأربع ولعنته الخامسة فلزمت الطاعة لذلك،
فإن لم يحلف فالحد باق عليه بالنص وأما المرأة فقد أوجب الله تعالى عليها العذاب الا
أن تحلف فان حلفت درئ عنها العذاب بايمانها الأربع وغضب الله عليها في الخامسة بالنص
وان نكلت فالعذاب عليها واجب وليس كذلك سائر الدعاوى بلا خلاف منا ومنكم *
والوجه الثاني انه إنما حصل لكم من هذه الآية ان حكما ما يلزمها بالنكول وهو عندكم
السجن ونحن نقول: إن نكول الناكل عن اليمين في كل موضع وجبت عليه يوجب
أيضا عليه حكما ما وهو الأدب الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل من أتى منكرا قدرنا
على تغييره باليد وهو بامتناعه مما أوجبه الله تعالى عليه قد أتى منكرا فوجب تغييره باليد
فبطل تمويههم بالآية في غير موضعها، وقال أيضا: ان الأمة مجمعة على أن لنكول المدعى
عليه حكما موجبا للمدعى حقا ثم اختلفوا فقالت طائفة: هو رد اليمين وقالت طائفة:
هو السجن والأدب، وقالت طائفة: هو انفاذ الحكم على الناكل فبطل رد اليمين ولا
فائدة للمدعى في سجن المطلوب الناكل وتأديبه فلم يبق الا الزام المدعى عليه الحكم بنكوله
فقلنا هذا القول في غاية الفساد إذ زدتم فيه ما ليس منه ولا حق لاحد عند أحد الا أن
يوجبه الله تعالى في القرآن أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط ولا حق للمدعى على المدعى عليه
في ظاهر الامر والحكم الا الغرامة ان أقر أو ثبت عليه ببينة أو بيقين الحاكم أو اليمين
ان أنكر فقط فلما لم يقر ولا قامت عليه بينة ولا تيقن الحاكم صدق المدعى سقطت
الغرامة ولم يبق عليه الا اليمين التي أوجب الله تعالى فهو حقه قبل المطلوب فوجب اخذه
به ولا بد لا بما سواه مما لم يجب عليه سواء كان للطالب في ذلك فائدة أو لم يكن لان
مراعاة فائدته دعوى كاذبة دون مراعاة فائدة المطلوب، وقال: ان قطع الخصومة حق المدعى على المدعى عليه فلو حلف المدعى عليه لانقطعت الخصومة فإذ نكل فقد

(1) في النسخة رقم 14 وقد وجدنا
(2) في النسخة رقم 14 يلزمه بنكوله
375

لزمه قطع الخصومة وهي لا تنقطع بسجنه ولا بأدبه فلم يبق الا قطعها بالقضاء عليه بما يدعيه
الطالب وكان في سجنه قطع له عن التصرف وذلك لا يجوز فتقف الخصومة فلم يبق الا الحكم
بالنكول فقلنا: هذا كله باطل وخلاف قولكم، اما خلاف قولكم لو حلف لانقطعت
الخصومة فأنتم تقولون: انها لا تنقطع بذلك بل متى أقام الطالب البينة عادت الخصومة
وسائر قولكم باطل وما عليه قطع الخصومة أصلا الا بأحد وجهين لا ثالث لهما إما
بالاقرار إن كان المدعى صادقا وإما باليمين إن كان المدعى كاذبا وعلى الحاكم قطع الخصومة
بالقضاء بما توجبه البينة أو بيمين المطلوب ان لم تكن عليه بينة فقط ولا بد من
أحد الامرين، وإما غرامة بان لا يوجبها قرآن ولا سنة فهي باطل بيقين، ثم العجب
كله انكم بعد قضائكم عليه بالنكول تسجنونه حتى يؤدى فقد عدتم إلى السجن الذي
أنكرتم وهذا تلوث وسخافة ناهيك بها، وقال: هو قول روى عن عثمان. وابن عمر.
وابن عباس. وأبي موسى فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وقد روى
خلاف هذا عن عمر. وعلى. والمداد بن الأسود. وأبي بن كعب. وزيد بن ثابت
رضي الله عنهم فما الذي جعل قول بعضهم أولى من قول بعض منهم (1) فكيف وقد
خالفوا عثمان في هذه القضية نفسها لأنه لم يجز البيع بالبراءة الا في عيب لم يعلمه البائع وهذا
خلاف قولكم. ومن العجب أن يكون حكم عثمان بعضه حجة وبعضه ليس بحجة
هذا على أن مالك بن أنس روى هذا الخبر عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سالم بن
عبد الله فقال فيه: عن أبيه فأبى ان يحلف وارتجع العبد فدل هذا على أنه اختار ان
يرتجع العبد فرده إليه عثمان برضاه فبطل بهذا أن يصح عن عثمان القضاء بالنكول،
وأما الرواية عن أبي موسى فاسقط من أن يعرف أو يدرى مخرجها، وأما ابن عمر
فليس في ذلك الخبر انه رأى الحكم بالنكول جائز أو إنما فيه انه حكم عثمان وأنتم
مخالفون لعثمان. في ذلك الحكم بعينه (2)، وأما الرواية عن ابن عباس فلا متعلق لكم
بها لأنه ليس فيها أن ابن عباس الزم الغرامة بالنكول إنما فيه أن ابن عباس أمر أن يستحلف
المدعى عليها فأبت فالزمها ذلك وهذه إشارة إلى اليمين إذ ليس للغرامة في الخبر ذكر أصلا
فقول ابن عباس موافق لقولنا لا لقولكم، فان قيل: فان أبا نعيم روى عن إسماعيل بن
عبد الملك الأسدي عن ابن أبي مليكة هذا الخبر فذكر فيه فإن لم يحلف فضمنها قيل له:
إسماعيل بن عبد الملك الأسدي مجهول لا يدرى أحد من هو وإسماعيل بن عبد الرحمن
الأسدي متروك مطرح فبطل أن يصح في هذا شئ عن الصحابة أصلا فبطل القول بان

(1) في النسخة رقم 16 من قول غيره منهم
(2) في النسخة رقم 14 الحكم نفسه
376

يقضى بالغرامة على الناكل لتعريه من الأدلة وبالله تعالى التوفيق * وأما من قال برد اليمين
على الطالب فكما روينا من طريق أبى عبيد عن عفان بن مسلم عن مسلمة بن علقمة عن داود
ابن أبي هند عن الشعبي قال: استسلف المقداد بن الأسود من عثمان بن عفان سبعة آلاف
درهم فلما قضاه أتاه بأربعة آلاف فقال عثمان: انها سبعة آلاف فقال المقداد: ما كانت
الا أربعة آلاف فارتفعا إلى عمر فقال المقداد: يا أمير المؤمنين ليحلف انها كما يقول
ويأخذها فقال له عمر: أنصفك احلف انها كما تقول وخذها *
ومن طريق محمد بن الجهم نا إسماعيل بن إسحاق نا إسماعيل بن أبي أويس نا حسين بن
عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: اليمين مع
الشاهد فإن لم تكن بينة فاليمين على المدعى عليه إذا كان قد خالطه فان نكل حلف المدعى *
ومن طريق أبى عبيد نا يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن شريح
انه كان إذا قضى باليمين فردها على الطالب فلم يحلف لم يعطه شيئا ولم يستحلف الاخر *
ومن طريق أبى عبيد نا عباد بن العوام عن أشعث عن الحكم بن عتيبة عن عون
ابن عبد الله بن عتبة أن أباه كان إذا قضى باليمين فردها على المدعى فأبى أن يحلف لم يجعل له
شيئا وقال: لا أعطيك ما لا تحلف عليه * ومن طريق ابن أبي شيبة عن جرير عن المغيرة أن
الشعبي لم يقضى للطالب ان نكل المطلوب الا حتى يحلف الطالب * ومن طريق سعيد بن
منصور نا هشيم انا الشيباني هو أبو إسحاق. عن الشعبي قال: كان شريح يرد اليمين
على المدعى إذا طلب ذلك المدعى عليه وكان الشعبي يرى ذلك، وقال هشيم نا عبيدة عن
إبراهيم النخعي انه كان لا يرد اليمين، وروى هذا أيضا عن ابن سيرين. وسوار بن عبد الله.
وعبيد الله بن الحسن العنبريين القاضيين، وهو قول أبى عبيد. وأحد قولي إسحاق وروى
عن ابن أبي ليلى قولان أحدهما رد اليمين جملة على الاطلاق، والثاني انه إن كان متهما رد
عليه اليمين وإن كان غير متهم لم يرد عليه، والظاهر من قوله إن يلزم المطلوب اليمين أبدا
لأنه لم يرو عنه قط الحكم بالنكول: وقال مالك: ترد اليمين في الأموال ولا يرى ردها
في النكاح ولا في الطلاق ولا في العتق، وقال الشافعي. وأبو ثور وسائر أصحابه: ترد
اليمين في كل شئ وفى القصاص في النفس فما دونها وفى النكاح والطلاق والعتاق فمن ادعت
عليه امرأته الطلاق وعبده أو أمته العتاق ومن ادعى على امرأته النكاح أو ادعته عليه ولا
شاهد لهما ولا بينة لزمته اليمين انه ما طلق ولا أعتق ولزمته اليمين انه ما انكحها أو
لزمتها اليمين كذلك فأيهما نكل حلف المدعى وصح العتق. والنكاح. والطلاق،
وكذلك في القصاص *
377

قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر الخطأ لتناقضه ولئن كان رد اليمين حقا في
موضع فإنه لحق في كل موضع يجب فيه اليمين على المنكر ولئن كان باطلا في مكان فإنه
لباطل في كل مكان الا أن يأتي بايجابه في مكان دون مكان قرآن أو سنة فينفذ ذلك ولا سبيل
إلى وجود قرآن ولا سنة بذلك أصلا فبطل قول مالك إذ لا يعضده قرآن ولا سنة. ولا
رواية سقيمة. ولا قول صاحب (1) قبله ولا قياس، فان قال: إنما روى عن الصحابة في
الأموال قلنا: باطل لأنه روى عن علي جملة وروى عن عمر. والمقداد في الدراهم في الدين
فمن أين لكم ان تقيسوا على ذلك سائر الأموال وسائر الدعاوى من الغصوب وغير ذلك ولم
تقيسوا عليه كل دعوى فظهر فساد هذا القول وبالله تعالى التوفيق، وأما قول ابن أبي ليلى
في رده اليمين على المتهم فباطل لأنه تقسيم لم يأت به قرآن ولا سنة. وما جعل الله تعالى
في الحكم بالبينة أو اليمين على الكافر والكاذب على الله تعالى وعلى رسوله عليه الصلاة
والسلام من اليهود. والنصارى. والمجوس. وعلى المشهورين بالكذب والفسق الا
الذي جعل من ذلك على أبى بكر الصديق. وعمر. وعثمان. وعلى وأمهات المؤمنين.
وأبي ذر الغفاري. وخزيمة بن ثابت. وسائر المهاجرين والأنصار الذين قال الله تعالى
فيهم: (أولئك هم الصادقون) وفى هذا ابطال كل رأى وكل قياس وكل احتياط في الدين
مما لم يأت به نص لو أنصفوا من أنفسهم * وأما قول الشافعي فإنهم احتجوا بآية الوصية
في السفر من قول الله تعالى: (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشتري
به ممنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الآثمين فان عثر على أنهما استحقا
اثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق
من شهادتهما وما اعتدينا انا إذا لمن الظالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها
أو يخاف أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا) وذكروا خبر القسامة (2)
إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنى حارثة في دعواهم دم عبد الله بن سهل على يهود خيبر يقسم خمسون
منكم على رجل منهم فيدفع برمته قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف قال: فتبرئكم يهود
بايمان خمسين منهم، وذكروا وجوب اليمين على المدعى عليه وان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم
باليمين مع الشاهد فرد اليمين على الطالب من أجل شاهده فكان الشاهد سببا لرد اليمين
فوجب أن يكون النكول من الطلوب أيضا سببا لرد اليمين ولم يقض له بشهادة واحد حتى
يضم إليه يمينه فيقوم مقام شاهد آخر كذلك لم يجز ان يقضى له بالنكول حتى يضم إلى ذلك
يمينه فيكون نكول المطلوب مقام شاهد ويمين الطالب مقام شاهد آخر *

(1) في النسخة رقم 14 ولا قول أحد
(2) في النسخة رقم 14 وذكر خبر القسامة وما هنا يناسب ما قبله وما بعده
378

قال أبو محمد: اما آية الوصية في السفر فحجة عليهم لا لهم وان احتجاجهم بها
لفضيحة الدهر عليهم لوجوه ثلاثة كافية، أحدها انهم لا يأخذون بها فيما جاءت فيه فكيف
يستحلون الاحتجاج بآية هم مخالفون لها، والثاني انه ليس فيها من تحليف المدعى عليه
ولا رد اليمين على المدعى كلمة لا بنص ولا بدليل إنما فيها تحليف الشهود أولا وتحليف
الشاهد والشاهدين بخلاف شهادة الأول فيكف سهل عليهم ابطال نص الآية وان
يحكموا منها بما ليس فيها عليه لا دليل ولا نص ان هذه لمصيبة، ولو احتج بهذه الآية من
يرى تحليف المشهود له مع بينته لكان أشبه في التمويه على ما روى عن شريح. والأوزاعي
وغيرهما، وقد روى عن محمد بن بشير القاضي بقرطبة انه أحلف شهودا في تزكيه بالله ان
ما شهدوا به لحق، وروى عن ابن وضاح أنه قال: أرى لفساد الناس أن يحلف الحاكم
الشهود، ذكر ذلك خالد بن سعد في كتابه في أخبار فقهاء قرطبة فلو احتج أهل هذا المذهب
بهذه الآية لكانوا أولى بها ممن احتج في رد اليمين على الطالب لا سيما مع ما في نصها من قول
الله تعالى: (ذلك أدنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها) ولكن يبطل هذا انه قياس والقياس
كله باطل الا انه من أقوى قياس في الأرض. وأما حديث القسامة فاحتجاجهم به أيضا
إحدى فضائحهم لان المالكيين. والشافعيين مخالفون لما فيه فاما المالكيون فخالفوه
جملة وأما الشافعيون فخالفوا ما فيه من ايجاب القود فكيف يستحلون الاحتجاج
بحديث قده ان عليهم خلافه فيما فيه وأرادوا من ذلك تثبيت الباطل الذي ليس في الحديث
منه أثر أصلا وإنما في هذا الحديث تحليف المدعين أولا خمسين يمينا بخلاف جميع الدعاوى
ثم رد اليمين على المدعى عليهم بخلاف قولهم فمن أين رأوا أن يقيسوا عليه ضده من تحليف
المدعى عليه أولا فان نكل حلف المدعى ولم يقيسوا عليه في تبدية المدعى في سائر الدعاوى
وأن يجعلوا الايمان في كل دعوى خمسين يمينا فهل في التخليط وخلاف السنن وعكس
القياس وضعف النظر أكثر من هذا * وأما خبر اليمين مع الشاهد فحق ولا حجة لهم فيه
لان قولهم: ان النكول يقوم مقام الشاهد باطل لم يأت به قط قرآن. ولا سنة. ولا
معقول، وقد ينكل المرء عن اليمين تصاونا وخوف الشهرة والا فمن استجاز أكل المال
الحرام بالباطل فلا ينكر منه أن يحلف كاذبا وإنما البينة على المدعى فلم يجب بعد على
المنكر يمين فلما أتى المدعى بشاهد واحد كان بعد في حكم طلبه البينة ولم يجب بعد يمين على
المطلوب فحكم النبي صلى الله عليه وسلم للطالب بيمينه ابتداء لا ردا لليمين عليه، فان أبى فقد اسقط حكم
شاهده وإذا أسقط حكم شاهده فلا بينة له وإذ لا بينة له فالآن وجبت اليمين على المطلوب
لا ان ههنا رد يمين أصلا فبطل تعلقهم بالنصوص المذكورة والحمد لله رب العالمين،
379

وذكر بعضهم رواية هالكة رويناها من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن أصبغ
ابن الفرج عن ابن وهب عن حيوه بن شريح ان سالم بن غيلان التجيبي أخبره أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له طلبة عند أخيه (1) فعليه البينة) والمطلوب
أولى باليمين فان نكل حلف الطالب وأخذ *
قال أبو محمد: هذا مرسل ولا حجة في مرسل عندنا ولا عند الشافعيين ثم لو صح
لكان حجة على المالكيين لأنهم مخالفون لما فيه من عموم رد اليمين في كل طلبة طالب
ولا خلاف في أن أوله في كل دعوى من دم أو نكاح أو طلاق أو عتاق أو غير ذلك
فتخصيصهم آخره (1) في الأموال باطل وتناقض وخلاف للخبر الذي موهوا به وهذا
قبيح جدا، وقال مالك في موطأه في باب اليمين مع الشاهد في كتاب الأقضية أرأيت
رجلا ادعى على رجل مالا أليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه فان حلف بطل ذلك
عنه وان أبى أن يحلف ونكل عن اليمين حلف طالب الحق ان حقه لحق وثبت حقه على
صاحبه فهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فبأي شئ أخذ
هذا أم في أي كتاب الله وجده؟ فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد وان لم يكن
ذلك في كتاب الله تعالى *
قال أبو محمد: وهذا احتجاج ناهيك به عجبا في الغفلة أول ذلك قوله: انه
لا خلاف في رد اليمين بين أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فلئن كان خفى عليه قضاء
أهل العراق بالنكول فإنه لعجب ثم قوله: إذا أقر برد اليمين وان لم يكن في كتاب الله
تعالى فليقر باليمين على الشاهد وان لم يكن في كتاب الله تعالى فهذا أيضا عجب آخر لان
اليمين مع الشاهد ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في كتاب الله عز وجل قال الله تعالى:
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وأما رد اليمين على الطالب إذا نكل
المطلوب فما كان قط في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فبين الامرين فرق
كما بين السماء والأرض، وإذا وجب الاخذ بما جاءت به السنة وان لم يوجب في لفظ
آيات القرآن فما وجب قط من ذلك ان يؤخذ بما لا يوجد في القرآن ولا في سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وأما أبو ثور فإنه قال: إذا نكل المطلوب عن اليمين وأحلف الحاكم الطالب
فقد اتفقنا على وجوب القضاء له بتلك الدعوى ما لم يحلف الطالب فلم نتفق على القضاء (3)
له بتلك الدعوى فوجب القول بما اجمعنا عليه وان إلا يقضى على أحد باختلاف لا نص معه *
قال أبو محمد: ليس قول أربعة من التابعين وروايات ساقطة لا تصح أسانيدها

(1) في النسخة رقم 16 عند أحد
(2) في النسخة رقم 14 اخذه
(3) في النسخة رقم 14 بتلك الدعوى وإذا لم يحلف الطالب ولم يبق على القضاء الخ
380

ثم يظنون غير صادقة على ستة من الصحابة مختلفين مما يقول: انه اجماع الامن لا يدرى
ما الاجماع (1) وليس ما اتفق عليه أبو حنيفة. ومالك. والشافعي حجة على من لا يقلدهم
قال الله تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم
الآخر) فلم يأمر عز وجل برد ما اختلف فيه إلى أحد ممن ذكرنا، فمن رد إليهم فقد خالف
أمر الله تعالى فسقط هذا القول أيضا وبالله تعالى التوفيق، وأما احتجاجهم بعمر.
والمقداد. وعثمان رضي الله عنهم فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لو صح ذلك
عنهم فكيف وهو لا يصح لأنه من طريق الشعبي والشعبي لم يدرك عثمان ولا المقداد
فكيف عمر. وأما الرواية عن علي فساقطة لأنها عن الحسن بن ضميرة عن أبيه وهو
متروك ابن متروك لا يحل الاحتجاج بروايته فلم يصح في هذا عن أحد من الصحابة كلمة.
قال أبو محمد: وأما قولنا فكما روينا من طريق وكيع نا إسماعيل بن أبي خالد عن
الشعبي قال: كان بين أبي بن كعب. وعمر بن الخطاب منازعة وخصومة في حائط فقال:
بيني وبينك زيد بن ثابت فاتياه فضربا عليه الباب فخرج فقال: يا أمير المؤمنين الا
أرسلت إلى حتى آتيك فقال له عمر: في بيته يؤتى الحكم فأخرج زيد وسادة فالقاها فقال
له عمر: هذا أول جورك وأبى أن يجلس عليها فتكلما فقال زيد لأبي بن كعب: بينتك
وان رأيت أن تعفى أمير المؤمنين من اليمين فاعفه فقال عمر تقضى على باليمين ولا أحلف
فحلف فهذا زيد لم يذكر رد يمين ولا حكما بنكول بل أوجب اليمين على المنكر قطعا الا
أن يسقطها الطالب، وهذا عمر ينكر أن يحكم الحاكم باليمين ولا يحلف المنكر وهو قولنا نصا
ومن طريق أبى عبيد نا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر
ابن الخطاب إلى أبى موسى الأشعري في رسالة ذكرها البينة على من ادعى واليمين على
من أنكر فلم يذكر نكولا ولا رد يمين * حدثنا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد
ابن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا يحيى بن أبي بكر الكرماني نا نافع بن عمر
الجمحي عن أبي أبى مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس في امرأتين كانتا تحرزان حريزا
في بيت وفي الحجرة حداث فأخرجت إحداهما يدها تشخب دما فقالت: أصابتني هذه
وأنكرت الأخرى قال: فكتب إلى ابن عباس (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعى
عليه وقال: لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ادعها فاقرأ عليها: (ان
الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) الآية قال ابن أبي مليكة فقرأت عليها فاعترفت، فهذا
في غاية الصحة عن ابن عباس ولم يفت الا بايجاب اليمين فقط وأبطل أن يعطى المدعى بدعواه

(1) في النسخة رقم 14 يدرى بالاجماع
381

ولم يستثن في ذلك نكول المطلوب ولا رد اليمين أصلا * ومن طريق أبى عبيد نا عبد الرحمن
ابن مهدي نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن الحكم بن عتيبة قال: لا أرد اليمين *
ومن طريق الكشوري عن الحذافي عن عبد الرزاق نا سفيان الثوري قال: كان ابن أبي
ليلى: والحكم بن عتيبة لا يريان اليمين يعنى لا يريان ردها على الطالب إذا نكل
المطلوب، وقد ذكرنا قول أبي حنيفة ان المدعى عليه بالدم يأبى عن اليمين انه لا يرد اليمين
على الطالب ولا يقضى عليه بالنكول لكن يسجن أبدا حتى يحلف وهو قول مالك فيمن
ادعت عليه امرأته طلاقا وأمته أو عبده عتاقا وأقاموا شاهدا واحدا عدلا بذلك أنه يلزمه
اليمين وانه لا يقضى عليه بالنكول ولا برد اليمين لكن يسجن أبدا حتى يحلف وهو قول
أبى سليمان. وأصحابنا في كل شئ *
قال أبو محمد: فان قيل: فإنكم رددتم الرواية في رد اليمين بأنها عن الشعبي ولم
يدرك عثمان ولا المقداد ولا عمر ثم ذكرتم لأنفسكم رواية حكومة كانت بين عمر.
وأبى قلنا: لم نورد شيئا من هذا كله احتجاجا لأنفسنا في تصحيح ما قلنا ونعوذ بالله من
أن نرى في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة في الدين ولكن تكذيبا لمن قد سهل
الشيطان له الكذب على جميع الأمة في دعوى الاجماع مجاهرة حيث لا يجد الا روايات
كلها هالكة بظنون كاذبة على ثلاثة من الصحابة قد روى مثلها بخلافها عن ثلاثة أخرين
منهم فأريناهم لأنفسنا مثلها بل أحسن منها عن ثلاثة أيضا منهم أو أربعة الا أن الموافقة
لقولنا أصح لأنها عن الشعبي في ذكر قضية بين عمر وأبى قضى فيها زيد بن ثابت بينهما،
والشعبي قد لقى زيد بن ثابت وصحبه وأخذ عنه كثيرا فهذه أقرب بلا شك إلى أن تكون مسندة
من تلك التي لم يلق الشعبي أحدا ممن ذكر في تلك القصة ولا أدركه بعقله *
قال أبو محمد: ومن العجب العجيب أن يجوز أهل الجهل والغباوة لأبي حنيفة ان
لا يقضى بالنكول ولا برد اليمين لكن بالاخذ باليمين ولا بد في بعض الدعاوى دون بعض
برأيه ويجوز مثل ذلك لمالك في دعوى الطلاق والعتاق ولا يجوز لمن اتبع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذلك في جميع الدعاوى ان هذا لعجب *
قال أبو محمد: فإذ قد بطل القول بالقضاء بالنكول والقول برد اليمين على الطالب
إذا نكل المطلوب لتعري هذين القولين عن دليل من القرآن أو من السنة وبطل أن يصح
في أحدهما قول عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم فالواجب ان نأتى بالبرهان على صحة
قولنا وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: قد صح ما قد أوردناه آنفا من قول النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء باليمين على
382

المدعى عليه وانه لو أعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم وما قد أتينا به
قبل في المسألة التي قبل هذه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينتك أو يمينه ليس لك الا ذلك
فصح يقينا انه لا يجوز ان يعطى المدعى بدعواه دون بينة فبطل بهذا أن يعطى شيئا بنكول
خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه لأنه أعطى بالدعوى وصح أن اليمين بحكم الله تعالى على
لسان رسوله عليه الصلاة والسلام على المدعى عليه فوجب بذلك أنه لا يعطى المدعى
يمينا أصلا الا حيث جاء النص بان يعطاها وليس ذلك الا في القسامة في المسلم يوجد
مقتولا وفى المدعى يقيم شاهدا عدلا فقط، وكان من أعطى المدعى بنكول خصمه فقط
أو بيمينه إذا نكل خصمه قد أخطأ كثيرا وذلك أنه أعطاه ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس
له وأعطاه بدعواه المجردة عن البينة وأسقط اليمين عمن أوجبها الله تعالى عليه ولم يزلها
عنه الا أن يسقطها الذي هي له وهو الطالب الذي جعل الله تعالى له البينة فيأخذ أو يمين
مطلوبه فإذ هي له فله ترك حقه ان شاء فظهر صحة قولنا يقينا، وقال الله تعالى: (ولا تعاونوا
على الاثم والعدوان) فمن أطلق للمطلوب الامتناع من اليمين ولم يأخذه بها وقد أوجبها
الله تعالى عليه فقد أعانه على الاثم والعدوان وعلى ترك ما افترض الله تعالى عليه الزامه
إياه وأخذه به، وقد ذكرنا في كلامنا في الإمامة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم
منكرا فليغيره بيده ان استطاع) فوجدنا الممتنع مما أوجب الله عز وجل أخذه به من اليمين
قد أتى منكرا بيقين فوجب تغييره باليد بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغيير باليد هو الضرب
فيمن لم يمتنع أو بالسلاح في المدافع بيده الممتنع من أخذه بالحق فوجب ضربه أبدا
حتى يحييه الحق من اقراره أو يميته أو يقتله الحق من تغيير ما أعلن به من المنكر ومن يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه، ومن أطاع الله تعالى فقد أحسن وأما السجن فلا يختلف اثنان
في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له قط سجن وبالله تعالى التوفيق، وقد لاح بما ذكرنا
ان قولنا ثابت عن ابن عباس كما أوردنا، ولا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم
خلافه والحمد لله رب العالمين *
1784 مسألة وليس على من وجبت عليه يمين أن يحلف الا بالله تعالى أو
باسم من أسماء الله تعالى في مجلس الحاكم فقط كيفما شاء من قعود أو قيام أو غير ذلك من
الأحوال ولا يبالي إلى أي جهة كان وجهه، وقد اختلف الناس في هذا فروينا عن مالك انه
بلغه انه كتب إلى عمر بن الخطاب رجل من العراق أن رجلا قال لامرأته: حبلك على
غاربك فكتب عمر إلى عامله ان يوافيه الرجل بمكة في الموسم ففعل فأتاه الرجل وعمر
يطوف بالبيت فقال لعمر: انا الرجل الذي أمرت ان أجلب عليك فقال له عمر: أنشدك
383

برب هذه البنية ما أردت بقولك حبلك على غاربك الفراق؟ فقال له الرجل: لو استحلفتني
في غير هذا المكان ما صدقتك أردت بذلك الفراق، قال عمر: هو ما أردت * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد أن رجلا قال لامرأته في زمن عمر:
حبلك على غاربك ثلاث مرات فاستحلفه عمر بين الركن والمقام فقال: أردت الطلاق ثلاثا
فأمضاه عليه * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي
عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا قال لامرأته: حبلك على غاربك فسأل ابن مسعود؟ فكتب
إلى عمر فكتب عمر بان يوافيه بالموسم فوافاه وذكر الحديث *
ومن طريق الكشوري عن الحذافي عن عبد الرزاق نا معمر عن الزهري قال:
استحلف معاوية (1) في دم بين الركن والمقام، وذكر الشافعي بغير اسناد ان عبد الرحمن
ابن عوف أنكر التحليف عند الكعبة الا في دم أو كثير من المال، وأما فعل معاوية
المذكور فإننا رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب
أن معاوية أحلف مصعب بن عبد الرحمن بن عوف. ومعاذ بن عبيد الله بن معمر. وعقبة
ابن جعونة بن شعوب الليثي في دم إسماعيل بن هبار بين الركن والمقام، وهؤلاء مدنيون
استجلبهم إلى مكة (2) * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي السفر عن
الشعبي عن شريح قال: يستحلف أهل الكتاب بالله حيث يكرهون * وبه إلى سفيان عن أيوب
السختياني عن ابن سيرين أن كعب بن سوار أدخل يهوديا الكنيسة ووضع التوراة على
رأسه واستحلفه بالله * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أيوب السختياني عن
ابن سيرين ان كعب بن سوار كان يحلف أهل الكتاب - يعنى النصارى - يضع الإنجيل
على رأسه ثم يأتي به إلى المذبح فيحلفه بالله * ومن طريق أبى عبيد نا محمد بن عبيد عن
إسحاق بن أبي ميسرة قال: اختصم إلى الشعبي مسلم ونصراني فقال النصراني: احلف
بالله فقال له الشعبي: لا يا خبيث قد فرطت في الله ولكن اذهب إلى البيعة فاستحلفه بما
يستحلف به مثله * ومن طريق مالك عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان (3)
ابن طريف المري (4) يقول: اختصم زيد بن ثابت. وابن مطيع إلى مروان في دار
فقضى مروان على زيد باليمين على المنبر فقال له زيد: أحلف له مكاني فقال له مروان:
لا والله الا في مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف ان حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر
فجعل مروان يعجب من زيد * وقد روى أن عمر بن عبد العزيز أحلف عمال سليمان
عند الصخرة في بيت المقدس * ومن طريق الكشوري عن الحذافي عن عبد الرزاق عن

(1) في النسخة رقم 16 استحلف عمر وهو غلط
(2) في النسخة رقم 14 اشخصهم إلى مكة
(3) في النسخة رقم 14 أبا غطفان بالعين المهملة وهو غلط
(4) في النسخة رقم 14 المزني وهو غلط
384

إسرائيل عن سماك بن حرب عن الشعبي أن أبا موسى الأشعري أحلف يهوديا بالله تعالى
فقال الشعبي: لو أدخله الكنيسة فهذا يوضح أن أبا موسى لم يدخله الكنيسة *
ومن طريق أبى عبيد نا أزهر السمان عن عبد الله بن عون عن نافع أن ابن عمر كان وصى
رجل فأتاه رجل بصك قد درست أسماء شهوده فقال ابن عمر: يا نافع اذهب به إلى
المنبر فاستحلفه فقال: يا ابن عمر أتريد أن تسمع في الذي يسمعني ثم يسمعني ههنا؟ فقال
ابن عمر: صدق فاستحلفه وأعطاه إياه *
قال أبو محمد: ليس في هذا ان ابن عمر كان يرى رد اليمين على الطالب وقد يكون ذلك
الصك براءة من حق على ذلك الرجل فحقه اليمين الا أن يقيم بينة بالبراءة * ومن طريق
وكيع عن شريك عن جابر عن رجل من ولد أبى الهياج ان علي بن أبي طالب بعث
أبا الهياج قاضيا إلى السواد وأمر ان يحلفهم بالله ففي هذا عن عمر بن الخطاب. وابن مسعود
جلب رجل من العراق إلى مكة للحكم واحلافه عند الكعبة واستحلاف معاوية في دم
بين الركن والمقام وانكار عبد الرحمن بن عوف الاستحلاف عند الكعبة الا في دم أو
كثير من المال. وعن شريح والشعبي استحلاف الكفار حيث يعظمون وكذلك كعب
ابن سور وزاد وضع التوراة على رأس اليهودي والإنجيل على رأس النصراني، وعن
مروان ان الاستحلاف بالمدينة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم * وعن عمر بن عبد العزيز استحلاف
العمال عند صخرة بيت المقدس، وعن ابن عمر. وعلى. وزيد. وأبي موسى الأشعري
الاستحلاف بالله فقط حيث كان من مجلس الحاكم وعن ابن عمر. وزيد في غاية الصحة
وكذلك عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى *
وأما بماذا يحلفون فقد ذكرنا قبل هذا في باب الحكم بالنكول تحليف عثمان لابن عمر بالله
فقط، وعن زيد بن ثابت الحلف بالله لقد باع العبد وما به داء يعلمه، وذكرنا
آنفا عن علي. وأبي موسى استحلاف الكفار بالله فقط، وعن زيد بن ثابت الحلف
بالله فقط وهو عنه وعن عثمان في غاية الصحة، ومن طريق أبى عبيد نا هشيم انا المغيرة
ابن مقسم قال: كتب عمر بن عبد العزيز في أهل الكتاب ان يستحلفوا بالله *
ومن طريق سعيد بن منصور انا إسماعيل بن سالم سمعت الشعبي يقول في كلام كثير
ان لم يقيموا البينة فيمينه بالله * ومن طريق أبى عبيد عن مروان بن معاوية الفزاري
عن يحيى بن ميسرة عن عمرو بن مرة قال: كنت مع أبي عبيدة (1) بن عبد الله بن مسعود
وهو قاضى فاختصم إليه مسلم. ونصراني فقضى باليمين على النصراني فقال له المسلم استحلفه

(1) في النسخة رقم 14 كنت عند أبي عبيدة
385

لي في البيعة فقال له أبو عبيدة: استحلفه بالله وخل سبيله، ونحوه عن عطاء * وعن
مسروق استحلافهم بالله فقط، ومن طريق إبراهيم النخعي يستحلفون بالله ويغلظ
عليهم بدينهم * وعن شريح أنه كان يستحلفهم بدينهم وقد ذكرناه قبل عن الشعبي *
وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: يستحلف المسلم والكافر في مجلس الحاكم فأما
المسلم فيستحلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب
الغالب الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل
التوراة على موسى ويستحلف النصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ويستحلف
المجوسي بالله الذي خلق النار وكل هذا هو قول الشافعي الا انه لم يذكر في التحليف
الطالب الغالب ورأي أن يحلف في عشرين دينارا أو في جراح العمد عند المقام بمكة وعند
منبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأن يحلف سائر أهل البلاد في جوامعهم، وأما ما دون عشرين
دينارا ففي مجلس الحاكم، ورأي أن يحلف الكفار حيث يعظمون، وقال مالك:
يحلفون في ثلاثة دراهم فصاعدا في مكة عند المقام. وفى المدينة عن منبر النبي صلى الله عليه وسلم،
وأما سائر أهل البلاد فحيث يعظم من الجوامع وتخرج المرأة المستورة لذلك ليلا وأما
ما دون ثلاثة دراهم ففي مجلس الحاكم ويحلف المسلم والكافر بالله الذي لا إله إلا هو،
وقال أحمد بن حنبل: يحلف المسلم بالله في مجلس الحاكم في المصحف وأما الكافر فكما
قال الشافعي فيهم سواء سواء، وما روينا مثل قول مالك الا عن شريح من طريق سعيد
ابن منصور نا هشيم انا داود عن الشعبي عن شريح أنه قال في كلام كثير ويمينك بالله
الذي لا إله إلا هو يعنى على المطلوب *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة. والشافعي فيما يستحلف به المسلم فما ندري من
أين أخذاه ولا متعلق لهم فيه لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ولا بقول أحد قبل
أبي حنيفة، وقال بعضهم: قلنا على سبيل التأكيد في اليمين فقلنا: ما هذا بتأكيد لان الله
تعالى إذا ذكر باسمه اقتضى القدرة والعلم وانه لم يزل وانه خالق كل شئ واقتضى
كل ما يخبر به عن الله تعالى، فان أردتم أن تسلكوا مسلك الدعاء والتعبد فكان أولى بكم
أن تزيدوا ما زاده الله تعالى إذ يقول: (الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار
المتكبر سبحان الله عما يشركون) الآية فزيدوا هكذا حتى تفنى أعماركم وتنقطع
انفاسكم وإنما نحن في مكان حكم لا في تفرغ لذكر وعبادة ثم اغرب شئ زيادة
أبي حنيفة في أسماء الله تعالى الطالب الغالب فما ندري من أين وقع عليه (1) ومن كثر كلامه

(1) أورد على المصنف قول الله تعالى في يوسف (والله غالب على امره) فقد جاء من أسمائه الغالب وفيه نظر للمتأمل
386

بما لم يؤمر به ولا ندب إليه كثر خطؤه ونعوذ بالله من الضلال، فان قالوا: قصدنا
بذلك التغليظ قلنا: فاجلبوهم من العراق وغيرها إلى مكة فهو أشد تغليظا كما روى عن عمر
أو حلفوهم في المصحف كما قال أحمد بن حنبل فهو أشد تغليظا وحلفوهم بما ترونه أيمانا
من الطلاق والعتاق وصدقة المال فهو عندكم أغلظ وأوكد من اليمين بالله، فأي شئ قالوا
رد عليهم في هذه الزيادات التي زادوها ولا فرق أو نقول: حلفوهم بعلية لعنة الله إن كان
كاذبا قياسا على الملاعن أو ردوا عليه الايمان كذلك وأما قوله وقول الشافعي أن يحلف
النصراني بالله الذي انزل الإنجيل على عيسى فعجب، ولا ندري من أين اخذاه فما في الامر
لهم بهذه اليمين قرآن. ولا سنة صحيحة. ولا سقيمة ولا قول صاحب أصلا، وأعجب
شئ جهل من يحلفهم بهذا وهم لا يعرفونه ولا يقرون به ولا قال (1) نصراني قط ان
الله أنزل الإنجيل على عيسى وإنما الإنجيل عند جميع النصارى لا نحاش منهم أحدا أربعة
تواريخ ألف أحدها متى، وألف الآخر يوحنا وهما عندهم حواريان، وألف الثالث
ماركش. والف الرابع لوقا وهما تلميذان لبعض الحواريين عند كل نصراني على ظهر
الأرض، ولا يختلفون ان تأليفها كان على سنين من رفع عيسى عليه السلام، فان قالوا:
حلفناهم بما هو الحق قلنا: فحلفوهم بالقرآن فهو حق فان قالوا: هم لا يقرون به قلنا: وهم لا
يقرون بان الإنجيل أنزله الله تعالى على عيسى عليه السلام ولا فرق، وأما تحليفهم اليهود
بالله الذي أنزل التوراة على موسى فإنهم موهوا في ذلك بالخبرين الصحيحين، أحدهما
من طريق البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه يهودي محمم مجلود فدعا رجلا من علمائهم
فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال:
لا ولولا أنك نشدتني بهذا ما أخبرتك بحد الرجم، والاخر من طريق أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهودي: نشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في
التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا: يحمم ويجبه وشاب منهم ساكت وذكر الحديث *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لان هذا التحليف لم يكن في خصومة وإنما كان
في مناشدة ونحن لا نمنع المناشد ان ينشد بما شاء من تعظيم الله عز وجل، وليس فيهما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم امر أن يحلف هكذا فكان من ألزم ذلك في التحليف شارعا ما لم بأذن
به الله تعالى: وأما قول مالك يستحلف المسلم والكافر بالله الذي لا إله إلا هو فإنهم عولوا
في ذلك على خبر رويناه من طريق أبى داود نا مسدد نا أبو الأحوص نا عطاء بن السائب عن أبي
يحيى عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رجل احلفه احلف بالله الذي لا اله الا

(1) في النسخة رقم 16 وما قال
387

هو ماله عندك شئ) *
قال أبو محمد: هذا حديث ساقط لوجهين، أحدهما انه عن أبي يحيى وهو مصدع
الأعرج وهو مجرح قطعت عرقباه في التشيع، والثاني ان أبا الأحوص لم يسمع من
عطاء بن السائب الا بعد اختلاط عطاء وإنما سمع من عطاء قبل اختلاطه سفيان: وشعبة.
وحماد بن زيد والأكابر المعروفون، وقد روينا هذا الخبر من طريق وكيع عن سفيان
الثوري عن عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس قال: جاء رجلان يختصمان إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للمدعى: أقم البينة فلم يقم وقال للآخر: احلف فحلف بالله الذي
لا إله إلا هو فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ادفع حقه (1) وستكفر عنك لا إله إلا هو ما صنعت)
فسفيان الذي صح سماعه من عطاء يذكر ان الرجل حلف كذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمره أن يحلف كذلك، وعلى كل حال فأبو يحيى لا شئ ثم العجب انه لو صح لكان خلافا
لمذهب مالك في حكم الحاكم بعلمه بلا بينة ثم هو حديث منكر مكذوب فاسد لان من
الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره باليمين الكاذبة وهو عليه الصلاة والسلام
يدرى انه كاذب فيأمره بالكذب حاش لله من هذا، وعلى خبر آخر من طريق شعبة عن
عطاء بن السائب عن أبي البختري عن عبيدة السلماني عن ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم
(أن رجلا حلف بالله الذي لا إله إلا هو كاذبا فغفر له) *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه نص ولا دليل على وجوب الحلف
بذلك في الحقوق أصلا بل هو ضد قولهم إنهم زادوا ذلك تأكيدا وتعظيما (2) فعلى هذا
الخبر ما هي الا زيادة تخفيف موجبة للمغفرة للكاذب في يمينه مسهلة على الفساق ان
يحلفوا بها كاذبين ونحن لا ننكر أن يكون تعظيم الله تعالى والتوحيد له يوازن ما شاء
الله أن يوازنه من المعاصي فيذهبها قال تعالى: (ان الحسنات يذهبن السيئات) وذكروا
حديثا آخر رويناه من طريق أحمد بن شعيب انا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي
نا إبراهيم عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق فقال له أسرقت؟ فقال لا والله الذي
لا إله إلا هو فقال عيسى عليه السلام: آمنت بالله وكذبت بصرى) *
قال أبو محمد: وحتى لو صح هذا فليس فيه أن عيسى عليه السلام أمره بان يحلف كذلك
في خصومة ثم لو كان ذلك فيه فشريعة عيسى عليه السلام لا تلزمنا إنما يلزمنا ما أتانا
به محمد صلى الله عليه وسلم *

(1) في النسخة رقم 14 ادفع له
(2) في النسخة رقم 16 وتغليظا
388

وذكروا الخبر الذي رويناه أيضا من طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن هشام (1)
الحراني نا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عمرو
ابن ميمون الأودي عن ابن مسعود فذكر (أنه قتل أبا جهل يوم بدر قال: ثم أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: الله الذي لا اله إلا هو قلت: الله الذي لا إله إلا هو
قال: الله الذي لا إله الا هو قلت: الله الذي لا إله إلا قال: انطلق فاستثبت فانطلقت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان جاءكم يسعى مثل الطير يضحك فقد صدق فانطلقت
فاستثبت ثم جئت وأنا أسعى مثل الطير أضحك فأخبرته فقال: انطلق فأرني مكانه
فانطلقت معه فاريته مكانه فحمد الله وقال. هذا فرعون هذه الأمة) *
قال على: وهذا خبر لا متعلق لهم به أصلا لوجوه، منها انه (2) اسناد متكلم فيه
والصحيح انه إنما قتل أبا جهل ابنا عفراء ثم إنها لم تكن خصومة إنما كانت مناشدة ثم إن
كانت مناشدة النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود توجب أن لا يكون التحليف في الحقوق الا
كذلك فان تكراره عليه الصلاة والسلام مناشدته يوجب أن تتكرر اليمين (3) على
الحالف في الحقوق وهذا باطل فبطل ما تعلقتم به *
قال أبو محمد: فلم يبق لهم حجة أصلا في ايجابهم هذه الزيادة في التحليف، فان
قالوا: هي زيادة خير قلنا: نعم فألزموه الصدقة وأن يصلى أربع ركعات فكل ذلك
زيادة خير ولا يحل لاحد أن يلزم آخر فعل شئ معين من الذكر والبر الا بقرآن أو سنة
يوجب نصهما ذلك والا فالموجب ما لا نص في ايجابه عاص لله عز وجل متعد لحدوده.
قال أبو محمد: ووجب أن ننظر فيما يشهد (4) بصحة قولنا من النصوص فوجدنا
الله عز وجل يقول: (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ان ارتبتم) وقال تعالى:
(فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) وقال تعالى: (فشهادة أحدهم أربع شهادات
بالله) وقال تعالى (ويدرأ عنها العذاب ان تشهد أربع شهادات بالله) وقال تعالى:
(وأقسموا بالله جهد ايمانهم) وقال تعالى: (قل إي وربي) فلم يأمر الله تعالى قط أحدا
بان يزيد في الحلف على بالله شيئا فلا يحل لاحد ان يزيد على ذلك شيئا موجبا لتلك الزيادة *
حدثنا يونس بن عبد الله نا أبو بكر بن أحمد بن خالد نا أبى نا علي بن عبد العزيز نا أبو عبيد
نا إسماعيل بن جعفر هو المقرى - نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: من كان حالفا فلا يحلف الا بالله)، وهذا نص جلى على ابطال زيادتهم
وايجابهم من ذلك خلاف ما أمر الله تعالى به في القرآن والسنة، وصح انه عليه الصلاة

(1) في النسخة رقم 16 انا عمرو بن عبد الرحيم بن هشام وهو غلط
(2) في النسخة رقم 16 أحدها انه
(3) في النسخة رقم 16 مناشدة يكون اليمين
(4) في النسخة رقم 14 ان ننظر ما يشهد
389

والسلام كان يحلف (لا ومقلب القلوب) فصح ان أسماء الله تعالى كلها يحلف الحالف
بأيها شاء *
قال أبو محمد: هذا مما خالفوا فيه عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت مما صح عنهما
وما روى عن أبي موسى. وعلى ولا يعرف لهم من الصحابة رضى الله تعالى عنهم مخالف
في ذلك أصلا وبالله تعالى التوفيق * وما وجدنا قول أبي حنيفة في ذلك عن أحد قبله،
وأما قول مالك فعن شريح وحده كما ذكرنا، وأما قول مالك. والشافعي من حيث يحلف
الناس فقول لم يوجبه قرآن. ولا سنة. ولا رواية سقيمة، وقلدوا فيها مروان وخالفوا
زيد بن ثابت. وابن عمر، وهذا عجب جدا: وخالفوا عمر بن الخطاب في جلبه رجلا
من العراق ليحلف بمكة بحضرة الصحابة بالعراق. وبالحجاز ومعاوية في جلبه من
المدينة إلى مكة بحضرة الصحابة وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق أهواءهم وما نعلم لقولهم
سلفا من الصحابة تعلقوا به الا أنهم شغبوا باخبار نذكرها إن شاء الله تعالى * روينا من
طريق مالك عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر
ابن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف عند منبري (1) هذا بيمين آثمة تبوأ
مقعده من النار * ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن يعقوب نا ابن أبي مريم
أنا عبد الله بن منيب بن عبد الله بن أبي أمامة بن ثعلبة أخبرني أبي عن عبد الله بن عطية
عن عبد الله بن أنيس أنا أبو امامة بن ثعلبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف عند
منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين لا يقبل الله تعالى منه عدلا ولا صرفا) * ومن طريق ابن وضاح عن أبي بكر
ابن أبي شيبة نا أبو الأحوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه (ان رجلين
اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض. وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمدعى: ألك بينة؟
قال لا قال. فملك يمينه فقال: يا رسول الله انه فاجر ليس يبالي ما حلف ليس يتورع من شئ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك منه الا ذلك قال فانطلق ليحلف له فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: اما والله لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض *
ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن معمر نا حبان هو ابن هلال نا أبو عوانة عن
عبد الملك هو ابن عمير عن علقمة هو ابن وائل عن وائل بن حجر (أنه سمع
النبي صلى الله عليه وسلم يقول للمدعى في ارض: بينتك قال: ليس لي قال: يمينه قال: إذا يذهب
بمالي قال: ليس لك الا ذلك فلما قام (2) ليحلف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع

(1) في النسخة رقم 16 (على منبري)
(2) في النسخة رقم 16 فلما جاء وما هنا أنسب بما بعد
390

أرضا ظالما لقى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان) *
قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به فأما خبر علقمة بن وائل فان راوي لفظة انطلق
سماك بن حرب وهو ضعيف يقبل التلقين ثم ليس فيه أنه انطلق إلى المنبر وقد يريد انطلق
في كلامه ليحلف ولا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالانطلاق ولا بالقيام ولا حجة
في فعل أحد دون ان يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الخبران الأولان فليس فيهما الا
تعظيم اليمين عند منبره عليه الصلاة والسلام فقط وليس فيهما انه أمر عليه الصلاة
والسلام بأن لا يحلف المطلوب الا عنده ونحن لم نخالفهم في هذا ولو كان هذان الخبران
يوجبان أن لا يحلف المطلوب الا عند منبره عليه الصلاة والسلام لكان مالك. والشافعي
قد خالفاه في موضعين، أحدهما أنهما لا يحلفان عنده الا في مقدار ما من المال لا في أقل
منه فليت شعري أين وجدا هذا؟ وليس في هذين الخبرين تخصيص الحلف عنده في عدد
دون عدد بل فيه نص التسوية بين القليل والكثير في ذلك كما حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد
ابن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير نا
هاشم بن هاشم بن عتبة أخبرني عبد الله بن نسطاس انه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر
الا تبوأ مقعده من النار) فظهر خلافهم لهذا الخبر نفسه، والموضع الآخر انهما
يحلفان من بعد في غيره من الجوامع فقد خالفا هذا الخبر أيضا، ولئن جاز أن لا يحلف
من بعد عنه عليه انه لجائز فيما قرب أيضا ولا فرق وليس للبعد والقرب حد في الشريعة الا
أن يحد حاد برأيه فيزيد في البلاء والشرع بما لم يأذن (1) به الله تعالى، وقد نجد من يشق عليه
المشي لضعفه مائة ذراع ومن لا يشق عليه مشى خمسين ميلا فظهر فساد قولهم جملة،
وأيضا فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصح طريق من هذين الخبرين ما روينا من
طريق مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب بن مالك عن أخيه عبد الله
ابن كعب عن أبي أمامة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه
حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قالوا: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال:
وإن كان قضيبا من أراك) قالها ثلاثا * وروينا من طريق البزار نا أحمد بن منصور نا
عبد الرحمن بن يونس نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة فذكر فيهم ورجل حلف على يمين
بعد صلاة العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم) *

(1) في النسخة رقم 14 (لما لم يأذن)
391

قال أبو محمد: فإن كان تعظيم الحلف عند منبره عليه الصلاة والسلام موجبا لان
لا يحلف المطلوبون الا عنده فان تعظيمه عليه الصلاة والسلام الحلف بعد صلاة العصر
موجب أيضا أن لا يحلف المطلوبون الا في ذلك الوقت، وهذا خلاف قولهم، ثم
العجب كله قياسهم سائر الجوامع على مسجده صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في أنه لا فضل لجامع
في سائر البلاد على سائر المساجد وانه لو جعل مسجد آخر جامعا وترك التجميع في
الجامع لما كان في ذلك حرج أصلا ولا كراهة، فمن أين خرجت هذه القياسات
الفاسدة؟ فان قالوا: فعلنا ذلك ليزدجر المبطل قلنا: فافعلوا ذلك في القليل والكثير
فان الوعيد جاء في ذلك كله في القرآن والسنة سواء حتى في قضيب من أراك الا إن كان
القليل عندكم خفيفا فهذا مذهب النظام. وأبى الهذيل العلاف. وبشر بن المعتمر وهم
القوم لا يتكثر بهم، وأيضا فان المحق قد يخشى السمعة والشهرة في حمله إلى الجامع فيترك
حقه فقد حصلتم بنظركم على ابطال الحقوق وأف لهذا نظرا *
قال أبو محمد: فصح أنه لو وجبت اليمين في مكان دون مكان وفى حال دون حال
لبينها عليه الصلاة والسلام فإذ لم يبين ذلك فلا يخص باليمين مكان دون مكان ولا حال
دون حال، وأما مقدار ما يرى فيه مالك. والشافعي التحليف في الجوامع فقد ذكرنا أن
الشافعي ذكر أن عبد الرحمن بن عوف أنكر التحليف عند الكعبة الا في دم أو كثير من
المال، وهذا ليس بشئ لوجوه، أولها انها رواية ساقطة لا يدرى لها أصل ولا منبعث
ولا مخرج، ثم لو صحت فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أن عبد الرحمن مات زمن
عثمان رضي الله عنهما فوالي مكة يومئذ كان بلا شك من الصحابة لقرب العهد فليس قول
عبد الرحمن أولى من قول غيره من الصحابة ثم لم يحد عبد الرحمن في كثير المال ما حده مالك
والشافعي وما نعلم أحدا سبق مالكا إلى تحديد ذلك بثلاثة دراهم ولا من سبق الشافعي إلى
تحديده بعشرين دينارا، فان قيل إن في ثلاثة دراهم تقطع اليد فيها قلنا: ومن حد ذلك إنما
حد قوم بربع دينار واما بثلاثة دراهم فلا، ويعارض هذا تحديد الشافعي بان عشرين دينارا
تجب فيها الزكاة فمن أين وقع لهم تخصيص ذلك دون مائتي درهم التي صح فيها النص؟ أو
يعارضهم آخرون بمقدار الدية وهذا كله تخليط لا معنى له، ويقال لهم: أترون ما دون
ما تقطع فيه اليد أيتساهل في ظلم المسلمين فيه حاش لله من هذا، وقد وجدنا ألف ألف دينار
تؤخذ غصبا فلا يجب فيها قطع والغصب والسرقة سواء في أنهما ظلم وأخذ مال بالباطل
ولعل الغاصب أعظم اثما لاهتضامه المسلم علانية بل لا نشك في أن غاصب دينار أعظم
اثما من سارق ربع دينار وفى المسلمين من الدرهم عنده عظيم لفقره وفيهم من ألف دينار
392

عنده قليل ليساره فظهر فساد هذه الأقوال بيقين لا اشكال فيه والحمد لله رب العالمين *
بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الشهادات
1785 مسألة ولا يجوز أن يقبل في شئ من الشهادات من الرجال والنساء
الا عدل رضى، والعدل هو من لم تعرف له كبيرة ولا مجاهرة بصغيرة والكبيرة هي
ما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة أو ما جاء فيه الوعيد، والصغيرة ما لم يأت فيه وعيد *
برهان ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان
تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) وليس الا فاسق أو غير فاسق فالفاسق
هو الذي يكون منه الفسق والكبائر كلها فسوق فسقط قبول خبر الفاسق فلم يبق الا العدل
وهو من ليس بفاسق، وأما الصغائر فان الله عز وجل قال: (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون
عنه نكفر عنكم سيئاتكم) فصح أن ما دون الكبائر مكفرة باجتناب الكبائر وما كفره
الله تعالى وأسقطه فلا يحل لاحد أن يذم به صاحبه ولا أن يصفه به، وكذلك من تاب من
الكفر فما دونه فإنه إذا سقط عنه بالتوبة ما تاب عنه لم يجز لاحد ان يذمه بما سقط عنه ولا ان
يصفه به * وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: كل مسلم فهو عدل حتى يثبت عليه
الفسق كما روينا من طريق أبى عبيد قال: نا كثير بن هشام قال: نا جعفر بن برقان قال:
كتب عمر إلى أبى موسى المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجربا عليه شهادة زور أو
مجلودا في حد أو ظنينا في ولاء أو قرابة * وحدثناه أيضا أحمد بن عمر بن أنس العذري
قال نا أبو ذر الهروي. وعبد الرحمن (1) بن الحسن الفارسي قال أبو ذر: نا الخليل
ابن أحمد القاضي السجستاني نا يحيى بن محمد بن صاعد نا يوسف بن موسى القطان نا عبيد الله
ابن موسى نا عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه ان عمر كتب إلى أبى موسى فذكره
كما هو، وقال عبد الرحمن بن الحسن الفارسي: نا القاضي أحمد بن محمد الكرخي نا
محمد بن عبد الله العلاف نا أحمد بن علي بن محمد الوراق نا عبد الله بن أبي سعد نا محمد بن يحيى
ابن أبي عمر المدني نا سفيان عن إدريس بن يزيد الأودي عن عبد الله بن أبي بردة بن أبي
موسى الأشعري عن أبيه قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعري
فذكره كما أوردناه *
قال أبو محمد: في هذه الرسالة ببعض هذه الأسانيد وقس الأمور بعضها ببعض، وفى
بعضها واعرف الأشباه والأمثال وعليها عول الحنيفيون. والمالكيون. والشافعيون

(1) في النسخة رقم 14 عن عبد الرحمن وهو غلط
393

في الحكم بالقياس ثم لم يبالوا بخلافها في أن المسلمين عدول بعضهم على بعض الا مجربا
عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة فالمالكيون. والشافعيون مجاهرون بخلاف
هذا والمسلمون عندهم على الرد حتى تصح العدالة، وأما أبو حنيفة فالمسلمون عنده على
العدالة حتى يطعن الخصم في الشاهد فإذا طعن فيه الخصم توقف في شهادته حتى
تثبت له العدالة فهذا كله بخلاف قول عمر فمرة قوله حجة ومرة قوله ليس بحجة وهذا كما
ترى، فان قيل: قد رويتم من طريق أبى عبيد نا الأشجعي عن سفيان الثوري عن منصور عن
إبراهيم النخعي قال: العدل (1) من المسلمين الذي لم تظهر منه ريبة * ومن طريق البخاري
نا الحكم بن نافع هو أبو اليمان نا شعيب هو ابن أبي حمزة عن الزهري نا حميد بن
عبد الرحمن بن عوف أن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول:
أن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان الوحي قد انقطع وإنما
نأخذكم الان بما ظهر من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته
شئ الله يحاسبه في سريرته ومن اظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وان قال إن سريرته
حسنة قلنا هذا خبر صحيح عن عمر وكل ما ذكرنا عنه فمتفق على ما ذكرنا من أن كل مسلم
فهو عدل ما لم يظهر منه شر وكذلك قول إبراهيم وكذلك ما روى من أن عمر قيل له:
ان شهادة الزور قد فشت فقال: لا يوسر رجل في الاسلام بغير العدول معناه على
ظاهره ان العدول هم المسلمون الا من صحت عليه شهادة زور * حدثنا بذلك حمام عن الباجي
عن عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا المسعودي عن
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب: الا لا يوسر أحد في
الاسلام بشهود الزور فانا لا نقبل الا العدول * روينا من طريق ابن أبي شيبة نا ابن أبي
زائدة عن صالح بن حي عن الشعبي قال: تجوز شهادة الرجل المسلم ما لم يصب حدا أو
تعلم عليه خربة في دينه * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عباد بن العوام عن عوف عن الحسن
انه كان يجيز شهادة من صلى الا أن يأتي الخصم بما يجرحه به، فان قيل. قد رويتم من
طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن إبراهيم لا يجوز في الطلاق شهادة ظنين
ولا متهم قلنا: قد يمكن أن يكون خص الطلاق لقول الله تعالى فيه: (إذا طلقتم السناء
فطلقوهن لعدتهن) إلى قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) فلم يجز في الطلاق بالنص
الا من عرف لا من يتهم *
قال أبو محمد: احتج من ذهب إلى أن المسلمين عدول حتى تصح الجرحة بأنه قبل

(1) في النسخة رقم 16 العدالة بدل العدل
394

البلوغ برئ من كل جرحة فلما بلغ مسلما فالاسلام خير بل هو جامع لكل خير فقد
صح منه الخير فهو عدل حتى يوقن منه بضد ذلك فقلنا: إذا بلغ المسلم فقد صار في نصاب من
يكتب له الخير ويكتب عليه الشر ولا يمكن أن يكون أحد سلم من ذنب قال تعالى: (ولو
يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) وقال تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بما
كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) فصح أنه لا أحد الا وقد ظلم نفسه واكتسب اثما
فإذ قد صح هذا ولا بد فلا بد من التوقف في خبره وشهادته حتى يعلم أين أحلته ذنوبه في
جملة الفاسقين فتسقط شهادته بنص كلام الله تعالى: (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) أم
في جملة المغفور لهم ما أذنبوا وما ظلموا فيه أنفسهم وما كسبوا من اثم بالتوبة أو باجتناب
الكبائر والتستر بالصغائر بفضل الله تعالى علينا *
قال أبو محمد: وقال أبو يوسف: من سلم من الفواحش التي تجب فيها الحدود
وما يشبه ما يجب فيه الحدود من العظائم وكان يؤدى الفرائض وأخلاق البر فيه أكثر
من المعاصي قبلنا شهادته لأنه لا يسلم عبد من ذنب، وإن كانت المعاصي أكثر من أخلاق
البر رددنا شهادته ولا نجيز شهادة من يلعب بالشطرنج ويقامر عليها، ولا من يلعب بالحمام
ويطيرها. ولا من يكثر الحلف بالكذب *
قال أبو محمد: هذا كلام متناقض لأنه بناه على كثرة الخير وكثرة الشر وهذا
باطل لأنه من ثبت عليه زنا مرة فهو فاسق حتى يتوب ثم رد الشهادة باللعب بالحمام وما ندري
ذلك محرما ما لم يسرق حمام الناس، وقال الشافعي: إذا كان الأغلب والأظهر من أمره
الطاعة والمروءة قبلت شهادته وإذا كان الأغلب من أمره المعصية وخلاف المروءة
ردت شهادته *
قال أبو محمد: كان يجب أن يكتفى بذكر الطاعة والمعصية وأما ذكره المروءة ههنا
ففضول من القول وفساد في القضية لأنها إن كانت من الطاعة فالطاعة تغنى عنها وإن كانت
ليست من الطاعة فلا يجوز اشتراطها في أمور الديانة إذ لم يأت بذلك نص قرآن
ولا سنة، وقال مالك في رواية محمد بن عبد الحكم عنه: من كان أكثر أمره الطاعة
ولم يقدم على كبيرة فهو عدل وهو (1) قول أبى سليمان. وأصحابنا وهو الحق كما بينا
وبالله تعالى التوفيق *
1786 مسألة ولا يجوز أن يقبل في الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين
أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين أو

(1) في النسخة رقم 16 (وهذا)
395

رجلين وأربع نسوة أو رجلا واحدا وست نسوة أو ثمان نسوة فقط، ولا يقبل في سائر
الحقوق كلها من الحدود والدماء وما فيه القصاص والنكاح والطلاق والرجعة والأموال
الا رجلان مسلمان عدلان أو رجل وامرأتان كذلك أو أربع نسوة كذلك ويقبل في
كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب، ويقبل في
الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل فأما وجوب قبول أربعة في
الزنا فبنص القرآن ولا خلاف فيه قال تعالى: (الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) وأما قبول رجلين في سائر الحقوق كلها أو
رجل وامرأتين في الديون المؤجلة فان الله تعالى قال: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى
فاكتبوه) إلى قوله: (استشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان ممن ترضون من الشهداء وقال تعالى: (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)
إلى قوله (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) وادعى
قوم ان قبول عدلين من الرجال في سائر الأحكام قياسا على نص الله تعالى في الطلاق
والرجعة: واختلفوا في قبول شهادة النساء منفردات في شئ من الأشياء وفى قبولهن
مع رجل فيما عدا الديون المؤجلة، واختلف القائلون بقبولهن منفردات في كم يقبل
منهن في ذلك، واختلفوا أيضا في الشاهد ويمين الطالب فقال زفر صاحب أبي حنيفة:
لا يجوز قبول النساء منفردات دون رجل في شئ أصلا لا في ولادة ولا في رضاع ولا في
عيوب النساء ولا في غير ذلك وأجازهن مع رجل في الطلاق. والنكاح. والعتق *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن برد عن
مكحول قال: لا تجوز شهادة النساء الا في الدين، وروينا ضد هذا عن الشعبي كما روينا
من طريق ابن أبي شيبة نا ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: من الشهادات
شهادة لا يجوز فيها الا شهادات النساء * ومن طريق الزهري قال: مضت السنة أن تجوز
شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن، وروينا من طريق ابن أبي سبرة عن موسى بن
عقبة عن القعقاع عن ابن عمر لا تجوز شهادة النساء وحدهن الا على ما لا يطلع عليه غيرهن
من عورات النساء وحملهن وحيضهن * ومن طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن ابن ضميرة
عن أبيه عن جده عن علي لا تجوز شهادة النساء بحتا حتى يكون معهن رجل * وعن
عطاء مثل هذا * وعن عمر بن عبد العزيز مثله صح عنهما. وعن سعيد بن
المسيب. وعبد الله بن عتبة لا تقبل النساء الا فيما لا يطلع عليه غيرهن، وروينا
من طريق الحسن بن عمارة عن الزهري. والحكم بن عتيبة قال الزهري: عن سعيد
396

ابن المسيب عن عمر وقال الحكم: عن علي ثم اتفق عمر. وعلى على أنه لا تجوز شهادة
النساء في الطلاق ولا في النكاح ولا في الدماء ولا الحدود * ومن طريق ابن وهب عن
إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن أرطأة عن الزهري مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
والخليفتين بعده انه لا تجوز شهادة النساء في الحدود والنكاح والطلاق، وصح عن
إبراهيم النخعي أنه لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ولا في النكاح ولا في الحدود، وأجاز
شهادة امرأتين مع رجل في العتق. والوصية. والدين، وصح عن الحسن البصري
لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في جراح العمد ولا في الطلاق ولا في النكاح لا مع
رجل ولا دونه وانها جائزه في جراح الخطأ وفى الوصايا وفى الديون مع رجل وفيما لا بد منه *
وعن ابن المسيب لا تجوز شهادة النساء في قتل ولا في حد ولا في طلاق ولا نكاح *
وعن قتادة لا تجوز شهادة النساء في طلاق ولا في نكاح، وعن الزهري لا تقبل
شهادة النساء في حد ولا طلاق ولا نكاح ولا عتق وأجازها في الوصايا في الديون وفى القتل *
وعن عمر بن عبد العزيز لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وعن ربيعة لا تجوز شهادة
النساء في طلاق ولا نكاح ولا حد ولا عتق وتجوز في البيوع وفى كل حق يتراضون فيه
ويتعاطون المعروف عليه، وعن محمد بن الحنفية تجوز شهادة النساء في الدية وصح عن
شريح أنه أجاز شهادة امرأتين في عتاقة مع رجل، وصح عن الشعبي قبول شهادة رجل
وامرأتين في الطلاق وجراح الخطأ ولم يجز شهادة النساء في جراح عمد ولا في حد، وصح
عن أبي الشعثاء جابر بن زيد قبول النساء مع رجل في الطلاق والنكاح وصح عن
اياس بن معاوية قبول امرأتين في الطلاق، وعن حماد بن أبي سليمان لا تقبل النساء في الحدود *
ومن طريق الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين
أن شريحا أجاز شهادة أربع نسوة على رجل في صداق امرأة * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن هشام بن حجير عمن يرضى كأنه يريد طاوسا قال: تجوز شهادة النساء
في كل شئ مع الرجال الا الزنا من أجل أنه لا ينبغي أن ينظرن إلى ذلك * ومن طريق
أبى عبيد نا يزيد هو ابن هارون عن جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد
قال: ان سكرانا طلق امرأته ثلاثا فشهد عليه أربع نسوة فرفع إلى عمر بن الخطاب فأجاز
شهادة النسوة وفرق بينهما * ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن
حراش بن مالك الجهضمي نا يحيى بن عبيد عن أبيه أن رجلا من عمان تملأ من الشراب
فطلق امرأته ثلاثا فشهد عليه نسوة فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب فأجاز شهادة
النسوة وأبت عليه الطلاق * ومن طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى نا سفيان بن عيينة
397

نا أبو طلق عن امرأة ان امرأة أوطأت صبيا فقتلته فشهد عليها أربع نسوة فأجاز علي بن أبي
طالب شهادتهن * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن أبي طلق عن
أخته هند بنت طلق قالت: كنت في نسوة وصبي مسجى فقامت امرأة فمرت فوطئته فقالت
أم الصبي: قتلته والله فشهد عند على عشر نسوة أنا عاشرتهن فقضى على عليها بالدية وأعانها
بألفين * ومن طريق أبى عبيد نا هشيم عن حجاج بن أرطاة عن عطاء قال: أجاز عمر
ابن الخطاب شهادة النساء مع الرجال في الطلاق والنكاح * ومن طريق أبى عبيد نا يزيد
عن حجاج عن عطاء بن أبي رباح أنه أجاز شهادة النساء في النكاح * ومن طريق محمد
ابن المثنى نا أبو معاوية - وهو محمد بن حازم الضرير - عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح قال:
لو شهد عندي ثمان نسوة (1) على امرأة بالزنا لرجمتها * ومن طريق عبد الرزاق نا
ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: تجوز شهادة النساء مع الرجال في كل شئ وتجوز
على الزنا امرأتان وثلاثة رجال * ومن طريق ابن أبي شيبة نا إسماعيل بن علية عن عبد الله
ابن عون عن محمد بن سيرين أن رجلا ادعى متاع البيت فجاء أربع نسوة يشهدن فقلن:
دفعنا إليه الصداق وقلنا: جهزها فقضى شريح عليه بالمتاع وقال له: ان عقرها من
مالك هذا في غاية الصحة *
وأما المتأخرون فان سفيان الثوري قال في أحد قوليه: تقبل المرأتان مع رجل
في القصاص وفى الطلاق والنكاح وكل شئ حاش الحدود ويقبلن منفردات فيما
لا يطلع عليه الا النساء وقال عثمان البتي. وسفيان في أحد قوليه يقبلن مع رجل في
الطلاق والنكاح وكل شئ حاش الحدود والقصاص ويقبلن منفردات فيما لا يطلع
عليه الا النساء ولا يقبل في الرضاع الا رجل وامرأتان: وقال الحسن بن حي: لا تجوز
شهادة النساء مع رجل في الحدود وتصدق المرأة وحدها في الولادة انها ولدت هذا الولد
ويلحق نسبه وان لم يشهد لها بذلك أحد سواها، وقال ابن أبي ليلى: يقبلن منفردات في
عيوب النساء وما لا يطلع عليه الا النساء ولا يقبل في الرضاع إلا رجل وامرأتان أو
رجلان، وقال الليث بن سعد: يقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال ولا يقبلن
مع رجل لا في قصاص ولا حد ولا طلاق ولا نكاح، وتجوز شهادة امرأتين ورجل
في العتق والوصية، وقال أبو حنيفة: تقبل شهادة امرأتين ورجل في جميع الأحكام
أولها عن آخرها حاش القصاص والحدود ويقبلن في الطلاق والنكاح والرجعة مع
رجل ولا يقبلن منفردات لا في الرضاع ولا في انقضاء العدة بالولادة ولا في الاستهلال

(1) في النسخة رقم 16 ثمانية نساء
398

لكن مع رجل ويقبلن في الولادة المطلقة. وعيوب النساء منفردات، قال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن: ويقبلن منفردات في انقضاء العدة بالولادة وفى الاستهلال، وقال
مالك: لا تقبل النساء مع رجل ولا دونه في قصاص ولا حد ولا طلاق ولا نكاح ولا
رجعة ولا عتق ولا نسب ولا ولاء ولا احصان، وتجوز شهادتهن مع رجل في الديون
والأموال والوكالة والوصية التي لا عتق فيها ويقبلن منفردات في عيوب النساء والولادة
والرضاع والاستهلال وحيث يقبل شاهد ويمين الطالب فإنه يقضى فيه بشهادة امرأتين
ويمين الطالب ويقضى بامرأتين مع أيمان المدعى في القسامة، وقال الشافعي: تقبل
شهادة امرأتين مع رجل في الأموال كلها وفى العتق لأنه مال وفى قتل الخطأ وفى الوصية لانسان
بمال ولا يقبلن في أصل الوصية لا مع رجل ولا دونه ويقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه
الا النساء، وقال أبو عبيد: لا تقبل النساء مع رجل الا في الأموال خاصة وقال أبو سليمان:
لا يقبلن مع رجل إلا في الأموال خاصة *
وأما اختلافهم في عدد ما يقبل منهن حيث يقبلن منفردات فروينا عن عمر بن
الخطاب كما ذكرنا ان مكان كل شاهد رجل امرأتان فلا يقبل فيما يقبل فيه رجلان
الا أربع نسوة، وعن علي بن أبي طالب مثل ذلك وهو قول الشعبي والنخعي في أحد
قوليهما وعطاء. وقتادة في قوله جملة. وابن شبرمة. والشافعي. وأصحابه. وأبى سلمان
وأصحابه الا أنهم قالوا: تقبل في الرضاع امرأة واحدة، وقال عثمان البتي: لا يقبل
فيما يقبل فيه النساء منفردات الا ثلاث نسوة لا أقل، وقالت طائفة: تقبل امرأتان في كل
ما يقبل فيه النساء منفردات وهو قول الزهري الا في الاستهلال خاصة فإنه يقبل فيه القابلة
وحدها، وقال الحكم بن عتيبة: يقبل في ذلك كله امرأتان وهو قول ابن أبي ليلى. ومالك
وأصحابه. وأبى عبيد، وقالت طائفة: تقبل امرأة واحدة * روينا عن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه انه أجاز شهادة القابلة وحدها، وروينا ذلك عن أبي بكر. وعمر رضي الله عنه
ما في الاستهلال وان عمر ورث بذلك، وهو قول الزهري. والنخعي. والشعبي في
أحد قوليهما، وهو قول الحسن البصري. وشريح. وأبى الزناد، ويحيى بن سعيد
الأنصاري. وربيعة. وحماد بن أبي سليمان، قال: وإن كانت يهودية كل ذلك
قالوه في الاستهلال الا الشعبي وحمادا فقالا في كل ما لا يطلع عليه الا النساء، وهو قول
الليث بن سعد، وقال سفيان الثوري: يقبل في عيوب النساء وما لا يطلع عليه الا النساء
المرأة واحدة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وصح عن ابن عباس. وروى عن عثمان
وعلى أمير المؤمنين. وابن عمر. والحسن البصري. والزهري، وروى عن ربيعة.
399

ويحيى بن سعيد. وأبى الزناد. والنخعي. وشريح. وطاوس. والشعبي الحكم في الرضاع
بشهادة امرأة واحدة وان عثمان فرق بشهادتهما بين الرجال ونسائهم وذكر الزهري
ان الناس على ذلك، وذكر الشعبي ذلك عن القضاة جملة: وروى عن ابن عباس أنها
تستحلف مع ذلك، وصح عن معاوية انه قضى في دار بشهادة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنه
ا ولم يشهد بذلك غيرها، وروينا عن عمر. وعلى. والمغيرة بن شعبة. وابن عباس
انهم لم يفرقوا بشهادة امرأة واحدة في الرضاع وهو قول أبى عبيد قال: أفتى في ذلك
بالفرقة ولا أقضى بها، وروينا عن عمر أنه قال: لو فتحنا هذا الباب لم تشأ امرأة ان
تفرق بين رجل وامرأته الا فعلت، وقال الأوزاعي: اقضي بشهادة امرأة واحدة قبل
النكاح وامنع من النكاح ولا أفرق بشهادتهما بعد النكاح *
قال أبو محمد: فكان من حجة من لم ير قبول النساء منفردات ولا قبول امرأة
مع رجل الا في الديون المؤجلة فقط ان قالوا: أمر الله تعالى في الزنا بقبول أربعة
وفى الديون المؤجلة برجلين أو رجل وامرأتين وفى الوصية في السفر باثنين من المسلمين
أو باثنين من غير المسلمين يحلفان مع شهادتهما، وفى الطلاق والرجعة بذوي عدل منا،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في التداعي في أرض: (شاهداك أو يمينه ليس لك الا ذلك)
فلم يذكر الله تعالى ولا رسوله عليه الصلاة والسلام عدد الشهود وصفتهم الا في هذه
النصوص فقط فوجب الوقوف (1) عندها وان لا تتعدى وأن لا يقبل فيما عدا ذلك
الا ما اتفق المسلمون على قبوله *
قال أبو محمد: ما نعلم أحدا ممن يخالفنا اتبع في أقواله في الشهادات النصوص الثابتة
من القرآن ولا من السنن ولا من الاجماع ولا من القياس ولا من الاحتياط ولا من قول
الصحابة رضي الله عنهم فكل أقوال (2) كانت هكذا فهي متخاذلة متناقضة باطل لا يحل
القول بها في دين الله تعالى، ولا يجوز الحكم بها. في دماء المسلمين وفروجهم وأبشارهم
وأموالهم وذلك اننا هبك أمسكنا الآن عن الاعتراض على احتجاجهم بالنصوص
المذكورة لكن لنريهم بحول الله تعالى وقوته مخالفتهم لها جهارا، اما أبو حنيفة فأجاز
شهادة النساء في النكاح. والطلاق. والرجعة مع رجل وليس هذا في شئ من الآيات
بل فيها (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي
عدل منكم) فمن أعجب شأنا ممن يرى خبر اليمين مع الشاهد خلافا لقول الله تعالى: (واستشهدوا
شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) ولا يرى قوله بإجازة امرأتين

(1) في النسخة رقم 16 وجب الوقف
(2) في النسخة رقم 16 وكل أقوال
400

مع رجل خلافا لقوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) فان قالوا: ان امرأة عدلة
ورجلا عدلا يقع عليهما ذوي عدل منا قلنا: وشهادة ثلاثة رجال وامرأتين في الزنا يقع
عليهم وعلى واحدة منهما أربعة شهداء ولا فرق، ثم قبلوا شهادة المرأة واحدة حيث
تقبل النساء منفردات ولم يقبلوها في الرضاع حيث جاءت السنة بقبولها وبه قال جمهور
السلف، فان قالوا: قسنا ذلك على الديون المؤجلة قلنا: فقيسوا الحدود في ذلك والقصاص
على الديون المؤجلة ولا فرق، فان ادعوا اجماعا على أن لا يقبلن في الحدود أكذبهم
عطاء فان قالوا: خالف جمهور العلماء قلنا: وأنتم خالفتم في أن لا يقبلن النساء منفردات
في الرضاع جمهور العلماء، وأما مالك فقاس بعض الأموال على الديون المؤجلة ولم يقس
عليها العتق، وقبل امرأتين لا رجل معهما مع يمين الطالب في الأموال والقسامة وما نعلم له سلفا
في هذا روى عنه هذا القول وخالف جمهور العلماء في رد شهادة امرأة واحدة في الاستهلال
وفى قبوله امرأتين حيث تقبل النساء منفردات، وأما الشافعي فقاس الأموال على الديون
المؤجلة فيقال له: هلا قست سائر الأحكام على ذلك؟، وما الفرق بين من قال: أقيس على
ذلك كل حكم لأنه حكم وحكم وبين قولك أقيس على ذلك الأموال كلها لأنه مال ومال وهل
ههنا الا التحكم؟ فهذا خلافهم للنصوص. وللقياس. ولقول السلف وليس منهم أحد راعى
الاجماع لأننا قد ذكرنا عن زفر أنه لا يقبل النساء منفردات في شئ من الأشياء وقد حدثنا
يونس بن عبد الله نا أبو بكر بن أحمد بن خالد [نا أبى] (1) نا علي بن عبد العزيز نا
أبو عبيد نا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال: الشهادة على القتل أربعة
كالشهادة على الزنا، وليت شعري من أين قاسوا القتل. والقصاص. والحدود على
ما يقبل فيه رجلان فقط دون أن يقيسوها على الزنا الذي هو أشبه بها لأنه حد وحد ودم
ودم أو على ما يقبل فيه رجل وامرأتان لأنه حكم وحكم وشهادة وشهادة؟ فظهر فاسد قولهم
بيقين فإذ قد سقطت الأقوال المذكورة فان وجه الكلام والصدع بالحق هو ان الله تعالى
أمرنا عند التبايع بالاشهاد فقال تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم) وأمرنا إذا تداينا بدين
مؤجل ان نكتبه وان نشهد شهيدين من رجالنا أو رجلا وامرأتين مرضيتين وأمرنا
عند الطلاق والمراجعة باشهاد ذوي عدل منا وليس في شئ من هذه النصوص ذكر ما نحكم
به عند التنازع في ذلك والخصام من عدد الشهود إذ قد يموت الشهادان أو أحدهما أو
ينسيان أو أحدهما أو يتغيران أو أحدهما، فمن أعجب شأنا أو أضل سبيلا ممن خالف
أمر الله تعالى في الآيات المذكورة جهارا فقال: إذا تبايعتم فليس عليكم أن تشهدوا

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
401

وإذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فلا تكتبوه ان شئتم ولا تشهدوا عليه أحد ان أردتم
ثم أراد التمويه بالنص المذكور فيما ليس فيه منه شئ فخالف الآية فيما فيها وادعى عليها
ما ليس فيها نعوذ بالله من البلاء، فسقط تعلقهم بالنصوص المذكورة * وأما قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك) فان الحنيفيين والمالكيين والشافعيين
أول من يضم إلى هذا النص ما ليس فيه فيجيزون في الأموال كلها رجلا وامرأتين وليس
ذلك في القرآن الا في الديون المؤجلة فقط فقد زادوا على ما في هذا الخبر بقياسهم الفاسد
وأما نحن فطريقنا في ذلك غير طريقهم لكن نقول وبالله تعالى نستعين: قد صح عنه عليه
الصلاة والسلام ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعمر.
والأعمش كلاهما عن أبي وائل ان الأشعث دخل على عبد الله بن مسعود وهو يحرثهم
بنزول قول الله تعالى: (ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) فقال الأشعث:
في نزلت وفى رجل خاصمته في بئر فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألك بينة؟ قلت: لا قال: فليحلف)
فوجدناه عليه الصلاة والسلام قد كلف المدعى مرة شاهدين ومرة بينة مطلقة فوجب أن
تكون البينة كل ما قال قائل من المسلمين انه بينة ووجدنا الشاهدين العدلين يقع عليهما اسم
بينة فوجب قبولهما في كل شئ حاش حيث ألزم الله تعالى أربعة فقط ووجدناه عليه
الصلاة والسلام قال: ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا محمد بن رمح انا الليث -
هو ابن سعد - عن ابن الهادي عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال في حديث: فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل * ومن طريق البخاري نا سعيد بن أبي
مريم انا محمد بن جعفر أخبرني زيد - هو ابن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي
سعيد الخدري (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث: أليس شهادة المرأة مثل نصف
شهادة الرجل؟ قلنا: بلى يا رسول الله فقطع عليه الصلاة والسلام بان شهادة امرأتين تعدل
شهادة رجل فوجب ضرورة أنه لا يقبل حيث يقبل رجل لو شهد الا امرأتان وهكذا
ما زاد، فان قيل فهلا قبلتم بهذا الاستدلال رجلا واحدا فقد صح ذلك عن شريح، ومطرف
ابن مازن. وزرارة بن أوفى أو شهادة امرأة واحدة فقد قبلها معاوية قلنا: منعنا من ذلك
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد فلو جاز قبول واحد حيث لم يقبله رسول الله
صلى الله عليه وسلم لكانت اليمين فضولا وحاش له من ذلك فصح أنه لا يجوز قبول رجل واحد
ولا امرأة واحدة إلا في الهلال كما ذكرنا (1) في كتاب الصيام فقط. وفى الرضاع لما روينا
من طريق عبد الله بن ربيع نا محمد بن ابان البلخي. ويعقوب بن إبراهيم قالا جميعا: نا إسماعيل

(1) في النسخة رقم 14 (على ما ذكرنا)
402

ابن إبراهيم - هو ابن علية عن أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة حدثني عبيد بن أبي مريم
عن عقبة بن الحارث قال ابن أبي مليكة: وقد سمعته من عقبة بن الحارث ولكني لحديث عبيد
أحفظ، وقال: (تزوجت امرأة فجاءت امرأة سوداء فقالت: انى قد أرضعتكما فأتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله انى تزوجت امرأة فجاءت امرأة سوداء فقالت:
انى قد أرضعتكما وهي كاذبة فأعرض عنى فأتيته من قبل وجهه فقلت: انها كاذبة فقال:
كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك) *
قال أبو محمد: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم تحريم، وروينا (1) من طريق الحذافي نا عبد الرزاق
قال: نا ابن جريج قال: (قال ابن شهاب: جاءت امرأة سوداء إلى أهل ثلاثة أبيات
تناكحوا فقلت: هم بنى وبناتي ففرق عثمان رضي الله عنه بينهم * وروينا عن الزهري
أنه قال: فالناس يأخذون اليوم بذلك من قول عثمان في المرضعات إذا لم يتهمن *
ومن طريق قتادة عن جابر بن زيد أبى الشعثاء عن ابن عباس قال: تجوز شهادة
امرأة واحدة في الرضاع *
قال أبو محمد: وأما الخبر (2) الذي صدرنا به من قول الزهري مضت السنة
من النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أبى بكر. وعمر ان لا تجوز شهادة النساء في
الطلاق. ولا في النكاح ولا في الحدود فبلية لأنه منقطع من طريق إسماعيل بن عياش وهو
ضعيف عن الحجاج بن أرطاة وهو هالك * وأما الرواية عن عمر لو فتحنا هذا الباب لم تشأ
امرأة أن تفرق بين رجل وامرأته الا فعلت ذلك فهو عن الحارث الغنوي وهو مجهول
أن عمر، وأيضا فان هذا كلام بعيد عن عمر قول مثله لأنه لا فرق بين هذا وبين أن لا يشاء
رجلان قتل رجل واعطاء ماله لآخر وتفريق امرأته عنه الا قدرا على ذلك بأن يشهدا
عليه بذلك، وبضرورة العقل يدرى كل أحد انه لا فرق بين امرأة وبين رجل وبين رجلين
وبين أربعة رجال وبين أربعة نسوة في جواز تعمد الكذب والتواطئ
عليهم وكذلك الغفلة ولو حينا إلى هذا لكان النفس أطيب على شهادة ثماني نسوة منها
على شهادة أربعة رجال، وهذا كله لا معنى له إنما هو القرآن والسنة ولا مزيد، وأما
من احتج بتخصيص ما لا يجوز ان ينظر إليه الرجال (3) فباطل وما يحل للمرأة من النظر
إلى عورة المرأة الا كالذي يحل للرجل من ذلك ولا يجوز ذلك الا عند الشهادة أو الضرورة
كنظرهم إلى عورة الزانيين والرجال والنساء في ذلك سواء وبالله تعالى التوفيق *
وأما اليمين مع الشاهد فروينا عن عمر بن الخطاب أنه قضى باليمين مع الشاهد الواحد *

(1) في النسخة رقم 16 (كما روينا)
(2) في النسخة رقم 16 (وأما القول)
(3) في النسخة رقم 14 (الا الرجال)
403

ومن طريق ابن وهب عن أنس بن عياض أخبرني ضمرة ان جعفر بن محمد أخبرهم
قال: سمعت أبي يقول للحكم بن عتيبة: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد وقضى
بها على بين أظهركم * ومن طريق هشيم عن حصين بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عتبة
ابن مسعود قضى عليه بدين لانسان أقام شاهدا واحدا وأحلفه مع شاهده، وصح عن
عمر بن عبد العزيز. وعبد الرحمن بن عبد الحميد وعن شريح، وروى عن جماعة منهم
سليمان بن يسار. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. وأبو الزناد. وربيعة. ويحيى بن سعيد
الأنصاري. واياس بن معاوية. ويحيى بن يعمر. والفقهاء السبعة. وغيرهم وهو قول
مالك. والشافعي الا أنهما لا يقضيان بذلك الا في الأموال، وجاء عن عمر بن عبد العزيز
أنه قضى بذلك في جراح العمد والخطأ ويقضى به مالك أيضا في القصاص في النفس ولا
يقضى به في العتق والشافعي يقضى به في العتق، وروينا انكار الحكم به عن الزهري،
وقال: هو بدعة مما أحدثه الناس أول من قضى به معاوية، وقال عطاء: أول من
قضى به عبد الملك بن مروان، وأشار إلى إنكاره الحكم بن عتيبة، وروى عن عمر
ابن عبد العزيز الرجوع إلى ترك القضاء به لأنه وجد أهل الشام على خلافه ومنع منه
ابن شبرمة. وأبو حنيفة. وأصحابه *
قال أبو محمد: قد ذكرنا بطلان التعلق في رد هذا الحكم وغيره بالتعلق بقول
الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) وبقوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل
منكم) في الفصل الذي قبل هذا وكذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (شاهداك أو يمينه)
وسائر ما تعلقوا به في منع الحكم بيمين وشاهدا أهذار، والعجب اعتراضهم في هذا بقول
الزهري أول من قضى بذلك معاوية وهم قد أخذوا بقيمة أحدثها معاوية في زكاة الفطر
ولا يصح فيها أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: وروينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن بشر.
وعبد الله بن نمير قالا جميعا: نا سيف بن سليمان أخبرني قيس بن سعد عن عمرو
ابن دينار عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد) * نا أحمد
ابن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن سليمان المنقري
نا مسدد. ومحمد بن المثنى، و عبد الله بن عبد الوهاب قالوا كلهم: نا عبد الوهاب
ابن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد بن أبيه عن جابر بن عبد الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم
قضى باليمين مع الشاهد) * ومن طريق أبى داود نا أبو المصعب نا عبد العزيز بن محمد
الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
404

(ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد) قال أبو داود: وزادني الربيع بن سليمان في
هذا الخبر قال: انا الشافعي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: فذكرت ذلك
لسهيل بن أبي صالح فقال: أخبرني ربيعة وهو ثقة عندي انى حدثته إياه ولا احفظه
قال عبد العزيز: وقد كانت أصابت سهيلا علة أذهبت بعض عقله (1) ونسي بعض
حديثه فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه [عن أبي هريرة] (2) *
قال أبو محمد: فهذه آثار متظاهرة لا يحل الترك لها فالواجب أن يحكم بذلك في
الدماء. والقصاص والنكاح. والطلاق. والرجعة والأموال حاشا الحدود لان
ذلك عموم الأخبار المذكورة ولم يأت في شئ من الاخبار منع من ذلك، وأما الحدود
فلا طالب لها الا الله تعالى ولا حق للمقذوف في اثباتها ولا في اسقاطها ولا في طلبها،
وكذلك المسروق منه والمزني بامرأته أو حريمته أو أمته أو غير ذلك فليس لذلك كله
طالب بلا يمين في شئ منها، وقال الشافعي: ان في بعض الآثار ان النبي صلى الله عليه وسلم حكم
بذلك في الأموال وهذا لا يوجد أبدا في شئ من الآثار الثابتة وبالله تعالى التوفيق *
والعجب من أصحاب أبي حنيفة يقولون دهرهم كله: المرسل. والمسند. سواء
في كل بلية يقولون بها ثم يردون خبر جابر هذا بان غير الثقفي أرسله وانه روى مرسلا من
طريق سعيد بن المسيب وغيره فاعجبوا العدم الحياء ورقة الدين، وعجب آخر وهو أنهم
يقضون بالنكول في الدماء والأموال فيعطون المدعى بلا شاهد ولا يمين لكن بدعواه
المجردة وإن كان يهوديا أو نصرانيا برأيهم الفاسد ويردون الحكم باليمين والشاهد
ويقضون بالعظائم بشهادة امرأتين دون يمين الطالب بآرائهم الفاسدة واختيارهم المهلك
وينكرون الحكم بشهادة امرأتين مع يمين الطالب وبشهادة رجل مع يمين الطالب وينكرون
الحكم بشهادة مسلم ثقة مع يمين الطالب وهم يقضون بشهادة يهوديين أو نصرانيين حيث
لم يأت بذلك نص قرآن ولا سنة صحيحة ويضعفون سيف بن سليمان وهو ثقة وهم آخذ
الناس برواية كل كذاب كجابر الجعفي. وغيره، ويحتجون بمغيب ذلك عن الزهري
وعطاء، وقد غاب عنهما حكم زكاة الذهب وزكاة البقر أو علماه ورأياه منسوخا فلم
يلتفتوا هنالك إلى قولهما وقلدوهما ههنا وهذا كما ترون ونسأل الله العافية؟ ورأي مالك.
والشافعي ان لا يقضى باليمين والشاهد الا في الأموال قال مالك: وفى القسامة وهذا لا معنى
له لأنه تخصيص للخبر بلا دليل *
1787 مسألة ولا يجوز ان يقبل كافر أصلا لا على كافر ولا على مسلم

(1) في النسخة رقم 16 بعض حفظه
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
405

حاش الوصية في السفر فقط فإنه يقبل في ذلك مسلمان أو كافران من أي دين كانا
أو كافر وكافرتان أو أربع كوافر ويحلف الكافر ههنا مع شهادتهم ولا بد بعد الصلاة
أي صلاة كانت ولو أنها العصر لكان أحب الينا بالله لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى
ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الآثمين، ثم يحكم بما شهدوا به، فان جاءت بينة مسلمون
بان الكافر كذبوا حلف المسلمان الشاهدان أو المسلم والمرأتان أو الأربع نسوة بالله
لشهادتنا أحق من شهادة أولئك وما اعتدينا انا إذا لمن الظالمين ثم يفسخ ما شهد به الكفار *
برهان ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)
والكافر فاسق فوجب أن لا يقبل، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر
أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ان أنتم ضربتم في الأرض)
الآية فوجب أخذ حكم الله تعالى كله وان يستثنى الأخص من الأعم ليتوصل بذلك إلى طاعة
الجميع ومن تعدى هذا الطريق فقد خالف بعض أوامر الله تعالى وهذا لا يحل * وروينا من طريق
محمد بن إسحاق عن أبي النضر عن زاذان مولى أم هانئ عن ابن عباس عن تميم الداري
في قول الله عز وجل: (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) الآية قال: برئ الناس
منها غيري وغير عدى بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام فأتيا إلى الشام وقدم
عليهما بديل (1) بن أبي مريم مولى بنى سهم ومعه جام من فضة [يريد به الملك] (2) هو
عظم تجارته فمرض فأوصى إليهما قال تميم: فلما مات أخذنا [ذلك] الجام فبعناه
بألف ثم اقتسمناه انا وعدى بن بداء فلما قدمنا دفعناه إلى أهله فسألوا عن الجام؟ فقلنا:
ما دفع الينا غير هذا فلما أسلمت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم [المدينة] تأثمت من ذلك فأتيت
أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا
به النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم البنية؟ فلم يجدوا فأحلفه بما يعظم به على أهل دينه [فحلف]
فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) الآية
فحلف عمرو بن العاصي وواحد منهم فنزعت الخمسمائة درهم من عدى بن بداء *
ومن طريق يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير
عن أبيه عن ابن عباس قال: كان تميم الداري. وعدى بن بداء يختلفان إلى مكة للتجارة
فخرج معهم رجل من بنى سهم فتوفى بأرض ليس فيها مسلم فأوصى لهما فدفعا تركته
إلى أهله وحبسا جاما من فضة مخوصا بالذهب ففقده أولياؤه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتمنا ولا اطلعنا ثم عرف الجام بمكة فقالوا:

(1) في النسخ يزيد وهو غلط
(2) الزيادة من التفسير
406

اشتريناه من تميم. وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله ان هذا لجام السهمي
ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا انا إذا لمن الظالمين فأخذ الجام وفيهم نزلت
هذه الآية * وبقولنا يقول جمهور السلف * روينا من طريق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه
ما أن سورة المائدة آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها حلالا فحللوه وما وجدتم فيها
حراما فحرموه، وهذه الآية في المائدة فبطل أنها منسوخة (1) وصح أنها محكمة *
ومن طريق ابن عباس أنه قال في هذه الآية: هذا لمن مات وعنده المسلمون فأمره الله
عز وجل أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين ثم قال عز وجل: (أو آخران من غيركم
ان أنتم ضربتم في الأرض) فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين فأمره الله تعالى
أن يشهد على وصيته رجلين من غير المسلمين فان ارتيب بشهادتهما (2) استحلفا بعد
الصلاة بالله لا نشترى بشهادتنا ثمنا قليلا فإذا اطلع الأوليان على الكافرين كذبا حلفا بالله ان
شهادة الكافرين باطل وانا لم نغدر * ومن طريق ابن عباس أيضا في قوله تعالى: (أو
آخران من غيركم) قال: من غير المسلمين من أهل الكتاب * وروينا من طريق سعيد
ابن منصور. وزياد بن أيوب قالا جميعا: نا هشيم أنا زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي أن
رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا فلم يجد أحدا من المسلمين يشهد على وصيته
فأشهد رجلين من أهل الكتاب فاتيا أبا موسى الأشعري فأخبراه وقدما بتركته ووصيته
فقال أبو موسى: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد
العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيبا وانها لوصية الرجل وتركته
فامضى أو موسى شهادتهما * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق
السبيعي عن أبي ميسرة هو عمرو بن شرحبيل قال: لم ينسخ من سورة
المائدة شئ * ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب في قول الله
عز وجل: (أو آخران من غيركم) قال: من أهل الكتاب * ومن طريق سعيد بن منصور
نا هشيم أنا سليمان التيمي عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى: (أو آخران من غيركم)
قال: من غير أهل ملتكم * ومن طريق وكيع عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن عبيدة
السلماني في قول الله تعالى: (أو آخران من غيركم) قال: من غير أهل الملة *
ومن طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن شريح
قال: لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين الا في وصية ولا تجوز في وصية الا أن يكون
مسافرا * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي

(1) في النسخة رقم 14 فبطل ان تنسخ
(2) في النسخة رقم 14 فان ارتيبت شهادتهما
407

عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني الا في السفر ولا تجوز في السفر الا
في الوصية *
ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله الطحان عن داود الطائي عن
الشعبي عن شريح قال: إذا مات الرجل في أرض غربة ولم يجد مسلما فأشهد من غير
المسلمين شاهدين فشهادتهما جائزة فان جاء مسلمان فشهدا (1) بخلاف ذلك أخذ
بشهادة المسلمين وتركت شهادتهما * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا المغيرة
عن إبراهيم النخعي في قول الله تعالى: (أو آخران من غيركم) قال: من غير أهل
ملكتم * ومن طريق شعبة نا أبو بشر هو جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير قال:
(أو آخران من غيركم) قال: إذا كان بأرض الشرك فأوصى إلى رجل من أهل
الكتاب فإنهما يحلفان بعد العصر فان اطلع بعد حلفهما على أنهما خانا حلف
أولياء الميت انه كان كذا وكذا واستحقوا * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي
قال: نا محمد بن أبي بكر المقدمي نا عمر بن علي المقدمي عن الأشعث عن الشعبي (أو آخران
من غيركم) قال: من اليهود والنصارى * ومن طريق إسماعيل أيضا نا سليمان بن حرب
نا حماد بن زيد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (اثنان ذوا عدل منكم) من أهل
الملة (أو آخران من غيركم) قال: من غير أهل الملة * ومن طريق إسماعيل نا محمود
ابن خراش نا هشيم نا سليمان التيمي عن أبي مجلز في قول الله تعالى: (أو أخر ان من
غيركم) قال من غير أهل الملة * ومن طريق إسماعيل نا إبراهيم بن الحجاج نا عبد الوارث
ابن سعيد نا إسحاق بن سويد عن يحيى بن يعمر في قول الله تعالى: (أو آخران من غيركم)
قال: من غير أهل الملة * ومن طريق الطحاوي نا محمد بن خزيمة نا حجاج بن المنهال. وعثمان
ابن الهيثم قال الحجاج: نا أبو هلال الراسبي وقال عثمان: نا عوف بن أبي جميلة كلاهما عن
محمد بن سيرين في قوله تعالى: (أو آخران من غيركم) قال: من غير المسلمين *
فهؤلاء أم المؤمنين. وأبو موسى الأشعري وابن عباس، وروى أيضا نحو ذلك
عن علي رضي الله عنهم ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم، ومن التابعين عمرو
ابن شرحبيل. وشريح. وعبيدة السلماني. وإبراهيم النخعي. والشعبي. وسعيد بن
جبير. وسعيد بن المسيب ومجاهد. وأبو مجلز. وابن سيرين. ويحيى بن يعمر. وغيرهم
كابن أبي ليلى. وسفيان الثوري. ويحيى بن حمزة. والأوزاعي. وأبى عبيد. وأحمد
ابن حنبل. وجمهور أصحاب الحديث وبه يقول أبو سليمان وجميع أصحابنا وخالفهم

(1) في النسخة رقم 16 يشهدا
408

آخرون فروينا عن الحسن أنه قال: (أو آخران من غيركم) من غير قبيلتكم، وروى
عن الزهري نحو هذا وأنه قال: من أهل الميراث وانه توقف في ذلك وروى أيضا عن
عكرمة، وروينا عن زيد بن أسلم أنها منسوخة، وعن إبراهيم أيضا مثل ذلك *
قال أبو محمد: أما دعوى النسخ فباطل لا يحل أن يقال في آية أنها منسوخة لا تحل
طاعتها والعمل بها الا بنص صحيح أو ضرورة مانعة وليس ههنا شئ من ذلك ولو جاز
مثل هذا لما عجز أحد عن أن يدعى فيما شاء من القرآن انه منسوخ وهذا لا يحل، وأما
من قال: من غير قبيلتكم فقول ظاهر الفساد والبطلان لأنه ليس في أول الآية خطاب
لقبيلة دون قبيلة إنما أولها (يا أيها الذين آمنوا) ولا يشك منصف في أن غير الذين
آمنوا هم الذين لم يؤمنوا ولكنها من الحسن زلة عالم لم يتدبرها، وقال المخالفون: نحن نهينا (1)
عن قبول شهادة الفاسق. والكافر أفسق الفساق فقلنا: الذي نهانا عن قبول شهادة الفاسق هو
الذي أمرنا بقبول شهادة الكافر في الوصية في السفر فنقف عند أمريه (2) جميعا وليس
أحدهما بأولى بالطاعة من الآخر. ومن عجائب الدنيا التي لا نظير لها أن المحتجين بهذا هم
هم الحنيفيون. والمالكيون، والشافعيون، فأما الحنيفيون فأجازوا شهادة الكافر في
كل شئ بعضهم على بعض بغير أمر من الله تعالى بذلك بل خالفوا القرآن في نهيه عن قبول نبأ
الفاسق ثم خالفوه في قبول الكافر في السفر فأعجبوا لهذه الفضائح والمضادة لله تعالى *
وأما المالكيون فأجازوا شهادة طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيب مسلم بغير
أمر من الله تعالى بذلك بل خالفوا القرآن في كلا الوجهين كما ذكرنا، وقال بعضهم:
الوصية يكون فيها اقرار بدين فلما نسخ ذلك من الآية دل على نسخ سائر ذلك فقلنا:
كذبتم ما سمى الله تعالى قط الاقرار بالدين وصية لان الوصية من الثلث والاقرار بالدين
من رأس المال وما دخل قط الاقرار بالدين في الوصية ولا نسخ من الآية شئ، ثم لهم
بعد هذا أهذار يشبه تخليط المبرسمين لا معنى لها، وهذا مما خالفوا فيه جمهور العلماء والصحابة
ولا مخالف لهم من الصحابة وهم يعظمون ذلك إذا وافق أهواءهم، وذكروا خبرا
رويناه من طريق عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجوز شهادة ملة على ملة الا ملة محمد فإنها تجوز على غيرهم) *
قال أبو محمد: عمر بن راشد ساقط، وهذا خبر أول من خالفه أبو حنيفة لأنه يجيز
شهادة اليهودي على النصراني (3) ومالك فإنه يجيز شهادة الكفار الأطباء على
المسلمين ولا ندري من أين وقع لهم هذا التخصيص للأطباء (4) دون سائر من يضطر إليه

(1) في النسخة رقم 14 قد نهينا
(2) في النسخة رقم 16 عندما امر به
(3) في النسخة رقم 14 اليهود على النصارى
(4) في النسخة رقم 16 وقع لهم تخصيص الأطباء
409

في الشهادات من النكاح. والطلاق. والدماء [والحدود] (1) والأموال. والعتق؟
وما نعلم هذا التفريق عن أحد قبله، وأما شهادة الكافر في غير ذلك فطائفة منعت من
ذلك جملة وهو قولنا، وطائفة أجازتها على الكافر ولم يراعوا اختلاف مللهم، وطائفة
أجازت شهادة كل ملة على مثلها ولم تجزها على غير مثلها (2) فأما قولنا فقد ذكرناه عن جماعة
من السلف، واما القول الثاني فصح من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري
عن عمرو بن ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز أنه أجاز شهادة نصراني على مجوسي
أو مجوسي على نصراني، وصح من طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان أنه قال: تجوز
شهادة النصراني على اليهود واليهود على النصارى هم كلهم أهلا لشرك، وصح أيضا
هذا عن الشعبي. وشريح. وإبراهيم النخعي، ومن طريق ابن أبي شيبة نا زيد بن الحباب
عن عون بن معمر عن إبراهيم الصائغ قال: سألت نافعا هو مولى ابن عمر عن شهادة
أهل الكتاب بعضهم على بعض؟ فقال: تجوز * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال:
سألت الزهري عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض فقال: تجوز وهو قول سفيان
الثوري. ووكيع. وأبي حنيفة وأصحابه. وعثمان البتي، والثالث كما روينا من طريق
أبى عبيد عن أبي الأسود عن ابن لهيعة عن عمرو بن الحارث عن قتادة ان على (3)
ابن أبي طالب قال: تجوز شهادة النصراني على النصراني * ومن طريق أبى عبيد عن
عبد الله بن صالح عن الليث عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال: تجوز شهادة
النصراني على النصراني واليهودي على اليهودي ولا تجوز شهادة أحدهما على الآخر *
ومن طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح أنه سمع يحيى بن سعيد الأنصاري يقول
لا تجوز شهادة النصراني على اليهودي ولا شهادة اليهودي على النصراني * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة * وربيعة بن أبي عبد الرحمن كلاهما قال: تجوز شهادة
اليهودي على اليهودي ولا تجوز على النصراني ولا تجوز شهادة النصراني على اليهودي *
ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة لا تجوز شهادة اليهودي على النصراني ولا
النصراني على اليهودي * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن يونس عن الحسن قال:
إذا اختلفت الملل لم تجز شهادة بعضهم على بعض * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن إدريس
عن الليث عن عطاء قال: لا تجوز شهادة اليهودي على النصراني ولا النصراني على المجوسي
ولا ملة على غير ملتها الا المسلمون * ومن طريق وكيع عن سفيان عن داود عن الشعبي
لا تجوز شهادة ملة على ملة الا المسلمين * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن معمر

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 على غير ملتها
(3) في النسخة رقم 16 عن علي
410

عن الزهري قال: لا تجوز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا حفص عن أشعث نا حماد عن إبراهيم النخعي قال: لا تجوز شهادة أهل ملة الا
على أهل ملتها اليهودي على اليهودي والنصراني على النصراني * ومن طريق وكيع عن
عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف لا تجوز شهادة
ملة على ملة الا المسلمين قال وكيع: وهو قول ابن أبي ليلى * قال أبو محمد: وهو قول
الأوزاعي. والليث: والحسن بن حي *
قال على: فروى كلا القولين كما أوردنا عن حماد بن أبي سليمان. والزهري. والشعبي *
والنخعي، وروى القول الأول عن نافع وروى الثاني عن يحيى بن سعيد الأنصاري.
وأبى سلمة بن عبد الرحمن. وربيعة الرأي. وقتادة والحسن. وعطاء *
قال أبو محمد: ولا يصح عن علي أصلا لأنه عن ابن لهيعة ثم هو أيضا منقطع، قال
على: أما قول أبي حنيفة فلم يرو لا صحيحا ولا سقيما عن أحد من الصحابة فهو خلاف
لكل ما جاء في هذه المسألة عن الصحابة، وأما مالك فخالف شيوخه المدنيين أبا سلمة بن عبد
الرحمن. ونافعا. والزهري. وربيعة. ويحيى بن سعيد الأنصاري وهم يعظمون
هذا إذا وافق رأى صاحبهم، واحتج من أجاز قبول شهادة بعضهم على بعض بما
روينا من طريق الطحاوي نا روح بن الفرج نا يحيى بن سليمان الجعفي نا عبد الرحيم
بان سليمان الرازي نا مجالد عن الشعبي عن جابر قال في حديث اليهوديين اللذين زنيا
لليهود ائتوني بالشهود فشهد أربعة منهم على ذلك فرجمهما النبي صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: مجالد هالك روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان أنه قال: لو شئت ان
يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله لفعل، وعن شعبة أستخير الله
وادمر على مجالد، وعن أحمد بن حنبل أن مجالدا يزيد في الاسناد: وعن ابن معين مجالد
لا يحتج بحديثه والعجب كله من احتجاجهم بقول الله تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت
حين الوصية) وهم أول مخالف لهذه الآية، وقالوا: ظاهرها جوازها على المسلمين
والكافر في كل شئ ثم نسخت عن المسلمين فبقيت على الكفار *
قال أبو محمد: وهذا تجليح منهم بالكذب على الله تعالى جهارا مرارا، إحداها
دعوى النسخ بلا برهان، والثانية قولهم: ان ظاهرها جواز شهادتهم في كل شئ وليس
في الآية الا عند حضور الموت حين الوصية فقط ثم تحليفهما ثم تحليف المسلمين الشاهدين
بخلاف شهادتهما فما رأيت أقل حياء ممن قال ما ذكرنا، ونعوذ بالله من الخذلان
والاستخفاف بالكذب على القرآن، والثالثة قولهم: نسخت عن المسلمين وبقيت على (*)
411

الكفار وهذا باطل لان الدين كله واحد علينا وعلى الكفار ولا يحل لاحد أن يحكم
عليهم ولا لهم الا بحكم الاسلام لنا وعلينا الا حيث جاء النص بالفرق بيننا وبينهم وبالله
تعالى التوفيق *
1788 مسألة وشهادة العبد والأمة مقبولة في كل شئ لسيدهما ولغيره
كشهادة الحر والحرة ولا فرق، وقد اختلف الناس في هذا فصح ما روينا من طريق
ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان قضى في الصغير
يشهد بعد كبره والنصراني بعد اسلامه والعبد بعد عتقه انها جائزة ان لم تكن ردت عليهم،
ورينا من طريق عمرو بن شعيب. وعطاء عن عمر بن الخطاب مثل ذلك، وروينا
ذلك في شهادة العبد من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر عن عمرو بن سليم عن ابن المسيب
عن عمر * ومن طريق الحجاج بن أرطأة عن عطاء عن ابن عباس لا تجوز شهادة العبد *
ومن طريق أبى عبيد عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن إبراهيم الصائغ عن نافع
عن ابن عمر لا تجوز شهادة المكاتب ما بقي عليه درهم، وروينا من طريق ابن أبي شيبة
عن ابن المبارك. ووكيع قال ابن المبارك: عن ابن جريج عن عطاء، وقال وكيع.
عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قالا جميعا: لا تجوز شهادة العبد * ومن طريق
ابن أبي شيبة عن ابن المبارك عن محمد بن راشد عن مكحول لا تجوز شهادة العبد *
ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (شهيدين
من رجالكم) قال: من الأحرار قال وكيع: ولا يجيز سفيان شهادة عبد وهو قول
وكيع * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عيسى بن يونس. ووكيع. وعبد الرحمن بن مهدي.
ومعاذ بن معاذ قال عيسى: عن الأوزاعي عن الزهري، وقال وكيع: عن شعبة عن
الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي، وقال عبد الرحمن بن مهدي: عن حماد بن سلمة
وأبى عوانة قال أبو عوانة: عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه
وقال حماد بن سلمة: عن قتادة عن شريح، وقال معاذ بن معاذ: عن أشعث هو
ابن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري قالوا كلهم في العبد يؤدى الشهادة فترد
ثم يعتق فيشهد بها انها لا تجوز الا الحسن. والحكم فإنهما قالا: انها تجوز *
ومن طريق أبى عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل بن يونس عن منصور عن
مجاهد قال أهل مكة. وأهل المدينة: لا يجيزون شهادة العبد * ومن طريق شعبة عن مغيرة
عن إبراهيم قال: لا تجوز شهادة المكاتب ولا يرث * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة إذا شهد العبد فردت شهادته ثم أعتق فشهد بها لم تقبل، وروى ذلك عن فقهاء
412

المدينة السبعة وهو قول أبى الزناد وبه يقول أبو حنيفة (1) ومالك. والشافعي.
وابن أبي ليلى. والحسن بن حي. وأبو عبيد. وأحد قولي ابن شبرمة وأجازت طائفة
شهادة العبد في بعض الأحوال وردتها في بعض كما روينا من طريق إسماعيل ابن إسحاق
القاضي نا علي بن المديني. وسليمان بن حرب. وإبراهيم الهروي، قال على عن جرير
عن منصور عن إبراهيم عن شريح، وقال سليمان: عن أبي عوانة عن مطرف بن طريف
عن الشعبي، وقال الهروي: عن هشام انا مغيرة عن إبراهيم أنهم ثلاثتهم كانوا يجيزون
شهادة العبد في الشئ اليسير، ومن طريق عبد الرزاق نا محمد بن يحيى المازني عن سفيان
الثوري عن إبراهيم النخعي قال: لا تجوز شهادة العبد لسيده وتجوز لغيره * ومن
طريق جابر الجعفي عن الشعبي في العبد يعتق بعضه ان شهادته جائزة، وأجازت
طائفة شهادته في كل شئ كالحر كما روينا من طريق ابن أبي شبية نا حفص بن غياث النخعي
عن أشعث عن الشعبي قال: قال شريح: لا تجوز شهادة العبد فقال على: لكنا نجيزها
فكان شريح بعد ذلك يجيزها الا لسيده، وبه إلى ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن
المختار بن فلفل قال: سألت انس بن مالك عن شهادة العبد؟ فقال: جائزة * ومن طريق
وكيع نا سفيان الثوري عن عمار الدهني قال: شهدت شريحا شهد عنده عبد على دار فأجاز
شهادته فقيل: إنه عبد فقال شريح: كلنا عبيد وإماء * ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل
نا أبى نا عبد الرحمن بن مهدي نا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين انه كان
لا يرى بشهادة المملوك بأسا إذا كان عدلا * ومن طريق ابن الجهم عن إسماعيل بن إسحاق
القاضي نا عارم بن الفضل نا عبد الله بن المبارك عن يعقوب عن عطاء بن أبي رباح قال:
شهادة العبد. والمرأة جائزة في النكاح. والطلاق، كتب إلى عبد الله بن عبد الواحد
عن الحسن بن عبد الواحد قال: نا أبو مسلم الكاتب نا عبد الله بن أحمد بن المغلس نا
عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا عفان بن مسلم قال: نا حماد بن سلمة قال: سئل إياس
ابن معاوية عن شهادة العبد؟ قال: انا أرد شهادة عبد العزيز بن صهيب على الانكار لردها *
قال أبو محمد: وهو قول زرارة بن أوفى. وعثمان البتي. وأبي ثور. وأحمد بن حنبل.
وإسحاق بن راهويه. وأبي سليمان. وأصحابهم. وأحد قولي ابن شبرمة. قال على: أما
قول عمر. وعثمان الذي صدرنا به فهو على الحنيفيين. المالكيين. والشافعيين لا لهم
لأنهم خالفوهما في الصبي يشهد فيرد ثم يبلغ فيشهد فقالوا: يقبل، ومن الباطل أن يكون
بعض قول عمر. وعثمان حجة وبعضه غير حجة: وهذا تلاعب بالدين ممن سلك هذا

(1) في النسخة رقم 16 وهو قول أبي حنيفة
413

الطريق وهو عن ابن عباس لا يصح لأنه عن الحجاج بن أرطأة فلم يبق لهم الا ابن عمر وقد
صح خلافه عن أنس فبطل تعلقهم بالآثار وبقى الاحتجاج بالقرآن والسنة *
قال أبو محمد: أما قول مجاهد ومن اتبعه شهيدين من رجالكم من الأحرار فباطل
وزلة عالم وتخصيص لكلام الله تعالى بلا برهان، وبالضرورة يدرى كل ذي حس سليم
أن العبيد رجال من رجالنا وان الإماء نساء من نسائنا قال تعالى: (نساؤكم حرث
لكم) فدخل في ذلك بلا خلاف الحرائر والإماء فظهر فساد هذا القول، وإنما خاطب
الله تعالى في أول الآية الذين آمنوا والعبيد بلا خلاف منهم فهم في جملة المخاطبين بالمداينة
والاشهاد والشهادة، واحتج بعضهم بقول الله تعالى: (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) *
قال أبو محمد: تحريف كلام الله تعالى عن مواضعه مهلك في الدنيا والآخرة ولم
قل تعالى: ان كل عبد فهو لا يقدر على شئ إنما ضرب الله تعالى المثل بعبد من عبادة هذه
صفته وقد توجد هذه الصفة في كثير من الأحرار ومن نسب غير هذا إلى الله تعالى فقد
كذب عليه جهارا وأتى بأكبر الكبائر لان الله تعالى لا يقول الا حقا وبالمشاهدة نعرف
كثيرا من العبيد أقدر على الأشياء من كثير من الأحرار، ونقول لهم: هل يلزم
العبيد الصلاة. والصيام والطهارة ويحرم عليهم من المآكل والمشارب والفروج
كل ما يحرم على الأحرار فمن قولهم: نعم فقد اكذبوا أنفسهم وشهدوا بأنهم يقدرون
على أشياء كثيرة فبطل تعلقهم وتمويههم بهذه الآية، وقالوا: (ولا يأبى الشهداء إذا
ما دعوا) قالوا: والعبد لا يقدر على أداء الشهادة لأنه مكلف خدمة سيده فقلنا: كذب
من قال هذا بل هو قادر على أداء الشهادة كما يقدر على الصلاة وعلى النهوض إلى من
يتعلم منه ما يلزمه من الدين، ولو سقط عن العبد القيام بالشهادة لشغله بخدمة سيده
لسقط أيضا عن الحرة ذات الزوج لشغلها بملازمة زوجها، وقال بعضهم: العبد سلعة
وكيف تشهد سلعة فقلنا: فكان ماذا؟ تشهد السلعة كما يلزم السلعة الصلاة والصيام
والقول بالحق، وما نعلم لهم في هذه المسألة متعلقا لا بقرآن ولا بسنة ولا رواية صحيحة ولا
سقيمة ولا نظر ولا معقول ولا قياس الا بتخاليط في غاية الفساد. واهذار باردة وقد
تقصينا هذا في كتاب الايصال والحمد لله رب العالمين *
قال أبو محمد: وكل نص في قرآن أو سنة في شئ من أحكام الشهادات فكلها شاهدة
بصحة قولنا إذ لو أراد الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام تخصيص عبد من حر
في ذلك لكان مقدورا عليه وما كان ربك نسيا، قال تعالى: (ممن ترضون من الشهداء)
وقال تعالى: (وان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند
414

ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فهيا أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه)
فلم يختلف مسلمان قط في أن هذا خير يدخل فيه العبيد والإماء كدخول الأحرار
والحرائر وحرام على كل أحد أن لا يرضى عمن أخبر الله تعالى أنه قد رضى عنه فإذ قد رضي الله عنه
العبد المؤمن العامل بالصالحات ففرض علينا ان نرضى عنه وإذ فرض علينا أن
نرضى عنه ففرض علينا قبول شهادته، واما من ردها لسيده فإنه قال: قد يجبره سيده
على الشهادة له قلنا: لو كان هذا مانعا من قبول العبد لسيده لكان مانعا من قبول أحد
من المسلمين للامام إذا شهد له لان الامام أقدر على رعيته من السيد على عبده لان العبد
تعديه جميع الحاكم على سيده إذا تظلم منه ويحولون بينه وبين اذاه ولا يقدر أحد
على أن يحول بين الامام والرجل من رعيته فظهر فساد قول مخالفينا والحمد لله رب العالمين *
1789 مسألة وكل عدل فهو مقبول لكل أحد وعليه كالأب والام
لابنيهما ولأبيهما والابن والابنة للأبوين. والأجداد. والجدات والجد. والجدة
لبنى بنيهما. والزوج لامرأته. والمرأة لزوجها وكذلك سائر الأقارب بعضهم لبعض
كالأباعد ولا فرق، وكذلك الصديق الملاطف لصديقه والأجير لمستأجره والمكفول
لكافله. والمستأجر لاجيره. والكافل لمكفوله والوصي ليتيمه وفيما ذكرنا خلاف،
فروينا من طريق لا تصح عن شريح انه لا يقبل الأب لابنه ولا الابن لأبيه ولا أحد
الزوجين للآخر، وصح هذا كله عن إبراهيم النخعي وعن الحسن. والشعبي في أحد
قوليهما في الأب. والابن، وروى عن الحسن. والشعبي قول آخر وهو أن الولد يقبل
لأبيه ولا يقبل الأب لابنه لأنه يأخذ ماله متى شاء وان الزوج يقبل لامرأته ولا تقبل
هي له وهو قول ابن أبي ليلى. وسفيان الثوري، ولم يجز الأوزاعي. والثوري.
وأحمد بن حنبل. وأبو عبيد الأب للابن ولا الابن للأب، وأجازوا الجد والجدة
لأولاد بنيهما وأولاد بينهما لهما ولم يجز أبو حنيفة. ومالك. والشافعي أحدا من هؤلاء
الا أن الشافعي أجاز كل واحد من الزوجين للآخر، وأما من روى عنه إجازة كل
ذلك فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر بن أبي سبره عن أبي الزناد عن
عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قال عمر بن الخطاب. تجوز شهادة الوالد لولده والولد
لوالده ولأخ لأخيه، وعن عمرو بن سليم الزرقي عن سعيد بن المسيب مثل هذا ورى
أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه شهد لفاطمة رضي الله عنها عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه
ومعه أم أيمن فقال له أبو بكر: لو شهد معك رجل أو امرأة أخرى لقضيت لها
بذلك * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: لم يكن
415

يتهم سلف المسلمين الصالح شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده ولا الأخ لأخيه ولا
الزوج لامرأته ثم دخل الناس بعد ذلك فظهرت منهم أمور حملت الولاة على
اتهامهم فتركت شهادة من يتهم إذا كانت من قرابة وصار ذلك من الولد والوالد،
والأخ والزوج والمرأة لم يتهم الا هؤلاء في آخر الزمان *
ومن طريق أبى عبيد نا الحسن بن عازب عن جده شبيب بن غرقدة قال: كنت
جالسا عند شريح فأتاه علي بن كاهل وامرأة وخصم لها فشهد لها علي بن كاهل وهو زوجها
وشهد لها أبوها فأجاز شريح شهادتهما فقال الخصم: هذا أبوها وهذا زوجها فقال له شريح:
هل تعلم شيئا تجرح به شهادتهما؟ كل مسلم شهادته جائزة * ومن طريق عبد الرزاق نا
سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة قال: سمعت شريحا أجاز لامرأة شهادة أبيها وزوجها
فقال الرجل: انه أبوها. وزوجها فقال شريح: فمن يشهد للمرأة الا أبوها وزوجها *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا شبابة عن ابن أبي ذئب عن سليمان بن أبي سليمان قال
شهدت لامي عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقضى بشهادتي * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري قال: أجاز عمر عبد العزيز شهادة الابن
لأبيه إذا كان عدلا، فهؤلاء عمر بن الخطاب وجميع الصحابة. وشريح. وعمر بن
عبد العزيز. وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وبهذا يقول اياس بن معاوية. وعثمان
البتي. وإسحاق بن راهويه: وأبو ثور. والمزني. وأبو سليمان. وجميع أصحابنا،
ورأي الشافعي وأصحابه قبول شهادة الزوجين كل واحد منهما للآخر ورأي الأوزاعي
ان لا يقبل الأخ لأخيه، وذكر ذلك الزهري عن المتأخرين من الولاة الذين ردوا
الأب لابنه والابن لأبيه وأحد الزوجين لصاحبه، وأجاز أبو حنيفة. والشافعي
الأخ لأخيه وأجازه مالك لأخيه الا في النسب خاصة، ورد مالك شهادة الصديق
الملاطف لصديقه *
قال أبو محمد: احتج المخالفون لنا بما روينا من طريق أبى عبيد نا مروان بن معاوية
عن يزيد الجزري قال: احسبه يزيد بن سنان عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي
صلى الله عليه وسلم لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ظنين في ولاء أو قرابة ولا مجلود في حد *
قال أبو محمد: وهذا عليهم لا لهم لوجوه، أولها انه لا يصح لأنه عن يزيد وهو مجهول
فإن كان يزيد بن سنان فهو معروف بالكذب ثم لو صح لكانوا أول مخالف له في موضعين
أحدهما تفريقهم بين الأخ والأب. وبين العم وابن الأخ. وبين الأب والابن وكلهم
سواء إذ هم متقاربون في التهمة بالقرابة وكلهم يجيز المولى لمولاه وهذا خلاف الخبر
416

وكلهم يجيز المجلود في الحد إذا تاب وهو خلاف هذا الخبر فمن أضل سبيلا أو أفسد دليلا
ممن يحتج بخبر هو حجة عليه وهو مخالف له، وذكروا ما رويناه عن وكيع عن عبد الله بن أبي
حميد قال: كتب عمر إلى أبى موسى المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا
في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أوفى قرابة والقول في هذا كالذي قبله من أنه لم
يصح قط عن عمر ثم قد خالفوه كما ذكرنا سواء، والا ثبت عن عمر قبول الأب لابنه *
ومن عجائب الدنيا احتجاجهم في هذا بالخبر الثابت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت
ومالك لأبيك، ومن أمره هندا بأخذ قوتها من مال زوجها وهم أول مخالف لهذين الخبرين
وهذا عجب جدا، وأما نحن فنصححهما ونقول: ليس فيهما منع من قبول شهادة الابن
لأبويه ولا من قبول الأبوين له وإن كان هو وماله لهما فكان ماذا؟ ونحن كلنا لله تعالى
وأموالنا وقد أمرنا بان نشهد له عز وجل فقال عز وجل: (كونوا قوامين بالقسط
شهداء لله) وكل ذي حق فهو مأمور بأخذ حقه ممن هو له عنده متى قدر على ذلك أجنبيا
كان أو غير أجنبي ومن لم يفعل ذلك فقد عصى الله عز وجل وأعان على الاثم والعدوان
وقدر على تغيير منكر فلم يفعل بل أقر المنكر والباطل والحرام ولم يغير شيئا من ذلك،
ومن أغرب ما وقع احتجاج بعضهم في هذا بقول الله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك) *
قال أبو محمد: وهذه أعظم حجة عليهم لان من الشكر لهما بعد شكر الله تعالى أن
يشهد لهما بالحق وليس من الشكر لهما أن يشهد لهما بالباطل (1)، وقد قال الله عز وجل:
(وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب
والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم) فقد سوى الله تعالى بين كل من
ذكرنا في وجوب الاحسان إليهم فيلزم من اتهمه لذلك في الوالدين وفى بعض ذوي القربى
والصاحب بالجنب وما ملكت يمينه ان يتهمه في سائرهم فلا يقبل شهادة أحدهم لقريب
جملة ولا لجار ولا لابن سبيل ولا ليتيم ولا لمسكين والا فقد تلوثوا في التخليط بالباطل
ما شاءوا فلم يبق في أيديهم الا التهمة والتهمة لا تحل، وبالضرورة ندري أن من حملته قرابة
أبويه وبنيه وامرأته على أن يشهد لهم بالباطل فمضمون منعه قطعا أن يشهد لمن
يرشوه من الأباعد ولا فرق، وليس للتهمة في الاسلام مدخل ونحن نسألهم عن أبي
ذر. وأم: سلمة أم المؤمنين لو ادعيا علي يهودي بدرهم بحق اتقضون لهما بدعواهما؟
فان قالوا: نعم خالفوا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام واجماع الأمة المتيقن
وتركوا قولهم، وان قالوا: لا قلنا: سبحان الله والله ما على أديم الأرض من

(1) في النسخة رقم 14 بباطل
(2) في النسخة رقم 14 وتركوا مذاهبهم
417

يقول: انه مسلم يتهم أبا ذر. وأم سلمة رضي الله عنهما أنهما يدعيان الباطل في
الدنيا بأسرها فكيف في درهم على يهودي ثم نسألهم أتبرئون اليهودي الكذاب
المشهور بالفسق بيمينه من دعواهما؟ فمن قولهم: نعم قلنا لهم: وهل مقر التهمة.
والظنة الا في الكفار المتيقن كذبهم على الله تعالى وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام؟
والعجب كله من اعطاء مالك: والشافعي المدعى المال العظيم بدعواه ويمينه وإن كان
أشهر في الكذب والمجون من حاتم في الجود إذا أبى المدعى عليه من اليمين واعطاء أبي حنيفة
إياه ذلك بدعواه المجردة بلا بينة ولا يمين ولا يتهمونه برأيهم لا بقرآن ولا بسنة ثم
يتهمون الناسك الفاضل البر التقى في شهادته لابنه أو لأبيه بدرهم نبرأ إلى الله
تعالى من هذه المذاهب التي لا شئ أفسد منها *
قال أبو محمد: وهم يشنعون بخلاف الصاحب لا يعرف له مخالف وقد خالفوه
ههنا ولا يعرف له من الصحابة مخالف، ثم قد حكى الزهري انه لم يختلف الصدر الأول
في قبول الأب لابنه والزوجين أحدهما للآخر والقرابة بعضهم لبعض حتى دخلت
في الناس الداخلة وهذا اخبار عن اجماع الصحابة (1) رضي الله عنهم فكيف استجازوا
خلافهم لظن فاسد من المتأخرين، ثم ليت شعري ما الذي حدث مما لم يكن والله لقد كان
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافقون الذين هم شر خلق الله عز وجل والكفار. والزناة
والسراق. والكذابون فما ندري ما الذي حدث وحاش لله تعالى أن يحدث شئ يغير
الشريعة ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل انه تعالى لو أراد ان لا يقبل أحد ممن ذكرنا لمن
شهد له لبينه وما أغفله فظهر فساد قول مخالفينا بيقين لا مرية فيه، وأعجب شئ أنهم
أجازوا الأخ لأخيه! والزهري يحكى عن المتأخرين اتهامهم له فقد خالفوا من تقدم
ومن تأخر وكفى بهذا شنعة وبالله تعالى التوفيق *
1790 مسألة ومن شهد على عدوه (2) نظر فإن كان تخرجه عداوته له
إلى ما لا يحل فهي جرحة فيه ترد شهادته (3) لكل أحد وفى كل شئ وإن كان لا تخرجه
عداوته إلى مالا يحل فهو عدل يقبل عليه، وهذا قول أبى سليمان. وأصحابنا، وقال أبو حنيفة:
لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره في شئ أصلا وهو قول الأوزاعي، وقال مالك كذلك
الا أن يكون عدلا مبرزا في العدالة الا أن يكون في عياله فلا تجوز شهادته له، وقال
الشافعي: لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره فيما استأجره فيه خاصة وتجوز له فيما
عدا ذلك وهو قول سفيان الثوري. وأبي ثور، وكذلك قالوا في الوكيل سواء سواء،

(1) في النسخة رقم 14 اخبار على جميع الصحابة
(2) في النسخة رقم 14 على عدوه
(3) في النسخة رقم 14 وترد به شهادته
418

وقال مالك: إن كان منضافا إليه لم يقبل له ولمت جز شهادة العدو على عدوه، وقال أبو حنيفة.
ومالك: لا تقبل (1) شهادة الخصم لا للذي وكله ولا للذي وكل على أن يخاصمه،
وقال أبو حنيفة. والشافعي: تجوز شهادة الفقراء والسؤال، وقال مالك: لا تجوز
الا في الشئ اليسير، وقال ابن أبي ليلى: لاتقبل شهادة فقير وأشار شريك إلى ذلك *
قال أبو محمد: كل من ذكرنا في هؤلاء مقبولون لكل من ذكرن كالأجنبيين ولا
فرق، واحتج المخالف بما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لا تجوز شهادة ذي غمر على
أخيه ولا تجوز شهادة الظنة ولا الاحنة (2) ولا شهادة خصم ولا ظنين ولا القانع من
أهل البيت لهم، وصح عن شريح لا تجوز عليك شهادة الخصم ولا الشريك ولا الأجير
لمن استأجره، وروى عن الشعبي ولم يصح لا أجيز شهادة وصى ولا ولى لأنهما خصمان،
وصح عن إبراهيم لا تجوز شهادة الشريك لشريكه فيما بينهما وتجوز له في غير ذلك وعن
شريح (3) مضت السنة في الاسلام انه لا تجوز شهادة خصم ومن طريق ابن سمعان
وهو كذاب لم يكن السلف يجيزون شهادة القانع *
قال أبو محمد: القانع السائل وصح عن ربيعة ترد شهادة الخصم الظنين في خلائقه
وشكله ومخالفته العدول في سيرته وان لم يوقف منه على غير ذلك وترد شهادة العدو على
عدوه، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري ترد شهادة العدو على عدوه هذا كل ما يذكر
في ذلك عمن سلف (4) *
قال أبو محمد: أما الآثار في ذلك فكلها باطل لان بعضها مروى منقطع، ومن طريق
إسحاق بن راشد وليس بالقوى، أو من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وهو
مذكور بالكذب وصفه بذلك مالك وغيره. أو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده وهي صحيفة. أو مرسل من طريق عبد الرحمن بن فروخ، أو مرسل من طريق إسحاق
ابن عبد الله عن يزيد بن طلحة ولا يدرى من هما في الناس، أو مرسلان من طريق عبد الرحمن
ابن أبي الزناد، ومن طريق ابن سمعان وقد كذبهما مالك وغيره أو من طريق يزيد الجزري
وهو مجهول فإن كان ابن سنان فهو مذكور بالكذب، أو مرسل من رواية عبد الله بن صالح
وهو ضعيف، وكل هذا لا يحل الاحتجاج به، ثم لو صحت لكانت مخالفة لهم لان فيها
ان لا تجوز شهادة ذي الغمر على أخيه مطلقا عاما وهو قولنا وهم يمنعونها من القبول على
عدوه فقط ويجيزونها على غيره وهذا خلاف لتلك الآثار (5)، وأما شهادة الخصم فان
المدعى لنفسه المخاصم لا تقبل دعواه لنفسه بلا شك فبطل تعلقهم بتلك الآثار لو صحت

(1) في النسخة رقم 16 لا تجوز
(2) هي الحقد وجمعها إحن
(3) في النسخة رقم 14 وصح عن الزهري
(4) في النسخة رقم 16 عن السلف
(5) في النسخة رقم 16 لتلك الأخبار
419

فكيف وهي لا تصح، ثم وجدنا الله تعالى قد قال: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن
لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) فأمرنا الله عز وجل بالعدل على أعدائنا فصح أن
من حكم بالعدل على عدوه أو صديقه (1) أو لهما أو شهد وهو عدل على عدوه أو صديقه
أو لهما فشهادته مقبولة وحكمه نافذ وبالله تعالى التوفيق، وما نعلم أحدا سبق مالكا إلى
القول برد شهادة الصديق الملاطف، وأما من رد شهادة الفقير فعظيمة قال الله تعالى:
(للفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا) إلى قوله:
(أولئك هم الصادقون) فمن رد شهادة (2) هؤلاء لخاسر وأن من خصهم دون سائر
الفقراء لمتناقض وبالله تعالى التوفيق *. وما نعلم لهم في هذه الأقوال سلفا من الصحابة
رضي الله عنهم أصلا، واطرف شئ قول ربيعة: ترد شهادة من خالف العدول في سيرته
وان لم يوقف منه على غير ذلك فهذا عجب جدا لا ندري من أين أطلقه في دين الله عز وجل *
1791 مسألة ولا تقبل شهادة من لم يبلغ من الصبيان لا ذكورهم ولا إناثهم
ولا بعضهم على بعض ولا على غيرهم لا في نفس ولا جراحة ولا في مال ولا يحل الحكم بشئ
من ذلك لا قبل افتراقهم ولا بعد افتراقهم، وفى هذا خلاف (3) كثير فصح عن ابن
الزبير أنه قال: إذا جئ بهم عند المصيبة جازت شهادتهم: قال ابن أبي مليكة: فأخذ القضاة بقول
ابن الزبير وأجاز بعضهم شهادتهم في خاص من الامر لا في كل شئ كما روينا عن قتادة عن
الحسن قال: قال علي بن أبي طالب: شهادة الصبي على الصبي جائزة وشهادة العبد على العبد
جائزة قال الحسن: وقال معاوية: شهادة الصبيان على الصبيان جائزة ما لم يدخلوا البيوت
فيعلموا، وعن علي مثل هذا أيضا، ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع نا عبد الله
ابن حبيب بن أبي ثابت عن الشعبي عن مسروق أن ستة غلمان ذهبوا يسبحون فغرق
أحدهم فشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه وشهد اثنان على ثلاثة انهم غرقوه فقضى على
ابن أبي طالب على الثلاثة خمسي الدية وعلى الاثنين ثلاثة أخماس الدية، وروينا أيضا نحو
هذا عن مسروق، وروينا عن يحيى (4) بن سعيد القطان نا سفيان الثوري عن فراس
عن الشعبي عن مسروق أن ثلاثة غلمان شهدوا على أربعة وشهد الأربعة على الثلاثة فجعل
مسروق على الأربعة ثلاثة أسباع الدية وعلى الثلاثة أربعة أسباع الدية * وروينا أيضا
عن ابن المسيب. والزهري جواز شهادة الصبيان بقولهم مع ايمان المدعى ما لم يتفرقوا
وانه قضى بمثل ما قضى به علي بن أبي طالب في دية ضرس * وعن أبي الزناد السنة أن
يؤخذ في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح (5) مع أيمان المدعين، وعن عمر

(1) في النسخة رقم 14 وصديقه
(2) في النسخة رقم 14 فان من رد شهادة
(3) في النسخة رقم 16 اختلاف
(4) في النسخة رقم 16 ومن طريق يحيى
(5) في النسخة رقم 14 يقول هم في الجراح
420

ابن عبد العزيز أنه أجاز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح المتقاربة فإذا بلغت
النفوس قضى بشهادتهم مع أيمان الطالبين، وعن ربيعة جواز شهادة بعض الصبيان على
بعض ما لم يتفرقوا، وعن شريح ان شهادة الصبيان تقبل إذا اتفقوا ولا تقبل إذا
اختلفوا، وانه أجاز شهادة صبيان في مأمومة، وعن ابن قسيط. وأبى بكر بن حزم
قبول شهادة الصبيان فيما بينهم ما لم يتفرقوا، وعن عروة بن الزبير تجوز شهادة الصبيان
فيما بينهم وفى الجراح خاصة ويؤخذ بأول قولهم، وعن عطاء، والحسن تجوز شهادة
الصبيان على الصبيان، وعن إبراهيم النخعي تجوز شهادة الصبيان بعضم على بعض
وقال: كانوا يجيزونها فيما بينهم، وقال ابن أبي ليلى: تجوز شهادة الصبيان بعضهم على
بعض في كل شئ، وقال مالك: تجوز شهادة الصبيان على الصبيان فقط ولا تجوز شهادتهم
على صغير أنه جرح كبيرا ولا على كبير انه جرح صغيرا ولا تجوز الا في الجراح خاصة
ولا تجوز شهادة الصبايا في شئ من ذلك أصلا ولا تجوز في شئ من ذلك شهادة من
كان منهم عبدا فان اختلفوا لم يلتفت شئ من قولهم وقضى على جميعهم بالدية سواء *
قال أبو محمد: ما نعلم عن أحد قبله فرقا بين صبي وصبية ولا بين عبد منهم من
حر، وقالت طائفة، لا تقبل شهادتهم في شئ أصلا كما ذكرنا قبل عن عمر. وعثمان
في الصغير يشهد فترد شهادته ثم يبلغ فيشهد بتلك الشهادة انها لا تقبل، وصح عن
ابن عباس من طريق ابن أبي مليكة لا تقبل شهادة الصبيان في شئ، وعن عطاء لا تجوز
شهادة الغلمان حتى يكبروا، وعن القاسم بن محمد. وسالم. والنخعي مثل قول عطاء،
وعن الحسن لا تقبل شهادة الغلمان على الغلمان وعن ابن سيرين لا تقبل شهادتهم حتى
يبلغوا، وعن الشعبي. وشريح انهما كانا يقبلانها إذا ثبتوا عليها حتى يبلغوا، وعن
عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري في غلمان شهد بعضهم على بعض بكسر يد صبي
منهم فقال: لم تكن شهادة الغلمان فيما مضى من الزمان تقبل وأول من قضى بذلك مروان *
قال أبو محمد: وبمثل قولنا يقول مكحول وسفيان الثوري. وابن شبرمة.
وإسحاق بن راهويه. وأبو عبيدة. وأبو حنيفة والشافعي. وأحمد بن حنبل وأبو سليمان.
وجميع أصحابنا * قال على: لم نجد لمن أجاز شهادة الصبيان حجة أصلا لا من قرآن
ولا من سنة ولا رواية سقيمة ولا قياس. ولا نظر. ولا احتياط بل هو قول متناقض
لأنهم فرقوا بين شهادتهم على كبير أو لكبير وبين شهادتهم على صغير أو لصغير، وفرق
مالك بين الجراح وغيرها فلم يجزها في تخريق ثوب يساوى ربع درهم وأجازها في
النفس والجراح وفرق بين الصبايا والصبيان وهذا كله تحكم بالباطل وخطأ لا خفاء به
421

وأقوال لا يحل قبولها من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف الصحابة في ذلك وحجة
من قال بقولنا هو قول الله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقال (ممن ترضون من
الشهداء) وليس الصبيان ذوي عدل ولا نرضاهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع
القلم عن ثلاثة فذكر الصبي حتى يبلغ) وليس في العجب أكثر من رد شهادة عبد
فاضل صالح عدل رضى وتقبل شهادة صبيين لا عقل لهما ولا دين وفى هذا كفاية وبالله
تعالى التوفيق *
1792 مسألة وحكم القاضي لا يحل ما كان حراما قبل قضائه ولا يحرم
ما كان حلالا قبل قضائه إنما القاضي منفذ على الممتنع فقط لا مزية له سوى هذا، وقال
أبو حنيفة: لو أن امرءا رشا شاهدين فشهدا له بزور ان فلانا طلق امرأته فلانة واعتق
أمته فلانة وهما كاذبان متعمدان وان المرأتين بعد العدة رضيتا بفلان زوجا فقضى
القاضي بهذه الشهادة فان وطئ تينك المرأتين حلال للفاسق الذي شهدوا له بالزور
وحرام على المشهود عليه بالباطل، وكذلك من أقام شاهدي زور على فلان انه انكحه
ابنته برضاها وهي في الحقيقة لم ترضه قط ولا زوجها إياه أبوها فقضى القاضي بذلك
فوطؤه لها حلال *
قال أبو محمد: ما نعلم مسلما قبله أتى بهذه الطوام ونبرأ إلى الله تعالى منها، وليت
شعري ما الفرق بين هذا وبين من شهد له شاهدا زور في أمة أنها أجنبية وانها قد رضيت به
زوجا. أو على حر أنه عبده فقضى له القاضي بذلك؟ وما علم مسلم قط قبل أبي حنيفة فرق
بين شئ من ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ان دماءكم وأموالكم
وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) * ومن طريق أحمد بن شعيب انا إسحاق بن
إبراهيم نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة
عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه قال عليه الصلاة والسلام: (انكم تختصمون
إلى وإنما أنا بشر فلعل أحدكم أن يكون أعلم بحجته من بعض فاقضى له بما أسمع وأظنه
صادقا فمن قضيت له بشئ من حق صاحبه (1) فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها)
فإذا كان حكمه عليه الصلاة والسلام وقضاؤه لا يحل لاحد ما كان عليه حراما فكيف
القول في قضاء أحد بعده (1) ونعوذ بالله تعالى من الخذلان *
1793 مسألة ولا يحل التأني في إنفاذ الحكم إذا ظهر وهو قول الشافعي.
وأبي سليمان. وأصحابنا، وقال أبو حنيفة: إذا طمع القاضي ان يصطلح الخصمان فلا

(1) في النسخة رقم 14 فمن قضيت له من حق أخيه
(2) في النسخة رقم 14 في قضاء من بعده
422

بأس أن يردهما المرة والمرتين فإن لم يطمع في ذلك فصل القضاء، وقال مالك: لا بأس
بترديد الخصوم ثم رأى أن يجعل للمشهود عليه أو المدعى بينة غائبة أجل ثمانية أيام ثم
ثمانية أيام ثم ثمانية أيام ثم تلزم ثلاثة أيام فذلك ثلاثون يوما لا يعد في الثمانية يوم
تأجيل الحاكم *
قال على: أما قول أبي حنيفة ففاسد لأنه لا فرق بين ترديد مرتين وترديد ثلاث مرار
أو أربع وهكذا ما زاد إلى انقضاء العمر والا فهاتوا برهانكم ان كنتم صادقين، وأما قول
مالك فما نعلم أحدا قاله قبله مع عظيم فساده لأنه لا فرق بين تأجيل ثلاثين يوما وبين تأجيل
شهرين أو ثلاثة أو أربعة أو عام أو عامين أو أربعة أعوام وما الفرق بين من ادعى بينة على
نصف شهر وبين من ادعاها بخراسان وهو بالأندلس أو ادعاها بالأندلس وهو بخراسان
وهل هو الا التحكم بالباطل؟ *
قال أبو محمد: واحتج بعضهم بالرواية عن عمر رددوا الخصوم حتى يصطلحوا
فان فصل القضاء يورث الضغائن * قال على: هذا لا يصح عن عمر لان أحسن طرقه
محارب بن دثار أن عمر. ومحارب لم يدرك عمر، ثم لو صح لما كان فيه حجة لأنه لا حجة
في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ الله أن يصح هذا عن عمر لان فيه المنع جملة من إنفاذ
الحق لأن علة توريث الضغائن موجودة في ذلك أبدا فان وجب أن يراعى وجب ذلك
أبدا وان لم يجب أن يراعى فلا يجب ذلك طرفة عين وعلى كل حال فقد خالفوه لأنه لم
يحد شهرا وشهرين وفى الرسالة المكذوبة عن عمر اجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بنية
أمدا ينتهى إليه فان احضر بينته إلى ذلك الأمد اخذت له بحقه والا أوجبت عليه القضاء
فإنه أبلغ للعذر وأجلى للعمى *
قال أبو محمد: وهذا لا يصح عن عمر وعلى كل حال فقد خالفه مالك لان عمر لم يحد
في ذلك شهرا ولا أقل ولا أكثر من هذا كله لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه رد خصوما
بعد ما ظهر الحق (1) بل قضى بالبينة على الطالب وألزم المنكر اليمين في الوقت وأمر
المقر بالقضاء في الوقت، وقال الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) وقال تعالى:
(وتعاونوا على البر والتقوى) وقال تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) فمن حكم بالحق
حين يبدو إليه فقد قام بالقسط وأعان على البر والتقوى وسارع إلى مغفرة من ربه، ومن
تردد في ذلك فلم يسارع إلى مغفرة من ربه ولا قام بالقسط ولا أعان على البر والتقوى *
1794 مسألة وإذا تداعى الزوجان في متاع البيت بعد الطلاق أو بغير

(1) في النسخة رقم 14 (بعد ظهور الحق)
423

طلاق أو تداعى الورثة بعد موتهما أو موت أحدهما فهو كله بينهما بنصفين مع الايمان
سواء كان مما لا يصلح الا للرجال كالسلاح ونحوه أو مما لا يصلح الا للنساء كالحلي ونحوه أو
كان مما لا يصلح للكل، وقد اختلف الناس في هذا كثيرا فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري البيت للمرأة الا ما عرف للرجل * وبه إلى معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة
مثل قول الزهري، ومن طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن الحسن
قال: إذا مات الزوج فللمرأة ما أغلق عليه بابها * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: ليس للرجل الا سلاحه وثياب جلده، وقال ابن أبي
ليلى: كل ما في البيت فللرجل الا ما كان على المرأة من الثياب. والدرع. والخمار،
وقال إبراهيم النخعي: ما كان من متاع الرجال فللرجل وما كان من متاع النساء فللمرأة
وما صلح لهما فهو للحي منهما في موت أحدهما واما في الفرقة فهو للرجل وهو قول أبي حنيفة
مع الايمان، فإن كان أحدهما حرا والآخر مملوكا فالمال كله للحر مع يمينه، وقال محمد
ابن الحسن كذلك الا في الموت فإنه للرجل أو لورثته مع اليمين، وقال أبو يوسف:
ما كان لا يصلح الا للنساء فإنه يقضى منه للمرأة ما يجهز به مثلها إلى زوجها والباقي منه
ومن غيره للرجل مع يمينه الموت والطلاق سواء في ذلك وقال عثمان البتي. وعبد الله بن
الحسن والحسن بن حي وزفر في أحد قوليه ما صلح للرجال فهو للرجل مع يمينه وما صلح النساء
فللمرأة مع يمينها وما صلح لهما فبينهما بنصفين مع أيمانهما، وقال مالك: ما صلح للرجال
فهو للرجل مع يمينه وما صلح للمرأة فهو للمرأة مع يمينها وما صلح لهما فهو للرجل مع
يمينه الموت والفرقة سواء.
قال أبو محمد: كل هذه آراء يكفي من فسادها تخاذلها وما نعلم لمالك أحدا تقدمه
إلى قوله المذكور * قال على: إذا وجب عندهم القضاء بما لا يصلح الا للرجال للرجل
وما لا يصلح الا للنساء للمرأة فأي معنى للايمان في ذلك إذ قد ثبت انه لمن قضوا له به وإن كان
لم يثبت له بعد فما أحدهما أولى به من الآخر * قال على: وقال سفيان الثوري.
والقاسم بن معاذ بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود. وشريك. وزفر في أحد قوليه.
والشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهما كما قلنا نحن *
قال أبو محمد: البيت بأيديهما فصح أنهما فيه سواء فكل واحد منهما ما بيده
وله اليمين على الآخر فيما أدعى مما بيده وبالله تعالى التوفيق، ولم يختلفوا في أخ وأخت
تنازعا في متاع البيت أو أم وابنها ان كل ذلك بينهما بايمانهما ولا اختلفوا في أخوين
ساكنين في بيت واحد أحدهما دباغ والآخر عطار فتدايعا فيما في البيت. والدار فإنه
424

بينهما بأيمانهما ولم يقضوا للدباغ بآلات الدباغ ولا للعطار بمتاع العطر وهذا تناقض
لا خفاء به وبالله تعالى التوفيق *
1795 مسألة ويحكم على اليهود والنصارى والمجوس بحكم أهل الاسلام في
كل شئ رضوا أم سخطوا أتونا أو لم يأتونا ولا يحل ردهم إلى حكم دينهم ولا إلى حكامهم
أصلا * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت
بحالة التميمي قال: اتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة
وفرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وانههم عن الزمزمة قال ابن جريج: أهل
الذمة إذا كانوا فينا فحدهم كحد المسلم * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا نصر
ابن علي نا عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري في المواريث
في أهل الذمة قال: يحكم عليهم بما في كتابنا وهو قول قتادة وأبي سليمان. وأصحابنا،
وروينا غير هذا كما روينا من طريق سماك بن حرب عن قابوس بن مخارق بن سليم عن أبيه
أن محمد بن أبي بكر كتب إلى علي بن أبي طالب في مسلم زنى بنصرانية فكتب إليه علي بن أبي طالب
أن يقام الحد على المسلم وترد النصرانية إلى أهل دينها وهو قول أبي حنيفة. ومالك *
قال أبو محمد: هذا لا يصح عن علي لان فيه سماك بن حرب وهو يقبل التلقين،
وقابوس بن المخارق وأبوه مجهولان فبطل أن يصح عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا
الباب غير ما روينا عن عمر، وقال المخالفون: قال الله تعالى: (لا اكراه في الدين) فإذا
حكم عليهم بغير حكم دينهم فقد اكرهوا على غير دينهم فقلنا: إن كانت هذه الآية توجب أن
لا حكم عليهم بغير حكم دينهم فأنتم أول من خالفها فأقررتم على أنفسكم بخلاف الحق،
وهذا عظيم جدا لأنكم تعطونهم في السرقة بحكم ديننا لا بحكم دينهم وتحدونهم في القذف
بحكم ديننا لا بحكم دينهم وتمنعونهم من إنفاذ حكم دينهم بعضهم على بعض في القتل والخطأ
وبيع الأحرار فقد تناقضتم، فان قالوا: هذا ظلم لا يقرون عليه فقلنا لهم: وكل ما خالفوا
فيه حكم الاسلام فهو ظلم لا يقرون عليه، وقالوا قال الله تعالى: (فان جاءوك فاحكم
بينهم أو أعرض عنهم) فقلنا: هذه منسوخة نسخها قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما
أنزل الله) فقالوا هاتوا برهانكم على ذلك لنا: نعم روينا من طريق سفيان بن حسين عن
الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن ابن عباس قال: نسخت من هذه السورة آيتان آية القلائد
وقوله تعالى: (فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
مخيرا ان شاء حكم بينهم وان شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم فنزلت (وان احكم
بينهم بما أنزل الله) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا *
425

قال أبو محمد: وهذا منسد لان ابن عباس أخبر بنزول الآية في ذلك وهو قول
مجاهد. وعكرمة، وأيضا فان الله تعالى يقول: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين
كله لله) والدين في القرآن واللغة يكون الشريعة. ويكون الحكم. ويكون الجزاء فالجزاء
في الآخرة إلى الله تعالى لا الينا، والشريعة قد صح أن نقرهم على ما يعتقدون إذا كانوا أهل
كتاب فبقي الحكم فوجب أن يكون كله حكم الله كما أمر، فان قالوا: فاحكموا عليهم
بالصلاة. والصيام. والحج. والجهاد. والزكاة قلنا: قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يلزمهم شيئا من هذا (1) فخرج بنصه وبقى سائر الحكم عليهم على حكم الاسلام ولا
بد، وصح أنه عليه الصلاة والسلام قتل يهوديا قودا بصبية مسلمة ورجم يهوديين زنيا
ولم يلتفت إلى حكم دينهم فقال بعضهم: بآبدة مهلكة وهي أن قالوا: إنما أنفذ رسول
الله صلى الله عليه وسلم الرجم بحكم التوراة كما قال تعالى: (يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين
هادوا) فقلنا: هذا كفر ممن قاله إذ جعله عليه الصلاة والسلام منفذا لحكم اليهود تاركا
لتنفيذ حكم الله تعالى حاشا له من ذلك، وأيضا فهبك أنه كما قلتم فارجموهم أنتم أيضا
على ذلك الوجه نفسه والا فقد جورتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الآية فإنما هي خبر عن
النبيين السالفين فيهم لأنه ليسوا لنا بنبيين إنما لنا نبي واحد فصح أنه غير معنى بهذه الآية ثم نقول
لهم أخبرونا عن أحكام دينهم أحق هي إلى اليوم محكم أم باطل منسوخ؟ ولا بد من أحدهما
فان قالوا: حق محكم كفروا جهارا وان قالوا بل باطل منسوخ قلنا: صدقتم وأقررتم على
أنفسكم انكم رددتموهم إلى الباطل المنسوخ الحرام وفى هذا كفاية، وقال تعالى:
(كونوا قوامين بالقسط) وليس من القسط تركهم يحكمون بالكفر المبدل أو بحكم
قد أبطله الله تعالى أو حرم القول به والعمل به، وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى
ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ومن ردهم إلى حكم الكفر المبدل والامر المنسوخ
المحرم فلم يعن علي البر والتقوى بل أعان على الاثم والعدوان ونعوذ بالله من الخذلان،
وقال تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) والصغار هو جرى أحكامنا عليهم
فإذا ما تركوا يحكمون بكفرهم (2) فما أصغرناهم بل هم أصغرونا ومعاذ الله من ذلك *
1796 مسألة وفرض على الحاكم ان يحكم بعلمه في الدماء. والقصاص.
والأموال، والفروج والحدود، وسواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم
بعلمه لأنه يقين الحق ثم بالاقرار ثم بالبينة، وقد اختلف الناس في هذا فروى عن أبي بكر
الصديق قال: لو رأيت رجلا على حد لم أدع له غيري حتى يكون معي شاهد غيري،

(1) في النسخة رقم 14 من ذلك
(2) في النسخة رقم 16 يحكمون على كفرهم
426

وان عمر قال لعبد الرحمن بن عوف: أرأيت لو رأيت رجلا قتل أو شرب أو زنى؟ قال:
شهادتك شهادة رجل من المسلمين فقال له عمر: صدقت وانه روى نحو هذا عن معاوية.
وابن عباس * ومن طريق الضحاك أن عمر اختصم إليه في شئ يعرفه فقال للطالب:
ان شئت شهدت ولم أقض وان شئت قضيت ولم أشهد، وقد صح عن شريح انه اختصم إليه
اثنان (1) فأتاه أحدهما بشاهد فقال لشريح وأنت شاهدي أيضا فقضى له شريح مع
شاهده بيمينه، وروى عن عمر بن عبد العزيز لا يحكم الحاكم بعلمه في الزنا، وصح عن
الشعبي لا أكون شاهدا وقاضيا، وقال مالك. وابن أبي ليلى في أحد قوليه. وأحمد
وأبو عبيدة. ومحمد بن الحسن في أحد قوليه (2): لا يحكم الحاكم بعلمه في شئ أصلا،
وقال حماد بن أبي سليمان: يحكم الحاكم بعلمه بالاعتراف في كل شئ الا في الحدود
خاصة، وبه قال ابن أبي ليلى في أحد قوليه، وقال أبو يوسف. ومحمد بن الحسن في أول
قوليه يحكم بعلمه في كل شئ من قصاص وغيره الا في الحدود وسواء علمه قبل القضاء
أو بعده: وقال أبو حنيفة: لا يحكم بعلمه قبل ولايته القضاء أصلا * [وأما ما علمه بعد
ولايته القضاء] (3) فإنه يحكم به في كل شئ الا في الحدود خاصة، وقال الليث:
لا يحكم بعلمه الا أن يقيم الطالب شاهدا واحدا في حقوق الناس خاصة فيحكم القاضي
حينئذ بعلمه مع ذلك الشاهد، وقال الحسن بن حي: كل ما علم قبل ولايته لم بحكم فيه
بعلمه وما علم بعد ولايته حكم فيه بعلمه بعد أن يستحلفه وذلك في حقوق الناس وأما الزنا
فان شهد به ثلاثة والقاضي يعرف صحة ذلك حكم فيه بتلك الشهادة مع علمه، وقال الأوزاعي:
ان أقام المقذوف شاهدا واحدا عدلا وعلم القاضي بذلك حد القاذف، وقال الشافعي.
وأبو ثور. وأبو سليمان. وأصحابهم كما قلنا *
قال أبو محمد: فنظرنا فيمن فرق بين ما علم قبل القضاء وما علم بعد القضاء
فوجدناه قولا لا يؤيده قرآن. ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قياس. ولا أحد
قاله قبل أبي حنيفة وما كان هكذا فهو باطل بلا شك ثم نظرنا فيمن فرق بين ما اعترف
به في مجلسه وبين غير ذلك مما عمله فوجدناه أيضا كما قلنا في قول أبي حنيفة وما كان هكذا
فهو باطل الا أن بعضهم قال: إنما جلس ليحكم بين الناس بما صح عنده قلنا: صدقتم
وقد صح عنده كل ما علم قبل ولايته وفى غير مجلسه وبعد ذلك ثم نظرنا فيمن فرق بين
ما شهد به عنده شاهد واحد وبين ما لم يشهد به عنده أحد فوجدناه أيضا كالقولين المتقدمين

(1) في النسخة رقم 16 (انه اتاه اثنان)
(2) في النسخة رقم 16 (في آخر قوليه)
(3) الزيادة من النسخة رقم 16
427

لأنه في كل ذلك إنما حكم بعلمه فقط وهو قولنا. واما حاكم بشاهد واحد أو بثلاثة في
الزنا فهذا لا يجوز. واما شاهد حاكم معا ولم يأت نص ولا اجماع بتصويب هذا الوجه
خاصة، ثم نظرنا في قول من فرق بين الحدود وغيرها فوجدناه قولا لا يعضده قرآن
ولا سنة وما كان هكذا فهو باطل، فان ذكروا (ادرءوا الحدود بالشبهات) قلنا:
هذا باطل ما صح قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين الحدود وغيرها في أن يحكم في كل
ذلك بالحق فلم يبق الا قول من قال: لا يحكم الحاكم بعلمه في شئ وقول من قال: يحكم
الحاكم بعلمه في كل شئ فوجدنا من منع من أن يحكم الحاكم بعلمه يقول: هذا قول
أبى بكر: وعمر. وعبد الرحمن. وابن عباس. ومعاوية، ولا يعرف لهم مخالف من
الصحابة فقلنا: هم مخالفون لكم في هذه القصة لأنه إنما روى أن أبا بكر قال: انه لا يثيره
حتى يكون معه شاهد آخر وهو قول عمر. وعبد الرحمن أن شهادته شهادة رجل
من المسلمين: فهذا يوافق من رأى أن يحكم في الزنا بثلاثة هو رابعهم وبواحد مع نفسه
في سائر الحقوق، وأيضا فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضا فقد
خالفوا أبا بكر. وعمر. وعثمان. وخالد بن الوليد. وأبا موسى الأشعري. وابن الزبير
في القصاص من اللطمة ومن ضربة السوط ومما دون الموضحة وهو عنهم أصح مما رويتم
عنهم ههنا، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (شاهداك أو يمينه ليس لك الا ذلك) *
قال أبو محمد: وهذا قد خالفه المالكيون المحتجون به فجعلوا له الحكم باليمين
مع الشاهد واليمين مع نكول خصمه وليس هذا مذكورا في الخبر، وجعل له الحنيفيون
الحكم بالنكول وليس ذلك في الخبر، وأمروه بالحكم بعلمه في الأموال التي فيها جاء
هذا الخبر فقد خالفوه جهارا وأقحموا فيه ما ليس فيه، فمن أضل ممن يحتج بخبر هو
أول مخالف له برأيه وأما نحن فنقول: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بينتك أو
يمينه) ومن البينة التي لا بينة أبين منها صحة علم الحاكم بصحة حقه فهو في جملة هذا
الخبر، واحتجوا بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام رأى رجلا يسرق
فقال له عيسى: سرقت؟ قال: كلا والله الذي لا إله إلا هو فقال عيسى عليه السلام: آمنت
بالله وكذبت نفسي فقالوا: فعيسى عليه السلام لم يحكم بعلمه *
قال أبو محمد: ليس يلزمنا شرع عيسى عليه السلام وقد يخرج هذا الخبر على
أنه رآه يسرق أي يأخذ الشئ مختفيا بأخذه فلما قرره حلف وقد يكون صادقا
لأنه أخذ ماله من ظالم له، وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كنت راجما أحدا بغير بينة
لرجمتها) وهذا لا حجة لهم فيه لان علم الحاكم أبين بينة وأعدلها وقد تقصينا هذه المسألة
428

في كتاب الايصال ولله تعالى الحمد * وبرهان صحة قولنا قول الله تعالى: (كونوا قوامين
بالقسط شهداء لله) وليس من القسط أن يترك الظالم على ظلمه لا يغيره وأن يكون
الفاسق يعلن الكفر بحضرة الحاكم والاقرار بالظلم. والطلاق ثم يكون الحاكم
يقره مع المرأة ويحكم لها بالزوجية والميراث فيظلم أهل الميراث حقهم وقد أجمعوا
على أن الحاكم ان علم بجرحة الشهود ولم يعلم ذلك غيره أو علم كذب المجرحين لهم فإنه
يحكم في كل ذلك بعلمه فقد تناقضوا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا
فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه) والحاكم ان لم يغير ما رأى من المنكر حتى تأتى البينة
على ذلك فقد عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصح أن فرضا عليه أن يغير كل منكر علمه بيده
وأن يعطى كل ذي حق حقه والا فهو ظالم وبالله تعالى التوفيق *
1797 مسألة وإذا رجع الشاهد عن شهادته بعد أن حكم بها أو قبل أن
يحكم بها فسخ ما حكم بها فيه فلو مات أو جن أو تغير بعد أن شهد قبل أن يحكم بشهادته
أو بعد ان حكم بها نفذت على كل حال ولم ترد *
قال على: أما موته وجنونه وتغيره فقد تمت الشهادة صحيحة ولم يوجب فسخها
بعد ثبوتها ما حدث بعد ذلك، وأما رجوعه عن شهادته فلو أن عدلين شهدا بجرحته
حين شهد لوجب رد ما شهد به واقراره على نفسه بالكذب أو الغفلة أثبت عليه من شهادة
غيره عليه بذلك، وقولنا هو قول حماد بن أبي سليمان. والحسن البصري *
1798 مسألة وأداء الشهادة فرض على كل من علمها الا أن يكون عليه حرج
في ذلك لبعد مشقة أو لتضييع مال أو لضعف في جسمه فليعلنها فقط قال تعالى: (ولا
يأبى الشهداء إذا ما دعوا) فهذا على عمومه إذا دعوا للشهادة أو دعوا لأدائها ولا يجوز
تخصيص شئ من ذلك بغير نص فيكون من فعل ذلك قائلا على الله تعالى ما لا علم له به *
1799 مسألة فإن لم يعرف الحاكم الشهود سأل عنهم وأخبر المشهود بمن
شهد عليه وكلف المشهود له ان يعرفه بعد التهم، وقال للمشهود عليه: اطلب ما ترد به
شهادتهم عن نفسك فان ثبت عنده عدالتهم قضى بهم ولم يتردد لما ذكرنا قبل وان
جرحوا قبل الحكم لم يحكم بشهادتهم وان جرحوا عنده بعد الحكم بشهادتهم فسخ
ما حكم به بشهادتهم لأنه مفترض عليه رد خبر الفاسق وانفاذ شهادة العدل والتبين
فيما لا يدرى حتى يدرى وبالله تعالى التوفيق *
1800 مسألة وجائز ان تلي المرأة الحكم وهو قول أبي حنيفة، وقد
روى عن عمر بن الخطاب انه ولى الشفاء امرأة من قومه السوق، فان قيل: قد قال
429

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة) قلنا إنما قال ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الامر العام الذي هو الخلافة * برهان ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:
(المرأة راعية على مال زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها) وقد أجاز المالكيون أن
تكون وصية ووكيلة ولم يأت نص من منعها ان تلي بعض الأمور (1) وبالله تعالى التوفيق *
1801 مسألة وجائز أن يلي العبد القضاء لأنه مخاطب بالامر والمعروف
والنهى عن المنكر، وبقول الله تعالى: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا
حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وهذا متوجه بعمومه إلى الرجل والمرأة.
والحر. والعبد، والدين كله واحد الا حيث جاء النص بالفرق بين المرأة. والرجل.
وبين الحر والعبد فيستثنى حينئذ من عموم اجمال الدين، وقال مالك. وأبو حنيفة:
لا يجوز تولية العبد القضاء وما نعلم لأهل هذا القول حجة أصلا، وقد صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق شعبة نا أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر
أنه انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبد يؤمهم فقيل له: هذا أبو ذر فذهب
يتأخر فقال أبو ذر: أوصاني خليلي يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أسمع وأطيع وإن كان
عبدا مجدع الأطراف، فهذا نص جلى على ولاية العبد وهو فعل عثمان بحضرة
الصحابة لا ينكر ذلك منهم أحد * ومن طريق سفيان الثوري عن إبراهيم بن العلاء
عن سويد بن غفلة قال قال لي عمر بن الخطاب: اطع الامام وإن كان عبدا مجدعا، فهذا
عمر لا يعرف له من الصحابة مخالف *
1802 مسألة وشهادة ولد الزنا جائزة في الزنا وغيره ويلي القضاء وهو
كغيره من المسلمين ولا يخلو أن يكون عدلا فيقبل فيكون كسائر العدول أو غير عدل فلا
يقبل في شئ أصلا، ولا نص في التفريق بينه وبين غيره وهو قول أبي حنيفة. والشافعي.
وأحمد. واسحق. وأبي سليمان، وهو قول الحسن. والشعبي. وعطاء بن أبي رباح.
والزهري، وروى عن ابن عباس. وروى عن نافع لا تجوز شهادته. وقال مالك:
والليث: يقبل في كل شئ الا في الزنا. وهذا فرق لا نعرفه عن أحد قبلهما: قال الله
عز وجل: (فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم) وإذا كانوا إخواننا
في الدين فلهم مالنا وعليهم ما علينا، فان قيل: قد جاء (ولد الزنا شر الثلاثة) قلنا:
هذا عليكم (2) لأنكم تقبلونه فيما عدا الزنا، وعنى هذا الخبر عندنا انه في إنسان
بعينه للآية التي ذكرنا ولأنه قد كان فيمن لا يعرف أبوه ومن لا يعدله جميع أهل

(1) في النسخة رقم 16 بعض الامر
(2) في النسخة رقم 16 قلنا فهذا
430

الأرض من حين انقراض عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى يوم القيامة وبالله تعالى التوفيق *
1803 مسألة ومن حد في زنا. أو قذف أو خمر أو سرقة ثم تاب
وصلحت حاله فشهادته جائزة في كل شئ وفى مثل ما حد فيه لما ذكرنا من أنه لا يخلو هذا من
أن يكون عدلا فلا يجوز رد شهادته لغيره وفى كل شئ الا حيث جاء النص ولا نعلمه الا في
البدوي على صاحب القرية فقط أو لا يكون عدلا فلا يقبل في شئ وما عدا هذا فباطل
وتحكم بالظن الكاذب بلا قرآن ولا سنة ولا معقول، وقالت طائفة في المحدود في
القذف خاصة: لا تقبل شهادته أبدا وان تاب في شئ أصلا، وقال آخرون: لا تقبل
شهادة من حد في خمر أو غير ذلك أصلا * فهذا القول قد جاء عن عمر في تلك الرسالة
المكذوبة المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا حدا أو مجربا عليه شهادة زور
أو ظنينا في ولاء أو قرابة وهو قول الحسن بن حي وقد قلنا: لا حجة في أحد دون
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نص في رد شهادة من ذكرنا فاما القول الثاني في تخصيص من حد
في القدف فإننا روينا من طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس شهادة
القاذف لا تجوز وان تاب * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا أبو الوليد هو الطيالسي
نا قيس عن سالم هو الأفطس. عن قيس بن عاصم كان أبو بكرة إذا أتاه رجل يشهده قال
له: أشهد غيري فان المسلمين قد فسقوني * وصح عن الشعبي في أحد قوليه. والنخعي.
وابن المسيب في أحد قوليه. والحسن البصري ومجاهد في أحد قوليه. ومسروق في أحد
قوليه. وعكرمة في أحد قوليه ان القاذف لا تقبل شهادته أبدا وان تاب * وعن شريح
المحدود في القذف لا تقبل له شهادة أبدا وهو قول أبي حنيفة. وأصحابه. وسفيان وقال
آخرون: ان تاب المحدود في القذف قبلت شهادته روينا ذلك عن عمر بن الخطاب
من طريق أبى عبيد نا سعيد بن أبي مريم عن محمد بن سالم عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد
ابن المسيب أن عمر بن الخطاب استتابهم يعنى أبا بكرة والذين شهدوا معه فتاب اثنان
وأبى أبو بكرة أن يتوب وكانت شهادتهما تقبل وكان أبو بكرة لا تقبل شهادته *
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا محمد بن كثير نا سليمان بن كثير عن الزهري
عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة. وشبل بن معبد. ونافعا أبا
عبد الله على قذفه المغيرة بن شعبة، وقال لهم: من تاب منكم قبلت شهادته * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: شهد على المغيرة بن
شعبة ثلاثة بالزنا فجلدهم عمر وقال لهم: توبوا تقبل شهادتكم * ومن طريق علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس القاذف إذا تاب فشهادته عند الله عز وجل في كتابه تقبل، وصح
431

أيضا عن عمر بن عبد العزيز. وأبى بكر بن محمد عن عمرو بن حزم. وعبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود. وعطاء. وطاوس. ومجاهد. وابن أبي نجيح. والشعبي.
والزهري: وحبيب بن أبي ثابت. وعمر بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري وسعيد
ابن المسيب. وعكرمة. وسعيد بن جبير. والقاسم بن محمد. وسالم بن عبد الله وسليمان
بن يسار. وابن قسيط. ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة. وشريح، وهو قول عثمان
البتي. وابن أبي ليلى. ومالك. والشافعي، وأبي ثور. وأبى عبيد. واحمد. واسحق.
وبعض أصحابنا الا ان مالكا قال: لا تقبل بشهادته في مثل ما حد فيه ولا نعلم هذا الفرق
عن أحد قبله، وأما أبو حنيفة فلا نعلم له سلفا في قوله الا شريحا وحده وخالف سائر من
روى عنه في ذلك شئ لأنهم لم يخصوا محدودا من غير محدود فقد خالف جمهور
العلماء في ذلك *
قال أبو محمد: احتج من منع من قبول شهادة القاذف وان تاب بخبر روينا فيه
(أن هلال بن أمية إذ قذف امرأته قالت الأنصار الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
هلال بن أمية ويبطل شهادته في المسلمين) وهذا خبر لا يصح لأنه انفرد به عباد بن منصور
وقد شهد عليه يحيى القطان بأنه كان لا يحفظ ولم يرضه، وقال ابن معين: ليس بذلك،
ثم لو صح لما كان لهم فيه متعلق لأنه ليس فيه انه ان تاب لم تقبل شهادته ونحن لا نخالفهم في
أن القاذف لا تقبل شهادته، وأيضا فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا حجة الا في كلامه عليه
الصلاة والسلام، وأيضا فان ذلك القول منهم ظن لم يصح فما ضرب هلال ولا سقطت
شهادته، وفى هذا كفاية، وذكروا خبرا فاسدا رويناه من طريق حجاج بن أرطأة عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون عدول بعضهم على
بعض الا محدودا في قذف) (1)
قال أبو محمد: هذه صحيفة وحجاج هالك ثم هم أول مخالفين له لأنهم لا يقبلون
الأبوين لابنيهما ولا الابن لأبويه ولا أحد الزوجين للآخر ولا العبد. وهذا خلاف
مجرد لهذا الخبر، وأيضا فقد يضاف إلى هذا الخبر الا ان تاب بنصوص أخر، وذكروا
قول الله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا)
قالوا: فإنما استثنى تعالى بالتوبة من الفسق فقط *
قال أبو محمد: هذا تخصيص للآية بلا دليل (2) بل الاستثناء راجع إلى المنع من
قبول شهادتهم من أجل فسقهم والى الفسق وهذا لا يجوز تعديه بغير نص *

(1) في النسخة رقم 14 (في قرية)
(2) في النسخة رقم 14 بلا برهان
432

قال على: كل من روى عنه أن لا تقبل شهادته وان تاب فقد روى عنه قبولها الا
الحسن. والنخعي فقط، وأما الرواية عن ابن عباس فضعيفة والأظهر عنه خلاف ذلك،
وأما الرواية عن أبي بكرة ان المسلمين فسقوني فمعاذ الله أن يصح ما سمعنا (1) ان مسلما
فسق أبا بكرة ولا امتنع من قبول شهادته على النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الدين وبالله تعالى التوفيق *
1814 مسألة وشهادة الأعمى مقبولة كالصحيح، وقد اختلف الناس في
هذا فقالت طائفة كما قلنا، روى ذلك عن ابن عباس: وصح ذلك عن الزهري. وعطاء
والقاسم بن محمد. والشعبي. وشريح. وابن سيرين. والحكم بن عتيبة. وربيعة. ويحيى
ابن سعيد الأنصاري: وابن جريج. وأحد قولي الحسن. وأحد قولي اياس بن معاوية
وأحد قولي ابن أبي ليلى، وهو قول مالك، والليث. وأحمد وإسحاق. وأبي سليمان.
وأصحابنا، وقالت طائفة: تجوز شهادته فيما عرف قبل العمى ولا تجوز فيما عرف بعد
العمى، وهو قول الحسن البصري. وأحد قولي ابن أبي ليلى، وهو قول أبى يوسف.
والشافعي وأصحابه، وقالت طائفة: تجوز شهادته في الشئ اليسير * روينا ذلك من
طريق إبراهيم النخعي قال: كانوا يجيزون شهادة الأعمى في الشئ الخفيف (2) وقالت
طائفة: لا تقبل في شئ أصلا الا في الأنساب وهو قول زفر رويناه من طريق عبد الرزاق
عن وكيع عن أبي حنيفة ولا يعرف أصحابه هذه الرواية، وقالت طائفة: لا تقبل جملة
روينا ذلك عن علي بن أبي طالب: وعن اياس بن معاوية وعن الحسن. والنخعي
أنهما كرها شهادة الأعمى، وقال أبو حنيفة: لا تقبل في شئ أصلا لا فيما عرف قبل العمى
ولا فيما عرف بعده *
قال أبو محمد: أما من أجازه في الشئ اليسير دون الكثير فقول في غاية الفساد لأنه
لا برهان على صحته وما حرم الله تعالى من الكثير الا ما حرم من القليل وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
(من اقتطع بيمينه مال مسلم ولو قضيبا من أراك أوجب الله له النار) وأيضا لأنه ليس في
العالم كثير الا بالإضافة إلى ما هو أقل منه وهو قليل بالإضافة إلى ما هو أكثر منه فهو قول
لا يعقل فسقط، وأما من قبله في الأنساب فقط فقسمة فاسدة فإنه لا يعرف الأنساب
الا من حيث يعرف المخبرين بغير ذلك والمشهدين له منهم فقط فبطل هذا القول أيضا،
وأما من لم يقبله لا فيما عرف قبل العمى ولا بعده فقول فاسد لا برهان على صحته أصلا،
ولا فرق بين ما عرفه في حال صحته وبين ما عرفه الصحيح وتمادت صحته وبصره، فان قيل:
هو قول روى عن علي بن أبي طالب قلنا: هذا كذب ما جاء قط عن علي أنه قال: لا يقبل

(1) في النسخة رقم 14 ما علمنا
(2) في النسخة رقم 14 اللطيف
433

فيما عرف قبل العمى، وما عرف هذا عن أحد قبل أبي حنيفة، وأيضا فإنه لا يصح عن علي
لأنه من طريق الأسود بن قيس عن أشياخ من قومه أو عن الحجاج بن أرطأة وقد روى
عن ابن عباس خلاف ذلك فسقط هذا القول. وأما من أجازه فيما علم قبل العمى ولم
يجزه فيما علم بعد العمى فإنهم احتجوا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه سئل عن الشهادة؟
فقال: ألا ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع) قال أبو محمد: وهذا خبر لا يصح
سنده لأنه من طريق محمد بن سليمان بن مسمول وهو هالك عن عبيد الله (1) بن سلمة بن
وهرام وهو ضعيف لكن معناه صحيح، وقالوا: الأصوات قد تشتبه والأعمى كمن
أشهد في ظلمة أو خلف حائط ما نعلم لهم غير هذا *
قال أبو محمد: إن كانت الأصوات تشتبه فالصور أيضا قد تشتبه، وما يجوز لمبصر
ولا أعمى أن يشهد الا بما يوقن ولا يشك فيه، ومن أشهد خلف حائط أو في ظلمة فأيقن
بلا شك بمن أشهده فشهادته مقبولة في ذلك، ولو لم يقطع الأعمى بصحة اليقين
على من يكلمه لما حل له أن يطأ امرأته إذ لعلها أجنبية ولا يعطى أحدا دينا عليه إذ لعله غيره
ولا أن يبيع من أحد ولا أن يشترى وقد قبل الناس كلام أمهات المؤمنين من خلف
الحجاب، فان قالوا: إنما حل له وطئ امرأته بغلبة الظن كما يحل له ذلك في دخولها عليه أول
مرة ولعلها غيرها قلنا: هذا باطل ولا يجوز له وطؤها حتى يوقن أنها التي تزوج،
وقد أمر الله تعالى بقبول البينة ولم يشترط أعمى من مبصر وما كان ربك نسيا. وما
نعلم في الضلالة بعد الشرك والكبائر أكبر ممن دان الله برد شهادة جابر بن عبد الله. وابن
أم مكتوم. وابن عباس. وابن عمر ونعوذ بالله من الخذلان *
1815 مسألة وكل من سمع انسانا يخبر بحق لزيد عليه اخبارا صحيحا تاما لم
يصله بما يبطله أو بأنه قد وهب أمرا كذا لفلان أو أنه أنكح زيدا أو أي شئ كان فسواء
قال له: اشهد بهذا على أو أنا أشهدك أو لم يقل له شيئا من ذلك أو لم يخاطبه أصلا لكن
خاطب غيره أو قال له: لا تشهد على فلست أشهدك كل ذلك سواء وفرض عليه أن يشهد
بكل ذلك. وفرض على الحاكم قبول تلك الشهادة والحكم بها لأنه لم يأت قرآن ولا سنة
ولا قول أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا قياس بالفرق بين شئ من ذلك. وقال أبو حنيفة
لا يشهد حتى يقال له: اشهد علينا *
قال أبو محمد: وكذلك ان قال الشاهد للقاضي: انا أخبرك أو انا أقول لك أو انا
أعلمك أو لم يقل انا أشهد فكل ذلك سواء وكل ذلك شهادة تامة فرض على الحاكم الحكم بها

(1) في النسخ كلها عن عبد الله وهو غلط صححناه من ميزان الاعتدال
434

لأنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا قول صاحب ولا قياس ولا معقول بالفرق بين
شئ من ذلك وبالله تعالى التوفيق، فان قيل: إن القرآن. والسنة وردا بتسمية ذلك
شهادة قلنا: نعم وليس في ذلك أنه لا يقبل حتى يقول: انا أشهد فقد جعلنا معتمدنا
وجعلتم معتمدكم في رد شهادة الفاسق قول الله تعالى: (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)
فصح أن كل شهادة نبأ وكل نبأ شهادة وكلاهما خبر وكلاهما قول وكل ذلك حكاية
وبالله تعالى التوفيق *
1806 مسألة والحكم بالقافة في لحاق الولد واجب في الحرائر والإماء
وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، وقال مالك: يحكم بشهادتهم في ولد الأمة ولا يحكم
به في ولد الحرة وهذا تقسيم بلا برهان، وقال أبو حنيفة: لا يحكم بهم في شئ *
برهان صحة قولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز المدلجي إذ رأى أقدام زيد
ابن حارثة. وابنه أسامة فقال: ان هذه الاقدام بعضها من بعض وهو عليه الصلاة
والسلام لا يسر بباطل ولا يسر الا بحق مقطوع به، فمن العجب أن أبا حنيفة يخالف
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه وينكر علما صحيحا معروف الوجه ثم يرى أن يلحق
الولد بأبوين كل واحد منهما أبوه وبامرأتين كل واحدة منهما أمه فيأتي من ذلك بما
لا يعقل، ولا جاء به قط قرآن. ولا سنة، والعجب من مالك إذ يحتج بخبر مجزز
المذكور ثم يخالفه لأنه مجززا إنما قال ذلك في ابن حرة لا في ابن أمة وبالله تعالى التوفيق *
1807 - مسألة - ولا يجوز الحكم الا ممن ولاه الامام القرشي الواجبة طاعته
فإن لم يقدر على ذلك فكل من أنفذ حقا فهو نافذ ومن أنفذ باطلا فهو مردود *
برهان ذلك ما ذكرنا من وجوب طاعة الامام قبل فإذا لم يقدر على ذلك فالله تعالى
يقول: (كونوا قوامين بالقسط) وقال تعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى) وهذا
عموم لكل مسلم، وقد وافقنا المخالفون على أنه ليس كل من حكم فهو نافذ حكمه فوجب
عليهم أن لا ينفذوا حكم أحد الا من أوجب القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم نفاذ حكمه
وبالله تعالى التوفيق *
1808 مسألة والارتزاق على القضاء جائز للثابت من قوله عليه الصلاة
والسلام: (من أتاه (1) مال من غير مسألة أو اشراف نفس فليأخذه) وبالله تعالى التوفيق *
1809 مسألة وجائز للامام أن يعزل القاضي متى شاء عن غير خربة، قد
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن قاضيا ثم صرفه حين حجة الوداع ولم يرجع

(1) في النسخة رقم 14 للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله فيمن أتاه الخ
435

إلى اليمن بعدها *
1810 - مسألة - ومن قال له قاض: قد ثبت على هذا الصلب أو القتل أو القطع
أو الجلد أو أخذ مال مقداره كذا منه فأنذ ذلك عليه، فإن كان المأمور من أهل العلم
بالقرآن والسنن لم يحل له انفاذ شئ من ذلك إن كان الآمر له جاهلا أو غير عدل الا
حتى يوقن انه قد وجب عليه ما ذكر له فيلزمه انفاذه حينئذ والا فلا: وإن كان الامر له
عالما فاضلا لم يحل له أيضا انفاذ أمره الا حتى يسأله من أي وجه وجب ذلك عليه فإذا
أخبره فإن كان ذلك موجبا عليه ما ذكر لزمه انفاذ ذلك وعليه أن يكتفى بخبر الحاكم العدل
في ذلك، ولا يجوز له تقليده فيما رأى أنه فيه مخطئ، وأما الجاهل فلا يحل له انفاذ
أمر من ليس عالما فاضلا، فإن كان الآمر له عالما فاضلا سأله أوجب ذلك بالقرآن والسنة؟
فان قال: نعم لزمه انفاذ ذلك والا فلا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)
ولا يحل أخذ قول أحد بلا برهان وبالله تعالى التوفيق *
1811 - مسألة - ومن ادعى شيئا في يد غيره فان أقام فيه البينة أو أقام كلاهما
البينة قضى به للذي ليس الشئ في يده الا أن يكون في بينة من الشئ في يده بيان زائد
بانتقال ذلك الشئ إليه أو يلوح بتكذيب بينة الآخر، وهو قول سفيان. وأبي حنيفة.
وأحمد بن حنبل. وأبي سليمان. وقال مالك. والشافعي: يقضى به للذي هو في يده.
وحجتهم أنه قد تكاذبت البينتان فوجب سقوطهما *
قال أبو محمد: وليس كما قالوا بل بينة من الشئ في يده غير مسموعة لان الله
تعالى لم يكلفه ببينة انا حكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام بان البينة
على المدعى واليمين على المدعى عليه قال عليه الصلاة والسلام: (بينتك أو يمينه ليس لك
غير ذلك) فصح أنه لا يلتفت إلى بينة المدعى (1) عليه وبالله تعالى التوفيق *
1812 مسألة فلو لم يكن الشئ في يد أحدهما فأقام كلاهما البينة قضى به
بينهما فلو كان في أيديهما معا فأقاما فيه بينة أو لم يقيما قضى به بينهما. أما إذا لم يكن في
أيديهما فإنه قد ثبتت البينتان انه لهما فهو لهما واما إذا كان في أيديهما فإن لم تقم لهما بينة فهو
لهما لأنه بأيديهما مع ايمانهما. وأما إذا أقام كل واحد منهما بينة فان بينته لا تسمع
فيما في يده كما قدمنا. وقد شهدت له بينته بما في يد الآخر فيقضى له بذلك وبالله تعالى التوفيق *
1813 مسألة فان تداعياه وليس في أيديهما ولا بينة لهما أقرع بينهما على
اليمين فأيهما خرج سهمه حلف وقضى له به. وهكذا كل ما تداعيا فيه مما يوقن بلا شك

(1) في النسخة رقم 14 لا يلتفت بينة المدعى
436

انه ليس لهما جميعا كدابة يوقن أنها نتاج احدى دابتيهما * وروينا من طريق أبى داود نا
محمد بن منهال نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة
ابن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن جده أبى موسى أن رجلين ادعيا بعيرا أو دابة فاتيا به
النبي صلى الله عليه وسلم ليس لواحد منهما بينة فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما * وبه إلى قتادة عن
خلاس بن عمرو عن أبي رافع عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان
في متاع ليس لواحد منهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استهما على اليمين ما كان أحبا
ذلك أم كرها * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا خالد بن الحارث نا سعيد
هو ابن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن أبي رافع عن أبي هريرة (ان رجلين
ادعيا دابة ولم تكن لهما بينة فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين (1) *
قال أبو محمد: فالقسمة بينهما حيث هو في أيديهما لأنه لهما بظاهر اليد والقرعة
حيث لا حق لهما ولا لأحدهما ولا لغيرهما فيه * ومن طريق أبى داود نا محمد بن بشار
نا الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن أبي (2) بردة عن أبيه عن أبي
موسى الأشعري أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث كل واحد
منهما شاهدين فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بنصفين * ومن طريق أحمد بن شعيب
أخبرني علي بن محمد بن علي بن أبي المضاء قاضى المصيصة قال: نا محمد بن كثير عن حماد
ابن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس بن مالك عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن
أبيه أن رجلين ادعيا دابة وجداها عند رجل فأقام كل واحد منهما شاهدين انها دابته
فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم بينهم بنصفين، فهذا نص على إقامة البينة من كل واحد منها:
وليس في أيديهما أو وهو في أيديهما لأنه إذا كان في أيديهما معا فهو بلا شك لهم بظاهر
الامر وإذا لم يكن في أيديهما فأقام كل واحد منهما فيه البينة فقد شهد به لهما وليست
احدى البينتين أولى من الأخرى فالواجب قسمته في كل ذلك بينهما، وأما إذا لم
يكن في أيديهما ولم يقم واحد منهما فيه البينة ولا كلاهما فهما مدعيان وليس لهما أصلا
ولا لمدعى عليه سواهما، وكذلك إذا كان لا تجوز البينة أن تكون لهما جميعا لكن
لأحدهما أو لغيرهما الا انه ليس في يد أحد غيرهما ولا في أيديهما أو كان في أيديهما جميعا
ففي هذه المواضع يقرع على اليمين ولا تجوز قسمته بينهما فيكون ذلك ظلما مقطوعا
به وقضية جور بلا شك فيها، وهذا لا يحل أصلا قال تعالى: (ولا تعاونوا على الاثم
والعدوان) والجور المتيقن اثم وعدوان لا شك فيه وبالله تعالى التوفيق * وقد اختلف

(1) في النسخة رقم 16 في اليمين
(2) في النسخة رقم 16 عن أبي
437

الناس في هذا فقال أبو حنيفة: إذا أقام كل واحد منهما البينة فسواء كان الشئ في
أيديهما معا أو لم يكن في يد واحد منهما هو بينهما بنصفين مع أيمانهما، وكذلك
إذا لم يقيما بينة والشئ في أيديهما معا وليس في أيديهما ولا مدعى له سواهما فأيهما نكل
قضى به للذي حلف، فان وقتت كلتا البينتين قضى به لصاحب الوقت الأول فان
وقتت احدى البينتين ولم توقت الأخرى قضى به بينهما، قال أبو يوسف: قضى به
للذي وقتت بينته، وقال محمد بن الحسن: بل للذي لم توقت بينته *
قال أبو محمد: كل ما خالف مما ذكرنا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوردنا فهو باطل لأنه
قول بلا برهان، وقال مالك: يقضى باعدل البينتين * قال على: وهذا قول فاسد لأنه لم
يأت به برهان قرآن (1). ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولا عن أحد من الصحابة ولا
يؤيده قياس وإنما كلفنا عدالة الشهود فقط ولا فضل في ذلك لاعدل البرية على عدل وهم
مقرون بأنه لو شهد الصديق رضي الله عنه بطلاق فإنه لا يقضى بذلك فلو شهد به عدلان
من عرض الناس قضى به، وأين ترجيح أعدل البينتين من هذا العمل؟ وهذا قول
خالف فيه كل من روى عنه في هذه المسألة لفظة من الصحابة إنما روى القول بأعدل البينتين
عن الزهري وقال: فان تكافأت في العدالة أقرع بينهما وهم لا يقولون بهذا، وجاء عن
عطاء والحسن وروى أيضا عن علي بن أبي طالب تغليب أكثر البينتين عددا، وقال
به الأوزاعي إذا تكافأ عددهما، واضطرب قول الشافعي في ذلك فمرة قال: يوقف الشئ
ومرة قال: يقسم بينهما ومرة قال: يقرع بينهما، وقال أحمد بن حنبل. وإسحاق بن
راهويه. وأبو عبيد: إذا ادعى اثنان شيئا ليس في أيديهما وأقام كل واحد منهما
البينة العدلة أقرع بينهما وقضى بذلك الشئ لمن خرجت قرعته ولا معنى لأكثر
البينتين ولا لاعدلهما *
قال أبو محمد: فان ذكر ذاكر ما روينا من طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد
ابن أبي يحيى عن عبد الرحمن بن الحارث عن سعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إذا استوى الشهود أقرع بين الخصمين فهو عليهم لان فيه الاقراع ولا يقولون به *
1814 مسألة [وتقبل] (2) الشهادة على الشهادة في كل شئ ويقبل في ذلك
واحد على واحد، واختلف الناس في هذا فقال أبو يوسف. ومحمد بن الحسن: تقبل الشهادة
على شهادة الحاضر في المصر وإن كان صحيحا، وقال مالك: لا تقبل على شهادة الحاضر
الا أن يكون مريضا ولم يحد عنه مقدار المسافة التي إذا كان الشاهد بعيدا على قدرها

(1) في النسخة رقم 14 لم يأت به قرآن
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
438

قبلت الشهادة على شهادته، وقال أبو حنيفة. والحسن بن حي. وسفيان الثوري:
لا تقبل شهادة على شهادة (1) الا إذا كان على مقدار تقصر إليه الصلاة *
قال على: لم نجد لمن منع من قبول الشهادة على شهادة الحاضر حجة أصلا لا من قرآن
ولا من سنة. ولا قول أحد سلف. ولا قياس. ولا معقول لا سيما هذه الحدود الفاسدة وقد
أمرنا الله تعالى بقبول شهادة العدول والشهادة على الشهادة شهادة عدول فقبولها واجب،
وكذلك لو بعدت جدا ولا فرق، واختلفوا أيضا في كم تقبل على شهادة العدول؟
فروينا عن علي من طريق ابن ضميرة وهو مطرح انه لا يقبل على شهادة واحد الا اثنان،
وعن ربيعة مثله وهو قول أبي حنيفة. ومالك الا أنهما أجازا شهادة ذينك الاثنين أيضا
على شهادة العدل الآخر: وقال الشافعي: لا بد من أخرى على شهادة الآخر فلا يقبل
على شهادة اثنين الا أربعة ولا يقبل على شهادة أربعة في الزنا الا ستة عشر عدلا، وقالت
طائفة: مثل قولنا روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا عبد الله بن المبارك عن
حكيم بن رزيق قال قرأت في كتاب عمر بن عبد العزيز إلى أبى أن اجز شهادة رجل على
شهادة رجل آخر وذلك في كسر سن * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان ومعمر قال سفيان
عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي أنه كان يجيز شهادة رجل على شهادة رجل
وقال معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن شريح أنه كان يجيز شهادة رجل على
شهادة رجل ويقول له اشهدني ذوي عدل، ورويناه عن الزهري والقضاة قبله ويزيد
ابن أبي حبيب وهو قول الحسن البصري. وابن أبي ليلى. وسفيان الثوري. والليث بن
سعد. وعثمان البتي وأحمد بن حنبل. واحسق بن راهويه *
قال أبو محمد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينتك أو يمينه) ولا فرق بين واحد وبين
اثنين في تبيين الحق بذلك كلاهما يجوز عليه ما يجوز على الواحد فكلما قال قائل من العلماء
انه بينة فهو بينة الا أن يمنع من ذلك نص وإنما هو خبر والخبر يؤخذ من الواحد الثقة،
واختلفوا أيضا فيما يقبل فيه شهادة شاهد على شهادة شاهد فروينا من طريق فيها الحارث
ابن نبهان وهو هالك عن الحسن بن عمارة وهو تالف عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب
لم يسمع منه غير نعيه النعمان قال: لا تجوز شهادة على شهادة في حد ولا في دم ولا في طلاق
ولا نكاح ولا عتق الا في المال وحده وروينا ذلك عن إبراهيم النخعي وصح عن
الشعبي. وقتادة والنخعي لا تجوز شهادة على شهادة في حد وهو قول الأوزاعي، ورويناه
أيضا عن شريح، ومسروق والحسن وابن سيرين، وقال أبو حنيفة: تجوز في كل شئ الا
الحدود والقصاص، وقال مالك والليث والشافعي: يجوز في كل شئ الحدود وغيرها *

(1) في النسخة رقم 16 الشهادة على الشهادة
439

قال أبو محمد: تخصيص حد أو غيره لا يجوز الا بنص ولا نص في ذلك هذا مما
خالفوا فيه الرواية عن عمر لا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة، وهذا مما خالف فيه
مالك جمهور العلماء وبالله تعالى التوفيق (1) *
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عليه وسلم تسليما * كتاب النكاح
1815 مسألة وفرض على كل قادر على الوطئ ان وجد من أين يتزوج أو
يتسرى أن يفعل أحدهما ولا بد فان عجز عن ذلك فليكثر من الصوم (2) برهان ذلك
ما رويناه من طريق البخاري نا عمر بن حفص بن غياث نا أبى نا الأعمش نا إبراهيم النخعي
عن علقمة أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب
من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) *
ومن طريق مسلم نا محمد بن رافع نا حجين نا محمد بن المثنى نا ليث هو ابن سعد
وعن عقيل هو ابن خالد عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي
وقاص يقول: أراد عثمان بن مظعون يتبتل فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول جماعة
من السلف * روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله البلخي نا أبو سعيد مولى
بني هاشم نا حصين بن نافع المازني قال: ني الحسن البصري عن سعيد بن هشام بن عامر
أنه سال أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن التبتل؟ فقالت: لا تفعل اما سمعت
قول الله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) فلا تتبتل *
ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري. وإبراهيم بن ميسرة كلاهما عن عبد الله
ابن طاوس عن أبيه أنه قال لرجل: لتتزوجن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد:
ما يمنعك من النكاح الا عجز أو فجوز، وقد احتج قوم في خلاف هذا بقول الله تعالى:
(وسيدا وحصورا) *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة فيه لأننا لم نأمر الحصور باتخاذ النساء إنما أمرنا بذلك
من له قوة على الجماع، وموهوا أيضا بخبرين، أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم في المائتين
الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد) * والاخر من طريق حذيفة أنه قال: (إذا كان
سنة خمس ومائة (فلان يربى أحدكم جرو كلب خير من أن يربى ولدا) *

(1) إلى هنا انتهى الجزء الخامس من كتاب المحلى النسخة رقم 16 ووجد في آخره ما نصه - تم كتاب الأقضية
والحمد لله رب العالمين ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب النكاح وكان الفراغ منه يوم الجمعة لأربع عشرة
ليلة خلت من شهر شوال سنة تسع وسبعمائة وقد اجتهدت في كتابته غاية الاجتهاد في ضبط أسماء يجب
ضبطها وكتبته من نسختين صحيحتين وبالله أسأل المغفرة والعصمة انه ولى ذلك والقادر عليه وهو
حسبي ونعم الوكيل
(2) في النسخة رقم 16 فليلتزم الصوم ولعله تحريف من الناسخ
440

قال أبو محمد: وهذان خبران موضوعان لأنهما من رواية أبى عصام رواد بن الجراح
العسقلاني وهو منكر الحديث لا يحتج به، وبيان وضعهما انه لو استعمل الناس ما فيهما
من ترك النسل لبطل الاسلام والجهاد والدين وغلب أهل الكفر مع ما فيه من إباحة تربية
الكلاب فظهر فساد كذب رواد بلا شك وبالله تعالى التوفيق * قال على: وليس ذلك فرضا
على النساء لقول الله عز وجل: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) وللخبر
الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن
عتيك بن الحارث بن عتيك ان جابر بن عتيك أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الشهادة
سبع سوى القتل في سبيل الله فذكر عليه الصلاة والسلام فيها والمرأة تموت بجمع شهيد *
قال أبو محمد: وهي التي تموت في نفاسها والتي تموت بكرا لم تطمث *
1816 مسألة ولا يحل لاحد أن يتزوج أكثر من أربع نسوة إماء أو حرائر
أو بعضهن حرائر وبعضهن إماء، ويتسرى العبد والحر ما أمكنهما الحر والعبد في ذلك
سواء بضرورة وبغير ضرورة، والصبر عن تزوج الأمة للحر أفضل (1) * برهان ذلك
قول الله عز وجل: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) نا حمام نا
عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا يزيد نا معمر عن
الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختر منهن أربعا، فان قيل: فان معمرا أخطأ في هذا الحديث
[خطأ فاسدا] (2) فاسنده قلنا: معمر ثقة مأمون فمن ادعى عليه أنه أخطأ فعليه البرهان
بذلك ولا سبيل له إليه، وأيضا فلم يختلف في أنه لا يحل لاحد زواج أكثر من أربع نسوة
أحد من أهل الاسلام، وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يصح لهم عقد الاسلام وبقى
من هذه المسألة نكاح الحر الأمة، وكم ينكح العبد، وهل يتسرى العبد؟ فاما نكاح
الحر الأمة فاختلف الناس في ذلك، فروينا عن علي ولم يصح لا ينبغي لحر أن يتزوج
أمة وهو يجد طولا يتزوج به حرة فان فعل فرق بينهما * وعن ابن عباس من ملك ثلاثمائة
درهم وجب عليه الحج وحرم عليه نكاح الأمة (3) * وعن أبي هريرة. وابن عباس
ولم يصح عنهما ما ان يخف نكاح الأمة على الزنا الا قليلا، وصح عن جابر بن عبد الله
من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة ولا تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على
الأمة، وعن عمر بن الخطاب انه كتب إليه يعلي بن منبه في رجل تحته امرأتان حرتان
وأمتان مملوكتان فكتب إليه عمر فرق بينه وبين الأمتين * وعن ابن عباس: وابن عمر

(1) في النسخة رقم 14 الأمة للحر والعبد أفضل
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
(3) في النسخة رقم 14 الإماء
441

أنهما كرها أن تنكح أمة على حرة يجمع بينهما * وعن ابن مسعود لا تنكح الأمة على
الحرة الا المملوك، وصح عن ابن عباس قال: تزويج الحرة على الأمة المملوكة طلاق
المملوكة وبه يقول الشعبي، وروينا عن مجاهد أنه قال: مما وسع الله تعالى به على هذه
الأمة نكاح الأمة والنصرانية وإن كان موسرا، وروينا عن عبد الرزاق قال: سألت
سفيان الثوري عن نكاح الأمة؟ فقال: لم ير على به بأسا *
قال أبو محمد: وهو قول عثمان البتي وقال أبو حنيفة: جائز للحر المسلم واجد
الطول وللعبد ان ينكحا الأمة الا أن يكون عنده حرة قال: فإن كانت في عصمته حرة
مسلمة أو كتابية لم يجز له نكاح الأمة البتة لا باذن الحرة ولا بغير اذنها فان فعل فسخ
نكاح الأمة وكذلك لو تزوج أمة وقد طلق زوجته الحرة ثلاثا أو أقل ما دامت في
عدتها وجائز عنده نكاح الحرة على الأمة ما لم يتجاوز بالجميع أربعا، وقال مالك:
لا يجوز للحر نكاح أمة الا باجتماع الشرطين أن لا يجد صداق حرة. وأن يخشى العنت
فان تزوجها على حرة فسخ نكاح الأمة ثم رجع عن ذلك فأباح نكاح الأمة المؤمنة
خاصة للفقير وللموسر الحر والعبد، قال: فإن كانت عنده حرة فتزوج أمة عليها خيرت
الحرة فان شاءت أقامت عنده وان شاءت فارقته قال: فان رضيت بذلك فله أن يتزوج
عليها تمام أربع من الإماء أن شاء ولا خيار للحرة بعد، قال: ويتزوج العبد الأمة على
الحرة، وقال الشافعي: لا يجوز نكاح الحر الواجد صداق حرة مؤمنة أو كتابية لامة
فإن لم يجد طولا لحرة وخشي مع ذلك العنت فله نكاح أمة مؤمنة واحدة لا
أكثر، وقال مرة: ان لم يجد صداق حرة مسلمة ووجد صداق حرة كتابية فله
نكاح الأمة المسلمة *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة فهو عار من الأدلة جملة وإن كان قد وافق
في بعضه بعض السلف فقد خالف قول سائرهم وليس قول أحد بأولى من قول غيره
الا بيان قرآن أو سنة، وأما قول مالك الأول. وقول الشافعي الآخر فقد يظن
أنهما تعلقا بالقرآن وأما قولاهما المشهوران عنهما فخلاف للقرآن لان قول مالك
في منع الحر نكاح الأمة بأن تكون عنده حرة واباحته له نكاح الأمة إذا لم تكن عنده
حرة وإن كان مستطيعا لطول ينكح به الحرة المسلمة ليس تقتضيه الآية أصلا ولا
جاءت به سنة قط الا أن يتعلق هو وأبو حنيفة بما روينا من طريق سعيد بن منصور نا
إسماعيل بن إبراهيم عمن سمع الحسن يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح الأمة
على الحرة فهذا منقطع في موضعين هالك وأيضا فليس فيه تخيير الحرة كما ذكر مالك،
442

وأما تخييره الحرة في البقاء تحت زوجها الحر أو فراقه إذا تزوج عليها أمة فقول فاسد
لا دليل على صحته ولا نعلم أحدا قال به قبله، وأما منع الشافعي من وجد طولا لنكاح
حرة كتابية من نكاح الأمة فقول لا تقتضيه الآية فسقطت هذه الأقوال كلها إذ ليست
موافقة للقرآن ولا لشئ من السنن *
قال أبو محمد: فالمرجوع إليه إذا اختلف السلف رضي الله عنهم هو القرآن قال عز
وجل: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم
من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن باذن أهلهن
وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا
أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي
العنت منكم وان تصبروا خير لكم) فنظرنا في مقتضى هذه الآية فوجدنا فيها حكم من
لم يجد الطول وخشي العنت فأباح نكاح الأمة المؤمنة له وان الصبر خير لنا فقلنا بذلك
كله فنظرنا في حكم من يجد الطول ولم يخش العنت. وفى نكاح المسلم الأمة الكتابية فلم
نجده فيه أصلا لا بإباحة ولا بمنع ولا بكراهة بل هو مسكوت عنه فيها جملة فلم يجز لنا أن
نحكم له منها بحكم من لا يجد الطول وخشي العنت وبحكم الأمة المؤمنة لأنه قياس على ما في
الآية والقياس باطل ولم يجز لنا أن نحكم له منها بحكم مخالف لحكم من لا يجد الطول ويخشى
العنت وبحكم الأمة المؤمنة لأنه ليس ذلك في الآية وكلاهما تعد لما في الآية واقحام فيها
لما ليس فيها فوجب أن نطلب حكم من يجد الطول ولا يخشى العنت فوجدنا الله تعالى
يقول: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم
حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا
آتيتموهن أجورهن) ووجدنا الله تعالى يقول: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين
من عبادكم واماءكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) فكان في هذه الآية بيان
جلى في إباحة نكاح الكتابيات جملة لم يخص تعالى حرة من أمة، وفى الآية الأخرى
إباحة نكاح العبيد من المؤمنين عموما لم يخص تعالى حرة من أمة، وإباحة نكاح الإماء
المسلمات لم يخص حرا من عبد فكان في هاتين الآيتين بيان نكاح المسلم الغنى والفقير
والعبد والحر عموما بكل حال للحرة المسلمة وللكتابية وللأمة المسلمة والكتابية ولم
يأت قط في سنة ولا في قرآن تحريم شئ من ذلك ولا كراهة فصح قلنا بيقين لا اشكال
فيه * ومن عجائب الدنيا إباحة مالك نكاح الحر واجد الطول غير خائف العنت نكاح
الأمة المسلمة ومنعه إياه نكاح الأمة الكتابية وهذا تحكم في التعلق بالآية لا يجوز
443

وبالله تعالى التوفيق، وكذلك اباحته نكاح الأمة على الحرة للعبد ومنعه الحر من ذلك
وهذا وإن كان قد روى عن مسروق عن ابن مسعود ولم يصح عنه فقد أتى عن غيرهما من
الصحابة رضي الله عنهم والتابعين خلاف ذلك وترك الفرق بين شئ من ذلك *
(وأما كم ينكح العبد) فروينا عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن
مولى آل طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عمر بن الخطاب قال
ينكح العبد اثنتين، وعن ابن جريج أخبرت ان عمر بن الخطاب سأل الناس كم ينكح العبد؟
فاتفقوا على أن لا يزيد على اثنتين * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري. وابن جريج
قالا: نا جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال: ينكح العبد اثنتين نا محمد
ابن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا
محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث بن أبي سليم عن عطاء قال: أجمع
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ان العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين وهو قول الحسن. وعطاء.
وأبي حنيفة. والشافعي. وأحمد وسفيان الثوري. والليث بن سعد. وغيرهم، وصح
عن مجاهد، والزهري أنه يتزوج أربعا وروى عن الشعبي ولم يصح عنه. وعن عطاء
أنه توقف في ذلك وبهذا يقول مالك. وأبو سليمان *
قال أبو محمد: وهذا مما خالف فيه المالكيون صحابة لا يعرف لم من الصحابة
مخالف وهذا مما يعظمونه إذا وافق أهواءهم * قال على: لا حجة في كلام أحد دون
كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مثنى وثلاث ورباع) فلم يخص عبدا من حر فهما سواء في ذلك وبالله تعالى التوفيق *
وأما تسرى العبد فان الناس اختلفوا فروينا من طريق حماد بن سلمة. ومعمر كلاهما
عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى مماليكه يتسرون ولا ينهاهم *
ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس
أنه قال لعبد له في جارية له استحلها (1) بملك اليمين، ولا يعرف عن أحد من الصحابة
خلاف لهذين وهو قول الشعبي، وإبراهيم النخعي. والحسن البصري. وعطاء وصح
ذلك عنهم وهو قول مالك. وأبي سليمان وما نعلم خلافا في ذلك من تابع الا رواية غير
مشهورة عن إبراهيم والحكم بن عتيبة، ورواية صحيحة عن ابن سيرين أنهم كرهوا
للعبد أن يتسرى كراهية لا منعا ولم يجز ذلك أبو حنيفة. ولا الشافعي *
قال أبو محمد: وهم يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له من الصحابة مخالف

(1) في النسخة رقم 16 استحقها
444

وقد خالفوا ههنا ابن عباس. وابن عمر ولا يعرف لهما من الصحابة رضي الله عنهم مخالف
فوجب (1) الرجوع إلى القرآن والسنة فوجدنا الله عز وجل يقول: (والذين هم
لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) فلم يخص
تعالى حرا من عبد وقد تكلمنا فيما خلا من كتابنا على صحة ملك العبد لما له فأغنى عن ترداده
وبالله تعالى التوفيق *
1817 مسألة وجائز للمسلم نكاح الكتابية وهي اليهودية. والنصرانية.
والمجوسية بالزواج ولا يحل له وطئ أمة غير مسلمة بملك اليمين. ولا نكاح كافرة غير
كتابية أصلا * قال على: روينا عن ابن عمر تحريم نكاح نساء أهل الكتاب جملة،
وروينا من طريق البخاري نا قتيبة بن سعيد نا الليث - هو ابن سعد - عن نافع ان ابن عمر
سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية؟ فقال: ان الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين ولا
أعلم من الاشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة ربها عيسى وهو عبد من عباد الله عز
وجل، وأباح أبو حنيفة. ومالك. والشافعي نكاح اليهودية. والنصرانية ووطئ
الأمة اليهودية والنصرانية بملك اليمين وحرموا نكاح المجوسية جملة ووطئها بملك
اليمين الا أن مالكا حرم زواج الأمة اليهودية والنصرانية وأباح نكاح المجوسية
بملك اليمين وأباح اجبارها على الاسلام *
قال أبو محمد: فوجب الرجوع إلى القرآن. والسنة فوجدنا الله تعالى يقول:
(ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فلو لم تأت الا هذه الآية لكان القول قول ابن
عمر لكن وجدنا الله تعالى يقول: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب
حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أتوا الكتاب
من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) فكان الواجب الطاعة لكلتا الآيتين وأن لا تترك
إحداهما للأخرى، ووجدنا من أخذ بقول ابن عمر قد خالف هذه الآية وهذا لا يجوز
ولا سبيل إلى الطاعة لهما الا بأن يستثنى الأقل من الأكثر فوجب استثناء إباحة
المحصنات من أهل الكتاب بالزواج من جملة تحريم المشركات ويبقى سائر ذلك
على التحريم بالآية الأخرى لا يجوز غير هذا ووجدنا تحريم مالك. والشافعي.
نكاح الأمة الكتابية بالزواج مخالفا للآية لأنها من جملة المحصنات من الذين
أوتوا الكتاب لان الاحصان الحرية والاحصان العفة قال الله تعالى: (مريم ابنة
عمران التي أحصنت فرجا) أي عفت فرجها، ولا يحل لاحد ان يخص بقوله

(1) في النسخة رقم 14 فواجب
445

تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) الحرائر دون العفائف من
الإماء لأنه يكون قائلا على الله تعالى ما لا علم له به وشارعا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى
ومدعيا بلا برهان وهذا لا يحل قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)
وقال تعالى: (وان تقولوا على الله ما لا تعلمون) فمن لا برهان له على صحة قوله فلا صحة
لقوله، وقد قدمنا ان تعلقهم بقول الله تعالى: (من فتياتكم المؤمنات) إنما فيه إباحة
نكاح الفتيات المؤمنات فقط وليس فيه منع من نكاح الفتاة الكتابية ولا إباحة لها
فوجب طلبه (1) من غير تلك الآية ولا بد ووجدنا اباحتهم وطئ الأمة الكتابية
بملك اليمين اقحاما في الآية ما ليس فيها بآرائهم لأنه إنما استثنى تعالى في الآية إباحة الكتابيات بالزواج خاصة بقوله تعالى: (إذا آتيتموهن أجورهن) وأبقى ما عدا
ذلك على التحريم بنهيه تعالى عن نكاح المشركات حتى يؤمن ولم يأت قط قرآن.
ولا سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحة كتابية بملك اليمين فهم في هذه القضية مخرجون من
هذه الآية ما فيها من إباحة زواج العفائف من الكتابيات جملة لم يخص حرة من أمة
ويقحمون فيها ما ليس فيها ولا في غيرها من إباحة وطئ الأمة الكتابية بملك اليمين،
وممن قال بقولنا في ذلك جماعة من السلف، منهم ابن عمر كما روينا قبل عنه من تحريم
الكوافر الكتابيات وغيرهن جملة فخرج من قوله ما اباحه القرآن بالزواج وبقى سائر
قوله على الصحة وفيه تحريم الأمة بلا شك بملك اليمين نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد
ابن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا
عبد الرحمن بن مهدي نا شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن بكر بن ماعز عن الربيع
ابن خيثم إنه كان يكره أن يطأ الرجل المشركة حتى تسلم * نا محمد بن سعيد بن نبات نا
أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار نا
محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن موسى ابن أبي عائشة قال: سألت سعيد بن جبير. ومرة
الهمداني هو مرة الطبيب صاحب عبد الله بن مسعود فقلت: أصبت الأمة [من السبي] (2)
فقالا جميعا: لا تغشها حتى تغتسل وتصلى * نا محمد بن بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ
نا محمد بن قاسم بن محمد نا جدي قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى
نا عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن معاوية بن قرة
عن ابن مسعود قال: اثنتا عشرة مملوكة أكره غشيانهن أمتك وأمها. وأمتك وأختها.
وأمتك وطئها أبوك. وأمتك وطئها ابنك. وأمتك عمتك من الرضاعة. وأمة خالتك

(1) في النسخة رقم 14 فوجب طلب ذلك
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
446

من الرضاعة وأمتك وقد زنت وأمتك وهي مشركة وأمتك وهي حبلى من غيرك * نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعي أخبرني
يونس بن عبيد أنه سمع الحسن البصري يقول: كنا نغزوا مع أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإذا أصاب الجارية أحدهم من الفئ فأراد أن يصيبها أمرها فغسلت ثيابها ثم
علمها الاسلام وأمرها بالصلاة واستبرأها بحيضة ثم أصابها * وبه إلى عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري قال: لا يحل لرجل اشترى جارية مشركة أن يطأها حتى تغتسل
وتصلى وتحيض عنده حيضة، فان ذكروا ما رويناه من طريق مسلم نا عبد الله بن عمر
القواريري نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبى الخليل عن أبي
علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا
إلى أوطاس فلقي عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكان ناس من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن
المشركين فأنزل الله عز وجل: (والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم) أي فهن
لكم حلال إذا انقضت عدتهن، فهذا لا حجة لهم فيه لوجهين أقطعهما أن سبى أوطاس كانوا
وثنيين لا كتابيين لا يختلف في ذلك اثنان وهم لا يخالفوننا ان وطئ الوثنية بملك اليمين لا يحل
حتى تسلم فإنما في هذا الخبر لو صح اعلامهم أن عصمتهن من أزواجهن قد انقطعت إذا أسلمن
وإن كان لم يذكر ههنا الاسلام لكن ذكره تعالى في قوله: (ولا تنكحوا المشركات
حتى يؤمن)، وواجب أن يضم كلام الله تعال بعضه إلى بعض * والوجه الثاني اننا
روينا هذا الخبر من طريق مسلم أيضا فقال. نا أبو بكر بن أبي شيبة. ومحمد بن المثنى.
وابن بشار قالوا: انا عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى - عن سعيد. هو ابن أبي عروبة
عن قتادة عن أبي الخليل أن أبا علقمة الهاشمي حدث أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية بمعنى الحديث المذكور فصح أن أبا الخليل
لم يسمعه من أبى علقمة فهو منقطع، وقالوا: لم نجد في النساء من يحل نكاحها ولا يحل
وطؤها بملك اليمين فقلنا: هبك كان كما تزعمون فكان ماذا؟ ولا وجدنا في الفرائض
في الصلاة ثلاث ركعات غير المغرب ولا وجدنا في الأموال شيئا يزكى من غيره الا
الإبل فلا أبرد من هذا الاحتجاج السخيف المعترض به على القرآن. والصحابة
رضي الله عنهم فكيف والحرائر كلهن من المسلمات يحل وطؤهن بالزواج ولا يحل
وطؤهن بملك اليمين؟ وقال بعضهم: قال الله تعالى: (أما ما ملكت أيمانكم) فعم
تعالى ولم يخص فدخلت في ذلك الكتابية فقلنا: فأدخلوا بهذا العموم في الإباحة بملك
447

اليمين وطئ الحائض والأخت من الرضاع. واللام من الرضاع. والام من الرضاع. وأم الزوجة. والتي
وطئها الأب والأختين بملك اليمين، فان قالوا: قد خص ذلك آيات أخر قلنا: وقد
خص الكتابية آية أخرى، فان ادعوا اجماعا أكذبهم قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم
فمن بعدهم في الأختين بملك اليمين فظهر فساد قولهم وبالله تعالى التوفيق *
وأما نكاح الكافرة غير الكتابية فلا يخالفنا الحاضرون في أنه لا يحل وطؤهن
بزواج ولا بملك يمين * وأما المجوسية فقد ذكرنا في كتاب الجهاد. وكتاب التذكية
من كتابنا هذا ان المجوس أهل كتاب وإذا كانوا أهل كتاب فنكاح نسائهم بالزواج
حلال، والحجة في أنهم أهل كتاب قول الله عز وجل: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان
تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فلم يبح لنا ترك قتلهم الا بأن
يسلموا فقط، وقال تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون
ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية
عن يد وهم صاغرون)، فاستثنى الله عز وجل أهل الكتاب خاصة باعفائهم من القتل
بغرم الجزية مع اصغار من جملة سائر المشركين الذين لا يحل اعفائهم (1) الا أن
يسلموا، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، ومن الباطل الممتنع
ان يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به الا لو بين لنا أنهم غير أهل كتاب فكنا ندري
حينئذ انه فعل ذلك بوحي (2)، فان احتجوا بما روينا من طريق وكيع عن سفيان
عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس
هجر يعرض عليهم الاسلام فمن أسلم قبل ومن أبى ضربت عليه الجزية على أن
لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة) فهذا مرسل ولا حجة في مرسل، وثانيه
أنه ليس فيه أن قوله لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة هو من كلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن قال: انهم أهل كتاب جماعة من السلف حدثني أحمد بن عمر بن
انس العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد بن أحمد الأنصاري نا عبد الله بن أحمد بن حمويه
السرخسي نا إبراهيم بن خريم نا عبد بن حميد نا الحسن بن موسى نا يعقوب بن عبد الله نا
جعفر بن المغيرة عن إبراهيم بن أبزى قال: لما هزم الله تعالى أهل الاسفيذهار انصرفوا
فجاءهم يعنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاجمعوا فقالوا: بأي شئ تجرى في المجوس من
الأحكام فإنهم ليسوا بأهل كتاب وليسوا بمشركين من مشركي العرب فتجرى فيهم

(1) في النسخة رقم 14 (ابقاؤهم)
(2) في النسخة رقم 14 (بالوحي)
448

الأحكام التي أجريت في أهل الكتاب أو المشركين فقال علي بن أبي طالب: بل هم أهل
كتاب وذكر الخبر بطوله * نا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم بن
محمد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الاعلي بن عبد الأعلى نا سعيد بن أبي
عروبة عن عبد الله الداناج قال: سمعت معبد الجهني يحدث الحسن أن امرأة حذيفة
كان مجوسية فجعل الحسن يقول: مهلا فقال إنا والله دخلت عليها حتى كلمتها فقال لها:
شابردخت قال: فحدث به الحسن بعد ذلك جده عبد الله بن ربيع التميمي نا عبد الله بن محمد
ابن عثمان الأسدي نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال نا حماد بن
سلمة عن عبد الله الداناج وأبى حرة قال عبد الله الداناج عن معبد الجهني. وقال أبو حرة عن
الحسن قالا جميعا: كانت امرأة حذيفة مجوسية * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: يعرض عليها الاسلام
فان أبت فليصلبها ان شاء (1) وإن كانت مجوسية ولكن يكرهها على الغسل من الجنابة *
وبه إلى عبد الرزاق عن إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب قال:
لا بأس أن يطأ الرجل جاريته المجوسية * قال أبو محمد: وقد ذكرنا في كتاب التذكية اباحه
سعيد بن المسيب أكل ما ذبحه المجوسي ونحن وان كنا نخالف سعيدا. وطاوسا في وطئ
الأمة المجوسية بملك اليمين فإنما أتينا بهما لاباحتهما نكاح المجوسيات، ومن أباح
نكاح المجوسية أبو ثور *
قال أبو محمد: ومن أبين الخطاب أن يكون الله تعالى أمر ان لا تقبل جزية من مشرك
الا من أهل الكتاب ولا ان تنكح مشركة الا الكتابية وان لا تؤكل ذبيحة مشرك الا
كتابي ثم يفرق بين الأحكام المذكور فيمنع بعضها ويبيح بعضها وبالله تعالى التوفيق *
1818 مسألة ولا يحل لمسلمة نكاح غير مسلم أصلا ولا يحل لكافر أن
يملك عبدا مسلما ولا مسلمة أمة أصلا * برهان ذلك قول الله عز وجل: (ولا تنكحوا
المشركين حتى يؤمنوا) وقال عز وجل: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا).
قال أبو محمد: والرق أعظم السبيل وقد قطعها الله عز وجل جملة على العموم ومن
خالفنا في هذا ببيعهما إذا أسلما في ملك الكافر فنقول لهم: أرأيتم طول مدة تعريضكم
الأمة والعبد للبيع إذا أسلما عند الكافر وقد تكون تلك المدة ساعة وتكون سنة أفي
ملك الكافر هما أم ليس في ملكه؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن كانا في ملكه فلم تمنعونه من
اتصال ملكه عليهما وقد أبحتموه (2) مدة ما وما برهانكم هذا الفرق الفاسد؟، وان

(1) في النسخة رقم 16 فليضربها ان شاء
(2) في النسخة رقم 16 وقد اتخذتموه
449

قلتم: ليسا في ملكه ولا في ملك غيره قلنا: هذه صفة الحرية ومن هذه صفته فلا يحل بيعه ولا
احداث ملك عليه، فان قالوا: فانا نسألكم عن الذي تبيعونه لضرر أضربه أو في حق مال
رجب عليه؟ قلنا: هو في ملك الذي يباع عليه وليس ملكه له حراما لأنه لو قطع ضرره
عنه لم يبع عليه ولو وجد له مال غير العبد أو الأمة لم يباعا عليه وليس كذلك الكافر لأنه
ممنوع عندكم من تملك المسلم وبالله تعالى التوفيق * وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من
خرج إليه مسلما من عبيد أهل الكفر فتخصيصكم بذلك من خرج الينا مهم تحكم بلا
دليل لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل: إنما أعتقتكم لخروجكم فلا يجوز أن يقول عليه الصلاة
والسلام ما لم يقل، فان قيل قد اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالا رضي الله عنه من كافر
بعد اسلامه قلنا: كان ذلك بمكة في أول الاسلام قبل نزل الآية المذكورة كما أنكح
عليه الصلاة والسلام بنته رضي الله عنها من أبى العاصي بن الربيع وهو كافر ومن
عقبة بن أبي لهب قبل نزول تحريم ذلك فصح أن العبد. والأمة إذا أسلما وهما في ملك
كافر فإنهما حران في حين تمام اسلامهما وبالله تعالى التوفيق *
1819 مسألة وفرض على كل من تزوج ان يؤلم بما قل أو كثر * برهان
ذلك ما روينا من طريق مسلم عن يحيى بن يحيى. وقتيبة. وأبى الربيع العتكي كلهم عن
حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن
ابن عوف أثر صفرة فقام: ما هذا؟ فقال: يا رسول الله انى تزوجت امرأة على وزن
نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة) * ومن طريق مسلم نا أبو بكر
ابن أبي شيبة نا عفان بن مسلم نا حماد بن سلمة انا ثابت البناني عن أنس بن مالك فذكر
نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية أم المؤمنين قال أنس: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمتها التمر والأقط
والسمن * ومن طريق البخاري نا محمد بن يونس نا سفيان عن منصور بن صفية عن أمه
صفية بنت شيبة قالت: أو لم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير، وهو
قول أبى سليمان. وأصحابنا *
1820 مسألة وفرض على كل من دعى إلى وليمة أو طعام أن يجب الا
من عذر فإن كان مفطرا ففرض عليه أن يأكل فإن كان صائما فليدع الله لهم فإن كان
هنالك حرير مبسوط أو كانت الدار مغصوبة أو كان الطعام مغصوبا، وأن كان هناك
خمر ظاهر فليرجع ولا يجلس كما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا هارون بن عبد الله
الأيلي نا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع قال: سمعت عبد الله
ابن عمر يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوا الدعوة إذا دعيتم لها) وكان ابن عمر
450

يأتي الدعوة في العرس وغيره وكان يأتيها وهو صائم * ومن طريق عبد الرزاق أنا
معمر عن أيوب السختياني عن نافع أن ابن عمر كان يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا أحدكم
أخاه فليجبه عرسا كان أو نحوه) * ثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا
عبد الرحمن بن أسد الكازروني نا أبو يعقوب الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب
السختياني عن مجاهد قال: ان ابن عمر دعى يوما إلى طعام فقال رجل من القوم: اما أنا
فاعفني فقال له ابن عمر: لا عافية لك من هذا فقم * ومن طريق مسلم نا أبو بكر
ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (إذا دعى أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم)
وصح عن أبي هريرة (من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) فان قيل: قد جاء في
بعض الآثار إذا دعى إلى وليمة عرس فليجب قلنا: نعم لكن الآثار التي أوردنا
فيها زيادة غير العرس مع العرس وزيادة العدل لا يحل تركها، فان قيل: فقد رويتم
من طريق سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا دعى
أحدكم إلى طعام فليجب فان شاء طعم وان شاء ترك) قلنا: نعم وأبو الزبير لم يذكر
في هذا (1) أنه سمعه من جابر ولا هو من رواية الليث عنه، وقد روينا عن الليث أنه وقف
أبا الزبير على ما سمعه من جابر مما لم يسمعه منه قال الليث: فاعلم لي على ما أخذته عنه، وليس
هذا الحديث مما أعلم له عليه فبطل الاحتجاج به، ثم لو صح لكان الخبر الذي فيه ايجاب
الاكل زائدا على هذا وزيادة العدل لا يحل تركها وبالله تعالى التوفيق * وجمهور
الصحابة. والتابعين على ما ذكرنا من ايجاب الدعوة *
1821 مسألة ولا يحل للمرأة نكاح ثيبا كانت أو بكرا الا باذن وليها الأب
أو الاخوة أو الجد أو الأعمام أو بنى الأعمام وان بعدوا والأقرب فالأقرب أولى،
وليس ولد المرأة وليا لها الا إن كان ابن عمها، ولا يكون في القوم (2) أقرب إليها منه،
ومعنى ذلك أن يأذن لها في الزواج فان أبى أولياؤها من الاذن لها زوجها السلطان *
برهان ذلك قول الله عز وجل: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم
وإمائكم) وقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) وهذا خطاب للأولياء
لا للنساء * وروينا من طريق ابن وهب نا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب
عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح
المرأة بغير وليها فان نكحت فنكاحها باطل ثلاث مرات فان أصابها فلها مهرها بما

(1) في النسخة رقم 14 فيه
(2) في النسخة رقم 14 في قومها
451

أصاب منها فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) وما حدثنا به أحمد بن محمد الطلمنكي
نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت الرقى نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا
أبو كامل نا بشر بن منصور نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة بن أبي موسى
الأشعري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح الا بولي) * وبه إلى البزار نا محمد
ابن موسى الجرشى نا يزيد بن زريع نا شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي
بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه هو أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا نكاح
الا بولي) فاعترض قوم على حديث أم المؤمنين هذا بأن ابن علية روى عن ابن جريج
أنه سأل الزهري عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه قالوا: وأم المؤمنين رضي الله عنها روى
هذا الحديث عنها وقد صح عنها أنها كانت أنكحت بنت أخيها عبد الرحمن وهي بكر
وهو مسافر بالشام قريب الاوبة بغير أمره فلم يمضه بل أنكر ذلك إذ بلغه فلم تر عائشة
ذلك مبطلا لذلك النكاح بل قالت للذي زوجتها منه وهو المنذر بن الزبير: اجعل
أمرها إليه ففعل فانفذه عبد الرحمن قالوا: والزهري هو الذي روى عنه هذا الخبر،
وقد رويتم من طريق عبد الرزاق عن معمر أنه قال له: سألت الزهري عن الرجل يتزوج
بغير ولى؟ فقال: أن كان كفؤا لها لم يفرق بينهما قالوا: فلو صح هذا الخبر لدل خلاف
عائشة التي روته والزهري الذي رواه لما فيه دليلا على نسخه فقلنا: أما قولكم: ان
الزهري سأله عنه ابن جريج فلم يعرفه فان أبا سلمان داود بن بابشاد بن داود بن سليمان
كتب إلى نا عبد الغنى بن سعيد الأزدي الحافظ نا هشام بن محمد بن قرة الرعيني قال:
نا أبو جعفر الطحاوي نا أحمد بن أبي داود عمران قال: نا يحيى بن معين عن ابن علية عن
ابن جريج انه سأل الزهري عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه
قال أبو محمد: وهذا لا شئ لوجهين، أحدهما ما حدثناه القاضي أبو بكر حمام
ابن أحمد قال: نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا غيلان نا عباس نا يحيى
ابن معين، حديث ابن جريج هذا قال عباس: فقلت له: ان ابن علية يقول: قال ابن
جريج لسليمان بن موسى فقال: نسيت بعد فقال ابن معين: ليس يقول هذا الا ابن علية
وابن علية عرض كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد فاصلحها له
قال ابن معين: لا يصح في هذا الا حديث سليمان بن موسى *
قال أبو محمد: فصح ان سماع ابن علية من ابن جريج مدخول، ثم أن الزهري
أنكره وان سليمان بن موسى نسيه فقد روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا ابن نمير قال قال لي
عبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:
452

(كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع قراءة رجل في المسجد فقال رحمه الله: لقد أذكرني آية كنت
أنسيتها) * نا أحمد بن محمد بن الجسور نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي
شيبة نا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن ذر بن عبد الله المرهبي عن سعيد بن
عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه (ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر فأغفل آية فلما صلى قال:
أفي القوم أبي بن كعب؟ فقال له أبي بن كعب: يا رسول الله أغفلت آية كذا أو نسخت؟
فقال عليه الصلاة والسلام: بل أنسيتها) *
قال أبو محمد: فإذا صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي آية من القرآن. ومن الزهري. ومن
سليمان. ومن يحيى حتى لا ينسى؟ وقد قال عز وجل: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل
فنسي) لكن ابن جريج ثقة فإذا روى لنا عن سليمان بن موسى وهو ثقة انه أخبره
عن الزهري بخبر مسند فقد قامت الحجة به سواء نسوه بعد أن بلغوه وحدثوا به أو لم
ينسوه، وقد نسي أبو هريرة حديث لا عدوى، ونسي الحسن حديث من قتل عبده،
ونسي أبو معبد مولى ابن عباس حديث التكبير بعد الصلاة بعد أن حدثوا بها فكان
ماذا؟ لا يعترض بهذا الا جاهل أو مدافع للحق بالباطل، ولا ندري في أي القرآن أم في
أي السنن أم في أي حكم العقول وجدوا؟ ان من حدث بحديث ثم نسيه ان حكم ذلك
الخبر يبطل، ما هم الا في دعوى كاذبة بلا برهان. وأما اعتراضهم بأنه صح عن عائشة
وعن الزهري رضي الله عنهما أنهما خالفا ما رويا من ذلك فكان ماذا؟ إنما أمرنا الله
عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وقامت حجة العقل بوجوب قبول ما صح عندنا عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبسقوط اتباع قول من دونه عليه الصلاة والسلام، ولا ندري
أين وجدوا أن من خالف باجتهاده مخطئا متأولا ما رواه أنه يسقط بذلك ما رواه ثم
نعكس عليهم أصلهم هذا الفاسد فنقول: إذا صح أن أم المؤمنين رضي الله عنها. والزهري
رحمه الله رويا هذا الخبر وروى عنهما أنهما خالفاه فهذا دليل على سقوط الرواية
بأنهما خالفا بل الظن بهما أنهما لا يخالفان ما روياه وهذا أولى لان تركنا ما لا
يلزمنا من قولهما لما يلزمنا من روايتهما هو الواجب لا ترك ما يلزمنا مما روياه لما لا
يلزمنا من رأيهما فكيف وقد كتب إلى داود بن بابشاد قال: حدثني عبد الغنى
ابن سعيد نا هشام بن محمد بن قرة نا أبو جعفر الطحاوي نا الحسن بن غليب
نا يحيى بن سليمان الجعفي نا عبد الله بن إدريس الأودي عن ابن جريج عن عبد الرحمن
ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين انها
أنكحت رجلا من بنى أخيها جارية من بنى أخيها فضربت بينهم سترا ثم تكلمت
453

حتى إذا لم يبق الا النكاح أمرت رجلا فانكح ثم قالت: ليس إلى النساء النكاح،
فصح يقينا بهذا رجوعها عن العمل الأول إلى ما نبهت عليه من أن نكاح النساء لا يجوز
واعترضوا في رواية أبى موسى أن قوما أرسلوه فقلنا فكان ماذا إذا صح الخبر مسندا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قامت الحجة به ولزمنا قبوله فرضا ولا معنى لمن أرسله أو لمن
لم يروه أصلا أو لمن رواه من طريق أخرى ضعيفة؟ كل هذا كأنه لم يكن وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وممن قال بمثل قولنا جماعة من السلف كما روينا من طريق ابن وهب
حدثني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر
ابن الخطاب: لا تنكح المرأة الا باذن وليها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان *
ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد أن عمر
ابن الخطاب رد نكاح امرأة نكحت بغير اذن وليها * ومن طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة أن عكرمة بن خالد أخبره أن الطريق
جمع ركبا فجعلت امرأة ثيب أمرها إلى رجل من القوم غير ولى فأنكحها رجلا فبلغ
ذلك عمر بن الخطاب فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها * ومن طريق محمد بن
سيرين عن أبي هريرة ليس للنساء من العقد شئ لا نكاح الا بولي لا تنكح المرأة
نفسها فان الزانية تنكح نفسها * ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن محمد
ابن سيرين أن ابن عباس قال: البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير الأولياء *
ومن طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: ولى عمر بن الخطاب ابنته
حفصة أم المؤمنين ماله وبناته ونكاحهن فكانت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها إذا
أرادت أن تزوج امرأة أمرت أخاها عبد الله فيزوج * وروينا نحو هذا أيضا عن
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. وابن عمر. وعمر بن عبد العزيز. وإبراهيم النخعي *
وروينا عن الحاج بن منهال نا أبو هلال قال: سألت الحسن؟ فقلت: أبا سعيد
امرأة خطبها رجل ووليها غائب بسجستان ولوليها ههنا ولى أيزوجها ولى وليها؟ قال:
لا ولكن اكتبوا إليه قلت له: ان الخاطب لا يصبر قال: فليصبر قال له رجل: إلى متى
يصبر؟ قال الحسن: يصبر كما صبر أهل الكف، وهو قول جابر بن زيد. ومكحول،
وهو قول ابن شبرمة. وابن أبي ليلى. وسفيان الثوري. والحسن بن حي. والشافعي.
وأحمد. وإسحاق. وأبى عبيد. وابن المبارك، وفى ذلك خلاف قديم. وحديث كما
حدثنا محمد بن سعيد بن بنات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني
نا محمد بن بشار بندار نا أبو داود نا الطيالسي نا شعبة عن أبي إسحاق الشيباني. وسفيان الثوري
454

قال أبو إسحق: كانت فينا امرأة يقال لها: بحرية زوجتها أمها وكان أبوها غائبا فلما قدم أبوها
أنكر ذلك فرفع ذلك إلى علي فأجاز ذلك قال شعبة: وأخبرني سفيان الثوري انه سمع
أبا قيس يحدث عن هذيل بن شرحبيل عن علي بن أبي طالب بمثله * ومن طريق الحجاج
ابن المنهال نا شعبة بن الحجاج قال: أخبرني سليمان الشيباني هو أبو إسحاق قال:
سمعت القعقاع قال: انه تزوج رجل امرأة منا يقال لها: بحرية زوجتها إياه أمها
فجاء أبوها فأنكر ذلك فاختصما إلى علي بن أبي طالب فأجازه والخبر المشهور عن عائشة
أم المؤمنين انها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير، وعبد الرحمن غائب
بالشام فلما قدم أنكر ذلك فجعل المنذر أمرها إليه فاجازه * وروينا أن أمامة بنت أبي العاصي
ابن أبي الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها معاوية بعد قتل علي رضي الله عنه
وكانت تحت على فدعت بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فجعلت أمرها إليه
فانكحها نفسه فغضب مروان وكتب بذلك إلى معاوية فكتب إليه معاوية دعه وإياها وصح
عن ابن سيرين في امرأة لا ولى لها فولت رجلا أمرها فزوجها قال ابن سيرين: لا بأس
بذلك المؤمنون بعضهم أولياء بعض * وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أنه سأل عطاء
عن امرأة نكحت بغير اذن ولاتها وهم حاضرون فقال: اما امرأة مالكة امر نفسها
إذا كان بشهداء فإنه جائز بغير أمر الولاة * وعن القاسم بن محمد في امرأة زوجت ابنتها
بغير اذن أوليائها قال: ان أجاز الولاة ذلك إذا علموا فهو جائز، وروى نحو هذا
عن الحسن أيضا، وقال الأوزاعي: إن كان الزوج كفؤا ولها من أمرها نصيب ودخل بها
لم يكن للولي أن يفرق بينهما، وقال أبو ثور: لا يجوز أن تزوج المرأة نفسها ولا أن
تزوجها امرأة ولكن ان زوجها رجل مسلم جاز المؤمنون اخوة بعضهم أولياء بعض وقال
أبو سليمان: أما البكر فلا يزوجها الا وليها وأما الثيب فتولى أمرها من شاءت من المسلمين
ويزوجها وليس للولي في ذلك اعتراض، وقال مالك: أما الدنيئة كالسوداء أو التي أسلمت
أو الفقيرة أو النبطية أو المولاة فان زوجها الجار وغيره ممن ليس هو لها بولي فهو
جائز وأما المرأة التي لها الموضع فان زوجها غير وليها فرق بينهما فان أجاز ذلك الولي
أو السلطان جاز، فان تقادم أمرها ولم يفسخ وولدت له الأولاد لم يفسخ، وقال أبو
حنيفة. وزفر جائز للمرأة ان تزوج نفسها كفؤا ولا اعتراض لوليها في ذلك فان
زوجت نفسها غير كف ء فالنكاح جائز وللأولياء ان يفرقوا بينهما وكذلك للولي
أن يخاصم فيما حطت من صداق مثلها، وقال أبو يوسف. ومحمد بن الحسن: لا نكاح
الا بولي ثم اختلفا فقال أبو يوسف: ان تزوجت بغير ولى فأجازه الولي جاز فان
455

أبى أن يجيز والزوج كفؤ أجازه القاضي ولا يكون جائز الا حتى يجيزه القاضي،
وقال محمد بن الحسن: ان لم يجزه الولي استأنف القاضي فيه عقدا جديدا *
قال أبو محمد: أما قول محمد بن الحسن. وأبى يوسف فظاهر التناقض والفساد
لأنهما نقضا قولهما لا نكاح الا بولي إذا أجازا للولي إجازة ما أخبرا أنه لا يجوز،
وكذلك قول أبي حنيفة لأنه أجاز للمرأة انكاح نفسها من غير كف ء ثم أجاز للولي
فسخ العقد الجائز فهي أقوال لا متعلق لها بقرآن ولا بسنة لا صحيحة ولا سقيمة.
ولا بقول صاحب. ولا بمعقول. ولا قياس. ولا رأى سديد، وهذا لا يقبل الا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى الا عن الوحي من الخالق الذي لا يسأل عما
يفعل، واما من غيره عليه الصلاة والسلام فهو دين جديد يعذب الله به في الحشر *
وأما قول مالك فظاهر الفساد لأنه فرق بين الدنية وغير الدنية وما علمنا الدناءة الا معاصي
الله تعالى، وأما السوداء والمولاة فقد كانت أم أيمن رضي الله عنها سوداء ومولاة
ووالله ما بعد أزواجه عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة امرأة أعلى قدرا عند الله
تعالى وعند أهل الاسلام كلهم منها، وأما الفقيرة فما الفقر دناءة فقد كان
في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الفقير الذي أهلكه الفقر وهم أهل الشرف والرفعة
حقا وقد كان قارون. وفرعون. وهامان من الغنى بحيث عرف وهم أهل الدناءة والرذالة
حقا، وأما النبطية فرب نبطية لا يطمع فيها كثير من قريش ليسارها وعلو حالها في
الدنيا ورب بنت خليفة هلكت فاقة وجهدا وضياعا ثم قوله: يفرق بينهما فان طال الامر
وولدت منه الأولاد لم يفرق بينهما فهذا عين الخطأ إنما هو حق أو باطل ولا سبيل إلى
ثالث فإن كان حقا فليس لأحد نقض الحق اثر عقده ولا بعد ذلك وإن كان باطلا فالباطل
مردود أبدا الا أن يأتي نص من قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوقف عنده، وما نعلم
قول مالك هذا قاله أحد قبله ولا غيره الا من قلده ولا متعلق له بقرآن. ولا بسنة صحيحة ولا
بأثر ساقط ولا بقول صاحب ولا تابع ولا معقول ولا قياس ولا رأى له وجه يعرف *
وأما قول أبي ثور: فان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فان اشتجروا فالسلطان ولى من
لا ولى له) مانع من أن يكون ولى المرأة كل مسلم لان مراعاة اشتجار جميع من أسلم من
الناس محال وحاش انه عليه الصلاة والسلام أن يأمر بمراعاة محال لا يمكن فصح أنه
عليه الصلاة والسلام عنى قوما خاصة يمكن أن يشتجروا في نكاح المرأة لا حق لغيرهم
في ذلك، وقوله عليه الصلاة والسلام: فالسلطان ولى من لا ولى له بيان جلى بما قلنا (1)

(1) في النسخة رقم 16 مما قلنا
456

إذ لو أراد عليه الصلاة والسلام كل مسلم لكان قوله: (من لا ولى له) محالا باطلا وحاش
له من فعل ذلك فصح أنهم العصبة الذين يوجدون لبعض النساء ولا يوجدون لبعضهن *
وأما قول أبى سليمان فإنما عول على الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:
(البكر يستأذنها أبوها والثيب أحق بنفسها من وليها) *
قال أبو محمد: وهذا لو لم يأت غيره لكان كما قال أبو سليمان لكن قوله عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل) عموم لكل
امرأة ثيب أو بكر، وبيان هذا (1) القول أن معنى قوله عليه الصلاة السلام:
(والثيب أحق بنفسها من ولها) انه لا ينفذ عليها أمره بغير اذنها ولا تنكح الا من شاءت
فإذا أرادت النكاح لم يجز لها الا بأذن وليها فان أبى أنكحها السلطان على رغم انف الولي
الابي، وأما من لم ير لولى معنى فإنهم احتجوا بقول الله تعالى: (حتى تنكح زوجا غيره)
وبقول الله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) وقد قلنا: إن
قوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم) بيان في أن نكاحهن لا يكون الا بإذن الولي
، واحتجوا بأن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها زوجها النجاشي من رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهذا لا حجة لهم فيه لان الله تعالى يقول: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه
أمهاتهم) فهذا خارج من قوله عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة نكحت (2) بغير
اذن وليها فنكاحها باطل)، ووجه آخر وهو أن هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
الزائد على معهود الأصل لان الأصل بلا شك ان تنكح المرأة من شاءت بغير ولى
فالشرع الزائد هو الذي لا يجوز تركه لأنه شريعة واردة من الله تعالى كالصلاة بعد ان لم
تكن والزكاة بعد ان لم تكن وسائر الشرائع ولا فرق، واحتجوا بخبر فيه ان عمر بن أبي
سلمة هو زوج أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خبر إنما رويناه
من طريق ابن عمر بن أبي سلمة وهو مجهول، ثم لو صح لكان القول فيه كالقول في حديث
أم حبيبة سواء سواء مع أن عمر بن أبي سلمة كان يومئذ صغيرا لم يبلغ، هذا لا خلاف فيه
بين أحد من أهل العلم بالاخبار فمن الباطل أن يعتمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقد من لا يجوز
عقده ويكفى في رد هذا كله ما حدثناه يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم بن
خليل نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق نا عارم هو محمد بن الفضل نا حماد بن
زيد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: لما نزلت في زينب بنت جحش (فلما قضى
زيد منها وطرا زوجناكها) قال: فكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن اهلوكن

(1) في النسخة رقم 14 وبين هذا
(2) في النسخة رقم 14 تزوجت
457

وزوجني الله عز وجل من فوق سبع سماوات، فهذا إسناد صحيح مبين ان جميع نسائه عليه
السلام إنما زوجهن أولياؤهن حاش زينب رضى الله تعالى عنها فان الله تعالى زوجها
منه عليه الصلاة والسلام، وصح بهذا ان معنى قول أم حبيبة رضي الله عنها ان النجاشي زوجها
أي تولى أمرها وما تحتاج إليه وكان العقد بحضرته وقد كان هنالك أقرب الناس إليها
عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية. وعمرو وخالد ابنا سعيد بن العاصي بن أمية فكيف
يزوجها النجاشي بمعنى يتولى عقد نكاحها وهؤلاء حضور راضون مسرورون آذنون
في ذلك بيقين لا شك فيه؟ وأما تزويجه عليه الصلاة والسلام المرأة بتعليم سورة من
القرآن فليس في الخبر أنه كان لها ولى أصلا فلا يعترض على اليقين بالشكوك، وهكذا
القول في كل حديث ذكروه كخبر نكاح ميمونة أم المؤمنين وإنما جعلت أمرها إلى العباس
فزوجها منه عليه الصلاة والسلام، ونكاح أبى طلحة أم سليم رضي الله عنها على
الاسلام فقط أنكحها إياه أنس بن مالك وهو صغير دون عشر سنين فهذا كله منسوخ
بابطاله عليه الصلاة والسلام النكاح بغير ولى، وسائر الأحاديث التي فيها أن نساءا
أنكحن بغير اذن أهلهن فرد عليه الصلاة والسلام نكاحهن وجعل إليهن إجازة ذلك ان
شئن فكلها أخبار لا تصح اما مرسلة واما من رواية علي بن غراب وهو ضعيف، فظهر
صحة قولنا وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا: إنه لا يجوز انكاح الابعد من الأولياء مع
وجود الأقرب فلان الناس كلهم يلتقون في أب بعد إلى آدم عليه السلام بلا شك فلو
جاز انكاح الابعد مع وجود الأقرب لجاز انكاح كل من على وجه الأرض (1) لأنه
يلقاها بلا شك في بعض آبائها، فان حدوا في ذلك حدا كلفوا البرهان عليه ولا سبيل إليه فصح
يقينا أنه لا حق مع الأقرب للأبعد، ثم إن عدم فمن فوقه بأب هكذا ابدا ما دام يعلم لها
ولى عاصب كالميراث ولا فرق * واما إن كان الولي غائبا فلا بد من انتظاره، فان قالوا:
ان ذلك يضر بها قلنا: الضرورة لا تبيح الفروج وقد وافقنا المالكيون على أنه إن كان
للزوج الغائب مال ينفق منه على المرأة لم تطلق عليه وان أضرت غيبته بها في فقد الجماع
وضياع كثير من أمورها، ووافقنا الحنيفيون في أنه وان لم يكن له مال فإنها لا تطلق عليه
ولا ضرر أضر من عدم النفقة، ثم نسألهم في حد الغيبة التي ينتظرون الولي فيها من الغيبة
التي لا ينتظرونه فيها فإنهم لا يأتون الا بفضيحة وبقول لا يعقل وجهه وبالله تعالى نتأيد *
1822 مسألة وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ بغير اذنها
ولا خيار لها إذا بلغت فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره

(1) في النسخة رقم 14 على ظهر الأرض
458

أن يزوجها حتى تبلغ ولا اذن لهما قبل أن تبلغ، وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب
ولا لغيره أن يزوجها الا باذنها فان وقع فهو مفسوخ أبدا، فاما الثيب فتنكح من شاءت
وان كره الأب، وأما البكر فلا يجوز لها نكاح الا باجتماع اذنها واذن أبيها، وأما
الصغيرة التي لا أب لها فليس لأحد ان ينكحها لا من ضرورة ولا من غير ضرورة حتى
تبلغ ولا لاحد أن ينكح مجنونة حتى تفيق وتأذن الا الأب في التي لم تبلغ وهي مجنونة
فقط وفى بعض ما ذكرنا خلاف، قال ابن شبرمة: لا يجوز انكاح الأب ابنته الصغيرة
الا حتى تبلغ وتأذن، ورأي امر عائشة رضي الله عنها خصوصا للنبي صلى الله عليه وسلم كالموهوبة،
ونكاح أكثر من أربع، وقال الحسن. وإبراهيم النخعي: انكاح الأب ابنته الصغيرة
والكبيرة الثيب والبكر وان كرهتا جائز عليهما كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا
هشيم أنا منصور بن المعتمر. وعبيدة قال منصور: عن الحسن وقال عبيدة: عن
إبراهيم قالا جميعا: ان نكاح الأب ابنته بكرا أو ثيبا جائز، وروينا عن إبراهيم قولا
آخر كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الرحيم نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد
السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر
عن إبراهيم النخعي قال: البكر لا يستأمرها أبوها والثيب إن كانت في عياله استأمرها *
وقال مالك: أما البكر فلا يستأمرها أبوها بلغت أو لم تبلغ عنست أو لم تعنس وينفذ
انكاحه لها وان كرهت وكذلك ان دخل بها زوجها الا أنه لم يطأها فان بقيت معه
سنة وشهدت المشاهد لم يجز للأب أن ينكحا بعد ذلك الا باذنها وإن كان زوجها لم
يطأها قال: وأما الثيب فلا يجوز انكاح الأب ولا غيره عليها الا باذنها قال: والجد
بخلاف الأب فيما ذكرنا لا يزوج البكر ولا غيرها الا باذنها كسائر الأولياء، واختلف
قوله في البكر الصغيرة التي لا أب لها فأجاز انكاح الأخ لها إذا كان نظرا لها في رواية
ابن وهب ومنع منه في رواية ابن القاسم، وقال أبو حنيفة وأبو سليمان: ينكح الأب
الصغيرة ما لم تبلغ بكرا كانت أو ثيبا فإذا بلغت نكحت من شاءت ولا اذن للأب في ذلك
الا كسائر الأولياء، ولا يجوز انكاحه لها الا باذنها بكرا كانت أو ثيبا، وقال أبو حنيفة:
والجد كالأب في كل ذلك، وقال الشافعي: يزوج الأب والجد للأب إن كان الأب
قد مات البكر الصغيرة ولا اذن لها إذا بلغت، وكذلك البكر والكبيرة ولا
يزوج الثيب الصغيرة أحد حتى تبلغ سواء باكراه ذهبت عذرتها أو برضى بحرام أو
حلال، وأما الثيب الكبيرة فلا يزوجها الأب ولا الجد ولا غيرهما الا باذنها ولها أن
تنكح من شاءت إذا كانت بالغا *
459

قال أبو محمد: الحجة في إجازة (1) انكاح الأب ابنته الصغيرة البكر انكاح
أبى بكر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، وهذا أمر
مشهور غنينا عن ايراد الاسناد فيه فمن ادعى أنه خصوص لم يلتفت قوله لقول الله عز وجل
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) فكل ما فعله
عليه الصلاة والسلام فلنا ان نتأسى به فيه الا أن يأتي نص بأنه له خصوص (2)، فان
قال قائل: فان هذا فعل منه عليه الصلاة والسلام وليس قولا فمن أين خصصتم البكر
دون الثيب والصغيرة دون الكبيرة وليس هذا من أصولكم؟ قلنا: نعم إنما اقتصرنا
على الصغيرة البكر للخبر الذي رويناه من طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان هو
بان عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل سمع نافع بن جبير يخبر عن ابن عباس
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها في نفسها واذنها
صماتها) فخرجت الثيب صغيرة كانت أو كبيرة بعموم هذا الخبر وخرجت البكر البالغ به
أيضا لان الاستئذان لا يكون الا للبالغ العاقل (3) للأثر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم (رفع
القلم عن ثلاث فذكر فيهم الصغير حتى يبلغ) فخرجت البكر التي لا أب لها بالنص
المذكور أيضا فلم تبق الا الصغيرة البكر ذات الأب فقط، فان قيل: فلم لم تجيزوا
انكاح الجد لها كالأب، قلنا: لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها)
فلم يجز ان يخرج من هذا العموم الا ما جاء به الخبر فقط، وهو الأب الأدنى، وبالخبر
المذكور يبطل قول الحسن. وإبراهيم الذي ذكرنا آنفا، وأما قول مالك في التي بقيت
مع زوجها أقل من سنة ولم يطأها ان أباها يزوجها بغير اذنها فان أتمت مع زوجها سنة
وشهدت المشاهد لم يكن له أن يزوجها الا باذنها ففي غاية الفساد لأنه تحكم لا يعضده
قرآن. ولا سنة. ولا رواية ضعيفة. ولا قول أحد قبله جملة. ولا قياس. ولا رأى له وجه *
وأما الحاق الشافعي الصغيرة الموطوءة بحرام بالثيب فخطأ ظاهر لأننا نسألهم
ان بلغت فزنت أبكر هي في الحد أم ثيب، فمن قولهم: انها بكر فظهر فساد قولهم
وصح أنها في حكم البكر، وأما من جعل للثيب والبكر إذا بلغت أن تنكح من شاءت وان
كره أبوها ومن جعل للأب أن ينكحها وان كرهت فكلاهما خطأ بين للأثر الثابت
الذي ذكرنا آنفا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر
يستأذنها أبوها) ففرق عليه الصلاة والسلام بين الثيب والبكر فجعل للثيب أنها أحق
بنفسها من وليها فوجب بذلك أنه لا أمر للأب في إنكاحها وانها أحق بنفسها منه ومن

(1) في النسخة رقم 16 في جواز
(2) في النسخة رقم 14 (له خاصة)
(3) في النسخة رقم 14 لبالغ عاقل
460

غيره وجعل البكر بخلاف ذلك، وأوجب على الأب أن يستأمرها فصح أنه لا بد من اجتماع
الامرين اذنها واستئذان أبيها، ولا يصح لها نكاح ولا عليها الا بهما جميعا، وقوله
تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) موجب ان لا يجوز على البالغة البكر انكاح
أبيها بغير اذنها، وقد جاءت بهذا آثار صحاح * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
المروزي نا أحمد بن شعيب أخبرني معاوية بن صالح نا الحكم بن موسى نا شعيب بن
إسحاق عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله ان رجلا زوج ابنته
وهي بكر من غير أمرها فاتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما *
قال أبو محمد: معاوية بن صالح هذا هو الأشعري ثقة مأمون ليس هو الأندلسي
الحضرمي ذلك ضعيف وهو قديم * وبه إلى أحمد بن شعيب انا محمد بن داود المصيصي
نا حسين بن محمد نا جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس (أن
جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ان أبى زوجني وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم
نكاحها) * نا أبو عمر أحمد بن قاسم قال: حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم قال: حدثني
جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن إبراهيم نا عمران نا دحيم نا ابن أبي ذئب عن نافع عن
ابن عمر قال: ان رجلا زوج ابنته بكرا فكرهت فاتت النبي صلى الله عليه وآله فرد نكاحها *
نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد البلخي نا الفربري نا البخاري
نا معاذ بن فضالة نا هشام هو الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة حدثهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. لا تنكح الأيم حتى
تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله فكيف اذنها؟ قال إن تسكت) *
قال أبو محمد: الآثار ههنا كثيرة وفيما ذكرنا كفاية، وقد جاء في رد انكاح
الأب ابنته الثيب بغير اذنها حديث خنساء بنت خدام * قال على، وقال بعضهم:
زوج النبي صلى الله عليه وسلم بناته ولم يستأذنهن فقلنا: هذا لا يعرف في شئ من الآثار أصلا
وإنما هي دعوى كاذبة بل قد جاءت آثار مرسلة بأنه عليه الصلاة والسلام كان يستأمرهن
وقد تقصينا في كتاب الايصال ما اعترض به من لا يبالي مما أطلق به لسانه في الآثار التي
أوردنا مما لا معنى له من رواية بعض الناس لها بلفظ مخالف للفظ الذي روينا ونحو ذلك
وكل ذلك لا معنى له، لان اختلاف الألفاظ ليس علة في الحديث بل إن كان روى جميعها
الثقات وجب أن تستعمل كلها ويحكم بما اقتضاه كل لفظ منها ولا يجوز ترك بعضها لبعض
لان الحجة قائمة بجميعها وطاعة كل ما صح عنه عليه الصلاة والسلام فرض على الجميع،
ومخالفة شئ منه معصية لله عز وجل وإن كان روى بعضها ضعيف فالاحتجاج به على
461

ما رواه الثقات ضلال، وقد جاء مثل قولنا عن السلف * نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله
ابن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة
نا أيوب السختياني عن عكرمة ان عثمان بن عفان كان إذا أراد أن ينكح احدى بناته قعد
إلى خدرها فأخبرها ان فلانا يخطبها * نا حمام بن أحمد نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن معمر عن حبيب عن نافع قال: كان ابن عمر يستأمر بناته في نكاحهن *
وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال: تستأمر النساء
في ابضاعهن قال ابن طاوس: الرجال في ذلك بمنزلة البنات لا يكرهون وأشد شأنا *
وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم عن الشعبي قال: يستأمر الأب
البكر والثيب، وهو قول سفيان الثوري. والأوزاعي. والحسن بن حي. وأبي حنيفة
وأصحابه. وأبي سليمان. وأصحابنا وبالله تعالى التوفيق * وما نعلم لمن أجاز على البكر
البالغة انكاح أبيها لها بغير اذنها متعلقا أصلا الا ان قالوا: قد ثبت جواز انكاحه لها
وهي صغيرة فهي على ذلك بعد الكبر *
قال أبو محمد: وهذا لا شئ لوجهين، أحدهما أن النص فرق بين الصغير
والكبير بما ذكرنا من قوله عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصغير
حتى يكبر)، والثاني أن هذا قياس والقياس كله فاسد، وإذ صححوا قياس البالغة على غير
البالغة فليلزمهم أن يقيسوا الجد في ذلك على الأب وسائر الأولياء على الأب أيضا والا
فقد تناقضوا في قياسهم، ويكفى من ذلك النصوص التي أوردنا في رد انكاح البكر
بغير اذنها وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وإذا بلغت المجنونة وهي ذاهبة العقل فلا اذن لها ولا أمر فهي
على ذلك لا ينكحها الأب ولا غيره حتى يمكن استئذانها الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم *
1823 مسألة ولا يجوز للأب ولا لغيره انكاح الصغير الذكر حتى يبلغ
فان فعل فهو مفسوخ أبدا، وأجازه قوم ولا حجة لهم الا قياسه على الصغيرة *
قال على: والقياس كله باطل ولو كان القياس حقا لكان قد عارض هذا القياس قياس
آخر مثله وهو انهم قد أجمعوا على أن الذكر إذا بلغ لا مدخل لأبيه ولا لغيره في إنكاحه
أصلا وانه في ذلك بخلاف الأنثى التي له فيها مدخل اما باذن واما بانكاح واما بمراعاة
الكفؤ، فكذلك يجب أن يكون حكمهما مختلفين قبل البلوغ *
قال أبو محمد: قول الله عز وجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) مانع من
جواز عقد أحد على أحد الا أن يوجب انفاذ ذلك نص قرآن. أو سنة ولا نص ولا
462

سنة في جواز انكاح الأب لابنه الصغير وقد قال بهذا طائفة من السلف * روينا من
طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: إذا أنكح الصغيرين أبواهما
فهما بالخيار إذا كبرا ولا يتوارثان ان ماتا قبل ذلك * وبه إلى معمر عن قتادة قال:
إذا أنكح الصبيين (1) أبوهما فماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما قال معمر: سواء
أنكحهما أبواهما أو غيرهما وهو قول سفيان الثوري وبالله تعالى التوفيق *
1824 مسألة وإذا أسلمت البكر ولو يسلم أبوها أو كان مجنونا فهي في حكم
التي لا أب لها لان الله تعالى قطع الولاية بين الكفار والمؤمنين قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا
لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) وقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)
وصح في المجنون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة فذكر منهم المجنون حتى
يفيق) وقد صح أنه غير مخاطب باستئمارها ولا بانكاحها وإنما خاطب عز وجل
أولى الألباب فلها أن تنكح من شاءت باذن غيره من أوليائها أو السلطان، وكذلك
التي أسلم أبوها ولم تسلم هي فان أسلم أو أسلمت أو عقل رجعت إلى حكم ذات الأب
لدخوله في الامر بانكاحها واستئذانها والأمة الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا ليس لها أب
فلا يجوز لسيدها انكاحها لأنه لم يأت ذلك الا في الأب فقط وليس لأبيها وإن كان
حرا انكاحها الا باذن سيدها لأنه بذلك كاسب على سيدها إذ هي مال من ماله، وقد
قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) والبرهان على ما قلنا من أنه لا يجوز
للسيد انكاح أمته التي لم تبلغ قول الله عز وجل: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين
من عبادكم وإمائكم) والصغير لا يوصف بصلاح في دينه ولا يدخل في الصالحين
وكل مسلم فهو من الصالحين بقوله لا اله لا الله محمد رسول الله *
1825 مسألة ولا اذن للوصي في إنكاح أصلا لا لرجل ولا لامرأة
صغيرين كانا أو كبيرين لان الصغيرين من الرجال والنساء قد ذكرنا أن الذكر منهما
لا يجوز أن ينكحه أب ولا غيره وان الأنثى منهما لا يجوز أن ينكحها الا الأب وحده،
وأما الكبيران فلا يخلوان (2) من أن يكونا مجنونين أو عاقلين فإن كانا مجنونين فقد
بينا انه لا ينكحهما أحد لا أب ولا غيره، وأما العاقلان البالغان فلا يجوز أن يكون
عليهما وصى على ما بينا في كتاب الحجر فأغنى عن اعادته، وممن قال: لا مدخل للوصي
في الانكاح أبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهم، فان موه مموه بالخبر
الذي رويناه من طريق وكيع عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده قال: قال

(1) في النسخة رقم 16 الصغيرين
(2) في النسخة رقم 14 فلا يخلو
463

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من منع يتيما له النكاح فزنى فالاثم بينهما) قلنا: هذا مرسل
ولا حجة في مرسل، وأيضا فهو من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة وهو ضعيف،
وأيضا فليس فيه للوصي ذكر، وقد يكون أراد سيد العشيرة يمنع يتيما من قومه
النكاح ظلما *
1826 مسألة ومن أوصى إذا مات ان تزوج ابنته البكر الصغيرة أو
البالغ فهي وصية فاسدة لا يجوز انفاذها * برهان ذلك ان الصغيرة إذا مات أبوها
صارت يتيمة وقد جاء النص بان لا تنكح اليتيمة حتى تستأذن، وأما الكبيرة فليس
لأبيها أن يزوجها في حياته بغير اذنها فكيف بعد موته، وقد صح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم (إذا مات أحدكم انقطع عمله الا من ثلاث) وليس من تلك الثلاث، وهذا قول
أبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان وأصحابهم *
1827 مسألة ولا يجوز النكاح الا باسم الزواج أو الانكاح. أو
التمليك أو الامكان، ولا يجوز بلفظ الهبة ولا بلفظ غيرها لما ذكرنا أو بلفظ الأعجمية
يعبر به عن الألفاظ التي ذكرنا لمن يتكلم بتلك اللغة ويحسنها * برهان ذلك قول الله تعالى:
(فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وقوله تعالى: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين
من عبادكم وإمائكم) وقال عز وجل: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) وروينا
من طريق البخاري نا سعيد بن أبي مريم نا أبو غسان هو محمد بن مطرف المدني حدثني
أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي (أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم)
فذكر الحديث والرجل الذي خطبها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقد أنكحناكها بما
معك من القرآن) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر. وسفيان الثوري كلاهما
عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي فذكر الحديث (وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل:
قد ملكتكها بما معك من القرآن) وروينا أيضا من طريق عبد العزيز بن أبي حازم
عن أبيه عن سهل بن سعد فقال فيه (فقد ملكتكها بما معك من القرآن) *
قال أبو محمد: فان قيل: فقد روى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن أبي حازم عن سهل
فقال فيه (قد أنكحتكها) ورواه زائدة. وحماد بن زيد. وعبد العزيز بن محمد الدراوردي
كلهم عن أبي حازم عن سهل فقالوا فيه: (فقد زوجتكها فعلمها من القرآن) وهو موطن
واحد. ورجل واحد. وامرأة واحدة قلنا: نعم كل ذلك صحيح * وروينا من طريق
البخاري نا عبدة هو ابن سليمان الصفار نا عبد الصمد هو ابن عبد الوارث نا
عبد الله بن المثنى نا ثمامة بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان
464

إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه، فصح أنها ألفاظ (1) كلها قالها عليه
الصلاة والسلام معلما لنا ما ينعقد به النكاح والحمد رب العالمين * وممن قال بهذا الشافعي.
وأبو سليمان، وقال أبو حنيفة. ومالك: ان النكاح ينعقد بلفظ الهبة *
قال أبو محمد: وهذا عظيم جدا لان الله تعالى يقول: (وامرأة مؤمنة ان وهبت
نفسها للنبي ان أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) فصح أن النكاح
بلفظ الهبة باطل لغير النبي صلى الله عليه وسلم، والعجب قولهم: ان الهبة المحرمة إنما هي إذا
كانت بلا صداق فكان هذا زائدا في الضلال والتحكم بالكذب والدعاوى في الدين *
ومن العجب ان أتوا إلى الموهوبة وقد قال الله تعالى انها لرسوله عليه الصلاة والسلام من
دون المؤمنين فجعلوه عموما لغيره ثم أتوا إلى ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من إباحة النكاح
بخاتم حديد وبتعليم شئ من القرآن فجعلوه خصوصا له فلو عكسوا أقوالهم لأصابوا
ونسأل الله العافية *
1828 مسألة ولا يتم النكاح الا باشهاد عدلين فصاعدا أو باعلان عام
فان استكتم الشاهدان لم يضر ذلك شيئا * نا محمد بن إسماعيل العذري. ومحمد بن عيسى
قالا: نا محمد بن علي الرازي المطوعي نا محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري قال: سمعت
أبا بكر بن إسحاق الامام يقول: حدثني أبو علي الحافظ قال الحاكم: ثم سألت أبا على
فحدثني قال: نا إسحاق بن أحمد بن إسحاق الرقى نا أبو يوسف محمد بن أحمد بن الحجاج
الرقى نا عيسى بن يونس نا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن
عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها وشاهدي
عدل فنكاحها باطل وان دخل بها فلها المهر وان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) *
قال أبو محمد: لا يصح في هذا الباب شئ غير هذا السند يعنى ذكر شاهدي عدل
وفى هذا كافية لصحته، فان قيل: فمن أين أجزتم النكاح بالاعلان الفاشي وبشهادة
رجل وامرأتين عدول وبشهادة أربع نسوة عدول؟ قلنا: أما الاعلان فلان
كل من صدق في خبر فهو في ذلك الخبر عدل صادق بلا شك فإذا أعلن النكاح فالمعلنان له
به بلا شك صادقان عدلان فيه فصاعدا وكذلك الرجل والمرأتان فيهما شاهدا عدل بلا
شك لان الرجل والمرأة إذا أخبر عنهما غلب التذكير، وأما الأربع النسوة (2) فلقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل) وقد ذكرناه [باسناده] (3)
في كتاب الشهادات والحمد لله رب العالمين، وقال قوم: إذا استكتم الشاهدان فهو

(1) في النسخة رقم 14 (ألفاظه)
(2) في النسخة رقم 14 لأربع نسوة
(3) الزيادة من النسخة رقم 16
465

نكاح سر وهو باطل *
قال أبو محمد: وهذا خطأ لوجهين، أحدهما انه لم يصح قط نهى عن نكاح السر
إذا شهد عليه عدلان، الثاني انه ليس سرا ما علمه خمسة الناكح والمنكح والمنكحة
والشاهدان قال الشاعر * ألا كل سر جاوز اثنين شائع * وقال غيره
السر يكتمه الاثنان بينهما * وكل سر عدا الاثنين منتشر
ومن أباح النكاح يستكتم فيه الشاهدان أبو حنيفة. والشافعي:
وأبو سليمان. وأصحابهم *
1829 مسألة والنكاح جائز بغير ذكر صداق لكن بأن يسكت جملة فان اشترط
فيه ان لا صداق فهو نكاح مفسوخ أبدا * برهان ذلك قول الله عز وجل: (لا جناح
عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فصحح الله عز وجل النكاح
الذي لم يفرض فيه للمرأة شئ إذ صحح فيه الطلاق والطلاق لا يصح الا بعد صحة النكاح،
وأما لو اشترط فيه ان لا صداق فهو مفسوخ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس
في كتاب الله عز وجل فهو باطل) وهذا شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل بل
في كتاب الله عز وجل ابطاله قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فإذ هو باطل
فالنكاح المذكور لم تنعقد صحته الا على تصحيح ما لا يصح فهو نكاح لا صحة له،
وبالله تعالى التوفيق *
1830 مسألة فإذا طلبت المنكحة التي لم يفرض لها صداق قضى لها به فان
تراضت هي وزوجها بشئ يجوز تملكه فهو صداق لا صداق لها غيره فان اختلف
قضى لها عليه بصداق مثلها أحب هو أو هي أو كرهت هي أو هو * برهان ذلك أنه
لا خلاف في صحة ما يتراضيان به مما يجوز تملكه وإنما خالف قوم في بعض الاعداد على
ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى، وقولهم ساقط نبينه بعد بحول الله تعالى وقوته، وأما
القضاء عليه وعليها بمهر مثلها فإنه قد أوجب الله عز وجل لها الصداق ولا بد من أن يقضى لها
به إذا طلبته، ولا يجوز أن يلزم ما طلبته هي إذ قد تطلب منه ما ليس في وسعه، وكذلك
لا يجوز أن تلزم هي ما أعطاها إذ قد يعطيها فلسا ولم يأت نص بالزامها ذلك ولا بالزامه
ما طلبت فإذ قد بطل هذان الوجهان فلم يبق الا صداق مثلها فهو الذي يقضى لها به
وبالله تعالى التوفيق *
1831 مسألة ولا يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها ولا
يلزمها حكم أبيها في ذلك وتبلغ إلى مهر مثلها ولا بد * برهان ذلك أنه حق لها بقول الله عز وجل:
466

(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فإذ هو حق لها ومن جملة مالها فلا حكم لأبيها في مالها لقول
الله عز وجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) ولا يجوز ان يقضى بتمام مهر مثلها
على أبيها الا أن يضمنه مختارا لذلك في ماله لان الله تعالى يقول: (ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والصداق بنص القرآن على
الزوج لا على الأب فالقضاء به على الأب في ماله قضاء ظلم وجور وأكل مال بالباطل
لا يحل، وقولنا في ذلك هو قول الشافعي. وأبي سليمان. وأبى يوسف: ومحمد بن الحسن،
وأجاز ذلك عليها أبو حنيفة. وزفر. ومالك والليث *
1832 مسألة ولا يحل للعبد ولا للأمة أن ينكحا الا باذن سيدهما فأيهما
نكح بغير اذن سيده عالما بالنهي الوارد في ذلك فعليه حد الزنا وهو زان وهي زانية ولا
يلحق الولد في ذلك * برهان ذلك ما روينا من طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل.
وعثمان بن أبي شيبة واللفظ له كلاهما عن وكيع نا الحسن بن صالح عن عبد الله
ابن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما عبد تزوج بغير
اذن مولاه فهو عاهر) * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج عن عبد الله بن محمد
ابن عقيل قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما عبد
نكح بغير اذن سيده فهو عاهر) واسم العبد واقع على الجنس فالذكور والإناث من
الرقيق داخلون تحت هذا الاسم، وأيضا فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) والأمة مال لسيدها فهي حرام عليه الا بانكاحها
إياه بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، وهو قول طائفة من السلف * روينا عن عمر
ابن الخطاب إذا نكح العبد بغير اذن مواليه فنكاحه حرام * ومن طريق عبد الرزاق
نا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر كان يرى إنكاح العبد بغير اذن
سيده زنا ويرى عليه الحد وعلى التي نكح إذا أصابها إذا علمت أنه عبد ويعاقب الذين
انكحوها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع أن ابن عمر
أخذ عبدا له نكح بغير اذنه ففرق بينهما وأبطل صداقه وضربه حدا * ومن طريق
حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال: إذا تزوج العبد بغير اذن سيده
جلد الحد وفرق بينهما ورد المهر إلى مولاه (1) وعزر الشهود الذين زوجوه (2)، وهذا
مسند في غاية الصحة عن ابن عمر رضي الله عنهما * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم
نا مغيرة. وعبيدة عن إبراهيم النخعي قال المغيرة في روايته عنه: إذا فرق المولى بينهما

(1) في النسخة رقم 16 إلى المولى
(2) في النسخة رقم 14 وجوه
467

فما وجد عندها من عين مال غلامه فهو له وما استهلكه فلا شئ عليها، وقال عبيدة في
روايته عنه: وما استهلكت فهو دين عليها قال هشيم: وهو القول * ومن طريق شعبة
عن الحكم بن عتيبة. وحماد بن أبي سليمان أنهما قالا في العبد يتزوج بغير اذن سيده انه
يفرق بينهما وينتزع الصداق منها وما استهلكته كان دينا عليها * ومن طريق وكيع
عن سفيان الثوري عن فراس عن عامر الشعبي في التي يتزوجها العبد بغير اذن سيده قال
يؤخذ منها ما لم يستهلكه وما استهلكت فلا شئ، وممن قال لا يجوز ولا إجازة فيه للسيد
لو أجازه الأوزاعي. والشافعي، وقال أبو حنيفة. ومالك: ان نكاح العبد بغير اذن
سيده ليس زنا بل إن أجازه السيد جاز بغير تجديد عقد، وموهوا في ذلك فان قالوا:
ان الخبر الذي احتججتم به انه عاهر ليس فيه إذا وطئها وأنتم تقولون: إذا لم يطأها فليس
عاهرا قلنا: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخبر بلفظ (إذا نكح) كما أوردناه
آنفا ونكح في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها وخاطبنا بها عليه الصلاة والسلام يقع على
العقد ويقع على الوطئ فلا يجوز تخصيص أحد المعنيين دون الآخر فصح أنه عليه
الصلاة والسلام إنما جعله زانيا إذا تزوج ونكح وبالله تعالى التوفيق، والعجب أنهم
جعلوا تفريق السيد ان فرق طلاقا، وهذا خطأ فاحش من وجوه، أحدها انه لا يخلو عقد
العبد على نفسه بغير اذن سيده ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما اما أن يكون صحيحا
واما أن يكون باطلا، فإن كان صحيحا فلا خيار للسيد في ابطال عقد صحيح وإن كان
باطلا فلا يجوز للسيد تصحيح الباطل وما عدا هذا فتخليط الا أن يأتي به فص فيوقف
عنده، ويكفى من هذا انه قول لم يوجب صحته قرآن. ولا سنة. ولا قياس. ولا رأى
له وجه يعقل، ولا تصح في هذا رواية عن أحد من الصحابة غير التي روينا عن ابن عمر،
وجاءت رواية لا تصح عن عمر. وعثمان قد خالفوها أيضا وتعلقوا برواية واهية ننبه
عليها إن شاء الله تعالى لئلا يموه بها مموه، وهي ما روينا من طريق وكيع عن العمرى
عن نافع عن ابن عمر قال: إذا تزوج العبد بغير اذن سيده فالطلاق بيد السيد وإذا نكح
باذن سيده فالطلاق بيد العبد * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم قال: أنا
ابن أبي ليلى. والحجاج هو ابن أرطاة والمغيرة هو ابن مقسم ويونس هو ابن عبيد
والحصين هو ابن عبد الرحمن وإسماعيل بن أبي خالد، قال ابن أبي ليلى. والحجاج
عن نافع عن ابن عمر، وقال الحجاج أيضا: عن إبراهيم النخعي عن شريح وقال المغيرة
عن إبراهيم النخعي، وقال يونس: عن الحسن البصري، وقال الحصين. وإسماعيل عن
الشعبي ثم اتفق ابن عمر. وشريح. وإبراهيم. والحسن. والشعبي. قالوا كلهم: إذا
468

تزوج بأمر مولاه فالطلاق بيده وإذا تزوج بغير امره فالامر إلى السيد ان شاء جمع
وان شاء فرق *
قال أبو محمد: العمرى هو عبد الله بن عمر بن حفص وهو ضعيف، وابن أبي
ليلى سيئ الحفظ ضعيف. والحجاج هالك، ومن السقوط. والباطل أن تعارض
برواية هؤلاء عن نافع رواية مثل أيوب السختياني. وموسى بن عقبة ويونس بن عبيد
عن نافع، والرواية عن شريح ساقطة لأنها عن الحجاج بن أرطاة، وأما إبراهيم. والشعبي.
فالرواية عنهما صحيحة الا أن أبا حنيفة. ومالكا خالفاهما في قولهما في المهر فما نعلمهم
تعلقوا الا بالحسن وحده *
1833 مسألة ولا تكون المرأة وليا في النكاح فان أرادت انكاح أمتها
أو عبدها أمرت أقرب الرجال إليها من عصبتها ان يأذن لها في النكاح فإن لم يكن لها عاصب
فالسلطان يأذن لها في النكاح * برهان ذلك قول الله عز وجل: (وأنكحوا الأيامى
منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) فصح يقينا أن المأمورين بانكاح العبيد
والإماء هم المأمورون بانكاح الأيامى لان الخطاب واحد ونص الآية يوجب
أن المأمورين بذلك الرجال في إنكاح الأيامى والعبيد والإماء فصح بهذا ان المرأة
لا تكون وليا في إنكاح أحد أصلا لكن لا بد من اذنها في ذلك والا فلا يجوز لقول
الله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت
أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن باذن أهلهن) *
1834 مسألة ولا يحل للسيد اجبار أمته أو عبده على النكاح لا من أجنبي
ولا من أجنبية ولا أحدهما من الآخر فان فعل فليس نكاحا * برهان ذلك قول الله
عز وجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه
باسناده: (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الثيب حتى تستأمر) وهو قول الشافعي.
وأبي سليمان، وقال أبو حنيفة في أحد قوليه: لا يزوج السيد عبده الا باذنه وله أن يزوج
أمته بغير اذنها وهو قول الحسن بن حي، وروى عن سفيان الثوري انه يزوجهما بغير
اذنهما (1)، وقال أبو يوسف. ومحمد بن الحسن. له أن يزوج أمته من عبده وأن
كرها جميعا، وروى هذا أيضا عن أبي حنيفة، وقال مالك: يكره الرجل أمته وعبده
على النكاح ولا ينكح أمته الا بمهر يدفعه إليها فيستحل به فرجها ولا يزوج أمته الفارهة
من عبده الأسود لا منظر له الا أن يكون على وجه النظر والصلاح يريد به عفة الغلام

(1) في النسخة رقم 16 انه يزوج أمته بغير اذنها
469

مثل أن يكون وكيله فإن كان على وجه الضرر بالجارية لم يجز، قال: ويكره الرجل أمته
المعتقة إلى سنين على النكاح *
قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر التناقض لأنه أجاز اكراه السيد لامته على النكاح
ومنع من إنكاحها الأسود إذا كان فيه ضرر عليها وأجازه إن كان وكيله وأراد عفته بذلك
فأول ذلك أنها دعاوى بلا برهان ثم المناقضة في منعه انكاحها إياه إذا كان فيه ضرر
عليها ولا ضرر أعظم من الكراهة والا فلم خص الأسود لولا الكراهة له إذ لو راعى
الضرر فقط لاستوى انكاحها من قرشي أبيض ومن أسودا إذا كان في ذلك ضرر من ضرب
أو اجاعة غير الكراهة، وأما من فرق بين اكراه الأمة فاجازه وبين اكراه العبد (1)
فلم يجزه فإنهم احتجوا بأنه لما كان الطلاق إلى العبد كان النكاح إليه ولما كان للسيد احتباس
بضع الأمة لنفسه كان له أن يملك بضعها غيره *
قال أبو محمد: وهذا قياس والقايس كله باطل، ثم لو صح شئ منه لكان هذا أسخف
قياس في الأرض لأنهم لم يوافقوا على أن الطلاق بيد العبد بل جابر وابن عباس وغيرهما
يقولان: الطلاق بيد السيد لا بيد العبد، وأما قياسهم تمليك بضع الأمة لغيره كما له ان
يحبسها لنفسه فسخف مضاعف لأنه لا خلاف ان للرجل احتباس بضع زوجته لنفسه
أفتراهم يقيسون على ذلك تمليك بضعها لغيره؟ ان هذا لعجب، وأما من أجاز اكراه
العبد والأمة سواء على النكاح فإنهم احتجوا بان الله تعالى أمر بانكاح العبيد والإماء
ولم يشترط رضى، ذكروا ما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج نا أبو الزبير انه
سمع جابر بن عبد الله يقول في الأمة والعبد: لسيدهما ان يجمع بينهما ويفرق بينما * وبما
رويناه من طريق سعيد بن منصور نا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون
المملوك على النكاح ويدخلونه على امرأته البيت ويغلقون عليهما الباب *
قال أبو محمد: أما قوله تعالى: في إنكاح العبيد والإماء فإنه عطف عز وجل
على أمره بالنكاح الأيامى منا ولم يشترط فيهن رضاهن فليلزمهم (2) أن يجيزوا
بذلك انكاح الحرة الثيب وان كرهت ان طردوا أصلهم الفاسد، فان شغبوا أيضا
بقوله تعالى: (فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) إلى قوله تعالى (فأنكحوهن
بأذن أهلهن) ولم يشترط رضاهن قلنا: وقد قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مثنى وثلاث ورباع) ولم يشترط رضاهن، وكل هذا قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم
في أن لا تنكح بكر حتى تستأذن ولا ثيب حتى تستأمر ولم يخص حرة من مملوكة:

(1) في النسخة رقم 14 وبين انكاح العبد
(2) في النسخة رقم 14 فيلزمهم
470

(وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى * وما كان ربك نسيا * ولتبين للناس ما نزل
إليهم) فهذا هو البيان الذي لا يحتاج إلى غيره لا كالآراء المتخاذلة والدعاوى الفاسدة،
وأما خبر جابر فليس لهم فيه متعلق لان معنى قوله رضي الله عنه لسيدهما ان يجمع بينهما
ويفرق فقول صحيح له أن يجمع بينهما بان يهبها له وله أن يفرق بينهما بان ينتزعها منه
كما ينتزع سائر ماله وكسبه، وأما قول إبراهيم فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * 1835 مسألة وكل ثيب فاذنها في نكاحها لا يكون الا بكلامها بما يعرف
به رضاها وكل بكر فلا يكون اذنها في نكاحها الا بسكوتها فان سكتت فقد أذنت
ولزمها النكاح فان تكلمت بالرضا أو بالمنع أو غير ذلك فلا ينعقد بهذا نكاح عليها *
برهان ذلك ما ذكرناه قبل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البكر: (اذنها صماتها)
وما رويناه عن مسلم حدثني عبيد الله بن عمر القواريري نا خالد بن الحارث نا هشام هو
الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير نا أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف نا أبو هريرة
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن
قالوا: يا رسول الله وكيف اذنها؟ قال: ان تسكت) *
قال أبو محمد: فذهب قوم من الخوالف إلى أن البكر أن تكلمت بالرضى فان
النكاح يصح بذلك خلافا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى الصحابة رضي الله عنهم فسبحان
الذي أوهمهم أنهم أصح اذهانا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع في نفوسهم انهم
وقفوا على فهم وبيان غاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله عن مثل هذا، فأما رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإنه أبطل النكاح كما تسمعون عن البكر ما لم تستأذن فتسكت وأجازه إذا
استأذنت فسكتت بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تنكح البكر حتى تستأذن واذنها
صماتها) وأما الصحابة فإنهم كما أوردنا في الخبر المذكور آنفا لم يعرفوا ما اذن البكر
حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه والا فكان سؤالهم عند هؤلاء فضولا وحاش لهم
من ذلك فتنبه هؤلاء لما لم يتنبه له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نبه عنه عليه السلام وهذا
كما ترون، وما علمنا أحدا من السلف روى عنه أن كلام البكر يكون رضى، وقد
روينا عن عمر بن الخطاب. وعلى وغيرهما ان أذنها هو السكوت، ومن عجائب الدنيا
قول مالك: ان العانس البكر لا يكون اذنها الا بالكلام، وهذا مع مخالفته لنص
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي غاية الفساد لأنه أوجب فرضا على العانس ما أسقطه عن
غيرها فلوددنا أن يعرفونا الحد الذي إذا بلغته المرأة انتقل فرضها إلى ما ذكر، وبالله
تعالى التوفيق *
471

1836 مسألة والصداق. والنفقة. والكسوة مقضى بها للمرأة على زوجها
المملوك كما يقضى بها على الحر ولا فرق سواء كانت حرة أو أمة والصداق للأمة الا
ان للسيد أن ينتزعه كسائر مالها * برهان ذلك قول الله عز وجل: (وآتوا السناء صدقاتهن
نخلة) وقوله تعالى في الأيامى: (فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن) فخاطب
تعالى الأزواج عموما لم يخص حرا من عبد وأوجب بنص كلامه الذي لا يعارضه الا
مخذول إيتاء الصداق للأمة لا لغيرها، وكذلك أوجب الله عز وجل النفقة
والكسوة. والاسكان على الأزواج (1) للزوجات فان عجز العبد أو الحر عن الصداق
أو بعضه وعن النفقة. والكسوة أو بعضها فالصداق دين عليه في ذمته والنفقة. والكسوة
ساقطة عنه ويؤخذ كل ذلك من خراج العبد ومن سائر كسبه وهو قول الشعبي (2)
كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا الشيباني هو أبو إسحق عن الشعبي
قال: يبدأ العبد بنفقته على أهله قبل الذي عليه لمواليه (3) يعنى نفقة امرأته
وقال أبو حنيفة. وأصحابه: إذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر عليه فان دخل بها وجب
بيعه في الصداق وفى النفقة فان فداه السيد فذلك له وان أسلمه للمرأة وجبت رقبته للمرأة
ملكا وانفسخ النكاح قالوا: فلو أنكح عبده أمته فلا يحتاج في ذلك إلى صداق أصلا
لا قبل الدخول ولا بعده، وقال مالك: المهر في ذمة العبد ويؤخذ من ماله ان وهب له
ولا يؤخذ من خراجه فإن لم يوجد له مال وهب له فهو دين في ذمته إذا أعتق، وقال
الأوزاعي: المهر في ذمة الزوج إذا أعتق، وقال الليث: السيد ضامن لنفقة المرأة ان
لم يكن للعبد مال فإن كان للعبد فضل مال أخذت نفقة امرأته منه فإن لم يكن له فضل مال
عن خراجه فرق بينهما، وقال الشافعي: الصداق في ذمة العبد والنفقة عليه إن كان
مأذونا له في التجارة *
قال أبو محمد رضي الله عنه: تخصيص الشافعي المأذون له في التجارة لا وجه له وقد
يكسب المال من غير التجارة لكن بعمل أو من صنيعة، وأما قول الليث: ان لم يكن
للعبد عن خراجه فضل فرق بينه وبين امرأته فخطأ لأنه لا يخفى من العبيد من له فضل عن
خراجه ممن لا فضل له عنه لأنه إذا جعل الخراج للسيد لا يخرج منه نفقة الزوجة فقد صار
النكاح لغوا إذا تيقن ان الفسخ يتلوه (4) وأما تخصيص مالك ان تؤخذ النفقة
والصداق من غير خراجه فقول بلا برهان لان الخراج كسائر كسب العبد لا يكون

(1) في النسخة رقم 14 على الزوج
(2) في النسخة رقم 16 الشافعي وهو غلط يشهد له ما بعده
(3) في النسخة رقم 14 قبل غلته لمواليه
(4) في النسخة رقم 16 بعده
472

للسيد فيه حق أصلا الا حتى يصح ملك العبد له بإجازته أو ببيعه فيه، فإذا صح ملك العبد
له كان للسيد حينئذ ان يأخذه منه ولا شك في أن السيد لم يملك قط من خراج العبد فلسا قبل
أن يجب للعبد بعمله أو ببيعه فيه فإذا صار للعبد فليس السيد أولى به من سائر من له عند
العبد حق كالزوجة والغرماء، وأما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد لأنه أجاز نكاحا بلا
صداق، وهذا خلاف القرآن كما أوردنا ثم جعل نكاحه الذي أمر الله تعالى به برضى
سيده ووطئه لامرأته التي أباح الله تعالى وطأه لها ويأجره عليه جناية ودينا يباع
فيه أو تسلم رقبته، ولا شك في أن رقبة العبد ملك للسيد فبأي شئ أباح لها مال السيد
الذي حرمه الله تعالى عليها؟ وهذا كلام يغنى سماعه عن تكلف الرد عليه مع أنه قول لا يعلم
أحد قاله قبلهم، وقد ذكر بعضهم في ذلك ما رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا بأس أن يزوج الرجل أمته عبده بغير مهر *
قال أبو محمد: وهذا تمويه من الذي أورد هذا الخبر لان ابن عباس إنما عنى بغير
ذكر مهر وهذا جائز لكل أحد حتى إذا طلبته أو طلبه ورثتها قضى لها أو لهم كما أمر
الله تعالى بذلك *
1837 مسألة ولا يكون الكافر وليا للمسلمة ولا المسلم وليا للكافرة، الأب
وغيره سواء والكافر ولى للكافرة التي هي وليته ينكحها من المسلم والكافر *
برهان ذلك قول الله عز وجل: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)،
وقال تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) وهو قول من حفظنا قوله الا ابن
وهب صاحب مالك قال: ان المسلم يكون وليا لابنته الكافرة في إنكاحها من المسلم أو من
الكافر، وهذا خطأ لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
1838 مسألة وجائز لولى المرأة أن ينكحها من نفسه إذا رضيت به زوجا
ولم يكن أحد أقرب إليها منه والا فلا وهو قول مالك. وأبي حنيفة، وذهب الشافعي.
وأبو سليمان إلى أن لا ينكحها هو من نفسه، واحتجوا بان النكاح يحتاج إلى ناكح ومنكح
فلا يجوز أن يكون الناكح هو المنكح، وقال أصحاب القياس منهم: كما لا يبيع من نفسه
كذلك لا ينكح من نفسه *
قال على: واحتجوا أيضا بما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا محمد
ابن سالم عن الشعبي ان المغيرة بن شعبة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى
عبد الله بن أبي عقيل فقال: زوجنيها فقال: ما كنت لأفعل أنت أمير البلد وابن عمها فأرسل
المغيرة إلى عثمان بن أبي العاصي فزوجها منه *
473

قال أبو محمد: المغيرة هو ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن مغيث بن مالك
ابن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف وعروة بن مسعود بن مغيث المذكور.
وعبد الله بن أبي عقيل بن مسعود بن عمرو بن عامر بن مغيث المذكور، وعثمان بن أبي
العاصي لا يجتمع معهم الا في ثقيف لأنه من ولد جشم بن ثقيف * ونا بهذا أيضا محمد
ابن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا
محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير قال: ان
المغيرة بن شعبة أمر رجلا ان يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه *
قال أبو محمد: أما قولهم: ان النكاح يحتاج إلى ناكح ومنكح فنعم، وأما
قولهم: انه لا يجوز أن يكون الناكح هو المنكح ففي هذا نازعناهم بل جائز أن يكون
الناكح هو المنكح فدعوى كدعوى، وأما قولهم كما لا يجوز ان يبيع من نفسه فهي جملة
لا تصح كما ذكروا بل جائز ان وكل ببيع شئ ان يبتاعه لنفسه إذا لم يحابها بشئ، وأما
خبر المغيرة فلا حجة فيمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقي علينا أن نأتي بالبرهان على صحة
قولنا فوجدنا ما رويناه من طريق البخاري نا مسدد عن عبد الوارث بن سعيد عن شعيب
ابن الحبحاب عن أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها وجعل
عتقها صداقها وأولم عليها بحيس) *
قال أبو محمد: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج مولاته من نفسه وهو الحجة على
من سواه، وأيضا فإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير اذن مولاها فنكاحها
باطل) فمن أنكح وليته من نفسه باذنها فقد نكحت باذن وليها فهو نكاح صحيح ولم
يشترط عليه الصلاة والسلام أن يكون المولى غير الناكح ولا بد فإذ لم يمنع منه عليه الصلاة
والسلام فهو جائز قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فهذا مما لم يفصل
علينا تحريمه، وقال تعالى: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم)
فمن أنكح أيمة من نفسه برضاها فقد فعل ما أمره الله تعالى به ولم يمنع عز وجل من أن
يكون المنكح لايمة هو الناكح لها فصح انه الواجب وبالله تعالى التوفيق *
1839 مسألة ولا يحل للزانية أن تنكح أحدا لا زانيا ولا عفيفا حتى تتوب
فإذا تابت حل لها الزواج من عفيف حينئذ ولا يحل للزاني المسلم أن يتزوج مسلمة لا زانية
ولا عفيفة حتى يتوب فإذا تاب حل له نكاح العفيفة المسلمة حينئذ، وللزاني المسلم أن
ينكح (1) كتابية عفيفة وان لم يتب فان وقع شئ مما ذكرنا فهو مفسوخ أبدا فان نكح

(1) في النسخة رقم 14 ان يتزوج
474

عفيف عفيفة ثم زنى أحدهما أو كلاهما لم يفسخ النكاح بذلك، وقد قال بهذا طائفة من
السلف كما روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن عمرو بن مروان عن
عبد الرحمن الصدائي عن علي بن أبي طالب أن رجلا أتى إليه فقال: ان لي ابنة عم أهواها
وقد كنت نلت منها فقال له على: إن كان شيئا باطنا يعنى الجماع فلا وإن كان شيئا
ظاهرا يعنى القبلة فلا بأس * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن إدريس الأودي
عن ليث بن أبي سليم عن ابن سابط ان علي بن أبي طالب أتى بمحدود تزوج غير محدودة
ففرق بينهما * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن عبد الله نا يحيى بن سعيد
القطان نا شعبة نا قتادة. والحكم بن عتيبة كلاهما عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن ابن
مسعود في الذي يتزوج المرأة بعد أن زنى بها قال ابن مسعود: لا يزالان زانيين * وبه إلى
علي بن عبد الله نا سفيان بن عيينة. وعبد الرزاق قال عبد الرزاق: انا معمر ثم اتفق
سفيان. ومعمر قالا جميعا: انا الحكم بن ابان أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن الرجل
يزني بالمرأة ثم ينكحها؟ فقال سالم: سئل عن ذلك ابن مسعود فقال: (وهو الذي يقبل
التوبة عن عباده) الآية *
قال أبو محمد: القولان منه متفقان لأنه إنما أباح نكاحها بعد التوبة * ومن طريق
ابن أبي شيبة نا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: قالت عائشة أم المؤمنين
رضي الله عنها: لا يزالان زانيين ما اصطحبا يعنى الرجل يتزوج امرأة زنى بها *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا أسباط عن مطرف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب في
الرجل يفجر بالمرأة ثم يريد نكاحها * (1) قال: لا يزالان زانين أبدا * ومن طريق
ابن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن عبد الله قال:
إذا تابا وأصلحا فلا بأس يعنى الرجل يزني بالمرأة ثم يريد نكاحها * ومن طريق
إسماعيل بن إسحاق نا عبد الواحد بن غياث نا أبو عوانة عن موسى بن السائب عن معاوية
ابن قرة عن ابن عمر انه سئل عن رجل فجر بامرأة أيتزوجها؟ قال: ان تابا وأصلحا *
ومن طريق إسماعيل نا حجاج بن المنهال. وسليمان بن حرب (2) قالا جميعا:
نا حماد بن سلمة عن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: لا ينكح المجلود الا
مجلودة * ومن طريق إسماعيل نا سليمان بن حرب نا أبو هلال نا قتادة عن الحسن قال:
قال عمر بن الخطاب: لقد هممت ان لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الاسلام يتزوج محصنة
فقال له أبي بن كعب: يا أمير المؤمنين: الشرك أعظم من ذلك فقد يقبل منه إذا تاب *

(1) في النسخة رقم 14 يتزوجها
(2) في النسخة رقم 14 سليم بن حرب وهو تحريف من النساخ يؤيده ما بعده
475

ومن طريق إسماعيل نا علي بن عبد الله نا سفيان بن عيينة قال: قال عبيد الله بن أبي يزيد
سمعت ابن عباس يقول: الزاني لا ينكح الا زانية قال: هو حكم بينهما، وصح مثل هذا
عن إبراهيم النخعي. وسعيد بن المسيب. وصلة بن اشيم. وعطاء. وسليمان بن يسار.
ومكحول. والزهري وابن قسيط. وقتادة. وغيرهم، وقد جاء إباحة نكاحهما عن أبي
بكر. وعمر. وابن عباس. وابن عمر *
قال أبو محمد: والحجة لقولنا هو قول الله عز وجل: (الزاني لا ينكح الا زانية أو
مشركة والزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) فقال قوم: روى
عن سعيد بن المسيب أنه قال: يزعمون أنها نسخت بالآية التي بعدها (وأنكحوا الأيامى
منكم والصالحين من عبدكم وإمائكم) *
قال أبو محمد: وهذه دعوى بلا برهان ولا يجوز أن يقال في قرآن أو سنة: هذا
منسوخ الا بيقين يقطع به لا بظن لا يصح وإنما الفرض استعمال النصوص كلها، فمعنى
قوله تعالى: (وانكحوا الأيامى منكم) وقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مثنى) الا ما حرم عليكم من الأقارب وغيرهن هذا ما لا شك فيه ونكاح الزانية
ونكاح الزاني لمؤمنة مما حرم علينا فهو مستثنى من ذلك العموم بلا شك كاستثناء سائر ما حرم
علينا من النساء، وقال آخرون: معنى ينكح ههنا يطأ ليس معناه يتزوج *
قال أبو محمد: وهذه دعوى أخرى بلا برهان وتخصيص للآية بالظن الكاذب، ولو
كان ما قالوه لحرم على الزوج وطئ زوجته إذا زنت وهذا لا يقولونه، فان قالوا: إنما
حرم وطؤها بالزنا فقط قلنا: وهذه زيادة في التخصيص بلا برهان ودعوى كاذبة
بيقين إذ لا دليل عليها، وهذا لا يحل في دين الله عز وجل مع أنه تفسير كاذب بيقين لأننا قد
نجد الزاني يستكره العفيفة المسلمة فيكون زانيا بغير زانية وحاش لله من أن نقول ما يدفعه
العيان، وإنما الرواية عن أبي بكر. وعمر رضي الله عنهما بحضرة الصحابة فكما
حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق
القاضي نا علي بن عبد الله هو ابن المديني نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة نا محمد
ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: بينما أبو بكر الصديق في المسجد إذ جاء رجل فلاث
عليه لوثا من كلام وهو دهش فقال أبو بكر لعمر: قم فانظر في شأنه فان له شأنا فقام إليه عمر
فقال له: ان ضيفا ضافني فزنى بابنته فضرب عمر في صدره وقال له: قبحك الله
ألا سترت على ابنتك فأمر بهما أبو بكر فضربا الحد ثم زوج أحدهما الآخر ثم أمر
بهما أن يغربا حولا *
476

قال أبو محمد: هذا لا حجة لهم فيه لان الأظهر انه كان بعد توبتهما وهو حجة
علهم لان فيه أن أبا بكر غربهما حولا والحنيفيون لا يرون تغريبا في الزنا جملة،
والمالكيون لا يرون تغيب المرأة في الزنا فهذا فعل أبى بكر. وعمر بحضرة الصحابة
رضي الله عنهم بخلافهم * وروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن
المديني نا يزيد بن زريع نا حبيب هو المعلم قال: جاء رجل من أهل الكوفة إلى عمرو
ابن شعيب فقال له: الا تعجب من الحسن يزعم أن المجلود الزاني لا ينكح الا مثله
يتأول بذلك هذه الآية (الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة) فقال له عمرو بن شعيب:
وما تعجب * نا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا ينكح الزاني المجلود الا مثله)، وكان عبد الله بن عمرو ينادى به نداء * نا حمام نا
عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر هو ابن حماد نا مسدد نا المعتمر
هو ابن سليمان التيمي قال: سمعت أبي يقول: حدثني الحضرمي بن لاحق عن القاسم
ابن محمد بن أبي بكر الصديق عن عبد الله بن عمرو بن العاص (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
استأذنه رجل من المهاجرين في امرأة يقال لها: أم مهزول أو ذكر له أمرها فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة فأنزلت (والزانية لا ينكحها
الا زان أو مشرك) * ومن طريق أبى داود نا موسى بن إسماعيل نا أبان هو ابن
يزيد العطار عن يحيى هو ابن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن
السائب بن يزيد عن رافع بن خديج (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث ومهر البغي خبيث) *
قال أبو محمد: لا يسمى في الديانة ولا في اللغة أجرة الزنا مهرا إنما المهر في الزواج
فإذا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهرها فقد حرم زواجها إذ لا بد في الزواج من مهر
ضرورة هذا لا اشكال فيه فإذا تابت فليس مهرها مهر بغى فهو حلال ومن ادعى غير
هذا فقد ادعى ما لا برهان له به فهو باطل وبالله تعالى التوفيق * وأما التي تزوجها
عفيف وهي عفيفة ثم زنا أحدهما أو كلاهما فإنما قلنا: إنه لا يفسخ نكاحهما لما رويناه
من طريق أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه نا النضر بن شميل
نا حماد بن سلمة أنا هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس
(ان رجلا قال: يا رسول الله ان تحتي امرأة جميلة لا ترد يد لامس قال: طلقها قال:
أنى لا اصبر عنها قال: فأمسكها) وقد أقر ماعز بالزنا وهو محصن فسأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عنه أبكر أم ثيب؟ فقيل له: بل ثيب فأمر برجمه ولم يفسخ نكاحه * وقد جاء
في هذا خلاف قديم * ورينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا الحجاج بن
477

المنهال نا حماد بن سلمة عن قتادة ان علي بن أبي طالب قال في البكر إذا زنى قبل أن يدخل
باهله: جلد الحد وفرق بينه وبين أهله ولها نصف الصداق فان زنت هي جلدت وفرق بينهما
ولا صداق لها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن إدريس الأودي هو عبد الله عن
أشعث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: البكر إذا زنت جلدت وفرق بينها وبين
زوجها وليس لها شئ * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبدة عن سعيد عن علي بن ثابت عن
نافع عن ابن عمر قال: إذا رأى أحدكم امرأته على فاحشة أو أم ولده فلا يقربنها، وهو
قول الحسن. وطاوس. والنخعي. وحماد بن أبي سليمان. وغيرهم ولكن لا حجة في أحد
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وههنا خبر لو صح لقلنا به * ورويناه من طريق سعيد بن المسيب
عن بصرة بن أكثم (ان امرأة زنت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدها عبدا لزوجها) ولا
نعلم لسعيد سماعا من بصرة، وقد قال بعضهم: نضرة *
1840 مسألة ولا يحل لاحد ان يخطب امرأة معتدة من طلاق أو وفاة،
فان تزوجها قبل تمام العدة فسخ أبدا دخل بها أو لم يدخل طالت مدته معها أو لم تطل،
ولا توارث بينهما ولا نفقة لها عليه ولا صداق ولا مهر لها، فإن كان أحدهما عالما
فعليه حد الزنى من الرجم والجلد، وكذلك ان علما جميعا ولا يلحق الولد به إن كان عالما
وإن كانا جاهلين فلا شئ عليهما فإن كان أحدهما جاهلا فلا حد على الجاهل فإن كان هو
الجاهل فالولد به لاحق فإذا فسخ النكاح وتمت عدتها فله أن يتزوجها ان أرادت ذلك
كسائر الناس الا أن يكون الرجل طلق امرأته فله أن يرتجعها في عدتها منه ما لم يكن
طلاق ثلاث، وكذلك الرجل تكون تحته الأمة ويدخل بها فتعتق فتخير فتختار
فراقه ويفسخ نكاحه فتعتد بحمل أو بالأطهار أو بالشهور فله وحده دون سائر الناس
أن يخطبها في عدتها منه فان رضيت به فله نكاحها ووطؤها *
برهان ما قلنا قول الله عز وجل: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة
النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله انكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا
الا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا
أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) *
وأما قولنا: لا توارث ولا نفقة ولا كسوة ولا صداق بكل حال جهلا أو علما
فلانه ليس نكاحها لان الله تعالى أحل النكاح ولم يحل هذا العقد بلا خلاف من
أحد فإذ ليس نكاحا فلا توارث ولا كسوة ولا نفقة الا في نكاح، وأما الحاق الولد
بالرجل الجاهل فلا خلاف فيه، وأما وجوب الحد على العالم فلان الله تعالى يقول:
478

(والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين
فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وهذه ليست زوجا ولا ملك يمين فهو عاهر،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فلم يجعل عليه الصلاة
والسلام الا فراشا أو عهرا، وهذه ليست فراشا فهو عهر والعهر الزنا وعلى الزاني الحد
ولا حد على الجاهل المخطئ لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به
ولكن ما تعمدت قلوبكم) ولقوله تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ) وهذا لم يبلغه فلا شئ
عليه، وأما المعتقة تخير فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (لو راجعتيه) وسنذكره في
بابه إن شاء الله عز وجل * وأما قولنا: ان الناكح في العدة الواطئ فيها جاهلا كان أو
عالما فحد وكان غير محصن ولم تحد هي لجهلها أو لم ترجم لأنها كانت بكرا معتدة من وفاة
فله أن يتزوجها بعد تمام عدتها التي تزوجها فيها فلان الله عز وجل ذكر لنا كل ما حرم
علينا من النساء في قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) الآية إلى قوله
تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) فلم يذكر لنا المنكوحة في العدة المدخول بها فيها في
جملة ما حرم علينا ابتداء النكاح فيها بعد تمام عدتها فإذ لم يذكرها تعالى لا في هذه الآية
ولا في غيرها ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد أحلها الله تعالى في القرآن نصا بقوله
عز وجل: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)
وقولنا هذا هو قول الحسن. وحماد بن أبي سليمان. وأبي حنيفة. وأصحابه، وسفيان
الثوري. والشافعي. وأبي سليمان. وأصحابهم، وقال سعيد بن المسيب. وربيعة. ومالك.
والليث. والأوزاعي: لا تحل له أبدا. وقال مالك. والليث: ولا بملك اليمين،
وما لمن قال هذا حجة أصلا الا شغيبتان، إحداهما أنهم قالوا. تعجل شيئا قبل وقته
فواجب ان يحرم عليه في الأبد (1) كالقاتل العامد يمنع الميراث.
قال أبو محمد: وهذا من أسخف قول يسمع قبل كل شئ من أين وضح لهم تحريم
الميراث على القاتل ولا نص يصح فيه ولا اجماع؟ قد أوجب الميراث لقاتل العمد الزهري.
وسعيد بن جبير. وغيرهما، ثم من أين لهم ان من تعجل شيئا قبل وقته وجب ان
يحرم عليه ابدا، وأي نص جاء بهذا أو أي عقل دل عليه؟ ثم لو صح لهم ان القاتل
يمنع من الميراث فمن أين لهم ان ذلك لتعجيله إياه قبل وقته؟ وكل هذا كذب وظن
فاسد وتخرص بالباطل، ويلزمهم ان طردوا هذا الدليل السخيف ان يقولوا فيمن غصب
مال موروثه: ان يحرم عليه في الأبد لأنه استعجله قبل وقته، وان يقولوا في امرأة

(1) في النسخة رقم 14 أبدا
479

سافرت في عدتها: ان يحرم عليها السفر ابدا. ومن تطيب في احرامه: ان يحرم
عليه الطيب ابدا: وان يقولوا فيمن اشتهى شيئا وهو صائم في رمضان فأكله أو وطئ
جاريته أو أمته وهو صائم في رمضان أو وهي حائض: أن يحرم عليه ذلك الطعام
في الأبد وتحرم عليه تلك الأمة أو امرأته في الأبد لأنه تعجل كل ذلك قبل وقته،
والذي يلزمهم أكثر من هذا * والثانية رواية عن عمر رضي الله عنه منقطعة منها ما حدثناه
يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام
الخشني نا محمد بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا صالح بن مسلم: قلت للشعبي: رجل
طلق امرأته تطليقة فجاء آخر فتزوجها في عدتها؟ فقال الشعبي: قال عمر بن الخطاب:
يفرق بينها وبين زوجها وتكمل عدتها الأولى وتأتنف من هذه عدة جديدة ويجعل
صداقها في بيت المال ولا يتزوجها ابدا ويصير الأول خاطبا، وقال علي بن أبي طالب:
يفرق بينهما وتكمل عدتها الأولى وتستقبل من هذا عدة جديدة ولها الصداق بما
استحل من فرجها ويصير كلاهما خاطبين قد أخبرتك بقول هذين فان أخبرتك برأي
قبل عليه، وجاء هذا عن عمر من طرق ليس منها شئ يتصل، وروى خلافها كما
ذكرنا عن علي. وابن مسعود *
قال أبو محمد: لا عجب أعجب من تعلق هؤلاء القوم بروايات منقطعة عن عمر قد
خالفه على فيها فمن جعل قول أحدهما أولى من الآخر بلا برهان، وثانية انهم قد خالفوا عمر
فيما صح عنه يقينا من هذه القضية إذ جعل مهرها في بيت المال كما روينا من طريق وكيع
عن زكريا بن أبي زائدة. وإسماعيل بن أبي خالد كلاهما عن الشعبي عن مسروق أن امرأة
نكحت في عدتها ففرق بينهما عمر وجعل مهرها في بيت المال وقال: نكاحها حرام ومهرها
حرام * نا يونس بن عبد الله نا أبو بكر بن أحمد بن خالد نا أبى نا علي بن عبد العزيز نا
أبو عبيد القاسم بن سلام نا يزيد عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق أو عن عبيد
ابن نضلة عن مسروق شك داود في أحدهما، وقال رفع إلى عمر امرأة نكحت في
عدتها فقال: لو أنكما علمتما لرجمتكما فضربهما أسواطا وفرق بينهما وجعل المهر في
سبيل الله عز وجل وقال: لا أجيز مهرا لا أجيز نكاحه *
قال أبو محمد: عبيد بن نضلة امام ثقة ومسروق كذلك فلا نبالي عن أيهما رواه
وقد ثبت داود بن أبي هند على أنه عن أحدهما بلا شك * قال على: فخالفوه في جعل
مهرها في بيت المال وهو الثابت عن عمر فهان عليهم خلافه في الحق واتبعوه فيما لا برهان
على صحته فيما قد خالفه فيه غيره من الصحابة كما أوردنا * وثالثة وهي انه قد صح رجوع
480

عمر عن ذلك كما روينا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن
الشعبي عن مسروق عن عمر قال: مهرها في بيت المال ولا يجتمعان يعنى التي نكحت
في العدة ودخل بها الذي نكحها وقال سفيان: فأخبرني أشعث عن الشعبي عن مسروق ان
عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان فأي شئ أعجب من تماديهما على
خلاف عمر في الثابت عنه من أن يجعل مهرها في بيت المال وعلى قوله قد رجع عمر عنها
وكفى بهما خطأ * ورابعة انه قد صح عن عمر ما حدثناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول
جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب بالجابية نكحت عبدها فانهرها عمر وهم أن يرجمها وقال
لها: لا يحل لك مسلم بعده، فهذا أصح سند عن عمر بحضرة الصحابة ولم يلفتوا إليه
ولجوا في الخطأ تقليد الخطأ مالك بعد رجوع عمر عنه ونسأل الله العافية *
ومن عجائب الدنيا قولهم: من اشترى أمة فوجدها حاملا من زوج كان لها فمات
بعد ان وطئها فإنه لا يحل له أبدا ولا بملك اليمين، وقالوا: من تزوج امرأة لا زوج
لها فدخل بها فوطئها ثم ظهر بها حمل من زنا أو من غصب كان بها قبل نكاحه فإنها لا تحل له
أبدا ما ندري لماذا؟ وقال: من تزوج أمة أعتقت قبل إن تتم حيضة بعد عتقها فدخل
بها حرمت عليه في الأبد، فلجوا هذا اللجاج الفاسد ثم لم يلبثوا ان قالوا: من تزوج
امرأة لها زوج قائم حي حاضر أو غائب يظنان انه قد مات أو يوقنان بحياته فدخل بها فوطئها
انها لا تحرم عليه في الأبد بل له ان يتزوجها ان طلقها الزوج أو مات وهذا هو المستعجل
قبل الوقت بلا شك وقالوا: من زنى بامرأة لم تحرم عليه في الأبد فرأوا الزنا أخف من
زواج الجاهل في العدة ورأوا ما لا حد فيه ولا اثم للجهالة أغلظ من الحرام المتيقن فهل في
أعجب أكثر من هذا؟ ونسأل الله العافية *
1841 مسألة ومن انفسخ نكاحه بعد صحته بما يوجب فسخه فلها المهر
المسمى كله فإن لم يسم لها صداقا فلها مهر مثلها دخل بها أو لم يدخل * برهان ذلك قول الله
عز وجل: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فالصداق واجب لها بصحة العقد دخل بها أو
لم يدخل فإذا انفسخ فحقها في الصداق باق كما لو مات ولا فرق، ومن ادعى انه ليس لها في
الفسخ قبل الدخول الا نصف الصداق فإنما قاله قياسا على الطلاق قبل الدخول والقياس
كله باطل ولو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا لان الطلاق فعل المطلق والفسخ ليس
فعله فلا تشابه بين الفسخ والطلاق بل الفسخ بالموت أشبه لأنهما يقعان بغير اختيار الزوج
ولا يقع الطلاق الا باختياره، وكذلك من أسقط جميع الصداق في بعض وجوه الفسخ
481

إذا جاء الفسخ من قبلها فقوله باطل لأنه اسقاط لما أوجبه الله تعالى بلا برهان
وبالله تعالى التوفيق *
1842 مسألة ومن طلق قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق الذي سمى
لها، وكذلك لو دخل بها ولم يطأها طال مقامه معها أو لم يطل هذا في كل مهر كان بصفة
غير معين كعدد. أو وزن. أو كيل أو شئ موصوف. أو في مكان بعينه ان وجد صحيحا،
وسواء كان تزوجها بصداق مسمى في نفس العقد أو تراضيا عليه بعد ذلك أو لم يتراضيا
فقضى لها بمهر مثلها *
برهان ذلك قول الله عز وجل: (وان طلقتموهن من قبل إن تمسوهن وقد
فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) الآية، وفيما ذكرنا اختلاف قديم وحديث في
دخوله بها ولم يطأها وفى ضياع المهر وفى الفرق بين كون الصداق مفروضا في العقد وبين
تراضيهما عليه بعد العقد أو الحكم لها به عليه والتسوية بين ذلك كله، فاما الاختلاف في
الفرق بين كون الصداق مفروضا في العقد وبين تراضيهما بعد العقد أو الحكم لها به
عليه فان أبا حنيفة وأصحابه قالوا: إنما يقضى لها بنصف الصداق إذا كان الصداق مفروضا
لها في نفس العقد، وأما ان تراضيا عليه بعد ذلك أو اختلفا فيه فحكم عليه بمهر مثلها فههنا
ان طلقها قبل الدخول فلا شئ لها الا المتعة، وقال مالك. والشافعي. وأبو سليمان
وأصحابهم: لها النصف في كل ذلك *
قال أبو محمد: وبهذا نأخذ لان قول الله تعالى: (فنصف ما فرضتم) عموم لكل
صداق في نكاح صحيح فرضه الناكح في العقد أو بعده ولم يقل عز وجل فنصف ما فرضتم
في نفس العقد، والزائد لهذا الحكم مخطئ مبطل متعد لحدود الله تعالى، وأما الذي
فرض عليه الحكم صداق مثلها فإنه وإن كان قد أبى من الواجب عليه في ذلك فحكم الله
تعالى عليه بقوله الصادق: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) موجب عليه ان يفرض لها
أحد وجهين لا بد له من أحدهما ضرورة اما ما رضيت واما مهر مثلها فأيهما لزمه برضاه أو
بحكم حق فقد فرضه لها إذ عقد نكاحها يقينا في علم الله عز وجل وقد وجب لها في ماله وما
نعلم لمن خالف هذا حجة أصلا، ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ان الله تعالى لو أراد بقوله:
(فنصف ما فرضتم) في نفس العقد خاصة لبينه لنا ولم يهمله حتى يبينه لنا أبو حنيفة
وما هنالك، فإذ لاشك في هذا فقد أيقنا ان الله تعالى أراد بكل حال، وأما من دخل
بزوجته ولم يطأها طال مقامه معها أو لم يطل فان الناس قد اختلفوا فيه * فروينا من
طريق أبى عبيد نا إسماعيل بن إبراهيم عن عوف بن أبي جميلة عن زرارة بن أوفى قال: قضى
482

الخلفاء الراشدون المهديون انه إذا أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب الصداق *
ومن طريق وكيع عن موسى بن عبيدة عن نافع بن جبير قال: كان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا أرخى الستر أو أغلق الباب فقد وجب الصداق * ومن
طريق عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي
هريرة قال: قال عمر بن الخطاب: إذا أرخيت الستر وغلقت الأبواب
فقد وجب الصداق، هذا صحيح عن عمر * ومن طريق أبى عبيد نا يزيد هو ابن
هارون عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن
عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما قالا جميعا: إذا أرخيت الستور
فقد وجب الصداق * ومن طريق أبى عبيد نا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: إذا أغلق الباب وأرخى الستر فقد
وجب الصداق * ومن طريق أبى عبيد نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري
عن سليمان بن يسار ان الحارث بن الحكم تزوج امرأة فقال عندها ثم راح وفارقها
فأرسل مروان إلى زيد بن ثابت فقص عليه القصة فقال زيد: لها الصداق فقال مروان:
أنه ممن لا يتهم فقال زيد بن ثابت: أرأيت لو حملت أكنت ترجمها؟ (1) قال:
لا فقال زيد بلى، قال أبو عبيد: وحدثناه أبو النضر عن الليث بن سعد عن بكير بن
عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت مثله، وفى آخره فلذلك تصدق،
المرأة في مثل هذا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم عن ابن
مسعود مثل قول على. وعمر * ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن
الركين بن الربيع عن حنظلة ان المغيرة بن شعبة قضى في امرأة عنين فرق بينهما بجميع
الصداق * ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم أن أنس بن مالك قال في
التي دخل بها زوجها ولم يطأها: ان الصداق لها (2) وعليها العدة ولا رجعة له عليها
وهو قول علي بن الحسين، وروى عن سعيد بن المسيب، وصح عن سليمان بن يسار،
وعن عروة بن الزبير قضى به في عنين، وعن عبد الكريم وزاد وإن كانت حائضا،
وعن عطاء مثل قول عبد الكريم وهو قول ابن أبي ليلى. والأوزاعي. وسفيان
الثوري الا أن تكون رتقاء فلا يجب لها الا نصف الصداق، وصح أيضا عن الليث
ابن سعد وهو قول الزهري. وأحمد. وإسحاق وروينا عن عمر قولا آخر رويناه
من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير ان عمر بن الخطاب قضى في

(1) في النسخة رقم 16 (أرأيت لو حبلت ألست ترجمها)
(2) في النسخة رقم 16 (لها الصداق)
483

رجل اختلى بامرأة ولم يخالطها بالصداق كاملا يقول: إذا خلا بها ولم يغلق بابا ولا
أرخى سترا، وعن إبراهيم النخعي قولا آخر رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري
عن المغيرة قال: قال إبراهيم النخعي: كان يقال: إذا رأى منها ما يحرم على غيره فلها
الصداق، وقال أبو حنيفة: إذا خلا بها في بيتها وطئ أو لم يطأ فالمهر كله لها الا أن يكون
أحدهما محرما أو أحدهما مريضا أو كانت هي حائضا أو صائمة في رمضان فليس
لها في كل ذلك الا نصف المهر فلو خلا بها وهو صائم صيام فرض (1) في ظهار أو نذر
أو قضاء رمضان فعليه الصداق كله وعليها العدة فلو خلا بها في صحراء أو في مسجد أو
في سطح لا حجرة عليه فليس لها الا نصف الصداق *
قال أبو محمد: هذه أقوال لم تأت قط عن أحد من السلف ولا جاء بها قرآن ولا سنة
ولا قياس. ولا رأى سديد، وقال مالك: إذا خلا بها فقبلها أو كشفها ثم طلقها واتفقا
على أنه لم يطأها فإن كان ذلك قريبا فليس لها الا نصف الصداق فان تطاول ذلك حتى
أخلق ثيابها فلها المهر كله *
قال أبو محمد: وهذا قول لا يحفظ عن أحد قبله، وليت شعري كم حد هذا التطاول
الناقل عن حكم القرآن وما حد الأخلاق لهذه الثياب (2)، وههنا قول آخر كما روينا
من طريق وكيع عن الحسن بن صالح بن حي عن فراسن عن عامر الشعبي عن ابن مسعود
قال: لها النصف وان جلس بين رجليها، ومن طريق سعيد بن منصور ثنا هشيم انا ليث
هو ابن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس انه كان يقول في رجل دخلت عليه امرأته
ثم طلقها فزعم أنه لم يمسها: عليه نصف الصداق * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: لا يجب الصداق وافيا حتى يجامعها ولها
نصفه * ومن طريق أبى عبيد نا هشيم انا المغيرة بن مقسم عن الشعبي عن شريح قال:
لم أسمع الله عز وجل ذكر في كتابه بابا ولا سترا إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصدق *
ومن طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي ان عمرو بن نافع
طلق امرأته وكانت قد أدخلت عليه فزعم أنه لم يقربها وزعمت أنه قربها فخاصمته إلى
شريح فقضى شريح بيمين عمرو بالله الذي لا إله إلا هو ما قربتها وقضى عليه لها بنصف الصداق
قال أبو محمد: كانت هذه المطلقة بنت يحيى بن الجزار * ومن طريق أبى عبيد نا
معاذ هو ابن معاذ العنبري عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين انه كان لا يرى
اغلاق الباب ولا إرخاء الستر شيئا * ومن طريق وكيع عن زكريا هو ابن أبي

(1) في النسخة رقم 14 في صيام فرض
(2) في النسخة رقم 14 (وما حد أخلاق هذه الثياب)
484

زائدة عن الشعبي أنه قال: لها نصف الصداق يعنى التي دخل بها ولم يقل:
انه مسها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال: لا يجب
الصداق وافيا حتى يجامعها وان أغلق عليها الباب قلت له: فإذا وجب الصداق وجبت
العدة قال: ويقول أحد غير ذلك؟ * ومن طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق
عن مكحول قال: لا يجب الصداق والعدة الا بالملامسة البينة: تزوج رجل جارية
فأراد سفرا فأتاها في بيتها مخلية ليس عندها أحد من أهلها فأخذها فعالجها فمنعت
نفسها فصب الماء ولم يفترعها فساغ الماء فيها فاستمر بها الحمل فثقلت بغلام فرفع
ذلك إلى عمر بن الخطاب فبعث إلى زوجها فسأله؟ فصدقها فعند ذلك قال عمر: من
أغلق الباب أو أرخى الستر فقد وجب الصداق وكملت العدة * قال أبو محمد: وهو
قول الشافعي. وأبي ثور. وأبي سليمان. وأصحابهم *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة. ومالك فمخالفان لكل من ذكرنا من الصحابة
ولا نعلم لهما حجة أصلا ولا سلفا في قولهما فلم يبق الا قول من قال: ان أغلق بابا
أو أرخى سترا فقد وجب الصداق فوجدنا من ذهب إلى هذا القول يحتجون بقول
الله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قالوا: فالصداق كله واجب لها (1) إلا
أن يمنع منه اجماع * وكما روينا من طريق البخاري نا عمرو بن زرارة نا إسماعيل
هو ابن علية عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير ان ابن عمر قال له: فرق
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوى بنى العجلان، وذكر الحديث، قال أيوب: فقال لي
عمرو بن دينار ان
في الحديث شيئا لا أراك تحدثه قال: قال الرجل. مالي قال قيل:
لا مال لك ان كنت صادقا فقد دخلت بها *
قال أبو محمد: لا حجة في هذا (2) لان عمرو بن دينار لم يذكر من أخبره بهذا
فحصل مرسلا ولا حجة في مرسل، وأيضا فإنما فيه قال: قيل وليس فيه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ذلك فسقط من كل وجه، وقد أسنده عمرو بن دينار ولم يذكر فيه هذا
اللفظ لكن كما نا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد
ابن إسماعيل الترمذي نا الحميدي نا سفيان بن عيينة نا عمرو بن دينار قال: سمعت
سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
للمتلاعنين (حسابكما على الله أحدكما كاذب فقال: يا رسول الله مالي مالي قال: لا مال
لك إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللت من فرجها) وذكر الحديث قالوا:

(1) في النسخة رقم 16 فالصداق نحلة واجبة
(2) في النسخة رقم 14 هذا لا حجة لهم فيه
485

فالدخول بها استحلال لفرجها *
قال أبو محمد: هذا تمويه بل حين العقد للنكاح يصح استحلاله لفرجها فلولا نص
القرآن بأنه إن لم يمسها حتى طلقها فنصف الصداق فقط لكان الكل لها كما هو لها
إن مات أو ماتت فوجب الوقوف عند ذلك، وهكذا القول قوله تعالى: (وآتوا
النساء صدقاتهن نحلة) ان هذه الآية الأخرى خصتها فلم يوجب الطلاق قبل المس
الا نصف الصداق * وشغبوا أيضا بخبر ساقط (1) رويناه من طريق أبى عبيد
نا أبو معاوية. والقاسم بن مالك عن جميل بن يزيد الطائي عن زيد بن كعب الأنصاري
قال: (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى غفار فلما دخل عليها رأى بكشحها (2)
بياضا فقال: البسي عليك ثيابك وألحقي بأهلك) زاد القاسم بن مالك في روايته
وأمر لها بالصداق كاملا *
قال أبو محمد: جميل بن يزيد ساقط متروك الحديث غير ثقة. ثم لو صح لم يكن لهم
فيه حجة لأنه لم يقل عليه الصلاة والسلام انه لها واجب بل هو تفضل منه كما قال عز وجل:
(الا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) كما لو تفضلت هي فأسقطت عنه
جميع حقها لأحسنت، وموهوا أيضا بخبر آخر ساقط رويناه أيضا من طريق أبى عبيد
نا سعيد بن أبي مريم. وعبد الغفار بن داود قال سعيد: عن يحيى بن أيوب، وقال
عبد الغفار: عن ابن لهيعة ثم اتق يحيى بن أيوب. وابن لهيعة كلاهما عن عبيد الله بن أبي
جعفر عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن يزيد عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق) وهذا
لا حجة فيه لوجوه، أولها انه مرسل ولا حجة في مرسل، والثاني انه من طريق يحيى بن
أيوب. وابن لهيعة وهما ضعيفان، والثالث انه ليس فيه للدخول ذكر ولا أثر وإنما فيه
كشفها والنظر إلى عورتها وقد يفعل هذا بغير مدخول بها وقد لا يفعله في مدخول بها
فهو مخالف لقول جميعهم ثم ليس فيه أيضا بيان انه في المتزوجة فقط بل ظاهره عموم في كل
زوجة وغيرها فبطل أن يكون لهم تعلق جملة، وأما من تعلق (3) بأنها لو حملت
لحق الولد ولم تحد فلا حجة لهم في هذا لأنه لم يدخل بها أصلا ولا عرف انه خلا بها لكن
كان اجتماعه بها سرا ممكن فحملت فالولد لا حق ولا حد في ذلك أصلا لأنها فراش له
حلال مذ يقع العقد لا معنى للدخول في ذلك أصلا وقد تحمل من غير ايلاج لكن
بتشفير بين الشفرين فقط * كل هذا لا يسمى مسا، فان تعلقوا بمن جاء ذلك عنه من الصحابة

(1) في النسخة رقم 16 من طريق ساقط
(2) في النسخة رقم 16 على كشحها
(3) في النسخة رقم 14 من احتج
486

رضي الله عنهم فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفوا كما ذكرنا فوجب
الرد عند التنازع إلى القرآن والسنة فوجدنا القرآن لم يوجب لها بعدم الوطئ الا
نصف الصداق وبالله تعالى التوفيق *
1843 مسألة فان عدم الصداق بعد قبضها له بأي وجه كان تلف أو أنفقته
لم يرجع عليها بشئ والقول قولها في ذلك مع يمينها فان وطئها قبل الدخول أو بعده فلها
المهر كله * قال على: إن كان المهر شيئا بعينه فتلف في يد الزوج فإن كانت قد طلبته منه
فمنعها فهو غاصب وعليه ضمانه كله لها أو ضمان نصفه ان طلقها قبل الدخول، فإن كان لم
يمنعها إياه فهو تالف من مال المرأة ولا ضمان على الزوج فيه ولا في نصفه وطئها أو طلقها
قبل الوطئ، وإن كان شيئا يصفه فهو ضامن له بكل حال أو لنصفه ان طلقه قبل الدخول
فإن كانت المرأة قد قبضته فسواء كان بعينه أو بصفة فان تلف عندها فهو من مصيبة الزوج
ان طلقها قبل الدخول لان الله تعالى يقول: (فنصف ما فرضتم) فإنما أوجب له الرجوع
إن كان قد دفعه إليها بنصف ما دفع لا بنصف شئ غيره والذي دفع إليها هو الذي فرض
لها سواء كان شيئا بعينه أو شيئا بصفة، ولو لم يكن الذي دفع إليها هو الذي فرض لها
لكان لا يبرأ أبدا مما عليه فصح يقينا انه إذا دفع إليها غير ما فرض لها أو على الصفة التي
عقد معها فقد دفع إليها ما فرض لها بلا شك، وإذا دفع إليها ما فرض لها فقد قبضت حقها فان
تلف فلم تتعد ولا ظلمت فلا ضمان عليها فان أكلته أو باعته أو وهبته أو لبسته فأفنته
أو أعتقته إن كان مملوكا فلم تتعد في كل ذلك بل أحسنت، وقال تعالى: (ما على
المحسنين من سبيل) فلا ضمان عليها لأنها حكمت في مالها وحقها وإنما الضمان
على من أكل بالباطل *
قال أبو محمد: فان بقي عندها النصف فهو له وكذلك لو بقي بيده النصف فهو
لها فلو تعدت أو تعدى عليه ضمن أو ضمنت، وقال أبو حنيفة والشافعي. في كل
ما هلك بيدها من الصداق بفعلها أو بغير فعلها في ضامنة له قيمة نصفه ان طلقها قبل
الوطئ وهذا قول فاسد لما وصفنا من أنه يقضى لها بنصف غير الذي فرض لها وهذا
خلاف القرآن وقد قلنا: إنها لم تعتد (1) فلا ضمان عليها. وقال مالك: ما تلف بيدها
من غير فعلها ثم طلقها قبل الدخول فلا شئ له عليها قال فلو أكلته أو وهبته أو كان مملوكا
فأعتقته أو باعته ثم طلقها قبل الدخول ضمنت له نصف ما أخذت إن كان له مثل
أو نصف قيمته إن كان مما لا مثل له فإن كانت ابتاعت بذلك شورة فليس له الا نصف

(1) في النسخة رقم 16 لم تتعد
487

الشئ الذي اشترت *
قال أبو محمد: وهذه مناقضات ظاهرة لأنه فرق بين ما أكلت ووهبت وأعتقت
وبين ما تلف بغير فعلها ولا فرق بين شئ من ذلك لأنها في كل ذلك غير متعدية ولا ظالمة
فلا شئ له عليها، ثم فرق بين ما أعتقت وأكلت ووهبت وبين ما اشترت به شورة،
وهذا قول لا يعضده برهان من قرآن ولا سنة صحيحة ولا من رواية سقيمة. ولا من
قول صاحب. ولا من قياس، وادعوا في ذلك عمل أهل المدينة، وهذا احتجاج
فاسد لأنه إن كان ذلك عمل الأئمة الذين كانوا بالمدينة رضي الله عنهم فيعيذهم الله تعالى
من أن لا يأمروا بالحق عمالهم بالعراق والشام وسائر البلاد وهذا باطل مقطوع به
ممن ادعاه عليهم، فان ادعوا انهم فعلوا فبدل ذلك أهل الأمصار كانت دعوى فاسدة
ولم يكن فقهاء الأمصار أولى بالتبديل من تابعي المدينة وكل هذا باطل قد أعاذ الله
جميعهم من ذلك (1) فصح أنه اجتهاد من كل طائفة قصدت به الخير وبالله تعالى التوفيق *
1844 مسألة ومن تزوج فسمى صداقا أو لم يسم فله الدخول بها أحبت
أم كرهت ويقضى لها بما سمى لها أحب أم كره ولا يمنع من اجل ذلك من الدخول بها
لكن يقضى له عاجلا بالدخول ويقضى لها عليه حسب ما يوجد عنده بالصداق فإن كان
لم يسم لها شيئا قضى عليه بمهر مثلها إلا أن يتراضيا بأكثر أو بأقل، وهذا
مكان اختلف السلف فيه * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
أبو الزبير أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول: قال ابن عباس: إذا نكح
المرأة وسمى لها صداقا فأراد أن يدخل عليها فليلق إليها رداءه أو خاتما إن كان معه *
ومن طريق ابن وهب حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن نافع عن ابن عمر
قال: لا يصلح للرجل ان يقع على المرأة زوجه (2) حتى يقدم إليها شيئا من مالها
ما رضيت به من كسوة أو عطاء قال ابن جريج: وقال عطاء وسعيد بن المسيب.
وعمرو هو ابن دينار لا يمسها حتى يرسل إليها بصداق أو فريضة قال عطاء. وعمرو: ان
أرسل إليها بكرامة لها ليست من الصداق أو إلى أهلها فحسبه هو يحلها له، وقال
سعيد بن جبير: أعطها ولو خمارا (3): وقال الزهري: بلغنا في السنة أن لا يدخل
بامرأة حتى يقدم نفقة أو يكسو كسوة ذلك مما عمل به المسلمون، وقال مالك:
لا يدخل عليها حتى يعطيها مهرها الحال فان وهبته له أجبر على أن يفرض لها شيئا

(1) في النسخة رقم 14 قد أعاذهم الله تعالى جميعهم من ذلك
(2) في النسخة رقم 14 (على امرأته)
(3) في النسخة رقم 16 ولو جهازا
488

آخر ولا بد * وذهب آخرون إلى إباحة دخوله عليها وان لم يعطها شيئا كما روينا
من طريق أبى داود نا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي نا عبد العزيز بن يحيى الحراني نا محمد
ابن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد
ابن عبد الله اليزني هو أبو الخير عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة
برضاهما فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية
وكان من شهدها له سهم بخيبر فحضرته الوفاة فقال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني
فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا ولكني أشهدكم ان أعطيتها من صداقها
سهمي بخيبر قال: فاخذته فباعته بمائة ألف) * وروينا من طريق وكيع عن
هشام الدستوائي عن سعيد بن المسيب قال: اختلف أهل المدينة في ذلك فمنهم من أجازه
ولم ير به بأسا ومنهم من كرهه قال سعيد: وأي ذلك فعل فلا بأس به يعنى دخول
الرجل بالمرأة التي تزوج ولم يعطها شيئا * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن
منصور بن المعتمر. ويونس بن عبيد قال منصور: عن إبراهيم النخعي وقال يونس: عن
الحسن ثم اتفقا جميعا على أنه لا بأس بان يدخل الرجل بامرأته قبل أن يعطيها شيئا *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري في الرجل يتزوج المرأة ويسمى
لها صداقا هل يدخل عليها ولم يعطها شيئا؟ فقال الزهري: قال الله عز وجل: (ولا جناح
عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) فإذا فرض الصداق فلا جناح عليه في الدخول عليها
وقد مضت السنة ان يقدم لها شئ من كسوة أو نفقة * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم
ثنا حجاج عن أبي إسحاق السبيعي ان كريب بن أبي مسلم وكان من أصحاب أبن مسعود
تزوج امرأة على أربعة آلاف درهم ودخل بها قبل أن يعطيها من صداقها شيئا، وبهذا
يقول سفيان الثوري. والشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهم، وقال الأوزاعي:
كانوا يستحسنون ان لا يدخل بها حتى يقدم لها شيئا، وقال الليث: ان سمى لها مهرا فأحب
إلى أن يقدم لها شيئا وان لم يفعل لم أر به بأسا، وقال أبو حنيفة: إن كان مهرها مؤجلا
فله ان يدخل بها أحبت أم كرهت حل الأجل أو لم يحل، فإن كان الصداق نقدا لم يجز
له أن يدخل بها حتى يؤديه إليها فلو دخل بها فلها ان تمنع نفسها منه حتى يوفيها جميع صداقها *
قال أبو محمد: أما تقسيم أبي حنيفة. ومالك فدعوى بلا برهان لا من قرآن.
ولا من سنة. ولا قياس. ولا قول متقدم، ولا رأى له وجه فلم يبق الا قول من أباح
دخوله عليها وان لم يعطها شيئا أو منع من ذلك فنظرنا في حجة من منع من ذلك فوجدناهم
يحتجون بحديث فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عليا ان يدخل بفاطمة رضي الله عنهما
489

حتى يعطيها شيئا *
قال أبو محمد: وهذا خبر لا يصح لأنه إنما جاء من طريق مرسلة أو فيها مجهول أو
ضعيف وقد تقصينا طرقها وعللها في كتاب الايصال الا ان صفتها كلها ما ذكرنا ههنا
لا يصح شئ منها الا خبر من طريق أحمد بن شعيب انا عمرو بن منصور نا هشام بن
عبد الملك الطيالسي نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس (ان عليا
قال: تزوجت فاطمة فقلت: يا رسول الله أبن لي؟ فقال: أعطها شيئا فقلت: ما عندي
شئ قال فأين درعك الحطمية؟ قلت: هو عندي قال: فاعطها إياه) *
قال أبو محمد: إنما كان ذلك على أنه صداقها لا على معنى انه لا يجوز الدخول الا
حتى يعطيها شيئا، وقد جاء هذا مبينا كما نا أحمد بن قاسم قال: نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم
قال: حدثني جدي قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا الحسن بن حماد نا يحيى بن يعمر الأسلمي
عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري عن أنس قال: قال علي بن أبي طالب:
(أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد علمت قدمي في الاسلام ومناصحتي
وانى وانى قال: وما ذاك يا علي؟ قال: تزوجني فاطمة قال: وما عندك؟ قلت عندي فرسي
ودرعي قال: اما فرسك فلا بد لك منها واما درعك فبعها قال: فبعتها بأربعمائة وثمانين
فاتيته بها فوضعتها في حجره ثم قبض منها قبضة وقال: يا بلال ابغنا بها طيبا) وذكر
باقي الحديث، فهذا بيان ان الدرع إنما ذكرت في الصداق لا من أجل الدخول
لأنها قصة واحدة بلا شك *
قال أبو محمد: وقد جاء في هذا أثر كما روينا من طريق أبى عبيد نا عمر بن عبد الرحمن
نا منصور بن المعتمر عن طلحة بن مصرف عن خيثمة بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا تزوج امرأة فجهزها إليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن ينقد شيئا *
قال على: خيثمة من أكابر أصحاب ابن مسعود وصحب عمر بن الخطاب رضي الله عنه
م، قال على: قال الله عز وجل: (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)
ولا خلاف بين أحد من المسلمين في أنه من حين يعقد الزواج فإنها زوجة له فهو حلال
لها وهي حلال له فمن منعها منه حتى يعطيها الصداق أو غيره فقد حال بينه وبين امرأته بلا
نص من الله تعالى ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الحق ما قلنا إن لا يمنع حقه منها ولا تمنع
هي حقها من صداقها لكن يطلق على الدخول عليها أحبت أم كرهت ويؤخذ مما يوجد
له صداقها أحب أم كره، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تصويب قول القائل: (اعط كل ذي حق
حقه) وبالله تعالى التوفيق *
490

1845 مسألة وكل نكاح عقد على صداق فاسد أو على شرط فاسد مثل أن
يؤجل إلى أجل مسمى أو غير مسمى أو بعضه إلى أجل كذلك أو على خمر أو على خنزير
أو على ما يحل ملكه. أو على شئ بعينه في ملك غيره. أو على أن لا ينكح عليها. أو ان
لا يتسرى عليها. أو أن لا يرحلها عن بلدها أو عن دارها. أو أن لا يغيب مدة أكثر
من كذا أو على أن يعتق أم ولده فلانة أو على أن ينفق على ولدها أو نحو ذلك فهو
نكاح فاسد مفسوخ أبدا وان ولدت له الأولاد ولا يتوارثان ولا يجب فيه نفقة ولا
صداق ولا عدة وهكذا كل نكاح فاسد حاش التي تزوجت بغير اذن وليها جاهلة
فوطئها فإن كان سمى لها مهرا فلها الذي سمى لها وإن كان لم يسم لها مهرا فلها عليه
مهر مثلها فإن لم يكن وطئها فلا شئ لها، فإن كان الصداق الفاسد. والشروط الفاسدة
إنما تعاقداها بعد صحة عقد النكاح خاليا من كل ذلك فالنكاح صحيح تام ويفسخ
الصداق ويقضى لها بمهر مثلها إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر فذلك جائز وتبطل
الشروط كلها *
برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)
وهذه كلها شروط ليست في كتاب الله عز وجل فهو باطل وكذلك تأجيل الصداق
أو بعضه لان الله تعالى يقول: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فمن شرط أن لا يؤتيها
صداقها أو بعضه مدة ما فقد اشترط خلاف ما أمر الله تعالى به في القرآن، وقوله
صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) والخبران صحيحان مشهوران وقد
ذكرناهما بأسانيدهما فيما سلف من كتابنا هذا، وكل ما ذكرنا فليس عليه أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو باطل مردود بنص كلامه عليه الصلاة والسلام وبضرورة
العقل يدرى كل ذي عقل ان كل ما عقدت صحته بصحة ما لا يصح فإنه لا يصح، فكل
نكاح عقد على أن لا صحة له الا بصحة الشروط المذكورة فلا صحة له، فإذ لا صحة له
فليست زوجة وإذ ليست زوجة فإن كان عالما فعليه حد الزنا ولا يلحق به الولد لان
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فليس الا فراش
أو عهر فإذ ليست فراشا فهو عهر والعهر لا يلحق فيه ولد والحد فيه واجب، فإن كان
جاهلا فلا حد عليه والولد لاحق به لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بالحق ولم تزل
الناس يسلمون وفى نكاحهم الصحيح والفاسد كالجمع بين الأختين ونكاح أكثر من أربع.
وامرأة الأب ففسخ عليه الصلاة والسلام كل ذلك وألحق فيه الأولاد فالولد لاحق بالجاهل
لما ذكرنا * وأما استثناؤنا التي نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل فللخبر
491

الثابت الذي ذكرنا قبل باسناده من قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن
وليها فنكاحها باطل:) إلى قوله عليه الصلاة والسلام: (فالمهر لها بما أصاب منها)
وصح أيضا فلها مهرها (1) بما أصاب منها فقوله عليه الصلاة والسلام: (فالمهر
لها) تعريف بالألف واللام وقوله عليه الصلاة والسلام: (فلها مهرها) إضافة المهر
إليها فهذان اللفظان يوجبان لها المهر المعهود المسمى ومهرا يكون لها ان لم يكن هنالك
مهر مسمى وهو مهر مثلها، ولا يجوز أن يحكم بهذا لكل نكاح فاسد لأنه قياس
والقياس كله باطل، وقوله عليه الصلاة والسلام: (ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم
وأبشاركم عليكم حرام:) فصح يقينا أن ماله حرام عليها الا بنص قرآن. أو سنة
وما كان ربك نسيا، ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل أن الله تعالى لو أراد أن
يجعل في الوطئ في النكاح الفاسد مهرا لبينه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
كما بين ذلك في التي نكحت بغير اذن وليها، ولما اقتصر على هذه وحدها دون
غيرها تلبسا على عبادة وحاش لله من هذا، فان قالوا: قال الله عز وجل: (فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقال تعالى: (الحرمات قصاص)
والوطئ في النكاح الفاسد اعتداء وحرمة منتهكة فالواجب أن يعتدى عليه في ماله
بمثل ذلك وأن يقتص بمثل ذلك في ماله قلنا: قول الله عز وجل حق وانتاجكم منه
عين الباطل لان الله تعالى أوجب أن يعتدى على المعتدى ويقتص من حرمته بمثل
ما اعتدى عليه في حرمته، وليس المال مثلا للفرج الا ان يأتي به نص فيوقف
عنده، ولو كان هذا لوجب على من ضرب آخر أو شتمه أن يقتص من ماله مثل
ذلك وأن يعتدى عليه في ماله ولوجب أيضا على من زنى بامرأة أو لاط بغلام مهر
مثلها أو غرامة ما، وهذه أحكام الشيطان. وطغاة العمال. وفساق الشرط ليس
أحكام الله تعالى ولا أحكام رسوله صلى الله عليه وسلم إنما حكم الله تعالى وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن لا تتعدى حدوده فإذا حكم بغرامة مال حكمنا بها وإذا لم يحكم بها لم نحكم بها
وبالله تعالى التوفيق * وقد ذكرنا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي حدثناه محمد
ابن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق النصري نا عيسى بن حبيب نا عبد الرحمن
ابن عبد الله بن يزيد المقرى نا جدي محمد بن عبد الله ثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل
ابن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق أن عمر بن الخطاب قال: (إن كان النكاح
حراما فالصداق حرام) وذكرنا فعل ابن عمر في ابطاله صداق التي تزوجها عبده

(1) في النسخة رقم 14 فلها المهر
492

بغير اذنه كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ
نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن همام بن
يحيى عن مطر الوراق عن نافع ان ابن عمر كان إذا تزوج عبده بغير اذنه جلده
وفرق بينهما، وقال: أبحت فرجك ولم يجعل لها صداقا * وبه إلى عبد الرحمن بن مهدي
عن حماد بن زيد عن عاصم الأحول قال: سمعت الحسن البصري يقول في
الحرة التي تتزوج العبد بغير اذن سيده: أباحت فرجها لا شئ لها * وبه إلى محمد
ابن المثنى نا أبو أحمد الزبيري نا سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال:
كل فرج لا يحل فلا مهر له * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني
ابن أبي ليلى عن فقهائهم في التي ينكحها العبد بغير اذن سيده قال: يأخذ السيد منها
ما أصدقها غلامه عجلت قبل أن تعلم * وبه إلى عبد الرزاق (1) عن معمر عن
الزهري عن سليمان بن يسار أنه قال: في التي تنكح في عدتها: مهرها في بيت المال *
ومن طريق وكيع عن شعبة بن الحجاج قال: سألت الحكم بن عتيبة: وحماد بن أبي
سليمان عن العبد يتزوج الحرة بغير اذن مولاه؟ فقالا جميعا: يفرق بينهما
ولا صداق لها ويؤخذ منها ما أخذت * ونحو هذا عن إبراهيم النخعي، وهو
قول أبى سليمان. وأصحابنا، وأما مالك فإنه فرق ههنا فروقا لا تفهم، فمنها نكاحات
هي عنده فاسدة تفسخ قبل الدخول وتصح بعد الدخول، ومنها ما يفسخه قبل
الدخول وبعد الدخول أيضا ما كان من قرب فإذا طال بقاؤه معها لم يفسخه، ومنها
ما يفسخه قبل الدخول وبعد الدخول وان طال بقاؤه معها ما لم تلد له أولادا فان
ولدت له أولادا لم يفسخه، ومنها ما يفسخه قبل الدخول وبعده وان طال بقاؤه معها
وولدت له الأولاد. وهذه عجائب لا يدرى أحد من أين قالها ولا نعلم أحدا قالها قبله ولا
معه الا من قلده من المنتمين إليه، ولا يخلو كل نكاح في العالم من أن يكون صحيحا أو
غير صحيح، ولا سبيل إلى قسم ثالث فالصحيح صحيح ابدا الا أن يوجب فسخه قرآن
أو سنة فيفسخ بعد صحته متى وقعت الحال التي جاء النص بفسخه معها، وأما الذي ليس
صحيحا فلا يصح أبدا لان الفرج الحرام لا يحله الدخول به وطئه ولا طول البقاء على
استحلاله بالباطل ولا ولادة الأولاد منه بل هو حرام ابدا، فان قالوا: ليس بحرام قلنا:
فلم فسختم العقد عليه قبل الدخول إذا وهو صحيح غير حرام؟ وهذه أمور لا ندري كيف
ينشرح قلب من نصح نفسه لاعتقادها أو كيف ينطلق لسانه بنصرها؟ ونسأل الله العافية *

(1) في النسخة رقم 14 وبه إلى عبد الرحمن
493

وأما كل عقد صح ثم لما صح تعاقدا شروطا فاسدة فان العقد صحيح لازم وإذ
هو صحيح لازم فلا يجوز ان يبطل بغير قرآن. أو سنة، ومحرم الحلال كمحلل الحرام
ولا فرق لكن تبطل تلك الشروط الفاسدة أبدا ويفسخ حكم من حكم بامضائها والحق
حق والباطل باطل، قال الله تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) وقال
تبارك وتعالى: (ويحق الله الحق بكلماته) وبالله تعالى التوفيق *
1846 مسألة وكل ما جاز ان يتملك بالهبة أو بالميراث فجائز أن يكون
صداقا وان يخالع به وان يؤاجر به سواء حل بيعه أو لم يحل كالماء. والكلب. والسنور
والثمرة التي لم يبد صلاحها والسنبل قبل أن يشتد لان النكاح ليس بيعا هذا ما لا يشك
فيه ذو حس سليم * وقال بعض الغافلين: لا يحل الصداق بما لا يجوز بيعه (1) وهذا
حكم فاسد بلا برهان لا من قرآن. ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قول صاحب.
ولا قياس. ولا رأى له وجه يعقل، وليت شعري ماذا باع أو ماذا اشترى أرقبتها؟
فبيع الحر لا يجوز أم فرجها؟ فهذا أبين في الحرام وهو قد استحل بكلمة الله تعالى فرجها
الذي كان حراما عليه قبل النكاح كما استحلت بكلمة الله تعالى فرجه الذي كان حراما عليها
قبل النكاح ففرج بفرج وبشرة ببشرة، وأوجب الله تعالى عليه وحده الصداق لها
زيادة على استحلالها فرجه وليس البيع هكذا إنما هو جسم يبادل بجسم أحدهما ثمن والآخر
مبيع مثمون لا زيادة ههنا لأحدهما على الآخر، فوضح لكل ذي عقل سليم فساد قول
من شبه النكاح بالبيع، وأيضا فان البيع بغير ذكر ثمن لا يحل والنكاح بغير ذكر
صداق حلال صحيح، والعجب أنهم يمنعون النكاح بصداق ثمرة لم يبد صلاحها قياسا
على البيع ثم أجازوا النكاح بوصيف وبيت. وخادم هكذا غير موصوف بشئ من
ذلك، ولا يحل عندهم بيع وصيف ولا بيع بيت ولا بيع خادم غير معين بشئ من
ذلك ولا موصوف، وهذا كما ترى ونعوذ بالله من التهوك في الخطأ في الدين *
1847 مسألة وجائز أن يكون صداقا كل ماله نصف قل أو كثر ولو
أنه حبة بر أو حبة شعير أو غير ذلك، وكذلك كل عمل حلال موصوف كتعليم شئ
من القرآن أو من العلم أو البناء أو الخياطة أو غير ذلك إذا تراضيا بذلك، وورد
في هذا اختلاف (2) كما روينا من طريق وكيع عن داود بن يزيد الأودي عن
الشعبي عن علي رضي الله عنه قال: لا يكون صداق أقل من عشرة * ومن طريق عبد الرزاق عن
حسن صاحب له عن شريك عن داود بن يزيد الأودي عن الشعبي عن علي بن أبي طالب

(1) في النسخة رقم 16 بعض القائلين لا يجوز اصداق ما ليس يجوز بيعه
(2) في النسخة رقم 14 خلاف
494

رضي الله عنه قال: لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم * وبه إلى حسن المذكور
أخبرني المغيرة عن إبراهيم النخعي قال: (أكره أن يكون المهر مثل أجر البغي
ولكن العشرة دراهم والعشرون * وبه يقول أبو حنيفة. وأصحابه * وعن إبراهيم
روايتان غير هذه صحيحتان، إحداهما رويناها من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة
عن إبراهيم النخعي قال: لا يتزوج الرجل على أقل من أربعين * والأخرى رويناها
من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي
قال: السنة في النكاح الرطل من الفضة * وروينا من طريق شعبة عن أبي سلمة
الكوفي قال: سمعت الشعبي يقول: كانوا يكرهون أن يتزوج الرجل على أقل من
ثلاثة أواقي * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا حسام بن المصك عن أبي معشر
عن سعيد بن جبير انه كان يحب أن يكون الصداق خمسين درهما *
قال أبو محمد: أما الرواية عن الشعبي فساقطة لأنها عن أبي سلمة الكوفي ولا
يدرى من هو، ولو صحت لكانت هي والروايتان عن إبراهيم في الأربعين اما
درهما. واما أوقية. واما دينارا، والرواية عن سعيد بن جبير قول بلا برهان
وما كان هكذا فهو باطل. وأما الرواية عن إبراهيم بالعشرة دراهم فساقطة لأنها
عن حسن صاحب عبد الرزاق ولا يدرى أحد من هو، والرواية عن علي رضي الله عنه
باطل لأنها عن داود بن يزيد الأودي وهو في غاية السقوط كان الشعبي
يقول: إذا رأى اختلاطه لا تموت حتى تكوي في رأسك ثلاث كيات قال الراوي:
فما مات حتى كوى في رأسه ثلاث كيات، ثم هي مرسلة لان الشعبي لم يسمع من
على قط حديثا، واحتجوا لقولهم هذا الفاسد بخبرين موضوعين، أحدهما عن حرام
ابن عثمان عن ابني جابر بن عبد الله عن أبيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صداق أقل
من عشرة دراهم) والآخر عن بقية عن مبشر بن عبيد الحلبي عن الحجاج بن أرطاة
عن عطاء. وعمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مهر
دون عشرة دراهم) وقالوا: النكاح استباحة فرج وهو عضو منها فوجب أن لا يجوز
الا بما تقطع فيه اليد، وقد احتج المالكيون بهذه التشغيبة (1) الساقطة أيضا *
قال أبو محمد: لا حجة لهم غير ما ذكرنا، والحديثان المذكوران مكذوبان بلا
شك، أحدهما من طريق حرام بن عثمان وهو في غاية السقوط لا تحل الرواية عنه،
والآخر من طريق مبشر بن عبيد الحلبي وهو كذاب مشهور بوضع الكذب (2) على

(1) في النسخة رقم 14 بهذه الشغيبة
(2) في النسخة رقم 14 بوضع الحديث
495

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجاج بن أرطأة وهو ساقط ولو صح
لكانوا قد خالفوه لأنهم يجيزون (1) النكاح على دينار لا يساوى عشرة دراهم
فبطل كل ذلك والحمد لله رب العالمين * وأما قولهم: انه قياس على قطع يد السارق
فهو أسخف قياس في العالم لأنه لا شبه بين النكاح والسرقة، وأيضا فان اليد
تقطع البتة والفرج لا يقطع والنكاح طاعة والسرقة معصية، ولو قاسوا إباحة الفرج
على إباحة الظهر في حد الخمر لكان أدخل في مخازي القياس وسخافاته (2) لان
كليهما عضو مستور لا يقطع وقبل وبعد فما صح قط ان لا قطع في أقل من عشرة دراهم فهو باطل
متيقن على باطل وخطأ مشبه بخطأ فسقط هذا القول الفاسد، وقال مالك: لا يكون
أقل من ثلاثة دراهم وقاسوه على قطع اليد، وقد مضى الكلام في سقوط هذا القول آنفا
وما جاء نص قط بان لا قطع في أقل من ثلاثة دراهم إنما صح النص لا قطع الا في ربع
دينار فصاعدا وهم لا يراعون في القطع ولا في الصداق ربع دينار في القيمة أصلا فلاح
بطلان كل ما قالوه بيقين لا اشكال فيه * وموه المالكيون أيضا بان قالوا: قال الله
عز وجل: (ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت
أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) قالوا: فلو جاز الصداق بما قل أو كثر لكان كل
أحد واجد الطول لحرة مؤمنة *
قال أبو محمد: لا ندري على ما نحمل هذا القول من قائله الا اننا لا نشك في أنه لم
يحضره فيه من الورع [قليل] (3) وتقوى الله تعالى حاضر لأنهم لا يختلفون في أنه لا يجوز
أن يكون صداق الأمة المتزوجة أقل من صداق الحرة فكيف يفرقون بعد هذا بين وجود
الطول لنكاح حرة وبين وجود الطول لنكاح أمة ونعوذ بالله من التمويه في دين الله
عز وجل بما ندري انه باطل قاصدين إليه عمدا: وقال بعضهم: كيف يجوز أن يكون الصداق
بما قل أو كثر ولا تكون المتعة في الطلاق الا محدودة؟ قلنا: لان الله تعالى لم يحد في الصداق
حدا الا ما تراضيا به وحد في المتعة في الطلاق على الموسع قدره وعلى المقتر قدره فالفرق
بين الامرين أوضح من الشمس عند من لا يتعدى حدود الله تعالى، وأعجب شئ قول
بعضهم ان الله عز وجل عظم أمر الصداق فلا يجوز أن يكون قليلا فقلنا: هذا العجب
حقا إنما عظم الله تعالى أمر الصداق في ايجاب أدائه وتحريم اخذه بغير رضاها وهذا
موجود في كل حق قال الله عز وجل: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة

(1) في النسخة رقم 16 لا يجيزون وهو غلط
(2) في النسخة رقم 16 في مخارق القياس وسخافته
(3) الزيادة من النسخة رقم 16 ولا شئ
496

شرا يره) وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام (اتقوا النار ولو بشق تمرة) ولا عظيم
أعظم من اتقاء النار، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف على منبري بيمين آثمة وجبت
له (1) النار وإن كان قضيبا من أراك) ثم أغرب شئ من أين وقع لهم ان ثلاثة دراهم
كثير وان ثلاثة دراهم غير حبة قليل؟، وتخليط هذه الطوائف أكثر من أن يحصيه
الا محصى أنفاسهم عز وجل *
قال أبو محمد: فإذ قد ظهر بطلان أقوالهم (2) لا سيما قول مالك فإنه لا نعرفه
عن أحد من أهل العلم قبله، وقول أبي حنيفة لم يصح عن أحد من أهل العلم قبله فلنورد
البرهان على صحة قولنا قال الله عز وجل: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال تعالى:
(وآتوهن أجورهن بالمعروف) وقال تعالى: (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فلم يذكر الله عز وجل في شئ من كتابه
الصداق فجعل فيه حدا بل أجمله اجمالا وما كان ربك نسيا، ونحن نشهد بشهادة الله
عز وجل في الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ان الله عز وجل لو أراد أن يجعل للصداق
حدا لا يكون أقل منه لما أهمله ولا أغفله حتى يبينه له أبو حنيفة. ومالك، وحسبنا
الله ونعم الوكيل * والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق البخاري
نا عبد الله بن يوسف انا مالك بن أنس. وعبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن
سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه (فقام
الرجل فقال: زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة قال: هل عندك شئ تصدقها؟ قال:
ما عندي إلا إزاري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان أعطيتها إياه جلست لا ازار لك
فالتمس شيئا قال: ما أجد شيئا قال: التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا
فقال: أمعك من القرآن شئ؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا قال: قد زوجناكها
بما معك من القرآن) * ومن طريق البخاري نا يحيى نا وكيع عن سفيان الثوري
عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (تزوج ولو بخاتم
من حديد) ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا الحسين بن علي عن زائدة
عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول الله قد وهبت نفسي لك فاصنع في ما شئت فقال له شاب عنده: يا رسول الله
ان لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها قال: وعندك شئ تعطيها إياه؟ قال: ما أعلمه
قال: فانطلق فاطلب فلعلك تجد شيئا ولو خاتما من حديد فأتاه فقال: ما وجدت

(1) في النسخة رقم 14 أوجب الله له
(2) في النسخة رقم 16 بطلان قولهم
497

شيئا إلا إزاري هذا قال: ازارك هذا ان أعطيتها إياه لم يبق عليك شئ قال: أتقرأ
أم القرآن؟ قال: نعم قال: فانطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن) * نا حمام بن أحمد
القاضي نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس المرادي نا بقي بن مخلد
نا أبو بكر بن أبي شيبة نا الحسن بن علي هو الجعفي عن زائدة عن أبي حازم عن
سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا من امرأة على أن يعلمها سورة
من القرآن *
قال أبو محمد: والحديث مشهور ومنقول نقل التواتر (1) من طرق الثقات
رويناه أيضا من طريق يعقوب بن عبد الرحمن القاري. وعبد العزيز بن محمد
الدراوردي وسفيان بن عيينة: وحماد بن زيد. ومعمر: ومحمد بن مطرف. وفضيل
ابن سليمان: وغيرهم كلهم عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: فاعترض من لم يتق الله عز وجل ولا استحيا من الكذب في هذا
فقال: إنما كلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من حديد مزينا يساوى عشرة دراهم من فضة
أو ثلاثة دراهم من فضة خالصة فقول يضحك الثكلى ويسئ الظن بقائله لأنها مجاهرة
بما لم يكن قط ولا خلقه الله عز وجل قط في العالم أن تكون حلقة من حديد وزنها درهمان
تساوى ما ذكروا (2) ولا سيما في المدينة وقد علم كل ذي حظ من التمييز ان مرورهم
ومساحيهم لحفير الأرض وشوافرهم وفؤوسهم لقطع الحطب. ومناجلهم لعمل النخل
وحصاد الزرع. وسككهم للحرث ومزابرهم للزرجون. ودروعهم ورماحهم كل ذلك
من حديد فمن أين استحلوا أن يخبروا عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكذبة السخيفة؟ ونسأل
الله العافية، وان من لجأ إلى المحال الممتنع في نصر باطله لقد يدل فعله هذا على صفات
سوء في الدين. والحياء. والعقل، واعترضوا على أن يكون الصداق تعليم القرآن
بخبر رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا عفان بن مسلم نا أبان بن يزيد العطار حدثني يحيى بن أبي
كثير عن زيد بن أبي سلام (3) عن أبي راشد الحبراني (4) عن عبد الرحمن بن
شبل الأنصاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا
تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به) وبالخبر الذي رويناه من طريق أبى
ابن كعب انه علم رجلا القرآن فاهدى إليه فرسا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتحب
ان تأتى الله في عنقك يوم القيامة نار)، وفى بعض ألفاظه (ان كنت تحب ان تطوق طوقا

(1) في النسخة رقم 14 نقل الكافة
(2) في النسخة رقم 16 ما ذكرنا
(3) في النسخة رقم 14 عن زيد عن أبي اسلام
(4) في النسخة رقم 14 الحراني وهو غلط
498

من نار فاقبلها) وفى بعضها (جمرة بين كتفيك تقلد بها أو تعلقها) *
قال أبو محمد: وهذه آثار واهية لا تصح، أما حديث (لا تأكلوا به) فرواية
أبى راشد (1) الحبراني وهو مجهول، ثم لو صح لم تكن لهم به حجة لان الاكل أكلان
اكل بحق وأكل بباطل فالاكل بحق حسن وقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
إلى المدينة كمصعب بن عمير وغيره يعلمون الأنصار القرآن والدين وينفق الأنصار
عليهم قال الله تعالى: (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا)
فأنكر الله عز وجل على من نهاهم عن النفقة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد النكير *
وأما حديث أبي بن كعب فان أحد طرقه في روايته الأسود بن ثعلبة وهو مجهول
لا يدرى من هو، والأخرى من طريق أبى زيد عبد الله بن العلاء وهو مجهول لا يدرى
من هو، والثالثة من طريق بقية وهو ضعيف فسقطت كلها، والصحيح من ذلك
ضد هذا وهو ما رويناه من طريق البخاري نا سيدان (2) بن مضارب الباهلي نا أبو معشر
البراء هو يوسف بن يزيد حدثني عبيد الله بن الأخنس أبو مالك عن ابن أبي مليكة
عن ابن عباس (أن رجلا قال: يا رسول الله آخذ على كتاب الله أجرا؟ فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله عز وجل) * ومن طريق
أبى داود نا عبد الله بن معاذ نا أبى نا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي
عن خارجة بن الصلت عن عمه (انه رقى مجنونا بأم القرآن فأعطاه أهله شيئا فذكر ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت
برقية حق) فصح ان الاكل بالقرآن في الحق وفى تعليمه حق. وان الحرام إنما هو أن يأكل
به رياء أو لغير الله تعالى، وموهوا بالخبر الساقط الذي رويناه من طريق سعيد بن منصور
نا أبو معاوية نا أبو عرفجة الفاشي عن أبي النعمان الأزدي قال: (زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
امرأة على سورة من القرآن ثم قال: لا يكون لاحد بعدك مهرا) فهذا خبر موضوع
فيه ثلاث عيوب، أولها انه مرسل ولا حجة في مرسل إذ رواه شعبة عن أيوب، والثاني
ان أبا عرفجة الفاشي مجهول لا يدرى أحد من هو، والثالث ان أبا النعمان الأزدي مجهول
أيضا لا يعرفه أحد، وموه بعضهم بالخبر الذي فيه ان أبا طلحة تزوج أم سليم رضي الله عنهما على أن
يسلم فلم يكن لها مهر غيره، وهذا لا حجة لهم فيه لوجهين، أحدهما ان ذلك كان قبل
هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة لان أبا طلحة قديم الاسلام من أول الأنصار اسلاما ولم

(1) في النسخة رقم 14 فرواه أبو راشد
(2) هو بكسر السين المهملة
499

يكن نزل ايجاب إيتاء النساء صدقاتهن بعد، الثاني انه ليس في ذلك الخبر ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم علم ذلك، وقال بعضهم: هذا خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: وهذا كذب * برهان ذلك قول الله عز وجل: (لقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة) فكل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فالفضل لنا والاجر والاحسان
في أن نفعل كما فعل ائتساء به والمانع من ذلك مخطئ والراغب عن سنته ظالم لنفسه هالك
الا أن يأتي نص قرآن أو سنة ثابتة بأنه خصوصي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل ان يعمل
به حينئذ والعجب كله ان هؤلاء يأتون إلى ما عمله عليه الصلاة والسلام ولم يخبر المؤمنين
انه خاص له فيقولون: هو خاص له ثم يأتون إلى نكاح الموهوبة وقد نص الله عز وجل
عل أنها خالصة له عليه الصلاة والسلام دون المؤمنين فيقولون: هو عام لكل أحد نعوذ
بالله مما ابتلوا به * وقال بعضهم: أرأيت أن طلقها قبل الدخول؟ فقلنا: إن كان قد علمها
السورة التي أصدقها تعليمها فقد استوفت صداقها ولا سبيل لها إليه لأنه عرض قد انقضى
وإن كان لم يعلمها إياه فعليه ان يعلمها نصفها فقط، وهذا لا يحرم على أحد يعنى تعليم امرأة
أجنبية، وقد كلم أمهات المؤمنين الناس *
قال أبو محمد: وقال بقولنا طائفة من السلف * روينا من طريق وكيع عن سفيان
الثوري عن إسماعيل بن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: لو رضيت بسواك من
أراك (1) لكان مهرا * ومن طريق وكيع عن الحسن بن صالح بن حي عن أبي هارون
العبدي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: (ليس على أحد جناح ان يتزوج بقليل ماله أو
كثيره إذا استشهدوا وتراضوا) وروى عن عبد الرحمن بن مهدي عن صالح بن رومان
عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: (من أعطى في صداق امرأة ملء حفنة (2) من
سويق أو تمر فقد استحل) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حميد عن
أنس بن مالك ان عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (تزوجت امرأة من
الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم سقت إليها؟ قال: وزن نواة من ذهب فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة) قال عبد الرزاق: فأخبرني إسماعيل بن عبد الله عن
حميد عن أنس قال: وذلك دانقان من ذهب *
قال أبو محمد: الدانق سدس الدرهم الطبري وهو الأندلسي فالدانقان وزن
ثلث درهم أندلسي وهو سدس المثقال من الذهب، وهذا خبر مسند صحيح، فان قيل:
فقد رويتم من طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا حجاج هو ابن أرطاة عن قتادة

(1) في النسخة رقم 14 سواك الأراك
(2) في النسخة رقم 14 ملء كفيه
500

عن أنس في النواة المذكورة انها قومت بثلاث (1) دراهم قلنا: حجاج ساقط ولا
يعارض بروايته رواية عبد الرزاق * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء
أنه قال في الصداق: أدنى ما يكفي خاتمه أو ثوب يرسله، قال ابن جريج. وقال عمرو
ابن دينار. وعبد الكريم: أدنى الصداق ما تراضوا به * ومن طريق عبد الرزاق عن
سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن قسيط قال: سمعت سعيد بن المسيب
يقول: لو أصدقها سوطا حلت له * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم
ابن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا أبو أحمد الزبيري نا عبد العزير
ابن أبي داود عن سعيد بن المسيب انه زوج أبنته ابن أخيه فقيل له: أصدق؟ فقال: درهمين *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا يونس بن عبيد عن الحسن انه كان يقول
في الصداق: هو على ما تراضوا عليه من قليل أو كثير، ولا يؤقت شيئا، قال سعيد: ونا
خالد بن عبد الله هو الطحان عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: ما تراضوا به عليه
فهو صداق * ومن طريق سحنون عن عبد الله بن وهب أخبرني عثمان بن الحكم عن
يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: يحل المرأة ما رضيت به من قليل أو كثير، قال ابن
وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصديق. وابن قسيط. وربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه يجوز من الصداق درهم *
قال أبو محمد: وهو قول سفيان الثوري. والأوزاعي. والحسن بن حي:
والليث بن سعد. وابن أبي ليلى. وابن وهب صاحب مالك. والشافعي. وأحمد بن حنبل.
وإسحاق. وأبي ثور. وأبي سليمان. وأصحابهم، وجملة أصحاب الحديث (2) ممن سلف
وخلف وبالله تعالى التوفيق *
1848 مسألة ومن أعتق أمته على أن يتزوجها وجعل عتقها صداقها لا صداق
لها غيره فهو صداق صحيح ونكاح صحيح وسنة فاضلة فان طلقها قبل الدخول فهي
حرة ولا يرجع عليها بشئ فلو أبت أن تتزوجه بطل عتقها وهي مملوكة كما كانت * وفى
هذا خلاف متأخر، قال أبو حنيفة. ومحمد بن الحسن. وزفر بن الهذيل. ومالك.
وابن شبرمة. والليث: لا يجوز أن يكون عتق الأمة صداقها. قال أبو حنيفة. وزفر.
ومحمد: ومالك ان فعل فلها عليه مهر مثلها وهي حرة. ثم اختلفوا ان أبت أن تتزوجه
فقال أبو حنيفة. ومحمد: تسعى له في قيمتها، وقال مالك. وزفر: لا شئ له عليها *
قال على: البرهان على صحة قولنا وبطلان قول هؤلاء الخبر المشهور الثابت الذي

(1) في النسخة رقم 14 ثلاثة
(2) في النسخة رقم 16 (وجملة من أصحاب الحديث)
501

رويناه من طريق شتى كثيرة، منها من طريق البخاري، ومن طريق عبد الرزاق،
ومن طريق حماد بن سلمة قال البخاري: ثنا قتيبة نا حماد بن زيد عن ثابت البناني، وقال
عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة، وقال حماد بن سلمة عن عبد العزيز بن صهيب، ثم اتفق
ثابت. وقتادة. وعبد العزيز كلهم عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق
صفية وجعل عتقها صداقها) قال قتادة في روايته: ثم جعل *
قال أبو محمد: فاعترض من خالف الحق على هذا الخبر بأن قال: لا يخلو أن
يكون تزوجها وهي مملوكة فهذا لا يجوز بلا خلاف أو يكون تزوجها بعد أن أعتقها
فهذا نكاح بلا صداق *
قال على: هذا أحمق كلام سمع لوجوه، أولها أنه اعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا انسلاخ من الاسلام، والثاني أنه اعتراض مموه ساقط لأننا نقول لهم ما تزوجها
الا وهي حرة بعد صحة العتق لها وذلك العتق الذي صح لها بشرط أن يتزوجها به
هو صداقها قد أتاها إياه واستوفته ولا فرق بين هذا وبين من أعطى امرأة دراهم ثم
خطبها فتزوجها على تلك الدراهم التي له عندها وهم لا ينكرون هذا، والثالث أنهم لو
سألوا أنفسهم هذا السؤال في أقوالهم الفاسدة لأصابوا؟ مثل توريثهم المطلقة ثلاثا في
المرض فنقول لهم: لا يخلو من أن تكونوا ورثتموها وهي زوجة له أو وهي ليست
بزوجة له ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن كانت زوجته فقد كان تلذذه بمباشرتها ونظره إلى
فرجها حلال له ما دام يجرى فيه الزوج وأنتم تحرمون عليه ذلك بتلا قطعا وإن كانت
ليست زوجا له ولا اما له ولا بنتا له ولا جدة له ولا بنت ابن له ولا أختا ولا معتقة ولا ذات
رحم فهذا عين الظلم واعطاء المال بالباطل (1) فان ادعوا اتباع الصحابة قلنا: نحن
أولى بالصواب وبوضوح العذر وبترك الاعتراض علينا إذ إنما اتبعنا ههنا النبي صلى الله عليه وسلم
والصحابة أيضا. والتابعين زيادة فكيف وقد كذبتم في دعواكم اتباع الصحابة في
توريث المطلقة ثلاثا في المرض على ما نبينه إن شاء الله تعالى في بابه؟، وأقرب ذلك أنه لم
يصح عن عمر والمشهور عن عثمان انه لم يعده طلاقا وفى قولهم في ولد المستحقة: انهم أحرار
وعلى أبيهم قيمتهم. فنقول لهم: لا يخلو من أن يكونوا أحرارا أو عبيدا فإن كانوا
أحرارا فثمن الحر حرام كالميتة والدم وإن كانوا عبيدا فبيع العبيد من غير رضا سيدهم
حرام الا بنص، ومثل هذا لهم كثير جدا؟ وقال بعضهم: العتق ليس مالا فهو كالطلاق
في أن العتق يبطل به الرق فقط والطلاق يبطل به النكاح فقط فلو أنه طلقها على أن يكون

(1) في النسخة رقم 16 عين الظلم والخطأ وأكل المال بالباطل
502

طلاقها مهرا لها بعد ذلك فكذلك العتق *
قال أبو محمد: وهذا قول في غاية الفساد والسخافة لأنه قياس والقياس كله باطل،
ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل لان قياس أصل على أصل آخر لا يجوز عندهم
ولا شبه بين الطلاق والعتق لان العتق يبطل الرق كما قالوا: وأما الطلاق فقد كذبوا
في قولهم أنه يبطل النكاح بل للمطلق الذي وطئها دون الثلاث ان يرتجعها فصح انه لم
يبطل نكاحه بخلاف العتق الذي لا يجوز له ارتجاعه في الرق، وأيضا فان العتق اخراج
مال عن ملكه وليس الطلاق كذلك فبطل تمويههم البارد والحمد لله رب العالمين، وقال
بعضهم: هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: هذا كذب ومخالفة لقول الله عز وجل: (لقد كان لكم في رسول
أسوة حسنة) فكل فعل فعله عليه الصلاة والسلام لنا الفضل في الائتساء به
عليه الصلاة والسلام ما لم يأت نص بأنه خصوص فنقف عنده ولو قالوا هذا لأنفسهم
في اجازتهم الموهوبة التي لا تحل لغيره عليه الصلاة والسلام لوفقوا، وقال بعضهم: قد
رويتم في ذلك ما كتب به إليكم داود بن بابشاذ قال: نا عبد الغنى بن سعيد الحافظ نا
هشام بن محمد بن قرة نا أبو جعفر الطحاوي نا أحمد بن داود نا يعقوب بن حميد - وهو ابن
كاسب قال: نا حماد بن زيد عن عبد الله بن عون قال: (كتب إلى نافع ان النبي صلى الله عليه وسلم
أخذ جويرية في غزوة بنى المصطلق فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها) أخبرني بذلك
عبد الله بن عمر كان في ذلك الجيش قالوا: وابن عمر لا يرى ذلك فمحال أن يترك ما روى
الا لفضل علم عنده بخلاف ذلك *
قال أبو محمد: لو صح ما ذكروه من أن ابن عمر لم ير ذلك لما كانت فيه حجة لان الحجة
التي أمرنا الله تعالى بها وباتباعها إنما هي ما رووه لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ما رواه من
رآه منهم (1) برأي اجتهد فيه وأصاب ان وافق النص فله أجران أو أخطأ إن خالف
النص غير قاصد إلى خلافه فله أجر واحد، وقد أفردنا في كتابنا المرسوم بالاعراب في
كشف الالتباس بابا ضخما لكل واحدة من الطائفتين فيما تناقضوا فيه في هذا المكان
فاخذوا برواية الصاحب وخالفوا رأيه الذي خالف به ما روى، والذي نعرفه عن ابن
عمر فهو ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم. وجرير كلاهما عن المغيرة بن
مقسم عن إبراهيم النخعي قال، (ان ابن عمر كان يقول في الرجل يعتق الجارية ثم يتزوجها
كالراكب بدنته) قال إبراهيم وكان أعجب ذلك إلى أصحابنا ان يجعلوا عتقها صداقها

(1) في النسخة رقم 14 لا ما رآه من رآه منهم
503

فإنما كره ابن عمر زواج المرء من أعتقها لله عز وجل فقط، فبطل كيدهم
الضعيف في هذه المسألة *
قال أبو محمد: والخبر المذكور عن ابن عمر كتب به إلى داود بن بابشاذ قال: نا
عبد الغنى بن سعيد ثنا هشام بن محمد بن قرة نا أبو جعفر الطحاوي فذكر الحديث الذي
ذكرنا آنفا، ثم قال: فقد روى هذا ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا ثم قال:
هو من بعده عليه الصلاة والسلام في مثل هذا انه يجدد لها صداقا * نا بذلك سليمان بن
شعيب نا الخصيب هو ابن ناصح حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
مثل ذلك *
قال أبو محمد: هذا نص كلام الطحاوي ولم يذكر كلام ابن عمر كيف كان
ولعله لو أورده لكان خلافا لظن الطحاوي، وهذا الحديث ليس مما رواه أصحاب
حماد بن سلمة الثقات عنه، والخصيب لا يدرى حاله وليس بالمشهور في أصحاب حماد
ابن سلمه فهو أمر ضعيف من كل جهة، والخبر الأول من رواية ابن عمر لا من جويرية
هو من رواية يعقوب بن حميد بن كاسب وهو ضعيف، وذكروا أيضا الخبر الذي
رويناه من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أم
المؤمنين أن جويرية قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (انها وقعت في سهم ثابت بن قيس
ابن الشماس أو ابن عم له وانها كاتبته وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها وانه عليه
الصلاة والسلام قال لها: أو خير من ذلك أقضى عنك كتابتك وأتزوجك) قالوا: وليس
هذا لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدى كتابة مكاتبة لغيره ويتزوجها بذلك *
قال أبو محمد: قبل كل شئ فان هذا خبر لا تقوم به حجة إنما رويناه عن محمد بن إسحاق
من طريقين ضعيفين، أحدهما من طريق زياد بن عبد الله البكائي. والآخر من طريق
أسد بن موسى وكلاهما ضعيف ثم لو صح لكان لا يخلو من أن ثابت بن قيس وهبها
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرف رغبته عليه الصلاة والسلام فيها ولم تكن أدت من
كتابتها بعد شيئا فبطلت الكتابة وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز أن يظن بثابت
أو بصاحب غير هذا أصلا، وأيضا فلو لم يكن ذلك وتمادت على كتابتها حتى عتقت
بأدائها أو بأداء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها عنها لكانت مولاة ثابت وهذا لم يقله أحد
قطعا ولا اختلف أحد من أهل العلم في أنها لم تكن مولاة ثابت أصلا فوضح سقوط
ما رواه أسد. وزياد وبطل تعلقهم بهذه الملفقات التي لا تغني من الحق شيئا، وموهوا
أيضا بما حدثناه حمام بن أحمد نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا إسماعيل
504

ابن إسحاق نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا أبو بكر بن عياش نا أبو حصين عن أبي بردة عن أبي
موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرئ أعتق أمته ثم تزوجها بمهر جديد فله
أجران) فهذا لفظ سوء انفرد به يحيى الحماني وهو ضعيف جدا عن أبي بكر بن عياش
وهو ضعيف، والخبر مشهور من رواية الثقات ليس فيه بمهر جديد أصلا، ثم لو صح لم
تكن فيه حجة أصلا لأنه ليس فيه انه لا يجوز له نكاحها الا بمهر جديد، ونحن لا نمنع من
أن يجعل لها مهرا آخر بل كل ذلك جائز، وهذا الخبر رويناه من طرق * منها من طريق
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن صالح بن حيان عن الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى
الأشعري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له جارية فأحسن ادبها
وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران اثنان) * ومن طريق سعيد بن منصور
نا خالد بن عبد الله نا مطرف هو بن طريف عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى
الأشعري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الذي يعتق أمته ثم يتزوجها (1) فله أجران)
ليس في شئ من ذلك ذكر مهر جديد *
[أخبرنا أبو عمر بالسند المتقدم إلى مسلم قال: نا يحيى بن يحيى نا هشيم عن صالح بن صالح
الهمداني عن الشعبي قال: رأيت رجلا من خراسان يسأل الشعبي فقال: يا أبا عمرو
ان من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها: فهو كالراكب
بدنته فقال الشعبي. حدثنا أبو بردة هو عامر بن عبد الله بن قيس هو أبو موسى
الأشعري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب
آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدق به (2) فله أجران.
وعبد مملوك أدى حق الله عليه وحق سيده فله أجران ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن
غذاءها ثم أدبها فأحسن أدبها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران) ثم قال الشعبي للخراساني:
خذ هذا الخبر (3) بغير شئ فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة، قال مسلم:
ونا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان ونا ابن أبي عمر حدثنا سفيان ونا عبد الله بن معاذ
قال: حدثني أبي قال: نا شعبة كلهم عن صالح بن صالح بهذا الاسناد نحوه] (4) *
قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به إنما هو أباطيل، وممن قال بقولنا (5) من
السلف طائفة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي
عن الحارث عن علي بن أبي طالب أنه قال فيمن أعتق أمته ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها

(1) في النسخة رقم 16 أعتق أمته ثم تزوجها
(2) في صحيح مسلم وصدقه
(3) في صحيح مسلم خذ هذا الحديث
(4) من قوله أخبرنا أبو عمر بالسند المتقدم إلى هنا زيادة من النسخة رقم 16
(5) في النسخة رقم 14 بمثل قولنا
505

قال: (له أجران) وقد روى أيضا عن ابن مسعود. وأنس * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا هشيم أنا يحيى بن سعيد الأنصاري. والمغيرة. ويونس هو ابن عبيد
وجابر قال يحيى: عن سعيد بن المسيب وقال المغيرة: عن إبراهيم. وقال يونس: عن
الحسن وقال جابر: عن الشعبي قالوا كلهم: لا بأس بأن يجعل عتقها صداقها، قال
هشيم: وأنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يقول: (إذا قال الرجل
لامته قد أعتقتك وتزوجتك فهي امرأته وان قال: أعتقك وأتزوجك فأعتقها ان
شاءت تزوجته وان شاءت لم تتزوجه، وكان الحسن يكره غير هذا كما روينا من طريق
أبى داود الطيالسي عن شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن البصري أنه كره أن
يعتق الرجل أمته لوجه الله ثم يتزوجها *
قال أبو محمد: وروى مثله عن أنس بن مالك. وابن مسعود. وجابر بن زيد.
وإبراهيم * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم
قال: كانوا يكرهون ان يعتق أمته ثم يتزوجها ولا يرون بأسا أن يجعل عتقها صداقها *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري. وعبد الله
ابن طاوس قال يحيى: عن سعيد بن المسيب وقال ابن طاوس: عن أبيه قالا جميعا: لا بأس
ان يجعل عتقها صداقها، قال طاوس: ذلك حسن * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: لا بأس ان يعتق الرجل
أمته فيتزوجها ويجعل عتقها صداقها * وبه إلى معمر عن قتادة قال: إذا أعتق الرجل
أمته وجعل عتقها مهرها ثم طلقها قبل إن يدخل بها فلا شئ لها، وابن جريج يقول:
ان طلقها سعت له في نصف قيمتها، وهو قول عطاء *
قال أبو محمد: فهؤلاء على. وأنس. وأبن مسعود. وسعيد بن المسيب وإبراهيم.
ومن لقيه إبراهيم من شيوخه. والشعبي وعطاء بن أبي رباح. وطاوس. وأبو سلمة
ابن عبد الرحمن. وقتادة. وغيرهم وهو قول سفيان الثوري. والأوزاعي. والحسن
ابن حي وأبى يوسف القاضي خالف في ذلك أصحابه ووفق. والشافعي. وأحمد وأبي ثور
وبعض أصحابنا وما نعلم للمخالفين سلفا الا تلك الرواية الساقطة عن ابن عمر التي لم يبين
فيها كيف كان لفظه ولا كيف كان لفظ نافع الذي ذكر ذلك عنه، وشيئا ربما ذكروه *
رويناه من طريق سعيد بن منصور قال: نا هشيم انا يونس عن ابن سيرين انه كان
يحب ان يجعل مع عتقها شيئا ما كان.
قال أبو محمد: إنما هذا استحباب من ابن سيرين والا فهذا القول يدل على أنه كان
506

يجيز ان يجعل عتقها صداقها فقط وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا: ان طلقها قبل الدخول
فلا شئ له عليها لان الذي فرض لها هو عتقها وهو شئ قد تم فلا يستدرك وتكليف الغرامة
هو ايجاب غير نصف ما فرض لها فلا يجوز واما ان لم تتزوجه فإنه عتق لم يتم إنما هو
عتق بشرط ان تتزوجه فيكون صداقها فإذا لم تتزوجه فلا صداق لنكاح لم يتم فهو
باطل، واما ان تزوجته فقد تم النكاح وصح العتق لصحة النكاح الذي عتق به
وبالله تعالى التوفيق *
1849 مسألة ولا يجوز ان تجبر المرأة على أن تتجهز إليه بشئ أصلا لا من
صداقها الذي أصدقها ولا من غيره من سائر مالها، والصداق كله لها تفعل فيه كله ما شاءت
لا اذن للزوج في ذلك ولا اعتراض وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان.
وغيرهم، وقال مالك: ان أصدقها دنانير أو دراهم أجبرت على أن تبتاع بكل ذلك شورة
من ثياب ووطاء وحلي تتجمل به له ولا يحل له ان تقضى منها دينا عليها الا ثلاثة دنانير
فأقل فان أصدقها نقار ذهب أو نقار فضه فهو لها ولا تجبر على أن تبتاع بها شورة أصلا،
فان أصدقها حليا أجبرت على أن تتحلى به له فان أصدقها ثيابا ووطاء أجبرت على أن
تلبسها بحضرته ولم تجب لها عليه كسوة حتى تمضى مدة تخلق فيها تلك الثياب، فان أصدقها
خادما أنثى أجبرت على أن تخدمها ولم يكن لها بيعها وان أصدقها عبدا فلها ان تفعل فيه
ما شاءت من بيع أو غيره، فلو أصدقها دابة. أو ماشية. أو ضيعة أو دارا أو طعاما لم
يكن للزوج في كل ذلك رأى وهو لها تفعل فيه ما شاءت من بيع أو غيره وليس للزوج ان
ينتفع بشئ من ذلك ولا ان ينظر فيه الا باذنها ان شاءت *
قال أبو محمد: قول مالك هذا يكفي من فساده عظيم تناقضه وفرقه بين ما فرق من
ذلك بلا برهان من قرآن. ولا من سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قول أحد نعلمه قبله ولا
قياس ولا رأى له وجه. واطرف شئ اباحته لها قضاء الثلاثة دنانير والدينارين في
دينها فقط لا أكثر من ذلك فليت شعري إن كان صداقها الفي دينار أو كان صداقها دينارا
واحد كيف العمل في ذلك ان هذا لعجب *
قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا قول الله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فان
طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) فافترض الله عز وجل على الرجال أن
يعطوا السناء صدقاتهن نحلة ولم يبح للرجال منها شيئا الا بطيب أنفس النساء فأي بيان
بعد هذا نرغب أم كيف تطيب نفس مسلم على مخالفة هذا الكلام لرأى فاسد متخاذل
متنافر لا يعرف لقائله فيه سلف، ووجدنا الله عز وجل قد أوجب للمرأة حقوقا في مال
507

زوجها أحب أم كره وهي الصداق والنفقة والكسوة. والاسكان ما دامت في عصمته.
والمتعة ان طلقها ولم يجعل للزوج في مالها حقا أصلا لا ما قل ولا ما كثر ولا شئ أطرف من
اسقاطهم عن الزوج الكسوة ما دام يمكنها أن تكتسي من صداقها ولم يسقط عنه النفقة
ما دام يمكنها أن تنفق على نفسها من صداقها فهل سمع باسقط من هذا الفرق الفاسد؟.
وشغب بعضهم بقول الله عز وجل: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على
بعض) فقلنا: صدق الله عز وجل، ولا يحل تحريف الكلم عن مواضعه ولا أن نقول
عليه عز وجل ما لم يقل فهذا من أكبر الكبائر، وليس في هذه الآية ذكر لقيامه على شئ من
مالها ولا للحكم برأيه ولا للتصرف فيه وإنما فيها انه قائم عليها يسكنها حيث يسكن ويمنعها
من الخروج إلى غير الواجب ويرحلها حيث يرحل، ثم لو كان في الآية لما ادعيتم لكنتم
أو مخالفين لها لأنكم خصصتم بعض الصدقات دون بعض ودون سائر مالها كل ذلك
تحكم (1) بالباطل بلا برهان، وشغبوا أيضا بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(تنكح المرأة لأربع لحسنها ومالها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) *
وهذا عجب جدا لا نظير له أول ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر أن تنكح لمالها ولا ندب
إلى ذلك ولا صوبه بل إنما أورد ذلك اخبارا عن فعل الناس فقط، وهذه أفعال الطماعين
المذموم فعلهم في ذلك بل في الخبر نفسه الانكار لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام:
(فاظفر بذات الدين) فلم يأمر بأن تنكح بشئ من ذلك الا للدين خاصة لكن الواجب
أن تنكح المرأة الزوج لماله لان الله تعالى أوجب لها الصداق عليه والنفقة والكسوة،
وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان النهى عن أن تنكح المرأة لمالها كما حدثنا أحمد بن محمد
الطلمنكي نا ابن مفرج القاضي نا محمد بن أيوب الرقى نا البزار نا سلمة بن شبيب نا عبد الله
ابن يزيد عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكحوا النساء
لحسنهن فلعل حسنهن يرديهن ولا تنكحوهن لأموالهن فلعل أموالهن يطغيهن وانكحوهن
للدين ولامة سوداء خرماء ذات دين أفضل) ثم أنهم أول مخالفين لما موهوا به لأنه ليس
في نكاح المرأة لمالها لو أبيح ذلك أو ندب إليه شئ مما أتوا به من التخليط في الفرق بين
صداق فضة مضروبة وذهب مضروب وبين سبائك فضة وذهب غير مضروبة، والفرق
بين إصداق ثياب. ووطاء. وجوهر. وخادم، وبين اصداق حرير. وقطن.
وكتان. وصوف. ودابة. وماشية. وعبد. وطعام، والفرق بين قضاء ثلاثة دنانير
من دينها فأقل وبين قضائها أكثر من ذلك فوضح عظيم فساد تخليط هذه الأقوال وبالله

(1) في النسخة رقم 16 وهذا تحكم
508

تعالى التوفيق * وربما يموهون بما نذكره مما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا همام
ابن يحيى أنا قتادة عن جلال بن أبي الجلال العتكي عن أبيه أن رجل خطب إلى رجل ابنته
من امرأة عربية فأنكحها إياه فبعث إليه بابنة له أخرى أمها أعجمية فلما دخل بها علم بعد
ذلك فأتى معاوية فقص عليه فقال: معضلة ولا أبا حسن وكان على حربا لمعاوية فقال
الرجل لمعاوية فأذن لي أن آتيه فاذن له معاوية فأتى الرجل علي بن أبي طالب فقال:
السلام عليك يا علي فرد عليه السلام فقص عليه القصة فقضى على على أبى الجارية بان
يجهز ابنته التي أنكحها إياه بمثل الصداق الذي ساق منها لأختها بما أصاب من فرجها
وأمره أن لا يمس امرأته حتى تنقضي عدة أختها، قال الحجاج بن المنهال: وأخبرني
هشيم قال: أخبرني المغيرة عن إبراهيم النخعي أن رجلا تزوج جارية فأدخل عليه غيرها
فقال إبراهيم: للتي دخل بها الصداق الذي ساق وعلى الذي غره أن يزف إليه امرأته
بمثل صداقها *
قال أبو محمد: هذا كله عليهم لا لهم لأنه ليس في شئ من هذين الخبرين ان للزوج
في ذلك حقا ولا إربا إنما فيهما أن يضمن للتي زوجت منه وزف إليه غيرها صداقها الذي
استهلك لها وأعطى لغيرها بغير حق وهكذا نقول، ثم هم يخالفون هذه الرواية عن علي
في موضعين، أحدهما انه جعل للتي زفت إليه الصداق الذي سمى لأختها وهم لا يقولون
بهذا بل إنما يقضون لها بصداق مثلها، والموضع الثاني أمر على له أن لا يطأ التي صح
نكاحه معها الا حتى تنقضي عدة الأخرى التي زفت إليه وهم لا يقولون بهذا، فمن
المقت والعار والاثم تمويه من يوهم أنه يحتج بأثر هو أول من يخالفه ونعوذ بالله من
الخذلان، هذا مع أن الجلال بن أبي الجلال غير مشهور * وبما أخبرناه أحمد بن قاسم
نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا الحسن بن حماد
نا يحيى بن يعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن أنس فذكر خطبة
على فاطمة رضي الله عنهما (وان عليا باع درعه بأربعمائة وثمانين قال: فأتيت بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعتها في حجره فقبض منها قبضة فقال: يا بلال أبغنا بها طيبا وأمرهم
أن يجهزوها) قال: فجعل لنا سرير مشروط بالشريط ووسادة من أدم حشوها ليف
وملء البيت كثيبا *
قال أبو محمد: وهذا حجة عليهم لأنه لا تبلغ قبضة في طيب وسرير مشروط بالشريط
ووسادة من أدم حشوها ليف عشر أربعمائة درهم وثمانين درهما فظهر فساد قولهم
والحمد لله رب العالمين *
509

1850 مسألة وعلى الزوج كسوة الزوجة مذ يعقد النكاح ونفقتها وما
تتوطاه وتتغطاه وتفترشه واسكانها كذلك أيضا. صغيرة كانت أو كبيرة. ذات أب أو يتيمة
غنية أو فقيرة دعى إلى البناء أو لم يدع نشزت أو لم تنشز. حرة كانت أو أمة بوأت معه
بيتا أو لم تبوأ * برهان ذلك ما رويناه من طريق أبى داود نا موسى بن إسماعيل نا حماد
ابن سلمة نا أبو قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري قال: (قلت يا رسول الله ما حق
زوجة أحدنا عليه؟ قال: ان تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب
الوجه ولا تقبح ولا تهجر الا في البيت)
قال أبو محمد: أبو قزعة هذا هو سويد بن حجير ثقة روى عنه شعبة. وابن جريج.
وحماد بن سلمة. وابنه قزعة. وغيرهم * ومن طريق مسلم نا الحجاج نا إسحاق بن
إبراهيم - هو ابن راهويه - عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في عرفة يوم عرفة (1):
(فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى ولكم
عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح
ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل النساء ولم
يخص ناشزا من غيرها ولا صغيرة ولا كبيرة ولا أمة مبوأة بيتا (2) من غيرها وما
ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى وما كان ربك نسيا * نا يونس بن عبد الله نا أحمد
ابن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا
يحيى بن سعيد القطان نا عبيد الله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر قال: كتب عمر بن الخطاب
إلى أمراء الأجناد ان انظروا إلى من طالت غيبته ان يبعثوا بنفقة أو يرجعوا، وذكر
باقي الخبر فلم يستثن عمر امرأة من امرأة * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله
نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر غندر نا
شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة عن امرأة خرجت من بيت زوجها غاضبة (3)
هل لها نفقة؟ قال: نعم *
قال أبو محمد: وروينا عن نحو خمسة من التابعين: لا نفقة لناشز: وهذا قول
خطأ ما نعلم لقائله حجة، فان قيل: إن النفقة بإزاء الجماع والطاعة قلنا: لا بل هذا
القول كذب، وأول من يبطله (4) أنتم، أما الحنيفيون. والشافعيون فيوجبون النفقة

(1) في النسخة رقم 14 في خطبته بعرفة
(2) في النسخة رقم 14 (مبوأة بيت)
(3) في النسخة رقم 14 (عاصية)
(4) في النسخة رقم 14 وأول من يسقطه
510

على الزوج الصغير على الكبيرة ولا جماع هنالك ولا طاعة، والحنيفيون، والمالكيون
والشافعيون يوجبون النفقة على المجبوب والعنين ولا خلاف في وجوب النفقة على
المريضة التي لا يمكن جماعها وقد بين الله عز وجل ما على الناشز فقال: (واللاتي تخافون
بنشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن
سبيلا) فأخبر عز وجل انه ليس على الناشز الا الهجر والضرب ولم يسقط عز وجل
نفقتها ولا كسوتها فعاقبتموهن أنتم بمنعها حقها وهذا شرع في الدين لم يأذن به الله فهو
باطل، فان قالوا: انها ظالمة بنشوزها قلنا: نعم وليس كل ظالم يحل منعه من ماله الا ان يأتي
بذلك نص والا فليس هو حكم الله هذا حكم الشيطان وظلمة العمال والشرط، والعجب
كله انهم لا يسقطون قرضا اقرضته إياه من أجل نشوزها فما ذنب نفقتها تسقط دون سائر
حقوقها ان هذا لعجب عجيب، وقال بوجوب النفقة على الصغيرة سفيان الثوري.
وأبو سليمان وأصحابنا، وما نعلم لمن أسقطها حجة أصلا فهو باطل بلا شك قال الله عز وجل:
(قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فقوله باطل
وقال مالك: لا نفقة على الزوج الا حتى يدعى إلى البناء *
قال أبو محمد: هذا الحكم دعوى مجردة لا برهان على صحتها لا من قرآن. ولا من سنة
ولا قول صاحب. ولا قياس. ولا رأى صحيح وقد بينا ان السنة الثابتة جاءت بخلافه فهو
ساقط وبالله تعالى التوفيق *
1851 مسألة ولا يحل لأب البكر صغيرة كانت أو كبيرة أو الثيب ولا
لغيره من سائر القرابة أو غيرهم حكم في شئ من صداق الابنة أو القريبة ولا لاحد ممن
ذكرنا أن يهبه ولا شيئا منه لا للزوج طلق أو أمسك ولا لغيره فان فعلوا شيئا من ذلك
فهو مفسوخ باطل مردود أبدا، ولها أن تهب صداقها أو بعضه لمن شاءت ولا اعتراض
لأب ولا لزوج في ذلك هذا إذا كانت بالغة عاقلة وبقى لها بعده غنى والا فلا، ومعنى
قوله عز وجل: (فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح)
إنما هو أن المرأة إذا طلقها زوجها قبل أن يطأها وقد كان سمى لها صداقا رضيته فلها
نصف صداقها الذي سمى لها الا أن تعفو هي فلا تأخذ من زوجها شيئا منه وتهب له
النصف الواجب لها أو يعفو الزوج فيعطيها الجميع فأيهما فعل ذلك فهو أقرب للتقوى،
وهذا مكان اختلف فيه السلف فقالت طائفة: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج
كما قلنا * روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا جرير بن حازم سمعت عيسى بن عاصم
يقول: سمعت شريحا يقول: سألني علي بن أبي طالب عن الذي بيده عقدة النكاح؟
511

فقلت: هو الولي فقال على: بل هو الزوج * ومن طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد
عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: هو الزوج * ومن طريق عبد الرزاق عن
معمر عن صالح بن كيسان أن نافع بن جبير بن مطعم تزوج امرأة فطلقها قبل أن يبنى
بها فأكمل لها الصداق وتأول قول الله عز وجل: (الذي بيده عقدة النكاح) يعنى الزوج *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن شريح
قال: هو الزوج * نا أحمد بن عمر العذري نا مكي بن عيسون نا أحمد بن عبد الله بن رزيق
نا أحمد بن عمرو بن جابر نا محمد بن حماد الطهراني (1) نا عبد الرزاق عن قتادة. وابن أبي
نجيح قال قتادة: عن سعيد بن المسيب وقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد قالا جميعا سعيد
ابن مسيب. ومجاهد: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج * ومن طريق الحجاج بن المنهال
نا أبو عوانة عن أبي بشر هو جعفر بن اياس بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير قال الذي
بيده عقدة النكاح هو الزوج، وقال مجاهد. وطاوس. وأهل المدنية: هو الولي،
قال: فأخبرتهم بقول سعيد بن جبير فرجعوا عن قولهم * ومن طريق ابن أبي شيبة
حدثني عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي نا عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر أنه قال
الذي بيده عقدة النكاح الزوج * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا إبراهيم
ابن حمزة نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمير مولى غفرة أنه سمع محمد بن كعب
القرظي يقول: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج * ومن طريق إسماعيل نا محمد بن أبي بكر
المقدمي نا معتمر بن سليمان التيمي (2) عن ليث عن عطاء بن أبي رباح الذي بيده عقدة
النكاح هو الزوج * ومن طريق قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد
ابن المثنى نا عبد الأعلى نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: الذي بيده عقدة النكاح
هو الزوج * ومن طريق إسماعيل نا علي بن المديني نا سفيان بن عيينة عن ابن شبرمة قال:
هو الزوج، وهو قول الأوزاعي. وسفيان الثوري. والليث بن سعد وأبي حنيفة.
والشافعي. وأبي ثور. وأبي سليمان. وأصحابهم، وقالت طائفة: هو الولي [جملة] (3)،
صح ذلك عن ابن عباس أنه ان عفا وليها الذي بيده عقدة النكاح وضنت جاز وان أبت،
وصح أيضا عن جابر بن زيد كان يقول: أو يعفو أبوها أو أخوها إن كان وصولا
وان كرهت المرأة، وصح أيضا عن عطاء. وعلقمة. وإبراهيم النخعي. والشعبي.
والحسن البصري. وأبى الزناد. وعكرمة مولى ابن عباس، وروينا عن ابن عباس قولا لم

(1) هو بكسر الطاء المهملة وفى النسخة رقم 16 بالظاء المعجمة وهو غلط
(2) في النسخة رقم 16 معمر ابن سليمان التيمي وهو غلط
(3) الزيادة من النسخة رقم 16
512

يصح عنه لأنه من طريق الكلبي انه ولى البكر جملة، وصح عن الزهري قول آخر وهو
أنه الأب جملة، وقول خامس رويناه من طريق مالك عن ربيعة، وزيد بن أسلم انه
السيد يعفو عن صداق أمته والأب خاصة في ابنته البكر خاصة يجوز عقده عن
صداقها وهو قول مالك *
قال أبو محمد: فنظرنا في هذه الأقوال فوجدنا قول ربيعة وزيد بن أسلم. ومالك
أظهرها فسادا وأبعدها عن مقتضى الآية جملة ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل ان الله
تعالى لو أراد بقوله: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) سيدا لامة. وولد البكر خاصة
لما ستره ولا كتمه فلم يبينه في كتابه ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان قيل: هذان لا يصح
نكاح الأمة والبكر الا بعقدهما قلنا: نعم ولا يصح أيضا الا برضى الزوج والا فلا
فله في ذلك كالذي للسيد وللأب سواء سواء فمن جعلهما أولى بأن يكون بأيديهما عقدة
النكاح من الزوج مع تخصيص الآية بلا برهان من قرآن. ولا سنة صحيحة. ولا
رواية سقيمة. ولا قول صاحب. ولا قياس. ولا رأى له وجه فسقط هذا القول
جملة وسقط بسقوطه قول الزهري انه الأب أيضا جملة وكذلك سقط أيضا القول الذي
صح عنه انه ولى البكر جملة: ثم نظرنا في قول من قال: انه الولي فوجدنا الأولياء قسمين
أحدهما من ذكرنا من أب البكر وسيد الأمة فكان حظ هذين في كون عقدة النكاح
بأيديهما كحظ الزوج في كون عقدة النكاح بيده سواء سواء وقد يسقط حكم الأب في
البكر بأن يكون كافرا وهي مؤمنة أو هو مؤمن وهي كافرة أو بأن يكون مجنونا ويسقط
أيضا حكم السيد في أمته بأن يكون صغيرا أو مجنونا والقسم الثاني سائر الأولياء الذين
لا يلتفت إليهم لكن ان أبوا أخراج الامر عن أيديهم وعقد السلطان نكاحها فهؤلاء
حظ الزوج في كون عقدة النكاح بيده أكمل من حظ الأولياء المذكورين فوجدنا
أمر الأولياء مضطربا كما ترى ثم إنما هو العقد فقط ثم لا شئ بأيديهم جملة من
عقدة النكاح بل هي إلى الزوج ان شاء أمضاها وان شاء حلها بالطلاق ووجدنا أمر الزوج
ثابتا في أن عقدة كل نكاح بيده ولا تصح الا بإرادته بكل حال ولا تحل الا بإرادته فكان
أحق باطلاق هذه الصفة عليه بلا شك، ثم البرهان القاطع قول الله عز وجل: (ولا
تكسب كل نفس الا عليها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام)
فكان عفو الولي عن مال وليه كسبا على غيره فهو باطل وحكما في مال غيره فهو حرام،
فصح انه الزوج الذي يفعل في مال نفسه ما أحب من عفو أو يقضى بحقه وبالله تعالى التوفيق *
1852 مسألة ولا يحل نكاح الشغار وهو أن يتزوج هذا ولية هذا على
513

أن يزوجه الآخر وليته أيضا سواء ذكرا في كل ذلك صداقا لكل واحدة منهما أو لإحداهما
دون الأخرى أو لم يذكرا في شئ من ذلك صداقا كل ذلك سواء يفسخ أبدا ولا نفقة
فيه ولا ميراث ولا صداق ولا شئ من أحكام الزوجية ولا عدة، فإن كان عالما فعليه الحد
كاملا ولا يلحق به الولد وإن كان جاهلا فلا حد عليه والولد له لاحق وإن كانت هي عالمة
بتحريم ذلك فعليها الحد وإن كانت جاهلة فلا شئ عليها *
قال أبو محمد: واختلف الناس في هذا فقال مالك: لا يجوز هذا النكاح ويفسخ
دخل بها أو لم يدخل، وكذلك لو قال: أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمائة دينار
فلا خير في ذلك، وقال ابن القاسم: لا يفسخ هذا ان دخل بها، وقال الشافعي: يفسخ
هذا النكاح إذا لم يسم في ذلك مهرا فان سميا لكل واحدة منهما مهرا أو لإحداهما دون
الأخرى ثبت النكاحان معا وبطل المهر الذي سميا وكان لكل واحدة منهما مهر مثلها ان
مات أو وطئها أو نصف مهر مثلها ان طلق قبل الدخول، وقال الليث. وأبو حنيفة.
وأصحابه: هو نكاح صحيح ذكرا لكل واحدة صداقا أو لإحداهما دون الأخرى أو لم
يذكرا صداقا أصلا أو اشترطا وبينا انه لا صداق في ذلك قالوا: ولكل واحدة في هذا
مهر مثلها والظاهر من قولهم: انهما ان سميا صداقا انه ليس لهما إلا المسمى *
قال أبو محمد: والذي قلنا به هو قول أصحابنا فوجب النظر فيما اختلفوا فيه فوجدنا
في ذلك ما رويناه من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا ابن نمير عن عبيد الله بن عمر
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار)
والشغار ان يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك
أختي، وقد رويناه أيضا مسندا صحيحا من طريق جابر. وابن عمر. وأنس. وغيرهم
فكان هذا تحريما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل قول من سواه، فنظرنا في أقوال من خالف
فاما قول ابن القاسم انه يصح بعد الدخول فقول قد تقدم تبيينا لفساده وتعريه من
البرهان جملة. وأما أبو حنيفة. والشافعي. وأصحابهما فإنهم قالوا: إنما فسد هذا
النكاح لفساد صداقه فقط، ثم اختلفوا فقال الشافعي: والصداق الفاسد يفسخ فكان
نكاح كل واحدة منهما صداقا للأخرى فهما مفسوخان، قال: فان سميا لإحداهما صداقا
صح ذلك النكاح وصح نكاح الأخرى لصحة صداقه *
قال أبو محمد: فكان هذا قولا فاسدا لأنه إن كان هذا العقد الذي سمى فيه الصداق
صحيحا فهو صداق صحيح فلا معنى لفسخه واصلاحه بصداق آخر إذا، فان قال قائل:
بل هو فاسد قلنا: فقل بقول أبي حنيفة الذي يجيز كل ذلك ويصلح الصداق وإلا فهي
514

مناقضة ظاهرة، ثم نظرنا في قول أبي حنيفة فوجدناه ظاهر الفساد (1) لمخالفة حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا *
قال أبو محمد: ودعوى الشافعي انه إنما نهى عن الشغار لفساد الصداق في كليهما
دعوى كاذبة لأنها تقويل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل وهذا لا يجوز، فان ذكروا ما رويناه
من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار
ان يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ليس بينهما صداق) وما رويناه من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن ثابت البناني وآخر معه هو يزيد الرقاشي - عن أنس قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا شغار في الاسلام) والشغار أن يبدل الرجل الرجل أخته
بأخته بغير ذكر صداق وذكر باقي الحديث (2)، قلنا: أما هذان الخبران فهما خلاف
قول أبي حنيفة. وأصحابه كالذي قدمنا ولا فرق. وأما الشافعي فلا حجة له في هذين الخبرين
لوجهين، أحدهما انه وان ذكر فيهما صداق أو لإحداهما فإنه يبطل ذلك الصداق جملة
بكل حال وليس هذا في هذين الخبرين فقد خالف ما فيهما، والوجه الآخر وهو الذي
نعتمد عليه وهو ان هذين الخبرين إنما فيهما تحريم الشغار الذي لم يذكر فيها صداق فقط
وليس فيه ذكر الشغار الذي ذكر فيه الصداق لا بتحريم ولا بإجازة ومن ادعى ذلك فقد
ادعى الكذب وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله قط فوجب أن نطلب حكم الشغار الذي
ذكر فيه الصداق في غير هذين الخبرين فوجدنا خبر أبي هريرة. وجابر قد وردا بعموم
الشغار وبيان انه الزواج بالزواج ولم يشترط عليه الصلاة والسلام فيهما ذكر صداق
ولا السكوت عنه فكان خبر أبي هريرة زائدا على خبر ابن عمر. وخبر أنس زيادة
عموم لا يحل تركها *
قال أبو محمد: وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو
باطل) ووجدنا الشغار ذكر فيه صداق أو لم يذكر قد اشترطا فيه شرطا ليس في كتاب
الله عز وجل فهو باطل بكل حال * وروينا من طريق أبى داود السجستاني نا محمد بن فارس
نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف نا أبى عن محمد بن إسحاق
نا عبد الرحمن بن هرمز الأعرج قال: ان العباس بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب
أنكح ابنته عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا
جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال معاوية في كتابه:
هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم *

(1) في النسخة رقم 14 عظيم الفساد
(2) في النسخة رقم 14 باقي الخبر
515

قال أبو محمد: هذا معاوية بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف يفسخ هذا
النكاح وان ذكرا فيه الصداق ويقول: انه الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع
الاشكال جملة والحمد لله رب العالمين. والعجب كله من تشنيع الحنيفيين بخلاف الصاحب
الذي يدعون أنه لا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم كدعواهم ذلك في نزح زمزم
من زنجي مات فيها فنزحها ابن الزبير وغير ذلك ثم لم يلتفتوا ههنا إلى ما عظموه وحرموه
هنالك وهذا خبر صحيح لان عبد الرحمن بن هرمز ممن أدرك أيام معاوية وروى عن أبي
هريرة وغيره وشاهد هذا الحكم بالمدينة وبالله تعالى التوفيق، لا سيما في مثل هذه
القصة المشهورة بين رجلين عظيمين من عظماء بني هاشم. وبنى أمية يأتي به البريد من
الشام إلى المدينة هذا ما لا يخفى على أحد من علماء أهلها والصحابة يومئذ بالشام والمدينة
أكثر عددا من الذين كانوا أحياء أيام ابن الزبير بلا شك * وروينا من طريق عبد
الرزاق عن ابن جريج قال: سئل عطاء عن رجلين أنكح كل واحد منهما أخته بان يجهز
كل واحد منهما بجهاز يسير لو شاء أخذ لها أكثر من ذلك؟ فقال: لا نهى عن الشغار:
فقلت له: انه قد أصدقها كلاهما قال: لا قد ارخص كل واحد منهما على صاحبه من أجل
نفسه فقلت لعطاء: ينكح هذا ابنته بكذا وهذا ابنته بكذا بصداق كلاهما يسمى
صداقه وكلاهما أرخص على أخيه من أجل نفسه؟ قال: إذا سما صداقا فلا بأس فان
قال: جهز وأجهز فلا ذلك الشغار، قلت: فان فرض هذا وفرض هذا قال: لا *
قال أبو محمد: ففرق عطاء بين النكاحين يعقد أحدهما بالآخر ذكرا صداقا
أو لم يذكرا فابطله وبين النكاحين لا يعقد أحدهما بالاخر فأجازه، وهذا قولنا وما
نعلم عن أحد من الصحابة والتابعين خلافا لما ذكرنا *
قال أبو محمد: فان خطب أحدهما إلى الآخر فزوجه ثم خطب الآخر إليه فزوجه
فذلك جائز ما لم يشترط ان يزوج أحدهما الآخر فهذا هو الحرام الباطل،
والعجب أن يعضهم احتج بأن قال: ان هذا بمنزلة النكاح يعقد على أن يكون صداقه
خمرا أو خنزيرا فقلنا: نعم وكل ذلك مفسوخ باطل أبدا لأنه عقد على أن لا صحة لذلك
العقد الا بذلك المهر وذلك المهر باطل فالذي لا يصح الا بصحة باطل باطل بلا شك وبالله
تعالى التوفيق *
1853 مسألة ولا يصح نكاح على شرط أصلا حاش الصداق الموصوف
في الذمة أو المدفوع أو المعين وعلى أن لا يضربها في نفسها ومالها امساك بمعروف أو تسريح
احسان واما بشرط هبة أو بيع أو أن لا يتسرى عليها أو أن لا يرحلها أو غير ذلك كله فان
516

اشترط ذلك في نفس العقد فهو عقد مفسوخ وان اشترط ذلك بعد العقد فالعقد صحيح
والشروط كلها باطل سواء عقدها بعتق أو بطلاق أو بأن أمرها بيدها أو أنها بالخيار كل
ذلك باطل، وكذلك ان تزوجها على حكمه أو على حكمها أو على حكم فلان فكل ذلك عقد
فاسد، وقد أجاز بعض ذلك (1) قوم * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن
أيوب عن ابن سيرين أن الأشعث تزوج امرأة على حكمها ثم طلقها قبل أن يتفقا على
صداق فجعل لها عمر صداق امرأة من نسائها، وهذا منقطع عن عمر لان ابن سيرين لم
يولد إلا بعد موت عمر رضي الله عنه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء
أنه قال فيمن تزوج على حكمه: انه ليس لها الا ما حكم به الزوج، وقال أبو حنيفة:
ومالك. والأوزاعي: ان اتفقا على شئ إذا تزوجها على حكمها أو حكمه جاز فإن لم
يتفقا قال أبو حنيفة. والأوزاعي: فلها مهر مثلها، وقال مالك: يفسخ قبل الدخول
ولها مهر مثلها بعد الدخول *
قال أبو محمد: هذا شرط فاسد لأنه مجهول قد يمكن أن تحتكم هي بجميع ما في
العالم وقد يمكن أن يحتكم هو بلا شئ فما كان هكذا فهو شرط ليس في كتاب الله عز
وجل فهو باطل والنكاح عليه باطل مفسوخ فاما (2) ان اشترطا ذلك بعد عقد
النكاح (3) فالعقد صحيح ولها مهر مثلها إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر، وقول مالك
يفسخ النكاح ان لم يتفقا خطأ لأنه فسخ نكاح صحيح بغير أمر من الله تعالى بذلك
ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق البخاري نا عبيد الله بن موسى عن زكريا هو
ابن أبي زائدة عن سعد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ
صحفتها فإنما لها ما قدر لها)، فمن اشترط ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو شرط باطل
وان عقد عليه نكاح فالنكاح باطل، ومن ذلك أن لا يشترط لها أن لا يرحلها فاختلف
الناس في ذلك فروينا من طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن
إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم أنه شهد عند عمر رجلا أتاه
فأخبره انه تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال له عمر: لها شرطها فقال له رجل عنده:
هلكت الرجال إذ لا تشاء امرأة تطلق زوجها إلا طلقته فقال عمر: المسلمون على
شروطهم عند مقاطع حقوقهم * وبه إلى سعيد نا سفيان هو ابن عيينة نا عبد الكريم
الجزري عن أبي عبيد أن معاوية أتى في ذلك فاستشار عمرو بن العاصي فقال: لها شرطها

(1) في النسخة رقم 16 بعض كلام
(2) في النسخة رقم 14 وأما
(3) في النسخة رقم 14 بعد العقد
517

وهو قول القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله. وجابر بن زيد، وروى عن شريح، وقال
آخرون بابطال ذلك كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا ابن وهب أخبرني عمرو
ابن الحارث عن كثير بن فرقد عن سعيد بن عبيد بن السباق أن رجلا تزوج على عهد عمر
ابن الخطاب فشرط لها ان لا يخرجها فوضع عمر عنه الشرط وقال: المرأة مع زوجها *
وبه إلى سفيان عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن عباد عن علي بن أبي طالب في
الرجل يتزوج المرأة يشترط لها دارها فقال: شرط الله قبل شرطها * ومن طريق
سعيد بن منصور. نا هشيم انا مغيرة. ويونس قال مغيرة: عن إبراهيم وقال يونس:
عن الحسن قالا جميعا: يجوز النكاح ويبطل الشرط، وقال أبو حنيفة. ومالك:
يبطل الشرط الا أن يكون معلقا بطلاق أو بعتاق أو بأن يكون أمرها بيدها أو بتخييرها *
قال على: هذا قول لم يأت عن أحد من الصحابة فهو خلاف لكل ما روى
عنهم في ذلك *
قال أبو محمد: احتج من قال بالزام هذه الشروط بما روينا من طريق أحمد بن شعيب
انا عيسى بن حماد زغبة أخبرنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة
ابن عامر الجنهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان أحق الشروط ان توفوا به
ما استحللتم به الفروج) *
قال أبو محمد: هذا خبر صحيح ولا متعلق لهم به لأنهم لا يختلفون معنا ولا مسلم
على ظهر الأرض في أنه ان شرط لها ان تشرب الخمر أو ان تأكل لحم الخنزير أو ان تدع الصلاة
أو أن تدع صوم رمضان أو أن يغنى لها أو ان يزفن لها ونحو ذلك ان كل ذلك كله
باطل لا يلزمه، فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد قط في هذا الخبر شرطا فيه تحريم
حلال أو تحليل حرام أو اسقاط فرض أو ايجاب غير فرض لان كل ذلك خلاف لأوامر
الله تعالى ولأوامره عليه الصلاة والسلام: واشتراط المرأة ان لا يتزوج أو ان لا يسترى
أو ان لا يغيب عنها أو ان لا يرحلها عن دارها كل ذلك تحريم حلال وهو وتحليل الخنزير
والميتة سواء في أن كل ذلك خلاف لحكم الله عز وجل فصح انه عليه الصلاة والسلام
إنما أراد شرط الصداق الجائز الذي أمرنا الله تعالى به وهو الذي استحل به الفرج لا
ما سواه، وأما تعليق ذلك كله بطلاق أو بعتاق أو تخييرها أو تمليكها أمرها فكل ذلك
باطل لما ذكرنا في كتاب الايمان من كتابنا هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفا فلا
يحلف الا بالله) فصح ان من حلف بغير الله تعالى فليس حالفا ولا هي يمينا وهو باطل
ليس فيه الا استغفار الله تعالى والتوبة فقط ولما نذكره بعد هذا إن شاء الله عز وجل من
518

أن تخيير الرجل امرأته أو تمليكه إياها أمرها كل ذلك باطل لان الله تعالى لم يوجب
قط شيئا من ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من
عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فكل ذلك باطل ولا يكون للمرأة خيار في فراق
زوجها أو البقاء معه إلا حيث جعله الله تعالى في المعتقة ولا تملك المرأة أمر نفسها ابدا
فسقط كل ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * ولا يجوز النكاح على أن يكون الصداق
وصيفا غير موصوف أو خادما غير موصوفة. أو بيتا غير موصوف ولا محدود وكل
ذلك يبطل النكاح ان عقد عليه لأنه مجهول لا يعرف ما هو فلم يتفقا على صداق معروف
بل على مالها ان تقول قيمة كل ذلك ألف دينار ويقول هو: بل عشرة دنانير وان تعاقدا
ذلك بعد صحة النكاح فالنكاح صحيح والصداق فاسد ويقضى لها بمهر مثلها ان لم
يتراضيا علي أقل أو أكثر، روينا إجازة ذلك عن إبراهيم النخعي، وصح عن ابن شبرمة
أنه قال. من تزوج على وصيف فإنه يقوم عربي. وهندي وحبشي وتجمع القيم
ويقضى لها بمثلها، وقال أبو حنيفة: لها في الوصيف الأبيض خمسون مثقالا فان
أعطاها وصيفا يساوى خمسين دينارا من ذهب لم يكن لها غيره وإلا فيقضى عليه
بتمام خمسين دينارا من ذهب ويقضى لها في البيت بأربعين دينارا من ذهب وفى الخادم
بأربعين دينارا من ذهب *
قال أبو محمد: في هذين القولين عجب يغنى ايراده عن تكلف الرد عليه لما فيهما
من التحكم البارد بالرأي الفاسد في دين الله تعالى، وقال مالك. والشافعي: لها الوسط
من ذلك، قال على: وهذا عجب آخر وليت شعري كم هذا الوسط؟ ومن الوصفاء
ما يساوى خمسمائة دينار ومنهم من لا يساوى عشرين دينارا، فظهر فساد هذه الآراء
والحمد الله رب العالمين *
1854 مسألة قال أبو محمد: ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل
وكان حلالا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخها الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخا
باتا (1) إلى يوم القيامة، وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف
رضي الله عنهم منهم من الصحابة رضي الله عنهم أسماء بنت أبي بكر الصديق. وجابر بن عبد الله.
وابن مسعود. وابن عباس: ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث. وأبو سعيد
الخدري. وسلمة. ومعبد أبناء أمية بن خلف، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع
الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومدة أبى بكر. وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، واختلف

(1) في النسخة رقم 16 تاما
519

في اباحتها عن ابن الزبير. وعن علي فيها توقف. وعن عمر بن الخطاب انه إنما أنكرها إذا لم
يشهد عليها عدلان فقط وأباحها بشهادة عدلين، ومن التابعين طاوس. وعطاء.
وسعيد بن جبير. وسائر فقهاء مكة أعزها الله، وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا
الموسوم بالايصال، وصح تحريمها عن ابن عمر. وعن ابن أبي عمرة الأنصاري، واختلف
فيها عن علي. وعمر. وابن عباس. وابن الزبير، وممن قال بتحريمها وفسخ عقدها من
المتأخرين أبو حنيفة. ومالك. والشافعي. وأبو سليمان، وقال زفر: يصح العقد
ويبطل الشرط *
قال أبو محمد: لقد صح تحريم الشغار. والموهوبة فأباحوها وهي في التحريم
أبين من المتعة (1) ولكنهم لا يبالون بالتناقض، ونقتصر من الحجة في تحريمها على خبر
ثابت وهو ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن
الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث
وفيه فقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب ويقول: من كان تزوج امرأة
إلى أجل فليعطها ما سمى لها ولا يسترجع مما أعطاها شيئا ويفارقها فان الله قد حرمها
عليكم إلى يوم القيامة) *
قال أبو محمد: ما حرم إلى يوم القيامة فقد أمنا نسخه، وأما قول زفر ففاسد لأن العقد
لم يقع إلا على أجل مسمى، فمن أبطل هذا الشرط وأجاز العقد فإنه ألزمهما
عقدا لم يتعاقداه قط ولا التزماه قط لان كل ذي حس سليم يدرى بلا شك أن العقد
المعقود إلى أجل هو غير العقد الذي هو إلى غير أجل [بلا شك] (2) فمن الباطل ابطال
عقد تعاقداه والزامهما عقدا لم يتعاقداه وهذا لا يحل البتة إلا أن يأمرنا به الذي أمرنا
بالصلاة والزكاة والصوم والحج لا أحد دونه وبالله تعالى التوفيق *
1855 مسألة ولا يحل نكاح الام ولا الجدة من قبل الأب أو من قبل
الام وان بعدتا ولا البنت ولا بنت من قبل البنت أو من قبل الابن وان سفلتا ولا نكاح
الأخت كيف كانت ولا نكاح بنت أخ أو بنت أخت وان سفلتا ولا نكاح العمة
والخالة وان بعدتا ولا نكاح أم الزوجة ولا جدتها وان بعدت ولا أم الأمة التي حل
له وطؤها ولا نكاح جدتها وان بعدت *
قال أبو محمد: قال الله عز وجل. (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم
وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت) إلى قوله تعالى (وأمهات نسائكم)

(1) في النسخة رقم 16 وهو أبين في التحريم من المتعة
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
520

قال على: والجدة كيف كانت أم أب أو أم جد أو أم جد جد أو أم أم جد أو جدة أم
أو أم أم كل هؤلاء أم قال تعالى: (كما أخرج أبويكم من الجنة) والأخت تكون شقيقة
وتكون لأب وتكون لام وبنت البنت. وبنت الابن. وبنت ابن البنت. وبنت بنت
الابن وهكذا كيف كانت كل هؤلاء بنت قال عز وجل: (يا بني آدم) وقال صلى الله عليه وسلم
في الحيض: (هذا شئ كتبه الله علي بنات آدم) وبنت بنت الأخ وبنت ابن الأخ كلهن
بنات أخ. وبنت بنت الأخت. وبنت ابن الأخت كل هؤلاء بنت أخت وأخت الجد
من الأب. وأخت جد الجد من الأب كلهن عمة. وأخت الجد من الام وأخت الجدة
من قبل الأب والام كلهن خالة. والزوجة. والأمة التي حل وطؤها للرجل كلهن من
نسائه، وكل هذا لا خلاف فيه بين أحد من المسلمين الا الأمة وابنتها بملك اليمين فان
قدما أحلوهما (1) *
1856 مسألة وكل ما حرم من الأنساب. والحرم التي ذكرنا فإنه يحرم
بالرضاع كالمرأة التي ترضع الرجل فهي أمه وأمها جدته وجداتها من قبل أبيها وأمها
كلهن أم له وكل من أرضعته فهن أخواته واخوته ومن تناسل منهم فهن بنات اخوته
وبنات أخواته وعمات التي أرضعته وخالاتها خالاته كما ذكرنا وعمات أبيه من
الرضاعة عماته وهكذا في كل شئ * روينا من طريق مالك بن دينار عن سليمان
ابن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حرمته
الولادة حرمه الرضاع) *
1857 مسألة ولا يحل الجمع في استباحة الوطئ بين الأختين من ولادة
أو من رضاع كما ذكرنا لا بزواج ولا بملك يمين ولا إحداهما بزواج والأخرى
بملك يمين ولا بين العمة وبنت أختيها ولا بين الخالة وبنت أختها كما قلنا في الأختين
سواء سواء، فمن اجتمع في ملكه أختان أو عمة وبنت أخيها أو خالة وبنت أختها
فهما جميعا عليه حرام حتى يخرج إحداهما عن ملكه بموت أو بيع أو هبة أو غير ذلك
من الوجوه أو حتى تزوج إحداهما بأي هذا الوجوه كان حل له وطئ الباقية، فان
رجعت إلى ملكه الأخرى رجعت حراما كما كانت وبقيت الأولى حلالا كما كانت فان
أخرجها عن ملكه أو زوجها أو ماتت حلت له التي كانت حراما عليه وكذلك ان ماتت
الزوجة أو طلقها ثلاثا أو قبل الدخول حل له زواج الأخرى وكذلك ان طلقها
طلاقا رجعيا فتمت عدتها منه * برهان ذلك قول الله عز وجل: (وأن تجمعوا

(1) في النسخة رقم 14 أجازوهما
521

بين الأختين إلا ما قد سلف).
قال أبو محمد: معناه انه تعالى غفر لهم ما قد سلف من ذلك لأنه تعالى أبقاهم عليه *
قال على: لم يختلف الناس في تحريم الجمع بين الأختين بالزواج واختلفوا في الجمع
بينهما بملك اليمين فطائفة أحلتهما وطائفة توقفت في ذلك وطائفة قالت: يطأ أيتهما
شاء فإذا وطئها حرمت عليه الأخرى فصح عن ابن عباس. وعكرمة ما رويناه من طريق
عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار ان عكرمة مولى ابن عباس كان لا يرى
بأسا ان يجمع بين أختين والمرأة وابنتها يعنى بملك اليمين وأخبره عكرمة ان ابن
عباس كان يقول: لا تحرمهن عليك قرابة بينهن إنما يحرمهن عليك القرابة بينك
وبينهن، قال عمرو بن دينار: وكان ابن عباس يعجب من قول على حرمتهما آية
وأحلتهما آية ويقول: إلا ما ملكت أيمانكم هي مرسلة قال على: وبه يقول
أبو سليمان وأصحابنا *
قال أبو محمد: فهذا قول من أحلهما وقول على في التوقف وصح عن عمر كما روينا
من طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة بن مسعود عن أبيه قال: (سئل عمر عن الجمع بين أم وابنتها؟ فقال عمر:
ما أحب أن يجيزهما جميعا وقال ابن عتبة: فوددت أن عمر كان أشد في ذلك مما
هو عبد الله بن عتبة أدرك عمر وجاء أيضا عن عثمان كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن ابن شهاب أخبرني قبيصة بن ذئيب أن نيارا الأسلمي استفتى عثمان
في امرأة وأختها بملك اليمين فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما آية أخرى ولم أكن
لافعل ذلك * وروينا التوقف أيضا عن ابن عباس ورويناه أيضا من طريق
وكيع عن إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع قال: (سألت ابن الحنفية عن الأختين
المملوكتين؟ فقال: حرمتهما آية وأحلتهما آية، والقول الثالث قاله أبو حنيفة ومالك.
والشافعي، واما القول الذي قلنا به فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن عبد الكريم الجزري عن ميمون بن مهران عن ابن عمر انه سئل
عن الأمة يطؤها سيدها ثم يريد أن يطأ أختها قال: لا حتى يخرجها عن ملكه،
وقال سفيان عن غير واحد من أصحابه: أنهم قالوا: إذا زوجها فلا بأس بأختها
وكان ابن عمر يكره ذلك وان زوجها * نا محمد بن سعيد بن نبات أنا أحمد بن عون الله
نا قاسم ابن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار نا محمد بن جعفر
غندر نا شعبة عن المغيرة بن مقسم عن الشعبي قال: قيل لعبد الله بن مسعود أن
522

ابن عامر قال: لا بأس أن يجمع بين الأختين المملوكتين فقال ابن مسعود:
لا يقربن واحدة منهما * وبه إلى المغيرة عن إبراهيم النخعي قال: إذا كان عند
الرجل مملوكتان أختان فلا يغشين واحدة منهما حتى يخرج الأخرى عن ملكه
قال شعبة: وقال الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان: من عنده أختان مملوكتان
لا يطأ واحدة منهما ولا يقربنها حتى يخرج إحداهما عن ملكه * ومن طريق
سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة أن
رجلا سأل عائشة أم المؤمنين عن أمة له قد كبرت وكان يطؤها ولها ابنة أيحل له أن
يغشاها؟ فقالت لها أم المؤمنين: أنهاك عنها ومن أطاعني * ومن طريق سعيد بن
منصور قلت لسفيان بن عيينة حدثك مطرف عن أبي الجهم عن أبي الأخضر عن عمار قال:
يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد قال سفيان: نعم ورويناه أيضا عن علي *
قال أبو محمد: أما من توقف فلم يلح له البيان فحكمه التوقف وأما من أحلهما فإنه
غلب قول الله عز وجل: (الا ما ملكت ايمانكم) على قوله تعالى: (وأن تجمعوا بين
الأختين) فخص ملك اليمين من هذا النهى، وكذلك فعلوا في قوله تعالى: (وأمهات
نسائكم) ولا حجة لهم غير هذا فنظرنا في ذلك فوجدنا النصين لا بد من تغليب أحدهما
على الآخر بان يستثنى منه اما كما قال من ذكرنا فيكون معناه وأن تجمعوا بين الأختين
وأمهات نسائكم الا ما ملكت أيمانكم، واما كما قلنا نحن فيكون معناه الا ما ملكت
أيمانكم الا أن تكونا أختين أو أم امرأة حلت لكم أو عمة وبنت أخيها أو خالة وبنت
أختها فإذا لا بد من أحد الاستثناءين وليس أحدهما أولى من الآخر الا ببرهان ضروري
واما بالدعوى فلا فطلبنا هل للمغلبين المستثنين ملك اليمين من تحريم الأختين والام
وابنتها والعمة وبنت أخيها. والخالة وبنت أختها برهان فلم نجده أصلا الا أن بعضهم
قال: قد علمنا أن الله عز وجل لم ينهنا قط عن الجمع بين الأختين في الوطئ لأنه غير ممكن
ومحال ان يخاطبنا الله تعالى بالمحال أو أن ينهانا عن المحال فصح انه تعالى إنما نهانا عن معنى
يمكن جمعهما فيه وليس الا الزواج لان جمعهما في ملك اليمين جائز حلال بلا خلاف
فقلنا: صدقتم انه تعالى لم ينهانا عن المحال من الجمع بينهما في الوطئ وأخطأتم في تخصيصكم
بنهيه الزواج فقط لأنه تخصيص للآية بلا برهان بل نهانا عن الجمع بينهما بالزواج.
وباستحلال وطئ أيتهما شاء وبالتلذذ منهما معا فهذا ممكن فهلموا دليلا على تخصيصكم
الزواج دون ما ذكرنا فلم نجده عندهم أصلا فلزمنا ان نأتى ببرهان على صحه استثنائنا
والا فهي دعوى ودعوى فوجدنا قول الله عز وجل: (الا ما ملكت أيمانكم) لا خلاف
523

بين أحد من الأمة كلها قطعا متيقنا في أنه ليس على عمومه بل كلهم مجمع قطعا على أنه
مخصوص لأنه لا خلاف ولا شك في أن الغلام من ملك اليمين وهو حرام لا يحل وان الام
من الرضاعة من ملك اليمين والأخت من الرضاعة من ملك اليمين وكلتاهما متفق على تحريمهما
أو الأمة يملكها الرجل قد تزوجها أبوه ووطئها وولد له منها حرام على الابن ثم نظرنا في قوله
تعالى: (وأن تجمعوا بين الأختين)، (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من
نسائكم اللاتي دخلتم بهن)، (ولا تنكح المشركات حتى يؤمن) ولم يأت نص ولا اجماع
على أنه مخصوص حاش زواج الكتابيات فقط فلا يحل تخصيص نص لا برهان (1)
على تخصيصه وإذ لا بد من تخصيص ما هذه صفتها أو تخصيص نص آخر لا خلاف في
أنه مخصوص فتخصيص المخصوص هو الذي لا يجوز غيره، وبهذه الحجة احتج
ابن مسعود في هذه المسألة كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن إبراهيم انا
سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين أنه سمع عبد الله بن عتبة بن مسعود يقول: لم يزالوا
بعبد الله بن مسعود حتى أغضبوه يعنى في الأختين بملك اليمين فقال ابن مسعود:
ان حملك مما ملكت يمينك وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: واما من أباح له أن يطأ أي الأختين المملوكتين له شاء وحينئذ
تحرم عليه التي لم يطأ فقول في غاية الفساد لأنه لا يخلو قائل هذا القول من أن يقول:
أنهما قبل أن يطأ أحداهما حرام جميعا فهذا قولنا أو أنهما جميعا حينئذ حلال فهذا قول
ابن عباس. وعكرمة ومن وافقهما وكلا القولين خلاف قول هذا القائل أو يقول:
أن إحداهما بغير عينها حلال له والأخرى حرام فهذا باطل قطعا لوجهين، أحدهما
قول الله عز وجل: (قد تبين الرشد من الغى) فمحال أن يحرم الله تعالى علينا ما لم يبينه لنا
وكذلك قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فلا شك في أن ما حرمه الله تعالى
علينا قد فصله لنا وهم يقولون إن إحداهما حرام لم يفصل لنا تحريمها * والوجه الثاني
أن هذا التقسيم أيضا باطل على مقتضى قولهم لأنهم يبيحون له وطئ أيتهما شاء وهذا
يقتضى تحليلهما جميعا لا تحريم إحداهما لأنه من المحال تخيير أحد في حرام وحلال الا
أن يأتي نص قرآن أو سنة بذلك فيوقف عنده واما بالرأي الفاسد فلا فصح قولنا يقينا
وبطل ما سواه والحمد لله رب العالمين. والخبر المشهور من طريق أبي هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
في أن لا يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وعلى هذا جمهور الناس الا عثمان
البتي فإنه اباحه * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا مجاهد بن موسى

(1) في النسخة رقم 16 بلا برهان
524

نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها) قال أحمد بن شعيب: وأنا
قتيبة بن سعيد نا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن أبي هريرة
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها) *
1858 مسألة وجائز للأخ أن يتزوج امرأة أخيه التي مات أخوه عنها
أو طلقها بعد انقضاء عدتها أو اثر طلاق الأخ لها ان لم يكن وطئها، وكذلك للعم
وللخال أن يتزوج أيهما كان امرأة مات عنها ابن الأخ أو ابن الأخت أو طلقاهما بعد
تمام العدة أو أثر طلاق لم يكن قبله وطئ، وكذلك لابن الأخ ولابن الأخت أن يتزوجا
امرأة العم أو الخال بعد موتهما أو طلاقهما بعد العدة أو أثر طلاق لم يكن قبله وطئ
هذا لا نص في تحريمه وكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال قال عز وجل: (وأحل لكم
ما وراء ذلكم) بعد ذكره تعالى ما حرم علينا من النساء وبالله تعالى التوفيق *
1859 مسألة ولا يجوز للولد زواج امرأة أبيه ولا من وطئها بملك اليمين
أبوه وحلت له لا يحل له وطوها أو التلذذ منها بزواج أو بملك يمين وله تملكها الا
أنها لا تحل له أصلا، وكذلك لا يحل للرجل زواج امرأة ولا وطؤها بملك اليمين إذا
كانت المرأة ممن حل لولده وطؤها أو التلذذ منها بزواج أو بملك يمين أصلا، والجد في
كل ما ذكرنا وان علا من قبل الأب أو الام كالأب ولا فرق، وابن الابن وابن الابنة
وان سفلا كالابن في كل ما ذكرنا ولا فرق: قال أبو محمد: اما من عقد فيها الرجل
زواجا فلا خلاف في تحريمها في الأبد على أبيه وأجداده وعلي بنيه وعلى من تناسل من
بنيه وبناته أبدا، وأما من حلت للرجل بملك اليمين فان وطئها فلا نعلم خلافا في تحريمه
على من ولد وعلى من ولده وفيما لم يطأها خلاف نذكر منه إن شاء الله عز وجل ما تيسر
لنا ذكره من ذلك ذكرت طائفة أنها تحرم على ولده وآبائه بتجريده لها فقط كما روينا
من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول قال
جرد عمر بن الخطاب جارية فنظر إليها ثم نهى بعض ولده أن يقربها * ومن طريق
حماد بن سلمة أنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول ان عمر اشترى جارية فجردها ونظر
إليها فقال له ابنه: أعطنيها فقال: انها لا تحل لك إنما يحرمها عليك النظر والتجريد *
ومن طريق سعيد بن منصور نا فضيل عن هشام هو ابن حسان عن الحسن البصري
قال: ان جردها الأب حرمها على الابن وان جردها الابن حرمها على الأب *
قال أبو محمد: هذا صحيح عن الحسن ولا يصح عن عمر لأنه من طريق مكحول وهو
525

منقطع، وقالت طائفة: لا يحرمها الا اللمس والنظر كما روينا من طريق سعيد بن
منصور عن فضيل عن هشام عن ابن سيرين ان مسروقا قال في مرضه الذي مات فيه: ان
جاريتي هذه لم يحرمها عليكم الا اللمس والنظر قال سعيد: ونا أبو عوانة عن إبراهيم بن
محمد بن المنتشر عن أبيه ان مسروقا قال عند موته عن جارية له لم أصب منها الا ما حرمها
على ولدى اللمس والنظر * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد قال: يحرم الوالد على ولده والولد على والده ان يقبلها أو يضع يده على فرجها أو
فرجه على فرجها أو يباشرها * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة عن
إبراهيم قال: كانوا يرون ان القبلة واللمس يحرم، الام والبنت وهو قول ابن أبي ليلى.
والشافعي. وأصحابه، وقالت طائفة: يحرمها على الولد والوالد النظر كما روينا من
طريق سعيد بن منصور نا أبو شهاب عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري عن القاسم
ابن محمد بن عبد الله بن ربيعة ان أباه ربيعة وكان بدريا أوصى بجارية له ان لا يقربها بنوه
وقال: لم أصب منها شيئا الا انى نظرت منظرا اكره ان ينظروه منها *
قال أبو محمد: هذا وهم من أبى شهاب إنما هو عبد الله بن عامر بن ربيعة كذا رويناه
من طرق شتى * منها من طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة عن يحيى بن
سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عبد الله. وعبد الرحمن ابني عامر بن ربيعة وكان
أبوهما بدريا انه أوصى بجارية له ان يبيعوها ولا يقربوها كأنه اطلع منها مطلعا كره
ان يطلعوا منها على مثل ما اطلع، وذهبت طائفة إلى أن اللمس لشهوة أو النظر إلى فرجها
لشهوة يحرمها كما روينا من طريق عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن
إبراهيم النخعي قال: (إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس أو نظر إلى فرجها لم تحل
لأبيه ولا لابنه) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال:
إذا نظر الرجل إلى فرج امرأة من شهوة لم تحل لأبيه ولا لابنه وبهذا يقول أبو حنيفة
وقال مالك: إذا نظر إلى شئ من محاسنها لشهوة حرمت في الأبد على الولد كالساق والشعر
والصدر وغير ذلك، وقال سفيان: إذا نظر إلى فرجها حرمت على ولده، وقالت طائفة:
مثل قولنا كما روينا من طريق أبى عبيد نا أبو اليمان عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن
مكحول قال: أيهما ملك عقدتها فقد حرمت على الآخر يعنى الأب والابن * ومن
طريق أبى عبيد نا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب ان ابن شهاب
الزهري قال: إذا ملك الرجل عقدة المرأة حرمت على أبيه وابنه *
قال أبو محمد: من ملك الرقبة فقد ملك العقدة، ونا محمد بن سعيد بن نبات
526

نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن
ابن محمد المحاربي قال: سمعت ليث بن أبي سليم يقول عن الحكم بن عتيبة قال: من
ملك جارية ملكها أبوه قبله لم يحل له فرجها، وقالت طائفة: لا يحرمها على الولد
إلا الوطئ فقط كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري.
وقتادة قالا جميعا. لا يحرمها عليهم الا الوطئ يعنيان إماء الآباء على الأبناء *
قال أبو محمد: اما من حرمها بالمس للشهوة دون ما دون ذلك أو بالنظر إلى
الفرج خاصة دون ما دون ذلك أو بالنظر إلى محاسنها لشهوة دون ما عدا ذلك فأقوال
لا دليل على صحة شئ منها إنما هي آراء مجردة لا يؤيدها قرآن. ولا سنة. ولا رواية
ساقطة. ولا قياس، واما صحة قولنا فللخبر الذي حدثناه أحمد بن قاسم نا قاسم بن محمد
ابن قاسم قال نا جدي قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا عبد الله بن جعفر نا عبد الله
ابن عمرو الرقى عن زيد بن أبي أنيسة عن عدى بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه البراء
ابن عازب قال: لقيني عمى ومعه راية فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني ان اضرب عنقه) *
قال أبو محمد: الأمة الحلال للرجل امرأة له وطئها أو لم يطأها نظر إليها أو لم
ينظر إليها وقال الله عز وجل: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) والحلائل
جمع حليلة والحليلة فعيلة من الحلال فكل امرأة حلت لرجل فهي حليلة له وبالله
تعالى التوفيق *
1860 مسألة واما من تزوج امرأة ولها ابنة أو ملكها ولها ابنة فإن كانت
الانبة في حجره ودخل بالأم مع ذلك وطئ أو لم يطأ لكن خلا بها بالتلذذ لم تحل له
ابنتها ابدا فان دخل بالأم ولم تكن الابنة في حجره أو كانت الابنة في حجره ولم يدخل بالأم
فزواج الابنة له حلال، واما من تزوج امرأة لها أم أو ملك أمة تحل له ولها أم
فالأم حرام عليه بذلك ابد الأبد وطئ في كل ذلك الابنة أو لم يطأها * برهان ذلك
قول الله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم
تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) فلم يحرم الله عز وجل الربيبة بنت الزوجة (1)
أو الأمة الا بالدخول بها وأن تكون هي في حجره فلا تحرم الا بالامرين معا لقوله
تعالى بعد ان ذكر ما حرم من النساء (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وما كان
ربك نسيا، وكونها في حجره ينقسم قسمين، أحدهما سكناها معه في منزله. وكونه

(1) في النسخة رقم 14 (ولد الزوجة)
527

كافلا لها، والثاني نظره إلى أمورها نحو الولاية لا بمعنى الوكالة فكل واحد من هذين
الوجهين يقع به عليها كونها في حجره واما أمها فيحرمها عليه بالعقد جملة قول الله
تعالى: (وأمهات نسائكم) فاجملها عز وجل فلا يجوز تخصيصها *
وفى كل ذلك اختلاف قديم وحديث، ذهبت طائفة إلى أن الام لا تحرم الا بالدخول
بالابنة كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس عن علي بن أبي طالب أنه
سئل في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها أله أن يتزوج أمها؟ فقال على: هما بمنزلة واحدة
يجريان مجرى واحدا ان طلق الابنة قبل الدخول بها (1) تزوج أمها وان تزوج أمها
ثم طلقها قبل أن يدخل بها تزوج ابنتها وهذا صحيح عن علي رضي الله عنه * نا أحمد بن عمر
ابن أنس العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي نا إبراهيم
ابن خريم نا عبد بن حميد أنا عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل هو قاضى صنعاء
قال: قال ابن الزبير: الربيبة. والام سواء لا بأس بهما إذا لم يكن دخل بالمرأة *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو بكر بن حفص هو ابن عمر بن سعد
ابن أبي وقاص عن مسلم بن عويمر من بنى بكر بن عبد مناة من كنانة أنه أخبره أنه أنكحه
أبوه امرأة بالطائف قال فلم أمسها حتى توفى عمى عن أمها وأمها ذات مال كثير فقال لي
أبى: هل لك في أمها؟ قال: فسألت ابن عباس وأخبرته الخبر؟ فقال: انكح أمها
وذكر باقي الخبر * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا ابن أبي أويس حدثني عبد الرحمن
ابن أبي الموالي عن عبد الحكم بن عبد الله بن أبي فروة أن رجلا من بنى ليث يقال له ابن الأجدع
تزوج جارية شابة فهلكت قبل أن يدخل بها فخطب أمها فقالت له: نعم ان كنت
أحل لك فجاء ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من أرخص له وذكر باقي الخبر *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي فروة عن أبي عمر الشيباني عن
ابن مسعود أن رجلا من بنى شمخ بن فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فعجبته فاستفتى
ابن مسعود فأفتاه أن يفارقها ثم يتزوج أمها فتزوجها وولدت له أولادا وذكر باقي
الخبر على ما نورده بعد هذا إن شاء الله تعالى وبه يقول مجاهد، وغيره، وطائفة قالت
بإباحة نكاح أم الزوجة التي لم يدخل بها إذا طلق الابنة ولم يبحه ان ماتت كما روينا
من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن قتادة عن
سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت قال في رجل طلق امرأته قبل إن يدخل بها فأراد ان
يتزوج أمها قال: ان طلقها قبل إن يدخل بها تزوج أمها وان ماتت لم يتزوج أمها *

(1) في النسخة رقم 14 قبل أن يدخل بها
528

ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب ان زيد
ابن ثابت قال: ان طلق الابنة قبل إن يدخل بها توج أمها وان ماتت لم يتزوج أمها *
وطائفة فرقت بين الام والابنة روينا ذلك عن عمر بن الخطاب. وابن عمر. وزيد بن ثابت
وابن عباس. وطائفة من الصحابة. وطائفة توقفت في كل ذلك كما روينا من طريق
إسماعيل بن إسحاق القاضي نا ابن أبي أويس نا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الحكم بن عبد
الله بن أبي فروة أن رجلا من بنى ليث يقال له ابن الأجدع تزوج جارية فهلكت ولم يدخل بها
فخطب أمها فقالت: نعم ان كنت أحل لكل فسأل ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من
أرخص له ومنهم من نهاه وقال: إن الله عز وجل قد عزم في الام وأرخص في الربيبة فلما
اختلفوا عليه كتب إلى معاوية فأخبره ارخاص من أرخص له ونهى من نهاه فكتب
إليه معاوية قد جاءني كتابك وفهمت الذي فيه وانى لا أحل لك ما حرم الله عليك
ولا أحرم عليك ما أحل الله لك، ولعمري ان النساء كثير ولم يزده على ذلك
فجاء بكتاب معاوية فقرأه على الذين سألهم فكلهم قال: صدق معاوية قال:
فانصرف عن المرأة ولم يتزوجها *
قال أبو محمد: قول الله عز وجل: (وربائبكم) معطوف على ما حرم هذا ما لا شك فيه
وقوله عز وجل: (اللاتي في حجوركم) نعت للربائب لا يمكن غير ذلك البتة، وقوله
تعالى: (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) من صلة الربائب (1) لا يجوز غير ذلك
البتة إذ لو كان راجعا إلى قوله تعالى: (وأمهات نسائكم) لكان موضعه أمهات نسائكم
من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وهذا محال في الكلام، فصح أن (2) الاستثناء في الربائب
خاصة وامتنع أن يكون راجعا إلى أمهات النساء وبالله تعالى التوفيق *
واختلفوا أيضا في الربيبة فقالت طائفة: إذا دخل بأمها فقد حرمت البنت عليه
سواء كانت في حجره أو لم تكن * روينا عن جابر بن عبد الله ان ماتت قبل إن يمسها نكح
ابنتها ان شاء * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن ان عمران بن الحصين
سئل عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل إن يدخل بها؟ فقال عمران: لا تحل له أمها دخل
بها أو لم يدخل بها فان طلق الام قبل إن يدخل بها تزوج ابنتها وبه يقول أبو حنيفة.
ومالك. والشافعي، وقالت طائفة: بمثل قولنا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج أخبرني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النصري
قال: كان عندي امرأة قد ولدت لي فتوفيت فوجدت عليها فلقيت علي بن أبي طالب فقال

(1) في النسخة رقم 16 من جهة صفة الربائب
(2) سقط لفظ ان من النسخة رقم 14
529

لي: مالك؟ قلت: توفيت المرأة قال: ألها ابنة؟ قلت: نعم قال: كانت في حجرك قلت:
لا هي في الطائف قال: فانكحها قلت: وأين قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم
من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) قال: انها لم تكن في حجرك وإنما ذلك إذا كانت في حجرك *
ومن طريق أبى عبيد نا حجاج هو ابن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم
بان ميسرة ان رجلا من بنى سوأة يقال له: عبيد الله بن معبد اثنى عليه خيرا أخبره ان أباه
أو جده نكح امرأة ذات ولد من غيره فاصطحبا ما شاء الله عز وجل ثم نكح امرأة
شابة فقال له أحد بنى الأولى: قد نكحت على امنا وكبرت فاستغنيت عنها بامرأة شابة
فطلقها قال: لا والله الا ان تنكحني ابنتك قال: فطلقها وأنكحه ابنته ولم تكن في حجره
ولا أبوها ابن العجوز المطلقة قال: فجئت سفيان بن عبد الله فقلت له: استفت لي عمر
ابن الخطاب قال: لتجئ معي فأدخلني على عمر فقصصت عليه الخبر فقال عمر: لا بأس
بذلك واذهب فسل فلانا ثم تعال فأخبرني قال ولا أراه الا عليا قال فسألته فقال لا بأس بذلك *
قال أبو محمد: لا يجوز تخصيص شرط الله عز وجل بغير نص *
قال أبو محمد: وقد قال قوم قوله تعالى: (اللاتي دخلتم بهن) إنما عنى الجماع صح
ذلك عن ابن عباس. وطاوس. وعمرو بن دينار. وعبد الكريم الجزري، وروى
عن ابن مسعود ان القبلة للام التي تتزوج تحرم ابنتها، وروى عن عطاء وصح عنه ان
الدخول هو ان يكشف ويفتش ويجلس بين رجليها في بيته أو في بيت أهلها قال: فلو
غمز ولم يكشف لم تحرم ابنتها عليه بذلك، وروى عن عطاء أيضا انه الدخول فقط
وان لم يفعل شيئا *
قال أبو محمد: وشغب المخالفون الذين لا يراعون كون الربيبة في حجر زوج أمها
مع دخوله بها بآثار فاسدة * منها خبر منقطع من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن
المثنى ابن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل نكح
امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها فإن لم يدخل بها فلينكحها) وهذا هالك منقطع
ويحيى بن أيوب. والمثنى ضعيفان * وبخبر عن وهب بن منبه ان في التوراة مكتوبا
(من كشف عن فرج امرأة وابنتها فهو ملعون) وهذا طريف جدا * وبخبر من طريق ابن
جريج أخبرت عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أم الحكم قال: (قال رجل يا رسول الله
زنيت بامرأة في الجاهلية أفأنكح ابنتها؟ قال: لا أرى ذلك ولا يصلح لك ان تنكح امرأة
تطلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها) وهذا منقطع في موضعين * ومن طريق ابن وهب
عن يحيى بن أيوب عن ابن جريج (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الذي يتزوج المرأة فيغمزها
530

لا يزيد على ذلك أن لا يتزوج ابنتها) وهذا أشد انقطاعا * وبالخبر الثابت من طريق أم
حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغني انك تخطب درة
بنت أبي سلمة فقال لها عليه الصلاة والسلام: والله لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي انها
لابنة أخي من الرضاعة) قالوا فلم يذكر كونها في حجره فقلنا: ولا ذكر دخوله بها
أيضا إنما في هذا الخبر كونها ربيبة له فقط وبعقد النكاح تكون ربيبته ولا يختلفون في أن
ذلك لا يحرمها عليه ان يتزوجها فكيف وهذا خبر هكذا رواه سفيان بن عيينة وغيره
عن هشام بن عروة، ورواه من ليس دون هشام فزاد بيانا كما رويناه من طريق
أبى داود السجستاني نا عبد الله بن محمد النفيلي نا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة عن
عروة عن زينب بنت أبي سلمة ان أم حبيبة قالت: (يا رسول الله في حديث طويل لقد أخبرت
انك تخطب بنت أبي سلمة قال: بنت أبي سلمة قلت: نعم قال: اما والله لو لم تكن ربيبتي
في حجري ما حلت لي انها ابنة أخي من الرضاعة) وهكذا رواه أبو أسامة: ويحيى بن
زكريا ابن أبي زائدة. والليث بن سعد كلهم عن هشام بن عروة فاثبتوا فيه ذكره عليه
الصلاة والسلام كونها في حجره، وهكذا رويناه أيضا من طريق البخاري نا أبو اليمان
الحكم بن نافع أخبرنا شعيب هو ابن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عن عروة بن
الزبير ان زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر، وفيه (لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري) ولا شك
ولا خلاف في أنه خبر واحد في موطن واحد عن قصة واحدة أسقط بعض الرواة لفظة
أثبتها غيره ممن هو مثله وفوقه في الحفظ فلا يحل الاحتجاج بالأنقص على خلاف ما في
القرآن، وموهوا بحماقات مثل ان قالوا: أراد الله عز وجل بقوله: (في حجوركم)
على الأغلب *
قال أبو محمد: هذا كذب على الله تعالى واخبار عنه عز وجل بالباطل، ومثل
قولهم هذا كقوله تعالى: (انا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) وليس ذلك
بمحرم عليه اللاتي لم يؤتهن أجورهن فقلنا: لو لم يأت نص آخر باحلال الموهوبة
والتي لم يفرض لها فريضة لما حلت الا اللاتي يؤتيهن أجورهن وأنتم لا نص في أيديكم
يحرم التي لم تكن في حجره من الربائب، ومثل قولهم كل تحريم له سببان فان أحدهما
إذا انفرد كان له تأثير * قال على: وهذا كذب مجرد بل لا تأثير له دون اجتماعه في
السبب المنصوص عليه معه، وادعوا أن إبراهيم بن عبيد الذي روى عن علي إباحة ذلك
مجهول * قال على: بل كذبوا هو مشهور ثقة روى مسلم وغيره عنه في الصحيح فوضع
531

فساد قولهم بيقين والحمد الله رب العالمين *
1861 مسألة وجائز للرجل ان يجمع بين امرأة وزوجة أبيها وزوجة
ابنها وابنة عمها لحا لأنه لم يأت نص بتحريم شئ من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة. ومالك.
والشافعي. وأبي سليمان، وكذلك تحل له امرأة زوج أمه، وفى هذا خلاف قديم
لا نعلم أحدا يقول به الآن وكذلك يجوز نكاح الخصي. والعقيم. والعاقر لأنه لم
يأت نص بنهي عن شئ من ذلك وبالله تعالى التوفيق *
1862 مسألة ولا يحرم وطئ حرام نكاحا حلالا الا في موضع واحد وهو
ان يزني الرجل بامرأة فلا يحل نكاحها لاحد ممن تناسل منه أبدا واما لو زنى الابن
بها ثم تابت لم يحرم بذلك نكاحها على أبيه وجده ومن زنى بامرأة لم يحرم عليه إذا
تاب ان يتزوج أمها أو ابنتها والنكاح الفاسد والزنا في هذا كله سواء. برهان ذلك
قول الله عز وجل: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) *
قال أبو محمد: النكاح في اللغة التي نزل بها القرآن يقع على شيئين، أحدهما
الوطئ كيف كان بحرام أو بحلال، والآخر العقد فلا يجوز تخصيص الآية بدعوى
بغير نص من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، فأي نكاح نكح الرجل المرأة حرة أو
أمة بحلال أو بحرام فهي حرام على ولده بنص القرآن وقد بينا أن ولد الولد ولد بقوله
تعالى: (يا بني آدم) وهذا قول أبي حنيفة. وجماعة من السلف ولم يأت نص بتحريم
نكاح حلال من أجل وطئ حرام فالقول به لا يحل لأنه شرع لم يأذن به الله عز وجل.
وممن روينا عنه أن وطئ الحرام يحرم الحلال روينا ذلك عن ابن عباس وانه فرق
بين رجل وامرأته بعد ان ولدت له سبعة رجال كلهم صار رجلا يحمل السلاح لأنه
كان أصاب من أمها ما لا يحل، وعن مجاهد: لا يصلح لرجل فجر بامرأة ان يتزوج أمها *
ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: قال إبراهيم النخعي: إذا كان الحلال
يحرم الحرام فالحرام أشد تحريما. وعن ابن معقل هي لا تحل له في الحلال فكيف تحل له
في الحرام * ومن طريق وكيع عن جرير بن حازم عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: إذا
قبلها أو لامسها أو نظر إلى فرجها من شهوة حرمت عليه أمها وابنتها * ومن طريق وكيع
عن عبد الله بن مسيح قال: سألت إبراهيم النخعي عن رجل فجر بامرأة فأراد أن يشترى
أمها أو يتزوجها فكره ذلك * وعن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سأل عكرمة
مولى ابن عباس عن رجل فجر بامرأة أيصلح له أن يتزوج جارية أرضعتها هي بعد ذلك؟
قال: لا. وعن الشعبي ما كان في الحلال حراما فهو في الحرام حرام. وعن سعيد بن المسيب
532

وأبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: وعروة بن الزبير فيمن زنى بامرأة أنه لا يصلح
له أن يتزوج ابنتها ابدا وهو قول سفيان الثوري؟ نعم ولقد روينا من طريق البخاري
قال: يروى عن يحيى الكندي عن الشعبي. وأبى جعفر محمد بن علي بن الحسين قالا
جميعا: من أولج في صبي فلا يتزوج أمه وبه يقول الأوزاعي حتى أنه قال: من لاط
بغلام لم يحل للفاعل أن يتزوج ابنة المفعول به، وقال أبو حنيفة. وأصحابه إذا لمس
لشهوة حراما أو نظر إلى فرجها لشهوة لم يحل له نكاح أمها ولا ابنتها وحرم نكاحها
على أبيه وابنه أبدا، وهو أحد قولي مالك الا أنه لا يحرم فيه الا بالوطئ فقط *
وخالفهم آخرون فلم يحرموا بوطئ حرام نكاحا حلالا روينا ذلك أيضا عن
ابن عباس * ومن طريق حماد بن سلمة أنا يحيى بن يعمر قال: لا يحرم الحرام الحلال *
ومن طريق أبى عبيد نا يحيى بن سعيد هو القطان نا ابن أبي ذئب عن خاله الحارث
ابن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب. وعروة بن الزبير قالا جميعا: الحرام لا يحرم الحلال *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه سئل عمن فجر بامرأة؟ فقال
لا يحرم الحرام الحلال * ومن طريق مجاهد. وسعيد بن جبير قالا جميعا: لا يحرم الحرام
الحلال وهو أحد قولي مالك، وهو قول الليث بن سعد. والشافعي. وأبي سليمان.
وأصحابهما. وأصحابنا *
قال أبو محمد: احتج المانعون من ذلك بالقياس على عموم قوله عز وجل:
(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وبمرسلين في أحدهما ابن جريج أخبرت
عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أم الحكم ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة كان
زنى بها في الجاهلية أينكح الآن ابنتها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا أرى ذلك ولا
يصلح لك ان تنكح امرأة تطلع من ابنتها على ما اطلعت عليه منها) والآخر فيه الحجاج
ابن أرطأة عن أبي هانئ قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نظر إلى فرج امرأة لم تحل
له أمها ولا ابنتها).
قال أبو محمد: أما القياس على الآية فالقياس كله باطل وأما الخبران فمرسلان
ولا حجة في مرسل لا سيما وفى أحدهما انقطاع آخر، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن أم
الحكم مجهول، وفى الآخر الحجاج بن أرطأة وهو هالك عن أبي هانئ وهو مجهول
وقد عارضهما خبر آخر لا نورده احتجاجا به لكن معارضة للفاسد بما ان لم يكن أحسن
منه لم يكن دونه وهو ما روى من طريق عبد الله بن نافع عن المغيرة بن إسماعيل عن
عثمان بن عبد الرحمن الزهري عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة (ان رسول الله
533

صلى الله عليه وسلم سئل عمن اتبع امرأة حراما أينكح ابنتها أو أمها؟ فقال: لا يحرم الحرام وإنما
يحرم ما كان نكاحا حلالا: وموهوا أيضا بأن قالوا: من وطئ أمته أو امرأته
حائضا أو أحدهما محرم أو معتكف أو في نهار رمضان أو أمته الوثنية أو ذمية عمدا
ذاكرا فإنه وطئ حراما ولا خلاف في أنه وطئ محرم لامها وابنتها ومحرم لها على
آبائه وبنيه فكذلك كل وطئ حرام *
قال أبو محمد: وليس كما قالوا بل وطئ فراشا حلالا وإنما حرم لعلة لو ارتفعت
حل ولا خلاف في أنه لا حد عليه لأنه لم يطأ الا زوجته أو ملك يمين صحيح، فلاح
الفرق بين الامرين وبالله تعالى التوفيق * وموهوا أيضا بأن قالوا: من وطئ في عقد
فاسد بجهل أو بغيره فهو وطئ محرم وهو يحرم أمها وابنتها ويحرمها على أبيه وابنه *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم في صحته لا من قرآن. ولا من سنة ولا حجة في
سواهما ونحن نقول: إنها حلال لولده أن ينكحها وحلال له نكاح أمها وابنتها لأنها
ليست زوجة له ولا ملك يمين ولا تحرم عليه أمها ولا ابنتها ولا تحرم على والده لأنها
ليست من حلائل ابنه ولا من نسائه ولو كانت كذلك لما حل أن يفسخ نكاحه منها
ولتوارثا فلما لم يكن بينهما ميراث صح أنها ليست من نسائه وإنما تحرم على الابن فقط
لأنها مما نكح أبوه إن كان وطئها والا فلا تحرم عليه. وموهوا أيضا بأن قالوا: من وطئ
أمة مشتركة بينه وبين غيره فهو وطئ حرام وهي تحرم بذلك على أبيه وابنه وتحرم
عليه أمها وابنتها *
قال أبو محمد: وهذا باطل بل هو زنا محض وما وجدنا في دين الله تعالى امرأة
تحل أن يتداولها رجلان هذه أخلاق الكلاب وملة الشيطان لا أخلاق الناس ولا دين
الله عز وجل ولا تحرم بذلك عليه أمها ولا ابنتها ولا تحرم على ابنه إنما تحرم على الأب
فقط لما قدمنا وبالله تعالى التوفيق * وموهوا بأن قالوا: إذا اجتمع الحرام والحلال
غلب الحرام فقول لا يصح ولا جاء به قرآن ولا سنة قط، ويلزم من صحح هذا القول
أن يقول: ان من زنى بامرأة لم يحل له نكاحها ابدا لأنه قد اجتمع فيها حرام وحلال *
وموه بعضهم بحديث ابن وليدة زمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحقه بزمعة وأمر
سودة بان تحتجب عنه *
قال أبو محمد: قد رمنا أن نفهم وجه احتجاجهم بهذا الخبر فما قدرنا عليه وهي
شغيبة باردة مموهة والخبر صحيح ظاهر الوجه وهو أنه صلى الله عليه وسلم الحقه بزمعة بظاهر
ولادته على فراش زمعة وأفتى أخته أم المؤمنين رضي الله عنها بان لا يراها خوف أن
534

يكون من غير نطفة أبيها واحتجاب المرأة عن أخيها شقيقها مباح إذا لم تقطع رحمه
ولا منعته رفدها لم يمنع من ذلك قط نص وبالله تعالى التوفيق، وإذ قد بطل كل ما شغبوا
به والحمد لله رب العالمين فلنأت بالبرهان على صحة قولنا وهو أن الله عز وجل فصل لنا
ما حرم علينا من الناكح إلى أن أتم ثم قال تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) فمن
حرم شيئا من غير ما فصل تحريمه في القرآن فقد خالف القرآن وحرم ما أحل الله
تعالى وشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وهذا عظيم جدا وبالله تعالى التوفيق *
(تم)
تم ولله الحمد طبع الجزء التاسع من كتاب المحلى للامام المجتهد حافظ
العصر العلامة أبي محمد على المشهور بابن حزم الأندلسي ويتلوه الجزء العاشر
مفتتحا ب‍ - كتاب الرضاع - فأسأل الله تيسير اتمام طبعه انه على ما يشاء
قدير وبالإجابة جدير
535