الكتاب: المحلى
المؤلف: ابن حزم
الجزء: ١١
الوفاة: ٤٥٦
المجموعة: فقه المذهب الظاهري
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات: طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر

المحلى
تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الأصولي، قوي العارضة
شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف
الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والأصول
والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الأندلس
أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
المتوفى سنة 456 ه‍.
طبعة مصححة ومقابلة
على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة
كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ
الشيخ أحمد محمد شاكر
الجزء الحادي عشر
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
{مسائل من هذا الباب (1)}
2104 - مسألة - قال أبو محمد: من أغضب أحمق بما يغضب منه فقذف
بالحجارة فقتل المغضب له أو غيره أو أعطى أحمق سيفا فقتل به قوما فلا شئ في كل ذلك
لأنه لم يباشر شيئا من الجناية ولا يسمى في اللغة قاتلا فلو أنه أمر الأحمق بقتل انسان
بعينه فقتله فإن كان الأحمق فعل ذلك طاعة له وكان ذلك معروفا فهو آمر فالآمر عليه
القود وإن كان لم يفعل طائعا له فلا شئ في ذلك لأنه لم يكن لا عن أمره ولا عن فعله فلو رمى
حجرا فأصاب ذلك الحجر حجرا فقلعه فتدهده ذلك الحجر فقتل وافسد فلا شئ في ذلك
لأنه إنما تولد عن رميه انقلاع الحجر فقط فهو ضامن لرده إن كان موضوعا لمعنى ما فقط وإنما
يضمن المرء ما تولد عن فعله ولا يضمن ما تولد عما تولد عن فعله، ولا يختلف اثنان من
الأمة في أن من رمى سهما يريد صيدا فأصاب انسانا أو مالا فاتلفه فإنه يضمن، ولو أنه
صادف حمار وحش يجرى فقتل انسانا أو سقط الحمار إذ أصابه السهم فقتل انسانا
فإنه لا يضمن شيئا، ولو أن انسانا يعمل في بئر وآخر يستقى فانقطع الحبل فوقعت الدلو
فقتلت الذي في البئر فإن كان ذلك لضعف الحبل فهو قاتل خطأ والدية على العاقلة وعليه
الكفارة لأنه مباشر لقتله، فلو غلب فلم يقدر على امساكه الدلو ففتح يديه فلا شئ
عليه في ذلك لأنه لم يباشر قتله ولا عمل شيئا * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم
ابن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة (2)
السبائي أن رجلا رمى حدأة فحرت الحدأة على صبي فقتلته قال هو على الذي رمى وكل شئ
يكون من فعل رجل فهو عليه قال: وبلغني عن يحيي بن سعيد أنه قال في رجل مر برجل وهو
يحمل على ظهره حجرا فسقط منه فأصاب رجلا فقتله فعليه دية المقتول قال سحنون: هذه
مسألة سوء قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول في الرجل يمسك الحبل للرجل يتعلق به

(1) في النسخة رقم 14 مسألة من هدا قال أبو محمد الخ بدل قوله مسائل من هذا الباب
(2) في النسخة رقم 14 ابن ميسرة السبابي وهو غلط
2

في البئر قال: ان انقطع الحبل فلا شئ عليه وان انفلت من يد الممسك فسقط المتعلق
فمات فهو ضامن له *
قال علي: لسنا نقول بشئ من هذا كله أما الحدأة تقع فان الرامي بها لم يباشر
القاءها كما ذكرنا وأما الذي سقط الحجر عن ظهره دون أن يكون هو ألقاه لكن ضعف
أو عثر فلا شئ في ذلك، ولو أنه هو تعمد القاءه فمات به انسان فإن كان عمدا وهو يدري
فقاتل عمد وعليه القود وإن كان لم يعرف أن هنالك انسانا فهو قاتل خطأ وعليه
الكفارة وعلى عاقلته الدية لأنه مباشر قتله بلا شك، وأما تعلق الرجل بحبل يمسك عليه
آخر فلا شئ في كل ذلك لا في انقطاع الحبل ولا في ضعف الممسك عن امساكه لأنه
في انقطاع الحبل جان على نفسه بجبذ الحبل فإنما انقطع من فعله لا من فعل الواقف
على البئر فاما انفلات الحبل فلم يتول الواقف على رأس البئر ابقاءه لكن غلب عليه
فلم يباشر فيه شيئا أصلا روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يزيد
ابن عياض وابن لهيعة عن ابن أبي جعفر عن بكير بن الأشج أن عبد الله بن عمرو،
وقال يزيد بن عياض عن عبد الملك بن عبيد عن مجاهد عن ابن عباس ثم اتفقا أن
من سل سيفا على امرأة أو صبي ليفزعهما به فماتا منه ففيه دية الخطأ، قال علي: وهذا
باطل لا يصح. وابن لهيعة في غاية الضعف. ويزيد بن عياض مذكور بالكذب وهذا
العمل لا يختلفون في أن من فعله غير قاصد إلى افزاعهما ففزعا فماتا فلا شئ عليه ولا خلاف
في أن النية والمعرفة لا يراعى شئ منهما في الخطأ بل هما مطرحان فيه ولا خلاف في أن
القاتل إذا قصد به ونوى فإنه عمد والذي سل سيفا على امرأة أو صبي يريد بذلك
افزاعهما فماتا فبيقين يدري كل ذي عقل سليم أنه عامد قاصد إليهما بهذا الفعل فإذ
لا خلاف في أنه ليس عليه قود ولا له حكم العمد الذي هو أقرب الصفات إلى فعله
فمن المحال الممتنع أن يكون عليه حكم الخطأ الذي ليس لفعله فيه مدخل أصلا وهذا
في غاية البيان وبالله تعالى التوفيق وليس فيه الا الأدب فقط *
2105 - مسألة من ادخل انسانا دارا فأصابه شئ قال علي: روينا من طريق ابن
وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا محمد بن قيس عن الشعبي قال: إذا أدخل الرجل الرجل
داره فهو ضامن حتى يخرجه كما أدخله، وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري في رجل دخل بيت رجل وفي البيت سكين فوطئ عليها فقتلته قال: ليس على
صاحب البيت شئ *
قال علي: وبقول الزهري نقول. لان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
3

" ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلا يحل الزام أحد غرامة مال بغير نص أو اجماع
وما لم يتيقن أن هذا الانسان جناه بعمد أو بخطأ فلا شئ عليه لان دمه وماله حرام
فان وجد في داره مقتولا فله حكم القسامة وان ادعى وهو حي على صاحب الدار فعليه حكم
التداعي وان لم يخرج إلا ميتا لا أثر فيه فالموت يغدو ويروح ولا شئ به إلا التداعي إذ قد
يمكن أن يغم فلا يظهر فيه أثر فإذا أمكن فهو من باب التداعي ولو أيقنا أنه مات حتف
أنفه لم يكن هنالك شئ أصلا، وبالله تعالى التوفيق *
2106 - مسألة - جنايات الحيوان والراكب والسائس والقائد * قال علي:
قد ذكرنا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله العجماء جرحها جبار، روينا من طريق
ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: قال رجل لشريح
ان شاة هذا قطعت غزلي فقال ليلا أو نهارا فإن كان نهارا فقد برئ وإن كان ليلا فقد ضمن
ثم قرأ (إذ نفشت فيه غنم القوم) قال: إنما كان النفش بالليل *
قال علي: قال مالك. والشافعي: ما أفسدت المواشي ليلا فهو مضمون على
أهلها وما أفسدت نهارا فلا ضمان فيه، وروى عن سفيان الثوري مثل قول أبي حنيفة.
وقال أبو حنيفة: وأبو سليمان وأصحابهما لا ضمان على أرباب الماشية فيما أفسدت ليلا أو نهارا،
ولا يضمنون أكثر من قيمة الماشية وروى عنه أنهم يضمنون ما أصابت نهارا، وقال
الليث: يضمن أهل الماشية ما أصابت ليلا ولا يضمنون أكثر من قيمة الماشية *
قال علي: احتج المضمنون ما جنت ليلا بما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة
نا معاوية بن هشام نا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء بن
عازب أن ناقة لأهل البراء أفسدت شيئا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان حفظ الثمار على
أهلها بالنهار وضمن أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل، وروينا من طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط
رجل فأفسدت فيه فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال بحفظها بالنهار وعلى أهل المواشي
حفظها بالليل، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال ابن شهاب حدثني أبو أمامة
ابن سهل " أن ناقة دخلت في حائط قوم فأفسدته فذهب أصحاب الحائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظ أموالهم بالنهار، وعلى أهل الماشية حفظ
مواشيهم بالليل وعليهم ما أفسدته "، وذكر بعض الناس أن الوليد بن مسلم روى هذا
الحديث عن الزهري عن حرام بن محيصة أن البراء أخبره *
قال علي: هذا خبر مرسل أحسن طرقه ما رواه مالك. ومعمر عن سفيان
4

عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن ناقة للبراء وما رواه ابن جريج عن الزهري عن أبي أمامة
ابن سهل أن ناقة دخلت، فلم يسند أحد قط من هاتين الطريقتين اللتين لو أسند منهما أو من
إحداهما لكان حجة يجب الاخذ بها وإنما استند من طريق حرام بن سعد بن محيصة مرة
عن أبيه ولا صحبة لأبيه ومرة عن البراء فقط وحرام بن سعد بن محيصة مجهول لم يرو عنه
أحد الا الزهري وما نعلم للزهري عنه غير هذا الحديث ولم يوثقه الزهري وهو قد يروي
عمن لا يوثق كروايته عن سليمان بن قرم ونبهان مولى أم سلمة وغيرهما من المجاهيل والهلكى
ولا يحل أن يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين الا بأن تعرف عدالته فسقط التعلق
بهذا الخبر *
قال علي: روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن إدريس الأودي
عن حصين بن عبد الرحمن بن عامر الشعبي قال: اختصم إلى علي ابن أبي طالب في ثور نطح
حمارا فقتله فقال علي بن أبي طالب إن كان الثور دخل على الحمار فقتله فقد ضمن وإن كان
الحمار دخل على الثور فقتله فلا ضمان عليه *
قال علي: فهذا حكم من علي ابن أبي طالب رضي الله عنه والقول عندنا في هذا
كله هو ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه من أن العجماء جرحها جبار وعملها جبار فلا
ضمان فيما أفسده الحيوان من دم أو مال لا ليلا ولا نهارا وبالله تعالى التوفيق، فان أتى بها
وحملها على شئ وأطلقها فيه ضمن حينئذ لأنه فعله ليلا كان أو نهارا وأما الحيوان
الضارية فقد جاءت فيها آثار كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
عبد الكريم أن عمر بن الخطاب كان يقول برد البعير أو البقرة أو الحمار أو الضواري
إلى أهلهن ثلاثا إذا حظر الحائط ثم يعقرن قال ابن جريح: وأخبرني من نظر في كتاب
عمر بن عبد العزيز في خلافته إلى الحجاج بن ذوئيب ان يحصن الحائط حتى يكون إلى نحو
البعير، قال ابن جريج: وسمعت عبد العزيز بن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يأمر
بالحائط أن تحظر ويسد الحظر من الضاري المدل ثم يرد إلى أهله ثلاث مرات ثم
يعقر، قال ابن جريج وقلت لعطاء الحظر يسد ويحصن على الحائط ثم لا يمتنع من الضاري
المدل أبلغك فيه شئ؟ قال لا *
قال أبو محمد: فهذا حكم عمر بن الخطاب يرد الضاري ثلاث مرات إلى صاحبه
دون تضمين ولم يخص ليلا ولا نهارا ثم يعقر فخالفوا كلا الحكمين من حكم عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وهم يعظمون أقل من هذا إذا وافق تقليدهم، ومن طريق عبد الرزاق عن
معمر قال: أخبرني إسماعيل بن أبي سعيد الصنعاني أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس
5

يحدث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان أهون أهل النار عذابا رجل يطأ جمرة يغلي منها
دماغه قال أبو بكر الصديق: وما كان ذنبه يا رسول الله؟ قال كانت له ماشية يعيث بها
الزرع ويؤذيه وحرم الله الزرع وما حوله غلاة سهم فاحذروا ان لا يسحب الرجل
ماله في الدنيا ويهلك نفسه في الآخرة فلا تسحبوا أموالكم في الدنيا وتهلكوا أنفسكم
في الآخرة *
قال علي: وهذا مرسل ولا حجة في مرسل والقول عندنا في هذا ان الحيوان
أي حيوان كان إذا أضر في افساد الزرع أو الثمار فان صاحبه يؤدب بالسوط
ويسجن ان أهمله فان ثقفه فقد أدى ما عليه وان عاد إلى اهماله بيع عليه ولا بد
أو ذبح وبيع لحمه أي ذلك كان أعود عليه انفذ عليه ذلك، برهان ذلك قول الله تعالى: (وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ومن البر والتقوى المنع من أذى
الناس في زرعهم وثمارهم ومن الاثم والعدوان اهمال ذلك فينظر في ذلك بما فيه حماية
أموال المسلمين مما لا ضرر فيه على صاحب الحيوان بما لا يقدر على أصلح من ذلك كما أمر
الله تعالى وأما من زرع في الشعواء أو حيث المسرح أو غرس هنالك غرسا فإنه يكلف أن
يحظر على زرعه وغرسه بما يدفع عن ذلك من بناء أو غيره إذ لا ضرر عليه في ذلك بل
الحائط له ودفع الإضاعة عن ماله ولا يجوز ان يمنع الناس عن ارعاء مواشيهم هنالك
كما لا يجوز أن يمنع هو من احياء ما قدر على احيائه من ذلك الموات وليس في طاقة أحد
منع المواشي عن زرع أو ثمر في وسط المسرح فإذ ذلك ممتنع ليس في الوسع فقد بطل
أن يكلفوا ضبطها أو منعها بقول الله تعالى: (لا تكلف نفس إلا وسعها) وهكذا
القول فيما تعذر على أهل الماشية منع ماشيتهم منه في مرورها في طريقها إلى المسرح بين
زرع الناس وثمارهم فان أهل الزرع والثمار يكلفون ههنا بحظير ما ولى الطريق من
زروعهم وثمارهم، واما الثمار المتصلة من الزرع والغرس التي لا مسرح فيها فليس
عليهم تكليف الحظر فمن أطلق مواشيه هنالك عامدا أو مهملا أدب الأدب الموجع
وبيعت عليه مواشيه ان عاد وضمن ما باشر اطلاقها عليه وبالله تعالى التوفيق، ولا
يعقر الحيوان الضاري البتة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان الا لمأكلة
ونهى عن إضاعة المال والعقر إضاعة فيما يؤكل لحمه وفيما لا يؤكل لحمه وبالله التوفيق *
وأما القائد والراكب والسائق فان يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود قال نا أحمد بن دحيم
نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق نا إبراهيم الهروي نا هشيم نا أشعث عن محمد
ابن سيرين عن شريح أنه كان يضمن الفارس ما أوطأت دابته بيد أو رجل ويبرئه من
6

النفحة قال هشيم: وأنا يونس. والمغيرة قال يونس عن الحسن البصري وقال المغيرة عن
إبراهيم أنهما كان يضمنان ما أوطأت الدابة بيد أو رجل ولا يضمنان من النفحة،
عن إبراهيم وشريح انهما قالا: إذا نفحت الدابة برجلها فان صاحبها لا يضمن، وقال
الحكم والشعبي يضمن ولا يطل دم المسلم، وعن محمد بن سيرين أن رجلا شرد له بعيران
فاخذهما رجل فقرنهما في حبل فاخنق أحدهما فمات فقال شريح: إنما أراد الاحسان
لا يضمن إلا قائد أو راكب، وقال محمد بن سيرين في الدابة أفزعت فوطئت يضمن
صاحبها وإذا نفحت برجلها من غير أن تفزع لم يضمن، وعن الشعبي أنه سئل عن رجل
أوثق على الطريق فرسا عضوضا فعقر فقال الشعبي يضمن ليس له أن يربط كلبا عضوضا
على طريق المسلمين، وعن إبراهيم النخعي. وشريح قالا جميعا يضمن الراكب والسائق
والقائد، وعن أبي عون الثقفي (1) أن رجلين كانا ينشران ثوبا فمر رجل فدفعه
آخر فوقع على الثوب فخرقه فارتفعوا إلى شريح فضمن الدافع وأبرأ المدفوع بمنزلة
الحجر، وعن الشعبي قال: هما شريكان يعني الراكب والرديف، وعن الشعبي أيضا قال:
من أوقف دابته في طريق المسلمين أو وضع شيئا فهو ضامن بجنايته، وعن إبراهيم
النخعي. والشعبي قالا جميعا: من ربط دابته في طريق فهو ضامن، وعن إبراهيم في رجل
استعار من رجل فرسا فركضه حتى قتله قال: ليس عليه ضمان لان الرجل يركض
فرسه، وعن عطاء قال: يغرم القائد والراكب عن يدها ما لا يغرمان عن رجلها قلت:
كانت الدابة عادية فضربت بيدها انسانا وهي تقاد قال: نعم ويغرم القائد قلت:
السائق يغرم عن اليد والرجل قال: زعموا فراددته قال: يقول الطريق الطريق، وعن
قتادة قال: يغرم القائد ما أوطأت بيد أو رجل فإذا نفحت لم يغرم والراكب
كذلك إلا أن تكون بالعنان فتنفح فيغرم، وعن الشعبي قال يضمن الرديف مع صاحبه
وعن شريح قال يضمن القائد والسائق والراكب ولا يضمن الدابة إذا عاقبت قلت
وما عاقبت؟ قال إذا ضربها رجل فاصابته، وعن مجاهد قال ركبت جارية جارية فنخستها
أخرى فوقعت فماتت فضمن علي بن أبي طالب الناخسة والمنخوسة، وقال مالك.
والشافعي: يضمن السائق والقائد والراكب ما أصابت الدابة الا أن ترمح من غير
فعلهم فلا ضمان عليهم، وقال مالك. وأبو حنيفة: يضمن الرديف مع الراكب،
وقال إسحاق بن راهويه: لا يضمن الرديف، وقال أحمد: أرجوا أن لا شئ عليه إذا كان
أمامه من يمسك العنان *

(1) في النسخة رقم 45 ابن عون الثقفي وهو غلط
7

قال أبو محمد: فالواجب علينا عند تنازعهم ما افترض الله تعالى علينا إذ يقول
تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم
الآخر) فنظرنا في الراكب فوجدناه مصرفا لدابته حاملا لها فما أصابت مما حملها
عليه فان عمد فعليه القصاص في النفس فما دونها لأنه متعد مباشر
للجناية، وإن كان مما لا يضمنه فإن كان ذلك وهو لا يعلم بما بين يديه
فهو إصابة خطأ يضمن المال وعلى عاقلته الدية في النفس وعليه الكفارة لأنه قاتل
خطأ وما أصابت برأسها أو بعضتها أو بذنبها أو بنفحتها بالرجل أو ضربت بيديها في غير
المشي فليس من فعله فلا ضمان عليه فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العجماء جرحها جبار ".
وأما القائد فإن كان يمسك الرسن أو الخطام فهو حامل للدابة على ما مشت عليه فان عمد فالقود
كما قلنا والضمان في المال وان لم يعمد فهو قاتل خطأ فالدية على العاقلة والكفارة عليه في ماله
ويضمن المال فان كانت الدواب مقصورة بعضها إلى بعض كذلك فكذلك أيضا ولا فرق
وسواء كان على الدابة المقودة راكب أو لم يكن لا ضمان على الراكب إلا أن حملها أو أعان
فهو والقائد شريكان وإلا فلا فإن كان القائد لا رسن بيده ولا عقال فلا ضمان عليه البتة لأنه لم
يتول شيئا ولا باشر فيما أتلف من دم أو مال شيئا أصلا وقد قال عليه الصلاة والسلام " العجماء
جرحها جبار " وأما الرديف فإن كان يمسك العنان هو وحده ولا يمسكه المتقدم فحابس
العنان هو الضامن وحده وعليه في العمد القود وفي الخطأ الكفارة والدية على العاقلة ولا
ضمان ولا شئ على المتقدم إلا أن يعين في ذلك، وأما السائق فان حملها بضرب أو نخس أو
زجر على شئ ما فان عمد فالقود والضمان وان لم يعمد فهو قاتل خطأ كما قلنا فإن لم يحملها على
شئ فلا ضمان عليه لأنه لم يباشر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جرح العجماء جبار " ومن
أوثق دابته على طريق المسلمين فلا ضمان عليه وكذلك لو أرسلها وهو يمشي وليس كل مسئ
ضامنا، وقد علمنا وعلم كل مسلم ان عامل السلاح وبائعها في الفتن فمخالف ظالم ومسئ، ومعين
بذلك على قتل الناس ولا خلاف في أنه لا ضمان عليه، فان قيل إن غيره هو المتولي قيل لهم
والدابة هي المتولية أيضا وجرحها جبار وكذلك من حل دابة أو طائرا عن رباطها فلا
ضمان عليه فيما أصابت لأنه لم يعمد ولا باشر ولا تولى وأما من ركب دابة ولها فلو
يتبعها فأصاب الفلو انسانا أو مالا فهو الحامل له على ذلك فان عمد فالقود وان لم يعمد فهو
قاتل خطأ، برهان ذلك أنه في إزالته أمه عنه مستدع له إلى المشي وراءها فهو مباشر لاستجلابه
فلو ترك الفلو اتباع أمه وأخذ يلعب أو خرج عن اتباعها فلا ضمان على راكب أمه أصلا
وكذلك من استدعى بهيمة بشئ تأكله وهو يدري أن في طريقها متاعا تتلفه أو انسانا راقدا
8

فانته فأتلفت في طريقها شيئا فالقود في العمد وهو قاتل خطأ ان لم يعمد وكذلك من
أشلى (1) أسدا على انسان أو حنشا وليس كذلك من أطلقهما دون أن يقصد بهما انسانا لأنه
في اطلاقهما على الانسان مباشر لاتلافه قاصد لذلك وليس في اطلاقهما جانيا على أحد شيئا
أصلا، وأما ما قاله شريح في قارن البعيرين فصحيح ولا ضمان على من فعل ما أبيح له فعله
الا أن يوجب ذلك نص أو اجماع وأما ما جاء عن علي رضي الله عنه في تضمين الناخسة
فصحيح لأنها هي الملقية للأخرى في الأرض وبالله تعالى التوفيق *
2110 مسألة. من جناية الكلب وغيره ونفار الدابة وغير ذلك من الباب
الذي قبل هذا. قال علي: روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني
الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن انس بن سيرين أن رجلا كان يسري (2)
بأمه فجاء رجل على فرس يركض فنفر الحمار من وقع حافر الفرص فوثب فوقعت المرأة
فماتت فاستأذن عمر بن الخطاب فقال عمر رضي الله عنه ضرب الحمار؟ فقال لا فقال أصاب
الحمار من الفرس شئ؟ قال: لا قال: أمك أنت على اجلها فاحتسبها، قال ابن وهب:
وأخبرني يونس انه سأل أبا الزناد عن عقل الكلب أو الفهد أو السبع الداجن أو الكبش
النطاح أو نطح الثور أو البعير أو الفرس الذي يعض فيعقر مسكينا أو زامرا أو عابدا
فقال أبو الزناد: ان قتل واحد من هذه الدواب أو أصاب كسر يد أو رجل أو فقأ عين أو
أي أمر خرج من ذلك بأحد من الناس فهو هدر قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العجماء جرحها
جبار الا أن يكون قد استعدى في شئ من ذلك فأمره السلطان بايثاق ذلك فلم يفعل فان
عليه أن يغرم ما حرج بالناس فاما ما أصيب به الدابة أو بشئ منها فلم يكن السلطان يتقدم
إلى صاحبه فان على من أصابها غرم ما أصابها به، وقال مالك: فيمن اقتنى كلبا في دار البادية
فعقر ذلك الكلب انسانا انه ان اقتناه وهو يدري أنه يفترس الناس فعقرهم فهو ضامن لما
فرس الكلب *
قال أبو محمد: أما الرواية عن عمر فهي وان لم تصح من طريق النقل فمعناها صحيح وبه
نأخذ لان من لم يباشر ولا أمر فلا ضمان عليه والدابة إذا نفرت فليس للذي نفرت منه ذنب
الا أن يكون نفرها عامدا فان عليه القود فيما فتلت إذا قصد بذلك ان تطأ الذي أصابت فإن لم
يكن قصد ذلك فهو قاتل خطأ والدية على العاقلة والكفارة عليه ويضمن المال في كلتا الحالتين
إذا تعمد تنفيرها لأنه المحرك لها، وأما قول أبي الزناد فصحيح كله لان جرح العجماء جبار
بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يتعمد اشلاء شئ من ذلك، واما قوله إلا أن يتقدم إليه

(1) يقال أشلى الكلب على الصيد أغراه
(2) في النسخة رقم 14 يسوق
9

السلطان في ذلك فليس بشئ وتقدم السلطان لا يوجب غرامة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله
صلى الله عليه وسلم وإنما السلطان منفذ للواجب على من امتنع فقط وليس شارعا شريعة، وأما قول
مالك فخطأ أيضا لأنه ليس علم المقتني للكلب (1) بأنه يفترس الناس بموجب (2) عليه
غرامة لم يوجبها القرآن ولا السنة وهو وإن كان متعديا باقتنائه فإنه لم يباشر شيئا في
الذي اتلفه الكلب، وهكذا من آوى رجلا قتالا محاربا فجنى جناية فهو وإن
كان متعديا بايوائه إياه فليس مباشرا عدوانا في المصاب، وكل هذا باب واحد
وليس قياسا ولكن خصومنا يقولون بقوله ويخالفونه في ذلك العمل نفسه فإذا جمعنا
لهم القولين لاح لهم تناقضهم فيها فعلى هذا نورد مثل هذه المسائل لا على أنها حجة
قائمة بنفسها وإنما الحجة في هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جرح العجماء جبار "
وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عباد بن العوام عن
حجاج عن قتادة عن كعب بن سوار أن رجلا كان على حمار فاستقبله رجل على
بعير في زقاق فنفر الحمار فصرع الرجل فأصابه شئ فلم يضمن كعب بن سوار صاحب
البعير شيئا *
قال أبو محمد: وهذا كما قلنا، وعن سفيان الثوري عن طارق قال: كنت عند شريح
فأتاه سائل فقال: اني دخلت دار قوم فعقرني كلبهم وخرق جرابي فقال: ان
كنت دخلت باذنهم فهم ضامنون وان كنت دخلت بغير اذنهم فليس عليهم شئ *
وعن الشعبي قال: إذا كان الكلب في الدار فأذن أهل الدار للرجل فعقره الكلب
ضمنوا وان دخل بغير اذن فعقره فلا ضمان عليهم، وأيما قوم غشوا غنما في مرابضها
فعقرتهم الكلاب فلا ضمان على أصحاب الغنم وان عرضت لهم الكلاب في الطريق
فعقرتهم الكلاب في الطريق ضمنوا * وأما المتأخرون فان أبا حنيفة. وسفيان الثوري.
والحسن بن حي. والشافعي. وأبا سليمان قالوا: من كان في داره كلب فدخل انسان
باذنه أو بغير اذنه فقتله الكلب فلا ضمان في ذلك، وكذلك قال ابن أبي ذئب،
وقد روى الواقدي نحو هذا عن مالك، وروى عنه ابن وهب: أنه قال إن أتخذ
الكلب وهو يدري أنه يعقر الناس ضمن وأنه ان لم يعلم ذلك لم يضمن إلا أن
يتقدم إليه السلطان *
قال أبو محمد: اشتراط تقدم السلطان أو علمه بأنه عقور لا معنى له لأنه
لم يوجب (3) هذا نص قرآن ولا سنة ولا اجماع، فان قيل: إنه باتخاذه الكلب

(1) في النسخة رقم 14 مقتني الكلب
(2) في النسخة رقم 45 يوجب بدل بموجب
(3) في النسخة رقم 14 لا يوجب
10

العقور متعد وكذلك هو باتخاذه حيث لم يبح له اتخاذه متعد أيضا قلنا: هو متعد
في اتخاذه في كلتا الحالتين ظالم إلا أنه ليس متعديا في إتلاف ما أتلف الكلب
ولا أوجب الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم قط على ظالم غرامة مطلقة، وقد قلنا: إن
التعدي الموجب للضمان أو للقود أو للدية هو ما سمى به المرء قاتلا أو مفسدا وليس
كذلك إلا بالمباشرة أو بالامر وهي في اتخاذه الكلب كمن عمل سيفا وأعطاه لظالم
أو اقتنى خمرا في خابية فجلس انسان إليها فانكسرت فقتلت الانسان فكل هذا ليس
يسمى هذا الظالم قاتلا ولا متلفا فلا ضمان في شئ من ذلك، وعن إبراهيم النخعي
أنه قال في رجل جمح به فرسه فقتل رجلا قال يضمن هو بمنزله الذي رمى بسهمه
طائرا فأصاب رجلا فقتله *
قال أبو محمد: إذا جمح به فرسه فإن كان هو المحرك له المغالب له فإنه
يضمن كل ما جنى بتحريكه إياه في القصد القود وفيما لم يقصده ضمان الخطأ، وأما
إذا غلبته دابته فلم يحملها على شئ فلا شئ عليه أصلا في كل ما أصابت ولو أن امرءا
اتبع حيوانا ليأخذه فكل ما أفسد الحيوان في هروبه ذلك مما هو حامله عليه مما يوقن
أن ذلك الحيوان إنما يراه ويهرب عنه فهو ضامن له ما عمد وقصد بالقود وما لم
يقصد فالدية على العاقلة والكفارة عليه، وأما ما أتلف ذلك الحيوان في جريه وهو
لا يراه فلا ضمان على متبعه وبالله تعالى التوفيق *
2111 - مسألة: ولو أن انسانا هيج كلبا أو أطلق أسدا. أو أعطى
أحمق سيفا فقتل رجلا كل من ذكرنا فلا ضمان على المهيج ولا على المطلق ولا على
المعطي السيف لأنهم لم يباشروا الجناية ولا أمروا بها من يطيعهم فلو أنه أشلى
الكلب على انسان أو حيوان فقتله ضمن المال وعليه القود مثل ذلك ويطلق عليه
كلب مثله حتى يفعل به مثل ما فعل الكلب باطلاقه لأنه هاهنا هو الجاني القاصد إلى
إتلاف ما أتلف الكلب باغرائه، ولو أن امرأ حفر حفرة وغطاها وأمر انسانا
أن يمشي عليها فمشى عليها ذلك الانسان مختارا للمشي عالما أو غير عالم فلا ضمان على آمره
بالمشي ولا على الحافر ولا على المعطي لأنهم لم يمشوه ولا باشروا اتلافه وإنما هو
باشر شيئا باختياره ولا فرق بين هذا وبين من غر انسانا فقال له طريق كذا أمن
هو؟ فقال له: نعم هو في غاية الامن وهو يدري أن في الطريق المذكور أسدا هائجا
أو جملا هائجا أو كلابا عقارة أو قوما قطاعين للطريق يقتلون الناس فنهض السائل
مغترا بخبر هذا الغار له فقتل وذهب ماله، وكذلك من رأى أسدا فأراد الهروب
11

عنه فقال له انسان من غر به: لا تخف فإنه مقيد فاغتر بقوله ومشى فقتله الأسد فهذا كله
لا قود على الغار ولا ضمان أصلا في دم ولا مال لأنه لم يباشر شيئا ولا اكره فلو أنه
أكرهه على المشي على الحفرة فهلك فيها أو طرحه إلى الأسد أو إلى الكلب فعليه
القود فلو طرحه إلى أهل الحرب أو البغاة فقتلوه فهم القتلة لا الطارح بخلاف
طرحه إلى من لا يعقل لان من لا يعقل آلة للطارح وكذلك لو أمسكه لأسد فقتله
أو لمجنون فقتله فالممسك ها هنا هو القاتل بخلاف امساكه إياه لقتل من يعقل
وبالله تعالى التوفيق *
2112 مسألة: روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب
أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلب دابة فنادى رجلا احبسها
علي فصدمته فقتلته أو رماها فقتلها فقال ابن شهاب كلاهما يغرم، وبه إلى ابن وهب
أخبرني الليث بن سعد. وابن لهيعة: أن هشاما كتب في رجل ضم جارية إليه من دابة
فضربتها في حجره ان على الرجل ديتها قال ابن لهيعة: والرجل مولى لنا كتب توبة بن
نمر قاضي أهل مصر إلى هشام في ذلك فكتب بهذا فجعل الدية علينا، قال ابن وهب:
وأخبرني الليث بن سعد أن هشاما كتب في رجل حمل صبيا فخر في مهواة فمات الصبي
أن ضمانه على الحامل قال الليث: وعلى هذا الفتيا الناس، قال ابن وهب: وبلغني
عن ربيعة أنه قال مثل ذلك قال: فان هلكا جميعا فلا عقل لهما *
قال أبو محمد: لا حجة في قول مخلوق دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما الذي قال
للرجل: احبس لي الدابة فصدمته فقتلته فلا ضمان على الذي أمره بحبسها لأنه لم
يتعد عليه ولا باشر فيه اتلافه فلو أن المأمور بحبس الدابة رماها فقتلها أو جنى عليها
فهو ضامن على كل حال لأنه فعل من إتلافها ومن الجناية عليها ما لم يبح الله تعالى له
فعله فهو متلف بغير حق وجان بغير حق ومباشر لذلك قال الله تعالى: (وجزاء
سيئة سيئة مثلها) وكذلك لو أمره بقتلها أو الجناية عليها ففعل لضمن لأنه أمره
بما لا يحل وبما ليس له أن يأمره به فهو متعد بالامر والمأمور أيضا متعد بالائتمار
فهو ضامن لمباشرته الجناية، وأما من ضم صبية من دابة فرمحتها الدابة فقتلتها فلا
ضمان عليه لأنه لم يباشر اتلافها وجرح العجماء جبار، وأما الذي حمل صبيا فسقط
في مهواة فمات الصبي فإن كان موته من وقوع حامله عليه فهو ضامن والضمان على
العاقلة وعليه الكفارة لأنه قاتل خطأ وإن كان مات من الوقعة لامن وقوع حامله
عليه فلا ضمان في ذلك، فلو مات الحامل حين وقوعه على الصبي أو قبل وقوعه عليه
فلا ضمان على عاقلته لأنه لا جناية على ميت وبالله تعالى التوفيق *
12

2113 - مسألة اللص يدخل على الانسان هل له قصد قتله؟ قال علي:
روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن إدريس الأودي عن عبيد الله
ابن عمر عن نافع قال: أصلت ابن عمر على لص بالسيف فلو تركناه لقتله * ومن طريق
أبي بكر بن أبي شيبة أيضا نا ابن علية عن أيوب السختياني عن حميد بن هلال عن حجير
ابن الربيع قال: قلت لعمران بن الحصين أرأيت أن دخل على داخل يريد نفسي
ومالي؟ قال عمران: لو دخل على داخل يريد نفسي ومالي لرأيت أن قد حل لي قتله *
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عباد بن عوف - هو ابن أبي جميلة - عن الحسن
البصري قال: اقتل اللص. والحروري. والمستعرض، وعن محمد بن سيرين أنه قال:
ما علمت أن أحدا من المسلمين ترك قتال رجل يقطع عليه الطريق أو يطرقه في بيته
تأثما من ذلك، وعن إبراهيم النخعي قال: إذا دخل اللص دار الرجل فقتله فلا ضرار
عليه * وعن الشعبي قال: الرجل محارب لله ورسوله فاقتله فما أصابك من شئ فعلي *
وعن ابن سيرين أنه قال: قلت لعبيدة أرأيت ان دخل على رجل يريد بيتي قال: ان الذي
يدخل عليك بيتك لا يحل له منك ما حرم الله تعالى عليه ولكن يحل لك نفسه *
وعن منصور أنه سأل إبراهيم عن الرجل يعرض للرجل يريد ماله أيقاتله؟ فقال
إبراهيم: لو تركه لقتله *
قال أبو محمد: روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو كريب محمد بن العلاء
نا خالد - يعني ابن مخلد - نا محمد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: جاء
رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أرأيت أن جاء رجل يريد أن يأخذ
مالي قال: فلا تعطه مالك قال: أرأيت أن قاتلني؟ قال قاتله قال: أرأيت أن قتلني قال فأنت
شهيد قال أرأيت ان قتلته؟ قال: هو في النار *
قال علي: فمن أراد أخذ مال انسان ظلما من لص أو غيره فان تيسر له طرده منه
ومنعه فلا يحل له قتله فان قتله حينئذ فعليه القود، وأن توقع أقل توقع أن يعاجله اللص فليقتله
ولا شئ عليه لأنه مدافع عن نفسه، فان قيل: اللص محارب فعليه ما على المحارب قلنا:
فان كابر وغلب فهو محارب واختيار القتل في المحارب إلى الامام لا إلى غيره أو إلى من
قام بالحق ان لم يكن هنالك امام وان لم يكابر ولا غلب لكن تلصص فليس محاربا ولا
يحل قتله أصلا وبالله تعالى التوفيق *
(صاحب المعبر يعبر بدواب)
قال علي: نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد
13

نا أبو بكر بن أبي شيبة نا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن جابر عن عامر قال لي: صاحب
المعبر يعبر بدواب فغرقت قال فلا ضمان عليه، قال علي: وهو كما قال إلا أن يباشر تعطيب
المعبر أو تعطيب السفينة فيضمن، وبالله تعالى التوفيق *
2114 - مسألة - من استعان صبيا أو عبدا بغير اذن أهله فتلف: حدثنا محمد
ابن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم ابن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية
نا وكيع نا إسرائيل عن جابر عن الشعبي أنه قال في رجل أعطى صبيا فرسا فقتله قال
يضمن الرجل * وبه إلى وكيع نا سفيان عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال: من
استعان عبدا بغير اذن أهله فعنت فهو ضامن، وعن الشعبي في عبد رجل أكرهه رجل
فحمله على دابة فاوطأ رجلا فقتله قال يغرم الذي حمل العمد *
قال أبو محمد: من استعان صغيرا حرا أو عبدا فعنت فهو ضامن، ومن استعان
كبيرا حرا أو عبدا فعنت فهو غير ضامن * روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع
نا إسرائيل عن جابر عن الشعبي أنه قال في رجل أعطى رجلا فرسا فقتله انه لا يضمن الا
أن يكون عبدا أو صبيا * وعن عوف ابن أبي جميلة قال: كان عمر بن حيان الحماني يصنع
الخيل وانه حمل ابنه على فرس فخر فتقطر من الفرس فمات فجعلت ديته على عاقلته زمان
زياد بالبصرة * وعن بكير بن الأشج أن ابن عمر قال: من حمل غلاما لم يبلغ الحلم بغير
اذن أهله فسقط فمات فقد غرم * وعن مجاهد عن ابن عباس مثل قول ابن عمر هذا وقال:
يغرم ديته لو جرحه، وعن ربيعة. وأبي الزناد انهما قالا جميعا: من استعان غلاما لم يبلغ الحلم
فهو لما أصابه ضامن، وقالا في الحر يملك نفسه ليس على أحد استعانة شئ إذا أتى ذلك
طائعا قال ربيعة: إلا أن يستغفل أو يستجهل قال ابن وهب: وسمعت الليث يقول مثل
قول أبي الزناد، وعن قتادة عن خلاس بن عمرو أن علي بن أبي طالب قال في الغلام
يستعينه رجل ولم يبلغ خمسة أشبار فهو ضامن حتى يرجع وان استعانه باذن أهله فلا
ضمان عليه، وعن إبراهيم النخعي قال: من استعان مملوكا بغير اذن مواليه ضمن *
قال أبو محمد: فحصل من هذه الأقوال عن علي بن أبي طالب انه من استعان
غلاما لم يبلغ خمسة أشبار بغير اذن أهله فهو له ضامن فان بلغ خمسة أشبار فلا ضمان
عليه وان استعانه باذن أهله، وهذا صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن ابن
عباس. وابن عمر رضي الله عنهما من حمل غلاما بغير اذن أهله فسقط فمات فقد غرم
الا انه لا يصح عنهما، أما عن ابن عمر فرواه ابن لهيعة وليس بشئ، وأما ابن عباس فرواه
14

عنه يزيد بن عياض وهو مذكور بالكذب، وحصل عن الشعبي من أعطى صبيا فرسا
فقتله فالمعطي ضامن، وعن ربيعة. وأبي الزناد نحو ذلك، وعن حماد بن أبي سليمان
نحو ذلك، فلم يفرق هؤلاء بين اذن أهله ولا بين غير اذنهم وحصل من قول الشعبي
من استعان عبدا بالغا بغير اذن سيده فلا ضمان عليه ان تلف، وعن الزهري. وعطاء
نحوه، (وأما المتأخرون) فان أبا حنيفة. وأبا يوسف ومحمد بن الحسن قالوا: من
غصب صبيا حرا فمات عنده بحمى أو فجاة فلا شئ عليه فان اصابته صاعقة أو نهشته
حية فديته على عاقلة الغاصب وكان زفر يقول: لا يضمن في شئ من ذلك، وقال سفيان
الثوري: إذا ارسل صبيا في حاجة فجنى الصبي جناية قال: فليس على الذي أرسله شئ من
جنايته قال: فإذا ارسل مملوكا في حاجة فجنى فان الجناية على الذي أرسله، قال فان استعمل
أجيرا صغيرا في حاجة فاكله الذئب فلا شئ عليه، وقال الحسن بن حي: من امر صغيرا
أو مملوكا لغيره بأن يسقيه ماءا أو يناوله وضوءا فلا بأس بذلك قال فان عنتا في ذلك فعليه
ضمانهما، وقال مالك: الامر الذي عليه الفقهاء منهم ان الرجل إذا استعان صغيرا
أو عبدا مملوكا في شئ له بال فإنه ضامن لما أصابهما إذا كان ذلك بغير اذن، وإذا أمر الرجل
الصبي الحر أن ينزل في بئر أو يرقى في نخلة فهلك في ذلك ان الذي امره ضامن لما اصابه
فان استعان كبيرا حرا فاعانه فلا شئ عليه إلا أن يستغفل أو يستجهل *
قال أبو محمد: وقد روينا عن مالك ان من غصب حرا فباعه فطلب فلم يوجد
انه يضمن ديته، واما الشافعي فلا نعلم له في هذا قولا، وقد روي عن أم سلمة أم
المؤمنين رضي الله عنها انها بعثت إلى معلم الكتاب ابعث لي غلمانا ينفشون صوفا
ولا تبعث إلى حرا *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ننظر في ذلك ليلوح الحق
من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه، فابتدأنا بما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله
عنهم، فاما الرواية عن أم سلمة رضي الله عنها في طلبها غلمانا ينفشون لها الصوف
واشترطت ان لا يكون فيهم حر فليس فيه من حكم التضمين قليل ولا كثير فلا مدخل
له في هذا الباب والله أعلم بمرادها، ولعل نفش الصوف كان بحضرتها فكرهت ان يراها
حر من الصبيان، ولعله قد قارب البلوغ فلا يحل له ذلك ورؤية العبيد لها
مباح ونفش الصوف لا يطيقه إلا من له قوة من الغلمان والله أعلم، ولا نقطع بهذا
أيضا إلا أننا نقطع أنه ليس خبرها هذا من حكم التضمين *
قال أبو محمد: ثم نظرنا في قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي لم
15

يصح عن صاحب في هذا الباب شئ غيره فوجدناه حد مقدار الصبي في ذلك بخمسة
أشبار وقد خالفه الحنيفيون: والمالكيون والشافعيون في ذلك، ومن الباطل أن
يحتجوا على خصومهم بقول قد خالفوه هم *
قال أبو محمد: وبقيت الأقوال غيرها وهي تنقسم ثلاثة أقسام، أحدها تضمين
من استعان عبدا أو صغيرا بغير اذن أهلهما وترك تضمينه ان استعانهما باذن
أهلهما، والثاني تضمينه كيف ما استعانهما باذن أهلهما أو بغير اذنهما، والثالث قول
الشعبي ان العبد الكبير لا يضمن من استعانه لكن من استعان الصغير ضمن (1)
ثم نظرنا في قول أبي حنيفة. وأصحابه فوجدناه في غاية الفساد لأنه فرق في الصغير
يغصب بين أن يموت حتف أنفه أو بحمى أو فجأة فلا يضمن غاصبه شيئا وبين أن
يموت بصاعقة تحرقه أو حية تنهشه فيضمن ديته وهذا عجب لا نظير له، وهذا قول
لا يعضده قرآن ولا سنة صحيحة ولا مستقيمة ولا اجماع. ولا قول صاحب ولا قياس
ولا رأي سديد. ولا معقول. ولا احتياط، وما نعلم أحدا قال هذا القول قبله، وهذا
مما انفرد به فسقط هذا القول بلا مرية، ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه أيضا خطأ
لأنه فرق بين استعانة الصغير والعبد في الامر ذي البال فيضمن ومن استعانهما في
الامر غير ذي البال فلا يضمن وهذا أيضا تقسيم لا يؤيده قرآن ولا سنة صحيحة
ولا سقيمة ولا اجماع ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي سديد (2) ولا معقول،
ولا يخلو مستعين الصغير (3) من أن يكون متعديا بذلك أو لا يكون متعديا فإن كان
متعديا فحكم العدوان في القليل والكثير سواء وإن كان ليس متعديا فالقليل
والكثير مما ليس عدوانا سواء، وكذلك إيجاب الدية على من باع حرا فلم يوجد
الحر فهذا لا وجه له لأنه لم يقتله، وأما قول الحسن بن حي فخطأ أيضا لأنه لم ير
بأسا أن يستسقى المرء الصبي وعبد غيره الماء أو يكلفهما ان يحملا له وضوءا ثم
رأى عليه ضمانهما ان تلفا في ذلك فكيف يجعل الضمان فيما حدث من فعل قد أباحه
لفاعله مما لم يباشر هو تلك الجناية هذا ظلم ظاهر، وأما قول سفيان فخطأ أيضا
من وجوه، أولها أنه فرق بين الرجل يرسل الصغير والعبد لغيره في حاجته بغير اذن
أهلهما فجنى كل واحد منهما جناية فيضمن المرسل جناية العبد الكبير ولا يضمنه
جناية الحر الصغير وهو قول لا يعضده شئ من الدلائل، والقول الثاني من أرسل

(1) في النسخة رقم 14 " يضمن "
(2) في النسخة رقم 14 صحيح وما هنا أولى
(3) في النسخة رقم 45 المستعين للصغير
16

صغيرا في حاجته فأكله الذئب فلا شئ عليه فان استأجرا أجيرا صغيرا في عمل شاق
فتلف فيه ضمن وإن كان الأجير كبيرا لم يضمن، فهذه فروق لم يأت بها نص
ولا اجماع *
قال أبو محمد: فنظرنا هل نجد في شئ من هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوجدنا
من طريق البخاري نا عمرو بن زرارة نا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد العزيز عن
أنس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان أنسا غلام كيس فليخدمك فخدمته في السفر
والحضر فوالله ما قال لي لشئ صنعته لم صنعته هكذا؟ ولا لشئ لم أصنعه لم لم تصنع
هذا هكذا؟ فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله قد استخدم أنس بن مالك وهو يتيم ابن عشر
سنين في الاسفار البعيدة والقريبة والغزوات المخيفة وفي الحضر (فان قال قائل): ان
ذلك كان باذن أمه وزوجها وأهله قلنا له وبالله تعالى التوفيق: نعم قد كان هذا ولم يقل
رسول الله صلى الله عليه وسلم اني إنما استخدمته لاذن أهله لي في ذلك فإذ لم يقل ذلك عليه
الصلاة السلام فاذنهم ترك اذنهم على السواء (1) وإنما المراعى في ذلك حسن
النظر للغلام فإن كان ما استعانه في عمله للأجنبي نظرا له فهو فعل خير اذن أهله
ووليه أم لم يأذنوا وإن كان ليس له نظرا له فهو ظلم اذن أهله في ذلك أم لم يأذنوا *
برهان ذلك قول الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) وقوله تعالى:
(وتعاونوا على البر والتقوى) ولم يأت بمراعاة اذن أهل الغلام لا قرآن ولا
سنة صحيحة ولا اجماع فبطل مراعاة اذنهم بيقين ولم يبق إلا أن يكون المستعين
بالغلام ناظرا للغلام في تلك الاستعانة أو غير ناظر له فإن كان ناظرا له فهو محسن
وإذ هو محسن فلا ضمان عليه فيما أصابه مما لم يجنه هو لقوله تعالى: (ما على المحسنين
من سبيل) وإن كان غير ناظر له في ذلك فهو ظالم له ولكن ليس كل ظالم يضمن دية
المظلوم ألا تراهم لا يختلفون فيمن ظلمن انسانا حرا يسخره إلى مكان بعيد فتلف هنا لك
فإنه لا يضمنه الظالم له، ولا فرق هاهنا بين ظلم صغير أو كبير وقد قلنا: إنه لا دية
الا على قاتل والمستعين الظالم لم يتلف المستعان في ذلك العمل فان المستعين له لا يسمى
قاتلا له ولا مباشر قتله فلا ضمان عليه أصلا صغيرا كان أو كبيرا الا أن يباشر أو
يأمر باكراهه وادخاله البئر أو تطليعه في مهواة فيطلع كرها لا اختيار له في ذلك فهذا
قاتل عمد عليه القود فظهر امر الصغير وبالله تعالى التوفيق * (واما العبد) يسخره غير
سيده فإن كان لم يكرهه لكن استعانه برغبة فاعانه فتلف فإنه أيضا لم يباشر اتلافه

(1) في النسخة رقم 14 وترك اذنهم سواء
17

ولا ضمه بغصب فلا غرامة فيه أصلا ولكن عليه إجارة مثله لأنه انتفع به في ذلك
العمل وهو مال غيره فلا يحل له الانتفاع بمال غيره إلا بأذن رب المال قال الله
تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم
وأموالكم عليكم حرام "، فان غصب العبد فاستعمله أو أكرهه بالتهديد فقد غصب
أيضا وقد ضمن مغتصبه كل ما أصابه عنده من أي شئ كان وان مات حتف أنفه
من غير ما سخره فيه أو مما سخره فيه وعليه مع ذلك أجرة مثله لأنه مال تعدى عليه
هذا المكره فلزمه رده إلى صاحبه ولابد أو مثله ان فات لأنه متعد والله تعالى يقول:
(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وإن كان باذن أهله فلا
شئ في ذلك لأنه لم يتعد بخلاف الصغير الذي لا اذن لهم فيه إلا فيما هو حظ للصبي
فقط والا في غيره سواء وبالله تعالى التوفيق *
مسألة: 2115 في قول الله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)
روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا سفيان الثوري عن خصيف عن مجاهد
عن ابن عباس في قول الله تعالى: (انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض
فكأنما قتل الناس جميعا) قال من أوبقها (1) (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)
قال من كف عن قتلها * وبه إلى سفيان عن منصور عن مجاهد: (ومن أحياها فكأنما
أحيا الناس جميعا) قال: من أبحاها من غرق أو حرق فقد أحياها * وبه إلى وكيع
نا العلاء بن عبد الكريم قال: سمعت مجاهدا يقول: (ومن أحياها فكأنما أحيا
الناس جميعا) قال: من كف عن قتلها فقد أحياها * قال علي: هذا ليس في تفسيره
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ فيسلم له، والرواية عن ابن عباس فيها خصيف
وليس بالقوي *
قال أبو محمد: وهذا حكم إنما كتبه الله تعالى على بني إسرائيل ولم يكتبه علينا
قال الله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس
أو فساد في الأرض) الآية، قال علي: فهذا أمر قد كفيناه ولله الحمد إذ لو كتبه الله
تعالى علينا لاعلمنا بذلك فله الحمد كثيرا وهذا والله أعلم إذ كتبه الله على بني إسرائيل
فهو من الاصر الذي حمله على من قبلنا وأمرنا تعالى ان ندعوه في أن لا يحمله علينا
إذ يقول تعالى: (ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا) فإذ لم يكتبه الله
تعالى علينا فلم نكلف معرفة كيفية الا ان الذي كتب الله تعالى علينا هو تحريم القتل

(1) سقط لفظ " قال من اوبقها " من النسخة رقم 14 وكذلك وجد في النسخة اليمنية
18

والوعيد الشديد فيه ففرض علينا اجتنابه واعتقاد انه من أكبر الكبائر بعد الشرك
وهو مع ترك الصلاة أو بعده، ومما كتبه الله تعالى أيضا علينا استنقاذ كل متورط من الموت
اما بيد ظالم كافر أو مؤمن متعد أو حية أو سبع أو نار أو سيل أو هدم أو حيوان أو من علة
صعبة نقدر على معاناته منها أو من اي وجه كان فوعدنا على ذلك الاجر الجزيل (1)
الذي لا يضيعه ربنا تعالى الحافظ علينا صالح أعمالنا وسيئه، ففرض علينا ان نأتي
من كل ذلك ما افترضه الله تعالى علينا. وان نعلم أنه قد أحصى اجرنا على ذلك من
يجازي على مثقال الذرة من الخير والشر نسأل الله تعالى التوفيق لما يرضيه بمنه أمين
وبالله تعالى نعتصم *
مسألة 2116: من شق نهرا فغرق ناسا أو طرح نارا أو هدم بناء فقتل
قال علي: من شق نهرا فغرق قوما فإن كان فعل ذلك (2) عامدا ليغرقهم فعليه القود
والديات من قتل جماعة وإن كان شقه (3) لمنفعة أو لغير منفعة وهولا يدري انه لا يصيب
به أحدا فما هلك به فهو قاتل خطأ والديات على عاقلته والكفارة عليه لكل نفس كفارة
ويضمن في كل ذلك ما اتلف من المال وهكذا القول فيمن القى نارا أو هدم بناءا ولا فرق،
وان عمد احراق قوم أو قتلهم بالهدم فعليه القود وان لم يعمد ذلك فهو قاتل خطا
ولو ساق ماء فمر على حائط فهدم الماء الحائط فقتل فكما قلنا أيضا سواء سواء ولا فرق
لان كل من ذكرنا مباشر لاتلاف ما تلف فان مات أحد بذلك بعد موت الجاني
أو تلف به مال بعد موته فلا ضمان في ذلك لان الجناية حدثت بعده ولا جناية على
ميت، ولو أن انسانا رمى حجرا أو سهما ثم مات اثر خروج السهم أو الحجر فأصاب
الحجر أو السهم انسانا عمده أو لم يعمده فلا ضمان عليه ولا على عاقلته لان الجناية لم
تكن الا وهو ممن لا فعل له بخلاف ما خرج خطأ ثم مات لان الجناية قد وقعت وهو
حي فلو جن أثر رمي السهم أو الحجر فكموته ولا فرق، وكذلك لو أغمي عليه، واما النائم
فبخلاف المغمى عليه والمجنون لأنه مخاطب وهما غير مخاطبين الا انه لا عمد له فلو
ان نائما انقلب في نومه على انسان فقتله فالدية على عاقلته والكفارة عليه في ماله لأنه
مخاطب وبالله تعالى التوفيق *
2117 - مسألة - قال علي: وأما من أوقد نارا ليصطلي أو ليطبخ شيئا أو
أوقد سراجا ثم نام فاشتعلت تلك النار فأتلفت أمتعة وناسا فلا شئ عليه في ذلك أصلا،
وقد جاءت في هذا آثار كما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة قال:
سألت الحكم بن عتيبة. وحماد بن أبي سليمان عن رجل رمى نارا في دار قوم فاحترقوا

(1) في النسخة رقم 14 الاجر الآجل
(2) في النسخة رقم 45 يفعل ذلك
(3) في النسخة رقم 14 فسقه
19

قالا جميعا: ليس عليه قود ولا يقتل * وبه إلى وكيع عن عبد العزيز بن حصين عن يحيى بن يحيى
الغساني قال: احرق رجل تبنا في فراح له فخرجت شررة من نار فأحرقت شيئا لجاره
فكتبت إلى فيه عمر بن عبد العزيز فكتب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العجماء جرحها جبار
وأرى ان النار جبار * قال علي: صدق رضي الله عنه النار عجماء فهي جبار *
قال علي: فنظرنا هل روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ فوجدنا ما ناه أحمد بن محمد
ابن عبد الله الطلمنكي قال نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الرقي الصموت نا أحمد بن عمرو بن
عبد الخالق البزار نا سلمة بن شبيب. وأحمد بن منصور نا عبد الرزاق نا معمر عن همام بن
منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " النار جبار " * نا عبد الله بن ربيع نا عمر
ابن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا جعفر بن مسافر نا زيد بن المبارك نا عبد الملك
الصنعاني عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" النار جبار " *
قال علي: وهذا خبر صحيح تقوم به الحجة ولا يحل خلافه فوجب بهذا أن كل
ما تلف بالنار فهو هدر الا نارا أتفق الجميع على تضمين طارحها وليس ذلك إلا ما تعمد
الانسان طرحها للافساد والاتلاف فهذا مباشر متعد فعليه القود فيما عمد قتله والدية على
العاقلة في الخطأ، وأما نار أوقدها غير متعد فهي جبار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهذا عموم لا يجوز تخصيصه (1) الا ما خصه نص أو اجماع، ولا اجماع إلا فيما ذكرنا
من القصد وبالله تعالى التوفيق *
- 2118 - مسألة - ما جاء في الرجل * قال علي: جاء في الرجل أثر نذكره ونذكر
ما قيل فيه إن شاء الله تعالى * نا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب
الصموت نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا عبد الله بن عبد الله بن أسد الباهلي نا عباد بن
العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرجل جبار " * نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر
نا أبو داود نا عثمان بن أبي شيبة نا محمد بن يزيد نا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن
المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرجل جبار " قال أبو محمد: وجاء هذا
أيضا عن بعض السف كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق النصري نا عيسى بن
حبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا جدي محمد بن عبد الله بن
يزيد نا سفيان بن عيينة نا أبو فروة - هو عروة بن الحارث - عن الشعبي قال: الرجل جبار *
قال علي: فقال قوم: سفيان بن حسين ضعيف في الزهري، قال علي: وما ندري وجه هذا
20

وسفيان بن حسين ثقة فمن ادعى عليه خطأ فليبينه وإلا فروايته حجة، وهذا اسناد
مستقيم لاتصال الثقات فيه *
قال أبو محمد: فاختلف الناس في هذا الخبر فقالت طائفة: معنى الرجل جبار إنما هو ما أصابت
الدابة برجلها، وقال آخرون: هو ما أصيب بالرجل عن غير قصد في الطواف وغيره *
قال علي: وكلا التفسيرين حق لأنهما موافقان للفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يخص
أحدهما دون الآخر لأنه تخصيص بلا برهان (ودعوى) (1) بلا دليل فصح أن
كل ما جنى برجل من انسان أو حيوان فهو هدر لا غرامة فيه ولا قود ولا كفارة
الا ما صح الاجماع به بأنه محكوم فيه بالقود كالتعمد لذلك وبالله تعالى التوفيق *
1119 مسألة: الجاني يستقاد منه فيموت أحدهما، قال علي: اختلف
الناس في هذا فقالت طائفة: إذا مات المستقيد فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج قلت لعطاء: رجل استقاد من رجل قبل أن يبرأ ثم مات المستقيد من الذي
أصابه قال أرى: أن يودى قلت: فمات المستقاد منه قال: أرى أن يودى قال ابن
جريج: قال عمرو بن دينار: أظن أنه سيؤدي * وعن عبد الرزاق عن معمر عن
ابن طاوس عن أبيه قال: لو أن رجلا استقاد من آخر ثم مات المستقاد منه غرم
ديته * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر. وابن جريج عن ابن شهاب قال: السنة
أن يودى - يعني المستقاد منه - * وبه إلى معمر عن الزهري في رجل أشل أصبع
رجل قال يستقيد منه فان شلت إصبعه والا غرم له الدية * وعن عبد الرزاق عن
هشيم عن أبي إسحاق الشيباني أو غيره شك عبد الرزاق في ذلك عن الشعبي في رجل
جرح رجلا فاقتص منه ثم هلك المستقاد قال: عقله على المستقاد منه ويطرح عنه دية
جرحه من ذلك فما فضل فهو عليه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن شبرمة
عن الحارث العقيلي في الذي يستقاد منه ثم يموت قال: يغرم ديته لان النفس خطأ،
وعن إبراهيم النخعي عن علقمة أنه قال في المقتص منه أيهما مات ودى * ومن
طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: استأذنت
زياد بن جرير في الحج فسألني عن رجل شج رجلا فاقتص له منه فمات المقتص منه
فقلت عليه الدية ويرفع عنه بقدر الشجة ثم نسيت ذلك فجاء إبراهيم فسألته فقال عليه
الدية قال شعبة: فسالت الحكم وحمادا عن ذلك فقالا جميعا: عليه الدية، وقال حماد
ويرفع عنه بقدر الشجة، وقال أبو حنيفة. وسفيان الثوري. وابن أبي ليلى: إذا اقتص
من يد أو شجة فمات المقتص منه فديته على عاقلة المقتص له، وقد روى ذلك عن
21

ابن مسعود وعن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود *
قال أبو محمد: الذي يقتص منه ديته غير أنه يطرح عنه دية جرحه، وقال
آخرون: لا شئ في هلاك المتقص منه كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله
ابن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سعيد بن أبي
عروبة عن قتادة عن ابن المسيب قال قال عمر بن الخطاب في الرجل يموت في القصاص
قتله كتاب الله تعالى أو حق لا دية له * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن
سلمة نا قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب. وعمر بن الخطاب قالا
جميعا: من مات في قصاص أو حد فلا دية له * وبه إلى قتادة عن الحسن من مات في
قصاص أوحد فلا دية له * ومن طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا
مسعر بن كدام. وسفيان عن أبي حصين عن عمير بن سعد قال قال علي بن أبي طالب:
ما كنت لاقيم على رجل حدا فيموت فأجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر لو
مات وديته * وعن الحسن البصري عن الأحنف بن قيس عن عمر بن الخطاب.
وعلي بن أبي طالب قالا جميعا في المتقص منه يموت قالا جميعا: قتله الحق ولا دية
له * وعن سعيد بن المسيب مثل ذلك قتله الحق لا دية له، وعن أبي سعيد أن
أبا بكر. وعمر قالا: من قتله حد فلا عقل له، قال ابن وهب: وأخبرني الليث بن
سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: من استقيد منه بمثل ما دخل على الناس
منه فقتله القود فليس له عقل ولو أن كل من استقيد منه من حق قبله للناس فمات
منه أغرمه المستقيد رفض الناس حقوقهم قال ابن وهب قال يونس قال ربيعة: ان
مات الأول وهو المقتص قتل به الجارح المقتص منه وان مات الآخر وهو المقتص
منه فبحق أخذ منه كان منه التلف وبه يقول مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة. والشافعي.
وأبو يوسف. ومحمد بن الحسن. وأبو سليمان *
قال أبو محمد: فهذه ثلاثة أقوال، أحدها أنه ان مات المقتص ودى وان
مات المقتص منه ودى ورفع عنه قدر جنايته وهو قول روى عن ابن مسعود كما
أوردنا عن إبراهيم النخعي. والشعبي. وحماد بن أبي سليمان وبه يقول عثمان البتي.
وابن أبي ليلى، وقول آخر أنه يودى ولا يرفع عنه لجنايته شئ وهو قول عطاء. وطاوس
وروى أيضا عن الحكم بن عتيبة وهو قول الزهري. وعن عمرو بن دينار. وأبي
حنيفة. وسفيان الثوري، وقول ثالث انه لا دية للمقتص منه، وروي عن أبي بكر.
وعمر رضي الله عنهما وصح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو قول الحسن.
22

وابن سيرين. والقاسم. وسالم. وسعيد بن المسيب. ويحيى بن سعيد الأنصاري.
وربيعة وهو قول مالك. والشافعي. وأبي يوسف. ومحمد بن الحسن. وأبي سليمان *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق
فنتبعه بعون الله تعالى فوجدنا من قال: انه يودي جملة فاما يرفع عنه بقدر جنايته
وأما لا يرفع عنه بقدر جنايته يقولون: إن الله تعالى إنما أوجب على القاطع والجارح
والكاسر والفاقئ والضارب القود مما فعلوا فقط ولم يوجب عليهم قتلا فدماؤهم
محرمة ولا خلاف في أن المقتص من شئ من هذا لو تعمد القتل للزمه القود فإذ
هو كذلك فمات المقتص منه مما فعل به بحق فقد أصيب دمه خطأ ففيه الدية، وقالوا
أيضا: ان من أدب امرأته فماتت ففيها الدية وهو إنما فعل مباحا فهذا المقتص منه
وان مات من مباح ففيه الدية *
قال علي: ما نعلم لهم حجة غير هاتين فنظرنا في قول من أسقط الدية في ذلك فكان
من حجتهم ان قالوا: ان القصاص مأمور به ومن فعل ما أمر به فقد أحسن وإذ أحسن فقد قال
الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) وإذ لا سبيل عليه فلا غرامة تلحقه ولا على
عاقلته من أهله، وأما قياس المقتص على موت امرأته فالقياس باطل ثم لو صح لكان
هذا منه عين الباطل لوجهين، أحدهما أنه قياس مموه وذلك من أدب امرأته فلا يخلو
من أن يكون متعديا وضع الأدب في غير موضعه أو غير متعد فإن كان متعديا ففيه
القود وإن كان وضع الأدب موضعه فلا سبيل إلى أن يموت من ذلك الأدب الذي
أبيح له إذ لم يبح له قط أن يؤدبها أدبا يمات من مثله ومن أدب هذا النوع من الأدب
فهو ظالم متعد و القول عليه في النفس فما دونها لأنه لا يجوز لاحد أن يجلد في غير
حد أكثر من عشر جلدات على ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق البخاري
نا عبد الله بن يوسف نا الليث بن سعد حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد
الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر عن عبد الله عن أبي
بردة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله
تعالى " قالوا: فلم يبح له في العدد أكثر من عشر جلدات ولا أبيح له جلدها بما يكسر
عظما ويجرح جلدا أو يعفن لحما لان كل هذا هو غير الجلد ولم يبح له إلا الجلد وحده،
وبيقين يدري كل ذي حس سليم ان عشر جلدات لامرأة صحيحة غير مريضة ولا
ضعيفة ولا صغيرة لا تجرح ولا تكسر وانه لا يموت منها أحد فان وافقت منية
في خلال ذلك أو بعده فبأجلها ماتت ولا دية في ذلك ولا قود لأننا على يقين من
23

أنها لم تمت من فعله أصلا وان تعدى في العدد أو ضرب بما يكسر أو يجرح أو يعفن
فعفن أو جرح أو كسر فالقود في كل ذلك في العمد في النفس فما دونها والدية فيما
لم يعمده وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وأما قولهم: ان المقتص منه إنما أبيح عضوه أو بشرته ولم يبح
دمه فصح أنه ان مات من ذلك فإنه مقتول خطأ ففيه الدية فان هذا قول (1) غير
صحيح لان القصاص الذي أمر الله تعالى بأخذه لا يخلو من أحد وجهين اما أن
يكون مما يمات من مثله كقطع اليد أو شق الرأس أو كسر الفخذ أو غير ذلك أو
يكون مما لا يمات من مثله كاللطمة وضربة (2) السوط ونحو ذلك، فإن كان مما يمات من
مثله فذلك الذي قصد فيه لأنه قد تعدى بما قد يمات من مثله فوجب أن يتعدى عليه
بما قد يمات من مثله فان مات فعلى ذلك بنى فيه وعلى ذلك بني هو فيما تعدى فيه
والوجه الذي مات منه أمرنا الله تعالى أن نتعمده فيه فإذ ذلك كذلك فليس عدوانا،
وإذ ليس عدوانا عليه فلا قود ولا دية لأنه لم يقتل خطأ فان مات من عمد أمرنا الله
تعالى أن نتعمده فيه ولم يكلفنا أن لا يموت من ذلك، ولو أن الله تعالى أراد ذلك
لما أهمله ولا أغفله ولا ضيعه فإذ لم يبين لنا تعالى ذلك فبيقين ندري أنه تعالى لم يرده
قط وإن كان الذي اقتص به منه مما لا يمات منه أصلا فوافق منيته فإنما مات بأجله
ولم يمت مما عمل به فلا قود ولادية فان تعمد المقتص فتعدى على المقتص منه ما لم
يبح له فهو متعد وعليه القود في النفس فما دونها وان أخطأ فأتى بما لم يبح له عمله فهو
خطأ الدية على عاقلته وعليه الكفارة في النفس وبالله تعالى التوفيق *
2120 مسألة: من أفزعه السلطان فتلف قال علي: روينا من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن مطر الوراق وغيره عن الحسن قال: أرسل عمر إلى امرأة
مغنية كان يدخل عليها فأنكر ذلك فقيل لها أجيبي عمر فقالت: يا ويلها مالها ولعمر
قال فبينما هي في الطريق فزعت فضمها الطلق فدخلت دارا فألقت ولدها فصاح الصبي
صيحتين فمات فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشار عليه بعضهم ان ليس عليك
شئ إنما أنت وال ومؤدب قال: وصمت علي فاقبل عليه عمر فقال: ما تقول؟ فقال إن
كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم وان كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك أرى
أن ديته عليك لأنك أنت فزعتها وألقت ولدها في سبيلك فامر عليا أن يقسم عقله
على قريش يعني يأخذ عقله من قريش لأنه أخطأ *

(1) في النسخة رقم 45 " الدية فهذا قول "
(2) في النسخة رقم 14 وضرب
24

قال أبو محمد: فالصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا فالواجب الرجوع إلى
ما أمر الله تعالى به بالرجوع إليه عند التنازع إذ يقول تعالى (1): (فان تنازعتم في
شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية فوجدنا الله تعالى يقول: (كونوا قوامين
بالقسط) * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف) الآية،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع فإن لم يستطع
فبلسانه " فصح أن فرضا على كل مسلم قدر على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن المحال أن يفترض الله تعالى على
الأئمة أو غيرهم أمرا ان لم يعلموه عصوا الله تعالى ثم يؤاخذهم في ذلك ووجدنا هذه
المبعوث فيه بعث فيها بحق ولم يباشر الباعث فيها شيئا أصلا فلا شئ عليه وإنما كان يكون
عليه دية ولدها لو باشر ضربها أو نطحها، وأما إذا لم يباشر فلم يجن شيئا أصلا ولا فرق
بين هذا وبين من رمى حجرا إلى العدو ففزع من هويه انسان فمات فهذا لا شئ عليه
وكذلك من بنى حائطا فانهدم ففزع انسان فمات وبالله تعالى التوفيق *
2121 مسألة: من سم طعاما لانسان ثم دعاه إلى أكله فأكله فمات،
قال علي: ذهب قوم إلى أن من سم طعاما وقدمه إلى انسان وقال له: كل فأكل فمات
فان عليه القود وهو قول مالك، وقال آخرون: ليس عليه القود لكن على عاقلته
الدية، وقال آخرون: لا قود فيه ولا دية ولا كفارة وإنما عليه ضمان الطعام الذي
أفسد إن كان لغيره والأدب الا أن يوجره إياه فعليه القود وهو قول أصحابنا، ولم
يختلف قول الشافعي في إيجاره إياه وهو يدري انه يقتل أن فيه القود وله فيه إذا لم
يوجره إياه قولان، أحدهما كقول مالك، والاخر كقول أصحابنا * قال علي: فلما
اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك [لعل] (1) في ذلك سنة جرت؟ فوجدنا
ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا مخلد بن خالد
نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن أم مبشر
قالت للنبي (2) صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه مانتهم بك يا رسول الله فاني لا أتهم
بابني إلا الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا لا أتهم بنفسي
إلا ذلك فهذا أو ان قطع أبهري " قال أبو داود، وربما حدث عبد الرزاق بهذا الحديث
مرسلا عن معمر عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما حدث به عن الزهري عن عبد الرحمن

(1) في النسخة رقم 14 فقال تعالى (1) في النسخة رقم 45 جاءت النبي صلى الله عليه وسلم
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
25

ابن كعب وذكر عبد الرزاق أن معمرا كان يحدثهم بالحديث مرة مرسلا فيكتبونه ويحدثهم
مرة فيسنده فيكتونه، فلما قدم عليه ابن المبارك أسند له معمر أحاديث كان يوقفها *
وبه إلى أبي داود نا أحمد بن حنبل نا إبراهيم بن خالد نا رباح عن معمر عن الزهري عن
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أمه أم مبشر قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر
معنى حديث مخلد بن خالد قال ابن الاعرابي: هكذا قال عن أمه وإنما الصواب عن أبيه * وبه
إلى أبي داود نا سليمان بن داود المهري نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: كان
جابر بن عبد الله يحدث " أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة ثم ساق القصة بطولها وفيها ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لها: أسممت هذه الشاة؟ قالت: نعم فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها،
وتوفى بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة " * به إلى أبي داود نا هارون بن عبد الله نا سعيد
ابن سليمان نا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب. وأبي
سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة " ان امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة " * وبه إلى أبي داود نا يحيى بن حبيب بن عدي نا خالد بن الحارث
نا شعبة نا هشام بن زيد عن انس بن مالك " ان امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة
مسمومة فأكل منها فجئ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت
لأقتلك قال: ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال علي فقالوا: ألا تقتلها؟ قال: لا قال
أنس فما زلت أعرفها في لهواة رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: فجاءت هذه الآثار الصحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمت له اليهودية
لعنها الله شاة واهدتها له مريدة بذلك قتله فاكل منها عليه السلام وقوم من أصحابه (1) فماتوا
من ذلك، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تقتلها؟ قال: لا فكانت هذه حجة قاطعة وأن لا قود
على من سم طعاما لا حد مريدا قتله فاطعمه إياه [فمات منه] (2) ولا دية عليه ولا على عاقلته ولا
شئ، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبطل دم رجل من أصحابه قد وجب فيه قود أو دية فنظرنا
هل للطائفة الأخرى اعتراض أم لا فوجدنا ما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك
نا محمد بن بكر نا أبو داود نا وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة " قال أبو داود: ونا وهب
ابن بقية. في موضع آخر عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة لم يذكر أبا هريرة
قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة زاد فأهدت له يهودية
بخيبر شاة مصلية سمتها فاكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها واكل القوم فقال: ارفعوا أيديكم فإنها

(1) في النسخة رقم 45 من الصحابة
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
26

أخبرتني انها مسمومة فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فأرسل إلى اليهودية ما حملك
على الذي صنعت؟ قالت: ان كنت نبيا لم يضرك وان كنت ملكا أرحت الناس معك فامر
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ثم قال في وجعه الذي مات منه فما زلت أجد من الاكلة التي أكلت
بخيبر فهذا أوان قطع أبهري " * وما حدثناه أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي
قاسم بن أصبغ نا محمد بن إبراهيم بن نعمان لقيته بقيروان إفريقية ثنا إبراهيم بن موسى
البزاز أو البزار شك قاسم بن أصبغ نا أبو همام نا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها " يعني التي سمته *
قال أبو محمد: فنظرنا في هذه الرواية (2) فوجدناها معلولة، أما رواية وهب
ابن بقية فإنها مرسلة ولم يسند منها وهب في المرة التي أسند الا انه صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا
يأكل الصدقة فقط، وأما سائر الخبر فإنه أرسله ولا مزيد هكذا في نص الخبر الذي أوردنا
لما انتهى إلى آخر لفظه " ولا يأكل الصدقة " قال: وزاد فأتى بخبر الشاة مرسلا فقط ولا حجة
في مرسل، وأما رواية قاسم فإنها عن رجال مجهولين ابن نعمان القيرواني لا نعرفه. وإبراهيم
ابن موسى البزاز كذلك. وأبو همام كثير لا ندري أيهم هو، وسعيد بن سليمان يروي من
طريق عباد بن العوام مسندا إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرض لليهودية التي سمته
وهذا القيرواني يروي من طريق عباد بن العوام أنه عليه الصلاة والسلام قتلها فسقطت
هذه الرواية جملة لجهالة ناقليها، ثم لو صحت لما كان فيها حجة لأنها عن أبي هريرة كما أوردنا،
وقد صح عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم لم يعرض لها، وكانت الرواية لو صحت وهي لا تصح
مضطربة عن أبي هريرة مرة انه قتلها ومرة انه لم يعرض لها فلو صحت الرواية عن
أبي هريرة في أنه عليه الصلاة والسلام قتلها كما قد صح عن أبي هريرة انه عليه الصلاة
والسلام لم يعرض لها لكان الكلام في ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها، اما
أن تترك الروايتان معا لتعارضهما ولان إحداهما وهم بلا شك لأنها قصة واحدة في امرأة
واحدة في سبب واحد، ويرجع إلى رواية من لم يضطرب عنه وهما جابر. وأنس اللذان
اتفقا على أنه عليه الصلاة والسلام لم يقتلها فهذا وجه، والوجه الثاني وهو ان تصح
الروايتان معا فيكون عليه الصلاة والسلام لم يقتلها إذ سمته من أجل انها سمته فتصح
هذه عن أبي هريرة وتكون موافقة لرواية جابر. وأنس بن مالك ويكون عليه الصلاة
والسلام قتلها لأمر آخر والله أعلم به، أو يكون الحكم على وجه ثالث وهو أصح الوجوه
وهو ان قول أبي هريرة رضي الله عنه قتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله لم يعرض لها رسول

(1) في النسخة رقم 45 من هذه المسألة وهو تحريف
27

الله صلى الله عليه وسلم انهما جميعا لفظ أبي هريرة لا يبعد الوهم عن الصاحب، وحديث أنس هو لفظ
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يقره ربه تعالى على
الوهم ولا على الخطا في الدين أصلا، وهذا ان انسانا ذكر أنه قبل له يا رسول الله ألا تقتلها؟
فقال: لا فهذا هو المغلب المحكوم به الذي لا يحل خلافه فصح ان من أطعم آخر سما
فمات منه أنه لا قود عليه ولا دية عليه ولا على عاقلته لأنه لم يباشر فيه شيئا أصلا بل الميت
هو المباشر في نفسه، ولا فرق بين هذا وبين من غر آخر يوري له طريقا (1) أو دعاه إلى
مكان فيه أسد فقتله، وقد صح الخبران رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب على الذي سمته وأصحابه
فمات من ذلك السم بعضهم قودا ولا دية فبطل النظر مع هذا النص، ووجه آخر وهو انه
لا يطلق على من سم طعاما لآخر فاكله ذلك المقصود فمات انه قتله إلا مجازا لا حقيقة، ولا
يعرف في لغة العرب انه قاتل وإنما يستعمل هذا العوام وليس الحجة الا في اللغة وفي الشريعة
وبالله تعالى التوفيق *
(وأما إذا أكرهه وأوجره (2) السم) أو أمر من يوجره فهو قاتل بلا شك ومباشر
لقتله ويسمى قاتلا في اللغة وفي الأثر كما نا حمام حدثنا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك
ابن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار
جهنم خالدا فيها مخلدا أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم
خالدا فيها مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردي في نار جهنم خالدا
فيها مخلدا أبدا " * قال علي: فقد سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب السم ليموت به قاتلا
لنفسه فوجب أن يكون عليه القود وظهر خطأ من أسقط ههنا الوقود وبالله تعالى التوفيق *
2122 مسألة أحكام الجنين * قال علي: في الجنين أحكام وهي ما في الجنين من
الغرامة وما في صفة الجنين (3) وحكمه قبل نفخ الروح فيه أو بعد نفخه فيه والمرأة تولد على
نفسها الاسقاط وإن كان الجنين أكثر من واحد وان خرج حيا ثم مات والمجني عليها تلقى
الجنين بعد موتها وامرأة داوت بطن حامل فألقت جنينا وهل في الجنين كفارة أم لا
وجنين الأمة وجنين الكتابية خرج بعض الجنين ولم يخرج كله. وجنين الدابة، ونحن
إن شاء الله تعالى ذاكرون كل ذلك بابا بابا، وبالله تعالى التوفيق *
2123 مسألة الحامل تقتل * قال علي: ان قتلت حامل بينة الحمل فسواء طرحت
* (هامش) (1) في النسخة رقم 45 " فأراه طريقا " (2) هو من الوجور - بفتح الواو وزان رسول -
الدواة يصب في الحلق (3) في النسخة رقم 14 وما صفة الجنين (*)
28

جنينها ميتا أو لم تطرحه فيه غرة ولا بد لما ذكرنا من أنه جنين أهلك، وهذا قد اختلف
الناس فيه كما نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد
نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري انه كان يقول: إذا قتلت المرأة وهي
حامل قال: ليس في فجنينها شئ حتى تقذفه وبهذا يقول مالك * قال علي: لم يشترط رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الجنين القاءه ولكنه قال عليه الصلاة والسلام في الجنين غرة عبد أو أمة كيف
ما أصيب القى أو لم يلق ففيه الغرة المذكورة، وإذا قتلت الحامل فقد تلف جنينها بلا
شك وبالله تعالى التوفيق *
2124 مسألة هل في الجنين كفارة أم لا؟ قال علي: نا حمام نا ابن مفرج
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريح قال قلت لعطاء: ما على من قتل من
لم يستهل؟ قال: أرى أن يعتق أو يصوم * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في
رجل ضرب امرأته فأسقطت قال: يغرم غرة وعليه عتق رقبة ولا يرث من تلك الغرة
شيئا هي لوارث الصبي غيره * وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم
النخعي قال في المرأة تشرب الدواء أو تستدخل الشئ فيسقط ولدها قال: تكفر وعليها غرة *
قال أبو محمد: فطلبنا هل لأهل هذا القول حجة أم لا فوجدناهم يذكرون ما روينا
بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن عمر بن ذر قال: سمعت مجاهدا يقول: مسحت امرأة
بطن امرأة حامل فأسقطت جنينا فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمرها أن تكفر بعتق
رقبة يعني التي مسحت *
قال علي: هذه رواية عن عمر رضي الله عنه ولا يعرف له في هذا مخالف من الصحابة
رضي الله عنهم، وعهدنا بالحنيفيين. والمالكيين والشافعيين يعظمون خلاف الصاحب
إذا وافق تقليدهم، وهذا حكم امام - وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه - بحضرة الصحابة
لا يعرف انه أنكره أحد منهم وهم إذا وجدوا مثل هذا طاروا به وشنعوا على خصومهم
مخالفته وهم كما ترى قد استسهلوا خلافه ههنا وقد جعلوا حكما مأثورا عن عمر في تنجيم
الدية في ثلاث سنين لا يصح عنه أصلا حجة ينكرون خلافها وجعلوا حكمه بالعاقلة
على الدواوين حجة ينكرون خلافها ولم يجعلوا ايجابه ههنا الكفارة على التي مسحت
بطن حامل فألقت جنينا ميتا بعتق رقبة حجة ههنا يقولون بها وهذا تحكم في الدين
لا يستحله ذو ورع وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: أما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم
وان لم يأت بايجاب الكفارة في ذلك نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على العموم فلا
29

يجوز أن يطلق على العموم القول بها لكنا نقول وبالله تعالى التوفيق: ان الله تعالى
يقول: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقية مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى: (خلقت عبادي كلهم حنفاء) وقال تعالى (فأقم وجهك
للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل مولود
يولد على هذه الملة " وقد ذكرناه قبل باسناده فكل مولود فهو على الفطرة وعلى ملة
الاسلام، فصح ان من ضرب حاملا فأسقطت جنينا فإن كان قبل الأربعة الأشهر قبل
تمامها فلا كفارة في ذلك لكن الغرة واجبة فقط لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بذلك
ولم يقتل أحدا لكن أسقطها جنينا فقط وإذ لم يقتل أحدا لا خطأ ولا عمدا فلا
كفارة في ذلك إذ لا كفارة الا في قتل الخطأ ولا يقتل الا ذو روح وهذا لم ينفخ
فيه الروح بعد وإن كان بعد تمام الأربعة الأشهر وتيقنت حركته بلا شك وشهد
بذلك أربع قوابل عدول فان فيه غرة عبدا أو أمة فقط لأنه جنين قتل فهذه هي ديته
والكفارة واجبة بعتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لأنه قتل مؤمنا
خطأ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الروح ينفخ فيه بعد مائة ليلة وعشرين ليلة، وقد
ذكرناه قبل وهذا نص القرآن، وقد وافقنا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فان
قال قائل: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب ها هنا كفارة قلنا: لم يأت لها ذكر في حديث
الجنين وليست السنن كلها مأخوذة من آية واحدة ولا من سورة واحدة ولا من حديث
واحد، وإذ أوجب الله تعالى في قتل المؤمن خطأ كفارة. وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه تعالى خلق عباده حنفاء كلهم فهو إذ خلق الله فيه الروح فهو مؤمن حنيف بنص
القرآن ففيه الكفارة، وهذه الآية زائدة شرع على ما في حديث الجنين، وأوامر الله
تعالى مقبولة كلها لا يحل رد شئ لشئ منها أصلا، ومن خالف هذا فقد عصى الله
تعالى فيما أمر به، فان قيل: فأوجبوا فيه حينئذ مائة من الإبل إذ هي الدية عندكم قلنا
وبالله تعالى التوفيق: لا يجوز هذا لان الله تعالى إنما قال فدية مسلمة إلى أهله ولم يبين
لنا تعالى في القرآن مقدار تلك الدية لكن وكل تعالى ذلك إلى بيان رسوله صلى الله عليه وسلم
ففعل عليه الصلاة والسلام فبين لنا صلى الله عليه وسلم ان دية من خرج إلى الدنيا
فقتل مائة من الإبل في الخبر الثابت إذ ودى بذلك عبد الله بن سهل رضي الله عنه،
وبين لنا عليه الصلاة والسلام ان دية الجنين بنص لفظه عليه الصلاة والسلام غرة
من العبيد أو الإماء وسماه دية كما أوردناه آنفا من طريق أبي هريرة رضي الله عنه
بأصح اسناد يكون فكانت الدية مختلفة لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك
30

لنا وكانت الكفارة واحدة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين أحكام
الكفارة في ذلك فلو أراد الله تعالى أن يكون حكم الكفارات في ذلك مختلفا لبين لنا
ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ لم يفعل ذلك فما أراد الله تعالى قط أن
يختلف حكم شئ من ذلك * وهذه أمور ضرورية لا يسع أحدا مخالفتها وإنما احتجنا إلى
شهادة القوابل ليثبت عندنا أنها قد تجاوزت أربعة أشهر مائة وعشرين ليلة تامة والا
فلو علمنا أنها قد تجاوزتها بما قل أو كثر لما احتجنا إلى شهادة أحد بالحركة لان أوثق
الشهود وأصدق الناس وأثبت العدول شهد عندنا أن الروح ينفخ فيه بعد المائة
وعشرين ليلة فما يحتاج بعد شهادته عليه الصلاة والسلام إلى شهادة أحد والحمد لله رب
العالمين (فان قال قائل): فما تقولون فيمن تعمدت قتل جنينها وقد تجاوزت مائة ليلة
وعشرين ليلة بيقين فقتلته أو تعمد أجنبي قتله في بطنها فقتله فمن قولنا: أن القود
واجب في ذلك ولابد ولا غرة في ذلك حينئذ إلا أن يعفى عنه فتجب الغرة فقط
لأنها دية ولا كفارة في ذلك لأنه عمد وإنما وجب القود لأنه قاتل نفس مؤمنة عمدا
فهو نفس بنفس وأهله بين خيرتين اما القود واما الدية أو المفادات كما حكم رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل مؤمنا وبالله تعالى التوفيق *
2125 - مسألة - المرأة تتعمد اسقاط ولدها * قال علي: نا عبد الله بن ربيع
نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد
ابن سلمة عن الحجاج عن عبدة الضبي أن امرأة كانت حبلى فذهبت تستدخل فألقت ولدها
فقال إبراهيم النخعي: عليها عتق رقبة ولزوجها عليها غرة عبد أو أمة * نا محمد بن سعيد
ابن نبات نا عبد العزيز بن نصر نا قاسم ابن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع
نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي أنه قال في امرأة شربت دواء
فأسقطت قال: تعتق رقبة وتعطى أباه غرة *
قال أبو محمد: هذا أثر في غاية الصحة، قال علي: إن كان لم ينفخ فيه الروح
فالغرة عليها وإن كان قد نفخ فيه الروح فان كانت لم تعمد قتله فالغرة أيضا على عاقلتها
والكفارة عليها وان كانت عمدت قتله فالقود عليها أو المفاداة في مالها، فان ماتت هي في
كل ذلك قبل القاء الجنين ثم ألقته فالغرة واجبة في كل ذلك في الخطأ على عاقلة الجاني
هي كانت أو غيرها وكذلك في العمد قبل أن ينفخ فيه الروح وأما إن كان قد نفخ فيه الروح
فالقود على الجاني إن كان غيرها وأما ان كانت هي فلا قود ولا غرة ولا شئ لأنه لا حكم
على ميت وما له قد صار لغيره وبالله تعالى التوفيق *
31

2126 مسألة فيمن ألقت جنينين فصاعدا، قال علي: حدثنا حمام
نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة
نا معن بن عيسى عن ابن أبي ذئب عن الزهري في امرأة ضربت فأسقطت ثلاثة اسقاط قال:
أرى ان في كل واحد منهم غرة كما أن في كل واحد منهم الدية * ومن طريق ابن وضاح
نا سحنون نا ابن وهب عن يونس بن يزيد ان ربيعة قال في امرأة ضربت فألقت جنينين انه
يدي كل واحد منهما بغرة عبد أو أمة، وقال الزهري: ان أسقطت ثلاثة ففي كل واحد منهم
غرة تبين خلقه أو لم يتبين انه حمل * وبه إلى ابن وهب أخبرني الليث بن سعد الأنصاري
أنه قال في الجنين إذا طرح ميتا غرة عبد أو وليدة فان كانا اثنين ففيهما غرتان *
قال علي: وبهذا نقول لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دية جنينها عبد أو أمة وكل جنين
ولو أنهم عشرة فهو جنين لها ففي كل جنين غرة عبد أو أمة فلو قتلوا بعد الحياة ففي
كل واحد دية وكفارة، وبالله تعالى التوفيق *
2127 - مسألة - من يرث الغرة؟ قال علي: اختلف الناس فيمن تجب له
الغرة الواجبة في الجنين * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ
نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي
في امرأة شربت دواء فأسقطت؟ قال: تعتق رقبة وتعطى أباه غرة * نا عبد الله بن ربيع
نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد
عن ابن شهاب انه سئل في رجل ضرب امرأته فأسقطت لمن دية السقط؟ قال: بلغنا في
السنة ان القاتل لا يرث من الدية شيئا فديته على فرائض الله تعالى ليس للذي قتله من ذلك
شئ وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة. وأبي حنيفة. ومالك. والشافعي * وقال آخرون:
غير ذلك كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن
معاوية نا وكيع نا محمد بن قيس عن الشعبي أنه قال في رجل ضرب امرأته حتى أسقطت
قال الشعبي: عليه غرة يرثها يديه، وبهذا القول يقول أبو سليمان. وجميع أصحابنا *
قال علي: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من ذلك
فنتبعه فنظرنا في قول من رأى أن الغرة موروثة كمال تركه الميت فوجدناهم يقولون إن
الغرة دية فهي كحكم الدية والدية قد صح انها موروثة على فرائض المواريث فالغرة
كذلك وقالوا: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد ما يجب في الجنين عما يجب في أمه فجعل في
الام دية. وجعل في الجنين غرة فصح ان حكم الغرة كحكم دية النفس لا كحكم دية
الأعضاء، وقالوا: قد صح الاتفاق على أن امرأ لو جنى عليه ما يوجب دية فمات فإنه
32

موروثة عنه فكذلك الجنين فيما وجب في الجناية له، وقالوا: لو كان واجبا أن تكون
للام لوجب إذا جنى عليها فماتت ثم ألقت جنينا أن لا يجب فيه شئ لان الميت لا يستحق
شيئا بعد موته *
قال أبو محمد: هذا كل ما احتجوا به لا نعلم لهم حجة غير هذا، وكل هذا
ليس لهم فيه حجة لما نذكره إن شاء الله تعالى، أما قولهم: ان الغرة دية فهي كحكم
الدية وقد صح أن الدية. موروثة على فرائض المواريث فالغرة كذلك فان هذا قياس
والقياس كله فاسد، ثم لو صح القياس يوما ما لكان هذا منه باطلا لان حكم القياس
عند القائلين به إنما يرونه فيما عدم فيه النص لا فيما فيه النص، وأما النص فإنما جاء
في الدية الموروثة فيمن قتل عمدا أو خطأ لا فيمن لم يقتل أحدا، والجنين الذي لم
ينفخ فيه الروح لم يقتل قط فقياس دية من لم يقتل على دية من قتل باطل لو كان
القياس حقا لأنه قياس الشئ على ضده فبطل هذا القياس وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وأما نحن فان القول عندنا وبالله تعالى نتأيد هو أن الجنين
ان تيقنا أنه قد تجاوز الحمل به مائة وعشرين ليلة فان الغرة موروثة لورثته الذين كانوا يرثونه
لو خرج حيا فمات على حكم المواريث وان لم يوقن أنه تجاوز الحمل به مائة ليلة وعشرين
ليلة فالغرة لامه فقط * برهاننا على ذلك ان الله تعالى قال: (ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل له
بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين " فذكر عليه الصلاة والسلام القود أو الدية
أو المفادات على ما ذكرنا قبل فصح بالقرآن والسنة أن دية القتيل في الخطأ والعمد
مسلمة لأهل القتيل والقتيل لا يكون إلا في حي نقله القتل عن الحياة إلى الموت بلا
خلاف من أهل اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجنين
بعد مائة ليلة وعشرين ليلة حي بنص خبر الرسول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وإذ هو
حي فهو قتيل قد قتل بلا شك وإذ هو قتيل بلا شك فالغرة التي هي ديته واجبة ان
تسلم إلى أهله بنص القرآن وقد اتفقت الأمة على أن الورثة الذين يسلم لهم الدية انهم
يقتسمونها على سنة المواريث بلا خلاف، و أما إذا لم يوقن أنه تجاوز مائة ليلة وعشرين
ليلة فنحن على يقين من أنه لم يحيا قط فإذا لم يحيا قط ولا كان له روح بعد ولا قتل وإنما هو
ماء أو علقة من دم أو مضغة من عضل أو عظام ولحكم فهو في كل ذلك بعض أمه فإذ
ليس حيا بلا شك فلم يقتل لأنه لا يقتل موات ولا ميت وإذ لم يقتل فليس قتيلا فليس
لديته حكم دية القتيل لان هذا قياس والقياس كله باطل ولو كان حقا لكان هذا
33

منه عين الباطل وإنما يقاس عند أهل القياس الشئ على نظيره لا على ضده ومن ليس
قتيلا فهو غير مشبه للقتيل فلا يجوز القياس ها هنا على أصول أصحاب القياس وإذ
ليس قتيلا فهو بعض ما أبعاضها ودم من دمها ولحم من لحمها وبعض حشوتها بلا
شك فهي المجني عليها فالغرة لها بلا شك فان ماتت ثم طرحت الجنين ولم يوقن انه
أتم عشرين ومائة ليلة فالجنين لورثة الام لأنه بنفس الجناية وجب لها فهي موروثة عنها *
قال أبو محمد: وان العجب ليكثر ممن يراعى في المولود الاستهلال فإن لم
يستهل لم يقد به ولا ورث منه ثم يورث منه الغرة وهو لم يحيا قط فكيف ان
يسهل، ونسألهم عن مولود ولد فرضع وتحرك ولم يستهل ثم قتل عمد أو خطأ
ماذا ترون فيه؟ أغرة أم دية؟ فان قالوا: غرة أتوا بطريقة لم يقلها أحد قبلهم وان
قالوا: بل دية أمة نقضوا أصولهم إذ جعلوا في قتل ميت دية كاملة أو قودا، فان قالوا:
ليس ميتا قلنا لهم: قوى العجب أن لا تورثوا حيا، وكل هذه أقوال ينقض بعضها
بعضا وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة. ومحمد بن
عبد الله بن نمير قال كل واحد منهما: نا وكيع. وأبو معاوية قالا جميعا: نا الأعمش عن
زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق
المصدوق قال: " يجمع أحدكم خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك
ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع
كلمات رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد " وذكر باقي الحديث * قال علي: وما لم
يوقن تمام المائة والعشرين ليلة بجميع أيامها فهو على ما تيقناه من موايتته ولا يجوز
ان نقطع له بانتقاله إلى الحياة عن الموايتة المتيقنة إلا بيقين وأما بالظنون فلا وبالله
تعالى التوفيق *
1128 مسألة: جنين الأمة من سيدها، قال علي: لا خلاف في أن
جنين الأمة من سيدها الحر مثل جنين الحرة ولا فرق، ثم اختلفوا في جنين الأمة من غير
سيدها الحر فقالت طائفة: فيه عشر قيمة أمه كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا حمد بن عبد
البصير. نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال في جنين الأمة عشر ثمن أمه *
وبه يقول مالك. والشافعي. وأبو ثور: وأصحابهم. وأحمد. وأصحابه. وإسحاق بن
راهويه، وقالت طائفة: فيه من ثمن أمه كقدر ما في جنين الحرة من دية أمه كما حدثنا
حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: جنين
34

الأمة في ثمن أمه بقدر جنين الحرة في دية أمه قال: فلو أعتق رجل جنين وليدته ثم قتلت الوليدة
قال: يعقل الوليدة ويعقل جنينها عبدا أيما كان تمام عتقه أن يولد ويستهل صارخا، وقالت
طائفة: فيه نصف عشر ثمن أمه كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن
أصبغ نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي. ويحيى بن سعيد القطان كلاهما عن سفيان
الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال في جنين الأمة: نصف عشر ثمن أمه وهو
قول ابن أبي ليلى. والحجاج بن أرطأة وهو أيضا قول قتادة، وقالت طائفة: فيه نصف
عشر قيمته (1) ان خرج ميتا فان خرج حيا فثمنه (2) كله وهو قول سفيان الثوري
رويناه من طريق عبد الرزاق وهو قول الحسن بن حي، وقال أبو حنيفة. ومحمد بن الحسن.
وزفر بن الهذيل إن كان جنين الأمة ذكرا ففيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كان
أنثى ففيها عشر قيمتها لو كانت حية، قال زفر: وعليه مع ذلك ما نقص أمه، وقال أبو يوسف:
لا شئ في جنين الأمة الا أن يكون نقص أمه ففيه ما نقصها، وقالت طائفة: فيه عشرة
دنانير كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر. وابن جريج
قال معمر عن الزهري. وقال ابن جريج عن إسماعيل بن أمية ثم اتفق الزهري. وإسماعيل
كلاهما عن سعيد بن المسيب قال في جنين الأمة عشر دنانير، وقالت طائفة فيه حكومة كما
حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز
نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن حماد بن اي سليمان قال: ينظر ما بلغ ثمن جنين
الحرة من جميع ثمنها فان كانت عشرا أعطيت الأمة عشرة، وان كانت خمسا وان كانت
سبعا وان كانت ثمنها يعني فكذلك، وقالت طائفة. في جنين الأمة غرة عبد أو أمة كما في
جنين الحرة ولا فرق كما روينا قبل عن ابن سيرين. وعروة. ومجاهد. وطاوس. وشريح
والشعبي فإنهم ذكروا الجنين وما فيه ولم يخصوا جنين حرة من أمة ولو كان عندهم في ذلك
فرق لبينوه، ومن ادعى انهم أرادوا الحرة خاصة فقد كذب عليهم وحكى عنهم ما لم
يقولوا ولا أخبروا به عن أنفسهم، ومن حمل قولهم على ما قالوه فبحق واجب يدخل
فيه جنين الأمة وغيره ولا فرق إذ هو مقتضى قولهم ليس فيه إلا ما ينقصها (3) فقط *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من
ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه فنظرنا في قول من رأى فيه عشر قيمة أمه فلم نجد لهم حجة إلا
أنهم قالوا: وجدنا الغرة المحكوم بها في جنين الهذلية قوم بخمسين دينارا وهو عشر دية أمه
فوجب أن يكون في جنين الأمة عشر قيمة دية أمه أيضا لان دية الأمة قيمتها حتى أن

(1) في النسخة رقم 14 ثمنه
(2) في النسخة رقم 14 قيمته
(3) في النسخة رقم 14 ما نقصها
35

مالكا حمله هذا القياس على أن جعل في جنين الدابة عشر قيمتها وفي بيضة النعامة على
المحرم عشر البدنة *
قال علي: فكان هذا الاحتجاج ساقطا لان تقويم الغرة بخمسين دينارا أو
بالدراهم خطأ لا يجوز لأنه لم يوجبه قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا صح عن صاحب، ثم
نظرنا في قول إبراهيم النخعي. وقتادة أن في جنين الأمة نصف عشر ثمن أمه فلم نجد لهم
متعلقا فسقط هذا القول لتعريه عن الأدلة ثم نظرنا في قول سفيان. والحسن بن حي فوجدناه
أيضا لا حجة لهم أصلا فسقط أيضا ثم نظرنا في قول أبي حنيفة: وزفر. ومحمد بن الحسن
فوجدناهم يقولون: لما كانت الغرة في جنين الحرة مقدرة بخمسين دينارا كان ذلك نصف
عشر ديته لو خرج حيا وكان ذكرا أو عشر ديتها لو كانت أنثى وخرجت حية
فوجب في جنين الأمة مثل ذلك أيضا لأنه لو خرج حيا فقتل لكانت فيه القيمة *
قال أبو محمد: هذا كل ما موهوا به وهذا كله (1) باطل على ما نذكر إن شاء الله
تعالى فنقول وبالله تعالى التوفيق: ان قولهم لما كان ثمن الغرة في جنين الحرة خمسين
دينارا وهو نصف عشر ديته لو خرج حيا وكان ذكرا وعشر ديتها لو خرجت حية
وكانت أنثى فوجب أن يكون ما في جنين الأمة كذلك فباطل من وجوه، أولها انه قياس
والقياس كله باطل،، الثاني انه لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل لان تقويم
الغرة بخمسين دينارا باطل لم يصح قط في قرآن ولا سنة ولا عن أحد من الصحابة رضي
الله عنهم فصار قياسهم هذا قياسا للخطأ على الخطأ، والثالث انه لو صح لهم تقويم الغرة
بخمسين دينارا فمن أين لهم ان المقصود في ذلك هو أن يكون نسبته من ديته أو من دية أمه؟
ويقال لهم: من أين لكم هذا؟ وهلا قلتم انها قيمة نافذة مؤقتة كالغرة ولا فرق
ولكن أبوا الا التزيد من الدعاوي الفاسدة بلا برهان، والرابع ان يعارض قياسهم
بمثله فيقال لهم: ما الفرق بينكم وبين ما روي عن مالك. والحسن من أن الخمسين
دينارا التي قومت بها الغرة في جنين الحرة إنما اعتبر بها من دية أمه لا من دية نفسه
فقالوا: إن كان جنين الأمة ذكرا أو أنثى ففيه عشر قيمة أمه كما في جنين الحرة ذكرا
كان أو أنثى عشر دية أمه فهل ههنا إلا دعوى مقابلة بمثلها تحكم بلا دليل؟ ثم
نظرنا في قول حماد بن أبي سليمان أن فيه حكما فوجدناه أيضا قولا عاريا من الأدلة
فوجب تركه إذ ما لا دليل على صحته فهي دعوى ساقطة، ثم نظرنا في قول سعيد بن المسيب
فوجدناه أيضا لا دليل على صحته فلم يجز القول به لان الله تعالى يقول: (قل هاتوا برهانكم

(1) في النسخة رقم 14 كل هذا ما موهوا به وهو كله
36

ان كنتم صادقين) فمن لا برهان له فلا يجوز الاخذ بقوله نظرنا في قول أبي يوسف.
وبعض أصحابنا أنه لا شئ في جنين الأمة إلا ما نقصها فوجدناه أيضا قولا لا دليل على صحته،
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين ما قد ذكرناه *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما سقطت هذه الأقوال [كلها] (1) وجب أن ننظر عند اختلاف
القائلين بها ما افترض الله تعالى علينا إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول)
الآية ففعلنا فوجدنا ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب
قالا نا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة قال: استشار عمر بن الخطاب
في ملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة
فقال له عمر: ائتني بمن يشهد معك فشهد له محمد بن مسلمة * وما ناه أحمد بن محمد بن عبد الله
الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت الرقي نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار
نا محمد بن معمر البحراني نا عثمان بن عمر نا يونس بن يزيد نا الزهري عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها
وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام دية جنينها عبد أو أمة (2)
وقضى بالدية على عاقلتها وورثها ولدها *
قال أبو محمد: فحديث المغيرة. ومحمد بن مسلمة عموم املاص كل امرأة وكذلك
نص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة بأن دية جنينها عبد أو وليدة ولم
يقل صلى الله عليه وسلم: ان هذا إنما هو في جنين الحرة فلا يحل لاحد أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
علم ما لم يقل ولا أن يخبر عنه بما لم يخبر به عن نفسه، ومن فعل هذا فقد قال عليه ما لم
يقل، وهذا يوجب النار، فان قيل: إنما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في جنين
حرة قيل لهم إنما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في جنين هذلية لحيانية تسمى مليكة قتلتها
ضرتها أم عفيف فما الفرق بينكم في دعواكم بذلك لأنه جنين حرة وبين ما قال بل لأنه
جنين هذلية؟ أو لأنه جنين امرأة تسمى مليكة أو لان ضرتها قتلتها أو لان القاتلة اسمها
أم عفيف، وهذا كله باطل وتخليط، وبالله تعالى التوفيق *
2128 - مسألة - جنين الذمية * قال أبو محمد رضي الله عنه: قال قائلون
في جنين الذمية عشر ديتها وهذا قول إنما قاسوه على قولهم في تقويم الغرة بخمسين دينارا
وهو قول ظاهر الخطأ، والقول عندنا أن في جنين الذمية أيضا غرة عبد أو أمة يقضى
على عاقلة الضارب به فيطلبون غلاما أو أمة كافرين فيدفعا به أو يدفعانها إلى من تجب له

(1) الزيادة من النسخة اليمنية
(2) في نسخة أو وليدة
37

له فإن لم يوجدا فبقيمة أحدهما لو وجد والقيمة في هذا وفي الغرة جملة إذا عدمت أقل
ما يمكن إذ لا يجوز أن يلزم أحد غرامة إلا بنص أو إجماع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان
دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فأقل ما كانت تساوى الغرة لو وجدت واجب على
العاقلة بالنص وما زاد على ذلك غير واجب لا بنص ولا اجماع فهو ساقط لا يجوز الحكم
به، ولو أن ذميا ضرب امرأة مسلمة خطأ فأسقطت جنينا يكلف أن تبتاع عاقلته عبدا
كافرا أو أمة كافرة ولابد ولا يجوز أن يبتاع عبدا مسلما ولا أمة مسلمة، والرقبة
الكافرة تجزى في الغرة المذكورة سواء كان الجاني وعاقلته مسلمين أو كانوا كفارا وإنما
الواجب عبد أو أمة فقط كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينطق عن الهوى ان هو إلا
وحي يوحى، وما كان ربك نسيا فلو أراد الله تعالى أن تكون الغرة مؤمنة لما أغفل
رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بيان ذلك كما لم يغفل، أو بين انه يجرى في ذلك ذكر أو أنثى، وبالله
تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما ما نقص الأمة القاء الجنين فهو الواجب على
الجاني في ماله ولابد زيادة على الغرة لأنه مال أفسده فعليه ضمانه على ما قد ذكرنا،
وبالله تعالى التوفيق *
2129 - مسألة - جنين البهيمة * قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن
ربيع نا ابن مفرج نا قاسم ابن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني
يونس بن يزيد عن أبي الزناد. والزهري. وربيعة قال أبو الزناد في جنين البهيمة نرى أن
تقام البهيمة في بطنها ولدها ثم تقام بعد أن تطرح جنينها فيكون فضل ما بين ذلك على الذي
أصابها حتى طرحت جنينها، وقال الزهري: نرى جنين البهيمة إلى الحكم بقيمة إنما
البهيمة سلعة من السلع، وقال ربيعة: لا أرى في جنين البهيمة شيئا أوسع من اجتهاد
الامام *
قال أبو محمد: القول في هذا عندنا هو قول أبي الزناد لأنها جناية على مال
فقيمة مثله، وأما قول الزهري. وربيعة ان في ذلك اجتهاد الامام أو الحاكم فقول
لا يصح لأنه لا دليل يوجبه ولم يجعل الله تعالى ولا رسوله عليه الصلاة والسلام لا حد من
الأئمة اجتهادا في اخذ مال من انسان واعطائه آخر بل قد حرم الله تعالى ذلك على
لسان رسوله عليه السلام فليس لأحد أن يأخذ من أحد مالا يعطيه لآخر إلا بنص أو
اجماع وبالله تعالى التوفيق * وقد روي عن مالك. والحسن بن حي ان في جنين الفرس عشر
قيمة أمه، وقال مالك في جنين البهيمة عشر قيمة أمها، وهذا كله ليس بشئ لأنه قياس
38

والقياس كله باطل *
2130 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: ولو أن كافرا ذميا قتل
ذميا ثم أسلم القاتل بعد قتله المقتول أو قبل موت المقتول فلا قود على القاتل أصلا لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مؤمن بكافر " قالوا: ودية المقتول ان اختاروا الدية قبل
اسلام قاتل وليهم أو فادوه ثم أسلم بقيت الغرامة لهم عليه لأنه مال استحقوه عنده
والأموال تجب للكافر على المؤمن وللمؤمن على الكافر وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه
مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير أخذها صلى الله عليه وسلم لقوت أهله وقد
ذكرناه باسناده قبل هذا. فلو ان المجروح أسلم أيضا ثم مات وهو مسلم فالقود له
واجب لأنه مؤمن بمؤمن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " *
قال أبو محمد رحمه الله: فلو أن مسلما جرح ذميا عمدا ظالما فاسلم الذمي ثم مات
من ذلك الجرح فالقود في ذلك بالسيف خاصة ولا قود في الجرح لان الجرح حصل ولا
قود فيه لأنه كافر ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، فلما أسلم ثم مات مسلما
من جناية ظلم يمات من مثلها حصل مقتولا عمدا وهو مسلم ففيه ما جعل الله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وسلم على من قتل مؤمنا وبالله تعالى التوفيق، فلو أن صبيا أو مجنونا
جرحا انسانا ثم عقل المجنون وبلغ الصبي ثم مات المجروح فلا شئ في ذلك لا دية
ولا قود لأنه مات من جناية هدر لا حكم لها، فان قيل قد قلتم في الذي يرمى حربيا
ثم يسلم ثم يموت ان فيه الدية على العاقلة فكيف تجعلون الدية فيمن مات من جناية
مأمور بها ولا تجعلون الدية فيمن مات من جناية هذا فقد قلنا وبالله تعالى التوفيق،
هكذا قلنا لان الجاني المأمور بتلك الجناية مخاطب مكلف ملزم في قتل الخطأ كفارة
أو كفارة ودية على عاقلته وليس المجنون والصبي مخاطبين أصلا ولا مكلفين شريعة
في قتل عمد ولا في قتل خطأ فسقط حكم كل ما عملا ولم يكن له في الشرع دخول ولم
يسقط ما فعله المخاطب المكلف المأمور المنهي، ولو أن عاقلا قتل أو جرح ثم جن
فمات المجروح من تلك الجناية فالقود على المجنون أو الدية في ماله ولا مفادات هنالك
وذلك لان القود قد وجب عليه حين جنى وحكم تلك الجناية لازم له فلا يسقط عنه
بذهاب عقله إذ لم يوجب ذلك نص قرآن ولا سنة ولا اجماع، وكذلك يقام عليه
في جنونه حد لزمه في حال عقله ولا يقام عليه في حال عقله كل حد كان منه في حال
جنونه بلا خلاف من الأمة، والسكران مجنون *
2131 مسألة: كسر عظم الميت قال أبو محمد: رضي الله عنه نا عبد الله
39

ابن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا القعنبي نا عبد العزيز بن محمد
- هو الدراوردي - عن سعد - هو ابن سعيد - عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كسر عظم (1) الميت ككسره حيا " *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا لا يسند إلا من طريق سعد بن سعيد الأنصاري
أخي يحيى بن سعيد وهم ثلاثة أخوة. يحيى بن سعيد امام ثقة. وعبد ربه بن سعيد لا بأس
به وليس بالهنالك في الإمامة. وسعد بن سعيد وهو ضعيف جدا لا يحتج به لا خلاف
في ذلك فبطل أن يتعلق (2) بهذا الحديث ولو صح لقلنا به في كسر العظم خاصة ولما كان
لقول من قال: ان هذا في الحرمة معنى لأنه كان يكون دعوى بلا دليل وتخصيصا بلا برهان *
قال أبو محمد رحمه الله: فمن جرح ميتا أو كسر عظمه أو أحرقه فلا شئ
عليه في ذلك أما القتل فلا شك فيه لأنه ليس قاتلا وأما الجرح والكسر فلو وجد فيه خلاف
لوجب القصاص لأنه عدوان وان صح الاجماع في أن لا قود في ذلك وجب الوقوف
عند الاجماع وإلا فقد قال تعالى (والجروح قصاص) وهذا جرح وجارح، وقال تعالى:
(وجزاء سيئة سيئة مثلها)، وقال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) وهذا الفعل بالميت سيئة اعتداء فالقصاص واجب في ذلك إلا
أن يمنع منه اجماع، فان قيل: إن الله تعالى قال: (والجروح قصاص فمن تصدق به
فهو كفارة له) وقال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فأجره
على الله) فدل هذا (3) على أن ذلك كله للحي قلنا وبالله تعالى التوفيق: هذا
لا حجة لكم فيه لوجهين، أحدهما أن الامر بالقصاص والاعتداء عموم ثم قد يخص
بالعفو والصدقة بعض المعتدي عليهم دون بعض، والوجه الثاني انه تعالى لم يمنع
بقوله تعالى الصادق: (فمن تصدق به فهو كفارة له) ولا بقوله الصادق: (فمن
عفا وأصلح فأجره على الله) من أن يكون القصاص واجبا لمن لا عفو له ولا صدقة
كالمجنون والصبي فيكون الميت داخلا في هذا العموم، ووجه ثالث وهو ان الله تعالى
قال: (فمن عفا وأصلح) وقال تعالى: (فمن تصدق به) ولم يقل تعالى فان
تصدق المجروح وحده ولا قال فمن عفا من الذين العفو إليهم خاصة ولكن أجمل
عز وجل الامر فجائز عفو المجني عليه وصدقته إذا كان ممن له عفو وصدقة وجائز
عفو الولي إذا بطل أن يكون للمجني عليه عفو ويئس من ذلك، وأكثر الحاضرين
من خصومنا يرون القطع على من سرق من ميت كفنه وبه نأخذ، وعلى من قذف ميتا

(1) في النسخة رقم 14 كسر عظام
(2) في النسخة رقم 14 فبطل التعلق
(3) في النسخة رقم 14 فدل ذلك
40

ومن الناس من يرى الحد على من زنى بميتة فان من فرق بين ما رأوه من ذلك وبين القود له من الجرح
والكسر، وليس هذا قياسا لأنه ليس بعض ذلك أصلا لبعض، بل كله باب واحد من عمل عملا
جاء النص بايجاب حكم على عامل ذلك العمل فواجب انفاذ ذلك الحكم على من عمل ذلك العمل *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يؤيده النظر ويشهد له القرآن والسنن بالصحة
وما نعلم ههنا قولا لاحد من الصحابة رضي الله عنهم يمنع منه فكيف ان يصح الاجماع
من جميعهم على المنع منه، هذا امر لا سبيل إلى وجوده أبدا ولو كان حقا لوجد بلا
شك ولما اختفي فالواجب المصير إلى ما أوجبه القرآن والسنة وان لم يعلم قائل بذلك
إذا لم يصح اجماع متيقن بتخصيص النص أو بنسخه وبالله تعالى التوفيق *
2133 مسألة (1) الوكالة في القود * قال أبو محمد رحمه الله: أمر الولي
بأن يؤخذ له القود جائز لبراهين، أولها قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)
والقود بر وتقوى فالتعاون فيه واجب، وثانيها ما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره
بالقود من اليهودي الذي رضخ رأس الجارية بالحجر فكان أمره عليه السلام عموما لكل
من حضر، وثالثها اجماع الأمة على أن السلطان إذا أوجب له ما للولي من القتل فإنه يأمر
من يقتل والسلطان ولي من الأولياء فلا يجوز تخصيصه بذلك دون سائر الأولياء *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ ذلك كذلك فجائز إذا أمر الولي من يأخذ له القود
أن يغيب فيستقيد المأمور وهو غائب إذ قد وجب القود بيقين أمر الله تعالى وأمر رسوله
صلى الله عليه وسلم ولم يشترط حضور الولي في ذلك من مغيب وما كان ربك نسيا، فان غاب الولي
ثم عفا فليس عفوه بشئ ولا شئ على القاتل ولا يصح عفو الولي إلا بان يبلغ ذلك المأمور
بالقود ويصح عنده * برهان ذلك أن الله تعالى قد أباح للمأمور بأخذ القود وأن
يأتمر للآمر له بذلك وأباح له دم المستفاد منه وأعضاءه بيقين لا شك فيه فإذا عفا
الولي في غير علم المأمور بالقود فهو مضار، والمضار متعد والمتعدي ظالم، وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس لعرق ظالم حق " فلا حق لذلك العفو الذي هو مضارة محضة وهو
غير العفو الذي حض الله تعالى عليه ورسوله عليه السلام، لان العفو الذي حض الله
تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو طاعة وعفو المضارة معصية والمعصية غير الطاعة،
وهذا العفو بعد الامر هو عفو بخلاف العفو الذي أمر الله تعالى به نادبا إليه وإذ هو
غيره فهو باطل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " فهو
غير لازم لذلك العافي وهو باق على قوده، فلو بعث رسولا إلى المأمور بالقود فلا حكم له

(1) حصل غلط سهوا في ترقيم المسائل المتقدمة واستدرك ذلك في هذه المسألة
41

الا حتى يبلغ إليه فحينئذ يصح ويلزم العافي فان قتله المأمور بالقود بعد صحة الخبر عنده
بعفو الولي فهو قاتل عمد أو خائن عهد وعليه القود، وكذلك لو جن الآمر ولا فرق فالأخذ
بالقود واجب كما أمر به، وبالله تعالى التوفيق *
2134 مسألة من قطع ذكر خنثى مشكل وأنثييه فسواء قال: انا امرأة
أو قال: أنا ذكر القود واجب لأنه عضو يسمى ذكرا وانثيين، وكذلك لو قطعت
امرأة شفريه ولا فرق، ومن كانت له سن زائدة أو إصبع زائدة فقطعها قاطع
اقتص له منه من أقرب سن إلى تلك السن وأقرب إصبع إلى تلك الإصبع لأنها سن وإصبع
ولا فرق بين ان يبقى المقتص منه ليس له الا أربع أصابع ويبقى للمقتص له خمس
أصابع، وبين أن يقطع من ليست له الا السبابة وحدها سبابة سالم الأصابع ولا خلاف
في أن القصاص في ذلك ويبقى المقتص ذا أربع أصابع ويبقى المقتص منه لا أصبع
له، وهكذا القول في الأسنان ولا فرق وبالله تعالى التوفيق *
2135 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: وإذا تشاح الأولياء في تولى
قتل قاتل وليهم قيل لهم: ان اتفقتم على أحدكم أو على أجنبي فذلك لكم والا أقرعنا
بينكم فأيكم خرجت قرعته تولى القصاص، وهذا قول الشافعي رحمه الله * قال أبو محمد
رحمه الله: برهان هذا انه ليس بعضهم أولى من بعض ولا يمكن أن يتولى القود اثنان
معا فإذ لابد من أحدهما أو من غيرهما بأمرهما ولا سبيل إلى ثالث فأمر غيرهما بالقود
اسقاط لحقهما معا في تولى ذلك الحكم والحكم ههنا بالقرعة اسقاط لحق أحدهما
وابقاء لحق الآخر ولا يجوز اسقاط حق ذي حق إلا لضرورة مانعة لا سبيل معها
إلى توفية الحق فإذا كان ذلك سقط الحق لقول الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم إلا ما اضطررتم إليه) ونحن محرم علينا منعهما من حقهما ونحن مضطرون إلى
اسقاط حق أحدهما إذ لا سبيل إلى غير ذلك ولسنا مضطرين إلى اسقاط حقهما جميعا
فلا يجوز لنا ما نضطر إليه فقد بطل أن نأمر غيرهما بغير رضاهما ولا يجوز أن نقصد
إلى أحدهما فنسقط حقه هكذا مطارفة فيكون جورا ومحاباة فوجبت القرعة ولابد
لان الضرورة دفعت إليها ولا يحل إيقاف الامر حتى يتفقا لان في ذلك منعهما جميعا من
حقهما وهذا لا يجوز وبالله تعالى التوفيق *
2136 مسألة من أخاف انسانا فقطع ساقه ومنكبه وأنفه وقتله فلولي
المقتول أن يفعل به كل ذلك ويقتله وله أن يقتله دون ان يفعل به شيئا من ذلك، وله أن
يفعل به كل ذلك أو بعضه ولا يقتله لكن يعفو عنه *
قال أبو محمد رحمه الله: برهان ذلك ان كل هذه الأفعال قد وجب له أن
42

أن يفعلها قصاصا على ما قدمنا قبل، وهذا أيضا مندوب إلى العفو عن كل ذلك وعن بعضها
فأي حقه فعل فذلك له وأي حقه ترك فذلك له، وقال الشافعي: له أن يقطع ذراعه ويخيفه
على أن يقتله واما على أن لا يقتله فلا * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ لأنه
تخصيص لا برهان له به، فان قال في ذلك تعذيب له قلنا: نعم فكان ماذا؟ وإذا أباح له
تعذيبه فاتى ببعض ما أبيح له وعفا عن البعض فقد أحسن في كل ذلك ولم يتعد وما
وجدنا الله تعالى قط الزم استيفاء الحق كله ومنع من العفو عن بعضه، بل قد صح
النص بخلاف قول الشافعي جملة وهو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين إذ قطع أيديهم
وأرجلهم وسمل أعينهم قصاصا بما فعلوا بالرعاء وتركهم بالحرة يستسقون فلا يسقون
حتى ماتوا، وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقد ذكرنا
هذا الحديث باسناده فيما سلف من كتابنا هذا فأغنى عن ترداده، وأبطلنا قول من
قال كاذبا ان هذا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كانت المثلة مباحة وبالله تعالى التوفيق *
2137 - مسألة - قال أبو محمد رضي الله عنه: من قطع أصبع آخر عمدا
فسأل القود أقدنا له من حينه على ما ذكرنا قبل فان تأكلت اليد فذهبت وبرئ فله
القود من اليد لأنها تلفت بعدوان وظلم، وكذلك لو جرحه موضحة عمدا فذهبت
منها عيناه اقتص له من الموضحة ومن العينين معا، وهكذا في كل شئ فلو مات منها
قتل به لان كل ذلك تولد من جناية عدوان، وقال الشافعي: اما تعجيل القصاص
من الإصبع والموضحة فنعم فان مات بعد ذلك فالقود في النفس واجب أيضا وأما
ذهاب العينين واليد فقط فإنما في ذلك الدية فقط، قال أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ
ومناقضة ظاهرة ولا فرق بين ما تولد عن جنايته من ذهاب نفس أو ذهاب عضو إذ
لم يفرق بين شئ من ذلك نص قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا نظر ولا قياس ولا
قول صاحب، فلو أن المجني عليه قطع كف نفسه، خوف سرى الاكلة فلا ضمان
على الجاني لان ذهاب اليد كان باختيار قاطعها لا من فعله ولعلها لو تركها تبرأ فلو قطع
انسان أنملة لها طرفان فان قطع كل طرف في أصله قطع من يده أنملتان كذلك فلو قطع
في الإصبع قبل افتراق الأنملتين قطع له من ذلك الموضع فقط ولا مزيد ولا أرش
له في الأنملة الثانية لان الله تعالى يقول: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم) فالواجب أن يوضع منه الحديد حيث وضع ويذاق من الألم ما أذاق
ولا مزيد قال الله تعالى: (ولا تعتدوا إن الله لا يجب المعتدين) وقال الشافعي: له في
الإصبع القود وله في الإصبع الزائدة حكومة * قال أبو محمد رحمه الله: الحكومة
43

غرامة مال والأموال محرمة إلا بنص أو اجماع *
2138 - مسألة - قال أبو محمد رحمه الله: من هدم بيتا على انسان أو ضربه
بسيف وهو راقد فقطع رأسه أو قال هدمت البيت وهو قد كان مات بعد أو قال:
ضربته بالسيف وهو ميت لم يلتفت له ولا يمين على أوليائه في ذلك ووجب القود
عليه بمثل ما فعل لان الميت قد صحت حياته بيقين فهو على الحياة حتى يصح موته
ومدعي موته مدعي باطل وانتقال حال والدعوى لا يلتفت إليها الا ببينة وبالله تعالى التوفيق.
2139 - مسألة - ومن جرح جرحا يموت من مثله فتداوى بسم فمات فالقود
على القاتل لأنه وان مات من فعل نفسه وفعل غيره فكلاهما قاتل وعلى القاتل القود وان
طرحه غيره فان اختاروا الدية فالدية كلها أيضا لازمة له على ما ذكرنا قبل وبالله
تعالى التوفيق، وهو حسبنا *
(كتاب العواقل والقسامة وقتل أهل البغي)
(بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما)
(العواقل) قال الفقيه أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب
ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق نا ابن
جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن
عقوله ثم كتب الله انه لا يحل يتوالي مولى رجل بغير اذنه * وبه إلى مسلم نا قتيبة نا الليث عن ابن
شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة
من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بان ميراثها لبنيها وزوجها وان العقل على عصبتها * وبه إلى مسلم نا إسحاق بن
إبراهيم الحنظلي نا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن عبيد بن
فضيلة عن المغيرة بن شعبة قال: ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلتها
وإحداهما لحيانية فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها فقال
رجل من عصبة القاتلة انغرم دية من لا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الاعراب قال وجعل عليهم الدية * قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن
الدية في قتل الخطأ وفي الغرة الواجبة في الجنين على عاقلة القاتل والجاني بحكم رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين من هم العاقلة الغارمة لدية الخطأ ولغرة الجنين
وانهم أولياء الجاني الذين هم عصبته ومنتهاهم البطن الذي هو منهم على ما أوردنا آنفا من أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب على كل بطن عقوله *
44

قال أبو محمد رحمه الله: وجمهور الناس يقولون: تغرم العاقلة المذكورة
الدية إلا أنه قد اختلف عن عثمان البتي في ذلك فروى عنه أنه قال: لا أدري ما العاقلة وروى
عنه أنه قال بما قلنا وجمهور الناس يقولون: هذه الآثار المعتمد عليها لصحتها، وقد جاءت
آثار غير هذه لا بأس بذكر بعضها وان كانت لا حجة فيها لكن لتعرف * نا محمد بن
سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع
نا ابن أبي ليلى عن الشعبي قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقل قريش على قريش وعقل
الأنصار على الأنصار، * نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس
نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن
مقسم عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار أن
يعقلوا معاقلهم ويفدوا عانيهم بالمعروف والاصلاح بين الناس. فالأول منقطع وفيه
ابن أبي ليلى وهو سئ الحفظ والثاني فيه حجاج بن أرطاة وهو ساقط، وفيه مقسم
وهو ضعيف *
(قال أبو محمد): فان قال قائل: كيف يجوز الحكم بان تغرم العاقلة جريرة
غيرها وقد قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى)
وقال تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: ما ناه
عبد الله بن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية الهاشمي نا أحمد بن شعيب أخبرني هارون
ابن عبد الله نا شقيق ني عبد الملك بن أبجر عن زياد بن لقيط عن أبي رمثة قال: أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي فقال: من هذا معك؟ فقال ابني أشهد به قال: اما انك لا تجني
عليه ولا يجني عليك " * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمود
ابن غيلان نا بشر بن السرى نا سفيان عن أشعث - هو ابن أبي الشعثاء عن الأسود
ابن هلال عن ثعلبة بن زهدم اليربوعي قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء ناس من
الأنصار فقالوا: يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع قتلوا فلانا في الجاهلية
فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهتف بصوته " الا لا تجني نفس على أخرى " * وبه إلى محمود بن غيلان
نا أبو داود الطيالسي نا شعبة عن أشعث بن أبي الشعثاء قال: سمعت الأسود بن هلال
يحدث عن رجل من بني ثعلبة بن يربوع أن ناسا من بني ثعلبة بن يربوع أتوا النبي
صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع قتلوا فلانا رجلا من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه السلام: " لا تجني نفس على أخرى " *
قال أبو محمد رحمه الله: فجوابنا وبالله تعالى التوفيق، ان هذه الأحاديث
45

وإن كان في أسانيدها معترض فان معناها صحيح، وفي الآيات التي ذكرتم كفاية
لأنها منتظمة لمعنى هذه الأحاديث، ثم نقول وبالله تعالى التوفيق: نعم ان الله تعالى حكم
بأن لا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى. وان كل امرئ بما كسب
رهين، ونعم لا يجني أحد على أحد ولا تجني نفس على أخرى ولكن الذي قال هذا كله وحكم
به هو أيضا القائل: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وهو
المخبر لنا على لسان عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم انه قد عفا لنا عن الخطأ والنسيان وهو تعالى مع
ذلك الموجب في قتل الخطأ دية وكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين لمن لم
يقدر على الكفارة وهو الموجب على لسان رسوله عليه السلام على عصبة قاتل الخطأ
وأهل بطه الذي ينتمي إليهم دية قتل المؤمن خطأ والغرة الواجبة في الجنين وكل قوله
حق وكل حكمه واجب يضم بعض ذلك إلى بعض ويستثنى الأقل من الأكثر
ولا يحل لاحد أخذ بعض أوامره دون بعض ولاضرب أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعضها ببعض إذ كلها فرض وحق وليس شئ منها أولى بالطاعة له من شئ آخر ولم
يأت نص ولا اجماع في قتل العمد، ولا يجوز تكليف أحد غرامة عن أحد إلا أن يوجبها
نص أو اجماع *
قال أبو محمد رحمه الله: فواجب ان ننظر من العصبة والبطن والأولياء الذين
أوجب الله تعالى عليهم الدية في قتل الخطأ والغرة في الجنين فوجدنا الناس قد اختلفوا
في ذلك فقالت طائفة: العاقلة هم من كان معه في ديوان واحد في العطاء كما نا حمام نا ابن مفرج
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر قال: سمعت الزهري أو بلغني عنه أنه
قال: الثلث فما دونه في خاصة ماله يعني مال الجاني وما زاد على ذلك على أهل الديوان،
وبه قال أبو حنيفة. وأصحابه الدية في قتل الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين من يوم
يقضى بها والعاقلة هم أهل ديوانه يؤخذ ذلك من أعطياتهم حتى يصيب الرجل منهم
من الدية أربعة دراهم أو ثلاثة فان أصابه أكثر ضم إليهم أقرب القبائل إليهم في النسب
من أهل الديوان، وإن كان القاتل ليس من أهل الديوان فرضت الدية على عاقلته الأقرب
فالأقرب في ثلاث سنين ويضم إليهم أقرب القبائل إليهم في النسب حتى يصيب الرجل
من الدية ثلاثة دراهم أو أربعة، وقال سفيان الثوري: الدية تكون عند الأعطية
على الرجال * وقال الحسن بن حي: العقل على رؤوس الرجال في أعطية المقاتلة،
وقال الليث بن سعد: العقل على القاتل وعلى القوم الذين يأخذ معهم العطاء ولا يكون
على قومه منه شئ، وقال مالك: الدية على القبائل على الغنى قدره ومن دونه على
46

قدره وعقل الموالي يلتزمه أهل العاقلة شاءوا أم أبوا كانوا أهل ديوان أو منقطعين
قد تعاقل الناس زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبي بكر وإنما كان الديوان في زمان عمر
ابن الخطاب، فإذا انقطع الرجل من أهل البادية إلى القرى إلى المدينة وما يشبهها من
أمهات القرى فسكنها وثوى بها رأيت أن يضم عقله إلى قومه من أهل القرى فإن لم
يكن في القرية من يحمل عقله من قومه ضم إلى أقرب الناس بقبيلته من القبائل، وقال
الشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهما: العقل على ذوي الأنساب دون أهل الديوان
والحلفاء الأقرب فالأقرب من بني أبيه ثم من بني جده ثم من بني جد أبيه *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به
كل طائفة لقولها بعد أن رجعت الأقوال في ذلك إلى ثلاثة أقوال فقط، أحدها قول
أبي حنيفة ومن معه على أن العاقلة على أهل الديوان لا على عصبة الجاني، والآخر
قول مالك ومن معه: ان العاقلة على قومه الذين معه في المدينة ونحوها لا على من
كان منهم في البادية، والثالث قول الشافعي: وأبي سليمان. ومن معهما ان العاقلة
على الأقرب فالأقرب من عصبته من بني أبيه ثم من بني أجداده أبا فأبا فوجدنا من
جعل العاقلة على أهل الديوان خاصة يقولون: ان الدية كانت على القبائل في عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلها عمر على الديوان: قالوا فان بطل (1) الديوان رجع الامر
إلى ما كان عليه. في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه لم نجد لهم
شبهة غير هذه *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا الذي قالوه باطل ان الذي ادعوه من أن
عمر بن الخطاب أبطل حكم العاقلة الذي حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جرى عليه
أبو بكر بعده وأحدث حكما آخر فإنه باطل لا أصل له وكذب مفترى ولعل مموها أن
يموه في ذلك بما ناه محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى
ابن معاوية نا وكيع عن سفيان الثوري عمن سمع الشعبي يقول جعل عمر الدية على العاقلة
في الأعطية، فهذا مما لا متعلق لهم به لأنه عمن لا يدري، وقد روينا عن يحيى بن سعيد
أنه قال فيمن لم يسمه الثوري لو كان في شيخ الثوري خير لبرح به ثم هو عن الشعبي
ولم يولد الشعبي إلا بعد موت عمر وقد جهدنا أن نجد هذا الذي قالوه عن عمر رضي الله عنه
فما وجدناه ولا له أصل البتة ورحم الله القائل: الاسناد من الدين ولولا الاسناد
لقال من شاء ما شاء، وان المحفوظ عن عمر خلاف هذا كما نا محمد بن سعيد بن نبات

(1) في النسخة اليمنية فإذا قد بطل
47

نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا الربيع بن صبيح
عن الحسن البصري ان عمر بن الخطاب قال لعلي بن أبي طالب في جناية جناها عمر عزمت عليك
إلا قسمت الدية على بني أبيك فقسمها على قريش، فهذا حكم عمر. وعلي بحضرة الصحابة
رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار ولا يعرف عليهما منكر منهم في قسم ما تغرمه
العاقلة على القبيلة لا على أهل الديوان ولا على أهل المدينة خاصة كما قال مالك، وهم
يحتجون بأقل من هذا لو وجوده * وأما عمر رضي الله عنه فقد نزهه الله تعالى عن
أن يبطل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدث حكما آخر *
قال أبو محمد رحمه الله: فسقط هذا القول ولاح فساده وضعف أصله وفرعه،
ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه قد احتج على من جعل الدية على أهل الديوان بما فيه
الكفاية مما قد ذكرناه وتلك الحجة بعينها حجة عليه في قوله إن من نزع من أهل
البدو إلى قرية من أمهات القرى كالمدينة وغيرها فان العاقلة عنه أهل القرى وأهله
بالبادية وهذا ليس بشئ لأنه لم يأت به سنة صحيحة ولا سقيمة ولا اجماع ولا قول
صاحب وما علمناه قال به أحد قبل مالك وليس هذا مما يؤيده نظر ولا قياس فبطل *
قال أبو محمد رحمه الله: فلم يبق إذ بطل هذان القولان الا القول الثالث
وهو قول أصحابنا وهو الحق لموافقته ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الذي هو الحجة
فوجب علينا أن ننظر فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرد إليه النوازل في ذلك كما امر
الله تعالى فوجدناه صلى الله عليه وسلم قد كتب على كل بطن عقوله، وجاء حكمه صلى الله عليه وسلم في الدية
وفي الغرة كما قد قدمنا، وجاء حكمه عليه السلام أن العاقلة هم الأولياء وهم العصبة
فصح بهذا ما قلناه، وأما الأثر الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كتب على قريش عقوله وعلى الأنصار
عقوله فإنه مرسل كما أوردناه ولا حجة في مرسل، فوجب أن نبدأ في العقل بالعصبة
كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لا نتجاوز البطن كما حد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان لا يلتفت
إلى ديوان ولا إلى أهل مدينة إذ لم يوجب ذلك نص قرآن. ولا سنة. ولا اجماع
ولا قول صاحب ولا قياس لكن يكلف ذلك العصبة حيث كانوا إلى البطن فان جهلوا
أو تعذر أمرهم لافتراق الناس في البلاد فان العصبة والبطن حينئذ من الغارمين
وممن قد لزمتهم تلك الغرامة ووجبت في أموالهم فإذ هم من الغارمين فيودي فحقهم في الصدقات
في سهم الغارمين فيودي عنهم من ذلك فهذا حكم العاقلة قد بيناه وأوضحناه *
2140 - مسألة - هل تحمل العاقلة الصلح في العمد أو الاعتراف بقتل الخطا
أو العبد المقتول في الخطأ؟ قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا كما
48

نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح. نا موسى
ابن معاوية. نا وكيع. نا عبد الملك بن حسين أبو مالك. عن عبد الله بن أبي السفر
عن الشعبي عن عمر بن الخطاب قال: العمد. والعبد. والصلح. والاعتراف في مال
الجاني لا تحمله العاقلة، وعن الشعبي قال: اصطلح المسلمون على أن لا يعقلوا عمدا
ولا عبدا. ولا صلحا. ولا اعترافا، وعن إبراهيم النخعي قال: لا تحمل العاقلة عمدا
ولا عبدا. ولا صلحا. ولا اعترافا، وعن عمر بن عبد العزيز الا أن يشاءوا، وعن أبي
حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي قال: لا تعقل العاقلة العمد ولا الصلح ولا الاعتراف
ولا العبد، وعن ابن شهاب قال: مضت السنة ان العاقلة لا تحمل شيئا من العمد إلا
أن تعينه عن طيب نفس. قال مالك: وحدثني يحيى بن سيعد مثل ذلك، وعن مالك
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ليس على العاقلة عقل من قبل العمد إلا أن يشاءوا (1)
ذلك إنما عليهم عقل الخطأ، وقال أبو حنيفة. والشافعي. وابن شبرمة. وسفيان الثوري.
والأوزاعي. ومالك. وأبو سليمان. وأصحابهم: لا تحمل العاقلة شيئا من هذا كله *
وقالت طائفة: لا تحمل العاقلة شيئا من هذا كله ولكن تعينه لما روى أن عمر بن
الخطاب قال: ليس لهم أن يخذلوه عن شئ أصابه في الصلح، وعن الزهري وعليهم
أن يعينوه، وقالت طائفة: غير هذا لما روي عن شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبي سليمان عن رجل حر استقبل مملوكا فتصادفا فماتا جميعا؟ فقالا جميعا:
دية العبد على عاقلة الحر وليس على العبد شئ، وروي عن عطاء قال: ان قتل
رجل عبدا خطأ فهو على عاقلته وان قتل دابة خطأ فهو على عاقلته، وعن ابن جريج
أخبرني محمد بن نصر. والصلت: ان رجلا بالبصرة رمى انسانا (2) ظن أنه كلب
فقتله فإذا هو انسان فلم يدر الناس من قاتله فجاء عدي بن أرطاة فأخبره أنه قتله
فسجنه وكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه انك بئس ما صنعت إذ سجنته
وقد جاء من قبل نفسه فخل سبيله واجعل ديته على العشيرة، وزعم الصلت أنه من
الأزد القاتل والمقتول وان القاتل كان عاسايعس، وقال الزهري: العبد تحمل قيمته
العاقلة *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجب به كل
طائفة لنعلم الحق فنتبعه فنظرنا فيما احتج به من قال: لا تحمل العاقلة عمدا. ولا عبدا ولا صلحا
ولا اعترافا فوجدناهم يقولون: ان هذا قول روي عن عمر. وابن عباس رضي الله عنهما

(1) في النسخة رقم 14 الا أن شاءوا
(2) في النسخة رقم 14 رمى رجلا
49

ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة وهذا لا حجة لهم فيه إذ لا حجة في قول أحد
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نظرنا فيما احتج به أهل القول الثاني فوجدناهم يذكرون
ما روي عن الزهري قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الكتاب الذي كتبه بين قريش
والأنصار: لا تتركوا مفرجا أن تعينوه في فكاك أو عقل، والمفرج كل ما لا تحمله
العاقلة وهذا مرسل يوجب أن يعين العاقلة فيما لم تحمل جميعه، وقد روي أيضا
من عمر كما ذكرنا، وأما نحن فلا حجة عندنا في مرسل، فلما لم يكن فيما احتجوا
به حجة وجب أن ننظر فيما اختلفوا فيه من ذلك فبدأنا بالعمد ما ألزم فيه دية أو
صولح فيه فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلم يجز
أن نكلف عاقلة غرامة حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله عليه السلام ولم يوجبها
قط نص ثابت في العمد فوجب أن لا تحمل العاقلة العمد ولا الصلح في العمد، ثم نظرنا
في الاعتراف بقتل الخطأ فوجدنا الله تعالى يقول: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها
ولا تزر وازرة وزر أخرى) ووجدنا المقر بقتل الخطأ ليس مقرا على نفسه لان
الدية فيما أقر به على العاقلة لا عليه فإذ ليس مقرا على نفسه فواجب أن لا يصدق
عليهم إلا أننا نقول: إنه إن كان عدلا حلف أولياء القتيل معه واستحقوا الدية على
العاقلة فان نكلوا فلا شئ لهم، فلو أقر اثنان عدلان بقتل خطأ وجبت الدية على عواقلهما
بلا يمين لأنهما شاهدا عدل على العاقلة، وقد اختلف الناس (1) في هذا فقال أبو حنيفة:
والشافعي. والأوزاعي. والثوري: الدية على المقر في ماله، وقال مالك: لا شئ
عليه قال: وان لم يتهم بمن أقر له أقسم أولياء المقتول ووجبت الدية على العاقلة * ثم نظرنا في العبد يقتل خطأ هل تحمل قيمته العاقلة أم لا؟ فوجدنا من لم تحمله العاقلة
لا حجة لهم إلا ما ذكرنا من أنه روي ذلك عن عمر. وعن ابن عباس وهو قول
لم يصح عن عمر كما ذكرنا لأنه عن الشعبي عن عمر ولم يولد الشعبي إلا بعد
موت عمر رضي الله عنه بسنين ولا نعلمه أيضا يصح عن ابن عباس وقد ذكرنا قضايا
عظيمة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم خالفوها قد ذكرناها في غير ما وضع
فالواجب الرجوع إلى ما أوجب الله تعالى عند التنازع إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم
في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد
ابن معاوية نا أحمد بن شعيب نا القاسم بن زكريا نا سعيد بن عمرو نا حماد بن زيد
عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس ان مكاتبا قتل على عهد رسول

(1) سقط لفظ الناس من النسخة رقم 14
50

الله صلى الله عليه وسلم فأمر عليه السلام أن يودي ما أدى دية الحر وما لا دية المملوك وقد روي
عن يحيى بن أبي كثير قال: ان علي بن أبي طالب. ومروان كانا يقولان في المكاتب
أنه يودي منه دية الحر بقدر ما أدى وما رق منه دية العبد فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو الحجة في الدين سمى ما يودي في قتل العبد دية وسماه أيضا علي بن أبي طالب
وهو حجة في اللغة دية، وقد صح عن النبي عليه السلام أن الدية في النفس في الخطأ
على العاقلة، وصح الاجماع على أن في قتل العبد المؤمن خطأ كفارة بعتق رقبة أو
صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد رقبة فصح بالنص والاجماع أن ما يودي في العبد
دية والدية على العاقلة، وبهذا نقول، وأما الدية وسائر الأموال فلا لأنه لا يسمى
شئ من ذلك دية والأموال محظورة الا بنص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق *
2141 مسألة مقدار ما تحمله العاقلة * قال أبو محمد رحمه الله: قالت طائفة:
لا تحمل العاقلة من جنايات الخطا إلا ما كان أكثر من ثلث الدية فصاعدا فإن كان
أقل من الثلث أو كان الثلث فهو في مال الجاني، وقالت طائفة: لا تحمل العاقلة إلا ما كان
ثلث الدية فصاعدا فما كان أقل من ثلث الدية (1) فهو في مال الجاني، وقالت طائفة:
الثلث فصاعدا على العاقلة وما كان أقل من الثلث فعلى قومه خاصة، وقالت طائفة: لا تحمل
العاقلة إلا ما كان نصف عشر الدية فصاعدا وما كان أقل فهو في مال الجاني، وقالت طائفة:
ان جنت امرأة على رجل أو امرأة فبلغت ثلث ديتها كان على عاقلته وان بلغ أقل ففي
ماله، وقالت طائفة: المراعى في ذلك المجني عليه فإن كان امرأة فبلغ نصف عشر ديتها
حملته عاقلة الجاني رجلا كان أو امرأة، وإن كان المجني عليه رجلا فبلغ نصف عشر ديته
فإنه على عاقلة الجاني رجلا كان أو امرأة، وما كان دون ذلك ففي مال الجاني، وقالت طائفة:
تحمل العاقلة ما قل أو كثر، وقالت طائفة: الحكم في ذلك على ما اتفقوا عليه، فإن كان
تألفوا على الكثير فقط حملوا الكثير فقط ولم تحد (2) للقليل ولا للكثير حدا *
قال أبو محمد: فالقول الأول كما روي عن الزهري قال الثلث فما دونه في خاصة
ماله وما زاد فهو على العاقلة، والقول الثاني كما روي عن ابن وهب قال: أخبرني ابن
سمعان قال: سمعت رجالا من علمائنا يقولون: قضى عمر بن الخطاب في الدية أن لا يحمل
منها شئ على العاقلة حتى تبلغ ثلث الدية فإنها على العاقلة عقل المأمومة والجائفة فإذا
بلغت ذلك فصاعدا حملت على العاقلة * وعن سعيد بن المسيب. وسليمان بن يسار مثله، وعن
الزهري مثله، وقال عروة بن الزبير: ما كان من خطأ فليس على العاقلة منه شئ حتى يبلغ

(1) في النسخة اليمنية أقل من الثلث
(2) اي الطائفة المتقدمة
51

ثلث الدية على ذلك أمر السنة، وعن الليث بن سعد أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: ان من الامر القديم عندنا أن لا يكون على العاقلة عقل حتى يبلغ الجرح ثلث الدية، وعن ربيعة
لا تحمل العاقلة ما دون الثلث إلا أن يصطلحوا على شئ * وعن ابن جريج. ومعمر عن
عبيد الله بن عمر قال: نحن مجتمعون أو قد كدنا أن نجتمع ان ما دون الثلث في ماله
خاصة، وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز قضى في مولى جرح فكان دون الثلث من
الدية ولم يكن له شئ أن يكون دينا يتبع به، وبهذا يقول عبد العزيز ابن أبي سلمة، والقول
الثالث قال مالك: ما بلغ ثلث الدية من الرجل من جناية الرجل جرح رجلا أو امرأة
فعلى العاقلة فإن كان أقل من ذلك ففي ماله، وما بلغ ثلث دية المرأة فعلى العاقلة فما كان
أقل ففي ماله سواء جرحت رجلا أو امرأة، والقول الرابع كما روي عن حماد بن أبي سليمان
عن إبراهيم قال: لا تعقل العاقلة ما دون الموضحة، قال وكيع: وسمعت سفيان الثوري
يقول: لا تعقل العاقلة موضحة المرأة إلا في قول من رآها كموضحة الرجل وهو قول
ابن شبرمة، وأما القول الخامس فان أبا حنيفة وأصحابه قالوا به فراعوا المجني عليه قالوا:
فإن كان المجني عليه امرأة فبلغت الجناية نصف عشر ديتها فصاعدا فهي على العاقلة فان
بلغت أقل فهي في مال الجاني رجلا كان أو امرأة فإن كان المجني عليه رجلا فبلغت
الجناية نصف عشر ديته فصاعدا فهي على العاقلة فان بلغت أقل ففي مال الجاني رجلا
كانت أو امرأة، والقول السادس كما روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال:
إذا بلغ الثلث فهو على العاقلة وقال لي ذلك ابن أيمن ولا أشك أنه قال فما لم يبلغ الثلث فعلى قوم
الرجل خاصة، والقول السابع كما روي عن ابن وهب أخبرني يونس عن أبي الزناد قال:
كل شئ من جراح أو دم كان خطأ فان عقل ما أتلفت عليه القبيلة من الخطأ على ما ائتلفوا
عليه ان كانت ألفتهم على الكثير وليست على القليل، فان عقل ما ائتلفوا عليه على العاقلة
وعقل ما لم يأتلفوا عليه على الجارح في ماله، وليس بشئ من ذلك اصطلحت عليه القبيلة
بأس، وقد كان عمر بن عبد العزيز الف معقلة قريش إذ كان أميرا على المدينة على
أنهم يعقلون ثلث الدية فما فوقها، وأن ما دون ذلك يكون على الجارح في ماله، والقول
الثامن قاله عثمان البتي. والشافعي ان العاقلة تحمل ما قل أو كثر كما ذكرنا في الباب
الذي قبل هذا من قول عطاء. وغيره ان العاقلة تحمل ثمن العبد ولم يخص قليلا من كثير وهو
قول الحكم بن عتيبة. وحماد بن أبي سليمان. وغيرهم *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في قول من قال: ان الثلث فما دونه في مال الجاني
وان ما زاد على العاقلة فوجدناه لا حجة لهم نعلمها أصلا فسقط هذا القول إذ كل قول
52

لا حجة له فهو ساقط لا يجوز القول به، ثم نظرنا في القول الثاني فوجدناهم يذكرون
ما رواه يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم الف بين الناس في معاقلهم
فكانت بنو ساعدة فرادى على معقلة يتعاقلون ثلث الدية فصاعدا ويكون ما دون ذلك
على من اكتسب وجنى، قال ابن وهب: وحدثني عبد الجبار بن عمر عن ربيعة أنه قال:
عاقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار فجعل العقل بينهم إلى ثلث الدية * وما ناه
حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا الحرث ابن أبي أسامة نا محمد بن عمر
الواقدي نا موسى بن شيبة عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده
قال: كنا في جاهليتنا وإنما نحمل من العقل ما بلع ثلث الدية ونؤخذ به حالا فإن لم
يوجد عندنا كان بمنزلة الذي يتجازى فلما جاء الله تعالى بالاسلام كنا فيمن سن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعاقل بين قريش والأنصار ثلث الدية، وروي عن عمر ولا يعرف
له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في هذا الاحتجاج فوجدناه لا تقوم به حجة
لان الخبرين عن ربيعة مرسلان، أما المسند فهالك البتة لأنه عن الحرث بن أبي أسامة
وهو منكر الحديث ترك بآخرة، وهو أيضا عن الواقدي وهو مذكور بالكذب،
ثم عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك وهو مجهول، ورب مرسل أصح من هذا
قد تركوه كالمرسل في أن في العين العوراء ثلث ديتها. وغير ذلك فسقط هذا القول *
وأما كونه عن عمر رضي الله عنه فهو مرسل عن ابن سمعان وابن سمعان مذكور
بالكذب، ثم لو صح لما كان في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة، وقد جاء عن
عمر بما هو أصح من حكمه في عين الدابة ربع ثمنها وكتابه بذلك إلى القضاة في البلاد
ومن خطبته على الصحابة رضي الله عنهم ان في الضلع جملا وفي الترقوة جملا، ومن
الباطل أن يكون قول عمر قد صح عنه ليس حجة ويكون قول مكذوب لم يصح عنه
حجة فسقط كل ما احتجوا به، ثم نظرنا في قول من قال: لا تحمل العاقلة ما دون نصف
العشر من الدية فلم نجد لهم حجة إلا أن قالوا: ان الأموال لا تحملها العاقلة لأنه ليس
فيها أرش مؤقت لا يتعدى ووجدنا ثلث الدية تحملها العاقلة لان فيها أرشا معلوما
لا يتعدى، فوجب أن يكون كذلك كل ما له أرش محدود فتحمله العاقلة وما لا أرش
له محدود فلا تحمله العاقلة *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا ليس بشئ وقول كاذب وباطل موضوع،
ولا ندري أين وجدوا هذا إلا بظنون، قال الله تعالى: (ان يتبعون إلا الظن وان
53

الظن لا يغني من الحق شيئا) ثم نظرنا في تقسيم أبي حنيفة. ومالك ومراعاة مالك
ثلث دية المرأة إذا كانت هي الجانية أو ثلث دية الرجل إذا كان هو الجاني، ومراعاة
أبي حنيفة نصف عشر الدية في المجني عليه خاصة رجلا كان أو امرأة فوجدناهما
تقسيمين لم يسبق أبا حنيفة إلى تقسيمه في ذلك أحد نعلمه ولا سبق مالكا في تقسيمه
هذا أحد نعلمه، ولئن جاز لأبي حنيفة. ومالك أن يقولا قولا برأيهما لا يعرف له قائل
قبلهما فما حظر الله تعالى قط ذلك على غيرهما ولا أباح لهما من ذلك ما لم يبحه لكل
مسلم دونهما لا سيما من قال بما أوجبه القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان من صوب
لمالك. ولأبي حنيفة قولا بالرأي لم يعرف ان أحدا قال به قبلهما (1) ثم أنكر على من
قال متبعا لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم قولا لم يأت عن أحد قبله أنه قال
به ولاصح اجماع بخلافه فما ترك للباطل شغبا، ثم نظرنا في قول من قال: ما كان
ثلث الدية فصاعدا فعلى العاقلة وما كان أقل من ثلث الدية فعلى قوم الجاني خاصة
فوجدناه لا حجة له فيه فسقط، ثم نظرنا فيما حكاه أبو الزناد من أن الحكم في ذلك
إنما هو على ما ائتلفت عليه القبائل وتراضت به فقط فوجدناه مخبرا عن حقيقة الحكم في
هذه المسألة، وصح باخبار أبي الزناد أن هذا أمر لا سنة فيه وإنما هو تراض فقط
فهذا لا يجوز الحكم به قطعا في دين الله تعالى، ثم نظرنا في قول من قال: ان العاقلة
تحمل القليل والكثير فوجدنا حجتهم ان قالوا: لما حملت الدية بالنص والاجماع
كان حملها لبعض الدية وللقليل أولى إذ من حمل الكثير وجب أن يحمل القليل،
وهذا قياس والقياس كله باطل *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وصح أنها آراء مجردة لا سنة في شئ من ذلك
ولا اجماع وجب الرجوع إلى ما افترض الله تعالى عند التنازع فوجدنا الله تعالى يقول:
(ولا تكسب كل نفس إلا عليها) الآية، وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فوجب أن
لا تلزم العاقلة غرامة أصلا إلا حيث أوجبها النص والاجماع، وقد صح النص بايجاب
دية النفس في الخطأ عليها وصح النص بايجاب الغرة الواجبة في الجنين على العاقلة أيضا
ولم يأت نص ولا اجماع بأن تلزم غرامة في غير ما ذكرنا فوجب أن لا يجب عليها
غرامة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله عليه السلام، ولا يصح فيها كلمة عن صاحب (2)
أصلا، وإنما فيها آثار عن اثنى عشر من التابعين مختلفين غير متفقين، فصح أنها

(1) في النسخة رقم 14 ان أحدا قاله قبلهما
(2) في النسخة رقم 14 من صاحب
54

أقوال عذر قائلها بالاجتهاد وقصد الخير، وبالله تعالى التوفيق *
2142 - مسألة - هل يغرم الجاني مع العاقلة أم لا؟ قال أبو محمد
رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة. ومالك. والليث. وابن شبرمة:
يغرم القاتل خطأ مع عاقلته، وقال الأوزاعي. والحسن. وأبو سليمان. وأصحابنا:
لا يدخل معهم في الغرامة، وقال الشافعي. هي على العاقلة فما عجزت عنه العاقلة فهو في
ماله * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة
لقولها فوجدنا الموجبين على القاتل خطأ أن يغرم مع عاقلته يقولون: ان سعد بن
طارق روى عن نعيم بن أبي هند عن سلمة بن نعيم أنه قال: قتلت يوم اليمامة رجلا
ظننته كافرا فقال: اللهم إني مسلم برئ مما جاء به مسيلمة قال: فأخبرت بذلك عمر
ابن الخطاب فقال: الدية عليك وعلى قومك * قالوا. وروي هذا عن عمر بن عبد
العزيز ولا يعرف لهما من السلف مخالف وقالوا: إنما الغرم على العاقلة تغرم عنه على وجه
النصرة له فهو أولى بذلك في نفسه ما نعلم لهم حجة غير هذا ولا حجة في قول أحد
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * ثم نظرنا في قول الشافعي فوجدناه لا حجة له أصلا لا من
قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب ولا تابع ولا قياس ولا وجدناه لاحد قبله
فسقط وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في قول الأوزاعي. والحسن بن حي. وأبي
سليمان فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بالدية على عصبة العاقلة كما رويناه عن مسلم
ابن الحجاج نا قتيبة - هو ابن سعيد - نا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن
المسيب عن أبي هريرة أنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في جنين امرأة من بني لحيان
سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بان ميراثها لبنيها وزوجها وان العقل على عصبتها * ومن طريق مسلم نا اسحق
ابن إبراهيم نا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن
عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة قال: ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها
وإحداهما لحيانية فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة
القاتلة وغرة لما في بطنها فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم دية من لا أكل ولا نطق
ولا استهل فمثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسجع كسجع الاعراب
وجعل عليهم الدية " فهذا نص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة
الجانية من الدية جملة وان ميراثها لزوجها وبنيها لا مدخل للغرامة فيه والدية على
عصبتها وهي ليست عصبة لنفسها لا في شريعة ولا في لغة فصح يقينا أنه لا يغرم الجاني
55

خطأ من دية النفس ولا من الغرة شيئا *
قال أبو محمد رحمه الله: فان عجزت العاقلة فالدية. والغرة على جميع المسلمين
في سهم الغارمين من الزكاة لأنهم غارمون فحقهم في سهم الغارمين بنص القرآن،
ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بالدية على أوليائها * وبرهان آخر وهو أن الأموال
محرمة إلا بنص أو اجماع، وقد صح النص واجماع أهل الحق على أن العاقلة تغرم الدية،
ولم يأت نص ولا اجماع بان القاتل يغرم معهم شيئا فلم يحل أن يخرج من ماله شئ،
وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: والعجب من احتجاجهم بعمر رضي الله عنه وهم قد
خالفوه في هذا المكان نفسه وفي غيره فمها حضرنا ذكره من ذلك ما رويناه عن معمر عن
قتادة أن رجلا فقأ عين نفسه خطأ فقضى له عمر بن الخطاب بالدية فيها على العاقلة
وهم لا يقولون بهذا *
2143 مسألة كم يغرم كل رجل من العاقلة؟ * قال أبو محمد رحمه الله:
قد قلنا: من العاقلة، ثم وجب النظر أيدخل فيها الصبيان والمجانين والنساء والفقراء
أم لا؟ فنظرنا في ذلك بعون الله تعالى فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم إنما قضى بالدية على العصبة
وليس النساء عصبة أصلا ولا يقع عليهن هذا الاسم والأموال محرمة إلا بنص أو
اجماع ولا نص ولا اجماع في إيجاب الغرم على نساء القوم في الدية التي تغرمها العاقلة،
ثم نظرنا في الفقراء فوجدنا الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (ولينفق ذو
سعة من سعته) إلى قوله: (الا ما آتاها) فهذا عموم في كل نفقة في بر يكلفها
المرء لا يجوز أن يخص بهذا الحكم نفقة دون نفقة لأنها قضية قائمة بنفسها فلا يحل
القطع لاحد بان الله تعالى إنما أراد بذلك ما قبلها خاصة فصح يقينا أن الفقراء خارجون
مما تكلفه العاقلة، ثم نظرنا في الصبيان والمجانين فوجدنا اسم عصبة يقع عليهم ولم نجد
نصا ولا اجماعا على اخراجهم عن هذه الكلفة بل قد وجدنا أحكام غرامات الأموال
تلزمهم كالزكاة التي قد صح النص بايجابها عليهم وأجمع الحاضرون من المخالفين معنا
على أن زكاة ما أخرجت الأرض والثمار عليهم وان زكاة الفطر عليهم وان
النفقات على الأولياء والأمهات عليهم ولم نحتج بهذا لأنفسنا لكن على المخالفين لنا
لأنهم يزعمون أنهم أصحاب قياس وقد أجمعوا على وجوب كل ما ذكرناه في أموال
الصبيان والمجانين فما الفرق بين لزوم النفقات والزكوات لهم وبين لزوم الدية
مع سائر العصبة لهم؟ لا سيما وهم يرون الدية في مال الصبي والمجنون إذا قتل ويرون
56

أروش الجراحات عليهم أيضا، وهذا تناقض لا خفاء به * فان قالوا: فأنتم لا ترون
الدية عليهم ولا عنهم فما جنوه ثم ترونها عليهم فيما جناه غيرهم قلنا: نعم لأننا لا نقول
بالمقاييس في الدين، ولا أن الشريعة موضوعة على ما توجبه الآراء بل نكفر بهذا
القول ونبرأ إلى الله تعالى منه، وقد وجدنا القاتل يقتل عددا من المسلمين ظلما فيعفو عنه
أولياؤهم فيحرم دمه ويمضي سالما لا شئ عليه، ثم يسرق دينارا أو يزني بأمة سوداء فيعفو عنه
رب الدينار وسيد السوداء فلا يسقط عنه القطع ولا القتل بالحجارة إن كان محصنا و أين
هذا والدينار من قتل النفس المحرمة؟ ووجدناكم تقولون: ان زكاة الفطر على المرأة
ولا تؤديها عن نفسها بل يؤديها عنها غيرها - وهو زوجها - ويقول الحنيفيون: الأضحية
فرض على المرأة فلا تؤديها هي لكن يؤديها عنها زوجها، فإذا قلتم هذا حيث لم يوجبه
الله سبحانه وتعالى ولا رسوله عليه السلام وأنتم أهل آراء وقياس في الدين فنحن أولى بان
نقول ما أوجبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين * فان قيل فان احتجاجكم
بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة - فذكر - الصبي حتى يبلغ والمجنون
حتى يفيق " قلنا نحن ولله الحمد قائلون به ومسقطون عن الصبي والمجنون كل حكم ورد
بخطاب أهل ذلك الحكم لأنهما غير مخاطبين بيقين لا شك فيه فهما خارجان عمن خوطب
بذلك الحكم ونحن نلزمهما كل غرامة في مال جاء الحكم في ذلك المال بغير خطاب
لأهله والحكم ها هنا جاء بان النبي صلى الله عليه وسلم حكم بان الدية والغرة على عصبة القاتلة ولم
يخاطب العصبة ولا التفت عليه السلام إلى اعتراض من اعترض منهم بل انفذ الحكم
عليهم فنحن ننفذ الحكم بايجاب الدية في مال العصبة ولا نبالي صبيانا كانوا أو مجانين
أو غيبا أو حاضرين ولم نوجب ذلك فيما جناه صبي أو مجنون لان الدية إنما وجبت
بنص القرآن فيما قتله مخاطب بالكفارة وليس هذا من صفات الصبيان والمجانين،
والحمد لله رب العالمين *
قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا في مقدار ما يؤخذ من كل انسان من العصبة
فوجدنا قوما قالوا: لا يؤخذ من كل واحد إلا أربعة دراهم أو ثلاثة، وقوما قالوا:
يؤخذ من الغني نصف دينار ومن المقل ربع دينار فكانت هذه حدودا لم يأت
بها حكم من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم فوجب أن لا يلتفت
ووجب أن ننظر ما الواجب في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها)، وقال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال تعالى:
(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية وبالغرة
57

على العاقلة فوجب أن يحملوا من ذلك ما يطيقون وما لا حرج عليهم فيه وما لا يبقون
بعده في عسر فان الله تعالى لم يرد ذلك - أعني العسر بنا - قط فيؤخذ من مال المرء ما لا
يبقى بعده معسرا أو يعدل بينهم في ذلك فيمن احتمل ماله أبعرة كثيرة ولم يجحف ذلك
به كلف ذلك، ومن لم يحتمل الا جزءا من بعير كذلك أشرك بين الجماعة منهم في
البعير هكذا حتى تتم الدية وهكذا في حكم الغرة وبالله تعالى التوفيق، إنما ننظر إلى
مال المرء منهم وعياله فيفرض الدية والغرة على الفضلات من أموالهم التي يبقون
بعدها لو ذهبت أغنياء فيعدل بينهم في ذلك كما قال تعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى)
والعدل هو الاخذ بالسنة لا بان يساوي بين ذي الفضلة القليلة والفضلة الكثيرة
فيؤخذ منهم سواء لكن يؤخذ من الكثير كثير ومن القليل قليل، وهذا قول أصحابنا
وهو الحق وبالله تعالى التوفيق *
2144 مسألة: هل يعقل عن الحليف وعن المولى من أسفل أو من
فوق؟ وعن العبد أم لا؟ وهل يعقل عمن أسلم على يديه أم لا؟ وهل ينتقل الولاء
بالعقل أم لا؟ قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم: يعقل عن المولى المعتق مواليه من
فوق كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح
نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال:
اختصم علي. والزبير في موال لصفية. فقضى عمر بن الخطاب بان الميراث للزبير والعقل
على علي، وعن إبراهيم النخعي في رجل أعتقه قوم وأعتق إباه آخرون قال: يتوارثون
بالأرحام والعقل على الموالي * وعن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب ان
رجلا يموت قبلنا وليس له رحم ولا ولي فكتب إليه عمر ان ترك ذا رحم فالرحم
والا فالولاء والا فبيت المال يرثونه ويعقلون عنه، وعن مجاهد قال: ان رجلا أتى
عمر بن الخطاب فقال: ان رجلا أسلم على يدي فمات وترك ألف درهم فتحرجت
منها فرفعتها إليك فقال: أرأيت لو جنى جناية على من كانت تكون؟ قال علي: قال
فميراثه لك، وعن معمر عن الزهري قال قال عمر بن الخطاب: إذا والى الرجل
رجلا فله ميراثه وعلى عاقلته عقله، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت
لعطاء أبي القوم أن يعقلوا عن مولاهم أيكون مولى من عقل عنه فقال: قال معاوية:
اما ان يعقلوا عنه واما أن نعقل عنه وهو مولانا، قال عطاء: فان أبى أهله أن يعقلوا
عنه وأبى الناس فهو مولى المصاب، وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: إذا
أبت العاقلة أن يعقلوا عن مولاهم أجبروا على ذلك، وعن إبراهيم النخعي إذا أسلم
58

الرجل على يدي الرجل فله ميراثه ويعقل عنه، وعن الحكم بن عتيبة في رجل تولى
قوما قال: إذا عقل عنهم فهو منهم * قال أبو محمد رحمه الله: وقالت طائفة: غير هذا
كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن حميد أن مولى لبني جشم
قتل رجلا خطأ فسأل عدي بن أرطأة الحسن البصري عن ذلك؟ فقال: لا تعقل العرب
عن الموالي، وقال أبو حنيفة. ومالك: تعقل العاقلة عن المولى والحليف، وقال
أبو حنيفة: من والى غير من أعتقه لكن من أسلم على أيديهم فله أن ينتقل عنهم ويوالي
غيرهم ما لم يعقلوا عنه فإذا عقلوا عنه فلا يمكنه الانتقال عنهم بولاية أبدا، وقال أبو سليمان
وأصحابنا: لا تعقل العاقلة عن الموالي من أسفل ولا عن المولى من فوق ولا عن
الحليف ولا عن العبد، فلما اختلفوا وجب أن نخلص أقوالهم ثم نذكر كل ما احتجت
به كل طائفة لقولها ليظهر الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه *
(فكان الحاصل) من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان الموالي من فوق يعقلون
عن الموالي الذين أعتقوه أو أعتقه من هو منهم وأن ذوي الرحم أولى بالميراث من الموالي
الذين أعتقوه ثم المعتقون ثم المسلمون، وظاهر هذا أن كل من ذكرنا يعقل عنه
وان من أسلم على يد انسان فولاؤه له يرثه ويعقل عنه، وصح من قول معاوية أن
الموالي من فوق يعقلون عمن أعتقوه فان أبوا عقل عنهم الامام وزال ولاؤه عن الذين
أعتقوه إلى الذي عقل عنه وهذا صحيح عن معاوية ثابت لان عطاء بن أبي رباح أدركه،
وصح عن إبراهيم النخعي أن المعتقين يعقلون عن مولاهم الذي أعتقوه وعمن أسلم على
يدي رجل منهم، وصح عن الحسن أنه لا يعقل المعتقون عمن أعتقوا *
قال أبو محمد رحمه الله: فوجب أن ننظر في طلب البرهان فيما اختلفوا فيه من
ذلك مما أوجب الله تعالى علينا وهو القرآن والسنة فوجدنا من يقول: ان المعتقين
يعقلون عمن أعتقوه يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مولى
القوم منهم "، وقال عليه السلام: " كل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الاسلام إلا شدة "
كما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير. وأبو أسامة عن
زكريا عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا حلف في الاسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الاسلام الا شده " * ومن
طريق مسلم ني زهير بن حرب نا إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية - نا أيوب السختياني عن أبي
قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين قال كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت
ثقيف رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من
59

من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فاتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق فقال: يا محمد
فاتاه فقال: ما شأنك؟ فقال بم أخذتني وأخذت سابقة الحاج؟ قال: اعظاما لذلك أخذتك
بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف فناداه يا محمد يا محمد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقا
فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ فقال: اني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت
كل الفلاح وذكر باقي الحديث، قالوا: فإذ المولى من القوم والحليف من القوم وهم
مأخوذون بجريرته فالعقل عليه *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذه الأخبار في غاية الصحة إلا انهم لا حجة لهم
في شئ منها، أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم " فحق لا شك فيه وليس
كونه منهم موجبا أن يعقلوا عنه لأنه صلى الله عليه وسلم قد قال أيضا: ابن أخت القوم منهم ولم
يكن ذلك. موجبا عندهم أن يعقلوا عنه كما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد
ابن جعفر - هو غندر - نا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال:
" جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار وقال: أفيكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا الا
ابن أخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان ابن أخت القوم منهم " وذكر الحديث،
فبطل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم " أن يكون موجبا لان يعقل عنهم
أو يعقلوا عنه إذ لا يقتضي قوله عليه السلام " مولى القوم منهم " أن يعقلوا عنه، وأما
حديث عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعقيلي: " أخذتك بجريرة حلفائك
من ثقيف " فلا حجة لهم فيه أصلا لوجوه، أحدها أنه صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منه إذ أخذه
مسلما حراما أخذه لولا جريرة حلفائه بل أخذ كافرا حلالا أخذه ودمه وماله على
كل حال إلا أنه تأكد أمره من اجل جريرة حلفائه فقط، ولسنا في هذه المسألة إنما
نحن في مسلمين حرام دماؤهم وأموالهم هل يؤخذون بجريرة حلفائهم أم لا، وثانيها
أن مثل تلك الجريرة لا يختلف اثنان من أهل الاسلام في أنه لا يحل أن يؤخذ
بها مسلم عن مسلم ولو أن حلفاء الانسان أو اخوانه أو أباه أو ولده يأسر رجلا من
المسلمين أو يقطع الطريق لم يحل لاحد أن يأخذ حليفه ولا أخاه ولا ابنه ولا أباه
عنه، وثالثها أن هذا قياس والقياس كله باطل لأنه قياس الشئ على ضده وقياس
مؤمن على كافر وجناية قتل خطأ على أسر كفار لمؤمن وهذا تخليط ممن موه بهذا
الخبر فحرفه عن موضعه، وأما حديث جبير بن مطعم لا حلف في الاسلام وكل
حلف كان في الجاهلية فلم يزده الاسلام الا شدة فلا متعلق لهم به لأننا لم نخالفهم في
بقاء حلف الجاهلية وابطال الحلف في الاسلام فيحتجوا علينا بهذا الخبر، وإنما الكلام
60

هل يعقل الحلفاء بعضهم عن بعض أم لا وليس في هذا الخبر شئ من هذا المعنى وما
معنى بقاء الحلف إذا قلنا: معناه ظاهر وهو أن يكونوا معهم كأنهم منهم فإذا غزوا
غزوا معهم وإذا كانت لهم حاجة تكلموا فيها كما يتكلم الأهل وما أشبه ذلك، وأما
ايجاب غرامة فلا، وقد روينا من طريق مسلم نا أبو جعفر بن محمد بن الصباح انا
حفص بن غياث نا عاصم الأحول قال: قيل لانس بن مالك بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حالف بين قريش والأنصار في داره، وفي حديث آخر لمسلم عن أنس في داره بالمدينة *
قال علي رحمه الله: فهذا أعظم حجة في ابطال أن يعقل الحليف عن حليفه لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم حالف بين قريش والأنصار ولاحلف أقوى
وأشد من حلف عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو عقل الحلفاء عن الحليف لوجب أن
تعقل قريش عن الأنصار والأنصار عن قريش وهذا ما لا يقولونه *
قال أبو محمد رحمه الله: فواجب أن نطلب معرفة الوقت الذي قطع فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم الحلف في الاسلام فذكر عن عمر بن الخطاب من طريق
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال: ان كل
حلف كان قبل الحديبية فهو مشدود. وكل حلف كان بعد الحديبية فهو منقوض لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وادع قريشا يوم الحديبية كتب عليه السلام حينئذ بينه وبينهم
أنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها دخل ومن أحب أن يدخل في عهد
محمد صلى الله عليه وسلم وعقده دخل وقضى عثمان أن كل حلف كان قبل الهجرة فهو جاهلي ثابت
وكل حلف كان بعد الهجرة فهو في الاسلام وهو مفسوخ قضى بذلك في قوم من بني بهز
من بني سليم، وقضى علي بن أبي طالب ان كل حلف كان قبل نزول لإيلاف قريش
فهو جاهلي ثابت وكل حلف كان بعد نزولها فهو اسلامي مفسوخ لان من حالف
ليدخل في قريش بعد نزول لإيلاف قريش ممن لم يكن منهم لم يكن بذلك داخلا فيهم
قضى في ذلك في حلف ربيعة العقيلي في جعفي وهو جد إسحاق بن مسلم العقيلي، وقال
ابن عباس: كل حلف كان قبل نزول (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون)
إلى قوله (فآتوهم نصيبهم) فهو مشدود وكل حلف كان بعد نزولها فهو مفسوخ،
فوجب أن ننظر في الصحيح من ذلك، فأما قول عثمان رضي الله عنه ان حد انقطاع
الحلف إنما هو أول وقت الهجرة فلا يصح لان انسا روى كما ذكرنا ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم حالف بين قريش والأنصار بالمدينة، ولا يشك أحد في أن هذا الحلف كان
بعد الهجرة، وأما قول عمر رضي الله عنه في تحديده انقطاع الحلف بيوم الحديبية فهذا
61

أيضا متوقف لان حلف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار كان بعد الهجرة ولا ندري
أقبل الحديبية أم بعدها فأما نزول لإيلاف قريش والآية الأخرى فما ندري متى نزلتا
لان جبير بن مطعم - راوي كل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الاسلام الا شده - لم
يسلم الا يوم الفتح فلا يحمل هذا الخبر الا على يوم الفتح والله أعلم، فبطل تعلقهم
بهذه الاخبار جملة، قال أبو محمد رحمه الله: فوجب علينا أن نطلب حكم هذه المسائل
من غيره هذه الأخبار فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى بالدية على العصبة هكذا جاء
النص في خبر دية القاتلة فوجب أن تكون الدية على العصبة ومن هم العصبة؟ فوجدنا
النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم بميراث القاتلة لبينها وزوجها وحكم بالدية على عصبتها فبطل أن
تكون الورثة هم العصبة بخلاف ما قال الشعبي قال: العقل على من له الميراث فإذ ذلك
كذلك فلعل محتجا يحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت
الفرائض فالأولى رجل ذكر فيقول. ان هذا حكم المولى من فوق فيقال له: نعم هذا
صحيح وهذا حكم المواريث لا حكم العاقلة لأنه قد ترث بالولاء المرأة إذ أعتقت
مولى لها وليست المرأة من العصبة *
2145 مسألة تعاقل أهل الذمة * روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة
نا حفص بن غياث نا عمرو - هو ابن عبيد - أن الحسن كان يقول في المعاهد يقتل
قال: ان كانوا يتعاقلون فعلى العواقل وإن كان لافدين عليه في ماله وذمته *
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أيضا نا حفص بن غياث عن أشعث عن الشعبي
في المعاهد يقتل قال ديته لمسلمين وعقله عليهم * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة
أيضا نا محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في رجل من أهل الذمة فقأ عين
رجل مسلم قال: ديته على أهل طسوجه (1)، فهذه أقوال منها أن أهل اقليمه يعقلون عنه
وهو ليس بشئ لان أهل طسوجة لا يسمون عصبة له بلا خلاف، وقول آخر ان
عقله على المسلمين وهذا كذلك إذا لم تكن له عصبة فإن كان له عصبة فعقل من قتل
خطأ والغرة تجب عليه وعلى عصبته كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخص بذلك عربا
من عجم بل جعل على كل بطن عقوله فعم، وما ينطق عن الهوى وما كان ربك نسيا *
2146 - مسألة - حكم ما جنى العبد في ذلك أن قتل العبد أو المدبر أو أم
الولد أو المكاتب مسلما خطأ أو جنوا على حامل فأصيب جنينها فقد بينا ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك وهو الذي قضاؤه من قضاء الله تعالى (2) أن الدية والغرة على

(1) بفتح الطاء المهملة وضم السين المهملة المشددة الناحية
(2) في النسخة رقم 14 من قضاء ربه تعالى
62

عصبة الجاني في ذلك وان على كل بطن عقوله ولم يخص حرا من عبد (وما ينطق عن
الهوى ان هو إلا وحي يوحى) وما كان ربك نسيا، ونحن نشهد بشهادة الله تعالى
ان الله تعالى لو أراد أن يخص حرا من عبد لبينه ولما أهمله ولا أغفله وقد قال تعالى:
(لتبين للناس ما نزل إليهم) فكل ما لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فصله فهو باطل ما أراده
الله تعالى قط وقد حكم عليه السلام على كل بطن عقوله، والبطون هي الولادات أبا
بعد أب فهي في العجم كما هي في العرب، وفي الأحرار كما هي في العبيد فواجب أن
كل من كان من العبيد يعرف نسبه وله عصبة كقرشي أو عربي أو عجمي تزوج
أمة فرق ولدها منها فان الدية على عصبته، فان قيل: إنهم لا يرثونه قلنا: نعم وقد
بينا أن الدية على العصبة لا على الورثة بنص حكم النبي عليه الصلاة والسلام وهو الحق
المقطوع به عند الله تعالى وانه لم يرد قط غيره مما لم يأت به قرآن ولا سنة *
2147 مسألة: من لا عاقلة له، اختلف الناس في هذا فقالت طائفة على المسلمين
كما روينا أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب ان الرجل يموت بيننا ليس
له رحم ولا مولى ولا عصبة فكتب إليه عمر ان ترك رحما فرحم والا فالمولى ولا فلبيت
مال المسلمين يرثونه ويعقلون عنه، وقالت طائفة: عقله على عصبة أمه كما روينا أن
علي بن أبي طالب لما رجم المرأة قال لأوليائها هذا ابنكم ترثونه ويرثكم وأن جنى جناية
فعليكم * وعن إبراهيم قال: إذا لاعن الرجل امرأته فرق بينهما ولا يجتمعان أبدا وألحق
الولد بعصبة أمه وترثه ويعقلون عنه * وعن إبراهيم أيضا - وهو النخعي - في ولد الملاعنة
قال: ميراثه كله لامه ويعقل عنه عصبتها، وكذلك ولد الزنا وولد النصراني وأمه مسلمة
وقالت طائفة: على من كان مثله كما روينا عن ميمون بن مهران أن رجلا من أهل
الجزيرة أسلم وليس له موال فقتل رجلا خطأ فكتب عمر بن عبد العزيز ان اجعلوا هادية
على نحوه ممن أسلم، وقالت طائفة: على من كان مثله وقالت طائفة لا شئ في ذلك كما روينا
من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال زعم عطاء أن سائبة من سيب مكة أصابت انسانا
فجاء إلى عمر بن الخطاب فقال له عمر: ليس لك شئ أرأيت لو شججته قال آخذ له منك
حقه ولا تأخذ لي منه قال لا قال هو إذا الأرقم ان يتركني ألقم وأن يقتلوني أنقم قال عمر:
فهو الأرقم (1) *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في هذا فوجدنا الله سبحانه وتعالى يقول:
(ومن قتل مؤمنا خطأ) الآية، ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد

(1) الأرقم هو الحية التي فيها سواد وبياض والأراقم حي من تغلب وهم جشم
63

قضى مجملا في الجنين بغرة عبد أو أمة فكان هذان النصان عامين لكل من له عاقلة
ولكل من لا عاقلة له ولا عصبة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تضى
بالدية والغرة على العصبة لم يقل: انه لا يجب من ذلك شئ على من لا عصبة له فإذ لم
يقل وقضى بالغرة جملة وقضى الله تعالى بدية مسلمة إلى أهل المقتول خطأ عموما
كان ذلك واجبا فيمن قتله خطأ من له عصبة ومن لا عصبة له، وكذلك الغرة
فوجب أن لا تسقط الدية ولا الغرة ههنا أيضا إذ لم يسقطها نص من الله تعالى ولا
من رسوله عليه السلام فنظرنا في هذه الأقوال فوجدنا من جعلها في مال الجاني أو على
عصبة أمه أو على مثله ممن أسلم قد خص بالغرامة قوما دون سائر الناس وهذا
لا يجوز لأنه صلى الله عليه وسلم قال: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلم يجز أن يغرم
أحد غرامة لم يأت بايجابها نصي ولا اجماع، ولم يقل الله تعالى ولا رسوله عليه السلام
أن الدية يغرمها الأخوال ولا الجاني ولا من أسلم مع الجاني فلا يجوز تخصيصهم لأنهم
وغيرهم سواء في تحريم أموالهم *
قال أبو محمد: رحمه الله فلم يبق الا قول من قال إن الدية والغرة في سهم الغارمين
من الصدقات أو بيت مال المسلمين في كل مال موقوف لجميع مصالحهم فوجب القول بهذا
لان الله تعالى أوجب الدية في كل مؤمن قتل خطأ وأوجب الغرة في كل جنين أصيب
عموما إلا ولد الزنا وحده ومن لا يلحق بمن حملت به أمه فقط لان الولادات متصلة
من آدم عليه السلام الينا وإلى انقراض الدنيا أبا بعد أب فكل من على ظهر الأرض
من ولد آدم فله عصبة يعلمها الله تعالى وان بعدوا عنه ولا بد الا من ذكرنا، فان كانت
العصبة مجهولة أو كانوا فقراء فبيقين ندري أن الله تعالى إذ أوجب عليهم الدية والغرة
وخفي أمرهم فهم عند الله تعالى من الغارمين فحقهم في سهم الغارمين من الصدقات
واجب فتؤدى عنهم من ذلك، وأما من لم يكن له أب كولد الزنا. وابن الملاعنة
ومن زفت إليه غير امرأته وولد المرأة من المجنون يغتصبها ونحو ذلك فهذا لا عصبة
له بيقين أصلا لكن الله تعالى قد أوجب في قتل الخطا الدية وفي الجنين الغرة على جميع
أهل الاسلام عاما لا بعضهم دون بعض فلا يجوز أن يخص بعضهم دون بعض،
وهكذا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل إذ ودى عبد الله بن سهل رضي الله عنه من الصدقات
مائة من الإبل، وقد ذكرناه باسناده في كتاب القسامة إذ لم يعرف من قتله
وبالله تعالى التوفيق *
2148 مسألة: القسامة * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في القسامة
64

على أقوال نذكر منها ما يسر الله تعالى منها إن شاء الله تعالى (1) على حسب ما وردت
عمن جاء عنه في ذلك أثر عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم عن التابعين رحمهم الله، ثم عمن
بعدهم إن شاء الله تعالى، ثم نذكر حجة كل طائفة لقولها بعون الله تعالى ومنه ليلوح
من ذلك الحق كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن عمر قال: لم
يقد أبو بكر. ولا عمر بالقسامة * روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد السلام بن
حرب عن عمرو - هو ابن عبيد - عن الحسن البصري أن أبا بكر والجماعة الأولى لم يكونوا
يقيدون بالقسامة * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد
الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: انطلق رجلان من أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب
فوجداه قد صدر عن البيت عامدا إلى منى فطاف بالبيت ثم أدركاه فقصا عليه
قصتهما فقالا: يا أمير المؤمنين ان ابن عم لنا قتل نحن إليه شرع سواء في الدم وهو
ساكت لا يرجع
ساكت لا يرجع إليهما شيئا حتى ناشداه الله فحمل عليهما ثم ذكراه الله فكف عنهما
ثم قال عمر بن الخطاب: ويل لنا إذا لم نذكر (2) بالله وويل لنا إذا لم نذكر الله
فيكم شاهدان ذوا عدل يجيئان به على من قتله فنقيدكم منه والا حلف من يدرأكم
بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا؟ فان نكلوا حلف منكم خمسون ثم كانت لكم الدية ان القسامة
تستحق بها الدية ولا يقاد بها * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي الزناد
عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب استحلف امرأة خمسين يمينا ثم جعلها دية * ومن
طريق عبد الرزاق عن أبي بكر بن عبد الله عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أن عمر
ابن الخطاب قال في القتيل يوجد في الحي يقسم خمسون من الحي الذي وجد فيه بالله
ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فان حلفوا بروا وان لم يحلفوا أقسم من هؤلاء خمسون بالله
ان دمنا فيكم ثم يغرمون الدية * روينا من طريق البخاري نا قتيبة نا أبو بشر إسماعيل
ابن إبراهيم الأسدي نا حجاج بن أبي عثمان ني أبو رجاء من آل أبي قلابة حدثني أبو قلابة
أنه قال لعمر بن عبد العزيز كانت هذيل خلعوا حليفا لهم في الجاهلية وطرق أهل بيت
من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله فجاءت هذيل فاخذوا
اليماني فرفعوه إلى عمر بن الخطاب بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا قال: انهم خلعوه قال:
يقسم خمسون من هذيل ما خلعوا فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلا وقدم رجل من
الشام فسألوه ان يقسم فافتدى يمينه منهم بألف درهم فأدخلوا مكانه آخر فدفعه عمر
إلى أخي المقتول فقرنت يده بيده فانطلقا وذكر الخبر * وعن الضحاك عن محمد بن المنتشر

(1) في النسخة رقم 14 بحوله وقوته
(2) في النسخة اليمنية إذ لم يذكر
65

قال: ان قتيلا قتل باليمن بين حبين فأمرهم عمر بن الخطاب أن يقيسوا بين الحيين
فكان إلى وداعة أقرب فأمرهم عمران يقسموا ثم يدوا، وعن الشعبي في قتيل وجد
في وداعة باليمن فأدخل عمر بن الخطاب الحطيم منهم خمسين رجلا منهم
ثم استحلفهم رجلا رجلا بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فقال لهم: أدوا وحولوا فقالوا:
يا أمير المؤمنين تغرمنا وتحلفنا؟ قال: نعم * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي
نا إسماعيل بن أبي أويس نا أخي عن سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان أخبرني ابن
شهاب أن عمر بن عبد العزيز سأله عن القسامة؟ قال: فقلت له: كانت من أمر الجاهلية
أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن من سنتنا وما بلغنا أن القتيل إذا
تكلم برئ أهله وان لم يتكلم حلف المدعى عليهم وذلك فعل عمر بن الخطاب والذي
أدركنا عليه الناس، وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه
قضى بالبينة على الطالب والايمان على المطلوب إلا في الدم، فهذا مما روي عن عمر رضي
الله عنه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كتب إلى سليمان بن
هشام يسئل عن رجل وجد مقتولا في دار قوم فقالوا: طرقنا ليسرقنا، وقال أولياؤه:
كذبوا بل دعوه إلى منزلهم، ثم قتلوه قال الزهري: فكتب إليه يحلف من أولياء
المقتول خمسون انهم لكاذبون ما جاء ليسرقهم وما دعوه الا دعاء ثم قتلوه فان
حلفوا أعطوا القود وان نكلوا حلف من أولئك خمسون بالله لطرقنا ليسرقنا
ثم عليهم الدية، قال الزهري: وقد قضى بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه في ابن
باقرة التغلبي أبى قومه أن يحلفوا فأغرمهم الدية، فهذا ما جاء عن عثمان رضي الله عنه *
وروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر
محمد بن علي بن الحسين أن علي بن أبي طالب كان إذا وجد القتيل بين قريتين قاس ما بينهما *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال قال علي بن أبي طالب: أيما رجل قتل بفلاة من
الأرض فديته من بيت المال لكي لا يطل دم في الاسلام، وأيما قتيل وجد بين قريتين
فهو على أصقبهما - يعني أقربهما - * وعن علي بن أبي طالب أنه استحلف المتهم وتسعة
وأربعين معه تمام خمسين، فهذا ما جاء في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه *
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا أبو معاوية عن مطيع عن فضيل بن عمرو عن ابن
عباس أنه قضى بالقسامة على المدعى عليهم * ومن طريق عبد الرزاق عن إبراهيم - هو
66

ابن أبي يحيى - عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا قسامة إلا
أن تكون بينة يقول: لا يقتل بالقسامة ولا يطل دم مسلم. هذا نص الحديث، فهذا ما جاء
عن ابن عباس رضي الله عنه، وعن ابن الزبير أنه أقاد بالقسامة، وعن عبد الله بن أبي
مليكة قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن القسامة فأخبرته أن عبد الله بن الزبير
أقاد بها. وان معاوية لم يقد بها، وعن ابن المسيب أن القسامة في الدم لم تزل على خمسين
رجلا فان نقصت قسامتهم أو نكل منهم رجل واحد ردت قسامتهم حتى حج معاوية
فاتهمت بنو أسد بن عبد العزى مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. ومعاذ
ابن عبيد الله بن معمر التيمي. وعقبة بن جعونة بن شعوب الليثي بقتل إسماعيل بن
هبار فاختصموا إلى معاوية إذ حج ولم يقم عبد الله بن الزبير بينة الا بالتهمة فقضى
معاوية بالقسامة على المدعى عليهم وعلى أوليائهم فأبى بنو زهرة. وبنو تيم. وبنو ليث
أن يحلفوا عنهم فقال معاوية لبني أسد: احلفوا فقال ابن الزبير نحلف نحن على الثلاثة
جميعا فنستحق فأبى معاوية أن يقسموا الا على واحد فقصد معاوية القسامة فردها
على الثلاثة الذين ادعى عليهم فحلفوا خمسين يمينا بين الركن والمقام فيرؤا وكان ذلك
أول ما قصرت القسامة ثم قضى بذلك مروان. وعبد الملك، ثم ردت القسامة إلى
الأمر الأول، وأما توحيد الايمان فروى عن سفيان الثوري عن عبد الله بن يزيد
عن أبي مليح أن عمر بن الخطاب ردد الايمان عليهم الأول فالأول * وأما التابعون
فإننا روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن يونس بن عبيد عن
الحسن في القتيل يوجد غيلة قال: يقسم من المدعى عليهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا
قاتلا فان حلفوا فقد برؤا وان نكلوا أقسم من المدعين خمسون ان دمنا قبلكم ثم
يودوا، وعن الحسن يستحقون بالقسامة الدية ولا يستحقون بها الدم، وعن عبد الله
ابن عمر أنه سمع أصحابا له يحدثون (1) أن عمر بن عبد العزيز برأ المدعى عليهم
باليمين ثم ضمنهم العقل، وعن أبي مليكة أن عمر بن عبد العزيز أقاد بالقسامة
في امارته بالمدينة، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري أن عمر بن عبد العزيز لما رأى الناس
يحلفونا على القسامة بغير علم استحلفهم وألزمهم الدية ودرأ عن القتل * وعن عبد
الرحمن بن عبد الله بن ذكوان عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز أنه ردد الايمان على
سبعة نفر أحدهم جان، وعن شريح قال: تردد الايمان عليهم الأول فالأول، وعن
محمد بن سيرين ان قوما ادعوا على قوم قتيلا فاستحلف شريح خمسين منهم فحلف

(1) في النسخة اليمنية سمع أصحابه يتحدثون
67

كل رجل منهم بالله ما قتلت ولا علمت قاتلا فاستحلفهم فقال شريح. أثمهم وأنا أعلم
فلم يتموا خمسين رجلا فردد عليهم أيمان نفر منهم تمام الخمسين، وعن إبراهيم قال:
القود بالقسامة جور يستحق بها الدية ولا يقاد بها * ومن طريق أبي بكر بن أبي
شيبة حدثنا ابن علية عن يحيى بن أبي إسحاق قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر
يقول وقد تيسر قوم من بني ليث ليحلفوا الغد في القسامة فقال يا لعباد الله لقوم يحلفون على ما لم
يروه ولم يحضروه ولم يشهدوه ولو كان لي من الامر شئ لعاقبتهم ولنكلتهم ولجعلتهم نكالا
وما قبلت لهم شهادة، ومن طريق البخاري نا قتيبة نا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي نا
حجاج بن أبي عثمان ني أبو رجاء من آل بني قلابة نا أبو قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره
يوما للناس ثم إذن لهم، فدخلوا فقال ما تقولون في القسامة فقالوا: القود بها حق وقد اقادت
بها الخلفاء فقال لي: ما تقول يا أبا قلابة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤس الأخيار
واشراف العرب أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى
لم يروه أكنت ترجمه؟ قال. لا قلت أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص
أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا قلت فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط
إلا في إحدى ثلاث خصال رجل قتل بجريرة نفسه فقتل أو رجل زنى بعد احصان أو رجل
حارب الله ورسوله وأرتد عن الاسلام. قال الزهري: ودعاني عمر بن عبد العزيز فقال
: يا بني أريد أن أدع القسامة يأتي رجل من أرض كذا وآخر من ارض كذا فيحلفون
فقلت له: ليس ذلك لك قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وانك إن تركتها أو شك
رجل ان يقتل عند بابك فيبطل دمه وأن للناس في القسامة حياة، وقال الزهري في رجل
أتهم بقتله اخوان فخاف أبوهما أن يقتلا فقال: أنا قتلت صاحبكم فقال كل واحد من
الأخوين أنا قتلته وبرأ بعضهم بعضا قال الزهري: أرى ذلك إلى أولياء الميت فيحلفون
قسامة الدم على أحدهم، وعن ابن شهاب قال في ثلاثة اعترف كل واحد منهم بقتل انسان
وبرأ صاحبه أن الأولياء يقسمون على واحد ويجلد الآخر ان مائة مائة ويسجنان سنة فان
اصطلحوا على الدية فهي عليهم كلهم ويجلدون كلهم مائة مائة ويسجنون سنة، وعن سعيد
ابن المسيب أخبرهم ان ربيعة بن يعقوب مولى بني سباع ضرب فاحتمل إلى أهله فسئل
من ضربه فقال: ضربني ابنا بلسانة وابنا تولمانة فحفظ ذلك من قوله وشهد عليه ومات
ربيعة فأخذ سعيد بن العاصي أولئك الرهط فسجنهم وقدم مروان أميرا على المدينة
قال: فاختصموا إليه فسألهم البينة على كلام ربيعة وتسمية الرهط الذين سمى فجاؤوا
بالبينة على ذلك فأحلف عبد الله بن سباع. وابنه محمدا. وعطاه بن يعقوب في قريب من
68

عشرة رهط من آل سباع عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين يمينا مرددة عليهم لقتل
ابنا بلسانة وابنا تولمانة ربيعة بن يعقوب فحلفوا فدفع مروان ابني بلسانة وابني تولمانة
إلى أولياء المقتول فقتلوهم * قال أبو محمد رحمه الله: فمن الصحابة رضي الله عنهم أبو بكر.
وعمر. وعثمان: وعلي. وابن عباس. والمغيرة بن شعبة. وابن الزبير. ومعاوية.
و عبد الله بن عمرو بن العاصي. وجملة الصحابة بالمدينة هكذا مجملا، فأما المسلمون
فهم تسعة، ومن التابعين الحسن. وعمر بن عبد العزيز. وشريح. وإبراهيم النخعي.
والشعبي. وسعيد بن المسيب. وقتادة. وسالم بن عبد الله بن عمر. وأبو قلابة.
والزهري. وعروة بن الزبير. ومروان بن الحكم. وعبد الملك بن مروان. وغيرهم
وجمهور العلماء بالمدينة الذين روى عنهم التابعون هكذا مجملا كلهم مختلفون، والصحابة
أيضا كذلك، وأكثر ما ذكرنا لا يصح على ما نبين إن شاء الله تعالى *
قال أبو محمد رحمه الله: فالمأثور من ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
انه لم يقد بالقسامة الا أنه لا يصح لأنه مرسل إنما هو عن عبيد الله بن عمر بن حفص.
وعن الحسن، وفي طريق الحسن عبد السلام بن حرب وهو ضعيف، وعن عمر
رضي الله عنه أنه لم يقد بالقسامة وهو مرسل لا يصح كما ذكرنا، وروي عنه أيضا
أنه طلب البينة من أولياء المقتول فإن لم يجدوها حلف المدعي عليهم ولا شئ عليهم
فان نكلوا حلف المدعون واستحقوا الدية، وهذا مرسل عنه لأنه عن القاسم بن عبد
الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عمر ولم يولد والد القاسم الا بعد موت عمر، وروي
عنه أيضا البينة على المدعين والا حلف المدعى عليهم وبروا فقط الا أنه مرسل
وروي عنه في قتيل وجد بين حيين أو قريتين أن يذرع إلى أيهما هو أقرب فالذي
هو أقرب إليها حلفوا خمسين يمينا وغرموا الدية مع ذلك، ومثل هذا عن المغيرة
ابن شعبة الا أنه مرسل لأنه عن عمر. والمغيرة من طريق الشعبي ولم يولد إلا بعد
موت عمر بأزيد من عشرة أعوام أو نحوها وقبل الشعبي، وفي خبر المغيرة أشعث
وهو ضعيف وروي عنه أنه حلف امرأة مدعية من دم مولى لها خمسين يمينا ثم قضى
لها بالدية وهذا مرسل لأنه عن أبي الزناد عنه. وعن ابن المسيب عنه، وأما عثمان
رضي الله عنه فإنه روي عنه في قتيل وجد في دار قوم فأقروا بقتله وانه جاءهم ليسرقهم
أن يحلف أولياء المقتول ولهم القود فان نكلوا حلف أهل الدار وغرموا الدية إلا
أنه لا يصح لأنه مرسل لأنه من طريق الزهري ان عثمان ولم يولد الزهري الا بعد
69

موته - أعني بعد موت عثمان -، وأما علي رضي الله عنه إذا وجد القتيل بين قريتين
قاس ما بينهما وجعله على أقربهما وان وجد بفلاة من الأرض فديته على بيت المال
وانه أحلف المدعى عليه الدم وتسعة وأربعين معه الا أنه لا يصح لأنه عن أبي جعفر
ولم يولد أبو جعفر إلا بعد موت علي ببضعة عشر عاما، ومن طريق أخرى فيها
الحارث الأعور وهو كذاب، والحجاج بن أرطأة وهو هالك، وأما ابن عباس
فجاء عنه أنه قضى بالايمان على المدعى عليهم في القسامة وأن لا يقاد بها وان لا يطل
دم مسلم الا أنه لا يصح لان احدى الطريقين عن مطيع وهو مجهول، والأخرى
عن إبراهيم بن أبي يحيى وهو هالك، وأما ابن الزبير فصح عنه من أجل اسناد أنه أقاد
بالقسامة وأنه رأى القود بها في قتيل وجد وانه رأي الحكم للمدعين بالايمان وأنه
رأي أن يقاد بها من الجماعة للواحد روي ذلك عنه أوثق الناس سعيد بن المسيب
وقد شاهد تلك القصة كلها. وعبد الله بن أبي مليكة قاضي ابن الزبير، وأما معاوية
فروي عنه تبدية أولياء المدعى عليهم بالايمان في القسامة فان نكلوا حلف المدعون
على واحد فقط وأقيدوا به لا على أكثر فان نكلوا حلف المدعى عليهم بأنفسهم خمسين
يمينا تردد الايمان عليهم وحمله إياهم للتحليف من المدينة إلى مكة وهذا في غاية الصحة
لأنه رواه عنه سعيد بن المسيب وقد شهد الامر، وروي عنه أيضا انه بدأ المدعين بالايمان
وأقاد بها ووافقه على ذلك أزيد من ألف من الصحابة رضي الله عنهم الا أن هذا لا يصح
لان في الطريق عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف، وأما عبد الله بن عمرو فإنه روي عنه ان
كل دعوى فان المدعى عليه يبدأ باليمين الا في الدم فان المصاب إذا ادعى ان فلانا قتله فأولياؤه
مبدؤن إلا أن هذا لا يصح لأنه من طريق ابن سمعان وهو مذكور بالكذب هالك، وروي
عن الجماعة الأولى ان لا قود بالقسامة الا أنه لا يصح لأنه مرسل عن الحسن، وفي الطريق
عبد السلام بن حرب وهو ضعيف، وروي أن الامر كان قديما قبل معاوية الا تردد الايمان
وانه ان نقص من الخمسين واحد بطلت القسامة وهو صحيح رواه سعيد بن المسيب وقد أدرك
أيام عثمان. وعلي رضي الله عنهما فهذا كل ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم كله مختلف
فيه غير متفق وكله لا يصح الا ما روي عن ابن الزبير. ومعاوية وعن ابطال القسامة إذا
لم يتم الخمسون فهو صحيح *
(وأما التابعون) رحمهم الله فاما الحسن فصح عنه أن لا يقاد بالقسامة لكن يحلف
المدعى عليهم بالله ما فعلنا ويبرون فان نكلوا حلف المدعون وأخذوا الدية هذا في
القتيل يوجد، واما عمر بن عبد العزيز فجاء عنه يبدأ المدعى عليهم ثم أغرمهم الدية
70

مع أيمانهم وهذا عنه صحيح وانه رجع إلى هذا القول وصح عنه أنه أقاد بالقسامة صحة لا مغمز
فيها وانه بدأ المدعين بالايمان في القسامة وردد الايمان، وصح عنه أنه رجع عن
القسامة جملة وترك الحكم بها، وصح عنه مثل حكم عمر بن الخطاب في اغرامه نصف
الدية في نكول المدعين ونكول المدعى عليهم عن الايمان معا، وأما شريح فصح
عنه تردد الايمان وان القتيل إذا وجد في دار قوم فادعي أهله على غير تلك الدار
فقد بطلت القسامة ولا شئ لهم على أحد الا ببينة، وأما إبراهيم النخعي فصح عنه
أبطال القود بالقسامة لكن يبدأ بالمدعى عليهم فيحلفون خمسين يمينا ثم يغرمون الدية
مع ذلك ورأي ترديد الايمان، وأما الشعبي فروي عنه في القتيل يوجد بين قريتين
أنه على أقربهما إليه وفيه الدية وان وجد بدنه في دار قوم فعليهم دمه وان وجد
رأسه في دار قوم فلا شئ فيه لا دية ولا غيرها الا أنه لا يصح عنه لأنه عن من لم
يسم أو عن صاعد اليشكري ولا نعرفه. وأما سعيد بن المسيب فصح عنه أن القسامة
على المدعى عليهم، وروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها ولو
علم أن الناس يجترؤن عليها لم يقض بها، وهذا كلام سوء قد أعاذ الله تعالى سعيد
ابن المسيب عنه، ورواية عن يونس بن يوسف وهو مجهول ورسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يحكم من عند نفسه وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى،
ولقد علم الله تعالى إذ أوحى إليه بأن يحكم في القسامة بما حكم به من الحق ان الناس
سيجترءون على الكفر وعلى الدماء فكيف على الايمان وما كان ربك نسيا، وأما
قتادة فصح عنه أن القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها وأما سالم فصح عنه انكار
القسامة جملة وان من حلف فيها يستحق ان ينكل وان لا تقبل له شهادة، وأما
أبو قلابة فصح عنه انكار القسامة جملة. وأما الزهري فصح عنه أن القسامة إذا لم
تتم الخمسون في عدد المدعين بطلت ولا تردد الايمان فيها وأن ترديدها محدث. وأما
عروة بن الزبير. وأبو بكر بن عمرو بن حزم. وابان بن عثمان فإنه روي عنهم ان ادعى
المصاب على انسان انه قتله أو على جماعة فان أولياء المدعى يبدؤن فيحلفون خمسين
يمينا على واحد وتردد عليهم الايمان ان لم يتموا خمسين يمينا فإذا حلفوا دفع إليهم
الواحد فيقتلوه وجلد الآخرون مائة مائة وسجنوا سنة، وان عبد الملك بن مروان
أول من قضى بان لا يقتل في القسامة الا واحد وكان من قبله يقتلون فيها الرهط
بالواحد، وهذا كله خبر واحد ساقط لا يصح لأنه انفرد بروايته عبد الرحمن بن
أبي الزناد. وابن سمعان معا وهما ساقطان، وأما أبو الزناد فروي عنه انه يبدأ في
71

القسامة من له بعض بينة أو شبهة صح ذلك عنه، وأما ربيعة فصح عنه ان
شهادة اليهود والنصارى والمجوس أو الصبيان أو المرأة يؤخذ بها في القتل ويبدأ معها
أولياء المقتول، وكذلك دعوى المصاب دون بينة أصلا بالغا كان أو غير بالغ. هكذا
روى عنه ابن وهب فيبدأ أولياؤه فيحلفون خمسين يمينا وتردد عليهم الايمان ان لم
يتموا خمسين ويستحقون القود، فان نكلوا حلف أولياء المدعى عليه خمسين يمينا
ترددوا أيضا عليهم ويبرون ويبدأ المدعى عليه فلا قود ولا دية، فان نكلوا وجب
لأولياء المقتول القود على من ادعوا عليه دون يمين *
(وأما مروان) فروي عنه إذا ادعى الجريح على قوم فان أولياءه يبدؤن فيحلفون
خمسين يمينا وتكرر عليهم الايمان ثم يدفع إليهم كل من ادعوا عليه وان كانوا جماعة
فيقتلون ان شاءوا ولم يصح هذا لأنه من رواية ابن سمعان *
وأما السالفون من علماء أهل المدينة جملة فإنه روي عنهم ان من ادعي - وهو
مصاب - ان فلانا قتله فان أولياءه يبدءون في القسامة فإن لم يدع على أحد برئ
المدعى عليهم، فان حلف الأولياء مع دعوى المصاب كان لهم القود فان عفوا عن
الدم وأرادوا الدية فضى لهم بذلك وجلد المعفو عنهم مائة مائة وحبسوا سنة وان
عفا الأولياء عن القود وعن الدية فلا ضرب على المعفو عنهم ولا سجن، فان
نكلوا حلف المدعى عليه مع أوليائه خمسين يمينا فان نكلوا غرم المدعى عليه الدية
في ماله خاصة، وان القسامة تكون مع شهادة الصبيان أو النساء أو اليهود أو النصارى
كما قلنا في دعوى القتيل سواء سواء ولا فرق. وان الايمان تردد في ذلك ان لم يتموا
خمسين فإن كان دعوى قتل عمد لم يجز ان يحلف في ذلك أقل من ثلاثة وان كانت دعوى
قتل خطأ حلف في ذلك واحد ان لم يوجد غيره خمسين يمينا وأخذ الدية ويحلف
في دعوى العمد من أراد القود وان لم يكن وارثا ولا يحلف في دعوى الخطأ الا من
يرث، وكل هذا لا يصح لأنه من رواية ابن سمعان وهو موصوف بالكذب *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كل ما حضرنا ذكره انه روي عن أحد من التابعين
في ذلك وقد ذكرناهم - وهم مختلفون - كما ترى غير متفقين * وأما المتأخرون فنذكر أيضا
إن شاء الله تعالى من أقوالهم ما يسر الله تعالى * فاما سفيان الثوري فإنه صح عنه أنه
قال: ان وجد القتيل في قوم فالبينة على أولياء القتيل فان أتوا بها قضي لهم بالقود
والا حلف المدعى عليهم خمسين يمينا وغرموا الدية مع ذلك * وقال معمر: من
ضرب فجرح فعاش صميتا ثم مات فالقسامة تكون حينئذ فيحلف المدعون لمات
72

من ضربه إياه، فان حلفوا خمسين يمينا كذلك استحقوا الدية وان نكلوا حلف من
المدعى عليهم خمسون ما ما ت من ضربه إياه ويغرمون الدية مع ذلك في الجرح خاصة
لا في النفس فان نكل الفريقان جميعا غرم المدعى عليهم نصف الدية ذهب إلى ما روي
عن عمر، وقال معمر: قلت لعبيد الله بن عمر: اما علمت أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وسلم أقاد بالقسامة؟ قال: لا قلت: فأبو بكر قال: لا قلت فعمر قال:
لا قلت: فكيف تجترعون عليها فسكت، قال: معمر: فقلت ذلك لمالك فقال. لا تضع
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحيل لو ابتلى بها أقاد بها، وقال عثمان
البتي فيمن ادعي عليه بقتيل وجد فيهم فالبينة على المدعين ويقضي لهم فن لم يكن لهم
بينة حلف خمسون رجلا من المدعى عليهم وبرءوا ولا غرامة في ذلك ولا دية ولا
قود، وقال أبو حنيفة. وأصحابه: لا تكون القسامة بدعوى المصاب أصلا ولا قود
في ذلك ولا دية لكن ان وجد قتيل في محلة وبه أثر وادعى الولي على أهل المحلة
انهم قتلوه وادعوا على واحد بعينه منهم فان كانت لهم بينة عدل قضي لهم بها وان لم
تكن لهم بينة حلف من المدعى عليهم خمسون رجلا من أهل الخطة لا من السكان ولا من
الذين انتقل إليهم ملك الخطة بالشراء لكن على الذين كانوا مالكين لها في الأصل
يختارهم الولي فان نقص منهم ردت عليهم الايمان فإذا حلفوا غرموا الدية مع ذلك
فان نكلوا سجنوا أبدا حتى يقروا أو يحلفوا، وقال مالك: لا تكون القسامة الا بأن
يقول المصاب: فلان قتلني عمدا فإذا قال ذلك ثم مات قبل أن يفيق حلف خمسون من
أوليائه قياما في المسجد الجامع مستقبلين القبلة لقد قتله فلان عمدا فإذا حلفوا فان
حلفوا على واحد فلهم القود منه، وان حلفوا على جماعة لم يكن لهم القود الا من
واحد، ويضرب الباقون مائة مائة ويسجنون سنة فان شهد شاهد واحد عدل بأن
فلانا قتل فلانا كانت القسامة أيضا كما ذكرنا، وكذلك ان شهد لوث من نساء أو غير
عدول فإن لم يكونوا خمسين ردت عليهم الايمان حتى يتم خمسين ولا يحلف في القسامة
أقل من اثنين فإن كان القاتل فلان قتلني غير بالغ فلا قسامة في ذلك ولا قود ولا غرامة
قال: فان نكل جميع أولياء القتيل حلف المدعى عليهم خمسين يمينا فإن لم يبلغوا
خمسين ردت الايمان عليهم فإن لم يوجد الا المدعى عليه وحده حلف خمسين يمينا
وبرئ فان نكل أحد ممن له العفو من الأولياء بطلت القسامة ووجبت الايمان على
المدعى عليهم ولا قسامة في قتيل وجد في دار قوم ولا غرامة ولا في دعوى عبد ان
فلانا قتله، وفي دعوى المريض ان فلانا قتلني خطأ روايتان، إحداهما ان في ذلك
73

القسامة والأخرى لا قسامة في ذلك ولا في كافر، وقال الشافعي: لا قسامة في دعوى
انسان ان فلانا قتلني أصلا سواء قال عمدا أو خطأ ولا غرامة في ذلك وإنما القسامة
في قتيل وجد بين دور قوم كلهم عدو للمقتول فادعى أولياؤه عليهم فان أولياء
القتيل يبدؤن فيحلف منهم خمسون رجلا يمينا يمينا انهم قتلوه عمدا أو خطأ فان نقص
عددهم ردت الايمان فإن لم يكن إلا واحد حلف خمسين يمينا واستحقت الدية على
سكان تلك الدور ولا يستحق بالقسامة قود أصلا وان شهد واحد عدل أو جماعة
متواترة غير عدول ان فلانا قتل فلانا فتجب القسامة كما ذكرنا والدية أو وجد
قتيل في زحام فالقسامة أيضا والدية كما ذكرنا، وقال أصحابنا: ان وجد قتيل في دار
قوم أعداء له وادعي أولياؤه على واحد منهم حلف خمسون منهم واستحقوا القود
أو الدية ولا قسامة الا في مسلم حر * قال أبو محمد رحمه الله: فهذه أقوال الفقهاء المتأخرين قد ذكرنا منها ما يسر
الله تعالى ونذكر الآن الاخبار الصحاح الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم في القسامة مجموعة كلها في مكان واحد مستقصاة ليلوح الحق بها من الخطأ
ولتكون شاهدة لمن أصاب ما فيها بابه وفق للصواب بمن الله تعالى وشاهدة لمن
خالف ما فيها بأنه يسر للخطأ مجتهدا إن كان ممن سلف وعاصيا إن كان مقلدا وقامت
الحجة عليه وإنما جمعنا ما ذكرنا من أقوال الصحابة رضي الله عنهم ومن أقوال
التابعين رحمهم الله ومن أقوال الفقهاء بعدهم، ثم اتينا بالأحاديث الصحاح ما يسر الله
تعالى منها الواردة في ذلك لان أحكام القسامة متداخلة في كل ذلك، وقد روينا من
طريق البخاري نا أبو نعيم الفضل بن دكين نا سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار زعم
أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا
إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجد أحدهم قتيلا وقالوا للذين وجد فيهم: قتلتم صاحبنا
قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى
خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا فقال: الكبر الكبر فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله
قالوا: ما لنا بينة قال: فتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم قالوا: كيف
نحلف ولم نشهد؟ قال: فتبريكم يهود بخمسين يمينا قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار
قالوا: لا نرضى بايمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل
الصدقة * ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا الليث بن سعد عن يحيى هو ابن سعيد الأنصاري
عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال يحيى: وحسبته قال وعن رافع بن
74

خديج أنهما قالا: خرج عبد الله بن سهل بن زيد. ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى أدا
كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلا فدفنه ثم
أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وحويصة بن مسعود. وعبد الرحمن بن سهل وكان
أصغر القوم فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كبر
الكبر في السن فصمت وتكلم صاحباه وتكلم معهما فذكروا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم مقتل عبد الله بن سهل فقال لهم: أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون
صاحبكم أو قاتلكم؟ قالوا: كيف نحلف ولم نشهد؟ قال: فتبريكم يهود بخمسين يمينا
قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم أعطاه عقله * ومن طريق مسلم نا عبد الله بن عمر القواريري نا حماد بن زيد
نا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة. ورافع بن خديج أن محيصة
ابن مسعود. وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن
سهل فاتهموا اليهود فجاء اخوة عبد الرحمن وابن عمه حويصة. ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه - وهو أصغر القوم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر
الكبر أو قال: ليبدأ الأكبر فتكلما في أمر صاحبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقسم
خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف قال:
فتبريكم يهود بايمان خمسين منهم قالوا: يا رسول الله وكيف نقبل ايمان قوم كفار
قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله قال سهل: فدخلت مريدا لهم فركضتني قال سهل: فدخلت مريدا لهم فركضتني
ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها قال حماد: هذا أو نحوه * قال أبو محمد رحمه
الله: فشك يحيى في رواية الليث هل ذكر بشير بن يسار. ورافع بن خديج مع سهل
ابن أبي حثمة أو لم يذكر ولم يشك في رواية حماد بن زيد عنه في أن رافعا روى
عنه هذا الخبر بشير وكلا الرجلين ثقة حافظ و حماد أحفظ من الليث، والروايتان
معا صحيحتان، فصح أن يحيى شك مرة هل ذكر بشير رافعا مع سهل أم لا وقطع يحيى
مرة في أن بشيرا ذكر رافعا مع سهل ولم يشك فهي زيادة من حماد وزيادة العدل
مقبولة * ومن طريق مسلم نا إسحاق بن منصور نا بشير بن عمر قال: سمعت مالك
ابن أنس * وناه أيضا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا أحمد
ابن عمرو بن السرح. ومحمد بن مسلمة قال أحمد: نا محمد بن وهب وقال محمد نا ابن
القاسم ثم اتفق ابن وهب. وابن القاسم. وبشير بن عمر كلهم يقول: نا مالك
ابن أنس نا أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة
75

أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه ان عبد الله بن سهل. ومحيصة خرجا
إلى خيبر من جهد أصابهما فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح
في عين أو في فقير فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا: والله ما قتلناه ثم أقبل حتى
قدم على قومه فذكر لهم ذلك ثم أقبل هو واخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن
ابن سهل فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة: كبر
كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اما أن يدوا
صاحبكم واما أن يؤذنوا بحرب فكتب رسول الله إليهم في ذلك فكتبوا انا والله ما قتلناه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا: لا قال فتحلف لكم يهود
قالوا: ليسوا مسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم مائة ناقة حتى دخلت عليهم الدار، قال سهل: فلقد ركضني منها ناقة
حمراء * ومن طريق سفيان بن عيينة نا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن
أبي حثمة قال: وجد عبد الله بن سهل قتيلا فجاء أخوه. وحويصة. ومحيصة وهما عما
عبد الله بن سهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: الكبر الكبر قالوا: يا رسول الله انا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب - يعني
من قلب خيبر - قال النبي عليه الصلاة والسلام: من تتهمون؟ قالوا نتهم يهود قال: فتقسمون
خمسين يمينا أن اليهود قتلته قالوا: وكيف نقسم على ما لم نر؟ قال فتبريكم اليهود بخمسين
يمينا أنهم لم يقتلوه قالوا: وكيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم
من عنده * ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب
قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي عليه
السلام عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية * ومن طريق أحمد بن شعيب أبا
محمد بن هاشم البعلبكي نا الوليد بن مسلم نا الأوزاعي عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن بن عوف. وسليمان بن يسار عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ان القسامة كانت في الجاهلية فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت
عليه وقضى بها بين أناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر * قال أبو محمد
رحمه الله: فهذه الأخبار مما صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القسامة لم يصح عنه الا
هي أصلا *
2149 - مسالة - هل يجب الحكم بالقسامة أم لا؟ قال أبو محمد
76

رحمه الله: فذكرنا قول ابن عباس. وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فنظرنا فيما
يمكن أن يحتج به فوجدنا من طريق مسلم نا أبو الطاهر نا ابن وهب عن ابن جريج
عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو يعطى الناس بدعواهم
لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: " ان
دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وقوله عليه السلام للمدعى: " بينتك أو يمينه ليس
لك الا ذلك " قالوا: فقد سوى الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام بين
تحريم الدماء والأموال وبين الدعوى في الدماء والأموال وأبطل كل ذلك ولم يجعله
الا بالبينة أو اليمين على المدعى عليه فوجب أن يكون الحكم في كل ذلك سواء لا يفترق
في شئ أصلا لا في من يحلف ولا في عدد يمين ولا في اسقاط الغرامة الا بالبينة ولا
مزيد، وهذا كله حق الا أنهم تركوا ما لا يجوز تركه مما فرض الله تعالى على الناس
اضافته إلى ما ذكروا وهو ان الذي حكم بما ذكروا وهو المرسل الينا من الله تعالى
هو الذي حكم بالقسامة وفرق بين حكمها وبين سائر الدماء والأموال المدعاة ولا يحل
أخذ شئ من أحكامه وترك سائرها إذ كلها من عند الله تعالى وكلها حق وفرض الوقوف
عنده والعمل به وليس بعض أحكامه عليه السلام أولى بالطاعة من بعض ومن خالف
هذا فقد دخل تحت المعصية وتحت قوله تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون
ببعض) ولا فرق بين من ترك حديث بينتك أو يمينه لحديث القسامة وبين من ترك
حديث القسامة لتلك الأحاديث * فان قالوا: الدماء حدود ولا يمين في الحدود قيل
لهم: ما هي من الحدود لان الحدود ليست موكولة إلى اختيار أحد ان شاء أقامها
وان شاء عطلها بل هي واجبة لله تعالى وحده لا خيار فيها لاحد ولا حكم، وأما
الدماء فهي موكولة إلى اختيار الولي ان شاء استقاد وان شاء عفا فبطل أن تكون
من الحدود، وصح انها من حقوق الناس وفسد قول من فرق بينهما وبين حقوق
الناس من الأموال وغيرها لا حيث فرق الله تعالى ورسوله عليه السلام بين الدماء
والحقوق وغيرها وليس ذلك الا حيث القسامة فقط، وأما من جعل اليمين في دعوى
الدم خمسين يمينا ولابد ولا أقل فلا حجة لهم الا أنهم قاسوا كل دعوى في الدم على
القسامة والقياس كله باطل لأنهم لم يحكموا للدعوى المجردة في الدم بحكم القسامة في
غير هذا الموضع لان المالكيين والشافعيين يرون في القسامة تبدية المدعين ولا
يرون تبديتهم في دعوى الدم المجردة والحنيفيون يرون ايجاب الغرامة مع الايمان
في القسامة ولا يرون ذلك في دعوى الدم المجردة فصح أنهم قد تركوا قياس
77

دعوى الدم المجردة على القسامة في شئ من أحكامها الا في عدد الايمان
فقط، فظهر بذلك باطل قولهم، والقول عندنا هو ما قلناه من أن البينة في الدعاوي كلها دماء
كانت أو غيرها سواء سواء، واليمين في كل ذلك سواء يمين واحدة فقط على من ادعى
عليه الا في الزنا والقسامة ففي الزنا أربعة من الشهود فصاعدا لا أقل للنص الوارد
في ذلك خاصة وفي القسامة خمسون يمينا لا أقل للنص الوارد في ذلك ويبقى كل ما عدا
ذلك على عموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. " بينتك أو يمينه ليس لك الا ذلك " وعلى
قوله صلى الله عليه وسلم: " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على
من ادعى عليه فلا يخرج من هذا الا ما أخرجه النص، ثم نظرنا في قول من قال: ان
القسامة تكون بدعوى المريض أن فلانا قتله فلم نجد لهم شبهة أصلا الا ما ناه أحمد بن
عمر نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد ابن أحمد بن الجهم
نا إسماعيل بن إسحاق نا ابن أبي أويس نا أخي عن سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان
أخبرني ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز دعاه فقال له؟ ما عندك في هذه القسامة: فقلت
له: كانت من أمر الجاهلية فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما للدماء وجعلها سترة لدمائهم
ولكن من سنتها وما بلغنا فيها أن القتيل إذا تكلم برئ أهله وأن لم يتكلم حلف المدعى
عليهم وذلك فعل عمر بن الخطاب وأن ذلك الذي أدركنا الناس عليه *
قال أبو محمد: أن أهل هذه المقالة أكثروا واتوا بما ينسى آخره أوله حتى يغتر
الجاهل فيظن أنهم اتوا بشئ وهم لم يأتوا بشئ أصلا وهذا سند فاسد لأنه مرسل وفي اسناده
أبو بكر بن أبي أويس وقد خرج عنه البخاري الا ان الموصلي الحافظ الأسدي ذكر ان
يوسف بن محمد اخبره ان ابن أبي أويس كان يضع الحديث وهذه عظيمة الا أن الارسال
يكفي في هذا الخبر ولو صح مسندا لم يكن لهم فيه متعلق لأنه ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه
قضى بالقسامة فيما يدعيه المقتول وإنما فيه انها كانت من أمر الجاهلية فاقرها رسول الله
صلى الله عليه وسلم تعظيما للدماء ونحن لا ننكر هذا فإذا لم يكن عن النبي عليه
السلام فلا حجة فيه، وأن المالكيين مخالفون لهذا الحكم ولا يرون فيه قسامة أصلا
إذا لم يتكلم * وذكروا ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد
ابن يحيى بن عبد الله نا أبو معمر البصري نا عبد الوارث نا فطر أبو الهيثم نا أبو
يزيد المدني عن عكرمة عن ابن عباس قال: أول القسامة كانت في الجاهلية كان
رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى فانطلق معه في إبله فمر
78

رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه. فقال أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي
لاتنفر الإبل فأعطاه عقالا يشد به جوالقه فلما نزلوا عقلت الإبل الا بعيرا واحدا
فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عقال
قال فأين عقاله؟ قال مر بي رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فاستغاثني فقال
أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطيته عقاله فحذفه بعصى كان فيه
أجله فمر به رجل من أهل اليمن فقال أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد وربما أشهد قال: هل
أنت عني مبلغ رسالة من الدهر قال: نعم قال إذا شهدت الموسم فناد يا آل قريش فإذا أجابوك
فناد يا آل بني هاشم فإذا أجابوك فسل عن أبي طالب فأخبره ان فلانا قتلني في عقال
ومات المستأجر فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال. ما فعل صاحبنا؟ قال
مرض فأحسنت القيام عليه ثم مات فوليت دفنه فقال: أهل ذلك منك فمكث حينا
ثم إن الرجل اليماني الذي كان أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال: يا آل قريش
فقالوا: هذه قريش قال يا بني هاشم قالوا: هذه بنو هاشم قال: أين أبو طالب؟ قالوا:
هذا أبو طالب قال أمرني فلان ان أبلغك رسالته ان فلانا قتله في عقال فأتاه أبو طالب
فقال: اختر منا احدى ثلاث ان شئت أن تودي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا
خطأ وان شئت حلف خمسون من قومك انك لم تقتله فان أبيت قتلناك به فأتى قومه
فذكر ذلك لهم فقالوا: نحلف فاتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد
ولدت له فقالت: يا أبا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه
حيث تصبر الايمان ففعل فاتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلا
أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب كل رجل بعيران فهذان بعيران فاقبلهما عني
ولا تصبر يميني حيث تصبر الايمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون رجلا حلفوا قال
ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حل الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف *
قال أبو محمد رحمه الله: فأضافوا إلى هذا الخبر الحديث الذي قد ذكرناه قبل
هذا بأوراق في باب الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
القسامة وهو ان القسامة كانت في الجاهلية فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت
عليه في الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر وهذا
لا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم لان صفة القسامة التي حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود قد ذكرناها وإنما هي في قتيل وجد
لا في مصاب ادعى أن فلانا قتله فهذا حجة عليهم * وأما حديث ابن عباس هذا فهو
79

كله عليهم لا لهم، ولئن كان ذلك الخبر حجة فلقد خالفوه في ثلاثة مواضع وما فيه لهم
حجة أصلا في شئ لان قول ذلك المقتول لم يتبين بشاهدين وإنما أتى به رجل واحد
وهم لا يرون القسامة في مثل هذا وان أبا طالب بدأ المدعى عليهم بالايمان وهم لا يقولون
بهذا وان أبا طالب أقر أن ذلك القرشي قتل الهاشمي خطأ ثم قال: له فان أبيت من الدية
أو من أن يحلف خمسون من قومك قتلناك به وهم لا يرون القود في قتل الخطأ فمن العجب
احتجاجهم بخبر هم أول مخالف له، وأما نحن فلا ننكر أن تكون القاسمة كانت في
الجاهلية في القتيل يوجد فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بل هذا حق عندنا لصحة
الخبر بذلك وبالله تعالى التوفيق * وذكروا أيضا - وهو من غامض اختراعهم - قول
الله تعالى بعد أمره بني إسرائيل بذبح البقرة: (وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله
مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى) وذكروا مع
هذه الآية ما ناه أحمد بن عمر بن أنس العذري عن عبد الله بن الحسين بن عقال
الزبيري نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن الجهم نا أبو بكر الوزان نا علي بن عبد
الله - هو ابن المديني - نا يحيى بن سعيد القطان نا ربيعة بن كلثوم نا أبي عن سعيد بن
جبير ان ابن عباس قال: ان أهل مدينة من بني إسرائيل وجدوا شيخا قتيلا في أصل
مدينتهم فاقبل أهل مدينة أخرى فقالوا: قتلتم صاحبنا وابن أخ له شاب يبكى ويقول:
قتلتم عمي فاتوا موسى عليه السلام فأوحى الله تعالى إليه أن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
فذكر حديث البقرة بطوله قال: فاقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ وهو
بين المدينتين وابن أخيه قائم عند قبره يبكي فذبحوها فضرب ببضعة من لحمها القبر
فقام الشيخ ينفض رأسه ويقول: قتلني ابن أخي طال عليه عمري وأراد أكل مالي
ومات * وبه إلى ابن الجهم نا محمد بن سلمة نا يزيد بن هارون نا هشام عن محمد بن
سيرين عن عبيدة السلماني قال: كان في بني إسرائيل عقيم لا يولد له وكان له مال كثير
وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا حتى أتى به حي آخرين فوضعه على باب
رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم فاتوا موسى عليه السلام فقال: ان الله يأمركم
أن تذبحوا بقرة فذكر حديث البقرة فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا: من
قتلك؟ فقال: هذا لابن أخيه ثم مال ميتا فلم يعط ابن أخيه من ماله شيئا ولم يورث
قاتل بعد * وبه إلى ابن الجهم نا الوزان نا علي بن عبد الله نا سفيان بن سوقة قال:
سمعت عكرمة يقول: كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا لكل سبط باب
فوجدوا قتيلا قتل على باب فجروه إلى باب آخر فتداعوا قتله وتداري الشيطان فتحاكموا
80

إلى موسى عليه السلام فقال: ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فذبحوها فضربوه بفخذها فقال
قتلني فلان وكان رجلا له مال كثير وكان ابن أخيه قتله وفي حديث البقرة زيادة اقتصرتها *
قال أبو محمد: رحمه الله: وكل ما احتجوا به من هذا فايهام وتمويه على المغترين،
أما الآية فحق وليس فيها شئ مما في هذه الأخبار البتة وإنما فيها ان الله تعالى أمر بني إسرائيل
بذبح بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين مسلمة لاشية فيها غير ذلول تثير
الأرض ولا تسقى الحرث لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك، وانهم كانوا قتلوا قتيلا
فتدارءوا فيه فأمرهم الله تعالى أن يضربوه ببعضها إذ ذبحوها كذلك يحيى الله الموتى
ويريكم آياته، وليس في الآية أكثر من هذا لا أن المقتول ادعى على أحد ولا انه قتل
به ولا انه كانت فيه قسامة فكل ما أخبر الله تعالى به فهو حق وكل ما أقحموه بآرائهم في الآية
فهو باطل فبطل أن يكون لهم في الآية متعلق أصلا، ثم نظرنا في الاخبار التي ذكرنا
فوجدناها كلها مرسلة لا حجة في شئ منها الا الذي صدرنا به فهو موقوف على ابن
عباس، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل أن يكون لهم في شئ منها متعلق،
ثم لو صحت الأخبار المذكورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت كلها لا حجة لهم فيها لوجوه،
أولها أن ذلك حكم كان في بني إسرائيل ولا يلزمنا ما كان فيهم فقد كان فيهم السبت.
وتحريم الشحوم وغير ذلك ولا يلزمنا الا ما أمرنا به نبينا عليه السلام قال الله تعالى:
(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضلت على الأنبياء
بست - فذكر فيها - أن من كان قبله أنما كان يبعث إلى قومه خاصة وبعث هو عليه السلام
إلى الأحمر والأسود " فصح يقينا أن موسى عليه السلام وسائر الأنبياء قبل محمد عليه
السلام لم يبعثوا الينا فبيقين ندري أن شرائع من لم يبعث الينا ليست لازمة لنا وإنما
يلزمنا الاقرار بنبوتهم فقط، وثانيها انه لا يختلف اثنان من المسلمين في أنه لا يلزمنا في
شئ من دعوى الدماء ذبح البقرة، وصح بطلان احتجاجهم بتلك الأخبار إذ ليس
فيها أن يسمع من المقتول بعد أن تذبح بقرة ويضرب بها * وثالثها أن تلك الأخبار
فيها معجزة نبي وإحالة الطبيعة من احياء ميت فهم يريدون أن نصدق حيا قد حرم
الله تعالى علينا تصديقه على غير نفسه ممكنا منه الكذب من اجل ان صدق بنو إسرائيل
ميتا أحياه الله تعالى بعد موته، وهذا ضد القياس بلا شك وضد ما في هذه الأخبار
بلا شك، والامر بيننا وبينهم في هذه المسألة قريب فليرونا مقتولا رد الله تعالى روحه
إليه بحضرة نبي أو بغير حضرته ويخبرنا بالشئ ونحن حينئذ نصدقه واما أن نصدق
حيا يدعى على غيره فهو أبطل الباطل بعينه، فذكرهم لهذه الآية وهذه الأخبار قبيح
81

لو تورع عنهم لكان أسلم ونسأل الله تعالى العافية *
وذكروا ما روينا من طريق مسلم نا يحيى بن حبيب الحارثي. ومحمد بن المثنى قال
يحيى نا خالد بن الحارث وقال ابن المثنى نا محمد ابن جعفر، ثم اتفق خالد. ومحمد كلاهما
عن شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك أن يهوديا قتل جارية على أوضاح (1)
لها فقتلها بحجر فجئ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق فقال لها:
أقتلك فلان؟ فأشارت برأسها ان لا ثم قال لها الثانية فأشارت برأسها أن لا ثم سألها الثالثة
فقالت: نعم وأشارت برأسها فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين، قال أبو محمد رحمه الله:
وهذا لا حجة لهم فيه لان هذا خبر رويناه بالسند المذكور إلى مسلم نا عبد بن حميد
نا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن ابن قلابة عن انس أن رجلا من
اليهود قتل جارية من الأنصار على حلي لها ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة
وأخذ فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به أن يرجم حتى يموت وهكذا رواه سعيد بن
أبي عروبة. وأبان بن يزيد العطار كلاهما عن قتادة عن أنس، فان قالوا: ان شعبة
زاد ذكر دعوى المقتولة في هذه القصة وزيادة العدل مقبولة قلنا: صدقتم، وقد زاد همام
ابن يحيى عن قتادة عن انس في هذا الخبر زيادة لا يحل تركها كما روينا من طريق مسلم
نا هداب بن خالد نا همام عن قتادة عن أنس ان جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين
فسألوها من صنع هذا بك؟ فلان فلان حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها فأخذ
اليهودي فاقر فامر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة، فصح أنه
صلى الله عليه وسلم لم يقتل اليهودي الا باقراره لا بدعوى المقتولة، ووجه آخر وهو
أنه لو صح لهم ما لا يصح أبدا من أنه عليه السلام إنما قتله بدعواها لكان هذا الخبر
حجة عليهم ولكانوا مخالفين له لأنه ليس فيه ذكر قسامة أصلا، وهم لا يقتلون بدعوى
المقتولة البتة الا حتى يحلف اثنان فصاعدا من الأولياء خمسين يمينا ولا بد، وأيضا
فهم لا يرون القسامة بدعوى من لم يبلغ، والأظهر في هذا الخبر أنها كانت لم تبلغ لأنه
ذكر جارية ذات أوضاح وهذه الصفة عند العرب الذين بلغتهم تكلم انس إنما
يوقعونها على الصبية لا على المرأة البالغ، فبطل تعلقهم بهذا الخبر بكل وجه ولاح
خلافهم في ذلك فوجب القول به ولا يحل لاحد العدول عنه، واعترض المالكيون
ومن لا يرى القسامة في هذا بان قالوا: والقتيل قد يقتل ثم يحمله قاتله فيلقيه على باب
انسان أو في دار قوم فجوابنا وبالله تعالى التوفيق ان هذا ممكن ولكن لا يعترض على

(1) الأوضاح حلي من الدراهم الصحاح
82

حكم الله تعالى. وحكم رسوله عليه السلام بأنه يمكن أمر كذا وبيقين يدري كل مسلم
أنه قد يمكن أن يكذب الشاهد ويكذب الحالف ويكذب المدعى أن فلانا قتله هذا
أمر لا يقدر أحد على دفعه فينبغي على هذا القول الذي ردوا به حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخالفوه أن لا يقتلوا أحدا بشهادة شاهدين فقد يكذبان وليس القود بالشاهدين
اجماعا فيتعلق به لان الحسن يقول: لا يقبل في القود الا أربعة * ثم نرجع إلى مسألتنا
فنقول وبالله تعالى التوفيق: أنه لا يحل لمسلم يدري أن وعد الله حق
أن يعترض على ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يقول: لا يجوز هذا
الحكم لأنه قد يمكن أن يرميه قاتله على باب غيره ونعم هذا ممكن أترى لو أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بقتل أهل مدينة بأسرها أو يقتل أمهاتنا وآبائنا وأنفسنا
كما امر موسى عليه السلام قومه بقتل أنفسهم إذ أخبر الله تعالى بذلك في قوله: (فاقتلوا
أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم) أكان يكون في الاسلام نصيب لمن يعند عن ذلك
ان هذا لعظيم جدا، والعجب كله ان ذلك الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم حكم ظاهر معلق في دم رجل من بني حارثة من الأنصار على يهود خيبر وبينهما
من المسافة ستة وتسعون ميلا مائة ميل غير أربعة أميال تتردد في ذلك الرسل وتختلف
الكتب ويقع في ذلك التوعد بالحرب كما صح عنه عليه السلام أنه قال: " اما ان يدوا
صاحبكم أو يؤذنوا بحرب " فهذا أمر لا يشك ذو حس سليم من مؤمن أو كافر في أنه
لم تخف هذه القصة ولا هذا الحكم على أحد من المسلمين بالمدينة ولا عن اليهود
ولا اسلام يومئذ في غير المدينة إلا من كان مهاجرا بالحبشة أو مستضعفا بمكة لان
ذلك كان قبل فتح خيبر لان في الحديث الثابت الذي أوردناه قبل من طريق سليمان
ابن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار ان خيبر كانت يومئذ صلحا ولم تكن
قط صلحا بعد فتحها عنوة بل كانوا ذمة تجرى عليهم الصغار لا يسمون صلحا ولا يمكنون
من أن يأذنوا بحرب، فصح يقينا أن ذلك الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم اجماع من جميع الصحابة رضي الله عنهم أولهم وآخرهم بيقين لا مجال للشك فيه *
قال أبو محمد رحمه الله: فان قال قائل: فما تقولون في قتيل يوجد وفيه رمق
فيحمل فيموت في مكان آخر أو في الطريق أو يموت أثر وجودهم له وفيه حياة؟
فجوابنا أنه لا قسامة في هذا وإنما فيه التداعي فقط يكلف أولياؤه البينة سواء ادعى
هو على أحد أو لم يدع، فان جاؤوا بالبينة قضى لهم بما شهدت به بينتهم وان لم يأتوا
بالبينة حلف المدعى عليهم يمينا واحدة إن كان واحدا فان كانوا أكثر من واحد
83

حلفوا كلهم يمينا يمينا ولابد ويجبرون على ذلك أبدا * وبرهاننا على ذلك هو أن الأصل
المطرد في كل دعوى في الاسلام من دم أو مال أو غير ذلك من الحقوق ولا نحاش
شيئا هو ان البينة على المدعي واليمين على من ادعى عليه كما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ يقول: " لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين
على المدعى عليه "، وقوله صلى الله عليه وسلم: " بينتك أو يمينه " وهذان
عامان، ولا يصح لاحد أن يخرج عنهما شيئا الا ما أخرجه نص أو اجماع ولا نص
الا في القتيل يوجد فقط فمتى وجده حيا أحد من الناس فلا قسامة فيه البتة وبالله
تعالى التوفيق * فان وجد لا أثر فيه فقد قلنا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما حكم في مقتول وليس كل ميت مقتولا، فان تيقنا أنه قتل بأثر وجد فيه من
ضرب أو شدخ أو خنق أو ذبح أو طعن أو جرح أو كسر أو سم فهو مقتول
والقسامة فيه وان تيقنا أنه ميت حتف أنفه لا أثر فيه البتة فلا قسامة لأنه ليست هي الحال
التي حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة وان أشكل أمره فأمكن
أن يكون ميتا حتف أنفه. وأمكن أن يكون مقتولا غمه بشئ وضعه على فيه
فقطع نفسه فمات فالقسامة فيه، فان قيل: لم قلتم هذا والأصل ان مات غير مقتول
فلا قسامة فيه قلنا وبالله تعالى التوفيق: ان المقتول أيضا ممكن أن يكون قتل نفسه أو
قتله سبع فلما كان امكان ما ذكرنا لا يمنع من القسامة لامكان أن يكون قد قتله من
ادعى عليه انه قتله ووجبت القسامة لامكان أن يكون قتله من ادعى عليه أنه قتله فليس
هذا قياسا فلا تكن غافلا متعسفا اننا قد قسنا أحدهما على الآخر ومعاذ الله من
ذلك لكنه باب واحد كله إنما هو من وجد ميتا وادعى أولياؤه على قوم انهم قتلوه
أو على واحد انه قتله وكان قتلهم له الذي ادعى أولياؤه عليهم ممكنا فهذه هي القصة
التي حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينها بالقسامة ففرض علينا أن نحكم
فيها (1) بالقسامة إذا أمكن أن يكون من ادعى أولياؤه حقا وإنما يبطل الحكم بالقسامة
إذا أيقنا أن الذي يدعونه باطل بيقين لا شك فيه *
قال أبو محمد رحمه الله: فسواء وجد القتيل في دار أعداء كفار أو أعداء
مؤمنين أو أصدقاء كفار أو أصدقاء مؤمنين أو في دار أخيه أو ابنه أو حيث ما وجد
فالقسامة في دلك وهو قول ابن الزبير. ومعاوية بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يصح
خلافهما عن أحد من الصحابة لأنهما حكما بالقسامة في إسماعيل بن هبار وجد مقتولا

(1) في النسخة رقم 14 ففرض علينا الحكم فيها
84

بالمدينة وادعى قوم قتله على ثلاثة من قبائل شتى مفترقة الدور ولم يوجد المقتول بين
أظهرهم وهم زهري. وتيمي. وليثي كناني، وبهذا نقول وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: وسواء وجد المقتول في مسجد أو في داره نفسه أو
في المسجد الجامع أو في السوق أو بالفلاة أو في سفينة أو في نهر يجري فيه الماء أو
في بحر أو على عنق انسان أو في سقف أو في شجرة أو في غار أو على دابة واقفة أو
سائرة كل ذلك سواء كما قلنا، ومتى ادعى أولياؤه في كل ذلك على أحد فالقسامة في
ذلك كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولهم: أن وجد بين قريتين فإنه يذرع ما بينهما فإلى أيهما كان أقرب حلفوا
وغرموا مع قولهم: ان وجد في قرية حلفوا وودوا، فان تعلقوا في ذلك مما ناه يوسف
ابن عبد الله النمري نا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي نا يوسف بن أحمد نا أبو جعفر
العقيلي نا محمد بن إسماعيل نا إسماعيل ابن أبان الوراق نا أبو إسرائيل الملائي نا عطية - هو
العوفي - عن أبي سعيد الخدري قال: " وجد قتيل بين قريتين فأمر النبي عليه السلام
فقيس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى أحداهما بشبر فكأني أنظر إلى شبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم فضمن النبي عليه السلام من كانت أقرب إليه " *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت أم
عمرو بن سعد عند الجلاس بن سويد - هو ابن الصامت - فقال الجلاس في غزوة
تبوك: أن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير فسمعها عويمر فقال. والله اني
لا شئ ان لم أرفعها إلى النبي عليه الصلاة والسلام ان ينزل القرآن فيه وإن اخلط
بخطبته ولنعم الأب هو لي فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا فدعا النبي
صلى الله عليه وسلم الجلاس فعرفه وهم يترحلون فلم يتحرك أحد كذلك كانوا يفعلون
لا يتحركون إذا نزل الوحي فرفع عن النبي عليه السلام فقال: (يحلفون بالله ما قالوا
ولقد قالوا كلمة الكفر) إلى قوله (فان يتوبوا يك خيرا لهم) فقال الجلاس: استتب
إلى ربي فاني أتوب إلى الله وأشهد له بصدق (وما نقموا الا أن أغناهم الله ورسوله) قال
عروة: كان مولى الجلاس قتل في بني عمرو بن عوف فأبى بنو عمرو بن عوف ان يعقلوه
فلما قدم النبي عليه السلام جعل عقله على عمرو بن عوف قال عروة: فما زال عمير منها
بعليا حتى مات * ونا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن
وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا محمد بن عبد الله الشعيبي عن مكحول أن قتيلا وجد
في هديل فأتوا النبي صلى
85

عن نفسه يمينا بالله تعالى ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ثم أغرمهم الدية * نا محمد بن سعيد بن نبات
نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد
ابن جعفر غندر نا شعبة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: إنما
كانت القسامة في الجاهلية إذا وجد القتيل بين ظهراني قوم أقسم منهم خمسون ما قتلنا ولا
علمنا قاتلا فان عجزت الايمان ردت عليهم ثم عقلوا * وروينا من طريق إسماعيل
الترمذي نا سعيد بن عمرو أبو عثمان نا إسماعيل بن عياش عن الشعبي عن مكحول نا عمرو
ابن أبي خزاعة أنه قتل فيهم قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل القسامة
على خزاعة بالله ما قتلنا ولا نعلم قاتلا وحلف كل منهم عن نفسه وغرموا الدية، قالوا:
وقد ذكرنا هذا عن عمر. وعلي قبل * قال أبو محمد رحمه الله: وكل هذه الأقاويل فلا
يجب الاشتغال بها على ما نبين أن شاء الله تعالى * أما الحديث الذي صدرنا به فهالك
لأنه انفرد به عطية بن سعيد العوفي وهو ضعيف جدا ضعفه هشيم. وسفيان الثوري.
ويحيى بن معين. وأحمد بن حنبل، وما ندري أحدا وثقه، وذكر عنه أحمد بن حنبل
أنه بلغه عنه أنه كان يأتي الكلبي الكذاب فيأخذ عنه الأحاديث ثم يكنيه بأبي سعيد
ويحدث بها عن أبي سعيد فيوهم الناس أنه الخدري، وهذا من تلك الأحاديث والله
أعلم فهو ساقط، ثم هو أيضا من رواية أبي إسرائيل الملائي هو إسماعيل بن أبي إسحاق
فهو بلية عن بلية، والملائي هذا ضعيف جدا، وليس في الذرع بين القريتين خبر غير هذا
البتة لا مسند ولا مرسل * أما حديث الجلاس بن سويد بن الصامت. وعمير بن
سعد فإنه مرسل عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه إنما فيه أن مولى الجلاس
قتل في بني عمرو بن عوف وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر جعل عقله على بني عمرو بن عوف
وليس في هذا انه وجد مقتولا فيهم ولا انه عليه السلام أوجب فيه قسامة وهذا خلاف قولهم
وإنما فيه انه قتل فيهم فقاتله منهم وإذا كان قاتله منهم فالعقل عليهم فهذه صفة قتل الخطأ وبه
نقول، فبطل تمويههم بهذا الخبر وبالله تعالى التوفيق * وأما حديث عمرو بن أبي خزاعة
فهو مجهول ومرسل فبطل * وأما ما ذكروه عن عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب
فقد قدمنا انه عن علي لا يصح البتة لأنه عن أبي جعفر عنه فهو منقطع وعن الحارث الأعور
وقد وصفه الشعبي بالكذب وفيه أيضا الحجاج بن أرطأة * وأما الرواية عن عمر فقد
بينا أنها لا تصح، وما نعلم في القرآن ولا في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا في الاجماع ولا في القياس أن يحلف مدعى عليه ويغرم والقوم أصحاب
86

قياس بزعمهم فهلا قاسوا الدعوى في الدم على الدعوى في المال وغير ذلك ولكن
لا السنة أصابوا ولا القياس أحسنوا *
2150 - مسألة - وأما القسامة في العبد يوجد مقتولا فان الناس
اختلفوا في ذلك فقال أبو حنيفة. ومحمد بن الحسن: القسامة في العبد يوجد قتيلا كما
هي في الحر وعليهم قيمته في ثلاث سنين لا يبلغ بها دية حر، وروي عن أبي يوسف
لا قسامة فيه ولا غرامة وهو هدر، وهو قول مالك. وأصحابه. وابن شبرمة، وقال
الأوزاعي: لا قسامة فيه ولكن يغرمون ثمنه وقال: زفر. والشافعي فيه القسامة والقيمة
إلا أن زفر قال: يقسمون ويغرمون قيمته، وقال الشافعي: يحلف العبد ويغرم القوم
قيمته * قال أبو محمد: وقولنا فيه ان القسامة فيه كالحر سواء سواء في كل حكم من
أحكامه، فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها فوجدنا من
قال: لا قسامة في العبد يقولون: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما حكم بالقسامة
في حر لا في عبد فلا يجوز أن نحكم بها الا حيث حكم بها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال بعضهم: العبد مال كالبهيمة ولا قسامة في البهيمة ولا في سائر الأموال،
وما نعلم لهم حجة غير هذه فلما نظرنا في ذلك وجدنا هاتين الحجتين لا متعلق لهم فيهما *
(اما قولهم) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكم بالقسامة إلا في حر فقد قلنا:
في هذا ما كفى ولم يقل عليه السلام: اني إنما حكمت بهذا لأنه كان حرا فنقول عليه
ما لم يقل ويخبر عن مراده لما لم يخبر عليه السلام عن نفسه، وهذا تكهن وتخرص بالباطل
وهذا لا يحل أصلا، والعبد قتيل ففيه القسامة كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا مزيد * وأما قول من قال: ان العبد مال فلا قسامة فيه كما لا قسامة في البهيمة
فقول فاسد لأنه قياس والقياس كله باطل فالعبد وإن كان مالا فأرادوا أن يجعلوا له حكم
الأموال والبهائم من أجل أنه مال فان الحر أيضا حيوان كما أن البهيمة حيوان فينبغي أن نبطل
القسامة في الحر قياسا على بطلانها في سائر الحيوان، وأيضا فلا خلاف في أن الاثم
عند الله عز وجل في قتل العبد كالاثم في قتل الحر لأنهما جميعا نفس محرمة وداخلان
تحت قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) وليس كذلك قاتل
البهيمة، فوجب على أصولهم أن نحكم للعبد إذا وجد مقتولا بمثل الحكم
في الحر إذا وجد مقتولا لا بمثل الحكم في البهيمة لا سيما في قول الحنيفيين
الموجبين للقود بين الحر والعبد في العمد فهذه تسوية بينهما صحيحة وكذلك في قول
المالكيين والشافعيين الموجبين للكفارة في قتل العبد خطأ كما يوجبونها في قتل الحر خطأ
87

بخلاف قتل البهيمة خطا فبطل كل ما شغبوا به وصح ان القسامة واجبة في العبد كما
هي في الحر من طريق حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من طريق القياس * وأما
قول من الزم قيمة العبد من وجد بين أظهرهم دون قسامة فقول لا يؤيده قرآن ولا
سنة ولا اجماع ولا قياس ولا نظر وهو أكل مال بالباطل واغرام قوم لم يثبت قبلهم حق
قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) ولا قسامة في بهيمة وجدت مقتولة
ولا في شئ وجد من الأموال مفسودا لان البهيمة لا تسمى قتيلا في اللغة ولا في الشريعة
وإنما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة في القتيل فلا يحل تعدي حكمه ومن
يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى،
والأموال محرمة الا بنص أو اجماع فالواجب في البهيمة توجد مقتولة أو تتلف وفي
الأموال كلها ما أوجبه الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام إذ يقول " بينتك أو يمينه
ليس لك الا ذلك "، فالواجب في ذلك ان ادعى صاحب البهيمة توجد مقتولة أو صاحب
المال اتلاف ماله على أحد ان يكلفه البينة فان اتى بها قضى له بها وان لم يأت بها حلف
المدعى عليه ولابد ولا ضمان في ذلك الا ببينة أو اقرار وهذا حكم كل دعوى في دم أو مال
أو غير ذلك حاش القتيل يوجد ففيه القسامة كما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم *
واختلف الناس في الذمي يوجد قتيلا فقالت طائفة لا قسامة فيه ورأي أبو حنيفة فيه
القسامة * قال أبو محمد رحمه الله: والقول فيه كما قلنا في العبد لان رسول الله صلى الله
عليه وسلم وإن كان إنما حكم بالقسامة في مسلم ادعى على يهود خيبر فلم يقل عليه
الصلاة والسلام: إنما حكمت بها لأنه مسلم ادعى على يهودي فلا يجوز ان يقول عليه
الصلاة والسلام ما لم يقله لكنه عليه السلام حكم بها في قتيل وجد ولم يخص عليه السلام
حالا من حال والذمي قتيل فالقسامة فيه واجبة إذا ادعاها أولياؤه على ذمي أو ذميين
لأنه ان ادعوها على مسلم فحتى لو صح ما ادعوه بالبينة فلا قود فيه ولا دية ولكن
ان أرادوا أن يقسموا ويوديه الامام فذلك لهم لما ذكرنا، وقد اتفق القائلون بالقسامة
على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان حكم بها في مسلم ادعى على
يهود فان الحكم بها واجب في مسلم ادعى على مسلمين، وهذه غير الحال التي حكم
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسلم ادعى بالقسامة على أصولهم ولا فرق بين
الحكم بها في مسلم على مسلمين وبين الحكم بها في ذمي على ذميين أو على مسلمين لعموم
حكمه عليه السلام وانه لم يخص عليه السلام صفة من صفة وبالله تعالى التوفيق *
88

2151 مسألة: فيمن يحلف بالقسامة * قال أبو محمد رحمه الله: اتفق
القائلون بالقسامة على أنه يحلف فيها الرجال الأحرار البالغون العقلاء من عشيرة
المقتول الوارثين له، واختلفوا فيما وراء ذلك في وجوه، منها هل يحلف من لا يرث
من العصبة أم لا. وهل يحلف العبد في جملتهم أم لا. وهل تحلف المرأة فيهم أم لا.
وهل يحلف المولى من فوق أم لا. وهل يحلف المولى الأسفل فيهم أم لا. وهل يحلف
الحليف أم لا؟ فوجب لما تنازعوا ما أوجبه الله تعالى علينا عند التنازع إذ يقول تعالى:
(فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا رسول الله عليه
السلام قال في حديث القسامة الذي لا يصح عنه غيره كما قد تقصيناه قبل " تحلفون
وتستحقون ويحلف خمسون منكم " فخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بني حارثة عصبة
المقتول، وبيقين يدري كل ذي معرفة أن ورثة عبد الله بن سهل رضي الله عنه لم يكونوا
خمسين وما كان له وارث الا أخوه عبد الرحمن وحده وكان المخاطب بالتحليف ابني عمه
محيصة. وحويصة وهما غير وارثين له فصح أن العصبة يحلفون وان لم يكونوا وارثين
وصح ان من نشط لليمين منهم كان ذلك له سواء كان بذلك أقرب إلى المقتول أو أبعد
منه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب ابني العم كما خاطب الأخ خطابا مستويا لم يقدم أحدا
منهم، وكذلك لم يدخل في التحليف الا البطن الذي يعرف المقتول بالانتساب إليه لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخاطب بذلك الا بني حارثة الذي كان المقتول معروفا بالنسب فيهم
ولم يخاطب بذلك سائر بطون الأنصار كبني عبد الأشهل وبني ظفر وبني زعورا وهم
أخوة بني حارثة فلا يجوز أن يدخل فيهم من لم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رحمه الله: فإن كان في العصبة عبد صريح النسب فيهم الا أن أباه
تزوج أمة لقوم فلحقه الرق لذلك فإنه يحلف معهم ان شاء لأنه منهم ولم يخص عليه
السلام إذ قال خمسون منكم حرا من عبد إذا كان منهم كما كان عمار بن ياسر رضي الله
عنه من طينته عنس ولحقه الرق لبني مخزوم وكما كان عامر بن فهيرة أزديا صريحا
فلحقه الرق لان أباه تزوج فهيرة أمة أبي بكر رضي الله عنه وكما كان المقداد بن عمرو
بهرانيا قحسا ولحقه الرق من قبل أمه وبالله تعالى التوفيق *
وأما المرأة فقد ذكرنا قبل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه احلف امرأة في
القسامة وهي طالبة فحلفت وقضى لها بالدية على مولى لها، وقال المتأخرون: لا تحلف
المرأة أصلا، واحتجوا بأنه إنما يحلف من تلزمه له النصرة وهذا باطل مؤيد بباطل لان
النصرة واجبة على كل مسلم بما روينا من طريق البخاري نا مسدد نا معتمر بن سليمان عن
89

حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما قالوا:
يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه " * وروينا
من طريق مسلم نا أحمد بن عبد الله بن يونس نا زهير هو ابن معاوية نا أشعث - هو ابن أبي
الشعثاء - ني معاوية بن سويد بن مقرن قال: دخلنا على البراء بن عازب فسمعته يقول:
" أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز
وتشميت العاطس وابرار القسم أو المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي. وأفشاء
السلام " فقد أفترض الله تعالى نصر إخواننا قال الله تعالى: (إنما المؤمنون اخوة)
نعم ونصر أهل الذمة فرض قال الله تعالى: (وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر
الا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) فقد صح انه ليس أحد أولى بالنصرة من غيره من
أهل الاسلام فوجب أن تحلف المرأة ان شاءت، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحلف
خمسون منكم " وهذا لفظ يعم النساء والرجال، وإنما ذكرنا حكم عمر لئلا يدعوا لنا
الاجماع فاما الصبيان والمجانين فغير مخاطبين أصلا بشئ من الدين قال صلى الله عليه وسلم: " رفع
القلم عن ثلاث فذكر الصبي والمجنون مع أنه اجماع أن لا يحلفا في القسامة متيقن
لا شك فيه * وأما المولى من فوق والمولى من أسفل والحليف فان قوما قالوا: قد صح
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مولى القوم منهم - ومولى القوم من أنفسهم " وأثبت الحلف
في الجاهلية قالوا: ونحن نعلم يقينا انه قد كان لبني حارثة موال من أسفل وحلفاء
لا شك في ذلك ولا مرية فوجب أن يحلفوا معهم *
قال أبو محمد رحمه الله: أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم ومن
أنفسهم " فصحيح، وكذلك كون بني حارثة لهم الحلفاء والموالي من أسفل بلا شك
إلا أننا لسنا على يقين من أن بني حارثة إذ قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم: " تحلفون وتستحقون ويحلف خمسون منكم " حضر ذلك القول في ذلك المجلس
حليف لهم أو مولى لهم، ولو أيقنا انه حضر هذا الخطاب مولى لهم أو حليف لهم
لقلنا بان الحليف والمولى يحلفون معهم وإذ لا يقين عندنا انه حضر هذا الخطاب حليف
ومولى فلا يجوز أن يحلف في حكم منفرد برسمه إلا من نحن على يقين من لزوم ذلك
الحكم له * فان قيل: قد قال صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم " يغني عن حضور الموالي
هنالك، والحليف أيضا يسمى في لغة العرب مولى كما قال عليه السلام للأنصار أول
ما لقيهم " أمن موالي يهود " يريد من حلفائهم قلنا وبالله تعالى التوفيق * قد قال عليه الصلاة
والسلام ما ذكرتم، وقال أيضا: " ابن أخت القوم منهم " وقد أوردناه قبل باسناده
90

في كتاب العاقلة ولا خلاف في أنه لا يحلف مع أخواله فنحن نقول: إن ابن أخت
القوم منهم حق لأنه متولد من امرأة هي منهم بحق الولادة والحليف والمولى أيضا
منهم لأنهما من جملتهم، وليس في هذا القول منه عليه السلام ما يوجب أن يحكم للمولى
والحليف بكل حكم وجب للقوم، وقد صح اجماع أهل الحق على أن الخلافة
لا يستحقها مولى قريش ولا حليفهم ولا ابن أخت القوم وإن كان منهم والقسامة في
العمد والخطأ سواء فيما ذكرنا فيمن يحلف فيها ولا فرق *
2152 - مسألة - كم يحلف في القسامة؟ اختلف الناس في هذا فقالت
طائفة: لا يحلف الا خمسون فان نقص من هذا العدد واحد فأكثر بطل حكم
القاسمة وعاد الامر إلى التداعي، وقال آخرون: ان نقص واحد فصاعدا رددت الايمان
عليهم حتى يبلغوا اثنين فإن كان الأولياء اثنين فقط بطلت القسامة في العمد، وأما في
الخطأ فيحلف فيه واحد خمسين، وهو قول روي عن علماء أهل المدينة المتقدمين
منهم * وقال آخرون: يحلف خمسون فان نقص من عددهم واحد فصاعدا ردت الايمان
عليهم حتى يرجعوا إلى واحد فإن لم يكن للمقتول الأولى واحد بطلت القسامة وعاد الحكم
إلى التداعي، وهذا قول مالك، وقال آخرون: تردد الايمان وان لم يكن الا واحد
فإنه يحلف خمسين يمينا وحده وهو قول الشافعي وهكذا قالوا في أيمان المدعى عليهم
انها تردد عليهم وان لم يبق الا واحد ويجبر الكسر عليهم فلما اختلفوا وجب أن ننظر فوجدنا
من قال بترديد الايمان من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر
ابن عبد العزيز ان في كتاب لعمر بن عبد العزيز " ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الايمان
أن يحلف الأولياء فإن لم يكن عدد عصبته تبلغ خمسين رددت الايمان عليهم بالغا
ما بلغوا * ومن طريق ابن وهب أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عمرو بن
شعيب قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسين يمينا ثم يحق دم المقتول إذا حلف عليه
ثم يقتل قاتله أو تؤخذ ديته ويحلف عليه أولياؤه من كانوا قليلا أو كثيرا فمن ترك
منهم اليمين ثبتت على من بقي ممن يحلف فان نكلوا كلهم حلف المدعى عليهم خمسين
يمينا ما قتلناه ثم بطل دمه وان نكلوا كلهم عقله المدعى عليهم ولا يطل دم مسلم إذا
ادعى الا بخمسين يمينا *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا لا شئ لأنهما مرسلان والمرسل لا تقوم به حجة
أما حديث عمر بن عبد العزيز ففيه أن يحلف الأولياء وهذا لا يقول به الحنيفيون
فان تعلق به المالكيون. والشافعيون. قيل للمالكيين: هو أيضا حجة عليكم لأنه ليس
91

فيه أن لا يحلف الا اثنان، وأيضا فليس هو بأولى من المرسل الذي بعده من طريق
ابن وهب وهو مخالف لقول جميعهم لان فيه ان نكل الفريقان عقله المدعى عليهم
ولا يقول به مالكي. ولا شافعي. وفيه القود بالقسامة، ولا يقول به حنيفي. ولا شافعي،
وفيه ترديد الايمان جملة دون تخصيص أن يكونا اثنين كما يقول مالك *
قال أبو محمد رحمه الله: وأيضا فان القائلين بترديد الايمان في القسامة قد اختلفوا
في الترديد فروينا عن عمر أنه ردد الايمان عليهم الأول فالأول معناه كأنهم كانوا
أربعين فحلفوا أربعين يمينا فبقيت عشرة أيمان فحلف العشرة الذين حلفوا أولا
فقط، وروى غير ذلك. وانها تردد على الاثنين فالاثنين كما روينا من طريق ابن
وهب قال قال ابن سمعان: سمعت من أدركت من علمائنا يقولون في القسامة تكون
في الخطأ على الوارث فإن لم يكن للمقتول خطأ الا وارث واحد حلف خمسين يمينا مرددة ثم
يدفع إليه الدية، فان كانوا ابنين أو أخوين ليس له وارث غيرهما فطاع أحدهما بالقسامة وأبى
الآخر فعلى الذي طاع بالقسامة خمسة وعشرون مرددة عليه ثم يدفع إليه نصف الدية
وليس للاخر شئ فإن كان الورثة ثلاثة رهط كانت القسامة عليهم أثلاثا فإن لم تتفق
الايمان عليهم جعل الفضل على الاثنين فالاثنين وان القسامة على الورثة بقدر الميراث
وقد ذكرنا بالاسناد المتصل عن سعيد بن المسيب. والزهري أن ترديد الايمان في
القسامة لا يجوز وأنه أمر حدث لم يكن قبل. وأن أول من ردد الايمان معاوية في
القسامة وقد جاء في هذا خبر مرسل لو وجدوا مثله لطاروا به فصح أن لا قسامة الا
بخمسين يحلفون أن فلانا قتل صاحبنا عمدا أو خطأ كيف ما علموا من ذلك فان نقص
منهم واحد فصاعدا بطلت القسامة وعاد الامر إلى حكم التداعي ويحلفون في مجلس الحاكم
وهم قعود حيث كانت وجوههم بالله تعالى فقط لا يكلفون زيادة على اسم الله تعالى
لقول النبي عليه السلام: " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " ولا فرق بين زيادة الذي
لا إله إلا هو وزيادة الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر وكل
هذا حكم لم يأت به عن الله تعالى نص ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من
الصحابة رضي الله عنهم. ولا أوجبه قياس. ولا نظر، وكذلك لا يكلفون الوقوف عند
اليمن ولا صروف وجوههم إلى القبلة ولا ينزعوا أرديتهم أو طيالستهم، وكل هذه
أحكام لم يأت بها نص قرآن. ولا سنة لا صحيحة. ولا سقيمة. ولا قول صاحب.
ولا اجماع. ولا قياس. ولا نظر * فان قالوا: هو تهييب ليرتدع الكاذب قيل له:
وهو تشهير وأن أردتم التهييب فاصعدوه المنار أو ارفعوه على المنار أو شدوا وسطه
92

بحبل وجردوه في سراويل، وكل هذا لا معنى له ولا معنى لان يحلف في الجامع إلا
أن كان مجلس الحاكم فيه أو لم يكن فيه على المحلف كلفة حركة لأنه لم يأمر الله تعالى
بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة بل إنما جاء ذلك عن عمر بن الخطاب.
ومعاوية أن عمر جلب المدعى عليهم في القسامة من اليمن إلى مكة ومن الكوفة إلى
مكة ليحلفوا فيها، وعن معاوية ثابت أنه حملهم من المدينة إلى مكة للتحليف في الحطيم
أو بين الركن والمقام، والمالكيون. والحنيفيون. والشافعيون مخالفون لهما رضي
الله عنهما في ذلك وهم الآن يحتجون علينا بهما في الترديد الذي قد خالفوهما أيضا فيه
نفسه وبالله تعالى التوفيق، ونجمع ههنا حكم القسامة إن شاء الله تعالى فنقول وبالله
تعالى التوفيق: إذا وجد قتيل في دار قوم أو في صحراء أو في مسجد أو في سوق أو
في داره. أو حيث وجد فادعى أولياؤه على واحد أو على جماعة من أهل تلك الدار أو
من غيرهم وأمكن أن يكون ما قالوه وادعوه حقا ولم يتيقن كذبهم في ذلك فإنهم يحلفون
خمسين بالغا عاقلا من رجل أو امرأة من عصبة المقتول لا نبالي ورثة أو غير ورثة
بالله تعالى ان فلانا قتله أو أن فلانا وفلانا وفلانا اشتركوا في قتله، ثم لهم القود أو
الدية أو المفاداة فان أبوا أن يحلفوا وقالوا: لا ندري من قتله بعينه حلف من أهل
تلك المحلة خمسون كذلك أو من أهل تلك القبيلة يقول كل حالف منهم: بالله ما قلت
ولا يكلف أكثر ويبرون فان نكلوا أجبروا كلهم على اليمين أحبوا أم كرهوا حتى
يحلف خمسون منهم كما قلنا، ولا يجوز أن يكلفوا أن يقولوا: ولا علمنا قاتلا لان
علم المرء بمن قتل فلانا إنما هي شهادة فان أداها أدى ما عليه، فان قبل قبل فذلك
وان لم يقبل فلا حرج عليه، ولا يجوز أن يحلف أحد على شهادة عنده ليؤديها بلا
خلاف، فان نقص عصبة المقتول واحد فأكثر من خمسين أو وجد القتيل وفيه حياة
أو لم يرد الخمسون أن يحلفوا ولا رضوا بأيمان المدعى عليهم فقد بطلت القسامة فاما
في نقصان العدد من خمسين وفي وجود القتيل حيا فليس في هذا الا حكم الدعوى
ويحلف المدعى عليه واحدا كان أو أكثر يمينا واحدة فقط. فان نكل أو نكلوا
أجبروا على الايمان أحبوا أم كرهوا، وهكذا ان نقص عدد أهل المحلة المدعى عليهم
فلا قسامة أصلا، وكذلك ان لم يحقق أولياء المقتول دعواهم وعصبته فان الحكم في
ذلك واحد وهو ان لابد أن يؤدي المقتول حرا كان أو عبدا من بيت مال المسلمين
أو من سهم الغارمين من الصدقات كما أمر الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير
رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وكما قال النبي عليه السلام: " من قتل له بعد مقالتي
93

هذه قتيل فأهله بين خيرتين إما أن يقاد أو أن يعقل " وليس القتل الواقع بين
الناس الا خطأ أو عمدا فقط وفي كليهما الدية بحكم الله تعالى وحكم رسوله عليه الصلاة
والسلام، وأيضا فان الخطأ يكون على عاقلة قاتل الخطأ من الغارمين وفي العمد يكون
القاتل إذا قبلت منه الدية غارما من الغارمين فحظهم في سهم الغارمين واجب أو في
كل مال موقوف لجميع مصالح أمور المسلمين فهذا حكم كل مقتول بلا شك حتى يثبت
أنه قتل لا عمدا ولا حطأ لكن بفعل بهيمة أو من له حكم البهيمة من المجانين أو
الصبيان أو انه قتل نفسه عمدا وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: وبقي في القسامة خبر نورده إن شاء الله تعالى لئلا
يغتر به مغتر بجهل ضعفه أو يظن ظان انه أغفل ولم يذكر فيكون نقصا من حكم السنة
في القسامة، وهو كما ناه عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح
نا سحنون نا ابن وهب قال: سمعت ابن سمعان يقول: أخبرني ابن شهاب عن عبد الله
ابن موهب عن قبيصة بن ذؤيب الكعبي أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فلقوا
المشركين بأضم أو قريبا منه فهزم المشركون وغشى محلم بن جثامة الليثي عامر بن
الأضبط الأشجعي فلما لحقه قال عامر: أشهد أن لا إله إلا الله فلم ينته عنه لكلمته
حتى قتله فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى محلم فقال: أقتلته بعد ان قال لا إله
الا الله فقال: يا رسول الله إن كان قالها فإنما تعوذ بها وهو كافر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا
ثقبت عن قلبه - يريد بذلك والله أعلم إنما يعرب اللسان عن القلب - وأقبل عيينة بن
بدر في قومه حمية وغضبا لقيس فقال: يا رسول الله قتل صاحبنا وهو مؤمن فأقدنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحلفون بالله خمسين يمينا على خمسين رجل منكم إن كان
صاحبكم قتل وهو مؤمن قد سمع أيمانه ففعلوا فلما حلفوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعفوا
عنه واقبلوا الدية فقال عيينة بن حصن انا نستحي أن تسمع العرب انا أكلنا ثمن
صاحبنا وواثبه الأقرع بن حابس التميمي في قومه غضبا وحمية لخندف فقال لعيينة
ابن حصن: بما ذا استطلتم دم هذا الرجل فقال: أقسم منا خمسون رجلا ان صاحبنا
قتل وهو مؤمن فقال الأقرع: فسألكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعفوا عن قتله وتقبلوا
الدية فأبيتم فاقسم بالله ليقبلن من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاكم إليه أو لآتين بمائة من
بني تميم فيقسمون بالله لقد قتل صاحبكم وهو كافر فقالوا عند ذلك: على رسلك بل
نقبل ما دعانا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله
نقبل الذي دعوتنا إليه من الدية فدية أبيك عبد الله بن عبد المطلب فوداه رسول الله
94

صلى الله عليه وسلم من الإبل، قال أبو محمد رحمه الله: فهذا خبر لا ينسند البتة من طريق يعتد بها
وانفرد به ابن سمعان وهو مذكور بالكذب بذكر قسامة خمسين على أنه قتل مسلما
وهو أيضا مرسل ولو صح لقلنا به فإذ لم يصح فلا يجوز الاخذ به وبالله تعالى التوفيق *
2153 - مسألة - في الدماء مشكل، قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن
محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل بن بهرام الدينوري نا محمد بن جرير الطبري ني عبيد
الله بن سعد بن إبراهيم الزهري نا عمى - هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف - نا شعبة بن الحجاج عن عبد الله بن أبي السفر عن عامر الشعبي
عن عبد الله بن مطيع بن الأسود عن أبيه مطيع أخي بني عدي بن كعب وكان اسمه
العاصي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يقول: لا تغزى
مكة بعد هذا العام أبدا ولا يقتل رجل من قريش بعد هذا العام صبرا أبدا * نا أحمد بن
محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل نا محمد بن جرير ني عبد الله بن محمد الزهري نا
سفيان بن عيينة عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي قال: قال الحارث
ابن مالك بن البرصاء قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تغزى مكة بعد هذا العام أبدا " *
نا أحمد بن محمد نا أحمد بن الفضل نا محمد بن جرير نا نصر بن عبد الرحمن الأودي نا محمد
ابن عبيد عن زكريا عن الشعبي عن الحارث بن مالك بن البرصاء قال: " سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقول: لا تغزى مكة بعدها إلى يوم القيامة " *
قال علي رحمه الله: الأول حديث صحيح والآخر ان صح سماع الشعبي من الحرث
ابن مالك فهما صحيحان والحرث هذا هو الحارث بن قيس بن عون بن جابر بن عبد
مناف ابن كنانة بن شجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن
مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان *
قال أبو محمد رحمه الله: ووجه هذه الأحاديث بين وهو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما اخبر بهذا عن نفسه انه لا يغزو مكة بعدها ابدا. وانه لا يقتل بعدها رجلا من
قريش صبرا أبدا وكان هذا كما قال عليه السلام فما قتل بعدها قرشيا * برهان هذا انه
عليه السلام قد أنذر بقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأنذر بغزو الكعبة وهو كما روينا
من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا ابن أبي عدي عن عثمان بن غياث عن أبي عثمان النهدي
عن أبي موسى الأشعري فذكر الحديث، وفيه " ان رجلا استفتح فجلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تكون قال: فذهبت فإذا عثمان بن
عفان ففتحت له وبشرته بالجنة وقلت الذي قال فقال: المهم صبرا والله المستعان "
95

ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة. وابن أبي عمر. وحرملة بن يحيى، قال أبو بكر.
وابن أبي عمر: نا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد، وقال حرملة: نا ابن وهب أخبرني
يونس - هو ابن يزيد - ثم اتفق زياد. ويونس كلاهما عن الزهري عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة " *
قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن قوما من قريش سيقتلون صبرا ولا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن قريشيا لو قتل لقتل ولو زنى وهو محصن لرجم حتى يموت
وهكذا نقول فيه: لو ارتد أو حارب أو حد في الخمر ثلاثا ثم شرب الرابعة وكذلك
قال الله تعالى: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم)
ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن مكة اعزها الله وحرسها لو غلب عليها الكفار
أو المحاربون أو البغاة فمنعوا فيها من اظهار الحق ان فرضا على الأمة غزوهم لا غزو
مكة فان انقادوا أو خرجوا فذلك وان لم يمتنعوا ولا خرجوا انهم يخرجون منها فان
هم امتنعوا وقاتلوا فلا خلاف في أنهم يقاتلون فيها وعند الكعبة فكانت هذه
الاجماعات وهذه النصوص وانذار النبي عليه السلام بهدم ذي السويقتين للكعبة،
وبالضرورة ندري ان ذلك لا يكون البتة الا بعد غزو منه، وقد غزاها الحصين بن
نمير. والحجاج بن يوسف. وسليمان بن الحسن الجياني لعنهم الله أجمعين وألحدوا فيها
وهتكوا حرمة البيت، فمن رام للكعبة بالمنجنيق وهو الفاسق الحجاج وقتل داخل
المسجد الحرام أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير. وقتل عبد الله بن صفوان بن أمية
رضي الله عنهما وهو متعلق بأستار الكعبة، ومن قالع للحجر الأسود، وسالب
المسلمين المقتولين حولها وهو الكافر الملعون سليمان بن الحسن القرمطي فكان هذا
كله مبينا اخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اخبر في حديث مطيع بن الأسود. والحرث
ابن البرصاء، وانه عليه السلام إنما اخبر بذلك عن نفسه فقط، وهذا من اعلام نبوته
عليه السلام ان اخبر بأنه لا يغزوها إلى يوم القيامة، وانه عليه السلام لا يقتل ابدا رجلا
من قريش صبرا. فكان كذلك، ولا يجوز ان يقتصر على بعض كلامه صلى الله عليه وسلم دون
بعض، فهذا تحكم فاسد بل تضم أقواله عليه السلام كلها بعضها إلى بعض فكلها حق
ولا يجوز ان يحمل قوله عليه السلام. " لا تغزى مكة بعد هذا العام إلى يوم القيامة
ولا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم على الامر لما ذكرنا من صحة الاجماع على
وجوب قتل القرشي قودا أو رجما في الزنا وهو محصن على وجوب غزو من لاذ بمكة
من أهل الكفر والحرابة والبغي *
96

(فان قيل): إنما منع بذلك من غزوها ظلما ومن قتل قرشي صبرا ظلما قلنا وبالله
تعالى التوفيق: هذه أحكام لا يختلف فيها حكم مكة وغيرها ولا حكم قريش وغيرهم
فلا يحل بلا خلاف أن تغزى بلد من البلاد ظلما ولا أن يقتل أحد من الأمة ظلما
وكان يكون الكلام حينئذ عاريا من الفائدة وهذا لا يجوز وبالله تعالى التوفيق *
2154 مسألة قتل أهل البغي قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى (وان
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا
التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) الآية فكان قتال المسلمين فيما بينهم على وجهين قتال
البغاة وقتال المحاربين فالبغاة قسمان لا ثالث لهما، أما قسم خرجوا على تأويل في الدين
فاخطئوا فيه كالخوارج وما جرى مجراهم من سائر الأهواء المخالفة للحق. وأما قسم
أرادوا لأنفسهم دنيا فخرجوا على امام حق أو على من هو في السيرة مثلهم، فان تعدت
هذه الطائفة إلى إخافة الطريق أو إلى
ذ مال من لقوا أو سفك الدماء هملا انتقل
حكمهم إلى حكم المحاربين وهم ما لم يفعلوا ذلك في حكم البغاة، فالقسم الأول من أهل
البغي يبين حكمهم ما نا هشام بن سعد الخير نا عبد الجبار بن أحمد المقرئ نا الحسن بن
الحسين البجيرمي نا جعفر بن محمد الأصبهاني نا يونس بن حبيب نا أبو داود الطيالسي
نا شعبة أخبني أيوب السختياني وخالد الحذاء كلاهما قال عن الحسن البصري أخبرتنا
أمنا عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عمار تقتلك الفئة الباغية *
قال أبو محمد رحمه الله: وإنما قتل عمارا رضي الله عنه أصحاب معاوية رضي
الله عنه وكانوا متأولين تأويلهم فيه وان أخطئوا الحق مأجورون أجرا واحدا لقصدهم
الخير ويكون من المتأولين قوم لا يعذرون ولا أجر لهم كما روينا من طريق البخاري
نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي نا الأعمش نا خيثمة نا سويد بن غفلة قال قال علي:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سيخرج قوم في آخر الزمان احداث الأسنان سفهاء
الأحلام يقولون من قول خير البرية لا يجاوز ايمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما
يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فان في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة "
وروينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد ابن أبي عدي عن سليمان - هو الأعمش -
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون
في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحالق هم شر الخلق أو من شر الخلق تقتلهم
أدنى الطائفتين إلى الحق " وذكر الحديث *
97

قال أبو محمد رحمه الله: ففي هذا الحديث نص جلي بما قلنا وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر
هؤلاء القوم فذمهم أشد الذم وانهم من شر الخلق وانهم يخرجون في فرقة من الناس
فصح ان أولئك أيضا. مفترقون وان الطائفة المذمومة تقتلها أدنى الطائفتين المفترقتين
إلى الحق فجعل عليه السلام في الافتراق تفاضلا وجعل احدى الطائفتين المفترقتين
لها دنو من الحق وان كانت الأخرى أولى به ولم يجعل للثالثة شيئا من الدنو إلى الحق،
فصح ان التأويل يختلف فأي طائفة تأولت في بغيتها طمسا لشئ ء من السنة كمن قام
برأي الخوارج ليخرج الامر عن قريش أو ليرد الناس إلى القول بابطال الرجم أو
تكفير أهل الذنوب أو استقراض المسلمين أو قتل الأطفال والنساء واظهار القول
بابطال القدر أو ابطال الرؤية أو إلى أن الله تعالى لا يعلم شيئا الا حتى يكون أو إلى
البراءة عن بعض الصحابة أو ابطال الشفاعة أو إلى ابطال العمل بالسنن الثابتة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الرد إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى المنع من الزكاة
أو من أداء حق من مسلم أو حق لله تعالى فهؤلاء لا يعذرون بالتأويل الفاسد لأنها جهالة
تامة، وأما من دعا إلى تأويل لا يحل به سنة لكن مثل تأويل معاوية في أن يقتص من
قتلة عثمان قبل البيعة لعلي فهذا يعذر لأنه ليس فيه إحالة شئ من الدين وإنما هو
خطأ خاص في قصة بعينها لا تتعدى، ومن قام لعرض دنيا فقط كما فعل يزيد بن
معاوية. ومروان بن الحكم. وعبد الملك بن مروان في القيام على ابن الزبير، وكما فعل
مروان بن محمد في القيام على يزيد بن الوليد وكمن قام أيضا عن مروان، فهؤلاء لا يعذرون
لأنهم لا تأويل لهم أصلا وهو بغي مجرد * وأما من دعا إلى أمر بمعروف أو نهي عن منكر
واظهار القرآن والسنن والحكم بالعدل فليس باغيا بل الباغي من خالفه وبالله تعالى
التوفيق، وهكذا إذا أريد بظلم فمنع من نفسه سواء اراده الامام أو غيره وهذا مكان
اختلف الناس فيه فقالت طائفة: ان السلطان في هذا بخلاف غيره ولا يحارب السلطان
وان أراد ظلما كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني ان رجالا
سألوا ابن سيرين فقالوا أتينا الحرورية زمان كذا وكذا لا يسألون عن شئ
غير أنهم يقتلون من لقوا فقال ابن سيرين: ما علمت أن أحدا كان يتحرج من قتل
هؤلاء تأثما ولا من قتل من أراد قتالك الا السلطان فان للسلطان نحوا وخالفهم
آخرون فقالوا: السلطان وغيره سواء كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن أيوب عن أبي قلابة قال. أرسل معاوية بن أبي سفيان إلى عامل له أن يأخذ
98

الوهط (1) فبلغ ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص فلبس سلاحه هو ومواليه وغلمته
وقال: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول: من قتل دون ماله مظلوما
فهو شهيد) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال إن
عبد الله بن عمرو بن العاص تيسر للقتال دون الوهط ثم قال. ما لي لا أقاتل دونه
وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قتل دون ماله فهو شهيد:
قال ابن جريج: وأخبرني سليمان الأحول ان ثابتا مولى عمر بن عبد الرحمن اخبره
قال: لما كان بين عبد الله بن عمرو بن العاص وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان وتيسروا
للقتال ركب خالد بن العاص - هو ابن هشام بن المغيرة المخزومي - إلى عبد الله بن عمرو
فوعظه فقال له عبد الله بن عمرو بن العاص: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " من قتل على ماله فهو شهيد " *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص بقية الصحابة وبحضرة
سائرهم رضي الله عنهم يريد قتال عنبسة بن أبي سفيان عامل أخيه معاوية أمير المؤمنين
إذ أمره بقبض الوهط ورأي عبد الله بن عمرو ان أخذه منه غير واجب وما كان
معاوية رحمه الله ليأخذ ظلما صراحا لكن أراد ذلك بوجه تأوله بلا شك، ورأي
عبد الله بن عمرو أن ذلك ليس بحق ولبس السلاح للقتال ولا مخالف له في ذلك من
الصحابة رضي الله عنهم، وهكذا جاء عن أبي حنيفة والشافعي. وأبي سليمان.
وأصحابهم ان الخارجة على الامام إذا خرجت سئلوا عن خروجهم فان ذكروا مظلمة
ظلموها أنصفوا والا دعوا إلى الفيئة فان فاؤا فلا شئ عليهم وان أبوا قوتلوا ولا
نرى هذا الا قول مالك أيضا، فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن نرد ما اختلفوا فيه
إلى ما افترض الله تعالى علينا الرد إليه إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه
إلى الله والرسول) ففعلنا فلم نجد الله تعالى فرق في قتال الفئة الباغية على الأخرى
بين سلطان وغيره بل أمر تعالى بقتال من بغى على أخيه المسلم عموما حتى يفئ إلى
أمر الله تعالى وما كان ربك نسيا، وكذلك قوله عليه السلام: " من قتل دون ماله
فهو شهيد أيضا " عموم لم يخص معه سلطانا من غيره ولا فرق في قرآن ولا حديث
ولا اجماع ولا قياس بين من أريد ماله أو أريد دمه أو أريد فرج امرأته أو أريد
ذلك من جميع المسلمين وفي الاطلاق على هذا هلاك الدين وأهله، وهذا لا يحل
بلا خلاف وبالله تعالى التوفيق.

(1) الوهط ما كان لعمرو العاص *
99

قال أبو محمد رحمه الله: ومن أسر من أهل البغي فان الناس قد اختلفوا فيه
أيقتل أم لا؟ فقال بعض أصحاب أبي حنيفة: ما دام القتال قائما فإنه يقتل أسراهم فإذا
انجلت الحرب فلا يقتل منهم أسير. قال أبو محمد رحمه الله: واحتج هؤلاء بان
عليا رضي الله عنه قتل ابن يثربي وقد أتى به أسيرا وقال الشافعي: لا يحل أن يقتل
منهم أسير أصلا ما دامت الحرب قائمة ولا بعد تمام الحرب وبهذا نقول. برهان
ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه أنه قال: " لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث
كفر بعد ايمان أو زنا بعد احصان أو نفس بنفس وأباح الله تعالى دم المحارب وأباح
رسول الله صلى الله عليه وسلم دم من حد في الخمر ثم شربها في الرابعة فكل من ورد نص بإباحة
دمه مباح الدم وكل من لم يبح الله تعالى دمه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم حرام الدم بقول
الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم
عليكم حرام " وأما احتجاجهم بفعل علي رضي الله عنه فلا حجة لهم فيه لوجوه، أحدها
أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني أنه لا يصح مسندا إلى علي
رضي الله عنه، والثالث أنه لو صح لكان حجة عليهم لا لهم لان ذلك الخبر إنما هو
في ابن يثربي ارتجز يوم ذلك فقال: أنا لمن ينكرني ابن يثربي * قاتل عليا وهند الجمل
ثم ابن صوحان على دين علي، فأسر فأتى به علي بن أبي طالب فقال له: استبقني فقال له
علي: أبعد اقرارك بقتل ثلاثة من المسلمين عليا وهندا وابن صوحان وأمر بضرب
عنقه فإنما قتله علي قودا بنص كلامه وهم لا يرون القود في مثل هذا فعاد احتجاجهم به
حجة عليهم ولاح أنهم مخالفون لقول علي في ذلك ولفعله، والرابع انه قد صح عن
علي النهي عن قتل الاسراء في الجمل وصفين على ما نذكر إن شاء الله تعالى فبطل تعلقهم
بفعل علي في ذلك، وما نعلمهم شغبوا بشئ غير هذا، فان قالوا: قد كان قتله بلا خلاف
مباحا قبل الأسئار فهو على ذلك بعد الأسئار حتى يمنع منه نص أو اجماع قلنا لهم: هذا
باطل وماحل قتله قط قبل الأسئار مطلقا لكن حل قتله ما دام باغيا مدافعا فإذا لم يكن
باغيا مدافعا حرم قتله وهو إذا أسر فليس حينئذ باغيا ولا مدافعا فدمه حرام،
وكذلك لو ترك القتال وقعد مكانه ولم يدافع لحرم دمه وان لم يوسر وبالله تعالى
التوفيق، وإنما قال الله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) ولم يقل
قاتلوا التي تبقي والقتال والمقاتلة فعل من فاعلين فإنما حل قتال الباغي ومقاتلته ولم
يحل قتله قط في غير المقاتلة والقتال فهذا نص القرآن وبالله تعالى التوفيق، فان قالوا
100

نقيسه على المحارب قلنا: المحارب المقدور عليه يقتل ان رأى الامام ذلك قبل تمام الحرب
وبعدها بلا خلاف في أن حكمه في كلا الامرين سواء، وأيضا فليس يختلف أحد
في أن حكم الباغي غير حكم المحارب، وبالتفريق بين حكمها جاء القرآن *
قال أبو محمد رحمه الله: واختلفوا أيضا في الاجهاز على جرحاهم والقول فيهم
كالقول في الاسراء سواء لان الجريح إذا قدر عليه فهو أسير، وأما ما لم يقدر عليه
وكان ممتنعا فهو باغ كسائر أصحابه، وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
قال: أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال
قال علي بن أبي طالب: لا يذفف على جريح ولا يقتل أسير ولا يتبع مدبر، وكان
لا يأخذ مالا لمقتول يقول: من اعترف شيئا فليأخذه * ومن طريق عبد الرزاق عن
يحيى بن العلاء عن جويبر قال: أخبرتني امرأة من بني أسد قالت: سمعت عمارا بعد
ما فرغ علي من أصحاب الجمل ينادي لا تقتلن مدبرا ولا مقبلا. ولا تذففوا على
جريح ولا تدخلوا دارا ومن ألقى السلاح فهو آمن كالمأسور قد قدرنا أن نصلح بينه
وبين المبغي عليه بالعدل وهو أن نمنعه من البغي بان نمسكه ولا ندعه يقاتل وكذلك
الجريح إذا قدرنا عليه، ونص هذه الآية يقتضي تحريم دم الأسير ومن قدر عليه لان
فيها ايجاب الاصلاح بينهما - نعني الباغي والمبغى عليه - ولا يجوز ان يصلح بين حي وميت
وإنما يصلح بين حيين فصح تحريم دم الأسير ومن قدر عليه من أهل البغي بيقين
* واختلفوا هل يجوز اتباع مدبرهم؟ فقالت طائفة: لا يتبع المدبر منهم أصلا، وقال
آخرون: أن كانوا تاركين للقتال جملة منصرفين إلى بيوتهم فلا يحل اتباعهم أصلا
وأن كانوا منحازين إلى فئة أو لائذين بمعقل يمتنعون فيه أو زائلين عن الغالبين لهم من
أهل العدل إلى مكان يأمنونهم فيه لمجئ الليل أو ببعد الشقة ثم يعودون إلى حالهم فيتبعون *
قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا نقول لأنه نص القرآن لان الله تعالى افترض
عليا قتالهم حتى يفيئوا إلى امر الله تعالى فإذا فاؤا حرم علينا قتلهم وقتالهم فهم إذا
أدبروا تاركين لبغيهم راجعين إلى منازلهم أو متفرقين عما هم عليه فبتركهم البغي صاروا
فائين إلى أمر الله فإذا فاؤا إلى امر الله فقد حرم قتلهم وإذا حرم قتلهم فلا وجه لاتباعهم
ولا شئ لنا عندهم حينئذ، وأما إذا كان أدبارهم ليتخلصوا من غلبة أهل الحق وهم
باقون على بغيهم فقتالهم باق علينا بعد لأنهم لم يفيئوا بعد إلى أمر الله تعالى، فان احتج
محتج بما ناه عبد الله بن أحمد الطلمنسكي نا أحمد بن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت
الرقي نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا محمد بن معمر نا عبد الملك بن عبد العزيز
101

انا كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ابن أم عبد
هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال
لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها فان كوثر بن
حكيم ساقط البتة متروك الحديث ولو صح لكان حجة لنا لان الهارب هو التارك
لما هو فيه فاما المتخلص ليعود فليس هاربا وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: واختلفوا أيضا في قتال. أهل البغي فقال بعض أصحاب
الحديث: تقسم أموالهم وتخمس وبه قال الحسن بن حي أموال اللصوص المحاربين
مغنومة مخمسة ما كان منها في عسكرهم، وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: ما وجد
في أيدي أهل البغي من السلاح والكراع فإنه فئ يقسم ويخمس ولم ير ذلك في غير
السلاح والكراع، وقال أبو حنيفة وسائر أصحابه: اما ما دامت الحرب قائمة فإنه
يستعان في قتالهم بما أخذ من سلاحهم وكراعهم خاصة فإذا تلف من ذلك شئ في
حال الحرب فلا ضمان فيه فإذا وضعت الحرب أوزارها لم يؤخذ شئ من أموالهم
لا سلاح ولا كراع ولا غير ذلك يرد عليهم ما بقي مما قاتلوا به في الحرب من سلاحهم
وكراعهم، وقال مالك. والشافعي. وأصحابنا: لا يحل لنا شئ من أموالهم لا سلاح
ولا كراع ولا غير ذلك لا في حال الحرب ولا بعدها *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ننظر في ذلك لنعلم الحق
فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا فيما احتج به أبو حنيفة. وأصحابه بان يستعمل سلاحهم
وكراعهم ما دامت الحرب قائمة فلم نجد لهم في ذلك حجة أصلا لا من قرآن ولا من سنة صحيحة
ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا اجماع وما كان هكذا فهو باطل بلا شك وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام " والسلاح والكراع مال من مالهم فهو
محرم على غيرهم لكن الواجب أن يحال بينهم وبين كل ما يستعينون به على باطلهم لقول
الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فصح
بهذا يقينا أن تخليتهم يستعملون السلاح في دماء أهل العدل والكراع في قتالهم تعاون
على الاثم والعدوان فهو محرم بنص القرآن، وصح أن الحيلولة بينهم وبين السلاح
والكراع في حال البغي تعاون على البر والتقوى، وأما استعماله فلا يحل لما ذكرنا الا ان يضطر
إليه فيجوز حينئذ ومن اضطر إلى الدفاع عن نفسه بحق ففرض عليه ان يدفع الظلم
عن نفسه وعن غيره بما أمكنه من سلاح نفسه أو سلاح غيره فإن لم يفعل فهو ملق
102

بيده إلى التهلكة وهذا حرام عليه فسقط قول أبي حنيفة وأصحابه، ثم نظرنا في قول
أبي يوسف فلم نجد لهم شبهة الا خبرا رواه فطر بن خليفة عن محمد بن الحنفية أن
عليا قسم يوم الجمل فيهم بين أصحابه ما قوتل به من الكراع والسلاح وهذا خبر
فاسد لان فطرا ضعيف. وذكروا أيضا ما كتب به إلى يوسف بن عبد البر النمري قال
نا أحمد بن محمد بن الجسور نا محمد بن عيسى بن رفاعة الخولاني نا بكر بن سهل نا نعيم بن
حماد نا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي البختري. والشعبي. وأصحاب علي
عن علي أنه لما ظهر على أصحاب الجمل بالبصرة يوم الجمل جعل لهم ما في عسكر القوم
من السلاح فقالوا كيف تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم ولا نساؤهم قال هاتوا سهامكم
فأقرعوا على عائشة فقالوا نستغفر الله فخصمهم علي رضي الله عنه وعرفهم انها إذا لم تحل لم يحل
بنوها وهذا أيضا اثره ضعيف ومداره على نعيم بن حماد وهو الذي روى باسناد أحسن من هذا
عن النبي صلى الله عليه وسلم " تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أشدها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور
برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال فان أجازوه هنا فليجيزوه هناك، ثم لو صح
لم يكن لهم فيه حجة لأنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم
قولة لعلي رضي الله عنه قد خالفوها بآرائهم، ثم نظرنا فيما ذهب إليه الحسن بن
حيي فلم نجد لهم علقة الا من طريق عبد الرزاق عن ابن عيينة عن أصحابه عن حكيم
ابن جبير عن عصمة الأسدي قال: بهش الناس إلى علي فقالوا: أقسم بيننا نساءهم
وذراريهم فقال علي عنتني الرجال فعنيتها وهذه ذرية قوم مسلمين في دارهم لا سبيل لكم
عليهم ما اوت الدار من مال فهو لهم وما أجلبوا به عليكم في عسكرهم فهو لكم مغنم *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا خبر في غاية الفساد لان ابن عيينة رحمه الله
رواه عن أصحابه الذين لا يدري من هم، ثم عن حكيم بن جبير وهو هالك كذاب
فلم يبق الا من قال إن جميع أموالهم مخمسة مغنومة، وقول من قال: لا يحل منها شئ
فنظرنا في تلك فوجدناهم يحتجون بما نابه حمام بن أحمد قال نا عباس بن اصبغ
نا محمد بن عبد الملك ابن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا عفان بن مسلم نا محمد بن ميمون
نا محمد بن سيرين عن أخيه معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله
عليه وسلم: " قال يخرج ناس من قبل المشرق يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه
سيماهم التحليق والتسبيد " ومن طريق مسلم ني محمد بن المثنى نا محمد بن أبي عدي عن
103

سليمان - هو الأعمش - عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحالق وهم شر الخلق
أو من شر الخلق تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " وذكر باقي الخبر قالوا: وقد قال الله
تعالى: (ان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها
أولئك هم شر البرية ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قالوا: فمن
الباطل المتيقن ان يكونوا مسلمين ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: انهم شر
الخلق أو من شر الخلق، فالخلق والبرية سواء، قالوا: فإذ هم بشهادة رسول الله صلى
الله عليه وسلم من شر الخلق وقد مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون
فيه أبدا فهم بيقين من المشركين الذين قال الله تعالى: انهم شر البرية لا من الذين
آمنوا الذين شهد الله تعالى لهم انهم من خير البرية فأموالهم مغنومة مخمسة
كأموال الكفار *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قول صحيح واحتجاج صادق الا انه مجمل غير مرتب
والصحيح من هذا هو جمع الآيات والأحاديث فمن خرج بتأويل هو فيه مخطئ لم
يخالف فيه الاجماع ولا قصد فيه خلاف القرآن وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يتعمد خلافهما أو يعند عنهما بعد قيام الحجة عليه أو خرج طالبا غلبة في دنيا
ولم يخف طريقا ولا سفك الدم جذافا ولا اخذ المال ظلما فهذا هو الباغي الذي يصلح
بينه وبين من بغى عليه على ما في آية البغاة وعلى ما قال عليه السلام من خروج المارقة
بين الطائفتين من أمته، إحداهما باغية وهي التي تقتل عمارا والأخرى أولى بالحق
وحمد عليه السلام من أصلح بينهما كما روينا من طريق البخاري نا صدقة نا ابن عيينة
نا أبو موسى عن الحسن سمع أبا بكرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على
المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة واليه مرة ويقول: ابني هذا سيد ولعل
الله يصلح به بين فئتين من المسلمين، فان زاد الامر حتى يخيفوا السبيل ويأخذوا مال
المسلمين غلبة بلا تأويل أو يسفكوا دما كذلك فهؤلاء محاربون لهم حكم المحاربة
فان زاد الامر حتى يخرقوا الاجماع فهم مرتدون تغنم أموالهم كلها حينئذ وتخمس
وتقسم وبالله تعالى التوفيق، ولا يحل مال المحارب ولا مال الباغي ولا شئ منه لأنهما
وان ظلما فهما مسلمان ولا يحل شئ من مال المسلم الا بحق وقد يحل دمه ولا يحل ماله
كالزاني المحصن والقاتل عمدا وقد يحل ماله ولا يحل دمه كالغاصب ونحو ذلك وإنما
يتبع النص فما أحل الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام من دم أو مال حل وما
104

حرما من دم أو مال فهو حرام والأصل في ذلك التحريم حتى يأتي الحلال لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وبالله تعالى التوفيق *
2155 مسألة ما أصابه الباغي من دم أو مال اختلف الناس فيما أصابوه
في حال القتال من دم أو مال أو فرج فقال أبو حنيفة. ومالك. والشافعي. وبعض
أصحابنا: لا يؤاخذون بشئ من ذلك ولا قود في الدماء ولا دية ولا ضمان فيما أتلفوه
من الأموال الا أن يوجد بأيديهم شئ قائم مما أخذوه فيرد إلى أصحابه، وقال الأوزاعي
ان كانت الفئتان إحداهما باغية والأخرى عادلة في سواد العامة فامام الجماعة المصلح
بينهما يأخذ من الباغية على الأخرى ما أصابت منها بالقصاص في القتلى والجراحة
كما كان أمر تينك الفئتين اللتين نزل فيهما القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى الولاة *
قال أبو محمد رحمه الله: وقال بعض أصحابنا: القصاص عليهم وضمان ما أتلفوا
كغيرهم فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك لنعم الحق فنتبعه بمن الله تعالى وطوله
فوجدنا من قال: لا يؤاخذون بشئ يحتجون من طريق عبد الرزاق عن معمر أخبرني
الزهري ان سليمان بن هشام كتب إليه يسأله عن امرأة خرجت من عند زوجها وشهدت
على قومها بالشرك ولحقت بالحرورية فتزوجت فيهم ثم إنها رجعت إلى قومها ثانية
فكتب إليه أما بعد فان الفتنة الأولى ثارت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا
كثير فاجتمع رأيهم على أن لا يقيموا على أحد حدا في فرج استحلوه بتأويل القرآن
الا ان يوجد شئ بعينه فيرد إلى صاحبه واني أرى ان ترد إلى زوجها وان يحد من افترى عليها *
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن معمر عن الزهري قال
هاجت ريح الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فاجتمع رأيهم على أنه لا يقاد
ولا يودي ما أصيب على تأويل القرآن الا ما يوجد بعينه، وعن سعيد بن المسيب
أنه قال: إذا التفت الفئتان فما كان بينهما من دم أو جراحة فهو هدر ألا تسمع إلى
قوله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) الآية حتى فرغ منها،
قال: فكل طائفة ترى الأخرى باغية.
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم شبهة غير هذا وهذا ليس بشئ لوجهين،
أحدهما انه منقطع لان الزهري رحمه الله لم يدرك تلك الفتنة ولا ولد الا بعدها ببضع
عشرة سنة، والثاني انه لو صح كما قال لما كان هذا الا رأيا من بعض الصحابة لا نصا
ولا اجماعا منهم ولا حجة في رأي بعضهم دون بعض وإنما افترض الله تعالى علينا
أهل الاسلام اتباع القرآن وما صح عن النبي عليه السلام أو ما أجمعت عليه الأمة ولم
105

يأمر الله تعالى قط باتباع ما أجمع عليه بعض أولي الأمر منا وإذا وقعت تلك الفتنة فبلا
شك ان الماضين بالموت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أكثر من الباقين ولقد
كان أصحاب بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وعدوا إذ مات عبد الرحمن بن عوف
رضي الله عنه فما وجد منهم في الحياة الا نحو مائة واحدة فقط فبطل التعلق بما رواه
الزهري لو صح فكيف وهو لا يصح أصلا. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال
أخبرني غير واحد من عبد القيس عن حميد بن هلال عن أبيه قال: لقد اتيت الخوارج وانهم
لأحب قوم على وجه الأرض إلي فلم أزل فيهم حتى اختلفوا فقيل لعلي بن أبي طالب
قاتلهم فقال لا حتى يقتلوا فمر بهم رجل استنكروا هيئته فثاروا إليه فإذا هو عبد الله
ابن خباب فقالوا: حدثنا ما سمعت أباك يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سمعته يقول
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من
الماشي والماشي خير من الساعي والساعي في النار " قال: فأخذوه وأم ولده فذبحوهما
جميعا على شط النهر فلقد رأيت دماهما في النهر كأنهما شراكان فأخبر بذلك علي بن
أبي طالب فقال: أقيدوني من ابن خباب قالوا: كلنا قتلناه فحينئذ استحل قتالهم فقتلهم *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا أثر أصح من اثر الزهري أو مثله بان علي بن أبي
طالب رأى القود على الخوارج فيمن قتلوه بتأويل القرآن بخلاف ما ذكر الزهري
من اجماعهم فصح الخلاف في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم وبلا شك ندري أن
القائلين من الصحابة رضي الله عنهم لأبي بكر الصديق أن لا يقاتل أهل الردة أكثر عددا
وأتم فضلا من الذين ذكر الزهري عنه انه اجماع لا يصح على أن لا يؤخذ أحد بدم أصابه
على تأويل القرآن لا بقود ولا بدية وان لا يضمن أحد ما لا اصابه على تأويل القرآن ولم
يكن قولهم ذلك حجة يسوغ الاخذ بمثل ما قالوا: وإنما رجع الامر فيما ذكر الزهري
اجماعا إلى حكم الوالي ولم يكن الا عليا والأشهر عنها إيجاب القود كما ذكرنا أو معاوية
وإنما كان الحق في ذلك بيد علي لا بيده وإنما كان معاوية مجتهدا مخطئا مأجورا فقط
وبالله تعالى التوفيق *
وأما احتجاج ابن المسيب بان كل طائفة ترى الأخرى باغية فليس بشئ لان
الله تعالى لم يكلنا إلى رأي الطائفتين لكن أمر من صح عنه بغى إحداهما بقتال الباغية
ولو كان ما قاله سعيد رحمه الله لما كانت إحداهما أولى بالمقاتلة من الأخرى ولبطلت
الآية وهذا لا يجوز *
106

قال أبو محمد رحمه الله: والقول عندنا ان البغاة كما قدمنا في صدر كلامنا ثلاثة
أصناف، صنف تأولوا تأويلا يخفى وجهه على كثير من أهل العلم كمن تعلق بآية خصتها
أخرى أو بحديث قد خصه آخر أو نسخها نص آخر فهؤلاء كما قلنا معذورون حكمهم حكم الحاكم
المجتهد يخطئ فيقتل مجتهدا أو يتلف مالا مجتهدا أو يقضي في فروج خطأ مجتهدا ولم تقم عليه
الحجة في ذلك ففي الدم دية على بيت المال لا على الباغي ولا على عاقلته ويضمن المال
كل من أتلفه ونسخ كل ما حكموا به ولا حد عليه في وطئ فرج جهل تحريمه ما لم يعلم
بالتحريم، وهكذا أيضا من تأول تأويلا خرق به الاجماع بجهالة ولم تقم عليه
الحجة ولا بلغته، وأما من تأول تأويلا فاسدا لا يعذر فيه لكن خرق الاجماع اي
شئ كان ولم يتعلق بقرآن ولا سنة ولا قامت عليه الحجة وفهمها وتأول تأويلا يسوغ
وقامت عليه الحجة وعند فعلى من قتل هكذا القود في النفس فما دونها والحد فيما
أصاب بوطئ حرام وضمان ما استهلك من مال، وهكذا من قام في طلب دنيا مجردا
بلا تأويل ولا يعذر هذا أصلا لأنه عامد لما يدري انه حرام وبالله تعالى التوفيق،
وهكذا من قام عصبية ولا فرق، وقد تكون الفئتان باغيتين إذا قامتا معا في باطل
فإذا كان هكذا فالقود أيضا على القاتل من اي الطائفتين كان، وهكذا القول في المحاربين
يقتل بعضهم بعضا *
قال أبو محمد رحمه الله: ونذكر البرهان في كل هذا فصلا فصلا، أما قولنا من
لم تقم عليه الحجة فلا قود عليه ولا حد فلقول الله تعالى (لأنذركم به) ومن بلغ فلا حجة
الا على من بلغته الحجة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وجعفر بن أبي طالب
ومن معه من أفاضل الصحابة رضي الله عنهم بأرض الحبشة بينهم المهامه الفيح
والبلاد البعيدة ولجة البحر والفرائض تنزل بالمدينة ولا تبلغهم الا بعد عام أو أعوام
كثيرة وما لزمتهم ملامة عند الله تعالى ولا عند رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عند أحد من الأمة فصح
يقينا ان من جهل حكم شئ من الشريعة فهو غير مؤاخذ به الا في ضمان ما أتلف من
مال فقط لأنه استهلكه بغير حق فعليه متى علم أن يرده إلى صاحبه ان أمكن وان لا
يصر على ما فعل وهو يعلم، واما وجوب الدية في ذلك على بيت المال خاصة فلما ذكرناه
في كتاب الدماء والقصاص لما رويناه من طريق أبي داود ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد
القطان ثنا ابن أبي ذئب ني سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري قال سمعت أبا شريح الكعبي
يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انكم معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل واني
عاقله فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين بين ان يأخذوا العقل وبين ان
107

يقتلوا " وإنما قتلوه متأولين يوم الفتح * واما من قامت عليه الحجة وبلغه حكم الله تعالى
وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه ولم يكن عنده الا العناد والتعلق إما بتقليد مجرد أو برأي
مفرد أو بقياس فليس معذورا وعليه القود أو الدية وضمان ما اتلف والحد في الفرج
لقول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وهؤلاء مغتدون
بلا شك فعليهم مثل ما اعتدوا به وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما من قتلوه فقد قال قوم: أنه شهيد فلا يغسل ولا
يصلى عليه لكن يدفن كما هو: وقال آخرون بل يغسل ويكفن ويصلى عليه: وبهذا
نأخذ لأنهم وإن كانوا شهداء كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا عبد
الرحمن بن مهدي نا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن
أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبيد الله بن عوف عن سعيد بن زيد
ابن عمرو بن نفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل دونه ماله فهو شهيد ومن
قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد " ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني
محمد بن رافع. ومحمد بن إسماعيل بن إبراهيم قالا: نا سليمان - هو ابن داود - الهاشمي نا إبراهيم
- هو ابن سعد - عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبيد الله
ابن عوف عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل دون ماله فهو
شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه
فهو شهيد " * ومن طريق أحمد بن شعيب يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم " ومن قتل دون مظلمته فهو شهيد " *
قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن من قتله البغاة فإنما قتل على أحد هذه الوجوه فهو
في ظاهر الامر شهيد. وليس كل شهيد يدفن دون غسل ولا صلاة. وقد صح أن المبطون
شهيد والمطعون شهيد والغريق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمرأة تموت بجمع شهيد
وصاحب الهدم شهيد وكل هؤلاء لا خلاف في أنهم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم،
والأصل في كل مسلم أن يغسل ويكفن ويصلى عليه إلا من خصه نص أو إجماع ولا نص ولا
اجماع إلا فيمن قتله الكفار في المعترك ومات في مصرعه فهؤلاء هم الذين أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يزملوا بدمائهم في ثيابهم ويدفنوا كما هم دون غسل ولا تكفين ولا يجب
فرضا عليهم صلاة فبقي سائر الشهداء والموتى على حكم الاسلام في الغسل والتكفين
والصلاة وبالله تعالى التوفيق *
2156 مسألة هل للعادل أن يعمد قتل أبيه الباغي أم لا؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: قال قائلون: لا يحل لمن كان من أهل العدل قتل أبيه أو
108

أخيه أو ذي رحم من أهل البغي عمدا لكن إن ضربه ليصير بذلك غير ممتنع من أخذ
الحق منه فلا حرج عليه في ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: ولسنا نقول بهذا فان بر
الوالدين وصلة الرحم إنما أمر الله تعالى بهما ما لم يكن في ذلك معصية لله تعالى وإلا
فلا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا طاعة لاحد في معصية الله تعالى " وقد أمر
الله تعالى بقتال الفئة الباغية ولم يخص بذلك ابنا من أجنبي وأمر باقلمة الحدود كذلك
قال الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) الآية. (إنما ينهاكم الله
عن الذين قاتلوكم في الدين) إلى قوله تعالى (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) وقال تعالى:
(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) الآية، وقتال
أهل البغي قتال في الدين إلا أننا لا نختار أن يعمد المرء إلى أبيه خاصة أو جده ما دام
يجد غيرهما فإن لم يفعل فلا حرج، وهكذا القول في إقامة الحد عليهما وعلى الام والجدة
في القتل والقطع والقصاص والجلد ولافرق: فأما إذا رأى العادل أباه الباغي أو جده
يقصد إلى مسلم يريد قتله أو ظلمه ففرض على الابن حينئذ أن لا يشتغل بغيره عنه
وفرض عليه دفعه عن المسلم بأي وجه أمكنه وإن كان في ذلك قتل الأب والجد
والام، برهان ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا سعيد بن الربيع نا شعبة عن الأشعث
ابن سليم قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرن يقول: سمعت البراء بن عازب قال: أمرنا
النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع فذكر عيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس
ورد السلام ونصر المظلوم وإجابة الداعي وابرار المقسم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انصر
أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تمنعه
تأخذ فوق يده " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " فهذا أمر
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يسلم المرء أخاه المسلم لظلم ظالم وان يأخذ فوق يد كل
ظالم وان ينصر كل مظلوم فإذا رأى المسلم أباه الباغي أو ذا رحمه كذلك يريد ظلم مسلم أو ذمي
ففرض عليه منعه من ذلك بكل مالا يقدر على منعه الا به من قتال أو قتل فما دون ذلك
على عموم هذه الأحاديث، وإنما افترض الله تعالى الاحسان إلى الأبوين وان لا ينهرا
وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة فيما ليس فيه معصية الله تعالى فقط، وهكذا نقول إنه
لا يحل لمسلم له أب كافر أو أم كافرة ان يهديهما إلى طريق الكنيسة ولا ان يحملهما
إليها، ولا أن يأخذ لهما قربانا ولا ان يسعى لهما في خمر لشريعتهما الفاسدة، ولا ان
يعينهما على شئ من معاصي الله تعالى من زنا، أو سرقة، أو غير ذلك وان لا يدعه يفعل شيئا
من ذلك وهو قادر على منعه قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
109

على الاثم والعدوان) وهذه وصية جامعة لكل خير في العالم *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما الفئتان الباغيتان معا فلا يحل للمسلمين الا منعهما
وقتالهما جميعا لان كل واحدة منهما باغية على الأخرى فمن عجز عن ذلك وسعته
البقية، وان يلزم منزله. ومسجده. ومعاشه ولا مزيد، وكلاهما لا يدعو إلى الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر، برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم ني عمرو الناقد
نا سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول
قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " من أشار إلى أخيه بحديدة فان الملائكة تلعنه، وحتى إن كان أخاه
لأبيه وأمه " * ومن طريق مسلم نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه قال
هذا ما نا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع
في حفرة من النار " ومن طريق أحمد بن شعيب انا محمود بن غيلان نا أبو داود الطيالسي عن
شعبة أخبرني منصور - هو ابن المعتمر - قال: سمعت ربعيا - هو ابن حراش - يحدث عن
أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أشار المسلم على أخيه بالسلاح فهما على حرف
جهنم فإذا قتله خرا فيها جميعا " فهذه صفة الطائفتين إذا كانتا باغيتين ولا يمكن أن
تكونا معا عادلتين، ونسأل الله تعالى العافية، وإنما قلنا أن يقاد للباغي إذا قوتل ليفئ
إلى امر الله فقط ولم نحله بغير هذا الوجه فمن قتل باغيا ليفئ إلى امر الله تعالى فقد قتله
كما امره الله تعالى وكذلك لو قطع له عضوا في الحرب أو عقر تحته فرسا أو أفسد له لباسا
في المضاربة فلا ضمان في شئ من ذلك لأنه فعل كل ذلك كما امره الله تعالى ومن فعل
كما امره الله تعالى فقد أحسن، ومن أحسن فلا شئ عليه لقوله تعالى: (ما على المحسنين
من سبيل) *
2157 مسألة أحكام أهل البغي اختلف الناس في أحكام أهل البغي فقال
أبو حنيفة وأصحابه حاش الطحاوي انه ما حكم به قاضي أهل البغي فلا يجوز لقاضي أهل
العدل ان يجيز ذلك ولا ان يقبل كتابه قالوا: وما أخذوه من صدقة فلا يأخذها الامام
ثانيا لكن الأفضل لمن أخذوها منه ان يؤديها مرة أخرى قالوا: وأما من مر عليهم
من التجار فعشروه فان الامام يأخذه ثانية من التجار، وقال الشافعي: ينفذ كل قضية
قضوها إذا وافقت الحق ويجري ما أخذوه من الزكاة وما أقاموا من الحدود وهو قول
مالك، وقال أبو سليمان. وأصحابنا لا ينفذ شئ من قضاياهم ولا بد من اعادتها ولا
يجزي ما أخذوه من الصدقات ولا ما أقاموا من الحدود ولا بد من أخذ الصدقات ومن
110

إقامة الحدود ثانية *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه
بعون الله تعالى فنظرنا في قول أبي حنيفة فوجدناهم يحتجون بان قالوا: ان أخذ الصدقات
إنما جاء التضييع من قبل الامام فقد يجب عليه دفعهم، وأما من مر عليهم فقد عرض
ماله للتلف *
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم شبهة غير هذا وهذا لا شئ لأنه لم يأت نص
ولا اجماع بان تضييع الامام يسقط الحقوق الواجبات لله تعالى، وأيضا فكما أخذوا
العشر ثانية ممن جعلوا ذنبه انه عرض ماله للتلف فكذلك يلزمهم ان يأخذوا الزكاة
ثانية ويجعلوا ذنب أهلها انهم عرضوا أموالهم للتلف فقد كان يمكنهم الهرب عن موضع
البغاة أو يعذروا المعشرين * ثم نظرنا فيما احتج به مالك. والشافعي فوجدناهم يقولون:
انهم إذا حكموا بالحق كما امر الله تعالى وإذا أخذوا الزكاة كما امر الله تعالى وأقاموا
الحدود كما أمر الله تعالى فقد تأدى كل ذلك كما امر الله تعالى وإذا تأدى كما امر الله
تعالى فلا يجوز ان يقام ذلك على أهله ثانية فيكون ذلك ظلما * وقال بعضهم كما لا يؤاخذون
بما أصابوا من دم أو مال فكذلك لا يؤاخذون هم ولا غيرهم بما حكموا أو أقاموا من حد
أو أخذوا من مال صدقة أو غيرها بحق أو بباطل ولا فرق *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا كله ليس كما قالوا وذلك اننا نسألهم فنقول لهم:
ماذا تقولون: إذا كان الامام حاضرا ممكنا عدلا أيحل ان يأخذ صدقة دونه أو يقيم
حدا دونه أو يحكم بين اثنين دونه أم لا يحل ذلك؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث، فان قالوا:
هذا كله مباح خرقوا الاجماع وتركوا قولهم وأبطلوا الأمانة التي افترضها الله تعالى
وأوجبوا ان لا حاجة بالناس إلى امام وهذا خلاف الاجماع والنص، وان قالوا: بل
لا يحل أخذ شئ من ذلك كله ما دام الامام قائما فقد صح انه لا يحل أن يكون حاكما الا
من ولاه الامام الحكم ولا أن يكون آخذا للحدود الا من ولاه الامام ذلك ولا أن
يكون مصدقا الا من ولاه الامام اخذها فإذ ذلك كذلك فكل من أقام حدا أو أخذ
صدقة أو قضى قضية وليس ممن جعل الله ذلك له بتقديم الامام فلم يحكم كما امره الله
تعالى ولا أقام الحد كما امره الله تعالى ولا أخذ الصدقة كما امره الله تعالى فإذ لم يفعل
دلك كما أمر فلم يفعل شيئا من ذلك بحق وإذ لم يفعل ذلك بحق فإنما فعله بباطل وإذ
فعله بباطل فقد تعدى، وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه آمرنا فهو رد " فإذ هو ظلم فالظلم لا حكم
111

له إلا رده ونقضه فصح من هذا ان كل من أخذ منهم صدقة فعليه ردها لأنه أخذها
بغير حق فهو متعد فعليه ضمان ما أخذ الا ان يوصله إلى الأصناف المذكورة في القرآن
فإذا أوصلها إليهم فقد تأدت الزكاة إلى أهلها وبالله تعالى التوفيق، وصح من هذا
ان كل حد أقاموه فهو مظلمة لا يعتد به وتعاد الحدود ثانية ولا بد وتؤخذ الدية من
مال من قتلوه قودا وأن يفسخ كل حكم حكموه ولابد ويبين ما قلناه نصا ما روينا من
طريق مسلم محمد بن نمير نا عبد الله - هو ابن إدريس - نا ابن عجلان ويحيى بن سعيد
الأنصاري وعبيد الله بن عمر كلهم عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه
عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط
والمكره. وعلى اثرة علينا. وأن لا ننازع الامر أهله وعلى أن نقول بالحق أين ما كنا
لا نخاف في الله لومة لائم * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن نافع ثنا غندر ثنا شعبة
عن زياد بن علاقة قال: سمعت عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه
سيكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف
كائنا من كان " *
قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن لهذا الامر أهلا لا يحل لاحد أن ينازعهم إياه.
وأن تفريق هذه الأمة بعد اجتماعها لا يحل فصح أن المنازعين في الملك والرياسة
مريدون تفريق جماعة هذه الأمة، وأنهم منازعون أهل الامر أمرهم فهم عصاة بكل
ذلك فصح أن أهل البغي عصاة في منازعتهم الامام الواجب الطاعة وإذ هم فيه عصاة
فكل حكم حكموه مما هو إلى امام وكل زكاة قبضوها مما قبضها إلى الامام وكل حد
أقاموه مما إقامته إلى الامام فكل ذلك منهم ظلم وعدوان، ومن الباطل أن تنوب معصية الله
تعالى عن طاعته، وأن يجزى الظلم عن العدل. وأن يقوم الباطل مقام الحق. وأن يغنى العدوان
عن الانصاف فصح ما قلناه نصا ووجب رد كل ما عملوا من ذلك لقول النبي عليه السلام:
" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فإن لم يكن للناس امام ممكن فقد قلنا أن كل من قام
بالحق حينئذ فهو نافذ فالبغاة إن كانوا مسلمين فكل ما فعلوه في ذل فهو نافذ، وأما ان كانوا
كفارا فلا ينفذ من حكم الكافر في دين الله تعالى شئ أصلا، وبالله تعالى التوفيق *
2158 مسألة هل يستعان على أهل البغي بأهل الحرب أو باهل الذمة
أو بأهل بغي آخرين *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لا يجوز أن
يستعان عليهم بحربي ولا بذمي ولا بمن يستحل قتالهم، مدبرين وهذا قول الشافعي
112

رضي الله عنه، وقال أصحاب أبي حنيفة: لا باس بان يستعان عليهم باهل الحرب وباهل
الذمة وبأمثالهم من أهل البغي، وقد ذكرنا هدا في كتاب الجهاد من قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم أننا لا نستعين بمشرك، وهذا عموم مانع من أن يستعان به في ولاية أو قتال
أو شئ من الأشياء إلا ما صح الاجماع على جواز الاستعانة به فيه كخدمة الدابة أو
الاستئجار. أو قضاء الحاجة ونحو ذلك مما لا يخرجون فيه عن الصغار، والمشرك اسم
يقع على الذمي والحربي *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا عندنا ما دام في أهل العدل منعة فان أشفوا على
الهلكة واضطروا ولم تكن لهم حيلة فلا بأس بان يلجئوا إلى أهل الحرب وأن يمتنعوا
باهل الذمة ما أيقنوا أنهم في استنصارهم لا يؤذون مسلما ولا ذميا في دم أو مال أو حرمة مما
لا يحل * برهان ذلك قول الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)
وهذا عموم لكل من اضطر إليه إلا ما منع منه نص أو اجماع، فان علم المسلم واحدا
كان أو جماعة أن من استنصر به من أهل الحرب أو الذمة يؤذون مسلما أو ذميا فيما
لا يحل فحرام عليه أن يستعين بهما وان هلك، لكن يصبر لأمر الله تعالى وان تلفت نفسه
وأهله وماله أو يقاتل حتى يموت شهيدا كريما، فالموت لابد منه ولا يتعدى أحد
أجله، برهان هذا أنه لا يحل لاحد ان يدفع ظلما عن نفسه بظلم يوصله إلى غيره، هذا
ما لا خلاف فيه * وأما الاستعانة عليهم ببغاة أمثالهم فقد منع من ذلك قوم واحتجوا
بقول الله تعالى: (وما كنت متخذ المضلين عضدا) وأجازه آخرون وبه نأخذ لأننا لا نتخذهم
عضدا ومعاذ الله ولكم نضربهم بأمثالهم صيانة لأهل العدل كما قال الله تعالى: (وكذلك
نولي بعض الظالمين بعضا) وان أمكننا ان نضرب بين أهل الحرب من الكفار حتى يقاتل
بعضهم بعضا ويدخل إليهم من المسلمين من يتوصل بهم إلى أذى غيرهم فذلك حسن،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله ينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم " كما حدثنا عبد الله
ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني عمران بن بكار بن راشد ثنا أبو اليمان
أنا شعيب - هو ابن أبي حمزة - عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب ان أبا هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " وحدثنا عبد الله
ابن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سهل بن عسكر ثنا عبد الرزاق أنا
رياح بن زيد عن معمر بن راشد عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس بن مالك
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم " *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا يبيح الاستعانة على أهل الحرب بأمثالهم وعلى أهل
113

البغي بأمثالهم من المسلمين الفجار الذين لا خلاق لهم، وأيضا فان الفاسق مفترض عليه
من الجهاد ومن دفع أهل البغي كالذي افترض على المؤمن الفاضل فلا يحل منعهم من
ذلك، بل الغرض أن يدعوا إلى ذلك، وبالله تعالى التوفيق *
2159 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: ولو أن رجلا من أهل العدل قتل في
الحرب رجلا من أهل العدل، ثم قال: حسبته من أهل البغي فإن كان ما يقول ممكنا فالقول
قوله مع يمينه ثم يضمن ديته في ماله لأنه لم يقتله خطأ بل قتله عمدا قصدا إلى قتله إلا أنه لم
يعلم أنه حرام الدم فلذلك لم يقد منه، وإن لم يمكن ما قال فعليه القود أو الدية باختيار
أولياء المقتول، وهكذا القول سواء سواء إذا قتله في أرض الحرب ولا فرق، وكذلك لو
رجع الينا بعض أهل البغي تائبا فقتله رجل من أهل العدل وقال: اني ظننته دخل ليطلب
غرة فان نكل هؤلاء عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا ولابد لان اليمين قد وجبت عليهم
ولا قود أصلا لأنه لم يثبت عليهم ما يوجب الوقد من التعمد وهم عالمون، وقال أبو حنيفة
وأصحابه: إذا كانت جماعة من أهل العدل والسنة في عسكر الخوارج وأهل البغي فقتل
بعضهم بعضا عمدا. وجرح بعضهم بعضا عمدا، وأخذ بعضهم مال بعض عمدا
فلا شئ في ذلك لا قود ولادية غلب أهل الجماعة والإمام العدل عليهم بعد ذلك
أو لم يغلبوا *
قال أبو محمد رحمه الله: ما لهذا القول جواب إلا أنه حكم إبليس، ووالله ما ندري
كيف انشرحت نفس مسلم لاعتقاد هذا القول المعاند لله تعالى ولرسوله عليه السلام،
أو كيف انطلق لسان مؤمن يدري أن الله تعالى أمره ونهاه بهذا القول السخيف،
ونسأل الله تعالى عافية كاملة كأن أصحاب هذا القول لم يسمعوا ما أنزل الله تعالى من
وجوب القصاص في النفوس والجراح ومن تحريم الأموال في القرآن وعلى لسان
رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا قول ما نعلم فيه لأبي حنيفة سلفا لا من صاحب ولا من تابع، ونبرأ
إلى الله تعالى من هذا القول فإنما موهوا بما روي من حديث عبيد الله بن عمر كما ثنا حمام
ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وذكر
قتل عمر قال: فأخبرني سعيد بن المسيب ان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولم نجرب
عليه كذبة قط، قال حين قتل عمر بن الخطاب انتهيت إلى الهرمزان. وجفينة. وأبي لؤلؤة
وهم بحي فتبعتهم فثاروا وسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه * وقال
عبد الرحمن فانظروا بما قتل به عمر فوجدوه خنجرا على النعت الذي نعت عبد الرحمن
فخرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان فقال اصحبني
114

ننظر إلى فرس لي وكان الهرمزان بصيرا بالخيل فخرج بين يديه فعلاه عبيد الله
بالسيف فلما وجد حد السيف قال: لا إله إلا الله فقتله، ثم أتى جفينة - وكان
نصرانيا - فلما أشرف له علاه بالسيف فضربه فصلب ما بين عينيه، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة
جارية صغيرة تدعى الاسلام فقتلها فاظلمت الأرض يومئذ على أهلها، ثم أقبل بالسيف
صلتا في يده وهو يقول والله لا أترك في المدينة سبيا الا قتلته وغيرهم كأنه يعرض بناس
من المهاجرين فجعلوا يقولون له: ألق السيف فأبى ويهابونه أن يقربوا منه حتى أتاه
عمرو بن العاصي فقال: أعطني السيف يا بن أخي فأعطاه إياه ثم ثار إليه عثمان فاخذ
برأسه فتناصبا حتى حجز الناس بينهما، فلما ولى عثمان قال: أشيروا علي في هذا الرجل
الذي فتق في الاسلام ما فتق - يعني عبيد الله بن عمر - فأشار عليه المهاجرون أن يقتله وقال
جماعة من الناس قتل عمر بالأمس وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم أبعد الله الهرمزان. وجفينة
فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين ان الله قد أعفاك أن يكون هذا الامر
ولك على الناس من سلطان إنما كان هذا الامر ولا سلطان لك فاصفح عنه يا أمير
المؤمنين قال: فتفرق الناس على خطبة عمرو وودي عثمان الرجلين والجارية، قال
الزهري: وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه قال: فيرحم الله حفصة
أن كانت لمن شيع عبيد الله على قتل الهرمزان. وجفينة: قال معمر: قال غير الزهري: قال
عثمان أنا ولي الهرمزان. وجفينة. والجارية واني قد جعلتها دية *
قال أبو محمد رحمه الله: وقد روينا عن أحمد بن محمد عن أحمد بن الفضل عن محمد
ابن جرير باسناد لا يحضرني الآن ذكره ان عثمان أقاد ولد الهرمزان من عبيد الله بن عمر
ابن الخطاب وأن ولد الهرمزان عفا عنه *
قال أبو محمد رحمه الله: وأي ذلك كان فلا حجة لهم في شئ منه لان عبيد الله بن عمر
لم يقتل من قتل في عسكر أهل البغي ولا في وقت كان فيه باغ من المسلمين على وجه الأرض
يعرف في دار الهجرة ومحلة الجماعة وصحة الألفة وفي أفضل عصابة وأعدلها، وهذا
خلاف قولهم في المسألة التي تحن فيها من قتل في عسكر أهل البغي وهم لا يقولون
باهدار القود عمن قتل في الجماعة بين موت إمام وولاية آخر فقد خالفوا عثمان ومن
معه في هذه القصة، وأيضا فان في هذا الخبر أن عثمان جعلها دية، وهذا خلاف قولهم
لأنهم لا يرون في ذلك دية، والواجب أن نحكم في كل ذلك كما نحكم في محلة الجماعة
ولا فرق لان دين الله تعالى واحد في كل مكان وكل زمان وعلى كل لسان، وما خص
الله تعالى بايجاب القود، وأخذ الحدود، وضمان الأموال، وأقام الصلاة، وإيتاء
115

الزكاة، وصوم رمضان، وسائر شرائع الاسلام مكانا دون مكان، ولا زمانا دون زمان
ولا حالا دون حال، ولا أمة دون أمة، وبالله تعالى التوفيق *
2160 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: ولو كان في الباغين غلاما لم يبلغ
أو امرأة فقاتلا دوفعا فان أدى ذلك إلى قتلهما في حال المقاتلة فهما هدر لان فرضا
على كل من اراده مريد بغير حق أن يدفع عن نفسه الضر كيف أمكنه ولا دية في ذلك
ولا قود قال الله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *
قال أبو محمد رحمه الله: ولو أن أهل البغي سألوا النظرة حتى ينظروا في أمورهم
فإن لم يكن ذلك مكيدة فعليه أن ينظرهم مدة يمكن في مثلها النظر فقط وهذا مقدار
الدعاء وبيان الحجة فقط، وأما ما زاد على ذلك فلا يجور لقول الله تعالى: (وإن
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما. فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا
التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله)، فلم يفسح الله تعالى في ترك قتالهم الا مدة الاصلاح
فمن أبى قوتل، وأيضا فان فرضا على الامام انفاذ الحقوق عليهم وتأمين الناس
من جميعهم وأن يأخذوهم بالافتراق إلى مصالح دينهم ودنياهم ومن قال غير هذا
سألناه ماذا يقول: إن استنظروه يوما أو يومين أو ثلاثة، وهكذا نزيده ساعة ساعة،
ويوما يوما حتى يبلغ ذلك إلى انقضاء أعمارهم، وفي هذا اهلاك الدين والدنيا
والاشتغال بالتحفظ عنهم كما هو فرض عليه النظر فيه، فان حد في ذلك حدا من ثلاثة
أيام أو غير ذلك كلف أن يأتي بالدليل على ذلك من القرآن أو من تحديد رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولا سبيل له إليه، فان ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاضى قريشا على
أن يقيم بمكة ثلاثا، وجعل اجل المصراة ثلاثا. وخيار المخدوع في البيع ثلاثا، وان
الله تعالى اجل ثمود ثلاثة أيام قلنا لهم نعم: هذا حق، وقد جعل الله تعالى اجل المولى
أربعة أشهر. اجل المتوفى عنها زوجها في العدة أربعة أشهر وعشرا فما الذي جعل
بعض هذه الاعذار أولى من بعض فكان ما حكم الله تعالى به فهو الحق، وكان
ما أراده مريد ان يزيده في حكم الله تعالى برأيه وقياسه فهو الباطل، وبالله
تعالى التوفيق *
2161 مسألة فان تحصن البغاة في حصن فيه النساء والصبيان فلا يحل قطع المير
عنهم لكن يطلق لهم منه بمقدار ما يسع النساء والصبيان ومن لم يكن من أهل البغي
فقط ويمنعون ما وراء ذلك، وجائز قتالهم بالمنجنيق والرمي ولا يحل قتالهم بنار
تحرق من فيه من غير أهل البغي ولا بتغريق يغرقهم كذلك لقول الله تعالى: (ولا
116

تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وأما إذا لم يكن فيه إلا
البغاة فقط ففرض أن يمنعوا الماء والطعام حتى ينزلوا إلى الحق وإلا فهم قاتلوا
أنفسهم بامتناعهم من الحق، وكذلك يجوز أن توقد النيران حواليهم ويترك لهم
مكان يتخلصون منه إلى عسكر أهل الحق لأن هذه نار أوقدناها وما أطلقناه هم
قادرون على الخلاص منها أن أحبوا ولا يحل احراقهم ولا تغريقهم دون أن
يتخلصوا لان الله تعالى لم يأمر بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما أمر بالمقاتلة فقط
ولا يحل بأن يبيتوا إلا بأن نقبض عليهم، وأما من لم يقاتل فلا يحل قتله، وبالله
تعالى التوفيق *
2162 مسألة * قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم: ان أمان العبد والمرأة
والرجل الحر جائز لأهل البغي وهذا عندنا ليس بشئ لان أمان أهل البغي بأيديهم
متى تركوا القتال حرمت دماؤهم وكانوا إخواننا وما داموا مقاتلين باغين فلا يحل
لمسلم اعطاؤهم الأمان على ذلك فالأمان والإجارة ههنا هدر ولغو وإنما الأمان
والإجارة للكافر الذي يحل للامام قتله إذا أسروه واستبقاؤه لا في مسلم أن ترك
بغيه كان هو ممن يعطى الأمان ويجير، ولو أن أحدا من أهل البغي أجار كافرا
جازت ايجارته كايجارة غيره ولا فرق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجير على المسلمين
أدناهم ولو أن أهل البغي دخلوا غزاة إلى دار الحرف فواقعوا أهل العدل فقاتلوا
معهم فغنموا فالغنيمة بينهم على السواء لأنهم كلهم مسلمون ومن قتل من أهل البغي
قتيلا من أهل الحرب فله سلبه لأنه من جملة المخاطبين بذلك الحكم ولو ترك أهل
الحرب من الكفار وأهل المحاربة من المسلمين على قوم من أهل البغي ففرض على
جميع أهل الاسلام وعلى الامام عون أهل البغي وانقاذهم من أهل الكفر ومن أهل الحرب
لان أهل البغي مسلمون، وقد قال الله تعالى: (نما المؤمنون اخوة) وقال تعالى: (أذلة على
المؤمنين أعزة على الكافرين) وقال تعالى: (أشداء على الكفار رحماء بينهم)، وأما
أهل المحاربة من المسلمين فإنهم يريدون ظلم أهل البغي في أخذ أموالهم والمنع من الظلم
واجب قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)
فمن ترك المحارب ولم يعن المطلوب فقد أهان المحارب على أثمه وعدوانه وهذا حرام،
ولو أن أهل العدل وأهل البغي توادعوا وتعاطوا الرهان فهذا لا يجوز الا مع ضعف
أهل العدل على المقاتلة لقول الله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله)
فما دمنا قادرين على المقاتلة لهم لم يحل لنا غيرها أصلا ولسنا في سعة من تركها ساعة
117

فما فوقها فان ضعفنا عن ذلك فقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فان قتلوا رهن
أهل العدل لم يحل لنا قتل رهنهم لأنهم مسلمون غير مقاتلين ولم يقتلوا لنا أحدا وإنما
قتل الرهن غيرهم وقد قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) *
(تم كتاب البغي والحمد لله وحده)
كتاب الحدود
2163 مسألة * قال أبو محمد رحمه الله: لم يصف الله تعالى حدا من
العقوبة محدودا لا يتجاوز في النفس. أو الأعضاء. أو البشرة إلا في سبعة أشياء، وهي
المحاربة. والردة: والزنا. والقذف بالزنا. والسرقة: وجحد العارية. وتناول الخمر
في شرب أو أكل فقط وما عدا ذلك فلا حد لله تعالى محدودا فيه ولا حول ولا قوة
إلا بالله، ونحن إن شاء الله ذاكرون ما فيه الحدود مما ذكرنا بابا بابا وبالله تعالى
التوفيق، ثم نذكر إن شاء الله أشياء لا حد فيها، وأدعى قوم أن فيها حدودا
وبالله تعالى نتأيد، ثم نذكر إن شاء الله تعالى قبل ذلك أبوابا تدخل في جميع الحدود
أو في أكثرها فان جمعها في كتاب واحد أولى من تكرارها في كل كتاب من كتب
الحدود وبالله تعالى التوفيق * وهو أيضا حصرها لمن يطلبها وأبين لاجتماعها في مكان
واحد إذ ليس كتاب من كتب الحدود أولى بهذه الأبواب من سائر كتب الحدود
وبالله تعالى التوفيق، وهي الحديث الواردة لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " مع
سائر ما ذكر فيه من الخمر. والسرقة والنهبة وهل تقام الحدود في المساجد أم لا. وهل
الحدود كفارة أم لا. واجتماع الحدود مع القتل والتوكيل في إقامة الحدود. وهل
تقام الحدود بعلم الحاكم أم لا. والسجن في التهمة والامتحان بالضرب والاعتراف
بالاكراه. وما الاكراه والاستنابة في الحدود، ومتى يقام الحد على الجارية والغلام
واعتراف العبد بالحد والشهادة في الحدود والتأجيل في الحد والتعافي في الحدود
قبل بلوغها إلى السلطان. والترغيب في إمامة من قال: لا يؤاخذ الله عبدا ولى ذنبا
ادرءوا الحدود بالشبهات الرجوع عن الاعتراف بالحد. الاعتراض على الحاكم في حكمه
بالحد هل يكشف ويسئل من ذكر عنه حد أم لا؟ هل تقام الحدود على الكفار أم لا.
كيف حد العبد من حد الحر. كيف حد المكاتب؟ *
2164 مسألة لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا ترجعوا بعدي
118

كفارا * قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب
ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج ثنا حرملة بن يحيى بن عبيد الله
ابن عمر التجيبي حدثني ابن وهب حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: سمعت
أبا سلمة بن عبد الرحمن. وسعيد بن المسيب يقولان قال أبو هريرة: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق
وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " * وبه إلى مسلم نا محمد بن
المثنى. ومحمد بن رافع قال ابن رافع: نا عبد الرزاق أنا سفيان بن عيينة وقال ابن
المثنى: نا ابن أبي عدي عن شعبة، ثم اتفق شعبة. وسفيان كلاهما عن سليمان - هو
الأعمش - عن ذكوان أبي صالح عن أبي هريرة: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن
ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد " هذا لفظ شعبة، وقال
سفيان في حديثه رفعه: نا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا محمد بن أحمد بن مفرج ثنا
محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا محمد بن عمر بن هياج
نا عبد الله بن موسى القيسي نا مبارك بن حسان عن عطاء نا أبو هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل القاتل حين يقتل وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو
مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو
مؤمن ولا يختلس خلسة وهو مؤمن يخلع منه الايمان كما يخلع منه سرباله فإذا رجع
إلى الايمان رجع إليه وذا رجع رجع إليه الايمان " نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
نا أحمد بن شعيب أنا عيسى بن حماد بن زغبة (1) نا الليث - هو ابن سعد - عن عقيل
ابن خالد عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر (2)
حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة
فيرفع الناس فيها إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن " * ومن طريق أحمد بن شعيب
انا إسحاق بن منصور. ومحمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري واللفظ له عن محمد بن
كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن [وأبي سلمة بن عبد الرحمن] (3)
وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني

(1) هو بضم الزاي وسكون الغين المعجمة بعدها موحدة وهو لقبه ولقب أبيه أيضا
(2) في النسخة رقم 14 ولا يشرب الخمر شاربها
(3) الزيادة من النسخة رقم 14
119

وهو حين يزني مؤمن ولا يسرق السارق وهو حين يسرق مؤمن ولا يشرب الخمر وهو
حين يشربها مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس فيها أبصارهم وهو حين ينتهبها مؤمن " *
ومن طريق أحمد بن شعيب انا عبد الرحمن بن محمد بن سلام نا اسحق الأزرق. عن
الفضل بن غزوان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني
العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين
يسرق وهو مؤمن " فقلت لابن عباس: كيف ينتزع الايمان منه؟ فشبك أصابعه،
ثم أخرجها فقال هكذا فإذا تاب عاد إليه هكذا وشبك أصابعه * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: " لا يسرق سارق
حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني زان حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الحدود
- يعني الخمر - أحدكم حين يشربها وهو مؤمن والذي نفس محمد بيده لا ينتهب أحدكم
نهبة ذاب شرف يرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها وهو حين ينتهبها مؤمن ولا يغل أحدكم
حين يغل وهو مؤمن "، ثم قال أبو هريرة: " إياكم إياكم " * ومن طريق أبي بكر بن
أبي شيبة نا يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن
الزبير عن أبيه قال: كنا عند عائشة فمر جلبة على بابها فسمعت الصوت فقالت:
ما هذا؟ فقالوا: رجل ضرب في الخمر فقالت: سبحان الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن
ولا يشرب - يعني الخمر - حين يشرب وهو مؤمن فإياكم وإياكم " *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا أثر صحيح ثابت لا مغمز فيه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم
عائشة أم المؤمنين. وابن عباس. وأبو هريرة بالأسانيد التامة التي ذكرنا، ورواه
عن أبي هريرة سعيد بن المسيب. وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام.
وأبو سلمة. وحميد ابنا عبد الرحمن بن عوف. وعطاء بن يسار أخو سليمان بن
يسار. وعطاء بن أبي رباح. وهمام بن منبه، ورواه عن ابن عباس عكرمة، وعن
أم المؤمنين عباد بن عبد الله، ورواه عن هؤلاء الناس فهو نفل تواتر يوجب صحة
العلم، وذكر فيه كما أوردنا القتل. والزنا. والخمر. والسرقة. والنهبة. والغلول. فاختلف
الناس في تأويله وما هو هذا الايمان الذي يزايله حين مواقعته هذه الذنوب، فروينا
من طريق عطاء عن أبي هريرة مسندا كما أوردنا آنفا انه يخلع منه الايمان كما يخلع
سرباله فإذا رجع رجع إليه الايمان، وروينا عن ابن عباس كما أوردنا أنه فسر انتزاع
الايمان منه بان شبك أصابع يديه بعضها في بعض، ثم زايلها قال وهكذا:، ثم ردها
120

وقال: فإذا تاب عاد إليه، ورويناه أيضا في ذلك عن ابن عباس من طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس انه كان يعرض
على مملوكه الباءة ويقول: من أراد منكم الباءة زوجته فإنه لا يزني زان الا نزع الله منه
ربقة الايمان فان شاء أن يرده إليه رده بعد وان شاء ان يمنعه منعه، وروينا من طريق
عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: سمعت أبا هريرة يقول: لا يزني
الزاني وهو مؤمن حين يزني ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو
مؤمن حين يشرب قال: لا أعلمه الا قال وإذا اعتزل خطيئته رجع إليه الايمان قال:
فراجعته فقال: لا اعلمه الا قال: فينتزع منه الايمان ما دام على خطيئته فإذا فارقها رجع
إليه الايمان * قال ابن جريج: وأخبرني عثمان بن أبي سليمان انه سمع نافع بن جبير
ابن مطعم يقول: لا يزني وهو مؤمن حين يزني فإذا زايله رجع إليه الايمان ليس
إذا تاب منه ولكن إذا أخر عن العمل به، قال: وحسبته انه ذكر ذلك عن ابن عباس *
وعن عبد الرزاق عن معمر أخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه فذكر هذا الحديث،
وقال: فإذا فعل ذلك زال عنه الايمان يقول: الايمان كالظل، وذكر أيضا معمر هذا
الحديث عن الزهري. وقتادة. وعن رجل عن عكرمة عن أبي هريرة وعن أبي هارون
العبدي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا نهي يقول حين هو مؤمن
فلا يفعلن يعني لا يسرق ولا يزني ولا يغل *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذه التفاسير كلها ليس فيها الا مزايلة الايمان للفاعل
حين الفعل ثم رجوعه في بعضها إليه إذا تاب وإذا ترك، وليس في شئ من هذه التفاسير
بيان ما هو الايمان الزائل حين هذه المعاصي وقد علمنا أن كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو الحق الواضح الذي لا حقيقة في غيره وان من فعل شيئا لم يكن حين فعله إياه مؤمنا
فان الايمان قد فارقه بلا شك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن يجب علينا ان نعرف ما هذا
الايمان الذي يزول عنه في حين ذلك الفعل لنعلم من ذلك حكم ذلك الفاعل بعون الله
تعالى ومنه، فنظرنا في ذلك فوجدنا الناس في تفسير لفظة الايمان قد افترقوا على أربعة
أقوال فقال أهل الحق: الايمان اسم واقع على ثلاثة معان أحدها العقد بالقلب. والآخر
النطق باللسان. والثالث عمل بجميع الطاعات فرضها ونفلها واجتناب المحرمات *
وقالت طائفة: مخطئة ان الايمان اسم واقع على معنيين وهما العقد بالقلب والنطق باللسان
فقط وأن أعمال الطاعات واجتناب المحرمات إنما هي شرائع الايمان وليست ايمانا،
وهذه مقالة وان كانت فاسدة فصاحبها لا يكفر * وقالت طائفتان قولين خرجا بهما
121

إلى الكفر صراحا * أحدهما جهم بن صفوان السمرقندي ومن قلده وأتم به فإنهم قالوا
الايمان هو التصديق بالقلب فقط وان أعلن الكفر وجحد النبوة وصرح بالتثليث
وعبد الصليب في دار الاسلام دون تقية، والآخر محمد بن كرام السجستاني ومن اتبعه
واقتدى به فإنهم قالوا الايمان التصديق باللسان فقط وان اعتقد الكفر بقلبه، فلزم
الطائفة الأولى ان إبليس مؤمن، وأن اليهود والنصارى الذين حاربوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم مؤمنون أولياء الله تعالى من أهل الجنة لان كل هؤلاء عرفوا الله تعالى بقلوبهم
وعرفوا صحة نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم بقلوبهم وجدوه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل أو
أن يكذب الله تعالى في أخباره بصحة علم إبليس بالله تعالى وبنبوة الأنبياء عليهم السلام،
ولزم الطائفة الثانية ان المنافقين الذين شهد الله تعالى بأنهم من أهل النار مؤمنون أولياء
الله تعالى من أهل الجنة وهذا كفر مجرد، وكلا القولين خرق للاجماع ومخالفة
لأهل الاسلام *
قال أبو محمد رحمه الله: فيلزم من قال: ان الايمان المزايل للزاني في حين زناه،
وللقاتل في حين قتله، وللسارق في حين سرقته، وللغال في حين غلوله، وللشارب في حين
شربه، وللمنتهب في حال نهبته، انه التصديق ان يقول: القاتل والزاني والغال والمنتهب
والشارب قد بطل تصديقهم، ومن بطل تصديقه فهو كافر فيلزمه أن لا يؤخذ من أحد
من هؤلاء زكاة ولا يترك يصلي في مسجد مع المسلمين ولا أن يدخل الحرم ولا أن يبتدئ
نكاح مسلمة وان مات له قريب في تلك الحال أن لا يرثه، وهذا خلاف لاجماع الصحابة
ومن يعتد به بعدهم وهم لا يقولون هذا يعني من لم يكن منهم *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المذكور في هذا الحديث
ان الزاني كافر ولا ان القاتل كافر ولا ان المنتهب كافر ولا ان الغال كافر، ولا ان
الشارب كافر، ولا ان السارق كافر، وصح أنهم لو كانوا كفارا للزمهم ما يلزم المرتد
عن دينه من القتل وفراق الزوجة واستيفاء المال فبيقين ندري أنه عليه السلام لم يعن
بذهاب الايمان المذكور ذهاب تصديقه، وأيضا فبضرورة الحس يدرى من
واقع شيئا من الذنوب المذكورة من المسلمين من نفسه أن تصديقه لم يزل وانه كما كان
وكل قول تكذبه الضرورة فهو قول متيقن السقوط فقد صح ما قلنا إن الايمان المزايل
له في حال هذه الأفاعيل إنما هو الايمان الذي هو الطاعة لله تعالى فقط، وهذا أمر
مشاهد باليقين لان الزنا والقتل والغلول والنهبة وشرب الخمر ليس شئ منها طاعة لله
تعالى فليست إيمانا فإذ ليس شئ منها إيمانا ففاعلها ليس مؤمنا بمعنى ليس مطيعا إذ لم
122

يفعل الطاعة، لكنه عاص وفاسق ومن فعل الايمان فهو مؤمن، وكل من ذكرنا لم
يفعل في فعله تلك الأفعال إيمانا فليس مؤمنا، وهذا الحديث من الحجج القاطعة على أن
الطاعات كلها إيمان، وأن ترك الطاعة ليس إيمانا، وبالله تعالى التوفيق *
2165 مسألة هل تقام الحدود في المساجد أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله:
نا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت نا أحمد بن عمرو
ابن عبد الخالق البزار نا أبو نشيط محمد بن هارون والحسن بن عرفة قال أبو نشيط:
نا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج نا سعيد بن بشير عن قتادة، وقال ابن عرفة:
نا أبو حفص عمر بن عبد الرحمن الابار عن إسماعيل بن مسلم، ثم اتفق قتادة وإسماعيل
كلاهما عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقام الحدود
في المساجد ولا يقتل بالولد الوالد " *
قال أبو محمد رحمه الله: إسماعيل بن مسلم. وسعيد بن بشير ضعيفان، وبه إلى البزار
نا يونس بن صالح بن معاذ نا محمد بن عمر الواقدي نا إسحاق بن حازم عن أبي الأسود عن
نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تقام الحدود في المساجد،
محمد بن عمر الواقدي ساقط مذكور بالكذب * ومن طريق ابن وضاح نا موسى بن
معاوية نا محمد بن عبد الله عن العباس بن عبد الرحمن بن حكيم بن حزام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقام الحدود في المساجد " محمد بن عبد الله. والعباس مجهولان، وعن
وكيع نا مبارك عن ظبيان بن صبيح الضبي قال: قال عبد الله بن مسعود لا تقام الحدود
في المساجد: ظبيان مجهول وعن وكيع نا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن
شهاب قال: أتى عمر بن الخطاب رجل في حد فقال: أخرجاه من المسجد
ثم اضرباه *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا خبر صحيح قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتطييب
المساجد وتنظيفها، وقال تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه)
فوجب صون المساجد ورفعها وتنظيفها فما كان من إقامة الحدود فيه تقذير للمسجد
بالدم كالقتل والقطع فحرام أن يقام شئ من ذلك في المسجد لان ذلك ليس تطييبا ولا
تنظيفا، وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ما عز بالبقيع خارج المسجد، وأما
ما كان من الحدود جلدا فقط فاقامته في المسجد جائز وخارج المسجد أيضا جائز
الا أن خارج المسجد أحب الينا خوفا أن يكون من المجلود بول لضعف طبيعته أو
غير ذلك مما لا يؤمن من المضروب، برهان ذلك قول الله تعالى: (وقد فصل لكم
123

ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) فلو كان إقامة الحدود بالجلد في المساجد حراما
لفصل لنا ذلك مبينا في القرآن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وممن قال بإقامة الحدود
بالجلد في المساجد: ابن أبي ليلى وغيره وبه نأخذ، وبالله تعالى التوفيق *
2166 مسألة هل الحدود كفارة لمن أقيمت عليه أم لا؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: كل ما أصاب ذنبا فيه حد فأقيم عليه ما يجب في
ذلك فقد سقط عنه ما أصاب من ذلك تاب أو لم يتب حاش المحاربة فان إثمها باق عليه
وان أقيم عليه حدها ولا يسقطها عنه إلا التوبة لله تعالى فقط، برهان ذلك ما رويناه
من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم
ومحمد بن عبد الله بن نمير كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني
عن عبادة بن الصامت قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس: فقال: " تبايعوني
على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله
إلا بالحق فمن وفا منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة
له ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وان شاء
عذبه " * وبه إلى مسلم حدثني إسماعيل بن سالم أنا هشيم انا خالد - هو الحذاء - عن
أبي قلابة عن أبي الأشعث - هو الصنعاني - عن عبادة بن الصامت قال: أخذ علينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا
نقتل أولادنا ولا يغتاب بعضنا بعضا فمن وفا منكم فأجره على الله ومن أتى منكم حدا
فأقيم عليه فهو عقابه، ومن ستره الله عليه فأمره إلى الله ان شاء عذبه وان شاء غفر له *
وأما تخصيصنا المحاربة من جميع الحدود فلقول الله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون
الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) إلى قوله تعالى: (عذاب عظيم) فنص الله
تعالى نصا لا يحتمل تأويلا على أنهم مع إقامة هذا الحد عليهم وانه لهم خزي في الدنيا
ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب عظيم *
قال أبو محمد رحمه الله: فوجب استعمال النصوص كلها كما جاءت وأن لا يترك
شئ منها لشئ آخر وليس بعضها أولى بالطاعة من بعض وكلها حق من عند الله
تعالى ولا يجوز النسخ في شئ من ذلك، أما حديث عبادة فإنه فضيلة لنا أن تكفر عنا
الذنوب بالحد والفضائل لا تنسخ لأنها ليست أوامر ولا نواهي وإنما النسخ في
الأوامر والنواهي سواء وردت بلفظة الأمر والنهي أو بلفظ الخبر ومعناه
الأمر والنهي، وأما الخبر المحقق فلا يدخل النسخ فيه ولو دخل لكان كذبا وهذا
124

لا يجوز أن يظن بشئ من أخبار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الآية في المحاربة
فان وجوب العذاب في الآخرة مع الخزي في الدنيا بإقامة الحد عليهم خبر مجرد من
الله تعالى لا مدخل فيه للامر والنهي فأمن دخول النسخ في شئ من ذلك والحمد لله
رب العالمين *
قال أبو محمد رحمه الله: فان تعلق متعلق بما نا أحمد بن عمر العذري نا عبد الله
ابن أحمد بن حموية السرخسي نا إبراهيم بن دحيم نا عبد بن حميد الكشي ثنا عبد الرزاق
عن معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " ما أدري أتبع كان لعينا أم لا وما أدري ذو القرنين أنبيا كان أم لا وما
أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؟ " وبما ثناه أحمد بن عمر العذري نا محمد بن أبي
سعيد بن سختويه الأسفرايني في داره بمكة ثنا عبد العزيز بن جعفر بن سعد انا احمد
ابن زنجويه بن موسى نا داود بن رشيد نا سيف بن هارون عن إسماعيل بن أبي خالد
عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على
ما بايعت النساء فمن مات منا ولم يأت بشئ منهن ضمن له الجنة ومن مات منا وأتى
بشئ فأقيم عليه الحد فحسابه على الله تعالى *
قال أبو محمد رحمه الله. أما حديث أبي هريرة فصحيح السند وما نعلم له في
وقتنا هذا علة الا أن الذي لا نشك فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختلف قوله ولا يقول
الا الحق وقد قال صلى الله عليه وسلم بأصح سند مما أوردنا آنفا من طريق عبادة: أن من أصاب
من الزنا. والسرقة. والقتل. والغصب شيئا فأقيم عليه الحد فهو كفارة له فمن المحال
أن يشك رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ قد قطع به وبشر أمته به وهو وحي من الله
تعالى أوحى إليه به والقول عندنا فيه أن أبا هريرة لم يقل أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا الكلام وقد سمعه أبو هريرة من أحد المهاجرين ممن سمعه ذلك الصاحب من
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول البعث قبل أن يسمع عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" ان الحدود كفارة فهذا صحيح بأنه عليه السلام لا يعلم الا ما علمه الله تعالى ثم أعلمه
بعد ذلك ما لم يكن يعلمه حينئذ وأخبر به الأنصار إذ بايعوه قبل الهجرة والحدود حينئذ
لم تكن نزلت بعد لا حين بيعة عبادة ولا قبل ذلك وإنما نزلت بالمدينة بعد الهجرة
لكن الله تعالى أعلم رسوله عليه السلام أنه سيكون لهذه الذنوب حدود وعقوبات
وإن كان لم يعلمه بها لكنه أخبره أنها كفارات لأهلها هذا هو الحق الذي لا يجوز
غيره ان صح حديث أبي هريرة ولم تكن فيه علة، وأما حديث جابر فساقط لأنه
125

من رواية داود بن رشيد وهو ضعيف، ثم لو صح لكان القول فيه كالقول في
حديث أبي هريرة الذي تكلمنا فيه آنفا والامر كان حينئذ في حديث جابر أبين لان
اسلام جرير متأخر جدا بعد الفتح لم يدرك قط بيعة النساء التي كانت قبل القتال
لان اسلام جرير كان بعد نزول المائدة فصار حديث عبادة قاضيا على كل ذلك
ومخبرا عن الله تعالى ما ليس في سائر الأخبار من أن الحدود كفارة لأهلها حاش
ما خصه الله تعالى منها *
2167 مسألة هل تسقط الحدود بالتوبة أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله:
قال قوم: ان الحدود كلها تسقط بالتوبة وهذه رواية رواها أبو عبد الرحمن الأشعري
عن الشافعي قالها بالعراق ورجع عنها بمصر واحتج أهل هذه المقالة بما ناه عبد الله
ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أرنا محمد بن بشار نا عبد الرحمن بن مهدي
نا سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم عن أبيه أن ماعز بن مالك أتى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال أقم على كتاب الله فأعرض عنه أربع مرات، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
برجمه فلما مسته الحجارة خرج يشتد وخرج عبد الله بن أنس من نادى قومه بوظيف
حمار فضربه فصرعه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بأمره فقال: " ألا تركتموه لعله يتوب
فيتوب الله عليه يا هذا لو سترته بثوبك كان خيرا لك " حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ
نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عمرو بن حماد
ابن طلحة عن أسباط بن نصر عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه أن
امرأة وقع عليه رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد عن كره نفسها فاستغاثت
برجل مر عليها وفر صاحبا، ثم مر عليها قوم ذوو عدد فاستغاثت بهم فأدركوا
الذي استغاثت به وسبقهم الآخر فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنه وقع عليها وأخبره
القوم أنهم أدركوه يشتد فقال إنما كنت اغثتها على صاحبها فأدركني هؤلاء فأخذوني:
قالت: كذب هو الذي وقع علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا به فارجموه " فقام رجل
من الناس فقال: لا ترجموه وارجموني أنا الذي فعلت بها الفعل فاعترف فاجتمع ثلاثة
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وقع عليها والذي أغاثها والمرأة فقال: " أما أنت
فقد غفر الله لك وقال للذي أغاثها قولا حسنا " فقال له عمر ارجم الذي اعترف بالزنا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا إنه قد تاب إلى الله تعالى " وزاد ابن عمر في روايته لو
" تابها أهل مدينة يثرب لقبل منهم " * نا أبو عمر أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد
ابن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا الحرث بن أبي أسامة نا أبو النضر نا أبو معاوية عن
126

ليث بن أبي سليم عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبي مليح بن أسامة الهذلي
عن واثلة بن الأسقع قال: " شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأتاه رجل فقال
يا رسول الله: اني أصبت حدا من حدود الله تعالى فأعرض عنه ثم أتاه الثانية فأعرض
عنه ثم قالها الثالثة فأعرض عنه ثم أقيمت الصلاة فلما قضى الصلاة أتى الرابعة فقال
أصبت حدا من حدود الله فأقم في حد الله قال: ألم تحسن الطهور أو الوضوء ثم
شهد الصلاة معنا آنفا؟ اذهب فهي كفارتك " * ومن طريق أبي بكر بن أبي
شيبة ثنا زيد بن الحباب عن عكرمة بن عمار نا شداد بن عبد الله عن الباهلي قال: " كنت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال له رجل: اني أصبت حمدا فأقم علي وأقيمت
الصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [في المسجد] (1) ثم خرج ومعه الرجل وتبعته فقال:
يا رسول الله أقم على حدي فاني أصبته فقال: " أليس حين خرجت من منزلك توضأت
فأحسنت الوضوء. وشهدت معنا الصلاة؟ قال نعم: قال: فان الله قد غفر لك ذنبك أو حدك " *
قال أبو محمد رحمه الله: وقد روينا هذا الخبر وفيه " اني زنيت " كما ثنا المهلب
ابن أبي صفرة الأسدي التميمي ثنا عبد الله بن إبراهيم الأصيلي نا محمد بن أحمد الصواف
نا أحمد بن هارون بن روح البرذنجي نا محمد بن عبد الملك الواسطي نا عمرو بن عاصم
عن همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله اني زنيت فأقم علي الحد " ثم أقيمت الصلاة فصلى مع النبي
صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد كفر عنك بصلاتك " *
قال أبو محمد رحمه الله: وقالوا: قد قال الله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون
الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) الآية إلى قوله: (الا الذين تابوا من قبل
ان تقدروا عليهم) قالوا: فصح النص من القرآن وصح الاجماع بأن حد المحاربة تسقطه
التوبة قبل القدرة عليهم فوجب أن تكون جميع الحدود من الزنا والسرقة والقذف
وشرب الخمر كذلك لأنها كلها حدود وقعت التوبة قبل القدرة على أهلها *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا كل ما يمكن أن يحتج به أهل هذه المقالة وذهب
آخرون إلى أن التوبة لا تسقط الحدود واحتجوا بما ناه حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد
ابن عبد الملك بن أيمن نا بكر - هو ابن حماد - نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان
عن هشام الدستوائي نا يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب أن عمران
ابن الحصين حدثه أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم حبلى من الزنا فقالت

(1) الزيادة من النسخة اليمنية
127

إني أصبت حدا فأقمه علي: فدعا وليها فقال: " أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها "
ففعل فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها
فقال عمر: تصلي عليها وقد زنت؟ فقال: " لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من
أهل المدينة لوسعتهم هل وجدت شيئا هو أفضل من أن جاءت بنفسها؟ " *
ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى حدثني عبد الأعلى نا داود بن أبي نضرة عن
أبي سعيد الخدري أن رجلا من أسلم يقال له: ماعز بن مالك " أتى رسول الله صلى اله عليه وسلم
فقال: اني أصبت فاحشة فأقمه علي: فرده النبي صلى الله عليه وسلم مرارا ثم سأل قومه فقالوا:
ما نعلم به بأسا - فذكر باقي الحديث وفيه - فأمرنا رسول اله صلى الله عليه وسلم أن نرجمه فكان
الناس فيه فرقتين قائل يقول هلك: لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول: ما توبة
أفضل من توبة ماعز أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده فقال اقتلني
بالحجارة: قال فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة: ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس
فسلم ثم جلس فقال: " استغفروا لماعز بن مالك ". فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم " *
ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا بشير بن المهاجر نا عبد الله بن بريدة
عن أبيه " أن ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني قد ظلمت
نفسي وزنيت واني أريد أن تطهرني فرده - فذكر الحديث، وفيه - فجاءت الغامدية فقالت
: يا رسول الله اني قد زنيت فطهرني وإنه ردها فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم
تردني كما رددت ماعزا؟ فوالله اني لحبلى، قال: " أما الآن فاذهبي - وذكر باقي الخبر -
فلما فطمته أتته بالصبي وفي يده كسرة خبز فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل
الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر إلى صدرها وأمر الناس
فرجموها فأقبل خالد بن الوليد فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع
نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال: مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها
صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت " قالوا: فهذا ماعز قد صحت
توبته قبل الرجم باخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وبأنها مقبولة وهذه الغامدية والجهنية
رضي الله عنهما قد تابتا أتم توبة وأصحها مقبولة من الله تعالى باخبار النبي عليه السلام
ولم تسقط هذه التوبة عنهم الحد قالوا: وكذلك أيضا حد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين
قذفوا عائشة رضي الله عنها *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا في ذلك كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك
128

لنعلم الحق من ذلك [فنتبعه] (1) بعون الله تعالى ومنه * فنظرنا في الحديث الذي احتج به
من رأى الحدود ساقطة بالتوبة فنظرنا في ذلك فوجدناه مرسلا فسقط التعلق به، ثم
نظرنا في حديث علقمة بن واثل فوجدناه لا يصح لأنه من طريق سماك بن حرب
وهو يقبل التلقين شهد بذلك شعبة وغيره فسقط، ثم نظرنا في حديث واثلة بن الأسقع
فوجدنا الأول من طريق فيها ليث بن أبي سليم وليس بالقوي * وأما حديث الباهلي
فوجدناه من طريق عكرمة بن عمار وهو ضعيف جدا، قال قيل وقد رويتموه بأن فيه
زينب: قلنا: نعم وفيه من لا يعرف رجاله، ثم أنه لو ثبت دون علة لما كانت فيه حجة
لان فيه وجوها تمنع من استعماله، أحدها أن ممكنا أن يكون هذا قبل نزول حد
الزنا ثم نزل حد الزنا فكان الحكم لايجاب الحد، فان قيل: وممكن أيضا أن يكون
بعد نزول حد الزنا، ثم نزل حد الزنا فكان الحكم له ويكون ناسخا لما في حديث
ماعز والغامدية والجهينية قلنا: إن الواجب إذا تعارضت الاخبار أن يؤخذ بالزائد
والزائد هو الذي جاء بحكم لم يكن واجبا في معهود الأصل وكان معهود الأصل بلا
شك أن لاحد على أحد تائبا كان أو غير تائب فجاء النص بايجاب الحدود جملة وكانت
هذه النصوص زائدة على معهود الأصل، وجاء حديث ماعز والغامدية والجهينية
فكان ما فيها من إيجاب الحد على التائب زائدا على ما في الخبر الذي فيه اسقاط الحد
عن التائب هذا لو كان في حديثهم ان الحد سقط عنه بالتوبة فكيف وليس هذا فيه وإنما
فيه اسقاط الحد بصلاته فقط وهذا ما لا يقولونه [بل هم يخالفون لهذا الحكم] (2)
فبطل تعلقهم بهذا الخبر وبتلك الاخبار جملة وبالله تعالى التوفيق * فان قالوا: هبكم
أن حد الزنا قد وجدتم فيه وفي حد القذف إقامة الحد على من تاب فمن أين لم تسقطوا
حد السرقة وحد الخمر بالتوبة ولا نص معكم في إقامتها على التائب منها؟ قلنا: إن النص
قد ورد جملة بإقامة الحدود في السرقة. والخمر. والزنا. والقذف ولم يستثن الله تعالى
تائبا من غير تائب ولم يصح نص أصلا باسقاط الحد عن التائب فإذا الامر كذلك
فلا يحل أن يخص التائب من عموم أمر الله تعالى بإقامة الحدود بالرأي والقياس دون
نص ولا اجماع، فهذه عمدتنا في إقامة الحدود على التائب وغير التائب، وإنما حديث
ماعز والغامدية والجهينية مؤيد لقولنا في ذلك فقط ولو لم يأت ما احتجنا إليها مع
الأوامر الواردة بإقامة الحدود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " وقوله
عليه السلام: " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم "

(1) الزيادة من النسخة اليمنية
(2) الزيادة من النسخة اليمنية
129

ومع قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ومع قوله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) ومع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شرب الخمر فاجلدوه " الحديث فلم
يخص عليه السلام شيئا من شئ مما أمر بإقامة الحد عليه تائبا من غيره وما ينطق عن
الهوى ان هو الا وحي يوحى وما كان ربك نسيا، ثم نظرنا أيضا في احتجاجهم على هؤلاء
المذكورين بأنهم قد أجمعوا على أن التوبة تسقط عذاب الآخرة وهو العذاب الأكبر
فإذا أسقطت العذاب الأكبر فأحرى وأوجب أن تسقط العذاب الأقل الذي هو
الحد في الدنيا فوجدنا هذا كله لازما لكل من ذكرنا لأنهم أصحاب قياس بزعمهم
ولو صح قياس يوما ما من الدهر لكانت هذه المقاييس أصح قياس في العالم وأين هذا
من قياسهم الفاسد الحديد على الذهب في الربا. وغزل القطن على الذهب والفضة في الربا.
وقياسهم فرج الزوجة على يد السارق وسائر قياساتهم الفاسدة التي لا تعقل، وأما
نحن فلا يلزمنا هذا لان القياس كله باطل لا يحل القول بشئ منه في دين الله تعالى
والحمد لله رب العالمين، وعذاب الآخرة غير عذاب الدنيا وليس إذا سقط أحدهما
وجب أن يسقط الآخر إذ لم يوجب ذلك نص قرآن ولا سنة ولا اجماع وكثير من
المعاصي ليس فيها في الدنيا حد كالغصب، ومن قال لآخر: يا كافر. وكأكل لحم
الخنزير. وعقوق الوالدين وغير ذلك وليس ذلك بموجب أن يكون فيها في الآخرة
عقاب بل فيها أعظم العقاب في الآخرة، فصح أن أحكام الدنيا غير متعلقة بأحكام
الآخرة وبالله تعالى التوفيق * وقد احتجوا بقول الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) إلى قوله تعالى: (غفور رحيم) فوجدناهم لا حجة لهم في
هذه الآية لان الله تعالى لم يسقط الحد بالتوبة مطلقة ولو أراد ذلك لقال الا الذين
تابوا ولم يقل من بعد ذلك فلما قال تعالى من بعد ذلك بين لنا تعالى أن هذه التوبة
لا تكون الا من بعد الجلد ثمانين واستحقاق اسم الفسوق ورد الشهادة لا قبل الجلد
بنص القرآن فإنما سقط بالتوبة بعد الجلد ما عدا الجلد لان الجلد قد نفذ فلا يسقط
بعده بالتوبة الا الفسق وحكم قبول الشهادة فقط، وأيضا فبعد نزول هذه الآية جلد
رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطح بن أثاثة. وحسان بن ثابت. وحمنة بنت جحش
فبطل التعلق في اسقاط الحد بالتوبة المذكورة في الآية وصح أنه إنما سقط بها ما عدا
الحد وهو الفسق ورد الشهادة فقط فبطل كل ما شغب هؤلاء القوم به وصح أنه لا يسقط
بالتوبة شئ من الحدود حاشا حد الحرابة الذي ورد النص بسقوطها بالتوبة قبل
القدرة عليهم فقط وأما بالتوبة الكائنة منهم بعد القدرة عليهم أو مع القدرة عليهم فلا
130

يسقط بذلك عنهم حد المحاربة أصلا لان النص لم يسقط الحد عنهم الا بالتوبة قبل
القدرة عليهم فقط وبقي ما عدا ذلك على انفاذ ما أمر الله تعالى به فيه، وبالله تعالى التوفيق *
قال علي رحمه الله: والدليل عندنا في ذلك أن من أقر بحد ولم يقل ما هو فلا شئ
عليه أصلا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قال: علي حد فيه الجلد فقط لم يقم أيضا عليه
جلد لأنه قد يظن في فعله ذلك أنه حد يوجب جلدا وليس كما يظن فإذ هو ممكن فلا
يحل لنا بشرته باحلاله لنا إياها لان تحريم الله تعالى لها قبل احلاله الفاسد، ولو أن
امرءا قال لآخر اضربني فقد أحللت لك بشرتي لم يحل ضربه أصلا لأنه ليس له أن
يحل من نفسه ما حرم الله تعالى منها ولا أن يحرم منها ما أحله الله تعالى ولو قال من
صح عليه الجلد في القذف. أو الزنا. أو الخمر قد حرمت عليكم بشرتي لكان كلامه
هذرا ولغوا وكذلك لو أحل لآخر قتل نفسه أو قطع يده أو أحلت المرأة فرجها
لأجنبي أو حرم الرجل فرجه على امرأته أو حرمت هي فرجها عليه لكان كل ذلك
باطلا ولا حرام الا ما حرم الله تعالى أو رسوله عليه السلام قال الله تعالى: (ولا تقولوا
لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) فان
قال: علي لله تعالى حد يوجب إما زنا وإما قذفا وإما شرب خمر فهذا لم يتحقق ولا أقر
اقرارا صحيحا وليس عليه إلا حد الخمر لأنه أقل الحدود الواجبة عليه بيقين، ولا يحل
أن يزاد عليه شئ بالشك فلا يجوز أن يجلد شيئا حتى يتبين ما هو الحد الذي عليه
ويصفه وصفا تاما *
2168 مسألة السجن في النهمة:
قال أبو محمد رضي الله عنه: قال قوم: بالسجن في التهمة واحتجوا بما ثنا أحمد بن قاسم ثنا أبي
قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدي قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن أبي العوام ثنا أحمد بن حاتم الطويل ثنا
إبراهيم بن خثيم بن عراك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة
احتياطا أو قال استظهارا يوما وليلة * وبه إلى قاسم بن أصبع ثنا ابن وضاح حدثني محمد
ابن آدم نا بن المبارك عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حبس
في تهمة ثم خلى سبيله * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه
عن جده معاوية بن حيدة قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من قومه في تهمة فحبسهم
فجاء رجل من قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال: يا محمد على ما تحبس جيرتي؟
فصمت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ان ناسا يقولون انك لتنهى عن الشئ وتستخلي به فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ما يقول؟ فجعلت أعرض بينهما بكلام مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي
131

دعوة لا يفلحون بعدها قال: فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى فهمها قال قد قالوها؟ وقال قائلها منهم:
والله لو فعلتها لكان علي وما كان عليهم خلوا له عن جيرانه " * وبه إلى عبد الرزاق عن
ابن جريج أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري عن عراك بن مالك قال: أقبل رجلان من
بني غفار حتى نزلا منزلا بضجنان من مياه المدينة وعندها ناس من غطفان معهم ظهر لهم
فأصبح الغطفانيون قد أضلوا بعيرين من إبلهم فاتهموا بهما الغفاريين فأقبلوا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وذكروا أمرهم فحبس أحد الغفاريين وقال للآخر اذهب فالتمس فلم يكن إلا يسيرا حتى
جاء بهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لاحد الغفاريين حسبت أنه المحبوس استغفر لي فقال: غفر الله لك
يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولك وقتلك في سبيله قال فقتل يوم اليمامة " *
قال أبو محمد رحمه الله: وذهب إلى هذا قوم كما روينا من طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج قال: كتب عمر بن عبد العزيز بن عبد الله كتابا قرأته إذا وجد المتاع
مع الرجل المتهم فقال: ابتعته فاشدده في السجن وثاقا ولا تحله بكتاب أحد حتى
يأتيه فيه أمر الله تعالى قال ابن جريج: فذكرت ذلك لعطاء فأنكره، وذهب آخرون
إلى المنع من الحبس بالتهمة كما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت
عبد الله بن أبي مليكة يقول: أخبرني عبد الله بن أبي عامر قال انطلقت في ركب حتى
إذا جئنا ذا المروة سرقت عيبة لي ومعنا رجل متهم فقال أصحابي: يا فلان أردد عليه
عيبته: فقال ما أخذتها: فرجعت إلى عمر بن الخطاب فأخبرته فقال: من أنتم؟: فعددتهم
فقال أظنها صاحبها للذي اتهم: فقلت لقد أردت يا أمير المؤمنين أن تأتي به مصفدا:
فقال عمر: أتأتي به مصفودا بغير بينة لا أكتب لك فيها ولا أسألك عنها وغضب
وما كتب لي فيها ولا سأل عنها فأنكر عمر رضي الله عنه أن يصفد أحد بغير بينة *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك فوجدنا الأحاديث المذكورة لا حجة في شئ
منها لان إبراهيم بن خثيم ضعيف. وبهز بن حكيم ليس بالقوي. وحديث عراك
مرسل ثم لو صح لكان فيه الدليل على المنع من الحبس لاستغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم
من ذلك فان ذكروا حديث المرأة الغامدية التي قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: طهرني قال:
" ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه قالت لعلك تردني كما رددت ماعز بن مالك
قالت: اني حبلى من الزنا: قال: أثيب أنت؟ قالت: نعم قال: فلا نرجمنك
حتى تضعي ما في بطنك قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت فأتى بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية قال: إذا لا نرجمها وندع ولدها
صغيرا ليس له من يرضعه " فقال رجل من الأنصار: إلي رضاعه فرجمها " *
132

قال أبو محمد رحمه الله: فهذا لا حجة لهم فيه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجنها
ولا أمر بذلك، لكن فيه أن الأنصاري تولى أمرها وحياطتها فقط *
قال أبو محمد رحمه الله: فان ذكروا قول الله تعالى: " فامسكوهن في البيوت حتى
يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) فان هذا حكم منسوخ باجماع الأمة *
قال علي رحمه الله: فإذ لم يبق لمن رأى السجن حجة فالواجب طلب البرهان على
صحة القول الآخر فنظرنا في ذلك فوجدنا من قال بسجنه لا يخلو من أحد وجهين،
إما أن يكون متهما لم يصح قبله شئ، أو يكون قد صح قبله شئ من الشر، فإن كان
متهما بقتل أو زنا أو سرقة أو شرب أو غير ذلك فلا يحل سجنه لان الله تعالى يقول:
(ان الظن لا يغني من الحق شيئا)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فان الظن
أكذب الحديث " وقد كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتهمون بالكفر وهم المنافقون
فما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أحدا، وبالله تعالى التوفيق *
2169 مسألة فيمن أصاب حدا مرتين فصاعدا * قال أبو محمد رحمه الله:
اختلف الناس في ذلك كمن زنى مرتين فأكثر قبل أن يحد في ذلك أو قذف مرتين فأكثر
قبل أن يحد في ذلك أو شرب الخمر مرتين فأكثر قبل أن يقام عليه الحد، أو سرق مرتين
فأكثر عليه أن يحد في ذلك أو جحد عارية مرتين فأكثر قبل أن يقام عليه الحد في ذلك
أو حارب مرتين فأكثر قبل أن يقام عليه الحد في ذلك، فقالت طائفة: ليس في كل ذلك
إلا حد واحد فقط، وقالت طائفة: عليه لكل مرة حد *
قال أبو محمد رحمه الله: فوجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله
تعالى، فنظرنا في قول من قال: لكل فعلة حد: فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى:
(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال تعالى: (والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما)، وقال تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة) ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما حدثناه عبد الله بن ربيع
ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن سهل بن أبي
صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال: " من شرب الخمر فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا
شرب فاجلدوه " وذكر باقي الخبر، قالوا: فوجب بنص كلام الله تعالى، وكلام رسوله
صلى الله عليه وسلم على من زنا الجلد المأمور به، وعلى من سرق قطع يده، وعلى من قذف الجلد
المأمور به، وعلى من شرب الخمر الجلد المأمور به، فاستقر ذلك فرضا عليه فإذ ذلك
كذلك فبيقين ندري أنه متى ني ثانية وجب عليه حد ثان، وإذا سرق ثانية وجب
133

عليه بالسرقة الثانية قطع ثان، وإذا قذف ثانية وجب عليه حد ثان، وإذا شرب
ثانية وجب عليه حد ثان ولابد، وهكذا في كل مرة *
قال أبو محمد رحمه الله: أما قولهم إن الله تعالى قال: (الزانية والزاني) الآية،
وقوله تعالى: " والسارق والسارقة " الآية، وقوله تعالى (والذين يرمون المحصنات)
الآية، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا
شرب فاجلدوه " فكل ذلك حق ويكفر من أنكر لفظه ومعناه، وأما قولهم فاستقر
ذلك فرضا عليه فهذا وهم أصحابنا، ولسنا نقول بهذا لكن نقول: أنه لا يجب شئ من
الحدود المذكورة بنفس الزنا ولا بنفس القذف ولا بنفس السرقة ولا بنفس الشرب
لكن حتى يستضيف إلى ذلك معنى آخر وهو ثبات ذلك عند الحاكم بإقامة الحدود
إما بعلمه وإما ببينة عادلة، وإما باقراره، وأما ما لم يثبت عند الحاكم فلا يلزمه حد
لا جلد ولا قطع أصلا، (برهان ذلك) هو انه لو وجبت الحدود المذكورة بنفس
الفعل لكان فرضا على من أصاب شيئا من ذلك أن يقيم الحد على نفسه ليخرج مما لزمه
أو أن يعجل المجئ إلى الحاكم فيخبره بما عليه ليؤدي ما لزمه فرضا في ذمته لا في
بشرته، وهذا أمر لا يقوله أحد من الأمة كلها بلا خلاف، أما اقامته الحد على نفسه
فحرام عليه ذلك باجماع الأمة كلها وأنه لا خلاف في أنه ليس لسارق أن يقطع يد نفسه
بل إن فعل ذلك كان عند الأمة كلها عاصيا لله تعالى فلو كان الحد فرضا واجبا بنفس
فعله لما حل له الستر على نفسه ولا جاز له ترك الاقرار طرفة عين ليؤدي عن نفسه
ما لزمه، وإنما أمر الله تعالى ورسوله عليه السلام الأئمة وولاتهم بإقامة الحدود
المذكورة على من جناها، وبيقين الضرورة ندري أن الله تعالى لم يأمرهم من ذلك إلا
إذا ثبت ذلك عندهم وصح يقينا أن لكل زنا يزنيه، وكل قذف يقذفه، وكل شرب
يشربه، وكل سرقة يسرقها، وكل حرابة يحارب، وكل عارية يجحدها قبل علم الإمام
بذلك فلم يجب عليه فيه شئ لكنا نقول: إن الله تعالى أوجب على من زنى مرة أو الف مرة
إذا علم الإمام بذلك جلد مائة وعلى القاذف، والسارق، والمحارب، وشارب. الخمر،
والجاحد مرة والف مرة حدا واحدا إذا علم الحاكم ذلك كله *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما ان وقع على من فعل شيئا من ذلك تضييع من الامام أو أميره لغير ضرورة ثم شرع في إقامة الحد فوقعت ضرورة منعت من
إتمامه فواقع فعلا آخر من نوع الأول، فقولنا وقول أصحابنا سواء يستتم عليه الحد
الأول ثم يبتدئ في الثاني ولابد * برهان ذلك أن الحد كله قد وجب بعلم الامام أو
134

أميره مع قدرته على إقامة جميع الحد ثم أحدث ذنبا آخر فلا يجزي عنه حد قد
تقدم وجوبه *
قال أبو محمد رحمه الله: ونسأل المخالفين عن قولهم فيمن زنا مرات أو شرب
مرات. أو قذف مرات انسانا واحدا، أو سرق مرات، أو حارب مرات وعلم الإمام
كل دلك وقدر على إقامة الحدود عليه ثم لم يحد حتى واقع ما ذكرنا فلم يوجبوا عليه إلا
حدا واحدا، ما الفرق بين هذا وبين قول من قال منهم: ان أفطر عامدا فوطئ أياما
من شهر رمضان ان عليه لكل يوم كفارة، ومن حلف أيمانا كثيرة على أشياء مختلفة
فعليه لكل يمين كفارة ومن قال منهم: إن ظاهر مرات كثيرة فان لكل ظهار كفارة،
وقولهم كلهم: ان من أصاب وهو محرم صيودا فعليه لكل صيد جزاء بل قال بعضهم:
إنه لو أصاب صيدا واحدا وهو قارن فعليه جزاءان، فان ادعوا في كفارة الافطار
في رمضان اجماعا ظهر جهل من ادعى ذلك أو كذبه لان زفر بن الهذيل وغيره منهم
يرى أن من أفطر بوطئ أو غيره جميع أيام شهر رمضان ولم يكفر فليس عليه إلا
كفارة واحدة فقط، وهذا هو الواجب على قول سعيد بن المسيب لان المحفوظ عنه
أن شهر رمضان كله صوم واحد من أفطر يوما منه فعليه قضاء جميعه يقضي شهرا ولا
بد، ومن أفطره كله فعليه شهر واحد أيضا ولا مزيد *
2170 مسألة فيمن أصاب حدا ثم لحق بالمشركين أو ارتد * قال أبو محمد
رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد
ثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي إسحاق السبيعي عن جرير. بن عبد الله البجلي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا ابق العبد إلى الشرك فقد حل دمه " *
قال أبو محمد رحمه الله: فبهذا نأخذ والعبد ههنا كل حر وعبد فكلنا عبيد الله تعالى
تعالى ومن لحق بأرض الشرك بغير ضرورة فهو محارب، هذا أقل أحواله إن سلم من
الردة بنفس فراقه جماعة الاسلام وانحيازه إلى ارض الشرك بما حدثنا يوسف بن عبد الله
ابن عبد البر النمري ثنا خلف بن القاسم ثنا أحمد بن سعد المهراني ثنا أحمد بن عبد الجبار
ثنا أبو معاوية محمد بن حازم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير
ابن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا برئ من كل مسلم مقيم بين أظهر
المشركين " *
قال أبو محمد رحمه الله: وسنستقصي الكلام إن شاء الله تعالى في هذا في كتاب
الردة من هذا الكتاب، فان قال قائل: إنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ها هنا مع ذكر
135

العبد الإباق فصح انه إنما عنى بذلك المماليك فقط، قلنا وبالله تعالى التوفيق: ليس
الإباق لفظا موقوفا على المماليك الذين. لنا فقط، بل كل من هرب عن سيده ومالكه
فهو آبق، والله تعالى مالك الجميع والكل عبيده ومماليكه فمن هرب عن جماعة الله تعالى
وعن دار دين الله تعالى إلى دار أعداء الله تعالى المحاربين لله عز وجل فهو آبق *
برهان ذلك قول الله تعالى: (وان يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون) فقد
سمى الله تعالى فعل يونس رسوله صلى الله عليه وسلم - وهو حر بلا خلاف - إذ فر عن أمر ربه تعالى
إباقا فصح ان الإباق لكل حر وعبد، وبالله تعالى التوفيق * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد
ابن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن قدامة عن جرير عن المغيرة بن مقسم عن الشعبي
قال: كان جرير بن عبد الله يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وان مات
مات كافرا فاق غلام لجرير فاخذه فضرب عنقه " *
قال أبو محمد رحمه الله: ولا يسقط عن اللاحق بالمشركين لحاقه بهم شيئا من
الحدود التي أصابها قبل لحاقه ولا التي أصابها بعد لحاقه لان الله تعالى أوجب
الحدود في القرآن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أرسلها ولم يسقطها، وكذلك لم يسقطها
عن المرتد ولا عن المحارب ولا عن الممتنع ولا عن الباغي إذا قدر على إقامتها
عليهم وما كان ربك نسيا، ونحن نشهد بشهادة الله تعالى إن الله عز وجل لو أراد
أن يستثني أحدا من هؤلاء لما سكت عن ذلك اعناتا لنا ولا أهمله ولا أغفله فإذ
لم يعلمنا بذلك فنحن نقسم بالله تعالى أن الله تعالى ما أراد قط إسقاط حد أصابه
لاحق بالشرك قبل لحاقه أو اصابه بعد لحاقه بهم أو أصابه مرتد قبل ردته أو بعدها
وأن من خالف هذا فمخطئ عند الله تعالى بيقين لا شك فيه، وقد صح النص
والاجماع باسقاطه وهو ما أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أو يتذمموا
أو يسلموا فقط فهذا خارج بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل من أسلم منهم فلم يؤاخذهم
بشئ مما سلف لهم من قتل أو زنا، أو قذف، أو شرب خمر. أو سرقة، وصح الاجماع
بذلك، فان قال قائل: فان الله تعالى يقول: (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم
ما قد سلف) * وقال تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) فصح بهذا أن المرتد من
الكفار بلا شك فإذ هو منهم فحكمه حكمهم * وذكروا من طريق مسلم حدثنا
محمد بن المثنى ثنا الضحاك - يعني أبا عاصم النبيل - أنا حياة بن شريح ثنا يزيد
ابن أبي حبيب عن ابن شمامة المهري ثنا مضر ثنا عمرو بن العاص في سياقة الموت يبكي
طويلا فذكر الحديث وفيه قال: " فلما جعل الله الاسلام في قلبي أتيت رسول الله
136

صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي فقال: ما لك يا عمرو؟
فقلت أردت ان اشترط: فقال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي قال: اما علمت أن
الاسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما قبله " وذكر باقي
الكلام * ومن طريق مسلم حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون وإبراهيم بن دينار واللفظ
لإبراهيم قال ثنا حجاج - هو ابن محمد - عن ابن جريج أخبرني يعلى بن مسلم أنه سمع
سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس " أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا
فأكثروا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ان الذي تقول وتدعو إليه لحسن ولو تخبرنا
إن لما عملنا كفارة فنزل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس
التي حرم الله إلا بالحق) إلى قوله: (يلق أثاما) (وقل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم
لا تقنطوا من رحمة الله) الآية *
قال أبو محمد رحمه الله: تمام الآية الأولى إلى قوله: (حسنات) والأخرى (ان الله
يغفر الذنوب جميعا) وكل هذا حق ولا حجة لهم فيه بل عليهم على ما نبين إن شاء الله
تعالى * أما قول الله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الآية
فنعم هكذا نقول ولم نخالفهم في هذه الآية ولا هي مسألتنا وإنما مسألتنا هل تقام
عليهم الحدود السالفة أم لا؟ وليس في هذه الآية من هذا حكم أصلا لا بنص من
القرآن، ولا من السنة وان التائب منا مغفور له وأن ماعزا مغفور له والغامدية
والجهنية. مغفور لهما بلا شك، ولم تسقط عنهم مغفرة الله تعالى لهم ذنبهم حد الله
تعالى الواجب في الدنيا وإنما أسقطت مغفرة الله تعالى عنهم عذاب الآخرة فقط ولم
يسقط عنهم الحد بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مع علمه صلى الله عليه وسلم أنه مغفور لهم أقام
عليهم حد الزنا الذي قد غفره الله تعالى لهم، وقد جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطح بن
أثاثة في القذف وهو بدري مغفور له وجلد النعمان في الخمر وهو بدري مغفور له،
وجلد عمر رضي الله عنه بحضرة الصحابة رضي الله عنهم قدامة بن مظعون وهو بدري
مغفور له، كل ما فعل في الخمر ولو تمت الشهادة على المغيرة لحده وهو حدبى مغفور له
ما قد فعل، فصح أن المغفرة من الله تعالى لا تسقط الحدود الواجبة في الدنيا ومن خالف
هذا وقال: إن التوبة تسقط الحدود كلها خالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا،
وقد تقصينا هذا في باب مفرد لذلك قبل هذا بأبواب يسيرة * وأما قول الله تعالى:
(ومن يتولهم منكم فإنه منهم) فلا حجة لهم في هذا أصلا لأنه ليس فيها إسقاط
الحدود على من أبق إليهم أو ارتد وإنما فيها أن المرتد من الكفار، وهذا لا شك
137

فيه عند مسلم (فان قالوا): بلى ولكن لما كان منهم حكم له بحكمهم قلنا: لهم هذا واضح،
وبرهان ذلك اجماعكم معنا على أن المرتد لا يقر على ردته بخلاف المشرك الكتابي
الذي يقر على كفره إذا أدى الجزية صاغرا وتذمم، وأنه لا يقبل من المرتد جزية
أصلا عندكم، وانه لا تنكح المرتدة بخلاف المشركة الكتابية، وانه لا تؤكل ذبيحة
المرتد بخلاف المشرك الكتابي ولا يسترق المرتد إن سبى كما يسترق المشرك إن سبي
فقد أقررتم ببطلان قياسكم الفاسد فأبطلتم أن يقاس المرتد على الكافر في شئ من
هذه الوجوه ويلزمكم أن لا تقيسوه عليهم في سقوط الحدود فهو أحوط لقياسكم،
ولاح أنهم في هذه المسألة لا النص من القرآن والسنة اتبعوا، ولا القياس طردوا،
ولا تعلقوا بشئ أصلا، وبالله تعالى التوفيق *
وصح أن قول الله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) إنما هو على ظاهره
بأنه كافر من جملة الكفار فقط وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين فان ادعوا
أن المرتد لا تقبل منه جزية، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يسترق اجماعا دل ذلك على
جهل من ادعى ذلك أو كذبه * فقد صح عن بعض السلف أخذ الجزية منهم، وعن
بعض الفقهاء أكل ذبيحته إن ارتد إلى دين صابئ، وأبو حنيفة وأصحابه يقولون:
أن المرتدة إذا لحقت بأرض الحرب سبيت واسترقت ولم تقتل ولو أنها هاشمية
أو عبشمية * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا بن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق
عن معمر عن سماك بن الفضل أن عاملا لعمر بن عبد العزيز كتب إلى عمر بن عبد
العزيز في رجل أسلم ثم ارتد فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن أسأله عن شرائع
الاسلام فإن كان قد عرفها فأعرض عليه الاسلام فان أبى فاضرب عنقه وإن كان
لم يعرفها فغلظ عليه الجزية ودعه قال معمر: وأخبرني قوم من أهل الجزيرة أن
قوما أسلموا ثم لم يمكثوا إلا قليلا حتى ارتدوا فكتب فيهم ميمون بن مهران إلى
عمر بن عبد العزيز فكتب عمر بن عبد العزيز ان رد عليهم الجزية ودعهم، وقد روى
نحو هذا عن عمر بن الخطاب *
قال أبو محمد رحمه الله: واما حديث عمر وبن العاص فهو عليهم أعظم حجة لان
فيه تسوية النبي صلى الله عليه وسلم بين الاسلام والهجرة والحج في أن كل واحد منها يهدم ما قبله
وهم لا يختلفون ولا أحد نعلمه في أن الحج لا يسقط حدا اصابه المرء قبل حجه ولم يتب منه
ولم تطل مدته دونه فمن الباطل أن يتحكموا في حكم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
فيحملوا قوله عليه السلام: " ان الاسلام يهدم ما قبله " على أن الاسلام يسقط
138

الحدود التي واقعها العبد قبل اسلامه ويجعل الحج لا يسقطها، وكلا الامرين جاء عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيئا واحدا وأن هذا الخبر ضد قولهم في هذه المسألة وذلك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخبر أن الاسلام يهدم ما قبله وان الهجرة تهدم ما قبلها وأن
الحج يهدم ما قبله فقالوا هم: أن الردة إلى الكفر تهدم ما قبلها من الحدود الواجبة
قياسا للكفر على الاسلام وأن الهجرة إلى الشيطان واللحاق بدار الكفر وأهل
الحرب تهدم ما قبلها من الحدود قياسا على الهجرة إلى الله تعالى وإلى دار الاسلام
وأن الحج لا يهدم ما قبله، وهذا عين العناد والخلاف والمكابرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم *
وأما حديث عمر رضي الله عنه فإنه لم يتكلم قط في ذلك الخبر في ثبات الحدود
أو سقوطها وإنما تكلم في المغفرة، وإذا قلنا: أن مغفرة الله تعالى للذنوب لا تسقط
الحدود الواجبة في تلك الذنوب إلا حيث صح النص. والاجماع باسقاطها فقط
وليس ذلك إلا في الحربي الكافر يبتدئ الاسلام فقط، ونحن نقول: أن الاسلام
والهجرة الصادقة إلى الله تعالى ورسوله عليه السلام. وأن الحج المبرور يهدم ما قبله من
الذنوب ومن صفة كل ما ذكرنا من الاسلام الحسن والهجرة الصادقة والحج المبرور
أن يتوب صاحب هذه الحال عن كل ذنب سلف قبله * برهان ذلك ما حدثنا به عبد الرحمن
ابن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا خلاد بن يحيى نا
سفيان بن منصور. والأعمش كلاهما عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: قال
رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال: " من أحسن في الاسلام لم
يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الاسلام أخذ بالأول والآخر " *
قال أبو محمد رحمه الله: فحكم الاحسان في الاسلام هو التوبة من كل ذنب
أسلفه أيام كفره، وأما من أصر على معاصيه فما أحسن في اسلامه بل أساء فيه،
وكذلك من لم يهجر ما نهى الله تعالى عنه فليس تام الهجرة وكل حج أصر صاحبه على المعاصي
فيه فلم يوف حقه من البر فليس مبرورا، وبالله تعالى التوفيق *
2171 مسألة الاستتابة في الحدود وترك سجنه * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال: حضرت عبد العزيز بن عبد الله جلد
انسانا الحد في فرية فلما فرغ من ذلك قال له أبو بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن ربيعة: أن
من الامر ان يستتاب عند ذلك فقال عبد العزيز للمجلود: تب فحسبنه أنه قال أتوب إلى الله:
قال ابن جريج: وأخبرني بعض علماء أهل المدينة انهم لا يختلفون أنه يستتاب كل من عمل عمل
قوم لوط. أو زنى، أو افترى، أو شرب، أو سرق أو حارب، قال عبد الرزاق: وخبرني أبو بكر
139

عن غير واحد عن ابن المسيب أنه قال: سنة الحد أن يستتاب صاحبه إذا فرغ من جلده قال
سعيد بن المسيب: ان قال قد تبت وهو غير رضى لم تقبل شهادته *
قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا نقول لان التوبة فرض من الله تعالى على كل
مذنب ولان الدعاء إلى التوبة فرض على كل مسلم قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا
توبوا إلى توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم) الآية وإذا كان هذا الاصرار على
الذنب حراما باجماع الأمة كلها المتيقن فالتوبة والاقلاع فرض باجماع الأمة كلها
لا خلاف في ذلك، قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وقال
تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) الآية *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما كانت التوبة من سبيل الله تعالى المفترض سلوكها
وكانت من الخير والمعروف كان فرضا على كل مسلم أن يدعو إليها بالنصوص التي
ذكرنا واستتابة المذنب قبل إقامة الحد عليه واجبة لقول الله تعالى: (سارعوا إلى
مغفرة من ربكم) فالمسارعة إلى الفرض فرض فإن لم يستتبه الامام أو من حضره الا
حتى أقيم عليه الحد فواجب أن يستتاب بعد الحد على ما ذكرنا فإن لم يتب فأقيم عليه
استتيب فان تاب أطلق ولا سبيل عليه بحبس أصلا لأنه قد أخذ حق الله تعالى منه
الذي لاحق له قبله سواه، فالزيادة على ذلك تعد لحدود الله تعالى وهذا حرام *
2172 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: فان قال: لا أتوب فقد أتى منكرا
فواجب أن يعزر على ما نذكره في كتاب التعزير إن شاء الله تعالى لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم
يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان " فيجب أن يضرب أبدا حتى يتوب هذا ان صرح
بأن لا يتوب، فإذا أدى ذلك إلى منيته فذلك عقيرة الله وقتيل الحق لا شئ على متولى
ذلك لأنه أحسن فيما فعل به، وقد قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) فان
سكت ولم يقل أتوب ولا لا أتوب فواجب حبسه وإعادة الاستتابة عليه أبدا حتى
ينطق بالتوبة فيطلق * برهان ذلك أنه قد صح منه الذنب ووجبت عليه التوبة ولا
تعرف توبته الا بنطقه بها فهو ما لم ينطق بها وبالاصرار فممكن أن يتوب في نفسه
وممكن أن لا يتوب فلما كان كلا الامرين ممكنا لم يحل ضربه لأنه لم يأت بمنكر تيقن
أنه أتى به ولم يجز تسريحه لان فرضا عليه دعاؤه إلى التوبة حتى يتوب ولا سبيل إلى
امساكه وبالله تعالى التوفيق * وهكذا أبدا متى تاب ثم واقع الذنب أو غيره فقد جاء
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ان مرسلان في أنه استتاب السارق بعد قطع يده كما حدثنا حمام
140

نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج. وسفيان الثوري.
ومعمر قال ابن جريج. وسفيان كلاهما عن أبي خصفة عن محمد بن عثمان بن ثوبان،
وقال معمر: عن أيوب السختياني قال أيوب. وابن ثوبان: أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل
سرق شملة فقيل يا رسول الله هذا سرق: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أخاله أسرقت؟ قال:
نعم قال: فاذهبوا فاقطعوا يده ثم احسموها ثم ائتوني به فأتوه به فقال: انى أتوب
إلى الله فقال: اللهم تب عليه " * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قطع رجلا ثم أمر به فحسم قال له: " تب إلى الله تعالى فقال أتوب إلى
الله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ان السارق إذا قطعت يده وقعت في النار فان عاد تبعها
وان تاب استشالها " قال عبد الرزاق يقول استرجعها: *
قال أبو محمد رحمه الله: هذان مرسلان ولا حجة في مرسل وإنما الحجة فيما أوردنا
من النصوص قبل، وإنما أوردناهما لئلا يموه مموه بما فيهما من الاستتابة بعد القطع
وبالله تعالى التوفيق *
2173 - مسألة - الامتحان في الحدود وغيرها بالضرب أو السجن أو التهديد *
قال على رحمه الله: لا يحل الامتحان في شئ من الأشياء بضرب ولا بسجن ولا بتهديد لأنه
لم يوجب ذلك قرآن. ولا سنة ثابتة. ولا اجماع ولا يحل أخذ شئ من الدين الا
من هذه الثلاثة النصوص (1) بل قد منع الله تعالى من ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
بقوله: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فحرم الله تعالى
البشر. والعرض فلا يحل ضرب مسلم ولا سبه الا بحق أوجبه القرآن أو السنة الثابتة
وقال تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) فلا يحل لاحد أن يمنع مسلما من
المشي في الأرض بالسجن بغير حق أوجبه قرآن أو سنة ثابتة، وأما من صح قبله حق
ولواه ومنعه فهو ظالم قد تيقن ظلمه فواجب ضربه أبدا حتى يخرج مما عليه لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع " ولامره عليه
السلام بجلد عشرة فأقل فيما دون الحد على ما نذكره في باب التعزير إن شاء الله تعالى
وإنما هذا فيما صح أنه عنده أو يعلم مكانه لما ذكرنا، وأما من كلف اقرارا على غيره
فقط وقد علم أنه يعلم الجاني فلا يجوز تكليفه ذلك لأنها شهادة ومن كتم الشهادة فإنه
فاسق لقول الله تعالى: (فلا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) فإذ هو فاسق
آثم فلا ينتفع بقوله لا يحل قبول شهادته حينئذ وهو مجرح بذلك أبدا ما لم يتب فلا

(1) في النسخة اليمنية هذه الثلاثة الأصول
141

يحل أن يهدد أحد ولا أن يروع بأن يبعث إلى ظالم يعتدي عليه، وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: ولا خلاف في أن كل هذا حرام في الذمي كما هو في المسلم
فان ضرب حتى أقر فقد جاء عن بعض السلف في هذا ما حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج
نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن ابن
شهاب أن طارقا كان جعل ثعلبا الشامي على المدينة يستخلفه فأتى بانسان اتهم بسرقة
فلم يزل يجلده حتى اعترف بالسرقة فأرسل إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب فاستفتاه
فقال ابن عمر: لا تقطع يده حتى يبرزها *
قال أبو محمد رحمه الله: اما ان لم يكن الا اقراره فقط فليس بشئ لان أخذه
باقرار هذه صفته لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا اجماع وقد صح تحريم بشرته ودمه
بيقين فلا يحل شئ من ذلك إلا بنص أو اجماع فان استضاف إلى الاقرار أمر
يتحقق به يقينا صحة ما أقر به ولا يشك في أنه صاحب ذلك فالواجب إقامة الحد عليه
وله القود مع ذلك على من ضربه السلطان كان أو غيره لأنه ضربه ظالما له دون
أن يجب عليه ضرب وهو عدوان وقد قال الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا
عليه) الآية وليس ظلمه وما وجب عليه من حد الله تعالى أو لغيره بمسقط حقه
عند غيره في ظلمه له بل يؤخذ منه ما عليه ويعطى هو من غيره وهكذا قال مالك وغيره
في السارق يمتحن فيخرج السرقة بعينها ان عليه القطع إذا كانت مما يقطع فيه إلا
أن يقول دفعها إلى انسان أدفعها له وإنما اعترفت لما أصابني من الضرب فلا يقطع *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا صحيح وبه نقول، وأما البعثة في المتهم وايهامه دون
تهديد ما يوجب عليه الاقرار فحسن واجب كبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف اليهودي
الذي ادعت الجارية التي رض رأسها فسيق إليه فلم يزل به عليه السلام حتى اعترف فأقاد
منه وكما فعل علي بن أبي طالب إذ فرق بين المدعى عليهم القتل وأسر إلى أحدهم ثم رفع
صوته بالتكبير فوهم الآخر أنه قد أقر ثم دعي بالآخر فسأله فأقر حتى أقروا كلهم
فهذا حسن لأنه لا اكراه فيه ولا ضرب، وقد كره هذا مالك ولا وجه لكراهيته
لأنه ليس فيه عمل محظور وهو فعل صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف ينكر
ذلك وإنما الكره ما حدثنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا
أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان
نا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي عن أبيه عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن
مسعود أنه قال: ما من كلام يدرأ عنى سوطا أو سوطين عند سلطان إلا تكلمت به *
142

وعن شريح أنه قال: السجن كره والوعيد كره والقيد كره والضرب كره *
قال أبو محمد رحمه الله: كل ما كان ضرارا في جسم أو مال أو توعد به المرء في ابنه أو أبيه
أو أهله أو أخيه المسلم فهو كره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه
ولا يسلمه " * ولما روينا من طريق البخاري نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان -
عن شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب
لأخيه ما يحب لنفسه " *
2174 - مسألة - الشهادة على الحدود * قال علي: نا محمد بن سعيد بن نبات
نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان
الثوري عن علي بن كليب عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يأمر بالشهود إذا
شهدوا على السارق أن يقطعوه يلون ذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: ليس هذا بواجب لأنه لا يوجبه قرآن ولا سنة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وسلم ثابتة لكن طاعة الامام أو أميره واجبة فإذا أمر الامام أو أميره الشهود أو
غيرهم أن يقطعه لزمتهم الطاعة، وبالله تعالى التوفيق * وبه إلى وكيع نا إسرائيل عن
جابر الجعفي عن الشعبي في رجلين شهدا على ثلاثة أنهم سرقوا قال: يقطعون *
قال علي رحمه الله: وهكذا نقول، ولو شهد عدلان على الف رجل أو أكثر
بقتل أو بسرقة أو بحرابة أو بشرب خمر أو بقذف لوجب القود والقطع والحد في
كل ذلك على جميعهم بشهادة الشاهدين ولا فرق بين شهادتهما عليهم مجتمعين وبين
شهادتهما على كل واحد منهم على انفراده *
قال أبو محمد رحمه الله: ولو أن عدلين شهدا على عدول بشئ مما ذكرنا وقال
المشهود عليهم: نشهد عليهم بكذا وكذا مثل ما شهد به الشاهدان عليهم أو شيئا آخر
لم يلتفت إلى شهادة المشهود عليهم أصلا ووجب انفاذ الحدود والحقوق عليهم بشهادة
السابقين إلى الشهادة *
برهان ذلك ان المشهود عليهم بما ذكرنا قد بطلت عدالتهم وصحت جرحتهم بشهادة
العدلين عليهم بما شهدا به مما يوجب الحد فان من ثبت عليه ما يوجب الحد أو بعض
المعاصي التي لا توجب حدا كالغصب وغيره فهو مجرح فاسق بيقين ولا شهادة لمجرح
فاسق أصلا، فلو أن المشهود عليهم صحت توبتهم بعد ما كان منهم وجب بذلك أن تعود
عدالتهم فإذا كان ذلك كذلك فان الشهادتين معا مقبولتان وينفذ على كلا الطائفتين
شهدت به عليها الأخرى إلا أن كلتا الشهادتين شهادة واجبة قبولها بنص القرآن والسنة
143

في أمره تعالى بالحكم بشهادة العدول وبالله تعالى التوفيق * فان شهدت كلتا الطائفتين
على الأخرى معا لم تسبق احدى الشهادتين الأخرى إما عند حاكمين وإما في عقدين عند
حاكم واحد فهما أيضا شهادتان قائمتان صحيحتان فان كلتا الشهادتين تبطل بيقين لا شك
فيه لأنه ليست إحداهما بأولى بالقبول من الأخرى فلو قبلناهما معا لكنا قد صرنا موقنين
بأننا ننفذ الشهادة الآن دأبا حكما بشهادة فساق لان كل شهادة منهما توجب الفسق والجرحة
على الأخرى والمنع من قبول الشهادة الأخرى، ولو حكمنا بإحدى الشهادتين على
الأخرى مطارفة لكان هذا عين الظلم والجور إذ لم يوجب ترجيح إحداهما على الأخرى
نص ولا اجماع، ومن أراد أن يرجح الشهادة ها هنا بأعدل البينتين أو بأكثرهما عددا
فهو خطأ من القول لأنه لم يوجب الله تعالى قط شيئا من ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وسلم ولا أجمعت الأمة عليه، والحكم بمثل هذا لا يجوز *
2175 - مسألة - من شهد في حد بعد حين * قال أبو محمد رحمه الله: نا محمد بن
سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية ثنا وكيع
نا مسعر بن كدام عن أبي عون - هو محمد بن عبد الله الثقفي - قال عمر بن الخطاب: من شهد على
رجل بحد لم يشهد به حين أصابه فإنما يشهد على ضغن، قال علي: نا عبد الله بن ربيع نا ابن
مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب قال: بلغني عن ربيعة أنه قال في
رجل زنى في صباه واطلع على ذلك رهط عدول فلم يرفعوا أمره ولبث بذلك سنين
وحسنت حالته ثم نازع رجلا فرماه بذلك وأتى على ذلك بالبينة واعترف فإنه يرجم،
لا يضع الحد عن أهله طول زمان ولا أن يحدث صاحب ذلك حسن هيئة، قال ابن وهب:
يريد بصباه سفهه بعد الاحتلام *
قال أبو محمد رحمه الله: وقال أبو حنيفة. وأصحابه: ان شهد أربعة عدول أحرار
مسلمون بالزنا بعد مدة فلا حد عليه * قال أبو يوسف: مقدار المدة المذكورة شهر واحد،
وقالوا: ان شهد عليه عدلان مسلمان حران بسرقة بعد مدة فلا قطع عليه لكن يضمن
ما شهد عليه بأنه سرقه ولو شهدا عليه بشرب خمر، فان كانت الشهادة وريح الخمر توجد منه
أو وهو سكران أقيم عليه الحد وان كانت تلك الشهادة بعد ذهاب الريح أو السكر فلا
حد عليه إلا أن يكونوا حملوه إلى الامام في مصر آخر فزال الريح أو السكر في الطريق
فإنه يحد، ولو شهد عليه بعد مدة طويلة بقذف أو جراحة حد للقذف ووجب عليه حكم
تلك الجراحة، وقال الشافعي. وأصحابه وأصحابنا: يقام عليه الحد في كل ذلك، وقال
الأوزاعي. والليث. والحسن بن حي مثل ذلك *
144

قال أبو محمد رحمه الله: وإذ قد بلغنا ههنا فلنتكلم بعون الله تعالى في حكم من اطلع
على حد أهو في حرج ان كتم الشهادة أم في سعة من ذلك؟ فنقول: قال الله تعالى: (وأقيموا
الشهادة لله)، وقال تعالى: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) وقال تعالى:
(ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) وقال تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا
ما دعوا) ووجدنا ما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث - هو ابن سعد - عن
عقيل عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال المسلم
أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج
عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله
يوم القيامة " *
قال أبو محمد رحمه الله: فوجب استعمال هذه النصوص كلها فنظرنا في ذلك فوجدنا
العمل في جمعها الذي لا يحل لاحد غيره لا يخلو من أحد وجهين اما ان يخص عموم الآيات
المذكورة بالخبر المذكور، واما أن يخص عموم الخبر المذكور بالآيات المذكورات إذ
لا يمكن البتة غير هذا ولابد من أحد العملين فان خصصنا عموم الآيات بالخبر كان
القول في ذلك ان القيام بالشهادات كلها والاعلان بها فرض الا ما كان منها ستر المسلم
في حد من الحدود فالأفضل الستر وان خصصنا عموم الخبر بالآيات كان القول في
ذلك ان الستر على المسلم حسن إلا ما كان من أداء الشهادات فإنه واجب فنظرنا أي
هذين العملين هو الذي يقوم البرهان على صحته فيؤخذ به إذ لا يحل أخذ إحداهما مطارفة
دون الآخر ولا يجوز أن يكونا جمعا جميعا بل الحق في أحدهما بلا شك فنظرنا في ذلك
بعون الله تعالى فوجدنا الستر على المسلم الذي ندبنا إليه في الحديث لا يخلو من أحد
وجهين لا ثالث لهما إما يستره ويستر عليه في ظلم يطلب به المسلم فهذا فرض واجب
وليس هذا مندوبا إليه بل هو كالصلاة والزكاة، وإما أن يكون في الذنب يصيبه المسلم
ما بينه وبين ربه تعالى ولم يقل أحد من أهل الاسلام بإباحة الستر على مسلم في ظلم ظلم
به مسلما كمن أخذ مال مسلم بحرابة واطلع عليه انسان أو غصبه امرأته أو سرق حرا وما
أشبهه فهذا فرض على كل مسلم أن يقوم به حتى يرد الظلامات إلى أهلها فنظرنا في
الحديث المذكور فوجدناه ندبا لا حتما وفضيلة لا فرضا فكان الظاهر منه أن للانسان
أن يستر على المسلم يراه على حد بهذا الخبر ما لم يسئل عن تلك الشهادة نفسها فان
سئل عنها ففرض عليه اقامتها وأن لا يكتمها فان كتمها حينئذ فهو عاص لله تعالى
وصح بهذا اتفاق الخبر مع الآيات. وأن إقامة الشهادة لله تعالى وتحريم
145

كتمانها وكون المرء ظالما بذلك فإنما هو إذا دعى فقط لا إذا لم يدع كما قال تعالى:
(ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) ثم نظرنا في الخبر المذكور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حدثناه
حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا إبراهيم بن محمد نا يحيى بن يعمر نا ابن
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبي عمرة
الأنصاري - هو عبد الرحمن بن زيد بن خالد - " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم
بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها " *
قال أبو محمد رحمه الله: فكان هذا عموما في كل شهادة في حد أو غير حد ووجدنا
قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على
أنفسكم أو الوالدين والأقربين) فسوى الله تعالى بين وجوب أداء المرء الشهادة على
نفسه وعلى والديه وأقاربه والأباعد فوجب من هذه النصوص أن الشهادة لا حرج على المرء
في ترك أدائها ما لم يسألها حدا كان أو غيره فإذا سألها ففرض عليه أداؤها حدا أو غيره،
وان من كان لانسان عنده شهادة والمشهود له لا يدري بها ففرض عليه اعلامه بها
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولأئمة المسلمين
وعامتهم " فان سأله المشهود أداءها لزمه ذلك فرضا لما ذكرنا قبل من قول الله
تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) وان لم يسئل لم يلزمه أن يؤديها وبالله تعالى التوفيق *
وأما من كانت عنده شهادة على انسان بزنا فقذف ذلك الزاني انسان فوقف
القاذف على أن يحد للمقذوف ففرض على الشاهد على المقذوف الزاني أن يؤدي الشهادة
ولا بد سئلها أولم يسئلها علم القاذف بذلك أو لم يعلم وهو عاص لله تعالى ان لم يؤدها
حينئذ لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " ولقوله عليه السلام:
" أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما " فهذا إذا أدى الشهادة التي عنده بصحة ما قذف
به معين على إقامة حد بحق غير ظالم به معين على البر والتقوى وان لم يؤدها معين على
الاثم والعدوان وهو ظالم قد أسلمه للظلم إذ تركه يضرب بغير حق، فان ذكروا ما ناه يوسف
ابن عبد الله وغيره قالوا: حدثنا محمد بن الجسور ثنا قاسم بن اصبغ نا مطرف بن قيس حدثنا
يحيى بن بكير نا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: أن
رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق فقال: ان الاخر زنى فقال له أبو بكر: هل ذكرت
ذلك لغيري؟ فقال: لا قال أبو بكر: فتب إلى الله واستتر بستر الله فان الله يقبل التوبة عن
146

عباده فلم تقر نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له كما قال لأبي بكر فقال له عمر كما قال له
أبو بكر فلم تقر نفسه حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان الاخر زنى قال سعيد بن المسيب:
فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا كل ذلك يعرض عنه حتى إذا أكثر عليه بعث إلى
أهله فقال: أيشتكي أبه جنة؟ فقالوا: لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكر أم ثيب؟ فقالوا:
بل ثيب فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم " قال سعيد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من
أسلم يقال له هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك قال يحيى: فذكرت هذا الحديث
في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي فقال يزيد: هزال جدي، وهذا الحديث حق،
قال علي: فان هذا الحديث مرسل لم يسنده سعيد ولا يزيد بن نعيم ولا حجة في مرسل
ولو انسند لما خرج منه إلا أن الستر وترك الشهادة أفضل فقط هذا على أصول القائلين
بالقياس إذا سلم لهم، وبالله تعالى التوفيق *
2176 - مسألة - اختلاف الشهود في الحدود * قال أبو محمد: فلما اختلفوا في ذلك
فنظرنا في ذلك فالذي نقول به ان كل ما تمت به الشهادة ووجب القضاء بها فان كل ما زاده
الشهود على ذلك فلا حكم له ولا يضر الشهادة اختلافهم كما لا يضرها سكوتهم عنه وان كل ما لا
تتم الشهادة الا به فهذا هو الذي يفسدها اختلافهم فالشهادة إذا تمت من أربعة عدول
بالزنى على انسان بامرأة يعرفونها أجنبية لا يشكون في ذلك، ثم اختلفوا في المكان
أو في الزمان أو في المزني بها فقال بعضهم: أمس بامرأة سوداء، وقال بعضهم: بامرأة
بيضاء اليوم فالشهادة تامة والحد واجب لان الزنا قد تم عليه ولا يحتاج في الشهادة إلى
ذكر مكان ولا زمان ولا إلى ذكر التي زني بها فالسكوت عن ذكر ذلك وذكره سواء
وكذلك في السرقة، ولو قال أحدهما: أمس وقال الآخر: عام أول أو قال أحدهما بمكة
وقال الآخر ببغداد فالسرقة قد صحت وتمت الشهادة فيها ولا معنى لذكر المكان
ولا الزمان ولا الشئ المسروق منه سواء اختلفا فيه أو اتفقا فيه أو سكتا عنه لأنه لغو
وحديث زائد ليس من الشهادة في شئ، وكذلك في شرب الخمر وفي القذف فالحد قد وجب
ولا معنى لذكر المكان والمقذوف في ذلك والمسكوت عنه وذكره والاتفاق عليه
والاختلاف فيه سواء *
قال أبو محمد رحمه الله: ومن ادعى الخلاف في ذلك فيلزمه أن يراعى اختلاف
الشهود في لباس الزاني والسارق والشارب والقاذف فان قال أحدهما: كان في رأسه
قلنسوة وقال الآخر: عمامة أو قال أحدهما: كان عليه ثوب أخضر، وقال الآخر: بل أحمر،
وقال أحدهما: في غيم وقال الآخر: في صحو فهذا كله لا معنى له، فان قال قائل: ان الغرض
147

في مراعاة الاختلاف إنما هو أن تكون الشهادة على عمل واحد فقط وإذا اختلفوا
في المكان أو الزمان أو المقذوف أو المزني بها أو المسروق منه أو الشئ المسروق فلم
يشهدوا على عمل واحد قلنا: من أين وقع لكم أن تكون الشهادة في كل ذلك على عمل
واحد وأي قرآن أو سنة أو اجماع أوجب ذلك؟ وأي نظر أوجبه؟ وهذا ما لا سبيل إلى
وجوده بل الغرض اثبات الزنا المحرم والقذف المحرم والسرقة المحرمة والشرب المحرم
والكفر المحرم فقط ولا مزيد، وبيان ذلك قول الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) الآية، فصح بهذه الآية أن الواجب إنما هو اثبات الزنا
فقط وهو الذي رماها به ولا معنى لذكره التي رماها ولا سكوته عنه فليس عليه أن
يأتي بأكثر من أربعة شهداء على أن الذي رماها به من الزنا حق ولا نبالي عملا واحدا كان
أو أربعة أعمال لان كل ذلك زنا، وكذلك ان شهد عليه بالقذف لمحصنة فقد ثبت عليه
بالقرآن ثمانون جلدة ولم يحد الله تعالى أن يكون في الشهادة ذكر الزمان ولا ذكر
المكان فالزيادة لهذا باطل بيقين لان الله تعالى لم يأمر به ولا بمراعاته، وكذلك قال
الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فحسبنا، وصحة الشهادة بأنها سارقة أو أنه
سارق، ولم نجد الله تعالى ذكر الزمان أو المكان أو المسروق منه أو الشئ المسروق
فمراعاة ذلك باطل بيقين لا شك فيه، وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب الخمر
فاجلدوه " فأوجب الجلد بشرب الخمر فإذا صحت الشهادة بشرب الخمر فقد وجب الحد
بنص أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولا معنى لمراعاة ذكر مكان أو زمان أو صفة الخمر
أو صفة الاناء إذ لم يأت نص بذلك عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم وسلم فمراعاة ذلك
باطل بلا شك، والحمد لله رب العالمين *
قال أبو محمد: وقد جاء نحو ذلك عن السلف كما حدثنا عبد بن ربيع حدثنا
ابن مفرج حدثنا قاسم بن اصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب
أنا السري بن يحيى قال: حدثنا الحسن البصري قال: شهد الجارود على قدامة بن
مظعون أنه شرب الخمر - وكان عمر قد أمر قدامة على البحرين - فقال عمر للجارود:
من يشهد معك؟ قال: علقمة الخصي فدعا علقمة فقال له عمر بم تشهد؟ فقال علقمة
وهل تجوز شهادة الخصي قال عمر: وما يمنعه أن تجوز شهادته إذا كان مسلما قال علقمة:
رأيته يقئ الخمر في طست قال عمر: فلا وربك ماقاءها حتى شربها فأمر به فجلد
الحد فهذا حكم عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف له منهم مخالف في إقامة
148

الحد بشهادتين مختلفتين إحداهما أنه رآه يشرب الخمر والأخرى أنه لم يره يشربها لكن
رآه يتقيؤها وعهدناهم يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وهم ههنا قد خالفوا
عمر بن الخطاب. والجارود. وجميع من بحضرتهما من الصحابة فلا مؤنة عليهم وحسبنا
الله ونعم الوكيل *
2177 - مسألة - الاقرار بالحد بعد مدة وأيهما أفضل الاقرار أم الاستتار به؟
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في ذلك فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما
اختلفوا فيه لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا فيما احتجب به الطائفة
المختارة للستر وأن جميع الأمة متفقون على أن الستر مباح وأن الاعتراف مباح
إنما اختلفوا في الأفضل ولم يقل أحد من أهل الاسلام أن المعترف بما عمل مما
يوجب الحد عاص لله تعالى في اعترافه ولا قال أحد من أهل الاسلام قط: أن الساتر
على نفسه ما أصاب من حد عاص لله تعالى فنظرنا في تلك الأخبار التي جاءت في ذلك
فوجدناها كلها لا يصح منها شئ إلا خبرا واحدا في آخرها لا حجة لهم فيه على ما نبين
إن شاء الله تعالى، اما خبر هزال الذي صدرنا به من طريق شعبة عن محمد بن المنكدر
عن ابن هزال عن أبيه فمرسل فلا حجة فيه لأنه مرسل، وكذلك الذي من طريق
ابن المبارك عن يحيى بن سعيد عن ابن المنكدر، ويزيد بن النعيم أيضا مرسل، وكذلك
حديث مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري مرسل أيضا، وحديث الليث عن يحيى
ابن سعيد مرسل أيضا فبطل الاحتجاج برواية يحيى بن سعيد وبالله تعالى التوفيق *
ثم نظرنا في هذا الخبر من طريق عكرمة بن عمار فوجدناه لا حجة فيه لوجهين، أحدهما
أنه مرسل، والثاني أن عكرمة بن عمار ضعيف ثم نظرنا فيه من طريق حبان بن هلال عن أبان
ابن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن يزيد بن نعيم بن
هزال الأنصاري عن عبد الله بن دينار فوجدناه أيضا مرسلا، ثم نظرنا فيه من طريق ابن جريج
عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن دينار فوجدناه أيضا مرسلا، ثم نظرنا
فيه من رواية معمر عن أيوب السختياني عن حميد بن هلال فوجدناه أيضا مرسلا،
ثم نظرنا فيه من رواية الحبلي عن أبي قلابة فوجدناه مرسلا * وأما حديث حماد بن
سلمة ففيه أبو المنذر لا يدرى من هو، وأبو أمية المخزومي ولا يدرى من هو وهو أيضا
مرسل، وحتى لو صح هذا الخبر لما كان لهم فيه حجة لأنه ليس فيه إلا ما أخالك
سرقت ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول الا الحق فلو صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للذي
سيق إليه بالسرقة ما أخالك سرقت لكنا على يقين من أنه عليه السلام قد صدق في
149

ذلك وأنه على الحقيقة يظن أنه لم يسرق وليس في هذا تلقين له ولا دليل على أن الستر
أفضل فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة * وأما حديث مسلم في الاجهاد فلا حجة فيه
لوجهين، أحدهما أنه من رواية محمد بن عبد الله بن أخي الزهري وهو ضعيف، والثاني
أنه لو صح لما كانت لهم فيه حجة أصلا لان الاجهاد المذكور إنما هو ما ذكره
المرء مفتخرا به لأنه ليس في هذا الخبر انه يخبر به الامام معترفا ليقام عليه كتاب
الله تعالى وإنما فيه ذم المجاهرة بالمعصية وهذا لا شك فيه حرام، ثم نظرنا في حديث
مسلم الذي رواه ابن شهاب عن أبي سلمة. وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة " أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عن المعترف مرات " فوجدناه صحيحا لا داخلة فيه لاحد الا أنه
لا حجة لهم فيه لان الناس في سبب اعراض رسول الله صلى الله عليه وآله عنه على قولين فطائفة قالت:
إنما أعرض عنه لان الاقرار بالزنا لا يتم الا بتمام أربع مرات، وطائفة قالت:
إنما أعرض عنه عليه السلام لأنه ظن أن به جنونا أو شرب خمر ولم يقل أحد من
الأمة ان الحاكم إذا ثبت عنده الاقرار بالحد جاز له أن يستره ولا يقيمه فبطل تعلقهم
بهذا الخبر وسنستقصي الكلام في تصحيح أحد هذين الوجهين بعد هذا إن شاء الله تعالى *
قال أبو محمد: فلم يبق (1) لهذه الطائفة خبر يتعلقون به أصلا، ثم نظرنا (2)
فيما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم فوجدناه أيضا لا يصح منه شئ أما
الرواية عن أبي بكر. وعمر رضي الله عنهما في قولهما للأسلمي: استتر بستر الله فلا
تصح لأنها عن سعيد بن المسيب مرسلة، وكذلك حديث إبراهيم بن طهمان عن
موسى بن عقبة عن عبد الله بن يزيد عن محمد بن عبد الرحمن أن أبا بكر فهو مرسل *
قال أبو محمد: ثم نظرنا فيما احتجت به طائفة الأخرى فوجدنا الرواية عن
الصحابة أن الطائفة منهم قالت: ما توبة أفضل من توبة ماعز جاء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده وقال: اقتلني بالحجارة، فصح هذا من قول طائفة عظيمة
من الصحابة رضي الله عنهم بل لو قلنا: إنه لا مخالف لهذه الطائفة من الصحابة رضي
الله عنهم لصدقنا لان الطائفة الأخرى لم تخالفها وإنما قالت: لقد هلك ماعز لقد
أحاطت به خطيئته فإنما أنكروا أمر الخطيئة لا أمر الاعتراف فوجدنا تفضيل
الاعتراف لم يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلافه * ثم نظرنا فيما احتجوا
به من الآثار فوجدناها في غاية الصحة والبيان لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حمد توبة ماعز

(1) في النسخة اليمنية فلما لم يبق
(2) في النسخة اليمنية أصلا نظرنا
150

والغامدية وذكر عليه السلام أن توبة ماعز لو قسمت بين أمة لوسعتهم.
وان الغامدية لو تاب توبتها صاحب مكس لغفر له. وأن الجهينية لو قسمت
توبتها بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، ثم رفع عليه السلام الاشكال جملة
فقال: انها لم نجد أفضل من أن جادت بنفسها لله فصح يقينا ان الاعتراف بالذنب ليقام
عليه الحد أفضل من الاستتار له بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا أفضل من جود المعترف
بنفسه لله تعالى *
قال أبو محمد رحمه الله: ومن البرهان على ذلك أيضا ما رويناه من طريق مسلم نا يحيى
ابن يحيى. وأبو بكر بن أبي شيبة. وعمرو الناقد. وإسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - ومحمد
ابن عبد الله بن نمير كلهم عن سفيان بن عيينة واللفظ لعمرو، قال سفيان بن عيينة عن الزهري
عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس
فقال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس
التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فاجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به
فهو كفارة له ومن أصاب شيئا فستره الله عليه فأمره إلى الله. ان شاء عفى عنه وان شاء
عذبه " قال علي رحمه الله: فارتفع الاشكال جملة والحمد لله رب العالمين وصح بنص كلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم واعلامه أمته ونصيحته إياهم بأحسن ما علمه ربه تعالى ان من أصاب حدا
فستره الله عليه فان أمره إلى الله تعالى ان شاء عذبه وان شاء غفر له وأن من أقيم عليه
الحد فقد سقط عنه ذلك الذنب، وكفره الله تعالى عنه، وبالضرورة ندري ان يقين المغفرة
أفضل من التعزير في امكانها أو عذاب الآخرة وأين عذاب الدنيا كلها من غمسة في النار؟
نعوذ بالله منها فكيف من أكثر من ذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن اعتراف المرء بذنبه عند الامام أفضل من الستر
بيقين وان الستر مباح بالاجماع، وبالله تعالى التوفيق *
2178 - مسألة - تعافوا الحدود قبل بلوغها (1) إلى الحاكم * قال أبو محمد رحمه الله:
نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا سليمان بن داود
المهري نا ابن وهب سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله
ابن عمرو بن العاصي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني
من حد فقد وجب " نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد
ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب

(1) في النسخة اليمنية تعافوا الحد قبل بلوغه
151

عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب " * نا عبد الله بن ربيع
نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا محمد بن جعفر
نا سعيد - هو ابن أبي عزوبة - عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح عن طارق بن مرقع
عن صفوان بن أمية أن رجلا سرق بردة فرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
فأمر بقطعه فقال: يا رسول الله قد تجاوزت عنه قال: " فلو لا كان هذا قبل أن تأتيني
به يا أبا وهب - فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم - " نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد
ابن شعيب أنا هلال بن العلاء الرقي نا حسين نا زهير نا عبد الملك - هو ابن أبي بشير -
نا عكرمة عن صفوان بن أمية أنه طاف بالبيت فصلى ثم لف رداء له في برده فوضعه
تحت رأسه فنام فاتاه لص فاستله من تحت رأسه فأخذه فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن
هذا سرق ردائي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أسرقت رداء هذا؟ قال: نعم قال:
ذهبا ب‍ فاقطعا يده - قال صفوان: ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي قال: فلو ما كان
هذا قبل " * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا أحمد بن عثمان بن حكيم
نا عمرو عن أسباط عن سماك عن حميد بن أخت صفوان عن صفوان بن أمية قال: كنت
نائما في المسجد على خميصة لي ثمن ثلاثين درهما فجاء رجل فاختلسها مني فأخذ الرجل فاتى
به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به ليقطع فأتيته فقلت له: تقطعه من أجل ثلاثين درهما انا أضعه
وانسئه ثمنها قال: فهلا كان هذا قبل ان تأتيني به " نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم
ابن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث ان عمرو بن دينار
المكي حدثه انه قيل لصفوان بن أمية لا دين لمن لم يهاجر فاقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل
عليه فقال: ما أقدمك قال قبل لي: انه لا دين لمن لم يهاجر قال: " فأقسمت عليك لترجعن
إلى أباطيح مكة ثم جئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل فقال: ان هذا سرق خميصتي فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقطعوا يده - قال: عفوت عنه يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فهلا قبل ان تأتيني به " * نا يوسف بن عبد الله نا أحمد بن محمد بن الجسور نا قاسم بن
أصبغ نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير نا مالك نا بن شهاب عن صفوان بن عبد الله
ابن صفوان بن أمية أن صفوان بن أمية قيل له: انه من لم يهاجر هلك فقدم صفوان
ابن أمية المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه فأخذ صفوان
السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فامر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تقطع يده فقال
صفوان: اني لم أرده بهذا هو عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا قبل ان تأتيني به "؟ *
152

قال أبو محمد رحمه الله: وجاء فيه أيضا عن بعض السلف كما رويناه بالسند
المذكور إلى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن الزبير بن العوام لقى رجلا قد أخذ
سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال: لا حتى أبلغ
به إلى السلطان فقال له الزبير: إذا بلغت به إلى السلطان فلعن الله الشافع والمشفع *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم فوجدناها لا يصح منها
شئ أصلا، أما الأول فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عمرو وهي صحيفة، وأما
حديث صفوان فلا يصح فيه شئ أصلا لأنها كلها منقطعة لأنها عن عطاء. وعكرمة.
وعمرو بن دينار. وابن شهاب وليس منهم أحد أدرك صفوان، وأما عن عطاء عن
طارق بن مرتفع (1) وهو مجهول، أو عن أسباط عن سمك عن حميد بن أخت صفوان
وهذا ضعيف عن ضعيف عن مجهول *
قال علي: فإذ ليس في هذا الباب أثر يعتمد عليه فالمرجوع إليه هو طلب حكم
هذه المسألة من غير هذه الآثار فنظرنا في ذلك فوجدنا قد صح بالبراهين التي قد
أوردنا قبل أن الحد لا يجب الا بعد بلوغه إلى الامام وصحته عنده فإذ الامر كذلك
فالترك لطلب صاحبه قبل ذلك مباح لأنه لم يجب عليه فيما فعل حد بعد ورفعه أيضا
مباح إذ لم يمنع من ذلك نص أو اجماع فإذ كلا الامرين مباح فالأحب الينا دون أن
يفتى به أن يعفا عنه ما كان وهلة ومستورا فان اذى صاحبه وجاهر فرفعه أحب
الينا وبالله تعالي التوفيق *
2179 مسألة هل تدرأ الحدود بالشبهات أم لا؟ قال أبو محمد رحمه الله:
ذهب قوم إلى أن الحدود تدرأ بالشبهات فأشدهم قولا بها واستعمالا لها أبو حنيفة
وأصحابه ثم المالكيون ثم الشافعيون، وذهب أصحابنا إلى أن الحدود لا يحل أن
تدرأ بشبهة ولا أن تقام بشبهة وإنما هو الحق لله تعالى ولا مزيد فإن لم يثبت الحد لم
يحل أن يقام بشبهة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم
عليكم حرام " وإذا ثبت الحد لم يحل أن يدرأ بشبهة لقول الله تعالى: (تلك حدود
الله فلا تعتدوها) *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في اللفظ الذي
يتعلق به من تعلق أيصح أم لا؟ فنظرنا فيه فوجدناه قد جاء من طرق ليس فيها عن
النبي صلى الله عليه وسلم نص ولا كلمة وإنما هي عن بعض أصحاب (2) من طرق كلها لا خير فيها

(1) كذا في النسخ، وفي ميزان الاعتدال وتقريب التهذيب ابن مرقع
(2) في النسخة رقم 14 عن بعض الصحابة
153

كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب قال: ادرءوا الحدود ما استطعتم * وبه إلى
سفيان الثوري عن القاسم بن عبد الرحمن قال قال ابن مسعود: ادرءوا الحدود
ما استطعتم، وعن أبي هريرة ادفعوا الحدود ما وجدتم مدفعا، وعن ابن عمر قال:
ادفعوا الحدود بالشبهات * وعن عائشة ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم *
وعن عمر بن الخطاب. وابن مسعود كانا يقولان: ادرءوا عن عباد الله الحدود
فيما شبه عليكم *
قال أبو محمد رحمه الله: وهي كلها لا شئ، اما من طريق عبد الرزاق فمرسل، والذي
من طريق عمر كذلك لأنه عن إبراهيم عن عمر ولم يولد إبراهيم الا بعد موت عمر
بنحو خمسة عشر عاما، والآخر الذي عن ابن مسعود مرسل لأنه من طريق القاسم
ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وأما أحاديث ابن حبيب ففضيحة لو لم يكن
فيها غيره لكفى فكلها مرسلة *
قال أبو محمد رحمه الله: فحصل مما ذكرنا أن اللفظ الذي تعلقوا به لا نعلمه روي
عن أحد أصلا وهو ادرءوا الحدود بالشبهات لا عن صاحب ولا عن تابع الا الرواية
الساقطة التي أوردنا من طريق إبراهيم بن الفضل عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
وإبراهيم ساقط، وإنما جاء كما ترى عن بعض الصحابة مما لم يصح ادرءوا الحدود
ما استطعتم وهذا لفظ ان استعمل أدى إلى ابطال الحدود جملة على كل حال، وهذا
خلاف اجماع أهل الاسلام وخلاف الدين وخلاف القرآن والسنن لان كل أحد
هو مستطيع على أن يدرأ كل حد يأتيه فلا يقيمه فبطل أن يستعمل هذا اللفظ
وسقط أن تكون فيه حجة لما ذكرنا، وأما اللفظ الآخر في ذكر الشبهات فقد قلنا:
ادرءوا لا نعرفه عن أحد أصلا الا ما ذكرنا مما لا يجب أن يستعمل فقط لأنه باطل
لا أصل له، ثم لا سبيل لاحد إلى استعماله لأنه ليس فيه بيان ما هي تلك الشبهات فليس لأحد
أن يقول في شئ يريد ان يسقط به حدا هذا شبهة الا كان لغيره أن يقول: ليس
بشبهة ولا كان لاحد أن يقول في شئ لا يريد أن يسقط به حدا: ليس هذا شبهة الا
كان لغيره أن يقول: بل هو شبهة، ومثل هذا لا يخل استعماله في دين الله تعالى انه لم يأت
به قرآن. ولا سنة صحيحة. ولا سقيمة. ولا قول صاحب. ولا قياس. ولا معقول
مع الاختلاط الذي فيه كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: فان شغب مشغب بما رويناه من طريق البخاري
154

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما اشتبه
عليه من الاثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الاثم أو شك ان
يواقع ما استبان والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك ان يواقعه، فان هذا صحيح
وبه نقول وهو عليهم لا لهم لأنه ليس فيه الا ترك المرء ما اشتبه عليه فلم يدر ما حكمه عند الله تعالى
في الذي له تعبدنا به، وهذا فرض لا يحل لاحد مخالفته، وهكذا نقول إن من جهل احرام هذا
الشئ أم حلال؟ فالورع له ان يمسك عنه ومن جهل أفرض هو أم غير فرض؟ فحكمه
ان لا يوجبه ومن جهل أوجب الحد أم لم يجب؟ ففرضه ان لا يقيمه لان الاعراض والدماء
حرام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم واعراضكم وأبشاركم عليكم حرام "،
واما إذا تبين وجوب الحد فلا يحل لاحد ان يسقطه لأنه فرض من فرائض الله تعالى *
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم أحدا أشد جسرا على إقامة الحد بالشبهات وحيث
لا تجب اقامتها منهم ثم يسقطونها حيث أوجبها الله تعالى ورسوله عليه السلام ونحن
ذاكرون من ذلك طرفا كافيا إن شاء الله تعالى، فأول ذلك النفس التي عظم الله تعالى
أمرها وحرم قتلها الا بالحق، فأما المالكيون فقتلوا النفس المحرمة بدعوى من لعله
يريد ان يشفي نفسه من عدوه مع ايمان رجلين من عشيرته وان كانا أفسق البرية وهم
لا يعطونه بدعواه نواة معفونة ولو حلفوا مع دعواه الف يمين وكانوا أصلح البرية،
وهذا سفك الدم المحرم بالشبهة الفاسدة التي لا شبهة أبرد منها ويقتلون بشهادة
اللوث غير العدل والقسامة ولا يعطون بشهادتهم فلسين ويقتلون الآبي عن الصلاة
ان أقر بها وانها فرض، ويقتلون الممسك آخر حتى قتل. ولا يحدون الممسك
امرأة حتى يزني بها، ويقتلون الساحر دون استتابة وإنما هي حيل وكبيرة
كالزنا، ولا يقتلون آكل الربا، وقول الله تعالى فيه أشد من قوله في الساحر. ويقتلون
المستتر بالكفر ولا يدرءون عنه باعلانه التوبة ولا يقتلون المعلن بالكفر إذا أظهر
التوبة ولا فرق، ويقتلون المسلم بالكافر إذا قتله غيلة ولا يجيزون في ذلك عفو الولي
وهذا خلاف القرآن والسنة وإقامة الحدود بالشبهة الفاسدة. ويجلدون الفاتل المعفو عنه
مائة جلدة وينفونه سنة، (وأما الحنيفيون) فيقتلون المسلم بالكافر خلافا على الله تعالى.
وعلى رسوله عليه السلام ومحافظة لأهل الكفر، ولا يقتلون الكافر إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم
بحضرة أهل الاسلام في أسواقهم ومساجدهم ولا يقتلون من أهل الكفر من سب الله
تعالى جهارا بحضرة المسلمين، وهذه أمور نعوذ بالله منها، ويقتلون الذمي الذي قد حرم
دمه إلا بالحق بشهادة كافرين. وأما الزنا فان المالكيين يحدون بالحبل ولعله من
155

اكراه، ويرجمون المحصن إذا وطئ امرأة أجنبية في دبرها أو فعل فعل قوم لوط محصنا
كان أو غير محصن، ولا يحدون واطئ البهيمة ولا المرأة تحمل على نفسها كلبا وكل ذلك
إباحة فرج بالباطل، ولا يحدون التي تزني وهي عاقلة بالغة مختارة بصبي لم يبلغ، ويحدون
الرجل إذا زنى بصبية من سن ذلك الصبي، وان ابن القاسم لا يحد النصراني ولا اليهودي
إذا زنى بمسلمة ويطلقون الحربي النازل عندنا بتجارة والمتذمم يغرم الجزية على تملك
المسلمات اللواتي سباهن قبل تزوله وتذممه من حرائر المسلمات من القرشيات.
والأنصاريات وغيرهن وعلى وطئهن وبيعهن صراحا مباحا، وهذه قولة ما سمع
بأفحش منها *
2180 - مسألة - وأما السرقة فان المالكيين يقطعون فيها الرجلين بلا نص
ثابت ولا اجماع، ويقطعون من دخل منزل انسان فأخرج منه ما يساوي ثلاثة دراهم
وقال: ان صاحب الدار أرسلني في هذه الحاجة وصدقه صاحب الدار، ولا يلتفتون إلى
شئ من هذا أو يقطعون يده مطارفة، ويقطعون جماعة سرقت ربع دينار فقط، ورأوا
في أحد أقوالهم انه إذا غلط بالسارق فقطعت يساره انه تقطع اليد الأخرى فقطعوا
يديه جميعا في سرقة واحدة وما عين الله تعالى قط يمنى من يسرى، والحنيفيون يقطعون
فيها الرجل بعد اليد بغير نص ولا اجماع. واما القذف فان المالكيين يحدون حد القذف
في التعريض ويسقطون جميع الحدود بالقتل حاشي حد القذف، فان كانوا يسقطون
سائر الحدود بالشبهة فما بالهم لا يسقطون حد القذف أيضا بالشبهة، وقالوا: إنما فعلنا
ذلك خوف أن يقال للمقذوف: لو لم يكن الذي قذفك صادقا لحد لك ففي أي دين وجدوها
من قرآن أو سنة أو قياس؟ ويحدون شارب الخمر ولو جرعة منه خوف أن يقذف أحدا
بالزنا وهو لم يقذف أحدا بعد فأي عجب في إقامة الحدود بلا شبهة، ويتعلقون برواية
ساقطة عن بعض الصحابة قد أعاذهم الله تعالى من مثلها، ويحدون من قال لآخر: لست
ابن فلان إذا نفاه عن أبيه، ويحدن من قذف امرأته بانسان سماه وان لاعن امرأته
وهذه خلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد، ويحدون من قذف انسانا نكح نكاحا فاسدا
لا يحل مثله وهو عالم بالتحريم، هذا وهم يحدون من قذف امرأة مسلمة ظهر بها حمل وهم
يقرون انهم لا يحلفون ولا يقطعون انه من زنا ومنهم من يرى الحد على من قال لآخر:
زنت عينك أو زنت يدك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن اليدين تزنيان وزناهما البطش
والعينين تزنيان وزناهما النظر والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " وأما الخمر فان المالكيين
يقيمون الحد فيه بالنكهة، وكل من له معرفة يدري ان من أكل الكمثرى الشتوي
156

وبعض أنواع التفاح أن نكهة فمه ونكهة شارب الخمر سواء، وأيضا فلعله ملا فمه منها
ولم يجرعها فبقيت النكهة أو لعله دلس عليه بها وهو لا يدري، ثم يجلدون هم والحنيفيون
في الخمر ثمانين جلدة وجمهور الصحابة على أن الحد فيها أربعون فلم يدرءوا الأربعين.
الزائدة بالشبهة ولم يوجبها قرآن ولا سنة ولا اجماع، ويحدون ثمانين كما قلنا بفرية لم
يفترها بعد فيقدمون له الحدود ولعله لا يقذف أحدا ابدا، ولا فرق بين هذا وبين أن
يقدموا له حد زنا لم يكن منه، أو حد سرقة لم يكن منه، ويحدون هم والشافعيون الفاضل
العالم المتأول احلال النبيذ المسكر ويقبلون مع ذلك شهادته ويأخذون العلم عنه ولا
يحدون المتأول في الشغار والمنعة وإن كان عالما بالتحريم. ولا في الخليطين وإن كان
حراما كالخمرة *
2181 - مسألة - اعتراف العبد بما يوجب الحد: قال أبو محمد رحمه الله:
اختلف الناس في هذا فنظرنا في ذلك فوجدنا أصحابنا يقولون: قال الله تعالى: (ولا
تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) والعبد مال من مال سيده
فاعترافه بما يوجب ابطال بعض مال سيده كسب على غيره فلا يجوز بنص القرآن *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا احتجاج صحيح ان لم يأت ما يدفعه فنظرنا فوجدنا
الله تعالى يقول: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين
والأقربين) فأمر الله تعالى بقبول شهادة المرء على نفسه وعلى والديه وأقربائه ولم
يختلف الناس في أن شهادة المرء على نفسه مقبولة دون آخر معه دون يمين تلزمه سواء
كان فاسقا أو عدلا مؤمنا كان أو كافرا وان شهادته على غيره لا تقبل الا بشرط العدالة
وبأن يكون معه غيره أو يمين الطالب على حسب اختلاف الناس في ذلك ولم يخص
الله تعالى عبدا من حر، فلما ورد هذان النصان من عند رب العالمين وجب أن ننظر
في استعمالهما فوجدنا أصحابنا يقولون: هو شاهد على نفسه كاسب على غيره فلا يقبل،
ووجدنا من خالفهم يقول: بل هو شاهد على نفسه كاسب عليها وان أدى ذلك إلى
نقص في مال سيده ولم يقصد الشهادة على مال سيده فنظرنا في هذين الاستعمالين إذ
لابد من استعمال أحدهما فوجدنا قول أصحابنا في أنه كاسب على غيره إنما يصح بواسطة
وبانتاج لا بنفس الاقرار ووجدنا قول من خالفهم يصح بنفس القصة لأنه إنما أقر
على نفسه بنفس لفظه وهو ظاهر مقصده وإنما يتعدى ذلك إلى السيد بتأويل لا بظاهر
اقراره فكان هذا أصح الاستعمالين وأولاهما ولو كان ما قالوه أصحابنا لوجب أن لا يحد
العبد في زنى ولا في سرقة. ولا في خمر. ولا في قذف. ولا في حرابة وان قامت بذلك
157

بينة وان لا يقتل في قود لأنه في ذلك كاسب على غيره وفي الحد عليه اتلاف لمال سيده
وهذا ما لا يقولونه لا هم ولا غيرهم *
2182 - مسألة - من قال: لا يؤاخذ الله عبدا بأول ذنب * قال أبو محمد
رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون
نا ابن وهب عن قرة بن عبد الرحمن المعافري عن ابن شهاب قال: أتى أبو بكر
الصديق بسارق فقال: اقطعوا يده فقال: أقلنها يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله
ما سرقت قبلها فقال له أبو بكر: كذبت والذي نفسي بيده ما غافص الله مؤمنا بأول
ذنب يعمله * وبه إلى ابن وهب عن سفيان الثوري عن حميد الطويل عن أنس بن
مالك قال: أتى عمر بن الخطاب بسارق فقال: والله ما سرقت قبلها فقال له عمر:
كذبت ورب عمر ما أخذ الله عبدا عند أول ذنب * وبه إلى ابن وهب عن عبد الله
ابن سمعان بهذا وأن علي بن أبي طالب قال له: الله أحلم من أن يأخذ عبده في أول
ذنب يا أمير المؤمنين فأمر به عمر فقطع فلما قطع قام إليه علي بن أبي طالب فقال له: أنشدك
الله كم سرقت من مرة؟ قال له: احدى وعشرين مرة - [غافصة فاجأه وأخذه على غرة] *
قال أبو محمد رحمه الله: يفعل الله ما يشاء وكل أحكامه عدل وحق فقد يستر الله
الكثير والقليل على من يشاء إما إملاء وإما تفضلا ليتوب ويأخذ بالذنب الواحد
وبالذنوب عقوبة أو كفارة له لا معقب لحكمه ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون،
والاسنادان عن أبي بكر. وعلي ضعيفان أحدهما مرسل والآخر مرسل ساقط والاسناد
في ذلك عن عمر صحيح ولله الامر من قبل ومن بعد *
2183 - مسألة - هل تقام الحدود على أهل الذمة؟ * قال أبو محمد رحمه الله:
اختلف الناس في هذا الخبر فجاء عن علي بن أبي طالب لا حد على أهل الذمة في الزنا وجاء عن
ابن عباس لا حد على أهل الذمة في السرقة، وقال أبو حنيفة: لا حد على أهل الذمة في
الزنا ولا في شرب الخمر وعليهم الحد في القذف وفي السرقة الا المعاهد في السرقة لكن
يضمنها، وقال محمد بن الحسن صاحبه: لا أمنع الذمي من الزنا وشرب الخمر وأمنعه من
الغناء، وقال مالك: لا حد على أهل الذمة في زنا ولا في شرب خمر وعليهم الحد في القذف
والسرقة، وقال الشافعي. وأبو سليمان وأصحابهما: عليهم الحد في كل ذلك * حدثنا حمام نا ابن
مفرج نا عبد الأعلى بن محمد نا الدبري نا عبد الرزاق نا الثوري أخبرني سماك بن
حرب عن قابوس بن المخلوق عن أبيه قال: كتب محمد بن أبي بكر إلى علي بن أبي طالب
يسأله عن مسلمين تزندقا. وعن مسلم زنى بنصرانية. وعن مكاتب مات وترك بقية من
158

كتابته وترك ولدا أحرارا فكتب إليه علي أما اللذان تزندقا فان تابا والا فاضرب
أعناقهما وأما المسلم الذي زنى بالنصرانية فأقم عليه الحد وارفع النصرانية إلى أهل دينها
وأما المكاتب فأعط مواليه بقية كتابته وأعط ولده الأحرار ما بقي من ماله نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج. وسفيان الثوري
كلاهما عن عمرو بن دينار عن مجاهد أن ابن عباس كان لا يرى على عبد ولا على
أهل الذمة حدا، وعن ربيعة أنه قال في اليهودي. والنصراني: لا أرى عليهما في الزنا
حدا قال: وقد كان من الوفاء لهم بالذمة أن يخلى بينهم وبين [أهل] دينهم وشرائعهم
تكون ذنوبهم عليهم * قال أبوا محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وحب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه
فنظرنا في قول من قال: لاحد على ذمي فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (فان جاءوك
فاحكم بينهم أو اعرض عنهم فان حكمت فاحكم بينهم بالقسط) ووجدناهم يقولون: قد
عاهدناهم على الترك لهم على كفرهم وكان كفرهم يدخل فيه كل شريطة من أحكامهم فوجب
أن لا يعترض عليهم بخلاف ما عوهدوا عليه *
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم حجة غير هذا فلما نظرنا في ذلك وجدناه لا حجة
فيه للحنيفيين. والمالكيين أصلا لان الآية المذكورة عامة لا خاصة وهم قد خصوا
فأوجبوا عليهم الحد في السرقة وفى القذف لمسلم وفى الحرابة وأسقطوا الحد في الزنا وفى الخمر
فقط وهذا تحكم لم يوجبه قرآن ولا سنة لا صحيحة ولا سقيمه ولا اجماع ولا قول صاحب،
(فان قالوا): السرقة ظلم ولا يقرون على ظلم مسلم ولا على ظلم ذمي والقذف حكم بينهم وبين
المسلم، وإذا كان ذلك فلا خلاف في أنه يحكم في ذلك بحكم الاسلام قلنا لهم: وكذلك الزنا
إذا زنوا بامرأة مسلم أو بأمته أو بامرأة ذمي أو أمته فإنه ظلم للمسلم أو سيدها وظلم للذمي
كذلك ولا يقرون على ظلم، وعلى كل حال فقد خصصتم الآية بلا دليل وتركتم ظاهرها
بلا حجة، فان شغبوا بقول علي. وابن عباس رضي الله عنهما في ذلك قلنا لهم: لا حجة لكم
في ذلك لان الرواية عن علي في ذلك لا تصح لأنها عن سماك بن حرب وهو ضعيف يقبل
التلقين ثم عن قابوس بن المخارق وهو مجهول، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة لأنه لا حجة
في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الرواية عن ابن عباس فابعد لأنه لا حجة في أحد
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وانهم قد خالفوا ابن عباس في هذه القضية لان فيها لا حد على عبد
وهم لا يرون هذا ولا حد على ذمي وهم يرون الحد عليه في القذف والسرقة *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد تعارضت الروايتان عن مجاهد عن ابن عباس
159

فقد بطل التعلق بإحداهما دون الأخرى ووجب ردهما إلى كتاب الله تعالى فلأي القولين
شهد القرآن والسنة فهو الحق، وعلى كل حال فقد بطل كل قول شغب به الحنيفيون.
والمالكيون ولم يبق لهم حجة أصلا. أما الآية فإنها منسوخة ولو صح انها محكمة لما
كان لمن اسقط بها إقامة الحدود عليهم متعلق لأنه إنما فيها التخيير في الحكم بينهم لا في
الحكم عليهم جملة وإقامة الحدود حكم عليهم لا حكم بينهم فليس للحدود في هذه الآية
مدخل أصلا بوجه من الوجوه فسقط التعلق بها جملة. وأما عهود من عاهدهم على
الحكم بأحكامهم فليس ذلك عهد الله تعالى بل هو عهد إبليس. وعهد الباطل. وعهد الضلال
ولا يعرف المسلمون عقودا ولا عهودا إلا ما أمر الله تعالى به في القرآن والسنة فهي
التي أمر الله تعالى بالوفاء بها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. " كل شرط ليس في كتاب الله تعالى
فهو باطل " وقال عليه السلام: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وان قالوا:
قال الله تعالى: (لا إكراه في الدين) قلنا: نعم ما نكرههم على الاسلام ولا على الصلاة
ولا على الزكاة ولا على الصيام ولا الحج لكن متى كان لهم حكم حكمنا فيه بحكم الاسلام
لقول الله تعالى: (وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم ان يفتنوك
عن بعض ما أنزل الله إليك) وقال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله
حكما لقوم يوقنون)؟ فافترض الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام أن لا نتبع أهواءهم
فمن تركهم وأحكامهم فقد اتبع أهواءهم وخالف أمر الله تعالى في القرآن *
2184 - مسألة - حد المماليك * قال أبو محمد رحمه الله: الحدود
كلها أربعة أقسام لا خامس لها، إما أماتة بصلب. أو بقتل بسيف. أو برجم بالحجارة وما
جرى مجراها. وإما نفي واما قطع واما جلد، وجاء النص واجماع الأمة كلها على أن
حد المملوكة الأنثى في بعض وجوه الجلد وهو الزنا مع الاحصان خاصة نصف حد
الحر والحرة في ذلك واتفقوا كلهم مع النص ان حد المماليك في القتل والصلب كحد
الأحرار وجاء النص أيضا في النفي الذي ليس له أمد سواه، واختلفوا فيما عدا ذلك على
ما نذكره إن شاء الله تعالى، فذهبت طائفة إلى أن حد الإماء والعبيد فيما عدا ما ذكرنا
ولا نحاش شيئا كحد الأحرار سواء سواء، وهو قول أصحابنا، وقالت طائفة: حد العبيد
والإماء في الجلد كله على النصف من حد الأحرار والحرائر وحد العبيد والإماء في
القطع كحد الأحرار والحرائر، فاختلف هؤلاء فطائفة تقول به في الأحرار ولا
تقول به في العبيد والنساء والإماء والحرائر فالذين يقولون بالنفي المؤقت جملة اختلفوا
فطائفة جعلت حد الإماء والعبيد فيه نصف حد الحر والحرة وهو قول الشافعي. وأصحابه
160

وطائفة جعلت فيه حد الإماء خاصة على النصف من حد الحرائر وجعلت فيه حد
العبيد كحد الأحرار وهو قول أبي سليمان. وأصحابنا، أما الطائفة التي لا تقول بالنفي
المؤقت فهم أبو حنيفة. وأصحابه، وأما الطائفة التي قالت به في الأحرار خاصة ولم يقولوا
به في العبيد ولا في الإماء ولا في الحرائر فهم مالك وأصحابه * وقالت طائفة حد العبيد والإماء
في جلد الزنا على نصف حد الأحرار والحرائر وحد العبيد والإماء في القذف كحد الحر
والحرة وهو قول روي عن عمر بن عبد العزيز وغيره *
قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول به ان حد المماليك ذكورهم وإناثهم في
الجلد والنفي المؤقت والقطع على النصف من حد الحر والحرة وهو كل ما يمكن أن يكون له
نصف وأما ما لا يمكن أن يكون له نصف من القتل بالسيف أو الصلب أو النفي الذي لا وقت
له فالمماليك والأحرار فيه سواء *
قال أبو محمد رحمه الله: فاما أقوال من ذكرنا فالتناقض فيها ظاهر لا خفاء به
وما نعلم لهم شبهة أصلا وسنذكر أقوالهم إن شاء الله تعالى إلا أن يقول قائل: ان القطع
لا يمكن تنصيفه فهو خطأ من قبل الآثار ومن قبل الحس والمشاهدة، فاما من قبل الحس
والمشاهدة فان اليد معروفة المقدار فقطع نصفها ممكن ظاهر بالعيان وهو قطع الأنامل
فقط ويبقى الكف وقد وجدناهم يوقعون على الأنامل خاصة حكم اليد فلا يختلفون فيمن
قطعت أنامله كلها ان له دية يد فمن قطع الأنامل خاصة فقد وافق النص لأنه قطع ما يقع
عليه اسم يد كما أمره الله تعالى وقطع نصف ما يقطع من الحر كما جاء النص أيضا على
ما نذكره، وكذلك الرجل أيضا لها مقدار معروف فقطع نصفها ممكن وهو قطعها من
وسطها مع الساق فقط، وأما من طريق الآثار فحدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن علي بن أبي طالب كان يقطع اليد من الأصابع
والرجل من نصف القدم، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي المقدام قال:
أخبرني من رأى علي بن أبي طالب يقطع يد رجل من المفصل، وبه إلى عبد الرزاق عن
ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: كان عمر بن الخطاب يقطع القدم من مفصلها، وكان علي
يقطع القدم قال ابن جريج: أشار لي عمرو إلى شطرها *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد جاء النص عن علي رضي الله عنه قطع اليد من
المفصل وقطعها من الأصابع فالواجب حمل ذلك على خلاف التناقض الذي لا وجه له
لكن على أن ذلك في حالين مختلفين، وهكذا القول في القدم أيضا *
قال أبو محمد رحمه الله: والقوم أصحاب قياس بزعمهم، وقد صح النص
161

والاجماع على أن حد الأمة المحصنة في الزنى نصف حد الحرة المحصنة، وصح النص
والاجماع أن حد العبد في القتل بالسيف والصلب كحد الحر وكذلك في النفي غير المؤقت
فكان يلزمهم على أصولهم التي ينتمون إليها في القول بالقياس على أن يجعلوا ما اختلف
فيه من القطع مردودا إلى أشبه الجنسين به فهذه عمدتهم التي اتفقوا عليها في القياس فإذا
فعلوا هذا وجب أن يكون القطع مقيسا على الجلد لا على القتل ولا على النفي غير المؤقت
وذلك أن القتل لا يتنصف وكذلك النفي غير المؤقت، وأما الجلد فيتنصف والقطع يتنصف
فكان قياس ما يتنصف على ما يتنصف أولى من قياس ما يتنصف على ما لا يتنصف هذا أصح
قياس لو صح شئ من القياس يوما ما *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك ليلوح الحق من ذلك فنتبعه فوجدناهم
يقولون قال الله تعالى في الإماء: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة. فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب) فكان هذا من الله تعالى لا يحل خلافه، وقال تعالى: (الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) ولم يخص الله تعالى من ذلك إلا الإماء
فقط وما كان ربك نسيا، وأبقى العبيد فلم يخص كما خص الإماء، ومن الباطل أن يريد
الله تعالى أن يخص العبيد مع الإماء فيقتصر على ذكر الإماء ويمسك عن ذكر العبيد
ويكلفنا من ذلك علم الغيب ومعرفة ما عنده مما لم يعرفنا به حاشى لله تعالى من هذا وكذلك
قال الله عز وجل: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين
جلدة) فلم يخص تعالى ههنا أمة من حرة ولا عبدا من حر ومن الباطل أن يريد الله تعالى
أن لا تجلد العبيد والإماء في القذف ثمانين جلدة ويكون أقل من ذلك ثم يأمرنا بجلد
من قذف ثمانين جلدة ولا يبين ذلك لنا أفي حر دون عبد وفي حرة دون
أمة وهذا خلاف قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقوله تعالى: (تبيانا لكل
شئ) وقد قال الله تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) فكان حد القذف من حدود
الله تعالى وحد الزنا من حدود الله تعالى فلا يحل أن يتعدى ما حد الله تعالى منها
وحد الله تعالى في القذف ثمانين وفي الزنا مائة فلا يحل لاحد أن يتعدى ما حد الله تعالى
في أحدهما إلى ما حد الله تعالى في الآخر، فوضح بلا شك أن من حمل أحدهما على الآخر
في عبد أو أمة أو حر أو حرة فقد تعدى حدود الله وسوى ما خالف الله تعالى بينهما،
وقال الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فقلتم: إن الحر والعبد والأمة
سواء فأين زهق عنكم قياسكم الذي خالفتم به القرآن في حد العبد القاذف والأمة القاذفة؟
ومن أين وجب أن تستسهلوا مخالفة قول الله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) قياسا
162

على قوله تعالى: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب)
وعظم عندكم أن تخالفوا قوله: (فاقطعوا أيديهما) قياسا على قوله: (فإذا أحصن فان
أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) ان هذا لعجب جدا. قال
أصحابنا: ووجدنا الله تعالى يقول: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما
كسبا)، فكان من المحال أن يريد الله تعالى أن يكون حكم العبد والأمة في ذلك بخلاف
حكم الحر والحرة ثم لا يبينه هذا أمر قد تيقنا أن الله تعالى لا يكلفنا إياه ولا يريده منا
قالوا: وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا شرب فاجلدوه " وجلد في الخمر حدا مؤقتا
ولم يخص عليه السلام بذلك الحكم حرا من عبد ولا حرة من أمة وهو المبين
عن الله تعالى *
قال أبو محمد رحمه الله: كل ما ذكره أصحابنا فهو حق صحيح إن لم تأت سنة ثابتة
تبين صحة ما ذهبنا إليه، وأما إن جاءت سنة صحيحة توجب ما قلنا فالواجب الوقوف عندما
جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين لنا مراد ربنا تعالى فنظرنا في ذلك
فوجدنا ما ثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن إسماعيل
ابن إبراهيم بن علية نا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن عكرمة
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب
ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي نا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن قتادة
وأيوب السختياني قال قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب، وقال أيوب عن
عكرمة عن ابن عباس، ثم اتفق علي. وابن عباس كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المكاتب
يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويرث بقدر ما عتق منه " *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا اسناد عجيب كأن عليه من شمس الضحى نورا
ما ندري أحدا غمزه بشئ إلا أن بعضهم ادعى أن وهيبا أرسله *
قال أبو محمد رحمه الله: فكان ماذا إذا أرسله وهيب؟ قد أسند حكم المكاتب
فيما ذكرنا وفي ديته حماد بن سلمة. وحماد بن زيد عن أيوب وأسنده علي بن المبارك
ويحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس صلى الله عليه وسلم، وأيضا فان الحنيفيين والمالكيين
متفقون على أن المرسل كالمسند ولا فرق، فعلى قولهم ما زاده ارسال وهيب بن خالد
الاقرة فإذ قد صح وثبت فقد وجب ضرورة بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حدود
المماليك جملة عموما لذكورهم وإناثهم مخالفة لحكم حدود الأحرار عموما لذكورهم
163

وإناثهم وإذ ذلك كذلك فلا قول لاحد من الأمة إلى أن حد المماليك على النصف
من حدود الأحرار فكان هذا واجبا القول به وبهذا نقول، وبالله تعالى التوفيق *
2185 مسألة هل يقيم السيد الحدود على مماليكه أم لا؟ * قال أبو محمد
رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يقيم السيد جميع الحدود من القتل
فما دونه على مماليكه، وقالت طائفة: يحد السيد مماليكه في الزنا والخمر والقذف ولا يحده في
قطع قالوا: وإنما يحده إذا شهد عليه بذلك الشهود، وقالت طائفة: لا يحد السيد مملوكه
في شئ من الأشياء وإنما الحدود إلى السلطان فقط. فالقول الأول كما نا حمام نا ابن مفرج
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع ان ابن
عمر قطع يد غلام له سرق وجلد عبدا له زنى من غير أن يرفعهما * وبه إلى عبد الرزاق
عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ان جارية لحفصة سحرتها واعترفت بذلك
فأخبرت بها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقتلها فأنكر ذلك عليها عثمان بن عفان
فقال له ابن عمر: ما تنكر على أم المؤمنين امرأة سحرت فاعترفت فسكت عثمان * وبه إلى
عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع قال: أبق غلام لابن عمر فمر
على غلمة لعائشة أم المؤمنين فسرق منهم جرابا فيه تمر وركب حمارا لهم فاتى به ابن عمر
فبعث به إلى سعيد بن العاص - وهو أمير على المدينة - فقال سعيد: لا يقطع غلام ابق فأرسلت
إليه عائشة إنما غلمتي غلمتك وإنما جاع وركب الحمار ليبلغ عليه فلا تقطعه قال: فقطعه
ابن عمر، وعن إبراهيم النخعي أن النعمان بن مقرن قال: لابن مسعود أمتي زنت قال:
اجلدها قال: انها لم تحصن قال: احصانها اسلامها * قال شعبة: نا الأعمش عن إبراهيم
بهذا وفيه جلدها خمسين، وعن عبد الله بن مسعود وغيره قالوا: ان الرجل يجلد مملوكته
الحدود في بيته، وأن النعمان بن مقرن سأل عبد الله ابن مسعود قال: أمتي زنت قال:
اجلدها خمسين قال: انها لم تحصن قال ابن مسعود: احصانها اسلامها، وعن ابن وهب
نا ابن جريج أن عمرو بن دينار أخبره أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تجلد
وليدتها خمسين إذا زنت، وعن أنس بن مالك انه كان يجلد ولائده خمسين إذا زنين *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج نا عمرو بن
دينار أن الحسن بن محمد بن الحنفية اخبره أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم جلدت أمة لها
الحد زنت، وعن إبراهيم النخعي قال: كان علقمة. والأسود يقيمان الحد على جواري
قومهما *
قال أبو محمد رحمه الله: وقد روي عن بعض من ذكرنا وغيرهم جواز عفو
164

السيد عن مماليكه في الحدود كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن رجل عن سلام بن مسكين أخبرني عن حبيب بن أبي فضالة ان صالح بن كريز حدثه
أنه جاء بجارية له زنت إلى الحكم بن أيوب قال: فبينا أنا جالس إذ جاء أنس بن مالك فجلس
فقال: يا صالح ما هذه الجارية معك؟ قلت: جاريتنا بغت فأردت أن أرفعها إلى الامام
ليقيم عليها الحد قال: لا تفعل رد جاريتك واتق الله واستر عليها قلت؟ ما أنا بفاعل حتى
أرفعها قال له انس: لا تفعل وأطعني قال صالح: فلم يزل يراجعني حتى قلت له أردها على
أن ما كان على من ذنب فأنت له ضامن فقال انس: نعم قال: فرددتها * وعن إبراهيم
النخعي في الأمة تزني قال: تجلد خمسين فان عفا عنها سيدها فهو أحب الينا قال عبد الرزاق
وبه نأخذ *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذان أثران ساقطان لأنهما عمن لم يسم، وأما من
فرق بين ذات الزوج وغير ذات الزوج فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: في الأمة
إذا كانت ليست بذات زوج فظهر (1) منها فاحشة جلدت نصف ما على المحصنات
من العذاب يجلدها سيدها فان كانت من ذوات الأزواج رفع أمرها إلى الامام، وعن
ربيعة أنه قال: احصان المملوكة أن تكون ذات زوج فيذكر منها فاحشة فلا يصدق
عليها سيدها والزوج يذب. عن ولده وعن رحمها وعن ما بيده فليس يقيم الفاحشة
عليها الا بشهادة أربعة ولا يقيم الحد عليها إذا ثبت الا السلطان قال الله تعالى: (فإذا
أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وأما من فرق بين
الجلد في الزنى. والخمر. والقذف وبين القطع في السرقة فهو قول مالك، والليث: وما نعلمه
عن أحد قبلهما *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بمن الله
تعالى فوجدنا أبا حنيفة. وأصحابه يحتجون بما ناه عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن عثمان نا احمد
ابن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن يحيى البكاء عن
مسلم بن يسار عن أبي عبد الله رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ابن عمر يأمرنا
أن نأخذ عنه قال. هو عالم فخذوا عنه فسمعته يقول: الزكاة والحدود والفئ والجمعة
إلى السلطان. وعن الحسن البصري أنه ضمن هؤلاء أربعا، الجمعة والصدقة. والحدود.
والحكم، وعن ابن محيريز أنه قال: الحدود. والفئ والزكاة. والجمعة إلى السلطان *

(1) في النسخة رقم (14) فذكر
165

قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم شبهة غير هذا وكل هذا لا حجة لهم فيه
لأنه ليس في شئ مما ذكروا أن لا يقيم الحدود على المماليك ساداتهم وإنما فيه
ذكر الحدود عموما إلى السلطان، وهكذا نقول لكن يخص من ذلك حدود
المماليك إلى ساداتهم بدليل أن وجد، ثم أيضا لو كان فيما ذكروه لما كانت فيه حجة
لأنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما قول مالك. والليث في التفريق بين الجلد والقطع
والقتل فلا نعلم لهم أيضا حجة أصلا، ولا ندري لهم في هذا التفريق سلفا من
صاحب. ولا تابع، ولا متعلقا من قرآن. ولا من سنة صحيحة، ولا سقيمة،
ولعل بعضهم أن يقول: ان السيد له جلد عبيده وإمائه أدبا وليس له قطع أيديهم
أدبا، فلما كان الحد في الزنا والخمر والقذف جلدا كان ذلك للسادات لأنه حد وجلد *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا القول في غاية الفساد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى " فجلد الأدب هو غير جلد الحد بلا
شك، وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في قول ربيعة فوجدناه قولا لا تؤيده حجة
لا من قرآن ولا من سنة صحيحة، أما قول ربيعة فان للزوج أن ينوب عنها فحجة زائفة
جدا وما جعل الله تعالى للزوج اعتراضا ولا ذبا فيما جاءت السنة بإقامته عليها *
وأما من رأى السيد يقيم جميع الحدود على مماليكه فنظرنا فيه فوجدنا ما نا عبد الله بن
يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا
مسلم بن الحجاج نا عيسى بن حماد المصري نا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا زنت أمة أحدكم
فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب
عليها ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر " * وعن مسلم أيضا نا القعنبي
نا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: " ان زنت فاجلدوها ثم إن زنت
فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير " قال ابن شهاب: والضفير
الحبل، قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة، والاخبار فيما ذكرنا
كثيرة جدا *
قال أبو محمد رحمه الله: ثم نتكلم بعون الله تعالى فيما ذكرنا في الأخبار المذكورة
من بيع الأمة التي تزني فنقول: ان الليث روى هذا الحديث عن سعيد
166

ابن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ان زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من
شعر، وهكذا رواه عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد أنه
سمع أبا هريرة، وهكذا أيضا رواه خالد بن الحارث عن ابن عجلان عن سعيد
المقبري عن أبي هريرة فلم يذكروا زناها المرة الثالثة جلدا بل ذكروا البيع فقط،
وعن أبي صالح عن أبي هريرة أن يقام الحد عليها ثلاث مرات ثم تباع بعد الثالثة
مع الجلد، وهكذا رواه سفيان بن عيينة قال علي: فوجب أن يلغى الشك ويستقر
البيع بعد الثالثة مع الجلد، والطرق كلها في ذلك في غاية الصحة، وكل ما صح عن
النبي صلى الله عليه وسلم فهو عن الله تعالى قال الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا
وحي يوحى) فإذ ذلك كذلك فأمره صلى الله عليه وسلم بالبيع في الثالثة ندب *
برهان ذلك أمره بالبيع في الرابعة لا يمكن البتة إلا هذا لأنه لو كان أمره صلى الله عليه وسلم في الثالثة
فرضا لما أباح حبسها إلى الرابعة * وأما البيع في الرابعة ففرض لابد منه لان أوامره
صلى الله عليه وسلم على الفرض لقول الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) الآية *
قال أبو محمد رحمه الله: ويجبره السلطان على بيعها أحب أم كره بما ينتهي إليه
العطاء فيها ولا يتأتى بها طلب زيادة ولا سوق كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تباع
ولو بحبل من شعر أو ضفير من شعر إذا لم يوجد فيها إلا ذلك، فان زنت في خلال
تعريضها للبيع أو قبل أن تعرض حدها أيضا لعموم أمره صلى الله عليه وسلم بجلدها ان زنت
وكذلك إن غاب السيد أو مات فلا بد من بيعها على الورثة ضرورة، فان كانت لصغار
جلدها الولي أو الكافل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية مالك عن الزهري فاجلدوها
فهو عموم لكل من قام به، ولا يلزم البيع في العبد إذا زنى لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما
أمر بذلك في الأمة إذا زنت وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، ومن يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه، وكذلك ان سرقت الأمة أو شربت الخمر فإنها تحد ولا
يلزم بيعها لان النص إنما جاء في زناها فقط وما كان ربك نسيا *
قال أبو محمد رحمه الله: فلو أعتقها السيد إذا تبين زناها لم ينفذ عتقه بل هو
مردود لأنه مأمور ببيعها واخراجها عن ملكه فهو في عتقه إياها، أو كتابته لها،
أو هبته إياها، أو الصدقة بها، أو اصداقها، أو اجارتها، أو تسليمها في شئ
بصفة غير البيع مما شاء نقدا أو إلى أجل بدنانير أو بدراهم مخالف لأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه السلام: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وكذلك
لو دبرها فمات أو أوصى بها فكل ذلك باطل ولابد من بيعها *
167

قال أبو محمد رحمه الله. ولا يجوز أن يقيم الحد السيد على مماليكه الا بالبينة أو
باقرار المماليك أو صحة علمه ويقينه على نص قوله صلى الله عليه وسلم: " فتبين زناها " ولا يطلق
على إقامة الحدود على المماليك الا أهل العدالة فقط من المسلمين *
2186 مسألة أي الأعضاء تضرب في الحدود؟ * قال أبو محمد رحمه الله:
اختلف الناس في هذا وقال الله تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول)
الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)
وقال عليه السلام: " إذا شرب فاجلدوه " وقال عليه السلام: " وعلى ابنك جلد مائة
وتغريب عام والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " وسنذكر كل ذلك إن شاء الله
تعالى فلم نجد عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم أمرا بان يخص عضوا بالضرب
دون عضو الا حد القذف وحده فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: " البينة والا حد
في ظهرك " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عمران بن
يزيد الدمشقي نا مخلد بن الحسين الأسدي نا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن
أنس بن مالك قال: ان أول لعان كان في الاسلام ان هلال بن أمية قذف شريك
ابن سحماء بامرأته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " البينة وإلا حد
في ظهرك " يردد ذلك عليه مرارا، فوجب أن لا يخص بضرب الزنا والخمر عضو من
عضو إذ لو أراد الله تعالى ذلك لبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الا أنه يجب اجتناب الوجه
ولا بد والمذاكر والمقاتل * أما الوجه فلما روينا من طريق مسلم نا عمرو الناقد. وزهير
ابن حرب قالا جميعا: نا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه " * وأما المقاتل فضربها
غرر كالقلب والأنثيين ونحو ذلك ولا يحل قتله ولا التعريض به لما نخاف منه وبالله
تعالى التوفيق *
2187 مسألة كيف يضرب الحدود أقائما أم قاعدا؟ اختلف الناس في ذلك
وقال الله تعالى: (فان تنازعتم في شئ) الآية، أما من قال بان الحدود تقام على المحدود وهو
قائم فإنهم ذكروا في ذلك ما ناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري
نا البخاري نا إسماعيل بن عبد الله نا مالك عن نافع عن ابن عمر فذكر حديث اليهوديين
اللذين رجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا، قال ابن عمر: فرأيت الرجل يحني على المرأة
يقيها الحجارة، وذكروا حديث أبي هريرة في جلده حد القذف الذي يقول في ذلك
لعمرك إني يوم أضرب قائما ثمانين سوطا انني لصبور * ثم أتوا باطرف ما يكون
168

من التخليط: فقالوا ان قول عمر بن الخطاب للجالد في الحد: اضرب واعط كل ذي
عضو حقه دليل على أن المجلود كان قائما، وقال: فدل حديث اليهوديين على أن
الرجل كان قائما وانها كانت قاعدة *
قال أبو محمد رحمه الله: فكل هذا عليهم لا لهم على ما نبين إن شاء الله تعالى *
أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فهم أول من عصاه وخالفه وقالوا: لا يحل أن يقام
حد الزنا على يهودي ولا يهودية وحملوا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على ما لم يقدموا
على اطلاقه بألسنتهم إما انه على معصية الله تعالى وإما انه على انفاذ لما في التوراة مما
لا يجوز لهم انفاذه وانه على كل حال لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بأمر الله تعالى
ولا بوحيه إليه ولا بحق يجب اتباعه فيه لا محيد لهم من هذا، فهذا الذي ظنوا من ذلك
كذب بحت وما فيه دليل على أنه كان قائما ولا انها كانت قاعدة بل قد يحنى عليها وهو
راكع وهو الأظهر أو وهو منكب قريب من الجلوس وهو ممكن جدا أيضا، وأما
أن يحنى عليها وهو قائم وهي قاعدة فممتنع لا يمكن البتة ولا يتأتى ذلك وقد يمكن أن
يكونا قائمين ويحنى عليها بفضل ما للرجل على المرأة من الطول وقد يمكن أن يكونا
قاعدين * وأما حديث أبي هريرة فليس فيه ان أبا هريرة أوجب عليه أن يقوم قائما
إذ جلده ولابد ولا أن المرأة بخلاف الرجل *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ لا نص في شئ من هذا ولا اجماع فقد أيقنا أن
الله تعالى لو أراد أن يكون إقامة الحد على حال لا يتعدى من قيام أو قعود أو فرق
بين رجل وامرأة لبينه على لسان رسوله عليه السلام، فصح أن الجلد في الزنا والقذف
والخمر والتعزيز يقام كيف ما تيسر على المرأة والرجل قياما وقعودا فان امتنع أمسك
وان دفع بيديه الضرب عن نفسه مثل أن يلقى الشئ الذي يضرب به فيمسكه أمسكت
يداه *
2188 - مسألة - صفة الضرب * قال أبو محمد رحمه الله: أجاز
قوم أن يسال الدم في جلد الحدود والتعزيز وهو لم يأت به عن الصحابة شئ من ذلك
بل قد صح عن عمر رضي الله عنه مما قد ذكرناه قبل لا تجد فاجلدها ولا يعرف له في
ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، والذي نقول به بل الضرب في الزنا والقذف
والخمر والتعزير أن لا يكسر له عظم ولا أن يشق له جلد ولا أن يسال الدم ولا أن
يعفن له اللحم لكن يوجع سالم من كل ذلك فمن تعدى فشق في ذلك الضرب
أو أسال دما أو عفن لحما أو كسر له عظما فعلى متولي ذلك القود وعلى الآمر أيضا
169

القود إن أمر بذلك * برهان ذلك قول الله تعالى: (قد جعل الله لكل شئ قدرا)
فعلمنا يقينا أن لضرب الحدود قدرا لا يتجاوزه وقدرا لا ينحط عنه بنص القرآن فطلبنا ذلك
فوجدنا أدنى أقداره أن يؤلم فما نقص عن الألم فليس من أقداره وهذا مالا خلاف
فيه من أحد وكان أعلى أقداره نهاية الألم في الزنا مع السلامة من كل ما ذكرنا ثم
الحطيطة من الألم على حسب ما وصفنا، فأما المنع من كل ما ذكرنا فلقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فحرمت إسالة
الدم نصا إذ هرق الدم حرام الا ما أباحه نص أو اجماع ولا نص ولا اجماع على
إباحة إسالة الدم في شئ من الحدود نعم ولا عن أحد من التابعين، وأما تعفن اللحم
فقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله على تحريم البشرة فلا يحل منها الا ما أحله نص أو اجماع
وإنما صح النص والاجماع على اباحتها للألم فقط وأما كسر العظام فلا يقول
بإباحته في ضرب الحدود أحد من الأمة بلا شك *
قال أبو محمد رحمه الله: ومن خالفنا في هذه الأشياء سألناه الشدة الضرب في ذلك
حد أم لا؟ (فان قالوا): لا تركوا قولهم وخالفوا الاجماع ولزمهم أن يبيحوا أن يجلد في
كل ذلك بسوط مملوء حديدا أو رصاصا يقتل من ضربه وهذا لا يقوله أحد من الأمة
(وان قالوا): ان لذلك حدا وقدرا نقف عنده فلا يحل تجاوزه سئلوا عن ذلك فان
حدوا فيه غير ما حددنا كانوا متحكمين في الدين بلا برهان، (فان قالوا): ان الحدود
إنما جعلت للردع (قلنا لهم): كلا ما ذلك كما تقولون إنما ردع الله تعالى بالتحريم
وبالوعيد في الآخرة فقط واما بالحدود فإنما جعل الله تعالى كما شاء ولم يخبرنا الله تعالى انها
للردع ولو كانت للردع كما تدعون لكان ألف سوط أردع من مائة ومن ثمانين.
ومن أربعين ومن خمسين، ولكان قطع اليدين والرجلين اردع من قطع يد واحدة
ولكنا نقول: هي نكال وعقوبة وعذاب وجزاء وخزي كما قال الله تعالى في المحاربة:
(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون) الآية. وقال تعالى: (فعليهن نصف
ما على المحصنات من العذاب) وقال تعالى في القاذف: (ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة
في الذين آمنوا) الآية وقال تعالى: (والسارق والسارقة) الآية وقال تعالى: (الزانية والزاني)
الآية وإنما التسمية في الدين إلى الله تعالى لا إلى الناس فصح أنه تعالى جعلها كما شاء
حيث شاء ولم يجعلها حيث لم يشأ *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد صح ما ذكرنا. وصح مقدار الضرب الذي لا يتجاوز
فقد صح أن من تجاوز ذلك المقدار فإنه متعد لحدود الله تعالى وهو عاص بذلك ولا
170

تنوب معصية الله تعالى عن طاعته فإذ هو متعد فعليه القود قال الله تعالى: (فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه) الآية فضرب التعدي لا يتبعض بلا شك فإذ لا يتبعض وهو
معصية فباطل أن يجزي عن الحد الذي هو طاعة لله تعالى فيقتص له منه، ثم يقام
عليه الحد ولا بد وبالله تعالى التوفيق *
2189 مسألة - بأي شئ يكون الضرب في الحد؟ * قال أبو محمد رحمه الله:
أما أهل الرأي. والقياس فإنهم قالوا: الحدود كلها بالسوط الا الشافعي رحمه الله قال:
الا الخمر فإنه يجلد فيها بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه جلد فيها *
قال أبو محمد رحمه الله: احتج من رأى الجلد بالسوط ولا بد في الحدود بما نا
حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا معمر عن يحيى بن أبي كثير
قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني أصبت حدا فأقمه علي
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط جديد عليه ثمرته قال: لا سوط دون هذا فأتي
بسوط مكسور العجز فقال: لا سوط فوق هذا فأتي بسوط بين السوطين فأمر به
فجلد " وذكر الخبر * وعن زيد بن أسلم " أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا فدعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته
فقال: بين هذين فأتي بسوط قد ركب به ولان فأمر به فجلد " وذكر باقي الخبر
حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن
مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت عبيد الله بن مقسم يقول: سمعت كريبا مولى ابن
عباس يحدث أو يحدث عنه قال: " أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف على نفسه بالزنا ولم
يكن الرجل أحصن فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سوطا فوجد رأسه شديدا فرده ثم أخذ
سوطا آخر فوجده لينا فأمر به فجلد مائة " * وعن أبي عثمان النهدي قال: أتى عمر
ابن الخطاب في حد ما أدري ما ذلك الحد فأتي بسوط فيه شدة فقال: أريد ما هو
ألين فأتي بسوط لين فقال: أريد أشد من هذا فأتي بسوط بين السوطين فقال:
اضرب ولا يرى إبطك * وعن أبي عثمان النهدي قال: أتي عمر بن الخطاب في حد فاتي
بسوط فهزه فقال ائتوني بسوط ألين من هذا فأتي بسوط آخر فقال ائتوني بسوط أشد
من هذا فاتي بسوط بين السوطين فقال اضرب ولا يرى إبطك واعط لكل عضو حقه *
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم له شبهة غير ما ذكرنا أما الآثار في ذلك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرسلة كلها ولا حجة في مرسل وأضعفها حديث مخرمة بن
بكير لأنه منقطع في ثلاثة مواضع لان سماع مخرمة من أبيه لا يصح وشك ابن مقسم
171

أسمعه من كريب أم بلغه عنه ثم هو عن كريب مرسل ثم لو صح لما كان لهم في
شئ منها حجة لأنه ليس في شئ منها أن لا تجلد الحدود إلا بسوط هذه صفته وإنما
فيه أن الحدود جائز أن يضرب بسوط هذه صفته فقط وهذا أمر لا نأباه فسقط
تعلقهم بالآثار المذكورة * وأما الأثر عن عمر رضي الله عنه فصحيح إلا أنه لا حجة
لهم فيه ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سقط كل ما شغبوا به نظرنا
فيما يجب في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول في الزاني والزانية: (فاجلدوا كل واحد منهما
مائة جلدة) إلى قوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وقال تعالى:
(فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وقال عليه السلام: " على ابنك جلد
مائة وتغريب عام " وقال تعالى في القاذف: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " وقال عليه السلام: " إذا شرب فاجلدوه "
ونهى عليه السلام أن يجلد أكثر من عشر جلدات في غير حد فأيقنا يقينا لا يدخله
شك أن الله تعالى لو أراد أن يكون الجلد في شئ مما ذكرنا بسوط دون سوط
لبينه لنا على لسان رسوله عليه السلام في القرآن وفي وحي منقول الينا ثابت كما بين
صفة الضرب في الزنا وكما بين حضور طائفة من المؤمنين للعذاب في ذلك فإذ لم يفعل
ذلك تعالى فبيقين ندري أن الله تعالى لم يرد قط أن يكون الضرب في الحدود بسوط
خاصة دون سائر ما يضرب به فإذ ذلك كذلك فالواجب أن يضرب الحد في الزنا
والقذف بما يكون الضرب به على هذه الصفة بسوط أو بحبل من شعر أو من
كتان أو من قنب أو صوف أو حلفاء أو غير ذلك أو تفر أو قضيب من خيزران
أو غيره إلا الخمر فان الجلد فيها على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق
مسلم نا محمد بن المثنى نا معاذ بن هشام - هو الدستوائي - نا قتادة عن أنس بن مالك " أن
النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال " * ومن طريق البخاري نا قتيبة بن سعيد
نا أبو ضمرة أنس بن عياض عن يزيد بن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة
عن أبي هريرة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فقال: " اضربوه " قال أبو هريرة:
فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه وذكر الحديث *
قال أبو محمد رحمه الله: فالجلد في الخمر خاصة يكون بالجريد والنعال. والأيدي
وبطرف الثوب كل ذلك أي ذلك رأي الحاكم فهو حسن ولا يمتنع عندنا أن يجلد في
الخمر أيضا بسوط لا يكسر ولا يجرح ولا يعفن لحما كما روينا من طريق مسلم نا أحمد
ابن عيسى نا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحرث عن بكير بن الأشج قال:
172

بينما نحن عند سليمان بن يسار إذ جاء عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله فحدثه قأقبل
علينا فقال: حدثني عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عن أبي بردة الأنصاري أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط الا في حد من حدود الله
تعالى " فاقتضى هذا ان الضرب بالسوط جائز في كل حد وفي التعزير وضرب الخمر
وبالله تعالى التوفيق *
2190 - مسألة - هل يجلد المريض الحدود أم لا؟ وان جلدها كيف
يجلدها؟ * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يعجل له ضرب
الحد كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد
السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن عبد الله بن
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه ان عمر بن الخطاب أتي برجل يشرب الخمر وهو
مريض فقال: أقيموا عليه الحد فاني أخاف أن يموت *
قال أبو محمد رحمه الله: فاحتمل هذا أن يكون اشفاق عمر رضي الله عنه من
أن يموت قبل أن يضرب الحد فيكون معطلا للحد، واحتمل أيضا من أن يكون
يصيبه موت منه فنظرنا في ذلك فوجدنا محمد بن سعيد أيضا قال: نا عبد الله بن
نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان فذكر
هذا الخبر وفيه أن عمر قال: اضربوه لا يموت، فبين هذا أن اشفاق عمر كان
من كلا الامرين *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذا كان هذا فقد ثبت أنه أمر بأن يضرب ضربا لا يموت منه *
وبه إلى وكيع نا سفيان عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه كان
يبر نذره بأدنى الضرب، وبه إلى وكيع نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء الضغث
للناس عامة في قوله تعالى: (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) * نا يحيى بن
عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق نا
إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن غلام
لهم يفهم قال: أخبرني ذلك الغلام أن عروة حلف ليضربني كذا وكذا ضربة فاخذ
بيده شماريخ فضربني بها جميعا * وبه إلى إسماعيل نا محمد بن عبيد نا محمد بن ثور عن
معمر عن قتادة في قوله تعالى: (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) قال عودا
فيه تسعة وتسعون عودا والأصل تمام المائة فضرب به امرأته وكان يحلف ليضربنها
فكانت الضربة تحلة ليمينه وتخفيفا عن امرأته، وهو قول الشافعي، وقالت طائفة:
173

يؤخر جلده حتى يبرأ، وهو قول مالك * وجاء عن مجاهد في الآية المذكورة ما ناه يحيى
ابن عبد الرحمن بن مسعود بالاسناد المذكور إلى إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله
نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: (وخذ بيدك ضغثا فاضرب
به ولا تحنث) قال: هي لأيوب خاصة * وقال عطاء: هي للناس عامة *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون
الله تعالى فوجدنا الطائفة المانعة من إقامة الحد عليه حتى يبرأ يحتجون بما ناه حمام
نا عباس ابن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا غندر
نا شعبة قال: سمعت عبد الأعلى التغلبي يحدث عن أبي جميلة عن علي بن أبي طالب
" أن أمة زنت فحملت فأتى على على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له: دعها حتى تلد أو قال حتى
تضع ثم اجلدها " * وبه إلى أحمد بن حنبل نا وكيع نا سفيان عن عبد الأعلى التغلبي عن
أبي جميلة الطهوي عن علي " أن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم أحدثت (1) فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم
أن أقيم عليها الحد فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها فأتيته فأخبرته فقال: إذا جفت
من دمها فأقم عليها الحد أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " قالوا: فهذا رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يعجل جلد الخادم الحامل حتى تضع فتجلد الحد الذي أمر الله تعالى به،
وكذلك التي لم تجف من دمها حتى يجف عنها دمها * ثم نظرنا في قول الطائفة الثانية
الموجبة تعجيل الحد على حسب ما يؤمن به الموت فوجدناهم يذكرون ما ناه عبد الله بن ربيع
نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا أحمد بن يوسف النيسابوري. ومحمد بن عبيد الله
ابن يزيد بن إبراهيم الحراني - واللفظ له - قال أحمد: نا أحمد بن سليمان، وقال محمد بن عبيد
الله: حدثني أبي ثم اتفق أحمد بن سليمان. وعبيد الله بن يزيد: قالا نا عبد الله بن
عمرو - هو الرقي - عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد زنى فأمر به فجرد فإذا رجل مقعد حمش الساقين
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبقى الضرب من هذا شيئا فدعا بأثاكيل فيها مائة شمروخ
فضربه بها ضربة واحدة * نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا يزيد
ابن محمد العقيلي بمكة نا عبد الرحمن بن حماد الثقفي نا الأعمش عن الشعبي عن علقمة
عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ضعيفة لا تقدر أن تمتنع ممن أرادها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ممن؟ قالت: من فلان فذكرت رجلا ضعيفا أضعف منها فبعث
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئ به فسأله عن ذلك؟ فأقر مرارا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
خذوا أثاكيل مائة فاضربوه بها مرة واحدة *

(1) في النسخة اليمنية " زنت "
174

قال أبو محمد رحمه الله: حديث سهل بن سعد صالح تقوم به الحجة، فان
قيل: إن هذا الخبر المعروف فيه إسرائيل كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا
أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن وهب الحراني نا محمد بن سلمة ني أبو عبد الرحيم -
هو خال محمد بن سلمة - حدثني زيد - هو ابن أبي أنيسة - عن أبي حازم عن أبي أمامة
ابن سهل بن حنيف قال: جئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية - وهي حبلى - فسألها ممن حملك؟
فقالت: من فلان المقعد فجئ بفلان فادا رجل حمش الجسد ضرير فقال: والله
ما يبقى الضرب من هذا شيئا فامر بأثاكيل مائة فجمعت فضرب بها ضربة واحدة
وهي شماريخ النخل الذي يكون فيها العروق، وفي آثار كثيرة يطول ذكرها جدا
فتركناها لذلك *
قال أبو محمد رحمه الله فلما جاءت الآثار كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك
فوجدنا حديث أبي جميلة عن علي صحيحا إلا أنه لا حجة لهم فيه أصلا لأنه إنما فيه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الحد عن الحامل وعن التي لم تجف من دمها وهذا ليس
مما نحن فيه في شئ لان الحامل ليست مريضة وإنما خيف على جنينها الذي لا يحل
هلاكه وحكم الصحيح أن تجلد بلا رأفة وحكم الجنين أن لا يتوصل إلى اهلاكه
فوجب تأخير الجلد عنها جملة كما يؤخر الرجم أيضا من أجله، وأما التي لم تجف من
دمها فان هذا كان أثر الولادة وفي حال سيلان الدم وهذا شغل شاغل لها ومثلها
ان لا تجلد في تلك الحال كمن ذرعه القئ أو هو في حال الغائط أو البول ولا فرق
وانقطاع ذلك الدم قريب إنما هي ساعة أو ساعتان ولم يقل في الحديث إذا
طهرت إنما قال: إذا جفت من دمها فبطل أن يكون لهم في شئ من ذينك الحديثين
متعلق أصلا، فإذ قد سقط أن يكون لتلك الطائفة متعلق فالواجب ان ننظر بعون
الله فيما قالت به الطائفة الأخرى. فنظرنا في الحديث الذي أوردنا من جلد المزمن
المريض بشماريخ فيها مائة عثكول، فوجدنا الطريق الذي صدرنا به من
طريق سهل بن سعد طريقا جيدا تقوم به الحجة ووجدناهم يحتجون بأمر أيوب
صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رحمه الله: أما نحن فلا نحتج بشريعة نبي غير نبينا صلى الله عليه وسلم لقول
الله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ولما قد أحكمنا في كتابنا الموسوم
بالأحكام لأصول الأحكام *
قال أبو محمد رحمه الله: وحتى لو لم يصح في هذا حد لكان قول الله تعالى:
175

(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) موجبا أن لا يجلد أحد إلا على حسب طاقته من
الألم وكان نصا جليا في ذلك لا يجوز مخالفته أصلا، وبضرورة العقل ندري أن
ابن نيف وثلاثين قوي الجسم مصبر الخلق يحمل من الضرب من قوته ما لا يحمله
الشيخ ابن ثمانين والغلام ابن خمسة عشر عاما وأربعة عشر عاما إذا بلغ وأصاب
حدا، وكذلك يؤلم الشيخ الكبير والغلام الصغير من الجلد مالا يؤلم ابن الثلاثين
الشاب القوي بل لا يكاد يحس إلا حسا لطيفا ما يؤلم ذينك الألم الشديد، وأن الذي
يؤلم الشاب القوي لو قوبل به الشيخ الهرم والصغير النحيف من الجلد لقتلهما، هذا
أمر لا يدفعه إلا مدافع للحس والمشاهدة، ووجدنا المريض يؤلمه أقل شئ مما لا يحسه
الصحيح أصلا إلا كما يحس بثيابه التي ليس لحسه لها في الألم سبيل أصلا وعلى حسب شدة
المرض يكون تألمه للكلام وللتلف وللمس اليد بلطف، هذا ما لا شك فيه أصلا ومن
كابر هذا فإنما يكابر العيان والمشاهدة والحس، فوجدنا المريض إذا أصاب حدا من
زنا أو قذف أو خمر لابد فيه من أحد أمرين لا ثالث لهما إما أن يعجل له الحد وإما
أن يؤخر عنه (فان قالوا) يؤخر (قلنا لهم): إلى متى؟ (فان قالوا) إلى
أن يصح (قلنا لهم). ليس لهذا أمد محدود وقد تتعجل الصحة وقد تبطئ عنه. وقد
لا يبرأ فهذا تعطيل للحدود وهذا لا يحل أصلا لأنه خلاف أمر الله تعالى في إقامة
الحدود فلم يبق إلا تعجيل الحد كما قلنا نحن، ويؤكد ذلك قول الله تعالى: (سارعوا
إلى مغفرة من ربكم) فصح أن الواجب أن يجلد كل واحد على حسب وسعه الذي
كلفه الله تعالى أن يصبر له، فمن ضعف جدا جلد بشمراخ فيه مائة عثكول جلدة
واحدة أو فيه ثمانون عثكالا كذلك. ويجلد في الخمر إن اشتد ضعفه بطرف ثوب على
حسب طاقة كل أحد ولا مزيد، وبهذا نقول ونقطع أنه الحق عند الله تعالى بيقين
وما عداه فباطل عند الله تعالى وبه التوفيق *
2191 مسألة - بكم من مرة من الاقرار تجب الحدود على المقر؟ * قال أبو محمد
رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: باقراره مرة واحدة تجب إقامة
الحدود وهو قول الحسن بن حي، وحماد بن أبي سليمان، وعثمان البتي، ومالك،
والشافعي، وأبي ثور، وأبي سليمان. وجميع أصحابهم، وقالت طائفة: لا يقام على
أحد حد الزنا باقراره حتى يقر على نفسه أربع مرات ولا يقام عليه حد القطع والسرقة حتى
يقربه مرتين وحد الخمر مرتين، وأما في القذف فمرة واحدة وهو قول روي
عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة *
176

قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا فيما احتجت به كل طائفة
لقولها فنظرنا في قول من رأى أن الحد لا يقام في الزنا بأقل من أربع مرات فوجدناهم
يحتجون بطريق مسلم ني عبد الملك بن شعيب عن الليث بن سعد ني أبي عن جدي
ني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. وسعيد بن المسيب
كلاهما عن أبي هريرة أنه أتي برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد - فناداه فقال:
يا رسول الله اني قد زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه فقال. يا رسول الله اني قد زنيت
فأعرض عنه حتى كرر ذلك أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أبك جنون؟ " قال. لا قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا به فارجموه " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
نا أحمد بن شعيب انا محمد بن حاتم بن نعيم انا حبان - هو ابن موسى - انا عبد الله - هو
ابن المبارك - عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن عبد الرحمن بن مضاض عن أبي هريرة
ان ماعزا اتى رجلا يقال له هزال فقال. يا هزال ان الاخر قد زنى قال. إيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل ان ينزل فيك قرآن فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه زنى فأعرض عنه
ثم أخبره فأعرض عنه. ثم اخبره فأعرض عنه أربع مرات فلما كانت الرابعة امر
برجمه فلما رجم اتي إلى شجرة فقتل * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد
ابن شعيب انا محمد بن حاتم بن نعيم انا حبان - وهو ابن موسى - انا عبد الله بن المبارك
عن زكريا أبي عمران البصري - هو ابن سليم - صاحب اللؤلؤي قال: سمعت شيخا
يحدث عمرو بن عثمان القرشي قال نا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال. شهدت
النبي عليه السلام وهو واقف على بغلته فجاءته امرأة حبلى فقالت: انها قد بغت فارجمها
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " استتري بستر الله " فذهبت ثم رجعت إليه وهو واقف. على
بغلته فقالت: ارجمها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " استتري بستر الله " فرجعت ثم جاءت
الثالثة - وهو واقف على بغلته - فأخذت باللجام فقالت: أنشدك الله الا رجمتها فقال:
" انطلقي حتى تلدي " فانطلقت فولدت غلاما فجاءت به النبي صلى الله عليه وسلم فكفله النبي
عليه السلام ثم قال: " انطلقي فتطهري من الدم " فانطلقت فتطهرت من الدم ثم جاءت
فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى نسوة فأمرهن أن يستبرئنها وأن ينظرن أطهرت من الدم فجئن
فشهدن عند النبي صلى الله عليه وسلم بطهرها فأمر لها عليه السلام بحفرة إلى ثندوتها ثم أقبل هو
والمسلمون فقال. بيده فأخذ حصاة كأنها حمصة فرماها بها ثم قال " للمسلمين ارموها
وإياكم ووجهها " فرموها حتى طفيت فأمر باخراجها حتى صلى عليها * وروينا من
177

طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير. أبو بكر بن أبي شيبة كلاهما يقول. ان عبد الله
ابن نمير حدثه قال. نا بشر بن المهاجر نا عبد الله بن بريدة عن أبيه " أن ماعز بن مالك
الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال. يا رسول الله اني قد ظلمت نفسي وزنيت واني أريد
أن تطهرني فرده فلما كان من الغد أتاه فقال. يا رسول الله اني قد زنيت فرده الثانية
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال: أتعلمون بعقله بأسا أتنكرون منه شيئا؟
فقالوا. ما نعلمه الا وفي العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا
فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر
به فرجم فجاءت الغامدية فقالت. يا رسول الله اني قد زنيت فطهرني وأنه ردها فلما
كان الغد قالت. يا رسول الله أتردني لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزا فوالله اني
لحبلى قال لها. لا أما الآن فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت. هذا
قد ولدته قال. فاذهبي فارضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتت بالصبي في يده كسرة
خبز قالت. هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من
المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها " فهذا هو البيان
الجلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأي شئ رد ماعزا لان الغامدية قررته عليه السلام على
أنه رد ماعزا وأنه لا يحتاج إلى ترديدها لان الزنا الذي أقرت به صحيح ثابت وقد
ظهرت علامته - وهي حبلها - فصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وأمسك عن ترديدها ولو
كان ترديده عليه السلام ماعزا من أجل ان الاقرار لا يصح بالزنا حتى يتم أربع
مرات لأنكر عليها هذا الكلام ولقال لها. لا شك إنما أردك كما رددت ماعزا لان
الاقرار لا يتم الا بأربع مرات وهو عليه السلام لا يقر على خطأ ولا على باطل فصح
يقينا أنها صادقة فإنها لا تحتاج من الترديد إلى ما احتاج إليه ماعز ولذلك لم يردها عليه
السلام بعد هذا الكلام، وصح يقينا أن ترديده عليه السلام ماعزا إنما كان لوجهين،
أحدهما ما نص عليه السلام من تهمته لعقله فسأل عليه السلام قومه المرة بعد المرة
هل به جنون؟ وسؤاله عليه السلام هل شرب خمرا كما روينا من طريق مسلم نا محمد
ابن العلاء نا يحيى بن يعلى بن الحرث المحاربي عن غيلان بن جامع عن علقمة بن مرثد
عن سليمان بن يزيد عن أبيه قال. " جاء ماعز بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
له طهرني قال. ويحك ارجع فاستغفر الله وتب قال فرجع غير بعيد ثم جاء فقال
يا رسول الله: طهرني فقال. له مثل ذلك حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم. فيم أطهرك؟ قال: من الزنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبه جنة
178

فأخبر أنه ليس بمجنون فقال. أشرب خمرا فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أزنيت؟ قال. نعم فأمر به فرجم " وذكر باقي
الخبر، والوجه الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتهمه أنه لا يدري ما المزني
فردده لذلك وقرره كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أرنا
سويد بن نصر أرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن
ابن عباس " أن الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فقال. لعلك
قبلت أو غمزت أو نظرت " * وبه إلى أحمد بن شعيب أخبرني عبد الله بن الهيثم عن
عثمان البصري أرنا وهب بن جرير بن حازم قال. حدثني أبي قال. سمعت يعلي
ابن حكيم يحدث عن عكرمة عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز
ابن مالك: ويحك لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ قال. لا قال فنكتها؟ قال. نعم
فعند ذلك أمر برجمه " فقد صح يقينا أن ترديد النبي عليه السلام لماعز لم يكن
مراعاة لتمام الاقرار أربع مرات أصلا وإنما كان لتهمته إياه في عقله وفي جهله ما هو
الزنا فبطل تعلقهم بحديث ابن بريدة، والحمد لله رب العالمين * وأما حديث أبي هريرة
من طريق ابن مضاض فان ابن مضاض مجهول لا يدري من هو، وقد جاء عن أبي
هريرة خبر صحيح ببيان بطلان ظنهم نذكره بعد تمام كلامنا في هذه الأخبار إن شاء الله
تعالى * وهو ما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا اسحق
ابن إبراهيم - هو ابن راهويه - انا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير قال.
ان عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة أخبره انه سمع أبا هريرة يقول.
جاء الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أربع مرات بالزنا
يقول. أتيت امرأة حراما كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل
في الخامسة فقال. له أنكحتها؟ قال. نعم قال. فهل تدري ما الزنا؟ قال. نعم أتيت منها
حراما مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالا قال. فما تريد بهذا القول قال. أريد أن
تطهرني فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجم فرجم فسمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه. انظروا إلى هذا الذي
ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما رسول الله صلى
الله عليه وسلم ساعة فمر بجيفة حمار شائل برجليه فقال. أين فلان وفلان؟ فقالا. نحن
يا رسول الله فقال لهم. كلا من جيفة هذا الحمار فقالا. يا رسول الله غفر الله لك
من يأكل هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نلتما من عرض هذا آنفا أشد
179

من هذه الجيفة فوالذي نفسي بيده انه الآن في أنهار الجنة *
قال أبو محمد رحمه الله. فهذا خبر صحيح، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يكتف بتقريره أربع مرات ولا باقراره أربع مرات حتى أقر في الخامسة ثم لم يكتف بذلك
حتى سأله السادسة هل تعرف ما الزنا؟ فلما عرف عليه السلام أنه يعرف الزنا لم
يكتف بذلك حتى سأله السابعة ما يريد بهذا إلا ليختبر عقله فلما عرف أنه عاقل صحيح
العرض أقام عليه الحد، وفي هذا الخبر بيان بطلان الرأي من الصاحب وغيره لأنه
عليه السلام أنكر عليهما ما قالاه برأيهما مجتهدين قاصدين إلى الحق فهذا يبطل احتجاج
من احتج بما روي عن بريدة، وبالله تعالى التوفيق *
ومن طريق مسلم نا أبو غسان
المسمعي نا معاذ - يعني ابن هشام الدستوائي - ني أبي عن يحيى بن أبي كثير ني أبو قلابة
أن أبا المهلب حدثه عن عمران بن الحصين " ان امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله
عليه وسلم - وهي حبلى من الزنا - فقالت يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله
صلى الله عليه وسلم وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها فأمر بها رسول
الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها وأمر بها فرجمت. ثم صلى عليها فقال له
عمر. أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ قال. لقد تابت توبة لو قسمت بين أهل المدينة
لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟ " * ومن طريق
مسلم نا قتيبة نا الليث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة
وزيد بن خالد الجهني أنهما قالا " أن رجلين من الاعراب أتيا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله أنشدك الله ألا قضيت لي بكتاب الله فقال له
الآخر. وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وايذن لي فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم. قل فقال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته " وذكر الحديث
وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له. " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما
بكتاب الله أما الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغديا أنيس
على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فامر بها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فرجمت " فوجدنا بريدة. وعمران بن الحصين. وأبا هريرة. وزيد بن خالد
كلهم قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إقامة الحد في الزنا على الغامدية والجهينية
بغير ترديد وعلى امرأة هذا المذكور بالاعتراف المطلق وهو يقتضي ولابد رجمها بما يقع عليه
اسم اعتراف وهو مرة واحدة فقط وصح أن كتاب الله يوجب ما قضى به رسول الله
صلى الله عليه وسلم من إقامة الحد في الزنا بالاعتراف المطلق دون تحديد عدد لقول رسول الله
180

صلى الله عليه وسلم. " لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى " وأقسم على ذلك ثم قضى بالرجم
في الاعتراف دون عدد فصح أنه إذا صح الاعتراف مرة أو الف مرة فهو كله سواء وان إقامة
الحد واجب ولابد وبالله تعالى التوفيق *
2192 - مسألة - هل في الحدود نفي أم لا؟ قال أبو محمد رحمه الله: النفي يقع من
الحدود في المحاربة بالقرآن وفي الزنا بالسنة وحكم به قوم في الردة وفي الخمر والسرقة *
قال أبو محمد رحمه الله. فنتكلم إن شاء الله تعالى في كل ذلك فصلا فصلا فنقول
وبالله تعالى التوفيق. قالت طائفة. نفيه سجنه، وقالت طائفة. ينفى ابدا من بلد إلى بلد،
وقالت طائفة. نفيه هو ان يطلب حتى يعجزهم فلا يقدروا عليه كما نا حمام نا ابن مفرج نا
ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة عن
ابن عباس أنه قال. في المحارب ان هرب واعجزهم فذلك نفيه * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج
عن عبد الكريم أو غيره قال. سمعت سعيد بن جبير وأبا الشعثاء جابر بن زيد يقولان. إنما النفي
ان لا يدركوا فإذا أدركوا ففيهم حكم الله تعالى والا نفوا حتى يلحقوا ببلدهم، وعن الزهري
أنه قال فيمن حارب ان عليه ان يقتل أو يصلب أو يقطع أو ينفى فلا يقدر عليه، وعن الضحاك
في قوله تعالى. (أو ينفوا من الأرض) قال: هو ان يطلبوا حتى يعجزوا *
قال أبو محمد رحمه الله. وبهذا يقول الشافعي. وقال آخرون. النفي حد من حدود
المحارب كما كتب إلى المرجى بن زروان قال. نا أبو الحسن الرحبي نا أبو مسلم الكاتب نا عبد
الله بن أحمد بن المغلس نا عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه نا أبو معاوية نا حجاج عن عطية
العوفي عن ابن عباس قال. إذا خرج الرجل محاربا فأخاف الطريق واخذ المال قطعت يده
ورجله من خلاف، وإذا اخذ المال وقتل قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب، وإذا
قتل ولم يأخذ المال قتل، وإذا أخاف الطريق ولم يأخذ مالا ولم يقتل نفي *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا فيما يحتج به من قال. ان النفي هو السجن فوجدناهم يقولون إن
الله تعالى قال. (أو ينفوا من الأرض) قالوا. والنفي في لغة العرب التي نزل بها القرآن هو
الابعاد فصح ان الواجب إبعاده من الأرض قالوا. ولا يقدر على إخراجه من الأرض جملة
فوجب ان نفعل من ذلك أقصى ما نقدر عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. " إذ أمرتكم
بأمر فانوا منه ما استطعتم " ولقول الله تعالى. (فاتقوا الله ما استطعتم) فكان أقصى
ما نستطيع من ذلك إبعاده عن كل ما قدرنا على إبعاده منه من الأرض، وغاية ذلك
السجن لأنه ممنوع من جميع الأرض حاشا ما كان سجنه الذي لم نقدر على منعه منه أصلا
فلزمنا ما استطعنا من ذلك، وسقط عنا ما لم نستطع منه وإنما قلنا حتى يحدث توبة لأنه ما دام
181

مصرا على المحاربة فهو محارب فإذ هو محارب فواجب ان يجزى جزاء المحارب فالنفي
عليه باق ما لم يترك المحاربة بالتوبة فإذا تركها سقط عنه جزاؤها ان يتمادى فيه إذ
قد جوزي على محاربته *
قال أبو محمد رحمه الله. ثم نظرنا في حجة من قال. ينفى ابدا من بلد إلى بلد
ان قال. اننا إذا سجناه في بلد أو أقررناه فيه غير مسجون فلم ننفه من الأرض
كما امر الله تعالى بل عملنا به ضد النفي والابعاد وهو الاقرار والاثبات
في الأرض في مكان واحد منها وهذا خلاف القرآن فوجب علينا بنص القرآن أن
نستعمل إبعاده ونفيه عن جميع الأرض أبدا حسب طاقتنا وغاية ذلك ألا نقره في
شئ منها ما دمنا قادرين على نفيه من ذلك الموضع ثم هكذا أبدا ولو قدرنا على أن
لا ندعه يقر ساعة في شئ من الأرض لفعلنا ذلك ولكان واجبا علينا فعله ما دام
مصرا على المحاربة *
قال أبو محمد رحمه الله. فكان هذا القول أصح وأولى بظاهر القرآن لما
ذكر المحتج له من أن السجن اثبات واقرار لا نفي، وما عرف قط أهل اللغة التي نزل
بها القرآن وخاطبنا بها الله تعالى أن السجن يسمى نفيا ولا أن النفي يسمى سجنا
بل هما اسمان مختلفان متغايران قال الله تعالى. (فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن
الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) الآية، وقال تعالى. (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا
الآيات ليسجننه حتى حين ودخل معه السجن فتيان) فما قال أحد. لا قديم ولا حديث
ان حكم الزواني كان النفي إذ أمر الله تعالى بحبسهن في البيوت ولا قال قط أحد أن
يوسف عليه السلام نفي إذ حبس في السجن، فقد بطل قول من قال. بالسجن جملة.
وعلى كل حال فالواجب أن ننظر في القولين اللذين هما إما نفيه إلى مكان غير مكانه
واقراره هنالك أو نفيه أبدا. فوجدنا من حجة من قال ينفى من بلد إلى بلد ويقر هنالك *
[ان قالوا: أنتم لا تقولون بتكرار فعل الامر بل يجزى عندكم ايقاعه مرة واحدة،
وذا كررتم النفي أبدا فقد نقضتم أصلكم * قال علي: وهذا الذي أنكروه داخل
عليهم بمنعهم المنفي من الرجوع إلى منزله فهم يقرون عليه استدامة تلك العقوبة فقد
وقعوا فيما أنكروا بعينه نعم والتكرار أيضا لازم لمن قال بنفيه أو سجنه
سواء سواء] (1) *
قال أبو محمد رحمه الله: فنقول إن المحارب الذي افترض الله تعالى علينا نفيه

(1) الزيادة من النسخة رقم 14
182

حربا على محاربته فإنه ما دام مصرا فهو محارب وما دام محاربا فالنفي حد من حدوده
قال الله تعالى. (ولم يصروا على ما فعلوا) فمن فعل المحاربة فبلا شك ندري أنه في حال
نومه وأكله واستراحته ومرضه أنه محارب كما كان لم يسقط عنه الاسم الذي وسمه الله
تعالى به وحق عليه الحد به * هذا ما لا خلاف فيه فهو بعد القدرة عليه في حال اصراره على المحاربة
بلا شك لا يسقط عنه الاثم الا بتوبة أو نص أو اجماع فالحد باق عليه حتى يسقط بالتوبة أو
يسقط عنه الحكم بالنص أو الاجماع فليس ذلك الا بقطع يده ورجله من خلاف بلا خلاف
من أحد في أنه لا يجدد عليه قطع آخر ويمنع النص من أن يحدث له حدا آخر على ما سلف منه *
قال أبو محمد رحمه الله. ثم وجدنا من قال. بنفيه وتركه في المكان الذي ينفيه إليه قد
خالف القرآن في أنه أقره في ذلك المكان والاقرار خلاف النفي فقد أقروه في الأرض فلم
يبق إلا القول الذي صححنا وهو قول الحسن البصري، وبه نقول. فالواجب أن ينفى أبدا من
كل مكان من الأرض وأن لا يترك يقر إلا مدة أكله ونومه وما لا بد له منه من الراحة التي ان
لم ينلها مات. ومدة مرضه لقول الله تعالى. (وتعاونوا على البر والتقوى) فواجب أن
لا يقتل وأن لا يضيع لكن ينفى أبدا حتى يحدث توبة فإذا أحدثها سقط عنه النفي وترك يرجع
إلى مكانه فهذا حكم القرآن ومتى أحدث التوبة من قرب أو بعد سقط عنه النفي وبالله
تعالى التوفيق *
2193 - مسألة - وأما نفي الزاني فان الناس اختلفوا فيه فقالت طائفة. الزاني غير
المحصن يجلد مائة وينفى سنة الحر والحرة ذات الزوج وغير ذات الزوج في ذلك سواء وأما
العبد الذكر فكالحر وأما الأمة فجلد خمسين ونفي ستة أشهر وهو قول الشافعي. وأصحابه.
وسفيان الثوري. والحسن بن حي. وابن أبي ليلى، وقالت طائفة. ينفى الرجل الزاني جملة ولا
تنفى النساء وهو قول الأوزاعي، وقالت طائفة. ينفى الحر الذكر ولا تنفى المرأة الحرة ذات
زوج كانت أو غير ذات زوج ولا الأمة ولا العبد وهو قول مالك وأصحابه، وقالت طائفة.
لا نفي على زان أصلا لا على ذكر ولا على أنثى ولا حر ولا عبد ولا أمة وهو قول أبي حنيفة.
وأصحابه *
قال أبو محمد رحمه الله. ونحن ذاكرون إن شاء الله تعالى ما جاء في ذلك عن
المتقدمين، فمن ذلك ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن
العلاء أبو كريب نا عبد الله بن إدريس الأودي سمعت عبيد الله بن عمر بن حفص بن
عاصم عن نافع عن ابن عمر قال. " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب
وان أبا بكر ضرب وغرب وان عمر ضرب وغرب " * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن
183

الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن صفية
بنت أبي عبيد أن رجلا وقع على جارية بكر فأحبلها فاعترف ولم يكن أحصن فأمر به
أبو بكر فجلده مائة ثم نفي * وعن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت
أتى رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره ان أخته أحدثت - وهي في سترها وانها حامل -
فقال عمر. امهلها حتى إذا وضعت واستقلت فآذني بها فلما وضعت جلدها مائة وغربها
إلى البصرة عاما * ومن طريق مالك عن ابن شهاب ان عمر بن الخطاب غرب في
الزنا سنة. قال ابن وهب قال ابن شهاب: ثم لم يزل ذلك الامر تمضي به السنة حتى
غرب مروان في امرته بالمدينة ثم ترك ذلك الناس، وعن ابن وهب أخبرني جرير
ابن حازم عن الحسن بن عمارة عن العلاء بن بدر عن كلثوم بن جبير قال. تزوج رجل منا
امرأة فزنت قبل أن يدخل بها فجلدها علي بن أبي طالب مائة سوط ونفاها سنة إلى نهر كربلاء
فلما رجعت دفعها إلى زوجها وقال. امرأتك فان شئت فطلق وان شئت فامسك * وعن
ابن شهاب عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه ان حاطبا توفي واعتق من
صلى من رقيقه وصام وكانت له وليدة نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه
فلم يرعه الا حملها فذهب إلى عمر فزعا فقال له عمر: أنت الرجل الذي لا تأتي بخير فأرسل
إليها عمر أحبلت؟ فقالت نعم من مرعوش بدرهمين فإذا هي تستهل به وصادفت عنده علي بن أبي
طالب. وعثمان بن عفان. وعبد الرحمن بن عوف فقال: أشيروا علي وعثمان جالس فاضطجع
فقال علي. وعبد الرحمن قد وقع عليه الحال قال: أشر علي يا عثمان قال: قد أشار عليك أخواك
قال: أشر علي أنت قال أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد الا على من علمه فأمر بها
فجلدت مائة وغربها * وعن عطاء قال: البكر تجلد مائة وتنفى سنة، وعن عبد الله بن
مسعود في البكر يزني بالبكر يجلدان مائة وينفيان سنة، وعن ابن عمر أنه حد مملوكة له في الزنا
ونفاها إلى فدك *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما من لم ير ذلك فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبري نا عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال قال علي
ابن أبي طالب في البكر يزني بالبكر فان حبسهما من الفتيان ينفيان، وعن إبراهيم النخعي أن
علي بن أبي طالب قال في أم الولد إذا أعتقها سيدها أو مات فزنت انها تجلد ولا تنفى *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله
تعالى فنظرنا في قول من قال بالتغريب من حد الزنا يذكرون ما رويناه من طريق مسلم نا
قتيبة نا ليث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد
184

ابن خالد أنهما قالا " ان رجلا من الاعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنشدك
الله الا قضيت لي بكتاب الله فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله
وائذن لي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل قال: ان ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وأني
أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاء ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني إنما
على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك
جلد مائة وتغريب عام واغديا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها قال فغدا عليها
فاعترفت فأمر بها فرجمت " *
قال أبو محمد رحمه الله: وهكذا رويناه من طريق معمر. وصالح بن كيسان.
ويونس بن زيد. وسفيان بن عيينة. ومالك بن أنس كلهم عن الزهري بهذا الاسناد * ومن
طريق مسلم نا يحيى بن يحيى التميمي أنا هشيم عن منصور عن الحسن عن حطان بن عبد الله
الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني خذوا عني قد جعل
الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " * ومن
طريق مسلم نا عمرو الناقد نا هشيم بهذا الاسناد مثله ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار
جميعا عن عبد الأعلى نا سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله
عن عبادة بن الصامت قال: " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا انزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه قال.
فأنزل عليه ذات يوم فبقي كذلك فلما سري عنه قال: خذوا عني قد جعل الله لهن
سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم
نفي سنة * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الأعلى نا يزيد
- هو ابن زريع - نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله
الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انزل
عليه كرب لذلك وتربد له وجهه فنزل عليه ذات يوم فلقي ذلك فلما سرى عنه قال:
خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب
جلد مائة والرجم " *
قال أبو محمد رحمه الله: ورواه أيضا شعبة. وهشام الدستوائي كلاهما عن
قتادة باسناده نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن إسماعيل
ابن إبراهيم بن علية. ومحمد بن يحيى بن عبد الله قال ابن علية: نا عبد الرحمن بن
نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وقال محمد بن يحيى: أنا يعقوب بن إبراهيم بن
185

سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنا أبي عن صالح بن كيسان ثم اتفق
صالح. وابن أبي سلمة كلاهما عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن
لم يحصن إذا زنى بجلد مائة وتغريب عام، وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن رافع نا حجير
نا الليث عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيمن زنى ولم يحصن أن ينفى عاما مع إقامة الحد عليه *
قال أبو محمد رحمه الله: فكانت هذه آثار متظاهرة رواها ثلاثة من الصحابة
رضي الله عنهم. عبادة بن الصامت. وأبو هريرة. وزيد بن خالد الجهني بايجاب تغريب
عام مع جلد مائة على الزاني الذي لم يحصن مع اقسام النبي عليه السلام بالله تعالى
في قضائه به أنه كتاب الله تعالى. وكتاب الله تعالى هو وحيه وحكمه مع أن الله
تعالى يقول في القرآن: (وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى) فهذا نص
القرآن فان كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن وحي من الله تعالى يقوله،
وقال تعالى: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وفرق عليه السلام بين
حد المملوك وحد الحر في حديث ابن عباس. وعلى الذي أوردنا قبل في باب حد المماليك
فصح النص أن على المماليك ذكورهم وإناثهم نصف حد الحر والحرة وذلك جلد
خمسين ونفي ستة أشهر *
قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا في قول من لم ير التغريب على النساء والمماليك
فوجدناهم يذكرون الخبر الذي قد أوردناه قبل باسناده فأغنى عن ترداده، وهو قوله
عليه السلام: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب " فلا حجة لهم فيه لأنه خبر
مجمل فسره غيره لأنه إنما فيه فليجلدها ولم يذكر فيه عدد الجلد كم هو، فصح انه إنما
أحال عليه السلام بيان الجلد المأمور به فيه على القرآن وعلى الخبر الذي فيه بيان حكم
المملوك في الحدود فإذ هو كذلك فليس سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذكر
التغريب في ذلك الخبر حجة في ابطال التغريب الذي قد صح أمره صلى الله عليه وسلم به فيمن زنا
ولم يحصن، وكذلك ليس في سكوته صلى الله عليه وسلم عن ذكر عدد جلدها كم هو حجة في اسقاط
ما قد صح عنه عليه السلام من أن حدها نصف حد الحرة، وأيضا فان هذا الخبر ليس
فيه ان لا تغريب ولا أن التغريب ساقط عنها لكنه مسكوت عنه فقط. وإذا لم يكن فيه
نهي عن تغريبها فلا يجوز أن يكون هذا الخبر معارضا للاخبار التي فيها النفي وبالله
تعالى التوفيق *
186

قال أبو محمد رحمه الله: وقال بعضهم: ان حق السيد في خدمة عبده وأمته
وحق أهل المرأة فيها فلا يجوز قطع حقوقهم بنفي العبد. والأمة. والمرأة فيقال لهم:
ليس بشئ لان حق الزوجة والولد أيضا في زوجها وابنهم فلا يجوز قطعه بنفيهم، فان ادعوا
أن حديث عبادة منسوخ بقول الله تعالى: (الزانية والزاني) الآية، وقالوا: لان
حديث عبادة " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " قالوا: صح أن هذا الخبر كان بعد
قول الله تعالى. (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) الآية قال: فكان السبيل ما ذكر
في حديث عبادة من الجلد والرجم والتغريب، ثم جاء قول الله تعالى: (الزانية والزاني)
الآية فكان ناسخا لخبر عبادة *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا كلام جمع التخليط والكذب، أما التخليط فدعواهم
النسخ، واما الكذب فهو التحكم منهم في أوقات نزول الآية وما في خبر عبادة بلا
برهان ونحن نبين ذلك بحول الله تعالى وقوته فنقول: ان دعواهم ان خبر عبادة كان قبل
نزول الآية من أجل ما فيه " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " فظن منهم وقد حرم الله
تعالى القطع بالظن بقوله تعالى: (ان يتبعون الا الظن وما تهوى الأنفس) وقال تعالى:
(وان الظن لا يغني من الحق شيئا) وبقوله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فان الظن أكذب
الحديث " لكن القول الصحيح في هذا المكان هو أن القطع بان حديث عبادة كان
قبل نزول (الزانية والزاني) الآية، أو بان نزول هذه الآية كان قبل حديث عبادة فمن
الممكن أن يكون حديث عبادة قبل نزول الآية المذكورة، وجائز أن يكون نزول
الآية قبل حديث عبادة وكل ذلك سواء أي ذلك كان لا يعترض بعضه على بعض ولا
يعارض شيئا منه شئ ولا خلاف بين الآية والحديث على ما نبين إن شاء الله تعالى
فنقول: انه إن كان حديث عبادة قبل نزول الآية فقد صح ما في حكم حديث عبادة
من الجلد والغريب والرجم وكانت الآية وردت ببعض ما في حديث عبادة وأحالنا
الله تعالى في باقي الحد على ما سلف في حديث عبادة وكما لم تكن الآية مانعة عندهم من
الرجم الذي ذكر في حديث عبادة قبل نزولها بزعمهم ولم يذكر فيها فكذلك ليست
مانعة من التغريب الذي ذكر في حديث عبادة قبل نزولها بزعمهم ولم يذكر فيها ولا
فرق، هذا هو الحكم الذي لا يجوز تعديه إن كان حديث عبادة قبل نزول الآية كما
ادعوا، وإن كان حديث عبادة بعد نزول الآية فقد جاء بما في الآية من الجلد وزيادة
الرجم والتغريب وكل ذلك حق ولم يكن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة
" قد جعل الله لهن سبيلا " بموجب أن يكون قبل نزول الآية ولا بد بل قد تنزل الآية
187

ببعض الذي جعله الله تعالى لهن ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة تمام السبيل وهو
الرجم والتغريب المضافان إلى ما في الآية من الجلد وبالله تعالى التوفيق *
2194 مسألة من أصاب حدا ولم يدر بتحريمه * قال أبو محمد رحمه الله:
من أصاب شيئا محرما فيه حد أو لا حد فيه وهو جاهل بتحريم الله تعالى له فلا شئ
عليه فيه لا اثم ولا حد ولا ملامة لكن يعلم فان عاد أقيم عليه حد الله تعالى فان ادعى
جهالة نظر فإن كان ذلك ممكنا فلا حد عليه أصلا، وقد قال قوم بتحليفه ولا نرى
عليه حدا ولا تحليفا وإن كان متيقنا انه كاذب لم يلتفت إلى دعواه *
قال أبو محمد: برهان ذلك قول الله تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ) فان الحجة
على من بلغته النذارة لا من لم تبلغه، وقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا
وسعها) وليس في وسع أحد ان يعلم ما لم يبلغه لأنه علم غيب وإذا لم يكن ذلك في وسعه
فلا يكلف الله أحدا الا ما في وسعه فهو غير مكلف تلك القصة فلا اثم عليه فيما لم يكلفه
ولا حد ولا ملامة وإنما سقط هذا عمن يمكن أن يعلم ويمكن أن يجله فلقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام، وقد
جاءت في هذا عن السلف آثار كثيرة كما روينا عن سعيد بن المسيب ان عاملا لعمر
ابن الخطاب كتب إلى عمر يخبره أن رجلا اعترف عنده بالزنا فكتب إليه عمر ان
سله هل كان يعلم أنه حرام فان قال. نعم فأقم عليه الحد وان قال. لا فاعلمه انه حرام
فان عاد فاحدده * وعن الهيثم بن بدر عن حرقوص قال أتت امرأة إلى علي بن أبي طالب
فقالت إن زوجي زنى بجاريتي فقال صدقت هي وما لها لي حل فقال له علي: اذهب
ولا تعد كأنه درأ عنه الحد بالجهالة *
2195 مسألة المرتدين * قال أبو محمد رحمه الله: كل من صح عنه أنه
كان مسلما متبرئا من كل دين حاش دين لاسلام ثم ثبت عنه أنه ارتد عن الاسلام
وخرج إلى دين كتابي أو غير كتابي أو إلى غير دين فان الناس اختلفوا في حكمه فقالت
طائفة: لا يستتاب وقالت طائفة: يستتاب. وفرقت طائفة بين من أسر ردته وبين
من أعلنها وفرقت طائفة بين من ولد في الاسلام ثم ارتد وبين من أسلم بعد كفره
ثم ارتد ونحن ذاكرون إن شاء الله تعالى ما يسر الله تعالى لذكره فاما من قال: لا يستتابوا
فانقسموا قسمين فقالت طائفة: يقتل المرتد تاب أو لم يتب راجع الاسلام أو لم
يراجع * وقالت طائفة. ان بادر فتاب قبلت منه توبته وسقط عنه القتل وان لم تظهر
توبته انفذ عليه القتل، وأما من قال: يستتاب فإنهم انقسموا أقساما فطائفة
188

قالت. نستتيبه مرة فان تاب والا قتلناه، وطائفة قالت. نستتيبه ثلاث مرات فان تاب والا
قتلناه، وطائفة قالت. نستتيبه شهرا فان تاب والا قتلناه، وطائفة قالت. نستتيبه ثلاثة أيام
فان تاب والا قتلناه، وطائفة قالت. نستتيبه مائة مرة فان تاب والا قتلناه، وطائفة قالت.
يستتاب أبدا ولا يقتل، فأما من فرق بين المسر والمعلن فان طائفة قالت. من أسر ردته
قتلناه دون استتابة ولم نقبل توبته ومن أعلنها قبلنا توبته، وطائفة قالت: ان أقر
المسر وصدق النية قبلنا توبته وان لم يقر ولا صدق النية قتلناه ولم نقبل توبته قال هؤلاء.
وأما المعلن فتقبل توبته، وطائفة قالت لا فرق بين المسر والمعلن في شئ من ذلك
فطائفة قبلت توبتهما معا أقر المسر أو لم يقر، وطائفة لم تقبل توبة مسر ولا معلن *
قال أبو محمد رحمه الله: واختلفوا أيضا في الكافر الذمي أو الحربي يخرجان
من كفر إلى كفر، فقالت طائفة: يتركان على ذلك ولا يمنعان منه، وقالت طائفة:
لا يتركان على ذلك أصلا ثم افترق هؤلاء فرقتين، فقالت طائفة: ان رجع الذمي
إلى دينه الذي خرج عنه ترك والا قتل، وقالت طائفة: لا يقبل منه شئ غير الاسلام
وحده والا قتل ولا يترك على الدين الذي خرج إليه ولا يترك أيضا ان يرجع إلى الذي
خرج عنه لكن ان أسلم ترك وان أبى قتل ولا بد *
قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا
محمد بن بشار ني حماد بن مسعدة ناقرة - هو ابن خالد - عن حميد بن هلال عن أبي بردة
ابن أبي موسى الأشعري عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن ثم ارسل معاذ بن جبل
بعد ذلك فلما قدم قال. يا أيها الناس أني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم فألقى له
أبو موسى وسادة ليجلس عليها فأتى برجل كان يهوديا فأسلم ثم كفر فقال معاذ: لا أجلس
حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فلما قتل قعد * ومن طريق البخاري نا يحيى
ابن سعيد القطان عن قرة بن خالد قال: حدثني حميد بن هلال أخبرني أبو بردة بن
أبي موسى الأشعري عن أبي موسى الأشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:
" اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن " ثم اتبعه معاذ بن جبل فلما
قدم عليه ألقي له وسادة قال: وإذا رجل موثق فقال: ما هذا؟ قال: كان يهوديا
فأسلم ثم تهود قال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل
في حديث * وعن أيوب السختياني عن عكرمة قال: أتى علي بن أبي طالب بزنادقة
فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم
189

" لا تعذبوا بعذاب الله " ولقتلتهم وذكر باقي الحديث * وعن أبي عمرو الشيباني أن
رجلا من بني عجل تنصر فكتب بذلك عيينة بن فرقد السلمي إلى علي بن أبي طالب
فكتب علي أن يؤتى به فجئ به حتى طرح بين يديه رجل أشعر عليه ثياب صوف
موثوق في الحديد فكلمه علي فأطال كلامه وهو ساكت فقال: لا أدري ما تقول؟ غير
أني أعلم أن عيسى ابن الله فلما قالها قام إليه علي فوطئه فلما رأى الناس أن عليا قد
وطئه قاموا فوطئوه فقال علي: امسكوا فأمسكوا حتى قتلوه ثم أمر به علي فأحرق
بالنار * وعن أنس بن مالك قال. بعثني أبو موسى الأشعري بفتح تستر إلى عمر بن
الخطاب فسألني عمر وكان نفر ستة من بكر بن وائل قد ارتدوا عن الاسلام ولحقوا
بالمشركين فقال: ما فعل النفر من بكر؟ قال: فأخذت في حديث آخر لأشغله عنهم فقال.
ما فعل النفر من بكر بن واثل؟ قلت. يا أمير المؤمنين قوم ارتدوا عن الاسلام ولحقوا
بالمشركين ما سبيلهم إلا القتل فقال عمر: لان أكون أخذتهم سلما أحب إلي مما
طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء وذكر باقي الخبر * وأما من قال: يستتاب
مرة فان تاب والا قتل لما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله
ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه قال أخذ ابن مسعود قوما ارتدوا عن الاسلام من
أهل العراق فكتب فيهم إلى عثمان فرد إليه عثمان أن أعرض عليهم دين الحق وشهادة
أن لا إله إلا الله فان قبلوها فخل عنهم وان لم يقبلوها فاقتلهم فقبلها بعضهم فتركه ولم
يقبلها بعضهم فقتله * وعن أبي عمرو الشيباني قال: أتي علي بن أبي طالب بشيخ كان
نصرانيا فأسلم ثم ارتد عن الاسلام فقال له علي: لعلك إنما ارتددت لان تصيب
ميراثا ثم ترجع إلى الاسلام؟ قال: لا قال. فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها
فأردت أن تزوجها ثم تعود إلى الاسلام؟ قال: لا قال: فارجع إلى الاسلام قال لا
حتى ألقى المسيح قال. فامر به علي فضربت عنقه ودفع ميراثه إلى ولده المسلمين *
وعن أبي عمرو الشيباني أن المسور العجلي تنصر بعد اسلامه فبعث به عتبة بن أبي
وقاص إلى علي فاستتابه فلم يتب فقتله فسأله النصارى جيفته بثلاثين ألفا فأبى علي
واحرقه * واما من قال يستتاب ثلاث مرات فلما روينا من طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى انه بلغه عن عثمان بن عفان انه كفر انسان
بعد ايمانه فدعاه إلى الاسلام ثلاثا فأبى فقتله * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني حيان عن ابن شهاب أنه قال إذا أشرك المسلم دعي إلى الاسلام ثلاث مرات
فان أبى ضربت عنقه * واما من قال: يستتاب ثلاثة أيام فان تاب والا قتل فهو
190

قول مالك. وأصحابه، واحد قولي الشافعي * واما من قال يستتاب مرة فان تاب والا قتل فهو
قول الحسن بن حي * واما من قال: يستتاب شهرا فكما روينا من طريق عبد الرزاق نا عثمان عن
سعيد بن أبي عروبة عن أبي العلاء عن أبي عثمان النهدي ان عليا استتاب رجلا كفر بعد
اسلامه شهرا فأبى فقتله * وقد روي هذا عن مالك وعن بعض أهل مذهبه * واما من قال:
يستتاب شهرين فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن حميد بن
هلال عن أبي بردة قال: قدم على أبي موسى الأشعري معاذ بن جبل من اليمن
وإذا برجل عنده فقال: ما هذا؟ فقال: رجل كان يهوديا فأسلم ثم تهود ونحن
نريده على الاسلام منذ أحسبه قال: شهرين قال معاذ: والله لا أقعد حتى تضربوا
عنقه فضربت عنقه ثم قال معاذ: قضاء الله ورسوله * حدثنا عبد الوهاب - هو ابن عطاء
الخفاف - أنا سعيد عن أيوب عن حميد بن هلال أن معاذ بن جبل قدم على أبي موسى اليمن
فوجد عنده رجلا قد تهود وعرض عليه أبو موسى الاسلام شهرين فقال معاذ: والله
لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله * وأما من قال: يستتاب أبدا دون قتل فلما
نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال
نا حماد بن سلمة أنا داود - هو ابن أبي هند - عن الشعبي عن أنس بن مالك أن أبا موسى
الأشعري قتل جحينة الكذاب وأصحابه قال أنس: فقدمت على عمر بن الخطاب
فقال: ما فعل جحينة وأصحابه قال: فتغافلت عنه ثلاث مرات فقلت: يا أمير المؤمنين
وهل كان سبيل إلى القتل؟ فقال عمر: لو أتيت بهم لعرضت عليهم الاسلام فان تابوا
وإلا استودعتهم السجن * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني
محمد بن عبد الرحمن بن عبد القاري عن أبيه قال: قدم مجزاة بن ثور أو شقيق بن ثور على عمر
يبشره بفتح تستر فقال له عمر: هل كانت مغربة يخبرنا بها؟ قال: لا إلا أن رجلا من
العرب ارتد فضربنا عنقه قال عمر. ويحكم فهلا طينتم عليه بابا وفتحتم له كرة فأطعمتموه
كل يوم منها رغيفا وسقيتموه كوزا من ماء ثلاثة أيام ثم عرضتم عليه الاسلام في
الثالثة فلعله أن يرجع اللهم لم أحضر ولو آمر ولم أعلم * وأما من قال: أربعين يوما
فلما روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن مسلمة بن علي عن رجل
عن قتادة أن رجلا يهوديا أسلم ثم ارتد عن الاسلام فحبسه أبو موسى الأشعري
أربعين يوما يدعوه إلى الاسلام فأتاه معاذ بن جبل فرآه عنده فقال: لا أنزل حتى
تضرب عنقه فلم ينزل حتى ضربت عنقه * وأما من ارتد من كفر إلى كفر فان أبا حنيفة
ومالكا قالا جميعا يقر على ذلك ولا يعترض عليه، وقال الشافعي، وأبو سليمان،
191

وأصحابهما: لا يقر على ذلك، ثم اختلف قول الشافعي: فمرة قال: ان رجع إلى الكفر
الذي تذمم عليه ترك والا قتل إلا أن يسلم، ومرة قال: لا يقبل منه الرجوع إلى الدين
الذي خرج عنه لا بد له من الاسلام أو السيف. وبهذا يقول أصحابنا: *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في قول من قال: انه يستتاب مرة فان تاب
والا قتل فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال تعالى: (وافعلوا الخير)، وقال تعالى:
(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) الآية فكانت الاستتابة فعل خير ودعاء إلى
سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة ودعاء إلى الخير وأمرا بالمعروف ونهيا عن
المنكر، فكان ذلك واجبا، وكان فاعله مصلحا. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال لعلي: لان يهدى الله بهداك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم، قالوا:
فهذا لا ينبغي أن يزهد فيه، قالوا: وقد فعله علي. وعثمان. وابن مسعود، وروي عن
أبي بكر، وعمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم *
قال أبو محمد رحمه الله: لا نعلم لهم حجة غير هذا أصلا فعارضهم من قال:
لا أستتيبه بأن قالوا: بأن الدعاء إلى سبيل الله تعالى لا يخلو من أن يجب مرة أو عددا
محدودا أو أكثر من مرة أو أبدا ما امتد العمر بلا نهاية ولا سبيل إلى قسم رابع قال.
فان قلتم انه يجب أبدا ما امتد العمر بلا نهاية تركتم قولكم وصرتم إلى قول من رأى
أن يستتاب المرتد أبدا ولا يقتل وهذا ليس هو قولكم ولو كان لكنا قد أبطلناه
آنفا، ولو كان هذا أيضا لبطل الجهاد جملة لان الدعاء كان يلزم أبدا مكررا بلا نهاية
وهذا قول لا يقوله مسلم أصلا وليس دعاء المرتد - وهو أحد الكفار - بأوجب من
دعاء غيره من أهل الكفر الحربيين فسقط هذا القول وبالله تعالى التوفيق *
(وان قلتم) إنه يجب عددا محدودا أكثر من مرة كنتم قائلين بلا دليل وهذا باطل لقول
الله تعالى. (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) وليس قول من قال. يستتاب
مرتين بأولى ممن قال. ثلاثة ولا ممن قال أربعا أو خمسا أو أكثر من ذلك، وكل
هذه الأقوال بلا برهان فسقط هذا القول بلا شك فلم يبق الا قول من قال. يدعى
مرة فيقال له: إن من أسلم ثم ارتد قد تقدم دعاؤه إلى الاسلام حين أسلم بلا شك
إن كان دخيلا في الاسلام أو حين بلغ وعلم شرائع الدين هذا ما لا شك فيه وقد قلنا إن
التكرار لا يلزم فالواجب إقامة الحد عليه إذ قد اتفقنا نحن وأنتم على وجوب
192

قتله ان لم يراجع الاسلام، فالاشتغال عن ذلك وتأخيره باستتابة ودعاء لا يلزمان
ترك الإقامة عليه وهذا لا يجوز، قالوا. ونحن لم نمنع من دعائه إلى الاسلام في خلال ذلك
دون تأخير لإقامة الحق عليه ولا تضييع له وإنما كلامنا هل يجب دعاؤه واستتابته
فرضا أم لا؟ فهنا اختلفنا فأوجبتموه بلا برهان ولم نوجب نحن ولا منعنا *
(فان قلتم): ندعوه مرة بعد الدعاء الأول السالف لم تكونوا بأولى ممن قال. بل ادعوه
مرة ثانية أيضا بعد هذه المرة، أو ممن قال. بل الثالثة بعد الثانية، أو ممن قال. بل
الرابعة بعد الثالثة وهكذا أبدا فبطل بلا شك ما أوجبتم فرضا من استتابته مرة واحدة
فأكثر، قال. وأما قولكم فإنه قد روي عن أبي بكر، وعمر، وصح عن عثمان،
وعلي، وابن مسعود بحضرة الصحابة رضي الله عنهم فلا حجة لكم في هذا * أما الرواية
عن أبي بكر فلا تصح لان الطريق في كلتي الروايتين عن ابن لهيعة وهو ساقط. وأما الحكم
في أهل الردة فهو أمر مشهور نقل الكواف لا يقدر أحد على انكاره الا أنه لا حجة لكم
فيه لان أهل الردة كانوا قسمين، قسما لم يؤمن قط كأصحاب مسيلمة. وسجاح فهؤلاء حربيون لم
يسلموا قط لا يختلف أحد في أنهم تقبل توبتهم واسلامهم والقسم الثاني قوم أسلموا ولم يكفروا
بعد اسلامهم لكن منعوا الزكاة من أن يدفعوها إلى أبي بكر رضي الله عنه فعلى هذا قوتلوا،
ولا يختلف الحنيفيون. ولا الشافعيون في أن هؤلاء ليس لهم حكم المرتد أصلا وهم قد خالفوا
فعل أبي بكر فيهم ولا يسميهم أهل ردة، ودليل ما قلنا شعر الحطيئة المشهور الذي يقول فيه: *
أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا لهفنا ما بال دين أبي بكر
أيورثها بكرا إذا مات بعده * فتلك لعمر الله قاصمة الظهر
وان التي طالبتم فمنعتم لكا * للنمر أو أحلى لدى من التمر
فدا لبني بكر بن ذودان رحلي ونا * قتى عشية يحدي بالرماح أبو بكر
فهو مقر برسول الله صلى الله عليه وسلم كما ترى فقد يمكن أن يكون الأشعث من هؤلاء وغيره
وما يبعد أن يكون فيهم قوم ارتدوا جملة كمن آمر بطليحة ونحو هؤلاء الا أن هذا
لا ينسند فلو صح لما كانت فيه حجة لان الخلاف في ذلك موجود بين الصحابة رضي
الله عنهم ومن قال: بقتل المرتد ولا بد دون ذكر استتابة أو قبولها كما أوردنا عن
معاذ. وأبي موسى وأنس. وابن عباس. ومعقل بن مقرن، ومنهم من قال: بالاستتابة
أبدا وايداع السجن فقط كما قد صح عن عمر مما قد أوردنا قبل ووجوب القتال هو
حكم آخر غير وجوب القتل بعد القدرة فان قتال من بغى على المسلم أو منع حقا قبله
وحارب دونه فرض واجب بلا خلاف ولا حجة في قتال أبي بكر رضي الله عنه أهل
193

الردة لأنه حق بلا شك ولم نخالفكم في هذا ولا يصح أصلا عن أبي بكر أنه ظفر بمرتد
عن الاسلام غير ممتنع باستتابة فتاب فتركه أو لم يتب فقتله هذا ما لا يجدونه، وأما
من بدل كفرا بكفر آخر *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس فيمن خرج من كفر إلى كفر فقال
أبو حنيفة، ومالك. وأصحابهما، وأبو ثور: أنهم يقرون على ذلك ولا يعترض عليهم
وقال الشافعي، وأبو سليمان، وأصحابهما: لا يقرون على ذلك أصلا، ثم اختلفوا فقالت
طائفة من أصحاب الشافعي. ينبذ إليه عهده ويخرج إلى دار الحرب فان ظفر به بعد
ذلك فمرة قال. ان رجع إلى دينه الكتابي الذي خرج منه أقر على حربيته وترك، ومرة
قال: لا يترك بل لا يقبل منه الا الاسلام أو السيف. وبهذا يقول أصحابنا. الا أنهم
لا يرون إلحاقه بدار الحرب بل يجبر على الاسلام والا قتل *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا نظرنا في ذلك فوجدنا من قال. إنهم
يقرون على ذلك يحتجون بقول الله تعالى. (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض)
وأمره تعالى أن يقول مخاطبا لجميع الكفار. (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون
ولا أنتم عابدون ما أعبد) إلى آخر السورة قالوا. فجعل الله تعالى الكفر كله دينا
واحدا قالوا. وقد قال الله تعالى. (لا إكراه في الدين) فكان هذا ظاهرا يمنع من
اكراهه على ترك كفره قالوا. ولا يخلوا إذا أجبر على ترك الكفر الذي خرج إليه من
أحد وجهين ولا ثالث لهما، إما أن يجبر على الرجوع إلى دينه الذي خرج عنه كما
قال الشافعي في أحد قوليه.، أو يجبر على الرجوع إلى الاسلام كما قال هو في قوله الثاني،
وأصحابكم. فان أجبر على الرجوع إلى دينه فقد أجبر على اعتقاد الكفر وعلى الرجوع
إلى الكفر، قالوا. واعتقاد جواز هذا كفر، قالوا. وان أكره على الرجوع إلى
الاسلام فكيف يجوز أن يجبر على ذلك دون سائر أهل الكفر من أهل الذمة ولا
فرق بينه وبينهم فهو كافر وهم كفار ولا فرق *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا كل ما شغبوا به من النصوص الا أن بعضهم قال:
أرأيت من أحدث في نصرانية. أو يهودية. أو مجوسية رأيا لم يخرج به عن جملتهم
أتجبرونه على ترك ذلك الرأي والرجوع إلى جملتهم أو إلى الاسلام؟ وأرأيتم من خرج
من ملكية إلى نسطورية. أو يعقوبية. أو قادونية. أو معدونية فدان بعبودية المسيح
وأنه نبي الله وان الله تعالى وحده لا شريك له؟ أتجبرونه على الرجوع إلى التثليث، أو إلى
الرجوع إلى القول بأن الله هو المسيح بن مريم؟، وكذلك من خرج من ربانية إلى عامانية،
194

أو إلى عيسونية أتجبرونه على الرجوع عن الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى الكفر؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا كل ما موهوا به من التشنيع وكل هذا عائد
عليهم على ما نبين إن شاء الله تعالى، أما قول الله تعالى، (والذين كفروا بعضهم أولياء
بعض) فحق ولا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه الا أنهم كلهم أولياء بعضهم لبعض فقط وليس
في هذه الآية حكم إقرارهم، ولا حكم قتلهم، ولا حكم ما يفعل بهم في شئ من أمور بهم أصلا،
وكذلك قوله تعالى. (قل يا أيها الكافرون) إلى آخرها ليس فيها أيضا الا أننا مباينون
لجميع الكفار في العبادة والدين وليس في هذه السورة شئ من أحكامهم. لا من إقرارهم
ولا من ترك إقرارهم، وقد قال الله تعالى مخاطبا لنا: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) فمن تولاهم
منا فهو منهم كما قال تعالى: ان بعضهم أولياء بعض فهلا تركوا المرتد إليهم منا على ردته؟
باخبار الله تعالى انه منهم فإن لم تكن هذه الآية حجة في إقرار المرتد منا إليهم على ذلك فذانك
النصان ليسا بحجة فيما أرادوا التمويه بايرادهما من أن الخارج منهم من كفر إلى كفر
يقر على ذلك وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما قول الله تعالى: (لا إكراه في الدين) فلا حجة لهم فيه
لأنه لم يختلف أحد من الأمة كلها في أن هذه الآية ليست على ظاهرها لان الأمة مجمعة
على اكراه المرتد عن دينه. فمن قائل يكره ولا يقتل، ومن قائل يكره ويقتل *
(قان قالوا): خرج المرتد منا بدليل آخر عن حكم هذه الآية قلنا لهم وكذلك ان خرج المرتد
منهم من فر إلى كفر بدليل آخر عن حكم هذه الآية والا فهو كما قلتم: وان المحتجين بقول الله
تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) وبقول الله تعالى. (لكم دينكم ولي دين) في أن
الكفر كله ملة واحدة وشئ واحد هم أول من نقض الاحتجاج وخالفه وفرقوا بين أحكام
أهل الكفر فكلهم مجمع معنا على أن من أهل الكفر من تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم
وان منهم من لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما قولهم: لا يخلو من أجبر على ترك الكفر الذي خرج إليه
من أحد وجهين. إما أن يجبر على الرجوع إلى الكفر الذي خرج منه، وإما ان يجبر على
الاسلام فنعم أنه لا يخلو من أحدهما والذي نقول به فإنه يجبر على الرجوع إلى الاسلام
ولا بد ولا يترك يرجع إلى الدين الذي خرج منه (وأما قولهم). كيف يجوز أن يجبر
على الاسلام مع ما ذكرنا فجوابنا وبالله تعالى التوفيق انه ان لم يقم برهان من القرآن
والسنة على وجوب إجباره والا فهو قولكم *
قال أبو محمد رحمه الله: وكذلك قولهم: ان خرج من فرقة من النصارى إلى فرقة
195

أخرى فإننا لا نعترض عليهم على ما نبينه بعد إن شاء الله تعالى، فبقي الآن الكلام في احتجاجهم
بقول الله تعالى. (لا اكراه في الدين) فوجدنا الناس على قولين، أحدهما انها منسوخة، والثاني
أنها مخصوصة، فأما من قال إنها منسوخة فيحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل من الوثنين
فيقال لهم. وبالله تعالى التوفيق لم يختلف مسلمان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل من الوثنيين
من العرب الا الاسلام أو السيف إلى أن مات عليه السلام فهو إكراه في الدين فهذه الآية
منسوخة، وأما من قال إنها مخصوصة فإنهم قالوا. إنما نزلت في اليهود والنصارى خاصة
كما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لعجوز نصرانية أيتها العجوز أسلمي تسلمي ان الله تعالى
بعث الينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق فقالت العجوز وانا عجوز كبيرة وأموت إلى قريب قال عمر.
اللهم اشهد لا اكراه في الدين، وبما روينا عن ابن عباس قال. كانت المرأة تجعل على نفسها ان
عاش ولدها تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالت الأنصار.
لا ندع أبناءنا فأنزل الله تعالى (لا اكراه في الدين) فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل
الكفار إلى أن مات عليه السلام حتى أسلم من أسلم منهم، وصح عنه الاكراه في الدين
ثم نزل بعد ذلك (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) الآية
إلى قوله تعالى. (فخلوا سبيلهم) ونزل قوله تعالى. (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر) إلى قوله تعالى. (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فان قال قائل: فأين
أنتم من قوله تعالى. (فانبذوا إليهم على سواء) فيقال لهم. لا يختلف اثنان في أن هذه الآية نزلت
قبل نزول براءة فإذ ذلك كذلك فان براءة نسخت كل حكم تقدم وأبطلت كل عهد سلف
بقوله تعالى: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله الا الذين عاهدتم عند
المسجد الحرام) وإنما كانت آية النبذ على سواء أيام كانت المهادنات جائزة. وأما بعد
نزول (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) فلا يحل ترك مشرك
أصلا إلا بأن يقتل أو يسلم أو ينبذ إليه عهده بعد التمكن من قتله حيث وجد إلا أن يكون
من أبناء الذين أوتوا الكتاب فيقر على الجزية والصغار كما أمر الله تعالى أو يكون
مستجيرا فيجار حتى يقرأ عليه القرآن ثم يرد إلى مأمنه ولا بد إلى أن يسلم ولا يترك
أكثر من ذلك أو رسولا فيترك مدة أداء رسالته وأخذ جوابه ثم يرد إلى بلده وما عدا
هؤلاء فالقتل ولا بد أو الاسلام كما أمر الله تعالى في نص القرآن وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فان ذكروا ما نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا أحمد بن خالد نا عبيد الله بن محمد
الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال: حديث رفع إلى علي
في يهودي تزندق ونصراني تزندق قال. دعوه يحول من دين إلى دين *
196

قال أبو محمد رحمه الله: هذا لم يصح عن علي لأنه منقطع ولم يولد ابن جريج الا
بعد نحو نيف وثلاثين عاما من موت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا حجة في أحد
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم من قولة لعلي صحيحة قد خالفوها وبالله تعالى التوفيق *
2196 - مسألة - ميراث المرتد، قال أبو محمد رحمه الله: اختلف
الناس في ميراثه فقالت طائفة. هو لورثته من المسلمين كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد
ابن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا موسى بن
مسعود أبو حذيفة نا سفيان عن سماك بن حرب عن دثار بن يزيد بن عبيد بن الأبرص
الأسدي ان علي بن أبي طالب قال: ميراث المرتد لولده * وعن الأعمش عن الشيباني
قال: أتي علي بن أبي طالب بشيخ كان نصرانيا فأسلم ثم ارتد عن الاسلام فقال له علي:
لعلك إنما ارتددت لان تصيب ميراثا ثم ترجع إلى الاسلام قال: لا قال: فلعلك
خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها فأردت أن تزوجها ثم تعود إلى الاسلام قال:
لا قال: فارجع إلى الاسلام قال. لا حتى ألقى المسيح فأمر به فضربت عنقه فدفع ميراثه
إلى ولده من المسلمين * وعن ابن مسعود بمثله، وقالت طائفة. بهذا منهم الليث بن
سعد. وإسحاق بن راهويه، وقال الأوزاعي: ان قتل في أرض الاسلام فما له لورثته
من المسلمين، وقالت طائفة: إن كان له وارث على دينه فهو أحق به والا فماله لورثته
من المسلمين كما روينا من طريق عبد الرزاق عن إسحاق بن راشد أن عمر بن عبد العزيز
كتب في رجل من المسلمين أسر فتنصر إذا علم ذلك ترث منه امرأته وتعتد ثلاثة
قروء ودفع ماله إلى ورثته من المسلمين لا أعلمه قال. إلا أن يكون له وارث على دينه
في أرض فهو أحق به، وقالت طائفة: ميراثه لأهل دينه فقط كما روينا من طريق
عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة قال: ميراث المرتد لأهل دين، قال عبد الرزاق.
أنبأنا ابن جريج قال. الناس فريقان. منهم من يقول. ميراث المرتد للمسلمين لأنه
ساعة يكفر يوقف فلا يقدر منه على شئ حتى ينظر أيسلم أم يكفر؟ منهم النخعي.
والشعبي. والحكم بن عتيبة، وفريق يقول. لأهل دينه، وقالت طائفة. ان راجع
الاسلام فماله له وان قتل فماله لبيت مال المسلمين لا لورثته من الكفار قال بهذا
ربيعة. ومالك. وابن أبي ليلى. والشافعي، وقالت طائفة ان راجع الاسلام فماله له
وان قتل فماله لورثته من الكفار، قال بهذا أبو سليمان. وأصحابنا. وقال أبو حنيفة
وأصحابه. ان قتل المرتد فماله لورثته من المسلمين وترثه زوجته كسائر ورثته وان
فر ولحق بأرض الحرب وترك ماله عندنا فان القاضي يقضي بذلك ويعتق أمهات أولاده
197

ومدبره ويقسم ماله بين ورثته من المسلمين على كتاب الله تعالى، فان جاء مسلما أخذ
من ماله ما وجد في أيدي ورثته ولا ضمان عليهم فيما استهلكوه، هذا فيما كان بيده
قبل الردة، وأما ما اكتسبه في حال ردته ثم قتل أو مات فهو في، للمسلمين، وقالت
طائفة. مال المرتد ساعة يرتد لجميع المسلمين قتل أو مات أو لحق بأرض الحرب أو
راجع الاسلام كل ذلك سواء وهو قول بعض أصحاب مالك: ذكر ذلك ابن شعبان
عنه. وأشهب *
قال أبو محمد رحمه الله. فلما اختلفوا نظرنا في ذلك فكان الثابت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم من أنه لا يرث المسلم الكافر مانعا من توريث ولد المرتد وهم مسلمون مال
أبيهم المرتد لأنه كافر وهم مسلمون * نا بهذا الحديث جماعة ومن جملتهم ما ناه عبد
الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق بن السليم نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا مسدد نا سفيان
عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال. " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "
وهذا عموم منه عليه السلام لم يخص منه مرتد من غيره (وما كان ربك نسيا)،
ولو أراد الله أن يخص المرتد من ذلك لما أغفله ولا أهمله بل قد حض الله تعالى
على أن المرتد من جملة الكفار بقوله تعالى. (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) فسقط
هذا القول جملة وبالله تعالى التوفيق *
2197 - مسألة وصية المرتد وتدبيره، قال أبو محمد. كل وصية أوصى بها
قبل ردته أو في حين ردته بما يوافق البر ودين الاسلام فكل ذلك نافذ في ماله الذي
لم يقدر عليه حتى قتل لأنه ماله وحكمه نافذ فإذا قتل أو مات فقد وجبت فيه وصاياه
بموته قبل أن يقدر على ذلك المال، وأما إذا قدرنا عليه قبل موته من عبد وذمي أو
مال فهو للمسلمين كله لا تنفذ فيه وصية لأنه إذا وجبت الوصية بموته لم يكن ذلك
المال له بعد ولا تنفذ وصية أحد فيما لا يملكه *
2198 - مسألة - من صار مختارا إلى أرض الحرب مشاقا للمسلمين أمرتد
هو بذلك أم لا؟ ومن اعتضد بأهل الحرب على أهل الاسلام وان لم يفارق دار
الاسلام أمرتد هو بذلك أم لا؟ * قال أبو محمد نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن
معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن قدامة عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال.
كان جرير يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وان مات مات كافرا
فأبق غلام لجرير فاخذه فضرب عنقه * وبه إلى أحمد بن شعيب أنا قتيبة نا حميد بن
198

عبد الرحمن عن أبيه عن أبي إسحاق عن الشعبي عن جرير بن عبد الله البجلي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. " إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه " * ومن طريق مسلم
نا علي بن حجر السعدي نا إسماعيل - يعني ابن علية - عن منصور بن عبد الرحمن عن
الشعبي عن جرير أنه سمعه يقول. أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم قال
منصور. قد والله روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أكره أن يروي عني ههنا بالبصرة *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا هناد بن السري
نا أبو معاوية - هو ابن أبي حازم الضرير - عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي
حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم
فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف
العقل وقال: انا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا. يا رسول الله
لا تتراءى ناراهما " *
قال أبو محمد رحمه الله. حديث الشعبي عن جرير الذي قدمنا هو من طريق منصور
ابن عبد الرحمن عن الشعبي موقوف على جرير فلا وجه للاشتغال به، وهو من طريق
مغيرة عن الشعبي مسند الا أن فيه أن العبد بإقامته يكون كافرا فظاهره في المملوك لان
الحر لا يوصف بإباق في المعهود لكن رواية أبي إسحاق عن الشعبي في هذا الخبر بيان
انه في الحر والمملوك وبيان الإباق الذي يكفر به وهو إباقه إلى أرض الشرك والعبد
واقع على كل أحد لان كل أحد عبد الله تعالى كما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن
إبراهيم الحنظلي أنا سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
" سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول. قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي
ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي " فقوله تعالى: إذا قال
العبد عني به الحر والمملوك بلا شك والإباق مطلق على الحر أيضا قال الله تعالى (إذ
أبق إلى الفلك المشحون) فأخبر تعالى عن رسوله الحر يونس بن متى صلى الله عليه وسلم انه أبق إذ
خرج مغاضبا لأمر ربه تعالى وقد علمنا أن من خرج عن دار الاسلام إلى دار الحرب فقد
أبق عن الله تعالى. وعن امام المسلمين وجماعتهم ويبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم انه برئ من
كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهو عليه السلام لا يبرأ الا من كافر قال الله تعالى:
(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) *
قال أبو محمد رحمه الله. فصح بهذا ان من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا
لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه
199

متى قدر عليه ومن إباحة ماله وانفساخ نكاحه وغير ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يبرأ من مسلم، وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم
عليهم ولم يجد في المسلمين من يجيره فهذا لا شئ عليه لأنه مضطر مكره، وقد ذكرنا أن
الزهري محمد بن مسلم بن شهاب كان عازما على أنه ان مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض
الروم لان الوليد بن يزيد كان نذر دمه ان قدر عليه وهو كان الوالي بعد هشام فمن كان
هكذا فهو معذور، وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والصين والترك والسودان
والروم من المسلمين فإن كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر أو لقلة مال
أو لضعف جسم أو لامتناع طريق فهو معذور، فإن كان هنالك محاربا للمسلمين معينا
للكفار بخدمة أو كتابة فهو كافر وإن كان إنما يقيم هنالك لدنيا يصيبها وهو كالذمي
لهم وهو قادر على اللحاق بجمهرة المسلمين وأرضهم فما يبعد عن الكفر وما نرى له
عذرا ونسأل الله العافية، وليس كذلك من سكن في طاعة أهل الكفر من الغالية ومن
جرى مجراهم لان أرض مصر والقيروان وغيرهما فالاسلام هو الظاهر وولاتهم على
كل ذلك لا يجاهرون بالبراءة من الاسلام بل إلى الاسلام ينتمون وان كانوا في حقيقة
أمرهم كفارا، وأما من سكن في أرض القرامطة مختارا فكافر بلا شك لأنهم معلنون
بالكفر وترك الاسلام ونعوذ بالله من ذلك، وأما من سكن في بلد تظهر فيه بعض الأهواء
المخرجة إلى الكفر فهو ليس بكافر لان اسم الاسلام هو الظاهر هنالك على كل حال
من التوحيد والاقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والبراءة من كل دين غير الاسلام وإقامة
الصلاة وصيام رمضان وسائر الشرائع التي هي الاسلام والايمان والحمد لله رب
العالمين، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا برئ من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين "
يبين ما قلناه وانه عليه السلام إنما عنى بذلك دار الحرب وإلا فقد استعمل عليه السلام
عماله على خيبر وهم كلهم يهود، وإذا كان أهل الذمة في مدائنهم لا يماذجهم غيرهم فلا يماذجهم غيرهم فلا
يسمى الساكن فيهم لامارة عليهم أو لتجارة بينهم كافرا ولا مسيئا بل هو مسلم محسن
ودارهم دار اسلام لا دار شرك لان الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك
لها، ولو أن كافرا مجاهدا غلب على دار من دور الاسلام وأقر المسلمين بها على
حالهم الا أنه هو المالك لها المنفرد بنفسه في ضبطها وهو معلن بدين غير الاسلام لكفر
بالبقاء معه كل من عاونه وأقام معه وان ادعى أنه مسلم لما ذكرنا، وأما من حملته الحمية
من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من
خالفه من المسلمين أو على اخذ أموالهم أو سبيهم فان كانت يده هي الغالبة
200

وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق ولا يكون بذلك كافرا لأنه لم يأت شيئا
أوجب به عليه كفرا قرآن أو اجماع وإن كان حكم الكفار جاريا عليه فهو بذلك كافر
على ما ذكرنا فان كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافرا والله
أعلم، وإنما الكافر الذي برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقيم بين أظهر المشركين
وبالله تعالى التوفيق *
2199 مسألة - من المنافقين، والمرتدين قال قوم: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
عرف المنافقين وعرف أنهم مرتدون كفروا بعد اسلامهم وواجهه رجل بالتجوير
وأنه يقسم قسمة لا يراد بها وجه الله وهذه ردة صحيحة فلم يقتله قالوا: فصح أنه لا قتل
على مرتد ولو كان عليه قتل لأنفذ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنافقين المرتدين الذين قال
الله تعالى فيهم: (إذا جاءك المنافقون) إلى لقوله تعالى: (فهم لا يفقهون) *
قال أبو محمد: هذا كل ما احتجوا به ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون كل آية تعلق
بها متعلق في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف المنافقين بأعيانهم، ومبينون بعون الله تعالى
وتأييده أنهم قسمان، قسم لم يعرفهم قط عليه السلام، وقسم آخر افتضحوا فعرفهم فلا ذوا
بالتوبة ولم يعرفهم عليه السلام أنهم كاذبون أو صادقون في توبتهم فقط، فإذا بينا هذا
بعون الله تعالى بطل قول: من احتج بأمر المنافقين في أنه لا قتل على مرتد وبقي قول:
من رأي القتل بالتوبة، وأما إنه لا يسقط بالتوبة والبرهان على الصحيح من ذلك، فنقول
وبالله تعالى التوفيق، قال الله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر) إلى
قوله تعالى: (فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) فهذه أول آية في القرآن فيها ذكر المنافقين
وليس في شئ منها دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم ولا على أنه لم يعرفهم فلا
متعلق فيها لاحد من أهل القولين المذكورين: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا
بطانة من دونكم) إلى قوله تعالى: (ان الله بما تعملون محيط) ففي هذه الآية دليل على أن هؤلاء
القوم ممكن أن يكونوا معروفين لان الله تعالى أخبرنا أنهم من غيرنا بقوله تعالى: (من
دونكم) فإذ هم من غيرنا فممكن أن يكونوا من اليهود مكشوفين، وممكن أن يكون قوله
تعالى عنهم: (انهم قالوا آمنا) أي بما عندهم، وقد يمكن أيضا أن يكونوا من المنافقين
المظهرين للاسلام، وممكن ان الله تعالى أمرهم أن لا نتخذهم بطانة إذا أطلعنا منهم
على هذا، والوجه الأول أظهر وأقوى لظاهر الآية وإذ كلتا هما ممكن فلا متعلق في هذه
الآية لمن ذهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين بأعيانهم ويدري ان
باطنهم النفاق وقال تعالى. (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم) إلى قوله تعالى. (حتى يحكموك فيما
201

شجر بينهم) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا " في
كتاب مسلم وغيره " إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وان صام
وصلى وزعم أنه مسلم " * ومن طريق مسلم أيضا نا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله
ابن نمير قالا جميعا: نا عبد الله بن نمير نا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن
عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أربع من كن فيه كان منافقا
خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب
وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر " فقد صح أن ههنا نفاقا لا يكون
صاحبه كافرا، ونفاقا يكون صاحبه كافرا فيمكن أن يكون هؤلاء الذين أرادوا
التحاكم إلى الطاغوت لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مظهرين لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عصاة بطلب
الرجوع في الحكم إلى غيره معتقدين لصحة ذلك لكن رغبة في اتباع الهوى فلم يكونوا
بذلك كفارا بل عصاة فنحن نجد هذا عيانا عندنا فقد ندعو نحن عند الحاكم إلى القرآن
وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنهم باقرارهم فيأبون ذلك ويرضون برأي أبي حنيفة
ومالك. والشافعي هذا أمر لا ينكره أحد فلا يكونون بذلك كفارا، فقد يكون أولئك
هكذا حتى إذا بين الله تعالى أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر
بينهم وجب أن من وقف على هذا قديما وحديثا وإلى يوم القيامة فأبى وعند فهو كافر
وليس في الآية أن أولئك عندوا بعد نزول هذه الآية فإذ لا بيان فيها فلا حجة فيها لمن
يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم أنهم منافقون وأقرهم، وقال تعالى: (ويقولون
طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة) إلى قوله تعالى: (وكيلا) فهذا ليس فيه نص على
أنهم كانوا يظهرون الايمان بل لعلهم كانوا كفارا معلنين، وكانوا يلتزمون الطاعة
بالمسالمة فإذ لا نص فيها فلا حجة فيها لمن ادعى أنه عليه السلام كان يعرفهم ويدري أن
عقدهم النفاق، وقال تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين) إلى قوله. (وأولئكم جعلنا لكم
عليهم سلطانا مبينا)، وقد روينا من طريق البخاري نا أبو الوليد - هو الطيالسي - نا شعبة
عن عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد يحدث عن زيد بن ثابت قال. لما خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرقتين، فرقة تقول. نقاتلهم، وفرقة تقول. لا نقاتلهم فنزلت (فما لكم في المنافقين
فئتين) فهذا إسناد صحيح، وقد سمى الله تعالى أولئك منافقين، وأما قوله تعالى في
هذه الآية متصلا بذلك (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) إلى قوله تعالى:
(فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) فقد كان يمكن أن يظن أنه تعالى عنى بذلك أولئك
202

المنافقين وهو كان الأظهر لولا قوله تعالى. (فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا
في سبيل الله) فهذا يوضح غاية الايضاح أنه ابتداء حكم في قوم آخرين غير أولئك
المنافقين لان أولئك كانوا من سكان المدينة بلا شك وليس على سكان المدينة هجرة
بل الهجرة كانت إلى دارهم، فإذا كان ذلك كذلك فحكم الآية كلها انها في قوم
كفار لم يؤمنوا بعد وادعوا أنهم آمنوا ولم يهاجروا، وكان الحكم حينئذ ان من آمن
ولم يهاجر لم ينتفع بايمانه وكان كافرا كسائر الكفار ولا فرق حتى يهاجر الا من
أبيح له سكنى بلده كمن بأرض الحبشة والبحرين وسائر من أبيح له سكنى أرضه الا
المستضعفين قال الله تعالى. (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى
يهاجروا) وقد قال تعالى. (المؤمنون بعضهم أولياء بعض) فقد قطع الله تعالى الولاية
بيننا وبينهم فليسوا مؤمنين وقال تعالى. (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا
فيم كنتم) إلى قوله (الا المستضعفين) الآية فان قال قائل. معنى حتى يهاجروا في سبيل الله
أي حتى يجاهدوا معكم بخلاف فعلهم حين انصرفوا عن أحد وأرادوا أن يجعلوا الآية
كلها في المنافقين المنصرفين عن أحد قيل له وبالله تعالى التوفيق، هذا ممكن ولكن قد
قال تعالى. (فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) فأخبرونا هل فعل ذلك النبي عليه
السلام فقتل الراجعين عن أحد حيث وجدهم؟ وهل اخذهم أم لا؟ *
(فان قالوا): قد فعل ذلك كذبوا كذبا لا يخفى على أحد وما عند مسلم شك
في أنه عليه السلام لم يقتل منهم أحدا ولا نبذ العهد إلى أحد منهم (وان قالوا). لم يفعل ذلك
عليه السلام ولا المؤمنون (قيل لهم). صدقتم ولا يحل لمسلم ان يظن أن النبي عليه السلام خالف
امر ربه فأمره تعالى ان تولوا بقتلهم حيث وجدهم وبأخذهم فلم يفعل وهذا كفر ممن
ظنه بلا شك (فان قالوا). لم يتولوا بل تابوا ورجعوا وجاهدوا قيل لهم فقد سقط حكم
النفاق عنهم بلا شك وحصل لهم حكم الاسلام بظاهر الآية بلا شك فقد بطل تعلقهم
بهذه الآية جملة في أنه عليه السلام كان يعرف المنافقين ولكن في قوله تعالى. (إلا
الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم) إلى قوله تعالى.
(فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) بيان جلي بان هؤلاء لم يكونوا قط من الأوس ولا
من الخزرج لأنهم لم يكن لهم قوم محاربون للنبي عليه السلام ولا نسبوا قط إلى قوم
معاهدين النبي عليه السلام بميثاق معقود هذا مع قوله تعالى. (فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم)
إلى قوله تعالى. (سبيلا) فان هذا بيان جلي على أنهم من غير الأنصار ومن غير المنافقين
لكن من الكفار المجاهرين بالكفر الا ان يقول قائل. ان قوله تعالى. (الا الذين
203

يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) استثناء منقطع مما قبله في قوله. (آخرين) وعلى
كل حال فقد سقط حكم النفاق على أولئك إن كان هكذا. (فان قيل). فإن كان الامر
كما قلتم ان في قوله تعالى. (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) انه في قوم
من الكفار غير أولئك فحسبنا انه تعالى قد سمى أولئك الراجعين منافقين فصاروا
معروفين قيل له وبالله تعالى التوفيق، قد قلنا إن النفاق قسمان قسم لمن يظهر الكفر
ويبطن الايمان وقسم لمن يظهر غير ما يصر فما سوى الدين ولا يكون بذلك كافرا، وقد
قيل لابن عمر. انا ندخل على الامام فيقضي بالقضاء فنراه جورا فنمسك فقال. انا معشر
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعد هذا نفاقا فلا ندري ما تعدونه أنتم وقد ذكرنا قبل قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم. " ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا وان صلى وان صام وقال إني
مسلم " فإذ الامر كذلك فلا يجوز ان نقطع عليهم بالكفر الذي هو ضد الاسلام الا بنص
ولكنا نقطع عليهم بما قطع الله تعالى به من اسم النفاق والضلالة والاركاس وخلاف
الهدى ولا نزيد ولا نتعدى ما نص الله تعالى عليه بآرائنا وبالله تعالى التوفيق، وقال
الله تعالى. (بشر المنافقين بان لهم عذابا أليما) إلى قوله. (أجرا عظيما) *
قال أبو محمد. اما هؤلاء فمنافقون النفاق الذي هو الكفر فلا شك لنصه تعالى
على أنهم مذبذبون لا إلى المؤمنين ولا إلى المجاهرين بالكفر في نار جهنم وانهم أشد
عذابا من الكفار بكونهم في الدرك الأسفل من النار ولكن ليس في شئ من هذه الآيات
كلها انه عليه السلام عرفهم بأعيانهم وعرف نفاقهم إذ لا دليل على ذلك فلا حجة فيها
لمن ادعى انه عليه السلام عرفهم وعرف نفاقهم، ثم لو كان ذلك لكان قوله تعالى.
(ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار) إلى قوله تعالى. (أجرا عظيما) موجبا لقبول
توبتهم إذا تابوا وهم قد أظهروا التوبة والندم والاقرار بالايمان بلا شك فبطل عنهم
بهذا حكم النفاق جملة في الدنيا وبقي باطن أمرهم إلى الله تعالى، وهذه الآية تقضي
على كل آية فيها نص بأنه عليه السلام عرف منافقا بعينه وعرف نفاقه قال الله
تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى بعضهم) إلى قوله تعالى.
(فأصبحوا خاسرين) *
قال أبو محمد رحمه الله: فأخبر الله تعالى عن قوم يسارعون في الذين كفروا
حذرا أن تصيبهم دائرة وأخبر تعالى عن الذين آمنوا انهم يقولون للكافرين: (أهؤلاء
الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم لمعكم) يعنون الذين يسارعون فيهم قال الله
تعالى: (حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) فهذا لا يكون الا خبرا عن قوم أظهروا
204

الميل إلى الكفار فكانوا منهم كفارا خائبي الاعمال ولا يكونون في الأغلب
الا معروفين لكن قوله تعالى: (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) دليل
على ندامتهم على ما سلف منهم وأن التوبة لهم معرضة على ما في الآية التي ذكرنا
قبل هذه، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)
إلى قوله تعالى: (لا تعلمهم نحن نعلمهم) *
قال أبو محمد: فهذه في المنافقين بلا شك، وقد نص الله تعالى على أن المسلمين
لا يعلمونهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطب بهذا الخطاب مع المسلمين بلا شك فهو
لا يعلمهم، والله تعالى يعلمهم، وقال تعالى: (لو كان عرضا قريبا وسفر قاصدا
لاتبعوك) إلى قوله تعالى: (كارهون) *
قال أبو محمد رحمه الله: ليس في أول الآية الا أنهم يحلفون كاذبين وهم يعلمون
كذبهم في ذلك وأنهم يهلكون أنفسهم بذلك وهذه صفة كل عاص في معصيته،
وفي الآية أيضا معاتبة الله تعالى نبيه عليه السلام على إذنه لهم، وأما قوله تعالى:
(لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر) إلى قوله تعالى: (يترددون)
فان وجه هذه الآية التي يجب أن لا تصرف عنه إلى غيره بغير نص، ولا اجماع أنه
في المستأنف لان لفظها لفظ الاستقبال، ولا خلاف في هذه الآية أنها نزلت بعد
تبوك ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تبوك غزوة أصلا ولكنها نقطع على أنها لو
كانت هنالك غزوة بعد تبوك وبعد نزول الآية فاستأذن قوم منهم النبي صلى الله عليه وسلم في
القعود دون عذر لهم في ذلك لكانوا بلا شك مرتابة قلوبهم كفارا بالله تعالى
وباليوم الآخر مترددين في الريب فبطل تعلقهم بهذه الآية، ثم قوله تعالى: (ولو أرادوا
الخروج لاعدوا له عدة) إلى قوله تعالى. (كارهون) فهذه أخبار عما خلا لهم وعن
سيأت اقترفوها وليس فيها شئ يوجب لهم الكفر حتى لو كانوا معروفين بأعيانهم
وبالله تعالى التوفيق * وقوله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لي) إلى قوله تعالى: (وهم فرحون) *
قال أبو محمد رحمه الله. قد قيل: إن هذه الآية نزلت في الحر بن قيس وهذا
لا ينسند البتة وإنما هو منقطع من أخبار المغازي ولكن على كل حال يقال: هذا كان
معروفا بلا شك وليس في الآية أنه كفر بذلك ولكنه عصى و (1) وأذنب، وبلى إن جهنم
لمحيطة بالكافرين ولا يجوز أن يقطع بهذا النص على أن ذلك القائل كان من الكافرين،
وأما الذي أخبر الله تعالى بأنه ان أصابت رسوله عليه السلام سيئته ومصيبته تولوا

(1) هنا سقط كلمة في جميع الأصول التي بأيدينا
205

وهم فرحون أو انه ان أصابته حسنة ساءتهم فهؤلاء كفار بلا شك وليس في الآية نص
على أن القائل. ائذن لي ولا تفتني كان منهم، ولا فيها نص على أنه عليه السلام عرفهم
وعرف نفاقهم فبطل تعلقهم بهذه الآية، وقال تعالى: (قل أنفقوا طوعا أو كرها
لن يقبل منكم) إلى قوله. (يفرقون) *
قال أبو محمد: أما هؤلاء فكفار بلا شك مظهرون للاسلام ولكن ليس
في الآية أنه عليه السلام عرفهم بأعيانهم ولا دليل فيها على ذلك أصلا وإنما هي
صفة وصفها الله تعالى فيهم ليميزوها من أنفسهم، وليس في قوله تعالى: (فلا يعجبك
أموالهم ولا أولادهم)، دليل على أنه كان يعرفهم بأعيانهم وأنه كان يعرف نفاقهم
بل قد كان للفضلاء من الأنصار رضي الله عنهم الأموال الواسعة والأولاد النجباء
الكثير كسعد بن عبادة. وأبي طلحة وغيرهما فهذه صفة عامة يدخل فيها الفاضل
الصادق والمنافق فأمر تعالى في الآية أن لا تعجبه أموالهم ولا أولادهم
عموما لان الله تعالى يريد أن يعذب المنافقين منهم بتلك الأموال ويموتوا كفارا
ولا بد، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) إلى
قوله تعالى: (راغبون) *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا لا يدل البتة لا بنص، ولا بدليل على كفر من
فعل هذا ولكنها معصية بلا شك، وقال تعالى. (ومنهم الذين يؤذون النبي) إلى قوله
تعالى. (ذلك الخزي العظيم) قال. وهذه الآية ليس فيها دليل على كفر من قال حينئذ
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن وإنما يكون كافرا من قال. ذلك وآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد نزول النهي عن ذلك، ونزول القرآن بأن من فعل ذلك فهو كافر، وان
من حاد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فله نار جهنم خالدا فيها، فقد جاء أن عمر قال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والله يا رسول الله إنك لأحب إلى من كل أحد الا نفسي فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلاما معناه أنه لا يؤمن حتى يكون أحب إليه من نفسه فقال له
عمر. أما الآن فأنت أحب إلي من نفسي *
قال أبو محمد: لا يصح أن أحدا عاد إلى أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحادته بعد
معرفته بالنازل في ذلك من عند الله تعالى الا كان كافرا ولا خلاف في أن امرءا
لو أسلم ولم يعلم شرائع الاسلام فاعتقد ان الخمر حلال وان ليس على الانسان صلاة
وهو لم يبلغه حكم الله تعالى لم يكن كافرا بلا خلاف يعتد به حتى إذا قامت عليه الحجة
فتمادى حينئذ باجماع الأمة فهو كافر، ويبين هذا قوله تعالى في الآية المذكورة:
206

(يحلفون لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) فقد أخبرهم
تعالى أنهم إن كانوا مؤمنين فارضاء الله ورسوله أحق عليهم من ارضاء المسلمين
فصح هذا بيقين، وبالله تعالى نستعين، وقال تعالى: (يحذر المنافقون أن تنزل
عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون) قال وهذه
الآية أيضا لا نص فيها على قوم بأعيانهم فلا متعلق فيها لاحد في هذا المعنى، وقال
تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) إلى قوله تعالى: (كانوا
مجرمين) *
قال أبو محمد: هذه بلا شك في قوم معروفين كفروا بعد ايمانهم ولكن
التوبة مبسوطة لهم بقوله تعالى: (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم
كانوا مجرمين) فصح أنهم اظهروا التوبة والندامة واعترفوا بذنبهم. فمنهم من قبل
الله تعالى توبته في الباطن عنده لعلمه تعالى بصحتها، ومنهم من لم تصح توبته في الباطن
فهم المعذبون في الآخرة، وأما في الظاهر فقد تاب جميعهم بنص الآية، وبالله تعالى
التوفيق * وقال تعالى: (المنافقون والمنافقات) إلى قوله تعالى: (عذاب مقيم) قال:
فهذه صفة عامة لم يقصد بها إلى التعريف لقوم بأعيانهم، وهذه حق واجب على كل
منافق ومنافقة، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار
والمنافقين واغلظ عليهم) إلى قوله تعالى: (ولا نصير) قال. فهذه آية أمر الله تعالى
رسوله صلى الله عليه وسلم بمجاهدة الكفار والمنافقين، والجهاد قد يكون باللسان والموعظة والحجة
كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا موسى بن
إسماعيل نا حماد - هو ابن سلمة - عن حميد عن انس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " *
قال أبو محمد: وهذه الآية تدل على أن هؤلاء كانوا معروفين بأعيانهم وأنهم
قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم، ولكن لما قال الله تعالى: (فان يتوبوا
يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما) صح أن الله تعالى بدل لهم التوبة
وقبلها ممن أحاطها منهم وكلهم بلا شك أظهر التوبة، وبرهان ذلك حلفهم وانكارهم
فلا متعلق لهم في هذه الآية، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (ومنهم من عاهد
الله لئن آتانا من فضله) إلى قوله تعالى: (يكذبون) قال وهذه أيضا صفة أوردها
الله تعالى يعرفها كل من فعل ذلك من نفسه وليس فيها نص ولا دليل على أن
صاحبها معروف بعينه على أنه قد روينا أثرا لا يصح وفيه أنها نزلت في ثعلبة بن
207

حاطب وهذا باطل لان ثعلبة بدري معروف وهذا اثر ناه حمام نا يحيى بن مالك
ابن عائذ نا الحسن بن أبي غسان نا زكريا بن يحيى الباجي ني سهل السكري نا أحمد
ابن الحسن الخراز نا مسكين بن بكير نا معان بن رفاعة السلامي عن علي بن يزيد عن
القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم
يقبلها وقال: لم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا أقبلها *
قال أبو محمد: وهذا باطل بلا شك لان الله تعالى أمر بقبض ذكوات أموال
المسلمين وأمر عليه السلام عند موته أن لا يبقى في جزيرة العرب دينان فلا يخلو ثعلبة
من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر. وعمر قبض ذكاته ولا بد ولا فسحة في
ذلك وإن كان كافرا ففرض ان لا يقر في جزيرة العرب فسقط هذا الأثر بلا شك
وفي رواته معان بن رفاعة، والقاسم بن عبد الرحمن، وعلي بن يزيد - وهو أبو عبد
الملك الالهابي - وكلهم ضعفاء. ومسكين بن بكير ليس بالقوي * وقال تعالى: (الذين
يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) إلى قوله تعالى: (الفاسقين) وقال تعالى:
(ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) إلى قوله تعالى: (وماتوا وهم كافرون) *
قال أبو محمد: قدمنا هذه الآية وهي مؤخرة عن هذا المكان لأنها متصلة المعاني
بالتي ذكرنا قبلها لأنهما جميعا في امر عبد الله بن أبي. ثم نذكر القول فيهما جميعا
إن شاء الله تعالى *
قال أبو محمد: هذه الآيات فيها انهم يلمزون المطوعين من المؤمنين ويسخرون
منهم وهذا ليس كفرا بلا خلاف من أحد من أهل السنة، وأما قوله تعالى: (استغفر
لهم أو لا تستغفر لهم) إلى قوله تعالى: (الفاسقين) وقوله تعالى: (ولا تصل
على أحد منهم مات أبدا) إلى قوله تعالى: (فاسقون) فان هذا لا يدل على تماديهم
على الكفر إلى إن ماتوا ولكن يدل يقينا على أن فعلهم ذلك من سخريتهم بالذين
آمنوا غير مغفور لهم لأنهم كفروا فيما خلا فكان ما سلف من كفرهم موجبا أن
يغفر لهم لمزهم المطوعين من المؤمنين وسخريتهم بالذين لا يجدون إلا جهدهم وإن
تابوا من كفرهم وأنهم ماتوا على الفسق لا على الكفر بل هذا معنى الآية بلا شك،
برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو أسامة نا عبيد الله
- هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصا يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي
عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر وأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
208

يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إنما خيرني الله تعالى فقال: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) إلى قوله تعالى:
(سبعين مرة) وسأزيد على " السبعين) قال: انه منافق فصلى عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره)
قال مسلم: نا محمد بن المثنى نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله بن عمر
باسناده ومعناه وزاد " فترك الصلاة عليهم " *
قال أبو محمد: ونا يوسف بن عبد الله بن عبد البر قال. نا خلف بن القاسم نا ابن الورد
نا ابن عبد الرحيم الرقي عن عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال. سمعت عمر بن الخطاب
يقول: لما توفي عبد الله بن أبي دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه فلما وقف
إليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أتصلي على عدو الله
عبد الله بن أبي؟ القائل كذا يوم كذا والقائل كذا في يوم كذا أعدد أيامه حتى إذا
أكثرت عليه قال: " يا عمر أخر عني إني قد خيرت فاخترت قد قيل لي: (استغفر لهم
أو لا تستغفر لهم) فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت " قال: ثم صلى عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه قال: فعجبت لي ولجرأتي
على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم فوالله ما كان الا يسيرا حتى نزلت هاتان
الآيتان (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) إلى قوله تعالى: (وهم
فاسقون) فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق حتى قبضه الله تعالى " * حدثنا عبد الله بن
ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك نا حجير بن المثنى
نا الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال. " لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت ثم قلت. يا رسول الله أتصلي على
ابن أبي؟ وقال: يوم كذا كذا وكذا أعدد عليه فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت فاخترت فلو علمت أني إن زدت
على السبعين غفر له لزدت عليها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فما مكث
الا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة المذكورتان قال عمر: فعجبت من جرأتي على
رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله أعلم * حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري نا أبو ذر الهروي
نا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي نا إبراهيم بن خريم نا عبد بن حميد أنا إبراهيم بن
209

الحكم عن أبيه عن عكرمة قال: " لما حضر عبد الله بن أبي الموت قال ابن عباس: فدخل
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى بينهما كلام فقال له عبد الله بن أبي: قد أفقه ما تقول ولكن
من على اليوم وكفني بقميصك هذا وصل علي قال ابن عباس. فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقميصه وصلى عليه والله أعلم أي صلاة كانت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخدع إنسانا قط
غير أنه قال يوم الحديبية: كلمة حسنة قال الحكم: فسألت عكرمة ما هذه الكلمة؟ فال
قالت قريش: يا أبا حباب إنا قد منعنا محمدا طواف هذا البيت ولكنا نأذن لك فقال
لا لي في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد
ابن شعيب أنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وسمع
جابرا يقول: أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي وقد وضع في حفرته فوقف فأمر به
فأخرج من حفرته فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه ونفث عليه من ريقه والله أعلم *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كله يوجب صحة ما قلناه لوجوه، أحدها ظاهر
الآية كما قلنا من أنهم كفروا قبل وماتوا على الفسق، والثاني ان الله تعالى قد نهى النبي
صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن الاستغفار جملة للمشركين بقوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا
أن يستغفروا للمشركين) إلى قوله تعالى: (أصحاب الجحيم) فلو كان ابن أبي وغيره من
المذكورين ممن تبين للنبي عليه السلام انهم كفار بلا شك لما استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم
ولا صلى عليه، ولا يحل لمسلم أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم انه خالف ربه في ذلك فصح يقينا
أنه عليه السلام لم يعلم قط ان عبد الله بن أبي والمذكورين كفار في الباطن *
روينا من طريق مسلم نا حرملة بن يحيى التجيبي نا عبد الله بن وهب أنا يونس عن ابن
شهاب أخبرني سعيد بن المسيب بن حور عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل. وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل. وعبد الله
ابن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدان
عليه تلك المقالة حتى قال أبو طالب: آخر ما كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فأنزل الله تعالى. (ما كان للنبي والذين
آمنوا) الآية *
قال أبو محمد: فصح ان النهي عن الاستغفار للمشركين نزل بمكة بلا شك
فصح يقينا انه عليه السلام لم يوقن أن عبد الله بن أبي مشرك ولو أيقن أنه مشرك لما صلى عليه
أصلا ولا استغفر له وكذلك تعديد عمر بن الخطاب مقالات عبد الله بن أبي سلول لا ولو
210

كان عنده كافرا لصرح بذلك وقصد إليه ولم يطول بغيره، والثالث شك ابن عباس.
وجابر وتعجب عمر من معارضة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته على عبد الله بن أبي واقراره بأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف منه، والرابع ان الله تعالى إنما نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليهم
والاستغفار لهم فقط ولم ينه سائر المسلمين عن ذلك وهذا لا ننكره فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يصلى على من له دين لا يترك له وفاء ويأمر المسلمين بالصلاة عليهم فصح يقينا بهذا ان معنى
الآيات إنما هو انهم كفروا بذلك من قولهم: وعلم بذلك النبي عليه السلام والمسلمون، ثم تابوا
في ظاهر الامر فمنهم من علم الله تعالى ان باطنه كظاهره في التوبة ومنهم من علم الله تعالى أن باطنه
خلاف ظاهره ولم يعلم ذلك النبي عليه السلام ولا أحد من المسلمين وهذا في غاية البيان
وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى. (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) إلى قوله
تعالى: (وهم كافرون) قال فقوله تعالى. (فرح المخلفون) الآية ليس فيها نص على أنهم
كفروا بذلك ولكنهم أتوا كبيرة من الكبائر كانوا بها عصاة فاسقين وقد ذكر الله
تعالى هؤلاء بأعيانهم في سورة الفتح وبين تعالى هذا الذي قلناه هنالك بزيادة على ما ذكرهم
به ههنا فقال تعالى. (سيقول لك المخلفون من الاعراب) إلى قوله تعالى: (عذابا أليما) فنص
الله تعالى على أن أولئك المخلفين الذين أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان لا يصلى على أحد
منهم مات أبدا وانهم كفروا بالله وبرسوله والذين أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا تعجبه
أموالهم ولا أولادهم وانه تعالى أراد أن تزهق أنفسهم وهم كافرون انهم مقبولة توبتهم
ان تابوا في ظاهر أمرهم وفى الحكم بأن باطنهم ان من كان منهم صحيح التوبة مطيعا إذا
دعى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد فسيؤتيه أجرا عظيما وان من تولى عذبه الله
تعالى عذابا أليما فصح ما قلناه من أنهم كفروا فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم كفروا
ثم تابوا فقبل توبتهم ولم يعرف عليه السلام بعد التوبة من منهم الصادق في سر أمره
ولا من منهم الكافر في باطن معتقده وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره بشهادة النصوص
كما أوردنا آنفا وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله)
إلى قوله تعالى: (فهم لا يفقهون) *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذه نص الآيات التي ذكرنا أيضا وقد تكلمنا فيها، وقال
تعالى: (وجاء المعذرون من الاعراب) إلى قوله تعالى: (عذاب أليم) قال: وهذه الآية
تبين ما قلناه نصا لأنه تعالى أخبر ان بعضهم كفار إلا أن كلهم عصاة فأما المبطنون للكفر
منهم فلم يعلمهم النبي عليه السلام ولا علمهم أحد منهم الا الله تعالى فقط، وقال تعالى.
(إنما السبيل على الذين يستأذنونك) إلى قوله: (عن القوم الفاسقين) *
211

قال أبو محمد رحمه الله: وهذه كالتي قبلها وقد قلنا إن فيهم من كفر فأولئك الذين
طبع الله على قلوبهم ولكن الله تعالى أرجى أمرهم بقوله تعالى. (وسيرى الله عملكم
ورسوله) فصح ما قلناه واتفقت الآيات كلها والحمد لله رب العالمين * وكذلك أخبر تعالى
أن مأواهم جهنم جزاءا بما كانوا يكسبون وجهنم تكون جزاءا على الكفر وتكون
جزاءا على المعصية وكذلك لا يرضى تعالى عن القوم الفاسقين وان لم يكونوا كافرين
وقال تعالى: (الاعراب أشد كفرا ونفاقا) إلى قوله تعالى: (ان الله غفور رحيم) *
قال أبو محمد: وهذه الآيات كلها تبين نص ما قلناه من أن فيهم كفارا في الباطن *
قال أبو محمد رحمه الله: لا يعلم سرهم الا الله تعالى وأما رسوله عليه السلام فلا
وقال تعالى. (وممن حولكم من الاعراب منافقون) إلى قوله تعالى: (سميع عليم) *
قال أبو محمد: هذه الآية مبينة نص ما قلناه بيانا لا يحل لاحد أن يخالفه من أن النبي
عليه السلام لا يعلم المنافقين لا من الاعراب ولا من أهل المدينة ولكن الله تعالى يعلمهم
وان منهم من يتوب فيعفو الله تعالى عنه، وان النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بأخذ زكوات
جميعهم على ظاهر الاسلام، وقال تعالى. (الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) إلى قوله
تعالى: (الا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم) *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذه كالتي قبلها وفيها ان بنيانهم للمسجد قصدوا به
الكفر ثم أظهروا التوبة فعلم الله تعالى صدق من صدق فيها وكذب من كذب فيها ونعم
لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا أن تقطع قلوبهم، وقد قدم الله تعالى ان
من أذنب ذنبا فممكن أن لا يغفره له أبدا حتى يعاقبه عليه، وهذا مقتضى هذه الآية
وقال تعالى. (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول) إلى قوله تعالى: (لا يفقهون) *
قال أبو محمد رحمه الله. فهذه لا دليل فيها أصلا على أن القائلين بذلك معروفين
بأعيانهم لكنها صفة وصفها الله تعالى يعرفونها من أنفسهم إذا سمعوها فقط، وقال تعالى:
(ويقولون آمنا بالله وبالرسول) إلى قوله تعالى: (هم الفائزون) *
قال أبو محمد. ليس في هذه الآية بيان انهم معروفون بأعيانهم وإنما هي صفة من
سمعها عرفها من نفسه وهي تخرج على وجهين، أحدهما أن يكون من فعل ذلك كافرا وهو
أن يعتقد النفار عن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدين بأن لا يرضى به فهذا كفر مجرد،
والوجه الثاني ينقسم قسمين. أحدهما أن يكون فاعل ذلك متبعا لهواه في الظلم ومحاباة
نفسه عارفا بقبح فعله في ذلك ومعتقدا ان الحق في خلاف فعله فهذا فاسق وليس كافرا،
والثاني أن يفعل ذلك مقلدا لانسان في أنه قد شغفه تعظيمه إياه وحبه موهما نفسه انه
212

على حق وهذه الوجوه كلها موجودة في الناس. فأهل هذين القسمين الآخرين مخطئون
عصاة وليسوا كفارا ويكون معنى قوله تعالى. (وما أولئك بالمؤمنين) أي وما أولئك
بالمطيعين لان كل طاعة لله تعالى فهو ايمان وكل ايمان طاعة لله تعالى فمن لم يكن مطيعا
لله تعالى في شئ ما فهو غير مؤمن في ذلك الشئ بعينه وإن كان مؤمنا في غير
ذلك مما هو فيه مطيع لله تعالى، وقال تعالى. (يا أيها النبي اتق الله) إلى قوله تعالى.
(عليما حكيما) *
قال أبو محمد رحمه الله: هذه الآية يقتضي ظاهرها أن أهواء الكافرين
والمنافقين معروفة وهو أن يكفر جميع المؤمنين، قال تعالى: (ودوا لو تكفرون
كما كفروا فتكونون سواء) فإذ أهواؤهم معروفة ففرض على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى كل
مسلم أن لا يطيعهم في ذلك مما قد عرف أنه مرادهم وإن لم يشيروا عليه في ذلك برأي
ولا يجوز أن يظن ظان أن الكفار والمنافقين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم مشيرين عليه برأي راجين أن يتبعهم فيه فإذ الامر كذلك فليس في الآية
بيان أن المنافقين كانوا معروفين بأعيانهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يدري أنهم منافقون
ولكنهم معروفة صفاتهم جملة ومن صفاتهم بلا شك ارادتهم أن يكون كل الناس
كفارا، وقال تعالى: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) الآية *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا أيضا ليس فيه بيان بأنهم قوم معروفين بأعيانهم
وإنما هو خبر عن قائلين قالوا ذلك: وقال تعالى: (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل
يثرب لا مقام لكم فارجعوا) *
قال أبو محمد: وهذا أيضا ممكن أن يقوله يهود وممكن أن يقوله أيضا قوم
مسلمون خور أوجبنا، وإذ كل ذلك ممكن فلا يجوز القطع من أجل هذه الآية
على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف أنهم منافقون، وأما قوله تعالى: (ويستأذن
فريق منهم النبي) إلى قوله تعالى. (وكان عهد الله مسؤولا) فان هذا قد روي أنه
كان نزل في بني حارثة وبني سلمة وهم الأفاضل البدريون الأحديون ولكنها كانت
وهلة في استئذانهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. وقولهم. (ان بيوتنا عورة) وفيهما
نزلت. (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) كما نا عبد الرحمن بن عبد
الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا علي بن عبد الله نا سفيان بن
عيينة قال عمرو بن دينار. سمعت جابر بن عبد الله يقول. فبينا نزلت (إذ همت
طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) قال جابر. نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة
213

قال جابر. وما نحب أنها لم تنزل لقوله تعالى. (والله وليهما) *
قال أبو محمد. مع أنه ليس في الآية ان هذا كفر أصلا فبطل التعلق بها
وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى. (قد يعلم الله المعوقين منكم) إلى قوله تعالى.
(وكان ذلك على الله يسيرا) *
قال أبو محمد: فهذه ليس فيها دليل على أنها في قوم معروفين بأعيانهم ولكنها
صفة يعرفها من نفسه من سمع منهم هذه الآية الا أن قول الله تعالى بعدها بيسير.
(ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء أو يتوب عليهم) بيان جلي
على بسط التوبة لهم وكل هؤلاء بلا خلاف من أحد من الأمة معترف بالاسلام
لائذ بالتوبة فيما صح عليهم من قول يكون كفرا ومعصية فبطل التعلق بهذه الآية لمن
ادعى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرفهم بأعيانهم ويعرف أنهم يعتقدون الكفر
في باطنهم قال الله تعالى. (ولا تطع الكافرين والمنافقين) إلى قوله تعالى. (وكفى
بالله وكيلا) *
قال أبو محمد: قد مضى قولنا في قوله تعالى: (ولا تطع الكافرين والمنافقين)
وقال تعالى: (ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) لا يختلف مسلمان
في أنه ليس على ترك قتال الكافرين وإصغارهم ودعائهم إلى الاسلام ولكن فيما
عدا ذلك، وقال تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض) إلى قوله
تعالى: (ولن تجد لسنة الله تبديلا) *
قال أبو محمد: هذه الآية فيها كفاية لمن عقل ونصح نفسه لان الله تعالى قطع
بأنه إن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة ليغرين بهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يجاورونه فيها إلا قليلا فأخبر تعالى انهم يكونون إن لم ينتهوا
ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا - واعراب - ملعونين - انه حال لمجاورتهم -
معناه لا يجاورونه إلا قليلا ملعونين، ولو أراد الله تعالى غير هذا لقال: ملعونون
على خبر ابتداء مضمر ثم أكد تعالى بأن هذه هو سنته تعالى التي لا تتبدل فنسأل
من قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم بأعيانهم وعلم نفاقهم هل انتهوا أو لم ينتهوا
فان قال: انتهوا رجع إلى الحق وصح أنهم تابوا ولم يعلم باطنهم في صحة التوبة أو
كذبها إلا الله تعالى وحده لا شريك له ولم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا الظاهر
الذي هو الاسلام أو كفرا رجعوا عنه فأظهروا التوبة منه وان قال: لم ينتهوا لم
يبعد من الكفر لأنه يكذب الله تعالى ويخبر أنه تعالى بدل سنته التي قد أخبر أنه
214

لا يبدلها أو بدلها رسوله عليه السلام *
قال أبو محمد: وكل من وقف على هذا وقامت عليه الحجة ثم تمادى فهو كافر
لأنه مكذب لله تعالى أو مجور لرسوله عليه السلام وكلا الامرين كفر *
قال أبو محمد: ولقد بلغني عن بعض من خذله الله تعالى أنه تلا هذه الآية ثم
قال: ما انتهوا ولا أغراه بهم *
قال أبو محمد: نحن نبرأ إلى الله تعالى من هذا فان قائله آفك كاذب عاص لله
تعالى لا يحل له الكلام في الدين ونسأل الله تعالى العافية، وقال تعالى: (ومنهم من
يستمع إليك) إلى قوله تعالى: (واتبعوا أهواءهم) *
قال أبو محمد: من عصى الله تعالى فقد طبع على قلبه في الوجه الذي عصى فيه
ولو لم يطبع على قلبه فيه لما عصى فقد يمكن أن يكون هؤلاء منافقين فاعلانهم بالتوبة
ماح لما تقدم في الظاهر والله أعلم بالباطن، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (فإذا
أنزلت سورة محكمة) إلى قوله تعالى: (فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم) *
قال أبو محمد: وهذا كالذي قبله إما أن يكون هذا النظر يبين معتقدهم واظهارهم
الاسلام توبة تصح به قبولهم على ظاهرهم وان لم يكن ذلك النظر دليلا يتميزون
به فهم كغيرهم ولا فرق، وقال تعالى: (ان الذين ارتدوا على أدبارهم) إلى قوله
تعالى: (والله يعلم أسرارهم) *
قال أبو محمد: هذه صفة مجملة لمن ارتد معلنا أو مسرا ولا دليل فيها على أنه
عليه السلام عرف أنهم منافقون مسرون للكفر، وبالله تعالى التوفيق * قال تعالى:
(أم حسب الذين في قلوبهم مرض) إلى قوله تعالى: (والله يعلم أعمالكم) *
قال أبو محمد: قد بين الله تعالى: أنه لو شاء أراهم نبيه عليه السلام وهذا لا شك
فيه ثم قال تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول) فهذا كالنظر المتقدم إن كان لحن
القول برهانا يقطع به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنهم منافقون فاظهارهم خلاف ذلك
القول واعلانهم الاسلام توبة في الظاهر كما قدمنا وإن كان عليه السلام لا يقطع بلحن
قولهم على ضميرهم فإنما هو ظن يعرفه في الأغلب لا يقطع به، وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: قد ذكرنا في براءة. والفتح قول الله تعالى: (سيقول لك
المخلفون) الآيات كلها وبينا أن الله تعالى وعدهم بقبول التوبة والاجر العظيم ان
تابوا وأطاعوا لمن دعاهم بعد النبي عليه السلام إلى الجهاد، وبالله تعالى التوفيق *
215

وقال تعالى: (قالت الاعراب آمنا) إلى قوله تعالى: (غفور رحيم) *
قال أبو محمد: هذا دليل على أنهم استسلموا لله تعالى غلبة ولم يدخل الايمان
في قلوبهم ولكن الله تعالى قد بسط لهم التوبة في الآية نفسها بقوله تعالى: (وإن
تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا) فاظهارهم الطاعة لله تعالى ولرسوله عليه
السلام مدخل لهم في حكم الاسلام ومبطل لان يكون عليه السلام عرف باطنهم،
وقال تعالى: (يوم يقول المنافقون والمنافقات) إلى قوله تعالى: (وغرتكم الأماني) *
قال أبو محمد: فهذه حكاية عن يوم القيامة وإخبار بأنهم كانوا في الدنيا مع
المسلمين وهذا يبين أنهم لم يكونوا معروفين عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند المسلمين وهذه
الآية يوافقها ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا زهير بن حرب نا يعقوب بن
إبراهيم بن سعد نا أبي عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث: " فيجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من
كان يعبد شيئا فليتبعه. فيتبع من يعبد الشمس الشمس، ويتبع من يعبد القمر القمر، ويتبع من
يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، وذكر الحديث، وقال
تعالى: (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى) إلى قوله تعالى: (فبئس المصير) *
قال أبو محمد: هؤلاء معروفون بلا شك ولكن التوبة لهم مبسوطة كما
ذكرنا في سائر الآيات، وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم)
إلى قوله تعالى: (هم الخاسرون) *
قال أبو محمد: وهذه صفة قوم لم يسلموا إلا أنهم يتبرءون من موالاة الكفار
فان كانوا معروفين بالكفر فالتوبة لهم مبسوطة كما ذكر تعالى في سائر الآيات التي
تلونا قبل، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين نافقوا) إلى قوله
تعالى: (بأسهم بينهم شديد) *
قال أبو محمد: هذا قد يكون سرا علمه الله منه وفضحه ولم يسم قائله ويمكن
أن يكون قد عرف فالتوبة لهم مبسوطة كما ذكرنا في سائر الآيات، وقال تعالى:
(إذا جاءك المنافقون) إلى قوله تعالى: (ولكن المنافقين لا يعلمون) *
قال أبو محمد: هذا نزل في عبد الله بن أبي كما روينا من طريق البخاري نا عمرو
ابن خالد نا زهير بن معاوية نا أبو إسحق - هو السبيعي - قال: سمعت زيد بن أرقم
قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن
أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله وقال: لان رجعنا
216

إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى عبد
الله بن أبي فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا. كذب زيد يا رسول الله فوقع في نفسي مما
قال شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي في (إذا جاءك المنافقون) فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم
ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم قال " وقوله. (خشب مسندة) كانوا رجالا أجمل شئ
كما روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا سفيان قال عمرو بن دينار. سمعت
جابر بن عبد الله يقول. كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار
فقال دعوها فإنها منتنة فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال. فعلوها أما والله لئن
رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقام عمر فقال.
يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم. دعه لا يتحدث الناس أن محمدا
يقتل أصحابه قال سفيان. فحفظته من عمر وقال. سمعت جابرا قال. كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم " *
قال أبو محمد: أما قول الله تعالى. (إذا جاءك المنافقون) إلى قوله تعالى. (فهم
لا يفقهون) فهم قوم كفروا بلا شك بعد ايمانهم وارتدوا بشهادة الله تعالى عليهم بذلك
الا أن التوبة لهم بيقين مذكورة في الآية، وفيما رواه زيد بن أرقم من الحديث الثابت
أما النص فقوله تعالى. (يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم) وأما منع الله تعالى من
المغفرة لهم فإنما هو بلا شك فيما قالوه من ذلك القول. لا في مراجعة الايمان بعد الكفر فان
هذا مقبول منهم بلا شك * برهان ذلك ما سلف في الآيات التي قدمنا قبل وأيضا اطلاقهم
فيه نبيه صلى الله عليه وسلم على الاستغفار لهم بقوله. (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم
تستغفر لهم لن يغفر الله لهم) وهم قد أظهروا الايمان بلا شك والله أعلم بنياتهم * برهان
ذلك ما قد ذكرناه قبل من شك جابر وابن عباس وعمر رضي الله عنهم في ابن أبي بعينه صاحب
هذه القصة، وكذلك الخبر عن جابر إذ قال عمر للنبي عليه السلام دعني أضرب عنق هذا
المنافق - يعني عبد الله بن أبي - فليس في هذا دليل على أنه حينئذ منافق لكنه قد كان نافق بلا شك
وقد قال عمر رضي الله عنه: مثل هذا في مؤمن برئ من النفاق جملة وهو حاطب بن بلتعة - وقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم. " دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " دليل بين على تحريم دم
عبد الله بن أبي بن سلول بقوله عليه السلام. " دعه " وهو عليه السلام لا يجوز أن يأمر بأن
يدع الناس فرضا واجبا، وكذلك قوله عليه السلام. " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه "
بيان جلي بظاهر لفظه مقطوع على غيبه بصحة باطن أن عبد الله بن أبي من جملة
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بظاهر إسلامه وأنه من جملة الصحابة المسلمين الذين لهم
حكم الاسلام والذين حرم الله تعالى دماءهم الا بحقها وبيقين ندري أنه لو حل دم
217

ابن أبي لما حاباه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو وجب عليه لما ضيعه عليه السلام *
ومن ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل من وجب عليه القتل من أصحابه فقد
كفر وحل دمه وماله لنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الباطل، ومخالفة الله تعالى، والله
لقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الفضلاء المقطوع لهم بالايمان والجنة إذ وجب
عليهم القتل كماعز، والغامدية، والجهينية رضي الله عنهم، فمن الباطل المتيقن،
والضلال البحت، والفسوق المجرد بل من الكفر الصريح أن يعتقد أو يظن من هو
مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل مسلمين فاضلين من أهل الجنة من أصحابه أشنع قتلة
بالحجارة، ويقتل الحارث بن سويد الأنصاري قصاصا بالمجدر بن خيار البلوي بعلمه
عليه السلام دون أن يعلم ذلك أحد والمرأة التي أمر أنيسا برجمها إن اعترفت وبقطع
يد المخزومية ويقول: " لو كانت فاطمة لقطعت يدها " وبقوله عليه السلام: " إنما
هلكت بنو إسرائيل بأنهم كانوا إذا أصاب الضعيف منهم الحد أقاموه عليه وإذا
أصابه الشريف تركوه " ثم يفعل هو عليه السلام ذلك ويعطل إقامة الحق الواجب
في قتل المرتد على كافر يدري أنه ارتد الآن ثم لا يقنع بهذا حتى يصلي عليه ويستغفر
له وهو يدري أنه كافر وقد تقدم نهي الله تعالى له عن الاستغفار للكفار ونحن
نشهد بشهادة الله تعالى بأن من دان بهذا واعتقده فإنه كافر مشرك مرتد حلال الدم
والمال نبرأ إلى الله تعالى منه ومن ولايته (1) من يظن به النفاق بلا خلاف فالامر فيمن
دونه بلا شك أخفى فارتفع الاشكال في هذه الآيات ولله الحمد، وصح أن عبد الله
ابن أبي بعد أن كفر هو ومن ساعده على ذلك أظهروا التوبة والاسلام فقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذلك منهم ولم يعلم باطنهم على ما كانوا عليه من الكفر؟ أم على ما أظهروا
من التوبة؟ ولكن الله تعالى عليم بذلك وهو بلا شك المجازي عليه يوم القيامة، وقال
تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) *
قال أبو محمد: هذا يخرج على وجهين لا ثالث لهما * أما من يعلم أنه منافق وكفر
فإنه عليه السلام يجاهده بعينه بلسانه والاغلاظ عليه حتى يتوب، ومن لم يعلم بعينه
جاهده جملة بالصفة وذم النفاق والدعاء إلى التوبة، ومن الباطل البحت أن يكون
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن فلانا بعينه منافق متصل النفاق ثم لا يجاهده فيعصي ربه تعالى ويخالف
أمره ومن اعتقد هذا فهو كافر لأنه نسب الاستهانة بأمر الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: هذا كل ما في القرآن من ذكر المنافقين قد تقصيناه والحمد لله رب

(1) هنا سقط مقدار كلمتين في جميع الأصول
218

العالمين، وبقيت آثار نذكرها الآن إن شاء الله تعالى * روينا من طريق البخاري نا
سعيد بن عفير ني الليث - هو ابن سعد - نا عقيل عن ابن شهاب أخبرني محمود
ابن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك ممن شهد بدرا قال في حديث: " فغدا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو بكر حين ارتفع النهار. قال: وحسبناه على خزيرة صنعناها له
قال: فثاب في البيت رجال ذوو عدد فاجتمعوا فقال قائل منهم: أين مالك بن الدخشن - أو
ابن دخشن - فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك ألا تراه قد قال لا إله الا الله يريد بذلك وجه الله قال:
الله ورسوله أعلم فانا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فان
الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى " * حدثنا عبد
الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق بن السليم نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا عبد الله بن مسرة
نا معاذ بن هشام الدستوائي نا أبي عن قتادة عن عبيد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقولوا للمنافق سيدا فإنه ان يك سيدا فقد أسخطتم
ربكم " * ومن طريق مسلم نا زهير بن حرب نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن منصور
ابن المعتمر عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن
حصن مثل ذلك، وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القمسة، فقال
رجل: والله إن هذه لقسمة ما يعدل فيها وما أريد بها وجه الله قال فقلت: والله لأخبرن
به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأتيته فأخبرته بما قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان
كالصرف ثم قال: " من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله يرحم الله موسى لقد أوذي
بأكثر من هذا فصبر " قال ابن مسعود: قلت لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا *
ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى. ومحمد بن رمح قال محمد بن رمح بن المهاجر: أنا الليث
ابن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير عن جابر، وقال ابن المثنى:
نا عبد الوهاب عن عبد الحميد الثقفي قال: سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول:
أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال: أتى رجل بالجعرانة منصرفه من حنين
وفي ثوبه بلال فضة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس فقال: يا محمد اعدل
قال: " ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ " فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول
الله فأقتل هذا المنافق فقال: " معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا
وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية " *
219

ومن طريق البخاري نا محمد أنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن
دينار انه سمع جابر بن عبد الله يقول: " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه
ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا
فغضبت الأنصار غضبا شديدا حتى تداعوا فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال
المهاجري يا للمهاجرين فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية ما شأنهم؟
فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها خبيثة فقال
عبد الله بن أبي بن سلول: قد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز
منها الأذل فقال عمر بن الخطاب. ألا تقتل يا نبي الله هذا الخبيث؟ - لعبد الله بن
أبي - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " *
ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا عبد الواحد - هو ابن زياد - عن عمارة بن
القعقاع عن عبد الرحمن بن أبي نعم قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: " بعث
علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تخلص
من ترابها فقسمها بين أربعة نفر. عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل وشك
في الرابع فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بها من هؤلاء فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فقال. ألا تأمنوني وأنا أمين في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء، فقام
رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر
الإزار فقال. يا رسول الله اتق الله فقال. ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن
يتقي الله؟ ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد. يا رسول الله ألا أضرب
عنقه؟ فقال. لعله أن يكون يصلي، قال خالد. وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس
في قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم
انه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين
كما يمرق السهم من الرمية " * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن
أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة قال: سمعت
قتادة يحدث عن أبي نضرة عن قيس بن عباد قلت: " لعمار أرأيت قتالكم هذا أرأي
رأيتموه فان الرأي يخطئ ويصيب؟ أو عهد عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال. ما عهد
الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبه
قال: حدثني حذيفة أنه قال: في أمتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها
حتى يلج الجمل في سم الخياط ثمانية منهم يكفيكهم الرسلة سراج من النار يظهر بين أكتافهم
220

حتى ينجم من ظهورهم " * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن
أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا أبو أحمد - هو الزبيري - نا سفيان
الثوري عن سلمة بن كهيل عن عياض بن عياض عن أبيه عن ابن مسعود قال: " خطبنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر في خطبته ما شاء الله تعالى، ثم قال: ان منكم منافقين فمن سميت
فليقم ثم قال: قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى عد ستة وثلاثين ثم قال: ان
منكم وان فيكم فسلوا الله العافية فمر عمر برجل مقنع قد كان بينه وبينه معرفة قال
ما شأنك؟ فأخبره بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عمر: تبا لك سائر اليوم " *
ومن طريق مسلم نا الحسن بن علي الحلواني نا ابن أبي مريم أنا محمد بن جعفر أخبرني
زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من المنافقين في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم النبي عليه السلام اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا
أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب * ومن طريق مسلم نا زهير بن
حرب أنا احمد الكوفي نا الوليد بن جميع نا أبو الطفيل قال: كان بين رجل من أهل
العقبة وبين حذيفة ما يكون بين الناس فقال: أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة فقال
له القوم: أخبره إذ سألك قال - يعني حذيفة - كنا نخبر أنهم أربعة عشر فان كنت
فيهم فقد كان القوم خمسة عشر وأشهد بالله ان اثنى عشر منهم حزب لله ولرسوله ويوم
يقوم الاشهاد وعذر ثلاثة وعذر ثلاثة قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا علمنا بما أراد القوم *
قال أبو محمد: ليست هذه العقبة العقبة الفاضلة المحمودة قبل الهجرة تلك كانت
للأنصار خالصة شهدها منهم رضي الله عنهم سبعون رجلا وثلاث نسوة ولم يشهدها
أحد من غيرهم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده والعباس عمه وهو غير مسلم يومئذ
لكنه شفقة على ابن أخيه * ومن طريق مسلم نا أبو كريب جعفر بن غياث عن
الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فلما كان قرب
المدينة هاجت ريح تكاد أن تدفن الراكب فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثت
هذه الريح لموت منافق وقدم المدينة فإذا عظيم من المنافقين قد مات *
قال أبو محمد: وأحاديث موقوفة على حذيفة فيها أنه كان يدري المنافقين وان
عمر سأله أهو منهم؟ قال. لا ولا أخبر أحدا بعدك بمثل هذا وان عمر كان ينظر
إليه فإذا حضر حذيفة جنازة حضرها عمر وان لم يحضرها حذيفة لم يحضرها عمر
221

وفي بعضها منهم شيخ لو ذاق ألما ما وجد له طعما كلها غير منسندة، وعن حذيفة قال:
مات رجل من المنافقين فلم أذهب إلى الجنازة فقال. هو منهم فقال له عمر. أنا منهم
قال. لا، وعن محمد بن إسحاق ني عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الطفري قال. قلت
لمحمود بن لبيد هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم؟ قال. نعم والله إن كان الرجل
ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن بني عمه ومن عشيرته، ثم يلبس بعضهم بعضا على
ذلك قال محمود. " لقد أخبرني رجل من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه
كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار فلما كان من أمر الحجر ما كان ودعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين دعا فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس أقبلنا عليه نقول.
ويحك أبعد هذا شئ؟ قال: سحابة مارة ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى كان
ببعض الطريق ضلت ناقته فخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبها وعند رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له عمارة بن حزم وكان عقيبا بدريا - وهو من بني
عمرو بن مخزوم - وكان في رحل يزيد بن نصيب القينقاعي وكان منافقا فقال زيد
وهو في رحل عمارة وعمارة عند النبي عليه السلام. أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم
عن خبر السماء ولا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده: إن
رجلا قال هذا محمد يخبركم انه نبي ويزعم أنه يخبركم بخبر السماء وهو لا يدري أين
ناقته واني والله ما أعلم الا ما علمني الله وقد دلني عليها وهي في هذا الوادي من شعب
كذا وكذا وقد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فجاءوا بها
فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال. والله لأعجب من شئ حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم
آنفا عن مقالة قائل أخبره الله عنه كذا وكذا للذي قال زيد بن نصيب فقال رجل
ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد والله قال هذه المقالة قبل
أن تأتي فأقبل عمارة على زيد يجافي عنقه ويقول يا آل عباد الله ان في رحلي الراهبة
وما أشعر أخرج أي عدو الله من رحلي فلا تصحبني " وعن زيد بن وهب قال.
كنا عند حذيفة - وهو من طريق البخاري - فقال حذيفة. ما بقي من أصحاب هذه الآية
الا ثلاثة يعني قوله تعالى. (قاتلوا أئمة الكفر) إلى قوله: (ينتهون) قال حذيفة.
ولا بقي من المنافقين الا أربعة فقال له اعرابي انكم أصحاب محمد تخبروننا بما لا ندري
فما هؤلاء الذين ينقرون بيوتنا ويسرقون اعلافنا قال. أولئك الفساق أجل لم يبق
منهم الا أربعة شيخ كبير لو شرب الماء وجد له بردا *
222

قال أبو محمد: هذا كل ما حضرنا ذكره من الاخبار وليس في شئ منها حجة
أصلا، اما حديث مالك بن الدخشن فصحيح وهو أعظم حجة عليهم لان رسول الله
صلى الله عليه وآله أخبر بأن شهادة التوحيد تمتع صاحبها وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" نهيا عن قتال المصلين " * وأما حديث بريدة الأسلمي " لا تقولوا للمنافق سيدا "
فان هذا عموما لجميع الأمة ولا يخفى هذا على أحد وإذ الامر كذلك فإذا عرفنا
المنافق ونهينا أن نسميه سيدا فليس منافقا بل مجاهر، وإذا عرفنا من المنافق ونحن
لا نعلم الغيب ولا ما في ضميره فهو معلن لا مسر، وقد يكون هذا الحديث أيضا
على وجه آخر وهو ان النبي عليه السلام قد صح عنه أن خصلا من كن فيه كان
منافقا خالصا وقد ذكرناها قبل، وليس هذا نفاق الكفر لكنه منافق لاظهاره خلاف
ما يضمره في هذه الخلال المذكورة في كذبه، وغدره. وفجوره. وأخلاقه. وخيانته ومن
هذه صفاته فلا يجوز أن يسمى سيدا ومن سماه سيدا فقد أسخط الله تعالى باخبار
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك * وأما حديث ابن مسعود فان القائل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدل ولا أراد وجه الله تعالى فما عمل فهو كافر معلن بلا شك، وكذلك القائل في
حديث جابر إذ استأذن عمر في قتله إذ قال: اعدل يا رسول الله فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عمر عن ذلك وأخبر بأنه لا يقتل أصحابه وكذلك أيضا في استئذان عمر في قتل عبد الله
بن أبي أن هؤلاء صاروا باظهارهم الاسلام بعد أن قالوا ما قالوا: حرمت دماؤهم
وصاروا بذلك من جملة أصحابه عليه السلام *
قال أبو محمد: فهذا ما احتج به من رأى أن المرتد لا يقتل أصلا لان هؤلاء
مرتدون بلا شك ولم يقتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتل أصحابه الفضلاء كماعز
والغامدية والجهينية إذ وجب القتل عليهم ولو كان القتل على هؤلاء المرتدين لما ضيع
ذلك أصلا *
قال أبو محمد: فنقول وبالله تعالى التوفيق انه لا خلاف بين أحد من الأمة في أنه
لا يحل لمسلم ان يسمى كافرا معلنا بأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنه من أصحاب
النبي عليه السلام وهو عليه السلام قد أثنى على أصحابه فصح انهم أظهروا الاسلام فحرمت
بذلك دماؤهم في ظاهر الامر وباطنهم إلى الله تعالى في صدق أو كذب فان كانوا صادقين
في توبتهم فهم أصحابه حقا عند الناس ظاهرهم وعند الله تعالى باطنهم وظاهرهم فهم الذين
أخبر رسول الله صلى اله عليه وسلم انهم لو انفق أحدنا مثل أحد ذهبا ما بلغ نصيف مد أحدهم
وان كانوا كاذبين فهم في الظاهر مسلمون وعند الله تعالى كفار، وهكذا القول في حديث
223

أبي سعيد الذي قد ذكرناه إذ استأذنه خالد في قتل الرجل فقال لا لعله أن يكون يصلي
فقد صح نهي النبي عليه السلام لخالد عن قتله ولو حل قتله لما نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ذلك وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبب المانع من قتله وهو أنه لعله يصلي فقال
له خالد رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فأخبره أنه لم يبعث ليشق عن قلوب الناس
فإنما عليه الظاهر وأخبرنا عليه السلام انه لا يدري ما في قلوبهم وان ظاهرهم مانع
من قتلهم أصلا، وقد جاء هذا الخبر من طريق لا تصح وفيه أنه عليه السلام امر
أبا بكر. وعمر بقتله فوجده يركع ووجده الآخر يسجد فتركاه وأمر عليا بقتله
فمضى فلم يجده، وأنه عليه السلام قال: لو قتل لم يختلف من أمتي اثنان وهذا لا يصح
أصلا ولا وجه للاشتغال به، وأما حديث عمار في أمتي اثنا عشر منافقا فليس فيه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم بأعيانهم وهو اخبار بصفة عن عدد فقط
ليس فيهم بيان أنهم عرفوا بأسمائهم فسقط التعلق بهذا الخبر وبالله تعالى التوفيق *
وأما حديث ابن مسعود فإنه لا يصح فان قد روينا من طريق قاسم بن أصبغ
نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبو نعيم عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن رجل
عن أبيه عن ابن مسعود فذكر هذا الحديث وقال سفيان عن هذا الرجل الذي لم يسم
عن أبيه أراه عياض بن عياض فقد أخبر أبو نعيم عن سفيان انه مشكوك فيه، ثم
لو صح لما كانت لهم فيه حجة لأنهم قد انكشفوا واشتهر أمرهم فليسوا منافقين بل هم
مجاهرون فلابد من أحد أمرين لا ثالث لهما، اما ان يكونوا تابوا فحقنت دماؤهم بذلك،
وإما أنهم لم يتوبوا فهو مما تعلق به من لا يرى قتل المرتد على ما ذكرنا *
وأما حديث أبي سعيد فإنما فيه أنهم ليسوا مأمونين من العذاب وهذا ما لا شك
فيه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كفرهم * وأما حديث حذيفة
فساقط لأنه من طريق الوليد بن جميع وهو هالك ولا نراه يعلم من وضع الحديث
فإنه قد روى أخبارا فيها ان أبا بكر. وعمر. وعثمان. وطلحة. وسعد بن أبي وقاص
رضي الله عنهم أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم وإلقاءه من العقبة في تبوك وهذا
هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله تعالى واضعه فسقط التعلق به والحمد لله رب العالمين *
وأما حديث جابر فراويه أبو سفيان طلحة بن نافع وهو ضعيف، ثم لو صح لما
كانت فيه الحجة لأنه ليس فيه الا هبوب الريح لموت عظيم من عظماء المنافقين فإنما
في هذا انكشاف أمره بعد موته فلم يوقن قط بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
علم نفاقه في حياته فلا يجوز أن يقطع بالظن على رسول الله صلى الله عليه وسلم *
224

وأما الموقوفة على حذيفة فلا تصح ولو صحت لكانت بلا شك على ما بينا من أنهم
صح نفاقهم وعاذوا بالتوبة ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم فتورع عن
الصلاة عليهم، وفي بعضها أن عمر سأله أنا منهم فقال له لا ولا أخبر أحدا غيرك بعدك
وهذا باطل كما ترى لان من الكذب المحض أن يكون عمر يشك في معتقد نفسه حتى
لا يدري أمنافق هو أم لا؟ وكذلك أيضا لم يختلف اثنان من أهل الاسلام في أن
جميع المهاجرين قبل فتح مكة لم يكن فيهم منافق إنما كان النفاق في قوم من الأوس
والخزرج فقط فظهر بطلان هذا الخبر * وأما حديث محمود بن لبيد فمنقطع ومع
هذا فإنما فيه انهم كانوا يعرفون المنافقين منهم وإذ الامر كذلك فليس هذا نفا قابل هو
كفر مشهور وردة ظاهرة هذا حجة لمن رأى أنه لا يقتل المرتد * واما حديث حذيفة
لم يبق من أصحاب هذه الآية الا ثلاثة فصحيح ولا حجة لهم فيه لان في نص الآية أن
يقاتلوا حتى ينتهوا فبيقين ندري أنهم لو لم ينتهوا لما ترك قتالهم كما أمر الله تعالى،
وكذلك أيضا قوله أنه لم يبق من المنافقين الا أربعة فلا شك عند أحد من الناس أن
أولئك الأربعة كانوا يظهرون الاسلام وأنه لا يعلم غيب القلوب الا الله تعالى فهم
ممن أظهر التوبة بيقين لا شك فيه ثم الله تعالى أعلم بما في نفوسهم *
قال أبو محمد: ويبين هذا ما رويناه من طريق البخاري نا عمر بن حفص بن
غياث نا أبي نا الأعمش ني إبراهيم النخعي عن الأسود قال: كنا في حلقة عبد الله بن
مسعود فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم ثم قال: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم
قال الأسود: سبحان الله ان الله تعالى يقول: (ان المنافقين في الدرك الأسفل من
النار) فتبسم عبد الله بن مسعود وجلس حذيفة في ناحية المسجد فقام عبد الله فتفرق
أصحابه فرماني حذيفة بالحصى فأتيته فقال حذيفة: عجبت من ضحكه وقد علم ما قلت
لقد أنزل الله النفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثم تابوا فتاب الله عليهم * روينا من
طريق البخاري نا آدم بن أبي إياس نا شعبة عن واصل الأحدب عن أبي وائل شقيق
ابن سلمة عن حذيفة بن اليمان قال: ان المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم كانوا حينئذ يسرون واليوم يجهرون *
قال أبو محمد: فهذان أثران في غاية الصحة في أحدهما بيان ان المنافقين على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسرون وفي الثاني أنهم تابوا فبطل تعلق من تعلق بكل
آية وكل خبر ورد في المنافقين وصح أنهم قسمان. إما قسم لم يعلم باطن أمره فهذا
لا حكم له في الآخرة. وقسم علم باطن أمره وانكشف فعاذ بالتوبة قالوا: ان
225

الذي جور رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إنه لم يعدل ولا أراد بقسمته وجه الله مرتد لا شك
فيه منكشف الامر وليس في شئ من الاخبار انه تاب من ذلك ولا أنه قتل بل
فيها النهي عن قتله قلنا: أما هذا فحق كما قلتم لكن الجواب في هذا ان الله تعالى لم
يكن أمر بعد بقتل من ارتد فلذلك لم يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك نهى عن قتله ثم
أمره الله تعالى بعد ذلك بقتل من ارتد عن دينه فنسخ تحريم قتلهم * برهان ذلك
ما رويناه من طريق مسلم نا هناد بن السري نا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق
عن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري قال: " بعث علي - وهو باليمن -
بذهيبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر الأقرع
ابن حابس الحنظلي. وعيينة بن بدر الفزاري. وعلقمة بن علاثة العامري. وزيد
الخيل الطائي أحد بني نبهان فذكر الحديث وفيه فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين
غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس فقال: اتق الله يا محمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فمن يطع الله ان عصيته أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني فاستأذن رجل في قتله -
يرون أنه خالد بن الوليد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان من ضئضئ هذا قوما يقرءون
القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من
الاسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " * حدثنا هشام
ابن سعيد أنا عبد الجبار بن أحمد نا الحسن بن الحسين البجيرمي نا جعفر بن محمد نا يونس
ابن حبيب نا أبو داود الطيالسي نا سلام بن سليمان - هو أبو الأحوص - عن سعيد
ابن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري " أن عليا بعث إلى
النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر بين عيينة
ابن حصن بن بدر الفزاري. وعلقمة بن علاثة الكلابي. والأقرع بن حابس التميمي.
وزيد الخيل الطائي فغضبت قريش والأنصار وقالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أعطيتهم أتألفهم فقام رجل غائر العينين
محلوق الرأس مشرف الوجنتين ناتئ الجبين فقال: اتق الله يا محمد فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله ان عصيته أنا أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني
فاستأذن عمر في قتله فأبى ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. يخرج من ضئضئ
هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من
الرمية يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الأوثان والله لئن أدركتهم لأقتلنهم
قتل عاد " *
226

قال أبو محمد: فصح كما ترى الاسناد الثابت ان هذا المرتد استأذن عمر بن
الخطاب. وخالد بن الوليد في قتله فلم يأذن لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
وأخبر عليه السلام في فوره ذلك أنه سيأتي من ضئضئه عصابة ان أدركهم قتلهم وانهم
يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية فقد خرج عنه ومن خرج عنه
بعد كونه فدخوله كدخول السهم في الرمية فقد ارتد عنه فصح انذار النبي عليه السلام
بوجوب قتل المرتد وانه قد علم عن الله تعالى انه سيأمر بذلك بعد ذلك الوقت فثبت
ما قلناه من أن قتل من ارتد كان حراما ولذلك نهى عنه عليه السلام ولم يأذن به لا لعمر
ولا لخالد ثم إنه عليه السلام نذر بأنه سيباح قتله وانه سيجب قتل من يرتد فصح
يقينا نسخ ذلك الحال وقد نسخ ذلك بما رويناه عن ابن عباس. وابن مسعود.
وعثمان. ومعاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد بطلت هذه المقالة من أن لا يقتل المرتد وصح
أنه من قال إنه تعلق بمنسوخ فلم يبق الا قول من قال يستتاب وقد ذكرناه *
2200 - مسألة - حد الزنا - قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (ولا تقربوا
الزنا انه كان فاحشة) وقال تعالى: (ولا يزنون) الآية فحرم تعالى الزنا وجعله من الكبائر
توعد فيه بالنار * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري
نا محمد بن المثنى نا إسحاق بن يوسف نا الفضل بن غزوان عن عكرمة عن ابن عباس قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو
مؤمن ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن " قال عكرمة
قلت لابن عباس كيف ينتزع الايمان منه قال هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فان
تاب عاد إليه هكذا وشبك بين أصابعه * ومن طريق البخاري نا آدم نا شعبة عن الأعمش
عن ذكوان - هو أبو صالح - عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني
حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب حين يشرب وهو
مؤمن والتوبة معروضة " نا عبد الله بن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية المرواني نا أحمد بن
شعيب انا إسحاق بن راهويه أنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال ني سعيد بن المسيب -
وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كلهم
حدثوني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا
يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب
نهبة ذات شرف فيرفع المسلمون إليها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن " *
227

قال أبو محمد رحمه الله: الايمان هو جميع الطاعة فأي طاعة أطاع العبد بها ربه
فهي إيمان وهو بفعله إياها مؤمن وأي معصية عصى بها العبد ربه فليست إيمانا فهو بفعله
إياها غير مؤمن والايمان والطاعة شئ واحد فمعنى ليس مؤمنا ليس مطيعا لله تعالى ولو
كان نفي الايمان ههنا ايجابا للكفر لوجب قتل السارق ومن ذكر معه على الردة هذا
لا يقوله أحد ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك
ابن أيمن نا محمد بن إسماعيل الترمذي نا الحميدي نا سفيان بن عيينة عن الأعمش عن عبد الله
ابن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل دم امرئ
مسلم يشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله الا في احدى ثلاث رجل كفر بعد إيمانه أو
زنى بعد احصانه أو نفس بنفس " * وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال وهو محصور
في الدار بم تقتلونني؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى
ثلاث رجل كفر بعد إيمان أو زنى بعد احصان أو قتل نفسا فقتل بها *
قال أبو محمد رحمه الله: وعظم الله تعالى بعض الزنا على بعض وكله عظيم ولكن
المعاصي بعضها أكبر من بعض فعظم الله الزنا بحليلة الجار وبامرأة المجاهد وزنا
الشيخ * وروينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم أنا جرير عن منصور عن أبي وائل
عن عمرو بن شرحبيل عند عبد الله بن مسعود قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب
أعظم عند الله تعالى قال إن تدعو لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك
مخافة أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني بحليلة جارك " * وبه إلى مسلم نا أبو بكر
ابن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم وما من
رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم الا وقف له يوم
القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم؟ " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
نا أحمد بن شعيب نا محمد بن المثنى أنا محمد بن جعفر نا شعبة عن منصور قال سمعت ربعي
ابن حراش يحدث عن زيد بن ظبيان رفعه إلى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة يحبهم
الله وثلاثة يبغضهم ثلاثة الذين يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم " *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن العلاء نا أبو معاوية
عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ينظر
الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم شيخ زان. وملك كذاب. وعامل مستكبر " *
قال أحمد بن شعيب ونا عبد الرحمن بن محمد بن سلام نا محمد بن ربيعة نا الأعمش
228

عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال فيه الشيخ الزاني والامام
الكذاب والعامل المختال " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا
أبو داود الحزامي نا عارم - هو محمد بن الفضل - نا حماد بن زيد نا عبيد الله بن عمر عن
سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعة يبغضهم
الله البياع الحلاف والفقير المختال والشيخ الزاني والامام الجائر " *
2201 مسألة - ما الزنا؟ قال علي: قال الله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا
على أزواجهم) إلى قوله: (فاؤلئك هم العادون) وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. " الولد للفراش
وللعاهر الحجر " وقد ذكرناه باسناده فيما تقدم فصح أنه ليس الوطئ الا مباحا لا يلام فاعله
أو عهرا في غير الفراش وههنا وطئان آخران، أحدهما من وطئ فراشا مباحا في حال محرمة
كواطئ الحائض والمحرمة والمحرم والصائم فرضا والصائمة كذلك والمعتكف
والمعتكفة والمشركة فهذا عاص وليس زانيا باجماع الأمة كلها الا أنه وطئ فراشا
حرم بوجه ما فإذا ارتفع ذلك الوجه حل له وطئها، والثاني من جهل فلا ذنب له وليس
زانيا فبعد هذين الوطئين فليس الا من وطئ امرأته المباحة بعقد نكاح صحيح أو
بملك يمين صحيح يحل فيه الوطئ أو عاهر وهو من وطئ من لا يحل له النظر إلى مجردها
وهو عالم بالتحريم فهذا هو العاهر الزاني وبالله تعالى التوفيق *
2202 - مسألة حد الزنا - قال علي رحمه الله: قال الله تعالى. (واللاتي
يأتين الفاحشة من نسائكم) الآية إلى قوله تعالى: (فأعرضوا عنهما) *
قال أبو محمد رحمه الله: فصح النص والاجماع على أن هذين الحكمين منسوخان
بلا شك، ثم اختلف الناس فقالت طائفة: إن قوله تعالى: (واللذان يأتيانها منكم
فآذوهما) ناسخ لقوله: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) إلى قوله تعالى: (أو يجعل
الله لهن سبيلا) وحمل من قال هذا قوله عز وجل: (واللذان يأتيانها منكم) على أن المراد بها
الزاني والزانية، وقال آخرون: ليس أحد الحكمين ناسخا للآخر لكن قوله تعالى:
(فأمسكوهن في البيوت) هذا كان حكم الزواني من النساء ثيباتهن وابكارهن وقوله تعالى:
(واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) هذا حكم الزانين من الرجال خاصة الثيب منهم والبكر *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ابن عباس وغيره كما نا أبو سعيد الجعفري
نا محمد بن علي الأدفوي المقري نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي نا بكر
ابن سهل نا عبد الله بن صالح نا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
أنه قال في قول الله تعالى: (واللاتي تأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة
229

منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت) فكانت المرأة إذا زنت تحبس في البيت
حتى تموت ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة
جلدة) وان كانا محصنين رجما فهذا السبيل الذي جعل الله لهما، قال ابن عباس:
وقوله تعالى: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير
وضرب النعال فأنزل الله تعالى بعد هذا (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما
مائة جلدة) فان كانا محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم * نا أبو سعيد الجعفري
نا محمد بن علي الأدفوي نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن محمد أنا سلمة - هو
ابن شبيب - نا عبد الرزاق نا معمر عن قتادة في قول الله تعالى: (فأمسكوهن في البيوت
حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) قال: نسختها الحدود، وقال قتادة أيضا:
في قوله تعالى: (والذان يأتيانها منكم فآذوهما) نسختها الحدود *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا هو القول الصحيح لان قوله تعالى: (واللاتي
يأتين الفاحشة من نسائكم) إلى قوله: (فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو
يجعل الله لهن سبيلا) إنما فيه حكم النساء فقط وليس فيها حكم الرجال أصلا، ثم
عطف الله تعالى عليها متصلا بها قوله تعالى: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) فكان
هذا حكما زائدا للرجال مضافا إلى ما قبله من حكم النساء ولا يجوز البتة أن يقال في شئ
من القرآن إنه منسوخ بكذا ولا أنه ناسخ لكذا الا بيقين لأنه اخبار عن مراد الله
تعالى ولا يمكن أن يعلم مراد الله تعالى منا الا بنص قرآن أو سنة ثابتة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإنها بوحي من الله تعالى أو باجماع متيقن من جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم
قالوه عن توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك أو بضرورة وهو أن يتيقن
تأخير أحد النصين بعد الآخر ولا يمكن استعمالهما جميعا فندري حينئذ بيقين أن
الله تعالى أبطل حكم الأول بالنص الآخر، وكذلك ما جاء عن رسول الله صلى
الله تعالى عليه وسلم ولا فرق، فمن أخبر عن مراد الله تعالى منا بشئ من دين الله
تعالى بغير أحد هذه الوجوه فقد أخبر عن الله تعالى بما لا علم له وهذا هو الكذب
على الله تعالى بلا شك أخبر عنه بما لم يخبر به تعالى عن نفسه فصح يقينا أن حكم النساء
الزواني كان الحبس في البيوت حتى يمتن أو يجعل الله لهن سبيلا بحكم آخر وان حكم
الرجال الزناة كان الأذى هذا ما لا شك فيه عند أحد من الأمة ثم نسخ هذا كله
بالحدود بلا خلاف من أحد من الأمة وليس معنا يقين بأن حبس الزواني من
النساء نسخ بالأذى، ثم نسخ عنهن الأذى بالحد هذا ما لم يأت به قرآن ولا سنة
230

ولا اجماع ولا أوجبته ضرورة فلم يجز القول به وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: فلما صح بالنص والاجماع أن الحبس والأذى منسوخان عن الزواني
والزناة باليقين الذي لا شك فيه بالحدود وجب أن ننظر في الناسخ ما هو فوجدنا الناس
قد أجمعوا على أن الحر الزاني والحرة الزانية إذا كانا غير محصنين فان حدهما مائة
جلدة ثم اختلفوا فقالت طائفة: ومع المائة جلدة نفي سنة، وقالت طائفة: هذا على
الرجل وأما المرأة فلا نفي عليها، وقالت طائفة: لا نفي في ذلك لا على رجل ولا على
امرأة، ثم اتفقوا كلهم حاش من لا يعتد به بلا خلاف وليس هم عندنا من المسلمين
فقالوا: ان على الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان الرجم حتى يموتا ثم اختلفوا
فقالت طائفة: عليهما مع الرجم المذكور جلد مائة لكل واحد منهما، وقالت
طائفة: ليس عليهما إلا الرجم ولا جلد عليهما، وقالت الأزارقة من الخوارج
ليس عليهما الا الجلد فقط ولا رجم على زان أصلا، ثم وجدنا الأمة قد اتفقت بلا
خلاف من أحد منهم على أن الأمة إذا أحصنت فعليها خمسون جلدة *
قال أبو محمد رحمه الله: ولا ندري أحدا أوجب عليها مع ذلك الرجم ولا يقطع على أن المنع من رجمها اجماع والله أعلم، ثم اختلفوا فقالت طائفة عليها نفي
ستة أشهر مع الجلد، وقالت طائفة: لا نفي عليها مع ذلك أصلا ثم اختلفوا في الأمة
إذا لم تحصن وزنت فقالت طائفة: عليها خمسون جلدة ونفي ستة أشهر، وقالت طائفة:
ليس عليها الا خمسون جلدة فقط ولا نفي عليها، وقالت طائفة: لا شئ عليها لا جلد
ولا نفي أصلا * ثم اختلفوا في حد العبد إذا زنى وهو محصن أو غير محصن فقالت
طائفة: حده كحد الأمة على حسب اختلافهم في النفي مع الجلد أو اسقاط النفي وقالت
طائفة: حده كحد الحر الرجم أو النفي * واختلفوا في حد من بعضه حر وبعضه عبد
إذا زنى من العبيد والإماء فقالت طائفة: حده حد العبد التام الرق أو الرجم والنفي
والأمة التامة الرق، وقالت طائفة: عليه من الجلد والنفي بحساب ما فيه من الحرية
وبحساب ما فيه من الرق *
قال أبو محمد رحمه الله: ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون جميع هذه المسائل
مسألة مسألة ومتقصون ما احتجب به كل طائفة لقولها ومبينون بعون الله تعالى صواب
القول في ذلك بالبراهين من القرآن والسنة كما فعلنا في سائر كتابنا هذا والحمد
لله رب العالمين وبه تعالى نستعين ونعتصم *
2203 - مسألة - حد الحر والحرة غير المحصنين *
231

قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة
جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد
عذابهما طائفة من المؤمنين) *
قال أبو محمد رحمه الله: فجاء النص كما ترى ولم يختلف أحد من أهل القبلة
في أن حكم الزاني الحر غير المحصن والزانية الحرة غير المحصنة وإنما اختلف الناس في
هل عليها نفي كما ذكرنا أم لا؟ وهذا باب قد تقصيناه في أبواب مجموعة صدنا بها قبل
كلامنا في المرتدين ذكرنا فيها كل حكم يختص به حدان من الحدود فصاعدا وتقصينا
هنالك الآثار بأسانيدها ونذكرها هنا إن شاء الله تعالى جملة مختصرة من ذلك وبالله
تعالى التوفيق * فنقول إنه قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " البكر بالبكر جلد مائة
وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " وصح عنه عليه السلام من طريق الزهري
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر
فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام * وعن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بأن ينفى عاما مع إقامة الحد عليه وصح
أنه عليه السلام قال للذي زنى ابنه بامرأة مستأجره: على ابنك جلد مائة وتغريب عام وعلى
امرأة هذا الرجم "، وصح أن عمر بن الخطاب جلد امرأة زنت مائة جلدة وغربها عاما،
وروي أيضا مثل ذلك عن علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ولم يرو عن أحد
من الصحابة رضي الله عنهم خلاف ذلك الا رواية عن علي ليس على أم الولد نفي وإنما قال في
البكرين يزنيان حسبهما من الفتنة أن ينفيا، وعن ابن عباس من زنى جلد وأرسل *
قال أبو محمد رحمه الله: فليس قول ابن عباس من زنى جلد وأرسل دليلا على أنه لا يوجب
النفي عنده بل قد يكون قوله وأرسل يريد به أن يرسل إلى بلد آخر، وكذلك قول علي
حسبهما من الفتنة أن ينفيا يخرج على ايجاب النفي وأن ذلك حسبهما من البلاء * قال الله تعالى:
(ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) إلى قوله تعالى: (وليعلمن
الكاذبين) والرواية عنه في أن أم الولد لا تنفى إذا زنت لا تصح على ما ذكرنا قبل *
قال أبو محمد رحمه الله: وكلا القولين دعوى بلا برهان ومن عجائب الدنيا أن يجعلوا
الأربعين التي زادها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حد الخمر على سبيل التعزير حدا واجبا
مفترضا وهو رضي الله عنه يجلد مرة أربعين، مرة ستين، ومرة ثمانين، وكذلك عثمان
بعده، وعلي، وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم ثم يأتون إلى حد افترضه الله تعالى على
لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فيجعلونه تعزيرا كل ذلك جرأة على الدعوى بلا برهان،
232

وادعوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " ولم يقل فلينفها
دليلا على نسخ التغريب *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا من الباطل المحض لان هذا خبر مجمل أحال
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على غيره فلم يذكر نفيا ولا عدد الجلد فإن كان دليلا على
اسقاط التغريب فهو أيضا دليل على اسقاط عدد ما يجلد وان لم يكن دليلا على اسقاط
عدد ما يجلد لأنه لم يذكر فيه فليس أيضا دليلا على نسخ النفي وان لم يذكر فيه،
والاخبار يضم بعضها إلى بعض وأحكام الله تعالى وأحكام رسوله عليه السلام كلها حق
ولا يحل ترك بعضها لبعض بل الواجب ضم بعضها إلى بعض واستعمال جميعها *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما اسقاط مالك النفي عن العبيد والإماء والنساء
واثباته إياه على الحر فتفريق لا دليل على صحته لان قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره
قد ورد عموما بالنفي على كل من زنى ولم يحصن ولم يخص الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم
امرأة من رجل ولا عبدا من حر وما كان ربك نسيا * وقد قال الله تعالى في الإماء
(فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فصح أن عليهن من النفي نصف ما ينفى
المحصن، وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقام الحد على المكاتب بنسبة ما أدى
من حد الحر وبنسبة ما لم يؤد من حد العبد فبطل كل ما خالف حكم الله تعالى وحكم
رسوله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى التوفيق *
* حد الحر والحرة المحصنين *
2204 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: قالت طائفة: الحر والحرة إذا
زنيا وهما محصنان فإنهما يرجمان حتى يموتا، وقالت طائفة: يجلدان مائة ثم
يرجمان حتى يموتا، فأما الأزارقة فليسوا من فرق الاسلام لأنهم الذين أخبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم عنهم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإنهم قالوا لا رجم أصلا
وإنما هو الجلد فقط، فأما من روي عنه الرجم فقط دون جلد فكما نا محمد بن سعيد
ابن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع
عن يحيى بن أبي كثير السقا عن الزهري أن أبا بكر رضي الله عنه. وعمر رجما ولم يجلدا *
وبه إلى وكيع نا العمري - هو عبد الله بن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال: ان
عمر رجم ولم يجلد * وبه إلى وكيع نا الثوري عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال:
يرجم ولا يجلد * وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه كان ينكر الجلد مع الرجم
233

وبه يقول الأوزاعي. وسفيان الثوري. وأبو حنيفة. ومالك. والشافعي. وأبو ثور.
وأحمد بن حنبل. وأصحابهم، وأما من روي عنه الرجم والجلد معا فكما نا أبو عمر
أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام
الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي ان
علي بن أبي طالب جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة فقال: أجلدها بكتاب
الله وارجمها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك
ابن أيمن نا إسماعيل بن إسحاق القاضي نا عبد الواحد بن زياد نا حفص بن غياث عن
الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: رأيت علي
ابن أبي طالب دعا بشراحة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، فقال جلدتها بكتاب
الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر
نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا إسماعيل بن أبي خالد عن
عمرو بن مرة عن علي بن أبي طالب أنه قال: أجلدها بالكتاب وأرجمها بالسنة، وعن
الشعبي عن أبي بن كعب أنه قال: في الثيب تزني أجلدها ثم أرجمها * وبه يقول
الحسن البصري: كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن
معمر عن قتادة عن الحسن قال: أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني خذوا عني قد
جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة والرجم والبكر بالبكر جلد مائة ونفي
سنة " وكان الحسن يفتي به، وبه يقول الحسن بن حي. وابن راهويه. وأبو سليمان
وجميع أصحابنا، وههنا قول ثالث: ان الثيب إن كان شيخا جلد ورجم فإن كان شابا
رجم ولم يجلد كما روي عن أبي ذر قال: الشيخان يجلدان ويرجمان والثيبان يرجمان
والبكران يجلدان وينفيان، وعن أبي بن كعب قال: يجلدون ويرجمون ولا
يجلدون ويجلدون ولا يرجمون، وفسره قتادة قال الشيخ المحصن يجلد ويرجم إذا
زنى والشاب المحصن يرجم إذا زنى والشاب إذا لم يحصن جلد، وعن مسروق قال:
البكران يجلدان وينفيان. والثيبان يرجمان ولا يجلدان والشيخان يجلدان ويرجمان *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذه أقوال كما ترى فأما قول من لم ير الرجم أصلا
فقول مرغوب عنه لأنه خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان نزل به قرآن
ولكنه نسخ لفظه وبقي حكمه، حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن ذر بن حبيش قال: قال لي أبي بن
كعب كم تعدون سورة الأحزاب؟ قلت: إما ثلاثا وسبعين آية أو أربعا وسبعين
234

آية قال: ان كانت لتقارن سورة البقرة أو لهي أطول منها وإن كان فيها لآية الرجم
قلت: أبا المنذر وما آية الرجم قال: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا
من الله والله عزيز حكيم *
قال علي: هذا اسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه، وحدثنا أيضا عبد الله بن
ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا معاوية بن صالح الأشعري أنا منصور - هو
ابن أبي مزاحم - نا أبو حفص - هو عمر بن عبد الرحمن - عن منصور - هو ابن المعتمر -
عن عاصم بن أبي النجود عن ذر بن حبيش قال. قال لي أبي بن كعب: كم تعدون سورة
الأحزاب قلت: ثلاثا وسبعين فقال أبي: إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول وفيها
آية الرجم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم،
فهذا سفيان الثوري. ومنصور شهدا على عاصم وما كذبا فهما الثقتان الامامان
البدران وما كذب عاصم على ذر ولاكذب ذر على أبي *
قال أبو محمد رحمه الله: ولكنها نسخ لفظها وبقي حكمها ولو لم ينسخ لفظها
لاقرأها أبي بن كعب ذرا بلا شك ولكنه أخبره بأنها كانت تعدل سورة البقرة ولم
يقل له أنها تعدل الآن فصح نسخ لفظها *
قال علي: وقد روي هذا من طرق، منها ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
نا أحمد بن شعيب انا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير
عن كثير بن الصلت قال: قال لي زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا
زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة " قال عمر: لما نزلت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت اكتبنيها قال شعبة كأنه كره ذلك فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن
جلد وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم *
قال علي رحمه الله: وهذا إسناد جيد * قال علي: وقد توهم قوم ان سقوط آية
الرجم إنما كان لغير هذا وظنوا انها تلفت بغير نسخ، واحتجوا بما ناه أحمد بن محمد
ابن عبد الله الطلمنكي نا ابن منفرج نا محمد بن أيوب الصموت نا أحمد بن عمر بن عبد الخالق
البزار نا يحيى بن خلف نا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
قال عبد الله عن عمرة بنت عبد الرحمن وقال عبد الرحمن عن أبيه، ثم اتفق القاسم
ابن محمد. وعمرة كلاهما عن عائشة أم المؤمنين قال: لقد نزلت آية الرجم والرضاعة
235

فكانتا في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بموته
فدخل داجن فأكلها *
قال أبو محمد: وهذا حديث صحيح وليس هو على ما ظنوا لان آية الرجم إذ
نزلت حفظت وعرفت وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يكتبها نساخ القرآن
في المصاحف ولا أثبتوا لفظها في القرآن، وقد سأله عمر بن الخطاب ذلك كما أوردنا
فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فصح نسخ لفظها وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها
كما قالت عائشة رضي الله عنها فأكلها الداجن ولا حاجة بأحد إليها، وهكذا القول
في آية الرضاعة ولا فرق * وبرهان هذا انهم قد حفظوها كما أوردنا فلو كانت مثبتة
في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم، وبالله
تعالى التوفيق * فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ
على رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر قال الله تعالى: (يا أيها الرسول
بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)، وقال تعالى: (إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وقال تعالى: (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله)
وقال تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) فصح أن الآيات
التي ذهبت لو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغها لبلغها ولو بلغها لحفظت ولو حفظت
ما ضرها موته كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ فقط من القرآن وإن كان عليه
السلام لم يبلغ أو بلغه فأنسيه هو والناس أو لم ينسوه لكن لم يأمر عليه السلام
أن يكتب في القرآن فهو منسوخ بيقين من عند الله تعالى لا يحل أن يضاف إلى القرآن *
قال أبو محمد رحمه الله: وقد روي الرجم عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة كما حدثنا عبد
الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا محمد بن يحيى بن عبد الله
النيسابوري نا بشر بن عمر الزهراني ني مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال: إن الله بعث محمدا وانزل عليه
الكتاب فكان فيما أنزل آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورجمنا بعده وأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في
كتاب الله تعالى فيترك فريضة أنزلها الله وأن الرجم في كتاب الله حق على من
زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف *
وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور المكي نا سفيان بن عيينة عن الزهري
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: قد خشيت
236

أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضل بترك
فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أحصن وكانت البينة أو كان
الحبل أو الاعتراف، وقد قرأناها (الشيخ والشيخ فارجموها البتة) وقد رجم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن
بكر نا سليمان بن الأشعث نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة
ورجم بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة " * روينا من طريق مسلم نا عبد
الملك بن شعيب بن الليث بن سعد نا أبي عن جدي نا عقيل عن ابن شهاب عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه أتى رجل من
المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمسجد فناداه يا رسول الله اني زنيت فذكر الحديث
وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " فهل أحصنت؟ قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اذهبوا به فارجموه " *
(مسألة) حد الأمة المحصنة: قال أبو محمد: قال الله تعالى: (فإذا أحصن فان
أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فبيقين ندري أن الله تعالى
أراد فإذا تزوجن ووطئن فعلين نصف ما على الحرائر المحصنات من العذاب، والحرة
المحصنة فان عليها جلد مائة والرجم، وبالضرورة ندري أن الرجم لا نصف له فبقي
عليهن نصف المائة فوجب على الأمة المحصنة جلد خمسين فقط (فان قيل) فمن أين
أوجبتم عليها نفي ستة أشهر أمن هذه الآية أم من غيرها؟ (فجوابنا) وبالله تعالى
التوفيق أن القائلين ان على الأمة نفي ستة أشهر قالوا: ان ذلك واجب عليهن من
هذه الآية، وقالوا: إن الاحصان اسم يقع على الحرة المطلقة فقط فإن كان هذا كما قالوا
فالنفي واجب على الإماء المحصنات من هذه الآية لان معنى الآية فعلين نصف
ما على الحرائر من العذاب وعلى الحرائر هنا من العذاب جلد مائة ومعه نفي سنة أو
رجم والرجم لا ينتصف أصلا لأنه موت والموت لا نصف له أصلا، وكذلك الرجم
لأنه قد يموت المرجوم من رمية واحدة وقد لا يموت من ألف رمية وما كان هكذا
فلا يمكن ضبط نصفه أبدا وإذ لا يمكن هذا فقد أمنا ان يكلفنا الله تعالى ما لا نطيق
لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا
أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " أو كما قال عليه السلام: فسقط الرجم وبقي
237

الجلد والنفي سنة وكلاهما له نصف فعلى الأمة نصف ما على الحرة منها *
قال أبو محمد رحمه الله: وإن كان الاحصان لا يقع في اللغة إلا على الحرية فقط
فالنفي لا يجب على الإماء من هذه الآية، وما نعلم الاحصان في اللغة العربية والشريعة
يقع إلا على معنيين على الزواج الذي يكون فيه الوطئ فهذا اجماع لا خلاف فيه
وعلى العقد فقط ولا نعلمه يقع على الحرة المطلقة فقط فلا يجوز أن يقع في الدين
الا بيقين لأنه اخبار عن الله تعالى ولا يحل لمن له تقوى أو عقل أن يخبر عن الله
تعالى الا بيقين ولسنا والله نحن كمن يقول: ان الدين مأخوذ بالظنون فقط
ولكن النفي واجب على الإماء إذا زنين من موضع آخر وهو الخبر الذي ناه عبد
الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم
ابن علية نا يزيد بن هارون أنا حماد ابن سلمة عن أيوب السختياني عن عكرمة عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث
بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه " * وبه إلى أحمد بن شعيب
أنا محمد بن عيسى الدمشقي نا يزيد بن هارون نا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني.
وقتادة قال قتادة: عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب، وقال أيوب: عن
عكرمة عن ابن عباس ثم اتفقا علي، وابن عباس كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المكاتب
يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويرث بقدر ما عتق منه " وهذا
اسناد في غاية الصحة فوجب ضرورة أن يكون حد الأمة بنسبته من حد الحرة
عموما في جميع ماله نصف من حد الحرة فوجب ضرورة أن حد الأمة المتزوجة
نصف حد الحرة من النفي والجلد وأن لا يخص من ذلك شئ لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يخص من ذلك ولا أحد من الأمة أجمع على تخصيصه ولا جاء القرآن بتخصيصه
فوجب نفيها ستة أشهر وجلدها خمسون جلدة وبالله تعالى التوفيق *
2205 - مسألة - حد المملوك إذا زنى، وهل عليه وعلى الأمة المحصنة
رجم أم لا؟ *
قال أبو محمد: اختلف الناس في المملوك الذكر إذا زنى فقالت طائفة:
إن حده حد الحر من الجلد والنفي والرجم كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد
البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الله بن
إدريس الأودي نا ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: قدمت المدينة وقد أجمعوا على
عبد زنى وقد أحصن بحرة أنه يرجم الا عكرمة فإنه قال: عليه نصف الحد قال مجاهد:
238

واحصان العبد أن يتزوج الحرة واحصان الأمة أن يتزوجها الحر وبهذا يأخذ أصحابنا
كلهم، وقال أبو ثور: الأمة المحصنة والعبد المحصن عليهما الرجم الا أن يمنع
من ذلك اجماع، وقال الأوزاعي: إذا أحصن العبد بزوجة حرة فعليه الرجم وان
لم يعتق فإن كان تحته أمة لم يجب عليه الرجم إن زنى وإن عتق، وكذلك قال أيضا:
إذا أحصنت الأمة بزوج حر فعليها الرجم وان لم تعتق ولا تكون محصنة بزوج
عبد، وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد: حد العبد المحصن وغير المحصن
والأمة لا رجم في شئ من ذلك *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فيما احتج
به أصحابنا لقولهم فوجدناهم يقولون: (الزانية والزاني) الآية، وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم "
قالوا: فجاء القرآن والسنة بعموم لا يحل أن يخص منه إلا ما خصه الله تعالى
ورسوله عليه السلام فوجدنا النص من القرآن والسنة قد صح بتخصيص الإماء من
جملة هذا الحكم بأن على المحصنات منهن نصف ما على المحصنات الحرائر، وكذلك
النص الوارد في الأمة التي لم تحصن فخصصنا الإماء بالقرآن ولا سنة وبقي العبد وما كان
ربك نسيا، وبيقين ندري أن الله تعالى لو أراد أن يخص العبيد لذكرهم كما ذكر
الإماء ولما أغفل ذلك ولا أهمله والقياس كله باطل ودعوى بلا برهان، وكل ما يشغبون
به في إثبات القرآن فحتى لو صح لهم وهو لا يصح لهم منه شئ أصلا لما كان في شئ
منه إيجاب تخصيص القرآن به ولا إباحة الاخبار عن مراد الله تعالى إذ لا يجوز أن
يعرف مغيب أحد بقياس قالوا: فوجب أن يكون حكم العبد كحكم الحر في حد
الزنا، ثم نقول لأصحاب القياس قد أجمعتم على أن حد العبد كحد الحر في الردة وفي
المحاربة وفي قطع السرقة فيلزمكم على أصولكم في القياس أن تردوا ما اختلف فيه من
حكمه في الزنا إلى ما اتفقتم فيه من حكمه في الردة والمحاربة والسرقة بالقتل رجما
والقتل صلبا أو بالسيف أشبه من القتل رجما بالجلد قالوا. لا ولا سيما المالكيون
المشغبون باجماع أهل المدينة وهذا اجماع الا عكرمة قد خالفوه *
(فان قالوا) إن راوي هذا الخبر ليث بن أبي سليم وليس بالقوي
(قلنا لهم): رب خبر احتججتم فيه لأنفسكم بليث ومن هو دون
ليث كجابر الجعفي عن الشعبي " لا يؤمن أحد بعدي جالسا، وليث أقوى من
جابر بلا شك، ثم نظرنا فيما احتج به أبو ثور فوجدنا من حجته أن قال:
239

قال الله تعالى: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من
العذاب) (قلنا): أمر الله تعالى بالمخالفة بين حد الأمة وحد الحرة فيما له نصف
وليس ذلك الا الجلد والتغريب فقط وأما الرجم فلا نصف له أصلا فلم يكن للرجم
في هذه الآية دخول أصلا ولا ذكر، وكذلك لم يكن له ذكر في قوله تعالى:
(والزانية والزاني) الآية، ووجدنا الرجم قد جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على
من أحصن، وكذلك جاء عن عمر رضي الله عنه. وغيره من الصحابة الرجم على من
أحصن جملة ولم يخص حرا من عبد ولا حرة من أمة فوجب أن يكون الرجم واجبا
على كل من أحصن من حر أو عبد أو حرة أو أمة بالعموم الوارد في ذلك إلا أن
جلد الأمة نصف جلد الحرة ونفيها نصف أمد الحرة *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في هذين الاحتجاجين فوجدناهما صحيحين إذ لم يرد
نص صحيح يعارضهما فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إذ أصاب المكاتب
حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه وقد ذكرناه
باسناده في الباب الذي قبل هذا متصلا به فأغنى عن اعادته، فاقتضى لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحكمه في هذا الخبر حكم المماليك في الحد بخلاف حكم الأحرار جملة إذ لو كان ذلك سواء لما
كان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقام عليه الحد بحساب ما عتق منه معنى أصلا، ولكان
المكاتب الذي عتق بعضه كأنه حر كله هذا خلاف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد صح أن حكم أهل الردة في الحدود خلاف حكم
الحر فليس الا أحد وجهين لا ثالث لهما ولابد من أحدهما اما أن لا يكون على المماليك
حد أصلا وهذا باطل بما أوردناه أيضا باسناده في الباب المتصل بهذا الباب واسناده *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام
نا إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان الثوري عن عبد الأعلى - هو ابن عبد الأعلى
التغلبي - عن ميسرة - هو ابن جميلة - عن علي بن أبي طالب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " فكان هذا عموما موجبا لوقوع الحدود على العبيد
والإماء، واما أن يكون للمماليك حد مخالف لحكم حدود الأحرار وهذا هو الحق إذ
قد بطل الوجه الآخر ولم يبق الا هذا، والحق في أحدهما ولابد مع ورود هذين
النصين الذين ذكرنا من وجوب إقامة الحدود على ما ملكت أيماننا وانهم في ذلك بخلاف
حدود الأحرار، فإذ قد وجب هذا بلا شك فلم يكن بد من تحديد حد المماليك بخلاف
حكم الأحرار في الحدود، فقد صح اجماع القائلين بهذا القول وهم أهل الحق على أن
240

حكم المماليك في الحد نصف حد الحر فكان هذا حجة صحيحة مع صحة الاجماع المتيقن
على اطباق جميع أهل الاسلام على أن حد العبد والأمة ليس يكون أقل من نصف
حد الحر ولا أكثر من نصف حد الحر، ولم يأت بهذا نص قط فهذا اجماع صحيح
متيقن على ابطال القول بأن يكون حد المملوك أو المملوكة أقل من نصف حد
الحر أو أكثر من نصف حد الحر فبطل بالنصوص المذكورة *
قال أبو محمد رحمه الله: فلو لا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الحدود على
ما ملكت أيماننا لكانت الحدود عنهم ساقطة جملة فإذ قد صحت الحدود عليهم فلا
يجوز أن يقام عليهم منها الا ما أوجبه عليه نص أو اجماع ولا نص ولا اجماع
بوجوب الرجم عليهم ولا بايجاب أزيد من خمسين جلدة ونفي نصف سنة فوجب
الاخذ بما أوجبه النص والاجماع واسقاط ما لا نص فيه ولا اجماع وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: فصح بما ذكرنا أن قول الله تعالى: (والزانية والزاني
فاجلدوا) الآية إنما عنى بلا شك الأحرار والحرائر، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم إنما عنى به عليه
السلام الأحرار والحرائر لا العبيد ولا الإماء، وأما من لم يصحح الحديث الذي
أوردنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يقام الحد على المكاتب بقدر ما عتق منه ولم يصحح
الحكم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد
مائة والرجم " ولم يعتمد في الرجم الا على الأحاديث الواردة في رجم ماعز. والغامدية.
والجهينية رضي الله عنهم فإنه لا مخلص لهم من دليل أبي ثور وأصحابنا ولا نجد البتة
دليلا على اسقاط الرجم عن الأمة المحصنة والعبد المحصن فان رجع إلى القياس فقال:
أقيس العبد على الأمة قيل له القياس كله باطل ولو كان حقا لما كان لكم ههنا وجه
من القياس تتعلقون به في اسقاط الرجم أصلا لان قول الله تعالى: (فإذا
أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) ليس فيه نص
ولا دليل على اسقاط الرجم عنها ولا نجد دليلا على اسقاطه أصلا لا سيما من قال:
احصانها هو اسلامها وأنه أيضا يلزمه أن تكون كل حرة مسلمة محصنة ولابد وان
لم تتزوج قط لان احصانها أيضا اسلامها، ومن الباطل المحال أن يكون اسلام
الأمة احصانا لها ولا يكون اسلام الحرة احصانا لها فإذا وجب هذا ولابد فواجب
أن تكون الآية المذكورة يعني قوله تعالى: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب) اللواتي لم يتزوجن من الإماء والحرائر لان أهل هذه المقالة لا يرون
241

المحصنات ههنا الا الحرائر اللواتي لم يتزوجن فهن عندهم اللواتي لعذابهن نصف،
وأما الرجم الذي هو عندهم عذاب المتزوجات فقط لا عذاب عليهن عندهم غيره فلا
نصف له فإذا لزمهم هذا واقتضاه قولهم فواجب أن تبقي الأمة المحصنة بالزواج والحرة
المحصنة بالزواج على وجوب الرجم الذي إنما وجب عندهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم
رجم من أحصن فقط وبالله تعالى التوفيق *
2206 - مسألة - وجدت امرأة ورجل يطؤها فقالت: هو زوجي
وقال هو: هي زوجتي وذلك لا يعرف *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لا حد عليهما كما
نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا موسى بن معاوية نا وكيع
نا داود بن يزيد الزعاوي عن أبيه أن رجلا وامرأة وجدا في حرب مراد فرفعا إلى علي بن
أبي طالب فقال ابنة عمي تزوجتها فقال لها علي ما تقولين؟ فقال لها الناس قولي نعم فقالت
نعم فدرأ عنهما، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن
عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن الحكم بن عتيبة.
وحماد بن سليمان أنهما قالا في الرجل يوجد مع المرأة فيقول هي امرأتي انه لا حد عليه
قال شعبة فذكرت ذلك لأيوب السختياني فقال ادرءوا الحدود ما استطعتم *
قال أبو محمد رحمه الله: وبه يقول أبو حنيفة، والشافعي، وقالت طائفة: عليهما
الحد كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى
ابن معاوية نا وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي في الرجل يوجد مع
المرأة فيقول: هي امرأتي فقال إبراهيم: إن كان كما يقول لم يقم على فاجر حد، حدثنا محمد
ابن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا
محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي في الرجل يوجد مع
المرأة فيقول هي امرأتي قال: عليه الحد * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم
ابن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن غير واحد عن الأوزاعي قال: سألت
ابن شهاب عن الرجل يوجد مع المرأة؟ فيقول تزوجتها فقال: يسأل البينة فان جاء
ببينته والا وقع عليه الحد * وبه يقول مالك. وأصحابه، وقال عثمان البتي: ان كانا لا يعرفان
فلا حد عليهما فان كانا معروفين فإن كان يرى قبل ذلك يدخل إليها ويذكر ذلك فلا
حد عليه وان لم يكن شئ من ذلك فعليهما الحد *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ننظر في ذلك فوجدنا
242

من قال لا حد عليهما يحتج بأن قال: هو قول روي عن علي بن أبي طالب بحضرة الصحابة
ولا مخالف له منهم فلا يجوز تعديه وقالوا ادرءوا الحدود بالشبهات وأوجب هذه شبهة
قوية وقالوا لا خلاف بين أحد من الأمة في أن رجلا لو وجد يطأ أمة معروفة لغيره فقال
الذي عرف ملكها له قد كان اشتراها مني وقال هو كذلك وأقرت هي بذلك أنه لا حد
عليهما فهذا مثله *
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا وكل هذا لا حجة لهم
فيه، أما قولهم إنه قول روي عن علي فهذا لا حجة لهم فيه لأنه لا حجة في أحد دون
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يلزمنا، وأما قولهم: ادرءوا الحدود ما أمكنكم فقد ثبت بطلان
هذا القول وانه لا يحل درء حد بشبهة ولا إقامته بشبهة في دين الله تعالى وإنما هو الحق
واليقين فقط ويكفي من بطلان قول من قال: ادرءوا الحدود بالشبهات إنه قول لم يأت
به قرآن ولا سنة وإنما جاء القرآن والسنة بتحريم دم المسلم وبشرته حتى يثبت عليه حد
من حدود الله تعالى فإذا ثبت لم يحل درءه أصلا فيكون عاصيا لله تعالى، وأما قولهم في
تنظيرهم ذلك بالأمة المعروفة لانسان فيوجد معها رجل فيقول قد صارت إلي وملكتها
ويقول سيدها بذلك ودعواهم الاجماع في ذلك قول بالظن لا يصح وما عهدنا قول مالك
المشهور فيمن قامت عليه بينة بأنه اخرج من حرزه مالا مستترا بذلك فادعى ان صاحب
ذلك الشئ أمره بذلك أو أنه وهبه وأقر صاحب المال بذلك بأنه لا يلتفت إلى ذلك بل
تقطع يده ولا بد *
قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول به أن من وجد مع امرأة يطؤها وقامت
البينة بالوطئ فقال هو إنها امرأتي أو قال أمتي فصدقته في ذلك فإن كان غريبين أو
لا يعرفان فلا شئ عليهما ولا يعرض لهما ولا يكشفان عن شئ لان الاجماع قد صح
بنقل الكواف ان الناس كانوا يهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم افذاذا ومجتمعين من أقاصي
اليمن ومن جميع بلاد العرب بأهليهم ونسائهم وإمائهم وعبيدهم فما حيل بين أحد وبين من
زعم أنها امرأته أو أمته ولا كلف أحد على ذلك بينة، ثم على هذا إجماع جميع أهل الاسلام
وجميع أهل الأرض من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والى يومنا هذا لا يزال الناس يرحلون
بأهليهم وإمائهم ورقيقهم ولا يكلف أحد منهم بينة على ذلك بل تصدق أقوالهم
في ذلك مسلمين كانوا أو كفارا فإذ قد صح النص بهذا والاجماع فلا يجوز مخالفة ذلك
فان كانت هي معروفة في البلد ومعروف أنه لا زوج لها فان أمكن ما يقول فلا شئ
عليهما لان أصل دمائهما وأبشارهما على التحريم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن
243

دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فلا يجوز إباحة ما حرم الله تعالى
الا بيقين لا شك فيه وإن كان كذبهما في ذلك متيقنا فالحد واجب عليهما وان قال هي
أمتي وصدقه صاحبها الذي عرف ملكها له وأقر أنه قد كان وهبها له أو كان باعها
منه صدق ولا شئ عليهما في ذلك فان كذبه حد إلا أن يأتي ببينة على صحة دعواه
فلو قال: هي أمتي وقالت هي بل أنا زوجته أو قال هي زوجتي وقالت هي بل أنا أمته
أو قالت بل أم ولده فقد اتفقا على صحة الفراش فلا حد في ذلك وهي على الحرية
حتى يقيم هو بينة بملكه لها فإن لم يفعل حلف لها فيما يدعيه من الزوجية وفرق بينهما
لان الملك قد بطل إذا لم تقم بينة والناس على الحرية حتى يصح الرق والزوجية لم
تثبت لا باقرارهما ولا ببينة وإنما يحكم عليهما من الآن وأما إذا كانت أمة
معروفة لانسان فأنكر سيدها خروجها عن ملكه إلى الذي وجد معها فالحد عليها
وعلى الذي وجد معها الا أن يأتي ببينة على ذلك وله على سيدها اليمين ولا بد *
2207 - مسألة - فيمن وجد مع امرأة فشهد له أبوها أو أخوها بالزوجية *
قال أبو محمد رحمه الله: فلو وجد يطأ امرأة معروفة وهو مجهول أو معروف
فادعى هو وهي الزوجية وشهد لهما بذلك أبوها أو أخوها فان مالكا قال: عليهما
الحد وقال أصحابنا: إن كان اللذان شهدا لهما عدلين صح العقد وبطل الحد وبهذا نأخذ
فإن لم يكونا عدلين فالحد عليهما ما لم يكن على صحة النكاح بينة أو استفاضة لان اليقين
صح أنهما غير زوجين وانها حرام عليه فلا ينتقل التحريم إلى التحليل ولا ينتقلان
إلى حكم الزوجية الا بيقين من بينة أو استفاضة *
2208 - مسألة - هل يصلي الامام وغيره على المرجوم أم لا؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب
ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا عبد الأعلى
نا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري " أن رجلا من أسلم يقال له ماعز
ابن مالك رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا من
العشى فقال: أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب
التيس على أن لا أوتي برجل فعل ذلك الا نكلت به قال فما استغفر له ولا سبه " *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني
عبد الله بن أبي بكر أخبرني أيوب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلى الظهر يوم أمر بماعز يرجم فطول الأوليين من الظهر حتى
244

كاد الناس يعجزون عنها من طول القيام فلما انصرف أمر به فرجم فلم يقتل حتى رماه عمر
ابن الخطاب بلحي بعير فأصاب رأسه فقتله فقال رجل لماعز حين فاضت نفسه أتصلي
عليه يا رسول الله؟ قال: لا فلما كان الغد صلى الظهر فطول الركعتين الأولتين كما طولهما
بالأمس أو أخر بأشياء فلما انصرف قال: صلوا على صاحبكم فصلى عليه النبي عليه
السلام والناس " * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله " أن رجلا من أسلم جاء إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض - فذكر الحديث وفيه - فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم
بالمصلى فلما أذلفته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خيرا
ولم يصل عليه " *
قال أبو محمد رحمه الله: فذهب إلى هذا قوم فقالوا لا يصلي عليه الامام ويصلي
عليه غيره، وذهب آخرون إلى أن الامام يصلي على المرجوم والمرجومة كسائر الموتى
ولا فرق، روينا من طريق البخاري نا محمود نا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر قال: " ان رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فاعترف بالزنا فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع - مرات فذكر الحديث وفيه -
فأمر به فرجم بالمصلي فلما أذلفته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه " *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا مما اختلف فيه محمود بن غيلان. وإسحاق بن
إبراهيم الدبري على عبد الرزاق فرواية الدبري عنه في هذا الخبر ولم يصل عليه ورواية
محمود عنه في هذا الخبر وصلى عليه فالله أعلم أيهما وهم *
ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبي نا عبد الله بن بريدة عن أبيه
فذكر حديث الغامدية وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس فرجموها ثم أمر بها فصلى
عليها ودفنت * ومن طريق مسلم نا أبو غسان المسمعي نا معاذ - يعني ابن هاشم
الدستوائي - ني أبي عن يحيى بن أبي كثير ني أبو قلابة أن أبا المهلب حدثه عن عمران
ابن الحصين " أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا وذكر
الحديث، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر بن
الخطاب أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين
من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت بأفضل من أن جادت بنفسها لله؟ " ففي هذه
الآثار صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجهينية بنفسه بلا خلاف وأمره بالصلاة على
245

الغامدية بلا خلاف وصلاته على ماعز رضي الله عنه باختلاف، وهذه الآثار في غاية
الصحة وبهذا يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رجم شراحة فقالوا كيف
نصنع بها؟ قال اصنعوا بها كما تصنعون بنسائكم إذا متن في بيوتكم *
قال أبو محمد رحمه الله: والذي نصنع بنسائنا إذا متن في بيوتنا هو أن
يغسلن ويكفن ويصلي عليهن الامام وغيره هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الأمة
وبالله تعالى التوفيق *
2209 - مسألة - في امرأة أحلت نفسها أو تزوج رجل خامسة
أو دلست أو دلست بنفسها لأجنبي *
قال أبو محمد رحمه الله: حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ
نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في المرأة
تقول للرجل اني حل لك فيمسها على ذلك فنلد منه انه يرجم ولا يرثه ذلك الولد *
قال أبو محمد: ليس لأحد ان يحل ما حرم الله تعالى فاحلالها نفسها باطل
وهو زنا محض وعليه الرجم والجلد ان كانا محصنين ولا يلحق في هذا ولد أصلا إذا
لم يكن عقد فان كانا جاهلين فلا شئ عليهما وإن كان أحدهما جاهلا والآخر عالما
فالحد على العالم دون الجاهل * وعن بكير بن الأشج أنه قال في امرأة انطلقت إلى
جاريتها فهيأتها بهيئتها وجعلتها في حجلتها وجاء زوجها فوطئها قال تنكل المرأة
ولا جلد على الرجل وعلى الجارية حد الزنا ان كانت تدري ان ذلك لا يحل، ولو أن
امرأة دلست نفسها لأجنبي فوطئها يظن أنها امرأته فهي زانية ترجم وتجلد ان
كانت محصنة أو تجلد وتنفى ان كانت غير محصنة ولا يلحق الولد في ذلك *
قال أبو محمد: في امرأة وجدت مع رجل ولها زوج فقالت تزوجني نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني بعض
أهل الكوفة ان علي بن أبي طالب رجم امرأة كانت ذات زوج فجاءت أرضا فتزوجت
ولم تشك ان ما جاءها موت زوجها ولا طلاقه، وعن ابن شهاب أنه قال نرى في امرأة
حرة كانت تحت عبد فتحولت أرضا أخرى فتزوجت رجلا قال: نرى عليها الحد
ولا نرى على الذي تزوجها شيئا ولا على الذي أنكحها إن كان لا يعلم أنها كان
لها زوج *
قال أبو محمد رحمه الله: واما من تزوج خامسة فان حماما قال: حدثنا ابن مفرج
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في الرجل يتزوج
246

الخامسة قال: يجلد فان طلق رابعة من نسائه طلقة أو طلقتين ثم تزوج الخامسة قبل انقضاء
عدة التي طلق جلد مائة * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال ابن شهاب:
في رجل نكح الخامسة فدخل بها قال: إن كان قد علم ذلك ان الخامسة لا تحل رجم
وإن كان جاهلا جلد أدنى الحدين ولها مهرها بما استحل منها ثم يفرق بينهما ولا يجتمعان
أبدا فان علمت رجمت ان أحصنت وجلدت ان لم تحصن فإن لم تعلم أن تحته أربع نسوة
فلا عقوبة عليها فان ولدت لم يرثه ولدها، وعن إبراهيم النخعي في الذي ينكح الخامسة
متعمدا قبل ان تنقضي عدة الرابعة من نسائه أنه يجلد مائة ولا ينفى، وقال آخرون: غير
هذا كما روي عن الأوزاعي قال: سألت ابن شهاب عن الرجل يتزوج الأخت على
الأخت والخامسة وهو يعلم أنه حرام قال يرجم إن كان محصنا قال ابن وهب: وسمعت
الليث يقول ذلك، وقال مالك، والشافعي، وأصحابنا: يرجم الا ان يعذر بجهل *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا
من قال لا حد على من تزوج خامسة يحتج بما ذكرنا في أول الباب الذي قبل هذا
متصلا به في الكلام في المرأة تتزوج ولها زوج والرد عليه قد ذكرناه هنالك أيضا
بما جملته أنه ليس زواجا لان الله تعالى حرمه وإذ ليس زواجا فهو عهر فإذ هو عهر
فعليه حد الزنى وعليها كذلك ان كانا عالمين بأن ذلك لا يحل ولا يلحق فيه الولد أصلا
فان كانا جاهلين فلا حد في ذلك لما ذكرنا ويلحق الولد وإن كان أحدهما جاهلا والآخر
عالما فالحد على العالم ولا شئ على الجاهل، وأما من قال أنه يجلد أدنى الحدين فليس
بشئ لما ذكرنا هنالك من أنه زان أو غير زان فإن كان زانيا فعليه حد الزنا كاملا
وإن كان غير زان فلا شئ عليه لان بشرته حرام الا بقرآن أو بسنة وبالله
تعالى التوفيق *
2210 - مسألة - امرأة تزوجت في عدتها ومن طلق ثلاثا قبل الدخول
أو بعده ثم وطئ *
قال أبو محمد رحمه الله: روي عن سعيد بن المسيب ان امرأة تزوجت في عدتها فرفع
ذلك إلى عمر بن الخطاب فضربها دون الحد وفرق بينهما، وعن الشعبي أنه قال: في امرأة
نكحت في عدتها عمدا قال: ليس عليها حد، وعن إبراهيم النخعي بمثله *
قال أبو محمد رحمه الله: والاسناد إلى عمر منقطع لان سعيدا لم يلحق عمر رضي الله
عنه سماعا الا نعيه النعمان بن مقرن على المنبر، ولا تخلو الناكحة في عدتها بأن تكون عالمة
بأن ذلك لا يحل أو تكون جاهلة بأن ذلك محرم أو غلطت في العدة فان كانت جاهلة
247

أو غلطت في العدة فلا شئ عليها لأنها لم تعمد الحرام والقول قولها في الغلط على كل
حال فان كانت عالمة بأن ذلك لم يحل ولم تغلط في العدة فهي زانية وعليها الرجم وقد يمكن
أن يضربها عمر رضي الله عنه تعزيرا لتركها التعلم من دينها ما يلزمها فهو مكان التعزير،
وأما من أسقط الحد في العمد في ذلك فإنه ان طرد قوله لزمه المصير إلى قول أبي حنيفة
في سقوط الحد عمن تزوج أمه وهو يدري أنها أمه وانها حرام وعمن تزوج ابنته
كذلك أو أخته كذلك وتزوج نساء الناس وهن تحت أزواجهن عمدا دون طلاق ولا
فسخ وهذا هو الاطلاق على الزنا بل هو الاستخفاف بكتاب الله تعالى، وأما من أسقط الحد
في بعض ذلك وأوجبه في بعض قاقض فان تعلقوا بعمر فقد قلنا إنه ليس في الأثر عن
عمر انها كانت عالمة بانقضاء العدة ولا بالتحريم فلا متعلق لهم بذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: والقول في ذلك كله واحد وهو أن كل عقد فاسد لا يحل فالفرج
به لا يحل ولا يصح به زواج فهما أجنبيان كما كانا والوطئ فيه من العالم بالتحريم زنا مجرد
محض وفيه الحد كاملا من الرجم أو الجلد أو التعزير ولا يلحق فيه ولد أصلا ولا مهر فيه
ولا شئ من أحكام الزوجية وإن كان جاهلا فلا حد ولا يقع في ذلك شئ من أحكام
الزوجية إلا لحاق الولد فقط للاجماع وبالله تعالى التوفيق، وأما من طلق ثلاثا ثم وطئ
فإن كان عالما ان ذلك لا يحل فعليه حد الزنى كاملا وعليها كذلك لأنها أجنبية فإن كان
جاهلا فلا شئ عليه ولا يلحق الولد ههنا أصلا لأنه وطئ فيما لا عقد له معها لا صحيحا
ولا فاسدا وبالله تعالى التوفيق *
2211 مسألة من تزوجت عبدها * قال أبو محمد رحمه الله: حدثنا محمد
ابن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية
نا وكيع عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن الحكم بن عتيبة ان عمر بن الخطاب
كتب في امرأة تزوجت عبدها فعزرها وحرمها على الرجال * وبه إلى وكيع نا الأسود
ابن شيبان عن أبي نوفل عن أبي عقرب قال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت
يا أمير المؤمنين اني امرأة كما ترى غيري من النساء أجمل مني ولي عبد قد رضيت
أمانته فأردت أن أتزوجه فبعث عمر إلى العبد فضربه ضربا وأمر بالعبد فبيع في
أرض غربة، وعن ابن شهاب عن ابن سمعان قال: كان أبو الزبير يحدث عن جابر بن
عبد الله الأنصاري أنه قال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية نكحت
عبدها فتلهف عليها وهم برجمها ثم فرق بينهما وقال للمرأة: لا يحل لك ملك يمينك *
قال أبو محمد رحمه الله: القول في هذا كله واحد كل نكاح لم يبحه الله تعالى فلا
248

يجوز عقده فان وقع فسخ أبدا لأنه ليس نكاحا صحيحا جائز فان وقع فيه الوطئ فالعالم
بتحريمه زان عليه الحد حد الزنا كاملا فهو أو هي أو كلاهما ومن كان جاهلا فلا شئ عليه
والولد فيه لاحق للاجماع ومن قذف الجاهل حد لأنه ليس زانيا ولو كان زانيا لحد حد الزنا
ولا يحل للمرأة عبدها فان وطئها فكما قلنا إن كانت عالمة ان هذا لا يحل فهي زانية وترجم
ويجلدها ان كانت محصنة أو تجلد وتنفى ان كانت غير محصنة والعبد كذلك ولا يلحق
الولد فان كانت جاهلة فلا شئ عليها ويلحق الولد بها أما التفريق فلا بد منه، واما
التحريم على الرجال فلا يحرم بذلك لان الله تعالى لم يوجب ذلك، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم
فان أعتقته بشرط ان يتزوجها فالعتق باطل مردود لأنه علق بشرط ليس في كتاب الله تعالى
فهو باطل وإذا بطل الشرط بطل عقد لم يعقد الا بذلك الشرط ولا يجوز انفاذ
العقد لان العاقد له لم يعقده قط منفردا من الشرط فلا يحل ان بمضي عليه عقد لم يعقده
على نفسه قط لأنه لم يوجب عليه ذلك قرآن. ولا سنة صحيحة. ولا اجماع فان أعتقته
بغير شرط ثم تزوجها زواجا صحيحا فهو جائز *
قال أبو محمد رحمه الله: (فان قالوا): من أين أوجبتم الحد وعمر بن الخطاب
لم يحد في ذلك ولا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف؟ (قلنا): ان عمر
رضي الله عنه قد هم برجمها فلولا أن الرجم عليها كان واجبا ما هم وإنما ترك رجمها إذ عرف
جهلها بلا شك ونحن أيضا لا نرى حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن
إذ يحتجون بقول عمر رضي الله عنه فيلزمكم ان تحرموها على الرجال في الأبد كما جاء
عن عمر، وبالله تعالى التوفيق *
2212 مسألة - المحلل والمحلل له - قال أبو محمد رحمه الله: حدثنا محمد بن سعيد بن
نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار
نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن قبيصة بن جابر
الأسدي قال: قال عمر بن الخطاب: لا أوتي بمحلل أو محلل له الا رجمته *
قال أبو محمد: عهدنا بالحنيفيين، والمالكيين، والشافعيين يعظمون خلاف
الصاحب إذا وافق تقليدهم وكلهم قد خالفوا عمر بن الخطاب وهم يقلدونه فيما هو
عنه من طريق لا تصح والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أن كل نكاح انعقد سالما
مما يفسده ولم يشترط فيه التحليل والطلاق فهو نكاح صحيح تام لا يفسخ وسواء اشترط
ذلك عليه قبل العقد أو لم يشترط لان كل ناكح لمطلقة ثلاثا فهو محلل ولا بد فالتحليل
المحرم هنا هو ما انعقد عقدا غير صحيح، وأما إذا عقد النكاح على شرط التحليل ثم
249

الطلاق فهو عقد فاسد ونكاح فاسد فان وطئ فيه فإن كان عالما أن ذلك لا يحل فعليه الرجم
والحد لأنه زنا وعليها إن كانت عالمة مثل ذلك ولا يلحق الولد فإن كان جاهلا فلا
حد عليه ولا صداق والولد لاحق وبالله تعالى التوفيق، وهكذا القول في كل عقد فاسد
بالشغار. والمتعة والعقد بشرط ليس في كتاب الله تعالى اي شرط كان وبالله تعالى التوفيق *
2213 مسألة - المستأجرة للزنا أو للخدمة والمخدمة *
قال أبو محمد: حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
نا ابن جريج ني محمد بن الحرث بن سفيان عن أبي سلمة بن سفيان ان امرأة جاءت إلى
عمر بن الخطاب فقالت: يا أمير المؤمنين أقبلت أسوق غنما لي فلقيني رجل فحفن لي حفنة
من تمر ثم حفن لي حفنة من تمر ثم حفن لي حفنة من تمر ثم أصابني فقال عمر:
ما قلت؟ فأعادت فقال عمر بن الخطاب ويشير بيده: مهر مهر مهر ثم تركها *
وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الوليد بن عبد الله - وهو ابن جميع -
عن أبي الطفيل ان امرأة أصابها الجوع فأتت راعيا فسألته الطعام فأبى عليها حتى
تعطيه نفسها قالت: فحثى لي ثلاث حثيات من تمر وذكرت انها كانت جهدت من
الجوع فأخبرت عمر فكبر وقال: مهر مهر مهر ودرأ عنها الحد *
قال أبو محمد رحمه الله: قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنا إلا ما كان مطارفة
وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنا ولا حد فيه، وقال أبو يوسف. ومحمد.
وأبو ثور. وأصحابنا. وسائر الناس، هو زنا كله وفيه الحد، وأما المالكيون.
والشافعيون فعهدنا بهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف إذا وافق
تقليدهم وهم قد خالفوا عمر رضي الله عنه ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم
بل هم يعدون مثل هذا إجماعا ويستدلون على ذلك بسكوت من بالحضرة من الصحابة
عن النكير لذلك (فان قالوا): ان أبا الطفيل ذكر في خبره انها قد كان جهدها الجوع
(قلنا لهم): وهذا أيضا أنتم لا تقولون به ولا ترونه عذرا مسقطا للحد فلا راحة
لكم في رواية أبي الطفيل مع أن خبر أبي الطفيل ليس فيه أن عمر عذرها بالضرورة بل فيه أنه
درأ الحد من أجل التمر الذي أعطاها وجعله عمر مهرا، وأما الحنيفيون المقلدون
لأبي حنيفة في هذا فمن عجائب الدنيا التي لا يكاد يوجد لها نظير ان يقلدوا عمر في اسقاط الحد
ههنا بأن ثلاث حثيات من تمر مهر وقد خالفوا هذه القضية بعينها فلم يجيزوا في النكاح
الصحيح مثل هذا وأضعافه مهرا بل منعوا من أقل من عشرة دراهم في ذلك فهذا هو
الاستخفاف حقا والاخذ بما اشتهوا من قول الصاحب حيث اشتهوا وترك ما اشتهوا
250

ترك من قول الصاحب إذا اشتهوا فما هذا دينا وأف لهذا عملا إذ يرون المهر في الحلال
لا يكون الا عشرة دراهم لا أقل ويرون الدرهم فأقل مهرا في الحرام إلا أن هذا هو
التطريق إلى الزنا وإباحة الفروج المحرمة وعون لإبليس على تسهيل الكبائر وعلى هذا
لا يشاء زان ولا زانية أن يزنيا علانية الا فعلا وهما في أمن من الحد بأن يعطيها درهما يستأجرها
به للزنا فقد علموا الفساق حيلة في قطع الطريق بأن يحضروا مع أنفسهم امرأة سوء
زانية وصبيا بغاء ثم يقتلوا المسلمين كيف شاءوا ولا قتل عليهم من أجل المرأة الزانية
والصبي البغاء فكلما استوقروا من الفسق خفت أوزارهم وسقط الخزي والعذاب
عنهم ثم علموهم وجه الحيلة في الزنا وذلك أن يستأجرها بتمرتين وكسرة خبر ليزني
بها ثم يزنيان في أمن وذمام من العذاب بالحد الذي افترضه الله تعالى ثم علموهم الحيلة في
وطئ الأمهات والبنات بأن يعقدوا معهن نكاحا ثم يطؤنهن علانية آمنين من الحدود
ثم علموهم الحيلة في السرقة أن ينقب أحدهم نقبا في الحائط ويقف الواحد داخل الدار
والآخر خارج الدار، ثم يأخذ كلما في الدار فيضعه في النقب، ثم يأخذه الآخر
من النقب ويخرجان آمنين من القطع، ثم علموهم الحيلة في قتل النفس المحرمة بأن
يأخذ عودا صحيحا فيكسر به رأس من أحب حتى يسيل دماغه ويموت ويمضي آمنا من
القود ومن غرم الدية من ماله، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذه الأقوال المعلونة وما قال
أئمة المحدثين ما قالوا باطلا ونسأل الله السلامة ولو أنهم تعلقوا في كل ما ذكرنا
بقرآن أو سنة لأصابوا بل خالفوا القرآن. والسنة وما تعلقوا بشئ الا بتقليد مهلك
ورأي فاسد. واتباع الهوى المضل *
قال أبو محمد رحمه الله: وحد الزنا واجب على المستأجر والمستأجرة بل
جرمهما أعظم من جرم الزاني والزانية بغير استئجار لان المستأجر والمستأجرة
زنيا كما زنى غير المستأجر ولا فرق وزاد المستأجر والمستأجرة على سائر الزنا حراما
آخر وهو أكل المال بالباطل، وأما المخدمة فروي عن ابن الماجشون صاحب مالك
أن المخدمة سنين كثيرة لا حد على المخدم إذا وطئها وهذا قول فاسد ومع فساده ساقط،
أما فساده فاسقاطه الحد الذي أوجبه الله تعالى في الزنا، وأما سقوطه فتفريقه بين
المخدمة مدة طويلة والمخدمة مدة قصيرة ويكلف تحديد تلك المدة المسقطة للحد التي
يسقط فيها الحد فان حد مدة كان متزيدا من القول بالباطل بلا برهان، وان لم يحد
شيئا كان محرما موجبا شارعا مالا يدري فيما لا يدري وهذه تخاليط نعوذ بالله منها،
والحد كامل واجب على المخدم والمخدمة ولو أخدمها عمر نوح في قومه لأنه زنا وعهر
251

من ليست له فراشا، وبالله تعالى التوفيق *
2214 مسائل من نحو هذا - قال علي: من زنى بامرأة ثم تزوجها لم يسقط
الحد بذلك عنه لان الله تعالى قد أوجبه عليه فلا يسقطه زواجه إياها وكذلك
إذا زنى بأمة ثم اشتراها وهو قول جمهور العلماء، وقال أبو حنيفة: لا حد عليه في
كلتا المسألتين *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذه من تلك الطوام (فان قالوا): كيف نحده
في وطئ امرأته وأمته (قلنا لهم): لم نحده في وطئه لهما وهما امرأته وأمته وإنما
نحده في الوطئ الذي كان منه لهما وهما ليستا امرأته ولا أمته ثم يلزمهم على هذا
الاعتلال الفاسد أن من قذف امرأة ثم تزوجها أن يلاعن ولا حد عليه وأنه إن
زنى بها فحملت ثم تزوجها أو اشتراها أن يلحق به الولد والا فكيف ينفى عنه ولد
امرأته منه أو ولد أمته منه (فان قالوا): ليس ابن فراش (قلنا): صدقتم
ولذلك نحده على الوطئ السالف لأنه لم يكن وطئ فراش *
قال أبو محمد رحمه الله: ولو زنى بامرأة حرة أو أمة ثم قتلها فعليه حد الزنا
كاملا والقود أو الدية والقيمة لأنها كلها حقوق أوجبها الله تعالى فلا تسقطها الآراء
الفاسدة، وروي عن أبي حنيفة أن حد الزنا يسقط إذا قتلها فما سمع بأعجب من
هذه البلية أن يكون يزني فيلزمه الحد فإذا أضاف إلى كبيرة الزنا كبيرة القتل
للنفس التي حرم الله تعالى سقط عنه حد الزنا نبرأ إلى الله تعالى من ذلك، ونحمده
على السلامة منها كثيرا وبه نستعين *
2215 - مسألة - من وطئ امرأة أبيه أو حريمته بعقد زواج أو
بغير عقد *
قال أبو محمد: نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد
ابن زهير نا عبد الله بن جعفر الرقي. وإبراهيم بن عبد الله قال الرقي: نا عتبة بن عمرو
الرقى عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء بن عازب عن أبيه،
وقال إبراهيم: نا هشيم عن أشعث بن سوار عن البراء بن عازب ثم اتفقا واللفظ
لهشيم قال: مر بي عمي الحرث بن عمرو وقد عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: أي
عم أين بعثك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن
أضرب عنقه *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا الخبر من طريق الرقيين صحيح نقي الاسناد،
252

وأما من طريق هشيم فليست بشئ لان أشعث بن سوار ضعيف * وبه إلى أحمد بن
زهير نا يوسف بن منازل نا عبد الله بن إدريس نا خالد بن أبي كريمة عن معاوية بن
قرة عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أباه - هو جد معاوية - إلى رجل أعرس بامرأة
أبيه فضرب عنقه وخمس ماله " قال أحمد بن إبراهيم: قال يحيى بن معين: هذا الحديث صحيح
ومن رواه فأوقفه على معاوية فليس بشئ قد كان ابن إدريس أرسله لقوم وأسنده
لآخرين، قال ابن معين: ويوسف بن منازل ثقة نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن
عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل. وأبو قلابة قال أبو قلابة: حدثنا
المغيرة بن بكار نا شعبة سمعت الربيع بن الركين يقول: سمعت عدي بن ثابت يحدث
عن البراء قال: مر بنا ناس ينطلقون قلنا: أين تريدون قالوا: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى رجل أتى امرأة أبيه أن نضرب عنقه *
قال أبو محمد رحمه الله: هذه آثار صحاح تجب بها الحجة ولا يضرها أن
يكون عدي بن ثابت حدث به مرة عن البراء. ومرة عن يزيد بن البراء عن أبيه فقد
يسمعه من البراء ويسمعه من يزيد البراء فيحدث به مرة عن هذا ومرة عن هذا،
فهذا سفيان عن عيينة يفعل ذلك يروي الحديث عن الزهري مرة وعن معمر عن
الزهري مرة قال: وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: من تزوج أمه أو ابنته
أو حريمته أو زنى بواحدة منهن فكل ذلك سواء وهو كله زنا والزواج كلا زواج
إذا كان عالما بالتحريم وعليه حد الزنا كاملا ولا يحلق الولد في العقد وهو قول
الحسن. ومالك. والشافعي. وأبي ثور وأبي يوسف. ومحمد بن الحسن صاحبي
أبي حنيفة: الا ان مالكا فرق بين الوطئ في ذلك بعقد النكاح وبين الوطئ في
بعض ذلك بملك اليمين فقال: فيمن ملك بنت أخيه. أو بنت أخته. وعمته. وخالته.
وامرأة أبيه. وامرأة ابنه بالولادة. وأمه نفسه من الرضاعة. وابنته من الرضاعة.
وأخته من الرضاعة وهو عارف بتحريمهن وعارف بقرابتهن منه ثم وطئهن كلهن
عالما بما عليه في ذلك فان الولد لاحق به ولا حد عليه لكن يعاقب ورأي أن ملك أمه
التي ولدته. وابنته وأخته بأنهن حرائر ساعة يملكهن فان وطئهن حد حد الزنا،
وقال أبو حنيفة: لا حد عليه في ذلك كله ولا حد على من تزوج أمه التي ولدته وابنته.
وأخته. وجدته. وعمته. وخالته. وبنت أخيه. وبنت أخته عالما بقرابتهن منه
عالما بتحريمهن عليه ووطئهن كلهن فالولد لاحق به والمهر واجب لهن عليه وليس عليه
الا التعزير دون الأربعين فقط، وهو قول سفيان الثوري قالا: فان وطئهن بغير
253

عقد نكاح فهو زنا عليه ما على الزاني من الحد * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال
فيمن زنى بذات محرم يرجم على كل حال، وقال إبراهيم النخعي. والحسن: حده
حد الزنا، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن عوف - هو ابن أبي جميلة - ني عمرو
ابن أبي هند قال. ان رجلا أسلم وتحته أختان فقال له علي بن أبي طالب: لتفارقن
إحداهما أو لأضربن عنقك، وقال جابر بن زيد أبو الشعثاء. وأحمد بن حنبل.
وإسحاق بن راهويه كل من وطئ حريمته عالما بالتحريم عالما بقرابتها منه فسواء وطئها
باسم نكاح أو بملك يمين. أو بغير ذلك فإنه يقتل ولا بد محصنا كان أو غير محصن *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك
ليلوح الحق فنتبعه إن شاء الله فبدأنا بما احتج به أبو حنيفة ومن قلده لقوله فوجدناهم
يقولون إن اسم الزنا غير اسم النكاح فواجب أن يكون له غير حكمه *
(فإذا قلتم): زنى بأمه فعليه ما على الزاني، (وإذا قلتم): تزوج أمه
فالزواج غير الزنا فلا حد في ذلك وإنما هو نكاح فاسد فحكمه حكم النكاح الفاسد
من سقوط الحد ولحاق الولد ووجوب المهر وما نعلم لهم تمويها غير هذا وهو كلام
فاسد. واحتجاج فاسد. وعمل غير صالح، أما قوله إن اسم الزنا غير اسم الزواج فحق
لا شك فيه الا أن الزواج هو الذي أمر الله تعالى به وأباحه وهو الحلال الطيب والعمل
المبارك، وأما كل عقد أو وطئ لم يأمر الله تعالى به ولا أباحه بل نهى عنه فهو
الباطل والحرام والمعصية والضلال ومن سمى ذلك زواجا فهو كاذب آفك متعد
وليست التسمية في الشريعة الينا ولا كرامة إنما هي إلى الله تعالى قال الله عز وجل:
(ان هي الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) الآية *
قال أبو محمد رحمه الله: أما من سمى كل عقد فاسد ووطئ فاسد - وهو الزنا
المحض - زواجا ليتوصل به إلى إباحة ما حرم الله تعالى أو إلى إسقاط حدود الله تعالى
إلا كمن سمى الخنزير كبشا ليستحله بذلك الاسم، وكمن سمى الخمر نبيذا أو طلاء ليستحلها
بذلك الاسم، وكمن سمى البيعة والكنيسة مسجدا، وكمن سمى اليهودية إسلاما وهذا
هو الانسلاخ من الاسلام ونقض عقد الشريعة وليس في المحال أكثر من قول القائل هذا
نكاح فاسد وهذا ملك فاسد لان هذا كلام ينقض بعضه بعضا ولئن كان نكاحا أو
ملكا فإنه لصحيح حلال لان الله تعالى أحل الزواج والملك وقال تعالى: (الا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية فما كان زواجا وملك يمين فهو حلال طلق
254

ومباح طيب ولا ملامة فيه ولا مأثم وكل ما كان فيه اللوم والاثم فليس زواجا
ولا ملكا مباحا للوطئ ولا كرامة بل هو العدوان والزنا المجرد لا شئ الا فراش أو
عهر حرام فان وجد لنا يوما ما أن نقول نكاح فاسد أو زواج فاسد أو ملك فاسد
فإنما هو حكاية أقوال لهم وكلام على معانيهم كما قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة
مثلها)، وكما قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
(والله يستهزئ بهم)، وقد علم المسلمون أن الجزاء ليس بسيئة وان القصاص
ليس عدوانا وأن معارضة الله تعالى على الاستهزاء ليس مذموما بل هو حق فصح
من هذا أن كل عقد لم يأمر به الله تعالى فمن عقده فهو باطل وان وطئ فيه فإن كان
عالما بالتحريم عالما بالسبب المحرم فهو زان مطلق، وهكذا القول فيمن نكح
نكاح متعة أو شغار أو موهوبة أو على شرط ليس في كتاب الله تعالى أو بصداق
لا يحل. من جهل التحريم في شئ من ذلك بأن لم تبلغه أو بتأويل لم تقم عليه الحجة
في فساده فهو معذور لا حد عليه ومن قذفه فعليه الحد كمن دخل بلدا فتزوج امرأة
لا يعرفها فوجدها أمه أو ابنته فهذا يلحق فيه الولد ولا يحد فيه حد بالاجماع *
وبهذا بطل قول أبي حنيفة المذكور. وقول مالك الذي وصفنا في وطئ الحريمة بملك اليمين
والعجب كل العجب من احتجاج بعض من لقيناه من المالكيين بقوله تعالى:
(إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) (قيل لهم): ان كنتم تعلقتم بهذه الآية
في إلحاق الولد بمن وطئ عمته وخالته وذوات محارمه فإنها من ملك اليمين فأبيحوا
الوطئ المذكور وأسقطوا عنه الملامة جملة فهذا هو نص الآية فلو فعلوا ذلك لكفروا
بلا خلاف من أحد وإذ لم يفعلوا ذلك ولا أسقطوا الملامة ولا أباحوا له ذلك فقد
ظهر تمويههم في إيراد هذه الآية في غير موضعها *
قال أبو محمد رحمه الله: (فان قال قائل): فأنتم تقولون إن المملوكة الكتابية
لا يحل وطئها وإن وطئها فلا حد عليه والولد لاحق فما الفرق بين هذا وبين من وطئ
أحدا من ذوات محارمه التي ذكرنا فأوجبتم في كل هذا حد الزنا ولم تلحقوا الولد،
(قلنا): ان الفرق في ذلك هو أن الله تعالى أباح ملك اليمين جملة وحرم ذوات
المحارم بالنسب والرضاع والصهر والمحصنات من النساء تحريما واحدا مستويا فحرمت
أعيانهن كلهن تحريما واحدا ولم يحل منهن لمس ولا رؤية عرية ولا تلذذ أصلا لأنهن
محرمات الأعيان، وقال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فإنما حرم فيهن
النكاح فقط والنكاح ليس الا عقد الزواج أو الوطئ فقط فإذا ملكناهن فلم تحرم علينا
أعيانهن إذ لا نص في ذلك ولا اجماع وإنما حرم وطئهن فقط وبقي سائر ذلك على
255

التحليل بملك اليمين كالمملوكة. والحائض. والمحرمة. والصائمة فرضا. والمعتكفة فرضا.
والحامل من غير السيد ولا فرق، فلما لم يكن في واحدة من هؤلاء محرمة العين كن فراشا
في غير الوطئ فكان الوطئ وإن كان حراما فهو في فراش لم يحرم فيه الا الوطئ فقط
وكل وطئ في غير محرم العين فليس عهرا ولا زنا وإنما العهر ما كان في محرمة العين
فقط وبالله تعالى التوفيق * قال: ثم نظرنا فيمن أوجب الحد في وطئ الام بعقد
النكاح كحد الزنا بغيرها من الأجنبيات وقول من أوجب في ذلك القتل أحصن أو لم
يحصن فوجدنا الخبر في قتل من أعرس بامرأة أبيه ثابتا والحجة به قائمة فوجب الحكم
به ولم يسع أحدا الخروج عنه فكان من قول المخالف في ذلك أن قالوا قد يمكن أن
يكون ذلك الذي أعرس بامرأة أبيه قد فعل ذلك مستحلا له فإن كان هذا فنحن لا نخالفكم
في ذلك فقلنا لهم: ان هذه الزيادة ممن زادها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد وعلى
من روى ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم ولو كان ذلك لقال الراوي: بعثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل ارتد فاستحل امرأة أبيه فقتلناه على الردة فإذ لم يقل ذلك
الراوي فهو كذب مجرد، فهذه الزيادة ظن ما ليس فيه فصح أن من وطئ امرأة أبيه
بعقد سماه نكاحا أو بغير عقدكما جاءت ألفاظ الحديث المذكور فقلته واجب ولا
بد وتخميس ماله فرض ويكون الباقي لورثته إن كان لم يرتد أو للمسلمين إن كان
ارتد (فان قالوا): لم نجد مثل هذا في الأصول (قلنا لهم): لا أصل عندنا الا القرآن
والسنة والاجماع فهذا الخبر أصل في نفسه ولكن أخبرونا في اي الأصول وجدتم ان
من تزوج أمه وهو يدري أنها أمه. أو ابنته وهو يدري أنها ابنته أو أخته أو إحدى
من ذوات محارمه وهو يدري عالم بالتحريم في كل ذلك فوطئهن فلا حد عليه والمهر
واجب لهن عليه والولد لاحق به فما ندري هذا إلا في غير الاسلام؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما نحن فلا يجوز أن نتعدى حدود الله فيما وردت به
فنقول: ان من وقع على امرأة أبيه بعقد أو بغير عقد أو عقد عليهما باسم نكاح وإن
لم يدخل بها فإنه يقتل ولابد محصنا كان أو غير محصن ويخمس ماله وسواء أمه كانت
أو غير أمه دخل بها أبوه أو لم يدخل بها، وأما من وقع على غير امرأة أبيه من سائر
ذوات محارمه كأمه التي ولدته من زنا أو بعقد باسم نكاح فاسد مع أبيه فهي أمه
وليست امرأة أبيه. أو أخته أو ابنته. أو عمته. أو خالته أو واحدة من ذوات محارمه
بصهر. أو رضاع فسواء كان ذلك بعقد أو بغير عقد هو زان وعليه الحد فقط،
256

وان أحصن عليه الجلد والرجم كسائر الأجنبيات لأنه زنا، وأما الجاهل في كل ذلك
فلا شئ عليه *
2216 - مسألة - من أحل لآخر فرج أمته - قال أبو محمد رحمه الله:
سواء كانت امرأة أحلت أمتها لزوجها أو ذي رحم محرم أحل أمته لذي رحمه
أو أجنبي فعل ذلك فقد ذكرنا قول سفيان في ذلك وهو ظاهر الخطأ جدا لأنه جعل
الولد مملوكا لمالك أمه وأصاب في هذا ثم جعله لاحق النسب بواطئ أمه وهذا خطأ
فاحش لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " * وبين عز
وجل ما هو الفراش وما هو العهر؟ فقال تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون)
إلى قوله تعالى: (العادون) فهذه التي أحل مالكها فرجها لغيره ليست زوجة له
ولا ملك يمين للذي أحلت له وهذا خطأ لان الله تعالى يقول: (ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل) الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم
حرام " وقد علمنا أن الذي أحل الفرج لم يهب الرقبة ولا طابت نفسه باخراجها عن
ملكه ولا رضي بذلك قط فإن كان ما طابت به نفسه من إباحة الفرج وحده حلالا
فلا يلزمه سواه ولا ينفذ عليه غير ما رضي به فقط وإن كان ما طابت به نفسه من
إباحة الفرج حراما فإنه لا يلزمه والحرام مردود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من
عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " فلا ينفذ عليه هبة الفرج، وأما الرقبة فلم يرض
قط باخراجها عن ملكه فلا يحل اخذها له بغير طيب نفسه الا بنص يوجب ذلك
أو اجماع *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ الامر كما ذكرنا فالولد غير لاحق والحد واجب
إلا أن يكون جاهلا بتحريم ما فعل وبالله تعالى التوفيق *
2217 مسألة - من أحل فرج أمته لغيره - نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار انه سمع طاوسا يقول
قال ابن عباس: إذا أحلت امرأة الرجل. أو ابنته. أو أخته له جاريتها فليصبها وهي لها
فليجعل به بين وركيها قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس عن أبيه انه كان لا يرى
به بأسا وقال: هو حلال فان ولدت فولدها حر والأمة لامرأته ولا يغرم الزوج
شيئا، قال ابن جريج: وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن زادويه عن
طاوس أنه قال هو أحل من الطعام فان ولدت فولدها للذي أحلت له وهي لسيدها
الأول قال ابن جريج: وأخبرني عطاء بن أبي رباح قال: كان يفعل يحل الرجل
257

وليدته لغلامه وابنه وأخيه وتحلها المرأة لزوجها، قال عطاء: وما أحب أن يفعل وما
بلغني عن ثبت قال: وقد بلغني أن الرجل كان يرسل بوليدته إلى ضيفه *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا قول وبه يقول سفيان الثوري: وقال مالك.
وأصحابه لاحد في ذلك أصلا، ثم اختلف قوله في الحكم في ذلك فمرة قال: هي لمالكها
المبيح ما لم تحمل فان حملت قومت على الذي أبيحت له، ومرة قال: تقام بأول وطئه
على الذي أبيحت له حملت أو لم تحمل، وقالت طائفة: إذا أحلت فقد صار ملكها للذي
أحلت له بكليتها كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن مجاهد.
وعمرو بن عبيد قال ابن مجاهد عن أبيه: وقال عمرو عن الحسن: ثم اتفقا إذا أحلت الأمة
لانسان فعتقها له ويلحق به الولد * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله
ابن قيس ان الوليد بن هشام أخبره أنه سأل عمر بن عبد العزيز فقال: امرأتي أحلت
جاريتها لأبيها قال: نهى له فهذا قول ثان، وذهب آخرون إلى غير هذا كما روينا بالسند
المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في الرجل يحل الجارية للرجل فقال إن
وطئها جلد مائة أحصن أو لم يحصن ولا يلحق به الولد ولا يرثه وله أن يفتديه ليس لهم
أن يمنعوه، وقال آخرون: بتحريم ذلك جملة كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن المسيب قال: جاء رجل إلى ابن
عمر فقال: ان أمي كانت لها جارية وأنها أحلتها لي أن أطأها عليها قال: لا تحل لك الا
من إحدى ثلاث: إما أن تتزوجها، وإما أن تشتريها، وإما أن تهبها لك، وبه إلى
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن عمر قال: لا يحل لك أن تطأ الا فرجا لك ان شئت
بعت وإن شئت وهبت وان شئت أعتقت * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عمرو بن دينار قال: لا تعار الفروج *
قال أبو محمد رحمه الله: أما قول ابن عباس فهو عنه وعن طاوس في غاية الصحة
ولكنا لا نقول به إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى:
(والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية إلى قوله
(العادون) فقول الله أحق أن يتبع، وأما قول مالك فظاهر الخطأ وما نعلم أحدا قال
به قبله ويبطل قوله في التقويم بما يبطل به قول من رأى أن الملك ينتقل بالإباحة إلا
أن قول مالك: زاد ايجاب القيمة في ذلك، وأما قول عمر بن عبد العزيز. والحسن.
ومجاهد قد تقدم ابطالنا إياه بأنه لا يحل أن يلزم المرء في ماله ما لم يلتزمه الا ان يلزمه
ذلك نص أو اجماع فمن أباح الفرج وحده فلم يبح الرقبة فلا يحل اخراج ملك الرقبة
258

عن يده بالباطل وليس الا أحد وجهين لا ثالث لهما، أما جواز هبته فهو قول ابن عباس.
وأما ابطاله فهو قول ابن عمر: فالرقبة في كلا الوجهين باقية على ملك مالكها لا يحل
سوى ذلك أصلا، وأما قول الزهري فخطأ أيضا لا يخلو وطئ الفرج الذي أحل له
من أحد وجهين لا ثالث لهما، إما أن يكون زانيا فعليه حد الزنا من الرجم والجلد أو
الجلد والتغريب أو يكون غير زان فلا شئ عليه، وأما الاقتصار على مائة جلدة فلا
وجه له ولا يلحق الولد ههنا أصلا جاهلا كان أو عالما لأنها ليست فراشا أصلا ولا
له فيها عقد ولا مهر عليه أيضا لان ماله حرام الا بنص أو اجماع ولم يوجب عليه المهر
ههنا نص ولا اجماع وعلى المحلل التعزير إن كان عالما فان كانوا جهالا أو أحدهم فلا
شئ على الجاهل أصلا *
2218 مسألة - الشهود في الزنا لا يتمون أربعة - قال أبو محمد رحمه الله:
قال قوم: إذا لم يتم الشهود أربعة حدوا حد القذف كما نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله
ابن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة
أنا علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أن أبا بكرة وزيادا ونافعا وشبل
ابن معبد كانوا في دار أبي عبد الله في غرفة ورجل في أسف ذاك إذ هبت ريح ففتحت
الباب ووقعت الشقة فإذا رجل بين فخذيها فقال بعضهم: قد ابتليا بما ترون فتعاهدوا
وتعاقوا على أن يقوموا بشهادتهم فلما حضرت صلاة العصر أراد الرجل ان يتقدم
فيصلي بالناس فمنعه أبو بكرة وقال لا والله لا تصلي بنا وقد رأينا ما رأينا فقال الناس:
دعوه فليصل فإنه الأمير واكتبوا بذلك إلى عمر فكتبوا إلى عمر فكتب عمر بن
الخطاب أن اقدموا علي فلما قدموا شهد عليه أبو بكرة. ونافع. وشبل وقال زياد: قد
رأيت رعة سيه ورأيت ورأيت ولكن لا أدري أنكحها أم لا فجلدهم عمر الا زيادا
فقال أبو بكرة: ألستم قد جلدتموني قالوا: بلى قال: فأشهد بالله الف مرة لقد فعل
فأراد عمر بن الخطاب ان يجلده الثانية فقال علي بن أبي طالب: ان كانت شهادة أبي
بكرة شهادة رجلين فارجم صاحبك وإلا فقد جلد تموه * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال شهد علي
المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنا ونكل زياد فجلد عمر الثلاثة وقال لهم: توبوا تقبل
شهادتكم فتاب اثنان ولم يتب أبو بكرة فكانت لا تقبل شهادته وأبو بكرة أخو زياد
لامه فحلف أبو بكرة أن لا يكلم زيادا ابدا فلم يكلمه حتى مات * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن بديل العقيلي عن أبي الوضاح قال: شهد ثلاثة نفر على رجل وامرأة
259

بالزنا وقال الرابع: رأيتهما في ثوب واحد فإن كان هذا زنا فهو ذاك فجلد علي
الثلاثة وعزر الرجل والمرأة *
قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا يقول أبو حنيفة. والشافعي. وأصحابهما، وقال
أبو ثور. وأبو سليمان. وجميع أصحابنا لا يحد الشاهد بالزنا أصلا كان معه غيره
أو لم يكن *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة
لقولها ليلوح الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى فوجدنا من قال: يحد الشهود
إذا لم يتموا أربعة بأن ذكروا ما ناه حمام نا ابن المفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد
الرزاق نا ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قضاء الله ورسوله
أن لا تقبل شهادة ثلاثة ولا اثنين ولا واحدا على الزنا ويجلدون ثمانين جلدة ولا تقبل
لهم شهادة أبدا حتى يتبين للمسلمين منهم توبة نصوح واصلاح " * وقالوا: حكم عمر
ابن الخطاب بحضرة على وعدة من الصحابة رضي الله عنهم لا ينكر ذلك
عليه منهم أحد فكان هذا اجماعا، وهذا كل ما موهوا به ما نعلم لهم حجة غير هذا
الا أن بعضهم ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي رمى امرأته البينة والا حد
في ظهرك *
قال أبو محمد رحمه الله: وكل هذا لا حجة لهم فيه أما خبر عمرو بن شعيب
فمنقطع أقبح انقطاع لأنه لم يذكر من بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حجة عندنا
في مرسل ولا عند الشافعي فلا يجوز لهم أن يحتجوا علينا به لأننا لا نقول به أصلا
فيلزمونا إياه على أصلنا وهم لا يقولون به فيحتجوا به على أصولهم *
قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا في قول من قال أنه لا حد على الشاهد سواء
كان وحده لا أحد معه أو اثنين كذلك أو ثلاثة كذلك فوجدناهم يقولون قال الله
تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للقاذف البينة والا حد في ظهرك " فصح يقينا لامرية فيه
بنص كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ان الحد إنما هو على القاذف الرامي لا على
الشهداء ولا على البينة، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ان دماءكم وأموالكم
وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا " فبشرة الشاهد
حرام بيقين لا مرية فيه ولم يأت نص قرآن ولا سنة صحيحة بجلد الشاهد في الزنا إذا
لم يكن معه غيره وقد فرق القرآن والسنة بين الشاهد من البينة وبين القاذف الرامي
260

فلا يحل البتة أن يكون لأحدهما حكم الآخر فهذا حكم القرآن والسنة الثابتة * وأما
الاجماع فان الأمة كلها مجمعة بلا خلاف من أحد على أن الشهود إذا شهدوا واحدا
بعد واحد فتموا عدولا أربعة فإنه لا حد عليه * وكذلك أجمعوا بلا خلاف من أحد
منهم لو أن ألف عدل قذفوا امرأة أو رجلا كذلك بالزنا مجتمعين أو مفترقين ان
الحد عليهم كلهم حد القذف ان لم يأتوا بأربعة شهداء فان جاءوا بأربعة شهداء سقط
الحد عن القذفة فقد صح الاجماع المتيقن الذي لا شك فيه * وأما المخالفون لنا في
الجملة على الفرق بين حكم القاذف وبين حكم الشاهد وان القاذف فليس شاهدا وان
الشاهد ليس قاذفا فقد صح الاجماع على هذا بلا شك وصح اليقين ببطلان قول
من قال بأن يحد الشاهد والشاهدان والثلاثة إذا لم يتموا أربعة لأنهم ليسوا قذفة
ولا لهم حكم القاذف وهذا هو الاجماع حقا الذي لا يجوز خلافه *
وأما طريق النظر فنقول وبالله تعالى التوفيق: انه لو كان ما قالوا لما صحت في الزنا
شهادة أبدا لأنه كان الشاهد الواحد إذا شهد بالزنا صار قاذفا عليه الحد على أصلهم
فإذ قد صار قاذفا فليس شاهدا فإذا شهد الثاني فكذلك أيضا يصير قاذفا وهذا فاسد
كما ترى وخلاف للقرآن في إيجاب الحكم بالشهادة بالزنا وخلاف السنة الثابتة بوجوب
قبول البينة في الزنا وخلاف الاجماع المتيقن بقبول الشاهدة في الزنا وخلاف الحس
والمشاهدة في أن الشاهد ليس قاذفا والقاذف ليس شاهدا، وأيضا فنقول لهم أخبرونا
عن الشاهد إذا شهد على آخر بالزنا وهو عدل ماذا هو الآن عندكم أشاهد أم قاذف
أم لا شاهد ولا قاذف؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث فان قالوا: هو شاهد قلنا صدقتم وهذا
هو الحق وإذ هو شاهد فليس قاذفا حين نطق بالشهادة فمن المحال الممتنع أن يصير
قاذفا إذا سكت ولم يأت بثلاثة عدول إليه وليس في المحال أكثر من أن يكون
شاهدا لا قاذفا فإذا تكلم باطلاق الزنا عل المشهود عليه بم يصير قاذفا لا شاهدا
إذا لم يتكلم ولا نطق بحرف فهذا محال لا اشكال فيه وان قالوا هو قاذف فقد ذكروا
وجوب الحد على القاذف بلا شك فقد وجب الحد عليه *
2219 - مسألة - شهد أربعة بالزنا على امرأة أحدهم زوجها *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: ليست شهادة ويلا عن الزوج
كما روينا عن ابن عباس في أربعة شهداء شهدوا بالزنا على امرأة وأحدهم زوجها قال
يلاعن الزوج ويحد الآخرون، وعن إبراهيم النخعي بمثله، وبه يقول مالك. والشافعي.
والأوزاعي في أحد قوليه، وقال آخرون ان كانوا عدولا فالشهادة تامة وتحد المرأة
261

كما روينا عن الحسن البصري في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها قال إذا
جاءوا مجتمعين الزوج أجوزهم شهادة، وعن الشعبي أنه قال في أربعة شهدوا على
امرأة بالزنا أحدهم زوجها انه قد جازت شهادتهم وأحرزوا ظهورهم، وقال الحكم
ابن عتيبة: في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها حتى يكون معهم من يجئ
بها وبهذا يأخذ أبو حنيفة. والأوزاعي في أحد قوليه *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتج
به كل قائل منهم لقوله فوجدنا كلتا الطائفتين تتعلق بقول الله تعالى: (والذين يرمون
أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لهلال بن أمية
البينة والا حد في ظهرك " فنظرنا في هذين النصين فوجدناهما إنما نزلا في الزوج إذا كان
راميا قاذفا لا إذا كان شاهدا هذا نص الآية ونص الخبر فليس حكم الزوج إذا كان
شاهدا لا قاذفا راميا فوجب أن نطلب حكم شهادة الزوج في غيرهما فوجدنا الله تعالى
يقول: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) فشرط الله
تعالى على القاذف ان لم يأت بأربعة شهداء أن يجلد ولم يخص تعالى أولئك الأربعة
الشهداء أن لا يكون منهم زوجها (وما كان ربك نسيا)، ولو أراد الله تعالى أن لا يكون
الزوج أحد أولئك الشهداء لبين ذلك ولما كتمه ولا أهمله فإذا عم الله تعالى ولم يخص فالزوج
وغير الزوج في ذلك سواء بيقين لا شك فيه فصح من هذا أن الزوج إذا قذف امرأته
فعليه حد القذف الا أن يلاعن أو يأتي بأربعة شهداء سواه لأنه قاذف ورام والقاذف
والرامي مكلف أن يخلص نفسه بأربعة شهداء ولا بد، وهكذا الأجنبي ولا فرق
إذا قذف فلا بد من أربعة غيره فان جاء الزوج شاهدا لا قاذفا فهو كالأجنبي الشاهد ولا فرق
لا حد عليه ولا لعان أصلا لأنه لم يرمها ولا قذفها فإن كان عدلا وجاء معه بثلاثة شهود
فقد تمت الشهادة ووجب الرجم عليها لأنهم أربعة شهود كما أمر الله تعالى وبه نأخذ *
وأما اشتراط الحكم بن عتيبة من أن يكون معهم من يأتي بهم فلا معنى له لان
الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يخلو ذلك الخامس من أحد ثلاثة أوجه
لا رابع لها إما أن يكون قاذفا وإما أن يكون شاهدا وإما أن يكون متطوعا لا قاذفا ولا
شاهدا فإن كان قاذفا فمن الحرام والباطل أن يلزم الشهود أن يأتي قاذفا يتقدمهم أو
يأمر بقذف المحصنة والمحصن ليتوصل بذلك إلى إقامة الشهادة وإن كان ذلك الخامس
شاهدا فهذا ايجاب لخمسة شهود وهذا خلاف القرآن. والسنة. والاجماع، وإن كان
متطوعا لا قاذفا ولا شاهدا فهذا باطل لان الله تعالى لم يوجبه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم
262

فسقط قول الحكم في ذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: فالحكم في هذا على ثلاثة أوجه إذا كان الزوج قاذفا فلا
بد من أربعة شهود سواه وإلا حد أو يلاعن فإن لم يكن قاذفا لكن جاء شاهدا فإن كان
عدلا ومعه ثلاثة عدول فهي شهادة تامة وعلى المشهود عليها حد الزنا كاملا وإن كان
الزوج غير عدل أو كان عدلا وكان في الذين معه غير عدل أو لم يتم ثلاثة سواه
والشهادة لم تتم فلا حد على المشهود وليس الشهود قذفه فلا حد عليهم ولا حد على الزوج
ولا لعان لأنه ليس قاذفا وبالله تعالى التوفيق *
2220 مسألة - شهد أربعة بالزنا على امرأة وشهد أربعة نسوة انها عذراء *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لا حد عليها كما
روينا عن الشعبي أنه قال في أربعة رجال عدول شهدوا على امرأة بالزنا وشهد أربع
نسوة بأنها بكر فقال: أقيم عليها الحد وعليها خاتم من ربها *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا على الانكار منه لإقامة الحد عليها، وقالت
طائفة: تحد كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ حدثنا ابن وضاح
نا سحنون حدثنا ابن وهب عن الحرث بن نبهان في أربعة شهدوا بالزنا على امرأة
ونظر النساء إليها فقلن انها عذراء قال: آخذ بشهادة الرجال وأترك شهادة النساء وأقيم
عليها الحد، وباسقاط الحد عنها يقول أبو حنيفة. وأصحابه الا زفر، وبه يقول سفيان الثوري.
والشافعي، وقال مالك. وزفر بن الهذيل. وأصحابنا تحد *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا
من رأي إيجاب الحد عليها يقول قد صحت البينة عليها بما يوجب الحد بنص القرآن
فلا يجوز أن يعارض أمر ربه تعالى بشئ وما نعلم لهم حجة غير هذا فعارضهم
الآخرون بأن قالوا: بأنه لا خلاف أنه إذا صح أن الشهود كاذبون أو واهمون
فان الشهادة ليست حقا بل هي باطل ولا يحل الحكم بالباطل وإنما أمر الله تعالى
بانفاذ الشهادة إذا كانت حقا عندنا في ظاهرها لا إذا صح عندنا بطلانها، وهذه قد صح
عندنا بطلانها فلا يجوز الحكم بها *
قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء
لله) فواجب إذا كانت الشهادة عندنا في ظاهرها حقا ولم يأت شئ يبطلها ان يحكم
بها وإذا صح عندنا انها ليست حقا ففرض علينا ان لا نحكم بها إذ لا يحل الحكم بالباطل
هذا هو الحق الذي لا شك فيه، ثم نظرنا في الشهود لها انها عذراء فوجب أن يقرر
263

النساء على صفة عذرتها فان قلن انها عذرة يبطلها إيلاج الحشفة ولابد وأنه صفاق
عند باب الفرج فقد أيقنا بكذب الشهود وانهم وهموا فلا يحل انفاذ الحكم بشهادتهم
وان قلن انها عذرة واغلة في داخل الفرج لا يبطلها إيلاج الحشفة فقد أمكن صدق
الشهود إذ بايلاج الحشفة يجب الحد فيقام الحد عليها حينئذ لأنه لم نتيقن كذب الشهود
ولا وهمهم وبالله تعالى التوفيق *
2221 مسألة كم الطائفة التي تحضر حد الزاني أو رجمه؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)
قال: (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين). فصح أن
عذاب الزناة الجلد ومع الجلد الرجم والنفي، ثم اختلف العلماء في مقدار الطائفة التي
افترض الله تعالى ان تشهد العذاب المذكور فقالت طائفة: هي واحد من الناس فان
زاد فجائز - وهو قول ابن عباس - كما روى الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال:
الطائفة رجل وبهذا يقول أصحابنا، وقالت طائفة: الطائفة اثنان فصاعدا كما روينا عن
عطاء قال اثنان فصاعدا، وبه يقول إسحاق بن راهويه، وقالت طائفة: ثلاثة فصاعدا كما
روينا عن ابن شهاب، وقال ابن وهب: سمعت شمر بن نمير يحدث عن الحسين بن
عبيد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مثله سواء سواء ان
الطائفة ثلاثة فصاعدا وبه يقول الشافعي في أحد قوليه، وقالت طائفة: الطائفة نفر
دون أن يحدوا عددا كما روينا عن معمر عن قتادة انه سمع (وليشهد عذابهما طائفة
من المؤمنين) قال نفر من المسلمين، وقالت طائفة: الطائفة أربعة فصاعدا كما روينا
عن الليث بن سعد، وقالت طائفة: الطائفة خمسة فصاعدا كما روينا عن ربيعة بن
أبي عبد الرحمن، وقالت طائفة: الطائفة عشرة كما روي عن الحسن البصري أنه قال
: الطائفة عشرة *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا
جميع الأقوال لا يحتج بها إلا قول مجاهد. وابن عباس وهو أن الطائفة. واحد
فصاعدا فوجدناه قولا يوجبه البرهان من القرآن والاجماع واللغة فأما القرآن فان
الله تعالى يقول: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما
على الأخرى) الآية فبين تعالى نصا جليا أنه أراد بالطائفتين هنا الاثنين فصاعدا
بقوله في أول الآية: (اقتتلوا) وبقوله تعالى: (فان بغت إحداهما على الأخرى)
وبقوله تعالى في آخر الآية: (فأصلحوا بين أخويكم) وبرهان آخر وهو أن
264

الله تعالى قال: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وبيقين ندري أن الله تعالى
لو أراد بذلك عددا من عدد لبينه ولأوقفنا عليه ولم يدعنا نخبط فيه عشواء حتى
نتكهن فيه الظنون الكاذبة حاش لله تعالى من هذا وبالله تعالى التوفيق *
2222 مسألة حد الرمي بالزنا - وهو القذف - قال الله تعالى: (والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) إلى قوله تعالى: (غفور رحيم) *
قال أبو محمد رحمه الله: ففي هذه الآية أحكام كثيرة يجب الوقوف عليها
بأن تطلب علمها وان تعتقد وان يعمل بها بعون الله تعالى على ذلك فمنها معرفة ما هو
الرمي الذي يوجب الحكم المذكور في الآية من الجلد واسقاط الشهادة والفسق وأن
القذف من الكبائر ومن المحصنات اللواتي يجب برميهن الحكم المذكور في الآية من
الجلد واسقاط الشهادة والفسق وعدد الجلد وصفته. ومن المأمور بالجلد. ومتى يمتنع
من قبول شهادتهم وفيما ذا يمتنع من قبولها وفسقهم وما يسقط بالتوبة من الأحكام المذكورة
وما صفة التوبة من ذلك ونحن إن شاء الله تعالى نذكر كل ذلك بعون الله
تعالى بالبراهين الواضحة من القرآن والسنن الثابتة في ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله *
2223 مسألة - ما الرمي. والقذف؟ - قال أبو محمد رحمه الله: ذكر الله تعالى
هذا الحكم باسم الرمي في الآية المذكورة وصح أن القذف والرمي اسمان لمعنى واحد
لما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن
راهويه - أنا عبد الأعلى - هو ابن عبد الأعلى السلمي - قال: سئل هشام - هو ابن حسان - عن
الرجل يقذف امرأته فحدثنا هشام عن محمد - يعني ابن سيرين - قال: سألت أنس
ابن مالك عن ذلك وأنا أرى أن عنده من ذلك علما فقال أن هلال بن أمية قذف
امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك وكان أول من لاعن فلاعن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ثم قال: " أبصروه فان جاءت به أبيض فض العينين فهو لهلال
ابن أمية وإن جاءت به اكحل جعدا أحمش الساقين فهو لشريك بن سحماء " قال أنس:
فأنبئت أنها جاءت به اكحل جعد أحمش الساقين * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد
ابن معاوية عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: أول لعان كان في الاسلام أن
هلال بن أمية قذف شريك بن سحماء بامرأته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم: " أربعة شهداء وإلا حد في ظهرك " وذكر حديث اللعان *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا أنس بن مالك حجة في اللغة وفي النقل في
الديانة قد سمى الرمي قذفا مع أنه لا خلاف في ذلك من أحد من أهل اللغة ولا بين
265

أحد من أهل الملة، وكذلك لا خلاف بين أحد من أهل الاسلام في أن الرمي المذكور
في الآية المذكورة الموجب للجلد والفسق وسقوط الشهادة هو الرمي بالزنا بين الرجال
والنساء ثم اختلف العلماء في الرمي بغير الزنا أيوجب حدا أم لا؟ فقالت طائفة:
لا حد إلا في الرمي بالزنا فقط ولا حد في غير ذلك لا في نفي عن نسب أب أو جد
ولا في رمي بلوطية ولا في رمي ببغاء ولا في رمي رجل بوطئ في دبر امرأة ولا في
اتيان بهيمة ولا في رمي امرأة أنها أتيت في دبرها ولا في رميها ببهيمة ولا في رمي
بكفر ولا بشرب خمر ولا في شئ أصلا، وهو قول أصحابنا، وقال قائلون في بعض
ما ذكرنا ايجاب الجلد ونحن نذكر إن شاء الله تعالى ما يسر الله تعالى لذكره من
ذلك وبيان الحق إن شاء الله تعالى وبه نستعين *
2224 مسألة النفي عن النسب - قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس فيمن
نفى آخر عن نسبه فقالت طائفة: فيه الحد، وقالت طائفة: لا حد فيه فاما من أوجب
فيه الحد فهو كما قال ابن مسعود لا حد إلا في اثنين أن يقذف محصنة أو ينفى رجلا
عن أبيه وإن كانت أمه أمة، وعن الشعبي في الرجل ينفى الرجل من فخذه قال: ليس
عليه حد إلا أن ينفيه من أبيه * وعن الشعبي. والحسن قالا جميعا: يضرب الحد *
وعن إبراهيم النخعي قال: من نفى رجلا عن أبيه كان أبوه ما كان فعليه الحد ومن
قال لرجل من بني تميم لست منهم وهو منهم أو لرجل من بني بكر لست منهم وهو
منهم فعليه الحد. وعن إبراهيم النخعي في رجل نفى رجلا عن أبيه قال له: لست
لأبيك وأمه نصرانية أو مملوكة قال لا يجلد، ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج
قال: سمعت حفص بن عمر بن ربيع يقول كان بين أبي وبين يهودي مرافعة في القول
في شفعة فقال أبي لليهودي يهودي بن يهودي فقال: أجل والله اني اليهودي ابن اليهودي
إذ لا يعرف رجال كثير آباؤهم فكتب عامل الأرض إلى عمر بن عبد العزيز - وهو
عامل المدينة - بذلك فكتب فقال إن كان الذي قال له ذلك يعرف أبوه فحد اليهودي فضربه
ثمانين سوطا * وعن ابن جريج أنه قال: سأل ابن شهاب عن رجل قيل له يا ابن
القين ولم يكن أبوه قينا قال: نرى أن يجلد الحد، وأما من روي عنه انه لا حد في ذلك
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن
مكحول ان معاذ بن جبل. وعبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قالا جميعا:
ليس الحد إلا في الكلمة ليس لها مصرف وليس لها إلا وجه واحد * وعن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه قال إذا بلغ الحد لعل وعسى فالحد معطل، وقد روي عن
266

ابن عباس رضي الله عنه فيم قال لرجل يا نبطي أنه لا حد عليه * وعن عطاء بن أبي
رباح أنه سئل عن رجل قال لرجل يا نبطي ويا عبد بني فلان فلم ير عطاء فيه شيئا،
وعن الشعبي أنه سئل عن رجل قال لعمري يا نبطي فلم ير الشعبي في ذلك شيئا وقال:
كلنا نبط وبه يقول أصحابنا *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم
الحق فنتبعه فوجدنا الزهري يقول في نفي المرء عن أبيه أو عن نسبه كما أوردنا عنه
قبل ذلك أن السنة على النافي في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه السلام أن يأتي بأربعة
شهداء فنظرنا هل نجد هذا الذي ذكر الزهري في كتاب الله تعالى؟ فلم نجده أصلا
وإنما وجدنا فيه الحد ووجوب أربعة شهداء على من رمى المحصنات فوجدنا النافي
انسانا عن نسبه فلم يرم محصنة أصلا، والزهري وإن كان عندنا أحد الأئمة الفضلاء
فهو بشر يهم كما يهم غيره ويخطئ ويصيب بل وجدنا نص القرآن مخالفا لقول
الزهري لأنه يسقط الحد عمن رمى المحصنات إذا قال لابن أمه أو ابن كافرة يا ابن
الزانية وأوجبه حيث ليس في القرآن ايجابه إذا قال له لست لأبيك فسقط تعلقهم
بذلك جملة، فان قالوا: النافي قاذف ولابد قلنا: لا ما هو قاذف ولا قدف أحدا وقد ينفيه
عن نسبه بأنه استلحق وانه من غيرهم ابن نكاح صحيح فقد كانت العرب تفعل هذا
فلا قذف ههنا أصلا وقد يكون نفيه له بأن أراد الاستكراه لامه وانها حملت به في
حالة لا يكون للزنا فيه دخول كالنائمة توطأ أو السكري أو المغمى عليها أو الجاهلة فقد
بطل أن يكون النافي قاذفا جملة واحدة، ثم نظرنا هل في السنة لهم متعلق؟ فوجدنا
ما ناه أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون
نا ابن وهب أخبرني حياة بن شريح عن سالم بن غيلان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن
سليمان بن يسار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد رجلا ان دعا آخر
يا ابن المجنون *
قال أبو محمد: فنظرنا في هذا الخبر فوجدناه لا متعلق لهم به أصلا من وجوه، أولها إنه
مرسل ولا تقوم بمرسل حجة، والثاني من طريق سالم بن غيلان التجيبي وهو مجهول لم يعدل.
وثالثها انه لو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه انه عليه السلام جلده الحد وإنما فيه انه جلده فلا
يحل أن يراد فيه أنه جلده الحد ونحن لا نأبى من ذلك من سب مسلما لأنه منكر يغير باليد فبطل
أن تكون لهم فيه حجة بل هو عليهم، وقد روى هذا الخبر يونس بن عبد الأعلى وهو أحفظ
من سحنون واعرف بالحديث منه فلم يبلغه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن
267

معاوية نا أحمد بن شعيب انا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني بن حياة بن شريح
عن سالم بن غيلان التجيبي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: ان بعض أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم جلد رجلا ان دعا آخر يا ابن المجنون *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا أيضا كالذي ذكرنا قبل لأنه ليس فيه أنه جلده الحد
والحدود لا تقام بالظنون الكاذبة والزيادة في الحديث كذب وتبليغ الحد المذكور
إلى ثمانين كذب بلا شك ممن قطع بذلك فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة ثم نظرنا في ذلك
فوجدنا الله تعالى قد أوجب في القذف بالزنا الحد وجاءت به السنة الصحيحة وصح
به الاجماع المتيقن فكان هذا هو الحق الذي لا شك فيه ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
قال: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " وقد قال تعالى:
(تلك حدود الله فلا تعتدوها) وقال تعالى: (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين)
فحرم الله تعالى العدوان وضرب الابشار بغير برهان من العدوان وحرم تعالى أن تتعدى
حدوده واثبات حد بغير برهان تعد لحدود الله تعالى وبالله تعالى التوفيق *
2225 - مسألة - قذف المؤمنات من الكبائر وتعرض المرء لسب
أبويه من الكبائر *
قال أبو محمد رحمه: قال الله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر
عنكم سيئاتكم) الآية * وقال تعالى: (والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش)
الآية، وكما روينا من طريق مسلم ني هارون بن سعيد الأيلي نا ابن وهب أخبرني
سليمان بن بلال عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل
النفس التي حرم الله الا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف
وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "، وقال الله تعالى: (ان الذين يرمون المحصنات
الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة) الآية *
قال أبو محمد رحمه الله: فصح ان قذف المؤمنات المحصنات البريئات من الكبائر
الموجبة للعنة في الدنيا والآخرة والعذاب العظيم في الآخرة ودخل فيها قذف الأمة
والحرة دخولا مستويا لان الله تعالى لم يخص مؤمنة من مؤمنة وبقي قذف الكافرة
فوجدنا الله تعالى قال: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم
ثمانين جلدة) الآية فهذه عموم تدخل فيه الكافرة والمؤمنة فوجب أن قاذفها فاسق الا أن
يتوب * وروينا من طريق مسلم نا محمد بن الوليد بن عبد الحميد أنا محمد بن جعفر نا شعبة نا
عبيد الله بن أبي بكر قال سمعت أنس بن مالك قال: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر
268

وسئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين قال ألا أنبئكم بأكبر
الكبائر قول الزور أو قال شهادة الزور - قال شعبة: وأكبر ظني أنه قال - شهادة الزور " *
ومن طريق مسلم أنا عمر بن محمد بن بكير الناقد نا إسماعيل بن علية عن سعيد الجريري
نا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أنه قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا أنبئكم
بأكبر الكبائر ثلاثا الاشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت " *
قال أبو محمد رحمه الله: ليس شك الراوي بين قوله عليه السلام شهادة الزور
أو قول الزور بمحيل شيئا من حكم هذين الخبرين فأي ذلك كان فالمعنى فهي واحد لا يختلف
لان كل قول قاله المرء غير حاك فقد شهد به وكل شهادة يشهد بها المرء فقد قالها فالقول
شهادة والشهادة قول وهذه الشهادة هي غير الشهادة المحكوم بها قال الله تعالى: (ستكتب
شهادتهم ويسئلون) وقال تعالى: (فان شهدوا فلا تشهد معهم) فهذه الشهادة هي القول
المقول لا المؤداة عند الحاكم بصفة ما وبالله تعالى التوفيق، فصح أن قذف الكافرة البريئة
قول زور بلا خلاف من أحد وقول الزور من الكبائر كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم *
روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث بن سعد عن ابن الهادي عن سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من أكبر الكبائر شتم الرجل والدية قالوا: يا رسول الله
وكيف يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب
أمه " فصح ان السب المذكور من الكبائر وان لم يكن قذفا *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما من رمى المرء بما فعل فليس قذفا لكنه غيبة إن كان
غائبا وأذى إن كان حاضرا هذا ما لا خلاف فيه وبالله تعالى التوفيق *
2226 مسألة - من المحصنات الواجب بقذفهن ما أوجبه الله تعالى في القرآن *
قال أبو محمد: قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم) الآية فكان ظاهر هذا أن المحصنات المذكورات هن النساء لان هذا اللفظ
جاء بجمع المؤنث فاعترض علينا أصحاب القياس ههنا وقالوا لنا ان النص إنما ورد
بجلد الحد من قذف المرأة فمن أين لكم أن تجلدوا من قذف رجلا بالزنا؟ وما هذا الا
قياس منكم وأنتم تنكرون القياس *
قال أبو محمد رحمه الله: فأجابهم أصحابنا ههنا بأجوبة كل واحد منها مقنع كاف
مبطل لاعتراضهم هذا الفاسد، والحمد لله رب العالمين، فأحد تلك الأجوبة ان من تقدم
269

من أصحابنا قال: جاء النص بالحد على قذف النساء وصح الاجماع بحد من قذف رجلا
والاجماع حق وأصل من أصولنا التي نعتمد عليها وقد افترض الله تعالى علينا اتباع
الاجماع والاجماع ليس الا عن توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعض أصحابنا: بل
نص الآية عام للرجال والنساء وإنما أراد الله تعالى النفوس المحصنات قالوا وبرهان
هذا القول ودليل صحته قول الله تعالى في مكان آخر: (والمحصنات من النساء) قالوا فلو
كانت لفظة المحصنات لا تقع الا على النساء لما كان لقول الله تعالى: (من النساء) معنى
وحاش لله من هذا فصح أن المحصنات يقع على النساء والرجال فبين الله تعالى مراده
هنالك بأن قال من النساء وأجمل الامر في آية القذف إجمالا قالوا (فان قال قائل):
ان قوله تعالى: (من النساء) كقوله تعالى: (وغرابيب سود)
و (عشرة كاملة) (قلنا): لا يجوز أن يحمل كلام الله تعالى على تكرار لا فائدة أخرى
فيه إلا بنص قرآن. أو سنة. أو اجماع وليس معكم شئ من هذا في دعواكم ان قوله
تعالى: (من النساء) تكرار لا فائدة فيه *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا جواب حسن، وأما الأول فلا نقول به لأنه
حتى لو صح الاجماع على وجوب الحد على قاذف الرجل لما كان في الآية احتجاج وايجابنا
الحد على قاذف العبد وقاذف الكافرة لأنه لا اجماع على ذلك، وأما جوابنا الذي نعتمد
عليه ونقطع على صحته وانه مراد الله تعالى بالبرهان الواضع فهو أن الله تعالى إنما أراد
بقوله: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) الفروج المحصنات، برهان
ذلك أن الأربعة الشهود المذكورين لا يختلف اثنان من الأمة في أن شهادتهم التي يكلفونها
هي أن يشهدوا بأنهم رأوا فرجه في فرجها والجا خارجا والاجماع قد صح بأن ما عدا
هذه الشهادة ليست شهادة بزنا ولا يبرأ بها القاذف من الحد فصح أن الرمي المذكور
إنما هو للفروج فقط، وأيضا برهان آخر كما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم
- هو ابن راهويه - انا عبد الرزاق نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال:
ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة فان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ان الله كتب على ابن آدم
حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمني و
وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " *
قال أبو محمد رحمه الله: فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم الزنا الا للفرج فقط وأبطله
عن جميع أعضاء الجسم أولها عن آخرها الا أن يصدقه فيها الفرج فصح يقينا أن النفس والقلب
وجميع أعضاء الجسد حاش الفرج لا رمي فيها ولا قذف أصلا وأنه لا رمي الا للفروج
270

فقط فإذ لا شك في هذا ولا مرية فالمراد من الله - تعالى: (والذين يرمون المحصنات)
هي بلا شك الفروج التي لا يقع الرمي الا عليها لا يكون الزنا المرمي به الا منها *
قال أبو محمد رحمه الله: (فان قال قائل): ان المحصنات نعت ولا يفرد
النعت عن ذكر المنعوت (قلنا): هذا خطأ لأنه دعوى بلا برهان لان القرآن
وأشعار العرب مملوء مما جاء في ذلك بخلاف هذا، قال الله تعالى: (والصائمين
والصائمات) وقال الله تعالى: (ان المصدقين والمصدقات) ومثل هذا كثير مما ذكر الله
تعالى النعت دون ذكر المنعوت، وقال الشاعر: *
* ولا جاعلات العاج فوق المعاصم * فذكر النعت ولم يذكر المنعوت
وما نعلم نحويا منع من هذا أصلا وإنما ذكرنا هذا لئلا يموه مموه ثم إن هذا الاعتراض
راجع عليهم لان من قولهم أنه أراد النساء المحصنات فعلى كل حال قد حذف المنعوت
واقتصر على النعت ولا فرق بين اقتصاره تعالى على ذكر المحصنات وحذف الفروج على
قولنا أو حذف النساء على قولهم فسقط اعتراضهم جملة، وقولنا نحن الذي حملنا عليه
الآية أولى من دعواهم لان قولنا يشهد له النص والاجماع على ما ذكرنا، وأما دعواهم
أن الله تعالى أراد بذلك النساء فدعوى عارية لا برهان عليها لا من نص ولا اجماع لأنهم
يخصون تأويلهم هذا ويسقطون الحد عن قاذف نساء كثيرة كالإماء والكوافر والصغار
والمجانين فقد أفسدوا دعواهم من قرب مع تعريها من البرهان وبالله تعالى التوفيق *
2227 مسألة - قذف العبيد والإماء - قال أبو محمد: اختلف الناس
فيمن قذف عبدا أو أمة بالزنا، فقالت طائفة: لا حد عليه كما روي عن النخعي.
والشعبي أنهما قالا جميعا: لا يضرب قاذف أم ولد، وعن حماد بن أبي سليمان قال:
إذا قال رجل لرجل أمه أم ولد أو نصرانية لست لأبيك لم يضرب لأن النفي وقع على الام
وعن ابن سيرين قال أراد عبيد الله بن زياد أن يضرب قاذف أم ولد فلم يتابعه على ذلك
أحد، وقد روي عن عطاء. والحسن. والزهري لا حد على قاذف أم ولد *
قال علي: وممن لم ير الحد على قاذف العبد والأمة أبو حنيفة. ومالك والأوزاعي.
وسفيان الثوري. وعثمان البتي. والحسن بن حي. والشافعي. وأصحابهم، وقالت
طائفة: بايجاب الحد في ذلك نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال: إن أميرا من الامراء سأل
ابن عمر عن رجل قذف أم ولد لرجل فقال ابن عمر: يضرب الحد صاغرا، وعن الحسن
البصري قال: الزوج يلاعن الأمة، وإن قذفها وهي أمة جلد لأنها امرأته *
271

قال أبو محمد: وبهذا يقول أصحابنا وهذا الاسناد عن ابن عمر من أصح اسناد
يوجد في الحديث فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لنعلم
الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ولطفه فنظرنا في قول من لم ير الحد على قاذف الأمة
والعبد فلم نجد لهم شيئا يمكن أن يتعلقوا به الا ما روينا من طريق البخاري نا مسدد نا يحيى
ابن سعيد القطان عن الفضيل بن غزوان عن ابن أبي نعم عن أبي هريرة قال: " سمعت أبا القاسم
صلى الله عليه وسلم يقول: من قذف مملوكه وهو برئ مما قال جلد يوم القيامة الا أن يكون كما قال " *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله
- هو ابن المبارك - عن الفضيل بن غزوان عن أبي نعم أنه حدثه أنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم
" من قذف مملوكه بريئا مما قال أقيم عليه الحد يوم القيامة الا أن يكون كما قال " وعن
الحسن عن ابن عمر قال: من قذف مملوكه كان لله تعالى في ظهره حد يوم القيامة إن شاء
آخذه وان شاء عفى عنه *
قال أبو محمد: ولعلهم يدعون الاجماع أو يقولون لا حرمة للعبد ولا للأمة
فكثيرا ما يأتون بمثل هذا فان ادعوا الاجماع أكذبهم ما روينا عن ابن عمر بأصح طريق
وما نعلم قولهم عن أحد من الصحابة أصلا الا رواية لا نقف الآن على موضعها من أصولنا
عن أبي بردة أنه كانت له ابنة من حرة. وابنة من أم ولد فكانت ابنة الحرة تقذف ابنة
أم الولد فأعتق أمها وقال لابنة الحرة اقذفيها الآن إن قدرت، وعن نفر من التابعين
قد ذكرناهم خالفوهم في أكثر أقوالهم، فأما الرواية عن أبي بردة فلا متعلق لهم بها لأنه ليس فيها
أنه لا حد فيها على قاذفها ولعل حاكم وقته كان لا يرى الحد على قاذف أم الولد فبطل
تعلقهم بهذا، وأما قولهم لا حرمة للعبد ولا للأمة فكلام سخيف والمؤمن له حرمة
عظيمة ورب عبد جلف خير من خليفة قرشي عند الله تعالى، قال الله تعالى: (يا أيها الناس
انا خلقناكم من ذكر وأنثى) الآية إلى قوله: (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) والناس كلهم
في الولادة أولاد آدم وامرأته ثم تفاضل الناس بأخلاقهم وأديانهم لا بأعراقهم ولا
بأبدانهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم
عليكم حرام " فسوى عليه السلام بين حرمة العرض من الحر والعبد نصا ولا سيما
الحنيفيون الموجبون القود على الحر للعبد وعلى الحرة للأمة فقد أثبتوا حرمتهما سواء *
قال علي: أقوال لهم في هذه المسائل قد اختلف فيها فمن قال لامرأته. زنيت
في كفرك أو قال: زنيت وأنت أمة * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم
ابن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس انه سأل ابن شهاب
272

عن رجل قذف امرأته فقال لها: زنيت وأنت أمة أو نصرانية فقال ابن شهاب: ان لم
يأت على ذلك بالبينة جلد الحد ثمانين، وبه يقول أبو حنيفة. وسفيان. ومالك.
والأوزاعي. وأصحابهم، وقال الشافعي. وأصحابه: لا حد عليه، قال أبو حنيفة.
وأصحابه. وسفيان. والشافعي. وأصحابه: فيمن قال زنيت وأنت صغيرة أو قال زنيت
وأنت مكرهة أن لا حد، وقال مالك: عليه الحد أيضا في قوله زنيت وأنت مكرهة *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة. وأصحابه فظاهر التناقض لأنهم يقولون لا حد
على قاذف الأمة. والكافرة. والصغيرة، ثم فرقوا ههنا فحدوا من قال: زنيت وأنت
أمة ولم يحدوا من قال: زنيت وأنت صغيرة (فان قالوا): إنما قذفها وهي حرة مسلمة
(قيل): وكذلك إنما قذفها وهي بالغ (فان قالوا): ان المكرهة ليست زانية
وكذلك الصغيرة (قيل لهم): فالآن وجب عليه الحد إذا صح كذبه بيقين *
2228 مسألة - فيمن قذف صغيرا. أو مجنونا. أو مكرها. أو مجبوبا.
أو رتقاء. أو قرناء. أو بكرا. أو عنينا *
قال أبو محمد: نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح
نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يزيد بن عياض الليثي عن ابن هشام أنه قال في صبية افترى
عليها أو افترت، قال: إذا قاربت الحيض أو مسها الرجل جلد قاذفها الحد، وقال مالك:
إذا بلغ مثلها أن يوطأ جلد قاذفها الحد وكذلك يجلد قاذف المجنون، وقال أبو حنيفة.
والشافعي. وأصحابهما. والحسن بن حي: لا حد على قاذف صغير. ولا مجنون *
قال علي: قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات) الآية، وقد قلنا: إن الاحصان
في لغة العرب هو المنع وبه سمي الحصن حصنا يقال درع حصينة، وقد أحصن فلان ماله
إذا أحرزه ومنع منه قال تعالى: (ولا يقاتلونكم جميعا الا في قرى محصنة) والصغار
محصونون بمنع الله تعالى لهم من الزنا وبمنع أهليهم وكذلك المجانين وكذلك المجبوب
والرتقاء. والقرناء. والعنين، وقد يكون كل هؤلاء محصنين بالعفة، وأما البكر
والمكره فمحصنان بالعفة فإذا كل هؤلاء يدخلون في جملة المحصنات بمنع الفروج من
الزنا فعلى قاذفهم الحد ولا سيما القائلون ان الحرية إحصان وكل حرة محصنة فان الصغيرة
الحرة. والمجنونة. والرتقاء. وسائر من ذكرناهم محصنون واسقاط الحد عن قاذفهم
خطأ محض لا اشكال فيه فما علمنا لهم حجة أكثر من أن قالوا: ان من قذف من ذكرنا
فقد تيقنا كذبه (فقلنا لهم) صدقتم والآن حقا وجب الحد على القاذف إذ قد صح
كذبه، وبالله تعالى التوفيق *
273

قال أبو محمد: وهذا مكان عظمت فيه غفلة من أغفله لان القذف لا يخلو من
أحد أوجه ثلاثة لا رابع لها، إما أن يكون صادقا، وقد صح صدقه فلا خلاف في أنه
لا حد عليه، أو يكون ممكنا صدقه وممكنا كذبه فهذا عليه الحد بلا خلاف لامكان
كذبه فقط ولو صح صدقه لما حد أو يكون كاذبا، قد صح كذبه فالآن حقا طابت
النفس على وجوب الحد عليه بيقين إذ المشكوك في صدقه أو كذبه لابد له من أحدهما
ضرورة فلو كان صادقا لما صح عليه حد أصلا فصح يقينا إذ قد سقط الحد عن الصادق
أنه باق على الكذب إذ ليس الا صادقا أو كاذبا، وهذا في غاية البيان والحمد لله رب العالمين *
2229 - مسألة - كافر قذف مسلما أو كافرا * قال أبو محمد: قد ذكرنا
وجوب الحد على من قذف كافرا فإذا قذف الكافر مسلما فقد ذكرنا فيما سلف من كتابنا
هذا وجوب الحكم على الكفار بحكم الاسلام لقول الله تعالى: (وان احكم بينهم بما
أنزل الله) وبقوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وقد
ذكرنا وجوب قتل من سب مسلما من الكفار لنقضهم العهد وفسخهم الذمة لقول الله
تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فافترض الله تعالى إصغارهم فإذا
خرجوا عن الصغار فلا ذمة لهم وإذا لم تكن لهم ذمة فقتلهم وسبيهم. وأموالهم
حلال وإذا سبوا مسلما فقد خرجوا عن الصغار واصغروا المسلم فقد برئت الذمة ممن
فعل ذلك منهم ولا ذمة له *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى
ابن معاوية نا وكيع نا إسحاق بن خالد قال: سألت الشعبي عن يهودية افترت على مسلم
قال تضرب الحد، وبه إلى وكيع حدثنا سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن
قال شهدت الشعبي ضرب نصرانيا قذف مسلما فجلده ثمانين *
قال أبو محمد: اما الحد فواجب بلا شك لأنه حكم الله تعالى على كل قاذف والقتل
واجب كما ذكرنا لنقض الذمة سواء كان رجلا أو امرأة لابد من قتلهما الا أن يسلما
فيتركا عن القتل لا عن الحد (فان قال قائل). هلا أوقفتم المرأة ولم تقتلوها لنهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء؟ ولأنها إذا نقضت ذمتها بسبب المسلم فقد عادت
حربية وإذا عادت حربية فلا ذمة لها فليس عليها الا الاسترقاق (قلنا): وبالله
تعالى التوفيق، ان حكم الحربي قبل التذمم غير حكمه بعد نقضهم الذمة لان حكمهم
قبل التذمم المقاتلة فإذ قدرنا عليهم فاما المن. وإما الفداء. وإما القتل. وإما الابقاء
على الذمة هذا في الرجال وكذلك في النساء حاش القتل، وأما بعد نقض الذمة
274

فليس الا القتل أو الاسلام فقط لقول الله تعالى: (وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم
وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) فافترض الله تعالى قتالهم بعد نكث أيمانهم من بعد
عهدهم حتى ينتهوا ولا يجوز أن يخص الانتهاء ههنا عن بعض ما هم عليه دون جميع ما هم
عليه إذ لا دليل يوجب ذلك ونحن على يقين اننا إذا انتهوا عن الكفر فقد حرمت دماؤهم
ولا نص معنا ولا اجماع على أنهم إن انتهوا عن بعض ما هم عليه دون بعض عادوا إلى حكم
الاستبقاء وقد تقصينا هذا في كتاب الجهاد في مواضع من ديواننا، وحكم المرأة في ذلك
حكمها إذا أتت بعد الذمة بشئ يبيح الدم من زنا بعد احصان. أو قتل نفس. أو غير ذلك
وأما إذا قذف الكافر كافرا فليس الا الحد فقط على عموم أمر الله تعالى فيمن قذف
محصنة بنص القرآن *
قال أبو محمد رحمه الله: والعجب ممن يرى أنه لا حد على كافر إذا زنى بمسلمة
ولا على كافرة إذا زنى بها مسلم ولا يرى الحد على كافر في شرب الخمر ثم يرى الحد على
الكافر إذا قذف مسلما أو مسلمة فليت شعري ما الذي فرق بين أحكام هذه الحدود
عندهم (فان قالوا): ان الحد في القذف حق للمسلم (قلنا لهم): وقولوا أيضا ان حد
الكافر إذا زنى بمسلمة حق لأبي تلك المسلمة ولزوجها وأمها ولا فرق، والعجب أيضا
ممن قطع يد الكافر إذا سرق من كافر ثم لا يحده له إذا قذفه وهذه عجائب لا نظير لها
خالفوا فيها نصوص القرآن وتركوا القياس الذي إليه يدعون. وبه يحتجون إذ فرقوا
بين هذه الأحكام ولم يقيسوا بعضها على بعض بغير دليل في كل ذلك وبالله تعالى التوفيق *
2230 - مسألة - فيمن قال لامرأة لم يجدك زوجك عذراء *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة: لا حد في ذلك
وليس قذفا، وكذلك لو قال رجل لامرأة تزوجها فلا يلاعن بهذا، وقالت طائفة:
هو قذف ويحد ويلاعن الزوج *
قال أبو محمد رحمه الله: احتج من رآه قذفا بما نا أحمد بن محمد الطلمنكي قال:
نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا محمد بن منصور الطوسي
نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد نا أبي عن ابن إسحاق قال: وذكر طلحة عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال: تزوج رجل من الأنصار امرأة من بني العجلان فبات عندها
ليلة فلما أصبح لم يجدها عذراء فرفع شأنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعى الجارية فقالت: بل
كنت عذراء فأمر بهما فتلاعنا وأعطاها المهر قال البزار: لا نعلمه روى إلا من
هذا الطريق *
275

قال علي: وهذا ليس بشئ لوجهين، أحدهما ان ابن إسحاق لم يصح سماعه لذلك
من طلحة فهو منقطع، والثاني أن طلحة هذا لم ينسبه وهو والله أعلم طلحة بن عمرو
المكي فهو الذي يروي عن أصحاب ابن عباس وهو مشهور بالكذب والا فهو على
كل حال مجهول فسقط التعلق بهذا الخبر *
قال أبو محمد رحمه الله: وذهاب العذرة يكون بغير الزنا أو بغير وطئ
كوقعة أو غير ذلك فلما لم يكن ذهاب العذرة زنا لم يكن الرمي به رميا ولا قذفا فإذ
ليس رميا ولا قذفا فلا حد فيه ولا لعان لان الله تعالى إنما جعل الحد واللعان بالزنا
لا بما سواه، وبالله تعالى التوفيق، وهو قول أصحابنا وغيرهم، وبهذا نقول *
2231 مسألة - التعريض هل فيه حد أو تحليف أم لا حد فيه ولا تحليف؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في التعريض أفيه حد أم لا؟ فقالت
طائفة: فيه حد القذف كاملا كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد
الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر
قال: ان عمر كان يجلد في التعريض بالفاحشة، وبه إلى عبد الرزاق نا ابن جريج
أخبرني ابن أبي مليكة عن صفوان. وأيوب عن عمر بن الخطاب أنه حد في التعريض
قال ابن أبي مليكة: والذي حد عمر في التعريض - هو عكرمة بن عامر بن هشام
ابن عبد مناف بن عبد الدار - هجا وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن
عبد العزى فعرض به في هجائه * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن
أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب سمعت معاوية بن مصالح يحدث عن
كثير بن الحرث عن القاسم مولى عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب جلد في التعريض
وقال: ان حمى الله لا ترعى حواشيه * وبه إلى ابن وهب أخبرني مالك. وعمرو بن
الحرث، قال مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وقال عمرو عن
يحيى بن سعيد الأنصاري قالت عمرة. ويحيى أن رجلين استبا في زمان عمر بن الخطاب
فقال أحدهما: ما أبي بزان ولا أمي بزانية فاستفتى في ذلك عمر بن الخطاب فقال
قائل مدح أباه وأمه وقال آخرون قد كان لأبيه وأمه مدح سوى هذا نرى أن
يجلد الحد فجلده عمر ثمانين * وبه إلى ابن وهب أخبرني رجل من أهل العلم أن مسلمة
ابن مخلد جلد الحد في التعريض، وبه إلى ابن وهب أخبرني سعيد بن أيوب عن عطاء عن
عمرو بن دينار عن أبي صالح الغفاري أن عمرو بن العاص جلد رجلا الحد كاملا في
276

ان قال لآخر يا ابن ذات الداية * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر
نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا غير واحد عن جابر عن
طريف العكلي عن علي بن أبي طالب قال: من عرض عرضنا له بالسوط، وبه إلى
وكيع نا سفيان الثوري عن عاصم عن ابن سيرين عن سمرة قال من عرض عرضنا له *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال:
سمعت محمد بن هشام يقول: قال رجل في إمارة عمر بن عبد العزيز لرجل الك تسري
على جاراتك قال: والله ما أردت الا نخلات كان يسرقهن فحده عمر بن عبد العزيز *
قال أبو محمد: وبايجاب الحد في التعرض يقول مالك وهو قول ربيعة أيضا، وقال
آخرون لا حد في التعريض كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر بن قاسم بن أصبغ
نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبي الرجال عن أمه عمرة
بنت عبد الرحمن قالت: نازع رجل رجلا فقال: أما أبي فليس بزان ولا أمي
بزانية فرفع إلى عمر فشاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما نرى عليه حدا مدح
أباه وأمه فضربه عمر، وبه إلى وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال:
قال عبد الله بن معسود: لا حد إلا في اثنين أن يقذف محصنة أو ينفي رجلا من أبيه *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد
عن إسحاق بن عبد الله عن مكحول ان معاذ بن جبل. وعبد الله بن عمرو بن العاص
قالا جميعا: ليس يحد الا في الكلمة التي لها مصرف وليس لها الا وجه واحد *
وبه إلى إبراهيم بن محمد عن صاحب له عن الضحاك بن مزاحم عن علي بن أبي طالب
قال: إذا بلغ الحد لعل وعسى فالحد معطل * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله
ابن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن
سلمة عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال أن رجلا شاتم رجلا فقال يا بن شامة
الوذر - يعني ذكور الرجال - فقال له عثمان اشهد عليه اشهد عليه فرفعه إلى عمر فجعل
الرجل يقع في عثمان فينال منه فقال عمر: أعرض عن ذكر عثمان فجعل لا ينزع فعلاه
عمر بالدرة وقال أعرض عن ذكر عثمان وسأل عن أم الرجل فإذا هي قد تزوجت
أزواجا فدرأ عنه الحد * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن
أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار - بندار - نا محمد بن جعفر
- غندر - نا شعبة عن أبي ميمونة سلمة بن المحبق نا ابن أبي ميمونة نا سلمة بن
المحبق قال: قدمت المدينة فعقلت راحلتي فجاء انسان فأطلقها فجئت
277

فلهزت (1) في صدره وقلت يا نائك أمه فذهب بي إلى أبي هريرة وامرأته قاعدة فقالت لي امرأته
لو كنت عرضت ولكنك أقمحت قال فجلدني أبو هريرة الحد ثمانين فقلت لعمرك إني يوم
أجلد قائما ثمانين سوطا انني لصبور * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن أحمد نا قاسم بن
أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي في رجل
قال لرجل انك تقود الرجال إلى امرأتك قال التعزير وليس يحد، وبه إلى وكيع نا سفيان
عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال: في التعريض عقوبة، وبه إلى وكيع نا سفيان
الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي قال: لو قال له ادعاك عشرة لم يضرب *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال:
قلت لعطاء التعريض قال ليس فيه حد قال عطاء. وعمرو بن دينار فيه نكال قال ابن
جريج قلت له يستخلف ما أراد كذا وكذا قال: لا قال ابن جريج: وقلت لعطاء
رجل قال لأخيه ابن أبيه لست بأخي قال: لا يحد، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري في رجل قال لآخر يا ابن العبد أو أيها العبد قال إنما عنيت به عبد الله
قال يستحلف بالله ما أراد إلا ذلك ولا حد عليه فان نكل جلد، قال الزهري: فلو قال
لآخر يا ابن الحائك يا ابن الخياط يا ابن الإسكاف يعيره ببعض الاعمال قال يستحلف
بالله ما أراد نفيه وما أراد الا عمل أبيه فان حلف ترك وان نكل حد، وبه إلى
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد أنه سئل عن رجل قال
لآخر إنك لدعي قال ليس عليه حد، ولو قال له ادعاك ستة لم يكن عليه حد، قال
قتادة: لو قال رجل لرجل إني أراك زانيا عزر ولم يحد والتعريض كله يعزر فيه
في قول قتادة، وعن سعيد بن المسيب قال إنما جعل الحد على من نصب الحد نصبا *
قال أبو محمد رحمه الله: وبأن لا حد في التعريض يقول سفيان الثوري.
وابن شبرمة. والحسن بن حي. وأبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهم
فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا فوجدنا من رأى الحد فيه يقول هذا فعل عمر بحضرة الصحابة
رضي الله عنهم *
قال علي: وهذا لا متعلق لهم به لأنه قد صح الخلاف في ذلك عن الصحابة رضي
الله عنهم نصا كما ذكرنا أيضا من طريق وكيع، نعم وعن عمر رضي الله عنه ادرءوا
الحد عمن قال لآخر يا ابن شامة الوذر، وأما علي بن أبي طالب. وسمرة فإنه جاء
عنهما من عرض عرضنا له وليس في هذا بيان أنهما أرادا الحد فبطل تعلقهم بفعل عمر.

(1) قال في الصحاح اللهز الضرب بجمع اليد في الصدر مثل اللكز
278

وعلي. وسمرة رضي الله عنهم جملة فنظرنا هل لهم حجة غير هذا؟ فوجدناهم يذكرون قول
الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) الآية قالوا وكان الكفار يقولون
لرسول الله صلى الله عليه وسلم راعنا يريدون من الرعونة وهذا تعريض فنهى عن التعريض *
قال أبو محمد: وهذا حجة عليهم لا لهم لوجوه، أولها اننا لم نخالفهم في أن
التعريض لا يجوز فيحتجوا بهذا وإنما خالفناهم في هل فيه حد أم لا؟ وليس في هذه الآية
لو صح استدلالهم بها الا النهي عن التعريض فقط وليس فيها ايجاب حد فيه أصلا
فظهر تمويههم بالآية، والثاني ان الله تعالى لم يحد الذين عرضوا بهذا التعريض فكيف
يحتجون بها في ايجاب الحد، والثالث ان الله تعالى إنما نهى عن قول راعنا من لا يظن
به تعريض أصلا فهم الصحابة رضي الله عنهم فصح يقينا أنه لم ينه عز وجل عن لفظة
راعنا من أجل التعريض بل كما شاء تعالى لا لعلة أصلا والحد في ذلك ساقط لا ينسند
أصلا فبطل تعلقهم بالآية جملة وصح انها حجة عليهم وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: فلما بطل قول من رأى الحد في التعريض وجب أن ننظر في قول
الطائفة الأخرى فوجدناهم يذكرون قول الله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به
من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم) إلى قوله تعالى: (حتى يبلغ الكتاب أجله) ففرق
عز وجل بين حكم التصريح وبين حكم التعريض تفريقا لا يختل على ذي حس سليم،
وإذا كانا شيئين مختلفين ليس لأحدهما حكم الآخر فلا يجوز البتة ان يجعل في أحدهما
ما جعل في الآخر بغير نص ولا اجماع، وذكروا ما روينا من طريق مسلم ني أبو الطاهر
وحرملة واللفظ لحرملة قالا جميعا: نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة " أن أعرابيا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان
امرأتي ولدت غلاما أسود وأنا أنكره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وسلم هل لك من إبل؟ قال نعم
قال ما ألوانها قال حمر قال فهل فيها من أورق؟ قال: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانى
هو فقال لعله يا رسول الله نزعه عرق له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لعله نزعه عرق له " *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
قال ني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ولدت امرأتي
غلاما أسود وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ألك إبل؟ قال: نعم قال
ما ألوانها؟ قال حمر قال أفيها أورق؟ قال نعم فيها ذود ورق قال مم ذاك ترى؟ قال
لا أدري لعله أن يكون نزعه عرق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لعله أن يكون نزعه عرق "
ولم يرخص له في الانتفاء منه * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب
279

أخبرني إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أخبرني النضر بن شميل نا حماد بن سلمة
أنا هارون بن زياد عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس " أن رجلا قال يا رسول الله
ان تحتي امرأة جميلة لا ترد يد لامس قال طلقها قال إني لا أصبر عنها قال فأمسكها " *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذه الأحاديث كلها في غاية الصحة موجبة انه لا شئ
في التعريض أصلا لان الاعرابي الذي ذكر أن امرأته ولدت ولدا أسود وعرض
بنفيه وكان من بني فزارة ذكر ذلك الزهري فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حدا
ولا لعانا وكذلك الذي قال إن امرأتي لا ترد يد لامس فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ذلك حدا ولا لعانا، وقد أوجب عليه السلام الحد واللعان على من صرح، وكذلك
قوله عليه السلام: " لولا ما سبق من كتاب الله لكان لي ولها شأن " وقال عليه
السلام: " لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت هذه " تعريض صحيح وأنكر
للمنكر دون تصريح لكن بظن لا يحكم به ولا يقطع به، وكذلك قول ابن عباس:
تلك امرأة كانت تظهر السوء في الاسلام تعريض صحيح * حدثنا عبد الله بن ربيع
نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم نا سفيان بن عيينة عن الزهري
عن عائشة قالت: " اختصم سعد بن أبي وقاص. وعبد بن زمعة في ابن زمعة فقال
سعد: أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة فانظر ابن أمة زمعة فهو ابني. وقال عبد
هو ابن أمة أبي ولد على فراش أبي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبها بينا بعتبة فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة " فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشار
إشارة لم يقطع بها بل خاف وظن أنه من ماء عتبة ولم ير حدا على سعد بن أبي وقاص
إذ نسب ولد زمعة إلى أخيه، فهذه آثار رواها من الصحابة رضي الله عنهم جماعة
عائشة. وأبو هريرة. وأنس. وابن عباس فصارت في حد التواتر موجبة للعلم مبطلة
قول من رأى إن في التعريض حدا بل صح بها أن من عرض لغير سبب لكن
لشكوى على حديث الاعرابي أو تورعا على حديث ابن وليدة - زمعة - أو إنكارا
للمنكر على حديث ابن عباس. وعلى حديث أنس فلا شئ في ذلك أصلا لا إثم
ولا كراهية ولا إنكار لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وقيل بحضرته فلم ينكروه *
(وأما طريق الاجماع) فان الأمة كلها لا تختلف والمالكيون في جملتهم على أن من أظهر
السوء من رجل. أو امرأة كانفراد الأجنبيين ودخول الرجل منزل المرأة تسترا
فواجب على المسلمين إنكار ذلك ورفعه إلى الامام، وهذا بيقين تعريض وإلا فأي
شئ ينكرون من ذلك، والعجب كل العجب أنهم يرون الحد في التعريض وهم
280

يصرحون بالقذف ولا يرون في ذلك شيئا وذلك إقامتهم حد الزنا على الحبلى وما ثبت
قط عليها زنا فهم يدعون أنهم يسقطون الحدود بالشبهات وهذان مكانان أقاموا
الحد بالشبهات فيهما. وهما حد القذف على من عرض ولم يصرح. وحد الزنا
على من حملت ولا زوج لها ولا سيد، وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وصح أن لا حد في التعريض أصلا فان قال المعرض به:
أحلفه ما أراد قذفي لم يكن له ذلك ولا يحلف ههنا أصلا لأنه لم يقذفه وإنما ادعي عليه
أنه أراد قذفه فقط، ولا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن من ادعى على آخر أنه
أضمر قذفه ولم يقذفه فإنه لا تحليف في ذلك لصحة الاجماع على أن من أضمر قذفا
ولم ينطق به فإنه لا حد في ذلك أصلا حتى أقر بذلك امرؤ على نفسه وهذا المعرض
فلم ينطق بالقذف ولا شئ في ذلك أصلا. وأما من ادعي عليه أنه صرح بالقذف
وهو منكر فلا تحليف في ذلك أيضا لان الحد في ذلك من حدود الله تعالى وحقوقه
لا من حقوق الآدميين فإنما يحلف بالله ما أذيتك. ولا شتمتك ويبرأ، وبالله
تعالى التوفيق *
2232 - مسألة - من قذف إنسانا قد ثبت عليه الزنا وحد فيه
أو لم يحد *
قال أبو محمد: قد جاءت في هذا آثار كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال: إذا جلد الرجل
في حد ثم أونس منه تركه فعيره به إنسان نكل، وبه إلى عبد الرزاق نا ابن جريج
عن عطاء قال: على من أشاع الفاحشة نكل وإن صدق، وعن الزهري قال: لو أن
رجلا أصاب حدا في الشرك ثم أسلم فعيره به رجل في الاسلام نكل، وعن يحيى
ابن سعيد الأنصاري أنه قال: دخل رجلان على عمر بن عبد العزيز فقال أحدهما:
إنه ولد زنا فطأطأ الآخر رأسه فقال عمر: ما يقول هذا؟ فسكت واعترف فأمر عمر
بالقائل ذلك له فلم يزل يجأ قفاه حتى خرج من الدار، وعن ابن شهاب أنه قال:
لا نرى على من قذف رجلا جلد الحد بعد أن يحلف القاذف بالله ما أردت حين قلت
له ما قلت الا الامر الذي جلد فيه الحد، وقال ابن شهاب في رجل قال لآخر يا ابن
الزانية وكانت جدته قد زنت أنه يحلف بالله الذي لا إله الا هو أنه لم يرد إلا جدته
التي أحدثت ثم لا يكون عليه شئ، وعن سفيان الثوري أنه قال في الرجل يجلد الحد
فيقول له رجل يا زاني قال: يستجب بالدرة ويعزر ومنا من يقول إذا أقيم الحد جلد من
281

قذفه وممن قال بجلده ابن أبي ليلى *
قال أبو محمد. والذي نقول به، وبالله تعالى التوفيق أن الله تعالى قال: (إن
الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) وقد ذكرنا فيما سلف من
كتابنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي تزني أمته: " فليجلدها ولا يثرب " فصح أن التثريب
على الزاني حرام. وأن إشاعة الفاحشة حرام ولا يحل بلا خلاف أذى المسلم بغير
ما أمر الله تعالى أن يؤذي به فصح من هذا أن من سب مسلما بزنا كان منه. أو بسرقة كانت منه
أو معصية كانت منه وكان ذلك على سبيل الأذى لا على سبيل الوعظ والتذكير الجميل
سرا لزمه الأدب لأنه منكر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره
بيده إن استطاع فإن لم يستطع فلبسانه " فهذا الحديث بيان ما قدمنا نصا لان فيه أباح تغيير
المنكرات باليد واللسان فمن بكت آخر بما فعل على سبيل الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر فهو محسن. ومن ذكره على غير هذا الوجه فقد أتى منكرا ففرض على الناس
تغييره لان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قال: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم
حرام " فصح أن عرض كل أحد حرام الا حيث أباحه النص أو الاجماع وسواء عرض
العاصي وغيره وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: فان قذف انسان انسانا قد زنى بزنا غير الذي ثبت عليه وبين
ذلك وصرح فعلى القاذف الحد سواء حد المقذوف في الزنا الذي صح عليه أو لم يحد لأنه
محصن عن كل زنا لم يثبت عليه، وقد قلنا إن الاحصان هو المنع فمن منع بشئ أو
امتنع منه فهو محصن عنه فإذ هو محصن فعليه الحد بنص القرآن *
2233 - مسألة - فيمن انتفى من أبيه - قال علي: نا محمد بن سعيد
ابن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع
نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أتى برجل انتفي
عن أبيه فقال: أبو بكر اضرب الرأس فان الشيطان في الرأس *
قال أبو محمد: يلزم القائلين بايجاب الحد في النفي عن الأب أو عن النسب
أن يقيم حد القذف كاملا على من انتفى من أبيه أو على من نفى ولده من نفسه والا
فقد تناقضوا، وأما نحن فقد بينا قبل أن ههنا التعزير فقط ولا حد في ذلك،
وبالله تعالى التوفيق *
2234 مسألة من قال لآخر أنت ابن فلان ونسبه إلى عمه. أو خاله.
أو زوج أمه أو أجنبي *
282

قال أبو محمد: قال قوم: في كل هذا الحد وهو خطأ ولكن الحكم في هذا
أن ما كان من ذلك على سبيل الحق والخير فهو فعل حسن وقول حسن، وأما ما كان
من ذلك مشاتمة. أو أذى. أو تعريضا ففيه التعزير فقط ولا حد في ذلك، برهان
ما ذكرنا قول الله تعالى حاكيا عن ولد يعقوب عليه السلام إذ قالوا: (نعبد إلهك
وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) فجعلوا عمه إسماعيل عليه السلام أبا له ولم
ينكر الله تعالى ذلك ولا يعقوب عليه السلام وهو نبي الله تعالى، وقال تعالى:
(ملة أبيكم إبراهيم) وقد علمنا يقينا أن في المسلمين خلائق ليس لإبراهيم عليه السلام
في ولادتهم نسب، وأما زوج الام فان أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا قال:
نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار
نا إبراهيم بن سعيد الجوهري نا أبو أسامة نا محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف أن أبا طلحة صنع طعاما للنبي صلى الله عليه وسلم فأرسل أنس بن مالك فجاء حتى
دخل المسجد - ورسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه - فقال: " دعانا أبوك؟ فقال: نعم قال:
قوموا " قال: أنس فأتيت أبا طلحة فذكر الحديث * حدثنا حمام نا أبى مفرج نا ابن
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن عروة بن الزبير عن
أبيه قال: " كانت أم عمير بنت سعد عند الجلاس بن سويد فقال الجلاس بن سويد
في غزوة تبوك، إن كان ما يقول محمد حقا لنحن أشر من الحمير فسمعها عمير فقال:
والله إني لأخشى إن لم أرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل القرآن فيه وأن أخلط بخطبته
ولنعم الأب هو لي فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا النبي عليه السلام الجلاس فعرفه فتحالفا فجاء
الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا فلم يتحرك أحد - كذلك كانوا يفعلون لا يتحركون
إذا نزل الوحي - فرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا
كلمة الكفر) إلى قوله: (فان يتوبوا يك خيرا لهم) فقال الجلاس استتب لي ربي يا رسول الله
فاني أتوب إلى الله وأشهد له بصدق قال عروة فما زال عمير منها بعلياء حتى مات " *
قال أبو محمد: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن الربيب أب وينسب
إلى الرجل ابن امرأته فيقول له أبوك وهذا أنس. وعمير بن سعد من أهل اللغة
والديانة يقولان بذلك *
قال أبو محمد: وهذا قول أبي حنيفة. وأبي سليمان - وأصحابنا. وبه
نأخذ *
2236 - مسألة - فيمن قال لآخر يا لوطي. أو يا مخنث - قال علي:
283

انا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن
معاوية نا وكيع نا أبو هلال عن قتادة أن رجلا قال لأبي الأسود الدؤلي يا لوطي
قال يرحم الله لوطا، وبه إلى أبي هلال عن عكرمة في رجل قال لآخر يا لوطي قال
عكرمة ليس عليه حد، وعن الزهري. وقتادة أنهما قالا جميعا في رجل قال لرجل
يا لوطي أنه لا يحد، وبه يقول أبو حنيفة. وأبو سليمان. وأصحابنا: وقال آخرون:
لا حد في ذلك إلا أن يبين كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق أخبرني ابن
جريج قال قلت لعطاء في رجل قال لآخر يا لوطي: قال: لا حد عليه حتى يقول:
إنك لتصنع بفلان، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان
عن إبراهيم النخعي أنه قال في رجل قال لآخر يا لوطي: قال: نيته يسأل عما أراد
بذلك، وقالت طائفة: عليه الحد كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر
نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سعيد بن حسان عن عبد
الحميد بن جبير بن شيبة أن رجلا قال لرجل يا لوطي فرفع إلى عمر بن عبد العزيز
فجعل عمر يقول يا لوطي يا محمدي فكأنه لم ير عليه الحد وضربه بضعة عشر سوطا
ثم أرسل إليه من الغد فأكمل له الحد، وبه إلى وكيع نا أبو هلال عن الحسن
البصري في الرجل يقول للرجل يا لوطي قال: عليه الحد، وبه إلى وكيع عن الحسن
ابن صالح بن حي عن منصور عن إبراهيم النخعي في فعل قوم لوط قال. يجلد من
فعله ومن رمى به، وبه إلى وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي في الرجل
يقول للرجل يا لوطي قال: يجلد *
قال أبو محمد: قول إبراهيم. والشعبي يجلد ليس فيه بيان أنهما أرادا الحد
وقد يمكن أن يريدا جلد تعزير وبايجاب الحد على من رمى به يقول مالك. والشافعي
وهو الخارج على قول أبي يوسف. ومحمد بن الحسن *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا هذه المسألة - يعني
من رمى آخر بأنه ينكح الرجال. أو بأنه ينكحه الرجال - إنما هي معلقة بالواجب
في قوم لوط فإن كان زنا فالواجب في الرمي به حد القذف بالزنا وإن كان ليس زنا فلا
يجب في الرمي به حد القذف بالزنا وسنستقصي الكلام في هذه المسألة إن شاء الله تعالى
في باب مفرد له إثر كلامنا في حد السرقة. وحد الخمر. ولا حول ولا قوة الا بالله *
وهو ليس عندنا زنا فلا حد في الرمي به، وأما أبو يوسف. ومحمد بن الحسن فهو عندهما
زنا أو مقيس على الزنا فالحد عندهما في القذف به، وأما مالك. والأشهر من أقوال الشافعي
284

فهو عندهم خارج من حكم الزنا لأنهما يريان فيه الرجم أحصن أو لم يحصن فإذ هو عندهم
ليس زنا، وإنما حكمه المحاربة أو الردة لأنه لا يراعى فيه احصان من غيره فكان الواجب
على قولهما أن لا يكون فيه حد الزنا وهو مما تناقضوا فيه أفحش تناقض فلم يتبعوا فيه
نصا ولا قياسا (فان قالوا): ان الرمي بذلك حرام (قلنا): نعم وإثم ولكن ليس
كل حرام. وإثم تجب فيه الحدود: فالغصب حرام ولا حد فيه. وأكل الخنزير حرام
ولا حد فيه، والرمي بالكفر حرام ولا حد فيه، وأما من قال لآخر يا مخنث فان
القاضي حمام بن أحمد قال: نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن
إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن أبي سفيان قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " من قال لرجل من الأنصار يا يهودي فاضربوه عشرين ومن قال لرجل يا مخنث
فاضربوه عشرين " *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا ليس بشئ وذلك لأنه مرسل والمرسل لا تقوم
به حجة، ثم هو أيضا من رواية إبراهيم بن أبي يحيى وهو في غاية السقوط، ولو كان
هذا صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوجبناه حدا ولكنه لا يصح فلا يجب القول به ولا
حد في شئ مما ذكروا وإنما هو التعزير فقط للأذى لأنه منكر وتغيير المنكر واجب
لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالله تعالى التوفيق *
2237 مسألة - من رمى انسانا ببهيمة * قال أبو محمد رحمه الله: حدثنا
عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب نا ابن
أبي ذئب عن الزهري أنه قال: من رمى انسانا ببهيمة فعليه الحد * وبه إلى ابن وهب
نا ابن سمعان عن الزهري قال: من رمى بذلك - يعني ببهيمة - جلد ثمانين *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري قال: من قذف رجلا ببهيمة جلد حد الفرية، وقالت طائفة: لا حد في ذلك
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي قال: سألت
الشعبي عن رجل قذف ببهيمة أو وجد عليها قال ليس عليه حد * حدثنا عبد الله بن ربيع
نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد
عن ربيعة أنه قال فيمن يقذف ببهيمة؟ قال قد قذف بقول كبير والقائل أهل للنكال
الشديد ورأي السلطان فيه، وأما الحنيفيون. والمالكيون. والشافعيون. وأصحابنا
الظاهريون فلا يرون في ذلك حدا أصلا وهذا تناقض من الحنيفيين. والمالكيين.
والشافعيين في ذلك إذ يرون الحد على من قذف بفعل قوم لوط ولا يرون الحد على
285

من قذف ببهيمة وكل ذلك مختلف فيه كما أوردنا وكل ذلك لا نص في ايجاب الحد في
الرمي به وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: وهم لا يجدون عن أحد من الصحابة ايجاب حد على
من رمى انسانا بفعل قوم لوط ونحن نوجدهم عن الصحابة رضي الله عنهم ايجاب حد
حيث لا يوجبونه كما نذكر إن شاء الله تعالى *
2238 مسألة - فيمن فضل على أبي بكر الصديق أو افترى على القرآن
كما نا أحمد بن عمر بن أنس العذري نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري
نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أبو قلابة نا محمد بن بشار - بندار - نا محمد بن جعفر - غندر - نا شعبة
عن حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى أن الجارود بن العلاء العبدي قال: أبو بكر
خير من عمر فقال رجل من ولد حاجب بن عطارد عمر خير من أبي بكر فبلغ عمر فضرب
بالدرة الحاجبي حتى شغر (1) برجله وقال: قلت عمر خير من أبي بكر ان أبا بكر
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أخير الناس في كذا وكذا من قال غير ذلك وجب
عليه حد المفتري *
قال أبو محمد رحمه الله: هكذا في كتاب العذري من ولد حاجب بن عطارد
- وهو خطأ - والصواب من ولد عطارد بن حاجب بن زرارة *
قال علي: إنما أخبر عمر في هذا الخبر أن أبا بكر أخير الناس في كذا وكذا
أشياء ذكرها لا على العموم وقد يكون المرء خيرا في شئ ما من آخر خير منه في أشياء
فقد عذب بلال في الله تعالى بما لم يعذب أبو بكر وجالد على ما لم يجالد أبو بكر وأبو
بكر خير منه على العموم وفي أشياء غير هذا كثيرة، وبالسند المذكور إلى ابن الجهم
نا محمد بن بشر نا الهيثم. والحكم قالا جميعا: نا شهاب بن حراش عن الحجاج بن دينار
عن أبي معشر عن إبراهيم قال سمعت: علقمة ضرب بيده على منبر الكوفة قال
سمعت عليا عليه السلام يقول: بلغني أن قوما يفضلونني على أبي بكر. وعمر من قال
شيئا من هذا فهو مفتر عليه ما على المفتري، وبه إلى ابن الجهم نا أبو قلابة نا الحجاج
ابن المنهال نا محمد بن طلحة عن أبي عبيدة بن حجل أن علي بن أبي طالب قال لا أوتي
برجل فضلني على أبي بكر. وعمر إلا جلدته حد المفتري * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات
نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا إسماعيل
ابن أبي خالد عن عامر الشعبي قال. استشارهم عمر في الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف

(1) شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول
286

من افترى على القرآن أرى أن يجلد ثمانين * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد
ابن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عطاء
ابن السائب عن جحادة بن دثار أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شربوا الخمر بالشام
وآل يزيد بن أبي سفيان كتب فيهم إلى عمر فذكر الحديث، وفيه أنهم احتجوا على عمر بقول
الله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا
وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا) فشاور فيهم الناس فقال لعلي ماذا ترى؟ فقال:
أرى أنهم قد شرعوا في دين الله ما لم يأذن به فان زعموا انها حلال فاقتلهم فإنهم قد أحلوا
ما حرم الله تعالى وان زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين ثمانين فقد افتروا على الله الكذب
وقد أخبر الله تعالى بحد ما يفتري به بعضنا على بعض *
قال أبو محمد رحمه الله: هم يعظمون - يعني الحنيفيين. والمالكيين - قول الصاحب
وحكمه إذا وافق تقليدهم وأهواءهم وهم ههنا قد خالفوا الصحابة رضي الله عنهم فلا
يرون على من فضل عمر على أبي بكر حد الفرية ولا على من فضل عليا عليهما حد الفرية ولا
يرون على من افترى على الله تعالى وعلى القرآن حد الفرية لكن يرون القتل ان بدل الدين
أو لا شئ إن كان متأولا هذا وهم يحتجون بقول علي. وعبد الرحمن في هذين الخبرين
في اثبات ثمانين في حد الخمر نعم وفي اثبات القياس وقد خالفوهما في إيجاب حد الفرية على
من افترى على الله كذبا فلئن كان قول علي. وعبد الرحمن حجة في ايجاب حد الخمر وفي
القياس فإنه حجة في ايجاب حد الفرية على من افترى على الله تعالى كذبا وعلى القرآن، ولئن كان
قولهما ليس بحجة في ايجاب حد الفرية على من افترى على الله تعالى. وعلى القرآن فما قولهما
حجة في ايجاب القياس ولا في ايجاب ثمانين في الخمر ولا فرق وبالله تعالى التوفيق، وهذا
يليح لمن أنصف نفسه انه ليس كل فرية يجب فيها الحد فإذ ذلك كذلك فلا حد الا
في الفرية بالزنا لصحة النص والاجماع على ذلك وبالله تعالى التوفيق *
2239 مسألة - عفو المقذوف عن القاذف - قال أبو محمد رحمه الله:
حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب
أخبرني يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال في رجل قال للامام افترى على فلان أو رمى
أمي فيقول الامام أفعلت؟ فيقول نعم قد فعلت فيقول الآخر قد أعفيته فينبغي للامام
أن يقول للمفترى عليه أنت أبصر ولا يكشفه لعله يكشف غطاء لا يحل كشفه فان
عاد يلتمس ذلك الحد كان ذلك له، وبه إلى ابن وهب ني مالك بن انس أن زريق بن
الحكم حدثه قال: افترى رجل يقال له مصباح على ابنه فقال له يا زاني فرفع ذلك إلى
287

فأمرت بجلده فقال والله لئن جلدته لاقرن على نفسي بالزنا فلما قال ذلك لي أشكل علي
فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز أذكر ذلك له فكتب عمر إلي أن أجز عفوه في نفسه قال
زريق فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز في الرجل يفتري عليه أبواه أيجوز عفوه عنهما؟
فكتب عمر إلي خذ له بكتاب الله تعالى الا أن يريد سترا * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية أخبرني زريق بن حكيم
أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه في رجل قذف ابنه أن أجلده الا أن يعفو ابنه عنه، قال
ابن زريق فظننت أنها للأب خاصة فكتبت إلى عمر أراجعه للناس عامة أم للأب خاصة؟
فكتب إلي بل للناس عامة، وقال آخرون لا عفو في ذلك لاحد كما روينا بالسند المذكور
إلى عبد الرزاق عن عمر بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب قال: لا عفو في الحدود عن
شئ منها بعد أن تبلغ الامام فان اقامتها من السنة، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر. وابن
جريج كلاهما عن الزهري قال: إذا بلغت الحدود السلطان فلا يحل لاحد أن يعفو عنها
قال ابن جريج. ومعمر - يعني الفرية - وقد روي هذا القول عن الحسن البصري،
وبه يقول أبو سليمان. وأصحابنا وهو قول الأوزاعي. والحسن بن حي، وقال
أبو حنيفة. وأصحابه لا يجوز العفو عن الحد في القذف وروي عن أبي يوسف في أحد
قوليه. وعن الشافعي. وأصحابه. وأحمد بن حنبل. وأصحابه أن العفو في ذلك جائز قبل
بلوغ الامر إلى الامام وبعد بلوغه إليه، وقال مالك فيمن قذف آخر فثبت ذلك عند
الامام فأراد المقذوف أن يعفو عن القاذف قال: لا يجوز له العفو الا أن يريد سترا على
نفسه خوف أن يثبت عليه ما رمى به فيجوز عفوه حينئذ قال مالك: فان أراد المقذوف
أن يؤخر إقامة الحد على القاذف له أو لأبويه كان ذلك له ويأخذه به متى أحب قال فان عفا
عنه ثم أراد أخذه لم يكن له أخذه به *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا
هذا الاختلاف مرجعه إلى أحد وجهين لا ثالث لهما، إما أن يكون الحد في القذف
من حقوق الله تعالى كالحد في الزنا. والحد في الخمر. والحد في السرقة. والحد في المحاربة،
وإما أن يكون من حقوق الناس كالقصاص في الأعضاء. والجنايات على الأموال
فإن كان الحد في القذف من حقوق الله تعالى كسائر الحدود فلا يجوز لاحد عفو
فيه لأنه لا حق له فيه ولا فرق بين من سرق مال إنسان. أو زنى بأمته وافترى عليه
أو بامرأة أكرهها. وسرق مالا من مالها. وافترى عليها فلم يختلفوا في أنه ليس
للرجل أن يعفو عن الزنا بأمته فيسقط عنه حد الزنا بذلك ولا لهما أن يعفوا عمن
288

سرق مالهما أو قطع عليهما الطريق فيسقط عنه حد السرقة بذلك. وحد المحاربة،
والمفرق بين القذف وبين ما ذكرنا متحكم في الدين بلا دليل وإن كان الحد في القذف
من حقوق الناس فعفو الناس عن حقوقهم جائز، فنظرنا في قول مالك فوجدناه
ظاهر التناقض لأنه إن كان حد القذف عنده من حقوق الله تعالى فلا يجوز عفو
المقذوف أراد سترا أو لم يرد لان الله تعالى لم يجعل له إسقاط حد من حدود الله
تعالى وإن كان من حقوق الناس فالعفو جائز لكل أحد في حقه أراد سترا أو لم يرد
ويقال لمن نصر هذا القول الظاهر الخطأ: ما الفرق بين هذا وبين من عفا عن الزاني
بأمته وهو يريد تسترا على نفسه خوف أن يقيم الواطئ لها بينة بأنها له غصبها منه الذي
هي بيده الآن؟ وبين من عفا عن سارق متاعه وهو يريد سترا على نفسه خوف أن
يقيم الذي سرقه منه بينة عدل بأن الذي كان بيده سرقه منه وأنه مال من مال هذا
الذي سرقه آخر فهل بين شئ من هذا كله فرق؟ هذا ما لا يعرف أصلا فسقط هذا
القول جملة لتناقضه ولتعريه من الأدلة ولأنه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة
رضي الله عنهم ولا عن أحد من التابعين، ثم نظرنا في قول أبي حنيفة فوجدناه قد
تناقض لأنه جعله من حقوق الله تعالى ولم يجز العفو عنه أصلا فأصاب في ذلك ثم
تناقض مناقضة ظاهرة فقال لا حد على القاذف الا أن يطالبه المقذوف فجعله بهذا
القول من حقوق المقذوف وأسقطه بأن لم يطلبه وهذا تخليط ظاهر *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا لا حجة لهم فيه وقد نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن
معاوية نا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد نا محمد بن أبي عدي عن محمد بن إسحاق عن عبد الله
ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت:
لما نزل عذرى قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فأمر بالمرأة والرجلين فضربوا حدهم *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام حد القذف ولم يشاور
عائشة أمنا رضي الله عنها أن تعفو أم لا؟ فلو كان لها في ذلك حق لما عطله عليه
السلام وهو أرحم الناس وأكثرهم حضا على العفو فيما يجوز فيه العفو فصح أن
الحد من حقوق الله تعالى لا مدخل للمقذوف فيه أصلا ولا عفو له عنه، وأما من
طريق الاجماع فان الأمة مجمعة على تسمية الجلد المأمور به في القذف حدا ولم يأت
نص ولا اجماع بأن لانسان حكما في اسقاط حد من حدود الله تعالى فصح أنه
لا مدخل للعفو فيه، وأما من طريق النظر فلو كان من حقوق الناس لكان العفو
المذكور في ذلك لا يجوز البتة الا من المقذوف فيما قذف به لا فيما قذف به غيره من
289

أبيه. وأمه لأنه لا خلاف في أنه لا يجوز عفو أحد عن حق غيره وهم يجيزون عفو
المرء عن قاذف أبيه الميت وأمه الميتة وهذا فساد وتناقض من القول والقوم أهل
قياس وقد اتفقوا على أنه لا عفو للمسروق منه في قطع يد سارقه ولا للمقطوع عليه
في الطريق في العفو عن القاطع عليه للمحارب له ولا للمزني بامرأته وأمته عن الزاني
بهما فأي فرق بين حد القذف وحد السرقة ولا للمقطوع عليه الطريق في العفو عن
القاطع، وأما ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فان عمر جلد أبا بكرة. ونافعا. وشبل
ابن معبد إذ رآهم قذفة ولم يشاور في ذلك المغيرة ولا رأى له حقا في عفو أو غيره
فبطل قول من رأى العفو في ذلك جملة وبالله تعالى التوفيق *
2240 مسألة - في من قال لامرأته يا زانية فقالت زنيت معك أو
قال ذلك لرجل فقال أنت أزنى مني *
قال أبو محمد رحمه الله: حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان
نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن قتادة
قال في من قال لامته يا زانية فقالت زنيت بك قال: تجلد تسعين، وبه إلى حماد بن
سلمة عن أبي حرة عن الحسن في امرأة حرة قالت لآخر: زنيت بك قال
تجلد حدين *
قال أبو محمد: إذا قال الرجل للمرأة أو قالت المرأة للرجل زنيت بك فهذا
اعتراف مجرد بالزنا وليس قذفا لأنه من قال هذا اللفظ فإنما أخبر عن نفسه أنه زنى ولم
يخبر عن المقول له بزنا أصلا وقد يزني الرجل بالمرأة وهي سكرى. أو مجنونة. أو مغلوبة. أو
وهي حاملة وهو عالم وتزني المرأة بالرجل كذلك وكمن ابتاع أمة فإذا بها حرة فهي زانية
وليس هو زانيا فقائل هذا القول إن قاله معترفا فعليه حد الزنا فقط ولا شئ عليه
غير ذلك وان قاله لها شاتما فليس قاذفا ولا معترفا فلا حد عليه لا للزنا ولا للقذف
ولكن يعزر للأذى فقط فلو قال لها زنينا معا أو قالت له ذلك فهذا إن كان قاله
شاتما فهو قذف صحيح عليه حد القذف فقط وان قاله معترفا فعليه حد الزنا فقط،
وكذلك على المرأة ان قالت ذلك ولا فرق * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم
ابن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري.
وربيعة قالا جميعا فيمن قال لآخر اني أراك زانيا فقال له الآخر أنت أزنى مني وهما
عفيفان فإنهما يجلدان الحد معا زاد ربيعة لا يكون رجل أزنى من رجل حتى يكون
زانيا. وقال مالك يضربان الحد جميعا *
290

قال أبو محمد رحمه الله: أما قول ربيعة لا يكون رجل أزنى من رجل حتى يكون
زانيا فخطأ والمستعمل في اللغة غير. هذا قال الله تعالى: (الله خير أما يشركون)
ولا خير أصلا فيما يشركون، وقال تعالى: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا
وأحسن مقيلا) وليس في القرار في النار خير أصلا ولا فيها من حسن المقيل
لا كثير ولا قليل نعوذ بالله منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتاب الله أحق وشرط
الله أوثق " وليس في شرط لغير الله شئ من الثقة ولا في غير كتاب الله تعالى في
الدين شئ من الحق، وأما السنة والاجماع فهما داخلان في كتاب الله تعالى لان كل
ذلك عدل الله تعالى فنظرنا في هذا فوجدنا من قال لآخر أنت أزنى مني ليس فيه
اعتراف على نفسه بالزنا وإنما هو قذف صحيح فواجب جلده حد القذف وبالله
تعالى التوفيق *
2241 مسألة - فيمن ادعت أن فلانا استكرهها - قال علي: نا حمام نا ابن
مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري. وقتادة قالا جميعا
في امرأة قذفت رجلا بنفسها أنه غلبها على نفسها والرجل ينكر ذلك وليس لها بينة فإنها
تضرب حد الفرية * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن
خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا قتادة أن رجلا استكره
امرأة فصاحت فجاء مؤذن فشهد لها عند عمر بن عبد العزيز أنه سمع صياحها فلم
يجلدها * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون
نا ابن وهب أخبرني عميرة بن أبي ناجية عن يزيد بن أبي حبيبة عن عمر بن عبد
العزيز أنه أتنه امرأة فقالت إن فلانا استكرهني على نفسي فقال: هل سمعك أحد
أو رآك؟ قالت لا فجلدها بالرجل - وهو عمرو بن مسلم. أو إسحاق بن مسلم مولى
عمرو بن عثمان - قال ابن وهب: سألت مالكا عن المرأة تقول ان فلانا أكرهني على
نفسي قال إن كان ليس مما يشار إليه بذلك جلدت الحد وإن كان مما يشار إليه بالفسق
نظر في ذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: ههنا يرون عليه السجن الطويل والأدب وغرم مهر
مثلها وهذا أقوال تدور على وجوه إما جلدها حد القذف إن لم يكن لها بينة - وهو
قول الزهري. وقتادة - وإما اسقاط الحد عنها بشهادة واحد أنه سمع صياحها فقط
- وهو عن عمر بن عبد العزيز - والا فتجلد. وإما أن يدرأ عنها الحد بأن يرى معها
خاليا ويؤثر فيه أثرا أو يسمع صياحها وهو قول ربيعة وهو أيضا قول يحيى بن
291

سعيد الأنصاري وزاد أن يعاقب الرجل المدعى عليه إن كان ذلك أشد العقوبة إن
ظهر بشئ مما ذكرنا والا فالحد على المرأة حد القذف، وإما أن ينظر فإن كان المدعى
عليه من أهل العافية جلد حد القذف. وإن كان ممن يشار إليه بالفسق فلا شئ عليها
ويسجن هو ويطال سجنه ويغرم مهر مثلها - وهو قول مالك - *
قال أبو محمد رحمه الله: أما قول مالك فظاهر الخطأ لأنه فرق في الادعاء بين
المشار إليه بالخير. والمشار إليه بالفسق ولم يوجب الفرق بين شئ من ذلك قرآن.
ولا سنة. ولا اجماع. ولا قياس. ولا قول صاحب، وقد أجمعت الأمة كلها على أن
رجلا يدعى دينا على آخر والمدعى عليه منكر فإنه يحلف ولو أنه أحد الصحابة رضي
الله عنهم. وقد قضى باليمين على عمر. وعثمان. وابن عمر. وغيرهم رضي الله عنهم
ولا أجد أفضل منهم ولا أبعد من التهمة والدعوى بجحد المال. والظلم. والغصب
كالدعوى بالغلبة في الزنا ولا فرق لان كل ذلك حرام ومعصية وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " لو أعطى قوم بدعواهم لا دعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على
من ادعى عليه " وقال عليه السلام لصاحب من أصحابه اختصما: " بينتك أو يمينه "
وقد أجمعت الأمة ومالك معهم على أن مسلما برا فاضلا عدلا ولو أنه أحد الصحابة
رضي الله عنهم ادعى مالا على يهودي. أو نصراني ولا بينة له إن اليهودي. أو النصراني
يبرأ من ذلك بيمينه وأن الكافر لو ادعى ذلك على المسلم لا حلف له فكيف يقضى
لها بدعواها فيغرمه مهرها من أجل أنه فاسق ولا فاسق أفسق من كافر قال الله تعالى:
(الكافرون هم الفاسقون) فهذان وجهان من الخطأ، وثالث وهو القضاء عليه
بالسجن والعقوبة دون بينة وهذا ظلم ظاهر لا خفاء به، ورابع هو أنه لا يخلو من أن
يكون يصدقها أو يكذبها ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن كان يصدقها فينبغي له ان يقيم
عليها حد الزنا وإلا فقد تناقض وضيع حدا لله تعالى وإن كان يكذبها فبأي معنى
يسجنه ويغرمه مهر مثلها فيؤكلها المال بالباطل ويأخذ ماله بغير حق، وخامس وهو
أنه إن تكلمت وكان المدعى عليه معروفا بالعافية جلدها حد القذف وإن مكثت
فظهر بها حمل رجمها إن كانت محصنة وهذا ظلم ما سمع بأشنع منه وحرج في الدين
لم يجعله الله تعالى قط فيه ولا يحفظ عن أحد فرق هذا التفريق قبل مالك وبالله
تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول: (فان تنازعتم
في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد أوجب الحد على من
292

رمى أحدا بالزنا إلا أن يأتي ببينة ثم نظرنا في التي تشتكي بانسان أنه غلبها على نفسها
فوجدناها لا تخلو من أن تكون قاذفة أو تكون غير قاذفة فان كانت قاذفة فالحد واجب
عليها بلا شك إذ لا خلاف في أن قاذف الفاسق يلزمه الحد كقاذف الفاضل ولا فرق،
والقذف هو ما قصد به العيب والذم وهذه ليست قاذفة إنما هي مشتكية مدعية وإذ
ليست قاذفة فلا حد للقذف عليها ولكن تكلف البينة فان جاءت بها أقيم عليه حد الزنا وإن
لم تأت بها فلا شئ عليه أصلا لا سجن ولا أدب ولا غرامة لان ماله محرم وبشرته محرمة
ومباح له المشي في الأرض، قال الله تعالى: (فامشوا في مناكبها) (فان قال قائل): فإن لم
تكن بينة فاقضوا عليه باليمين بهذا الخبر (قلنا): وبالله تعالى التوفيق ان دعواها
انتظم حقا لها وحقا لله تعالى ليس لها فيه دخول ولا خروج فحقها هو التعدي عليها وظلمها
وحق الله تعالى هو الزنا فواجب أن يحلف لها في حقها فيحلف بالله ما تعديت عليك في شئ
ولا ظلمتك وتبرأ ذمته ولا يجوز أن يحلف بالله ما زنى لأنه لا خلاف في أن أحدا لا يحلف
في حق ليس له فيه مدخل، ولا يختلف اثنان في أن من قال إنك غصبتني وزيدا دينارا فإنه
إنما يحلف له في حقه من الدينار لا في حق زيد وهكذا في كل شئ، وأما الفرق بين الذم
والشكوى فإنهم لا يختلفون فيمن قال لآخر ابتداء أو في كلام بينهما يا ظالم يا غاصب انه
مسئ، فمن قائل عليه الأدب، ومن قائل للآخر أن يقول له مثل ذلك ولا يختلفون
فيمن شكا بآخر فقال ظلمني وأخذ مالي بغير حق أنه لا شئ عليه وأنه ليس مسيئا بذلك
فصح الفرق بين الشكوى وبين الاعتداء بالسب والقذف وبالله تعالى التوفيق *
2242 مسألة - فيمن قذف وهو سكران - قال أبو محمد رحمه الله: قد
ذكرنا في مواضع كثيرة حكم السكران وأنه غير مؤاخذ بشئ أصلا الا حد الخمر فقط
الا أننا نذكر عمدة حجتنا في ذلك باختصار إن شاء الله تعالى *
قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة
وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فشهد الله تعالى وهو أصدق شاهد أن السكران
لا يدري ما يقول وإذا لم يدر ما يقول فلا شئ عليه ولم يختلف أحد من الأمة في أن
امرءا لو نطق بلفظ لا يدري معناه وكان معناه كفرا. أو قذفا. أو طلاقا فإنه لا يؤاخذ
بشئ من ذلك فإذا كان السكران لا يدري ما يقول فلا يجوز أن يؤاخذ بشئ مما يقول
قذفا كان أو غير قذف (فان قالوا): كان هذا قبل تحريم الخمر (قلنا). نعم فكان
ماذا؟ والأمة كلها مجمعة بلا خلاف من أحد منها على أن حكم هذه الآية باق لم ينسخ
وأنه لا يحل لسكران أن يقرب الصلاة حتى يدري ما يقول. وكذلك لا يختلف اثنان
293

من ولد آدم في أن حال السكران في أنه لا يدري ما يقول باق كما كان لم يحله الله تعالى عن
صفته (فان قالوا): هو أدخل ذلك على نفسه (قلنا): نعم وهذا لا فائدة لكم
فيه لوجوه، أولها أن هذا تعلل لا يوجب حكما لأنه لم يأت بهذا التعليل قرآن. ولا
سنة. ولا اجماع. والثاني إنا نسألكم عمن أكره على شرب الخمر ففتح فمه كرها بأكاليب
وصب فيه الخمر حتى سكر فان هذا لا خلاف في أنه غير آثم ولا في أنه لم يدخله على
نفسه فينبغي أن يكون حكمه عندكم بخلاف حكم من أدخله على نفسه فلا تلزموا هذا
المكره شيئا مما قال في ذلك السكر وإلا فقد تناقضتم، والثالث إنا نسألكم عمن شرب
البلاذر فجن، أو تزيد نقطع عصب ساقيه فأقعد أيكون لذلك المجنون حكم المجانين
في سقوط جميع الأحكام عنه أو تكون الأحكام لازمة له من أجل أنه أدخل ذلك على
نفسه؟ وهل يكون للذي أبطل ساقيه عمدا أو أشرا ومعصية لله تعالى حكم المقعد
في الصلاة وسقوط الحج وغير ذلك أم لا يسقط عنه شئ من ذلك من أجل إدخاله
ذلك على نفسه؟ فمن قولهم بلا خلاف ان لهما حكم سائر المجانين وسائر القاعدين
فبطل تعلقهم بأن السكران أدخل ذلك على نفسه، وقد صح أن حمزة رضي الله عنه قال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعلي بن أبي طالب. وزيد بن خالد هل أنتم إلا عبيد لآبائي وهو
سكران فلم يعنفه على ذلك ولو قالها صحيحا لكفر بذلك وحاش له من ذلك، فصح أن
السكران إذا ذهب تمييزه فلا شئ عليه لا في القذف ولا في غيره لأنه مجنون لا عقل له *
(فان قالوا): قد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم إذا شرب سكر وإذا
سكر هذى وإذا هذى افترى وإذا افترى جلد ثمانين (قلنا): حاشى لله أن يقول صاحب
هذا الكلام الفاسد هم والله أجل. وأعقل. وأعلم من أن يقولوا هذا السخف الباطل
ويكفي منه اجماعهم على أن من هذى فلا حد عليه ولو كفر أو قذف فهم يحتجون
بما هم أول مخالف له وأحضر مبطل لحكمه ونعوذ بالله مثل هذا، وسنتكلم إن شاء الله
تعالى في ابطال هذا الخبر من طريق اسناده ومن تخاذله وفساده في كلامنا في حد الخمر
من ديواننا هذا إن شاء الله تعالى (فان قالوا): ومن يدري أنه سكران ولعله تساكر
(قيل لهم): قولوا هذا بعينه في المجنون ومن يدري أنه مجنون ولعله متحامق وأنتم
لا تقولون هذا بل تسقطون عنه الأحكام والحدود فالحال التي تدري في المجنون أنه
مجنون بمثلها يدرى في السكران أنه سكران ولا فرق وهي أنه إذا بلغ من نفسه من
التخليط في كلامه وأفعاله حيث يوقن أنه لا يبلغه من نفسه المميز الصاحي حياء من
مثل تلك الحال فهذا بلا شك أحمق وسكران كما قال الله تعالى: (حتى تعلموا ما تقولون)
294

فمن خلط في كلامه فليس يعلم ما يقول وبالله تعالى التوفيق *
2243 مسألة - الأب يقذف ابنه. أو أم عبيده. أو أم ابنه *
قال أبو محمد رحمه الله: قد ذكرنا حكم عمر بن عبد العزيز يحد من قذف ابنه وأوجب
الحد في ذلك مالك. والأوزاعي. وأبو سليمان. وأصحابنا، وقالت طائفة: لا حد
على الأب في ذلك كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا أبو يعقوب الدبري نا عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عطاء قال إذا افترى الأب على الابن فلا يحد، وبه إلى عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عمن سمع الحسن يقول ليس على الأب لابنه حد، وبه يقول أبو حنيفة.
والشافعي. وأحمد بن حنبل. وأصحابهم. والحسن بن حي. وإسحاق بن راهويه، وقال سفيان
الثوري في الأب يقذف ابنه انهم يستحبون الدرأ عنه، وقال في المرأة تزني وهي محصنة
وتقتل ولدها إنه يدرأ عنها الحد *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فنظرنا في قول
من رأى أنه لا يحد الأب لابنه فوجدناهم يقولون قال الله تعالى: (وبالوالدين احسانا ولا تقل
لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قالوا وليس
من الاحسان. ولا من البر ضربهما بالسياط ولا هذا من خفض الجناح لهما من الرحمة
وقاسوا أيضا اسقاط الحدود في القذف عن الوالد في قذفه لولده على إسقاطهم القود عنه ان قتله
واسقاطهم القصاص عنه لولده فيما دون النفس على إسقاطهم الحد عنه في سرقته من ماله
وعلى إسقاطهم الحد في زناه بأم ولده *
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم غير هذا أصلا وكل هذا لا حجة لهم فيه على ما نبين
إن شاء الله تعالى، أما وصية الله تعالى بالاحسان إلى الأبوين بأن لا يقال لهما أف ولا ينهرا
ويخفض لهما جناح لذل من الرحمة فحق لا يحيد عنه مسلم وليس يقتضي شئ من ذلك إسقاط
الحد عنه في القذف لولده لأنه لا يختلف الناس في أن إما ماله والد قدم إليه في قذف أو في سرقة
أو في زنا أو في قود فان فرضا على الوالد إقامة الحد على والده في كل ذلك وان ذلك لا يسقط
عنه ما افترض الله تعالى له عليه من الاحسان والبر وان لا ينهره ولا يقل له أف وأن يخفض
له جناح الذل من الرحمة وأن يشكر له ولله عز وجل وقد قال الله عز وجل: (أشداء على الكفار
رحماء بينهم) وقد أمر مع ذلك بإقامة الحد على من أمرنا برحمته، وقال تعالى: (وبالوالدين
إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين) الآية ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن
ذا القربى يحد في قذف ذي القربى وأن ذلك لا يضاد الاحسان المأمور به بل إقامة الحد على
الوالدين فمن دونهما إحسان إليهما وبر بهما لأنه حكم الله تعالى الذي لولاه لم يجب برهما
295

فسقط تعلقهم بالآيات المذكورات وأما قياسهم إسقاط حد القذف على اسقاطهم عن
الوالد حد الزنا في زناه بأمة ولده وعلى اسقاطهم عنه حد السرقة في سرقة مال ولده وعلى
اسقاطهم القود عنه في قتله إياه وجرحه إياه في أعضائه فهذا قياس والقياس كله باطل لأنه
قياس للخطأ على الخطأ ونظر للباطل بالباطل واحتجاج منه لقول لهم فاسد بقول لهم
آخر فاسد لا يتابعون عليه ولا أوجبه نص. ولا اجماع بل الحدود والقود واجبان على
الأب للولد في كل ما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق، فلما سقط قولهم لتعريه عن البرهان
رجعنا إلى القول الثاني فوجدناه صحيحا لان الله تعالى قال: (والذين يرمون المحصنات)
الآية فلم يقل تعالى الا الوالد لولده (وما كان ربك نسيا) فلو أن الله تعالى أراد تخصيص
الأب باسقاط الحد عنه لولده لبين ذلك ولما أهمله حتى يتفطن له من لا حجة في قوله فصح
يقينا أن الله تعالى إذ عم ولم يخص فإنه أراد أن يحد الوالد لولده والولد لوالده بلا شك
ووجدناه تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على
أنفسكم أو الوالدين والأقربين) فأوجب الله تعالى القيام بالقسط على الوالدين
والأقربين كالأجنبيين فدخل في ذلك الحدود وغيرها، وبالله تعالى التوفيق *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج
قال: أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عمر بن عبد العزيز عن عمر
ابن الخطاب قال: لا عفو عن الحدود ولا عن شئ منها بعد أن تبلغ الامام فان
إقامتها من السنة فهذا قول صاحب لا يعرف له مخالف منهم وهم يعظمون مثل هذا
إذا خالف تقليدهم وقد خالفوه ههنا لان عمر بن الخطاب عم جميع الحدود ولم
يخص *
قال أبو محمد رحمه الله: وكذلك اختلفوا فيمن قذف أم ابنه فقال أبو حنيفة
وأصحابه. والشافعي. وأصحابه: ليس للولد أن يأخذ أباه بذلك، وقال مالك: له
أن يأخذه بذلك، وقال أبو حنيفة. والشافعي. وأصحابهما فيمن قذف أم عبد له
ليس له أن يأخذ عبده الحد في ذلك، وقال أبو ثور. وأبو سليمان. وأصحابنا: له أن
يأخذه بذلك والكلام في هاتين المسألتين كالكلام في التي قبلهما وقد بينا أن حد
القذف حد لله تعالى لا للمقذوف فإذ هو كذلك فأخذه واجب على كل حال قام به
من قام به من المسلمين لان الله تعالى أمر بجلد القاذف ثمانين لم يشترط به قائما من
الناس دون غيره فكان تخصيص من خص بعض القائمين به دون بعض قولا في غاية
الفساد وهو قول مخترع لهم ما نعلم أحدا من الصحابة رضي الله عنهم قال به ولا له
296

حجة أصلا لا من قرآن. ولا من سنة. ولا اجماع. ولا قياس. ولا معنى، وما كان هكذا
فهو ساقط وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: والحكم عند الحنيفيين في اسقاط الحد عن الجد إذا
قذف ولد الولد كالحكم في قاذف الأبوين الأدنين، والعجب بأن الحنيفيين قد فرقوا
بين حكم الولد وبين حكم ولد الولد في المرتد فجعلوا ولد المرتد يجبر على الاسلام ولا يقتل
وجعلوا ولد ولده لا يجبر ولا يقتل، وفرق أبو يوسف ومحمد بن الحسن. والشافعي بين الأب
في الميراث وبين الجد فمن أين وقع لهم التناقض ههنا فسووا بين الأب والجد وبين الابن
وابن الابن؟ والقوم أصحاب قياس بزعمهم وهذا تناقض لا نظير له وبالله تعالى التوفيق *
2244 مسألة - من نازع آخر فقال له الكاذب بيني وبينك ابن زانية
أو قال ولد زنا أو زنيم أو زان فقد قال قائلون لا حد عليه *
قال أبو محمد: إن كان قال ذلك مبتدئا قبل أن ينازعه الآخر فلا حد على القائل لأنه
لم يقذف بعد أحدا وان قال ذلك بعد المنازعة فهو قاذف له بلا شك فعليه الحد لان
المنازع له كاذب عنده بلا شك وهكذا لو قال: من حضر اليوم على هذا الطريق فهو
ابن زانية وقد كان حضر من هنالك أحد فهو قاذف له بلا شك فعليه الحد فلو قال
ذلك في المستأنف فلا حد عليه لأنه إذا لفظ بذلك لم يكن قاذفا ومن المحال أن يصير
قاذفا وهو ساكت بعد أن لم يكن قاذفا إذا نطق وهذا باطل لا خفاء به وبالله
تعالى التوفيق *
2245 مسألة - من قذف أجنبية وامرأته ثم زنت الأجنبية وامرأته
بعد القذف فعليه حد القذف كاملا للأجنبية ولا بد ويلاعن ولا بد ان أراد أن
ينفي حمل زوجته أو ان ثبت عليها الحد فان أبى وقد جلد للأجنبية فالحمل لاحق به
ولا شئ على زوجته لا لعان. ولا حد. ولا حبس. ولا عليه بعد لأنه قد حد وإن
كان لم يجلد لاعن ان أراد أن ينفي الحمل عنه فان أبى جلد الحد فان التعن والتعنت
المرأة جلد حد الزنا، وجملة هذا ان من قذفه قاذف ثم زنى المقذوف لم يسقط ذلك
الزنا ما قد وجب من الحد على قاذفه لأنه زنا غير الذي رماه به فهو إذا رمى رامي
محصن أو محصنة فعليه الحد ولابد ولا يسقط حد قد وجب الا بنص أو اجماع
ولا نص ولا اجماع ههنا أصلا على سقوطه بعد وجوبه بنص، وكذلك القول في الزوجة
ولا فرق أنه يجلد لها للقذف وان زنت الا أن يلاعن وتحد هي للزنا ولا بد وبالله
تعالى التوفيق *
297

2246 مسألة - من قال لآخر يا زاني فقال له انسان صدقت أو قال
نعم. فان أبا حنيفة وجميع أصحابه الا زفر بن الهذيل قالوا: لا حد على القائل صدقت
قالوا: فلو قال له صدقت هو كما قلت حدا جميعا قال زفر في كلتا المسألتين يحدان جميعا *
قال أبو محمد رحمه الله: لا فرق بين المسألتين ومن قال أنه في قوله له صدقت
يمكن أن يصدقه في غير رميه بالزنا قيل له وكذلك قوله صدقت هو كما قلت ممكن أن
يعني بذلك قولا آخر قاله هذا القاذف من غير القذف ولا فرق *
قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أنه ان تيقن أن
القائل صدقت أو نعم. أو هو كما قلت. أو أي والله انه سمع القذف وفهمه فهو
مقر بلا شك وعليه الحد وكذلك من قيل له أبعت دارك من زيد بمائة دينار؟
فقال نعم أو قال صدقت. أو قال أي والله. أو ما أشبه هذا فإنه اقرار صحيح بلا شك
أو قال ذلك مجاوبا لمن قال له طلقت امرأتك. أو أنكحت فلانة. أو وهبت أمرا
كذا وكذا فهكذا في كل شئ وان وقع شك أسمع القذف أو لم يسمعه وفهمه. أو
لم يفهمه فلا حد في ذلك لأنه قد يهم ويظن أنه قال كلاما آخر وهكذا في جميع ما ذكرنا
من غير ذلك ولا فرق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم
وأبشاركم عليكم حرام " فصح أنه لا يحل ان يستباح شئ مما ذكرنا الا بيقين لا اشكال
فيه وبالله تعالى التوفيق *
2247 مسألة - من قال لآخر فجرت بفلانة أو قال فسقت بها فان
أبا حنيفة. والشافعي. وأصحابهما قالوا: لا حد في ذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: إن كان لهذين اللفظين وجه غير الزنا فكما قالوا وإن كان
لا يفهم منهما غير الزنا فالحد في ذلك فلما نظرنا فيهما وجدناهما يقعان على اتيانها
في الدبر فسقط الحد في ذلك وكذلك لو قال جامعتها حراما ولا فرق *
قال علي: فلو أخبر بهذا عن نفسه لم يكن معترفا بالزنا كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
2248 مسألة - ومن قال لآخر زنيت بكسر التاء أو قال لامرأة زنيت
بفتح التاء فإن كان غير فصيح حد ولا بد وإن كان فصيحا يحسن هذا المقدار من
العربية سئل من خاطبت فان قال خاطبت غيرها أو قال خاطبت غيره فلا شئ عليه
لان هذا هو ظاهر كلامه لان خطاب المؤنث لا يكون الا بكسر التاء فإذا خاطبها بفتح
التاء فلم يخاطبها وخطاب الرجل بفتح التاء فإذا خاطبه بكسرها فلم يخاطبه وان أقر أنه
خاطبها بذلك حد لأنه حينئذ قاذف لها وبالله تعالى التوفيق *
298

2249 مسألة - من قذف انسانا قد زنى المقذوف وعرف أنه صادق
في ذلك فجميع العلماء على أنه لا يحل طلبه بذلك الحد الا مالكا فإنه قال له طلبه *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ظاهر الفساد بين الحوالة لا خفاء به لأنه
لا خلاف في أن من عرف صدقه في القذف فلا حد عليه فإذا عرف المقذوف أن قاذفه
صادق فقد عرف أنه لاحد عليه فمطالبته إياه ظلم بيقين وإباحة طلبه له إباحة للظلم
المتيقن ولا فرق بين هذا وبين شهود سمعوا القاذف وهم يعلمون صدقه بلا خلاف
في أنهم لا يحل لهم أن يشهدوا بالقذف لان شهادتهم تؤدي إلى الظلم وكذلك من كان
له أب فقتل أبوه انسانا ظلما وأخذ ماله ظلما فأن ولد المقتول المأخوذ ماله فقتل قاتل
أبيه وأخذ ماله الذي كان لأبيه فإنه لا يحل لولد هذا المستقاد منه أن يطلب المستقيد لا بدم
ولا بما أخذ من ماله الذي أخذ منه بباطل واسترجعه منه بحق ومن فرق بين شئ من
هذه الوجوه فهو مخطئ وقد قال تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) الآية فحرم الله
تعالى القيام بغير القسط وكذلك قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
على الاثم والعدوان) وليس في الاثم والعدوان أكثر من أن يدرى أن قاذفه لم يكذب
ثم يطالبه بما يطالب به أهل الكذب وبالله تعالى التوفيق * (فان قالوا): انه قد
أذاه (قلنا): نعم وليس في الأذى حد وإنما فيه التعزير فقط *
2250 مسألة - قال أبو محمد رحمه الله: من قذف زوجته فأخذ
في اللعان فلما شرع فيه ومضى بعضه. أقله. أو أكثره. أو جله أعاد قذفها قبل أن تتم
هي التعانها فلا بد له من ابتداء اللعان لان الله تعالى يقول: (والذين يرمون أزواجهم ولم
يكن لهم شهداء الا أنفسهم) الآية فلم يجعل الله تعالى الالتعان الا بعد رمي الزوجة فلا
بد بعد رمي الزوجة بأن يأتي بما أمر الله تعالى به كما أمر به وهي ما لم تتم التعانها بعد
تمام التعانه زوجته كما كانت فهو في تجديد قذفها رامي زوجته فلا بد له من شهادة أربع
شهادات والخامسة فان أبى ونكل حد المقذوف ولا بد فان رماها بزنا يتيقن أنه كاذب
فيه حد ولا لعان أصلا لان الله تعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
على الاثم والعدوان) وليس من الاثم والعدوان أكثر من أن يكلف أن يأتي بأيمان
كاذبة يوقن من حضر أو الحاكم أنه فيها قاذف فهذا عون على الاثم والعدوان وقال
تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وهي مع ذلك امرأته كما كانت ولا
فرقة الا بعد أن يتم التعانهما على ما ذكرنا، فلو رماها وأيقن الحاكم أنه صادق فلا يحل
له الحكم باللعان أيضا لكن يقام الحد عليها وهي امرأته كما كانت يرثها وترثه لما ذكرنا
299

من أنه لا فرقة الا بعد التعانهما فصح بهذا أنه لا لعان فيمن رمى امرأته بزنا ممكن
أن يكون فيه صادقا ويمكن أن يكون فيه كاذبا فأما إذا تيقن كذبه فلا يحل تعطيل
واجب حد الله عنه ولا يحل عونه على الايمان الكاذبة الآثمة ولا يحل أمره بها
وبالله تعالى التوفيق *
2251 مسألة - من قذف جماعة أو وجد يطأ النساء الأجنبيات مرة بعد
مرة. أو وجد يسرق مرات. أو رؤي يشرب الخمر مرات فشهد بكل ذلك فأقام بينة
على صدقه في قذفه من قذف الا واحدا أو صدقه جميعهم الا واحدا فعليه الحد في القذف
ولا بد لان الحد في قذف ألف أو في قذف واحد حد واحد ولا مزيد على ما قدمنا وكذلك
لو أقام بينة على أن جميع أولئك اللواتي وجد يطأهن إماؤه الا واحد فعليه حد الزنا
ولا بد لان الحد في الزنا بألف أو في الزنا بواحدة حد واحد ولا مزيد على ما قدمنا
وكذلك لو أقام بينة على كل ما سرق أنه ماله أخذه حاش بعض ذلك فإنه يقطع به
ولا بد لان الحد في ألف سرقة وفي سرقة واحدة حد واحد على ما قدمنا، وكذلك لو
أقام البينة على أن كل ما شرب من ذلك كان في غير عقله أو كان في ضرورة
لعلاج أو غيره الا مرة واحدة فعليه جلد الأربعين ولا بد لان الحد في شرب ألف
مرة وفي جرعة حد واحد كما قدمنا وبالله تعالى التوفيق *
- كتاب المحاربين -
2252 مسألة - قال الله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله
ورسوله) الآية *
قال أبو محمد: فاختلف الناس من هو المحارب الذي يلزمه هذا الحكم؟
فقالت طائفة: المحارب المذكور في هذه الآية هم المشركون، روي عن ابن عباس
وغيره كما نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل
ابن إسحاق نا محمد بن أبي بكر - هو المقدمي - نا يحيى. وخالد - هما القطان - وأبو الحرث
كلاهما عن أشعث عن الحسن البصري في قول الله تعالى. (إنما جزاء الذين يحاربون
الله ورسوله) الآية قال نزلت في أهل الشرك، وبه إلى إسماعيل نا يحيى بن عبد
الحميد الحماني نا هشيم عن جويبر عن الضحاك قال كان قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق
فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض فخير الله تعالى نبيه عليه السلام
فيهم ان شاء أن يقتل وان شاء أن يصلب وان شاء قطع أيديهم وأرجلهم من
300

خلاف، وبه إلى إسماعيل نا محمد بن أبي بكر نا أشعث نا سفيان أنه بلغه عن الضحاك
ابن مزاحم في هذه الآية قال: نزلت في أهل الكتاب * وبه إلى إسماعيل نا محمد بن عبيد.
وإبراهيم الهروي قال محمد: نا محمد بن ثور وقال إبراهيم: نا سفيان ثم اتفق محمد بن
ثور. وسفيان كلاهما عن معمر عن قتادة. وعطاء الخراساني قالا جميعا في قول الله تعالى:
(الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) هذه الآية لأهل الشرك فمن أصاب
من المشركين شيئا من المسلمين وهو لهم حرب فأخذ مالا وأصاب دما ثم تاب من
قبل أن يقدر عليه أهدر عنه ما مضى، نا حمام القاضي نا ابن مفرج نا أبو علي الحسن
ابن سعد نا أبو يعقوب الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال. قال لي عطاء بن
أبي رباح. وعبد الكريم: المحاربة شرك قال ابن جريج: وأقول أنا لا أعلم أحدا
يحارب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أشرك، وقالت طائفة: هو المرتد كما نا أبو سعيد الجعفري
نا محمد بن علي الأدفوي نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي عن عبد الله
ابن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر نا روح بن عبادة عن ابن جريج نا هشام
ابن عروة عن أبيه قال: إذا خرج المسلم فشهر سلاحه ثم تلصص ثم جاء تائبا أقيم
عليه الحد ولو ترك لبطلت العقوبات إلا أن يلحق ببلاد الشرك ثم يأتي تائبا فتقبل
منه، وقالت طائفة: اللص ليس مسلما كما نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن
أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن أبي جعفر
قال سألت نافعا مولى ابن عمر عن لص مسلم أو كافر أتى مسلما وأراد أن يأخذ ماله
ويهريق دمه قال لو كنت أنا امتنعت هذا الذي يستغيلني ليهريق دمي ويأخذ مالي ليس
بمسلم، وقالت طائفة: كل لص فهو محارب كما نا حمام ابن مفرج نا الحسن بن سعد
نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم أو غيره عن الحسن البصري.
وسعيد بن جبير قالا جميعا: من خرب فهو محارب *
قال أبو محمد: الخارب اللص نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال: اللص محارب لله ولرسوله
فاقتله فما أصابك فيه من شئ من دمه فعلي، وقالت طائفة: لا يكون المحارب الا من
أخاف السبيل كما نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد
نا إسماعيل بن إسحاق نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا سفيان بن عيينة عن عمار الدهني
قال: جاء مسعر بن فدكي - وهو متنكر - حتى دخل علي بن طالب فما ترك آية من
كتاب الله فيها تشديد الا سأله عنها وهو يقول له توبة قال وإن كان مسعر بن فدكي
301

قال وإن كان مسعر بن فدكي قال فقلت له فأنا مسعر بن فدكي فأمنى قال أنت آمن قال
وكان يقطع الطريق ويستحل الفروج، وبه إلى إسماعيل بن إسحاق نا محمد بن أبي بكر نا عمر
ابن علي عن مجاهد عن الشعبي عن سعيد بن قيس الهمداني أن حارثة بن بدر التميمي كان عدوا
لعلي وكان يهجوه فأتى الحسن. والحسين. وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم ليأخذوا
له أمانا فأبى علي أن يؤمنه قال سعيد: فانطلقت إلى علي فقلت: (ما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) قال: (أن يقتلوا أو يصلبوا
أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) الآية قلت الا ماذا؟ قال: (الا الذين
تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) قلت فان حارثة بن بدر قد تاب من قبل أن تقدر
عليه قال: هو آمن قال: فانطلقت بحارثة إلى علي فآمنه * حدثنا حمام نا ابن مفرج
نا الحسن بن سعد نا أبو يعقوب الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وعطاء
الخراساني قالا جميعا في هذه الآية: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله)
قال هذه الآية في اللص الذي يقطع الطريق فهو محارب *
قال أبو محمد: ثم اختلف هؤلاء، فقالت طائفة: حيث ما قطع الطريق في
مصر أو غيره فهو محارب كما كتب إلى أبو المرجى بن ذروان المصري نا أبو الحسن الرحبي
نا مسلم الكاتب نا عبد الله بن أحمد بن المغلس قال ذكر وكيع عن الحكم بن عطية
قال سألت الحسن عن رجل ضرب رجلا بالسيف بالبصرة قال كانوا يقولون من
شهر السلاح فهو محارب * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا
عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن الزبير قال طاوس سمعته يقول:
من رفع السلاح ثم وضعه محارب فدمه هدر، قال وكان طاوس يرى هذا أيضا *
حدثنا عبد الرحمن بن سلمة الكناني نا أحمد بن خليل نا خالد بن سعد نا أحمد بن
خالد نا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف فقيه أهل مصر نا سعيد بن أبي مريم نا سليمان
ابن بلال ني علقمة بن أبي علقمة عن أمه أن غلاما كان لباني فكان باني يضربه في أشياء
يعاقبه فيها فكان الغلام يعادي سيده فباعه فاني فلقيه الغلام يوما ومع الغلام سيف
يحمله وذلك في إمرة سعيد بن العاصي فشهر الغلام السيف على باني وتفلت به عليه
فأمسكه عنه الناس فدخل باني على عائشة فأخبرها بما فعل به العبد فقالت عائشة
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين يريد قتله
فقد وجب دمه " فذكر الحديث، وفيه أن الغلام قتل * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن
ابن مسعود نا أحمد بن دحيم نا حماد بن إبراهيم نا إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد العزيز
302

المديني نا محمد بن علي بن مقدم عن سفيان بن حسين عن يعلي بن مسلم عن أبي الشعثاء - جابر
ابن زيد - عن ابن عباس قال إذا تسور عليهم في بيوتهم بالسلاح قطعت يده ورجله،
وبه إلى إسماعيل نا نصر بن علي الجهضمي نا خالد بن الحرث عن أشعث عن الحسن قال إذا
طرقك اللص بالليل فهو محارب، وبه إلى إسماعيل نا محمد بن أبي بكر المقدمي نا محمد بن
سوار عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: إذا دخل عليك ومعه حديدة فهو محارب
قال إسماعيل: ونا نصر بن علي نا حرب بن ميمون عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال:
إذا طرقك اللص بالليل فهو محارب، وبهذا يأخذ الشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهما،
واختلف فيه قول مالك فمرة قال لا تكون المحاربة الا في الصحراء ومرة قال تكون
المحاربة في الصحراء وفي الأمصار، وقال سفيان: لا تكون المحاربة إلا في الصحراء،
وقال أبو حنيفة. وأصحابه: لا تكون المحاربة في مدينة ولا في مصر ولا بقرب مدينة.
ولا بقرب مصر ولا بين مدينتين ولا بين الكوفة والحيرة ثم روي عن أبي يوسف
أنه قال إذا كابروا أهل مدينة ليلا كانوا في حكم المحاربة، وقال أبو حنيفة من شهر على
آخر سلاحا ليلا أو نهارا فقتل المشهور عليه عمدا فلا شئ عليه فان شهر عليه عصا نهارا
في مصر فقتله عمدا قتل به وإن كان في الليل في مصر أو في مدينة أو في طريق في غير مدينة
فلا شئ على القاتل *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن نطلب الحق من
أقوالهم لنعلم الصواب فنتبعه بمن الله تعالى فنظرنا فيما تحتج به كل طائفة لقولها فنظرنا
فيما احتج به من قال إن المحارب لا يكون الا مشركا أو مرتدا فوجدناهم يذكرون ما نا عبد الله
ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب النسائي أخبرنا العباس بن محمد أنا أبو عامر
العقدي عن إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال زان محصن
يرجم أو رجل قتل متعمدا فيقتل أو رجل يخرج من الاسلام فيحارب الله ورسوله
فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض " وبما ذكره ابن جريج آنفا من قوله ما نعلم
أحدا حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أشرك *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا فيما احتجوا به من ذلك فوجدنا الخبر المذكور
لا يصح لأنه انفرد به إبراهيم بن طهمان وليس بالقوي، وأما قول ابن جريج ما نعلم
أحدا حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أشرك فان محاربة الله تعالى ومحاربة رسوله عليه
السلام تكون على وجهين، أحدهما من مستحل لذلك فهو كافر باجماع الأمة كلها
303

لا خلاف في ذلك الا ممن لا يعتد به في الاسلام وتكون من فاسق عاص معترف بجرمه
فلا يكون بذلك كافرا لكن كسائر الذنوب من الزنا والقتل والغصب وشرب الخمر
وأكل الخنزير والميتة والدم. وترك الصلاة. وترك الزكاة. وترك صوم شهر رمضان.
وترك الحج فهذا لا يكون كافرا لما قد تقصيناه في كتاب الفصل وغيره، ويجمع الحجة
في ذلك أنه لو كان فاعل شئ من هذه العظائم كافرا بفعله ذلك لكان مرتدا بلا
شك ولو كان بذلك مرتدا لوجب قتله لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل من ارتد وبدل
دينه وهذا لا يقوله مسلم *
قال أبو محمد: (فان قال قائل): أننا لا نسلم أن من عصى بغير الكفر لا يكون
محاربا لله تعالى ولرسوله عليه السلام (قلنا له): وبالله تعالى التوفيق قال الله
تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم
تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) الآية كتب إلى أبو المرجي بن ذروان
قال: نا أبو الحسن المرحبي نا أبو مسلم الكاتب نا عبد الله بن أحمد بن المغلس نا عبد
الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا حماد بن خالد الخياط نا عبد الواحد - مولى عروة - عن
عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: " من آذى لي وليا
فقد استحل محاربتي " وقال الله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا
بينهما) إلى قوله: (وأصلحوا بين أخويكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تقتل عمارا
الفئة الباغية " فصح أنه ليس كل عاص محاربا ولا كل محارب كافرا ثم نظرنا في ذلك
أيضا فوجدنا الله تعالى قد حكم في المحارب ما ذكرنا من القتل أو الصلب أو قطع
الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض وإسقاط ذلك كله عنه بالتوبة
قبل القدرة عليه فلو كان المحارب المأمور فيه بهذه الأوامر كافرا لم يخل من ثلاثة
أوجه لا رابع لها. إما أن يكون حربيا مذ كان، وإما أن يكون ذميا فنقض الذمة
وحارب فصار حربيا، وإما أن يكون مسلما فارتد إلى الكفر لابد من أحد هذه
الوجوه ضرورة ولا يمكن ولا يوجد غيرها فلو كان حربيا مذ كان فلا يختلف من
الأمة اثنان في أنه ليس هذا حكم الحربيين وإنما حكم الحربيين القتل في اللقاء كيف أمكن حتى
يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ومن كان منهم كتابيا في قولنا وقول
طوائف من الناس أو من كان منهم من أي دين كان ما لم يكن عربيا في قول غيرنا
أو يؤسر فيكون حكمه ضرب العنق فقط بلا خلاف كما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة
ابن أبي معيط. والنضر بن الحرث. وبني قريظة، وغيرهم أو يسترق. أو يطلق
304

إلى أرضه كما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال الحنفي. وأبا العاصي بن الربيع
وغيرهما، أو يفادي به كما قال الله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب
حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها)
أو نطلقهم أحرارا ذمة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر، فهذه أحكام الحربيين
بنص القرآن. والسنن الثابتة. والاجماع المتيقن ولا خلاف في أنه ليس الصلب ولا قطع
الأيدي والأرجل ولا النفي من أحكامهم فبطل أن يكون المحارب المذكور في الآية
حربيا كافرا وإن كان ذميا فنقض العهد فللناس فيه أقوال ثلاثة لا رابع لها: أحدها
أنه ينتقل إلى حكم الحربيين في كل ما ذكرنا، والثاني أنه محارب حتى يقدر عليه فيرد
إلى ذمته كما كان ولا بد، والثالث أنه لا يقبل منه الا الاسلام أو السيف، وقد
فرق بعض الناس بين الذمي ينقض العهد فيصير حربيا وبين الذمي يحارب فيكون له
عندهم حكم المحارب المذكور في الآية لا حكم الحربي فصح بلا خلاف أن الذمي
الناقض لذمته المنتقل إلى حكم أهل الحرب ليس له حكم المحارب المذكور في الآية
بلا خلاف، ويبين هذا قول الله تعالى: (فان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا
في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) إلى قوله: (لعلهم ينتهون) فأمر الله تعالى بقتالهم
إذا نكثوا عهدهم حتى ينتهوا وهذا عموم يوجب الانتهاء عن كل ما هم عليه من الضلال
وهذا يقتضي ولابد أن لا يقبل منهم الا الاسلام وحده ولا يجوز أن يخص بقوله
تعالى: (حتى ينتهوا) انتهاء دون انتهاء فيكون فاعل ذلك قائلا على الله تعالى ما لا علم
له به وهذا حرام، قال الله تعالى: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وإن كان
المحارب المذكور في الآية مرتدا عن اسلامه فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم المرتد
بقوله: " من بدل دينه فاقتلوه " وبينه الله تعالى بقوله: (ان الذين كفروا بعد
إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم) فصح يقينا أن حكم المرتد الذي أوجب
الله تعالى في القرآن وعلى لسان رسوله عليه السلام هو غير حكمه تعالى في المحارب
فصح يقينا أن المحارب ليس مرتدا، وأيضا فلا خلاف بين أحد من الأمة في أن حكم
المرتد المقدور عليه ليس هو الصلب ولا قطع اليد والرجل ولا النفي من الأرض
فصح بكل ما ذكرنا أن المحارب ليس كافرا أصلا إذ ليس له شئ من أحكام الكفر
ولا لاحد من الكفار حكم المحارب والرواية عن ابن عباس فيها الحسن بن واقد
و ليس بالقوي وهو أيضا من قول ابن عباس لا مسندا فإذ قد صح ما ذكرنا يقينا فقد ثبت
بلا شك أن المحارب إنما هو مسلم عاص فإذ هو كذلك فالواجب أن ننظر ما المعصية
305

التي بها وجب أن يكون محاربا وأن يكون له حكم المحارب فنظرنا في جميع المعاصي
من الزنا. والقذف. والسرقة. والغصب. والسحر. والظلم. وشرب الخمر.
والمحرمات. أو أكلها. والفرار من الزحف. والزنا. وغير ذلك فوجدنا جميع
هذه المعاصي ليس منها شئ جاء نص أو اجماع في أنه محارب فبطل أن يكون فاعل شئ
منها محاربا، وأيضا فان جميع المعاصي التي ذكرنا والتي لم نذكر لا تخلو من أحد وجهين
لا ثالث لها، إما أن يكون فيها نص بحد محدود أو لا يكون فيها نص بحد محدود فالتي
فيها النص بحد محدود فهي الردة. والزنا. والقذف. والخمر. والسرقة. وجحد
للعارية وليس لشئ منها الحكم المذكور في الآية في المحارب فبطل أن يكون شئ
من هذه المعاصي محاربة وهذا أيضا إجماع متيقن، واما ما ليس فيه من الله تعالى حد
محدود لا في القرآن ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل لاحد أن يلحقها بحد
المحاربة فيكون شارعا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وهذا لا يحل بل قد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فوجب يقينا
أن لا يستباح دم أحد. ولا بشرته. ولا ماله. ولا عرضه الا بنص وارد
فيه بعينه من قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو اجماع متيقن من الصحابة رضي الله عنهم راجع إلى توقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم *
فبطل أن يكون شئ من المعاصي المذكورة هي المحاربة فإذ لا شك في هذا فلم يبق الا قاطع
الطريق والباغي فهما جميعا مقاتلان والمقاتلة هي المحاربة في اللغة فنظرنا في ذلك فوجدنا
الباغي قد ورد فيه النص بأن يقاتل حتى يفئ فقط فيصلح بينه وبين المبغي عليه فخرج
الباغي عن أن يكون له حكم المحاربين فلم يبق الا قاطع الطريق ومخيف السبيل فهذا مفسد
في الأرض بيقين، وقد قال جمهور الناس أنه هو المحارب المذكور في الآية ولم يبق غيره
وقد بطل كما قدمنا أن يكون كافرا ولم يقل أحد من أهل الاسلام في أحد من أهل
المعاصي أنه المحارب المذكور في الآية الا قاطع الطريق المخيف فيها أو في اللص فصح
أن مخيف السبيل المفسد فيها هو المحارب المذكور في الآية بلا شك وبقي أمر اللص
فنظرنا فيه بعون الله تعالى فوجدناه ان دخل مستخفيا ليسرق. أو ليزني. أو ليقتل
ففعل شيئا من ذلك مختفيا فإنما هو سارق عليه ما على السارق لا ما على المحارب بلا
خلاف أو إنما هو زان فعليه ما على الزاني لا ما على المحارب بلا خلاف أو إنما هو قاتل فعليه
ما على القاتل بنص القرآن والسنة فيمن قتل عمدا وإن كان قد خالف في هذا قوم خلافا
لا تقوم به حجة فان اشتهر أمره ففر وأخذ فليس محاربا لأنه لم يحارب أحدا وإنما هو
306

عاص فقط ولا يكون عليه له حكم المحاربة لكن حكم من فعل منكرا فليس عليه الا التعزير
وان دافع وكابر فهو محارب بلا شك لأنه قد حارب وأخاف السبيل وأفسد في
الأرض فله حكم المحارب كما قال الشعبي. وغيره *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما قول من قال: لا تكون المحاربة الا في الصحراء
أو من قال: لا تكون المحاربة في المدن الا ليلا فقولان فاسدان، ودعوتان ساقطتان
بلا برهان لا من قرآن. ولا من سنة صحيحة. ولا سقيمة. ولا من اجماع. ولا من قول
صاحب. ولا من قياس. ولا من رأي سديد، وما يبعد أن يكون فيهم من هان عنده
الكذب على الأمة كلها، فيقول: من حارب في الصحراء فقد صح عليه اسم محارب *
- ومن كتاب المحاربين -
قال أبو محمد رحمه الله: فان اعترض معترض في أن المحارب لا يكون الا من شهر
السلاح بما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن راهويه
أرنا الفضل بن موسى نا معمر عن عبد الله بن طاوس عن ابن الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " من شهر سيفه ثم وضعه فدمه هدر " قال إسحاق: ارناه عبد الرزاق بهذا
الاسناد مثله ولم يرفعه يريد أنه جعله من كلام ابن الزبير قال ابن شعيب: وأنا أبو داود
نا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن الزبير قال: من رفع السلاح
ثم وضعه فدمه هدر * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية أخبرني أحمد بن شعيب أنا
أحمد بن عمرو بن السرح أخبرني ابن وهب أنا مالك. وأسامة بن زيد. ويونس
ابن يزيد أن نافعا أخبرهم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من
حمل علينا السلاح فليس منا " *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كله حق وآثار صحاح لا يضرها إيقاف من أوقفها
الا أنه لا حجة فيها لمن لم ير المحارب الا من حارب بسلاح لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما ذكر في هذين الاثرين من وضع سيفه وشهر سلاحه فقط وسكت عما عدا ذلك
فيهما ولم يقل عليه السلام أن لا محارب الا من هذه صفته فوجب من هذين الاثرين
حكم من حمل السلاح وبقي حكم من لم يحمل السلاح أن يطلب في غيرهما ففعلنا فوجدنا
ما ناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد
ابن علي نا مسلم بن الحجاج نا زهير بن حرب ثنا عبد الرحمن بن مهدي نا مهدي ثنا ابن
ميمون عن غيلان بن جرير عن زياد بن رياح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
307

صلى الله عليه وسلم في حديثه: " ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى
من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني " فقد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تسمع
الضرب ولم يقل بسلاح ولا غيره فصح أن كل حرابة بسلاح أو بلا سلاح فسواء
قال: فوجب بما ذكرنا أن المحارب هو المكابر المخيف لأهل الطريق المفسد في
سبيل الأرض سواء بسلاح. أو بلا سلاح أصلا سواء ليلا. أو نهارا في مصر.
أو في فلاة. أو في قصر الخليفة. أو الجامع، سواء قدموا على أنفسهم إماما. أو لم
يقدموا سوى الخليفة نفسه فعل ذلك بجنده أو غيره منقطعين في الصحراء. أو أهل
قرية سكانا في دورهم أو أهل حصن كذلك. أو أهل مدينة عظيمة. أو غير عظيمة
كذلك واحدا كان أو أكثر كل من حارب المار وأخاف السبيل بقتل نفس. أو أخذ
مال. أو لجراحة. أو لانتهاك فرج فهو محارب عليه وعليهم - كثروا أو قلوا -
حكم المحاربين المنصوص في الآية لان الله تعالى لم يخص شيئا من هذه الوجوه
إذ عهد الينا بحكم المحاربين (وما كان ربك نسيا) ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن
الله سبحانه لو أراد أن يخص بعض هذه الوجوه لما أغفل شيئا من ذلك. ولا نسيه
ولا أعنتنا بتعمد ترك ذكره حتى يبينه لنا غيره بالتكهن والظن الكاذب *
2253 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم يجب أن يعطى المحاربون الشئ الذي
لا يجحف بالمقطوع عليهم ورأوا ذلك في جميع الأموال لغير المحاربين *
قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول: وبالله تعالى نتأيد أنه لا يجوز أن
يعطوا على هذا الوجه شيئا قل أم كثر سواء محاربا كان أو شيطانا لقول الله تعالى
(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)، ولقوله تعالى:
(كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) *
2254 مسألة قال أبو محمد رحمه الله فلا يخلو أخذ المال بالوجه المذكور من الظلم
والغلبة بغير حق من أحد وجهين لا ثالث لهما. إما أن يكون برا وتقوى. أو يكون إثما
وعدوانا ولا خلاف بين أحد من الأمة في أنه ليس برا ولا تقوى ولكنه إثم
وعدوان بلا خلاف والتعاون على الاثم والعدوان حرام لا يحل *
حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد
نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو كريب محمد بن العلاء نا خالد - يعني ابن مخلد -
نا محمد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: " جاء رجل
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت ان جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال:
308

فلا تعطه مالك قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله قال: أرأيت إن قتلني؟ قال:
فأنت شهيد قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار "، وبه إلى مسلم نا الحسن بن
علي الحلواني. ومحمد بن نافع قالا جميعا: نا عبد الرزاق أرنا ابن جريج أنا سليمان
الأحوال أن ثابتا - مولى عمر بن عبد الرحمن - أخبره أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو
ابن العاصي وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان تيسروا للقتال ركب خالد بن العاصي
إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي فوعظه خالد فقال عبد الله بن عمرو: أما علمت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل دون ماله فهو شهيد " *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا عبد الرحمن
ابن مهدي نا إبراهيم بن سعد عن أبيه - هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - عن
أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد ومن قاتل دون دمه فهو شهيد
ومن قاتل دون أهله فهو شهيد " * وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن رافع. ومحمد بن
إسماعيل بن إبراهيم قال: نا سليمان - هو ابن داود الهاشمي - نا إبراهيم - هو ابن سعد
ابن إبراهيم - عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف
عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل دون ماله فهو شهيد ومن
قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد "، وبه
إلى أحمد بن شعيب أنا القاسم بن زكريا بن دينار نا سعيد بن عمرو الأشعثي نا عمرو - هو
ابن القاسم - عن مطرف - هو ابن أبي طريف - عن سوادة - هو ابن أبي الجعد - عن
أبي جعفر قال: كنت جالسا عند سويد بن مقرن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من
قتل دون مظلمته فهو شهيد " نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد البلخي نا
الفربري نا البخاري نا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري نا أبي نا ثمامة بن عبد الله بن أنس " أن
أنسا حدثه أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين بسم الله الرحمن الرحيم هذه
فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم على المسلمين والتي أمر الله عز وجل بها
رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط "
وذكر الحديث *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من سئل ماله بغير حق أن
لا يعطيه وأمر أن يقاتل دونه فيقتل مصيبا سديدا أو يقتل بريئا شهيدا ولم يخص
عليه السلام مالا من مال، وهذا أبو بكر الصديق. وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
309

يريان السلطان في ذلك وغير السلطان سواء وبالله تعالى التوفيق *
- ذكر ما قيل في آية المحاربة -
2255 مسألة قال علي: قال قوم: آية المحاربة ناسخة لفعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ونهى له عن فعله بهم واحتجوا في ذلك بما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
نا أحمد بن شعيب أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار عن الوليد عن الأوزاعي
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس بن مالك " أن نفرا من عكل قدموا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة
فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم
قافة فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ولم يحسمهم وتركهم حتى ماتوا
فأنزل الله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) الآية * حدثنا عبد الله بن
ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عمرو بن السرح أنا ابن وهب أخبرني
الليث بن سعد عن ابن عجلان عن أبي الزناد قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين
سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله تعالى في ذلك فأنزل الله تعالى (إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله) الآية * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن
شعيب أنا محمد بن المثنى نا عبد الصمد - هو ابن عبد الوارث بن سعيد التنوري - نا هشام
- هو الدستوائي - عن قتادة عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على
الصدقة وينهى عن المثلة *
قال أبو محمد رحمه الله: كل هذا لا حجة لهم فيه ولا يجوز أن يقال في شئ
من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله أنه منسوخ إلا بيقين مقطوع على صحته، وأما بالظن
الذي هو أكذب الحديث فلا فنقول: وبالله تعالى التوفيق: أما الحديث الذي صدرنا
به من طريق أبي قلابة عن أنس فليس فيه دليل على نسخ أصلا لا بنص ولا بمعنى
وإنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أيدي العرنيين وأرجلهم ولم يحسمهم وسمل
أعينهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله تعالى آية المحاربة وهذا ظاهر أن نزول آية المحاربة
ابتداء حكم كسائر القرآن في نزوله شيئا بعد شئ أو تصويبا لفعله عليه السلام بهم لان
الآية موافقة لفعله عليه السلام في قطع أيديهم وأرجلهم وزائدة على ذلك تخييرا في القتل
أو الصلب. أو النفي وكان ما زاده رسول الله صلى الله عليه وسلم على القطع من السمل وتركهم
لم يحسمهم حتى ماتوا قصاصا بما فعلوا بالرعاء كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
310

نا أحمد بن شعيب أنا الفضل بن سهل الأعرج - مرزوقي ثقة - نا يحيى بن غيلان - ثقة مأمون -
نا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: إنما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أعين أولئك العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء وقد ذكر في الحديث الذي أوردنا أنهم
قتلوا الرعاء فصح ما قلناه من أن أولئك العرنيين اجتمعت عليهم حقوق. منها المحاربة.
ومنها شملهم أعين الرعاء. وقتلهم إياهم، ومنها الردة فوجب عليهم إقامة كل ذلك إذ
ليس شئ من هذه الحدود أوجب بالإقامة عليهم من سائرها ومن أسقط بعضها لبعض
فقد أخطأ. وحكم بالباطل. وقال بلا برهان. وخالف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وترك أمر
الله تعالى بالقصاص في العدوان بما أمره به في المحاربة فقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
للمحاربة. وشملهم للقصاص. وتركهم كذلك حتى ماتوا يستسقون فلا يسقون حتى
ماتوا لأنهم كذلك قتلواهم الرعاء فارتفع الاشكال والحمد لله كثيرا * وأما حديث
أبي الزناد فمرسل ولا حجة في مرسل ولفظه منكر جدا لان فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاتبه
ربه في آية المحاربة وما يسمع فيها عتاب أصلا لان لفظ العتاب إنما هو مثل قوله تعالى:
(عفا الله عنك لم أذنت لهم) ومثل قوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) الآيات،
ومثل قوله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم)، وأما
آية المحاربة فليس فيها أثر للمعاتبة، وأما حديث قتادة عن أنس في الحث على الصدقة
والنهي عن المثلة فحق وليس هذا مما نحن فيه في ورد ولا صدر وإنما يحتج بمثل هذا من
يستسهل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مثل بالعرنيين وحاش لله من هذا بل هذا نصر
لمذهبهم في أن من قتل بشئ ما لم يجز أن يقتل بمثله لأنه مثلة وهم يرون على من جدع
أنف إنسان وفقأ عيني آخر. وقطع شفتي ثالث. وقلع أضراس رابع. وقطع أذني
خامس أن يفعل ذلك به كله ويترك فهل في المثلة أعظم من هذا لو عقلوا عن أصولهم
الفاسدة؟ وحاش لله أن يكون شئ أمر الله تعالى به أو فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلة إنما المثلة
ما كان ابتداء فيما لا نص فيه، وأما ما كان قصاصا أو حدا كالرجم للمحصن، وكالقطع
أو الصلب للمحارب فليس مثلة وبالله تعالى التوفيق * وقد روينا من طريق مسلم ما ناه
عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم
ابن الحجاج نا يحيى بن يحيى التميمي أرنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب. وحميد كلاهما
عن أنس بن مالك: " أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها
ففعلوا فصحوا ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم وارتدوا عن الاسلام وساقوا ذود رسول الله
311

صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم
وتركهم في الحرة حتى ماتوا " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب
أنا علي بن حجر نا إسماعيل بن علية نا حميد عن أنس قال: " قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ناس من
عرينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو خرجتم إلى ذودنا فكنتم فيها فشربتم من ألبانها
وأبوالها ففعلوا فلما صحوا قاموا إلى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه ورجعوا كفارا
واستاقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في طلبهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم
وسمل أعينهم " *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذه كلها آثار في غاية الصحة وبالله تعالى التوفيق *
- المحارب يقتل -
2256 مسألة هل لولي المقتول في ذلك حكم أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام
نا ابن مفرج نا الحسن بن سعد نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن
عمر بن عبد العزيز قال: إن في كتاب لعمر بن الخطاب والسلطان ولي من حارب الدين وان
قتل أباه. أو أخاه فليس إلى طالب الدم من أمر من حارب الدين وسعى في الأرض
فسادا شئ، وقال ابن جريج: وقال لي سليمان بن موسى مثل هذا سواء سواء حرفا
حرفا، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: عقوبة المحارب إلى السلطان
لا تجوز عقوبة ولي الدم ذلك إلى الإمام قال وهو قول أبي حنيفة. ومالك. والشافعي.
وأحمد. وأبي سليمان. وأصحابهم *
قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا نقول لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الخبرين
اللذين رويناهما من طريق ابن عباس ذكرناهما في كتاب الحج. وكتاب الصيام.
وباب وجوب قضاء الحج الواجب. وقضاء الصيام الواجب عن الميت: " اقضوا
الله فهو أحق بالوفاء دين الله أحق أن يقضى " وبقوله عليه السلام في حديث بريدة:
" كتاب الله أحق وشرط الله أوثق " *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اجتمع حقان أحدهما لله، والثاني لولي المقتول
كان حق الله تعالى أحق بالقضاء، ودينه أولى بالأداء، وشرطه المقدم في الوفاء على
حقوق الناس فان قتله الامام أو صلبه للمحاربة كان للولي اخذ الدية في مال المقتول
لان حقه في القود قد سقط فبقي حقه في الدية أو العفو عنها على ما بينا في كتاب القصاص
312

ولله الحمد، فان اختار الامام قطع يد المحارب ورجله أو نفيه أنفذ ذلك وكان حينئذ
للولي الخيار في قتله. أو الدية. أو المفاداة. أو العفو لان الامام قد استوفى ما جعل
الله تعالى له الخيار فيه وليس ههنا شئ يسقط حق الولي إذ ممكن له ان يستوفي حقه
بعد استيفاء حق الله تعالى، ولقد تناقض ههنا الحنيفيون. والمالكيون أسمج تناقض
لأنهم لا يختلفون في الحج. والصيام. والزكاة. والكفارات. والنذور بأن حقوق
الناس أولى من حقوق الله تعالى. وأن ديون الغرماء أوجب في القضاء من ديون
الله تعالى. وأن شروط الناس مقدمة في الوفاء على شروط الله تعالى وقد تركوا ههنا
هذه الأقوال الفاسدة، وقدموا حقوق الله تعالى على حقوق الناس وبالله تعالى التوفيق *
2257 مسألة - (مانع الزكاة) قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن محمد
ابن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا أبو جعفر - محمد بن جرير الطبري - نا الحرث
أنا محمد بن سعد نا محمد بن عمر الواقدي ني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن حكيم بن حكيم
ابن عباد بن حنيف عن فاطمة بنت خشاف السلمية عن عبد الرحمن بن الربيع الطفري
وكانت له صحبة قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل من أشجع تؤخذ صدقته فجاءه
الرسول فرده فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب إليه فإن لم
يعط صدقته فاضرب عنقه " قال عبد الرحمن: فقلت لحكيم ما أرى أبا بكر قاتل
أهل الردة الا على هذا الحديث؟ فقال: أجل *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا حديث موضوع مملوء آفات من مجهولين. ومتهمين
وحكم مانع الزكاة إنما هو أن تؤخذ منه أحب أم كره فان مانع دونها فهو محارب
فان كذب بها فهو مرتد فان غيبها ولم يمانع دونها فهو آت منكرا فواجب تأديبه
أو ضربه حتى يحضرها أو يموت قتيل الله تعالى إلى لعنة الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع " وهذا منكر ففرض على
من استطاع أن يغيره كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
2258 مسألة - هل يبادر اللص أم يناشد؟ - قال أبو محمد رحمه الله:
نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا محمد بن جرير الطبري نا محمد
ابن بشار. ومحمد بن المثنى قالا جميعا: نا أبو عامر العقدي نا عبد العزيز بن المطلب عن أخيه
الحكم بن المطلب عن أبيه - هو المطلب بن حنطب - بن فهيذ بن مطرف الغفاري
" أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله سائل إن عدا على عاد فأمره أن ينهاه ثلاث مرات قال: فان
أبى على؟ فأمره بقتاله وقال عليه السلام: إن قتلك فأنت في الجنة وإن قتلته فهو في النار "
313

حدثنا يوسف بن عبد البر النمري نا عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الضبي نا العقيلي نا جدي نا
يعلى بن أسد العمي نا محمد بن كثير السلمي - هو القصاب - عن يونس بن عبيد عن محمد بن
سيرين عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدار حرم فمن دخل عليك
حرمك فاقتله " *
قال أبو محمد رحمه الله: الحديث الأول ليس بالقوي ففيه الحكم بن المطلب ولا يعرف
حاله، والخبر الثاني فيه محمد بن كثير القصاب - وهو ذاهب الحديث وليس بشئ *
قال أبو محمد رحمه الله: والمعتمد عليه في الاخبار التي صدرنا بها في كتابنا في المحاربين من
إباحة القتل دون المال وسائر المظالم لكن إن كان على القوم المقطوع عليهم أو الواحد المقطوع
عليه أو المدخول عليه منزله في المصر ليلا أو نهارا في أخذ ماله أو في طلب زنا أو غير ذلك مهلة
فالملشدة فعل حسن لقول الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتي هي أحسن) فإن لم يكن في الامر مهلة ففرض على المظلوم أن يبادر إلى كل ما يمكنه به الدفاع
عن نفسه وإن كان في ذلك اتلاف نفس اللص والقاطع من أول وهلة فإن كان على يقين من أنه
ان ضربه ولم يقتله ارتدع فحرام عليه قتله فإن لم يكن على يقين من هذا فقد صح اليقين بان مباحا له
الدفع والمقاتلة فلا شئ عليه ان قتله من أول ضربة أو بعدها قصدا إلى مقتله أو إلى غير مقتله
لان الله تعالى قد أباح له المقاتلة والمدافعة قاتلا ومقتولا وبالله تعالى التوفيق، فأما لو كان
اللص من الضعف بحيث لا يدافع أصلا أو يدافع دفاعا يوقن معه أنه لا يقدر على قتل صاحب
الدار فقتله صاحب المنزل فعليه القود لأنه قادر على منعه بغير القتل فهو متعد * حدثنا محمد بن
سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن
المثنى نا موسى بن إسماعيل نا سفيان الثوري عن مسلم الضبي قال: قال إبراهيم النخعي: إن
خشيت أن يبتدرك اللص فابدره * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا نظير قولنا والحمد لله رب العالمين *
قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن
معمر قال: قلت للزهري أن هشام بن عروة أخبرني أن عمر بن عبد العزيز - إذ هو عامل على
المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك - قطع يد رجل ضرب آخر بالسيف فضحك الزهري وقال
لي أو هذا مما يؤخذ به؟ إنما كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز أن يقطع يد رجل
ضرب آخر بالسيف قال الزهري: فدعاني عمر بن عبد العزيز واستفتاني في قطعه
فقلت له أرى أن يصدقه الحديث ويكتب إليه أن صفوان بن المعطل ضرب حسان
ابن ثابت بالسيف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع النبي عليه السلام يده وضرب
فلان فلانا بالسيف زمن مروان فلم يقطع مروان يده وكتب إليه عمر بذلك فمكث
314

حينا لا يأتيه رجع كتابه ثم كتب إليه الوليد أن حسانا كان يهجو صفوان ويذكر
أمه ونساء أخر قد قاله الزهري: وذكرت أن مروان لم يقطع يده ولكن عبد
الملك قطع يده فاقطع يده. قال الزهري فقطع عمر يده وكان من ذنوبه التي كان
يستغفر الله تعالى منها *
قال أبو محمد رحمه الله: إن كان رفع السيف على سبيل إخافة الطريق فهو
محارب عليه حكم المحارب، وإن كان لعدوان فقط لا قطع طريق فعليه القصاص فقط
إلى المجروح فإن لم يكن هنالك جرح فلا شئ الا التعزير فقط وبالله تعالى
التوفيق *
2259 مسألة - قطع الطريق من المسلم على المسلم وعلى الذمي سواء،
وذلك لان الله تعالى إنما نص على حكم من حاربه وحارب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سعى
في الأرض فسادا ولم يخص بذلك مسلم من ذمي (وما كان ربك نسيا) وليس
هذا قتلا للمسلم بالذمي ومعاذ الله من هذا لكنه قتل له بالحرابة ويمضي دم الذمي
هدرا، وكذلك القطع على امرأة. أو صبي. أو مجنون كل ذلك محاربة صحيحة يستحق
بها ما ذكرنا من حكم المحاربة، وأما الذمي ان حارب فليس محاربا لكنه ناقض للذمة
لأنه قد فارق الصغار فلا يجوز الا قتله ولابد أو يسلم فلا يجب عليه شئ أصلا في
كل ما أصاب من دم. أو فرج. أو مال إلا ما وجد في يده فقط لأنه حربي لا محارب
وبالله تعالى التوفيق، وأما المسلم يرتد فيحارب فعليه أحكام المحارب كلها على ما ذكرنا من
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين الذين اقتص منهم قودا. وأقام عليهم حكم المحاربة
وكانوا مرتدين محاربين متعدين وبالله تعالى التوفيق *
2260 مسألة - (صفة الصلب للمحارب) قال أبو محمد رحمه الله:
اختلف الناس في صفة الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب فقال أبو حنيفة:
والشافعي: يضرب عنقه بالسيف ثم يصلب مقتولا - زاد الشافعي - ويترك ثلاثة
أيام ثم ينزل فيدفن، وقال الليث بن سعد. والأوزاعي. وأبو يوسف: يصلب حيا
ثم يطعن بالحربة حتى يموت. وقال بعض أصحابنا الظاهرين: يصلب حيا ويترك حتى
يموت وييبس كله ويجف فإذا يبس وجف أنزل فغسل وكفن وصلي
عليه ودفن *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل
طائفة لقولها لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه فنظرنا في ذلك فوجدنا
315

من قال يقتل ثم يصلب مقتولا يحتجون بما ذكرناه قبل في كتاب الدماء من ديواننا
كيف يكون القود من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله كتب الاحسان على
كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " ومن قوله عليه السلام: " أعف الناس قتلة أهل
الايمان "، ومن نهيه عليه السلام أن يتخذ شيئا فيه الروح غرضا ولعنه عليه السلام من
فعل ذلك، وقد ذكرنا هذه الأحاديث هنالك بأسانيدها فأغنى عن اعادتها، وقالوا
طعنه على الخشبة ليس قتلة حسنة ولا عفيفة، وهو اتخاذ الروح غرضا فهذا لا يحل
ونظرنا فيما احتج به من رأى قتله مصلوبا فوجدناهم يقولون. ان الله تعالى إنما أمرنا
بالقتل عقوبة وخزيا للمحارب في الدنيا فإذ ذلك كذلك فالعقوبة والخزي لا يقعان
على ميت وإنما خزي الميت في الآخرة لا في الدنيا فلما كان ذلك كذلك بطل أن يصلب
بعد قتله ردعا لغيره فعارضهم الأولون بأن قالوا: يصلب بعد قتله ردعا لغيره فعارضهم
هؤلاء بأن قالوا ليس ردعا وإنما هو عقوبة للفاعل وخزي بنص القرآن وفي صلبه
ثم قتله أعظم الردع أيضا *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا كل ما احتجب به الطائفتان معا والتي احتجت به
كلتا الطائفتين حق الا أنه أنتجوا منه ما لا توجبه القضايا الصحاح التي ذكروا فمالوا
عن شوارع الحق إلى زوائغ التلبيس والخطأ *
قال أبو محمد رحمه الله: وذلك على ما نبين إن شاء الله تعالى فنقول: ان
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد: " ان أعف الناس قتلة أهل الايمان "، " وإذا قتلتم
فأحسنوا القتلة "، " ولعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا " والنهي عن ذلك
فهو كله حق كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو كله مانع من أن يقتل بعد الصلب برمح
أو برمي سهام. أو بغير ذلك كما ذكرنا وإنما في هذه الأحاديث وجوب الفرض
في احسان قتله ان اختار الامام قتله فقط وليس في شئ من هذه الأخبار وجوب
صلبه بعد القتل ولا إباحة صلبه بعد القتل البتة لا بنص ولا بإشارة، فاما احسان
القتل فحق، وأما صلبه بعد القتل فدعوى فاسدة ليس في شئ من الآثار التي ذكروا
ولا غيرها فبطل بيقين لا شك فيه احتجاجهم بهذه الاخبار في النكتة التي عليها تكلموا
وهي الصلب بعد القتل أو قبله وسقط قولهم إذ تعرى من البرهان *
قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الثانية الموجبة قتله
بعد الصلب فوجدناهم يقولون إن الصلب عقوبة وخزي في الدنيا كما قال الله تعالى وأن
الميت لا يخزي في الدنيا بعد موته ولا يعاقب بعد موته قولا صحيحا لا شك فيه، ووجدناهم
316

يقولون إن الردع يكون بصلبه حيا قولا أيضا خارجا عن أصولهم إلا أنه ليس في شئ
من ذلك كله إيجاب قتله بعد الصلب كما قالوا ولا إباحة ذلك أيضا وإنما في كل
ما قالوه إيجاب الصلب فقط فأقحموا فيه القتل بعد الصلب جريا على عادتهم في التلبيس
والزيادة بالدعاوي الكاذبة على النصوص ما ليس فيها فبطل قولهم أيضا لما ذكرنا *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما بطل القولان مما وجب الرد إلى القرآن والسنة كما افترض
الله تعالى علينا بقوله عز وجل: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) ففعلنا فوجدنا الله
تعالى قد قال: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) الآية كلها فصح يقينا أن الله
تعالى لم يوجب قط عليهم حكمين من هذه الأحكام ولا أباح أن يجمع عليهم خزيان من
هذه الاخزاء في الدنيا وإنما أوجب على المحارب أحدها لا كلها. ولا اثنين منها.
ولا ثلاثة فصح بهذا يقينا لا شك فيه أنه ان قتل فقد حرم صلبه وقطعه ونفيه وانه إن
قطع فقد حرم قتله وصلبه ونفيه وانه ان نفي فقد حرم قتله وصلبه وقطعه، وانه ان صلب
فقد حرم قتله وقطعه ونفيه لا يجوز البتة غير هذا فحرم بنص القرآن صلبه ان قتل وحرم أيضا
بنص القرآن قتله ان صلب، وحرم هذا الوجه أيضا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرنا
" من أن أعف الناس قتلة أهل الايمان " " وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " و " لعن الله من اتخذ
شيئا فيه الروح غرضا " والنهي عن ذلك فلما حرم قتله مصلوبا بيقين لما ذكرنا من وجوب اللعنة
على من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا وحرم صلبه بعد القتل لما ذكرنا أنه لا يجوز عليه جمع
الامرين معا وجب ضرورة أن الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب إنما هو صلب لا قتل معه
ولو لم يكن هكذا لبطل الذي أمر الله تعالى به ولكان كلاما عاريا من الفائدة أصلا وحاش لله
تعالى من أن يكون كلامه تعالى هكذا ولكان أيضا تكليفا لما لا يطاق وهذا باطل فصح يقينا أن
الواجب أن يخير الامام صلبه ان صلبه حيا ثم يدعه حتى ييبس ويجف كله لان الصلب في كلام
العرب يقع على معنيين أحدهما من الأيدي والربط على الخشبة قال الله تعالى حاكيا عن فرعون
(ولأصلبنكم في جذوع النخل) والوجه الآخر التيبيس قال الشاعر: يصف فلاة مضلة *
بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب
يريد أن جلدها يابس، وقال الآخر:
جذيمة ناهض في رأس نيق * ترى لعظام ما جمعت صليبا
يريد ودكا سائلا *
قال أبو محمد رحمه الله: فوجب جمع الامرين معا حتى إذا أنفذنا أمر الله
تعالى فيه وجب به ما افترضه الله تعالى للمسلم على المسلم من الغسل. والتكفين.
317

والصلاة. والدفن على ما قد ذكرنا قبل هذا (فان قال قائل) أليس الرجم اتخاذ ما فيه
الروح غرضا وكذلك قولكم في القود بمثل ما قتل؟ (فجوابنا) وبالله تعالى التوفيق
نعم وهما مأمور بهما قد حكم عليه السلام بكليهما فوجب أن يكونا مستثنيين مما نهى
عنه من اتخاذ الروح غرضا، فأما الرجم فبالنص والاجماع، وأما القود فبالنص
الجلي في رضخ رأس اليهودي وفي العرنيين كما قلتم أنتم ونحن في أن القصاص من قطع
الأيدي. والأرجل. وسمل الأعين. وجدع الانف والاذان. وقطع الشفاه والألسنة.
وقلع الأضراس حق واجب انفاذه مستثنيين من المثلة المحرمة ولا فرق *
(فان قال قائل): فإنكم قد سمعتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعف الناس
قتلة أهل الايمان " و " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة " وأنتم تقتلونه أوحش قتلة وأقبحها
جوعا وعطشا وحرا وبردا (فنقول): وما قتلناه أصلا بل صلبناه كما أمر الله تعالى
وما مات الا حتف أنفه وما يسمى هذا في اللغة مقتولا (فان قالوا): فإنكم تقولون
فيمن سجن انسانا ومنعه الأكل والشرب حتى مات أنه يسجن ويمنع الأكل والشرب
حتى يموت فهذا قتل بقتل (فنقول): ان هذا ليس قتلا ولا قود بقتل بل هو ظلم
وقود من الظلم فقط، وبرهان ذلك أن رجلا لو اتفق له أن يقفل بابا بغير عدوان
فإذا في داخل الدار انسان لم يشعر به فمات هنالك جوعا وعطشا أنه لا كفارة على قافل
الباب أصلا ولا دية على عاقلته لأنه ليس قاتلا (فان قيل): انكم تمنعونه الصلاة
والطهارة (قلنا): نعم لان الله تعالى إذ أمر بصلبه قد علم أنه ستمر عليه أوقات الصلوات
فلم يأمرنا بإزالة التصليب عنه من أجل ذلك (وما كان ربك نسيا) فلا يسع مسلما ولا
يحل له أن يعترض على أمر الله تعالى (لا معقب لحكمه) (ولا يسأل عما يفعل
وهم يسألون) *
(صفة القتل في المحارب)
2261 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: لا خلاف على أن القتل الواجب في المحارب
إنما هو ضرب العنق بالسيف فقط، وأما قطعه فان الله تعالى قال: (أو تقطع أيديهم
وأرجلهم من خلاف) فصح بهذا أنه لا يجوز قطع يديه ورجله معا لأنه لو كان ذلك لم
يكن القطع من خلاف وهذا أيضا اجماع لا شك فيه فقال قوم: يقطع يمين يديه
ويسرى رجليه ثم يحسم بالنار ولا بد *
قال أبو محمد: أما الحسم فواجب لأنه ان لم يحسم مات وهذا قتل لم يأمر الله تعالى
318

به وقد قلنا: إنه لا يحل أن يجمع عليه الأمران معا لان الله تعالى إنما أمر بذلك
بلفظ (أو) وهو يقتضي التخيير ولا بد، ولو أراد الله تعالى جميع ذلك لقال: أن
يقتلوا ويصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وهكذا قوله تعالى: (فكفارته
اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة)
وقوله تعالى: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) (فان قال قائل): فان العرب قد
قالت: جالس الحسن. أو ابن سيرين. وكل خبزا. أو تمرا، وقال تعالى: (ولا تطع
منهم آثما أو كفورا) (قلنا): اما قول الله تعالى: (ولا تطع منهم آثما أو
كفورا) فهو على ظاهره، وهو عليه السلام منهي أن يطيع الآثم وإن لم يكن كفورا
وكل كفور آثم وليس كل آثم كفورا فصح ان ذكره تعالى للكفور تأكيد أبدا والا
فالكفور داخل في الآثم. وأما قول العرب: جالس الحسن. أو ابن سيرين. وكل
خبزا. أو تمرا فنحن لا نمنع خروج اللفظ عن موضوعه في اللغة بدليل وإنما نمنع
من إخراجه بالظنون والدعوى الكاذبة وإنما صرنا إلى أن قول القائل: جالس الحسن.
أو ابن سيرين إباحة لمجالستهما معا ولكل واحد منهما بانفراده وكذلك قولهم كل
خبزا. أو تمرا أيضا ولا فرق بدليل أوجب ذلك من حال المخاطب ولولا ذلك الدليل
لما جاز إخراج (أو) عن موضوعها في اللغة أصلا وموضوعها إنما هو التخيير أو
الشك والله تعالى لا يشك فلم يبق الا التخيير فقط *
قال أبو محمد: ولو قطع القاطع يسرى يديه ويمنى رجليه لم يمنع من ذلك عمدا
فعله أو غير عامد لان الله تعالى لم ينص على قطع يمنى يديه دون يسرى وإنما ذكر تعالى
الأيدي والأرجل فقط (وما كان ربك نسيا) ومن ادعى ههنا إجماعا فقد كذب على
جميع الأمة ولا يقدر على أن يوجد ذلك عن أحد من الصحابة أصلا وما نعلمه عن أحد من
التابعين وبالله تعالى التوفيق *
- كتاب السرقة -
2262 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) فوجب القطع في السرقة بنص القرآن.
ونص السنة واجماع الأمة، ثم اختلف الناس في مواضع من حكم السرقة نذكرها إن
شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة الا بالله *
2263 مسألة - ذكر ما السرقة وحكم الحرز أيراعى أم لا؟ *
319

قال أبو محمد رحمه الله: قالت طائفة: لا قطع الا فيما أخرج من حرزه، وأما
ان أخذه من غير حرزه ومضى به فلا قطع عليه. وكذلك لو أخذ وقد أخذه من
حرز فأدرك قبل أن يخرجه من الحرز ويمضي به فلا قطع عليه كما نا محمد بن سعيد بن نبات
نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا ابن جريج
عن سليمان بن موسى. وعمرو بن شعيب قال سليمان: أن عثمان، وقال عمرو بن شعيب: أن
ابن عمر ثم اتفقا لا قطع على سارق حتى يخرج المتاع * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى أن عثمان قضى أنه
لا قطع على سارق وإن كان قد جمع المتاع فأراد أن يسرق حتى يحمله ويخرج به، وبه
إلى ابن جريج عن عمرو بن شعيب أن سارقا نقب خزانة المطلب بن وداعة فوجد فيها
قد جمع المتاع ولم يخرج به فأتى به إلى ابن الزبير فجلده وأمر به أن يقطع فمر بابن عمر
فسأل فأخبر فأتى ابن الزبير فقال: أمرت به ان يقطع؟ فقال: نعم قال فما شان
الجلد؟ قال: غضبت فقال ابن عمر: ليس عليه قطع حتى يخرج به من البيت أرأيت لو
رأيت رجلا بين رجلي امرأة لم يصبها أكنت حاده؟ قال: لا قال: لعله قد كان نازعا
تائبا وتاركا للمتاع * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن أحمد بن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن
وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن سليمان عن
مكحول عن عثمان بن عفان قال: لا تقطع يد السارق وان وجد معه المتاع ما لم يخرج به
عن الدار * وبه إلى ابن وهب سمعت الشمر بن نمير يحدث عن الحسين بن عبد الله بن
ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال في الرجل يوجد في البيت - وقد نقبه -
معه المتاع أنه لا يقطع حتى يحمل المتاع فيخرج به عن الدار * حدثنا محمد بن سعيد بن
نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا
زكريا عن الشعبي قال: ليس على السارق قطع حتى يخرج المتاع، وعن عطاء سأله
ابن جريج السارق يوجد في البيت قد جمع المتاع ولم يخرج به قال: لا قطع عليه حتى
يخرج به، وعن ربيعة أنه قال. من أخذ في دار قوم معه سرقة قد خرج عن مفاتيح
البيت الذي أخذ السرقة منه فعليه القطع ومن لم يوجد معه شئ فلا قطع عليه وإن كان
يريد السرقة، وعن عدي بن أرطاة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل نقب بيت
قوم حتى دخل البيت فجمع متاعهم فأخذوه في البيت قد جمع المتاع فكتب إليه عمر
ابن عبد العزيز أنه لم ينقب البيت ويجمع المتاع لخير فعاقبه عقوبة شديدة ثم احبسه
ولا تدع أن تذكرنيه، وعن ابن شهاب أنه قال إنما السرقة فيما أحصن فما كان محصنا
320

في دار. أو حرز. أو حائط. أو مربوط. فاحتل رباطه فذهب به فتلك من السرقة
التي يقطع فيها قال: فمن سرق طيرا من حرز له معلق فعليه ما على السارق *
قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا يقول سفيان الثوري. وأبو حنيفة. ومالك
والشافعي. وأحمد بن حنبل. وأصحابهم. وإسحاق بن راهويه: وقالت طائفة: عليه
القطع سواء من احرز سرق أو من غير حرز كما نا أحمد بن أنس العذري نا عبد الله
ابن الحسين بن عقال - هو الزبيري - نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن
الجهم نا موسى بن إسحاق نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو خالد عن يحيى بن سعيد الأنصاري
عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: بلغ عائشة أم المؤمنين
أنهم يقولون: إذا لم يخرج السارق المتاع لم يقطع فقالت عائشة: لو لم أجد الا سكينا
لقطعته، وبه إلى ابن الجهم نا محمد بن رمح نا يزيد بن هارون أنا سليم بن حيان نا سعيد
ابن مسلم قال: كان عبد الله بن الزبير يلي صدقة الزبير فكانت في بيت لا يدخله أحد
غيره وغير جارية له ففقد شيئا من المال فقال للجارية: ما كان يدخل هذا المكان
غيري وغيرك فمن أخذ هذا المال؟ فأقرت الجارية فقال لي. يا سعيد انطلق بها فاقطع
يدها فان المال لو كان لم يكن عليها قطع *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم نا أصبغ نا محمد بن
عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن المغيرة
ابن مقسم قال: ذكر عند إبراهيم النخعي قول الشعبي في السارق لا يقطع حتى يخرج
بالمتاع فأنكره إبراهيم *
حدثنا حمام بن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني
أبو بكر قال: نا خالد بن سعيد بن المسيب. وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنهما
سئلا عن السارق يسرق فيطرح السرقة ويوجد في البيت الذي سرق منه لم يخرج فقالا
جميعا: عليه القطع، وقد روي هذا أيضا عن الحسن البصري رواه روح بن عبادة عن
أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن قال: إذا جمع السارق المتاع ولم يخرج به قطع *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد
العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا عبد العزيز بن أبي سعيد المزني أن
عمرو بن أبي سيارة المزني كان قائما يصلي من الليل فسمع خشفة في البيت فظن أنها
الشاة ثم استيقن أن في البيت لصوصا فأخذ السيف فقام على باب البيت فإذا
كارة وسط البيت فخرج عليه مثل الجمل المحجرم فضرب بالثياب وجهه وحذفه عمرو بالسيف
321

حذفة ونادى مواليه وعبيده على الرجل فقد أثقلته وأقام بمكانه يرى أن في البيت آخرين
فأدركوه وهو تحت ساباط لبني ليث يشتد فأخذوه فجاءوا به إلى عبيد الله بن أبي
بكرة فقال: اني رجل قصاب واني أدلجت من أهلي أريد الجسر لأجيز غنما لي وأن
عمرا ضربني بالسيف فبعث عبيد الله إلى عمرو فسأله فقال: بل دخل على بيتي وجمع
المتاع فشهد عليه فقطع عبيد الله بن أبي بكرة يده *
قال أبو محمد رحمه الله: وبه يقول أبو سليمان. وجميع أصحابنا: ومن هذا
أيضا المختلس فان الناس اختلفوا فيه فقالت طائفة: لا قطع عليه كما حدثنا محمد بن سعيد
ابن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد
ابن المثني نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن دثار بن
يزيد عن عبيد بن الأبرص أن علي بن أبي طالب أتي برجل اختلس من رجل ثوبا
فقال: إنما كنت ألعب معه قال: تعرفه؟ قال نعم فلم يقطعه *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى
ابن معاوية نا وكيع نا مالك بن أنس عن الزهري أن رجلا اختلس طوقا فسئل عنها
مروان زيد بن ثابت فقال: ليس عليه قطع * وعن معمر عن الزهري قال: اختلس
رجل متاعا فأراد مروان أن يقطع يده فقال له زيد بن ثابت: تلك الخلسة الظاهرة
لا قطع فيها لكن نكال وعقوبة *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن
عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الخلسة فقال: تلك الدعوة المقلة لا قطع فيها *
وعن الشعبي أن رجلا اختلس طوقا فأخذوه - وهو في حجرته فرفع إلى عمار
ابن يسار - وهو على الكوفة - فكتب إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه أنه عادى
الظهيرة ولا قطع عليه *
وعن عدي بن أرطاة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل اختلس طوقا
من ذهب كان في عنق جارية نهارا فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن ذلك عادى
ظهر (1) ليس عليه قطع فعاقبه *
وعن الحسن البصري في الخلسة لا قطع فيها * وعن قنادة لا قطع على المختلس
ولكن يسجن ويعاقب - وهو قول النخعي. وأبي حنيفة. ومالك. والشافعي.
وأحمد بن حنبل. وأصحابهم: - وبه يقول إسحاق بن راهويه: وقالت طائفة: عليه
القطع كما نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون

(1) من عدا يعدو على الشئ عاذا اختلسه، والظهر - بفتح الظاء المعجمة اظهر من الأشياء
322

نا ابن وهب عن قباث بن رزين أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول: السنة أن
تقطع اليد المستخفية ولا تقطع اليد المعلنة *
وعن عطاء بن أبي رباح أنه قال: تقطع يد السارق المستخفي المستتر ولا تقطع
يد المختلس المعلن *
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى عن هشام أن عدي بن أرطاة
رفع إليه رجل اختلس خلسة فقال إياس بن معاوية: عليه القطع *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك
فنظرنا في قول من لم ير القطع الا في أخذ من حرز فوجدناهم يذكرون ما ناه عبد الله
ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا الليث بن سعد عن محمد
ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو " أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم سئل عن التمر المعلق؟ فقال: من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة (1)
فلا شئ عليه ومن خرج بشئ منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق شيئا منه
بعد أن يؤوه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة
مثله والعقوبة " * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن
سعيد نا أبو عوانة عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم تقطع اليد؟ فقال: لا تقطع اليد في تمر معلق
فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن ولا تقطع في حريسة الجبل فإذا أواه المراح
قطعت في ثمن المجن " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب عن الحرث
ابن مسكين قراءة عليه وأحمد يسمع عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحرث عن عمرو
ابن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: " أن رجلا من مزينة أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل؟ قال: هي ومثلها والنكال
وليس في شئ من لماشية قطع الا فيما أواه المراح فبلغ ثمن المجن ففيه قطع اليد
وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال قال: يا رسول الله كيف ترى
في التمر المعلق؟ قال: هو ومثله والنكال وليس في شئ من التمر المعلق قطع
الا فيما أواه الجرين فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن
المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد
ابن شعيب أنا عبد الله بن عبد الصمد بن علي عن مخلد عن سفيان عن أبي الزبير عن
جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس على خائن ولا مختلس قطع " * نا عبد الله

(1) - هو بضم الخاء المعجمة - معطف الإزار وطرف الثوب
323

ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن حاتم نا سويد بن نصر أنا عبد
الله بن المبارك عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
درأ عن المنتهب والمختلس والخائن القطع " *
قال أبو محمد رحمه الله: فقالوا لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم القطع على مختلس ولا على
خائن فسقط بذلك القطع عن كل من اؤتمن وسقط القطع عن حريسة الجبل والتمر
المعلق حتى يؤويهما الجرين والمراح وهو حرزهما وقالوا: ما وجد في غير حرز
فإنما هو لقطة قد أبيح أخذها وتحصينها، وقالوا: قد جاء عن عمر بن الخطاب.
وعلي بن أبي طالب. وزيد بن ثابت أنه لا قطع على مختلس ولا يعرف لهم من
الصحابة مخالف فدل ذلك على اعتبار الحرز فنظرنا في ذلك فوجدناه لا حجة لهم في
شئ منه * أما الخبران اللذان ذكرنا فلا يصح منهما ولا واحد. أما حديث حريسة
الجبل. والتمر المعلق فإنه لا يصح لان أحد طريقيه من سعيد بن المسيب مرسل والأخرى
هي أيضا أسقط مرسلة من طريق ابن أبي حسين ولا حجة في مرسل. والأخرى
مما انفرد به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهي صحيفة لا يحتج بها فهذا وجه
يسقط به، ودليل آخر أنه لو صح لكان عليهم لا لهم لأنهم كلهم - يعني الحاضرين
من المخالفين - مخالفون لما فيه من ذلك أن فيه أن من خرج بشئ من التمر المعلق
ففيه غرامة مثليه وهم لا يقولون بهذا، وكذلك إذا أواه الجرين فلم يبلغ ثمن المجن
ففيه أيضا غرامة مثليه وهم لا يقولون بهذا أيضا. وفيه أيضا أن في حريسة الجبل غرامة
مثلها وأن فيها غرامة مثليها وأن فيها إن أواه المراح فلم يبلغ ثمن المجن غرامة مثليها
فهم قد خالفوا هذا الخبر الذي احتجوا به في أربعة مواضع من أحكامه فكيف يستجيز
ذو ورع يدري أن كلامه محسوب عليه وأنه محاسب به يخاف لقاء الله تعالى.
ويهاب عقابه أن يحتج بخبر هو يصححه ويخالفه في أربعة أحكام من أحكامه على من
لا يصححه أصلا فلا يراه حجة وهل في التعجيل بالاثم والفضيحة العاجلة أكثر من
هذا، فان ادعوا في ترك هذه الأحكام الأربعة إجماعا كذبوا لان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قد حكم بها بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف منهم له مخالف
ولا يدرى منهم عليه منكر فأضعف قيمة الناقة المنتحرة للمزني على رقيق حاطب التي
سرقوها وانتحروها، وقد روينا من طرق منها ما ناه أحمد بن محمد بن الجسور نا قاسم بن أصبغ
نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير نا مالك بن أنس عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن
يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة للمزني - رجل من مزينة -
324

فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر عمر لكثير بن الصلت أن يقطع أيديهم قال
عمر: اني أراك تجيعهم والله لأغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني كم ثمن ناقتك؟ قال:
أربعمائة درهم قال عمر: فأعطه ثمانمائة درهم *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا اثر عن عمر كالشمس، وأما حديث سعيد بن
المسيب وهم يعدون مثل هذا إجماعا إذا وافق أهواءهم، وقد روي عن عثمان بن
عفان رضي الله عنه وغيره نحو هذا في اتلاف الأموال كما روينا من طريق عبد
الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبان بن عثمان أن أباه عثمان أغرم في ناقة محرم أهلكها رجل
فأغرمه الثلث زيادة على ثمنها قال الزهري: ما أصيب من أموال الناس ومواشيهم في الشهر
الحرام فإنه يزاد الثلث لهذا في العمد، فهذا أثر في غاية الصحة عن عثمان رضي الله عنه ولا
يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم. وقال به الزهري بعد ذلك وهم لا يبالون
بدعوى الاجماع في أقل من هذا جرأة على الكذب ثم لا يبالون بمخالفة ما يقرون بأنه إجماع *
قال أبو محمد رحمه الله: نقول وبالله تعالى التوفيق أن الخبر الذي رواه أبو الزبير
عن جابر لم يروه أحد من الناس عن جابر إلا أبو الزبير فقط وأبو الزبير مدلس
ما لم يقل فيه نا أو انا لا سيما في جابر فقد أقر على نفسه بالتدليس فيه كما نا يوسف بن
عبد الله بن عبد البر النمري قال: نا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي نا إسحاق بن أحمد
الصيدلاني نا أبو جعفر العقيلي (1) نا زكريا بن يحيى الحلواني نا أحمد بن سعيد بن أبي مريم نا
عمى ونا محمد بن إسماعيل نا الحسن بن علي نا سعيد بن أبي مريم نا الليث بن سعد قال: قدمت
مكة فجئت أبا الزبير فدفع إلي كتابين فانقلبت بهما فقلت في نفسي لو عاودته فسألته أسمع
هذا كله من جابر؟ فرجعت إليه فقلت له: هذا كله سمعته من جابر فقال منه ما سمعته ومنه
ما حدثت عنه فقلت له أعلم لي ما سمعت منه فأعلم لي على هذا الذي عندي *
قال علي: فما لم يروه الليث عن أبي الزبير أو لم يقل فيه نا أو أنا فهو منقطع فقد صح
أن هذا الحديث لم يسمعه أبو الزبير من جابر، وأما احتجاجهم بما جاء عن الصحابة
رضي الله عنهم في المختلس فان الرواية في ذلك عن زيد بن ثابت لا تصح لأنها عن الزهري
عنه منقطعة ولم يسمع الزهري من زيد كلمة * وأما الرواية عن عمر. وعمار بن ياسر
في ذلك فإنها منقطعة لأنها عن الشعبي عنهما ولم يولد الشعبي إلا بعد قتل عمر بن الخطاب
رضي الله عنه ولم يكن يعقل إذ مات عمار بن ياسر * وأما الرواية عن علي في ذلك فهي من
طريقين إحداهما عن سماك بن حرب وهو يقبل التلقين. والأخرى من طريق بكير بن

(1) وجد في هامش نسخة رقم (14) ما نصه " هذا الحديث ممن بعد العقيلي إلى آخره منقول
من كتاب العقيلي إذ لم يوجد في كتاب المحلى ولا في الايصال لكن دل عليه كلام أبى محمد في
المحلى وغيره. والله أعلم *
325

أبي السبط المكفوف وقد روي نحوه عن قتادة. وعفان ولا يعرف حاله إلا أن القول في المختلس
لا يخلو من أحد وجهين. إما أن يكون اختلس جهارا غير مستخف من الناس فهذا لا خلاف
فيه أنه ليس سارقا ولا قطع عليه أو يكون فعل ذلك مستخفيا عن كل من حضر فهذا
لا خلاف بيننا وبين الحاضرين من خصومنا في أنه سارق وأن عليه القطع فبطل كل ما تعلقوا
به وعرى قولهم في مراعاة الحرز عن أن يكون له حجة أصلا * وأما قولهم أن الشئ إذا لم يكن
محرزا فهو لقطة فخطأ لان اللقطة إنما هي ما سقط عن صاحبه وصار بدار مضيعة. وكذلك
الضالة، وأما ما كان غير مهمل ولا ساقط فقد بطل عن أن يكون لقطة أو ضالة وقد جاء في
اللقطة والضالة نصوص لا يحل تعديها فلا مدخل للسارق فيها فنحن إنما نكلمهم في سارق من
حرز لا في ملتقط ولا في آخذ ضالة فان الملتقط مختلس فسقط هذا الاعتراض الفاسد *
قال أبو محمد رحمه الله: فوجب أن ننظر في القول الثاني فوجدنا الله تعالى يقول
(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) فوجب بنص
القرآن أن كل من سرق فالقطع عليه وأن من اكتسب سرقة فقد استحق بنص كلام
الله تعالى جزاء لكسبه ذلك قطع يده نكالا وبالضرورة الحسية. وباللغة يدري كل أحد
يدري اللغة أن من سرق من حرز أو من غير حرز فإنه سارق وأنه قد اكتسب سرقة
لا خلاف في ذلك فإذ هو سارق مكتسب سرقة فقطع يده واجب بنص القرآن ولا يحل
أن يخص القرآن بالظن الكاذب ولا بالدعوى العارية من البرهان فان من قال: ان
الله تعالى إنما أراد في هذه الآية من سرق من حرز فإنه مخبر عن الله تعالى والمخبر عن الله
تعالى بما لم يخبر به عن نفسه ولا أخبر به عنه نبيه صلى الله عليه وسلم فقد قال على الله تعالى الكذب
وقال ما لا يعلم وقفا ما لا علم له به وهذا عظيم جدا، وقد أوردنا عن عائشة. وابن الزبير
وسعيد بن المسيب. وعبد الله بن عبيد الله. والحسن. وإبراهيم النخعي. وعبيد الله بن
أبي بكرة القطع على من سرق وان لم يخرج به من الحرز *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا نص القرآن، وأما من السنن فروينا من طريق
البخاري نا أبو الوليد - هو الطيالسي - والليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن
عروة عن عائشة " ان قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فذكر الحديث، وفيه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم إنهم كانوا
إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن
فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " * ومن طريق البخاري نا موسى بن إسماعيل
نا عبد الواحد الأعمش قال: سمعت أبا صالح سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله
326

صلى الله عليه وسلم: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده " *
قال أبو محمد رحمه الله: فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق جملة ولم يخص
عليه السلام حرزا من غير حرز (وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى) (وما كان
ربك نسيا)، وقال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) وقال تعالى: (لتبين للناس ما نزل
إليهم) ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ان الله عز وجل لو أراد أن لا يقطع السارق حتى يسرق
من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك ولا أهمله ولا أعنتنا بأن يكلفنا علم شريعة لم
يطلعنا عليه ولبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إما في الوحي. وإما في النقل المنقول فإذ لم
يفعل الله تعالى ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فنحن نشهد. ونبت. ونقطع بيقين لا يمازجه
شك أن الله تعالى لم يرد قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم اشتراط الحرز في السرقة وإذ لا شك في ذلك
فاشتراط الحرز فيها باطل بيقين لا شك فيه وشرع لما لم يأذن الله تعالى به وكل ما ذكرنا
فإنما يلزم من قامت عليه الحجة ووقف على ما ذكرنا لان من سلف ممن اجتهد فأخطأ مأجور
وبالله تعالى التوفيق، وأما الاجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي
الاختفاء بأخذ الشئ ليس له، وان السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له وأنه لا مدخل
للحرز فيما اقتضاه الاسم فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الاجماع على
معنى هذه اللفظة في اللغة وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده ولا دليل على صحته *
وأما قول الصحابة: فقد أوضحنا أنه لم يأت قط عن أحد منهم اشتراط الحرز
أصلا وإنما جاء عن بعضهم حتى يخرج من الدار، وقال بعضهم: من البيت وليس
هذا دليلا على ما ادعوه من الحرز مع الخلاف الذي ذكرنا عن عائشة. وابن الزبير
في ذلك فلاح أن قولنا قول قد جاء به القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبالله تعالى التوفيق *
- مسائل من هذا الباب -
2264 مسألة فيمن سرق من بيت المال. أو من الغنيمة *
قال أبو محمد رحمه الله: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ
نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال:
ان رجلا سرق من بيت المال فكتب فيه سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب فكتب
عمر إليه ان لا قطع عليه لان فيه نصيبا * وبه إلى وكيع نا سفيان - هو الثوري -
عن سماك بن حرب عن عبيد بن الأبرص أن علي بن أبي طالب أتى برجل قد سرق من
327

الخمس مغفرا فلم يقطعه علي وقال: ان له فيه نصيبا * وبه يقول إبراهيم النخعي.
والحكم بن عتيبة. وأبو حنيفة. والشافعي. وأصحابهما، وقال مالك. وأبو ثور.
وأبو سليمان. وأصحابهم: عليه القطع *
قال أبو محمد رحمه الله: إنما احتج من لم ير القطع في ذلك بحجتين. إحداهما أن له فيه
نصيبا مشاعا، والثانية أنه قول صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم.
أما الاحتجاج بأنه قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف
فان هذا يلزم المالكيين المحتجين بمثل هذا إذا وافق أهواءهم التاركين له إذا اشتهوا
وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما احتجاجهم بأن له في
ذلك نصيبا فهذا ليس حجة في اسقاط حد الله تعالى إذ ليست هذه القضية مما جاء به
القرآن ولا مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما أجمعت عليه الأمة فلا حجة لهم
في غير هذه العمد الثلاث وكونه له في بيت المال وفي المغنم نصيب لا يبيح له أخذ
نصيب غيره لأنه حرام عليه باجماع لا خلاف فيه، وبقول الله تعالى: (ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل) فإذ نصيب شريكه عليه حرام فلا فرق بين سرقته إياه وبين
سرقته من أجنبي لا نصيب له معه وهم يدعون القياس وهم يقولون إن الحرام إذا
امتزج مع الحلال فإنه كله حرام كالخمر مع الماء. ولحم الخنزير يدق مع لحم الكبش
وغير هذا كثير ويرون الحد على من شرب خمرا ممزوجة بماء حلال فما الفرق بينه
وبين من سرق شيئا بعضه له حلال وبعضه حرام لغيره؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما لم نجد في المنع من قطع من سرق من المغنم.
أو من الخمس. أو من بيت المال حجة أصلا لا من قرآن. ولا سنة. ولا إجماع
وجب أن ننظر في القول الآخر فوجدنا الله تعالى يقول: (والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجب
القطع على السارق جملة ولم يخص الله تعالى ولا رسوله عليه السلام سارقا من بيت
المال من غيره ولا سارقا من المغنم ولا سارقا من مال له فيه نصيب من غيره (وما
كان ربك نسيا) ولو أن الله تعالى أراد ذلك لما أغفله ولا أهمله، والعمل في ذلك
أن ننظر فيمن سرق من شئ له فيه نصيب من بيت المال. أو الخمس. أو المغنم
أو غير ذلك فإن كان نصيبه محدودا معروف المقدار كالغنيمة أو ما اشترك فيه ببيع
أو ميراث. أو غير ذلك. أو كان من أهل الخمس نظر فان أخذ زائدا على نصيبه
مما يجب في مثله القطع قطع ولا بد فان سرق أقل فلا قطع عليه الا أن يكون منع حقه
328

في ذلك أو احتاج إليه فلم يصل إلى أخذ حقه الا بما فعل ولا قدر على أخذ حقه خالصا
فلا يقطع إذا عرف ذلك وإنما عليه أن يرد الزائد على حقه فقط لأنه مضطر إلى أخذ
ما أخذ إذا لم يقدر على تخليص مقدار حقه والله تعالى يقول: (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم الا ما اضطررتم إليه) وبالله تعالى التوفيق *
2265 مسألة - فيمن سرق من الحمام، نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله
ابن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سعيد بن عبد العزيز
التنوخي عن بلال بن سعد ان رجلا سرق برنسا من الحمام فرفع إلى أبي الدرداء فلم ير
عليه قطعا، وبه يقول أبو حنيفة. وأصحابه، وقال مالك. وأحمد. واسحق. وأبو ثور.
وأبو سليمان، وأصحابهم عليه القطع إذا كان هنالك حافظ *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا مما تناقض فيه الحنيفيون. والمالكيون لأنهم
يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة إذا وافق آراءهم
وقد خالفوا ههنا قول أبي الدرداء ولا يعرف له من الصحابة مخالف *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من
الله) وهذا سارق فالقطع عليه بنص القرآن ولو أراد الله تعالى تخصيص ذلك لما أغفله *
2266 مسألة - فيمن سرق من مسجد، قال قوم: لا قطع على من
سرق من مسجد، وقالت طائفة: إذا كان هنالك حافظ لذلك الشئ أو كانت الأبواب
مغلقة قطع والا فلا، وكذلك لو قلع باب المسجد فإن كان مغلقا مضبوطا قطع والا
فلا، وهكذا القول في باب الدار - وهو قول مالك - وقال أصحابنا: القطع في كل ذلك
واجب والأصل في ذلك أمر الحرز كما ذكرنا وقد بطل قول من قال بمراعاة الحرز فالواجب
قطع من سرق من مسجد بابا كان مغلقا أو غير مغلق. أو حصيرا. أو قنديلا. أو شيئا
وضعه صاحبه هنالك ونسيه كان صاحبه معه أو لم يكن إذا أخذه مستترا بأخذه لنفسه
لا ليحفظه على صاحبه وذلك لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
2267 مسألة - هل على النباش قطع أم لا؟ - قال أبو محمد رحمه الله:
اختلف الناس في النباش فقالت طائفة: عليه القتل، وقالت طائفة: تقطع يده
ورجله، وقالت طائفة: تقطع يده فقط، وقالت طائفة: يعزر أدبا ولا شئ عليه
غير ذلك، وأما من رأى عليه القتل فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن صفوان بن سليم أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
329

وجد رجلا يختفي في القبور فقتله فأهدر عمر بن الخطاب دمه، وأما من رأى قطع يده
ورجله فكما روينا بالسند المذكور إلى ابن جريج قال: قال لي عمرو بن دينار: قطع
عباد بن عبد الله بن الزبير يد غلام ورجله اختفى *
قال أبو محمد رحمه الله: عباد هذا من التابعين أدرك عائشة نعم وجده الزبير
وجمهور الصحابة رضي الله عنهم، وأما من رأى قطع يده فقط فكما روينا بالسند
المذكور إلى عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أخبرني عبد الله بن أبي بكر
عن عبد الله بن عامر بين ربيعة أنه وجد قوما يختفون القبور باليمن فكتب إلى عمر بن
الخطاب فكتب إليه عمر ان يقطع أيديهم * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن
عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا حجاج بن المنهال نا هشيم عن سهيل بن
أبي صالح قال: شهدت عبد الله بن الزبير قطع يد النباش، وبه إلى الحجاج بن المنهال
نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة أن الشعبي. والنخعي. ومسروق بن الأجدع.
وزاذان. وأبا ذرعة بن عمر. وعمرو بن حزم قالوا في النباش إذا أخذ المتاع:
قطع، وعن إبراهيم النخعي قال: إذا سرق النباش قدر ما يقطع فيه فعليه القطع، وعن
الشعبي أنه سئل عن النباش فقال: نقطع في أمواتنا كما نقطع في أحيائنا *
قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق ان كل هذا
لا معنى له لكن الفرض هو ما افترض الله تعالى ورسوله عليه السلام الرجوع إليه عند
التنازع إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا
فوجدنا تعالى يقول: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد أوجب القطع على من سرق بقوله عليه السلام: " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع
محمد يدها " ووجدنا السارق في اللغة التي نزل بها القرآن وبها خاطبنا الله تعالى هو
الآخذ شيئا لم يبح الله تعالى له اخذه فيأخذه متملكا له مستخفيا به فوجدنا النباش هذه
صفته فصح أنه سارق وإذ هو سارق فقطع اليد على السارق فقطع يده واجب، وبه
نقول: واما من رأى قتله. أو قطع يده ورجله فما نعلم له حجة الا أن يكونوا رأوه
محاربا وليس ههنا دليل على أنه محارب أصلا لأنه لم يخف طريقا فليس له حكم المحارب
ودماؤنا حرام فدم النباش حرام، وبالله تعالى التوفيق *
2268 مسألة - ما يجب فيه على آخذه القطع - قال أبو محمد رحمه الله:
تنازع الناس في أشياء فقال قوم: لا قطع في سرقتها، وقال قوم: فيها القطع من
ذلك التمر. والجمار. والشجر. والزرع *
330

قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب
أخبرني محمد بن خالد ني أبي نا سلمة بن عبد الملك الغوصي عن الحسن - هو ابن صالح
ابن حي - عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن
رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لاقطع في ثمر. ولا كثر -
والكثر الجمار - وفي هذا آثار كثيرة لم نذكرها لئلا نطول بذكرها ولو صحت لوجب
الاخذ بها بذلك وللزم حينئذ أن لا يقطع في شئ من الثمر والحبوب سواء حصد أو
لم يحصد جد أو لم يجد كان في المخازن أو لم يكن لعموم هذا اللفظ. ولان الله تعالى
سمى اليابس ثمرا فقال: (ومن ثمرات النخيل والأعناب) فسمى الله تعالى ما تثمره
الشجرة والنخلة والزرع ثمرا بقوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات
وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان) الآية إلى
قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) فوجب الحق فيه يوم حصاده - والحصاد
لا يكون الا في اليابس - وأما ساق الشجر. والنخل. وأغصانه فلا يقع عليه اسم ثمر
أصلا لا في لغة. ولا في شريعة، واختلف المتأخرون في هذا فقال سفيان الثوري:
لا قطع فيما يفسد من يومه من الطعام مثل الثريد واللحم وما أشبهه لكن يعزر وإذا
كانت الثمرة في شجرتها لم تقطع اليد في سرقتها لكن يعزر، قال أبو حنيفة: لا يقطع
في شئ من الإبل. ولا البقر. ولا الغنم. ولا الخيل. ولا البغال. ولا الحمير. إذا
سرق كل ذلك من المرعى فإذا كانت في المراح أو في الدور ففيها القطع، ولا يقطع
في شئ من الفواكه الرطبة كانت في الدور أو في الشجر في حرز كانت أو في غير حرز
وكذلك البقول كلها. وكذلك ما يسرع إليه الفساد من اللحم والطعام كله كان في
حرز أو في غير حرز ولا قطع في الملح، ولا في التوابل. ولا في الزروع كلها فإذا يبس
الزرع وحمل إلى الاندر أو إلى البيوت وجب القطع في سرقة شئ منه إذا بلغ
ما يجب فيه القطع، وقال مالك: كل ما كان من الفواكه في أشجاره والزرع في مزرعته
فلا قطع في شئ منه وكذلك الانعام في مسارحها فإذا أحرزت الانعام في مراح
أو دار ففيها القطع، فإذا جمع الزرع في أندره أو في الدور ففيه القطع، وإذا جنيت
الفواكه وأدخلت في الحرز ففيها القطع، وكذلك تقطع في البقول والفواكه كلها
وفي اللحم. وفي كل شئ إذا كان في حرز، وهذا قول الشافعي أيضا: وقال أبو
ثور: إذا كانت الفواكه في أشجارها رطبة أو غير رطبة وكان الفسيل في حائطه،
وكان كل ذلك محرزا ممنوعا ففيه القطع، وقال فيما عدا ذلك بقول مالك. والشافعي
331

وقال مالك: والشافعي. وأبو ثور في البعير. أو الدابة تسرق من الفدان: ففيه
القطع، وقال أصحابنا في كل ما ذكرنا القطع محرزا كان أو غير محرز إذا سرقه
السارق ولم يأخذه معلنا *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك، ونظرنا في
قول أبي ثور فوجدناه صحيحا إلا اشتراطه الحرز فقط فان الحرز لا معنى له على
ما بينا قبل، وقول أبي ثور هذا إنما صح لموافقته عموم قول الله تعالى: (والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما) وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق عموما دون اشتراط
حرز. وقول أبي ثور: مخالف للأحاديث المذكورة قبل هذا لأنها واهية. ولا حجة
الا في صحيح، ثم نظرنا في قول مالك. والشافعي: فوجدنا حجتهما إنما هي خبر
عمرو بن شعيب. وابن المسيب، وخبر حميد بن قيس. وعبد الرحمن بن عبد الله
لا حجة لهما غيرهما وقد بينا أن هذه الأخبار في غاية الوهي وأن الاحتجاج بالواهي
باطل، وقد قلنا إن هذه الأخبار لا تصح ولو صحت لما كان في شئ منها دليل على
ما ادعاه من ادعاه من الحرز بل كان الواجب حينئذ أن لا يقطع في شئ مما يقع عليه
اسم ثمر ولا اسم كثر وأن يقطع في ذلك إن أواه الجرين رطبا كان أو غير رطب
فهذا كان يكون الحكم لو صح الخبر وما عدا هذا فباطل بظن كاذب فإذ لم تصح الآثار
أصلا فالواجب ما قاله أصحابنا من أن القطع واجب في كل ثمر وفي كل كثر معلقا كان في شجره
أو مجذوذا أو في جرين كان أو في غير جرين إذا أخذه سارقا له مستخفيا بأخذه غير
مضطر إليه وبغير حق له فان القطع في كل طعام كان مما يفسد أو لا يفسد إذا أخذه
على وجه السرقة غير مشهور بأخذه. ولا حاجة إليه. ولا عن حق أوجب له أخذه
فان القطع واجب في الزرع إذا أخذ من فدانه. أو هو بأندره على وجه السرقة
مستترا أو مختفيا بأخذه لا عن حاجة إليه ولا عن حق له، وأما الماشية فالقطع فيها
أيضا كذلك الا أن تكون ضالة يأخذها معلنا فيكون محسنا حيث أبيح له أخذها
وعاصيا لا سارقا حيث لم يبح له أخذها فلا قطع ههنا لأنه ليس سارقا، وإنما القطع
على السارق وعمدتنا في ذلك قول الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)
وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق عموما، وبالله تعالى التوفيق *
2269 مسألة - الطير فيمن سرقها، قال أبو محمد رحمه الله: اختلف
الناس في القطع في الطير إذا سرق كالدجاج. والإوز. وغيرها، فقالت طائفة:
لا قطع في شئ من ذلك كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ
332

نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي
عن عبد الله بن يسار قال: أتى عمر بن عبد العزيز برجل قد سرق. دجاجا فأراد أن
يقطعه فقال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كان عثمان يقول: لا قطع في طير فخلى
عمر سبيله * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن عبد
الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن عبد الله بن يسار قال: أراد
عمر بن عبد العزيز أن يقطع سارقا سرق دجاجة فقال له أبو سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف: أن عثمان بن عفان قال: لا قطع في طير، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف أن عثمان بن عفان قال: لا قطع في طير * وبه يقول أبو حنيفة. وأحمد بن
حنبل. وأصحابهما. وإسحاق بن راهويه: وقالت طائفة: القطع فيه إذا سرق من
حرز وهو قول مالك. والشافعي. وأصحابهما: وقالت طائفة: القطع فيها على كل
حال إذا سرقت *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا فيما اختلفوا من ذلك فوجدنا من احتج بقول
من لم ير القطع فيه فوجدناهم يقولون: إن ابطال القطع فيه قد روي عن
عثمان بن عفان ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة وادعى بعضهم أنه روى
نحو ذلك عن علي وهذا لا يعرف وقالوا إن الأصل فيه أنه تافه في الأصل مباح فإذا
كان مملوكا لم يقطع سارقه إذا كان ما هذا وصفه لم يقطع سارقه، والطير إذا كان
مباحا أو كان فرخا فلا قيمة له وإنما تصير له القيمة بعد ما يصير مملوكا بالتعليم فهذا
كل ما موهوا به ما لهم شبهة غير ذلك وكل ذلك لا حجة لهم فيه أصلا *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد عري قولهم من حجة وكان الطير مالا من
الأموال فقد تعين ذلك ملكا لصاحبه كالدجاج. والحمام وشبهها وجب فيه القطع
بقول الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وبايجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
القطع على من سرق، ولم يخص الله تعالى ولا رسوله عليه السلام من ذلك طيرا
ولا غيره وتالله لو أراد الله تعالى الذي يعلم سر كل من خلق. وكل ما هو كائن
وحادث من حركة أو نفس. وكلمة أبد الأبد. وكل ما لا يكون لو كان كيف كان يكون
أن يخص من القطع من سرق الطير لما أغفل ذلك ولا أهمله فنحن نشهد بشهادة
الله تعالى أن الله تعالى لم يرد قط إسقاط القطع عن سارق الطير بل قد أمر الله تعالى
بقطعه نصا. والحمد لله رب العالمين *
2270 مسألة - (الصيد) قال أبو محمد رحمه الله: يتعلق بهذا الباب
333

أمر الصيد فان أبا حنيفة لا يرى القطع في الصيد إذا تملك أصلا ولا يرى القطع فيمن
سرق إبلا متملكا من حرزه، ولا على من سرق كذلك غزالا. أو خشفا. أو ظبيا.
أو حمارا وحشيا. أو أرنبا. أو غير ذلك من الصيد، ورأي مالك. والشافعي.
وأصحابهما القطع في كل ذلك على حسب الاختلاف الذي أوردناه عنهم في مراعاة الحرز *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا مكان ما نعلم للحنيفيين فيه حجة أصلا ولا أنه
قال به أحد قبل شيخهم بل هو خرق للاجماع، وخلاف للقرآن مجرد إلا أنهم ادعوا
أنهم قاسوه على الطير *
(فان قالوا): إن الصيد يشبه الطير في أنهما حيوان وحشي مباح في أصله *
(قيل لهم): فأسقطوا على هذا القياس القطع عمن سرق ياقوتا. أو ذهبا
أو فضة. أو نحاسا. أو حديدا. أو رصاصا. أو قذديرا. أو زئبقا. أو صوف
البحر لان هذا كله أجسام مباحة في الأصل غير متملكة كالصيد ولا فرق فهذا
تشبيه أعم من تشبيهكم وعلة أعم من علتكم، وأيضا فإنهم قد نقضوا هذا القياس فلم
يقيسوا قاتل الدجاج الانسي على الصيد المحرم في الاحرام، ولا قاسوا الانعام.
والخيل عند من يبيحها على ذوات الأربع من الصيد. وكان هذا كله نصا واجماعا
متيقنا فصح أن القطع واجب على من سرق صيدا متملكا كما هو واجب في سائر
الأموال، وبالله تعالى التوفيق *
2271 مسألة - فيمن سرق خمرا لذمي. أو لمسلم. أو سرق
خنزيرا كذلك. أو ميتة كذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد
الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: من سرق خمرا من أهل الكتاب قال عطاء:
زعموا في الخمر. والخنزير يسرقه المسلم من أهل الكتاب يقطع من أجل أنه حل
لهم في دينهم وإن سرق ذلك من مسلم فلا قطع عليه * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن
ابن أبي نجيح عن عطاء قال: من سرق خمرا من أهل الكتاب قطع، وقالت طائفة:
لا قطع عليه في ذلك ولكن يغرم لها مثلها وهذا قول شريح. وسفيان الثوري.
ومالك. وأبي حنيفة. وأصحابهم: وقالت طائفة: لا قطع عليه في ذلك ولا ضمان
وهو قول الشافعي. وأحمد وأصحابهما وبه يقول أصحابنا: *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك فرأينا قول من أوجب الضمان وأسقط
القطع في غاية الفساد لأنه لا يخلو الخمر. والخنزير من أن يكونا مالا للذمي له قيمة.
334

أو لا يكونا مالا له، ولا سبيل إلى قسم ثالث أصلا فان كانت الخمر. والخنزير مالا للذمي
لهما قيمة فالقطع فيهما واجب على أصولهم إذا بلغ كل واحد منهما ما فيه القطع وإن كان
الخمر. والخنزير لا قيمة لهما وليسا مالا للذمي فبأي وجه قضوا بضمان ما لا قيمة
له ولا هو مال وهل هذا منهم الا قضاء بالباطل؟ وإيكال مال بغير حق لا سيما وهم
يقولون: ان المسلم إن سرق خمرا لمسلم. أو خنزيرا لمسلم فلا قطع ولا ضمان لأنهما ليسا
مالا له ولا لهما قيمة، والعجب كله كيف يقضون بضمانهما عليه وهو لا سبيل له إلى
قضائهما لأنه عندهم مما يكال أو يوزن ففيهما المثل عندهم، ثم نظرنا في قول من رأى
القطع في ذلك والضمان وقول من لا يرى في ذلك لا قطعا ولا ضمانا فنظرنا فيمن رأى
القطع والضمان فلم نجد لهم حجة أصلا إلا أن قالوا: إنها مال لهم ولها قيمة عندهم فقلنا:
لهم أخبرونا أبحق من الله تملكوها واستحقوا ملكها وشربها أم بباطل؟ ولا سبيل إلى
قسم ثالث (فان قالوا): بحق وأمر من الله تعالى كفروا بلا خلاف وهم لا يقولون
هذا. ويلزمهم أن يقولوا أن دين اليهود والنصارى حق وهذا لا يقوله مسلم أصلا
قال الله تعالى: (ان الدين عند الله الاسلام) وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن
يقبل منه) فإذا قد صح ما قلنا وصح أن الله تعالى حرم شرب الخمر على كل مسلم وكافر.
وحرم بيعها على كل مسلم وكافر. وحرم ملكها على كل مسلم وكافر بقوله تعالى
آمرا للرسول عليه السلام ان يقول: (يا أيها الناس اني رسول الله إليكم جميعا) وبقوله
عليه السلام " كل مسكر حرام وان الذي حرم شربها حرم بيعها " ثبت أنها ليست مالا
لاحد وأنه لا قيمة لها أصلا. وكذلك الخنزير للتحريم الوارد فيه جملة فإذ قد حرم
ملكها جملة كان من سرقها لم يسرق مالا لاحد لا قيمة لها أصلا ولا سرق شيئا يحل
ابقاؤه جملة فلا شئ عليه والواجب هرقها على كل حال لمسلم وكافر. وكذلك قتل
الخنازير، وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: واما من سرق ميتة فان فيها القطع لان جلدها باق
على ملك صاحبها يدبغه فينتفع به ويبيعه (فان قيل): ما الفرق بين الخنزير والميتة
أوجبتم القطع في الميتة من اجل جلدها ولم توجبوا القطع في الخنزير فهلا أوجبتموه
من اجل جلده وجلده وجلد سائر الميتات سواء في جواز الانتفاع به وبيعه إذا دبغ؟ *
(فجوابنا) أن الفرق بينهما في غاية الوضوح ولله الحمد وهو أن الميتة كانت
في حياتها متملكة لصاحبها بأسرها فلما ماتت سقط ملكه عن لحمها. وشحمها. ودمها
ومعاها. وفرثها. ودماغها. وغضاريفها لان كل هذا حرام مطلق التحريم وبقي
335

ملكه كما كان على ما أباح الله تعالى له الانتفاع به منها وهو الجلد. والشعر. والصرف
والوبر. والعظم فلا يخرج عن ملكه الا بإباحته إياه لانسان بعينه أو لمن أخذه ويعلم
ذلك بطرحه الجميع وتبريه منه فهو ما لم يطرحه مالك لذلك فان سرق فإنما سرق شيئا
متملكا ملكا صحيحا ومال من مال مسلم. أو ذمي فالقطع فيه، وأما الخنزير فلا يقع
عليه في حياته ملك لاحد لأنه رجس محرم جملة فمن سرقه حيا. أو ميتا فإنما أخذ مالا
لا مالك له وما لا يحل لاحد تملكه فجلده لمن بادر إليه. وأخذه. ودبغه فإذا دبغ صار
حينئذ ملكا من مال متملكه من سرقه فعليه فيه القطع، والقطع واجب في عظام الفيل
كما ذكرنا والميتات كلها كذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما حرم أكلها "
حاش عظم الخنزير وشعره وكل شئ منه حرام جملة لا يحل لاحد تملك شئ منه الا
الجلد فقط بالدباغ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما إهاب دبغ فقد طهر " وبالله
تعالى التوفيق *
2272 مسألة - فيمن سرق حرا صغيرا. أو كبيرا * قال أبو محمد رحمه الله:
لا نعلم خلافا في أن من سرق عبدا صغيرا لا يفهم أن عليه القطع، واختلف الناس فيمن
سرق عبدا كبيرا يتكلم، وفيمن سرق حرا صغيرا أو كبيرا، فأما العبد الصغير الذي
لا يفهم فان الذي سرقه سارق مال فعليه القطع، وأما من سرق العبد الذي يفهم فإنما
أسقط عنه القطع من أسقطه لأنه لولا أنه أطاعه ما أمكنه سرقته إياه *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا لا ينبغي أن يطلق اطلاقا لان في الممكن أن
يسرقه وهو نائم. أو سكران. أو مغمى عليه. أو متغلبا عليه متهددا بالقتل فلا يقدر
على الامتناع. ولا على الاستغاثة فإذا كان هكذا فهي سرقة صحيحة قد تمت منه وإذ
هي صحيحة فالقطع عليه بنص القرآن * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرت أن عمر بن الخطاب قطع رجلا في غلام سرقه،
وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن إسماعيل عن الحسن البصري قال: من سرق
صغيرا حرا. أو عبدا قطع، قال إبراهيم النخعي: يقام الحد على الكبير وليس على
الصغير من شئ - يعني أنه يقطع الكبير في سرقة الصغير - وبه إلى عبد الرزاق عن
معمر قال سألت الزهري عمن سرق عبدا أعجميا لا يفقه قال: يقطع، وبالقطع
في سرقة العبد الصغير يقول أبو حنيفة. ومحمد بن الحسن. ومالك. والشافعي.
واحمد. وأصحابهم. واسحق. وأصحابنا. وسفيان الثوري. وذكر عن أبي يوسف انه
استحسن أن لا يقطع، وأما من سرق حرا فان حمام بن أحمد نا قال: نا ابن مفرج
336

نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرت أن عليا قطع البائع
بائع الحر وقال: لا يكون الحر عبدا، وقال ابن عباس: ليس عليه قطع وعليه شبيه
بالقطع الحبس، وقال أبو حنيفة: وسفيان. وأحمد. وأبو ثور: لا قطع على من
سرق حرا صغيرا كان أو كبيرا، وقال مالك. وإسحاق بن راهويه: على من سرق
حرا صغيرا القطع، وذكر هذا عن الحسن البصري. والشعبي *
قال أبو محمد رحمه الله: وقد جاء في هذا أثر لا علينا أن نذكره لان الحنيفيين
يأخذون بأقل منه إذا وافقهم، وهو كما نا القاضي عبد الله بن عبد الرحمن بن جحاف
المعافري بسلنسيه نا محمد نا إبراهيم بطليطلة نا بكر بن العلاء القشيري بمصر نا زكريا بن
يحيى الساجي البصري نا القاسم بن إسحاق الأنصاري نا أبي نا عبد الله بن محمد بن يحيى بن
عروة بن الزبير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجل
كان يسرق الصبيان فأمر به فقطع *
قال أبو محمد رحمه الله: فليس فيه تخصيص حر من عبد، وبالله تعالى التوفيق *
2273 مسألة - من سرق المصحف، قال أبو محمد رحمه الله: قال
أبو حنيفة. وأصحابه. لا قطع على من سرق مصحفا سواء كانت عليه حلية فضة تزن مائتي
درهم. أو أكثر: أو أقل. أو لم تكن، وقال مالك. والشافعي. وأصحابنا
عليه القطع *
قال أبو محمد رحمه الله: واحتج من لم ير القطع بأن قال: إن له فيه حق التعليم لأنه
ليس له منعه عمن احتاج إليه قال: فلما كان له فيه حق كان كمن سرق من بيت المال قال
والفضة تبع لأنها تدخل في بيعه كما يدخل في بيعه الجلد والدفتان وهذا كلام في غاية
الفساد والباطل أول ذلك قولهم: لان له فيه حق التعليم وقد كذب إنما حق المتعلم في
التلقين فقط لا في مصحف الناس أصلا إذ لم يوجبه قرآن. ولا سنة. ولا اجماع، وإنما
فرض على الناس تعليم بعضهم بعضا القرآن تدريسا وتحفيظا وهكذا كان جميع الصحابة
رضي الله عنهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خلاف من أحد أنه لم يكن هنالك مصحف،
وإنما كانوا يلقنه بعضهم بعضا ويقرئه بعضهم بعضا فمن احتاج منهم أن يقيد ما حفظ
كتبه في الأديم. وفي اللخاف. والألواح: والأكتاف فقط فبطل قوله إن للسارق
حقا في المصحف وصح أن لصاحب المصحف منعه من كل أحد إذ لا ضرورة بأحد إليه *
قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن القطع واجب في سرقة المصحف كانت عليه
حلية أو لم تكن لقول الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) *
337

قال أبو محمد رحمه الله: ويلزمهم أن لا يوجبوا القطع على من سرق كتب العلم
وهذا خطأ بل القطع في كل ذلك واجب، وبالله تعالى التوفيق *
2274 - مسألة - سراق اختلف الناس في وجوب القطع عليهم *
قال أبو محمد رحمه الله: قال أبو حنيفة. وأصحابه لا يقطع من سرق صليبا أو
وثنا ولو كان من فضة. أو ذهب قال: فان سرق دراهم فيها صور أصنام أو صور صلبان
فعليه القطع لان ذلك يعبد وهذا لا يعبد *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ. وتناقض. واحتجاج فاسد، أما الخطأ
فاسقاط الحد الذي افترض الله تعالى من القطع على السارق، وإنما وجب القطع على
سارق الصليب لأنه سرق جوهرا لا يحل له أخذه، وإنما الواجب فيه كسره فقط
وأما ملك جوهره فصحيح، ولا فرق بينه وبين من سرق إناء ذهب وإناء فضة والنهي
قد صح عن اتخاذ آنية الفضة والذهب كما صح عن اتخاذ الصليب والوثن ولا فرق والقطع
واجب في كل ذلك لأنه لم يسرق الصورة ولا شكل الاناء وإنما سرق الجسم الحلال
تملكه وإنما الواجب في الآنية المذكورة. والصلبان. والأوثان الكسر فقط فإن كان
الصليب. أو الوثن من حجر لا قيمة له أصلا بعد الكسر فلا قطع فيه أصلا لما
ذكرناه قبل من قول عائشة رضي الله عنها أن يد السارق لم تكن تقطع في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الشئ التافه وسنستقصي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى في كلامنا في مقدار
ما يقطع فيه السارق، وأما التناقض فظاهر أيضا لأنه لا فرق بين صورة وصورة بلا
برهان وكلاهما محرم تصويره ومتوعد عليه بالعذاب الشديد يوم القيامة، وأما فساد
احتجاجه بأن الصليب يعبد والصورة التي في الدراهم لا تعبد فان الهند يعبدون البقر
كما يعبد النصارى الصليب ويعظمونها كما يعظم الصليب ولا فرق فيلزمه أيضا أن
لا يقطع في سرقة البقر (فان قالوا): اننا نحن لا نعبدها (قلنا لهم): واننا نحن أيضا
لا نعبد الصليب ولا نعظمه، والحمد لله رب العالمين، والعجب كل العجب من اسقاط
أبي حنيفة القطع عن سارق الصليب وهو يقتل المسلم إذا قتل عابد الصليب فلئن كان
لعابد الصليب من الحرمة عندهم ما يستباح به دم المسلم فان لمال عابد الصليب من الحرمة
ما تستباح به يد سارقه والصليب مال من ماله هذا على أن النهي قد صح أن لا يقتل مؤمن
بكافر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وعن الله تعالى في القرآن إذ يقول: (ولن يجعل الله للكافرين
على المؤمنين سبيلا) وإذ يقول تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف
تحكمون) ولم يأت نهي قط عن قطع يد من سرق مال كافر ذمي بل أمر الله تعالى
338

بقطعه في عموم قوله: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقد علم الله تعالى أن السارق
يسرق من مسلم ومن ذمي فنحن نقسم بالله تعالى أنه لو أراد استثناء سارق مال الذمي لما
سكت عن ذلك ولا نسيه ولبينه كما بين لنا أن لا يقتل مؤمن بكافر، وبالله تعالى التوفيق *
2275 مسألة - إحضار السرقة، قال أبو محمد رحمه الله. قال المالكيون:
من أقر بسرقة دراهم كثيرة أو قليلة أو غير ذلك فان القطع لا يجب بذلك الا حتى يحضر
ذلك الشئ الذي أقر بسرقته *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا أيضا خطأ لأنه رد لما أمر الله تعالى به من قطع
السارق ولم يشترط إحضار السرقة (وما كان ربك نسيا) لكن الواجب قطعه ولا بد
ثم يلزمه إحضار ما سرق ليرد إلى صاحبه ان عرف أو ليكون في جميع مصالح المسلمين
إن لم يعرف صاحبه فان عدم الشئ المسروق ضمنه على ما نذكر بعد هذا إن
شاء الله تعالى *
قال أبو محمد رحمه الله: ولا نعلم لمن خالف هذا حجة أصلا فان تعلقوا بما
ناه عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن
ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أن طارقا كان جعله ثعلبة الشامي على المدينة يستخلفه فأتى بانسان
متهم بسرقة فجلده فلم يزل يجلده حتى اعترف بالسرقة فأرسل إلى ابن عمر فاستفتاه فقال
ابن عمر: لا تقطع يده حتى يبرزها، فهذا لا حجة لهم فيه لان من أقر تحت العذاب
وبالتهديد فلا قطع عليه وسواء أبرز السرقة أو لم يبرزها لأنه قد يكون أودعت عنده
وهو يدري أنها سرقة أو لا يدري فلا يكون على المودع في ذلك قطع أصلا ويحتمل قول
ابن عمر هذا - أي حتى يبرز - قولته مجردة من الاقرار بالضرب مع أنه لا حجة في أحد
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم قولة لابن عمر قد خالفوها بلا برهان، فان ذكروا ما روينا
بالسند المذكور إلى ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب قال: كتب إلى يحيى بن سعيد
يقول من اعترف بسرقة ثم أتى مع ذلك بما يصدق اعترافه فذلك الذي تقطع يده،
ومن اعترف على تهدد وتخوف ثم لم يأت بما يصدق اعترافه فان ناسا يزعمون أن يقطعوا
في مثل هذا، وبه إلى ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة قال من اعترف بعد امتحان فلم
يوجد ذلك عنده ولم يوجد ما يصدقه من عمله فان اعترافه لم يكن متصلا ولا إقامته على
الاعتراف خشية أن يكون عليه من البلاء ما قد دفع عنه من البلاء باعترافه فنرى أن لا يؤخذ
باعترافه الا أن يأتي وجه البينة والمعرفة أنه صاحب تلك السرقة وهذا لا حجة لهم فيه
لان من أقر بسرقة فلا يخلو من أن يكون أقر بلا تهديد ولا عذاب. أو أقر بتهديد وعذاب
339

فان أقر بتهديد وعذاب فلا قطع عليه أصلا أحضر السرقة. أو لم يحضرها إذ قد يدرى
موضعها، أو جعلت عنده فلا قطع عليه، وإن كان أقر بلا تهديد ولا عذاب فالقطع عليه
اخرج السرقة. أو لم يخرجها لما ذكرنا قبل، وأما قول ربيعة ان لا يؤخذ المكره باعتراف
إلا أن يأتي وجه البينة والمعرفة انه صاحب تلك السرقة فقول صحيح لا شك فيه انه إذا
جاء ببيان يتيقن به دون شك انه سرقها فالقطع واجب وسواء حينئذ أقر تحت العذاب أو
دون عذاب وكذلك لو عذب أو أقر وجاءت بينة تشهد بأنهم رأوه يسرق لوجب قطع
يده بالسرقة لا باقراره، وقد قلنا: إن إحضار الشئ المسروق ليس بيانا في أنه هو سرقه
وإنما هو ظن ولا يحل قطع يد مسلم بالظن، قال الله تعالى: (ان يتبعون الا الظن وان
الظن لا يغني من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فان الظن
أكذب الحديث " *
قال أبو محمد رحمه الله: وقد روينا عن أبي بكر الصديق بحضرة عمر بن الخطاب
وسائر الصحابة رضي الله عنهم انه قطع الا قطع باقرار مجرد دون احضار السرقة وان
السرقة إنما وجدت عند الصائغ أو عنده وقد يمكن ان توضع في رحله بغير علمه *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر. وسفيان
الثوري كلاهما عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال:
جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: اني سرقت فرده فقال: اني سرقت فقال: شهدت
على نفسك مرتين فقطعه، قال عبد الرحمن: فرأيت يده في عنقه معلقة، وبه إلى عبد الرزاق
عن ابن جريج قال قلت لعطاء: رجل شهد على نفسه مرة واحدة قال: حسبه *
قال أبو محمد رحمه الله: إنما أوردنا هذا لئلا يشغبوا فيما يذكرونه من احضار
السرقة بما ذكرنا عن ابن عمر فأوجدناهم عن علي أصح مما وجدوا لابن عمر قطعا بغير
احضار السرقة وكذلك عن عطاء والا فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رحمه الله: وقال بعض من لا يرى درأ الحد عن السارق برجوعه
انه ان أقر ثم رجع فلا قطع عليه لكن يغرم السرقة الذي أقر أنه سرقها منه وهذا تناقض
وخطأ لأنه لم يقر له بشئ الا على وجه السرقة (قلنا): فلا يخلو اقراره ذلك ضرورة
من أحد وجهين لا ثالث لهما، اما أن يكون صادقا في أنه سرق منه ما ذكر أو يكون كاذبا
في ذلك، فإن كان صادقا فقد عطلوا الفرض إذ لم ينفدوا عليه ما أمر الله تعالى به من
قطع يد السارق، وإن كان كاذبا فقد ظلموه إذ غرموه ما لم يجب له عنده فقط، ولا
340

صح اقراره به فهم بين تعطيل الفرض. أو ظلم في إباحة مال محرم وكلاهما لا يحل
وبالله تعالى التوفيق *
2276 مسألة - اختلاف الشهادة في ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: قال
الشافعي. وأبو يوسف. ومحمد بن الحسن. وأبو ثور: ان اختلف الشاهدان فقال
أحدهما سرق بقرة، وقال الآخر: بل ثورا، أو قال أحدهما سرق بقرة حمراء. وقال
الآخر بل سوداء، أو قال أحدهما: سرق يوم الخميس، وقال الآخر: بل يوم الجمعة
فلا قطع عليه، فان قال أحدهما: سرق بقرة حمراء، وقال الآخر: بل سوداء فعليه القطع
وقال مالك: إن قال أحد الشاهدين: سرق يوم الخميس، وقال الآخر: بل يوم الجمعة،
وقال اثنان: زنى يوم الخميس، وقال اثنان: بل يوم الجمعة فقد بطل عنه حد السرقة وحد
الزنا قال فلو قال أحدهما قذف زيدا يوم الجمعة، وقال الآخر: قذفه يوم الخميس.
أو قال أحدهما: شرب الخمر يوم الخميس، وقال الآخر: بل يوم الجمعة فعليه حد القذف
وحد الخمر وهذا كله تخليط، وإنما أوردناه لنرى بعون الله تعالى من نصح نفسه وأراد الله
تعالى به خيرا بطلان أقوالهم في التشبيه الذي هو عندهم أصل لقياسهم الباطل وأنه من
ميزه لم يعجز أن يعارض عللهم بمثلها أو بأقوى منها فنقول لجميعهم: أخبرونا عمن شهد
عليه شاهدان بأنه سرق بقرة حمراء، وقال الآخر بيضاء، وعمن شهد عليه شاهدان
بأنه قذف زيدا، وقال أحدهما: أمس، وقال الآخر: بل اليوم. أو قال أحدهما:
شرب خمرا أمس، وقال الآخر: بل اليوم أهذه الشهادة على سرقة واحدة. أو على
سرقتين مختلفتين، وعلى قذف واحد أم على قذفين متغايرين. وعلى شرب واحد أم على شربين
مفترقين (فان قالوا): بل على سرقة واحدة. وشرب واحد. وقذف واحد كابروا
العيان لأنه لا يشك ذو حس سليم في أن شرب يوم الخميس ليس هو شرب يوم الجمعة وإنما هو
شرب آخر وان سرق بقرة صفراء ليس هي سرقة بقرة سوداء، وإنما هي سرقة أخرى
(وان قالوا): بل هي سرقتان مختلفتان. وشربان مختلفان وقذفان مختلفان متغايران
(قيل لهم): فأي فرق بين هذا وبين الشهادات بزنا مختلف أو بسرقة ثور. أو بقرة
أو باختلاف الشهادة في المكان وهذا ما لا سبيل لهم منه إلى التخلص أصلا لا بنص قرآن.
ولا سنة صحيحة. ولا اجماع. ولا قول صاحب. ولا قياس. ولا رأي سديد فسقط
بيقين قول من فرق بين الأحكام التي ذكرنا ولم يبق الا قول من ساوى بينهما فراعى
الاختلاف في كل ذلك. أو لم يراع الاختلاف في شئ من ذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: فوجدنا من راعى الاختلاف في كل ذلك يقول: إذا
341

اختلف الشاهدان في صفة المسروق. أو في زمانه. أو في مكانه فإنما حصل من قولهم فعلان
متغايران فإذ ذلك كذلك فإنما حصل على فعل شاهد واحد ولا يجوز القطع بشاهد واحد
وكذلك القذف فلا يجوز إقامة حد قذف. ولا حد خمر بشاهد واحد فهذه حجتهم ما لهم
حجة غيرها فنظرنا فيها فوجدناها لا تصح لان الذي ينبغي أن يضبط في الشهادة ويطلب به
الشاهد إنما هو ما لا تتم الشهادة الا به والذي ان نقص لم تكن شهادة فهذا هو الذي ان
اختلف الشاهد فيه بطلت الشهادة لأنها لم تتم، وأما ما لا معنى لذكره في الشهادة. ولا
يحتاج إليه فيها. وتتم الشهادة مع السكوت عنه فلا ينبغي أن يلتفت إليه، وسواء اختلف
الشهود فيه. أو لم يختلفوا. سواء ذكروه. أو لم يذكروه واختلافهم فيه كاختلافهم
في قصة أخرى ليست من الشهادة في شئ ولا فرق فلما وجب هذا كان ذكر اللون في الشهادة
لا معنى له وكان أيضا ذكر الوقت في الشهادة في الزنا. وفي السرقة. وفي القذف. وفي الخمر
لا معنى له. وكان أيضا ذكر المكان في كل ذلك لا معنى له فكان اختلافهم في كل ذلك
كاتفاقهم كسكوتهم ولا فرق لان الشهادة في كل ذلك تامة دون ذكر شئ من ذلك وإنما
حكم الشهادة وحسب الشهود أن يقولوا: أنه زنى بامرأة أجنبية نعرفها أولج ذكره
في قبلها رأينا ذلك فقط وما نبالي قالوا: أنها سوداء. أو بيضاء. أو زرقاء. أو كحلاء
مكرهة. أو طائعة. أمس أو اليوم. أو منذ سنة بمصر. أو ببغداد وكذلك لو اختلفوا
في لون ثوبه حينئذ. أو لون عمامته، وكذلك حسبهم أن يقولوا: سرق رأسا من البقر
مختفيا بأخذه ولا عليهما أن يقولا: أقرن. أو اعضب. أو أبتر. أو وافي الذنب ابيض
أو اسود، وهكذا في القذف. وشرب الخمر ولا فرق، فصح ان الشهادة في كل ذلك تامة
مع اختلاف الشهود وما لا يحتاج إلى ذكره في الشهادة إذا اقتضت شهادتهم وجود
الزنا منه. أو وجود السرقة. أو وجود القذف منه أو وجود شرب الخمر منه فقط
لأنهم قد اتفقوا في ذلك، وهذا هو الموجب للحد فإنما أوجب الله تعالى الحد في كل ذلك
بوقوع الزنا ووجوب السرقة أو القذف وأثبت الأربعة الزنا فقد وجب الحد في ذلك
بنص القرآن. والسنة ولم يقل الله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لا تقبلوا الشهادة حتى
يشهدوا على زنا واحد في وقت واحد في مكان واحد وعلى سرقة واحدة لشئ واحد في
وقت واحد في مكان واحد (وما كان ربك نسيا) وتالله لو أراد الله تعالى ذلك لما
أهمله ولا أغفله حتى يبينه فلان وفلان وحاش لله من هذا، فصح ان ما اشترطوه من
ذلك خطأ لا معنى له، وبالله تعالى التوفيق * فليعلموا أن قولهم لا نعلمه عن أحد من
الصحابة رضي الله عنهم ولا نذكره عن تابع الا شيئا ورد عن قتادة *
342

حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
في رجل شهد عليه رجل انه سرق بأرض وشهد عليه آخر بأنه سرق بأرض أحرى
قال: لا قطع عليه، وقد صح عن بعض التابعين ممن نعلمه أعلى من قتادة خلاف هذا
كما نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز
نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه قال: تجوز
شهادة الرجل وحده في السرقة، وقد ذكرنا مثل هذا عن عبيد الله بن أبي بكرة وان
كنا لا نقول به ولكن ليريهم أن تمويههم بأنها شهادة واحدة على فعل واحد كلام
فاسد وبالله تعالى التوفيق *
2277 مسألة - القطع في الضرورة - قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي حدثنا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي
كثير قال: قال عمر بن الخطاب: لا تقطع في عذق. ولا في عام السنة، وبه إلى معمر
عن إبان أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب في ناقة نحرت فقال له عمر: هل لك في
ناقتين عشراوين مرتعتين سمينتين بناقتك؟ فانا لا نقطع في عام السنة - والمرتعتان
الموطأتان - *
قال أبو محمد: من سرق من جهد أصابه فان أخذ مقدار ما يغيث به نفسه
فلا شئ عليه وإنما أخذ حقه فإن لم يجد الا شيئا واحدا ففيه فضل كثير كثوب واحد
أو لؤلؤة. أو بعير. أو نحو ذلك فأخذه كذلك فلا شئ عليه أيضا لأنه يرد فضله
لمن فضل عنه لأنه لم يقدر على فضل قوته منه، فلو قدر على مقدار قوته يبلغه إلى مكان
المعاش فأخذ أكثر من ذلك وهو ممكن لا يأخذه فعليه القطع لأنه سرق ذلك عن
غير ضرورة، وأن فرضا على الانسان أخذ ما اضطر إليه في معاشه فإن لم يفعل فهو
قاتل نفسه وهو عاص لله قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وهو عموم لكل ما اقتضاه
لفظه، وبالله تعالى التوفيق *
2278 مسألة - من سرق من ذي رحم محرمة - قال أبو محمد رحمه الله:
اختلف الناس فيمن سرق من مال كل ذي رحم محرمة فقال مالك. وأبو حنيفة.
والشافعي. وأحمد بن حنبل. وأصحابهم. وسفيان الثوري. واسحق: ان سرق
الأبوان من مال ابنهما. أو بنتهما فلا قطع عليهما، قال الشافعي: وكذلك الأجداد
والجدات كيف كانوا لا قطع عليهم فيما سرقوه من مال من تليه ولادتهم، وقال:
هؤلاء كلهم حاشى مالكا. وأبا ثور لا قطع على الولد ولا على البنت فيما سرقاه من
343

مال الوالدين. أو الأجداد. أو الجدات، قال مالك. وأبو ثور: عليهما القطع
في ذلك، وقال الثوري. وأبو حنيفة. وأصحابه: لا قطع على كل من سرق مالا
لاحد من رحمه المحرمة، وقال أصحابنا: القطع واجب على من سرق من ولده. أو من
والديه. أو من جدته. أو من جده. أو من ذي رحم محرمة. أو غير محرمة واتفقوا
كلهم أنه يقطع فيما سرق من ذي رحمه غير المحرمة، وفيما سرق من أمه من
الرضاعة، وابنته وابنه من الرضاعة وأخوته من الرضاعة *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق
فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا في قول من أسقط القطع عن الأبوين في مال الولد
إذا سرقه فوجدناهم يحتجون بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: " أنت ومالك
لأبيك " قالوا: فإنما أخذ ماله وقالوا: لو قتل ابنه لم يقتل به ولو زنى بأمة ابنه لم يحد
لذلك فكذلك إذا سرق من ماله قال وفرض عليه ان يعفف أباه إذا احتاج إلى الناس
فله في ماله حق بذلك، وقالوا له في ماله حق إذا احتاج إليه كلف الانفاق عليه،
وقالوا قال الله تعالى: (وبالوالدين احسانا) وقال تعالى: (ان اشكر لي ولوالديك)
وقال تعالى: (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) إلى قوله: (كما ربياني صغيرا)
فليس قطع أيديهما فيما أخذ من ماله رحمة، فهذا كل ما شغبوا به في كل ذلك وكل
ذلك لا حجة لهم في شئ منه بل هو عليهم كما نبين إن شاء الله تعالى *
أما ما ذكروا من القرآن فحق الا أنه لا يدل على ما ادعوا من اسقاط القطع
فيما سرقوا من مال الولد ولا على اسقاط الجلد والرجم أو التغريب إذا زنى بجارية
الولد ولا على اسقاط الحد إذا قذف الولد ولا على اسقاط المحاربة إذا قطع الطريق
على الولد * أما قوله تعالى: (وبالوالدين احسانا) فان الله تعالى أوجب الاحسان
إليهما كما أوجبه علينا أيضا لغيرنا قال الله تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل والجار ذي القربى) الآية فان كانت مقدمة الآية
حجة بوجوب الاحسان إلى الأبوين في اسقاط القطع عنهما إذا سرقا من مال الولد
فهي حجة أيضا ولا بد في اسقاط القطع عن كل ذي قربى وعن ابن السبيل وعن
الجار الجنب. والصاحب بالجنب إذا سرقوا من أموالنا وهذا ما لا يقولونه فظهر
تناقضهم وبطل احتجاجهم بالآية، وأيضا فالامر بالاحسان ليس فيه منع من إقامة
الحدود بل إقامتها عليهم من الاحسان إليهم بنص القرآن لقول الله تعالى: (ان
الله يأمر بالعدل والاحسان) وقد أمرنا بإقامة الحدود فاقامتها على من أقيمت عليه
344

احسان إليه وإنها تكفير وتطهير لمن أقيمت عليه وهم لا يختلفون في أن إماما لو كان
له أب أو أم فسرقا فان فرضا عليه إقامة القطع عليهما فبطل تمويههم بالآية جملة
وصح أنها حجة عليهم * وأما قوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك) فحق ومن الشكر
إقامة أمر الله تعالى عليهما وليس يقتضي شكرهما اسقاط ما أمر الله تعالى به فيهما
والذي أمر بشكرهما تبارك اسمه هو الذي يقول: (كونوا قوامين بالقسط شهداء
لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) فصح أمر الله تعالى بالقيام عليهم بالقسط
وبأداء الشهادة عليهم ومن القيام بالقسط إقامة الحدود عليهم وبالله تعالى التوفيق،
وهكذا القول في قوله تعالى: (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) الآية فليس في
شئ من هذا اسقاط الحد عنهم في سرقة من مال الولد ولا في غير ذلك والله تعالى
يقول: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) ولم يكن وجوب الرحمة لبعضنا مسقطا
لإقامة الحدود بعضنا على بعض فبطل تعلقهم بالآيات المذكورات جملة * وأما قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنت ومالك لأبيك " فقد أوضحنا ذلك أن ذلك خبر منسوخ
قد صح نسخه بآيات المواريث وغيرها، وأول من يحتج بهذا الخبر فالحنيفيون.
والمالكيون. والشافعيون لأنهم لا يختلفون في أن الأب إذا أخذ من مال ابنه درهما
وهو غير محتاج إليه فإنه يقضى عليه برده أحب أم كره كما يقضى بذلك على الأجنبي
ولا فرق ولو كان مال الولد للوالد لما قضى عليه برد ما أخذ منه فإذ قد صح أن هذا
الخبر منسوخ وصح أن مال الولد للولد لا للوالد فقد صح أنه كمال الأجنبي ولا فرق *
(فان قالوا) ان للوالدين حقا في مال الولد لأنهما إذا احتاجا أجبر على أن ينفق عليهما
وعلى أن يعف أباه فإذ له في ماله حق فلا يقطع فيما سرق منه فهذا تمويه ظاهر ولم
يخالفهم أحد في أن الوالدين إذا احتاجا فأخذا من مال ولدهما حاجتهما باختفاء أو
بقهر أو كيف أخذاه فلا شئ عليهما فإنما أخذا حقهما وإنما الكلام فيهما إذا أخذا ما لا
حاجة بهما إليه إما سرا وإما جهرا فاحتجاجهما بما ليس من مسألتهما تمويه وهم لا يختلفون
فيمن كان له حق عند أحد فأخذ من ماله مقدار حقه فإنه لا يقطع ولا يقضى عليه
برده فلو كان وجوب الحق للأبوين في مال الولد إذا احتاجا إليه مسقطا للقطع عنهما
إذا سرقا من ماله ما لا يحتاجان إليه ولا حق لهما فيه لوجب ضرورة أن يسقط القطع
عن الغريم الذي له الحق في مال غريمه إذا سرق منه ما لا حق له فيه وهذا لا يقولونه
فبطل ما موهوا به من ذلك والحمد لله رب العالمين * وأما قولهم: لو قتل ابنه لم يقتل
به ولو قطع له عضوا وكسره لم يقتص منه ولو قذفه لم يحد له ولو زنى بأمته لم يحد
345

فكذلك إذا سرق من ماله لم يحد فكلام باطل واحتجاج للخطأ بالخطأ بل لو قتل
ابنه لقتل به ولو قطع له عضوا أو كسره لاقتص منه ولو قذفه لحد له ولو زنى بأمته
لحد كما يحد الزاني وقد بينا كل هذا في أبوابه في كتاب الدماء. والقصاص. وحد
الزنا وحد القذف *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ لم يبق لهم حجة أصلا فالواجب أن نرجع عند
التنازع إلى ما افترض الله تعالى على المسلمين الرجوع إليه إذ يقول: (فان تنازعتم
في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول: (والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما) ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجب القطع على من
سرق، وقال: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلم يخص الله تعالى في ذلك
ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ابنا من أجنبي ولا خص في الأموال مال أجنبي من مال
ابن (وما كان ربك نسيا) وبيقين ندري أن الله تعالى لو أراد تخصيص الأب من
القطع لما أغفله ولا أهمله قال تعالى: (تبيانا لكل شئ) فصح أن القطع واجب
على الأب والام إذا سرقا من مال ابنهما ما لا حاجة بهما إليه ثم نظرنا في قول من
احتج به من رأى اسقاط القطع عن الابن إذا سرق من مال أبويه وعن كل ذي
رحم محرمة فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى: (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من
بيوتكم أو من بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم) الآية إلى قوله تعالى: (أو صديقكم)
قال: فإباحة الله تعالى الاكل من بيوت هؤلاء يقتضي إباحة دخول منازلهم بغير إذنهم
فإذا جاز لهم دخول منازلهم بغير إذنهم لم يكن مالهم محرزا عنهم ولا يجب القطع في
السرقة من غير حرز، وقالوا أيضا فان إباحة الاكل من أموالهم تمنعهم وجوب القطع
لما لهم فيه من الحق كالشريك قالوا: وأيضا فان على ذي الرحم المحرمة أن ينفق على
ذي رحمه عند الحاجة فصار له بذلك حق في ماله بغير بدل فأشبه السارق من بيت
المال قالوا: ولما كان محتاجا إلى ما ينفقه عليه لا حياء نفسه كان ذلك لازما في جميع
أعضائه فلذلك يسقط القطع عن اليد *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كل ما موهوا به ولا حجة لهم في شئ منه أصلا على
ما نبين إن شاء الله تعالى، فأما الآية فحق ولا دليل فيها على ما ذكروا بل هي حجة
عليهم وقد كذبوا فيها أيضا أما كونها لا دليل فيها على ما ادعوه فإنه ليس فيها اسقاط
القطع على من سرق من هؤلاء لا بنص ولا بدليل وإنما فيها إباحة الاكل لا إباحة
الاخذ بلا خلاف من أحد من الأمة (فان قالوا): قسنا الاخذ على الاكل (قلنا لهم):
346

القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لان القياس عند القائلين به
قياس الشئ على نظيره في العلة أو في شبه بوجه ما، ولا يجوز عند أحد من الأمة لا مجيز قياس
ولا مانع قياس الضد على ضده ولا مضادة أكثر من التحريم والتحليل وأنتم مجمعون
معنا ومع الناس على أن الاخذ لعروض الأخ. والأخت. والعم. والعمة. والخال. والخالة.
والأب والام. والصديق من بيوتهم ونقل ما فيها حرام وان الاكل حلال فكيف استحللتم
قياس حكم الحرام الممنوع على حكم الحلال المباح، واما قولهم في الآية وكذبهم فيها
قول هذا الجاهل المقدم ان إباحة الله تعالى الاكل من بيوت هؤلاء يقتضي إباحة دخول
منازلهم بغير اذنهم فليت شعري أين وجدوا هذه في هذه الآية أو في غيرها فيدخل الصديق
منزل صديقه بغير اذنه هذا عجب من العجب أما سمعوا قول الله تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم) إلى قوله تعالى: (فليستأذنوا
كما استأذن الذين من قبلهم) فنص الله تعالى على أنه لا يدخل بالغ أصلا على أحد الا
باذن ودخل في ذلك الأب والابن وغيرهما حاش ما ملكت أيماننا والأطفال فإنهم
لا يستأذنون الا في هذه الأوقات الثلاثة فقط وبالله تعالى التوفيق *
2279 مسألة - سرقة أحد الزوجين من الآخر *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة: لا قطع في
ذلك كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال:
بلغني عن الشعبي قال: ليس على زوج المرأة في سرقة متاعها قطع، وقال أبو حنيفة. وأصحابه:
لا قطع على الرجل فيما سرق من مال امرأته ولا على المرأة فيما سرقت من مال زوجها،
وقال مالك. وأحمد بن حنبل. واسحق. وأبو ثور: على كل واحد منهما القطع فيما
سرق من مال الآخر من حرز، وقال الشافعي ثلاثة أقوال: أحدها كقول أبي حنيفة.
والآخر كقول مالك، والثالث أن الزوج إذا سرق من مالها قطعت يده وان
سرقت هي من ماله فلا قطع عليها *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك فوجدنا من لا يرى القطع
يحتج بما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس
راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة
راعية على بيت بعلها وولدها وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول
عنه ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " وهكذا رواه عبد الله بن عمر بن حفص
347

وحماد بن زيد. وأيوب السختياني. والضحاك بن عثمان. وأسامة بن زيد كلهم عن
نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فيه كما روينا
بالسند المذكور إلى مسلم ني حرملة ني ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن
سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الحديث وزاد فيه
" والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته " قالوا فكل واحد من الزوجين أمين في مال
الآخر فلا قطع عليه كالمودع وزاد بعض من لا يعبأ به في هذا الحديث زيادة لا نعرفها
ولفظا مبدولا وهو المرأة راعية في مال زوجها والرجل راع في مال امرأته *
قال أبو محمد رحمه الله: وكل هذا لا حجة لهم فيه أصلا، أما الخبر المذكور
فحق واجب لا يحل تعديه وهو أعظم حجة عليهم لأنه عليه السلام أخبر أن كل من
ذكرنا راع فيما ذكر وأنهم مسؤولون عما استرعوا من ذلك فإذ هم مسؤولون عن
ذلك فبيقين يدري كل مسلم أنه لم تبح لهم السرقة والخيانة فيما استودعوه وأسلم إليهم
وأنهم في ذلك ان لم يكونوا كالأجنبيين والأباعد ومن لم يسترع فهم بلا شك أشد
إثما وأعظم جرما وأسوأ حالة من الأجنبيين وأن ذلك كذلك فأقل أمورهم أن يكون
عليهم ما على الأجنبيين ولا بد فهذا حكم هذا الخبر على الحقيقة، وأيضا فإنهم لا يختلفون
أن على من ذكرنا في الخيانة ما على الأجنبيين من الزام رد ما خانوا وضمانه وهم
أهل قياس بزعمهم فهلا قاسوا ما اختلف فيه من السرقة والقطع فيها على ما اتفق عليه
من حكم الخيانة ولكنهم قد قلنا إنهم لا النصوص اتبعوا ولا القياس أحسنوا،
وأيضا فليس في هذا الخبر دليل أصلا على ترك القطع في السرقة والقول في الزيادة
التي زادوها سواء كما ذكرنا لو صحت ولا فرق، وأما قولهم إن كليهما كالمودع
وكالمأذون له في الدخول فأعظم حجة عليهم لأنهم لا يختلفون أن المودع إذا سرق
مما لم يودع عنده لكن من مال لمودع آخر في حرزه وأن المأذون له في الدخول
لو سرق من مال محرز عنه للمدخول عليه الاذن له في الدخول لوجب القطع
عليهما عندهم بلا خلاف فيلزمهم بهذا التشبيه البديع بالضد أن لا يسقطوا القطع عن
الزوجين فيما سرق أحدهما من الآخر الا فيما اؤتمن عليه ولم يحرز منه وان لم يجب
القطع على كل واحد منهما فيما لم يأمنه صاحبه عليه وأحرز عنه كالمودع والمأذون
له في الدخول ولا فرق، وهذا قياس لو صح قياس ساعة من الدهر *
قال أبو محمد رحمه الله: فبطل كل ما موهوا به من ذلك والحمد لله رب العالمين،
ثم نظرنا في ذلك في قول من فرق بين الزوج والزوجة فرأى عليه القطع إذا سرق من
348

مالها ولم ير عليها القطع إذا سرقت من ماله فوجدناهم يقولون إن الرجل لا حق له
في مال المرأة أصلا فوجب القطع عليه إذا سرق منه شيئا لأنه في ذلك كالأجنبي فوجدنا
المرأة لها في ماله حقوقا من صداق ونفقة وكسوة وإسكان وخدمة فكانت بذلك كالشريك
ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لهند بنت عتبة إذ أخبرته أن أبا سفيان لا يعطيها
ما يكفيها وولدها فقال لها عليه السلام: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " قالوا فقد
أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها على مال زوجها تأخذ منه ما يكفيها وولدها فهي مؤتمنة عليه
كالمستودع ولا فرق قالوا: والزوج بخلاف ذلك لان الله تعالى قال: (وآتيتم إحداهن
قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) الآية، وقال تعالى: (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه
هنيئا مريئا) فبين الله تعالى تحريم القليل من مالها والكثير عليه *
قال أبو محمد رحمه الله: أما قولهم إن لها في ماله حقوقا من صداق ونفقة وكسوة
واسكان وخدمة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق يدها على ماله حيث كان من حرز أو غير
حرز لتأخذ منه ما يكفيها وولدها بالمعروف إذا لم يوفيها وإياهم حقوقهم فنعم كل هذا حق
واجب وهكذا نقول ولكن لا يشك ذو مسكة من حس سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يطلق يدها على ما لا حق لها فيه من مال زوجها ولا على أكثر من حقها فإذ لا شك في
ذلك فإباحة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لاخذ الحق والمباح ليس فيه دليل أصلا على
اسقاط حدود الله تعالى على من أخذ الحرام غير المباح ولو كان ذلك لكان شرب العصير
الحلال مسقطا للحد عنه إذا تعدى الحلال منه إلى المسكر الحرام ولا فرق بين الامرين فإذ
ذلك كذلك فلها ما أخذت بالحق وعليها ما افترض الله تعالى من القطع فيما أخذت بوجه
السرقة للحق الواجب حكمه وللمباح حكمه وللباطل المحرم حكمه (ومن يتعد حدود الله
فقد ظلم نفسه) وهي في ذلك كالأجنبي سواء سواء يكون له حقوق عند السارق فمباح
له أن يأخذ حقه ومقدار حقه من مال الذي له عنده الحق من حرز أو من غير حرز نعم
ويقاتله عليه ان منعه ويحل له بذلك دمه وهو مأجور في كل ذلك فان تعمد أخذ ما ليس
له بحق فان تعمد أخذه بافساد طريق فهو محارب له حكم المحارب وان أخذه مجاهرا
غير مفسد في الأرض فله حكم الغاصب وإن اخذه مختفيا فله حكم السارق. والمحارب
هذا والزوجة في مال زوجها كذلك لان الله تعالى لم يخص إذ أمر بقطع السارق
والسارقة الا أن تكون زوجة من مال زوجها ولا يكون زوج من مال زوجته (وما
كان ربك نسيا) فصح يقينا أن القطع فرض واجب على الأب والام إذا سرقا من مال
ابنهما وعلى الابن والبنت إذا سرقا من مال أبيهما. وأمهما ما لم يبح لهما أخذه وهكذا
349

كل ذي رحم محرمة أو غير محرمة إذا سرق من مال ذي رحمه أو من غير ذي رحمه ما لم
يبح له أخذه فالقطع على كل واحد من الزوجين إذا سرقا من مال صاحبه ما لم يبح له
أخذه كالأجنبي ولا فرق إذا سرق ما لم يبح وهو محسن ان أخذ ما أبيح له أخذه من
حرز أو من غير حرز وبالله تعالى التوفيق *
2280 مسألة - هل يقطع السارق في أول مرة أم لا؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن ابن جريج أخبرني عبد ربه بن أبي أمية أن الحرث بن عبد الله بن أبي ربيعة حدثه. وابن
سابط الأحول " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعبد قد سرق فقيل يا رسول الله هذا عبد سرق
وأخذت معه سرقته وقامت البينة عليه (1) فقال رجل يا رسول الله هذا عبد بني فلان
أيتام ليس لهم مال غيره فتركه قال ثم أتى به الثانية سارقا ثم الثالثة ثم الرابعة كل ذلك
يقول فيه كما قيل له في الأول قال ثم أتى به الخامسة فقطع يده ثم أتى به السادسة فقطع
رجله ثم السابعة فقطع يده، ثم الثامنة فقطع رجله " قال الحارث: أربع بأربع فأعفاه
الله أربعا وعاقبه أربعا *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا مرسل ولا حجة في مرسل ولقد كان يلزم
الحنيفيين. والمالكيين القائلين بأن المرسل كالمسند أن يقولوا به لا سيما وهم يقولون
بوجوب درء الحدود بالشبهات ولا شبهة أقوى من خبر وارد يعملون بمثله إذا
اشتهوا وتالله ان هذا الخبر على وهيه لارفع أو مثل خبر ابن الحبشي الذي خالفوا له
ظاهر القرآن وأيمن من خبر المسور الذي أسقطوا به ضمان ما أتلف بالباطل من مال
المسروق منه وخالفوا به القرآن في ايجابه تعالى الاعتداء على المعتدي بمثل ما اعتدى به
وأباحوا به المال بالباطل وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: فقطع السارق واجب في أول مرة بعموم القرآن
كما ذكرنا وحسبنا الله ونعم الوكيل *
2281 مسألة - مقدار ما يجب فيه قطع السارق (2) *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في مقدار ما يجب فيه قطع يد السارق فقالت طائفة:
يقطع في كل ما له قيمة قل أو كثر، وقالت طائفة: اما من الذهب فلا تقطع اليد فيه
الا في ربع دينار فصاعدا وأما من غير الذهب ففي كل ما له قيمة قلت أو كثرت
وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في درهم أو ما يساوي درهما فصاعدا، وقالت طائفة:

(1) في النسخة رقم 14 وقامت عليه البينة
(2) في النسخة رقم 14 مقدار ما يجب فيه القطع
350

لا تقطع اليد الا في درهمين أو ما يساوي درهمين فصاعدا، وقالت طائفة: أما من
الذهب فلا تقطع اليد الا في ربع دينار فصاعدا. وأما من غير الذهب فلا تقطع اليد
الا فيما قيمته ثلاثة دراهم فان ساوى ربع دينار أو نصف دينار فأكثر ولم يساو
لرخص الذهب ثلاثة دراهم فلا تقطع اليد فيه وان ساوى ثلاثة دراهم ولم يساو عشر
دينار لغلاء الذهب فلا قطع فيه، وقالت طائفة. اما من الذهب فلا تقطع اليد في
أقل من ربع دينار. وأما من غير الذهب فكل ما يساوي ربع دينار فصاعدا ففيه
القطع فان ساوى عشرة دراهم أو أكثر أو أقل ولا يساوي ربع دينار لغلاء الذهب
أو ساوى ربع دينار ولم يساو نصف درهم لرخص الذهب فالقطع في كل ذلك،
وقالت طائفة: اما من الذهب فلا قطع في أقل من ربع دينار وتقطع في ربع دينار
فأكثر، وأما من غير الذهب فان ساوى ربع دينار ولم يساو ثلاثة دراهم أو ساوى
ثلاثة دراهم ولم يساو ربع دينار قطع في كل ذلك وان لم يساو ربع دينار ولا
ثلاثة دراهم فلا قطع فيه، وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في أربعة دراهم أو ما يساويها
فصاعدا، وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في ثلث دينار أو ما يساويه فصاعدا،
وقالت طائفة لا تقطع اليد الا في خمسة دراهم أو ما يساويها فصاعدا، وقالت طائفة:
لا تقطع اليد الا في دينار ذهب أو ما يساويه فصاعدا، وقالت طائفة: لا تقطع اليد
الا في دينار ذهب أو عشرة دراهم أو ما يساوي أحد العددين فصاعدا فإن لم يساو
لا دينارا ولا عشرة دراهم لم تقطع * وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في عشرة دراهم
مضروبة أو ما يساويها فصاعدا ولا تقطع في أقل *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك فوجدنا ما رويناه من طريق البخاري
نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي نا الأعمش قال: سمعت أبا صالح السمان عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل
فتقطع يده " فكان هذا أيضا نصا بينا جليا على أنه لا حد فيما يجب القطع فيه في السرقة
الا ان يأتي نص آخر مبين لذلك فوجدنا ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
نا أحمد بن شعيب أنا الربيع بن سليمان نا أشعث نا الليث بن سعد عن محمد بن عجلان
عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن
ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه
فيها أبصارهم وهو مؤمن " فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل سرقة ولم يخص عددا من عدد
351

ولو أنه عليه السلام أراد مقدارا من مقدار لبينه كما بين ذلك في النهبة في الحديث المذكور
فخص ذات الشرف التي يرفع الناس إليه أبصارهم ولم يخص في الزنا ولا في السرقة
ولا في الخمر فكانت هذه النصوص المتواترة المتظاهرة المترادفة موافقة لنص القرآن
الذي به عرفنا الله تعالى مراده منا فنظرنا هل نجد في السنة تخصيصا لشئ من هذه
النصوص؟ فوجدنا الخبر الذي ذكرناه من طريق عروة. وعمرة. والزهري. وأبي بكر
ابن حزم كما نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد
ابن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا الوليد بن شجاع أرني ابن وهب أخبرني
يونس عن ابن شهاب عن عروة. وعمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تقطع يد السارق الا في ربع دينار فصاعدا " * وبه إلى مسلم نا بشر بن الحكم العبدي
نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تقطع
يد السارق الا في ربع دينار فصاعدا " *
قال أبو محمد رحمه الله: فخرج الذهب بهذا الخبر عن جملة الآية وعن عموم
النصوص التي ذكرنا قبل ووجب الاخذ بكل ذلك وان يستثنى الذهب من سائر الأشياء
فلا تقطع اليد الا في ربع دينار بوزن مكة فصاعدا ولا تقطع في أقل من ذلك من الذهب
خاصة، ثم نظرنا هل بحد نصا آخر فيما عدا الذهب؟ إذ ليس في هذا الخبر ذكر قيمة
ولا ثمن أصلا ولا دليل على ذلك ولا فيه ذكر حكم شئ غير عين الذهب فإذا يونس
ابن عبد الله قد حدثنا قال: نا عيسى بن أبي عيسى - هو يحيى بن عبد الله بن يحيى - قال:
نا أحمد بن خالد نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الرحيم بن سليمان عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ان يد السارق لم تكن تقطع على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم في أدنى من ثمن حجفة أو ترس كل واحد منهما يومئذ ذو ثمن وان يد السارق لم تكن
تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشئ التافه فكان هذا حديثا صحيحا تقوم به
الحجة وهو مسند لأنها ذكرت عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع يد السارق الا فيه
لأنه لا يشك أحد لا مؤمن ولا كافر في أنه لم يكن في المدينة حيث كانت عائشة وحيث
شهدت الامر أحد يقطع الأيدي في السرقات ويحتج بفعله في الاسلام الا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وحده فصح بهذا الخبر أحكام ثلاثة. أحدها أن القطع إنما يجب في سرقة ما سوى الذهب
فيما يساوي ثمن حجفة أو ترس قل ذلك أو كثر دون تحديد. والثاني أن ما دون ذلك مما لا قيمة
له أصلا وهو التافه لا يقطع فيه أصلا، والثالث بيان كذب من ادعى ان ثمن المجن الذي فيه
352

القطع إنما هو مجن واحد بعينه معروف وهو الذي سرق فقطع فيه النبي
صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لان عائشة أخبرت بأن المراعى في ذلك ثمن حجفة
أو ترس، وكلاهما ذو ثمن فلم يخص الترس دون الحجفة ولا الحجفة دون الترس
وأخبرت أن كليهما ذو ثمن دون تحديد الثمن فصح ما قلناه يقينا، وأما قولنا في الدينار
أنه بوزن مكة فلما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد
ابن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن سليمان الزهراني نا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين -
نا سفيان - هو الثوري - عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاوس عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة
فالمثقال المكي اثنان وثمانون حبة من حب الشعير المجمل لا تنتخب كبيرة ولا تتحر صغيرة فربع
دينار وزنه عشرون حبة ونصف حبة لا قطع في أقل من ذلك من الذهب المحض الصرف
الذي لا ينضاف إليه خلط يظهر له فيه أثر قل أو كثر من ورق أو نحاس أو غير ذلك
وبالله تعالى التوفيق *
2282 مسألة ذكر أعيان الأحاديث الواردة في القطع باختصار *
قال أبو محمد رحمه الله: أما حديث ابن عمر قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
مجن ثمنه ثلاثة دراهم فلم يروه أحد إلا نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا
رواه عنه الثقات الأئمة أيوب السختياني وموسى بن عقبة. وأيوب بن موسى. وحنظلة بن أبي
سفيان الجمحي. وعبيد الله بن عمر بن حفص. وإسماعيل بن أمية. وإسماعيل بن علية. وحماد بن
زيد. ومالك بن أنس. والليث بن سعد. ومحمد بن إسحاق. وجويرية بن أسماء وغير هؤلاء ممن
لا يلحق بهؤلاء ولا يختلف في اللفظ إلا أن بعضهم قال: قيمته وبعضهم قال: ثمنه. ورواه بعض
الثقات أيضا عن حنظلة بن أبي سفيان عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قيمته خمسة
دراهم، وجاء حديث لم يصح لان راويه أبو حرمل ولا يدرى من هو أن جارية سرقت ركوة خمر لم
تبلغ ثلاثة دراهم فلم يقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما القطع في ربع دينار فلم يرو إلا عن عائشة رضي
الله عنها، وروي عنها على ثلاثة أضرب. أحدها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا قطع إلا في ربع
دينار " والثاني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في ربع دينار أو قال: القطع في ربع دينار. والثالث
أنه عليه السلام لم يقطع في أقل من ثمن المجن حجفة أو ترس لا في الشئ التافه أو قطع في مجن ولم
يرو هذه الألفاظ باختلافها عنها رضي الله عنها الا القاسم بن محمد. وعروة بن الزبير. وعمرة
بنت عبد الرحمن. وامرأة عكرمة لم تسم لنا. فأما القاسم فأوقفه على عائشة من لفظها ولم يسنده
لكن أنها قالت: السارق تقطع يده في ربع دينار، وانكر عبد الرحمن ابنه على من رفعه
353

وخطأه. وأما من قال: لا قطع الا في ربع دينار فلم يروه أحد نعلمه إلا يونس عن الزهري
عن عروة. وعمرة عن عائشة مسندا. وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن
عائشة مسندا. ومحمد بن عبد الرحمن عن عمرة عن عائشة مسندا، وأما الذين رووا القطع
في ثمن المجن لا في التافه الذي هو أقل من ثمن المجن وتحديد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
وامرأة عكرمة عن عائشة مسندا، وأما حديث العشرة دراهم أو الدينار فليس فيه
شئ أصلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي أن يجوز التموية فيه على أحد إنما فيه موصولا به
ذكر العشرة دراهم من قول عبد الله بن عمرو بن العاصي ولا يصح عنه أيضا ومن قول
عبد الله بن عباس بن عبد الله وهو قول سعيد بن المسيب وأيمن كذلك وهو عنهم صحيح
الا حديثا موضوعا مكذوبا لا يدرى من رواه من طريق ابن مسعود مسندا لا قطع الا
في ربع دينار أو عشرة دراهم وليس فيه مع عليه ذكر القيمة أصلا *
2283 مسألة - ذكر ما يقطع من السارق *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس فيما يقطع من السارق، فقالت طائفة:
لا تقطع الا اليد الواحدة فقط ثم لا يقطع منه شئ، وقالت طائفة: لا يقطع منه الا اليد
والرجل من خلاف ثم لا يقطع منه شئ، وقالت طائفة: تقطع اليد ثم الرجل الأخرى،
وقالت طائفة: تقطع يده ثم رجله من خلاف ثم رجله الثانية (واختلفوا أيضا) كيف
تقطع اليد وكيف تقطع الرجل وماذا يفعل به إذا لم يبق له ما يقطع وأي اليدين تقطع
وسنذكر إن شاء الله تعالى كل باب من هذه الأبواب والقائلين بذلك وحجة كل طائفة ليلوح
الحق ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، فأما من قال: لا تقطع الا يده فقط فكما
نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء سرق
الأولى قال: تقطع كفه قلت فما قولهم أصابعه قال لم أدرك الا قطع الكف كلها قلت
لعطاء سرق الثانية قال: ما أرى ان تقطع الا في السرقة الأولى اليد فقط قال الله تعالى:
(فاقطعوا أيديهما) ولو شاء أمر بالرجل ولم يكن الله تعالى نسيا، هذا نص قول عطاء،
وأما من قال: تقطع اليد ثم اليد ولا تقطع الرجل فروى عن ربيعة وغيره، وبه قال بعض
أصحابنا، وأما من قال: تقطع يده ثم رجله من خلاف فقط ثم لا يقطع منه شئ فكما
نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية
نا وكيع نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي الضحى قال: كان علي بن أبي طالب
لا يزيد في السرقة على قطع اليد والرجل قال وكيع: ونا شعبة عن عمرو بن مرة عن
عبد الله بن سلمة ان علي بن أبي طالب أتى بسارق فقطع يده ثم أتى به فقطع رجله ثم أتى
354

به الثالثة فقال إني استحيي أن اقطع يده فبأي شئ يأكل أو اقطع رجله فعلى أي شئ
يعتمد؟ فضربه وحبسه * وبه إلى وكيع نا إسرائيل عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن
ابن عابد الأزدي قال: أتى عمر بن الخطاب برجل اقطع اليد والرجل - يقال له سدوم -
فأران أن يقطعه فقال له علي بن أبي طالب: إنما عليه قطع يده ورجله فحبسه عمر *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني عمرو بن دينار قال: كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس السارق يسرق فتقطع
يده ثم يعود فتقطع يده الأخرى قال الله تعالى: (فاقطعوا أيديهما) قال ابن عباس:
بلى ولكن يده ورجله من خلاف، قال عمرو بن دينار: سمعته من عطاء منذ أربعين سنة *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا إسناد في غاية الصحة ويحتمل قول ابن عباس هذا
وجهين. أحدهما بلى ان الله تعالى قال هذا ولكن الواجب قطع يده ورجله ويحتمل
أيضا بلى ان الله تعالى قال هذا وهو الحق ولكن السلطان يقطع اليد والرجل وهذا الوجه
الثاني هو الذي لا يجوز أن يحمل قول ابن عباس على غيره البتة لأنه لا يجوز أن يكون
ابن عباس يحقق أن هذا قول الله تعالى ثم يخالفه ويعارضه إذ لا يحل ترك أمر الله تعالى
الا لسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخة لما ورد في القرآن واردة من عند الله تعالى بالوحي إلى
نبيه عليه السلام فمن الباطل الممتنع ان يخالف قول ابن عباس قول الله تعالى برأيه أو بتقليده
لرأي أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبعد الناس من ذلك وقد دعاهم إلى المباهلة في العول
وغيره، وقال في أمر متعة الحج وفسخه بعمرة ما أراكم الا سيخسف الله بكم الأرض
أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر. وعمر، ومن المحال أن يكون
عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة في ذلك ولا يذكرها وقد أعاذه الله تعالى من ذلك، ومن
المحال أن يسمعه عطاء ويفهم عنه ان عنده في قطع الرجل سنة ينبغي لها ترك القرآن ثم
يأبى عطاء من قطع الرجل في السرقة كما ذكرنا عنه ويتمسك بالقرآن في ذلك ويقول:
(وما كان ربك نسيا) لو شاء الله تعالى أمر بالرجل، فصح يقينا ان ابن عباس لم يرد بقوله
بلى ولكن اليد والرجل الا لتصحيح قطع اليدين فقط على حكم الله تعالى في القرآن
وأن قوله ولكن اليد والرجل إنما أخبر عن فعل أهل زمانه فقط، وعن الزهري
وسالم وغيره إنما قطع أبو بكر الصديق رجله وكان مقطوع اليد قال الزهري:
فلم يبلغنا في السنة الا قطع اليد والرجل لا يزاد على ذلك، وعن إبراهيم النخعي قال
كانوا يقولون لا يترك ابن آدم مثل البهيمة ليس له يد يأكل بها ويستنجي بها وهو
قول حماد بن أبي سليمان. وسفيان الثوري. وأحمد بن حنبل. وأصحابهم *
355

قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في قول من رأى قطع يد السارق الواحدة فقط
ثم لا يقطع منه شئ. وقول من رأى قطع اليد بعد اليد فقط ولم ير قطع الرجل
في ذلك أصلا فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها "
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقطع اليد الا في ربع دينار فصاعدا "، وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده "
وقالت عائشة رضي الله عنها لم تكن الأيدي تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشئ
التافه فهذا القرآن والآثار الصحاح الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت بقطع
الأيدي لم يأت فيها للرجل ذكر، وقال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم)
وقد بينا أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطع رجل السارق شئ أصلا ولو صح
لقلنا به، وما تعديناه ولم يرو في قطع الرجل شئ الا عن أبي بكر. وعمر. وعثمان. وعلي.
ويعلى بن منبه. فأما الرواية عن عثمان فلا تصح. وأما الرواية عن أبي بكر قد جاء
عنه أنه أراد قطع الرجل الثانية في السرقة الثالثة وهم لا يقولون بهذا، وصح عن علي أنه
لم ير قطع الرجل الثانية ولا اليد الثانية فصح الاختلاف عنهم في ذلك رضي
الله عنهم * وما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن
وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم. ومحمد
ابن أبي بكر عن أبيه قال: أراد أبو بكر قطع الرجل بعد اليد والرجل فقال عمر:
السنة في اليد، فهذا عمر رضي الله عنه لم ير السنة الا في اليد *
قال أبو محمد رحمه الله: فانبلج الامر ولله الحمد * وقد روينا من طريق
البخاري نا يحيى بن بكير نا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة أن ابن عباس كان يحدث أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني
رأيت الليلة وذكر الحديث وأن أبا بكر رضي الله عنه عبر تلك الرؤيا وأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه: " أصبت بعضا وأخطأت بعضا " فكل
أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطئ ويصيب *
(فان قال قائل): قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
الراشدين من بعدي " (قلنا): سنة الخلفاء رضي الله عنهم هي اتباع سنته عليه السلام
وأما ما عملوه باجتهاد فلا يجب اتباع اجتهادهم في ذلك، وقد صح عن أبي بكر.
وعمر. وعثمان. وعلي. وابن الزبير. وخالد بن الوليد. وغيرهم القود من اللطمة
356

والحنيفيون. والمالكيون. والشافعيون لا يقولون بذلك، وأما نحن فليس الاجماع
عندنا الا الذي تيقن أنهم أولهم عن آخرهم قالوا به وعملوه وصوبوه دون سكوت
من أحد منهم، ولا خلاف من أحد منهم فهذا حقا هو الاجماع وبالله تعالى التوفيق *
فإذ إنما جاء القرآن. والسنة بقطع يد السارق لا بقطع رجله فلا يجوز قطع رجله
أصلا وهذا ما لا اشكال فيه والحمد لله، فوجب من هذا إذا سرق الرجل أو المرأة
أن يقطع من كل واحد منهما يدا واحدة فان سرق أحدهما ثانية قطعت يده الثانية
بالنص من القرآن. والسنة فان سرق في الثالثة عذر وثقف ومنع الناس ضره حتى يصلح
حاله وبالله تعالى التوفيق *
2284 مسألة - صفة قطع اليد - قد ذكرنا عن علي رضي الله عنه في قطع
الأصابع من اليد وقطع نصف القدم من الرجل. وذكرنا قول عمر رضي الله عنه
وغيره في قطع كل ذلك من المفصل، وأما الخوارج فرأوا في ذلك قطع اليد من
المرفق. أو المنكب *
قال أبو محمد رحمه الله: واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى: (فاقطعوا
أيديهما) قالوا: واليد في لغة العرب اسم يقع على ما بين المنكب إلى طرف
الأصابع وهذا وإن كان أيضا كما ذكرنا عنهم فان اليد أيضا تقع على الكف وتقع
على ما بين الأصابع إلى المرفق فإذ ذلك كذلك فإنما يلزمنا أقل ما يقع عليه اسم يد لان
اليد محرمة قطعها قبل السرقة ثم جاء النص بقطع اليد فواجب أن لا يخرج من
التحريم المتيقن المتقدم شئ الا ما تيقن خروجه ولا يقين الا في الكف فلا يجوز
قطع أكثر منها، وهكذا وجدنا الله تعالى إذ أمرنا في التيمم بما أمر إذ يقول تعالى:
(فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ففسر رسول
الله صلى الله عليه وسلم مراد الله تعالى بذكر الأيدي ههنا وانه الكفان فقط على ما قد أوردناه،
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين حد الحر. وبين حد العبد على ما قد ذكرناه، فإذ قد
نص عليه السلام على أن حد العبد بخلاف حد الحر فهذا عموم لا ينبغي أن يخص منه
شئ بغير نص ولا اجماع فالواجب ان سرق العبد أن تقطع أنامله فقط وهو نصف
اليد فقط وان سرق الحر قطعت يده من الكوع وهو المفصل، وأما في المحاربة
فتقطع يد الحر من المفصل ورجله من المفصل وتقطع من العبد أنامله من اليد ونصف
قدمه من الساق كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نأخذ من قول كل قائل
357

ما وافق النص ونترك ما لم يوافقه وبالله تعالى التوفيق * (1)
2285 مسألة - قطع اليد فيمن جحد العارية * قال أبو محمد رحمه الله:
روينا من طريق مسلم نا عبد بن حميد نا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وذكر الحديث *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن
عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع فتجحده فأمر
النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم أسامة النبي صلى الله عليه وسلم فيها
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أسامة الا أراك تكلم في حد من حدود الله ثم قام عليه السلام خطيبا
فقال إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف
قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية " *
وعن نافع عن ابن عمر قال: " كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر
النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها " قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي فقلت له تذهب إلى هذا
الحديث فقال: لا أعلم شيئا يدفعه وقال تقطع يد المستعير إذا جحد ثم أقر *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا عثمان بن عبد الله بن الحسن
ابن حماد نا عمرو بن هاشم أبو مالك عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع عن

(1) وجد في هامش نسخة رقم 14 ما نصه * وأما أي اليدين تقطع؟ فان عبد الله بن ربيع
ثنا قال ثنا ابن مفرج ثنا قاسم بن اصبغ ثنا ابن وضاح ثنا سحنون ثنا ابن وهب عن مخرمة بن
بكير بن الأشج عن أبيه عن نافع مولى ابن عمر قال: سرق سارق بالعراق في زمان علي بن أبي
طالب فقدم ليقطع يده فقدم السارق يده اليسرى ولم يشعروا فقطعت فأخبر على
ابن أبي طالب خبره فتركه ولم يقطع يده الأخرى وبهذا يقول مالك. وأبو حنيفة وقال
بعض أصحابنا على متولى القطع دية اليد وقال قائلون تقطع اليمنى، واحتجوا أن الواجب
قطع اليمنى واحتجوا في ذلك بقراءة ابن مسعود (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما)
والقراءة غير صحيحة وادعوا إجماعا وهو باطل يرده قطع على الشمال عن اليمين واكتفاؤه
بذلك فلو وجب قطع اليمين لما أجزأ عن ذلك قطع الشمال كما لا يجزئ الاستنجاء
باليمين ولا الاكل بالشمال ولا نص الا وجوب قطع اليد أو الأيدي في الكتاب والسنة
الا أننا نستحب قطع اليمين للأثر عنه عليه السلام أنه كان يحب التيمن في شأنه كله *
انتهى وقد أشار الناسخ إلى أن هذا ما ذكره وجده في نسخة أخرى فنقله *
358

ابن عمر قال: " ان امرأة كانت تستعير الحلى للناس ثم تمسكه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتب
إلى الله ورسوله وترد ما تأخذ على القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فخذ بيدها
فاقطعها " *
قال أبو محمد رحمه الله: وكان من اعتراض من انتصر لهذا القول إن قال في
الحديث الذي رويتم
الحديث الذي رويتم مختلف فيه فروى بعضهم ان تلك المخزومية سرقت كما روينا من
طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة
" أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقالوا: ومن يجترئ عليه الا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمه أسامة فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال يا أيها الناس
إنما هلك الذين من قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم
الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " *
ومن طريق مسلم نا حرملة أخبرني ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب
أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم " ان قريشا أهمهم شأن المخزومية
التي سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فقالوا من يكلم فيها رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من يجترئ عليه الا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتشفع في حد من
حدود الله؟ فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله فلما كان العشى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاختطب فأثنى على الله تعالى بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنما هلك الذين من قبلكم انهم
كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وان سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي
نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر بتلك المرأة
التي سرقت فقطع يدها " فهؤلاء يرون أنها سرقت، قالوا: ومن الدليل على أنها امرأة
واحدة وقصة واحدة وأنها سرقت وان من روى استعارت قد وهم أن في جمهور هذه
الآثار انهم استشفعوا لها بأسامة بن زيد وان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
أنكر ذلك عليه ونهاه أن يشفع في حد من حدود الله تعالى ومن المحال أن يكون أسامة
ابن زيد رضي الله عنه قد نهاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
أن يشفع في حد من حدود الله تعالى ثم يعود فيشفع في حد آخر مرة أخرى،
وقالوا: إن المستعير خائن ولا قطع على خائن لا سيما وقد نا عبد الله بن ربيع نا ابن
مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج
359

يحدث عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس
على الخائن ولا على المختلس ولا على المنتهب قطع " قال: وتحتمل رواية من روى
أنها استعارت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعها أنهم أرادوا التعريف بأنها هي التي
كانت استعارت الحلى وسرقت فقطعت للسرقة لا للعارية، قالوا: وهذا كما روى
" أفطر الحاجم والمحجوم " ورأي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي خلف الصف فأمره
بإعادة الصلاة، قالوا: وليس من أجل الحجامة أخبر بأنهما أفطرا لكن بغير ذلك
وليس من أجل الصلاة خلف الصف أمره بالإعادة لكن بغير ذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا كل ما شغبوا به قد تقصيناه وكل ذلك لا حجة
لهم في شئ منه على ما نبين إن شاء الله تعالى فنقول: وبالله تعالى التوفيق *
أما كلامهم في اختلاف الرواية عن الزهري فلا متعلق لهم به لان معمرا. وشعيب
ابن أبي حمزة روياه عن الزهري وهما في غاية الثقة والجلالة وكذلك أيوب بن موسى
كلهم يقولون: انها كانت تستعير المتاع فتجحده فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع
يدها وأخبر أنه حد من حدود الله تعالى ولم يضطرب على معمر في ذلك ولا على
شعيب بن أبي حمزة وان كانا خالفهما الليث. ويونس بن أبي يزيد. وإسماعيل
ابن أمية. وإسحاق بن راشد فان الليث قد اضطرب عليه أيضا وكذلك على يونس
ابن يزيد فان الليث. ويونس. وإسماعيل. واسحق ليسوا فوق معمر. وشعيب
في الحفظ وقد وافقهما ابن أخي الزهري عن عمه، وأما تنظيرهم في ذلك بالثابت
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم " أفطر الحاجم والمحجوم " وبأمره صلى الله عليه وسلم الذي
صلى خلف الصف بإعادة الصلاة فما زادوا على أن فضحوا أنفسهم واستحلوا في
الكذب الذي لا يستسهله مسلم لأنهم يقولون: انهما أفطرا لأنهما كانا يغتابان الناس
فقيل لهم فمن اغتاب الناس وهو صائم أفطر عندكم قالوا: لا وهذه مضاحك وشماتة
الأعداء واستخفاف بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم مع الكذب عليه أن يقول عليه السلام:
" أفطر الحاجم والمحجوم " فيقولون هم لم يفطر واحد منهما، فان قيل لهم أتكذبون
النبي صلى الله عليه وسلم في قوله افطرا؟ قالوا: افطرا بغير ذلك وهو الغيبة، فان قيل لهم أتفطر
الغيبة؟ قالوا لا فرجعوا إلى ما فروا عنه كيدا لأهل الاسلام ولم اغتر بهم من
الضعفاء المخاذيل * واما حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم في المصلى خلف الصف وحده بإعادة
الصلاة فلو لم يرو أحد عشر من الصحابة بالأسانيد الثابتة أمره صلى الله عليه وسلم بإقامة الصفوف
والتراص فيها والوعيد على خلاف ذلك لأمكن أن يعذروا بالجهل فكيف ولا عذر لهم
360

لأنه لا يجوز لمسلم أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لامته: أفطر الحاجم والمحجوم "
وأمر المصلى خلف الصف وحده بإعادة الصلاة ثم لا يبين لهم الوجه الذي أفطرا
به ولا الوجه الذي أمر من أجله المصلى خلف الصف بإعادة الصلاة، فهذا طعن
على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحل لمسلم أن يظن أنه عليه السلام أمره بالإعادة لأمر لم يبينه
علينا. وأما قولهم أن المستعير الجاحد خائن ولا قطع على خائن والحديث بذاك عن
جابر وقد ذكرنا قبل فساد هذا الخبر في صدر كلامنا في قطع السارق، وأن ابن
جريج لم يسمعه من أبى الزبير وأن أبا الزبير لم يسمعه من جابر لأنه قد أقر على
نفسه بالتدليس فسقط التعلق بهذا الخبر والحمد لله رب العالمين *
قال أبو محمد رحمه الله: فنقول وبالله تعالى نستعين ان رواية من روى أنها
استعارت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها. ورواية من روى أنها سرقت فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها صحيحان لا مغمز فيهما لان كليهما من رواية الثقات
التي تقوم بها الحجة في الدين على ما أوردنا، والعجب كله فيمن يتعلل في رد هذه السنة
بهذا الاضطراب وهم يأخذون بحديث " لا قطع إلا في ربع دينار " وبحديث
" القطع في مجن ثمنه عشرة دراهم " وهما من الاضطراب بحيث قد ذكرناه
وذلك الاضطراب أشد من الاضطراب في هذا الخبر بكثير أو يأخذ بخبر ابن عمر
قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن ثمنه ثلاثة دراهم وليس فيه بيان أن ذلك حد القطع
وقد عارضه مثله في الصحة من القطع في ربع دينار *
قال أبو محمد رحمه الله: فان في هذا الوجه من الاضطراب ليس علة في شئ من
الاخبار فلنقل بعون الله تعالى إن في هاتين الروايتين اللتين إحداهما استعارت المتاع فجحدت
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعها وفي الأخرى انها سرقت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع
يدها يخلو من أن يكونا في قصتين اثنتين في امرأتين متغايرتين أو يكونا في قصة واحدة في
امرأة واحدة فان كانت في قصتين وفي امرأتين فقد انقطع الهذر وبطل الشغب جملة
ويكون الكلام في شفاعة أسامة فيهما جميعا على ما قد ذكرنا من البيان من أنه شفع في السرقة
فنهى ثم شفع في المستعيرة وهو لا يعلم أن حد ذلك أيضا القطع على أننا لو شئنا القطع
فإنهما امرأتان متغايرتان وقضيتان اثنتان لكان لنا متعلق بخلاف دعاويهم المجردة
من كل علقة الا من المجاهرة بالباطل والجسر على الكذب لكان كما نا حمام نا ابن مفرج
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال: أخبرني عكرمة بن خالد
361

المخزومي أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي أخبره " ان امرأة جاءت
إلى امرأة فقالت إن فلانة تستعيرك حليا - وهي كاذبة - فأعارتها إياه فمكثت لا ترى حليها
فجاءت التي كذبت على فيها فسألتها حليها فقالت ما استعرت منك شيئا فرجعت إلى
الأخرى فسألتها حليها فأنكرت أن تكون استعارت منها شيئا فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم
فدعاها فقالت والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال: اذهبوا فخذوه من تحت
فراشها فأخذ وأمر بها فقطعت " قال ابن جريج: وأخبرني بشر بن تميم أنها أم عمرو بنت
سفيان بن عبد الأسد قال ابن جريج: لا اخذ غير هالا اخذ غيرها قال ابن جريج: وأخبرني
عمرو بن دينار قال: أخبرني الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: " سرقت امرأة
فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عمرو بن أبي سلمة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي إنها عمتي فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " قال عمرو بن دينار: فلم أشك حين قال
حسن: قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها عمتي إنها بنت الأسود بن عبد الأسد *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا ابن جريج يحكي عن عمرو بن دينار أنه لا يشك
ان التي سرقت بنت الأسود بن عبد الأسد ويخبر عن بشر التيمي ان التي استعارت هي
بنت سفيان بن عبد الأسد وهما ابنتا عم مخزوميتان عمهما أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه
زوج أم سلمة رضي الله عنها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنا نقول وبالله تعالى التوفيق
هبك انها امرأة واحدة وقصة واحدة فلا حجة فيها لان ذكر السرقة إنما هو من لفظ
بعض الرواة لا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ذكر الاستعارة وإنما لفظ النبي صلى الله عليه وسلم لو
كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتها فهذا يخرج على وجهين يعني ذكر السرقة أحدهما
أن يكون الراوي يرى أن الاستعارة سرقة فيخبر عنها بلفظ السرقة، والوجه الآخر هو
أن الاستعارة ثم الجحد سرقة صحيحة لا مجازا لان المستعير إذا أتى على لسان غيره فإنه
مستخف بأخذ ما أخذ من مال غيره يورى بالاستعارة لنفسه أو لغيره ثم يملكه مستترا
مختفيا فهذه هي السرقة نفسها دون تكلف فكان هذا اللفظ خارجا عما ذكرنا أحسن
خروج وكان لفظ من روى العارية لا يحتمل وجها آخر أصلا *
قال أبو محمد رحمه الله: فتقطع يد المستعير الجاحد كما تقطع من السارق سواء
سواء من الذهب في ربع دينار لا في أقل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا قطع إلا في ربع
دينار فصاعدا " وفي غير الذهب في كل ماله قيمة: قلت أو كثرت لأنه قطع في مال
أخذ اختفاء لا مجاهرة وتقطع المرأة كالرجل لاجماع الأمة كلها على أن حكم الرجل
في ذلك كحكم المرأة ومن مسقط القطع عنها ومن موجب القطع عليها ولا قطع في ذلك
362

الا ببينة تقوم بالاخذ والتمليك مع الجحد أو الاقرار بذلك فان عاد مرة أخرى قطعت
اليد الأخرى لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يدها وهذا عموم لان المستعير طلبه العارية
مستخفيا بمذهبه في أخذه فكان سارقا فوجب عليه القطع وحسبنا الله ونعم الوكيل *
2286 مسألة - قطع الدراهم - نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا
أحمد بن خالد نا أبو عبيد بن محمد الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق
نا داود بن قيس أخبرني خالد بن أبي ربيعة أن ابن الزبير حين قدم مكة وجد رجلا
يقرض الدراهم فقطع يده * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ
نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب انا عبد الجبار بن عمر عن أبي عبد الرحمن التيمي قال:
كنت عند عمر بن عبد العزيز وهو إذ ذاك أمير على المدينة فأتى برجل يقطع الدراهم وقد
شهد عليه فضربه وحلقه وأمر به فطيف به وأمره أن يقول هذا جزاء من يقطع الدراهم
ثم أمر به أن يرد إليه فقال أما اني لم يمنعني من أن أقطع يدك الا أني لم أكن تقدمت
في ذلك قبل اليوم وقد تقدمت في ذلك فمن شاء فليقطع *
قال أبو محمد رحمه الله: وروينا من طريق سعيد بن المسيب أنه قال وددت أني رأيت
الأيدي تقطع في قرض الدنانير والدراهم *
قال أبو محمد رحمه الله: معنى هذا أنه كانت الدارهم يتعامل بها عددا دون وزن
فكان من عليه دراهم أو دنانير يقرض بالجلم من تدويرها ثم يعطيها عددا ويستفضل
الذي قطع من ذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا عمل ابن الزبير - وهو صاحب - لا يعرف له مخالف
من الصحابة رضي الله عنهم والحنيفيون يجعلون نزحه زمزم من زنجي وقع فيها حجة
واجماعا لا يجوز خلافه في نصر باطلهم في أن الماء ينجسه ما وقع فيه وان لم يغيره وليس
في خبرهم أن زمزم لم تكن تغيرت ولعلها قد كانت تغيرت ولعل الماء كان فيها قدر
أقل من قلتين كما يقول الشافعي، وكيف وقد صح أن المؤمن لا ينجس وهم يحتجون
بهذا واسقاطهم السنة الثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من غسل ميتا فليغتسل فهم
يحتجون بأن المؤمن لا ينجس حيث لا مدخل له فيه وليس الغسل من غسل الميت
تنجيسا من الميت ولا كرامة بل هو طاهر إن كان مؤمنا لكنها شريعة كالغسل من
الايلاج وإن كان كلا الفرجين طاهرا، وكالغسل من الاحتلام، فان ذكروا ما ناه
عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن
ابن لهيعة عن عبد الملك بن عبد العزيز أن عبد الله بن الزبير ضرب رجلا في قطع
363

الدنانير والدراهم قلنا وبالله تعالى التوفيق هذا لا يخالفه ما ذكرنا عنه قبل لان هذا
ليس فيه أنه قرض مقدار ما يجب فيه القطع فلا يلزمه قطع وأما نحن فلا حجة عندنا
في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت عنه عليه السلام ايجاب القطع في قرض
الدنانير. والدراهم، ولا يقع عليه اسم سارق ولا مستعير وبالله تعالى التوفيق *
2287 مسألة - في تحريم الخمر واختلاف الناس في حد شاربها * قالت
طائفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرض فيها حدا وإنما فرضه من بعده، وقالت طائفة:
لا حد فيها أصلا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرض فيها حدا * وقالت طائفة: بل
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها حدا، ثم اختلفوا فقالت طائفة ثمانين، وقالت طائفة:
أربعين فأما من قال لم يوقت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حدا فإنهم ذكروا في ذلك ما ناه
عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا عبد الله
ابن عبد الوهاب الحجبي أنا خالد بن الحرث نا سفيان الثوري نا أبو حصين قال: سمعت
عمير بن سعد النخعي يقول: سمعت علي بن أبي طالب قال: ما كنت لأقيم حدا على
أحد فيموت فأجد في نفسي الا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم يسنه *
قال أبو محمد رحمه الله: هكذا ناه عبد الرحمن بن عبد الله * وبه إلى البخاري
نا قتيبة بن سعيد نا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختياني عن عبد الله بن
أبي مليكة عن عقبة بن الحرث أنه قال: جئ بالنعيمان أو ابن النعيمان فأمر من كان
في البيت أن يضربوه فكنت أنا فيمن ضربوه بالنعال * وبه إلى البخاري نا قتيبة
نا أبو ضمرة نا أنس بن عياض عن يزيد بن الهادي عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم
برجل شرب فقال اضربوه قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده ومنا الضارب بنعله
والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال: لا تقولوا هذا
لا تعينوا عليه الشيطان " * وبه إلى البخاري نا مكي بن إبراهيم عن أبي الجعد عن
يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال: " كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبى بكر وصدرا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا
ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد
ثمانين " * وبه إلى البخاري نا يحيى بن بكير ني الليث بن سعد نا خالد بن يزيد عن
سعيد بن هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد
364

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشرب فأتى به يوما فأمر به فجلد فقال
رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه
فوالله ما علمته إلا يحب الله ورسوله فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك سنته
ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين ثم جلد عمر أربعين صدرا من إمارته ثم جلد عثمان
الحدين كليهما ثمانين وأربعين ثم أثبت معاوية الحد ثمانين *
قال أبو محمد رحمه الله: فمن تعلق بزيادة عمر رضي الله عنه ومن زادها معه
على وجه التعزير وجعل ذلك حدا واجبا مفترضا فيلزمه أن يحرق بيت بائع الخمر
ويجعل ذلك حدا مفترضا لان عمر فعله وأن ينفى شارب الخمر أيضا ويجعله حدا
واجبا لان عمر فعله، فان قال قد قال عمر: لا أغرب بعده أحدا قيل وقد جلد عمر
أربعين وستين في الخمر بعد أن جلد الثمانين بأصح اسناد يمكن وجوده، ويلزمهم
أن يحلقوا شارب الخمر بعد الرابعة كما فعل عمر فلا يحدونه أصلا، ويلزمهم ان
يوجبوا جلد ثمانين أيضا ولا بد على من فضل عليا على أبي بكر أو على عمر أو على
من فضل عمر على أبي بكر لان عمر وعليا قالا ذلك بحضرة الصحابة ويلزمهم أن
يجلد حدا واجبا كل من كذب على الله تعالى وعلى القرآن والا فقد تناقضوا بالباطل
فظهر فساد قولهم *
قال أبو محمد رحمه الله: وصح بما ذكرنا أن القول بجلد أربعين في الخمر هو قول
أبي بكر. وعمر. وعثمان. وعلي. والحسن بن علي. وعبد الله بن جعفر بحضرة جميع
الصحابة رضي الله عنهم، وبه يقول الشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهما: وبه نأخذ وبالله
تعالى التوفيق *
2288 مسألة هل يقتل شارب الخمر بعد أن يحد فيها ثلاث مرات أم لا؟
قال أبو محمد رحمه الله: (1) اختلف الناس في شارب الخمر يحد فيها ثم يشربها

(1) وجد في هامش نسخة رقم 14 زيادة غير موجودة في بقية النسخ وهاك نصها *
قال أبو محمد رحمه الله: الخمر حرام بنص القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجماع
الأمة فمن استحلها ممن سمع النص في ذلك وعلم بالاجماع فهو كافر مرتد حلال الدم
والمال فاما القرآن فقوله تعالى: (إنما الخمر) إلى قوله تعالى: (فاجتنبوه) فامر تعالى باجتناب
الرجس جملة وأخبر تعالى أن الخمر من الرجس ففرض اجتنابها لان أوامر الله تعالى
على الفرض حتى يأتي نص آخر يبين أنه ليس فرضا، وقال تعالى: (إنما حرم ربى
الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق) فنص تعالى على تحريم الاثم
وقال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير) فصح أن الاثم حرام وأن
في الخمر اثما وأن مواقعها مواقع إثم فهو مواقع المحرم نصا * وأما من السنة فمعلوم مشهور *
تمت هذه النسخة والحمد لله كثيرا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله *
365

فيحد فيها ثانية ثم يشربها فيحد فيها ثالثة ثم يشربها الرابعة فقالت طائفة: يقتل،
وقالت طائفة: لا يقتل، فأما من قال يقتل فكما نا أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد
ابن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا الحرث - هو ابن أبي أسامة - نا عبد الوهاب
ابن عطاء أنا قرة بن خالد عن الحسن بن عبد الله بن النصري عن عبد الله بن عمرو
ابن العاصي أنه قال ائتوني برجل أقيم عليه حد في الخمر فإن لم أقتله فانا كاذب، وقال مالك.
والشافعي. وأبو حنيفة. وغيرهم: أن لا قتل عليه وذكروا ذلك عن عمر بن الخطاب.
وسعد بن أبي وقاص *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ننظر في ذلك فوجدنا
من رأى قتله كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا موسى
ابن إسماعيل ثنا أبو سلمة انا ابان - هو ابن يزيد العطار - عن عاصم - هو ابن أبي النجود -
عن أبي صالح السمان عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شربوا
الخمر فاجلدوهم ثم إن شربوا فاجلدوهم ثم إن شربوا فاقتلوهم " * حدثنا حمام نا ابن مفرج
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن
ذكوان - هو أبو صالح السمان - عن معاوية ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في شارب الخمر: " ان
شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب الرابعة فاضربوا عنقه " *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا محمد بن رافع نا عبد الرزاق
نا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من شرب الخمر
فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب في الرابعة - ذكر
كلمة معناها - فاقتلوه " * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " من شرب الخمر فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم
إذا شرب فاقتلوه " *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذان طريقان في نهاية الصحة وقد روي من طريق آخر
لا يعتمد عليها ولو ظفر ببعضها المخالفون من الحاضرين لطاروا به كل مطير * من ذلك
366

ما ناه أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا محمد بن
أيوب الصموت نا أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار نا محمد بن يحيى القطعي نا الحجاج
ابن المنهال نا حماد بن سلمة عن جميل بن زياد عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه ثلاثا فان عاد في الرابعة فاقتلوه " * حدثنا عبد الله
ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا
جرير - هو ابن عبد الحميد - عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحيم بن إبراهيم عن عبد الله
ابن عمر بن الخطاب ونفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب
فاقتلوه " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا محمد بن يحيى
ابن عبد الله نا محمد بن عبد الله الرقاشي نا يزيد بن زريع عن محمد بن إسحاق عن عبد الله
ابن عتبة عن عروة بن مسعود عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن
شرب فاقتلوه " * حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث أنا أبو بكر بن أحمد بن خالد نا أبي
نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة عن شبابة بن سوار عن ابن أبي ذئب عن الحرث
ابن عبد الرحمن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " إذا سكر فاجلدوه ثم إذا سكر فاجلدوه ثم إن سكر فاضربوا
عنقه " * حدثنا أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن اصبغ
نا أحمد بن زهير نا إبراهيم بن عبد الله انا هشام انا مغيرة بن معبد بن خالد عن عبد بن
عبد عن معاوية رفع الحديث قال: " من شرب الخمر فاضربوه فان عاد فاضربوه فان
عاد فاقتلوه " قال أحمد بن زهير: هكذا قال عبد بن عبد - وعبد بن عبد هو أبو عبد الله
الجدلي - قال أحمد بن زهير سألت يحيى بن معين عن أبي عبد الله الجدلي قال هو فلان
ابن عبد كوفي ثقة من قيس لم يحفظ يحيى اسمه *
قال أبو محمد رحمه الله: وقد روى هذا الحديث أيضا شرحبيل بن أوس.
وعبد الله بن عمرو بن العاص. وأبو غطيف الكندي كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رحمه الله: وأقل من هذا يجعلون فيما وافقهم نقل تواتر كقول
الحنيفيين في شرب النبيذ المسكر وكاعتماد المالكيين في ابطال السنن الثابتة في التوقيت
في المسح على رواية أبي عبد الله الجدلي وغير ذلك لهم كثير *
قال أبو محمد رحمه الله: فكانت الرواية في ذلك عن معاوية. وأبي هريرة
367

ثابتة تقوم بها الحجة وبالله تعالى التوفيق، فنظرنا فيما احتج به المخالفون فوجدناهم
يقولون: ان هذا الخبر منسوخ وذكروا في ذلك ما نا عبد الله بن ربيع نا محمد
ابن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد نا عمى - هو
يعقوب بن سعد - نا شريك عن محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن
عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا شرب الرجل فاجلدوه فان عاد فاجلدوه فان عاد
فاجلدوه فان عاد الرابعة فاقتلوه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منا فلم يقتله *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن موسى
نا زياد بن عبد الله البكائي ني محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن
عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاضربوه فان عاد فاضربوه
فان عاد فاضربوه فان عاد في الرابعة فاضربوا عنقه - فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيمان
أربع مرات - " فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد رفع *
حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا إسماعيل بن إسحاق
نا أبو ثابت نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد أخبرني ابن شهاب أن قبيصة بن
ذؤيب حدثه أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لشارب الخمر: " ان شرب
فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه - فأتى
برجل قد شرب ثلاث مرات فجلده ثم أتى به في الرابعة فجلده ووضع القتل عن الناس،
قال محمد بن عبد الملك قد نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي نا سعيد بن أبي
مريم أنا سفيان بن عيينة قال: سمعت ابن شهاب يقول لمنصور بن المعتمر من
وافد أهل العراق بهذا الخبر - يعني حديث قبيصة بن ذؤيب هذا * حدثنا عبد
الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد الفربري نا البخاري نا يحيى بن بكير
ني الليث ني خالد بن يزيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب
" أن رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان
يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده
في الشرب فأتى به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر
ما يؤتى به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه فوالله ما علمته إلا يحب الله
ويحب رسوله " وذكروا الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل
دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنى بعد احصان أو نفس بنفس "
فلا يجوز أن يقتل أحد لم يذكر في هذا الخبر *
368

قال أبو محمد رحمه الله: فلو أن المالكيين. والحنيفيين. والشافعيين احتجوا
على أنفسهم بهذا الخبر في قتلهم من لم يبح الله تعالى قتله قط ولا رسوله عليه السلام
كقتل المالكيين بدعوى المريض وقسامة اثنين في ذلك وقتلهم. والشافعيين من فعل
فعل قوم لوط ومن أقر بفرض صلاة وقال لا أصلى. وكقتل الحنيفيين. والمالكيين
الساحر وكل هؤلاء لم يكفر. ولا زنى وهو محصن. ولا قتل نفسا فهذا كله نقض احتجاجهم
في قتل شارب الخمر في الرابعة بقول النبي صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رحمه اله: هذا كل ما احتجوا به وذكروا عن الصحابة ما نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن عبد الكريم
ابن أبي أمية بن أبي المخارق عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب جلد أبا محجن في الخمر
ثماني مرات وروى نحو ذلك عن سعيد أيضا وكل ذلك لا حجة لهم فيه على ما نبين إن شاء الله
تعالى * وأما حديث جابر بن عبد الله في نسخ الثابت من الامر بقتل شارب الخمر في الرابعة فإنه
لا يصح لأنه لم يروه عن ابن المنكدر أحد متصلا الا شريك القاضي. وزياد بن عبد الله البكائي
عن محمد بن إسحاق عن ابن المنكدر وهما ضعيفان * وأما حديث قبيصة بن ذؤيب فمنقطع ولا
حجة في منقطع * وأما حديث زيد بن أسلم الذي من طريق معمر عنه فمنقطع، ثم لو صح لما
كانت فيه حجة لأنه ليس فيه أن ذلك كان بعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل فإذ ليس ذلك فيه
فاليقين الثابت لا يحل تركه للضعيف الذي لا يصح ولو صح لكان ظنا فسقط التعلق به جملة
ولو أن انسانا يجلده النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر ثلاث مرات قبل أن يأمر بقتله في
الرابعة لكان مقتضى أمره صلى الله عليه وسلم استئناف جلده بعد ذلك ثلاث مرات
ولابد لأنه عليه السلام حين لفظ بالحديث المذكور أمر في المستأنف بضربه ان
شرب ثم بضربه ان شرب ثانية ثم بضربه ثالثة ثم بقتله رابعة هذا نص
حديثه وكلامه عليه السلام فإنما كان يكون حجة لو بين فيه أنه أتى به أربع مرات
بعد أمره عليه السلام بقتله في الرابعة وهكذا القول سواء سواء في حديث عمر الذي
من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم *
قال أبو محمد رحمه الله: فأما نحن فنقول وبالله تعالى التوفيق: ان الواجب
ضم أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم كلها بعضها إلى بعض والانقياد إلى جميعها
والاخذ بها وأن لا يقال في شئ منها هذا منسوخ الا بيقين، برهان ذلك قول الله تعالى.
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فصح أن كل ما أمر الله تعالى به أو رسوله صلى الله عليه وسلم
ففرض علينا الاخذ به والطاعة له ومن ادعى في شئ من ذلك نسخا فقوله مطرح
369

لأنه يقول لنا لا تطيعوا هذا الامر من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم فواجب علينا
عصيان من أمر بذلك إلا أن يأتي نص جلي بين يشهد بأن هذا الامر منسوخ أو اجماع
على ذلك أو بتاريخ ثابت مبين أن أحدهما ناسخ للآخر وأما نحن فان قولنا هو ان الله تعالى
قد تكفل بحفظ دينه وأكمله ونهانا عن اتباع الظن فلا يجوز البتة أن يرد نصان يمكن
تخصيص أحدهما من الآخر وضمه إليه الا وهو مراد الله تعالى منها بيقين وأنه لا نسخ
في ذلك بلا شك أصلا ولو كان في ذلك نسخ لبينه الله تعالى بيانا جليا ولما تركه ملتبسا مشكلا
حاش لله من هذا *
قال أبو محمد رحمه الله: فلم يبق الا أن يرد نصان ممكن أن يكون أحدهما مخصوصا
من الآخر لأنه أقل معاني منه وقد يمكن أن يكون منسوخا بالأعم ويكون البيان قد جاء
بأن الأخص قبل الأعم بلا شك فهذا إن وجد فالحكم فيه النسخ ولا بد حتى يجئ نص
آخر أو إجماع متيقن على أنه مخصوص من العام الذي جاء بعده، برهان ذلك أن الله تعالى
قال في كتابه: (تبيانا لكل شئ) وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتبين للناس ما نزل إليهم)
والبيان بلا شك هو ما اقتضاه ظاهر اللفظ الوارد ما لم يأت نص آخر أو اجماع متيقن على
نقله عن ظاهره فإذا اختلف الصحابة فالواجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه إذ يقول:
(فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية، وقد صح أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله في
الرابعة ولم يصح نسخه ولو صح لقلنا به ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم *
2289 مسألة الخليطين - قد ذكرنا فيما يحل ويحرم من الأشربة أن التمر
والرطب. والزهو. والبسر. والزبيب هذه الخمسة خاصة دون سائر الأشياء يحل أن
ينبذ كل واحد منهما على انفراده ولا يحل أن ينبذ شئ منها مع شئ آخر لا منها ولا من
سائرها في العالم وأنه لا يحل أن يخلط نبيذ شئ بعد طيبه أو قبل طيبه لا بشئ آخر ولا
بنبيذ شئ آخر لا منها ولا من غيرها أصلا وأما ما عدا هذه الخمسة فجائز أن ينبذ منها الشيئان
والأكثر معا وأن يخلط نبيذ اثنين منها فصاعدا أو عصير اثنين فصاعدا وبينا السنن
الواردة في ذلك فمن شرب من الخليطين المحرمين مما ذكرنا شيئا لا يسكر فقد شرب
حراما كالدم والبول ولا حد في ذلك لأنه لم يشرب خمرا ولا حد الا في الخمر لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه " وللآثار الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر،
ولقوله عليه السلام: " كل مسكر خمر " فإن لم يكن خمرا فلا حد فيه وإنما فيه التعزير فقط
لأنه أتى منكرا، وأما كل خليطين مما ذكرنا من غير ذلك إذا أسكر فهو خمر وعلى شاربه
حد الخمر لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
370

2290 مسألة - متى يحد السكران؟ أبعد صحوه أم في حال سكره؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فروى عن عمر بن عبد العزيز.
والشعبي أنهما قالا: لا يحد حتى يصحو، وبه قال سفيان الثوري. وأبو حنيفة، وقالت
طائفة: يجلد حين يؤخذ وما نعلم لمن قال يؤخر حتى يصحو إلا أن قالوا إن الجلد تنكيل
وإيلام والسكران لا يعقل ذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: واحتج من رأى أن الحد حين يؤخذ بالخبر الثابت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق عتبة بن الحرث. وأنس بن مالك. وغيرهم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أتى بالشارب فأقر فضربه ولم ينتظر ان يصحو والنظر لا يدخل على الخبر الثابت
فالواجب أن يحد حين يؤتى به إلا أن يكون لا يحس أصلا ولا يفهم شيئا فيؤخر حتى
يحس وبالله تعالى التوفيق *
2291 مسألة - فيمن جالس شراب الخمر أو دفع ابنه إلى كافر فسقاه خمرا *
قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن
خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان
عن الحسن البصري ان ابن عامر قال: لا أوتي برجل دفع ابنه إلى يهودي أو نصراني
فسقاه خمرا إلا جلدت أباه الحد، وبه إلى حماد بن سلمة انا هشام بن عروة عن أبيه أن
مروان بن الحكم أتى برجل صائم دعا قوما فسقاهم الخمر ولم يشرب معهم فجلدوا الحد
وجلده معهم *
قال أبو محمد رحمه الله: ليس هذا مما يعبأ به وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن
دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " وقد بينا أن لا حد الا على زان. أو مرتد.
أو محارب. أو قاذف. أو سارق. أو مستعير جاحد. أو شارب خمر، وأما من سقى
غيره الخمر فلا حد عليه لان بشرته حرام ولم يأت باباحتها بايجاب الحد عليه لا قرآن. ولا
سنة صحيحة. ولا سقيمة. ولا اجماع. ولا قول صاحب *
قال أبو محمد رحمه الله: لقد يلزم من رأى القود بالقتل على الممسك انسانا
حتى قتل ظلما ومن رأى الحد في التعريض قياسا على القذف ومن رأى الحد على فاعل فعل
قوم لوط قياسا على الزنا أن يرى الحد على ساقى القوم الخمر قياسا على شاربها والا فقد
تناقضوا في قياسهم وبالله تعالى التوفيق *
2292 مسألة -: من اضطر إلى شرب الخمر * قال أبو محمد رحمه الله:
371

من أكره على شرب الخمر أو اضطر إليها لعطش. أو علاج. أو لدفع خنق فشربها
أو جهلها فلم يدر أنها خمر فلا حد على أحد من هؤلاء، اما المكره فإنه مضطر وقد
قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) وقد قال تعالى:
(فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) فصح أن المضطر لا يحرم عليه شئ مما
اضطر إليه من طعام. أو شراب، وأما الجاهل فإنه لم يتعد ما حرم الله تعالى عليه
ولا حد إلا على من علم التحريم، ولا يختلف اثنان من الأمة في أنه من دست إليه غير
امرأته فوطئها وهو لا يدري من هي يظن أنها زوجته فلا حد عليه، وأما من قرأ
القرآن فبدله جاهلا فلا شئ عليه * قال تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ) فصح أنه
لا حد إلا على من بلغه التحريم وعلى من عرف أن الزنا حرام فقصده عمدا
وبالله تعالى التوفيق *
2293 مسألة - حد الذمي في الخمر * قال أبو محمد رحمه الله: قد بينا
في مواضع جمة مقدار الحكم على أهل الذمة كالحكم على أهل الاسلام لقول الله تعالى:
(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) ولقوله تعالى: (وأن احكم
بينهم بما أنزل الله) قال الحسن بن زياد: لا حد على الذمي إلا أن يسكر فان سكر
فعليه الحد *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا تقسيم لا وجه له لأنه لم يوجبه قرآن. ولا سنة
ولا اجماع وبالله تعالى التوفيق *
2294 مسألة: قال أبو محمد رحمه الله: جائز بيع العصير ممن لا يوقن
أنه يبقيه حتى يصير خمرا فان تيقن أنه يجعله خمرا لم يحل بيعه منه أصلا وفسخ البيع
لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)
وبيقين ندري أنه من باع العنب. أو التين أو الخمر ممن يتخذه خمرا فقد أعانه على
الاثم والعدوان وهذا محرم بنص القرآن وإذ هو محرم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " *
قال أبو محمد رحمه الله: ومن كسر إناء خمر أو شق زق خمر ضمنه لأنه لم يصح
في ذلك أثر وأموال الناس محرمة وقد يغسل الاناء ويستعمل فيما يحل فافساده إفساد
للمال (فان قيل): أن أبا طلحة. وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم كسروا
خوابى الخمر (قلنا): لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في ذلك
372

الخبر أنه عليه السلام عرف ذلك فأقره والحديث الذي فيه شق الزقاق لا يصح لأنه
من رواية طلق ولا يدرى من هو عن شراحيل بن نكيل وهو مجهول *
قال أبو محمد رحمه الله: ومن طرح في الخمر سمكا وملحا فجعلها مريا فقد
عصى الله تعالى وعليه التعزير لاستعماله الخمر الذي لا يجوز استعمالها ولا تحل في شئ
أصلا ولا يحل فيها شئ الا الهرق فان أدرك ذلك وللخمر ريح. أو طعم. أو لون
هرق الجميع، وهكذا كل مانع خلط فيه خمر وان لم يدرك ذلك الا وقد استحالت
ولم يبق لها أثر فلا يفسد شئ من ذلك وهو حلال أكله وبيعه وهو لمن سبق إليه
من الناس لا لمن يطرح الخمر فمتى سقط ملك صاحبه عنه وإذا سقط عنه ملكه لم
يرجع إليه الا بنص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق *
- مسائل التعزير وما لا حد فيه -
2295 مسألة - قال أبو محمد رحمه الله: فقد قلنا أنه لا حد لله تعالى محدود
ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم الا في سبعة أشياء وهي الردة. والحرابة قبل أن يقدر عليه.
والزنا. والقذف بالزنا. وشرب المسكر سكر أو لم يسكر. والسرقة. وجحد العارية،
وأما سائر المعاصي فان فيها التعزير فقط - وهو الأدب - ومن جملة ذلك أشياء
رأى فيها قوم من المتقدمين حدا واجبا نذكرها إن شاء الله تعالى ونذكر حجة من
رأى فيها الحد وحجة من لم يره ليلوح الحق في ذلك بعون الله تعالى كما فعلنا في سائر
كتابنا وتلك الأشياء: السكر. والقذف بالخمر. والتعريض. وشرب الدم. وأكل
الخنزير والميتة. وفعل قوم لوط. وإتيان البهيمة. والمرأة تستنكح البهيمة. والقذف
بالبهيمة. وسحق النساء. وترك الصلاة غير جاحد لها. والفطر في رمضان كذلك.
والسحر * ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون كل ذلك بابا بابا *
2296 مسألة (السكر) قال أبو محمد: أباح أبو حنيفة شرب نقيع الزبيب إذا
طبخ. وشرب نقيع التمر إذا طبخ. وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه وإن
أسكر كل ذلك فهو عنده حلال ولا حد فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر وان سكر
من شئ من ذلك فعليه الحد وان شرب نبيذ تين مسكر. أو نقيع عسل مسكر. أو
عصير تفاح مسكر. أو شراب قمح. أو شعير. أو ذرة مسكر فسكر من كل ذلك أو
لم يسكر فلا حد في ذلك أصلا *
قال أبو محمد رحمه الله: وهم يقولون إن الحدود لا تؤخذ قياسا أصلا فنقول
373

لهم: أين وجدتم هذا التقسيم أفي قرآن أم في سنة صحيحة. أو سقيمة أو موضوعة. أو في
اجماع أو دليل اجماع، أم في قول صاحب، أم في قول أحد قبلكم، أم في قياس، أم في
رأي يصح؟ فلا سبيل لهم إلى وجود ذلك في شئ مما ذكرنا لأنهم (ان قالوا) حرم الله
تعالى الخمر في القرآن (قلنا) نعم فمن أين وجدتم أنتم الحد في السكر مما ليس خمرا عندكم
بل هو حلال عندكم طيب وهو مطبوخ عصير العنب إذا ذهب ثلثاه ونقيع الزبيب ونقيع
التمر إذا طبخا ولا خمر ههنا أصلا (فان قالوا): جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم السكران إذ
أتى به ورووا حديث الخمر بعينها والسكر من غيرها أو من كل شراب وأشربوا في الظروف
ولا تسكروا وما كان في معنى هذه الأخبار (قلنا لهم): وبالله تعالى التوفيق فأنتم أول
من خالف ذلك فإنكم لا ترون الحد على من وجد سكران وأيضا فهل وجدتم أن النبي
صلى الله عليه وسلم سأله مماذا سكر فان قال له من نبيذ عسل أو شراب شعير أو شراب ذرة أطلقه
وقد كان كل ذلك موجودا كثيرا على عهده عليه السلام وان قال له من نبيذ تمر أو نقيع
زبيب. أو عصير عنب حده هل جاء هذا قط في نقل صادق أو كاذب؟ فأنى لكم هذا
التقسيم السخيف فعنه سألناكم وعن تحريمكم به وتحليلكم وعن إباحتكم به الأشياء المحرمة
أو اسقاطكم حدود الله تعالى الواجبة؟ (فان قالوا): قد صح الاجماع على حد الشارب
بعصير العنب الذي لم يطبخ إذا سكر واختلف فيما عداه (قلنا لهم) فمن أين أوجبتم الحد
على من سكر من نبيذ التمر مطبوخا كان أو غير مطبوخ ومن نبيذ الرطب كذلك ومن نبيذ
الزهو ومن نبيذ البسر ومن نبيذ الزبيب كذلك ولا إجماع في وجوب الحد عليه وقد روينا
عن الحسن وغيره انه لا حد على السكران من النبيذ وكذلك عن إبراهيم النخعي وهو قول
ابن أبي ليلى ولا يجدون أبدا قول صاحب ولا قول تابع بمثل هذا التقسيم وكذلك من
اضطر إلى الخمر لعطش أو لاختناق فشرب منها مقدار ما يزيل عطشه أو اختناقه وذلك
حلال له عندنا وعندهم فسكر من ذلك وهذا لا يقولونه فصح يقينا أن السكر لا حد فيه
أصلا وإنما الحد والتحريم في المسكر سكر منه أو لم يسكر وقد نجد من يسكر من ثلاثة أرطال
أو أربعة سكرا شديدا ونجد من لا يسكر من أزيد من عشرين رطلا من خمر ولا تتغير له
حالة أصلا، وأما القذف بشرب الخمر فقد ذكرناه قبل هذا بأبواب وقد رجاء بن حياة
وغيره إيجاب الحد فيه وبينا أن الحد لا يجب في ذلك إذ لم يأت به قرآن. ولا سنة. ولا
اجماع وبالله تعالى التوفيق، وأما التعريض في القذف فقد ذكرناه في كلامنا في حد
القذف وتقصينا هنالك أنه لا حد في التعريض لأنه لم يوجب الحد فيه قرآن ولا سنة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صحيحة ولا سقيمة. ولا اجماع لان الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا
374

في ذلك وليس قول بعضهم أولى من قول بعض وذكرنا صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الذي أخبره أن امرأته ولدت ولدا اسود وهو يعرض بنفيه وفي الذي أخبره عليه
السلام ان امرأته لا ترد يد لامس فلم يوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حد القذف
وبالله تعالى التوفيق *
2297 مسألة - شرب الدم. وأكل الخنزير. والميتة *
قال أبو محمد رحمه الله: انا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
نا ابن جريج قلت لعطاء رجل وجد يأكل لحم الخنزير وقال اشتهيته أو مرت به بدنة
فنحرها وقد علم أنها بدنة أو امرأة أفطرت في رمضان أو أصاب امرأته حائضا أو قتل
صيدا في الحرم متعمدا أو شرب خمرا فترك بعض الصلاة فذكر جملة فقال عطاء ما كان
الله نسيا لو شاء لجعل ذلك شيئا يسميه ما سمعت في ذلك بشئ ثم رجع إلى أن قال إذا فعل
ذلك مرة ليس عليه شئ وإذا عاود ذلك فلينكل، وذكر الذي قبل امرأته والذي
أصاب أهله في رمضان، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: إذا أكل لحم
الخنزير ثم عرضت له التوبة فان تاب والا قتل، وبه إلى معمر عن الزهري في رجل
أفطر في رمضان فقال إذا كان فاسقا من الفساق نكل نكالا موجعا ويكفر أيضا وإن كان
فعل ذلك انتحالا لدين غير الاسلام عرضت عليه التوبة * وبه إلى عبد الرزاق
عن سفيان الثوري في أكل لحم الخنزير في كل ذلك حد كحد الخمر، والذي نعرفه من قول
أبي حنيفة. ومالك. والشافعي. وأصحابهم. وأصحابنا انه يعذر فقط فهذه في الخنزير خمسة
أقوال، قول فيه الحد كحد الخمر وقول فيه انه لا شئ فيه أصلا وهو قول سفيان
الثوري وأول قولي عطاء. والثالث انه يستتاب فان تاب والا قتل وهو قول قتادة، والرابع
انه لا شئ عليه في أول مرة فان عاد عزر، وقولة خامسة انه يعزر *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا فيما يحتج به من رأى أن في ذلك حدا
فلم نجد لهم شيئا الا القياس فلما كانت الخمر مطعومة محرمة فيها حد محدود وجب
أن يكون كل مطعوم محرم فيه حد محدود كالخمر قياسا عليها، وهذا أصح قياس في
العالم ان صح قياس يوما ما * وطائفة قالت: لم يفرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن
الصحابة أجمعت على فرضه فصار واجبا بالاجماع، وطائفة قالت: إنما فرضت
قياسا على حد القذف لأنها تؤدي إلى السكر فيكون فيه القذف * فأما الفرقة التي
قالت: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض حد الخمر فمن أصلهم أن يقاس المسكوت عنه على
المنصوص عليه وهؤلاء يقيسون مس الدبر على مس الذكر لان كليهما عندهم فرج
375

ولا يشك ذو حس سليم أنه لو صح القياس فان قياس شرب الدم. وأكل الخنزير.
والميتة على شرب الخمر أصح من قياس الدبر على الذكر وكلهم يقيسون حكم ماء
الورد والعسل تموت فيه الفأرة أو القطاة فلا تغير منه لونا ولا طعما ولا ريحا على السمن
تموت فيه الفأرة وقياس الخنزير. والدم. والميتة على الخمر أصح من كل قياس لهم ولو
صح يوما ما، وأما القطاة فليست كالفأرة لان القطاة تؤكل والفأرة لا تؤكل والقطاة تجزى
في الحل والاحرام ولا يحل قتلها هنالك والفأرة لا تجزى ويحل قتلها هنالك وكذلك ماء
الورد والعسل ليس كالسمن لان العسل عند بعضهم فيه الزكاة والسمن لا زكاة فيه
وماء الورد لا ربا فيه عند بعضهم والسمن فيه الربا عند جميعهم فظهر تركهم القياس
الذي به يحتجون وأنهم لا يحسنونه ولا يطردونه * وأما الطائفة التي تقول ان الصحابة
رضي الله عنهم فرضوا حد الخمر والقياس أيضا لازم لهم كما لزم الطائفة المذكورة وأما الطائفة
التي قالت إن حد الخمر إنما فرض قياسا على حد القذف والقياس لهؤلاء ألزم لأنه كما جاز أن
يفرض حد الخمر قياسا على حد القذف فكذلك يفرض حد أكل الخنزير والميتة وشرب الدم
قياسا على حد الخمر وجمهورهم يجيزون القياس على المقيس فوضح ما قلناه من فساد أقوالهم *
ثم نظرنا في قول من قال يستتاب فان تاب والا قتل فوجدناه قد حكم له بحكم الردة عنده
وهذا خطأ لأنه قول بلا برهان، ولا يجوز أن يحكم على مسلم بالكفر من أجل معصية أتى بها
الا أن يأتي نص صحيح أو اجماع متيقن على أنه يكون بذلك كافرا وان ذلك الفعل كفر
وليس معنا نص ولا اجماع على أن آكل الخنزير والميتة والدم غير مستحل لذلك
كافر ولكنه عاص مذنب فاسق إلا أن يفعل ذلك مستحلا له فيكون كافرا حينئذ
لان معاندة ما صح الاجماع عليه من نصوص القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر
لا خلاف فيه فسقط هذا القول لما ذكرنا ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل
الناس حتى يشهدوا أن لا إله الا الله وأني محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويوتوا
الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله " *
2298 مسألة - تارك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها *
قال أبو محمد رحمه الله: ذهب مالك. والشافعي إلى أن من قال: الصلاة حق
فرض الا أني لا أريد أن أصلي فإنه يتأنى به حتى يخرج وقت الصلاة ثم يقتل *
وقال أبو حنيفة. وأبو سليمان. وأصحابهما لا قتل عليه لكن يعزر حتى يصلي *
قال أبو محمد رحمه الله: أما مالك. والشافعي فإنهما يريان تارك الصلاة الذي ذكرنا
مسلما لأنهما يورثان ماله ولده ويصليان عليه ويدفنانه مع المسلمين ولا يفرقان بينه وبين
376

امرأته وينفذان وصيته ويورثانه من مات قبله من ورثته من المسلمين فإذ ذلك كذلك فقد
سقط قولهما في قتله لأنه لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد
احصان أو نفس بنفس وتارك الصلاة متعمدا كما ذكرنا لا يخلو من أن يكون بذلك كافرا أو
يكون غير كافر فإن كان كافرا فهم لا يقولون بذلك لأنهم لو قالوه للزمهم أن يلزموه حكم المرتد
في التفريق بينه وبين امرأته وفي سائر أحكامه فإذ ليس كافرا. ولا قاتلا. ولا زانيا
محصنا. ولا محاربا. ولا محدودا في الخمر ثلاث مرات فدمه حرام بالنص فسقط قولهم
بيقين لا اشكال فيه والحمد لله رب العالمين * فان احتجوا بالخبر الثابت الذي ذكرناه
آنفا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله
إلا الله وأني محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني
دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله "، وبقول الله تعالى: (فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا
وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) قالوا: ولا يجوز تخلية من لم يصل ولم
يزك، وذكروا ما روينا من طريق مسلم نا هداب بن خالد نا همام بن يحيى نا قتادة
عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم قال: فمن
رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا " * ومن طريق مسلم نا داود
ابن رشيد نا الوليد بن مسلم نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أخبرني مولى بني فزارة
زريق بن حيان أنه سمع سليم بن قرظة ابن عم عوف بن مالك الأشجعي يقول سمعت
عوف بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خيار أئمتكم الذين
تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم
ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا
ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة " وذكر باقي الخبر، والحديثين اللذين
فيهما نهيت عن قتل المصلين فأولئك الذين نهاني الله عن قتلهم، ولا لعله يكون يصلي،
ومن طريق مسلم نا قتيبة نا عبد الواحد - هو ابن زياد - عن عمارة بن القعقاع نا
عبد الرحمن بن أبي نعم قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول: " بعث علي بن أبي طالب
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها " وذكر الحديث،
وفيه " فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس
مشمر الإزار فقال يا رسول الله اتق الله فقال: ويلك ألست أحق أهل الأرض ان يتقى الله؟
377

قال ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: لعله يكون يصلي " *
قال أبو محمد رحمه الله: ومن طريق مسلم نا مناد بن السري نا أبو الأحوص عن
سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: " بعث علي بن أبي
طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها " فذكر الخبر، وفيه فجاء رجل كث اللحية مشرف
الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس فقال اتق الله يا محمد فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله ان لم أطعه؟ أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنني ثم أدبر الرجل
فاستأذن رجل من القوم في قتله - يرون أنه خالد بن الوليد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الاسلام
ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم
قتل عاد " *
قال أبو محمد رحمه الله: فأخبر عليه السلام أنه يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك حرمت دماؤهم فصح أنهم ان
لم يفعلوا ذلك حلت دماؤهم ونهى عن قتل الأئمة ما صلوا فصح أنهم ان لم يصلوا
قوتلوا، وصح أن القتل بالصلاة حرام فواجب أنه بغير الصلاة حلال، وصح أنه نهى عن
قتل المصلين فصح أنه لم ينه عن قتل غير المصلين ما نعلم لهم حجة في إباحة قتل من لا يصلي غير
هذا وكله لا حجة لهم فيه على ما نبين إن شاء الله تعالى، اما الآية فان نصها قتال المشركين
حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ولا يختلف اثنان من الأمة في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يزل يدعو المشركين إلى الايمان حتى مات إلى رضوان الله تعالى وكرامته وأنه في كل
ذلك لم يثقف من أجابه إلى الاسلام حتى يأتي وقت صلاة فيصلي ثم حتى يحول الحول
فيزكي ثم يطلقه هذا ما لا يقدر أحد على دفعه (وأما الأحاديث في ذلك) فأما حديث
أم سلمة. وعوف بن مالك رضي الله عنهما فلا حجة لهم في ذلك فإنه ليس فيه الا المنع من
قتل الولاة ما صلوا ولسنا معهم في مسألة القتال وإنما نحن معهم في مسألة القتل صبرا وليس
كل من جاز قتله إذا قدر عليه قتل، قال الله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا
فأصلحوا بينهما) إلى قوله تعالى: (المقسطين) فأمر الله تعالى بقتال البغاة من المؤمنين
إلى أن يفيئوا ثم حرم قتلهم إذا فاءوا وهكذا كل من منع حقا من أي حق كان ولو أنه فلس
وجب عليه لله تعالى أو لآدمي وامتنع دون أدائه فإنه قد حل قتاله لأنه باغ على أخيه وباغ
في الدين، وكذلك كل من امتنع من عمل لله تعالى لزمه وامتنع دونه ولا فرق فإذا قدر عليهم
أجبروا على أداء ما عليهم بالتعزير والسجن كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن اتى منكرا
378

فلا يزال يؤدب حتى يؤدى ما عليه أو يموت غير مقصود إلى قتله وحرمت دماؤهم بالنص
والاجماع وتارك الصلاة الممتنع منها واحد من هؤلاء إن امتنع قوتل وأن لم يمتنع لم
يحل قتله لأنه لم يوجب ذلك نص ولا اجماع بل يؤدب حتى يؤديها أو يموت كما قلنا غير
مقصود إلى قتله ولا فرق، فصح أن هذين الحديثين حديث أم سلمة، وحديث عوف
إنما هو في باب القتال للأئمة لا في باب القتل المقدور عليه لا يصلي، وأما حديث أبي سعيد
الخدري لعله يصلي فإنما فيه المنع من قتل من يصلي وليس فيه قتل من لا يصلي أصلا
بل هو مسكوت عنه وإذا سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم فلا يحل لاحد أن يقوله
عليه السلام ما لم يقل فيكذب عليه ويخبر عن مراده بما لا علم له به فيتبوأ مقعده
من النار *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما نهيت عن قتل المصلين وأولئك الذين نهاني الله
عنهم فنعم لا يحل قتل مصل الا بنص وارد في قتله وليس فيه ذكر لقتل من ليس
مصليا إذا أقر بالصلاة أصلا وقد قلنا: أنه لا يحل لاحد أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما لم يقل ويقال لمن جسر على هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الذي نقول فان قال نعم كذب جهارا
وان قال لم يقل لكنه دل عليه قيل له أين دليلك على ذلك؟ فلا سبيل له إلى دليل أصلا
الا ظنه الكاذب فلم يبق لهم دليل أصلا لا من قرآن. ولا من سنة. ولا من اجماع
ولا قول صاحب. ولا قياس. ولا رأي صحيح وما كان هكذا من الأقوال فهو
خطأ بلا شك *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا الكلام كله إنما هو مع من قال بقتله وهو عنده
غير كافر وأما من قال بتكفيره بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها فليس هذا مكان
الكلام فيه معهم فسيقع الكلام في ذلك متقصى في كتاب الايمان من الجامع إن شاء الله
عز وجل *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد بطل هذا القول فانا نقول وبالله تعالى التوفيق:
انه قد صح على ما ذكرنا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره
بيده إن استطاع " فكان هذا أمرا بالأدب على من أتى منكرا أو الامتناع من الصلاة.
ومن الطهارة من غسل الجنابة. ومن صيام رمضان. ومن الزكاة. ومن الحج. ومن
أداء جميع الفرائض كلها. ومن كل حق لآدمي بأي وجه كان كل ذلك منكر بلا شك
وبلا خلاف من أحد من الأمة لان كل ذلك حرام والحرام منكر بيقين فصح بأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة ضرب كل من ذكرنا باليد وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
379

لا يضرب في التعزير أكثر من عشرة على ما نورد في باب كم يكون التعزير إن شاء الله
تعالى، فإذ ذلك كذلك فواجب أن يضرب كل من ذكرنا عشر جلدات فان أدى ما عليه
من صلاة أو غيرها فقد برئ ولا شئ عليه وان تمادى على الامتناع فقد أحدث منكرا
آخر بالامتناع الآخر فيجلد أيضا عشرا وهكذا أبدا حتى يؤدى الحق الذي عليه لله
تعالى أو يموت غير مقصود إلى قتله ولا يرفع عنه الضرب أصلا حتى يخرج وقت الصلاة
وتدخل أخرى فيضرب ليصلى التي دخل وقتها وهكذا أبدا إلى نصف الليل فإذا خرج
وقت العتمة ترك لأنه لا يقدر على صلاة ما خرج وقتها ثم يجدد عليه الضرب إذا
دخل وقت صلاة الفجر حتى يخرج وقتها ثم يترك إلى أول الظهر ويتولى ضربه من قد
صلى فإذا صلى غيره خرج هذا إلى الصلاة ويتولى الآخر ضربه وبالله تعالى التوفيق حتى
يترك المنكر الذي يحدث أو يموت فالحق قتله وهو مسلم مع ذلك وبالله تعالى التوفيق *
2299 مسألة - فعل قوم لوط: قال أبو محمد رحمه الله: فعل قوم
لوط من الكبائر الفواحش المحرمة كلحم الخنزير. والميتة. والدم. والخمر. والزنا.
وسائر المعاصي من أحله أو أحل شيئا مما ذكرنا فهو كافر مشرك حلال الدم والمال *
وإنما اختلف الناس في الواجب عليه فقالت طائفة: يحرق بالنار الاعلى والأسفل،
وقالت طائفة: يحمل الاعلى والأسفل إلى أعلا جبل بقرية فيصب منه ويتبع بالحجارة،
وقالت طائفة: يرجم الاعلى والأسفل سواء أحصنا أو لم يحصنا، وقالت طائفة:
يقتلان جميعا، وقالت طائفة: أما الأسفل فيرجم أحصن أو لم يحصن، وأما الاعلى
فان أحصن رجم وان لم يحصن جلد جلد الزنا، وقالت طائفة: الاعلى والأسفل
كلاهما سواء أيهما أحصن رجم وأيهما لم يحصن جلد مائة كالزنا، وقالت طائفة:
لا حد عليهما ولا قتل لكن يعزران فالقول الأول كما نا عبد الله بن ربيع نا ابن
مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني ابن سمعان
عن رجل أخبره قال: جاء ناس إلى خالد بن الوليد فأخبروه عن رجل منهم أنه
ينكح كما توطأ المرأة وقد أحصن فقال أبو بكر عليه الرجم وتابعه أصحاب رسول
صلى الله عليه وسلم على ذلك من قوله فقال علي: يا أمير المؤمنين إن العرب تأنف من عار المثل
وشهرته أنفا لا تأنفه من الحدود التي تمضي في الأحكام فأرى أن تحرقه بالنار فقال
أبو بكر: صدق أبو حسن وكتب إلى خالد بن الوليد أن أحرقه بالنار ففعل قال ابن
وهب: لا أرى خالدا أحرقه بالنار إلا بعد أن قتله لان النار لا يعذب بها الا الله
تعالى، قال ابن حبيب: من أحرق بالنار فاعل فعل قوم لوط لم يخطئ * وعن
380

ابن حبيب نا مطرف بن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن المنكدر.
وموسى بن عقبة. وصفوان بن سليم أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق
أنه وجد في بعض سواحل البحر رجلا ينكح كما تنكح المرأة وقامت عليه
بذلك البينة فاستشار أبو بكر في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أشدهم فيه
يومئذ قولا علي بن أبي طالب قال: ان هذا ذنب لم يعص به من الأمم الا أمة
واحدة صنع الله بها ما قد علمتم أرى أن تحرقهما بالنار فاجتمع رأي صحابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن احرقه بالنار
ثم حرقهما ابن الزبير في زمانه ثم حرقهما هشام بن عبد الملك ثم حرقهما القسري
بالعراق * حدثنا إسماعيل بن دليم الحضرمي قاضي ميورقة قال نا محمد بن أحمد بن الخلاص
نا محمد بن القاسم بن شعبان ني محمد بن إسماعيل بن أسلم نا محمد بن داود بن أبي ناجية
نا يحيى بن بكير عن عبد العزيز بن أبي حازم عن داود بن أبي بكر. ومحمد بن المنكدر.
وموسى بن عقبة. وصفوان بن سليم أنه وجد في بعض ضواحي البحر رجل ينكح
كما تنكح المرأة قال أبو إسحاق: كان اسمه الفجاة فاستشار أبو بكر أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثل حديث عبد الملك الذي ذكرنا حرفا حرفا نصا سواء *
وأما من قال يصعد به إلى أعلى جبل في القرية فكما نا أحمد بن إسماعيل بن دليم
نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان نا أحمد بن سلمة بن الضحاك عن
إسماعيل بن محمود بن نعيم نا معاذ نا عبد الرحمن نا حسان بن مطر نا يزيد بن مسلمة
عن أبي نضرة عن ابن عباس سئل عن حد اللوطي فقال: يصعد به إلى أعلى جبل
في القرية ثم يلقى منكسا ثم يتبع بالحجارة * وأما من قال يرجم الاعلى والأسفل
أحصنا أو لم يحصنا فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ
نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا ابن أبي ليلى عن القاسم بن الوليد المهراني
عن يزيد بن قيس أن عليا رجم لوطيا * حد ثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أنه سمع مجاهدا.
وسعيد بن جبير يحدثان عن ابن عباس أنه قال في البكر يوجد على اللوطية أنه يرجم،
وعن إبراهيم النخعي أنه قال: لو كان أحد ينبغي له أن يرجم مرتين لكان ينبغي
للوطي أن يرجم مرتين، وعن ربيعة أنه قال: إذا أخذ الرجل لوطيا رجم لا يلتمس
به احصان ولا غيره، وعن الزهري أنه قال على اللوطي الرجم أحصن أو لم يحصن *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن
381

وهب أخبرني الشمر بن نمير. ويزيد بن عياض بن جعدة. ومن أثق به، وكتب
إلى ابن أبي سبرة قال الشمر: عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده
عن علي بن أبي طالب، وقال يزيد بن عياض بن جعدة عن عبد الملك بن عبيد عن
سعيد بن المسيب: وقال ابن أبي سبرة: سمعت أبا الزناد، وقال الذي يثق به عن
الحسن ثم اتفق على. وسعيد بن المسيب. وأبو الزناد. والحسن كلهم مثل قول الزهري
المذكور، وبه يقول الشافعي - وهو قول مالك. والليث وإسحاق بن راهويه -
وأما من قال: يقتلان فكما روينا عن ابن عباس قال: اقتلوا الفاعل والمفعول به،
وأما من قال: هو كالزنا يرجم المحصن منهما ويجلد غير المحصن مائة جلدة
فكما نا أحمد بن إسماعيل بن دليم نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان
نا أحمد بن سلمة. والضحاك عن إسماعيل بن محمد بن نعيم نا معاذ بن الحرث نا عبد
الرحمن بن قيس الضبي عن اليماني بن المغيرة نا عطاء بن أبي رباح قال شهدت عبد الله بن الزبير
وأتى بسبعة أخذوا في اللواط فسأل عنهم فوجد أربعة قد أحصنوا فأمر بهم فأخرجوا
من الحرم ثم رجموا بالحجارة حتى ماتوا وجلد ثلاثة الحد وعنده ابن عباس. وابن عمر فلم
ينكرا ذلك عليه، وعن الحسن البصري أنه قال في الرجل يعمل عمل قوم لوط إن كان
ثيبا رجم وإن كان بكرا جلد، وأما من قال إن الفاعل إن كان محصنا فإنه يرجم وإن كان غير
محصن فإنه يجلد مائة وينفى سنة، وأما المنكوح فيرجم أحصن أو لم يحصن فقول ذهب
إليه أبو جعفر محمد بن علي بن يوسف أحد فقهاء الشافعيين، وأما من قال لا حد في ذلك
فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية
نا وكيع نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر. وأبى اسحق الشيباني كلاهما عن الحكم
ابن عتيبة أنه قال فيمن عمل عمل قوم لوط يجلد دون الحد، وبه يقول أبو حنيفة. ومن اتبعه.
وأبو سليمان. وجميع أصحابنا *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتج به من
رأى حرقه بالنار فوجدناهم يقولون إنه اجماع الصحابة ولا يجوز خلاف إجماعهم *
(فان قيل): فقد روي عن علي. وابن عباس. وابن الزبير. وابن عمر بعد ذلك
الرجم أو حد الزنا وغير ذلك (قيل) هذا لا يجوز لأنه خلاف لما أجمعوا فهذا كل ما ذكروا
في ذلك لا حجة لهم غير هذا ووجدناه لا تقوم به حجة لأنه لم يروه الا ابن سمعان عن
رجل أخبره لم يسمعه أن أبا بكر. وعبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أبي حازم عن
محمد بن المنكدر. وموسى بن عقبة. وصفوان بن سليم. وداود بن بكر أن أبا بكر.
382

وابن شعبان عن محمد بن العباس بن أسلم عن محمد بن داود بن أبي ناجية عن يحيى بن بكير
عن ابن أبي حازم عن ابن المنكدر. وموسى بن عقبة. وصفوان بن سليم. وداود بن بكر
أن أبا بكر فهذه كلها منقطعة ليس منهم أحد أدرك أبا بكر، وأيضا فان ابن سمعان
مذكور بالكذب وصفه بذلك مالك بن أنس. ووجه آخر وهو أن الاحراق بالنار
قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك كما نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك الخولاني
نا محمد بن بكر نا أبو داود نا سعيد بن منصور نا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد
عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية وقال: ان
وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار فوليت فناداني فرجعت فقال: ان وجدتم فلانا فاقتلوه
ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار الا رب النار " ثم نظرنا في قول من رأى قتلهم فوجدناهم
يحتجون بما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا الدبري نا أبو داود نا عبد
الله بن محمد النفيلي نا عبد العزيز بن محمد - هو ابن محمد الدراوردي - عن عمرو بن أبي عمرو
عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وجدتموه يعمل عمل قوم
لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ
نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص ني سهيل
ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " اقتلوا الفاعل والمفعول
به " وبه إلى ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل
ذلك، وبه إلى يحيى بن أيوب عن رجل حدثه عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب
عن جابر بن عبد الله " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه " وهذا
الرجل - هو عباد بن كثير - *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كل ما موهوا به وكله ليس لهم منه شئ يصح،
أما حديث ابن عباس فانفرد به عمرو بن أبي عمرو - وهو ضعيف. وإبراهيم بن إسماعيل
ضعيف، وأما حديث أبي هريرة فانفرد به القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص - وهو مطرح
في غاية السقوط - * وأما حديث جابر فعن يحيى بن أيوب - وهو ضعيف - عن عباد
ابن كثير - وهو شر منه - * وأما حديث ابن أبي الزناد فابن أبي الزناد ضعيف.
ومحمد بن عبد الله مجهول - وهو أيضا مرسل - فسقط كل ما في هذا الباب ولا يحل
سفك دم يهودي. أو نصراني من أهل الذمة نعم. ولا دم حربي بمثل هذه الروايات
فكيف دم مسلم فاسق. أو تائب، ولو صح شئ مما قلنا منها لقلنا به ولما استجزنا
خلافه أصلا وبالله تعالى التوفيق، ثم نظرنا في قول من قال: يرجمان معا أحصنا
383

أو لم يحصنا فوجدناهم يحتجون بأنه هكذا فعل الله بقوم لوط قال الله تعالى:
(وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك) واحتجوا من
الآثار التي ذكرنا آنفا بما ناه أحمد بن إسماعيل بن دليم نا محمد بن أحمد بن الخلاص
نا محمد بن القاسم بن شعبان ني محمد بن أحمد عن يونس بن عبد الأعلى. وأبى الربيع
ابن أبي رشدين أنا عبيد الله بن رافع عن عاصم بن عبيد الله عن سهيل بن أبي صالح عن
أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الذي يعمل عمل قوم لوط فارجموا
الاعلى والأسفل " وقال فيه: وقال: " أحصنا أو لم يحصنا " فهذا كل ما شغبوا به
قد تقصيناه وكله لا حجة لهم فيه على ما نبين إن شاء الله تعالى * أما فعل الله تعالى
في قوم لوط فإنه ليس كما ظنوا لان الله تعالى قال: (كذبت قوم لوط بالنذر إنا
أرسلنا عليهم حاصبا) إلى قوله تعالى: (فذوقوا عذابي ونذر) وقال تعالى: (إنا
منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين) وقال تعالى: (انه مصيبها ما أصابهم)
الآية، فنص تعالى نصا جليا على أن قوم لوط كفروا فأرسل عليهم الحاصب فصح
أن الرجم الذي أصابهم لم يكن للفاحشة وحدها لكن للكفر ولها فلزمهم أن لا يرجموا
من فعل فعل قوم لوط إلا أن يكون كافرا وإلا فقد خالفوا حكم الله تعالى فأبطلوا
احتجاجهم بالآية إذ خالفوا حكمها، وأيضا فان الله تعالى أخبر أن امرأة لوط أصابها
ما أصابهم وقد علم كل ذي مسكة عقل أنها لم تعمل عمل قوم لوط فصح أن ذلك حكم
لم يكن لذلك العمل وحده بلا مرية *
(فان قالوا): أنها كانت تعينهم على ذلك العمل (قلنا): فارجموا كل من
أعان على ذلك العمل بدلالة أو قيادة والا فقد تناقضتم وأبطلتم احتجاجكم بالقرآن
وخالفتموه، وأيضا فان الله تعالى أخبر أنهم راودوه عن ضيفه فطمس أعينهم فيلزمهم
ولا بد أن يسملوا عيون فاعلي فعل قوم لوط لان الله تعالى لم يرجمهم فقط لكن طمس
أعينهم ثم رجمهم، فإذ لم يفعلوا هذا فقد خالفوا حكم الله تعالى فيهم وأبطلوا حجتهم،
ويلزمهم أيضا ان يطمسوا عيني كل من راود آخر. ويلزمهم أيضا أن يحرقوا بالنار
من نقص المكيال والميزان لان الله تعالى أحرق بالنار قوم شعيب في ذلك. ويلزمهم
أن يقتلوا من عقر ناقة آخر لان الله تعالى أهلك قوم صالح إذ عقروا الناقة إذ لا فرق
بين عذاب الله تعالى قوم لوط بطمس العيون والرجم إذ أتوا تلك الفاحشة وبين
إحراق قوم شعيب إذ بخسوا المكيال والميزان وبين إهلاكه قوم صالح إذ عقروا
الناقة قال الله تعالى: (ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها) إلى آخر السورة،
384

ثم نظرنا في قول من لم ير في ذلك حدا فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى: (ولا يقتلون
النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون) إلى قوله: (إلا من تاب) وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد
إحصان أو نفسا بنفس " وقال عليه السلام: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم
وأبشاركم عليكم حرام " فحرم الله تعالى دم كل امرئ مسلم وذمي إلا بالحق ولا حق
الا في نص. أو اجماع، وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الدم إلا بما أباحه به من الزنا بعد الاحصان.
والكفر بعد الايمان. والقود. والمحدود في الخمر ثلاثا. والمحارب قبل أن يتوب
وليس فاعل فعل قوم لوط واحدا من هؤلاء فدمه حرام الا بنص أو اجماع وقد قلنا أنه لا يصح
أثر في قتله نعم ولا يصح أيضا في ذلك شئ عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم لان الرواية
في ذلك عن أبي بكر. وعلي. والصحابة إنما هي منقطعة. وإحداها عن ابن سمعان عن مجهول.
والأخرى عمن لا يعتمد عل روايته، وأما الرواية عن ابن عباس. فإحداهما عن معاذ بن الحرث
عن عبد الرحمن بن قيس الضبي عن حسان بن مطر - وكلهم مجهولون - والرواية عن ابن الزبير.
وابن عمر مثل ذلك عن مجهولين فبطل أن يتعلق أحد في هذه المسألة عن أحد من الصحابة رضي
الله عنهم بشئ يصح، وأما من رأى دون الحد فالحكم بن عتيبة *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد صح ذلك أنه لا قتل عليه ولا حد لان الله تعالى لم
يوجب ذلك ولا رسوله عليه السلام فحكمه انه أتى منكرا فالواجب بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
تغيير المنكر باليد فواجب أن يضرب التعزير الذي حده رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
لا أكثر ويكف ضرره عن الناس فقط كما روينا من طريق البخاري نا مسلم بن إبراهيم
نا هشام - هو الدستوائي - نا يحيى - هو ابن أبي كثير - عن عكرمة عن ابن عباس قال
" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من
بيوتكم وأخرج فلانا وأخرج فلانا " وأما السجن فلقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر
والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وبيقين يدرى كل ذي حس سليم أن كف ضرر
فعلة قوم لوط الناكحين والمنكوحين عن الناس عون على البر والتقوى وأن إهمالهم
عون على الاثم والعدوان فوجب كفهم بما لا يستباح به لهم دم. ولا بشرة. ولا مال *
قال أبو محمد رحمه الله: فان شنع بعض أهل القحة والحماقة أن يقول إن ترك
قتلهم ذريعة إلى هذا الفعل (قيل لهم) وترككم أن تقتلوا كل زان ذريعة إلى إباحة الزنا
منكم وترككم أن تقتلوا المرتد وان تاب تطريق منكم وذريعة إلى إباحتكم الكفر. وعبادة
الصليب. وتكذيب القرآن. والنبي عليه السلام. وترككم قتل آكل الخنزير. والميتة.
385

والدم. وشارب الخمر تطريق منكم وذريعة إلى اباحتكم أكل الخنزير. والميتة. والدم.
وشرب الخمر. إنما هذا انتصار منهم بمثل ما يهذرون به (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك
ما عليهم من سبيل إنما السبيل) الآية ونعوذ بالله من أن نغضب له بأكثر مما غضب تعالى
لدينه أو أقل من ذلك أو أن نشرع بآرائنا الشرائع الفاسدة ونحمد الله تعالى كثيرا على
ما من به علينا من التمسك بالقرآن. والسنة وبالله تعالى التوفيق *
2300 مسألة - فيمن أتى بهيمة، قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس
فيمن أتى بهيمة، فقالت طائفة: حده حد الزاني يرجم إن أحصن ويجلد ان لم يحصن،
وقالت طائفة: يقتل ولا بد، وقالت طائفة: عليه أدنى الحدين أحصن أو لم يحصن،
وقالت طائفة: عليه الحد إلا أن تكون البهيمة له، وقالت طائفة: يعزر ان كانت البهيمة
له وذبحت ولم تؤكل وان كانت لغيره لم تذبح، وقالت طائفة: فيها اجتهاد الامام في
العقوبة بالغة ما بلغت، وقالت طائفة: ليس فيه الا التعزير دون الحد، فالقول الأول
كما نا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو ذر نا عبد الله بن أحمد بن حموية السرخسي نا إبراهيم بن خريم
ابن فهر الشاشي ني عبد بن حميد انا يزيد بن هارون أنا سفيان بن حسين عن أبي علي الرحبي
عن عكرمة قال سئل الحسن بن علي - مقدمه من الشام - عن رجل أتى بهيمة فقال: إن كان
محصنا رجم، وعن عامر الشعبي أنه قال في الذي يأتي البهيمة أو يعمل عمل قوم لوط قال
عليه الحد، وعن الحسن البصري أنه قال في الذي يأتي البهيمة إن كان ثيبا رجم وإن كان
بكرا جلد - وهو قول قتادة. والأوزاعي. وأحد قولي الشافعي - والقول الثاني: عن ابن
الهادي قال: قال ابن عمر في الذي يأتي البهيمة: لو وجدته لقتلته - وهو قول أبى سلمة بن
عبد الرحمن بن عوف قال: تقتل البهيمة أيضا، والقول الثالث عن معمر عن الزهري
في الذي يأتي البهيمة قال: عليه أدنى الحدين أحصن أو لم يحصن، والقول الرابع عن ربيعة
أنه قال في الذي يأتي البهيمة هو المبتغي ما لم يحلل الله له فرأى الامام فيه العقوبة بالغة
ما بلغت فإنه قد أحدث في الاسلام أمرا عظيما - وهو قول مالك - والقول الخامس
عن ابن عباس في الذي يأتي البهيمة: لا حد عليه، وعن الشعبي مثله، وعن عطاء في الذي يأتي
البهيمة فقال ما كان الله نسيا ان ينزل فيه ولكنه قبيح فقبحوا ما قبح الله - وهو قول
أصحابنا - وأحد قولي الشافعي *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فنظرنا فيما قال به أهل القول
الأول فلم نجد لهم الا أنهم قاسوه على الزنا فقالوا هو وطئ محرم والقياس كله باطل
الا أنه يلزم على من أولج في حياء بهيمة الغسل وان لم ينزل ويجعله كالوطئ في الفرج ولا
386

فرق، وفي القول الثاني فوجدناهم يحتجون بما رويناه كما نا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد
ابن عبد الملك بن أيمن نا الحرث بن أبي أسامة نا عبد الوهاب - هو ابن عطاء الخفاف -
نا عباد - هو ابن منصور - عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الذي
يأتي البهيمة: " اقتلوا الفاعل والمفعول به " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق
نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا النفيلي - هو عبد الله بن محمد - نا عبد العزيز - هو
ابن محمد الدراوردي - عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به من أتى بهيمة
فاقتلوه واقتلوها معه - قلت ما شأن البهيمة؟ قال ما أراه قال ذلك إلى أنه كره أكل لحمها
وقد عمل بها ذلك العمل " * حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب
الصموت الرقي نا أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار نا إسماعيل بن مسعود الجحدري
نا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك نا إبراهيم بن إسماعيل - هو ابن أبي حبيبة - عن داود بن
الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقتلوا مواقع البهيمة اقتلوا
الفاعل والمفعول به ومن عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول " * حدثنا عبد الله
ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي
نا عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله من
عمل عمل قوم لوط ثلاث مرات لعن الله من واقع بهيمة من وجدتموه وقع على بهيمة
فاقتلوه واقتلوا البهيمة " فقيل لابن عباس ما شأن البهيمة؟ قال ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ذلك شيئا ولكن أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يؤكل من لحمها أو ينتفع بها وقد
عمل بها ذلك العمل *
قال أبو محمد رحمه الله: لا حجة لهم غير ما ذكرنا وقد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا ضعف
هذه الآثار لان عباد بن منصور. وعمرو بن أبي عمرو. وإسماعيل بن إبراهيم ضعفاء
كلهم ولو صحت لقلنا بها ولجارينا عليها ولما حل خلافها فإذ لا تصح فلا يجوز القول
بها إلا أنه قد كان لازما للحنيفيين. والمالكيين القول بها على أصولهم فإنهم احتجوا
بأسقط منها في ايجاب حد الخمر ثمانين في مواضع جمة، ثم نظرنا في قول من قال: عليه أدنى الحدين
فوجدناه لا حجة له أصلا ولا نعرف له وجها فسقط، ثم نظرنا في قول من قال يحد وتقتل
البهيمة فوجدناه في غاية الفساد، ثم نظرنا في قول من قال عليه العقوبة برأي الامام
بالغة ما بلغت فوجدناه خطأ لان الله تعالى قد زم الأمور ولم يهملها ولم يطلق الأئمة
على دماء الناس ولا أعراضهم. ولا أبشارهم. ولا أموالهم بل قد تقدم إليهم على لسان
387

رسوله عليه السلام فقال: " إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام "
ولعل رأى الامام يبلغ إلى خصائه. أو إلى أخذ ماله. أو إلى قتله. أو إلى بيعه فان منعوا
من هذا سئلوا الفرق بين ما منعوا من هذا وبين ما أباحوا من غير ذلك ولا سبيل لهم إليه
فحصل هذا القول لا حجة لقائله، ثم نظرنا في القول الذي لم يبق غيره - وهو ان عليه
التعزير فقط - فوجدناه صحيحا لأنه قد أتى منكرا فان الله تعالى يقول: (والذين هم
لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) إلى قوله تعالى: (العادون)
ولا خلاف بين أحد من الأمة أنه لا يحل أن تؤتى البهيمة أصلا ففاعل ذلك فاعل منكر
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر باليد فعليه من التعزير ما نذكره
إن شاء الله تعالى *
2301 مسألة - من قذف آخر ببهيمة. أو بفعل قوم لوط *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة: عليه حد القذف
كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
قال: من قذف آخر ببهيمة جلد حد الفرية، قال أبو حنيفة. ومالك. والشافعي:
ليس عليه حد الفرية *
قال أبو محمد رحمه الله: من جعل إتيان البهيمة زنا فقد طرد أصله وكذلك
من جعل فعل قوم لوط زنا فقد طرد أصله إذ جعل في القذف بهما حد الزنا وقد
بينا أنهما ليسا زنا فالقذف بهما ليس هو القذف الموجب للحد وإنما هو أذى فقط
ففيه التعزير * وأما المالكيون فإنهم وافقونا على أن فعل قوم لوط ليس زنا وأن
إتيان البهيمة ليس زنا فساووا بينهما في هذا الباب ثم إنهم جعلوا في القذف بفعل
قوم لوط حد القذف بالزنا ولم يجعلوا في القذف باتيان البهيمة حد القذف بالزنا
وهذا تناقض (فان قالوا): ان فعل قوم لوط أعظم من الزنا (قيل لهم):
هبكم أنه كالكفر فهلا جعلتم في القذف بالكفر حد الزنا على هذا الأصل الفاسد؟
وهذا لا مخلص منه (فان قالوا): هو زنا ولكنه أعظم الزنا فجعل فيه أعظم حدود
الزنا لان المزني بها قد تحل يوما من الدهر وفعل قوم لوط لا يحل المفعول به ذلك للفاعل
أبدا فهو أعظم بلا شك (قيل لهم): هذا يبطل من وجوه، أحدها أن الزاني
بحريمته من نسب أو رضاع لا يحل له أبدا فاجعلوا فيه أغلظ حدود الزنا على هذا
الأصل، والثاني أن يقال لهم واطئ أجنبية في دبرها أتى منها ما لا يحل له أبدا فان
تزوجها فاجعلوا فيه على هذا الأصل أغلظ حدود الزنا، والثالث أن يقال لهم أيضا:
388

آتي البهيمة آتي ما لا يحل له أبدا فقد ساوى فعل قوم لوط في هذه العلة التي عللتم
بها قولكم فهلا جعلتم فيه أغلظ الحدود في الزنا أيضا ولا فرق ثم رجعنا إلى قولهم إن
فعل قوم لوط أعظم الزنا فنقول لهم: أننا قد أوضحنا أن الزنا باللغة. وبسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقع على فعل قوم لوط وقد بينا أنه ليس زنا ولا أعظم من
الزنا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الذنب أعظم؟ فقال: كلاما - معناه الشرك ثم
قتل المرء ولده مخافة أن يطعم معه ثم الزنا بحليلة الجار - فصح أن الزنا بحليلة
الجار أعظم من فعل قوم لوط بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يحل لاحد رده، وبالله
تعالى التوفيق *
2302 مسألة - الشهادة فيما ذكرنا * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف
الناس قال قوم منهم الشافعي. وقوم من أصحابنا: أنه لا يقبل في فعل قوم لوط
وإتيان البهيمة أقل من أربعة شهود، وقال أبو حنيفة. وأصحابه: يقبل في
ذلك اثنان *
قال أبو محمد: أما من جعل هذين الذنبين زنا فقد طرد أصله وقد أوضحنا
بالبراهين الواضحة أنهما ليسا من الزنا أصلا فليس لهما شئ مما خص به حكم الزنا
واحتج بعض أصحابنا في ذلك بأن قالوا: ان الابشار محرمة الا بنص أو اجماع،
ولم يجمعوا على إباحة بشرة فاعل فعل قوم لوط وبشرة آتي البهيمة بتعزير ولا بغيره
الا بأربعة شهود فلا يجوز استباحتهما بأقل *
قال أبو محمد رحمه الله: فيلزم من راعى هذا أن لا يحكم بقود أصلا إلا بأربعة
شهود لأنه لم يجمع على إباحة دم المشهود عليه بالقتل بأقل من أربعة شهود عدول
فان قال بذلك كله قائل كان الكلام معه من غير هذا وهو أن يقال له قد صح الاجماع
الصادق القاطع المتيقن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقبول البينة في جميع الأحكام
أولها عن آخرها وحد في بعض الأحكام عددا وسكت عن بعضها فإذ لا شك في ذلك
فهذان الحكمان وغيرهما قد أيقنا أن الله تعالى أمرنا بانفاذ الواجب في ذلك
بشهادة البينة فالواجب في ذلك قبول ما وقع عليه اسم بينة إلا أن يمنع نص من شئ
من ذلك فيوقف عنده وقد منع النص من قبول الكافر والفاسق وأخبر النص أن
شهادة المرأة نصف شهادة الرجل وأن الصبيان غير مخاطبين بشئ من الأحكام
فخرج هؤلاء من حكم الشهادة حسب ما أخرجهم النص فقط، وأيضا فان الله تعالى
يقول: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) الآية فصح أن هذا حكم
389

من الله تعالى وارد في كل ما يحكم به على أحد في دمه. وماله. وبشرته وفي كل حكم
فلولا النص الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بيمين الطالب مع الشاهد الواحد
وصح أنه عليه السلام لم يحكم بشهادة الشاهد الواحد دون يمين معها لوجب قبول شاهد
واحد بالآية المذكورة الا حيث جاء النص باثنين أو أربعة فلما كان هذان الحكمان
لا يجوز فيهما تحليف الطالب لأنهما ليسا حقا واحدا وإنما هما لله تعالى وجب أن
لا يجوز فيهما إلا ما قال قائلون بإجازته وهو شهادة اثنين. أو أربع نسوة. أو رجل
وامرأتين كسائر الأحكام * وأما الزنا وحده فلا يقبل فيه أقل من أربعة بالنص الوارد
في ذلك وبالله تعالى التوفيق *
2303 مسألة (السحق) قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في
السحق فقالت طائفة: تجلد كل واحدة منهما مائة كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبري نا عبد الرزاق ني ابن جريج أخبرني ابن شهاب قال أدركت علماءنا يقولون
في المرأة تأتى المرأة بالرفعة وأشباهها يجلدان مائة الفاعلة والمفعول بها * وبه إلى
عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب بمثل ذلك، ورخصت فيه طائفة كما نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني من أصدق
عن الحسن البصري أنه كان لا يرى بأسا بالمرأة تدخل شيئا تريد الستر تستغنى به عن
الزنا، وقال آخرون هو حرام ولا حد فيه وفيه التعزير *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك
فنظرنا في قول الزهري فلم نجد له حجة أصلا إلا أن يقول قائل كما جعل فعل قوم
لوط أشد الزنا فجعلوا فيه أعظم حد في الزنا فكذلك هذا أقل الزنا فجعل فيه أخف
حد الزنا *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قياس لازم واجب على من جعل الرجم في
فعل قوم لوط لأنه أعظم من الزنا ولا مخلص لهم من هذا أصلا وأن يجعلوا السحق
أيضا أشد الزنا كفعل قوم لوط فيلزمهم أن يجعلوا فيه الرجم كما جعلوا في فعل
قوم لوط ولابد لان كلا الامرين عدول بالفرج إلى ما لا يحل أبدا ولكن القوم
لا يحسنون القياس ولا يعرفون الاستدلال ولا يطردون أقوالهم ولا يلزمون تعليلهم
ولا يتعلقون بالنصوص، وهلا قالوا ههنا ان الزهري أدرك الصحابة وكبار التابعين؟
فلا يقول هذا الا عنهم ولا نعرف خلافا في ذلك ممن يرى تحريم هذا العمل فيأخذون
بقوله كما كانوا يفعلون لو وافق تقليدهم *
390

قال أبو محمد رحمه الله: وأما نحن فان القياس باطل عندنا ولا يلزم اتباع
قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم والسحق والرفعة ليسا زنا فإذ ليسا زنا فليس فيهما
حد الزنا ولا لاحد أن يقسم برأيه أعلى وأخف فيقسم الحدود في ذلك كما يشتهي
بل هو تعد لحدود الله تعالى وشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وهو يقول
تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وإنما يلزم هذا من قامت عليه الحجة
فتمادى على الخطأ ناصرا للتقليد *
قال أبو محمد رحمه الله: وإذ لم يأت بمثل قول الزهري قرآن. ولا سنة
صحيحة فالابشار محرمة والحدود فلا حد في هذا أصلا وبالله تعالى التوفيق. فان ذكروا
ما ناه أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن
وضاح نا هشام بن خالد نا بقية بن الوليد ني عثمان بن عبد الرحمن ني عنبسة بن سعيد
نا مكحول عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " السحاق زنا بالنساء بينهن "
فان هذا لا يصح لأنه عن بقية - وبقية ضعيف - ولم يدرك مكحولا. وواثلة فهو
منقطع ثم لو صح لما كان فيه ما يوجب الحكم بالحد في ذلك لأنه عليه السلام قد
بين في حديث الأسلمي ما هو الزنا الموجب للحد وإنما هو إتيان الرجل من المرأة
حراما ما يأتي من أهله حلالا، وأخبر عليه السلام أن الأعضاء تزني وأن الفرج
يكذب ذلك أو يصدقه فصح أن لا زنا بين رجل وامرأة الا بالفرج الذي هو الذكر
في الفرج الذي مخرج الولد فقط، ولقد كان يلزم هذا الخبر من رأى برأيه أن فعل
قوم لوط أعظم الزنا فإنه ليس معهم فيه نص أصلا ولو وجدوا مثل هذا لطغوا
وبغوا فسقط هذا جملة واحدة، ثم نظرنا في قول الحسن في إباحة ذلك فوجدناه
خطأ لان الله تعالى يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو
ما ملكت أيمانهم) إلى قوله: (العادون) وصح بالدليل من القرآن. وبالاجماع
أن المرأة لا تحل لملك يمينها وأنه منها ذو محرم لان الله تعالى أسقط الحجاب عن
أمهات المؤمنين عن عبيدهن مع ذي محارمهن من النساء فصح أن العبد من سيده ذو
محرم فالمرأة إذا أباحت فرجها لغير زوجها فلم تحفظه فقد عصت الله تعالى بذلك وصح
أن بشرتها محرمة على غير زوجها الذي أبيحت له بالنص فإذا أباحت بشرتها لامرأة
أو رجل غير زوجها فقد أباحت الحرام، وقد روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن
أبي شيبة نا زيد بن الحباب - هو العكلي - نا الضحاك بن عثمان - هو الحزامي -
أخبرني زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله
391

صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفض
الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفض المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد " *
حدثنا أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن اصبغ نا محمد بن
وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو الأحوص - هو سلام بن سليم - عن منصور
ابن المعتمر عن أبي وائل - هو شقيق بن سلمة - عن عبد الله بن مسعود قال: نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباشر المرأة المرأة في ثوب واحد - لعل أن تصفها إلى زوجها
كأنه ينظر إليها * وبه إلى قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن
بشار - بندار - أنا محمد بن جعفر - غندر - نا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن
عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من
النساء بالرجال *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذه نصوص جلية على تحريم مباشرة الرجل الرجل
والمرأة المرأة على السواء فالمباشرة منها لمن نهى عن مباشرته عاص لله تعالى مرتكب
حرام على السواء فإذا استعملت بالفروج كانت حراما زائدا ومعصية مضاعفة والمرأة
إذا أدخلت فرجها شيئا غير ما أبيح لها من فرج زوجها أو ما ترد به الحيض فلم تحفظ فرجها
وإذ لم تحفظه فقد زادت معصية فبطل قول الحسن في ذلك وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد صح أن المرأة المساحقة للمرأة عاصية فقد أتت
منكرا فوجب تغيير ذلك باليد كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكرا أن يغيره
بيده " فعليها التعزير *
قال أبو محمد رحمه الله: فلو عرضت فرجها شيئا دون أن تدخله حتى ينزل
فيكره هذا ولا اثم فيه وكذلك الاستمناء للرجال سواء سواء لان مس الرجل ذكره
بشماله مباح ومس المرأة فرجها كذلك مباح باجماع الأمة كلها فإذ هو مباح فليس
هنالك زيادة على المباح الا التعمد لنزول المني فليس ذلك حراما أصلا لقول الله تعالى:
(وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وليس هذا مما فصل لنا تحريمه فهو حلال لقوله تعالى:
(خلق لكم ما في الأرض جميعا) الا أننا نكرهه لأنه ليس من مكارم الأخلاق ولا من
الفضائل، وقد تكلم الناس في هذا فكرهته طائفة وأباحته أخرى كما نا حمام نا ابن مفرج
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان عن مجاهد
قال: سئل ابن عمر عن الاستمناء؟ فقال ذلك نائك نفسه، وبه إلى سفيان الثوري عن
الأعمش عن أبي رزين عن أبي يحيى عن ابن عباس أن رجلا قال له إني أعبث بذكري
392

حتى أنزل قال أف نكاح الأمة خير منه وهو خير من الزنا، واباحه قوم كما روينا بالسند
المذكور إلى عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن رجل عن ابن عباس
أنه قال وما هو الا أن يعرك أحدكم زبه حتى ينزل الماء * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات
نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار - بندار -
أنا محمد بن جعفر - غندر - نا شعبة عن قتادة عن رجل عن ابن عمر أنه قال إنما هو
عصب تدلكه، وبه إلى قتادة عن العلاء بن زياد عن أبيه أنهم كانوا يفعلونه في المغازي
يعني الاستمناء يعبث الرجل بذكره يدلكه حتى ينزل قال قتادة: وقال الحسن في الرجل
يستمنى يعبث بذكره حتى ينزل قال: كانوا يفعلون في المغازي، وعن جابر بن زيد
أبي الشعثاء قال هو ماؤك فاهرقه - يعني الاستمناء -، وعن مجاهد قال كان من مضى يأمرون
شبابهم بالاستمناء يستعفون بذلك قال عبد الرزاق: وذكره معمر عن أيوب السختياني
أو غيره عن مجاهد عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بالاستمناء، وعن عمرو بن دينار
ما أرى بالاستمناء بأسا *
قال أبو محمد رحمه الله: الأسانيد عن ابن عباس. وابن عمر في كلا القولين
مغموزة لكن الكراهة صحيحة عن عطاء والإباحة المطلقة صحيحة عن الحسن. وعن
عمرو بن دينار. وعن زياد أبي العلاء. وعن مجاهد ورواه من رواه من هؤلاء عمن
أدركوا وهؤلاء كبار التابعين الذين لا يكادون يروون الا عن الصحابة رضي
الله عنهم *
قال أبو محمد رحمه الله: وقد جاء في المرأة تفتض المرأة بأصبعها آثار كما نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن عطاء عن علي بن أبي
طالب والحسن بن علي أن الحسن أفتى في امرأة افتضت أخرى بأصبعها وأمسكها
نسوة لذلك أن العقل بينهن وقضى علي بذلك، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن منصور. ومغيرة قال منصور عن الحكم بن عتيبة: وقال مغيرة عن إبراهيم، ثم
اتفق الحكم: وإبراهيم عن علي. والحسن أن الحسن أفتى في امرأة افتضت امرأة بأصبعها أن
عليها والممسكات الصداق بينهن هكذا قال المغيرة، وقال الحكم في روايته على المفتضة
وحدها واتفقا أن عليا قضى بذلك، وعن الزهري لو افتضت امرأة بإصبعها غرمت
صداقها كصداق امرأة من نسائها، وعن عياض بن عبيد الله قاضي أهل مصر كتب
إلى عمر بن عبد العزيز في صبي افترع صبية بأصبعه فكتب إليه عمر لم يبلغني في هذا
شئ وقد جمعت لذلك فاقض فيه برأيك فقضى لها على الغلام بخمسين دينارا *
393

قال أبو محمد رحمه الله: هذا عن علي مرسل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان
دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلا يجوز أن يقضى ههنا بصداق لأنه ليس زواجا
ولا صداق الا في نكاح زواج إذ لم يوجبه في غير ذلك نص ولا اجماع فسواء كان المفتض
بأصبعه رجلا أو امرأة لا غرامة في ذلك أصلا لان الله تعالى لم يوجب في ذلك غرامة.
ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فان شنعوا بأن هذا قول علي. والحسن بن علي (قلنا لهم) فان هذين
الخبرين ليس فيهما إيجاب نكال على المفتض والمفتضة أصلا وأنتم توجبون في ذلك الأدب
وهذا خلاف منكم لما تشنعون به من حكم علي. والحسن رضي الله عنهما وعار هذا
وإثمه إنما يلزم من أوجب فرضا اتباع ما روي عن الصاحب ثم هو مع ذلك أول مخالف
له وأما نحن فلا يلزم عندنا اتباع أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط فلا حرج علينا في مخالفة
ما لا نراه واجبا ولكن على المفتض بأصبعه امرأة والمفتضة بأصبعها امرأة ومدخل شئ
في دبر آخر التعزير لان كل ما ذكرنا معصية ومنكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان
دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " وهؤلاء قد انتهكوا بشرة
محرمة فأتوا منكرا ومن أتى منكرا ففرض عليه تغييره باليد كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فواجب على من فعل ذلك أو غيره من المنكرات التعزير على ما نذكره إن شاء الله
تعالى بعد هذا *
قال أبو محمد رحمه الله: ولم يقل أحد نعلمه إن في شئ من هذا حد زنا ولا حدا
محدودا ولا فرق بينه وبين سائر ما أوجبوا فيه الحدود مما لا نص فيه يصح
وبالله تعالى التوفيق *
2304 مسألة - السحر - قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس
في السحر، فقالت طائفة: يقتل الساحر ولا يستتاب - والسحر كفر - وهو قول مالك -
وقال أبو حنيفة: يقتل الساحر، وقال الشافعي: وأصحابنا: إن كان الكلام الذي يسحر
به كفرا فالساحر مرتد وإن كان ليس كفرا فلا يقتل لأنه ليس كافرا، وذكر عن المتقدمين
في ذلك أشياء كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني عمرو بن دينار قال إن عمر بن الخطاب كتب إلى جزي بن معاوية عم الأحنف
ابن قيس - وكان عاملا لعمر بن الخطاب - ان أقتل كل ساحر وكاتب بجالة كاتب جزى قال
بجالة فأرسلنا فوجدنا ثلاث سواحر فضربنا أعناقهن، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن عيينة
عن عمرو بن دينار عن سالم بن أبي الجعد قال إن قيس بن سعد قتل ساحرا، وعن نافع عن
ابن عمر أن جارية لحفصة سحرتها فاعترفت بذلك فأمرت بها عبد الرحمن بن زيد فقتلها
394

فأنكر ذلك عليها عثمان فقال له ابن عمر ما تنكر على أم المؤمنين امرأة سحرت واعترفت
فسكت عثمان، وعن أيوب السختياني عن نافع ان حفصة سحرت فأمرت عبيد الله
أخاها فقتل ساحرتين، وعن العطاف بن خالد المخزومي أبو صفوان قال رأيت سالم
ابن عبد الله وهو واقف على جدار بيت لبنى أخ له يتامى أتاه غلمة أربعة ومعهم غلام
هو أشف منهم فقال يا أبا عمر أنظر ما يصنع هذا قال: وماذا يصنع؟ قال فسل خيطا
من ثوبه فقطعه وسالم ينظر إليه فجمعه بين إصبعين من أصابعه ثم تفل عليه مرتين أو ثلاثا
ثم مده فإذا هو صحيح ليس به بأس فسمعت سالما يقول لو كان لي من الامر شئ لصلبته،
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري أن خالد بن المهاجر بن خالد قتل نبطيا سحر - يعني ذميا -
وعن يحيى بن أبي كثير قال إن غلاما لعمر بن عبد العزيز أخذ ساحرة فألقاها في الماء
فطفت فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن الله لم يأمرك ان تلقيها في الماء فان اعترفت
فاقتلها، وعن ابن شهاب قال يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر أهل الكتاب لان
النبي صلى الله عليه وسلم سحره رجل من اليهود يقال له ابن أعصم. وامرأة من خيبر يقال لها زينب
فلم يقتلهما *
قال أبو محمد رحمه الله: فهؤلاء عمر بن الخطاب. وحفصة. وعبد الله ابناه.
وعبيد الله ابنه. وعثمان. وقيس بن ربيعة. ومن التابعين سالم بن عبد الله. وخالد بن
المهاجر. وعمر بن عبد العزيز. وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وأما من خالف هذا
فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن مالك بن أنس عن محمد
ابن عبد الرحمن - هو أبو الرجال - عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أم المؤمنين
أعتقت جارية لها عن دبر وانها سحرتها واعترفت بذلك وقالت أحببت العتق فأمرت
بها عائشة ابن أخيها أن يبيعها من الاعراب ممن يسئ ملكتها وقالت ابتع بثمنها رقبة
فأعتقها، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الرجال
عن عمرة قالت: مرضت عائشة فطال مرضها فذهب بنو أخيها إلى رجل فذكروا له مرضها
فقال إنكم لتخبروني خبر امرأة مطبوبة فذهبوا ينظرون فإذا جارية لها قد سحرتها وكانت
قد دبرتها فقالت لها ما أردت مني قالت أردت أن تموتي حتى أعتق قالت فان لله علي أن
تباع من أشد العرب ملكة فباعتها وأمرت بثمنها أن يجعل في مثلها، وعن ربيعة بن
عطاء أن رجلا عبدا سحر جارية عربية وكانت تتبعه فرفع إلى عروة بن محمد - وكان
عامل عمر بن عبد العزيز - فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن يبيعه بغير أرضها وأرضه
ثم ادفع ثمنه إليها وقد ذكرنا عن عثمان رضي الله عنه انكار قتل الساحر *
395

قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في قول من
رأى قتل الساحر فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على
ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) الآية
قالوا: فسمى الله تعالى السحر كفرا بقوله: (ولكن الشياطين كفروا يعلمون
الناس السحر) قال فيعلمون بدل من كفروا فتعليم السحر كفر، وأيضا بقوله تعالى:
(إنما نحن فتنة فلا تكفر) وأيضا بقوله تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة
من خلاق) وبقوله. (ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون) وذكروا ما ناه
حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن
إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " حد الساحر ضربه بالسيف " *
وبه إلى عبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " من تعلم السحر قليلا أو كثيرا كان آخر عهده من الله " * حدثنا
يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن جهيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق
نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي العلاء " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم جانب عقبة ذات ليلة فنزل فجعل يرتجز ويقول: * جندب وما جندب *
والأقطع الخبر الخبر * فلما أصبح قال أصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأينا راجزا أحسن
رجزا منك الليلة فما جندب والأقطع؟ قال: أما جندب فرجل من أمتي يضرب ضربة
يبعث بها أمة وحده يوم القيامة وأما الأقطع فرجل تقطع يده فتدخل الجنة قبل
جسده ببرهة من الدهر " فكانوا يرون أن الأقطع زيد بن صوحان قطعت يده
يوم اليرموك قبل يوم الجمل مع علي، وأما جندب فهو الذي قتل الساحر * قال نا حماد
ابن سلمة نا أبو عمران - هو الجوني - أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة فجعل يدخل
في بقرة ثم يخرج منها فرآه جندب فذهب إلى بيته فالتفع على سيفه فلما دخل الساحر
جوف البقرة ضربهما وقال: (أتأتون السحر وأنتم تبصرون) فاندفع الناس وتفرقوا
وقالوا: حروري فسجنه الوليد وكتب به إلى عثمان بن عفان فكان يفتح له بالليل
فيذهب إلى أهله فإذا أصبح رجع إلى السجن قال: فيرون أن جندبا صاحب الضربة *
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم شيئا غير ما ذكرنا قد تقصيناه لهم غاية التقصي
وأتينا بما لم نذكره أيضا وكل ذلك لا حجة لهم في شئ منه على ما نبين إن شاء الله تعالى
فنقول وبالله تعالى التوفيق، أما ما ذكروه من أقوال الصحابة رضي الله عنهم
فلا حجة لهم في شئ منه، أما قول عمر رضي الله عنه فإنه خبر صحيح عنه أخذوا
396

ما اشتهوا منه وتركوا سائره وهو خبر ناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن معمر. وسفيان بن عيينة كلاهما عن عمرو بن دينار قال: سمعت
بجالة كاتب جزى يحدث أبا الشعثاء. وعمرو بن أوس عند صفة زمزم في إمارة المصعب
ابن الزبير قال: كنت كاتبا لجزى - عم الأحنف بن قيس - فأتى كتاب عمر قبل
موته. بسنة اقتلوا كل ساحر وفرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وانههم عن
الزمزمة قال: فقتلنا ثلاث سواحر قال وصنع طعاما كثيرا وعرض السيف ثم دعا
المجوس فألقوا وقر بغل أو بغلين من ورق أخلة كانوا يأكلون بها وأكلوا بغير زمزمة
قال: ولم يكن عمر أخذ من المجوس الجزية حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن
النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس أهل هجر فهكذا الحديث، والمالكيون. والحنيفيون
يخالفون عمر في هذا الخبر فيما لا يحل خلافه فيه من أمره بأن يفرق بين كل ذي رحم
محرم من المجوس لان هذا هو أمر الله تعالى إذ يقول تعالى: (وأن احكم بينهم
بما أنزل الله) فهو إذ يقول تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله
لله) فقال الحنيفيون. والمالكيون: لا يفرق بين مجوسي وبين حريمته وتؤخذ الجزية
من كل من ليس كتابيا من العجم فخالفوا القرآن. وعمر بن الخطاب حيث لا يحل
خلافه وقلدوه بزعمهم حيث حكم فيه بما أداه إليه اجتهاده مما لم يرد فيه قرآن ولا صحت
به سنة فهذا عكس الحقائق - والزمزمة كلام تتكلم به المجوس عند أكلهم لا بد لهم
منه ولا يحل في دينهم أكل دونه - وهو كلام تعظيم لله تعالى يتكلمون به في أفواههم
خلقة وشفاهم مطبقة لا يجوز عندهم خلاف ذلك - ولهم خشبات صغار يستعملونها
عند ذلك - واخلة يأكلون بها - وهذا حمق منهم وتكلف، وبالسند المذكور إلى
عبد الرزاق عن عبد الرحمن عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن
المسيب أن عمر بن الخطاب أخذ ساحرا فدفنه إلى صدره ثم تركه حتى مات - وهم
لا يأخذون بهذا نفسه من حكم عمر في الساحر - وحتى لو التزموا قول عمر كله لكان
إذ صح خلاف عائشة له في ذلك ولما كان قوله أولى من قولها ولا قولها أولى من
قوله فالواجب عند التنازع الرجوع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه من القرآن
والسنة فسقط تعلقهم بعمر في ذلك، وأما حديث قيس بن سعيد أنه قتل ساحرا
فقد يمكن أن يكون ذلك الساحر كافرا أضر بمسلم فقتله وهكذا نقول وأيضا فقد
صح خلاف ذلك عن عائشة رضي الله عنه فسقط تعلقهم بحديث قيس، وأما حديث حفصة.
وابن عمر فقد قلنا إنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نظرنا في
397

الآثار التي ذكروا في ذلك فوجدنا خبر الحسن مرسلا ولا حجة في مرسل ولو صح لما
كان لهم فيه متعلق أصلا لأنه إنما فيه حد الساحر ضربة بالسيف وليس فيه قتله والضربة
قد تخطئ فتجرح فقط وقد تقتل فهم قد خالفوا هذا الخبر وأوجبوا قتله ولا بد، وأما
خبر جندب ففي غاية السقوط أول ذلك أنه مرسل لا يدرى ممن سمعه أبو العلاء فلم يبق الا
الآية فوجب النظر فيها ففعلنا بعون الله تعالى وابتدأنا بأولها من قوله تعالى: (ولكن الشياطين
كفروا يعلمون الناس السحر) وقولهم يعلمون بدل من كفروا فنظرنا في ذلك فوجدناه
ليس كما ظنوا وأن قولهم هذا دعوى بلا برهان بل القول الظاهر هو أن الكلام تم عند
قوله تعالى: (كفروا) وكملت القصة وقامت بنفسها صحيحة تامة (ولكن الشياطين كفروا)
ثم ابتدأ تعالى قصة أخرى مبتدأة وهو قوله تعالى: (يعلمون الناس السحر) فيعلمون ابتداء
كلام لا بدل ثم لو صح أن يعلمون بدل من كفروا ولم يحتمل غير ذلك أصلا لما كان
لهم فيه حجة البتة لان ذلك خبر من الله تعالى عن أن ذلك كان حكم الشياطين بعد أيام سليمان
عليه السلام وذلك شريعة لا تلزمنا وحكم الله تعالى في الشياطين حكم خارج من حكمنا
وكل حكم لم يكن في شريعتنا فلا يلزمنا بل قد صح أن حكم الجن اليوم في شريعتنا غير حكمنا
كما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لهم الروث والعظام طعاما والروث حرام عندنا وحلال
لهم فكيف وإذا احتمل ظاهر الآية معنيين فلا يجوز حملها على أحدهما دون الآخر الا
ببرهان وقد بينا أن كلا الوجهين لا حجة لهم فيه أصلا، وأيضا فان نص قولهم إن الشياطين
كفروا بتعليم الناس السحر وهم يزعمون أن الملكين يعلمان الناس السحر ولا يكفر
الملكان عندهم بذلك فقد أقروا باختلاف حكم تعليم السحر وأنه يكون كفرا ولا
يكون كفرا بذلك فإذ قد قالوا ذلك فمن أين لهم أن حكم الساحر من الناس الكفر قياسا
على الشياطين دون أن لا يكون كفرا قياسا على الملكين؟ فكيف والقياس كله باطل فصح
أنه لا حجة لهم في تكفير الساحر من الناس بأن الشياطين يكفرون بتعليمه هذا لو صح
لهم أن كفر الشياطين لم يكن الا بتعليمهم الناس السحر خاصة وهذا لا يصح لهم أبدا
بل قد كفروا قبل ذلك فكان تعليمهم الناس السحر ضلالا زائدا ومعصية حادثة أخرى
وهذا هو مقتضى ظاهر الآية الذي لا يجوز أن يحال عنه البتة الا بالدعوى العارية من
البرهان وبالله تعالى التوفيق، ثم صرنا إلى قول الله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى
يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) فوجدناهم لا حجة لهم فيه أصلا بوجه من الوجوه لأنه
إنما في هذا الكلام النهي عن الكفر جملة ولم يقولا فلا تكفر بتعلمك السحر ولا بعلمك
السحر هذا ما لا يفهم من الآية أصلا، وهكذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ترجعوا
398

بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " إنما هو نهي أن يكفروا ابتداء وعن أن
يرتدوا فقط لا انهم بقتل بعضهم بعضا يكونون كفارا وهذا بين لا خفاء به وبالله تعالى
التوفيق * وكل من أقحم في هذه الآية ان قوله تعالى حاكيا عن القائلين (إنما نحن فتنة
فلا تكفر) ان مرادهما لا تكفر بتعلمك ما نعلمك فقد كذب وزاد في القرآن ما ليس
فيه وما لا دليل عليه أصلا، ثم صرنا إلى قوله تعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين
المرء وزوجه) فوجدنا هذا أبعد من أن يكون لهم فيه شبهة يموهون بها من كل ما سلف
لأنه لم يختلف أحد من أهل السنة في أن من فرق بين امرأة وزوجها لا يكون كافرا بذلك
بل قد وجدنا المالكيين. والحنيفيين يفرقون بين المرء وزوجه بما لم يأذن الله تعالى به
قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم كالشروط الفاسدة. والتخيير. والتمليك والعناية. وعدم
النفقة، وأعجب من ذلك كله إباحة الحنيفيين لمن طالت يده من الفساق. ولمن قصرت
يده منهم أن يأتي إلى من عشق امرأة رجل من المسلمين أن يحمل السوط على ظهره حتى
ينطق بطلاقها مكرها فإذا اعتدت أكرهها الفاسق على أن تتزوجه بالسياط أيضا حتى
تنطق بالرضا مكرهة فكان ذلك عندهم نكاحا طيبا وزواجا مباركا وطئا حلالا يتقرب
به إلى الله تعالى وتالله ما في الذي شنعه الله تعالى من التفريق بين المرء وزوجه أعظم إثما
ولا أشنع حراما ولا أبعد من رضاء الله تعالى ولا أدنى من رأى إبليس ومن الشياطين
من هذا التفريق الذي أمضوه وأجازوه ونسأل الله إلى العافية من مثل هذا وشبهه
وقد نجد النمام يفرق بين المرء وزوجه فلا يكون بذلك كافرا فمن أين وقع لهم أن
يكفروا الساحر بذلك؟ فبطل تعلقهم بهذا النص جملة وهكذا القول في قوله تعالى:
(وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) إذ ليس كل
ما ضر المرء يكون به كافرا بل يكون عاصيا لله تعالى لا كافرا ولا حلال الدم، ثم صرنا
إلى قوله تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه) إلى قوله تعالى: (لو كانوا يعلمون) فوجدناهم
لا حجة لهم في تكفير الساحر ولا في إباحة دمه أصلا لأن هذه الصفة قد تكون
في مسلم باجماعهم معنا كما روينا من طريق مسلم نا شيبان بن فروخ نا جرير بن حازم
نا نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما يلبس الحرير في الدنيا من
لا خلاق له في الآخر " *
قال أبو محمد رحمه الله: وهم لا يختلفون في أن لباس الحرير ليس كفرا
ولا يحل قتل لابسه فبطل تعلقهم بهذه الآية ولله الحمد، فنظرنا أن يكون لهم في الآية
متعلق أصلا ولا في شئ من القرآن. ولا من السنن الصحاح. ولا في السنن الواهية
399

ولا في اجماع. ولا في قول صاحب. ولا في قياس. ولا نظر. ولا رأى سديد يصح
بل كل هذه الوجوه مبطلة لقولهم فلما بطل قول من رأى أن يقتل الساحر جملة وقول
من ادعى أن السحر كفر بالجملة وجب ان ننظر في القول الثالث فوجدنا الله تعالى
يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم) وقال تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)
إلى قوله: (فخلوا سبيلهم) وقال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)
وقال تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان
دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فصح بالقرآن. والسنة أن كل مسلم فدمه حرام
الا بنص ثابت أو اجماع متيقن فنظرنا هل نجد في السحر نصا ثابتا بتبيان ما هو؟
فوجدنا من طريق مسلم نا هارون بن سعيد الأيلي نا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال
عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا
السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي
حرم الله الا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات
المؤمنات " فكان هذا بيانا جليا بأن السحر ليس من الشرك ولكنه معصية موبقة
كقتل النفس وشبهها فارتفع الاشكال ولله الحمد، وصح أن السحر ليس كفرا وإذا
لم يكن كفرا فلا يحل قتل فاعله لان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل دم امرئ
مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان ونفس بنفس " فالساحر
ليس كافرا كما بينا ولا قاتلا ولا زانيا محصنا ولا جاء في قتله نص صحيح فيضاف إلى
هذه الثلاث كما جاء في المحارب والمحدود في الخمر ثلاث مرات فصح تحريم دمه
بيقين لا اشكال فيه * ووجدنا أيضا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد سمعت
سفيان بن عيينة يقول: ان هشام بن عروة حدثهم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين
قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال ابن
عيينة وهذا أشد ما يكون من السحر - فقال يا عائشة. أعلمت أن الله أفتأني فيما استفتيته
فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي
للآخر ما بال الرجل؟ فقال: مطبوب قال: ومن طبه قال لبيد بن أعصم - رجل من
بني زريق حليف اليهود وكان منافقا - قال وفيم؟ قال في مشط ومشاطة قال وأين؟ قال
في جف طلعة ذكر تحت راعونة في بئر ذروان قال فأتى البئر حتى استخرجه قال فهذه
البئر التي رأيتها كأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين قال: فاستخرج
فقلت أفلا تنشرت؟ قال أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على الناس شرا " *
400

قال أبو محمد: فهذا خبر صحيح، وقد عرف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من
سحره فلم يقتله (فان قيل): فان في هذا الحديث انه كان منافقا وفى بعض
رواياته أنه كان يهوديا وأنتم تقولون ان الكافر إذا أضر بمسلم وجب قتله وبرئت
منه الذمة وأن المنافق إذا عرف وجب قتله (قلنا): اننا كذلك نقول لان
البرهان قام بذلك * وأما الذمي إذا أضر بمسلم فلقول الله تعالى: (حتى يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون) فإنما حرمت دماء أهل الكتاب بالتزام الصغار فإذا
فارقوا الصغار فقد برئت ذمتهم وسقط تحريم دمائهم وعادت حلالا كما كانت لان
الله تعالى أباح دماءهم أبدا إلا بالصغار فإذا لم يكن الصغار فدماؤهم لم تحرم وهم إذا
أضروا بمسلم فلم يصغروهم وقد أصغروه فدماؤهم حلال، وأما المنافق فإذا عرف أنه
كافر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " فهذا المنافق أو اليهودي
نحن على يقين لا مرية فيه أنه لم يكن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعد بقتل من بدل
دينه ولا بقتل من لم يلتزم الصغار من أهل الذمة، برهان ذلك لا يشك أنه من في
قلبه مقدار ذرة من إيمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعمد عصيان ربه فلو أمره ربه
تعالى بقتلهم لأنفذ ذلك فإذ لم يقتله عليه السلام فبيقين نقطع ونبت أن ذلك كان قبل
نزول الآية بقتل أهل الكتاب ما لم يؤدوا الجزية مع الصغار وقبل أن ينزل عليه
الامر بقتل من بدل دينه *
(فان قالوا): قولوا كذلك في الساحر (قلنا): نعم هكذا نقول وهو
أن الساحر بهذا الخبر حرام الدم وكذلك اليهودي يضر بالمسلم فكيف بسيد أهل
الاسلام صلى الله عليه وسلم، وكذلك من أعلن الاسلام وأسر الكفر ثم صح أمر الله تعالى بتحريم
دماء أهل الكتاب بالجزية مع الصغار وإباحتها بعدم ذلك وصح أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بقتل من بدل دينه فصرنا إلى ذلك ولم يأت أمر صحيح بقتل الساحر فبقي على
تحريم الدم فارتفع الاشكال جملة وبالله تعالى التوفيق *
2305 مسألة - التعزير * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس
في مقدار التعزير فقالت طائفة: ليس له مقدار محدود وجائز أن يبلغ به الامام
ما رآه وان يجاوز به الحدود بالغا ما بلغ - وهو قول مالك - وأحد أقوال أبي يوسف
وهو قول أبي ثور. والطحاوي من أصحاب أبي حنيفة - * وقالت طائفة: التعزير
مائة جلدة فأقل، وقالت طائفة: أكثر التعزير مائة جلدة الا جلدة، وقالت طائفة:
أكثر التعزير تسعة وسبعون سوطا فأقل - وهو أحد أقوال أبي يوسف، وقالت
401

طائفة: أكثر التعزير خمسة وسبعون سوطا فأقل - وهو قول ابن أبي ليلى، وأحد أقوال
أبي يوسف، وقالت طائفة: أكثر التعزير ثلاثون سوطا، وقالت طائفة: أكثر
التعزير عشرون سوطا، وقالت طائفة: لا يتجاوز بالتعزير تسعة - وهو قول بعض
أصحاب الشافعي، وقالت طائفة: أكثر التعزير عشرة أسواط فأقل لا يجوز أن
يتجاوز به أكثر من ذلك - وهو قول الليث بن سعد، وقول أصحابنا *
قال أبو محمد رحمه الله: فمما روى في القول الأول ما ناه أحمد بن عمر بن أنس
نا الحسن بن يعقوب نا سعد بن فحلون نا يوسف بن يحيى نا عبد الملك بن حبيب قال: قال لي
مطرف بن عبد الله ثقة: أتى هشام بن عبد الله المخزومي - وهو قاضي المدينة ومن صالح
قضاتها - برجل خبيث معروف باتباع الصبيان قد لصق بغلام في ازدحام الناس حتى
أفضى فبعث به هشام إلى مالك وقال: أترى أن أقتله قال وكان هشام شديدا في الحدود
فقال مالك: أما القتل فلا ولكن أرى أن تعاقبه عقوبة موجعة فقال: كم؟ قال: ذلك
إليك فأمر به هشام فجلد أربع مائة سوط وأبقاه في السجن فما لبث أن مات فذكروا ذلك
لمالك فما استنكر ولا رأى أنه أخطأ *
قال أبو محمد رحمه الله: وذكر محمد بن سحنون بن سعيد في كتابه الذي جمع فيه أحكام
أبيه أيام ولايته قضاء مدينة القيروان لابن الأغلب قال: شكى إلى أبي رجل يأتي زوجته
أنه غيب عنه ابنته وحال بينه وبينها فبعث في أبي الجارية قال أين ابنتك امرأة هذا؟ فقال
والله ما أتتني ولا أدري أين هي ولا لها عندي علم قال: فأمر به فحمله إلى وسط السوق وضرب
مائة سوط ثم سجنه ثم أخرجه مرة ثانية وجلده في وسط السوق مائة سوط، ثم أنا أشك اذكر
الثالثة أو الرابعة أم لا قال فمات الرجل من الضرب في السجن ثم وجد ابنته في بعض
الشعاب عند قوم من أهل الفساد، وأما القول الثاني فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن عبد الرحمن
ابن حاطب حدثه قال توفى عبد الرحمن بن حاطب وأعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت
له نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم يرعه الا حملها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر
فزعا فحدثه فقال أنت الرجل لا تأتي بخير فأرسل إليها عمر فسألها فقال: أحبلت؟ قالت
نعم من مرعوش بدرهمين فصادف ذلك عنده عثمان. وعليا. وعبد الرحمن بن عوف
فقال: أشيروا علي وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال علي. وعبد الرحمن: قد وقع عليها
الحد فقال: أشر علي يا عثمان قال: قد أشار عليك أخواك قال: أشر علي أنت قال عثمان:
أراها تستهل به كأنها لا تعرفه فليس الحد إلا على من علمه فأمر بها عمر فجلدت مائة
402

ثم غربها ثم قال: صدقت والذي نفسي بيده ما الحد الا على من علمه، وبه إلى
عبد الرزاق عن محمد بن راشد قال: سمعت مكحولا يحدث أن رجلا وجد في بيت رجل
بعد العتمة ملففا في حصير فضربه عمر مائة، وبه إلى عبد الرزاق نا ابن جريج نا جعفر بن
محمد عن أبيه عن علي انه كان إذا وجد الرجل مع المرأة في لحاف واحد جلدهما مائة كل انسان
منهما، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن مسعود عن أبيه قال أتى ابن مسعود برجل وجد مع امرأة في لحاف فضربهما لكل
واحد منهما أربعين سوطا فذهب أهل المرأة وأهل الرجل فشكوا ذلك إلى عمر بن الخطاب
فقال عمر لابن مسعود ما يقول هؤلاء؟ قال: قد فعلت ذلك، وأما القول الثالث:
فروينا عن سعيد بن المسيب، ورويناه أيضا عن ابن شهاب قال: ان عمر بن الخطاب ضرب
رجلا دون المائة وجد مع امرأة في العتمة، وأما من قال ثلاثون سوطا فلما رويناه عن
سفيان بن عيينة عن جامع عن شقيق قال كان لرجل على أم سلمة أم المؤمنين حق فكتب
إليها يخرج عليها فأمر عمر بأن يجلد ثلاثين جلدة، وأما من قال عشرون سوطا فكما روينا
عن وكيع. وعبد الرحمن ثم اتفقا كلاهما عن سفيان الثوري عن حميد الأعرج عن يحيى بن
عبد الله بن صيفي أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى لا يجلد في تعزير أكثر من
عشرين سوطا *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فنظرنا
في قول من أسقط التعزير جملة ومن رأى أنه يزاد فيه على عشر جلدات إذ لم يبق
غير هذين القولين إذ سائر الأقوال قد سقط التعلق بها جملة واحدة فوجدنا المنع
منه جملة كما جاء عن عمر بن الخطاب. وعن عطاء هو كان الأصل لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " لكن لما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع فإن لم يستطع
فبلسانه " كان ذلك مطلقا لتغيير المنكر باليد فكان هذا أمرا مجملا لا ندري كيفية
ذلك التغيير باليد كيف هو لان التغيير باليد يكون بالسيف. وبالحجر. ويكون
بالرمح. ويكون بالضرب، وهذا لا يقدم عليه إلا ببيان من الله تعالى على لسان
رسوله عليه السلام، ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه أبعد الأقوال من الصواب لأنه
لم يتعلق بقرآن. ولا بسنة. ولا بدليل اجماع. ولا بقول أحد من الصحابة رضي الله عنهم
. ولا برأي سديد فنظرنا في ذلك فوجدنا ما ناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد
نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا عبد الله بن يوسف نا الليث - هو ابن سعد
403

ني يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن
جابر بن عبد الله بن أبي بردة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجلد فوق
عشر جلدات الا في حد من حدود الله تعالى " فكان هذا بيانا جليا لا يحل لاحد أن
يتعداه، وقد روينا عن سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي عامر قال: أتى علي
ابن أبي طالب برجل وجد تحت فراش امرأة فقال اذهبوا به فقلبوه ظهرا لبطن في
مكان منتن فإنه كان في مكان شر منه * ومن طريق محمد بن المثنى نا الضحاك بن مخلد
عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل أن رجلا جاء إلى علي بن أبي
طالب بمستعد عليه فقال: هذا احتلم على أمي البارحة فقال له علي اذهب فأقمه في الشمس
واضرب ظله *
قال أبو محمد رحمه الله: ومن أتى منكرات جمة فللحاكم أن يضربه لكل منكر
منها عشر جلدات فأقل بالغا ذلك ما بلغ لان الامر في التعزير جاء مجملا فيمن أتى
منكرا أن يغير باليد وليس هذا بمنزلة الزاني الذي قد صح الاجماع والنص أن
الايلاج والتكرار سواء ولا كالشرب الذي قد صح الاجماع والنص على أن الجرعة
والسكر سواء ولا كالسرقة التي قد صح الاجماع بأن سارق ربع دينار وسارق أكثر
من ذلك سواء ولا كالقذف الذي قد صح النص بأن قاذف واحد أو أكثر من
واحد سواء، وبالله تعالى التوفيق *
2306 مسألة - هل يقال ذوو الهيئات عثراتهم؟ وكيف يتجاوز
عن مسئ الأنصار رضي الله عنهم؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك الخولاني
نا محمد بن بكير البصري. نا أبو داود السجستاني. وجعفر بن مسافر التنيسي نا ابن أبي
فديك عن عبد الملك بن زيد - من ولد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - عن محمد
ابن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم الا الحدود " * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد
ابن عبد الملك بن أيمن نا أبو عبد الله نا سعيد بن منصور نا أبو بكر بن نافع مولى العمريين
قال: سمعت أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قالت عمرة: قالت عائشة: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم " * حدثنا أحمد بن قاسم نا محمد بن قاسم
ابن أصبغ نا أبي نا جدي نا مضر بن محمد نا مخلد بن مالك نا عبد الرحمن بن محمد بن أبي
الرجال عن ابن أبي ذئب أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه جرح
404

مولى له فاستعدى عليه ابن حزم - وهو والي المدينة - فقال ابن حزم: سمعت جدتي
عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم - أو زلانهم " وأنت
ذو هيئة وقد أقلتك - * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا
عمرو بن علي نا عبد الرحمن بن مهدي نا عبد الملك بن زيد المديني عن أبي بكر بن محمد
ابن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقيلوا ذوي
الهيئات عثراتهم " * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن
حاتم أنا سويد - هو ابن نصر - أنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن عبد العزيز بن
عبد الله بن عمر عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تجاوزوا عن زلة ذي الهيئة " *
قال أبو محمد رحمه الله: حديث عبد الملك كان يكون جيدا لولا أن محمد
ابن أبي بكر مقدر أنه لم يسمعه من عمرة لان هذا الحديث إنما هو عن أبيه أبي بكر
عن عمرة وأما أبو بكر بن نافع - فهو ضعيف ليس هو بشئ - وليس هو أبا بكر
ابن نافع مولى ابن عمر ذلك عال ثقة وهذا متأخر وأحسنها كلها حديث عبد الرحمن بن مهدي
فهو جيد والحجة به قائمة * ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر أنا شعبة سمعت
قتادة يحدث عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الأنصار كرشي وعيبتي والناس
سيكثرون ويقلون فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم " * حدثنا عبد الرحمن بن
عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا محمد بن يحيى أبو علي الصائغ
نا شاذان - أخو عبدان - نا أبي نا شعبة بن الحجاج عن هشام بن زيد قال سمعت انس بن مالك
يقول: " مر أبو بكر. والعباس بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال ما يبكيكم؟
فقالوا ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا فدخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك قال فخرج النبي
صلى الله عليه وسلم وقد عصب رأسه بحاشية برد فصعد المنبر - ولم يصعده بعد ذلك اليوم - فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي
الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم "، وبه إلى البخاري نا أحمد بن
يعقوب نا ابن المغلس قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: " خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعصبا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء حتى جلس
على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فان الناس يكثرون وتقل
الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام " (فان قال قائل): فكيف تجمع هذه الآثار مع
قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع " ومع ما حدثكموه
405

عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا عبدان - هو
ابن عثمان - انا عبد الله بن المبارك انا يونس - هو ابن يزيد - عن الزهري أخبرني عروة
عن عائشة قالت: ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شئ يؤتى إليه حتى ينتهك من حرمات
الله فينتقم لله عز وجل *
قال أبو محمد رحمه الله: (فنقول): وبالله تعالى التوفيق: إن جميعها كلها
حق ممكن ظاهر وذلك ما كان من إساءة لا تبلغ منكرا وجب أن يتجاوز فيها عن
الأنصاري في التعزير ولم يخفف عن غيرهم وما كان من حد خفيف أيضا عن الأنصار
ما لا يخفف عن غيرهم مثل أن يجلد الأنصاري في الخمر بطرف الثوب وغيره باليد أو
بالجريد والنعال ويقال ذو الهيئة - وهو الذي له هيئة علم وشرف - عثرة في جفا ونحو ذلك
ما لم يكن حدا أو منكرا فلا بد من إقامة الحدود والتعزير وبالله تعالى التوفيق *
2307 مسألة هل يقتل القرشي فيما يوجب القتل من رجم المحصن إذا
زنى. والقود. والحرابة. والردة، وإذا شرب الخمر بعد ان حد فيها ثلاث مرات أم لا؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أبو بكر أحمد بن الفضل
الدينوري نا محمد بن جرير الطبري نا عبد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
الزهري ني عمي يعقوب بن إبراهيم ني شعبة بن الحجاج عن عبد الله بن أبي السفر عن
عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن الأسود عن أبيه مطيع - أخي بني عدي بن كعب
وكان اسمه العاصي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا - قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة
يقول: " لا تغزى مكة بعد هذا العام أبدا ولا يقتل رجل من قريش بعد هذا العام صبرا " *
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل بن بهرام نا محمد بن جرير ني عبد الله بن
محمد الزهري نا سفيان - هو ابن عيينة - عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي قال:
قال الحرث بن مالك بن البرصاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تغزى مكة بعد اليوم أبدا " *
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل نا محمد بن جرير ني نصر بن
عبد الرحمن الأزدي نا محمد بن عبيد عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن عامر الشعبي
عن الحرث بن مالك بن برصاء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقول:
" لا تغزى بعدها إلى يوم القيامة " *
قال أبو محمد رحمه الله: الحارث هذا - هو الحارث بن مالك بن قيس بن
عود بن جابر بن عبد مناف بن كنانة بن سجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناف
ابن كنانة - لا يعرف للشعبي سماع من عبد الله بن مطيع وعبد الله بن مطيع هذا قتل مع
406

عبد الله بن الزبير في الحصار الأول ولا يعرف له أيضا سماع من الحرث بن مالك بن
البرصاء فحصل الخبران منقطعين ولا حجة في منقطع، ثم لو صح لكان المراد بذلك أنه
عليه السلام لا يغزوها أبدا ولا يقتل هو قرشيا بعد ذلك اليوم صبرا، فهذا من أعلام نبوته
صلى الله عليه وسلم، وبرهان صحة هذا التأويل هو قول الله تعالى: (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام
حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم) فأخبر تعالى أننا سنقاتل فيه ونقتل ونقتل *
روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد. وأبو بكر بن أبي شيبة. واسحق
- هو ابن إبراهيم - واللفظ لقتيبة قال اسحق أخبرنا، وقال الآخران نا جرير عن
عبد العزيز بن رفيع عن عبيد الله بن القبطية قال. دخل الحرث بن أبي ربيعة: وعبد الله
ابن صفوان. وانا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فقالت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. " يعوذ
عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كان ببيداء من الأرض خسف بهم فقلت يا رسول الله
فكيف بمن كان كارها؟ قال. يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته " *
قال أبو محمد رحمه الله: أسقطنا من هذا الخبر كلاما لبعض رواته ليس من
الحديث في شئ وهو غلط وهو أنه ذكر أن ذلك كان أيام ابن الزبير وهو خطأ لان أم سلمة
أم المؤمنين رضي الله عنها ماتت أيام معاوية فإنما الغرض من الحديث كلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا كلام من دونه فلا حجة فيه * ومن طريق مسلم نا عمرو بن محمد الناقد نا سفيان
ابن عيينة عن أمية بن صفوان سمع جده عبد الله بن صفوان يقول: أخبرتني حفصة انها
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من
الأرض يخسف بهم بأوسطهم وينادي أولهم آخرهم ثم يخسف بهم فلا يبقى الا الشريد
الذي يخبر عنهم " * ومن طريق مسلم ني محمد بن حاتم بن ميمون نا الوليد بن صالح نا عبيد الله
ابن عمرو نا يزيد بن أبي أنيسة عن عبد الملك العامري عن يوسف بن ماهك أخبرني عبد الله
ابن صفوان عن أم المؤمنين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيعوذ بهذا البيت قوم ليس لهم منعة
ولا عدد ولا عدة يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم " قال يوسف:
وأهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة قال عبد الله بن صفوان: اما والله ما هو بهذا الجيش *
ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا يونس بن محمد نا القاسم بن الفضل الحدائي
عن محمد بن زياد عن عبد الله بن الزبير قال: ان عائشة قالت: " عبث رسول الله
صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا يا رسول الله صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله قال: العجب
أن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا
كانوا بالبيداء خسف بهم فقلنا: يا رسول الله فان الطريق قد تجمع الناس قال: نعم فيه
407

المستبصر. والمجبر. وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى حتى
يبعثهم الله على نياتهم " *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا خبر صحيح في غاية الصحة عن ثلاثة من أمهات
المؤمنين رضي الله عنهن وعن ابن الزبير - وهو صاحب - قد أنذر النبي صلى الله عليه وسلم بأن
مكة تغزى بعده، وأما قتل القرشي صبرا فلما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى
نا ابن أبي عدي عن عثمان بن غياث عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري
قال. " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة استفتح رجل فذكر الحديث،
وفيه ثم استفتح رجل آخر فقال: افتح وبشره بالجنة على بلوى تكون قال: فذهبت
فإذا عثمان بن عفان قال: ففتحت له وبشرته بالجنة فقلت الذي قال فقال اللهم صبرا
والله المستعان " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك الخولاني نا محمد بن
بكر نا أبو داود السجستاني نا مسدد نا يزيد بن زريع. ويحيى بن سعيد القطان واللفظ له
قالا جميعا: نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك حدثهم
" أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا فتبعه أبو بكر. وعمر. وعثمان فرجف بهم فضربه نبي
الله صلى الله عليه وسلم برجله أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان " *
قال أبو محمد رحمه الله: وأنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الكعبة يهدمها
ذو السويقتين من الحبشة وهذا لا يكون الا بعد غزوها بلا شك وقد صرح رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأنها تغزى بعده وصرح بأن عثمان تصيبه بلوى كما ترى فهذا أنذر بأنه سيقتل
وهو قرشي وصح يقينا أن حديث الشعبي عن ابن مطيع وعن الحرث بن برصاء لو صح
وهو لا يصح لكان معناه أنه عليه السلام لا يغزوها بعد يومه ذلك أبدا إلى يوم القيامة
وانه عليه السلام لا يقتل قرشيا صبرا بعد ذلك اليوم إلى يوم القيامة وهكذا كان فإذ هذا معنى
ذلك الحديث لو صح بلا شك فقد ثبت أن القرشي كغير القرشي في أن يقتل إذا وجب
عليه القتل صبرا كما يقتل غيره وأن الحدود تقام عليه كما تقام على غير قرشي ولا
فرق مع أن هذا أمر مجمع عليه بيقين لا شك فيه وبالله تعالى التوفيق *
2308 مسألة - من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الله تعالى. أو نبيا من
الأنبياء أو ملكا من الملائكة. أو إنسانا من الصالحين هل يكون بذلك مرتدا
إن كان مسلما أم لا؟ وهل يكون بذلك ناقضا للعهد إن كان ذميا أم لا؟ *
قال أبو محمد: اختلف الناس فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم. أو نبيا من الأنبياء
ممن يقول أنه مسلم، فقالت طائفة: ليس ذلك كفرا، وقالت طائفة: هو كفر
408

وتوقف آخرون في ذلك. فأما التوقف فهو قول أصحابنا: وأما من قال أنه ليس كفرا
فإننا روينا باسناد غاب عنا مكانه من روايتنا إلا أن علي بن أبي طالب قال: لا أوتي
برجل قذف داود عليه السلام بالزنا الا جلدته حدين، وأما من قال: أنه كفر فأباح
دمه بذلك فان عبد الله بن ربيع قال: نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن
العلاء نا أبو بكر نا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن
أبي برزة قال: تغيظ أبو بكر على رجل فقلت من هو يا خليفة رسول الله؟ قال:
لم؟ قلت له لأضرب عنقه إن أمرتني بذلك قال: أو كنت فاعلا قال: قلت نعم قال
فذكرت كلمة معناها لاذهب عظم كلمتي التي قلت غضبه ثم قال: ما كانت لاحد بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد
ابن إسماعيل الترمذي نا الحميدي نا يعلي بن عبيد نا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي
البختري عن أبي برزة قال: مررت على أبي بكر الصديق وهو متغيظ على رجل من
أصحابه فقلت: يا خليفة رسول الله من هذا الذي تغيظ عليه؟ قال: ولم تسأل عنه؟ قلت
لأضرب عنقه قال: فوالله لأذهب غضبه ما قلت ثم قال: ما كان لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى عن أبي داود الطيالسي
نا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا نصر - هو حميد بن هلال - يحدث عن أبي برزة قال:
أتيت على أبي بكر الصديق وقد أغلظ لرجل فرد عليه فقلت: ألا أضرب عنقه؟ فانتهرني وقال:
إنها ليست لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا أبو داود نا عفان
نا يزيد بن زريع نا يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف بن
الشخير عن أبي برزة الأسلمي قال: كنا عند أبي بكر فغضب على رجل من المسلمين
فاشتد غضبه جدا فلما رأيت ذلك قلت: يا خليفة رسول الله اضرب عنقه؟ فلما ذكرت
القتل أضرب عن ذلك الحديث اجمع إلى غير ذلك من النحو قال: فلما تفرقنا ارسل
إلى فقال: يا أبا برزة ما قلت؟ قال: ونسيت الذي قلت: فقلت له: ذكرنيه فقال:
أما تذكر ما قلت؟ قلت: لا والله قال: رأيت حين رأيتني غضبت على الرجل فقلت
اضرب عنقه يا خليفة رسول الله أما تذكر ذلك أو كنت فاعلا ذلك؟ قلت نعم والله
ولئن أمرتني فعلت قال: والله ما هي لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: (فان قيل): هذا خبر رواه عن عمرو بن مرة. مرة عن سالم
ابن أبي الجعد. ومرة عن أبي البختري وكلاهما عن أبي برزة (قلنا): فكان ماذا؟ كلهم
409

ثقة سمعه من كل واحد فحدث به كذلك. وعمرو بن مرة من الجلالة والثقة بحيث
لا يغمزه بمثل هذا الا جاهل (فان قيل): ان معنى قول أبي بكر هذا إنما هو ما كان
لاحد ان يطاع في سفك دم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلنا): نعم وأراد أيضا معنى
آخر كما روينا مبينا بلا إشكال * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله
نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار أنا معاذ بن معاذ العنبري
نا شعبة عن ثوبة العنبري قال: سمعت أبا السوار القاضي عبد الله بن قدامة يحدث عن أبي
برزة قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق قلت: ألا أقتله؟ فقال أبو بكر: ليس هذا
إلا لمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم فبين أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه لا يقتل من شتمه لكن
يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم وقد علمنا أن دم المسلمين حرام إلا بما أباحه الله تعالى به ولم
يبحه الله تعالى قط الا في الكفر بعد الايمان. أو زنا المحصن. أو قود بنفس مؤمنة. أو
في المحاربة. وقطع الطريق. أو في المدافعة عن الظلمة. أو في الممانعة من حق. أو فيمن
حد في الخمر ثلاث مرات ثم شربها الرابعة فقط، وقد علمنا أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم فبيقين
ندري أنه لم يزن. ولا شرب خمرا. ولا قصد ظلم مسلم. ولا قطع طريقا فلم يبق الا أنه
عند أبي بكر كافر * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح
نا سحنون نا ابن وهب عن خالد عن حميد عن عمر بن عبد الله عن عبد الحميد بن عبد الرحمن
ابن زيد بن الخطاب أنه كان على الكوفة لعمر بن عبد العزيز فكتب إلى عمر بن عبد العزيز
اني وجدت رجلا بالكوفة يسبك وقامت عليه البينة فهممت بقتله. أو قطع يديه. أو قطع
لسانه. أو جلده ثم بدا لي أن أراجعك فيه فكتب إليه عمر بن عبد العزيز سلام عليك
أما بعد والذي نفسي بيده لو قتلته لقتلتك به ولو قطعته لقطعتك به ولو جلدته لاقدته منك
فإذا جاءك كتابي هذا فأخرج به إلى الكناسة فسبه كالذي سبني أو أعف عنه فان ذلك
أحب إلي فإنه لا يحل قتل امرئ مسلم يسب أحد من الناس الا رجلا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وذهب أبو حنيفة. ومالك. والشافعي. وأحمد بن حنبل. وإسحاق بن راهويه. وسائر
أصحاب الحديث. وأصحابهم إلا أنه بذلك كافر مرتد *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة
لقولها لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى وتأييده فوجدنا من قال لا يكون بذلك
كافرا يحتجون بما روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا جرير بن عبد الحميد عن
منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود لما كان يوم خيبر " آثر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله تعالى فأتيت
410

رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان كالصرف،
ثم قال: من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ يرحم الله موسى لقد أوذى بأكثر من هذا
فصبر " وبما روينا من طريق البخاري نا عمرو بن حفص بن غياث نا أبى عن الأعمش نا
سفيان قال: قال عبد الله بن مسعود كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكى نبيا من الأنبياء
ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون *
قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه، أما القائل في قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه قسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله تعالى فقد قلنا إن هذا كان يوم خيبر وأن هذا
كان قبل أن يأمر الله تعالى بقتل المرتدين وليس في هذا الخبر أن قائل هذا القول ليس
كافرا بقوله ذلك فإذ ليس ذلك في الخبر فلا متعلق لهم به، وأما حديث النبي الذي ضربه
قومه فأدموه فكذلك أيضا ومعنى دعاء ذلك النبي عليه السلام لهم بالمغفرة إنما هو بأن
يؤمنوا فيغفر الله تعالى لهم ويبين أنهم كانوا كفارا به قوله فإنهم لا يعلمون فصح أنهم كانوا
لا يعلمون بنبوته فصح أن كلا الخبرين لا حجة لهم فيه، وأما سب الله تعالى فما على ظهر
الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد إلا أن الجهمية. والأشعرية وهما طائفتان
لا يعتد بهما يصرحون بأن سب الله تعالى وإعلان الكفر ليس كفرا قال بعضهم: ولكنه
دليل على أنه يعتقد الكفر لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى وأصلهم في هذا أصل سوء
خارج عن إجماع أهل الاسلام وهو أنهم يقولون الايمان هو التصديق بالقلب فقط
وان أعلن بالكفر. وعبادة الأوثان بغير تقية ولا حكاية لكن مختارا في ذلك الاسلام *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا كفر مجرد لأنه خلاف لاجماع الأمة ولحكم الله
تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة ومن بعدهم لأنه لا يختلف أحد لا كافر ولا مؤمن
في أن هذا القرآن هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وذكر أنه وحي من الله تعالى وإن كان قوم
كفار من الروافض ادعوا أنه نقص منه وحرف فلم يختلفوا ان جملته كما ذكرنا ولم يختلفوا
في أن فيه التسمية بالكفر والحكم بالكفر قطعا على من نطق بأقوال معروفة كقوله تعالى:
(لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) وقوله تعالى: (ولقد قالوا كلمة الكفر
وكفروا بعد اسلامهم) فصح أن الكفر يكون كلاما وقد حكم الله تعالى بالكفر على
إبليس وهو عالم بأن الله خلقه من نار وخلق آدم من طين وأمره بالسجود لآدم وكرمه
عليه وسأل الله تعالى النظرة إلى يوم يبعثون ثم يقال لهم إذ ليس شتم الله تعالى كفرا
عندكم فمن أين قلتم انه دليل على الكفر؟ (فان قالوا) لأنه محكوم على قائله بحكم الكفر
(قيل لهم): نعم محكوم عليه بنفس قوله لا بمغيب ضميره الذي لا يعلمه الا الله تعالى
411

فإنما حكم له بالكفر بقوله فقط فقوله هو الكفر ومن قطع على أنه في ضميره وقد
أخبر الله تعالى عن قوم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم فكانوا بذلك كفارا كاليهود
الذين عرفوا صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم وهم مع ذلك كفار بالله
تعالى قطعا بيقين إذ أعلنوا كلمة الكفر *
قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد سقط هذا القول فالواجب أن ننظر فيما احتجت
به الطائفة القائلة إن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو نبيا من الأنبياء. أو ملكا من
الملائكة عليهم السلام فهو بذلك القول كافر سواء اعتقده بقلبه أو اعتقد الايمان
بقلبه فوجدناهم يذكرون قول الله تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون
لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا
أصواتكم فوق صوت النبي) الآية، وقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى
يحكموك فيما شجر بينهم) قال فقضى الله عز وجل وقسم وحكم أنه لا يؤمن أحد
حتى يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر ثم لا يجد في نفسه حرجا من شئ مما قضى به
ويسلم تسليما، قالوا وبضرورة الحس والمشاهدة ندري أن من سب الله تعالى أو
النبي صلى الله عليه وسلم أو ملكا من الملائكة أو نبيا من الأنبياء على جميعهم السلام أو شيئا
من الشريعة أو استخف بشئ من ذلك كله فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى به من تعظيم
الله تعالى واكرام الملائكة والنبيين وتعظيم الشريعة التي هي شعائر الله تعالى فصح
أنه لم يؤمن فقد كفر إذ ليس الا مؤمن أو كافر قالوا: وقد نص الله تعالى باحباط عمل
من رفع صوته على صوت النبي صلى الله عليه وسلم واحباط العمل لا يكون الا بالكفر فقط
ورفع الصوت على صوت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيه الاستخفاف به عليه
السلام والسب له والمعارضة من حاضر وغائب قالوا: وكان قوله تعالى في المستهزئين
بالله وبآياته ورسوله أنهم كفروا بذلك بعد إيمانهم فارتفع الاشكال وصح يقينا
أن كل من استهزأ بشئ من آيات الله وبرسول من رسله فإنه كافر بذلك مرتد،
وقد علمنا أن الملائكة كلهم رسل الله تعالى قال الله تعالى: (جاعل الملائكة رسلا)
وكذلك علمنا بضرورة المشاهدة أن كل ساب وشاتم فمستخف بالمشتوم مستهزئ
به فالاستخفاف والاستهزاء شئ واحد *
قال أبو محمد رحمه الله: ووجدنا الله تعالى قد جعل إبليس باستخفافه بآدم
عليه السلام كافرا لأنه إذ قال: (أنا خير منه) فحينئذ أمره تعالى بالخروج من الجنة
ودحره وسماه كافرا بقوله (وكان من الكافرين)، وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد
412

ابن عبد الملك بن أيمن نا أبو محمد حبيب البخاري - هو صاحب أبي ثور ثقة مشهور -
نا محمد بن سهل سمعت علي بن المديني يقول: " دخلت على أمير المؤمنين فقال لي
أتعرف حديثا مسندا فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم فيقتل؟ قلت: نعم فذكرت
له حديث عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن عروة بن محمد عن رجل
من بلقين قال: " كان رجل يشتم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: من يكفيني عدوا لي؟ فقال خالد بن الوليد: أنا فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم
إليه فقتله فقال له أمير المؤمنين ليس هذا مسندا هو عن رجل فقلت: يا أمير المؤمنين
بهذا يعرف هذا الرجل وهو اسمه وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه وهو مشهور معروف
قال فأمر لي بألف دينار " *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا حديث مسند صحيح وقد رواه علي بن المديني عن
عبد الرزاق كما ذكره، وهذا رجل من الصحابة معروف اسمه الذي سماه به أهله
رجل من بلقين فصح بهذا كفر من سب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عدو لله تعالى
وهو عليه السلام لا يعادي مسلما قال تعالى: (المؤمنون بعضهم أولياء بعض) فصح
بما ذكرنا أن كل ما سب الله تعالى أو استهزأ به أو سب ملكا من الملائكة أو استهزأ
به أو سب نبيا من الأنبياء أو استهزأ به أو سب آية من آيات الله تعالى أو استهزأ بها
والشرائع كلها وللقرآن من آيات الله تعالى فهو بذلك كافر مرتد له حكم المرتد، وبهذا
نقول وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: ويبين هذا ما رويناه من طريق مسلم ني زهير بن حرب
نا عفان بن مسلم نا حماد بن سلمة أنا ثابت البناني عن أنس " أن رجلا كان يتهم بأم ولد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: اذهب
فاضرب عنقه فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها فقال له علي اخرج فناوله يده فأخرجه
فإذا هو مجبوب - ليس له ذكر - فكف علي عنه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله انه لمجبوب ما له ذكر " *
قال أبو محمد رحمه الله: هذا خبر صحيح وفيه من آذى النبي صلى الله عليه وسلم
وجب قتله وإن كان لو فعل ذلك برجل من المسلمين لم يجب بذلك قتله *
(فان قال قائل): كيف يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله دون أن
يتحقق عنده ذلك الامر لا بوحي ولا بعلم صحيح ولا ببينة. ولا باقرار؟ وكيف يأمر
عليه السلام بقتله في قصة بظن قد ظهر كذبه بعد ذلك وبطلانه؟ وكيف يأمر
413

عليه السلام بقتل امرئ قد أظهر الله تعالى براءته بعد ذلك بيقين لا شك فيه؟
وكيف يأمر عليه السلام بقتله ولا يأمر بقتلها والامر بينه وبينها مشترك؟ *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذه سؤالات لا يسألها الا كافرا أو انسان جاهل
يريد معرفة المخرج من كل هذه الاعتراضات المذكورة *
قال أبو محمد رحمه الله: الوجه في هذه السؤالات بين واضح لا خفاء به
والحمد لله رب العالمين ومعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل أحد بظن بغير
اقرار أو بينة أو علم مشاهدة أو وحي أو أن يأمر بقتله دونها لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد علم يقينا أنه برئ وأن القول كذب فأراد عليه السلام أن يوقف على ذلك مشاهدة
فأمر بقتله لو فعل ذلك الذي قيل عنه فكان هذا حكما صحيحا فيمن آذى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد علم عليه السلام ان القتل لا ينفذ عليه لما يظهر الله تعالى من براءته وكان
عليه السلام في ذلك كما أخبر به عن أخيه سليمان عليه السلام، وقد روينا من طريق البخاري
نا أبو اليمان - هو الحكم بن نافع - أنا شعيب - هو ابن أبي حمزة - نا أبو الزناد قال إن
عبد الرحمن الأعرج حدثه " أنه سمع أبا هريرة يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
مثلي ومثل الناس - فذكر كلاما - وفيه أنه عليه السلام قال: وكانت امرأتان معهما
ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى
إنما ذهب بابنك فتحاكما إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان
عليه السلام فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك
الله هو ابنها فقضى به للصغرى - قال أبو هريرة: والله ان سمعت بالسكين الا يومئذ
وما كنا نقول الا المدية " *
قال أبو محمد رحمه الله: فبيقين ندري أن سليمان عليه السلام لم يرد قط شق
الصبي بينهما وإنما أراد امتحانهما بذلك وبالوحي فعل هذا بلا شك وكان حكم
داود عليه السلام للكبرى على ظاهر الامر لأنه كان في يدها وكذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما أراد قط انفاذ قتل ذلك المجبوب لكن أراد امتحان علي في انفاذ أمره وأراد
اظهار براءة المتهم وكذب التهمة عيانا وهكذا لم يرد الله تعالى انفاذ ذبح إسماعيل
ابن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم إذ أمر أباه بذبحه لكن أراد الله تعالى اظهار
تنفيذه لامره فهذا وجه الاخبار والحمد لله رب العالمين، فصح بهذا أن كل من آذى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد يقتل ولا بد وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن إسماعيل بن دليم الحضرمي نا محمد بن أحمد
414

ابن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان نا الحسن بن علي الهاشمي ني محمد بن سليمان
الباغندي نا هشام بن عمار قال: سمعت مالك بن أنس يقول من سب أبا بكر. وعمر
جلد ومن سب عائشة قتل قيل له: لم يقتل في عائشة؟ قال: لان الله تعالى يقول في عائشة
رضي الله عنها: (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ان كنتم مؤمنين) قال مالك:
فمن رماها فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل *
قال أبو محمد رحمه الله: قول مالك ههنا صحيح وهي ردة تامة وتكذيب لله
تعالى في قطعه ببراءتها وكذلك القول في سائر أمهات المؤمنين ولا فرق لان الله تعالى
يقول: (الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون) فكلهن
مبرءات من قول إفك والحمد لله رب العالمين *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما الذمي يسب النبي صلى الله عليه وسلم فان أصحابنا. ومالكا
وأصحابه قالوا: يقتل ولابد - وهو قول الليث بن سعد - وقال الشافعي: يجب أن
يشترط عليهم أن لا يذكر أحد منهم كتاب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم بما لا ينبغي أو
زنى بمسلمة أو تزوجها فان فعل شيئا من ذلك أو قطع الطريق على مسلم أو أعان أهل
الحرب بدلالة على المسلمين أو اوى عينا لهم فقد نقض عهده وحل دمه وبرئت منه
ذمة الله تعالى وذمة المسلمين فتأول عليه قوم أنه ان لم يشترط هذا عليهم لم يستحل
دمهم بذلك *
قال علي رحمه الله: وهذا خطأ ممن تأول ذلك عليه لأنه لا يختلف عنه ولا عن
غيره في الذمي يقطع الطريق على المسلمين أنه قد حل بذلك دمه تقدم إليهم بذلك وشرط
لهم أو لم يشترط ذلك لهم، وروي عن بعض المالكيين أن الذمي إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم
بغير ما به كفر يقتل فاستدل بعض الناس أنه لا يقتل إذا سبه بتكذيب *
وقال سفيان. وأبو حنيفة. وأصحابه: إن سب الذمي الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم
بأي شئ سبه فإنه لا يقتل لكن ينهى عن ذلك، وقال بعضهم: يعزر، وقد روى
عن ابن عمر أنه يقتل ولا بد. واحتج الحنيفيون لضلالهم وإفكهم بما ناه عبد الرحمن
ابن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا محمد بن مقاتل أنا عبد الله
ابن المبارك أنا شعبة عن هشام بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: " مر
يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السام عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك فقال
عليه السلام أتدرون ما يقول؟ قال السام عليك قالوا يا رسول الله: ألا نقتله؟ قال:
لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " * ومن طريق البخاري نا أبو نعيم
415

عن ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: " استأذن رهط من اليهود
على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك فقلت بلى وعليكم السام واللعنة فقال:
يا عائشة ان الله رفيق يحب الرفق في الامر كله قلت أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: قلت
وعليكم " *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا يحيى بن
حبيب بن عدي نا خالد بن الحرث نا شعبة عن هشام بن زيد بن أنس عن أنس بن مالك
" أن امرأة يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجئ بها
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال: ما كان
الله ليسلطك على ذلك - أو قال علي - فقالوا ألا نقتلها؟ فقال: لا " *
قال أبو محمد: فقالوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمع قول اليهود
له السام عليك - وهذا قول لو قاله مسلم لكان كافرا بذلك وقد سمت اليهودية طعاما لتقتله
ولو أن مسلما يفعل ذلك لكان بذلك كافرا فلم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا قتلها،
وحديث لبيد بن الأعصم إذ سحره صلى الله عليه وسلم فلم يقتله *
قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا وكل هذا لا حجة لهم في شئ منه
على ما نبين إن شاء الله تعالى، اما الأحاديث التي فيها قول اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم السام عليك
فليس بشئ لان السام إنما هو الموت كما روينا من طريق البخاري نا يحيى بن بكير نا
الليث - هو ابن سعد - عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب أخبره أبو سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف. وسعيد بن المسيب " أن أبا هريرة أخبرهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في
الحبة السوداء: شفاء من كل داء الا السام " قال ابن شهاب والسام الموت فمعنى السام
عليك الموت عليك وهذا كلام حق وإن كان فيه جفاء لان الله تعالى يقول: (انك ميت
وانهم ميتون) وقال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) وإنما يحصل بالجفاء على النبي صلى الله عليه وسلم
الكفر من المسلم وبكفره يحل دمه والذمي كافر ولم يقل أنه لجفائه على النبي صلى الله عليه وسلم يكون
كافرا بجفائه بل كان كافرا وهو كافر ولا يحل دمه بكفره إذا صحت نيته لكن بمعنى
آخر غير الكفر وهكذا القول في لبيد بن الأعصم الزرقي اليهودي لرسول الله صلى
الله عليه وسلم وفي سم اليهودية لطعامه صلى الله عليه وسلم ولا فرق إنما يحصل من ذلك الكفر لمن
فعله بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين والذميون كفار قبل ذلك ومعه وليس بنفس كفرهم حلت
دماؤهم في ذلك إذا تذمموا فالمسلم يقتل بكفره إذا أحدث كفرا بعد اسلامه والذمي
لا يقتل وان أحدث في كل حين كفرا حادثا غير كفره بالأمس إذا كان من نوع الكفر
416

الذي تذمم عليه فنظرنا في المعنى الذي وجب به القتل على الذمي إذا سب الله تعالى أو
رسوله صلى الله عليه وسلم أو استخف بشئ من دين الاسلام فوجدناه إنما هو نقضه الذمة لأنه إنما
تذمم وحقن دمه بالجزية على الصغار قال الله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا
باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله) الآية إلى قوله (وهم صاغرون) وقال تعالى:
(وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) فكان هاتان
الآيتان نصا جليا لا يحتمل تأويلا في بيان ما قلنا من أن أهل الكتاب يقاتلون ويقتلون
حتى يعطوا الجزية وعلى أنهم إذا عوهدوا وتم عهدهم وطعنوا في ديننا فقد نقضوا عهدهم
ونكثوا أيمانهم وعاد حكم قتالهم كما كان، وبضرورة الحس والمشاهدة ندري أنهم ان
أعلنوا سب الله تعالى أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شئ من دين الاسلام أو مسلم من
عرض الناس فقد فارقوا الصغار بل قد أصغرونا وأذلونا وطعنوا في ديننا فنكثوا
بذلك عهدهم ونقضوا ذمتهم وإذا نقضوا ذمتهم فقد حلت دماؤهم. وسبيهم.
وأموالهم بلا شك *
قال أبو محمد رحمه الله: وسم اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم كان يوم خيبر بلا شك
وهو قبل نزول براءة بثلاثة أعوام، وكذلك نقول في قول أولئك اليهود السام عليك
للنبي صلى الله عليه وسلم. وفي سحر لبيد بن الأعصم إياه وان هذا كله كان قبل أن يؤمر
بأن لا يثبت عهد الذمي الا على الصغار وأن كل ذلك إذ كانت المهادنة جائزة لهم لان
المعنى في حديث السام والسحر هو معنى حديث سم الشاة سواء سواء، وحديث سم
الشاة منسوخ بلا شك بما في سورة براءة من أن لا يقروا الا على الصغار فحديث السام
والسحر بلا شك منسوخان بل اليقين قد صح بذلك لان معناهما منسوخ ولا يحل
العمل بالمنسوخ ولا يجوز البتة أن يكونا بعد نزول براءة لأنه من المحال أن ينسخ الله
تعالى شيئا بيقين ثم ينسخ الناسخ ويعيد حكم المنسوخ ولا يصحبه من البيان ما يرفع
الشك ويرفع الظن ويبطل الاشكال هذا أمر قد أمناه ولله الحمد (فان قال قائل): كيف
تقولون هذا وأنتم تقولون أن من سم اليوم طعاما لاحد من المسلمين فلا قتل عليه. وأن من
سحر مسلما فلا قتل عليه. وان اليهود يقولون لنا اليوم السام عليكم ولا قتل عليهم فما نراكم
تحكمون الا بما ذكرتم أنه منسوخ (فجوابنا) وبالله تعالى التوفيق * أننا لم نقل إن
هذه الأحاديث نسخ منها إلا ما يوجبه حكم خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة وحكم
سم طعامه خاصة وحكم قصده بالسحر خاصة، فهذا هو الذي نسخ وحده فقط ولا
مزيد لان الغرض تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وأن لا يجعل دعاؤه عليه السلام
417

كدعاء بعضنا بعضا باق أبدا على المسلم والكافر، فقد علمنا أن قوله الذي قال لرسول الله
صلى الله عليه وسلم: " اعدل يا محمد " كان ردة صحيحة لأنه لم يوقره ولا عظمه كما أمر ورفع
صوته عليه فحبط عمله ولو أن مسلما أو ذميا يقول لأبي بكر الصديق رضي الله عنه
فمن دونه اعدل يا أبا بكر لما كان فيه شئ من النكرة ولا من الكراهة واليهود ان قالوا
لنا السام عليكم أو قالوا الموت عليكم لقلنا لهم صدقتم ولا خفاء في هذا، وكذلك
لو خاصمونا في حق يدعونه فرفعوا أصواتهم علينا ما كان في ذلك نكرة وهو لرسول
الله صلى الله عليه وسلم من أهل الاسلام وغيرهم كفر ونقض للذمة، وكذلك إذا سحرنا ساحر مسلم
أو كافر فلم يزد على أن كاذنا كيدا لا يفلح معه قال الله تعالى: (إنما صنعوا كيد ساحر
ولا يفلح الساحر حيث أتى) وليس بالكيد تنتقض الذمة لأنهم لم يفارقوا به الصغار
وهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قصد به كفرا ونقض للذمة لأنه خلاف التعظيم المفترض
له خاصة دون غيره وكذلك سم الطعام لنا ليس فيه إلا إفساد مال من أموالنا إن
كان لنا أو كيد من فاعله إن كان الطعام له وليس بافساد المال والكيد تنتقض الذمة
ولا يكفر بذلك أحد إلا من عامل بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فهو كفر ونقض
للذمة لأنه خلاف التعظيم المفترض له علينا وعلى جميع أهل الأرض جنها وإنسها
وكذلك لو أن مسلما أو ذميا لم يسلم لحكم حكم به أبو بكر رضي الله عنه فمن دونه
باجتهاده فيما لا نص فيه ولا إجماع ولا رضى بذلك القول لم يكن عليه في ذلك حرج ولا إثم
ولو أنهما لم يسلما لحكم حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان ذلك كفرا من المسلمين بنص
القرآن واخراجا لهم عن الايمان ولكان ذلك نقضا للذمة من الذمي لأنه خروج عن
الصغار وطعن في الدين وهذا بين ولله الحمد كثيرا *
تم الجزء الحادي عشر من كتاب المحلى لابن حزم وبه تم الكتاب
والحمد لله أولا وآخرا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ابراز كتب
مفيدة تنفع المسلمين كما وفقنا لغيره من الكتب النافعة
وصلى الله على محمد وآله وصحبه ومن عمل
بشرعه من العالمين اللهم آمين آمين
418