الكتاب: المحلى
المؤلف: ابن حزم
الجزء: ٦
الوفاة: ٤٥٦
المجموعة: فقه المذهب الظاهري
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات: طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر

المحلى
تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الأصولي، قوي العارضة
شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف
الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والأصول
والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الأندلس
أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
المتوفى سنة 456 ه‍.
طبعة مصححة ومقابلة
على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة
كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ
الشيخ احمد محمد شاكر
الجزء السادس
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
زكاة البقر
673 مسألة الجواميس صنف من البقر يضم بعضها إلى بعض.
ثم اختلف الناس: فقالت طائفة: لا زكاة في أقل من خمسين من البقر ذكورا أو
إناثا أو ذكورا وإناثا فإذا تمت خمسون رأسا من البقر وأتمت في ملك صاحبها عاما
قمريا متصلا كما قدمنا: ففيها بقرة، إلى أن تبلغ مائة من البقر، فإذا بلغتها وأتمت
كذلك عاما قمريا ففيها بقرتان، وهكذا أبدا، في كل خمسين من البقر بقرة، ولا
شئ زائد في الزيادة حتى تبلغ خمسين، ولا يعد فيها ما لم يتم حولا كما ذكرنا.
وقالت طائفة: في خمس من البقر شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث
شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين من البقر بقرة.
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز
ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمر وبن هرم (1)
عن محمد بن عبد الرحمن قال: في كتاب عمر بن الخطاب أن البقر يؤخذ منها ما يؤخذ
من الإبل، يعنى في الزكاة، قال: وقد سئل عنها غيرهم فقالوا: فيها ما في الإبل.
يزيد هذا هو يزيد بن هارون أو ابن زريع (2).
حدثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
وقتادة كلاهما عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: في كل خمس من البقر شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، قال الزهري:

(1) هو بفتح الهاء وكسر الراء
(2) الراجح أنه يزيد بن هارون فقد رواه الحاكم (ج 1 ص 394) من
طريق محمد بن إسحاق الصغاني والدارقطني (ص 210) من طريق محمد عبد الملك الدقيقي: كلاهما عن يزيد
ابن هارون: ولم يذكر ا الفظ هنا: وإنما هو كتاب واحد: كتاب عمر إلى عماله في الصدقات:
2

فرائض البقر مثل فرائض الإبل، غير الأسنان فيها، فإذا كانت البقر خمسا وعشرين
ففيها بقرة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت على خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى مائة وعشرين
فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة، قال الزهري: وبلغنا أن قولهم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم سلم: (في كلا ثلاثين تبيع، وفى كل أربعين بقرة) أن ذلك
كان تخفيفا لأهل اليمن، ثم كان هذا بعد ذلك لا يروى.
حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد
ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى عن داود عن عكرمة بن خالد قال: استعملت
على صدقات عك (1)، فلقيت أشياخا ممن صدق (2) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم
فاختلفوا على، فمنهم من قال: اجعلها مثل صدقة الإبل، ومنهم من قال: في ثلاثين تبيع،
ومنهم من قال: في أربعين بقرة مسنة.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن
عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب وأبى
قلابة وآخر قالوا: صدقات البقر كنحو صدقات الإبل، في كل خمس شاة، وفى كل عشر
شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين
بقرة مسنة إلى خمس وسبعين، فان زادت فبقرتان مسنتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت
ففي كل أربعين بقرة بقرة مسنة
ورويناه أيضا من طريق محمد بن المثنى عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سعيد
ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب، كما ذكرنا سواء سواء.
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز
ثنا أبو عبيد ثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد الفهمي
عن الزهري عن عمر بن عبد الرحمن بن خلدة الأنصاري (3)! أن صدقة البقر صدقة
الإبل، غير أنه لا أسنان فيها
فهؤلاء كتاب عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله، وجماعة أدوا الصدقات على عهد

(1) بفتح العين المهملة وتشديد الكاف
(2) بالبناء للمجهول وكسر الدال المشددة: أي أخذت منه الصدقة.
(3) عمر هذا لم أجد له ترجمة ولا ذكرا وقد قال المؤلف: انه من التابعين: ولكن في الإستيعاب لابن عبد البر
(ج 1 ص 171) ترجمة لخلدة الأنصاري الزرقي وقال إنه (جد عمر بن عبد الله بن خلدة) ثم روى حديثا
من طريق ابن أبي أويس عن يحيى بن يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن عمر بن عبد الله بن خلدة الرزق عن
أبيه عن جده: فلا أدرى هل هو هذا أو غيره؟
3

رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ومن التابعين سعيد بن المسيب وعمر بن عبد الرحمن بن
خلدة، والزهري، وأبو قلابة وغيرهم.
واحتج هؤلاء بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا على
ابن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو
ابن هرم (1) عن محمد بن عبد الرحمن قال: إن في كتاب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم، وفى كتاب
عمر بن الخطاب: أن البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل.
وبما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر
قال: أعطاني سماك بن الفضل كتابا ممن النبي صلى الله عليه وسلم سلم إلى مالك بن كفلانس (2)
المصعبين فقرأته فإذا فيه: (فيما سقت السماء ء والأنهار العشر، وفيما سقى بالسنا (3)
نصف العشر، وفى البقر مثل الإبل) (4).
وبما ذكرنا آنفا عن الزهري: ان هذا هو آخر الأمر من رسول الله صلى الله
عليه وسلم (5)، وان الامر بالتبيع نسخ بهذا.
واحتجوا بعموم الخبر: (ما من صاحب بقر لا يؤدى حقها إلا بطح لها يوم القيامة،
قالوا: فهذا عموم لكل بقر الا ما خصه نص أو اجماع،.
وقالوا: من عمل مثل قولنا كان على يقين بأنه قد أدى فرضه، ومن خالفه لم يكن
على يقين من ذلك، فان ما وجب بيقين لم يسقط الا بمثله.
وقالوا: قد وافقنا أكثر خصومنا على أن البقرة تجزئ عن سبعة كالبدنة، وأنها
تعوض من البدنة، وأنها لا يجزئ في الأضحية والهدى من هذه إلا ما يجزى من تلك،
وأنها تشعر إذا كانت لها أسنمة كالبدن، فوجب قياس صدقتها على صدقتها.
وقالوا: لم نجد في الأصول في شئ من الماشية نصابا مبدؤه ثلاثون، لكن إما خمسة
كالإبل، والأواقي، والأوساق، وإما أربعون كالغنم، فكان حمل البقر على الأكثر
وهو الخمسة أولى.

(1) في النسخة رقم (16) (ويزيد بن حبيب عن عمر وبن حزم) وهو خطأ وتحريف، والصؤاب
ما هنا وقد مضى هذا الاسناد قريبا
(2) هكذا هذا الاسم في الأصلين: وضبط بالقلم في النسخة رقم (14) بضم الكاف
واسكان الفاء وكسر النون: وقد بحث أكثر عنه في الرجال وفى كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم
أجده؟
(3) هكذا في الأصلين: وأظنه خطأ: فان السانية هي ما يسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره،
والسانى وجمعه (سناة) بضم السين، وأما السنا مقصور فإنه الضوء والبرق، فلعل ما هنا محرف عن
(سناة) أو يكون مصدرا لسنا سنو بعني سقى، ويكون من المصادر السماعية التي فاتت معاجم اللغة.
(4) في النسخة رقم (16) (وفى الإبل مثل البق) وما هنا هو الصواب
(5) في النسخة رقم (14) (ان هذا آخر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
4

وقالوا: إن احتجوا بالخبر الذي فيه: (في كل ثلاثين تبيع، وفى كل أربعين مسنة)
فنعم، نحن قول: بهذا، أوليس في ذلك الخبر اسقاط الزكاة عما دون ثلاثين من البقر،
لا بنص ولا بدليل؟.
قال: وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكمه، وجابر بن عبد الله الأنصاري،
وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة، وسعيد بن المسيب، والزهري، وهؤلاء فقهاء أهل المدينة،
فيلزم المالكيين اتباعهم على أصلهم في عمل أهل المدينة، والا ففقد تناقضوا.
وقالت طائفة: ليس فيما دون الثلاثين من البقر شئ، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة،
وهو الذي له سنتان، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة، لها
أربع سنين، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ ستين، فإذا بلغتها ففيها تبيعتان، ثم لا شئ فيها
حتى تبلغ سبعين فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيع، ثم هكذا أبدا، لا شئ فيها حتى تبلغ عشرا
زائدة، فإذا بلغتها ففي كل ثلاثين من ذلك العدد تبيع، وفى كل أربعين مسنة.
وهذا قول صح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق أبي إسحاق عن
عاصم بن ضمرة عن علي.
ورويناه من طريق نافع عن معاذ بن جبل.
ومن طريق عكرمة بن خالد عن قوم صدقوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن طريق ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري
ليس فيما دون الثلاثين من البقر شئ.
وهو قول الشعبي، وشهر بن حوشب، وطاوس، وعمر بن عبد العزيز، والحكم بن
عتيبة، وسليمان بن موسى، والحسن البصري، وذكره الزهري عن أهل الشأم، وهو قول
مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي سليمان ورواية غير مشهورة عن أبي حنيفة.
واحتج هؤلاء بما رويناه من طريق إبراهيم وأبى وائل كلاهما عن مسروق عن
معاذ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين
من البقر تبيعا، من كل أربعين بقرة مسنة) وقال بعضهم: ثنية).
ومن طريق طاوس عن معاذ مثله، وان رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم لم يأمره
فيما دون ذلك بشئ.
وعن ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عن معاذ: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم سلم
عن الأوقاص، ما بين الثلاثين إلى الأربعين، وما بين الأربعين إلى الخمسين؟ قال:
(ليس فيها شئ)
5

ومن طريق الشعبي قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم إلى أهل اليمن:
(في كل ثلاثين بقرة تبيع جذع قد استوى قرناه، وفى كل أربعين بقرة بقرة مسنة).
ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر
أخبره أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم لعمر بن حزم: (فرائض البقر
ليس فيما دون الثلاثين من البقر صدقة، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رائع جذع، إلى
أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، إلى أن تبلغ سبعين، فإذا
بلغت سبعين فان فيها بقرة وعجلا جذعا فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان، ثم على هذا.
الحساب
وبما رويناه من طريق سليمان بن داود الجزري عن الزهري عن أبي بكر بن محمد
ابن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم كتب إلى
أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن، بعثه مع عمرو بن حزم وهذه نسخته) وفيه
(في كل ثلاثين باقورة (1) تبيع جذع أو جذعة، وفى كل أربعين باقورة بقرة) (2)
وبما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقى ثنا أحمد
ابن عمرو البزاز ثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي ثنا حياة بن شريح ثنا بقية
عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة عن طاوس عن ابن عباس قال: (لما بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة
جذعا أو جذعة، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة، قالوا: فالأوقاص؟ قال: ما أمرني
فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بشئ فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم
سأله، فقال: ليس فيها شئ) (3).
قال أبو محمد: هذا كل ما احتجوا به قد تقصيناه لهم بأكثر مما نعلم تقصوه لأنفسهم.
وقالت طائفة: ليس فيما دون ثلاثين شئ فإذا بلغت البقر ثلاثين ففيها تبيع،
ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها بقرة، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ خمسين،

(1) الباقورة البقرة بلغة أهل اليمن
(2) سيأتي هذا باسناده بعد بضع صحف
(3) رواه الدارقطني (ص 202) من طريق عمرو بن عثمان، ثنا بقية حدثني المسعودي، فذكره باسناده، وفيه في آخره، قال المسعودي:
والأوقاص ما دون الثلاثين وما بين الأربعين إلى الستين، فإذا كانت ستين، ففيها تبيعان، فإذا كانت سبعين ففيها
مسنة وتبيع فإذا كانت ثمانين ففيها مسنتان، فإذا كانت تسعين ففيها ثلاث تبائع، قال بقية: قال المسعودي:
الأوقاص هي بالسين، أوقاس فلا تجعلها بصاد، والأوقاص جمع (وقص) بفتح الواو والقاف وبالصاد، ولم
أجد ما يؤيد كلام المسعودي انه بالسين، فلا أدرى من أين زعمه؟ وانظر الكلام على هذا الحديث في تلخيص الحبير
(ص 173 174)
6

فإذا بلغتها ففيها بقرة وربع، ثم لا شئ ء فيها حتى تبلغ سبعين، فإذا بلغت سبعين ففيها
تبيع ومسنة.
وروينا هذا من طريق الحجاج من المنهال عن حماد بن سلمة (1) وعن حماد بن أبي
سليمان عن إبراهيم فذكره كما أوردنا، وهي رواية غير مشهورة أيضا عن أبي حنيفة.
ويمكن أن يموه هؤلاء بالخبر الذي أوردناه آنفا من طريق الحكم عن معاذ عن
النبي صلى الله عليه وسلم سلم فيما بين الأربعين والخمسين (ليس فيها شئ) يعنى من البقر.
وقالت طائفة: ليس فيما دون الثلاثين من البقر شئ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع،
ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة، فان زادت واحدة ففيها
بقرة وجزء من أربعين جزءا ممن بقرة، وهكذا في كل واحدة تزيد ففيها جزء آخر
زائد من أربعين جزءا من بقرة، هكذا إلى الستين، فإذا بلغتها ففيها تبيعان، ثم لا شئ
فيها إلا في كل عشرة زائدة كما ذكرنا قبل، وهي الرواية المشهورة عن أبي حنيفة.
وقد روينا من طريق شعبة قال: سألت حمادا هو ابن أبي سليمان فقلت:
إن كانت خمسين بقرة؟ فقال: بحساب ذلك.
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة: ثنا ابن المبارك عن الحجاج هو ابن
أرطاة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: يحاسب صاحب البقر بما
فوق الفريضة.
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا زيد بن الحباب العكلي عن معاوية بن صالح عن
العلاء بن الحارث عن مكحول أنه قال في صدقة البقر: ما زاد فبالحساب.
قال أبو محمد: هذا عموم إبراهيم، وحماد، ومكحول، وظاهره ان كل ما زاد على
الثلاثين إلى الأربعين، وعلى الأربعين إلى الستين ففي كل واحدة زائدة جزء من بقرة.
وقد ذكرنا عن عكرمة بن خالد أن بعض شيوخ كانوا قد صدقوا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قالوا: في كل أربعين بقرة بقرة، مخالفين لمن جعل في
أقل من الأربعين شيئا.
وذهبت طائفة إلى أنه ليس فيما دون الخمسين ولا ما فوقها شئ وان صدقة البقر إنما
هي في كل خمسين بقرة بقرة فقط هكذا أبدا.
كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج

(1) في النسخة رقم (16) (حماد أبى سلمة) وهو خطأ
7

قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: كان عمال ابن الزبير وابن عوف وعماله يأخذون من
كل خمسين بقرة بقرة، ومن مائة بقرتين، فإذا كثرت ففي كل خمسين بقرة بقرة.
قال أبو محمد: هذا كل ما حضرنا ذكره مما رويناه من اختلاف الناس في زكاة
البقر، وكل اثر رويناه فيها ووجب النظر للمرء لنفسه فيما يدين به ربه تعالى في دينه.
فأول ذلك أن الزكاة فرض واجب في البقر.
كما حدثنا عن عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد
ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش
عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: (انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم
وهو في ظل الكعبة) (1 (فذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قال له: (ما من صاحب
إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها الا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه
بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس.
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج
قال أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله قول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم
يقول: ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط،
وأقعد (2) لها بقاع قرقر (3) تسير (4) عليه بقوائمها وأخفافها، ولا صاحب بقر لا يفعل
فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وأقعد (5) لها بقاع قرقر تنطحه
بقرونها وتطؤه بقوائمها، وذكر باقي الخبر.
قال أبو محمد: فوجب فرضا طلب ذلك الحد الذي حده الله تعالى منها، حتى لا يتعدى
قال عز وجل: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه).
فنظرنا القول الأول فوجدنا الآثار الواردة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم سلم منقطعة
والحجة لا تجب الا بمتصل، الا أنه يلزم القائلين بالمرسل والمنقطع من الحنيفيين
والمالكيين أن يقولوا: بها، والا فقد تناقضوا في أصولهم وتحكموا بالباطل، لا سيما
مع قول الزهري: ان هذه الأخبار بها نسخ ايجاب التبيع والمسنة في الثلاثين والأربعين

(1) قوله (وهو في ظل الكعبة) سقط من النسخة رقم (16)، والذي في صحيح مسلم (ج 1 ص 272) (وهو
جالس في ظل الكعبة)
(2) هذا الحديث رواه مسلم (ج 1 ص 271) من طريق عبد الرزاق، وفيه (وقعد)
بفتح القاف والعين
(3) بالتنوين فيها، والقاع المستوى الواسع من الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه، والقرقر
أيضا المستوى من الأرض الواسع، وهو بفتح القافين. قاله النووي
(4) في جميع نسخ مسلم (تستن) من الاستنان وهو عدو الفرس شوطا أو شوطين من غير راكب.
(5) في مسلم (وقعد)
8

فلو قبل مرسل أحد لكان الزهري أحق بذلك لعلمه بالحديث، ولاه قد أدرك طائفة
الصحابة رضي الله عنهم.
ولم يحك القول في الثلاثين بالتبيع وفي الأربعين بالمسنة الا عن أهل الشأم، لاعن
أهل المدينة، ووافق الزهري على ذلك سعيد بن المسيب وغيره من فقهاء المدينة، فهذا
كله يوجب على المالكيين القول بهذا أو فساد أصولهم، وأما نحن فلو صح وانسند
ما خالفناه أصلا.
وأما احتجاجهم بعموم الخبر: (ما من صاحب بقر لا يؤدى زكاتها) و (لا يفعل
فيها حقها) وقولهم: ان هذا عموم لكل بقر: فان هذا لازم للحنيفيين والمالكيين
المحتجين بايجاب الزكاة في العروض بعموم قول الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) الآية
والمحتجين بهذا في وجوب الزكاة في العسل وسائر ما احتجوا فيه بمثل هذا، لا مخلص
لهم منه أصلا.
وأما نحن فلا حجة علينا بهذا، لأننا وانا كنا لا يحل عندنا مفارقة العموم الا
لنص آخر فإنه لا يحل شرع شريعة الا بنص صحيح، ونحن نقر ونشهد أن في البقر
زكاة مفروضة يعذب الله تعالى من لم يؤدها العذاب الشديد، ما لم يغفر له برجوح
حسناته أو مساواتها لسيئاته، الا أنه ليس في هذا الخبر بيان المقدار الواجب في الزكاة
منها، ولا بيان العدد الذي تجب فيه الزكاة منها، ولا متى تؤدى، وليس البيان للديانة
موكولا إلى الآراء والأهواء بل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم الذي قال له ربه
وباعثة: (لتبين للناس ما نزل إليهم).
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم سلم ما أوجبوه في الخمس فصاعد من البقر، وقد
صح الاجماع المتيقن بأنه ليس في كل عدد من البقر زكاة، فوجب التوقف عن ايجاب
فرض ذلك في عدد دون عدد بغير نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، فسقط تعلقهم
بالعموم ههنا، ولو كان عموما يمكن استعماله لما خالفناه.
وأما قولهم: ان من زكى البقر كما قالوا فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه
الواجب عليه ومن لم يزكها كما قالوا فليس على يقين من أنه أدى فرضه وان
ما صح بيقين وجوبه لم يسقط الا بيقين آخر: فهذا لازم لمن قال: إن من تدلك
في الغسل فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه، والغسل واجب بيقين، فلا يسقط الا
بيقين مثله ولمن أوجب مسح جميع الرأس في الوضوء بهذه الحجة نفسها، ومثل هذا
لهم كثير جدا
9

وأما نحن فان هذا لا يلزم عندنا، لان الفرائض لا تجب الا بنص أو اجماع. ومن
سلك هذه الطريق في الاستدلال فإنه يريد ايجاب الفرائض وشرع الشرائع باختلاف،
لا نص فيه، وهذا باطل، ولم يتفق قط على وجوب ايعاب جميع الرأس في الوضوء
ولا على التدلك في الغسل، ولا على ايجاب الزكاة في خمس من البقر فصاعدا إلى الخمسين.
وإنما كأن يكون استدلالهم هذا صحيحا لو وافقناهم على وجوب كل ذلك ثم أسقطنا
وجوبه بلا برهان، ونحن لم نوافقهم قط على وجوب غسل فيه تدلك، ولا على ايجاب
مسح جميع الرأس، ولا على ايجاب زكاة في خمس من البقر فصاعدا، وإنما وافقنا هم على
ايجاب الغسل دون تدلك، وعلى ايجاب مسح بعض الرأس لاكله، وعلى وجوب الزكاة
في عدد ما من البقر، لافى كل عدد منها، فزادوهم بغير نص ولا اجماع ايجاب
التدلك ومسح جميع الرأس والزكاة في خمس من البقر فصاعدا وهذا شرع بلا نص ولا
اجماع، وهذا لا يجوز فهذا يلزم ضبطه، لئلا يموه فيه أهل التمويه بالباطل، فيدعوا
اجماعا حيث لا اجماع، ويشرعوا الشرائع بغير برهان، ويخالفوا الاجماع المتيقن.
وبالله تعالى التوفيق.
وأما احتجاجهم بقياس البقر على الإبل في الزكاة فلازم لأصحاب القياس لزوما
لا انفكاك له، فلو صح شئ من القياس لكان هذا منه صحيحا (1)، وما نعلم في الحكم
بين الإبل والبقر فرقا مجمعا عليه، ولقد كان يلزم من يقيس ما يستحل به فرج المرأة
المسلمة في النكاح من الصداق على ما تقطع فيه يد السارق، ومن يقيس حد الشارب على
حد القاذف، ومن يقيس السقمونيا علي القمح والتمر، ويقيس الحديد والرصاص
والصفر على الذهب والفضة، ويقيس الجص على البر والتمر، في الربا، ويقيس الجوز
على القمح في الربا، وسائر تلك المقاييس السخيفة!، وتلك العلل المفتراة الغثة!:
أن يقيس البقر على الإبل في الزكاة، والا فقد تحكموا بالباطل وأما نحن فالقياس كله
عندنا باطل.
وأما قولهم: لم نجد في الأصول ما يكون وقصه ثلاثين، فإنه عندنا تخليط وهوس!
لكنه لازم أصح لزوم لمن قال محتجا لباطل قوله في ايجاب الزكاة ما بين الأربعين
والستين من البقر: اننا لم نجد في الأصول ما يكون وقصه تسعة عشر، ولكن
القوم متحكمون.

(1) هنا بحاشية النسخة رقم (14) بخط غير جيد وهو غير خط كاتبها ما نصبه (هذه وقاحة! هيهات
الإبل من البقر)
10

فسقط كل ما احتجوا به عنا، وظهر لزومه للحنفيين والمالكيين والشافعيين، لا سيما لمن قال: بالقول المشهور عن أبي حنيفة في زكاة البقر، الذي لم يتعلق فيه بشئ أصلا.
ثم نظرنا في قول من أوجب في الثلاثين تبيعا وفى الأربعين مسنة ولم يوجب بين
ذلك ولا بعد الأربعين إلى الستين شيئا: فوجدنا الآثار التي احتجوا بها عن معاذ
وغيره مرسلة كلها، الا حديث بقية، لان مسروقا لم يلق معاذا، وبقية ضعيف لا يحتج
بنقله، أسقطه وكيع وغيره، والحجة لا تجب الا بالمسند عن نقل الثقات.
فان قيل: إن مسروقا وإن كان لم يلق معاذا فقد كان باليمن رجلا أيام كون معاذ
هنالك وشاهد أحكامه، فهذا عنده من معاذ بنقل الكافة.
قلنا: لو أن مسروقا ذكر أن الكافة أخرته بذلك عن معاذ لقامت الحجة بذلك
فمسروق هو الثقة الامام غير المتهم، لكنه لم يقل قط هذا، ولا يحل أن يقول مسروق
رحم الله ما لم يقل فيكذب عليه، ولكن لما أمكن في ظاهر الامر أن يكون عند مسروق
هذا الخبر عن تواتر أو عن ثقة أو عمن لا تجوز الرواية عنه: لم يز القطع في دين
الله تعالى ولا على رسوله صلى الله عليه وآله سلم بالظن الذين هو أكذب الحديث، ونحن
تقطع أن هذا الخبر لو كان عند مسروق عن ثقة لما كتمه ولو كان صحيحا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما طمسه الله تعالى المتكفل بحفظ الذكر المنزل على نبيه عليه السلام
المتم لدينه: لنا هذا الطمس حتى لا يأتي الا من طريق واهية (1) والحمد لله رب العالمين.
وأيضا فان زموا (2) أيديهم وقالوا: هو حجة، والمرسل ههنا والمسند سواء.
قلنا لهم: فلا عليكم، خذوا من هذه الطريق بعينها ما حدثناه حمام بن أحمد قال ثنا
عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا أحمد بن خالد ثنا عبيد بن محمد الكشورى (3) ثنا
محمد بن يوسف الحذافي (4) ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الأعمش عن شقيق بن سلمة
هو أبو وائل عن مسروق بن الأجدع قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم

(1) سيرجع المؤلف عن هذا الرأي في آخر المسألة، ويجعل رواية مسروق عن معاذ نقلا عن الكافة
عن معاذ، ويجمع به. واختلف في مسروق عن معاذ فنقل المؤلف هنا أنه لم يلق معاذا، ونقل
عبد الحق عن ابن عبد البر مثله، قال ابن حجر (لكن تعقب ذلك ابن القطان على عبد الحق فإنه لم يجد
ذلك في كلام ابن عبد البر، بل الموجود في كلامه أن الحديث الذي من رواية مسروق عن معاذ متصل)
(2) بفتح والزاي يعنى: شدوا
(3) بفتح الكاف واسكان الشين المعجمة، وفتح الواو، وقيل بكسر الكاف، نسبه
إلى (كشور) قرية من قرى صنعاء.
(4) بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة وبالفاء، نسبه إلى (حذافة) بطن من قضاعة
11

معاذ بن جبل إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم وحالمة دينارا أو قيمته من المعافري (1).
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة (2) ثنا علي بن عبد العزيز
ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن منصور هو
ابن المعتمر عن الحكم بن عتيبة قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم إلى معاذ
وهو باليمن: أن فيما سقت السماء أو سقى غيلا العشر، وفيما سقى بالغرب (3) نصف العشر
وفى الحالم والحالمة دينار أو عدله من المعافر (4)).
وبه إلى أبى عبيد: ثنا عثمان بن صالح عن أبن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة
ابن الزبير قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم إلى أهل اليمن: أنه من كان على
يهودية أو نصرانية فإنه لا يفتن عنها، وعليه الجزية، على كل حالم ذكر أو أنثى
عبد أو أمة دينار واف أو عدله من المعافر، فمن أدى ذلك إلى رسلي فان له ذمة الله
وذمة رسوله، ومن منعه منكم فإنه عدو لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين).
فهذه رواية مسروق عن معاذ، وهو حديث زكاة البقر بعينه، ومرسل من طريق
الحكم وآخر من طريق ابن لهيعة، فإن كانت مرسلاتهم في زكاة البقر صحيحة واجبا
أخذها فمرسلاتهم هذه صحيحة واجب أخذها، وإن كانت مرسلاتهم هذه لا تقوم بها
حجة فمرسلاتهم تلك لا تقوم بها حجة.
فان قيل: فإنكم تقولون بما في هذه المرسلات ولا تقولون: بتلك، فكيف هذا؟.
قلنا وبالله تعالى التوفيق: ما قلنا: بهذه ولا بتلك، ومعاذ الله من أن نقول بمرسل
لكنا أوجبنا الجزية على كل كتابي بنص القرآن، ولم نخص منه امرأة ولا عبدا، وأما
بهذه الآثار فلا.
قال أبو محمد: لا سيما الحنفيين فإنهم خالفوا مرسلات معاذ تلك في اسقاط الزكاة
عن الأوقاص والعسل كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا
أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا سفيان بن عيينة عن
إبراهيم بن ميسرة عن طاوس: (أن معاذ بن جبل أتى بوقص البقر والعسل (5) فلم
يأخذه، فقال: كلاهما لم يأمرني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بشئ) فمن الباطل
أن يكون حديث معاذ حجة إذا وافق هوى الحنيفيين ورأي أبي حنيفة ولا يكون حجة

(1) المعافر والمعافري بفتح الميم فيهما باليمن
(2) في النسخة رقم (16) (محمد بن علي بن رفاعة وهو خطأ)
(3) الغرب الدلو الكبير
(4) العدل بفتح العين وكسرها المثل. وانظر تخريجه في الخراج ليحيى بن آدم رقم (229) و (365)
(5) في النسخة رقم (16) (بوقص العسل والبقر) وليس للعسل وقص، وإنما هو كما هو هنا
ومعناه أتى بالعسل وأتى بوقص البقر
12

إذا لم يوافقهما، ما ندري أي دين يبقى مع هذا العمل؟ ونعوذ بالله من الخذلان والضلال
ومن أن يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا.
فان احتجوا بصحيفة عمرو بن حزم قلنا: هي منقطعة أيضا لا تقوم بها حجة:
وسليمان بن داود الجزري (1) الذي رواها متفق على تركه وأنه لا يحتج به.
فان أبيتم ولججتم وظننتم انكم شددتم أيديكم منها على شئ فدونكموها.
كما حدثناها حمام بن أحمد قال ثنا عباس بن اصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن
ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود
الجزري ثنا الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم كتب إلى أهلال اليمن بكتاب (2) فيه الفرائض والسنن
والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم، وهذه نسخته) فذكر الكتاب وفيه (وفى كل
ثلاثين باقورة تبيع، جذع أو جذعة، وكل أربعين باقورة بقرة، وفيه أيضا
(وفى كل خمس أواقي (3) من الورق دراهم، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم
وفى كل أربعين دينارا دينا ر).
حدثنا حمام قال: ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو عبد الله
الكابلي (4) ببغداد ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن عبد الله ومحمد بن أبي
بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم:
أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن وفيه الزكاة: (ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي (5) درهم فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، وفى
كل أربعين درهما درهم، وليس فيما دون الأربعين صدقة، فإذا بلغت الذهب قيمة
مائتي درهم ففي قيمة كل أربعين درهما درهم، حتى تبلغ أربعين دينارا، فإذا بلغت
أربعين دينارا ففيها دينار) قال أبو أويس: وهذا عن ابني حزم أيضا: (فرائض
صدقة البقر ليس فيما دون ثلاثين صدقة فإذا بلغت الثلاثين ففيها فحل جذع، إلى أن
تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة إلى أن تبلغ ستين. فإذا بلغت ستين
ففيها تبيعان).

(1) هكذا نسبه المؤلف (الجزري) والذي في كتب التراجم وفى أسانيد الحديث في كتب السنة (الخولاني) وهو من
أهل دمشق، وهو ثقة، وضعفه بعضهم قليلا، فما أدرى من أين جاء لابن حزم الاتفاق على تركه؟
(2) في النسخة رقم رقم (16) كتابا وما هنا هو الموافق لرواية الحاكم (ج 1 ص 395)
(3) في النسخة رقم (14) (أواق)
(4) بضم الباء الموحدة اسمه، محمد بن العباس ابن الحسن، وهو ضعيف. ولكن الحديث جاء باسناد من غير طريقة كما سنذكره إن شاء الله
(5) في الأصلين (مائتا) وهو خطأ
13

قال أبو محمد: أبو أويس ضعيف وهي منقطعة مع ذلك. ووالله لو صح شئ
من هذا ما ترددنا في الاخذ به (1):.
قال على: ما نرى المالكيين والشافعيين والحنفيين الا قد انحلت عزائمهم في الاخذ
بحديث معاذ المذكور وبصحيفة ابن حزم، ولا بدلهم من ذلك أو الاخذ بأن لا صدقة
في ذهب لم يبلغ أربعين دينار الا بالقيمة بالفضة وهو قول عطاء والزهري، وسليمان
ابن حرب وغيرهم، وأن يأخذ المالكيون والشافعيون بوجوب الأوقاص في الدراهم
وبايجاب الجزية على النساء والعبيد من أهل الكاب، أو التحكم في الدين بالباطل
فيأخذوا ما اشتهوا ويتركوا ما اشتهوا، وهذه والله أخزى في العاجلة والآجلة والزم
وأندم!
والحنيفيون يقولون: ان الراوي إذا ترك ما روى دل ذلك على سقوط روايته:
والزهري هو روى صحيفة ابن حزم في زكاة البقر وتركها؟ فهلا تركوها وقالوا: لم يتركها
لا لفضل علم كان عنده!.
ثم لو صح لهم حديث معاذ لكان ما ذكرنا قبل من الاخبار بأن في زكاة البقر
كزكاة الإبل مثلها في الاسناد و واردة بحكم زائد لا يجوز تركه، وكان الآخذ بتلك آخذا
بهذه وكان الآخذ بهذه، دون تلك عاصيا لتلك.
فبطل كل ما موهوا به من طريق الآثار جملة.
فان تعلقوا بعلى ومعاذ وأبي سعيد رضي الله عنهم قلنا لهم: الخبر عن معاذ منقطع
وعن أبي سعيد لم يروه الا ابن أبي ليلى محمد: وهو ضعيف: وأما عن علي فهو صحيح
ولا يصح هذا القول عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم سواه. وقد روينا قبل عن
عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله خلاف ذلك ولا حجة في قول صاحب إذا خالفه
صاحب آخر.
ثم إن لججتم في التعلق بعلى ههنا فاسمعوا قول على من هذه الطريق نفسها.
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن

(1) أبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس، ابن عم مالك بن انس وزوج أخته، وهو صالح صدوق قال ابن
عبد البر: (لم يحك أحد عنه جرحة في دينه وأمانته، وإنما عابوه بسوء حفظه وإنه يخالف في بعض حديثه) وهذا الحديث
روى بعضه الحاكم في المستدرك من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس، وصححه على شرط
مسلم ووافقه الذهبي، ولكنا نوافق ابن جزم على أنه منقطع، لأنه عن محمد بن عمرو بن حزم جد عبد الله ومحمد ابني أبى بكر بن محمد
ابن عمرو بم حزم، وهو حزم محمول على الاتصال، إذ هو معروف عن محمد بن عمرو عن أبيه عمرو، بأسانيد أخرى صحيحة
14

أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: في خمس من الإبل شاة
وفى عشر شاتان. وفى خمس عشرة ثلاث شياه. وفى عشرين أربع شياه. وفى خمس
وعشرين خمس شياه. وفى ست وعشرين بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن
لبون ذكر، حتى تبلغ خمسا وثلاثين، فان زادت واحدة ففيها بنت لبون، حتى تبلغ
خمسا وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل أو قال: الجمل
حتى تبلغ ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة، حتى تبلغ خمسا وسبعين، فإذا زادت
واحدة ففيها ابنتا لبون، حتى تبلغ تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طورقتا الفحل
إلى عشرين ومائة فان زادت واحدة ففي كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون،
وفى البقر في كلا ثلاثين بقرة تبيع حولي، وفى كل أربعين مسنة.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد
ابن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق
السبعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: إذا أخذ المصدق سنا فوق
سن (1) رد عشرة دراهم أو شاتين.
قال أبو محمد: ما نرى الحنيفيين والمالكيين والشافعيين الا قد برد نشاطهم في الاحتجاج
بقول علي رضي الله عنه في زكاة البقر، ولا بدلهم من الاخذ بكل ما روى عن علي
في هذا الخبر نفسه، مما خالفوه وأخذ به غيرهم من السلف، أو ترك الاحتجاج بما لم
يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو التلاعب بالسنن والهزل في الدين أن يأخذوا
ما أحبوا ويتركوا ما أحبوا لا سيما وبعضهم هو في حديث على هذا بأنه مسند.
فليهنهم خلافه إن كان مسندا، ولو كان مسندا ما استحللنا خلافه وبالله تعالى التوفيق.
فلم يبق لمن قال بالتبيع والمسنة فقط في البقر حجة أصلا، ولا قياس معهم في ذلك
فبطل قولهم جملة بلا شك. والحمد لله رب العالمين.
وأما القول المأثور (2) عن أبي حنيفة ففي غاية الفساد لا قرآن يعضده ولا سنة
صحيحة تنصره ولا رواية فاسدة تؤيد ولا قول صاحب يشده، ولا قياس يموهه،
ولا رأى له وجه يسدده.
الا أن بعضهم قال: لم نجد في شئ من الماشية وقصا من تسعة عشر.
فقيل لهم: ولا وجدتم في شئ من زكاة المواشي جزءا من رأس واحد.
فان قالوا: أوجبه الدليل.

(1) في النسخة رقم (16) (سنا بعد سن)
(2) النسخة رقم (14) (وأما القولان المأثوران)
15

قيل لهم: كذبتم! ما أوجبه دليل قط، وما جعل الله تعالى رأس النخعي وحده
دليلا في دينه: وقد وجدنا الأوقاص تختلف، فمرة هو في الإبل أربع، ومرة عشرة،
ومرة تسعة، ومرة أربعة عشر، ومرة أحد عشر، ومرة تسعة وعشرين، ومرة
هو في الغنم ثمانون، ومرة تسعة وسبعون، ومرة مائة وثمانية وتسعون، ومرة تسعة
وتسعون فأي نكرة في أن تكون تسعة عشر إذا صح بذلك دليل؟! لولا الهوى والجهل *!
فلم يبق الا ما رويناه من عمل عمال ابن الزبير، وعمل طلحة بن عبد الله بن
عوف هو أبن أخي عبد الرحمن بن عوف، ومن كبار التابعين جدا بالمدينة بحضرة
بقية الصحابة فلم ينكروه.
فنظرنا في ذلك فوجدنا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم في هذا من
طريق اسناده الآحاد ولا من طريق التواتر شئ كما قدمنا، ولا عن أحد من الصحابة
رضي الله عنهم شئ لا يعارضه غيره، ولا يحل أن تؤخذ شريعة الا عن الله تعالى،
اما من القرآن، واما من نقل ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم من طريق
الآحاد الثقات، أو من نقل التواتر، أو من نقل باجماع الأمة، فلم نجد في القرآن ولا في
نقل الآحاد والتواتر بيان زكاة البقر، ووجدنا الاجماع المتيقن المقطوع به،
الذي لا خلاف في أن كل مسلم قديما وحديثا قال: به، وحكم به من الصحابة فمن
دونهم قد صح على أن في كل خمسين بقرة بقرة، فكان هذا حقا مقطوعا به
على أنه من حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم سلم، فوجب القول به،
وكان ما دون ذلك مختلفا فيه، ولا نص في ايجابه، فلم يجز القول، وقد قال الله
تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم
: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فلم يحل أخذ مال مسلم ولا ايجاب شريعة بزكاة
مفروضة بغيريقين، من نص صحيح عن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم سلم.
ولا يغترن مغتر بدعواهم أن العمل بقولهم كان مشهورا، فهذا باطل، وما كان هذا
القول الا خاملا في عصر الصحابة رضي الله عنهم، ولا يؤخذ الا عن أقل من عشرة من
التابعين، باختلاف منهم أيضا، وبالله التوفيق.
قال على: ثم استدركنا فوجدنا حديث مسروق إنما ذكر فيه فعل معاذ باليمن في
زكاة البقر، وهو بلا شك قد أدرك معاذا وشهد حكمه وعمله المشهور المشهور، فصار
نقله لذلك ولأنه عن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم: نقلا عن الكافة عن معاذ
بلا شك، فوجب القول به
16

زكاة الإبل
674 مسألة البخت، والاعرابية والنجب، المهارى (1) وغيرها من أصناف
الإبل كلها إبل، يضم بعضها إلى بعض في الزكاة، وهذا لا خلاف فيه ولا زكاة في أقل
من خمسة من الإبل، ذكورا أو إناث. أو ذكور وإناث. فإذا أتمت كذلك في ملك
المسلم حولا عربيان متصلا كما قدمنا فالواجب في زكاتها شاة واحدة ضانية أو
ما عزة، وكذلك أيضا فيما زاد على الخمس، إلى أن تتم عشرة كما قدمنا، فإذا بلغتها وأتمتها
وأتمت حولا كما قدمنا ففيها شاتان كما ذكرنا وكذلك فيما زاد حتى تتم خمسة عشر،
فإذا أتمها وأتمت كذلك حولا عربيا ففيها ثلاث شياه كما ذكرنا، وكذلك فيما زاد حتى
تتم عشرين، فإذا أتمتها وأتمت كذلك حولا كما ذكرنا ففيها أربع شياه كما ذكرنا،
وكذلك فيما زاد على العشرين إلى أن تتم خمسة وعشرين، فإذا أتمتها وأتمت كذلك
حولا قمريا ففيها بنت مخاض من الإبل أنثى ولابد، فإن لم يجدها فابن لبون ذكر من
الإبل، وكذلك فيما زاد حتى تمم ستة وثلاثين. فإذا أتمتها وأتمت كذلك حولا قمريا
ففيها بنت لبون من الإبل أنثى ولابد، ثم كذلك فيما زاد حتى تتم ستة وأربعين، فإذا
أتمت احدى وستين وأتمت كذلك سنة قمرية (2) ففيها جذعة من الإبل أنثى ولابد، ثم كذلك
فيما زاد حتى تتم ستة وسبعين فإذا أتمتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها ابنتا لبون، ثم كذلك
فيما زاد حتى احدى وتسعين (3) فإذا أتمتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها حقتان،
وكذلك فيما زاد حتى تتم مائة وعشرين، فإذا أتمتها وزادت عليها ولو بعض ناقة
أو جمل وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها ثلاث بنات لبون (4) ثم كذلك حتى تتم

(1) البخت بضم الباء واسكان الخاء المعجمة كلمة أعجمية معربة، وهي الإبل الخراسانية تنتج من
بين عربية وفالج، واحدها بختي وبختية. والفالج بالجيم هو البعير الضخم ذو السنامين. والنجب بضم النون
والجيم جمع هو القوى الخفيف السريع والمهارى منسوبة إلى (مهرة بن حيدان) وهو أبو
قليلة وحى عظيم، وابل مهرية بفتح الميم منسوبة إليهم، والجمع مهاري بكسر الراء وتشديد الياء
ومهار بحذف الياء ومهاري بفتح الراء وتخفيف الياء ومهاري بكسر الراء والتخفيف أيضا.
(2) في النسخة رقم (14) (عاما قمريا)
(3) في النسخة رقم (14) (وحدا وتسعين)
(4) في النسخة رقم (16) (ثلاث بنات مخاض) وهو خطأ
17

مائة وثلاثين، فإذا أتمتها أو زادت وأتمت كذلك عاما قمريا ففي كل خمسين حقة، وفى
كل أربعين بنت لبون، ففي ثلاثين ومائة فما زاد (1) حقة وبنتا لبون، وفى أربعين
ومائة فما زاد حقتان وبنت لبون، وفى خمسين ومائة فما زاد ثلاث حقاق، وفى ستين ومائة
فما زاد أربع بنات لبون. وهكذا العمل فيما زاد.
فان وجب على صاحب المال جذعة فلم تكن عنده وكانت عنده حقة، أو لزمته
حقة فلم تكن عنده وكانت عنده بنت لبون، أو لزمته بنت لبون فلم تكن عنده
وكانت عنده بنت مخاض: فان المصدق يقبل ما عنده من ذلك ويلزمه معها غرامة
عشرين درهما أو شاتين، أي ذلك شاء صاحب المال فواجب على المصداق قبوله ولابد.
وان وجبت على صاحب المال بنت مخاض فلم تكن عنده ولا كان عنده ابن لبون
ذكر وكانت عنده بنت لبون، أو وجبت عليه بنت لبون فلم تكن عنده وكانت عنده
جذعة: فان المصدق يأخذ منه ما عنده من ذلك ويرد المصدق إلى صاحب المال
عشرين درهما أو شاتين، أي ذلك أعطاه المصدق فواجب على صاحب المال قبوله ولابد.
وهكذا لو وجبت اثنتان أو أكثر من الانسان التي ذكرنا فلم يجدها أو وجد
بعضها ولم يجد تمامها فإنه يعطى ما عنده من الأسنان التي ذكرنا، فإن كانت أعلى من
التي وجبت عليه رد عليه المصدق لكل واحدة شاتين أو عشرين درهما وإن كانت
أدنى من التي وجبت عليه أعطى معها مع كل واحدة شاتين أو عشرين درهما.
فان وجبت عليه بنت مخاض فلم يجدها ولا وجد ابن لبون ولا بنت لبون، لكن
وجد حقة أو جذعة، أو وجبت عليه بنت لبون فلم تكن عنده ولا كان عنده بنت مخاض
ولا حقة، وكانت عنده جذعة: لم تقبل منه، وكلف إحضار ما وجب عليه ولا
بد، أو إحضار السن التي تليها ولابد مع رد الدراهم أو الغنم.
وإن لزمته جدعة فلم يجدها ولا وجد حقة، ووجد بنت لبون أو بنت مخاض:
لم تقبل منه أصلا إلا الجذعة أو حقة معها شاتان أو عشرون درهما.
وإن لزمته حقة ولم يجدها ولا وجد جذعة ولا ابنة لبون، ووجد بنت مخاض:
لم تؤخذ منه وأجبر على إحضار الحقة أو بنتن لبون ويرد شاتين أو عشرين درهما.
ولا تجزئ قيمة ولا بدل أصلا ولا في شئ من الزكوات كلها أصلا.
برهان ذلك ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا

(1) لا هنا في النسخة رقم (14) (وفى كل ثلاثين فما زاد) الخ وما هنا أصح إذ هذا تفريع على قوله (في كل خمسين
حقة وفى كل أربعين بنت لبون) وتوضيح له
18

الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن انس بن مالك ثنا أبي
ثنا ثمامة بن عبد الله بن انس بن مالك ان انس بن مالك حدثه: ان أبا بكر الصديق
كتب له هذا الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول
الله صلى الله عليه وسلم سلم على المسلمين، والتي أمر الله عز وجل بها رسول اله صلى الله عليه
وآله سلم فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط في أربع
وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، فإذا بغلت خمسا وأربعين ففيها
ابنة لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا
بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت يعنى ستا وسبعين إلى
تسعين ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت احدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان
طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين
حقة ومن لم يكن معه الا أربع من الإبل فليس فيها صدقة، الا أن يشاء ربها،
فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة ومن (1) بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة
وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا
له أو عشرين درهما، ومن يلغت عنده صدقة الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه
الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست
عنده إلا ابنه لبون فإنها تقبل منه ابنة لبون ويعطى شاتين وعشرين درهما، ومن
بلغت صدقته ابنة لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما
أو شاتين، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل
منه ابنة مخاض ويعطى معها عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض
ليست عنده وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين
فإن لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شئ
وذكر باقي الحديث.
وهذا حديث حدثناه أيضا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري ثنا عبد الوارث بن
سفيان بن حيرون ثنا قاسم بن أصبغ ثنا أحمد بن أبي خيثمة ثنا شريح بن النعمان، وزهير
ابن حرب، وقال زهير: ثنا يونس بن محمد ثنا حماد بن سلمة قال: أخذت هذا الكتاب
عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك بن أنس بن مالك وقال شريح بن النعمان:

(1) في النسخة رقم (14) (من) بدون الواو
19

ثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس بن مالك ثم اتفقا أن
أبا بكر الصديق كتب له: (إن هذه فرائض الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه
وآله سلم على المسلمين، التي أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم) ثم ذكر الحديث
كما ذكرناه نصا، لم يختلفوا في شئ منه.
وحدثنا أيضا عبد الله بن ربيع قال: ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي
ثنا أبو داود السجستاني ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة قال: أخذت هذا الكتاب
من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس، ثم ذكره نصا كما أوردناه.
وحدثناه أيضا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن
عبد الله بن المبارك ثنا المظفر بن مدرك ثنا حماد بن سلمة قال: أخذت هذا الكتاب من
ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس: ان أبا بكر كتب لهم: (أن هذه فرائض الصدقة
التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على المسلمين، التي أمر الله تعالى بها رسوله)
ثم ذكره نصا كما أوردناه.
وحدثناه أيضا حمام بن أحمد قال: ثنا عباس بن اصبغ (1) ثنا محمد بن عبد الملك بن
أيمن أنا أبو قلابة وإسماعيل بن إسحاق القاضي قالا جميعا: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري
ثنا أبي عبد الله بن المثنى حدثني ثمامة هو ابن عبد الله بن أنس قال: حدثني أنس
ابن مالك: أنا أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب حين وجهه إلى البحرين: (بسم
الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على المسلمين
التي أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم سلم) ثم ذكره نصا كما ذكرناه.
فهذا الحديث هو نص ما قلنا حكما حكما وحرفا حرفا، ولا يصح في الصدقات في الماشية
غيره، إلا خبر ابن عمر فقط، وليس بتمام هذا، وهذا الحديث في نهاية الصحة، وعمل
أبى بكر الصديق بحضرة جميع الصحابة، ولا يعرف له منهم مخالف أصلا، وبأقل من
هذا يدعى مخالفونا الاجماع، ويشنعون خلافه، رواه عن أبي بكر أنس وهو صاحب (2)
ورواه عن أنس ثمامة بن عبد الله بن أنس وهو ثقة، سمعه من أنس ورواه عن ثمامة حماد
ابن سلمة، وعبد الله بن المثنى وكلاهما ثقة وإمام، وراه عن ابن المثنى ابنه القاضي محمد
وهو مشهور ثقة ولى قضاء البصرة، ورواه عن محمد بن عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري
جامع الصحيح، وأبو قلابة، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، والناس، وراه عن حماد بن سلمة

(1) في النسخة رقم (16) (وحدثنا ه حام ثنا أحمد بن حام ثنا بن حام ثنا قال ثنا عباس بن اصبغ) وهو خطأ وخلط
(2) في النسخة رقم (16) (وهم صاحب) وهو خطأ
20

يونس بن محمد، وشريح بن النعمان، وموسى بن إسماعيل التبوذكي، وأبو كامل المظفر بن
مدرك، وغيرهم، وكل هؤلاء إمام ثقة مشهور.
والعجب ممن يعترض في هذا الخبر بتضعيف يحيى بن معين لحديث حماد بن سلمة
هذا!، وليس في كل من رواه عن حماد بن سلمة ممن ذكرنا أحد إلا وهو أجل وأوثق
من يحيى بن معين وإنما يؤخذ كلام يحيى بن معين وغيره إذا ضعفوا غير مشهور بالعدالة،
وأما دعوى ابن معين أو غيره ضعيف حديث رواه الثقات أو ادعوا فيه أنه خطأ من
غير أن يذكروا فيه تدليسا! فكلا مهم مطرح مردود، لأنه دعوى بلا برهان، وقد قال
الله تعالى: (قل: هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين).
ولا مغمز لاحد في أحد من رواة هذا الحديث، فمن عانده فقد عاند الحق وأمر
الله تعالى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، لا سيما من يحتج في دينه بالمرسلات، وبرواية
ابن لهيعة، ورواية جابر الجعفي الكذاب المتهم في دينه: (لا يؤمن أحد بعدي جالسا)
ورواية حرام بن عثمان الذي لا تحل الرواية عنه في اسقاط الصلاة عن المستحاضة
بعد طهرها ثلاثة أيام، ورواية أبى زيد مولى عمرو بن حريث في إباحة الوضوء
للصلاة بالخمر وبكل نطيحة أو متردية وما أهل لغير الله به: في مخالفة القرآن والسنن
الثابتة، ثم يتعلل في السنن التي لم يأت ما يعارضها، بل عمل بها الصحابة رضي الله عنهم
ومن بعدهم.
وبهذا الحديث يأخذ الشافعي، وأبو سليمان وأصحابهما.
وقد خالفه قوم في مواضع.
فمنها: إذا بلغت الإبل خمسا وعشرين كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله
ابن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية (1) ثنا وكيع عن سفيان
الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: في خمس
من الإبل شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع
شياه، وفى خمس وعشرين خمس شياه، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم
تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر.
وهكذا أيضا رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق
قال على: وقد أسنده زهير بن معاوية من طريق الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه.
قال أبو محمد: الحارث كذاب، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم.

(1) في النسخة رقم (16) (محمد بن معاوية) ولم أصل إلى تحقيق أيتهما بعد طول البحث،
21

وقال الشافعي وأبو يوسف: إذا كانت خمس من الإبل ضعاف لا تساوى شاة
أعطى بعيرا منها وأجزأه قالوا: لان الزكاة إنما هي فيما أبقى من المال فضلا،
لا فيما أجاح المال (1)، وقد نهى عن أخذ كرائم المال فكيف عن اجتياحه.
قال أبو محمد. وقال مالك وأبو سليمان وغيرهما: لا يجزئه إلا شاة.
قال أبو محمد: هذا هو الحق، والقول الأول باطل وليست الزكاة كما ادعوا من
حياطة (2) الأموال.
وهم يقولون: من كانت عنده خمس من الإبل وله عشرة من العيال ولا مال له
غيرها، فإنه يكلف الزكاة، أحب أم كره، وكذلك من له مائتا درهم في سنة مجاعة
ومعه عشرة من العيال ولا شئ معه غيرها فإنه يكلف الزكاة (3)، ورأوا فيمن معه
من الجواهر، والوطاء والغطاء، والدور، والرقيق، والبساتين بقيمة ألف ألف دينار أو
أكثر أنه لا زكاة عليه وقالوا فيمن له مائتا شاة وشاة: إنه يودى منها كما يؤدى من
له ثلاثمائة شاة وتسع وتسعون شاة.
فإنما نقف في النهى والامر عندما صح به نص فقط.
وهم يقولون في عبد يساوى ألف دينار ليتيم ليس له غيره سرق دينارا: أنه تقطع
يده، فتتلف قيمة عظيمة في قيمة يسيرة ويجاح اليتيم الفقير فيما لا ضرر فيه على الغنى.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا رواية خاملة عن أبي يوسف: إن من لزمته
بنت مخاض فلم تكن عنده فإنه يؤدى قيمتها، ولا يؤدى ابن لبون ذكر.
وقال مالك والشافعي وأبو سليمان: يؤدى ابن لبون ذكر.
وهذا هو الحق، وقول أبي حنيفة خلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم سلم وأصحابه
رضي الله عنهم.
ومن عجائب الدنيا قولهم: إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم سلم بأخذ ابن لبون مكان
ابنة المخاض إنما أراد بالقيمة فيا لسهولة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم
جهار اعلانية! فريب الفضيحة على هؤلاء القوم وما فهم قط من يدي العربية أن
قول النبي صلى الله عليه وسلم سلم: (فيها ابنة مخاض، فإن لم تكن عنده ابنة مخاض على
وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شئ) يمكن أن يريد به بالقيمة!
وهذا أمر مفضل (4) جدا، وبعد عن الحياء والدين!.

(1) أي أهلكه بالجائحة
(2) الحياطة بالحاء المهملة الحفظ والتعهد
(3) قوله (فإنه يكلف الزكاة) سقط من النسخة رقم (14) واثباته أصح و
(4) هكذا في الأصلين
22

وأما خلافهم الصحابة في ذلك فان حمام بن أحمد ثنا قال ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي
ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن عاصم وموسى
ابن عقبة كلاهما عن نافع عن أبن عمر عن أبيه عمر قال: في الإبل في خمس شاة وفى عشر
شاتان، وفى خمس عشرة ثلاثة شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين
ابنة مخاض، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر وقد ذكرناه آنفا عن علي.
فحالفوا أبا بكر وعمر وعليا وأنس بن مالك وابن عمر وكل من بحضرتهم من الصحابة
رضي الله عنهم بآرائهم الفاسدة، وخالفوا عمر بن عبد العزيز أيضا.
وبقولنا في هذا يقول سفيان الثوري، ومالك، والأوزاعي، والليث، وأحمد بن حنبل
وأبو سليمان وجمهور الناس، إلا أبا حنيفة ومن قلده دينه وما نعلم لهم في هذا سلفا أصلا.
واختلفوا أيضا فيما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعويض سن من سن دونها أو
فوقها عند عدم السن الواجبة ورد عشرين درهما أو شاتين في ذلك.
فقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز شئ من ذلك الا بالقيمة، وأجاز إعطاء القيمة
من العروض وغيرها بدل الزكاة الواجبة وإن كان المأمور بأخذه فيها ممكنا.
وقال مالك: لا يعطى إلا ما عليه، ولم يجز إعطاء سن مكان سن برد شاتين أو عشرين درهما.
وقال الشافعي بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم في ذلك نصا، إلا أنه قال: إن عدمت
السنن الواجبة والتي تحتها والتي فوقها ووجدت الدرجة الثالثة فإنه يعطيها ويرد إليه
الساعي أربعين درهما أو أربع شياة، وكذلك إن لم يجد الا التي تحتها بدرجة فإنه يعطيها
ويعطى معها أريعين درهما أو أربع شياه فإذا كانت عليه بنت مخاض ولم يجد إلا جذعة
فإنه يعطيها ويرد عليه الساعي ستين درهما أو ست شياه، فإن كانت عليه جذعة فلم يجد
إلا بنت مخاض أعطاها وأعطى معها ستين درهما أو ست شياه.
وأجازوا كلهم إعطاء أفضل مما لزمه من الأسنان، إذا تطوع بذلك.
وروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذلك ما حدثناه محمد بن سعيد بن بنات
ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى
ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبعي عن عصام بن ضمرة على على
ابن أبي طالب قال: إذا أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين.
وروى أيضا عن عمر كما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى.
قال أبو محمد: أما قول على، وعمر فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم
ولقد كان يلزم الحنيفيين القائلين في مثل هذا إذا وافق أهواءهم: مثل هذا لا يقال
23

بالرأي أن يقولوا به.
وأما قول الشافعي فإنه قاس على حكم النبي صلى الله عليه وسلم سلم ما ليس فيه، والقياس
بالطل، وكان يلزمه على قياسه هذا إذ رأى في العينين الدية وفى السمع الدية وفى اليدين
الدية: أن يكون عنده في إتلاف النفس ديات كل ما في الجسم من الأعضاء، لأنها بطلت
ببطلان النفس، وكان يلزمه إذ رأى في السهو سجدتين ان يرى في سهوين في الصلاة
أربع سجدات وفى ثلاثة أسماء ست سجدات أو أقرب من هذا أن يقول: إذا عدم التبيع
ووجد المسنة أن يقدر في ذلك تقديرا، ولكنه لا يقول بهذا، فقد ناقض قياسه.
وأما قول أبي حنيفة ومالك فخلاف مجرد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وللصحابة، وما
نعلم لهم حجة، إلا أنهم قالوا: هذا بيع ما لم يقبض.
قال أبو محمد: وهذا كذب ممن قاله وخطأ لوجوه.
أحدها: أنه ليس بيعا أصلا ولكنه حكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بتعويض سن معها
شاتان أو عشرون درهما من سن أخرى، كما عوض تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم سلم إطعام
ستين مسكينا من رقبة تعتق في الظهار وكفارة الواطئ عمدا في نهار رمضان فليقولوا
ههنا: إن هذا بيع للرقبة قبل قبضها.
والثاني: أنهم أجازوا بيع ما لم يقبض على الحقيقة حيث لا يحل وهو تجويز أبي حنيفة
أخذ القيمة عن الزكاة (2) الواجبة، فلم ينكر أصحابه الباطل على أنفسهم وأنكروا الحق
على رسول الله صلى الله عليه وسلم! ألا ذلك هو الضلال المبين.
والثالث: أن النهى عن بيع ما لم يقبض لم يصح قط إلا في الطعام، لا فيما سواه وهذا
مما خالفوا فيه السنن والصحابة رضي الله عنهم.
فأما الصحابة فقد ذكرناه عن أبي بكر الصدق وصح أيضا عن علي كما ذكرنا
تعويض، وروى أيضا عن عمر كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري عن
عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال لي عمرو بن شعيب قال عمر بن الخطاب: فإن لم توجد
السن التي دونها اخذت التي فوقها، ورد إلى صاحب الماشية شاتين أو عشرة دراهم. ولا
يعرف لمن ذكرنا من الصحابة مخالف، وهم يشنعون بأقل من هذا إذا وافقهم.
وقولنا في هذا هو قول إبراهيم النخعي كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي
ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر وسفيان الثوري كليهما عن منصور عن إبراهيم
النخعي قال: إذا وجد المصدق سنا دون سن أو فرق سن كان فضل ما بينهما عشرين

(1) في النسخة رقم (16) (نقص)
(2) في النسخة رقم (14) (على الزكاة)
24

درهما أو شاتين، قال سفيان: وليس هذا إلا في الا بل.
وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات قال ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن
معاوية ثنا وكيع ثنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: إن أخذ المصدق سنا فوق
سن رد شاتين أو عشرين درهما، وان أخذ سنا دون سن أخذ شاتين أو عشر ين درهما (1).
قال أبو محمد: وأما إجازتهم القيمة أو أخذ سن أفضل مما عليه فإنهم احتجوا في ذلك
بخبر رويناه من طريق طاوس: أن معاذا قال لأهل اليمن: ائتوني بعرض آخذه منكم
مكان الذرة والشعير، فإنه أهون عليكم وخير لأهل المدينة (2).
قال على: وهذا لا تقوم به حجة لوجوه.
أولها: أنه مرسل، لان طاوسا لم يدرك معاذا ولا ولد إلا بعد موت معاذ.
والثاني: أنه لو صح لما كانت فيه حجة، لأنه ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ولا حجة
وإلا فيما جاء عنه عليه السلام.
والثالث: أنه ليس فيه أنه قال ذلك في الزكاة، فالكذب لا يجوز، وقد يمكن
لو صح أن يكون قاله لأهل الجزية، وكان يأخذ منهم الذرة، والشعير، والعرض
مكان الجزية (3).
والرابع: أن الدليل على بطلان هذا الخبر ما فيه من قول معاذ: (خير لأهل المدينة)
وحاشا لله أن يقول معاذ هذا، فيجعل ما لم يوجبه الله تعالى خيرا مما أوجبه.
وذكروا أيضا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرت عن عبد الله
ابن عبد الرحمن الأنصاري: أن عمر كتب إلى بعض عماله: أن لا يأخذ من رجل لم يجد
في إبله السن التي عليه إلا تلك السن من شروى (4) إبله أو قيمة عدل.
قال أبو محمد: هذا في غاية السقوط لوجوه.
أحدها: أنه منقطع، لان ابن جريج لم يسم من بينه وبين عبد الله بن عبد الرحمن.
والثاني: ان عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري مجهول لا يدرى من هو.
والثالث: أنه لو صح لما كانت فيه حجة، لأنه ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ولا حجة

(1) هنا في النسخة رقم (16) زيادة (ان اخذ سنا فوق سن رد شاتين) وهي زيادة لا معنى
لها.
(2) رواه بن آدم في الخراج رقم (525 و 526)، وعلقه البخاري بغير اسناد (ج 2 ص 235)
(3) هذا احتمال ضعيف بل باطل، فان في رواية يحيى بن آدم رقم (526) (مكان الصدقة)
(4) الشروى المثل واوه مبدلة من الياء كما قبلت في تقوى،
25

فيا جاء عمن دونه، وقد أتيناهم عن عمر بمثل هذا في أخذ الشاتين أو العشرة دراهم،
فليقولوا به إن كان قول عمر حجة، وإلا فالتحكم لا يجوز.
والرابع: أنه قد يحتمل أن يكون قول عمر لو صح عنه (أو قيمة عدل) هوما بينه
في مكان آخر من تعويض الشاتين أو الدراهم، فيحمل قوله على الموافقة لاعلى التضاد.
وذكروا حديثا منقطعا من طريق أيوب السختياني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قال:
(خذ الناب الشارف (1) والعواري).
قال على: وهذا لا حجة فيه الوجهين.
أحدهما: أنه مرسل، ولا حجة في مرسل.
والثاني: أن في آخره: (ولا أعلمه إلا كانت الفرائض بعد) فلو صح لكان منسوخا
بنقل راويه فيه.
وذكروا ما رويناه من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عمارة بن حزم عن أبي بن كعب
قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم مصدقا، فمررت برجل فجمع له ماله، فقلت له: أد
ابنة مخاض، فإنها صدقتك، قال: ذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذا ناقة فتية
عظيمة سمينة، فخذها، فقلت: ما أنا بآخذ ما لم أومر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قريب
منك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم (2) فذكر له ذلك وقال: قد عرضت على مصدقك (3)
ناقة فتية عظيمة يأخذها، فأبى على، وها هي ذه، قد جئتك بها يا رسول الله، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم سلم: ذلك الذي عليك، فأن تطوعت بخير (4) أجرك الله وقبلناه منك، وأمر
عليه السلام بقبضها، ودعا له بالبركة (5).
قال أبو محمد: وهذا لا حجة فيه لوجوده.
أولها: أنه لا يصح، لان يحيى بن عبد الله مجهول، وعمارة بن عمرو بن حزم غير
معروف، وإنما المعروف عمارة بن حزم أخو عمرو رضي الله عنهما (6).

(1) الناب: الناقة المسنة، سميت بذلك حين طال نابها وعظم. والشارف من الإبل المسن والمسنة، قال ذلك في اللسان
(2) في النسخة رقم (16) بحذف قوله (قريب منك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (قد عرضت عليه) الخ
(4) في النسخة رقم (16) فخير) وهو تحريف
(5) رواه أحمد في السند (ج 5 ص 142) عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق (حدثني عبد الله
ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) فذكره، ورواه الحاكم (ج 1 ص 399) من طريق احمد، وصححه
على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ورواه أبو داود) ج 2 ص 16) عن محمد بن منصور عن يعقوب
(6) اما يحيى فإنه ليس مجهولا، بل هو ثقة تابعي، واما عمارة بن عمرو بن حزم فهو معروف أيضا تابعي ثقة، وعمه عمارة بن حزم صحابي قديم شهد العقبة وبدرا والخندق والمشاهد كلها، وقتل
في يوم اليمانية شهيدا في خلافة أبى بكر سنة 12 هذا غير ذاك
26

والثاني: أنه لو صح لكان حجة عليهم، لان فيه أن أبي بن كعب لم يستجز أخذ
ناقة فتية عظيمة مكان ابنة مخاض، ورأي ذلك خلافا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ولم ير
ما يراه هؤلاء من التعقب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بآرائهم ونظرهم، وعلم رسول الله
صلى الله عليه وسلم سلم ذلك فلم ينكره عليه، فصح أنه الحق، وإنما كأن يكون فيه أخذ ناقة عظيمة
مكان ابنة مخاض فقط، وأما إجازة القيمة فلا أصلا (1).
واحتجوا بخبرين، أحدهما رويناه من طريق الحسن، والآخر من طريق عطاء
كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم أنه قال للمصدق: (أعلمه الذي عليه من الحق، فان
تطوع بشئ فاقبله منه).
وهذان مرسلان، ثم لو صحا لم يكن فيهما حجة، لأنه ليس فيه نص بأخذ غير الواجب
ولا بأخذ قيمة، ونحن لا ننكر أن يعطى أفضل ما عنده من السن الواجبة عليه.
واحتجوا بخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك العرزمي (2)
عن عطاء بن أبي رباح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم لما بعث عليا ساعيا قالوا: لا نخرج لله
إلا خير أموالنا، فقال: ما أنا بعادي عليكم (3) السنة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قال
له: ارجع إليهم فبين لهم ما عليهم في أموالهم، فمن طابت نفسه بعد ذلك بفضل فخذه منه.
قال أبو محمد وهذا لا حجة فيه لوجهين.
أحدهما: أنه لا يصح لأنه مرسل، ثم إن راويه عبد الملك العرزمي، وهو متروك (4)
ثم إن فيه ان عليا بعث ساعيا وهذا باطل، ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قط أحدا من
بني هاشم ساعيا، وقد طلب ذلك الفضل بن عباس فمنعه.
ولو صح لما كان لهم فيه حجة أصلا، لان فيه أنهم أرادوا إعطاء أفضل أموالهم
مختارين، وهذا لا لمنعه إذا طابت نفس المزكى باعطاء أكرم شاة عنده وأفضل ما عنده
من تلك السن والواجبة عليه، وليس فيه إطاع سن مكان غيرها أصلا ولا دليل على
قيمة البتة.

(1) في النسخة رقم (14) (أصلا فلا)
(2) العرزمي بفتح العين المهملة واسكان الراء وفتح الزاي، نسبة إلى (عرزم) قبيلة أو موضع، وفى النسخة رقم (16) (عبد الملك بن العرزمي) وهو عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي
(3) العادي الظالم، واصله من تجاوز الحد في شئ. واثبات الياء جائز
(4) العرزمي ثقة مأمون ثبت، وهو أحد الأئمة، وأخطأ في حديث واحد نكره
عليه شعبة، ولم يتكلم فيه غيره، ودافع عنه ابن حبان دفاعا جيدا نقله في التهذيب
27

واحتجوا بحديث وائل بن حجر في الذي أعطى في صدقة ماله فصيلا مخلولا (1)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم: (لا بارك الله له، ولا في إبله (2)) فبلغ ذلك الرجل، فجاء
بناقة فذكر من جماله أو حسنها، وقال: أتوب إلى الله والى نبيه، فقال النبي صلى الله عليه وآله سلم
(اللهم بارك فيه وفى إبله) (3).
وقال أبو محمد هذا خبر صحيح ولا حجة لهم فيه، لان الفصيل لا يجزئ في شئ من
الصدقة بلا شك، وناقة حسناء جميلة قد تكون جذعة وقد تكون حقة، فأعطى ما عليه
بأحسن ما قدر، وليس فيه نص ولا دليل على إعطاء غير السن الواجبة عليه ولا على
القيمة أصلا.
واحتجوا بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار عن أبي رافع قال: (استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بكرا فجاءته إبل من إبل
الصدقة، فأمرني أن أقضى الرجل بكره، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سلم: أعطه إياه، فان خيار الناس أحسنهم قضاء).
قال أبو محمد: هذا خبر صحيح ولا حجة لهم فيه، لأنه ليس فيه ان ذلك الجمل أخذ
في زكاة واجبة بعينه، وقد يمكن أن يبتاعه المصدق ببعض ما أخذ في الصدقة، فهذا غير ممتنع.
وقد جاء في هذا أثر يحتجون بدونه، وأما نحن فلسنا نورده محتجين به، لكن تذكير الهم.
وهو خبر رويناه من طريق أبى بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن مجالد
عن الصنابح الأحمسي: (4) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم أبصر ناقة في إبل الصدقة، فقال
ما هذه؟ فقال صاحب الصدقة: إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الإبل، قال: فنعم إذن).

(1) أي مهزولا، وهو الذي جعل في أنفه خلال لئلا يرضع أمه فتهزل، قاله السيوطي
(2) الحديث رواه النسائي (ج 5 ص 30) والحاكم (ج 1 ص 400) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ولفظهما (اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله) الا ان الحاكم زاد فقال (له فيه)
(3) ما هنا الذي في النسخة رقم (14) وهو الموافق للنسائي
والحاكم، وفى النسخة رقم (16) (اللهم بارك له وفى إبله)
(4) الصنابح بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الباء الموحدة ثم جاء حاء مهملة، ووقع في الإصابة (الصنايح) بالمثناة التحية وهو تصحيف، وهو ابن الأعسر الأحمسي، نسبه إلى (أحمس) وهي طائفة من بحيلة نزلوا الكوفة. والصنابح هذا صحابي لم يذكر واله الا حديثا واحدا رواه
ابن ماجة في الفتن، وهو حديث (انى فرطكم على الحوض وانى مكا ثر بكم الأمم) ولم أجد إشارة عند أحد إلى الحديث الذي هنا واسناده صحيح ان ثبت سماع مجالد من الصنابح، فان مجالدا يروى عن قيس بن أبي حازم وقيس يروى عن الصنابح، وقد انفرد بالرواية عنه فلم يرو عن الصنابح غيره، كما قال ابن الجوزي في تلقيح الفهوم (ص 208) وكذلك قال مسلم صاحب الصحيح في كتابه المنفردات والوحدان (ص 3)
(5) هنا بحاشية النسخة رقم (14) ما نصبه: (قال في الصحاح: الحوش النعم المتوحشة، ويقال إن الإبل الحوشية منسوبة إلى الحوش، وهي فحول جن تزعم العرب انها ضربت في بعضهم فنسبت إليها!
28

وقد يمكن أن يكون تلك الإبل من صدقة تطوع، لأنه ليس في الحديث أنها الصدقة
الواجبة فلما أمكن كل ذلك ونحن على يقين من أنه ليس في الصدقة جمل رباعي
أصلا لم يحل ترك اليقين للظنون، وقد تكلمنا في معنى هذا الخبر في كتاب (الايصال)
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم لا يمكن البتة أن يستسلف البكر لنفسه ثم يقضيه من إبل
الصدقة، والصدقة حرام عليه بلا شك ولا خلاف، صح أنه عليه السلام قال:
الصدقة (لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) فنحن على يقين من أنه إنما استسلفه لغيره،
لا يمكن غير ذلك، فصار الذي اخذ البكر من الغارمين، لان السلف في ذمته، وهو
أخذه، فإذ هو من الغارمين فقد صار حظه في الصدقة، فقضى عنه منها، لا يجوز غير
ذلك. وكذلك أيضا لا نشك أن الذي كان يستقرض منه البكر كان من بعض أصناف
الصدقة، ولولا ذلك ما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم من حق أهل الصدقات فضلا على حقه.
قال أبو محمد: وإنما في هذا الخبر دليل على المنع من تقديم الصدقة قبل وقتها لأنه
لو كان ذلك جائزا لما استقرض عليه السلام على الصدقة وانتظر حتى يحين وقتها، بل
كان يستعجل صدقة من بعض أصحابه، فلما لم يفعل ذلك عليه السلام صح أنه لا يجزى
أداء صدقة قبل وقتها. وبالله تعالى نتأيد.
فبطل كل ما موهوا به، وصح أن كل ما احتجوا به ليس فيه إجازة إعطاء أكثر من
الواجب في الزكاة ولا غير الصفة المحدودة فيها وأما القيمة فلا دليل لهم على جوازها
أصلا، بل البرهان ثابت بتحريم أخذها، لأنها غير ما أمر الله تعالى به، وتعدى
لحدود الله، وقد قال الله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال تعالى:
(فمن بدله بعد ما سمعه فأنما إثمه على الذين يبدلونه).
فان قالوا: إن كان نظرا لأهل الصدقة فما يمنع منه؟.
قلنا: النظر كله لأهل الصدقة أن لا يعطوا ما حرمه الله تعالى عليهم، إذ يقول
تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم: (ان دماءكم
وأموالكم عليكم حرام) فصح أنه لا يحل من مال أحد إلا ما أباحه الله تعالى منه
أو أوجبه فيه فقط، وما أباح تعالى قط أخذ قيمة عن زكاة افترضها بعينها وصفتها
وما ندري في أي نظر معهود بيننا وجدوا أن تؤخذ الزكاة من صاحب خمس من
الإبل لا تقوم به، وعند أبي حنيفة ممن لا يملك إلا وردة واحد أخرجتها قطعة
أرض له: ولا تؤخذ من صاحب جواهر ورقيق ودور بقيمة مائة ألف! ولا من
صاحب تسع وعشرين بقرة وتسع وثلاثين شاة وخمس أواقي غير درهم من الفضة!
29

فهل في هذا كله إلا اتباع ما أمر الله تعالى فقط؟!.
وقد جاء قولنا عن السلف. كما روينا عن سويد بن غفلة (1) قال: (سرت
أو قال: أخبرني من سار مع مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم فعمد رجل إلى ناقة كوماء (2)، فأبى
أن يقبلها، فقال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي فأبى أن يقبلها فحطم له أخرى دونها
فقبلها، وقال: إني لآخذها وأخاف أن يجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، يقول: عمدت إلى
رجل فتخيرت عليه إبله) (3).
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أنه قال لعبد الله بن طاوس: أخرت أنك
تقول: قال أبو عبد الرحمن يعنى أباه إذا لم تجدوا السن فقيمتها قال: ما قلته
قط قال ابن جريج: وقال لي عطاء: لا يخرج في الصدقة صغير ولا ذكر ولا ذات عوار
ولا هرمة.
ومن طريق أبى عبيد عن جرير عن منصور عن إبراهيم النخعي أنه قال: لا يؤخذ في
الصدقة ذكر مكان أنثى إلا ابن لبون مكان ابنة مخاض.
قال على: ومن ذبح أو نحر ما يجب عليه في الصدقة ثم أعطاه مذكى لم يجز عنه لان
الواجب عليه إعطاؤه حيا ولا يقع على المذكى اسم شاة مطلقة ولا اسم بقرة مطلقة، ولا
اسم بنت مخاض مطلقة، وقد وجب لأهل الصدقة حيا، ولا يجوز له ذبح ما وجب لغيره.
فإذا قبضه أهل المصدق فقد أجزأ، وجاز للمصدق حينئذ بيعه، إن رأى
ذلك حظا لأهل الصدقة، لأنه ناظر لهم وليسوا قوما بأعيانهم، فيجوز حكمهم فيه، أو
إبراؤهم منه قبل قبضهم له. وبالله تعالى نتأيد.
واختلفوا فيما زاد على العشرين ومائة.
فقالت طائفة: حقتان إلى أن تصير ثلاثين ومائة.
وقالت طائفة: ثلاث بنات لبون ولا بد إلى أن تصير ثلاثين ومائة فيجب فيها حقة
وبنتا لبون ثم كلما زادت عشرة كان في كل خمسين حقة، وفى كل أربعين بنت لبون، وهو
قول الشافعي، وأبي سليمان، وابن القاسم صاحب مالك.
وقالت طائفة: أي الصفتين أدى أجزأه وهو قول مالك إلى أن تبلغ مائة وثلاثين، فيجب

(1) في النسخة رقم (14) (من طريق سويد بن غفلة)
(2) أي عظيمة السنام طويلته:
(3) هذا باقي حديث سويد من لفظ بعضه في المسألة 672 وهو الذي فيه ان لا يأخذ من راضع لبن، والفظ الذي هنا قريب من لفظ أبى داود (ج 2 ص 14) ولكن اختصره المؤلف، ورواه الدارقطني (ص 204) والنسائي (ج 5 ص 29 و 30) واختصراه
30

فيها حقة وبنتا لبون وهكذا كلما زادت عشرا ففي كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس فيما بعد العشرين ومائة إلا حقتان فقط، حتى تتم
خمسا وعشرين ومائة فيجب فيها حقتان وشاة (1) إلى ثلاثين ومائة فإذا بغلتها ففيها حقتان
وشاتان، إلى خمس وثلاثين ومائة، ففيها حقتان وثلاث شياه، إلى أربعين ومائة،
ففيها حقتان وأربع شياه، إلى خمس وأربعين ومائة، فإذا بلغتها ففيها حقتان وبنت
مخاض، الخمسين ومائة، فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق، وهكذا أبدا، إذا زادت على
الخمسين ومائة خمسا ففيها ثلاث حقاق وشاة، ثم كما ذكرنا، في كل خمس شاة مع الثلاث
حقاق، إلى أن تصير خمسا وسبعين ومائة، فيجب فيها بنت مخاض وثلاث حقاق، إلى
ست وثمانين ومائة، فإذا بلغتها كانت فيها ثلاث حقاق وبنت لبون، إلى ست وتسعين
ومائة، فإذ بلغتها ففيها أربع حقاق، وكذلك إلى أن تكون مائتين وخمسا، فإذا
بلغتها ففيها أربع حقاق وشاة وهكذا أبدا، كلما بلغت الزيادة خمسين زاد حقة،
ثم استأنف تزكيتها بالغنم ثم ببنت المخاض ثم ببنت اللبون ثم بالحقة.
قال أبو محمد: فاما من رأى الحقتين فيا زاد على العشرين والمائة إلى أن تصير ثلاثين
ومائة فإنهم احتجوا بأن ذكروا ما رويناه من طريق أبى عبيد عن حبيب بن أبي
حبيب (2) عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن: (إن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وفى
كتاب عمر في الصدقة: أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فليس فيما دون العشر
شئ حتى تبلغ ثلاثين ومائة).
قال على: وهذا مرسل، ولا حجة فيه، ومحمد بن عبد الرحمن مجهول (3).
ونحن نأتيهم بما هو خير من هذا، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك
ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب ثنا عبد الله بن
المبارك ثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم
الذي كتبه في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب، قال: أقرأني إياها سالم بن

(1) في النسخة رقم (16) (شياة) وهو تحريف
(2) مضى في أول المسألة 673 بعض هذا الأثر بهذا الاسناد ولكن فيه (أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب) فسقط من الأصلين هنا (ثنا يزيد)، وهو خطأ والصواب اثباته، فان أبا عبيد مات بمكة سنة 224 عن 67 سنة تقريبا، فكأنه ولد سنة 157 وقيل إنه سنة 150 وقيل سنة 154 وحبيب مات سنة 162، فكان أبو عبيد طفلا عنده وفاة حبيب: ويزيد شيخ أبى عبيد بن هارون كما في الدارقطني (ص 210) والحاكم (ج 1 ص 394)
(3) محمد بن عبد الرحمن هذا ليس مجهولا، بل هو معروف، وهو أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري كما صرح بذلك في رواية الحاكم وهو تابعي ثقة
31

عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز عبد الله وسالم
ابني عبد الله بن عمر وذكر الحديث، وفيه: (في الإبل إذا كانت إحدى وعشرين ومائة
ففيها ثلاث بنات لبون، إلى ثلاثين ومائة، فإذا بلغتها ففيها بنتا لبون وحقة) وذكر
باقي الحديث. وهذا خير مما أتونا به وهذا هو كتاب عمر حقا، لا تلك المكذوبة.
وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا سحنون
ثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب (1) قال: نسخة كتاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم الذي كتب في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب، أقرأنيها سالم بن عبد الله
ابن عمر فوعيتها على وجهها، وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم وعبد الله ابني
عبد الله بن عمر بن الخطاب حين أمر على المدينة، وأمر عماله بالعمل بها، ثم ذكر
نحو هذا الخبر الذي أوردنا.
وقالوا أيضا: قد جاء في أحاديث (في كل خمسين حقة).
قلنا: نعم، وهي أحاديث مرسلة من طريق الشعبي وغيره، وقد أوردنا عن أبي بكر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون).
وكذلك صح أيضا من طريق ابن عمر كما روينا بالسند المذكور إلى أبى داود
ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم
ابن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (كتب رسول الله صلى اله له عليه وسلم كتاب الصدقة، فلم يخرجه
إلى عماله حتى قبض، وقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى
قبض، فكان فيه: في خمس من الإبل شاة) وذكر الحديث وفيه: (ففيها ابنتا لبون إلى
تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فان أنت الإبل أكثر من
ذلك ففي كل خمسين حقة، وفى كل أربعين بنت لبون) (2).
وهذا هو الذي لا يصح غيره، ولو صحت تلك الأخبار التي ليس فيها إلا (في كل خمسين
حقة) لكان هذان الخبران الصحيحان زائدين عليها حكما بأن في كل أربعين بنت لبون،
فتلك غير مخالفة لهذين الخبرين، وهذان الخبران زائدان على تلك، فلا يحل خلافهما.
والحجة الثانية أنهم قالوا: لما وجب في العشرين ومائة حقتان، ثم وجدنا الزيادة
عليها لا حكم لها في نفسها إذ كل أربعين قبلها ففيها بنت لبون على قولكم، إذ تجعلون
فيما زاد على عشرين ومائة ثلاث بنات لبون: فإذ لا حكم لها في نفسها فأحرى أن

(1) انظر المستدرك (ج 1 ص 393)
(2) انظر المستدرك (ج 1 ص 392)
32

لا يكون لها حكم في غيرها، فكل زيادة قبلها تنقل الفرض فلها حصة من تلك الزيادة
وهذه بخلاف ذلك.
قال أبو محمد: هذا بكلام الممرورين أو بكلام المستخفين بالدين أشبه منه بكلام
من يعقل ويتكلم في العلم! لأنه كلام لم يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة، ولا رواية فاسدة،
ولا أثر عن صاحب ولا تابع، ولا قياس على شئ من ذلك ولا رأى له وجه يفهم.
ثم بقال له: قد كذبت في وسواسك هذا أيضا، لان كل أربعين في المائة والعشرين
لا تجب فيها بنت لبون أصلا، ولا تجب فيها مجتمعة ثلاث بنات لبون، وإنما فيما حقتان
فقط، حتى إذا أدت على العشرين ومائة واحدة فصاعدا إلى أن تتم ثلاثين ومائة فحينئذ
وجب في كل أربعين في المائة والعشرين مع الزيادة التي زادت ثلاث بنات لبون (1)
فتلك الزيادة غيرت فرض ما قبلها، وصار لها أيضا في نفسها حصة من تلك الزيادة
الحادثة، وهذا ظاهر لاخفاء به وقد صح قوله عليه السلام: (في كل خمسين حقة،
وفى كل أربعين بنت لبون) فيما زاد على العشرين ومائة، فوجب في المائة حينئذ حقتان
ولم يجز تعطيل النيف والعشرين الزائدة فلا تزكى، وحكمها في الزكاة منصوص عليه،
وممكن إخراجها فيه فوجبت الثلاث بنات لبون وبطل ما موهوا به.
وأما قول مالك في التخيير بين إخراج حقتين أو ثلاث بنات لبون فخطأ لأنه تضييع
للنيف والعشرين الزائدة على المائدة، فلا تخرج زكاتها وهذا لا يجوز.
وأيضا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين حكم العشرين ومائة فجعل فيها حقتين،
بنص كلامه في حديث أنس عن أبي بكر الذي أوردنا في أول كلامنا في زكاة الإبل
وبين حكم ما زاد على ذلك، فلم يجز أن يسوى بين حكمين فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما
ولا نعلم أحدا قبل مالك قال: بهذا التخيير.
وقولنا في هذا هو قول الزهري، وآل عمر بن الخطاب، وغيرهم، وهو قول عمر
ابن عبد العزيز كما أوردنا قبل.
وأما قول أبي حنيفة فإنه احتج أصحابه له بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله
ابن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا

(1) كذا في الأصلين، ولعل فيهما سقطا من الناسخين، وأن يكون أصل الكلام (فحينئذ وجب في
كل أربعين بنت لبون، وفى المائة والعشرين مع الزيادة التي زادت ثلاث بنات لبون) وهذا ظاهر
33

حماد بن سلمة: أنه أخذ من قيس بن سعيد (1) كتابا عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لجده عمرو بن حزم ذكر ما يخرج من فرائض الإبل،
(إذا كانت خمسة وعشرين ففيها ابنة مخاض، إلى أن تبلغ خمسة وثلاثين، فإن لم
توجد فابن لبون ذكر فإن كانت أكثر من ذلك ففيها بنت لبون، إلى أن تبلغ خمسة
وأربعين، فإن كانت أكثر من ذلك ففيها حقة، وإلى أن تبلغ ستين، فإن كانت أكثر
منها ففيها جذعة، إلى أن تبلغ خمسة وسبعين، فإذا كانت أكثر من ذلك ففيها ابنتا لبون
إلى أن تبلغ تسعين، فإن كانت أكثر من ذلك ففيها حقتان، إلى عشرين ومائة، فإن كانت
أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة، فما فضل فإنه يعاد إلى أو فريضة الإبل
وما كان أقل من خمسة وعشرين ففيها في كل خمسة ذود شاة، (ليس فيها ذكر ولا هرمة
ولا ذات عوار من الغنم) ثم خرج إلى ذكر زكاة الغنم.
وبما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد
ابن عمرو بن حزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتابا فيه: (وفى الإبل إذا كانت
خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض، فإن لم توجد ابنة مخاض في الإبل
فابن لبون ذكر) إلى أن ذكر التسعين: (فإن كانت أكثر من ذلك إلى عشرين ومائة
ففيها حقتان، فإذا كانت أكثر من ذلك فاعدد في كل خمسين حقة، وما كان أقل من
خمسة وعشرين ففي كل خمس شاة).
وذكروا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ
ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان الثوري
عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب في الإبل قال: فإذا
زادت على عشرين ومائة فبحساب الأول، وتستأنف لها الفرائض.
قال أبو محمد: وبقولهم يقول إبراهيم النخعي، وسفيان الثوري.
قالوا: وحديث على هذا مسند.
واحتجوا بما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري (2) ثنا عبد الرزاق
عن سفيان بن عيينة أخبرني محمد بن سوقة (3) قال أخبرني أبو يعلى هو منذر

(1) هو الحبشي مفتى مكة، وهو من اتباع التابعين، وروى عن عطاء وخلفه في مجلسه سنة 119،
وكان ثقة قليل الحديث، وروايته هذه تؤيد ما قلنا ه مرارا من صحة كتاب عمرو بن حزم
(2) سقط من الاسناد في الأصلين (ثنا الدبري) وهو ضروري فيه فان الدبري راوي مصنف عبد الرزاق عنه، وقد سبق الاسناد مرارا كثيرة على الصواب.
(3) بضم السين المهملة وفتح القاف وبينهما واو، ومحمد هذا تابعي ثقة من خيار أهل الكوفة
34

الثوري عن محمد بن الحنفية قال: جاء ناس إلى أبى فشكوا سعاة عثمان بن عفان، فقال
أبى: أي بنى خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان وقل له: إن ناسا من الناس شكوا
سعاتك وهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفرائض، فأمرهم فليأخذوا به، قال: فانطلقت
بالكتاب حتى دخلت على عثمان بن عفان رضى الله، عنه، فقلت: إن أبى أرسلني إليك،
وذكر أن ناسا من الناس شكوا سعاتك، وهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفرائض،
فمرهم فليأخذوا به، فقال: لا حاجة لنا في كتابك، فرجعت إلى أبى فأخبرته فقال:
أبي بنى، لا عليك، أردد الكتاب من حيث أخذته، قال: فلو كان ذاكرا عثمان بشئ
لذكره بسوء، قال: وإنما كان في الكتاب ما كان في حديث على (1).
قالوا: فمن الباطل أن يظن بعلي رضي الله عنه أن يخبر الناس بغير ما في كتابه عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
وادعوا انه قد روى عن ابن مسعود، وابن عمر مثل قولهم.
قال أبو محمد: هذا كل ما موهوا به، مما يمكن أن يموه به من لا علم له، أو من لا تقوى له، وأما الهذر والتخليط فلا نهاية له في القوة.
قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه أصلا.
أما حديث معمر، وحماد بن سلمة فمرسلان لا تقوم بهما حجة، ثم لو صحا لما كان
لهم فيهما متعلق أصلا.
أما طريق معمر فان الذي في آخره من قوله (وما كان أقل من خمسة وعشرين ففي
كل خمس شاة) فإنما هو حكم ابتداء فرائض الإبل.
ولم يستحيى عميد من عمدهم من أن يكذب في هذا الحديث مرتين جهارا: إحداهما
أنه ادعى أن في أوله ذكر تزكية الإبل بالغنم فلا يجوز أن ظن أنه كرره.
قال أبو محمد: وقد كذب في هذا علانية وأعماه الهوى وأصمه ولم يستحى وما ذكر
معمر في أول كلامه في فرائض الإبل الا كما أوردناه من حكم الخمسة والعشرين فصاعدا،
وذكر في آخر حديثه حكم تزكيتها بالغنم إذ لم يذكره أولا.
والوضع الثاني أنه جاهر بالكذب! فقال معمر عن عبد الله بن أبي بكر
ابن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده) وهذا كذب، ما رواه معمر إلا
عن عبد الله بن أبي بكر فقط، ثم لو صح له هذا لما أخرجه ذلك عن الارسال، لان محمد

(1) هذا اسناد صحيح جدا
35

ابن عمرو لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم عجب آخر وهو احتجاجه بهذين الخبرين فيما ليس فيهما منه شئ، وهو
يخالفهما فيما فيهما من أنه إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر! أفلا يعوق المرء
مسكة (2) من الحياء عن مثل هذا؟!.
والعجب أن هم زادوا كذبا وجرأة وفحشا فقالوا: معنى قوله عليه السلام:
(إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر) إنما أردا بقيمة بن مخاض وهذا كذب
بارد سمج!، ولا فرق بينهم في هذا وبين من قال: ما أراد إلا ابن لبون أصهب،
أو في أرض نجد خاصة! ومن الباطل الممتنع الذي لا يمكن أصلا أن يريد النبي صلى الله عليه وسلم
أن يعوض مما عدم بالقيمة ويقتصر على ذكر ابن لبون ذكر أيضا خاصة.
والعجب من هؤلاء القوم في تقويلهم النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل وإحالة كلامه إلى الهوس!
والغثاثة والتلبيس ولا يستجيزون إحالة لفظة من كلام أبي حنيفة عن مقتضاها والله
لا فعل هذا موثوق بعقده!، ولقد صدق الأئمة القائلون! إنهم يكيدون الاسلام.
ويقال لهم: هلا حملتم ما أخذتم به مما لا يجوز الاخذ به مما روى عن بعض السلف من
أن جعل الآبق أربعون درهما: على أنه إنما أراد قيمة تعب ذلك الذي رد ذلك الآبق
فقط؟ على أن هذا كان أولى وأصح من حمله على ايجاب شريعة لم يوجبها الله تعالى ولا
رسوله صلى الله عليه وسلم.
كما لم يتعدوا قول أبي حنيفة فيمن تزوج على بيت وخادم أن البيت خمسون دينارا
والعبد أربعون دينارا، فتوقوا مخالفة خطأ أبي حنيفة في التقويم، ولم يبالوا بمخالفة أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم والكذب عليه وحملهم حده على التقويم! *

(1) أما الرمي بالكذب فإنه هنا جرأة مستنكرة، وما أدرى من يرمى به ابن حزم؟ الحديث رواه هكذا عبد الرزاق
عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، فحذف ابن حزم قوله (عن
أبيه عن جده) ثم رمى شخصا يقصده لا نعرف من هو بأنه كذب فزاد هذا، وقد روى الدارمي (ص
2) قطعة من كتاب عمرو بن حزم من طريق الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده،
م روى عقبة (حدثنا بشر بن الحكم ثنا عبد الرزاق انا معمر بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن
أبيه عن جده: ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا فذكر نحوه) هذا نص كلام وهو امام ثقة، وشيخه
بشر بن الحكم ثقة، وباقي الاسناد لا يسأل عنه لشهرة رواته وعدالتهم، فأين الكذب؟ ومن الكاذب
الله أعلم! واما انه غير متصل فنعم، لان محمد بن عمرو بن حزم جد عبد الله ليس صحابيا، ولكن هذا الاسناد
يؤيد قولنا في صحة كتاب عمرو بن حزم لتواتر الرواية عن آله وأولاده، ولصحته من طرق أخرى.
(2) بضم الميم واسكان السين المهملة أي بقية، وفى النسخة رقم (16) (مسيكة) بالقصر، ولم أر هذه
الكلمة مستعملة بالتصغير
36

وأيضا فإننا قد أوجدناهم ما حدثناه حمام قال ثنا عباس بن أصبغ عبد الملك
ابن أيمن أنا أبو عبد الله الكابلي ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا أبي عن عبد الله ومحمد ابني أبى
بكر بن محمد بن عمر وبن حزم أبهما عن جدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كتب هذا
الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن، وفيه الزكاة، فذكره، وفيه: (فإذا بلغت الذهب (1)
قيمة مائتي درهم ففي قيمة كل أربعين درهما درهم حين تبلغ أربعين دينارا).
فمن المحال أن تكون صحيفة ابن حزم بعضها حجة وبعضها ليس بحجة، وهذه صفة
الذين أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: (نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض).
وأما طريق حماد بن سلمة فمرسلة أيضا، والقول فيها كالقول في طريق معمر.
ثم لو صحا جميعا لما كان لهم فيهما حجة، لأنه ليس في شئ منهما ما قالوا به أصلا،
لان نص رواية حماد (إلى عشرين ومائة، فإن كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين
حقة، فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل) هذا نصه فقط، ولا يدل هذا على أن
تعاد فيه الزكاة بالغنم كما ادعوا، ويحتمل هذا اللفظ أن يكون أراد أن يرد الحكم إلى
أول فريضة الإبل (2) في أن في كل أربعين بنت لبون، لان في أول فريضة الإبل أن في
أربعين بنت لبون وفى ثمانين بنتي لبون، فهذا أولى من تأويلهم الكاذب الفاسد المستحيل.
وأما حملهم ما روينا عن علي في ذلك على أنه مسند واحتجاجهم في ذلك بوجوب
حسن الظن بعلي رضي الله عنه، وأنه لا يجوز أن يظن به أنه يحدث بغير ما عنده عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقول لعمري صحيح، الا أنه ليس على بأولى بحسن الظن منا من
عثمان رضي الله عنهما معا، والفرض علينا حسن الظن بهما، وإلا فقد سلكوا سبيل
إخوانهم من الروافض.
ونحن نقول: كما لا يجوز أن يساء الظن بعلي رضي الله عنه في أن يظن أنه يحدث
بغير ما عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أو يتعمد خلاف روايته عنه عليه السلام: فكذلك
لا يجوز أن يساء الظن بعثمان رضي الله عنه، فيظن به أنه استخف بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم،
وقال: لا حاجة لنا به، لكن نقول: لولا أن عثمان علم أن ما في كتاب على منسوخ
ما رده، ولا أعرض عنه، لكن كان ذلك الكتاب عند على ولم يعلم بنسخه، وكان
عند عثمان نسخه.
فنحسن الظن بهما جميعا كما يلزمنا، وليس احسان الظن بعلى وإساءته بعثمان بأبعد

(1) الراجح ان الذهب يذكر ويؤنث، وقيل: إن تأنيثه لغة أهل الحجاز. وهذه القطعة من كتاب عمرو
ليست في الرواية التي رواها الحاكم وصححها وأشرنا إليها مرارا
(2) في النسخة رقم (16) (هو) بدل (في)
37

من الضلال من احسان الظن بعثمان وإساءته بعلى، فتقول: لو كان ذلك الكتاب عن
النبي صلى الله عليه وسلم ما رده عثمان، ولا إحدى السيئتين بأسهل من الأخرى! وأما نحن فنحسن
الظن بهما رضي الله عنهما، ولا نستسهل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ننسب
إليه القول بالظن الكاذب فنتبوأ مقاعدنا من النار كما تبوأه (1) من فعل ذلك، بل
نقر (2) قول عثمان وعلى مقرهما، فليسا حجة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهما إمامان
من أهل الجنة، مغفور لهما، وغير مبعدين من الوهم، ونرجع إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
فنأخذ بالثابت عنه ونطرح ما لم يثبت عنه.
ثم نقول لهم: هبكم أن كتاب على مسند، وأنه لم ينسخ فإنه ليس فيه ما تقولون
بل تموهون بالكذب: وإنما فيه (في الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فبحساب
الأول وتستأنف لها الفرائض) وليس في هذا بيان أن زكاة الغنم تعود فيها، ويحتمل
قوله هذا أن تعود إلى حسباها الأول وتستأنف لها الفرائض، فترجع إلى أن يكون
في كل أربعين بنت لبون، كما في أولها: في أربعين بن تلبون، وفى ثمانين بنتا لبون، فهذا
أولى من تأويلكم الكاذب.
ثم نقول: هبكم أنه مسند ومعاذ الله من ذلك وأن فيه نص ما قلتم
ومعاذ الله من ذلك فاسمعوه بكماله.
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي
إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: في خمس من
الإبل شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع
شياه، وفى خمس وعشرين خمس شياه، وفى ست وعشرين بنت مخاض فإن لم تكن بنت
مخاض فابن لبون ذكر، وحتى تبلغ خمسا وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون،
حتى تبلغ خمسا وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل أو قال: الجمل
حتى تبلغ ستين، فإذا زادت واحدة فيها جذعة، حتى تبلغ خمسا وسبعين، فإذا
زادت واحدة ف فيها بنتا لبون، حتى تبلغ تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان
طروقتا الفحل، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففي كل خمسين حقة، وفى كل
أربعين بنت لبون، وفى الورق إذا حال عليها الحول في كل مائتي درهم،
خمسة دراهم، وليس فيما دون مائتين شئ فان زادت فبحساب ذلك، وقد عفوت
عن صدقة الخيل والرقيق.

(1) في النسخة رقم (16) (يتبوأ)
(2) كلمة سقطت من النسخة رقم (16)
38

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن
عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق
السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: إذا أخذ المصدق سنا فوق سن
رد عشرة دراهم أو شاتين.
قال عبد الرحمن بن مهدي: وحدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم
ابن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: وإذا زادت الإبل على خمس وعشرين ففيها بنت مخاض،
فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر، إذا أخذ المصدق بنت لبون مكان ابن لبون
رد عشرة دراهم أو شاتين، ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول، فإذا
حال عليه الحول ففي كل مائتين خمسة، فما زاد فبالحساب، في أربعين دينارا دينار، فما
نقص فبالحساب، فإذا بلغت عشرين دينار ففيها نصف دينار.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا
موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن
ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: في خمس من الإبل شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس
عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين خمس، فان زادت
واحدة ففيها ابنة مخاض فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ان اخذ المصدق سنا فوق
سن رد عشرة دراهم أو شاتين، أو أخذ سنا دون سن أخذ شاتين أو عشرة دراهم.
قال على: فهذه هي الروايات الثابتة عن علي رضي الله عنه، معمر، وسفيان، وشبعة متفقون
كلهم، رواه عن سفيان وكيع، ورواه عن شعبة عبد الرحمن بن مهدي، ورواه عن
معمر عبد الرزاق.
والذي موهوا بطرف مما في رواية يحيى بن سعيد عن سفيان خاصة: ليس أيضا
موافقا لقولهم كما أوردنا، فادعوا في خبر على ما ليس فيه عنه أثر، ولا جاء قط عنه.
وخالفوا ذلك الخبر نفسه في اثنى عشر موضعا مما فيه نصا، وهي.
قوله: (في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه).
وقوله: بتعويض ابن لبون مكان ابنة مخاض فقط.
وقوله فيما زاد على عشرين ومائة: (في كل أربعين بنت لبون).
واسقاطه ذكر عودة فرائض الغنم، فلم يذكره.
وقوله فيمن نأخذ سنا فوق سن: (رد شاتين أو عشرة دراهم) وبين ذلك فيمن
اخذ بنت لبون مكان ابنة مخاض ان لم يوجد ابن لبون
39

وقوله فيمن أخذ سنا دون سن: (اخذ معها شاتين أو عشرة دراهم).
وقوله: (ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول) ولم يخص كان عنده
نصاب من جنسها أو لم يكن.
وقوله (في مائتين من الورق خمسة دراهم، فما زاد فبالحساب) ولم يجعل في ذلك وقصا،
كما يزعمون برأيهم.
وقوله: (ليس فيما دون مائتين من الورق زكاة) وهم يزكون ما دون المائتين إذا
كان مع مالكها ذهب إذا جمع إلى الورق ساويا جميعا مائتي درهم أو عشرين دينارا.
ومنها عفوه عن صدقة ا لخيل.
ومنها عفوه عن صدقة الرقيق، ولم يستثن لتجارة أو غيرها.
ومنها قوله: (في أربعين دينارا دينار، فما نقص فبالحساب) ولم يجعل في ذلك وقصا
أفيكون أعجب ممن يحتج برواية عن علي لا بيان فيها لقولهم، لكن بظن كاذب،
ويتحيلون (1) في أنها مسندة بالقطع بالظن الكاذب المفترى: وهم قد خالفوا تلك
الرواية نفسها بتلك الطريق، ومعها ما هو أقوى منها، في اثنى عشر موضعا منها، كلها نصوص
في غاية البيان؟! هذا أمر ما ندري في أي دين أم في أي عقل وجدوا ما يسهله عليهم؟!.
والعجب كل العجب من احتجاجهم بصحيفة معمر عن عبد الله بن أبي بكر، وبصحيفة
حماد عن قيس بن عباد عن أبي بكر بن حزم، وهما مرسلتان، وحديث موقوف على على
وليس في كل ذلك نص بمثل قولهم، ولا دليل ظاهر: ثم لا يستحيون من أن يعيبوا
في هذه المسألة نفسها بالارسال الحديثين الصحيحين المسندين.
من طريق حماد وعبد الله بن المثنى كليهما عن عبد الله بن المثنى، سمعاه منه، عن
ثمامة بن عبد الله بن أنس، سمعه منه، عن أنس بن مالك، سمعه منه، عن أبي بكر الصديق،
سمعه منه، عن النبي صلى الله عليه وآله عن الله تعالى هكذا نصا!.
ومن طريق الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه.
حدثنا عبد الله بن ربيع قال: ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود
السجستاني عن عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري
عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (كتب رسول الله صلى اله له عليه وسلم كتاب الصدقة،
فلم يحرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به
عمر حتى قبض، فكان فيه: في خمس من الإبل شاة، وفى عشر شاتان وفى خمس
عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين ابنة مخاض، إلى خمس

(1) هو الحاء المهملة ومعناه ظاهر
40

وثلاثين فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون، إلى خمس وأربعين، فإذا أدت واحدة
ففيها حقة، إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة، إلى خمس وسبعين، فإذا زادت
واحدة ففيها ابنتا لبون، إلى تسعين، فإذا زادت واحدة فيها حقتان، إلى عشرين ومائة
فإن كانت الإبل أكثر ممن ذلك ففي كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون.
فقالوا: إن أصل هذين الحديثين الارسال، وكذبوا في ذلك ثم لا يبالون بأن
يحتجوا بهذين الحديثين ويصححونهما، إذا وجدوا فيهما ما يوافق رأى أبي حنيفة،
فيحلونه طورا ويحرمونه طورا! * واعترضوا فيهما بأن ابن معين ضعفهما.
وليست شعري! ما قول ابن معين في صحيفة ابن حزم وحديث على ما نراه استجاز
الكلام بذكرهما، فضلا عن أن يشتغل بتضعيفهما.
وأعجب من هذا كله أن بعض مقدميهم المتأخرين عند الله تعالى. قال:
لو كان هذا الحكم حقا لأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله!.
قال أبو محمد: هذا قول الروافض في الطعن علي أبى بكر، وعمر وسائر الصحابة في
العمل به، نعم، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نسبت إليه أنه كتب الباطل وقرنه بسيفه ثم
كتمه، وعمل به أصحابه بعده. فبطل كل ما موهوا به.
والعجب أنهم يدعون أنهم أصحاب قياس، وقد خالفوا في هذا المكان النصوص
والقياس!.
فهل وجدوا فريضة تعود بعد سقوطها؟ وهل وجدوا في أوقاص الإبل وقصا من
ثلاثة وثلاثين من الإبل؟ إذ لم يجعلوا بعد الإحدى والتسعين حما زائدا إلى خمسة
وعشرين ومائة، وهل وجدوا في شئ من الإبل حكمين مختلفين في إبل واحدة، بعضها
يزكى بالإبل وبعضها يزكى بالغنم؟.
وهم ينكرون أخذ زكاة عما أصيب في أرض خراجية، وحجتهم في ذلك أنه لا يجوز
أن يأخذوا حقين الله تعالى في مال واحد، وهم قد جعلوا ههنا برأيهم الفاسد
في مال واحد حقين: أحدهما إبل، والثاني غنم.
وهلا إذ ردوا الغنم وبنت المخاض بعد اسقاطهما ردوا أيضا في ست وثلاثين زائدة
على العشرين والمائلة بنت اللبون؟!.
فان قالوا: منعنا من ذلك قوله عليه السلام: (في كل خمسين حقة)
41

قيل لهم: فهلا منعكم من رد الغنم قوله عليه السلام: (وفى كل أربعين بنت لبون)؟!.
فظهر أنهم لم يتعلقوا بشئ، ونعوذ بالله من الضلال!.
وقالوا في الخبر الذي ذكرنا من طريق محمد بن عبد الرحمن: (ليس فيما بعد العشرين
والمائة شئ إلى ثلاثين ومائة): انه يعارض سائر الأخبار.
قال أبو محمد: إن كان هذا فأول ما يعارض فصحيفة عمرو بن حزم، وحديث على
فيما يظنونه فيهما. فسقط تمويههم كله. وبالله تعالى التوفيق.
وأما دعواهم ان قولهم روى عن عمر بن الخطاب، وعلى، وابن معسود فقد كذبوا جهارا.
فأما على فقد ذكرنا الرواية الثابتة عنه، وأنه ليس فيما تعلقوا به من قوله دليل
ولا نص بما ادعوه عليه بالتمويه الكاذب.
واما ابن مسعود فلا يجدونه عنه أصلا، أما ثابت فنقطع بذلك قطعا، واما رواية
ساقطة فبعيد علهم وجودها أيضا، واما موضوعة من عمل الوقت فيسهل عليهم! الا انها
لا تنفق في سوق العلم.
وأم عمر رضي الله عنه فالثابت عنه كالشمس خلاف قولهم، وموافق لقولنا،
ولا سبيل إلى وجود خلاف ذلك عنه، إلا أن صاغوه للوقت (1).
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن موسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن أبيه عمر
أنه قال: في الإبل في خمس شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى
عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن
لبون ذكر، إلى خمس وثلاثين، فان زادت واحدة ففيها بنت لبون، إلى خمس وأربعين
فان زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل، إلى ستين، فان زادت واحدة ففيها جذعة
إلى خمس وسبعين فان زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فان زادت واحدة ففيها
حقتان طروقتا الفحل، إلى عشرين ومائة، فان زادت ففي كل أربعين بنت (2) لبون
وفى كل خمسين حقة.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا
محمد بن العلاء هو أبن كريب ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن

(1) ما هنا هو في النسخة رقم (16) وهو نسخة بحاشية رقم (14) والذي في أصلها (الا ان يضعوه للوقت)
والمعنى واحد
(2) في النسخة رقم (16) في هذا الأثر (ابنة) مسكان (بنت) حيثما وقعت
42

ابن شهاب قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة، وهي عند
آل عمر بن الخطاب، قال ابن شهاب، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها على
وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر
قال: (إذا كانت (1) احدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون، حتى تبلغ تسعا
وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة، ففيها ابنتا لبون وحقة، حتى تبلغ تسعا
وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وابنة لبون، حتى تبلغ تسعا وأربعين
ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق، حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة، فإذا
كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون، حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة، فإذا كانت
سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة، حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة، فإذا كانت
ثمانين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة، فإذا
كانت مائتين ففيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت أخذت
وفى سائمة الغنم) فذكر نحو حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه.
قال أبو محمد: فهذا قول عمر، هو قولنا نفسه، مخالف لقولهم.
والعجب كله تعللهم في هذا الخبر بأنه انفرد به يونس بن يزيد.
قال على: * وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
ثم لا يستحيون من تصحيحه والاحتجاج به موهمين (2) أنه موافق لرأيهم في أن
لا زكاة الا في السائمة.
فظهر فساد قولهم، وخلافهم لله تعالى، وللسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي بكر
وعمر، وعلى، وأنس، وابن عمر، وسائر الصحابة رضي الله عنهم، دون ان يتعلقوا برواية
صحيحة عن أحد منهم بمثل قولهم، الا عن إبراهيم وحده. وبالله تعالى التوفيق.
675 مسألة قال أبو محمد: ويعطى المصدق الشاتين أو العشرين درهما
مما أخذ من صدقة الغنم، أو يبيع من الإبل، لأنه للمسلمين من أهل الصدقات يأخذ ذلك
فمن مالهم يؤديه.
ولا يجوز له التقاص، وهو: ان يجب على المسلم بنتا لبون فلا يجد هما عنده، ويجد
عنده حقة وبنت مخاض، فإنه يأخذهما ويعطيه شاتين أو عشرين درهما ويأخذ منه شاتين

(1) في أبى داود (ج 2 ص 9) (فإذا كانت)
(2) في النسخة رقم (14) (مموهين)
43

أو عشرين درهما ولابد، وجائز له أن يأخذ ذلك ثم يرده بعينه، أو يعطيه ثم يرده بعينه
لأنه قد أوفى واستوفى! واما التقاص بأن يترك كل واحد منهما لصاحبه ما عليه من
ذلك فهو ترك لحق الله تعالى قد وجب لم يقبض، وهذا لا يجوز، ولا يجوز ابراء
المصدق من حق أهل الصدقة، ولأنه مال غيره. وبالله تعالى التوفيق (1).
676 مسألة والزكاة تتكرر في كل سنة، في الإبل، والبقر، والغنم، والذهب
والفضة، بخلاف البر، والشعير، والتمر، فان هذه الأصناف إذا زكيت فلا زكاة فيها بعد
ذلك أبدا، وإنما تزكى عند تصفيتها، وكيلها ويبس التمر، وكيله، وهذا لا خلاف فيه من أحد،
الا في الحلى والعوامل، وسنذكره إن شاء الله تعالى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج
المصدقين كل سنة.
677 مسألة والزكاة واجبة، في الإبل، والبقر، والغنم بانقضاء الحول، ولا
حكم في ذلك لمجئ الساعي وهو المصدق وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابنا.
وقال مالك، وأبو ثور: لا تجب الزكاة الا بمجئ المصدق.
ثم تناقضوا فقالوا: إن أبطأ المصدق عاما أو عامين لم تسقط الزكاة بذلك، ووجب
أخذها لكل عام خلا.
وهذا إبطال قولهم في أن الزكاة لا تجب الا بمجئ الساعي، وإنما الساعي وكيل مأمور
بقبض ما وجب، لا بقبض ما لم يجب، ولا باسقاط ما وجب.
ولا خلاف بين أحمد من الأمة وهم في الجملة في أن المصدق لوجاء قبل تمام
الحول لما جاز أن يعطى منها شيئا، فبطل أن يكون الحكم لمجئ الساعي.
ولا يخلو الساعي من أن يكون بعثه الامام الواجبة طاعته، أو أميره، أو بعثه من
لا تجب طاعته، فان بعثه من لا تجب طاعته فليس هو المأمور من الله تعالى أو رسوله
عليه السلام بقبض الزكاة، فإذ ليس هو ذلك فلا يجزء ما قبض، والزكاة باقية (2) وعلى
صاحب المال أداؤها ولابد، لان الذي أخذ منه مظلمة لا صدقة واجبة، وإن كان بعثه
من تجب طاعته، فلا يخلو من أن يكون باعثه يضعها مواضعها، وأو لا يضعها مواضعها،
فإن كان يضعها مواضعها فلا يحل لاحد دفع زكاته إلا إليه لأنه هو المأمور بقبضها من
الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فمن دفعها إلى غير المأمور بدفعها إليه فقد تعدى، والتعدي

(1) تمسك المؤلف تمسكا شديدا بالظاهر هنا، فانتهى إلى العبث أو إلى التكليف، فإذا أعطى المصدق
عشرين درهما أو شاتين ثم أخذ ذلك من صاحب المال بعينه أو اخذ مثله فقد عاد الامر إلى التقابض، وكان
الاخذ والاعطاء عملا عبثا
(2) في النسخة رقم (16) والزكاة واجبة
44

مردود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) (1).
زكاة السائمة وغير السائمة من الماشية
678 مسألة قال مالك، والليث، وبعض أصحابنا: تزكى السوائم، والمعلوفة،
والمتخذة للركوب وللحرث وغير ذلك، من الإبل والبقر والغنم.
وقال بعض أصحابنا: أما الإبل فنعم، وأما الغنم والبقر فلا زكاة الا في سائمتها. وهو
قول أبى الحسن بن المغلس (2):.
وقال بعضهم: أما الإبل والغنم فتزكى سائمتها وغير سائمتها، وأما البقر فلا تزكى
إلا سائمتها. وهو قول أبى بكر بن داود رحمه الله.
ولم يختلف أحد من أصحابنا في أن سائمة الإبل وغير السائمة منها تزكى سواء سواء،
وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا زكاة الا في السائمة من كل ذلك.
وقال بعضهم: تزكى غير السائمة من كل ذلك مرة واحدة في الدهر، ثم لاتعود
الزكاة فيها.
فاحتج أصحاب أبي حنيفة، والشافعي بأن قالوا: قولنا هو قول جمهور السلف من الصحابة
رضي الله عنهم وغيرهم.
كما روينا من طريق سفيان، ومعمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي: ليس
على عوامل البقر صدقة.
وقد ذكرنا آنفا قول عمر رضي الله عنه. في أربعين من الغنم سائمة شاة إلى عشرين ومائة.
وعن ليث عن طاوس عن معاذ بن جبل: ليس على عوامل البقر صدقة.
وعن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: لا صدقة في المثيرة.
ولا يعرف عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف في ذلك.
وعن ابن جريج عن عطاء: لا صدقة في الحمولة والمثيرة.
وهو قول عمرو بن دينار، وعبد الكريم.
والحمولة هي الإبل الحمالة، والمثيرة بقر الحرث، قال تعالى: (لا ذلول تثير الأرض).

(1) نسي المؤلف ان يذكر حكم الصورة الأخرى، وهي ما إذا كان الامام الواجبة طاعته لا يضعها مواضعها،
أو لعله تعمد ترك ذكره، خشية استبداد الملوك والامراء وهيهات منهم من يضع الحقوق مواضعها؟!
(2) في النسخة رقم (16) (أبى الحسن المغلس) وسيأتي في المسألة 681 قول المؤلف (وأبى الحسن بن المغلس من أصحابنا)
45

وعن سعيد بن جبير: ليس على ثور عامل (1) ولا على جمل ظعينة صدقة.
وعن إبراهيم النخعي: ليس في عوامل البقر صدقة
وعن مجاهد: من له أربعون شاة في مصر يحلبها فلا زكاة عليه فيها، ولا صدقة في
البقر العوامل.
وعن الزهري: ليس في السواني من البقر وبقر الحرث صدقة، وفيما عداهما من
البر الصدقة كصدقة الإبل، وأوجب الزكاة في عامل الإبل.
وعن عمر بن عبد العزيز: ليس في الإبل والبقر العوامل صدقة.
وعن الحسن البصري: ليس في البقر العوامل والإبل العوامل صدقة.
وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله: ليس في البقر العوامل صدقة.
وعن سعيد بن عبد العزيز (2) ليس في البقر الحرث صدقة.
وعن الحكم بن عتيبة ليس في البقر العوامل صدقة.
وعن طاوس: ليس في عوامل البقر، والإبل صدقة، الا في السوائم خاصة.
وعن الشعبي: ليس في البقر العوامل صدقة.
وهو أيضا قول شهر من حوشب والضحاك.
وعن ابن شبرمة: ليس في الإبل العامل صدقة.
وقال الأوزاعي: لا زكاة في البقر العوامل، وأوجبها في الإبل العوامل
وقال سفيان: لا زكاة في غير السائمة من الإبل والبقر والغنم، ولا زكاة في الغنم المتخذة
للذبح، وذكر له قول مالك في ايجاب الزكاة في ذلك، فعجب، وقال: ما ظنت أن أحدا يقول هذا.
وهو قول أبى عبيد وغيره.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان ايجاب الزكاة في الإبل العوامل.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري ايجاب الزكاة في كل غنم وبقر وابل، سائمة أو غير سائمة.
واحتجوا بأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (في سائمة الغنم) قالوا: ولا يجوز أن يقول عليه
السلام كلاما لا فائدة فيه، فدل ان غير السائمة بخلاف السائمة.
وقد جاء في بعض الآثار (في سائمة الإبل) قالوا فقسنا سائمة البقر على ذلك.

(1) عامل صفة لثور لا مضاف إليه
(2) هو التنوخي الدمشقي تلميذ عطاء والزهري وربيعة ومكحول وغيرهم،
وروى عنه الثوري وشعبة، وهما من أقرانه، قال الحاكم (هو لأهل الشأم كما لأهل المدينة في التقدم والفضل
والفقه والأمانة) ولد سنة 90 ومات سنة 167
46

وقالوا: إنما جعلت الزكاة فيما فيه النماء، وأما فيما فيه الكلفة فلا، ما نعلم لهم شيئا شغبوا به
غير ما ذكرنا.
واحتج أصحابنا في تخصيص عوامل البقر خاصة بأن الاخبار في البقر لم تصح، فالواجب
أن لا تجب الزكاة فيها الا حيث اجتمع علي وجوب الزكاة فيها، ولم يجمع علي وجوب الزكاة فيها
في غير السائمة.
واحتج من رأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر بأن قال: قد صحت الزكاة فيها بالنص
المجمل، ولم يأت نص بأن تكرر الزكاة فيها في كل عام، فوجب تكرر الزكاة في السائمة
بالاجماع المتيقن، ولم يجب التكرار في غير السائمة، لا بنص ولا باجماع.
قال أبو محمد: أما حجة من احتج بكثرة القائلين بذلك، وبأنه قول أربعة من الصحابة
رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف: فلا حجة في قول أحمد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم نقول للحنيفيين والشافعيين في احتجاجهم بهذه القضية، فان الحنيفيين نسوا أنفسهم
في هذه القصة، إذا قالوا بزكاة خمسين بقرة ببقرة وربع، ولا يعرف ذلك عن أحد عن
الصحابة ولا من غيرهم الا عن إبراهيم، وتقسيمهم في الميتات تقع في البئر فتموت فيه، فلا
يعرف أن أحدا قسمه قبلهم، وتقديرهم المسح في الرأس بثلاث أصابع مرة وبربع الرأس مرة
ولا يعرف هذا الهوس عن أحد قبلهم، ولوددنا أن نعرف بأي الأصابع هي؟! أم بأي خيط
يقدر ربع الرأس؟! واجازتهم الاستنجاء بالروث، ولا يعرف أن أحدا أجازه قبلهم،
وتقسيمهم فيما ينقض الوضوء مما يخرج من الجوف والا يعرف عن أحد قبلهم، وقولهم
في صفة صدقة الخيل، ولا يعرف عن أحد قبلهم، ومثل هذا كثير جدا وخلافهم لكل رواية
جاءت عن أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب، ولا مخالف له يعرف من الصحابة،
وخلافهم عمر بن الخطاب وأبا حثمة وابنه سهل بن أبي حثمة في ترك ما يألكه المخروص عليه
من التمر، ومعهم جميع الصحابة بيقين، ولا مخالف لهم في ذلك منهم. ومثل هذا كثير جدا.
وكذلك نسي الشافعيون (1) أنفسهم في تقسيمهم ما تؤخذ منه الزكاة مما يخرج من
الأرض (2) ولا يعرف عن أحد قبل الشافعي، وتحديدهم ما ينجس من الماء مما لا ينجس
بخمسمائة رطل بغدادية وما يعرف عن أحد قبلهم، وخلافهم جابر بن عبد الله فيما سقى بالنضح
وبالعين أنه يزكى على الأغلب، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ومثل هذا كثير جدا لهم.
وأما احتجاجهم بما جاء في بعض الأخبار من ذكر السائمة فنعم، صح هذا اللفظ
في حديث أنس عن أبي بكر رضي الله عنه في الغنم خاصة. فلو لم يأت غير هذا الخبر لوجب

(1) في النسخة رقم (16) (الشافعيين) وهو لحن
(2) في النسخة رقم (16) ومما يخرج من ثمرة الأرض
47

أن لا يزكي غير السائمة، لكن جاء في حديث ابن عمر كما أوردنا قبل ايجاب الزكاة
في الغنم جملة، فكان هذا زائدا على ما في حديث أبي بكر، والزيادة لا يجوز تركها (1).
وأما الخبر في سائمة الإبل فلا يصح، لأنه لم يرد الا في خبر بهز بن حكيم فقط (2).
ثم لو صح لكان ما في حديث أبي بكر وأبن عمر زيادة حكم عليه والزيادة لا يحل خلافها.
ولافرق بين هذا وبين قول الله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا أن
يكون ميتة أو دما مسفوحا) مع قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) فكان هذا زائدا على
ما في تلك الآية وقوله تعالى: (لا تقتلوا أولادكم خشية املاق) مع قوله تعالى: (قد
خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية.
وهلا استعمل الحنيفيون والشافعيون هذا العمل حيث كان يلزمهم استعماله من قوله
تعالى: (فمن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) فقالوا: وكذلك من قتله مخطئا؟!
ولعمري ان قياس غير السائمة على السائمة لا شبه من قياس قاتل الخطأ على قاتل العمد!
وحيث قال الله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) فقالوا:
نعم، وان لم يكن في حجورنا.
ومثل هذا كثير جدا، لا يتثقفون فيه إلى أصل (3) فمرة يمنعون من تعدى ما في
النص حيث جاء نص آخر بزيادة عليه، ومرة يتعدون النص حيث لم يأت نص آخر
بزيادة عليه!، فهم أبدا يعكسون الحقائق، ولو أنهم أخذوا بجميع النصوص، ولم يتركوا
بعضها لبعض، ولم يتعدوها إلى ما لا نص فيه: لكان أسلم لهم من النار والعار.
واما قولهم: ان الزكاة إنما جعلت على ما فيه النماء، فباطل، والزكاة واجبة في الدراهم
الدنانير، ولا تنمى (4) أصلا وليست في الحمير، وهي تمنى، ولا في الخضر عند
أكثرهم، وهي تنمى.
وأيضا فان العوامل من البقر والإبل تنمى أعمالها وكراؤها، وتمنى بالولادة أيضا.
فان قالوا: لها مؤنة في العلف.
قلنا: وللساعة مؤنة الراعي، وأنتم لا تلتفتون إلى عظيم المؤنة والنفقة في الحرث،
وان استوعبته كله، بل ترون الزكاة (5) فيه، ولا تراعون الخسارة في التجارة، بل ترون

(1) في النسخة رقم (16) (لا يحل تركها).
(2) انظر الكلام عليه في نيل الأوطار (ج 4 ص 179)
(3) هذا تعبير مبتكر غير معروف، وأظنه اخذه من قولهم (ثقفت الشئ) بمعنى حذقته ومن (ثقفته)
إذا ظهرت به
(4) يقال (نمى يمنى) بكسر الميم في المضارع (ويقال أيضا نمى ينمو) والأول أكثر
(5) في النسخة رقم (14) (فيها)
48

الزكاة فيها فسقط هذا القول جملة. وبالله تعالى التوفيق.
وأما من خص من أصحابنا البقر بأن لا تزكى الا سائمتها فقط فإنهم قالوا: قد صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الإبل والغنم عموما، وحد زكاتها، ومن كم تؤخذ الزكاة منها، فلم
يجز ان يخص أمره صلى الله عليه وسلم برأي ولا بقياس، واما البقر فلم يصح نص في صفة زكاتها،
فوجب ان لا تجب الزكاة الا في بقر صح الاجماع على وجوب الزكاة فيها، ولا إجماع
الا في السائمة، فوجبت الزكاة فيها، دون غيرها التي لا إجماع فيها.
قال أبو محمد: وهذا خطأ، بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ايجاب الزكاة في البقر،
بقوله عليه السلام الذي قد أوردناه قبل باسناده: (ما من صاحب إبل ولا بقر
لا يؤدي زكاتها الا فعل به كذا) فصح بالنص وجوب الزكاة في البقر جملته، الا أنه لم
يأت نص في العدد الذي تجب فيه الزكاة منها، ولا كم يؤخذ منها، ففي هذين الامرين يراعى
الاجماع، أما تخصيص بقر دون بقر فهو تخصيص للثابت عنه عليه السلام من ايجابه الزكاة في البقر
بغير نص، وهذا لا يجوز.
ولا فرق بين من أسقط الزكاة عن غير السائمة بهذا الدليل وبين من أسقطها عن الذكور
بهذا الدليل نفسه، فقد صح الخلاف في زكاتها.
كما حدثنا حمام قال ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا
أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن المغيرة هو ابن مقسم (1) الضبي
عن إبراهيم النخعي قال: ليس في شئ من السوائم صدقة إلا إناث الإبل، وإناث البقر، والغنم.
قال أبو محمد: ولا يقول بهذا أحد من أصحابنا، ولا الحنيفيون ولا المالكيون ولا
الشافعيون ولا الحنبليون، ولا يجوز القول به أصلا، لأنه تحكم بلا برهان.
فوجبت بالنص الزكاة في كل بقر، أي صفة من صفات البقر كانت، سائمة أو غير سائمة
الا بقرا خصها نص أو اجماع.
وأما العدد والوقت وما يؤخذ منها فلا يجوز القول به إلا باجماع متيقن أو بنص صحيح
وبالله تعالى التوفيق.
وأما من قال في السائمة بعودة الزكاة فيها كل عام، ورأي الزكاة في غير السائمة مرة من
الدهر فإنه احتج بان الزكاة واجبة في البقر بالنص الذي أوردنا، ولم يأت بتكرار الزكاة
في كل عام نص، فلا تجوز عودة الزكاة في مال قد، كي إلا بالاجماع، وقد صح الاجماع بعودة

(1) بكسر الميم واسكان القاف وفتح السين المهملة
49

الزكاة في البقر والإبل والغنم السائمة (1) كل عام، فوجب القول بذلك، ولا نص ولا اجماع
في عودتها في غير السائمة منها كلها، فلا يجب القول بذلك.
قال أبو محمد: كان هذا قولا صحيحا لولا أنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث المصدقين
في كل عام لزكاة الإبل والبقر والغنم، وهذا أمر منقول نقل الكافة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
(أرضوا مصدقيكم) فإذ قد صح هذا بيقين، فخروج المصدقين في كل عام موجب أخذ الزكاة
في كل عام بيقين، فإذ لا شك في ذلك، فتخصيص بعض ما وجبت فيه لا زكاة عاما بان لا يأخذ منه
المصدق الزكاة عاما ثانيا تخصيص للنص، وقول بلا برهان، وإنما يراعى مثل هذا فيما لا نص فيه
وبالله تعالى التوفيق.
679 مسألة وفرض على كل ذي إبل وبقر وغنم أن يحلبها يوم وردها على
الماء، ويتصدق من لبنها بما طابت به نفسه.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الحكم
ابن نافع هو ابن اليمان ثنا شعيب هو ابن أبي حمزة ثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز
الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تأتى الإبل على صاحبها على
خير ما كانت، إذ هو لم يعط فيها حقها، تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على صاحبها على خير
ما كانت، إذا لم يعط فيها حقها، تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، قال: ومن حقها أن
تحلب على الماء) (2).
قال أبو محمد: ومن قال: إنه لا حق في المال غير الزكاة فقد قال: الباطل، ولا برهان على
صحة قوله، لامن نص ولا اجماع، وكل ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأموال فهو واجب.
ونسأل من قال هذا: هل تجب في الأموال كفارة الظهار والايمان وديون الناس أم لا؟
فمنهم قولهم: نعم، وهذا تناقض منهم.
وأما إعارة الدلو واطراق الفحل فداخل تحت قول الله تعالى: (ويمنعون الماعون).
680 مسألة الأسنان المذكورات في الإبل.
بنت المخاض هي التي أتمت سنة ودخلت في سنتين، سميت بذلك لان أمها ماخض، أي قد
حلمت، فإذا أتمت سنتين ودخلت في الثالثة فهي بنت لبون وابن لبون، لا ن أمها قد وضعت
فلها لبن، فإذا أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة فهي حقة، لأنها قد استحقت أن يحمل
عليها الفحل والحمل، فإذا أتمت أربع سنين ودخلت في الخامسة فهي جذعة، فإذا أتمت

(1) في النسخة رقم (14) و (السائمة)) وزيادة الواو خطأ مفسد للمعنى
(2) هو في البخاري (ج 2 ص 217)
50

خمس سنين ودخلت في السادسة فهي ثنية. ولا يجوز في الصدقة وهو ما لم يتم سنة وهو
فصل لا يجوز في الصدقة (1).
حدثناه بهذه الأسماء وتفسيرها عبد الله بن ربيع قال: ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر
ثنا أبو داود بذلك كله، عن أبي حاتم السجستاني، والعباس بن الفرج الرياشي، وعن أبي
داود المصاحفي (2) عن أبي عبيدة معمر بن المثنى (3)
681 مسألة والخلطة في الماشية أو غيرها لا تحيل حكم الزكاة، ولكل أحد
حكمه في ماله، خالط أو لم يخالط لا فرق بين شئ من ذلك.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن فضالة أنا
سريج (4) بن النعمان ثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك: أن
أبا بكر الصديق كتب له: (أن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، التي
أمر الله بها رسول الله (5) صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث وفى آخره: (ولا يجمع بين مفترق (6) ولا
يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما بينهما بالسوية).
قال أبو محمد: فاختلف الناس في تأويل هذا الخبر.
فقالت طائفة: إذا تخالط اثنان فأكثر في إبل أو في بقر أو في غنم فإنهم تؤخذ من ماشيتهم
الزكاة كما كانت تؤخذ لو كانت لواحد، والخلطة عندهم أن تجتمع الماشية في الراعي والمراح
والمسرح والمسقى ومواضع الحلب عاما كاملا متصلا وإلا فليست خلطة، وسواء كانت
ماشيتهم مشاعة لا تتميز أو متميزة، وزاد بعضهم الدلو والفحل.
قال أبو محمد: وهذا القول مملوء من الخطأ.
أول ذلك ان ذكرهم الراعي كان يغنى عن ذكر المسرح والمسقى، ولأنه لا يمكن البتة
أن يكون الراعي واحدا وتخلف مسارحها ومساقيها، فصار ذكر المسرح والمسقى فضولا.

(1) كذا في النسخة رقم (16)، وفى النسخة رقم (14) (ولا يجوز في الصدقة وهو ما لم يتم سنة فصيل
ولا يجوز في الصدقة) والمراد منها واضح والتركيب في كليهما قلق، ولا توجد هذه العبارة في أبى داود،، وقد
نقل المؤلف تفسير الأسنان عنه كما قال ولكن قدم وأخر واختصر، وانظره هناك (ج 2 ص 19) (2) نسبه إلى المصاحف، وهو سليمان بن سلم بفتح السين واسكان اللام بن سابق ولم أجد ذكره في أبى داود، ولكن قال ابن حجر: ان له ذكرا في الزكاة عند أبي داود،
(3) لم أجد ه أيضا في هذا الموضع في أبى داود، ولكن عبارته (قال أبو داود: سمعته من الرياشي وأبى حاتم وغيرهما، ومن كتاب النصر بن شميل، ومن كتاب أبى عبيد) وأبو عبيد هو القاسم بن سلام
(4) بضم السين المهملة وآخره جيم. ووقع في سنن النسائي في الطبعتين (ج 1 ص 340 و ج 5 ص 27) (شريح) وهو خطأ وتصحيف
(5) في النسائي (رسوله) بالضمير بدل الاسم الظاهر
(6) في النسائي (متفرق)
51

وأيضا فان ذكر الفحل خطأ، لأنه قد يكون لانسان واحد فحلان وأكثر، لكثرة
ماشيته، وراعيان وأكثر، لكثرة ماشيته، فينبغي على قولهم إذا أوجب اختلاطهما
في الراعي والعمل أن يزكيها زكاة المنفرد وان لا تجمع ماشية انسان واحد إذا كان
له فيها راعيان فحلان، وهذا لا تخلص منه.
ونسألهم إذا اختلطا في بعض هذه الوجوه: ألهما حكم الخلطة أم لا؟ فأي ذلك قالوا؟
فلا سبيل أن يكون قولهم إلا تحكما فاسدا بلا برهان، وما كان هكذا فهو باطل بلا شك
وبالله تعالى التوفيق.
ثم زادوا في التحكم فرأوا في جماعة لهم خمسة من الإبل أو أربعون من الغنم أو ثلاثون
من البقر بينهم كلهم: ان الزكاة مأخوذة منها، وان ثلاثة لو ملك كل واحد منهم
أربعين شاة وهم خلطاء فيها: فليس عليهم إلا شاة واحدة فقط، كما لو كانت لواحد،
وقالوا: إن خمسة لكل واحد منهم خمسة من الإبل تخالطوا بها عاما فليس فيها
إلا بنت مخاض وهكذا في جميع صدقات المواشي،.
وهذا قول الليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، والشافعي وأبى بكر بن داود فيمن وافقه من أصحابنا.
حتى أن الشافعي رأى حكم الخلطة جاريا كذلك في الثمار، والزرع، والدراهم، والدنانير،
فرأى في جماعة بينهم خمسة أوسق فقط ان الزكاة فيها، وان جماعة يملكون مائتي درهم
فقط أو عشرين دينارا فقط وهم خلطاء فيها ان الزكاة واجبة في ذلك، ولو أنهم ألف
أو أكثر أو أقل.
وقالت طائفة: إن كان يقع لكل واحد من الخلطاء ما فيه الزكاة زكوا حينئذ زكاة
المنفرد، وإن كان لا يقع لكل واحد منهم ما فيه الزكاة فلا زكاة عليهم، ومن كان منهم يقع
له ما فيه الزكاة فعليه الزكاة، ومن كان غيره (1) منهم لا يقع له ما فيه الزكاة فلا زكاة عليه.
فرأى هؤلاء في اثنين فصاعدا يملكان أربعين شاة أو ستين أو ما دون الثمانين،
أو ثلاثين من البقر أو ما دون الستين، وكذلك في الإبل: فلا زكاة عليهم فإن كان ثلاثة
يملكون مائة وعشرين شاة، لكل واحد منهم ثلثها، فليس عليهم الا شاة واحدة فقط،
وهكذا في سائر المواشي.
ولم ير هؤلاء حكم الخلطة الا في المواشي فقط.
وهو قول الأوزاعي، ومالك، وأبي ثور، وأبى عبيد، أبى الحسن بن المغلس من أصحابنا.
وقالت طائفة: لا تحيل الخلطة حكم الزكاة أصلا، لا في الماشية ولا في غيرها، وكل خليط

(1) في النسخة رقم (14) (عنده) بدل (غيره)
52

ليزكى ما معه كما لو لم يكن خليطا، ولا فرق، فإن كان ثلاثة خلطاء لكل واحد أربعون
شاة فعليهم ثلاث شياه، على كل واحد منهم شاة، وإن كان خمسة لكل واحد منهم خمس من الإبل
وهم خلطاء فعلى كل واحد شاة، وهكذا القول في كل شئ، وهو قول سفيان الثوري، وأبي حنيفة،
وشريك بن عبد الله، والحسن بن حي.
قال أبو محمد: لم نجد في هذه المسألة قولة لاحد من الصحابة، ووجدنا أقوالا عن عطاء
وطاوس، وابن هرمز، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري فقط.
روينا عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس أنه كأن يقول: إذا كان الخليطان يعلمان
أموالهما فلا تجمع أموالهما في الصدقة، قال ابن جريج: فذكرت هذا لعطاء من قول طاوس
فقال: ما أراه الا حقا.
وروينا عن معمر عن الزهري قال: إذا كان راعيهما واحدا، وكانت ترد جميعا
وتروح جميعا صدقت جميعا.
ومن طريق ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: إن الإبل إذا جمعها
الراعي والفحل والحوض تصدق جميعا ثم يتحاص أصحابها على عدة الإبل في قيمة الفريضة
التي أخذت من الإبل، فإن كان استودعه إياها لا يريد مخالطته ولا وضعها عنده
يريد نتاجها فان تلك تصدق وحدها.
وعن ابن هرمز مثل قول مالك.
قال أبو محمد: احتجت كل طائفة لقولها بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صدرنا به.
فقال من رأى أن الخلطة تحيل الصدقة وتجعل مال الاثنين فصاعدا بمنزلة كما (1) لو أنه
لواحد: أن معنى قوله عليه السلام: (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية
الصدقة) ان معنى ذلك: هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة، لكل واحد منهم ثلثها، وهم
خلطاء، فلا يجب عليهم كلهم الا شاة واحدة، فنهى المصدق أن يفرقها ليأخذ من كل واحد
شاة فيأخذ ثلاث شياه، والرجلان يكون لهما مائتا شاة وشاتان، لكل واحد نصفها،
فيجب عليهما ثلاث شياه فيفرقانها خشية الصدقة، فيلزم كل واحد منهما شاة، فلا يأخذ
المصدق الا شاتين.
وقالوا: معنى قوله عليه السلام (كل خليطين يتراجعان بينهما بالسوية، هو أن يعرفا فاما أخذ الساعي
فيقع على كل واحد حصته على حسب عدد ماشيته كاثنين لأحدهما أربعون شاة وللآخر ثمانون
وهما خليطان، فعليهما شاة واحدة، على صاحب الثمانين ثلثاها وعلى صاحب الأربعين ثلثها.

(1) كلمة (كما) سقطت من النسخة رقم (14)
53

وقال من رأى أن الخلطة لا تحيل حكم الصدقة: معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لا يفرق بين مجتمع ولا
يجمع بين مفترق خشية الصدقة) هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة، لكل واحد ثلثها،
فيجب على كل واحد شاة، فنهوا عن جمعها وهي متفرقة (1) في ملكهم تلبيسا على الساعي أنها لواحد
فلا يأخذ الا واحدة، والمسلم يكون له مائتا شاة وشاتان فيجب عليه ثلاث شياه، فيفرقها قسمين
ويلبس على الساعي أنها لاثنين، لئلا يعطى منها الا شاتين، وكذلك نهى المصدق أيضا عن أن
يجمعا على الاثنين فصاعدا مالهم ليكثر ما يأخذ، وعن أن يفرق مال الواحد في الصدقة،
وان وجده في مكانين متباعدين (2) ليكثر ما يأخذ.
وقالوا: ومعنى قوله عليه السلام: (كل خليطين يترادان بينهما بالسوية) هو أن الخليطين
في اللغة التي بها خاطبنا عليه السلام هما ما اختلط معا غيره فلم يتميز، ولذلك سمى الخليطان من
النبيذ بهذا الاسم، وأما ما لم يختلط مع غيره فليسا خليطين، هذا مالا شك فيه، قالوا: فليس
الخليطان في المال الا الشريكين فيه اللذين لا يتميز مال أحدهما من الآخر، فان تميز فليسا
خليطين، قالوا: فإذا كان خليطان كما ذكرنا وجاء المصدق ففرض عليه أن يأخذ من جملة
المال الزكاة الواجبة على كل واحد منهما في ماله، وليس عليه أن ينتظر قسمتهما لمالهما، ولعلهما
لا يريد ان القسمة، وإن كان حاضرين فليس له ان يجبرهما على القسمة، فإذا أخذ زكاتيهما فإنهما
يترادان بالسوية، كاثنين لأحدهما ثمانون شاة وللآخر أربعون، وهما شريكان في جميعها،
فيأخذ المصدق شاتين، وقد كان لأحدهما ثلثا كل شاة منهما وللآخر ثلثها، فيترادان بالسوية، فيبقى لصاحب الأربعين تسع وثلاثون، ولصاحب الثمانين تسع وسبعون.
قال أبو محمد: فاستوت دعوى الطائفتين في ظاهر الخبر، ولم تكن لإحداهما مزية على
الأخرى في الخبر (3) المذكور.
فنظرنا في ذلك فوجدنا تأويل الطائفة التي رأت أن الخلطة لا تحيل حكم الزكاة أصح،
لان كثيرا من تفسيرهم المذكور متفق من جميع أهل العلم على صحته، وليس شئ من تفسير
الطائفة الأخرى مجمعا عليه، فبطل تأويلهم لتعريه من البرهان، وصح تأويل الأخرى (4)
لأنه لا شك في صحة ما اتفق عليه، ولا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لا يدل على
صحته نص ولا إجماع، فهذه حجة صحيحة.
ووجدنا أيضا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ليس فيما دون خمسة ذود صدقة)
وأن من لم يكن له الا أربع من الإبل فلا صدقة عليه،) وليس فيما دون أربعين شاة شئ)

(1) في النسخة رقم (16) (مفترقة)
(2) في النسخة رقم (16) (الحديث)
(3) في النسخة رقم (16) (الحديث)
(4) في النسخة رقم (16) (الآخرين)
54

وسائر ما نصه عليه السلام في صدقة الغنم والإبل، من أن في أربعين شاة شاة، وفى خمس وعشرين
من الإبل (1) بنت مخاض، وغير ذلك، ووجدنا من لم يحل بالخلطة حكم الزكاة قد أخذ بجميع
هذه النصوص ولم يخالف شيئا منها، ووجدنا من أحال بالخلطة حكم الزكاة يرى في خمسة لكل
واحد منهم خمس من الإبل إن على كل واحد منهم خمس بنت مخاض، وان ثلاثة لهم مائة
وعشرون شاة على السواء بينهم ان على كل امرئ منهم ثلث شاة، وان عشرة رجال لهم خمس من
الإبل بينهم فان بعضهم يوجب على كل واحد منهم عشر شاة، وهذه زكاة ما أوجبها الله تعالى
قط، وخلاف لحكمه تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وسألنا هم عن إنسان له خمس من الإبل، خالط بها صاحب خمس من الإبل في بلد، وله
أربع من الإبل، خالط بها صاحب أربع وعشرين في بلد آخر، وله ثلاث من الإبل،
خالط بها صاحب خمس وثلاثين في بلد ثالث؟ فما علمناهم أتوا في ذلك بحكم يعقل أو يفهم! وسؤالنا
إياهم في هذا الباب يتسع جدا، فلا سبيل لهم إلى جواب يفهمه أحد البتة، فنبهنا بهذا السؤال
على ما زاد عليه (2).
وقال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى).
ومن رأى حكم الخلطة يحيل الزكاة فقد جعل زيدا (3) كاسبا على عمرو، وجعل لمال أحدهما
حكما في مال الآخر، وهذا باطل وخلاف للقرآن والسنن.
وما عجز رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وهو المفترض عليه البيان لنا عن أن يقول: المختلطان
في وجه كذا ووجه كذا يزكيان (4) زكاة المنفرد، فإذ لم يقله فلا يجوز القول به.
وأيضا فان قولهم بهذا الحكم إنما هو فيما اختلط (5) في الدلو والراعي والمراح والمحتلب:
تحكم بلا دليل أصلا، لامن سنة ولا من قرآن ولا قول صاحب ولا من قياس، ولا من وجه
يعقل، وبعضهم اقتصر على بعض الوجوه بلا دليل، وليت شعري أمن قوله عليه السلام مقصورا
على الخلطة في هذه الوجوه دون (6) ان يريد به الخلطة في المنزل أو في الصناعة أو في الشركة
في الغنم كما قال طاوس وعطاء؟ وفى هذا كفاية.
فان ذكروا ما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن
عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا أبو الأسود هو النضر بن عبد الجبار مصري (7) ثنا

(1) قوله (من الإبل) محذوف في النسخة رقم (16) خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (عما زاد عليه) وهو خطأ
(3) في النسخة (زائدان) وهو تصحيف
(4) كلمة (يزكيان) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(5) في النسخة رقم (16) (إنما هوما اختلطا) وهو خطأ
(6) في النسخة رقم (16) حذفت كلمة (دون) وجعل بدلها واو العطف وهو خطأ
(7) هو ثقة ولد سنة 145 ومات سنة 219 في أواخر ذي الحجة
55

ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد أنه كتب إليه: أنه سمع السائب بن يزيد يقول: إنه سمع سعد بن أبي
وقاص يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الخليطان ما اجتمع علي الفحل، والمرعى،
والحوض).
قلنا: هذا لا يصح، لأنه عن ابن لهيعة (1).
ثم لو صح فما خالفناكم (2) قط في أن ما اجتمع علي فحل ومرعى وحوض أنهما خليطان في
ذلك، وهذا حق لاشك فيه، ولكن ليس فيه إحالة حكم الزكاة المفترضة بذلك ولو وجب
بالاختلاط في المرعى إحالة حكم الزكاة لوجب ذلك في كل ماشية في الأرض لان المراعى
متصلة في أكثر الدنيا، الا أن يقطع بينهما بحر، أو نهر، أو عمارة.
وأيضا فليس في هذا الخبر ذكر لتخالطهما بالراعي، وهو الذي عول عليه مالك والشافعي،
والا فقد يختلط في المسقى والمرعى والفحل أهل الحلة (3) كلهم، وهما لا يريان ذلك خلطة تحيل
حكم الصدقة.
وزاد ابن حنبل: والمحتلب.
وقال بعضهم: ان اختلطا أكثر الحول كان لهما حكم الخلطة.
وهذا تحكم بارد! ونسألهم عمن خالط آخر ستة أشره؟ فبأي شئ أجابوا فقد زادوا في
التحكم بلا دليل! ولم يكونوا بأحق بالدعوى من غيرهم؟!.
وأما قول مالك فظاهر الحوالة جدا، لأنه خص بالخلطة المواشي فقط، دون الخلطة في
الثمار والزرع (4) والناض، وليس هذا التخصيص موجودا في الخبر.
فان قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك بعب ذكره حكم الماشية.
قلنا: فكان ماذا؟! فإن كان هذا حجة لكم فاقتصروا بحكم الخلطة على الغنم فقط، لأنه
عليه السلام لم يقل ذلك الا بعقب ذكره زكاة الغنم، وهذا مالا مخلص منه.
فان قالوا: قسنا الإبل والبقر على الغنم.
قيل لهم: فهلا قستم الخلطة في الزرع والثمرة على الخلطة في الغنم؟!.
وأيضا فان مالكا استعمل إحالة الزكاة بالخلطة فيا لنصاب فزائدا (5) ولم يستعمله في
عموم الخلطة كما فعل الشافعي، وهذا تحكم ودعوى بلا برهان، وإن كان فرعن إحالة النص في

(1) الحديث رواه أيضا الدارقطني (ص 304) وفيه (الراعي) بدل (المرعى)، وهو حديث ضعيف
أخطأ فيه ابن لهيعة وانفرد به، وانظر الكلام عليه في التلخيص (ص 175)
(2) في النسخة رقم (14) (خالفناهم)
(3) الحلة بكسر الحاء جماعة بيوت الناس لأنها تحل، والجمع حلال، بالكسر أيضا
(4) في النسخة رقم (16) (والزرع)
(5) كلمة (فزائدا) محذوفة في النسخة رقم (16)
56

أن لا زكاة فيما دون النصاب: فقد وقع فيه فيما فوق النصاب، ولافرق بين الا حالتين.
وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم يشنعون بخلاف المجهور إذا وافق
تقليدهم، وهم ههنا قد خالفوا خمسة من التابعين، لا يعلم لهم من طبقتهم ولا من قبلهم
مخالف (1) وهذا عندنا غير منكر، لكن أوردناه لنريهم تناقضهم، واحتجاجهم بشئ
لا يرونه حجة إذا خالف أهواءهم!.
وموهوا أيضا بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح
ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه
حكيم عن معاوية بن حيدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (في كل إبل سائمة في
كل أربعين ابنة لبون، لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، عزمة
من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منهما شئ، ومن منعها فانا آخذوها وشطر إبله) (3).
قالوا: فمن أخذ الغنم من أربعين ناقة لثمانية شركاء، لكل واحد منهم خمس، فقد
فرقها عن حسابها، ولم يخص عليه السلام ملك واحد من ملك جماعة.
قال أبو محمد: فنقول لهم وبالله تعالى نتأيد: إن كان هذا الخبر عندكم حجة فخذوا بما
فيه، من أن مانع الزكاة تؤخذ منه وشطرا بله زيادة.
فان قلتم: هذا منسوخ.
قلنا لكم: هذه دعوى بلا حجة، لا يعجز عن مثلها خصومكم، فيقولوا لكم: (3):
والذي تعلقتم به منه منسوخ.
وإن كان المشغب به مالكيا قلنا لهم: فإن كان شريكه مكاتبا أو نصرانيا.
فان قالوا: هذا قد خصته أخبار أخر.
قلنا: وهذا نص قد خصته أخبار أخر، وهي: ان لا زكاة في أربع من الإبل فأقل،
وان في كل خمس شاة إلى أربع وعشرين.
ثم نقول: هذا خبر لا يصح، لان بهز بن حكيم غير مشهور العدالة، ووالده حكيم
كذلك (4).

(1) في النسخة رقم (16) (لا نعلم لهم من طبقتهم ولا ممن قبلهم مخالفا)
(2) رواه أبو داود (ج 3 ص 12) والنسائي (ج 5 ص 15 و 17) واحمد (ج 5 ص 2 و 4) والحاكم (ج 1 ص 397 و 398) وصححه
(3) في النسخة رقم (14) (فنقول لكم)
(4) بل بهز وأبوه ثقتان وقد صحح الحاكم والذهبي صحيفة بهز عن أبيه عن جده. وانظر الشوكاني (ج 4 ص 179)
57

فكيف ولو صح هذا الخبر لما كان (1) لهم فيه حجة؟ لأنه ليس فيه ان حكم المختلطين
حكم الواحد، ولا يجوز ان يجمع مال انسان إلى مال غيره في الزكاة، ولا أن يزكى مال
زيد بحكم مال عمر، لقول الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) فلو صح لكان معناه
بلا شك فيما جاوز العشرين ومائة من الإبل، لمخالفة جميع الأخبار أولها عن آخرها، لما
خالف هذا العمل لاجماعهم واجماع الاخبار على أن في ست وأربعين من الإبل حقة لا بنت
لبون، ولسائر ذلك في الحكام التي ذكرنا.
وأيضا فإنه ليس في هذا الخبر الا الإبل فقط، فنقلهم حكم الخلطة إلى الغنم والبقر قياس،
والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لأنه ليس نقل هذا الحكم عن
الإبل إلى البقر، والغنم بأولى من نقله إلى الثمار والحبوب والعين، وكل ذلك دعوى في غاية
الفساد، وبالله تعالى التوفيق.
ولأبي حنيفة ههنا تناقض طريف (2)، هو أنه قال في شريكين في ثمانين شاة لكل واحد منهما
نصفها: ان عليهما شاتين بينهما، وأصاب في هذا، ثم قال في ثمانين شاة لرجل
واحد نصفها ونصفها الثاني لأربعين رجلا: انه لا زكاة فيها أصلا لا على الذي يملك
نصفها، ولا على الآخرين، واحتج في اسقاطه الزكاة عن صاحب الأربعين بأن تلك
التي بين اثنين يمكن قسمتها، وهذه لا يمكن قسمتها.
فجمع (3) كلامه هذا أربعة أصناف من فاحش الخطأ!.
أحدها اسقاطه الزكاة عن مالك أربعين شاة ههنا.
والثاني ايجابه الزكاة على مالك أربعين في المسألة الأخرى، ففرق بلا دليل.
والثالث احتجاجه في اسقاطه الزكاة هنا بأن القسمة تمكن هنالك، ولا تمكن
ههنا، فكان هذا عجبا وما ندري للقسمة وامكانها أو تعذر امكانها مدخلا في شئ
من أحكام الزكاة؟!.
والرابع أنه قد قال الباطل، بل إن كانت القسمة هنالك ممكنة فهي ههنا ممكنة وإن كانت
ههنا متعذرة فهي هنالك متعذرة، فاعجبوا لقوم هذا مقدار فقههم::.
قال أبو محمد: فان قال قائل: فأنتم توجبون الزكاة على الشريك في الماشية إذا ملك
ما فيه الزكاة في حصته، وتوجبونها على الشريكين في الرقيق في زكاة الفطر، وتقولون فيمن
له نصف عبد مع آخر ونصف عبد آخر مع آخر، فاعتق النصفين: أنه لا يجزئانه عن

(1) في النسخة رقم (14) (كانت)
(2) هو بالطاء المهملة
(3) في النسخة رقم (16) (فجميع) هو خطأ
(4) في النسخة رقم (14) (أو تعذرها)
58

رقبة واجبة، ومن له نصف شاة مع إنسان، ونصف شاة أخرى مع آخر فذبحهما (1):
انه لا يجزئه ذلك عن هدى واجب فكيف هذا!.
قلنا: نعم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في فرسه وعبده
صدقة الا صدقة الفطر في الرقيق) فقلنا بعموم هذه اللفظة، وقال عليه السلام: (كل
خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية) فقلنا بذلك وأوجب رقبة وهدى شاة ولا يسمى
نصفا عبدين رقبة، ولا نصفا شاة شاة وبالله تعالى التوفيق.
زكاة الفضة (2)
682 مسألة لا زكاة في الفضة مضروبة كانت أو مصوغة أو نقارا أو غير
ذلك حتى تبلغ خمس أواقي فضة محضة، لا يعد في هذا الوزن شئ يخالطها من غيرها
فإذا أتمت كذلك سنة قمرية متصلة فيها خمسة دراهم بوزن مكنة، والخمس أواقي هي مائتي
درهم بوزن مكة الذي قد ذكرنا قبل في زكاة ا لبر والتمر والشعير، فإذا زادت على
ما ذكرنا وأتمت بزيادتها سنة قمرية ففيما زاد قل أو كثر ربع عشرها، وهكذا
كل سنة، فان نقص من وزن الأواقي المذكورة ولو فلس فلا زكاة فيها.
وإن كان فيها خلط، فان غير الخلط شيئا من لون الفضة أو محكها أو رزانتها أسقط
ذلك الخلط فلم يعد، فان بقي في الفضة المحضة خمس أواقي زكيت، والا فلا، وإن كان
الخلط لم يغير شيئا من صفات الفضة زكيت بوزنها.
وهذا كله مجمع عليه الا ثلاثة مواضع، نذكرها إن شاء الله تعالى.
قال مالك: إن نقصت المائتا درهم نقصانا تجوز به جواز الوزنة (3) ففيها الزكاة.
وقال بعض التابعين: ان نقصت نصف درهم ففيها الزكاة.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما روينا من طريق سفيان الثوري عن أبي
إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: إذا بغلت مائتي درهم ففيها (4) خمسة دراهم،
وان نقص المائتين فليس فيه شئ.
وهو قول عمر بن الخطاب، وهو قول الحسن البصري، والشعبي، وسفيان الثوري
وأبي سليمان، والشافعي.

(1) في النسخة رقم (14) (فذبحها)، وفى النسخة رقم (16) (فذبحوها) وكلاهما خطأ
(2) هذا العنوان لا يوجد في النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (الموازنة). كذا كانت في النسخة رقم (14) ولكن
صححها كاتبها
(4) في النسخة رقم (16) (إذا بلغ مائتي درهم ففيه
59

وقال أبو حنيفة في نقصان الوزن كقول أصحابنا، واضطرب في الخلط يكون فيها.
وقال مالك: إن كان في الدراهم خلط زكيت بوزنها كلها.
وقال الشافعي، وأبو سليمان كما قلنا.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا مالك ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة (1)
عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمسة أو سق
صدقة، ولا في أقل من خمس من الا بل الذود صدقة، ولا في أقل من خمس أواق (2)،
من الورق صدقة).
ورويناه أيضا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم كما حدثنا حمام ثنا أبو محمد الباجي ثنا عبد الله
ابن يونس ثنا بقي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن نمير عن أبي إسحاق عن عاصم
ابن ضمرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في أقل من مائتي درهم شئ).
قال أبو محمد: فمنع عليه السلام من أن يجب في أقل من خمس أواق من الورق صدقة،
فإذا نقصت ما قل أو كثر فهو أقل من خمس أواقي، فصح يقينا أنه لا شئ فيها،
وسواء كان معها خلط يبلغ أزيد من خمس أواقي أو لم يكن، وسقط كل قول مع قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مما خالف فيه المالكيون صاحبا لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم
مخالف.
وأما إذا لم يغير الخلط شيئا من حدود الفضة وصفاتها فهو فضة، كالخلط يكون
في الماء لا يغير شيئا من صفاته، وهكذا في كل شئ لم يغير حد ما صار فيه. وبالله
تعالى التوفيق.
واختلفوا فيما زاد على المائتين.
فروينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم الأحول
عن الحسن البصري قال: كتب عمر إلى أبى موسى: فيما زاد على المائتين ففي كل أربعين
درهما درهم.
وهو قول الحسن، ومكحول، وعطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار والزهري وبه
يقول أبو حنيفة، والأوزاعي.

(1) هو في البخاري (ج 2 ص 240) (محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني) وهو هو قال ابن حجر في التهذيب: (ومنهم نسبه إلى جده يعنى عبد الرحمن ومنهم من نسب عبد الله يعنى أباه إلى جده،
والجمع واحد)
(2) ما هنا هو الذي في النسخة رقم (14) وهو الموافق للبخاري: وفى النسخة رقم (16) (أواقي)
60

وحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر
عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال: في مائتي درهم خمسة
دراهم، فما زاد فبحساب ذلك.
وبه إلى معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: ما زاد على المائتين فبالحساب.
وهو هو إبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، ومحمد بنى سيرين، وسفيان الثوري
والحسن بن حي، ووكيع، وأبى يوسف، ومحمد بن الحسن، وأبن أبي ليلى، ومالك.
قال أبو محمد: احتج أهل هذه المقالة بحديث من طريق المنهال بن الجراح وهو
كذاب عن حبيب بن نجيج وهو مجهول عن عبادة بن نسي عن معاذ بن جبل: (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا يأخذ من الكسور شيئا، إذا بلغ
الورق مائتي درهم خمسة دراهم، ولا يأخذ مما زاد حتى يبلغ أربعين درهما) (1).
وبما رويناه من طريق يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزري وهو ساقط
مطرح باجماع (2) عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في كل خمس أواق خمسة دراهم، فما زاد ففي كل أربعين
درهما درهم) (3).
وبما رويناه من طريق الحسن بن عمارة وهو ساقط مطرح باجماع عن أبي
إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال له: (يا علي،
أما علمت أنى عفوت (4) عن صدقة الخيل، والرقيق، فأما البقر، والإبل، والشاء فلا،
ولكن هاتوا ربع العشر (5)، من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن كل عشرين دينارا
نصف دينار، وليس في مائتي درهم شئ حتى يحول عليها الحول، فإذا حال عليها الحول
ففيها خمسة دراهم، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم (6).
وبما حدثناه حمام قال: ثنا عباس ثنا ابن أيمن أنا مطلب بن شعيب المصري (7) ثنا عبد الله بن
صالح كاتب الليث عن الليث قال: حدثني يونس عن ابن شهاب في الصدقة (8) نسخة كتاب

(1) رواه الدارقطني من طريق اسحق عن المنهال (ص 200) ثم قال: (المنهال ابن الجراح
متروك الحديث)، وهو العطوف، اسمه الجراح بن المنهال، وكان ابن إسحاق يقلب اسمه إذا روى عنه،
وعبادة بن نسي لم يسمع من معاذ). واما حبيب بن نجيح فقد ذكره ابن حبان في الثقات
(2) سبق الكلام عليه في المسألة 673
(3) هذا قطعة من كتاب عمرو بن حزم، وقد بينا مرارا انه صحيح
(4) في بعض النسخ (قد عفوت)
(5) في النسخة رقم (16) (العشور
(6) انظر لفظا قريبا من هذا الحديث أبي داود (ج 2 ص 10 و 11) من طريق جرير وآخر عن أبي إسحاق، ولعل هذا الآخر هو الحسن بن عمارة
(7) هو مروزي ولد بمصر وسكن فيها، وكان ثقة في الحديث، مات يوم الأحد النصف من المحرم سنة 283
(8) في النسخة رقم (16) (في الصدقات)!
61

رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر،
فوعيتها على وجهها، فذكر صدقة الإبل، فقال: (فإذا كانت احدى وعشرين ومائة ففيها
ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة (1)) ثم قال: (ليس فيا لورق صدقة حتى تبلغ
مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، ثم في كل أربعين زادت على مائتي
درهم (2) درهم).
حدثناه أيضا عبد الله بن ربيع قال ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال ثنا أحمد بن خالد
ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا عبد الله بن عمر النميري (3) ثنا يونس بن يزيد
سمعت الزهري قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة، وهي عند آل عمر
ابن الخطاب، أقرأنيها سالم بن عبد الله، فوعيتها على وجهها، وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز
حين أمر على المدينة، فأمر عماله بالعمل بها، فذكر فيها صدقة الإبل، وفيها: (فإذا كانت
احدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل، حتى تبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين
ومائة ففيها حقة وابنتا لبون، حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة، ففيها
حقتان وابنة لبون، حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث
حقاق، حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة، فإذا بلغت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون، حتى
تبلغ تسعا وستين ومائة، فإذا بلغت سبعين ومائة ففيها حقة وثلاث بنات لبون، حتى تبلغ تسعا
وسبعين ومائة، فإذا بغلت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون، حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة
فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون، حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة، فإذا
كانت مائتين ففيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت فيها أخذت) وذكر
صدقة الغنم، قال الزهري: (وليس في الرقة صدقة حتى تبلغ مائتي درهم، فإذا بغلت مائتي
درهم ففيها خمسة دراهم) ثم قال: (في كل أربعين درهما زاد على المائتي درهم درهم، وليس
في الذهب صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم، فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم،
ثم في كل شئ منها يبلغ صرفه أربعين درهما درهم، حتى تبلغ أربعين دينارا ففيها دينار،
ثم ما زاد على ذلك من الذهب ففي كل صرف أربعين درهما درهم، وفى كل أربعين دينارا
دينار (4)).
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عمرو بن عون

(1) كلمة (ومائة) سقطت من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (16) (مائتين درهم) وهو خطأ
(3) بضم النون وفتح الميم، وهو ثقة (4) انظر المستدرك (ج 1 ص 393 و 394) والدارقطني (ص 209
و 210)
62

أخبرنا أبو عوانة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة، من كل أربعين
درهما درهم، وليس في تسعين ومائة شئ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم).
هذا كل ما موهوا به من الآثار، قد تقصيناه (1) لهم أكثر مما يتقصونه لأنفسهم.
واحتجوا بأن قالوا: قد صحت الزكاة في الأربعين الزائدة على المائتين باجماع، واختلفوا
فيما بين المائتين وبين الأربعين، فلا تجب فيها زكاة باختلاف.
وقالوا من جهة القياس: لما كانت الدراهم لها نصاب لا تؤخذ الزكاة من أقل منه، وكانت
الزكاة تتكرر فيها كل عام أشبهت المواشي، فوجب أن يكون فيها أوقاص كما في المواشي
ولم يجز أن تقاس على الثمار والزرع، لان الزكاة هنا لك مرة في الدهر لا تتكرر، بخلاف
العين والماشية.
هذا كل ما شغبوا به من نظر وقياس * وكل ما احتجوا به من ذلك لا حجة لهم في شئ منه، بل هو حجة عليهم، على ما نبين إن شاء الله
تعالى.
أما حديث معاذ فساقط مطرح، لأنه عن كذاب واضح للأحاديث، عن مجهول.
وأما حديث أبي بكر بن عمر وبن حزم فصحيفة مرسلة، ولا حجة في مرسل، وأيضا
فإنها عن سليمان بن داود الجزري، وهو ساقط مطرح.
ثم لو صح كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في الرقة ربع العشر) زائدا على هذا الخبر،
والزيادة لا يحل تركها، لأنه ليس في هذا الخبر الا أن في كل أربعين درهما درهم فقط،
وليس فيه أن لا زكاة فيما بين المائتين وبين الأربعين.
وأما حديث الحسن بن عمارة فساقط، للاتفاق على سقوط الحسن بن عمارة.
ولو صح لكانوا قد خالفوه، فإنهم يرون الزكاة في الخيل السائمة وفى الخيل والرقيق المتخذين
للتجارة، وفى هذا الخبر سقوط الزكاة عن كل ذلك جملة، فمن أقبح سيرة ممن يحتج بخبر ليس
فيه بيان ما يدعى، وهو يخالفه في نص ما فيه؟!.
ولو صح هذا الخبر لكان قوله عليه السلام: (في الرقة ربع العشر، زائدا، والزيادة
لا يجوز تركها.
وأما حديث الزهري فمرسل أيضا، ولا حجة في مرسل، والذي فيه من حكم زكاة
الورق والذهب (2) فإنما هو كلام الزهري، كما أوردناه آنفا من رواية الحجاج بن المنهال.

(1) في النسخة رقم (14) (تقصيناها)
(2) في النسخة رقم (14) (من حكم الزكاة، الورق والذهب)
63

والعجب كل العجب تركهم ما في الصحيفة التي رواها الزهري نصا من صفة زكاة
الإبل، واحتجاجهم بما ليس منها!، وخالفوا الزهري أيضا فيما ذكر من زكاة الذهب
بالقيمة وهذا تلاعب بالديانة وبالحقائق وبالعقول!.
وأما حديث على الذي ختمنا به فصحيح مسند، ولا حجة لهم فيه، بل
هو حجة عليهم، لان فيه: (قد عفوت عن الخيل والرقيق) وهم يرون الزكاة في
الخيل السائمة والتي للتجارة وفي الرقيق الذي للتجارة، ومن الشناعة احتجاجهم بحديث
هم أول مخالف له في نص ما فيه (1)!.
ولا دليل فيه على ما يقولون لوجهين:.
أحدهما أن نصه: (هاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم، وليس في
تسعين ومائة شئ فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم) ونعم، هكذا هو، لان
في المائتين أربعين مكررة خمس مرات، ففيها خمسة دراهم، ونحن لا ننكر أن في
أربعين درهما زائدا درهم (2)، وليس في هذا الخبر إسقاط الزكاة عن أقل من أربعين
زائدة على المائتين، فلا حجة لهم فيه.
وأيضا فهم يقولون: ان الصاحب إذا روى خبرا ثم خالفه فهو دليل على ضعف
ذلك الخبر، كما ادعوا في حديث (3) أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا
وقد صح عن علي كما ذكرنا في صدر هذه المسألة أن ما زاد على مائتي درهم فالزكاة
فيه بحساب المائتين، فلو كان في رواية على ما يدعونه من إسقاط الزكاة عما بين المائتين
والأربعين الزائدة لكان قول على بايجاب الزكاة في ذلك على أصلهم مسقطا لما روى
من ذلك (4) والقوم متلاعبون!.
قال أبو محمد: فسقط كل ما موهوا به من الآثار، وعادت حجة عليهم كما أوردنا.
وأما قولهم: قد صحت الزكاة في الأربعين الزائدة على المائتين باجماع، واختلفوا
فيما دون الأربعين، فلا تجب الزكاة فيها باختلاف: فان هذا كأن يكون احتجاجا
صحيحا لو لم يأت نص بايجاب الزكاة في ذلك، ولكن هذا الاستدلال يعود عليهم في
قولهم في زكاة الخيل وزكاة البقر وما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض والحلي
وغير ذلك، ويهدم عليهم أكثر مذاهبهم.

(1) في النسخة رقم (14) (وهم أول مخالف لنص ما فيه)
(2) في النسخة رقم (14) (درهما) وهو لحن وكلمة (زائدا) سقطت رقم (16) ومقتضى السياق اثباتها
(3) في النسخة رقم (14) (في رواية حديث)
(4) هنا في النسخة رقم (14) زيادة (على أصلهم) وهو تكرار
64

وأما قياسهم زكاة العين على زكاة المواشي بعلة تكرر الصدقة في كل ذلك كل عام
بخلاف زكاة الزرع: فقياس فاسد، بل لو كان القياس حقا لكان قياس العين على
الزرع أولى لان المواشي حيوان، والعين، والزرع، والتمر ليس شئ من ذلك حيوانا،
فقياس زكاة ما ليس حيا (1) على زكاة ما ليس حيا أولى من قياس ما ليس حيا علي
حكم الحي.
وأيضا فان الزرع، والتمر، والعين كلها خارج من الأرض، وليس الماشية كذلك،
فقياس ما خرج من الأرض على ما خرج من الأرض أولى من قياسه على ما لم يخرج
من الأرض.
وأيضا فإنهم جعلوا وقص الورق تسعة وثلاثين درهما، وليس في شئ من الماشية
وقص من تسعة وثلاثين، فظهر فساد قياسهم، وبالله تعالى التوفيق. فسقط كل ما موهوا به.
ثم وجدنا الرواية عن عمر رضي الله عنه بمثل قولهم لا تصح، لأنها عن الحسن عن
عمر والحسن لم يولد الا لسنتين باقيتين من خلافة عمر، فبقيت الرواية عن علي، وابن عمر رضي الله عنهما بمثل قولنا، ولا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف لذلك.
قال أبو محمد: فإذا لم يبق لأهل هذا القول متعلق نظرنا في القول الثاني.
فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري
ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي هو عبد الله بن المثنى
ثنا ثمامة بن أنس بن مالك ان أنسا (2) حدثه: ان أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب
لما وجهه إلى البحرين: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله
صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث وفيه: (وفى الرقة ربع عشرها (3)، فإن لم تك الا تسعين
ومائة فليس فيها شئ الا أن يشاء ربها).
فأوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم الصدقة في الرقة، وهي الورق، ربع العشر عموما،
لم يخص من ذلك شيئا الا ما كان أقل من خمس أواقي، فبقي ما زاد على ذلك على وجوب
الزكاة فيه، فلا يجوز تخصيص شئ منه (4) أصلا وبالله تعالى التوفيق.

(1) في النسخة رقم (16) (حيوانا)
(2) في النسخة رقم (14) (ان أباه) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 2 ص 238)
(3) في البخاري (ربع العشر)
(4) في النسخة رقم (16) (منها)
65

زكاة الذهب (1)
683 مسألة قالت طائفة: لا زكاة في أقل من أربعين مثقالا من الذهب
الصرف الذي لا يخالطه شئ بوزن مكة، سواء مسكوكه وحليه ونقاره (2) ومصوغه،
فإذا بلغ أربعين مثقالا كما ذكرنا وأتم في ملك المسلم الواحد عاما قمريا متصلا
ففيه ربع عشره، وهو مثقالا، وهكذا في كل عام، وفى الزيادة على ذلك إذا أتم أربعين
مثقالا أخرى وبقيت عاما كاملا دينار آخر وهكذا أبدا في كل أربعين دينارا زائدة
دينار، وليس في الزيادة شئ زائد حتى تتم أربعين دينارا.
فإن كان في الذهب خلط لم يغير لونه أو رزانته أو حده (3)، سقط حكم الخلط فإن كان
فيما بقي العدد المذكور زكى، وإلا فلا، فان نقص من العدد المذكور ما قل أو كثر فلا
زكاة فيه، وفى كثير مما ذكرنا اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى.
قال جمهور الناس: بايجاب الزكاة في عشرين دينارا لا أقل.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا على
ابن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القسام بن سلام ثنا سعيد بن عفير (4) عن مالك بن أنس عن يحيى
ابن سعيد الأنصاري عن رزيق بن حيان (5) قال: كتب إلى عمر بن عبد العزيز: أنظر من
مربك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون في التجارات من كل أربعين دينارا دينارا، وما نقص فبسحاب ذلك، حتى تبلغ عشرين دينارا، فان نقصت ثلث دينار فدعها.
قال أبو محمد: فهذا عمر بن عبد العزيز يرى في الذهب أن فيها الزكاة (6) وان نقصت،
فان نقصت ثلث دينار فلا صدقة فيها.
وقال مالك: ان نقصت نقصانا تجوز به جواز الموازنة زكيت، وإلا فلا، وقال:
إن كان في الدنانير الذهب وحلي الذهب خلط زكى الدنانير بوزنها.

(1) هذا العنوان من النسخة رقم (16) ولا يوجد في النسخة رقم (14)
(2) النقرة بضم النون وإسكان القاف من الذهب والفضة: القطعة المذابة، وجمعها (نقار) بكسر النون.
(3) في النسخة رقم (14) (لم يغير لونه ولا رزانته ولا حده)
(4) عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء: وسعيد هو ابن كثير بن عفير المصري،
ولد سنة 146 ومات سنة 226 وقال الحاكم: (يقال إن مصر لم تخرج أجمع للعلوم منه) وفى النسخة رقم
(16) (سعيد بن عبيد) وهو خطأ
(5) رزيق بضم الراء وفتح الزاي، وحيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء
المثناة: وقد اختلف في ضبط اسم رزيق هذا فضبطه البخاري وغيرهما بتقديم الراء كما قلنا، وضبطه
أبو زرعة الدمشقي بتقدم الزاي على الراء: وهو الموافق للنسخة (16)، والأول أرجح
(6) الذهب يذكر ويؤنث
66

وقال الشافعي: لا يزكى إلا ما فضل عن الخلط من الذهب المحض، ولا يزكى ما نقص
عن عشرين دينارا، لا بما قولا بما كثر.
وقال أبو حنيفة وغيره: الزكاة في عشرين دينارا نصف دينار، فان زادت فلا صدقة
فيها حتى تبلغ الزيادة أربعة دنانير، فإذا زادت أربعة دنانير ففيها ربع عشرها، وهكذا أبدا
وقال مالك، والشافعي: ما زاد قل أو كثر ففيه ربع عشره.
وروينا عن بعض التابعين: أنه لا زكاة فيما زاد حتى تبلغ الزيادة عشرين دينارا (1)
وهكذا أبدا.
وروينا عن الزهري وعطاء: أن الزكاة إنما تجب في الذهب بالقيمة، كما حدثنا عبد الله
ابن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال
ثنا عبد الله بن عمر النميري ثنا يونس بن يزيد الأيلي قال سمعت الزهري يقول: ليس في الذهب (2)
صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم، فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، ثم في كل
شئ منها يبلغ صرفه أربعين درهما درهم، حتى تبلغ أربعين دينارا، ففيها دينار، ثم ما زادت
على ذلك من الذهب ففي صرف كل أربعين درهما درهم، وفى كل أربعين دينارا دينار (3).
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال:
قال عطاء وعمرو بن دينار: لا يكون في مال زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا، فإذا بلغ
عشرين دينارا ففيها نصف دينار، ثم في كل أربعة دنانير يزيدها المال درهم،
حتى يبلغ المال أربعين دينارا، ففي كل أربعين دينارا دينار. قال ابن جريج: فلما كان
بعد ذلك بحين قلت لعطاء: لو كان لرجل تسعة عشر دينارا ليس له غيرها والصرف اثنا
عشر أو ثلاثة عشر بدينار، فيها صدقة.؟ قال: نعم، إذا كانت لو صرفت بلغت مائتي
درهم، إنما كانت إذ ذلك الورق (4) ولم يكن ذهب.
وممن قال بأن لا زكاة في الذهب إلا بقيمة ما يبلغ مائتي درهم فصاعدا من الورق
سليمان بن حرب الواشحي (5).
قال أبو محمد: أما من قال: لم يكن يومئذ ذهب فحطأ، كيف هذا؟! والله عز وجل
يقول: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) والاخبار عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في كون الذهب عندهم كثيرة جدا، كقوله عليه السلام

(1) في النسخة رقم (16) (مثقالا)
(2) كلمة (صدقة) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(3) انظر حديث الزهري بطوله في المسألة السابقة 682
(4) في النسخة رقم (16) (الوزن) وهو تحريف المعجمة
والحاء المهملة، نسبه إلى واشح) حي من الأزد. وفى الأصلين بالجيم وهو تصحف
67

(الذهب حرام على ذكور أمتي حل لإناثها) واتخاذه عليه السلام خاتما من ذهب ثم
رمى به، وغير ذلك كثير.
وايجاب الزكاة في الذهب بقيمة الفضة قول لا دليل على صحته من نص ولا إجماع
ولا نظر، فسقط هذا القول وبالله تعالى التوفيق.
ثم نظرنا هل صح في ايجاب الزكاة في الذهب شئ أم لا؟.
فوجدنا ما حدثناه حمام قال ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق
ثنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكر الحديث، وفيه (من كانت له ذهب أو فضة لم يؤد ما فيها جعلت له يوم
القيامة صفائح من نار فوضعت على جنبه (1) وظهره وجبهته، حتى يقضى بين الناس،
ثم يرى سبيله).
فوجبت الزكاة في الذهب بهذا الوعيد الشديد، فوجب طلب الواجب في الذهب
الذي من لم يؤده عذب هذا العذاب الفظيع، نعوذ بالله منه، بعد الاجماع المتيقن
المقطوع به على أنه عليه السلام لم يرد كل عدد من الذهب، ولا كل وقت من الزمان،
وأن الزكاة إنما تجب في عدد معدود، وفى وقت محدود، فوجب فرضا طلب ذلك
العدد وذلك الوقت.
فوجدنا من حد في ذلك عشرين دينارا احتج بما رويناه من طريق ابن وهب:
أخبرني جرير بن حازم وآخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور
عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر كلاما، وفيه (وليس عليه شئ
حتى يكون يعنى في الذهب لك عشرون دينارا (2) فإذا كان لك عشرون دينارا (3)
وحال عليها الحول فيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) قال: لا أدرى، أعلى يقول (بحساب ذلك) أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟.
ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن أبي إسحق عن عاصم بن ضمرة
عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن كل عشرين دينارا نصف دينار)

(1) في النسخة رقم (16) (جبينه) وهو تصحيف وانظر الحديث في مسلم (ج 1 ص 270) والشوكاني
(ج 4 ص 172) وجمع الفوائد (ج 1 ص 141)
(2) في النسخة رقم (14) (حتى يكون يعنى في الذهب ذلك
عشرون دينارا) وفى النسخة رقم (16) (في ذلك) بزيادة (في) وكلاهما خطأ وما هنا الصواب المقارب
لما في أبى داود (ج 2 ص 10 و 11)) من طريق ابن وهب
(3) في النسخة رقم (16) (فإذا كان ذلك عشرون دينارا) وهو خطأ ولجن والذي في أبى داود (حتى تكون) (فإذا كانت)
68

ومن طريق ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب ولا في أقل من
مائتي درهم صدقة).
ومن طريق أبى عبيد عن يزيد (1) عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن
محمد بن عبد الرحمن (2) الأنصاري إن في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى
كتاب (3) عمر في الصدقة: (أن الذهب لا يؤخذ منها شئ حتى تبلغ عشرين دينارا،
فإذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار).
وذكر فيه قوم من طريق عبد الله بن واقد عن ابن عمر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن في عشرين دينارا الزكاة).
قال على: هذا كل ما ذكروا في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما عمن دونه عليه السلام فروينا من طريق الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب
عن حميد عن أنس (4) قال: ولاني عمر الصدقات، فأمرني أن آخذ من كل عشرين
دينارا نصف دينار، فما زاد فبلغ أربعة دنانير ففيه درهم.
ومن طريق وكيع: ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحق عن عاصم بن ضمرة عن علي
قال: ليس في أقل من عشرين دينارا شئ، وفى عشرين دينارا نصف دينار، وفى
أربعين دينارا دينار.
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان
عن إبراهيم النخعي قال: كان لامرأة عبد الله بن مسعود طوق فيه عشرون مثقالا فأمرها
أن تخرج عنه خمسة دراهم.
ومن طريق وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن الشعبي قال: في عشرين
مثقالا نصف مثقال، وفى أربعين (5) مثقالا مثقال.
ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ثنا هشيم والمعتمر بن سليمان
قال هشيم: أنا منصور، ومغيرة، قال منصور: عن ابن سيرين، وقال مغيرة، عن إبراهيم
وقال المعتمر: عن هشام عن الحسن، ثم اتفق الحسن، وابن سيرين، وإبراهيم، قالوا

(1) في النسخة رقم (16) (زيد) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (محمد بن عبد الله) وهو خطأ، وقد سبق هذا الاسناد
(3) في النسخة رقم (16) (في كتاب) بحذف الواو، وهو خطأ
(4) في النسخة رقم (14) (عن حميد بن أنس) وهو خطأ، فإنه حميد بن أبي الطويل التابعي المعروف بروايته عن
انس
(5) في النسخة رقم (14) (وفى كل أربعين)
69

كلهم: في عشرين دينارا نصف دينار، وفى أربعين دينارا دينار.
وقد ذكرناه في أول الباب عن عمر بن عبد العزيز.
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة: ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية (1) عن أبيه
عن الحكم هو ابن عتيبة أنه كان لا يرى في عشرين دينارا زكاة حتى تكون
عشرين مثقالا، فيكون فيها نصف مثقال.
وقد ذكرناه قبل عن عطاء، وعمرو بن دينار، وذكرنا رجوع عطاء عن ذلك.
قال أبو محمد: ما نعلم عن أحد ممن التابعين غير ما ذكرنا.
فأما كل ما ذكروا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح منه شئ ولو صح لما استحللنا
خلافه، وأعوذ بالله من ذلك.
أما حديث على الذي صدرنا به فان ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق
قرن فيه بين عاصم بن ضمرة وبين الحارث الأعور، والحارث كذاب، وكثير من الشيوخ
يجوز عليهم مثل هذا، وهو أن الحارث أسنده، وعاصم لم يسنده، فجمعهما جرير، وأدخل
حديث أحدهما في الآخر، وقد رواه عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي شعبة، وسفيان،
ومعمر، فأوقفوه على على، وهكذا كل ثقة رواه عن عاصم (2).
وقد روى حديث الحارث وعاصم زهير بن معاوية (3) فشك فيه، كما حدثنا عبد الله
ابن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير
ابن معاوية ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة، وعن الحارث عن علي، قال زهير: أحسبه
عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر صدقة الورق،: (إذا كانت (4) مائتي درهم ففيها خمسة دراهم،
فما زاد فعلى حساب ذلك) وقال في البقر: (في كل ثلاثين تبيع، وفى كل أربعين مسنة،
وليس على العوامل شئ) وقال في الإبل: (في خمس وعشرين خمس (5) من الغنم، فإذا
زادت واحدة ففيها بنت مخاض، فإن لم تكن فابن لبون ذكر) قال زهير: وفى حديث عاصم:
(إذا لم يكن في الإبل بنت مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان).
قال على: قد ذكرنا أنه حديث هالك، ولو أن جريرا أسنده عن عاصم وحده لاخذنا
به، لكن لم يسنده إلا عن الحارث معه، ولم يصح لنا إسناده من طريق عاصم، ثم لما شك

(1) بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد الياء المفتوحة
(2) سيرجع المؤلف عن هذا الرأي في آخر المسألة ويرجح ان الحديث مسند صحيح وأن ما قاله هنا (هو الظن الباطل الذي لا يجوز)
(3) في النسخة رقم (16) (وقد روى الحارث وعاصم وزهير بن معاوية) وهو خطأ خلط
(4) في النسخة رقم (14) (كان) وهو خطأ وما هنا الموافق لأبي داود (ج 2 ص 10) في سنن أبي داود (خمسة)
70

زهير فيه بطل إسناده.
ثم يلزم من صححه أن يقول بكل ما ذكرنا فيه، وليس من المخالفين لنا طائفة إلا وهي تخالف
ما فيه، ومن الباطل أن يكون بعض ما في الخبر حجة وبعضه غير حجة، فبطل تعلقهم
بهذا الخبر.
وأما خبر الحسن بن عمارة فالحسن مطرح.
وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فصحيفة مرسلة، ورواه أيضا ابن أبي ليلى
وهو سئ الحفظ.
فان لجوا على عادتهم وصححوا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافقهم
فليستمعوا!.
روينا من طريق داود بن أبي هند عن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها).
ومن طريق حسين (1) المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا يجوز لامرأة عطية إلا باذن زوجها).
ومن طريق العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عند جده عن النبي عليه السلام
(أنه قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية).
وعن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (كانت قيمة الدية على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب على النصف من
دية المسلم، وكانت كذلك حتى استخلف عمر، فقام خطيبا ففرضها على أهل الذهب ألف
دينار، وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء
ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية).
وعن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل، ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون،
وعشرون ابن لبون ذكر، وعشرون حقة، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البقر مائتي
بقرة يعنى في الدية ومن كانت ديته في الشاء فألفا شاة.
وكل هذا فجميع الحنفية والمالكية والشافعية مخالفون لأكثره، ولو أردنا أن نزيد
من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لأمكن ذلك، وفي هذا كفاية

(1) في النسخة رقم (16) (حسن) وهو خطأ
71

ولا أرق دينار ممن يوثق رواية إذا وافقت هواه، ويوهنها إذا خالفت هواه! فما يتمسك
فاعل هذا من الدين الا بالتلاعب!.
وحديث محمد بن عبد الرحمن مرسل وعن مجهول أيضا.
وأما حديث ابن عمر فعبد الله بن واقد مجهول (1).
فسقط كل ما في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصح منه شئ.
وأما ما روى في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم فلا يصح عن عمر لان راويه يحيى
ابن أيوب وهو ضعيف، وقد روينا عن عمر ما هو أصح من هذا، وكلهم يخالفونه.
كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن هشام بن حسان
وسفيان الثوري، ومعمر قال هشام: عن أنس بن سيرين، وقال سفيان، ومعمر: عن أيوب
السختياني عن أنس بن سيرين، ثم اتفقوا كلهم عن أنس بن سيرين قال: بعثني أنس
ابن مالك عن الأبلة فأخرج إلى كتابا من عمر بن الخطاب: (خذ من المسلمين من كل أربعين
درهما درهما (2) ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما (3) وممن لا ذمة له من كل
عشرة دراهم درهما)).
فهذا أنس، وعمر بأصح إسناد يمكن فان تأولوا فيه تأويلا لا يقتضيه ظاهره فما هم
بأقوى على ذلك من غيرهم فيما يحتجون به. وما يعجز أحد عن أن يقول: إنما أمر عمر
في العشرين دينارا بنصف دينار كما أمر في الرقيق والخيل بعشرة دراهم من كل رأس:
إذا طابت نفس مالك كل ذلك به، والا فلا!.
وأما الخبر في ذلك عن ابن مسعود فمرسل، ولا يأخذ به المالكيون ولا الشافعيون،
ومن الباطل أن يكون قول ابن مسعود حجة في بعض حكمه ذلك ولا يكون حجة
في بعضه، والمسامحة في الدين هلاك.
وأما قول على فهو صحيح، وقد روينا عن علي من هذه الطريق نفسها أشياء كثيرة
قد ذكرناها، منها: في كل خمس وعشرين من الإبل خمسا من الغنم، وكلهم مخالف
لهذا، ومن الباطل أن يكون قول على حجة في مكان غير حجة في آخر.
فبطل كل ما تعلقوا به من آثار الصحابة رضى الله تعالى عنهم.

(1) كيف يكون مجهولا وهو عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر؟! فابن عمر جده لأبيه، وهو ثقة روى
عن جده عبد الله، مات سنة 119 وحديثه هذا الدارقطني (ص 199) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن
مجمع عن عبد الله بن عمر عن ابن عمر وعائشة، فجعله، من حديثهما معا لا من حديث
ابن عمر عن عائشة كما نقل ابن حزم
(2) في النسخة رقم (14) (درهما درهم) وهو لحن
(3) في النسخة رقم (14) (درهم)) وهو لحن
72

ثم حتى لو صحت هذه الآثار كلها عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الصحابة رضي الله عنهم:
لكانوا مخالفين لها، لان الحنيفيين والمالكيين يقولون: إن كانت عشرة دنانير ومائة
درهم ففيها الصدقة، وكل هذه الآثار تبطل الزكاة عن أقل من عشرين دينارا، وهم
يوجبونها في أقل من عشرين دينارا، فصارت كلها حجة عليهم، وعاد ما صححوا من
ذلك قاطعا بهم أقبح قطع! ونعوذ بالله من الخذلان.
والمالكيون يوجبونها في عشرين دينارا ناقصة إذا جازت جواز الموازنة، وهذا خلاف
ما في هذه الأخبار كلها.
وأما التابعون فقد اختلفوا كما ذكرنا، وصح عن الزهري وعطاء: أنه لا يزكي من
الذهب بالذهب إلا أربعين دينارا، لا أقل، ثم كذلك إذا زادت أربعين دينارا، ورأوا
الزكاة فيما دون ذلك وما بين كل أربعين وأربعين بعدها بالقيمة وكانت القيمة قولا
لا يوجبه قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا قول صاحب ولا دليل أصلا، فسقط هذا القول.
وقد حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد
ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حماد بن مسعدة عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني
عن الحسن البصري قال: ليس في أقل من أربعين دينارا شئ.
قال أبو محمد: فصحت الزكاة في أربعين من الذهب ثم في كل أربعين زائدة بالاجماع
المتيقن المقطوع به فوجب القول به ولم يكن في إيجاب الزكاة في أقل من ذلك ولا فيما
بين النصابين قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع، ولا يجوز أن تؤخذ الشرائع في دين
الاسلام إلا بأخذ هذه الثلاثة. وبالله تعالى التوفيق.
قال على: فليس إلا هذا القول أو قول من قال: قد صح أن في الذهب زكاة بالنص
الثابت، فالواجب أن يزكى كل ذهب، إلا ذهبا صح الاجماع على اسقاط زكاتها فمن
قال هذا فواجب عليه أن يزكى كل ما دون العشرين بالقيمة، وأن يزكى حلي الذهب،
وأن يزكى كل ذهب حين يملكه مالكه. فكل هذا قد قال به جماعة من الأئمة الذين هم
أجل من أبي حنيفة ومالك، والشافعي.
قال أبو محمد: ولم نقل بهذا لما قدمناه من أنه لا يحل أن ينسب إلى الله تعالى ولا إلى
رسوله صلى الله عليه وسلم قول الا بيقين نقل صحيح من رواية الاثبات أو بنقل تواتر أو مجمع عليه،
وليس شئ من هذه الأحوال موجودا في شئ من هذه الأقوال، وقد قلنا: إن
الاجماع قد صح على أنه عليه السلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب، ولا في كل
73

وقت من الدهر وبالله التوفيق.
قال أبو محمد: وأما قول أبي حنيفة فما تعلق بما روى في ذلك عن أحد من الصحابة
رضي الله عنهم، لان الرواية عن عمر رضي الله عنه بأن ما زاد على عشرين دينارا
فإنه يزكى بالدراهم، وعن ابن مسعود تزكية الذهب بالدراهم، وهذا يخرج على قول
الزهري، وعطاء وما وجدنا عن أحد من الصحابة ولا من التابعين أن الوقص في الذهب
يزكى بالذهب، فخرج قوله عن أن يكون له سلف.
ونسألهم أيضا من أين جعلتم الوقص في الذهب أربعة دنانير؟ وليس هذا في شئ
من الآثار التي احتججتم بها، بل الأثر الذي روى عن علي في ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله بأن
ما زاد على عشرين دينارا فإنه يزكى بالحساب، وإنما جاء عن عمر في ذلك قول لا يصح
ومع ذلك فقد خالفتموه، ورأيتم تزكيته بالذهب ورآه هو بالورق (1) بالقيمة، وقد
خالفه على، وابن عمر برواية أصح من الرواية عن عمر (2).
فلا ملجأ لهم الا أن يقولوا: قسناه على الفضة.
قال على: وهذا قياس، والقياس كله باطل، ثم لو صح القياس لكان هذا منه قياسا للخطأ
على الخطأ وعلى أصل غير صحيح لم يأت به قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا إجماع
من أن كل عشرة دراهم بإزاء دينار، وإنما هو شئ قالوه في الزكاة، والقطع في السرقة
والدية، والصداق، وكل ذلك خطأ منهم، وليس شئ منه صحيحا، على ما بيناه ونبين إن شاء الله
تعالى، إذ ليس في شئ من ذلك قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع وبالله تعالى التوفيق.
وبالدليل الذي ذكرنا وجب أن لا يزكي الذهب إلا حتى يتم عندمالكه حولا كما قدمنا.
ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح لا يجوز خلافه، وأن
الاعتلال فيه بأن عاصم بن ضمرة أو أبا إسحاق أو جريرا خلط اسناده الحارث بارسال
عاصم: هو الظن الباطل الذي لا يجوز، وما علينا من مشاركة الحارث لعاصم،
ولا لارسال من أرسله، ولا لشك زهير في شئ وجرير ثقة، فالأخذ بما أسنده لازم
وبالله تعالى التوفيق (3).

(1) في النسخة رقم (16) (الوزن) وهو تصحيف
(2) في النسخة رقم (16) (عن علي) وهو خطأ.
(3) لله در أبى محمد بن حزم، رأى خطأه فسارع إلى تداركه، وحكم بأنه الظن الباطل الذي لا يجوز
وهذا شأن المنصفين من اتباع السنة الكريمة وأنصار الحق وهم الهداة القادة، وقليل ما هم رحمهم الله جميعا
وهنا بحاشية النسخة رقم (14) ما نصبه: (هذا لازم لأبي محمد في حديث قتيبة الذي رواه مع خالد المدائني في
(صلاة الجمع بتبوك (اه‍ وانظر قول المؤلف في ذلك واعترضنا عليه في المسألة 335 (ج 3 ص 174 و 175)
ثم إن هذه المسألة هي ختام الجزء الثاني من النسخة رقم (16) بدار الكتب وفى آخره ما نصبه: (كمل
الجز الثاني يوم لتسع بقين من ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة على يد الفقير إلى الله تعالى
أحمد بن سعد الصفطي الشافعي نفعه الله بالعلم أنه على كل شئ قدير، وصلى الله على محمد عبده ورسوله
وسلم تسليما ويتلوه إن شاء الله تعالى في الجزء الثالث: مسألة والزكاة واجبة في حلي الفضة والذهب)
74

684 مسألة والزكاة واجبة في حلي الفضة والذهب إذا بلغ كل واحد منهما
المقدار الذي ذكرنا وأتم عندمالكه عاما قمريا، ولا يجوز أن يجمع بين الذهب والفضة
في الزكاة ولا أن يخرج أحدهما عن الآخر ولا قيمتهما في عرض أصلا، وسواء كان
حلي امرأة أو حلي رجل، وكذلك حلية السيف والمصحف والخاتم وكل مصوغ منهما
حل اتخاذه أو لم يحل.
وقال أبو حنيفة: بوجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة.
وقال مالك: إن كان الحلى لامرأة تلبسه أو تكريه أو كان لرجل يعده لنسائه فلا زكاة
في شئ منه، فإن كان لرجل يعده لنفسه عدة (1) ففيه الزكاة، ولا زكاة على الرجل في
حليقة السيف، والمنطقة، والمصحف، والخاتم.
وقال الشافعي: لا زكاة في حلي ذهب، أو فضة.
وجاء في ذلك عن السلف ما قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن ابن مسعود من
ايجابه الزكاة في حلي امرأته، هو عنه في غاية الصحة.
وروينا من طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن
حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال قالت امرأة لعبد الله بن مسعود:
لي حلي؟ فقال لها: إذا بلغ مائتين ففيه الزكاة.
وعن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبى موسى: مر نساء المسلمين يزكين حليهن.
ومن طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: كان عبد الله بن
عمرو بن العاصي يأمر بالزكاة في حلي بناته ونسائه.
ومن طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سالم عن عبد الله بن عمر (2) أنه
كان يأمره بذلك كل عام.
وعن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت (3): لا بأبس بلبس الحلى
إذا أعطيت زكاته.

(1) العدة بضم العين وتشديد الدال المهملتين ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح، قاله في
اللسان. وعبارة المدونة (ج 2 ص 6) (وما ورث الرجل من أمه أو من بعض أهله فحبسه للبيع أو لحاجة ان احتاج
إليه يرصده لعله يحتاج إليه في المستقبل ليس يحسبه للبس) وهو صريح في تفسير من هنا
(2) في النسخة رقم (45) (عبد الله بن عمرو) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم 45 (قال)) وهو خطأ
75

وهو قول مجاهد، وعطاء، وطاوس، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، وعبد الله
ابن شداد، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وذر الهمداني (1) وابن سيرين،
واستحبه الحسن.
قال الزهري: مضت السنة أن في الحلى الزكاة.
وهو قول ابن شبرمة، والأوزاعي، والحسن بن حي.
وقال الليث: ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه، وما كان من حلي
اتخذ ليحرز من الزكاة ففيه الزكاة.
وقال (2) جابر بن عبد الله، وابن عمر: لا زكاة في الحلى.
وهو قول أسماء بنت أبي بكر الصديق، وروى أيضا عن عائشة، وهو عنها صحيح،
وهو قول الشعبي، وعمرة بنت عبد الرحمن، وأبى جعفر محمد بن علي، وروى أيضا عن
طاوس، والحسن، وسعيد بن المسيب.
واختلف فيه قول سفيان الثوري، فمرة رأى فيه الزكاة، ومرة لم يرها.
قال أبو محمد: وهنا قول ثالث، وهو قول أنس: ان الزكاة فيه مرة واحدة، ثم
لا تعود فيه الزكاة.
وروينا عن أبي أمامة الباهلي وخالد بن معدان: ان حلية السيف من الكنوز.
وعن إبراهيم النخعي وعطاء (3): لا زكاة في قدح مفضض ولا في منطقة محلاة
ولا في سيف محلى.
قال على: أما قول مالك فتقسيم غير صحيح، وما علمنا ذلك التقسيم عن أحد قبله،
ولا تقوم على صحته حجة من قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس
ولا رأى له وجه.
والعجب أنهم احتجوا في ذلك بأن الزكاة إنما سقطت عن الحلى المتخذ للنساء لأنه
مباح لهن، وكذلك عن المنطقة، والسيف، وحلية المصحف، والخاتم للرجال.
قال أبو محمد: فكان هذا الاحتجاج عجبا!، ولقد علم كل مسلم ان الدنانير والدراهم
ونقار الذهب والفضة: مباح اتخاذ كل ذلك للرجال والنساء فينبغي على هذا ان
تسقط الزكاة عن كل ذلك، إن كانت هذه العلة صحيحة!، ويلزم على هذه العلة ان من

(1) ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء
(2) من أول المسألة إلى هنا ضاع بتقطيع الورق من النسخة رقم (16)، ونقلناه من النسخة رقم (45)، ثم عدنا إلى النسخة رقم (16) مع المقابلة في الكل على النسخة رقم (14)
(3) سقط اسم (عطاء) من النسخة رقم (16)
76

اتخذ (1) مالا زكاة فيه مما لم يبح له اتخاذه أن تكون فيه الزكاة عقوبة له، كما
أسقط الزكاة عما فيه الزكاة من الذهب والفضة إذا اتخذ منه حلي مباح اتخاذه!.
فان قالوا: إنه يشبه متاع البيت الذي لا زكاة فيه من الثياب ونحوها.
قلنا لهم: فأسقطوا بهذا لعلة نفسها إن صححتموها الزكاة عن الإبل المتخذة
للركوب والسني (2) والحمل والطحن، وعن البقر المتخذة للحرث.
وقبل كل شئ وبعد، فمع فساد هذه العلة وتناقضها، ومن أين قلتم بها؟ ومن أين
صح لكم ان ما أبيح اتخاذه من الحلى تسقط عنه الزكاة؟ وما هو إلا قولكم جعلتموه حجة
لقولكم ولا مزيد!.
ثم أين وجدتم إباحة اتخاذ المنطقة المحلاة بالفضة والمصحف المحلى بالفضة للرجال دون
السرج واللجام، والمهاميز (3) المحلاة بالفضة؟!.
فان ادعوا في ذلك رواية عن السلف ادعوا ما لا يجدونه.
وأوجدناهم عن السلف بأصح طريق من طريق البخاري محمد بن إسماعيل في تاريخه عن
عبد الله بن محمد المسندي عن سفيان عن إسماعيل بن محمد بن سعيد بن أبي وقاص عن عمه مصعب
ابن سعد قال: رأيت على سعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله وصهيب خواتيم ذهب.
وصح أيضا عن البراء بن عازب.
فأسقطوا لهذا الزكاة عن خواتيم الذهب الرجال، أو قيسوا حلية السرج واللجام،
والدرع والبيضة على المنطقة والسيف، والا فلا النصوص اتبعتم، ولا القياس استعملتم!
فسقط هذا القول بيقين.
وأما قول الليث ففاسد أيضا، لأنه لا يخلو حلي النساء من أن تكون فيه الزكاة أو لا تكون
فيه الزكاة، فإن كانت فيه الزكاة ففي كل حال فيه الزكاة، وإن كان لا زكاة فيه فما علمنا
على من اتخذ مالا زكاة فيه ليحرزه من الزكاة زكاة! ولو كان هذا لوجب على من اشترى
بدراهمه دارا أو ضيعة ليحرزها من الزكاة أن يزكيها، وهو لا يقول بهذا.
وأما الشافعي فإنه علل ذلك بالنماء، فأسقط الزكاة عن الحلى (4) وعن الإبل، والبقر
والغنم غير السوائم.

(1) في النسخة رقم (16) (ان متى اتخذ) الخ
(2) هنا بحاشية النسخة رقم (14) (يعنى السانية) وهو ظاهر
انه المراد يشكل ان فعل (سنا) بمعنى سقى واوى، وان مصادره هي (السنو) بضم السين والنون وتشديد
الواو (والسناية والسناوة) بكسر السين فيهما
(3) المهمز والمهماز حديدة في مؤخر خف الرائض، جمعه مهامز ومهاميز، قاله القاموس، هو معروف (14) في النسخة رقم (16) (وأسقط ذلك عن الحلى)
77

قال أبو محمد: وهذا تعليل فاسد، لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا نظر
صحيح، وقد علمنا أن الثمار والخضر تنمى، وهو لا يرى الزكاة فيها، وكراء الإبل وعمل البقر
ينمى، وهو لا يرى الزكاة فيها، والدراهم لا تمنى إذا بقيت عندمالكها، وهو يرى
الزكاة فيها، والحلي ينمى كراؤه وقيمته، وهو لا يرى الزكاة فيه.
وأما أبو حنيفة فأوجب الزكاة في الحلى، وأسقط الزكاة عن المستعملة من الإبل
والبقر والغنم، وهذا تناقض.
واحتج له بعض مقلديه بأن الذهب والفضة قبل أن يتخذ حليا كانت فيهما (1) الزكاة،
ثم قالت طائفة: قد سقط عنهما (2) حق الزكاة وقال آخرون: لم يسقط، فوجب أن
لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف.
فقلنا: هذه حجة صحيحة، إلا أنها لازمة لكم في غير السوائم، لاتفاق الكل على وجوب
الزكاة فيها قبل أن تعلف، فلما علفت اختلفوا في سقوط الزكاة أو تماديها، فوجب أن
لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف.
وقال هذا القائل: وجدنا المعلوفة ننفق عليها ونأخذ منها، ووجدنا السوائم نأخذ
منها ولا ننفق عليها، والحلي يؤخذ منه كراؤه (3) وينتفع به ولا ينفق عليه، فكان أشبه
بالسوائم منه بالمعلوفة.
فقيل له: والسائمة أيضا ينفق عليها أجر الراعي، وهذه كلها أهواس وتحكم في الدين بالضلال!.
قال أبو محمد: واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلى بآثار واهية، لاوجه للاشتغال بها،
الا اننا ننبه عليها تبكيتا للمالكيين المحتجين بمثلها وبما هو دونها إذا وافق تقليدهم! وهي.
خبر رويناه من طريق خالد بن الحارث عن الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده: (أن امرأة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى يدها مسكتان (4) غليظتان من ذهب
فقال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة
سوارين من نار؟ فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله) (5)

(1) في النسخة رقم (16) (فيه) وفى النسخة رقم (14) (فيها) وصححناه هكذا لقوله بعد: (عنهما)
(2) في النسخة رقم (16) (عنها)
(3) في النسخة رقم (16) (يأخذ منه كراه)
(4) بالميم والسين المهملة المفتوحتين، الواحدة مسكة والجمع مسك، بفتح السين فيهما وهي الاسوارة والخلاخيل
(5) رواه من هذا اللفظ أبو داود (ج 2 ص 4) ورواه أيضا النسائي (ج 5 ص 38) كلاهما من طريق حسين المعلم عن عمرو: وعندهما ان المسكين كانتا في يد ابنة للمرأة: ورواه الترمذي (ج 1 ص 81 هند) من طريق ابن لهيعة عن عمرو، وفيه (ان امرأتين أتتا) الخ
78

والمالكيون يحتجون برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافق أهواءهم، ولم
يروه ههنا حجة.
وخبر من طريق عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة أم المؤمنين قالت:
(كننت ألبس أوضاحا (1) لي من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: ما بلغ
أن تؤدى زكاته فزكى فليس بكنز (2)).
وعتاب مجهول، الا أن المالكيين يحتجون بمثل حرام بن عثمان، وسوار بن مصعب،
وهذا خير منه.
ومن طريق يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمرو هو ابن عطاء
أخبره عن (3) عبد الله بن شداد بن الهاد قال: دخلنا على عائشة أم المؤمنين فقالت: (دخل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي سخابا من ورق، فقال: أتؤدين زكاته؟ قلت: لا،
أو ما شاء الله تعالى، فقال: هو حسبك (4) من النار.
قال أبو محمد: يحيى بن أيوب ضعيف، كالمالكيون يحتجون بروايته، وإذا وافق أهواءهم،
ونقول للحنيفيين: أنتم قد تركتم رواية أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ
الكلب سبعا من أجل أنكم رويتم من طريق لا خير فيها أنه خالف ما روى من ذلك
لا حجة لكم في ترك ذلك الخبر الثابت الا بهذا، ثم أخذتم برواية عائشة هذه التي
لا تصح، وهي قد خالفته من أصح طريق، فما هذا التلاعب بالدين؟!.
فان قالوا: قد روى عنها الاخذ بما روت من هذا.
قلنا لهم: وقد صح عن أبي هريرة الاخذ بما روى في غسل الإناء من ولوغ الكلب.
فان قالوا: قد روى زكاة الحلى كما أوردتم غير عائشة، وهو عبد الله بن عمرو (5).

(1) هو بالضاد المعجمة والحاء المهملة: نوع من الحلى
(2) رواه أبو داود (ج 2 ص 4) من طريق عتاب بن بشير
والدارقطني (ص 204 و 205) والحاكم (ج 1 ص 390) كلاهما من طريق محمد بم مهاجر عن ثابت بن عجلان: فلم
يتفرد به عتاب بن بشير كما يوهم صنيع المؤلف وعتاب ليس مجهولا كما زعم ابن زعم ابن حزم، بل هو ثقة معروف روى له البخاري:
وإنما أنكروا عليه أحاديث رواها عن خصيف، ورجع أحمد ان نكارتها إنما هي من قبل خصيف، والحديث صححه
الحاكم والذهبي على شرط البخاري
(3) كلمة (عن) زيادة منم النسخة رقم (14)
(4) رواه أبو داود (ج ص 4 5) والدارقطني ص (205) والحاكم (ج 1 ص 389) وعند أبي داود والدارقطني (فتخاب) بدل سخابا) والسخاب
بكسر السين وبالخاء المعجمة كل قلادة كانت ذات جوهر أو لم تكن: والفتخة والفتخة بفتح التاء وباسكانها
وبالخاء المعجمة فيهما خاتم يكون في اليد والرجل بفص وغير فحص: وقيل هي الخاتم أيا كان، والجمع
فتخ وفتخات بفتح التاء فيهما وفتوخ أيضا والحديث صححه الحاكم والذهبي على شرط الشيخين.
(5) في النسخة رقم (16) (وهو عبد الله بن عمر) وهو خطأ، فإنه يشير إلى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: فهو
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
79

قلنا لهم: وقد روى غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا غير أبي هريرة، وهو
عبد الله بن مغفل، وهذا ما لا انفكاك لهم منه.
قال أبو محمد: لو لم يكن الا هذه الآثار لما قلنا (1) بوجوب الزكاة في الحلى، لكن
لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (في الرقة ربع العشر) (وليس فيما دون خمس أواقي (2)
من الورق صدقة فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم) وكان المحلى ورقا
وجب (3) فيه حق الزكاة، لعموم هذين الاثرين الصحيحين.
وأما الذهب فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب لا يؤدى
ما فيها الا جعل له يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها (فوجبت الزكاة في كل ذهب
بهذا النص، وإنما تسقط الزكاة من الذهب عمن لا بيان في هذا النص بايجابها فيه، وهو
لعدد والوقت، لاجماع الأمة كلها بلا خلاف منها أصلا على أنه عليه الصلاة
والسلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب، ولا في كل وقت من الزمان، فلما صح
ذلك ولم يأت نص في العدد والوقت وجب أن لا يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ما صح
عنه بنقل آحاد أو بنقل اجماع، ولم يأت اجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد
الا بعض أحوال الذهب وصفاته، فلم يجز تخصيص شئ من ذلك بغير نص ولا اجماع.
فان قيل: فهلا أخذتم بقول أنس في الحلى بهذا الدليل نفسه، فلم توجبوا فيه الزكاة
الا مرة واحدة في الدهر؟!.
قلنا لهم: لأنه قذ صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ايجاب الزكاة في الذهب عموما، ولم يخص
الحلى منه بسقوط الزكاة فيه، لا بنص ولا باجماع، فوجبت الزكاة بالنص في كل
ذهب وفضة، وخص الاجماع المتيقن بعض الاعداد منهما وبعض الأزمان،
فلم تجب الزكاة فيهما الا في عدد أوجبه نص أو إجماع، وفى زمان أو جبه نص أو
إجماع، ولم يجز تخصيص شئ منهما، وإذ قد عمهما النص، فوجب ان لا يفرق بين
أحوال الذهب بغير نص ولا اجماع، وصح يقينا بلا خلاف أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يوجب الزكاة في الذهب والفضة كل عام، والحلي فضة أو ذهب، فلا يجوز
ان يقال: (إلا الحلى) بغير نص في ذلك ولا اجماع، وبالله تعالى التوفيق.
وأما الجمع بين الفضة والذهب في الزكاة فان مالكا وأبا يوسف ومحمد بن الحسن
قالوا: من كان معه من الدراهم والدنانير ما إذا حسبهما على أن كل دينار بإزاء عشرة

(1) في النسخة رقم 14 (ما قلنا)
(2) في النسخة رقم 14 (أوراق)
(3) في النسخة رقم 14 (فأوجب)
80

دراهم فاجتمع من ذلك عشرون دينارا أو مائتا (1) درهم: زكى الجميع زكاة
واحدة، مثل أن يكون له دينار ومائة وتسعون درهما، أو عشرة دراهم وتسعة عشر
دينارا، (2) أو عشرة دنانير ومائة درهم،، وعلى هذا الحكم أبدا. فإن كان له أقل من
ذلك فلا زكاة عليه، ولم يلتفتوا إلى غلاء قيمة الدنانير، أو الدراهم أو رخصها، وهو قول أبي حنيفة الأول.
ثم رجع فقال: يجمع بينهما بالقيمة، فإذا بلغ قيمة ما عنده منهما جميعا عشرين
دينارا أو مائتي درهم فعليه الزكاة، وإلا فلا، فيرى على من عنده دينار واحد يساوى
لغلاء الذهب مائتي درهم غير درهم وعنده درهم واحد: أن الزكاة واجبة عليه،
ولم ير على من عنده تسعة عشر دينارا ومائتي درهم (3) غير درهم لا تساوى
دينارا: زكاة.
وقال ابن أبي ليلى، وشريك، والحسن بن حي، والشافعي، وأبو سليمان: لا يضم ذهب
إلى ورق أصلا، لا بقيمة ولا على الاجزاء، فمن عنده مائتا درهم غير حبة وعشرون دينارا
غير حبة: فلا زكاة عليه فيهما، فان كمل أحدهما نصابا زكاه ولم يزك الآخر.
قال أبو محمد: واحتج من رأى الجمع بينهما بأنهما أثمان الأشياء.
قال على: فيقال له: والفلوس قد تكون أثمانا أيضا، فزكها على هذا الرأي الفاسد،
والأشياء كلها قد يباع بعضها ببعض، فتكون أثمانا، فزك العروض بهذه العلة.
وأيضا: فمن لكم بأنهما لما كانا أثمانا للأشياء (4) وجب ضمهما في الزكاة؟!
فهذه علة لم يصححها قرآن، ولا سنة، ولا رواية فاسدة، ولا اجماع، ولا قول صاحب،
ولا قياس يعقل، ولا رأى سديد، وإنما هي دعوى في غاية الفساد.
وأيضا: فإذ (5) صححتموها فاجمعوا بين الإبل والبقر في الزكاة، لأنهما يؤكلان
وتشرب ألبانهما، ويجزئ كل واحد منهما عن سبعة في الهدى نعم، واجمعوا بينهما
وبين الغنم في الزكاة، لأنها كلها تجوز في الأضاحي وتجب فيها الزكاة!.
فان قيل: النص فرق بينهما.
قلنا: والنص فرق بين الذهب، والفضة في الزكاة، ولا يخلو الذهب، والفضة من أن
يكونا جنسا واحدا (6) أو جنسين، فإن كانا جنسا واحدا فحرموا بيع أحدهما بالآخر

(1) في النسخة رقم (16) (مائتي درهم) وهو لحن
(2) في النسخة رقم (16) (أو تسعة عشر دينارا) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (أو مائتي درهم) وهو خطأ
(4) كلمة (لأشياء) ليست في النسخة رقم (14)
(5) في النسخة رقم (14) (فان)
(6) في النسخة رقم (16) (وحد وهو لحن)
81

متفاضلا، وإن كانا جنسين فالجمع بين الجنسين لا يجوز، إلا بنص وارد في ذلك.
ويلزمهم الجمع بين التمر، والزبيب في الزكاة، وهم لا يقولون: هذا لأنهما قوتان
حلوان فظهر فساد هذا القول بيقين.
وأيضا: فيلزم من رأى الجمع بينهما بالقيمة أن يزكى في بعض الأوقات دينارا أو
درهما فقد شاهدنا الدينار (1) يبلغ بالأندلس أزيد من مائتي درهم، وهذا باطل
شنيع جدا! * ويلزم من رأى الجمع بينهما بتكامل الاجزاء أنه إن كان الذهب رخيصا أو غاليا فإنه
يخرج الذهب عن الذهب، والفضة بالقيمة، أو تخرج الفضة عن الذهب والفضة بالقيمة وهذا ضد ما جمع به بينهما، فمرة راعى القيمة لا الاجزاء، ومرة راعى الاجزاء
لا القيمة، في زكاة واحدة وهذا خطأ بيقين.
ولا فرق بين هذا القول وبين من قال: بل أجمع الذهب مع الفضة بالقيمة وأخرج
عنهما أحدهما بمراعاة الاجزاء، وكلاهما تحكم بالباطل.
وأيضا فيلزمه إذا اجتمع له ذهب وفضة تجب فيهما عنده الزكاة وكان الدينار
قيمته أكثر من عشرة دراهم فإنه ان أخرج ذهبا عن كليهما فإنه يخرج ربع دينار
وأقل عن زكاة عشرين دينارا، وهذا باطل عندهم، وإن أخرج دراهم عن كليهما
وكان الدينار لا يساوي إلا أقل من عشرة دراهم وجب أن يخرج أكثر من عشرة
دراهم عن مائتي درهم، وهذا باطل باجماع.
فان قالوا: إنكم تجمعون بين الضأن، والماعز في الزكاة، وهما نوعان مختلفان.
قلنا: نعم لان الزكاة جاءت فيهما (2) باسم يجمعهما، وهو لفظ (الغنم) و (الشاء)
ولم تأت الزكاة في الذهب، والفضة بلفظ يجمعهما، ولو لم تأت الزكاة في الضأن الا باسم
(الضأن) ولا في الماعز الا باسم (الماعز) لما جمعنا بينهما، كما لم نجمع بين البقر والإبل (3)،
ولو جاءت الزكاة في الذهب والفضة بلفظ واسم جامع بينهما لجمعنا بينهما.
قال أبو محمد: وهم مجمعون على أن الذهب غير الفضة، وأنه يجوز بيع درهم من
أحدهما بمائة من الآخر، وأن أحدثهما حلال للنساء والرجال، والآخر حلال للنساء
حرام على الرجال، وهم مقرون أن الزكاة خ لا تجب في أقل (4) من مائتي درهم، ولا

(1) في النسخة رقم (16) (الدنانير)) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (14) (لان الزكاة فيهما جاءت).
(3) في النسخة رقم (14) (الإبل والبقر)
(4) في النسخة رقم (16) (وهم مقرون ان لا تجوز في أقل)
الخ وهو خطأ ظاهر
82

في أقل من عشرين دينارا، ثم يوجبونها في عشرة دنانير ومائة درهم! وهذا تناقض
لاخفاء به.
قال أبو محمد: وحجتنا في أن لا يحل الجمع بينهما في الزكاة هو قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق (1) من الورق صدقة) فكان من جمع
بين الذهب، والفضة قد أوجب الزكاة في أقل من خمس أواق (2) وهذا خلاف مجرد
لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) وشرع لم يأذن الله تعالى به وهم يصححون
الخبر في اسقاط الزكاة في أقل من عشرين دينارا ثم يوجبونها في أقل، وهذا عظيم جدا!
وقد صح عن علي، وعمر، وابن عمر اسقاط الزكاة في أقل من مائتي درهم، ولا مخالف
لهم من الصحابة رضي الله عنهم وبالله تعالى التوفيق.
وأما اخراج الذهب عن الورق والورق عن الذهب فان مالكا وأبا حنيفا أجازاه (4)
ومنع منه الشافعي، وأبو سليمان، وبه نأخذ، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (في الرقة ربع العشر، وفى مائتي درهم خمسة دراهم) فمن أخرج غير ما أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم باخراجه فقد تعدى حدود الله، ومن يطع الرسول فقد أطاع
الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، ولم يأت بما أمر، ومن لم يأت بما أمر فلم يزك.
وأما الأمة كلها مجمعة على أنه ان أخرج في زكاته الذهب (5) فقد أدى ما عليه،
ووافق ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واختلفوا فيمن أخرج فضة عن ذهب، أو عرضا عن أحدهما، أو غير ما جاء به
النص (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) (6) فيما عداهما فلا يجوز أن ينسب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم حكما بغير نص ولا إجماع. وبالله تعالى التوفيق.
المال المستفاد
685 مسألة قال أبو محمد: صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال
يزكى حين يملكه المسلم.
وصح عن ابن عمر: لا زكاة فيه حتى يتم حولا.

(1) في النسخة رقم (16) (أواقي)
(2) في النسخة رقم (16) (أواقي)
(3) في النسخة رقم (14) (لرسول الله صلى الله عليه وسلم)
(4) في النسخة رقم (16) (أجازه) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (14) (وأما الذهب فالأمة كلها مجمعة على أنه ان أخرج في زكاتها الذهب) الخ، وما هنا أصح وأقوم
(6) قوله (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليس في النسخة رقم (14) بل هو من النسخة رقم (16)
83

وقال أبو حنيفة: لا يزكي المال المستفاد إلا حتى يتم حولا إلا إن كان عنده مال
يجب في عدد ما عنده منه الزكاة في أول الحول: فإنه إن اكتسب بعد ذلك
ولو قبل تمام الحول بساعة شيئا قل أو كثر من جنس ما عنده: فإنه يزكى المكتسب
مع الأصل، سواء عنده الذهب، والفضة، والماشية، والأولاد وغيرها.
وقال مالك: لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا، وسواء كان عنده ما فيه
الزكاة من جنسه أو لم يكن، إلا الماشية، فان ما استفاد منها شيئا بغير ولادة منها،
فإن كان الذي عنده منها نصابا: زكى الجميع عند تمام الحول وإلا فلا، وإن
كانت من ولادة زكى الجميع بحول الأمهات (1)، سواء كانت الأمهات نصابا أولم تكن.
وقال الشافعي: لا يزكى مال مستفاد مع نصاب كان عند الذي استفاده من جنسه
البتة، إلا أولاد الماشية مع أمهاتها فقط إذا كانت الأمهات نصابا وإلا فلا.
قال أبو محمد: وقد ذكرنا قبل فساد هذه الأقوال كلها، ويكفى من فسادها أنها
كلها مختلفة! وكلها دعا ومجردة، وتقاسيم فاسدة متناقضة، لا دليل على صحة شئ منها،
لامن قرآن ولا من سنة صحيحة، ولا من رواية سقيمة، ولا من إجماع ولا من قياس،
ولا من رأى له وجه.
وقال أبو حنيفة: من كان عنده مائتا درهم في أول الحول فلما كان بعد ذلك بيوم
تلفت كلها أو انفقها إلا درهما واحدا فإنه بقي عنده، فلما كان قبل تمام الحول بساعة
اكتسب مائة درهم وتسعة وتسعين درهما: فالزكاة عليه في الجميع (2) لحول التي
تلفت، فلو لم يبق منها ولا درهم فلا زكاة عليه فيا اكتسب ولو أنها مائة ألف درهم
حتى يتم لها حول.
فياليت شعري! ما شأن هذا الدرهم؟! وما قوله لو (3) لم يبق إلا فلس؟! وكذلك
قوله فيمن عنده نصاب من ذهب، أو من بقر، أو من إبل، أو من غنم ثم تلفت كلها إلا
واحدة ثم اكتسب مكن جنسها قبل الحول ما يتم بما بقي عنده النصاب؟!
وهذا قول
يغنى ذكره عن تكلف الرد عليه.
ولئن كانت الزكاة باقية في الدرهم الباقي فان الزكاة واجبة فيه وان لم يكتسب غيره
نعم، وفيما اكتسب إليه ولو أنه درهم آخر! ولئن كانت الزكاة غير باقية فيه فان
الواجب عليه استئناف الحول بما اكتسب معه.
وممن روى عنه تعجيل من الفائدة ابن مسعود، ومعاوية، وعمر بن عبد العزيز

(1) في النسخة رقم (14) (لحلول الأمهات)
(2) في النسخة رقم (4) (للجميع)
(3) في النسخة رقم (16 (ولم وهو خطأ
84

والحسن، والزهري.
وممن صح عنه: لا زكاة في مال حتى يتم له حول (1): على، وأبو بكر الصديق،
وعائشة أم المؤمنين، وابن عمر، وقد ذكرناها في باب ذكرنا أولاد الماشية.
وأما تقسيم أبي حنيفة، ومالك، والشافعي فلا يحفظ عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم،
نعم، ولاعن أحد من التابعين.
قال أبو محمد: كل فائدة فإنما تزكى لحولها، لا لحول ما عنده من جنسها وان
اختلطت عليه الأحوال.
تفسير ذلك (3): لوان امرءا ملك نصابا وذلك مائتا درهم من الورق، أو أربعين
دينارا من الذهب، أو خمسا من الإبل، أو خمسين من البقر ثم ملك بعد ذلك بمدة قريبة
أو بعيدة، إلا أنها قبل تمام الحول من جنس ما عنده أقل مما ذكرنا، أو ملك أربعين شاة
ثم ملك في الحول تمام مائة وعشرين: فإن كان ما اكتسب لا يغير ما كان عليه من الزكاة
فإنه يضم التي ملك إلى ما كان عنده، لأنها لا تغير حكم ما كان عليه من الزكاة، فيزكى ذلك
لحول التي كانت عنده (4) ثم يستأنف الجميع حولا، فان استفاد في داخل الحول ما يغير
الفريضة فيما عنده، إلا أن تلك الفائدة لو انفردت لم تجب فيها الزكاة وليس ذلك إلا
في الورق خاصة على كل حال، وفى سائر ذلك في بعض الأحوال: فإنه يزكى الذي
عنده وحده لتمام حوله، وضم (5) حينئذ الذي استفاده إليه لا قبل ذلك واستأنف
بالجميع حولا.
مثل: من كان (6) عنده مائة شاة وعشرون شاة ثم استفاد شاة فأكثر، أو كان عنده
تسع وتسعون بقرة فأفاد بقرة فأكثر، أو كان عنده تسع من الإبل فأفاد واحدة فأكثر
أو تسع وسبعون دينارا فأفاد دينارا فأكثر، لان الذي يبقى بعد الذي زكى لا زكاة فيه،
ولا يجوز أن يزكى مال (7) مرتين في عام واحد.
فلو ملك نصابا كما ذكرنا. ثم ملك في داخل الحول نصابا أيضا من الورق
أو الذهب أو الماشية فإنه يزكى كل مال لحوله، فإنه رجع الأول منهما إلى ما لا زكاة فيه فإذا
حال حول الفائدة زكاها ثم ضم الأول حينئذ إلى الآخر، لان الأول قد صار لا زكاة فيه،

(1) في النسخة رقم (16) (حتى يحول عليه الحول)
(2) في النسخة رقم (16) (فإنها)
(3) في النسخة رقم (16) (من جنسها فان اختلطت عليه الأحوال فتفسير ذلك) وما هنا أصح
(4) في النسخة رقم (16) فيزكى ذلك الحول كانت عنده) وهو خطأ صرف
(5) في النسخة رقم (14) (ضم) بدون الواو، وهو خطأ
(6) في النسخة رقم (16) (ثم من كان)) الخ وهو خطأ
(7) في النسخة رقم (16) (مالا)
85

ولا يجوز أن يزكيه مع ما قد زكاه من المال الثاني، فيكون يزكى الثاني مرتين في عام،
ويستأنف بالجميع حولا.
فان رجع المال الثاني مالا زكاة فيه وبقى الأول نصابا فإنه يزكيه إذا حال حوله،
ثم يضم الثاني إلى الأول من حينئذ لما قد ذكرنا فيستأنف بهما حولا.
فلو خلطهما فلم يتميزا فإنه يزكى كل عدد منهما لحوله، ويجعل ما أخرج من ذلك
كله نقصانا (1) من المال الثاني، لأنه لا يوقن بالنقص إلا بعد إخراج الزكاة من الثاني،
وأما قبل ذلك فلا يقين عنده بأن أحدهما نقص، فلا يزال كذلك حتى يرجع كلاهما إلى
ما يوقن أن أحدهما قد نقص ولابد عما فيه الزكاة.
وذلك مثل أن يرجع الغنمان إلى أقل من عشرين ومائة، لأنه لا يجوز أن يزكى عن هذا
العدد بشاتين، أو أنه قد رجع البقران إلى أقل من مائة، والذهبان إلى أقل من ثمانين دينارا،
والابلان إلى أقل من عشرة، والفضتان إلى أقل من أربعمائة درهم.
فإذا رجع المالان إلى ما ذكرنا فقد يمكن أن النقص دخل في كليهما، ويمكن أن يكون
دخل في أحدهما، إلا أنه بلا شك قد كان عنده مال تجب فيه الزكاة، فلا تسقط عنه بالشك
فإذا كان هذا ضم المال الثاني إلى الأول فزكى الجميع لحول الأول أبدا، حتى يرجع الكل
إلى ما لا زكاة فيه.
فلو اقتنى خمسا من الإبل أو أكثر إلا أنه عدد يزكى بالغنم ثم اقتنى في داخل
الحول عددا يزكى وحده لو انفرد إما بالغنم وإما بالإبل فإنه يزكى ما كان عنده
عند تمام حوله بالغنم، ثم ضمه إثر ذلك إلى ما استفاد، إذ لا يجوز أن يكون إنسان واحد
عنده إبل له قد تم لجميعها حول فيزكى بعضها بالغنم وبعضها بالإبل، لأنه خلاف أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في زكاة الإبل.
فلو ملك خمسا وعشرين من الإبل ثم ملك في الحول احدى عشرة زكى الأول لحولها
بنت مخاض، ثم ضمها إلى الفائدة من حينئذ على كل حال فزكى الجميع لحول من حينئذ
مستأنف ببنت لبون، لما ذكرنا من أنه لا تختلف زكاة إبل واحدة لمالك واحد.
وهكذا في كل شئ.
فان قيل: فإنكم تؤخرون زكاة بعضها عن حوله شهورا (2).
قلنا: نعم، لأننا لا نقدر على غير ذلك البتة، الا باحداث زكاتين في مال واحد،
وهذا خلاف النص، وتأخير الزكاة إذا لم يمكن (3) التعجيل مباح لا حرج فيه.

(1) في النسخة رقم (16) (نقصا)
(2) في النسخة رقم (16) شهرا)
(3) في النسخة رقم (16) (يكن) وهو خطأ
86

وبالله تعالى التوفيق.
686 مسألة (1) من اجتمع في ماله زكاتان فصاعدا وهو حي؟.
قال أبو محمد: تؤدى كلها لكل سنة على عدد ما وجب عليه في كل عام، وسواء كان
ذلك لهروبه بماله، أو لتأخير (2) الساعي، أو لجهله، أو لغير ذلك، وسواء في ذلك العين
والحرث، والماشية، وسواء أتت الزكاة على جميع ماله أو لم تأت وسواء رجع ماله
بعد أخذ الزكاة منه إلى مالا زكاة فيه أو لم يرجع، ولا يأخذ الغرماء شيئا حتى
تستوفى الزكاة.
وقال مالك: إن كان ذلك عينا ذهبا، أو فضة فإنه تؤخذ منه زكاة كل سنة (3)
حتى يرجع الوزن إلى مائتي درهم، والذهب إلى عشرين دينارا، فتؤخذ الزكاة لسنة
واحدة، ثم لا شئ عليه لما بعد ذلك من السنين.
وإن كانت زكاة زرع فرط فيها سنين أخذت كلها وان اصطلمت جميع ماله.
وإن كانت ماشية، فإن كان هو هرب إمام الساعي فان الزكاة تؤخذ منه على حسب
ما كان عنده في كل عام، فإذا رجع ماله باخراج الزكاة إلى ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه
شئ لسائر ما بقي من الأعوام، وإن كان الساعي هو الذي تأخر عنه فإنه تؤخذ منه زكاة
ما وجد بيده لكل عام خلا، سواء كان بيده فيما خلا أكثر أو أقل، ما لم يخرج إلى
ما لا زكاة فيه (4)، فإذا رجع إلى ما لا زكاة فيه لم يؤخذ مه شئ.
وقال أبو حنيفة فيمن كان له عشر من الإبل عامين لم يؤد زكاتها (5): إنه يزكى
للعام الأول شاتين، وللعام الثاني شاة واحدة.
وقال هو ومحمد بن الحسن فيمن كان عنده مائتا درهم لا مال له غيرها فلم يزكها
سنتين فصاعدا: انه لا زكاة عليه، لان الزكاة صارت عليه دينار فيها! هذا نص كلامه.
وقال أبو يوسف: عليه زكاتها لعام واحد فقط.
وقال زفر: عليه زكاتها لكل عام أبدا، وبه يقول أبو سليمان وأصحابنا.
قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر التناقض، وتقسيم فاسد، لا برهان على صحته
لأنه دعوى بلا دليل. وما العجب الامن رفقهم بالهارب أمام المصدق! وتحريهم
العدل فيه! وشدة حملهم على من تأخر عنه الساعي، فيوجبون عليه زكاة الف

(1) لفظ (مسألة) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (16) (لتأخر)
(3) في النسخة رقم (16) (الزكاة كل سنة) وما هنا أصح
(4) في النسخة رقم (14) (ما لم يخرج الا مالا زكاة فيه) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (16) (زكاتها)
(6) في النسخة رقم (16) (وتحريم العدل) وهو خطأ فاحش
87

ناقة لعشر سنين، ولم يملكها الا سنة واحدة، وإنما ملك في سائر الأعوام خمسا
من الإبل فقط! واحتجوا في هذا بأن هكذا زكى الناس إذ أجمعوا على معاوية.
قال أبو محمد: وهم قد خالفوا معاوية في أخذ الزكاة من الأعطية ومعه ابن مسعود،
وقلدوا ههنا سعاة من لا يعتد به، كمروان، وسعيد بن العاصي وما هنالك: ومعاذ الله
أن تؤخذ الزكاة (1) من إبل لم يملكها المسلم وتعطل (2) زكاة قد أوجبها الله تعالى.
وأما قول أبى يوسف فإنه محمول على أن الزكاة في العين وغيرها في المال
نفسه، لا في الذمة، وهذا أمر قد بينا فساده قبل، وأوضحنا أنها في الذمة لا في العين
ولو كانت في العين لما أجزأه أن يعطى الزكاة من غير ذلك المال نفسه، وهذا أمر
مجمع علي خلافه، وعلى أن له أن يعطيها من حيث شاء، فإذ صح أنها في الذمة فلا يسقطها
عنه ذهاب ماله، ولا رجوعه إلى مالا زكاة فيه.
واحتج بعضهم بأن امرءا لو باع (3) ماشيته بعد حلول الزكاة فيها ان للساعي أخذ
الزكاة من تلك الماشية المبيعة.
قال أبو محمد: وهذا باطل، وماله ذلك، لأنها قد صارت مالا من مال المشترى،
ولا يحل أن تؤخذ زكاة من عمرو لم تجب عليه وإنما وجبت على زيد، لكن يتبع
البائع بها دينا في ذمته، وبالله تعالى التوفيق.
687 مسألة فلو مات الذي وجبت عليه الزكاة سنة، أو سنتين فإنها من رأس
ماله، أقربها أو قامت عليه بينة، ورثه ولده أو كلالة، لا حق للغرماء، ولا للوصية ولا للورثة
حتى تستوفى كلها، سواء في ذلك العين والماشية والزرع. وهو قول الشافعي، وأبي سليمان
وأصحابهما.
وقال أبو حنيفة: من مات بعد وجوب الزكاة في ذهبه وفضته فإنها تسقط بموته،
لا تؤخذ (4) أصلا، سواء مات (5) اثر الحول بيسير أو كثير، أو كانت كذلك لسنين.
وأما زكاة الماشية فإنه روى عنه ابن المبارك: أنه يأخذها المصدق منها، وان
وجدها بأيدي ورثته.
وروى عنه أبو يوسف: انها تسقط بموته.
واختلف قوله في زكاة المثار والزرع: فروى عنه عبد الله بن المبارك: انها تسقط
بموته، وروى عنه محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: انها تؤخذ بعد موته،

(1) في النسخة رقم (16) (زكاة)
(2) في النسخة رقم (16) (أو تعطل)
(3) في النسخة رقم (14) (واحتج بعضهم: لو أن امرء ا باع) الخ.
(4) في النسخة رقم (14) (ولا تؤخذ)
(5) في النسخة رقم (14) (باثر)
88

ويرى أن قوله المذكور في الماشية، والزرع إنما هو في زكاة تلك السنة فقط، فأما زكاة
فرط فيها حتى مات فإنه يقول: بأنها تسقط عنه.
وقال مالك فيمن مات بعد حلول الزكاة في ماله أي مال كان، حاشا
المواشي: فإنها تؤخذ من رأس ماله، فإن كان فرط فيها أكثر من عام فلا تخرج عنه الا
أن يوصى بها، فتكون من ثلثه مبداة على سائر وصاياه كلها، حاشا التدبير في الصحة،
وهي مبداة على التدبير في المرض.
قال: وأما المواشي فإنه ان حال الحول عليها ثم مات قبل مجئ الساعي ثم جاء
الساعي فلا سبيل للساعي عليها، وقد بطلت، إلا أن يوصى بها، فتكون في الثلث غير
مبداة على سائر الوصايا.
واختلف قول الأوزاعي في ذلك: فمرة رآها من الثلث، ومرة رآها من رأس المال.
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة، ومالك ففي غاية الخطأ، لأنهما أسقطا بموت المرء
دينا لله تعالى وجب عليه في حياته، بلا برهان أكثر من أن قالوا: لو كان ذلك لما شاء
انسان ان لا يورث ورثته شيئا إلا أمكنه!.
فقلنا: فما تقولون في إنسان أكثر من إتلاف أموال الناس ليكون ذلك دينا عليه
ولا يرث ورثته شيئا، ولو أنها ديون يهودي أو نصراني في خمور أهرقها لهم؟!.
فمن قولهم: إنها كلها من رأس ماله، سواء ورث ورثته أو لم يرثوا، فنقضوا علتهم
بأوحش نقض! أسقطوا حق الله تعالى الذي جعله للفقراء، والمساكين من المسلمين،
والغارمين منهم، وفى الرقاب منهم، وفى سبيله تعالى، وابن السبيل فريضة من الله تعالى:
وأوجبوا ديون (1) الآدميين وأطعموا الورثة الحرام!.
والعجب كله من إيجابهم الصلاة بعد خروج وقتها على العامد لتركها، وإسقاطهم
الزكاة ووقتها قائم عن المتعمد لتركها!.
ثم تقسيم مالك بين المواشي وغير المواشي، وبين زكاة عامه ذلك وسائر الأعوام،
فرأى زكاة عامه من رأس المال، وان لم يبق للورثة شئ يعيشون منه، ولم ير زكاة
سائر الأعوام إلا ساقطة!.
ثم تفريقه بين الزكاة الناض يوصى بها فتكون في الثلث وتبدى على الوصايا الا على
التدبير (2) في الصحة وتبدى على التدبير في المرض: وبين زكاة الماشية يوصى بها

(1) في النسخة رقم (16) (ديون الناس)
(2) في النسخة رقم (16) (لا على التدبير) وهو خطأ)
89

فتكون في الثلث ولا تبدى على الوصايا، وهذه أشياء غلط فيها من غلط وقد الخير،
وإنما العجب ممن انشرح صدره لتقليد قائلها! ثم استعمل نفسه في إبطال السنن الثابتة
نصرا لها!
قال أبو محمد: ويبين صحة قولنا وبطلان قول المخالفين قول الله عز وجل في
المواريث (1) (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فعم عز وجل الديون كلها، والزكاة
دين قائم لله تعالى، وللمساكين، والفقراء، والغارمين وسائر من فرضها تعالى لهم في نص القرآن.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أحمد بن عمر الوكيعي، وأبو سعيد الأشج، قال
الوكيعي: ثنا حسين بن علي عن زائدة، قال أبو سعيد ثنا أبو خالد الأحمر (2) ثم اتفق
زائدة، وأبو خالد الأحمر كلاهما عن الأعمش عن مسلم البطين، والحكم بن عتيبة وسلمة
ابن كهيل، قال مسلم البطين: عن سعيد بن جبير، وقال الحكم وسلمة: سمعنا مجاهدا
ثم اتفق سعيد بن جبير، ومجاهد عن ابن عباس قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين،
أكنت قاضيه عنها؟! قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى) قال أبو خالد: في روايته
عن الأعمش عن مسلم البطين، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير، ومجاهد
وعطاء عن ابن عباس، وذكر زائدة في حديثه أن الأعمش سمعه من الحكم، وسلمة،
ومسلم (3).
ورويناه أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية
قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، وفيه
أنه عليه الصلاة والسلام قال: (فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء).
فهؤلاء عطاء، وسعيد بن جبير، ومجاهد يروونه عن ابن عباس، فقال: هؤلاء بآرائهم
بل دين الله تعالى ساقط! ودين الناس أحق أن يقضى! والناس أحق بالوفاء!.
قال أبو محمد: ويسألون عن الزكاة أفي الذمة هي أم في عين المال؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث.
فان قالوا: في عين المال، فقد صح أن أهل الصدقات شركاء في ذلك المال،
فمن أين وجبت أن يبطل حقهم وتبقى دين اليهود والنصارى؟ وان قالوا: في الذمة فمن
أين أسقطوها بموته؟! ولا يختلفون ان اقرار الصحيح لازم في رأس المال (4)، فمن

(1) قوله (في المواريث) سقط من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (16) (خالد الأحمر) وهو خطأ
(3) هو في صحيح (ج 1 ص 315)
(4) في النسخة رقم (16) (ماله)
90

أين وقع لهم إبطال إقرار المريض؟!.
فان قالوا: لأنه وصية، كذبوا وتناقضوا! لان الاقرار إن كان وصية فهو من الصحيح
أيضا من الثلث، وإلا فهاتوا فرقا بين المريض والصحيح!.
وان قالوا: لأننا نتهمه، قلنا: فهلا اتهمتم الصحيح فهو أحق بالتهمة؟! لا سيما
المالكيين الذين يصدقون قول المريض في دعواه أن فلانا قتله، ويبطلون اقراره
في ماله، وهذه أمور كما ترى! ونسأل الله العافية.
روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري في الرجل يموت ولم
يؤد زكاة ماله: أنها تؤخذ من ماله إذا علم بذلك، وقال ربيعة: لا تؤخذ (1) وعليه
ما تحمل.
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا جرير عن سليمان التيمي عن الحسن، وطاوس: انهما
قال في حجة الاسلام والزكاة: هما (2) بمنزلة الدين.
قال على: وللشافعي قول آخر: ان كل ذلك يتحاص مع ديون الناس.
قال على: وهذا خطأ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دين الله أحق أن
يقضى).
قال على: وهذا مما خالفوا فيه القرآن والسنن الثابتة التي لا معارض لها
والقياس، ولم يتعلقوا بقول صاحب نعلمه.
688 مسألة ولا يجزئ أداء الزكاة إذا أخرجها المسلم عن نفسه أو وكيله
بأمره إلا بنية أنها الزكاة المفروضة عليه، فان أخذها الامام، أو ساعيه، أو أميره،
أو ساعيه فبنية كذلك، لقول الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
فلو أن امرءا أخرج زكاة مال له غائب فقال: هذه زكاة مالي إن كان سالما، وإلا فهي
صدقة تطوع: لم يجزه ذلك عن زكاة ماله إن كان سالما، ولم يكن تطوعا لأنه لم
يخلص النية للزكاة محضة كما أمر، وإنما يجزئه إن أخرجها على أنها زكاة ماله فقط،
فان (3) كان المال سالما أجزأه، لأنه أداها كما أمر مخلصا لها، وإن كان المال قد تلف،
فان قامت له بينة فله أن يسترد ما أعطى، وان فاتت (4) أدى الامام إليه ذلك من سهم
الغارمين لأنهم أخذوها وليس لهم أخذها، فهم غارمون بذلك، وهذا كمن شك: عليه

(1) في النسخة رقم (16) (تؤخذ) بحذف لا وهو خطأ
(2) كلمة (هما) سقطت من النسخة رقم (16)
(3) في النسخة رقم (16) (وان)
(4) في النسخة رقم (16) (فاتوا) وهو خطأ
91

يوم من رمضان أم لا؟ وهل عليه صلاة فرض أم لا؟ فصلى عدد ركعات تلك الصلاة
وقال: إن كنت أنسيتها فهي هذه، والا فهي تطوع، وصام يوم فقال: إن كان على
يوم فهو هذا، والا فهو تطوع فان هذا لا يخرجه عن تلك الصلاة ولا عن ذلك اليوم
ان ذكر بعد ذلك أنهما عليه.
689 مسألة من خرج المال عن ملكه في داخل الحول قبل تمامه بأي وجه خرج
عن ملكه ثم رجع إليه بأي وجه رجع إليه، ولو إثر خروجه بطرفة عين
أو أكثر: فإنه يستأنف به الحول من حين رجوعه، لامن حين الحول الأول، لان
ذلك الحول قد بطل ببطلان الملك ومن الباطل ان يعد عليه وقت كان فيه المال لغيره.
وكذلك من باع إبلا بابل، أو بقرا ببقر، وأو غنما بغنم، أو فضة بفضة، أو ذهبا
بذهب: فان حول الذي خرج عن ملكه من ذلك قد بطل، ويستأنف الحول بالذي
صار في ملكه من ذلك، لما ذكرنا (1).
وسواء في كل ذلك فعل ذلك فرارا من الزكاة أو لغير فرار، فهو عاص بنيته السوء
في فراره من الزكاة (2).
وقال بعض الناس: إن كان فعل ذلك فرارا من الزكاة فعليه الزكاة، ثم ناقض من
قرب فقال: من اشترى بدراهمه أو بدنانيره عقارا أو متاعا فرارا من الزكاة فلا زكاة
عليه فيما اشترى.
قال أبو محمد: ومن المحال الذي لم يأمر الله تعالى به أن يزكى الانسان مالا هو
في يد غيره لم يحل حوله عنده (3). قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر
وازرة وزر أخرى) (4).
وقولنا في هذا كله هو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان.
وقال مالك: ان بادل ببقر أو بغنم أو بقرا بغنم فكذلك، سواء فعله فرارا من
الزكاة أو لغير فرار، وان بادل إبلا بابل، أو بقرا ببقر، أو غنما بغنم، أو ذهبا بذهب،
أو فضة (5) بفضة: فعليه الزكاة عند انقضاء حول (6) الذي خرج عن يده.
قال أبو محمد: وهذا خطأ ظاهر، ودعوى لا دليل على صحتها، لامن قرآن، ولا سنة

(1) كلمة (ذكرنا) سقطت من النسخة رقم (16)
(2) قوله (من الزكاة) سقط من النسخة رقم (16)
(3) في النسخة رقم (14) (ما لم يحل حوله عنده) وما هنا أحسن جدا
(4) قوله (قال تعالى) إلى آخر الآية ليس في النسخة رقم (16)
(5) كلمة (فضة) محذوفة من النسخة رقم (16)
(6) في النسخة رقم (14) (الحول) وما هنا أصح، بل هو الصواب
92

صحيحة (1)، ولا رواية سقيمة، ولا اجماع، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأى يصح.
ونسأل من قال بهذا: أهذه التي صارت إليه (2) هي التي خرجت عنه؟ أم هي غيرها؟
فان قال: هي غيرها، قيل: فكيف يزكى عن مال لا يملكه؟ ولعلها أموات أو عند
كافر (3).
وان: قال بل هي تلك، كابر العيان! صار في مسلاخ من يستسهل الكذب جهارا.
فان قال: ليست هي، ولكنها من نوعها، قلنا: نعم، فكان ماذا؟ ومن أين لكم
زكاة غير المال الذي ابتداء الحول في ملكه إذا كان من نوعه؟!.
ثم يسألون إن كانت الاعداد مختلفة: أي العددين يزكى؟ العدد الذي خرج عن
ملكه؟ أم العدد الذي اكتسب؟ ولعل أحدهما ليس نصابا.
وهذا كله خطأ لاخفاء به، وبالله تعالى التوفيق وأي شئ قالوا (4) في ذلك كان
تحكما وباطلا بلا برهان.
فان قالوا: إنه لم يزل مالكا لمائة شاة أو لعشر (5) من الإبل أو لمائتي درهم (6) حولا
كاملا متصلا.
قلنا: إنما الزكاة تجب في ذمة المسلم عن مال ملكه بعينه حولا كاملا من كل ما ذكرنا
بلا خلاف، فعليكم البرهان في وجوب الزكاة عن عدد بغير عينه لكن في أعيان مختلفة،
وهذا ما لا سبيل إلى وجدوه، إلا بالدعوى. وبالله تعالى التوفيق.
690 مسألة ومن تلف ماله أو غصبه غاصب أو حيل بينه وبينه فلا زكاة عليه
فيه (7) أي نوع كان من أنواع المال، فان رجع إليه يوما ما استأنف به (8) حولا من حينئذ،
ولا زكاة عليه (9) لما خلا، فلو زكاه الغاصب ضمنه كله، وضمن ما أخرج منه (10) في الزكاة.
لأنه لا خلاف (11) بين الأمة كلها في أن صاحب المال إن أحب أن يودى الزكاة من
نفس المال الذي وجبت فيه الزكاة لامن غيره كان ذلك له، ولم يكلف الزكاة من
سواه (12) ما لم يبعه هو أو يخرجه عن ملكه باختياره، فإنه حينئذ يكلف أداء الزكاة من
عند نفسه، فسقط بهذا الاجماع تكليفه أداء زكاة من عند نفسه، ثم لما صح ذلك، وكان
غير قادر على أداء الزكاة من نفس المال المغصوب، وأو المتلف، أو الممنوع منه:

(1) كلمة (صحيحة) زيادة من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (16) (غلبه) وهو خطأ
(3) كذا في الأصلين
(4) في النسخة رقم (16) (قال) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (16) أو لعشرين)
(6) في النسخة رقم (16) (والمائتي درهم) وهو خطأ
(7) في النسخة رقم (16) (في) وهو خطأ
(8) كلمة (به) زيادة (خرج) النسخة رقم (16)
(9) كلمة (عليه) زيادة من النسخة رقم (14)
(10) في النسخة رقم (16) (خرج) (11) في النسخة رقم (16) (ولا خلاف)
(12) (من سواه) زيادة من النسخة رقم (14)
93

سقط عنه ما عجز عنه من ذلك بخلاف ما هو قادر على إحضاره واستخراجه من مدفنه
هو أو وكيله وما سقط ببرهان لم يعد إلا بنص أو إجماع.
وقد كانت الكفار يغيرون على سرح المسلمين في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما كلف
قط أحدا زكاة ما أخذه الكافر من ماله.
وقد يسرق المال ويغصب فيفرق ولا يدرى أحد مكانه، فكان تكليف أداء الزكاة
عنه (1) من الحرج الذي قد أسقطه الله تعالى، إذ يقول: (وما جعل عليكم في الدين من حرج).
وكذلك تغلب الكفار على بلد نخل، فمن المحال تكليف ربها أداء زكاة ما أخرجت.
وأما الغاصب فإنه عليه التصرف في مال غيره، بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (2):
(ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فاعطاؤه الزكاة (3) من مال غيره تعدى منه،
فهو ضامن لما تعدى فيه. قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
وقال أبو حنيفة: بمثل هذا كله، الا أنه قال: إن كان المال المدفون بتلف مكانه (4)
في منزله أدى زكاته، وإن كان خارج منزله فلا زكاة عليه فيه. وهذا تقسيم فاسد
ما نعلم أحدا قاله قبله.
وقال مالك: لا زكاة عليه فيه، فان رجع إليه (5) زكاة لسنة واحدة فقط وان غاب
عنه سنين. وهذا قول ظاهر الخطأ، وما نعلم لهم حجة، إلا أنهم قلدوا في ذلك عمر
ابن عبد العزيز في قوله له رجع إليه، وكان قال قبل ذلك، بأخذ الزكاة منه لكل
سنة خلت.
والعجب أنهم قلدوا عمر ههنا، ولم يقلدوه في رجوعه إلى القول بالزكاة في العسل
وإنما قال عمر بالقول الذي قلدوه فيه لأنه كان يرى الزكاة في المال المستفاد حين يفاد
فخالفوه ههنا وهذا كله تخليط!.
وقال سفيان: في أحد قوليه وأبو سليمان: عليه الزكاة لكل سنة خلت.
وقد جاء عن عثمان، وابن عمر إيجاب الزكاة في المقدور عليه، فدل ذلك (6) على
أنهما لا يريان الزكاة في غير المقدور عليه، ولا مخالف لهما من الصحابة رضي الله عنهم.
وقولنا في هذا هو قول قتادة، والليث وأحد قولي سفيان، وروى أيضا عن عمر بن
عبد العزيز.

(1) في النسخة رقم (14) (فكان تكيف الزكاة منه)
(2) في النسخة رقم (16) (لقوله صلى الله عليه وسلم)
(3) في النسخة رقم (16) (فاعطاء الزكاة)
(4) في النسخة (فكأنه) وهو تصحيف
(5) في النسخة رقم (16) (عليه) (6) كلمة (ذلك) زيادة من النسخة رقم (16)
94

كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن همام بن يحيى ثنا أبو عثمان عامل عمر
ابن عبد العزيز قال: كتب إلى عمر بن عبد العزيز في مال رده على رجل كان ظلمه: أن خذ
منه الزكاة لما أتت عليه، ثم صبحني بريد عمر: لا تأخذ منه زكاة، فإنه كان ضمارا
أو غورا (1).
691 مسألة ومن رهن ماشية أو ذهبا أو فضة أو أرضا فزرعها أو نخلا
فأثمرت، وحال الحول على الماشية والعين: فالزكاة على كل ذلك، ولا يكلف
الراهن عوضا عما خرج من ذلك من زكاته.
أما وجوب الزكاة فلانه مال من ماله، عليه فيه الزكاة المفروضة، ولم ينتقل
ملكه عنه، ولم يأت نص ولا إجماع بتكليفه أداء الزكاة من غيره ولابد.
وأما المنع من تكليفه العوض فإنه لم يخرج ما أخرج منه بباطل وعدوان، فيقضى
عليه برده وإنما أخرجه بحق مفترض إخراجه، فتكليفه حكما في ماله باطل، لا يجوز
الا بنص أو إجماع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام).
692 مسألة وليس على من وجب (2) عليه الزكاة إيصالها إلى السلطان
لكن عليه أن يجمع ماله للمصدق ويدفع إليه الحق، ثم مؤنة نقل ذلك من نفس الزكاة
وهذا ما لا خلاف فيه من أحد، وبالله تعالى التوفيق، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يبعث المصدقين (3) وهم السعاة فيقبضون الواجب ويبرأ أصحاب الأموال
من ذلك.
فان (4) لم يكن مصدق فعلى من عليه الزكاة إيصالها إلى من يحضره من أهل الصدقات
ولا مزيد، لان تكليف النقل مؤنة وغرامة لم يأت بها نص ولا أجمع وبالله تعالى
التوفيق، ولا فرق بين من كلفه ذلك ميلا أو من (5) كلفه إلى خراسان أو أبعد.
693 مسألة ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول، ولا بطرفة عين

(1) أما أبو عثمان عامل عمر بن عبد العزيز فانى لم أجده، واما قوله (ضمارا) فان في النسخة رقم (14)
(صمار) بدون نقط وهو خطأ، والضمار بكسر الضاد المعجمة، قال أبو عبيد: (هو الغائب الذي لا يرجى، فإذا
رجى فليس بضمار، من أضمرت الشئ إذا غيبه)، واما قوله (غورا فإنه بفتح الغين المعجمة واسكان الواو
وأظنه بمعنى أنه كان بعيدا عنه لا تناله يده، من الغورى وهو القعر أو من قولهم (غار الماء) بمعنى ذهب في الأرض
وسفل فيها. وقد نقل هذا الأثر في اللسان (ج 6 ص 164) فقال (ومنه قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله في
كتابه إلى ميمون بن مهران في الأموال التي كانت في بيت المظالم ان يردها ولا يأخذ زكاتها فإنه كان مالا ضمارا
لا يرجى) ولم يذكر قوله (غورا)
(2) في النسخة رقم (14) (وجبت)
(3) في النسخة رقم (16) (مصدقين)
(4) في النسخة رقم (16) (وان)
(5) كلمة (من) زيادة من النسخة رقم (16)
95

فان فعل لم يجزه، وعليه إعادتها، ويرد إليه ما أخرج قبل وقته، لأنه أعطاه بغير حق.
وصح تعجيل الزكاة قبل وقتها عن سعيد بن جبير، وعطاء، وإبراهيم، والضحاك
والحكم، والزهري.
وأجازه الحسن لثلاث سنين.
وقال ابن سيرين: في تعجيل الزكاة قبل أن تحل. لا أدرى ما هذا!.
وقال أبو حنيفة: وأصحابه بجواز (1) تعجيل الزكاة قبل وقتها.
ثم لهم في ذلك تخليط كثير
مثل قول محمد بن الحسن: لا يجوز ذلك في مال عنده، ولا في زرع قد زرعه،
ولا في نخل (2) قد أطلعت.
وقال أبو يوسف: يجوز ذلك كله (3) قبل اطلاع النخل وقبل زرع الأرض،
ولو عجل زكاة ثلاث سنين أجزأه.
وأكثر من هذا سنذكره إن شاء الله تعالى في ذكر تخاليط أقوالهم
في كتاب (الاعراب) والله المستعان.
وقال الشافعي: بتعجيل الزكاة عن مال (4) عنده، لاعن مال لم يكتسبه (5) بعد،
وقال: إن استغنى المسكين مما أخذ مما عجله صاحب المال قبل الحول أجزأ صاحب
المال، فان استغنى من غير ذلك لم يجزئ عن صاحب المال.
وقال مالك: يجزئ تعجيل الزكاة بشهرين أو نحو ذلك، لا أكثر، في رواية
ابن القاسم عنه، وأما رواية ابن وهب عنه فكما قلنا نحن.
وهذه كلها (6) تقاسيم في غاية الفساد، لا دليل على صحتها من قرآن، ولا سنة،
ولا إجماع، ولا قول صاحب يصح، ولا قياس. وقول الليث: وأبي سليمان كقولنا.
واحتج من أجاز تعجيلها بحجج.
منها الخبر الذي ذكرناه (7) في زكاة المواشي، في هل تجزئ قيمة أم لا؟ من أن
النبي صلى الله عليه وآله استسلف بكرا فقضاه من إبل الصدقة جملا رباعيا.
وهذا لا دليل فيه على تعجيل الصدقة، لأنه استسلاف كما ترى، لا استعجال صدقة
بل فيه دليل على أن تعجيلها لا يجوز، إذ لو جاز لما احتاج عليه الصلاة والسلام إلى
الاستقراض بل كان يستعجل زكاة لحاجته إلى البكر.

(1) في النسخة رقم (14) " يجوز "
(2) في النسخة رقم (16) بحذف (لا) في الموضعين
(3) كلمة (كله) زيادة من النسخة رقم (14
(4) في النسخة رقم (16) (عندمال) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (16) (مال يكتبه) وهو خطأ
(6) كلمة (كلها) زيادة من النسخة رقم (14)
(7) في النسخة رقم (16) (الذي ذكره)
96

وذكروا ما رويناه من طريق أبى داود: ثنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكرياء
عن الحجاج بن دينار عن الحكم بن عتيبة عن حجية عن علي بن أبي طالب: (أن العباس
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) في تعجيل صدقته قبل أن تحل فأذن له).
قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم عن منصور عن زاذان عن الحكم عن
الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).
ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن الحكم: (أن (3) النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر مصدقا
وقال له عن العباس: إنا قد استسلفنا زكاته لعام عام الأول).
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يزيد أبو خالد قال: (قال عمر
للعباس: أد زكاة مالك فقال العباس: قد أديتها قبل ذلك، فذكر عمر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق (4)).
هذا كل ما شغبوا به من الآثار.
وقالوا: حقوق الأموال كلها جائز تعجيلها قبل أجلها، قياسا على ديون الناس المؤجلة،
وحقوقهم، كالنفقات وغيرها.
وقالوا: إنما أخرت الزكاة إلى الحول فسحة على الناس فقط.
وهذا كل ما موهوا به من النظر والقياس.
وهذا كله لا حجة لهم في شئ منه.
أما حديث حجية: فحجية غير معروف بالعدالة، ولا تقوم الحجة إلا برواية العدول
المعروفين (5)
وأما حديث هشيم فلم يذكر أبو داود من بينه وبين هشيم، ولو كان فيه لبند (6) به

(1) في النسخة رقم (14) (سأل النبي عليه السلام)
(2) هكذا عند المؤلف كما في الأصلين، وتكلم عليه فيما يأتي
بما يؤيد أنه من حديث أنس، ولكن هذا خطأ، ويظهر ان الغلط كان في نسخة أبى داود التي لدى ابن حزم، فان الذي
في أبى داود (ج 2 ص 33) (عن منصور بن زاذان عن الحكم عمن الحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم) والحسن بن
مسلم من أتباع التابعين، فالحديث منقطع على رواية هشيم، وقد رجحها أبو داود، ويؤيد صحة نسخة أبى داود التي
في أيدينا وخطأ ما نقله المؤلف من جعله من حديث أنس قول ابن حجر في التلخيص (ص 187): (وذكر الدارقطني الاختلاف
فيه على الحكم ورجح رواية منصور عن الحكم عن الحسن بن مسلم بن يناق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وكذا رجحه
أبو داود)
(3) رقم (16) (عن) وما هنا صح
(4) في النسخة رقم (14) (فذكر عمر للنبي عليه السلام فقال عليه السلام: صدق)
(5) اما حجية بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وتشديد الياء المفتوحة فهو ابن عدي الكندي،
وهو تابعي ثقة العجلي وابن وحبان، واما حديثه فرواه أيضا في احمد (ح 1 ص 104) والترمذي (ج 1 ص 86 طبع
الهند) والحاكم وصححه هو والذهبي (ج 3 ص 332
(6) كذا في الأصلين بلباء والنون الدال، وما ادرى ما هو؟
والبند باسكان النون العلم الكبر وهو معرب فهل: اشتق منه المؤلف فعلا؟، كأنه يريد لاعن به؟ والله أعلم
97

فصار منقطعا، ثم لم يذكر أيضا (1) لفظ أنس، ولا كيف رواه، فلم يجز القطع به على الجهالة.
وأما سائر الأخبار فمرسلة.
وهذا مما ترك فيه المالكيون المرسل، وهم يقولون إذا وافق تقليدهم: (2)
انه كالمسند، وردوا فيه رواية المجهول، وهم يأخذون بها إذا وافقتهم (3) فبطل كل
ما موهوا به من الآثار.
وأما قياسهم الزكاة على ديون الناس المؤجلة فالقياس كله باطل، ثم لو صح لكان
هذا منه عين الباطل! لان تعجيل ديون الناس المؤجلة قد وجب بعد ثم اتفقا على
تأجيلها (4) والزكاة لم تجب بعد، فقياس ما لم يجب على ما قد وجب في الأداء باطل.
وأيضا: فتعجيل ديون الناس المؤجلة لا يجوز الا برضا من الذي له الدين، وليست
الزكاة كذلك، لأنها ليست لانسان بعينه، ولا لقوم بأعيانهم دون غيرهم، فيجوز
الرضا منهم بالتعجيل، وإنما هي لأهل صفات تحدث فيمن لم يكن من أهلها، وتبطل
عمن كان من أهلها.
ولا خلاف في أن القابضين لها الآن عند من أجاز تعجيلها لو أبرؤا منها
دون قبض لم يجز ذلك ولا برئ منها من تلزمه الزكاة بابرائهم، وبخلاف إبراء من
له دين مؤجل.
وكذلك ان دفعها إلى الساعي، فقد يأتي وقت الزكاة والساعي ميت أو معزول،
والذي بعثه كذلك، فبطل قياسهم ذلك على ديون الناس.
وكذلك قياسهم على النفقات الواجبة، ولو أن امرءا عجل نفقة لامرأته أو من
تلزمه نفقته، ثم جاء الوقت الواجبة فيه النفقة، والذي تجب له مضطر: لم يجزئه
تعجيل ما عجل، وألزم الآن النفقة، أمر باتباعه بما عجل له دينا، لاستهلاكه ما لم
يجب له بعد.
بل لو كان القياس حقا لكان قياس تعجيل الزكاة قبل وقتها على تعجيل الصلاة
قبل وقتها والصوم قبل وقته أصح، لأنها كلها عبادات محدودة بأوقات لا يجوز تعديها
وهذا مما تركوا فيه القياس.
فان ادعوا اجماعا على المنع من تعجيل الصلاة أكذبهم الأثر الصحيح عن ابن عباس
والحسن وهبك لو صح لهم الاجماع لكان هذا حجة عليهم، لان من أصلهم أن

(1) قوله (لفظ أنس) سقط من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (14) (إذا وافقهم المرسل)
(3) في النسخة رقم (14) (وهم يأخذون بهذا إذا وافقهم
(4) كدا في الأصلين وفى التركيب تكلف
98

قياس ما اختلف فيه على ما أجمع عليه هو القياس الصحيح.
وأما قولهم: إن الزكاة وجبت قبل، ثم فسخ للناس في تأخيرها: فكذب وباطل
ودعوى بلا برهان، وما وجبت الزكاة قط إلا عند انقضاء الحول، لاقبل ذلك، لصحة
النص باخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم المصدقين عند الحول، لاقبل ذلك، وما كان عليه
السلام ليضيع قبض حق قد وجب، ولا جماع الأمة على وجوبها عند الحول، ولم
يجمعوا على وجوبها قبله، ولا تجب الفرائض إلا بنص أو اجماع.
فبطل كل ما موهوا به من أثر ونظر.
ثم نسألهم: أوجبت الزكاة قبل الحول أم لم تجب (1)؟ فان قالوا: لم تجب قلنا:
فكيف تجيزون أداء ما لم يجب؟ وما لم يجب فعله تطوع، ومن تطوع فلم يؤد الواجب (2)
وان قالوا: قد وجبت قلنا (3): فالواجب إجبار من وجب عليه حق على أدائه. وهذا
برهان لا محيد عنه أصلا.
ونسألهم: كيف الحال ان مات الذي عجل الصدقة قبل الحول؟ أو تلف المال قبل
الحول؟ أو مات الذين أعطوها قبل الحول؟ أو خرجوا عن الصفات التي بها تستحق
الزكوات (4)؟ فصح أن تعجيلها باطل وإعطاء لمن لا يستحقها، ومنع لمن (5) يستحقها،
وإبطال الزكاة الواجبة وكل هذا لا يجوز.
والعجب من إجازة الحنيفيين تعجيل الزكاة ومنعهم من تعجيل الكفارة قبل الحنث!
وكلاهما مال معجل، إلا أن النص قد صح بتعجيل ما منعوا تعجيله، ولم يأت بتعجيل
ما أباحوا تعجيله! فتناقضوا في القياس، وصححوا الآثار الفاسدة، وأبطلوا الأثر
الصحيح!.
وأما المالكيون فإنهم مع ما تناقضوا خالفوا في هذه الجمهور من العلماء،
وهم يعظمون هذا إذا وافقهم، وخالف الشافعيون فيه القياس، وقبلوا المرسل الذي
يردونه. وبالله تعالى التوفيق.
694 مسألة ومن عليه دين دراهم، أو دنانير، أو ماشية تجب الزكاة
في مقدار ذلك (6) لو كان حاضرا فإن كان حاضرا عنده لم يتلف وأتم عنده حولا منه
ما في مقداره الزكاة (7): زكاة، والا فزكاة عليه فيه أصلا، ولو أقام عليه سنين.

(1) في النسخة رقم (14) (أو لم يجب)
(2) في النسخة رقم (16) (الواجبة) وما هنا أصح
(3) في النسخة رقم (16) (علينا) بدل (قلنا) وهو خطأ شنيع
(4) في النسخة رقم (14) (الزكاة)
(5) في النسخة رقم (16) (من) بحذف اللام
(6) في النسخة رقم (16) (في مقداره ذلك)
(7) في النسخة رقم (14) (ما فيه مقدر الزكاة)
99

وقال قوم: يزكيه.
روينا من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن يزيد بن يزيد
ابن جابر أن عبد الملك بن أبي بكر (1) أخبره أن عمر قال: إذا حلت يعنى الزكاة
فاحسب دينك وما عندك واجمع ذلك جميعا ثم زكه.
وبينه عبد الرزاق (2) عن ابن جريج أخبرني يزيد بن جابر عن عبد الملك
ابن أبي بكر (2) عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو جد عبد الملك أبو أبيه
قال: قال رجل لعمر: يجئ إبان صدقتي فأبادر الصدقة فأنفق على أهلي وأقضى ديني؟
قال عمر: لا تبادر بها، واحسب دينك وما عليك، وزك ذلك أجمع (4).
وهو قول الحسن بن حي.
وروينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي في الدين
يكون للرجل على الرجل فيبطله، قال: زكاته على الذين يأكل مهنأه (5).
ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء أو غيره نحوه.
ومن قال بقولنا في أسقاط الزكاة عن الذي عليه الدين فيما عليه منه ابن
عمر وغيره.
كما روينا من طريق عبد الوهاب (6) بن عبد المجيد الثقفي، وسفيان الثوري قالا: ثنا
عبيد الله بن عمر رعن نافع عن ابن عمر: أنه ولى (7) مال يتيم فكان يستسلف منه، يرى
أن ذلك أحرز له، يؤدى زكاته من مال اليتيم.
فهذا ابن عمر عليه الدين لا يزكيه عن نفسه.
وعن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن: إذا كان للرجل على الرجل الذين فالزكاة
على الذي له الدين.
وعن الحجاج بن المنهال عن يزيد بن إبراهيم عن مجاهد: إذا كان عليك دين فلا
زكاة عليك، إنما زكاته على الذي هوله.

(1) في النسخة رقم (14) (عبد الملك بن أبي بكرة) وهو خطأ، فإنه عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام بن المغيرة المخزومي
(2) في النسخة رقم (14) (وبه إلى عبد الرزاق) وما هنا وأصح
(3) في النسخة رقم (16) (يزيد بن جابر بن عبد الملك بن أبي بكر) وفى النسخة رقم (14) (يزيد بن جابر عن عبد الملك
ابن أبي بكرة)) وكل منها خطأ في موضع، والصواب ما هنا كما هو ظاهر
(4) انظر نحو هذا عن سفيان بن سعيد في خراج يحيى بن آدام رقم 593 و 594
(5) بفتح الميم والنون وبينهما الهاء ساكنة، هو ما اتى بلا مشتقة وأكل هنيئا
(6) في النسخة رقم (16) (عبد الوارث)) وهو خطأ
(7) في النسخة رقم (7) في النسخة رقم (16) (أولى) وهو صحيح على أن يكون بضم الهمزة مبينا لما لم يسم فاعله، يقال (أوليته الشئ) بمعنى وليته
100

وعن وكيع عن سفيان عن المغيرة عن الفضيل عن إبراهيم النخعي قال: زك ما في
تديك من مالك، ومالك على الملئ، ولا تزك ما للناس عليك.
وهو قول سفيان، ومالك، وأبي حنيفة، وأصحابه ووكيع.
قال أبو محمد: إنما وافقنا قول (1) هؤلاء في سقوط الزكاة عن الذي عليه الدين فقط.
ومن طريق عبيد الله بن عمر (2) عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن
عائشة أم المؤمنين: ليس في الدين زكاة.
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن عكرمة
قال: ليس في الدين زكاة (3).
ومن طريق وكيع عن مسعر عن الحكم بن عتبة قال: خالفني إبراهيم في الدين،
كنت أقول: لا يزكى، ثم رجع إلى قولي.
وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية عن حجاج عن عطاء قال: ليس
على صاحب الدين الذي هوله ولا على الذي هو عليه زكاة (4).
وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن عطاء قال: ليس
في الدين زكاة.
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء: السلف يسلفه (5) الرجل؟
قال: ليس على سيد المال ولا على الذي استسلفه (6) زكاة.
ومن طريق أبى عبيد عن أبي زائدة (7) عن عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح:
لا يزكي الذي عليه الدين الدين، ولا يزكيه الذي هوله حتى يقبضه.
وهو قول أبى سليمان وأصحابنا.
قال أبو محمد: إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده، ومن
الباطل المتيقن أن يزكى عن لا شئ، وعما لا يملك وعن شئ لو سرقه قطعت يده،
لأنه في ملك غيره.
695 مسألة ومن عليه دين كما ذكرنا وعنده مال تجب في مثله
الزكاة سواء (8) كان أكثر من الدين الذي عليه أو مثله أو أقل منه، من جنسه كان

(1) كلمة (قول) زيادة من النسخة رقم (16)
(2) هكذا في النسخة رقم (14) وأظنه أصح، وفى النسخة رقم (16)
(عبد الله بن عمر)
(3) سقط من النسخة رقم (16) لفظ (زكاة في آخر اثر عاشية وسقط عكرمة كله باسناده ولفظه))
وهو خطأ
(4) كلمة (زكاة سقطت خطأ من الخسة رقم رقم (16)
(5) منى لما لم يسم فاعله (6) فاعله
(6) في النسخة (16) (أسلفته) وهو خطأ
(7) كذا في الأصلين، ولم اعرف من هو
(8) في النسخة رقم (16) (فسواء) وما هنا أصح
101

أو من غير جنسه: فإنه يزكى ما عنده، ولا يسقط من أجل الدين الذي عليه شئ من زكاة ما بيده. وهو قول الشافعي، وأبي سليمان وغيرهما.
وقال مالك: يعجل الدين في العروض التي عنده التي لا زكاة فيها، ويزكى ما عنده
فإن لم يكن عنده عروض جعل دينه فيما بيده مما فيه الزكاة، وأسقط بذلك الزكاة، فان
فضل عن دينه شئ يجب في مقداره الزكاة زكاه، والا فلا وإنما هذا عنده في الذهب
والفضة فقط، وأما المواشي والزرع والثمار فلا، ولكن يزكى كل ذلك، سواء كان
عليه دين مثل ما معه من ذلك أو أكثر أو أقل.
وقال آخرون: يسقط الدين زكاة العين والمواشي، ولا يسقط زكاة الزرع والثمار.
وقال أبو يوسف ومحمد: يجعل ما عليه من الدين في كل مال تجب فيه الزكاة، سواء
في ذلك الذهب، والفضة، والمواشي، والحرث، والثمار، وعروض التجارة، يسقط به
زكاة كل ذلك، ولا يجعل دينه في عروض القنية ما دام عنده مال تجب فيه الزكاة، أو
ما دام عنده عروض للتجارة. هو قول الليث بن سعد، وسفيان الثوري.
وقال زفر: لا يجعل دين الزرع الا في الزرع، ولا يجعل دين الماشية الا في الماشية،
ولا يجعل دين العين إلا في العين، فيسقط (1) بذلك ما عنده مما عليه دين مثله.
ومن طريق ابن جريج: قلت لعطاء: حرث لرجل دينه أكثر ما ماله، أيؤدى
حقه؟ قال: ما نرى على رجل دينه أكثر ما ماله صدقة، لا في ماشية ولا في أصل.
قال ابن جريج: سمعت أبا الزبير سمعت طاوسا يقول: ليس عليه صدقة.
قال أبو محمد: إسقاط الدين زكاة ما بيد المدين لم يأت به قرآن ولا سنة صحيحة ولا
سقيمة ولا إجماع، بل قد جاءت السنن الصحاح بايجاب الزكاة في المواشي، والحب،
والتمر، والذهب، والفضة، بغير تخصيص من عليه دين ممن لادين عليه.
وأما من طريق النظر فان ما بيده له أن يصدقه (2) ويبتاع منه جارية يطؤها ويأكل
منه وينفق منه، ولو لم يكن له لم يحل له التصرف فيه (3) بشئ من هذا، فإذ هوله ولم
يخرجه (4) عن ملكه ويده ما عليه من الدين فزكاة ماله عليه (5) بلا شك.
وأما تقسيم مالك ففي غاية التناقض، وما نعلمه عن أحد قبله، وكذلك قول أصحاب
أبي حنيفة أيضا. وبالله التوفيق.
والمالكيون ينكرون على أبي حنيفة هذا بعينه في إيجابه الزكاة في زرع اليتيم

(1) في النسخة رقم (14) (فسقط)
(2) مضارع (أصدق)) أي صدقا
(3) في النسخة رقم (16) (منه)
(4) في النسخة رقم (14) (ولم يخرج) وما هنا أصح
(5) كلمة عليه) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
102

وثماره دون ماشية وذهبه وفضته.
فان احتجوا بأن قبض زكاة المواشي والزرع إلى المصدق.
قيل: فكان ماذا؟ وكذلك أيضا قبض زكاة العين إلى السلطان إذا طلبها ولافرق.
696 مسألة ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالا أو مؤجلا عند
ملئ مقر يمكنه قبضه أو منكر، أو عند (1) عديم مقر أو منكر، كل ذلك سواء، ولا زكاة
فيه على صاحبه، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولا كسائر
الفوائد ولافرق. فان قبض منه مالا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه، لا حينئذ
ولا بعد ذلك، والماشية، والذهب، والفضة في ذلك سواء، وأما النخل (2)، الزرع
فلا زكاة فيه أصلا، لأنه لم يخرج من زرعه ولا من ثماره.
وقالت طائفة: يزكيه.
كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن جرير عن الحكم بن عتيبة قال: سئل على عن الرجل يكون له الدين على آخر؟ فقال: يزكيه صاحب المال، فان خشي أن لا يقضيه (3)
فإنه يمهل، فإذا خرج الدين زكاه لما مضى.
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا يزيد بن هارون أنا هشام هو ابن حسان
عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني: سئل على عن الدين الظنون: أيزكيه؟ قال:
إن كان صادقا فليزكه (4) لما مضى. وهذا في غاية الصحة، والظنون هو الذي لا يرجى.
ومن طريق طاوس: إذا كان لك دين فزكه.
ومن طريق أشعث عن أبي الزبير عن جابر قال: يزكيه، يعنى ماله من الدين
على غيره.
ومن طريق عمر بن الخطاب كما ذكرنا قبل: احسب دينك وما عليك وزك
ذلك أجمع.
ومن طريق ابن جريج قال: كان سعيد بن المسيب يقول: إذا كان الدين على
ملئ فعلى صاحبه أداء زكاته، فإن كان على معدم فلا زكاة فيه حتى يخرج، فيكون
عليه زكاة السنين التي مضت
ومن طريق معمر عن الزهري مثل قول سعيد بن المسيب سواء سواء.
وعن مجاهد: إذا كان لك الدين فعليك زكاته، وإذا كان عليك فلا زكاة عليك فيه.

(1) في النسخة رقم (16) (غير) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (الحب) بدل (النخل)
(3) في النسخة رقم (16) (يقبضه) وكذلك كان في النسخة رقم (14) ولكن صححه ناسخها إلى ما هنا
(4) في النسخة (16) (فليزكيه)
103

وهو قول سفيان الثوري، والحسن بن الحي.
وقالت طائفة: لا زكاة فيه حتى يقبضه، فإذا قبضه أو قبض منه مقدار ما فيه الزكاة
زكاة لسنة واحدة، وان بقي سنين وهو قول مالك.
وقالت طائفة: إن كان على ثقة زكاه، وإن كان على غير ثقة فلا زكاة عليه
فيه حتى يقبضه. وهو قول الشافعي.
وروينا من طريق عبد الله بن عمر أنه قال: زكوا أموالكم من حول إلى حول،
فما كان في دين في ثقة (1) فاجعلوه بمنزلة ما كان في أيديكم، وما كان من دين ظنون
فلا زكاة فيه حتى يقبضه صاحبه.
وعن طاوس من طريق ثابتة: إذا كان لك دين تعلم أنه يخرج فزكه.
وعن إبراهيم من طريق صحيحة، زك ما في يديك ومالك على الملئ، ولا تزك ما للناس
عليك. ثم رجع عن هذا.
وعن ميمون بن مهران: ما كان من دين في ملئ (2) ترجوه فاحسبه، ثم أخرج
ما عليك وزك ما بقي.
وعن مجاهد: إن كنت تعلم أنه خارج فزكه.
وعن محمد بن علي بن الحسين ليس في الدين زكاة حتى يقبضه.
وأما قولنا فقد روينا قبل عن عائشة أم المؤمنين مثله، وعن عطاء.
وروينا أيضا عن ابن عمر: ليس في الدين زكاة.
قال أبو محمد: أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ، لأنه جعل زكاة الدين على الذي
هوله وعلى الذي هو عليه، فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد، فحصل في العين
نصف العشر، وفى خمس من الإبل شاتان، وكذلك ما زاد.
وأما تقسيم مالك فما نعلمه عن أحد إلا عن عمر بن عبد العزيز، وقد صح عنه
خلاف ذلك ومثل قولنا.
وأما أبو حنيفة قانه قسم ذلك تقاسيم (3) في غاية الفساد، وهي: انه جعل كل دين
ليس عن بدل أو كان عن بدل مالا يملك كالميراث والمهر والجعل ودية الخطأ والعمد
إذا صالح عليها والخلع: أنه لا زكاة على مالكه أصلا حتى يقبضه، فإذا قبضه
استأنف به حولا، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في ملكه لوجبت فيه الزكاة

(1) كذا في الأصلين وهو صوب، وبحاشية النسخة رقم (14) ان في نسخة (فما كان من دين) الخ
(2) في النسخة رقم (16) (في ملك) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (تقاسمها)) وهو لحن
104

كقرض الدراهم وفيما وجب (1) في ذمة الغاصب والمتعدي وثمن عبد التجارة فإنه
لا زكاة فيه، كان على ثقة أو غير ثقة، حتى يقبض أربعين درهما، فإذا فقبضها زكاها
لعام (2) خال ثم يزكى كل أربعين يقبض، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقي في يده
لم تجب فيه الزكاة كالعروض لغير التجارة يبيعها: قسما آخر، فاضطرب فيه قوله،
فمرة جعل ذلك بمنزلة قوله في الميراث، والمهر، ومرة قال: لا زكاة عليه حتى يقبض
مائتي درهم، فإذا قبضها زكاها لعام خال، وسواء عنده ما كان عند عديم أو ملئ
إذا كان مقرين.
وأما قول أبي حنيفة فتخليط لاخفاء به.
قال أبو ممد: إنما لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط، وليس له
عنده عين (3) مال أصلا، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد، والفضة
تراب بعد، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته؟!
فصح أنه لا زكاة عليه في ذلك. وبالله تعالى التوفيق.
واعلم أن تقسيم أبي حنيفة ومالك لا يعرف عن أحد قبلهما، لان الرواية عن عمر
ابن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين، وبالله تعالى التوفيق.
697 مسألة وأما المهور (4) والخلع، والديات فبمنزلة ما قلنا، ما لم يتعين
المهر، لان كل ذلك دين، فإن كان المهر فضة معينة دراهم أو غير ذلك أو ذهبا
بعينه دنانير أو غير ذلك أو ماشية بعينها، أو نخلا بعينها، أو كان كل ذلك
ميراثا: فالزكاة واجبة على من كل ذلك له، لأنها أموال صحيحة ظاهرة موجودة،
فالزكاة فيها، ولا (5) معنى للقبض في ذلك ما لم يمنع صاحبه (6) شئ من ذلك، فان
منع صار مغصوبا وسقطت الزكاة كما قدمنا. وبالله تعالى التوفيق.
698 مسألة ومن كان له دين على بعض أهل الصدقات وكان ذلك
الدين برا، أو شعيرا، أو ذهبا، أو فضة أو ماشية فتصدق عليه بدينه قبله، ونوى بذلك
أنه من زكاته أجزأه ذلك، (7) وكذلك لو تصدق بذلك الدين على من يستحقه وأحاله
به على من هو له عنده ونوى بذلك الزكاة فإنه يجزئه.

(1) في النسخة رقم (16) (وما وجب)
(2) كلمة (لعام) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) وقوله (خال) بالخاء المعجمة
وفى النسخة رقم (16) بالمهملة وهو تصحيف
(3) كلمة (عين) سقطت من النسخة رقم (16)
(4) في النسخة رقم (14) (المهر)
(5) في النسخة رقم (16) (لا) بدون الواو وهو خطأ
(6) في النسخة رقم (16) (صاحب) وهو خطأ
(7) قوله (ذلك) زيادة من النسخة رقم (16)
105

برهان ذلك: أنه مأمور بالصدقة الواجبة، وبان يتصدق على أهل الصدقات من
زكاته الواجبة بما عليه منها، فإذا كان ابراؤه من الدين يسمى صدقة فقد أجزأه.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث هو ابن سعد عن
بكير هو ابن الأشج عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال: (أصيب
رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تصدقوا عليه) وذكر الحديث. هو قول عطاء بن أبي رباح وغيره.
699 مسألة ومن أعطى زكاة ماله من وجبت له من أهلها، أو دفعها إلى
المصدق المأمور بقبضها فباعها من قبض حقه فيها أو من له قبضها نظر لأهلها: فجائز
للذي أعطاها أن يشتريها، وكذلك لو رجعت إليه بهبة أو هدية أو ميراث أو صداق
أو إجارة أو سائر الوجوه المباحة ولا يجوز له شئ من ذلك التبة قبل أن يدفعها،
لأنه ابتاع شيئا غير معين، وهذا لا يجوز، لأنه لا يدرى ما الذي ابتاع، ولم يعط الزكاة
التي افترض الله تعالى عليه (1)، أن يؤديها إلى أهلها، وبهذا نفسه يحرم عليه أن يعطى غير
ما لزمه بنية القيمة، وأما بعد أن يؤديها إلى أهلها فان الله تعالى قال (2): (وأحل الله البيع)
فهو قد أدى صدقة ماله كما أمر، وباعها الآخذ لها كما أبيح له.
ولم يجز ذلك أبو حنيفة وكرهه مالك، وأجازه الليث بن سعد.
واحتج من منع من ذلك بالحديث الذي رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم
عن أبيه قال: سمعت عمر يقول: (حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان
عنده فأردت أن أشتريه، وظننت أنه بائعه برخص، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تشتره، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم، فان العائد في صدقته كالعائد
في قيئه).
ومن طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي:
(أن الزبير حمل على فرس في سبيل الله تعالى، فوجد فرسا من ضئضئها (4) يعنى من
نسلها فأراد أن يشتريه، فنهى) ونحو هذا أيضا عن أسامة بن زيد، ولا يصح.
قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه، لان فرس عمر كان بنص الحديث حمل

(1) كلمة (عليه) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (14) (يقول)
(3) انظر ألفاظه في صحيح مسلم (ج 2 ص 4)
(4) بكسر الضادين المعجمتين وبينهما همزة ساكنة، ويقال أيضا (ضئضئ) بوزن قنديل ويقال (ضؤضؤ)
بضمهما
106

عليه في سبيل الله، فصار حبسا في هذا الوجه، فبيعه اخراج له عما سبل فيه، ولا يحل
هذا أصلا فابتياعه حرام على كل أحد.
وكذلك القول في الخبرين الآخرين، لو صحا، لا سيما، وفى حديث أبي عثمان النهدي
أنه نهى نتاجها، وهذه صفة الحبس.
وأما ما لم يحرم بيعه وكان صدقة مطلقة يملكها المتصدق بها عليه ويبيعها ان شاء
فليس ابتياع المتصدق بها عودا في صدقته، لا في اللغة ولا في الديانة، لان العود
في الصدقة هو انتزاعها وردها إلى نفسه بغير حق، وابطال صدقته بها فقط، والحاضرون
من المخالفين يجيزون أن يملكها المتصدق بها بالميراث، وقد عادت إلى ملكه كما عادت
بالشراء ولا فرق، فصح أن العود هو ما ذكرنا فقط.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا
البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة
أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فقلت: هذا مما تصدق
به على بريرة فقال: هو لها صدقة ولنا هدية).
حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل
الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري أنه سمع عبيد بن السباق (1) أنه سمع جويرية
أم المؤمنين تقول (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل من طعام؟ فقلت: لا،
الا عظما أعطيته مولاة لنا من الصدقة فقال: قربيه فقد بلغت محلها) (2).
ولا خلاف في أن الصدقة حرام عليه صلى الله عليه وسلم، فقد استباحها بعد بلوغها محلها، إذ
رجعت إليه بالهدية.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا الحسن
ابن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد
الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغنى الا لخمسة لغاز في سبيل الله، أو
لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين. فتصدق
على المسكين فأهداها المسكين للغنى).

(1) عبيد - بالتصغير - والسباق - بفتح السين المهملة وتشديد الباء الموحدة - وهو تابعي ثقة
(2) رواه أيضا مسلم (ج 1 ص 296) من طريق الليث، وسفيان عن الزهري
(3) في النسخة رقم (14) (فأهدى) وما هنا هو الموافق لأبي داود
(ج 2 ص 38) وقد رواه مالك وغيره عن عطاء مرسلا، لكن رواية معمر إياه بزيادة (أبي سعيد) اسنادها صحيح جدا
والزيادة من الثقة مقبولة
107

فهذا نص من النبي صلى الله عليه وسلم (1) بجواز ابتياع الصدقة، ولم يخص المتصدق بها من غيره.
وروينا عن أبي هريرة قال: لا تشتر (2) الصدقة حتى تعقل، يعنى حتى تؤديها.
وهذا نص قولنا.
وعن ابن عباس في الصدقة قال: إن اشتريتها أوردت عليك أو ورثتها حلت لك.
وعن عمر بن الخطاب قال: من تصدق بصدقة فلا يبتاعها (3) حتى تصير إلى غير
الذي تصدق بها عليه.
قال أبو محمد: فهذا عمر يجيز للمتصدق بالصدقة ابتياعها. إذا انتقلت عن الذي تصدق
بها عليه إلى غيره، ولافرق عندنا بين الامرين.
وقولنا هذا (4) هو قول عكرمة، ومكحول، وبه يقول أبو حنيفة: والأوزاعي،
وأجازه الشافعي ولم يستحبه، ومنع منه مالك وأجاز رجوعها إليه (5) بالميراث.
وروينا عن ابن عمر: أنه كان إذا تصدق بشئ فرجع إليه بالميراث تصدق به،
ويفتى بذلك.
فخرج قول مالك عن أن يكون له من الصحابة رضى الله تعالى عنهم موافق.
700 مسألة قال أبو محمد: ولا شئ في المعادن كلها، وهي فائدة، لا خمس
فيها ولا زكاة معجلة، فان بقي الذهب والفضة عند مستخرجها حولا قمريا، وكان ذلك
مقدار ما تجب فيه الزكاة: زكاه، وإلا فلا.
وقال أبو حنيفة: عليه في معادن الذهب، والفضة، والنحاس، والرصاص، والقزدير
والحديد: الخمس، سواء كان في أرض عشر أو في أرض خراج، سواء أصابه مسلم
أو كافر، عبد، أو حر قال: فإن كان في داره فلا خمس فيه، ولا زكاة، ولا شئ فيما عدا
ذلك من المعادن. واختلف قوله في الزئبق: فمرة رأى فيه الخمس، ومرة لم ير فيه شيئا.
وقال مالك: في معادن الذهب والفضة الزكاة (6) معجلة في الوقت، إن كان مقدار
ما فيه الزكاة (7)، ولا شئ في غيرها، ولا يسقط الزكاة في ذلك دين يكون عليه،
فإن كان الذي أصاب في معدن الذهب أو الفضة ندرة (8) بغير كبير عمل، ففي ذلك الخمس.
قال أبو محمد: احتج من رأى فيه الخمس بالحديث الثابت: (وفى الركاز الخمس).

(1) في النسخة رقم (14) (نص رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(2) في النسخة رقم (16) (لا تشتري) وما هنا أصح
(3) كذا في الأصلين على النفي
(4) كلمة (هذا) زيادة من النسخة رقم (14)
(5) كلمة (إليه) زيادة من النسخة رقم (14)
(6) كلمة (الزكاة) سقطت خطا من النسخة رقم (16)
(7) في النسخة رقم (16) (إن كان ما تجب فيه الزكاة)
(8) الندرة - بفتح النون واسكان الدال المهملة - القطعة من الذهب والفضة توجد في المعدن
108

وذكروا حديثا من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن جده عن أبي
هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الركاز؟ فقال: هو الذهب الذي خلقه
الله في الأرض يوم خلق السماوات والأرض).
قال أبو محمد: هذا حديث ساقط، لان عبد الله بن سعيد متفق على اطراح روايته (1)
ثم لو صح لكان في الذهب خاصة.
فان قالوا: قسنا سائر المعادن المذكورة على الذهب.
قلنا لهم: فقيسوا عليه أيضا معادن الكبريت، والكحل، والزرنيخ وغير ذلك.
فان قالوا: هذه حجارة.
قلنا (2): فكان ماذا؟ ومعدن الفضة والنحاس أيضا حجارة ولا فرق.
واما الركاز فهو دفن (3) الجاهلية فقط، لا المعادن، لا خلاف بين أهل اللغة
في ذلك (4).
والعجب كله احتجاج بعضهم في هذا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن النبي صلى الله عليه وآله في اللقطة: (ما كان منها في الخراب والأرض الميتاء (5) ففيه وفى
الركاز الخمس) وهم لا يقولون بهذا، وهذا كما ترى!.
ولو كان المعدن ركاز لكان الخمس في كل شئ من المعادن، كما أن الخمس في كل
دفن للجاهلية، أي شئ كان، فظهر فساد قولهم (7) وتناقضهم.
لا سيما في اسقاطهم الزكاة المفروضة بالخراج، ولم يسقطوا الخمس في المعادن بالخراج
وأوجبوا فيها خمسا في أرض العشر، وعلى الكافر، والعبد، وفرقوا بين المعدن في الدار
وبينه خارج الدار، ولا يعرف كل هذا عن أحد قبلهم (8)، وهم يقولون: برد الاخبار
الصحاح إذا خالفت الأصول وحكمهم ههنا مخالف للأصول.

(1) الحديث نسبه ابن حجر في التلخيص (ص 185) إلى البيهقي من طريق عبد الله بن سعيد. وعبد الله هذا ضعيف
جدا بل رماه بعضهم بالكذب
(2) في النسخة رقم (16) (فقلنا)
(3) في النسخة رقم (16) (دفين)
(4) الخلاف بين أهل اللغة في هذا ثابت، قال أبو عبيد (اختلف أهل الحجاز والعراق: فقال أهل العراق في الركاز المعادن كلها، وكذلك
المال العادي يوجد مدفونا، هو مثل المعدن سواء، قالوا: وإنما أصل الركاز المعدن، والمال العادي الذي قد ملكه
الناس مشبه بالمعدن. وقال أهل الحجاز: إنما الركاز كنوز الجاهلية؟ فأما المعادن فليست بركاز، وهذان القولان
تحتملهما اللغة، لان كلا منهما مركوز في الأرض أي ثابت، يقال: ركزه يركزه ركزا - من باب قتل - إذا
دفنه، والحديث إنما جاء على رأى أهل الحجاز) وروى الأزهري عن الشافعي أنه قال: (الذي لا أشك فيه ان الركاز دفين
الجاهلية، والذي انا واقف فيه الركاز في المعدن والتبر المخلوق في الأرض) نقلهما في اللسان
(5) الميتا. - بكسر الميم والمد - الطريق المسلوك، مأخوذ من الاتيان، وانظر تخريج هذا الحديث في التلخيص (ص 185)
(6) في النسخة رقم (14) (كالخمس في كل دفن للجاهلية)
(7) كلمة (قولهم) سقطت خطا من النسخة رقم (16)
(8) في النسخة رقم 16 (قبله)
109

فان قالوا: قد روى عن علي: ان فيه الخمس.
قلنا: أنتم أول مخالف لهذا الحكم إن كان حجة، لان الخبر إنما هو في رجل استخرج
معدنا فباعه بمائة شاة واخرج المشترى منه ثمن ألف شاة، فرأى على الخمس (1) على
المشترى، لا على المستخرج له.
وأما من رأى فيه الزكاة فاحتجوا بحديث مالك عن ربيعة عن غير واحد من
علمائهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث معادن القبلية وهي
في ناحية الفرع) (2) قال: فتلك المعادن لا يؤخذ منها الا الزكاة إلى اليوم.
قال أبو محمد: وليس هذا بشئ (3) لأنه مرسل، وليس فيه مع ارساله الا اقطاعه
عليه السلام تلك المعادن فقط، وليس فيه أنه عليه السلام أخذ منها الزكاة.
ثم لو صح لكان المالكيون أول مخالف له، لأنهم رأوا في الندرة تصاب فيه بغير
كبير (4) عمل الخمس، وهذا خلاف ما في هذا الخبر.
ويسألون أيضا عن مقدار ذلك العمل الكبير (5) وحد الندرة؟ ولا سبيل إليه
الا بدعوى لا يجوز الاشتغال بها. فظهر أيضا فساد هذا القول وتناقضه.
وقالوا أيضا: المعدن كالزرع (6)، يخرج شئ بعد شئ.
قال على: قياس المعدن على الزرع كقياسه على الركاز، وكل ذلك باطل، ولو كان
القياس حقا لتعارض هذان القياسان، وكلاهما فاسد، أما قياسه على الركاز فيلزمهم ذلك
في كل معدن، والا فقد تناقضوا، واما قياسه على الزرع فيلزمهم أن يراعوا فيه خمسة
أوسق (7)، والا فقد تناقضوا، ويلزمهم أيضا ان يقيسوا كل معدن من حديد
أو نحاس على الزرع.
واحتج كلتا الطائفتين بالخبر الثابت من طريق مسلم عن قتيبة: ثنا عبد الواحد
عن عمارة بن القعقاع ثنا عبد الرحمن بن أبي نعم (8) قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول:
(بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها،

(1) في النسخة رقم (16) (فرأى الخمس) والزيادة من النسخة رقم (14)
(2) القبيلة - بفتح القاف والباء الموحدة -
ناحية من ساحل البحر بينهما وبين المدينة خمسة أيام، والفرع - بضم الفاء واسكان الراء - قرية على ثمانية برد من المدينة،
وضبط في النسخة رقم (14) بضم الراء وهو خطا وانظر الكلام على هذا الحديث وطرقه في كتاب الخراج ليحيى
ابن آدم رقم 294 ومسند أحمد (ج 1 ص 306) وطبقات ابن سعد (ج 1 ق 2 ص 25)
(3) في النسخة رقم (14) (وهذا ليس بشئ)
(4) في النسخة رقم (14) (كثير)
(5) في النسخة رقم (16) (كالمعدن كالزرع) وهو خطا
(7) في النسخة رقم (16) (قيمة خمسة أوسق)
(8) نعم - بضم النون واسكان العين المهملة، وفي النسخة رقم (16) (نعيم) وهو تصحيف
110

فقسمها بين أربعة نفر: عيينة بن يدر، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، وذكر رابعا. وهو
علقمة بن علاثة (1)) فقال: من رأى في المعدن الزكاة: هؤلاء من المؤلفة قلوبهم،
وحقهم في الزكاة لا في الخمس، وقال الآخرون: على من بني هاشم، ولا يحل له النظر
في الصدقة، وإنما النظر في الأخماس (2).
قال على: كلا القولين دعوى فاسدة، ولو كانت تلك الذهب من خمس واجب
أو من زكاة لما جاز البتة أخذها الا بوزن وتحقيق، لا يظلم معه المعطى ولا أهل الأربعة
الأخماس، فلما كانت (3) لم تحصل من ترابها صح يقينا أنها ليست من شئ من
ذلك وإنما كانت هدية من الذي أصابها، أو من وجه غير هذين الوجهين، فأعطاها
عليه السلام من شاء، وقد قدمنا أنه لا زكاة في مال غير الزرع الا بعد الحول، والمعدن
من جملة الذهب والفضة، فلا شئ فيها الا بعد الحول.
وهذا قول الليث بن سعيد وأحد أقوال الشافعي وقول أبى سليمان.
ورأي مالك أن من ظهر في أرضه معدن فإنه يسقط ملكه عنه، ويصير للسلطان،
وهذا قول في غاية الفساد، بلا برهان من قرآن، ولا سنة صحيحة، ولا رواية سقيمة،
ولا اجماع، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأى له وجه.
وعلى هذا ان ظهر في مسجد أن يصير ملكه للسلطان ويبطل حكمه ولو أنه الكعبة!
وهذا في غاية الفساد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام)
فصح ان من ظهر في أرضه معدن فهو له، يورث عنه ويعمل فيه ما شاء.
701 مسألة ولا تؤخذ زكاة من كافر، لا مضاعفة ولا غير مضاعفة،
لا من بنى تغلب ولامن غيرهم. وهو قول مالك.
وقال أبو حنيفة، والشافعي كذلك الا في بنى تغلب خاصة، فإنهم قالوا: تؤخذ منهم
الزكاة مضاعفة.
واحتجوا بخبر واهي مضطرب في غاية الاضطراب، رويناه من طريق أبي إسحاق
الشيباني عن السفاح بن مطر (4) عن داود بن كردوس التغلبي قال: صالحت عمر بن الخطاب
عن بنى تغلب (5) بعد أن قطعوا الفرات وأرادوا اللحوق بالروم على أن

(1) اختصر المؤلف الحديث جدا، وهو في مسلم (ح 1 ص 291 و 292) ولكن فيه (بذهبة) بالتكبير لا التصغير
(2) ان صح انه من الصدقة فليس ارسال على إياه من باب النظر في الصدقة، وإنما هو وال من قبل النبي صلى الله عليه وسلم تجبى إليه الصدقة، والمحرم هو العمل فيها بأن يكون مصدقا يأخذ جزءا منها
(3) في النسخة رقم (16) (فلو كانت) وهو خطا
(4) في الأصلين (السفاح
ابن مطرف) وهو خطا وصححناه من كتب الرجال ومن خراج يحيى بن آدم رقم 206 و 207 و 208 والتلخيص (ص 308)
(5) هكذا هنا يخبر داود انه هو الذي صالح عن بنى تغلب، ويظهر لي أنه خطأ، فقد روى يحيى بن آدم في الخراج رقم
206 و 208 وعن داود اخباره بان عمر صالح بنى تغلب، وكذلك نقله ابن حجر في التلخيص (ص 380) عن ابن أبي شيبة
وكذلك شارح ابن أبي داود (ج 3 ص 132)، وروى يحيى بن آدم أيضا رقم (207) عن داود عن عبادة بن النعمان (أنه قال لعمر)
الخ وكذلك نقله الجصاص في أحكام القران (ج 3 ص 94) عن يحيى بن آدم أنه قال (عمارة بن النعمان) كما سيذكر المؤلف
في طريق عبد السلام بن حرب، وكذلك رواه أبو يوسف في الخراج (ص 143 طبع السلفية) فقال (عن داود بن كردوس
عن عبادة بن النعمان التغلبي)، فيظهر في هذان هنا خطأ بحذف عبادة بن النعمان. وانظر نصب الراية (ج 1 ص 395 و 396)
111

لا يصبغوا (1) صبيا ولا يكرهوا على غير دينهم، (2) على أن عليهم العشر مضاعفا في كل
عشرين درهما درهم، قال داود بن كردوس: ليس لبنى تغلب ذمة، قد صبغوا (3)
في دينهم.
ومن طريق هشيم عن المغيرة بن مقسم عن السفاح بن المثنى عن زرعة بن النعمان
أو النعمان (3) بن زعرة: أنه كلم عمر في بنى تغلب، وقال له: انهم عرب يأنفون من
الجزية، فلا تعن عدوك بهم، فصالحهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة، فاشترط
عليهم: أن لا ينصروا أولادهم قال مغيرة: فحدثت أن علي بن أبي طالب قال: لئن تفرغت
لبنى تغلب لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم، فقد نقضوا، وبرئت منهم الذمة حين
نصروا أولادهم (5).
وروى أيضا من طريق عبد السلام بن حرب فقال: فيه عن داود بن كردوس عن
عمارة بن النعمان، وذكر مثله سواء سواء، وذكر أنهم لا ذمة لهم اليوم (6).
وروينا أيضا (7) من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن يونس
ابن يزيد عن الزهري: لا نعلم في مواشي أهل الكتاب صدقة الا الجزية غير أن نصارى
بنى تغلب الذين جل أموالهم المواشي تضعف عليهم حتى تكون مثلي الصدقة (8).
هذا كل ما موهوا به. ولو كان هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حل الاخذ به
لانقطاعه وضعف رواته، فكيف وليس هو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (9)!.

(1) بالصاد المهملة والباء والغين المعجمة، وفى النسخة رقم (16) (يضيعوا) وهو تصحيف. قال الأزهري (وسمت
النصارى غمسهم أولادهم في الماء صبغا لغمسهم إياهم فيه، والصبغ الغمس).
(2) في بعض الروايات للأثر (على دين غيرهم)
(3) في النسخة رقم (16) (ضيعوا) وهو تصحيف كما سبق
(4) في النسخة رقم 16 (والنعمان) وهو خطأ، وزرعة ابن النعمان أو النعمان بن زرعة هذا لم أجد له ترجمة، والأثر رواه أبو عبيد في الأموال عن سعيد بن سليمان عن هشيم كما نقله
الزيلعي في نصب الراية
(5) قول على هذا رواه أبو داود بلفظ: (لئن بقيت لنصارى بنى تغلب لأقتلن المقاتلة ولأسبين الذرية
فانى كتبت الكتاب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا ينصروا أبناءهم) ثم قال أبو داود: هذا حديث منكر،
وبلغني عن أحمد انه كان ينكر هذا الحديث انكارا شديدا) ويريد ان رفعه منكر فان المعروف ان الذي عاهدهم هو عمر بن
الخطاب
(6) طريق عبد السلام بن حرب رواه عنه يحيى بن آدم في الخراج رقم 207 ولكن قال (عبادة بن النعمان)
(7) كلمة (أيضا) زيادة من النسخة رقم (16)
(8) رواه يحيى بن آدم مختصرا عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري رقم 201
(9) خبر بنى تغلب هذا روى من طرق كثيرة تطمئن النفس إلى أن له أصلا صحيحا، ويؤيده خبر زياد بن حدير الآتي الذي صححه ابن حزم
112

فكيف وقد خالفوا هذا الخبر نفسه وهدموا به أكثر أصولهم؟! لأنهم يقولون:
لا يقبل خبر الآحاد الثقات (1) التي لم يجمع عليها فيما (2) إذا كثرت به البلوى،
وهذا أمر تكثر به البلوى، ولا يعرفه أهل المدينة وغيرهم! فقبلوا فيه خبرا لا خير فيه.
وهم قد ردوا بأقل من هذا خبر الوضوء من مس الذكر، ويقولون: لا يقبل خبر
الآحاد الثقات إذا كان زائدا على ما في القرآن أو مخالفا له، وردوا بهذا حديث اليمين مع
الشاهد، وكذبوا ما هو مخالف لما في القرآن.
ولا خلاف للقرآن أكثر من قول الله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون) فقالوا هم: إلا بنى تغلب فلا يؤدون الجزية ولا صغار عليهم، بل يؤدون
الصدقة مضاعفة، فحالفوا القرآن، والسنن المنقولة نقل الكافة (3) بخبر لا خير فيه!.
وقالوا: لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا خالف الأصول، وردوا بذلك خبر القرعة
في الاعبد الستة، وخبر المصراة، وكذبوا، ماهما مخالفين للأصول! بل هما أصلان
من كبار الأصول.
وخالفوا ههنا جميع الأصول في الصدقات، وفى الجزية بخبر لا يساوي بعرة!.
وتعللوا بالاضطراب في أخبار الثقات، وردوا بذلك خبر (لا تحرم الرضعة ولا
الرضعتان) وخبر (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا) وأخذوا ههنا بأسقط خبر
وأشده اضطرابا، لأنه يقول راويه مرة: عن السفاح بن مطرف، ومرة: عن السفاح
ابن المثنى، ومرة: عن داود بن كردوس أنه صالح عمر بنى تغب، ومرة: عن داود
ابن كردوس عن عبادة بن النعمان أو زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة أنه صالح عمر.
ومع شدة هذا الاضطراب المفرط فان جميع هؤلاء لا يدرى أحد من هم من
خلق الله تعالى؟.
وكم من قضية (4) خالفوا فيها عمر، ككلامه مع عثمان في الخطبة، نفيه في الزنا،
وإغرامه في السرقة بعد القطع، وغير ذلك.

(1)، ولذلك قال الجصاص في أحكام القرآن (ج 3 ص 94) بعد ذكر رواية داود بن كردوس: (هذا خبر مستفيض عند أهل الكوفة
)، قد وردت به الرواية والنقل الشائع عملا وعقد بابا خاصا لهم يراجع هناك، وكذلك أبو يوسف في الخراج
(ص 143) وكذلك البلاذري في فتوح البلدان (ص 189) طبع مصر سنة 1319 (1) كلمة (الثقات) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) كلمة (فيما) زيادة من النسخة رقم (16)
(3) من قوله (ولا صغار عليهم بل يؤدون) إلى هنا سقط خطأ من النسخة رقم (16)
(4) في النسخة رقم (16) (قصة)
113

وقد صح عن عمر بأصح طريق من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة (1)
عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن زياد بن حدير (2) قال: مرني عمر بن الخطاب
أن آخذ من نصارى بنى تغلب العشر، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر (3).
قال أبو محمد: فكما لم يسقط أخذ نصف العشر من أهل الكتاب الجزية عنهم فكذلك
لا يسقط أخذ العشر من بنى تغلب أيضا الجزية عنهم، وهذا أصح قياس، لو كان شئ
من القياس صحيحا، فقد خالفوا القياس أيضا.
ثم لو صح وثبت لكانوا (4) قد خالفوه، لان جميع ممن رووه عنه أولهم عن
آخرهم يقولون كلهم: ان بنى تغلب قد نقضوا تلك الذمة، فبطل ذلك الحكم.
ورووا ذلك أيضا عن علي، فحالفوا عمر. وعليا والخبر الذي به احتجوا والقرآن
والسنن: في أخذ الجزية من كل كتابي في أرض العرب وغيرها، كهجر واليمن وغيرهما
وفعل الصحابة رضي الله عنهم والقياس، ونعوذ بالله من الخذلان.
702 مسألة ولا يجوز أخذ زكاة ولا تعشير مما يتجر به تجار المسلمين،
ولا من كافر أصلا، تجر في بلاده (5) أو في غير بلاده، إلا أن يكونوا صولحوا على ذلك
مع الجزية في أصل عقدهم، فتؤخذ حينئذ منهم والا فلا.
أما المسلمون فقد ذكرنا قبل أنه لا زكاة عليهم في العروض لتجارة كانت أو لغير تجارة (6)
وأما الكفار فإنما أوجب الله تعالى عليهم الجزية فقط، فإن كان ذلك صلحا مع
الجزية فهو حق وعهد صحيح، وإلا فلا يحل أخذ شئ من أموالهم بعد صحة عقد
الذمة بالجزية والصغار، ما لم ينقضوا العهد. وبالله تعالى التوفيق.
وقال أبو حنيفة: يؤخذ من أهل الذمة إذا سافروا نصف العشر في الحول مرة فقط
ولا يؤخذ منهم من أقل من مائتي درهم شئ، وكذلك يؤخذ من الحربي العشر إذا بلغ
مائتي درهم، وإلا فلا، إلا إن كانوا لا يأخذون من تجارنا شيئا، فلا نأخذ من تجارهم شيئا.
وقال مالك: يؤخذ من أهل الذمة العشر إذا تجروا إلى غير بلادهم، مما قل أو كثر
إذا باعوا، ويؤخذ منهم في كل سفرة كذلك ولو مرارا في السنة، فان تجروا في بلادهم

(1) في النسخة رقم (16) (شعيب) وهو خطأ
(2) حدير - بضم الحاء وفتح الدال المهملتين، وفى النسخة رقم (16) (جابر) وفي نصب الراية (ج 1 ص 396) (جرير) وكل خطأ
(3) نقل الزيلعي في نصب الراية انه رواه عبد الرزاق
في مصنفه عن عبد الله بن كثير عن شعبة، وروى يحيى في الخراج عن شريك وعن إسرائيل كلاهما عن إبراهيم بن مهاجر عن زياد
ابن حدير نحوه ولكن فيه انه يأخذ من بنى تغلب نصف العشر، رقم (202 و 203)، وروى أبو يوسف في الخراج (ص 144)
عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن زياد التغليظ علي بنى تغلب، وإسماعيل وأبوه ضعيفان من قبل حفظهما
(4) في النسخة رقم (14) (لكان) وما هنا أصوب
(5) في النسخة رقم (16) (بلده)
(6) في النسخة رقم (14) (أو لغيرها)
114

لم يؤخذ منهم شئ، ويؤخذ من الحربيين كذلك إلا فيما حملوا (1) إلى المدينة خاصة
من الحنطة، والزبيب (3) خاصة، فإنه لا يؤخذ منهم إلا نصف العشر فقط.
قال أبو محمد: احتجوا في ذلك بما روى من طريق معمر عن الزهري عن السائب
ابن يزيد: كنت أعشر مع عبد الله بن عتبة زمن عمر بن الخطاب، فكان يأخذ من أهل
الذمة أنصاف عشر أموالهم فيما تجروا به.
وبحديث أنس بن سيرين عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب: خذ (3) من المسلمين
من كل أربعين درهما درهما، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما، وممن لا ذمة
له من كل عشرة دراهم درهما (4).
ومن طريق زياد بن حدير: أمرني عمر بأن آخذ من بنى تغلب العشر، ومن نصارى
أهل الكتاب نصف العشر.
ومن طريق مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: كنت غلاما مع عبد الله
ابن عتبة على سوق المدينة زمان عمر بن الخطاب، (5) فكان يأخذ من النبط العشر.
قال أبو محمد: هذا كله لا حجه فيه، لأنه ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضا فرب قضية خالفوا فيها عمر قد ذكرناها آنفا، وليس يجوز أن يكون بعض
حكم عمر حجة وبعضه ليس بحجة.
وأيضا فان هذه الآثار (6) مختلفة عن عمر، في بعضها العشر من أهل الكتاب،
وفى بعضها نصف العشر، فما الذي جعل بعضها أولى من بعض؟!.
وقد خالف المالكيون هذه الآثار تفريقهم بين تجارتهم في أقطار بلادهم أو غيرها.
وخالفها (7) الحنيفيون في وضعهم ذلك مرة في العام فقط، وليس ذلك في هذه الآثار
وذكروا في ذلك خبرا فساد من طريق ابن أبي ذئب (8) عن عبد الرحمن بن مهران:
أن عمر كتب (9) إلى أيوب بن شرحبيل: خذ من المسلمين من كل أربعين دينارا دينارا،
ومن أهل الكتاب من كل عشرين دينارا دينارا، إذا كانوا يديرونها، ثم لا تأخذ منهم
شيئا حتى رأس الحول، فانى سمعت ذلك ممن سمعه ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: وهذا عن مجهولين، وليس أيضا فيه بيان أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم (10)

(1) في النسخة رقم (16) (الا ما حملوا)
(2) في النسخة رقم (16) (والزيت) بدل (والزبيب)
(3) كلمة (خذ) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(4) في النسخة رقم (16) في المواضع الثلاثة (درهم) وهو لحن
(5) في النسخة رقم (16) (زمن عمر)
(6) في النسخة رقم (16) (آثار)
(7) في النسخة رقم (16) (وخالف)
(8) كلمة (ذئب) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(9) في النسخة رقم (16) (عن عبد الرحمن بن مهران عمن كتب) الخ وهو خطأ
(10) قوله (قال أبو محمد: وهذا عن مجهولين) إلى هنا سقط من النسخة رقم (16)
115

قال أبو محمد: فكيف وقد روينا عن عمر رضي الله عنه بيان هذا كله؟ كما حدثنا أحمد
ابن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا الأنصاري هو
القاضي محمد بن عبد الله بن المثنى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز قال:
بعث عمر عمارا، وابن مسعود، وعثمان بن حنيف إلى الكوفة فذكر الحديث وفيه:
أن عثمان بن حنيف مسح الأرض فوضع عليها كذا وكذا، وجعل في أموال أهل الذمة
الذين يختلفون بها من كل عشرين درهما درهما (1) وجعل على رؤوسهم وعطل من
ذلك النساء والصبيان: أربعة وعشرين، ثم كتب بذلك إلى عمر فأجازه (2).
فصح أن هذا كان في أصل العهد والعقد وذمتهم.
وبه إلى أبى عبيد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن خالد العبسي
قال: سألت زياد بن حدير: من كنتم تعشرون (3) قال (4) ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا
كنا نعشر تجار أهل الحرب كما يعشروننا إذا أتيناهم (5).
فصح أنه لم يكن يؤخذ ذلك ممن لم يعاقد على ذلك.
وبه إلى أبى عبيد: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن مسروق قال:
والله ما عملت عملا أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا، وما بي أن أكون
ظلمت فيه مسلما أو معاهدا دينارا ولا درهما، ولكن لا أدرى ما هذا الحبل (6) الذي
لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر؟ قالوا: فما حملك على أن دخلت فيه؟
قال: لم يدعني زياد، وشريح، ولا الشيطان حتى دخلت فيه (7).

(1) كلمة (درهما) الثانية سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(2) انظر خراج أبى يوسف (ص 29 و 31) في مسح ارض السواد، وقد روى هذا الأثر مطولا عن سعيد بن أبي عروبة (ص 42) وانظر أيضا في (ص 43 و 44 و 45 و 153 و)
(3) في النسخة رقم (16) (تعشر) وهو خطأ
(4) في النسخة رقم (16) (قالوا) وهو خطأ
(5) رواه يحيى بن آدم رقم (640) عن سفيان بن سعيد - هو الثوري - عن عبد الله بن خالد العبسي عن عبد الله بن مغفل عن زياد بن حدير قال: (ما كنا
نعشر مسلما ولا معاهدا، قال قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار أهل الحرب كما يعشرونا إذ أتيناهم) وأظن أن
أصل المحلى سقط منه (عن عبد الله بن مغفل) في الاسناد، وعبد الله بن خالد العبسي لم أجد له ترجمة ولا ذكرا
(6) لا أدري ما المراد بالحبل هنا. وفي النسخة رقم (14) (الحمل) بالميم وهو مشكل أيضا، وإنما رجحت الذي بالنسخة رقم (16) لموافقته ما في طبقات ابن سعد كما سنذكره إن شاء الله
(7) قال ابن سعد في الطبقات (ج 5 ص 55) (أخبرنا عبد الله
ابن نمير ثنا الأعمش عن شقيق قال: كان مسروق على السلسلة سنتين فكان يصلى ركعتين ركعتين يبتغى بذلك السنة.
أنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن شقيق قال: قلت لمسروق ما حملك على هذا العمل؟ قال لم يدعني ثلاثة: زياد وشريح
والشيطان حتى أوقعوني فيه! انا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن سليمان هو الأعمش - عن شقيق قال كنت مع مسروق
بالسلسلة سنتين يصلى ركعتين يريد بذلك السنة، قال فسمعته يقول: ما عملت عملا قط أخوف علي من أن يدخلني النار
من عملي هذا، وما بي ان أكون أصبت درهما ولا دينارا ولا ظلمت مسلما ولا معاهدا، ولكن لا ادرى ما هذا الحبل (؟)
الذي لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر؟ قال قلت: فما ردك عليه وقد كنت تركته؟ قال: اكتنفني
زياد وشريح والشيطان فلم يزالوا يزينونه لي حتى أوقعوني فيه! أخبرنا هشام بن الوليد الطيالسي ثنا أبو عوانة عن حصين
عن أبي وائل: ان مسروقا حين حضره الموت قال: اللهم لا أموت على امر لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر
ولا عمر، والله ما تركت صفراء ولا بيضاء عند أحد من الناس غير ما في سيفي هذا فكفنوني به، وقد قال ابن سعد قبل هذا
ان مسروقا كان قاضيا وانه كان لا يأخذ على القضاء رزقا، وقال أخيرا ان مسروقا مات ودفن بالسلسة بواسط. فعلمنا
من هذا ان السلسة مكان بواسط وان مسروقا كان متوليا شأنا من شؤونه وانه كان قاضيا، وانه تمنى الخروج من عمله بل
خرج منه ثم عاد إليه ثم ندم وتمنى ان يتركه. فما هذا العمل؟ هل هو القضاء أو عمل آخر؟ اما القضاء فقد سنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وعمل ابن حزم في الاتيان بالأثر هنا يدل على أن مسروقا كان عاملا على شئ مما يتعلق بالمال
من خراج أو جزية أو غيرهما وهو الذي سماه (الحبل)؟! ولعلنا نوفق إلى معرفته إن شاء الله تعالى.
116

قال أبو محمد: فصح أنه عمل محدث، ولا يجوز أن يظن بعمر رضي الله عنه أنه
تعدى ما كان في عقدهم، كما لا يظن به في أمره أن يؤخذ من المسلمين من كل أربعين درهما
درهم أنه فيما هو أقل من مائتي درهم. وبالله تعالى التوفيق.
3 70 مسألة وليس في شئ مما أصيب من العنبر والجواهر (1) والياقوت
والزمرد بحرية وبرية.: شئ أصلا، وهو كله لمن وجده.
وقد روى من طريق الحسن بن عمارة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس
عن عمر بن الخطاب: أن في العنبر، وفى كل (2) ما استخرج من حلية البحر الخمس (3)،
وبه يقول أبو يوسف.
قال أبو محمد: الحسن بن عمارة مطرح.
وقد صح عن أبن عباس أنه قال في العنبر: إن كان فيه شئ ففيه الخمس، من طريق
سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس، وروى أيضا عن ابن عباس:
لا شئ فيه (4).
قال أبو محمد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فصح
انه لا يحل اغرام مسلم شيئا بغير نص صحيح، وكان (5) بلا خلاف كل ما لا رب
له فهو لمن وجده. وبالله تعالى التوفيق.

(1) في النسخة رقم (14) (أو الجوهر)
(2) في النسخة رقم (16) (وكل)
(3) استغربه الزيلعي في نصب الراية عن عمر بن الخطاب لما نقله صاحب الهداية بدون اسناد ولكن ما هنا يدل على أنه ورد ولم يطلع عليه الزيلعي وإن كان الاسناد
ضعيفا
(4) نقله الزيلعي في نصب الراية (ج 1 ص 407) عن عبد الرزاق (أخبرنا الثوري عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن
عباس ان إبراهيم بن سعد وكان عاملا بعدن سأل ابن عباس عن العنبر؟ فقال: إن كان فيه شئ فالخمس) ثم قال (ورواه
الشافعي أنبأنا سفيان الثوري به)
(5) في النسخة رقم (16) (وجاز) بدل (وكان) وهو خطأ
117

زكاة الفطر
704 مسألة (1) زكاة الفطر من رمضان فرض واجب على كل مسلم، كبير
أو صغير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، وإن كان من ذكرنا جنينا في بطن أمه (2) عن كل
واحد صاع من تمر أو صاع من شعير، وقد قدمنا أن الصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم
وقد فسرناه قبل، ولا يجزئ شئ غير ما ذكرنا، لا قمح ولا دقيق قمح أو شعير، ولا خبز (3)
ولا قيمة، ولا شئ غير ما ذكرنا.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا ابن أبي فديك أنا الضحاك
ابن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل نفس من
المسلمين حر أو عبد، رجل أو امرأة، صغير أو كبير: صاعا من تمر أو صاعا
من شعير).
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا أبو إسحاق البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا أحمد بن يونس ثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير).
وقال مالك: ليست فرضا، واحتج له من قلده بان قال: معنى (فرض رسول الله
صلى الله عليه وسلم) أي قدر مقدارها.
قال أبو محمد: وهذا خطأ، لأنه دعوى بلا برهان وإحالة اللفظة عن موضوعها (4)
بلا دليل، وقد أوردنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها (5) وأمره فرض، قال تعالى:
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
وذكروا خبر رويناه من طريق قيس بن سعد: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة
الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله).
وعنه أيضا: (كنا نصوم عاشورا ونعطي زكاة الفطر ما لم ينزل علينا صوم رمضان

(1) كلمة (مسألة زيادة من النسخة رقم (14)
(2) سيناقض ابن حزم نفسه. فإنه قال فيما يأتي في المسألة 718
(ومن ولد حين ابيضاض الشمس من يوم الفطر فما بعد ذلك أو أسلم كذلك فليس عليه زكاة الفطر))
(3) في النسخة رقم (14) (لا قمح ولا دقيق ولا خبز)
(4) في النسخة رقم (16) وإحالة (اللفظ عن موضوعه)
(5) قوله (امر بها) سقط خطأ من النسخة رقم (16)
118

والزكاة، فلما نزلا لم نؤمر ولن ننه عنه، ونحن نفعله) (1).
قال أبو محمد: وهذا الخبر حجة لنا عليهم، لان فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة
الفطر، فصار أمرا مفترضا ثم لم ينه عنه، فبقي فرضا كما كان، وأما يوم عاشوراء فلولا
أنه عليه السلام صح أنه قال بعد ذلك: (من شاء صامه ومن شاء تركه) لكان فرضه
باقيا، ولم يأت مثل هذا القول في زكاة الفطر، فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وقد قال تعالى:
(أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر زكاة، فهي
داخلة في أمر الله تعالى بها، والدلائل (2) على هذا تكثر جدا.
وروينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن عصام بن سليمان عن عصام بن سليمان الأحول عن محمد بن
سيرين وأبى قلابة قالا جميعا: زكاة الفطر فريضة: وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما.
وأجاز قوم أشياء (3) غير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوم: يجزئ فيها القمح
وقال آخرون: والزبيب والأقط (4).
واحتجوا بأشياء منها: أنهم قالوا: إنما يخرج كل أحد مما يأكل ومن قوت أهل
بلده، فقلنا: هذه دعوى باطل بلا برهان، ثم قد نقضتموها لأنه إنما يأكل الخبز
لا الحب، فأوجبوا أن يعطى خبزا لأنه هو أكله، هو قوت أهل بلده، فان قالوا:
هو غير ما جاء به الخبر، قلنا: صدقتم وكذلك ما عدا التمر والشعير.
وقالوا: إنما خص عليه السلام بالذكر التمر والشعير لأنهما كانا قوت أهل المدينة.
قال أبو محمد: وهذا قول فاحش جدا، أول ذلك أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
مكشوف! لان هذا القائل قوله عليه السلام ما لم يقل، وهذا عظيم جدا.

(1) هذا الحديث بلفظيه رواه النسائي (ج 5 ص 49) باسنادين: أحدهما من طريق الحكم بن عتيبة عن القاسم عن عمر
ابن شرحبيل عن قيس. والآخر من طريق سلمة بن كهيل عن القاسم عن أبي عمار الهمداني عن قيس، وهما اسنادان صحيحان
رواتهما ثقات، والعجب أن ابن حجر قال في الفتح (ج 3 ص 291): (وتعقب بأن في اسناده راويا مجهولا) وتبعه في هذا
السيوطي في شرح النائي والشوكاني في نيل الأوطار (ج 4 ص 250)! وهو خطأ، فليس فيه مجهول قط، والحق انه لا دليل
فيه على النسخ كما قال ابن حجر: لاحتمال الاكتفاء بالامر الأول، لان نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر)
وكما قال المؤلف هنا، واما حكاية ابن حزم عن مالك القول بأنها ليست فرضا فهو وهم منه أو ممن نقل عنه، قال مالك في
الموطأ (ص 124): (تجب زكاة الفطر على أهل البادية كما تجب على أهل القرى، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين) وإنما حكاه السيوطي في شرح النسائي
عن إبراهيم بن علية وأبا بكر الأصم وأشهب من المالكية وابن اللبان من الشافعية، وحكاه ابن رشد في بداية المجتهد (ج 1 ص
253) عن بعض المتأخرين من أصحاب مالك.
(2) في النسخة رقم (16) (والدليل) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (شيئا) وهو خطأ
(4) بفتح الهمزة مع كسر القاف أو ضمها أو فتحها أو اسكانها، وبكسر الهمزة مع كسر القاف. أو
اسكانها، وبضم الهمزة مع اسكان القاف فقط، وهو شئ يتخذوا من اللبن المخيض، كأنه نوع من الجبن الجاف
119

ويقال له: من أين لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يذكر القمح، والزبيب فسكت
عنهما وقصد إلى التمر والشعير لأنهما قوت أهل المدينة؟ وهذا لا يعلمه الا من أخبره
عليه السلام بذلك عن نفسه أو من نزل عليه وحى بذلك.
وأيضا: فول صح لهم ذلك لكان الفرض في ذلك لا يلزم إلا أهل المدينة فقط.
وأيضا: فان الله تعالى قد علم وأنذر بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى سيفتح لهم
الشأم، والعراق، ومصر، وما وراء البحار، فكيف يجوز أن يلبس على أهل هذه البلاد
دينهم؟ فيريد منهم أمرا ولا يذكره لهم؟ ويلزمهم بكلامه مالا يلزمهم من التمر والشعير؟
ونعوذ بالله من مثل هذا الظن الفاسد المختلط.
واحتجوا بأخبار فاسدة لا تصح.
منها خبر رويناه من طريق إسماعيل بن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي
ذباب عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة
الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط) (1).
والحارث ضعيف، ثم لو صح لما كان فيه الا الاقط لا سائر ما يجيزون.
ومن طريق ابن وهب عن كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن ربيح بن عبد الرحمن
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر (صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا
من أقط أو صاعا من شعير).
وكثير بن عبد الله ساقط، لا تجوز الرواية عنه، (2) ثم لو صح لم يكن فيه
إلا الاقط، والزبيب.

(1) هو في النسائي (ج 5 ص 51)
(2) هكذا جاء هذا الاسناد هنا. (ربيح بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري)
المعروف ان ربيحا يروى عن أبيه عبد الرحمن عن جده أبي سعيد. فإنه (ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري).
وقد رواه ابن سعد في الطبقات (ج 1 ق 2 ص 8) ونصه (أخبرنا محمد بن عمر نا عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي عن الزهري عن
عروة عن عائشة، قال: وأخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن ربيح
ابن عبد الرحمن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده قالوا: نزل فرض شهر رمضان بعدما صرفت القبيلة إلى الكعبة بشهر،
في شعبان، على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه
السنة بزكاة الفطر، وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال، وان تخرج عن الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر
والأنثى، صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب، أو مدان من بر، وكان يخطب رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبل الفطر بيومين، فيأمر باخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى، وقال: اغنوهم - يعنى المساكين - عن طواف هذا
اليوم، وكان يقسمها إذا رجع) الخ ونقله ابن حجر في التلخيص (ص 186) عن ابن سعد ببعض اختلاف، ولولا ضعف
محمد بن عمر الواقدي لكان طريق الزهري وطريق عبيد الله بن عمر صحيحين، ولكنه يصلح للمتابعات ويدل على أن للحديث
أصلا مع اختلاف طرقه رغما عما يريد ابن حرم، وتبين من هذا أن كثير بن عبد الله لم ينفرد بهذا عن ربيح، * فائدة: ربيح بالتصغير
120

ومن طريق نصر بن حماد عن أبي معشر المدني عن نافع عن ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم فذكر: (صاعا من تمر أو من شعير أو من زبيب أو من قمح، ويقول: أغنوهم
عن تطواف هذا اليوم) (1).
وأبو معشر المدني هذا نجيح مطرح يحدث بالموضوعات عن نافع وغيره.
ومن طريق يعلى عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي
صعير (2) عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (صاعا من بر عن كل ذكر أو أنثى، صغير
أو كبير، غنى أو فقير، حر أو مملوك).
والنعمان بن راشد ضعيف كثير الغلط، ثم لو صح لكان أبو حنيفة قد خالفه،
لأنه لا يوجب إلا نصف صاع من بر.
ومن طريق همام بن يحيى: ثنا بكر بن وائل بن داود ثنا الزهري عن عبد الله
ابن ثعلبة بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه أمر في صدقة الفطر صاع تمر
أو صاع شعير على كل واحد، أو صاع قمح بين اثنين).
وعن ابن جريج عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذان مرسلان.
ومن طريق مسدد عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة
ابن أبي صعير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (3) في صدقة الفطر: (صاع من قمح على كل اثنين).
ومن طريق سليمان بن داود العتكي (4) عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد
عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير (5) عن أبيه
عن النبي صلى الله عليه وسلم (6) في صدقة الفطر: (صاع من بر على كل اثنين).
فحصل هذا الحديث راجعا إلى رجل مجهول الحال، مضطرب عنه، مختلف في اسمه،
مرة عبد الله بن ثعلبة، مرة ثعلبة بن عبد الله، ولا خلاف في أن الزهري لم يلق ثعلبة
ابن أبي صغير، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة.

(1) وفيه ضعف (1) رواه الدارقطني بمعناه (ص 225) من طريق وكيع عن أبي معشر، ونسبه ابن حجر في التلخيص (ص 186)
إلى البيهقي أيضا. وقد ظهر مما رواه ابن سعدان له أصلا
(2) صعير - بضم الصاد وفتح العين المهملتين، وانظر ألفاظ هذا
الحديث وطرقه إلى أبى داود (ج 2 ص 3130) والدارقطني (ص 223 و 224)
(3) كلمة (في) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) بفتح العين المهملة والتاء المثناة وبالكاف، وهو أبو الربيع الزهراني الحافظ، وفى النسخة رقم (16) (العتبى)
وهو خطأ فاحش
(5) في النسخة رقم (16) (عن النعمان بن راشد عن ثعلبة أو ثعلبة بن أبي صعير، وهو خطأ (6) كلمة (في) زيادة من النسخة رقم (14)
121

وأحسن حديث في هذا الباب ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك
ابن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب (1) ثنا موسى بن إسماعيل ثنا همام بن يحيى عن
بكر بن وائل، أن الزهري حدثه عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير (2) عن أبيه
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فامر بصدقة الفطر، صاع تمر أو صاع شعير عن كل واحد).
ولم يذكر البر ولا شيئا غير التمر والشعير، ولكننا لا نحتج به. لان عبد الله بن ثعلبة
مجهول، ثم هذا كله مخالف لقول مالك والشافعي.
ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي يزيد المدني (3): (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لمظاهر شعيرا وقال: أطعم هذا فان مدين من شعير يقضيان مدا من قمح).
وهذا مرسل.
ومن طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حج بعث
صارخا في بطن مكة: ألا أن زكاة الفطر حق واجب على كل مسلم، مدان من حنطة أو صاع
مما سوى ذلك من الطعام).
وهذا مرسل.
وعن جابر الجعفي عن الشعبي: (كانوا يخرجون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة
الفطر (4) صاع من تمر أو صاع من شعير (5) أو نصف صاع من بر).
وهذا مرسل.
ومن طريق الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وعقيل بن خالد وعمرو بن الحارث (6)
قال عبد الرحمن وعقيل: عن الزهري وقال عمرو: عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، (7)
ثم اتفق يزيد والزهري عن سعيد بن المسيب، (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر
مدين من حنطة (8).

(1) في النسخة رقم (16) (ثنا زهير بن حرب) وهو خطأ فاحش، فان ابن أيمن ولد سنة 252 وزهيرا مات سنة 234،
وإنما عرف ابن أيمن بالرواية عن أحمد بن زهير بن حرب
(2) في النسخة رقم (16) (بن صعير) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (أبى زيد المدني) وهو خطأ، وأبو يزيد هذا تابعي ثقة
(4) (قوله زكاة الفطر) سقط من النسخة رقم (16)
(5) رسم في الأصلين (صاع) منصوبا بغير ألف في الموضعين، ووضع عليها في النسخة رقم (14) كلمة (كذا) إشارة إلى احتمال
الخطأ، والحق انه صواب، ففي البخاري في أبواب العمرة في حديث ابن عمر: (كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أربع
(فإنه في رواية أبي ذر بالنصب، وفي حاشية النسخة اليونينية منه ما نصه (على رواية أبي ذر رسم بعين واحدة على لغة ربيعة من الوقف
على المنصوب بصورة المرفوع والمجرور)) وانظر (شرح ابن يعيش على المفصل) طبع الإدارة المنيرية (ج 9 ص 69 و 70)
(6) في النسخة رقم (16) (عمرو بن خالد) وهو خطأ
(7) بضم القاف وفتح السين المهملة وآخره طاء مهملة أيضا
(8) في النسخة رقم (16) (من كل حنطة) وهو خطأ
122

وهذا مرسل.
ومثله أيضا عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم
ابن عبد الله بن عمر، وأبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهي مراسيل.
ومن طريق حميد عن الحسن عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرضها يعنى زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر.
ولا يصح للحسن سماع من ابن عباس (1).
وروى أيضا من طريق أبي هريرة، وأوس بن الحارث، وعمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده وكل ذلك لا يصح، ولا يشتغل به، ولا يعمل به الا جاهل (2).
قال أبو محمد: وهذا مما نقضت كل طائفة منهم (3) فيه أصلها.
فأما الشافعيون فإنهم يقولون عن الشافعي: بأن مرسل سعيد بن المسيب حجة،
وقد تركوا ههنا مرسل سعيد بن المسيب.
وقال الشافعي: في أشهر قوليه لا تجزئ زكاة الفطر الا من حب تخرج منه الزكاة،
وتوقف في الاقط، وأجازه مرة أخرى.
وأما المالكيون فأجازوا المرسل وجعلوه كالمسند، وخالفوا ههنا من المراسيل
ما لو جاز قبول شئ منها لجاز ههنا، لكثرتها وشهرتها ومجيئها من طريق (4) فقهاء المدينة.
وأما الحنيفيون فإنهم في أشهر رواياتهم عنه جعل الزبيب كالبر في أنه يجزئ
منه نصف صاع، ولم يجز الاقط إلا بالقيمة ولا أجاز غير البر والشعير ودقيقهما
وسويقهما والتمر والزبيب (5) فقط إلا بالقيمة، وهذا خلاف لبعض هذه الآثار (6)
وخلاف لجميعها في إجازة القيمة، والعجب كله من إطباقهم (7) على أن راوي الخبر إذا تركه

(1) حديث الحسن عن ابن عباس رواه أبو داود (ج 2 ص 31 و 32) والنسائي (ج 5 ص 50) والدارقطني (ص 222) وروى
نحو الدارقطني ص 222 عن ابن سيرين عن ابن عباس ورجاله ثقات الا انه منقطع لان ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئا
وروى الحاكم نحوه (ج 1 ص 410) والدارقطني (ص 221) من طريق يحيى بن عباد عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس
صحيحه الحاكم وضعفه الذهبي بيحيى بن عباد السعدي ونقل عن العقيلي أنه قال (حديثه يدل على الكذب)
(2) حديث أبي هريرة رواه الحاكم (ج 1 ص 410) والدارقطني (ص 221) وصححه الحاكم، وضعفه الذهبي ببكر بن الأسود وهو كما قال. وروى
نحوه الدارقطني موقوفا باسناد صحيح (ص 224). وحديث أوس بن الحارث لم أجده. وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده رواه الترمذي (ج 1 ص 85 طبع الهند) والدارقطني (ص 220) وقال الترمذي: (حديث غريب حسن)
(3) كلمة (منهم) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (14) (طرق)
(5) في النسخة رقم (14) (والشعير) بدل (والزبيب) وهو خطأ
(6) في النسخة رقم (14) (الاخبار)
(7) في النسخة رقم (16) (اطنابهم) وهو خطأ لا معنى له
123

كان ذلك دليلا على سقوط الخبر، كما فعلوا في خبر غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا.
وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا علي بن ميمون
الرقى عن مخلد هو ابن الحسين عن هشام هو ابن حسان عن ابن سيرين
عن ابن عباس قال: ذكر في صدقة الفطر فقال: (صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع
من شعير، أو صاع من سلت (1).
فهذا ابن عباس قد خالف ما روى بأصح إسناد يكون عنه (2)، فواجب عليهم رد
تلك الرواية، والا فقد نقضوا أصلهم.
وذكروا في ذلك حديثا صحيحا رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عياض
ابن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: (كنا نخرج زكاة الفطر، صاعا من طعام،
أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب (3)).
قال أبو محمد: وهذا غير مسند، وهو أيضا مضطرب فيه على أبي سعيد.
فرويناه من طريق البخاري: ثنا معاذ بن فضالة (حدثنا أبو عمر) (4) عن زيد هو
ابن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال: (كنا نخرج على عهد (5)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط (6)
والتمر).
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية أخبرني عياض بن عبد الله أنه
سمع أبا سعيد الخدري يقول: (كنا نخرج زكاة الفطر ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا
عن كل صغير وكبير حر ومملوك: من ثلاثة أصناف: صاعا من تمر، صاعا من أقط،
صاعا من شعير، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كذلك (7)).
ومن طريق سفيان بن عيينة: ثنا ابن عجلان سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد
الخدري قال: (لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير
أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط أو صاعا من دقيق أو صاعا من سلت) ثم شك سفيان

(1) رواه النسائي (ج 5 ص 50) ولكن فيه (صاعا) بالنصب في المواضع الأربعة
(2) في النسخة رقم (16) (يكون فيه) وهو خطأ. واثر ابن عباس هذا موقوف كما ترى) وقد أشرنا فيما سبق إلى المرفوع الذي عند الدارقطني، وقد جعل ابن حزم هذا اسنادا صحيحا وليس كما قال، فإنه منقطع، قال احمد وابن المديني وابن معين والبيهقي (محمد بن سيرين لم
يسمع من ابن عباس شيئا) نقله شارح الدارقطني، وفي المراسيل لابن أبي حاتم نحوه عن أحمد وابن المديني (ص 68)
(3) في الموطأ (ص 124) والبخاري (ج 2 ص 260) ومسلم (ج 1 ص 269)
(4) قوله (حدثنا أبو عمر) سقط خطأ من الأصلين، وزدناه من البخاري (ج 2 ص 261) وأبو عمر هو حفص بن ميسرة
(5) في البخاري (في عهد)
(6) قوله (والزبيب والأقط) سقط خطأ من النسخة رقم (16)
(7) هو في مسلم (ج 1 ص 269)
124

فقال: (دقيق أو سلت (1)) *)
ومن طريق الليث عن يزيد هو ابن أبي حبيب عن عبد الله (2) بن عبد الله
ابن عثمان أن عياض بن عبد الله حدثه أن أبا سعيد الخدري قال: (كنا نخرج في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط، لا نخرج غيره)
يعنى في زكاة الفطر.
قال أبو محمد: ففي بعض هذه الأخبار إبطال إخراج البر جملة، وفى بعضها إثبات
الزبيب، وفى بعضها نفيه، واثبات الاقط جملة، وليس فيها شئ غير ذلك، وهم يعيبون
الاخبار المسندة التي لا مغمز فيها بأقل من هذا الاضطراب، كحديث ابطال تحريم
الرضعة والرضعتين وغير ذلك (3).
ثم إنه ليس من هذا كله خبر مسند، لأنه ليس في شئ منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك فأقره.
ولا عجب أكثر ممن يقول في خبر جابر الثابت: (كنا نبيع أمهات الأولاد على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وحديث أسماء بنت أبي بكر الثابت: (ذبحنا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه): ان هذان (4) ليسا مسندين)، لأنه ليس فيهما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك فأقره، ثم يجعل حديث أبي سعيد هذا مسدنا على
اضطرابه وتعارض رواته فيه!.
فليقل كل ذي عقل: أيما أولى (5) أن يكون لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بيع
رجل من أصحابه أم ولده. أو ذبح فرس في بيت أبى بكر الصديق أو بيت الزبير وبيتاهما
مطنبان (6) ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنته عنده، على عزة الخيل عندهم وقلتها وحاجتهم
إليها، أم صدقة رجل من المسلمين في بنى خدرة في عوالي المدينة بصاع أقط أو صاع زبيب

(1) طريق سفيان عند أبي داود (ج 2 ص 29 و 30) والنسائي (ج 5 ص 52) والدارقطني (ص 223) قال أبو داود (زاد
سفيان: أو صاعا من دقيق * قال حامد فأنكروا عليه فتركه سفيان، قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة)
وقال الدارقطني: (قال أبو الفضل: فقال له علي بن المديني - يعنى لسفيان - وهو معنا: يا أبا محمد لا يذكر في هذا الدقيق،
قال: بلى هو فيه) وهو يدل على أن سفيان شك فيه، ومرة تركه، ومرة استوثق منه، وأيقن ان الزيادة عن تثبت منه
(2) كذا في الأصلين بالتكبير، وفي النسائي (ج 5 ص 53) (عبيد الله) بالتصغير، وهو على الاختلاف في اسمه، والذي
في أبى داود (ج 2 ص 29) بالتكبير، وأظنه الراجح
(3) ليس هذا من الاضطراب في شئ، بل إن بعض الرواة يطيل وبعضهم
يختصر، ومنهم من يذكر شئ ويسهو عن غيره، وزيادة الثقة مقبولة، فالواجب جمع كل ما ورد في الروايات الصحيحة،
إذ لا تعارض بينها أصلا
(4) هكذا في النسخة رقم (16) وهو صحيح عربية، وفي النسخة رقم (14) (هذين)
(5) في النسخة رقم (16) (إنما الأولى) وما هنا هو الصحيح
(6) تشديد النون المفتوحة، يعنى إلى جانبه، واصله المشدود بالاطناب وهي حبال الأخبية
125

؟! ولو ذبح فرس للاكل في جانب من جوانب بغداد ما كان يمكن أن يخفى
في الجانب الآخر، ولو تصدقت امرأة أحدنا أو جاره الملاصق بصاع أقط أو صاع
زبيب وصاع قمح ما كاد هو يعلمه في الأغلب، فأعجبوا لعكس هؤلاء القوم الحقائق! (1)
ثم إن هذه الطوائف الثلاثة مخالفة لما في هذا الخبر.
أما أبو حنيفة فأشهر أقواله أن نصف صاع زبيب يجزئ وأن الاقط لا يجزئ
إلا بالقيمة.
وأما الشافعي فأشهر أقواله أن الاقط لا يجزئ، وأجاز إخراج ما منعت هذه الأخبار
من إخراجه، مما لم يذكر فيها من الذرة وغير ذلك.
وأما المالكيون، والشافعيون فخالفوها جملة، لأنهم لا يجيزون إخراج شئ من هذه
المذكورات في هذا الخبر إلا لمن كانت قوته، وخبر أبي سعيد لا يختلف فيه أنه على التخيير،
وكلهم يجيز إخراج من منعت هذه الأخبار من إخراجه.
فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مخالفه له؟! ما هذا من التقوى، ولا من البر:
ولا من النصح لمن اغتر بهم من المسلمين!.
وأما نحن فوالله لو انسند (3) صحيحا شئ من كل ما ذكرنا من الاخبار لبادرنا
إلى الاخذ به، وما توقفنا عند ذلك، لكنه ليس منها مسند صحيح ولا واحد، فلا يحل
الاخذ بها في دين الله تعالى.
وقال بعضهم: إنما قلنا بجواز القمح لكثرة القائلين به وجمح فرس بعضهم فادعى
الاجماع في ذلك جرأة وجهلا! (4).
فذكروا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع
عن ابن عمر: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الذكر، والأنثى، والحر،
والعبد، صاع من تمر أو صاع (5) من شعير، قال ابن عمر: فعدله الناس بعد
مدين (6) من قمح).

(1) أخطأ المؤلف وشذ جدا في زعمه ان حديث أبي سعيد ليس مسندا، وألفاظه تدل على أن ذلك كان معلوما معروفا
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخطأ من زعم أن بيع أمهات الأولاد وخبر ذبح الفرس موقوفان.
(2) في النسخة رقم (14) (به)
(3) في النسخة رقم (16) (وأما نحن فلو أسند)
(4) في النسخة رقم (16) (في ذلك جهلا)
(5) رسم (صاع) هنا في الموضعين بدون الألف في الأصلين، انظر ما كتبناه قريبا، ويحتمل أيضا أن يكون هنا مرفوعا
(6) في النسخة رقم (14) (بعده بمدين)
126

ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر: (فعدل الناس
بعد (1) نصف صاع من بر، وكان ابن عمر يعطى التمر، فأعوز أهل المدينة التمر عاما
فأعطى الشعير).
قال أبو محمد: لو كان فعل الناس حجة عند ابن عمر ما استجاز خلافه، وقد قال الله
تعالى: (ان الناس قد جمعوا لكم). ولا حجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، لكنه حجة
على الناس وعلى الجن معهم، ونحن نتقرب إلى الله تعالى بخلاف الناس الذين تقرب
ابن عمر إليه بخلافهم.
وذكروا ما رويناه من طريق حسين عن زائدة ثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع
عن ابن عمر: (كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من
شعير، أو تمر، أو زبيب، أو سلت (2)).
قال أبو محمد: هذا لا يسند، لأنه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك وأقره،
ثم خلافهم له لو انسند وصح كخلافهم لحديث أبي سعيد الذي ذكرنا، وإبطال
تهويلهم بما فيه من (كان الناس يخرجون) بخلاف ابن عمر المخبر عنهم كما في خبر أبي سعيد
سواء سواء.
وأيضا فان راوي هذا الخبر عبد العزيز بن أبي رواد، وهو ضعيف منكر الحديث.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا أبن وضاح
ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر:
ان الله قد أوسع، والبر أفضل من التمر؟ يعنى في صدقة الفطر، فقال له ابن عمر: ان
أصحابي (3) سلكوا طريقا فأنا أحب أن أسلكه.
قال أبو محمد: فهذا ابن عمر قد ذكرنا أنه كان لا يخرج الا التمر، أو الشعير، ولا
يخرج البر، وقيل له في ذلك، فأخبر (4) أنه في عمله ذلك على طريق (5) أصحابه، فهؤلاء
هم الناس الذين يستوحش من خلافهم (6) وهم الصحابة رضي الله عنهم، بأصح طريق

(1) كلمة (بعد) سقطت من النسخة رقم (16)، والذي في البخاري (ج 2 ص 261) (فعدل الناس به نصف صاع)
الخ وكذلك في مسلم (ج 1 ص 269) من طريق يزيد بن زريع عن أيوب. والذي هنا يوافق ما في أبى داود (ج 2 ص 28)
(2) رواه أبو داود (ج 3 ص 27 و 28) والنسائي (ج 5 ص 53) والحاكم (ج 1 ص 409) وصححه هو والذهبي. وعبد العزيز
ابن أبي رواد ثقة عابد، وثقة ابن معين وأبو حاتم وغيرهما، وتغالى المؤلف في تضعيفه وتبع ابن حبان إذ زعم أنه روى
عن نافع عن ابن عمر نسخة موضوعة، قال الذهبي في الميزان: (هكذا قال ابن حبان بغير بينة) (3) في النسخة رقم (16)
(أصحابي) بحذف (ان)
(4) في النسخة رقم (16) (فأخبره) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (16) (طريقة) وهو خطأ
(6) في النسخة رقم (16) من خالفهم) وهو خطأ
127

وانهم ليدعون الاجماع بأقل من هذا إذا وجدوه.
وعن أفلح بن حميد: كان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يخرج زكاة الفطر
صاعا من تمر.
ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان إذا كان يوم الفطر أرسل صدقة كل
انسان من أهله صاعا من تمر.
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا حماد بن مسعدة (1) عن خالد بن أبي بكر قال: كان
سالم بن عبد الله لا يخرج الا تمرا، يعنى في صدقة الفطر.
فهؤلاء ابن عمر، والقاسم، وسالم، وعروة لا يخرجون في صدقة الفطر إلا التمر، وهم
يقتاتون البر بلا خلاف، وان أموالهم لتسع إلى اخراج (2) صاع دراهم عن أنفسهم،
ولا يؤثر ذلك في أموالهم رضي الله عنهم.
فان قيل: هم من أهل المدينة.
قلنا: ما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم صدقة الفطر أهل المدينة من أهل الصين،
ولا بعث إلى أهل (3) المدينة دون غيرهم.
والعجب كل العجب من إجازة مالك إخراج الذرة، الدخن، والأرز لمن كان ذلك
قوته، وليس شئ من ذلك مذكورا في شئ من الاخبار أصلا، ومنع من إخراج
الدقيق لأنه لم يذكر في الاخبار! ومنع من اخراج القطاني وإن كانت قوت المخرج!
ومنع من التين، والزيتون، وإن كانا قوت المخرج! وهذا كله تناقض، وخلاف للاخبار،
وتخاذل في القياس! وابطالهم لتعليلهم بأن البر أفضل من الشعير! ولا شك في أن الدقيق
والخبز من البر والسكر أفضل من البر وأقل مؤنة وأعجل نفعا! فمرة يجيزون ما ليس في
الخبر، ومرة يمنعون مما ليس في الخبر! وبالله تعالى التوفيق.
وهكذا القول في الشافعيين ولافرق.
قال أبو محمد: وشغب الحنيفيون بأخبار نذكر منها طرفا إن شاء الله تعالى:.
منها خبر رويناه من طريق سفيان وشعبة كلاهما عن عاصم بن سليمان الأحول سمع
أبا قلابة قال: حدثني من أدى إلى أبى بكر الصديق نصف صاع بر في صدقة الفطر (4).
ومن طريق الحسين (5) بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد العزيز بن أبي راود عن

(1) في النسخة رقم (16) (حماد بن ميسرة) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (لا خراج)
(3) في النسخة رقم (16) (لأهل)
(4) رواه الدارقطني من طريق عبد الرزاق عن الثوري وعن معمر كلاهما عن عاصم (ص 225)
(5) في النسخة رقم (14) (الحسن) وهو خطأ
128

نافع عن ابن عمر قال: (كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
صاعا من شعير، أو تمر، أو سلت، أو زبيب، قال ابن عمر: فلما كان عمر وكثرت الحنطة
جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء) (1).
ومن طريق حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث (2): أنه
سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب فقال في صدقة الفطر: صاع من تمر،
أو صاع من شعير، أو نصف صاع من بر.
ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الأعلى عن أبين عبد الرحمن السلمي
عن علي بن أبي طالب قال: صاع من تمر أو صاع من شعير أو نصف صاع من بر (3).
ومن طريق جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت: (4)
(كان الناس يعطون زكاة رمضان نصف صاع، فأما إذ أوسع الله تعالى على الناس
فانى أرى ان يتصدق بصاع).
ومن طريق وكيع عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر: كان أسماء بنت أبي
بكر الصديق تعطى زكاة الفطر عمن تمون صاعا من تمر، صاعا من شعير،
أو نصف ساع من بر.
ومن طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: صدقة
الفطر على كل مسلم مدان من قمح، أو صاع من تمر، أو شعير (5).
ومن طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: زكاة الفطر
على كل فقير وغنى (6) صاع من تمر أو نصف صاع من قمح.
وعن ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر:
زكاة الفطر مدان من قمح أو صاع من شعير أو تمر، قال عمرو بن دينار: وبلغني هذا
أيضا عن ابن عباس.
ومن طريق عبد الكريم أبى أمية عن إبراهيم النخعي عن علقمة والأسود عن عبد الله

(1) مضى الحديث قريبا وانه رواه أبو داود والنسائي والحاكم، ولكن الزيادة التي في آخره هنا إنما هي عند أبي داود فقط،
ووقع في نسخة أبى داود المطبوعة مع عون المعبود (جعل عمر نصف صاع حنطة من تلك الأشياء) وعليها شرح الشارح،
وهي خطأ، والصواب ما هنا، وهو الموافق لأبي داود المطبوع بالمطبعة الكستلية بمصر سنة 1280 (ج 1 ص 162)
(2) في النسخة رقم (16) (عن الأشعث) وهو خطأ. وأبو الأشعث هو شراحيل الصغاني تابعي قديم شهد فتح دمشق
ومات زمن معاوية
(3) رواه الدارقطني (ص 235) من طريق عبد الرزاق عن الثوري
(4) كلمة (قالت) زيادة في بعض النسخ
(5) رواه الدارقطني من طريق عبد الرزاق عن ابن جريح (ص 335)
(6) في النسخة رقم 16) (فقير أو غنى)
129

ابن مسعود قال: مدان من قمح أو صاع من تمر أو شعير، يعنى في صدقة الفطر (1).
ومن طريق مسلم بن الحجاج: ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا داود يعنى
ابن قيس عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال: (كنا نخرج إذ
كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) زكاة الفطر صاعا من أقط أو صاعا من طعام أو صاعا
من زبيب، فلم نزل نخرج ذلك (3) حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا، فكلم الناس على المنبر
فقال: إني أرى أن مدين من سمراء الشأم تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك،
قال أبو سعيد: فاما انا فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت كما كنت أخرجه).
ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن: ان مروان بعث إلى
أبي سعيد: ان ابعث إلى بزكاة رقيقك، فقال أبو سعيد: ان مروان لا يعلم، إنما علينا (5)
ان نطعم عن كل رأس عند كل فطر صاع تمر أو نصف صاع بر.
وروينا من طريق محمد بن إسحاق ثنا عبد الله (6) بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن
حزام عن عياض بن سعد (7) قال: (ذكرت لأبي سعيد الخدري صدقة الفطر، فقال
لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعا من تمر أو صاعا من شعير
أو صاع زبيب (8) أو صاع أقط، فقيل له: أو مدين من قمح؟ فقال: لا، تلك قيمة
معاوية، لا أقبلها ولا أعمل بها).
فهذا أبو سعيد يمنع من البر جملة ومما عدا ما ذكر (9).
وصح عن عمر بن عبد العزيز إيجاب نصف صاع من بر على الانسان في صدقة الفطر،
أو قيمته على أهل الديوان نصف درهم.
من طريق (10) وكيع عن قرة بن خالد قال: كتب عمر بن عبد العزيز الينا بذلك.
وصح أيضا عن طاوس، ومجاهد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبى سلمة

(1) رواه الدارقطني من طريق عبد الرزاق عن ابن جريح عن عبد الكريم (ص 325)
(2) في مسلم (ج 1 ص 269) زيادة (عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك)
(3) في مسلم (صاعا من طعام أو صاعا من اقط أو صاعا من شعير أو صاعا
من تمر أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه)
(4) يعنى الحنطة
(5) في النسخة رقم (16) (ان ما علينا) وهو خطأ في الرسم يوهم في المعنى
(6) في النسخة رقم (16) (ان عبد الله) الخ وهو خطأ
(7) في النسخة رقم (16) (عياض بن سعيد) وهو خطأ،
فإنه عياض بن عبد الله بن سعيد بن أبي سرح
(8) في النسخة رقم (16) (أو صاعا من زبيب)
(9) وقع الحديث للمؤلف مختصرا أو ناقصا، فظن أنه كما وقع له، واستنبط منه هذا، ولكن الحديث رواه الدارقطني (ص 222)
والحاكم (ج 1 ص 411) كلاهما من طريق محمد بن إسحاق باسناده هنا بلفظ: (لا أخرج الا ما كنت أخرجه على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعا من تمر أو صاعا من حنطة أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط) فزاد الحنطة ونقص
الزبيب، وهذا مما يختلف فيه الرواة، يذكر بعضهم نوعا ويذكر الآخر غيره، وكل صحيح، وزيادة الثقة حجة
(10) في النسخة رقم (16) (ومن طريق) وهو خطأ
130

ابن عبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن جبير، وهو قول الأوزاعي، والليث سفيان الثوري.
قال أبو محمد: تناقض ههنا المالكيون المهولون بعمل أهل المدينة فحالفوا أبا بكر، وعمر،
وعثمان (1)، وعلي بن أبي طالب، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر، وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله
وابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وأبا سعيد الخدري، وهو عنهم كلهم صحيح إلا عن أبي
بكر، وابن عباس، وابن مسعود، إلا أن المالكيين يحتجون بأضعف من هذه الطرق
إذا وافقتهم! ثم فقهاء المدينة: ابن المسيب، وعروة، وأبا سلمة بن عبد الرحمن (2)، وغيرهم
أفلا يتقى الله من يزيد في الشرائع ما لم يصح قط، من جلد الشارب للخمر ثمانين، برواية
لم تصح قط عن عمر، ثم قد صح خلافها عنه وعن أبي بكر قبله، وعن عثمان وعلى بعده،
والحسن وعبد الله بن جعفر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يخالفهم منهم أحد، ومعهم
السنة الثابتة: ثم لا يلتفت ههنا إلى هؤلاء كلهم!.
وأما الحنيفيون المتزينون في هذا المكان باتباعهم! فقد خالفوا أبا بكر، وعمر،
وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود وابن عباس، والمغيرة بن شعبة، وأنس بن مالك، وأم سلمة
أم المؤمنين في المسح على العمامة وخالفوا علي بن أبي طالب وأبا مسعود وعمار بن ياسر،
والبراء بن عازب وبلالا، وأبا أمامة الباهلي، وأنس بن مالك وابن عمر، وسهل بن سعد
في جواز المسح على الجوربين، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة من كل من
يجيز المسح على الخفين! ومثل هذا لهم كثير جدا، وبالله تعالى نتأيد، ولا حجة
إلا فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه.
قال أبو محمد: وروينا عن عطاء: ليس على الاعراب وأهل البادية زكاة الفطر
وعن الحسن: أنها عليهم، وانهم يخرجون في ذلك اللبن.
قال أبو محمد: لم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيا، لا بدويا من غيرهم، فلم يجز (3)
تخصيص أحد من المسلمين، ولا يجزئ لبن ولا غيره، الا الشعير أو التمر فقط (4).

(1) حذف اسم (عثمان) من النسخة رقم (16) واثباته هو الصواب فقد تقدمت الرواية عنه في ذلك رضي الله عنه.
(2) في النسخة رقم (16) وأبو سلمة وغيرهم)
(3) في النسخة رقم (16) (فلا يجوز)
(4) من تأمل في طريق الأحاديث الواردة في زكاة الفطر وفقه معناها مع اختلاف ألفاظها عن الصحابة رضي الله عنهم: علم أن ابن حزم
لا حجة له في الاقتصار على التمر والشعير، وهذا معاوية بحضرة الصحابة رضي الله عنهم رأى مدين من
سمراء الشأم بدل صاع من شعير أو غيره، ولم ينكر عليه ذلك أحد أي اخراج القمح موضع الشعير وإنما
أنكر أبو سعيد المقدار فرأى اخراج صاع من قمح، وابن عمر إنما كان يخرج في خاصة نفسه ما كان يخرج على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر على من اخرج غير ذلك، ولو رأى عمل الناس باطلا وهم الصحابة والتابعون
لا نكره أشد انكار، وقد كان رضي الله عنه يتشدد في أشياء، لا على سبيل التشريع بل على سبيل الحرص على
الاتباع فقط، كما كان ينزل في مواضع نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ير أحد من المسلمين ذلك واجبا، والزكاة
إنما جعلت لاغناء الفقراء عن الطواف يوم العيد والأغنياء يتمتعون بما لهم وعيالهم، ولينظر امرؤ لنفسه، هل يرى أنه
يغنى الفقير عن الطواف إذا أعطاه صاع تمر أو صاع شعير في بلد مثل القاهرة في هذه الأيام؟! وماذا يفعل بهما الفقير
إلا أن يطوف ليجد من يشتريهما ببخس من القيمة ليبتاع لنفسه أو لأولاده ما يتقوتون به؟ والله الهادي إلى سواء السبيل
131

وأما الحمل فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها على كل صغيرا أو كبير، والجنين يقع عليه
اسم صغير، فإذا أكمل مائة وعشرين يوما في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر.
وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حفص
ابن عمر النمري، ومحمد بن كثير، قال حفص: ثنا شعبة وقال ابن كثر: ثنا سفيان
الثوري، ثم اتفق سفيان وشعبة كلاهما عن الأعمش: ثنا زيد بن وهب ثنا عبد الله
ابن مسعود ثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما،
ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا فيؤمر بأربع
كلمات: رزقه، وعمله، وأجله، ثم يكتب شقى أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح).
قال أبو محمد: هو قبل ما ذكرنا موات، فلا حكم على ميت، فأما إذا كان حيا كما
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل حكم وجب على الصغير فهو واجب عليه.
روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: ثنا أبي ثنا المعتمر بن سليمان التيمي عن
حميد عن بكر بن عبد الله المزني (1) وقتادة: أن عثمان بن عفان كان يعطى صدقة الفطر
عن الصغير، والكبير، والحمل.
وعن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: كان يعجبهم أن يعطوا
زكاة الفطر عن الصغير والكبير، حتى عن الحمل في بطن أمه. وأبو قلابة أدرك الصحابة
وصحبهم وروى عنهم.
ومن طريق عبد الرزاق عن مالك عن رجل عن سليمان بن يسار: أنه سئل عن الحمل
أيزكى عنه؟ قال: نعم.
ولا يعرف لعثمان في هذا مخالف من الصحابة، وهم يعظمون بمثل هذا إذا وافقهم (2).
705 مسألة ويؤديها المسلم عن رقيقه، مؤمنهم وكافرهم، من كان منهم
لتجارة (3) أو لغير تجارة كما ذكرنا، وهو قول أبي حنيفة، وسفيان الثوري في الكفار.
وقال مالك، والشافعي، أبو سليمان: لا تؤدى الا عن المسلمين منهم.

(1) في النسخة رقم (14) (حميد بن بكر بن عبد الله المزني) وهو خطأ، بل حميد هو حميد الطويل
(2) ولكن هل في شئ مما أتى به المؤلف حجة على وجوب زكاة الفطر عن الحمل؟!
(3) في النسخة رقم (16) (للتجارة)
132

وقال أبو حنيفة: لا تؤدى زكاة الفطر عن رقيق التجارة.
وقال مالك، والشافعي، وسليمان: تؤدى عنهم زكاة الفطر.
وقالوا كلهم حاشا أبو سليمان: يخرجها السيد عنهم، وبه نقول.
وقال أبو سليمان: يخرجها الرقيق عن أنفسهم.
واحتج من لم ير اخراجها عن الرقيق الكفار بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على كل حر، أو عبد ذكر أو أنثى، صغير أو كبير
من المسلمين).
قال أبو محمد: وهذا صحيح، وبه نأخذ، إلا أنه ليس فيه إسقاطها عن المسلم
في الكفار من رقيقه ولا إيجابها، فلو لم يكن إلا هذا الخبر وحده لما وجبت علينا زكاة
الفطر الا عن المسلمين من رقيقنا فقط.
ولكن وجدنا ما حدثناه يوسف بن عبد الله النمري قال ثنا عبد الله بن محمد
ابن يوسف الأزدي القاضي ثنا يحيى بن مالك بن عائذ ثنا محمد بن سليمان بن أبي الشريف
ثنا محمد بن مكي الخولاني وإبراهيم بن إسماعيل الغافقي قالا جميعا: ثنا محمد بن عبد الله
ابن عبد الحكم ثنا سعيد بن أبي مريم أخبرني نافع بن يزيد (1) عن جعفر بن ربيعة
عن عراك بن مالك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في فرسه
وعبده صدقة، إلا صدقة الفطر في الرقيق) وقد رويناه من غير هذه الطريق (2).
قال أبو محمد: فأوجب عليه الصلاة والسلام صدقة الفطر على المسلم في رقيقه
عموما، فكان هذا زائد على حديث أبي سعيد الخدري، وكان ما في حديث أبي سعيد (3)
بعض ما في هذا الحديث، لا معارضا له أصلا، فلم يجز خلاف هذا الخبر (4).
وبهذا الخبر تجب تأدية زكاة الفطر على السيد عن رقيقه، لا على الرقيق.

(1) في الأصلين (نافع بن زيد) وهو خطأ، وليس في الرواة فيما نعرف من اسمه هكذا، وإنما هو نافع
ابن يزيد الكلاعي المصري الثقة، وكان من خيار أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما قال ابن أبي مريم تلميذه. مات سنة 168
(2) في صحيح مسلم (ج 1 ص 268) من حديث أبي هريرة مرفوعا (ليس في العبد صدقة الا صدقة الفطر)، وروى أبو داود
(ج 2 ص 21) باسناد فيه مجهول من طريق عراك عن أبي هريرة نحو ما رواه المؤلف ورواه الدارقطني (ص 214) من طريق
ابن أبي مريم كما هنا، ومن طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة،
ومن طريق أبي أسامة عن أسامة بن زيد عن مكحول عن عراك عن أبي هريرة عن أسامة عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي
هريرة كلهم رواه مرفوعا كما هنا. واسناد المؤلف واسناد الدارقطني من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة اسنادان
صحيحان جدا
(3) في النسخة رقم (14) (وكان باقي حديث أبي سعيد) وما هنا أصح وأحسن
(4) غالط المؤلف وغلط كعادته في فهم قبول الزيادة من الثقة
133

وبه أيضا يسقط ما ادعوه من زكاة التجارة في الرقيق، لأنه عليه السلام أبطل كل
زكاة في الرقيق إلا زكاة الفطر.
والعجب كل العجب من أن أبا حنيفة وأصحابه أتوا إلى زكاتين مفروضتين، إحداهما
في المواشي، والأخرى زكاة الفطر في الرقيق: فأسقطوا بإحداهما زكاة التجارة
في المواشي المتخذة للتجارة، وأسقطوا الأخرى بزكاة التجارة في الرقيق! وحسبك بهذا تلاعبا!.
والعجب أنهم غلبوا ما روى في بعض الأخبار (في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة)
ولم يغلبوا ما جاء في بعض الأخبار في أن (صدقة الفطر على كل حر، أو عبد صغير، أو كبير، أو أنثى
من المسلمين) على ما جاء في سائر الأخبار (الا صدقة الفطر في الرقيق) وهذا تحكم فاسد
وتناقض! ولابد من تغليب الأعم على الأخص في كل موضع، إلا أن يأتي بيان نص
في الأخص بنفي ذلك الحكم في الأعم، وبالله تعالى التوفيق.
706 مسألة فإن كان عبد أو أمة بين اثنين فصاعدا فعلى سيديهما إخراج
زكاة الفطر، يخرج عن كل واحد من مالكيه بقد ر حصته فيه، وكذلك إن كان
الرقيق كثيرا بن سيدين فصاعدا.
وقال أبو حنيفة، والحسن بن حي، وسفيان الثوري: ليس على سيديه ولا عليه أداء (1)
زكاة الفطر، وكذلك لو كثر الرقيق المشترك.
وقال مالك، والشافعي: يخرج عنه سيداه بقدر ما يملك كل واحد منهما، وكذلك
لو كثر الرقيق.
قال أبو محمد: ما نعلم لمن أسقط عنه صدقة الفطر وعن سيده حجة أصلا، إلا أنهم
قالوا: ليس أحد من سيديه يملك عبدا، ولا أمة. وقال بعضهم: من ملك بعد الصاع
لم يكن عليه أداؤه، فكذلك من ملك بعض عبد، أو بعض كل عبد، أو أمة من رقيق كثير.
قال أبو محمد: أما قولهم: لا يملكن عبدا، ولا أمة فصدقوا، ولا حجة لهم فيه، لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: يخرجها كل أحد عن عبده وأمته، وإنما قال: (2) (ليس
على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق) فهؤلاء رقيق، والعبد
المشترك رقيق، فالصدقة فيه واجبة بنص الخبر المذكور على المسلم وهذا اسم يعم النوع
كله وبعضه، ويقع على الواحد والجميع، وبهذا النص لم يجز في الرقبة الواجبة نصفا
رقبتين، لأنه لا يقع عليهما (3) اسم (رقبة) والنص جاء بعتق رقبة.

(1) في النسخة رقم (16) (إذا) وهو خطأ
(2) كلمة (قال) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(3) في النسخة رقم (16) (عليها) وهو خطأ
134

وقال الحنيفيون: من أعطى نصفي شاتين في الزكاة أجزأته، ولو أعتق نصفي
رقبتين في رقبة واحدة لم يجزه.
وقال محمد بن الحسن: من كان من مملوك بين اثنين فصاعدا فعلى ساداته فيه زكاة
الفطر، فإن كان عبدان فصاعدا بين اثنين فلا صدقة فطر على الرقيق ولا على من يملكهم.
وأما قولهم: إنه قياس على من لم يجد إلا بعض الصاع فالقياس كله باطل، ثم لو كان
حقا لكان هذا منه عين الباطل، لأنه قياس للخطأ على الخطأ، بل من قدر على بعض
صاع لزمه أداؤه، على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى (1).
وقد روينا من طريق وكيع عن سفيان عن أبي الحويرث عن محمد بن عمار عن أبي
هريرة قال: ليس زكاة الفطر الا عن مملوك تملكه، قال وكيع: يعنى في المملوك بين
الرجلين، وهذا مما خالف فيه المالكيون صاحبا لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم
مخالف، وهذا مما خالف فيه الحنيفيون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيجابه صدقة الفطر
على كل حر، عبد صغير، أو كبير ذكر أو أنثى، وخالفا فيه القياس، لأنهم أوجبوا
الزكاة في الغنم المشتركة وأسقطوا زكاة الفطر عن الرقيق المشترك.
707 مسألة وأما المكاتب الذي لم يؤد شيئا من كتابته فهو عبد، يؤدى
سيده عنه زكاة الفطر (2).
فان أدى من كتابه ما قل أو كثر، أو كان عبد بعضه حر وبعضه رقيق، أو أمة
كذلك: فان الشافعي قال فيمن بعضه حر وبعضه مملوك: على مالك بعضه إخراج
صدقة الفطر عنه بمقدار ما يملك منه، وعليه أن يخرج عن نفسه بمقدار ما فيه من الحرية،
ولم ير على سيد المكاتب أن يعطى زكاة الفطر عن مكاتبه.
وقال مالك: يؤدى السيد زكاة الفط عن مكاتبه وعن مقدار ما يملك عن الذي
بعضه حر وبعضه رقيق (3)، وليس على الذي بعضه رقيق وبعضه حر أن يخرج باقي الصاع
عن بعضه الحر.
وقال أبو حنيفة: لا تجب زكاة الفطر في شئ من ذلك، لاعلى المكاتب (4) ولا على سيده.
واحتج من لم ير على السيد أداء الزكاة عن مكاتبه برواية موسى بن عقبة عن نافع
عن ابن عمر: أنه كان يؤدى زكاة الفطر عن رقيقه ورقيق امرأته، وكان له مكاتب
فكان لا يؤدى عنه، وكان لا يرى على المكاتب زكاة قالوا: وهذا صاحب لا مخالف له

(1) بينه المؤلف في المسألة 713
(2) قوله (زكاة الفطر) محذوف في النسخة رقم (16)
(3) في النسخة رقم (14) (عبد)
(4) قوله، لا على المكاتب، سقط خطأ من النسخة رقم (16)
135

يعرف من الصحابة.
قال أبو محمد: لا حجة فيمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعجب كل العجب أن الحنيفيين
المحتجين بهذا الأثر أو مخالف له! فلم يوجبوا على المرء (1) إخراج صدقة الفطر عن
رقيق امرأته، ومن العجب أن يكون فعل ابن عمر بعضه حجة وبعضه ليس بحجة!.
فان قالوا: لعله كان يتطوع باخراجها عن رقيق المرأة.
قيل: ولعل ذلك المكاتب كلفه اخراجها من كسبه، كما للمرء أن يكلف ذلك عبده،
كما يكلفه الضريبة، ولعله كان يرى أن يخرجها المكاتب (2) عن نفسه، ولعله قد رجع
عن قوله في ذلك، فكل هذا يدخل فيه لعل!.
وأما قول مالك فظاهر الخطأ، لأنه جعل زكاة الفطر نصف صاع، أو عشر صاع،
أو تسعة أعشار صاع فقط، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى بها، وأوجبها على بعض
إنسان دون سائره، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى فيها.
وأما قول الشافعي فخطأ، لأنه أوجب الزكاة في الفطر فيمن لا يقع عليه اسم رقيق
ممن بعضه حر وبعضه عبد، وهذا ما لم يأت به نص ولا إجماع.
قال أبو محمد: والحق من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها على الحر، والعبد، والذكر
والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين، فمن بعضه حر وبعضه عبد فليس حرا، ولا هو
أيضا عبد، ولا هو رقيق، فسقط بذلك عن أن يجب على مالك بعضه عنه شئ، ولكنه
ذكر، أو أنثى، صغير، أو كبير فوجبت عليه صدقة الفطر عن نفسه ولابد بهذا النص،
وهو قول أبى سليمان. وبالله تعالى التوفيق.
وأما قولنا في المكاتب يؤدى بعض كتابته إنه يؤديها عن نفسه: فهو لان بعضه
حر وبعضه مملوك كما ذكرنا، فإذ هو كذلك كما ذكرنا فعليه إخراجها عن نفسه لما ذكرنا.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى
الدمشقي (3) ثنا يزيد هو ابن هارون أنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني وقتادة،
قال قتادة: عن خلاس (4) عن علي بن أبي طالب، وقال أيوب: عن عكرمة عن ابن عباس،
ثم اتفق على، وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (المكاتب يعتق منه بمقدار ما أدى، (5)

(1) رسمت في النسخة رقم (16) (المرى) بالياء
(2) في النسخة رقم (16) (الكاتب) وهو خطأ
(3) في الأصلين (أحمد بن عيسى الدمشقي) وهو خطأ صححناه من النسائي (ج 8 ص 46) إذ فيه (أخبرنا محمد بن عيسى النقاش) وليس في رواة
الكتب الستة من اسمه (أحمد بن عيسى) الا أحمد بن عيسى بن حسان العسكري، وهو مصري لا دمشقي، واما محمد بن
عيسى النقاش فإنه بغدادي نزل دمشق
(4) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وآخره سين مهملة
(5) في النسخة رقم (16) (يعتق عليه بمقدار ما أدى) وفي النسائي (يعتق بقدر ما أدى)
136

ويقام عليه الحد بمقدار ما عتق منه) وهذا اسناد في غاية الصحة.
وهو قول علي بن أبي طالب وغيره.
وروينا عن الحسن: ان على المكاتب صدقة الفطر.
وعن ميمون بن مهران، وعطاء: يؤديها عنه سيده.
708 مسألة ولا يجزئ إخراج بعض الصاع شعيرا وبعضه تمرا، ولا تجزئ
قيمة أصلا، لان كل ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيمة في حقوق الناس
لا يتجوز الا بتراض منها، وليس للزكاة مالك بعينه فيجوز رضاه أو ابراؤه (1).
709 مسألة وليس على الانسان أن يخرجها عن أبيه. ولاعن أمه. ولاعن
زوجته. ولاعن ولده. ولاعن أحد ممن تلزمه نفقته، ولا تلزمه (2) الا عن نفسه ورقيقه
فقط، ويدخل في الرقيق أمهات الأولاد والمدبرون، غائبهم وحاضرهم، وهو قول
أبي حنيفة، وأبي سليمان، وسفيان الثوري، وغيرهم.
وقال مالك، والشافعي: يخرجها عن زوجته وعن خادمها التي لا بد لها منها (3)،
ولا يخرجها عن أجيره.
وقال الليث: يخرجها عن زوجته وعن أجيره الذي ليست أجرته معلومة، فإن كانت
أجرته معلوم فلا يلزمه إخراجها عنه، ولا عن رقيق امرأته.
قال أبو محمد: ما نعلم لمن أوجبها على الزوج عن زوجته وخادمها الا خبرا رواه
إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة
الفطر على كل حر، أو عبد، ذكر أو أنثى ممن تمونون).
قال أبو محمد: وفى هذا المكان عجب عجيب! وهو أن الشافعي لا يقول بالمرسل،
ثم أخذ ههنا بأنتن مرسل في العالم! من رواية ابن أبي يحيى! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأبو حنيفة، وأصحابه يقولون: المرسل كالمسند، ويحتجون برواية كل كذاب، وساقط
ثم تركوا هذا الخبر وعابوه بالارسال وبضعف راويه! وتناقضوا فقالوا: لا يزكى
زكاة الفطر عن زوجته، وعليه فرض أن يضحى عنها! فحسبكم بهذا تخليطا!.
وأما تقسيم الليث فظاهر الخطأ.
وأما المالكيون فاحتجوا بهذا الخبر ثم خالفوه، فلم يروا أن يؤدى زكاة الفطر عن

(1) في النسخة رقم (16) (وإبراؤه)
(2) في النسخة رقم (14) (أو لا تلزمه) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (لها منهاه) وهو خطأ
137

الأجير، وهو ممن يمون.
قال أبو محمد: إيجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الصغير، والكبير، والحر،
والعبد (1)، والذكر، والأنثى هو إيجاب لها عليهم، فلا تجب على غيرهم فيه إلا من
أوجبه النص وهو الرقيق فقط، قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر
وازرة وزر أخرى).
قال أبو محمد: وواجب (2) على ذات الزوج اخراج زكاة الفطر عن نفسها
وعن رقيقها، بالنص الذي أوردنا. وبالله تعالى التوفيق.
710 مسألة ومن كان من العبيد رقيق فعليه إخراجها عنهم (3) لا على
سيده، لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في فرسه، ولا عبده صدقة
إلا صدقة الفطر في الرقيق) فالعبد مسلم، وهو رقيق لغيره، وله رقيق، فعلى من هو له رقيق
أن يخرجها عنه، وعليه أن يخرجها عن رقيقه بالنص المذكور. وبالله تعالى التوفيق.
فان قيل: كيف (4) لا تلزمه عن نفسه وتلزمه عن غيره؟.
قلنا: كما حكم في ذلك رب العالمين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم نقول للمالكيين والشافعيين: أنتم تقولون: بهذا حديث تخطئون، فتقولون: ان
الزوجة لا تخرجها عن نفسها، وعليها أن تخرجها عن رقيقها حاشا من لابد لها منه (5)
لخدمتها.
ولوددنا أن نعرف (6) ما يقول الحنيفيون في نصراني أسلمت أم ولده أو عبده فحبس
ليباع فجاء الفطر، على من صدقه الفطر عنهما؟! وهاتان المسألتان لا تعقان (7) في قولنا
أبدا، لأنه ساعة تسلم أم ولده أو عبده عتقا في الوقت.
711 مسألة ومن له عبدان فأكثر فله أن يخرج عن أحدهما تمرا وعن
الآخر شعيرا، صاعا صاعا، وان شاء التمر عن الجميع، وان شاء الشعير عن الجميع، لأنه
نص الخبر المذكور.
712 مسألة وأما الصغار فعليهم أن يخرجها الأب والولي عنهم (8) من
مال إن كان لهم، وان لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ ولا بعد ذلك.

(1) في النسخة رقم (16) (والعبد والحر)
(2) في النسخة رقم (16) (وأوجب) وهو خطأ
(3) كلمة (عنهم) سقطت من النسخة رقم (16)
(4) كلمة (كيف) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(5) في النسخة رقم (16) (منها) وهو خطأ
(6) قوله (ان نعرف) سقط خطأ من النسخة رقم (16)
(7) في النسخة رقم (16) (تقعان) بحذف (لا) وهو خطأ فاحش
(8) في النسخة رقم (16) (ان يخرجها الولي عنهم أو الأب عنهم)
138

وقال أبو حنيفة: يؤديها الأب عن ولده الصغار الذين لا مال لهم، فإن كان لهم مال،
فان أداها من مالهم كرهت له ذلك وأجزأه، قال: ويؤديها عن اليتيم وصيه من مال
اليتيم، وعن رقيق اليتيم أيضا.
وقال زفر، ومحمد بن الحسن: ليس على اليتيم زكاة الفطر، وكان له مال، أولم يكن
فان أداها وصيه ضمنها.
وقال مالك: على الأب أن يؤدى زكاة الفطر عن ولده الصغار ان لم يكن لهم مال
فإن كان لهم مال فهي في أموالهم، وهي على اليتيم في ماله. وهو قول الشافعي.
ولم يختلفوا في أن الأب لا يؤديها عن ولده الكبار، كان لهم مال، أو لم يكن.
قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة أصلا، إلا الدعوى في أن القصد بذكر الصغار إنما
هو إلى آبائهم لا إليهم.
قال أبو محمد: وهذه دعوى في غاية الفساد، لأنه إذا لم يقصد بالخطاب إليهم في إيجاب
زكاة الفطر، وإنما قصد إلى غيرهم: فمن جعل الآباء مخصوصين دون سائر الأولياء،
والارقاب، والجيران، والسلطان؟!.
فان قالوا: لان الأب ينفق عليه رجع الحنيفيون إلى ما أنكروا من ذلك.
ويلزم المالكيين، والشافعيين في هذا أن يؤديها الأب أحب أم كره عنهم،
كان لهم مال، أو لم يكن، لأنه هو المخاطب بذلك دونهم، فوضح (1) فساد هذا القول بيقين.
والحق في هذا أن الله تعالى فرضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم على الكبير، والصغير، فمن فرق
بين حكميهما (2) فقد قال الباطل، وادعى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، ولا دل عليه، ثم
وجدنا الله تعالى يقول: (3) (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فوجدنا من لا مال له من كبير أو صغير
ليس في وسعه أداء زكاة الفطر، فقد صح أنه لم يكلفها قط، ولما كان لا يستطيعها لم يكن
مأمورا بها، بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، وهي لازمة لليتيم إذا كان له مال وإنما
قلنا: إنها لا تلزمه بعد ذلك فلان زكاة الفطر محدودة بوقت محدود الطرفين، بخلاف
سائر الزكوات، فلما خرج وقتها لم يجز أن تجب بعد خروج وقتها وفى غير وقتها، لأنه
لم يأت بايجابها بعد ذلك نص ولا إجماع. وبالله تعالى التوفيق.
713 مسألة والذي لا يجد من أي يؤدى زكاة الفطر فليست عليه، لما
ذكرنا في المسألة التي قبل هذه، ولا تلزمهم وان أيسر بعد ذلك ولما ذكرنا أيضا.

(1) في النسخة رقم (16) (فصح)
(2) في النسخة رقم (16) (حكمهما)
(3) في النسخة (14) (قد قال)
139

فمن قدر على التمر ولم يقدر على الشعير لغلائه، أو قدر على الشعير ولم يقدر على
التمر لغلائه: أخرج صاعا ولابد من الذي يقدر عليه، لما ذكرنا أيضا.
فإن لم يقدر إلا على بعض صاع أداه ولابد، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا
الا وسعها). ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهو
واسع لبعض الصاع، فهو مكلف إياه، وليس واسعا لبعضه، فلم يكلفه.
وهذا مثل الصلاة، يعجز عن بعضها ويقدر على بعضها، ومثل الدين، يقدر على
بعضه ولا يقدر على سائره.
وليس هذا مثل الصوم، يعجز فيه عن تمام اليوم، أو تمام الشهرين المتتابعين،
ولا مثل الرقبة الواجبة. والاطعام الواجب في الكفارات. والهدى الواجب، يقدر على
البعض من كل ذلك ولا يقدر على سائره، فلا يجزئه شئ منه (1).
لان من افترض عليه صاع من زكاة الفطر فلا خلاف في أنه جائز له أن يخرج
بعضه ثم بعضه ثم بعضه (2).
ولا يجوز تفريق اليوم، ولا يسمى من لم يتم صوم اليوم صائم يوم، إلا حيث جاء
به النص (3) فيجزئه حينئذ.
وأما بعض الرقبة فان الله تعالى نص بتعويض (4) الصيام من الرقبة إذا لم توجد
فلم يجز تعدى النص، وكان معتق بعض رقبة مخالفا لما أمر به وافترض عليه من الرقبة
التامة، أو من الاطعام المعوض منها، أو الصيام المعوض منها.
وأما بعض الشهرين فمن بعضهما، أو فرقهما فلم يأت بما أمر به متتابعا، فهو عليه
أو عوضه حيث جاء النص بالتعويض منه.
وأما الهدى فان بعض الهدى مع بعض هدى آخر لا يسمى هديا، فلم يأت بما أمر
به، فهو دين عليه حتى يقدر عليه.
وأما الاطعام فيجزئه ما وجد منه حتى يجد باقيه، لأنه لم يأت مرتبطا بوقت محدود
الآخر. وبالله تعالى التوفيق.
714 مسالة وتجب زكاة الفطر على السيد عن عبده المرهون، والآبق،
والغائب، والمغصوب، لأنهم رقيقه، ولم يأت نص بتخصيص هؤلاء.
وللسيد إن كان للعبد مال أو كسب أن يكلفه إخراج زكاة الفطر من كسبه أو ماله

(1) في النسخة رقم (16) (من ذلك)
(2) في النسخة رقم (16) زيادة (ثم بعضه) مرة أخرى
(3) في النسخة رقم (16) (نص)
(4) في النسخة رقم (16) (لتعويض)
140

لان له انتزاع ماله متى شاء، وله أن يكلفه الخراج بالنص والاجماع، فإذا كان له ذلك
فله أن يأمره بان يصرف ما كله من ذلك فيما شاء.
715 مسألة والزكاة للفطر واجبة على المجنون إن كان له مال، لأنه ذكر
أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير.
716 مسألة ومن كان فقيرا فأخذ من زكاة الفطر أو غيرها مقدار ما يقوم
يقوت يومه وفضل له منه ما يعطى في زكاة الفطر: لزمه أن يعطيه وهو قول عطاء،
وأبي سليمان، الشافعي.
وقال أبو حنيفة: من له أقل من مائتي درهم فليس عليه زكاة الفطر، وله أخذها،
ومن كان له مائتا درهم فعليه أن يؤديها.
وقال سفيان: من له خمسون درهما فهو غنى، ومن لم يكن له خمسون درهما فهو فقير.
وقال غيرهما: من له أربعون درهما فهو غنى، فإن كان له أقل فهو فقير.
وقال آخرون: منه له قوت يومه فهو غنى.
قال أبو محمد: سنتكلم بعد هذا إن شاء الله تعالى في هذه الأقوال، وأما
ههنا فان تخصيص الفقير باسقاط صدقة الفطر عنه إذا كان واجدا لمقدارها أو لبعضه
قول لا يجوز، لأنه لم يأت به نص، نعنى باسقاطها عن الفقير، (1) وإنما جاء النص
باسقاط تكليف ما ليس في الوسع فقط، فإذا (2) كانت في وسع الفقير فهو مكلف
إياها، بعموم قوله عليه السلام: (على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير)،
وقد روينا عن عطاء في الفقير: أنه يأخذ الزكاة ويعطيها.
717 مسألة ومن أراد إخراج زكاة الفطر عن ولده الصغار أو الكبار
أو عن غيرهم: لم يجز له ذلك إلا بأن يهبها لهم، ثم يخرجها عن الصغير والمجنون،
ولا يخرجها عمن يعقل من البالغين إلا بتوكيل منهم له على ذلك.
برهان ذلك ما قدمنا من أن الله تعالى إنما فرضها على من فرضها عليه فيما يجد مما هو
قادر على اخراجها منه، أو يكون وليه قادرا على اخراجها منه، لا يكون مال غيره
مكانا لأداء الفرض عنه، إذ لم يأت بذلك نص ولا اجماع فإذا وهبها له فقد صار
مالكا لمقدارها، فعليه إخراجها، فاما من لم يبلغ، ولا يعقل. فلقول الله تعالى: (وتعاونوا على
البر والتقوى). وأما البالغ فلقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها). وبالله
تعالى التوفيق (3).

(1) في النسخة رقم (16) (الفقراء)
(2) في النسخة رقم (16) (وإذا)
(3) أكثر ما قاله ابن حزم في فروع زكاة الفطر وبه نظر، والنظر هنا انه أوجب على مخرج الزكاة هبة لأولاده لم يأت بوجوبها نص ولا اجماع!
141

718 مسألة ووقت زكاة الفطر الذي لا تجب قبله، وإنما تجب بدخوله،
ثم لا تجب بخروجه: فهو أثر طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر، ممتدا إلى أن
تبيض الشمس وتحل الصلاة من ذلك اليوم نفسه، فمن مات قبل طلوع الفجر من
اليوم المذكور فليس عليه زكاة الفطر، ومن ولد حين ابيضاض الشمس من يوم الفطر
فما بعد ذلك، أو أسلم كذلك: فليس عليه زكاة الفطر، (1). ومن مات بين هذين
الوقتين أو ولد أو أسلم أو تمادت حياته وهو مسلم: فعليه زكاة الفطر، فإن لم
يؤدها وله من أين يؤديها (2) فهي دين عليه ابدا حتى يؤديها متى أداها.
وقال الشافعي: وقتها مغيب الشمس من آخر يوم من رمضان، فمن ولد ليلة الفطر
أو أسلم فلا زكاة فطر عليه، ومن مات فيها فهي عليه.
وقال أبو حنيفة: وقتها انشقاق الفجر من يوم الفطر، فمن مات قبل ذلك أو ولد
بعد ذلك أو أسلم بعد ذلك فلا زكاة فطر عليه.
وقال مالك مرة كقول (3) الشافعي في رواية أشبه عنه، ومرة قال: إن ولد يوم
الفطر فعليه زكاة الفطر.
قال أبو محمد: اما من رأى وقتها غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فإنه
قال: هي زكاة الفطر، وذلك هو الفطر من صوم رمضان والخروج عنه جملة.
وقال الآخرون الذين رأوا وقتها طلوع الفجر من يوم الفطر: ان هذا هو وقت
الفطر، لا ما قبله لأنه في كل ليلة كان يفطر كذلك ثم يصبح صائما، فإنما أفطر من
صومه صبيحة يوم الفطر، لاقبله، وحينئذ دخل وقتها باتفاق منا ومنكم.
قال أبو محمد: قال الله عز وجل: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن
كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر).
فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا
أحمد بن محمد ثنا. أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا أبن أبي فديك
أخبرنا الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باخراج
زكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى).

(1) بحاشية النسخة رقم (14) ما نصه (هنا نظر، فقد قال قبل هذا: يؤدى عن الحمل) ووضعت هذه الحاشية امام
المسألة السابقة خطأ، والنقد فيها صحيح فقد قال المؤلف فيما سبق في المسألة 704 (وإن كان من ذكرنا جنينا في بطن أمه) فهذا
تهافت من ابن حزم! والحق انها لا تجب على الحمل، إذ هو لا تتعلق به الأحكام حتى يولد حيا
(2) هكذا رسم حرف (ابن) في الأصلين بدون نقط، فيحتمل أن يكون (أين) وأن يكون (ابن) والتركيب غير واضح على الحالين، والمراد ان له ما يفي بأدائها
(3) في النسخة رقم (16) (بقول) وهو خطأ ظاهر
142

قال أبو محمد: فهذا وقت أدائها بالنص، وخروجهم إليها إنما هو لا دراكها، ووقت
صلاة الفطر هو (1) جواز الصلاة بابيضاض الشمس يومئذ، فإذا تم الخروج إلى
صلاة الفطر بدخول وقت دخولهم في الصلاة فقد خرج وقتها.
وبقى القول في أول وقتها: فوجدنا الفطر المتيقن إنما هو بطلوع الفجر من يوم
الفطر، وبطل قول من جعل وقتها غروب الشمس من أول ليلة الفطر، لأنه خلاف
الوقت الذي أمر عليه السلام بأدائها فيه.
قال أبو محمد: فمن لم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له، فهي
دين لهم، وحق من حقوقهم، قد وجب إخراجها من ماله، وحرم عليه إمساكها
في ماله، فوجب عليه أداؤها أبدا (2)، وبالله تعالى التوفيق، ويسقط بذلك حقهم،
ويبقى حق الله في تضييعه الوقت، لا يقدر على جبره الا بالاستغفار والندامة.
وبالله تعالى نتأيد.
ولا يجوز تقديمها قبل وقتها أصلا.
فان ذكروا خبر أبي هريرة إذا أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالميت على صدقة الفطر
فاتاه الشيطان ليلة، وثانية، وثالثة فلا حجة لهم فيه، لأنه (3) لا تخلو تلك الليالي أن
تكون من رمضان أو من شوال، ولا يجوز أن تكون من رمضان، لأنه ليس ذلك
في الخبر، ولا يظن (4) برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حبس صدقة وجب أداؤها عن أهلها،
وإن كانت من شوال فلا يمنع من ذلك، إذ لم يكمل وجود أهلها، وفى تأخيره عليه
الصلاة والسلام إعطاءها برهان على أن وقت إخراجها لم يحن بعد، فإن كان ذلك
في ليالي رمضان فلم يخرجها عليه السلام، فصح أنه لم يجز تقديمها قبل وقتها ولا يجزئ،
وإن كانت من ليالي شوال فبلا شك أن أهلها لم يوجدوا، فتربض عليه الصلاة والسلام
وجودهم (5). فبطل تعلقهم بهذا الخبر.
قسم الصدقة (6)
719 مسألة ومن تولى تفريق زكاة ماله أو زكاة فطره أو تولاها الامام
أو أميره: فان الامام أو أميره يفرقانها ثمانية أجزاء مستوية: للمساكين سهم،

(1) في النسخة رقم (16) (هي) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (فد وجب اخراجه من ماله وحرم عليه امساكه
فوجب عليه أداؤه ابدا)
(3) في النسخة رقم (16) (فلا حجة لهم لأنهم) الخ وهو خطأ
(4) في النسخة رقم (16) (فلا يظن)
(5) كلمة (وجودهم) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(6) هذا العنوان ليس في النسخة رقم (14) وزدناه من النسخة رقم (16)
143

وللفقراء سهم، وفى المكاتبين (1)، وفى عتق الرقاب سهم، وفى أصحاب الديون سهم، وفى سبيل
الله تعالى سهم، ولأبناء السبيل سهم، وللعمال الذين يقبضونها سهم، وللمؤلفة قلوبهم سهم.
وأما من فرق زكاة ماله ففي ستة أسهم كما ذكرنا، ويسقط سهم العمال وسهم
المؤلفة قلوبهم.
ولا يجوز أن يعطى من أهل سهم أقل من ثلاثة أنفس، إلا أن لا يجد، فيعطى من وجد.
ولا يجوز أن يعطى بعض أهل السهام دون بعض، إلا أن لا يجد، فيعطى من وجد.
ولا يجوز أن يعطى منها كافرا، ولا أحدا من بنى هشام والمطلب ابني عبد مناف،
ولا أحدا من مواليهم.
فان أعطى من ليس من أهلها عامدا أو جاهلا لم يجزه، ولا جاز للآخذ،
وعلى الآخذ أن يرد ما أخذ، وعلى المعطى أن يوفى ذلك الذي أعطى في أهله.
برهان ذلك قول الله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها
والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله
عليم حكيم).
وقال بعضهم: يجزئ أن يعطى المرء صدقته (2) في صنف واحد منها.
واحتجوا بأنه لا يقدر على عموم جميع الفقراء وجميع المساكين، فصح أنها في البعض.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر
فأتوا منه ما استطعتم) ولقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فصح أن ما عجز
عنه المرء فهو ساقط عنه، وبقى عليه ما استطاع، للأبد له من ايفائه، فسقط عموم كل
فقير وكل مسكين، وبقى ما قدر عليه من جميع الأصناف، فان عجز عن بعضها سقط
عنه أيضا، ومن الباطل أن يسقط ما يقدر (3) عليه من أجل أن سقط عنه ما لا يقدر عليه.
وذكروا حديث الذهيبة التي قسمها عليه الصلاة والسلام بن الأربعة.
قال أبو محمد: وقد ذكرنا هذا الخبر، وانه لم تكن تلك الذهيبة (4) من الصدقة
أصلا، لأنه ليس ذلك في الحديث أصلا، ولا يمتنع أن يعطى عليه الصلاة والسلام
المؤلفة قلوبهم من غير الصدقة، بل قد أعطاهم من غنائم حنين.
وذكروا حديث (5) سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) كذا في الأصلين بحذف (سهم) على تقدير اثباته
(2) في النسخة رقم (16) (يجزئ المرء ان يعطى صدقته)
(3) في النسخة رقم (16) (ما قدر)
(4) في النسخة رقم (16) (تلك الذهب) والحديث مضى في المسألة رقم (700).
(5) في النسخة رقم (16) (وحديث) بحذف كلمة ذكروا)
144

أعطاه صدقة بنى زريق (1).
قال أبو محمد: وهذا مرسل، ولو صح لم يكن لهم (2) فيه حجة، لأنه ليس فيه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم سائر الأصناف من سائر الصدقات.
وادعى قوم أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط.
قال أبو محمد: وهذا باطل، بل هم اليوم (3) أكثر ما كانوا، وإنما يسقطون هم
والعاملون (4) إذا تولى المرء قسمة صدقة نفسه، لأنه ليس هنالك عاملون عليها، وأمر
المؤلفة إلى الامام لا إلى غيره.
قال أبو محمد: ولا يختلفون في أن من أمر (5) لقوم بمال وسماهم أنه لا يحل
أن يخص به بعضهم دون بعض، فمن المصيبة قول من قال: إن أمر الناس أوكد من
امر الله تعالى!.
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ثنا عبد الله بن الحسين بن عقال ثنا إبراهيم بن محمد
الدينوري ثنا محمد بن الجهم ثنا محمد بن مسلمة ثنا يعقوب بن محمد ثنا رفاعة عن جده:
ان بعض الامراء استعمل رافع بن خديج على صدقة الماشية، فاتاه لا شئ معه (6)
فسأله، فقال رافع: (إن عهدي برسول الله صلى الله عليه وسلم حديث وإني جزيتها (7) ثمانية أجزاء
فقسمتها، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع (8)).
وصح عن ابن عباس أنه قال في الزكاة: ضعوها مواضعها.
وعن إبراهيم النخعي، والحسن مثل ذلك.
وعن أبي وائل مثل ذلك، وقال في نصيب المؤلفة قلوبهم: رده على الآخرين.
وعن سعيد بن جبير: ضعها حيث أمرك الله.
وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، وقول ابن عمر، ورافع كما أوردنا، وروينا
القول الثاني عن حذيفة، وعطاء، وغيرهما.

(1) هو حديث الظهار، وقد رواه مطولا احمد في المسند (ج 4 ص 37) وأبو داود (ج 2 ص 233) وابن ماجة
(ج 1 ص 324) والحاكم (ج 2 ص 203) ورواه مختصرا احمد (ج 5 ص 436) والترمذي (ج 1 ص 144) طبع الهند
وصححه الحاكم والذهبي على شرط مسلم، واعله الترمذي نقلا عن البخاري بالارسال، لان سليمان بن يسار لم يدرك
سلمة بن صخر، هكذا نقله ابن حجر في التلخيص (ص 322) عن الترمذي وكذلك فقله شارح أبي داود
(2) كلمة (لهم) سقطت من النسخة رقم (16)
(3) في النسخة رقم (16) (بل هو اليوم) وهو خطأ
(4) في النسخة رقم (14) (والعامل)
(5) في النسخة رقم (14) فيمن أمر)
(6) في النسخة رقم (16) (عليه) وما هنا أصح
(7) بتسهيل همزة (جزأتها)
(8) هذا الحديث لم أجده بشئ من الدواوين
145

وأما قولنا: لا يجزئ أقل من ثلاثة من كل صنف الا أن لا يجد: فلان اسم
الجمع لا يقع الا على ثلاثة فصاعدا، ويقع على واحد، وللتثنية بنية في اللغة، تقول:
مسكين للواحد، ومسكينان للاثنين، ومساكين للثلاثة، فصاعدا، وكذلك اسم
الفقراء وسائر الأسماء المذكورة في الآية. وهو قول الشافعي وغيره (1).
وأما أن (2) لا يعطى كافرا فلما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم
ابن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن زكرياء بن إسحاق
عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
معاذا إلى اليمن وقال له في حديث): (فأعلمهم أن الله افترض (3) عليه صدقة تؤخذ
من أغنيائهم وترد في فقرائهم).
فإنما جعلها عليه الصلاة والسلام لفقراء المسلمين فقط.
وأما بنو هاشم وبنو المطلب فلما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا
عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج ثنا هارون
ابن معروف ثنا ابن وهب أخبرني يونس بن زيد عن أبن شهاب عن عبد الله بن الحارث
ابن نوفل عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال له وللفضل بن عباس بن عبد المطلب: (إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ القوم،
وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد).
قال أبو محمد: فاختلف الناس في: من هم آل محمد؟.
فقال قوم: هم بنو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقط، لأنه لا عقب لهاشم من
غير عبد المطلب، واحتجوا بأنهم آل محمد بيقين، لأنه لا عقب لعبد الله والد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فلم يبق له عليه الصلاة والسلام أهل إلا ولد (4) العباس، وأبى طالب، والحارث،
وأبى لهب بنى عبد المطلب (5) فقط.
وقال آخرون: بل بنو عبد المطلب بن هاشم وبنو المطلب بن عبد مناف فقط ومواليهم.

(1) اغرب ابن حزم في أكثر ما قال، وما تدل الآية والأحاديث إلا على حصر الصدقات في الأصناف الثمانية،
ولا دليل فيها ولا في غيرها على وجوب ان يعطى صاحب المال ستة أصناف من الثمانية، ولا على وجوب ان يستوعب
الامام أو نائبه كل الأصناف، ولا على وجوب ان يعطى ثلاثة من كل صنف، الا ان الامام يجب عليه ان يضعها
حيث يرى المصلحة للمسلمين عامتهم وخاصتهم، بالأدلة العامة فيما يجب على من ولى شيئا من أمور الناس.
(2) كلمة (ان) زيادة من النسخة رقم (14)
(3) في البخاري (ج 3 ص 315) (ان الله قد افترض) وفي النسخة رقم (14) (ان الله فرض)
(4) في النسخة رقم (16) (والد) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (14) (وأبو طالب والحارث، وأبو لهب بنو عبد المطلب)
146

وقال أصبغ بن الفرج المالكي: آل محمد جميع قريش، وليس الموالي منهم.
قال أبو محمد: فوجب النظر في ذلك.
فوجدنا ما حدثنا عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو
ابن علي ثنا يحيى وهو ابن سعيد القطان ثنا شعيبة ثنا الحكم هو ابن عتيبة
عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بنى مخزوم
على الصدقة، فأراد أبو رافع أن يتبعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الصدقة لا تحل لنا،
وان مولى القوم منهم (1))).
فبطل قول من أخرج الموالي من حكمهم في تحريم الصدقة.
ووجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي
ثنا أبو داود السجستاني ثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن
عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد (2) عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أخبرني
جبير بن مطعم: (أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من
الخمس بين بني هاشم وبني المطلب، فقلت: يا رسول الله، قسمت لاخواننا (3) بني المطلب
ولم تعطنا شيئا، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما بنو هاشم
وبنو المطلب شئ واحد).
فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكمهم في شئ أصلا لأنهم شئ واحد بنص كلامه
عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، واذهم آل محمد فالصدقة عليهم حرام،
وخرج بنو عبد شمس وبنو نوفل ابني عبد مناف وسائر قريش عن هذين البطنين
وبالله تعالى التوفيق.
ولا يحل لهذين البطنين صدقة فرض ولا تطوع أصلا، لعموم قوله عليه الصلاة
والسلام: (لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد) فسوى بين نفسه وبينهم.
وأما مالا يقع عليه اسم صدقة مطلقة فهو حلال لهم، كالهبة والعطية والهدية
والنحل (4)، والحبس والصلة والبر وغير ذلك، لأنه لم يأت نص بتحريم شئ من ذلك عليهم.
وأما قولنا: لا تجزئ إن وضعت في يد من لا تجوز له (5): فلان الله تعالى
سماها لقوم خصهم بها، فصار حقهم فيها، فمن أعطى منها غيرهم فقد خالف ما أمر الله

(1) هو في النسائي (ج 5 ص 107)
(2) في النسخة رقم (14) (عن يونس عن يزيد) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (لإخوتنا) وما هنا هو الموافق لأبي داود (ج 3 ص 106)
(4) بضم النون واسكان الحاء المهملة وهو العطاء من غير عوض ولا استحقاق
(5) في النسخة رقم (16) (ان وضعت فيمن لا تجوز))
147

تعالى به وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فوجب (1)
على المعطى ايصال ما عليه إلى من هو له، ووجب على الآخذ رد من ما أخذ بغير حق،
قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل).
720 مسألة الفقراء هم الذين لا شئ لهم أصلا، والمساكين هم الذين
لهم شئ لا يقوم بهم.
برهان ذلك: أنه ليس الا موسر، أو غنى، أو فقير، أو مسكين، في الأسماء
ومن له فضل عن قوته، ومن لا يحتاج إلى أحد وان لم يفضل عنه شئ، ومن له مالا يقوم
بنفسه منه، ومن لا شئ له (2)، فهذه مراتب أربع معلومة بالحس، فالموسر بلا خلاف
هو الذي يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة والغنى هو الذي لا يحتاج إلى
أحد وإن كان لا يفضل عنه شئ، لأنه في غنى عن غيره، وكل موسر غنى وليس كل
غنى موسرا.
فان قيل: لم فرقتم بين المسكين والفقير؟ (3).
قلنا: لان الله تعالى فرق بينهما، ولا يجوز أن يقال في شيئين فرق الله تعالى بينهما:
إنما شئ واحد، إلا بنص أو إجماع أو ضرورة حس، فإذ ذلك كذلك فان الله تعالى يقول:
(أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) فسماهم تعالى مساكين ولهم سفينة،
ولو كانت تقوم بهم لكانوا أغنياء بلا خلاف، فصح اسم المسكين بالنص لمن هذه
صفته، وبقى القسم الرابع، وهو (4) من لا شئ له، أصلا ولم يبق له من الأسماء الا الفقير،
فوجب ضرورة أنه ذلك (5).
وروينا ما حدثناه عبد الله بن ربعي ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا
نصر بن علي أخبرنا عبد الأعلى ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان،
قالوا: فما المسكين يا رسول الله: قال: المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن لحاجته
فيتصدق عليه).
قال أبو محمد: فصح أن المسكين هو الذي لا يجد غنى إلا أن له شيئا لا يقوم به،
فهو يصبر وينطوى، وهو محتاج ولا يسأل.
وقال تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) فصح أن

(1) في النسخة رقم (16) (ووجب)
(2) في النسخة رقم (16) (ومن له شئ) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (14) (بين الفقير والمسكين)
(4) في النسخة رقم (16) (وهي) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (14) (ذلك)
148

الفقير الذي لا مال له أصلا، لان الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم (1)
ولا يجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم.
فان قيل: قد قال الله تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا
في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف).
قلنا: صدق الله تعالى، وقد يلبس المرء في تلك البلاد إزارا ورداءا خلقين غسيلين
لا يساويان درهما، فمن رآه كذلك ظنه غنيا، ولا يعد مالا مالا بد منه، ومما يستر العورة،
إذا لم تكن له قيمة. وذكروا قول الشاعر:
أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك لم سبد (2)
وهذا حجة عليهم، لان من كانت حلوبته وفق عياله فهو غنى، وإنما صار فقيرا
إذا لم يترك له سبد، وهو قولنا.
والعاملون عليها: هم العمال الخارجون من عند الامام الواجبة طاعته، وهم المصدقون،
وهم السعاة.
قال أبو محمد: وقد اتفقت الأمة على أنه ليس كل من قال: أنا عامل عاملا، وقد
قال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فكل من عمل من غير أن
يوليه الامام الواجبة طاعته فليس من العاملين عليها، ولا يجزئ دفع الصدقة إليه، وهي
مظلمة، وإلا أن يكون يضعها مواضعها، فتجزى حينئذ، لأنها قد وصلت إلى أهلها.
وأما عامل الامام الواجبة طاعته فنحن مأمورون بدفعها إليه، وليس علينا ما يفعل
فيها، لأنه وكيل، كوصي اليتيم ولا فرق، وكوكيل الموكل سواء سواء.
والمؤلفة قلوبهم: هم قوم لهم قوة لا يوثق بنصيحتهم للمسلمين، فيتألفون بأن يعطوا
من الصدقات ومن خمس الخمس.
والرقاب: هم الكاتبون والعتقاء، فجائز أن يعطوا من الزكاة.
وقال مالك: لا يعطى منها المكاتب.
وقال غيره: يعطى منها ما يتم به كتابته.

(1) في النسخة رقم (14) (واخرجوا من ديارهم)
(2) نسبه صاحب اللسان للراعي يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو له
سعاته (ج 6 ص 367 و ج 12 ص 262) وقال: (يقال حلوبة فلان وفق عياله، أي لها لبن قدر كفايتهم لا فضلي
فيه، وقيل قدر ما يقوتهم). والسبد بفتح السين المهملة والباء الوبر، وقيل الشعر، وهو كناية عن
المال، يقال ماله سبد ولا لبد، أي ماله قليل ولا كثير
149

قال أبو محمد: وهذان (1) قولان لا دليل على صحتهما.
وبأن المكاتب يعطى من الزكاة يقول أبو حنيفة، والشافعي.
وجائز أن يعطى منها مكاتب الهاشمي والمطلبي، لأنه ليس منهما ولا مولى لهما
ما لم يعتق كله.
وأن أعتق الامام من الزكاة رقابا فولاؤها للمسلمين، لأنه لم يعتقها من مال نفسه،
ولا من مال باق في ملك المعطى الزكاة (2).
فان أعتق المرء من زكاة نفسه فولاؤها له، لأنه أعتق من ماله وعبد نفسه، وقد
قال عليه الصلاة والسلام: (إنما الولاء لمن أعتق) وهو قول أبي ثور.
وروينا عن ابن عباس: أعتق من زكاتك.
فان قيل: إنه إن مات (3) رجع ميراثه إلى سيده؟.
قلنا: نعم هذا حسن، إذا بلغت الزكاة محلها فرجوعها بالوجوه المباحة حسن،
وهم يقولون فيمن تصدق من زكاته على قريب له ثم مات فوجب ميراثه للمعطى: إنه
له حلال، وإن كان فيه عين زكاته.
والغارمون: هم الذين عليهم ديون لا تفي أموالهم بها، أو من تحمل بحمالة وإن كان
في ماله وفاء بها، فاما من له وفاء بدينه فلا يسمى في اللغة غارما.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن النضر
ابن مساور (4) ثنا حماد بن سلمة عن هارون بن رئاب (5) حدثني كنانة بن نعيم (6)
عن قبيصة بن المخارق (7) قال: (تحملت بحمالة (8)، فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال:
أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها (9)، يا قبيصة، إن الصدقة لا تحل
إلا لاحد ثلاثة (10): رجل تحمل بحمالة (11) فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من
عيش، أو قال: سدادا من عيش (12)) وذكر الحديث (13).

(1) في النسخة رقم (14) (وهذان فرقان) وما هنا أصح
(2) في النسخة رقم (16) (في ملك معطى الزكاة)
(3) في النسخة رقم (16) (إنه من مات) وهو خطأ
(4) بضم الميم وتخفيف السين المهملة
(5) بكسر الواو وتخفيف الهمزة
(6) بضم النون وفتح العين المهملة
(7) قبيصة بفتح القاف، والمخارق بضم الميم
(8) في النسائي (ج 5 ص 89) (تحملت حمالة) بدون الباء، والحمالة بفتح الحاء المهملة ما يتحمله الانسان عن غيره من دية وغرامة، قال الخطابي: (هي ان يقع بين القوم التشاجر في الدماء والأموال ويخاف من ذلك الفتن العظيمة فيتوسط الرجل فيما بينهم يسعى في ذات البين ويضمن لهم، ما يترضاهم بذلك حتى تسكن الفتنة)
(9) كلمة (بها) ليست في النسائي.
(10) في النسخة رقم (14) (لإحدى ثلاث) وفى النسخة رقم (16) (لاحد ثلاث) وما هنا هو الذي في النسائي.
(11) في النسائي (حمالة)
(12) القوام بكسر القاف ما يقوم بحاجته الضرورية، والسداد بالكسر أيضا
ما يكفي حاجته، وهو كل شئ سددت به خللا.
(13) رواه أحمد (ج 3 ص 377 و ج 5 ص 60) ومسلم (ج 1 ص 284).
وأبو داود (ج 3 ص 39 و 40) والطيالسي (ص 188 رقم 1327) وابن جارود (ص 188) والدارقطني (ص 211)
150

وأما سبيل الله: فهو الجهاد بحق.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا الحسن
ابن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغنى إلا لخمسة: لغاز (1) في سبيل الله،
أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين
فتصدق على المسكين فأهداها (2) المسكين للغنى).
وقد روى هذا الحديث عن غير معمر (3) فأوقفه بعضهم، ونقص بعضهم مما
ذكر فيه معمر، وزيادة العدل لا يحل تركها.
فان قيل قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الحج من سبيل الله. وصح عن ابن عباس
أن يعطى منها في الحج.
قلنا: نعم، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى، إلا أنه لا خلاف في أنه
تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات، فلم يجز أن توضع إلا حيث
بين النص، وهو الذي ذكرنا. وبالله تعالى التوفيق.
وابن السبيل: هو من خرج في غير معصية فاحتاج.
وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة: ثنا أبو جعفر عن الأعمش عن حسان عن مجاهد
عن ابن عباس: أنه كان لا يرى بأسا أن يعطى الرجل زكاته في الحج وأن يعتق منها النسمة.
وهذا مما خالف فيه الشافعيون والمالكيون والحنيفيون صاحبا لا يعرف منهم له
مخالف (4).
721 مسألة وجائز أن يعطى المرء منها مكاتبه ومكاتب غيره، لأنهما من
البر، والعبد المحتاج الذي يظلمه سيده ولا يعطيه حقه، لأنه مسكين.
وقد روينا عن إسماعيل بن علية انه أجاز ذلك.
ومن كان أبوه، أو أمه، أو أخواته، أو امرأته من الغارمين، أو غزوا في سبيل الله،
أو كانوا مكاتبين جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض، لأنه ليس عليه أداء
ديونهم ولا عونهم في الكتابة والغزو، كما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء، ولم يأت نص

(1) في النسخة رقم (16) (لغازى) وما هنا موافق لأبي داود (ج 3 ص 38)
(2) في النسخة رقم (14) (فأهدى) وما هنا هو الموافق لأبي داود، والحديث رواه أيضا الدارقطني (ص 211 و 312) من طريق عبد الرزاق عن معمر الثوري كلاهما عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد مرفوعا، فلم ينفرد معمر بذكر أبي سعيد فيه
(3) في النسخة رقم (16) (وقد روى هذا الخبر عن معمر) وهو خطأ
(4) في النسخة رقم (16) (لا نعرف منهم له في ذلك مخالفا)
151

بالمنع (1) مما ذكرنا.
روينا عن أبي بكر: أنه أوصى عمر فقال: من أدى الزكاة إلى غير أهلها لم تقبل (2)
منه زكاة، ولو تصدق بالدنيا جميعها.
وعن الحسن: لا تجزئ حتى يضعها مواضعها (3) وبالله تعالى التوفيق.
722 مسألة وتعطى المرأة زوجها من زكاتها، إن كان من أهل السهام،
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أفتى زينب امرأة ابن مسعود إذ أمر بالصدقة فسألته
أيسعها أن تضع صدقتها في زوجها، وفى بنى أخ لها يتامى؟ فأخبرها عليه الصلاة والسلام
أن لها أجرين: أجر الصدقة، وأجر القرابة.
723 مسألة قال أبو محمد (4): من كان له مال مما تجب فيه الصدقة، كمائتي
درهم أو أربعين مثقالا أو خمس من الإبل أو أربعين شاة أو خمسين بقرة، أو أصاب
خمسة أو سق من بر أو شعير أو تمر (5) وهو لا يقوم ما معه بعولته لكثرة عياله أو لغلاء
السعر: فهو مسكين، يعطى من الصدقة المفروضة، وتؤخذ منه فيما وجبت فيه من ماله.
وقد ذكرنا أقوال من حد الغنى بقوت اليوم، أو بأربعين درهما أو بخمسين درهما،
أو بمائتي درهم.
واحتج من رأى الغنى بقوت اليوم بحديث رويناه من طريق أبى كبشة السلولي عن
سهل بن الحنظلية عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار،
فقيل: وما حد الغنى يا رسول الله؟ قال: شبع يوم وليلة (6)).
وفى بعض طرقه: (إن يكن عند أهلك (7) ما يغديهم أو ما يعشيهم).
ومن طريق أبى لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل عن أبي كليب العامري (8)
عن أبي سلام الحبشي عن سهل بن الحنظلية عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل مسألة
يتكثر بها عن غنى فقد استكثر من النار، فقيل: ما الغنى؟ قال: غداء أو عشاء).
قال أبو محمد: وهذا لا شئ، لان أبا كبشة السلولي مجهول وابن لهيعة ساقط.
واحتج من حد الغنى بأربعين درهما بما رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن

(1) في النسخة رقم (14) (نص مانع)
(2) في النسخة رقم (16) (لاتقبل)
(3) في النسخة رقم (16) (موضعها)
(4) قوله (قال أبو محمد) زيادة من النسخة رقم (16)
(5) من هنا إلى أول كتاب الصيام نقل من النسخة رقم 45
(6) رواه أحمد مطولا (ج 4 ص 180 و 181) وفى آخره قال: (ما يغديه أو يعشيه) رواه أبو داود
(ج 2 ص 35) واسنادهما صحيح
(7) في النسخة رقم (16) (ان عند أهلك) بحذف (يكن) وهو خطأ
(8) أبو كليب هذا لم أجد له ترجمة ولا ذكرا
(9) الحبشي بالحاء المهملة والباء والشين المعجمة، وفى النسخة رقم (16) (الخشني
(وهو تصحيف وأبو سلام هذا اسمه ممطور
(10) ليس مجهولا، بل هو تابعي ثقة، وثقة العجلي وغيره
152

عطاء بن يسار عن رجل من بنى أسد: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سأل
منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا (1))
ومن طريق هشام بن عمار عن عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن
عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سأل
وله قيمة أوقية فقد ألحف، قال: وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين
درهما (2)).
ومن طريق ميمون بن مهران: ان امرأة أتت عمر بن الخطاب تسأله من الصدقة،
فقال لها: إن كانت لك أوقية فلا تحل لك (3) الصدقة، قال ميمون: والأوقية حينئذ
أربعون درهما.
قال أبو محمد: الأول عمن لم يسم، ولا يدرى صحة صحبته، والثاني عن عمارة بن غزية
هو ضعيف (4).
وقد كان لزم المالكيين المقلدين عمر رضي الله عنه في تحريم المنكوحة في العدة
على ذلك الناكح في الأبد، وقد رجع عمر عن ذلك، وفى سائر ما يدعون ان خلافه
فيه لا يحل، كحد الخمر ثمانين، وتأجيل العنين سنة: ان يقلدوه ههنا، وكذلك الحنيفيون،
ولكن لا يبالون بالتناقض!.
واحتج من حد الغنى بخمسين درهما بخبر رويناه من طريق سفيان الثوري عن حكيم
ابن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشا أو كدوحا (5) في وجهه يوم القيامة،
قيل: يا رسول الله، وما يغنيه: قال: خمسون درهما أو حسابها من الذهب) قال سفيان:
وسمعت زبيدا يحدث (6) عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه (7).
روينا من طريق هشيم عن الحجاج بن أرطاة عمن حدثه، وعن الحسن بن عطية،
وعن الحكم بن عتيبة، قال من حدثه: عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، وقال الحسن

(1) رواه أبو داود (ج 2 ص 33 و 34)
(2) هو في أبى داود (ج 3 ص 34 و 35)
(3) كلمة (لك) سقطت من النسخة رقم 45
(4) جهالة الصحابي لا تضر، كما هو الراجح عند أكثر أهل العلم، وان خالف في ذلك ابن حزم، وعمارة بن
غزية ثقة تابعي، وقد سبق الكلام عليه في المسألة 641 (ج 5 ص 213)
(5) الخموش الخدوش وكذلك الكدوح وهما بضم أولهما وكل اثر من خدش أو عض فهو كدح
(6) في النسخة رقم (14) (يحدثه) وما هنا هو الموافق للنسائي
(7) هذا لفظ النسائي (ج 5 ص 97) ورواه أيضا أبو داود (ج 2 ص 33) والترمذي (ج
ص 83 طبع الهند) وابن ماجة (ج 1 ص 289) والحاكم (جزء 1 ص 407)
153

ابن عطية: عن سعد بن أبي وقاص، وقال الحكم: عن علي بن أبي طالب، قالوا كلهم:
لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما، قال علي بن أبي طالب: أو عدلها من الذهب.
وهو قول النخعي، وبه يقول سفيان الثوري، والحسن بن حي.
قال أبو محمد: حكيم بن جبير ساقط، ولم يسنده زبيد، (1) ولا حجة في مرسل،
ولقد كان يلزم الحنيفيين والمالكيين القائلين بان المرسل كالمسند، والمعظمين خلاف
الصاحب، والمحتجين بشيخ من بنى كنانة عن عمر في رد السنة الثابتة من أن المتبايعين
لا يبع بينهما حتى يفترقا: ان لا يخرجوا عن هذين القولين: لأنه لا يحفظ عن أحد من
الصحابة في هذا الباب خلاف لما ذكر فيه عن عمر، وابن مسعود، وسعد، وعلي رضي الله عنهم
، مع ما فيه من المرسل.
وأما من حد الغنى بمائتي درهم، وهو قول أبي حنيفة، وهو أسقط الأقوال
كلها! لأنه حجه لهم إلا أن قالوا: إن الصدقة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء،
فهذا غنى، فبطل أن يكون فقيرا.
قال أبو محمد: ولا حجة لهم في هذه الوجوه (2).
أولها: أن هم يقولون بالزكاة على من أصاب سنبلة فما قوقها، أو من له خمس من
الإبل، أو أربعون شاة، فمن أين وقع لهم أن يجعلوا حد الغنى مائتي درهم، دون السنبلة،
أو دون خمس من الإبل، أو دون أربعين شاة، وكل ذلك تجب فيه الزكاة؟! وهذا
هوس مفرط!.
وهكذا روينا (3) عن حماد بن أبي سليمان قال: من لم يكن عنده مال تبلغ فيه الزكاة

(1) أما حكيم بن جبير فليس ساقطا إلى هذه الدرجة، ولكنهم ضعفوه من أجل رأى له في التشيع يغلو له، ولانكارهم
عليه بعض أحاديث منها هذا الحديث الذي هنا، فقد تركه شعبة من اجله، ولكنه ينفرد به، فقد رواه زبيد بن الحارث
اليامي عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد كما رواه حكيم بن جبير، وزبيد ثقة ثبت حجة، وقد أخطأ المؤلف في زعمه ان زبيدا
لم يسنده، فان سياق الرواية يدل على أن الثوري يحكى متابعة زبيد الحكيم، وقد جاء في بعض الروايات أصرح من هذا،
ففي أبى داود بعد ان روى الحديث من طريق يحيى بن آدم عن الثوري: (قال يحيى فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حفظي ان شعبة
لا يروى عن حكيم بن جبير؟ فقال سفيان: حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد) وفى الترمذي بعد ان رواه
عن قتيبة وعلي بن حجر عن شريك عن حكيم بن جبير باسناده قال (حدثنا محمود بن غيلان ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان عن حكيم
ابن جبير بهذا الحديث، فقال له عبد الله بن عثمان صاحب شعبة: لو غير حكيم حدث بهذا؟! فقال له سفيان: وما الحكيم؟
لا يحدث عنه شعبة؟! قال: نعم، قال سفيان: سمعت زبيدا يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد) وهذا صريح جدا
في أن زبيدا حدث به عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد كما حدث به حكيم أي باسناده، وانه ليس مرسلا كما زعم
المؤلف رحمه الله، والحديث صحيح من رواية زبيد
(2) كذا في الأصلين، ولعل الأصح أن يكون صوابه (في هذا لوجوه) كما هو واضح ظاهر
(3) كلمة (روينا) سقطت من النسخة رقم 45
154

أخذ من الزكاة.
والثاني: أنهم يلزمهم أن من له الدور العظيمة، والجوهر ولا يملك مائتي درهم
أن يكون فقيرا يحل له أخد الصدقة!.
والثالث: أنه ليس في قوله عليه السلام: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)
دليل ولا نص بأن الزكاة لا تؤخذ الا من غنى ولا ترد إلا على فقير، وإنما فيه أنها تؤخذ
من الأغنياء وترد على الفقراء فقط، وهذا حق، وتؤخذ أيضا بنصوص أخر
من المساكين الذين ليسوا أغنياء، وترد بتلك النصوص على أغنياء كثير، كالعاملين،
والغارمين، المؤلفة قلوبهم، وابن السبيل وإن كان غنيا في بلده، فهذه خمس طبقات
أغنياء، لهم حق في الصدقة.
وقد بين الله تعالى ذلك في الصدقة في تفريقه بينهم (1) إذ يقول: (إنما الصدقات
للفقراء والمساكين والعاملين عليها) إلى آخر الآية، فذكر الله تعالى الفقراء، والمساكين
ثم أضاف إليهم من ليس فقيرا، ولا مسكينا.
وتؤخذ الصدقة من المسكين الذي ليس له (2) الا خمس من الإبل وله عشرة من
العيال، ومن ليس له الا مائتا درهم وله عشرة من العيال، وممن لم يصف الا خمسة أوسق
لعلها لا تساوى خمسين درهما وله عشرة من العيال في عام سنة (3).
فبطل تعلقهم بالخبر المذكور، وظهر فساد هذا القول الذي لا يعلم أن أحدا من
الصحابة رضي الله عنهم قاله.
وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة عن حفص هو ابن غياث عن ابن جريج عن
عمرو بن دينار قال قال عمر بن الخطاب: إذا أعطيتم (4) فاغنوا. يعنى من الصدقة
ولا نعلم لهذا القول خلافا (5) من أحد من الصحابة.
وروينا عن الحسن: أنه يعطى من الصدقة الواجبة من له الدار والخادم، إذا كان محتاجا.
وعن إبراهيم نحو ذلك.
وعن سعيد بن جبير: يعطى منها من له الفرس، والدار، والخادم.
وعن مقاتل بن حيان: يعطى من له العطاء من الديوان وله فرس.

(1) في النسخة رقم 45 (في الصدقة بقرينة بينهم) وهو خطأ بل غلط
(2) في النسخة رقم 45 (من المساكين الذين ليس لهم) الخ وما هنا انسب لسياق الكلام
(3) السنة معروفة، وهي العام، ولكنهم يستعملونها في معنى السنة المجدبة،
فيقولون: اصابتهم السنة، وارض سنة، اي مجدبة على التشبيه بالسنة من الزمان، ويقولون: اسنتوا، ولا يستعمل ذلك الا في الجدب ضد الخصب
(4) في النسخة رقم 45 (أعطيتهم) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (14) (ولا يعلم لهذا القول خلاف)
155

قال أبو محمد: ويعطى من الزكاة الكثير جدا والقليل، لاحد في ذلك، إذ لم يوجب
الحد في ذلك قرآن ولا سنة.
724 مسألة قال أبو محمد: إظهار الصدقة الفرض والتطوع من
غير أن ينوى بذلك رياء حسن، وإخفاء كل ذلك أفضل. وهو قول أصحابنا.
وقال مالك: إعلان الفرض أفضل.
قال أبو محمد: وهذا فرق لا برهان على صحته، قال الله عز وجل: (إن تبدوا
الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم).
فان قالوا: نقيس ذلك على صلاة الفرض. قلنا: القياس كله باطل، فان قلتم: هو
حق، فأذنوا للزكاة كما يؤذن للصلاة!! ومن الصلاة غير الفرض ما يعلن بها كالعيدين،
والكسوف، وركعتي دخول المسجد، فقيسوا صدقة التطوع على ذلك.
725 مسألة قال أبو محمد (1): وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن
يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، وإن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر
أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء
والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر، والصيف (2)، والشمس وعيون المارة (3).
برهان ذلك قول الله تعالى (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل). وقال
تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار
الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم).
فأوجب تعالى حق المساكين، وابن السبيل، وما ملكت اليمين (4) مع حق ذي القربى
وافترض الاحسان إلى الأبوين، وذي القربى، والمساكين، والجار، وما ملكت اليمين،
والاحسان يقتضى كل ما ذكرنا، ومنعه إساءة بلا شك.

(1) قوله (قال أبو محمد) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) كلمة (الصيف) زيادة من النسخة رقم (14)
(3) من هذا ومن أمثاله في الشريعة الاسلامية يرى المنصف ان التشريع الاسلامي في الذروة العليا من الحكمة والعدل، وليت إخواننا الذين غرتهم القوانين الوضعية وأشربتها نفوسهم يطلعون على هذه الحقائق ويتفقهونها ليروا ان دينهم جائهم بأعلى أنواع التشريع في الأرض، تشريع يشبع القلب والروح، ويطبق في كل مكان وكل زمان و، ان هو الا وحى يوحى، ولوفقه المسلمون أحكام دينهم ورجعوا إلى استنباطها من المنبع الصافي والمورد العذب - الكتاب والسنة - وعملوا
بما يأمرهم به ربهم في خاصة نفسهم وفي أمورهم العامة وفي أحوال اجتماعهم -: لو عملوا هذا لكانوا سادة الأمم، وهل قامت الثورات المخربة الهادمة، والفتن المهلكة الا من ظلم الغنى للفقير ومن استئثاره بخير الدنيا وبجواره اخوه يموت جوعا وعريا، والمثل كثيرة، ولو فقه الأغنياء لعلموا ان أول ما يحفظ عليهم أموالهم اسداء المعروف للفقراء، بل القيام نحوهم بما أوجبه الله على الأغنياء، فليفقهوا وليعلموا ويعملوا، فقد جاءتهم النذر، هدانا الله جميعا.
(4) قوله (وما ملكت اليمين) زيادة من النسخة رقم 45
156

وقال تعالى: (ما سلككم في سقر؟! قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين).
فقرن الله تعالى إطعام المسكين بوجوب الصلاة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة في غاية الصحة أنه قال: (من لا يرحم
الناس لا يرحمه الله).
قال أبو محمد: ومن كان على فضلة ورأي المسلم أخاه جائعا عريان (1) ضائعا فلم
يغثه: فما رحمه بلا شك.
وهذا خبر رواه نافع بن جبير بن مطعم وقيس بن أبي حازم وأبى ظبيان (2) وزيد
ابن وهب، كلهم عن جرير بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
روى أيضا معناه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)
وحدثناه (5) عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا
البخاري ثنا موسى بن إسماعيل هو التبوذكي ثنا المعتمر هو ابن سليمان
عن أبيه نثا أبو عثمان النهدي ان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حدثه: (ان أصحاب
الصفة كانوا ناسا فقراء وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب
بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس) (6) أو كما قال.
فهذا (7) هو نفس قولنا.
ومن طريق الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن الزهري: ان سالم بن عبد الله بن
عمر أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم،
لا يظلمه ولا يسلمه).
قال أبو محمد: من تركه يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته
فقد أسلمه.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو الأشهب عن أبي نضرة
عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان معه فضل ظهر فليعد

(1) في النسخة رقم 45 (عريانا) وهو لحن
(2) في الأصلين (وابن ظبيان) وهو خطأ، وأبو ظبيان هو حصين ابن جندب الجنبي - بفتح الجيم واسكان النون - التابعي الثقة
(3) حديث جرير من هذه الطرق رواه مسلم (ج 2 ص 213 - 214) ورواه البخاري مختصرا من طريق زيد بن وهب (ج 8 ص 17)
(4) حديث أبي هريرة من هذا الطريق رواه البخاري (ج 8 ص 12) بلفظ (من لا يرحم لا يرحم)
(5) في النسخة رقم 45 (حدثناه) وهو خطأ، إذ ليس هذا هو حديث الزهري الذي ذكره
(6) في النسخة رقم (14) (أو بسادس) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 5 ص 38 - 39) رواه
البخاري أيضا عن أبي النعمان عن معتمر (ج 1 ص 247 - 248)
(7) في النسخة رقم (14) (وهذا)
157

به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر
من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا انه لا حق لاحد منا في فضل).
قال أبو محمد: وهذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم يخبر بذلك أبو سعيد وبكل
ما في هذا الخبر نقول.
ومن طريق أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أطعموا الجائع وفكوا العاني) (1).
والنصوص من القرآن، والأحاديث الصحاح في هذا تكثر جدا.
وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي (2) عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي
ثابت عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو استقبلت
من امرى ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين.
وهذا إسناد في غاية الصحة والجلالة.
ومن طريق سعيد بن منصور عن أبي شهاب (3) عن أبي عبد الله الثقفي عن محمد
ابن علي بن الحسين عن محمد بن علي بن أبي طالب أنه سمع علي بن أبي طالب يقول:
إن الله تعالى فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فان جاعوا أو عروا
وجهدوا فبمنع (4) الأغنياء، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة، ويعذبهم عليه.
وعن ابن عمر أنه قال: في مالك حق سوى الزكاة (6).
وعن عائشة أم المؤمنين، والحسن بن علي، وابن عمر أنهم قالوا كلهم لمن سألهم: إن
كنت تسأل في دم موجع، أو غرم مفظع (7) أو فقر مدقع (8): فقد وجب حقك.
وصح عن أبي عبيدة بن الجراح وثلاثمائة من الصحابة رضي الله عنهم أن زادهم فنى
فأمرهم أبو عبيدة فجمعوا (9) أزوادهم في مزودين، وجعل يقوتهم إياها على السواء.
فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة رضي الله عنهم، لا مخالف لهم منهم.
وصح عن الشعبي، ومجاهد، وطاوس وغيرهم، كلهم يقول: في المال حق سوى الزكاة.
قال أبو محمد: وما نعلم عن أحد منهم خلاف هذا، الا عن الضحاك بن مزاحم،
فإنه قال: نسخت الزكاة كل حق في المال.

(1) العاني هو الأسير، والحديث رواه البخاري (ج 7 ص 130 و 310) بلفظ (اطعموا الجائع وعودوا
المريض وفكوا العاني)
(2) (بن مهدي) زيادة من النسخة رقم (14)
(3) هو أبو شهاب الأصغر، واسمه عبد ربه ابن نافع الحناط الكناني، وشيخه الثقفي لم اعرفه
(4) هذه الكلمة رسمت في النسخة رقم 45 بدون اعجام، وفي النسخة رقم (14) (فيمنع) وهو خطأ ظاهر
(5) في النسخة رقم 45 (حق)) بدون الواو
(6) في النسخة رقم 45 (حق في مالك سوا الزكاة)
(7) بالظاء المعجمة، والمقطع الشديد الشنيع وفي النسخة رقم (14) بالضاد المعجمة وهو خطأ (8) بالقاف والدقعاء التراب، أي فقر شديد ملصق بالدقعاء يفضى بصاحبه إلى الدقعاء. قاله في اللسان
(9) في النسخة رقم 45 (يجمعوا)
158

قال أبو محمد: وما رواية الضحاك حجة (1) فكيف رأيه!.
والعجب أن المحتج بهذا أول مخالف له! فيرى في المال حقوقا سوى الزكاة، منها
النفقات على الأبوين المحتاجين، وعلى الزوجة، وعلى الرقيق، وعلى الحيوان، والديون
والأروش (2) فظهر تناقضهم!.
فان قيل: فقد (3) رويتم من طريق ابن أبي شيبة: ثنا أبو الأحوص عن عكرمة
عن ابن عباس قال: من أدى زكاة ماله فليس عليه جناح أن لا يتصدق.
ومن طريق الحكم عن مقسم (4) عن ابن عباس في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم
حصاده) نسختها العشر ونصف العشر.
فان رواية مقسم ساقطة لضعفه، وليس فيها لو صحت (5) خلاف لقولنا.
وأما رواية عكرمة فإنما هي أن لا يتصدق تطوعا، وهذا صحيح.
وأما القيام بالمجهود (6) ففرض ودين، وليس صدقة تطوع.
ويقولون: من عطش فخاف الموت ففرض عليه أن يأخذ الماء حيث وجده، وأن
يقاتل عليه.
قال أبو محمد: فأي فرق بين ما أباحوا له من القتال على ما يدفع به عن نفسه الموت
من العطش، وبين ما منعوه منه من القتال عن نفسه فيما يدفع به عنها الموت من الجوع
والعرى؟! وهذا خلاف للاجماع، وللقرآن، وللسنن، وللقياس.
قال أبو محمد: ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة، أو لحم خنزير وهو يجد طعاما
فيه فضل عن صاحبه، لمسلم أو لذمي، لان فرضا على صاحب الطعام اطعام الجائع (7)
فإذا كان ذلك كذلك (8) فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير، وبالله تعالى التوفيق.
وله أن يقاتل عن ذلك، وفان قتل فعلى قاتله القود، وان (9) قتل المانع فإلى لعنة الله،
لأنه منع حقا، وهو طائفة باغية، قال تعالى: (فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا
التي تبغى تفئ إلى أمر الله) ومانع الحق باغ عن أخيه الذي له الحق. وبهذا قاتل
أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانع الزكاة. وبالله تعالى التوفيق.
تم كتاب الزكاة بحمد الله تعالى وحسن عونه (10).

(1) في النسخة رقم 45 (بحجة)
(2) في النسخة رقم 45 (والأرش) بالافراد
(3) في النسخة رقم (14) (قد)
(4) في النسخة رقم 45 (هشيم) وهو خطأ ظاهر
(5) في النسخة رقم 45 (ولو صحت)
(6) يقال: (جهد الناس - بالبناء للمفعول فهم مجهودون) إذا اجدبوا، فالقيام بالمجهود اعانته واغاثته
(7) في النسخة رقم 45 (طعام الجائع كذلك) ولم نجد لزيادة كلمة (كذلك) موقعا
(8) كلمة (كذلك) زيادة من النسخة رقم 45
(9) في النسخة رقم 45 (فان)
(10) قوله (تم كتاب الزكاة) الخ زيادة من النسخة رقم (16)
159

كتاب الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وسلم (1).
726 مسألة الصيام قسمان (2) فرض وتطوع، وهذا إجماع حق متيقن،
ولا سبيل في بنية العقل إلى قسم ثالث.
727 مسألة فمن الفرض صيام شهر رمضان، الذي بين شعبان، شوال، فهو
فرض على كل مسلم عاقل بالغ صحيح مقيم، حرا كان أو عبدا، ذكرا أو أنثى، إلا الحائض
والنفساء، فلا يصومان أيام حيضهما البتة، ولا أيام نفاسهما، ويقضيان صيام تلك الأيام
وهذا كله فرض متيقن من جميع أهل الاسلام.
728 مسألة ولا يجزئ صيام أصلا رمضان كان أو غيره الا بنية
مجددة في كل ليلة لصوم اليوم المقبل، فمن تعمد ترك النية بطل صومه.
برهان ذلك قول الله تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) فصح
أنهم لم يؤمروا بشئ في الدين الا بعبادة الله تعالى والاخلاص له فيها بأنها دينه (3)
الذي أمر به.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)
فصح أنه لا عمل الا بنية له، وأنه ليس لأحد الا ما نوى، فصح أن من نوى الصوم فله
صوم، ومن لم ينوه فليس له صوم.
ومن طريق النظر: أن الصوم امساك عن الأكل والشرب وتعمد القئ، وعن
الجمع وعن المعاصي، فكل ما أمسك عن هذه الوجوه لو أجزأه الصوم بلا نية
للصوم لكان في كل وقت صائما، وهذا مالا بقوله أحد.
ومن طريق الاجماع: أنه قد صح الاجماع على أن من صام ونواه من الليل فقد أدى ما عليه،
ولا نص ولا إجماع على أن الصوم يجزئ من لم ينوه من الليل.
واختلف الناس في هذا.
(هامش) * (1) التسمية والصلاة زيادة من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (1) قال أبو محمد: الصوم قسمان)
(3) في النسخة رقم (14) (بأنه دينه)
160

فقال زفر بن الهذيل: من صام رمضان. وهو لا ينوى صوما أصلا، بل نوى أنه
مفطر في كل يوم منه، الا أنه لم يأكل. ولم يشرب. ولا جامع: فإنه صائم ويجزئه،
ولا بد له في صوم التطوع من نية.
وقال أبو حنيفة: النية فرض للصوم في كل يوم من رمضان، أو التطوع، أو النذر
إلا أن يجزئه أن يحدثها في النهار، ما لم تزل الشمس، وما لم يكن أكل قبل ذلك، ولا
شرب، ولا جامع، فإن لم يحدثها لامن الليل (1) ولا من النهار ما لم تزل الشمس
لم ينتفع باحداث النية بعد زوال الشمس، ولا صوم له، وعليه قضاء ذلك اليوم، وأما
قضاء رمضان والكفارات فلا بد فيها من النية من الليل (2) لكل يوم، وإلا فلا صوم
له، ولا يجزئه أن يحدث النية في ذلك بعد طلوع الفجر.
وقال مالك: لابد من نية في الصوم (3)، وأما في رمضان فتجزئه نيته (4) لصومه كله
من أول ليلة منه، ثم ليس عليه أن يجدد نية كل ليلة، إلا أن يمرض فيفطر أو يسافر فيفطر،
فلا بد له (5) من نية حينئذ مجددة قال (6): وأما التطوع فلابد له من نية لكل ليلة (7).
وقال الشافعي وداود (8): مثل قولنا، الا أن الشافعي رأى في التطوع خاصة
إحداث النية له ما لم تزل الشمس، وما لم يكن أكل قبل ذلك. أو شرب. أو جامع.
وروينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا يصوم الا من أجمع الصيام قبل الفجر.
وعن مالك عن الزهري: أن عائشة أم المؤمنين قالت: لا يصوم الامن أجمع
الصيام قبل الفجر.
ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب: أخبرني حمزة بن عبد الله
ابن عمر عن أبيه قال: قالت حفصة أم المؤمنين: لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر.
فهؤلاء ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف أصلا، والحنيفيون
والمالكيون يعظمون مثل هذا إذا خالف أهواءهم (9)، وقد خالفوهم ههنا، وما نعلم
أحدا قبل أبي حنيفة، ومالك قال بقولهما في هذه المسألة، وهم يشنعون أيضا بمثل هذا
على من قاله متبعا للقرآن، والسنة الصحيحة، وهم ههنا خالفوا القرآن والسنن (10) الثابتة
برأي فاسد لم يحفظ عن أحد قبلهم.

(1) في النسخة رقم (16) (من الليل) بحذف (لا)
(2) في النسخة رقم (16) (فلابد فيها من الليل) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (14) (للصوم) (4) في النسخة رقم (16) (نية)
(5) في النسخة رقم (14) (ولا بد له)
(6) كلمة (قال) زيادة من النسخة رقم (14)
(7) في النسخة رقم (14) (كل ليلة)
(8) في النسخة رقم 14 (الشافعي وأبو سليمان))
(9) كذا في الأصلين، ومقتضى الكلام أن يكون (إذا وافق أهوائهم)
(10) في النسخة رقم (16) (والسنة)
161

قال أبو محمد: برهان صحة قولنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد
ابن شعيب أنا أحمد بن الأزهر ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم
ابن عبد الله بن عمر عن أبيه (1) عن حفصة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من
لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له).
وهذا اسناد صحيح، ولا يضر (2) اسناد ابن جريج له أن أوقفه معمر، ومالك
وعبيد الله ويونس وابن عيينة، فابن جريج (3) لا يتأخر عن أحد من هؤلاء في الثقة
والحفظ، والزهري واسع الرواية، فمرة يرويه عن سالم عن أبيه، ومرة عن حمزة
عن أبيه، وكلاهما ثقة، وابن عمر كذلك، مرة رواه مسندا ومرة روى أن حفصة
أفتت به، ومرة أفتى هو به وكل هذا قوة للخبر.
والعجب أن المعترضين بهذا من مذهبهم أن المرسل كالمسند!.
قال أبو محمد: وهذا عموم لا حل تخصيصه ولا تبديله ولا الزيادة فيه ولا النقض منه
إلا بنص آخر صحيح.
فان قيل: فهلا أوجبتم النية متصلة بتبين الفجر، كما تقولون: في الوضوء والصلاة
والزكاة والحج. وسائر الفرائض؟!.
قلنا: لوجهين اثنين (4)، أحدهما هذا النص الوارد الذي لا يحل خلافه ولسنا
والحمد لله ممن يضرب كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضه ببعض فيؤمن ببعضه، ويكفر ببعضه،
ولا ممن يعارض أوامر الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بنظره الفاسد، بل نأخذ
جميع السنن كما وردت، ونسمع ونطيع لجميعها كما أتت.
والثاني: قول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) ولم يكلفنا عز وجل
السهر (5) مراعاة لتبين الفجر، وإنما ألزمنا النية من الليل، ثم نحن عليها إلى أن يتبين
الفجر (6) وان نمنا وان غفلنا، ما لم نتعمد ابطالها.
فان قيل: فأنتم تجيزون لمن نسي النية من الليل احداثها في اليوم الثاني.
قلنا: نعم بنص صحيح ورد في ذلك ولولا ذلك ما فعلناه.
قال أبو محمد: وما نعلم لزفر حجة (7) الا أنه قال: رمضان موضع للصيام (8)،

(1) في النسخة رقم (16) (عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) وحذف قوله (عن أبيه) وهو خطأ، والحديث في النسائي (ج 4 ص 197)
(2) في النسخة رقم (16) (ولا يصح) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (وابن جريح)
(4) كلمة (اثنين) زيادة من النسخة رقم (14)
(5) (الشهر) بالمعجمة وهو تصحيف لا معنى له
(6) في النسخة رقم (16) (إلى تبين الفجر) وما هنا أصح وأحسن
(7) كلمة (حجة) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(8) في النسخة رقم (14) (للصوم)
162

وليس موضعا للفطر أصلا، فلا معنى لنية الصوم فيه إذ لابد منه.
قال على: وهذه حجة عليه، مبطلة لقوله، لأنه لما كان موضعا للصوم لا للفطر
أصلا وجب أن ينوى ما افترض الله تعالى عليه (1) من العبادة بذلك الصوم، وأن
يخلص النية لله تعالى فيها (2)، ولا يخرجها مخرج الهزل واللعب.
ووجه آخر: وهو أن شهر رمضان أمرنا بأن نجعله وقتا للصوم، ونهينا فيه عن
الفطر، الا حيث جاءنا النص بالفطر فيه، فهو وقت للطاعة ممن (3) أطاع بأداء ما أمر
به، ووقت والله للمعصية العظيمة (4) فمن عصى الله تعالى فيه وخالف أمره
عز وجل فلم يصمه كما أمر، فإذ هو كذلك يقينا بالحس والمشاهدة فلابد
ضرورة من قصد إلى الطاعة (6) المفروضة، وترك المعصية المحرمة، وهذا لا يكون
الا بنية لذلك. (7) وهذا في غاية البيان والحمد لله.
ووجه ثالث: وهو أنه يلزم على هذا القول أن من لم يبق له من وقت صلاة
الصبح الا مقدار (8) ركعتين فصلى ركعتين تطوعا أو عابثا أن يجزئه ذلك من
صلاة الصبح، لان ذلك الوقت وقت لها، لا لغيرها أصلا، وهذا هو القياس: إن كان
القياس حقا!.
وما علمنا لأبي حنيفة حجة أصلا في تلك التقاسيم الفاسدة السخيفة! الا أن بعض
من ابتلاه الله بتقليده موه في ذلك بحديث نذكره في المسألة التالية، لأنه موضعه، (9)
وليس في هذا الخبر متعلق لأبي حنيفة أصلا، بل قد نقض أصله، (10) فأوجب فيه نية،
بخلاف قوله في الطهارة، ثم أوجبها في النهار بلا دليل!.
وما نعرف لمالك حجة أصلا، الا أنهم قالوا: رمضان كصلاة واحدة.
قال أبو محمد: وهذه (11) مكابرة بالباطل، لان الصلاة الواحدة لا يحول بين أعمالها
بعمد ما ليس منها أصلا، وصيام رمضان يحول بين كل يومين منه ليل يبطل فيه
الصوم جملة ويحل فيه الأكل والشرب والجماع، فكل يوم له حكم غير حكم اليوم (12)

(1) كلمة (عليه) زيادة من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (16) (منها) وهو خطأ.
(3) في النسخة رقم (16) (فمن) وهو خطأ
(4) في النسخة رقم (16) (وهو - والله - وقت المعصية العظيمة)
(5) في النسخة رقم (14) (والمشاهد)
(6) في النسخة رقم (16) (من قصد الطاعة)
(7) كلمة (لذلك) زيادة من النسخة رقم (14)
(8) كلمة (مقدار) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(9) سيأتي في المسألة التالية حديث الربيع بنت معوذ وحديث سلمة بنت الأكوع في صوم عاشوراء، وهما اللذان يشير إليهما المؤلف هنا
(10) في النسخة رقم (16) (أصلا) وهو خطأ
(11) في النسخة رقم (16) (وهذا)
(12) كلمة (اليوم) زيادة من النسخة رقم (14)
163

الذي قبله واليوم الذي بعده، وقد يمرض (1) فيه أو يسافر أو تحيض، فيبطل (2)
الصوم، وكان بالأمس صائما ويكون غدا صائما،.
وإنما شهر رمضان كصلوات اليوم والليلة، يحول بين كل صلاتين ما ليس صلاة،
فلابد لكل صلاة من نية، فكذلك لا بد لكل يوم في صومه من نية.
وهم أول من أبطل هذا القياس، فرأوا من أفطر عامدا في يوم من رمضان أن
عليه قضاءه، (3) وأن سائر صيامه كسائر أيام الشهر صحيح، فقد أقروا بأن حكم
الشهر كصلاة ليلة (4) واحدة ويوم واحد.
وإنما يخرج هذا على قول سعيد بن المسيب الذي يرى من أفطر يوما من رمضان عامدا (5)
أو أفطره كله سواء وان عليه في اليوم قضاء شهر، كما عليه في الشهر كله، ولافرق.
وهذا مما أخطؤا فيه القياس لو كان القياس حقا فلا النص اتبعوا، ولا
الصحابة قلدوا، ولا قياس صحبوا، ولا الاحتياط التزموا! وبالله تعالى التوفيق.
729 مسألة ومن نسي ان ينوى من الليل في رمضان فأي وقت ذكر من
النهار التالي لتلك الليلة سواء أكل وشرب ووطئ (6) أولم يفعل شيئا من ذلك
فإنه ينوى للصوم من وقته إذا ذكر، ويمسك عما يمسك عنه الصائم، ويجزئه صومه
ذلك تاما، ولا قضا عليه، ولو لم يبق عليه من النهار الا مقدار النية فقط، فإن لم ينو
كذلك فلا صوم له، وهو عاص لله تعالى متعمد لابطال صومه ولا يقدر على القضاء.
وكذلك من جاءه الخبر بأن هلال رمضان رؤى البارحة فسواء أكل وشرب
ووطئ (7) أولم يفعل شيئا من ذلك في أي وقت جاء الخبر من ذلك اليوم ولو
في آخره كما ذكرنا: فإنه ينوى الصوم ساعة صح الخبر (8) عنده، ويمسك عما يمسك
عنه الصائم، ويجزئه صومه ولا قضاء عليه، فإن لم يفعل فصومه باطل، كما قلنا في التي
قبلها سواء سواء.
وكذلك أيضا من عليه صوم نذر معين في يوم بعينه فنسي النية وذكر بالنهار فكما
قلنا ولا فرق.
وكذلك من نسي النية في ليلة من ليالي الشهرين المتتابعين الواجبين ثم ذكر بالنهار، ولافرق.
وكذلك من نام قبل غروب الشمس في رمضان، أو في الشهرين المتتابعين، أو في نذر

(1) كلمة (فيه) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (14) (فبطل) وما هنا أحسن
(3) في النسخة رقم (16) (في يوم رمضان عليه قضاؤه) وهو خطأ وسقط
(4) كلمة (ليلة) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(5) في النسخة رقم (14) (عمدا)
(6) في النسخة رقم (16) (سواء اكل أو شرب أو وطئ)
(7) في النسخة رقم (16) (فسواء اكل أو شرب أو وطئ))
(8) في النسخة رقم (14) (ساعة صحة الخبر)
164

معين فلم ينتبه إلا بعد طلوع (1) الفجر أو في شئ من نهار ذلك اليوم، ولو في آخره،
كما قلنا فكما قلنا أيضا آنفا سواء سواء، ولا فرق في شئ أصلا.
فلو لم يذكر فشئ من الوجوه التي ذكرنا، ولا استيقظ حتى غابت الشمس:
فلا اثم عليه، ولن يصم ذلك اليوم، ولا قضاء عليه.
برهان قولنا: قول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت
قلوبكم). وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه). وكل من ذكرنا ناس أو مخطئ غير عامد، فلا جناح عليه.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني أبو بكر بن نافع العبدي ثنا بشر بن المفضل ثنا
خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ بن عفراء (3) قالت: (ارسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائما فليتم صومه،
ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه).
وبه إلى مسلم بن الحجاج: ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي
عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ممن أسلم يوم عاشوراء،
فأمره أن يؤذن في الناس: من كان لم يصم فليصم، ومن كان أكل فليتم صيامه
إلى الليل) (4).
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا
البخاري ثنا المكي بن إبراهيم ثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: (امر
النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم: ان اذن في الناس: ان من اكل فليصم بقية يومه، ومن
لم يكن اكل فليصم، فان اليوم يوم عاشوراء) (5).
ورويناه أيضا من طريق معاوية وغيره مسندا (6).
قال أبو محمد: ويوم عاشوراء هو كان الفرض حينئذ صيامه.
كما روينا بالسند المذكور إلى البخاري: ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث هو ابن
سعيد التنوري ثنا أيوب السختياني ثنا عبد الله (7) بن سعيد بن جبير عن أبيه عن

(1) في النسخة رقم (14) (بعد طلوع الشمس)
(2) قوله (فكما قلنا) سقط من النسخة رقم (16)
(3) الربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء التحية المكسورة (ومعوذ بتشديد الواو المكسورة
(4) هذا والذي قبله في مسلم (ج 1 ص 313)
(5) هذا من ثلاثيات البخاري وهو فيه (ج 3 ص 96 و 97)
(6) حديث معاوية في البخاري (ج 3 ص 96) ومسلم (ج 1 ص 312)
(7) في النسخة رقم (16) (عبيد الله) بالتصغير وهو خطأ
165

ابن عباس فذكر الحديث في يوم عاشوراء وفيه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه
وأمر بصيامه) (1).
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبيد الله بن موسى
أخبرنا شيبان عن أشعث بن أبي الشعثاء عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر (2) بصوم عاشوراء (3) ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده،
فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا عنه ولم يتعاهدنا عنده).
وروينا من طريق الزهري، وهشام بن عروة، وعراك بن مالك كلهم عن عروة بن الزبير
عن عائشة أم المؤمنين: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بصيام عاشوراء، حتى فرض رمضان)
قال عراك: فقال عليه السلام: (من شاء فليصمه ومن شاء فليفطره) (4).
قال أبو محمد: فكان هذا حكم صوم الفرض، وما نبالي بنسخ فرض صوم عاشوراء، فقد
أحيل صيام رمضان أحوالا، فقد كان مرة من شاء صامه ومن شاء أفطره واطعم عن كل
يوم مسكينا، إلا أن حكم ما كان فرضا حكم واحد، وإنما نزل هذا الحكم فيمن لم يعلم
بوجوب الصوم عليه، وكل من ذكرنا من ناس، أو جاهل، أو نائم فلم يعلموا
بوجوب الصوم عليهم، فحكمهم كلهم هو الحكم الذي جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، من
استدراك النية في اليوم المذكور متى ما علموا بوجوب صومه عليهم (5)، وسمى عليه
السلام من فعل ذلك صائما، وجعل فعله صوما. وبالله تعالى التوفيق.
وبه قال جماعة من السلف.
كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الكريم الجزري: ان قوما
شهدوا على الهلال بعد ما أصبحوا، فقال عمر بن عبد العزيز: من أكل فليمسك عن
الطعام، ومن لم يأكل فليصم بقية يومه.
وعن عطاء: إذا صبح رجل مفطرا ولم يذق شيئا ثم علم برؤية الهلال أو النهار
أو آخره فليصم ما بقي ولا يبدله.
ومن طريق وكيع عن أبي ميمونة عن أبي بشير عن علي بن أبي طالب أنه قال يوم
عاشوراء: من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليتم بقية يومه.

(1) هو في البخاري (ج 3 ص 96)
(2) في النسخة رقم (16) (يأمرنا) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 312)
(3) في مسلم (بصيام يوم عاشوراء
(4) انظر روايات حديث عائشة هذا في مسلم (ج 1 ص 310 و 311) بنحو ما هنا، وفى البخاري لفظ آخر (ج 3 ص 95)
(5) في النسخة رقم (14) (عليه) وهو خطأ
(6) في النسخة رقم (16) (أصبح) وهو خطأ
166

وروينا من طريق وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين: ان ابن مسعود قال: من
أكل أول النهار فليأكل آخره.
قال على: اختلف الناس فيمن أصبح مفطرا في أول يوم من رمضان ثم علم أن الهلال
رؤى البارحة على أقوال.
منهم من قال: ينوى صوم يومه ويجزئه، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه
نأخذ، وبه جاء النص الذي قدمنا.
ومنهم من قال: لا يصوم، لأنه لم ينو الصيام من الليل، ولم يروا فيه قضاء، وهو
قول ابن مسعود كما ذكرنا، وبه يقول داود (1) * وأصحابنا.
ومنهم من قال: يأكل بقيته ويقضيه، وهو قول رويناه عن عطاء.
ومنهم من قال: يمسك فيه عما يمسك الصائم، ولا يجزئه، وعليه قضاؤه، وهو
قول مالك، والشافعي.
وقال به (2) أبو حنيفة فيمن أكل خاصة، دون من لم يأكل، وفيمن علم الخبر
بعد الزوال فقط، اكل ولم يأكل.
وهذا أسقط الأقوال! لأنه لا نص فيه ولا قياس، ولا نعلمه من قول صاحب،
ولا يخلو هذا الامساك الذي أمروه به من أن يكون صوما يجزئه (3)، وهم لا يقولون
بهذا، أولا يكون صوما ولا يجزئه، فمن أين وقع لهم ان يأمروه بعمل يتعب فيه
ويتكلفه ولا يجزئه؟!.
وأيضا فإنه لا يخلو من أن يكون مفطرا أو صائما: فإن كان صائما فلم يقضيه (4) اذن؟!
فيصوم يومين وليس عليه الا واحد؟! وإن كان مفطرا فلم أمروه (5) بعمل الصوم؟! وهذا
عجب (6) جدا! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال أبو محمد: احتج أبو حنيفة في تصحيح تخليطه الذي ذكرناه قبل في نية الصوم
بخبر الربيع، وسلمة بن الأكوع الذي ذكرنا، وهذا عجب جدا! أن يكونوا قد خالفوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس ما جاء به الخبر، فقالوا: من أكل لم يجزه صيام باقي يومه،
وفى تخصيصهم بالنية قبل الزوال، وليس هذا في الخبر، ثم احتجوا به فيما ليس منه شئ! (7)
ومن عادتهم هذا الخلق الذميم! وهذا قبيح جدا، وتمويه لا يستجيزه محقق ناصح لنفسه!.

(1) في النسخة رقم (14) (أبو سليمان) وهو هو
(2) كلمة (به) سقطت خطأ من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (فلا يجزئه)
(4) في النسخة رقم (16) (فلم يقضه) كأنه نفى مع أنه استفهام، وهذا خطأ
(5) في النسخة رقم (16) (فلم يأمروه) وهو خطأ كالذي قبله
(6) في النسخة رقم (16) (عجيب)
(7) كلمة (شئ) زيادة من
النسخة رقم 14
167

وقال بعضهم: قد روى هذا الخبر عبد الباقي بن قانع عن أحمد بن علي بن مسلم عن محمد
ابن المنهال عن يزيد بن زريع عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة عن عمه قال: (أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم يعنى في عاشوراء فقال صمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا، قال: فاتموا
يومكم هذا واقضوا).
قال أبو محمد: لفظة (واقتضوا) موضوعة بلا شك، وعبد الباقي بن قانع مولى بنى أبى الشوارب
يكنى أبا الحسين، مات سنة احدى وخمسين وثلاثمائة، وقد اختلط عقله قبل موته بسنة،
وهو بالجملة منكر الحديث، وتركه أصحاب الحديث جملة (1). وأحمد بن علي بن مسلم
مجهول (2).

(1) أساء ابن حرم القول في ابن قانع جدا، وسيأتي قوله في المسألة التالية: روى عن ابن قانع راوي
كل بلية) ونقل ابن حجر في لسان الميزان عن ابن حزم أنه قال (ابن سفيان في المالكيين نظير ابن قانع
في الحنيفيين، وجد في حديثهما الكذب البحت، والبلاء المبين! والوضع اللائح، فاما تغيير، واما حمل عمن لا خير
فيه من كذاب ومغفل يقبل التلقين، وإما الثالثة وهي أن يكون البلاء من قبلهما! وهي ثالثة الأثافي! نسأل الله
السلامة) ونقل عن الخطيب أنه قال: (لا أدري لماذا ضعفه البرقاني؟ فقد كان ابن قانع من أهل العلم والدراية
ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه، وقد تغير في آخر عمره) ونقل الذهبي في تذكرة الحفاظ (ج 3 ص 93)
عن الدارقطني أنه قال في ابن قانع: (كان يحفظ، ولكنه كان يخطئ ويصر) وهذه خلة سوء والعياذ
بالله. وعبد الباقي هذا شيخ الجصاص مؤلف (أحكام القرآن) أكثر من الرواية عنه جدا، وكنية عبد الباقي
(أبو الحسين) وفى الأصلين هنا، أبو الحسن (وهو خطأ. ونقل ابن حجر أيضا كلام المؤلف فيه هنا ثم قال:
(ما أعلم أحدا تركه، وإنما صح أنه أختلط فتجنبوه!) وهل الترك إلا هذا؟! (2) أحمد بن علي بن مسلم هو
الإمام الحافظ أبو العباس الابار، محدث بغداد، مات يوم نصف شعبان سنة 390، قال ابن حجر في لسان
الميزان بعد أن نقل كلام المؤلف هنا (هذه عادة ابن حزم، إذا لم يعرف الراوي يجهله، ولو عبر بقوله: لا أعرفه،
لكان انصف! لكن التوفيق عزيز!) ملحوظة: وقع اسمه في لسان الميزان (أحمد بن علي بن أسلم) وهو خطأ
اما من الناسخ وإما من الطبع والصواب (بن مسلم) وقد نسب ابن حزم الخطأ في زيادة قوله (واقضوا) إلى
ابن قانع بل سماه واضعا لها، وأخطأ في هذا جدا، فالحديث رواه أبو داود (ج 2 ص 303) عن محمد بن المنهال
عن يزيد بن زريع عن سعيد هو ابن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه: (ان أسلم أتت
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: صمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا * قال: فأتموا بقية يومكم وأقضوه) قال أبو داود:
(يعنى يوم عاشوراء) وسكت عنه هو والمنذري ونسبه المنذري للنسائي وسيرويه المؤلف بدون الزيادة ولكني لم
أجده فيه. فظهر ان عبد الباقي بن قانع وأحمد بن علي بن مسلم بريئان من عهدة هذه اللفظة، وانهما لم ينفردا بزيادتها،
إذا رواه أبو داود عن محمد بن المنهال شيخ الابار كما رواها عنه الابار، وظهر أيضا في الاسناد الذي هنا خطأ،
لأنه سقط منه (سعيد بن أبي عروبة) بين يزيد بن زريع وبين قتادة، ولعل هذا من أغلاط ابن قانع؟! وإنما
العلة في ضعف الحديث جهالة حال عبد الرحمن بن مسلمة، وان ذكره ابن حبان في الثقات، فقد اختلف في اسم
أبيه وجده، فقيل (عبد الرحمن بن سلمة وقيل (ابن مسلمة) وقيل (ابن المنهال بن سلمة الخزاعي) وقيل (ابن المنهال
ابن مسلمة) وقيل (ابن المنهال عبد الرحمن بن سلمة بن المنهال) ولذلك قال ابن القطان (حاله مجهول) وصدق، وعمه هذا
من هو؟ الله اعلم، ذكره ابن سعد في الطبقات (ج 7 ق 1 ص 57) باسم (عم عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي)
ثم روى الحديث الذي هنا عن عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي عن عمه،
وليس فيه كلمة (واقضوه) وذكره ابن حجر في التهذيب في المبهمات وقال (سمى ابن قانع عمه مسلمة) وذكره في الإصابة
(ج 6 ص 98) ووعد ببيانه في المبهمات، وليس في الإصابة باب لهم، ولعله سقط بحاله من نسخها فلم يطبع وحديث
هذه حال اسناده لا يكون حجة ولا يصححه أحد، وقال الزيلعي في نصب الراية (ج 1 ص 436) نقلا عن صاحب التنقيح
أنه قال (على أنه قد روى الامر بالقضاء في حديث غريب أخرجه أبو داود في سننه) فذكر الحديث، ثم قال: (وهذا حديث
مختلف في اسناده ومتنه، وفى صحته نظر). فائدة: حديث عبد الباقي بن قانع رواه عنه أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن
(ج 1 ص 190) وفيه خطأ مطبعي (يزيد بن ربيع) وصوابه (يزيد بن ربيع) وفيه (شعبة عن قتادة) وصوابه
(سعيد بن أبي عروبة عن قتادة) كما هو في أبى داود
168

وقد روينا هذا الحديث من طريق شعبة عن قتادة، ومن طريق ابن أبي عروبة عن
قتادة، وليست فيه هذه اللفظة.
كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن قاسم بن محمد ثنا
محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر غندر ثنا شعبة ثنا قتادة
عن عبد الرحمن بن المنهال بن سلمة الخزاعي (1) عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاسلم:
(صوموا اليوم، قالوا: إنا قد أكلنا، قال: صوموا بقية يومكم، يعنى عاشوراء).
حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي ثنا محمد بن معاوية القرشي ثنا أحمد بن شعيب أنا
إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه ثنا محمد بن بكر هو البرساني ثنا
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي عن عمه قال: (غدونا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء، فقال لنا: أصبحتم صياما؟ قلنا: قد تغدينا
يا رسول الله، قال: فصوموا بقية يومكم).
قال أبو محمد: ومن الغرائب تمويه الحنيفيين بهذه اللفظة الموضوعة في حديث ابن قانع من
قوله (واقضوا) ثم خالفوها فلم يروا القضاء إلا على من أكل دون من لم يأكل، وعلى من نوى
بعد الزوال! وهذا كله خلاف الكذبة التي استحقوا بها المقت من الله تعالى! فحيث ما توجهوا
عثروا، وبكل ما احتجوا فقد خالفوه! وهكذا فليكن الخذلان! نعوذ بالله منه.
وأما من لم يعلم بوجوب صوم ذلك اليوم عليه الا بعد غروب الشمس فإنه لم يصمه
كما أمر، ولأنه لم ينو في شئ منه صوما، ولم يتعمد ترك النية، فلا إثم عليه فيما لم يتعمد،
ولا قضاء عليه، لأنه لم يأت بايجاب القضاء عليه نص ولا إجماع، ولا يجب في الدين حكم

(1) هكذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (14) (عن عبد الرحمن
ابن المنهال بن مسلمة الخزاعي) وفى معاني الآثار للطحاوي (ج 1 ص 336) من طريق روح (ثنا شعبة عن قتادة عن
عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي هو ابن المنهال) ومن طريق عبد الرحمن بن زياد (ثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا المنهال)
169

إلا بأحدهما، وإنما أمر بصيام ذلك اليوم، لا بصوم غيره مكانه، فلا يجزئ ما لم يؤمر
به مكان ما أمر به.
730 مسألة ولا يجزئ صوم التطوع إلا بنية من الليل، ولا صوم قضاء
رمضان أو الكفارات إلا كذلك، لان النص ورد بأن لا صوم لمن لم يبيته من الليل
كما قدمنا، ولم يخص النص من ذلك إلا ما كان فرضا متعينا في وقت بعينه، وبقى سائر
ذلك على النص العام.
وقولنا بهذا في التطوع، وقضاء رمضان. والكفارات هو قول مالك، وأبي سليمان
وغيرهما.
فان قال قائل: فكيف استجزتم خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! الذي
رويتموه من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن مجاهد، وعائشة بنت طلحة
كلاهما عن أم المؤمنين عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: هل عندكم من شئ؟
وقال مرة: من غداء؟ قلنا: لا قال: فانى إذن صائم) وقال لها مرة أخرى: (هل
عندكم من شئ؟ قلنا: نعم، أهدى لنا حيس (1)، قال: أما انى أصبحت أريد
الصوم، فأكل (2)).
وقال بهذا جمهور السلف:.
كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني. وعبد الله بن أبي عتبة، قال ثابت:
عن أنس بن مالك: أن أبا طلحة كان يأتي أهله من الضحى، فيقول: هل عندكم من
غداء؟ فان قالوا: لا، قال: فأنا صائم، وقال ابن أبي عتبة: عن أبي أيوب الأنصاري
بمثل فعل أبى طلحة سواء سواء.
ومن طريق حماد بن سلمة: حدثتني أم شبيب عن عائشة أم المؤمنين قالت: إني
لأصبح يوم طهري حائضا وأنا أريد الصوم، فأستبين طهري فيما بيني وبين نصف النهار
فأغتسل ثم أصوم.
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر، قال ابن جريج: أخبرني عطاء،
وقال معمر: عن الزهري، وأيوب السختياني، قال الزهري عن أبي إدريس الخولاني،
وقال أيوب: عن أبي قلابة، ثم اتفق عطاء. وأبو إدريس، وأبو قلابة كلهم عن الدرداء
أن أبا الدرداء كان إذا أصبح سأل أهله الغداء، فإن لم يكن، قال: إنا صائمون، وقال

(1) بفتح الحاء وإسكان الياء وآخره سين مهملة، وهو طعام يتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض
الاقط الدقيق والفتيت، قاله في النهاية
(2) انظر مسلم (ج 1 ص 317) والشوكاني (ج 4 ص 217)
170

عطاء في حديثه: ان أبا الدرداء كان يأتي أهله حين ينتصف النهار، فيقول: هل من
غداء؟ فيجده أو لا يجده، فيقول لا أتمن صوم هذا اليوم، قال عطاء: وأنا أفعله.
ومن طريق قتادة: أن معاذ بن جبل كان يسأل الغداء، فإن لم يجده صام يومه.
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرني عبيد الله بن عمر قال: إن أبا هريرة
كان يصبح مفطرا، فيقول: هل من طعام؟ فيجده أو لا يجده، فيتم ذلك اليوم.
ومن طريق الحارث عن علي بن أبي طالب قال: إذا أصبحت وأنت تريد الصوم
فأنت بالخيار، ان شئت صمت وان شئت أفطرت، إلا أن تفرض على نفسك الصوم
من الليل.
ومن طريق ابن جريج: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه: أن رجلا سأل علي بن أبي
طالب، فقال: أصبحت ولا أريد الصوم؟ فقال له على: أنت بالخيار بينك وبين نصف
النهار، فان انتصف النهار فليس لك أن تفطر.
ومن طريق طاوس عن ابن عباس، ومن طريق سعد بن عبيدة (1) عن ابن عمر،
قالا جميعا: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصفه النهار، قال ابن عمر: ما لم يطعم، فان
بدا له أن يطعم طعم، وان بدا له أن يجعله صوما كان صوما.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن المعتمر بن سليمان التيمي عن حميد عن أنس بن مالك
قال: من حدث نفسه بالصيام فهو بالخيار ما لم يتكلم، حتى يمتد النهار.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن عمارة عن أبي الأحوص
قال قال ابن مسعود: ان أحدكم بأحد (2) النظرين ما لم يأكل أو يشرب.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن الأعمش
عن طلحة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن هو السلمي عن حذيفة: أنه
بدا له في الصوم بعد أن زالت الشمس فصام.
وعن حذيفة أيضا أنه قال: من بدا له في الصيام (3) بعد أن تزول الشمس فليصم.
ومن طريق معمر عن عطاء الخراساني: كنت في سفر وكان يوم فطر، فلما كان بعد
نصف النهار قلت: لأصومن هذا اليوم، فصمت، فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب،
فقال: أصبت. قال عطاء: وكنت عند سعيد بن المسيب فجاءه أعرابي عند العصر فقال:

(1) في النسخة رقم (16) (سعد بن عبادة) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (بآخر) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (من بدا له الصيام)
171

إني لم آكل اليوم شيئا أفأصوم؟ قال: نعم، قال: فان على يوما من رمضان، أفأجعله
مكانه؟ قال: نعم.
ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: إذا عزم
على الصوم من الضحى فله النهار أجمع، فان عزم من نصف النهار فله ما بقي من النهار،
وإن أصبح ولم يعزم فهو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار.
ومن طريق ابن جريج: سألت عطاء عن رجل كان عليه أيام من رمضان، فأصبح
وليس في نفسه أن يصوم، ثم بدا له بعد ما أصبح أن يصوم وأن جعله من قضاء (1)
رمضان؟ فقال عطاء: له ذلك (2).
ومن طريق مجاهد: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار، فإذ جاوز ذلك فإنما
له بقدر ما بقي من النهار.
ومن طريق أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي: من أراد الصوم فهو بالخيار ما بينه
وبين نصف النهار.
ومن طريق هشام عن الحسن البصري قال: إذا تسحر الرجل فقد وجب عليه
الصوم، فان أفطر فعليه القضاء، وان هم بالصوم فهو بالخيار، إن شاء صام وان شاء
أفطر، فان سأله انسان فقال: أصائم أنت؟ فقال: نعم، فقد وجب عليه الصوم إلا أن
يقول: إن شاء الله، فان قالها فهو بالخيار، إن شاء صام وان شاء أفطر.
فهؤلاء من الصحابة: عائشة أم المؤمنين، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن
عباس، وأنس، وأبو طلحة، وأبو أيوب، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وأبو هريرة،
وابن مسعود، وحذيفة، ومن التابعين: ابن المسيب، وعطاء الخراساني، وعطاء بن أبي
رباح، ومجاهد، والنخعي، والشعبي، والحسن.
وقال سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل: من أصبح وهو ينوى الفطر الا أنه لم يأكل
ولا شرب ولا وطئ: فله أن ينوى الصوم ما لم تغب الشمس، ويصح صومه بذلك.
قال أبو محمد: فنقول: معاذ الله أن نخالف شيئا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن
نصرفه عن ظاهره بغير نص آخر، وهذا الخبر صحيح (3) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
إلا أنه ليس فيه أنه عليه السلام لم يكن نوى الصيام من الليل، ولا أنه عليه السلام
أصبح مفطرا ثم نوى الصوم بعد ذلك، ولو كان هذا في ذلك الخبر لقلنا به، لكن فيه

كلمة (قضاء) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) كلمة (له) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(3) في النسخة رقم (16) (وهذا خبر صح) الخ
172

أنه عليه السلام كان يصبح متطوعا صائما ثم يفطر، وهذا مباح عندنا لا نكرهه، كما
في الخبر، فلما ليكن في الخبر ما ذكرنا، وكان قد صح عنه عليه السلام: (لا صيام
لمن لم يبيته من الليل) لم يجز أن نترك هذا اليقين لظن كاذب، ولو أنه عليه الصلاة
والسلام أصبح مفطرا ثم نوى الصوم نهارا لبينه، كما بين ذلك في صيام عاشوراء إذ
كان فرضا، والتسمح (1) في الدين لا يحل.
فان قيل: قد رويتم من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن بعض أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجئ فيدعو بالطعام فلا يجده فيفرض الصوم).
وروى عن ابن قانع راوي كل بلية! عن موسى بن عبد الرحمن السلمي
البلخي عن عمر بن هارون عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس: (أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يصبح ولم يجمع الصوم (2)، ثم يبدو له فيصوم).
قلنا: ليث ضعيف، ويعقوب بن عطاء هالك، ومن دونه ظلمات بعضها فوق
بعض (3)! ووالله لو صح لقلنا به.
قال أبو محمد: أما المالكيون فيشنعون بخلاف الجمهور، وخالفوا ههنا الجمهور
بلا رقبة (4).
وأما الحنيفيون فما نعلم أحدا قبلهم أجاز أن يصبح في رمضان عامدا لإرادة الفطر
ثم يبقى كذلك إلى قبل زوال الشمس ثم ينوى الصيام حينئذ ويجزئه! وادعوا الاجماع
على أنه لا تجزئ النية بعد زوال الشمس في ذلك! وقد كذبوا (5)! ولا مؤنة عليهم من
الكذب!.
وقد صح هذا عن حذيفة نصا، وعن ابن مسعود باطلاق، وعن أبي الدرداء،
نصا، وعن سيعد بن المسيب نصا، وعن عطاء الخراساني كذلك، وعن الحسن، وعن
سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل (6).

(1) في النسخة رقم (16) (والتسامح) وكلاهما صحيح، يقال (تسامح) أي تساهل، وتسمح فعل شيئا فسهل فيه
(2) في النسخة رقم (16) (الصيام)
(3) الحديث ضعيف جدا بكل حال، ولكن الاسناد فيه كلام، فقد ضعفه المؤلف لوجود ليث فيه وهو
ابن أبي سليم ولكن لاذكر له فيه أصلا، ثم إن اسناده في أحكام القرآن للجصاص (ج 1 ص 199) هكذا (حدثنا عبد الباقي
ابن قانع حدثنا إسماعيل بن الفضل بن موسى حدثنا مسلم بن عبد الرحمن السلمي البلخي حدثنا عمر بن هارون عن يعقوب بن عطاء
عن أبيه عن ابن عباس) وما هنا من ذكر (موسى بن عبد الرحمن) خطأ في الأصلين صوابه (مسلم بن عبد الرحمن) وهو أبو صالح
مستملى عمر بن هارون، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: (ربما أخطأ) وشيخه عمر بن هارون ضعيف جدا،
(4) بكسر الراء واسكان القاف، وهي التحفظ والفرق
(5) في النسخة رقم (14) (فقد كذبوا)
(6) في النسخة رقم (14) (وعن الحسن، وسفيان، وأحمد بن حنبل)
173

قال أبو محمد: ولا حجه في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبالله تعالى التوفيق.
731 مسألة ومن مزج نية صوم فرض بفرض آخر أو بتطوع، أو فعل
ذلك في صلاة، أو زكاة، أو حج، أو عمرة، أو عتق: لم يجزه لشئ من كل ذلك (1)،
وبطل ذلك العمل كله، (2) صوما كان أو صلاة، أو زكاة، أو حجا، أو عمرة، أو عتقا،
الا مزج العمرة بالحج لمن أحرم ومعه الهدى فقط، فهو حكمه اللازم له.
برهان ذلك: قول الله تعالى. (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) والاخلاص
هو أن يخلص العمل المأمور به للوجه الذي أمره الله تعالى به فيه فقط، وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فمن مزج عملا بآخر فقد عمل عملا ليس
عليه أمر الله تعالى ولا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو باطل مردود. وبالله تعالى التوفيق.
وهو قول مالك والشافعي، وأبي سليمان، وأصحابهم.
وقال أبو يوسف: من صلى، وهو مسافر ركعتين نوى بهما الظهر والتطوع معا،
أو صام يوما من قضاء رمضان ينوى به قضاء ما عليه والتطوع معا، أو أعطى ما يجب
عليه في زكاة ماله ونوى به الزكاة والتطوع معا، أو أحرم بحجة الاسلام ونوى بها
الفريضة والتطوع معا: فان كل ذلك يجزئه من صلاة الفرض، وصوم الفرض، وزكاة
الفرض، وحجة الفرض، ويبطل التطوع في كل ذلك.
وقال محمد بن الحسن: أما الصلاة فتبطل ولا تجزئه، لاعن فرض ولا عن تطوع،
وأما الزكاة، والصوم فيكون فعله ذلك تطوع فيهما جميعا، ويبطل الفرض، وأما الحج
فيجزئه عن الفرض ويبطل التطوع.
فهل سمع بأسقط من هذه الأقوال؟! وما ندري ممن العجب! أممن أطلق لسانه
بمثلها في دين الله تعالى؟! يمحو ما يشاء ويثبت بالاهذار ويخص ما يشاء؟! ويبطل
بالتخاليط! أو ممن قلد قائلها، وأفنى عمره في درسها ونصرها متدينا بها؟! ونعوذ بالله
من الخذلان، ونسأله إدامة السلامة والعصمة، ونحمده على نعمه بذلك علينا كثيرا.
وقد روينا عن مجاهد: أنه قال فيمن جعل عليه صوم شهرين متتابعين: إن شاء
صام شعبان ورمضان وأجزأ عنه، يعنى من فرضه ونذره، قال مجاهد: ومن كان
عليه قضاء رمضان فصام تطوعا فهو قضاؤه وان لم يرده.
732 مسألة ومن نوى وهو صائم إبطال صومه بطل، إذا تعمد ذلك

(1) في النسخة رقم (14) (لم يجزه لكل شئ من ذلك) وما هنا أوضح وأصرح
(2) في النسخة في النسخة رقم (16) (وبطل كل ذلك العمل كله) وزيادة (كل) خطا لا معنى لها
174

ذاكرا لأنه في صوم (1) وان لم يأكل ولا شرب ولا وطئ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إنما الأعمال بالنيات ولكل (2) امرئ ما نوى) فصح يقينا أن من نوى إبطال (3)
ما هو فيه من الصوم فله ما نوى، بقوله (4) عليه الصلاة والسلام الذي لا تحل معارضته،
وهو قد نوى بطلان الصوم، فله بطلانه، فلو لم يكن ذاكرا لأنه في صوم لم يضره
شيئا، لقول الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم).
وهكذا (5) القول فيمن نوى ابطال صلاة هو فيها، أو حج هو فيه، وسائر الأعمال
كلها كذلك، فلو نوى ذلك بعد تمام صومه أو أعماله المذكورة كان آثما، ولم يبطل
بذلك شيئا (6) منها، لأنها كلها قد صحت وتمنت كما أمر (7). وما صح فلا يجوز أن يبطل
بغير نص في بطلانه، والمسألة الأولى لم يتم عمله فيها كما أمر. وبالله تعالى التوفيق.
33 مسألة ويبطل الصوم تعمد الاكل، أو تعمد الشرب، أو تعمد الوطئ
في الفرج، أو تعمد القئ، وهو في كل ذلك ذلك لصومه، سواء قل ما أكل
أو كثر، أخرجه (8) من بين أسنانه أو أخذه من خارج فمه فأكله، وهذا كله مجمع
عليه إجماعا متيقنا، الا فيما نذكره، مع قول الله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا
ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل).
وما حدثناه حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا حبيب
ابن خلف البخاري ثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد (9) ثنا معلى ثنا عيسى بن يونس ثنا
هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من
ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض) (10).

(1) يعنى إذا تعمد نية الابطال وهو يذكر انه صائم.
(2) في النسخة رقم (16) (وإنما لكل)
(3) في النسخة رقم (14) (بطلان)
(4) في النسخة رقم (16) (لقوله) وما هنا أوضح
(5) في النسخة رقم (14) (وكذلك).
(6) في النسخة رقم (16) (شئ)
(7) في النسخة رقم (14) (لم تتم عمله كما امر)
(8) في النسخة رقم (16) (اخراجه) وهو خطأ
(9) هو الإمام الفقيه صاحب الشافعي مات سنة 240 عن 70 سنة
(10) رواه الدارمي (ص 218) وأبو داود
(ج 2 ص 383) والترمذي (ج 1 ص 90 هند) والطحاوي بلفظ الرواية التي هنا (ج 1 ص 348) كلهم من طريق عيسى
ابن يونس عن هشام، قال الترمذي: (حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الا من حديث عيسى بن يونس، وقال محمد يعنى البخاري: لا أراه محفوظا،
وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح اسناده) وقد غلط الترمذي في
دعوى انفراد عيسى به، فقد رواه ابن ماجة (ج 1 ص 264) من طريق الحكم بن موسى عن عيسى بن يونس ومن
طريق أبى الشعثاء عن حفص بن غياث كلاهما عن هشام بن حسان به، وكذلك رواه الحاكم (ج 1 ص 426 و 427) من
طريق علي بن حجر عن عيسى ومن طريق يحيى بن سلمان الجعفي عن حفص، وقال أبو داود بعد حديث عيسى: (رواه
175

وروينا هذا أيضا عن ابن عمر، وعلى، وعلقمة.
قال على: عيسى بن يونس ثقة.
وقال الحنيفيون من تعمد أن يتقيأ أقل من ملء فيه لم يبطل بذلك صومه، فإن كان
(1) ملء فيه فأكثر بطل صومه، وهذا خلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مع سخافة التحديد!.
وقال الحنيفيون والمالكيون من خرج وهو صائم من بين أسنانه شئ
(من بقية سحوره كالجذيذة (2) وشئ من اللحم ونحو ذلك فبلعه عامدا لبلعه ذاكرا
لصومه فصومه تام وما نعلم هذا القول لاحد قبلهما!.
واحتج بعضهم لهذا القول بأنه شئ قد أكل بعد، وإنما حرم ما لم يؤكل!.
فكان الاحتجاج أسقط وأوحش من القول المحتج له! وما علمنا شيئا أكل فيمكن
وجوده بعد الاكل، الا أن يكون قيئا أو عذرة! ونعوذ بالله من البلاء.
وحد بعض الحنيفيين المقدار (3) الذي لا يضر تعمدا أكله في الصوم من ذلك بان
يكون دون (4) مقدار الحمصة.
فكان هذا التحديد طريفا جدا! ثم بعد ذلك، فأي الحمص هو؟ الامليسى (5)
الفاخر؟ أم الصغير؟!.
فان قالوا: قسناه على الريق.
قلنا لهم: فمن أين فرقتم بين قليل ذلك وكثيره بخلاف الريق؟!.
ونسألهم عمن له مطحنة (6) كبيرة مثقوبة فدخلت فيها من سحوره زبيبة أو باقلاة
فأخرجها يوما (7) آخر بلسانه وهو صائم: أله تعمد بلعها أم لا؟ فان منعوا من ذلك
تناقضوا، وان أباحوا (8) سألناهم عن جميع طواحينه وهي ثنتا عشرة مطحنة
مثقوبة كلها، فامتلأت سمسما أو زبيبا أو حمصا أو باقلا أو خبزا أو زريعة كتان؟
فان أباحوا تعمد أكل ذلك كله حصلوا أعجوبة!! وان منعوا منه تناقضوا وتحكموا
في الدين بالباطل.

أيضا حفص بن غياث عن هشام مثله) فسقطت دعوى تفرد عيسى بروايته، بل نقل الدارمي عن عيسى أنه قال: (زعم أهل البصرة ان
هشاما أوهم فيه فموضع الخلاف ههنا) وهشام ثقة حجة، قال ابن أبي عروبة (ما رأيت احفظ عن محمد بن سيرين من هشام) وقال أبو
داود: (إنما تكلموا في حديثه عن الحسن وعطاء لأنه كان يرسل) والذي هنا من رواية ابن سيرين. وليس الحكم بالوهم على الراوي
الثقة بالهين، ولذلك صححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو الحق (1) في النسخة رقم (16) (فان اكل) وهو خطأ فاحش
(2) بفتح الجيم وبالذالين المعجمين، وهي جشيشة تعمل من السويق الغليظ، لأنها تجاذى تقطع قطعا وتجش، قاله في اللسان (3) في
النسخة رقم (16) (في المقدار) (4) كلمة دون سقطت من النسخة رقم (16) (5) كذا في الأصلين ويظهر انه نوع من الحمص
(6) في اللسان (الطواحن الأضراس كلها من الانسان وغيره على التشبيه، واحدتها طاحنة) فمن هذا يجوز
أيضا مطحنة على التشبيه (7) كلمة (يوما) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (8) في النسخة رقم (16) (أباحوه)
176

وإنما الحق الواضح فان كل ما سمى أكلا أي شئ كان فتعمده يبطل الصوم،
وأما الريق فقل أو كثر فلا خلاف في أن تعمد ابتلاعه لا ينقض الصوم وبالله تعالى التوفيق.
والعجب كله ممن قلد أبا حنيفة، ومالكا في هذا، ولم يقلد من ساعة من ساعاته خير
من دهرهما كله، وهو أبو طلحة، الذي روينا بأصح طريق عن شعبة وعمر ان
القطان (1) كلاهما عن قتادة عن أنس: أن أبا طلحة كان يأكل البرد وهو صائم، قال
عمران في حديثه: ويقول: ليس طعاما ولا شرابا! وقد سمعه شعبة من قتادة، وسمعه
قتادة من أنس، ولكنهم قوم لا يحصلون!.
734 مسألة ويبطل الصوم أيضا تعمد كل معصية أي معصية كانت،
لا تحاش شيئا إذا فعلها عامدا ذاكرا لصومه، كمباشرة من لا يحل له من أنثى أو ذكر،
أو تقبيل غير امرأته وأمته المباحتين له من أنثى أو ذكر، أو اتيان في دبر امرأته أو أمته
أو غيرهما، أو كذب، أو غيبة، أو نميمة، أو تعمد ترك صلاة، أو ظلم، أو غير
ذلك من كل ما حرم على المرء فعله.
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى
ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني (2) محمد بن رافع ثنا
عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني عطاء عن أبي صالح الزيات هو السمان أنه
سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والصيام (3) جنة، فإذا كان يوم صوم
أحدكم فلا يرفث يومئذ، ولا يسخب (4) فان سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم (5)).
وروينا من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: للصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل، فان أمرؤ
قاتله أو شاتمه فليقل، إني صائم).
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا آدم بن أبي إياس ثنا ابن أبي ذئب ثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي
هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة

(1) هو عمر بن داور بفتح الواو بعدها الراء العمى بفتح العين وتشديد الميم
(2) في النسخة رقم (14) (ثنا) وما ههنا الموافق لمسلم (ج 1 ص 316)
(3) في النسخة رقم (16) (الصيام) بدون الواو، وما هنا الموافق لمسلم لأنه بعض
حديث
(4) هكذا هو في نسخة بحاشية النسخة رقم (14) وهو الموافق لمسلم، وفى الأصلين رقم 14 و 16 (ولا يسخر) بالراء،
ونسبها النووي للطبراني ثم قال: (وهذه الرواية تصحيف وإن كان كلها معنى) والسخب بالسين ويقال بالصاد أيضا هو الصياح.
(5) في مسلم (انى امرؤ صائم)
177

في أن يدع طعامه وشرابه).
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن
عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن عبيد مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم (1): (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس،
فقال لهما: قيئا، فقاءتا قيحا ودما ولحما عبيطا، ثم قال عليه السلام: ها إن هاتين
صامتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام).
قال أبو محمد: فنهى عليه السلام عن الرفث والجهل في الصوم، فكان من فعل شيئا
من ذلك عامدا ذاكرا لصومه لم يصم كما أمر، ومن لم يصم كما أمر فلم يصم، لأنه
لم يأت بالصيام الذي أمره الله تعالى به، وهو السالم من الرفث والجهل، وهما اسمان
يعمان كل معصية، وأخبر عليه السلام أن من لم يدع القول بالباطل وهو الزور
ولم يدع العمل به فلا حاجة لله تعالى في ترك طعامه وشرابه، فصح أن الله تعالى لا يرضى
صومه ذلك ولا يتقبله، وإذا لم يرضه ولا قبله فهو باطل ساقط، وأخبر عليه السلام
أن المغتابة مفطرة وهذا ما لا يسع أحدا خلافه.
وقد كابر بعضهم فقال: إنما يبطل أجره لا صومه.
قال أبو محمد: فكان هذا في غاية السخافة! وبالضرورة يدرى كل ذي حس
أن كل عمل أحبط الله تعالى أجر عامله فإنه تعالى لم يحتسب له بذلك العمل ولا قبله،
وهذا هو البطلان بعينه بلا مرية.
وبهذا يقول السلف الطيب،.
روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة: ثنا حفص بن غياث، وهشيم كلاهما عن
مجالد عن الشعبي، قال هشيم: عن مسروق عن عمر بن الخطاب ليس الصيام من الشراب
والطعام وحده، ولكنه من الكذب، والباطل، واللغو.
وعن حفص بن غياث عن مجالد عن الشعبي عن علي بن أبي طالب مثله نصا.

(1) هكذا في هذه الرواية، (سليمان التيمي عن عبيد) بدون واسطة، وهو يوافق رواية ابن أبي خيثمة
وأبى يعلى من طريق حماد عن سليمان، كما نقله ابن حجر في الإصابة (ج 4 ص 208) وقال ابن عبد البر في الاستيعاب
(ص 430) في ترجمة عبيد: (روى عن سليمان التيمي ولم يسمع منه، بينهما رجل) وهذا هو الصواب، فقد رواه أحمد
(ج 5 ص 431) من حديث يزيد بن هارون وابن أبي عدى كلاهما عن سليمان (عن رجل حدثهم في مجلس أبى عثمان
النهدي عن عبيد) فذكره مطولا، ونسبه ابن حجر كذلك لابن السكن، ونسبه المنذري في الترغيب والترهيب
(ج 2 ص 98) إلى ابن أبي الدنيا وأبى يعلى أيضا، فالحديث ضعيف. وروى نحو أبو داود الطيالسي (282
رقم 3107) عن الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان الرقاشي عن أنس، والربيع ويزيد ضعيفان من قبل حفظهما
ولهما أوهام. ونسبه المنذري (ج 3 ص 298) إلى ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والبيهقي
178

ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال
قال جابر هو ابن عبد الله: إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك ولسانك عن
الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم (1)، وليكن عليك وقار، وسكينة يوم صيامك،
ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء.
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن أبي العميس هو عتبة بن عبد الله
ابن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن عمرو بن مرة عن أبي صالح الحنفي عن أخيه طليق
ابن قيس (2) قال قال أبو ذر: إذا صمت فتحفظ ما استطعت، فكان طليق إذا كان يوم
صيامه دخل فلم يخرج الا إلى صلاة (3).
ومن طريق وكيع عن حماد البكاء (4) عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: إذا
اغتاب الصائم أفطر.
ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن مسلم العبدي عن أبي المتوكل الناجي قال: كان
أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد وقالوا: نطهر صيامنا.
فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم عمر، وأبو ذر وأبو هريرة، وأنس، وجابر، وعلى
يرون بطلان الصوم بالمعاصي، لأنهم خصوا الصوم باجتنابها وإن كانت حراما على
المفطر، فلو كان الصيام تاما بها ما كان لتخصيصهم الصوم بالنهي عنها معنى. ولا يعرف
لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم.
ومن التابعين منصور عن مجاهد قال: ما أصاب الصائم شوى الا الغيبة،
والكذب (5).
وعن حفصة بنت سيرين: الصيام جنة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة.
وعن ميمون بن مهران: أن أهون الصوم ترك الطعام والشراب.
وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يقولون: الكذب يفطر الصائم.

(1) في النسخة رقم 16 (الجار) بدل (الخادم)
(2) طليق بفتح الطاء المهملة
(3) في النسخة رقم 16 (الصلاة)
(4) كذا في الأصلين وهو خطأ فاحش، إذ ليس في الرواية من اسمه (حماد البكاء) بل هو (الهيثم بن جماز البكاء)
وجماز بالجيم والزاي والبكاء بتشديد الكاف لأنه عرف بكثرة البكاء، والهيثم هذا معروف بالرواية عن ثابت
البناني، وروى عنه وكيع، وله ترجمة في لسان الميزان (ج 6 ص 204) والأنساب (ورقة 87) وهو ضعيف جدا
(5) في النسخة رقم 16 (شئ) بدل (شوى) وهو خطأ، والشوى بالقصر الهين من الامر، قال في اللسان:
(وفى حديث مجاهد: كل ما أصاب الصائم شوى إلا الغيبة والكذب فهي له كالمقتل. قال يحيى بن سعيد: الشوى
هو الشئ اليسير الهين، قال وهذا وجهه، وإياه أراد مجاهد، ولكن الأصل في الشوى الأطراف. وأراد ان الشوى
ليس بمقتل وان كل شئ اصابه الصائم لا يبطل صومه فيكون كالمقتل له الا الغيبة والكذب فإنهما يبطلان الصوم فيهما
كالمقتل له)
179

قال أبو محمد: ونسأل من خالف هذا عن الاكل للحم الخنزير، والشرب للخمر عمدا
أيفطر الصائم أم لا؟ فمن قولهم: نعم.
فنقول لهم: ولم ذلك؟.
فان قالوا: لأنه منهى (1) عنهما فيه.
قلنا لهم: وكذلك المعاصي، لأنه منهى عنها في الصوم أيضا بالنص الذي ذكرنا (2).
فان قالوا: وغير الصائم أيضا منهى عن المعاصي.
قلنا لهم: وغير الصائم أيضا منهى عن الخمر، والخنزير، ولا فرق.
فان قالوا: إنما نهى عن الأكل والشرب (3)، ولا نبالي أي شئ أكل أو شرب.
قلنا: وإنما نهى عن المعاصي في صومه ولا نبالي بما عصى، أبأكل وشرب، أم
بغير ذلك؟.
فان قالوا: إنما أفطر بالأكل والشرب للاجماع على أنه مفطر بهما.
قلنا فلا تبطلوا الصوم إلا بما أجمع علي بطلانه به! وهذا يوجب عليكم أن لا تبطلوه
بأكل البرد ولا بكثير مما أبطلتموه به (4)، كالسعوط والحقنة وغير ذلك.
فان قالوا: قسنا ذلك على الاكل، والشرب.
قلنا: القياس كله باطل، ثم لو صح لكان هذا فاسدا من القياس، وكان أصح على
أصولكم أن تقيسوا بطلان الصوم بجميع المعاصي على بطلانه بالمعصية بالاكل، والشرب
وهذا مالا مخلص منه.
فان قالوا: ليس اجتناب المعاصي من شروط الصوم.
قلنا: كذبتم! لان النص قد صح بأنه من شروط الصوم كما أوردنا.
فان قالوا: تلك الأخبار زائدة على ما في القرآن.
قلنا: وإبطالكم الصوم بالسعوط، والحقنة، والامناء مع التقبيل زيادة فاسدة باطلة
على ما في القرآن! فتركتم زيادة الحق، وأثبتم زيادة الباطل! وبالله تعالى التوفيق.
735 مسألة فمن تعمد ذاكرا لصومه شيئا مما ذكرنا فقد بطل صومه،
ولا يقدر على قضائه إن كان في رمضان أو في نذر معين، إلا في تعمد القئ خاصة فعليه القضاء.
برهان ذلك: أو وجوب القضاء في تعمد القئ قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
كما ذكرنا قبل هذه المسألة بمسألتين، ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للاكل أو الشرب

(1) كلمة (لأنه) سقطت خطأ من النسخة رقم 16
(2) قوله (الذي ذكرنا) زيادة من النسخة رقم 14
(3) كلمة (والشرب) سقطت خطأ من النسخة رقم 16
(4) في النسخة رقم 16 (أبطلتم به)
180

أو الوطئ نص بايجاب القضاء، وإنما افترض تعالى رمضان لا غيره على الصحيح
المقيم العاقل البالغ، فايجاب صيام غيره بدلا منه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به،
فهو باطل، ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى فيقول قائل: ان صوم
غيره ينوب عنه، بغير نص وارد في ذلك: وبين من قال: إن الحج إلى غير مكة
ينوب عن الحج إلى مكة، والصلاة إلى غير الكعبة توب عن الصلاة إلى الكعبة، وهكذا
في كل شئ قال الله تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) وقال تعالى: (ومن يتعد حدود
الله فقد ظلم نفسه).
فان قالوا: قسنا كل مفطر بعمد في إيجاب القضاء على المتقئ عمدا (1).
قلنا: القياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لأنهم أول
من نقض هذا القياس، فأكثرهم لم يقس المفطر عمدا بأكل أو شرب على المفطر
بالقئ (2) عمدا في إسقاط الكفارة عنهم كسقوطها عن المتقئ عمدا، وهم الحنيفيون
والمالكيون، والشافعيون قاسوهم على المفطر بالقئ عمدا، ولم يقيسوهم كلهم على المجامع
عمدا في وجوب الكفارة عليهم كلهم، فقد تركوا القياس الذي يدعون! فان وجد من
يسوى بين الكل في إيجاب القضاء والكفارة كلم في إبطال القياس فقط.
فان ذكروا أخبارا وردت في إيجاب القضاء على المتعمد للوطئ في نهار رمضان.
قيل: تلك آثار لا يصح فيها شئ.
لان أحدها من طريق أبى أويس عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي أفطر في رمضان بالكفارة وأن يصوم يوما)
وأبو أويس ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره (3).
والثاني رويناه من طريق هشام بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصوم يوما) وهشام بن سعد ضعفه أحمد بن حنبل،
وابن معين وغيرهما، ولم يستجز الرواية عنه يحيى بن سعيد القطان (4).

(1) في النسخة رقم 14 (عامدا)
(2) كلمة (بالقئ) سقطت خطأ من النسخة رقم 16.
(3) أبو أويس هو عبد الله بن عبد الله بن أويس، وهو صدوق وضعفه من قبل حفظه، وحديثه رواه
الدارقطني (ص 251) ونسبه ابن حجر في الفتح (ج 4 ص 134) إلى البيهقي
(4) هشام ضعفه من قبل حفظه أيضا، وقد نقل ابن حجر عن الخليلي أنه قال ((أنكر الحفاظ حديثه في المواقع في رمضان من حديث الزهري عن أبي سلمة قالوا: وإنما رواه الزهري عن حميد، قال: ورواه وكيع عن هشام بن سعد عن الزهري عن أبي هريرة منقطعا،
قال أبو زرعة الرازي: أراد وكيع الستر على هشام باسقاط أبى سلمة) وحديثه في أبى داود (ج 2 ص 387)
والدارقطني (ص 243 و 352) ونسبه في الفتح للبيهقي، ومثل هذا الذي اختلط فيه الامر على الراوي لا يكون حجة
181

والثالث رويناه من طريق عبد الجبار بن عمر عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للواطئ في رمضان: (اقض يوما
مكانه) وعبد الجبار بن عمر ضعيف، ضعفه البخاري، وقال ابن معين: ليس بشئ،
وقال أبو داود السجستاني: هو منكر الحديث (1).
والرابع رويناه من طريق الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عمر وبن شعيب عن أبيه
عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله: (أنه أمر الواطئ في نهار رمضان أن يصوم يوما مكانه).
وهذا أسقطها كلها! لان الحجاج لا شئ، ثم هو صحيفة (2).
ورويناه مرسلا من طريق مالك عن عطاء بن السائب عن سعيد بن المسيب.
ومن طريق ابن جريج عن نافع بن جبير بن مطعم.
ومن طريق أبى معشر المدني عن محمد بن كعب القرظي، كلهم: (ان النبي صلى الله عليه وسلم
أمره بقضاء يوم). وهذا كله مرسل، ولا تقوم بالمرسل حجة.
وتالله لو صح منها ولو خبر واحد مسند من طريق الثقات لسارعنا إلى القول به.
فان لجوا وقالوا: المرسل حجة، ولا نضعف المحدثين!.
قلنا لهم: فلا عليكم! حدثنا يوسف بن عبد الله النمري (3) ثنا أحمد بن محمد بن الجسور
ثنا قاسم بن اصبغ ثنا مطرف بن قيس ثنا يحيى بن بكر ثنا مالك عن عطاء الخراساني
عن سعيد بن المسيب قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب نحره وينتف
شعره ويقول: هلك الابعد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قال: أصبت أهلي
في رمضان وأنا صائم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: لا،
قال: تستطيع أن تهدى بدنة؟ قال: لا، قال: فاجلس (4) فأتى بعرق تمر) وذكر باقي
الخبر، وهكذا رويناه من طريق ابن جريج، ومعمر عن عطاء الخراساني عن سعيد بن
المسيب: فليأخذوا بالبدنة في الكفارة فيذلك، وإلا فالقوم متلاعبون!.
وقلنا لهم: لو أردنا التعلق بمالا يصح لوجدنا خيرا من كل خبر تعلقتم به ههنا، كما
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا يحيى هو
ابن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي قالا جميعا: ثنا سفيان هو الثوري

(1) عبد الجبار ضعيف جدا، وحديثه أشار إليه الدارقطني (ص 351) ونسبه في الفتح للبيهقي
(2) في النسخة رقم 14 (هي صحيفة)
(3) في النسخة رقم 16 (النمر) وهو خطأ، ويوسف هذا هو الإمام ابن عبد البر الأندلسي المالكي
وهو عصري المؤلف وتأخرت وفاته عنه ولكنه أكبر منه سنا، ولد ابن حزم سنة 348 ومات سنة 456، وولد
ابن عبد البر سنة 368 ومات سنة 463 عن 95 سنة رحمهما الله
(4) زيادة (قال فاجلس) من الموطأ
182

عن حبيب بن أبي ثابت حدثني أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه
صيام الدهر وان صامه).
قال أحمد بن شعيب: وأنبأنا مؤمل بن هشام ثنا إسماعيل عن شعبة عن حبيب
ابن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة رخصها الله (1) لم يقض عنه
صوم الدهر).
قال أحمد بن شعيب: أنبأنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة قال
أخبرني (2) حبيب بن أبي ثابت قال سمعت عمارة بن عمير يحدث عن أبي المطوس،
قال حبيب، وقد رأيت أبا المطوس، فصح لقاؤه إياه (3).
فهذا أحسن من كل ما تعلقوا به.
وأما نحن فلا نعتمد عليه، لان أبا المطوس غير مشهور بالعدالة، ويعيذنا الله من
أن نحتج بضعيف إذا وافقنا، ونرده إذا خالفنا.
وقال بمثل قولنا أفاضل السلف.
روينا من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير
عن عبد الرحمن بن البيلماني أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما
فيما أوصاه به (4). من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع (5).
ومن طريق سفيان الثوري عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل (6)

(1) في النسخة رقم 14 (رخصها الله له) بزيادة (له) وهي ثابتة عند الدارمي وأبى داود
(2) في النسخة رقم 14 (ثنا)
(3) هذه الأسانيد الثلاثة لحديث أبي المطوس لم أجدها في النسائي، ولعلها في السنن الكبرى، ورواية
الطيالسي موجودة في مسنده (ص 331 رقم 2540)، والحديث رواه أيضا الدارمي (ص 216) وأبو داود (ج
2 ص 288) والترمذي (ج 1 ص 90) هند والدارقطني (ص 252)، وفي بعض الروايات (عن ابن المطوس
عن أبيه) وكل صحيح (فهو أبو المطوس وأبوه اسمه المطوس أيضا، نقل ابن حجر عن يزيد بن أبي أنيسة (عن حبيب
أبى المطوس عن المطوس) وقال الترمذي (حديث لا نعرفه الا من هذا الوجه، وسمعت محمدا - يعنى البخاري -
يقول: أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس، ولا، اعرف له غير هذا الحديث) وزاد ابن حجر عن البخاري (ولا ادرى
سمع أبوه من أبي هريرة أم لا) وعن أحمد (لا اعرفه ولا اعرف حديثه عن غيره) ومثل هذا لا يكفي للاحتجاج به، وقد
نقل ابن حجر في الفتح عن ابن خزيمة تصحيحه (ج 4 ص 114) ثم قال: (واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافا
كثيرا، فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب والجهل بحال أبى المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة)
(4) في النسخة رقم (16) (فيما أوصى به)
(5) نقله ابن حجر في الفتح عن ابن حزم ولم ينسبه إلى غيره وقال إن في الاسناد
انقطاعا (ج 4 ص 115)
(6) في الأصلين عبد الله بن الهذيل) وهو خطأ؟ صححناه من الفتح والتهذيب
183

عن عمر بن الخطاب. أنه أتى بشيخ شرب الخمر في رمضان، فقال للمنخرين! للمنخرين
ولداننا صيام! ثم ضربه ثمانين وصيره إلى الشام (1).
قال أبو محمد: ولم يذكر قضاء ولا كفارة.
ومن طريق سفيان عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه: أن علي بن أبي طالب أتى
بالنجاشي (2) قد شرب الخمر في رمضان، فضربه ثمانين ثم ضربه من الغد عشرين،
وقال: ضربناك العشرين لجرأتك على الله وإفطارك في رمضان.
قال على: ولم يذكر قضاء ولا كفارة.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن عمر بن يعلى الثقفي (3) عن عرفجة (4)
عن علي بن أبي طالب قال: من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقضه أبدا طول الدهر.
وعن ابن مسعود: من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر
وان صامه.
وبأصح طريق عن علي بن الحسين عن أبي هريرة: أن رجلا أفطر في رمضان،
فقال أبو هريرة: لا يقبل منه صوم سنة.
ومن طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه. عن أبي هريرة: من أفطر يوما من أيام
رمضان لم يقضه يوم من أيام الدنيا (6).
قال أبو محمد: من أصل الحنيفيين الذين يجاحشون عنه (7) ويتركون له السنن:
أن الخبر إذا خالفه راويه من الصحابة كان ذلك عندهم دليلا على ضعف ذلك الخبر
أو نسخه، قالوا ذلك في حديث ابن مغفل، وأبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب
سبعا إحداهن بالتراب، فتركوه، لأنهم ادعوا ان أبا هريرة خالفه وقد كذبوا في ذلك
بل قد صح عنه القول به، وهذا مكان قد خالف فيه أبو هريرة ما روى من هذا القضاء،
وخالفه أيضا سعيد بن المسيب على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى، فرأى على من

(1) هذا الأثر نقله البخاري مختصرا متعلقا (ج 3 ص 82) بلفظ (صبياننا) بدل (ولداننا) ونسبه ابن حجر لسعيد بن
منصور والبغوي في الجعديات (ج 4 ص 144)
(2) النجاشي هذا شاعر اسمه قيس بن عمر والحارئى، وفد إلى عمر. ولازم عليا
وكان معه في صفين، وكان يمدحه فلما جلده في الخمر فر إلى معاوية، وهذا الأثر رواه الطحاوي (ج 2 ص 88) باسنادين
صحيحين، وأشار إليه المؤلف في الأحكام (ج 7 ص 166 و 167) وللنجاشي ترجمة في الإصابة (ج 6 و 363 و 364)
(3) عمر هذا هو ابن عبد الله بن يعلى، وهو ضعيف متروك.
(4) هو ابن عبد الله الثقفي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان (مجهول)
(5) اثر على وابن مسعود هما كلاهما من رواية عرفجة، ونسبهما ابن حجر في الفتح
للبيهقي (ج 4 ص 115)
(6) نقله ابن حجر في الفتح (ج 4 ص 114) عن المؤلف، ولم ينسبه إلى غيره (7) بالجيم والحاء
المهملة والشين المعجمة، قال في اللسان: (الجحاش والمجاحشة المزاولة في الامر، وجاحش القوم جحاشا زحمهم،
وجاحش عن نفسه وغيرها جحاشا دافع) ثم حكى أنه يكون بالشين المعجمة وبالسين المهملة، وكله بمعنى الدفاع والقتال
184

أفطر يوما من رمضان صوم شهر، فينبغي لهم إسقاط القضاء المذكور في الخبر
بهاتين الروايتين.
فان قالوا: قد رواه غير أبي هريرة وغير سعيد.
قلنا: وغسل الإناء من ولوغ الكب سبعا قد رواه غير أبي هريرة.
فان قالوا: محال أن يكون عند أبي هريرة هذا الخبر ويفتى بخلافه.
قلنا: فقولوا هذا في خبر غسل الإناء: محال أن يكون عنده ذلك الخبر ويخالفه!
وهذا ما لا مخلص لهم منه.
736 مسألة ولا قضاء إلا على خمسة فقط: وهم الحائض والنفساء، فإنهما يقضيان
أيام الحيض والنفاس، لا خلاف في ذلك من أحد، والمريض، والمسافر سفرا تقصر فيه
الصلاة، لقول الله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات
من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر) والمتقئ عمدا، بالخبر الذي ذكرنا قبل، وهذا كله أيضا مجمع عليه
في المريض والمسافر إذا أفطرا، وكلهم مطيع لله تعالى، لا إثم عليهم، إلا المتقئ وهو
ذاكر، فإنه آثم ولا كفارة عليه.
737 مسألة ولا كفارة على من تعمد فطرا في رمضان بما لم يبح له، إلا من وطئ
في الفرج من امرأته أو أمته المباح له وطوهما إذا لم يكن صائما فقط فان هذا عليه
الكفارة، على ما نصف بعد هذا إن شاء الله تعالى، ولا يقدر على القضاء، لما ذكرنا.
برهان ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب الكفارة إلا على واطئ (1) امرأته
عامدا، واسم امرأته يقع على الأمة المباح وطؤها، كما يقع على الزوجة ولا جمع للمرأة
من لفظها، لكن جمع المرأة على نساء، ولا واحد للنساء من لفظه، قال تعالى: (نساؤكم
حرث لكم) فدخل في ذلك بلا خلاف الأمة المباحة، والزوجة.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد
ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وزهير بن حرب، ومحمد بن عبد الله بن نمير، كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن
حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: (جاء رجل إلى رسول الله (2) صلى الله عليه وسلم فقال:
هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال:

(1) في النسخة رقم (16) (الا عن وطئ)
(2) في مسلم (ج 1 ص 306) (إلى النبي صلى الله عليه وسلم)
185

هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال:
لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا، ثم جلس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم
بعرق (1) فيه تمر، فقال: تصدق بهذا، فقال: أفقر منا؟! فما بين لابتيها أهل بيت
أحوج إليه منا! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك).
قال أبو محمد: هكذا رواه منصور بن المعتمر، وشعيب بن أبي حمزة، والليث بن سعد،
والأوزاعي، ومعمر، ومسدد، وعراك بن مالك كلهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالف أشهب في هذا اللفظ سائر أصحاب الليث.
فلم يوجب عليه السلام الكفارة على غير من ذكرنا، وقد قال عليه السلام: (إن
دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فلا يحل مال أحد بغير نص أو إجماع (3) متيقن،
ولا يحل لاحد إيجاب غرامة لم يوجبها القرآن ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتعدى بذلك
حدود الله، ويبيح المال المحرم، ويشرع ما لم يأذن به الله تعالى.
فان قيل: فلم لم توجبوا الكفارة على كل من أفطر في رمضان فطرا لم يبح له، باي
شئ أفطر؟ بما رويتموه من طريق مالك وابن جريج ويحيى بن سعيد الأنصاري،
كلهم عن الزهري، ومن طريق أشهب عن الليث عن الزهري، ثم اتفقوا، عن حميد
ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة: (أن رجلا أفطر في نهار رمضان، فأمره رسول الله
صلى الله عليه وآله أن يكفر بعتق رقبة. أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، فقال:
لا أجد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر، فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله
لا أجد أحوج إليه منى! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، وقال: كله).
قلنا: لأنه خبر واحد، عن رجل واحد، في قصة واحدة، بلا شك، فرواه من
ذكرنا عن الزهري مجملا مختصرا، وراه الآخرون الذي ذكرنا قبل، أوتوا بلفظ
الخبر كما وقع، وكما سئل عليه السلام، وكما أفتى، وبينوا فيه أن تلك القضية (4) إنما
كانت وطأ لامرأته، ورتبوا الكفارة كما أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحال مالك،
وابن جريج، يحيى صفة الترتيب، وأجملوا الامر، وأوتوا بغير لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، فلم

(1) بفتح العين المهملة وفتح الراء، ويقال باسكان الراء أيضا * وهو المكتل، وهو منسوج من نسائج الخوص
(2) عراك - بكسر العين المهملة، وروايته عن الزهري من رواية الأكابر عن الأصاغر، وكلاهما تابعي،
الا ان الزهري أصغر منه، وقد نقل ابن حجر في التهذيب انه روى عن الزهري مع أنه يروى أيضا عن أبي هريرة بغير
واسطة
(3) في النسخة رقم (16) (ولا اجماع)
(4) في النسخة رقم (16) (القصة)
186

يجز الاخذ بما رووه من ذلك، مما هو لفظ (1) من دون النبي عليه السلام، ممن اختصر
الخبر وأجمله، وكان الفرض أخذ فتيا النبي عليه السلام كما أفتى بها، بنص كلامه فيما
أفتى به.
فان قيل: فانا نقيس كل مفطر على المفطر بالوطئ، لأنه كله فطر محرم.
قلنا: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان ههنا هذا القياس باطلا، لأنه قد جاء
خبر المتقئ عمدا، وفيه القضاء، ولم يذكر فيه كفارة، فما الذي جعل قياس سائر المفطرين
على حكم الواطئ أولى من قياسهم على حكم المتعمد للقئ؟! والآكل، والشارب أشبه
بالمتعمد للقئ منهما بالواطئ، لان فطرهم كلهم من حلوقهم لامن فروجهم، بخلاف
الواطئ، ولان فطرهم كلهم لا يجوب الغسل، بخلاف فطر الواطئ، فهذا أصح
في القياس، لو كان القياس حقا.
وقد أجمعوا على أنه لا كفارة على المتعمد لقطع صلاته، والصلاة أعظم حرمة
وآكد من الصيام، فصارت الكفارة خارجة عن الأصل، فلم يجز أن يقاس على خبرها.
فان قال: إني أوجب الكفارة على المعتمد للقئ، لأني أدخله في جملة من أفطر فأمر
بالكفارة، وأجعل هذا الخبر الذي رواه مالك وابن جريج، ويحيى عن الزهري:
زائدا على ما في خبر المتعمد للقئ.
قلنا: هذا لازم لكل من استعمل (2) لفظ خبر مالك وابن جريج عن الزهري
لازم له، والا فهو متناقض، وقد قال بهذا بعض الفقهاء، وروى عن أبي ثور،
وابن الماجشون، إلا أن من ذهب إلى هذا لم يكلم الا في تغليب رواية سائر أصحاب الزهري
التي قدمنا (3) على ما اختصره هؤلاء فقط.
وليس إلا قولنا أو قول من أوجب الكفارة والقضاء على كل مفطر، بأي وجه
أفطر، بعموم رواية مالك، وابن جريج، ويحيى، وبالقياس جملة على المفطر بالوطئ وبالقئ.
وأما الحنيفيون والمالكيون والشافعيون فلم يتعلقوا بشئ من هذا الخبر أصلا،
ولا بالقياس، ولا بقول أحد من السلف! لأنهم أوجبوا الكفارة على بعض من أفطر
بغير الوطئ فتعدوا (4) ما رواه جمهور أصحاب الزهري، وأسقطوا الكفارة عن بعض
من أفطر بغير الوطئ، مما قد أوجبها فيه غيرهم، فحالفوا ما رواه مالك، ويحيى، وابن جريج

(1) في النسخة رقم (16) (مما هو من لفظ)
(2) في النسخة رقم (16) (هذا لان كل من استعمل) الخ والتركيب قلق غير واضح في النسختين
(3) في النسخة رقم (16) (رواية أصحاب الزهري الذي قدمنا)
(4) في النسخة رقم (4) (فتعمدوا) وهو خطأ
187

فحالفوا كل لفظ خبر ورد في ذلك جملة! وخالفوا القياس، إذ لم يوجبوا الكفارة على
بعض من أفطر بغير الوطئ وبالوطئ، ولم يتبعوا ظاهر الآثار، إذ أوجبوها على بعض
من أفطر بغير الوطئ! على ما نذكر من أقوالهم بعد هذا، فلا يجوز ايهامهم بأنهم تعلقوا
في هذا الموضع بشئ من الآثار، أو بشئ من القياس: على من نبهناه (1) على تخاذل
أقوالهم في ذلك! وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: وقد اختلف السلف في هذا، فنذكر إن شاء الله تعالى ما يسر الله
عز وجل لذكره من أقوالهم، ثم نعقب بأقوال الحنيفيين والمالكيون والشافعيين، التي
لا متعلق لها بالقرآن ولا بشئ من الروايات، والسنن، ولا صحيحها ولا سقيمها،
ولا باجماع، ولا بقول صاحب، ولا بقياس، ولا برأي له وجه، ولا باحتياط.
وبالله تعالى نتأيد.
فقالت طائفة: لا كفارة على مفطر في رمضان بوطئ ولا بغيره.
روينا بأصح إسناد عن الحجاج بن المنهال: ثنا أبو عوانة عن المغيرة هو
ابن مقسم عن إبراهيم النخعي، في رجل أفطر يوما من رمضان، قال: يستغفر الله
ويصوم يوما مكانه.
وعن الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان، وأيوب السختياني،
وحبيب بن الشهيد، وهشام بن حسان، قال حماد: عن إبراهيم النخعي، وقال أيوب،
وحبيب، وهشام كلهم: عن محمد بن سيرين، ثم اتفق إبراهيم، وابن سيرين، فيمن
وطئ عمدا في رمضان: أنه يتوب إلى الله تعالى، ويتقرب إليه ما استطاع، ويصوم
يوما مكانه (2).
ورويناه أيضا من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين، فيمن أكل يوما من
رمضان عامدا، قال: يقضى يوما ويستغفر الله.
ومن طريق الحجاج بن المنهال: ثنا جرير بن حازم حدثني يعلي بن حكيم قال:
سألت سعيد بن جبير عن رجل وقع بامرأته في رمضان: ما يكفره؟ فقال: ما ندري
ما يكفره! ذنب أو خطيئة يصنع (3) الله تعالى به فيه ما يشاء، ويصوم يوما مكانه.
ومن طريق حجاج بن المنهال: ثنا أبو عوانة عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر
الشعبي أنه قال فيمن أفطر يوما من رمضان: لو كنت أنا لصمت يوما مكانه.

(1) في النسخة رقم (16) (على ما نبهناه) وهو خطأ
(2) سيأتي قريبا عن النخعي ما يخالف هذا وأنه قال: يصوم ثلاثة آلاف يوم!
(3) في النسخة رقم (16) (حتى يصنع) وزيادة (حتى) لا معنى لها
188

فهؤلاء ابن سيرين، والنخعي، والشعبي، وسعيد بن جبير لا يرون على الواطئ في نهار
رمضان عامدا كفارة.
وقالت طائفة بالكفارة، ثم اختلفوا.
فروينا من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج (1) الكلابي
عن عوف بن مالك الأشجعي قال قال عمر بن الخطاب: صوم يوم من غير رمضان
واطعام مسكين يعدل يوما من رمضان، وجمع بين أصبعيه.
قال أبو محمد: وعهدناهم يقلدون عمر في أجل العنين، وفى حد الخمر ثمانين، ولا يصح
في ذلك شئ عن عمر، فليقلدوه ههنا، فهو أثبت عنه مما قلدوه ولكنهم متحكمون
بالباطل في الدين!.
وقالت طائفة كما روينا عن المعتمر بن سليمان: قرأت على فضيل عن أبي حريز (3)
قال حدثني أيفع (4) قال: سألت سعيد بن جبير عمن أفطر في رمضان؟ فقال: كان
ابن عباس يقول: من أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة، أو صوم شهر، أو اطعام ثلاثين
مسكينا، ومن وقع على امرأته وهي حائض، وسمع أذان الجمعة ولم يجمع، وليس له
عذر: كذلك عتق رقبة.
قال على: وهذا قول لا نص ففيه، وعهدنا بالحنيفيين يقولون في مثل هذا إذا
وافق أهواءهم (5): مثل هذا لا يقال بالرأي، فلم يبق الا انه توقيف، فيلزمهم أن
يقولوه ههنا، والا فهم متلاعبون بالدين!.
وقالت طائفة كما روينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن
إبراهيم النخعي، في رجل أفطر يوما من رمضان: يصوم ثلاثة آلاف يوم! (6).
وقالت طائفة كما روينا من طريق حماد بن سلمة: أنا حميد أنه سأل الحسن البصري
عن رجل أفطر في رمضان (7) أربعة أيام يأكل ويشرب وينكح؟ فقال الحسن: يعتق

(1) هو من التابعين وغزا القسطنطينية مع عوف بن مالك
(2) في النسخة رقم (16) (قلدوا)
(3) حريز - بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وآخره زاي، وأبو حريز هو عبد الله بن حسين الأزدي قاضى سجستان، وهو ضعيف، وفي النسخة رقم 14 (عن ابن جرير) وهو تصحيف
(4) بالياء التحتية والفاء، بوزن أحمد، ولم يعرف اسم أبيه، وقال النسائي: (أبو حريز ضعيف وايفع لا أعرفه) وقال البخاري: (ايفع عن ابن عمر في الطهور منكر واثر ايفع
هذا عن سعيد عن ابن عباس يظهر من كلام ابن حجر في التهذيب انه رواه النسائي: ولكني لم أجده فيه، فلعله
في السنن الكبرى
(5) في النسخة رقم (16) (آراءهم)
(6) سبق قريبا عن النخعي ما يخالف هذا وأنه قال يستغفر الله ويصوم يوما مكانه.
(7) في النسخة رقم (16) (أفطر من رمضان)
189

أربعة رقاب، فإن لم يجد فأربع (1) من البدن، فإن لم يجد فعشرين صاعا من تمر لكل
يوم، فإن لم يجد صام لكل يوم يومين.
وقد ذكرنا مثل (2) هذا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله من طريق سعيد بن المسيب.
وروينا أيضا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال في الذي وطئ امرأته في رمضان: رقبة، ثم بدنة) ثم ذكر نحو حديث الزهري
في العرق من التمر.
ومن طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
وقد واقع أهله في رمضان، فقال له عليه السلام: أعتق رقبة، قال: لا أجد، قال:
أهد بدنة، قال: لا أجد، قال: صم شهرين، قال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكينا،
قال: لا أجد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل فيه تمر، فقال: تصدق بهذا، فقال: يا رسول الله،
ما بينهما أهل بيت أحوج منا، قال: كله أنت وعيالك.
ومن طريق حماد بن سلمة: أنا عمارة بن ميمون عن عطاء بن أبي رباح:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي وقع بامرأته (3) في رمضان أن يعتق رقبة، قال:
لا أجد، قال: أهد هديا، فقال: لا أجده) وذكر باقي الحديث.
فان تعللوا في مرسل سعيد (4) بأنه ذكر له ما رواه عطاء الخراساني عنه من ذلك
فقال سعيد: كذب، إنما قلت له: تصدق تصدق: فان الحسن، وقتادة، وعطاء قد رووه
أيضا مرسلا وفيه الهدى بالبدنة (5).
قال أبو محمد: عهدنا بالحنيفيين والمالكيين يقولون: المرسل كالمسند، وهذا مرسل من
طرق، فيلزمهم القول به، لأنه زاد على سائر الأحاديث ذكر الهدى.
وأيضا من طريق القياس: فان البدنة والهدى يجبر بهما نقص الحج، ولم نجد شيئا
من الاعمال يجبر نقصه بكفارة إلا الحج، والصوم فيجب أن يكون للهدى في الصوم
مدخل كما له في الحج، ولكن القوم لا يثبتون على شئ!.
وأما نحن فلا حجة في مرسل عندنا أصلا (6).
وقالت طائفة (7) كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: سألت
سعيد بن المسيب عن رجل أكل في رمضان عامدا؟ فقال: عليه صيام شهر، قلت:

(1) كذا رسم بدون الألف في الأصلين منصوبا، وهو صحيح على ما قدمنا قريبا
(2) في النسخة رقم (14) (بمثل)
(3) في النسخة رقم (16) (وقع على امرأته)
(4) قوله (سعيد) سقط خطأ من النسخة رقم (16)
(5) في النسخة رقم (16) (للبدنة)
(6) في النسخة رقم (16) (فلا حجة عندنا في مرسل)
(7) في النسخة رقم (16) (ما)
190

يومين؟ قال: صيام شهر، قال: فعددت أياما فقال: صيام شهر.
ومن طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الذي
يفطر يوما من رمضان متعمدا: عليه صوم شهر.
ومن طريق الحجاج بن المنهال: ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب
قال: عليه لكل يوم أفطر شهر.
قال على: يحتمل هذا القول أنه أردا شهرا شهرا عن كل يوم، ويحتمل ما رواه
معمر من أن عليه لكل يوم أفطر شهر واحد وهذا أظهر وأولى، لتيقن (1) الروايات عنه.
وحجة ممن قال بهذا ما رويناه من طريق أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قال.
ثنا أحمد بن يحيى الصوفي الكوفي ثنا أبو غسان ثنا مندل (2) عن عبد الوارث (3) عن
أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفطر يوما من رمضان فعليه صوم شهر).
قال على: مندل ضعيف، وعبد الوارث مجهول، ولو صح لقلنا به، ويلزم القول
به من لم يبال بالضعفاء، لأنه زائد على سائر الأخبار، ويلزم أيضا المالكيين القائلين بأن
نية واحدة في أول الشهر تجزئ لجميعه، لأنه كله كصلاة واحدة، وكيوم واحد.
وقالت طائفة كما روينا من طريق الشافعي: ان ربيعة قال: من أفطر يوما من رمضان
عامدا فعليه صيام اثنى عشر يوما، لان الله عز وجل تخيره من اثنى عشر شهرا! قال
الشافعي: يجب على هذا ان من ترك صلاة من ليلة القدر ان يقضى ثلاثين ألف صلاة!
لان الله تعالى يقول: (ليلة القدر خير من ألف شهر)!.
وقال الحنيفيون والمالكيون ما نذكره إن شاء الله تعالى، وهي أقوال لا تؤثر كما هي
عن أحمد من السلف.
فاما الشافعيون فهم أقل الثلاث الطباق تناقضا، وذلك أنهم قالوا: لا تجب الكفارة
على مفطر عمدا في رمضان الا على من جامع أنسانا أو بهيمة في فرج أو دبر، فان من
فعل (4) هذا تجب عليه الكفارة بالايلاج، امني أم لم يمن، والكفارة عنده كما ذكرنا
قبل من رواية الجمهور عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ير على

(1) في النسخة رقم (16) (لتتفق)
(2) مندل بالميم المثلثة واسكان النون وفتح الدال المهملة! وهو ابن علي العنزي
وهو ضعيف كما قال المؤلف
(3) عبد الوارث هذا مجهول كما قال المؤلف، ونقل الترمذي عن البخاري انه منكر
الحديث، وله ترجمة في لسان الميزان (ج 4 ص 85) وحديثه هذا رواه الدارقطني (ص 252) من طريق أبى نعيم
الفضل بن دكين عن مندل عن أبي هاشم عن عبد الوارث عن أنس، فزاد في الاسناد (عن أبي هاشم) كما ترى، وكذلك نقله
في لسان الميزان، فلعله سقط من كتاب البزار ومن كتاب المؤلف، وقال الدارقطني عقبه: (هذا اسناد غير ثابت: مندل
ضعيف ومن دون أنس ضعيف أيضا)
(4) في النسخة رقم (16) (فان فعل)
191

المرأة الموطوءة كفارة، في أشهر الأقوال عنه، ولا على من تعمد الأكل والشرب أو غير
ذلك، ولم يجعل في كل ذلك الا القضاء فقط (1) فقاس الواطئ لامرأة محرمة عليه على
واطئ امرأته، وقاس من أتى ذكرا على من أتى امرأته، وقاس من أتى بهيمة على من
أتى أهله، وليس شئ من ذلك في الخبر، ولم يقس الآكل، والشارب، والمجامع دون
الفرج فيمنى والمرأة الموطوءة: على الواطئ امرأته وهذا تناقض.
فان قال أصحابه: قسنا الجماع على الجماع، والأكل والشرب على المتعمد للقئ.
قلنا: فهلا قستم مجامع البهيمة على مجامع المرأة في ايجاب الحد؟ كما قستموه عليه في
ايجاب الكفارة؟ وهلا قستم المرأة الموطوءة على الرجل الواطئ في ايجاب الكفارة؟
فهو وطئ واحد، هما فيه معا؟ وهلا قستم المجامع دون الفرج عامدا فيمني على المجامع
في ايجاب الكفارة عليه؟ فهذا أقرب (2) إليه منه إلى الاكل؟ وهذا تناقض قبيح في
القياس جدا.
وأما المالكيون فتناقضهم أشد، وهو انهم أوجبوا الكفارة والقضاء على المفطر
بالاكل أو الشرب، وعلى من قبل فأمنى، أو باشر فأمنى، أو تابع النطر فأمنى، وعلى
من أكل أو شرب أو جامع شاكا في غروب الشمس فإذا بها لم تغرب، وعلى من نوى
الفطر من نهار رمضان وإن لم يأكل ولا شرب ولا جامع، إذا نوى ذلك أكثر النهار،
وعلى المرأة تمس فرجها عامدة (3) فتنزل.
ورأي على المرأة (4) المكرهة على الجماع في نهار رمضان القضاء، وأوجب على
الواطئ لها الكفارة عن نفسه وكفارة أخرى عنها، وهذا عجب جدا! ولم ير عليها
إن أكرهها على الأكل والشرب كفارة، ولا على الذي أكرهها ان يكفر عنها! ولا على
التي جومعت نائمة، لا عليها ولا عليه عنها: وهذا تناقض ناهيك به! ولئن كانت الكفارة
عليها فما يجزئ أو توجب الكفارة على غيرها؟! ولئن لم تكن الكفارة عليها فأبعد
من ذلك أن تجب على غيرها عنها؟!.
وأبطلوا صيام من قبل فأنعظ، أو أمذى ولم يمن (5)، أو باشر أو لمس فأمذى ولم
يمن، ومن نطر إلى المرأة غير عامد لذلك وتابع النظر فأمذى ولم يمن، أو نظر
نظرة، لم يتابع النظر فأمنى، ومن تمضمض في صيام نهار رمضان فدخل الماء حلقه عن

(1) كلمة (فقط) زيادة من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (16) (فهو أقرب)
(3) كلمة (عامدة) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (16) (وعلى المرأة) بحذف (رأى) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (16) (أو امني ولم يمذ وهو خطأ غريب
192

غير تعمد، ومن أكل ناسيا، أو شرب ناسيا، أو وطئ (1) ناسيا، أو كان ذلك وهو
لا يوقن بطلوع الفجر فإذا بالفجر قد طلع، أو كان ذلك وهو يرى أن الشمس قد غربت
فإذا بها لم تغرب، ومن أكل شاكا في طلوع الفجر ثم لم يوقن بأنه طلع ولا أنه لم
يطلع، ومن أقام مجنونا يوما من رمضان (2)، أو أياما، أو رمضان كله، أو عدة شهور
رمضان من عدن سنين، ومن أغمي عليه أكثر النهار، ومن أغمي عليه أياما من رمضان،
والمرضع تخالف على رضيعها، والمرأة تجامع نائمة، والمكره على الأكل والشرب، ومن
صب في حلقه ماء وهو نائم، ومن احتقن، ومن اكتحل بكحل فيه عقاقير، ومن
بلع حصاة.
وأوجبوا على كل من ذكرنا القضاء، ولم يروا في شئ من ذلك كفارة.
وهذا تناقض لا وجه له أصلا، لامن قرآن، ولا من سنة، ولامن رواية فاسدة
ولامن إجماع، ولا من قول صاحب، أو تابع، ولا من قياس، ولا من رأى له وجه،
ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبله.
وقد رأينا بعض مقلديه يوجبون على طحاني الدقيق والحناء ومغربلي الكتان
والحبوب: القضاء، ويبطلون صومهم، ولا يوجبون عليهم في تعمد ذلك كفارة!
ويدعون أن هذا قياس (3) قول مالك! وهذا تخليط لا نظير له! ويلزمه إبطال صوم
كل من سافر فمشى في غبرة على هذا.
ولم يبطل صوم من قبل أو باشر فلم ينعظ ولا أمذى ولا أمنى، ولا صوم من أمنى
من غير نظر ولا لمس، ولا صوم تطوع بدخول الماء في حلق فاعله من المضمضة،
ولا صوم متطوع صب الماء في حلقه وهو نائم! وهذا عجب جدا! أن يكون أمر
واحد (4) يبطل صوم الفرض ولا يبطل صوم التطوع!.
ولم يبطل صوم من جن، أو أغمي عليه أقل النهار، وهذا عجب آخر!.
ولم يبطل صوم من نام النهار كله، وهذا عجب زائد!.
ولا ندري قوله فيمن نوى الفطر أقل النهار: أرى عليه القضاء ويبطل صومه بذلك؟
أم يرى صومه تاما؟! الا أنه لا يرى فيه كفارة بلا شك.
ولم يبطل الصوم بالفتائل تستدخل لدواء، ولا نقف الآن على قوله في السعوط

(1) في النسخة رقم (16) (صلى) بدل (وطئ) وهو خطأ غريب
(2) في النسخة رقم (16) (في رمضان)
(3) في النسخة رقم (14) (قياد)
(4) في النسخة رقم (16) (امرؤ واحد) وهو خطأ
193

والتقطير في الاذن.
ولم يبطل الصوم بكحل في العين لا عقاقير فيه، ولا بمن تعمد بلع ما يخرج من بين
أضراسه من الحذيذة ونحوها، ولا بمضغ العلك، وان استدعى الريق، وكرهه.
قال أبو محمد: إن كان لا يبطل الصوم فلم كرهه؟!.
وهذه أقوال لا نحتاج من ابطالها إلى أكثر من ايرادها!.
وأما الحنيفيون فأفسد الطباق أقوالا، وأسمجها تناقضا (1) وأبعدها عن المعقول!.
وهو أن أبا حنيفة أوجب الكفارة والقضاء على من وطئ في الفرج خاصة
امرأة، حلالا له أو حراما، وعلى المرأة عن نفسها، وعلى من أكل ما يتغذى به،
أو شرب ما يتغذى به، أو بلع لوزة خضراء، أو اكل طينا إرمينيا خاصة (2).
وأبطل صوم من لاط بانسان في دبره فأمنى، أو ببهيمة في قبل أو دبر فامنى، ومن
بقي إلى بعد الزوال لا ينوى صوما، ومن قبل ذاكرا لصومه فامنى، ومن لمس كذلك
فامنى، أو جامع كذلك دون الفرج فامنى، ومن تمضمض فدخل الماء في حلقه وهو ذاكر
لصومه، ومن أكل، أو شرب، أو جامع (3) بعد طلوع الفجر وهو غير عالم بطلوعه ثم علم، ومن
فعل شيئا من ذلك وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب، ومن جن في يوم من رمضان،
أو أياما، أو الشهر كله الا ساعة واحدة منه، ومن أغمي عليه الشهر كله، ومن أغمي عليه بعد ما
دخل رمضان، حاشا يوم الليلة التي أغمي عليه فيها، والمرضع تخاف على رضيعها،
ومن أصبح صائما في السفر ثم جامع أو أكل أو شرب عامدا ذاكرا، ومن جامع
أو أكل. أو شرب عمدا ثم مرض من نهاره ذلك، أو حاضت إن كانت امرأة، ومن
أصبح في رمضان لا ينوى صوما ثم أكل. أو شرب. أو جامع في صدر النهار. أو في آخره،
والمرأة تجامع وهي نائمة. أو مجنونة. أو مكرهة (4)، ومن احتقن أو استعط أو قطر
في أذنه قطورا.
واختلف قوليه فيمن قطر في إحليله قطورا، فمرة أبطل صومه، ومرة لم يبطله.
وأبطل صوم من داوى جائفة به أو مأمومة بدواء رطب، والا فلا.
وأبطل صوم من بلع حصاة عامدا، أو بلع جوزة رطبة أو يابسة، أو لوزة يابسة
ومن رفع رأسه إلى السماء فوقع نقط من المطر في حلقه.

(1) في النسخة رقم (16) (وأفحشها تناقضا)
(2) هكذا مذهب الحنفية، قال في فتح القدير (ج 2 ص 68 و 69)
(وفي ابتلاع اللوزة الرطبة الكفارة لأنها تؤكل كما هي بخلاف الجوزة فلذا افترقا) وقال أيضا: وتجب بالطين
الأرمني وبغيره على من يعتاد اكله كالمسمى بالطفل لا على من لم يعتده)
(3) قوله (أو جامع) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (16) (أو مدخلة) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (14) (نقطة)
194

وأوجبوا في كل ذلك القضاء ولم يروا في شئ من ذلك كفارة.
ولم يبطلوا صوم من لاط بذكر فأولج إلا أنه لم ينزل! ولا صوم من أتى بهيمة
في قبل أو دبر الا أنه لم ينزل! ولا صوم من أولج في دبر امرأة الا أنه لم ينزل! ورأوا
صومه في كل ذلك تاما صحيحا لا قضاء فيه ولا كفارة!! (1).
ولم يبطلوا صوم من اكتحل بعقاقير أو بغيرها، وصل إلى الحلق أو لم يصل،
ولا صوم من تابع النظر إلى فرج امرأة فأمنى، ولا صوم من قبل أو باشر فأمذى
ولم يمن، ولا صوم من أكل ناسيا، أو جامع ناسيا، أو شرب ناسيا، ولا صوم من جامع
أو شرب، أو أكل شاكا في الفجر ما لم يتبين أنه أكل بعد الفجر، أو جامع بعده، أو شرب بعده.
ومنع للقادم من سفر فوجد امرأته قد طهرت من حيضها أو يجامعها، فليت شعري!
إن كانا صائمين، فهلا أوجب عليهما الكفارة؟! وإن كانا غير صائمين، فلم منعهما؟!.
ولا أبطل صوم من أخرج من بين أسنانه طعاما أقل من حمصة فبلعه عامدا
ذاكرا لصومه.
قال أبو محمد فمن أعجب شأنا، أو أقبح قولا ممن يرى اللياطة (2) وإتيان البهيمة عمدا
في نهار رمضان لا ينقض الصوم؟!.
ويرى أن من قبل امرأته التي أباح الله تعالى له تقبيلها وهو صائم فأمنى فقد
بطل صومه!.
أو ممن فرق بين أكل ما يغذي وما لا يغذي؟! ولا ندري من أين وقع لهم هذا؟!.
وممن رأى أن من قبل زانية أو ذاكرا أو باشرهما في نهار رمضان فلم ينعظ ولا أمذى
أن صومه صحيح (3) تام لا داخلة فيه؟!.
ومن قبل امرأته التي أباح الله تعالى له تقبيلها وهو صائم فأنعظ أن صومه قد بطل
ومن يرى على من أكل ناسيا القضاء ويبطل صومه.
ويرى أن من أكل متعمدا ما يخرج من بين أضراسه من طعامه أن صومه تام.
فهل في العجب أكثر من هذا!.

(1) اما اتيان الذكر أو المرأة في الدبر فان مذهب الحنفية ابطال الصوم به ووجوب القضاء والكفارة سواء مع الانزال
أو بدونه، الا انه روى عن أبي حنيفة (انه لا تجب الكفارة بالجماع في الموضع المكروه اعتبارا بالحد عنده والأصح انها
تجب لان الجناية متكاملة لقضاء الشهوة) هذه عبارة الهداية بالحرف. واما اتيان البهيمة فقال في الهداية: (ولو جامع
ميتة أو بهيمة فلا كفارة انزل أو لم ينزل) وقال صاحب العناية (فان انزل فعليه القضاء) فتح القدير (ج 2 ص 70) وانظر
المبسوط للسرخسي (ج 3 ص 79)
(2) كذا في الأصلين والمعروف بالواو ولم أجده بالياء
(3) كلمة (صحيح) زيادة من النسخة رقم (16)
195

والعجب كله في إيجابهم (1) الكفارة على بعض من أفطر من غير المجامع قياسا على
المجامع، ثم إسقاطهم الكفارة عن بعض من أفطر من غير المجامع وكلاهما مفطر،
وتركوا القياس في ذلك ولم يلتزموا النص!.
وأوجبوا الكفارة على المكرهة على الوطئ، وهي غير عاصية بذلك، وأسقطوها
عن المتعمد للقبل (2) فيمذي، وهو عاص!.
فان قالوا: ليس عاصيا.
قلنا: فالذي قبل فأمنى إذن ليس عاصيا، فلم أوجبتموها عليه؟!.
وهذه تخاليط لا نظير لها! ولا متعلق لهم أصلا بشئ من الاخبار، لأنهم فرقوا
بين المفطرين في الحكم، فلم يأخذوا برواية من روى: (أن رجلا أفطر فأمره النبي عليه
السلام بالكفارة) ولا برواية من روى (أن رجلا وقع على امرأته وهو صائم
فأمره النبي عليه السلام بالكفارة) فيقتصروا عليه، ولا قاسوا عليه كل مفطر.
وأسقطوا الكفارة عمن تعمد الفطر في قضاء رمضان، وفى صوم نذر، وفى شهري
الكفارة، وقد صح عن قتادة إيجاب الكفارة في قضاء رمضان إذا أفطر فيه عامدا،
وتركوا ههنا القياس، لأنه صوم فرض، وصوم فرض، وتعمد فطر، وتعمد فطر.
فان قيل: فمن أين أسقطتم الكفارة عمن وطئ امرأة محرمة عليه في الفرج؟ وعن
المرأة الموطوءة باكراه أو بمطاوعة؟
قلنا: لان النص لم يرد إلا فيمن وطئ امرأته، ولا يطلق على من وطئها في غير
الفرج اسم واطئ، ولا اسم مواقع، ولا اسم مجامع، ولا أنه وطئها، ولا أنه وقع
عليه، ولا أنه جامعها، إلا حتى يضاف إلى ذلك صلة البيان، فايجاب الكفارة على غير
من ذكرنا مخالف للسنة وتعدى لحدود الله تعالى في ذلك، وإيجاب ما لم يوجبه.
وأما المرأة فموطوءة، والموطوءة غير الواطئ فالامر في سقوط الكفارة عنها
على كل حال أوضح من كل واضح.
وأيضا: فان واطئ الحرام لا يصل إلى الوطئ الا بعد قصد إلى ذلك بكلام أو بطش
ولابد، وكلا الامرين معصية تبطل الصوم، فلم يجامع إلا وصومه قط بطل. وبالله
تعالى التوفيق.
فان قيل: فإنكم توجبونها على من وطئ امرأته أو أمته وهما حائضان.
قلنا: لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها على من وطئ امرأته جملته، ولم يسأله: أحائضا

(1) في النسخة رقم (16) (من ايجابهم)
(2) جمع قبلة، وفي النسخة رقم (16) (للتقبيل)
196

هي أم غير حائض؟.
738 مسألة ومن وطئ عمدا (1) في نهار رمضان ثم سافر في يومه ذلك
أوجن، أو مرض لا تسقط عنه الكفارة، لان ما أوجبه الله تعالى فلا يسقط بعد وجوبه
الا بنص، ولا نص في سقوطها، لما ذكرنا. وقال أبو حنيفة وأصحابه: تسقط بالمرض
ولا تسقط بالسفر.
739 مسألة وصفة الكفارة الواجبة هي كما ذكرنا في رواية جمهور أصحاب
الزهري: من عتق رقبة (2) لا يجزئه غيرها ما دام يقدر عليها، فإن لم يقدر عليها (3) لزمه
صوم شهرين متتابعين، فإن لم يقدر عليها لزمه حينئذ اطعام ستين مسكينا.
فان قيل: هلا (4) قلتم بما رواه يحيى الأنصاري، وابن جريج، ومالك عن الزهري
من تخييره بين كل ذلك (5)؟.
قلنا: لما قد بينا من أن هؤلاء اختصروا الحديث، وأتوا بألفاظهم أو بلفظ من دون
النبي صلى الله عليه وسلم وأما سائر أصحاب الزهري فاتوا بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا يحل
تعديه أصلا، وبزيادة حكم الترتيب، ولا يحل ترك الزيادة.
وبقولنا يقول أبو حنيفة، والشافعي، وأبو سليمان، وأحمد وجمهور الناس.
وأما مالك فقال بما روى، الا أنه استحب الاطعام، وليس لهذا الاستحباب
وجه أصلا.
وأما أبو حنيفة فإنه أجاز في الاطعام المذكور أن تطعم مسكينا واحدا ستين يوما،
وهذا خلاف مجرد لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقع اسم ستين مسكينا على مسكين
واحد أصلا.
740 مسألة ويجزئ في ذلك رقبة مؤمنة أو كافرة، صغيرة أو كبيرة،
ذكر أو أنثى، معيب أو سليم، لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعتق رقبة) فلو كان
شئ من الرقاب التي تعتق لا يجزئ في ذلك لبينه عليه السلام، ولما أهمله حتى يبينه له غيره.
ويجزئ في ذلك أم الولد، والمدبر، والمعتق بصفة، والى أجل، والمكاتب الذي
لم يؤد شيئا من كتابته، ولا يجزئ في ذلك نصفان من رقبتين، ولامن بعضه حر.
وقال أبو حنيفة بقولنا في الكافر والصغير.
وقال مالك، والشافعي: لا يجزئ إلا مؤمنة، قالوا: قسنا ذلك على الرقبة في قتل الخطأ

(1) كلمة (عمدا) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(2) كلمة (رقبة) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(3) في النسخة رقم (16) (عليه)
(4) في النسخة رقم (14) (فهلا)
(5) في النسخة رقم (16) (بين ذاك)
197

قال أبو محمد: والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا، لان مالكا
لا يقيس حكم قاتل العمد على حكم (1)، قاتل الخطأ في الكفارة، فإذا لم يقس قاتلا على
قاتل فقياس الواطئ على القاتل أولى بالبطلان، إن كان القياس حقا.
والشافعي لا يقيس المفطر بالاكل على المفطر بالوطئ في الكفارة، فإذا لم يقس
مفطرا (2) على مفطر فقياس المفطر على القاتل أولى بالبطلان، إن كان القياس حقا.
وأيضا: فإنه لا خلاف في أن كفارة الواطئ في رمضان يعوض فيها الاطعام من
الصيام، ولا يعوض الاطعام من الصيام في كفارة قتل الخطأ (3).
فقد صح اجماعهم على أن حكم كفارة الواطئ مخالف لحكم كفارة القاتل، فبطل
بهذا قياس إحداهما على الأخرى.
فان قالوا: إن النص لم يرد بالتعويض في كفارة القتل، وورد به في كفارة الوطئ (4).
قلنا: والنص لم يرد باشتراط مؤمنة في كفارة الوطئ وورد به في كفارة القتل،
وهذا هو الحق.
فان (5) قالوا: المؤمنة أفضل.
قلنا: نعم، والعالم الفاضل (6) أفضل من الجاهل الفاسق (7) قال تعالى: (قل هل
يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون). وقال تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا
السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) وأنتم تجيزون فيها الجاهل الفاسق (8).
وأما المعيب فكلهم متفق على إجازة العيب الخفيف فيها، ولم يأت نص، ولا اجماع،
ولا قياس بالفرق بين العيوب في ذلك.
وأيضا فلا سبيل لهم إلى تحديد الخفيف الذي أجازوه من الكثير الذي
لا يجيزونه فصح انه رأى فاسد من آرائهم.
وقال أبو حنيفة: يجزئ الأعور، والمقطوع اليد أو الرجل أو كليهما من خلاف،
والمقطوع (9) إصبعين من كل يد، سوى الابهامين، ولا يجزئ الأعمى، ولا المقعد، ولا
المقطوع يدا ورجلا من جانب واحد، ولا مقطوع الابهامين فقط من كلتي (10) يديه

(1) كلمة (حكم) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (16) (مفطر)
(3) في النسخة رقم (14) (في كفارة القتل في الخطأ)
(4) في النسخة رقم (16) (الواطئ)
(5) كلمة (فان) حذفت خطأ من النسخة رقم (16)
(6) كلمة (الفاضل) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(7) كلمة (الفاسق) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(8) في النسخة رقم (16) (الجاهل والفاسق) بزيادة الواو، وما هنا أحسن
(9) في النسخة رقم (16) (والمقطوعين) وهو خطأ
(10) كذا في النسخة رقم (16) على طريقة المؤلف في استعمال كلا وكلتا على لغة من يجعلهما كالمثنى مطلقا، وفي النسخة
رقم (14) (كلتا) على الجادة، وأظنه من اصلاح ناسخها
198

ولا مقطوع ثلاث (1) أصابع من كل يد!.
قال أبو محمد: وهذه تخاليط قوية بمرة! ولو كان شئ (2) من هذا لا يجزئ
لبينه عليه السلام.
وأما أم الولد والمدبر فلا خلاف في أن العتق جائز فيهما، وحكمه واقع عليهما إذا
عتقا (3)، فمعتق كل واحد منهما يسمى معتق رقبة، وعتق كل واحد منهما عتق رقبة
بلا خلاف، فوجب ان من أعتق أحدهما في ذلك فقد فعل ما أمره الله تعالى به.
وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يجزئان.
وقال الشافعي: لا تجزئ أم الولد، لأنها لا تباع.
قال أبو محمد: فكان ماذا؟! وهل اشترط عليه السلام إذ امر في الكفارة بعتق
رقبة أن تكون ممن يجوز بيعها؟! حاش لله من هذا، فإذ لم يشترط عليه السلام هذه الصفة
فاشتراطها باطل، وشرع في الدين لم يأذن به الله تعالى: (وما كان ربك نسيا).
وأجاز الشافعي في ذلك عتق المدبر.
وممن أجاز عتق أم الولد، والمدبر في ذلك عثمان البتي، وأبو سليمان.
وأما المكاتب الذي لم يؤد شيئا فقد ذكرنا أنه عبد، وممن أجازه في الكفارة
دون من أدى شيئا من كتابته أبو حنيفة، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وأما المكاتب الذي أدى شيئا من كتابته ومن بعضه حر فقد ذكرنا في كتاب الزكاة
شروع الحرية فيه بقدر ما أدى، فمن أعتق باقيهما (4) فإنما أعتق بعض رقبة، لا رقبة،
فلم يؤد ما أمر به، وممن قال بقولنا في أنهما لا يجزئان أبو حنيفة، واحمد، واسحق.
وأما من أعتق نصفي رقبتين فلا يسمى معتق رقبة كما ذكرنا، ولأنه يعتق عليه
سائرهما (5) بحكم آخر ولابد، فإذا لم يكن معتق رقبة في ذلك فلم يؤد ما أمر به.
وأما المعتق إلى أجل وان قرب أو بصفة فعتقهما وبيعهما جائز، أما المعتق
فلا خلاف منهم نعلمه فيه. وممن أجازهما في الكفارة الشافعي وغيره، ومعتقهما يسمى
معتق رقبة.
741 مسألة وكل ما قلنا: إنه لا يجزئ فإنه عتق مردود باطل لا ينفذ،
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). ولأنه لم يعتقه
إلا بصفة لم تصح، فلم يصح عتقه. وبالله تعالى التوفيق.

(1) في النسخة رقم (14) (الثلاث)
(2) في النسخة رقم (14) (شيئا) وهو لحن
(3) في النسخة رقم (16) (أعتقا)
(4) في النسخة رقم (16) (باقيها)
(5) في النسخة رقم (16) (سائرها) وهو خطأ
199

742 مسألة ومن كان فرضه الصوم فقطع صومه عليه رمضان، أو أيام
الأضحى، أو مالا يحل صيامه فليسا متتابعين، وإنما أمر بهما متتابعين.
وقال قائل: يجزئه.
قال على: وهذا خلاف أمره صلى الله عليه وسلم، وليس كونه معذورا في إفطاره غير آثم
ولا ملوم بمجيز له ما لم يجوزه الله تعالى من عدم التتابع (1).
وروينا من طريق الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم: من لزمه
شهران متتابعان فمرض فأفطر فإنه يبتدئ صومهما.
743 مسألة فان اعترضه فيهما يوم نذر نذره بطل النذر وسقط عنه،
وتمادى في صوم الكفارة، وكذلك في رمضان سواء سواء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(كتاب الله أحق وشرط الله أوثق) فصح أنه ليس لأحد أن يلتزم غير ما ألزمه الله
تعالى، ومن نذر ما يبطل به فرض الله تعالى فنذره باطل. لأنه تعدى لحدود الله عز وجل.
744 مسألة فان بدأ بصومهما في أول يوم من الشهر صام إلى أن يرى
الهلال الثالث ولابد، كاملين كانا أو ناقصين، أو كاملا وناقصا لقول الله تعالى:
(إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله). فمن لزمه صوم شهرين لزمه
أن يأتي بهما من جملة الاثني عشر شهرا المذكورة.
745 مسألة فان (2) بدأ بهما في بعض الشهر ولو لم يمض منه إلا يوم،
أو لم يبق منه الا يوم فما بين ذلك: لزمه صوم ثمانية وخمسين يوما لا أكثر.
لما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري
ثنا البخاري ثنا عبد العزيز بن عبد الله ثنا سليمان بن بلال عن حميد عن أنس بن مالك
قال: (آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه فأقام في مشربة (3) تسعا وعشرين ليلة ثم نزل،
فقالوا: يا رسول الله، آليت شهرا؟ فقال: إن الشهر يكون تسعا وعشرين).
ورويناه من طريق متواترة جدا كذلك من طريق ابن جريج عن أبي الزبير: انه سمع
جابرا، ومن طريق عكرمة بن عبد الرحمن عن أمة سلمة، ومن طريق سعد بن عمرو، (5)

(1) في النسخة رقم (14) (من عدم تتابع)
(2) في النسخة رقم (14) (وان)
(3) بضم الراء وفتحها وهي الغرفة، وقيل هي كالصفة بين يدي الغرفة، والجمع مشربات ومشارب، واما المشربة بفتح الراء من غير ضم فإنها الموضع الذي يشرب منه كالمشرعة. ويقال (طعام مشربة) بفتح الراء إذا كان يشرب عليه الماء كثيرا، وكل هذا بفتح الميم، واما بكسرها مع فتح الراء فإنه إناء يشرب فيه
(4) هو عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشي المخزومي مات سنة 103
وحديثه عند البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
(5) هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وفى النسخة رقم
(14) (سعيد بن عمر) وهو خطأ
200

وجبلة بن سحيم، وعمرو بن دينار، وعقبة بن حريث، وسعد بن عبيدة، كلهم عن ابن عمر،
ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، ومن طريق
الزهري عن عروة عن عائشة كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأسانيد في غاية الصحة.
فإذ الشهر (1) يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين، فلا يلزمه الا اليقين، وهو الأقل.
وقال قائلون: عليه أن يوفى ستين يوما ليكون على يقين من اتمام الشهرين.
قال أبو محمد: وهذا خطأ، لان الله تعالى إنما ألزمه شهرين، ولم يقل كاملين كل
شهر من ثلاثين يوما، فإنما عليه ما يقع عليه اسم شهرين، واسم شهرين (2) يقع بنص
كلامه عليه السلام على تسع وعشرين وتسع وعشرين، والفرائض لا تلزم الا بنص،
أو اجماع.
ويلزم من قال هذا من الحنيفيين أن يقول: لا تجزئ الرقبة الا مؤمنة، ليكون
على يقين من أنه قد أدى الفرض في الرقبة.
ويلزم من قال بهذا من المالكيين والشافعيين أن يقول: لا تجزئ إلا غداء وعشاء،
أو غداء وغداء، أو عشاء وعشاء، كما يقول الحنيفيون، ولا يجزئ الا صاع من شعير
لكل مسكين، أو نصف صاع بر: ليكون على يقين من أداء فرض الاطعام.
746 مسألة ومن كان فرضه الاطعام فإنه لابد له من أن يطعمهم شبعهم،
من أي شئ أطعمهم، وان اختلف، مثل أن يطعم بعضهم خبزا، وبعضهم تمرا، وبعضهم
ثريدا، وبعضهم زبيبا، ونحو ذلك، ويجزئ في ذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، إن أعطاهم
حبا أو دقيقا أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك مما يؤكل ويكال، فان أطعمهم طعاما معمولا
فيجزئه ما أشبعهم أكلة واحدة، أقل أو أكثر.
حدثنا أحمد بن عمر ثنا عبد الله بن حسين بن عقال ثنا بكار بن قتيبة ثنا مؤمل
هو ابن إسماعيل الحميري ثنا سفيان هو الثوري عن منصور هو ابن المعتمر
عن الزهري عن حميد هو ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة: (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم) فذكر خبر الواطئ في رمضان، قال: (فأتى النبي صلى الله عليه وآله بمكتل فيه
خمسة عشر يعنى صاعا: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خذه فأطعمه عنك).
قال على: فأجزأ هذا في الاطعام.
وكان اشباعهم من أي شئ أشبعهم مما يأكل الناس: يسمى اطعاما، والبر

(1) في النسخة رقم (14) (فاذن الشهر)
(2) في النسخة رقم (16) (واسم الشهر) بالافراد وهو خطأ
201

يؤكل مقلوا فكل ذلك اطعام، ولا يجوز تحديد إطعام دون إطعام بغير نص ولا إجماع،
ولم يختلف فيما دون الشبع في الاكل وفيما دون المد في الاعطاء أنه لا يجزئ.
وقال أبو حنيفة: لا يجزئ إلا نصف صاع بر، أو مثله من سويقه أو دقيقه،
أو صاع من شعير، أو زبيب، أو تمر، لكل مسكين، ولابد من غداء وعشاء، أو غداء،
وغداء، أو عشاء وعشاء، أو سحورا وغداء، أو سحور وعشاء!.
قال أبو محمد: وهذا تحكم وشرع لم يوجبه نص ولا إجماع لا قياس ولا قول
صاحب!.
747 مسألة ولا يجزئ (1) إطعام رضيع لا يأكل الطعام، ولا إعطاؤه
من ذلك، لأنه لا يسمى إطعاما، فإن كان يأكل كما تأكل الصبيان أجزأ إطعامه
وإشباعه، وإن أكل قليلا، لأنه أطعم (2) كما أمر، وبالله تعالى التوفيق.
748 مسألة ولا يجزئ اطعام أقل من ستين، ولا صيام أقل من شهرين،
لأنه خلاف ما أمر به.
749 ومن كان قادرا حين وطئه على الرقبة لم يجزه غيرها، افتقر بعد ذلك
أو لم يفتقر، ومن كان عاجزا حينئذ قادرا على صيام شهرين متتابعين لم يجزه شئ غير الصيام،
أيسر بعد ذلك ووجد رقبة أو لم يوسر، ومن كان عاجزا حين ذلك عن الرقبة وعن الصيام
قادرا على الاطعام لم يجزه غير الاطعام، قدر على الرقبة أو الصوم بعد ذلك أو لم يقدر،
لان كل ما ذكرنا هو فرضه بالنص والاجماع، فلا يجوز سقوط فرضه وإيجاب فرض
آخر عليه بغير نص ولا إجماع (3).
وقال قائلون: ان دخل في الصوم فأيسر انتقل حكمه إلى الرقبة.
وهذا خطأ، وقول بلا برهان.
750 مسألة فمن لم يجد الا رقبة لا غنى به عنها، لأنه يضيع بعدها أو يخاف
على نفسه من حبها: لم يلزمه عتقها، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)
وقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر

(1) في النسخة رقم (14) (ولا يجوز)
(2) في النسخة رقم (16) (لأنه اطعام)
(3) نعم هو فرضه حين وطئ، ولكن عجزه حين الكفارة أو يساره له حكمه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الواطئ عن حاله في وقت الاستفتاء ولم يسأله عنه وقت الوطئ ولعله تغير، ثم من لم يجد رقبة بعد إن كانت ماذا يفعل و (لا يكلف الله نفسا الا وسعها).
(وما جعل عليكم في الدين من حرج) ولا حرج أكثر من الزامه ان يعتق أو يصوم وهو غير قادر، والعبرة بالقدرة حين
الفعل لا حين الوجوب كما هو الظاهر، وعجيب من المؤلف ان يجيز لمن يجد رقبة يخاف على نفسه من حبها! ان أعتقها:
ان يدع العتق طوعا للحب ولا يجيز لمن وجبت عليه رقبة ثم عجز عنها ان يدع العتق! وهذا أشد عجزا من ذلك
202

ولا يريد بكم العسر) وكل ما ذكرنا حرج وعسر لم يجعله تعالى علينا، ولا أراده منا،
وفرضه حينئذ الصيام، فإن كان في غنى عنها وهو قائم بنفسه ولا مال له فعليه عتقها،
لأنه واجد رقبة لا حرج عليه في عتقها.
751 مسألة ومن كان عاجزا عن ذلك كله (1) ففرضه الاطعام، وهو
باق عليه، فان وجد طعاما وهو إليه محتاج أكله هو وأهله وبقى الاطعام دينا عليه،
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاطعام فأخبره أنه لا يقدر عليه، فأتاه التمر فأعطاه إياه
وأمره بأن يطعمه عن كفارته، فصح أن الاطعام باق عليه وإن كان لا يقدر عليه،
وأمره عليه السلام بأكله إذ أخبره أنه محتاج إلى أكله، ولم يسقط عنه ما قد ألزمه إياه
من الاطعام، لا يجوز سقوط ما افترضه عليه السلام، إلا باخبار منه عليه السلام بأنه
قد أسقطه وبالله تعالى التوفيق.
752 مسألة والحر والعبد في كل ما ذكرنا سواء ويطعم من ذلك الحر والعبد،
لان حكم رسول الله صلى الله عليه وآله جاء عموما، لم يخص منه حر من عبد، وإذا كان العبد
مسكينا فهو ممن أمر باطعامه ولا تجوز معارضة (2) أمره عليه السلام بالدعاوي الكاذبة
وبالله تعالى نتأيد.
753 مسألة ولا ينقض الصوم حجامة، ولا احتلام ولا استمناء، ولا مباشرة
الرجل امرأته أو أمته المباحة له فيما دون الفرج، تعمد الامناء أم لم يمن، أمذى أم لم
يمذ (3)، ولا قبلة كذلك فيهما ولا قئ غالب، ولا قلس خارج من الحلق، ما لم يتعمد
رده بعد حصوله في فمه وقدرته على رميه، ولا دم خارج من الأسنان أو الجوف، ما لم
يتعمد بلعه، ولا حقنة، ولا سعوط ولا تقطير في أذن، أو في إحليل، أو في أنف،
ولا استنشاق وان بلغ الحلق، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد، ولا كحل (4)
أو ان بلغ إلى الحلق نهارا أو ليلا بعقاقير أو بغيرها، ولا غبار (5) طحن،
أنو غربلة دقيق، أو حناء، أو غير ذلك، أو عطر، أو حنظل، أو أي شئ كان،
ولا ذباب دخل الحلق بغلبة، ولامن رفع رأسه فوقع في حلقه نقطة (6) ماء بغير تعمد
لذلك منه، ولا مضغ زفت أو مصطكي، أو علك، ولا من تعمد أن يصبح جنبا،

(1) في النسخة رقم (16) (عن كل ذلك)
(2) في النسخة رقم (16) (ولا تحل معارضة)
(3) في الأصلين هكذا، لا ان في النسخة رقم (14) (أو) بدل (أم) في الموضعين، ولعل في الكلام حذفا، وكان السياق أن يقول (تعمد الامناء أم لم يتعمد، امني أم لم يمن، أمذى أم لم يمذ)
(4) في النسخة رقم (16) (ولا بكحل) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (14) (ولا بغبار) وهو خطأ
(6) في النسخة رقم (16) (نقط)
203

ما لم يترك الصلاة، ولا من (1) تسحر أو وطئ وهو يظن أنه ليل فإذا بالفجر كان
قد طلع (2)، ولا من أفطر بأكل أو وطئ، ويظن أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب،
ولامن أكل أو شرب أو وطئ ناسيا لأنه صائم، وكذلك من عصى ناسيا لصومه،
ولا سواك برطب أو يابس، ولا مضغ طعام أو ذوقه، ما لم يتعمد بلعه، ولا مداواة
جائفة أو مأمومة بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك، ولا طعام وجد بين الأسنان أي وقت
من النهار وجد، إذ رمى، ولا من أكره على ما ينقض الصوم، ولا دخول حمام،
ولا تغطيس في ماء، لا دهن شارب.
أما الحجامة. قال أبو محمد: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ثوبان، وشداد
ابن أوس، ومعقل بن سنان، وأبي هريرة، ورافع بن خديج وغيرهم: أنه قال: (أفطر
الحاجم والمحجوم) فوجب الاخذ به، الا أن يصح نسخه (3).
وقد ظن قوم أن الرواية عن ابن عباس: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ناسخة (4)
للخبر المذكور، وظنهم في ذلك باطل، لأنه قد يحتجم عليه السلام وهو مسافر فيفطر،
وذلك مباح، أو في صيام تطوع فيفطر، وذلك مباح.
والعجب كله ممن يقول في الخبر الثابت أنه عليه السلام (مسح على العمامة)
: لعله كان مريضا! ثم لا يقول ههنا: لعله كان مريضا!.
وأيضا فليس في خبر ابن عباس أن ذلك كان بعد إخباره عليه السلام أنه أفطر
الحاجم والمحجوم، ولا يترك حكم متيقن لظن كاذب.
وأيضا: فلو صح أن خبر ابن عباس بعد خبر من ذكرنا لما كان فيه إلا نسخ
إفطار المحجوم لا الحاجم، لأنه قد يحجمه عليه السلام غلام لم يحتلم.
قال أبو محمد: لكن وجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع التميمي وأحمد بن عمر العذري
قال التميمي: ثنا محمد بن معاوية القرشي المرواني ثنا أحمد بن شعيب انا إبراهيم بن سعيد
ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء، وقال العذري ثنا عبد الله
ابن الحسين بن عقال الأسدي القرشي ثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ثنا محمد بن أحمد بن
الجهم (5) ثنا موسى بن هارون ثنا إسحاق بن راهويه أنا المعتمر بن سليمان عن حميد، ثم اتفق
خالد الحذاء وحميد كلاهما عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري: (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أرخص في الحجامة للصائم) زاد حميد في روايته: (والقبلة).

(1) في النسخة رقم (16) (ومن) بحذف (لا) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (قد كان طلع)
(3) حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) ورد من طرق كثيرة، وانظر التلخيص - لابن حجر (ص 190)
(4) في النسخة رقم (14) (ناسخا)
(5) في النسخة رقم (16) (محمد بن الجهم)
204

قال على: ان أبا نضرة، وقتادة أوقفاه عن أبي المتوكل (1) على أبي سعيد، وان
ابن المبارك أوقفه عن خالد الحذاء (2) عن أبي المتوكل على أبي سعيد، ولكن هذا
لا معنى له إذا أسنده الثقة، والمسند ان له عن خالد وحميد ثقتان، فقامت به الحجة، ولفظة
(أرخص) لا تكون إلا بعد نهى، فصح بهذا لخبر نسخ الخبر الأول.
وممن قال بأن الحجامة تفطر علي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله
ابن عمر، وغيرهم.
ولم يرها تفطر ابن عباس، وزيد بن أرقم وغيرهما.
وعهدنا بالحنيفيين يقولون: ان خبر الواحد لا يقبل فيما تعظم به البلوى، وهذا مما
تكثر به البلوى، وقد قبلوا فيه خبر الواحد (3) مضطربا.
وأما الاحتلام فلا خلاف في أنه لا ينقض الصوم، إلا ممن لا يعتد به.
وأما الاستمناء فإنه لم يأت (4) نص بأنه ينقض الصوم.
والعجب كله ممن لا ينقض الصوم فعل قوم لوط، واتيان البهائم وقتل الأنفس، والسعي
في الأرض بالفساد، وترك الصلاة، وتقبيل نساء المسلمين عمدا إذا لم يمن ولا أمذى:
ثم ينقضه بمس الذكر إذا كان معه امناء! وهم لا يختلفون أن مس الذكر لا يبطل
الصوم، وأن خروج المنى دون عمل لا ينقض الصوم، ثم ينقض الصوم باجتماعهما،
وهذا خطأ ظاهر لا خفاء به (5)!.
والعجب كله ممن ينقض الصوم بالانزال للمني إذا تعمد اللذة، ولم يأت بذلك نص،
ولا اجماع، ولا قول صاحب، ولا قياس: ثم لا يوجب به الغسل إذا خرج بغير لذة،
والنص جاء بايجاب الغسل منه جملة!.
وأما القبلة والمباشرة للرجل مع امرأته وأمته المباحة له فهما سنة حسنة، نستحبها
للصائم، شابا كان أو كهلا أو شيخا، ولا نبال أكان معها إنزال مقصود إليه أو لم يكن.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أن عمر بن عبد العزيز
اخبره ان عروة بن الزبير أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقبلها وهو صائم).

(1) في النسخة رقم (16) (علي بن المتوكل) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (14) (على خالد الحذاء) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (خبرا واحدا)
(4) في النسخة رقم (16) (فلم يأت)
(5) بل هذه مغالطة مدهشة لا معنى لها
205

وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر غندر ثنا شعبة عن منصور عن
إبراهيم النخعي عن علقمة عن عائشة أم المؤمنين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر
وهو صائم (1)).
وقال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم
الآخر) لا سيما من كابر على أن فعاله صلى الله عليه وسلم فرض.
وقد روينا ذلك من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعلي بن الحسين، وعمرو
ابن ميمون، ومسروق، والأسود، وأبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، كلهم عن
عائشة بأسانيد كالذهب.
ورويناه بأسانيد في غاية الصحة عن أمهات المؤمنين أم سلمة، وأم حبيبة، وحفصة (2)
وعمر بن الخطاب، وابن عباس، وعمر بن أبي سلمة وغيرهم كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فادعى قوم أن القبلة تبطل الصوم.
وقال قوم: هي مكروهة (3).
وقال قوم: هي مباحة للشيخ، مكروهة للشاب.
وقال قوم: هي خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم.
فأما من أدعى انها خصوص له عليه السلام فقد قال الباطل، وما يعجز عن الدعوى
من لا تقوى له.
فان احتج في ذلك بما روى من قول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه).
قلنا: لا حجة لك في قول عائشة هذا، لان عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا قال
ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل بن الخليل ثنا علي بن مسهر ثنا
أبو إسحاق هو الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن أبيه عن أبيه عن عائشة
أم المؤمنين قالت: (كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها
أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله (4)
صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟!) فإن كان قولها ذلك في قبلة الصائم يوجب أنه له خصوص فقولها هذا
في مباشرة الحائض يوجب أنها له أيضا خصوص، أو أنها مكروهة، أو أنها (5) للشيخ دون
الشاب ولا يمكنهم ههنا دعوى الاجماع، لان ابن عباس وغيره كرهوا مباشرة الحائض جملة،

(1) هذا والذي قبله في مسلم (ج 1 ص 305)
(2) في النسخة رقم (16) (وأم حفصة) وهو خطأ واضح
(3) في النسخة رقم (16) (مطروحة)
(4) في النسخة رقم (14) (كما كان النبي)
(5) في النسخة رقم (16) (وانها)
206

ولعمري ان مباشرة الحائض لأشد غررا لأنه يبقى عن جماعها أياما وليالي فتشتد
حاجته، وأما الصائم فالبارحة وطئها، والليلة يطؤها، فهو بشم من الوطئ!.
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: أخبرني رجل من الأنصار: (أنه قبل
امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لها
النبي صلى الله عليه وسلم: ان رسول الله يفعل ذلك فأخبرته امرأته، فقال لها: ان النبي صلى الله عليه وآله
رخص له في أشياء، فارجعي إليه، فرجعت إليه، فذكرت له ذلك، فقال لها رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أنا أتقاكم وأعلمكم بحدود الله).
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن سعيد الأيلي ثنا ابن وهب أخبرني
عمرو هو ابن الحارث عن عبد ربه بن سعيد عن عبد الله بن كعب الحميري (1)
عن عمر بن أبي سلمة المخزومي: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل هذه، يعنى أم سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)
يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر لك (4) ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال (5)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم (6)).
فهذان الخبران يكذبان قول من ادعى في ذلك الخصوص له عليه السلام، لأنه أفتى
بذلك عليه السلام من استفتاه، ويكذب قول من ادعى أنها مكروهة للشاب مباحة للشيخ
لان عمر بن أبي سلمة كان شابا جدا في قوة شبابه، إذ مات عليه السلام وهو ابن أم سلمة
أم المؤمنين (7)، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنت حمزة عمه رضي الله عنه (8).
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا قتيبة بن سعيد
ثنا أبو عوانة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله بن عثمان

(1) في النسخة رقم (16) (عن عبد ربه بن سعيد بن عبد الله بن كعب الحميري) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (14) (فقال له عليه السلام) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 305)
(3) في النسخة رقم (14) (انه عليه السلام). ما هنا هو الموافق لمسلم
(4) في مسلم (قد غفر الله لك)
(5) في مسلم (فقال له)
(6) في مسلم (وأخشاكم له)
(7) كلمة (أم المؤمنين) زيادة من النسخة رقم (14)
(8) الكلام ناقص لم يذكر سن عمر حين موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في هذا كثيرا فزعم بعضهم انه ولد في السنة الثامنة للهجرة، وقال عبد الله بن الزبير ان عمر أكبر منه بسنتين، وابن الزبير ولد في السنة الأولى، وهذا الحديث يدل على أنه كان أكبر سنا من ذلك، وقد ورد من طريق صحيح انه هو الذي تولى زواج أمه أم سلمة رضي الله عنها بالنبي
صلى الله عليه وسلم، وقيل إن الذي زوجها هو اخوه سلمة، وان سلمة أيضا هو الذي تزوج امامة بنت حمزة رضي الله عنهم، فليحرر هذا الموضع فإنه دقيق جدا ويحتاج إلى تحقيق
207

القرشي عن عائشة أم المؤمنين قالت: (أهوى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني، فقلت: إني صائمة
فقال: وأنا صائم، فقبلني).
وكانت عائشة إذ مات عليه السلام بنت ثمان عشرة سنة.
فظهر بطلان قول من فرق في ذلك بين الشيخ والشاب، وبطلان قول من قال: إن
ها مكروهة، وصح أنها حسنة مستحبة، سنة من السنن، وقربة من القرب إلى الله تعالى
اقتداءا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووقوفا عند فتياه بذلك.
وأما ما تعلق (1) به من كرها للشاب فإنما هما حديثا سوء روينا أحدهما من طريق
فيها ابن لهيعة، وهو لا شئ، وفيها قيس مولى تجيب، وهو مجهول لا يدرى من هو؟
والآخر من طريق إسرائيل، وهو ضعيف، عن أبي العنبس، ولا يدرى من هو؟
عن الأغر عن أبي هريرة، في كليهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في قبلة الصائم للشيخ
ونهى عنها الشاب) فسقطا جميعا.
وأما من أبطل الصوم بها فإنهم احتجوا بقول الله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا
ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) ففي هذه الآية المنع من المباشرة.
قلنا: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة المباشرة، وهو المبين عن الله تعالى مراده منا،
فصح أن المباشرة المحرمة في الصوم إنما هي الجماع فقط.
ولا حجة في هذه الآية لحنيفي ولا لمالكي، فإنهم (2) يبيحون المباشرة، ولا يبطلون
الصوم بها أصلا (3)، وإنما يبطلونه بشئ يكون معها، من المنى أو المذي فقط، وإنما هي
حجة لمن منع المباشرة وأبطل الصوم بها.
وهؤلاء أيضا قد احتجوا بخبرين: روينا أحدهما من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة
عن عمر بن حمزة أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال قال عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في المنام، فرأيته لا ينظرني، فقلت: يا رسول الله، ما شأني؟ فقال: ألست الذي تقبل
وأنت صائم؟! قلت: فوالذي بعثك بالحق (4) لا أقبل بعدها وأنا صائم.
قال أبو محمد: الشرائع لا تؤخذ بالمنامات! لا سيما وقد أفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر
في اليقظة حيا بإباحة القبلة للصائم، فمن الباطل أن ينسخ ذلك في المنام ميتا! نعوذ بالله
من هذا.

(1) في النسخة رقم (16) (يتعلق)
(2) في النسخة رقم (14) (لأنهم)
(3) كلمة (أصلا) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) كلمة (بالحق) زيادة من النسخة رقم (14)
208

ويكفى من هذا كله ان عمر بن حمزة لا شئ (1).
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك (2) ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا
عيسى بن حماد هو زغبة (3) عن الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج
عن عبد الملك بن سعد الساعدي الأنصاري عن جابر بن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب:
(هششت فقبلت وانا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت
وانا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟
قلت: لا بأس به، قال: فمه؟!).
والخبر الثاني الذي (5) رويناه من طريق إسرائيل وهو ضعيف عن زيد
ابن جبير عن أبي يزيد الضبي وهو مجهول عن ميمونة بنت عتبة مولاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عمن قبل امرأته وهما صائمان؟ فقال: قد أفطرا (6)).
قال أبو محمد: حتى لو صح هذا لكان حديث أبي سعيد الخدري الذي ذكرنا
في باب الحجامة للصائم انه عليه السلام أرخص في القبلة للصائم نا سخاله.
وممن روى عنه ابطال الصيام بالقبلة من طريق سعيد بن المسيب (7): ان عمر كان
ينهى عن القبلة للصائم، فقيل له: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم) فقال:
ومن ذاله من الحفط والعصمة ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
ومن طريق عمران بن مسلم عن زاذان عن ابن عمر قال في الذي يقبل وهو صائم،
فقال (8): ألا يقبل جمرة؟!.
وعن مورق (9) عنه: أنه كان ينهى عنها.
ومن طريق علي بن أبي طالب قال (10): ما تريد إلى خلوف فيها؟! دعها حتى تفطر.

(1) عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ضعفه احمد، وابن معين، والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم: أحاديثه
كلها مستقيمة
(2) في النسخة رقم (16) (عمر بن عبد الله) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (14) عيسى هو ابن حماد هو زغبة)، وزغبة بضم الزاي واسكان الغين المعجمة وبعدها باء موحدة
(4) كلمة (أرأيت) زيادة من النسخة رقم (14)
(5) كلمة (الذي) زيادة من النسخة رقم (14)
(6) في النسخة رقم (14) (عن ميمونة بنت عتبة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن قبل امرأته وهما صائمان فقال: قد أفطر) وهو خطأ ظاهر
(7) كذا في الأصلين والمراد ظاهر، ولعل في الكلام نقصا
(8) قوله (قال) وقوله (فقال) محذوفان في النسخة رقم (14)
(9) بضم الميم وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة، وهو مورق بن مشمرج - بضم الميم وفتح الشين المعجمة واسكان الميم وكسر الراء أو فتحها - أو ابن عبد الله العجلي الكوفي التابعي، وفي
الأصلين (مواق) وهو خطأ وليس في رجال الحديث من يسمى هكذا الا ابن المواق وهو مغربي متأخر
(10) كلمة (قال) زيادة من النسخة رقم (16)
209

وعن الهزهاز (1): أن ابن مسعود سئل عمن قبل وهو صائم؟ فقال: أفطر، ويقضى
يوما مكانه.
وعن حذيفة قال: من تأمل خلق (2) امرأته وهو صائم بطل صومه.
وعن الزهري عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهون عن القبلة للصائم.
ومن طريق شريح: أنه سئل عن قبلة الصائم؟ فقال: يتقى الله ولا يعد (3).
وعن أبي قلابة: انه نهى عنها.
وعن محمد بن الحنيفة: إنما الصوم من الشهوة، والقبلة من الشهوة.
وعن أبي رافع قال: لا يقبل الصائم.
وعن مسروق: أنه سئل عنها؟ فقال: الليل قريب!.
وقال (4) ابن شبرمة: إن قبل الصائم أفطر وقضى (5) يوما مكانه.
ومن كرهها: روينا عن سعيد بن المسيب: القبلة تنقص (6) الصوم ولا تفطر.
وعن إبراهيم النخعي: أنه كرهها.
وعن عبد الله بن مغفل: أنه كرهها.
وعن سعيد بن جبير: أنه قال: لا بأس بها، وانها لبريد سوء!.
وعن عروة بن الزبير قال: لم أر القبلة تدعوا إلى خير، يعنى للصائم.
وصح عن ابن عباس: أنه قال: هي دليل إلى غيرها، والاعتزال أكيس.
وكرهها مالك.
ومن فرق بين الشيخ والشاب: روينا من طريق ابن المسيب عن عمر بن الخطاب،
ومن طريق أبى مجلز (7) عن ابن عباس، ومن طريق ابن أبي مليكة عن أبي هريرة،
ومن طريق نافع عن ابن عمر، ومن طريق هشام بن الغاز (8) عن مكحول، ومن
طريق حريث عن الشعبي: أنهم كلهم رخصوا في قبلة الصائم للشيخ وكرهوها للشاب.
ومن كره المباشرة للصائم: روينا من طريق عطاء عن ابن عباس: أنه سئل عن

(1) كذا في الأصلين ولم أجد له ترجمة، الا في تاريخ الطبري (ج 4 ص 130) ذكر الهزهاز بن عمرو العجلي
في القواد في سنة 14 وذكره ابن حجر في الإصابة (ج 6 ص 284) على أنه صحابي، وفى ابن سعد (ج 7 ق 2 ص 6) ترجمة
(نصر بن زياد أبو الهزهاز العجلي) وقال إنه قليل الحديث، وانا أظن أن الأول أرجح وانه غير الثاني
(2) بالخاء المعجمة، وفى النسخة رقم (16) بالمهملة وهو تصحيف
(3) بضم العين نهى عن العود
(4) في النسخة رقم (16) (وعن)
(5) في النسخة رقم (16) (ويقضى)
(6) في الأصلين بالضاد المعجمة، والسياق يقضى أن تكون بالمهملة
(7) في النسخة رقم (16) (ابن أبي مجلز) وهو خطأ
(8) في النسخة رقم (14) (الغازي)
210

القبلة للصائم؟ فقال: لا بأس بها، وسئل: أيقبض على ساقها؟ قال: لا يقبض على ساقها،
أعفوا (1) الصيام.
ومن طريق مالك عن ابن عمر: أنه كان ينهى عن المباشرة للصائم.
وعن الزهري: أنه نهى عن لمس الصائم وتجريده.
وعن سعيد بن المسيب في الصائم يباشر قال: يتوب عشر مرار، إنه ينقص من صومه
الذي يجرد أو يلمس، لك أن تأخذ بيدها وبأدنى جسدها وتدع أقصاه.
وعن عطاء بن أبي رباح في الصائم يباشر النهار قال: لم يبطل صومه، ولكن يبدل
يوما مكانه.
وعن أبي رافع: لا يباشر الصائم.
وكرهها مالك.
ومن أباح المباشرة للشيخ ونهى عنها للشاب: روينا هذا عن ابن عمر، وعن ابن عباس،
والشعبي.
وأما من أباح كل ذلك: روينا من طريق عبد الرزاق عن مالك عن أبي النضر مولى
عمر بن عبيد الله أن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله أخبرته: أنها كانت عند عائشة
أم المؤمنين فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق
وهو صائم في رمضان، فقالت له عائشة أم المؤمنين: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها
وتلاعبها؟! فقال: أقبلها وأنا صائم؟! قالت: نعم.
ومن طريق معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن مسروق قال: سألت
عائشة أم المؤمنين: ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ فقالت: كل شئ إلا الجماع.
قال أبو محمد: عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها، وكانت أيام عائشة،
هي وزوجها فتيين في عنفوان (2) الحداثة.
وهذان الخبران يكذبان قول من لا يبالي بالكذب أنها أرادت بقولها: (وأيكم
أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)؟ النهى عن القبلة والمباشرة للصائم.
ومن طريق عبد الله، وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر بن الخطاب: أن عمر بن الخطاب
كانت تقبله امرأته عاتكة بنت زيد بن عمر وهو صائم، فلا ينهاها.
ومن طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير: أن رجلا قال لابن عباس: انى

(1) في النسخة رقم (14) (عفوا) بدون همز وهو خطأ، لان (عف) فعل لازم (2) في الصحاح: (عنفوان
الشئ أوله، يقال هو في عنفوان شبابه) أهم من حاشية النسخة رقم (14)
211

تزوجت ابنة عم لي جميلة، فبنى بي في رمضان، فهل لي بأبى أنت وأمي إلى قبلتها من
سبيل؟! فقال له ابن عباس: هل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: قبل، قال: فبأبي أنت
وأمي هل إلى مباشرتها من سبيل؟! قال: هل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: فباشرها،
قال فهل لي إلى أن أضرب بيدي على فرجها من سبيل؟! قال: وهل تملك نفسك؟ قال: نعم،
قال اضرب. وهذه أصح طريق عن ابن عباس.
وعن يحيى بن سعيد القطان عن حبيب بن شهاب (1) عن أبيه قال: سألت أبا هريرة
عن دنوا الرجل من امرأته وهو صائم؟ فقال: إني لارف (2) شفتيها وأنا صائم.
وعن زيد بن أسلم قال: قيل لأبي هريرة: أتقبل وأنت صائم؟ قال: نعم وأكفحها
معناه: أنه يفتح فاه إلى فيها (3) وسئل عن تقبيل غير امرأته؟! فاعرض بوجهه.
ومن طريق صحاح عن سعد بن أبي وقاص: انه سئل: أتقبل وأنت صائم؟ قال:
نعم، وأقبض على متاعها.
وعن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري: أنه كان لا يرى: بالقبلة للصائم بأسا.
وعن سفيان بن عيينة عن زكريا هو ابن أبي زائدة عن الشعبي عن عمرو بن شرحبيل
أن ابن مسعود كان يباشر امرأته نصف النهار وهو صائم. وهذه أصح طريق عن
ابن مسعود.
ومن طريق حنظلة بن سبرة بن المسيب بن نجبة الفزاري (4) عن عمته وكانت
تحت حذيفة بن اليمان قالت: كان حذيفة إذا صلى الفجر في رمضان جاء فدخل معي
في لحافي ثم يباشرني.
وعن أبي ظبيان عن علي بن أبي طالب: لا بأس بالقبلة للصائم.
وعن مسعر عن سعيد بن مردان به (5) عن أبي كثير أن أم سلمة أم المؤمنين قالت

(1) حبيب بن شهاب هذا بصرى وهو العنبري وهو ثقة وله ترجمة في تعجيل المنفعة (ص 84)
(2) بضم الراء، والرف المص والترشف، والرفة المصة
(3) هكذا فسر المؤلف الكلمة، وفسرها في اللسان بأنه (قبلها غفلة) وبمعنى (أتمكن من تقبيلها وأستوفيه من غير اختلاس من من المكافحة وهي مصادفة الوجه) وحكى عن أبي عبيد
ان بعضهم رواها (وأقحفها) بالقاف وتقديم الحاء وفسرها بأنه (أراد شرب الريق من قحف الرجل ما في الاناء
إذا شرب ما فيه)
(4) نجبة بالنون والجيم والباء المفتوحات، ثم هكذا هو في الأصلين بهذا النسب ولم أجد في الرواة
من يسمى حنظلة بن سبرة بن المسيب، وأظن أن في النسخ خطأ وان صوابه (حنظلة بن سبرة عن المسيب بن
نجبة) والمسيب هذا تابعي معروف بالرواية عن علي وعن حذيفة وقتل في طلب دم الحسين سنة 65 وله ترجمة في
الإصابة (ج 6 ص 174 و 175) وفى غيرها
(5) كذا هو في الأصلين، وضبط في النسخة رقم (14) بفتح الميم والدال بينهما راء ساكنة، وبعد الألف نون ساكنة، وبعد ذلك باء موحدة مفتوحة ثم هاء ساكنة. ولم أجد له ذكرا ولا ترجمة
212

له وقد تزوج في رمضان: لو دنوت، لو قبلت.
ومن التابعين من طريق عكرمة: لا بأس بالقبلة والمباشرة للصائم، إنما هي كالكسرة
يشتمها (1).
وعن الحسن البصري قال: يقبل الصائم ويباشر.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أنه كان يقبل في رمضان نهارا ويفتى بذلك.
وعن سعيد بن جبير إباحة القبلة للصائم.
وعن الشعبي: لا بأس بالقبلة والمباشرة للصائم.
وعن مسروق: أنه سئل عن تقبيل الصائم امرأته؟ فقال: ما أبالي أقبلتها أو قبلت يدي.
فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم عائشة وأم سلمة أما المؤمنين، وعمر بن الخطاب،
وعلى، وعاتكة بنت زيد، وابن عباس، وأبو هريرة، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود،
وأبو سعيد الخدري، وحذيفة، وما نعلم منهم أحدا روى عنه كراهتها الا وقد جاء عنه
إباحتها بأصح من طريق الكراهة، إلا ابن عمر وحده، ورويت الإباحة جملة عن سعد،
وأبي سعيد، وعائشة، وأم سلمة، وعاتكة.
قال أبو محمد: ولقد كان يجب لمن غلب القياس على الأثر أن يجعلها في الصيام بمنزلتها
في الحج، ويجعل فيها صدقة كما جعل فيها هنالك، ولكن هذا مما تركوا فيه القياس.
وبالله تعالى نتأيد.
وإذ قد صح (2) ان القبلة والمباشرة مستحبتان في الصوم وانه لم ينه الصائم في امرأته
عن شئ الا الجماع: فسواء تعمد الامناء في المباشرة أو لم يتعمد! كل ذلك مباح
لا كراهة في شئ من ذلك إذ لم يأت بكراهيته نص ولا إجماع، فكيف ابطال الصوم
به! فكيف ان تشرع فيه كفارة؟.
وقد بينا مع ذلك من أنه خلاف للسنة فساد قول من رأى الصوم ينتقض
بذلك، لأنهم، يقولون: خروج المنى بغير مباشرة لا ينقض الصوم، وان المباشرة
إذا لم يخرج معها مذى ولا منى لا تنقض الصوم، وان الانعاظ دون مباشرة لا ينقض
الصوم، فكل واحد من هذه على انفراد لا يكدح في الصوم أصلا، فمن أين لهم إذا
اجتمعت ان تنقض (3) الصوم؟! هذا باطل لاخفاء به، الا ان يأتي بذلك نص، ولا سبيل
إلى وجوده ابدا، لا من رواية صحيحة ولا سقيمة، واما توليد الكذب والدعاوى

(1) في النسخة رقم (16) (يشمها) وشم واشتم بمعنى
(2) في النسخة رقم (16) (وإذا صح)
(3) في النسخة رقم (14) (ينتقضوا)
213

بالمكابرة فما يعجز عنها من لا دين له (1).
وما رؤى قط حلال وحلال يجتمعان فيحرمان الا ان يأتي بذلك نص، وبهذا الدليل
نفسه خالف الحنيفيون السنة الثابتة في تحريم نبيذ التمر، والزبيب يجمعان، ثم حكموا (2)
به ههنا حيث لا يحل الحكم به، وبالله تعالى التوفيق.
وهم يقولون: ان الجماع دون الفرج حتى يمنى لا يوجب حدا ولا يلحق به الولد،
وكان يجب ان يفرقوا بينه وبين الجمع في ابطال الصوم به، مع أن نقض الصوم
بتعمد الامناء خاصة لا نعلمه عن أحد من خلق الله تعالى قبل أبي حنيفة، ثم اتبعه
مالك، والشافعي.
وأما القئ الذي لا يتعمد فقد جاء الأثر بذلك على ما ذكرنا قبل، ولا نعلم في القلس
والدم الخارجين (3) من الأسنان لا يرجعان إلى الحق، خلافا في أن الصوم لا يبطل بهما،
وحتى لوجاء في ذلك خلاف لما التفت إليه، إذ لم يوجب بطلان الصوم بذلك نص.
وأما الحقنة والتقطير في الإحليل والتقطير في الاذن والسعوط والكحل ومداواة
الجائفة والمأمومة: فإنهم قالوا: إن ما وصل إلى الجوف والى باطن الرأس لأنه
جوف فإنه ينقض الصوم، قياسا على الاكل.
ثم تناقضوا، فلم ير الحنيفيون والشافعيون في الكحل قضاء وان وصل إلى حلقه ولم
ير مالك بالفتائل تستدخل لدواء بأسا للصائم، (4) ولم ير الكحل يفطر، إلا أن يكون
فيه عقاقير.
وقال الحسن بن حي: لا تفطر الحقنة إن كانت لدواء.
وعن إبراهيم النخعي لا بأس بالسعوط للصائم.
ومن طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي: ان أباه، ومنصور بن المعتمر،
وابن أبي ليلى، وابن شبرمة كانوا يقولون: ان اكتحل الصائم فعليه ان يقضى يوما مكانه.
قال أبو محمد: إنما نهانا (5) الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد
القئ والمعاصي، وما علمنا أكلا ولا شربا يكون على دبر، أو إحليل، أو أذن، أو عين، أو أنف
أو من جرح في البطن أو الرأس! وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف بغير
الأكل والشرب ما لم يحرم علينا إيصاله!.
والعجب أن من رأى منهم الفطر بكل ذلك لا يرى على من احتقن بالخمر أو صبها

(1) كلمة (له) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (16) (ثم حكما) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (الخارجان)
(4) في النسخة رقم (16) (في الصائم) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (14) (نهى)
214

في اذنه حدا! فصح انه ليس شربا ولا أكلا.
ثم تناقضهم في الكحل عجب جدا! وهو أشد وصولا إلى الحلق، ومجرى الطعام من
الفطور في الاذن.
واحتج بعضهم بأنه كغبار الطريق، والطحين.
فقيل له: ليس مثله، لان غبار الطريق والطحين لم يتعمد إيصاله إلى الحلق، والكحل
تعمد إيصاله.
وأيضا: فان قياس السعوط على غبار الطريق والطحين أولى، لان كل ذلك مسلكه
الانف، ولكنهم لا يحسنون قياسا، ولا يلتزمون نصا، ولا يطردون أصلا! (1).
أما المضمضة والاستنشاق فيغلبه الماء فيدخل حلقه عن غير تعمد.
فان أبا حنيفة قال: إن كان ذاكرا لصومه فقد أفطر وعليه القضاء، وإن كان ناسيا
فلا شئ عليه، وهو قول إبراهيم.
وقال مالك: عليه القضاء في كل ذلك.
وقال ابن أبي ليلى: لا قضاء عليه، ذاكرا كان أو غير ذاكر.
وروينا عن بعض التابعين وهو الشعبي، وحماد وعن الحسن بن حي: إن كان
ذلك في وضوء لصلاة فلا شئ عليه، وإن كان لغير وضوء فعليه القضاء.
قال أبو محمد: قال الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيا أخطأتم به ولكن ما تعمدت
قلوبكم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)
وروينا قولنا في هذه المسألة عن عطاء بن أبي رباح.
واحتج من أفطر بذلك بالأثر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإذا استنشقت
فبالغ، الا أن تكون صائما).
قال أبو محمد: ولا حجة لهم فيه، لأنه ليس فيه أنه يفطر الصائم بالمبالغة في
الاستنشاق، وإنما فيه إيجاب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم وسقوط وجوب
ذلك عن الصائم فقط، لا نهيه عن المبالغة، فالصائم مخير بين أن يبالغ في الاستنشاق
وبين أن لا يبالغ فيه، (2) وأما غير الصائم فالمبالغة في الاستنشاق فرض عليه، والا كان
مخالفا لامره عليه السلام بالمبالغة، ولو أن امرءا يقول: إن المبالغة في الاستنشاق تفطر
الصائم لكان أدخل في التمويه منهم، لأنه (3) ليس في هذا الخبر من وصول الماء

(1) من أول قوله (ولا يلتزمون نصا) إلى هنا سقط من النسخة رقم (16)
(2) هذا خلاف الظاهر من سياق الحديث
(3) في النسخة رقم (16) (لأنهم) وهو خطأ
215

إلى الحلق أثر ولا عثير والإشارة (1) ولا دليل، ولكنهم لا يزالون يتكهنون في السنن
ما يوافق آراءهم بالدعاوى الكاذبة! وبالله تعالى التوفيق.
وأما الذباب يدخل في الحلق غلبة ومن رفع رأسه إلى السماء فتثاءب فوقع في حلقه
نقطة (2) من المطر: فان مالكا قال: يفطر، وقال أبو حنيفة: لا يفطر بالذباب.
وقد روينا من طريق وكيع عن أبي مالك عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس
في الذباب يدخل حلق الصائم قال: لا يفطر.
وعن وكيع عن الربيع عن الحسن في الذباب يدخل حلق الصائم قال: لا يفطر.
وعن الشعبي مثله.
وما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم إلا تلك الرواية
الضعيفة عنه.
وعن ابن مسعود: الفطر مما دخل وليس مما خرج، والوضوء مما خرج وليس
مما دخل.
وكلهم قد خالف هذه الرواية لأنهم يرون الفطر بتعمد خروج المنى، وهو (3)
خارج لا داخل، ويبطلون الوضوء بالايلاج، وهو (4) داخل لا خارج.
قال أبو محمد: قد قلنا: إن ما ليس أكلا ولا شربا ولا جماعا ولا معصية فلا يفطر
لأنه لم يأمر الله تعالى بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما السواك بالرطب، واليابس، ومضغ الطعام، وذوقه ما لم يصل منه إلى الحلق شئ
بتعمد: فكلهم لا يرون الصيام بذلك منتقضا، وإن كان الشافعي كره السواك
في آخر النهار ولم يبطل بذلك الصوم (5)،.
وكره بعضهم مضغ الطعام وذوقه، وهذا لا شئ، لان كراهة ما لم يأت قرآن ولا سنة
بكراهته (6) خطأ، وهم لا يكرهون المضمضة، ولا فرق بينهما وبين مضغ الطعام، بل
الماء أخفى ولوجا وأشد امتزاجا بالريق من الطعام، وهذا مما خالفوا فيه القياس.
واحتج الشافعي بالخبر الثابت (ان خلوف فم الصائم أطيب عند الله (7) من ريح
المسك).
قال أبو محمد: الخلوف خارج من الحلق، وليس في الأسنان، والمضمضة تعمل

(1) بفتح العين المهملة وبكسرها مع اسكان الثاء المثلثة وفتح الياء ويقال بتقديم الياء على الثاء مع فتح العين فقط،
وكلاهما بمعنى الأثر الخفي
(2) في النسخة رقم (16) (نقط)
(3) في النسخة رقم (14) (وهذا)
(4) في النسخة رقم (14) (وهذا)
(5) في النسخة رقم (16) (به الصوم)
(6) في النسخة رقم (16) (بكراهيته)
(7) في النسخة رقم (16) (عند الله أطيب). ما هنا أقرب لألفاظ الحديث
216

في ذلك عمل السواك، وهو لا يكرهها، وقول الشافعي في هذا هو قول مجاهد، ووكيع وغيرهما.
وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على السواك لكل صلاة، ولم يخص صائما من غيره
فالسواك سنة للعصر، وللمغرب، وسائر الصلوات.
وقد كره أبو ميسرة الرطب من السواك للصائم، ولم يكرهه الحسن وغيره.
وروينا من طريق الحسن، وحماد، وإبراهيم: أنهم كانوا لا يكرهون للصائم أن يمضغ
الطعام للصبي، وكان الحسن يفعله.
وأما مضغ العلك، والزفت، والمصطكي: فروينا من طريق لا يصح عن أم حبيبة
أم المؤمنين: أنها كرهت العلك للصائم.
وروينا عن الشعبي: أنه لم ير به بأسا.
وقد قلنا: إن ما لم يكن أكلا ولا شربا، ولا جماعا ولا معصية فهو مباح في الصوم،
ولم يأت به نص بنهي الصائم عن شئ مما ذكرنا، وليس أكلا ولا شربا، ولا ينقص
منه شئ بطول المضغ لو وزن. وبالله تعالى التوفيق.
وأما غبار ما يغربل فقد ذكرنا عن أبي حنيفة: أنه لا يفطر، ورويناه أيضا
من طريق ابن وضاح عن سحنون وهو لا يسمى أكلا ولا شربا، فلا يفطر الصائم.
وأما طعام يخرج من بين الأسنان في أي وقت من النهار خرج فرمى به: فهذا
لم يأكل ولا شرب، فلا حرج، ولا يبطل الصوم وبالله تعالى التوفيق، وهو قولهم كلهم.
وأما من أصبح جنبا عامدا أو ناسيا ما لم يتعمد التمادي ضحى كذلك حتى يترك
الصلاة عامدا ذاكرا لها. فان السلف اختلفوا في هذا.
فرأى بعضهم أنه يبطل صومه بترك الغسل قبل الفجر.
وقال الحنيفيون، والمالكيون، والشافعيون: صومه تام وان تعمد أن لا يغتسل
من الجنابة شهر رمضان كله.
قال أبو محمد: أما هذا القول فظاهر الفساد، لما ذكرنا قبل من أن تعمد المعصية
يبطل الصوم، ولا معصية أعظم من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها.
وذهبت طائفة من السلف إلى ما ذكرنا قبل.
كما روينا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عبد الله (1) بن عبد الله

(1) في النسخة رقم (14) (عبيد الله) بالتصغير، وهو خطأ، ففي فتح الباري (ج 4 ص 104) (اما رواية
ابن عبد الله بن عمر فوصلها عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن ابن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة به، وقد اختلف
على الزهري في اسمه فقال شعيب عنه: أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر قال لي أبو هريرة: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا، أخرجه النسائي والطبراني في مسند الشاميين، وقال عقيل
عنه: عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به، فاختلف على الزهري هل هو عبد الله مكبرا أو عبيد الله مصغرا)
والذي هنا هو رواية شعيب فيتعين انه المكبر، وهذا الحديث الذي نسبه ابن حجر للنسائي لم أجده في السنن وأظن أن
نسخة السنن المطبوعة تنقصها أحاديث كثيرة من كتاب الصوم بل ومن غيره
217

ابن عمر: (أنه احتلم ليلة في رمضان، ثم نام فلم ينتبه حتى أصبح، قال: فلقيت أبا هريرة
فاستفتيته؟ فقال: أفطر، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا
قال: فجئت إلى أبى فأخبرته بما أفتاني به أبو هريرة، فقال: أقسم بالله لئن أفطرت
لأوجعن متنك، صم، فان بدا لك أن تصوم يوما آخر فافعل).
وروينا من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة سمعت
عبد الله بن عمرو القاري قال: سمعت أبا هريرة يقول: (لا ورب هذا البيت، ما أنا قلت:
من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصم، محمد ورب الكعبة قاله).
قال أبو محمد: وقد عاب من لا دين له ولا علم له هذا الخبر بأن عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام روى عن أبي هريرة أنه قال له في هذا الخبر: إن أسامة بن زيد حدثه به،
وإن الفضل بن عباس حدثه به.
قال أبو محمد: وهذه قوة زائدة للخبر، أن يكون أسامة والفضل روياه عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وما ندري إلى ما أشار به هذا الجاهل؟! وما يخرج من هذا الاعتراض إلا نسبة
أبي هريرة للكذب، والمعترض بذلك (1) أحق بالكذب منه.
وكذلك عارض قوم لا يحصلون ما يقولن هذا الخبر بأن أمي المؤمنين روتا:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك النهار).
قال أبو محمد: وليس يعارض هذا الخبر ما رواه أبو هريرة لان رواية أبي هريرة
هي الزائدة.
والعجب ممن يرد روايتهما رضي الله عنهما في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو
صائم برأيه: ثم يجعل روايتهما ههنا حجة على السنة الثابتة! لا سيما مع صحة الرواية
عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت (ما أدرك الفجر قط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو نائم (2))
فهلا حملوا هذا على غلبة النوم، لا على تعمد ترك الغسل؟!.
واحتج أيضا قوم بما رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن هشام الدستوائي

(1) في النسخة رقم (16) (والمعرض له بذلك) الحديث في مسلم (ج 1 ص 205) بلفظ (ما ألفي رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر الاعلى في بيتي أو عندي إلا نائما)
218

عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: رجع أبو هريرة عن فتياه في الرجل يصبح جنبا.
قال على: ولا حجة في رجوعه، لأنه رأى منه، إنما الحجة في روايته عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وقد افترض علينا اتباع روايتهم ولم نؤمر باتباع الرأي ممن رآه منهم.
والعجب ممن يحتج بهذا من المالكيين! وهم قد ثبتوا على ما روى عن عمر رضي الله عنه
من تحريم المتزوجة في العدة على الذي دخل بها في الأبد، وقد صح رجوع عمر
عن ذلك إلى أنه مباح له ابتداء زواجها!.
وممن قال بهذا من السلف كما روينا من طريق ابن جريج عن عطاء: أنما لما اختلف
عليه أبو هريرة، وعائشة في هذا قال عطاء: يبدل يوما ويتم يومه ذلك.
ومن طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه أنه قال:
من أدركه الصبح جنبا وهو متعمد أبدل الصيام، ومن أتاه غير متعمد فلا يبدله.
فهذا عروة ابن أخت عائشة رضي الله عنها قد ترك قولها لرواية أبي هريرة.
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر قال:
سألت إبراهيم النخعي عن الرجل يصبح جنبا؟ فقال: أما رمضان فيتم صومه
ويصوم يوما مكانه، وأما التطوع فلا.
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي ثنا ابن إسحاق هو عبد الله (1) قال:
سألت سالما عن رجل أصبح جنبا في رمضان؟ قال: يتم يومه (2) ويقضى يوما مكانه.
ومن طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: من أصبح جنبا في شهر رمضان
فاستيقظ ولم يغتسل حتى يصبح فإنه يتم ذلك اليوم ويصوم يوما مكانه، فإنه لم يستيقظ
فلا بدل عليه.
ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن البصري فيمن أصبح جنبا في رمضان:
يقضيه في الفرض.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن عائذ بن حبيب عن هشام بن عروة في الذي يصبح
جنبا في رمضان قال: عليه القضاء.
قال أبو محمد: لو لم يكن الا ما ذكرنا لكان الواجب القول بخبر أبي هريرة، لكن
منع من ذلك صحة نسخه.
وبرهان ذلك قول الله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس

(1) لم أجد في الرواة من طبقة اتباع التابعين من اسمه (عبد الله بن إسحاق)
(2) في النسخة رقم (16) (يتم صومه)
219

لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن
باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من
الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل).
حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا إبراهيم بن حماد ثنا إسماعيل
ابن إسحاق ثنا عبد الواحد ثنا حماد بن سلمة ثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) كان أحدهم إذا نام
لم تحل له النساء، ولم يحل له أن يأكل شيئا إلى القابلة، ورخص الله لكم.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني هلال بن العلاء
ابن هلال الرقى ثنا حسين بن عياش ثقة من أهل باجدا (1) ثنا زهير بن معاوية
ثنا أبو إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب: ان أحدهم كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل
له ان يأكل شيئا ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتى تغرب الشمس، حتى نزلت (وكلوا
واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر).
قال أبو محمد: فصح ان هذه الآية ناسخة لكل حال تقدمت في الصوم، وخبر أبي هريرة
موافق لبعض الأحوال المنسوخة، وإذ صح ان هذه الآية ناسخة لما تقدم فحكمها
باق لا يجوز نسخه (2) وفيها إباحة الوطئ إلى تبين الفجر، فإذ هو مباح بيقين، فلا
شك في أن الغسل لا يكون إلا بعد الفجر، ولا شك في أن الفجر يدركه وهو جنب،
فبهذا وجب ترك حديث أبي هريرة، لا بما سواه. وبالله تعالى التوفيق.
وأما من نسي أنه صائم في رمضان أو في صوم فرض، أو تطوع فأكل وشرب ووطئ
وعصى، ومن ظن أنه ليل ففعل شيئا من ذلك فإذا به قد أصبح، أو ظن أنه قد غابت
الشمس ففعل شيئا من ذلك فإذا بها لم تغرب: فان صوم كل من ذكرنا تام. لقول
الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم). ولقول الله رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
حدثنا بذلك أحمد بن عمر بن أنس العذري قال ثنا الحسين (3) بنت عبد الله الجرجاني
قال ثنا عبد الرزاق بن أحمد بن عبد الحميد الشيرازي أخبرتنا فاطمة بنت الحسن (4) الريان

(1) بفتح الباء الموحدة والجيم وتشديد الدال المهملة المفتوحة بالقصر، وهي قرية بين رس عين والرقة،
وباسمها قرية أخرى من قرى بغداد، والحسين بن عياش من الأولى لأنه رقى. وفى النسخة رقم (16) (يا جد) وهو
خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (ولا يجوز رفعه)
(3) في النسخة رقم (14) (الحسن)
(4) في الأصلين (فاطمة بنت الحسين) ولكنه مضى في المسألة 380 من المحلى (ج 5 ص 149) (ج 4 ص 4) وفى الأحكام (ج 5 ص 149) بهذا الاسناد وفيه (فاطمة بنت الحسين)
220

المخزومي وراق أبى بكر بن قتيبة ثنا الربيع بن سليمان المؤذن المرادي ثنا بشر بن بكر عن
الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان
الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ النسيان وما استكرهوا عليه).
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا
عبدان أنا يزيد بن زريع ثنا هشام هو ابن حسان ثنا ابن سيرين عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نسي أحدكم فأكل، أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه
الله وسقاه).
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود
ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا أيوب هو السختياني وحبيب بن الشهيد
كلاهما عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله، إني أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم؟ فقال: الله أطعمك وسقاك).
ورويناه أيضا عن أبي رافع، وخلاس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم صائما، وأمره باتمام صومه ذلك، فصح
أنه صحيح الصوم. وبه يقول جمهور السلف.
روينا من طريق وكيع عن شعبة عن عبد الله بن دينار قال: استسقى ابن عمر
وهو صائم، فقتل: ألست صائما؟ فقال: أراد الله أن يسقيني فمنعتني.
ومن طريق أبي هريرة: من شرب ناسيا أو أكل ناسيا فليس عليه بأس، ان
الله أطعمه وسقاه.
وعن علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت مثل هذا.
ورويناه أيضا عن عطاء، وقتادة ومجاهد، والحسن، وسويا (1) في ذلك بين المجامع
والآكل، وعن الحكم بن عتيبة مثله، وعن أبي الأحوص، وعلقمة، وإبراهيم النخعي،
والحسن البصري، وهو قول أبي حنيفة. وسفيان وأحمد بن حنبل. والشافعي. وأبي سليمان
وغيرهم، إلا أن بعض ما ذكرنا رأى الجماع بخلاف الأكل والشرب، ورأي فيه
القضاء، وهو قول عطاء، وسفيان.
قال أبو محمد: وقال مالك: القضاء واجب على الناسي.
قال على: وما نعلم لهم حجة أصلا، إلا أنهم قالوا: الاكل، والجماع والشرب ينافي الصوم.

(1) في النسخة رقم (14) (وسووا) وهو محتمل أن يكون المراد قتادة ومجاهد والحسن، وأما عطاء فقد
نقل عنه المؤلف التفرقة بين المجامع والآكل ناسيا. وكذلك نقله عنه ابن حجر في الفتح (ج 4 ص 111)
221

فقيل لهم: وعلى هذا فالأكل والشرب ينافي الصلاة وأنتم تقولون: ان ذلك لا يبطل
الصلاة إذا كان بنسيان! فظهر تناقضهم! فكيف وقولهم هذا خطأ؟!.
وإنما الصواب أن تعمد الأكل والشرب والجماع والقئ ينافي الصوم، لا الاكل
كيف كان، ولا الشرب كيف كان، ولا الجماع كيف كان، ولا القئ كيف كان، فهذا
هو الحق المتفق عليه، والذي جاءت به النصوص من القرآن والسنن.
وأما دعواهم فباطل، عارية من الدليل جملة، لا من قرآن، ولا من سنة صحيحة،
ولامن رواية فاسدة، ولامن قياس، ولا من قول أحد من الصحابة رضي الله عنهم،
بل هذا مما نقضوا فيه وتناقضوا فيه، لأنهم يعظمون خلاف قول الصاحب إذا وافقهم
وخالفوا ههنا طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف، وقالوا: الكلام، أو الاكل،
أو الشرب في الصلاة بنسيان لا يبطلها، وأبطلوا الصوم بكل ذلك بالنسيان! وهذا تناقض
لاخفاء به.
وأما أبو حنيفة فتناقض أيضا، لأنه رأى أنه الكلام ناسيا. أو الاكل ناسيا. أو
الشرب ناسيا تبطل الصلاة بكل ذلك ويبتدئها، وخالف السنة الواردة في ذلك، ورأي
الجماع يبطل الحج ناسيا كان، أو عامدا (1) ورأي أن كل ذلك لا يبطل الصوم، واتبع
الخبر في ذلك، ورأي الجماع ناسيا لا يبطل الصوم، قياسا على الاكل، ولم يقس الآكل
نائما على الآكل ناسيا، بل رأى (2) الاكل نائما يبطل الصوم، وهو ناس بلا شك،
وهذا تخليط لا نظير له!.
وادعى مقلدوه الاجماع على أن الجماع والاكل ناسيا سواء، وكذبوا في ذلك،
لأننا روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء: رجل أصاب امرأته
ناسيا في رمضان؟ فقال عطاء: لا ينسى هذا كله! عليه القضاء، لم يجعل الله له عذرا،
وان طعم ناسيا فليتم صومه ولا يقضيه، الله أطعمه وسقاه (3) وبه يقول سفيان الثوري.
ورأي ابن الماجشون على من أكل ناسيا. أو شرب ناسيا القضاء، وعلى من جامع
ناسيا القضاء والكفارة! وهذه أقوال فاسدة، وتفاريق لا تصح. وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: ومن أكل وهو يظن أنه ليل أو جامع كذلك أو شرب كذلك فإذا
به نهار إما بطلوع الفجر وأما بأن الشمس لم تغرب: فكلاهما لم يتعمد إبطال
صومه، وكلاهما ظن أنه في غير صيام، والناسي ظن أنه في غير صيام ولا فرق، فهما

(1) في النسخة رقم (14) (ورأي الجماع في الحج أو عمدا يبطله)
(2) في النسخة رقم (16) (ورأي)
(3) نقل ابن حجر في الفتح أوله عن عطاء (ج 4 ص 111)
222

والناسي سواء ولا فرق.
وليس هذا قياسا ومعاذ الله من ذلك وإنما يكون قياسا لو جعلنا الناسي أصلا
ثم شبهنا به من أكل وشرب وجامع وهو يظن أنه في ليل فإذا به في نهار، ولم نفعل هذا
بل كلهم سواء في قول الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت
قلوبكم) وفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لامتي (1) الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه (2)).
وهذا قول جمهور السلف.
روينا من طريق عبد الرزاق: ثنا معمر عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: أفطر
الناس في زمن عمر بن الخطاب فرأيت عساسا (3) أخرجت من بيت حفصة فشربوا،
ثم طلعت الشمس من سحاب، فكأن ذلك شق على الناس، فقالوا: نقضي هذا اليوم
فقال عمر: لم؟ والله ما تجانفنا لاثم (4).
وروينا أيضا من طريق الأعمش عن المسيب (5) عن زيد بن وهب، ومن طريق
ابن أسلم عن أخيه عن أبيه ولم يذكر قضاء.
وقد روى عن عمر أيضا القضاء، وهذا تخالف من قوله، فوجب الرجوع إلى
ما افترض الله تعالى الرجوع إليه عند التنازع، من القرآن والسنة، فوجدنا ما ذكرنا
قبل، مع أن هذه الرواية عن عمر أولى لان زيد بن وهب له صحبة، وإنما روى عنه
القضاء من طريق علي بن حنظلة عن أبيه (6).
وروينا من طريق شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة عمن تسحر نهارا وهو يرى
أن عليه ليلا؟ يقال: يتم صومه.
ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال: من أكل

(1) في النسخة رقم (14) (عن أمتي) وبحاشيتها نسخة أخرى كما هنا
(2) سواء رضى المؤلف أن يكون هذا قياسا أو لم يرض فإنه قياس في الحقيقة على الناسي، لان النص لم يدل على عدم بطلان صوم من أفطر ظانا انه في ليل، والقياس على الناسي الذي ذكره المؤلف قياس صحيح، وان تحاشى هو ان يسميه قياسا
(3) هو بكير العين وتخفيف السين المهملتين، جمع (عس) بضم العين وهو القدح الضخم، قيل نحو ثمانية أرطال
أو تسعة، ويجمع أيضا على (اعساس) و (عسسة) بكسر العين وفتح السينين
(4) تجانف لاثم: مال إليه، أي لم نمل فيه لارتكاب اثم، وفى الأصلين (تجنفنا) وهو خطأ وقد نقله ابن حجر في الفتح (ج 4 ص 143) بلفظ (ما يجانفنا الاثم) وهو خطأ صرف
(5) هو المسيب بن رافع الأسدي
(6) على ابن حنظلة لم أجد له ترجمة، وفى رواة تاريخ الطبري (علي بن حنظلة بن أسعد الشامي) (ج 6 ص 243) فلا ادرى هو أو لا، وفى الرواة عن عمر (حنظلة بن قيس الزرقي) وليس في أولاده من يسمى عليا، وهذا الأثر نقله في الفتح من طريق عبد الرزاق (ج 4 ص 143)
223

بعد طلوع الفجر وهو يظن أنه لم يطلع فليس عليه القضاء، لان الله تعالى يقول: (حتى
يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر).
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن البصري فيمن
تسحر وهو يرى أنه ليل، قال: يتم صومه.
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا أبو داود هو الطيالسي عن حبيب عن عمرو
ابن هرم عن جابر بن زيد فيمن أكل يرى أنه ليل فإذا به نهار، قال: يتم صومه.
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج، معمر، قال ابن جريج: عن عطاء، وقال
معمر: عن هشام بن عروة عن أبيه، ثم اتفق عروة وعطاء فيمن أكل في الصبح وهو
يرى أنه ليل: لم يقضه.
فهؤلاء عمر بن الخطاب، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، والحسن، وجابر بن زيد أبو الشعثاء،
وعطاء بن أبي رباح، وعورة بن الزبير، وهو قول أبى سليمان.
وروينا عن معاوية. وسعيد بن جبير. وابن سيرين. وهشام بن عروة. وعطاء وزياد
ابن النصر (1) وإنما قال هؤلاء: بالقضاء في الذي يفطر، وهو يرى أنه ليل ثم تطلع الشمس
وأما في الفجر فلا، مثل قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وما نعلم لهم حجة أصلا.
فان ذكروا ما رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام بن عروة
عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: (أفطر الناس على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) قال أبو أسامة: قلت لهشام: فأمروا بالقضاء؟ فقال:
ومن ذلك به (2)؟!.
فان هذا ليس إلا من كلام هشام، وليس من الحديث، فلا حجة فيه، وقد قال
معمر: سمعت هشام بن عروة في هذا الخبر نفسه يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟!
فصح ما قلنا.
وأما من أكره على الفطر، أو وطئت امرأة نائمة، أو مكرهة أو مجنونة أو مغمى
عليها، أو صب في حلقه ماء وهو نائم: فصوم النائم والنائمة والمكره والمكرهة تام
صحيح لا داخلة فيه، ولا شئ عليهم، ولا شئ على المجنونة، والمغمى عليها، ولا على (3)
المجنون والمغمى عليه، لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تجاوز لامته (4)

(1) كذا بالأصلين بحذف المروى عنهم، وهو مفهوم من السياق انهم قالوا بالقضاء
(2) هو في البخاري (فتح ج 4 ص 143) بلفظ (بد من قضاء؟) وهو لفظ محتمل، ولكن ابن حجر نقل عن رواية أبي ذر (لابد من القضاء)
(3) في النسخة رقم (14) (وعلى) بحذف (لا)
(4) كذا في الأصلين ولعله حكاية قوله عليه السلام من الراوي فيصح
224

عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) والنائم والنائمة مكرهان بلا شك غير مختارين
لما فعل بهما.
وقال زفر: لا شئ على النائم، والنائمة ولا قضاء كما قلنا، سواء سواء، وصومهما
تام وهو قول الحسن بن زياد، وقد روى أيضا عن أبي حنيفة في النائم مثل قول زفر.
وقال سفيان الثوري: إذا جومعت المرأة مكرهة في نهار رمضان فصومها تام
ولا قضاء عليها (1)، وهو قول عبيد الله بن الحسن وبه يقول أبو سليمان وجميع أصحابنا.
والمجنون، والمغمى عليه غير مخاطبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن
المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يحتلم).
والمشهور عن أبي حنيفة أن القضاء على النائم والنائمة، والمكره والمكرهة، والمجنون
والمجنونة، والمغمى عليهما (2) وهو قول مالك.
قال أبو محمد: وهو قول ظاهر الفساد، وما نعلم لهم حجة من قرآن، ولا سنة صحيحة
ولا رواية فاسدة ولاقول صاحب، ولا قياس، إلا أن بعضهم قاس ذلك على المكره
على الحديث أنه تنتقض طهارته.
قال على: وهذا قياس في غاية الفساد لو كان القياس حقا فكيف والقياس
كله باطل؟! لأن الطهارة تنتقض من الاحداث بقسمين: أحدهما بنقضها كيف ما كان،
بنسيان أو عمد أو إكراه، والآخر لا ينقضها الا بالعمد على حسب النصوص الواردة
في ذلك، وهم متفقون على أن الريح والبول والغائط ينقض الطهارة بنسيان كان أو بعمد
فيلزمهم إذا قاسوا الاكراه في الصوم على الاكراه في الطهارة: ان يقيسوا الناسي
في الصوم (3) على الناسي في الطهارة، والمغلوب بالقئ على المغلوب بالحدث وكلهم
لا يقولون بهذا أصلا، فبطل قياسهم الفاسد!.
وكان أدخل في القياس لو قاسوا المكره والمغلوب في الصوم على المكره والمغلوب
في الصلاة على ترك القيام أو ترك السجود أو الركوع، فهؤلاء صلاتهم تامة باجماع منهم،
فكذلك يجب أن يكون صوم المكره (4) والمغلوب ولافرق ولكنهم لا يحسنون
القياس! ولا يتبعون النصوص! ولا يطردون أصولهم! وبالله تعالى التوفيق.
وأما دخول الحمام، والتغطيس في الماء، ودهن الشارب فقد روينا عن علي بن أبي طالب

(1) في النسخة رقم (16) (عليه) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (عليها) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (16) (في الصائم) وهو خطأ
(4) في النسخة رقم (16) (أن يكون المكره)
225

رضي الله عنه: لا يدخل الصائم الحمام. وعن إبراهيم النخعي (1) الافطار بدهن الشارب،
وعن بعض السلف مثل ذلك في التغطيس في الماء، ولا حجة الا فيما صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأت عنه نهى للصائم عن شئ من ذلك، فكل ذلك مباح
لا يكدح (2) في الصوم. وبالله تعالى التوفيق.
754 مسألة قال على: اختلف الناس في المجنون، والمغمى عليه.
فقال أبو حنيفة: من جن شهر رمضان كله فلا قضاء عليه، فان أفاق في شئ منه (3)
قضى الشهر كله، قال: ومن أغمي عليه الشهر كله فعليه قضاؤه كله، فان أعمى عليه بعد
ليلة من الشهر قضى الشهر كله إلا يوم تلك الليلة التي أغمي عليه فيها، لأنه قد نوى صيامه
من الليل.
وقال مالك: من بلغ وهو مجنون مطبق فأقام وهو كذلك سنين ثم أفاق: فإنه
يقضى كل رمضان كان في تلك السنين، ولا يقضى شيئا من الصلوات، قال: فان أغمي
عليه أكثر النهار فعليه قضاؤه، فان أغمي عليه أقل النهار فلي عليه قضاؤه. وقد روى
عنه إيجاب القضاء عليه جملة دون تقسيم.
وقال عبيد الله بن الحسن: لا قضاء على المجنون إلا على الذي يجن ويفيق، ولا قضاء
على المغمى عليه.
وقال الشافعي: لا يقضى المجنون، ويقضى المغمى عليه.
وقال أبو سليمان: لا قضاء عليهم.
قال أبو محمد: كنا نذهب إلى أن المجنون: والمغمى عليه يبطل صومهما ولا قضاء عليهما،
وكذلك الصلاة، ونقول: ان الحجة في ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عمر
ابن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب
هو ابن خالد عن خالد هو الحذاء عن أبي الصحي عن علي بن أبي طالب
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي
حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) وكنا نقول: إذا رفع القلم عنه فهو غير مخاطب
بصوم ولا بصلاة.
ثم تأملنا هذا الخبر بتوفيق الله تعالى فوجدناه ليس فيه الا ما ذكرنا من أنه
غير مخاطب في حال جنونه حتى يعقل، وليس في ذلك بطلان صومه الذي لزمه قبل

(1) في النسخة رقم (14) (وعن النخعي)
(2) الكدح بالكاف الخدش
(3) في النسخة رقم (16) (منها) وهو خطأ
226

جنونه، ولا عودته عليه بعد افاقته، وكذلك المغمى، فوجب أن من جن بعد أن نوى
الصوم من الليل فلا يكون مفطرا بجنونه، لكنه فيه غير (1) مخاطب، وقد كان مخاطبا
به، فان أفاق في ذلك اليوم أو في يوم بعده من أيام رمضان فإنه ينوى الصوم من حينه
ويكون صائما، لأنه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه،
وهكذا من جاءه الخبر برؤية الهلال، أو من علم بأنه يوم نذره أو فرضه على
ما قدمنا قبل، وكذلك من أغمي عليه كما ذكرنا، وكذلك من جن أو أغمي عليه قبل
غروب الشمس، أو من نام أو سكر قبل غروب الشمس فلم يستيقظ ولا صحا الا من الغد
وقد مضى أكثر النهار، أو أقله.
ووجدنا المجنون لا يبطل جنونه إيمانه ولا أيمانه (2) ولا نكاحه ولاطلاقه ولا ظهاره
ولا إيلاءه ولا حجة ولا احرامه ولا بيعه ولا هبته، ولا شيئا من أحكامه اللازمة له
قبل جنونه، ولا خلافته إن كان خليفة، ولا إمارته إن كان أميا، ولا ولايته (3)،
ولا وكالته، ولا توكيله، ولا كفره، ولا فسقه، ولا عدالته، ولا وصاياه، ولا اعتكافه،
ولا سفره، ولا اقامته، ولا ملكه، ولا نذره، ولا حنثه، ولا حكم العام في الزكاة عليه (4).
ووجدنا ذهوله عن كل ذلك لا يوجب بطلان شئ من ذلك، فقد يذهل الانسان
عن الصوم والصلاة حتى يظن (5) أنه ليس مصليا ولا صائما فيأكل ويشرب، ولا يبطل
بذلك صومه ولا صلاته، بهذا جاءت السنن على ما ذكرنا في الصلاة وغيرها، وكذلك
المغمى عليه ولافرق في كل ذلك، ولا يبطل الجنون والاغماء إلا ما يبطل النوم
من الطهارة بالوضوء وحده فقط.
وأيضا: فان المغلوب المكره على الفطر لا يبطل صومه بذلك على ما نذكر بعد هذا
إن شاء الله تعالى، والمجنون، والمكره مغلوبان مكرهان مضطران بقدر (6) غالب
من عند الله تعالى على ما أصابهما، فلا يبطل ذلك صومهما.
وأيضا: فان من نوى الصوم كما أمره الله عز وجل ثم جن، أو أغمي عليه فقد صح
صومه بيقين من نص واجماع، فلا يجوز بطلانه بعد صحته إلا بنص أو إجماع، ولا إجماع
في ذلك أصلا. وبالله تعالى التوفيق.
وأما من بلغ مجنونا مطبقا فهذا لم يكن قط مخاطبا، ولا لزمته الشرائع، ولا الأحكام

(1) كلمة (غير) سقطت خطأ من النسخة رقم (16)
(2) قوله (ولا أيمانه) زيادة من النسخة رقم (16)
(3) قوله (إن كان أميرا ولا ولايته) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (4) (ولا حكمه لعام في الزكاة عليه)
(5) في النسخة رقم (14) (حتى يفطن) وما هنا أصح وأوضح
(6) في النسخة رقم (16) (بعذر)
227

ولم يزل مرفوعا عنه القلم، فلا يجب عليه قضاء صوم أصلا، بخلاف قول مالك:
فإذا عقل فحينئذ (1) ابتدأ الخطاب بلزومه إياه لا قبل ذلك.
وأما من شرب حتى سكر في ليلة رمضان وكان نوى الصوم فصحا بعد صدر من النهار
أقله أو أكثره أو بعد غروب الشمس: فصومه تام، وليس السكر معصية،
إنما المعصية شرب ما يسكر سواء سكر أم لم يسكر، ولا خلاف في أن من فتح فمه (2)
أو أمسكت يده وجسده وصب الخمر في حلقه حتى سكر أنه ليس عاصيا بسكره، لأنه
لم يشرب ما يسكره باختياره، والسكر ليس هو فعله، إنما هو فعل الله تعالى فيه، وإنما
ينهى المرء عن فعله، لا عن فعل الله تعالى فيه الذي لا اختيار له فيه.
وكذلك من نام ولم يستيقظ الا في النهار ولا فرق، أو من نوى الصوم ثم لم يستيقظ
الا بعد غروب الشمس، فصومه تام.
وبقى حكم من جن، أو أغمي عليه، أو سكر، أو نام قبل غروب الشمس فلم يفق
ولا صحا ولا انتبه ليلته كلها والغد كله إلى (3) بعد غروب الشمس: أيقضيه أم لا؟
فوجدنا القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجب الا بنص، فلم نجد (4) إيجاب القضاء
في النص إلا على أربعة: المسافر، والمريض بالقرآن والحائض، والنفساء، والمتعمد
للقئ (5) بالسنة ولا مزيد، ووجدنا النائم، والسكران، والمجنون المطبق عليه (6) ليسوا
مسافرين ولا متعمدين للقئ ولا حيضا ولامن ذوات النفاس ولا مرضى، فلم يجب
عليهم القضاء (7) أصلا، ولا خوطبوا بوجوب الصوم عليهم في تلك الأحوال، بل
القلم مرفوع عنهم بالسنة، ووجدنا المصروع، والمغمى عليه مريضين بلا شك، لان
المرض هي حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال، وصحة الجوارح والقوة إلى الاضطراب
وضعف الجوارح واعتلالها، وهذه صفة المصروع، والمغمى عليه بلا شك، ويبقى
وهن ذلك وضعفه عليهما بعد الإفاقة مدة، فإذا هما مريضان فالقضاء عليهما بنص القرآن
وبالله تعالى التوفيق.
وليس قولنا بسقوط الصلاة عن المغمى عليه إلا ما أفاق في وقته (8) منها وبقضاء النائم
للصلاة مخالفا لقولنا ههنا، بل هو موافق، لان ما خرج وقته للمغمى عليه فلم يكن

(1) في النسخة رقم (16) (حينئذ) بدون الفاء
(2) في النسخة رقم (14) (فيمن فتح فمه)
(3) في النسخة رقم (16) (إلا) بدل (إلى)
(4) في النسخة رقم (16) (فلم يجز) وما هنا أصح
(5) هؤلاء خمسة، وكأنه عد الحائض والنفساء من نوع واحد
(6) كلمة (عليه) ليست في النسخة رقم (14)
(7) في النسخة رقم (16) (قضاء)
(8) في النسخة رقم (16) (في الوقت نفسه)
228

مخاطبا بالصلاة فيه، ولا كان أيضا مخاطبا بالصوم، ولكن الله تعالى أوجب على المريض
عدة من أيام أخر، ولم يوجب تعالى على المريض قضاء صلاة، وأوجب قضاء الصلاة
على النائم والناسي، ولم يوجب قضاء صيام على النائم والناسي (1) بل أسقطه تعالى عن
الناسي والنائم، إذ لم يوجبه عليه، فصح قولنا. والحمد لله رب العالمين.
وأما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد، لأنه دعوى بلا برهان، ولم يتبع نصا ولا قياسا
لأنه رأى على من أفاق في شئ من رمضان من جنونه قضاء الشهر كله، وهو لا يراه على
من بلغ، أو أسلم حينئذ.
وقال بعض المالكيين: المجنون بمنزلة الحائض! وهذا كلام يغنى ذكره عن تكلف
إبطاله، وما ندري فيما يشبه المجنون الحائض؟!.
755 مسألة ومن جهده الجوع أو العطش حتى غلبه الامر ففرض عليه
أن يفطر، لقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) ولقول الله تعالى: (يريد الله بكم
اليسر ولا يريد بكم العسر) وقول الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
فإن كان خرج بذلك إلى حد المرض فعليه القضاء، وإن كان لم يخرج إلى حد المرض
فصومه صحيح (2) ولا قضاء عليه، لأنه مغلوب مكره مضطر، قال الله عز وجل: (وقد
فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) ولم يأت القرآن ولا السنة بايجاب قضاء
على مكره، أو مغلوب، بل قد أسقط الله تعالى القضاء عمن ذرعه القئ (3) وأوجبه على
من تعمده.
756 مسألة ولا يلزم صوم في رمضان ولا في غيره الا بتبين (4) طلوع
الفجر الثاني، وأما ما لم يتبين فالأكل والشرب والجماع مباح كل ذلك، كان على شك
من طلوع الفجر أو على يقين من أنه لم يطلع.
فمن رأى الفجر وهو يأكل فليقذف ما في فمه من طعام وشراب، وليصم، ولا قضاء عليه،
ومن رأى الفجر وهو يجامع فليترك (5) من وقته، وليصم، ولا قضاء عليه، سواء
في كل ذلك كان طلوع الفجر (6) بعد مدة طويلة أو قريبة، فلو توقف باهتا فلا شئ عليه،
وصومه تام، ولو أقام عامدا فعليه الكفارة.

(1) في النسخة رقم (16) (على الناسي) بحذف النائم
(2) في النسخة رقم (16) (فصومه تام)
(3) في النسخة رقم (14) (على من ذرعه القئ)
(4) في النسخة رقم (16) (الا في تبيين) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (16) (فليزل)
(6) في النسخة رقم (16) (كان الطلوع للفجر)
229

ومن أكل شاكا في غروب الشمس أو شرب فهو عاص لله تعالى، مفسد لصومه،
ولا يقدر على القضاء، فان جامع شاكا في غروب الشمس فعليه الكفارة.
برهان ذلك قول الله عز وجل: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم.
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا
الصيام إلى الليل) وهذا نص ما قلنا، لان الله تعالى أباح الوطئ والأكل والشرب إلى أن
يتبين لنا (1) الفجر، ولم يقل تعالى: حتى يطلع الفجر، ولا قال: حتى تشكوا في الفجر،
فلا يحل لاحد أن يقوله، ولا أن يوجب صوما بطلوعه ما لم يتبين للمرء، ثم أوجب الله
تعالى التزام الصوم إلى الليل.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع والقاسم بن محمد
أبن أبي بكر؟ قال القاسم: عن عائشة، وقال نافع: عن ابن عمر، قالت عائشة وابن
عمر كان (بلا يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان بلا لا يؤذن بليل، فكلوا
واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر).
وبه إلى البخاري: ثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن
سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان بلالا يؤذن بليل،
فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قال: وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال
له: أصبحت أصبحت).
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا عبد الوارث (2) عن عبد الله
ابن سوادة بن حنظلة القشيري حدثني أبي أنه سمع سمرة بن جندب يقول: قال رسول الله
عليه السلام: (3) (لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور، ولا هذا البياض حتى يستطير).
وكذلك حديث عدى بن حاتم، وسهل بن سعد في الخيطين (4) الأسود، والأبيض،
فقال عليه السلام: (إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار).
قال أبو محمد: فنص عليه السلام على أن ابن أم مكتوم يؤذن حتى يطلع (5)

(1) كلمة (لنا) زيادة من النسخة رقم (16)
(2) قوله (ثنا عبد الوارث) سقط من الأصلين، وهو خطأ، وصححناه من مسلم (ج 1 ص 302)
(3) قوله (قال رسول الله عليه السلام) حذف من الأصلين، وكتب بحاشية النسخة رقم (14). عليه ما نصه (نسخة صحيحة)، وهو ضروري لان الحديث مرفوع، وفي
مسلم (سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول) الخ
(4) كلمة (الخيطين) سقطت من النسخة رقم (16)
(5) في النسخة رقم (16) (الا حتى)
230

الفجر، وأباح الاكل إلى أذانه، فقد صح أن الاكل مباح بعد طلوع الفجر ما لم يتبين
لمريد الصوم طلوعه.
وقد ادعى قوم أن قوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) وقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى يطلع الفجر): و: (حتى يقال له: أصبحت أصبحت)
أن ذلك على المقاربة، مثل قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) إنما
معناه فإذا قاربنا بلوغ أجلهن.
قال أبو محمد: وقائل هذا مستسهل للكذب على القرآن وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أو ذلك أنه دعوى بلا برهان، وإحالة لكلام الله تعالى عن مواضعه، ولكلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول عليه بما لم يقل، ولو كان ما قالوا لكان بلال وابن أم مكتوم
معا لا يؤذنان الا قبل الفجر، وهذا باطل، لا يقوله أحد، لأهم ولا غيرهم.
وأما قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن). فاقحامهم فيه أنه تعالى أراد فإذا قاربن
بلوغ أجلهن: باطل وكذب، ودعوى بلا برهان، ولو كان (1) ما قالوه
لكان لا يجوز له الرجعة الا عند مقاربة انتهاء العدة، ولا يقول هذا أحد، لأهم
ولا غيرهم، وهو تحريف للكلم عن مواضعه، بل الآية على ظاهرها، وبلوغ أجلهن
هو بلوغهن أجل العدة، وليس هو انقضاءها، وهذا هو الحق لأنهن إذا كن أجل
العدة كله فللزوج الرجعة، وله الطلاق، فبطل ما قالوه بيقين لا إشكال فيه.
وقال بعضهم: قول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: (اكلا لنا الفجر) موجب لصحة قولهم.
قال أبو محمد: وهذا باطل لوجهين.
أحدهما: أنه عليه السلام لم يأمره بذلك إلا للصلاة، لا للصوم.
والثاني: أنه حتى لو أمره بذلك للصوم لكان حجة لنا لا لهم، لان الاكل والجماع
مباحان إلى أن ينذرهم بلال بطلوع الفجر، وإنذاره إياهم بطلوع الفجر لا يكون
إلا بعد طلوع الفجر بلا شك، فالاكل، والشرب، والجماع مباح كل ذلك ولو طلع الفجر،
وإنما يحرم كل ذلك بانذار بلال بعد طلوع الفجر، هذا مالا حيلة لهم فيه، وقولهم هنا
خلاف للقرآن ولجميع السنن.
حدثنا حمام بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا حبيب
ابن خلف البخاري ثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ثنا روح بن عبادة ثنا حماد بن سلمة عن
عاصم بن أبي النجود عن زربن حبيش قال: (تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد، فدخلت

(1) في النسخة رقم (16) (ولو قال) وهو خطأ
231

على حذيفة، فأمر بلقحة فحلبت، ثم أمر بقد فسخنت، ثم قال: كل، قلت: إني أريد
الصوم، قال: وأنا أريد الصوم، فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد، (1) وقد أقيمت
الصلاة، فقال حذيفة: هكذا فعل بي (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: بعد الصبح؟!
قال: بعد الصبح إلا أن الشمس لم تطلع).
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح
ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن عصام بن أبي النجود عن زر
ابن حبيش: (قلت لحذيفة: أي وقت تسحرتم مع النبي صلى الله عليه وسلم؟! قال: هو النهار،
إلا أن الشمس لم تطلع).
ومن طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (إذا سمع أحدكم النداء والاناء على يده فلا يضعه حتى يقضى حاجته منه) (3)
قال عمار: وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر، قال حماد عن هشام بن عروة: كان أبى يفتى بهذا.
وحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر
عن قتادة عن أنس: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تسحر هو وزيد بن ثابت، وهو
عليه السلام يريد الصوم، ثم صلى الركعتين ثم خرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة)
قال أبو محمد: هذا كله على أنه لم يكن يتبين لهم الفجر بعد، فبهذا تنفق السنن مع القرآن.
وروينا من طريق معمر عن أبان عن أنس عن أبي بكر الصديق أنه قال: إذا نظر
الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا (4) حتى يتبين لهما.
ومن طريق أبى احمد الزبيري عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن هلال
ابن يساف عن سالم بن عبيد قال: كان أبو بكر الصديق يقول لي: قم بيني وبين الفجر
حتى أتسحر!.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن هلال
ابن يساف عن سالم بن عبيد الأشجعي قال: قم فاسترني من الفجر، ثم أكل.
سالم بن عبيد هذا أشجعي كوفي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه أصح طريق
يمكن أن تكون.

(1) من أول قوله (ثم امر بقدر فسخنت) إلى هنا سقط خطأ من النسخة رقم (16) (2) كلمة (بي) زيادة من النسخة رقم (14)
(3) الحديث رواه أبو داود (ج 2 ص 276) عن عبد الاعلي بن حماد عن حماد عن محمد بن عمر عن أبي
سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وسكت عنه هو والمنذري، وكلا الاسنادين صحيح، وكذلك رواه الحاكم
(ج 1 ص 426) من طريق عبد الاعلي بن حماد النرسي عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمر. كرواية أبى داود، وصححه
على شرط مسلم ووافقه الذهبي
(4) في النسخة رقم (16) (فليأكل) وهو خطأ
232

وقد روينا من طريق وكيع وعبد الرزاق، قال وكيع، عن يونس بن أبي إسحق
عن أبي السفر، وقال عبد الزراق: عن معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة،
قالا جميعا: كان أبو بكر الصديق يقول: أجيفوا الباب حتى نتسحر!! الايجاف: الغلق.
ومن طريق الحسن: أن عمر بن الخطاب كأن يقول: إذا شك الرجلان في الفجر
فليأكلا حتى يستيقنا.
ومن طريق حماد بن سلمة: ثنا حميد عن أبي رافع أو غيره عن أبي هريرة: أنه
سمع النداء والاناء على يده فقال: أحرزتها ورب الكعبة!.
ومن طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: أحل الله الشراب
ما شككت، يعنى في الفجر.
وعن عكرمة قال قال ابن عباس: اسقني يا غلام، قال له: أصبحت، فقلت: كلا،
فقال ابن عباس: شك لعمر الله، اسقني، فشرب.
وعن، وكيع عن عمارة بن زاذان عن مكحول الأزدي قال: رأيت ابن عمر أخذ
دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر:
لا، فشرب ابن عمر.
وعن سعد بن أبي وقاص: أنه تسحر في رمضان بالكوفة ثم خرج إلى المسجد
فأقيمت الصلاة.
وعن سفيان بن عينة عن شبيب بن غرقدة عن حبان بن الحارث: أنه تسحر مع
علي بن أبي طالب وهما يريدان الصيام، فلما فرغ قال للمؤذن: أقم الصلاة.
ومن طريق ابن أبي شيبة ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر
عن شبيب بن غرقدة عن أبي عقيل قال: تسحرت مع علي بن أبي طالب ثم أمر المؤذن
أن يقيم الصلاة.
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية عن الشيباني هو أبو إسحاق عن
جبلة بن سحيم عن عامر بن مطر قال: أتيت عبد الله بن مسعود في داره، فأخرج لنا
فضل سحور، فتسحرنا معه، فأقيمت الصلاة، فخرجنا فصلينا معه.
ومن طريق حذيفة نحو هذا.
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا عفان بن مسلم ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن
233

قال: سمعت عمتي وكانت قد حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) قالت: (كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن ابن أم مكتوم ينادى بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادى
بلال، وان بلالا يؤذن (2) بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قالت:
وكان يصعد هذا وينزل هذا، قالت فكنا نتعلق به فنقول: كما أنت حتى نتسحر!).
فحصل لنا من هذا الخبر أنهما كانا مؤذنين: أحدهما قبل الفجر بيسير، أيهما كانا،
حينا هذا، وحينا هذا والآخر ولا بد بعد الفجر.
وعن محمد بن علي بن الحسين: كل حتى يتبين لك الفجر.
وعن الحسن: كل ما امتريت.
وعن أبي مجلز: الساطع ذلك الصبح الكاذب، ولكن إذا انفضح الصبح في الأفق.
وعن إبراهيم النخعي: المعترض الأحمر يحل الصلاة ويحرم الطعام.
وعن ابن جريج: قلت لعطاء: أتكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدرى لعلى قد
أصبحت؟ قال: لا بأس بذلك، هو شك.
ومن طريق ابن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال: لم يكونوا
يعدون الفجر فجركم، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملا البيوت والطرق.
وعن أبي وائل: أنه تسحر وخرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة.
وعن معمر: أنه كان يؤخر السحور جدا، حتى يقول الجاهل: لا صوم له.
قال على وقد ذكرنا في باب (من تسحر فإذا به نهار وهو يظن أنه ليل (3)) من
لم ير في ذلك قضاء.
فهؤلاء أبو بكر، وعمر، وعلى، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وابن مسعود،
وحذيفة، وعمة خبيب، وزيد بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، فهم أحد عشر من الصحابة،
لا يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم.
إلا رواية ضعيفة من طريق مكحول عن أبي سعيد الخدري ولم يدركه، ومن
طريق يحيى الجزار عن ابن مسعود لم يدركه.
ومن التابعين: محمد بن علي، وأبو مجلز، وإبراهيم، ومسلم، وأصحاب ابن مسعود،
وعطاء والحسن، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وجابر بن زيد.
ومن الفقهاء: معمر، والأعمش.

(1) خبيب - بضم الخاء المعجمة، وعمته هي أنيسة بنت خبيب - بالضم أيضا - بن يساف الأنصارية
انظر الإصابة (ج 8 ص 22)
(2) في النسخة رقم (14) (ينادى)
(3) يعنى في المسألة 753
234

فان ذكروا رواية سعد بن قطن عن أبيه عن معاوية فيمن أفطر وهو يرى أنه
ليل فطلعت الشمس: أنه عليه القضاء وبالرواية عن عمر بمثل ذلك: فإنما هذا (1)
في الافطار عند الليل، لا في الاكل شاكا في الفجر، وبين الامرين فرق، ولا يحل
الاكل الا بعد يقين غروب الشمس، لان الله تعالى قال (إلى الليل) فمن أكل شاكا
في مجئ الليل فقد عصى الله تعالى، وصيامه باطل، فان جامع فعليه الكفارة، لأنه
في فرض الصيام، ما لم يوقن الليل، بخلاف قوله: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) لان
هذا في فرض الافطار حتى يوقن بالنهار. وبالله تعالى التوفيق.
757 مسألة ومن صح عنده بخبر من يصدقه من رجل واحد، أو امرأة
واحدة عبد، أو حر، أو أمة أو حرة، فصاعدا أن الهلال قد رؤى البارحة في آخر شعبان ففرض
عليه الصوم، صام الناس أو لم يصوموا، وكذلك لو رآه هو وحده، ولو صح عنده
بخبر واحد أيضا كما ذكرنا فصاعدا أن هلال شوال قد رؤى فليفطر، أفطر
الناس أو صاموا، وكذلك لو رآه هو وحده، فان خشي في ذلك أذى، فليستتر بذلك.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى: قرأت على مالك عن نافع عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله: (أنه ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال،
ولا تفطروا حتى تروه، فان غم عليكم (2) فاقدروا له).
وبه إلى مسلم: ثنا ابن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت
أبا البختري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فان غم عليكم فأكملوا العدة).
واختلف الناس في قبول خبر الواحد في ذلك.
فقال أبو حنيفة، والشافعي بمثل قولنا في هلال رمضان، ولم يجيزا في هلال شوال
إلا رجلين عدلين.
قال أبو محمد: وهذا تناقض ظاهر.
وقال مالك: لا أقبل في كليهما إلا رجلين عدلين.
قال أبو محمد: أما من فرق بين الهلالين (3) فما نعلم لهم حجة، وأما قول مالك فإنهم
قاسوه على سائر الأحكام.
قال أبو محمد: والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا، لان

(1) في النسخة رقم (16) (فإنما هو)
(2) في النسخة رقم (16) (وان غم عليكم) وفي صحيح مسلم (ج 1 ص 298)
(فان أغمي عليكم)
(3) في النسخة رقم (16) (الهلال) بالافراد وهو خطأ
235

الحقوق تختلف، فمنها عند المالكيين ما يقبل فيها شاهد ويمين، ومنها يقبل فيه
إلا رجلان، أو رجل وامرأتان، ومنها مالا يقبل فيه إلا رجلان فقط، ومنها ما لا يقبل
فيه إلا أربعة، ومنها ما يسمح فيه حتى يجيزوا فيه (1) النصراني والفاسق، كالعيوب في
الطب، فمن أين لهم ان يخصوا بعض هذه الحقوق دون بعض بقياس الشهادة في الهلال
عليه؟ ونسألهم عن قرية ليس فيها الا فساق، أو نصارى أو نساء (2) وفيهم عدل يضعف
بصره عن رؤية الهلال؟.
قال أبو محمد: فاما نحن فخبر الكافة مقبول في ذلك وإن كانوا كفارا أو فساقا،
لأنه يوجب العلم ضرورة.
فان قالوا: قد أجمع الناس على قبول عدلين في ذلك.
قلنا: لا بل أبو يوسف القاضي يقول: إذا كان الجو صافيا لم أقبل في رؤية الهلال
أقل من خمسين.
فان قالوا: كلامه ساقط.
قلنا: نعم وقياسكم أسقط! (3).
فان قالوا: فمن أين أجزتم فيهما (4) خبر الواحد؟.
قلنا: لأنه من الدين، وقد صح في الدين قبول خبر الواحد، فهو مقبول في كل
مكان، إلا حيث أمر الله تعالى بان لا يقبل إلا عدد سماه لنا.
وأيضا: فقد ذكرنا (5) قبل هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذان بلال: (كلوا
واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) فأمر عليه السلام بالتزام الصيام بأذان ابن أم مكتوم
بالصبح، وهو خبر واحد بان الفجر قد تبين.
وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا
عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ثنا مروان بن محمد عن عبد الله بن وهب عن يحيى
ابن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال:
(تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم: انى رأيته، فصام وأمر الناس
بصيامه).
وهذا (6) خبر صحيح.

(1) في النسخة رقم (14) (فيها)
(2) قوله (أو نساء) زيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (وقياسكم ساقط)
(4) في النسخة رقم (16) (فيها) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (16) (فان ذكرنا) وهو خطأ
(6) في النسخة رقم (14) (فهذا)
236

وقد روينا من طريق أبى داود: ثنا الحسن بن علي ثنا حسين هو الجعفي
زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: (جاء اعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: إني رأيت الهلال، يعنى رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم،
قال، أتشهد ان محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: قم يا بلال فأذن في الناس
فليصوموا غدا).
قال أبو محمد: رواية سماك لا نحتج بها ولا نقبلها منهم، وهم قد احتجوا بها في أخذ
الدنانير من الدراهم، فيلزمهم أن يأخذوها (1) ههنا، والا فهم متلاعبون في الدين.
فان تعلق من فرق بين هلال رمضان وهلال شوال بهذين الخبرين، وقال: لم يرد
الا في هلال رمضان.
قلنا: ولا جاء نص قط بالمنع من ذلك في هلال شوال، وأنتم أصحاب قياس،
فهلا قستم هلال شوال على هلال رمضان؟.
فان قالوا: إن الشاهد في هلال رمضان لا يجر إلى نفسه، الشاهد في هلال شوال
يجر إلى نفسه.
قلنا فردوا بهذا الظن بعينه شهادة الشاهدين في شوال أيضا، لأنهما يجران إلى أنفسهما،
كما تفعلون في سائر الحقوق.
وأيضا: فان من يكذب في مثل هذا لا يبالي قبل أورد.
ونقول لهم: إذا صممتم بشهادة واحد فغم الهلال بعد الثلاثين، أتصومون أحدا
وثلاثين (2)؟! فهذه طامة، وشريعة ليست من دين الله تعالى! أم تفطرون عند (3)
تمام الثلاثين وان لم تروا الهلال؟! فقد أفطرتم بشهادة واحد وتناقضتم! وبالله
تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: فان شغبوا بما روينا من طريق عباد ابن العوام: ثنا أبو مالك الأشجعي
ثنا حسين بن الحارث الجدلي جديلة قيس: أن أمير مكة وهو الحارث بن حاطب
خطب فقال: (عهد الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك لرؤيته، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل
نسكنا بشهادتهما).
وبما روينا من من طريق أبى عثمان النهدي قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيان
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسلمان أنتما؟ قالا: نعم (فأمر الناس فأفطروا أو صاموا).
وعن الحارث عن علي: إذا شهد رجلان على رؤية الهلال أفطروا.

(1) في النسخة رقم (16) (ان يأخذوا بها)
(2) في النسخة رقم (16) (احدى وثلاثين) وهو خطأ
(3) في النسخة رقم (14) (عنده) وهو خطأ
237

وعن عمرو بن دينار قال: أبى عثمان أن يجيز شهادة هاشم بن عتبة أو غيره على
رؤية الهلال.
وعن عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن أبي وائل قال: كتب الينا عمر. ونحن
بخانقين (1): إذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان لرأياه بالأمس.
قلنا: أما حديث الحارث بن الحارث بن حاطب فان راويه حسين بن الحارث وهو مجهول، (2)
ثم لو صح لم يكن فيه حجة، لأنه ليس فيه الا قبوله اثنين، ونحن لا ننكر هذا، وليس
فيه أن لا يقبل واحد.
وكذلك حديث أبي عثمان، على أنه مرسل.
وكذلك القول في فعل على سواء سواء.
وقد يمكن أن يكون عثمان رضي الله عنه إنما رد شهادة هاشم بن عتبة لأنه لم يرضه،
لا لأنه واحد، ولقد كان هاشم أحد المجلبين على عثمان رضي الله عنه.
وأما خبر عمر فقد صح عن عمر في هذا خلاف ذلك، كما روينا من طريق محمد
ابن جعفر عن شعبة عن ابن عبد الأعلى الثعلبي (3) عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن البراء بن عازب: ان عمر بن الخطاب كان ينظر إلى الهلال، فرآه رجل، فقال عمر:
يكفي المسلمين أحدهم، فأمرهم فأفطروا أو صاموا. فهذا عمر بحضرة الصحابة.
وقد روينا أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل هذا، وبه يقول أبو ثور.
واما قولنا: انه يبنى على رؤيته فقد روينا عن عمر خلاف ذلك، وهو أن من رآه
وحده في استهلال رمضان فلا يصم ومن رآه وحده في استهلال شوال فلا يفطر، وبه
يقول الحسن.
روينا ذلك (4) من طريق معمر عن أبي قلابة: أن رجلين رأيا الهلال في سفر،
فقدما المدينة ضحى الغد، فأخبرا عمر، فقال لأحدهما: أصائم أنت؟ قال: نعم،
كرهت أن يكون الناس صياما وانا مفطر، كرهت الخلاف عليهم، وقال للآخر: فأنت؟
قال: أصبحت مفطرا، لأني رأيت الهلال، فقال له عمر: لولا هذا يعنى الذي صام
لأوجعنا رأسك ورددنا شهادتك، ثم أمر الناس فأفطروا.

(1) هو بالخاء المعجمة وبالنون والقاف المكسورتين، وهي بلدة من نواحي السواد في طريق همذان من بغداد
قاله ياقوت
(2) كلا ليس مجهولا، قال ابن المديني (معروف) وذكره ابن حبان في الثقات، وحديثه هذا
رواه أبو داود مطولا (ج 2 ص 273) ورواه الدارقطني (ص 232) وقال، (هذا اسناد متصل صحيح)
(3) عبد الاعلي بن عامر الثعلبي مختلف فيه وله أوهام وحسن له الترمذي وصحح له الطبراني والحاكم، وابنه
علي عبد الأعلى ثقة
(4) في النسخة رقم (14) (وروينا ذلك)
238

ومن طريق ابن جريج: أخرت عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي: ان رجلا قال
لعمر: إني رأيت هلال رمضان، قال: أرآه معك أحد؟ قال: لا، قال: فكيف
صنعت (1)؟ قال: صمت بصيام الناس، فقال: عمر يالك فيها! وهو قول عطاء.
قال: أبو محمد: ينبغي لمن قلد عمر فيما يدعونه من مخالفة: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا)
وتحريم المنكوحة في العدة: أن يقلده (2) ههنا.
قال (3) أبو حنيفة، ومالك: يصوم ان رآه وحده، ولا يفطر ان رآه وحده! وهذا
تناقض! وقال الشافعي كما قلنا.
وخصومنا لا يقولون بهذا ولا نقول به، لان الله تعالى قال: (لا تكلف إلا نفسك)
وقال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها). وقال تعالى: (فمن شهد منكم الشهر
فليصمه). فمن رآه فقد شهده، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا
لرؤيته (4)).
758 مسألة وإذا رؤى الهلال قبل الزوال فهو من البارحة ويصوم الناس
من حينئذ باقي يومهم إن كان أول رمضان ويفطرون إن كان آخره، فان رؤى
بعد الزوال فهو لليلة المقبلة.
برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فخرج
من هذا الظاهر إذا رؤى بعد الزوال بالاجماع المتيقن، ولم يجب الصوم إلا من الغد،
وبقى حكم لفظ الحديث إذا رؤى قبل الزوال، للاختلاف في ذلك، فوجب الرجوع إلى النص،
وأيضا فان الهلال إذا رؤى قبل الزوال فإنما يراه الناظر إليه والشمس بينه وبينه ولا شك في أنه لم
يمكن رؤيته مع حوالة الشمس دونه الا وقد أهل من البارحة وبعد عنها بعدا كثيرا.
روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان
الثوري عن المغيرة بن مقسم عن سماك عن إبراهيم النخعي ان عمر بن الخطاب كتب إلى
الناس إذا رأيتموه قبل زوال الشمس فأفطروا وإذا رأيتموه بعد زوالها فلا تفطروا.
ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري بمثله، وبه يقول سفيان.
وروينا من طريق يحيى بن الجزار عن علي بن أبي طالب قال رضي الله عنه (5):

(1) في النسخة رقم (16) (أرآه معك آخر؟ قال: فكيف صنعت؟) وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (14) (ان يقلدوه)
(3) في النسخة رقم (14) (فقال)
(4) هنا اعتذر الأستاذ المحقق والمصحح لأصول هذا الكتاب لإدارة الطباعة المنيرية فقبلت عذره وأناطت العمل بغيره ونرجو الله تعالى ان نوفق إلى اتمامه على ما يجب، وينبغي
(5) لفظ رضي الله عنه في النسخة رقم (16)
239

إذا رأيتم الهلال من أول النهار فأفطروا وإذا رأيتموه في آخر النهار فلا تفطروا فان
الشمس تزيغ عنه أو تميل عنه.
ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن الركين
ابن الربيع عن أبيه (1) قال: نا مع سلمان بن ربيعة الباهلي ببلنجر (2) فرأيت الهلال
ضحى فاتيت سلمان فأخبرته فقام تحت شجرة فلما رآه أمر الناس (3) فافطروا: وبه يقول
عبد الملك بن حبيب الأندلسي، وأبو بكر بن داود، وغيره (فان قيل) قد روى
عن عمر خلاف هذا، قلنا: نعم وإذا صح التنازع وجب الرد إلى القرآن، والسنة،
وقد ذكرنا الآن وجه ذلك وبالله تعالى التوفيق.
759 مسألة ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور وإنما هو مغيب
الشمس عن أفق الصائم ولا مزيد.
روينا من طريق مسلم عن قتيبة عن أبي عوانة عن قتادة عن أنس ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (تسحروا فان في السحور بركة).
ومن طريق قتيبة عن الليث بن سعد عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن أبي قيس
مولى عمرو بن العاصي عن عمرو بن العاصي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) قال (فصل ما بين
صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور (5)).
قال أبو محمد: لا يضر الصوم تعمد ترك السحور لأنه من حكم الليل والصيام من
حكم النهار، ولا يبطل عمل بترك عمل غيره الا بان يوجب ذلك نص فيوقف عنده.
ومن طريق ابن مسعود انه كان يؤخر السحور ويعجل الافطار فقالت عائشة:
هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع (6).
ومن طريق مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن
انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر).
ومن طريق البخاري عن مسدد عن عبد الواحد عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الله
ابن أبي أوفى سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال: (انزل فاجدح (7)

(1) لفظ (عن أبيه) زيادة من النسخة رقم (14) وهو الصحيح لأنه يروى عن أبيه (2) بفتحتين وسكون النون
وجيم مفتوحة وآخره راء مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب
(3) في النسخة رقم (16) (فأمر الناس) بزيادة الفاء
(4) في النسخة رقم (14) (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال)
(5) كذا في النسختين، وفى صحيح مسلم (ج 1 ص 302) (أكلة السحر)
(6) زيادة (يصنع) من صحيح مسلم (ج 1 ص 303)
(7) الجدح ان يحرق السويق بالماء ويخوض حتى يستوى، وكذلك اللبن ونحوه
240

لنا قال (1): يا رسول الله لو أمسيت قال: انزل فاجدح لنا قال: يا رسول الله ان عليك نهارا
قال: انزل فاجدح لنا فنزل فجدح فقال (2) رسول الله عليه وسلم: إذا رأيتم الليل قد (3) أقبل
من ههنا فقد أفطر الصائم وأشار بإصبعه قبل المشرق).
وروينا عن أبي موسى تأخير الفطر حتى تبدو الكواكب ولا نقول: بهذا لما
ذكرنا، وتعجيل الفطر قبل الصلاة والاذان أفضل، كذلك روينا عن عمر بن الخطاب،
وأبي هريرة، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
760 مسالة ومن أسلم بعدما (4) تبين الفجر له أو بلغ كذلك، أو رأت
الطهر (5) من الحيض كذلك، أو من النفاس كذلك، أو أفاق من مرضه كذلك،
أو قدم من سفره كذلك فإنهم يأكلون باقي نهارهم ويطئون من نسائهم من لم تبلغ أو من
طهرت في يومها ذلك، ويستأنفون الصوم من غد، ولا قضاء على من أسلم، أو بلغ،
وتقضى الحائض، والمفيق، والقادم، والنفساء.
وقد اختلف الناس في بعض هذا فروينا عن إبراهيم النخعي أنه قال في الحائض تطهر
بعد طلوع الفجر: لا تأكل إلى الليل كراهة التشبه بالمشركين وبه يقول أبو حنيفة،
والأوزاعي، والحسن بن حي، وعبيد الله بن الحسن، وعن عطاء ان طهرت أول
النهار فلتتم يومها وان طهرت في آخره أكلت وشربت، وبمثل قولنا يقول سفيان الثوري
ومالك، والشافعي، وأبو سليمان.
وأما الكافر يسلم فروينا عن عطاء ان أسلم الكافر في يوم من رمضان صام ما مضى من
الشهر وان أسلم في آخر النهار صام ذلك اليوم.
وعن عكرمة مثل ذلك، وقال: هو بمنزلة المسافر يدخل في صلاة المقيمين.
وعن الحسن مثل ذلك.
وقال أبو حنيفة في الصبي يبلغ بعد الفجر: ان عليه صوم ما بقي من يومه، وكذلك
قال في المسافر يقدم بعد الفجر.
قال أبو محمد: واحتج من أوجب صوم باقي اليوم بان قال: قد كان الصبي قبل
بلوغه مأمورا بالصيام (6) فكيف بعد بلوغه، وقالوا: هلا جعلتم هؤلاء بمنزلة

(1) في النسخة رقم (14) (فقال) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 3 ص 81) (2) في البخاري (جزء 3 ص 81) (ثم قال إذا رأيتم) الخ
(3) لفظ غير موجود في البخاري
(4) في النسخة رقم (16) حذف (ما) وهو خطأ
(5) في النسخة رقم (16) زيادة (كذلك) وسقط منها لفظ من الحيض
(6) في النسخة رقم (16) (بالصوم)
241

من بلغه الخبر ان الهلال رؤى البارحة قلنا: هذا قياس والقياس كله باطل، ثم لو كان
القياس حقا لكان هذا منه باطلا لان الذي جاءه خبر الهلال كان مأمورا بصوم ذلك
اليوم لو علم أنه من رمضان أو انه فرضه، وكل من ذكرنا فهم عالمون بوجوب الصوم
على غيرهم وبدخول رمضان الا أن فيهم (1) من هو منهى عن الصوم جملة، ولو صام
كان عاصيا كالحائض، والنفساء، والمسافر، والمريض الذي يؤذيه الصوم، وفيهم من هو
غير مخاطب بالصوم ولو صامه لم يجزه وهو الصبي، وإنما يصوم ان صام تطوعا
لا فرضا، وفيهم من هو مخاطب بالصوم بشرط أن يقدم الاسلام قبله وهو الكافر،
وفيهم من هو مفسوخ له في الصوم ان قدر عليه وفى الفطر ان شاء وهو المريض الذي
لا (2) يشق عليه الصوم فكلهم غير ملزم ابتداء صوم ذلك اليوم بحال بخلاف من جاءه
الخبر برؤية الهلال، والذي جاءه الخبر برؤية الهلال يجزئه صيام باقي يومه ولا قضاء
عليه ويعصى ان أكل، وإنما اتبعنا فيمن بلغه ان اليوم من (3) رمضان الخبر الوارد في
ذلك فقط، وأيضا فان من (4) ذكرنا لا يختلف الحاضرون المخالفون لنا في أن التي طهرت
من الحيض، والنفاس، والقادم من السفر، والمفيق من المرض لا يجزئهم صيام ذلك
اليوم وعليهم قضاؤه، ولا يختلفون في أن الذي بلغ والذي أسلم ان أكلا (5) فليس عليهما
قضاؤه فصح أنهم في هذا اليوم غير صائمين أصلا، وإذا كانوا غير صائمين فلا معنى
لصيامهم ولا أن يؤمروا بصوم ليس صوما ولاهم مؤدون به فرضا لله تعالى، ولا هم
عاصون له بتركه وبالله تعالى التوفيق.
وأما من رأى القضاء في ذلك اليوم (6) على من أسلم فقول لا دليل على صحته،
ولقد كان يلزم من رأى نية واحدة تجزئ للشهر كله في الصوم أن يقول: بهذا القول
وإلا فهم متناقضون: وروينا عن ابن مسعود أنه قال: من أكل أول النهار فليأكل
آخره وبالله تعالى التوفيق.
761 مسألة ومن تعمد الفطر في يوم من رمضان عاصيا لله تعالى لم يحل له
ان يأكل في باقية (7) ولا أن يشرب ولا أن يجامع وهو عاص لله تعالى ان فعل وهو
مع ذلك غير صائم بخلاف من ذكرنا قبل هذا، لان كل من ذكرنا قبل هذا إما منهى
عن الصوم، واما مباح له ترك الصوم فهم في افطارهم مطيعون لله تعالى غير عاصين

(1) في النسخة رقم (16) (ومنهم) في الجميع
(2) في النسخة رقم (16) يشق بحذف لا خطأ
(3) في النسخة رقم (14) حذف من
(4) في النسخة رقم (16) فكل
(5) في النسخة رقم (16) ان اكلوا وهو غلط
(6) في النسخة رقم (16) حذف لفظ اليوم
(7) في النسخة رقم (14) (باقيه) بحذف (في) وما هنا أصح
242

له بذلك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا صيام لمن لم يبيته من الليل)
ولم يخرج من هذه الجملة الا من جهل انه يوم فرضه فقط بالنص الوارد فيهم،
فلم يجز ان يصوموا لأنهم لم ينووه من الليل ولم يكونوا عصاة بالفطر فهم مفطرون
لا صائمون، وأما من تعمد الفطر عاصيا فهو مفترض عليه بلا خلاف صوم ذلك اليوم
ومحرم عليه فيه كل ما يحرم على الصائم، ولم يأت نص، ولا اجماع بإباحة الفطر له إذا عصى
بتعمد (1) الفطر فهو باق على ما كان حراما عليه، وهو متزيد من المعصية متى ما تزيد
فطرا ولا صوم له مع ذلك، وروينا عن عمرو بن دينار نحو هذا، وعن الحسن،
وعطاء ان له ان يفطر.
762 مسألة ومن سافر في رمضان سفر طاعة أو سفر (2) معصية، أو لا طاعة
ولا معصية ففرض عليه الفطر إذا تجاوز ميلا أو بلغه أو ازاءه، وقد بطل صومه حينئذ
لاقبل ذلك، ويقضى بعد ذلك في أيام أخر، وله ان يصومه تطوعا، أو عن واجب لزمه،
أو قضاء عن رمضان خال لزمه، وان وافق فيه يوم نذره صامه لنذره * وقد فرق قوم
بين سفر الطاعة، وسفر المعصية فلم يروا له الفطر في سفر المعصية، وهو قول مالك، والشافعي.
قال على: والتسوية بين كل ذلك هو (3) قول أبي حنيفة، وأبي سليمان، وبرهان صحة
قولنا قول الله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فعم تعالى
الاسفار كلها ولم يخص سفرا من سفر (ومن كان ربك نسيا) وأيضا فقد أتينا بالبراهين
على بطلان الصوم بالمعصية تتعمد، والسفر في المعصية معصية وفسوق فقد بطل صومه
بهما، والقوم أصحاب قياس بزعمهم ولا يختلفون ان من قطع الطريق أو ضارب قوما ظالما
لهم مريدا قتلهم وأخذ أموالهم فدفعوه عن أنفسهم وأثخنوه ضربا في تلك المدافعة حتى
أوهنوه فمرض من ذلك مرضا لا يقدر معه على الصوم، ولا على الصلاة قائما فإنه يفطر ويصلى
قاعدا ويقصر (4)، فأي فرق بين مرض المعصية وسفر المعصية، وأما المقدار الذي يفطر
فيه فقد ذكرناه في كتاب الصلاة متقصى والحمد لله رب العالمين، ونذكر ههنا إن شاء الله
تعالى منه طرفا.
وهو ان أبا حنيفة حد السفر الذي يفطر فيه (5) من الزمان بمسير ثلاثة أيام، ومن
المسافات بمقدار ما بين الكوفة والمدائن، ذكر ذلك ذلك محمد بن الحسن في الجامع الصغير.

(1) في النسخة رقم (16) فتعمد وهو خطأ
(2) في النسخة رقم (14) حذف لفظ السفر الثاني
(3) لفظ هو زيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (16) ويقضى وهو غلط
(5) في النسخة رقم (16) حذف قوله (الذي يفطر فيه) خطأ
243

وحد الشافعي ذلك بستة وأربعين ميلا * وحد مالك في ذلك، مرة يوما وليلة،
ومرة ثمانية وأربعين ميلا، ومرة خمسة وأربعين ميلا، ومرة اثنين وأربعين ميلا،
ومرة أربعين ميلا، ومرة ستة وثلاثين ميلا، ذكر ذلك إسماعيل بن إسحاق في كتابه
المعروف بالمبسوط.
قال أبو محمد: وكل هذه حدود فاسدة لا دليل على صحة شئ منها لا من قرآن، ولا من
سنة صحيحة، ولا من رواية فاسدة، ولا اجماع، وقد (1) جاءت في ذلك روايات
مختلفة عن الصحابة رضي الله عنهم ليس بعضها أولى من بعض، فروى عن ابن عمر أنه
كان لا يقصر في أقل مما بين خيبر والمدينة وهو ستة وتسعون ميلا * وروى عنه ان
لا يقصر في أقل مما بين المدينة إلى السويداء وهو اثنان وسبعون ميلا * وروى عنه لا يكون
الفطر الا في ثلاثة أيام * وروى عنه لا يكون القصر الا في اليوم التام (2) * وروى عنه
القصر في ثلاثين ميلا * وروى عنه القصر في ثمانية عشر ميلا، وكل ذلك صحيح عنه.
وروى عنه القصر في سفر ساعة، وفى ميل، وفى (3) سفر ثلاث أميال باسناد في غاية
الصحة، وهو جبلة بن سحيم عنه، ومحارب بن دثار ومحمد بن زيد بن خليدة عنه.
وروى عنه ابن عباس أربعة برد * وروى عنه يوم تام * وروى عنه لا قصر في يوم
إلى العتمة فان زدت فاقصر، ولا متعلق لهم بأحد من الصحابة رضي الله عنهم غير من
ذكرنا، وقد اختلف عنهم وعن الزهري، والحسن أنهما حدا ذلك بيومين.
وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا مسعر هو ابن كدم عن محارب بن
دثار قال: سمعت ابن عمر يقول: انى لأسافر الساعة من النهار فاقصر.
ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن زيد
ابن خليدة عن ابن عمر قال: تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال.
ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري قال: سمعت
جبلة بن سحيم يقول: سمعت ابن عمر يقول: لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة * وعن
شرحبيل بن السمط عن ابن عمر أنه قصر في أربعة أميال * وعن حفص بن عاصم بن عمر بن
الخطاب عن ابن عمر أنه خرج معه إلى مكان على ثمانية عشر ميلا فقصر ابن عمر الصلاة. وهذه
أسانيد عنه كالشمس * وعن عمر بن الخطاب القصر في ثلاثة أميال * وعن أنس في
خمسة عشر ميلا * وعن ابن مسعود في اثنى عشر ميلا * ومن طريق ابن أبي شيبة عن

(1) في النسخة رقم (14) حذف لفظ (قد)
(2) في النسخة رقم (16) (اليوم اليوم) بتكرر اليوم وفى النسخة رقم
(14) (اليوم) بدون تكرار وصححناه من سنن البيهقي جزء (3 ص 137) لفظ (في) زيادة من النسخة رقم (14)
244

حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال (1) سألت سعيد بن المسيب أأقصر وأفطر
في بريدين من المدينة؟ قال: نعم.
حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا عبيد الله (2)
ابن عمر نا عبد الله بن يزيد هو المقري عن سعيد بن أبي أيوب نا يزيد بن أبي حبيب
ان كليب بن ذهل الحضرمي أخبره ان عبيد بن جبر قال: كنت مع أبي بصرة الغفاري
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداءه قال:
اقترب فقلت: ألست ترى البيوت؟ فقال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فأكل، والروايات في هذا كثيرة جدا.
فأما تحديد أبي حنيفة، ومالك، والشافعي فلا معنى لها أصلا وإنما هي دعاوى
بلا برهان، وموه بعضهم في ذلك بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما منع من أن تسافر
المرأة إلا مع ذي محرم.
قال أبو محمد: وذلك خبر صحيح لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه من حكم القصر والفطر
أثر ولا دليل، وأيضا فإنه جاء بألفاظ مختلفة في بعضها (لا تسافر أكثر من ثلاث)
وفى بعضها (لا تسافر ثلاثا) وفى بعضها (لا تسافر ليلتين) وفى بعضها (لا تسافر
يوما وليلة) وفى بعضها (لا تسافر يوما) وفى بعضها (لا تسافر بريدا) وهذه
ألفاظ اختلف فيها عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عمر. وصح من طريق ابن عباس
هذا الخبر (لا تسافر المرأة) دوت تحديد أصلا ولم يختلف عنه (3) في ذلك أصلا، فان عزموا
على ترك من اختلف عنه والاخذ برواية من لم يختلف عنه فابن عباس لم يختلف عنه فهو أولى على
هذا الأصل، وان أخذوا بالزيادة، فرواية ابن عباس هي الزائدة على سائر الروايات
لأنها تعم كل سفر، وان أخذوا بالمتفق عليه فأكثر من ثلاث هو (4) المتفق عليه
لا الثلاث كما رواه عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم (لا تسافر المرأة فوق ثلاث إلا ومعها ذو محرم، وهكذا رواه هشام الدستوائي،
وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة عن قزعة عن أبي سعيد الخدري عن النبي
صلى الله عليه وسلم (5)، وهكذا رواه أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد
عن النبي صلى الله عليه وسلم (6) فبطل أن يكون لأبي حنيفة، ومالك، والشافعي متعلق بهذا الخبر

(1) لفظ قال زيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (16) عبد الله وهو غلط لأنه عبيد الله بن عمر ابن ميسرة الجشمي أبو شعيب البصري القواريري شيخ أبى داود، ووقع في تهذيب التهذيب (عبيد الله بن عمرو)
بزيادة الواو في أبيه وهو غلط أيضا
(3) لفظ عنه زيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (16) (وهو) بزيادة الواو ولا معنى لها
(5) رواه مسلم في صحيحه
(6) رواه أيضا مسلم في صحيحه
245

أصلا الا كتعلق الزهري، والحسن بذكر الليلتين فيه ولا فرق، ومالهم بعد (1) هذا
حيلة، على أنهم قد كفونا المؤونة، فذكر مالك في المدونة ان من تأول من الرعاة وغيرهم
فأفطر في مخرج ثلاثة أميال فليس عليه إلا القضاء، ورأي القصر في منى من مكة وهذا
قولنا، وكذلك رأى أبو حنيفة، والشافعي في المتأول ولا فرق، وأيضا فإنهم كلهم رأوا
لمن سافر ثلاثة أيام ان يفطر إذا فارق بيوت القرية فان رجع لشئ أوجب عليه ترك
السفر فلا شئ عليه الا القضاء، فقد أوجبوا الفطر في أقل من ميل، ويغنى من هذا كله
قول الله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر). فلم يخص تعالى سفرا
من سفر، ووجدنا ما دون الميل ليس له حكم السفر لأنه قد صح ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعد
للغائط والبول فلا يقصر ولا يفطر، ولم نجد في أقل من الميل قولا عن أحد من أهل العلم
بالدين واللغة.
قال على: ويلزم من تعلق من الحنيفيين بحديث (لا تسافر المرأة) ان لا يرى القصر
والفطر في سفر معصية لأنه عليه السلام لم يبح لها بلا خلاف سفر المعصية أصلا وإنما
أباح لها بلا شك أسفار الطاعات، وهذا مما أوهموا فيه من الاخبار انهم أخذوا به (2)
وهم مخالفون له.
قال على: فأما ما دون الميل فقد قال قوم: ليس له حكم السفر فلا يجوز الفطر
ولا القصر فيه أصلا وان أراد ميلا فصاعدا لان نية السفر هي غير السفر، وقد ينوى
السفر من لا يسافر، وقد يسافر من لا ينوى السفر، وقد روى عن أنس الفطر في رمضان
في منزله إذا أراد السفر، وروى عن علي إذ يفارق (3) بيوت القرية، وروى عن ابن عمر
ترك القصر حتى يبلغ ما يقصر في مثله، وبالله تعالى التوفيق.
وكان هذا هو النظر لولا حديث أنس (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة
إلى مكة فلم يزل يصلى ركعتين ركعتين (4) حتى رجعنا (5) إلى المدينة (6) فهذا على عمومه
لا يجوز أن يخص منه شئ بغير نص.
وأما قولنا: يقضى بعد ذلك في أيام أخر فهو نص القرآن، وجائز أن يقضيه

(1) في النسخة رقم (16) (وما لهم بغير هذا حيلة)
(2) في النسخة رقم (14) (آخذون بها)
(3) في النسخة (14) إذا فارق
(4) زيادة لفظ ركعتين من البخاري ومسلم
(5) في النسخة رقم (14) حتى رجع وكتب عليها مصححها صح وما هنا هو الموافق لما في سنن البيهقي الكبرى (ج 3 ص 136)
(6) زاد البيهقي في سننه الكبرى (قال: قلنا فأقمتم في مكة شيئا؟ قال: أقمنا عشرا) وقال بعد ما أورد الحديث: رواه البخاري في الصحيح. عن أبي معمر، وأخرجه مسلم من أوجه أخر عن يحيى
246

في سفر، وفى حضر لان الله تعالى لم يخص بأيام أخر حضرا من سفر.
وأما قولنا: لا يجوز الصوم في السفر فان الناس اختلفوا.
فقالت طائفة: من سافر بعد دخول رمضان فعليه ان يصومه كله، وقالت طائفة: بل
هو مخير ان شاء صام وان شاء أفطر، وقالت طائفة: لابد له من الفطر ولا يجزئه
صومه، ثم افترق القائلون بتخييره فقالت طائفة: الصوم أفضل، وقالت طائفة: الفطر
أفضل، وقالت طائفة: هما سواء، وقالت طائفة: لا يجزئه الصوم ولابد له من الفطر.
فروينا القول الأول عن علي من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين
عن عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب قال: من ادركه رمضان وهو مقيم ثم سافر
بعد لزمه الصوم لان الله تعالى قال: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وعن عبيدة مثله.
ومن طريق ابن عباس مثله * وعن عائشة أم المؤمنين انها نهت عن السفر في رمضان.
وعن خيثمة كانوا يقولون إذا حضر رمضان: فلا تسافر حتى تصوم (1) * وعن أبي
مجلز مثله قال: فان أبى ان لا يسافر فليصم * وعن إبراهيم النخعي مثل قول أبى مجلز.
وعن عروة بن الزبير انه سئل عن المسافر أيصوم أم يفطر؟ فقال: يصوم.
وأما الطائفة المجوزة للصوم والفطر أو المختارة (2) للصوم فهو قول أبي حنيفة، ومالك
والشافعي فشغبوا بقول الله تعالى (وان تصوموا خير لكم) واحتجوا بأحاديث منها
حديث سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كانت له حمولة (3) يأوى إلى شبع فليصم
رمضان حيث ادركه) * ومن طريق أبي سعيد، وأبى الدرداء، وجابر ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في السفر بالفطر وهو صائم فترددوا فأفطر هو عليه السلام، وذكروا
عن أم المؤمنين انها كانت تصوم في السفر وتتم الصلاة وعن أبي موسى انه كان يصوم
رمضان في السفر * وعن أنس بن مالك (4) أن أفطرت فرخصة الله تعالى وان صمت
فالصوم أفضل * وعن عثمان بن أبي العاصي، وابن عباس الصوم أفضل * وعن المسور
ابن خرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث مثله * وعن علي أنه صام في سفر
لأنه كان راكبا، وأفطر سعد مولاه لأنه كان ماشيا * وعن عمر بن عبد العزيز صمه
في اليسر وأفطره في العسر * وعن طاوس الصوم أفضل * وعن الأسود بن يزيد مثله.
واحتج من رأى الامرين سواء بحديث حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: يا رسول الله

(1) في النسخة رقم (14) حتى تصم
(2) في النسخة رقم (16) المخيرة للصوم والفطر المجيزة للصوم
(3) هو بالضم الأحمال، يعنى أنه يكون صاحب احمال يسافر بها، واما الحمول بلا هاء فهي الإبل التي عليها الهوادج كان فيها نساء أو لم يكن لها نهاية والحديث رواه أبو داود (ج 2 ص 292)
(4) في النسخة رقم (16) وعن أبي موسى
247

أجد بي قوة على الصيام في السفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي ذلك شئت يا حمزة)
وبحديث مرسل عن الغطريف أبى هارون: (ان رجلين سافرا فصام أحدهما وأفطر
الآخر فذكرا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كلاكما أصاب * وبحديث مرسل عن أبي
عياض (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر أن ينادى في الناس من شاء صام ومن شاء أفطر).
ومن طريق أبي سعيد، وجابر (كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعيب الصائم
على المفطر ولا المفطر على الصائم) وعن علقمة، والأسود، ويزيد بن معاوية النخعي
انهم سافروا في رمضان فصام بعضهم، وأفطر بعضهم فلم يعب بعضهم على بعض * وعن
عطاء ان شئت فصم وان شئت فأفطر.
وأما من رأى الفطر فاحتجوا بحديث حمزة بن عمرو إذ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ذلك فقال له عليه السلام: (هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن
يصوم فلا جناح عليه).
وممن روينا عنه اختيار الفطر على الصوم سعد بن أبي وقاص روينا أنه سافر هو، وعبد الرحمن
ابن الأسود، والمسور بن مخرمة فصاما وأفطر سعد فقيل له في ذلك فقال: أنا أفقه
منهما * وصح عن ابن عمر انه كان لا يصوم في السفر وكان معه رقيق فكأن يقول: يا نافع
ضع له سحوره قال نافع: وكان ابن عمر إذا سافر أحب إليه أن يفطر يقول: رخصة
ربى أحب إلى وان آجر لك ان تفطر في السفر ويحتج أهل هذا القول (1) بحديث حمزة
ابن عمرو الذي روينا (2) آنفا عن النبي صلى الله عليه وسلم هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن
ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه * فحسن الفطر ولم يزد في الصوم على اسقاط الجناح.
قال على: هذا ما احتجت به كل طائفة ممن رأت الصوم في السفر لم ندع منه شيئا ولسنا
نقول: بشئ من هذه الأقوال فنحتاج إلى ترجيح بعضها على بعض الا انها كلها متفقة
على جواز الصوم لرمضان في السفر، وهو خلاف قولنا فإنما يلزمنا دفعها كلها من أجل
ذلك فنقول وبالله تعالى نتأيد ونستعين (3).
أما قول الله تعالى: (وان تصوموا خير لكم) فقد أتى كبيرة من الكبائر وكذب
كذبا فاحشا من احتج بها في إباحة الصوم في السفر لأنه حرف كلام الله تعالى عن
موضعه نعوذ بالله تعالى من مثل هذا، وهذا عار لا يرضى به محقق لان نص الآية
(كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن

(1) في النسخة رقم (14) أهل هذه المقالة
(2) في النسخة رقم (14) الذي ذكرنا
(3) في النسخة رقم (16) وبالله تعالى التوفيق (بدل نتأيد ونستعين)
248

كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين
فمن تطوع خيرا فهو خير له وان تصوموا خير لكم) الآية (1) وإنما نزلت هذه الآية
في حال الصوم المنسوخة، وذلك أنه كان الحكم في أول نزول صوم رمضان ان من شاء
صامه ومن شاء أفطره وأطعم مكان كل يوم مسكينا، وكان الصوم أفضل هذا نص الآية،
وليس للسفر فيها مدخل أصلا ولا للاطعام مدخل في الفطر في السفر أصلا، فكيف
استجازوا هذه الطامة؟ وبهذا جاءت السنن.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد
نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج حدثني عمرو بن سواد انا عبد الله بن وهب انا عمرو
ابن الحارث عن بكير بن الأشح عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال
كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام
مسكين حتى نزلت هذه الآية (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وبه إلى مسلم.
نا قتيبة بن سعيد نا بكر يعنى ابن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الآشج
عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية (وعلى
الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي
بعدها فنسختها.
قال أبو محمد: فحينئذ كان الصوم أفضل فظهرت فضيحة من احتج بهذه الآية في الصوم
في السفر.
وأما حديث ابن المحبق (من كان يأوى إلى حمولة أو شبع فليصم) فحديث ساقط
لان راويه عبد الصمد بن حبيب وهو بصرى لين الحديث عن سنان بن سلمة بن المحبق
وهو مجهول (2) ثم لو صح هذا الخبر لما كان فيه حجة لاحد من الطوائف المذكورة
الا للقول المروى عن عمر بن عبد العزيز (صمه في اليسر وأفطره في العسر) لأنه ليس فيه
الا ايجاب الصوم ولا بد على ذي الحموله والشبع، وهذا خلاف جميع الطوائف المذكورة.
وأما حديث الغطريف، وأبى عياض فمرسلان * ولا حجة في مرسل * وأما حديث
حمزة بن عمرو الذي ذكرنا ههنا الذي فيه إباحة الصوم في رمضان في السفر فإنما هو من

(1) في النسخة رقم (16) سقط من لفظ (الآية) خطأ
(2) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 4 ص 342) في آخر كلامه عليه: وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة، وذكره في موضع آخر فقال: كان معروفا قليل الحديث اه
249

رواية بن حمزة ابنه محمد بن حمزة وهو ضعيف (1)، وأبوه كذلك، وأما الثابت
من حديث حمزة هو ما نذكره (2) إن شاء الله تعالى.
وأما حديث أبي سعيد، وأبى الدرداء، وجابر فلا حجة لهم في شئ منها لوجهين،
أحدهما ليس في شئ منها انه عليه الصلاة والسلام كان صائما لرمضان وإذ ليس ذلك
فيها فلا يجوز القطع بذلك، ولا الاحتجاج باختراع ما ليس في الخبر على القرآن، وقد
يمكن أن يكون صائما تطوع، والثاني انه حتى لو كان ذلك فيها نصا لما كان لهم فيها
حجة لان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ايجاب الفطر في رمضان في السفر فلو كان
صوم رمضان في السفر قبل ذلك مباحا لكان منسوخا بآخر أمره عليه الصلاة والسلام
كما نذكره (3) إن شاء الله تعالى.
وأما احتجاج من أوجب الصوم في السفر لمن أهل عليه الشهر في الحضر بقول الله
تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). فلا حجة لهم في هذه الآية لان الله تعالى لم يقل
فمن شهد بعض الشهر فليصمه، وإنما أوجب تعالى صيامه على من شهد الشهر لا على من
شهد بعضه، ثم يبطل قولهم أيضا قول الله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر). فجعل السفر والمرض ناقلين عن الصوم فيه إلى الفطر. وأيضا فان
رسول الله صلى الله عليه وسلم صح عنه انه سافر في رمضان عام الفتح فأفطر وهو أعلم بمراد ربه تعالى،
والبلاغ منه نأخذه وعنه لامن غيره، فلما بطل كل ما احتجوا به وجب ان نأتي بالبرهان
على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته.
قال على نذكر الآن حديث أبي سعيد، وأبى الدرداء، وجابر، وحمزة بن عمرو من
الوجوه الصحاح إن شاء الله تعالى، ونرى أنها لا حجة لهم فيها ثم نعقب بالبرهان على
صحة قولنا إن شاء الله وبه نتأيد.
روينا من طريق أبى داود نا مؤمل بن الفضل نا الوليد هو ابن مسلم نا سعيد بن
عبد العزيز حدثني إسماعيل بن عبيد الله حدثتني أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: خرجنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته في حر شديد حتى أن أحدنا ليضع يده على رأسه
(أو كفه على رأسه) (4) من شدة الحر ما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله
ابن رواحة) * ومن طريق حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن جابر بن

(1) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 9 ص 127): ضعفه ابن حزم وعاب ذلك عليه القطب
الحلبي وقال: لم يضعفه قبله أحد وقال ابن القطان: لا يعرف حاله
(2) في النسخة رقم (14) (هو كما نذكره)
(3) في النسخة رقم (14) (كما نذكر)
(4) الزيادة من سنن أبي داود (ج 2 ص 292) ورواه أيضا مسلم (ج 1 ص 310)
250

عبد الله ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان في سفر فأتى على غدير فقال للقوم: اشربوا فقالوا:
يا رسول الله أنشرب ولا تشرب؟ فقال: إني أيسركم انى راكب وأنتم مشاة (1) فشرب
وشربوا) * ومن طريق حماد بن زيد عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري
قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمر بماء فقال: إنزلوا فاشربوا فتلكأ
القوم فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) فشرب وشربنا معه) * وقد روينا هذا الخبر من
طريق لا يحتج نهها كما رويناه من طريق معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد حدثني قزعة
أنه سأل أبا سعيد عن الصوم في السفر فقال: (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة
ونحن صيام فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انكم (3) قد دنوتم من عدوكم والفطر
أقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلا آخر فقال: إنكم
تتصبحوا (4) عدوكم والفطر أقوى لكم فافطروا فكانت عزمة فأفطرنا، ثم قال (5):
لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر) * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في
شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق وذلك فينحر الظهيرة (6) فعطش الناس
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فأمسكه على يده حتى رآه الناس ثم شرب فشرب الناس).
ومن طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف عن مالك عن هاشم بن عروة عن أبيه عن
عائشة أم المؤمنين ان حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أأصوم (7) في
السفر؟ وكان كثير الصيام فقال: إن شئت فصم وان شئت فأفطر) * ومن طريق
مسلم نا أبو الربيع الزهراني ويحيى بن يحيى قال أبو الربيع نا حماد هو ابن زيد، وقال
يحيى نا أبو معاوية ثن اتفق أبو معاوية وحماد كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة أم المؤمنين ان حمزة بن عمرو الأسلمي قال: (يا رسول الله إني رجل اسرد الصوم
أفأصوم (8) في السفر؟ قال: صم ان شئت).
قال على: كل هذا لا حجة لهم فيه، أما حديث أبي الدرداء فليس فيه ان ذلك كان
في رمضان أصلا، وإقحام ما ليس في الخبر كذب، وقد يمكن أن يكون تطوعا فلا ننكره
فلا متعلق لهم ولا لنا فيه * وأما حديث أبي سعيد فطريق معاوية بن صالح لا يحتج بها

(1) من قوله (فقال للقوم اشربوا) إلى قوله (وأنتم مشاة) سقط من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (14) (فنزل عليه السلام) الخ
(3) لفظ (انكم) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) كذا في النسختين بتاءين وفي سنن أبي داود (ج 2 ص 291) (تصبحون) وفي صحيح مسلم (ج 1 ص 309) (مصبحوا عدوكم)
(5) زيادة (قال) من صحيح مسلم وسنن أبي داود
(6) هو حين تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع
(7) زيادة الهمزة من صحيح البخاري (ج 3 ص 76)
(8) في النسخة رقم (16) حذف احدى الهمزتين
251

ثم هبك أنها صحيحة فهو حجة لنا عليهم لان فيه ان آخر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الفطر
هذا ان صح انه كان في رمضان، وفى حديث حماد بن سلمة المذكور، وحديث ابن عباس
بيان انه كان في رمضان، وفيهما على أبي حنيفة، ومالك والشافعي أمر عظيم لأنهم
لا يجيزون لمن صام وهو مسافر في رمضان أن يفطر في ذلك اليوم الذي ابتدأ صيامه،
واتفقوا على أنه مخطئ وما يبعد عنهم إطلاق اسم المعصية عليه، ومالك يرى عليه
الكفارة فلينظر ناصر أقوالهم (1) فيماذا يدخل في احتجاجه بهذين الخبرين من إطلاق
اسم الخطأ والمعصية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وايجاب الكفارة عليه في إفطاره، وهذا
خروج عن الاسلام ممن أقدم عليه. وأما نحن فنقول: لو صح أنه (2) عليه السلام
كان صائما ينويه من رمضان لكان ذلك منسوخا بآخر أمره وآخر فعله وإذ لم يأت
ذلك في شئ من الاخبار فيمكن أن يكون صام تطوعا والفطر للصائم تطوعا مباح مطلق
لا كراهة فيه كما فعل عليه السلام.
والعجب كل العجب ممن يقول في الخبر الثابت (ان امرأة كانت تستعير الحلى
وتجحده فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها)): لعله إنما قطع يدها لغير ذلك، ويقول
في الخبر الثابت (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف وحده فأمره
بإعادة الصلاة): لعله إنما أمره بالإعادة لغير ذلك ويقول في الخبر (ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى ركعتي الفجر والصلاة تقام فقال له: باي صلاتيك تعتد)):
لعله إنما أنكر عليه أنه صلاهما بين الناس مكابرة للباطل: وفى الخبر منصوص أنه كان
يصليهما ناحية، ثم لا يقول ههنا: لعله كان يصوم تطوعا، وههنا يجب أن يقال: هذا
لأنه ليس في الاخبار دليل على غير ذلك وأما تلك الأخبار فليس منها شئ يحتمل
ما تأولوه لان نصها يمنع من ذلك.
والعجب (3) ممن يحتج بقول أبي سعيد: (ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك في السفر
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في إجازة ما ليس في الخبر منه أثر ولا عيثر (4) من إجازة
الصوم لرمضان في السفر، وليس في الخبر أنه عليه السلام علم بذلك فأقره، وهم لا يرون
قول أسماء: ذبحنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه حجة، ولا يرون قول
ابن عباس: (ان طلاق الثلاث كانت تجعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة) حجة (5)

(1) في النسخة رقم (16) (ناصر لقولهم)
(2) في النسخة رقم (16) (انه كان) بزيادة لفظ (كان) ولا معنى له
(3) في النسخة رقم (14) سقط لفظ (والعجب) خطأ
(4) قال الجوهري في الصحاح في مادة ع ث ر: (يقال ما رأيت لهم اثرا ولا عيثرا ولا عثيرا)، والعثير بتسكين الثاء الغبار
(5) في النسخة رقم (16) سقط لفظ (حجة) خطأ
252

وهذا عجب عجيب وإنما في حديث أبي سعيد إباحة الصوم في السفر ونحن لا ننكره
تطوعا أو فرضا غير رمضان، ومما يبين هذا أنه لا يعلم أنه عليه السلام سافر في رمضان
بعد عام الفتح * وأما خبر حمزة فبيان جلى في أنه إنما سأله عليه السلام عن التطوع
لقوله في الخبر (انى امرؤ أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام (1))
فبطل كل ما تأولوه وبطل أن يكون لهم في شئ من هذه الأخبار حجة وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: فإذ لم يبق لهم حجة لامن قرآن ولا من سنة فلنذكر الآن (2) البراهين
على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته.
قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من
أيام أخر) وهذه آية محكمة باجماع من (3) أهل الاسلام لا منسوخة ولا مخصوصة،
فصح أن الله تعالى لم يفرض صوم الشهر الا على من شهده، ولا فرض على المريض،
والمسافر الا أياما أخر غير رمضان، وهذا نص جلى لا حيلة فيه، ولا يجوز لمن قال: إن
ما معنى ذلك أن أفطرا فيه لأنها دعوى موضوعة بلا برهان، قال الله تعالى: (قل هاتوا
برهانكم ان كنتم صادقين).
نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد
ابن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي نا جعفر
ابن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم (4) فصام الناس ثم دعا بقدح
من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب (5) فقيل له بعد ذلك: ان بعض الناس
قد صام فقال: أولئك العصاة (أولئك العصاة)) (6).
قال أبو محمد: إن كان صيامه عليه السلام لرمضان فقد نسخه بقوله: (أولئك العصاة)
وصار الفطر فرضا والصوم معصية، ولا سبيل إلى خبر ناسخ لهذا أبدا، وإن كان
صيامه عليه السلام تطوعا فهذا أحرى للمنع من صيام رمضان لرمضان في السفر، ومن
طريق البخاري ومسلم.

(1) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (ص 194): لكن ينتقض عليه بان عند أبي داود في رواية صحيحة من
طريق حمزة بن محمد بن حمرة عن أبيه عن جده ما يقتضى انه سأله عن الفرض وصححها الحاكم اه‍ وانظر عون المعبود
شرح سنن أبي داود (ج 2 ص 290)
(2) زيادة لفظ (الآن) من النسخة رقم (14)
(3) زيادة لفظ (من) من النسخة رقم (14)
(4) هو اسم موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة، وهو وادى امام عسفان بثمانية أميال
(5) في النسخة رقم (14) (فشرب) وما هنا موافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 308)
(6) زيادة لفظ (أولئك العصاة) الثانية من مسلم (ج 1 ص 308) بولاق وهي توافق النسخة رقم (14)
253

قال البخاري نا آدم وقال مسلم: نا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن جعفر ثم اتفق
آدم ومحمد كلاهما عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري عن محمد
ابن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن جابر بن عبد الله قال: (كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رجلا (1) قد ظلل عليه فسأل عنه فقيل: صائم، فقال: ليس من البر
الصوم في السفر) هذا لفظ آدم، ولفظ غندر (ليس من البر أن تصوموا في السفر).
قال أبو محمد: وهذا مكشوف واضح، فان قيل: إنما منع عليه السلام في مثل حال
ذلك الرجل قلنا: هذا باطل لا يجوز لان تلك الحال محرم البلوغ إليها باختيار المرء
للصوم في الحضر كما هو في السفر فتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بالمنع من الصيام (2) في السفر
إبطال لهذه الدعوى المفتراة عليه صلى الله عليه وسلم، وواجب أخذ كلامه عليه السلام على عمومه.
ومن طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية
الجمحي عن أم الدرداء عن كعب بن عاصم الأشقري قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: ليس من البر الصيام في السفر (3))، صفوان ثقة مشهور مكي كان متزوجا بالدرداء
بنت أبي الدرداء، وكعب بن عاصم مشهور الصحبة هاجر مع أبي موسى وهو من
الاشاقر حي من الأزد.
ومن طريق شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي حدثني يحيى هو ابن أبي كثر حدثني
أبو قلابة الجرمي ان أبا أمية عمرو بن أمية الضمري أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له
وقد دعاه إلى الغداء: أخبرك عن المسافر ان الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة.
ومن طريق أبى زرعة عبيد الله بن عبد الكريم نا سهل بن بكار نا أبو عوانة عن أبي
بشر عن هانئ بن عبد الله بن الشخير عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ودعاه
إلى الغداء: أتدري ما وضع الله عن المسافر؟ قلت: ما وضع الله عن المسافر؟ قال:
الصوم وشطر الصلاة).
ومن طريق يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثني جابر بن عبد الله
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل في ظل يرش عليه الماء فسأل عنه فأخبر أنه صائم
فقال: ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها)

(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 308) (فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه فقال: ماله؟ قالوا:
رجل صائم فقال) الخ، وفي صحيح البخاري جزء (3 ص 77) (فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟
فقالوا صائم فقال) الخ
(2) في النسخة رقم (14) (للصيام)
(3) هو في مسند الإمام أحمد بن حنبل (ج 5 ص 434)
254

فهذا أمر بقبولها وأمره عليه الصلاة والسلام فرض (1) فهي رخصة مفترضة، وصح
بهذه الأخبار أن الله تعالى أسقط عن المسافر الصوم ونصف الصلاة وهذه آثار متواترة
متظاهرة لم يأت شئ يعارضها فلا يجوز الخروج عنها، فان قيل: فان هذه الأخبار
مانعة كلها بعمومها من كل صوم في السفر وأنتم تبيحون فيه كل صوم الا رمضان وحده
قلنا: نعم لان النصوص جاءت بمثل ما قلنا لان الله تعالى قال: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج
فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) فافترض
تعالى صوم الثلاثة الأيام في السفر ولابد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوض على صوم
عرفة ما سنذكره إن شاء الله تعالى وهو في السفر لمن كان حاجا، وقال عليه الصلاة
والسلام: (ان أفضل الصيام صيام داود يصوم يوما ويفطر يوما (2)) فعم عليه الصلاة
والسلام ولم يخص، وقال عليه الصلاة والسلام: (من صام يوما في سبيل الله باعد الله النار
عن وجهه) (3) فحض على الصوم في السفر فوجب الاخذ بجميع النصوص فخرج صوم
رمضان في السفر بالمنع وحده وبقى سائر الصوم واجبه وتطوعه على جوازه
في السفر ولا يجوز ترك نص لآخر.
وقال بعض أهل الجهل والجرأة على القول بالباطل في الدين: معنى قوله عليه الصلاة
والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر)) مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس المسكين
بهذا الطواف).
قال أبو محمد: هذا تحريف للكم عن مواضعه، وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وتقويل له ما لم يقل، وفاعل هذا يتبوأ مقعده من النار بنص قوله عليه السلام، وليس
إذا وجد نص قد جاء آخر أو إجماع باخراجه عن ظاهره وجب أن تبطل جميع
النصوص وتخرج عن ظواهرها فيحصل من فعل هذا على مذهب القرامطة في إحالة
القرآن عن مفهومه وظاهره، ومن بلغ إلى ههنا فقد كفى خصمه مؤنته، ويقال له:
إذا قلت هذا في قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر) فقله أيضا
في قوله تعالى: (ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) ولا فرق.
قال أبو محمد: ومن سلك هذا السبيل فقد أبطل الدين والعقل والتفاهم جملة، فان قيل:
فكيف تقولون في صومه عليه الصلاة والسلام مع قول الله تعالى (5) (فمن شهد منكم

(1) في النسخة رقم (14) سقط لفظ (فرض) خطأ
(2) رواه النسائي والترمذي، وقد تقدم قريبا
(3) رواه البخاري في صحيحه، ورواه غير البخاري أيضا
(4) لفظ (وحده) سقط من النسخة رقم (16) خطأ
(5) في النسخة رقم (14) (مع قوله تعالى) وما هنا اظهر
255

الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)؟ قلنا: هذا في غاية
البيان لا تخلو هذه الآية من أن يكون نزولها تأخر إلى وقت فتح مكة أو بعده، وتقدم
فرض رمضان بوحي آخر كما كان نزول آية الوضوء في المائدة متأخرا عن نزول (1)
فرضه، فإن كان تأخر نزولها فسؤالكم ساقط ولله الحمد رب العالمين (2)، وإن كان تقدم
نزولها فلا يخلو عليه الصلاة السلام في صومه ذلك من أن يكون صامه لرمضان أو تطوعا،
فإن كان صامه تطوعا فسؤالكم ساقط ولله الحمد، وإن كان صامه عليه الصلاة والسلام
لرمضان فلا ننكر أن يكون عليه الصلاة والسلام نسخ بفعله حكم الآية ثم نسخ ذلك
الفعل وعاد حكم الآية، فهذا كله حسن فكيف ولا دليل أصلا على تقدم نزول الآية
قبل غزوة الفتح؟ وما نزل بعضها الا بعد الاسلام عدى بن حاتم بعد الفتح بمدة، وبالله
تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: ولم يبق علينا الا أن نذكر من قال: بمثل قولنا لئلا يدعوا علينا
خلاف الاجماع، فالدعوى لذلك منهم سهلة، وهم أكثر الناس خلافا للاجماع على
ما قد بينا في كتابنا هذا وفى غيره.
روينا من طريق سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن كلثوم بن جبر عن رجل من
بنى قيس أنه صام في السفر فأمره عمر بن الخطاب أن يعيد * ومن طريق سفيان
ابن عيينة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن عمر بن الخطاب أنه أمر
رجلا أن يعيد صيامه في السفر.
قال أبو محمد: إن من احتج في رد السنن الثابتة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل
بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا) برواية شيخ من بنى كنانة عن عمر أنه قال: البيع على (3)
صفقة أو تخاير، ثم رد هذه الرواية عن عمر ومعه القرآن والسنن لأعجوبة وأخلوقة.
ومن طريق سليمان بن حرب عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف عن أبيه قال: نهتني عائشة أم المؤمنين (4) عن أن أصوم رمضان في السفر.
وعن أبي هريرة ليس من البر الصيام في السفر * ومن طريق شعبة عن أبي حمزة نصر
ابن عمران الضبعي قال: سألت ابن عباس عن الصوم في السفر؟ فقال: يسر وعسر (5)
خذ (6) بيسر الله تعالى.

(1) لفظ (نزول) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) لفظ (رب العالمين) زيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (14) (عن)
(4) لفظ (أم المؤمنين) زيادة من النسخة رقم (14)
(5) في النسخة رقم (16) (عسر ويسر)
(6) في النسخة رقم (14) (خذوا بيسر الله تعالى)
256

قال أبو محمد: اخباره بان صوم رمضان في السفر عسر ايجاب من لفطره * وعنه
أيضا الافطار في رمضان في السفر عزمة.
روينا هذا من طريق عبد بن حميد وابن أبي شيبة كلاهما عن محمد بن بشر عن سعيد
ابن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد أبى الشعثاء عن ابن عباس * ومن طريق
ابن أبي شيبة عن أبي داود الطيالسي عن عمران القطان عن عمار (1) مولى بني هاشم
هو ابن أبي عمار عن ابن عباس انه سئل عمن صام رمضان في السفر فقال ابن عباس:
لا يجزئه يعنى لا يجزئه صيامه * وعن ابن عمرانه سئل عن الصوم في السفر فقال: (من كان
منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * ومن طريق شعبة عن يعلي بن عطاء
عن يوسف بن الحكم الثقفي ان ابن عمر سئل عن الصوم في السفر؟ فقال: إنما هي صدقة
تصدق الله بها عليك أرأيت لو تصدقت بصدقة فردت عليك؟ ألم تغضب؟.
قال أبو محمد: هذا يبين أنه كان يرى الصوم في رمضان في السفر مغضبا لله تعالى،
ولا يقال هذا في شئ مباح أصلا.
ومن طريق حماد بن سلمة عن كلثوم بن جبر ان امرأة صحبت ابن عمر في سفر
فوضع الطعام فقال لها: كلى قالت: إني صائمة قال: لا تصحبينا.
ومن طريق معن بن عيسى القزاز عن أبن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: يقال: الصيام في السفر كالافطار في الحضر.
قال أبو محمد: هذا إسناد صحيح، وقد صح سماع أبى سلمة من أبيه، ولا يقول
عبد الرحمن بن عوف: في الدين يقال (3) كذا الا عن الصحابة أصحابه رضي الله عنهم،
وأما خصومنا فلو وجدوا مثل هذا لكان أسهل شئ عليهم أن يقولوا: لا يقول ذلك
الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن طريق أبى معاوية نا ابن أبي ذئب عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف
عن أبيه قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وهذا سند في غاية الصحة * ومن طريق
عطاء عن المحرر (4) ابن أبي هريرة قال: صمت رمضان في السفر فأمرني أبو هريرة
ان أعيده في أهلي وان اقضيه فقضيته * ومن طريق الدراوردي عن عبد الرحمن بن

(1) في النسخة رقم (16) (عن عمران) وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب (ج 7 ص 404)
(2) من قوله (قال أبو محمد هذا يبين انه) إلى قوله (في الحضر) سقط من النسخة رقم (16)
(3) لفظ (يقال) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) هو بالراء في آخره وفى النسخة رقم (16) بالزاي وهو غلط
257

حرملة ان رجلا سأل سعيد بن المسيب أتم الصلاة في السفر وأصوم؟ قال: لا
فقال: إني (1) أقوى على ذلك قال سعيد: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
أقوى منك قد كان يقصر ويفطر * وعن عطاء انه سئل عن الصوم في السفر فقال:
أما المفروض فلا وأما التطوع فلا بأس به * ومن طريق شعبة عن عاصم مولى قريبة
عن عروة بن الزبير أنه قال في رجل صام في السفر: انه يقضيه في الحضر، قال شعبة:
لو صمت رمضان في السفر لكان في نفسي منه شئ * ومن طريق معمر عن الزهري قال:
كان الفطر آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يؤخذ من امر رسول الله
صلى الله عليه وسلم (2) بالآخر فالآخر * ومن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: لا تصوموا
في السفر * وعن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ان أباه كان ينهى عن صيام
رمضان في السفر، وكان محمد بن علي ينهى عن ذلك أيضا * وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر
قال: لا يصوم المسافر أفطر أفطر * وعن يونس بن عبيد وأصحابه انهم أنكروا صيام
رمضان في السفر.
قال أبو محمد: وقد جاء خبر لو وجدوا مثله لعظم الخطب معهم كما روينا من طريق (3)
محمد بن أحمد بن الجهم نا موسى بن هارون نا إبراهيم بن المنذر نا عبد الله بن موسى التيمي
عن أسامة بن زيد الليثي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه
رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصائم في السفر في رمضان كالمفطر في الحضر).
قال أبو محمد: وأما نحن فلا نحتج بأسامة بن زيد الليثي ولا نراه حجة لنا ولا علينا (4)
وفى القرآن وصحيح السنن كفاية ولله الحمد.
قال على: ومن العجب ان أبا حنيفة لا يجزئ عنده اتمام الصلاة في السفر ومالك
يرى في ذلك الإعادة (5) في الوقت ثم يختارون الصوم في السفر على الفطر تناقضا لا معنى له
وخلافا لنص القرآن، وللقياس الذي يدعون له السنن.
قال على: فإذ قد (6) صح هذا فمن سافر في رمضان فله أن يصوم تطوعا وله ان يصوم
فيه قضاء رمضان أفطره قبل أو سائر ما يلزمه من الصوم نذار أو غيره لان الله تعالى قال:
(فعدة من أيام أخر) ولم يخص رمضان آخر من غيره ولم يمنع النص من صيامه الا لعينه
فقط، وأما المريض فإن كان يؤذيه الصوم فتكلفه لم يجزه وعليه ان يقضيه لأنه منهى

(1) في النسخة رقم (14) (قال فانى)
(2) في النسخة رقم (14) (وإنما يؤخذ من امره) الخ
(3) في النسخة رقم (14) (كما روينا عن محمد) الخ
(4) قوله (ولا علينا) زيادة من النسخة رقم (14)
(5) في النسخة رقم (14) (يرى الإعادة في ذلك)
(6) لفظ (قد) زيادة من النسخة رقم (14)
258

عن الحرج والتكلف وعن أذى نفسه وإن كان لا يشق عليه أجزأه لأنه لا خلاف في ذلك
وما نعلم (1) مريضا لا حرج عليه في الصوم قال الله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من
حرج) فالحرج لم يجعله الله تعالى في الدين.
763 مسألة ومن أقام من قبل الفجر ولم يسافر إلى بعد غروب الشمس
في سفره فعليه إذا نوى الإقامة المذكورة ان ينوى الصوم ولابد، وسواء كان في جهاد
أو عمرة أو غير ذلك لأنه إنما الزم الفطر إذا كان على سفر وهذا مقيم، فان أفطر عامدا
فقد أخطأ إن كان جاهلا متأولا، وعصى إن كان عالما ولا قضاء عليه لأنه مقيم صحيح
ظن أنه مسافر، فان نوى من الليل وهو في سفره ان يرحل (2) غدا فلم ينو الصوم فلما
كان من الغد حدثت له إقامة فهو مفطر لأنه مأمور بما فعل، وهو على سفر ما لم ينو
الإقامة المذكورة، وهذا بخلاف الصلاة لان النص ورد في الصلاة بقصر عشرين يوما
يقيمها في الجهاد، وبقصر أربعة أيام يقيمها في الحج، وبقصر ما يكون فيه من الصلوات
مقيما ما بين نزله إلى رحيله من غد، ولم يأت نص بأن يفطر في غير يوم لا يكون فيه مسافرا.
(فان قيل) قال الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)
فهذا على سفر قلنا: لو كانت على في هذه الآية معناها ما ظننتم من إرادة السفر لا الدخول
في السفر لوجب على من أراد السفر وهو في منزله ان يفطر وان نوى السفر بعد أيام
لأنه على سفر وهذا مالا يشك (3) في أنه لا يقوله أحد، ويبطله أيضا أول الآية إذ
يقول تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فوجب على الشاهد صيامه وعلى المسافر
افطاره لقول (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر)، ولقوله عليه
الصلاة والسلام: (ان الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة) فصح انه ليس
الا مسافر أو شاهد، فالشاهد يصوم والمسافر يفطر وليس المسافر الا المنتقل لا المقيم
فلا يفطر الا من أنتقل بخلاف من لم ينتقل، ومن كان مقيما صائما فحدث له سفر فإنه
إذا برز عن موضعه فقد سافر فقد بطل صومه وعليه قضاؤه، وبالله تعالى التوفيق.
(فان قيل): بل نقيس الصوم على الصلاة قلنا: القياس باطل ثم لو كان حقا لكان
هذا منه باطلا لأنهم متفقون على أن قصر بعض الصلوات لا يقاس عليه قصر سائرها،
فإذا لم يجز عندهم قياس قصر (5) صلاة على قصر صلاة أخرى فأبطل وأبعد أن يقاس
فطر على فطر، وأيضا فقد ينوى في الصلاة المسافر إقامة فينتقل إلى حكم المقيم ولا يمكن

(1) في النسخة رقم (14) (ولا نعلم)
(2) في النسخة رقم (16) (ان يدخل) وهو تصحيف
(3) في النسخة رقم (16) (وهذا ما لا شك)
(4) في النسخة رقم (16) (بقول)
(5) زيادة لفظ (قصر) من النسخة رقم (14)
259

ذلك في الصوم فبطل على كل حال قياس أحدهما على الآخر، وبالله تعالى التوفيق.
764 مسألة والحيض الذي يبطل الصوم هو الأسود لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(ان دم الحيض اسود يعرف) وقول عليه الصلاة والسلام: فإذا جاء الآخر فاغتسلي
وصلى) وقد ذكرناه في كتاب الحيض من الطهارة من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته.
وعن أم عطية وغيرها كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا.
765 مسألة وإذا رأت الحائض الطهر قبل الفجر أو رأته النفساء وأتمتا
عدة أيام الحيض والنفاس قبل (1) الفجر فاخرتا الغسل عمدا إلى طلوع الفجر ثم اغتسلتا
وأدركتا الدخول في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس لم يضرهما شيئا وصومهما تام
لأنهما فعلتا ما هو مباح لهما، فان تعمدتا ترك الغسل حتى تفوتهما الصلاة بطل صومهما
لأنها عاصيتان (2) بترك الصلاة عمدا، فلو نسيتا ذلك أو جهلتا فوصمهما تام لأنهما لم
يتعمدا معصية، وبالله تعالى التوفيق.
766 مسألة وتصوم المستحاضة كما تصلى على ما ذكرنا (3) في كتاب الحيض
من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته، وبالله تعالى التوفيق.
767 مسألة ومن كانت عليه أيام من رمضان فاخر قضاءها عمدا، أو لعذر،
أو لنسيان حتى جاء رمضان آخر فإنه يصوم رمضان الذي ورد عليه كما امره الله تعالى
فإذا أفطر في أول شوال (4) قضى الأيام التي كانت عليه ولا مزيد ولا اطعام عليه في
ذلك، وكذلك لو أخرها عدة سنين ولافرق الا أنه قد أساء في تأخيرها عمدا سواء
أخرها إلى رمضان أو مقدار ما كان يمكنه قضاؤها من الأيام لقول الله تعالى: (سارعوا
إلى مغفرة من ربكم) فالمسارعة إلى الطاعة المفترضة واجبة، وقال الله تعالى: (فمن
كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المتعمد للقئ،
والحائض، والنفساء بالقضاء ولم يحد الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله في ذلك وقتا بعينه،
فالقضاء واجب عليهم ابدا حتى يؤدى ابدا، ولم يأت نص قرآن ولا سنة بايجاب اطعام
في ذلك فلا يجوز الزام ذلك أحدا لأنه شرع والشرع لا يوجبه في الدين الا الله تعالى
على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وسلم فقط، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي سليمان، وقال مالك:
يطعم مع القضاء عن كل يوم من الرمضان الأول (5) مدا مدا عددها مساكين ان تعمد

(1) في النسخة رقم (16) (من قبل) بزيادة من ولا معنى لها
(2) في النسخة رقم (16) (عاصيان)
(3) في النسخة رقم (16) (كما ذكرنا)
(4) في النسخة رقم (16) (فإذا أفطر في آخر رمضان) وهو غلط
(5) في النسخة رقم (16) (الآتي) وما هنا أصح واظهر
260

ترك القضاء، فإن كان تمادى مرضه قضى ولا إطعام عليه وهو قول الشافعي.
قال أبو محمد: وروينا في ذلك عن السلف رضي الله عنهم أقوالا، فروينا عن ابن
عباس، وأبي هريرة مثل قول مالك، والشافعي، ورويناه أيضا عن عمر، وابن عمر
من طريق منقطعة وبه يقول الحسن، وعطاء * وروينا عن ابن عمر من طريق صحيحة
انه يصوم رمضان الآخر ولا يقضى الأول (1) بصيام لكن يطعم عنه مكان كل
يوم مسكينا مسكينا مدا مدا وبه يقول أبو قتادة، وعكرمة * ورينا عنه أيضا يهدى مكان
كل رمضان فرط في قضائه بدنة مقلدة * وروينا من طريق ابن مسعود يصوم هذا ويقضى
الأول ولم يذكر طعاما وهو قول إبراهيم النخعي، والحسن، وطاوس، وحماد بن أبي سليمان.
قال على: عهدنا بهم يقولون فيما وافقهم من قول الصحاب: مثل هذا لا يقال بالرأي
فهلا قالوه في قول ابن عمر في البدنتين؟.
768 مسألة والمتابعة في قضاء رمضان واجبة لقول الله تعالى: (وسارعوا
إلى مغفرة من ربكم) فإن لم يفعل فيقضيها متفرقة وتجزئه لقول الله تعالى: (فعدة من أيام
أخر) * ولم يحد تعالى في ذلك وقتا يبطل القضاء بخروجه وهو قول أبي حنيفة، ومالك،
والشافعي، وأبي سليمان نعنى انهم اتفقوا على جواز قضائها متفرقة، واحتج من قال:
بأنها لا تجزئ الا متتابعة بان في مصحف أبى (فعدة من أيام أخر متتابعات).
قال على روينا من طريق عبد الرزاق (2) عن معمر عن الزهري قال عروة: قالت
عائشة أم المؤمنين: نزلت (فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقطت متتابعات.
قال أبو محمد: سقوطها مسقط لحكمها لأنه لا يسقط القرآن بعد نزوله الا باسقاط
الله تعالى إياه قال الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)، وقال تعالى:
(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) وقال تعالى: (سنقرئك فلا تنسى إلا
ما شاء الله) فان قيل: قد يسقط لفظ الآية ويبقى حكمها كما كان في آية الرجم قلنا: لولا
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء حكم (3) الرجم لما جاز العمل به بعد إسقاط الآية النازلة به (4)
لان ما رفع الله تعالى فلا يجوز لنا إبقاء لفظه ولا حكمه إلا بنص آخر.
769 مسألة والأسير في دار الحرب ان عرف رمضان لزمه صيامه إن كان
مقيما لأنه مخاطب بصومه في القرآن، فان سوفر به أفطر (5) ولا بد لأنه على سفر

(1) في النسخة رقم (14) (للأول)
(2) في النسخة رقم (14) (عبد الرزاق) وهو غلط محض فان عبد الرزاق هو
الامام صاحب الجامع والمصنف
(3) لفظ (حكم) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) لفظ (به) زيادة من النسخة رقم (16)
(5) في النسخة رقم (16) (أفطره)
261

وعليه قضاءه لما ذكرنا قبل، فإن لم يعرف الشهر وأشكل عليه سقط عنه (1) صيامه
ولزمته أيام أخر إن كان مسافرا والا فلا * وقال قوم: يتحرى شهرا ويجزئه * وقال
آخرون: ان وافق شهرا قبل رمضان لم يجزه، وان وافق شهرا بعد رمضان أجزأه لأنه
يكون قضاء عن رمضان.
قال على: أما تحرى شهر فيجزئه أو يجعله قضاء فحكم لم يأت به قرآن، ولا سنة
صحيحة، ولا رواية سقيمة، ولا إجماع، ولا قول صاحب وما كان هكذا فهو دعوى
فاسدة لا برهان على صحتها، فان قالوا: قسناه على من جهل القبلة قلنا: هذا باطل لان
الله تعالى لم يوجب التحري على من جهل القبلة بل من جهلها فقد سقط عنه فرضها، فيصلى
كيف شاء؟ فان قالوا: قسناه على من خفى عليه وقت الصلاة قلنا: وهذا باطل أيضا لأنه
لا تجزئه صلاة الا حتى يوقن بدخول وقتها (2).
قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا: قول الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه
ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * فلم يوجب الله تعالى صيامه إلا على
من شهده، وبالضرورة ندري أن من جهل وقته فلم يشهده قال الله عز وجل (3):
(لا يكلف الله نفسا الا وسعها)، وقال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج).
فمن لم يكن في وسعه معرفة دخول رمضان فلم يكلفه الله تعالى صيامه بنص القرآن،
ومن سقط عنه صوم الشهر فلا قضاء عليه لأنه صوم غير ما أمر الله تعالى به،.
فان صح عنده بعد ذلك أنه كان فيه مريضا أو مسافر فعليه ما افترض الله تعالى على المريض
فيه والمسافر فيه (4) وهو عدة من أيام أخر، فيقضى الأيام التي سافر، والتي مرض
فقط ولابد، وان لم يوقن بأنه مرض فيه أو سافر فلا شئ عليه وبالله تعالى التوفيق.
770 مسألة والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير كلهم مخاطبون
بالصوم فصوم رمضان فرض عليهم، فان خافت المرضع على المرضع قلة اللبن وضيعته
لذلك ولم (5) يكن له غيرها، أو لم يقبل ثدي غيرها، أو خافت الحامل على الجنين، أو عجز
الشيخ عن الصوم لكبره أفطروا (6) ولا قضاء عليهم ولا إطعام، فان أفطروا لمرض
بهم عارض فعليهم القضاء، أما قضاؤهم لمرض فلقول الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا
أو على سفر فعدة من أيام أخر)، وأما وجوب الفطر عليهما في الخوف على الجنين

(1) لفظ (عنه) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (16) (بدخول الوقت)
(3) في النسخة رقم (16) (قال تعالى)
(4) لفظ (فيه) زيادة من النسخة رقم (14)
(5) في النسخة رقم (16) (ولو لم)
(6) في النسخة رقم (16) (أفطر) وهو غلط
262

والرضيع فلقول الله تعالى: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم)، وقال
رسول الله صلى الله عليه وآله (من لا يرحم لا يرحم) * فإذ رحمة الجنين والرضيع فرض،
ولا وصول إليها إلا بالفطر فالفطر فرض، وإذ هو فرض فقد سقط عنهما الصوم،
وإذا سقط الصوم فايجاب القضاء عليهما (1) شرع لم يأذن الله تعالى به ولم يوجب الله
تعالى القضاء الا على المريض، والمسافر، والحائض، والنفساء، ومتعمد القئ فقط،
(ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)، وأما الشيخ الذي لا يطيق الصوم لكبره فالله
تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)، فإذا لم يكن الصوم في وسعه فلم يكلفه،
وأما تكليفهم إطعاما فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام)
فلا يجوز لاحد إيجاب غرامة لم يأت بها نص ولا إجماع.
قال أبو محمد: روينا عن إبراهيم ان علقمة جاءته امرأة فقالت له: انى (2) حبلى وأنا
أطيق الصوم (3) وزوجي يأمرني أن أفطر فقال لها علقمة: أطيعي ربك واعصي زوجك.
وممن أسقط عنها القضاء روينا عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر
كلاهما عن نافع ان امرأة من قريش سألت ابن عمر وهي حبلى فقال لها: أفطري وأطعمي
كل يوم مسكينا ولا تقضى.
ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني، وقتادة كلاهما عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس أنه قال لامة له مرضع: أنت بمنزلة (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني)
أفطري وأطعمي كل يوم مسكينا ولا تقضى.
روينا كليهما من طريق إسماعيل بن إسحاق عن الحجاج بن المنهال عن حماد، ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: تفطر الحامل التي في شهرها والمرضع
التي تخالف على ولدها وتطعم كل واحدة منهما كل يوم مسكينا ولا قضاء عليهما وبه يقول قتادة،
وهو ظاهر قول سعيد بن المسيب:، وممن أسقط الاطعام كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: تفطر الحامل، والمرضع في رمضان ويقضيانه
صياما ولا اطعام عليهما، ومثله عن عكرمة، وعن إبراهيم النخعي وهو قول أبي حنيفة،
وسفيان، وممن رأى عليهما الامرين جميعا عطاء بن أبي رباح فإنه قال: إذا خافت المرضع
والحامل على ولدها (4) فلتفطر ولتطعم مكان كل يوم نصف صاع ولتقض بعد ذلك
وهو قول الشافعي.

(1) في النسخة رقم (16) (عليها) وهو غلط
(2) في النسخة رقم (16) (انا حبلى)
(3) في النسخة رقم (14) (الصيام)
(4) في النسخة رقم (16) (ولديهما)
263

قال أبو محمد: فلم يتفقوا على ايجاب القضاء ولا على ايجاب الاطعام فلا يجب شئ من
ذلك إذ لا نص في وجوبه ولا اجماع، وعهدنا بهم يقولون في قول الصاحب إذا وافقهم: مثل
هذا لا يقال بالرأي فهلا قالوا ههنا في قول ابن عمر في اسقاط القضاء، وقد روينا عن ابن عباس
مثل قولنا كما روينا عن إسماعيل بن إسحاق نا إبراهيم بن حمزة الزبيري نا عبد العزيز بن محمد
هو الدراوردي عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس انه سئل عن مرضع
في رمضان خشيت على ولدها فرخص لها ابن عباس في الفطر.
قال على: ولم يذكر قضاء ولا طعاما، وقال مالك: أما المرضع فتفطر وتطعم عن
كل يوم مسكنا وتقضى مع ذلك، وأما الحامل فتقضى ولا اطعام عليها ولا يحفظ هذا
التقسيم عن أحد من الصحابة والتابعين.
قال أبو محمد: احتج من رأى الاطعام في ذلك بقول الله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه
فدية طعام مسكين) * وذكروا ما رويناه من طريق حماد بن سلمة نا قتادة عن عكرمة قال:
نزلت هذه الآية في الحبلى، والمرضع، والشيخ، والعجوز.
واحتج من رأى القضاء بما رويناه (1) من طريق يزيد بن هارون عن جويبر عن
الضحاك بن مزاحم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرخص للحبلى، والمرضع ان يفطروا في رمضان
فإذا أفطمت المرضع ووضعت الحبلى جددتا صومهما.
قال على: حديث عكرمة مرسل، وحديث الضحاك فيه ثلاث بلايا، جويبر وهو
ساقط (2)، والضحاك مثله، (3) وارسلا مع ذلك، لكن الحق في ذلك ما رويناه قبل في حكم
الصوم في السفر من طريق سلمة بن الأكوع، ان (4) هذه الآية منسوخة، ومن طريق حماد
ابن زيد عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن ابن عباس أنه قرأ هذه الآية (فدية طعام مسكين)
فقال: هي منسوخة، فهذا هو المسند الصحيح الذي لا يجوز خلافه، والعجب كل العجب
من هؤلاء القوم فإنهم يصفرن هذه الآية تصريف الافعال في غير ما أنزلت فيه، فمرة
يحتجون بها في أن الصوم في السفر أفضل، ومرة يصرفونها في الحامل، والمرضع، والشيخ
الكبير، وكل هذا إحالة لكلام الله تعالى، وتحريف للكلم عن مواضعه وما ندري
كيف يستجيز من يعلم أن وعد الله حق مثل هذا في القرآن وفى دين الله تعالى؟ ونعوذ
بالله من الضلال.

(1) في النسخة رقم (16) (بما روينا)
(2) هو كما قال المصنف انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (ج 2 ص 123)
(3) اختلف أهل الحديث فيه فبعضهم وثقه كأحمد بن حنبل وأبى زرعة وابن معين وبعضهم ضعفه كيحيى بن سعيد،
انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (ج 4 ص 453)
(4) في النسخة رقم (16) (وان) بزيادة الواو وهو خطأ
264

وأما الشيخ الكبير فان أبا حنيفة أوجب عليه اطعام مسكين مكان كل يوم، ولم ير
مالك الاطعام عليه واجبا، وقال الشافعي مرة (1) كقول أبي حنيفة، ومرة كقول مالك.
قال أبو محمد: روينا من طريق إسماعيل عن علي (2) بن عبد الله عن سفيان، وجرير
قال سفيان قال عمرو بن دينار: أخبرني عطاء انه سمع ابن عباس يقرؤها (وعلى الذين
يطوقونه فدية طعام مسكين) يكلفونه ولا يطيقونه، قال: هذا الشيخ الكبير الهم والمرأة
الكبيرة الهمة (3) لا يستطيع الصوم يفطر ويطعم كل يوم مسكينا، وقال جرير عن
منصور عن مجاهد عن ابن عباس: مثله.
قال على: هذا صحيح عن ابن عباس، وروينا عن علي بن أبي طالب أنه قال في الشيخ
الكبير الذي لا يستطيع الصوم: انه يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا، وصح عن أنس
أنه ضعف عن الصوم إذ كبر فكان يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا، قال قتادة:
الواحد كفارة والثلاثة تطوع.
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الرحمن بن حرملة قال سمعت سعيد
ابن المسيب: يقول في قول الله تعالى: (على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين): هو
الكبير الذي عجز عن الصوم والحبلى يشق عليها الصوم، فعلى كل واحد منهما اطعام
مسكين عن كل يوم * وعن الحسن، وقتادة في الشيخ الكبير والعجوز انهما يطعمان
مكان كل يوم مسكينا * وعن عطاء والحسن، وسعيد بن جبير مثل ذلك، وروى عن
قيس بن السائب وهو من الصحابة مثل ذلك (4) * وعن أبي هريرة أنه يتصدق عن كل
يوم بدرهم * وعن مكحول، وطاوس، ويحيى بن أبي كثير فيمن منعه العطاش (5) من
الصوم انه يفطر ويطعم عن كل يوم مدا.
قال أبو محمد: فرأى أبو حنيفة على الشيخ الذي لا يطيق الصوم لهرمه اطعام مسكين
مكان كل يوم ولم يره على الحامل والمرضع، وأوجبه مالك على المرضع خاصة ولم يوجبه
على الحامل ولا الشيخ الكبير، وهذا تناقض ظاهر * واحتج بعض الحنيفيين بان الحامل

(1) سقط لفظ مرة من النسخة رقم (16) خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (إسماعيل بن علي) وهو غلط فان إسماعيل هو ابن إسحاق القاضي روى عن علي بن عبد الله وهو من أقرانه، وعلي بن عبد الله هذا هو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن بن المديني صاحب التصانيف * انظر ترجمته في تهذيب
التهذيب (ج 7 ص 349)
(3) قال الجوهري في صحاحه: (الهم بالكسر الشيخ الفاني، والمرأة همة، ووقع في
النسخة رقم (16) (المرأة الكبيرة الهم)
(4) في النسخة رقم (16) (مثل هذا)
(5) قال الجوهري في الصحاح (العطاش داء يصيب الانسان فيشرب الماء فلا يروى)
265

والمرضع بمنزلة المريض والمسافر لأنهم كلهم أبيح لهم الفطر دون اطعام.
قال على: والشيخ كذلك وهو أشبه بالمريض والمسافر لأنه أبيح له الفطر من أجل
نفسه كما أبيح لهما من أجل أنفسهما، وأما الحامل والمرضع فإنما أبيح لهما الفطر من
أجل غيرهما.
قال على: وأما المالكيون فيشنعون بخلاف الصحاب إذا وافق تقليدهم وقد خالفوا
ههنا عليا، وابن عباس، وقيس بن السائب، وأبا هريرة، ولا يعرف لهم من الصحابة
مخالف، وخالفوا عكرمة وسعيد بن المسيب، وعطاء، وقتادة، وسعيد بن جبير وهم
يشنعون بمثل هذا.
قال أبو محمد: وأما نحن فلا حجة عندنا في غير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الرواية عن ابن عباس
أنه كان يقرؤها (وعلى الذين يطوقونه) فقراءة لا يحل لاحد ان يقرأ بها لان القرآن
لا يؤخذ الا عن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن احتج بهذه الرواية فليقرأ بهذه القراءة وحاش
لله ان يطوق الشيخ ما لا يطيقه، وقد صح عن سلمة بن الأكوع وعن ابن عباس نسخ
هذه الآية كما ذكرنا في هذا الباب، وفى باب صوم المسافر وانها لم تنزل قط في الشيخ،
ولا في الحامل، ولا في المرض، وإنما نزلت في حال وقد نسخت وبطلت، والشيخ والعجوز
اللذان لا يطيقان الصوم فالصوم لا يلزمهما قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)
وإذ لم يلزمهما الصوم فالكفارة لا تلزمهما لان الله تعالى لم يلزمهما ولا رسوله صلى الله عليه وسلم
والأموال محرمة الا بنص أو اجماع.
والعجب كله من أن أبا حنيفة، ومالكا، والشافعي يسقطون الكفارة عمن أفطر
في نهار رمضان عمدا وقصد ابطال صومه عاصيا لله تعالى بفعل قوم لوط، وبالأكل وشرب
الخمر عمدا، وبتعمد القئ، نعم وبعضهم يسقط القضاء والكفارة عنه فيمن أخرج من
بين أسنانه شيئا من طعامه فتعمد أكله ذاكرا لصومه، ثم يوجبون الكفارة على من
أفطر ممن أمره الله تعالى بالافطار واباحه له من مرضع خائفة على رضيعها التلف، وشيخ
كبير لا يطيق الصوم ضعفا، وحامل تخالف على ما في (1) بطنها، وحسبك بهذا تخليطا،
ولا يحل قبول مثل هذا الا من الذي لا يسأل عما يفعل وهو الله تعالى على لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم.
771 مسألة ومن وطئ مرارا في اليوم عامدا فكفارة واحدة فقط،
ومن وطئ في يومين عامدا فصاعدا فعليه لكل يوم كفارة، سواء كفر قبل أن يطأ

(1) في النسخة رقم (16) (على ذي بطنها)
266

الثانية أو لم يكفر.
قال أبو حنيفة: عليه لكل ذلك ولو أنه أفطر في كل يوم من رمضان عامدا كفارة
واحدة فقط إلا أن يكون قد كفر ثم أفطر نهارا آخر فعليه كفارة أخرى * وقد روى
عنه انه سواء كفر أو لم يكفر ليس عليه الا كفارة واحدة إذا كانت الأيام من شهر
واحد، فإن كان اليومان اللذان أفطر فيهما من شهر رمضان اثنين فلكل يوم منهما
كفارة غير اليوم الآخر، فلم يختلف قوله فيمن تعمد الفطر أيام رمضان كلها
أو بعضها أو يوما واحدا منها في أنه ليس عليه الا كفارة واحدة فقط، إذا لم يكفر
في خلال ذلك، ولم يختلف قوله فيمن أفطر يومين من رمضانين ان عليه كفارتين كفر
بينهما أو لم يكفر، واختلف قوله فيمن أفطر يومين فصاعدا من رمضان واحد وكفر
في خلال ذلك، فمرة قال: عليه كفارة أخرى، ومرة قال: ليس عليه الكفارة
التي كفر بعد وقال مالك، والليث، والحسن بن حي، والشافعي: مثل قولنا، وهو
قول عطاء، واحد قول الشافعي.
قال أبو محمد: وهذا ما تناقض فيه أبو حنيفة وخالف فيه (1) جمهور العلماء.
برهان (2) صحة قولنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وطئ امرأته في رمضان
بالكفارة فصح أن لذلك اليوم الكفارة المأمور بها، وكل يوم فلا فرق بينه وبين ذلك
اليوم لان الخطاب بالكفارة واقع عليه فيه كما وقع في اليوم الأول ولا فرق، فان قيل
هلا قستم هذا على الحدود، قلنا: القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين
الباطل، لان الحدود التي يقيمها الامام والحاكم على المرء كرها ولا يحل للمرء أن يقيمها
على نفسه بخلاف الكفارة التي إنما يقيمها المرء على نفسه وهو مخاطب بها على نفسه
وليس مخاطبا بالحدود على نفسه، وفروق أخر نذكرها إن شاء الله تعالى في الحدود.
وأيضا فان أبا حنيفة رأى إن كان اليومان من رمضانين فكفارتان ولا بد، ولا خلاف
منه في أنه لو زنى بامرأتين من بلدين مختلفتين في عامين مختلفين فحد واحد، ولو شرب
خمرا من عصير عام واحد وخمرا من عصير عام آخر فحد واحد، ولو سرق في عامين
مختلفين فقطع واحد وبالله تعالى التوفيق.
ومن أعجب الأشياء ان أبا حنيفة قال: ما ذكرنا، ورأي فيمن ظاهر (3) من
امرأتيه بلفظ واحد ان عليه لكل امرأة كفارة أخرى، وقال فيمن قال في مجلس:

(1) في النسخة رقم (16) سقط لفظ (فيه) خطأ
(2) في النسخة رقم (14) (وبرهان) بزيادة الواو وما هنا أحسن
(3) في النسخة رقم (14) (من ظاهر)
267

والله لا كلمت زيدا، ثم قال في مجلس آخر: والله لا كلمت زيدا انهما يمينان يجب عليه
كفارتان، ومن قال: والله والرحمن كلمت زيدا فعليه، كفارتان الا ان ينوى أنهما
يمين واحدة.
قال على: وأما إذا كرر الوطئ في يوم واحد مرارا فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره
الا بكفارة واحدة ولم يسأله أعاد أم لا؟ وأيضا فإنه إذا وطئ فقد أفطر فالوطئ الثاني
وقع في غير صيام فلا كفارة فيه، وأيضا فان الواطئ (1) بأول ايلاجه متعمدا ذاكرا
وجبت عليه الكفارة (2) عاود أو لم يعاود، ولا كفارة في ايلاجه ثانية بالنص،
والاجماع.
772 مسألة ومن أفطر رمضان كله بسفر (3) أو مرض فإنما عليه عدد
الأيام التي أفطر ولا يجزئه شهر ناقص مكان تام، ولا يلزمه شهر تام مكان ناقص لقول
الله تعالى (فعدة من أيام أخر)، وقال الحسن بن حي: يجزئ شهر مكان شهر إذا صام
ما بين الهلالين ولا برهان على صحة هذا القول.
773 مسألة وللمرء ان يفطر في صوم (4) التطوع ان شاء لا نكره له ذلك
الا أن عليه أن أفطر عامدا قضاء يوم مكانه.
برهان ذلك ان الشريعة كلها فرض وتطوع هذا معلوم بنصوص القرآن والسنن،
والاجماع: وضرورة العقل إذ لا يمكن قسم ثالث أصلا، فالفرض هو الذي يعصى
من تركه، والتطوع هو الذي لا يعصى من تركه ولو عصى لكان فرضا، والمفرط
في التطوع تارك ما لا يجب عليه فرض فلا حرج عليه في ذلك، وقد أخبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم الاعرابي الذي سأله عن الصوم فأخبره عليه السلام برمضان (فقال: هل على
غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع شيئا فقال الاعرابي: والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص منه،
فقال عليه السلام: أفلح ان صدق دخل الجنة ان صدق) فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم في ترك
التطوع كراهة أصلا، وهكذا نقول فيمن قطع صلاة تطوع، أو بدا له في صدقة تطوع
أو فسخ عمدا حج تطوع، أو اعتكاف تطوع، ولافرق لما ذكرنا وما عدا ذلك
فدعوى لا برهان عليها وايجاب ما لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا قضاء
عليه في شئ مما ذكرنا الا في فطر التطوع فقط لما نذكر إن شاء الله تعالى.
(فان قيل): انكم توجبون فرضا في الصوم غير رمضان كالنذر وصيام الكفارات قلنا:

(1) في النسخة رقم (14) (فان الوطئ)
(2) في النسخة رقم (14) (أوجب عليه كفارة)
(3) في النسخة رقم (16) (لسفر)
(4) في النسخة رقم (14) (في صيام)
268

نوجب ما أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم ونضيفه إلى فرض رمضان، ولا نوجب ما لم
يوجب ولا نتعدى حدوده ولا نعارضه بآرائنا وقد جاءت في ذلك سنة.
كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني عبد الله بن
الهيثم ثنا أبو بكر الحنفي (1) نا سفيان عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن
مجاهد عن عائشة أم المؤمنين (2) قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتانا يوما فقال: هل
عندكم من شئ؟ قلنا: نعم أهدى لنا حيس فقال: أما (3) إني أصبحت أريد الصوم فاكل،
وقد رويناه من طريق عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين.
قال على: وهذه سنة ثابتة، وحدثنا (4) عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم
ابن أحمد نا الفربري نا البخاري نا محمد بن بشار نا جعفر بن عون نا أبو العميس هو
عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال:
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان، وأبى الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء
متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو
الدرداء فصنع له طعاما فقال: كل قال: (5) فانى صائم قال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل
فأكل وذكر باقي الحديث وفيه أن سلمان قال له: ان لربك عليك حقا وان لنفسك عليك
حقا ولا هلك عليك حقا فأعط كلى ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام:
(صدق سلمان) * فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد صوب قول سلمان (6) في افطار الصائم المتطوع
ولم ينكره.
ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي داود عمر بن سعد الحفري عن سفيان الثوري
عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي
هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام وهو بمر الظهران فقال لأبي بكر وعمر: (ادنوا
فكلا قالا: انا صائمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارحلوا لصاحبكم اعملوا لصاحبكم ادنوا

(1) في النسخة رقم (16) (نا) أبو بكر بن الحنفي بزيادة ابن وهو غلط، ووقع في النسائي (ج 1 ص 320) المطبوع
سنة 1312 بمصر (الخيفى) بالخاء المعجمة وبالباء آخر الحروف بدل النون وهو تصحيف وكذلك النسخة المطبوعة سنة
1349 ه‍ (ج 4 ص 194) وهذا مما يدلك على أنها لم تراجع على نسخ كما ادعى مصححها لان النسخة المطبوعة بالهند
سنة 1316 ه‍ جاءت صحيحة انظر (ج 1 ص 320) وهذا تقدم في المسألة 730 من هذا الجزء (وهذه الدعاوى كثرت
في زمننا هذا نسأل الله اخلاص العمل وصدق القول
(2) لفظ (أم المؤمنين) زيادة من النسخة رقم (16)
(3) لفظ (اما) زيادة من النسخة رقم (14) وهي موافقة لسنن النسائي
(4) في النسخة رقم (16) (نا) بدل (وحدثنا) وما هنا أوضح
(5) زيادة لفظ (قال) من البخاري (ج 3 ص 85)
(6) لفظ (قول سلمان في) سقط من النسخة رقم (14) خطأ
269

فكلا) وهذه كلها آثار صحاح وبهذا يقول جمهور السلف.
روينا من طريق وكيع عن سيف بن سليمان المكي عن قيس بن سعد عن داود بن أبي
عاصم عن سعيد بن المسيب قال: خرج عمر بن الخطاب يوما على أصحابه فقال: إني
أصبحت صائما فمرت بي جارية لي فوقعت عليها فما ترون؟ قال: فلم يألوا ما شكوا عليه،
وقال له على: أصبت حلالا وتقضى (1) يوما مكانه، قال له عمر: أنت أحسنهم فتيا.
ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن عمران بن عمير عن سعيد بن جبير عن
ابن عمر في الذي يأكل بعد ان أصبح صائما قال ابن عمر: لا جناح عليه ما لم يكن
نذرا أو قضاء.
ومن طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن قيس بن سعد عن ابن عباس قال:
الصيام تطوعا والطواف والصلاة والصدقة ان شاء مضى وان شاء قطع.
وروينا انه كان يصبح متطوعا ثم يفطر ولا يبالي ويأمر بقضاء يوم مكانه * وعن
ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله انه كان لا يرى بافطار التطوع بأسا وهو
قول سعيد بن جبير، وعطاء، وسليمان بن موسى، والشافعي، وأبي سليمان ألا أنهم
لم يريا في ذلك قضاء * وقال مالك: ان أفطر فيه (2) ناسيا يتم (3) صومه ولا شئ عليه
وان أفطر فيه عمدا فقد أساء ويقضى.
قال على: ولا برهان على صحة هذا القول مع خلافه لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم
أبى بكر، وعمر، وعلى، وابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد الله،
وأم المؤمنين، وغيرهم.
وأما ايجابنا القضاء فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب
أنا أحمد بن عيسى عن ابن وهب عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن
عمرة عن عائشة قالت: أصبحت صائمة انا وحفصة اهدى لنا طعام فأعجبنا فأفطرنا فدخل
النبي صلى الله عليه وسلم فبدرتني حفصة فسألته فقال: (صوما يوما مكانه).
قال على: لم يخف علينا قول من قال: إن جرير بن حازم أخطأ في هذا الخبر الا ان
هذا ليس بشئ لان جريرا ثقة، ودعوى الخطأ باطل الا ان يقيم المدعى له برهان
على صحة دعواه، وليس انفراد جرير باسناده علة لأنه ثقة.
قال أبو محمد: لا خلاف بين احمد في أن حكم ما أفطر به من جماع أو غيره حكم

(1) لفظ (حلالا وتقضى)) سقط من النسخة رقم (16) خطأ
(2) لفظ (فيه) زيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (فيتم) بزيادة الفاء ولا معنى لها
270

واحد فمن موجب للقضاء في كل ذلك ومن مسقط له في كل ذلك، وقد صح النص
بالقضاء في الافطار فما نبالي بأي شئ أفطر، وبالله تعالى التوفيق.
وأما تفريق مالك بين الافطار ناسيا في صوم تطوع أو فرض فحطأ لا وجه له،
وليس إلا صائم أو مفطر، فإن كان مفطرا فالحكم واحد في القضاء أو تركه، وإن كان
صائما فلا قضاء على صائم.
774 مسألة ومن أفطر عامدا في قضاء رمضان فليس عليه إلا قضاء يوم
واحد فقط لان إيجاب القضاء إيجاب شرع لم يأذن به الله تعالى، وقد صح انه عليه السلام
قضى ذلك اليوم من رمضان (1) فلا يجوز ان يزاد عليه غيره بغير نص ولا إجماع.
وروينا عن قتادة ان عليه الكفارة كمن فعل ذلك في رمضان لأنه بدل منه.
قال أبو محمد: هذا أصح ما يكون من القياس (2) إن كان القياس حقا، وعن بعض
السلف عليه قضاء يومين، ويوم رمضان، ويوم القضاء.
(تم)
تم الجزء السادس من كتاب المحلى لابن حزم والحمد لله رب العالمين
ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء السابع مفتتحا ب‍ (مسألة ومن مات وعليه
صوم فرض من قضاء رمضان) الخ ونسأل الله المعونة على اتمامه

(1) في النسخة رقم (16) (وقد صح ان عليه قضاء ذلك اليوم من رمضان) وما هنا أظهر
(2) لفظ (القياس) زيادة من النسخة رقم (14)
271