الكتاب: الشرح الكبير
المؤلف: عبد الرحمن بن قدامه
الجزء: ٥
الوفاة: ٦٨٢
المجموعة: فقه المذهب الحنبلي
تحقيق:
الطبعة: جديدة بالأوفست
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: بعناية جماعة من العلماء

الشرح الكبير
على متن المقنع، تأليف الشيخ الإمام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد
ابن قدامه المقدسي المتوفى سنة 682 ه‍ كلاهما.
على مذهب إمام الأئمة (أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني) مع بيان خلاف سائر الأئمة وأدلتهم رضي الله عنهم
الجزء الخامس
دار الكتاب العربي
للنشر والتوزيع
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
(باب الصلح)
الصلح معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المختلفين ويتنوع أنواعا: صلح بين المسلمين وأهل الحرب
وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما. قال الله تعالى
(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وقال تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا
أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) وروى أبو هريرة ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (الصلح بين المسلمين جائز إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حرما) أخرجه الترمذي
وقال حديث حسن صحيح. وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى بمثل ذلك وأجمع العلماء على جواز
الصلح في هذه الأنواع التي ذكرنا ولكل واحد منها باب يفرد له وتذكر فيه أحكامه وهذا الباب
للصلح بين المختلفين في الأموال
(مسألة) (والصلح في الأموال قسمان أحدهما صلح على الاقرار وهو نوعان (أحدهما) صلح على
جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي فيصح إن لم يكن
بشرط مثل أن يقول على أن تعطيني الباقي أو يمنعه حقه بدونه)
وجملة ذلك أن من اعترف بدين أو عين في يده فأبرأه الغريم من بعض الدين أو وهبه بعض العين
وطلب منه الباقي صح إذا كانت البراءة مطلقة من غير شرط. قال أحمد إذا كان للرجل على الرجل
الدين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزا لهما ولو فعل ذلك قاض
2

شافعي لم يكن عليه في ذلك إثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كلم غرماء جابر ليضعوا عنه وفي الذي
أصيب في حديقته فمر به النبي صلى الله وسلم وهو ملزوم فأشار إلى غرمائه بالنصف فأخذوه منه،
فإن فعل ذلك قاض اليوم جاز إذا كان على وجه الصلح والنظر لهما، وقد روى عبد الله بن كعب عن
أبيه انه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم فخرج إليهما ثم نادى (يا كعب) قال لبيك يا رسول الله. فأشار إليه أن ضع الشطر
من دينك. قال قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قم فاعطه) متفق عليه
فأما إن منعه المقر حقه حتى يضع عنه بعضه فالصلح باطل لأنه صالح عن بعض ماله ببعضه وسواء كان
بلفظ الصلح أو بلفظ الابراء أو الهبة المقرون بشرط مثل أن يقول أبرأتك من خمسمائة أو وهبتك
بشرط أن تعطيني ما بقي، قال ابن أبي موسى الصلح على الاقرار هضم للحق فمتى ألزم المقر له ترك بعض
حقه فتركه من غير طيب نفسه لم يطب لاحد، وإن تطوع المقر له باسقاط بعض حقه جاز غير أن ذلك
ليس بصلح ولا من باب الصلح بسبيل فلم يجعله صلحا، ولم يسم الخرقي الصلح إلا في حال الانكار،
فأما مع الاعتراف فإن قضاه من جنس حقه فهو وفاء وإن قضاء من غير جنسه فهو معاوضة وإن أبرأه
من بعضه فهو إبراء وإن وهبه بعض العين فهو هبة فلا يسمى صلحا وسماه القاضي وأصحابه صلحا
وهو قول الشافعي. والخلاف في التسمية أما المعنى فمتفق عليه، وهو ينقسم إلى إبراء وهبة ومعاوضة وقد
ذكرنا الابراء، فأما الهبة فهو أن يكون له في يده عين فيقول قد وهبتك نصفها وأعطني بقيتها فيصح
ويعتبر له شروط الهبة، وإن أخرجه مخرج الشرط لم يصح وهذا مذهب الشافعي، لأنه إذا شرط في
الهبة الوفاء جعل الهبة عوضا عن الوفاء فكأنه عاوض بعض حقه ببعض، فإن أبرأه من بعض الدين
أو وهب له بعض العين بلفظ الصلح مثل أن يقول صالحني بنصف دينك علي أو بنصف دارك هذه،
فيقول صالحتك بذلك لم يصح: ذكره القاضي وابن عقيل وهو قول بعض أصحاب الشافعي، وقال
أكثرهم يجوز الصلح لأنه إذا لم يجر بلفظه خرج عن أن يكون صلحا ولا يبقى له تعلق به أما إذا
كان بلفظه سمي صلحا لوجود اللفظ وان تخلف المعنى كالهبة بشرط الثواب، وإنما يقتضي لفظ الصلح
المعاوضة إذا كان ثم عوض أما مع عدمه فلا، وإنما معنى الصلح الاتفاق والرضى وقد يحصل هذا من
غير عوض كالتمليك إذا كان بعوض سمي بيعا وان خلا عن العوض سمي هبة
ولنا أن لفظ الصلح يقتضي المعاوضة لأنه إذا قال صالحني بهبة كذا أو على هبة كذا أو على نصف
هذه العين ونحو هذا فقد أضاف إليه بالمقابلة فصار كقوله بعني بألف وان أضاف إليه على جرى مجرى
الشرط كقوله (على أن تأجرني ثماني حجج) وقوله (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم
سدا) وكلاهما لا يجوز بدليل ما لو صرح بلفظ الشرط أو بلفظ المعاوضة، وقولهم انه يسمى صلحا
3

ممنوع وان سمي صلحا فمجاز لتضمنه قطع التنازع وإزالة الخصومة وقولهم ان الصلح لا يقتضي المعاوضة
ممنوع وان سلمنا لكن المعاوضة حصلت من اقتران حرف الباء أو على أو نحوهما به فإن لفظ الصلح
يحتاج إلى حرف يتعدى به وذلك يقتضي المعاوضة على ما بينا
(مسألة) (ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب والمأذون له وولي اليتيم إلا في حال
الانكار وعدم البينة) لأنه تبرع وليس لهم التبرع فاما إذا لم يكن بالدين أو كان على الانكار صح
لأن استيفاء هم البعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه
(مسألة) (وان صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم يصح)
كره ذلك زيد بن ثابت وابن عمر وقال نهى عمر أن تباع العين بالدين وكره ذلك سعيد بن
المسيب والقاسم وسالم والحسن ومالك والشافعي والثوري وابن عيينة وأبو حنيفة وإسحاق وروي عن
ابن عباس وابن سيرين والنخعي أنه لا بأس به، وعن الحسن وابن سيرين انهما كانا لا يريان بأسا
بالعروض ان يأخذها من حقه قبل محله لأنهما تبايعا العروض بما في الذمة فصح كما لو اشتراها بثمن
مثلها ولعل ابن سيرين يحتج بان التعجيل جائز والاسقاط وحده جائز فجاز الجمع بينهما كما لو فعلا
ذلك من غير مواطأة عليه
ولنا أنه يبذل القدر الذي يحطه عوضا من تعجيل ما في ذمته وبيع الحلول والتأجيل لا يجوز
كما لا بجوز أن يعطيه عشرة حالة بعشرين مؤجلة ولأنه يبيعه عشرة بعشرين فلم يجز كما لو كانت معينة
وفارق ما إذا كان من غير مواطأة ولا عقد لأن كل واحد منهما متبرع ببذل حقه من غير عوض ولا
يلزم من جواز ذلك جوازه في العقد أو مع الشرط كبيع درهم بدرهمين ويفارق ما إذا اشترى العروض
بثمن مثلها لأنه لم يأخذ عن الحلول عوضا
(مسألة) (وان وضع بعض الحال وأجل باقيه صح الاسقاط دون التأجيل) إذا صالحه عن الف
حال بنصها مؤجلا اختيارا منه وتبرعا صح الاسقاط ولم يلزم التأجيل لأن الحال لا يتأجل بالتأجيل على
ما ذكرنا والاسقاط صحيح وان فعله لمنعه من حقه بدونه أو شرط ذلك في الوفاء لم يسقط على ما
ذكرنا في أول الباب وذكر أبو الخطاب في هذا روايتين أصحهما لا يصح وما ذكرنا من التفصيل أولى
(مسألة) (وان صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل ان يصالح عن دية الخطأ أو قيمة
متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجوز لأنه يأخذ عوضا عن
المتلف فجاز ان بأخذ أكثر من قيمته كما لو باعه بذلك
4

ولنا ان الدية والقيمة تثبت في الذمة مقدرة فلم يجز أن يصالح عنها بأكثر منها من جنسها كالثابتة
عن قرض أو ثمن مبيع ولأنه إذا اخذ أكثر منها فقد اخذ حقه وزيادة لا مقابل لها فيكون أكل مال بالباطل
(مسألة) (وان صالحه بعرض قيمته أكثر منها جاز) لأنه بيع
(فصل) ولو صالح عن المائة الثابتة بالاتلاف بمائة مؤجلة لم تصر مؤجلة وهذا قول الشافعي وعن أحمد
انها تصير مؤجلة وهو قول أبي حنيفة لأنه عاوض عن المتلف بمائة مؤجلة فجاز كما لو باعه إياه
ولنا انه إنما استحق عليه قيمة المتلف وهو مائة حالة والحال لا يتأجل بالتأجيل وان جعلناه بيعا
فهو بيع دين بدين وهو غير جائز
(مسألة) (وان صالحه عن بيت على أن يسكنه سنة أو يبني له فوقه غرفة لم يصح)
إذا ادعى على رجل بيتا فصالحه على بعضه أو على أن يبني له ثم على أن يسكنه سنة لم يصح لأنه
يصالحه عن ملكه على ملكه أو منفعته وان اسكنه كان تبرعا منه متى شاء أخرجه منها وان أعطاه بعض
داره بناء على هذا فمتى شاء انتزعه منه لأنه أعطاه إياه عوضا عما لا يصلح عوضا عنه وان فعل ذلك على سبيل
المصالحة معتقدا ان ذلك وجب عليه بالصلح رجع عليه باجر ما سكن واجر ما كان في يده من الدار
لأنه اخذه بعقد فاسد فأشبه المبيع الموجود بعقد فاسد وسكنى الدار بإجارة فاسدة، وان بنى وفوق البيت غرفة
أجبر على نقضها وإذا اجر السطح مدة مقامه في يده وله اخذ آلته، وان اتفقا على أن يصالحه صاحب
البيت عن بنائه بعوض جاز وان بنى الغرفة بتراب من ارض صاحب البيت وآلاته فليس له اخذ بنائه
لأنه ملك صاحب البيت وان أراد نقض البناء لم يكن له ذلك إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف به ويتخرج
ان يملك نقضه كقولنا في الغاصب
(مسألة) (ولو قال أقر لي بديني وأعطيك منه مائة ففعل صع الاقرار ولم يصح الصلح)
لأنه يجب عليه الاقرار بما عليه من الحق فلم يحل له أخذ العوض عما يجب عليه. فعلى هذا يرد ما
أخذ لأنه تبين كذبه باقراره وان عليه الدين فلزمه أداؤه بغير عوض
(مسألة) (وان صالح انسانا ليقر له بالعبودية أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح)
لا يجوز الصلح على ما لا يجوز أخذ العوض عنه مثل ان يدعي على رجل أنه عبده فينكره فيصالحه
على مال ليقر له بالعبودية فلا يجوز ذلك لأنه يحل حراما فإن ارقاق الحر نفسه لا يحل بعوض ولا غيره
وكذلك ان صالح امرأة لتقر له بالزوجية لأنه صلح يحل حراما ولأنها لو أرادت بذل نفسها بعوض لم
يجز فإن دفعت إليه عوضا عن هذه الدعوى ليكف نفسه عنها ففيه وجهان
(أحدهما) لا يجوز لأن الصلح في الانكار إنما يكون في حق المنكر لافتداء اليمين وهذه لا يمين عليها وفي
حق المدعي يأخذ العوض في مقابلة حقه الذي يدعيه وخروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له وإنما
5

أجيز الخلع للحاجة إلى افتداء نفسها (والثاني) يصح ذكره أبو الخطاب وابن عقيل لأن المدعي يأخذ
عوضا عن حقه من النكاح فجاز كعوض الخلع والمرأة تبذله لقطع خصومته وإزالة شره وربما توجهت
اليمين عليها لكون الحاكم يرى ذلك ولأنها مشروعة في حقها في إحدى الروايتين، ومتى صالحته عن
ذلك ثم يثبت الزوجية باقرارها أو ببينة فإن قلنا الصلح باطل فالنكاح باق بحاله لأنه لم يوجد من
الزوج طلاق ولا خلع وان قلنا هو صحيح احتمل ذلك أيضا لما ذكرنا، واحتمل أن تبين منه بأحد
العوضين لأنه أخذ العوض عما يستحقه من نكاحها فكان خلعا كما لو أقرت له بالزوجية فخالعها ولو
ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا فصالحها على مال لتنزل عن دعواها لم يجز لأنه لا يجوز لها بذل
نفسها لمطلقها بعوض ولا بغيره، وان دفعت إليه مالا ليقر بطلاقها لم يجز في أحد الوجهين وفي الآخر
يجوز كما لو بذلت له عوضا ليطلقها ثلاثا
(مسألة) وان دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه صح) لأنه يجوز أن
يعتق عبده بمال وليشرع للدافع لدفع اليمين الواجبة عليه والخصومة المتوجهة إليه.
(النوع الثاني) أن يصالحه عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة وذلك مثل أن يعترف له بعين في
يده أو دين في ذمته ثم يعوضه عن ذلك بما يجوز تعويضه به وهو ثلاثة أقسام (أحدها) أن يقر له
بنقد فيصالحه على نقد آخر مثل أن يقر له بمائة درهم فيصالحه عنها بعشرة دنانير أو بالعكس
فهذا صرف يشترط له شروط الصرف من التقابض في المجلس ونحوه
(القسم الثاني) أن يعترف له بعروض فيصالحه على أثمان أو بالعكس فهذا بيع تثبت فيه أحكام البيع
(الثالث) أن يصالحه على سكنى دار أو خذمة عبده أو على أن يعمل له عملا معلوما فتكون
إجارة لها حكم سائر الإجارات فإن تلفت الدار أو العبد قبل استيفاء شئ من المنفعة انفسخت الإجارة
ورجع بما صالح عنه، وان تلفت بعد استيفاء بعض المنفعة انفسخت فيما بقي من المدة ورجع بقسط
ما بقي، ولو صالحه على أن يزوجه أمته وكان ممن يجوز له نكاح الإماء صح وكان المصالح عنه
صداقها فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه وان طلقها
قبل الدخول رجع بنصفه
(مسألة) (وان صالحت المرأة بتزويج نفسها صح فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها فتبين أنه
ليس بعيب رجعت بأرشه لا بمهر مثلها)
إذا اعترفت امرأة لرجل بدين أو عين فصالحته على أن تزوجه نفسها صح ويكون صداقا لها فإن
كان المعترف به عيبا في مبيعها فبان أنه ليس بعيب كبياض في عين العبد ظنته عمى رجعت بأرشه لأن ذلك
صداقها فرجعت به لا يمهر مثلها فإن لم يزل العيب ولكن انفسخ نكاحها بما يسقط صداقها رجع عليها بأرشه
6

(مسألة) (وان صالح عما في الذمة بشئ في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض لأنه بيع دين بدين)
وقد نهى الشارع عنه
(فصل) وان صالحه بخدمة عبده سنة صح وكانت إجارة على ما ذكرنا فإن باع العبد في السنة صح
البيع ويكون المشتري مسلوب المنفعة بقية السنة وللمصالح استياء منفعته إلى انقضاء السنة كما لو زوج أمته ثم
باعها وان يعلم المشتري بذلك فله الفسخ لأنه عيب وان أعتق العبد في أثناء المدة صح عتقه لأنه مملوك
يصح بيعه فصح عتقه كغيره، وللمصالح أن يستوفي نفعه في المدة لأنه أعتقه بعد أن ملك نفعه لغيره فأشبه
ما لو أعتق الأمة المزوجة لحر ولا يرجع العبد على سيده بشئ لأنه ما أزال ملكه بالعتق الا عن
الرقبة والمنافع حينئذ مملوكة لغيره فلم تتلف منافعه بالعتق فلا يرجع بشئ ولأنه أعتقه مسلوب المنفعة
فلم يرجع بشئ كما لو أعتق زمنا أو مقطوع اليدين أو أمة مزوجة وذكر القاضي وابن عقيل وجها
انه يرجع على سيده بأجر مثله وهو قول الشافعي لأن العتق اقتضى إزالة ملكه عن الرقبة والمنفعة
جميعا فلما لم تحصل المنفعة للعبد ههنا فكأنه حال بينه وبين منفعته
ولنا ان اعتاقه لم يصادف للمعتق سوى ملك الرقبة فلم يؤثر إلا فيه كما لو وصى لرجل برقبة
عبد ولآخر بمنفعته فأعتق صاحب الرقبة وكما لو أعتق أمة مزوجة قولهم إنه اقتضى زوال الملك عن
المنفعة قلنا إنما يقتضي ذلك إذا كانت مملوكة له أما إذا كانت مملوكة لغيره فلا يقتضي اعتاقه إزالة ما ليس
بموجود وان تبين أن العبد مستحق تبين بطلان الصلح لفساد العوض ورجع المدعي فيما أقر له به
وان وجد العبد معيبا عيبا تنقص به المنفعة فله رده وفسخ الصلح وان صالح على العبد عينه صح
والحكم فيما إذا خرج مستحقا أو معيبا كما ذكرنا
(فصل) وإذا ادعى زرعا في يد رجل فأقر له به ثم صالحه على دراهم جاز على الوجه الذي يجوز
بيع الزرع وقد ذكرناه في البيع، فإن كان الزرع في يد رجلين فأقر له أحدهما بنصفه ثم صالحه عليه
قبل اشتداد حبه لم يجز لأنه إن كان الصلح مطلقا أو بشرط التبقية لم يجز لأنه لا يجوز بيعه وان شرط
القطع لم يجز أيضا لكونه لا يمكنه قطعه الا بقطع زرع الآخر، ولو كان الزرع لواحد فأقر للمدعي
بنصفه ثم صالحه عنه بنصف الأرض ليصير الزرع كله للمقر والأرض بينهما نصفين فإن شرط القطع
جاز لأن الزرع كله للمقر فجاز شرط قطعه ويحتمل أن لا يجوز لأن في الزرع ما ليس بمبيع وهو النصف
الذي لم يقر به وهو في النصف الباقي له فلا يصح شرط قطعه كما لو شرط قطع زرع آخر في أرض
أخرى، وان صالحه منه بجميع الأرض بشرط القطع ليسلم الأرض إليه فارغة صح لأن قطع جميع
الزرع مستحق نصفه بحكم الصلح والباقي لتفريغ الأرض فأمكن القطع وإن كان اقراره بجميع
الزرع فصالحه من نصفه على نصف الأرض لتكون الأرض والزرع بينهما نصفين وشرطا القطع في
7

الجميع احتمل الجواز لأنهما قد شرطا قطع كل الزرع وتسليم الأرض فارغة واحتمل المنع لأن باقي
الزرع ليس بمبيع فلا يصح بشرط قطعه في العقد
(مسألة) (ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة)
يصح الصلح عن المجهول سواء كان عينا أو دينا إذا كان مما لا سبيل إلى معرفته قال أحمد في
الرجل يصالح عن الشئ فإن علم أنه أكثر منه لم يجز الا أن يوقفه عليه الا أن يكون مجهولا لا يدري
ما هو، ونقل عنه عبد الله إذا اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير وطحنا فإن عرف قيمة دقيق الحنطة
ودقيق الشعير بيع هذا وأعطي كل واحد منهما قيمة ماله الا أن يصطلحا على شئ ويتحالا وقال ابن
أبي موسى الصلح الجائز وصلح الزوجة من صداقها الذي لا بينة لها به ولا علم لها ولا للورثة بمبلغه
وكذلك الرجلان تكون بينهما المعاملة والحساب الذي قد مضى عليه الزمن الطويل لاعلم لكل واحد
منهما بما عليه لصاحبه فيجوز الصلح بينهما، وكذلك من عليه حق لا علم له بقدره جاز ان يصالح عليه
وسواء كان الحق يعلم حقه ولا بينة له ويقول القابض إن كان لي عليك حق
فأنت منه في حل ويقول الدافع ان كنت أخذت أكثر من حقك فأنت منه في حل وقال الشافعي
لا يصح الصلح على مجهول لأنه فرع البيع والبيع لا يصح على مجهول
ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجلين اختصما في مواريث درست (استهما وتوخيا
وليحلل أحدكما صاحبه) رواه أحمد بمعناه وهذا صلح على المجهول ولأنه اسقاط حق فصح في المجهول
كالعتاق ولأنه إذا صح الصلح مع العلم وامكان أداء الحق بعينه فلان يصح مع الجهل أولى وذلك لأنه
إذا كان معلوما فلهما طريق إلى التخلص وبراءة أحدهما من صاحبه بدونه ومع الجهل لا يمكن ذلك فلو
لم يجز الصلح افضى إلى ضياع المال على تقدير أن يكون بينهما مال لا يعرف كل واحد منهما قدر حقه
منه ولا نسلم كونه فرع بيع وإنما هو إبراء وان سلمنا كونه فرع بيع فإن البيع يصح في المجهول عند
الحاجة كبيع أساسات الحيطان وطي الآبار وما مأكوله في جوفه ولو أتلف رجل صبرة طعام لا يعلم
قدرها فقال صاحب الطعام لمتلفه بعتك الطعام الذي في ذمتك بهذا الدرهم أو بهذا الثوب صح.
إذا ثبت هذا فمتى كان العوض في الصلح مما لا يحتاج إلى تسليمه ولا سبيل إلى معرفته كالمختصمين في مواريث
دارسة وحقوق سالفة أو في أرض أو عين من المال لا يعلم كل واحد قدر حقه صح الصلح مع الجهالة
من الجانبين لما ذكرنا من الخبر والمعنى، وإن كان يحتاج إلى تسليمه لم يجز مع الجهالة ولا بد من العلم
به لأن تسليمه واجب والجهالة تمنعه وتفضي إلى التنازع فلا يحصل مقصود الصلح
(فصل) فاما ما يمكنهما معرفته كتركة موجودة أو يعمله الذي هو عليه ويجهله صاحبه فلا يصح
8

الصلح عليه مع الجهل أحمد ان صولحت امرأة من ثمنها لم يصح، واحتج بقول شريح أيما امرأة
صولحت من ثمنها فلم يبين لها ما ترك زوجها فهي الريبة كلها، قال وان ورث قوم مالا أو دورا وغير ذلك
فقالوا لبعضهم نخرجك من الميراث بألف درهم أكره ذلك، ولا يشترى منها شيئا وهي لا نعلم لعلها تظن
انه قليل وهو يعلم أنه كثير ولا يشترى حتى نعرفه وتعلم ما هو، إنما يصالح الرجل الرجل على الشئ لا
يعرفه ولا يدري ما هو؟ حساب بينهما فيصالحه، أو يكون رجل يعلم ماله عند رجل والآخر لا يعلمه فيصالحه
فاما إذا علم فلم يصالحه إنما يريد أن يهضم حقه ويذهب به وذلك لأن الصلح إنما جاز مع الجهالة للحاجة
إليه لابراء الذمم وإزالة الخصام فمع امكان العلم لا حاجة إلى الصلح مع الجهالة فلم يصح كالبيع
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (القسم الثاني) أن يدعي عليه عينا أو دينا فينكره ثم يصالحه على
مال فيصح ويكون بيعا في حق المدعي حتى أن وجد بما أخذه عيبا فله رده وفسخ الصلح)
الصلح على الانكار صحيح وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح لأنه عاوض عما لم
ثبت له فلم تصح المعاوضة كما لو باع مال غيره ولأنه عقد معاوضة خلا عن العوض في أحد جانبيه
فبطل كالصلح على حد القذف
ولنا عموم قول عليه السلام (الصلح بين المسلمين جائز) فيدخل هذا في عمومه فإن قالوا فقد قال
(الا صلحا أحل حراما) وهذا داخل فيه لأنه لم يكن له ان يأخذ من مال المدعى عليه فحل بالصلح قلنا
9

قلنا لا نسلم دخوله فيه ولا يصح حمل الحديث على ما ذكروه لوجهين (أحدهما) ان هذا يؤخذ في الصلح
بمعنى البيع فإنه يحل لكل واحد منهما ما كان محرما عليه قبله وكذلك الصلح بمعنى الهبة فإنه يحل
للموهوب له ما كان حراما عليه الثاني انه لو حل به المحرم لكان الصلح صحيحا فإن الصلح الفاسد يحل
الحرام وإنما منعناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه كما لو صالحه على استرقاق حر
أو احلال بضع محرم أو صالحه بخمر أو خنزير وليس ما نحن فيه كذلك وعلى أنهم لا يقولون بهذا فإنهم
يبيحون لمن له حق يجحده غريمه أن يأخذ من ماله بقدره أو دونه فإذا حل له ذلك من غير اختياره
ولا علمه فلان يحل برضاه وبذله أو لي وكذلك إذا حل مع اعتراف الغريم فلان يحل مع جحده وعجزه
عن الوصول إلى حقه الا بذلك أول ولان المدعي ههنا يأخذ عوض حقه الثابت له والمدعى عليه
يدفعه لدفع الشر عنه ويقطع الخصومة ولم يرد الشرع بتحريم ذلك في موضع ولأنه صلح يصح مع
الأجنبي فصح مع الخصم كالصلح مع الاقرار، يحققه انه إذا صح مع الأجنبي مع غناه عنه فلان يصح
مع الخصم مع حاجته إليه أولى، وقولهم انه معاوضة قلنا في حقهما أو في حق أحدهما؟ الأول ممنوع
والثاني مسلم وهذا لأن المدعي يأخذ عوض حقه من المنكر لعلمه بثبوت حقه عنده فهو معاوضة في حقه
10

والمنكر يعتقد أنه يدفع المال لدفع الخصومة واليمين عنه وتخلصه من شر المدعى فهو أبرأ في حقه
وغير ممتنع ثبوت المعاوضة في حق أحد المتعاقدين دون الآخر كما لو اشترى عبدا شهد بحريته فإنه يصح ويكون
معاوضة في حق البائع واستنقاذا له من الرق في حق المشتري كذا ههنا. إذا ثبت هذا فلا يصح هذا
الصلح الا أن يكون المدعي شيئا معتقدا ان ما ادعاه حق والمدعى عليه يعتقد أنه لا حق عليه فيدفع إلى
المدعي شيئا افتداء ليمينه وقطعا للخصومة وصيانة لنفسه عن التبذل وحضور مجلس الحاكم فإن ذوي
الأنفس الشريفة يصعب عليهم ذلك ويرون دفع ضررها عنهم من أعظم المصالح والشرع لا يمنعهم من
وقاية أنفسهم وصيانتها ودفع الشر عنم ببذل أموالهم، والمدعي يأخذ ذلك عوضا عن حقه الذي يعتقد
ثبوته فلا يمنعه الشرع من ذلك، سواء كان المأخوذ من جنس حقه بقدر حقه أو دونه فإن أخذ من
جنس حقه بقدره فقد استوفى حقه وان أخذ دونه فقد استوفى بعضه وترك بعضه وان اخذ من غير
جنس حقه فقد أخذ عوضه ولا يجوز ان يأخذ من جنس حقه أكثر منه لأن الزائد لا مقابل له فيكون
ظالما بأخذه وان اخذ من غير جنسه جاز ويكون بيعا في حق المدعي لاعتقاده أخذه عوضا فيلزمه حكم
اقراره فإن وجد بما أخذه عيبا فله رده وفسخ الصلح كما لو اشترى شيئا فوجده معيبا
(مسألة) (وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة ويكون إبراء في حق الآخر فلا يرد ما صولح
عنه بعيب ولا يؤخذ بشفعة)
إذا كان الذي أخذه المدعي شقصا في دار أو عقار وجبت فيه الشفعة لأنه يقر ان الذي أخذه
عوضا فهو كما لو اشتراه ويكون أبرأ في حق المنكر لأنه دفع المال ابتداء ليمينه ودفعا للضرر عنه لا
عوضا عن حق يعتقده فيلزمه أيضا حكم ا قراره، فإن وجد بالمصالح عنه عيبا لم يرجع به على المدعي
لاعتقاده انه ما أخذه عوضا وإن كان شقصا لم تثبت فيه الشفعة لأنه يعتقده على ملكه لم يزل وما
11

ملكه بالصلح ولو دفع المدعى عليه إلى المدعي ما ادعاه أو بعضه لم يثبت فيه حكم البيع ولا تثبت
فيه الشفعة لأن المدعي يعتقد أنه استوفى بعض حقه واخذ عين ماله مسترجعا لها ممن هي عنده فلم
يمن بيعا كاسترجاع العين المغصوبة
(مسألة) (فإن كان أحدهما عالما بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه وما أخذه حرام عليه)
متى علم أحدهما كذب نفسه كمن ادعى شيئا يعلم أنه ليس له أو أنكر حقا يعلم أنه عليه فالصلح باطل
في الباطن لأن المدعي إذا كان كاذبا فما يأخذه أكل للمال بالباطل أخذه بشره وظلمه لا عوضا من حق
فيكون حراما عليه كمن خوف رجلا بالقتل حتى أخذ ماله، وإن كان المدعى عليه يعلم صدق المدعي
وجحده لينتقص حقه أو يرضيه عنه شئ فهو هضم للحق وأكل مال بالباطل فيكون ذلك حراما
والصلح باطل لا يحل له مال المدعي بذلك هذا حكم الباطن وأما الظاهر لنا فهو الصحة لأنا لا نعلم
باطن الحال إنما نبني الامر على الظاهر والظاهر من حال المسلمين الصحة، ولو ادعى على رجل وديعة
أو قرضا أو تفريطا في وديعة أو مضاربة فأنكر واصطلحا صح لما ذكرناه
(مسألة) (فإن صالح عن المنكر أجنبي بغير اذنه صح ولم يرجع عليه في أصح الوجهين)
إذا صالح عن المنكر أجنبي صح سواء اعترف للمدعي بصحة دعواه أولم يعترف وسواء كان
باذنه أو بغير اذنه وقال أصحاب الشافعي إنما يصح إذا اعترف المدعي بصدقه وهذا مبني على صلح المنكر
وقد ذكرناه. ثم لا يخلوا الصلح أن يكون عن دين أو عين فإن كان عن دين صح سواء كان باذن المنكر
أو بغير اذنه فإن عليا وأبا قتادة قضيا عن الميت فاجازه النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان الصلح عن
12

عين باذن المنكر فهو كالصلح منه لأن الوكيل يقوم مقام الموكل وإن كان بغير اذنه فهو افتداء للمنكر
من الخصومة وابراء له من الدعوى وذلك جائز وفي الموضعين إذا صالح عنه بغير اذنه لم يرجع عليه
بشئ لأنه أدى عنه مالا يلزمه أداؤه، وخرجه القاضي وأبو الخطاب على الروايتين فيما إذا قضى دينه
الثابت بغير اذنه وهذا التخريج لا يصح لأن هذا لم يثبت وجوبه على المنكر ولا يلزمه أداؤه إلى المدعي
فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره؟ ولأنه أدى عنه مالا يجب عليه فكان متبرعا كما لو تصدق عنه ومن قال
برجوعه فإنه يجعله كالمدعي في الدعوى على المنكر اما انه يجب له الرجوع بما ادعاه حتما فلاوجه له
أصلا لأن أكثر ما يجب لمن قضى دين غيره أن يقوم مقام صاحب الدين وصاحب الدين ههنا لم
يجب له حق ولألزم الأداء إليه ولم يثبت له أكثر من جواز الدعوى فكذلك هذا ويشترط في جواز
الدعوى أن يعلم صدق المدعي فأما ان لم يعلم لم يحل له دعوى شئ لا يعلم ثبوته
(مسألة) (وان صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفا بها
عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح وإن ظن القدرة عليه صح فإن عجز عنه فهو مخير بين فسخ الصلح وامضائه)
إذا صالح الأجنبي المدعي لنفسه لتكون المطالبة له فلا يخلو إما أن يعترف للمدعي بصحة دعواه
13

أولا فإن لم يعترف له فالصلح باطل لأنه يشتري منه ما لم يثبت له ولم يتوجه إليه خصومة يفتدي منها أشبه
ما لو اشترى منه ملك غيره، وإن اعترف له بصحة دعواه: كان المدعى دينا لم يصح لأنه اشترى مالا يقدر
البائع على تسليمه ولأنه بيع للدين من غير من هو في ذمته، وقال بعض أصحابنا يصح وليس بجيد لأن
بيع الدين المقر به من غير من هو في ذمته لا يصح فبيع دين في ذمة منكر معجوز عن قبضه أولى، وإن
كان المدعى عينا فقال الأجنبي للمدعي أنا أعلم أنك صادق فصالحني عنها فاني قادر على استنقاذها
من المنكر فقال أصحابنا يصح الصلح وهو مذهب الشافعي لأنه اشترى منه ملكه الذي يقدر على
قبضه ثم إن قدر على أخذه استقر الصلح وإن عجز كان له الفسخ لأنه لم يسلم له المعقود عليه فكان له
الرجوع إلى بدله يحتمل انه إن تبين أنه لا يقدر على تسليمه تبين أن الصلح كان فاسدا لأن الشرط
الذي هو القدرة على قبضه معدوم حال العقد كان فاسدا كما لو اشترى عبده فتبين أنه آبق أو ميت
ولو اعترف له بصحة دعواه ولا يمكنه استنقاذه لم يصح الصلح لأنه اشترى مالا يمكنه قبضه فأشبه شراء
العبد الآبق فإن اشتراه وهو يظن أنه عاجز عن قبضه فتبين ان قبضه ممكن صح البيع لأن البيع تناول
ما يمكن قبضه فصح كما لو علما ذلك ويحتمل أن لا يصح لأنه ظن عدم الشرط فأشبه ما لو باع عبدا
يظن أنه حر أو عبد غيره فتبين أنه ومحتمل أن يفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز
عن تسليم المبيع وبين من لا يعلم ذلك لأن من يعلم ذلك معتقد فساد البيع والشراء فكان بيعه فاسدا
14

لكونه متلاعبا بقوله معتقدا فساده ومن لا يعلم يعتقده صحيحا وشروطه فصح كما لو
علمه مقدورا على تسلميه.
(فصل) فإن قال الأجنبي للمدعي أنا وكيل المدعى عليه في مصالحتك عن هذه العين وهو مقر لك
بها وإنما جحدها في الظاهر فظاهر كلام الخرقي أن الصلح لا يصح لأنه يجحدها في الظاهر لينتقص
الدمعي بعض حقه أو يشتريه بأقل من ثمنه فهو هاضم للحق متوصل إلى أخذ المصالح عنه بالظلم والعدوان
فهو بمنزلة ما لو شافهه بذلك فقال أنا أعلم صحة دعواك وأن هذا لك لكن لا أسلمه إليك ولا أقر
لك به عند الحاكم حتى تصالحني منه على بعضه أو عوض عنه، وقال القاضي يصح وهو مذهب الشافعي
قالوا ثم ينظر إلى المدعى عليه فإن صدقه على ذلك ملك العين ورجع الأجنبي عليه بما أدى عنه، وإن
كان أذن في الدفع، وإن أنكر الاذن في الدفع فالقول قوله مع يمينه ويكون حكمه حكم من قضى دينه
بغير اذنه وإن أنكر الوكالة فالقول قوله مع يمينه وليس للأجنبي الرجوع عليه ولا يحكم له بملكها في
الظاهر، فأما حكم ملكها في الباطن فإن كان وكل الأجنبي في الشراء فقد ملكها لأنه اشترها باذنه
15

فلا يقدح إنكاره في ملكها لأن ملكه ثبت قبل انكاره، وإنما هو ظالم بالانكار للأجنبي وإن كان
لم يوكله لم يملكها لأنه اشترى له عينا بغير إذنه ويحتمل أن يقف على إجازته كما قلنا فيمن اشترى لغيره
شيئا بغير إذنه بثمن في ذمته فإن أجازه ملكه وإلا لزم من اشتراه، وإن قال الأجنبي للمدعي قد عرف
المدعى عليه صحة دعواك وهو يسألك أن تصالحه عنه وقد وكلني في المصالحة عنه صح وكان الحكم كما
ذكروه لأنه ههنا لم يمتنع من أدائه بل اعترف به وصالح عليه مع بدله فأشبه ما لو لم يجحده
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (يصح عن القصاص بديات وبكل ما يثبت مهرا)
وجملة ذلك أن الصلح يجوز عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه سواء كان مما يجوز بيعه أو لا يجوز
فيصح عن دم العمد وسكنى الدار وعيب المبيع ومتى صالح عما يوجب القصاص بأكثر من ديته أو
أقل جاز وقد روي أن الحسن والحسين وسعيد بن العاص بذلوا للذي وجب له القصاص على هدبة
أين خشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها ولان المال غير متعين فلا يقع العوض في مقابلته وان صالح عن
16

القصاص بعبد فخرج مستحقا رجع بقيته في قول الجميع وان خرج حرا فكذلك وبه قال أبو يوسف
ومحمد وقال أبو حنيفة يرجع بالدية لأن الصلح فاسد فيرجع ببدل ما صالح عنه وهو الدية
ولنا أنه تعذر تسليم ما جعله عوضا فرجع في قيمته كما لو خرج مستحقا، فإن صالحه عن القصاص
يحر يعلمان حريته أو عبد يعلمان انه مستحق أو تصالحا بذلك عن غير القصاص رجع بالدية وبما صالح
عنه لأن الصلح باطل يعلمان بطلانه فكان وجوده كعدمه
(فصل) وان صالح عن دار أو عبد بعوض فخرج العوض مستحقا أو حرا رجع في الدار وما
صالح عنه أو بقيمته إن كان بالغا لأن الصل ههنا مع في الحقيقة فإذا تبين أن العوض كان متسحقا
أو حرا كان البيع فاسدا فرجع فيما كان له بخلاف الصلح عن القصاص فإنه ليس ببيع وإنما
يأخذ عوضا عن اسقاط القصاص ولو اشترى شيئا فوجده معيبا فصالحه عن عيبه بعبد فبان مستحقا
أو حرا رجع بأرش العيب.
(مسألة) (ولو صالح سارقا ليطلعه أو شاهدا ليكتم شهادته أو شفيعا عن شفعته أو مقذوفا عن حده
لم يصح الصلح وتسقط الشفعة وفي الحد وجهان)
17

إذا صالح السارق والزاني والشارب على أن لا يرفعه إلى السلطان لم يصح ولا يجوز أخذا العوض عنه
لأن ذلك ليس بحق فلا يجوز أخذ العوض عنه كسائر ما لا حق فيه، وإن صالح شاهدا ليكتم شهادته لم يصح لأنه
لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بحق تلزمه الشهادة به كدين الآدمي
أو حق لله تعالى لا يسقط بالشبهة كالزكاة ونحوها غفلا يجوز كتمانه ولا يجوز أخذ العوض عن ذلك كما
لا يجوز أخذ العوض عن شرب الخمر.
(الثاني) ان يصالحه على أن لا يشهد عليه بالزور فهذا يجب عليه ترك ذلك ويحرم عليه فعله لم يجز
أخذ العوض عنه كما لا يجوزان يصالحه على أن لا يقتله ولا يغصب ماله
(الثالث) أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بما يوجب حد الزنا والسرقة فلا يجوز أخذ العوض عنه
لأنه ليس بحق له وان صالح عن حق الشفعة لم يصح لأنه حق شرع على خلاف الأصل لدفع ضرر
الشركة فإذا رضي بالتزام الضرر سقط الحق من غير بدل ولم يجز العوض عنه لأنه ليس بمال فهو
كحد القذف وان صالحه عن حد الفذ ف لم يصح الصلح لأنه إن كان حد الله تعالى لم يكن له أن
18

يأخذ عوضه لكونه ليس بحق له فأشبه حد الزنا والسرقة إن كان حقا له لم يجز الاعتياض عنه
لكونه حقا ليس بمال ولهذا لا يسقط إلى بدل بخلاف القصاص ولأنه شرع لتنزيه العرض فلا يجوز
أن يعتاض عن عرضه بمال، وهل يسقط بالصلح فيه؟ ينبنى على الخلاف في كون حد القذف حقا لله تعالى
أو لآدمي فإن كان حقا لله تعالى لم يسقط بصلح الآدمي ولا إسقاطه كحد الزنا وإن كان حقا لآدمي
سقط بصلحه واسقاطه كالقصاص.
(مسألة) (وان صالحه أن يجري على ارضه أو سطحه ماء معلوما صح)
إذا صالح رجل على موضع قناة من ارضه يجري فبها ماه وبينا موضعها وعرضها وطولها جاز لأن
ذلك بيع لموضع من ارضه فلا حاجة إلى بيان عمقه لأنه إذا ملك الموضع كان له إلى تخومه فله أن
بترك فيه ما شاء، وان صالحه على إجراء الماء في ساقية من أرض رب الأرض مع بقاء ملكه عليها فهو
إجارة للأرض يشترط له تقدير المدة فإن كانت الأرض في يد رجل بإجارة جاز له ان يصالح رجلا على اجراء
19

الماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تجاوز مدة الإجارة وان لم تكن الساقية محفورة لم يجز أن يصالحه على
ذلك لأنه لا يجوز احداث ساقية في أرض في يده بإجارة، فإن كانت الأرض في يده وقفا عليه فقال
القاضي هو كالمستأجر يجوز له ان يصالح على إجراء الماء في ساقية لأنه لا يملكها إنما يستوفي منفعتها
كالأرض المستأجرة وهذا كله مذهب الشافعي قال شيخنا والأولى أنه يجوز له حفر الساقية لأن
الأرض له وله التصرف فيها كيفما شاء ما لم ينقل الملك فيها إلى غيره بخلاف المستأجر فإنه إنما يتصرف
فيها بما أذن له فيه فكان الموقوف عليه بمنزلة المستأجر إذا اذن له في الحفر، فإن مات الموقوف عليه
في أثناء المدة فهل لمن انتقل إليه فسخ الصلح فيما بقي من المدة؟ على وجهين بناء على ما إذا أجره مدة
فمات في أثناء المدة فإن قلنا له فسخ الصلح ففسخه رجع المصالح على ورثة الذي صالحه بقسط ما بقي
من المدة وان قلنا ليس له الفسخ رجع من انتقل إليه الوقف على الورثة
(فصل) وان صالح رجلا على اجراء ماء سطحه من المطر على سطحه أو في ارضه عن أرضه جاز
إذا كمان ما يجري ماؤه معلوما إما بالمشاهدة وإما بمعرفة المساحة لأن الماء يختلف بصغر السطح وكبره
20

ولا يمكن ضبطه بغير. ويشترط معرفة الموضع الذي يخرج منه لماء إلى السطح لأن ذلك يختلف
ولا يفتقر إلى ذكر مدة لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، ويجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة غير
مقدر بمدة كما في النكاح، ولا يملك صاحب الماء مجراه لأن هذا لا يستوفى به منافع المجرى دائما ولا
في أكثر المدة بخلاف الساقية، ويختلفان أيضا في أن الماء الذي في الساقية لا يحتاج إلى ما يقدر به لأن
تقدير ذلك حصل بتقدير الساقية فإنه لا يملك أن يجري فيها أكثر من مثلها والماء الذي على السطح
يفتقر إلى معرفة قدر السطح لأنه يجري منه القليل والكثير، فإن كان السطح الذي يجري عليه الماء
مستأجرا أو عارية لم يجز أن يصالح على اجراء الماء عليه لأنه يتضرر بذلك ولم يؤذن له فيه فلم يكن له
أن يتصرف به بخلاف الماء في الساقية المحفورة فإن الأرض لا تتضرر به، وإن كان ماء السطح يجري
على الأرض احتمل ان لا يجوز له الصلح على ذلك لأنه ان احتاج إلى حفر لم يجز له ان يحفر في
أرض غيره ولأنه يجعل لغير صاحب الأرض رسما فربما ادعى استحقاق ذلك على صاحبها، واحتمل
الجواز إذا لم يحتج إلى حفر ولم يكن فيه مضرة لأنه بمنزلة اجراء الماء في ساقية محفورة ولا يجوز الا
مدة لا تزيد على مدة الإجارة كما قلنا في أجراء الماء في الساقية
21

(فصل) وإذا أراد ان يجري ماء في أرض غيره لغير ضرورة لم يجز الا باذنه وإن كان لضرورة
مثل أن يكون له أرض للزراعة لها ماء لا طريق له إلا أرض جاره فهل له ذلك؟ على روايتين (إحداهما)
لا يجوز لأنه تصرف في ارض غيره بغير اذنه فلم يجز كما لو لم تدع إليه ضرورة ولان مثل هذه الحاجة
لا تبيح مال غيره بدليل أنه لا يباح له الزرع في أرض غيره ولا البناء فبها ولا الانتفاع بشئ من منافعها المحرمة عليه
بمثل الحاجة (والأخرى) يجوز لما روي أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا من العريض فأراد أن يمر به في
ارض محمد بن مسلمة فأبى فقال له الضحاك لم يمنعني وهو منفعة لك تشربه أو لا وآخر أو لا يضرك فأبى محمد فكلم
فيه الضحاك عمر فدعا عمر محمد بن مسلمة وأمره ان يخلي سبيله فقال محمد لا والله فقال عمر لم تمنع أخاك
ما ينفعه وهو لك نافع؟ تشربه أولا وآخرا فقال محمد لا والله فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك
فأمره عمر أن يمر به ففعل. رواه مالك في الموطأ وسعيد في سننه والأول أقيس وقول عمر يخالفه قول
محمد بن مسلمة وهو موافق للأصول فكان أولى
(فصل) وان صالح رجلا على أن يسقي أرضه من نهر الرجل يوما أو يومين أو من عينه وقدرة
بشئ يعلم به لم يجز ذكره القاضي لأن الماء ليس بمملوك ولا يجوز بيعه فلا يجوز الصلح عليه ولأنه
22

مجهول قال وان صالحه على سهم من العين أو النهر كالثلث والربع جاز وكان بيعا للقرار والماء تابع له
ويحتمل ان يجوز الصلح على السقي من نهره وقناته لأن الحاجة تدعو إلى ذلك والماء مما يجوز أخذ
العوض عنه في الجملة بدليل ما لو أخذه في قربته والصلح يجوز على مالا يجوز بيعه بدليل الصلح عن
دم العمد والصلح على المجهول
(مسألة) (ويجوز ان يشتري ممرا في دار وموضعا في حائطه يفتحه بابا، وبقعة بحفرها بئرا) لأن،
هذه الأماكن يجوز بيعها وإجارتها فجاز الاعتياض عنها كالدور
(مسألة) (وان يشتري علو بيت بيني عليه بنيانا موصوفا) إذا كان البيت مبينا لما ذكرناه
(فإن كان البيت غير مبني لم يجز في أحد الوجهين) ذكر القاضي وأصحاب الشافعي لأنه مبيع
للهواء دون القرار والثاني بجوز لأنه ملك للمصالح فجاز له أخذ عوضه كالقرار وإنما يجوز بشرط أن يصف
العلو والسفل بما يعلم به لأن من شرط صحة البيع العلم بالمبيع
(مسألة) (وان حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بإزالتها فله ذلك فإن أبى فله قطعها)
وجملة ذلك أنه إذا حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره أو هوا جدار له فيه شركة لزم
23

مالك الشجرة إزالة تلك الأغصان اما بردها إلى ناحية أخرى واما بالقطع لأن الهواء ملك لصا حب
القرار فوجب إزالة ما يشغله من ملك غيره كالقرار فإن امتنع المالك من إزالته لم يجبر لأنه من غير
فعله فلم يجبر على إزالته كما لو لم يكن ملكه وان تلف بها شئ لم يضمنه لذلك ويحتمل ان يجبر على
إزالته ويضمن ما تلف به إذا أمر بإزالته فلم يفعل بناء على ما إذا مال حائطه إلى ملك غيره عليما
نذكره إن شاء الله تعالى، وعلى كلى الوجهين إذا امتنع من ازالته كان لصاحب الهواء إزالته بأحد
الامرين لأنه بمنزلة البهيمة التي تدخل داره له اخراجها كذا ههنا وهذا مذهب الشافعي، فإن أمكنه
إزالته بلا اتلاف ولا يقطع من غير مشقة تلزمه ولا غرامة لم يجز له اتلافها كما أنه إذا أمكنه اخراج
البهيمة من غير اتلاف لم يجز له اتلافها فإن أتلفها في هذه الحال غرمها، وان لم يملكه إزالتها الا
بالاتلاف فله ذلك ولا شئ عليه فإنه لا يلزمه اقرار مال غيره في ملكه
(مسألة) (فإن صالحه عن ذلك بعوض لم يجز) اختلف أصحابنا في ذلك فقال أبو الخطاب لا
تصح المصالحة عن ذلك بحال رطبا كان الغصن أو يابسا لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص وربما
ذهب كله، وقال ابن حامد وابن عقيل يجوز ذلك رطبا كان الغصن أو يابسا لأن الجهالة في المصالح عنه
24

لا تمنع الصحة لكونها لا تمنع التسليم بخلاف العوض فإنه يفتقر إلى العلم لوجوب تسليمه ولان الحاجة
داعية إلى ذلك لكون ذلك يكثر في الاملاك المتجاورة وفي القطع اتلاف وضرر والزيادة المتجددة
يعفى عنها كالسمن الحادث في المستأجر للركوب والمستأجر للغرفة يتجدد له أولاد والغراس المستأجر
له الأرض يعظم ويجفو وقال القاضي إن كان يابسا معتمدا على نفس الجدار صحت المصالحة عنه ولان
الزيادة مأمونة فيه ولا يصح الصلح على غير ذلك لأن الرطب يزيد في كل وقت وما لا يعتمد على
الجدار لا يصح الصلح عليه لأنه تبع الهواء وهذا مذهب الشافعي قال شيخنا واللائق بمذهب أحمد
صحته لأن الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الصحة إذا لم يكن إلى العلم به سبيل وذلك لدعاء الحاجة إليه
وكونه لا يحتاج إلى تسليم وهذا كذلك والهواء كالقرار في كونه ملكا لصاحبه فجاز الصلح على
ما فيه كالذي في القرار
(مسألة) (وان اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم)
وجملة ذلك أنه إذا صالحه عن ذلك بجزء من الثمرة أو بالثمرة كلها فقد نقل المروذي وإسحاق بن
إبراهيم عن أحمد انه سئل عن ذلك فقال لا أدري فيحتمل ان يصح، ونحوه قال مكحول فإنه نقل عنه
25

أنه قال أيما شجرة ظللت على قوم فهم بالخيار بين قطع ما ظلل أو أكل ثمرها، ويحتمل ان لا يصح وهو
قول الأكثر وبه قال الشافعي لأن العوض مجهول فإن الثمرة مجهولة وجزؤها مجهول ومن شرط الصلح
العلم بالعوض ولان المصالح عليه أيضا مجهول لأنه يزيد ويتغير على ما أسلفناه، ووجه الأول ان هذا مم
يكثر في الاملاك وتدعوا الحاجة إليه وفي القطع اتلاف فجاز مع الجهالة كالصلح على مجرى مياه الأمطار
وعلى المواريث الدارسة والحقوق المجهولة التي لا سبيل إلى علمها
قال شيخنا ويقوى عندي ان الصلح هنا يصح بمعنى ان كل واحد منهما يبيح صاحبه ما بذل له فصاحب
الهواء يبيح صاحب الشجرة ابقاءها ويمتنع من قطعها وإزالتها وصاحب الشجرة يبيحه ما بذل له من ثمرتها
ولا يكون هذا بمعنى البيع لأن البيع لا يصح بمعدوم ولا مجهول والثمرة في حال الصلح معدومة مجهولة ولا هو
لازم بل لكل واحد منهما الرجوع عما بذله والعود فيما قاله لأنه مجرد إباحة من كل واحد منهما لصحابه
فجرى مجرى قول كل واحد منهما لصاحبه أسكن داري وأسكن دارك من غير تقدير مدة ولا ذكر شروط
الإجارة أو قوله أبحتك الاكل من ثمرة بستاني فأبحني الاكل من ثمرة بستانك وكذلك قوله دعني
26

أجري في أرضك ماء ولك أن تسقى به ما شئت وتشرب منه ونحو ذلك فهذا مثله بل أولى فإن هذا
مما تدعو الحاجة إليه كثيرا وفي إلزام القطع ضرر كثيرو إتلاف أموال كثيرة وفي الترك من غير
نفع يصل صاحب الهواء ضرر عليه، وفيما ذكرناه جمع بين الامرين ونظر للفريقين وهو على وفق
الأصول فكان أولى.
(فصل) وكذلك الحكم فيما امتد من عروق شجر انسان إلى ارض جاره سواء أثرت ضررا
مثل تأثيرها في المصانع وطي الآبار وأساس الحيطان أو منعها من نبات شجر لصاحب الأرض أو
زرع أو لم تؤثر فإن الحكم في قطعه والصلح عنه كالحكم في الفروع إلا أن العروق لا ثمر لها فإن اتفقا
على أن ما ينبت من عروقها لصاحب الأرض أو جزء معلوم منه فهو كالصلح على الثمرة فيما ذكرنا، فعلى
قولنا إذا اصطلحا على ذلك فمضت مدة ثم أبى صاحب الشجرة دفع نباتها إلى صاحب الأرض فعليه
أجر المثل لأنه إنما تركه في أرضه لهذا فلما لم يسلم له رجع باجر المثل كما لو بذلها بعوض لم يسلم له
وكذلك فيمن مال حائطه إلى هواء ملك غيره أو زلف من أخشابه إلى ملك غيره فالحكم فيه علي ما ذكرنا
27

(مسألة) (ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا ولا ساباطا ولا دكانا)
الجناح والروشن يكون على أطراف خشبة مدفونة في الحائط وأطرافها خارجة إلى الطريق
الأولى وهو المستوفي لهواء الطريق كله عليه جدارين سواء كان الجداران ملكه أولم يكونا اذان الإمام
في ذلك أولم يأذن، وقال ابن عقيل ان لم يكن فيه ضرر جاز باذن الإمام فجرى اذنه مجرى اذن المشتركين في الدرب الذي ليس بنافذ، وقال أبو حنيفة يجوز من ذلك مالا ضرر فيه وان عارضه
رجل من المسلمين وجب قلعه، وقال مالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد يجوز
إذا لم يضر بالمارة ولا يملك أحد منعه لأنه ارتفق بما لم يتعين ملك أحد فيه من غير مضرة فأشبه المشي
في الطريق والجلوس فيها واختلفوا في الذي لا يضر ما هو فقال بعضهم إن كان في شارع تمر فيه الجيوش
فيكون بحيث إذا سار فيه الفارص ورمحه منصوب لا يبلغه وقال أكثرهم لا يقدر بذلك بل يكون
بحيث لا يضر بالعماريات والمحامل.
ولنا أنه بنى في ملك غيره بغير اذنه فلم يجز كبناء الدكة أو بناء ذلك في درب غير نافذ بغير اذن
أهله، ويفارق المرور في الطريق فإنها جعلت لذلك ولا مضرة فيه والجلوس لا يدوم ولا يمكن التحرز
28

منه ولا نسلم أنه لا مضرة فيه فإنه يظلم الطريق وربما سقط على المارة أو سقط منه شئ وقد تعلوا الأرض
بمرور الزمان فيصدم رؤوس الناس ويمنع مرور الدواب بالأحمال ويقطع الطريق الاعلى الماشي وقد
رأينا مثل هذا كثيرا، وما يفضي إلى الضرر في ثاني الحال يجب المنع منه في ابتدائه كما لو أراد بناء حائط
مائل إلى الطريق يخشى وقوعه على من يمر فيها
ولنا على أبي حنيفة أنه بنى في حق مشترك لو منع منه بعض أهله لم يجز فلم يجز فلم يجز بغير إذنهم كما لو
أخرجه إلى هواء دار مشتركة وذلك لأن حق الآدمي لا يجوز لغيره التصرف فيه بغير إذنه وإن كان
ساكنا كما لا يجوز إذا منع فاما الدكان فلا يجوز بناؤه في الطريق بغير خلاف علمناه سواء كان الطريق
وواسعا أو لا وسواء أذن فيه الإمام أولم يأذن لأنه بناء في ملك غيره بغير إذنه ولأنه يؤذي المارة يضيق
عليهم ويعثر به العائر أشبه ما لو كان الطريق ضيقا.
(فصل) ولا يجوز إخراج الميازيب إلى الطريق الأعظم ولا إلى درب غير نافذ إلا باذن أهله
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يجوز اخراجه إلى الطريق الأعظم لأن عمر اجتاز على دار العباس
29

وقد نصب ميزابا إلى الطريق فقلعه فقال العباس تقلعه وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال والله
لا نصبته إلا على ظهري وانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلغيره فعله ما لم
يقم دليل على اختصاصه به ولان الحاجة تدعو إلى ذلك ولا يمكنه رد مائه إلى الدار ولان الناس يعملون
ذلك في جميع بلاد الاسلام من غير نكير
ولنا ان هذا تصرف في هواء مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه فلم يجز كما لو كان الطريق غير
نافذ ولأنه يضر بالطريق وأهلها فلم يجز كبناء دكة فيها أو جناح يضر بأهلها ولا يخفى ما فيه من الضرر
فإن ماءه يقع على المارة وربما جرى فيه البول أو ماء نجس فينجسهم ويزلق الطريق ويجعل فيها الطين
والحديث قضية في عين فيحتمل أنه كان في درب غير نافذ أو تجددت الطريق بعد نصبه ويحتمل
أن يجوز ذلك لأن الحاجة داعية إليه والعادة جارية به مع ما فيه من الخبر المذكور
(مسألة) (ولا يجوز أن يفعل ذلك في ملك إنسان أو درب غير نافذ إلا باذن أهله)
أما في ملك الانسان فلا يجوز بغير اذنه لأنه تصرف في ملك الغير فلم يجز بغير إذنه فلا يجوز
ذلك في الدرب وبه قال الشافعي في الجناح والساباط إذا لم يكن له في الدرب باب، وإن كان له في الدرب
باب فقد اختلف أصحابه فمنهم من منعه أيضا ومنهم من أجاز له اخراج الجناح والساباط لأن له في
الدرب استطراقا فملك ذلك كما يملكه في الدرب النافذ
30

ولنا أنه بناء في هواء ملك قوم معينين أشبه إذا لم يكن له فيه باب ولا نسلم الأصل الذي قاسوا
عليه فإن أذن أهل الدرب فيه جاز لأن الحق لهم فجاز باذنهم كما لو كان لمالك واحد
(مسألة) (وان صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين) وقال القاضي وأصحاب الشافعي
لا يجوز في الجناح والساباط لأنه بيع للهواء. دون القرار
ولنا أنه يبني فيه باذنهم فجاز كما لو أذنوا له بغير عوض ولأنه ملك لهم فجاز لهم أخذ عوض كالقرار
إذا ثبت هذا فإنما يجوز بشرط كون ما يخرجه معلوم المقدر في الخروج والعلو وهكذا الحكم فيما إذا
أخرجه إلى ملك انسان معين يجوز باذنه بعوض وبغيره إذا كان معلوم المقدار
(فصل) ولا يجوز أن يحفر في الطريق النافذة بئرا لنفسه سواء جعلها لماء المطر أو ليستخرج
منها ماء ينتفع به ولا غير ذلك لما ذكرنا من قبل، وان أراد حفرها للمسلمين ونفعهم أو لنفع الطريق
مثل أن يحفرها ليسقي الناس من مائها ويشرب منه المارة أو لينزل فيها ماء المطر عن الطريق نظرنا
31

فإن كان الطريق ضيقا أو كانت في ممر الناس بحيث يخاف سقوط إنسان فيها أو دابة أو يضيق عليهم
ممرهم لم يجز لأن ضررها أكثر من نفعها، وان حفرها في زاوية من طريق واسع وجعل عليها ما يمنع
الوقوع فيها جاز لأن ذلك يقع بلا ضرر فجاز كتمهيدها وبناء رصيف فيها فاما ما فعله في درب غير
نافذ فلا يجوز بغير إذن أهله لأن هذا ملك لقوم معينين فلم يجز فعل ذلك بغير اذنهم كما لو فعله في
بستان انسان، ولو صالح أهل الدرب عن ذلك بعوض جاز سواء حفرها لنفسه ليزل فيها ماء المطر عن
داره أو ليستقي منها ماء لنفسه أو حفرها للسبيل ونفع الطريق وكذلك ان فعل ذلك في ملك انسان معين
(مسألة) (وإذا كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز)
لأن له رفع جميع حائطه فبعضه أولى. قال ابن عقيل ويحتمل ان لا يجوز لأن شكل الباب مع
تقادم العهد ربما استدل به على حق الاستطراق فيضر بأهل الدرب بخلاف رفع الحائط فإنه لا يدل على شئ
(مسألة) (وان فتحه للاستطراق لم يجز بغير اذنهم) لأنه ليس لهم حق في الدرب الذي هو
ملك غيره وفيه وجه آخر أنه يجوز لأن له رفع جميع
والأول أولى لأن الدرب لاحق له فيه فلم يجز ان يجعل له فيه حق استطراق فإن صالحهم جاز
لأن الحق لهم فأشبه دورهم إذا صالحهم على شئ منها
32

(فصل) وإن كان ظهر داره إلى زقاق نافذ ففتح في حائطه باب إليه جاز لأنه يرتفق بما لم يتعين
ملك أحد عليه فإن قيل هذا فيه اضرار باهل الدرب لأنه يجعله نافذا يستطرق إليه من الشارع
قلنا لا يصير الدرب نافذا وإنما تصير داره نافذة وليس لاحد استطراق داره
(مسألة) (ولو كان بابه في آخر الدرب ملك نقله إلى أوله ولم يملك نقله إلى داخل منه في أحد الوجهين)
كان له لأن حقه لم يسقط، فاما ان أراد نقل بابه إلى تلقاء صدر الزقاق لم يكن له ذلك نص عليه
أحمد لأنه يقدم بابه إلى موضع لا استطراق له فيه، وفيه وجه آخر انه يجوز لأنه كان له ان يجعل
بابه في أول البناء في أي موضع شاء فتركه في موضع لا يسقط حقه كما أن تحويله بعد فتحه لا يسقطه
ولان له ان يرفع حائطه كله فلم يمنع من رفع بعضه والأول أولى لأنه لا يلزم من جواز رفع الحائط
جواز الاستطراق كالمسألة التي قبلها
(فصل) وإن كان في الدرب بابان لرجلين أحدهما قريب من باب الزقاق والآخر في داخله فأراد
صاحب الداخل ان يحول بابه فله تحويله حيث شاء لأنه لا منازع له فيما يجاوز الباب الأول إذا قلنا
33

ان صاحب القريب ليس له ان يقدمه إلى داخل الدرب وان قلنا له تقديمه جاز لكل واحد منهما
فإن كان في داخل الدرب باب لثالث فحكم الأوسط حكم الأول فيما ذكرناه
(فصل) إذا كان لرجل داران متلاصقتان ظهر كل واحدة منهما إلى ظهر الأخرى وباب كل
واحدة منهما إلى درب غير نافذ فرفع الحاجز بينهما وجعلهما دار واحدة جاز لأنه تصرف في ملكه
المختص وان فتح من كل واحدة منهما بابا إلى الأخرى ليتمكن إلى التطرق من كل واحدة منهما إلى كلي
الدربين فقال القاضي لا يجوز لأن ذلك يثبت الاستطراق في الدرب الذي لا ينفذ من دار لم يكن لها
فيه طريق ولأنه ربما أدى إلى إثبات الشفعة في قول من يثبتها بالطريق لكل واحدة من الدارين في
زقاق الأخرى، ويحتمل جواز ذلك لأن له رفع الحاجز جميعه فبعضه أولى قال شيخنا وهذا أشبه وما
ذكرناه للمنع ينتقض بما إذا رفع الحائط جميعه، وفي كل موضع قلنا ليس له فعله إذا صالحه أهل الدرب
جاز وكذلك ان أذنوا له بغير عوض
34

(فصل) إذا تنازع صاحبا البابين في الدرب ولم يكن فيه باب لغيرهما ففيه ثلاثة أوجه (أحدها)
أنه يحكم بالدرب من أوله إلى الباب الذي يليه بينهما لأن لهما الاستطراق فيه جميعا وما بعده إلى صدر
الدرب للآخر لأن الاستطراق في ذلك له وحده فله اليد والتصرف (والثاني) ان من أوله إلى أقصى
حائط الأول بينهما لأن ما يقابل ذلك فلهما التصرف فيه بناء على أن للأول أن يفتح بابه فيما شاء من
حائطه والباقي للثاني لأنه ليس بفناء للأول ولا له فيه استطراق والثالث يكون بينهما لأن لهم يدا
وتصرفا، وهكذا الحكم فيما إذا كان لرجل علو خان ولآخر سفله ولصاحب العلو درجة في أثناء صحن
الخان فاختلفا في الصحن فالذي من الدرجة إلى باب الخان بينهما وما زاد على ذلك إلى صدر الخان
على الوجهين، فإن كانت الدرجة في صدر الصحن فالصحن بينهما لوجود اليد والتصرف منهما جميعا فعلى
الوجه الذي يقول إن صدر الدرب مختص بصاحب الباب الصدراني له ان يستبد له ان يستبد بما يختص به منه بان
35

يجعله دهليز ا لنفسه أو يدخله في داره على وجه لا يضر بجاره ولا يضع على حائطه شيئا لأن ذلك ملك له ينفرد به
(مسألة) (وليس له ان يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقا بغير اذن صاحبه)
لأن ذلك انتفاع بملك غيره وتصرف فيه بما يضره وكذلك لا يجوز ان يغرز فيه وتدا ولا يحدث
عليه حائطا ولا سترة ولا يتصرف فيه بنوع تصرف لأنه يضر بحائط غيره فهو كنقصه وان صالحه على
ذلك بعوض جاز فأما الاستناد إليه واسناد شئ لا يضره فلا بأس به لكونه لا مضرة فيه ولا يمكن
التحرز منه أشبه الاستظلال به
(مسألة) (وليس له وضع خشبه عليه إلا عند الضرورة بان لا يمكنه التسقيف الا به)
أما وضع خشبه عليه فلا يجوز إذا كان يضر بالحائط لا نعمل فيه خلافا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر
ولا ضرار) وإن كان لا يضر به الا أن به عنه غنى لامكان وضعه على غيره فقال أكثر أصحابنا لا
يجوز أيضا وهو قول الشافعي وأني ثور لأنه انتفاع بملك غيره بغير اذنه من غير ضرورة فلم يجز كبناء
36

حائط عليه واختار ابن عقيل جوازه لما روى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع أحدكم
جاره ان يضع خشبه على جداره) متفق عليه ولان ما أبيح للحاجة العامة لم يعتبر فيه حقيقة الحاجة
كالشفعة والفسخ بالخيار أو بالعيب واتخاذ الكلب للصيد وإباحة السلم ورخص السفر وغير ذلك، فاما ان
دعت الحاجة إلى وضعه على جدار جاره أو الحائط المشترك بحيث لا يمكنه التسقيف إلا به فإنه
يجوز وضعه بغير اذن الشريك وهو قول الشافعي في القديم وقال في الجديد ليس له وضعه وهو قول
أبي حنيفة ومالك لأنه انتفاع بملك غيره من غير ضرورة فلم يجز كزراعته
ولنا الخبر وأنه انتفاع بحائط جاره على وجه لا يضر به أشبه الاستناد إليه والاستظلال به ويفارق
الزرع فإنه يضر ولم تدع إليه حاجة. إذا ثبت هذا فاشترط القاضي وأبو الخطاب للجواز أن يكون له
حائط واحد ولجاره ثلاثة حوائط، وليس هذا في كلام أحمد إنما قال في رواية أبي داود لا يمنعه إذا لم
37

يكن فيه ضرورة كان الحائط يبقى ولأنه قد يمتنع التسقيف على حائطين إذا كانا غير متقابلين أو كان
البيت واسعا يحتاج إلى أن يجعل إليه جسرا ثم يضع الخشب على ذلك الجسر، قال شيخنا والأولى اعتباره
بما ذكرنا من امتناع التسقيف بدونه، ولا فرق فيما ذكرنا بين البالغ واليتيم والعاقل والمجنون لما ذكرنا
(مسألة) (وعنه ليس له وضع خشبه على جدار المسجد وهذا تنبيه على أنه لا يضعه على جدار جاره)
اختلفت الرواية عن أحمد في وضع خشبه على جدار المسجد مع وجود الشرطين فعنه الجواز
لأنه ادا جار وضعه في ملك الجار مع أن حق مبني على الشح والضيق ففي حقوق الله تعالى المبنية على
المسامحة أولى وعنه لا يجوز نقلها عنه أبو طالب لأن القياس يقتضي المنع في حق الكل ترك في حق
الجار للخبر الوارد فيه فوجب البقاء في غيره على مقتضى القياس اختاره أبو بكر، وخرج أبو الخطاب
من هذه الرواية وجها للمنع من وضع الخشب في ملك الجار لأنه إذا منع من وضع الخشب في الجدار
المشترك بين المسلمين وللواضع فيه حق فلان يمنع من الملك المختص بغيره أولى ولأنه إذا منع في حق
38

الله تعالى مع أنه مبني على المسامحة لغنى الله تعالى وكرمه فلان يمنع في حق الآدمي مع شحه وضيقه
أولى والمذهب الأول، فإن قيل فلم لا تجيزون فتح الطاق والباب في الحائط قياسا على وضع الخشب؟
قلنا الخشب يمسك الحائط وينفعه بخلاف الطاق والباب فإنه يضعف الحائط لأنه يبقى مفتوحا والذي
يفتحه للخشبة يسده بها ولان وضع الخشب تدعو إليه الحاجة دون غيره
(فصل) ومن ملك وضع خشبه على حائط فزال لسقوطه أو فعله أو سقوط الحائط ثم أعيد
فله إعادة خشبه لأن السبب المجوز لوضعه مستمر فاستمر الاستحقاق وان زال السبب مثل أن خشي
على الحائط من وضعه عليه أو استغنى عن وضعه لم تجز اعادته لزوال السبب المبيح فإن خيف سقوط
الحائط بعد وضعه عليه لزم ازالته لأنه يضر بالمالك وان لم يخف عليه لكن استغنى عن ابقائه عليه
لم تلزم إزالته لأن في إزالته ضررا بصاحبه ولا ضرر على صاحب الحائط في ابقائه بخلاف ما لو خشي سقوطه
(فصل) وإذا كان له وضع خشبه على جدار غيره لم يملك إجارته ولا إعارته لأنه إنما ملك ذلك لحاجته
الماسة إلى وضع خشبه ولا حاجة إلى وضع خشب غيره فلم يملكه وكذلك لا يملك بيع حقه من وضع
خشبه ولا المصالحة عنه للمالك ولا لغيره لأنه أبيح له من حق غيره لحاجته فلم يجز له ذلك فيه كطعام غيره
39

إذا أبيح له في حال الضرورة، ولو أراد صاحب الحائط إعارة الحائط أو اجارته على وجه يمنع هذا المستحق
من وضع خشبه لم يملك ذلك لأنه وسيلة إلى منع ذي الحق من حقه فلم يملكه كمنعه، ولو أراد هدم
الحائط لغير حاجة لم يملك ذلك لما فيه من تفويت الحق وان احتاج إلى ذلك للخوف من انهدامه
أو لتحويله مكان آخر أو لغرض صحيح ملك ذلك لأن صاحب الخشب إنما يثبت حقه للارفاق
به مشروطا بعدم الضرر بصاحب الحائط فمتى أفضى إلى الضرر زال الاستحقاق لزوال شرطه
(فصل) فإن أذن صاحب الحائط لجاره في البناء على حائطه أو وضع سترة عليه أو وضع خشبه
عليه في الوضع الذي لا يستحق وضعه جاز لأن الحق له فجاز باذنه فإذا فعل ما أذن فيه صارت العارية
لازمة تذكر في باب العارية
(فصل) وان أذن له في وضع خشبه أو البناء على جدار ه بعوض جداره بعوض جاز سواء كان إجارة في مدة
40

معلومة أو صلحا على وضعه على التأبيد ومتى زال فله إعادته سواء زال لسقوطه أو سقوط الحائط أو
غير ذلك لأنه استحق ابقاءه بعوض ويحتاج أن يكون البناء معلوم العرض والطول والسمك والآلات
من الطين واللبن والآجر وما أشبه ذلك لأن هذا يختلف فيحتاج إلى معرفته، وإذا سقط
الحائط الذي عليه البناء أو الخشب في أثناء مدة الإجارة سقوطا لا يعود انفسخت الإجارة فيما بقي من
المدة ورجع من الأجرة بقسط ما بقي من المدة، وان أعيد رجع من الأجرة بقدر المدة التي سقط البناء
والخشب عنه، وان صالحه مالك الحائط على رفع خشبه أو بنائه بشئ معلوم جاز كما يجوز الصلح على
وضعه سواء كان ما صالحه به مثل العوض الذي صولح به على وضعه أو أقل أو أكثر لأن هذا عوض
عن المنفعة المستحقة له وكذلك لو كان له مسيل في أرض غيره أو ميزاب أو غيره فصالح صاحب الأرض
مستحق ذلك بعوض ليزيله عنه جاز، وإن كان الخشب أو الحائط قد سقط فصالحه بشئ على أن لا يعيده
جاز لأنه لما جاز ان يبيع ذلك منه جاز أن يصالح عنه لأن الصلح بيع
41

(فصل) وإذا وجد بناءه أو خشبه على حائط مشترك أو حائط جاره ولم يعلم سببه فمتى زال فله
اعادته لأن الظاهر أن هذا الوضع بحق من صلح أو غيره فلا يزول هذا الظاهر حتى يعلم خلافه
وكذلك لو وجد مسيل مائه في أرض غيره وما أشبه هذا فهو له لأن الظاهر أنه له بحق فجرى مجرى
اليد الثابتة، ومتى اختلفا في ذلك هل هو بحق أو بعد وان فأقول قول صاحب الخشب والبناء والمسيل
مع يمينه لأن الظاهر معه
(فصل) إذا ادعى رجل دارا في يد أخوين فأنكره أحدهما وأقر له له الآخر ثم صالحه على
ما أقر له بعوض صح الصلح ولأخيه الاخذ بالشفعة ويحتمل أن يفرق بين ما إذا كان الانكار مطلقا
وبين ما إذا قال هذه لنا ورثناها جميعا عن أبينا أو أخينا فيقال إذا كان الانكار مطلقا كان له الاخذ
بالشفعة وان قال ورثناها فلا شفعة له لأن المنكر يزعم أن الملك لأخيه المقر لم يزل وان الصلح باطل
42

فيؤاخذ بذلك فلا يستحق به شفعة، ووجه الأول ان الملك ثبت للمدعي حكما وقد رجع إلى المقر بالبيع
وهو معترف بأنه بيع صحيح فتثبت فيه الشفعة كما لو كان الانكار مطلقا ويجوز أن يكون نصيب المقر
انتقل إلى المدعي ببيع أو هبة أو سبب من الأسباب فلا ينافي انكار المنكر واقرار المقر كحالة
اطلاق الانكار وهذا أصح
(مسألة) (وإن كان بينهما حائط فانهدم فطالب أحدهما صاحبه ببنائه أجبر عليه وعنه لا يجبر)
إذا كان بين الشريكين حائط فانهدم فطلب أحدهما اعادته وأبى الآخر فذكر القاضي فيه روايتين
(إحداهما) يجبر نقلها ابن القاسم وحرب وسندي قال القاضي هي أصح قال ابن عقيل وعلى ذلك
أصحابنا وهو إحدى الروايتين عن مالك وقول الشافعي القديم واختاره بعض أصحابه لأن في ترك
بنائه اضرارا فيجبر عليه كما يجبر على القسمة إذا طلبها أحدهما وعلى نقض الحائط عند خوف سقوطه
43

عليهما ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا اضرار) وهذا وشريكه يتضرران في ترك بنائه (والرواية
الثانية) لا يجبر نقل عن أحمد ما يدل على ذلك وهو أقوى في النظر ومذهب أبي حنيفة لأنه ملك
لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الانفاق عليه كما لو انفرد به ولأنه بناء حائط فلم يجبر عليه
كالابتداء ولأنه لا يخلو إما أن يجبر على بنائه لحق نفسه أو لحق جاره أو لهما جميعا لا يجوز أن
يجبر لحق نفسه بدليل ما لو انفرد به ولا لحق غيره كما لو انفرد به جاره وإذا لم يكن واحد منهما
موجبا فعليه فكذلك إذا اجتمعا وفارق القسمة فإنها دفع للضرر عنهما بما لا ضرر فيه والبناء فيه ضرر
لما فيه من الغرامة وانفلق ماله ولا يلزم من اجباره على إزالة الضرر بما لا ضرر فيه اجباره على
إزالته بما فيه ضرر بدليل قسمة ما في قمسته ضرر ويفارق هدم الحائط إذا خيف سقوطه لأنه
يخاف سقوطه على ما يتلفه فيجبر على ما يزيل ذلك ولذلك يجبر عليه وان انفرد الحائط بخلاف
مسئلتنا ولا نسلم أن في تركه اضرارا فإن الضرر إنما حصل بانهدامه وإنما ترك النباء ترك لما يحصل النفع
44

به وهذا لا يمنع الانسان منه بدليل حالة الابتداء وإن سلمنا انه اضرار لكن في الاجبار اضرار ولا
يزال الضرر بالضرر ولأنه قد يكون الممتنع لانفع له في الحائط أو يكون الضرر عليه أكثر من النفع
أو يكون معسرا ليس معه شي فيكلف الغرامة مع عجزه عنها
(مسألة) (وليس له منعه من بنائه) على الرواية التي تقول لا يجبر الممتنع إذا أراد شريكه البناء
فليس له منعه لأن له حقا في الحمل ورسما فلا يجوز منعه منه (مسألة) (فإن بناه بآلته فهو بينهما وان بناه بآلة من عنده فهو له وليس للآخر الانتفاع به
وان طلب الانتفاع به خير الثاني بين أخذ نصف قيمته وبين أخذ آلته)
وجملة ذلك أن للشريك بناء الحائط بأنقاضه وله بناؤه بآلة من عنده، فإن بناء بآلته وأنقاضه فهو
على الشركة كما كان لأن المنفق إنما أنفق على التالف وذلك أثر لاعين يملكها، وان بناه بآلة من عنده
فالحائط ملكه خاصة، وله مع شريكه من الانتفاع ومن وضع خشبه ورسومه عليه لأن الحائط له
فإن أراد نقضه وكان بناه بآلته فليس له نقضه لأنه ملكهما فلم يكن له التصرف فيه بما فيه مضرة
45

عليهما وإن كان بناه بآلة من عنده فله نقضه لأنه يختص بملكه فإن قال شريكه أنا أدفع إليك نصف
قيمة البناء ولا تنقضه لم يجبر لأنه لما لم يجبر على البناء لم يجبر على الابقاء وان أراد غير الباني نقضه واجبار بانيه
على نقضه لم يكن له ذلك على كلتا الروايتين لأنه إذا لم يملك منعه من بنائه فلان لا يملك إجباره على نقضه
أولى، فإن كان له على الحائط رسم انتفاع أو وضع خشب قال له إما أن تأخذ مني نصف قيمته وتمكنني
من انتفاعي واما ان تقلع حائطك لنعيد البناء من بيننا فيلزم الآخر إجابته لأنه لا يملك ابطال رسومه
وانتفاعه ببنائه، وان لم يرد الانتفاع به فطالبه الثاني بالغرامة أو القيمة لم يلزمه ذلك لأنه إذا لم
يجبر على البناء فأولى ان لا يجبر على الغرامة الا أن يكون قد أذن في البناء والانفاق فيلزمه ما أذن
فيه فأما على الرواية الأولى فمتى امتنع أجبره الحاكم على ذلك فإن لم يفعل أخذ الحكام من ماله
وأنفق عليه وان لم يكن له مال فأنفق عليه الشريك بإذن الحاكم أو أذن الشريك رجع عليه
متى قدر، وإذا أراد بناء لم يملك الشريك منعه، وما أنفق ان تبرع به لم يكن له الرجوع به وإن نوى الرجوع
به فهل له الرجوع بذلك؟ يحتمل وجهين بناء على ما إذا قضى دينه بغير اذنه، وان بناه لنفسه بآلته فهو
بينهما وان بناه بآلة من عنده فهو له خاصة فإن أراد نقضه فله ذلك الا أن يدفع إليه شريكه نصف
قيمته فلا يكون له نقضه لأنه إذا أجبر على بنائه فأولى ان يجبر على ابقائه
46

(فصل) فإن لم يكن بين ملكيهما حائط فطلب أحدهما من الآخر أن يبنيا حائطا يحجز بين ملكيهما
لم يجبرا الآخر عليه رواية واحدة فإن أراد البناء وحده فليس له الا في ملكه لأنه لا يملك التصرف
في ملك جاره المختص به ولا في الملك المشترك بغير ماله فيه رسم وهذا لا رسم له فيه
(فصل) فإن كان السفل لرجل والعلو لآخر فانهدم السقف الذي بينهما فطلب أحدهما المباناة من
الاخر فامتنع فهل يجبر؟ على روايتين كالحائط بين البيتين وللشافعي فيه قولان، فإن انهدمت حيطان
السفل فطالبه صاحب العلو بإعادتها ففيه روايتان (إحداهما) يجبر وهو قول مالك وأبي ثور وأحد قولي
الشافعي فعلى هذه الرواية يجبر على البناء وحده لأنه ملكه خاصة (والثانية) لا يجبر وهو قول أبي
حنيفة فإن أراد صاحب العلو بناءه لم يمنع من ذلك على الروايتين جميعا، فإن بناه بآلته فهو على ما كان
وان بناه بآلة من عنده فقد روي عن أحمد لا ينتفع به صاحب السفل يعني حتى يؤدي القيمة فيحتمل أنه لا يسكن
وهو قول أبي حنيفة لأن البيت إنما يبنى للسكنى فلم يملكه كغيره ويحتمل أنه أراد الانتفاع بالحيطان
خاصة من طرح الخشب وسمر الوتد وفتح الطاق وتكون له السكنى من غير تصرف في ملك غيره
وهو مذهب الشافعي لأن السكنى إنما هي اقامته في فناء الحيطان من غير تصرف فيها أشبه الاستظلال
47

بها من خارج فاما ان طالب صاحب السفل بالبناء وأبى صاحب العلو ففيه روايتان:
(إحداهما) لا يجبر على بنائه ولا مساعدته وهو قول الشافعي لأن الحائط ملك صاحب السفل فلم
يجبر غيره على بنائه ولا المساعدة فيه كما لو لم يكن عليه علو
(والثانية) يجبر على مساعدته والبناء معه، وهو قول أبي الدرداء لأنه حائط يشتركان في الانتفاع
به أشبه الحائط بين الدارين.
(فصل) فإن كان بين البيتين حائط لأحدهما فانهدم فطلب أحدهما من الآخر بناءه أو المساعدة
في بنائه لم يجبر لأنه إن كان الممتنع مالكه لم يجبر على بناء ملكه المختص به كحائط الآخر وإن كان
الممتنع الآخر لم يجبر على بناء ملك غيره ولا المساعدة فيه ولا يلزم على هذا حائط السفل حيث يجبر
صاحبه على بنائه مع اختصاصه بملكه لأن الظاهر أن صاحب العلو ملكه مستحقا لا بقائه على حيطان
السفل دائما فلزم صاحب السفل تمكينه مما يستحقه وطريقه البناء فلذلك وجب بخلاف مسئلتنا وان أراد
48

صاحب الحائط بناءه أو نقضه بعد بنائه لم يكن لجاره منعه لأنه ملكه خاصة وان أراد جاره بناءه أو نقضه
أو التصرف فيه لم يملك ذلك لأنه لاحق له فيه
(فصل) ومتي هدم أحد الشريكين الحائط المشترك أو السقف الذي بينهما نظرت فإن خيف سقوطه
ووجب هدمه فلا شئ على هادمه ويكون كما لو انهدم بنفسه لأنه فعل الواجب وأزال الضرر الحاصل
بسقوطه، وان هدمه لغير ذلك فعليه اعادته سواء كان هدمه لحاجة أو غيرها وسواء التزم اعادته أو لم
يلتزم لأن الضرر حصل بفعله فلزمته إزالته
(فصل) فإن اتفقا على بناء الحائط المشترك بينهما نصفين وملكه بينهما الثلث والثلثان لم يصح لأنه
يصالح عن بعض ملكه ببعض فلم يصح كما لو أقر له بدار فصالحه على سكناها ولو اتفقا على أن
يحمله كل واحد منهما ما شاء لم يجز لجهالة الحمل فإنه يحمله من الأثقال ما لا طاقة له بحمله وان اتفقا
على أن يكون بينهما نصفين جاز.
(مسألة) (وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة فاحتاج إلى عمارة
ففي اجبار الممتنع وجهان)
بناء على الحائط المشترك إذا انهدم وحكي عن أبي حنيفة أنه يجبر ههنا على الانفاق لأنه لا يتمكن
شريكه من مقاسمته فيتضرر بخلاف الحائط فإنه يمكنهما قسمة العرصة قال شيخنا: والأولى التسوية لأن
في قسمة العرصة اضرارا بهما والانفاق أرفق بهما فكانا سواء
49

(مسألة) (وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته)
فإن عمره فالماء بينهما على الشركة أما الدولاب والناعورة فالحكم فيه كالحكم في الحائط على
ما ذكرناه وأما النهر والبئر فلكل واحد منهما الانفاق عليه وإذا أنفق عليه لم يكن له منع الآخر من
نصيبه من الماء لأنه ينبع من ملكهما وإنما أثر أحدهما في نقل الطين منه وليس له فيه عين مال فأشبه
الحائط إذا بناه بآلته والحكم في الرجوع بالنفقة حكم الرجوع في النفقة على الحائط على ما مضى
(فصل) وليس للرجل التصرف في ملكه بما يضر بجاره نحو أن يبني حما ما بين الدور أو يفتح
50

خبازا بين العطارين أو يجعله دكان قصارة بهز الحيطان ويخربها أو يحفر بئرا إلى جانب بئر جاره يجتذب
ماءها وبهذا قال بعض الحنفية وعن أحمد رواية أخرى لا يمنع وبه قال الشافعي وبعض الحنفية لأنه
تصرف في ملكه المختص به ولم يتعلق به حق غيره فلم يمنع منه كما لو طبخ في داره أو خبز فيها وسلموا
أنه يمنع من الدق الذي يهدم الحيطان وينثرها
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا إضرار) ولان هذا إضرار بجير انه فمنع منه كالذي سلموه وكسقي
51

الأرض الذي يتعدى إلى هدم حائط جاره أو اشعال نار يتعدى إلى إحراقها، قالوا ههنا تعدت النار
التي أضرمها والماء الذي أرسله فكان مرسلا لذلك في ملك غيره أشبه ما لو أرسله إليها قصدا، قلنا
والدخان الذي هو اجزا الحريق الذي أحرقه فكان مرسلا له في ملك جاره فهو كالنار والماء وأما
دخان الخبز والطبيخ فإن ضرره يسير ولا يمكن التحرز منه وتدخله المسامحة
(فصل) فإن كان سطح أحدهما أعلى من سطح الاخر فليس لصاحب الاعلى الصعود على سطحه
52

على وجه يشرف على سطح جاره الا أن يبني سترة تستره وقال الشافعي لا يلزمه ستره لأن هذا حاجز
بين ملكيهما فلم يجبر أحدهما عليه كالأسفل
ولنا أنه أضر بجاره فمنع منه كدق يهز الحيطان وذلك أنه يكشف جاره ويطلع على حرمه
فأشبه ما لو اطلع عليه من صئر بابه أو خصاصه وقد دل على المنع من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو أن
رجلا اطلع إليك فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح) ويفارق الأسفل فإن تصرفه لا يضر
بالأعلى ولا يكشف داره.
53

باب الحوالة
الحوالة ثابتة بالسنة والاجماع أما السنة فما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مطل الغني ظلم
وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع) متفق عليه وفي لفظ من (أحيل بحقه على ملئ فليحتل) واجمع
أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة، واشتقاقها من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة، وقد قيل إنها بيع
فإن المحيل يشتري ما في ذمته بماله في ذمة المحال عليه وجاز تأخير القبض رخصة لأنه موضوع على الرفق
فيدخلها خيار المجلس لذلك والصحيح انها عقد ارفاق منفذ بنفسه ليس بمحمول على غيره لأنها لو
كانت بيعا لما جازت لأنه بيع دين بدين ولما جاز التفرق قبل القبض لأنه بيع مال الربا بجنسه
ولجازت بلفظ البيع ولجازت بين جنسين كالبيع ولان لفظها يشعر بالتحول لا بالبيع فعلى هذا لا
يدخلها خيار وتلزم بمجرد العقد وهذا أشبه بكلام أحمد وأصوله، ولا بدء فيها من محيل ومحتال ومحال عليه
(مسألة) (والحوالة تنقل أحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فلا يملك المحتال الرجوع عليه بحال
54

إذا صحت الحوالة برئت ذمة المحيل وانتقل الحق إلى ذمة المحال عليه في قول عامة أهل العلم
وروي عن الحسن انه كان لا يرى الحوالة براءة إلا أن يبرئه وعن زفر أنه قال لا تنقل
الحق وأجراها مجرى الضمان
ولنا ان الحوالة مشتقة من تحويل الحق بخلاف الضمان فإنه مشتق من ضم ذمة إلى ذمة فعلق
على كل واحد مقتضاه وما دل عليه لفظه. إذا ثبت ذلك فمتى رضي بها المحتال ولم يشترط اليسار لم
يعد الحق إلى المحيل أبدا سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت أو غيره وبه قال
الليث والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر وهو ظاهر كلام الخرقي، وقال شريح والشعبي والنخعي متى
أفلس أو مات رجع على صاحبه وقال أبو حنيفة يرجع عليه في حالين إذا مات المحال عليه مفلسا
وإذا جحده وحلف عليه عند الحاكم وقال أبو يوسف ومحمد يرجع عليه في هاتين الحالتين وإذا
حجر عليه لفلس لأنه روي عن عثمان انه سئل عن رجل أحيل بحقه فمات المحال عليه مفلسا فقال
يرجع بحقه لأنه لا توى على مال امرئ مسلم ولأنه عقد معاوضة لم يسلم العوض فيه لاحد المتعاوضين
فكان له الفسخ كما لو اعتاض بثوب فلم يسلم إليه
ولنا أن حزنا حد سعيد بن المسيب كان له على علي رضي الله عنه دين فأحاله به فمات المحال
55

عليه فأخبره فقال اخترت علينا أبعدك الله فأبعده بمجرد احتياله ولم يخبره ان له الرجوع ولأنها براءة
من دين ليس فيها قبض ممن هي عليه ولا ممن يدفع عنه فلم يكن فيها رجوع كما لو أبرأه من الدين وحديث
عثمان لم يصح يرويه خلد بن جعفر عن معاوية بن قرة عن عثمان ولم يصح سماعه وقد روي أنه قال
في حوالة أو كفالة وهذا يوجب التوقف ولو صح كان قول علي مخالفا له، وقولهم هو معاوضة لا يصح
لأنه يفضي إلى بيع الدين بالدين وهو منهي عنه ويفارق المعاوضة بالثوب لأن في ذلك قبضا يقف
استقرار العقد عليه وههنا الحوالة بمنزلة القبض وإلا كان بيع دين بدين
(مسألة) (ولا تصح الا بشروط ثلاثة (أحدها) ان يحيل على دين مستقر فإن أحال على مال
الكتابة أو السلم قبل قبضه أو الصداق قبل الدخول لم يصح وان أحال المكاتب سيده أو الزوج امرأته صح)
لا تصح الحوالة على دين غير مستقر لأن مقتضاها الزام المحال عليه الدين مطلقا ولا يثبت ذلك فيما
هو بعرض السقوط ولا يعتبر أن يحيل بدين مستقر الا ان السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه لأن دين السلم
ليس بمستقر لكونه متعرضا للفسخ بانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به لأنها لا تصح الا فيما يجوز أخذ
العوض عنه ولا يجوز ذلك في السلم لقوله عليه الصلاة والسلام (من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى
56

غيره فلا تصح الحوالة على المكاتب بمال الكتابة لأنه غير مستقر لأن له ان يمتنع من أدائه ويسقط
بعجزه وتصح الحوالة عليه بدين غير دين الكتابة لأن حكمه حكم الأحرار في المداينات، وان أحال
المكاتب سيده بنجم قد حل عليه صح وبرئت ذمة المكاتب بالحوالة ويكون ذلك بمنزلة القبض وان
أحالت المرأة على زوجها بصداقها قبل الدخول لم يصح لأنه غير مستقر يحتمل ان يسقط بانفساخ
النكاح بسبب من جهتها، وان أحالها الزوج به صح لأن له تسليمه إليها وحوالته به تقوم مقام تسليمه
وان أحالت به بعد الدخول صح لأنه مستقر، وان أحال البائع بالثمن على المشتري في مدة الخيار لم
يصح في قياس ما ذكرنا وان أحاله المشتري به صح لأنه بمنزلة الوفاء قبل الاستقرار، وان أحال البائع
بالثمن على المشتري ثم ظهر على عيب لم يتبين ان الحوالة كانت باطلة لأن الثمن كان ثابتا مستقرا والبيع
كان لازما وإنما ثبت الجاز بعد العلم بالعيب بالنسبة إلى المشتري، ويحتمل ان تبطل الحوالة لأن سبب
الجواز عيب المبيع وقد كان موجودا وقت الحوالة. وكل موضع أحال من عليه دين غير مستقر به ثم
سقط الدين كالزوجة ينفسخ نكاحها بسبب من جهتها أو المشتري يفسخ البيع ويرد المبيع فإن كان
ذلك قبل القبض من المحال عليه ففيه وجهان (أحدهما) تبطل الحوالة لعدم الفائدة في بقائها ويرجع
57

المحيل بدينه على المحال عليه والثاني لا تبطل لأن الحق انتقل عن المحيل فلم يعد إليه وثبت للمحتال فلم يزل
عنه ولان الحوالة بمنزلة القبض فكأن المحيل أقبض المحتال فيرجع عليه به ويأخذ المحتال من المحال
عليه وسواء تعذر القبض من المحال عليه أو لم يتعذر وإن كان بعد القبض لم تبطل وجها واحدا
ويرجع المحيل على المحتال به
(فصل) وان أحال من لادين عليه على من له عليه دين فهي وكالة يثبت فيها أحكامها وليست
بحوالة لأن الحوالة مأخوذة من تحويل الحق وانتقاله ولا حق ههنا ينتقل ويتحول وإنما جازت الوكالة
بلفظ الحوالة لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة من عليه الدين كاستحقاق المحتال مطالبة المحال
عليه و تحول ذلك إلى الوكيل كتحوله إلى المحتال، وان أحال من عليه دين على من لا دين عليه
فليست حوالة نص عليه أحمد فلا يلزم المحال عليه الأداء ولا المحتال القبول لأن الحوالة معاوضة ولا
معاوضة ههنا وإنما هو اقتراض فإن قبض المحتال منه الدين رجع على المحيل لأنه قرض وان أبرأه
لم تصح البراءة لأنها براءة لمن لادين عليه وان وهبه إياه بعد أن قبضه منه رجع المحال عليه على
على المحيل به لأنه قد غرم عنه وإنما عاد إليه المال بعقد مستأنف ويحتمل أن لا يرجع إليه لكونه ما
58

غرم عنه شيئا، وان أحال من لادين عليه على من لادين عليه فهي وكالة في اقتراض و ليست حوالة لأن
الحوالة إنما تكون بدين على دين (الشرط الثاني) اتفاق الدينين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل لأنها
تحويل للحق ونقل له فينتقل على صفته ويعتبر تماثلهما في الأمور المذكورة (أحدها) الجنس فيحيل من عليه
ذهب بذهب ومن عليه فضة بفضة ولو أحال من عليه ذهب بفضة أو بالعكس لم يصح (الثاني) الصفة فلو
أحال من عليه صحاح بمكسرة أو من عليه مصرية بأميرية لم يصح (الثالث) الحلول والتأجيل ويعتبر اتفاق
أجل المؤجلين فإن كان أحدهما حالا والآخر مؤجلا أو كان أحدهما إلى شهر والآخر إلى شهرين
لم تصح الحوالة، ولو كان الحقان حالين فشرط على المحتال أن يؤخر حقه أو بعضه إلى أجل لم تصح
الحوالة لأن الحال لا يتأجل ولأنه شرط ما لو كان ثابتا في نفس الامر لم تصح الحوالة فكذلك إذا
اشترطه. فإذا اجتمعت هذه الأمور وصحت الحوالة فتراضيا بأن يدفع المحال عليه إلى المحتال خيرا
من حقه أو رضي المحتال بدون الصفة أو رضي من عليه المؤجل بتعجيله أو من له الحال بانظاره
جاز لأن ذلك يجوز في القرض ففي الحوالة أولى فإن مات المحيل أو المحتال فالاجل بحال وان مات
المحال عليه انبنى على حول الدين بالموت وفيه روايتان (الشرط الثالث) أن يحيل برضاه لأن الحق
59

عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين الذي على المحال عليه ولا خلاف في هذا
(فصل) ويعتبر لصحة الحوالة أن تكون بمال معلوم لأنها ان كانت بيعا فلا يصح في مجهول وان
كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم، والجهالة تمنع منه، فتصح بكل ما يثبت في الذمة بالاتلاف من
الأثمان والحبوب والادهان، ولا تصح فيما لا يصح السلم فيه لأنه لا يثبت في الذمة، ومن شرط الحوالة
تساوي الدينين فاما ما يثبت في الذمة سلما غير المثليات كالمعدود والمذروع ففي صحة الحوالة به
وجهان (أحدهما) لا يصح لأن المثل فيه لا يتحرر ولهذا لا يضمن بمثله في الاتلاف وهذا ظاهر مذهب
الشافعي (والثاني) يصح ذكره القاضي لأنه حق ثابت في الذمة فأشبه ماله مثل ويحتمل ان يخرج هذان الوجهان
على الخلاف فيما يقضي به قرض هذه الأموال فإن كان عليه إبل من الدية وله على آخر مثلها في السن
فقال القاضي يصح لأنها تختص بأقل ما يقع عليه الاسم في السن والقيمة وسائر الصفات، وقال أبو الخطاب
لا تصح في أحد الوجهين لأنها مجهولة ولان الإبل ليست من المثليات التي تضمن بمثلها في الاتلاف فلا
تثبت في الذمة سلما في رواية، وإن كان عليه إبل في دية وله على آخر مثلها قرضا فأحاله عليه فإن قلنا
يرد القرض قيمتها لم تصح الحوالة لاختلاف الجنس وإن قلنا يرد مثلها اقتضى قول القاضي صحة الحوالة
60

لأنه أمكن استيفاء الحق على صفته من المحال عليه ولان الخيرة في التسليم إلى من عليه الدية وقد
رضي بتسليم ماله في ذمة المقترض فإن كانت بالعكس فاحتال المقرض بابل الدية لم يصح لأننا ان قلنا
تجب القيمة في القرض فقد اختلف الجنس وإن قلنا يجب المثل فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته
وقيمته والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك
(مسألة) (ولا يعتبر رضى المحال عليه ولا رضى المحتال إن كان المحال عليه مليئا)
أما المحال عليه فلا يعتبر رضاه لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحتال
مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع إليه كالوكيل وإنما تعتبر الملاءة في رضى المحتال بقرض
الملئ غير المعدوم قال الشاعر:
تطيلين لياني وأنت مليئة وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا
يعني قادرة على وفائي قال احمد في تفسير الملئ أن يكون مليئا بماله وقوله وبدنه فمتى أحيل على
من هذه صفته لزم المحتال والمحال عليه القبول ولم يعتبر رضاهما، وقال أبو حنيفة يعتبر رضاهما لأنه معاوضة
فيعتبر الرضا من المتعاقدين، وقال مالك والشافعي يعتبر رضى المحتال لأن حقه في ذمة المحيل فلا يجوز
نقله إلى غيرها بغير رضاه كما لا يجوز ان يجبره على أن يأخذ بالدين عوضا، فأما المحال عليه فقال مالك
لا يعتبر رضاؤه الا أن يكون المحتال عدوه وللشافعي في اعتبار رضاه قولان:
61

(أحدهما) يعتبر وهو يحكى عن الزهري لأنه أحد من تتم به الحوالة فأشبه المحيل
(والثاني) لا يعتبر لأنه اقامه في القبض مقام نفسه فلم يفتقر إلى رضى من عليه الحق كالتوكيل
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع، ولان للمحيل ان يوفي الحق
الذي عليه بنفسه وبوكيله وقد أقام المحال عليه مقام نفسه في التقبيض قلزم المحتال القبول كما لو وكل رجلا
في إيفائه، وفارق ما إذا أراد ان يعطيه عما في ذمته عرضا لأنه يعطيه غير ما وجب له فلم يلزمه قبوله
وان لم يكن المحال عليه مليئا لم يلزمه ان يحتال لمفهوم الحديث ولان عليه ضررا في ذلك فلم يلزمه
كما لو بذل له دون حقه في الصفة
(ففصل) فإن شرط المحتال ملاءة المحال عليه فبان معسرا رجع على المحيل وبه قال بعض الشافعية
وقال بعضهم لا يرجع لأن الحوالة لا ترد بالاعسار إذا لم يشترط الملاءة فلا ترد به وإن شرط كما لو شرط
كونه مسلما ويفارق البيع فإن الفسخ يثبت بالاعسار فيه من غير شرط بخلاف الحوالة
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولأنه شرط ما فيه مصلحة العقد في عقد معاوضة
فيثبت الفسخ بفواته كما لو شرط صفة في المبيع وقد يثبت بالشرط مالا يثبت باطلاق العقد بدليل
اشتراط صفة في المبيع.
(مسألة) (وان ظنه مليئا فبان مفلسا ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه وإلا فلا ويحتمل ان يرجع)
62

أما إذا لم يرض المحتال بالحوالة ثم بان المحال عليه مفلسا أو ميتا رجع على المحيل بغير خلاف،
ولا يلزمه الاحتيال على غير الملئ لما عليه فيه من الضرر وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبول
الحوالة على الملئ، وإن كان رضي بالحوالة لم يرجع لأنه رضي بدون حقه ويحتمل أن يرجع لأن الفلس
عيب في الذمة فأشبه ما لو اشترى شيئا يظنه سليما فبان معيبا.
(مسألة) (وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلا فالحوالة باطلة)
مثل أن يشتري عبدا فيحيل المشتري البائع بالثمن ثم يظهر العبد حرا وأو مستحقا فالبيع باطل
والحوالة باطلة لأنا تبينا أن لا ثمن على المشتري وكذلك ان أحال البائع على المشتري أجنبيا بالثمن متى
بطل البيع بطلت الحوالة لذلك والحرية إنما ثبتت ببينة أو اتفاقهم فإن اتفق المحيل والمحال عليه على
حريته وكذبهما المحتال ولا بينة بذلك لم يقبل قولهما عليه لأنهما يبطلان حقه فأشبه ما لو باع المشتري
العبد ثم اعترف هو وبائعه أنه كان حرا لم يقبل قولهما على المشتري الثاني وان أقاما بينه لم تسمع لأنهما
كذباها بدخولهما في التبايع، وان أقام العبد بينة بحريته قبلت وبطلت الحوالة وإن صدقهما المحتال وادعى
أن الحوالة بغير ثمن العبد فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل صحة الحوالة وهما يدعيان بطلانها فكان
جنبته أقوى فإن أقام البينة أن الحوالة كانت بالثمن قبلت لأنهما لم يكذباها، وإن اتفق المحيل والمحتال
على حرية العبد وكذبهما المحال عليه لم يقبل قولهما عليه في حرية العبد لأنه إقرار على غيرهما وتبطل
63

الحوالة لاتفاق المرجوع عليه بالدين والراجع به على استحقاق الرجوع والمحال عليه يعترف للمحتال
بدين لا يصدقه فيه فلا يأخذ منه شيئا، وان اعترف المحتال والمحال عليه بحرية العبد عتق لاقرار من هو
في يده بحريته وبطلت الحوالة بالنسبة إليهما ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لأن دخوله معه في
الحوالة اعتراف ببراءته فلم يكن له الرجوع عليه
(مسألة) (فإن العقد بعيب أو إقالة لم تبطل الحوالة)
يعني إذا فسخ العقد بعيب أو إقالة بعدا لقبض فيما إذا أحال المشتري البائع بالثمن فقد برئ المحال
عليه لأنه قبض منه باذنه ويرجع المشتري على البائع فإن كان ذلك قبل القبض فقال القاضي تبطل
الحوالة ويعود المشتري إلى ذمة المحال عليه ويبرأ البائع فلا يبقى له دين ولا عليه لأن الحوالة بالثمن
وقد سقط بالفسخ، ويجب أن تبطل الحوالة لذهاب حقه من المال المحال به، وقال أبو الخطاب لا تبطل
في أحد الوجهين لأن المشتري عوض البائع عما في ذمته ماله في ذمة المحال عليه ونقل حقه إليه نقلا
صحيحا وبرئ من الثمن وبرئ المحال عليه من دين المشتري فلم يبطل ذلك بفسخ العقد الأول كما
لو أعطاه بالثمن ثوبا وسلمه إليه ثم فسخ العقد لم يرجع بالثوب كذا ههنا، فإن قلنا ببطلان الحوالة رجع
المحيل على المحال عليه بدينه ولم يبق بينهما وبين البائع معاملة وان قلنا لا تبطل رجع المشتري على
البائع بالثمن ويأخذه البائع من المحال عليه وان كانت المسألة بحالها لكن أحال البائع أجنبيا بالثمن على
المشتري ثم رد البعد المبيع ففي الحوالة وجهان:
64

(أحدهما) لا تبطل لأن ذمة المشتري برئت بالحوالة من حق البائع وصار الحق عليه للمحتال
فأشبه ما لو دفعه المشتري إلى المحيل فعلى هذا يرجع المشتري على البائع بالثمن ويسلم للمحتال ما أحاله به
(والثاني) تبطل الحوالة إن كان الرد قبل القبض لسقوط الثمن الذي كانت الحوالة به ولا فائدة في
بقاء الحوالة فيعود البائع بدينه ويبرأ المشتري منهما كالمسألة قبلها
(مسألة) (وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة الأولى وللمشتري
أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية) إذا قلنا إن الحوالة لا تبطل ويحتمل أن تبطل إذا لم
يكن قبضها وقد ذكرناه
(فصل) إذا أحال رجلا على زيد بألف فأحاله زيد بها على عمرو فالحوالة صحيحة لأن حق الثاني
ثابت مستقر في الذمة فصح أن يحيل به كالا ول وهكذا لو أحال الرجل عمرا على زيد بما يثبت له
في ذمته صح أيضا لما ذكرنا وتكرر المحتال والمحيل لا يضر
(مسألة) (وإذا قال أحلتك قال بل وكلتني أو قال وكلتك قال بل أحلتني فالقول
قول مدعي الوكالة)
إذا كان لرجل دين على آخر فاذن لرجل في قبضه ثم اختلفا فقال أحلتك بدينك قال
بل وكلتني وديني باق في ذمتك أو قال وكلتك في قبض ديني بلفظ التوكيل قال بل أحلتني
65

بلفظ الحوالة فالقول قول مدعي الوكالة مع يمينه لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان وينكر
انتقاله والأصل معه فإن كان لأحدهما بينة حكم بها لأن اختلافهما في اللفظ وهو مما يمكن إقامة البينة عليه
(مسألة) (وإذا اتفقا على أنه قال أحلتك بالمال الذي قبل زيد ثم اختلفا فقال المحيل إنما وكلتك
في القبض لي وقال الآخر بل أحلتني بديني عليك فالقول قول مدعي الحوالة في أحد الوجهين)
لأن الظاهر معه فإن اللفظ حقيقة في الحوالة دون الوكالة فيجب حمل اللفظ على ظاهره كما لو
اختلفا في دار في يد أحدهما (والثاني) القول قول المحيل لأن الأصل بقاء حق المحيل على المحال عليه
والمحتال يدعي نقله والمحيل ينكره والقول قول المنكر. فعلى الوجه الأول يحلف المحتال ويثبت
حقه في ذمة المحال عليه ويستحق مطالبته ويسقط عن المحيل، وعلى الوجه الثاني يحلف المحيل
ويبقى حقه في ذمة المحال عليه، وعلى كلا الوجهين إن كان المحتال قد قبض من المحال عليه
وتلف في يده فقد برئ كل واحد منهما من صاحبه ولا ضمان عليه سواء تلف بتفريط أو غيره لأنه
ان تلف بتفريط وكان المحتال محقا فقد أتلف ماله وإن كان مبطلا ثبت لكل واحد منهما في ذمة
الآخر ما في ذمته له فيتقاصان ويسقطان وان تلف بغير تفريط فالمحتال يقول قد قبضت حقي
وتلف في يدي وبرئ منه المحيل بالحوالة والمحال عليه بتسليمه والمحيل يقول قد تلف المال في يد
وكيلي بغير تفريط فلا ضمان عليه وان لم يتلف احتمل ان لا يملك المحيل طلبه لأنه معترف ان
له عليه من الدين مثل ماله في يده وهو مستحق لقبضه فلا فائدة في أن يقبضه منه ثم يسلمه إليه ويحتمل
أن يملك أخذه منه ويملك المحتال مطالبته بدينه وقيل يملك المحيل اخذه منه ولا يملك المحتال
66

المطالبة بدينه لاعترافه ببراءة المحيل منه بالحوالة وليس بصحيح لأن المحتل ان اعترف بذلك فهو
يدعي أنه قبض هذا المال منه بغير حق وانه لا يستحق المطالبة به فعلى كلا الحالين هو مستحق
للمطالبة بمثل هذا المال المقبوض منه في قولهما جميعا فلا وجه لا سقاطه ولا موضع للبينة في هذه
المسألة لأنهما لا يختلفان في لفظ يسمع ولا فعل يرى وإنما يدعي المحيل نيته وهذا لا تشهد به
البينة نفيا ولا اثباتا.
(فصل) فإن قال أحلتك بدينك قال بل وكلتني ففيهما وجهان أيضا لما قدمنا فإن قلنا القول قول
المحيل فحلف برئ من حق المحتال وللمحتال قبض المال من المحال عليه لنفسه لأنه يجوز ذلك بقولهما
معا فإذا قبضه كان له بحقه، وان قلنا القول قول المحتال فحلف كان له مطالبة المحيل بحقه ومطالبة
المحتال عليه لأنه اما وكيل أو محتال، فإن قبض منه قبل أخذه من المحيل فله اخذ ما قبض لنفسه لأنه
يجوز ذلك لأن المحيل يقول هو لك والمحتال يقول هو أمانة في يدي ولي مثله على صاحبه
وقد أذن له في أخذه ضمنا فإذا أخذه لنفسه حصل غرضه ولم يأخذ من المحيل شيئا، وان استوفى من
المحيل، دون المحال عليه رجع المحيل على المحال عليه في أحد الوجهين لأن الوكالة قد ثبتت بيمين
المحتال وبقي في ذمة المحال عليه للمحيل (والثاني) لا يرجع عليه لأنه يعترف انه قد برئ من حقه وإنما
المحيل ظلمه بأخذ ما كان عليه، قال القاضي والأول أصح وإن كان قد أخذ الحوالة فتلفت في يده
بتفريط أو أتلفها سقط حقه وجها واحدا لأنه إن كان محقا فقد أتلف حقه وإن كان مبطلا فقد أبطل
مثل دينه فيثبت في ذمته فيتقاصان وان تلف بغير تفريطه فعلى الوجه الأول يسقط حقه أيضا لأن
ماله تلف تحت يده وعلى الثاني له ان يرجع على المحيل بحقه وليس للمحيل الرجوع على المحال
عليه لأنه يقر ببراءته
67

(مسألة) (وان قال أحلتك بدينك فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا)
إذا اتفقا على أنه قال أحلتك بدينك ثم اختلفا فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا لأن
الحوالة بدينه لا تحتمل الوكالة فلم يقبل قول مدعيها وسواء اعترف المحيل بدين المحتال أو قال
لادين لك علي لأن قوله أحلتك بدينك اعتراف بدينه فلا يقبل جحده بعد ذلك فاما ان لم يقل
بدينك بل قال أحلتك ثم قال ليس لك علي دين وإنما أردت التوكيل بلفظ الحوالة أو قال أردت أن
أقول وكلتك فسبق لساني فقلت أحلتك وادعى المحتال انه حوالة بدينه وان دينه كان ثابتا على
المحيل فهل هو اعتراف بالدين أولاء فيه وجهان سبق توجيههما
(فصل) وإن كان لرجل دين على آخر فطالبه به فقال قد أحلت به علي فلانا الغائب وأنكر
صاحب الدين فالقول قوله مع يمينه فإن كان لمن عليه الدين بينة بدعواه سمعت بينته لاسقاط حق
المحيل عليه، وان ادعى رجل ان فلانا الغائب أحالني عليك فأنكر المدعى عليه فالقول قوله فإن أقام
المدعي بينة ثبتت في حقه وحق الغائب لأن البينة يقضى بها على الغائب ولزم الدفع إلى المحتال، وان لم يكن
له بينة فأنكر المدعى عليه فهل يلزمه اليمين؟ فيه وجهان بناء على ما لو اعترف له هل يلزمه الدفع على
وجهين (أحدهما) يلزمه الدفع إليه لأنه لا يأمن انكار المحيل ورجوعه عليه فكان له الاحتياط لنفسه
كما لو ادعى أني وكيل فلان في قبض دينه منك فصدقه وقال لا أدفعه إليك فإذا قلنا يلزمه الدفع
مع الاقرار لزمته اليمين مع الانكار فإذا حلف برئ ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لاعترافه
ببراءته وكذلك ان قلنا لا يلزمه اليمين فليس للمحتال الرجوع على المخيل، ثم ينظر في المحيل فإن
صدق المدعي في أنه أحاله ثبتت الحوالة لأن رضا المحال عليه لا يعتبر وان أنكر الحوالة حلف
وسقط حكم الحوالة فإن نكل المحال عليه عن اليمين فقضي عليك بالنكول واستوفى الحق منه ثم إن
المحيل صدق المدعي فلا كلام وان أنكر الحوالة فالقول قوله وله أن يستوفي من المحال عليه لأنه
معترف له بالحق ويدعي ان المحتال ظلمه ويبقى دين المحتال على المحيل فإن أنكر المحيل ان له
عليه دينا فالعقول قوله بغير يمين لأن المحتال يقر ببراءته منه لاستيفائه من المحال عليه وإن كان المحيل
68

يعترف به لم يكن للمحتال المطالبة به لأنه يقر أنه قد برئ منه بالحوالة والمحيل يصدق المحال عليه
في كون المحتال قد ظلمه واستوفى منه بغير حق والمحتال يزعم أن المحيل قذ أخذ منه أيضا بغير حق
وانه يجب عليه ان يرد ما أخذ منه إليه فينبغي ان يقبضها المحتال ويسلمها إلى المحال عليه أو يأذن
للمحيل في دفعها إلى المحال عليه وإن صدق المحال عليه المحتال في الحوالة ودفع إليه فأنكر المحيل
الحوالة حلف ورجع على المحال عليه، والحكم في الرجوع بما على المحيل من الدين على
ما ذكرنا في التي قبلها
(فصل) فإن كان عليه الف ضمنه رجل فأحال الضامن صاحب الدين به برئت ذمته وذمة
المضمون عنه لأن الحوالة كالتسليم ويكون الحكم ههنا كالحكم فيما لو قضى عنه الدين على ما ذكرنا
فإن كان الألف على رجلين على كل واحد منهما خمسمائة وكل واحد كفيل عن الآخر بذلك فأحاله
أحدهما بالألف برئت ذمتهما معا كما لو قضاها وان أحال صاحب الألف رجلا على أحدهما بعينه
صحت الحوالة لأن الدين على كل واحد منهما مستقر، وان أحال عليهما جميعا ليستوفي منهما أو من أيهما
شاء صحت الحوالة أيضا عند القاضي لأنه لا فضل ههنا في نوع ولا أجل ولا عدد وإنما هو زيادة
استيثاق فلم فلم يمنع ذلك صحة الحوالة كحوالة المعسر على الملئ، وقال بعض الشافعية لا تصح الحوالة لأن
الفضل قد دخلها فإن المحتال ارتفق بالتخيير الاستيفاء من أيهما شاء فأشبه ما لو أحاله على رجلين
له على كل واحد منهما الف ليستوفي من أيهما شاء والأول أصح، والفرق وبين هذه المسألة وبين ما إذا
69

أحاله بألفين انه لا فضل بينهما في العدد ههنا وثم تفاضلا ولان الحوالة ههنا بألف معين وثم الحوالة
بأحدهما من غير تعيين وانه إذا قضاه أحدهما الألف فقد قضاه جميع الدين وثم إذا قضى أحدهما بقي ما
على الآخر ولو لم يكن كل واحد من الرجلين ضامنا عن صاحبه فأحال عليهما حصت الحوالة بغير
إشكال لأنه لما كان له ان يستوفي الألف من واحد كان له أن يستوفي من اثنين كالوكيلين
باب الضمان
وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق فيثبت في ذمتهما جميعا ولصاحب الحق
مطالبة من شاء منهما، واشتقاقه من الضم وقيل من التضمين لأن ذمة الضامن تتضمن الحق، والأصل
في جوازه الكتاب والسنة والاجماع. اما الكتاب فقوله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم
والزعيم الكفيل قاله بان عباس. واما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الزعيم
غارم) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، واجمع المسلمون على الضمان في الجملة واختلفوا
في فروع تذكر إن شاء الله تعالى، يقال ضمين وكفيل وقبيل وحميل وزعيم وصبير بمعنى واحد ولا بد في
الضمان من ضامن ومضمون عنه ومضمون له.
(مسألة) (ولصاحب لحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت)
وجملة ذلك أن المضمون عنه لا يبرأ بنفس الضمان كما يبرأ المحيل بنفس الحوالة قبل القبض بل يثبت
70

الحق في ذمة الضامن مع بقائه في ذمة المضمون عنه فعلى هذا لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في
الحياة وبعد الموت، وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد وحكي عن مالك في إحدى
الروايتين عنه أنه لا يطالب الضامن الا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه ولأنه وثيقة فلا يستوفى الحق منها
الا مع تعذر استيفائه من الأصل كالرهن
ولنا قوله عليه السلام (الزعيم غارم) ولان الحق ثابت في ذمة الضامن فملك مطالبته كالأصل
ولان الحق ثابت في ذمتهما فملك مطالبة من شاء منهما كالضامنين إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه
ولا يشبه الرهن لأنه مال من عليه الحق وليس بدين ذمة يطالب إنما يطالب من عليه الدين ليقضي منه
أو من غيره، وقال أبو ثور الكفالة والحوالة سواء وكلاهما ينقل الحق عن ذمة المضمون عنه والمحيل
وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود، وعن أحمد رواية أن الميت يبرأ بمجرد الضمان نص
عليه في رواية يوسف بن موسى واحتجوا بما روى أبو سعيد الخدري قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
في جنازة فلما وضعت قال (هل على صاحبكما من دين؟) قالوا نعم درهمان فقال (صلوا على صاحبكم)
فقال علي هما علي يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل
على علي فقال (جزاك الله عن الاسلام خيرا أو فك رهانك كما فككت رهان أخيك) فقيل يا رسول
71

الله هذا لعلي خاصة أم للناس عامة؟ فقال (بل الناس عامة) رواه الدارقطني فدل على أن المضمون
عنه برئ بالضامن ولذلك صلى الله عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى الإمام أحمد في المسند
عن جابر قال توفي صاحب لنا فاتينا به النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فخطا خطوة ثم قال (أعليه دين؟)
قلنا ديناران فانصرف، فتحملهما أبو قتادة فقال الديناران علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(وجب حق الغريم وبرئ الميت منهما؟) قال نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك (ما فعل الديناران؟) قال
إنما مات أمس قال فعاد إليه من الفد فقال قد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الآن بردت
جلدته) وهذا صريح في براءة المضمون عنه لقوله (وبرئ الميت منهما؟) ولأنه دين واحد فإذا صار في
ذمة نائبة برئت الأولى منه كالمحال به لأن الدين الواحد لا يحل في محلين
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وقوله في خبر أبي
قتادة (الآن بردت جلدته) حين أخره أنه قضى دينه ولأنها وثيقة فلا تنقل الحق كالشهادة، فأما
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المضمون عنه فلانه بالضمان صار له وفاء وإنما كان عليه الصلاة والسلام
يمتنع من الصلاة على مدين لم يخلف وفاء، وأما قوله لعلى (فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك)
فإنه كان بحال لا يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما ضمنه فكه من ذلك أو ما في معناه، وقوله
(برئ الميت منهما؟) أي صرت أنت المطالب بهما وهذا على وجه التأكيد لثبوت الحق في ذمته
ووجوب الأداء عنه بدليل قوله حين أخبره بالقضاء (الآن بردت عليه جلده) وفارق الضمان الحوالة
72

فإن الضمان مشتق من الضم بين الذمتين في تعلق الحق بهما وثبوته فيهما والحوالة من التحول فيقتضي
تحول الحق عن محله إلى ذمة المحال عليه وقولهم إن الدين الواحد لا يحل محلين قلنا يجوز تعلقه بمحلين
على سبيل الاستيثاق كتعلق دين الرهن به وبذمة الراهن كذلك هذا
(مسألة) (فإن برئت ذمة المضمون عنه برئ الضامن)
متى برئت ذمة المضمون بقضاء أو إبراء برئت ذمة الضامن لا نعلم فيه خلافا لأنه بيع ولأنه وثيقة
فإذا برئ الأصل زالت الوثيقة كالرهن
(مسأله) (وان برى الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه لأنه أصل فلا يبرأ بابراء التبع
ولأنه وثيقة انحلت من غير استيفاء الدين منها فلم تبرأ ذمة الأصل كالرهن إذا انفسخ من غير استيفاء
وأيهما قضى الحق برئا جميعا من المضمون له لأنه حق واحد فإذا استوفي مرة زال تعلقه بهما كما لو
استوفي الحق الذي به رهن، وان أحال أحدهما الغريم برئا جميعا لأن الحوالة كالقضاء
(فصل) ويجوز ان يضمن الحق عن الرجل الواحد اثنان أو أكثر سواء ضمن كل واحد جميعه
أو جزأ منه فإن ضمن كل واحد منهم جميعه برئ كل واحد منهم بأداء أحدهم وان أبرأ المضمون عنه برئ
الجميع لأنهم فروع له وان أبرأ أحد الضامنين برئ واحده لأنهم غير فروع له فلم يبرؤوا ببراءته كالمضمون عنه
وان ضمن أحد هم صاحب لم يجز لأن الحق ثبت في ذمته بضمانه الأصلي فلا يجوز أن يثبت ثانيا ولأنه أصل فيه
بالضمان فلا يجوز ان يصير فيه فرعا، ولو تكفل بالرجل الواحد اثنان جاز ويجوز أن يكفل كل واحد
73

من الكفيلين صاحبه صاحبه لأن الكفالة ببدنه لا بما في ذمته وأي الكفيلين أخضر المكفول به برئ
وبرئ صاحبه من الكفالة لأنه فرعه ولم يبرأ من احضار المكفول به لأنه أصل في ذك وان
كفل المكفول به الكفيل لم يجز لأنه أصل له في الكفالة فلم يجز أن يصير فرعا فيما كفل به وان
كفل به في غيره جاز.
(مسألة) (ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمرا فأسلم المضمون له أو المضمون عنه برئ هو والضامن معا)
لأنه برئ من الخمر الذي ضمن عنه إذ لا يجوز وجوب خمر على مسلم وإذا برئ المضمون عنه
برئ الضامن لأنه فرعه، وان أسلم المضمون له برئ أيضا لأنه ليس للمسلم المطالبة بثمن الخمر
لكونه لا قيمة له في الاسلام فإن أسلم وحده برئ ولم يبرأ المضمون عنه لأنه أصل فلم يبرأ
ببراءة فرعه كما لو أبرأه المضمون له
(مسألة) (ولا يصح الامن جائز التصرف)
لا يصح لا لضمان إلا ممن يصح تصرفه في ماله رجلا كان أو امرأة لأنه عقد يقصد به المال
فصح من المرأة كالبيع.
(مسألة) (ولا يصح من صبي ولا مجنون ولا سفيه ولامن عبد بغير إذن سيده وعنه يصح ويتبع
به بعد العتق وان ضمن باذن سيده صح وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين)
74

لا يصح الضمان من مجنون ولا مبرسم ولا صبي غير مميز بغير خلاف لأنه ايجاب مال فلم يصح
منهم كالنذر والاقرار، ولا يصح من السفيه المحجور عليه وهو قول الشافعي وقال القاضي يصح ويتبع
به بعد فك الحجر عنه لأن من أصلنا ان اقراره صحيح يتبع به بعد فلك الحجر عنه كذلك ضمانه
والأول أولى لأنه إيجاب مال بعقد فلم يصح منه كالبيع والشراء وأما الاقرار فلنا فيه منع وان سلم
فالفرق بينهما أن الاقرار اخبار بحق سابق وأما الصبي المميز فلا يصح ضمانه وهو قول الشافعي وخرج
أصحابنا صحته على الروايتين في صحة اقراره وتصرفه بإذن وليه، ولا يصح هذا الجمع لأن هذا التزام
مال لا فائدة له فيه فلم يصح كالتبرع والنذر بخلاف البيع، وان اختلفا في وقت الضمان بعد بلوغه فقال
الصبي قبل بلوغي وقال المضمون له بعد البلوغ فقال القاضي قياس قول أحمد ان القول قول المضمون
له لأن معه سلامة العقد فأشبه ما لو اختلفا في شرط فاسد ويحتمل أن القول قول الضامن لأن الأصل
عدم البلوغ وعدم وجوب الحق عليه، وهذا قول الشافعي ولا يشبه هذا ما إذا اختلفا في شرط فاسد
لأن المختلفين ثم متفقان على أهلية التصرف والظاهر أنهما لا يتصرفان الا تصرفا صحيحا فكان قول
مدعي الصحة وههنا في أهلية التصرف وليس مع من يدعي أهلية ظاهر يستند
إليه فلم ترجح دعواه، والحكم فيمن عرف له حال جنون كالحكم في الصبي وان لم يعرف له حال
75

جنون فالقول قول المضمون له لأن الأصل عدمه، وأما المحجور عليه لفلس فيصح ضمانه ويتبع به
بعد فك الحجر عنه لأنه من أهل التصرف والحجر عليه في ماله لا في ذمته فهو كتصرف الراهن
فيما عدا الرهن، فأما العبد فلا يصح ضمانه بغير اذن سيده سواء كان مأذونا له في التجارة أولا، وبهذا
قال ابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة، ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق وهو أحد الوجهين
لأصحاب الشافعي لأنه من أهل التصرف فصح تصرفه بما لا ضرر فيه على السيد كالاقرار بالاتلاف
ولنا انه عقد تضمن إيجاب فلم يصح بغير اذن السيد كالنكاح وقال أبو ثور إن كان من جهة
التجارة جاز وإلا لم يجز فإن ضمن باذن سيده صح لأن سيده لو أذن في التصرف صح قال القاضي
وقياس المذهب تعلق المال برقبته لأنه دين لزمه بفعله فتعلق برقبته كأرش جنايته وقال ابن عقيل
ظاهر المذهب وقياسه أنه يتعلق بذمة السيد. وقد ذكر شيخنا هنا روايتين وكذلك ذكره أبو الخطاب
كاستدانته باذن سيده وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى، فإن أذن له سيده في الضمان ليكون القضاء من
76

المال الذي في يده صح ويكون ما في ذمته متعلقا بالمال الذي ى في يد العبد كتعلق حق الجناية برقبة الجاني
كما لو قال الحر لك هذا الدين على أن تأخذ من مالي هذا صح
(فصل) ولا يصح ضمان المكاتب بغير اذن سيده كالقن لأنه تبرع بالتزام مال أشبه نذر الصدقة
بمال معين ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد عتقه كقولنا في العبد وإن ضمن باذنه ففيه وجهان (أحدهما
لا يصح أيضا لأنه ربما أدى إلى تفويت الحرية (والثاني) يصح لأن الحق لهما لا يخرج عنهما فأما المريض
فإن كان مرضه غير مخوف أو لم يتصل به الموت فهو كالصحيح وإن كان مرض الموت المخوف فحكم
ضمانه حكم تبرعه يحسب من ثلثه لأنه تبرع بالتزام مال لا يلزمه ولم يأخذ عنه عوضا أشبه الهبة، وإذا
فهمت إشارة الأخرس صح ضمانه لأنه يصح بيعه واقراره وتبرعه أشبه الباطن، ولا يثبت الضمان بكتابته
77

منفردة عن إشارة يفهم بها أنه قصد الضمان لأنه قد يكتب عبثا أو تجربة قلم فلم يثبت الضمان به مع الاحتمال
ومن لا تفهم إشارته لا يصح مانه لأنه لا يدري بضمانه وكذلك سائر تصرفاته
(مسألة) (ولا يصح إلا برضى الضامن ولا يعتبر رضى المضمون له ولا المضمون عنه
ولا معرفة الضامن لها)
لا يصح الضمان الا برضى الضامن فإن أكره عليه لم يصح لأنه التزام مال فلم يصح بغير رضا
الملتزم كالنذر ولا يعتبر رضا المضمون له وقال أبو حنيفة ومحمد يعتبر لأنه اثبات مال لآدمي فلم يثبت
الا برضاه أو رضا من ينو ب عنه كالبيع والشراء وعن أصحاب الشافعي كالمذهبين
ولنا ان أبا قتادة ضمن من غير رضا المضمون له ولا المضمون عنه فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم
78

ولأنها وثيقة لا يعتبر فيها قبض فأشبهت الشهادة ولأنه ضمان دين فأشبه ضمان بعض الورثة دين الميت
للغائب وقد سلموه، ولا يعبر رضى المضمون حديث أبي قتادة، ولا يعتبر أن يعرفهما الضامن وقال القاضي
يعتبر معرفتهما لعيلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أولا وليعرف المضمون له فيؤدي إليه
وذكر وجها آخر أنه يعتبر معرفة المضمون له لذلك ولا تعتبر معرفة المضمون عنه لأنه لا معاملة بينه
وبينه ولا صحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذا
ولنا حديث علي وأبي قتادة فإنهما ضمنا لمن لم يعرفا وعن لم يعرفا ولأنه تبرع بالتزام مال فلم
تعتبر معرفة من يتبرع له به كالنذر
79

(مسألة) (ولا يعتبر كون الحق معلوما ولا واجبا إذا كان مآله إلى الوجوب فلو قال ضمنت لك
ما على فلان أو ما تداينه به صح)
يصح ضمان المجهول فمتى قال أنا ضامن لك ما على فلان أو ما تقوم به البينة أو ما يقر به لك أو ما يخرج
في روزمانجك صح الضمان، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الثوري والليث وابن أبي ليلى والشافعي
وابن المنذر لا يصح لأنه التزام مال فلم يصح مجهولا كالثمن.
ولنا قول الله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) وحمل البعير غير معلوم لأن حمل البعير
مختلف باختلافه وعموم قوله عليه السلام (الزعيم غارم) ولأنه التزام حق في الذمة من غير معاوضة
فصح في المجهول كالنذر والاقرار ولأنه يصح تعليقه بغرر وخطر وهو ضمان العهدة، وإذا قال الق متاعك
80

في البحر وعلي ضمانه أو قال ادفع ثيابك إلى هذا الرقاء وعلي ضمانها فصح في المجهول كالعتق والطلاق
(فصل) ويصح ضمان ما لم يجب فلو قال ما أعطيت فلانا فهو علي صح، والخلاف في هذه المسألة
كالتي قبلها ودليل القولين ما ذكرنا، قد قال في هذه المسألة الضمان ضم ذمة إلى ذمة في التزام الدين
فإذا لم يكن على المضمون عنه شئ لم يوجد ضم ولا يكون ضامنا قلنا: قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون
عنه في أنه يلزمه ما يلزمه وان ما يثبت مضمونه يثبت في ذمته وهذا كاف وقد سلموا ضمان ما يلقيه في
البحر قبل وجوبه بقوله الق متاعك في البحر وعلي ضمانه وسلم أصحاب الشافعي في أحد الوجهين ضمان
الجعل في الجعالة قبل العمل وما وجب شئ بعد
(مسألة) (ويصح ضمان دين الضامن)
نحو أن يضمن الضامن ضامن آخر لأنه دين لازم في ذمته فصح ضمانه كسائر الديون ويثبت
81

الحق في ذمم الثلاثة أيهم برئت ذممهم كلها لأنه حق واحد فإذا قضي مرة سقط فلم يجب مرة
أخرى، وان أبرأ الغريم المضمون عنه الضامنان لأنهما فرغ وان أبرئ الضامن الأول برئ
الضامنان لذلك ولم يبرأ المضمون عنه لما تقدم وان أبرئ الضامن الثاني برئ وحده، ومتى حصلت
براءة الذمة بالابراء فلا رجوع فيها لأن الرجوع مع الغرم وليس في الابراء غرم والكفالة
كالضمان في هذا المعنى.
(فصل) وان ضمن المضمون عنه الضامن أو تكفل المكفول عنه الكفيل لم يصح لأن
الضامن يقتضي الزامه الحق في ذمته والحق لازم له فلا يتصور الزامه ثانيا ولأنه أصل في الدين فلا
يجوز أن يصير فرعا فيه فإن ضمن عنه دينا آخر أو تكفل به في حق آخر جاز لعدم ما ذكرنا
(مسألة) (ويصح ضمان دين الميت المفلس وغيره ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح الروايتين)
82

يصح الضمان عن كل غريم وجب عليه حق حيا كان أو ميتا مليئا أو مفلسا وبه قال أكثر العلماء وقال
أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت الا ان يخلف وفاء فإن خلف بعض الوفاء صح ضمانه بقدر ما خلف
لأنه دين ساقط فلم يصح ضمانه كما لو سقط بالابراء ولان ذمته قد خربت خرابا لا يعمر بعده فلم يبق
فيه دين والضمان ضم ذمة إلى ذمة.
ولنا حديث أبي قتادة فإنهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء وقد حضهم النبي صلى الله عليه وسلم على
ضمانه في حديث أبي قتادة بقوله (ألا قام أحدكم فضمنه) وهذا صريح في المسألة ولأنه دين ثابت
فصح ضمانه كما لو خلف وفاء. ودليل ثبوته أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الحق اقتضاؤه
ولو ضمنه حيا ثم مات لم يبرأ منه الضامن ولو برئت ذمة المضمون عنه برئت ذمة الضامن وفي هذا
انفصال عما ذكروه. وإذا ثبت صحة ضمان دين الميت فإن ذمته لا تبرأ من الدين قبل القضاء في إحدى
83

الروايتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) ولان النبي صلى
الله عليه وسلم سأل أبا قتادة عن الدينارين الذين ضمنهما فقال قد قضيتهما فقال (الآن بردت جلدته)
رواه الإمام أحمد ولأنه وثيقة بدين فلم يسقط قبل القضاء كالرهن وكالشهادة والثانية يبرأ بمجرد الضمان
نص عليه أحمد في رواية يوسف بن موسى لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة (وبرئ
الميت منهما) قال نعم وقد ذكرنا ذلك
(فصل) ويصح الضمان في جميع الحقوق المالية الواجبة والتي تؤول إلى الوجوب كثمن المبيع
في مدة الخيار وبعده والأجرة والمهر قبل الدخول وبعده ولأن هذه الحقوق لازمة وجواز سقوطها
لا يمنع صحة ضمانها كالثمن في المبيع بعد انقضاء الخيار يجوز أن يسقط بالرد بالعيب وبالمقايلة وهذا مذهب الشافعي
(مسألة) (ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع) فضمانه على المشتري
هوان يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه، وان ظهر فيه عيب أو استحق رجع بذلك على الضامن
وضمانه عن البائع للمشتري هو أن يضمن عن البائع الثمن متى خرج المبيع متسحقا أو رد بعيب أو
أرش العيب، فضمان العهدة في الموضعين هو ضمان الثمن أو جزء منه عن أحدهما للآخر، والعهدة الكتاب
الذي تكتب فيه وثيقة البيع ويذكر فيه الثمن فعبر به عن الثمن الذي يضمنه، وممن أجاز ضمان العهدة
في الجملة أبو حنيفة ومالك والشافعي ومنع منه بعض أصحابه لكونه ضمان ما لم يجب وضمان مجهول
وضمان عين وقد ثبت جواز الضمان في ذلك كله ولان الحاجة تدعوا إلى الوثيقة على البائع، والوثائق
ثلاثة الشهادة والرهن والضمان، فأما الشهادة فلا يستوفى منها الحق وأما الرهن فلا يجوز في ذلك
بالاجماع لأنه يؤدي إلى أن يبقى أبدا مرهونا فلم يبق الا الضمان ولأنه لا يضمن الا ما كان واجبا حال
العقد ومتى كان كذلك فقد ضمن ما وجب حين العقد والجهالة منتفية لأنه ضمن الجملة فإذا خرج بعضه
مستحقا لزمه بعض ما ضمنه، إذا ثبت هذا فإنه يصح ضمان العهدة عن البائع للمشتري قبل قبض الثمن
84

وبعده. وقال الشافعي إنما يصح بعد القبض لأنه قبل القبض لو خرج مستحقا لم يجب على البائع شئ
وهذا ينبني على ضمان ما لم يجب إذا كان مفضيا إلى الوجوب كالجعالة وسنذكرها، وألفاظ ضمان عهدة المبيع
قوله ضمنت عهدته أو تمثه أو دركه أو يقول للمشتري ضمنت خلاصك منه أو متى خرج المبيع مستحقا
فقد ضمنت لك الثمن وحكي عن أبي يوسف أنه إذا قال ضمنت عهدته أو ضمنت لك العهدة لم يصح
لأن العهدة الصك بالابتياع كذا فسره أهل اللغة فلا يصح ضمانه للمشتري لأنه ملكه وليس بصحيح
لأن العهدة في العرف عبارة عن الدرك وضمان الثمن والمطلق يحمل على الأسماء العرفية كالرواية تحمل
عند اطلاقها على المزادة لاعلى المحل وإن كان الموضوع لغة. فأما ان ضمن له خلاص المبيع فقال
أبو بكر هو باطل لأنه إذا خرج حرا أو مستحقا لم يستطع تخليصه ولا يحل وقد قال أحمد في رجل
باع عبدا أو أمة وضمن له الخلاص فقال كيف يستطيع الخلاص إذا خرج حرا فإن ضمن عهدة المبيع
وخلاصه بطل في الخلاص، وتنبني صحته في العهدة على تفريق الصفقة. إذا ثبت صحة ضمان العهدة
فالكلام فيما يلزم الضامن فنقول استحقاق رجوع المشترى بالثمن إما أن يكون بسبب حادث بعد
العقد أو مقارن له فأما الحادث فمثل تلف المكيل والموزون في يد البائع أو بغصب من يده أو يتقايلان
فإن المشتري يرجع على البائع دون الضامن لأن هذا لم يكن موجودا حال العقد وإنما ضمن الاستحقاق
الموجود حال العقد ويحتمل أن يرجع به على الضامن لأن ضمان ما لم يجب جائز وهذا منه، وأما إن
كان بسبب مقارن نظرنا فإن كان بسبب لا تفريط من البائع فيه كأخذه بالشفعة فإن المشتري يأخذ
الثمن من الشفيع ولا يرجع على البائع ولا الضامن ومتى لم يجب على المضمون عنه لم يجب على الضامن
بطريق الأولى. فأما إن كان زوال ملكه عن المبيع بسبب مقارن لتفريط من البائع باستحقاق أو
حرية أورد بعيب قديم فله الرجوع على الضامن وهذا ضمان العهدة، وان أراد اخذ أرش العيب رجع
على الضامن أيضا لأنه إذا لزمه كل الثمن لزمه بعضه إذا استحق ذلك على المضمون عنه وسواء ظهر
85

كل المبيع متسحقا أو بعضه لأنه إذا ظهر بعضه مستحقا بطل العقد في الجميع في إحدى الروايتين
فقد خرجت العين كلها من يده بسبب الاستحقاق، وعلى الرواية الأخرى يبطل في البعض المستحق
وله رد الجميع فإن ردها فهو كما لو استحقت كلها وان أمسك بعضها فله المطالبة بالأرش كما لو وجدها
الكفالة لأنه لا يلزم البائع فلا يلزم الكفيل مالا يلزم الأصل، وان ضمن للمشتري قيمة ما يحدث في
المبيع من بناء أو غراس صح سواء ضمنه البائع أو أجنبي فإذا بنى أو غرس فاستحق المبيع رجع
المشتري على الضامن بقيمة ما تلف أو نقص وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح لأنه ضمان مجهول
وضمان ما لم يجب وقد بيناه جوازه
(مسألة) (ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين)
وهو قول الشافعي وأكثر أهل العلم والأخرى يصح لأنه دين على المكاتب فصح ضمانه كسائر
ديونه والأولى أصح لأنه ليس بلازم ولا مآله إلى اللزوم لأن للمكاتب تعجيز نفسه والامتناع من
الأداء فإذا لم يلزم الأصل فالضامن أولى
(مسألة) (ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها الا أن يضمن التعدي فيها)
أما الأمانات كالوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين المدفوعة إلى الخياط والقصار
فإن ضمنها من غير تعد فيها لم يصح لأنها غير مضمونة على صاحب اليد فكذلك على ضامنه وان ضمن
التعدي فيها فظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى صحة ضمانها فإنه قال في رواية الأثرم في رجل يتقبل
من الناس الثياب فقال له رجل ادفع إليه ثيابك وأنا ضامن فقال هو ضامن لما دفعه إليه يعني إذا
تعدى أو تلف بفعله، فعلى هذا ان تلف بغير فعله ولا تفريط منه فلا شئ على الضامن وان تلف بفعله
أو تفريط لزمه ضامنه أيضا لأنها مضمونة على من هي في يده فهي كالغصوب والعواري وهذا
في الحقيقة ضمان ما لم يجب وقد ذكرناه
86

(مسألة) (فأما الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم فيصح ضمانها)
وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر لا يصح لأن الأعيان غير ثابتة
في الذمة فإنما يضمن ما يثبت في الذمة ووصفنا لما بالضمان إنما معناه أنه يلزم قيمتها عند التلف والقيمة مجهولة
ولنا أنها مضمونة على من هي في يده فصح ضمانها كالحقوق الثابتة في الذمة، وقولهم ان الأعيان لا تثبت
في الذمة قلنا الضمان في الحقيقة إنما هو ضمان استنقاذها وردها والتزام تحصيلها أو قيمتها عند تلفها
وهذا مما يصح ضمانه كعهدة المبيع فإنه يصح وهي في الحقيقة التزام رد الثمن أو عوضه إن ظهر
بالمبيع عيب أو استحق.
(فصل) ويصح ضمان الجعل في الجعالة وفي المسابقة والمناضلة وقال أصحاب الشافعي لا يصح ضمانه في
أحد الوجهين لأنه لا يؤول إلى اللزوم أشبه مال الكتابة
ولنا قول الله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) ولأنه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل
وإنما الذي لا يلزم العمل والمال يلزم بوجوده والضمان للمال دون العمل، ويصح ضمان أرش الجناية
سواء كان نقودا كقيم المتلفات أو حيوانا كالديات وقال أصحاب الشافعي لا يصح ضمان الحيوان الواجب
فيها لأنه مجهول وقد مضى الدليل على صحة ضمان المجهول ولان الإبل الواجبة في الدية معلومة الأسنان
والعدد وجهالة اللون وغيره من الصفات الباقية لا تضر لأنه إنما يلزمه أدنى لون وصفة فيحصل
معلومه وكذلك غيرها من الحيوان ولان جهل ذلك لا يمنع وجوبه باتلاف فلم يمنع وجوبه بالالتزام
ويصح ضمان نفقة الزوجة سواء كانت نفقة يومها أو مستقبلة لأن نفقة اليوم واجبة والمستقبلة مآلها
إلى اللزوم ويلزمه ما يلزم الزوج في قياس المذهب، وقال القاضي: إذا ضمن نفقة المستقبل لم يلزمه
إلا نفقة المعسر لأن الزيادة على ذلك تسقط بالاعسار، وهذا مذهب الشافعي على القول الذي
قال فيه يصح ضمانها.
ولنا أنه يصح ضمان الجعالة والصداق قبل الدخول والمبيع في مدة الخيار. فأما النفقة في الماضي
87

فإن كانت واجبة بحكم حاكم أو قلنا بوجوبها بدون حكمه صح ضمانها والا فلا وفي صحة ضمان السلم
اختلاف نذكره في بابه.
(مسألة) (وان قضى الضامن الدين متبرعا لم يرجع بشئ لأنه تطوع بذلك أشبه الصدقة وسواء
ضمن باذنه أو بغير إذنه
(مسألة) (وان نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير اذن المضمون عنه فهل يرجع؟ على روايتين
وإن أذن له في أحدهما فله الرجوع بأقل الامرين مما قضى أو قدر الدين)
وجملة ذلك أن الضامن متى أدى الدين بينة الرجوع لم يخل من أربعة أقسام (أحدها) أن يضمن
باذن المضمون عنه ويؤدي بأمره فإنه يرجع عليه سواء قال اضمن عني واد عني أو أطلق، وبهذا قال
مالك والشافعي وأبو يوسف، وقال أبو حنيفة ومحمد ان قال اضمن عني وانقد عني رجع عليه وان قال
انقد هذا لم يرجع عليه الا أن يكون مخالطا له يستقرض منه ويودع عنده لأن قوله اضمن عنى وانقد عنى
اقراره منه بالحق وإذا أطلق صار كأنه قال هب لهذا أو تطوع وإذا كان مخالطا له رجع استحسانا لأنه
قدر يأمر مخالطه بالنقد عنه
ولنا انه ضمن ودفع بأمره فأشبه ما لو كان مخالطا له أو قال اضمن عني وما ذكراه ليس بصحيح
لأنه إذا أمره بالضمان لا يكون الا لما هو عليه وأمره بالنقد بعد ذلك ينصرف إلى ما ضمنه بدليل
المخالطة له فيجب عليه أداء ما أدى عنه كما لو صرح به
(الثاني) ضمن بأمره وقضى بغير أمره فله الرجوع أيضا وبه قال مالك والشافعي في أحد الوجوه
عنه، والوجه الثاني لا يرجع لأنه دفع بغير أمره أشبه ما لو تبرع، الوجه الثالث أنه ان تعذر الرجوع
على المضمون عنه فدفع ما عليه رجع وإلا فلا لأنه تبرع بالدفع
88

ولنا أنه إذا أذن في الضمان تضمن ذلك اذنه في الأداء لأن الضمان يوجب عليه الأداء فرجع
عليه كما لو أذن في الأداء صريحا (الثالث) ضمن بغير امره وقضى بأمره فله الرجوع أيضا وظاهر مذهب
الشافعي أنه لا يرجع لأن أمره بالقضاء انصرف إلى ما وجب بضمانه
ولنا أنه أدى دينه بأمره فرجع عليه كما لو لم يكن ضامنا أو كما لو ضمن بأمره، قولهم ان إذنه في
القضاء انصرف إلى ما وجب بضمانه قلنا والواجب بضمانه إنما هو أداء دينه وليس هو شيئا آخر
فمتى أداه عنه باذنه لزمه إعطاؤه بدله (الرابع) ضمن بغير أمره وقضى بغير أمره ففيه روايتان (إحداهما)
يرجع وهو قول مالك وعبيد الله بن الحسن وإسحاق (والثانية) لا يرجع بشئ وهو قول أبي حنيفة
والشافعي وابن المنذر بدليل حديث علي وأبي قتادة فإنهما لو كان يستحقان الرجوع على الميت صار
الدين لهما فكانت ذمة الميت مشغولة بدينهما كاشتغالها بدين المضمون له ولم يصل عليه النبي صلى الله
عليه وسلم لأنه تبرع بذلك أشبه ما لو علف دوابه وأطعم عبيده بغير أمره. ووجه الأولى أنه قضاء
مبرئ من دين واجب فكان من ضمان من هو عليه كالحاكم إذا قضى عنه عند امتناعه، فاما علي وأبو
قتادة فإنهما تبرعا بالقضاء والضمان فإنهما قضيا دينه قصدا لتبرئة ذمته ليصلى عليه النبي صلى الله عليه
وسلم مع علمهما انه لم يترك وفاءه والمتبرع لا يرجع بشئ وإنما الخلاف في المحتسب بالرجوع
(فصل) ويرجع الضامن على المضمون عنه بأقل الامرين مما قضى أو قدر الدين لأنه إن كان الأقل
الدين فالزائد لم يكن واجبا فهو متبرع به وإن كان المقضي أقل فإنما يرجع بما غرم ولهذا لو أبرأه
غريمه لم يرجع بشئ فإن دفع عن الدين عرضا رجع بأقل الامرين من قمته أو قدر الدين لما ذكرنا
(فصل) ولو كان على رجلين مائة على كل واحد منهما نصفها وكل واحد ضامن عن صاحب ما عليه
فضمن آخر عن أحدهما المائة بأمره وقضاها سقط الحق عن الجميع وله الرجوع على الذي ضمن عنه
ولم ين له أن يرجع على الآخر بشئ في إحدى الروايتين لأنه لم يفضي عنه ولا اذن له في القضاء
89

فإذا رجع على الذي ضمن رجع على الآخر بنصفها إن كان ضمن عنه باذنه لأنه ضمنها عنه باذنه وقضاها
ضامنه، والرواية الثانية له الرجوع على الآخر بالمائة لأنها وجبت له على من أداها عنه فملك
الرجوع بها كالأصل
(فصل) وإذا ضمن عن رجل بأمره فطولب الضامن فله مطالبة المضمون عنه بتخليصه لأنه
لزمه الأداء عنه بأمره فكانت له المطالبة بتبرئة ذمته وان لم يطالب الضامن لم يملك مطالبه المضمون
عنه لأنه لما لم يكن له الرجوع بالدين قبل غرامته لم تكن له المطالبة قبل طلبه منه وفيه وجه آخر أن له
المطالبة لأنه شغل ذمته باذنه فكانت له المطالبة بتفريغها كما لو استعار عبدا فرهنه كان لسيده مطالبته
بفكاكه وتفريغه من الرهن والأولى أولى. ويفارق الضمان العارية لأن السيد يتضرر بتعويق منافع
عبده المستعار فملك المطالبة بما يزيل الضرر عنه والضامن لا يبطل بالضمان شئ من منافعه فاما ان
ضمن عنه بغير اذنه لم يملك مطالبة المضمون عنه قبل الأداء بحال لأنه لاحق له يطالب به ولا شغل
ذمته بأمره فأشبه الأجنبي، وقيل إن ينبني على الروايتين في رجوعه على المضمون عنه بما أدى عنه
فإن قلنا لا يرجع فلا مطالبة له بحال وان قلنا يرجع فحكمه حكم من ضمن عنه بأمره على ما مضى تفصيله
(فصل) وان ضمن الضامن آخر فقضى أحدهما الدين برئ الجميع فإن قضاه المضمون عنه لم
يرجع على أحد وان قضاه الضامن الأول رجع على المضمون عنه دون الضامن الثاني وان قضاه الثاني
رجع على الأول ثم رجع الأول على المضمون عنه إذا كان كل واحد منهما قد أذن لصاحبه فإن لم يكن اذن له ففي
الرجوع روايتان، وان أذن الأول للثاني ولم يأذن المضمون عنه أو أذن المضمون عنه لضامنه ولم يأذن
الضامن لضامنه رجع المأذون له على من أذن له ولم يرجع على الآخر على أحدي الروايتين فإن أذن
المضمون عنه للضامن الثاني في الضمان ولم يأذن له الضامن الأول رجع على المضمون عنه ولم يرجع
على الضامن لأنه إنما يرجع على من أذن له دون غيره
90

(فصل) إذا كان له. الف على رجلين على كل واحد مهما نصفه وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه
فابرأ الغريم أحدهما من الألف برئ منه وبرئ صاحبه من ضمانه وبقي عليه خمسمائة وان قضاه أحدهما
خمسمائة أو أبرأه الغريم منها وعين القضاء بلفظه أو ببينة عن الأصل أو الضمان انصرف إليه وان أطلق
احتمل ان له صرفها إلى ما شاء منهما كمن أخرج زكاة نصاب وله نصابان غائب وحاضر كان له صرفها
إلى ما شاء منهما واحتمال أن يكون نصفها عن الأصل ونصفها عن الضمان لأن اطلاق القضاء والابراء
ينصرف إلى جملة ما في ذمته فيكون بينهما، والمعتبر في القضاء لفظ القاضي ونيته وفي الابراء لفظ المبرئ
ونيته ومتى اختلفوا في ذلك فالقول قول من اعتبر لفظه ونيته
(فصل) ولو ادعى ألفا على حاضر وغائب وان كل واحد منهما ضامن عن صاحبه فاعترف الحاضر
بذلك فله أخذ الألف منه فإن قدم الغائب فاعترف رجع عليه صاحبه بنصفه وان أنكر فالقول قوله
مع يمينه وإن كان الحاضر أنكر فالقول قوله مع يمينه، فإن قامت عليه بينة فاستوفى الألف منه لم يرجع
على الغائب بشئ لأنه بانكاره معترف انه لا حق له عليه وإنما المدعي ظلمه وان اعترف الغائب وعاد
الحاضر عن انكاره فله الاستيفاء منه لأنه يدعي عليه حقا يعترف له به فجاز له أخذه، وان لم يقم
على الحاضر بينة حلف وبرئ فإذا قدم الغائب فإن أنكر وحلف برئ فإن اعترف لزمه دفع
الألف وقال بعض أصحاب الشافعي لا يلزمه الا خمس المائة الأصيلة دون المضمونة لأنها سقطت عن
المضمون عنه بيمينه فتسقط عن ضامنه
ولنا أنه مقربها وغريمه يدعيها واليمين إنما أسقطت المطالبة عنه في الظاهر ولم تسقط عنه الحق الذي
في ذمته بدليل أنه لو قامت عليه بينة بعد يمينه لزمه ولزم الضامن
(مسألة) (وان أنكر المضمون له القضاء وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه سواء صدقه أو كذبه)
91

إذا ادعى الضامن انه قضى الدين فأنكر المضمون له ولا بينة له فالقول قول المضمون له لأنه
ادعى تسليم المال إلى من لم يأمنه فكان القول قول المنكر، وله مطالبة الضامن والأصيل فإن
رجع على المضمون عنه فهل يرجع الضامن بما قضاه عنه؟ ينظر فإن لم يعترف له بالقضاء لم يرجع
عليه وان اعترف له بالقضاء وكان قد قضى بغير بينة في غيبة المضمون عنه لم يرجع بشئ سواء صدقه
المضمون عنه أو كذبه لأنه أذن في قضاء مبرئ ولم يوجد، وان قضاه ببينة ثبت بها الحق لكن ان
كانت غائبة أو ميتة فللضامن الرجوع على المضمون عنه لأنه معترف أنه ما قصر وما فرط وان قضاه ببينة
مردودة بأمر ظاهر كالكفر والفسق الظاهر لم يرجع الضامن لتفريطه لأن هذه البينة كعدمها، وان
ردت بأمر خفي كالفسق بالباطن أو كانت الشهادة مختلفا فيها مثل أن اشهد عبدين أو شاهدا واحدا
فردت لذلك أو كان ميتا أو غائبا احتمل أن يرجع لأنه قضى بينة شرعية والجرح والتعديل ليس
له واحتمل ان لا يرجع لأنه أشهد من لا يثبت الحق بشهادته، وان قضى بغير بينة بحضرة المضمون عنه
ففيه وجهان أحدهما يرجع وهو مذهب الشافعي لأنه إذا كان حاضرا كان الاحتياط إليه فإذا ترك التحفظ
كان التفريط منه دون الضامن والثاني لا يرجع لأنه قضى قضاء غير مبرئ فأشبه ما لو قضى في غيبته
(فصل) فإن رجع المضمون له على الضامن فاستوفى منه مرة ثانية رجع على المضمون عنه بما قضاه
ثانيا لأنه أبرأ به ذمته ظاهرا قال القاضي ويحتمل أن له الرجوع بالقضاء الأول دون الثاني لأن البراءة
92

حصلت به في الباطن، ولا صاحب الشافعي وجهان كهذين ووجه ثالث أنه لا يرجع بشئ بحال لأن الأول
ما أبرأه ظاهرا والثاني ما أبرأه باطنا
ولنا ان الضامن أدى عن المضمون عنه باذنه إذا أبرأه ظاهرا وباطنا فرجع به كما لو قامت
به بينة والوجه الأول أرجح لأن القضاء المبرئ في الباطن ما أوجب الرجوع فيجب أن يجب
بالباقي المبرئ في الظاهر.
(مسألة) (وان اعترف المضمون له بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره)
لأن ما في ذمته حق للمضمون له فإذا اعترف بالقبض من الضامن فقد اعترف بأن الحق
الذي له صار للضامن فيجب أن يقبل اقراره لكونه اقرارا في حق نفسه وفيه وجه آخر أنه لا
يقبل لأن الضامن مدع لما يستحق به الرجوع على المضمون عنه وقول المضمون له شهادة على فعل نفسه
فلا تقبل والأول أصح وشهادة الانسان على فعل نفسه صحيحه كشهادة المرضعة بالرضاع، وقد ثبت
ذلك بخبر عقبة بن الحارث.
(مسألة) (وان قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل)
لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه تبرع بالتعجيل، وان أحاله كانت الحوالة بمنزلة تقبيضه ورجع
بالأقل مما أحال به أو قدر الدين سواء قبض الغريم من المحال عليه أو أبرأه أو تعذر عليه الاستيفاء لفلس
أو مطل لأن الحوالة كالاقباض
93

(مسألة) (وان مات الضامن أو المضمون عنه فهل يحل الدين؟ على روايتين وأيهما حل عليه
لم يحل على الآخر)
وجملة ذلك أنه إذا ضمن دينا مؤجلا فمات أحدهما. إما الضامن أو المضمون عنه فهل يحل الدين
على الميت منهما؟ على روايتين يأتي ذكرهما. فإن قلنا يحل على الميت لم يحل على الآخر لأن الدين لا
يحل على شخص بموت غيره. فإن كان الميت المضمون عنه لم يستحق مطالبة الضامن قبل الاجل فإن
قضاه قبل الاجل كان متبرعا بتعجيل القضاء وهل له مطالبة المضمون عنه قبل الاجل؟ يخرج على الروايتين
فيمن قضى الدين بغير اذن من هو عليه. وإن كان الميت الضامن فاستوفى الغريم من تركته لم يكن
لورثته مطالبه المضمون عنه حتى يحل الحق لأنه مؤجل عليه فلا يستحق مطالبته قبل أجله وهذا مذهب
الشافعي وحكى زفر أن لهم مطالبته لأنه أدخله في ذلك مع علمه أنه يحل بموته
ولنا أنه دين مؤجل فلا يجوز مطالبته به قبل الاجل كما لو لم يمت، وقولهم ادخله فيه قلنا إنما ادخله
في المؤجل وحلوله بسبب من جهته فهو كما لو قضى قبل الاجل
(مسألة) (ويصح ضمان الحال مؤجلا وان ضمن المؤجل حالا لم يلزمه قبل أجله في أصح الوجهين)
94

إذا ضمن الدين الحال مؤجلا صح ويكون حالا على المضمون عنه مؤجلا على الضامن يملك مطالبة
المضمون عنه دون الضامن، وبه قال الشافعي قال أحمد في رجل ضمن ما على فلان أنه يؤديه في ثلاث
سنين فهو عليه ويؤديه كما ضمن، ووجه ذلك ما روى ابن عباس أن رجلا لزم غريما له بعشره دنانير
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عندي شئ أعطيكه فقال والله لا أفارقك حتى تعطيني أو تأتيني
بحميل فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (كم تستنظره؟) فقال شهرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(فأنا أحمل؟ فجاءه به في الوقت الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (من ابن أصبت هذا؟) قال
من معدن قال (لا خير فيها) وقضاها عنه رواه ابن ماجة ولأنه ضمن مالا بعقد مؤجل فكان مؤجلا
كالبيع، فإن قيل فعندكم الدين الحال لا يتأجل فكيف تأجل على الضامن؟ أم كيف يثبت في ذمة الضامن
على غير الوصف الذي يتصف به في ذمة المضمون عنه؟ قلنا الحق يتأجل في ابتداء ثبوته بعقد وهذا
ابتداء ثبوته في حق الضامن فإنه لم يكن ثابتا عليه حالا ويجوز ان يخالف ما في ذمة الضامن الذي في
ذمة المضمون عنه بدليل ما لو مات المضمون عنه والدين مؤجل. إذا ثبت هذا فكان الدين حالا فضمنه
إلى شهرين لم يكن له مطالبة الضامن إلى شهر فإن قضاه قبل الاجل فله الرجوع به في الحال على الرواية
95

التي تقول إنه إذا قضى دينه بغير إذنه رجع به لأن ما فيه ههنا انه قضى بغير اذن وعلى الرواية الأخرى
لا يرجع به قبل الاجل لأنه لم يأذن له في القضاء قبل ذلك
(فصل) فإن كان الدين مؤجلا فضمنه حالا لم يصر حالا ولم يلزمه أداؤه قبل أجله لأن الضامن
فرع للمضمون عنه فلا يلزمه مالا يلزمه ولان المضمون عنه لو ألزم نفسه تعجيل هذا الدين لم يلزمه
تعجيله فبأن لا يلزم الضامن أولى ولأن الضمان التزام دين في الذمة فلا يجوز أن يلتزم ما يلزم المضمون
عنه، فعلى هذا ان قضاه حالا لم يرجع به قبل أجله لأن ضمانه لم يغيره عن تأجيله، والفرق بين هذه
المسألة والتي قبلها ان الدين الحال ثابت في الذمة مستحق القضاء في جميع الزمان فإذا ضمنه مؤجلا
فقد التزم بعض ما يجب على المضمون عنه فصح كما لو كان الدين عشره فضمن خمسة، وأما الدين المؤجل
فلا يستحق قضاءه إلا عند أجله فإذا ضمنه حالا التزم ما لم يجب على المضمون عنه أشبه ما لو كان الدين
عشرة فضمن عشرين، وفيه وجه آخر انه يصح ضمان المؤجل حالا كما يضح ضمان الحال مؤجلا قياسا عليه
وقد ذكرنا الفرق بينهما بما يمنع القياس إن شاء الله تعالى
(فصل) ولا يدخل الضمان والكفالة خيار لأن الخيار جعل ليعرف ما فيه الحظ والضمين والكفيل
96

دخلا على أنه لاحظ لهما ولأنه عقد لا يفتقر إلى القبول فلم يدخله خيار كالنذر وبهذا قال أبو حنيفة
والشافعي ولا نعلم فيه خلافا، فإن شرط الخيار فيها فقال القاضي عندي أن الكفالة تبطل وهو مذهب
الشافعي لأنه شرط ينافي مقتضاها ففسدت كما لو شرط أن لا يؤدى عن الكفول به وذلك لأن مقتضى
الضمان والكفالة لزوم ما ضمنه أو كفل به والخيار ينافي ذلك ويحتمل أن يبطل الشرط وحده كما قلنا
في الشروط الفاسدة في البيع ولو أقر أنه كفل بشرط الخيار لزمته الكفالة وبطل الشرط لأنه وصل
باقراره ما يبطله فأشبه استثناء الكل
(فصل) وإذا ضمن رجلان عن رجل ألفا ضمان اشتراك فقالا ضمنا لك الألف الذي على زيد فكل
واحد منهما ضامن لنصفه وان كانوا ثلاثة فكل واحد ضامن ثلثه، فإن قال واحد منهم انا وهذان
ضامنون لكل الألف فسكت الآخران فعليه ثلث الألف ولا شئ عليهما وان قال كل واحد منهم كل
واحد منا ضامن لك الألف فهذا ضمان اشتراك وانفراد وله مطالبة كل وحد منهم بالألف ان شاء وان
أدى أحدهم الألف كله أو حصته منه لم يرجع الاعلى المضمون عنه لأن كل واحد منهم ضامن أصلي
وليس بضامن عن الضامن الآخر
97

(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (الكفالة التزام احضار المكفول به)
وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم منهم شريح ومالك والثوري والليث
وأبو حنيفة، وقال الشافعي في بعض أقواله الكفالة بالبدن ضعيفة، واختلف أصحابه فمنهم من قال
هي صحيحة قولا واحدا وإنما أراد أنها ضعيفة في القياس وإن كانت ثابتة بالاجماع والأثر ومنهم
من قال فيها قولان (أحدهما) أنها غير صحيحة لأنها كفالة بعين فلم تصح كالكفالة بالوجه وبدن الشاهدين
ولنا قوله تعالى (قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به الا ان يحاط بحكم) ولان
ما وجب تسليمه بعقد وجب تسليمه بعقد الكفالة كالمال
(مسألة) (وتصح ببدن من عليه دين وبالاعيان المضمونة)
تصح الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحكم بدين لازم سواء كان معلوما أو
كان مجهولا، وقال بعض الشافعية لا يصح ممن عليه دين مجهول لأنه قد يتعذر احضار المكفول فيلزمه
الدين ولا يمكنه طلبه منه لجهله
ولنا ان الكفالة بالبدن لا بالدين والبدن معلوم فلا تبطل الكفالة لاحتمال عارض ولأنا قد
98

بينا ان الضمان المجهول يصح وهو التزام المال ابتداء فالكفالة التي لا تتعلق بالمال ابتداء أولى، وتصح
الكفالة بالصبي والمجنون لأنه قد يجب احضارهما مجلس الحاكم للشهادة عليهما بالاتلاف واذن وليهما
يقوم مقام اذنهما ويصح ببدن المحبوس والغائب وقال أبو حنيفة لا يصح
ولنا ان كل وثيقة صحت مع الحضور صحت مع الغيبة والحبس كالرهن والضمان ولان الحبس
لا يمنع من التسليم لكون المحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم وامر من حبسه ثم يعيده إلى الحبس
بالحقين جميعا والغائب يمضي إليه فيحضره ان كانت الغيبة غير منقطعة وهو أن يعلم خبره وان لم يعلم خبره
لزمه عليه قاله القاضي وقال في موضع آخر لا يلزمه عليه حتى تمضي مدة يمكنه الرد فيها ولا يفعل وتصح
بالأعيان المضمونة كالغصوب والعواري لأنه يصح ضمانها وقد ذكرنا صحة ضمانها
(مسألة) (ولا يصح ببدن من عليه حد ولا قصاص سواء كان حقا لله تعالى كحد الزنا
والسرقة أو لآدمي كحد القذف والقصاص)
وهو قول العلماء منهم شريح والحسن وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي والشافعي
في حدود الله تعالى واختلف قوله في حدود الآدمي فقال في موضع لا كفالة في حد ولا لعان وقال
99

في موضع تجوز الكفالة بمن عليه حق أوحد لأنه حق لآدمي فصحت الكفالة به كسائر حقوق الآدميين
ولنا ما روى عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا كفالة في حد) ولأنه
حد فلم تصح الكفالة فيه كحدود الله تعالى، ولان الكفالة استيثاق والحدود مبناها على الاسقاط
والدرء بالشبهات فلا يدخل فيها الاستيثاق ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه احضار
المكفول به فلا تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنا
(فصل) ولا تجوز الكفالة بالمكاتب من اجل دين الكتابة لأن الحضور لا يلزمه فلا تجوز
الكفالة به كدين الكتابة.
(مسألة) (ولا يصح بغير معين كأحد هذين) لأنه غير معلوم في الحال ولا في المآل فلا يمكن تسليمه
(مسألة) (وان كفل بجزء شائع من انسان أو عضو أو كفل بانسان على أنه ان جاء به وإلا فهو كفيل
بآخر أو ضامن ما عليه صح في أحد الوجهين)
أما إذا قال أنا كفيل بفلان أو بنفسه أو ببدنه أو بوجهه كان كفيلا به فإن كفل برأسه أو
كبده أو جزء لا تبقى الحياة بدونه أو بجزء شائع منه كثلثه أو ربعه صحت الكفالة لأنه لا يمكنه
احضار ذلك الا باحضاره كله، وقال القاضي تصح الكفالة ببعض البدن لأن مالا يسري إذا حضر به
عضو لم يصح كالبيع والإجارة، وان تكفل بعضو تبقى الحياة بعد زواله كاليد والرجل ففيه وجهان:
(أحدهما) تصح الكفالة اختاره أبو الخطاب وهو أحد الوجهين لا صحاب الشافعي لأنه لا يمكنه احضار
هذه الأعضاء على صفتها الا باحضار البدن كله أشبه الكفالة بوجهه ورأسه ولأنه حكم يتعلق بالجملة
100

فيثبت حكمه إذا أضيف إلى البعض كالطلاق والعتاق (والثاني) لا يصح لأن تسليمه بدون تسليم
الجملة ممكن مع بقائها.
(فصل) إذا تكفل بانسان على أنه ان جاء به والا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه لم يصح عند
القاضي فيهما لأن الأول مؤقت والثاني معلق على شرط، وقال أبو الخطاب: يصح فيهما لأنه ضمان أو
كفالة فيصح تعليقه على شرط كضمان العهدة، فإن قال إن جئت به في وقت كذا والا فأنا كفيل ببدن
فلان أو فأنا ضامن لك المال الذي على فلان أو قال إذا جاء زيد فانا ضامن لك ما عليه أو إذا قدم الحاج
فأنا كفيل بفلان أو قال أنا كفيل بفلان شهرا فقال القاضي لا تصح الكفالة، وهو مذهب الشافعي ومحمد
ابن الحسن لأن ذلك خطر فلم يجز تعليق الضمان والكفالة به كمجئ المطر ولأنه اثبات حق
لآدمي معين فلم يجز تعليقه على شرط ولا توقيته كالهبة. وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب يصح،
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأنه أضاف الضمان إلى سبب الوجوب فيحب أن يصح كضمان
الدرك والأول أقيس.
(فصل) وان قال كفلت ببدن فلا على أن يبرأ فلان الكفيل أو على أن تبرئه من الكفالة لم يصح لأنه
شرط شرطا لا يلزم الوفاء به فيكون فاسدا وتفسد به الكفالة ويحتمل أن يصح لأنه شرط تحويل الوثيقة التي على
الكفيل إليه. فعلى هذا لا تلزمه الكفالة الا ان يبرئ المكفول له الكفيل الأول لأنه إنما كفل بهذا الشرط فلا تثبت
كفالته بدون شرطه، وان قال كفلت لك بهذا الغريم على أن تبرئني من الكفالة بفلان أو ضمنت لك هذا الدين
بشرط ان تبرئني من ضمان الدين الآخر أو على أن تبرئني من الكفالة بفلان خرج فيه الوجهان أصحهما
البطلان لأنه شرط فسخ عقد في عقد فلم يصح كالبيع بشرط فسخ سيع آخر وكذلك لو شرط في الكفالة
101

أو الضمان ان يتكفل المكفول به بآخر أو يضمن دينا عليه أو يبيعه شيئا عينه أو يؤجره
داره صح لما ذكرنا.
(مسألة) (الا برضا الكفيل وفي رضا المكفول به وجهان)
يعتبر رضى الكفيل في صحة الكفالة لأنه لا يلزمه الحق ابتداء الا برضاه، ولا يعتبر رضا المكفول
له لأنها وثيقة له لا قبض فيها فصحت من غير رضاه كالشهادة ولأنها التزام حق له من غير عوض
فلم يعتبر رضاه فيها كالنذر فأما رضا المكفول به ففيه وجهان (أحدهما) لا يعتبر كالضمان (الثاني)
يعتبر وهو مذهب الشافعي لأن مقصود ها احضاره فإذا تكفل بغير ادنه لم يلزمه الحضور معه ولأنه
يجعل لنفسه حقا عليه وهو الحضور معه من غير رضاه فلم يجز كما لو ألزمه الدين وفارق الضمان فإن الضامن
يقضي الحق ولا يحتاج إلى المضمون عنه
(مسألة) ومتى أحصره وسلمه برئ الا ان يحضره قبل الاجل وفى قبضه ضرر)
وجملة ذلك أن الكفالة تصح حالة ومؤجلة كالضمان فإن أطلق انصرف إلى الحلول لأن كل عقد يدخله
الحلول إذا أطلق اقتضى تكفل حالا كان له مطالبته باحضاره فإن احضره وهناك
يد حائلة ظالمة لم يبرأ منه ولم يلزم المكفول له تسلمه لأنه لا يحصل له غرضه، وان لم تكن يد حائلة لزمه
قبوله فإن قبله برئ من الكفالة، وقال ابن أبي موسى لا يبرأ حتى يقول قد برئت إليك منه أو قد سلمته إليك أو قد
أخرجت نفسي من كفالته، والصحيح الأول لأنه عقد على عمل فبرئ منه بالعمل المعقود عليه كالإجارة
فإن امتنع من تسلمه برئ لأنه أحضره ما يجب تسليمه عند غريمه وطلب منه تسلمه على وجه لا ضرر في قبضه
فبرئ منه كالمسلم فيه وقال بعض أصحابنا إذا امتنع من تسلمه أشهد على امتناعه رجلين وبرئ لأنه
102

فعل ما وقع العقد على فعله فبرئ منه، وقال القاضي يرفعه إلى الحاكم فيسلمه إليه فإن لم يجد حاكما
أشهد شاهدين على احضاره، وامتناع المكفول له من قبوله والأول أصح فإن مع وجود صاحب الحق
لا يلزمه دفعه إلى نائبه كحاكم أو غيره، وان كانت الكفالة مؤجلة لم يلزم احضاره قبل الاجل
كالدين المؤجل فإذا حل الاجل فأحضره وسلمه برئ فإن أحضر قبل الاجل ولا ضرر في تسلمه
لزمه، وإن كان فيه ضرر مثل أن تكون حجة الغريم غائبة أو لم يكن يوم مجلس الحاكم والدين مؤجل
عليه لا يمكن اقتضاؤه منه أو قد وعده بالانظار في تلك المدة لم يلزمه قبوله كمن سلم المسلم فيه قبل
محله أو في غير مكانه.
(فصل) وإذا عين في الكفالة تسليمه في مكان فأحضره في غيره لم يبرأ من الكفالة، وبه قال
أبو يوسف ومحمد وقال القاضي ان أحضره بمكان آخر من البلد وسلمه برئ من الكفالة وقال بعض
أصحابنا متى أحضره في أي مكان كان وفي ذلك الموضع سلطان برئ من الكفالة لكونه لا يمكنه
الامتناع من مجلس الحاكم ويمكن اثبات الحجة فيه وقيل إن كان عليه ضرر في إحضاره بمكان آخر
لم يبرأ الكفيل إذا أحضره فيه والا برئ كقولنا فيما إذا أحضره قبل الاجل ولأصحاب الشافعي
اختلاف على نحو ما ذكرنا
ولنا أنه سلم ما شرط تسليمه في مكان في غيره فلم يبرأ كما لو أحضر المسلم فيه في غير الموضع الذي
شرطه ولأنه قد يسلم في موضع لا يقدر على اثبات الحجة فيه لغيبة شهوده أو غير ذلك وقد يهرب منه
ولا يقدر على امساكه ويفارق ما إذا سلمه قبل الاجل فإنه عجل الحق قبل أجله فزاده خيرا فمتى لم
103

يكن ضرر وجب قبوله فإن وقعت الكفالة مطلقة وجب تسليمه في مكان العقد كالسلم فإن سلمه في غيره
فهو كتسليمه في غير المكان الذي عينه وإن كان المكفول به محبوسا لأن ذلك الحبس يمنعه استيفاء
حقه وإن كان محبوسا عندا الحاكم فسلمه إليه محبوسا لزمه تسليمه لأن حبس الحاكم لا يمنعه استيفاء
حقه وإذا طالب الحاكم باحضاره احضره وحكم بينهما ثم يرده إلى الحبس فإن توجه عليه حق للمكفول
له حبسه بالحق الأول وحق المكفول له
(مسألة) (وان مات المكفول به أو تلفت العين بفعل الله تعالى أو سلم نفسه برئ الكفيل)
إذا مات المكفول به برئ الكفيل وسقطت الكفالة، وبه قال شريح والشعبي وحماد بن أبي
سليمان وأبو حنيفة والشافعي ويحتمل أن لا يسقط ويطالب بما عليه وهو قول الحكم ومالك والليث
وحكي عن ابن شريح لأن الكفيل وثيقة بحق فإذا تعذرت من جهة من عليه الدين استوفي من الوثيقة
كالرهن ولأنه تعذر احضاره فلزم كفيله ما عليه كما لو غاب
ولنا ان الحضور سقط عن المكفول به فبرئ الكفيل كما لو برئ من الدين ولان ما التزمه من
أجله سقط عن الأصل فبرئ الفرع كالضامن إذا قضى المضمون عنه الدين أو أبرئ ممن، وفارق ما إذا
غاب فإن الحضور لم يسقط عنه وفارق الرهن فإنه غلق به المال فاستوفى منه وكذلك الحكم ان تلفت
المكفول بها بفعل الله تعالى وان سلم المكفول به نفسه برئ الكفيل لأنه أتى بما يلزم الكفيل
لأجله وهو احضار نفسه فبرئت ذمته كما لو قضى الدين
(فصل) وإذا قال الكفيل قد برئ المكفول به من الدين وسقطت الكفالة أو قال لم يكن
104

عليه دين حين كفلته فأنكر المكفول له فالقول قوله لأن الأصل صحة الكفالة وبقاء الدين وعليه اليمين
فإن نكل قضي عليه، ويحتمل أن لا يستحلف فيما إذا ادعى الكفيل أنه تكفل بمن لا دين عليه لأن الكفيل
مكذب لنفسه فيما ادعاه فإن من كفل بشخص معترف بدينه في الظاهر والأول أولى لأن ما ادعاه محتمل
(فصل) وإذا قال المكفول له للكفيل أبرأتك من الكفالة برئ لأنه حقه فسقط باسقاطه
كالدين، وان قال قد برئت إلي منه أو قد رددته إلي برئ أيضا لأنه معترف بوفاء الحق فهو كما لو اعترف
بذلك في الضمان وكذلك إذا قال له برئت من الدين الذي كفلت به، ويبرأ الكفيل في هذه المواضع دون
المكفول به ولا يكون اقرارا بقبض الحق فيما إذا قال برئت من الدين الذي كفلت به والأول أصح لأنه
يمكن براءته بدون قبض الحق بابراء المستحق أو موت المكفول به فاما ان قال للمكفول به أبرأتك
عمالي قبلك من الحق أو برئت من الدين الذي قبلك فإنه يبرأ من الحق وتزول الكفالة لأنه
لفظ يقتضي العموم في كل ما قبله وان قال برئت من الدين الذي كفل به فلان برئ وبرئ كفيله
(مسألة) (وان تعذر احضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين أو عوض العين)
متى تعذر إحضار المكفول به مع حياته أو امتنع من احضاره لزمه ما عليه وقال أكثرهم لا غرم عليه
ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام (الزعيم غارم) ولأنه أحد نوعي الكفالة فوجب بهما
الغرم كالكفالة بالمال
(مسألة) (وان غاب أمهل الكفيل بقدر ما يمضي فيحضره فإن تعذر احضاره ضمن ما عليه)
إذا غاب المكفول به أو ارتد ولحق بدار الحرب لم يؤخذ الكفيل بالحق حتى يمضي زمن يمكن المضي
فيه واعادته وقال ابن شبرمة يحبس في الحال لأن الحق قد توجه عليه. ولنا ان الحق يعتبر في وجوب
105

أدائه امكان التسليم وإن كان حالا كالدين فإذا مضت مدة يمكن إحضاره فيها ولم يحضره أو كانت الغيبة
منقطعة لا يعلم خبره أو امتنع من احضاره مع امكانه أخذ بما عليه وقال أصحاب الشافعي ان كانت
الغيبة منقطعة لا يعلم مكانه لم يطالب الكفيل باحضاره ولم يلزمه شئ وان امتنع من احضاره مع امكانه
حبس وقد دللنا على وجوب الغرم في المسألة التي قبلها
(فصل) وان (. كفل إلى أجل مجهول لم تصح الكفالة وهذا قول الشافعي لأنه ليس له وقت
يستحق مطالبته فيه وهكذا الضمان وان جعله إلى الحصاد والجذاذ والعطاء خرج على الوجهين كالأجل
في البيع والأولى صحته ههنا لأنه تبرع من غير عوض جعل له أجلا لا يمنع من حصول المقصود منه
فصح كالنذر وهكذا كل مجهول لا يمنع مقصود الكفالة، وقد روى منها عن أحمد في رجل كفل رجلا
وقال إن جئت به في وقت كذا والا فما عليه علي فقال لا أدري ولكن ان قال ساعة كذا لزمه، فنص
على تعيين الساعة وتوقف عن تعيين الوقت ولعله أراد وقتا متسعا أو وقت شئ يحدث مثل وقت
الحصاد ونحوه، فأما ان قال وقت طلوع الشمس أو نحو ذلك صح وان قال إلى الغد أو إلى شهر
كذا تعلق بأوله على ما ذكرنا في السلم. فإن تكفل برجل إلى أجل ان جاء به فيه والا لزمه ما عليه صح
وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف، وقال محمد بن الحسن والشافعي لا تصح الكفالة ولا يلزمه ما عليه
لأن هذا تعليق الضمان بخطر فلم يصح كما لو علقه بقدوم زيد
ولنا ان هذا موجب الكفالة ومقتضاها فصح اشتراطه كما لو قال إن جئت به في وقت كذا والا
فلك حبسي، ومبنى هذا الخلاف ههنا على اخلاف في أن هذا مقتضى الكفالة وقد دللنا عليه
(مسألة) (وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه لزمه ذلك أن كانت الكفالة باذنه
أو طالبة صاحب الحق باحضاره والا فلا
إذا كفل رجلا باذنه احضاره ليسلمه إلى المكفول له لزمه الحضور معه لأنه شغل ذمته من
106

أجله اذنه فلزمه تخليصها كما لو استعار عبده فرهنه باذنه فإن عليه تخليصه إذا طلبه سيده، وان كانت
بغير اذنه فإن طلبه المكفول له لزمه الحضور لأن حضوره حق للمكفول له وقد استناب الكفيل
في ذلك وان لم يطلبه المكفول له لم يلزمه الحضور لأنه لم يشغل ذمته وإنما الكفيل شغلها باختيار
نفسه فلم يجز أن يثبت له بذلك حق على غيره، وان قال له المكفول له أحضر كفيلك كان توكيلا
في احضاره ولزمه ان يحضر معه كما لو وكل غيره وان قال اخرج من كفالتك احتمل أن يكون توكيلا
في إحضاره كاللفظ الأول واحتمل أن يكون مطالبة بالدين الذي عليه فلا يكون توكيلا ولا يلزمه الحضور معه
(فصل) وإذا قال رجل لآخر اضمن عن فلان أو اكفل بفلان ففعل كان الضمان والكفالة
لازمين للمباشر دون الآمر لأنه كفل باختيار نفسه وإنما الامر ارشاد وحث على فعل خير فلا يلزمه به شئ
(فصل) ولو قال أعط فلانا ألفا ففعل لم يرجع على الآمر ولم يكن ذلك كفالة ولا ضمانا الا
أن يقول أعط عني وقال أبو حنيفة يرجع عليه إذا كان خليطا له
ولنا انه لم يقل أعطه عني فلم يلزمه الضمان كما لو لم يكن خليطا ولا يلزم إذا كان له عليه مال فقال
اعط فلانا حيث يلزمه لأنه لم يلزمه لا جل هذا القول بل لأن عليه حقا يلزمه أداؤه
(فصل) ولو تكفل اثنان بواحد صح وأيهم قضى الدين برئ الآخر لما ذكرنا في الضمان وان
سلم المكفول به نفسه برئ كفيلاه وان أحضره أحد الكفيلين لم يبرأ الآخر لأن إحدى الوثيقتين
انحلت من غير استيفاء فلم تنحل الأخرى كما لو أبرأ أحدهما أو انفك أحد الرهنين من غير قضاء الحق
بخلاف ما إذا سلم المكفول به نفسه لأنه أصل لهما فإذا برئ الأصل مما تكفل به عنه برئ كفيلاه
لأنهما فرعاه وكل واحد من الكفيلين ليس بفرع للآخر فلم يبرأ ببراءته وكذلك لو أبرأ المكفول
به برئ كفيلاه ولو أبرئ أحد الكفيلين وحده لم يبرأ الآخر
107

(مسألة) (ولو تكفل واحد غريما لاثنين فأبرأه أحدهما أو أحضره عند أحدهما لم يبرأ من الآخر)
لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين فقد التزم احضاره عن كل واحد منهما فإذا أحضره عند
أحدهما برئ منه كما لو كان في عقدين وكما لو ضمن دينا لرجلين فوفا أحدهما حقه
(فصل) وإذا كانت السفينة في البحر وفيها متاع فخيف غرقها فألقى بعض من فيها متاعه في البحر
لتخف لم يرجع به على أحد سواء ألقاه محتسبا بالرجوع أو متبرعا لأنه أتلف مال نفسه باختياره من
غير ضمان، وان قال له بعضهم الق متاعك فألقاه فكذلك لأنه لم يكرهه ولا ضمن له فإن قال القه وعلي
ضمانه فألقاه فعلى القائل الضمان ذكره أبو بكر لأن ضمان ما لم يجب صحيح، وان قال القه وأنا وركبان
السفينة ضمناء له ففعل فقال أبو بكر يضمنه القائل وحده إلا أن يتطوع بقيتهم، وقال القاضي إن كان
ضمان اشتراك فليس عليه الا ضمان حصته ولأنه لم يضمن الجميع إنما ضمن حصته وأخير عن سائر ركبان
السفينة بضمان سائره فلزمه حصته ولم يقبل قوله في حق الباقين
وإن كان ضمان اشتراك انفراد بأن
يقول كل واحد منا ضامن لك متاعك أو قيمته لزم القائل ضمان الجميع وسواء قال هذا والباقون
يسمعون فسكتوا أو قالوا لا نفعل أولم يسمعوا لأن سكوتهم لا يلزمهم به حق
(فصل) قال منها سألت أحمد عن رجل له على رجل ألف درهم فأقام بها كفيلين كل واحد
منهما كفيل ضامن فأيهما شاء أخذه بحقه فأحال رب المال عليه رجلا بحقه فقال يبرأ الكفيلان قال
فإن مات الذي أحاله عليه بالحق ولم يترك شيئا؟ قال لا شئ له ويذهب الألف
108

باب الشركة
الشركة هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف وهي ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب
فقوله (سبحانه وتعالى فهم شركاء في الثلث) وقال تعالى (وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض)
الآية والخلطاء هم الشركاء، ومن السنة ما روي أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين فاشتريا
فضة بنقد ونسيئة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما أن ما كان بنقد فأجيزوه وما كان نسيئة فردوه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يقول الله عز وجل انا ثالثا الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان
أحدهما صاحبه خرجت من بينهما) رواه أبو داود وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يد الله على الشريكين
ما لم يتخاونا) واجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة وإنما اختلفوا في أنواع منها نبينهما إن شاء الله
تعالى، والشركة نوعان شركة أملاك وشركة عقود وهذا الباب لشركة العقود
(مسألة) (وهي على خمسة أضرب أحدها شركة العنان والثاني شركة المضاربة وشركة
الوجوه وشركة الأبدان وشركة المفاوضة، ولا يصح شئ منها الا من جائز التصرف لأنه عقد على
التصرف فم يصح من غير جائز التصرف في المال كالبيع
(فصل) قال أحمد يشارك اليهودي والنصراني ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه ويكون
109

هو الذي يليه لأنه يعمل بالربا وبهذا قال الحسن والثوري، وكره الشافعي مشاركتهم مطلقا لأنه روي
عن عبد الله بن عباس أنه قال أكره أن يشارك المسلم اليهودي ولا يعرف له مخالف في الصحابة ولان
مال اليهودي والنصراني ليس بطيب فإنهم يبيعون الخمر ويتعاملون بالربا فكرهت معاملتهم
ولنا ما روى الخلال باسناده عن عطاء قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مشاركة اليهودي
والنصراني إلا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم ولان العلة في كراهة ما خلوا به معاملتهم بالربا وبيع
الخمر والخنزير وهذا منتف فيما حضره المسلم أو وليه وقول ابن عباس محمول على هذا فإنه علل بكونهم
يربون كذلك رواه الأثرم عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه قال لا تشاركن يهوديا ولا نصرانيا ولا
مجوسيا لأنهم يربون وان الربا لا يحل وهو قول واحد من الصحابة لم ينتشر بينهم وهم لا يحتجون به
وقولهم ان أموالهم غير طيبة لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عامهم ورهن درعه عند يهودي
على شعير أخذه لأهله وأرسل إلى آخر يطلب منه ثوبين إلى الميسرة وأضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة
ولا يأكل النبي صلى الله عليه وسلم الا الطيب وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم فثمنه
حلال لاعتقادهم حله ولهذا قال عمر رضي الله عنه ولو هم بيعها وخذوا أثمانها فاما ما يشتر به أو يبيعه من
الخمر بمال الشركة أو المضاربة فإنه يقع فاسدا وعليه الضمان لأن عقد الوكيل يقع للموكل والمسلم لا
يثبت ملكه على الخمر والخنزير فأشبه شراء الميتة والمعاملة بالربا واما خفي أمره ولم يعلم فهو مباح
110

الأصل فأما المجوسي فإن أحمد كره مشاركته ومعاملته لأنه يستحل مالا يستحل هذا قال حنبل
قال عمي لا يشاركه ولا يضاربه وهذا والله أعلم على سبيل الاستحباب لترك معاملته والكراهة لمشاركته
فإن فعل صح لأن تصرفه صحيح
(فصل) وشركة العنان ان يشترك اثنان بماليهما ليعملا فيه بدنيهما وربحه لهما فينفذ تصرف كل
واحد منهما فيهما بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه، وهي جائزة بالاجماع ذكره ابن المنذر
وإنما اختلف في بعض شروطها واختلف في علة تسميتها بهذا الاسم فقيل سميت بذلك لأنهما يتساويان
في المال والتصرف كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير فإن عنانيهما يكونان سواء
وقال الفراء هي مشتقة من عن الشئ إذا عرض يقال عنت إلي حاجبها إذا عرضت فسميت الشركة بذلك
لأن كل واحد منهما عن له أن يشارك صاحبه وقيل هي مشتقة من المعاننة وهي المعارضة يقال عاننت فلانا
إذا عارضته بمثل ماله وأفعاله فكل واحد من الشريكين معارض لصاحبه بماله وأفعال وهذا يرجع إلى قول الفراء
(مسألة) (ولا تصح الا بشرطين أحدهما أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير)
ولا خلاف في أنه يجوز أن يجعل رأس المال دراهم أو دنانير إذا كانت غير مغشوشة لأنهما قيم الأموال
وأثمان البياعات والناس يشتركون فيها من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمننا هذا من غير نكير
(فصل) ولا تصح بالعروض في ظاهر المذهب نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وحرب
111

وحكاه عنه ابن المنذر وكره ذلك يحيى بن أبي كثير وابن سيرين والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور
وأصحاب الرأي لأن الشركة إما أن تقع على أعيان العروض أو قيمتها أو أثمانها: لا يجوز وقوعها
على أعيانها لأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاضلة برأس المال أو بمثله وهذه لامثل لها فيرجع
عليه وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الاخر فيستوعب بذلك جميع الربح أو جميع المال وقد تنقص
قيمتها فيؤدي إلى أن يشاركه في ثمن ملكه الذي ليس بربح، ولا على قيمتها لأن القيمة غير متحققة القدر
فيفضي إلى التنازع وقد يقوم الشئ بأكثر من قيمته ولان القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه
الآخر في العين المملوكة له، ولا يجز وقوعها على أثمانها لأنها معدومة حال العقد ولا يملكانها لأنه ان
أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن ملكه وصار للبائع وان أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير
شركة معلقة على شرط وهو بيع الأعيان وهذا لا يجوز، وفيه رواية أخرى ان الشركة والمضاربة تجوز
بالعروض ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد قال أحمد إذا اشتركا في العروض يقسم الربح على ما
اشترطا وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن المضاربة بالمتاع فقال جائز فظاهر هذا صحة الشركة
بها اختاره أبو بكر وأبو الخطاب وهو قول مالك وابن أبي ليلى وبه قال في المضاربة طاوس والأوزاعي
وحماد بن أبي سليمان لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعا وكون ريح المالين بينهما
وهو حاصل في العروض كحصوله في الأثمان فيجب ان تصح الشركة والمضاربة بها كالأثمان ويرجع
112

كل واحد منهما عند المفاضلة بقيمة ماله عند العقد كما اننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها، وقال الشافعي ان
كانت العروض من ذوات الأمثال اشبهت النقود ويرجع عند المفاضلة بمثلها وان لم تكن من
ذوات الأمثال لم يجز وجها واحدا لأنه لا يمكن الرجوع بمثلها، ووجه الأول انه نوع شركة فاستوى
فيها ماله مثل من العروض ومالا مثل له كالمضاربة فإنه سلم ان المضاربة لا تجوز بشئ من العروض
ولأنها ليست بنقد فلم تصح الشركة بها كالذي لا مثل له
(مسألة) (وهل تصح بالمغشوش والفلوس؟ على وجهين)
اختلف أصحابنا في الشركة بالمغشوش من الأثمان هل تصح؟ على وجهين (أحدهما) لا تصح سواء قل
الغش أو كثر وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إن كان الغش أقل من النصف جاز وإن كثر لم يجز لأن الاعتبار
بالغالب في كثير من الأصول
ولنا انها مغشوشة أشبه ما لو كان الغش أكثر ولان قيمتها تزيد وتنقص اشبهت العروض وقولهم
الاعتبار بالغالب لا يصح فإن الفضة إذا كانت أقل لم يسقط حكمها في الزكاة وكذلك الذهب اللهم
إلا أن يكون الغش قليلا لمصلحه النقد كيسير الفضة في الدينار كالحبة ونحوها فلا اعتبار به لأنه لا
يمكن التحرز منه ولا يؤثر في ربا ولا غيره (والثاني) أن الشركة تصح بناء على صحة الشركة في العروض
وقد ذكرنا ذلك، وحكم النقرة في الشركة بها كالحكم في العروض لأن قيمتها تزيد وتنقص اشبهت
113

العروض، ولا تصح الشركة بالفلوس وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابن القاسم صاحب مالك، ويتخرج
الجواز إذا كانت نافقة فإن احمد قال لا أرى السلم في الفلوس لأنه يشبه الصرف وهذا قول محمد بن
الحسن وأبي ثور لأنها ثمن فأشبهت الدراهم والدنانير، وفيه وجه آخر ان الشركة تجوز بها على كل حال
وان لم تكن نافقة بناء على جواز الشركة بالعروض، ووجه الأول انها تنفق مرة وتكسد أخرى
فأشبهت العروض فإذا قلنا بصحة الشركة بها فإنها ان كانت نافقة كان رأس المال مثلها وان كانت
كاسدة كانت قيمتها كالعروض
(فصل) ولا يجوز أن يكون رأس مال الشركة مجهولا ولا جزافا لأنه لا بد من الرجوع به
عند المفاضلة ولا يمكن مع الجهل به ولا يجوز بمال غائب ولا دين لأنه لا يمكن التصرف فيه في الحال
وهو مقصود الشركة.
(مسألة) (الشرط الثاني أن يشرطا لكل واحد منهما جزاء من الربح مشاعا معلوما
كالنصف والثلث والربع)
لأنها أحد أنواع الشركة فاشترط علم نصيب كل واحد منهما من الربح كالمضاربة ويكون الربح
بينهما على ما شرطاه سواء شرطا لكل واحد منهما على قدر ماله من الربح أو أقل أو أكثر لأن
العمل يستحق به الربح بدليل المضاربة وقد يتفاضلان فيه لقوة أحدهما وحذقه فجاز ان يجعل له حظا
114

من الربح كالمضارب وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك والشافعي من شرط صحتها كون الربح والخسران
على قدر المالين لأن الربح في هذه الشركة بيع للمال فلا يجوز تغييره بالشرط كالوضيعة
ولنا أن العمل مما يستحق به الربح فجاز أن يتفاضلا في الربح مع وجود العمل منهما كالمضاربين
لرجل واحد، وذلك أن أحدهما قد يكون أبصر بالتجارة من الآخر وأقوى على العمل فجاز أن يشرط
له زيادة في الربح في مقابلة عمل المضارب، وفارق الوضيعة فإنها لا تتعلق الا بالمال بدليل المضاربة
(مسألة) (وان قالا الربح بيننا فهو بينهما نصفين) لأن إضافته إليهما إضافة واحدة من غير ترجيح
فاقتضى التسوية كقوله هذه الدار بيني وبينك وكذلك في المضاربة إذا قالا الربح بيننا
(مسألة) (فإن يذكر الربح لم يصح كالمضاربة) لأنه المقصود من الشركة فلا يجوز الاخلال به
فعلى هذا يكون الربح بينهما على قدر المالين
(مسألة) (وان شرطا لأحدهما جزءا مجهولا لم يصح)
لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب ولا الربح هو المقصود في الشركة فلم يصح مع الجهالة كالثمن
والأجرة في الإجارة، وإن قال لك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمانه صح وان جهلاه أو أحدهما
لم يصح كالثمن في البيع
115

(مسألة) وان شرطا لأحدهما في الشركة والمضاربة دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين لم يصح
وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يجعل
لنفسه جزءا وعشرة دراهم بطلت الشركة. قال ابن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على
ابطال القراض إذا جعل أحدهما لنفسه دراهم معلومة، وبه قال مالك وأبو ثور والأوزاعي
والشافعي وأصحاب الرأي، والجواب فيما إذا قال لك نصف الربح الا عشرة دراهم أو نصف الربح
وعشرة دراهم كالجواب فيما إذا شرط دراهم مفردة، وإنما لم يصح لامرين (أحدهما) انه إذا شرط دراهم
معلومة احتمل أن لا يربح غيرها فيحصل غيرها على جميع الربح واحتمل ان لا يربحها فيأخذ من رأس المال
وقد يربح كثيرا فيستضر من شرطت له الدراهم (الثاني) ان حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالاجزاء
لما تعذر كونها معلومة بالقدر فإذا جهلت الاجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما أن يكون معلوما
به ولان العامل في المضاربة متى شرط لنفسه دراهم معلومة ربما في طلب الربح لعدم فائدته منه
وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا شرط له جزء من الربح.
(فصل) وكذلك الحكم إذا شرط لأحدهما ربح أحد الثوبين أو ربح أحدي السفرتين أو ربح تجارته
في شهر أو عام بعينه لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره فيختص أحدهما بالربح وهو مخالف لموضوع
الشركة ولا نعلم في هذا خلافا وان دفع إليه ألفا مضاربة وقال لك ربح نصفه لم يجز وبهذا قال الشافعي
116

وقال أبو حنيفة وأبو ثور يجوز كما لو قال لك نصف ربحه ولان ربح هو نصف ربحه، ووجه
الأول أنه شرط لأحدهما ربح بعض المال دون بعض فلم يجز كما لو قال لك ربح هذه الخمسمائة ولأنه
يمكن أن يفرد نصف المال فيربح فيه دون النصف الآخر بخلاف نصف الربح فإنه لا يؤدي إلى
انفراده بربح شئ من المال
(مسألة) (وكذلك في المساقاة والمزارعة) قياسا على الشركة
(مسألة) (ولا يشترط أن يخطا المالين ولا أن يكونا من جنس واحد)
لا يشترط اختلاط المالين في شركة العنان إذا عيناهما أو أحضراهما وبه قال أبو حنيفة ومالك
الا أن مالكا شرط أن تكون أيدهما عليه بان يجعلاه في حانوت لهما أو في يد وكيلهما وقال الشافعي لا
يصح حتى يخلطا المالين لأنهما إذا لم يخلطا هما فمال كل واحد منهما يتلف منه دون صاحبه ويزيد له دون
صاحبه فلم تنعقد الشركة كما لو كان من المكيل
ولنا أنه عقد يقصد به الربح فلم يشترط فيه خلط المال كالمضاربة ولأنه عقد على التصرف فلم
يشترط فيه خلط المال كالوكالة ولنا على مالك فلم يكن من شرطه أن تكون أيديهما عليه كالوكالة وقولهم
إنه يتلف من مال صاحبه أو يزيد على ملك صاحبه بل يتلف من مال لهما وزيادته لهما لأن الشركة
اقتضت ثبوت الملك لكل واحد منهكا في نصف مال صاحبه فيكون تلفه منهما وزيادته لهما، وقال
أبو حنيفة متى تلف أحد المالين فهو من ضمان صاحبه
117

ولنا أن الوضيعة والضمان أحد موجبي الشركة فتعلق بالشريكين كالربح وكما لو اختلطا
(فصل) ولا يشترط لصحتها اتفاق المالين في الجنس بل يجوز أن يخرج أحدهما دراهم والآخر
دنانير نص عليه أحمد وبه قال الحسن وابن سيرين، وقال الشافعي لا تصح الشركة الا ان يتفقا في مال واحد
بناء على أن خلط المالين شرط ولا يمكن الا في المل الواحد ونحن لا تشترط ذلك
ولنا انهما من جنس الأثمان فصحت الشركة فيهما كالجنس الواحد، فعلى هذا متى تفاضلا رجع
هذا بدنانيره وهذا بدراهمه ثم اقتسما الفضل نص عليه احمد وقال كذا يقول محمد والحسن، وقال
القاضي متى أراد المفاضلة قوما المبتاع بنقد البلد وقوما مال الآخر به ويكون التقويم حين صرفا الثمن فيه
ولنا ان هذه شركة صحيحة رأس المال فيما الأثمان فيكون الرجوع بجنس رأس المال كما لو
كان الجنس واحدا.
(فصل) ولا يشترط تساوي المالين في القدر وهو قول الحسن والشعبي والنخعي والشافعي وإسحاق
وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب الشافعي يشترط ذلك لأن صاحب المال القليل ان أخذ نصف
الربح أخذ مالا يملكه وان أخذ بقدر ماله أخذ شريكه بعض الربح الحاصل بعمله لاستوائهما في العمل
ولنا أنهما مالان من جنس الأثمان فجاز عقد الشركة عليهما كما لو تساويا
(مسألة) (وما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما)
118

شركة العنان مبنية على الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما بدفع المال إلى صاحبه أمنه وبإذنه له
في التصرف وكله ومن شرط صحتها ان يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف فعلى هذا ما يشتريه
كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما لأن العقد وقع على ذلك فاما ما يشتريه لنفسه فهو له والقول
قوله في ذلك لأنه أعلم بنيته
(مسألة) (وان تلف أحد المالين فهو من ضمانهما إذا خلطا المال وان لم يخلط فكذلك)
لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد فكذلك في الضمان كحال الخلطة وقال أبو حنيفة
متى تلف أحد المالين فهو من ضمان صاحبه وقد ذكرنا ما يدل على خلافه
(مسألة) (والوضيعة على قدر المال)
الوضعية هي الخسران في الشركة على كل واحد منهما بقدر ماله فإن كان متساويا في القدر فالخسران
بينهما نصفين وإن كان أثلاثا، فالوضيعة أثلاثا قال شيخنا لا نعلم في ذلك خلافا وبه يقول أبو حنيفة
والشافعي وغيرهما، وفي شركة الوجوه تكون الوضيعة على قدر ملكيهما في المشتري سواء كان الربح بينهما
كذلك أو لم يكن وسواء كانت الوضيعة لتلف أو نقصان في الثمن عما اشتريا به أو غير ذلك، والوضيعة
في المضاربة على المال خاصة لا شئ على العامل منها لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال وهو
119

مختص بملك ربه لا شئ فيه للعامل فيكون نقصه من ماله دون غيره وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء
فأشبه المساقاة والمزارعة فإن رب الأرض والشجر يشارك العامل فيما يحدث من الزرع والثمر وان تلف
الشجر أو هلك شئ من الأرض بغرق أو غيره لم يكن على العامل شئ
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (يجوز لكل واحد منهما أن يبيع ويشتري ويقبض ويقبض
ويطالب بالدين ويخاصم فيه ويحيل ويحتال ويرد بالعيب ويقر به ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما)
يجوز لكل واحد من الشريكين ان يبيع ويشتري مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة كيف رأى المصلحة
لأن هذه عادة التجار، وله ان يقبض المبيع والثمن ويقبضهما ويخاصم في الدين ويطالب به ويحيل ويحتال
ويرد بالعيب فيما وليه أو وليه صاحبه، وله أن يقر به كما يقبل اقرار الوكيل بالعيب على موكله نص
عليه احمد وكذلك ان بالثمن أو بعضه أو اجرة المنادي أو الحمال لأن هذا من توابع التجارة فهو
كتسليم المبيع وأداء ثمنه، ويفعل كل ما هو من مصلحة التجارة بمطلق الشركة لأن مبناها على الوكالة
والأمانة على ما ذكرنا، فيتصرف كل واحد منهما في المالين بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب
شريكه، في الإقالة وجهان أصحهما انه لا يملكها لأنها ان كانت بيعا فقد أذن له فيه وان كانت فسخا
ففسخ البيع المضر من مصلحة التجارة فملكه كالرد بالعيب والآخر لا يملكها لأنها فسخ فلا يدخل
في الاذن في التجارة وله ان يستأجر من مال الشركة ويؤجر لأن المنافع أجريت مجرى الأعيان فصار
كالشراء والبيع وله المطالبة بالاجر لهما وعليهما لأن حقوق العقد لا تختص العاقد
120

(فصل) فإن ردت السلعة عليه بعيب فله ان يقبلها وان يعطي أرش العيب أو يحط من ثمنه أو
يؤخر ثمنه لا جل العيب لأن ذلك قد يكون أحظ من الرد
(مسألة) (وليس له أن يكاتب الرقيق ولا يزوجه ولا يعتقه على مال ولا غيره لأن الشركة
انعقدت على التجارة وليست هذه الأشياء تجارة سيما تزويج العبد فإنه محض ضرر ولا يهب ولا يقرض
ولا يحابي لأن ذلك ليس بتجارة
(مسألة) (ولا يضارب بالمال ولا يأخذ به سفتجة ولا يعطيها الا باذن شريكه)
ليس له أن يشارك بمال الشركة ولا يدفعه مضاربة لأن ذلك يثبت في المال حقوقا ويستحق ربحه
لغيره وليس له ان يخلط مال الشركة بماله ولا مال غيره لأنه يتضمن إيجاب حقوق في المال وليس
هو من التجارة المأذون فيها، وليس له ان يأخذ بالمال سفتجة ولا يعطيها لأن فيه خطرا فإن أذن شريكه
في ذلك جاز لأنه يصير من التجارة المأذون فيها، ومعنى قوله يأخذ به سفتجة أنه يدفع إلى انسان شيئا
من مال الشركة ويأخذ منه كتابا إلى بلد آخر ليستوفي منه ذلك المال، ومعنى قوله يعطيها أنه يأخذ
من إنسان بضاعة ويعطيه بثمن ذلك كتابا إلى بلد آخر ليستوفي ذلك منه فلا يجوز لأن فيه خطرا على المال
(مسألة) (وهل له أن يودع أو يبيع نساء أو يبضع أو يوكل فيما يتولى مثله بنفسه أو يرهن
أو يرتهن؟ على وجهين)
121

اختلفت الرواية في الايداع والابضاع على روايتين (إحداهما) له ذلك لأنه عادة التجار وقد تدعو
الحاجة إلى الايداع (والثانية) لا يجوز لأنه ليس من الشركة وفيه غرر، والصحيح ان الايداع يجوز
عند الحاجة إليه لأنه من ضرورة الشركة أشبه دفع المتاع إلى الحمال، وهل له ان يبيع نساء؟ يخرج
على الروايتين في الوكيل والمضارب (إحداهما) له ذلك لأنه عادة النجار والربح فيه أكثر (والأخرى)
لا يجوز لأن فيه تغريرا بالمال، فإن اشترى شيئا بنقد عنده مثله أو نقد من غير جنسه أو اشترى شيئا من
ذوات الأمثال وعنده مثله جاز لأنه إذا اشترى بجنس ما اشترى به أو كان عنده عرض فاستدان عرض
فالشراء له خاصة وربحه له وضمانه عليه لأنه استدانه على مال الشركة وليس له ذلك لما نذكره، قال
شيخنا والأولى أنه متى كان عنده من مال الشركة ما يمكنه أداء الثمن منه ببيعه أنه يجوز لأنه أمكنه
أداء الثمن من مال الشركة أشبه ما لو كان عنده نقد ولان هذا عادة التجار ولا يكمن التحرز عنه وهل
له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه؟ على وجهين بناء على الوكيل وقيل يجوز للشريك التوكيل بخلاف
الوكيل لأنه لو جاز للوكيل التوكيل لاستفاد بحكم العقد مثل العقد والشريك يستفيد بعقد الشركة ما هو
أخص منه ودونه لا التوكيل أخص من عقد الشركة فإن وكل أحدهما ملك الاخر عزله لأن لكل
واحد منهما التصرف في حق صاحبه التوكيل فكذلك بالعزل، وهل لأحدهما ان يرهن أو يرتهن بالدين
الذي لهم؟ على وجهين أصحهما ان له ذلك عند الحاجة لأن الرهن يراد للايفاء والارتهان يراد
122

للاستيفاء وهو يملك الايفاء والاستيفاء فملك ما يراد لهما، والثاني ليس له ذلك لأن فيه خطرا ولا فرق
بين أن يكون ممن ولي العقد أو من غيره لكون القبض من حقوق العقد وحقوق العقد لا تختص
العاقد فكذلك ما يراد له وهل له السفر؟ فيه وجهان نذكرهما في المضاربة
(فصل) فإن قال له اعمل برأيك جاز له أن يعمل كل ما نفع في التجارة من الابضاع والمضاربة
بالمال والمشاركة به وخلطه بماله والسفر به والايداع والبيع نساء والرهن والارتهان والإقالة ونحو
ذلك لأنه فوض إليه الرأي في التصرف الذي تقتضيه الشركة فجاز له كل ما هو من التجارة، فاما التمليك
بغير عوض كالهبة والحطيطة لغير فائدة والقر والعتق ومكاتبة الرقيق وتزويجهم ونحوه فليس له
فعله لأنه إنما فوض إليه العمل برأيه في التجارة وليس هذا منها
(مسألة) (وليس له ان يستدين على مال الشركة فإن فعل فهو عليه وربحه له، الا أن بأذن شريكه)
إذا استدان على مال الشركة لم يجز له ذلك فإن فعل فهو له له ربحه وعليه وضيعته، قال أحمد
في رواية صالح من استدان في المال بوجهه ألفا فهو له ربحه له والوضيعة عليه، وقال القاضي إذا استقرض
شيئا لزمهما وربحه لهما لأنه تمليك مال بمال أشبه الصرف ومنصوص أحمد يخالف هذا لأنه أدخل في
الشركة أكثر مما رضي الشريك بالمشاركة فيه فلم يجز كما لو ضم إليها ألفا من ماله، ويفارق الصرف
فإنه بيع وإبدال عين بعين فهو كبيع الثياب بالدراهم فإن أذن شريكه في ذلك جاز كبقية أفعال التجارة المأذون فيها
123

(مسألة) (وان اخر حقه من الدين جاز)
إذا كان لهما دين حال فأخر أحدهما حصته من الدين جاز وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة
لا يجوز ولنا انه أسقط حقه من المطالبة فصح ان ينفرد أحدهما به كالابراء
(مسألة) (وان تقاسما الدين في الذمة لم يصح) نص عليه في رواية حنبل لأن الذمة لا تتكافأ
ولا تتعادل والقسمة تقتضي التعديل فاما القسمة بغير تعديل فهي بمنزلة البيع ولا يجوز بيع الدين
بالدين، فعلى بالدين، فعلى هذا لو تقاسما ثم توى بعض المال رجع الذي توى ماله على الذي لم يتو وبه قال ابن سيرين
والنخعي ونقل حرب جواز ذلك لأن الاختلاف لا يمنع القسمة كاختلاف الأعيان وبه قال الحسن
وإسحاق، فعلى هذا لا يرجع من توى ماله على من لم يتو إذا أبرأ كل واحد منهما صاحبه وهذا إذا
كان في ذمم فاما في ذمة واحدة فلا تمكن القسمة لأن القسمة افراز حق ولا يتصور ذلك في ذمة وحدة
(مسألة) (وان أبرأ من الدين لزم في حقه دون صاحبه) لأنه تبرع فلزم في حقه دون صاحبه كالصدقة
(مسألة) (وكذلك ان أقر بمال سواء أقر بعين أو دين) لأن شريكه إنما أذن في التجارة وليس
الاقرار داخلا فيها، وقال القاضي يقبل اقراره على مال الشركة لأن للشريك أن يشتري من غير أن
يسلم الثمن في المجلس فلو لم يقبل اقراره بالثمن لضاعت أموال الناس وامتنعوا من معاملته ولان ذلك
مما يحتاج إليه في البيع أشبه الاقرار بالعيب
124

(مسألة) (وعلى كل واحد منهما ان يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه
وختم الكيس واحرازه) لأن اطلاق الاذن يحمل على العرف، والعرف ان هذه الأمور يتولاها بنفسه
(فن استأجر من يفعل ذلك فالأجرة عليه) في ماله لأنه بذلها عوضا عما يلزمه (وما جرت العادة ان يستنيب
فيه) كحمل المتاع ووزن ما ينقل والنداء (فله ان يستأجر من يفعله) من مال القراض لأنه العرف
(مسألة) (فإن فعله ليأخذ أجرته فهل له ذلك؟ على وجهين) أحدهما لا يستحقها نص عليه لأنه
تبرع بما لم يلزمه فلم يكن له أجر كالمرأة التي تستحق على زوجها خادما إذا خدمت نفسها وفيه وجه
آخر ان له الأجرة لأنه فعل ما يستحق الأجرة فيه فاستحقها كالأجنبي
(فصل) قال المصنف رضي الله عنه (والشروط في الشركة ضربان صحيح مثل أن يشترط أن
لا يتجر الا في نوع من المتاع أو بلد بعينه أو لا يبيع الا بنقد معلوم أو لا يسافر بالمال أو لا يبيع إلا
من فلان أو لا يشتري إلا من فلان)
فهذا كله صحيح سواء كان النوع مما يعم وجوده أو لا يعم أو الرجل مما يكثر عنده المتاع أو يقل وبهذا قال
أبو حنيفة، وقال مالك والشافعي إذا شرط أن لا يشتري الا من رجل بعينه أو سلعة بعينها أو مالا يعم
وجوده كالياقوت الأحمر والخيل البلق لم يصح لأنه يفوت مقصود الشركة والمضاربة و هو التقلب وطلب
الربح فلم يصح كما لو شرط أن لا يبيع ويشتري الا من فلان أو ان لا يبيع الا بمثل ما اشترى به
125

ولنا أنها شركة خاصة لا تمنع الربح بالكلية نصحت كما لو شرط أن لا يتجر الا في نوع يعم وجوده
ولأنه عقد يصح تخصيصه بنوع فصح تخصيصه في رجل بعينه وسلعة بعينها كالوكالة، قولهم إنه يمنع
المقصود ممنوع وإنما يقلله وتقليله لا يمنع الصحة كتخصيصه بالنوع، ويفارق ما إذا شرط أن لا يبيع
الا برأس المال فإنه يمنع الربح بالكلية وكذلك إذا قال لا تبع إلا من فلان ولا تشتر إلا منه فإنه
يمنع الربح أيضا فإنه لا يشتري ما باعه الا بدون ثمنه الذي باعه به ولهذا لو قال لا تبع إلا من
اشتريت منه لم يصح لذلك
(مسألة) (وفساد مثل ان يشترط ما يعود بجهالة الربح أو ضمان المال أو ان عليه من الوضيعة أكثر
من قدر ماله أو ان يوليه ما يختار من السلع ويرتفق بها أو ان لا يفسخ الشركة مدة بعينها، فما يعود بجهالة
الربح يفسد به العقد ويخرج في سائرها روايتان)
الشروط الفاسدة في الشركة والمضاربة تنقسم ثلاثة أقسام:
(أحدها ما ينافي مقتضى العقد مثل ان يشترط لزوم المضاربة أو ان لا يعز له مدة بعينها أو ان لا
يبيع الا برأس المال أو أقل أو لا يبيع الا ممن اشترى منه أو شرط أن لا يشتري أو لا يبيع أو ان يوليه
126

ما يختار من السلع أو نحو ذلك فهذه شروط فاسدة لأنها تفوت المقصود من المضاربة وهو الربح أو
تمنع الفسخ الجائز بحكم الأصل.
(القسم الثاني) ما يعود بجهالة الربح مثل ان شرط للمضارب جزءا من الربح مجهولا أو ربح أخد
الكيسين أو أحد الألفين أو أحد العبدين أو أحد السفرتين أو ما يريج في هذا الشهر أو ان حق
أحدهما في عبد يشتريه أو يشرط لأحدهما دراهم معلومة بجميع حقه أو ببعضه فهذه شروط فاسدة
لأنها تفضي إلى جهل حق كل واحد منهما من الربح أو إلى فواته بالكلية ومن شرط المضاربة
والشركة كون الربح معلوما.
(القسم الثالث) اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه مثل ان يشترط على المضارب المضاربة
له في مال آخر أو يأخذه بضاعة أو قرضا أو أن يخدمه في شئ بعينه أو يرتفق ببعض السلع مثل ان يلبس
الثوب أو يستخدم العبد أو يشرط على المضارب ضمان المال أو سهما من الوضيعة أو انه متى باع السلعة
فهو أحق بها بالثمن أو شرط المضارب على رب المال شيئا من ذلك، فهذه كلها شروط فاسدة وقد ذكرنا
بعضها في غير هذا الموضع معللا، ومتى اشترط شرطا فاسدا يعود بجهالة الربح فسدت المضاربة والشركة
لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه فأسد العقد كما لو جعل رأس المال خمرا أو خنزيرا ولان
لجهالة تمنع من التسليم فيفضي إلى التنازع والاختلاف ولا يعلم ما يدفعه إلى المضارب، وما عدا هذا من
الشروط الفاسدة فالمنصوص عن أحمد في أظهر الروايتين عته ان العقد صحيح ذكره عنه الأثرم وغيره ولأنه
127

عقد يصح على مجهول فل تبطله الشروط الفاسدة كالنكاح والعتاق، وفيه رواية أخرى أن العقد يبطل
ذكرها القاضي وأبو الخطاب لأنه شرط فاسد فأبطل العقد كالمزارعة إذا شرط البذر من العامل وكالشروط
الفاسدة في البيع، ودليل فساد هذه الشروط انها ليست من مصلحة العقد ولا يقتضيها العقد فإن مقصوده
الربح فكيف يقتضي الضمان ولا يقتضي مدة معينة؟ لأنه جائز
(مسألة) (وإذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين)
لأن التصرف صحيح لكونه باذن رب المال والوضيعة عليه لأن كل عقد لا ضمان في صحيحه
لا ضمان في فاسده ويقسم الربح على قدر المالين لأنه نماء المال ويرجع كل واحد منهما على الآخر
بأجرة عمله يسقط منها أجرة عمله في ماله ويرجع على الآخر بقدر ما بقي له فإن تساويا مالاهما وعملهما
فقاص الدينان واقتسما الربح نصفين وان فضل أحدهما صاحبه يقاص دين القليل بمثله ويرجع على الآخر
بالفضل والوجه الثاني ذكر الشريف أبو جعفر انهما يقتسمان الربح على ما شرطاه لأنه عقد يجوز أن يكون
عوضه مجهولا فوجب المسمى في فاسده كالنكاح
(فصل) والشركة من العقود الجائزة تبطل بموت أحد الشريكين وجنونه والحجر عليه للسفه
بالفسخ من أحدهما لأنه عقد جائز فبطل بذلك كالوكالة وان عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول فلم
يكن له أن يتصرف الا في قدر نصيبه، وللعازل التصرف في الجميع لأن المعزول لم يرجع عن اذنه
128

هذا إذا نض المال وإن كان عرضا فذكر القاضي ان ظاهر كلام أحمد أنه لا ينعزل بالعزل وله التصرف
حتى ينض المال كالمضارب إذا عزله رب المال، وينبغي أن يكون له التصرف بالبيع دون المعاوضة بسلعة
أخرى أو التصرف بغير ما ينض به المال، وذكر أبو الخطاب انه ينعزل مطلقا وهو مذهب الشافعي
قياسا على الوكالة، فعلى هذا ان اتفقا على البيع أو القسمة فعلا وإن طلب أحدهما القسمة والآخر البيع
قسم ولم يبع، فإن قيل أليس إذا فسخ رب المال المضاربة فطلب العامل البيع أجيب إليه؟ فالجواب أن
حق العامل في الربح ولا يظهر الا بالبيع فاستحقه العامل لو قوف حصول حقه عليه، وفي مسئلتنا ما
يحصل من الربح يستدركه كل واحد منهما في نصيبه من المتاع فلم يجبر عى البيع، قال شيخنا وهذا إنما يصح
إذا كان الربح على قدر المالين أما إذا زاد ربح أحدهما عن ماله فإنه لا يستدرك ربحه بالقسمة
فيتعين البيع كالمضاربة.
(فصل) إذا مات أحد الشريكين وله وارث رشيد فله ان يقيم على الشركة ويأذن له الشريك
في التصرف لأن هذا إتمام للشركة وليس بابتدائها فلا يعتبر شروطها، وله المطالبة بالقسمة فإن كان
موليا عليه قام وليه مقامه في ذلك الا انه لا يفعل الا ما فيه المصلحة للمولي عليه، فإن كان الميت قد
وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين فالموصى له كالوارث فيما ذكرنا وان وصى به لغير معين كالفقراء لم
يجز للوصي الاذن في التصرف لأنه قد وجب دفعه إليهم فيعزل نصيبه ويفرقه عليهم فإن كان على الميت
دين تعلق بتركته فليس للوارث امضاء الشركة حتى يقضي دينه فإن قضاه من غير مال الشركة فله الاتمام
وان قضاه منه بطلت الشركة في قدر ما قضى.
129

(فصل) قال رضي الله عنه (الثاني المضاربة وهي أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما)
فأهل العراق يسمونه مضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر فيها للتجارة قال الله تعالى
(وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) ويحتمل أن يكون من ضرب كل واحد منهما
بسهم في الربح ويسميه أهل الحجاز القراض، قيل هو مشتق من القطع يقال قرض الفأر الثوب إذا
قطعه فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له قطعة من الربح، وقيل
اشتقاقه من المساواة والموازنة يقال تقارض الشاعران إذا وازن كل واحد منهما الآخر بشعره وههنا
من العامل العمل ومن الآخر المال فتوازنا، وينعقد بلفظ المضاربة والقراض وبكل ما يؤدي معناهما
لأن القصد المعنى فجاز بكل ما دل عليه كالوكالة وهي مجمع على جوازها في الجملة. وذكره ابن المنذر
روي وعن حميد بن عبد الله عن أبيه عن جده ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطاه مال يتيم مضاربة
يعمل به في العراق، وروي مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه ان عبد الله وعبيد الله أبي عمر بن الخطاب
خرجا في حيش إلى العراق فتسلفا من أبي موسى مالا وابتاعا به متاعا وقد ما به إلى المدينة فباعاه
وربحا فيه فأراد عمر اخذ رأس المال والربح كله فقالا لو تلف كان ضامنه علينا فلم يكون ربحه لنا؟
فقال رجل يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا؟ قال قد جعلته وأخذ منهما نصف الربح، وهذا يدل على
جواز القراض وعن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن عثمان قارضه وعن قتادة
130

عن الحسن أن عليا قال إذا خالف المضارب فلا ضمان هما على ما شرطا وعن ابن مسعود وحكيم بن
حزام انهما قارضا ولم يعرف لهم في الصحابة مخالف فكان اجماعا ولان بالناس حاجة إلى المضاربة
فإن الدراهم الدنانير لا تنمي الا بالتقليب والتجارة وليس كل من يملكها يحسن التجارة ولا كل من يحسن
التجارة له مال فاحتيج إليها من الجانبين فشرعت لدفع الحاجتين
(فصل) ومن شرط صحتها تقدير نصيب العامل لأنه يستحقه بالشرط فلم يقدر الا به، فلو قال خذ
هذا المال مضاربه ولم يذكر سهم العامل فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللعامل أجر مثله نص
عليه احمد وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقال الحسن وابن سيرين
والأوزاعي الربح بينهما نصفين كما لو قال والربح بيننا فإنه يكون بينهما نصفين كذا هذا، ولنا أن المضارب
إنما يستحق بالشرط ولم يوجد وقوله مضاربة اقتضى ان له جزءا من الرب مجهولا فلم تصح
المضاربة كما لو قال ولك جزء من الربح، فاما إذا قال الربح بيننا فإن المضاربة تصح وتكون بينهما نصفين
لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة فلم يترجح أحدهما على الآخر فاقتضى التسوية كما لو قال هذه الدار بيني وبينك
(مسألة) (فإن قال خذه فاتجر به والربح كله لي فهو ابضاع) لأنه قرن به حكم الابضاع فانصرف إليه
(مسألة) (وان قال والربح كله لك فهو قرض) لا قراض لأن قوله خذه فاتجر به يصلح لهما
131

وقد قرن به حكم القرض فانصرف إليه وان قال مع ذلك فلا ضمان عليك فهو قرض شرط فيه نفي
الضمان فلا ينتفي شرطه كما لو صرح به فقال خذ هذا قرضا ولا ضمان عليك
(مسألة) (وان قال خذه مضاربة والربح كله لك أولي لم يصح)
وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قال والربح كله لي كان إبضاعا صحيحا لأنه أثبت له حكم
الابضاع فانصرف إليه كما لو قال أتجر به الربح كله لي، وقال مالك يكون مضاربة صحيحة في الصورتين
لأنهما دخلا في القراض فإذا شرطه لا حدهما فكأنه وهب الآخر نصيبه فلم يمنع صحة العقد
ولنا ان المضاربة تقتضي كون الربح بينهما فإذا شرط اختصاص أحدهما الربح فقد شرط ما ينافي
مقتضى العقد ففسد كما لو شرط الربح كله في شركة العنان لأحدهما، ويفارق ما إذا لم يقل مضاربة لأن
اللفظ يصلح لما أثبت حكمه من الابضاع والقرض بخلاف ما إذا صرح بالمضاربة وما ذكره مالك لا يصح
لأن الهبة لا تصح قبل وجود الموهوب
(مسألة) (ولو قال لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال) إذا قدر نصيب العامل فقال لك ثلث
الربح أو ربعه أو جزء معلوم صح والباقي لرب المال لأنه يستحق الربح بماله لكونه نماؤه وفرعه
والعامل يأخذ بالشرط فما له استحقه وما بقي فلرب المال بحكم الأصل
(مسألة) (وان قال ولي ثلث الربح ولم يذكر نصيب العامل ففيه وجهان)
132

أحدهما لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولم يشرط له شئ فتكون المضاربة (فاسدة) والثاني يصح
ويكون الباقي للعامل وهو قول أبي ثور وأصحاب الرأي لأن الربح لا يستحقه غيرهما فإذا قدر نصيب
أحدهما منه فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ كما علم ذلك من قوله تعالى (وورثه أبواه فلأمه الثلث) ولم يذكر
نصيب الأب فعلم أن الباقي له لأنه لو قال أوصيت بهذه المائة لزيد وعمرو ونصيب زيد منها ثلاثون
كان الباقي لعمر وكذا ههنا وهي أصح
(فصل) فإن قال لي النصف ولك الثلث وسكت عن الباقي صح وكان لرب المال لأنه لو سكت عن
جميع الباقي بعد جزء العامل كان لرب المال فكذا إذا ذكر البعض وترك البعض، وان قال خذه
مضاربة على الثلث أو قال بالثلث صح وكان تقدير النصيب للعامل لأن الشرط يراد لأجله لأن رب
المال يستحق بماله لا بالشرط والعامل يستحق بالعمل وهو يقل ويكثر وإنما تتقدر حصته بالشرط
فكان الشرط له وهو مذهب الشافعي
(مسألة) (وان اختلفا في الجزء المشروط فهو للعامل قليلا كان أو كثيرا) لما ذكرنا واليمين على
مدعيه لأنه يحتمل خلاف ما قاله فيجب اليمين لنفي الاحتمال كما يجب على المنكر لنفي ما يدعيه المدعي
(فصل) وان قال خذه مضاربة ولك ثلث الربح وثلث ما بقي صح وله خمسة أسباع الربح لأن
133

هذا معناه وان قال لك ثلث الربح وربع وما بقي فله النصف وان قال لك ربع الربح وربع ما بقي فله
ثلاثة أثمان ونصف ثمن، وسواء عرفا الحساب أو جهلاه لأن ذلك أجزاء معلومة مقدرة أشبه ما لو شرط
الخمسين ومذهب الشافعي في هذا الفعل كمذهبنا
(فصل) ويجوز أن يدفع مالا إلى اثنين مضاربة في عقد واحد فإن شرط لهما جزءا من الربح
بينهما نصفين صح وان قال لك كذا وكذا من الربح ولم يبين كيف هو بينهما فهو بينهما نصفان لأن
اطلاق قوله لكما يقتضي التسوية كما لو قال لعامله الربح بيننا، وان شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر
ربعه والباقي له جاز وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا يجوز لأنهما في العمل بأبدانهما فلم
يجز تفاضلهما في الربح كشريكي الأبدان
ولنا ان عقد الواحد مع الاثنين عقدان فجاز ان يشترط في أحدهما أكثر من الآخر كما لو انفردا
ولأنهما يستحقان بالعمل وهما يتفاضلان فجاز تفاضلهما في العوض كالأجيرين، وشركة الا بدان كمسئلتنا
لا يجب التساوي فيها ثم الفرق بينهما ان ذاك عقد واحد وهذا عقدان
(فصل) وان قارض اثنان واحدا بألف لهما جاز فإن شرطا له ربحا متساويا منها جاز وكذلك ان
بشرط أحدهما له النصف والآخر الثلث ويكون باقي ربح مال كل واحد منهما له، وان شرطا كون
الباقي من الربح بينهما نصفين لم يجز وهذا مذهب الشافعي وكلام القاضي يقتضي جوازه وحكي عن
أبي حنيفة وأبى ثور
134

ولنا أن أحدهما يحصل له من ربح ماله النصف والآخر الثلثان فإذا شرط التساوي فقد شرط
أحدهما للآخر جزءا من ربح ماله بغير عمل فلم يجز كما لو شرط ربح ماله المنفرد
(فصل) إذا شرطا جزءا من الربح لغير العامل نظرت فإن شرطاه لعبد أحدهما أو لعبد يهما
صح وكان مشروطا لسيده فإذا جعالا الربح بينهما وبين عبد أحدهما أثلاثا كان لصاحب العبد
الثلثان وللآخر الثلث وان شرطاه لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه وشرطا عليه عملا مع
العامل صح وكانا عاملين وان لم يشرطا عليه عملا لم تصح المضاربة وبه قال الشافعي، وحكي عن
أصحاب الرأي انه يصح، والجزء المشروط له لرب المال سواء شرط لقريب العامل أو قريب رب المال
أو لأجنبي لأن العامل لا يستحق الا ما يشترط له ورب المال يستحق الربح بحكم الأصل والأجنبي لا
يستحق شيئا لأن الربح إنما يستحق بمال أو عمل وليس له واحد منهما وما شرط لا يستحقه فرجع
إلى رب المال كما لو ترك ذكره
ولنا أنه شرط فاسد يعود إلى الربح فسد به العقد كما لو شرط دارهم معلومة وان قال لك الثلثان
على أن تعطي امرأتك نصفه فكذلك لأنه شرط في الربح شرطا لا يلزم فكان فاسدا والحكم
في الشركة كالحكم في المضاربة فيما ذكرنا
135

(فصل) وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يعله وفيما يلزمه فعله وفي الشروط
كلما جاز للشريك عمله جاز للمضارب وما منع منه المضارب وما اختلف فيه ثم فههنا مثله، وما جاز أن
يكون رأس مال الشركة جاز أن يكون رأس مال المضاربة مالا يجوز ثم لا يجوز ههنا على ما فصلناه لأنها في معناها
(مسألة) (وإذا فسدت فالربح لرب المال وللعامل الأجرة وعنه له الأقل من الأجرة أو
ما شرط له من الربح) الكلام في المضاربة الفاسدة في فصول ثلاثة (أحدها) أنه إذا تصرف العامل نفذ
تصرفه لأنه إذ فيه رب المال فإذا بطل عقد المضاربة بقي الاذن فملك به التصرف كالوكيل، فإن قيل
فلو اشترى الرجل شراء فاسدا ثم تصرف فيه لم ينفذ مع أن البائع قد اذن له في التصرف؟ قلنا لأن
المشتري يتصرف من جهة الملك لا بالاذن فإن اذن البائع كان على أنه ملك المأذون له فإذا لم يملك
لم يصح وههنا اذن له رب المال في التصرف في ملك نفسه وما شرط من الشرط الفاسد فليس
بمشروط في مقابلة الاذن لأنه اذن له في تصرف ما يقع له
(الفصل الثاني) ان الربح جميعه لرب المال لأنه نماء ماله وإنما يستحق العامل بالشرط فإذا فسدت
المضاربة فسد الشرط فلم يستحق به شيئا ولكن له أجر مثله نص عليه وهو مذهب الشافعي
واختار الشريف أبو جعفر ان الربح بينهما على ما شرط له واحتج بما روي عن أحمد أنه قال إذا اشتركا
قي العروض قسم الربح على ما شرطا قال وهذه شركة فاسدة واحتج بأنه عقد يصح مع الجهالة
136

فيثبت المسمى في فاسده كالنكاح قال والأجر له وجعل أحكامها كأحكام الصحيحة وقد ذكرنا ذلك
قال القاضي أبو يعلى والمذهب ما حكينا وكلام احمد محمول على أنه صحح الشركة بالعروض، وحكي
عن مالك انه يرجع إلى قراض المثل وحكي عنه إن لم يربح فلا اجر له، ومقتضى هذا أنه ان ربح فله
الأقل مما شرط له أو اجر مثله وعن أحمد مثل ذلك لأن الأجرة ان كانت أكثر فقد رضي باسقاط الزائد
منها عن المسمى لرضائه به وان كانت أقل لم يستحق أكثر منها لفساد التسمية بفساد العقد لأنه لو
استحق اجر المثل لتوسل إلى فساد العقد وادى إلى الخسران والمشهور الأول لأن تسمية الربح من
توابع المضاربة أو ركن من أركانها فإذا فسدت فسدت أركانها وتوابعها كالصلاة، ونمنع وجوب
المسمى في النكاح الفاسد وإذا لم يجب له المسمى وجب اجر المثل لأنه إنما عمل ليأخذ المسمى فإذا
لم يحصل له وجب رد عمله إليه وهو متعذر فتجب قيمته وهي اجر مثله كما لو تبايعا فاسدا و تقابضا وتلف
أحد العوضين في يد قابضه وجب رد بدله، فعلى هذا له أجر المثل سواء ظهر في المال ربح أو لم يظهر فإن
رضي المضارب بالعمل بغير عوض مثل ان يقول قارضتك والربح كله لي فالصحيح أنه لا شئ
للمضارب ههنا لأنه تبعر بعمله أشبه ما لو أعانه في شئ أو توكل له بغير جعل أو اخذ له بضاعة
(الفصل الثالث) ان لا يضمن ما تلف بغير تعديه وتفريطه لأن ما كان المقبوض في صحيحه
137

مضمونا كان مضمونا في فاسده وما لم يضمن في صحيحه لم يضمن في فاسده، وبهذا قال الشافعي
وقال أبو يوسف ومحمد يضمن ولنا أنه عقد لا يضمن ما قبضه في صحيحه فلا يضمن في فاسده كالوكالة
ولأنها إذا فسدت صارت إجارة ولا يضمن الأجير ما تلف بغير فعله ولا تعديه كذلك ههنا
(مسألة) (وإن شرطا تأقيت المضاربة فهل تفسد ء على روايتين)
وتأقيتها ان يقول ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا مضت السنة فلا تبع ولا تشتر (إحداهما)
يصح قال منها سألت أحمد عن رجل أعطى رجلا ألفا مضاربة شهرا فإذا مضى شهر تكون قرضا قال
لا بأس به قلت فإذا جاء الشهر وهي متاع قال إذا باع المتاع يكون قرضا وهذا قول أبي حنيفة (والثانية)
لا يصح وهو قول الشافعي ومالك واختيار أبي حفص العكبري لأمور ثلاثة (أحدها) أنه عقد يقع
مطلقا فإذا شرط قطعه لم يصح كالنكاح (الثاني) أنه ليس من مقتضى العقد ولا فيه له مصلحه أشبه
إذا شرط ان لا يبيع، وبيان أنه ليس من مقتضى العقد أنه يقتضي أن يكون رأس المال ناضا فإذا منعه
البيع لم ينض (الثالث) أن هذا يؤدي إلى ضرر بالعامل لأنه قد يكون الربح والخط في تبقية المتاع وبيعه
بعد السنة فيمتنع ذلك بمضيها
ولنا أنه تصرف يتوقت بنوع والمتاع فجاز توقيته في الزمان كالوكالة والمعني الأول الذي ذكره
138

يبطل بالوكالة والوديعة والثاني والثالث يبطل. بتخصيصه بنوع من المتاع ولان لرب المال منعه من التصرف
في كل وقت إذا رضي ان يأخذ بماله عرضا فإذا شرط ذلك فقد شرط ما هو من مقتضى العقد فصح كما
لو قال إذا انقضت السنة فلا تشتر شيئا وقد سلموا صحة ذلك
(مسألة) (وان قال بع هذا العرض وضارب بثمنه أو اقبض وديعتي وضارب بها أو إذا قدم
الحاج فضارب بهذا صح في قولهم جميعا ويكون وكيلا في بيع العرض وقبض الوديعة مأذونا له في
التصرف مؤتمنا عليه فجاز جعله مضاربة كما لو قال اقبض المال من غلامي فضارب به، وأما إذا قال إذا قدم
الحاج فضارب بهذا صح) لأنه اذن في التصرف فجاز تعليقه على شرط مستقبل كالوكالة
(فصل) فإن كان في يد انسان وديعة فقاله له رب الوديعة ضارب بها صح وهذا قول الشافعي
وأبي ثور وأصحاب الرأي وقال الحسن لا يجوز حتى يقبضها منه قياسا على الدين
ولنا أن الوديعة ملك رب المال فجاز أن يضاربه عليها كما لو كانت حاضرة فقال قارضتك على هذه
الألف فارق الدين فإنه لا يصير ملكا للغريم الا بقبضه، فأما ان كانت الوديعة قد تلفت بتفريطه وصارت
في الذمة لم يجز ان يضارب عليها لما نذكره
139

(فصل) ولو كان له في يد غيره مال مغصوب فضارب الغاصب به صح لأنه مال لرب المال يصح
بيعه لغاصبه ولمن يقدر على أخذه منه فأشبه الوديعة فإذا ضارب به سقط ضمان الغصب لعقد المضاربة
وهو قول أبي حنيفة وقال القاضي لا يزول ضمان الغصب الا بدفعه ثمنا وهو مذهب الشافعي لأن القراض
لا ينافي الضمان بدليل ما لو تعدى فيه
ولنا انه ممسك للمال باذن مالك لا يختص بنفعه ولم يتعد فيه فأشبه ما لو قبضه وقبضه إياه
(مسألة) (وان قال ضارب بالدين الذي عليك لم يصح) نص عليه احمد وهو قول أكثر أهل العلم
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم انه لا يجوز ان يجعل الرجل دينا له على رجل
مضاربة وممن حفظنا ذلك عنه عطاء والحكم وحماد ومالك والثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي
وبه قال الشافعي، وقال بعض أصحابنا يحتمل ان يصح لأنه إذا اشترى شيئا للمضاربة فقد اشتراه باذن
رب المال ودفع الثمن إلى من اذن له في دفع ثمنه إليه فتبرأ ذمته منه ويصير كما لو دفع إليه عرضا وقال به
وضارب بثمنه وجعل أصحاب الشافعي مكان هذا الاحتمال ان الشراء لرب المال وللمضارب اجر مثله
140

لأنه علقه على شرط، ولا يصح عندهم تعليق القراض بشرط والمذهب الأول لأن المال الذي في يدي من
عليه الذين له وإنما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد القبض ههنا، فإن قال له اعزل المال الذي لي عليك وقد
قارضتك عليه ففعل واشترى بعين ذلك المال شيئا للمضاربة وقع الشراء له لأنه اشترى لغيره بمال نفسه
فحصل الشراء له وان اشترى في ذمته فكذلك لأنه عقد القراض على مالا يملكه وعلقه على شرط
لا يملك به المال
(فصل) ومن شرط صحة المضاربة كون رأس المال معلوم المقدار فإن كان مجهولا أو جزافا لم تصح
وان شاهدا وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي تصح إذا شاهداه والقول قول العامل
مع يمينه في قدره لأنه امين رب المال والقول قوله فيما في يده فقام ذلك مقام المعرفة به
ولنا أنه مجهول فلم تصح المضاربة به كما لو لم يشاهداه ولأنه لا يدري بكم يرجع عند المفاضلة ويقضي
إلى المنازعة والاختلاف في مقداره فلم تصح كما لو كان في الكيس وما ذكروه يبطل بالسلم وبما
إذا لم يشاهده
(فصل) ولو أحضر كيسين في كل واحد منهما مال معلوم المقدار وقال قارضتك على أحدهما
لم يصح سواء تساوى ما فيهما أو اختلف لأنه عقد تمنع صحته الجهالة فلم يجز على غير معين كالبيع
(مسألة) (وان أخرج مالا ليعمل فيه هو وآخر والربح بينهما صح) ذكره الخرقي ونص عليه
احمد في رواية أبي الحارث وتكون مضاربة لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح
141

بعمله في مال غيره وهذا حقيقة المضاربة، وقال أبو عبد الله بن حامد والقاضي وأبو الخطاب إذا شرط
أن يعمل معه رب المال لم يصح وهذا مذهب مالك والشافعي والأوزاعي وأصحاب الرأي وأبي ثور
وابن المنذر قال: ولا تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل ويخلي بينه وبينه لأن المضاربة تقتضي
تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل فيه فلم يسلمه فيخالف موضوعها وتأول القاضي كلام احمد
والخرقي على أن رب المال عمل فيه من غير اشتراط والأول أظهر لأن العمل أحد ركني المضاربة فجاز
أن ينفرد به أحدهما مع وجود الامرين من الآخر كالمال وقولهم ان المضاربة تقتضي تسليم المال إلى
العامل ممنوع إنما تقتضي اطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه وهذا حاصل مع اشتراكهما
في العمل ولهذا لو دفع ماله إلى اثنين مضاربة صح ولم يصحل تسليمه إلى أحدهما
(فصل) وان شرط أن يعمل معه غلام رب المال صح وهذا ظاهر كلام الشافعي وقول أكثر
أصحابه ومنعه وبعضهم وهو قول القاضي لأن يد الغلام كيد سيده وقال أبو الخطاب فيه وجهان أحدهما
الجواز لأن عمل الغلام مال ليسده فصح ضمه إليه كما يصح ان يضم إليه بهيمته يحمل عليها والثاني لا
يجوز لأن يد العبد كيد سيده
(فصل) وان اشترك مالان ببدن صاحب أحدهما فهذا يجمع شركة ومضاربة وهو صحيح، فلو
كان بين رجلين ثلاثة ألاف درهم لأحدهما الف وللآخر الفان فاذن صاحب الألفين لصاحب الألف
142

أن يتصرف فيه على أن يكون الربح يبنهما نصفين صح ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحق
ماله والباقي وهو ثلثا الربح بينهما لصاحب الألفين ثلاثة أرباعها وللعامل ربعه وذلك لأنه جعل
له نصف الربح فجعلناه ستة أسهم منها ثلاثة للعامل حصة ماله سهمان وسهم يستحقه بعمله في مال
شريكه، وحصة مال شريكه أربعة أسهم للعامل سهم وهو الربع، فإن قيل فكيف تجوز المضاربة ورأس
المال مشاع قلنا إنما تمنع الإشاعة الجواز إذا كانت مع غير العامل لأنها تمنعه من التصرف بخلاف ما إذا
كانت مع العامل فإنها لا تمنعه من التصرف فلا تمنع صحة المضاربة وان شرط للعامل ثلث الربح
فقط فمال صاحبه بضاعة في يده وليست مضاربة لأن المضاربة إنما تحصل إذا كان الربح بينهما فاما إذا
قال ربح مالك لك وربح مالي لي فقبل الآخر كان إبضاعا لا غير وبهذا كله قال الشافعي وقال مالك
لا يجوز ان يضم إلى القراض شركة كما لا يجوز ان يضم إليه عقد إجارة. ولنا انهما لم يجعلا أحد العقد ين
شرطا للآخر فلم يمنع من جمعهما كما لو كان المال متميزا
(فصل) إذا دفع إليه ألفا مضاربة وقال أضف إليه ألفا من عندك واتجر بهما والربح بيننا لك
ثلثاه ولي ثلثه جاز وكان شركة وقراضا وقال أصحاب الشافعي لا يجوز لأن الشركة إذا وقعت على
المال كان الربح تابعا له دون العمل
ولنا أنهما تساويا في المال وانفرد أحدهما بالعمل فجاز أن ينفرد بزيادة الربح كما لو لم يكن له
143

مال قولهم ان الربح تابع للمال وحده ممنوع بل تابع لهما كما أنه حاصل بهما فإن شرط غير العامل لنفسه
ثلثي الربح لم يجز، وقال القاضي يجوز بناء على جواز تفاضلهما في شركة العنان
ولنا أنه شرط لنفسه جزء من الربح لا مقابل له فلم يصح كما لو شرط ربح مال العامل المنفرد، وفارق
شركة العنان لأن فيها عملا منهما فجاز أن يتفاضلا في الربح لتفاضلهما في العمل بخلاف مسئلتنا
وان جعلا الربح بينهما نصفين ولم يقولا مضاربة جاز وكان ابضاعا كما تقدم وان قالا مضاربة
فسد العقد لما ذكرنا
(فصل) وقد ذكرنا ان حكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل ان يفعله أو لا يفعله والذي اختلف
فيه في حق الشريك فكذلك في حق عامل المضاربة وهل له أن يبيع نساء إذا لم ينه عنه؟ فيه روايتان إحداهما)
ليس له ذلك وبه قال مالك وابن أبي ليلى والشافعي لأنه نائب في البيع فلم يجز له ذلك بغير إذن
كالوكيل، يحقق ذلك أن النائب لا يجوز له التصرف الا على وجه الحظ والاحتياط وفي النسيئة تغرير
بالمال والثانية يجوز له ذلك وهو قول أبي حنيفة واختيار ابن عقيل لأن اذنه في التجارة والمضاربة
ينصرف إلى التجارة والمعتادة وهذا عادة التجار ولأنه يقصد به الربح والربح في النساء أكثر والحكم
في الوكالة ممنوع، ثم الفرق بين الوكالة المطلقة والمضاربة ان الوكالة المقصود منها تحصيل الثمن فحسب
ولا تختص بقصد الربح فإذا أمكن تحصيله من غير خطر كان أولى ولان الوكالة المطلقة في البيع
144

تدل على أن حاجة الموكل إلى الثمن ناجزة فلم يجز تأخيره بخلاف المضاربة، فإن قال له اعمل برأيك
أو تصرف كيف شئت فله البيع نساء وقال الشافعي ليس له ذلك لأن فيه تغريرا أشبه ما لو لم يقل له ذلك
ولنا أنه داخل في عموم لفظه وقرينة حاله تدل على رضاه برأيه في صفات البيع وفي أنواع
التجارة وهذا منها فإذا قلنا له البيع نساء فالبيع صحيح ومنهما فات من الثمن لا يضمنه الا أن يفرط
ببيع من لا يوثق به أو من لا يعرفه فيضمن الثمن المنكسر على المشتري وان قلنا ليس له البيع
نساء فالبيع باطل لأنه فعل ما لم يؤذن له فيه فهو كالبيع من الأجنبي إلا على الرواية التي تقول يقف
بيع الأجنبي على الإجارة فههنا مثله، ويحتمل كلام الخرقي صحة البيع فإنه قال إذا باع المضارب
نساء بغير إذن ضمن ولم يذكر فساد البيع وعلى كل حال يلزم العامل الضمان لأن ذهاب الثمن حصل
بتفريطه وان قلنا بفساد البيع ضمن المبيع بقيمته إذا تعذر عليه استرجاعه بتلف المبيع أو امتناع
المشتري من رده إليه وان قلنا بصحته احتمل أن يضمنه بقيمته أيضا لأنه لم يفت بالبيع أكثر منها
ولا ينحفظ بتركه سواها وزيادة الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها واحتمل ان يضمن الثمن لأنه
وجب البيع وفات بتفريط البائع، فعلى هذا ان نقص عن القيمة فقد انتقل الوجوب إليه بدليل
أنه لو حصل الثمن لم يضمن شيئا
145

(فصل) وهل له السفر بالمال؟ فيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك وهو مذهب الشافعي لأن في
السفر تغريرا بالمال وخطرا ولهذا يروى: ان المسافر وما معه على قلت الا ما وقى الله. أي هلاك ولا
يجوز له التعزير بالمال بغير إذن مالكه (والثاني) له السفر إذا لم يكن مخوفا قال القاضي قياس المذهب
جوازه بناء على السفر بالوديعة وهو قول مالك وحكي عن أبي حنيفة لأن الاذن المطلق ينصرف إلى
ما جرت به العادة والعادة جارية بالتجارة سفرا أو حضرا ولان المضاربة مشتقة من الضرب في
الأرض فملك ذلك بمطلقها وهذان الوجهان في المطلق، فاما ان أذن فيه أو نهى عنه أو وجدت قرينة
دالة على أحد الامرين تعين ذلك وجاز مع الاذن وحرم مع النبي، وليس له السفر في موضع مخوف
على كلا الوجهين وكذلك لو أذن له في السفر مطلقا لم يكن له السفر في طريق مخوف ولا إلى بلد
مخوف فإن فعل فهو ضامن لما يتلف لأنه تعدى بفعل ما ليس له فعله
(فصل) وليس للمضارب البيع بدون ثمن المثل ولا ان يشتري بأكثر منه مما لا يتغابن الناس
بمثله فإن فعل فقد روي عن أحمد أن البيع يصح ويضمن النقص كالوكيل ولان الضرر ينجبر بضمان
النقص، قال شيخنا والقياس بطلان البيع وهو مذهب الشافعي لأنه بيع لم يؤذن فيه أشبه بيع
الأجنبي، فعلى هذا ان تعذر رد المبيع ضمن النقص أيضا وان أمكن رده وجب إن كان باقيا أو
146

قيمته ان تلف ولرب المال مطالبة من شاء من العامل والمشتري فإن أخذ من المشتري قيمته رجع
المشتري على العامل بالثمن وان رجع على العامل بقيمته رجع العامل على المشتري بها ورد عليه الثمن
لأن التف حصل في يده اما ما يتغابن الناس بمثله فلا يمنع منه لأنه لا يمكن التحرز منه وأما إذا
اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين المال فهو كالبيع وان اشترى في الذمة لزم العامل دون رب المال
الا أن يجيزه فيكون له هذا ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي ان أطلق الشراء ولم يذكر رب المال فكذلك
وإن صرح للبائع اني اشتريه لفلان فالبيع باطل أيضا
(فصل) وهل له ان يبيع ويشتري بغير نفد البلد؟ على روايتين أصحهما جوازه اذار أي المصلحة
فيه والربح حاصل به كما يجوز ان يبيع عرضا بعرض ويشتريه به فإن قلنا لا يملك ذلك ففعل
فحكمه حكم ما لو اشترى أو باع بغير ثمن المثل، وان قال اعمل برأيك فله ذلك وهل له المزارعة
يحتمل ان لا يملكها لأن المضاربة لا يفهم من اطلاقها المزارعة وقد روي عن أحمد رحمه الله فيمن دفع
إلى رجل ألفا وقال أتجر فيها بما شئت فزرع زرعا فربح فيه فالمضاربة جائزة والربح بينهما قال
القاضي ظاهر هذا ان قوله أتجر بما شئت دخلت فيه المزارعة لأنها من الوجوه التي يبتغى بها النماء
فعلى هذا لو توى المال في المزارعة لم يلزمه ضمانه
147

(فصل) وله ان يشتري المعيب إذا رأى المصلحة فيه لأن المقصود الربح وقد يكون الربح في
المعيب فإن اشتراه يظنه سليمان فبان معيبا فله فعل ما يرى فيه المصلحة من رده أو إمساكه وأخذ الأرش
فإن اختف العامل ورب المال في الرد فطلبه أحدهما وأباه الآخر فعل ما فيه النظر والخط لأن
المقصود تحصيله فيحمل الامر على ما فيه الحظ، وأما الشريكان إذا اختلفا في رد المعيب فلطالب الرد
رد نصيبه وللآخر إمساك نصيبه الا أن لا يعلم البائع ان الشراء لهما فلا يلزمه قبول رد بعضه لأن
ظاهر الحال ان العقد لمن وليه فلم يجز إدخال الضرر على البائع بتبعيض الصفقة عليه، ولو أراد الذي ولي
العقد رد بعض المبيع وإمساك البعض فإن حمه حكم ما لو أراد شريكه ذلك على ما فصلناه
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال) لأن فيه ضررا
ولأنه لاحظ للتجارة فيه فإن اشتراه باذن رب المال صح لأنه صح شراؤه بنفسه فإذا أذن لغيره فيه
جاز ويعتق عليه وتنفسخ المضاربة في قدر ثمنه، وإن كان في المال ربح رجع العامل بحصته منه فإن كان
بغير إذن رب المال احتمل أن لا يصح الشراء إذا كان الثمن عينا لأن العامل اشترى ما ليس له ان يشتريه
فهو كما لو اشترى شيئا بأكثر من ثمنه ولان الاذن في المضاربة إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه والربح
فيه وليس هذا كذلك، وإن كان اشتراه في الذمة وقع الشراء للعاقد وليس له دفع الثمن مال
المضاربة فإن فعل ضمن وهذا قول الشافعي وأكثر الفقهاء، وقال القاضي ظاهر كلام أحمد صحة الشراء
148

لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراؤه كما لو اشترى من نذر رب المال عتقه ويعتق على رب المال
وتنفسخ المضاربة فيه ويلزم العامل الضمان على ظاهر كلام أحمد علم بذلك أو جهل لأن مال المضاربة
تلف بسببه، ولا فرق في الاتلاف الموجب للضمان بين العلم والجهل ويضمن قيمته في أحد الوجهين
لأن الملك ثبت فيه ثم تلف أشبه ما لو أتلفه بفعله والثاني يضمن الثمن الذي اشتراه به لأن التفريط منه حصل
بالشراء وبذل الثمن فيما يتلف بالشراء فكان عليه ضمان ما فرط فيه ومتى ظهر في المال ربح فللعامل حصته منه
وقال أبو بكر ان لم يعلم العامل أنه يعتق على رب المال لم يضمن لأن التلف حصل لمعنى في المبيع
لم يعلم به فلم يضمن كما لو اشترى معيبا لم يعلم عيبه فتلف به قال ويتوجه أن لا يضمن وإن علم
(مسألة) (وإن اشترى امرأته صح وانفسخ نكاحهما)
لأنه ملكها فإن كان قبل الدخول فهل يلزم الزوج نصف الصداق؟ فيه وجهان يذكران فيما
بعد إن شاء الله تعالى، فإن قلنا يلزمه رجع به على العامل لأنه سبب تقريره عليه فرجع عليه كما لو
أفسدت امرأة نكاحه بالرضاع، وإن اشترى زوج ربة المال صح وانفسخ النكاح لأنها ملكت زوجها.
وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا يصح الشراء إلا أن يكون باذنها لأن الاذن إنما يتناول شراء
مالها فيه حظ وهذا الشراء يضربها لأنه يفسخ نكاحها وتسقط حصتها من النفقة والكسوة فلم يصح كشراء أبيها
ولنا انه اشترى ما يمكن طلب الربح فيه فجاز كما لو اشترى أجنبيا ولا ضمان على العامل فيما
149

يفوت من المهر ويسقط من النفقة لأن ذلك لا يعود إلى المضاربة وإنما هو بسبب آخر ولا فرق بين
شرائه في الذمة أو بعين المال.
(فصل) وان اشترى المأذون له من يعتق على رب المال باذنه صح وعتق فإن كان على المأذون
له دين يستغرق قيمته وما في يديه وقلنا يتعلق الدين برقبته فعليه دفع قيمة العبد الذي عتق إلى الغرماء
لأنه الذي أتلف عليهم بالعتق وان نهاه عن الشراء فالشراء باطل لأنه يملكه بالاذن وقد زال بالنهي
وان أطلق الاذن فقال أبو الخطاب يصح شراؤه لأن من يصح أن يشتريه السيد صح شراء المأذون له
كالأجنبي وهذا قول أبي حنيفة إذا أذن له في التجارة ولم يدفع إليه مالا وقال القاضي لا يصح لأن
فيه اتلافا على السيد فإن إذنه يتناول ما فيه حظ فلا يدخل فيه الاتلاف، وفارق عامل المضاربة لأنه
يضمن القيمة فيزول الضرر وللشافعي قولان كالوجهين، وان اشترى امرأة رب المال أو زوج ربة المال
فهل يصح؟ على وجهين أيضا كشراء من يعتق بالشراء
(مسألة) (وان اشترى المضارب من يعتق عليه صح الشراء)
فإن لم يظهر في المال ربح لم يعتق منه شئ وان ظهر فيه ربح ففيه وجهان مبنيان على العامل متى يملك
الربح؟ فإن قلنا يملكه بالقسيمة لم يعتق منه شئ لأنه مالكه وان قلنا يملكه بالظهور ففيه وجهان:
(أحدهما) لا يعتق وهو قول أبى بكر لأنه لم يتم ملكه عليه لكون الربح وقاية لرأس المال فلم يعتق
150

لذلك (والثاني) يعتق بقدر حصته من الربح إن كان معسرا ويقوم عليه باقيه إن كان موسرا
لأنه ملكه بفعله فعتق عليه كما لو اشتراه بماله وهذا قول الفاضي ومذهب أصحاب أبي حنيفة لكن عندهم
يستسعى في بقيته إن كان معسرا ولنا رواية كقولهم وان اشتراه ولم يظهر ربح ثم ظهر بعد ذلك
والعبد باق في التجارة فهو كما لو كان الربح ظاهرا وقت الشراء وقال الشافعي إن اشتراه بعد ظهور الربح
لم يصح في أحد الوجهين لأنه يودي إلى أن ينجر العامل حقه قبل رب المال
ولنا انهما شريكان فصح شراء كل واحد منهما من يعتق عليه كشريكي العنان
(فصل) وليس للمضارب أن يشتري بأكثر من رأس المال لأن الاذن ما تناول أكثر منه فإذا
كان رأس المال ألفا فاشتري عبدا بألف ثم اشترى عبدا آخر بعين الألف فالشراء فاسد لأنه اشترى
بمال يستحق تسليمه في البيع الأول، وإن اشتراه في ذمته صح الشراء والعبد له لأنه اشترى في ذمته
لغيره بغير إذنه في شرائه فوقع له وهل يقف على إجازة رب المال؟ على روايتين ومذهب الشافعي كنحو ما ذكرنا
(فصل) وليس للمضارب وطئ أمة المضاربة سواء ظهر ربح أو لا فإن فعل فعليه المهر والتعزير
وان علقت منه ولم يظهر في المال ربح فولده رقيق لأنها علقت منه في غير ملك ولا شبهة ملك ولا
تصير أم ولد له لذلك وان ظهر في المال ربح فالولد حر وتصير أم ولد له وعليه قيمتها ونحو ذلك قال
سفيان وإسحاق وقال القاضي إن لم يظهر ريح فعليه الحد لأنه وطئ في غير ملك ولا شبهة ملك والمنصوص
151

عن أحمد أن عليه التعزير فقط لأن ظهور الربح ينبني على التقويم وهو غير متحقق لاحتمال أن السلع
تساوي أكثر مما قومت به فيكون ذلك شبهة في درء الحد فإنه يدرأ بالشبهات
(فصل) وليس لرب المال وطئ الأمة أيضا لأنه ينقصها إن كانت بكرا ويعرضها للخروج من
المضاربة والتلف فإن فعل فلا حد عليه لأنها ملكه فإن أحبلها صارت أم ولد له وولده حر لذلك
وتخرج من المضاربة وتحسب قيمتها ويضاف إليها بقية المال فإن كان فيه ربح فللعامل حصته منه وليس
لواحد منهما تزويج الأمة لأنه ينقصها ولا مكاتبة العبد لذلك وان اتفقا عليه جاز لأن الحق لهما
(فصل) وليس للمضارب دفع المال مضاربة بغير اذن نص عليه احمد في رواية الأثرم وحرب
وعبد الله، وخرج القاضي وجهين في جواز ذلك بناء على توكيل الوكيل ولا يصح هذا التخريج
والقياس لأنه إنما دفع إليه المال ههنا ليضارب به ودفعه إلى غيره مضاربة يخرجه عن كونه مضاربا له
بخلاف الوكيل ولان هذا يوجب في المال حقا لغيره ولا يجوز ايجاب حق في مال انسان بغير اذنه وبهذا
قال أبو حنيفة والشافعي ولا يعلم عن غير هم خلافهم فإن فعل فلم يتلف المال ولا ظهر فيه ربح رده إلى
مالكه ولا شئ له ولا عليه وإن تلف أو ربح فيه فقال الشريف أبو جعفر هو في الضمان والتصرف
كالغاصب ولرب المال مطالبة ومن شاء منهما برد المال إن كان باقيا وبرد بدله إن تلف أو تعذر رده
فإن طالب الأول وضمنه قيمة التلف ولم يكن الثاني علم الحال لم يرجع عليه بشئ لأنه دفعه إليه على
152

وجه الأمانة وإن علم رجع عليه لأنه قبض مال غيره على سبيل العدوان وقد تلف تحت يده فاستقر عليه
ضمانه وإن ضمن الثاني مع علمه بالحال لم يرجع على الأول وإن لم يعلم فكذلك في أحد الوجهين لأن
التلف حصل بيده فاستقر الضمان عليه، والثاني يرجع عليه لأنه غره أشبه المغرور بحرية أمة وان ربح
فالربح للمالك ولا شئ للمضارب الأول لأنه لم يوجد منه مال ولا عمل وهل للثاني اجرة مثله؟ على
روايتين (إحداهما) له ذلك لأنه عمل في مال غيره بعوض لم يسلم له فكان له أجر مثله كالمضاربة الفاسدة
(والثانية) لا شئ له لأنه عمل في مال غيره بغير إذن أشبه الغاصب، وفارق المضاربة لأنه عمل في ماله باذنه
وسواء اشترى بعين المال أو في الذمة ويحتمل أنه إن اشترى في الذمة يكون الربح له لأنه ربح فيما اشتراه
في ذمته مما لم يقع الشراء فيه لغيره فأشبه ما لو ينقد الثمن من مال المضاربة، قال الشريف أبو جعفر هذا
قول أكثرهم يعني قول مالك وأبي حنيفة والشافعي ويحتمل أنه إن كان عالما بالحال فلا شئ للعامل كالغاصب
وإن جهل الحال فله أجر مثله يرجع به على العاصب الأول لأنه غره واستعمله بعوض لم يسلم له فكان
أجره عليه كما لو استعمله في مال نفسه وقال القاضي إن اشترى بعين المال فالشراء باطل وإن اشترى
في الذمة ثم نقد المال وكان قد شرط رب المال للمضارب النصف فدفعه المضارب إلى آخر على أن
لرب المال النصف والنصف الآخر بينهما فهو على ما اتفقوا عليه لأن رب المال رضي بنصف الربح فلا يدفع
153

إليه أكثر منه والعاملان على ما اتفقا عليه وهذا قول الشافعي القديم وليس هذا موافقا لا صول المذاهب
ولا لنص احمد فإن احمد قال لا يطيب الربح لمضارب ولان المضارب الأول ليس له عمل ولا مال ولا يستحق
الربح في المضاربة إلا بواحد منهما والثاني عمل في مال غيره بغير اذنه ولا شرطه فلم يستحق ما شرطه
له غيره كما لو دفع إليه الغاصب مضاربة ولأنه لم يستحق ما شرطه له رب المال في المضاربة الفاسدة
فما شرطه له غيره بغير إذنه أولى.
(فصل) فإن أذن رب المال في ذلك جاز نص عليه احمد ولا نعلم فيه خلافا ويكون المضارب الأول
وكيل رب المال في ذلك فإن دفعه إلى آخر ولم يشرط لنفسه شيئا من الربح كان صحيحا وإن شرط لنفسه شيئا منه
لم يصح لأنه ليس من جهته مال ولا عمل والربح إنما يستحق لواحد منهما فإن قال اعمل برأيك أو بما أراك الله جاز له
دفعه مضاربة نص عليه لأنه قد يرى أن يدفعه إلى أبصر منه ويحتمل أن لا يجوز له ذلك لأن قوله اعمل برأيك
يعني في كيفية المضاربة والبيع والشراء وأنواع التجارة ولهذا يخرج به عن المضاربة فلا يتناوله إذنه
(فصل) وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله فإن فعل ولم يتميز ضمنه لأنه أمانة فهو كالوديعة
فإن قال له اعمل برأيك جاز ذلك وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي وقال الشافعي ليس له ذلك
وعليه الضمان ان فعله لأن ذلك ليس من التجارة
ولنا انه قد يرى الخلط أصلح له فيدخل في قوله أعمل برأيك وهكذا القول في المشاركة به ليس
له فعلها إلا أن يقول له اعمل برأيك فيملكها
154

(فصل) وليس له شراء خمر ولا خنزير سواء كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلما فإن فعل فعليه الضمان
وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إن كان العامل ذميا صح شراؤه للخمر وبيعه إياها لأن الملك عنده
ينتقل إلى الوكيل وحقوق العقد تتعلق به وقال أبو يوسف ومحمد يصح شراؤه إياها ولا يصح بيعه لأنه
يبيع ما ليس بملك له ولا لموكله
ولنا أنه إن كان العامل مسلما فقد اشترى خمرا ولا يصح ان يشتري خمرا ولا يبيعه وإن كان ذميا
فقد اشترى للمسلم مالا يصح أن يملكه ابتداء فلا يصح كما لو اشترى الخنزير ولان الخمر محرمة فلم بصح
شراؤها له كالخنزير والميتة ولان مالا يجوز بيعه لا يجوز شراؤه كالميتة والدم وكلما جاز في الشركة جاز في
المضاربة وما جاز في المضاربة جاز في الشركة وما منع في إحداهما منع منه في الأخرى لأن المضاربة شركة
ومبنى كل واحد منهما على الوكالة والأمانة
(مسألة) (وليس للمضارب أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول فإن فعل رد نصيبه
من الربح في شركة الأول)
وجملة ذلك أنه إذا أخذ من إنسان مضاربة ثم أراد أخذ مضاربة من آخر باذن الأول جاز
وكذلك ان لم يأذن ولم يكن عليه ضرر بغير خلاف علمناه فإن كان فيه ضرر على الأول ولم بأذن مثل
أن يكون المال الثاني كثيرا يستوعب زمانه فيشغله عن التجارة في الأول أو يكون المال الأول كثيرا
155

متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته لم يجز ذلك وقال أكثر الفقهاء يجوز لأنه عقد لا يملك
به منافعه كلها فلم يمنع من المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر وكالأجير المشترك
ولنا أن المضاربة على الحظ والنماء فإذا فعل ما يمنعه لم يجز له كما لو أراد التصرف بالغبن وفارق
مالا ضرر فيه فعلى هذا ان فعل وربح رد الربح في شركة الأول وليقسمانه فينظر ما ربح في المضاربة
الثانية فيدفع إلى رب المال منه نصيبه ويأخذ المضارب نصيبه من الربح فيضمه إلى ربح المضاربة
الأولى ويقاسمه لرب المضاربة الأولى لأنه استحق حصته من الربح بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول
فكان بينهما كربح المال الأول فأما حصة رب المال الثاني من الربح فيدفع إليه لأن العدوان عن
المضارب لا يسقط حق رب المال الثاني ولأنا لو رددنا ربح الثاني كله في الشركة الأولى لاختص
الضرر برب المال الثاني ولم يلحق المضارب شئ من الضرر والعدوان منه بل ربما انتفع إذا كان قد
شرط الأول النصف أو الثاني الثلث ولأنه لا يخلو إما أن يحكم بفساد المضاربة الثانية أو بصحتها فإن
كانت فاسدة فالربح كله لرب المال وللمضارب أجر مثله وان حكمنا بصحتها وجب صرف حصة رب
المال إليه بمقتضى العقد وموجب الشرط قال شيخنا: والنظر يقتضي أن لا يستحق رب المضاربة الأولى من ريح
الثانية شيئا لأنه إنما يستحق بمال أو عمل ولم يوجد واحد منهما وتعدي المضارب إنما هو بترك العمل
واشتغاله عن المال الأول وذلك لا يوجب عوضا كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه أو أجر نفسه أو ترك
156

التجارة للعب أو اشتغال بعلم أو غير ذلك ولأنه لو أوجب عوضا لأوجب شيئا مقدرا لا يختلف ولا
يتقدر بربحه في الثاني والله أعلم
(فصل) فإن دفع إليه مضاربة واشترط النفقة لم يجز أن يأخذ لغيره بضاعة ولا مضاربة وان لم
يكن على الأول ضرر لقول أحمد إذا اشترط النفقة صار أجيرا له فلا يأخذ من أحد بضاعة فإنها تشغله
عن المال الذي يضارب به، قيل له وان كانت لا تشغله قال ما يعجبني أن يكون إلا باذن صاحب المضاربة
فإنه لا بد من شغل قال شيخنا هذا والله العم على سبيل الاستحباب وان فعل فلا شئ عليه لأنه
لا ضرر على رب المضاربة فيه، وان أخذ من رجل مضاربة ثم أخذ من آخر بضاعة أو عمل في مال نفسه
واتجر فيه فربحه في مال البضاعة لصاحبها وفي مال نفسه له
(فصل) إذا أخذ من رجل مائة قراضا ثم أخذ من آخر مثلها فاشترى بكل مائه عبدا فاختلط
العبدان ولم يتميزا اصطلحا عليهما كما لو كانت لرجل حنطة فالثالث عليها أخرى، وذكر القاضي في
ذلك وجهين أحدهما يكونا شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع فيا عان ويقسم بينهما فإن كان
فيهما ربح دفع إلى العامل حصته والباقي بينهما نصفين والثاني يكونان للعامل وعليه أداء رأس المال
والربح له والخسران عليه وللشافعي قولان كالوجهين والأول أولى لأن ملك كل واحد منهما ثابت
في أحد العبدين فلا يزول بالاشتباه عن جميعه ولا عن بعضه بغير رضاه كما لو لم يكونا في يد المضارب
157

ولا تنالوا جعلناهما للمضارب أدى إلى أن يكون تفريطه سببا لانفراده بالربح وحرمان المعدى
عليه وعكس ذلك أولى وان جعلنا هما شريكين أدى إلى أن يأخذ أحدهما ربح مال الآخر بغير
رضاه وليس له مال ولا عمل
(فصل) إذا تعدى المضارب بفعل ما ليس له فعله فهو ضامن للمال في قول أكثر أهل العلم روي
ذلك عن أبي هريرة وحكم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي وحماد ومالك والشافعي
وأصحاب الرأي وعن علي رضي الله عنه لا ضمان على من شورك في الربح وروي معنى ذلك عن الحسن والزهري
ولنا أنه متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان كالغاصب ولا نقول بمشاركته في الربح
فلا يتناوله قول علي رضي الله عنه، ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه فربح فيه فالربح لرب المال نص عليه
أحمد وبه قال أبو قلابة ونافع، وعن أحمد أنهما يتصدقان بالربح وبه قال الشعبي والنخعي والحكم
وحماد قال القاضي قول أحمد يتصدقان بالربح على سبيل الورع وهو لرب المال في القضاء وهذا قول
الأوزاعي، وقال إياس بن معاوية ومالك الربح على ما شرطاه كما لو ليس الثوب وركب دابة ليس
له ركوبها وقال القاضي ان اشترى في الذمة ثم نقد المال فالربح لرب المال وان اشترى بعين المال
فالشراء باطل في إحدى الروايتين والأخرى هو موقوف على إجازة المالك فإن أجازه صح والا بطل
والمذهب الأول نص عليه أحمد في رواية الأثرم وقال أبو بكر لم بروانه يتصدق بالربح الا حنبل
158

واحتج أحمد بحديث عروة البارقي وهو ما روى أبو الوليد عن عروة بن الجعد قال عرض النبي صلى الله عليه وسلم
جلب فأعطاني دينارا فقال (عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة) فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين
بدينار فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار فجئت بالدينار
وبالشاة فقلت يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال (وكيف صنعت؟) فحدثته الحديث فقال (اللهم
بارك له في صفقة يمينه) رواه الأثرم ولأنه نماء مال غيره بغير إذن مالكه فكان لمالكه كما لو غصب
حنطة فزرعها، فاما المضارب ففيه روايتان (إحداهما) لا شئ له لأنه عقد عقدا لم يؤذن له فيه فلم يكن
له شئ كالغاصب وهذا اختيار أبي بكر (والثانية) له أجر لأن رب المال رضي بالبيع وأخذ الربح
فاستحق العامل عوضا كما لو عقده باذنه، وفي قدر الاجر روايتان (إحداهما) أجر مثله ما لم يحط
بالربح لأنه عمل ما يستحق به العوض ولم يسلم له المسمى فكان له أجر مثله كالمضاربة الفاسدة
(والثانية) له الأقل من المسمى أو أجر المثل لأنه إن كان المسمى أقل فقد رضي به فلم يستحق أكثر
منه وإن كان أجر المثل أقل فلم يستحق أكثر مه لأنه لم يعمل ما أمر به، فإن قصد الشراء لنفسه
فلا أجر له رواية واحدة وقال القاضي وأبو الخطاب ان اشترى في ذمته ونقد المال فلا أجر له رواية
واحدة وان اشترى بعين المال فعلى روايتين
(فصل) وعلى العامل أن يتولى بنفسه كل ما جرت العادة أن يتولاه المضارب من نشر الثوب وطيه
159

وعرضه على المشتري ومساومته وعقد البيع وأخذ الثمن وانتقاه وشد الكيس وخمه واحرازه
ونحو ذلك ولا أجر له عليه لأنه استحق الربح في مقابلته وان استأجر من يفعل ذلك فالاجر عليه
خاصة لأن العمل عليه فاما مالا يليه في العادة كالنداء على المتاع ونقله إلى الخان فليس على العامل علمه
وله ان يكتري من يعمله نص عليه أحمد لأن العمل في المضاربة غير مشروط لمشقة اشتراطه فرجع فيه
إلى العرف فإن فعل العامل مالا يلزمه متبرعا فلا أجر له وان فعله ليأخذ عليه اجرا فنص احمد على
أنه لا شئ له، وخرج أصحابنا وجها أن له الاجر بناء على الشريك إذا انفرد بعمل لا يلزمه هل له أجر
لذلك؟ على روايتين وهذا مثله، قال شيخنا والصحيح أنه لا أجر له في الموضعين لأنه عمل في مال غيره
عملا لم يجعل له في مقابلته شئ فلم يستحق شيئا كالأجنبي
(فصل) وإذا غصب مال المضاربة أو سرق فهل للمضارب المطالبة به؟ على وجهين (أحدهما) ليس
له ذلك لأن المضاربة عقد على التجارة فلا يدخل فيه الخصومة (والثاني) له ذلك لأنه يقتضي حفظ
المال ولا يتم ذلك الا بالخصومة والمطالبة سيما إذا كان غائبا عن رب المال فإنه حينئذ لا يكون مطالبا
به الا المضارب فإن تركه ضاع، فعلى هذا ان ترك الخصومة والطلب به في هذه الحال ضمن لأنه
ضيعه وفرط فيه فأما إن كان رب المال حاضرا وعلم الحال فإنه لا يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه
لأن رب المال أولى بذلك من وكيله
160

(فصل) وإذا اشترى المضارب عبدا فقتله عبد لغيره ولم يكن ظهر في المال ربح فالامر لرب المال
ان شاء اقتص وان شاء عفا على غير مال وتبطل المضاربة فيه لذ هاب رأس المال وان شاء عفا على
مال فإن عفا على مثل رأس المال أو أقل أو أكثر فالمضاربة بحالها والربح بينهما على ما شرطاه لأنه
وجد بدل عن رأس المال فهو كما لو وجد بدله بالبيع وإن كان في العبد ربح فالقصاص إليهما والمصالحة
كذلك لكونهما شريكين فيه والحكم في انفساخ المضاربة وبقائها على ما تقدم
(مسألة) (وليس لرب المال ان يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه وعنه يجوز)
إذا اشترى رب المال من مال المضاربة شيئا لنفسه لم يصح في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي
ويصح في الأخرى وبه قال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة لأنه قد تعلق به حق المضارب فجاز شراؤه
كما لو اشترى من مكاتبه.
ولنا أنه ملكه فلم يصح شراؤه له كشرائه من وكيله، وفارق المكاتب فإن السيد لا يملك ما في
يده ولا تجب زكاته عليه وله أخذ ما فيه شفعة منه
(مسألة) وكذلك شراء السيد من عبده المأذون)
لما ذكرنا ويحتمل ان يصح اذن استغرقته الديون لأن الغرماء يأخذون ما في يده ولان الدين إذا تعلق برقبته
161

صار مستحقا للغرماء فصح شراء السيد منه كبقية الغرماء والأول أولى لأن ملك السيد لم يزل عنه وان
تعلق حق الغرماء به كالعبد الجاني
(فصل) فإن اشترى المضارب من مال المضاربة لنفسه ولم يظهر ربح صح نص عليه احمد وبه قال
مالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وحكي ذلك عن أبي حنيفة وقال أبو ثور البيع باطل لأنه شريك
ولنا أنه ملك لغيره فصح شراؤه له كشراء الوكيل من موكله وإنما يكون شريكا إذا ظهر الربح
لأنه إنما شارك في الربح دون أصل المال فإن ظهر ربح فشراؤه كشراء أحد الشريكين من شريكه
(مسألة) (وان اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح)
لأنه يشتري ملك غيره وقال أحمد في الشريكين في الطعام يريد أحدهما بيع حصته من صاحبه ان لم
يكونا يعلمان كيله فلا بأس وان علما كيله فلا بد من كيله يعني ان من علم مبلغ شئ لم يبعه صبرة وان
باعه إياه بالكيل والوزن جاز
(مسألة) (وان اشترى الجميع بطل في نصيبه لأنه ملكه)
162

وهل يصح في حصة شريكه؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة ويتخرج أن يصح في الجميع بناء
على صحة شراء رب المال من مال المضاربة
(فصل) ولو استأجر أحد الشريكين من صاحبه دارا ليحرز فيها مال الشركة أو غرائر جاز نص
عليه أحمد في رواية صالح وان استأجره لنقل الطعام أو غلامه أو دابته جاز لأن ما جاز أن يستأجر
له غير الحيوان جاز ان يستأجر له الحيوان كمال الأجنبي، وفيه رواية أخرى لا يجوز لأن هذا لا
تجب الأجرة فيه الا بالعمل ولا يمكن ايفاء العمل في المشترك لأن نصيب المستأجر غير متميز من
نصيب المؤجر فإذا لا تجب الأجرة، والدار والغرائر لا يعتبر فيها ايقاع العمل إنما يجب بوضع العين
في الدار فيمكن تسليم المعقود عليه
(مسألة) (وليس للمضارب نفقة إلا بشرط سواء كانت تجارته في الحضر أو السفر)
163

وبهذا قال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال الحسن والنخعي
والأوزاعي ومالك وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ينفق من المال المعروف إذا شخص به عن البلد
لأن سفره لا جل المال فكانت نفقته فيه كأجر الحمال
ولنا أن نفقته تخصه فكانت عليه كنفقة الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب لأنه دخل على أنه لا يستحق
من الربح الا الجزء المسمى فلا يكون له غيره ولأنه لو استحق النفقة أفضى إلى أن يختص بالربح
إذا لم يربح سوى النفقة، فأما ان شرط له النفقة صح وله ذلك لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمنون على
شروطهم) فإن قدر له ذلك فحسن لأن فيه قطع المنازعة وزوال الاختلاف قال أحمد في رواية الأثرم
أحب إلي ان يشترط نفقة محدودة وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره وان أطلق صح
نص عليه، وله نفقته من المأكول خاصة ولا كسوة له قال احمد إذا قال له نفقته فإنه ينفق قيل له فيكتسي؟
قال لا إنما له النفقة، فإن كان سفره طويلا يحتاج إلى تجديد كسوة فظاهر كلام أحمد جوازها لأنه قيل
164

له فلم يشترط الكسوة الا أنه في بلد بعيد وله مقام طويل يحتاج فيه إلى الكسوة؟ فقال إذا أذن له في
النفقة فعل ما لم يحمل على مال الرجل ولم يكن ذلك قصده هذا معناه. وقال القاضي وأبو الخطاب إذا
شرط له النفقة فله جميع نفقته من مأكول وملبوس بالمعروف وقال أحمد ينفق على معنى ما كان
ينفق على نفسه غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال ولم يذهب أحمد إلى تقدير النفقة لأن الأسعار
تختلف وقد تقل وقد تكثر
(مسألة) (فإن اختلفا في قدر النفقة فقال أبو الخطاب يرجع في القوت إلى الاطعام في الكفارة
وفي الكسوة إلى أقل ملبوس مثله لأنه العادة فينصرف الاطلاق إليه كما انصرف إليه في الاطعام في
الكفارة، فإن كان معه مال لنفسه أو مضاربة أخرى أو بضاعة لآخر فالنفقة على قدر المالين لأنها
لأجل السفر والسفر للمالين فيجب أن تكون النفقة مقسومة على قدرهما الا أن يكون رب المال قد
شرط له النفقة من ماله مع علمه بذلك، ولو أذن له في السفر إلى موضع معين أو غير معين ثم لقيه رب
المال في السفر في ذلك الموضع أو في غيره وقد نص المال فاخذ ماله فطالبه العامل بنفقة الرجوع إلى
بلده لم يكن له ذلك لأنه إنما استحق النفقة ماداما في القراض وقد زال فزالت النفقة ولذلك لو مات
لم يجب تكفينه وقيل له ذلك لأنه كان شرط له نفقة ذهابه ورجوعه وغره بتسفيره إلى الموضع الذي
أذن له فيه معتقدا أنه مستحق للنفقة ذاهبا وراجعا فإذا قطع عنه النفقة تضرر بذلك
(مسألة) (فأذن له في التسري فاشترى جارية ملكها وصار ثمنها قرضا نص عليه أحمد لأن
البضع لا يباح الا بملك أو نكاح لقوله سبحانه (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)
165

ولم يوجد النكاح فتعين الملك ويخرج ثمنها من المضاربة ويكون قرضا في ذمته لما ذكرنا
(مسألة) (وليس للمضارب ربح حتى يستوفى رأس المال يعني أنه لا يستحق أخذ شئ من الربح
حتى يسلم رأس المال إلى ربه، ومتى كان في المال خسران وربح جبرت الوضيعة من الربح سواء كان
الربح والخسران في مرة واحدة أو الخسران في صفقة والربح في الأخرى أو أحدهما في سفرة والآخر
في أخرى لأن الربح هو الفاضل عن رأس المال وما لم يفضل فليس بربح ولام نعلم في هذا خلافا
(فصل) وفي ملك العامل نصيبه من الربح قبل القسمة روايتان (إحداهما) يملكه ذكره القاضي
وهو قول أبي حنيفة (والأخرى) لا يملكه ذكرها أبو الخطاب وهو قول مالك وللشافعي قولان
كالروايتين واحتج من لم يملكه انه لو ملكه لاختص بربحه ولو جب أن يكون شريكا لرب المال
كشريكي العنان، ووجه الأول ان الشرط صحيح فيثبت مقتضاه وهو أن يكون له جزء من الربح
فإذا وجد وجب أن يملكه بحكم الشرط كما يملك المساقي حصته من الثمرة بظهورها وقياسا على كل
شرط صحيح في عقد ولأنه مملوك ولا بد له من مالك ورب المال لا يملكه اتفاقا ولا تثبت أحكام الملك
في حقه فلزم أن يكون للمضارب ولأنه يملك المطالبة بالقسمة فكان مالكا كأحد شريكي العنان ولا
يمتنع أن يملكه ويكون وقاية لرأس المال كنصيب رب المال من الربح وبهذا امتنع اختصاصه بربحه ولأنه
لو اختص بربحه لاستحق من الربح أكثر مما شرط له ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه، قال أحمد في
المضارب يطأ جارية من المضاربة فإن لم يكن ظهر في المال ربح لم تكن أم ولده وإن ظهر فيه ربح فهي
أم ولده وفيه دليل على أنه يملك الربح بالظهور وهذا ظاهر المذهب
(فصل) إذا دفع إلى رجل مائة مضاربة فخسر عشرة ثم أخذ رب المال منها عشرة لم ينقص رأس
166

المال بالخسران لأنه قد يربح فيجبر الخسران لكنه ينتقص بما أخذه رب المال وهي العشرة وقسطها
من الخسران وهو درهم وتسع ويبقى رأس المال ثمانية وثمانين وثمانية اتساع درهم فإن كان أخذ نصف
التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران وإن كان أخذ
خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع ولذلك إذا ربح المال ثم أخذ رب المال بعضه كان
ما أخذه من الربح ورأس المال فلو كان رأس المال مائة فربح عشرين فأخذها رب المال بعضه كان
المال ثلاثة وثمانين وثلثا لأنه أخذ سدس المال فنقص رأس المال سدسه وهو ستة عشر وثلثان وحقها
من الربح ثلاثة وثلث، ولو كان أخذ ستين بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فبقي نصفه وإن كان
أخذ خمسين بقي ثمانية وخمسون وثلث لأنه أخذ ربح المال وسدسه بقي ثلثه وربعه وهو ما ذكرنا
فإن أخذ ستين ثم خسر في الباقي فصار أربعين فردها كان له على رب المال خمسة لأن ما أخذه منه الرب
المال انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر بربحه خسران ما بقي في يده لمفارقته إياه وقد أخذ منه الربح
عشرة لأن سدس ما أخذه ربح فكانت العشرة بينهما وإن لم يرد الأربعين كلها بل رد منها إلى رب
المال عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين
(مسألة) (فإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت جبرت
الوضعية من الربح)
إذا دفع إلى المضارب الفين فاشترى بكل ألف عبدا فربح في أحدهما وخسر في الآخر أو تلف
وجب جبر الخسران من الربح ولا يستحق المضارب شيئا الا بعد كمال الألفين وبه قال الشافعي إلا فيما
167

إذا تلف أحد العبدين فإن أصحابه ذكر وافيه وجها ثانيا ان التالف من رأس المال لأنه بدل أحد الألفين
ولو تلف أحد الألفين كان من رأس المال فكذلك بدله
ولنا ان تلفه بعد أن دار في القراض وتصرف في المال بالتجارة فكان تلفه من الربح كما لو كان
رأس المال دينارا فاشترى به سلعتين ولأنهما سلعتان تجبر خسارة إحداهما بربح الأخرى فجبر تلفها به كما
لو كان رأس المال دينارا واحدا ولأنه رأس مال واحد فلا يستحق المضارب فيه ربحا حتى يكمل
رأس المال كالذي ذكرنا
(مسألة) (ان تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة)
وكان رأس المال الباقي خاصة وقال بعض أصحاب الشافعي مذهب الشافعي ان التالف من الربح
لأن المال إنما يصير قراضا بالقبض فلا فرق بين هلاكه قبل التصرف أو بعده
ولنا انه مال هلك على جهته قبل التصرف فيه فكان رأس المال الباقي كما لو تلف قبل القبض
وفارق ما بعد التصرف لأنه دار في التجارة وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح
(فصل) إذا دفع إليه ألفا مضاربة ثم دفع إليه ألفا آخر واذن له في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف
في الأول جاز وصار مضاربة واحدة كما لو دفعهما إليه جميعا، وإن كان بعد التصرف في الأول في شراء المتاع
لم يجزلان حكم الأول استقر وكان ربحه وخسرانه مختصا فضم الثاني إليه يوجب جبر خسران أحدهما
بربح الآخر فإذا شرط ذلك في الثاني فسد فإن نض الأول جاز ضم الثاني إليه لزوال هذا المعنى وان
لم يأذن في ضم الثاني إلى الأول لم يجز نص عليه أحمد وقال إسحاق له ذلك قبل ان يتصرف في الأول
ولنا انه أفرد كل واحد بعقد فكان عقدين لكل عقد حكم نفسه فلا يجبر وضيعة أحدهما
ربح الآخر كما لو نهاه عن ذلك
168

(مسألة) (وان تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة به فهي له وثمنها عليه سواء علم بتلف المال
قبل نقد الثمن أو جهل ذلك إلا أن يجيزه رب المال)
وذلك لأنه اشتراها في ذمته وليست من مال المضاربة فاختصت به لأنه لو صح شراؤه للمضاربة
لكان مستدينا على غيره والاستدانة على الانسان بغير إذنه لا تجوز، فإن إجازة رب المال جاز في إحدى
الروايتين والثمن عليه لأن من اشترى شيئا لغيره بغير اذنه وقف على إجازته فإن أجازه فهو له والا
فهو للمشتري وهذا كذلك، والثانية هو للعامل على كل حال لأن هذا زيادة في مال المضاربة فلا تجوز
(مسألة) (فإن تلف بعد الشراء فالمضاربة بحالها والثمن على رب المال)
لأنه دار في التجارة ويصير رأس المال هذا الثمن دون التالف لأن الأول تلف قبل التصرف فيه
وهذا قول بعض الشافعية ومنهم من قال رأس المال هو التالف حكي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن
ولنا ان التالف تلف قبل التصرف فيه فلم يكن من رأس المال كما لو تلف قبل الشراء فلو اشترى
عبدين بمائة فتلف أحدهما وباع الآخر بخمسين فأخذ منها رب المال خمسة وعشرين بقي رأس المال
خمسين لأن رب المال أخذ نصف المال الموجود فسقط نصف الجبران، ولو لم يتلف العبد وباعهما بمائة
وعشرين فأخذ رب المال ستين ثم خسر العامل فيما معه عشرين فله من الربح خمسة لأن سدس ما أخذه
رب المال ربح للعامل نصفه وقد انفسخت المضاربة فيه فلا يجبر به خسران الباقي ويبقى رأس المال
خمسين فإن اقتسما الربح خاصة ثم خسر عشرين فعلى العامل رد ما أخذه وبقي رأس المال تسعين لأن
العشرة الباقية مع رب المال تحسب من رأس المال
169

(فصل) ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وان اقتسما الربح قال
الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن المضارب يربح ويضع مرارا فقال يرد الوديعة على الربح
الا أن يقبض المال صاحبه ثم يرده إليه فيقول اعمل به ثانية فما ربح بعد ذلك لا يجبر به وضيعة الأول
فهذا ليس في نفسي منه شئ وأما ما لم يدفع فحتى يحتسبا حسابا كالقبض كما قال ابن سيرين، قيل وكيف
يكون حسابا كالقبض؟ قال يظهر المال يعني ينض ويجئ فيحتسبان عليه فإن شاء صاحب المال قبضه، قيل
له فيحتسبان على المتاع؟ فقال لا يحتسبان الا على الناض لأن المتاع قد ينحط سعره ويرتفع. قال أبو
طالب قيل لأحمد رجل دفع إلى رجل عشرة ألاف درهم مضاربة فوضع فبقيت ألف فحاسبه صاحبها
ثم قال له اذهب فاعمل بها فربح؟ قال يقاسمه ما فوق الألف يعني إذا كانت الألف ناضة حاضرة ان شاء
صاحبها قبضها فهذا الحساب الذي كالقبض فيكون أمره بالمضاربة بها في هذه الحال ابتداء مضاربة ثانية
كما لو قبضها منه ثم ردها إليه فأما قبل ذلك فلا شئ للمضارب حتى يكمل عشرة آلاف ولو أن رب المال
والمضارب اقتسما الربح وأخذ أحدهما شيئا باذن الآخر والمضاربة بحالها ثم خسر المضارب رد ما أخذ
من الربح لأننا تبينا انه ليس بربح ما لم تنجبر الخسارة والله أعلم
(مسألة) (وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شئ الا بأذن رب المال)
لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا لثلاثة أمور، أحدها ان الربح وقاية لرأس المال فلا
يؤمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابرا له فيخرج بذلك عن كونه ربحا، الثاني ان رب المال شريكه
فلم يكن له مقاسمة نفسه الثالث، ان ملكه غير مستقر عليه لأنه بعرض ان يخرج عن يديه لجبران
خسارة المال فإن اذن رب المال في ذلك جاز لأن الحق لا يخرج عنهما
(مسألة) (وإذا طلب العامل البيع فأبى رب المال أجبر إن كان فيه ربح وإلا فلا)
170

وجملة ذلك أن المضاربة من العقود الجائزة تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان وبموته والحجر عليه
لسفه كالوكالة، ويستوي في ذلك ما قبل التصرف وبعده فإن انفسخت والمال ناض لا ربح فيه أخذه
وبه فإن كان فيه ربح قسماه على ما شرطا فإن انفسخت والمال عرض فاتفقا على بيعه أو قسمه جاز لأن
الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه وان طلب العامل البيع فأبى رب المال وقد ظهر في المال ربح أجبر رب
المال على البيع وهذا قول الثوري وإسحاق لأن حق العامل في الربح ولا يظهر الا بالبيع وان لم
يظهر ربع لم يجبر لأنه لاحق له فيه وقد رضيه مالكه كذلك فلم يبجر على بيعه وهذا ظاهر مذهب
الشافعي، وقال بعضهم فيه وجه آخر أنه يجبر لأنه ربما زاد فيه راغب فزاد على ثمن الثمل فيكون للعامل
في البيع حظ ولنا أن المضارب إنما استحق الربح إلى حين الفسخ وذلك لا يعلم إلا بالتقويم ألا ترى أن المستعير
إذا غرس أو بنى أو المشتري كان للمعير والشفيع أن يدفعا قيمة ذلك إلى مستحق الأرض؟ فههنا أولى
وما ذكروه من احتمال الزيادة بزيادة راغب على القيمة فإنما حدث ذلك بعد فسخ العقد فلا يستحقها العامل
(مسألة) (وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا أو طلب البيع فله ذلك)
أما إذا رضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا فله ذلك لأنه أسقط البيع عن المضارب وأخذ العروض
بثمنها الذي يحصل من غيره، وأما إذا طلب البيع وأبى العامل ففيه وجهان (أحدهما) يجبر العامل عليه وهو
قول الشافعي لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه (والثاني) لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح وأسقط العامل
حقه من الربح لأنه بالفسخ زال تصرفه وصار أجنبيا من المال فأشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق رده
فزالت وكالته قبل رده، ولو كان رأس المال دنانير فصار دراهم أو بالعكس فهو كما لو كان عرضا على ما شرح
وإذا نض رأس المال جميعه لم يلزم العامل أن ينض له الباقي لأنه شركة بينهما ولا يلزم الشريك أن ينض
مال شريكه ولأنه إنما لزمه أن ينض رأس المال ليرد إليه المال على صفته ولا يوجد هذا المعنى في الربح.
171

(مسألة) (وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه) سواء ظهر في المال ربح أولم يظهر وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة لا يلزمه إلا أن يظهر ربح لأنه لا غرض له في العمل فهو كالوكيل
ولنا أن المضاربة تقتضي رد المال على صفته والديون لا تجري مجرى الناض فلزمه أن ينضه كما لو ظهر
ربح وكما لو كان رأس المال عرضا، ويفارق الوكيل فإنه لا يلزمه رد المال كما قبضه ولهذا لا يلزمه بيع
العروض ولا فرق بين كون الفسخ من العامل أو رب المال فإن اقتضى منه قدر رأس المال أو كان الدين
قدر الربح أو دونه لزم العامل تقاضيه أيضا لأنه إنما يستحق نصيبه من الربح عند وصوله إليهما على
وجه يمكن قسمته ووصول كل واحد منهما إلى حقه لا يحصل ذلك إلا بعد تقاضيه
(فصل) إذا مات أحد المتقارضين أو جن انفسخ القراض وقد ذكرناه فإن كان برب المال فأراد
الوارث أو وليه اتمامه والمال ناض جاز ويكون رأس المال وحصته من الربح رأس المال وحصة العامل
من الربح شركة له مشاع وهذه الإشاعة لا تمنع لأن الشريك هو العامل وذلك لا يمنع التصرف: وإن
كان المال عرضا وأرادوا إتمامه فظاهر كلام احمد جوازه لأنه قال في رواية علي بن سعيد إذا مات رب
المال لم يجز للعامل أن يبيع ويشتري إلا باذن الورثة، فظاهر هذا إبقاء العامل على قراضه وهو منصوص
الشافعي لأن هذا إتمام للقراض لا ابتداء له ولان القراض إنما منع منه في العروض لأنه يحتاج عند المفاصلة
إلى رد مثلها أو قيمتها ويختلف ذلك باختلاف الأوقات وهذا غير موجود ههنا لأن رأس المال غير العروض
وحكمه باق ألا ترى أن للعامل أن يبيعه ليسلم رأس المال ويقسم الباقي؟ وذكر القاضي وجها آخر أنه
لا يجوز لأن القراض قد بطل بالموت وهذا ابتداء قراض على عروض، قال شيخنا وهذا الوجه أقيس
لأن المال لو كان ناضا كان ابتداء قرض وكانت حصة العامل من الربح شركة يختص بها دون رب المال
172

وإن كان المال ناقصا بخسارة أو تلف كان رأس المال الموجود منه حال ابتداء القراض فلو جوزنا ابتداء
القراض ههنا وبناء هما على القراض لصارت حصة المضاربة من الربح غير مختصة به وحصتها من الربح
مشتركة بينهما وحسبت عليه العروض بأكثر من قيمتها فيما إذا كان المال ناقصا، وهذا لا يجوز في القراض
بلا خلاف وكلام أحمد محمول على أنه يبيع ويشتري باذن الورثة كبيعه وشرائه بعد انفساخ القراض، فاما
إن مات العامل أو جن وأراد رب المال ابتداء القراض مع وارثه أو وليه والمال ناض جاز كما قلنا فيما
إذا مات رب المال، وإن كان عرضا لم يجز ابتداء القراض على العروض بأن تقوم العروض ويجعل
رأس المال قيمتها يوم العقد لأن الذي كان منه العمل قد جن أو مات وذهب عمله ولم يخلف أصلا يبني عليه
وارثه بخلاف ما إذا مات رب المال فإن مال القراض موجود ومنافعه موجودة فأمكن استدامة العقد
وبناء الوارث عليه، وإن كان المال ناضا جاز ابتداء القراض فيه فإن لم يبتدئاه لم يكن للوارث شراء ولا يبع
لأن رب المال إنما رضي باجتهاد وارثه فإذا لم يرض ببيعه رفعه إلى الحاكم ليبيعه فإن كان الميت
رب المال فليس للعامل الشراء لأن القراض انفسخ واما البيع فالحكم فيه وفي التقويم واقتضاء الدين
على ما ذكرناه إذا انفسخت المضاربة ورب المال حي
(مسألة) (وان قارض في المرض فالربح من رأس المال وإن زاد على أجر المثل)
إذا قارض في مرضه صح لأنه عقد يبتغى فيه الفضل أشبه البيع والشراء وللعامل ما شرط له وإن
زاد على أجر مثله ولا يحتسب به من ثلثه لأن ذلك غير مستحق من رب المال وإنما حصل بعمل المضارب
فما يوجد من الربح المشروط يحدث على ملك العامل ولا يزاحم به أصحاب الوصايا لأنه لو أقرض المال
كان الربح كله للمقترض فبعضه أولى وهذا بخلاف ما لو حابى الأجير في الأجرة فإنه يحتسب بما حاباه
من ثلثه لأن الاجر يؤخذ من ماله، ولو شرط في المساقاة والمزارعة أكثر من أجر المثل احتمل أن لا
173

يحتسب به من ثلثه لأن الثمرة تخرج على ملكيهما كالربح في المضاربة واحتمل أن يكون من ثلثه لأن
الثمرة زيادة في ملكه خارجة من عينه والربح لا يخرج من عين المال إنما يحتل بالتقليب
(مسألة) (ويقدم به على سائر الغرماء إذا مات رب المال) لأنه يملك الربح بالظهور فكان
شريكا فيه ولان حقه متعلق بعين المال دون الذمة فكان متقدما على المتعلق بالذمة كحق الجناية أو كالمرتهن
(مسألة) (وان مات المضارب ولم يعرف مال المضاربة فهو دين في تركته)
وكذلك الوديعة ولصاحبه أسوة الغرماء وقال الشافعي ليس على المضارب شئ لأنه لم يكن في ذمته
وهو حي ولم يعلم حدوث ذلك بالموت فإنه يحتمل أن يكون المال قد هلك
ولنا أن الأصل بقاء المال في يده واختلاطه بجملة التركة ولا سبيل إلى معرفة عينه فكان دينا
كالوديعة إذا لم يعرف عينها وكما إذا خلطها بماله على وجه لا يتميز منه ولأنه لا سبيل إلى اسقاط حق
رب المال لأن الأصل بقاؤه ولم يوجد ما يعارض ذلك ويخالفه ولا سبيل إلى اعطائه عينا من التركة لأنه
يحتمل أن تكون غير مال المضاربة فلم يبق إلا تعلقه بالذمة
(فصل) قال رضي الله عنه (والعامل أمين والقول قوله فيما يدعيه من هلاك وخسران) لأنه متصرف
في مال غيره باذنه لا يختص بنفعه أشبه الوكيل بخلاف المستعير فإن قبضه لمنفعته خاصة والقول قوله فيما يدعيه
من تلف المال أو بعضه أو خسارة فيه ولا ضمان عليه في ذلك كالوكيل والقول قوله فيما يدعى عليه من
خيانة أو تفريط وفيما يدعي أنه اشتراه لنفسه أو للقراض لأن الاختلاف ههنا في نيته وهو أعلم بها
لا يطلع عليها غيره فكان القول قوله فيما نواه كما لو اختلف الزوجان في نية الزوج بكناية الطلاق
ولأنه امين في الشراء فكان القول قوله كالوكيل، ولو اشترى عبدا فقال رب المال كنت نهيتك عن شرائه
فأنكر العامل فالقول قوله لأن الأصل عدم النهي ولا نعلم في هذا كله خلافا وكذلك القول قوله في
174

قدر رأس المال كذلك قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي حكاه عنهم ابن المنذر وقال أجمع على هذا كل
من نحفظ عنه من أهل العلم وبه نقول لأنه يدعى عليه قبض شئ وهو ينكره والقول قول المنكر
(مسألة) (والقول قول رب المال في رده إليه مع يمينه) نص عليه احمد ولا صحاب الشافعي
وجهان أحدهما كقولنا والآخر يقبل قول العامل لأنه امين ولان معظم النفع لرب المال فالعامل
كالمودع وينبغي ان يخرج لنا مثل ذلك بناء على دعوى الوكيل الرد إذا كان بجعل، ووجه الأول انه
قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير ولان رب المال منكر والقول قول المنكر والمودع
لا نفع له في الوديعة وقولهم ان معظم النفع لرب المال ممنوع وان سلم الا ان المضارب لم يقبضه الا لنفع
نفسه لم يأخذه لنفع رب المال.
(مسألة) (وفي الجزء المشروط للعامل) إذا اختلفا فيما شرط للعامل ففيه روايتان (إحداهما) القول
قول رب المال نص عليه في رواية ابن منصور وسندي وبه قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب
الرأي وابن المنذر لأن رب المال منكر للزيادة التي ادعاها العامل والقول قول المنكر (والثانية) ان العامل
ان ادعى أجر المثل أو ما يتغابن الناس به فالقول قوله لأن الظاهر صدقه وان أدعى أكثر فالقول
قول رب المال فيما زاد على أجر الثمل كالزوجين إذا اختلفا في الصداق وقال الشافعي يتحالفان لأنهما
اختلفا في عوض عقد فيتحالفان كالمتبايعين
175

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمين على المدعى عليه) ولأنه اختلاف في المضاربة فلم يتحالفا كسائر
ما قدمنا اختلافهما فيه والمتبايعان يرجعان على رؤوس أموالهما بخلاف ما نحن فيه
(مسألة) (وان قال أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء بخمسة فأنكره رب المال وقال إنما أذنت لك
في البيع نقدا وفي الشراء بأربعة فالقول قول العامل)
نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقيل القول قول رب المال وهو قول الشافعي لأن الأصل عدم الإذن ولان
القول قول رب المال في أصل الاذن فكذلك في صته. ولنا أنهما اتفقا على الاذن واختلفا في صفته
فكان القول قول العامل كما لو قال نهيتك عن شراء عبد فأنكر النهي.
(مسألة) (وان قال ربحت ألفا ثم خسرتها أو تلفت قبل قوله) لأنه أمين يقبل قوله فقبل
في الخسارة كالوكيل:
(مسألة) (وان قال غلطت أو نسيت لم يقبل قوله) لأنه مقر بحق لآدمي فلم يقبل قوله في
الرجوع عنه كما لو أقر بأن رأس المال الف ثم رجع ولو أن العامل خسر فقال لرجل أقرضني ما أتمم
به رأس المال لأعرضه على ربه فاني أخشى ان ينزعه مني ان علم بالخسارة فاقرضه فعرضه على رب
المال فقال هذا رأس مالك فأخذه فله ذلك، وذلك ولا يقبل رجوع العامل عن اقراره ان رجع ولا شهادة
المقرض له لأنه يجر إلى نفسه نفعا وليس له مطالبة رب المال لأن العامل ملكه بالقرض ثم سلمه
إلى رب المال وأقر أنه له ولكن يرجع المقرض على العامل لا غير
176

(فصل) وإذا دفع رجل إلى رجلين مالا قراضا على النصف فنض المال وهو ثلاثة آلاف فقال
رب المال رأس المال الفان فصدقه أحدهما وقال الآخر بل هو الف فالقول قول المنكر مع يمينه
فإذا حلف أنه الف فالربح الفان ونصيبه منهما خمسمائة يبقى الفان وخمسمائة يأخذ رب المال الفين
لأن الآخر يصدقه يبقى خمسمائة ربحا بين رب المال والعامل الآخر يقتسمانه أثلاثا لرب المال ثلثا ها
وللعامل ثلثها وذلك لأن نصيب رب المال نصف الربح ونصيب العامل ربعه فيقسم بينهما باقي الربح
على ثلاثة وما أخذه الحالف فيما زاد على قدر نصيبه كالتالف منهما والتالف يحسب في المضاربة من
الربح وهذا قول الشافعي
(فصل) إذا دفع إلى رجل ألفا يتجر فيه فربح فقال العامل كان قرضا لي ربحه كله وقال رب
المال كان قراضا ربحه بيننا فالقول قول رب المال لأنه ملكه فكان القول قوله في صفة خروجه عن يده
فإذا حلف قسم الربح بينهما، ويحتمل ان يتحالفا ويكون للعامل أكثر الامرين مما شرط له من الربح
أو أجر مثله لأنه إن كان الأكثر نصيبه من الربح فرب المال معترف له وبه وهو يدعي الربح كله
وإن كان أجر مثله أكثر فالقول قوله في عمله كما أن القول قول رب المال في ما له فإذا حلف قبل قوله
في أنه ما عمل بهذا الشرط إنما عمل لغرض لم يسلم له فيكون له أجر المثل، فإن أقام كل واحد منهما بينه
177

بدعواه فنص أحمد في رواية منها أنهما يتعارضان ويقسم المال بينهما نصفين، وان قال رب المال كان بضاعة وقال
العامل كان قراضا احتمل أن يكون القول قول العامل لأن عمله له فيكون القول قوله فيه ويحتمل ان يتحالفا
ويكون للعامل أقل الأمرين من نصيبه من الربح أو أجر مثله لأنه يدعي أكثر من نصيبه من الربح
فلم يستحق زيادة وإن كان الأقل أجر مثله فلم يثبت كونه قراضا فيكون له أجر عمله، وان قال رب المال
كان بضاعة وقال العامل كان قرضا حلف كل واحد منهما على إنكار ما ادعاه خصمه وكان للعامل
أجر عمله لا غير وان خسر المال أو تلف فقال رب المال كان قرضا وقال العامل كان قراضا أو بضاعة
فالقول قول رب المال
(فصل) وإذا شرط المضارب النفقة ثم ادعى انه أنفق من ماله وأراد الرجوع فله ذلك سواء
كان المال باقيا في يديه أو قد رجع إلى مالكه وبه قال أبو حنيفة إذا كان المال في يديه وليس
له ذلك بعد رده.
ولنا انه امين فكان القول قوله في ذلك كما لو كان باقيا في يديه وكالوصي إذا ادعى النفقة على اليتيم
(فصل) إذا كان عبد بين رجلين فباعه أحدهما بأمر الآخر بألف وقال له اقبض ثمنه وادعى
المشتري أنه قبضه وصدقه الذي لم يبع برئ المشتري من نصف ثمنه لاعتراف شريك البائع بقبض
وكيله حقه فبرئ المشتري منه كما لو أقر بقبضه بنفسه وتبقى الخصومة بين البائع وشريكه والمشتري
178

فإن خاصمه شريكه وادعى عليه أنك قبضته نصيبي من الثمن فأنكر فالقول قوله مع يمينه فإن كان
للمدعي بينة حكم بها ولا تقبل شهادة المشتري له لأنه يجبر بها إلى نفسه نفعا وان خاصم البائع المشتري
فالقول قول البائع مع يمينه في عدم القبض لأنه منكر فإذا حلف أخذ من المشتري نصف الثمن ولا يشاركه
فيه شريكه لأنه يقر انه يأخذه ظلما فلا يستحق مشاركته فيه وان كانت للمشتري بينة حكم بها ولا تقبل
شهادة شريكه عليه شريكه عليه لأنه يجربها إلى نفسه نفعا ومن شهد شهادة يجر بها إلى نفسه نفعا بطلت شهادته
في الكل، ولا فرق بين مخاصمة الشريك قبل مخاصمة المشتري أو بعدها وان ادعى المشتري ان شريك
البائع قبض الثمن منه فصدقه البائع نظرت فإن كان البائع أذن لشريكه في القبض فهي كالتي قبلها
وان لم يأذن له فيه لم تبرأ ذمة المشتري من شئ من الثمن لأن البائع لم يوكله في القبض فقبضه لا يلزمه
ولا يبرأ المشتري منه كما لو دفعه إلى أجنبي، ولا يقبل قول المشتري على شريك البائع لأنه ينكره
وللبائع بقدر نصيبه لا غير لأنه مقر ان شريكه قبض حقه ويلزم المشتري دفع نصيبه إليه من غير
يمين لأن المشتري مقر ببقاء حقه وان دفعه إلى شريكه لم تبرأ ذمته فإذا قبض حقه فلشريكه مشاركته
فيما قبض لأن الدين لهما ثابت بسبب واحد فما قبض منه يكون بينهما كما لو كان ميراثا وله ان لا يشاركه
ويطالب المشتري بحقه كله ويحتمل أن لا يملك الشريك مشاركته فيما قبض لأن كل واحد منهما يستحق
ثمن نصيبه الذي ينفرد به فلم يكن لشريكه مشاركته فيما قبض من ثمنه كما لو باع كل واحد نصيبه في
179

صفقة، ويخالف الميراث لأن سبب استحقاق الورثة لا يتبعض فلم يكن للورثة تبعيضه وههنا يتبعض لأنه
إذا كان البائع اثنين كان بمنزلة عقدين ولان الوارث نائب عن الموروث فكان ما يقضه هو للموروث
يشترك فيه جميع الورثة بخلاف مسئلتنا فإن ما يقبضه لنفسه، فإن قلنا له مشاركته فيما قبض فعليه اليمين
أنه لم يستوف حقه من المشتري ويأخذ من القابض نصف ما قبضه ويطالب المشتري ببقية حقه إذا
حلف له أيضا أنه ما قبض منه شيئا وليس للمقبوض منه ان يرجع على المشتري بعوض ما أخذ منه
لأنه مقر ان المشتري قد برئت ذمته من حق شريكه وإنما أخذ منه ظلما فلا يرجع بما ظلمه هذا
على غيره، وإن خاصم المشتري شريك البائع وادعى عليه انه قبض الثمن منه وكانت له بينة حكم بها
وتقبل شهادة البائع له إذا كان عدلا لأنه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنه ضررا لأنه إذا ثبت
ان شريكه قبض الثمن لم يملك مطالبته بشئ لأنه ليس بوكيل له في القبض فلا يقع قبضه له هكذا
ذكر بعض أصحابنا، قال شيخنا وعندي لا تقبل شهادته له لأنه يدفع عن نفسه ضرر مشاركة
شريكه له فيما يقضه من المشتري فإذا لم يكن بينة فحلف اخذ من المشتري نصف الثمن وان نكل
أخذ المشتري منه نصفه
(فصل) وإذا كان العبد بين اثنين فغصب رجل نصيب أحدهما بان يستولي على العبد ويمنع أحدهما
180

الانتفاع دون الآخر ثم إن مالك نصفه والغاصب باعا العبد صفقة واحدة صح في نصيب المالك وبطل في نصيب
الغاصب، وان وكل الشريك الغاصب أو وكل الغاصب الشريك في البيع فباع العبد كله صفقة واحدة بطل
في نصيب الغاصب في الصحيح وهل يصح في نصيب الشريك؟ على روايتين بناء على تفريق الصفقة
وقد بطل البيع في بعضها فيبطل في سائرها بخلاف ما إذا باع المالك والغاصب فإنهما عقدان لأن عقد
الواحد مع الاثنين عقدان ولو أن الغاصب ذكر للمشتري انه وكيل في نصفه لصح في نصيب الآذن
لكونه كالعقد المنفرد.
(فصل) إذا كان لرجلين دين بسبب واحد اما عقد أو ميراث أو استهلاك أو غير ذلك فقبض أحدهما
منه شيئا فللآخر مشاركته فيه في ظاهر المذهب وعن أحمد ما يدل على أن لأحدهما أخذ حقه دون
صاحبه ولا يشاركه الآخر فيما أخذ وهو قول أبي العالية وأبي قلابة وابن سيرين وأبي عبيد، قيل لأحمد
بعت أنا وصاحبي متاعا بيني وبينه فأعطاني حقي وقال هذا حقك خامة وأنا أعطي شريكك بعد؟ قال
لا يجوز قيل له فإن أخره أو أبرأه من حقه دون صاحبه؟ قال يجوز، قيل فقد قال أبو عبيد يجوز أن يأخذ
دون صاحبه إذا كان له أن يؤخر ويبرئه دون صاحبه ففكر فيها ثم قال هذا يشبه الميراث إذا أخذ منه
بعض الورثة دون بعض وقد قال ابن سيرين وأبو قلابة وأبو العالية من أخذ شيئا فهو نصيبه قال فرأيته
قد احتج له وأجازه قال أبو بكر العمل عندي على ما رواه حنبل وحرب انه لا يجوز أن يكون نصيب
181

القابض له فيما أخذه لما في ذلك من قسمة الدين في الذمة من غير رضا الشريك فيكون المأخوذ ولا باقي
جميعا مشتركا، ولغير القابض الرجوع على القابض بحصته من الدين سواء كان المال باقيا في يده أو أخرجه عنها
برهن أو قضاء دين أو غيره، وله ان يرجع على الغريم لأن الحق يثبت في ذمته لهما على وجه سواء فليس
له تسليم حق أحدهما إلى الاخر فإن أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشئ لأن حقه ثبت في أحد
المحلين فإذا اختار أحد ما سقط حقه من الآخر، وليس للقابض منعه من الرجوع على الغريم بأن يقول
أنا أعطيك نصف ما قبضت بل الخيرة إليه من أيهما شاء قبض فإن قبض من شريكه شيئا رجع الشريك
على الغريم بمثله فإن هلك المقبوض في يد القابض تعين حقه فيه ولم يضمنه للشريك لأنه قدر حقه
فما تعدى بالقبض وإنما كان لشريكه مشاركته لثبوته في الأصل مشتركا وإن أبرأ أحد الشريكين من
حقه برئ منه لأنه بمنزلة تلفه ولا يرجع على غريمه بشئ وان أبرأ أحدهما من عشر الدين ثم قبضا
من الدين شيئا اقتسماه على قدر حقهما في الباقي للمبرئ أربعة أتساعه ولشريكه خمسة أتساعه فإن قبضا
نصف الدين ثم أبرأ أحدهما من عشر الدين كله نفذت في خمس الباقي وما بقي بينهما على ثمانية
لمبرئ ثلاثة أثمانه وللآخر خمسة أثمانه فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه على هذا، وإن اشترى أحدهما بنصيبه
ثوبا أو غيره فللا خر إبطال الشراء فإن بذل له المشتري نصف الثوب ولا يبطل لم يلزمه ذلك وإن
182

أجاز البيع ليملك نصف الثوب انبنى على بيع الفضولي هل يقف على الإجازة أو لا؟ وإن أخر أحدهما حقه
من الدين جاز لأنه لو أسقط حقه جاز فتأخيره أولى فإن قبض الشريك بعد ذلك شيئا لم يكن لشريكه
الرجوع عليه بشئ ذكره القاضي، والأولى أن له الرجوع لأن الدين الحال لا يتأجل بالتأجيل فوجود
التأجيل كعدمه، وأما إذا قلنا بالرواية الأخرى وأن ما يقبضه أحدهما له دون صاحبه فوجهها ان ما في
الذمة لا ينتقل إلى العين إلا تسليمه إلى غريمه أو وكيله وما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض
ولا لو كيله فلا يثبت له فيه حق ويكون لقابضه لثبوت يده عليه بحق فأشبه ما لو كان الدين بسببين وليس
هذا قسمة الدين في الذمة وإنما تعين حقه بقبضه فأشبه تعينه بالابراء ولأنه لو كان لغير لقابض حق
في المقبوض لم يسقط بتلفه كسائر الحقوق ولان هذا القبض إن كان بحق لم يشاركه غيره فيه كما لو كان
الدين بسببين وإن كان بغير حق لم يكن له مطالبته لأن حقه في الذمة لا في العين فأشبه مالوا خذ غاصب
منه مالا، فعلى هذا ما قبضه القابض يختص به وليس لشريكه الرجوع عليه، وإن اشترى بنصيبه شيئا صح
ولم يكن لشريكه إبطال الشراء، وإن قبض أكثر من حقه بغير إذن شريكه لم يبرأ الغريم مما زاد على حقه
(فصل) الثالث شركة الوجوه وقد اختلف في تفسيرها قال الخرقي وهو ان يشترك اثنان بمال
غيرهما وقال القاضي معناها ان يدفع واحد ماله إلى اثنين مضاربة فيكون المضاربان شريكين في
183

الربح بمال غير هما لأنهما إذا اخذا المال بجاههما لم يكونا مشتركين بملك غيرهما وهذا محتمل، وقال غيره
معناها أنهما اشتركا فيما يأخذان من مال غيرهما وحملوا كلام الخرقي على ذلك ليكون كلامه جامعا لأنواع
الشركة، وعلى تفسير القاضي تكون الشركة بين ثلاثة ويكون الخرقي قد أخل بذكر نوع من أنواع
الشركة، وهي شركة الوجوه على تفسير القاضي فأما شركة الوجوه على ما ذكره شيخنا في الكتاب
المشروح فهي ان يشترك اثنان فيما يشتريان بجاههما وثقة التجار بهما من غيران يكون لهما رأس مال على أن
ما يشتريانه فهو بينهما نصفين أو أثلاثا أو نحو ذلك ويبيعان ذلك فما قسم الله من الربح فهو بينهما
فهي جائزة سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قدره أو ذكر صنف المال أو لم يعين شيئا من ذلك بل قال
ما اشتريت من شئ فهو بيننا، قال احمد في رواية ابن منصور في رجلين اشتركا بغير رؤوس أموالهما على أن
ما يشتريه كل واحد منهما بينهما فهو جائز وبهذا قال الثوري ومحمد بن الحسن وابن المنذر وقال أبو حنيفة
لا يصح حتى يذكر الوقت أو المال أو صنفا من الثياب، وقال مالك والشافعي يشترط ذكر شرائط الوكالة
لأن شرائط الوكالة معتبرة في ذلك من تعيين الجنس وغيره من شروط الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه
ولنا انهما اشتركا في الابتياع وأذن كل واحد منهما للآخر فيه فصح وكان يتبايعانه بينهما كما لو ذكرا شرائط
الوكالة وقولهم ان الوكالة لا تصح حتى يقدر الثمن والنوع ممنوع وان سلم فإنما يعتبر في الوكالة المفردة أما الوكالة
الداخلة في ضمن الشركة فلا يعتبر فيها ذلك بدليل المضاربة وشركة العنان فإن في ضمنها توكيلا ولا يعتبر فيها شئ
من هذا كذا ههنا، فعلى هذا ان قال لرجل ما اشتريت اليوم من شئ فهو بيني وبينك نصفان أو اطلق الوقت فقال
نعم أو قال ما اشتريت انا من شئ فهو بيني وبينك نصفان جاز وكانت شركة صحيحة لأنه اذن له في التجارة على أن
يكون المبيع بينهما وهذا معنى الشركة ويكون توكيلا له في شراء نصف المتاع بنصف الثمن فيستحق
الربح في مقابلة ملكه الحاصل في المبيع سواء خص ذلك بنوع من المتاع أو اطلق وكذلك لو قالا ما اشتريناه
184

أو ما اشتراه أحدنا من تجارة فهو بيننا فكل واحد وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن لأن مبناها على الوكالة
والكفالة لأن كل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه ويبيعه كفيل عنه بذلك
(مسألة) (والملك بينهما على ما شرطاه) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنون على شروطهم، والوضيعة
على قدر ملكيهما قياسا على شريكي العنان لأنها في معناها، والربح بينهما على ما شرطاه لذلك، ويحتمل أن
يكون على قدر ملكيهما قاله القاضي لأن الربح يستحق بالضمان إذ الشركة وقعت عليه خاصة إذ
لا مال لهما فيشتركان على العمل فيه والضمان لا تفاضل فيه فلا يجوز التفاضل في الربح
ولأنها شريكان في العمل والمال فجاز تفاضلهما في الربح مع تساو يهما في المال كشريكي العنان
(مسألة) (وهما في التصرفات كشريكي العنان)
يعني فيما يجب لهما وعليهما وفي إقرارهما وخصومتهما وغير ذلك على ما ذكرناه وأيهما عزل صاحبه عن
التصرف انعزل لأنه وكيله، وسميت شركة الوجوه لأنهما اشتركا فيما يشتريان بجاههما والجاه والوجه
واحد يقال فلان وجيه إذا كان ذا جاه قال الله تعالى في موسى عليه السلام (وكان عند الله وجيها)
(فصل) الرابع شركة الأبدان وهي أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما فهي شركة صحيحة
فهي أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه من المباح كالحطب والحشيش والثمار المأخوذة من الحبال
والاصطياد والمعادن والتلصص على دار الحرب فهذا جائز نص عليه احمد في رواية أبي طالب فقال
185

لا بأس أن يشترك القوم بأبدانهم وليس لهم مال مثل الصيادين والحمالين والنخالين قد أشرك النبي
صلى الله عليه وسلم بين عمار وسعد وابن معسود فجاء سعد بأسيرين ولم يجيئا بشئ، وفسر احمد صفة
الشركة في الغنيمة فقال يشتركان فيما يصيبان من سلب المقتول لأن القاتل يختص به دون الغانمين وبه
قال مالك وقال أبو حنيفة يصح في الصناعة ولا يصح في اكتساب المباح كالاحتشاش والاغتنام لأن
الشركة مقتضاها الوكالة ولا تصح الوكالة في هذه الأشياء لأن من أخذها ملكها، وقال الشافعي شركة
الأبدان كلها فاسدة لأنها شركة على غير مال فلم تصح كما لو اختلفت الصناعات
ولنا ما ورى أبو داود والأثرم باسنادهما عن عبد الله قال اشتركنا أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم
أجئ انا عمار بشئ وجاء سعد بأسيرين. ومثل هذا لا يخفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقرهم وقد
قال أحمد أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن قيل فالمغانم مشتركة بين الغانمين بحكم الله تعالى فكيف يصح
اختصاص هؤلاء بالشركة فيها؟ وقال بعض الشافعية غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له ان
يدفعها إلى من يشاء فيحتمل أن يكون فعل ذلك لهذا قلنا أما الأول فالجواب عنه ان غنائم بدر كانت
لمن أخذها قبل أن يشرك الله تعالى بينهم ولهذا نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أخذ شيئا فهو له) فكان
ذلك من قبل المباحات من سبق إلى شئ فهو له ويجوز أن يكون شرك بينهم فيما يصيبون من الأسلاب
والنقل الا ان الأول أصح لقوله جاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعما بشئ
186

وأما الثاني فإن الله تعالى إنما جعل الغنيمة لنبيه عليه السلام بعد أن غنموا واختلفوا في الغنائم
فأنزل الله تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) والشركة كانت قبل ذلك ويدل
على صحة هذا أنها لو كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاما أن يكون قد أباحهم أخذها فصارت كالمباحات أولم
يبحها لهم فكيف يشتركون في شئ لغيرهم؟ وفي هذا الخبر حجة على أبي حنيفة أيضا لأنهم اشتركوا في
مباح وفيما ليس بضاعة وهو يمنع ذلك ولان العمل أحد جهتي المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال
وعلى أبي حنيفة أيضا أنهما اشتركا في مكسب مباح فصح كما لو اشتركا في الخياطة والقصارة ولا نسلم
ان الوكالة لا تصح في المباحات فإنه يصح أن يستنيب في تحصيلها بأجرة فكذلك يصح بغير عوض إذا
تبرع آخذها بذلك كالتوكيل في بيع ماله ومبناهما على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه وما
يتقبله كل واحد منهما من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما
(مسألة) (وتصح مع اتفاق الصنائع رواية واحدة فأما مع اختلافهما ففيه وجهان
(أحدهما) لا تصح اختاره أبو الخطاب وهو قول مالك لأن مقتضاها أن ما يتقبله كل واحد منهما من العمل
يلزمها ويطالب به كل واحد منهما فإذا تقبل أحدهما شيئا مع اختلاف صنائعهما لم يمكن الآخر ان يقوم
به فكيف يلزمه عمله؟ أم كيف يطالب بما لا قدرة له عليه؟ (والثاني) تصح اختاره القاضي لأنهما اشتركا في
مكسب مباح فصح كما لو اتفقت الصنائع ولان الصنائع المتفقة قد يكون أحد الرجلين احذق فيها من
الآخر فربما يتقبل أحدهما مالا يمكن الآخر عمله ولم يمنع ذلك صحتها فكذلك إذا اختلفت الصنائع
187

وقولهم يلزم كل واحد منهما ما يتقبله صاحبه قال القاضي يحتمل ان لا يلزمه ذلك كالوكيلين بدليل
صحتها في المباح ولا ضمان فيها وإن قلنا يلزمه أمكنه تحصيل ذلك بالأجرة أو بمن يتبرع له بعمله
ويدل على صحة هذا انه لو قال أحدهما انا أتقبل وأنت تعمل صحت الشركة وعمل كل واحد منهما
غير عمل صاحبه. وقال زفر لا تصح الشركة إذا قال أحدهما انا أتقبل وأنت تعمل ولا يستحق العامل
المسمى وإنما له اجر المثل. ولنا ان الضمان يستحق به الربح بدليل شركة الأبدان و تقبل العمل
يوجب الضمان على المتقبل ويستحق به الربح فصار كتقبله المال في المضاربة والعمل يستحق به
العامل الربح كعمل المضارب فينزل منزلة المضاربة
(فصل) والربح في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه من مساواة أو تفاضل لأن العمل يستحق به
الربح وقد يتفاضلان في المعل فجاز تفاضلهما في الربح الحاصل به ولكل واحد منهما المطالبة بالأجرة
وللمستأجر دفعها إلى كل واحد منهما وأيهما دفعها إليه برئ منها، وان تلفت في يد أحدهما من غير
تفريط فهي من ضمانهما لأنهما كالوكيلين في المطالبة، وما يتقبله كل واحد منهما من الأعمال فهو من
ضمانهما يطالب به كل واحد منهما ويلزمه عمله لأن هذه الشركة لا تنعقد إلا على المضان ولا شئ
فيها تنعقد عليه الشركة حال الضمان فكأن الشركة تضمنت ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه
188

وقال القاضي يحتمل ان لا يلزم أحدهما ما لزم الآخر كما ذكرنا من قبل وما يتلف بتعدي أحدهما
أو تفريطه أو تحت يده على وجه يوجب الضمان عليه فهو عليه وحده وإن أقر أحدهما بما في
يده قبل عليه وعلى شريكه لأن اليد له فيقبل اقراره بما فيها ولا يقبل اقراره بما في يد شريكه ولا
بدين عليه لأن لا يدله على ذلك
(مسألة) (وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما فإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه ذلك)
وجملة ذلك أنه إذا عمل أحدهما دون الآخر فالكسب بينهما قال ابن عقيل نص عليه أحمد
في رواية إسحاق بن هانئ وقد سئل عن الرجلين يشتركان في عمل الأبدان فيأتي أحدهما بشئ
ولا يأتي الآخر بشئ؟ فقال نعم هذا بمنزلة حديث سعد وعمار وابن مسعود يعني حيث اشتركوا فجاء
سعد بأسيرين وأخفق الآخران ولا ن العمل مضمون عليهما معا وبضمانهما له وجبت الأجرة فتكون
لهما كما كان الضمان عليهما ويكون العامل عونا لصاحبه في حصته ولا يمنع ذلك استحقاقه كم استأجر
رجلا ليقصر له ثوبا فاستعان القاصر بانسان فقصر معه كانت الأجرة للقصار المستأجر كذا ههنا وسواء
ترك العمل لمرض أو غيره فإن طالب أحدهما الآخران يعمل معه أو يقيم مقامه من يعمل فله ذلك
فإن امتنع فللآخر الفسخ ويحتمل أنه إذا ترك العمل لغير عذر ان لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله
189

دونه لأنه إنما شاركه ليعملا جميعا فإذا ترك أحدهما العمل فما وفي بما شرط على نفسه فلم يستحق ما
جعل له في مقابلته وإنما احتمل ذلك فيما إذا تركه لعذر لأنه لا يمكن التحرز منه
(مسألة) (وان اشتركا ليحملا على دابتيهما والأجرة بينهما صح) لأنه نوع من الاكتساب
والدابتان آلتان فاشبها الأداة
(مسألة) (فإذا تقبلا حمل شئ فحملاه عليهما أو على غير الدابتين صحت الشركة) والأجرة بينهما
على ما شرطاه لأن تقبلهما الحمل أثبت الضمان في ذمتهما ولهما ان يحملا باي ظهر كان والشركة تنعقد
على الضمان كشركة الوجوه فأشبه ما لو تقبلا قصارة فقصراها بغير أداتهما
(مسألة) (وان أجراهما بأعيانهما فلكل واحد منهما أجرة دابته)
أما إذا أجرا الدابتين بأعيانهما على حمل شئ بأجرة معلومة واشتركا على ذلك لم تصح الشركة
ولكل واحد منهما أجرة دابته لأنه لم يجب ضمان الحمل في ذممهما وإنما استحق المكتري منفعة
البهيمة التي استأجرها ولهذا تنفسخ الإجارة بموت الدابة المستأجرة ولان الشركة إما أن تنعقد على
الضمان في ذممهما أو على عملهما وليس هذا بواحد منهما فإنه لم يثبت في ذممهما ضمان ولا عملا بأبدانهما
ما تجب الأجرة في مقابلته ولان الشركة تتضمن الوكالة والوكالة على هذا الوجه لا تصح ولهذا قال أجر
190

عبدك وتكون أجرته بيني وبينك لم يصح كما لو قال بع عبدك وثمنه بيننا لم يصح قال شيخنا ويحتمل
ان تصح الشركة كما لو اشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل
والنقل كان له أجر مثله لأنها منافع وفاها بشبهة عقد
(فصل) فإن كان لأحدهما أداة قصارة ولآخر بيت فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا
والكسب بينهما جاز والأجرة على ما شرطاه لأن الشركة وقعت على عملهما والعمل يستحق به الربح
في الشركة والآلة والبيت لا يستحق بهما شئ لأنهما يستعملان في العمل المشترك فصارا كالدابتين اللتين
أجرهما لحمل الشئ الذي تقبلا حمله، وان فسدت الشركة قسم الحاصل لهما على قدر أجر عملهما وأجر
الدار والأداة، وان كانت لأحدهما آلة وليس للآخر شئ أو لأحدهما بيت وليس للآخر شئ فاتفقا
على أن يعملا بالآلة أو في البيت والأجرة بينهما جاز لما ذكرنا
(فصل) وان دفع رجل دابته إلى آخر ليعملا عليها وما رزق الله بنيهما نصفين أو أثلاثا أو ما
شرطاه صح نص عليه أحمد في رواية الأثرم ومحمد بن أبي حرب وأمد بن سعيد ونقل عن الأوزاعي
ما يدل عليه هذا وكره ذلك الحسن والنخعي، وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي
لا يصح والربح كله لرب الدابة لأن الحمل الذي يستحق به العوض منها وللعامل أجر مثله لأن هذا ليس
من اقسام الشركة إلا أن تكون المضاربة ولا تصح المضاربة بالعروض ولان المضاربة تكون
191

بالتجارة في الأعيان وهذه لا يجوز بيعها ولا اخراجها عن ملك مالكها وقال القاضي يتخرج أن لا
يصح بناء على أن المضاربة بالعروض لا تصح فعلى، هذا إن كان أجر الدابة بعينها فالأجرة لمالكها
وان تقبل حمل شئ فحمله عليها أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه فالأجرة والثمن له وعليه أجر مثلها لمالكها
ولنا أنها عين تنمي بالعمل عليها فصح العقد ببعض نمائها كالدراهم والدنانير وكالشجر في المساقاة
والأرض في المزارعة قولهم ليس من أقسام الشركة ولا هو مضاربة قلنا نعم لكنه يشبه المساقاة
المزارعة فإنه دفع لعين المال إلى من يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها وبهذا يتبين أن تخرجها
على المضاربة بالعروض فاسد فإن المضاربة إنما تكون بالتجارة والتصرف في رقبة المال وهذا بخلافه
وذكر القاضي في موضع آخر ان من استأجر دابة بنصف ما يرزق الله تعالى أو ثلثه جاز قال شيخنا
ولا أرى لهذا وجها فإن الإجارة يشترط لصحتها العلم بالعوض وتقدير المدة أو العمل ولم يوجد ولان
هذا عقد غير منصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص فهو كسائر العقود الفاسدة إلا أن يريد بالإجارة
المعاملة على الوجه الذي تقدم وقد إشارة أحمد إلى ما يدل على تشبيهه لمثل هذا بالمزارعة فقال لا بأس
192

بالثوب يدفع بالثلث والربع لحديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر وهذا يدل على أنه
صار في هذا ومثله إلى الجواز لشبهه بالمساقاة والمزارعة لا إلى المضاربة والإجارة
(فصل) نقل أبو داود عن أحمد فيمن يعطي فرسه على النصف من الغنيمة أرجوان لا يكون به
بأس قال إسحاق بن إبراهيم قال أبو عبد الله إذا كان على النصف والربح فهو جائز وبه قال
الأوزاعي ونقل أحمد بن سعيد عن أحمد فيمن دع عبده إلى رجل ليكتسب عليه ويكون له ثلث ذلك
أو ربعه فجائز والوجه فيه ما ذكرناه في مسألة الدابة وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصا ويبيعها
وله نصف ربحها بحق عمله جاز نص عليه في رواية حرب وكذلك ان دفع غزلا إلى رجل ينسجه
بثلث ثمنه أو ربعه جاز نص عليه، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي لا يجوز شئ من ذلك لأنه عوض مجهول
وعمل مجهول وقد ذكرنا وجه جوازه فإن جعل له مع ذلك دراهم لم يجز نص عليه وعنه يجوز
والصحيح الأول قال أبو بكر هذا قول قديم وما روي غير هذا فعليه المعتمد قال الأثرم سمت أبا عبد
الله يقول لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع وسئل عن الرجل يعطي الثوب بلا ثلث ودراهم أو
درهمين قال أكرهه لأن هذا شئ لا يعرف والثلث إذا لم يكن معه شئ نراه جازا لحديث جابر أن
193

النبي صلى الله عليه وسلم اعطى خيبر على الشطر قيل لأبي عبد الله فإن كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث
درهما؟ قال فليجعل له ثلثا وعشرا ثلثا ونصف عشر وما أشبهه وروى الأثرم عن ابن سيرين والنخعي
والزهري وأيوب ويعلى بن حكيم انهم أجازوا ذلك وقال ابن المنذر كره هذا كله الحسن وقال أبو
ثور وأصحاب الرأي: هذا كله فاسد واختاره ابن المنذر وابن عقيل وقالوا لو دفع شبكته إلى الصياد
ليصيد بها السمك بينهما نصفان فالصيد كله للصائد ولصاحب الشبكة اجر مثلها وقياس ما نقل عن أحمد
صحة الشركة وما رزق الله بينهما على ما شرطاه لأنها عين تنمي بالعمل فيها فصح دفعها ببعض نمائها كالأرض
(فصل) وقد ذكر ابن عقيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان وهو ان
يعطي الطحان أقفزة معلومة يطحنها بقفيز دقيق منها وعلة المنع انه جعل له بعض معموله اجرا لعمله
فيصير الطحن مستحقا له وعليه وهذا الحديث لا نعرفه ولم تثبت صحته ولا ذكره أصحاب السنن
وقياس قول احمد جوازه لما ذكرنا عنه من المسائل
(فصل) فإن كان لرجل دابة ولآخر إكاف وجوالقات فاشتركا على أن يؤجراهما والأجرة
194

بينهما نصفان فهو فاسد لأن هذه أعيان لا يصح الاشتراك فيها كذلك في منافعها إذا تقديره اجر
دابتك لتكون اجرتها بيننا وأؤجر جوالقاتي لتكون اجرتها بيننا وتكون كلها لصاحب البهيمة لأنه
مالك الأصل وللآخر اجر مثله على صاحب البهيمة لأنه استوفى منافع ملكه بعقد فاسد، هذا إذا
اجر الدابة بما عليها من الإكاف والجوالقات في عقد واحد فأما ان اجر كل واحد منهما ملكه
مفردا فلكل واحد اجر ملكه وهكذا لو قال رجل لصاحبه اجر عبدي والاجر بيننا كان الاجر
لصاحبه وللآخر اجر مثله وكذلك في جميع الأعيان
(فصل) فإن اشترك ثلاثة من أحدهم دابة ومن آخر رواية ومن آخر العمل على أن ما رزق الله
تعالى فهو بينهم صح في قياس قول احمد فإنه نص في الدابة يدفعها إلى آخر يعمل عليها على أن لهما
الأجرة على الصحة وهذا لأنه دفع دابته إلى آخر يعمل عليها والرواية عين تنمي بالعمل عليها فهي
كالبهيمة فعلى هذا يكون ما رزق الله بينهم على ما اتفقوا عليه وهذا قول الشافعي ولأنهما وكلا العامل في
كسب مباح بآلة دفعا ها إليه فأشبه ما لو دفع إليه أرضه ليزرعها، وهكذا لو اشترك أربعة من أحدهم دكان ومن
195

اخر رحى ومن اخر بغل ومن اخر العمل على أن يطحنوا بذلك فما رزق الله تعالى فهو بينهم صح وكان
بينهم على ما شرطوه وقال القاضي العقد فاسد في المسئلتين جميعا وهو ظاهر قول الشافعي، لأن هذا لا يجوز
أن يكون مشاركة ولا مضاربة لكونه لا يجوز أن يكون رأس مالهما العروض ولان من شرطهما عود رأس
المال سليما بمعني أنه لا يستحق شئ من الربح حتى يستوفى رأس المال بكماله والرواية هنا تخلق وتنقص،
ولا إجارة لأنها تفتقر إلى مدة معلومة وأجر معلوم فتكون فاسدة، فعلى هذا يكون الاجر كله في المسألة
الأولى للسقاء لأنه لما غرف الماء في الاناء ملكه فإذا باعه فثمنه له لأنه عوض ملكه وعليه لصاحبه
أجر المثل لأنه استعمل ملكهما بعوض يسلم لهما فكان لهما أجر المثل كسائر الإجارات الفاسدة وأما
في المسألة الثانية فإنهم إذا طحنوا الرجل طعاما بأجرة نظرت في عقد الإجارة فإن كان من واحد منهم
ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فالاجر كله له وعليه لأصحابه أجر المثل، وان نوى أصحابه أو ذكرهم
كان كما لو عقد مع كل واحد منهم منفردا أو استأجر من جميعهم فقال استأجر تكم لتطحنوا لي هذا الطعام
196

بكذا فالاجر بينهم أرباعا لأن كل واحد منهم قد لزمه طحن ربعه ويرجع كل واحد منهم على أصحابه
بربع أجر مثله وان قال استأجرت هذا الدكان والبغل والرحا وهذا الرجل بكذا وكذا من الطعام
صح والاجر بينهم على قدر أجر مثلهم لكل واحد من المسمى بقدر حصته في أحد الوجهين وفي
الاخر يكون بينهم أرباعا بناء على ما إذا تزوج أربعا بمهر واحد أو كاتب أربعة أعبد بعوض واحد
هل يكون العوض أرباعا أو على قدر قيمتهم؟ على وجهين
197

(مسألة) (وان جمعا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة صح) لأن كل واحد منهما
يصح منفردا فصح مع غيره كحالة الانفراد
(فصل) الخامس شركة المفاوضة وهو أن يدخلا في الشركة الأكساب النادرة كوجدان لقطة
أو ركاز أو ما يحصل لهما من ميراث وما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أرش جناية أو نحو ذلك
198

فهذه شركة فاسدة، وبهذا قال الشافعي واجازه الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وحكي عن مالك وشرط
أبو حنيفة لها شروطا وهي ان يكونا حرين مسلمين وأن يكون مالهما في الشركة سواء وان يخرجا
جميعا ما يملكانه من جنس الشركة وهو الدراهم والدنانير، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة ولأنها نوع شركة تختص باسم فكان منها صحيح كشركة العنان
ولنا أنه عقد لا يصح بين كافرين ولابين كافر ومسلم فلم يصح بين المسلمين كسائر العقود الفاسدة ولأنه
199

عقد لم يرد الشرع بمثله فلا يصح كما ذكرنا ولان فيه غررا فلم يصح كبيع الغرر، بيان غرر انه يلزم كل
واحد ما لزم الآخر وقد يلزمه شئ لا يقدر على القيام به وقد أدخلا فيه الأكساب النادرة فاما الخبز فلا
نعرفه ولا رواه أصحاب المنن وليس فيه ما يدل على أنه أراد هذا العقد فيحتمل انه أراد المفاوضة في
الحديث ولهذا روي فيه (ولا تجادلوا فإن المجادلة من الشيطان) وأما القياس فلا يصح فإن اختصاصها باسم
لا يقتضي الصحة كبيع المنابذة والملامسة وسائر البيوع الفاسدة وشركة العنان تصح بين الكفارين والكافر
والمسلم بخلاف هذا
200

باب الوكالة
وهي جائزة بالكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها) فجوز العمل عليها وذلك بحكم النيابة عن المستحقين وأيضا قوله تعالى (فابعثوا أحدكم
بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) وهذه وكالة، وأما السنة فروى
أبو داود والأثرم وابن ماجة باسنادهم عن عروة بن الجعد قال عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا
فقال (يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة) قال فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت
أسوقهما وأقودهما فلقبني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم
بالدينار وبالشاة فقلت يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال (وصنعت كيف؟) قال فحدثته الحديث فقال
(اللهم بارك له في صفقة يمينه) هذا لفظ رواية الأثرم وروى أبو داود باسناده عن جابر بن عبد الله
قال أردت الخروج إلى خيبر فاتيت النبي صلى الله عليه وقلت أني أردت الخروج إلى خيبر فقال (ائت
وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) وروي عنه صلى الله
عليه وسلم أنه وكل عمر وبن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة
201

وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة، ولان الحاجة داعية إلى ذلك فإنه لا يمكن كل أحد
فعل ما يحتاج إليه بنفسه.
(مسألة) (تصح الوكالة بكل قول بدل الاذن وكل قول أو فعل بدل القبول)
لا تصح الوكالة الا بالايجاب والقبول لأنه عقد تعلق به حق كل واحد منهما فافتقر إلى الايجاب
والقبول كالبيع، والايجاب هو كل لفظ دل على الاذن نحو قوله افعل كذا أو أذنت لك في فعله فإن
النبي صلى الله عليه وسلم وكل عروة بن الجعد في شراء شاة بلفظ الشراء وكذلك قوله تعالى حكاية
عن أهل الكهف (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة إلى قوله فليأتكم برزق منه) ولأنه لفظ
دل على الاذن فهو كقوله وكلتك ويكفي في القبول قوله قبلت وكل لفظ دل عليه ويجوز بكل فعل
دل عليه أيضا نحو ان يفعل لأن ما أمره بفعله لأن الذين وكلهم النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم
سوى امتثال امره ولأنه اذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفصل كأكل الطعام
(مسألة) (يجوز القبول على الفور والتراخي نحوان يوكله في بيع شئ فيبيعه بعد سنة أو يبلغه
أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت)
لأن قبول وكلاء النبي صلى الله عليه كان بفعلهم وكان متراخيا عن توكيله إياهم ولأنه اذن في التصرف
والاذن قائم ما لم يرجع عنه أشبه الإباحة وهذا كله مذهب الشافعي
(فصل) ويجوز تعليقها على شرط نحو قوله إذا قدم الحاج فافعل كذا أو إذا جاء الشتاء فاشتر لنا
202

كذا أو إذا جاء الأضحى فاشتر لنا أضحية أو إذا طلب منك أهلي شيئا فادفعه إليهم أو إذا دخل
رمضان فقد وكلتك في كذا أو فأنت وكيلي وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي لا تصح لكن إن تصرف
صح تصرفه لوجود الاذن وإن كان وكيلا بجعل فسد المسمى وله اجر المثل لأنه عقد يملك التصرف
به في الحياة أشبه البيع
ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمير كم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله بن رواحة)
وهذا في معناه ولأنه عقد اعتبر في حق الوكيل حكمة وهو إباحة التصرف وصحته فكان صحيحا كما لو قال
أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج ولأنه لو قال وكلتك في شراء كذا في وقت كذا صح بلا
خلاف ومحل النزاع في معناه ولأنه اذن في التصرف أشبه الوصية والتأمير ولأنه عقد يصح بغير جعل
ولا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فصح بالجعل كالتوكيل الناجز
(مسألة) (ولا يصح التوكيل والتوكل في شئ إلا ممن يصح تصرفه فيه)
لأن من يصح تصرفه بنفسه فبنائبه أولى وكل من صح تصرفه في شئ بنفسه وكان مما تدخله
النيابة صح أن يوكل فيه رجلا كان أو امرأة حرا أو عبدا مسلما أو كافرا فأما من يتصرف بالاذن
كالعبد المأذون له والوكيل والمضارب فلا يدخلون في هذا، لكن يصح من العبد التوكيل فيما يملكه
دون سيده كالطلاق والخلع، وكذلك الحكم في المحجور عليه لسفه لا يوكل إلا فيما له فعله كالطلاق
203

والخلع وطلب القصاص، وكل ما صح ان يستوفيه بنفسه وتدخله النيابة صح أن يتوكل لغيره فيه إلا
الفاسق فإنه يصح أن يقبل النكاح لنفسه، وذكر القاضي أنه لا يجوز ان يقبله لغيره وظاهر كلام شيخنا
في الكتاب المشروح أنه يصح وهو قول أبى الخطاب وهو القياس ولا صحاب الشافعي وجهان كهذين
فأما توكيله في الايجاب فلا يجوز إلا على الرواية التي تثبت الولاية له وذكر أصحاب الشافعي في
في ذلك الوجهين (أحدهما) يجوز لأنه ليس بولي (والثاني) لا يجوز لأنه موجب للنكاح أشبه الولي
ولأنه لا يجوز ان يتولى ذلك بنفسه فلم يجز ان يتوكل فيه كالمرأة ويصح توكيل المرأة في طلاق نفسها
وغيرها ويصح توكيل العبد في قبول النكاح لأنه ممن يجوز ان يقبله لنفسه وإنما يقف ذلك على اذن
سيده ليرضى بتعلق الحقوق به، ومن لا يملك التصرف في شئ لنفسه لا يصح ان يتوكل فيه كالمرأة في
عقد النكاح وقبوله والكافر في تزويج مسلمة والطفل والمجنون في الحقوق كلها، وللمكاتب ان يوكل
فيما يتصرف فيه بنفسه وله ان يتوكل بجعل لأنه من اكتساب المال ولا يمنع من الاكتساب، وليس
له ان يتوكل بغير جعل الا باذن سيده لأن منافعه كاعيان ماله وليس له بذلك عين ماله بغير عوض
وتصح وكالة الصبي المميز بإذن الولي بناء على صحة تصرفه باذنه
(مسألة) (ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة وتملك
المباحات من الصيد والحشيش ونحوه الا الظاهر واللعان والايمان)
204

وجملة ذلك أن التوكيل يجوز في الشراء والبيع ومطالبة الحقوق والعتق والطلاق حاضرا كان الموكل
أو غائبا وقد ذكرنا الدليل على ذلك من الآية والخبر والحاجة تدعو إليه لأنه قد يكون ممن لا يحسن
البيع والشراء أو لا يمكنه الخروج إلى السوق وقد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه وقد يحسن
ولا يتفرغ وقد لا تليق به التجارة لكونه امرأة أو ممن يتعير بها ويحط ذلك من منزلته فأباحها الشرع
دفعا للحاجة وتحصيلا لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله سبحانه، وكذلك يجوز التوكيل في الحوالة
والرهن والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمضاربة والجعالة والمساقاة والإجارة والقرض والصلح
والهبة والصدقة والوصية والفسخ والابراء لأنها في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها
حكمه ولا نعلم فيه خلافا، ويجوز التوكيل في الخلع والرجعة لأن الحاجة تدعو إليه كدعائها إلى التوكيل
في البيع ويجوز التوكيل في تحصيل المباحات كاحياء الموات واستقاء الماء و الاصطياد والاحتشاش لأنها
تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز التوكيل فيه كالابتياع والايهاب
(فصل) ولا تصح في الايمان والنذور لأنها تتعلق بعين الحالف والناذر فأشبهت العبادات البدنية
والحدود ولا تصح في الايلاء والقسامة واللعان لأنها أيمان ولا في الظهار لأنه قول منكر وزور فلا
يجوز فعله ولا الاستنابة فيه ولا تجوز في القسم بين الزوجات لأنها تتعلق ببدن الزوج لأمر يختص به
205

ولا في الرضاع لأنه يختص بالمرضعة والمرتضع لأمر يختص بانبات لحم المرتضع وإنشاز عظمه من لبنها، ولا تصح
في الغصب ولا في الجنايات لأن ذلك محرم وكذلك كل محرم لأنه لا يحل له فعله بنفسه قلم تجز النيابة فيه
(مسألة) (ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج موليته إذا كان الوكيل ممن يصح
له ذلك لنفسه وموليته لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية الضمري وأبا رافع في قبول
النكاح له ولان الحاجة تدعو إليه فإنه ربما احتاج إلى التزويج من مكان بعيد لا يمكنه السفر إليه كما
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وهي بأرض الحبشة ويجوز أن يوكل من يزوج موليته لأن
الحاجة تدعو إليه فأشبه البيع إذا كان الوكيل ممن يصح منه ذلك لموليته، وهل يجز أن يكون فاسقا؟
ينبني على اشتراط ذلك في ولاية النكاح وسيذكر في بابه إن شاء الله
(فصل) ولا يصح التوكيل في الشهادة لأنها تتعلق بعين الشاهد لكونها خبرا عما رآه أو سمعه
ولا يتحقق هذا المعنى في نائبه فإن استناب فيها كان النائب شاهدا على شهادة لكونه يؤدي ما سمعه
من شاهد الأصل وليس بوكيل، ولا يصح في الاغتنام لأنه متى حضر النائب تعين عليه الجهاد فكان
السهم له ولا في الالتقاط لأنه بأخذه يصير لملتقطه
(فصل) ويجوز التوكيل في المطالبة بالحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها حاضرا كان الموكل أو غائبا
صحيحا أو مريضا وبه قال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد والشافعي وقال أبو حنيفة للخصم
206

أن يمتنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضرا لأن حضوره مجلس الحاكم ومخاصمته حق لخصمه
عليه فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضاء خصمه كالدين عليه
ولنا أنه حق تجوز النيابة فيه فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضاء خصمه كحالة غيبته ومرضه وكدفع
المال الذي عليه ولأنه اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن عليا وكل عقيلا عند أبي بكر رضي الله عنه
وقال ما قضي له فلي وما قضي عليه فعلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال إن للخصومة قحما
وان الشيطان يحضرها واني لاكره أن أحضرها قال أبو زياد القحم المهالك وهذه قصص اشتهرت
لأنها في مظنة الشهرة فلم ينقل انكارها ولان الحاجة تدعو إلى ذلك فإنه قد يكون له حق أو يدعى
عليه ولا يحسن الخصومة أو لا يحب أن يتولاها بنفسه ويجوز التوكيل في الاقرار ولأصحاب الشافعي
وجهان (أحدهما) لا يجوز التوكيل فيه لأنه إخبار بحق فلم يجز التوكيل فيه كالشهادة
ولنا أنه إثبات حق في الذمة بالقول فجاز التوكيل فيه كالبيع وفارق الشهادة فإنها لا تثبت الحق
وإنما هو اخبار بثبوته على غيره، ويجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف واستيفائهما لأنهما من
من حقوق الآدميين وتدعو الحاجة إلى التوكيل فيهما لأن من له الحق قد لا يحسن الاستيفاء
أو لا يحب أن يتولاهما
(مسألة) (ويجوز في كل حق لله تعالى تدخله النيابة من العبادات والحدود في اثباتها واستيفائها
كحد الزنا والسرقة)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) فغدا عليها أنيس
فاعترفت فأمر بها فرجت متفق عليه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم ما عز فرجموه ووكل عثمان
عليا في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة رواه مسلم ولان الحاجة تدعو إليه لأن الإمام لا يمكنه
207

تولي ذلك بنفسه، ويجوز التوكيل في اثباتها وقال أبو الخطاب لا يجوز وهو قول الشافعي لأنها تسقط
بالشبهات وقد أمرنا بدرئها بها والتوكيل توصل إلى الايجاب
ولنا حديث أنيس الذي ذكرناه فإن النبي صلى الله عليه وسلم وكله في إثباته واستيفائه جميعا
يقوله (فإن اعترفت فارجمها) وهذا يدل على أنه لم يكن ثبت وقد وكله في اثباته ولان الحاكم إذا استناب
دخل في ذلك الحدود فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم فبالتخصيص يكون دخولها أولى والوكيل
يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات
(فصل) فأما العبادات فما تعلق منها بالمال كالصدقات والزكاة والمنذورات والكفارات جاز
التوكيل في قبضها وتفريقها ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها ودفعها إلى مستحقها ويجوز أن يقول
لغيره اخرج زكاة مالي من مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها
وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمين أعلمهم ان عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) متفق عليه
ويجوز التوكيل في الحج إذا أيس المحجوج عنه من الحج بنفسه وكذلك العمرة ويجوز ان يستناب من
يحج عنه بعد الموت، فاما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام والطهارة من الحدت فلا يجوز
التوكيل فيها فإنها تتعلق ببدن من هي عليه فلا يقوم غيره مقامه الا أن الصيام المنذور يفعل عن الميت
وليس ذلك بتوكيل لأنه لم يوكل في ذلك ولا وكل فيه غيره، ولا يجوز في الصلاة إلا في ركعتي الطواف
تبعا للحج ولا تجوز الاستنابة في الطهارة الا في صب الماء وإيصاله إلى الأعضاء وفي تطهير النجاسة
عن البدن والثوب وغيرهما
(مسألة) (ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته نص عليه احمد وهو قول مالك الا القصاص،
وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته)
208

وقد أومأ إليه احمد وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية لأنه يحتمل ان يعفو الموكل في حال
غيبته فيسقط وهذا الاحتمال شبهة تمنع الاستيفاء ولان العفو مندوب إليه فإذا حضر احتمل ان يرحمه
فيعفو والأول ظاهر المذهب لأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته كالحدود وسائر
الحقوق واحتمال العفو بعيد والظاهر أنه لو عفا لبعث وأعلم وكيله بعفوه والأصل عدمه فلا يؤثر الا ترى ان
قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات مع احتمال النسخ
وكذلك لا يختلط في استيفاء الحدود باحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو بغير اجتهاد الحاكم.
(مسألة) (ولا يجوز للوكيل ان يوكل فيما يتولى مثله بنفسه إلا باذن الموكل وعنه يجوز وكذلك
الوصي والحاكم وله التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه أو يعجز عنه لكثرته)
وجملة ذلك أن التوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدها) ان ينهى الموكل وكيله عن التوكيل فلا
يجوز له ذلك بغير خلاف لأن ما نهاه عنه غير داخل في اذنه فلم يجزله كما لو لم يوكله (الثاني) ان يأذن
له في التوكيل فيجوز له لأنه عقد أذن فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه ولا نعلم في هذا خلافا
فإن قال وكلتك فاصنع ما شئت فله ان يوكل، وقال أصحاب الشافعي ليس له التوكيل في أحد الوجهين
لأن التوكيل يقتضي تصرفا يتولاه بنفسه فقوله اصنع ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه
ولنا ان لفظه عام فيما شاء فيدخل في عمومه التوكيل (الثالث) اطلق له الوكالة فلا يخلو من
اقسام ثلاثة (أحدها) أن يكون العمل مما يترفع الوكيل عن مثله كالأعمال الدنية في حق
أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة أو يعجز عن عمله لكونه لا يحسنه فإنه لا يجوز له التوكيل
فيه لأنه إذا كان مما لا يعمله الوكيل عادة انصرف الاذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه
(القسم الثاني) أن يكون مما يعمله بنفسه الا أنه يعجز عن عمله لكثرته وانتشاره فيجوز له التوكيل في
عمله أيضا لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل في فعل جميعه كما لو أذن فيه بلفظه، وقال القاضي عندي
209

أنه إنما له التوكيل فيما زاد على ما يتمكن من عمله بنفسه لأن التوكيل إنما جاز للحاجة فاختص ما دعت إليه
الحاجة بخلاف وجود إذنه فإنه مطلق ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (القسم الثالث) ما عدا هذين
القسمين وهو ما يمكنه عمله بنفسه ولا يترفع عنه فهل يجوز له التوكيل فيه؟ على روايتين (إحداهما)
لا يجوز نقلها ابن منصور وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي لأنه لم يأذن له بالتوكيل
ولا تضمنه اذنه فلم يجز كما لو نهاه ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له ان يوليه من لم
يأمنه عليه كالوديعة (والثانية) يجوز نقلها أحمد وبه قال ابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب لأن الوكيل له
أن يتصرف بنفسه فملكه بنائبه كالمالك والأولى أولى ولا يشبه الوكيل المالك فإن المالك يتصرف
في ملكه كيف شاء بخلاف الوكيل
(فصل) وكل وكيل جاز له التوكيل فليس له ان يوكل الا أمينا لأنه لا نظر للموكل في توكيل
من ليس بأمين فيفيد جواز التوكيل بما فيه الحظ والنظر كما أن الاذن في البيع يتقيد بالبيع بثمن
المثل الا ان يعين له الموكل من يوكله فيجوز توكيله وان لم يكن أمينا لأنه قطع نظره بتعيينه فإن وكل
أمينا فصار خائنا فعليه عزله لأن تركه يتصرف مع الخيانة تضييع وتفريط والوكالة تقتضي استئمان
أمين وهذا ليس بأمين فوجب عزله
(فصل) والحكم في الوصي يوكل فيما أوصى به إليه وفي الحاكم يولى القضاء في ناحية يستنيب
غيره حكم الوكيل فيما ذكرنا من التفصيل إلا أن المنصوص عن أحمد في رواية منها جواز ذلك وهو قول
الشافعي في الوصي لأن الوصي يتصرف بولائه بدليل انه لم يتصرف فيما لم ينص له على التصرف فيه
والوكيل لا يتصرف الا فيما نص له عليه قال شيخنا والجمع بينهما أولى لأنه متصرف في مال غيره
بالاذن فأشبه الوكيل وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة
210

(فصل) فأما الولي في النكاح فله التوكيل في تزويج موليته بغير إذنها أبا كان أو غيره وقال
القاضي فيمن لا يجوز له الاجبار هل هو كالوكيل؟ يخرج على الروايتين المنصوص عليهما في الوكيل ولا صحاب
الشافعي فيه وجهان (أحدهما) لا يملك التوكيل الا باذنها لأنه لا يملك التزويج الا باذنها أشبه الوكيل
ولنا ان ولايته من غير جهتها فلم يعتبر اذنها في توكيله فيها كالأب بخلاف الوكيل فإن الولي متصرف
بحكم الولاية الشرعية أشبه الحاكم ولان الحاكم يملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بعير إذن
النساء فكذلك الولي وما ذكروه يبطل بالحاكم والذي يعتبر اذنها فيه هو غير ما يوكل فيه بدليل ان
الوكيل لا يستغني عن إذنها في التزويج فهو كالموكل في ذلك
(فصل) إذا أذن الموكل في التوكيل فوكل كان الوكيل الثاني وكيلا للموكل لا ينعزل بموت الوكيل
الأول ولا عزله ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله وان أذن له ان يوكل لنفسه جاز وكان
وكيلا للوكيل ينعزل بموته وعزله، وان مات الموكل أو عزل الأول انعزلا جميعا لأنهما فرعان له لكن
أحدهما فرع الآخر فذهب حكمهما بذهاب أصلهما وان وكل من غير أن يؤذن له في التوكيل نطقا
بل وجد عرفا أو على الرواية التي أجزنا له التوكيل من غير إذن فالثاني وكيل الوكيل الأول حكمه
حكم ما لو أذن له ان يوكل لنفسه
(مسألة) (ويجوز توكيل عبد غيره باذن سيده)
لأن المنع لحق السيد فجاز باذنه ولا يجوز بغير اذنه لأنه لا يجوز له التصرف بغير اذن سيده
لكونه محجورا عليه فإذا أذن في ذلك صح كما تصح تصرفاته باذنه
(مسألة) (فإن وكله باذنه في شراء نفسه من سيده فعلى روايتين)
(إحداهما) يصح وبه قال أبو حنيفة وبعض الشافعية (والثانية) لا يجوز وهو قول بعض
211

الشافعية لأن يد العبد كيد سيده فأشبه ما لو وكله في الشراء من نفسه ولهذا يحكم للانسان بما في
يد عبده، ولنا انه يجوز ان يشتري عبدا من غير مولاه فجاز أن يشتريه من مولاه كالأجنبي وإذا جاز
ان يشتري غيره جاز ان يشتري نفسه كما أن المرأة لما جاز توكيلها في طلاق غيرها جاز في طلاق
نفسها، والوجه الذي ذكروه لا يصح لأن أكثر ما يقدر ههنا جعل توكيل العبد كتوكيل سيده وسنذكر
صحة توكيل السيد في البيع والشراء من نفسه فههنا أولى، فعلى هذا إذا قال العبد اشتريت نفسي لزيد
وصدقاه صح ولزم زيدا الثمن، وان قال السيد ما اشتريت نفسك الا لنفسك عتق العبد لاقرار السيد
على نفسه بما يعتق به ويلزم العبد الثمن في ذمته لسيده لأن زيدا لا يلزمه الثمن لعدم حصول العبد له
وكون سيده لا يدعيه عليه فلزم العبد لأن الظاهر ممن باشر العقد انه له، وان صدقه السيد وكذبه زيد نظرت
في تكذيبه فإن كذبه في الوكالة خلف وبرئ وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده لتعذر ثمنه وان صدقه في
الوكالة وقال ما اشتريت نفسك لي فالقول قول العبد لأن الوكيل يقبل قوله في التصرف المأذون فيه
(فصل) وإذا وكل عبده في اعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها صح، وان وكل العبد في
اعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه لم يملك اعتاق نفسه ولا المرأة طلاق نفسها لأنه ينصرف
باطلاقه إلى التصرف في غيره ويحتمل ان لهما ذلك لشمولهما عموم اللفظ كما يجوز للوكيل في البيع ان
يبيع من نفسه في إحدى الروايتين، وان وكل غريمه في إبراء نفسه صح لأنه وكله في اسقاط حق من
نفسه فهو كتوكيل البعد في اعتاق نفسه، وإن وكله في ابراء غرمائه لم يكن له أن يبرئ نفسه كما لو وكله
في حبس غرمائه لم يملك حبس نفسه، وان وكله في خصومتهم لم يكن وكيلا في خصومة نفسه ويحتمل
ان يملك ابراء نفسه لما ذكرنا من قبل، وان وكل المضمون في ابراء الضامن فابرأ صح ولم يبرأ
المضمون عنه وإن وكل الضمان في ابراء المضمون عنه أو الكفيل في ابراء المكفول عنه صح
وبرئ الوكيل ببراءته لأنه فرع عليه فإذا برئ الأصل برئ الفرع
212

(مسألة) (والوكالة عقد جائز من الطرفين)
لكل واحد منهما فسخها متى شاء لأنه إذن في التصرف فكان لكل واحد منهما إبطاله كالاذن
في أكل طعامه فإن وكل المرتهن في بيع الرهن ففيه اختلاف ذكرناه
(مسألة) (وتبطل بالموت والجنون والحجر للسفه وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة)
تبطل الوكالة بموت الموكل والوكيل وجنون المطلق بغير خلاف علمناه إذا علم الحال وكذلك يبطل
بخروجه عن أهلية التصرف كالحجر عليه لسفه لأنه لا يملك التصرف فلا يملكه غيره من جهته كالجنون
والموت وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة قياسا على الوكالة قال أحمد في الشركة إذا
وسوس أحدهما فهو مثل العزل
(فصل) فإن حجر على الوكيل لفلس فالوكالة بحالها لأنه لم يخرج عن أهلية التصرف وان حجر
على الموكل وكانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه وان كانت في الخصومة أو الشراء
في الذمة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص لم تبطل لأن الموكل أهل لذلك، وان فسق الوكيل لم ينعزل
لأنه من أهل التصرف الا أن تكون الوكالة فيما ينافيه الفسق كالايجاب في عقد النكاح فإنه ينعزل
بفسق أحدهما لخروجه عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا في القبول لم ينعزل بفسق موكله لأنه
لا ينافي جواز قبوله، وهل ينعزل بفسق نفسه؟ على وجهين أولاهما انه لا ينعزل لأنه يجوز ان يقبل
النكاح لنفسه فجاز ان يقبله لغيره كالعدل، وإن كان وكيلا فيما يشترط فيه الأمانة كوكيل ولي اليتيم وولي
الوقف على المساكين ونحو هذا انعزل بفسقه وفسق موكله لخروجهما بذلك عن أهلية التصرف
وإن كان وكيلا لوكيل ومن يتصرف في مال نفسه انعزل بفسقه لأن الوكيل ليس له توكيل فاسق ولا
ينعزل بفسق موكله لأن موكله وكيل لرب المال ولا ينافيه الفسق
(فصل) ولا تبطل الوكالة بالثوم والسكر والاغماء لأن ذلك لا يخرجه عن أهلية التصرف ولا
تثبت عليه الولاية الا أن يحصل الفسق بالسكر فقد ذكرناه مفصلا
213

ولا تبطل بالتعدي فيما وكل فيه مثل لبس الثوب وركوب الدابة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي
والثاني تبطل بذلك لأنها عقد أمانة فبطلت بالتعدي كالوديعة
ولنا أنه تصرف باذن موكله فصح كما لو لم يتعد ويفارق الوديعة من حيث إنها أمانة مجردة
فنافاها التعدي والخيانة، والوكالة إذن في التصرف تضمنت الأمانة فإذا انتفت الأمانة بالتعدي بقي الاذن
بحاله، فعلى هذا لو وكله في بيع ثوب فلبسه صار ضامنا فإذا باعه صح بيعه وبرئ من ضمانه لدخوله
في ملك المشتري وضمانه فإذا قبض الثمن كان أمانة في يده غير مضمون عليه لأنه قبضه باذن الموكل
ولم يتعد فيه ولو دفع إليه مالا ووكله ان يشتري به شيئا فتعدى في الثمن صار ضامنا وإذا اشترى به وسلمه
زال الضمان وقبضه للمبيع قبض أمانة، وان ظهر بالمبيع عيب فرد عليه أو وجد هو بما اشتراه عيبا فرده
وقبض الثمن كان مضمونا عليه لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال به
(مسألة) (وهل تبطل بالردة وحرية عبده؟ على وجهين)
يصح توكيل المسلم كافرا فيما يصح تصرفه فيه سواء كان ذميا أو مستأمنا أو حربيا أو مرتدا
لأن العدالة لا تشترط في صحة الوكالة فكذلك الدين كالبيع، فإن وكل مسلما فارتد لم تبطل وكالته
214

في أحد الوجهين سواء لحق بدار الحرب أو أقام، وقال أبو حنيفة تبطل إذا لحق بدار الحرب لأنه صار منهم
ولنا أنه يصح تصرفه لنفسه فلم تبطل وكالته كما لو لم يلحق بدار الحرب ولان الردة لا تمنع ابتداء
الوكالة فلا تمنع استدامتها كسائر الكفر، وفيه وجه آخر أنها تبطل بالردة إذا قلنا إن المرتد تزول
أملاكه وتبطل تصرفاته والوكالة تصرف وان ارتد الموكل لم تبطل الوكالة فيما له التصرف فيه فأما
الوكيل في ماله فينبني على تصرفه نفسه فإن قلنا يصح تصرفه لم يبطل توكيله وان قلنا هو موقوف
فوكالته موقوفة وان قلنا يبطل تصرفه بطل توكيله وان وكل في حال ردته ففيه الوجوه الثلاثة:
(فصل) وإن وكل عبده ثم أعتقه أو باعه لم ينعزل لأن زوال ملكه لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع
استدامتها وفيه وجه آخر أنها تبطل لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة إنما هو استخدام بحق
الملك فيبطل بزوال الملك وهكذا الوجهان فيما إذا وكل عبد غيره ثم باعه السيد، والصحيح الأول
لأن سيد العبد اذن له في بيع ماله والعتق لا يبطل الاذن فكذلك البيع الا ان المشتري ان رضى ببقائه
على الوكالة والا بطلت وإن وكل عبد غيره فاعتقه فقال شيخنا لا تبطل الوكالة وجها واحدا لأن هذا
توكيل حقيقة والعتق غير مناف له وان اشتراه الموكل منه لم يبطل لأن ملكه إياه لا ينافي اذنه له
في البيع والشراء وان وكل امرأته ثم طلقها لم تبطل الوكالة لأن زوال النكاح لا يمنع ابتداء
الوكالة فلم يمنع استدامتها
215

(فصل) وان تلفت العين التي وكل في التصرف فيها بطلت الوكالة لأن محلها ذهب فذهبت الوكالة
كما لو وكله في بيع عبد فمات، وكذا لو دفع إليه دينارا ووكله في الشراء بعينه أو مطلقا لأنه ان وكله في
الشراء بعينه فقد استحال الشراء به بعد تلفه فبطلت الوكالة وان وكله في الشراء مطلقا ونقد الدينار
بطلت أيضا لأنه إنما وكله في الشراء به، ومعناه ان ينقده ثمن ذلك المبيع إما قبل الشراء أو بعده وقد
تعذر ذلك بتلفه ولأنه لو صح شراؤه للزم الموكل ثمن لم يلتزمه ولا رضي بلزومه، وان استقرضه
الوكيل وعزل دينارا عوضه واشترى به فهو كالشراء له من غير اذن لأن الوكالة بطلت والدينار الذي
عزله عوضا لا يصير للموكل حتى يقبضه فإذا اشترى للموكل به شيئا وقف على إجازة الموكل فإن
اجازه صح ولزمه الثمن والالزم الوكيل وعنه يلزم الوكيل بكل حال. وقال القاضي متى اشترى بعين
ماله شيئا لغيره بغير اذنه فالشراء باطل لأنه لا يصح أن يشتري بعين ماله ما يملكه غيره، وقال
أصحاب الشافعي متى اشترى بعين ماله شيئا لغيره صح الشراء للوكيل لأنه اشترى ما لم يؤذن له فيه
أشبه ما لو اشتراه في الذمة.
(فصل) نقل الأثرم عن أحمد في رجل كان له على آخر دراهم فقال له إذا أمكنك قضاؤها فادفعها
إلى فلان وغاب صاحب الحق ولم يوص إلى هذا الذي اذن له في القبض لكن جعله وكيلا وتمكن
من عليه الدين من القضاء فخاف إن دفعها إلى الوكيل أن يكون الموكل قد مات ويخاف التبعة من
216

الورثة فقال لا يعجبني أن يدفع إليه لعله قد مات لكن يجمع بين الوكيل والورثة ويبرأ إليهما من
ذلك هذا ذكره أحمد على طريق النظر للغريم خوفا من التبعة من الورثة إن كان موروثهم قد مات
فانعزل وكيله وصار الحق لهم فيرجعون على الدافع إلى الوكيل فاما من طريق الحكم فللوكيل المطالبة
وللآخر الدفع إليه فإن أحمد قد نص في رواية حرب إذا وكله وغاب استوفاه الوكيل وهو أبلغ
من هذا لكونه يدرأ بالشبهات لكن هذا احتياط حسن وتبرئة للغريم ظاهرا وباطنا وإزالة التبعة عنه،
وفي هذه الرواية دليل على أن الوكيل انعزل بموت الموكل وان لم يعلم بموته لأنه اختار أن لا يدفع
إلى الوكيل خوفا من أن يكون الموكل قد مات فانتقل إلى الورثة ويجوز أن يكون اختار هذا لئلا
يكون القاضي ممن يرى أن الوكيل ينعزل بالموت فيحكم عليه بالغرامة، وفيها دليل على جواز تراخي
القبول عن الايجاب لأنه وكله في قبض الحق ولم يعلمه ولم يكن حاضرا فيقبل، وفيها دليل على صحة
التوكيل بغير لفظ التوكيل، وقد نقل جعفر بن محمد في رجل قال لرجل بع ثوبي ليس بشئ حتى
يقول قد وكلتك وهذا سهو من الناقل، وقد تقدم ذكر الدليل على جواز التوكيل بغير لفظه
وهو الذي نقله الجماعة.
(مسألة) (وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين)
وجملة ذلك أن الوكالة عقد جائز من الطرفين وقد ذكرنا ذلك فللموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل
217

عزل نفسه وتبطل بموت أحدهما أو جنونه المطبق ولا خلاف نعلمه في ذلك مع العلم بالحال فمتى تصرف
بعد فسخ الموكل أو موته فهو باطل إذا علم ذلك، وان لم يعلم بالعزل ولا يموت الموكل ففيه روايتان
وللشافعي فيه قولان (أحدهما) ينعزل وهو ظاهر كلام الخرقي، فعلى هذا متى تصرف فبان ان تصرفه
بعد عزله أو موت موكله فتصرفه باطل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه فصح بغير عمله
كالطلاق والعتاق (والثانية) لا ينعزل قبل علمه نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد لما في ذلك
من الضرر لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة وربما باع الجارية فيطؤها المشتري أو الطعام فيأكله
أو غير ذلك فيتصرف فيه المشتري ويجب ضمانه فيتضرر المشتري والوكيل لأنه يتصرف بأمر الموكل
فلا يثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه كالفسخ، فعلى هذه الرواية متى تصرف قبل العلم صح
تصرفه وهذا قول أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة ان الوكيل ان عزل نفسه لم ينعزل الا بحضرة
الموكل لأنه متصرف بأمر الموكل فلا يصح رد أمره بغيره حضرته كالمودع في رد الوديعة، ووجه الأول
ما ذكرناه فأما الفسخ ففيه وجهان كالروايتين، ويمكن الفرق بينهما بأن أمر الشارع يتضمن المعصبة بتركه
ولا يكون عاصبا مع عدم العلم وهذا يتضمن العزل عنه إبطال التصرف فلا يمنع منه عدم العلم
(فصل) وإذا وقعت الوكالة مطلقة ملك التصرف ابدا ما لم يفسخ الوكالة وتحصل بقوله فسخت الوكالة
218

أو أبطلتها أو نقضتها أو أزلتك أو صرفتك أو عزلتك عنها أو ينهاه عن فعل ما أمره به وما أشبه
ذلك من الألفاظ المقتضية عزله والمؤدية معناه أو يعزل الوكيل نفسه أو يوجد ما يقتضي فسخها حكما
على ما ذكرنا أو يوجد ما يدل على الرجوع عن الوكالة فإذا وكله في طلاق امرأته ثم وطئها انفسخت
الوكالة لأن ذلك يدل على رغبته فيها واختيار امساكها وكذلك لو وطئ الرجعية كان ارتجاعا لها فإذا
اقتضى رجعتها بعد طلاقها فلان يقتضي استبقاءها على نكاحها ومنع طلاقها وان باشرها دون الفرج
أو فعل ما يحرم على غير الزوج فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق؟ يحتمل وجهين بناء على الخلاف في
حصول الرجعة به، وان وكله في بيع عبد ثم كاتبه أو دبره انفسخت الوكالة لأنه على إحدى الروايتين
لا يبقى محلا للبيع وعلى الرواية الأخرى تصرفه فيه بذلك يدل على أنه قصد الرجوع عن بيعه وان
باعه بيعا فاسدا لم تبطل الوكالة لأن ملكه في العبد لم يزل ذكره ابن المنذر
(مسألة) (وإذا وكل اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه)
وجملة ذلك أنه إذا وكل وكيلين وجعل لكل واحد الانفراد بالتصرف فله ذلك لأنه مأذون فيه وان
219

لم يجعل له ذلك فليس لأحدهما الانفراد به لأنه لم يأذن في ذلك وإنما يجوز له فعل ما أذن فيه موكله
وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما لأن فوله افعلا
كذا يقتضي اجتماعهما على فعله وهو مما يمكن تعلق بهما، وفارق هذا قوله بعتكما حيث كان منقسما بينهما
لأنه لا يمكن أن يكون الملك على الاجتماع فانقسم بينهما فإن غاب أحد الوكيلين لم يكن للآخر ان
يتصرف ولا للحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا لأن الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه فلا
يقيم الحاكم له بغير إذنه، وفارق ما لو مات أحد الوصيين حيث يضيف الحاكم إلى الوصي أمينا ليتصرفا
لكون الحاكم له النظر في حق الميت واليتيم ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر
لليتيم، وان حضر الحاكم أحد الوكيلين والآخر غائب فادعى الوكالة لهما وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم
بثبوت الوكالة لهما ولم يملك الحاضر التصرف وحده فإذا حضر الآخر تصرفا معا ولا يحتاج إلى إعادة
البينة لأن الحاكم سمعها لهما مرة، فإن قيل هذا حكم الغائب قلنا يجوز تبعا لحق الحاضر كما يجوز ان
بحكم بالوقف الذي يثبت لمن لم يحلف لأجل من يستحقه في الحال كذا ههنا وان جحد الغائب الوكالة
أو عزل نفسه لم يكن للآخران يتصرف وبما ذكرناه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه مخالفا
220

وجميع التصرفات في هذا سواء وقال أبو حنيفة إذا وكلهما في خصومة فلكل واحد منهما الانفراد بها
ولنا أنه لم يرض بتصرف أحدهما أشبه البيع والشراء
(مسألة) (ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه، وعنه يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء
أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين، ولا في الشراء ان يشتري من نفسه)
وجملة ذلك أن من وكل في بيع شئ لم يجز أن يبيعه لنفسه ولا للوكيل في الشراء أن يشتري
من نفسه في أحدى الروايتين نقلها منها وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي، وكذلك الوصي لا يجوز
ان يشتري من مال اليتيم شيئا لنفسه في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي وحكي عن مالك والأوزاعي
جواز ذلك فيهما (والرواية الثانية) عن أحمد يجوز لهما أن يشتريا بشرطين أحدهما أن يزيد على مبلغ
ثمنه في النداء والثاني أن يتولى النداء غيره قال القاضي يحتمل أن يكون اشتراط تولي غيره للنداء واجبا
ويحتمل أن يكون مستحبا والأول أشبه بطاهر كلامه وقال أبو الخطاب الشرط الثاني أن يولي من
يبيع ويكون هو أحد المشترين، فإن قيل فكيف يجوز له دفعها إلى غيره ليبيعها وهذا توكيل وليس
للوكيل التوكيل؟ قلنا يجوز التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه والنداء مما لم تجربه العادة ان يتولاه أكثر
221

الناس بنفوسهم فإن وكل إنسانا يشتري له وباع جاز على هذه الرواية لأنه امتثل أمر موكله في البيع
وحصل غرضه من الثمن فجاز كما لو اشتراها أجنبي وقال أبو حنيفة يجوز للوصي الشراء دون الوكيل
لأن الله تعالى قال (ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن) وإذا اشترى مال اليتيم بأكثر من
ثمنه فقد قربه بالتي هي أحسن، ولأنه نائب عن الأب وذلك جائز للأب فكذلك نائبه، ووجه الرواية
الأولى ان العرف في البيع بيع الرجل من غيره فحملت الوكالة عليه كما لو صرح به ولأنه تلحقه
التهمة ويتنافى الغرضان في بيعه لنفسه فلم يجز كما لو نهاه والوصي كالوكيل لأنه يلي بيع مال غيره بتوليه
فأشبه الوكيل أو متهم فأشبه الوكيل بل التهمة في الوصي آكد لأن الوكيل متهم في ترك الاستقصاء
في الثمن لا غير والوصي يتهم في ذلك وفي أنه يشتري من مال اليتيم مالا حظ لليتيم في بيعه فكان أولى
بالمنع وعند ذلك لا يكون أخذه لماله قربانا بالتي هي أحسن وقد روى ابن مسعود أنه قال في رجل
أوصى إلى رجل بتركته وقد ترك قريبا فقال الوصي اشتريه قال لا
(فصل) وحكم الحاكم أمينه كحكم الوكيل والحكم في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو
طفل يلي عليه أو لوكيله أو عبد المأذون له كالحكم في بيعه لنفسه كل ذلك يخرج على روايتين بناء على
222

بيعه لنفسه، فاما بيعه لولده الكبير أو والده أو مكاتبه فذكرهم أصحابنا أيضا في جملة ما يخرج على روايتين
ولا صحاب الشافعي فيهم وجهان وقال أبو حنيفة يجوز بيعه لولده الكبير لأنه امتثل أمر موكله ووافق
العرف في بيع غيره كما لو باعه لأخيه، وفارق البيع لوكيله لأن الشراء إنما يقع لنفسه وكذلك بيع عبد
المأذون وبيع طفل يلي عليه بيع لنفسه لأن الشراء يقع لنفسه، ووجه الجمع بينهم انه يتهم في حقهم
وبميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن كتهمته في حق نفسه وكذلك لا تقبل شهادته لهم، والحكم
فيما إذا أراد ان يشتري لموكله كالحاكم في بيعه لماله لأنهما سواء في المعنى
(فصل) وان وكل رجلا يتزوج له امرأة فهل له ان يزوجه ابنته؟ يخرج على ما ذكرنا في
الوكيل في البيع هل يبيع لولده الكبير وقال أبو يوسف ومحمد يجوز ووجه القولين ما تقدم فيما
قبلهما وان أذنت له موليته في تزويجها خرج في تزويجها لنفسه أو ولده أو والده وجهان بناء عنى
ما ذكر في البيع وكذلك لو وكله رجل في تزويج ابنته خرج فيه مثل ذلك
(مسألة) (وهل يجوز ان يبيع لولده أو والده أو مكاتبه؟ على وجهين) وقد ذكر أفي المسألة قبلها
(فصل) فإن وكله في بيع عبده ووكله آخر في شراء عبد فقياس المذهب جواز شرائه من
223

نفسه لأنه اذن له في طرفي العقد فجاز ان يليهما إذا انتفت التهمة كالأب يشتري من مال ولده لنفسه،
ولو وكله المتداعيان في الدعوى عنهما فالقياس جوازه لأنه يمكنه الدعوى عن أحدهما والجواب عن الآخر
وإقامة حجة كل واحد منهما ولأصحاب الشافعي في المسئلتين وجهان
(فصل) فإن اذن للوكيل ان يشتري من نفسه جاز ذلك وقال أصحاب الشافعي لا يجوز في أحد
الوجهين لأنه يجتمع له في عقد غرضان الاسترخاص لنفسه والاستقصاء للموكل وهما متضادان فتمانعا
ولنا انه وكله في التصرف لنفسه فجاز كما لو وكل المرأة في طلاق نفسها ولأن علة المنع من
المشتري لنفسه في محل الاتفاق التهمة لدلالتها على عدم رضا الموكل بهذا التصرف وإخراج هذا التصرف
عن عموم لفظه وإرادته وقد صرح ههنا بالاذن فيها فلا ينفي دلالة الحال مع نصه بلفظه على خلافها،
وقولهم إنه يتضاد مقصوده في البيع والشراء قلنا إن عين الموكل له الثمن فاشترى به فقد زال مقصود
الاستقصاء فإنه لا يراد أكثر مما حصل وان لم يعين له الثمن يعيد البيع بثمن المثل كما لو باع الأجنبي
وقد ذكر أصحابنا فيما إذا وكل عبدا يشتري له نفسه من سيده وجها أنه لا يجوز ويخرج ههنا مثله
والصحيح ما قلناه إن شاء الله تعالى
224

(مسألة) (ولا يجوز أن يبيع نساء ولا بغير نقد البلد ويحتمل أن يجوز كالمضارب)
وجملة ذلك أن الموكل إذا عين للوكيل الشراء أو البيع بنقد معين أو حالا لم تجز مخالفته لأنه
إنما يتصرف باذنه ولم يأذن في غير ذلك وان أذن له في الشراء أو البيع بنسيئة جاز وان اطلق لم
بيع إلا حالا بنقد البلد لأن الأصل في البيع الحلول واطلاق النقد ينصرف إلى نقد البلد كما لو باع
ماله فإن كان في البلد نقدان باع بأغلبهما فإن تساويا باع بما شاء منهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو
حنيفة وصاحباه له البيع نساء لأنه معتاد فأشبه الحال ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الرواية في المضارب
والأول أولى لأنه لو اطلق البيع حمل على الحلول فكذلك إذا أطلق الوكالة ولا نسلم تساوي العادة
فيهما فإن بيع الحال أكثر، ويفارق المضاربة لوجهين (أحدهما) ان المقصود من المضاربة الربح لأدفع
الحاجة بالثمن في الحال وقد يكون المقصود في الوكالة دفع حاجة بأجرة تفوت بتأخير الثمن (الثاني) ان
استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب فيعود ضرر التأخير في التقاضي عليه وههنا بخلافه وفلا يرضى
به الموكل ولان الضرر في توى الثمن على المضارب لأنه يحسب من الربح لكون الربح وقاية لرأس
المال وههنا يعود على الموكل فانقطع الالحاق
225

(مسألة) (وان باع بدون ثمن مما قدره له صح وضمن النقص)
وجملة ذلك أن الوكيل ليس له ان يبيع بدون ثمن المثل أو دون ما قدره له وبهذا قال الشافعي
وأبو يوسف ومحمد قال أبو حنيفة إذا اطلق الوكالة في البيع فله البيع بأي ثمن كان لأن لفظه في
الاذن مطلق فيجب حمله على اطلاقه
ولنا أنه وكيل مطلق في عقد معاوضة فاقتضى ثمن المثل كالشراء فإنه قد وافق عليه وبه ينتقض
دليله فإن باع بأقل من ثمن المثل مما لا يتغابن الناس بمثله أو بدون ما قدره له فحكمه حكم من لم يأذن
له في البيع وعن أحمد البيع صحيح ويضمن الوكيل النقص لأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه
كالمريض، فعلى هذه الرواية يكون على الوكيل ضمان النقص وفي قدره وجهان (أحدهما) ما بين ثمن
المال وما باع به (والثاني) ما بين ما يتغابن الناس بمثله وما لا يتغابنون لأن ما يتغابن الناس به يصح بيعه
به ولا ضمان عليه والأول أقيس لأنه بيع غير مأذون فيه أشبه بيع الأجنبي وكل تصرف كان الوكيل
فيه مخالفا لموكله فحكمه فيه حكم تصرف الأجنبي على ما ذكرنا في موضعه فأما ما يتغابن الناس به
عادة وهو درهم في عشرة فمعفو عنه إذا لم يكن الموكل قدر الثمن لأن ما يتغابن الناس به بعد ثمن المثل
ولا يمكن التحرز منه.
(فصل) ولو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز ان يبيع بثمن المثل لأن عليه الاحتياط وطلب
الخط لموكله فإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه فسخ العقد لأن الزيادة منهي
226

عنها فلا يلزم الرجوع إليها ولان الزايد قد لا يثبت على الزيادة فلا يلزم الفسخ بالشك ويحتمل ان يلزمه
ذلك لأنها زيادة أمكن تحصيلها أشبه ما قبل البيع والنهي يتوجه إلى الذي زاد لا إلى الوكيل فأشبه ما
إذا زاد قبل البيع بعد الاتفاق عليه
(مسألة) (وان باع بأكثر من ثمن المثل صح سواء كانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمر به أولم تكن هي)
إذا وكله في بيع شئ معين فباعه بأكثر منه صح قلت الزيادة أو كثرت وكذلك ان أطلق فباعه
بأكثر من ثمن المثل لأنه باع بالمأذون فيه وزاد زيادة تنفعه ولا تضره وسواء كانت لزيادة من جنس
الثمن المأمور به أو من غير جنسه كمن أذن في البيع بمائة درهم فباعه بمائة درهم ودينار أو ثوب وقال أصحاب
الشافعي لا يصح بيعه بمائة وثوب في أحد الوجهين لأنه من غير جنس الأثمان
ولنا أنها زيادة تنفعه ولا تضره أشبه ما لو باعه بمائة ودينار ولان الاذن في بيعه بمائة اذن في بيعه
بزيادة عليها عرفا لأن من رضي بمائة لا يكره أن يزاد عليها ما ينفعه ولا يضره ويصير كما لو وكله في الشراء
فاشترى بدون ثمن المثل أو بدون ما قدر له
(مسألة) (وان قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين)
لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بدرهم رضي مكانه دينارا فجرى مجرى بيعه بمائة درهم ودينار
على ما ذكرنا في المسألة قبلها وقال القاضي لا يصح وهو مذهب الشافعي لأنه خالف موكله في الجنس
227

أشبه ما لو باعه بثوب يساوي دينارا فاما ان قال بعه بمائة درهم فباعه بمائة ثوب قيمتها أكثر من الدراهم
أو بثمانين درهما وعشرين ثوبا لم يصح وهو مذهب الشافعي لأنها من غير الأثمان ولأنه لم يؤذن فيه لفظا
ولا عرفا بخلاف بيعه بدينار.
(فصل) فإن وكله في بيع عبد بمائة فباع بعضه بها أو وكله مطلقا فباع بعضه بثمن الكل جاز
لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بمائة ثمنا للكل رضي بها ثمنا للبعض ولأنه حصل له المائة وأبقى له
زيادة تنفعه ولا تضره وله بيع النصف الآخر لأنه مأذون فيه فأشبه ما لو باع العبد كله بزيادة على
ثمنه، ويحتمل ان لا يجوز لأنه قد حصل للموكل غرضه من الثمن ببيع البعض فربما لا يختار بيع باقيه
للغني عن بيعه يما حصل له من ثمن البعض وهكذا لو وكله في بيع عبدين بمائة فباع أحدهما بها يصح
لما ذكرنا وهل له بيع الآخر على وجهين فأما ان وكله في بيع عبده بمائة فباع بعضه بأقل منها أو
وكله مطلقا فباع بعضه بدون ثمن الكل لم يصح وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة
يجوز فيما إذا أطلق الوكالة بناء على أصله في أن للوكيل المطلق البيع بما شاء
ولنا أن على الموكل ضررا في تبعضه ولم يوجد الاذن فيه نطقا ولا عرفا فلم يجوز كما لو وكله في
في شراء عبد فاشترى بعضه
(مسألة) (فإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف حالة صح إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال)
228

إذا وكله في بيع سلعة نسيئة فباعها نقدا بدون ثمنها نسيئة أو بدون ما عينه له لم ينفذ بيعه لأنه
خالف موكله لكونه إنما رضي بثمن النسيئة دون النقد وان باعها نقدا بمثل ثمنها نسيئة أو بما عينه
من الثمن فقال القاضي يصح لأنه زاده خيرا فهو كما لو وكله في بيعها بعشرة فباعها بأكثر من ثمنها
والأولى أن ينظر له فيه فإن لم يكن له غرض في النسيئة صح لما ذكرنا وإن كان له فيها غرض مثل ان يستضر
بحفظ الثمن في الحال أو يخاف عليه من التلف أو المتغلبين أو يتغير عن حاله إلى وقت الحلول أو نحو ذلك
فهو كمن لم يؤذن له لأن حكم الاذن لا يتناول المسكوت عنه الا إذا علم أنه في المصلحة كالمنطوق أو
أكثر فيكون الحكم فيه ثابتا بطريق التنبيه أو المماثلة ومتى كان في المنطوق به غرض صحيح لم يجز تفويته
ولا ثبوت الحكم في غيره
(مسألة) (وان وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له (1) أما إذا وكله
في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل مما لا يتغابن الناس بمثله
(فصل) فإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك العقد عليهم جملة واحدة وواحدا واحدا لأن
الاذن يتناول العقد عليهم جملة والعرف في بيعهم وشرائهم العقد على واحد واحد ولا ضرر في جمعهم
ولا افرادهم بخلاف ما لو وكله في شراء عبد فاشترى بعضه فإنه لا يصح لأنه يفضي إلى التشقيص وفيه
اضرار بالموكل، فإن قال اشتر لي عبيدا صفقة واحدة أو واحد واحدا أو بعهم لي لم يجز مخالفته لأن

(1) هذه المسألة ذكرت في الأصل بهذا الوضع وهي كما ترى جملها ناقصة فلتراجع في مظنتها في المغني
229

تنصيصه على ذلك يدل على غرضه فيه فلم يتناول اذنه سواه، وان قال اشتر لي عبدين صفقة فاشترى
عبدين لا ثنين شركة بينهما من وكيليهما أو من أحدهما باذن الآخر جاز وإن كان لكل واحد عبد
منفرد فاشترى من المالكين بأن أوجبا له البيع فيهما وقبل ذلك منهما بلفظ واحد فقال القاضي لا يلزم
الموكل وهو مذهب الشافعي لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان ويحتمل أن يلزمه لأن القبول هو
الشراء وهو متحد والغرض لا يختلف، وان اشتراهما من وكيليهما وعين ثمن كل واحد منهما مثل ان يقول
بعتك هذين العبدين هذا بمائة وهذا بثمانين فقال قبلت احتمل أيضا وجهين وان لم يعين الثمن
لكل واحد لم يصح البيع لجهالة الثمن وفيه وجه أنه يصح ويقسط الثمن على قدر قيمتهما، وقد ذكر
ذلك في تفريق الصفقة.
(مسألة) (وان وكل في شراء شئ نقدا بثمن معين فاشتراه به مؤجلا صح)
ذكره القاضي لأنه زاده خيرا فأشبه ما لو وكله في الشراء بمائة فاشترى بدونها، ويحتمل أن
ينظر في ذلك فإن كان فيه ضرر نحو أن يستضر ببقاء الثمن معه ونحو ذلك لم يجز ولأصحاب الشافعي
في صحة الشراء وجهان:
(مسألة) (وإن قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى له شاة
تساوي دينارا بأقل منه صح والألم يصح)
230

وجملة ذلك أنه إذا وكله في شراء شاة بدينار فاشترى شاتين تساوي كل واحدة منهما أقل من
دينار لم يقع للموكل وان كانت كل واحدة منهما تساوي دينارا أو إحداهما تساوي دينارا والأخرى
أقل منه صح ولزم الوكل وهذا المشهور من مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة يقع للموكل إحدى الشاتين
بنصف دينار وأخرى للوكيل لأنه لم يرض بالزامه عهدة شاة واحدة
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة بن الجعد البارقي دينارا فقال (اشتر لنا به شاة) قال فأتيت الجلب
فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل في الطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار فأتيت
النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة فقلت يا رسول الله هذا دينار كم وهذه شاتكم فقال (وضعت كيف؟) فحدثته الحديث
فقال (اللهم بارك له في صفقة يمينه) ولأنه حصل المأذون فيه وزيادة من جنسه تنفع ولا تضر فوقع ذلك له
كما لو قال بعه بدينار فباعه بدينارين وما ذكروه يبطل بالبيع فإن باع الوكيل إحدى الشاتين بغير
أمر الموكل ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لأنه باع مال موكله بغير إذنه فلم يجز كبيع الشاتين (والثاني)
ان كانت الباقية تساوي دينارا جاز لحديث عروة ولأنه حصل له المأذون وزيادة من جنسه تنفع ولا تضر
فوقع ذلك له كما لو قال له بعه بدينار فباعه بدينار وما ذكره يبطل بالبيع، فإن باع الوكيل إحدى الشاتين بغير أمر
الموكل ففيه وجهان (أحدهما) البيع باطل لأنه باع مال موكله بغير أمره فلم يجز كبيع الشاتين (والثاني) ان كانت
الباقية تساوي دينارا جاز لحديث عروة البارقي ولأنه حصل له المقصود والزيادة لو كانت غير الشاة جاز
231

فجاز له ابدالها بغيرها وهذا ظاهر كلام احمد لأنه اخذ بحديث عروة وذهب إليه، وإذا قلنا لا يجوز له
بيع الشاة فباعها فهل يبطل البيع أو يصح ويقف على إجازة الموكل؟ على روايتين وهذا أصل لكل
تصرف في ملك الغير بغير اذنه ووكيل خالف موكله فيه الروايتان وللشافعي في صحة البيع ههنا وجهان
(فصل) وإذا وكله في شراء عبد معين بمائة فاشتراه بما دونها صح ولزم الموكل لأنه مأذون فيه
عرفا وان قال لا تشتره بدون المائة فخالفه لم يجز لأنه خالف نصه وصريح قوله مقدم على دلالة
العرف وان قال اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين لأن اذنه في الشراء بمائة
يدل عرفا على الشراء بما دونها خرج منه الخمسون بصريح النهي بقي فيما فوقها على مقتضى الاذن
فإن اشتراه بما دون الخمسين جاز في إحدى الوجهين لذلك ولأنه لم يخالف صريح نهيه أشبه ما زاد
عليها (والثاني) لا يجوز لأنه نهاه عن الخمسين استقلالا لها فكان تنبيها على النهي عما دونها كما أن الاذن
في الشراء بمائة أذن فيما دونها فجرى مجرى صريح نهيه فإن تنبيه الكلام كنصه، فإن قال اشتره بمائة
دينار فاشتراه بمائة درهم فالحكم فيه كما لو قال بعه بدرهم فباعه بدينار على ما مضى وان قال اشتر لي
نصفه بمائة فاشتراه كله أو أكثر من نصفه بمائة جاز لأنه مأذون فيه عرفا وإن قال اشتر لي نصفه بمائة ولا تشتره
جميعه فاشترى أكثر من النصف وأقل من الكل بمائة صح في قياس المسألة التي قبلها لكون دلالة العرف قاضية
بالاذن في شراء كل ما زاد على النصف خرج الجميع بصريح نهيه ففيما عداه يبقى على مقتضى الاذن
(فصل) وان كله في شراء عبد موصوف بمائة فاشتراه على الصفة بدونها جاز لأنه مأذون فيه
عرفا وان خالف في الصفة أو اشتراه بأكثر منها لم يلزم الموكل وان قال اشتر لي عبدا بمائة فاشترى
232

عبدا يساوي مائة بدونها جاز لأنه لو اشتراه بمائة جاز فإذا اشتراه بدونها فقد زاده خيرا فيجوز وإن كان
لا يساوي مائة لم يجز وان ساوى أكثر مما اشتراء به لأنه خالف أمره ولم يحصل غرضه
(مسألة) (وليس له شراء معيب فإن وجد بما اشتراه عيبا فله رده) إذا وكله في شراء سلعة
موصوفة لم يجز أن يشتري بها إلا سليمة العيوب لأن اطلاق البيع يقتضي السلامة ولذلك جاز له
الرد بالعيب فإن اشترى معيبا يعلم عيبه لم يلزم الموكل لأنه اشترى له ما لم يأذن فيه وان لم يعلم صح
البيع لأنه إنما يلزمه شراء صحيح في الظاهر لعجزه عن التحرز عن شراء معيب لا يعلم عيبه فإذا علم
عيبه ملك رده لأنه قائم مقام الموكل وللموكل رده أيضا لأنه ملكه، فإن حضر قبل رد الوكيل ورضي
بالعيب لم يكن للوكيل رده لأن الحق له بخلاف المضارب فإن له الرد وان رضي رب المال فإن له حقا
فلا يسقط برضاء غيره وان لم يحضر فأراد الوكيل الرد فقال له البائع توقف حتى يحضر الموكل فربما
رضي بالعيب لم يلزمه ذلك لأنه لا يأمن فوات الرد بهرب البائع وفوات الثمن بتلفه فإن اخره
بناء على هذا القول فلم يرض به الموكل فله الرد وان قلنا الرد على الفور لأنه أخره باذن البائع فيه
وان رضي الموكل سقط الرد
(مسألة) (وان قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل بيمينه أنه لا يعلم ذلك)
233

لأن الأصل عدم الرضى فلا يقبل قوله إلا ببينة فإن لم يقم بينة لم يستحلف الوكيل الا أن يدعي
علمه فيحلف على نفي العلم وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة في رواية لا يستحلف لأنه لو حلف
كان نائبا في اليمين وليس بصحيح فإنه لا نيابة ههنا فإنه إنما يحلف على نفي علمه وهذا لا ينوب
فيه عن أحد ولو اشترى المضارب معيبا صح لأن المقصود منها الربح وهو يحصل مع العيب بخلاف الوكيل
فإنه قد يكون غرض الموكل القنية والانتفاع والعيب يمنع بعض ذلك
(مسألة) (فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد؟ على وجهين)
(أحدهما) لا يصح وللموكل استرجاعه وللبائع رده عليه لأن رضاءه به عزل للوكيل عن الرد بدليل انه
لو علمه لم يكن له الرد (الثاني) يصح الرد بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل العلم بالعزل فإن رضي الوكيل
المعيب أو أمسكه امساكا ينقطع به الرد فحضر الموكل فأراد الرد فله ذلك على الوجه الأول ان صدق
البائع الموكل أن الشراء له أو قامت به بينة وان كذبه ولم يكن بينة فحلف البائع أنه لا يعلم أن الشراء له
فليس له رده لأن الظاهر أن منن اشترى شيئا فهو له ويلزم الوكيل وعليه غرامة الثمن وهذا كله مذهب
الشافعي، وقال أبو حنيفة للوكيل شراء المعيب لأن التوكيل في البيع مطلقا يدخل المعيب في اطلاقه ولأنه
أمين في الشراء فجاز له ذلك كالمضارب
ولنا ان البيع باطلاقه يقتضي الصحيح دون المعيب فكذلك الوكالة فيه ويفارق المضاربة من حيث
234

ان المقصود فيها الربح وهو يحصل من المعيب كحصوله من الصحيح بخلاف الوكالة فإنه قد يكون
المقصود بها القنية أو يدفع بها حاجة يكون المعيب مانعا منها فلا يحصل المقصود وقد ناقض أبو حنيفة
قوله فإنه قال في قوله تعالى (فتحرير رقبة) لا يجوز العمياء ولا معيبة عيبا يضر بالعمل وقال ههنا
يجوز للوكيل شراء الأعمى والمقعد ومقطوع اليدين والرجلين
(مسألة) (وان وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فهل له رده قبل اعلام الموكل؟ على وجهين)
(أحدهما) له الرد لأن الامر يقتضي السلامة أشبه ما لو وكله في شراء موصوفة (والثاني)
لا يملكه لأن الموكل قطع نظره بالتعيين فربما رضيه على جميع صفاته فإن قلنا له الرد فحكمه حكم غير
المعين وان علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه؟ يحتمل وجهين مبنيين على رده إذا علم عيبه بعد شراؤه
ان قلنا له رده فليس له شراؤه لأن العيب إذا جاز الرد به بعد العقد فلان يمنع من الشراء أولى
وان قلنا لا يملك الرد ثم فله الشراء ههنا لأن تعيين الموكل قطع نظره واجتهاده في جواز الرد
فكذلك في الشراء
(مسألة) (فإن قال اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل)
وجملة ذلك أنه إذا دفع إليه دراهم وقال اشتر لي بهذه عبدا كا له ان يشتري بعينها وفي الذمة
لأن الشراء يقع على هذين الوجهين فإذا أطلق كان له فعل ما شاء منهما فإن قال اشتر بعينها فاشتراه
في ذمته ثم نقدها لم يلزم الموكل لأنه إذا تعين الثمن انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوبا ولم يلزمه
235

ثمن في ذمته وهذا غرض صحيح للموكل فلم يجز مخالفته ويقع الشراء للوكيل وهل يقف على
إجازة الموكل؟ على روايتين
(مسألة) (فإن قال اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح) ولزم الموكل ذكره أصحابنا
لأنه أذن له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها فكان اذنا في عقد لا يلزمه الثمن إلا مع
بقائها، ويحتمل أن لا يصح لأنه قد يكون له غرض في الشراء بغير عينها لشبهة فيها لا يجب أن تشترى
بها أو يختار وقوع عقد لا ينفسخ بتلفها ولا يبطل بتحريمها وهذا غرض صحيح فلا يجوز تفويته عليه
كما لم يجز تفويت غرضه في الصورة الأولى ومذهب الشافعي في هذا كله على نحو ما ذكرنا
(مسألة) (وان أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه في آخر صح وان قال بعه من زيد
فباعه من غيره لم يصح)
وجملة ذلك أن الوكيل لا يملك من التصرف إلا ما يقتضيه اذن موكله من جهة النطق أو العرف
لأن تصرفه بالاذن فاختص بما أذن فيه والاذن يعرف بالنطق تارة وبالعرف أخرى، ولو وكل رجلا
في التصرف في زمن مقيد لم يملك التصرف قبله ولا بعده لأنه لم يتناوله إذنه نطقا ولا عرفا فإنه قد يختار التصرف في
زمن الحاجة إليه دون غيره ولهذا لما عين الله تعالى لعبادته وقتا لم يجز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه
فلو قال له بع ثوبي غدا لم يجز قبله ولا بعده، فإن عين له المكان وكان يتعلق به غرض مثل أن يأمره
ببيع ثوبه في سوق وكان السوق معروفا بجودة النقد أو كثرة الثمن أوحله أو بصلاح أهله أو بمودة بين
الوكيل وبينهم تقيد الاذن به لأنه نص على أمر له فيه غرض فلم يجز تفويته وإن كان هو وغيره
236

سواء في الغرض لم يتقيد الاذن به وجاز له البيع في غيره لمساواته المنصوص عليه في الغرض فكان
تنصيصه على أحدهما اذنا في الآخر كما لو استأجر أو استعار أرضا لزراعة شئ كان اذنا في زراعة
مثله وما دونه ولو اكترى عقارا كان له أن يسكنه مثله ولو نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد جاز له
ذلك في غيره وسواء قدر له الثمن أو لم يقدره، فأما ان عين له المشتري فقال بعه فلانا لم يملك بيعه
لغيره بغير خلاف علمناه سواء قدر له الثمن أو لا لأنه قد يكون له غرض في تمليكه إياه دون غيره إلا
أن يعلم بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري
(فصل) إذا اشترى الوكيل لموكله شيئا انتقل الملك من البائع إلى الموكل ولم يدخل في ملك
الوكيل وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل لأن حقوق
العقد تتعلق بالوكيل بدليل أنه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ولم ينتقل إلى الموكل
ولنا أنه قبل عقدا لغيره صح له فوجب ان ينتقل الملك إليه كالأب والوصي وكما لو تزوج له
وقولهم ان حقوق العقد تتعلق به غير مسلم، ويتفرع من هذا ان المسلم لو وكل ذميا في شراء دم أو
خنزير فاشتراه له لم يصح الشراء وقال أبو حنيفة يصح ويقع للذمي لأن الخمر مال لهم لأنهم يتمولونها
ويتبايعونها فصح توكيلهم فيها كسائر أموالهم
ولنا ان كل مالا يجوز للمسلم العقد عليه لا يجوز ان يوكل فيه كتزويج المجوسية وبهذا خالف سائر
237

أموالهم وإذا باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في الثمن لأنه بمنزلة المبيع وإن كان الثمن في الذمة
فللوكيل والموكل المطالبة به وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ليس للموكل المطالبة لأن حقوق العقد
تتعلق بالوكيل دونه ولهذا يتعلق مجلس الصرف والخيار به دون موكله وكذلك القبض
ولنا ان هذا دين للموكل يصح قبضه له فملك المطالبة به كسائر ديونه التي وكل فيها وفارق مجلس
العقد لأن ذلك من شرط العقد تعلق بالعاقد كالايجاب والقبول واما الثمن فهو حق للموكل ومال من
ماله فكانت له المطالبة به ولا نسلم ان حقوق العقد تتعلق به وإنما تتعلق بالموكل وهي تسليم الثمن
وقبض المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك فأما ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمة فإنه يثبت في ذمة
الموكل أصلا وفي ذمة الوكيل تبعا كالضامن وللبائع مطالبة من شاء منهما فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ
الموكل وان أبرأ الموكل برئ الوكيل كالضامن والمضمون عنه سواء وان دفع الثمن إلى البائع فوجد
به عيبا فرده على الوكيل كان أمانة في يده ان تلف فهو من ضمان الموكل، ولو وكل رجلا يستسلف
له العامي كر حنطة ففعل ملك ثمنها والوكيل ضامن عن موكله كما تقدم قال أحمد في رواية منها إذا
دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه ففعل فوهب له المشتري منديلا فالمنديل لصاحب الثوب إنما قال ذلك لأن
هبة المنديل سببها المبيع فكان المنديل زيادة في الثمن وزيادة في مجلس العقد تلحق به
238

(مسألة) (وان وكله في بيع شئ ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه الا بقرينة فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل)
لأن اطلاق التوكيل في البيع يقتضي التسليم لكونه من تمامه ولم يملك الابراء من الثمن وبهذا
قال الشافعي وقال أبو حنيفة يملكه
ولنا أن الابراء ليس من المبيع ولا من ثمنه فلا يكون التوكيل في البيع توكيلا فيه كالابراء من
غير ثمنه فاما قبض الثمن فقال القاضي وأبو الخطاب لا يملكه وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه
قد يوكل في البيع من لا يأتمنه على قبض الثمن، فعلى هذا ان تعذر قبض الثمن من المشتري لم يلزم
الوكيل شئ ويحتمل أن يملك قبض الثمن لأنه من موجب البيع فملكه كتسليم المبيع فعلى هذا ليس
له تسليم المبيع الا بقبض الثمن أو حضوره فإن سلمه قبل قبض ثمنه ضمنه، قال شيخنا والأولى أن ينظر
فيه فإن دلت قرينة الحال على قبض الثمن مثل توكيله في بيع ثوب في سوق غائب عن الموكل أو موضع
يضيع الثمن بترك قبض الوكيل كان اذنا في قبضه فمتى ترك قبضه ضمنه لأن ظاهر حال الموكل أنه
إنما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه فلا يرضى بتضييعه ولهذا يعد من فعل ذلك مفرطا وان لم تدل القرينة
على ذلك لم يكن له قبضه
(فصل) وان وكله في شراء شئ ملك تسليم ثمنه لأنه من ثمنه وحقوقه فهو كتسليم المبيع في
239

البيع والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع على ما ذكرنا، فإن اشترى عبدا فنقد ثمنه
فخرج العبد مستحقا فهل يملك أن يخاصم البائع في الثمن؟ على وجهين، فإن اشترى شيئا وقبضه وأخر
تسليم الثمن لغير عذر فهلك في يده ضمنه وإن كان له عذر مثل ان ذهب ينقده أو نحو ذلك فلا ضمان
عليه نص أحمد على هذا لأنه مفرط في امساكه في الصورة الأولى فلزمه الضمان بخلاف ما إذا لم يفرط
(مسألة) (وان وكله في بيع فاسد لم يصح ولم يملكه)
لأن الله تعالى لم يأذن فيه ولان الموكل لا يملكه فالوكيل أولى ولا يملك الصحيح لأن الموكل
لم يأذن فيه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يملك الصحيح لأنه إذا أذن في الفاسد فالصحيح أولى
ولنا أنه أذن له في محرم فلم يملك الحلال بالاذن في الفاسد كما لو اذن في شراء خمر وخنزير
لم يملك شراء الخيل والغنم
(مسألة) (وان وكله في كل قليل وكثير لم يصح)
لأنه يدخل فيه كل شئ فيعظم الغرر ولأنه لا يصح التوكيل الا في تصرف معلوم، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي. وقال ابن أبي ليلى يصح ويملك به كل ما تناوله لفظه لأن لفظه عام فصح فيما تناوله كما لو قال بع مالي كله
240

ولنا أن في هذا غررا عظيما وخطرا كبيرا لأنه يدخل فيه هبة ماله وطلاق نسائه واعتاق رقيقه
وتزوج نساء كثير وتلزمه المهور الكثيرة والايمان العظيمة فيعظم الضرر
(مسألة) (وان وكله في بيع ماله كله صح)
لأنه يعرف ماله فيعرف أقصى ما يبيع فيقل الغرر وكذلك لو وكله في بيع ما شاء من ماله أو
قبض ديونه أو الابراء منها أو ما شاء منها صح لأنه يعرف دينه فيعرف ما يقبض فيقل الغرر
(مسألة) (وان قال اشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن
وعنه ما يدل على أنه يصح)
إذا قال اشتر لي ما شئت بما شئت لم يصح ذكره أبو الخطاب لأن ما يمكن شراؤه يكثر فيكثر فيه
الغرر وان قدر له أكثر الثمن وأقله صح لأنه يقبل الغرر وقال القاضي إذا ذكر النوع لم يحتج إلى ذكر
الثمن لأنه أذن في أعلاه وعنه ما يدل على أنه يصح فإنه قد روي عن فيمن قال ما اشتريت من
شئ فهو بيننا أن هذا جائز وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شئ ولأنه اذن في التصرف فجاز من
غير تعيين كالاذن في التجارة
241

(فصل) وقد ذكرنا أنه إذا قال بع ما شئت من مالي أنه يصح وقال أصحاب الشافعي إذا قال بع
ما شئت من مالي لم يجز وان قال بع ما شئت من عبيدي جاز لأنه محصور بالجنس
ولنا أن ما جاز التوكيل في جميعه جاز التوكيل في بعضه وان قال اشتر لي عبدا تركيا أو ثوبا
صرويا صح وكذلك ان قال اشتر لي عبدا أو ثوبا ولم يذكر جنسه صح أيضا وقال أبو الخطاب لا
يصح وهو مذهب الشافعي لأنه مجهول
ولنا أنه ذكر نوعا فقد أذن في أعلاه ثمنا فيقل الغرر ولان تقدير الثمن يضربه فإنه قد لا يجد بقدر
الثمن ومن اعتبر ذكر الثمن جوز أن يذكر له أكثر الثمن وأقله وقد ذكرناه
(مسألة) (وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض) وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة
يملك قبضه لأن المقصود من التثبت قبضه أو تحصيله
242

ولنا أن القبض لم يتناوله الاذن نطقا ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض
(فصل) إذا وكله في الخصومة لم يقبل إقراره على الموكل بقبض الحق ولا غيره وبه قال مالك والشافعي
وابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة ومحمد يقبل اقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص وقال أبو يوسف
يقبل اقراره في مجلس الحكم وغيره لأن الاقرار أحد جوابي المدعي فملكه كالانكار
ولنا ان الاقرار يقطع الخصومة وينافيها فلم يملك الوكيل الاقرار فيها كالابراء وفارق الانكار
فإنه لا يقطع الخصومة ويملكه في الحدود والقصاص وفي غير مجلس الحاكم ولان الوكيل لا يملك
الانكار على وجه يمنع الموكل من الاقرار فلو ملك الاقرار لامتنع على الموكل الانكار فافترقا
ولا يملك المصالحة على الحق ولا الابراء منه بغير خلاف نعلمه الا ان الاذن في الخصومة
لا يقتضي شيئا من ذلك
(مسألة) (وان وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين)
وقال أبو حنيفة والآخر ليس له ذلك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنهما
معنيان مختلفان فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلا في الآخر لأنه لم يتناوله اللفظ
243

ووجه الأول أنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالتثبيت فكان أذنا فيه عرفا ولان القبض
لا يتم إلا به فملكه كما لو وكل في شراء شئ ملك تسليم ثمنه أو في بيع شئ ملك تسليمه ويحتمل
أنه إن كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلا في تثبيته والخصومة فيه لعلمه بوقوف
القبض عليه ولا فرق بين كون الحق عينا أو دينا وقال بعض أصحاب أبي حنيفة ان وكل في بيع
عين لم يملك تثبيتها لأنه وكيل في نقلها أشبه الوكيل في نقل الزوجة. ولنا انه وكيل في قبض حق أشبه
الوكيل في قبض الدين وبه يبطل ما ذكروه فإنه توكيل في قبضه ونقله إليه
(مسألة) (وان وكل في قبض الحق من انسان لم يكن له القبض من وارثه وان قال اقبض
حقي الذي قبله فله القبض من وارثه)
إذا وكله في قبض دين من رجل فمات نظرت في لفظه فإن قال اقبض حقي من فلان لم يكن له
قبضه من وارثه لأنه لم يؤمر بذلك ولا يقتضيه العرف لأنه قد يرى بقاء الحق عندهم دونه وان قال
اقبض حقي الذي قبله أو عليه فله مطالبة وارثه والقبض منه لأن قبضه من الوارث قبض الحق الذي
244

على مورثه، فإن قيل فلو قال اقبض حقي من زيد فوكل زيد انسانا في الدفع إليه كان له القبض والوارث
نائب الموروث فهو كالوكيل، قلنا الوكيل إذا دفع عنه باذنه جرى مجرى تسليمه لأنه أقامه مقام نفسه وليس كذلك
ههنا فإن الحق انتقل إلى الورثة واستحقت المطالبة عليه لا بطريق النيابة عن المورث ولهذا لو حلف
لا يفعل شيئا حنث بفعل وكيله دون وارثه
(مسألة) (وإن وكله في قبضه اليوم لم يكن له قبضه غدا لأنه قد يختص غرضه به في زمن حاجته إليه
(مسألة) وإن وكله في الايداع فأودع ولم يشهد لم يضمن إذا أنكر المودع)
كذلك ذكره أصحابنا وعموم كلام الخرقي يقتضي أن لا يقبل قوله على الآخر وهو أحد الوجهين
لأصحاب الشافعي لأن الوديعة لا تثبت إلا ببينة فهو كما لو وكله في قضاء الدين وقال أصحابنا لا يصح القياس
لأن قول المودع يقبل في الرد والهلاك فلا فائدة في استيثاق بخلاف قضاء الدين، فإن قال الوكيل دفعت المال
إلى المودع فقال لم تدفعه فالقول قول الوكيل لأنهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه فكان القول قوله فيه
245

(مسألة) (وإن وكله في قضاء الدين فقضاه ولم يشهد وأنكر الغريم ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل)
إذا وكل رجلا في قبضاء دينه ودفع إليه مالا ليدفعه إليه فادعى الوكيل قضاء الدين ودفع المال إلى
الغريم لم يقبل قوله على الغريم إلا ببينة لأنه ليس بأمينه فلم يقبل قوله عليه في ذلك كما لو ادعاه الموكل فإذا
حلف الغريم فله مطالبة الموكل لأن ذمته لا تبرأ بدفع المال إلى وكيله وهل للموكل الرجوع على وكيله؟
ينظر فإن كان قضاه بغير بينة فللموكل الرجوع عليه إذا قضاه في غيبته قال القاضي سواء صدقه أو كذبه
وهذا قولا الشافعي لأنه إذن في القضاء يبرأ به ولم يوجد وعن أحمد لا يرجع عليه بشئ إلا أن يكون أمره
بالاشهاد فلم يفعل، فعلى هذه الرواية ان صدقه الموكل في الدفع لم يرجع عليه بشئ وإن كذبه فالقول
قول الوكيل مع يمينه وهذا قول أبي حنيفة ووجه لأصحاب الشافعي لأنه ادعى فعل ما أمره به موكله
فكان القول قوله كما لو أمره ببيع ثوبه فادعى بيعه ووجه الأول أنه مفرط بترك الاشهاد فضمن كما لو فرط
في البيع بدون ثمن المثل، فإن قيل فلم يأمره بالاشهاد؟ قلنا إطلاق الامر بالقضاء يقتضى ذلك لأنه لا يثبت إلا
به فيصير كامره بالبيع والشراء يقتضى ذلك العرف لا العموم كذا ههنا وقياس القول الآخر يمكن القول بموجبه
وأن قوله مقبول في القضاء وإنما لزمه الضمان لتفريطه لا لرد قوله وعلى هذا لو كان القضاء بحضرة الموكل
246

لم يضمن الوكيل لأن تركه الاحتياط والاشهاد رضا منه بما فعل وكيله وكذلك لو أذن له في القضاء بغير
اشهاد فلا ضمان عليه لأن صريح قوله يقدم على ما تقتضيه دلالة الحال وكذلك إن أشهد على القصاء عد ولا
فماتوا أو غابوا فلا ضمان عليه لعدم تفريطه، وإن أشهد من يختلف في ثبوت الحق بشهادته كشاهد واحد
أو رجلا وامرأتين فهل يبرأ من الضمان يخرج على روايتين فإن اختلف الوكيل والموكل فقال قضيت الدين
بحضرتك فأنكر الموكل ذلك أو قال أذنت لي في قضائه بغير بينة فأنكر الموكل أو قال أشهدت على
القضاء شهودا فما توا فأنكر الموكل فالقول قوله لأن الأصل معه
(فصل) قال المصنف رحمه الله (والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط) سواء كان
بجعل أولا لأنه أمين أشبه المودع ومتى اختلفا في تعدي الوكيل أو تفريطه في الحفظ أو مخالفته أمر موكله
مثل أن يدعي أنك حملت على الدابة فوق طاقتها أو حملت عليها شيئا لنفسك أو فرطت في حفظها أو لبست
الثوب أو أمرتك برد المال فلم تفعل ونحو ذلك فالقول قول الوكيل مع يمنيه لأنه أمين وهذا مما يتعذر
إقامة البينة عليه فلا يكلف ذلك كالمودع ولأنه منكر لما يدعى عليه والقول قول المنكر، وكذلك إن ادعى
الوكيل التلف فأنكر الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه لما ذكرنا وهكذا حكم من كان في يده شئ
لغيره على سبيل الأمانة كالأب والوصي وأمين الحاكم والشريك والمضارب والمرتهن والمستأجر لأنه لو
كلف ذلك مع تعذره لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع دعوى الحاجة إليها وذلك ضرر وقال
247

القاضي إلا أن يدعي تلفها بأمر ظاهر كالحريق والنهب فعليه إقامة البينة على وجود هذا الامر في تلك
الناحية ثم يكون القول قوله في تلفها به وهذا قول الشافعي لأن وجود الامر الظاهر مما لا يخفى فلا يتعذر
إقامة البينة عليه ومتى ثبت التلف في يده من غير تعديه إما لقبول قوله أو باقرار موكله أو تبينه فلا ضمان
عليه سواء تلف المتاع الذي أمر ببيعه أو باعه وقبض ثمنه فتلف الثمن سواء كان بجعل أو غيره لأنه نائب
المالك في اليد والتصرف فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك وجرى مجرى المودع والمضارب وشبههما
فإن تعدى أو فرط ضمن وكذلك سائر الامناء ولو باع الوكيل سلعة وقبض ثمنها فتلف في يده من غير
تعد واستحق المبيع رجع المشترى بالثمن على الموكل دون الوكيل لأن المبيع له فالرجوع بالعهدة عليه
كما لو باع بنفسه
(مسألة) (وإن قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله) إذا اختلف الوكيل والموكل في
التصرف فيقول الوكيل بعت الثوب وقبضت الثمن فينكر الموكل ذلك أو يقول بعت ولم تقبض شيئا
فالقول قول الوكيل ذكره ابن حامد وهو قول أصحاب الرأي لأنه يملك البيع والقبض فقبل قوله
فيهما كما يقبل قول ولي المرأة المجبرة على النكاح في تزويجها ويحتمل أن لا يقبل قوله وهذا أحد القولين
لأصحاب الشافعي لأنه يقر بحق لغيره على موكله فلم يقبل كما لو أقر بدين عليه فإن وكله في شراء عبد
فاشتراه واختلفا في قدر ما اشتراه به فقال اشتريته بألف قال بل بخمسمائة فالقول قول الوكيل لما ذكرناه
248

وقال القاضي القول قول الموكل الا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه فقال اشتر لي عبدا بألف فادعى
الوكيل أنه اشتراه بها فالقول قول الوكيل إذا وإلا فالقول قول الموكل لأن من كان القول قوله في
أصل شئ كان القول قوله في صفته وللشافعي قولان كهذين الوجهين، وقال أبو حنيفة إن كان الشراء
في الذمة فالقول قول الموكل لأنه غارم لكونه مطالبا بالثمن وان اشترى بعين المال فالقول قول الوكيل
لكونه الغارم فإنه مطالبه برد ما زاد على خمسمائة.
ولنا أنهما اختلفا في تصرف الوكيل فكان القول قوله كما لو اختلفا في البيع ولأنه وكيل في الشراء فكان
القول قوله في قدر ثمن المشترى كالمضارب وكما لو قال له اشتر بألف عند القاضي
(مسألة) (وان اختلفا في رده إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا وإن كان بجعل فعلى وجهين)
إذا اختلفا في الرد فادعاه الوكيل و أنكره الموكل فإن كان بغير جعل فالقول قول الوكيل لأنه قبض
المال لنفع مالكه فكان القول قوله كالمودع وإن كان بجعل ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قوله كالأول
(والثاني) لا يقبل قوله لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وسواء اختلفا في
رد العين أو رد ثمنها.
249

(مسألة) (وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن)
وجملة ذلك أن الامناء على ضربين (أحدهما) من قبض المال لنفع مالكه لا غير كالمودع والوكيل
بغير جعل فيقبل قولهم في الرد لأنه لو لم يقبل قولهم لامتنع الناس من قبول هذه الأمانة فيلحق الناس
الضرر (الثاني) ينتفع بقبض الأمانة كالوكيل بجعل والمضارب والأجير المشترك والمستأجر والمرتهن
ففيهم وجهان ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يقبل قول المرتهن والمضارب في الرد لأن احمد نص
عليه في المضارب في رواية ابن منصور ولان من قبض المال لنفع نفسه لا يقبل قوله في الرد كالمستعير
ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ذلك ببينة أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله لأن
جنايته قد ثبتت بجحده، فإن أقام بينة بما ادعاه من الرد أو التلف لم تقبل بينته في أحد الوجهين لأنه
كذبها بجحده فإن قوله قبضت يتضمن أنه لم يرد شيئا (والثاني) يقبل لأنه يدعي الرد والتلف قبل
وجود خيانته فإن كان جحوده انك لا تستحق علي شيئا أو مالك عندي شئ سمع قوله مع يمينه لأن
جوابه لا يكذب ذلك فإنه إذا كان قد تلف أو رد فليس له عنده شئ فلا تنافي بين القولين الا أن
يدعي انه رده أو تلف بعد قوله مالك عندي شئ فلا يسمع قوله لثبوت كذبه وخيانته
(مسألة) (فإن قال أذنت لي في البيع نسيئة وفي الشراء بخمسه فأنكره فعلى وجهين)
وجملة ذلك أنهما متى اختلفا في صفة الوكالة فقال وكلتك في بيع هذا العبد قال بل في بيع هذه الجارية أو قال
250

في بيعه نقدا قال بل نسيئة أو قال وكلتك في شراء عبد قال بل في شراء أمة أو قال بل وكلتك في الشراء بعشرة
قال بل بخمسة فقال القاضي في المجرد القول قول الموكل وهو قول أصحاب الرأي والشافعي وابن المنذر، وقال
أبو الحطاب إذا قال أذنت لك في البيع نقدا وفي الشراء بخمسة قال بل أذنت لي في البيع نساء وفي
الشراء بعشرة فالقول قول الوكيل نص عليه أحمد واختاره القاضي والتعليق الكبير في المضاربة لأنه
أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته كالخياط إذا قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا
وحكي عن مالك ان أدركت السلعة فالقول قول الموكل وان فاتت فالقول قول الوكيل لأنها إذا فاتت
لزم الوكيل الضمان والأصل عدمه بخلاف ما إذا كانت موجودة، والقول الأول أصح لوجهين (أحدهما)
أنهما اختلفا في التوكيل الذي يدعيه الموكل فكان القول قول من ينفيه كما لو لم يقر الموكل بتوكيله في
غيره (والثاني) انهما اختلفا في صفة قول الموكل فكان القول قوله في صفة كلامه كما لو اختلف الزوجان
في صفة الطلاق، فعلى هذا إذا قال اشتريت لك هذه الجارية باذنك فقال ما أذنت الا في شراء غيرها
أو قال اشتريتها لك بألفين فقال ما أذنت لك في شرائها الا بألف فالقول قول الموكل وعليه اليمين
فإذا خلف برئ من الشراء، ثم لا يخلو إما أن يكون الشراء بعين المال أو في الذمة فإن كان بعين المال
فالبيع باطل ويرد الجارية على البائع ان اعترف بذلك وان كذبه في أن الشراء لغيره أو بمال غيره بغير
اذنه فالقول قول البائع لأن الظاهر أن ما في يد الانسان له فإن ادعى الوكيل علمه بذلك حلف أنه
251

لا يعلم أنه اشتراه بمال موكله لأنه يحلف على نفي فعل غيره فإذا حلف مضى البيع وعلى الوكيل غرامة
الثمن لموكله ودفع الثمن إلى البائع وتبقى الجارية في يده لا تحل له لأنه إن كان صادقا فهي للموكل وإن كان
كاذبا فهي للبائع، فإن أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في الباطن امتنع من بيعه إياها
رفع الامر إلى الحاكم ليرفق به ليبيعه إياها ليثبت الملك له ظاهرا وباطنا ويصير ما ثبت له في ذمته
ثمنا قصاصا بالثمن الذي أخذ منه الآخر ظلما فإن امتنع الآخر من البيع لم يجبر عليه لأنه عقد مراضاة، فإن
قال له ان كانت الجارية لي فقد بعتكها أو قال الموكل ان كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها
ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح وهو قول القاضي وبعض الشافعية لأنه بيع معلق على شرط (والثاني)
يصح لأن هذا أمر واقع يعلمان وجوده فلا يصح جعله شرطا كما لو قال إن كانت هذه الجارية جارية
فقد بعتكها وكذلك كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب وقوف البيع ولا شكا فيه، وإن كان الوكيل اشترى
في الذمة ثم نقد الثمن صح الشراء ولزم الوكيل في الظاهر فأما في الباطن فإن كان كاذبا في دعواه
فالجارية لموكله فإذا أراد احلالها توصل إلى شرائها منه كما ذكرنا وكل موضع كانت للموكل في الباطن
وامتنع من بيعها للوكيل فقد حصلت في يد الوكيل وهي للموكل وفي ذمته ثمنها في الوكيل فأقرب الوجوه ان يأذن
للحاكم في بيعها وتوفية حقه من ثمنها فإن كانت للوكيل فقد بيعت باذنه وإن كانت للموكل فقد باعها
الحاكم في إيفاء دين امتنع المدين من وفائه وقد قيل غير ما ذكرنا وهذا أقرب إن شاء الله تعالى
252

وان اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل جاز لأنه قائم مقام الموكل في ذلك أشبه ما لو اشترى منه
(فصل) ولو وكله في بيع عبد فباعه نسيئة فقال الموكل ما أذنت في بيعه الا نقدا فصدقه الوكيل
والمشتري فسد البيع وله مطالبة من شاء منهما بالعبد إن كان باقيا وبقيمته ان تلف فإن أخذ القيمة
من الوكيل رجع على المشتري بها لأن التلف في يده فاستقر الضمان عليه وان أخذها من المشتري لم
يرجع بالضمان على أحد، وان كذباه وادعيا أنه أذن في البيع نسيئة فعلى قول القاضي يحلف الموكل
ويرجع في العين إن كانت قائمة وان كانت تالفة رجع المشتري على الوكيل بالثمن الذي أخذه منه
لأنه لم يسلم له المنع وان ضمن الوكيل لم يرجع على المشتري في الحال لأنه يقر بصحة البيع وتأجيل
الثمن وان البائع ظلمه بالرجوع عليه وأنه إنما يستحق المطالبة بالثمن بعد الاجل فإذا حل الاجل رجع
الوكيل على المشتري بأقل الامرين من القيمة أو الثمن المسمى لأن القيمة ان كانت أقل فما غرم أكثر
منها فلم يرجع بأكثر مما غرم وإن كان الثمن أقل فالوكيل معترف للمشتري أنه لا يستحق عليه أكثر منه
وان الموكل ظلمه بأخذ الزائد على الثمن فلا يرجع على المشتري بما ظلم به الموكل وان كذبه أحدهما دون
الآخر فله الرجوع على المصدق بغير يمين ويحلف على المكذب ويرجع على حسب ما ذكرناه هذا ان
اعترف المشتري بالوكالة وإن أنكر ذلك وقال إنما بعتني ملكك فالقول قوله مع يمينه أنه لا يعلم كونه
وكيلا ولا يرجع عليه بشئ.
253

(فصل) إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره
لأنه رضي بكونه في يده فإن طلبه فأخر رده مع امكانه فتلف ضمنه وإن وعده رده ثم ادعى إني
كنت رددته قبل طلبه أو انه كان تلف لم يقبل قوله لأنه مكذب لنفسه بوعده رده فإن صدقه الموكل
برئ فإن كذبه فالقول قول الموكل فإن أقام بينة بذلك قبلت في أحد الوجهين لأنه يبرأ بتصديق
الموكل فكذلك إذا قامت له بينة لأن البينة إحدى الحجتين فبرئ بها كالاقرار والثاني لا يقبل لأنه
كذبها بوعده بالدفع بخلاف ما إذا صدق لأنه أقر ببراءته فلم يبق له منازع، وإن لم بعده برده لكن
منعه أو مطله مع امكانه ثم ادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله الا بينة لأنه صار بالمنع خارجا عن حال
الأمانة وتسمع بينته لأنه لم يكذبها
(مسألة) (وان قال أذنت لي ان تزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول
المنكر بغير يمين وهل يلزم الوكيل نصف الصداق ء على وجهين)
وجملة ذلك أن الوكيل والموكل إذا اختلفا في أصل الوكالة فقال وكلتني فأنكر الموكل فالقول
قوله لأن الأصل عدم الوكالة ولم يثبت أنه أمينه فيقبل قوله عليه ولو قال وكلتك ودفعت إليك مالا
فأنكر الوكيل ذلك كله أو اعترف بالتوكيل وأنكر دفع المال إليه فالقول قوله لذلك ولو قال رجل
254

لآخر وكلتني ان أتزوج لك فلانة ففعلت وادعت المرأة ذلك فأنكر الموكل فالقول قوله نص عليه
أحمد فقال إن أقام البينة والا فلا يلزم الآخر عقد النكاح قال أحمد ولا يستحلف قال القاضي لأن
الوكيل يدعي حقا لغيره، فأما ان ادعته المرأة فينبغي أن يستحلف لأنها تدعي الصداق في ذمته فإذا
حلف لم يلزمه الصداق ولم يلزم الوكيل منه شئ لأن دعوى المرأة على الموكل وحقوق العقد لا
تتعلق بالوكيل ونقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أن الوكيل يلزمه نصف الصداق لأن الوكيل في
الشراء ضامن للثمن وللبائع مطالبته كذا ههنا ولأنه فرط حيث لم يشهد على الزوج بالعقد والصداق
والأول أولى لما ذكرناه، ويفارق الشراء لأن الثمن مقصود البائع والعادة تعجيله وأخذه من المتولي
للشراء والنكاح يخالفه في هذا كله، فإن كان الوكيل ضمن المهر فلها الرجوع عليه بنصفه لأنه ضمنه
الموكل وهو مقر بأنه في ذمته وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد بن الحسن يلزم
الوكيل جميع الصداق لأن الفرقة لم تقع بانكاره فيكون ثابتا في الباطن فيجب جميعه
ولنا أنه يملك الطلاق فإذا أنكر فقد أقر بتحريمها عليه فصار بمنزلة ايقاعه لما تحرم به قال أحمد
ولا يتزوج المرأة حتى يطلق لعله يكون كاذبا في انكاره، وظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها لأنها
255

معترفة أنها زوجة له فيؤخذ باقرارها، وانكاره ليس بطلاق، وهل يلزم الموكل طلاقها؟ فيه احتمالان
(أحدهما) لا يلزم لأنه لم يثبت في حقه نكاح ولو ثبت لم يكلف الطلاق ويحتمل أن يلزمه لإزالة
الاحتمال وإزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه فأشبه النكاح الفاسد، ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر
لأنه لم يثبت صداقها فترث وهو ينكر أنها زوجته فلا يرثها ولو ادعى أن فلانا الغائب وكيله في تزوج
امرأة فتزوجها له ثم مات الغائب لم ترثه المرأة الا بتصديق الورثة أو يثبت بينة، وان أقر الموكل
بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون تزوج له فإن القول قول الوكيل فيه فيثبت التزويج ههنا وقال
القاضي لا يثبت وهو قول أبي حنيفة لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه لكونه لا ينعقد الا بها وذكر أن
أحمد نص عليه وأشار إلى نصه فيما إذا أنكر الموكل الوكالة من أصلها
ولنا أنهما اختلفا في فعل الوكيل ما أمره به فكان القول قوله كما لو وكله في بيع ثوب فادعى
بيعه أو في شراء عبد بألف فادعى أنه اشتراه به وما ذكره القاضي من نص أحمد عليه فيما إذا
أنكر الموكل الوكالة فليس بنص ههنا لاختلاف أحكام الصورتين وتباينهما فلا يكون النص في إحداهما
نصا في الآخر وما ذكره من المعنى لا أصل له فلا يعول عليه
256

(فصل) ولو غاب رجل فجاء رجل إلى امرأته فذكر أن زوجها طلقها وأبانها ووكله في تجديد
نكاحها بألف فأذنت في نكاحها فعقد عليها وضمن الوكيل الألف ثم جاء زوجها وأنكر هذا كله فأقول
قوله والنكاح الأول بحاله وقياس ما ذكرناه ان المرأة ان صدقت الوكيل لزمه الألف الا أن يبينها
زوجها قبل دخوله بها وحكي ذلك عن مالك وزفر وحكي عن أبي حنيفة والشافعي انه لا يلزم الضامن
شئ لأنه فرع على المضمون عنه والمضمون عنه لا يلزمه شئ فكذلك فرعه
ولنا أن الوكيل مقر بأن الحق في ذمة المضمون عنه وانه ضامن عنه فلزمه ما أقربه كما لو ادعى على
رجل انه ضمن ألفا على أجنبي فأقر الضامن بالضمان وصحته وثبوت الحق في ذمة المضمون عنه
وكما لو ادعى شفعة على انسان في شقص اشتراه فأقر البائع وأنكر المشتري فإن الشفيع يستحق الشفعة
في أصح الوجهين فإن لم تدع المرأة صحة ما ذكره الوكيل فلا شئ عليه، ويحتمل أن من أسقط عنه
الضمان أسقطه في هذه الصورة ومن أوجبه أوجبه في الصورة الأخرى فلا يكون بينهما اختلاف والله أعلم
(مسألة) (ويجوز التوكيل بجعل وبغيره) لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ الجعل عليه كرد الآبق
257

ويجوز بغير خلاف فإذا وكله بجعل فباع استحق الجعل قبل قبض الثمن لتحقق البيع قبل
قبضه فإن قال في التوكيل فإذا أسلمت إلي الثمن فلك كذا وقف استحقاقه على التسليم إليه لاشتراطه
إياه ولو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح نص عليه، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول ابن سيرين
وإسحاق وكرهه النخعي وحماد وأبو حنيفة والثوري والشافعي وابن المنذر لأنه أجر مجهول يحتمل الوجود
ولنا ان عطاء روى عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا ان يعطي الرجل الرجل الثوب أو غيره
فيقول بعه بكذا فما ازددت فهو لك ولا يعرف له في عصره مخالف فكان إجماعا لأنها عين تنمي بالعمل
عليها أشبه دفع ماله مضاربة. إذا ثبت ذلك فإذا باعه بزيادة فهي له لأنه جعلها له وان باعه بما عينه فلا
شئ له لأنه جعل له الزيادة ولا زيادة فهو كالمضارب إذا لم يربح، وان باعه بنقص فعنه لا يصح لمخالفته
فإن تعذر ضمن النقص وعنه يصح ويضمن النقص وقد ذكرنا ذلك وان باعه نسيئة لم يصح ولا يستحق
الوكيل وان باعه بزيادة نص عليه أحمد في رواية الأثرم
(فصل) إذا وكله في شراء شئ فاشترى غيره مثل ان يوكله في شراء عبد فاشترى جارية فإن
كان الشراء بعين مال الموكل فالشراء باطل في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أنه
يصح ويقف على إجازة المالك فإن أجازه صح وإلا بطل وهو قول مالك وإسحاق وقد ذكرناه في
كتاب البيع فإن كان اشتراه في ذمته ثم نقد الثمن فالشراء صحيح لأنه إنما اشترى بثمن في ذمته
وليس ذلك ملكا لغيره وقال أصحاب الشافعي لا يصح في أحد الوجهين لأنه عقد على أنه للموكل
ولم يأذن فيه فلم يصح كما لو اشترى بعين ماله
258

ولنا أنه لم يتصرف في ملك غيره فصح كما لو لم ينوه إذا ثبت ذلك فروي عن أحمد روايتان
(إحداهما) الشراء لازم للمشتري وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه اشترى في ذمته بغير اذنه
فكان الشراء له كما لو لم ينو غيره (والثانية) يقف على إجازة الموكل ان أجازه لزمه وان لم يجزه لزم
الوكيل لأنه لا يجوز أن يلزم الموكل لكونه لم يأذن في شرائه ولزم الوكيل لأن الشراء صدر منه
ولم يثبت لغيره فثبت في حقه كما لو اشتراه لنفسه وهكذا ذكر الخرقي وهذا حكم كل من اشترى شيئا
في ذمته لغيره بغير إذنه سواء كان وكيلا للذي قصد الشراء له أو لم يكن
(فصل) وان وكله في أن يتزوج له امرأة فتزوج له غيرها أو تزوج له بغير إذنه فالعقد فاسد
بكل حال في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لأن من شرط صحة عقد النكاح ذكرا لزوج
فإذا كان بغير إذنه لم يقع له ولا للوكيل لأن المقصود أعيان الزوجين بخلاف البيع فإنه يجوز أن
يشتري له من غير تسمية المشتري له والثانية يصح النكاح ويقف على إجازة المتزوج فإن أجازه صح
وإلا بطل وهو مذهب أبي حنيفة والقول فيه كالقول في البيع على ما تقدم
(فصل) قال القاضي إذا قال لرجل اشتر لي بديني عليك طعاما لم يصح ولو قال أسلف لي ألفا
من ملك في كر طعام ففعل لم يصح أيضا لأنه لا يجوز أن يشتري الانسان بماله ما يملكه غيره
وان قال اشتر لي في ذمتك أو قال أسلف لي ألفا في كر طعام واقض الثمن عني من مالك أو من
الدين الذي عليك صح لأنه إذا اشترى في الذمة حصل الشراء للموكل والثمن عليه فإذا قضاه من
الدين الذي عليه فقد دفع الدين إلى من أمره صاحب الدين بدفعه إليه وان قضاه من ماله عن دين
السلف الذي عليه صار قرضا عليه
259

(فصل) قال أحمد في رواية أبي الحارث في رجل له على آخر دراهم فبعث إليه رسولا يقبضها فبعث
إليه مع الرسول دينارا فضاع مع الرسول فهو من مال الباعث لأنه لم يأمره بمصارفته إنما كان من ضمان الباعث
لأنه دفع إلى الرسول غير ما أمره به المرسل لأن المرسل إنما أمره بقبض الدراهم ولم يدفعها إنما دفع دينارا عوضا عنه
وهذا صرف يفتقر إلى اذن صاحب الدين ومصارفته به فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه اللهم
الا ان يخبر الرسول الغريم ان رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم فيكون من ضمان الرسول
لأنه غره وأخذ الدينار على أنه وكيل للمرسل، وان قبض الدراهم التي أمر بقبضها فضاعت من الرسول
بغير تفريط فهي من ضمان صاحب الدين، وقال أحمد في رواية منها في رجل له عند آخر دنانير وثياب
فبعث إليه رسولا وقال خذ دينارا أو ثوبا فأخذ دينارين وثوبين فضاعت فالضمان على الباعث يعني الذي
أعطاه الدينار ين والثور بين ويرجع به على الرسول يعني عليه ضمان الدينار والثوب الزائدين إنما جعل عليه
الضمان لأنه إلى من لم يؤمر بدفعهما إليه ورجع بهما على الرسول لأنه غره وحصل التلف في يده
فاستقر الضمان عليه وللموكل تضمين الوكيل لأنه تعدى بقبض ما لم يؤمر بقبضه فإذا ضمنه لم يرجع على
أحد لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه، وقال أحمد في رجل وكل وكيلا في اقتضاء دينه وغاب
فأخذ الوكيل به رهنا فتلف الرهن في يد الوكيل فقال أساء الوكيل في أخذ الرهن ولا ضمان عليه إنما لم
يضمنه لأنه رهن فاسد والقبض في العقد الفاسد كالقبض في العقد الصحيح فما كان القبض في صحيحه مضمونا
كان مضمونا في فاسده وما كان غير مضمون في صحيحه كان غير مضمون في فاسده، ونقل البغوي
عن أحمد في رجل أعطى آخر دراهم ليشتري له بها شاة فخلطها مع دراهمه فضاعا فلا شئ عليه وان
260

ضاع أحدهما أيهما ضاع غرمه قال القاضي هذا محمول على أنه خلطها بما تتميز منه ويحتمل أنه أذن له
في خلطها أما ان خلطها بما لا تتميز منه بغير اذنه ضمنها كالوديعة وإنما لزمه الضمان إذا ضاع أحدهما
لأنه لا يعلم أن الضائع دراهم الموكل والأصل بقاؤها، ومعنى الضمان ههنا أنه يحسب الضائع من دراهم
نفسه فأما على المحمل الآخر وهو إذا خلطها بما تتميز منه فإذا ضاعت دراهم الموكل وحدها فلا ضمان
عليه لأنها ضاعت من غير تعد منه
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (فإن كان عليه حق لانسان فادعى آخر أنه وكيل صاحبه في قبضه
فصدقه لم يلزمه الدفع إليه الا ان تقوم به بينة وان لم تقم به بينة لم يلزمه الدفع إليه وان صدقه) وبه
قال الشافعي وسواء كان الحق في ذمته أو وديعة عنده وقال أبو حنيفة يلزمه وفاء الدين إن صدقه
وفي الوديعة روايتان أشهر هما لا يجب تسليمها لأنه أقر له بحق الاستيفاء فلزمه إيفاؤه كما لو أقر أنه وارثه
ولنا أنه تسليم لا يبرئه فلا يجب عليه كما لو كان الحق عينا وكما لو أقر بأن هذا وصي الصغير وفارق الاقرار
بكونه وارثه لأنه يتضمن براءته فإنه أقر بأنه لا حق لسواه
(مسألة) (وان كذبه لم يستحلف) وقال أبو حنيفة يستحلف وهذا مبني على الخلاف في وجوب
الدفع مع التصديق فمن أوجب عليه ثم أوجب عله اليمين مع التكذيب كسائر الحقوق ومن لم يوجب
عليه الدفع مع التصديق لم يلزمه اليمين مع التكذيب لعدم فائدتها
(مسألة) (فإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة وحلف رجع على الدافع وحده)
261

وجملة ذلك أن من عليه الحق إذا دفعه إلى الوكيل مع التصديق أو عدمه فحضر الموكل وصدق
الوكيل برئ الدافع وان كذبه فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر فإذا حلف وكان الحق دينا لم يرجع
إلا على الدافع وحده لأن حقه في ذمته ولم يبرأ منه بتسليمه إلى غير وكيل صاحب الحق والذي
أخذه الوكيل عين مال الدافع في زعم صاحب الحق والوكيل والدافع يزعمان أنه صار ملكا لصاحب
الحق وأنه ظالم للدافع بالأخذ منه فيرجع الدافع فيما أخذ منه الوكيل ويكون قصاصا مما أخذ منه صاحب
الحق وإن كان قد تلف في يد الوكيل لم يرجع عليه بشئ لأنه مقر بأنه أمين لا ضمان عليه إلا أن
يتلف بتعديه وتفريطه فيرجع عليه
(مسألة) (وإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلف فله تضمين أيهما شاء ولا يرجع
من ضمنه على الآخر بشئ)
إذا كان المدفوع عينا فوجدها صاحبها أخذها وله مطالبة من شاء بردها لأن الدافع دفعها إلى
غير مستحقها والوكيل عين ماله في يده فإن طالب الدافع فللدافع مطالبة الوكيل بها وأخذها من يده
ليسلمها إلى صاحبها فإن تلفت العين أو تعذر ردها فلصاحبها الرجوع ببدلها على من شاء منهما لأن
الدافع ضمنها بالدفع والقابض قبض مالا يستحق قبضه وأيهما ضمنه لم يرجع على الآخر لأن كل
واحد منهما يدعي أن ما يأخذ ظلم ويقر بأنه لم يؤخذ من صاحبه بتعد فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره
الا أن يكون الدافع دفعها إلى الوكيل من غير تصديق فيرجع على الوكيل لكونه لم يقر بوكالته ولم
يثبت ببينة وإن ضمن الوكيل لم يرجع على الدافع وان صدقه لكن إن كان الوكيل تعدى فيها أو
262

فرط استقر الضمان عليه فإن ضمن لم يرجع على أحد وان ضمن الدافع رجع عليه لأنه وإن كان يقر
بأنه قبضه قبضا شرعيا لكن إنما لزمه الضمان لتفريطه وتعديه فالدافع يقول ظلمني المالك بالرجوع علي
وله على الوكيل حق يعترف به الوكيل فيرجع عليه به
(مسألة) (فإن كان ادعى ان صاحب الحق أحاله ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق
واليمين مع الانكار وجهان.
(أحدهما) لا يلزمه الدفع إليه لأن الدفع إليه غرى مبرئ لاحتمال ان ينكر المحيل الحوالة ويضمنه فأشبه
المدعي للوكالة (والثاني) يلزمه الدفع إليه لأنه معترف ان الحق انتقل إليه أشبه الوارث والأول أشبه
لأن العلة في جواز منع الوكيل كون الدافع لا يبرئ وهي موجودة ههنا والعلة في وجوب الدفع إلى الوارث
كونه مستحقا والدفع إليه يبرئ وهو متخلف ههنا فالحاقه بالوكيل أولى وان قلنا يلزمه الدفع مع الاقرار
لزمته اليمين مع الانكار وان قلنا لا يلزمه الدفع مع التصديق لم تلزمه اليمين مع الانكار لعدم الفائدة
فيها ومثل هذا مذهب الشافعي
(مسألة) (وان ادعى أنه مات وأنا وارثه فصدقه أنه وارث الحق لا وراث له سواه لزمه الدفع إليه)
بغير خلاف نعلمه لأنه مقر له بالحق وأنه يبرأ بهذا الدفع فلزمه كما لو جاء صاحب الحق وإن
أنكر لزمته اليمين أنه لا يعلم صحة ما قال لأن اليمين ههنا على نفي فعل الغير فكانت على نفي
العلم وإنما لزمته اليمين ههنا لأن من لزمه الدفع مع الاقرار لزمته اليمين مع الانكار كسائر الحقوق المالية
(فصل) ومن طلب منه حق فامتنع من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض وكان الحق
263

عليه بغير بينة لم يلزم القابض الاشهاد لأنه لا ضرر في ذلك فإنه متى ادعى الحق على الدافع بعد ذلك
قال لا تستحق علي شيئا والقول قوله مع يمينه وإن كان الحق ثبت ببينة وكان من عليه الحق بقبل قوله
في الرد كالمودع والوكيل بلا جعل فكذلك لأنه متى ادعي عليه حق أو قامت به بينة فالقول في الرد
قوله، وإن كان ممن لا يقبل قوله في الرد أو يختلف في قبول قوله كالغاصب والمستعير والمرتهن لم يلزمه
تسليم ما قبله الا بالاشهاد لئلا ينكر القابض القبض ولا يقبل قول الدافع في الرد وإن أنكر قامت
عليه البينة ومتى أشهد القابض على نفسه بالقبض لم يلزمه تسليم الوثيقة بالحق إلى من عليه الحق لأن
بينة القبض تسقط البينة الأولى والكتاب ملكه فلا يلزمه تسليمه إلى غيره
(فصل) في الشهادة على الوكالة إذا شهد بالوكالة رجل وامرأتان أو شاهد وحلف معه فقال
أصحابنا فيها روايتان (إحداهما) تثبت بذلك إذا كانت الوكالة في المال قال أحمد في الرجل يوكل
وكيلا ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين إذا كانت المطالبة بدين فأما غير ذلك فلا (والثانية) لا تثبت
الا بشاهدين عدلين نقلها الخرقي في قوله ولا تقبل فيما سوى الأموال مما يطلع عليه الرجال أقل من
رجلين وهذا قول الشافعي لأن الوكالة اثبات للتصرف ويحتمل أن يكون قول الخرقي كالرواية الأولى
لأن الوكالة في المال يقصد بها المال فقبل شهادة النساء مع الرجال كالبيع والقرض. وان شهدا بوكالة
ثم قال أحدهما قد عزله لم تثبت وكالته بذلك، وإن كان الشاهد بالعزل أجنبيا لم يثبت العزل
بشهادته وجده لأن العزل لا يثبت الا بما يثبت به التوكيل، ومتى عاد أحد الشاهدين بالتوكيل فقال
264

قد عزله لم بحكم بشهادتهما لأنه رجوع عن الشهادة قبل الحكم بها فلا يجوز للحاكم الحكم بما رجع
عنه الشاهد وإن كان حكم الحاكم بشهادتهما ثم قال أحدهما قد عزله بعد ما وكله لم يلتفت إلى قوله
لأن الحكم قد نفذ بالشهادة ولم يثبت العزل فإن قالا جميعا كان قد عزله ثبت العزل لأن الشهادة قد
تمت في العزل كتمامها في التوكيل
(فصل) فإن شهد أحدهما أنه وكله يوم الجمعة وشهد آخر أنه وكله يوم السبت لم تتم الشهادة لأن التوكيل يوم
الجمعة غير التوكيل يوم السبت فلم تكمل شهادتهما على فعل واحد، وان شهد أحدهما أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة وشهد
آخر أنه أقر به يوم السبت تمت الشهادة لأن الاقرارين اخبار عن عقد واحد ويشق جمع الشهود ليقر عندهم
حالة واحدة فجوز له الاقرار عند كل واحد وحده وكذلك لو شهد أحدهما أنه أقر عنده بالوكالة بالعجمية
وشهد آخر أنه أقر بها بالعربية ثبتت، ولو شهد أحدهما أنه قال وكله بالعربية وشهد الآخر انه وكله بالعجمية
لم تكمل الشهادة لأن التوكيل بالعربية غير التوكيل بالعجمية فلم تكمل الشهادة على فعل واحد، وكذلك لو شهد أحدهما
أنه قال وكلتك وشهد الآخر أنه قال أذنت في التصرف أو أنه قال جعلتك وكيلا أو شهد أنه قال جعلتك
جريا لم تتم الشهادة لأن اللفظ مختلف والجري الوكيل، ولو قال أحدهما أشهد أنه وكله وقال الآخر أشهد
أنه اذن له في التصرف تمت الشهادة لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل وإنما عبرا عنه بلفظهما واختلاف لفظهما
لا يؤثر إذا اتفق معناه، ولو قال أحدهما أشهد انه أقر عندي انه وكيله وقال الآخر أشهد انه أقر عندي انه
جريه أو انه أوصى إليه بالتصرف في حياته ثبتت الوكالة بذلك، ولو شهد أحد بأنه وكل في بيع عبده
وشهد الآخر انه وكله وزيدا أو شهد انه وكله في بيعه وقال لاتبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلانا لم تتم
265

الشهادة لأن الأول أثبت استقلالا بالبيع من غير شرط والثاني ينفي ذلك فكانا مختلفين، وان شهد
أحدهما انه وكله في بيع عبده وشهد الآخر انه وكله في بيع عبده وجاريته حكم بالوكالة في العبد
لاتفاقهما عليه وزيادة الثاني لا تقدح في تصرفه في الأول فلا تضر وهكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في
بيعه لزيد وشهد الآخر انه وكله في بيعه لزيد وان شاء لعمرو
(فصل) ولا تثبت الوكالة والعزل بخبر الواحد وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة تثبت بخبر الواحد
وان لم يكن ثقة ويجوز التصرف للخبر بذلك إذا غلب على ظنه صدق المخبر بشرط الضمان ان أنكر
الموكل ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولا لأن اعتبار شاهدين عدلين في هذا يشق فسقط
اعتباره ولأنه اذن في التصرف ومنع منه فلم تعتبر فيه شروط الشهادة كاستخدام غلامه
ولنا انه عقد مالي فلا يثبت بخبر الواحد كالبيع وفارق الاستخدام فإنه ليس بعقد ولو شهد
اثنان ان فلانا الغائب وكل فلانا الحاضر فقال الوكيل ما علمت هذا وانا أتصرف عنه ثبتت الوكالة
لأن معنى ذلك اني لم اعلم إلى الآن وقبول الوكالة بجوز متراخيا وليس من شرط التوكيل حضور الوكيل
ولا عمله فلا يضر جهله به وان قال ما اعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته لقدحه في شهادتهما وان
قال ما علمت وسكت قيل له فسر فإن فسر بالأول ثبتت وكالته وان فسر بالثاني لم تثبت
(فصل) ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب وهو أن يدعي ان فلانا الغائب وكلني في كذا
وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح بناء على أن الحكم على الغائب لا يصح
266

ولنا أنه لا يعتبر رضاه في سماع البينة فلا يعتبر حضوره كغيره وإذا قال له من عليه الحق احلف
أنك تستحق مطالبتي لم يسمع لأن ذلك طعن في الشهادة وان قال قد عزلك الموكل فاحلف أنه ما
عزلك لم يستحلف لأن الدعوى على الموكل واليمين لا تدخلها النيابة، وان قال أنت تعلم أن موكلك
قد عزلك سمعت دعواه وطلب اليمين من الوكيل حلف على نفي العلم لأن الدعوى عليه وان أقام
الخصم بينة بالعزل سمعت وانعزل الوكيل
(فصل) وتقبل شهادة الوكيل على موكله لعدم التهمة لأنه لا يجربها نفعا ولا يدفع بها ضررا
267

وتقبل شهادته له فيما لم يوكله فيه لكونه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا تقبل شهادته له فيما هو وكيل له
فيه لأنه يثبت لنفسه حقا بدليل أنه إذا كان وكله في قبض حق فشهد به ثبت له استحقاق قبضه ولأنه
خصم فيه بدليل انه يملك المخاصمة فيه فإن شهد بما كان وكيلا فيه بعد عزله لم تقبل أيضا سواء كان
خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة إن كان لم يخاصم فيه قبلت
شهادته لأنه لاحق له فيه وان لم يخاصم فيه فأشبه ما لو لم يكن وكيلا فيه وللشافعي قولان كالمذهبين
ولنا أنه بعقد الوكالة صار خصما فيه فلم تقبل شهادته فيه كما لو خاصم فيه وفارق ما لم يكن
وكيلا فيه فإنه لم يكن خصما فيه
(فصل) إذا كانت الأمة بين نفسين فشهدا ان زوجها وكل في طلاقها لم تقبل شهادتهما لأنهما
يجران لأنفسهما نفعا وهو زوال حق الزوج من البضع الذي هو ملكهما، وان شهدا بعزل الوكيل في
الطلاق لم تقبل لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا وهو إبقاء النفقة على الزوج، ولا تقبل شهادة ابني
الرجل له بالوكالة ولا أبويه لأنهما يثبتان له حق التصرف ولا يثبت للانسان حق بشهادة ابنه ولا
أبيه ولا تقبل شهادة ابني الموكل ولا أبويه بالوكالة وقال بعض الشافعية تقبل لأن هذا حق على
الموكل يستحق به الوكيل المطالبة فقبلت فيه شهادة قرابة الموكل كالاقرار
ولنا ان هذه شهادة ثبت بها حق لأبيه آو ابنه فلم تقبل كشهادة ابني الوكيل وأبويه ولأنهما
268

يثبتان لأبيهما نائبا متصرفا، وفارق الشهادة عليه بالاقرار فإنها شهادة عليه متمحضة ولو ادعى الوكيل
الوكالة فأنكرها الموكل فشهد عليه ابناه أو أبواه ثبتت الوكالة وأمضي تصرفه لأن ذلك شهادة عليه
ولو ادعى الموكل أنه تصرف بوكالته وأنكر الوكيل فشهد عليه أبواه أو ابناه قبل أيضا كذلك
وان ادعى وكيل الموكل الغائب حقا وطالب به فادعى الخصم ان الموكل عزله وشهد له بذلك ابنا
الموكل قبلت شهادتهما ثبت العزل بها لأنهما يشهدان على أبيهما وان لم يدع الخصم عزله لم تسمع
شهادتهما لأنهما يشهدان لمن لا يدعيها فإن قبض الوكيل فحضر الموكل وادعى أنه كان قد عزل
الوكيل وأن حقه باق في ذمة الغريم وشه له ابناه لم تقبل شهادتهما لأنهما يثبتان حقا لأبيهما ولو
ادعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده أو ابنا سيده أو أبواه لم تقبل لأن السيد يشهد لعبده وابناه
يشهدان لعبد أبيهما والأبوان يشهدان لعبد ابنهما، وان عتق فأعاد الشهادة فهل تقبل يحتمل وجهين
(فصل) إذا حضر رجلان عند الحاكم فاقر أحدهما ان الآخر وكيله ثم غاب الموكل وحضر
الوكيل فقدم خصما لموكله وقال أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيلا فإن قلنا لا يحكم الحاكم بعلمه
لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته وان قلنا يحكم بعلمه وكان الحكم يعرف الموكل بعينه واسمه
ونسبه صدقه ومكنه من التصرف لأن معرفته كالبينة وإن عرفه بعينه دون اسمه ونسبه لم يقبل قوله
حتى تقوم البينة عنده بالوكالة لأنه يريد تثبيت نسبه عنده بقوله فلم يقبل
269

(فصل ولو حضر عند الحاكم رجل فادعى أنه وكيل فلان الغائب في شئ عينه أحضر بينة
تشهد له بالوكالة سمعها الحاكم، ولو ادعى حقا لموكله قبل ثبوت وكالته لم يسمع الحاكم دعواه وبه قال
مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يسمعها إلا أن يقدم خصما من خصماء الموكل فيدعي عليه حقا فإذا
أجاب المدعي عليه حينئذ يسمع الحاكم البينة، فحصل الخلاف بيننا في حكمين (أحدهما) ان الحاكم يسمع
البينة على الوكالة من غير حضور خصم وعنده لا يسمع (والثاني) أنه لا يسمع دعواه لموكله قبل ثبوت وكالته
وعنده يسمع وبنى أبو حنيفة على أصله في أن القضاء على الغائب لا يجز وسماع البينة بالوكالة من غير خصم
بها قضاء على الغائب وان الوكالة لا تلزم الخصم ما لم يجب الوكيل عن دعوى الخصم انك لست بوكيل
ولنا أنه اثبات للوكالة فلم يفتقر إلى حضور الموكل عليه كما لو كان عليه جماعة فاحضر واحدا منهم
فإن الباقين لا يفتقر إلى حضور هم كذلك ههنا والدليل على أن الدعوى لا تسمع قبل ثبوت الوكالة
أنها لا تسمع الا من خصم يخاصم عن نفسه أو عن موكله وهذا لا يخاصم عن نفسه ولم يثبت أنه وكل
لمن يدعي له فلا تسمع دعواه كما لو ادعى لمن لم يدع وكالته وفي هذا الأصل جواب عما ذكره
(فصل) ولو حضر رجل وادعى على غائب مالا في وجه وكيله فأنكره فأقام بينة بما ادعاه
حلفه الحاكم وحكم له بالمال فإذا حضر الموكل وجحد الوكالة وادعى أنه كان قد عزله لم يؤثر ذلك في
الحكم لأن القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله
270

كتاب الاقرار
الاقرار الاعتراف والأصل فيه الكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى (وإذ أخذ
الله ميثاق النبيين إلى قوله قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري؟ قالوا أقررنا) وقال تعالى (وآخرون
اعترفوا بذنوبهم) وقال تعالى (ألست بربكم قالوا بلى) في آي كثيرة مثل هذا، وأما السنة فما روي أن
ما عزا أقر بالزنا فرجمه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الغامدية وقال (واغديا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت
فارجمها)) وأما الاجماع فإن الأمة أجمعت على صحة الاقرار ولان الاقرار إخبار على وجه تنتفي عنه
التهمة والريبة فإن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضربها ولهذا كان آكد من الشهادة فإن المدعى عليه
إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة وإنما تسمع إذا أنكر ولو كذب المدعي بينته لم تسمع وإن كذب
المقر ثم صدقه سمع.
(مسألة) (ويصح الاقرار من كل مكلف مختار غير محجور عليه. أما الطفل المجنون فلا يصح
اقرارهما وكذلك المبرسم والنائم والمغمى عليه)
لا نعلم في هذا خلافا وقد قال عليه الصلاة والسلام (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن
المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ) فنص عن الثلاثة والمبرسم والمغمى عليه في معنى المجنون
271

والنائم ولأنه قول من غائب العقل فلم يثبت له حكم كالبيع والطلاق، فأما الصبي المميز فإن كان محجورا
عليه لم يصح اقراره للنص وإن كان مأذونا له في البيع والشراء فبيعه وشراؤه جائز، وان أقر انه اقتضى
شيئا من ماله جاز بقدر ما أذن له وليه فيه وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو بكر وابن أبي موسى إنما يصح
اقراره فيما أذن له في التجارة فيه في الشئ اليسير وقال الشافعي لا يصح إقراره بحال لعموم الخبر ولأنه
غير بالغ أشبه الطفل ولأنه لا تقبل شهادته ولا روايته أشبه الطفل
ولنا أنه عامل مختار يصح تصرفه فصح إقراره كالبالغ وقد دللنا على صحة تصرفه فيما مضى والخبر
محمول على رفع التكليف والاثم.
(مسألة) (وكذلك العبد المأذون له في التجارة) لما ذكرنا في الصبي بل صحة اقرار العبد أولى لأنه مكلف
(مسألة) (فإن أقر مراهق غير مأذون له ثم اختلف هو المقر له في بلوغه فالقول قول المقر)
الا أن تقوم بينة ببلوغه لأن الأصل الصغر ولا يحلف لأننا حكمنا بعدم بلوغه الا أن يختلفا بعد
ثبوت بلوغه فعليه اليمين أنه حين أقر لم يكن بالغا
(مسألة) (ولا يصح اقرار السكران وتتخرج صحته بناء على طلاقه)
اما من زال عقله بسبب مباح أو معذور فيه فهو كالمجنون لا يصح اقراره بغير خلاف وإن كان
272

خلاف وإن كان بمعصية كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله عامدا لغير حاجة لم يصح اقراره ويتخرج
أن يصح كطلاقه وهو منصوص الشافعي لأن أفعاله تجري مجرى الصاحي
ولنا أنه غير عاقل فلم يصح اقراره كالمجنون الذي سبب جنونه فعل محرم ولان السكران لا يوثق
بصحة ما يقول ولا تنتفي عنه التهمة فيما يخبر به فلم يوجد معنى الاقرار الموجب لقبول قوله.
* (مسألة) * (ولا يصح اقرار المكره الا ان يقر بغير ما أكره عليه مثل ان يكره على الاقرار لانسان
فيقر لغيره أو على الاقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها أو على الاقرار بدنانير فيقر بدراهم فيصح)
لا يصح اقرار المكره بما أكره على الاقرار به، وهذا مذهب الشافعي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح كالبيع
فاما ان أقر بغير ما أكره عليه مثل ان يكره على الاقرار لرجل فيقر لغيره أو بنوع من المال فيقر
بغيره أو على الاقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق أخرى أو أقر بعتق عبد صح لأنه أقر بما لم يكره
عليه فصح كما لو أقر به ابتداء
* (مسألة) * (وان أكره على وزن ثمن فباع داره في ذلك صح بيعه)
نص عليه احمد لأنه لم يكره على البيع، ومن أقر بحق ثم ادعى أنه كان مكرها لم يقبل قوله إلا
273

ببينة سواء أقر عنه سلطان أو عند غيره لأن الأصل عدم الاكراه، الا أن يكون هناك دلالة على
الاقرار كالقيد والحبس والتوكل به فيكون القول قوله مع يمينه لأن الحال تدل على الاكراه، ولو ادعى
أنه كان زائل العقل حال اقراره لم يقبل قوله الا بينة لأن الأصل السلامة حتى يعلم غيرها، ولو شهد
الشهود باقراره لم تفتقر صحة الشهادة إلى أن يقولوا طوعا في صحة عقله لأن الظاهر السلامة وصحة
الشهادة وقد ذكرنا اقرار السفيه والمفلس فيما مضى
* (مسألة) * (وأما المريض مرض الموت المخوف فيصح اقراره بغير المال) لأنه لا تهمة عليه في
ذلك وإنما تلحقه التهمة في المال
(مسألة) (وان أقر بمال لمن لا يرثه صح في أصح الروايتين)
لأنه غير متهم في حقه وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل
العلم على أن اقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز، وحكى أصحابنا رواية أنه لا يقبل لأنه إقرار
في مرض الموت أشبه الاقرار للوارث وفيه رواية أخرى أنه لا يصح بزيادة على الثلث ذكرها أبو
الخطاب لأنه ممنوع من عطية الوارث فلم يصح اقراره بما لا يملك عطيته بخلاف الثلث فما دون
ولنا أنه اقرار غير متهم فيه فقبل كالاقرار في الصحة يحققه أن حالة المرض أقرب إلى الاحتياط
لنفسه وأبرأ لذمته وتحري الصدق فكان أولى بالقبول وفارق الاقرار للوارث فإنه متهم فيه
274

(مسألة) (ولا يحاص المقر له غرماء الصحة)
وقال أبو الحسن التميمي والقاضي يحاصهم إذا ثبت عليه دين في الصحة ثم أقر لأجنبي بدين
في مرض موته واتسع ماله لهما تساويا وان ضاق عنهما فقيل بينهما سواء، والمذهب أن يقدم الدين الثابت على
الدين الذي أقر به في المرض قاله أبو الخطاب قال القاضي وهو قياس المذهب، نص احمد في المفلس
على أنه إذا أقر وعليه دين ببينة يبدأ بالدين الذي بالبينة، وبهذا قال النخعي والثوري وأصحاب الرأي
لأنه أقر بعد تعلق الحق بتركته فوجب ان لا يشارك المقر له من ثبت دينه ببينة كغريم المفلس الذي
أقر له بعد الحجر عليه، والدليل على تعلق الحق بماله منعه من التبرع والاقرار لوارث ولأنه محجور
عليه ولهذا لا تنفذ هباته فلم يشارك من أقر له قبل الحجر ومن ثبت دينه ببينة كالذي أقر له المفلس
وظاهر كلام الخرقي انهما يتحاصان وهو قول أبي الحسن التميمي وبه قال مالك والشافعي وأبو عبيد
وأبو ثور وذكر أبو عبيد أنه قول أكثر أهل المدينة فإن أقر لهما في المرض جميعا تساويا
(مسألة) (وان أقر لوارث لم يقبل الا ببينة)
وبهذا قال شريح وأبو هاشم وابن أذينة والنخعي ويحيى الأنصاري وأبو حنيفة وأصحابه وروي ذلك عن القاسم
وسالم وقال عطاء والحسن وإسحاق وأبو ثور يقبل لأن من صح الاقرار له في الصحة صح في المرض
كالأجنبي وللشافعي قولان كالمذهبين وقال مالك يصح إذا لم يتهم ويبطل إذا اتهم كمن له بنت وابن
275

عم فاقر لابنته لم يقبل وان أقر لابن عمه قبل لأنه لا يتهم في أنه يزوي ابنته ويوصل المال إلى ابن
عمه وعلة منع الاقرار التهمة فاختص المنع بموضعها
ولنا أنه إيصال لماله إلى وارثه بقوله في مرض موته فلم يصح بغير رضا بقية ورثته كهبته ولأنه
محجور عليه في حقه فلم يصح الاقرار له كالصبي في حق جميع الناس، وفارق الأجنبي فإن هبته تصح وما
ذكره مالك لا يصح فإن التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها فاجيز اعتبارها بمظنتها وهو الإرث ولذلك اعتبر
في الوصية والتبرع وغيرهما
(مسألة) (إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فما دونه فيصح) في قول الجميع لا نعلم فيه مخالفا الا
أن الشعبي قال لا يجوز اقراره لها لأنه اقرار لوارث
ولنا أنه اقرار بما تحقق سببه وعلم وجوده ولم تعلم البراءة منه فأشبه ما لو كان عليه دين ببينة فأقر
بأنه لم يوفه وكذلك ان اشترى من وارثه شيئا فاقر له بثمن مثله لأن القول قول المقر له في أنه لم
يقبض ثمنه وان أقر لامرأته بدين سوى الصداق لم يقبل
(فصل) فإن أقر لها ثم أبانها ثم تزوجها ومات من مرضه لم يقبل اقراره لها وقال محمد
ابن الحسن يقبل لأنها صارت إلى حال لا يتهم فيها فأشبه ما لو أقر لمريض ثم برئ، ولنا أنه أقر
لوارث في مرض الموت
276

(مسألة) (وان أقر الوارث وأجنبي بطل في حق الوارث وصح في حق الأجنبي) وفيه وجه آخر
أنه لا يصح كما لو شهد بشهادة يجر إلى نفسه بعضها بطلت شهادته في الكل كما لو شهد لابنه وأجنبي
وقال أبو حنيفة ان أقر لهما بدين من الشركة فاعترف الأجنبي بالشركة صح الاقرار لهما وان
جحدها صح له دون الوارث.
ولنا أنه أقر لوارث وأجنبي فيصح للأجنبي دون الوارث كما لو أقر بلفظين أو كما لو جحد
الأجنبي الشركة ويفارق الاقرار الشهادة لقوة الاقرار ولذلك لا تعتبر فيه العدالة، ولو أقر بشئ له
فيه نفع كالاقرار بنسب وارث موسر قبل، ولو أقر بشئ يتضمن دعوى على غيره قبل فيما عليه دون
ماله كما لو قال لامرأته خلعتك على الف بانت باقراره والقول قولها في نفي العوض وكذلك ان قال
لعبده اشتريت نفسك مني بألف
(مسألة) (وان أقر لوارث فصار عند الموت غير وارث لم يصح وان أقر لغير وارث صح وان
صار وارثا نص عليه وقال إن الاعتبار بحال الموت فيصح في الأولى ولا يصح في الثانية كالوصية)
وجملة ذلك أنه إذا أقر لوارث فصار غير وارث أقر لأخيه ولا ولد له ثم ولد له ابن لم يصح
اقراره له، وان أقر لغير وارث ثم صار وارثا صح اقراره له نص عليه أحمد في رواية ابن منصور إذا
أقر لامرأة بدين في المرض ثم تزوجها جاز اقراره لأنه غير متهم وحكي له قول سفيان في رجل
277

له ابنان فاقر لأحدهما بدين في مرضه ثم مات الابن وترك ابنا والأب حي ثم مات بعد ذلك جاز
قراره فقال أحمد لا يجوز وبهذا قال عثمان البتي، وذكر أبو الخطاب رواية أخرى في الصورتين مخالفة
لما قلنا وهو قول سفيان الثوري والشافعي لأنه معنى يعتبر فيه عدم الميراث فكان الاعتبار فيه
بحالة الموت كالوصية
ولنا انه قول يعتبر فيه التهمة فاعتبرت حال وجوده دون غيره كالشهادة ولأنه إذا أقر لغير
وارث ثبت الاقرار وصح لوجوده من أهله خاليا عن تهمة فثبت الحق به ولم يوجد مسقط له فلا
يسقط وإذا أقر لوارث وقع باطلا لاقتران التهمة به فلا يصح بعد ذلك ولأنه إذا أقر لوارث فلا
يصح كما لو استمر الميراث وان أقر لغير وارث صح واستمر كما لو استمر عدم الإرث اما الوضية فإنها
عطية بعد الموت فاعتبرت فيها حالة الموت يخالف مسئلتنا
(مسألة) (وان أقر لامرأته بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح اقراره لها) إذا مات من مرضه
لأنه اقرار لوارث في مرض الموت أشبه ما لو لم يبنها
(مسألة) (وان أقر المريض بوارث صحيح صح وعنه لا يصح)
يصح اقرار المريض بوارث في إحدى الروايتين والأخرى لا يصح لأنه أقر لوارث فأشبه الاقرار
له بمال والأول أصح لأنه عند الاقرار غير وارث فصح كما لو لم يصر وارثا ويمكن بناء هذه المسألة على
ما إذا أقر لغير وارث فصار وارثا فمن صحح الاقرار ثم صححه هاهنا ومن ابطله ابطله
278

(مسألة) (وان أقر بطلاق امرأته في صحته لم يسقط ميراثها) إذا كان الاقرار في مرضه
لأنه متهم بقصد حرمانها الميراث فلم يبطل كما لو طلقها في مرضه
(فصل) ويصح اقرار المريض باحبال الأمة لأنه ملك ذلك فملك الاقرار به وكذلك كل ما
ملكه ملك الاقرار به فإذا أقر بذلك ثم مات فإن بين أنه استولدها في ملكه فولده حر الأصل وأمه
أم ولد تعتق من رأس المال وان قال من نكاح أو وطئ شبهة عتق الولد ولم تصر الأمة أم ولد فإن
كان من نكاح فعليه الولاء لأنه مسه رق وإن كان من وطئ شبهة لم تصر الأمة أم ولد وان لم
يتبين السبب فالأمة مملوكة لأن الأصل الرق ولم يثبت سبب الحرية ويحتمل ان تصير أم ولد لأن الظاهر
استيلادها في ملكه من قبل أنها مملوكته والولادة موجودة ولا ولاء على الولد لأن الأصل عدمه
فلا يثبت الا بدليل.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وان أقر العبد بحد أو قصاص أو طلاق صح وأخذ به الا ان يقر
بقصاص في النفس فنص احمد أنه يتبع به عبد العتق وقال أبو الخطاب يؤخذ به في الحال)
وجملة ذلك أن العبد يصح اقراره بالحد والقصاص فيما دون النفس لأن الحق له دون مولاه ولا
يصح اقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ويجب المال دون القصاص لأن المال يتعلق برقبته وهي مال
السيد فصح اقراره بجناية الخطأ وهو الذي ذكره شيخنا في كتاب الكافي وأما اقراره بما يوجب
279

القصاص في النفس فالمنصوص عن أحمد انه لا يقبل ويتبع به بعد العتق وبه قال زفر والمزني وداود وابن
جرير الطبري لأنه يسقط حق سيده باقراره فأشبه الاقرار بقتل الخطأ ولأنه يتهم في أنه يقر لرجل
ليعفو عنه ويستحق أخده فيتخلص بذلك من سيده، واختار أبو الخطاب انه يصح اقراره وهو قول
أبي حنيفة ومالك والشافعي ولأنه أحد نوعي القصاص فصح اقراره به كما دون النفس، وبهذا الأصل
ينتقض دليل الأول وينبغي على هذا القول إن لا يصح عفو ولي الجناية على مال إلا باختيار سيده لئلا
يفضي إلى إيجاب المال على سيده باقرار غيره ولا يقبل اقرار العبد بجناية الخطأ ولا شبه العمد ولا
بجناية عمد موجبها المال كالجائفة والمأمومة لأنه إيجاب حق في رقبته وذلك بتعلق بالمولى
(مسألة) (وان أقر العبد غير المأذون له بمال لم يقبل في الحال ويتبع به بعد العتق) لأنه تصرف
فيما هو حق للسيد فعلي هذا يتبع به بعد العتق عملا باقراره على نفسه وعنه يتعلق برقبته كجنايته
(مسألة) (وان أقر السيد عليه بمال أو ما يوجبه كجناية الخطأ قبل) لأنه إيجاب حق في ماله
(مسألة) (وان أقر العبد بسرقة مال في يده وكذبه السيد قبل اقراره في القطع دون المال)
وجملة ذلك أن العبد إذا أقر بسرقة موجبها القطع والمال فأقر بها العبد وجب قطعه ولم يجب
المال سواء كان ما أقر بسرقته باقيا أو تالفا في يد السيد أو يد العبد قال أحمد
280

في عبد أقر بسرقة دراهم في يده انه سرقها من رجل والرجل يدعي ذلك والسيد يكذبه فالدراهم لسيده
ويقطع العبد ويتبع بذلك بعد العتق وللشافعي في وجوب المال في هذه الصورة وجهان، ويحتمل ان
لا يجب القطع لأن ذلك شبهة فيدرأ بها القطع لكونه حدا يدرأ بالشبهات وهذا قول أبي حنيفة وذلك
لأن العين التي أقر بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها فلا يثبت حكم القطع بها
(فصل) وإن أقر العبد برقه لغير من هو في يده لم يقبل اقراره لأن اقراره بالرق اقرار بالملك
والعبد لا يقبل اقراره بمال لأنا لو قبلنا اقراره أضر بالسيد ولأنه إذا شاء أقر لغير سيده فأبطل ملكه فإن
أقر السيد لرجل وأقر هو لآخر فهو للذي أقر له السيد لأنه في يد السيد لا في يد نفسه ولأنه لو قبل
اقرار العبد لما قبل اقرار السيد كالحد وجناية العمد
(فصل) ويصح الاقرار لكل من يثبت له الحق فإذا أقر لعبد بنكاح أو قصاص أو تعزير القذف
صح الاقرار له صدقه المولى أو كذبه لأن الحق له دون سيده وله المطالبة بذلك والعفو عنه وليس
لسيده مطالبته به ولا عفو وإن كذبه العبد لم يقبل اقراره، وان أقر له بمال صح ويكون لسيده
لأن يد العبد كيد سيده، وقال أصحاب الشافعي ان قلنا يملك المال صح الاقرار له وان قلنا لا يملك
كان الاقرار لمولاه يلزم بتصديقه ويبطل برده
(مسألة) (وان أقر السد لعبده بمال لم يصح) لأن العبد لسيده فلا يصح اقراره لنفسه وان أقر
281

العبد لسيده لم يصح لأنه أقر له بماله فلم يفده الاقرار شيئا
(مسألة) (وان أقر انه باع عبده من نفسه بألف وأقر العبد به ثبت ويكون كالكتابة وان أنكر
عتق ولم يلزمه الألف) لأن أقر لعبده بسبب العتق فعتق وتبقى دعواه عليه لا تلزمه كما لم تلزم غيره
(مسألة) (وان أقر لعبد غيره بمال صح وكان لمالكه) لأن مال العبد لسيده
(مسألة) (وان أقر لبهيمة لم يصح) لأنها لا تملك ولا لها أهلية الملك، وان قال علي بسبب هذه
البهيمة لم يكن اقرارا لاحد لأنه لم يذكر لمن هي ومن شرط صحة الاقرار ذكر المقر له فإن قال لمالكها
ولزيد علي بسببها الف صح الاقرار، وان قال بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح إذ لا يمكن إيجاب شئ
بسبب الحمل وقيل يصح ويكون لمالكها كالاقرار للعبد
(مسألة) (وان تزوج مجهولة النسب فأقرت بالرق لم يقبل اقرارها)
لأنها تقر على حق الزوج وعنه تقبل في نفسها لأنها عاقلة مكلفة فيقبل اقرارها على نفسها كما لو
أقرت بمال، ولا يقبل اقرارها بفسخ النكاح ورق الأولاد لأن ذلك حق الزوج وان أولدها بعد
الاقرار ولدا كان رقيقا لأنه حدث بعد ثبوت رقها وان أقر بولد أمته أنه ابنه ثم مات ولم يتبين هل
أتت به في ملكه أو غيره؟ فهل تصير أم ولد؟ على وجهين (أحدهما) لا تصير أم ولد لاحتمال أنها أتت
به في ملك غيره (والثاني) تصير أم ولد له لأنه أقر بولدها وهي في ملكه فالظاهر أنه استولدها في ملكه
282

(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإذا أقر الرجل نسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه
ابنه ثبت نسبه به)
وجملة ذلك أن للاقرار بالنسب شروطا وهو على ضربين:
(أحدهما) أن يقر على نفسه خاصة (والثاني) أن يقر عليه وعلى غيره فإن أقر على نفسه خاصة مثل
أن يقر بنسب ولد فيعتبر في ثبوت نسبه أربعة شروط (أحدها) أن يكون المقر به مجهول النسب، فإن كان
معروف النسب لم يصح لأنه يقطع نسبه الثابت من غيره وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه
أو تولى غير مواليه (الثاني) أن لا ينازعه فيه منازع لأنه إذا نازعه فيه غيره تعارضا فلم يكن إلحاقه
بأحدهما أولى من الآخر (الثالث) أن يمكن صدقه بأن يكون المقر به يحتمل ان يولد لمثل المقر (الرابع)
أن يكون ممن لا قول له كالصغير والمجنون أو يصدق المقر إن كان ذا قول وهو المكلف لأنه مكلف
أقر بحق ليس فيه نفع فلزم كما لو أقر بمال فإن كان غير المكلف لم يعتبر تصديقه فإن كبر وعقل فأنكر
لم يسمع انكاره لأن نسبه ثابت وجرى ذلك مجرى من ادعى ملك عبد صغير في يده وثبت بذلك
ملكه فلما كبر جحد ذلك ولو طلب احلافه على ذلك لم يستحلف لأن الأب لو عاد بجحد النسب
لم يقبل منه ويحتمل أن يبطل نسب المكلف باتفاقهما على الرجوع عنه لأنه يثبت باتفاقهما فزال برجوعهما
كالمال والأول أصح لأنه نسب ثبت بالاقرار فأشبه نسب الصغير والمجنون، وفارق المال لأن النسب يحتاط
283

لاثباته وان اعترف انسان ان هذا أبوه فهو كاعترافه بأنه ابنه (الضرب الثاني) أن يقر عليه وعلى غيره
كاقراره بأخ فسنذكره إن شاء الله تعالى
* (مسألة) * (فإن كان الصغير المقر بنسبه ميتا ورثه لأنه ثبت نسبه وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن
يثبت نسبه دون ميراثه لأنه متهم في قصد أخذ ميراثه، وقال أبو حنيفة لا يثبت نسبه ولا ارثه لذلك
ولنا أن علة ثبوت نسبه في حياته الاقرار به وهو موجود بعد الموت فيثبت كحالة الحياة وما
ذكروه يبطل بما إذا كان المقر به حيا موسرا والمقر فقيرا فإنه يثبت نسبه ويملك المقر التصرف في ماله
وانفاقه على نفسه، وإن كان المقر به كبيرا عاقلا فكذلك في قول القاضي وظاهر مذهب الشافعي أنه
لا قول له أشبه الصغير وفيه وجه آخر لا يثبت نسبه لأن نسب المكلف لا يبت الا بتصديقه ولم يوجد
ويجاب عن هذا بأنه غير مكلف فإن ادعى نسب المكلف في حياته فلم يصدقه حتى مات المقر ثم صدقه
ثبت نسبه لأنه وجد الاقرار والتصديق
(فصل) فإن أقرت امرأة بولد ولم تكن ذات زوج ولا نسب قبل اقرارها وان كانت ذات زوج
فهل يقبل اقرارها؟ على روايتين (إحداهما) لا يقبل لأن فيه حملا لنسب الولد على زوجها ولم يقر به أو
الحاقا للعار به بولادة امرأته من غيره (والثاني) يقبل لأنها شخص أقر بولد يحتمل أن يكون منه فقبل
كالرجل وقال أحمد في رواية ابن منصور في امرأة ادعت ولدا فإن كان لها اخوة أو نسب معروف
فلا بدان يثبت انه ابنها وان لم يكن لها دافع فمن يحول بينها وبينه وهذا لأنها إذا كانت ذات أهل
284

فالظاهر أنه لا يخفى عليهم ولادتها فمتى ادعت ولدا لا يعرفونه فالظاهر كذبها، ويحتمل ان تقبل
دعواها مطلقا لأن النسب يحتاط له فأشبهت الرجل وقد ذكرنا نحو ذلك في اللقيط
(فصل) وان قدمت امرأة من بلد الروم معها طفل فأقر به رجل لحقه لوجود الامكان وعدم
المنازع لأنه يحتمل أن يكون دخل أرضهم أو دخلت هي دار الاسلام فوطئها والنسب يحتاط لا ثباته
ولهذا لو ولدت امرأة رجل وهو غائب عنها بعد عشر سنين أو أكثر من غيبته لحقه وان لم يعرف له
قدوم إليها ولا عرف لها خروج من بلدها
(مسألة) (ومن ثبت نسبه فجاءت أمه بعد موت المقر فادعت الزوجية لم يثبت بذلك)
لأنها مجرد دعوى فلم تثبت بها زوجية كما لو كان حيا ولأنه يحتمل أن يكون من وطئ
شبهة أو نكاح فاسد.
(فصل) وان أقر رجل بنسب صغير لم يكن مقرا بزوجية أمه، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة
إذا كانت مشهورة بالحرية كان مقرا بزوجيتها لأن انساب المسلمين وأحوالهم يجب حملها على الصحة
وهو أن يكون ولدته منه في نكاح صحيح
ولنا ان الزوجة ليست مقتضى لفظه ولا مضمونه فلم يكن مقرا بها كما لو لم تكن معروفة بالحرية
وما ذكروه لا يصح فإن النسب محمول على الصحة وقد يلحق بالوطئ والنكاح الفاسد والشهبة فلا يلزم
بحكم إقراره ما لم يوجبه لفظ ولا يتضمنه
285

(فصل) إذا كان له أمة لها ثلاثة أولاد ولا زوج لها ولا أقر بوطئها فقال أحد هؤلاء ولدي
فاقراره صحيح ويطالب بالبيان فإن عين أحدهم ثبت نسبه وحريته، ثم يسئل عن كيفية الاستيلاد فإن
قال بنكاح فعلى الولد الولاء والام والآخران من أولادها رقيق، فإن قال استولدتها في ملكي فالمقر
به حر الأصل لا ولاء عليه والأمة أم ولد ثم إن كان المقر به الأكبر فأخواه ابنا أم ولد حكمهما
حكمها في العتق بموت سيدها وإن كان الأوسط فالأكبر قن والأصغر له حكم أمه وان عين الأصغر فأخواه
رقيق قن لأنها ولدتهما قبل الحكم بكونها أم ولد، وان قال هي من وطئ شبهة فالولد حر الأصل
وأخواه مملوكان وان مات قبل أن يبين اخذ ورثته بالبيان ويقوم بيانهم مقام بيانه فإن بينوا النسب
ولم يبينوا الاستيلاد ثبت النسب وحرية الولد ولم يثبت للام ولا لو لديها حكم الاستيلاد لأنه يحتمل
أن يكون من نكاح أو وطئ شبهة، وان لم يبينوا النسب وقالوا لا نعرف ذلك ولا الاستيلاد فانا
نريه القافة فإن ألحقوا به واحدا منهم ألحقناه ولا يثبت حكم الاستيلاد لغيره فإن لم يكن قافة أقرع
بينهم فمن وقعت له القرعة عتق وورث وبهذا قال الشافعي لأنه لا يورثه بالقرعة. ولنا أنه حر استندت
حريته إلى اقرار أبيه فورث كما لو عينه في اقراره
(فصل) إذا كان له أمتان لكل واحدة منهما ولد فقال أحد هذين ولدي من أمتي نظرت فإن كان لكل
واحدة منهما زوج يمكن الحاق الولد به لم يصح اقراره ولحق الولدان بالزوجين وإن كان لإحداهما زوج دون
الأخرى انصرف الاقرار إلى ولد الأخرى لأنه الذي يمكن إلحاقه به وان لم يكن لكل واحدة منهما زوج
286

ولكن أقر السيد بوطئهما صارتا فراشا ولحق ولداهما به إذا أمكن ان يولدا بعد وطئه وان أمكن في إحداهما
دون الأخرى انصرف الاقرار إلى من أمكن لأنه ولده حكما، وان لم يكن أقر بوطئ واحدة منها
صح إقراره وثبتت حرية المقر به لأنه أقر بنسب صغير مجهول النسب مع الامكان لا منازع له فيه
فلحقه نسبه ثم يكلف البيان كما لو طلق إحدى نسائه فإذا بين قبل بيانه لأن المرجع في ذلك إليه ثم
يطالب ببيان كيفية الولادة فإن قال استولدتها في ملكي فالولد حرا لأصل لا ولاء عليه وأمه أم ولد وان
قال في نكاح فعلى الولد الولاء لأنه مسه رق والأمة قن لأنها علقت بمملوك، وان قال بوطئ شبهة
فالولد حر الأصل والأمة قن لأنها علقت به في غير ملك، وان ادعت الأخرى انها التي استولدها
فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الاستيلاد فأشبه ما لو ادعت ذلك من غير إقرار بشئ فإذا
حلف رقت له ورق ولدها فإذا مات ورثه ولده المقر به وان كانت أمه قد صارت أم ولد عتقت، وان لم
تصر أم ولد عتقت على ولدها إن كان هو الوارث وحده وإن كان معه غيره عتق منها بقدر ما ملك وان
عادت قبل ان يبين قام وارثه مقامه في البيان لأنه يقوم مقامه في إلحاق النسب وغيره فإذا بين كان كما لو
بين الموروث، وان يعلم الوارث كيفية الاستيلاد ففي الأمة وجهان (أحدهما) يكون رقيقا لأن الرق الأصل فلا
يزول بالاحتمال (والثاني) يعتق لأن الظاهر أنها ولدته في ملكه لأنه أقر لولدها وهي في ملكه وهذا منصوص
الشافعي، فإن لم يكن وارث أو كان وارث لم يعين عرض على القافة فإن ألحقته بأحدهما ثبت نسبه وكان حكمه
287

كما لو عين الوارث فإن لم تكن قافة أو كانت فلم تعرف أقرع بين الولدين فيعتق أحدهما بالقرعة
لأن للقرعة مدخلا في اثبات الحرية وقياس المذهب ثبوت نسبه وميراثه على ما ذكرنا في التي قبلها
وقال الشافعي لا يثبت نسبب ولا ميراث، واختلفوا في الميراث فقال المزني يوقف نصيب الابن لأنا
تيقنا ابنا وارثا ولهم وجه آخر لا يوقف شئ لأنه لا يرجى انكشافه وقال أبو حنيفة يعتق من كل
واحد نصفه ويستسعى في باقيه ولا يرثان، وقال ابن أبي ليلى مثل ذلك إلا أن يجعل الميراث بينهما نصفين
ويدفعانه في سعايتهما والكلام في قسمة الحرية والسعاية ذكره في باب العتق
(مسألة) (وان أقر بنسب أخ أو عم في حياة أبيه وحده لم يقبل وإن كان بعد موتهما وهو
الوارث وحده قبل اقراره وثبت النسب وإن كان معه غيره لم يثبت النسب وللمقر له من الميراث
ما فضل في يد المقر)
إنما لم يقبل اقراره في حياتهما لأنه على غيره فلا يقبل فاما إن كان بعد الموت وهو الوارث وحده
قبل اقراره وتثبت النسب سواء كان المقر واحدا أو جماعة ذكرا أو أنثى وبهذا قال الشافعي وأبو
يوسف وحكاه عن أبي حنيفة لأن الوارث يقوم مقام المورث في ديونه والديون التي عليه وفي دعاويه
كذلك في النسب إلا أن يكون الميت قد نفاه فلا يثبت لأنه يحمل على غيره نسبا حكم بنفيه فإن كان
وارثا ومعه شريك في الميراث لم يثبت النسب لأنه لا يثبت في حق شريكه فوجب أن لا يثبت في حقه
288

وقد دل على ثبوت النسب باقرار الواحد إذا كان وارثا حديث عائشة رضي الله عنها أن سعد بن أبي
وقاص اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة فقال سعد أوصاني أخي عتبة إذا قدمت ان انظر
إلى ابن أمة زمعة واقبضه فإنه ابنه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر) فقضى به لعبد بن زمعة وقال (احتجبي
منه يا سودة) والمشهور عن أبي حنيفة انه لا يثبت إلا باقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك لا
يثبت إلا باقرار اثنين لأنه يحمل النسب على غيره فاعتبر فيه العدد كالشهادة
ولنا انه حق ثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين ولأنه قول لا يعتبر فيه العدالة فلم يعتبر
فيه العدد كاقرار الموروث واعتباره بالشهادة لا يصح لأنه لا يعتبر فيه اللفظ ولا العدالة ويبطل بالاقرار
بالدين وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر وقد ذكرنا ذلك فيما مضى
(مسألة) (وان أقر من عليه الولاء بنسب وارث لم يقبل اقراره الا ان يصدقه مولاه
لأن الحق لمولاه فلا يقبل اقراره بما يسقطه ويتخرج ان يقبل بدونه ذكره في المحرر
(مسألة) (وان أقرت امرأة بنكاح على نفسها فهل يقبل؟ على روايتين)
(إحداهما) يقبل لأنه حق عليها فيقبل كما لو أقرت بمال (والأخرى) لا يقبل لأنها تدعي النفقة
والكسوة والسكنى فلا يقبل
289

(مسألة) (فإن أقر المولى عليها به قبل ان كانت مجبرة)
لأن المرأة لا قول لها في حال الاجبار وكذلك ان كانت مقرة بالاذن نص عليه وقيل لا يقبل
الا على المجبرة من المحرر وان لم تكن مجبرة لم يقبل لأنه إقرار على الغير فلم يلزمها كما لو
أقر عليها بمال
(مسألة) (وان أقر أن فلانة امرأته أو أقرت ان فلانا زوجها فلم يصدق المقر له المقر
إلا بعد موت المقر صح)
وورثه كما لو صدقه في حياته وقد ذكرنا فيما إذا أقر بنسب كبير عاقل بعد موته هل يرثه؟ على وجهين
بناء على ثبوت نسبه فيخرج ههنا مثله وإن كان قد كذبه في حياته ففيه وجهان
(مسألة) (وان أقر الورثة على موروثهم بدين لزمهم قضاؤه من التركة فإن أقر بعضهم لزمه
بقدر ميراثه فإن لم تكن تركة لم يلزمهم شئ)
إذا أقر الوارث بدين على موروثه قبل اقراره بغير خلاف نعلمه ويتعلق ذلك بتركة الميت كما لو
أقربه الميت في حياته فإن لم يخلف تركة لم يلزم الوارث شئ لأنه لا يلزمه أداء دينه إذا كان حيا
مفلسا فكذلك إذا كان ميتا، وان خلف تركة تعلق الدين بها وان أحب الوارث تسليمها في الدين فله
ذلك وان أحب استخلاصها ووفا الدين من ماله فله ذلك ويلزمه أقل الأمرين من قيمتها أو قدر الدين
290

بمنزلة الجاني فإن كان الوارث واحدا فحكمه ما ذكرنا وان كانا اثنين أو أكثر وثبت الدين باقرار
الميت أو ببينة أو اقرار جميع الورثة فكذلك وإذا اختار الورثة اخذ التركة وقضاء الدين من أموالهم
فعلى كل واحد منهم من الدين بقدر ميراثه وإن أقر أحدهم لزمه من الدين بقدر ميراثه والخيرة إليه في
تسليم نصيبه في الدين أو استخلاصه، وإذا قدره من الدين فإن كانا اثنين لزمه النصف وان كانوا ثلاثة
فعليه الثلث وبهذا قال النخعي والحكم والحسن وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور والشافعي في أحد قوليه
وقال أصحاب الرأي يلزمه جميع الدين أو جميع ميراثه وهو أحد قولي الشافعي رجع إليه بعد قوله كقولنا
لأن الدين يتعلق بتركته فلا يستحق الوارث منها إلا ما فضل من الدين لقول الله تعالى (من بعد
وصية يوصى بها أو دين) ولأنه يقول ما أخذه المنكر اخذه بغير استحقاق فكان غاصبا فيتعلق الدين
بما بقي من التركة كما لو غصبه أجنبي
ولنا انه لا يستحق أكثر من نصف الميراث فلا يلزمه أكثر من نصف الدين كما لو أقر أخوه
ولأنه اقرر يتعلق بحصته أو حصة أخيه فلا يجب عليه الا ما يخصه كالاقرار بالوصية واقرار أحد
الشريكين على مال الشركة ولأنه حق لو ثبت ببينة أو قول الميت أو اقرار الوارثين لم يلزمه الا
نصفه فلم يلزمه باقراره أكثر من نصفه كالوصية ولان شهادته بالدين مع غيره تقبل، ولو لزمه أكثر
من حصته لم تقبل شهادته لأنه يجربها إلى نفسه نفعا فإن كان عليه دين بينة أو اقرار الميت قدم على
ما أقر به الورثة من المحرر
291

(فصل) قال رضي الله عنه (وان أقر بحمل امرأة صح فإن ألقته ميتا أو لم يكن حملا بطل وإن
ولدت حيا وميتا فهو للحي وإن ولدتهما حيين فهو بينهما سواء الذكر والاثنى ذكره ابن حامد)
إذا أقر لحمل امرأة بمال وعزاه إلى ارث أو وصية صح وكان للحمل وان أطلق فقال أبو عبد الله بن حامد
يصح وهو أصح قولي الشافعي لأنه يجوز أن يملك بوجه صحيح فصح له الاقرار المطلق كالطفل، فعلى
هذا إن ولدت ذكر أو أنثى كان بينهما نصفين وان عزاه إلى ارث أو وصية كان بينهما على حسب استحقاقها
لذلك وان ولدت حيا وميتا فالكل للحي لأنه لا يخلو اما أن يكون الاقرار له عن ارث أو وصية وكلاهما
لا يصح للميت، وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الاقرار الا أن يعزوه إلى ارث أو وصية وهو قول
أبي ثور والقول الثاني للشافعي لأنه لا يملك بغيرهما، فإن وضعت الولد ميتا كان قد عزا الاقرار إلى ارث
أو وصية عادت إلى ورثة الموصي وموروث الطفل وان اطلق الاقرار كلف ذكر السبب فيعمل بقوله
فإن تعذر التفسير بموته أو غيره بطل اقراره كمن أقر لرجل لا يعرف من أراد باقراره، وان عزا الاقرار
إلى جهة غير صحيحة فقال لهذا الحمل على الف أقرضتها أو وديعة أخذتها منه فعلى قول التميمي الاقرار
باطل وعلى قول ابن حامد ينبغي ان يصح اقراره لأنه وصل باقراره ما يسقطه فيسقط ما وصله به كما
لو قال له الف لا يلزمني، وان قال له علي الف جعلتها له أو نحو ذلك فهي عدة لا يؤخذ بها، ولا يصح
الاقرار لحمل الا إذا تيقن أنه كان موجودا حال الاقرار على ما بين في الوصية له، وان أقر لمسجد
292

أو مصنع أو طريق وعزاه إلى السبب صحيح مثل أن يقول من غلة وقفه صح وان أطلق خرج على الوجهين
وان لم يكن ثم حمل بطل الاقرار لأنه أقر لغير شئ
(مسألة) (وان أقر لكبير عاقل فلم يصدقه بطل اقراره في أحد الوجهين)
لأنه اقرار بحق أشبه النسب فعلى هذا يقر المال في يد المقر لأنه كان في يده فإذا بطل إقراره بقي
كأنه لم يقر به والوجه الثاني يؤخذ المال إلى بيت المال فيحفظه حتى ظهر مالكه لأنه باقراره خرج عن
ملكه ولم يدخل في ملك المقر له وكل واحد منهما ينكر ملكه فهو كالمال الضائع يترك في بيت المال
قال صاحب المحرر فعلى هذا الوجه أيهما غير قوله لم يقبل منه وعلى الأول ان عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث
قبل منه ولم يقبل بعدها عود المقر له أولا إلى دعواه، ولو كان عدوه إلى دعواه قبل ذلك ففيه وجهان
ولو كان المقر به عبدا أو نفس المقر بأن أقر برقها للغير فهو كغيره من الأموال على الأول وعلى
الثاني يحكم بحريتهما.
باب ما يحصل به الاقرار
إذا ادعى عليه ألفا فقال نعم أو أجل أو صدقت أو انا مقر بها أو بدعواك كان مقرا ومثله أنا مقر
بما ادعيت لأن هذه الألفاظ وضعت للتصديق قال الله تعالى (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا نعم) وان
293

قال أليس لي عندك الف؟ قال بلى كان اقرارا صحيحا لأن بلى جواب للسؤال بحرف النفي قال الله تعالى
(ألست بربكم؟ قالوا بلى)
(مسألة) (وان قال أنا أقر أولا أنكر أو يجوز أن يكون محقا وعسى أو لعل أو أحسب أو أظن
أو أقدر أوخذ أو اتزن أو افتح كمك لم يكن مقرا
إذا قال أنا مقر لم يكن اقرارا لأنه وعد بالاقرار في المستقبل وكذلك ان قال لا أنكر لأنه لا
يلزم من عدم الانكار الاقرار فإن بينهما قسما آخر وهو السكوت عنهما، وان قال يجوز أن يكون محقا
لم يكن اقرارا كذلك وان قال لعل أو عسى لم يكن مقرا لأنهما للترجي، وان قال أظن أو أحسب أو أقدر
لم يكن مقرا لأن هذه الألفاظ تستعمل للشك، وكذلك ان قال خذ أو اتزن أو افتح كمك لأنه يحتمل خذ
الجواب أو اتزن أو افتح كمك لشئ آخر
(مسألة) (وان قال انا مقر أو خذها أو أتزنها أو اقبضها أو احرزها أو هي صاح فهل
يكون مقرا؟ يحتمل وجهين)
إذا قال أنا مقر ولم يزد احتمل أن يكون مقرا لأن ذلك عقيب الدعوى فينصرف إليها وكذلك
ان قال أقررت قال الله تعالى (قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟ قالوا أقررنا) ولم يقولوا أقررنا
بذلك ولا زادوا عليه فكان منهم اقرارا ويحتمل ان لا يكون مقرا لأنه يحتمل ان يريد غير ذلك مثل
294

ان يريد انا مقر بالشهادة أو بطلان دعواك، وان قال خذها أو أتزنها أو اقبضها أو احرزها لي أو هي صحاح
فهل يكون مقرا؟ يحتمل وجهين ففيه وجهان (أحدهما) ليس باقرار لأن الصفة ترجع إلى المدعى ولم
يقر بوجوبه ولا يجوز ان يعطيه ما يدعيه من غير أن يكون واجبا عليه فأمره باخذها أولى أن لا يلزم منه
الوجوب (والثاني) يكون اقرارا لأن الضمير يعود إلى ما تقدم
(مسألة) (وان قال له علي الف إن شاء الله أو في علمي أو فيما أعلم أو قال اقضني ديني عليك ألفا
أو سلم إلي ثوبي هذا أو فرسي هذه فقال نعم فقد أقربها)
إذا قال لك علي الف إن شاء الله كان مقرا نص عليه احمد وقال أصحاب الشافعي ليس باقرار
لأنه علق اقراره على شرط فلم يصح كما لو علقه على مشيئة زيد ولان ما علق على مشيئة الله لا سبيل إلى معرفته
ولنا أنه وصل اقراره بما يرفعه كله ولا يصرفه إلى غير الاقرار فلزمه ما أقر به وبطل
ما وصله به كما لو قال له علي الف الا ألفا ولأنه عقب الاقرار بما لا يفيد حكما آخر ولا يقتضي
رفع الحكم أشبه ما لو قال له علي الف ان شئت وان شاء في مشيئة الله وان قال له علي ألف
الا أن يشاء الله صح الاقرار لأنه أقر ثم علق رفع الاقرار على أمر لا يعلم فلم يرتفع، وان
قال له على ألف ان شئت وان شاء زيد لم يصح الاقرار وقال القاضي يصح لأنه عقبه ما يرفعه فصح
الاقرار دون ما يرفعه كاستثناء الكل وكما لو قال إن شاء الله
295

ولنا أنه علقه على شرط يمكن علمه فلم يصح كما لو قال له علي ألف ان شهد به فلان وذلك لأن
الاقرار اخبار بحق سابق فلا يتعلق على شرط مستقبل، ويفارق التعليق على مشيئة الله تعالى فإن
مشيئة الله تذكر في الكلام تبركا وصلة وتفويضا إلى الله تعالى كقول الله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام
إن شاء الله آمنين) وقد علم الله سبحانه أنهم سيدخلونه بغير شك ويقول الناس صلينا إن شاء الله مع
يقين صلاتهم بخلاف مشيئة الآدمي والثاني ان مشيئة الله تعالى لاتعلم إلا بوقوع الأمر فلا يمكن
وقوف الامر على وجودها ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا بتوقف الامر على وجودها
والماضي لا يمكن وقفه فتعين حمل الامر ههنا على المستقبل فيكون لا اقرارا وعدا
(فصل) ولو قال بعتك إن شاء الله أو زوجتك إن شاء الله فقال أبو إسحاق بن شاقلا لا أعلم
خلافا عنه في أنه إذا قيل له قبلت هذا النكاح فقال نعم إن شاء الله ان النكاح واقع وبه قال أبو
حنيفة ولو قال بعتك الف ان شئت فقال قد شئت وقبل صح لأن هذا الشرط من موجب العقد
ومقتضاه فإن الايجاب إذا وجد من البائع كان القبول إلى مشيئة المشتري واختياره
(مسألة) (وان قال له علي الف في علمي أو فيما أعلم كان مقرا به) لأن ما في علمه لا يحتمل إلا
الوجوب ولو قال أقضيتني الألف الذي لي عليك؟ قال نعم كان مقرا به لأنه تصديق لما ادعاه وان
قال سلم إلي ثوبي وهذا أو فرسي هذه فقال نعم فقد أقر بها لما ذكرنا وان قال اشتر عبدي هذا أو قال
أعطني عبدي هذا فقال نعم كان اقرارا لما ذكرنا
296

(مسألة) (وان قال إن قدم فلان فله علي ألف درهم لم يكن مقرا) لأنه ليس بمقر في الحال وما
لا يلزمه في الحال لا يصير واجبا عند وجود الشرط، وان قال له على ألف ان قدم فلان فعلى وجهين
(أحدهما) لا يكون اقرارا كالمسألة قبلها (والثاني) يكون مقرا لأنه قدم الاقرار فثبت حكمه وبطل الشرط
لأنه لا يصلح أن يكون أجلا
(مسألة) (وان قال له علي الف إذا جاء رأس الشهر كان اقرارا وان قال إذا جاء رأس الشهر
فله علي الف فعلى وجهين) قال أصحابنا في المسألة الأولى هو اقرار وفي الثانية ليس باقرار وهو منصوص
الشافعي لأنه في الأول بدأ بالاقرار ثم عقبه بمالا يقتضي رفعه لأن قوله إذا جاء رأس الشهر يحتمل
أنه أراد المحل فلا يبطل الاقرار بأمر محتمل وفي الثانية بدأ بالشرط فعلق عليه لفظا يصح للاقرار
ويصلح للوعد فلا يكون اقرارا مع الاحتمال ويحتمل انه لا فرق بينهما لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء
فيكون فيهما جميعا وجهان
(مسألة) (وان قال له علي الف ان شهد به فلان أو إن شهد به فلان صدقته لم يكن مقرا)
لأنه يجوز أن يصدق الكاذب
(مسألة) (وان قال إن شهد به فلان فهو صادق احتمل وجهين) (أحدهما) لا يكون اقرارا لأنه
297

علقه على شرط فهي كالتي قبلها (والثاني) يكون إقرارا في الحال لأنه لا يتصور صدقه إلا أن يكون
ثابتا في الحال وقد أقر بصدقه
(مسألة) (وان أقر العربي بالعجمية أو العجمي بالعربية وقال لم أرد ما قلت فالقول قوله مع
يمينه لأنه يحتمل أن يكون صادقا فلا يكون مقرا
(باب الحكم فيما إذا وصل باقراره ما يغيره)
إذا وصل باقراره ما يسقطه مثل ان يقول له علي الف لا يلزمني أو قد قبضه أو استوفاه أو
الف من ثمن خمر أو تكلفت به على أني بالخيار لزمته الألف ولا يقبل قوله ذكره أبو الخطاب
وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وذكر القاضي إذا قال له علي الف زيوف وفسره برصاص
أو نحاس لم يقبل لأنه رفع كل ما اعترف به وقال في سائر الصور التي ذكرناها يقبل قوله لأنه عزا
اقراره إلى سببه فقبل كما لو عزاه إلى سبب صحيح إلا في قوله علي الف لا يلزمني
ولنا ان هذا يناقض ما أقر به فلم يقبل كالصورة التي قبلها وكما لو قال له علي الف لا تلزمني أو
نقول رفع جميع ما أقربه فلم يقبل كاستثناء الكل وتناقض كلامه غير خاف فإن ثبوت الف عليه في
هذه المواضع لا يتصور واقراره اخبار بثبوته فتنافيا وان سلم ثبوت الألف عليه فهو ما قلنا
298

(مسألة) (وان قال له علي الف الا ألفا لم يصح) لأنه استثنى الكل ولا يصح بغير خلاف لأنه
رجوع عن الاقرار وان قال إلا ستمائة لم يصح وسنذكره إن شاء الله تعالى
(فصل) ولا يقبل رجوع المقر عن اقراره الا ما كان حدا لله تعالى يدرأ بالشبهات ويحتاط لا سقاطه
فأما حقوق الآدميين وحقوق الله تعالى التي لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات فلا يقبل رجوعه
عنها ولا نعلم في هذا خلافا
(مسألة) (وان قال كان له عندي الف وقضيته أو قضيت منه خمسمائة درهم فقال الخرقي ليس
باقرار والقول قوله مع يمينه) وحكى ابن أبي موسي في هذه المسألة روايتين (أحدهما) ان هذا ليس
باقرار اختاره القاضي وقال لم أجد عن أحمد رواية بغير هذا (والثانية) أنه مقر بالحق مدع لقضائه
فعليه البينة بالقضاء وإلا حلف غريمه واخذه اختاره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة لأنه أقر بالدين
وادعى القضاء بكلام منفصل ولأنه رفع جميع ما أثبته فلم يقبل كاستثناء الكل وللشافعي قولان
كالمذهبين، ووجه قول الخرقي أنه قول متصل تمكن صحته ولا تناقض فيه فوجب ان لا يقبل كاستثناء
البعض، وفارق المنفصل لأن حكم الأول قد استقر بسكوته عنه فلا يمكن رفعه بعد استقراره ولذلك لا
يرفع بعضه باستثناء ولا غيره فما يأتي بعده من دعوى القضاء يكون دعوى مجردة لا تقبل الا بينة
299

وأما استثناء الكل فمتناقض لأنه لا يمكن أن يكون عليه ألف وليس عليه شئ
(فصل) فإن قال كان له علي الف وقضيته منه خمسمائة فالكلام فيه كالكلام فيما إذا قال
وقضيته وان قال له انسان عليك مائة لي فقال قد قضيتك منها خمسين فقال القاضي لا يكون مقرا بشئ
لأن الخمسين التي ذكر أنه قضاها في كلامه ما يمنع بقاءها وهو دعوى القضاء وباقي المائة لم يذكرها
وقوله منها يحتمل انه يريد بها مما يدعيه ويحتمل مما علي فلا يثبت عليه شئ بكلام محتمل ويجئ على قول
من قال بالرواية الأخرى انه يلزمه الخمسون التي ادعى قضاءها لأن في ضمن دعوى القضاء اقرارا
بأنها كانت عليه فلا تقبل دعوى القضاء بغير بينة
(فصل) فإن قال كان له علي الف وسكت لزمه الألف في ظاهر قول أصحابنا وهو قول أبي
حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يلزمه شئ وليس هذا باقرار لأنه لم يذكر
عليه شيئا في الحال إنما أخبر بذلك في زمن ماض فلا يثبت في الحال ولذلك لو شهدت البينة لم يثبت
ولنا أنه أقر بالوجوب ولم يذكر ما يرفعه فبقي على ما كان عليه، ولهذا لو تنازعا دارا فأقر أحدهما للآخر أنها
كانت ملكه حكم بها له الا انه ههنا ان عاد فادعى القضاء أو الابراء سمعت دعواه لأنه لا تنافي بين
الاقرار وبين ما يدعيه وهذا على إحدى الروايتين
(فصل) وان قال له علي الف قضية إياه لزمه الألف ولم تقبل دعوى القضاء وقال القاضي تقبل
300

لأنه رفع ما أثبته بدعوى القضاء متصلا فأشبه ما لو قال كان له علي وقضيته له وقال ابن أبي موسى إن قال
قضيت جميعه لم يقبل الا ببينة ولزمه الألف الذي أقربه وله اليمين على المقر له وأما لو قال قضيت
بعضه قبل منه في إحدى الروايتين لأنه رفع بعض ما أقربه بكلام متصل فأشبه ما لو استثناه بخلاف ما إذا
قال قضيت جميعه لكونه رفع جميع ما هو ثابت فأشبه استثناء الكل
ولنا ان هذا قول متناقض إذا لا يمكن أن يكون عليه الف قد قضاه فإن كونه عليه يقتضي بقاءه
في ذمته واستحقاق مطالبته به وقضاءه بمقتضى براءة ذمته منه وتحريم مطالبته به وهذا ضدان لا
يتصور اجتماعهما في زمن واحد بخلاف ما إذا قال له كان علي وقضيته فإنه أخبر بهما في زمانين ويمكن
ان يرفع ما كان ثابتا ويقضى ما كان دينا وإذا لم يصح هذا في الجميع لم يصح في البعض لاستحالة بقاء
الف عليه قد قضى بعضه، ويفارق الاستثناء فإن الاستثناء مع المستثنى منه عبارة عن الباقي من المستثنى
منه فقول الله تعالى (فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما) عبارة عن تسعمائة وخمسين عاما اما القضاء
فإنما يرفع جزءا كان ثابتا فإذا ارتفع بالقضاء لا يجوز التعبير عنه بما يدل على القضاء
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه وفي النصف وجهان)
الاستثناء من الجنس - وهو ما دخل في المستثنى منه - جائز بغير خلاف علمناه فإن ذلك كلام
العرب وقد جاء في الكتاب والسنة قال الله تعالى (فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما) وقال النبي
301

صلى الله عليه وسلم (يكفر عنه خطاياه كلها الا الدين) وذلك في كلام العرب كثير فإذا أقر بشئ واستثنى منه
كان مقرا بالباقي بعد الاستثناء فإذا قال له علي مائة إلا عشرة كان مقرا بتسعين لأن الاستثناء
يمنع ان يدخل في اللفظ ما لولاه لدخل فإنه لو دخل ما أمكن اخراجه ولو أقر بالعشرة المستثناة لما
قبل منه انكارها وقول الله تعالى (فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما) اخبار بتسعمائة وخمسين
فالاستثناء بين ان الخمسين المستثناة غير مرادة كما أن التخصيص يبين ان المخصوص غير مراد باللفظ
العام إذا ثبت ذلك فلا نعلم خلافا في جواز استثناء ما دون النصف وقد دل عليه ما ذكرنا من الكتاب والسنة
(فصل) فأما استثناء ما زاد على النصف فلا يختلف المذهب انه لا يصح وهو كاستثناء الكل يؤخذ
بالجميع ويحكى ذلك عن ابن درستويه النحوي وقال أبو حنيفة ومالك وأصحابهم يصح استثناء ما دون
الكل فلو قال له علي مائة إلا تسعة وتسعين لم يلزمه إلا واحد بدليل قول الله تعالى (قال فبعزتك لأغوينهم
أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) وقوله (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) وأيهما
كان الأكثر فقد دل على استثناء الأكثر وأنشدوا
أدوا التي نقصت تسعين من مائة ثم ابعثوا حكما بالحق قواما
فاستثنى تسعين من مائة ولأنه في معنى الاستثناء ومشبه به ولأنه استثنى البعض فجاز كاستثناء الأقل
302

ولأنه رفع بعض ما تناوله اللفظ فجاز كالتخصيص والبدل.
ولنا أنه لم يرد في لسان العرب الاستثناء الا في الأقل وقد أنكروا استثناء الأكثر فقال أبو
إسحاق الزجاج لم يأت الاستثناء الا في القليل من الكثير ولو قال قائل مائة الا تسعة وتسعين لم
يكن متكلما بالعربية وكان عيا من الكلام ولكنة، وقال القتيبي يقال صمت الشهر الا يوما ولا يقال صمت
الشهر الا تسعة وعشرين يوما ويقال لقيت القوم جميعهم الا واحدا أو اثنين ولا يجوزان يقال لقيت القوم الا
أكثرهم وان لم يكن صحيحا في الكلام لم يرتفع به ما أقر به كاستثناء الكل وكما لو قال له علي عشرة
بل خمسة، واما ما احتجوا به من التزيل فإنه في الآية الأولى استثنى المخلصين من بني آدم وهم الافل
كما قال (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) وفي الآية الأخرى استثنى الغاوين من العباد
وهم الأقل فإن الملائكة من العباد وهم غير غاوين قال الله تعالى (بل عباد مكرمون) وقيل الاستثناء
في هذه الآية منقطع بمعنى الاستدراك فيكون قوله (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) يبقى على عمومه
لم يستثن منه شئ فيكون قوله (الا من اتبعك من الغاوين) أي لكن من اتبعك من الغاوين
فإنهم غووا باتباعك، وقد دل على صحة هذا قوله في الآية الأخرى لاتباعه (وما كان لي عليكم من
سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي) وعلى هذا لا يكون لهم فيها حجة وأما البيت فقال ابن فضال
النحوي هو بيت مصنوع لم يثبت عن العرب على أن هذا ليس باستثناء فإن الاستثناء له كلمات مخصوصة
303

ليس هذا منها والقياس لا يجوز في اللغة ثم نعارضه بأنه استثنى أكثر من النصف فلم يجز كاستثناء الكل
والفرق بين استثناء الأكثر والأقل ان العرب استحسنته في الأقل واستعملته ونفته في الأكثر
وقبحته فلم يجز قياس ما قبحوه على ما حسنوه
(فصل) وفي استثناء النصف وجهان (أحدهما) يجوز وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه ليس
بالأكثر فجاز كالأقل (والثاني) لا يجوز ذكره أبو بكر لأنه لم يرد في كلامهم إلا في القليل من الكثير
والنصف ليس بقليل وهو أولى
(مسألة) (فإذا قال له علي هؤلاء العبيد العشرة الا واحدا لزمه تسليم تسعة) فإن عينه فقال إلا
هذا صح وكان مقرا بمن سواه وان قال إلا واحدا ولم يعينه صح لأن الاقرار يصح مجهولا فكذلك
الاستثناء منه ويرجع في تعيين المسمى إليه لأن الحكم يتعلق بقوله وهو أعلم بمراده به وان عين من
عدا المستثنى صح وكان الباقي له.
(مسألة) (فإن ماتوا إلا وحدا فقال هو المستثنى فهل يقبل؟ على وجهين) (أحدهما) يقبل
ذكره القاضي وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي (والوجه الثاني) لا يقبل ذكره أبو الخطاب وهو
الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه يرفع به الاقرار كله، والصحيح الأول لأنه يقبل تفسيره به في
حياتهم لمعنى هو موجود بعد موتهم فقبل كحالة حياتهم وليس هذا رفعا للاقرار وإنما تعذر تسليم المقر
304

به لتلفه لا لمعنى يرجع إلى التفسير فأشبه ما لو عينه في حياته فتلف بعد تعيينه فإن قتل الجميع إلا
واحدا قبل تفسيره بالباقي وجها واحدا لأنه غير متهم لأن المقر له يحصل له قيمة المقتولين بخلاف
الموت فإنه لا يحصل للمقر له شئ، وان قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم ويرجع في التفسير إليه، وان قال
غصبتك هؤلاء العبيد إلا واحدا قبل تفسيره به وجها واحدا لأن المقر له يستحق قيمة الهالكين فلا
يفضي التفسير بالباقي إلى سقوط الاقرار بخلاف ما إذا ما توا
(فصل) وحكم الاستثناء بسائر أدواته حكم الاستثناء بإلا فإذا قال له علي عشرة سوى درهم
أوليس درهما أو خلا درهما أو عدا درهما أولا يكون درهما أو غير درهم بفتح الراء كان مقرا بدرهم
وان قال غير درهم بضم الراء وهو من أهل العربية كان مفسرا بعشرة لأنها تكون صفة للعشرة المقر
بها ولا تكون استثناء فإنها لو كانت استثناء كانت منصوبة وان لم يكن من أهل العربية لزمه تسعة لأن
الظهر أنه يريد الاستثناء وإنما ضمها جهلا منه بالعربية لا قصدا للصفة
(فصل) ولا يصح الاستثناء الا أن يكون متصلا بالكلام فإن سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه
أو فصل بين المستثنى والمستثنى منه بكلام أجنبي لم يصح لأنه إذا سكت وعدل عن اقراره إلى شئ
آخر استقر حكم ما أقر به فلم يرفع بخلاف ما إذا كان في كلامه فإنه لا يثبت حكمه أو ينظر ما يتم
به كلامه ويتعلق به حكم الاستثناء والشرط والبدل ونحوه
305

(مسألة) (وان قال له هذه الدار إلا هذا البيت لي قبل منه لأن الأول استثناء فلا يدخل البيت
في اقراره والثاني في معنى الاستثناء لكونه اخرج بعض ما يتناوله اللفظ بكلام متصل وسواء كان
البيت أكثر من نصف الدار أو أقل
(مسألة) (وإن قال له علي درهمان وثلاثة إلا درهمين فهل يصح على وجهين؟)
(أحدهما) يصح لأن الاستثناء يعود إلى الجملتين وهو أقل من النصف (والثاني) لا يصح لأنه يعود
إلى أقرب المذكورين فيكون استثناء أكثر من النصف
(مسألة) (وان قال له علي درهم ودرهم إلا درهما أو ثلاثة ودرهمان إلا درهمين أو ثلاثة ونصف الا
نصفا أو الا درهما أو خمسة وتسعون الا خمسة لم يصح الاستثناء.
ولزمه جميع ما أقر به قبل الاستثناء وهذا قول الشافعي وهو الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة وفيه
وجه آخر انه يصح لأن الواو العاطفة تجمع بين العددين وتجعل الجملتين كالجملة الواحدة وعندنا ان
الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفا بعضها على بعض بالواو عاد إلى جميعها كقولنا في قوله تعالى (ولا تقبلوا
لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا) ان الاستثناء عاد إلى الجملتين فإذا تاب القاذف
قبلت شهادته ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته
306

الا باذنه) قال شيخنا والأول أولى لأن الواو لم تخرج الكلام من أن يكون جملتين والاستثناء
برفع إحداهما جميعها ولا نظير لهذا في كلامهم ولان صحة الاستثناء تجعل إحدى الجملتين مع الاستثناء
لغوا لأنه أثبت شيئا بلفظ مفرد ثم رفعه كله فلا يصح كما لو استثنى منها وهي غير معطوفة على غيرها
فأما الآية والخبر فإن الاستثناء لم يرفع إحدى الجملتين إنما أخرج من الجملتين معا من اتصف
بصفة فنظيره قوله للبواب من جاء يستأذن فائذن له واعطه درهما الا فلانا ونظير مسئلتنا ما لو قال
أكرم زيدا وعمرا الا عمرا
(مسألة) وان قال له علي خمسة الا درهمين ودرهما لزمته الخمسة في أحد الوجهين)
لأنه استثنى أكثر من النصف وفي الاخر يلزمه ثلاثة ويبطل الاستثناء الثاني
(مسألة) (ويصح الاستثناء من الاستثناء)
فإذا استثنى استثناء بعد استثناء وعطف الثاني على الأول كان مضافا إليه فإذا قال له علي عشرة
الا ثلاثة والا درهمين كان مستثنيا الخمسة مقرا بخمسة فإن كان الثاني غير معطوف على الأول
كان استثناء من الاستثناء وهو جائز في اللغة قال الله تعالى (انا أرسلنا إلى قوم مجرمين الا آل لوط
انا لمنجوهم أجمعين الا امرأته قدرنا انها لمن الغابرين) فإذا كان صدر الكلام اثباتا كان الاستثناء
الأول نفيا والثاني اثباتا فإن استثنى استثناء ثالثا كان نفيا يعود كل استثناء إلى ما يليه من الكلام فإذا
307

قال له سبعة الا ثلاثة إلا درهما لزمته خمسة لأنه أثبت سبعة ثم نفى منها ثلاثة ثم أثبت درهما وبقي
من الثلاثة المنفية درهمان مستثنيان من السبعة فيكون مقرا بخمسة
(مسألة) (وإن قال له علي عشرة الا خمسة الا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما لزمه عشرة)
على قول أبي بكر لأنه منع استثناء النصف وفي الوجه الآخر يلزمه ستة لأن الاستثناء إذا رفع
الكل أو الا كثر سقط ان وقف عليه وان وصله باستثناء آخر استعملناه فاستعملنا الاستثناء الأول لوصله
بالثاني لأن الاستثناء مع المستثنى عبارة عما بقي فإن عشرة إلا درهما عبارة عن تسعة فإذا قال له علي
عشرة الا خمسة الا ثلاثة صح استثناء الخمسة لأنه وصلها باستثناء آخر وكذلك صح استثناء الثلاثة والدرهمين
لأنه وصل ذلك باستثناء آخر والاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي اثبات فصح استثناء الخمسة وهو
نفي فنفى خمسة وصح استثناء الثلاثة وهي اثبات فعادت ثمانية وصح استثناء الدرهمين وهي نفي فبقيت
ستة ولم يصح استثناء الدرهم لأنه مسكوت عليه ويحتمل أن يكون وجه الستة ان يصح استثناء النصف
ويبطل الزائد فيصح استثناء الخمسة والدرهم ولا يصح استثناء ثلاثة والاثنين (والوجه الثالث) يلزمه سبعة
إذا صححنا الاستثناءات كلها فإذا قال عشرة الا خمسة بقي خمسة فإذا قال الا ثلاثة عادت ثمانية لأنها
اثبات فإذا قال الا درهمين كانت نفيا فبقي ستة فإذا استثنى درهما كان مثبتا فصارت سبعة (والوجه الرابع)
يلزمه ثمانية لأنه يلغى الاستثناء الأول لكونه النصف فإذا قال الا ثلاثة كانت مثبتة وهي مستثناة
308

من الخمسة وقد بطلت فتبطل الثلاثة أيضا لبطلان الخمسة ويبقى الاثنان لأنهما نفي والنفي يكون من
اثبات، وقد بطل الاثبات الذي قبلها فتكون منفية من العشرة تبقى ثمانية ولا يصح استثناء
الواحد من الاثنين لأنه نصف
(فصل) فإن قال له على ثلاثة الا ثلاثة الا درهمين بطل الاستثناء كله لأن الاستثناء لدرهمين
من الثلاثة استثناء الأكثر وهو موقوف عليه فبطل فإذا بطل الثاني بطل الأول لأنه استثنى الكل
ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) يبطل الاستثناء لأن الأول بطل لكونه استثناء
الكل فبطل الثاني من الاقرار لأنه فرعه (الثاني) يصح ويلزمه درهم لأن الاستثناء الأول لما بطل
جعلنا الاستثناء الثاني من الاقرار لأنه وليه لبطلان ما بينهما ويصح (الثالث) ويكون مقرا بدرهمين
لأنه استثناء لأكثر واستثناء الأكثر عندهم يصح ووافقهم القاضي في هذا الوجه، وان قال ثلاثة الا
الا ثلاثة الا درهما بطل الاستثناء كله، ويجئ على قول أصحاب الشافعي فيه مثل ما قلنا في التي قبلها
(مسألة) (ولا يصح الاستثناء من غير الجنس نص عليه)
وبهذا قال زفر ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة ان استثنى مكيلا أو موزونا جاز وان استثنى عبدا
أو ثوبا من غير مكيل أو موزون لم يجز، وقال مالك والشافعي يصح الاستثناء من غير الجنس مطلقا
لأنه ورد في الكتاب العزيز ولغة العرب قال الله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا
309

إبليس كان من الجن) وقال سبحانه (لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) وقال الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس
وقال آخر: أعيت جوابا وما بالربع من أحد * ألا أواري لأيا ما أينها
ولنا ان الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاستثناء عما كان يقتضيه لولاه وقيل اخرج بعض ما تناوله
المستثنى منه مشتق من قواه ثنيت فلانا عن رأيه إذا صرفته عن رأي كان عازما عليه وثبت عنان دابتي
إذا صرفتها به عن وجهتها التي كانت تذهب إليها، وغير الجنس المذكور ليس بداخل في الكلام
فإذا ذكره فما صرف الكلام عن صوبه ولا ثناه عن وجه استرساله فلا يكون استثناء وإنما سمي استثناء
تجوزا وإنما هو في الحقيقة استدراك وإلا ههنا بمعنى لكن هكذا قال أهل العربية منهم ابن قتيبة وحكاه
عن سيبويه والاستدراك لا يأتي الابعد الجحد ولذلك لم يأت الاستثناء في الكتاب العزيز من غير
الجنس الا بعد النفي ولا يأتي بعد الاثبات إلا أن يوجد بعد جملة. إذا تقرر هذا فلا مدخل للاستدراك
في الاقرار لأنه اثبات للمقر به فإذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلا وان ذكر بعده جملة كأنه قال له
عندي مائة درهم الا ثوبا لي عليه فيكون مقرا لشئ مدعيا لشئ سواه فيقبل اقراره وتبطل دعواه
310

كما لو صرح بذلك بغير لفظ الاستثناء، واما قوله تعالى (فسجدوا الا إبليس) فإن إبليس كان من
الملائكة بدليل ان الله تعالى لم يأمر بالسجود غيرهم فلو لم يكن منهم لما كان مأمورا بالسجود ولا عاصيا
بتركه ولا قال الله تعالى في حقه (ففسق عن أمر ربه) ولا قال (ما منعك أن لا تسجد إذا أمرتك) وإذا
لم يكن مأمورا فلم أبلسه الله وأهبطه ودحره ولا يأمر الله بالسجود الا الملائكة، قان قالوا بل قد تناول
الامر الملائكة ومن كان معهم فدخل إبليس في الامر لكونه معهم قلنا فقد سقط استدلالكم فإنه متى
كان إبليس داخلا في المستثنى منه مأمورا بالسجود فاستثناؤه من الجنس وهو ظاهر لمن أنصف
إن شاء الله تعالى. فعلى هذا متى قال له علي مائة درهم الا ثوبا لزمته المائة لأن الاستثناء باطل على ما بينا
(مسألة) (الا ان يستثني عينا من ورق أو ورقا من عين فيصح)
ذكره الخرقي وقال أبو بكر لا يصح (فإذا قال له علي مائة درهم الا دينارا فهل يصح؟ على وجهين)
اختلف أصحابنا في صحة استثناء أحد النقدين من الآخر فذهب أبو بكر إلى أنه لا يصح لما ذكرنا
وهو قول محمد بن الحسن وقال ابن أبي موسى فيه روايتان واختار الخرقي صحته لأن قدر أحدهما معلوم
الآخر ويعبر بأحدهما عن الآخر فإن قوما يسمون تسعة دراهم دينارا وآخرون يسمون ثمانية دينارا فإذا
استثنى أحدهما من الآخر علم أنه أراد التعبير بأحدهما عن الآخر فإذا قال له علي دينار إلا ثلاثة دراهم
في موضع يعبر فيه بالدينار عن تسعة كان معناه له علي تسعة دراهم الا ثلاثة ومتى أمكن حمل الكلام
311

على وجه صحيح لم يجز الغاؤه وقد أمكن بهذا الطريق فرجب تصحيحه وقال أبو الخطاب لا فرق بين العين
والورق وبين غيرهما فيلزم من صحة استثناء أحدهما من الآخر صحة استثناء الثياب وغيرها وقد ذكرنا الفرق
ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الاخر أو يعلم قدره
منه ورواية البطلان على ما إذا انتفى ذلك والله أعلم
(فصل) ولو ذكر نوعا من جنس واستثنى نوعا آخر من غير ذلك الجنس مثل ان يقول له
علي عشرة آصع تمرا برنيا الا ثلاثة تمرا معقيا لم يجز لما ذكرنا في الفصل الأول ويخالف العين
والورق لأن قيمة أحد النوعين غير معلومة من الآخر ولا يعبر بأحدهما عن الآخر ويحتمل على قول
الخرقي جوازه لتقارب المقاصد من النوعين فهما كالعين والورق والأول أصح لأن العلة الصحيحة في
العين والورق غير ذلك
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (إذا قال له علي ألف درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه
ثم قال زيوفا أو صغارا أو إلى شهر لزمه الف جياد وافية حالة)
وجملة ذلك أن من أقر بدارهم وأطلق اقتضى اقراره الدراهم الوافية وهي دراهم الاسلام كل
عشرة منها سبعة مثاقيل واقتضى أن تكون جيادا حالة كما لو باعه بعشرة دراهم وأطلق فإنها تلزمه
كذلك فإذا سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو أخذ في كلام آخر غير ما كان فيه استقرت عليه كذلك
312

فإن عاد فقال زيوفا أو صغار أو هي الدراهم الناقصة وهي دراهم طبرية كان كل درهم منها أربعة دوانيق
وذلك ثلثا درهم، أو إلى شهر يعني مؤجلة لم يقبل منه لأنه رجوع عن بعض ما أقربه ويرفعه بكلام
منفصل فلم يقبل كالاستثناء المنفصل وهذا مذهب الشافعي، ولا فرق بين الاقرار بها دينا أو وديعة أو
غصبا، وقال أبو حنيفة يقبل قوله في الغصب والوديعة لأنه اقرار بفعل في عين وذلك لا يقتضي سلامتها
فأشبه ما لو أقر بغصب عبد ثم جاء به معيبا
ولنا ان اطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد فلم يقبل تفسيره بما يخالف ذلك كالدين ويفارق العبد
فإن العيب لا يمنع اطلاق اسم العبد عليه
(مسألة) (الا أن يكون في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة فهل يلزمه من دراهم البلد أو من
غيرها؟ على وجهين (أولهما) أنه يلزمه من دراهم البلد لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم كما
في البيع والصداق وغير ذلك (والثاني) يلزمه الوازنة الخالصة من الغش لأن اطلاق الدراهم في الشرع
ينصرف إليها بدليل ان بها تقدر نصب الزكوات ومقادير الديات فكذلك اطلاق الشخص، وفارق
البيع فإنه ايجاب في الحال فاختص بدراهم الموضع الذي هما فيه والاقرار اخبار عن حق سابق
فانصرف إلى درهم الاسلام
313

(فصل) فإن أقر بدراهم وأطلق ثم فسرها بسكة البلد الذي أقر بها فيه قبل لأنه اطلاقه ينصرف
إليه وان فسر بسكة غير سكة البلد أجود منها قبل لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وكذلك ان كانت
مثلها لأنه لا يتهم في ذلك وان كانت أدنى من سكة البلد لكنها مساوية في الوزن احتمل ان لا يقبل
لأن اطلاقها يقتضي دراهم البلد ونقده فلا يقبل منه دونها كما لا يقبل في البيع ولأنها ناقصة القيمة
أشبهت الناقصة في الوزن ويحتمل ان يقبل منه وهو قول الشافعي لأنه يحتمل ما فسره به وفارق الناقصة
فإن في الشرع الدراهم لا تناولها بخلاف هذه ولهذا يتعلق بهذا مقدار النصاب في الزكاة وغيره وفارق
الثمن فإنه ايجاب في الحال وهذا اخبار عن حق سابق
(مسألة) (وان قال له علي الف إلى شهر لزمه مؤجلا ويحتمل ان يلزمه حالا) إذا أقربها مؤجلة
بكلام متصل قبل منه وكذلك ان سكت للتنفس أو اعترضه سلعة ونحو ذلك ويحتمل ان تلزمه حالة
ذكرها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية لأن التأجيل يمنع استيفاء الحق في الحال
فلم يقبل كما لو قال له علي دراهم قبضته إياها
(مسألة) (وان قال له علي الف زيوف وفسره بمالا فضة فيه لم يقبل وان فسره بمغشوشة قبل
وكذلك ان فسرها بمعيبة عيبا ينقصها قبل لأنه صادق وان فسرها برصاص أو نحاس أو مالا
314

قيمة له لم يقبل لأن تلك ليست دراهم على الحقيقة فيكون تفسيره بها رجوعا عما أقر به فلم
يقبل كاستثناء الكل
(مسألة) (وان قال له علي دراهم ناقصة لزمته ناقصة) وقال أصحاب الشافعي لا يقبل تفسيره
بالناقصة وقال القاضي إذا قال له علي دراهم ناقصة قبل قوله وان قال صغار وللناس دراهم صغار قبل
قوله وان لم يكن لهم دراهم صغار لزمه وازنة كما لو قال دربهم فإنه يلزمه درهم وازن وهذا قول ابن
القاص من أصحاب الشافعي
ولنا انه فسر كلامه بما يحتمله بكلام متصل فقبل منه كاستثناء البعض وذلك لأن الدراهم يعبر بها
عن الوازنة والناقصة والزيوف والجيدة وكونها عليه يحتمل الحلول والتأجيل فإذا وصفها بذلك تقيدت
به كما لو وصف الثمن به فقال بعتك بعشرة دراهم مؤجلة أو ناقصة وثبوتها على غير هذه الصفة حالة
الاطلاق لا يمنع من صحة تقييدها به كالثمن وقولهم ان التأجيل يمنع استيفاءها لا يصح وإنما يؤخره
فأشبه الثمن المؤجل، يحققه ان الدراهم ثبتت في الذمة على هذه الصفات فإذا كانت ثابتة بهذه الصفة لم
تقتض الشريعة المطهرة سد باب الاقرار بها على صفتها وعلى ما ذكروه لا سبيل إلى الاقرار بها إلا على
وجه يؤاخذ بغير ما هو الواجب عليه فينسد باب الاقرار وقول من قال إن قوله صغار ينصرف إلى
315

مقدارها لا يصح لأن مساحة الدرهم لا تعتبر في الشرع ولا يثبت في الذمة بمساحة مقدرة وإنما يعتبر
الصغر والكبر في الوزن فيرجع إلى تفسير المقر
(فصل) وان قال له علي درهم كبير لزمه درهم من دراهم الاسلام لأنه كبير في العرف وإن قال
له علي درهم فهو كما لو قال درهم لأن الصغير قد يكون لصغره في ذاته أو لقلة قدره عنده وتحقيره وقد
يكون لمحبته كما قال الشاعر
بذيالك الوادي أهيم ولم أقل * بذيالك الوادي وذياك من زهد
ولكن إذا ما حب شئ تولعت * به أحرف التصغير من شدة الوجد
وان قال له على عشرة دراهم عددا لزمته عشرة معدودة وازنة لأن اطلاق الدرهم يقتضي
الوازن وذكر العدد لا ينافيها فوجب الجمع بينهما فإن كان في بلد أوزانهم ناقصة أو دراهمهم
مغشوشة فهو على ما فصل فيه.
(مسألة) (وان قال له عندي رهن وقال المالك بل وديعة فالقول قول المالك) لأن العين ثبتت
بالاقرار له وان ادعى المقر دينا لا يعترف به المقر له فالقول قول المنكر ولأنه أقر بمال لغيره وادعى
أن له به تعلقا فلم يقبل كما لو ادعاه بكلام منفصل ولذلك ولو أقر له بدار وقال استأجرتها أو أقر له
316

بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه باجر يلزم المقر له لم يقبل لأنه مدع على غيره حقا فلا يقبل قوله
الا ببينة ومن ذلك ما لو قال هذه الدار له ولي سكناها ببينة
(مسألة) (وان قال له علي الف من ثمن مبيع لم أقبضه وقال المقر له بل هو دين في ذمتك
فعلى وجهين) (أحدهما) القول قول المقر لأنه اعترف له بالألف وادعى عليه مبيعا فأشبه المسألة التي
قبلها أو كما لو قال له علي الف ثم سكت ثم قال مؤجل
(مسألة) (ولو قال له عندي ألف وفسره بدين أو وديعة قبل منه)
لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافا سواء فسره بكلام متصل أو منفصل لأنه فسر لفظه بما يقتضيه
فقبل كما لو قال له علي دراهم وفسرها بدين عليه فعند ذلك تثبت فيه أحكام الوديعة بحيث لو ادعى
تلفها بعد ذلك أو ردها قبل قوله وان فسره بدين عليه قبل أيضا لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ وان
قال له عندي وديعة ورددتها إليه أو تلفت لزمه ضمانها ولم يقبل قوله، وبهذا قال الشافعي لما فيه من
مناقضة الاقرار والرجوع عما أقربه فإن الألف المردود والتالف ليسا عنده أصلا ولا هي وديعة
وكل كلام يناقض الاقرار ويحيله يجب أن يكون مردودا، وقال القاضي يقبل قوله الا ان أحمد قال
في رواية ابن منصور إذا قال لك عندي وديعة دفعتها إليك صدق لأنه ادعى تلف الوديعة أو ردها
317

فقبل كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل فإن قال كانت عندي وظننت أنها باقية ثم عرفت أنها كانت قد
هلكت فالحكم فيها كالتي قبلها
(مسألة) (وان قال له علي الف وفسره بوديعة لم يقبل قوله وان ادعى بعد هذا تلفه لم يقبل قوله)
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقيل عن الشافعي يقبل قوله انها وديعة و إذا ادعى بعد هذا تلفها
قبل منه وقال القاضي ما يدل على هذا أيضا لأن الوديعة عليه حفظها وردها فإذا قال له علي الف
وفسرها بذلك احتمل صدقه فقبل منه كما لو وصله بكلامه فقال له علي الف وديعة لأن حروف
الصفات يخلف بعضها بعضا فيجوز ان تستعمل علي بمعنى عندي كما قال تعالى اخبارا عن موسى عليه السلام
أنه قال (ولهم علي ذنب) أي عندي
ولنا ان علي للايجاب وذلك يقتضي كونها في ذمته ولذلك لو قال ما على فلان علي كان ضامنا له
والوديعة ليست في ذمته ولاهي عليه إنما هي عنده وما ذكروه مجاز طريقه حذف المضاف وإقامة المضاف
إليه مقامه أو إقامة حرف مقام حرف والاقرار يؤخذ فيه بظاهر اللفظ بدليل انه لو قال له علي دراهم
لزمته ثلاثة وان جاز التعبير عن اثنين وعن واحد بلفظ الجمع كقوله تعالى (فإن كان له اخوة فلأمه السدس)
ومواضع كثيرة في القرآن ولو قال له علي درهم وقال أردت نصف درهم فأقمت المضاف إليه مقامه لم يقبل
منه ولو قال لك من مالي الف قال صدقت ثم قال أردت ان عليك من مالي ألفا أقمت اللام مقام علي كقوله
تعالى (وان أسأتم فلها) لم يقبل منه ولو قبل في الاقرار مطلق الاحتمال لسقط ولقبل تفسير الدراهم
318

بالناقصة والزائفة وللمؤجلة، وأما إذا قال لك علي الف ثم قال كانت وديعة فتلف لم يقبل قوله فإنه
متناقض وقد سبق نحو هذا
(فصل) فإن قال لك علي مائة درهم ثم أحضرها وقال هذه التي أقررت بها وهي وديعة كانت
لك عندي فقال المقر له هذه وديعة والتي أقررت بها غيرها وهي دين عليك فالقول قول المقر له على
مقتضى قول الخرقي وهو قول أبي حنيفة وقال القاضي القول قول المقر مع يمينه وللشافعي قولان كالوجهين
وتعليلهما ما تقدم، فإن كان قال في اقراره لك علي مائة في ذمتي فقد وافق القاضي ههنا في أنه لا يقبل
قول المقر لأن الوديعة عين لا تكون في الذمة قال وقد قيل يقبل لأنه يحتمل في ذمتي أداؤها ولأنه
يجوز أن تكون عنده وديعة تعدى فيها فكان ضمانها عليه في ذمته ولا صحاب الشافعي في هذه وجهان
فأما ان وصل ذلك بكلامه فقال لك علي مائة وديعة قبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله فصح كما لو
قال له ودراهم ناقصة وان قال له علي مائة وديعة دينا أو مضاربة دينا صح ولزمه ضمانها لأنه قد يتعدى
فيها فيكون دينا وان قال أردت أنه شرط علي ضمانها لم يلزمه ضمانها لأن الوديعة لا تصير بالشرط مضمونة
وان قال علي أو عندي مائة درهم عارية لزمته وكانت مضمونة عليه سواء حكمنا بصحه العارية
في الدراهم أو بفسادها لأن ما ضمن في العقد الصحيح ضمن في الفاسد وان قال أودعني مائة فلم
319

اقبضها أو اقرضني مائة فلم آخذها قبل قوله متصلا ولم يقبل منفصلا وهكذا إذا قال نقدني مائة فلم
اقبضها وهذا قول الشافعي
(فصل) وان قال له في هذا العبد الف أوله من هذا العبد الف طولب بالبيان فإن قال نقد عني
ألفا في ثمنه كان قرضا وان قال نقد في ثمنه ألفا قلنا بين كم ثمن العبد وكيف كان الشراء فإن قال بايجاب
واحد وزن ألفا ووزنت ألفا كان مقرا بنصف العبد وان قال وزنت أنا الفين كان مقرا بثلثه والقول
قوله مع يمينه سواء كانت القيمة قدر ما ذكره أو أقل لأنه قد يغبن وقد يغبن وان قال اشتريناه بايجابين
قيل له فكم اشترى منه؟ فإن قال نصفا أو ثلثا أو أقل أو أكثر قبل منه مع يمينه وافق القيمة أو خالفها
وان قال وصي له بألف من ثمنه بيع وصرف إليه من ثمنه الف فإن أراد ان يعطيه ألفا من ماله من غير
ثمن العبد لم يلزمه قبوله لأن الموصى له يتعين حقه في ثمنه وان فسر ذلك بجناية جناها العبد فتعلقت برقبته
قبل ذلك وله بيع العبد ودفع الألف من ثمنه، وان قال أردت انه رهن عنده بألف فعلى وجهين (أحدهما)
لا يقبل لأن حق المرتهن في الذمة (والثاني) يقبل لأن الدين يتعلق بالرهن فصح تفسيره به كالجناية
ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما ذكرنا
(مسألة) (وان قال له في هذا المال الف لزمه تسليمه إليه) لأنه أقر له بالملك
320

(مسألة) (وان قال له من مالي أو في مالي أو في ميراثي من أبي الف أو نصف داري هذه وفسره
بالهبة وقال بدالي من تقبيضه قبل)
إذا قال له في مالي أو من مالي الف وفسره بدين أو وديعة أو وصية قبل وقال بعض أصحاب
الشافعي لا يقبل اقراره وليس هو لغيره.
ولنا أنه أقر بألف فقبل كما لو قال له في مالي ويجوز ان يضيف إليه مال بعضه لغيره ويجوز أن
يضيف مال غيره إليه لاختصاص له به بأن يكون عليه يد أو ولاية قال الله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء
أموالكم التي يجعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم) وقال سبحانه في النساء (ولا تخرجوهن من
بيوتهن) وقال لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقرن في بيوتكن) فلا يبطل اقراره مع احتمال صحته فإن
قال أردت هبة قبل منه لأنه محتمل، وان امتنع من تقبيضها لم يجبر عليه لأن الهبة فيها لا تلزم قبل القبض
وكذلك يخرج إذا قال له نصف داري هذه أوله من داري نصفها، وقد نقل عن أحمد ما يدل على
روايتين قال في رواية منها فيمن قال نصف عبدي هذا لفلان لم يجز الا ان يقول وهبته وان قال نصف
مالي هذا لفلان لا أعرف هذا، ونقل ابن منصور إذا قال فرسي هذه لفلان فاقراره جائز فظاهر
هذا صحة الاقرار فإن قال له في هذا المال نصفه فاقراره جائز وان قال له في هذا المال نصفه أو له
321

نصف هذه الدار فهو اقرار صحيح وان قال له في هذا المال الف صح، وان قال في ميراثي من أبي
الف وقال أردت هبة قبل منه لأنه إذا أضاف الميراث إلى أبيه فمقتضاه ما خلفه فيقتضي وجوب المقربه
فيه وإذا أضاف الميراث إلى نفسه فمعناه ما ورثته وانتقل إلي فلا تحمل الا على الوجوب وإذا أضاف إليه
جزءا فالظاهر أنه جعل له جزءا في ماله
(مسألة) (وان قال له في ميراث أبي الف فهو دين على التركة) لأن لفظه يقتضي ذلك
(مسألة) (وان قال نصف هذه الدار فهو مقر بنصفها) لما ذكرنا
(مسألة) (وان قال له هذه أدار عارية ثبت لها حكم العارية) لا قراره بذلك
(مسألة) (وان أقر انه وهب أو رهن أو قبض أو أقر بقبض ثمن أو غيره ثم أنكر وقال ما قبضت
ولا أقبضت وسأل اخلاف خصمه فهل تلزمه اليمين؟ على وجهين)
وذكر شيخنا في كتاب المغني روايتين (إحداهما) لا يستحلف وهو قول أبي حنيفة ومحمد لأن
دعواه تكذيب لا قراره فلا تسمع كما لو أقر المضارب أنه ربح ألفا ثم قال غلطت ولان الاقرار أقوى
من البينة، ولو شهدت البينة ثم قال احلفوه لي مع بينة لم يستحلف كذا ههنا (والثانية) يستحلف وهو
قول الشافعي وأبي يوسف لأن العادة جارية في الاقرار بالقبض قبله فيحتمل صحة ما قاله فينبغي أن يستحلف
خصمه لنفي الاحتمال ويفارق الاقرار البينة من وجهين
322

(أحدهما) ان العادة جارية بالاقرار بالقبض قبله ولم تجر العادة بالشهادة على القبض قبلها لأنها تكون
شهادة زور (والثاني) انكاره مع الشهادة طعن في البينة وتكذيب لها وفي الاقرار بخلافه ولم يذكر
القاضي في المجرد غير هذا الوجه، وكذلك ان أقر أنه اقترض منه ألفا وقبضها أو قال له علي الف ثم
قال ما كنت قبضتها وانها أقررت لأقبضها فالحكم كذلك ولأنه يمكن أن يكون قد أقر بذلك بناء على
قول وكيله وظنه والشهادة لا تجوز الا على اليقين
(مسألة) (وان باع شيئا ثم أقر ان المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري)
لأنه يقر على غيره ولا ينفسخ البيع لذلك وتلزمه غرامته للمقر له لأنه ق فوته عليه بالبيع
وكذلك ان وهبه أو أعتقه ثم أقر به.
(مسألة) (وان قال لم يكن ملكي ثم ملكته بعد لم يقبل قوله) لأن الأصل ان الانسان إنما
يتصرف فيما له التصرف فيه الا ان يقيم بينة فيقبل ذلك فإن كان قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت
ثمن ملكي أو نحوه لم تسمع بينته أيضا لأنها تشهد بخلاف ما أقربه
(فصل) إذا قال له هذه الدار هبة أو سكنى أو عارية كان اقرارا بما أبدل به كلامه ولم يكن إقرارا بالدار
لأنه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل في أوله فصح كما لو أقر بجملة واستثنى بعضها وذكر القاضي في هذا وجها
أنه لا يصح لأنه استثناء من غير الجنس وليس هذا استثناء إنما هو بدل الاشتمال وهو ان يبدل من الشئ
323

بعض ما يشتمل عليه ذلك الشئ كقوله تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) فإنه أبدل القتال
من الشهر المشتمل عليه، وقال تعالى اخبارا من فتى موسى عليه السلام أنه قال (وما أنسانيه الا
الشيطان ان أذكره) أي أنساني ذكره وان قال له هذه الدار ثلثها أو ربعها صح ويكون مقرا بالجزء
الذي أبدله وهذا بدل البعض وليس ذلك استثناء ومنه قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا) ولكنه في معنى الاستثناء في كونه يخرج من الكلام بعض ما دخل فيه لولاه
ويفارقه في أنه يجوز أن يخرج أكثر من النصف وانه يجوز ابدال الشئ من غيره إذا كان مشتملا
عليه ألا ترى ان الله تعالى ابدل المستطيع للحج من الناس وهو أقل من نصفهم وأبدل القتال من
الشهر الحرام وهو غيره؟ ومتى قال له هذه الدار سكنى أو عارية ثبت فيها حكم ذلك وله أن يسكنه
إياها وان يعود فيما أعاره والله أعلم
(فصل) إذا قال بعتك جاريتي هذه قال بل زوجتنيها فلا يخلو إما أن يكون اختلافهما قبل نقده
الثمن أو بعده وقبل الاستيلاد أو بعده فإن كان بعد اعتراف البائع بقبض الثمن فهو مقربها لمدعي
الزوجية لأنه يدعي عليه شيئا والزوج ينكرانها ملكه ويدعي حلها بالزوجية فيثبت الحل لاتفاقهما عليه
ولا ترد إلى البائع لاتفاقهما أنه لا يستحق أخذها وإن كان قبل قبض الثمن وبعد الاستيلاد فالبائع يقر أنها
صارت أم ولد ولدها حر وأنه لا مهر لها ويدعي الثمن والمشتري ينكر ذلك كله فيحكم بحرية الولد لاقرار من ينسب
324

إليه ملكه بحريته ولا ولاء عليه لاعترافه بأنه حر الأصل، ولا ترد الأمة إلى البائع لاعترافه بأنها أم
ولد لا يجوز نقل الملك فيها ويحلف المشتري انه ما اشتراها ويسقط عنه الثمن الاقدر المهر فإنه يجب
لاتفاقهما على وجوبه وان اختلف في سببه، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم يتحالفان
ولا يجب مهر ولا ثمن وهو قول القاضي الا انه لا يجعل على البائع يمينا لأنه لا يرى اليمين في انكار
النكاح، ونفقة الولد على أبيه لأنه حر ونفقة الأمة على زوجها لأنه اما زوج واما سيد وكلاهما سبب
لوجوب النفقة وقال القاضي نفقتها في كسبها فإن كان فيه فضل فهي موقوفة لأننا أزلنا عنها ملك السيد
واثبتنا لها حكم الاستيلاد فإن ماتت وتركت مالا فللبائع قدر ثمنها لأنه إما أن يكون صادقا فهو يستحق
على المشتري ثمنها وتركتها للمشتري والمشتري مقر للبائع بها فيأخذ منها قدر ما يدعيه وإن كان كاذبا
فهي ملكه وتركتها كلها له فيأخذ منها قدر ما يدعيه وبقيته موقوفة، وان ماتت بعد الوطئ فقد ماتت
حرة وميراثها لولدها وورثتها فإن لم يكن لها وارث فميراثها موقوف لأن أحدا لا يدعيه وليس للسيد
أن يأخذ منه قدر الثمن لأنه يدعي الثمن على الواطئ وميراثها ليس له لأنه قد مات قبلها وإن كان اختلافهما قبل
الاستيلاد فقال شيخنا عندي أنها تقبر في يد الزوج لاتفاقهما على حلها له واستحقاقه امساكها وإنما
اختلفا في السبب ولا ترد إلى السيد لاتفاقهما على تحريمها عليه وللبائع أقل الأمرين من الثمن أو المهر
لاتفاقهما على استحقاقه لذلك والامر في الباطن على ذلك فإن السيد إن كان صادقا فالأمة حلال
325

لزوجها بالبيع وإن كان كاذبا فهي حلال له بالزوجية والقدر الذي اتفقا عليه إن كان السيد صادقا فهو
يستحقه ثمنا وإن كان كاذبا فهو يستحقه مهرا وقال القاضي يحلف الزوج أنه ما اشتراها لأنه منكر ويسقط
عنه الثمن ولا يحتاج السيد إلى اليمين على نفي الزوجية لأنه لا يستحلف فيه وعند الشافعي يتحالفان معا
ويسقط الثمن عن الزوج لأن البيع ما ثبت ولا يجب المهر لأن السيد لا يدعيه وترد الجارية إلى سيدها
وفي كيفية رجوعها وجهان (أحدهما) ترجع إليه فيملكها ظاهرا وباطنا كما يرجع البائع في السلعة عند فلس
المشتري بالثمن لأن الثمن ههنا قد تعذر فيحتاج السيد أن يقول فسخت البيع وتعود إليه ملكا
(والثاني) يرجع إليه في الظاهر دون الباطن لأن المشتري امتنع من آداء الثمن مع امكانه فعلى هذا
يبيعها الحاكم ويوفيه ثمنها فإن كان وفق حقه أو دونه أخذه وان زاد فالزيادة لا يدعيها أحد، ولان
المشتري يقر بها للبائع والبائع لا يدعي أكثر من الثمن الأول فهل تقر في يد المشتري أو ترجع إلى
بيت المال؟ يحتمل وجهين، وان رجع البائع فقال صدق خصمي ما بعته إياها بل زوجته لم يقبل في اسقاط
حرية الولد ولا في استرجاعها ان صارت أم ولد وقبل في اسقاط الثمن واستحقاق ميراثها وميراث ولدها
وان رجع الزوج ثبتت الحرية ووجب عليه الثمن
(فصل) ولو أقر رجل بحرية عبد ثم اشتراه أو شهد رجلان بحرية عبد لغيرهما ثم اشتراه أحدهما
من سيده عتق في الحال لاعترافه بان الذي اشتراه حر ويكون البيع صحيحا بالنسبة إلى البائع لأنه
326

محكوم له برقه وفي حق المشتري استنقاذا فإذا صار في يديه حكم بحريته لاقراره السابق ويصير كما
لو شهد رجلان على رجل أنه طلق زوجته ثلاثا فرد الحاكم شهادتهما فدفعا إلى الزوج عوضا ليخلعها
صح وكان في حقه خلعا صحيحا وفي حقهما استخلاصا، ويكون ولاؤه موقوفا لأن أحدا لا يدعيه فإن
البائع يقول ما أعتقته والمشتري يقول ما أعتقه الا البائع وأنا استخلصته فإن مات وخلف مالا فرجع
أحدهما عن قوله فالمال له لأن أحدا لا يدعيه سواه لأن الراجع إن كان البائع فقال فقال المشتري
كنت أعتقته فالولاء له ويلزمه رد الثمن إلى المشتري لاقراره ببطلان البيع وإن كان الراجع المشتري
قبل في المال لأن أحدا لا يدعيه سواه ولا يقبل قوله في نفي الحرية لأنها حق لغيره وان رجعا معا
فيحتمل أن يوقف حتى يصطلحا عليه لأنه لأحدهما ولا نعرف عينه ويحتمل أن من هو في يده يأخذه
ويحلف لأنه منكر وان لم يرجع واحد منهما ففيه وجهان (أحدهما) يقر في يد من هو في يده فإن لم
يكن في يد أحدهما فهو لبيت المال لأن أحدا لا يدعيه ويحتمل أن يكون لبيت المال على كل حال
(فصل) ولو أقر لرجل بعبد أو غيره ثم جاء به وقال هذا الذي أقررت لك به قال بل هو غيره
لم يلزمه تسلميه إلى المقر له لأنه لا يدعيه ويحلف المقر انه ليس له عنده عبد سواه فإن رجع المقر
له فادعاه لزمه دفعه إليه لأنه لا منازع له فيه وان قال المقر له صدقت والذي أقررت به آخر لي عندك
لزمه تسليم هذا ويحلف على نفى الآخر
327

(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإذا قال غصبت هذا العبد من زيد لابل من عمرو أو غصبته من زيد
وملكه لعمرو لزمه دفعه إلى زيد ويغرم قيمته لعمرو
إذا قال غصبت هذا العبد من زيد لابل من عمر وحكم به لزيد ولزمه تسليمه إليه ويغرم لعمرو
وبهذا قال أبو حنيفة وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال في الآخر لا يضمن لعمرو شيئا
ولنا أنه أقر بالغصب الموجب للضمان والرد إلى المغصوب منه ثم لم يرد ما أقر بعضه فلزمه ضمانه
كما لو تلف بفعل الله تعالى قال احمد في رواية ابن منصور في رجل قال لرجل استودعتك هذا الثوب
قال صدقت ثم قال استودعنيه رجل آخر فالثوب للأول ويغرم قيمته للآخر ولا فرق بين أن يكون
اقراره بكلام متصل أو منفصل.
(مسألة) (وان قال ملكه لعمرو وغصبته من زيد فهي كالمسألة التي قبلها)
ولا فرق بين التقديم والتأخير والمتصل والمنفصل وقيل يلزمه دفعه إلى عمرو يغرمه لزيد لأنه
لما أقربه لعمرو أولا لم يقبل اقراره باليد لزيد قال شيخنا وهذا وجه حسن ولأصحاب الشافعي
وجهان كهذين، ولو قال هذا الألف دفعه إلي زيد وهي لعمرو أو قال هو لعمرو ودفعه إلي زيد
فكذلك على ما مضى من القول فيه
(مسألة) (وان قال غصبته من أحدهما أو هو لأحدهما صح الاقرار)
328

لأنه يصح بالمجهول فصح للمجهول ثم يطالب بالبيان فإن عين أحدهما دفع إليه ويحلف للآخران
ادعاه ولا يغرم له شيئا لأنه لم يقر له بشئ، وان قال لا أعرف عينه فصدقاه نزع من يده وكانا
خصمين فيه وان كذباه فعليه اليمين انه لا يعلم وينزع من يده فإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وان
لم تكن بينة أقرعنا بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه، وان بين الغاصب بعد ذلك مالكها قبل
منه كما لو بينه ابتداء ويحتمل أنه إذا ادعى كل واحد أنه المغصوب منه توجهت عليه اليمين لكل واحد
منهما انه لم يغصبه فإن حلف لأحدهما لزمه دفعها إلى الآخر لأن ذلك يجري مجرى تعيينه وان نكل
عن اليمين لهما جميعا فسلمت إلى أحدهما بقرعة أو غيرها لزمه غرمها للآخر لأنه نكل عن يمين توجهت
عليه فقضي عليه كما لو ادعاها وحده
(فصل) وإن كان في يده عبدان فقال أحد هذين لزيد طولب بالبيان فإذا عين أحدهما فصدقه زيد
اخذه وان قال هذا لي والعبد الآخر فعليه اليمين في الذي ينكره وان قال زيد إنما لي العبد الاخر
فالقول قول المقر مع يمينه في العبد الذي ينكره ولا يدفع إلى زيد العبد الذي يقر به له ولكن يقر
في يد المقر لأنه لم يصح اقراره به في أحد الوجهين، وفي الآخر ينزع من يده لاعترافه انه لا
تملكه ويكون في بيت المال لأنه لا مالك له معروف فأشبه ميراث من لا يعلم وارثه، فإن أبى التعيين فعينه
المقر له وقال هذا عبدي طولب بالجواب وان أنكر حلف وكان بمنزلة تعيينه للآخر وان نكل عن اليمين
329

قضي عليه وان أقر له فهو كتعيينه
(فصل) إذا قال هذه الدار لزيد لابل لعمرو أو ادعى زيد على ميت شيئا معينا من تركته
فصدقه ابنه ثم ادعاه عمرو فصدقه حكم به لزيد ووجب عليه غرامته لعمرو، وسنذكر ذلك
فيما بعد أن شاء الله تعالى
(مسألة) (وان أقر بألف في وقتين لزمه الف واحد)
وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يلزمه الفان كما لو قال له علي الف والف لا فربق بين أن يكون
في وقت واحد أو أوقات أو مجلس واحد أو مجالس
ولنا أنه يجوز أن يكون قد كرر الخبر عن الأول كما كرر الله الخبر عن ارساله نوحا وهودا وصالحا
وشعيبا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ولم يكن المذكور في قصة غير المذكور في الأخرى كذا
ههنا لأنه يجوز أن يكون المطلق هو الموصف أطلقه في حال ووصفه في حال وان وصفه بصفة واحدة
في المرتين كان تأكيدا لما ذكرنا
(مسألة) (وان أقر بألف من ثمن عبد ثم أقر بألف من ثمن فرس أو قرض لزمه الفان)
وكذلك ان قال ألف درهم سود والف درهم بيض لأن الصفة اختلفت فهما متغايران
(مسألة) (وان ادعى رجلان دار في يد غيرهما شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفها
فالمقر به بينهما نصفان.
330

وجملة ذلك انهما إذا ادعيا أنهما ملكاها بسبب يوجب الاشتراك مثل ان يقولا ورثناها وابتعناها
معا فأقر المدعى عليه بنصفها فذلك لهما جميعا لأنهما اعترفا أن الدار لهما مشاعة فإذا غصب غاصب نصفها
كان منهما والباقي بينهما و ان لم يكونا ادعيا شيئا يقتضي الاشتراك بل ادعى كل وحد منهما فأقر
لأحدهما بما ادعاه لم يشاركه الآخر وكان على خصومته لأنهما لم يعترفا بالاشتراك، فإن أقر لأحدهما
بالكل وكان المقر له يعترف للآخر بالنصف سلمه إليه وكذلك إن كان قد تقدم اقراره بالنصف
وجب تسليمه إليه لأن الذي هي في يده قد اعترف له بها فصار بمنزلته فثبتت لمن يقر له وان لم يكن
اعترف للآخر وادعى جميعها أو ادعى أكثر من النصف فهو له، فإن قيل فكيف يملك جميعها ولم
يدع الا نصفها؟ قلنا ليس من شرط صحة الاقرار تقدم الدعوى بل متى أقر بشئ لانسان فصدقه
المقر له ثبت وقد وجد التصديق ههنا في النصف الذي لم يسبق دعواه، ويجوز أن يكون اقتصر
على دعوى النصف لأن له حجة به ولا النصف الآخر قد اعترف له به فادعى النصف الذي لم
يعترف له به. فإن لم يصدقه في اقراره بالنصف الذي لم يدعه ولم يعترف به الآخر ففيه ثلاثة
أوجه (أحدها) يبطل الاقرار لأنه أقر لمن لا يدعيه (الثاني) ينزعه الحاكم حتى يثبت لمدعيه
ويؤجره ويحفظ أجرته لمالكه (والثالث) يدفع إلى مدعيه لعدم التنازع فيه ومذهب الشافعي في
هذا الفصل على نحو ما ذكرنا
331

(مسألة) (وان قال في مرض موته هذا الألف لقطة فتصدقوا به لزم الورثة الصدقة بثلثه)
قال أبو الخطاب إذا لم يكن له مال غيره لأنه جميع ماله والامر بالصدقة وصية بجميع المال
فلا يلزم منه إلا الثلث وحكي عن القاضي أنه يلزمهم الصدقة بجميعه لأن أمره بالصدقة به يدل على
تعديه فيه على وجه يلزمهم الصدقة بجميعه فيكون ذلك اقرارا منه لغير وارث فيجب امتثاله
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا مات رجل وخلف مائة فادعاها رجل فادعاها رجل فأقر ابنه له بها ثم ادعاها
آخر فأقر له فهي للأول ويغرمها للثاني)
وجملة ذلك أنه إذا ادعى زيد على ميت شيئا معينا من تركته فصدقه ابنه ثم ادعاه عمرو فصدقه أو
قال هذه الدار لزيد لابل لعمرو حكم بها لزيد وعليه غرامتها لعمرو وهذا أحد قولي الشافعي وقال في
الاخر لا يغرم لعمرو شيئا وهو قول أبي حنيفة لأنه أقر له بما وجب عليه الاقرار به وإنما منعه الحكم
من قبوله وذلك لا يوجب الضمان
ولنا أنه حال بين عمرو وبين ملكه الذي أقر له به باقراره لغيره فلزمه غرمه كما لو شهد رجلان على آخر
باعتاق عبده ثم رجعا عن الشهادة أو كما لو رمى به في البحر ثم أقربه
(مسألة) (وان أقربها لهما معا فهي بينهما) لتساويهما في الدعوى والاقرار لهما
332

(مسألة) (وان أقر لأحدهما وحده فهي له ويحلف للآخر أنه لا يعلم أنها له وان نكل
فقضي عليه بالنكول) لأن النكول كالاقرار ولو أقر لزمه الغرم فكذلك إذا نكل عن اليمين
(مسألة) (وان ادعى رجل على الميت مائة دينا فأقر له ثم ادعى آخر مثل ذلك فأقر له فإن
كان في مجلس واحد فهي بينهما وإن كان في مجلسين فهي للأول ولا شئ للثاني)
وجملة ذلك أن الميت إذا خلف وارثا وتركة فأقر الوارث لرجل بدين على الميت يستغرق الميراث
فقد أقر بتعلق دينه بجميع التركة واستحقاقه لها فإذا أقر بعد ذلك لآخر وكان في المجلس صح الاقرار
واشتركا في التركة لأن التركة حالة المجلس كحالة واحدة بدليل صحة القبض بها فيما يعتبر القبض فيه
وامكان الفسخ فيه ولحقوق الزيادة في العقد فكذلك في الاقرار، وإن كان في مجلس آخر لم يقبل اقراره
لأنه يقر بحق على غيره فإنه يقر بما يقتضي مشاركة الأول في التركة وينقص حقه منها ولا يقبل اقرار
الانسان على غيره وقال الشافعي يقبل اقراره ويشتركان فيها لأن الوارث يقوم مقام الموروث ولو أقر
الموروث لهما لقبل فكذلك الوارث ولان منعه من الاقرار يفضي إلى إسقاط حق الغرماء لأنه قد لا
يتفق حضورهم في مجلس واحد فيبطل حقه بتعيينه ولان من قبل اقراره أولا قبل اقراره ثانيا إذا لم
تتغير حاله كالموروث.
333

ولنا أنه اقرار بما يتعلق بمحل تعلق به حق غيره تعلقا يمنع تصرفه فيه على وجه يضربه فلم يقبل كاقرار
الراهن بجناية على الرهن أو الجاني، وأما الموروث فإن أقر في صحته صح لأن الدين لا يتعلق بماله وان أقر
في مرضه لم يحاص المقر له غرماء الصحة لذلك، وان أقر في مرضه لغريم يستغرق تركته دينه ثم أقر
لآخر في مجلس آخر فالفرق بينهما ان اقراره الأول لم يمنعه التصرف في ماله ولا أن يعلق به دينا آخر
بأن يستدين دينا آخر فلم يمنع ذلك تعليق الدين بتركته بالاقرار بخلاف الوارث فإنه لا يملك أن
يتعلق بالتركة دينا آخر بفعله فلا يملكه بقوله ولا يملك التصرف في التركة ما لم يلتزم قضاء الدين
(مسألة) (وان خلف ابنين ومائتين فادعى رجل مائة دينا على الميت فصدقه أحد الابنين
وأنكر الآخر لزم المقر نصفها)
لأنه مقر على أبيه بدين ولا يلزمه أكثر من نصف دين أبيه ولأنه يقر على نفسه وأخيه فلا
يقبل اقراره على أخيه ويقبل على نفسه وفي ذلك اختلاف ذكرناه في أواخر كتاب الاقرار
(مسألة) (الا أن يكون عدلا فيحلف الغريم مع شهادته ويأخذ مائة وتكون المائة الباقية بين الابنين)
وإنما لزم المقر نصف المائة لأنه يرث نصف التركة فيلزمه نصف الدين لأنه يقدر ميراثه ولو لزمه
جميع الدين لم تقبل شهادته على أحد لكونه يدفع عن نفسه ضررا ولأنه يرث نصف التركة فلزمه
نصف الدين كما لو ثبت ببينة أو باقرار الميت
334

(مسألة) (وان خلف ابنين وعبدين متساوي القيمة لا يملك غيرهما فقال أحد الابنين أبي أعتق
هذا وقال الآخر بل أعتق هذا عتق من كل واحد ثلثه وصار لكل ابن سدس العبد الذي أقر بعتقه
ونصف الآخر، وان قال أحدهما أبي أعتق هذا وقال الآخر أبي أعتق أحدهما لا أدري من هو
منهما أقرع بينهما فإن وقعت على من اعترف الابن بعتقه عتق ثلثاه ان لم يجيزا عتقه كاملا وان وقعت على
الآخر كان حكمه كما لو عين العتق في العبد سواء).
هذه المسألة محمولة على أن العتق كان في مرض الموت الخوف أو بالوصية لأنه لو أعتقه في صحته
عتق كله ولم يقف على إجازة الورثة، فإذا اعترفا أنه عتق أحدهما في مرضه لم يخل من أربعه أحوال
(أحدها) أن يعينا العتق في أحدهما فيعتق منه ثلثاه لأن ذلك ثلث جميع ماله الا أن يجيزا عتق جميعه
فيعتق (الثاني) أن يعين كل منهما العتق في واحد غير الذي عينه أخوه فيعتق من كل واحد ثلثه لأن كل
واحد منهما حقه نصف العبدين فيقبل قوله في عتق حقه من الذي عينه وهو ثلثا النصف الذي له وذلك
الثلث ولأنه يعترف بحرية ثلثيه فيقبل قوله في حقه منهما وهو الثلث ويبقى الرق في ثلثه فله النصف وهو
السدس ونصف العبد الذي ينكر عتقه
(الثالث) ان يقول أحدهما أبي أعتق هذا ويقول الآخر أبي أعتق أحدهما لا أدري من منهما فتقوم
القرعة مقام تعيين الذي لم يعين فإن وقعت على الذي عينه أخوه عتق ثلثاه كما لو عيناه بقولهما وإن
335

وقعت على الآخر كما لو عين كل واحد منهما عبدا يكون لكل واحد منهما سدس العبد الذي عينه
ونصف العبد الذي ينكر عتقه ويصير ثلث كل واحد من العبدين حرا (الرابع) أن يقولا أعتق
أحدهما ولا ندري من منهما فإنه يقرع بين العبدين فمن وقت له القرعة عتق ثلثاه ان لم يجيزا عتق
جميعه وكان الآخر رقيقا
(فصل) فإن رجع الابن الذي جهل عين العتق فقال قد عرفته قبل القرعة فهو كما لو عينه ابتداء
من غير جهل وإذا كان بعد القرعة فوافقها تعيينه لم يتغير الحكم وان خالفها عتق من الذي عينه ثلثه
بتعيينه فإن عين الذي عينه أخوه عتق ثلثاه وان عين الآخر عتق منه ثلثه وهل يبطل العتق في الذي
عتق بالقرعة على وجهين
(باب الاقرار بالمجمل)
(إذا قال له علي شئ أو كذا قيل له فسر فإن أبي حبس حتى يفسر فإن مات أخذ وارثه بمثل
ذلك أن خلف الميت شيئا يقضى منه وإلا فلا)
وجملة ذلك أنه إذا قال لفلان علي شئ أو كذا صح اقراره ولزمه تفسيره بغير خلاف، ويفارق
336

الدعوى حيث لا تصح بالمجهول لكون الدعوى له والاقرار عليه فلزمه ما عليه مع الجهالة دون ماله
ولان المدعي إذا لم يصحح دعواه فله داع إلى تحريرها والمقر لا داعي له إلى التحرير ولا يمكن رجوعه
عن اقراره فيضيع حق المقر له فألزمناه إياه مع الجهالة فإن امتنع من تفسيره حبس حتى يفسر وقال
القاضي يجعل ناكلا يؤمر المقر له بالبيان فإن بين شيئا فصدقه المقر ثبت وان كذبه وامتنع من البيان
قيل له ان بينت وإلا جعلناك ناكلا وقضينا عليك وهذا قول الشافعي إلا أنهم قالوا إن بنت وإلا أحلفنا
المقر له على ما يدعيه وأوجبناه عليك فإن فعل وإلا أحلفنا المقر له وأوجبناه على المقر، ووجه الأول
أنه ممتنع من حق عليه فحبس به كما لو عينه وامتنع من أدائه، ومع ذلك فمتى عينه المدعي وادعاه فنكل
المقر فهو على ما ذكروه فإن مات من عليه الحق أخذ وارثه بمثل ذلك لأن الحق ثبت على موروثهم فتعلق
بتركته وقد صارت إلى الورثة فلزمهم ما لزم موروثهم كما لو كان الحق معينا، وان لم يخلف الميت تركة.
فلا شئ لي الورثة لأنهم ليس عليهم وفاء دين الميت إذا لم يخلف تركة كما لا يلزمهم في حياته، وذكر
صاحب المحرر رواية ان الوارث ان صدق موروثه في اقراره أخذ به وإلا فلا والصحيح الأول قال
وعندي ان أبى الوارث أن يفسر وقال لاعلم لي بذلك حلف ولزمه من التركة ما يقع عليه الاسم فيما إذا
وصى لفلان بشئ ويحتمل أن يكون حكم المقر كذلك إذا حلف أن لا يعلم كالوارث
(مسألة) (وان فسره بحق شفعة أو مال قبل وان قل وان فسره بمال كقشر جوزة أو ميتة أو
337

خمر لم يقبل وان فسره بكلب أو حد قذف فعلى وجهين) متى فسر المقر اقراره بما يتمول عادة قبل تفسيره
ويثبت الا أن يكذبه المقر له ويدعي جنسا آخر أولا يدعي شيئا فيبطل اقراره، وان فسره بمالا يتمول
عادة كقشر جوزة أو قشر باذنجانة لم يقبل تفسيره لأن اقراره اعترف بحق عليه ثابت في ذمته وهذا
لا يثبت في الذمة وكذلك ان فسره بما ليس بمال في الشرع كالخمر والميتة، وان فسره بكلب لا يجوز
اقتناؤه فكذلك، وان فسره بكلب يجوز اقتناؤه أو جلد ميتة غير مدبوغ ففيه وجهان (أحدهما) يقبل لأنه شئ
يجب رده وتسليمه إليه فالايجاب يتناوله (والثاني) لا يقبل لأن الاقرار إخبار عما يجب ضمانه وهذا لا يجب
ضمانه، وان فسره بحبة حنطة أو شعير ونحوها لم يقبل لأنه هذا لا يتمول عادة على انفراده، وان فسره بحد
قذف قبل لأنه حق يجب عليه وفيه وجه آخر أنه لا يقبل لأنه لا يؤول إلى مال والأول أصح لأن
ما يثبت في الذمة يصح ان يقال هو علي ويصح تفسيره بحق شفعة لأنه حق واجب ويؤول إلى المال
وان فسره برد السلام أو تشميت العاطس ونحوه لم يقبل لأنه يسقط بفواته ولا يثبت في الذمة وهذا
الاقرار يدل على ثبوت الحق في الذمة ويحتمل أن يقبل تفسيره إذا أراد حقا علي رد سلامه إذا
سلم وتشميته إذا عطس لما روي في الخبر (للمسلم على المسلم ثلاثون حقا يرد سلامه ويشمت
عطسته ويجب دعوته)
(مسألة) (وان قال غصبت منه شيئا ثم فسره بنفسه أو ولده لم يقبل) لأن الغصب لا يثبت عليه
338

وان أراد أني حبستك وسجنتك قبل ذكره في المحرر وان فسره بما ليس بمال مما ينتفع به قبل لأن الغصب
يشتمل عليه كالكلب وجلد الميتة لأنه قد يقهره عليه، وان فسره بمالا نفع فيه أو مالا يباح
الانتفاع به لم يقبل لأن أخذ ذلك ليس بغصب وهذا الذي ذكرناه في هذا الباب أكثره مذهب
الشافعي وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يقبل تفسير اقراره بغير المكيل والموزن لأن غيرهما لا
يثبت في الذمة بنفسه.
ولنا أنه مملوك يدخل تحت العقد فجاز أن يفسر به الشئ في الاقرار كالمكيل والموزون ولأنه
يثبت في الذمة في الجملة فصح التفسير به كالمكيل ولا عبرة بسبب ثبوته في الاخبار به والاخبار عنه
(فصل) تقبل الشهادة على الاقرار بالمجهول لأن الاقرار به صحيح وما كان صحيحا في نفسه
صحت الشهادة به كالمعلوم
(مسألة) (وان قال له علي مال عظيم أو خطير أو كثير أو جليل قبل تفسيره بالكثير والقليل)
كما لو قال له على مال ولم يصفه وهذا قول الشافعي وحكي عن أبي حنيفة لا يقبل تفسيره بأقل من
عشرة لأن يقطع به السارق ويكون صداقا عنده وعنه لا يقبل أقل من مائتي درهم وبه قال صاحباه
لأنه الذي تجب فيه الزكاة وقال بعض أصحاب مالك كقولهم في المال ومنهم من قال يزيد على ذلك
أقل زيادة منهم من قال قدر الدية وقال الليث بن سعد اثنان وسبعون لأن الله سبحانه وتعالى قال
339

(لقد نصر كم الله في مواطن كثيرة) وكانت غزواته وسراياه اثنتين وسبعين قالوا ولان الحبة لا تسمى
مالا عظيما ولا كثيرا
ولنا أن العظيم والكثير لاحد له في الشرع ولا اللغة ولا العرف ويختلف الناس فيه فمنهم من
يستعظم القليل ومنهم من يستعظم الكثير ومنهم من يحتقر الكثير فلم يلبث في ذلك حد يرجع في تفسيره
إليه ولأنه ما من مال الا وهو عظيم كثير بالنسبة إلى ما دونه ويحتمل أنه أراد عظيما لفقر نفسه ودناءتها
واما ما ذكروه فليس فيه تحديد الكثير وكون ما ذكروه كثيرا لا يمنع الكثرة فيما دونه وقد قال
الله تعالى (واذكروا الله كثيرا) فلم ينصرف إلى ذلك وقال تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة فلم يحمل
على ذلك والحكم فيما إذا قال عظيم جدا أو عظيم كما لو لم يقله لما قررناه
(فصل) وان أقر بمال قبل تفسيره بالقليل والكثير كالمسألة قبل هذا وبهذا قال الشافعي وقال
أبو حنيفة لا يقبل تفسيره بغير المال الزكوي لقول الله سبحانه (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
وتزكيهم بها) وقوله (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وحكي بعض أصحاب مالك عنه ثلاثة
أوجه الأول كقولنا والثاني لا يقبل الا في أول نصاب من نصب الزكاة من نوع أموالهم والثالث
ما يقطع به السارق ويصح مهرا لقول الله تعالى (لن تبتغوا بأموالكم)
340

ولنا ان غير ما ذكروه يقع عليه اسم المال حقيقة وعرفا ويتمول عادة فيقبل تفسيره به كالذي
وافقوا عليه واما آية الزكاة فقد دخلها التخصيص وقوله تعالى (في أموالهم حق) لم يرد بها الزكاة لأنها نزلت
بمكة قبل قرض الزكاة فلا حجة لهم فيها ثم يرد قوله تعالى (ان تبتغوا بأموالكم) والترويج جائز بأي
نوع كان من المال وبما دون النصاب
(مسألة) (وان قال له علي دراهم كثيرة قبل تفسيره بثلاثة فصاعدا)
أما إذا قال له علي دراهم لزمه ثلاثة لأنها أقل الجمع، وان قال له دراهم كثيرة أو وافرة أو عظيمة
لزمته ثلاثة أيضا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يقبل تفسيره بأقل من عشرة لأنها أقل جمع
الكثرة وقال أبو يوسف لا يقبل أقل من مائتين لأن بها يحصل الغنى وتجب الزكاة
ولنا أن الكثرة والعظمة لا حد لها شرعا ولا لغة ولا عرفا وتختلف بالأوصاف وأحوال الناس
فالثلاثة أكثر مما دونها وأقل مما فوقها ومن الناس من يستعظم اليسير ومنهم من لا يستعظم الكثير
ويحتمل أن المقر أراد كثيرة بالنسبة إلى ما دونها أو كبيرة في نفسه فلا تجب الزيادة بالاحتمال
(مسألة) (وان قال له علي كذا درهم أو كذا وكذا درهم أو كذا كذا درهم بالرفع لزمه درهم)
لأن تقديره شئ هو درهم وان قال بالخفض لزمه بعض درهم لأن كذا يحتمل أن يكون جزءا
341

مضافا إلى درهم ويرجع في تفسيره إليه إذا فسره بذلك لأنه محتمل
(مسألة) (وان قال كذا درهما بالنصب لزمه درهم) ويكون منصوبا على التمييز
(مسألة) (وان قال كذا وكذا درهما بالنصب فقال ابن حامد والقاضي يلزمه درهم) لأن الدرهم
الواحد يجوز أن يكون تفسيرا لشيئين كل واحد بعض درهم (وقال أبو الحسن التميمي يلزمه درهمان) لأنه
ذكر جملتين فسرهما بدرهم فيعود التفسير إلى كل واحدة منهما (كقوله عشرون درهما)
إذا قال كذا ففيه ثلاث مسائل (أحدها) أن يقول كذا بغير تكرير ولا عطف (الثانية) أن يكرر بغير عطف
(الثالثة) أن يعطف فيقول كذا وكذا: فأما الأولى فإذا قال له علي كذا درهم لم يخل من أربعة أحوال
(أحدها) ان يقول له علي كذا درهم بالرفع فيلزمه درهم وتقديره شئ هو درهم فجعل الدرهم بدلا من كذا
(الثاني) ان يقول درهم بالجر فيلزمه جزء درهم يرجع في تفسيره إليه والتقدير جزء درهم أو يعض
درهم ويكون كذا كناية عنه
(الثالث) أن يقول درهما بالنصف فيلزمه درهم ويكون منصوبا على التفسير وهو التمييز وقال بعض
النحويين هو منصوب على القطع كأنه قطع ما ابتدأ به وأقر بدرهم وهذا على قول الكوفيين
(الرابع) أن يذكره بالوقف فيقبل تفسيره بجزء درهم أيضا لأنه يجوز أن يكون أسقط حركة
342

الجر للوقف وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي يلزمه درهم في الحالات كلها وهو قول
بعض أصحاب الشافعي. ولنا ان كذا اسم مبهم فصح تفسيره بجزء درهم في حال الجر والوقف
(المسألة الثانية) (إذا قال كذا كذا بغير عطف فالحكم فيها كالحكم في كذا بغير تكرير سواء)
لا يتغير ولا يقتضي تكريره الزيادة كأنه قال شئ مشئ ولأنه إذا قاله بالجر احتمل أن يكون قد
أضاف جزءا إلى جزء ثم أضاف الجزء الأخير إلى الدرهم فقال نصف سبع درهم وهكذا لو قال كذا
كذا لأنه يحتمل أن يرد ثلث خمس تسع درهم ونحوه
(المسألة الثالثة) (إذا عطف فقال كذا وكذا درهم بالرفع لزمه درهم واحد) لأنه ذكر شيئين ثم أبدل
منهما درهما فصار كأنه قال هما درهم، وان قال درهما بالنصب ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يلزمه درهم واحد وهو
قول أبي عبد الله بن حامد والقاضي لأن كذا يحتمل أقل من درهم فإذا عطف عليه مثله ثم فسرهما
بدرهم واحد جاز وكان كلاما صحيحا وهذا يحكي قولا للشافعي (الثاني) يلزمه درهمان وهو اختيار أبي
الحسن التميمي لأنه ذكر جملتين فإذا فسر ذلك بدرهم عاد التفسير إلى كل واحد كقوله عشرون درهما
يعود التفسير إلى العشرين كذا ههنا وهذا يحكي قولا ثابتا للشافعي (الثالث) يلزمه أكثر من درهم ولعله
ذهب إلى أن الدرهم تفسير للجملة التي تليه فيلزمه بها درهم والأولى باقية على ابهامها فيرجع في تفسيرها
إليه وهذا يشبه قول التميمي، وقال محمد بن الحسن إذا قال كذا درهما لزمه عشرون درهما لأنه أقل
343

عددا يفسر بالواحد المنصوب، وان قال كذا كذا درهما لزمه أحد عشر درهما لأنه أقل عدد مركب
يفسر بالواحد المنصوب، وان قال كذا وكذا رهما لزمه أحد وعشرون درهما لأنه أقل عدد عطف
بعضه على بعض يفسر بذلك وان قال كذا درهم بالجر لزمه مائة لأنه أقل عدد يضاف إلى الواحد وحكي
عن أبي يوسف أنه قال كذا كذا أو كذا وكذا يلزمه بهما أحد عشر درهما
ولنا أنه يحتمل ما قلنا ويحتمل ما قالوا فوجب المصير إلى ما قلنا لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه
فلا يجب بالشك كما لو قال علي دراهم لم يلزمه إلا أقل الجمع ولا يلزم كثرة الاستعمال فإن اللفظ إذا
كان حقيقة في الامرين جاز التفسير بكل واحد منهما، وعلى ما ذكره محمد يكون اللفظ المفرد يوجب
أكثر من المكرر فإنه يجب بالمفرد عشرون وبالمركب أحد عشر ولا نعرف لفظا مفردا متناولا لعدد
صحيح يلزم به أكثر مما يلزم بمكرره
(مسألة) (وان قال له علي الف رجع في تفسيره إليه فإن فسره بأجناس قبل منه) لأنه يحتمل ذلك
(مسألة) (وان قال له علي الف ودرهم أو الف ودينار أو الف وثوب أو فرس أو درهم
وألف أو دينار والف فقال ابن حامد والقاضي الألف من جنس ما عطف عليه)
وبه قال أبو ثور وقال التميمي وأبو الخطاب يرجع في تفسير الألف إليه لأن الشئ يعطف
على غير جنسه قال الله تعالى (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) ولان الألف مبهم فيرجع
344

في تفسيره إلى المقر كما لو لم يعطف عليه، وقال أبو حنيفة ان عطف على المبهم مكيلا أو موزونا كان
تفسيرا له، وان عطف مذروعا أو معدودا لم يكن تفسيرا لأن علي للايجاب في الذمة فإذا عطف عليه
ما يثبت في ذمته بنفسه كان تفسيرا له كقوله مائة وخمسون درهما
ولنا أن العرب تكتفي بتفسير إحدى الجملتين عن الأخرى قال الله تعالى (ولبثوا في كهفهم
ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) وقال تعالى (عن اليمين وعن الشمال قعيد) ولأنه ذكر مبهما مع تفسير لم
يقم الدليل على أنه من غير جنسه فكان المبهم من جنس المفسر كما لو قال مائة وخمسون درهما أو ثلاثمائة
وثلاثة عشر رجلا، يحققه أن المبهم يحتاج إلى التفسير وذكر التفسير في الجملة المقارنة له يصلح أن يفسره
يوجب حمل الامر على ذلك، وأما قوله أربعة أشهر وعشرا فإنه امتنع أن تكون العشر أشهر الوجهين
(أحدهما) أن العشر بغير هاء عدد للمؤنث والأشهر مذكرة فلا يجوز أن تعد بغير هاء (والثاني) أنها
لو كانت أشهرا لقال أربعة عشر شهرا بالتركيب لا بالعطف كما قال (عليها تسعة عشر) وقولهم إن الألف
مبهم قلنا قرن به ما يدل على تفسيره فأشبه ما لو قال مائة وخمسون درهما أو مائة ودرهم عند أبي حنيفة
فإن قيل إذا قال مائة وخمسون درهما فالدرهم ذكر للتفسير ولهذا لا يراد به العدد فصلح تفسير الجميع
ما قبله بخلاف قوله مائة ودرهم فإنه ذكر الدرهم للايجاب لا للتفسير بدليل أنه زاد به العدد قلنا هو
صالح للايجاب والتفسير معا والحاجة داعية إلى التفسير فوجب حمل الامر على ذلك صيانة لكلام
المقر عن الالباس والابهام وصرفا له إلى البيان والافهام، وقول أبي حنيفة إن علي للايجاب قلنا فمتى
عطف ما يجب بها على ما لا يجب وكان أحدهما مبهما والآخر مفسرا وأمكن تفسيره به وجب أن يكون
المبهم من جنس المفسر، فاما ان لم يكن من جنس المفسر مثل أن يعطف عدد المذكر
345

على المؤنث أو بالعكس ونحو ذلك فلا يكون أحدهما من جنس الآخر ويبقى المبهم على ابهامه كما لو
قال له أربعة دراهم وعشر
(مسألة) (وان قال له علي الف وخمسون درهما أو خمسون والف درهم فالجميع دراهم)
ويحتمل على قول التميمي ان يرجع في تفسير الألف إليه وهو قول بعض أصحاب الشافعي وكذلك
ان قال الف وثلاثة دراهم أو مائة والف درهم والصحيح الأول فإن الدرهم المفسر يكون تفسيرا
لجميع ما قبله من الجمل المبهمة وجنس العدد قال الله تعالى مخبرا عن أحد الخصمين أنه قال (ان هذا
أخي له تسع وتسعون نعجة) وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث
وستين سنة وقال عنترة:
فيهان اثنتان وأربعون حلوبة * سودا كخافية العراب الأسحم
ولان الدرهم ذكر تفسيرا ولهذا لا يجب به زيادة على العدد المذكور فكان تفسيرا لجميع ما قبله ولأنها
تحتاج إلى تفسير وهو صالح لتفسيرها فوجب جمله على ذلك وهذا المعنى موجود في قوله الف وثلاثة
دراهم وسائر الصور المذكورة، فعلى قول من لا يجعل المجمل من جنس المفسر لو قال بعتك هذا بمائة
وخمسين درهما أو بخمسة وعشرين درهما لا يصح وهو قول شاذ ضعيف لا يعول عليه وان قال له علي ألف درهم
الا خمسين فالمستثنى دراهم لأن العرب لا تستثني في الاثبات إلا من الجنس
(مسألة) (وهذا اختيار ابن حامد والقاضي وقال أبو الحسن التميمي وأبو الخطاب يكون الألف مبهما
يرجع في تفسيره إليه وهو قول مالك والشافعي)
لأن الاستثناء عندهما يصح من غير الجنس ولان لفظه في الألف مبهم والدرهم لم يذكر
تفسيرا له فبقي على ابهامه.
346

ولنا أنه لم يرد عن العرب الاستثناء في الاثبات الا من الجنس فمتى علم أحد الطرفين علم أن الآخر
من جنسه كما لو علم المستثنى منه وقد سلموه علته تلازم المستثنى والمستثنى منه في الجنس فما ثبت في
أحدهما ثبت في الآخر فعلى قول أبي الحسن التميمي وأبي الخطاب يسئل عن المستثنى فإن فسره
بغير الجنس بطل الاستثناء وعلى قول غيرهما ينظر في المستثنى إن كان مثل المستثنى منه أو أكثر يبطل في الأصح
(فصل) وان قال له تسعة وتسعون درهما فالجميع دراهم ولا أعلم فيه خلافا وكذلك ان
قال مائة وخمسون درهما وخرج بعض أصحابنا وجها أنه لا يكون تفسيرا الا لما يليه وهو
قول بعض أصحاب الشافعي
(مسألة) (وان قال له في هذا العبد شركة أو هو شريكي فيه أو هو شركة بينهما رجع إلى
تفسير نصيب الشريك إليه)
وقال أبو يوسف يكون مقرا بنصفه لقول الله تعالى (فهم شركاء في الثلث) فاقتضى ذلك
التسوية بينهم كذا ههنا.
ولنا ان أي جزء كان له منه فله فيه شركة فكان له تفسيره بما شاء كالنصف وليس اطلاق لفظ الشركة
على ما دون النصف مجازا ولا مخالفا للظاهر والآية ثبتت التسوية فيها بدليل آخر، وكذلك الحكم إذا
قال هذا العبد شركة بيننا وان قال له فيه سهم فكذلك وقال القاضي يحمل على السدس كالوصية
(مسألة) (وان قال له علي أكثر من مال فلان قيل له فسر فإن فسره بأكثر منه قدر اقبل وان قال
أردت أكثر بقاء نفعا لأن الحلال أنفع من الحرام قبل قوله مع يمينه) سواء علم مال فلان أو جهله أو ذكر
قدره أولم يذكره أما إذا فسره بأكثر منه قدرا فإنه يقبل تفسيره ويلزمه أكثر منه وتفسر الزيادة بما يريد من
قليل أو كثير ولو حبة حنطة، ولو قال ما علمت لفلان أكثر من كذا وقامت البينة بأكثر منه لم يلزمه
347

أكثر مما اعترف به لأن مبلغ المال حقيقة لا تعرف في الأكثر وقد يكون ظاهرا وباطنا يملك ما
يعرفه المقر فكان المرجع إلى ما اعتقده المقر مع يمينه إذا ادعى عليه أكثر منه وان فسره بأقل من
ماله مع علمه بماله لم يقبل، وقال أصحابنا يقبل تفسيره بالكثير والقليل وهو مذهب الشافعي سواء علم
مال فلان أو جهله أو ذكر قدره أولم يذكره أو قاله عقيب الشهادة بقدره أولا لأنه لا يحتمل انه أكثر
منه بقاء أو منفعة أو بركة لكونه من الحلال أو لأنه في الذمة، قال القاضي ولو قال لي عليك ألف دينار
فقال لك علي أكثر من ذلك لم يلزمه أكثر منها لأن لفظة أكثر مبهمة لاحتمالها ما ذكرنا ويحتمل أنه
أراد أكثر منه فلوسا أو حبة حنطة أو شعير أو دخن فيرجع في تفسيرها إليه وهذا بعيد فإن لفظة
أكثر إنما تستعمل حقيقة في العدد أو في القدر وينصرف إلى جنس ما أضيف أكثر إليه لا يفهم في
الاطلاق غير ذلك قال الله تعالى (كانوا أكثر منهم) وأخبر عن الذي قال (أنا أكثر منك مالا وقالوا
نحن أكثر أموالا وأولادا) والاقرار يؤخذ فيه بالظاهر دون مطلق الاحتمال، ولهذا لو أقر بدراهم
لزمه أقل الجمع جيادا صحاحا وازنة حالة ولو قال له علي دراهم لم يقبل تفسيرها بالوديعة ولو
رجع إلى مطل الاحتمال سقط الاقرار واحتمال ما ذكروه أبعد من هذه الاحتمالات التي لم يقبلوا
تفسيره بها فلا يعول على هذا
(مسألة) (ولو ادعى عليه دينا فقال لفلان علي أكثر ممالك، وقال أردت التهزئ لهما لزمه ويرجع
في تفسيره إليه في أحد الوجهين)
وفي الآخر لا يلزمه شئ لأنه أقر لفلان بحق موصوف بالزيادة على مال المدعي فيجب عليه ما أقربه
لفلان ويجب للمدعي حق لأن لفظه يقتضي أن يكون له شئ، وفي الآخر لا يلزمه شئ لأنه يجوز أن يكون
أراد حقك علي أكثر من حقه والحق لا يختص بالمال
348

(فصل) إذا قال له علي الف إلا شيئا قبل تفسيره بأكثر من خمسمائة لأن الشئ يحتمل الكثير
والقليل لكن لا يجوز استثناء الأكثر فيتعين حمله على ما دون النصف، وكذلك ان قال إلا قليلا لأنه
مبهم فأشبه قوله إلا شيئا وان قال له علي معظم الف أو جل الف أو قريب من الف لزمه أكثر من
نصف الألف ويحلف على الزيادة ان ادعيت عليه
(فصل) وان قال له علي ما بين درهم وعشرة لزمته ثمانية لأن ذلك ما بينهما وان قال من درهم
إلى عشرة ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يلزمه تسعة وهذا يحكى عن أبي حنيفة لأن من لابتداء الغاية
وأول الغاية منها وإلى لانتهاء الغاية فلا تدخل فيها كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) (والثاني)
تلزمه ثمانية لأن الأول والعاشر حدان فلا يدخلان في الاقرار ويلزمه ما بينهما كالتي قبلها.
(والثالث) تلزمه عشرة لأن العاشر أحد الطرفين فيدخل فيها كالأول وكما لو قال قرأت القرآن
من أوله إلى آخره، وان قال أردت بقولي من واحد إلى عشرة مجموع الاعداد كلها أي الواحد
والاثنان كذلك إلى العشرة لزمه خمسة وخمسون درهما واختصار حسابه أن تزيد أول العدد وهو
واحد على العشرة فيصير أحد عشر ثم اضربها في نصف العشرة فما بلغ فهو الجواب
(مسألة) (وان قال له علي درهم فوق درهم أو تحت درهم أو فوقه أو تحته أو قبله أو بعده
أو معه درهم أو درهم ودرهم أو درهم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان) إذا قال له علي درهم
فوق درهم أو تحت درهم أو معه درهم أو مع درهم فقال القاضي يلزمه درهم وهو أحد قولي الشافعي لأنه يحتمل
فوق درهم في الجودة أو فوق درهم لي وكذلك تحت درهم، وقوله معه درهم يحتمل معه درهم لي وكذلك
مع درهم فلم يجب الزائد بالاحتمال، وقال أبو الخطاب يلزمه درهمان وهو القول الثاني للشافعي
لأن هذا اللفظ يجري مجرى العطف لكونه يقتضي ضم درهم آخر لايه وقد ذكر ذلك في سياق الاقرار
349

فالظاهر أنه اقرار، ولان قوله علي يقتضي في ذمتي وليس للمقر في ذمة نفسه درهم مع درهم المقر له
ولا فوقه ولا تحته فإنه لا يثبت للانسان في ذمة نفسه شئ، وقال أبو حنيفة وأصحابه ان قال فوق
درهم لزمه درهمان لأن فوق يقتضي في الظاهر الزيادة وان قال تحت درهم لزمه درهم لأن
تحت يقتضي النقص.
ولنا ان حمل كلامه على معنى العطف فلا فرق بينهما وان حمل على الصفة للدرهم المقر به وجب
أن يكون المقر به درهما واحدا سواء ذكره بما يقتضي زيادة أو نقصا، وان قال له علي درهم
قبله درهم أو بعده درهم لزمه درهمان فإن قال قبله درهم وبعده درهم لزمه ثلاثة لأن قبل وبعد
تستعمل للتقديم والتأخير
(مسألة) (وإن قال له علي درهم ودرهم أو درهم فدرهم أو درهم ثم درهم لزمه درهمان)
وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه، وذكر القاضي وجها فيما إذا قال درهم فدرهم وقال أردت درهم فدرهم
لازم لي أنه يقبل منه وهو قول الشافعي لأنه يحتمل الصفة
ولنا أن الفاء أحد حروف العطف الثلاثة فأشبهت الواو وثم ولأنه عطف شيئا على شئ بالفاء
فاقتضى ثبوتهما كما لو قال أنت طالق فطالق وقد سلمه الشافعي، وما ذكروه من احتمال الصفة بعيد لا
يفهم حالة الاطلاق فلا يقبل تفسيره به كما لو فسر الدراهم المطلقة بأنها زيوف أو صغار أو مؤجلة، وان
قال له علي درهم ودرهم ودرهم لزمته ثلاثة وحكى ابن أبي موسى عن بعض أصحابنا انه إذا قال
أردت بالثالث تأكيد الثاني وبيانه انه يقبل وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأن الثالث في لفظ الثاني
وظاهر مذهبه انه تلزمه الثلاثة لأن الواو للعطف وهو يقتضي المغايرة فوجب أن يكون الثالث غير
الثاني كما كان الثاني غير الأول والاقرار لا يقتضي تأكيدا فوجب حمله على العدد، وكذلك الحكم
350

إذا قال علي درهم فدرهم أو درهم ثم درهم ثم درهم فإن قال له علي درهم ودرهم ثم درهم أو درهم
فدرهم ثم درهم أو درهم ثم درهم فدرهم لزمته الثلاثة وجها واحدا لأن الثالث مغاير للثاني لاختلاف
حرفي العطف الداخلين فلم يحتمل التأكيد
(مسألة) (فإن قال له علي درهم بل درهمان أو درهم لكن درهمان لزمه درهمان وبه قال
الشافعي وقال زفر وداود تلزمه ثلاثة لأن بل للاضراب فلما أقر بدرهم واضرب عنه لزمه لأنه لا
يقبل رجوعه عما أقر به ولزمه الدرهمان اللذان أقربهما
ولنا انه إنما نفى الاقتصار على واحد وأثبت الزيادة عليه فأشبه ما لو قال له علي درهم بل أكثر
فإنه لا يلزم أكثر من اثنين.
(مسألة) (وان قال له علي درهمان بل درهم أو درهم لكن درهم فهل يلزمه درهم أو درهمان؟
على وجهين) ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يلزمه درهم واحد لأن احمد قال فيمن قال لامرأته أنت طالق بل
أنت طالق انها لا تطلق إلا واحدة وهذا مذهب الشافعي لأنه أقر بدرهم مرتين فلم يلزمه أكثر من درهم كما
لو أقر بدرهم ثم أنكره ثم قال بل علي درهم، ولكن للاستدراك فهي في معنى بل إلا أن الصحيح انها
لا تستعمل إلا بعد الجحد إلا أن يذكر بعدها الجملة (والوجه الثاني) يلزمه درهمان ذكره ابن أبي
موسى وأبو بكر عبد العزيز ويقتضيه قول زفر وداود لأن ما بعد الاضراب يغاير ما قبله فيجب أن
يكون الدرهم الذي أضرب عنه غير الدرهم الذي أقربه بعده فيجب الاثبات كما لو قال له علي درهم بل
دينار ولان بل من حروف العطف والمعطوف غير المعطوف عليه فوجبا جميعا كما لو قال له علي درهم
ودرهم ولأنا لو لم نوجب عليه إلا درهما جعلنا كلامه لغوا واضرابه غير مفيد والأصل في كلام
العاقل أن يكون مفيدا.
351

(مسألة) (ولو قال له علي هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة) لا نعلم في ذلك خلافا لأنه
متى كان الذي أضرب عنه لا يمكن أن يكون المذكور بعده ولا بعضه مثل أن يقول له علي درهم بل دينار
أو قفيز حنطة بل قفيز شعير لزمه الجميع لأن الأول لا يمكن أن يكون الثاني ولا بعضه فكان مقرا بهما
ولا يقبل رجوعه معن شئ منهما وكذلك كل جملتين أقر بإحداهما ثم رجع إلى الأخرى لزماه
(مسألة) (وان قال درهم في دينار لزمه درهم وان قال له علي درهم في عشرة لزمه درهم
إلا أن يريد الحساب فيلزمه عشرة، أما إذا قال له عندي درهم في دينار فإنه يسئل عن مراده فإن قال
أردت العطف أو معنى مع لزمه الدرهم والدينار وان قال أسلمته في دينار فصدقه المقر له بطل اقراره
لأن سلم أحد النقدين في الآخر لا يصح وان كذبه فالقول قول المقر له لأن المقر وصل اقراره بما
يسقطه فلزمه درهم وبطل قوله في دينار وكذلك ان قال له درهم في ثوب وفسره بالسلم أو قال في
ثوب اشتريته منه إلى سنه فصدقه بطل اقراره لأنه إن كان بعد التفرق بطل السلم وسقط الثمن وإن كان
قبل التفرق فالمقر بالخيار بين الفسخ والامضاء وان كذبه المقر له فالقول قوله مع يمينه وله الدرهم
وأما إذا قال درهم في عشرة وقال أردت في عشرة لي لزمه درهم لأنه يحتمل ما يقول وان قال أردت
الحساب لزمه عشرة وان قال أردت مع عشرة لزمه أحد عشر لأن كثيرا من العوام يريدون بهذا
اللفظ هذا المعنى فإن كان من أهل الحساب احتمل أن لا يقبل لأن الظاهر من الحساب استعمال ألفاظه
في معانيها في اصطلاحهم ويحتمل أن يقبل فإنه لا يمتنع ان يستعمل اصطلاح العامة
(مسألة) (وان قال هل عندي تمر في جراب أو سكين في قراب أو ثوب في منديل أو عبد عليه
عمامة أو دابة عليها سرج فهل يكون مقرا بالمظروف دون الظرف؟ وجهان)
(أحدهما) يكون مقرا بالمظروف دون الظرف وهذا اختيار ابن حامد ومذهب مالك والشافعي
لأن اقراره يتناول الظرف فيحتمل أن يكون في ظرف للمقر فلم يلزمه (والثاني) يلزمه الجميع
لأنه ذكر ذلك في سياق الاقرار فلزمه كما لو قال له علي خاتم فيه فص وكذلك ان قال غصبت منه ثوبا
في منديل أو زيتا في زق، واختار شيخنا فيما إذا قال عبد عليه عمامة أن يكون مقرا بهما وهو قول أصحاب
الشافعي وقال أبو حنيفة في الغصب يلزمه ولا يلزمه في بقية الصور لأن المنديل يكون ظرفا للثوب فالظاهر أنه
ظرف له في حال الغصب فصار كأنه قال غصبت ثوبا ومنديلا
352

ولنا أنه يحتمل أن يكون المنديل للغاصب وهو ظرف للثوب فيقول غصبت ثوبا في منديل ولو
قال هذا لم يكن مقرا بغصبه فإذا أطلق كان محتملا له فلم يكن مقرا بغصبه كما لو قال غصبت دابة في اصطبلها
(مسألة) (وان قال له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما)
لأن الفص جزء من الخاتم فأشبه ما لو قال له علي ثوب فيه علم ويحتمل أن يخرج على الوجهين
فيكون مقرا بالخاتم وحده، وان قال فص في بالخاتم احتمل وجهين، فإن قال له عندي خاتم وأطلق لزمه
الخاتم بفصه لأن اسم الخاتم بفصه لأن اسم الخاتم يجمعهما وكذلك ان قال له علي ثوب مطرز لزمه الثوب بطرازه لما ذكرنا.
(فصل) وان قال له عندي دار مفروشة أو دابة مسرجة أو عبد عليه عمامة ففيه أيضا وجهان
ذكرناهما وقال أصحاب الشافعي تلزمه عمامة العبد دون السرج لأن العبد يده على عمامته ويده كيد
سيده ولا يد للدابة والدار.
ولنا أن الظاهر أن سرج الدابة لصاحبها وكذلك لو تنازع رجلان سرجا على دابة أحدهما كان لصاحبها
فهو كعمامة العبد فاما ان قال له عندي دابة بسرجها أو دار بفرشها أو سفينة بطعامها كمان مقرا بهما بغير
خلاف لأن الباء تعلق الثاني بالأول
(مسألة) (وان قال له علي درهم أو دينار لزمه أحدهما يرجع في تفسيره إليه) لأن أو وإما في الخبر
الشك وتقتضي أحد المذكورين لا هما فإن قال له علي إما درهم وإما درهمان كان مقرا بدرهم والثاني
مشكوك فيه فلا يلزم بالشك
353

كتاب العارية
وهي مشتقة من عار الشئ إذا ذهب وجاء ومنه قيل للبطال عيار لتردده في بطالته، والعرب تقول
أعاره وعاره مثل أطاعه وطاعة، وهي إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال، والأصل فيها الكتاب والسنة
والاجماع، أما الكتاب فقوله تعالى ويمنعون الماعون روي عن ابن عباس وابن مسعود قالا العوراي
وفسرها ابن مسعود قال القدر والميزان والدلو. واما السنة فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
في خطبته في حجة الوداع (العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقتضي والزعيم غارم) قال الترمذي
حديث حسن غريب وروى صفوان بن أمية ان النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين
فقال أغصبا يا محمد؟ قال (بل عارية مضمونة) رواه أبو داود
واجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها ولأنه لما جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ولذلك
صحت الوصية بالأعيان والمنافع جميعا، وهي مندوب إليها غير واجبة في قول أكثر أهل العلم وقيل هي
واجبة للآية ولما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (مامن صاحب إبل لا يؤدي حقها)
الحديث قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال (إعارة دلوها واطراق فحلها ومنحة لبنها يوم ورودها) فذم الله تعالى
354

مانع العارية وتوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكره في خبره
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك) رواه ابن المنذر وروي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس في المال حق سوى الزكاة) وفي حديث الاعرابي الذي سأل
النبي صلى الله عليه وسلم ما ذا فرض الله على من الصدقة؟ أو قال الزكاة، قال هل على غيرها؟ قال (لا، إلا
أن تتطوع شيئا) أو كما قال والآية فسرها ابن عمر والحسن بالزكاة وكذلك زيد بن أسلم وقال عكرمة
إذا جمع ثلاثتها فله الويل إذا سها من الصلاة وراءى ومنع الماعون.
(فصل) ولا تجوز إلا من جائز التصرف لأنه تصرف في المال أشبه البيع وتنعقد بكل لفظ أو
فعل يدل عليها كقوله أعرتك هذا، أو يدفع إليه شيئا ويقول أبحتك الانتفاع به أو خذ هذا فانتفع به
أو يقول أعرني هذا أو اعطنيه أركبه أو أحمل عليه فيسلمه إليه وأشباه هذا لأنه إباحة للتصرف فصح
بالقول والفعل الدال عليه كإباحة الطعام بقوله وتقديمه إلى الضيف.
(مسألة) (وهي هبة منفعه تجوز في كل المنافع الا منافع البضع)
تجوز إعارة كل عين ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها على الدوام كالدور والعبيد والجواري والدواب
والثياب والحلي للبس والفحل للضراب والكلب للصيد وغير ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار ادراعا
وذكر إعارة دلوها وفحلها وذكر ابن مسعود عارية القدر والميزان فثبت الحكم في هذه الأشياء
355

وما عداها يقاس عليها إذا كان في معناها ولان ما جاز للمالك استيفاؤه من المنافع ملك اباحته
إذا لم يمنع منه مانع كالثياب ويجوز استعارة الدراهم والدنانير للوزن فإن استعارها لينفقها فهو قرض
وهذا قول أصحاب الرأي، وقيل لا يجوز ذلك ولا تكون العارية في الدنانير وليس له ان يشتري بها شيئا
ولنا ان هذا معنى القرض فانعقد القرض به كما لو صرح به فأما منافع البضع فلا تستباح بالبذل ولا بالإباحة
اجماعا وإنما يباح بأحد شيئين الزوجية وملك اليمين قال الله سبحانه (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على
أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولان منافع البضع
لو أبيحت بالبذل والعارية لم يحرم الزنا لأن الزانية تبذل نفعها له والزاني مثلها
(مسألة) (ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر) لأنه لا يجوز تمكينه من استخدامه فلم تجز عاريته لذلك
ولا تجوز إعارة الصيد لمحرم لأنه لا يجوز له امساكه
(مسألة) (ويكره إعارة الأمة الشابة لرجل غير محرمها)
إن كان يخلو بها وينظر إليها لأنه لا يؤمن عليها فإن كانت شوهاء أو كبيرة فلا بأس لأنها لا يشتهى مثلها وتجوز
اعارتها لامرأة ولذي محرمها لعدم ذلك، ولا تجوز إعارة العين لنفع محرم كإعارة الدر لمن يشرب فيها الخمر أو يبيعه
أو يعصي الله تعالى فيها أو لا إعارة عبد للزمر أو لسقيه الخمر أو يحملها إليه أو يعصرها ونحو ذلك لأنه إعانة على المحرم
(مسألة) (واستعارة والديه للخدمة) لأنه يكره استخدامهما فكر استعارتهما لذلك
356

(مسألة) (وللمعير الرجوع فيها متى شاء ما لم يأذن في شغلها بشئ يستضر المستعير برجوعه) تجوز العارية مطلقه ومؤقتة لأنها إباحة فأشبهت إباحة الطعام وللمعير الرجوع فيها متى شاء سواء كانت
مطلقه أو مؤقتة وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك ان كانت مؤقتة فليس له الرجوع قبل الوقت
وان لم يوقت له مدة لزمه تركه مدة ينتفع بها في مثلها لأن المعير قد ملكه المنفعة مدة وصارت العين في يده
بعقد مباح فلم يملك الرجوع فيها بغير رضى المالك كالعبد الموصى بخدمته والمستأجر
ولنا أن المنافع المستقبلة لم تحصل في يده فلم يملكها بالإعارة كما لو لم تحصل العين في يده ولان
المنافع إنما تستوفى شيئا فشيئا فكلما استوفى منفعة فقد قبضها والذي لم يستوفه لم يقبضه فجاز الرجوع فيه
كالهبة قبل القبض، وأما العبد الموصى بخدمته فللموصي الرجوع ولم يملك الورثة الرجوع لأن التبرع
من غيرهم وأما المستأجر فهو مملوك بعقد معاوضة فيلزم بخلاف مسئلتنا، ويجوز للمستعير الرد متى شاء
بغير خلاف نعلمه لأنه إباحة فكان لمن أبيح له تركه كإباحة الطعام
(مسألة) (فإن أذن له في شغله بشئ يستضر المستعير برجوعه فيه لم يجز له الرجوع)
لما فيه من اضرار بالمستعير مثل ان يعيره سفينة لحمل متاعه أو لوحا يرقع به سفينة فرقعها به ولحج في البحر
لم يجز الرجوع ما دامت في لجة البحر لذلك وله الرجوع قبل دخولها في البحر وبعد الخروج منه لعدم الضرر
(مسألة) (وان أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت)
357

وله الرجوع فيها قبل الدفن وليس له الرجوع بعد الدفن حتى يصير الميت رميا قاله ابن البنا
(مسألة) (وان اعاره حائط ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع ما دام عليه) إذا أعاره حائطا ليضع عليه
أطراف خشبه جاز كما تجوز إعارة الأرض للغراس والبناء وله الرجوع قل الوضع وبعده ما لم بين عليه لأنه
لا ضرر عليه فيه فإن بنى عليه لم يجز الرجوع لما في ذلك من هدم البناء وإن قال أنا أدفع إليك ما ينقص بالقطع لم يلزم
المستعير ذلك لأنه إذا قلعه انقلع ما في ملك المستعير منه ولا يجب على المستعير قلع شئ من ملكه بضمان القيمة
(مسألة) (وان سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده)
سواء بنى الحائط بآلة أو بغيرها لأن العارية لا تلزم وإنما امتنع الرجوع قبل انهدامه لما فيه من الضرر
بالمستعير بإزالة المأذون في وضعه وقد زال ذلك بانهدامه وسواء زال الخشب عنه بذلك أو أزاله المستعير
باختياره وكذلك لو زال الخشب والحائط بحاله
(مسألة) (وان أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد الا أن يكون مما يحصد قصلا فيحصده)
إذا أعاره أرضا للزرع فله الرجوع ما لم يزرع فإذا زرع لم يملك الرجوع فيها إلى أن ينتهي الزرع
فإن بذل المعير له قيمة الزرع ليملكه فلم يكن له ذلك نص عليه احمد لأن له وقتا ينتهي إليه فإن كان مما يحصد
قصيلا فله الرجوع في وقت امكان حصاده لعدم الضرر فيه
358

(مسألة) (وإن أعارها للغراس والبناء شرط عليه القطع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون على شروطهم) حديث صحيح ولان العارية مقيدة غير مطلقة فلم تتناول
ما عدا المقيد لأن المستعير دخل في العارية راضيا بالتزام الضرر الداخل عليه بالقطع وليس على صاحب الأرض
ضمان نقصه ولا نعلم في هذا خلافا فاما تسوية الحفر فإن كانت مشروطة عليه لزمه لما ذكرنا والا لم يلزمه لأنه
رضي بضرر القطع من الحفر ونحوه بشرط القلع
(مسألة) (وإن لم يشترط لم يلزمه الا أن يضمن له المعير النقص)
فإذا لم يشترط المعير القلع لم يلزم المستعير القلع لما فيه من الضرر عليه فإن ضمن له النقص لزمه لأنه رجوع في
العارية من غير اضرار فإن قلع فعليه تسوية الأرض وكذلك ان اختار أخذ بنائه وغراسه فإنه يملكه فملك نقله
لأن القلع باختياره لو امتنع منه لم يجبر عليه قلعه لاستخلاص ملكه من ملك غيره فلزمته التسوية كالشفيع إذا أخذ
غرسه وقال القاضي لا يلزمه ذلك لأن المعير رضي بذلك حيث أعاره مع علمه بان له قلع غرسه الذي لا يمكن الا بالحفر
(مسألة) (فإن أبى القلع في الحال التي لا يجبر عليه فيها فبذل له المعير قيمة الغراس والبناء ليملكه
أجبر المستعير عليه)
كالشفيع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر فإن قال المستعير أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لي
لم يلزم المعير لأن الغراس والبناء تابع والأرض أصل ولذلك يتبعها الغراس والبناء في البيع ولا تتبعهما وبهذا كله
قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يطالب المستعير بالقلع من غير ضمان الا أن يكون أعاره مدة معلومة فرجع
359

قبل انقضائها لأن المعير لم يغره فكان عليه القطع كما لو شرط عليه
ولنا أنه بنى وغرس باذن المعير من غير شرط القطع فلم يلزمه القلع من غير ضمان كما لو طالبه قبل
انقضاء الوقت وقولهم لم يغره ممنوع فإن الغراس والبناء يراد للتبقية وتقدير المدة ينصرف إلى ابتدائه كأنه
قال لا تغرس بعد هذه المدة
(مسألة) (فإن امتنع المعير من دفع القيمة وأرش النقص وامتنع المستعير من القلع ودفع الاجر لم يقلع)
لأن العارية تقتضي الانتفاع بغير ضمان والاذن فيما يبقى على الدوام وتضر ازالته رضى بالابقاء
ولان قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) مفهومه أن العرق الذي ليس بظالم له حق فبعد ذلك أن
اتفقا على البيع بيعت الأرض بغراسها وبنائها ودفع مالي كل واحد منهما قدر حقه فيقال كم قيمة الأرض
بلا غراس ولابناء فإذا قيل عشرة قلنا وكم تساوي مغروسة مبنية فإن قالوا خمسة عشر فيكون للمعير ثلثا
الثمن وللمستعير ثلثه
(مسألة) (وان أبيا البيع ترك بحاله) وقلنا لهما انصرفا فلا حكم لكما عندنا
(مسألة) (وللمعير التصرف في أرضه على وجه لا يضر بالشجر) وجملته أن للمعير التصرف في أرضه
(مسألة) ودخولها والانتفاع بها كيف شاء بما لا يضر بالغراس والبناء ولا ينتفع بهما، وللمستعير الدخول للسقي
والاصلاح وأخذ الثمرة وليس. له الدخول لغير حاجة من التفرج ونحوه لأنه قد رجع في الاذن له
360

ولان الاذن في الغرس اذن فيما يعود بصلاحه ولكل واحد منهما بيع ما يختص به مع الملك
ومنفردا فيقوم المشترى مقام البائع، وقال بعض الشافعية ليس للمستعير البيع لأن ملكه في الشجر
والبناء غير مستقر لأن للمير اخذه منه متى شاء بقيمته قلنا عدم استقراره لا يمنع بيعه بدليل الشقص
المشفوع والصداق قبل الدخول
(مسألة) (ولم يذكر أصحابنا اجرة من حين الرجوع في هذه المسائل)
الا فيما إذا استعار أرضا فزرعها ورجع المعير فيها قبل كمال الزرع فعليه اجر مثلها من حين الرجوع
لأن الأصل جواز الرجوع وإنما منع القلع لما فيه من الضرر ففي دفع الاجر جمع بين الحقين فيخرج
في سائر المسائل مثل هذا، وفيه وجه آخر انه لا يجب الاجر في شئ من المواضع لأن حكم العارية باق
فيه لكونها صارت لازمة للضرر اللاحق بفسخها والإعارة تقتضي الانتفاع
(مسألة) (وان غرس أو بنى بعد الرجوع أو بعد الوقت فهو غاصب يأتي حكمه)
العارية تنقسم قسمين مطلقة ومؤقتة تبيح الانتفاع ما لم ينقضي الوقت لأنه استباح ذلك بالاذن
ففيها عدا محل الاذن يبقى على أصل المنع فإن كان المعار أرضا لم يكن له ان يغرس ولا يبني ولا يزرع
بعد الوقت أو الرجوع فإن فعل شيئا من ذلك فهو غاصب يأتي حكمه في باب لغصب
361

(فصل) يجوز ان يستعير دابة ليركبها إلى موضع معلوم لأن إجارتها جائزة والإعارة أوسع
لجوازها فيما لا تجوز إجارته كالكلب للصيد، فإن استعارها إلى موضع فجاوزه فقد تعدى وعليه أجر المثل
للزائد خاصة وان اختلفا فقالا لمالك أعرتكها إلى فرسخ وقال المستعير إلى فرسخين فالقول
قول المالك وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك إن كان يشبه ما قال المستعير فالقول
قوله وعليه الضمان.
ولنا ان المالك مدعى عليه فكان القول قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمين على المدعى عليه)
(مسألة) (وان حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو لصاحبه)
ولا يجبر على فعله وقال أصحاب الشافعي يجبر عليه في أحد الوجهين إذا طالبه رب الأرض لأن
ملكه حصل في ملك غيره بغير إذنه فأشبه ما لو انتشرت أغصان شجرته في هواء ملك غيره
ولنا ان قلعه اتلاف للمال عنى مالكه ولم يوجد منه تفريط ولا يدوم ضرره فلا يجبر على ذلك
كما لو حصلت دابته في دار غيره على وجه لا يمكن خروجها إلا بقلع الباب أو قتلها فإنه لا يجبر على
قتلها، ويفارق أغصان الشجرة فنه يدوم ضرره ولا يعرف قدر ما يشغل في الهواء فيؤدي أجره
إذا ثبت هذا فإنه يقر في الأرض إلى حين حصاده بأجر مثله وقال القاضي لا أجر عليه لأنه حصل في
أرض غيره بغير تفريطه أشبه ما إذا باتت دابته في أرض إنسان بغير تفريطه والأول أولى لأن الزامه
362

تبقية زرع ما أذن فيه في أرضه بغير أجر ولا انتفاع اضرار به وشغل لملكه بغير اختياره فلم يجز
كما لو أراد ابقاء البهيمة في دار غيره عاما، ويفارق مبيتها لأن ذلك لا يجبر المالك عليه ولا يمنع من
إخراجها فإذا تركها اختيارا منه كان راضيا به بخلاف مسئلتنا ويكون الزرع لمالك البذر لأنه عين
ماله ويحتمل ان لصاحب الأرض اخذه بقيمته كزرع الغاصب على ما نذكره والأول أولى لأنه بغير
عدوان وقد أمكن جبر حق مالك الأرض بدفع الاجر إليه، وان أحب مالكه قلعه فله ذلك وعليه تسوية
الحفر وما نقصت لأنه أدخل النقص على ملك غيره لاستصلاح ملكه
(مسألة) (وإن حمل السيل نوى غرس رجل فنبت في أرض غيره كالزيتون ونحوه فهو لمالك النوى)
لأنه من نماء ملكه فهو كالزرع ويجبر على قلعه ههنا لأن ضرره يدوم فهو كأغصان الشجرة
المنتشرة في هواء ملك غيره، وهل يكون كغرس الشفع أو كغرس الغاصب؟ على وجهين (أحدهما)
يكون كغرس الغاصب لأنه حصل في ملك غيره بغير اذنه (الثاني) كغرس الشفيع لأنه حصل في
ملك غيره بغير تفريط منه ولا عدوان.
(فصل) وان حمل السيل أرضا بشجرها فنبتت في أرض آخركما كانت فهي لمالكها يجبر على
ازالتها كما ذكرنا وفي كل ذلك إذا ترك صاحب الأرض المنتقلة أو الشجر أو الزرع ذلك لصاحب
الأرض التي انتقل إليها لم يلزمه نقله ولا اجره ولا غيره لأنه حصل بغير تفريطه ولا عدوانه وكانت الخيرة
363

إلى صاحب الأرض المشغولة به ان شاء أخذه لنفسه وان شاء قلعه.
(فصل) قال رضي الله عنه (وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم المستأجر)
لأنه ملك التصرف بقول المالك واذنه فأشبه المستأجر لأنه ملكه باذنه فوجب ان يملك ما يقتضيه
الاذن كالمستأجر، فعلى هذا ان اعاره للغراس والبناء فله ان يزرع ما شاء وان استعارها للزرع لم
يغرس ولم يبن وان استعارها للغرس أو البناء ملك المأذون له فيه منها دون الآخر لأن ضررهما مختلف،
وكذلك إن استعارها لزرع الحنطة فله زرع الشعير وقد ذكرنا ذلك مفصلا في الإجارة وكذلك إن
أذن له في زرع مرة لم يكن له أن يزرع أكثر منها وإن أذن له في غرس شجرة فانقلعت لم يملك
غرس أخرى لأن الاذن اختص بشئ لم يجاوزه.
(فصل) ومن استعار شيئا فله استيفاء منفعته بنفسه وبوكيله لأن وكيله نائب عنه ويده كيده،
وليس له أن يؤجره إلا أن يأذن فيه لأنه لم يملك المنافع فلم يكن له أن يملكها ولا نعلم في هذا
خلافا ولا خلاف بينهم ان المستعير لا يملك العين وأجمعوا على أن للمستعير استعمال المعار فيما أذن له فيه
(فصل) وليس له أن يرهنه بغير اذن مالكه، وله ذلك باذنه بشروط ذكرناها في باب الرهن
ولا يصير المعير ضامنا للدين وقال الشافعي يصير ضامنا في رقبة عبده في أحد قوليه لأن العارية ما يستحق به
منفعة العين والمنفعة ههنا للمالك فدل على أنه ضمان
364

ولنا انه اعاره ليقضي منه حاجته فلم يكن ضامنا كسائر العواري وإنما يستحق بالعارية النفع المأذون
فيه وما عداه من النفع فهو لمالك العين.
(مسألة) (والعارية مضمونة بقيمتها يوم التلف وان شرط نفي ضمانها سواء تعدى المستعير فيها أولم يتعد)
روى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وهو قول الشافعي وإسحاق، وقال الحسن والنخعي
والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي وابن شبرمة: هي أمانة
لا يجب ضمانها إلا بالتعدي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ليس على المستعير غير المغل ضمان) ولأنه قبضها باذن مالكها فكانت أمانة كالوديعة، قالوا وقول النبي
صلى الله عليه وسلم (العارية مؤداة) يدل على أنه أمانة لقول الله تعالى (إن الله يأمركم أن
تؤدوا الأمانات إلى أهلها).
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان بل عارية مضمونة، وروى الحسن عن سمرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) رواه أبو داود والترمذي وقال
حديث حسن غريب ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفعه منفردا بنفعه من غير استحقاق ولا اذن في
الاتلاف فكان مضمونا كالمغصوب والمأخوذ على وجه السوم وحديثهم يرويه عمر بن عبد الجبار عن
عبيد بن حسان عن عمرو بن شعيب وعمر وعبيد ضعيفان قاله الدار قطعي ويحتمل أنه أراد ضمان المنافع
والاجر وقياسهم منقوض بالمقبوض على وجه السوم.
365

(فصل) وان شرط نفي الضمان لم يسقط وبه قال الشافعي وقال أبو حفص العكبري يسقط قال
أبو الخطاب أو ما إليه احمد وبه قال قتادة والعنبري لأنه لو أذن في اتلافها لم يجب ضمانها فكذلك إذا
أسقط عنه ضمانها وقيل بل مذهب قتادة والعنبري انها لا تضمن إلا أن يشترط ضمانها فيجب لقول النبي
صلى الله عليه وسلم لصفوان (بل عارية مضمونة)
ولنا ان كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع صحيح أو فاسد وما اقتضى الأمانة
فكذلك كالوديعة والشركة والمضاربة والذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم اخبار بصفة العارية وحكمها، وفارق
ما إذا أذن في الاتلاف فإن الاتلاف فعل يصح فيه الاذن ويسقط حكمه إذ لا ينعقد موجبا للضمان
مع الاذن فيه واسقاط الضمان ههنا نفي للحكم مع وجود سببه وليس ذلك للمالك ولا يملك الاذن فيه
(فصل) وتضمن بقيمتها يوم التلف إلا على الوجه الذي يجب فيه ضمان الاجزاء التالفة بالانتفاع
المأذون فيه فإنه يضمنها بقيمتها قبل تلف أجزائها ان كانت قيمتها حينئذ أكثر وان كانت أقل ضمنها
بقيمتها يوم تلفها على الوجهين جميعا ويضمنها بمثلها ان كانت مثلية
(مسألة) (وكل ما كان أمانة لا يصير مضمونا بشرطه لأن مقتضى العقد كونه أمانة فإذا شرط
ضمانه فقد التزم ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو اشترط ضمان الوديعة أو ضمان مال في يد
366

مالكه وما كان مضمونا لا ينتفي ضمانه بشرطه لأن مقتضى العقد الضمان فإذا شرط نفي ضمانه لا ينتفي
مع وجود سببه كما لو اشترط نفي ضمان ما يتعدى فيه وعن أحمد انه ذكر له ذلك فقال المؤمنون على
شروطهم وهذا يدل على نفى الضمان بشرطه والأول ظاهر المذهب لما ذكرناه
(مسألة) (وان تلفت أجزاؤها بالاستعمال كخمل المنشفة فعلى وجهين)
وجملة ذلك أن المستعير إذا انتفع بالعارية ثم ردها على صفتها فلا شئ عليه لأن المنافع مأذون في
اتلافها فلا يجب عوضها وان تلف شئ من أجزائها التي لا تذهب بالاستعمال ضمنه لأن ما تضمن
جملته تضمن أجزاؤه كالمغصوب فأما أجزاؤها التي تذهب بالاستعمال كخمل المنشفة والقطيفة ففيه
وجهان (أحدهما) يجب ضمانه لأنه أجزاء عين مضمونة فوجب ضمانها كالمغصوب ولأنها أجزاء يجب ضمانها
لو تلفت العين قبل استعمالها فتضمن إذا تلفت وحدها كالاجزاء التي لا تتلف بالاستعمال (والثاني) لا يضمنها وبه
قال الشافعي لأن الاذن في الاستعمال تضمنه فلا يجب ضمانه كالمنافع وكما لو أذن في إتلافها صريحا وفارق ما إذا
تلفت العين قبل استعمالها لأنه لا يمكن تمييزها من العين ولأنه إنما أذن في اتلافها على وجه الانتفاع فإذا تلفت
قبل ذلك فقد فاتت على غير الوجه الذي أذن فيه فضمنها كما لو أجر العين المستعارة فإنه يضمن منافعها
فإن قلنا لا يضمن الاجزاء فتلفت العين بعد ذهابها بالاستعمال قومت حال التلف لأن الاجزاء التالفة تلفت
غير مضمونة لكونها مأذونا في إتلافها فلا يجز تقويمها عليه وان قلنا تضمن الاجزاء قومت العين قبل
367

تلف أجزائها فإن تلفت الاجزاء باستعمال غير مأذون فيه كمن استعار ثوبا ليلبسه فحمل فيه ترابا
فإنه يضمن نقصه ومنافعه لأنه تلف بتعديه وان تلفت بغير تعد منه ولا استعمال كتلفها بمرور الزمان
الطويل عليها ووقوع نار فيها ضمن ما تلف بالنار ونحوها لأنه تلف لم يتضمنه الاستعمال المأذون فيه
فهو كتلفها بفعل لم يأذن فيه وما تلف بطول الزمان كالذي تلف بالاستعمال لأنه تلف بالامساك المأذون
فيه فأشبه تلفه بالفعل المأذون فيه
(فصل) ولا يجب ضمان ولد العارية في أحد الوجهين لأنه لم يدخل في الإعارة فلم يدخل في
الضمان ولا فائدة للمستعير فيه أشبه الوديعة ويضمن في الآخر لأنه ولد عين مضمونة أشبه ولد المغصوبة
والأول أصح فإن ولد المغصوبة لا يضمن إذا لم يكن مغصوبا وكذلك العارية إذا لم يؤخذ مع أمه
(مسألة) (وليس للمستعير أن يعير) وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وفي الآخر له ذلك
وهو قول أبي حنيفة لأنه يملكه على حسب ما ملكه فجاز كإجارة المستأجر ويحتمل أن يكون مذهب لأحمد
في العارية المؤقتة بناء على كونه إذا أعاره أرضه سنة ليبني فيها لم يحل الرجوع قبل السنة لأنه قد
ملك المنفعة فجازت له اعارتها كالمستأجر بعقد لازم وحكاه صاحب المجرد قولا لأحمد، وقال أصحاب
الرأي إذا استعار ثوبا ليلبسه فأعطاه غيره فلبسه فهو ضامن وان لم يسم من يلبسه فلا ضمان عليه وقال مالك
إذا لم يعمل بها إلا الذي أعيرها فلا ضمان عليه
ولنا ان العارية إباحة المنفعة فلا يجوز أن يبيحها غيره كإباحة الطعام وفارق الإجارة فإنه ملك
368

الانتفاع على كل وجه فملك ان يملكها وفي العارية لم يملكها إنما ملك استيفاءها على وجه ما أذن فيه
فأشبه من أبيح له أكل الطعام. فعلى هذا ان أعار فللمالك الرجوع بأجر المثل وله ان يطالب من شاء
منهما لأن الأول سلط غيره على أخذ مال غيره بغير إذنه والثاني استوفاه بغير إذنه فإن ضمن الأول
رجع على الثاني لأن الاستيفاء حصل منه فاستقر الضمان عله وان ضمن الثاني لم يرجع على الأول
إلا أن يكون الثاني لم يعلم بحقيقة الحال فيحتمل ان يستقر الضمان على الأول لأنه غر الثاني ودفع
إليه العين على أنه يستوفي منافعها بغير عوض
(مسألة) (وان تلفت عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء)
لما ذكرنا ويستقر الضمان على الثاني بكل حال لأنه قبضها على أنها مضمونة عليه فإن ضمن الأول
رجع الأول على الثاني ولا يرجع الثاني ان ضمنه على أحد
(مسألة) (وعلى المستعير مؤنة رد العارية)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العارية مؤداة) وقوله (على اليد ما أخذت حتى ترده) قال الترمذي هذا حديث
حسن، ويجب ردها إلى المعير أو الوكيل في قبضها ويبرأ بذلك من ضمانها وان ردها إلى المكان الذي أخذها
منه أو إلى ملك صاحبها لم يبرأ من ضمانها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يبرأ لأنها صارت كالمقبوضة
فإن رد العواري في العادة يكون إلى املاك أربابها فيكون مأذونا فيه عادة
369

ولنا انه لم يردها إلى مالكها ولا نائبه فيها فلم يبرأ منها كما لو دفعها إلى أجنبي وما ذكره يبطل
بالسارق إذا رد المسروق إلى الحرز ولا نسلم ان العادة ما ذكر
(مسألة) (وان رد الدابة إلى اصطبل المالك أو غلامه لم يبرا الا بردها إلى من جرت عادته
بجريان ذلك على يده كالسائس ونحوه)
قد ذكرنا في المسألة قبلها إلا ردها إلى المكان الذي أخذها منه، وان ردها إلى زوجته المتصرفة
في ماله أو رد الدابة إلى سائسها فقال القاضي يبرأ في قياس المذهب لأن احمد قال في الوديعة إذا
سلمها إلى امرأته لم يضمها لأنه مأذون في ذلك أشبه ما لو أذن فيه نطقا
(فصل) ومن استعار شيئا فانتفع به ثم ظهر مستحقا فلما لكنه أجر مثله يطالب به من شاء منهما
فإن ضمن المستعير رجع على المعير بما غرم لأنه غره بذلك وغرمه لأنه دخل عن انه لا أجرة عليه
وان ضمن المعير لم يرجع على أحد لأن الضمان استقر عليه قال احمد في قصار دفع ثوبا إلى غير صاحبه
فلبسه فالضمان على القصار دون اللابس وسنذكره في الغصب إن شاء الله تعالى.
(فصل) وان اختلفا فقال أجرتك قال بل أعرتني عقيب العقد والبهيمة قائمة فالقول قول الراكب
إذا اختلف رب الدابة والراكب فقال الراكب هي عارية وقال المالك أكريتكها
370

وكانت الدابة باقية لم تنقص وكان الاختلاف عقيب العقد فالقول قول الراكب مع يمينه لأن الأصل
براءة ذمته منها لأن الأصل عدم عقد الإجارة ويرد الدابة إلى مالكها وكذلك إذا ادعى المالك انها
عارية وقال الراكب قد أ فالقول قول المالك مع يمينه لما ذكرنا
(مسألة) (وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من المدة دون ما بقي منها)
حكي ذلك عن مالك وقال أصحاب الرأي القول قول الراكب وهو منصوص الشافعي لأنهما اتفقا على تلف
المنافع على ملك الراكب وادعى المالك عوضا لها والأصل عدم وجوبه وبراءة ذمة الراكب منه.
ولنا أنهما اختلفا في كيفية انتقال المنافع إلى ملك الراكب فكان القول قول المالك كما لو اختلفا في
عين فقال المالك بعتكها وقال الآخر وهبتنيها ولان المنافع تجري مجرى الأعيان في الملك والعقد عليها ولو اختلفا
في الأعيان كان القول قول المالك كذا ههنا وما ذكروه يبطل بهذه المسألة ولأنهما اتفقا على أن المنافع لا تنتقل
إلى الراكب الا بنقل المالك لها فيكون القول قول في كيفية الانتقال كالأعيان فيحلف المالك ويستحق الاجر
(مسألة) (وهل يستحق أجر المثل أو المدعى إذا زاد عليها؟ على وجهين)
(أحدهما) أجر المثل لأنهما لو اتفقا على وجوبه واختلفا في قدره وجب أجر المثل فمع الاختلاف في أصله
أولى (والثاني) المسمى لأنه وجب بقول المالك ويمينه فوجب ما حلف عليه كالأصل والأول أصح لأن الإجارة
لا تثبت بدعوى المالك بغير بينة وإنما يستحق بدل النفعة وهو أجر المثل وقيل يلزمه أقل الأمرين لأنه إن كان
المسمى أقل فقد رضي به وإن كان أكثر فليس له الا أجر المثل لأن الإجارة لم تثبت وإنما يكون القول قول
المالك إذا اختلفا في أثناء المدة فيما مضى منها واما فيما بقي فالقول قول المستعير لأن ما بقي بمنزلة ما لو اختلفا
371

عقيب العقد وان ادعى المالك في هذه الصورة أنها عارية وادعى الآخر بأجرة فهو يدعي استحقاق
المنافع ويعترف بالاجر للمالك والمالك ينكر ذلك كله فالقول قوله مع يمينه فيحلف ويأخذ بهيمته
(مسألة) (وان اختلفا بعد تلف الدابة فقال المالك أعرتك وقال الراكب بل أجرتني فالقول
قول المالك إذا كان قبل مضي مدة لها اجرة) سواء ادعى الإجارة أو العارية لأنه ان ادعى الإجارة
فهو معترف للراكب ببراءة ذمته من ضمانها فيقبل اقراره على نفسه، وان ادعى الإعارة فهو يدعي قيمتها
والقول قوله لأنهما اختلفا في صفة القبض والأصل فيما يقبضه الأنساب من مال غيره الضمان لقول النبي
صلى الله وسلم (على اليد ما أخذت حتى ترده) حديث حسن وإذا حلف المالك استحق القيمة
والقول في قدرها قول الراكب مع يمينه لأنه منكر للزيادة المختلف فيها والأصل عدما، وان اختلفا
في ذلك بعد مضي مدة لها أجرة والبهيمة تالفة وكان الاجر بقدر قيمتها أو كان ما يدعيه المالك أقل
مما يعترف به الراكب فالقول قول المالك بغير يمين سواء ادعى الإجارة أو الإعارة إذا لا فائدة في
اليمين على شئ يعرف له به خصمه ويحتمل أن لا يأخذه الا بيمين لأنه يدعي شيئا لا يصدق فيه ويعترف
له خصمه بما لا يدعيه فيحلف على ما يدعيه وإن كان ما يدعيه المالك أكثر بأن تكون قيمة الدابة
372

أكثر من أجرها فادعى المالك أنها عارية لتجب له القيمة وأنكر استحقاق الاخر ادعى الراكب
انها مكتراة أو كان الكراء أكثر من قيمتها فادعى المالك أنه أجرها ليجب له الكراء وادعى الراكب
أنها عارية فالقول قول المالك في الصورتين لما قدمنا فإذا حلف استحق ما حلف عليه ومذهب
الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا
(مسألة) (وان قال أجرتني أو أعرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك وقبل قول الغاصب)
إذا كان الاختلاف عقيب العقد والدابة قائمة لم تنقص فلا معنى للاختلاف ويأخذ المالك دابته وكذلك
ان كانت الدابة تالفة وادعى الراكب العارية لأن القيمة تجب على المستعير كوجوبها على الغاصب، وإن كان
الاختلاف بعد مضي مدة لها أجرة فالاختلاف في وجوبه والقول قول المالك وهذا ظاهر قول
الشافعي ونقل المزني عنه أن القول قول الراكب وذكره بعض أصحابنا لأن المالك يدعي عليه عوضا
الأصل براءة ذمته منه ولان الظاهر من اليد أنها لحق فكان القول قول صاحبها
ولنا ما قدمنا في المسألة التي قبلها بل هذا أولى لأنهما ثم اتفقا على أن المنافع ملك الراكب وههنا
لم يتفقا على ذلك فإن المالك ينكر انتقال الملك فيها إلى الراكب والراكب يدعيه والقول قول المنكر
لأن الأصل عدم الانتقال فيحلف ويستحق الاجر، فإن قال المالك غصبتها وقال الراكب أجرتنيها
فالاختلاف ههنا في وجوب القيمة لأن الاجر يجب في الموضعين الا أن يختلف المسمى وأجر المثل
فالقول قول المالك مع يمينه في وجوب القيمة فإن كانت الدابة تالفة عقيب أخذها حلف وأخذ قيمتها
وان كانت قد بقيت مدة لمثلها أجر والمسمى بقدر أجر المثل أخذه المالك لاتفاقهما على استحقاقه
وكذلك إن كان أجر المثل دون المسمى وفي اليمين وجهان وإن كان زائدا عن المسمى لم يستحقه
الا باليمين وجها واحدا والله أعلم
373

كتاب الغصب
وهو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق، وهو محرم بالكتاب والسنة والاجماع: أما الكتاب
فقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض
منكم) وقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال
الناس بالاثم وأنتم تعلمون) وأما السنة فروى جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر (ان
دماء كم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) رواه مسلم وغيره، وعن سعيد
ابن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه من
سبع أرضين) متفق عليه، وروى أبو حرة الرقاشي عن عمه وعمرو بن يثربي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) رواه الجوزجاني، وأجمع المسلمون على تحريم
الغصب في الجملة وإنما اختلفوا في فروع منه نذكرها إن شاء الله تعالى
(مسألة) (وتضمن أم الولد والعقار بالغصب) وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقال أبو
حنيفة لا يضمن لأن أم الولد لا تجري مجرى المال بدليل أنه لا يتعلق بها حق الغير فأشبهت الحر
ولنا أنها تضمن بالقيمة فضمنت بالغصب كالقن ولأنها مملوكة أشبهت المدبرة وفارقت الحرة فإنها
ليست مملوكة ولا تضمن بالقيمة
374

(مسألة) (ويضمن العقار بالغصب ويتصور غصب الأراضي والدور ويجب ضمانه على عاصبه)
هذا ظاهر مذهب أحمد وهو المنصوص عند أصحابه وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وروى ابن
منصور عن أحمد فيمن غصب أرضا فزرعها ثم أصابها غرق من الغاصب غرم قيمة الأرض وإن كان
شيئا من السماء لم يكن عليه شئ فظاهر هذا أنها لا تضمن بالغصب وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا
يتصور غصبها ولا تضمن بالغصب فإن أتلفها ضمنها بالاتلاف لأنه لم يوجد فيها النقول والتحويل فلم
يضمنها كما لو حال بينه وبين متاعه فتلف المتاع ولان الغصب اثبات اليد على المال عدوانا على وجه
ول به يد المالك ولا يمكن ذلك في العقار
ولنا قوله عليه السلام (من ظلم شبرا من الأرض طوقه يوم القيمة من سبع أرضين) متفق على معناه
وفي لفظ (من غصب شبرا من الأرض) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغصب ويظلم فيه ولان ما
ضمن في البيع وجب ضمانه في الغصب كالمنقول ولأنه يمكن الاستيلاء عليه على وجه يحول بينه وبين
مالكه مثل أن يسكن الدار ويمنع مالكها من دخولها فأشبه ما لو أخذ الدابة والمتاع، وأما إذا حال
بينه وبين متاعه واستولى على ماله فنظيره ههنا أن يحبس المالك ولا يستولي على داره، وأما ما تلف
من الأرض بفعله أو بسبب فعله كهدم حيطانها وتغريقها أو كشط ترابها والقاء الحجارة فيها أو
نقص يحصل بغراسه أو بنائه فيضمنه بغير خلاف بين العلماء لأن هذا إتلاف والعقار يضمن بالاتلاف
من غير خلاف.
(فصل) ولا يحصل الغصب من غير استيلاء فلو دخل أرض إنسان أو داره لم يضمنها بدخوله
سواء دخلها باذنه أو غير إذنه وسواء كان صاحبها فيها أولم يكن وقال أصحاب الشافعي ان دخلها بغير
375

اذنه ولم صاحبها فيها ضمنها سواء قصد ذلك أو ظن أنها داره أو دار أذن له في دخولها لأن يد
الداخل تثبت عليها بذلك فيصير غاصبا فإن الغصب اثبات اليد العادية وهذا قد تثبت يده بدليل أنهما لو
تنازعا في الدار ولا بينة حكم بها لمن هو فيها دون الخارج منها
ولنا أنه غير مستول عليها فلم يضمنها كما لو دخلها باذنه أو دخل صحراة له ولأنه إنما يضمن
بالغصب ما يضمنه في العارية وهذا لا تثبت به العارية ولا يجب به الضمان فيها فكذلك لا يثبت به
الغصب إذا كان بغير اذن.
(مسألة) (وان غصب كلبا فيه نفع أو خمر ذمي لزمه ردهما)
إذا غصب كلبا يجوز اقتناؤه وجب رده لأنه يجوز الانتفاع به واقتناؤه فأشبه المال، وان أتلفه لم
يغرمه وفيه اختلاف ذكر في البيع وهو مبني على جواز بيعه، وان حبسه مدة لم يلزمه أجر لأنه لا يجوز
وان غصب خمر ذمي لزمه ردها لأنه يقر على شربها فإن أتلفها لم يلزمه قيمتها سواء أتلفه مسلم أو ذمي
وسواء كان المسلم أو ذمي نص عليه أحمد في رواية أبي الحارث في الرجل يهريق مسكرا لمسلم أو لذمي فلا
ضمان عليه وكذلك الخنزير وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك يجب ضمان الخمر والخنزير إذا
أتلفهما على ذمي قال أبو حنيفة إن كان مسلما بالقيمة وإن كان ذميا بالمثل لأن عقد الذمة إذا عصم
عينا قومها كنفس الذمي وقد عصم خمر الذمي بديل ان المسلم يمنع من اتلافها فيجب أن يقومها ولأنها مال
لهم يتمولونها لما روي عن عمر رضي الله عنه ان عامله كتب إليه: ان أهل الذمة يمرون بالعاشر ومعهم
الخمور فكتب إليه عمر ولوهم بيعها وخذوا منهم عشر ثمنها فإذا كانت مالا لهم وجب ضمانها كسائر أموالهم
376

ولنا ما روى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة
والخنزير والأصنام) متفق عليه وما حرم بيعه لا لحرمته لم تجب قيمته كالميتة ولان ما لم يكن مضمونا
في حق المسلم لا يكون مضمونا في حق الذمي كالمرتد، ولأنها غير متقومة فلا تضمن كالميتة، ودليل أنها
غير متقومة أنها غير متقومة في حق المسلم فكذلك في حق الذمي فإن تحريمها ثبت في حقهما وخطاب النواهي يتوجه
إليها فما ثبت في حق أحدهما ثبت في حق الآخر ولا نسلم أنها معصومة بل متى أظهرت حلت إراقتها
ثم لو عصمها ما لزم تقومها فإن نساء أهل الحرب وصبيانهم معصومون غير متقومين وقولهم إنها مال عندهم
ينتقض بالعبد المرتد فإنه مال عندهم، فاما حديث عمر فمحمول على أنه أراد ترك التعرض لهم وإنما أمر
بأخذ عشر أثمانها لأنهم إذا تبايعوا وتقابضوا حكمنا بالمالك ولم تنقضه وتسميتها أثمانا مجاز كما سمى
الله تعالى ثمن يوسف ثمنا فقال (وشروه بثمن جنس)
(فصل) فإن غصب من مسلم خمرا حرم ردها ووجبت إراقتها لأن أبا طلحة سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فأمره بإراقتها، وان أتلفها أو تلفت عنده لم يجب ضمانها لما
روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) ولان ما
حرم الانتفاع به لم يجب ضمانه كالميتة والدم، فإن أمسكها حتى صارت خلا لزمه ردها لأنها صارت خلا على
حكم ملكه فلزمه ردها فإن تلفت ضمنها له لأنها مال المغصوب منه تلف في يد الغاصب، فإن أراقها
377

فجمعها أسنان فتخلت عنده رد الخل لأنه أخذها بعد اتلافها وزوال اليد عنها
(مسألة) (وان غصب جلد ميتة فهل يجب رده؟ على وجهين) بناء على طهارته بالدباغ فمن قال
بطهارته أوجب رده لأنه يمكن اصلاحه فهو كالثوب النجس ومن قال لا يطهر لم يجب رده لأنه
لا سبيل إلى اصلاحه وان أتلفه أو أتلف ميتة بجلدها لم يضمن لأنه لا قيمة له بدليل انه لا يحل بيعه
(مسألة) (وان دبغه وقلنا بطهارته يلزمه رده كالخمر إذا تخللت ويحتمل أن لا يجب رده)
لأنه صار مالا بفعله بخلاف الخمر وان قلنا لا يظهر لم يجب رده لأنه لا يباح الانتفاع به ويحتمل أن يجب
رده إذا قلنا يباح الانتفاع به في اليابسات لأنه نجس يباح الانتفاع به أشبه الكلب وكذلك قبل الدباغ
(مسألة) (وان استولى على حر لم يضمنه بذلك)
لا يثبت الغصب فيما ليس بمال كالحر فإنه لا يضمن بالغصب إنما يضمن بالاتلاف فإن حبس حرا فمات
عنده لم يضمنه لأنه ليس بمال إلا أن يكون صغيرا ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمنه لأنه حر أشبه الكبير
وهذا مذهب الشافعي (والثاني) يضمنه لأنه يمكن الاستيلاء عليه من غير ممانعة منه أشبه العبد الصغير، فإن قلنا
لا يضمنه فهل يضمن ثيابه وحليه؟ على وجهين (أحدهما) لا يضمنه لأنه تبع له وهو تحت يده أشبه ثياب
الكبير (والثاني) يضمنه لأنه استولى عليه أشبه ما لو كان منفردا
(مسألة) (وان استعمل الحر كرما فعليه أجرته (لأنه استوفى منافعه وهي متقومة فلزمه ضمانها
378

كمنافع العبد، وان حبسه مدة لمثلها أجرة ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه أجرتك المدة لأنه فوت منفعته
وهي مال يجوز أخذ العوض عنها فضمنت بالغصب كمنافع العبد (والثاني) لا يلزمه أجرتك المدة لأنها تابعة
لما لا يصح غصبه فأشبهت ثيابه إذا بليت عليه وأطرافه ولأنها تلفت تحت يديه فلم يجب ضمانها كما ذكرنا لو
منعه العمل من غير حبس لم يضمن منافعه وجها و أحدا لأنه لو فعل ذلك بالعبد لم يضمن منافعه فالحر أولى
ولو حبس الحر وعليه ثياب لم يلزمه ضمانها لأنها تابعة لما لم تثبت اليد عليه في الغصب وهذا كله مذهب الشافعي
(فصل) ويلزمه رد المغصوب ان قدر على رده وان غرم عليه اضعاف قيمته إذا كان باقيا لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم (على أيد ما أخذت حتى ترده) رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال
حديث حسن وروى عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يأخذ
أحدكم متاع صاحبه لاعبا جادا ومن أخذ عصا أخيه فليردها) رواه أبو داود يعني أنه يقصد المزح
مع صاحبه بأخذ متاعه وهو جاد في إدخال الغم والغيظ عليه ولأنه أزال يد المالك عن ملكه بغير حق
فلزمته إعادتها، وأجمع العلماء على وجوب رد المغصوب إذا كان بحاله لم يتغير ولم يشتغل بغيره
(فصل) فإن غصب شيئا فبعد لزم رده وان عرم عليه أضعاف قيمته لأنه جنى بتبعيده فكان ضرر
ذلك عليه فإن قال الغاصب خذ مني أجر رده وتسلمه مني ههنا أو بذل له أكثر من قيمته ولا يسترده
لم يلزم المالك قبول ذلك لأنها معاوضة فلا يجبر عليها كالبيع، وان قال المالك دعه لي في مكانه الذي نقلته
379

إليه لم يملك الغاصب رده لأنه أسقط عنه حقا فسقط وان لم يقبله كما لو أبرأه من دينه وان قال رده
لي إلى بعض الطريق لزمه لأنه يلزمه جميع المسافة فلزمه بعضها المطلوب وسقط عنه ما أسقطه كما لو
أسقط عنه بعض دينه وان طلب منه حمله إلى مكان آخر في غير طريق الرد لم يلزم الغاصب ذلك سواء
كان أقرب إلى المكان الذي يلزم رده إليه أولا لأنه معاوضة، وان قال دعه في مكانه وأعطني أجر
رده لم يلزمه ذلك ومهما اتفقا عليه من ذلك جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما
(مسألة) (وان خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه ورده) مثل أن يخلط حنطة بشعير أو سمسم أو
صغار الحب بكباره أو زبيبا أسود بأحمر لما ذكرنا وأجر المميز عليه كاجر رده إذا بعده وان أمكن
تمييز بعضه وجب تمييز ما أمكن منه وان لم يمكن تميز شئ منه فسنذكره إن شاء الله تعالى
(مسألة) (وان بنى عليه لزمه رده الا أن يكون قد بلي) إذا غصب شيئا فشغله بملكه كحجر نبي
عليه أو خيط خاط به ثوبه أو نحوه فإن بلي الخيط أو انكسر الحجر أو كان مكانه خشبة فتلفت لم
يجب رده ووجبت قيمته لأنه صار هالكا فوجبت قيمته كما لو تلف، وإن كان باقيا بحاله لزمه رده وان
انتقض البناء وتفصل الثوب وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجب أداء الخشبة والحجر
لأنه صار تابعا لملكه يستضر بقلعه فلم يجب رده كما لو غصب خيطا فخاط به جرح عبده
ولنا أنه مغصوب أمكن رده ويجوز له فيجوز كما لو بعد العين ولا يشبه الخيط الذي يخاف على العبد من قلعه
لأنه لا يجوز له رده لما في ضمنه من تلف الآدمي ولان حاجته إلى ذلك تبيح أخذه ابتداء بخلاف البناء
380

(مسألة) (وان سمر بالمسامير بابا لزمه قلعها وردها) لما ذكرنا من الحديث
(فصل) وان غصب فصيلا فأدخله داره فكبر ولم يخرج من الباب أو خشبة وأدخلها دار ثم
بنى الباب ضيقا لا يخرج منه الا بنقضه وجب نقضه ورد الفصيل والخشبة كما ينقض البناء لرد الساجة
فإن كان حصوله في الدار بغير تفريط من صاحب الدار نقص الباب وضمانه على صاحب الفصيل لأنه
لتخليص ماله من غير تفريط من صاحب الدار، وأما الخشبة فإن كان كسرها أكثر ضررا من نقض
الباب فهي كالفصيل وإن كان أقل كسرت ويحتمل في الفصيل مثل هذا متى كان ذبحه أقل ضررا ذبح
وأخرج لحما لأنه في معنى الخشبة، وإن كان حصوله في الدار بعدوان من صاحبه كرجل غصب دارا
وأدخلها فصيلا أو خشبة أو تعدى على انسان فأدخل داره فرسا ونحوها كسرت الخشبة وذبح
الحيوان وإن زاد ضرره على نقض البناء لأن سبب هذا الضرر عدوانه فيكون عينه، ولو باع دارا فيها
خوابي لا تخرج الا بنقض الباب أو خزائن أو حيوان وكان نقض الباب أقل ضررا من بقاء ذلك
في الدار أو تفصيله أو ذبح الحيوان نقض وكان إصلاحه على البائع لأنه لتخليص ماله، وإن كان
أكثر ضررا لم ينقض لأنه لا فائدة فيه ويصطلحان على ذلك اما بان يشتريه مشترى الدار أو غير ذلك
(فصل) وان غصب جوهرة فابتلعتها بهيمة فقال أصحابنا حكمها حكم الخيط الذي خاط به جرحها
على ما نذكره، قال شيخنا ويحتمل أن الجوهرة متى كانت أكثر قيمة من الحيوان ذبح وردت إلى مالكها
وضمان الحيوان على الغاصب الا أن يكون الحيوان آدميا ويفارق الخيط فإنه في الغالب أقل قيمة من
381

الحيوان والجوهرة أكثر قيمة ففي ذبح الحيوان رعاية حق المالك برد عين إليه ورعاية حق الغاصب
بتقليل الضمان عليه، وان ابتلعت شاة رجل جوهرة آخر غير مغصوبة ولم يكن اخراجها الا بذبح الشاة
ذبحت إذا كان ضرر ذبحها أقل وضمان نقصها على صاحب الجوهرة لأنه لتخليص ماله فإن كان
التفريط من صاحب الشاة بكون يده عليها فلا شئ على صاحب الجوهرة لأن التفريط من غيره
فكان الضرر على المفرط.
(فصل) وان أدخلت رأسها في قمقم ولم يمكن اخراجه الا بذبحها أو كسر القمقم وكان ضرر ذبحها
أقل ذبحت وإن كان كسر القمقم أقل كسر، فإن كان التفريط من صاحب الشاة فالضمان عليه وإن كان
من صاحب القمقم بأن وضعه في الطريق فالضمان عليه وان لم يكن منهما تفريط فالضمان على صاحب
الشاة، وان كسر القمقم لأنه كسر لتخليص شاته وإذا ذبحت الشاة فالضمان على صاحب القمقم لأنه
لتخليص ماله فإن قال من عليه الضمان منهما أنا أتلف مالي ولا أغرم شيئا للآخر فله ذلك لأن اتلاف
مال الآخر إنما كان لحقه وسلامة ماله وتخليصه فإذا رضي بتلفه لم يجز إتلاف غيره، وان قال لا أتلف
مالي ولا أغرم شيئا لم نمكنه من اتلاف مال صاحبه لكن صاحب القمقم لا يجبر على شئ لأنه لا حرمة
له فلا يجبر صاحبه على تخليصه، وأما صاحب الشاة فلا يحل له تركها لما فيه من تعذيب الحيوان فيقال له
اما ان تذبح الشاة لتريحها من العذاب واما أن تغرم القمقم لصاحبه إذا كان كسره أقل ضررا لأن
ذلك من ضرورة ابقائها أو تخليصها من العذاب فلزم كعلفها، فإن كان الحيوان غير مأكول احتمل أن
382

يكون حمه حكم المأكول فيما ذكرنا، واحتمل ان يكسر القمقم وهو قول أصحابنا لأنه لانفع
في ذبحه ولا هو مشروع وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلة، ويحتمل
أن يكون كالمأكول في أنه متى كان قتله أقل ضررا أو كانت الجناية من صاحبه قتل لأن حرمته
معارضة بحرمة مال الآدمي الذي يتلف والنهي عن ذبحه معارض بالنهي عن إضاعة المال، وفي كسر القمقم
مع كثرة قيمته إضاعة المال.
(فصل) وان غصب دينارا فوقع في محبرته أو اخذ دينار غيره فسهى فوقع في محبرته كسرت ورد
الدينار كا ينقض البناء لرد الخشبة وكذلك إن كان درهما أو أقل وان وقع من غير فعله كسرت لرد
الدينار ان أحب صاحبه والضمان عليه لتخليص ماله، وان غصب دينارا فوقع في محبرة آخر بفعل الغاصب
أو بغير فعله كسرت لرده وعلى الغاصب ضمان المحبرة لأنه السبب في كسرها وإن كان كسرها أكثر ضررا
من تبقيته الواقع فيها ضمنه الغاصب ولم يكسر، وان رمى انسان ديناره في محبرة غيره عدوانا فأبى صاحب
المحبرة كسرها لم يجبر عليه لأن صاحبه تعدى برميه فيها فلم يجبر صاحبها على اتلاف ماله لإزالة ضرر
عدوانه عن نفسه وعلى الغصب نقص المحبرة بوقوع الدينار فيها ويحتمل ان يجبر على كسرها لرد عين مال
الغاصب ويضمن الغاصب قيمتها كما لو غرس في ارض غيره ملك حفر الأرض بغير اذن المالك لاخذ غرسه
يضمن نقصها بالحفر يضمن نقصها بالحفر وعلى الوجهين لو كسرها الغاصب قهرا لم يلزمه أكثر من قيمتها
(مسألة) (وان زرع الأرض وردها بعد أخذ الزرع فعليه أجرتها)
383

إذا غصب أرضا فزرعها وردها بعد حصاد الزرع فهو للغاصب لا نعلم فيه خلافا لأنه نماء ماله وعليه
أجر المثل إلى وقت التسليم وضمان النقص ولو لم يزرعها فنقصت لترك الزراعة كأراضي البصرة أو نقصت
لغير ذلك ضمن نقصها لما نذكره فيما إذا غرسها أو بنى فيها
(مسألة) (وان أدركها ربها وازرع قائم خير بين تركه إلى الحصاد بأجرة مثله وبين أخذه بعوضه
وهل ذلك قيمته أو نفقته؟ على وجهين)
قوله أدركها والزرع قائم يعني استرجعها من الغاصب وقدر على أخذها منه متى أدركها ربها والزرع
قائم لم يملك اجبار الغاصب على قلع الزرع وخير المالك بين أن يقر الزرع في الأرض إلى الحصاد ويأخذ
من الغاصب أجرة الأرض وأرش نقصها وبين أن يدفع إليه نفقته ويكون له الزرع وهذا قول أبي
عبيد وقال أكثر الفقهاء يملك اجبار الغاصب على قلعه لقوله عليه الصلاة والسلام ((ليس لعرق ظالم
حق) لأنه زرع في أرض غيره ظلما أشبه الغرس
ولنا ما روى رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من زرع في أرض قوم
بغير اذنهم فليس له من الزرع شئ وعليه نفقته) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح
فيه دليل على أن الغاصب لا يجبر على القلع لأنه ملك للمغصوب منه ولأنه أمكن رد المغصوب إلى مالكه
من غير اتلاف مال الغاصب على قرب من الزمان فلم يجز اتلافه كما لو غصب سفينة فحمل فيها ماله وادخلها
البحر أو غصب لوحا فرقع به سفينة فإنه لا يجبر على رد المغصوب في اللجة ينتظر حتى ترمي صيانة للمال عن
384

التلف كذا هذا، وفارق الشجر لأن مدته تتطاول ولا يعلم متى ينقطع من الأرض فانتظاره يؤدي إلى
ترك رد الأصل بالكلية، وحديثهم ورد في الغرس وحديثنا في الزرع فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل
واحد منهما في موضعه وهو أولى من ابطال أحدهما. إذا ثبت هذا فمتى رضي المالك بترك الزرع للغاصب
ويأخذ منه أجر الأرض فله ذلك لأنه شغل المغصوب بماله فملك صاحبه أخذ أجره كما لو ترك في الدار
طعاما يحتاج في نقله إلى مدة وان أحب أخذ الزرع فله ذلك كما يستحق الشفيع أخذ شجر المشتري
بقيمته، وفيما يرد على الغاصب روايتان:
إحداهما) قيمة الزرع لأنه بدل عن الزرع فيقدر بقيمته كما لو أتلفه ولان الزرع للغاصب إلى حين
انتزاعه منه بدليل أنه لو اخذه قبل انتزاع المالك كان ملكا له يأخذه فيكون أخذ المالك له تملكا له
الا ان يعوضه فيجب أن يكون بقيمته كما لو أخذ الشقص المشفوع، فعلى هذا يجب على الغاصب أجر الأرض
إلى حين تسليم الزرع لأن الزرع كان محكوما له به وقد شغل به أرض غيره
(والرواية الثانية) يرد على الغاصب ما أنفق من البذر ومؤنة الزرع في الحرث والسقي وغيره
وهذا الذي ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي وظاهر الحديث لقوله (عليه نفقته) وقيمة الشئ لا
تسمى نفقة له والحديث مبني على هذه المسألة فإن أحمد إنما ذهب إلى هذا الحكم استحسانا على خلاف
القياس فإن القياس ان الزرع لصاحب البذر لأنه نماء ماله فأشبه ما لو غصب دجاجة فحضنت بيضا له
كان الماء له وقد صرح به أحمد فقال هذا شئ لا يوافق القياس أستحسن ان يدفع إليه نفقته للأثر
ولذلك جعلناه للغاصب إذا أخذت منه الأرض بعد أخذه الزرع وإذا كان العمل بالحديث فيجب أن
يتبع مدلوله ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب وعليه الأجرة كما إذا رجع المستعير
385

(فصل) فإن كان مما تبقى أصوله في الأرض ويجز مرة بعد أخرى كالرطبة احتمل أن يكون حكمه
ما ذكرنا لدخوله في عموم الزرع لأنه ليس له فرع قوي أشبه الحنطة والشعير واحتمل ان حكمه
حكم الغرس لبقاء أصله وتكرر اخذه ولان القياس يقتضي أن يثبت لكل زرع مثل حكم الغرس وإنما
ترك فيما تقل مدته للأثر ففيما عداه يبقى على قضية القياس
(فصل) فإن غصب أرضا فغرسها فأثمرت فأدركها ربها بعد اخذ الغاصب ثمرتها في له فإن أدركها
والثمرة فيها فكذلك لأنها ثمرة شجرة فكانت له كما لو كانت في ارضه ولأنها نماء أصل محكوم به للغاصب
فكان له كأغصانها وورقها ولبن الشاة ونسلها، وقال القاضي هي لمالك الأرض ان أدركها في الغراس
لأن احمد قال في رواية عي بن سعيد إذا غصب أرضا فغرسها فالنماء لمالك الأرض قال القاضي وعليه
من النفقة ما أنفقه الغارس من مؤنة الثمرة لأن الثمرة في معنى الزرع فكان لصاحب الأرض إذا أدركه
قائما فيها كالزرع قال شيخنا والأول أصح لأن احمد قد صرح بان اخذ رب الأرض الزرع شئ لا
يوافق القياس وإنما صار إليه للأثر فيختص الحكم به ولا يتعدى إلى غيره، ولان الثمرة تفارق الزرع
من وجهين (أحدهما) ان الزرع نماء الأرض فكان لصاحبها والثمرة نماء الشجر فكانت لصاحبه
الثاني انه يرد عوض الزرع إذا اخذه مثل البذر الذي نبت منه الزرع مع ما أنفق عليه ولا يمكنه
مثل ذلك في الثمرة.
(فصل) وان غصب شجرا فأثمر فالثمر لصاحب الشجر بغير خلاف نعلمه لأنه نماء ملكه ولان
الشجر عين ملكه نمى وزاد فأشبه ما لو طالت أغصانه، ويرد الثمر إن كان باقيا وبدله ان تلف وإن كان
رطبا فصار تمرا أو عنبا فصار زبيبا فعليه رده وأرش نقصه ان نقص ولا شئ له بعلمه فيه ولا
386

اجرة عليه للشجر لأن اجرتها لا تجوز في العقود فكذلك في الغصب ولان نفع الشجر تربية الثمر
واخراجه وقد عادت هذه المنافع إلى المالك، ولو كانت ماشية فعليه ضمان ولدها ان ولدت عنده وضمان
لبنها مثله لأنه من ذوات الأمثال ويضمن أوبارها واشعارها بمثله كالقطن، وفي ضمان زوائد الغصب
المنفصلة اختلاف نذكره فيما يأتي
(مسألة) (وان غرس أو بنى اخذ بقلع غرسه وبنائه وتسوية الأرض وأرش نقصها واجرتها)
متى غرس في ارض غيره بغير اذنه أو بنى فيها وطلب صاحب الأرض قلع غراسه وبنائه لزم الغاصب
ذلك ولا نعلم فيه خلافا لما روى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
(ليس لعرق ظالم حق) رواه الترمذي وقال حديث حسن روى أبو داود وأبو عبيد في الحديث أنه قال
فلقد اخبرني الذي حدثني هذا الحديث ان رجلا غرس في أرض رجل من الأنصار من بني
بياضة فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للرجل بأرضه وقضى للآخر أن ينزع نخله قال
فلقد رأيتها يضرب في أصولها بالفؤس وانها لنخل عم ولأنه شغل ملك غيره بملكه الذي لا حرمة له
في نفسه بغير اذنه فلزمه تفريغه كما لو جعل فيه قماشا، وإذا قلعها لزمه تسوية الحفر ورد الأرض إلى
ما كانت عليه لأنه ضرر حصل في ملك غيره بفعله فلزمته إزالته
387

(فصل) فإن أراد صاحب الأرض أخذ الشجرة والبناء بغير عوض لم يكن له ذلك لأنه عين مال
الغاصب فلم يملك صاحب الأرض اخذه كما لو وضع فيها أثاثا أو حيوانا، وان طلب اخذه بقيمته وأبى
مالكه إلا القلع فله ذلك لأنها ملكه فملك نقله ولا يجبر على اخذ القيمة لأنه معاوضة فلم يجبر عليها
وان اتفقا على تعويضه عنه جاز لأنه الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه، وان وهب الغاصب الغراس والبناء لمالك
الأرض ليتخلص من قلعه فقبله المالك جاز وان أبى قبوله وكان في قلعه غرض صحيح لم يجبر على
قبوله وان لم يكن فيه غرض صحيح احتمل ان يجبر على قبوله لأن فيه رفع الخصومة من غير غرض
يفوت ويحتمل ان لا يجبر لأن فيه اجبارا على عقد يعتبر الرضى فيه، وان غصب أرضا وغراسا من رجل
واحد فغرسه فيها فالكل لمالك الأرض فإن طالبه المالك بقلعه وله في فعله غرض أجبر على قلعه
لأنه فوت عليه غرضا مقصودا بالأرض فأخذ بإعادتها إلى ما كانت وعليه تسوية الأرض ونقصها ونقص
الغراس لأنه نقص حصل في يد الغصب أشبه ما لو غصب طعاما فتلف بعضه وان لم يكن في قلعه غرض
صحيح لم يجبر على قلعه لأنه سفه فلا يجبر عليه وقيل يجبر لأن المالك محكم في ملكه والغاصب غير
محكم فإن أراد الغاصب قلعه ومنعه المالك لم يملك قلعه لأن الجميع ملك للمغصوب منه فلم يملك غيره
التصرف فيه بغير إذنه.
388

(فصل) والحكم فيما إذا بنى في الأرض كالحكم فيما إذا غرس فيها في هذا التفصيل جميعه الا
انه يتخرج انه إذا بذل مالك الأرض القيمة لصاحب البناء أجبر على قبولها إذا لم يكن في النقض
غرض صحيح لأن النقض سفه والأول أصح لما روى الخلال باسناده عن الزهري عن عروة عن عائشة
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بنى في رباع قوم باذنهم فله القيمة ومن بنى بغير إذنهم
فله النقض) ولان ذلك معاوضة فلا يجبر عليها وإذا كانت الآلة من تراب الأرض وأحجارها فليس
للغاصب النقض على ما ذكرنا في الغرس
(فصل) وان غصب أرضا فكشط ترابها لزمه رده وفرشه على ما كان ان طالبه المالك وكان فيه
غرض وان لم يكن فيه غرض فهل يجبر على فرشه يحتمل وجهين وان منعه المالك فرشه أورده وطلب
الغاصب ذلك وكان في رده غرض من إزالة ضرر أو ضمان فله فرشه ورده وعليه أجر مثلها مدة
شغلها وأجر نقصها، وان أخذ تراب أرض فضربه لبنا رده ولا شئ له الا ان يجعل فيه تبنا له
فله ان يحله ويأخذ تبنه، فإن كان لا يحصل منه شئ ففيه وجهان بناء على كشط التزويق إذا لم يكن له
قيمة وسنذكره، وان طالبه المالك بحله لزمه ذلك إذا كان فيه غرض فإن لم يكن فيه غرض فعلى وجهين
فإن جعله آجرا أو فخارا لزمه رده ولا أجر له لعمله وليس له كسره ولا للمالك اجباره عليه لأنه سفه
واتلاف للمال وإضاعة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال
389

(فصل) وعليه ضمان نقص الأرض ان نقصت بالغرس والبناء وهكذا كل عين مغصوبة على الغاصب
ضمان نقصها إذا كان نقصا مستقرا كاناء تكسر وطعام سوس وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا
شق لرجل ثوبا شقا قليلا أخذ أرشه وان كثر فصاحبه بالخيار بين تسليمه وأخذ قيمته وبين امساكه
مع الأرش وروي عن أحمد كلام يحتمل هذا فإنه قال في رواية موسى بن سعيد إن شاء شق الثوب وان
شاء مثله يعني والله أعلم ان شاء أخذ أرش الشق ووجهه ان الجناية أتلفت معظم نفعه فكانت له
المطالبة بقيمته كما لو قتل شاة له، وحكى أصحاب مالك عنه إذا جنى على عين فاتلف غرض صاحبها
فيها كان المجني عليه بالخيار إن شاء رجع بما نقصت وإن شاء سلمها وأخذ قيمتها، ولعل ما يحكى عنه من
قطع ذنب حمار القاضي ينبني على ذلك لأنه أتلف غرضه به فإنه لا يركبه في العادة وحجتهم أنه أتلف المنفعة
المقصودة من السلعة فلزمته قيمتها كما لو أتلفها
ولنا أنها جناية على مال أرشها دون قيمته فلم يملك المطالبة بجميع قيمته كما لو أن الشق يسيرا
ولأنها جناية نقص بها القيمة أشبه ما لو لم يتلف غرض صاحبها وفي الشاة أتلف جميعها لأن الاعتبار
بالمجني عليه لا بغرض صاحبه لأنه ان لم يصلح لصاحبه صلح لغيره. وعليه أجر الأرض منذ غصبها إلى
وقت تسليمه وهكذا كل ماله أجر فعلى الغاصب أجر مثله سواء استوفى المنافع أو تلفت تحت يده لأنها
390

تلفت في يده العادية فكان عليه عوضها كالأعيان، وفيه اختلاف نذكره فيما يأتي إن شاء الله تعالى
وان غصب أرضا فبناها دارا فإن كانت آلات بنائها من مال الغاصب فعليه أجر الأرض دون بنائها
لأنه إنما غصب الأرض والبناء له فلم يلزمه أجز ماله وان بناها بتراب منها وآلات المغضوب منه فعليه
أجرها مبنية لأن الدار كلها ملك للمغصوب منه وإنما للغاصب فيها أثر الفعل فلا يكون في مقابلته
أجر لأنه وقع عدوانا.
(فصل) وان غصب درار فنقضها ولم يبنها فعليه أجر دار إلى حين نقضها وأجرها مهدومة من
حين نقضها إلى حين ردها لأن البناء انهدم وتلف فلم يجب أجره مع تلفه، وان نقضها ثم بناها بآلة من
عنده فالحكم كذلك، وان بناها بآلتها أو آلة من ترابها أو ملك المغصوب منه فعليه اجرها عرصة منذ
نقضها إلى أن بناها وأجرها دارا فيما قبل ذلك وبعده لأن البناء للمالك، وحكمها في نقض بنائها
الذي بناه الغاصب حكم ما لو غصبها عرصة فبناها، وإن كان الغاصب باعها فبناها المشتري أو نقضها ثم
بناها لم يختلف الحكم وللمالك مطالبة من شاء منهما والرجوع عليه فإن رجع عليه الغاصب رجع
الغاصب على المشتري بقيمة ما أتلف من الأعيان لأن المشتري دخل على أنه مضمون عليه بالعوض
فاستقر الضمان عليه، وان رجع المالك على المشتري رجع المشتري على الغاصب في نقص التالف ولم
يرجع بقيمة ما تلف وهل يرجع كل واحد منها على صاحبه بالاجر؟ على روايتين وليس له مطالبة
391

المشتري من الاجر إلا بأجرة مدة مقامها في يديه لأن يده إنما تثبت حينئذ
(مسألة) (وان غصب لوحا فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسي إذا كانت السفينة بخاف غرقها
بقلع اللوح لم يقطع حتى تخرج إلى الساحل، وإن كان في أعلاها لا تغرق بقلعه لزمه قلعه ولصاحب
اللوح طلب قيمته فإذا أمكن رد اللوح استرجعه ورد القيمة كما لو غصب عبدا فأبق وقال أبو الخطاب
إن كان فيها حيوان له حرمة أو مال لغير الغاصب لم يقلع كالخيط وإن كان فيها مال للغاصب أولا
مال فيها فكذلك أحد الوجهين والثاني يقلع في الحال لأنه أمكن رد المغصوب فلزمه وان أفضى إلى
تلف مال الغاصب كرد الساجة المبني عليها ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين
ولنا أنه أمكن رد المغصوب من غير اتلاف فلم يجز مع الاتلاف كما لو كان فيها مال غيره وفارق
الساجة في البناء لأنه لا يمكن ردها من غير اتلاف
(مسألة) (وان غصب خيطا فخاط به جرح حيوان وخيف عليه من قلعه فعليه قيمته الا أن يكون
الحيوان مأكولا للغاصب فهل يلزمه رده ويذبح الحيوان؟ على وجهين) هذه المسألة لا تخلو من
ثلاثة أقسام (أحدها) ان يخيط به جرح حيوان لا حرمة له كالمرتد والخنزير والكلب والعقور فيجب
رده لأنه يتضمن تفويت ذي حرمة أشبه ما لو خاط به ثوبا (الثاني) أن يخيط به جرح حيوان محترم
لا يحل اكله كالآدمي فإن خيف من نزعه الهلاك أو أبطأ برؤه فلا يجب لأن الحيوان آكد حرمة
392

من غير المال ولهذا جاز له اخذ مال غيره لحفظ حياته واتلاف المال لتبقيته وهو ما يأكله وكذلك
الدواب التي لا يؤكل لحمها كالبغل والحمار الأهلي (الثالث) ان يخيط به جرح حيوان مأكول فإن
كان ملكا لغير الغاصب وخيف تلفه بقلعه لم يقطع لأن فيه اضرارا بصاحبه ولا يزال الضرر بالضرر
ولا يجب اتلاف مال من لم يجن صيانة لمال آخر وإن كان للغاصب فقال القاضي يجب رده لأنه يمكن
ذبح الحيوان والانتفاع بلحمه وذلك جائز وان حصل فيه نقص على الغاصب فليس ذلك بمانع من
وجوب رد المغصوب كنقض البناء وقال أبو الخطاب فيه وجهان أحدهما هذا (والثاني) لا يجب قلعه
لأن للحيوان حرمة في نفسه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلة ولأصحاب
الشافعي وجهان كهذين قال شيخنا ويحتمل ان يفرق بين ما يعد للاكل من الحيوان كبهيمة الانعام
والدجاج وبين مالا يعدله كالخيل وما يقصد صوته ومن الطير فيجب ذبح الأول إذا توقف رد الخيط
عليه ولا يجب ذبح الثاني لأنه اتلاف له فجرى مجرى مالا يؤكل لحمه ومتى أمكن رد الخيط من غير
تلف الحيوان أو بعض أعضائه أو ضرر كثير وجب رده
(مسألة) (فإن مات الحيوان لزمه رده إلا أن يكون آدميا معصوما لأن غير الآدمي لا حرمة
له بعد الموت وحرمة الآدمي باقية ولهذا قال عليه الصلاة والسلام كسر عظم الميت ككسره وهو
حي) فعلى هذا يرد قيمته.
393

(مسألة) (وان غصب جارحا فصاد أو شبكة أو شركا فامسك شيئا غاو فرسا فصاد عليه أو
أو غنم فهو لمالكه) كما لو غصب عبدا فصاد فإن الصيد لسيد العبد ويحتمل انه للغاصب لأن الصائد
والجارحة آلة ولهذا اكتفى بتسميته عند ارسال الجارح وفيما إذا غصب فرسا أو سهما أو شبكة
فصاد به وجه آخر انه للغاصب لأن الصيد حصل بفعله وهذه آلات فأشبه ما لو ذبح بسكين غيره فإن
قلنا هو للغاصب فعليه اجرة ذلك كله مدة مقامه في يده إن كان له اجر وان قلنا هو للمالك لم
يكن له أجر في مدة اصطياده في أحد الوجهين لأن منافعه في هذه المدة عادة إلى المالك فلم يستحق
عوضها على غيره كما لو زرع أرض انسان فاخذ المالك الزرع بنفقته والثاني عليه أجر المثل لأنه استوفى
منافعه أشبه ما لو لم يصد، ولو غصب عبدا فصاد أو كسب فالكسب للسيد وفي وجوب أجرة العبد على الغاصب
في مدة كسبه وصيده الوجهان وإن غصب منجلا فقطع به خشبا أو حشيشا فهو للغاصب لأن هذه
آلة فهو كالحبل يربط به.
(مسألة) (وان غصب ثوبا فقصره أو غزلا فنسجه أو فضة أو حديدا فضربه أو خشبا فنجره أو
شاة فذبحها وشواها رد ذلك بزيادته وأرش نقصه)
ولا شئ له هذا ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة في هذه المسائل ينقطع حق
صاحبها عنها الا ان الغاصب لا يجوز له التصرف فيها الا بالصدقة الا أن يدفع قيمته فيملكها ويتصرف
394

فيها كيف شاء وروى محمد بن الحكم عن أحمد ما يدل على أن الغاصب يملكها بالقيمة إلا أنه قول
قديم رجع عنه فإن محمدا مات قبل أبي عبد الله بنحو من عشرين سنة واحتجوا بما روي أن النبي صلى
الله عليه وسلم زار قوما من الأنصار في دارهم فقدموا إليه شاة مشوية فتناول منها لقمة فجعل يلوكها
ولا يسيغها فقال (ان هذه الشاة لتخبرني أنها أخذت بغير حق) قالوا نعم يا رسول الله طلبنا في السوق
فلم نجد فأخذنا شاة لبعض جيراننا ونحن نرضيهم من ثمنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أطعموها الاسرى) رواه أبو داود بنحو من هذا وهذا يدل على أن حق أصحابها انقطع عنها
لولا ذلك لأمر يردها عليهم
ولنا أن عين مال المغصوب منه قائمة فلزم ردها إليه كما لو ذبح الشاة ولم يشوها ولأنه لو فعله بملكه
لم يزل عنه فكذلك إذا فعله يملك غيره كذبح الشاة وضرب النقرة دراهم ولأنه لا يزيل الملك إذا
كان بغير فعل آدمي فلم يزله إذا فعله آدمي كالذي ذكرناه وأما الخبر فليس بمعروف كما رووه في رواية
أبي داود ونحن نرضيهم عنها. إذا ثبت هذا فإنه لا شئ للغاصب بعمله سواء زادت العين أولم تزد وهذا
مذهب الشافعي وعنه يكون شريكا بالزيادة ذكرها أبو الخطاب لأنها حصلت بمنافعه والمنافع أجريت
مجرى الأعيان أشبه ما لو غصب ثوبا فصبغه والمذهب الأول ذكره أبو بكر والقاضي لأن الغاصب عمل
395

في ملك غيره بغير اذنه فلم يستحق لذلك عوضا كما لو أغلى زيتا فزادت قيمته أو بنى حائطا لغيره أو
زرع حنطة انسان في أرضه فأما صبغ الثوب فإن الصبغ عين مال لا يزول ملك صاحبه عنه بجعله مع ملك
غيره وهذا حجة عليه لأنه إذا لم يزل ملكه عن صبغه بجعله في ملك غيره وجعله كالصفة فلان لا يزول
ملك غيره بعلمه فيه أولى فإن احتج بان من زرع في أرض غيره ترد عليه نفقته قلنا الزرع ملك للغاصب
لأنه عين ماله ونفقته عليه تزداد به قيمته فإذا أخذه مالك الأرض احتسب بما أنفق على ملكه وفي
مسئلتنا عمله في ملك المغصوب منه بغير إذنه فكان لاغيا على اننا نقول إنما تجب قيمة الزرع على إحدى
الروايتين وقال أبو بكر يملكه وعليه قيمته لما روى محمد بن الحكم ووجهه كما ذكرنا والصحيح الأول
(فصل) فإن نقصت العين دون القيمة رد الموجود وقيمة النقص وان نقصت العين القيمة ضمنهما
معا كالزيت إذا أغلاه وهكذا القول في كل ما تصرف فيه كنقرة ضربها دراهم أو حليا أو طينا جعله لبنا
أو عزلا نسجه أو ثوبا قصره لأنه نقص بفعل غير مأذون فيه أشبه ما لو أتلف بعضه وان جعل فيه
شيئا من عين ماله مثل ان سمر الدفوف بمساميره فله قلعها ويضمن ما نقصت الدفوف، وان كانت
المسامير من الخشبة المغصوبة أو مال المغصوب منه فلا شئ للغاصب وليس له قلعها الا ان يأمره
396

المالك فيلزمه، وان كانت المسامير للغاصب فوهبها للمالك لم يجبر على قبلوها في أقوى الوجهين
وان استأجر الغاصب على عمل شئ من هذا الذي ذكرناه فالاجر عليه والحكم في زيادته ونقصه
كما لو فعل ذلك بنفسه وللمالك تضمين النقص من شاء منهما فإن غرم الغاصب لم يرجع على أحد إذا لم
يعلم الأجير الحال وان ضمن الأجير رجع على الغاصب لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه عالما بالحال،
وإن ضمن الغاصب رجع على الأجير لأن النقص حصل منه فاستقر الضمان عليه وإن استعان بمن
فعل ذلك فهو كالأجير.
(مسألة) (وان غصب أرضا فحفر فيها بئرا ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمها إذا أبرأه
المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين)
إذا طمه المالك بطمها لزمه لأنه يضر بالأرض ولان التراب ملكه نقله من موضعه فلزمه رده كتراب
الأرض وكذلك لو حفر فيها نهرا أو حفر بئرا في ملك رجل بغير اذنه، وان أراد الغاصب طمها فمنعه
المالك نظرنا فإن كان له غرض في طمها بأن يسقط عنه ضمان ما يقع فيها أو يكون قد نقل ترابها إلى
ملكه أو ملك غيره أو طريق يحتاج إلى تفريغه فله ذلك لما فيه من الغرض وبه قال الشافعي وان لم
يكن له غرض مثل أن يكون قد وضع التراب في ملك المغصوب وأبرأه من ضمان ما يتلف بها لم يكن له
طمها في أحد الوجهين لأنه اتلاف لا نفع فيه فلم يكن له فعله كما لو غصب نقرة فطبعها دراهم ثم
397

أراد ردها نقرة وبهذا قال أبو حنيفة والمزني وبعض الشافعية وقال بعضهم له طمها وهو الوجه الثاني
لنا لأنه لا يبرأ من الضمان بابراء المالك لكونه أبرأ مما لم يجب بعد وهو أيضا إبراء من حق غيره وهو الواقع فيها
ولنا أن الضمان إنما يلزمه لوجود التعدي فإذا رضي صاحب الأرض زال التعدي فزال الضمان
وليس هذا إبراء مما يجب إنما هو اسقاط التعدي برضاه به وهكذا ينبغي أن يكون الحكم إذا لم يتلفظ
بالابراء لكن منعه من طمها لأنه يتضمن رضاه بذلك
(مسألة) (وان غصب حبا فزرعه أو نوى فصار غرسا أو بيضا فصار فراخا رده ولا شئ للغاصب
لأنه عين مال المغصوب منه ويتخرج أن يملكه الغاصب كما إذا قصر الثوب أو ضرب الفضة لكونه
غيره بفعله فالتغيير في البيضة أعظم فإنه استحال بزوال اسمه، فعلى هذا يتخرج أيضا أن يكون شريكا
بالزيادة كالمسألة الأولى
(فصل) وان غصب دجاجة فباضت عنده ثم حضنت بيضها فصار فراخا فهما لمالكها ولا شئ
للغاصب في علفها. قال أحمد في طيرة جاءت إلى دراه قوم فأفرخت عندهم يردها وفراخها إلى أصحاب
الطيرة ولا شئ للغاصب فيما عمل وان غصب شاة فانزا عليها فحله فالولد لصاحب الشاة لأنه من نمائها
وان غصب فحلا فأنزاه على شاته فالولد لصاحب الشاة لأنه يتبع الإمام ولا أجرة له لأن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن عسب الفحل، وان نقصه الضراب ضمنه وان نقص المغصوب لزمه ضمان نقصه بقيمته رقيقا
398

كان أو غيره وبه قال الشافعي وعن أحمد في العبد رواية أخرى أنه يضمن بما يضمن به في الاتلاف
فيجب في يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنه
ضمان لابعاض العبد فكان مقدرا من قيمته كأرش الجناية
ولنا أنه ضمان مال من غير جناية فكان الواجب ما نقص كالبهيمة وكنقص الثوب يحققه أن القصد
بالضمان جبر حق المالك بايجاب قدر المفوت عليه وقدر النقص هو الجابر ولأنه لو فات الجميع لو جبت قيمته فإذا
فات منه شئ وجب قدره من القيمة كغير الحيوان وضمان الجناية على أطراف العبد معدول به عن
القياس للالحاق بالجناية على الحر والواجب ههنا ضمان اليد وهي لا تثبت على الحر فوجب البقاء فيه على
موجب الأصل والحاقه بسائر الأموال المغصوبة على أن في الجناية على العبد رواية أنه يضمن
بما نقص فتنفض الروايتان والتفريع على الأول، ويتخرج أن يضمنه بأكثر الأمرين منهما لأن سبب
كل واحد منهما قد وجد، فأما إن كان النقص في الرقيق مما لا مقدر فيه كنقصه لكبر أو مرض أو
شجة دون الموضحة فعليه ما نقص مع الرد لا غير لا نعلم فيه خلافا فإن كان العبد أمرد فنبتت لحيته
فنقصت قيمته وجب ضمان نقصه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجب ضمانه لأن الفائت لا يقصد
قصدا صحيحا أشبه الصناعة المحرمة، ولنا أنه نقص في القيمة بتغير صفه فيضمنه كبقية الصور
399

(مسألة) (وان غصبه وجني عليه ضمنه بأكثر الامرين)
وجملة ذلك أنه إذا غصب عبدا وجني عليه جناية مقدرة الدية فعلى قولنا ضمان الغصب ضمان الجناية
يكون الواجب أرش الجناية كما لو جني عليه من غير غصب ونقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر
وان قلنا ضمان الغصب غير ضمان الجناية وهو الصحيح فعليه أكثر الامرين من أرش النقص أو دية
ذلك العضو لأن سبب كل واحد منهما وجد فوجب أكثرهما ودخل الآخر فيه فإن الجناية واليد وجدا
جميعا فلو غصب وقيمته الف فزادت قيمته إلى الفين ثم قطع يده فنقص ألفا لزمه الف ورد العبد
لأن زيادة السوق إذا تلفت العين مضمونة ويد العبد كنصفه فكان يقطع يده فوت نصفه
وان نقص ألفا وخمسمائة وقلنا الواجب ما نقص فعليه الف وخمسمائة ويرد العبد وان قلنا ضمان
الجناية فعليه الف ويرد العبد حسب وإن نقص خمسمائة فعليه رد العبد وهل يلزمه الف أو
خمسمائة؟ على وجهين.
(مسألة) (وان جنى عليه غير الغاصب فله تضمين الغاصب أكثر الامرين ويرجع الغاصب على
الجاني بأرش الجناية وله تضمين الجاني أرش الجناية وتضمين الغاصب ما بقي من النقص)
إذا غصب عبدا فقطع آخر يده فللمالك تضمين من شاء منهما لأن الجاني قطع يده والغاصب حصل النقص
400

في يده فإن ضمن الجاني ضمنه نصف القيمة لا غير ولم يرجع على أحد لأنه لم يضمنه أكثر مما وجب
عليه ويضمن الغاصب ما زاد على نصف القيمة ان نقص أكثر من النصف ولا يرجع على أحد وان
قلنا ضمان الغصب ضمان الجناية أو لم ينقص أكثر من نصف قيمته لم يضمن الغاصب ههنا شيئا وان
اختار تضمين الغاصب وقلنا إن ضمان الغصب كضمان الجناية ضمنه نصف القيمة ورجع بها الغاصب على
الجاني لأن التلف حصل بفعله فاستقر الضمان عليه، وان قلنا إن ضمان الغصب بما نقص فلرب العبد تضمينه
بأكثر الامرين لأن ما وجد في يده فهو في حكمه الموجود منه ثم يرجع الغاصب على الجاني بنصف
القيمة لأنها أرش جنايته فلا يجب عليه أكثر منها
(مسألة) (وان غصب عبدا فخصاه لزمه رده ورد قيمته)
إذا غصب عبدا فقطع خصييه أو يديه أو ذكره أو لسانه أو ما تجب فيه الدية من الحر لزمه رده ورد
قيمته كلها نص عليه وبه قال مالك والشافعي، وقال الثوري وأبو حنيفة يخير المالك بين ان يصبر ولا
شئ له وبين أخذ قيمته ويملكه الجاني لأنه ضمان مال فلا يبقى ملك صاحبه عليه مع ضمانه كسائر الأموال
ولنا ان المتلف البعض فلا يقف ضمانه على زوال الملك كقطع ذكر المدبر ولان المضمون التالف فلا
يزول الملك عن غيره بضمانه كما لو قطع تسع أصابع، وبهذا ينفصل عما ذكروه فإن الضمان في مقابلة
401

التالف لا في مقابلة الجملة، فإن ذهبت هذه الأعضاء بغير جناية فهل يضمنها ضمان الاتلاف أو ما نقص؟
على روايتين مضى ذكرهما، وعن أحمد رواية أخرى أن عين الدابة تضمن بربع قيمتها من الخيل والبغال
والحمير فإنه قال في رواية أبي الحارث في رجل فقأ عين دابة عليه ربع قيمتها قيل له فقأ العينين؟ قال
إذا كانت واحدة فقال عمر ربع القيمة واما العينان فما سمعت فيهما شيئا قيل له فإن كان بعيرا أو بقرة
أو شاة؟ فقال هذا غير الدابة هذا ينتفع بلحمه ينظر ما نقصها، وهذا يدل على أن احمد إنما أو جب
مقدرا في العين الواحدة من الدابة وهي الغرس والبغل والحمار خاصة للأثر الوارد فيه وما عدا هذا
يرجع إلى القياس. واحتج أصحابنا لهذه الرواية بما روى زيد بن ثابت ان النبي صلى الله عليه وسلم
قضي في عين الدابة بربع قيمتها وروي عن عمر رضي الله عنه انه كتب إلى شريح لما كتب إليه يسأله
عن عين الدابة: انا كنا ننزلها منزلة الآدمي الا أنه أجمع رأينا ان قيمتها ربع الثمن. وهذا اجماع يقدم
على القياس ذكر هذين أبو الخطاب في رؤوس المسائل، وقال أبو حنيفة إذا قلع عيني بهيمة ينتفع بها
من وجهين كالدابة والبعير والبقرة وجب نصف قيمتها وفي إحداهما ربع قيمتها لقول عمر أجمع رأينا
على أن قيمتها ربع الثمن، والمذهب ان قدر الأرش ما نقص من القيمة كسائر الأعيان فاما حديث زيد بن ثابت
فلا أصل له ولو كان صحيحا لما احتج احمد وغيره بحديث عمر وتركوه واما قول عمر فمحمول على أن
ذلك كان قدر نقصها كما روي عنه أنه قضى في العين القائمة بخمسين دينارا
402

(مسألة) (وإن نقصت قيمة العين لتغير الأسعار لم يضمن نص عليه) وهو قول جمهور العلماء وحكي عن أبي
ثور انه يضمنه لأنه يضمنه إذا تلفت العين فلزمه إذا ردها كالسمن وذكره ابن أبي موسي رواية عن أحمد
ولنا انه رد العين بحالها لم تنقص منها عين ولا صفه فلم يلزمه شئ كما لو لم تنقص ولا نسلم انه
يضمنها مع تلف العين وان سلمنا فلانه وجبت قيمة العين أكثر ما كانت قيمتها فدخلت في التقويم بخلاف
ما إذا ردها فإن القيمة لا تجب ويخالف السمن فإنه من عين المغصوب والعلم بالصناعة صفة فيها وههنا لم
تذهب عين ولا صفة ولأنه لا حق للمغصوب منه في القيمة مع بقاء العين وإنما حقه في العين وهي باقية كما كانت
ولان الغاصب يضمن ما غصبه والقيمة لا تدخل في الغصب بخلاف زيادة العين فإنها مغصوبة وقد ذهبت
(مسألة) وان نقصت القيمة لمرض أو غيره ثم عادت ببرئه لم يلزمه شئ إلا رده) إذا مرض المغصوب
ثم برئ أو ابيضت عينه ثم زال بياضها أو غصب جارية حسناء فسمنت سمنا نقصها ثم خف سمنها فعاد حسنها وقيمتها
ردها ولا شئ عليه لأنه لم يذهب ماله قيمة والعيب الذي أوجب الضمان زال في يديه، وكذلك لو حملت
فنقصت ثم وضعت فزال نقصها لم يضمن شيئا فإن رد المغصوب ناقصا بمرض أو عيب أو سمن مفرط أو حمل
فعليه أرش نقصه فإن زال عيبه في يد مالكه لم يلزمه رد ما أخذ لأنه استقر ضمانه برد المغصوب
وكذلك أن اخذ المغصوب دون أرشه ثم زال العيب قبل أخذ أرشه لم يسقط ضمانه لذلك
(مسألة) وإن زادت القيمة لسمن أو غيره ثم نقصت ضمن الزيادة) إذا زادت قيمة المغصوب في يد
403

الغاصب لسمن أو تعلم صنعة مثل ما إذا غصب عبدا أو أمة وقيمته مائة فزاد بتعليمه أو في بدنه حتى صارت
قيمته مائتين ثم نقص بنقصان بدنه أو نيسان ما علم حتى صارت قيمته مائة لزمه رده ويأخذ من الغاصب مائة
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا يجب عليه عوض الزيادة الا ان يطالب بردها زائدة فلا يردها
لأنه رد العين كما أخذها فلم يضمن نقص قيمتها كنقص سعرها، وذكر ابن أبي موسى في الارشاد رواية
ان المغصوب إذا زادت قيمته بسمن أو تعلم صنعة ثم نقصت بزوال ذلك فلا ضمان عليه إذا رده بعينه
ولنا انها زيادة في نفس المغصوب فلزم الغاصب ضمانها كما لو طالبه بردها فلم يفعل ولأنها زادت على
ملك المغصوب منه فلزمه ضمانها كما لو كانت موجودة حال الغصب، وفارق زيادة السعر لأنها لو كانت موجودة
حال الغصب لم يضمنها والصناعة وإن لم تكن من عين المغصوب فهي صفة فيه ولذلك يضمنها إذا طولب
برد العين وهي موجودة فلم يردها، أجريناها هي والتعليم مجرى السمن الذي هو عين لأنها صفة تتبع
العين، وأجرينا الزيادة الحادثة في يد الغاصب مجرى الزيادة الموجودة حال الغصب لأنها زيادة في العين المملوكة
للمغصوب منه فتكون مملوكة له لأنها تابعة للعين، فاما ان غصب العين سمينة أو ذات صناعة فهزلت أو
نسيت فنقصت قيمتها فعليه ضمان نقصها لا نعلم فيه خلافا لأنها نقصت عن حال غصبها نقصا اثر في قيمتها
فوجب ضمانها كما لو ذهب بعض أعضائها
(فصل) إذا غصبها وقيمتها مائة فسمنت فبلغت قيمتها ألفا ثم تعلمت صناعة فبلغت الفين ثم هزلت ونسيت
404

فعادت إلى مائة ردها ورد ألفا وثمانمائة لأنها نقصت بالهزال تسعمائة وبالنسيان تسعمائة وإن سمنت
فبلغت ألفا ثم هزلت فعادت إلى مائة ثم تعلمت فعادت إلى الف ردها وتسعمائة لأن زوال الزيادة الأولى
أو جب الضمان ثم حدثت زيادة أخرى من وجه آخر على ملك المغصوب منه فلا ينجبر ملك الانسان بملكه
(مسألة) (فإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها مثل ان كانت قيمتها مائة فسمنت فبلغت ألفا ثم
هزلت فعادت إلى مائة صم سمنت فعادت إلى الف ففيه وجهان) (أحدهما) يردها زائدة ويضمن
نقص الزيادة الأولى كما لو كانا من جنسين لأن الزيادة الثانية غير الأولى، فعلى هذا ان هزلت مرة
ثانية فعادت إلى مائة ضمن النقصين بألف وثمانمائة (والثاني) إذا ردها سمينة فلا شي ء عليه لأن ما ذهب
عاد فهي كما لو مرضت فنقصت ثم برئت فعادت القيمة أو نسيت صناعة ثم تعلمتها أو أبق عبد ثم عاد
وفارق ما إذا زادت من جهة أخرى لأنه لم يعد ما ذهب وهذا الوجه أقيس لما ذكرنا من الشواهد
فعلى هنا لو سمنت بعد الهزال ولم تبلغ قيمتهما إلى ما بلغت بالسمن الأول أو زادت عليه ضمن أكثر
الزيادتين وتدخل فيها الأخرى وعلى الوجه الأول يضمنهما جميعا، فأما ان زادت بالتعليم أو الصناعة
ثم نسبت ثم تعلمت ما نسيته فعادت القيمة الأولى لم يضمن النقص الأول لأن العلم الثاني هو الأول فقد
405

عاد ما ذهب، وان تعلمت علما آخر أو صناعة أخرى فهو كعود السمن فيه وجهان ذكره القاضي وهو
مذهب الشافعي، وقال أبو الخطاب متى زادت ثم نقصت ثم زادت مثل الزيادة الأولى ففي ذلك وجهان
سواء كانا من جنس كالسمن مرتين أو من جنسين كالسمن والتعلم والأول أولى
(مسألة) (وان كانت من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها) قد ذكرناه في المسألة قبلها
(مسألة) (وان غصب عبدا مفرطا في السمن فهزل فزادت قيمته أو لم ينقص رده ولا شئ عليه)
لأن الشرع إنما أوجب في هذا ما نقص من القيمة ولم يقدر بدله ولم تنقص القيمة فلم يجب شئ
(فصل) فإن نقصت عين المغصوب دون قيمته لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون الذاهب
مقدر البدل كعبد خصاه وزيت أغلاه ونقرة ضربها دراهم فنقصت عينها دون قيمتها فإنه يجب ضمان
النقص فيضمن العبد بقيمته ونقص الزيت والنقرة بمثلها مع رد الباقي منهما لأن الناقص من العين له بدل مقدر
فلزم ما يقدر به كما لو اذهب الكل (الثاني) أن لا يكون مقدرا كهزال العبد إذا لم تنقص قيمته وقد
ذكرناه (الثالث) أن يكون النقص مقدر البدل لكن الذاهب منه اجزاء غير مقصودة كعصير اغلاه فذهبت
مائيته وانعقدت اجزاؤه فقصت عينه دون قيمته فلا شئ فيه في أحد الوجهين سوى رده لأن النار إنما
أذهبت مائيته التي يقصد اذهابها ولهذا تزداد حلاوته وتكثر قيمته فهو كسمن العبد الذي لا تنقص به قيمته
إذا ذهب (والثاني) يجب ضمانه لأنه مقدر البدل فأشبه الزيت إذا أغلاه، ان نقصت العين والقيمة جميعا
وجب في الزيت وشبهه ضمان النقصين جميعا لأن كل واحد منهما مضمونا منفردا فكذلك إذا اجتمعا
406

وذلك مثل رطل زيت قيمته درهم فأغلاه فنقص ثلثه وصار قيمة الباقي درهم فعليه ثلث رطل
وسدس درهم وإن كان قيمة الباقي ثلثي درهم فليس عليه أكثر من ثلث رطل لأن قيمة الباقي لم تنقص
وان خصى العبد فنقصت قيمته فليس عليه أكثر من ضمان خصييه لأن ذلك بمنزلة ما لو فقأ عينه
(مسألة) (وان نقص المغصوب نقصا غير مستقر كخطة ابتلت وعفنت وخشي فسادها فعليه
ضمان نقصه) وقال القاضي عليه بدله لأن لا يعلم قدر نقصه وهذا منصوص الشافعي وله قول آخر أنه
يضمن نقصه وكلما نقص شئ ضمنه لأنه يستند إلى السبب الموجود في يد الغاصب فكان كالموجود في
يده وقال أبو الخطاب يتخير صاحبه بين أخذ بدله وبين تركه حتى يستقر فساده ويأخذ أرش
نقصه وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح، وقال أبو حنيفة يتخير بين أخذه ولا شئ له
أو تسليمه إلى الغاصب ويأخذ قيمته لأنه لو ضمن النقص مع أخذه لحصل له مثل كيله وزيادة وهذا
لا يجوز كما لو باع قفيزا جيدا بقفيز ردئ
ولنا أن عين ماله باقية وإنما حدث فيه نقص فوجب فيه ما نقص كما لو كان عبدا فمرض، وقد وافق
بعض أصحاب الشافعي على هذا في العفن وقال بضمن ما نقص قولا واحدا ولا يضمن ما تولد فيه
لأنه ليس من فعله وهذا الفرق لا يصح لأن البلل قد يكون من غير فعله أيضا وقد يكون العفن بسبب منه
ثم إن ما وجد في يد العاصب فهو مضمون عليه لوجوده في يده فلا فرق، وقول أبي حنيفة لا يصح
407

لأن الطعام عين ماله وليس ببدل عنه وقال شيخنا: وقول أبي الخطاب لا بأس به والله أعلم
(مسألة) (وان جنى المغصوب فعليه أرش جنايته سواء جنى على سيده أو غيره)
إذا جنى العبد المغصوب فجنايته مضمونة على الغاصب لأنه نقص في العبد الجاني لكون الجناية تتعلق
برقبته فكان مضمونا على الغاصب كسائر نقصه وسواء في ذلك ما يوجب القصاص أو المال ولا يلزمه
أكثر من النقص الذي لحق العبد وكذلك ان جنى على سيده لأنها من جملة جناياته فكان مضمونا
كالجناية على الا جني
(فصل) ويضمنه بأقل الامرين من قيمته أو أرش جنايته كما يفديه سيده، وان جنى على ما دون
النفس مثل أن قطع يدا فقطعت يده قصاصا فعلى الغاصب ما نقص العبد بذلك دون أرش اليد لأن
اليد ذهبت بسبب غيره مضمون فأشبه ما لو سقطت، وان عفي عنه على مال تعلق أرش اليد برقبته
وعلى الغاصب أقل الأمرين من قيمته أو أرش اليد، فإن زادت جناية العبد على قيمته ثم مات
فعلى الغاصب يدفعها إلى سيده فإذا أخذها تعلق أرش الجناية بها لأنها كانت متعلقة بالعبد فتعلقت
ببدله كما أن الرهن إذا أتلفه متلف وجبت قيمته وتعلق الرهن بها، فإذا اخذ ولي الجناية القيمة من
المالك رجع المالك على الغاصب بقيمته مرة أخرى لأن القيمة التي أخذها استحقت بسبب كان في يد
الغاصب فكان من ضمانه، ولو كان العبد وديعة فجنبي جناية استغرقت قيمته ثم إن المودع قتله بعدها
408

فعليه قيمته وتعلق بها أرش الجناية فإذا أخذها ولي الجناية لم يرجع على المودع لأنه جنبي وهو غير مضمون
عليه ولو جنى العبد في يد سيده جناية تستغرق قيمته بيع في الجنايتين وقسم ثمنه بينهما ورجع صاحب
العبد على الغاصب بما أخذه الثاني منهما لأن الجناية كانت في يده وكان للمجني عليه أولا أن يأخذه دون
الثاني لأن الذي يأخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا فلا يتعلق به حقه ويتعلق
به حق الأول لأنه بدل عن قيمة الجاني لا يزاحم فيه، وان مات هذا العبد في يد الغاصب فعليه قيمته
تقسيم بينهما ويرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة لأنه ضامن للجناية الثانية ويكون للمجني عليه
أولا أن يأخذه لما ذكرنا
(مسألة) (وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر) لأنه إذا جنى على أجنبي وجب أرشه على الغاصب
فلو وجب له شئ لوجب على نفسه فكان هدرا
(مسألة) (ويضمن زوائد الغصب كالولد والثمرة إذا تلفت أو نقصت كالأصل سواء كان منفردا
أو مع أصله مثل ثمرة الشجر وولد الحيوان)
وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يجب ضمان زوائد الغصب الا أن يطالب بها
فيمنع من أدائها لأنها غير مغصوبة فلا يجب ضمانها كالوديعة ودليل عدم الغصب أنه فعل محرم، بثبوت
يده على هذه الزوائد واثبات يده على الام محظور لا يصح لأنه بامساك الام تسبب إلى اثبات يده
409

(مسألة) (فإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز منه مثل أن خلط حنطة أو زيتا بمثله لزمه
مثله منه في أحد الوجهين وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء)
إذا خلط المغصوب بماله بحيث لا يتميز منه كزيت بزيت أو دقيق بمثله أو دراهم أو دنانير بمثلها
فقال ابن حامد يلزمه مثل المغصوب منه وهو ظاهر كلام أحمد لأنه لا نص على أن يكون شريكا له إذا خلطه
بغير جنسه فيكون تنبيها على ما إذا خلطه بجنسه وهو قول بعض الشافعية الا في الدقيق فإنه
تجب قيمته لأنه عندهم ليس بمثلي وقال القاضي قياس المذهب أنه يلزمه مثله من حيث شاء الغاصب لأنه
تعذر عليه رد عين ماله بالخلط أشبه ما لو تلف لأنه لا يتميز له شئ من ماله
ولنا أنه قدر على دفع بعض ماله إليه مع رد المثل في الباقي فلم يتنقل إلى المثل في الجميع كما لو
غصب صاعا فتلف بعضه وذلك لأنه إذا دفع إليه منه فقد دفع إليه بعض ماله وبدل الباقي فكان
أولى من دفعه من غيره
(مسألة) (وان خلطه بدونه أو خير منه أو بغير جنسه فله مثله في قياس التي قبلها)
وظاهر كلام أحمد أنهما شريكان بقدر ملكيهما فإنه قال في رواية أبي الحارث في رجل له رطل
زيت وآخر له رطل شيرج اختلطا يباع الدهن كله ويعطى كل واحد منهما قدر حصته وذلك أننا إذا
فعلنا ذلك أو صلنا إلى كل واحد منهما يدل عين ماله، وان نقص المغصوب عن قيمته منفردا فعلى الغاصب
410

ضمان النقص لأنه حصل بفعله، وقال القاضي قياس المذهب أن يلزم الغاصب مثله لأنه صار بالخلط
مستهلكا ولذلك لو اشترى زيتا فخلطه بزيته ثم أفلس صار البائع كبعض الغرماء لأنه تعذر عليه
الوصول إلى عين ماله فكان له بدله كما لو كان تالفا ويحتمل أن يحمل كلام أحمد على ما إذا اختلطا
من غير غصب. أما المغصوب فقد وجد من الغاصب ما منع المالك أخذ حقه من المثليات متميزا
فلزمه مله كما لو أتلفه.
(فصل) الا انه إذا خلطه يخير منه وبذل لصاحبه مثل حقه منه لزمه قبوله لأنه أوصل إليه بعض
حقه بعينه وتبرع بالزيادة في مثل الباقي، وان خلطه بأدنى منه فرضي المالك بأخذ قدر حقه منه لزم
الغاصب بذله لأنه أمكنه رد بعض المغصوب ورد مثل الباقي من غير ضرر وقيل لا يلزم الغاصب ذلك
لأن حقه انتقل إلى الذمة فلم يجبر على عين ماله، وان بذله للمغصوب منه فأباه لم يجبر على قبوله لأنه إن كان
دون حقه من الردئ أو دون حقه من الجيد لم يجز لأنه ربا لكونه يأخذ الزيادة في القدر عوضا عن
الجودة وإن كان بالعكس فرضي بأخذ دون حقه من الردئ أو سمح الغاصب بدفع أكثر من حقه من
الجيد جاز لأنه لا مقابل للزيادة وإنما هي تبرع مجرد، وان خلطه بغير جنسه فتراضيا على أن يأخذا كثر
من قدر حقه أو أقل جاز لأنه بماله من غير جنس فلا تحرم الزيادة بينهما
(فصل) وان خاله بما لا قيمة له كزيت خلطه بماء أو لبن شابه بماء فإن أمكن تخليصه خاصه ورده
411

ورد نقصه وان لم يكن تخليصه أو كان ذلك يفسده لزمه مثله لأنه صار كالهالك وإن كان يفسده رده ورد
نقصه وان احتج في تخليصه إلى غرامة لزم الغصب ذلك لأنه سببه ولأصحاب الشافعي في هذه
الفصول نحو ما ذكرنا.
(مسألة) (وان غصب ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بزيت وكان الصبغ والزيت من مال الغاصب فإن
نقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن لغاصب النقص)
لأنه بتعديه الا أن ينقص لتغير الأسعار فلا يضمن لما ذكرنا من قبل
(مسألة) (وان لم تنقص ولم تزد مثل أن كانت قيمة كل منهما خمسة فصارت
قيمتهما عشرة فهما شريكان)
لأن الصبغ والزيت عين مال له قيمة فإن تراضيا بتركه لهما جاز وان باعه فثمنه بينهما نصفين
(مسألة) (وإن زادت قيمتهما مثل ان كانت قيمة كل واحد منهما خمسة فصارت قيمتهما عشرين
فإن كان ذلك لزيادة الثياب في السوق كانت الزيادة لصاحب الثوب وان كانت لزيادة الصبغ فهي لصاحب
الصبغ وان كانت لزيادتهما معا فهي بينهما على قدر زيادة كل واحد منهما) فإن تساويا في الزيادة في السوق
تساوا صاحباها فيها وان زاد أحدهما ثمانية والآخر اثنين فهي بينهما كذلك، وان زاد أبا لعمل فالزيادة بينهما لأن
عمل الغاصب زاد به في الثوب والصبغ وما علمه في المغصوب للمغصوب منه إذا كان أثرا وزيادة مال الغاصب له
412

(مسألة) (وان أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ويحتمل ان يجبر إذا ضمن له الغاصب النقص)
إذا أراد الغاصب قطع الصبغ فقال أصحابنا له ذلك سواء أضر بالثوب أو لم يضر ويضمن
نقص الثوب ان نقص وبهذا قال الشافعي لأنه عين ماله فملك أخذه كما لو غرس في أرض غيره، ولم
يفرق أصحابنا بين ما يهلك صبغه بالقلع وبين مالا يهلك قال شيخنا وينبغي ان ما يهلك بالقلع لا يملك
قلعه لأنه سفه وظاهر كلام الخرقي أنه لا يملك قلعه إذا تضرر به الثوب لأنه قال في المشتري إذا بنى أو
غرس في الأرض المشفوعة فله أخذه إذا لم يكن في أخذه ضرر، وقال أبو حنيفة ليس له أخذه لأن
فيه اضرارا بالثوب المغصوب فلم يمكن منه كقطع خرقة منه، وفارق قلع الغرس لأن الضرر قليل ويحصل
به نفع قلع العروق من الأرض وان اختار المغصوب منه قلع الصبغ ففيه وجهان (أحدهما) يملك
اجبار الغاصب عليه كما يملك اجباره على قلع شجرة من أرضه وذلك لأنه شغل ملكه بملكه على وجه
أمكن تخليصه فلزمه تخليصه وان استضر الغاصب كقلع الشجر وعلى الغاصب ضمان نقص الثوب وأجر
بالاستخراج وقد أمكن وصول الحق إلى مستحقه بدونه بالبيع فلم يجبر على قلع كقلع الزرع من
الأرض، وفارق الشجر فإنه لا يتلف بالقلع قفال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد ولعله أخذ ذلك من قول
413

أحمد في الزرع وهذا مخالف للزرع لأن له غاية ينتهي إليها ولصاحب الأرض أخذه بنفقته فلا يمتنع
عليه استرجاع ارضه في الحال بخلاف الصبغ فإنه لا نهاية له الا تلف الثوب فهو أشبه بالشجة في الأرض
ولا يختص وجوب القلع في الشجر بما لا يتلف فإنه يجبر على قلع ما يتلف وما لا يتلف ولأصحاب
الشافعي وجهان كهذين.
(فصل) وان بذل رب الثوب قيمة الصبغ للغاصب ليملكه لم يجبر على قبوله لأنه اجبار على بيع
ماله فلم يجبر عليه كما لو بذل له قيمة الغراس ويحتمل أن يجبر على ذلك إذا لم يقلعه قياسا على الشجر
والبناء في الأرض المشفوعة والعارية وفي الأرض المغصوبة إذا لم يقله الغاصب ولأنه أمر يرتفع به النزاع
ويتخلص به أحدهما من صاحبه من غير ضرر فاجبر عليه كما ذكرنا، وان بذل الغصب قيمة الثوب لصاحبه
ليملكه لم يجبر على ذلك كما لو بذل صاحب الغرس قيمة الأرض لمالكها في هذه المواضع
(مسألة) (وان وهب الغاصب الصبغ للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها فهل يلزه قبوله؟
على وجهين) (أحدهما) يلزمه لأن الصبغ صار من صفات العين فهو كزيادة الصفة في المسلم فيه وهذا ظاهر
كلام الخرقي لأنه قال في الصداق إذا كان ثوبا فصبغته فبذلت له نصفه مصبوغا لزمه قبوله (والثاني)
لا يجبر لأنها أعيان متميزة فأشبهت الغراس، وان أراد المالك بيع الثوب وأبي الغاصب فله بيعه لأنه
ملكه فلا يملك الغاصب منعه من بيع ملكه بعدوانه وان أراد الغاصب بيعه لم يجبر المالك
414

على بيعه لأنه منه فلم يستحق إزالة ملك صاحب الثوب عنه بعدوانه ويحتمل أن يجبر ليصل
الغاصب إلى ثمن صبغه.
(مسألة) (وان غصب صبغا فصبغ به ثوبا أو زيتا فلت به سويقا احتمل أن يكون كذلك كما
إذا غصب ثوبا فصبغه حكمه كحكمه إذا كان الثوب والسويق للغاصب لأنه خلط المغصوب بماله
ويحتمل ان يلزمه قيمته أو مثله إن كان مثليا لأن المغصوب الصبغ وقد تفرق في الثوب وتلف
بخلاف المسألة المتقدمة.
(مسألة) (وان غصب ثوبا وصبغا فصبغه به رده وأرش نقصه ولا شئ في زيادته)
إذا غصب ثوبا وصبغا من واحد فصبغه به فلم تزد قيمتهما ولم تنقص أو زادت القيمة ردهما ولا
شئ عليه وليس للغاصب شئ في الزيادة لأنه إنما له في الصبغ أثر لا عين وان نقص لزمه ضمان النقص
لأنه بتعديه إلا أن ينقص لتغير الأسعار
(فصل) وان غصب ثوب رجل وصبغ آخر فصبغه به فإن كانت القيمتان بحالهما فهما شريكان بقدر
ماليهما وان زادت فالزيادة لهما وان نقصت بالصبغ فالضمان على الغاصب ويكون النقص من صاحب
الصبغ لأنه تبدد في الثوب ويرجع بها على الغاصب، وان نقص لنقص سعر الثياب أو الصبغ أو لنقص
سعرهما لم يضمنه الغاصب وكان نقص كل واحد منهما من صاحبه، وان أراد صاحب الصبغ قلمه أو أراد
415

ذلك صاحب الثوب فالحكم فيه كما لو صبغه الغاصب بصبغ من عنده على ما مر بيانه والحكم فيما إذا
غصب سويقا فلته بزيت أو عسلا ونشا فعقده حلواء حكم ما لو غصب ثوبا فصبغه على ما ذكر فيه
(فصل) (وان وطئ الجارية فعليه الحد والمهر وأرش البكارة) إذا غصب جارية فوطئها فهو زان
لأنها ليست زوجته ولا مك يمين وعليه حد الزنا إن كان عالما بالتحريم وعليه مهر مثلها
مكرهة كانت أو مطاوعة وقال الشافعي لامهر للمطاوعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن مهر البغي:
ولنا ان المهر حق للسيد فلم يسقط بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع يدها ولأنه حق للسيد يجب
مع الاكراه فيجب مع المطاوعة كأجر منافعها والخبر محمول على الحرة، ويجب أرش بكارتها لأنها بدل
جزء منها ويحتمل أن لا يجب لأنه يدخل في مهر الكبر ولهذا يزيد على مهر الثيب عادة لأجل ما
يتضمنه من تفويت البكارة ووجه الأول ان كل واحد منهما يضمن منفردا بدليل أنه لو وطئها ثيبا
وجب مهرها وإذا أفضاها بإصبعه وجب أرش بكارتها فكذلك وجب ان يضمنهما إذا اجتمعا وعنه لا
يلزمه مهر الثيب لأنه لم ينقصها ولم يؤلمها أشبه ما لو قبلها والأول أولى
(مسألة) (وان ولدت فالولد رقيق للسيد لأنه من نمائها وأجزائها ولا يلحق نسبه بالواطئ
لأنه من زنا وان وضعته حيا وجب رده معها كزوائد الغصب وان أسقطته ميتا لم يضمن لأنا لا نعلم
416

حياته قبل هذا هذا، قول القاضي وهو ظاهر مذهب الشافعي عند أصحابه وقال القاضي أبو الحسين
يجب ضمانه بقيمته لو كان حيا نص عليه الشافعي لأنه يضمنه لو سقط بضربة وما يضمن بالاتلاف يضمنه
الغاصب إذا تلف في يده كأجرة الأرض، قال شيخنا والأولى إن شاء الله انه يضمنه بعشر قيمة أمه
لأنه الذي يضمنه به في الجناية وان وضعته حيا ثم مات ضمنه بقيمته
(مسألة) (ويضمن نقص الولادة ولا ينجبر بزيادتها بالولد) وهذا مذهب الشافعي وقال أبو
حنيفة ينجبر نقصها بولدها.
ولنا ان ولدها ملك للمغصوب منه فلا ينجبر به نقص حصل بجناية الغاصب كالنقص الحاصل بغير
الولادة وان ضرب العاصب بطنها فألقت الجنين ميتا فعليه عشر قيمة أمه وان فعله أجنبي ففيه مثل
ذلك وللمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الضارب لأن الاتلاف وجد منه، وان ماتت الجارية
فعليه قيمتها أكثر ما كانت ويدخل في ذلك أرش بكارتها ونقص ولادتها ولا يدخل فيه ضمان ولدها
ولا مهر مثلها، ولا فرق في هذه الأحوال بين المكرهة والمطاوعة لأنها حقوق لسيدها ولا تسقط
بمطاوعتها وقد ذكرنا الخلاف في مهر المطاوعة، فاما حقوقا لله تعالى من الحد والتعزير فإن كانت مطاوعة
عالمة بالتحريم فعليها الحد إذا كانت من أهله وإلا فلا
(فصل) فإن كان الغاصب جاهلا بتحريم ذلك لقرب عهده بالاسلام أو ناشئا بيادية بعيدة يخفى
417

عليه مثل هذا أو اعتقدها أمته فاخذها ثم بان انها غيرها فلا حد عليه لأن الحدود تدرأ بالشبهات وعليه المهر
وأرش البكارة وان حملت فالولد حر لاعتقاده أنها ملكه ويحلقه النسب لمكان الشبهة وان وضعته
ميتا لم يضمنه لأنه لم يعلم حياته ولأنه لم يحل بينه وبينه وإنما وجب تقويمه لا جل الحيلولة وان وضعته
حيا فعليه قيمته يوم انفصاله لأنه فوت عليه رقه باعتقاده ولا يمكن تقويمه حملا فقوم عليه عند انفصاله
لأنه أول حال امكان تقويمه ولأنه وقت الحيلولة بينه وبين سيده، وان ضرب الغاصب بطنها فألقت
جنبنا ميتا فعليه غرة قيمتها خمس من الإبل موروثة عنه لا يرث الضارب منها شيئا لأنه أتلف جنبنا
حرا وعليه للسيد عشر قيمة أمه لأن الاسقاط لما يعقب الضرب ينسب إليه لأن الظاهر حصوله به وضمانه
للسيد ضمان المماليك ولهذا لو وضعته حيا قومناه مملوكا، وان ضربه أجبني فعليه غرة دية الجنين الحر
لأنه محكوم بحريته وتكون مورثة عنه وعلى الغاصب عشر قيمة أمه لأنه يضمنه ضمان المماليك وقد
فوت رقه على السيد وحصل التلف في يديه، والحكم في المهر والأرش والاجر ونقص الولادة وقيمتها
ان تلفت على ما ذكرنا ان كانا عالمين لأن هذه حقوق الآدميين فلا تسقط بالجهل والخطأ كالدية
(مسألة) (وان باعها أو وهبها لعالم بالغصب فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها وأجرتها
وقيمة ولدها ان تلف فإن ضمن الغاصب رجع على الآخر ولا يرجع الآخر عليه)
418

تصرف الغاصب في العين المضمونة فاسد لأنه تصرف في مال الغير بغير اذنه وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله
تعالى، فإذا باع الجارية المغصوبة أو وهبها لعالم بالنصب فوطئها فللمالك تضمين الغاصب لأنه السبب في
ايصالها إلى المشتري وله تضمين المشتري والمتهب لأنه المتلف ويستقر الضمان على المشتري لأن كل واحد منهما
غاصب لأن الغصب الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق وقد وجد منهما ولان كل واحد منهما يلزم ردها
إذا كانت في يده لأن يده عليها بغير حق وقد قال عليه الصلاة والسلام (على اليد ما اخذت حتى تؤدى)
ويلزم المشتري كل ما يلزم الغاصب من النقص والمهر وغيره لأنه غاصب وقد ذكرنا دليله في المسألة
قبلها الا أن المالك ان ضمن الغاصب رجع على المشتري والمتهب ولا يرجع الآخر على الغاصب بما
ضمنه لأنه المتلف فاستقر الضمان عليه
(مسألة) (وإن لم يعلما بالغصب فضمنهما رجعا على الغاصب) إذا باع الغاصب الجارية فبيعه فاسد
لما ذكرنا وفيه رواية أخرى أنه يصح ويقف على إجازة المالك وفيه رواية ثالثة أن البيع يصح لما
نذكره والتفريع على الرواية الأولى، والحكم في وطئ المشترى كالحكم في وطئ الغاصب الا أن المشتري
إذا ادعى الجهالة قبل منه بخلاف الغاصب فإنه لا يقبل منه إلا بالشرط الذي ذكرناه ويجب رد الجارية إلى
سيدها وللمالك مطالبة أيهما شاء بردها لأن الغاصب أخذها بغير حق والمشتري أخذ مال غيره بغير حق
419

أيضا فيدخل في عموم قوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) وهذا لا خلاف فيه بحمد الله
ويلزم المشتري المهر لأنه وطئ جارية غيره بغير نكاح وعليه أرش البكارة ونقص الولادة كالغاصب
ويلزم ذلك مع الجهل لأن الاتلاف لا يعذر فيه بالجهل والنسيان
(مسألة) (وإن ولدت منه فالولد حر) لأنه اعتقد أنه يطأ مملوكته فمنع ذلك انخلاق الولد رقيقا
ويلحقه النسب وعليه فداؤهم لأنه فوت رقهم على السيد باعتقاده حل الوطئ هذا الصحيح من المذهب
وعليه الأصحاب، وقد نقل ابن منصور عن أحمد أن المشتري لا يلزمه فداء أولاده وليس للسيد بدلهم لأنهم
كانوا في حال العلوق أحرارا ولم تكن لهم قيمة حينئذ قال الخلال أحسبه قولا لأبي عبد الله أول والذي
أذهب إليه أنه يفديهم وقد نقله ابن منصور أيضا وجعفر به محمد وهو قول أبي حنيفة والشافعي ويفديهم
ببدلهم يوم الوضع وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يجب يوم المطالبة لأن ولد المغصوب لا يضمنه
عنده إلا بالمنع وقيل المطالبة لم يحصل منع فلم تجب وقد ذكرنا فيما مضى أنه يحدث مضمونا عليه وقوم
يوم وضعه لأنه أول حال أمكن تقويمه
(مسألة) (ويفديه بمثله في صفاته تقريبا) هذا ظاهر قول الخرقي لأنهم أحرار والحر لا يضمن بقيمته
وقال أبو بكر يفديهم بمثلهم في القيمة وعن أحمد رواية ثالثة أنه يفديهم بقيمتهم حكاها أبو الخطاب
وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهي أصح إن شاء الله تعالى لأن الحيوان ليس بمثلي فيضمن بقيمته كسائر
420

المتقومات ولأنه لو أتلفه ضمنه بقيمته كذلك هذا
(مسألة) (ويرجع بذلك على الغاصب) يعنى بالمهر وما فدى به الأولاد لأن المشتري دخل على أن يسلم
له الأولاد وان يتمكن من الوطئ بغير عوض فإذا لم يسلم له ذلك فقد غره البائع فيرجع به عليه وان كانت
الجارية باقية ردها إلى سيدها ولا يرجع ببدلها لأنها ملك المغصوب منه رجعت عليه لكنه يرجع على
الغاصب بالثمن الذي أخذه منه لقوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)
(مسألة) (وان تلفت فعليه قيمتها لمالكها كما يلزمه نقصها ولا يرجع بها على الغاصب إن كان مشتريا)
لأن المشتري دخل مع الغاصب على أن يكون ضامنا لذلك بالثمن فإذا ضمنه القيمة لم يرجع بها لكنه
يرجع بالثمن لأن البيع باطل فلم يدخل الثمن في ملك الغاصب كما لو وجد العين باقية فاخذها المالك فإنه
يرجع بالثمن، فأما المتهب فيرجع بالقيمة على الغاصب لأنه دخل مع الغاصب على أن يسلم له العين فينبغي
ان يرجع بما غرم من قيمتها على الغاصب كقيمة الأولاد
(مسألة) (وعنه أن ما حصلت له منفعة كالأجرة والمهر وأرش البكارة لا يرجع به) وجملة ذلك أن
المالك إذا رجع على المشتري فأراد المشتري الرجوع على الغاصب فهو على ثلاثة اضرب: ضرب لا يرجع
به وهو قيمتها ان تلفت في يده وأرش بكارتها، وفيه رواية أخرى انه يرجع به كالمهر وبدل جزء من
اجزائها لأنه دخل مع الغاصب على أن يكون ضامنا لذلك بالثمن فإذا ضمنه لم يرجع به، وضرب يرجع
421

به وهو بدل الولد إذا ولدت منه لأنه دخل معه في العقد على أن لا يكون الولد مضمونا ولم يحصل من جهته
اتلاف وإنما الشرع أتلفه بحكم بيع الغاصب منه وكذلك نقص الولادة، وضرب اختلف فيه وهو مهر مثلها
واجر نفعها وفيه روايتان (إحداهما) يرجع به وهو قول الخرقي لأنه دخل العقد على أن يتلفه بغير
عوض فإذا غرمه رجع به كبدل الولد ونقص الولادة (والثانية) لا يرجع به وهو اختيار أبي بكر وقول أبي
حنيفة لأنه غرم ما استوفى بدله فلا يرجع كقيمة الجارية وبدل اجزائها وللشافعي قولان كالروايتين
(مسألة) (فإن ضمن الغاصب رجع على المشتري بما لا يرجع به عليه كما لو رجع به على المشتري
لا يرجع به المشتري على الغاصب) إذا رجع به المالك على الغاصب رجع الغاصب به على المشتري وكل ما لو
رجع به على المشتري رجع به المشتري على الغاصب إذا غرمه الغاصب لم يرجع به على المشتري لأنه
الضمان استقر على الغاصب فإن ردها حاملا فماتت من الوضع فهي مضمونة على الواطئ لأن التلف بسبب من جهته
(مسألة) (فإن ولدت من زوج فمات الولد ضمنه بقيمته) إذا اشترى الجارية المغصوبة من لا يعلم
بذلك فزوجها لغير عالم بالغصب فولدت من الزوج فهو مملوك لأنه من زوائدها ونمائها فيكون مضمونا
على من هو في يده بقيمته إذا تلف لأنه مال وليس بمثلي، وهل يرجع بها على الغاصب؟ على روايتين على
ما ذكرنا فيما إذا ضمن المشتري ما حصل به نفع ووجه الروايتين ما سبق
(فصل) إذا وهب المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه ولا يرجع به على أحد لأنه غاصب
422

ولم يغره أحد وان لم يعلم فلصاحبه تضمين أيهما شاء ويرجع المتهب على الواهب بقيمة العين والاجر
لأنه غيره وقال أبو حنيفة أيهما ضمن لم يرجع على الآخر
ولنا ان المتهب دخل على أن يسلم له العين فيجب ان يرجع بما غرم من قيمتها كقيمة الأولاد
فإنه وافقنا على الرجوع بها فأما الاجر والمهر وأرش البكارة ففيه وجهان مبنيان على الروايتين في المشتري
(مسألة) (وإن أعارها فتلفت عند المستعير استقر ضمان قيمتها عليه وضمان الاجر على الغاصب)
فإن ضمن المستعير مع علمه بالغصب لم يرجع على أحد وان ضمن الغاصب رجع على المستعير وان
لم يكن علم بالغصب فضمنه لم يرجع بقيمة العين لأنه قبضها على أنها مضمونة عليه، وفي الرجوع بالاجر
وجهان (أحدهما) يرجع لأنه دخل على أن المنافع غير مضمونة عليه (والثاني) لا يرجع به لأنه انتفع بها فقد
استوفى بدل ما غرم وكذلك الحكم فيما تلف من الاجزاء بالاستعمال إذا كانت العين وقت القبض أكثر قيمة من
يوم التلف فضمن الأكثر فينبغي أن يرجع بما بين القيمتين لأنه دخل على أنه لم يضمنه ولم يستوف
بدله فإن ردها المستعير على الغاصب لم يسقط عنه الضمان لأنه فوت الملك على مالكه بتسليمه إلى غير
مستحقه ويستقر الضمان على الغاصب ان حصل التلف في يده وكذلك الحكم في المودع
(مسألة) (وان اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقة وقلع غرسه وبناءه رجع المشتري
على البائع بما غرمه) ذكره القاضي في القسمة لأنه ببيعه إياها غره وأوهمه أنها ملكه وكان ذلك سبيا
423

في بنائه و غرسه فرجع عليه بما غرمه عليها كرجوعه بما أعطاه من ثمنها
(مسألة) (وان أطعم المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه) لكونه أتلف مال غيره بغير اذنه
عالما من غير تعرير وللمالك تضمين الغاصب لأنه حال بينه وبين ماله والاكل لأنه أتلف مال غيره
بغير إذنه وقبضه من يد ضامنه بغير إذن مالكه فإن ضمن الغاصب رجع على الآكل وان ضمن
الآكل لم يرجع على أحد
(مسألة) (وإن لم يعلم وقال له الغاصب كله فإنه طعامي استقر الضمان على الغاصب) لاعتراف، بان
الضمان باق عليه وان لم يلزم الآكل شئ ولأنه غر الآكل
(مسألة) (وإن لم يقل ففي أيهما يستقر عليه الضمان؟ وجهان) أحدهما يستقر الضمان على الآكل
وهو قول أبي حنيفة والشافعي في الجديد لأنه ضمن فلم يرجع به على أحد والثاني يستقر على الغاصب
لأنه غر الآكل وأطعمه على أنه لا يضمنه وهذا ظاهر كلام الخرقي وأيهما استقر عليه الضمان فغرم لم
يرجع على أحد وإن غرم صاحبه رجع عليه
(مسألة) (إن أطعمه لمالكه ولم يعلم لم يبرأ نص عليه) إذا أطعم المغصوب لمالكه فأكله عالما أنه
طعامه برئ الغاصب وإن لم يعلم وقال له كله فإنه طعامي استقر الضمان على الغاصب لما ذكرنا وإن كانت
له بينة بأنه طعام المغصوب منه، وإن لم يقبل ذلك بل قدمه إليه وقال كله فظاهر كلام أحمد أنه لا يبرأ
424

لأنه قال في رواية الأثرم في رجل له قبل رجل تبعة فأوصلها إليه على سبيل صدقة أو هدية فلم يعلم
فقال كيف هذا؟ هذا يرى أنه هدية يقول له هذا لك عندي، وهذا يدل على أنه لا يبرأ ههنا فيأكل
المالك طعامه بطريق الأولى لأنه ثم رد إليه يده وسلطانه وههنا بالتقديم إليه لم يعد إليه اليد والسلطان
فإنه لا يتمكن من التصرف فيه بكل ما يريد من أخذه وبيعه والصدقة به فلم يبرأ به الغاصب كما لو علفه
لدوابه ويتخرج أن يبرأ بناء على ما إذا أطعمه لأجنبي فإنه يستقر الضمان على الاكل في إحدى الروايتين
فكذلك ههنا وهذا مذب أبي حنيفة
(فصل) وإن وهب المغصوب لمالكه أو اهداء إليه برئ في الصحيح لأنه سلمه إليه تسليما تاما
وزالت يد الغاصب وكلام أحمد في رواية الأثرم محمول على ما إذا أعطاه عوض حقه على سبيل الهبة
فاخذه المالك على هذا الوجه لا على سبيل العوض فلم تثبت المعاوضة ومسئلتنا فيما إذا رد عليه عين ماله
وأعاد يده التي أزالها وان باعه إياه وسلمه إليه برئ من الضمان لأنه قبضه بالابتياع وهو موجب
للضمان وكذلك إن أقرضه إياه لما ذكرنا
(مسألة) (وان رهنه عند مالكه أو أودعه إياه أو أجره أو استأجره على قصارته أو خياطته
ولم يعلم لم يبرأ من الضمان)
لأنه لم يعد إليه سلطانه إنما قبضه على أنه أمانة، وقال بعض أصحابنا يبرأ رده إلى يده
425

وسلطانه وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والأول أولى فإنه لو أباحه أكله فأكله لم
يبرأ فههنا أولى.
(مسألة) (وان أعاره إياه برئ علم أو لم يعلم)
لأن العارية توجب الضمان على المستعير فلو وجب الضمان على الغاصب رجع به على المستعير ولا فائدة
في وجوب شئ عليه يرجع به على من وجب له
(مسألة) (وان اشترى عبدا فأعتقه فادعى رجل ان البائع غصبه فصدقه أحدهما لم يقبل على
الاخر وان صدقاه مع العبد لم يبطل العتق ويستقر الضمان على المشتري ويحتمل أن يبطل
العتق إذا صدقوه كلهم)
إذا أقام المدعي بينه بما ادعاه بطل البيع والعتق ويرجع المشتري على البائع بالثمن وان صدقه
البائع أو المشتري لم يقبل قول أحدهما على الآخر لأنه لا يقبل اقراره في حق غيره وان صدقاه
جميعا لم يبطل العتق وكان العبد حرا لأنه قد تعلق به حق لغيرهما فإن وافقهما العبد فقال القاضي لا
يقبل أيضا لأن الحرية حق يتعلق بها حق لله تعالى ولهذا لو شهد شاهدان بالعتق مع اتفاق السيد
والعبد على الرق قبلت شهادتهما، ولو قال رجل أنا حر ثم أقر بالرق لم يقبل اقراره وهذا مذهب الشافعي
ويحتمل أن يبطل العتق إذا اتفق عليه كلهم ويعود العبد إلى المدعي لأنه مجهول النسب أقر بالرق لمن
426

يدعيه فصح كما لو لم يعتقه المشتري، ومتى حكمنا بالحرية فللمالك تضمين أيهما شاء قيمته يوم عتقه فإن
ضمن البائع رجع على المشتري لأنه أتلفه وان ضمن المشتري لم يرجع على البائع الا بالثمن لأن التلف
حصل منه فاستقر الضمان عليه وان مات العبد فخالف مالا فهو للمدعي لاتفاقهم على أنه له وإنما لم يرد
العبد إليه لتعلق حق الحرية به الا أن يخلف وارثا فيأخذه وليس عليه ولاء لأن أحدا لا يدعيه
وان صدق المشتري البائع وحده رجع عليه بقيمته ولم يرجع المشتري بالثمن وبقية الأقسام على ما
نذكر في الفصل بعده
(فصل) وإن كان المشتري لم يعتقه وأقام المدعي بينة بما ادعاه انتقض البيع ورجع المشتري على
البائع بالثمن وكذلك إذا أقرا بذلك وان أقر أحدهما لم يقبل على الآخر فإن كان المقر البائع لزمته القيمة
للمدعي لأنه حال بينه وبين ملكه ويقر العبد في يد المشتري لأنه ملكه في الظاهر وللبائع احلافه
إن كان البائع لم يقبض الثمن فليس له مطالبة المشتري لأنه لا يدعيه ويحتمل أن يملك مطالبته بأقل
الامرين من الثمن أو قيمة العبد لأنه يدعي القيمة على المشتري والمشتري يقر له بالثمن فقد اتفقا على
استحقاق أقل الأمرين فوجب ولا يضر اختلافهما في السبب بعد اتفاقهما على حكمه كما لو قال لي
عليك الف من ثمن مبيع فقال بل الف من قرض وإن كان قد قبض الثمن فليس للمشتري استرجاعه
لأنه لا يدعيه ومتى عاد العبد إلى البائع بفسخ أو غيره لزمه رده إلى مدعيه وله استرجاع ما أخذ منه
427

وإن كان اقرار البائع في مدة الخيار انفسخ البيع لأنه يملك فسخه فقبل اقراره بما يفسخه وإن كان
المقر المشتري وحده لزمه رد العيب ولم يقبل اقراره على البائع ولا يملك الرجوع عليه بالثمن إن كان
قبضه وعليه دفعه إليه ان لم يكن قبضه فإن أقام المشتري بينة بما أقر به قبلت وله الرجوع بالثمن وإن كان
البائع المقر فأقام بينة فإن كان في حال البيع قال بعتك عبدي هذا أو ملكي لم تقبل بينته لأنه
تكذبها وان لم يكن قال ذلك قبلت لأنه يبيع ملكه وغيره، وان أقام المدعي البينة سمعت ولا تقبل
شهادة البائع له لأنه يجربها إلى نفسه نفعا وان أنكراه جميعا فله احلافهما قال احمد في رجل يجد
سرقته عند إنسان بعينها قال هو ملكه يأخذه اذهب إلى حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من وجد
متاعه عند رجل فهو أحق به ويتبع المبتاع من باعه) رواه هشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن
الحسن عن سمرة وموسى بن السائب ثقة
(فصل) قال رضي الله عنه (وان أتلف المغصوب ضمنه بمثله إن كان مكيلا أو موزونا)
متى تلف المغصوب في يد الغاصب لزمه رد بدله لقوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
ولأنه لما تعذر رد العين لزمه رد ما يقوم مقامها فإن كان المتلف مثليا كالمكيل والموزون مكيلا أو
موزونا وجب المثل قال ابن عبد البر كل مطعوم من مأكول أو مشروب فمجمع على أنه يجب على
مستهلكه مثله لا قيمته ولان المثل أقرب إليه من القيمة فهو مماثل له من طريق الصورة والمشاهدة
428

كالنص والمعنى والقيمة مماثلة من طريق الظن والاجتهاد فقدم ما طريقه المشاهدة كالنص لما كان طريقه
الادراك بالسماع كان أولى من القياس لأن طريقه الظن والاجتهاد
(مسألة) (وان أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه)
وقال القاضي تجب قيمته يوم قبض البدل لأنه الواجب المثل إلى حين قبض البدل بدليل أنه لو
وجد المثل بعد إعوازه لكان الواجب هو دون القيمة، وقال أبو حنيفة ومالك وأكثر أصحاب الشافعي
تجب قيمته يوم المحاكمة لأن القيمة لم تنتقل إلى ذمته إلا حين حكم بها الحاكم
ولنا ان القيمة وجبت في الذمة حين انقطاع المثل فاعتبرت القيمة حينئذ لتلف المتقوم ودليل وجوبها
حينئذ أنه يستحق طلبها واستيفاء ها ويجب على الغاصب أداؤها ولا ينفى وجوب المثل لأنه معجوز عنه
والتكليف يستدعي الوسع ولأنه لا يستحق طلب المثل ولا استيفاء ولا يجب على الآخر أداؤه فلم يكن واجبا
كحالة المحاكمة، وأما إذا قدر على المثل بعد فقده فإنه يعود وجوبه لأنه الأصل قدر عليه قبل أداء البدل
فأشبه القدرة على الماء بعد التيمم ولهذا لو قدر عليه بعد المحاكمة وقبل الاستيفاء استحق المالك طلبه وأخذه
وعنه تلزمه قيمته يوم تلفه لأن القيمة نما ثبتت في الذمة حين التلف لأنه قبل التلف يجب رده فإذا تلف
وجبت قيمته يوم تلفه كغير المثلي
(مسألة) (وان لم يكن مثليا ضمنه قول باقي الجماعة)
429

وحكي عن العنبري أنه يجب في كل شئ مثله لما روت جسرة بنت دجاجة عز عائشة رضي الله عنها
قالت ما رأيت صانعا مثل حفصة صنعت طعاما فبعثت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذني الأفكل فكسرت
الاناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت فقال (إنا مثل الاناء وطعام مثل الطعام) رواه أبو داود
وعن أنس ان أحد نساء النبي صلى الله عليه وسلم كسرت قصعة الأخرى فدفع النبي صلى الله عليه وسلم قصعة الكاسرة إلى
رسول صاحبة المكسورة وحبس المكسورة في بيته رواه الترمذي بنحوه وقال حسن صحيح
ولنا ما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل)
متفق عليه فأمر بالتقويم في حصة الشريك لأنها متلفة بالعتق ولم يأمر بالمثل والحديث محمول على
أنه جوز ذلك بالتراضي وعلم أنها ترضى به ولأن هذه الأشياء لا تتساوى أجزاؤها وتخلف صفاتها
فالقيمة فيها أعدل وأقرب إليها فكانت أولى ويكون ذلك يوم تلفه لما ذكرنا ويكون في بلده من نقده لأنه
موضع الضمان يعني يضمنه في البلد الذي غصبه فيه من نقده، ويتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه وهو
قول أبي حنيفة ومالك وروي عن أحمد لأنه قوته عليه بغصبه فكان عليه قيمة ما فوت عليه حين فوته وقد روي
عن أحمد في رجل أخذ من رجل أرطالا من كذا وكذا أعطاه على السعر يوم أخذه لا يوم محاسبته
ولذلك روي عنه في حوائج البقال عليه القيمة يوم الاخذ وهذا يدل على أن القيمة تعتبر يوم الغصب
والأولى أولى. قال شيخنا ويمكن التفريق بين هذا وبين الغصب من قبل أن ما أخذه ههنا بإذن مالكه
430

ملكه وحل له التصرف فيه فثبتت قيمته يوم ملكه ولم يعتبر ما ثبت في ذمته بتغير قيمة ما أخذه لأنه
ملكه والمغصوب ملك المغصوب منه والواجب رده لا قيمته، وإنما تثبت قيمته في الذمة يوم تلفه أو
انقطاع مثله فاعتبرت القيمة حينئذ وتغيرت بتغيره قبل ذلك، فأما إن كان المغصوب باقيا وتعذر رده
فأوجبنا رد قيمته فإنه يطالبه بها يوم قبضها لأن القيمة لم تثبت في الذمة قبل ذلك ولهذا يتخير بين أخذها
والمطالبة بها وبين الصبر إلى وقت إمكان الرد ومطالبة الغاصب بالسعي في رده وإنما يأخذ القيمة لأجل
الحيلولة بينه وبينه فيعتبر ما يقوم مقامه لأن ملكه لم يزل عنه بخلاف غيره
(فصل) وقد قال الخرقي فيمن غصب جارية حاملا فولدت في يديه ثم مات الولد أخذها سيدها
وقيمة ولدها أكثر ما كانت قيمته، فحمل القاضي قول الخرقي على ما إذا اختلفت القيمة لتغير الأسعار
وهو مذهب الشافعي، فعلى هذا إذا تلف المغصوب لزم الغاصب قيمته أكثر ما كانت من يوم الغصب
إلى يوم التلف لأن أكثر القيمتين فيه للمغصوب منه فإذا تعذر ردها ضمنه كقيمته يوم التلف، إنما
سقطت القيمة مع رد العين، والمذهب أن زيادة القيمة بتغير الأسعار غير مضمونة على الغاصب وقد ذكرنا
ذلك، وعلى هذا فكلام الخرقي محمول علي ما إذا اختلف القيمة لمعنى في المغصوب من كبر وصغر وسمن
وهزال ونسيان ونحو ذلك فالواجب القيمة أكثر ما كانت لأنهما مغصوبة في الحال التي زادت فيها
والزيادة لمالكها مضمونة على الغاصب على ما قدرناه بدليل أنه لورد العين ناقصة لزمه أرش نقصها
431

وهو بدل الزيادة فإذا ضمن الزيادة مع بقائها ضمنها عند تلفها بخلاف زيادة القيمة لتغير الأسعار فإنها
لا تضمن مع ردها فكذلك مع تلفها، وقولهم انها إنما سقطت مع رد العين لا يصح لأنها لو وجبت ما سقطت
بالرد كزيادة السمن قال القاضي ولم أجد عن أحمد رواية بأنها تضمن بأكثر القيمتين لتغير الأسعار فعلى
هذا تضمن بقيمتها يوم التلف وقد روي عن أحمد أنها تضمن بقيمتها يوم الغصب إلا أن الخلال قال
جبن أحمد عنه كأنه رجع إلى القول الأول وقد ذكرناه
(مسألة) (فإن كان مصوغا أو تبرا تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه) متى كان المصاغ تزيد
قيمته على وزنه أو تنقص والصناعة مباحة كحلي السناء وجب ضمانه بقيمته لكن يقومه بغير جنسه
فيقوم الذهب بالفضة والفضة بالذهب لئلا يفضي ذلك إلى الربا، وقال القاضي يجوز تقويمه بجنسه لأن
ذلك قيمته والصنعة لها قيمة بدليل أنه لو استأجره لعملها جاز، ولو كسر الحلي وجب عليه أرش ذلك
ويخالف البيع لأن الصنعة لا يقابلها العوض في العقود ويقابلها في الاتلاف ألا ترى أنها لا تنفرد
بالعقد وتنفرد بضمانها في الاتلاف؟ قال بعض أصحاب الشافعي هذا مذهب الشافعي وذكر بعضهم مثل
القول الأول وهو الذي ذكره أبو الخطاب لأن القيمة مأخوذة على سبيل العوض فالزيادة ربا كالبيع
وكالنقص، وقد قال أحمد في رواية ابن منصور إذا كسر الحلي يصلحه أحب إلي قال القاضي هذا محمول
على أنهما تراضيا بذلك لا على طريق الوجوب، فإن كانت الصناعة محرمة كالأواني وحلي الرجال المحرم
432

لم يجز ضمانه بأكثر من وزنه وجهاد واحدا لأن الصناعة لا قيمة لها شرعا
(مسألة) (فإن كان محلى بالنقدين معا قومه بما شاء منهما)
للحاجة وأعطاه بقيمته عوضا لئلا يفضي إلى الربا ولا يمكن تقويمه إلا بأحدهما لأنهما قيم الأموال
فدعت الحاجة إلى تقويمهما بأحدهما وليس أحدهما بأولى من الآخر فكانت الخيرة إليه في تقويمه
بما شاه منهما، والدليل على أنه لا يمكن تقويمه إلا بأحد النقدين انه لا يمكن تقويمه بكل واحد منهما
منفردا لعدم معرفة ما فيه منه ولان قيمة الحلية قد تنقص بالتحلية بها وقد تزيد ولا يمكن افرادها
بالبيع ولا بغيره من التصرفات وإنما يقوم المحلى كالسيف بان يقال كم قيمة هذا؟ ولو بيع ما كان الثمن
الا عوضا له لأن الحلية صارت فصة له وزينة فيه فكانت القيمة فيه موصوفا بهذا الصفة كقيمته
في بيعه والله أعلم.
(فصل) وقد ذكرنا ان ما تتماثل أجزاؤه وتتقارب كالأثمان والحبوب والادهان يضمن بمثله
وهذا لا خلاف فيه، فأما سائر المكيل والموزون فظاهر كلام أحمد أنه يضمنه بمثله أيضا فإنه قال في
رواية حرب ما كان من الدراهم والدنانير وما يكال ويوزن فظاهره وجوب المثل في كل مكيل وموزون
إلا أن يكون مما فيه صناعة مباحة كمعمول الحديد والنحاس والرصاص والصوف والشعر المغزول فإنه
يضمن بقيمته لأن الصناعة تؤثر في قيمته وهي مختلفة فالقيمة فيه أحصر فأشبه غير المكيل والموزون
433

وذكر القاضي ان النقرة والسبيكة من الأثمان والعنب والرطب والكمثرى إنما يضمن بقيمته، وظاهر كلام
أحمد يدل على ما قلنا وإنما خرج منه ما فيه الصناعة لما ذكرنا ويحتمل ان تضمن النقرة بقيمتها لتعذر
وجود مثله إلا بكسر النقود المضروبة وسبكها وفيه اتلاف
(مسألة) (وان تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقية كزوجي خف تلف أحدهما فعليه رد
الباقي وقيمة التالف وأرش النقص وقيل لا يلزم أرش النقص)
إذا غصب شيئين ينقصهما التفريق كزوجي خف أو مصراعي باب فتلف أحدهما رد الباقي وقيمة
التلف وأرش نقصهما فإذا كانت قيمتهما ستة دراهم، فصارت قيمة الباقي بعد التلف درهمين رده وأربعة
دراهم وفيه وجه آخر أنه لا يلزمه الا قيمة التالف مع رد الباقي وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي
لأنه لم يتلف غيره ولان نقص الباقي نقص قيمة فلا يضمنه كالنقص لتغير الأسعار.
ولنا أنه نقص حصل بجنايته فلزمه ضمانه كما لو غصب ثوبا فشقه ثم تلف أحد الشقين فإنه يلزمه
رد الباقي وقيمة التالف وأرش النقص ان نقص بخلاف نقص السعر فإنه لم يذهب من المغصوب عين
ولا معنى وههنا فوت معنى وهو امكان الانتفاع به وهذا هو الموجب لنقص قيمته وهو حاصل من
جهة الغاصب فينبغي أن يضمنه كما لو فوت بصره أو سمعه أو علقه أو فك تركيب باب ونحوه
434

(فصل) وإن غصب ثوبا فلبسه فأبلاه فنقص نصف قيمته ثم غلت الثياب فعادت قيمته كما كانت
مثل ان غصب ثوبا قيمته عشرة فنقصه لبسه حتى صارت قيمته خمسة ثم زادت قيمته فصارت عشرة رده
وأرش نقصه لأن ما تلف قبل غلاء الثوب ثبتت قيمته، في الذمة فلا يتغير ذلك بغلاء الثوب ولا رخصه
وكذلك لو رخصت الثياب فارت قيمته ثلاثة لم يلزم الغاصب إلا خمسة مع رد الثوب ولو تلف الثوب
كله وقيمته عشرة ثم غلت الثياب فصارت قيمته عشرين لم يضمن إلا عشرة لأنها تثبت في الذمة عشرة
فلا تزاد بغلاء الثياب ولا تنقص برخصها
(فصل) فإن غصب ثوبا أو زليا فذهب بعض أجزائه كخمل المنشفة فعليه أرش نقصه، وان
أقام عنده مدة لمثلها أجرة لزمته أجرته سواء استعمله أو تركه، ولو اجتمعا مثل ان أقام عنده مدة وذهب
بعض أجزائه فعليه ضمانهما معا الأجرة وأرش النقص سواء كان ذهاب الاجزاء بالاستعمال
كثوب ينقصه النسر نقص بنشره وبقي عنده مدة ضمن الاجر والنقص، وإن كان النقص بالاستعمال
كثوب لبسه فأبلاه فكذلك يضمنهما معا في أحد الوجهين والثاني يجب أكثر الامرين من الاجر
أو أرش النقص لأن ما نقص من الاجزاء في مقابلة الاجر ولذلك لا يضمن المستأجر تلك الأجزاء
ويتخرج لنا مثل ذلك.
ولنا أن كل واحد منهما ينفرد بالايجاب عن صاحبه فإذا اجتمعا وجبا كما لو أقام في يده مدة ثم
435

تلف والأجرة تجب في مقابلة من المنافع لا في مقابلة الاجزاء ولذلك يجب الاجر وان لم تفت
الاجزاء، وان لم يكن للمغصوب أجرة كثوب غير مخيط فليس على الغاصب إلا ضمان نقصه
(فصل) وإن نقص المغصوب عندا لغاصب ثم باعه فتلف عند المشتري فله تضمين من شاء منهما
إذا لم يكن النقص لتغير الأسعار وقد ذكرناه، فإن ضمن الغاصب ضمنه قيمته أكثر ما كانت من حين
الغصب إلى حين التلف لأنه في ضمانه من حين غصبه إلى يوم تلفه وان ضمن المشتري ضمنه قيمته أكثر
ما كانت من حين قبضه إلى يوم تلفه لأن ما قبل القبض لم يدخل في ضمانه، وان كانت له أجرة فله الرجوع
على الغاصب بجميعها وعلى المشتري بأجر مقامه في يده وبالباقي على الغاصب وقد مر الكلام في رجوع
كل واحد منهما على صاحبه
(مسألة) (وان غصب عبدا فابق أو فرسا فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته فإن قدر
عليه بعد رده وأخذ القيمة)
وجملته أن من غصب شيئا فعجز عن رده مع بقائه كعبد آبق فللمغصوب منه المطالبة ببدله فإذا
أخذه ملكه ولم يملك الغاصب العين المغصوبة بل متى قدر عليه لزمه رده ويسترد بدلها الذي أداه
وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يتخير المالك بين الصبر إلى امكان ردها فيستردها وبين تضمينه
إياها فيزول ملكه عنها وتصير ملكا للغاصب لا يلزمه ردها إلا أن يكون دفع دون قيمتها فهو له مع
436

يمينه لأن المالك ملك البدل فلا يبقى ملكه على المبدل كالبيع ولأنه تضمين فيما ينقل الملك فيه فنقله
كما لو خلط زيته بزيته.
ولنا ان المغصوب لا يصح ملكه بالبيع ههنا فلا يصح بالتضمين كالتالف ولأنه ضمن ما تعذر عليه
رده بخر وجه عن يده فلا يملكه بذلك كما لو كان المغصوب مدبرا وليس هذا جميعا بين البدل والمبدل
لأنه ملك القيمة لأجل الحيلولة لا على سبيل العوض ولهذا إذا رد المغصوب إليه رد القيمة عليه ولا
يثبه الزيت لأنه يجوز بيعه ولان حق صاحبه انقطع عنه لتعذر رده. إذا ثبت ذلك فإنه إذا قدر على
المغصوب رده ونماءه المنفصل والمتصل وأجر مثله إلى حين دفع بدله، ويجب على المالك ردما أخذه
بدلا عنه إلى الغاصب لأنه أخذه بالحيلولة وقد زالت فيجب رد ما أخذ من أجلها إن كان باقيا بعينه ورد
زيادته المتصلة لأنها تتبع في الفسوخ وهذا فسخ ولا يلزم منه رد زيادته المنفصلة لأنها وجدت في ملكه ولا
تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة المبيع المردود بعيب، وإن كان البدل تالفا فعليه مثله أو قيمته ان لم
يكن من ذوات الأمثال.
(مسألة) (وان غصب عصيرا فتخمر فعليه مثله)
لأنه تلف في يده فإن صار خلا وجب رده وما نقص من قيمة العصير ويسترجع ما أداه من بدله
وقال بعض أصحاب الشافعي يرد الخل ولا يسترجع البدل لأن العصير تلف بتخمره فوجب ضمانه فإن
437

عاد خلا كان كما لو هزلت الجارية السمينة ثم عاد سمنها فإنه يردها وأرش نقصها
ولنا ان الخل عن العصير تغير صفته وقد رده فكان له استرجاع ما أداه بدلا عنه كما لو غصبه فغصبه
منه غاصب ثم رده عليه وكما لو غصب حملا فصار كبشا، وأما السمن الأول فلنا فيه منع وان سلمنا فالثاني
غير الأول بخلاف مسئلتنا
(فصل) إذا غصب أثمانا فطالبه مالكها بها في بلد آخر وجب ردها إليه لأن الأثمان قيم الأموال
فلا يضر اختلاف قيمتها، وإن كان المغصوب من المتقومات لزم دفع قيمته في بلد الغصب وإن كان من
المثليات وقيمته في البلدين واحدة أو هي أقل في البلد الذي لقيه فيه فله مطالبته بمثله لأنه لا ضرر على
الغاصب فيه، وان كانت أكثر فليس له المثل لأنا لا نكلفه النقل إلى غير البلد الذي غصب فيه وله
المطالبة بقيمته في بلد الغصب، وفي جميع ذلك متى قدر على المغصوب أو المثل في بلد الغصب رده وأخذ
القيمة كما لو غصب عبدا فأبق.
(فصل) قال رضي الله عنه (فإن كانت للمغصوب أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده
سواء استوفى المنافع أو تركها تذهب) هذا المعروف في المذهب نص عليه أحمد في رواية الأثرم وبه
قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يضمن المنافع وهو الذي نصره أصحاب مالك وقد روى محمد بن الحكم
عن أحمد فيمن غصب دارا فسكنها عشرين سنة لا أجترئ أن أقول عليه سكنى ما سكن وهذا يدل على
438

توقفه عن إيجاب الاجر الا أن أبا بكر قال هذا قول قديم لأن محمد بن الحكم مات قبل أبي عبد الله
بعشرين سنة. واحتج من لم يوجب الاجر بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) وضمانها على الغاصب ولأنه
استوفى منفعته بغير عقد ولا شبهة ملك أشبه ما لو زنا بامرأة مطاوعة
ولنا ان كل ما ضمنه بالاتلاف في العقد الفاسد جاز أن يضمنه بمجرد الاتلاف كالأعيان ولأنه أتلف
متقوما فوجب ضمانه كالأعيان أو نقول مال متقوم مغصوب فوجب ضمانه كالعين وأما الخبر فوارد في
البيع ولا يدخل فيه الغاصب لأنه لا يجوز له الانتفاع بالمغصوب بالاجماع ولا يشبه الزنا لأنها رضيت
باتلاف منافعها بغير عوض ولا عقد يقتضي العوض فكان بمنزلة من أعاره دارا، ولو أكرهها عليه لزمه
مهرها، والخلاف فيما له منافع تستباح بعقد الإجارة كالعقار والثياب والدواب ونحوها فاما الغنم والشجر
والطير ونحوها فلا شئ فيها لأنها لا منافع لها يستحق بها عوض، ولو غصب جارية ولم يطأها ومضى عليها
زمن يمكن الوطئ فيه لم يضمن مهرها لأن منافع البضع لا تتلف إلا بالاستيفاء بخلاف غيرها ولأنها لا
تقدر بزمن فيتلفها مضي الزمن بخلاف المنفعة، ولو أطرق الفحل لم يضمن منفعته لأنه لا عوض له
لكن عليه ضمان نقصه
(مسألة) (وان تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه) لأنه بعد التلف لم تبقن له منفعة لم
يجب ضمانها كما لو أتلفه من غير غصب
439

(مسألة) (وان غصب شيئا فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة)
لأن منافعه إلى وقت أداء القيمة مملوكة لصاحبه فلزمه ضمانها وهل يلزم أجره من حين دفع بدله
إلى رده؟ فيه وجهان أصحهما لا يلزمه لأن استحق الانتفاع ببدله الذي أقيم مقامه فلم يستحق الانتفاع
به وبما قام مقامه والثاني له الاجر لأن العين باقية على ملكه والمنفعة له
(فصل) وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع والنكاح ونحوها باطلة
في إحدى الروايتين والأخرى صحيحة) تصرفات الغاصب كتصرف الفضولي وفيه روايتان أظهرهما
بطلانها والثانية صحتها ووقوفها على إجازة المالك وذكر شيخنا في الكتاب المشروح رواية أنها تقع
صحيحة وذكره أبو الخطاب وسواء في ذلك العبادات كالطهارة والصلاة والزكاة والحج والعقود كالبيع
والإجارة والنكاح وهذا ينبغي أن يتقيد في العقود بما لم يبطله المال، فاما ما اختار المالك ابطاله وأخذ
المعقود عليه فلا نعلم فيه خلافا وأما ما لم يدركه المالك فوجه التصحيح فيه ان الغاصب تطول مدته
وتكثر تصرفاته ففي القضاء ببطلانها ضرر كثير وربما عاد الضرر على المالك فإن الحكم بصحتها يقتضي
كون الربح للمالك والعوض نمائه وزيادته له الحكم ببطلانها يمنع ذلك
(مسألة) (وان أتجر بالدراهم فالربح لمالكها)
إذا غصب أثمانا فاتجر بها أو عروضا فباعها واتجر بثمنها فقال أصحابنا الربح للمالك والسلع
440

المشتراة له وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب إن كان الشراء بعين المال فالربح للمالك لأنه نماء
ملكه قال الشريف وعن أحمد أنه يتصدق وبه لو قوع الخلاف فيه
(مسألة) (وان اشترى في ذمته ثم نقدها احتمل أن يكون الربح للغاصب)
وكذلك ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأنه اشتري لنفسه في ذمته
فكان الشراء له والربح له، وعليه بدل المغصوب وهذا قياس قول الخرقي وذكر ذلك عن أحمد
واحتمل أن يكون للمالك لأنه نماء ملكه أشبه ما لو اشترى بعين المال وهذا المشهور في المذهب وقال
صاحب المحرر إذا اشترى في ذمته بنية نقدها لئلا يتخذ ذلك طريقا إلى غصب مال الغير والتجارة
به وان خسر فهو على الغاصب لأنه نقص حصل في المغصوب، وادفع المال إلى من يضارب به فالحكم
في الربح على ما ذكرنا وليس على المالك من أجر العامل شئ لأنه لم يأذن له في العمل في ماله وإن كان
المضارب عالما بالغاصب فلا أجر له لأنه متعد بالعمل ولم يغره أحد وان لم يعلم فعلى الغاصب أجر
مثله لأنه استعمله عملا بعوض لم يحصل له فلزمه أجره كالعقد الفاسد
(فصل) وان أجر الغاصب المغصوب فالإجارة باطلة في إحدى الروايات كالبيع وللمالك تضمين
أيهما شاء أجر المثل فإن ضمن المستأجر لم يرجع بذلك لأنه دخل في العقد على أنه يضمن المنفعة
441

ويسقط عنه في العقد وإن كان دفعه إلى الغاصب رجع به وان تلفت العين في يد المستأجر فلمالكها
تضمين من شاء منهما قيمتها فإن ضمن المستأجر رجع بذلك على الغارم لأنه دخل معه على أنه لا يضمن
العين ولم يحصل بدل في مقابلة ما غرم، وإن كان عالما بالغصب لم يرجع على الغاصب لأنه دخل على
بصيرة وحصل التلف في يده فاستقر الضمان عليه فإن ضمن الغاصب الاجر والقيمة رجع بالاجر على
المستأجر علم أو لم يعلم ويرجع بالقيمة إن كان المستأجر علم بالغصب وهذا قول الشافعي ومحمد بن الحسن
في هذا الفصل وحكي عن أبي حنيفة أن الاجر للغاصب دون صاحب الدار وهو فاسد لأن الاجر عوض
المنافع المملوكة لرب الدار فلم يملكها الغاصب كعوض الاجزاء
(مسألة) (وان اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره أو صناعة فيه فالقول قول الغاصب)
إذا اختلف المالك والغاصب في قيمة المغصوب ولا بينة فالقول قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته فلا
يلزمه ما لم يقم عليه حجة كما لو ادعى عليه دينا فأقر ببعضه وكذلك ان اختلفا في قدره فقال غصبتني
مائة قال بل خمسين لما ذكرنا وكذلك ان قال المالك كان كاتبا أو له صناعة فأنكر الغاصب فالقول قوله
لذلك فإن شهدت البينة بالصفة ثبتت
(مسألة) (وان اختلفا في رده أو عيب فيه فالقول قول المالك)
لأن الأصل عدم الرد وبقاؤه في يد الغاصب وان قال الغاصب كانت فيه سلعة أو أصبغ زائدة أو عيب
442

وأنكر المالك فالقول قوله لأن الأصل عدم ذلك، وان اختلفا بعد زيادة قيمة المغصوب في وقت الزيادة
فقال المالك زادت قبل تلفه وقال الغاصب بعد تلفه فالقول قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته وان
شاهدنا العبد معيبا فقال الغاصب كان معيبا قبل غصبه وقال المالك تعيب عندك فالقول قول الغاصب
لأنه غارم ولان الظاهر أن صفة العبد لم تتغير، ويتخرج أن القول قول المالك كما إذا اختلف البائع والمشتري
في العيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري؟ فإن فيه رواية أن القول قول البائع كذلك هذا،
وان غصبه خمرا فقال المالك تخلل عندك وأنكر الغاصب فالقول قوله لأن الأصل عدم تغيره وبراءة
ذمة الغاصب، وان اختلفا في تلفه فالقول قول الغاصب إذا ادعى التلف لأنه أعلم بذلك ويتعذر إقامة
البينة عليه فإذا حلف فللمالك المطالبة ببدله لأنه تعذر رد العين فلزم بدلها كما لو غصب عبدا فابق وقيل
ليس له المطالبة بالبدل لأنه لا يدعيه، وان قال غصبت مني حديثا قال بل عتيقا فالقول قول الغاصب
لأن الأصل عدم وجوب الحديث وللمالك المطالبة بالعتيق لأنه دون حقه، وان اختلفا في الثياب التي على
العبد فهي للغاصب لأنها في يده فكان القول قوله فيها ولم يثبت أنها كانت لمالك العبد
(مسألة) (وان بقيت في يده غصوب لا يعلم أربابها تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة)
لأنه عاجز عن ردها على أصحابها فإذا تصدق بها عنهم كان ثوباها لا ربابها فيسقط ذلك اثم غصبها ولان
قضاء الحقوق في الآخرة بالحسنات وحمل السيئات فإذا طلب منه عوض الغصب أحالهم بثواب الصدقة
443

وعنه في اللقطة لا تجوز الصدقة بها فيخرج هنا له دفعه فلى هذا له دفعه إلى نائب الإمام كالضوال
(فصل) قال رضي الله عنه (ومن أتلف مالا محترما لغيره ضمنه إذا كان بغير اذنه لا نعلم في ذلك خلافا)
لأنه فوته عليه فوجب عليه ضمانه كما لو غصبه فتلف عنده
(مسألة) (وان فتح قفصا عن طائر فطار أو حل قيد عبده أو رباط فرسه فذهبت ضمنه)
وبه قال ملك وقال أبو حنيفة والشافعي لا ضمان عليه الا أن يكون أهاجهما حتى ذهبا وقال أصحاب
الشافعي ان وقفا عبد الحل والفتح ثم ذهبا لم يضمنهما وان ذهبا عقيب ذلك ففيه قولان واحتجا بأن
لهما اختبارا وقد وجدت منهما المباشرة ومن الفاتح سبب غير ملجئ فإذا اجتمعا لم يتعلق الضمان بالسبب
كما لو حفر بئرا فجاء عبد لانسان فرمى نفسه فيها
ولنا أنه ذهب بسبب فعله فلزمه الضمان كما لو نفره أو ذهب عقيب فتحه وحله والمباشرة إنما
حصلت ممن لا يمكن إحالة الحكم عليه فيسقط كما لو نفر الطائر وأهاج الدابة وأشلى كلبا على صبي فقتله
أو أطلق نارا في متاع انسان فإن للنار فعلا لكن لما لم يكن إحالة الحكم عليها كان وجوده كعدمه
ولان الطائر وسائر الصيد من طبعه النفور وإنما يبقى بالمانع فإذا أزيل المانع ذهب بطبعه فكان ضمانه
على من أزال المانع كمن قطع علاقة قنديل فوقع فانكسر وهكذا لو حل قيد عبد فذهب أو أسير
فأفلس لأنه تلف بسبب فعله فأما ان فتح القفص وحل الفرس فبقيا واقفين فجاء انسان فنفرهما فذهبا
444

فالضمان على منفرهما لأن سببه أخص فاختص الضمان به كالدافع مع الحافر، وان وقع طائر انسان على
جدار فنفره انسان فطار لم يضمنه لأن تنفيره لم يكن سبب فواته فإنه كان ممتنعا قبل ذلك، وان رماه
فقلته ضمنه وإن كان في داره لأنه كان يمكنه تنفيره بغيره قتله وكذلك لو مر طائر في هواء داره
فرماه فقتله ضمنه لأنه لا يملك منع الطائر من هواء الدار فهو كما لو رماه في هواء دار غيره
(مسألة) (وان حل وكاء زق مائع أو جامد فاذابته الشمس أو بقي بعد حله فألقته الربح فاندفق ضمنه)
إذا حل وكاء زق مائع فاندفق أو كان جامدا فذاب بشمس أو سقط بريح أو زلزلة ضمنه سواء
خرج في الحال أو قليلة أو خرج منه شئ بل أسلفه فسقط أو ثقل أحد جانبيه فلم يزل يميل قليلا
قليلا حتى سقط لأنه تلف بسبب فعله وقال القاضي لا يضمن إذا سقط بريح أو زلزلة ويضمن فيها
سوى ذلك وبه قال أصحاب الشافعي، ولهم فيما إذا ذاب بالشمس وجهان قالوا لأن فعله غير ملجئ والمعنى
الحادث مباشره فلم يتعلق الضمان بفعله كما لو دفعه انسان
ولنا ان فعله سبب تلفه ولم يتخلل بينهما ما يمكن إحالة الحكم عليه فوجب عليه الضمان كما لو خرج
عقيب فعله أو مال قليلا قليلا وكما لو جرح انسانا فأصابه الحر أو البرد فسرت الجناية فإنه يضمن وأما إذا
دفعه إنسان فإن المتخلل بينهما مباشرة من يمكن الإحالة عليه بخلاف مسئلتنا
(مسألة) (وان ربط دابة في طريق فأتلفت أو اقتنى كلبا عقورا فعقر أو خرق ثوبا ضمن)
إذا أوقف الدابة في طريق ضيق ضمن ما جنت بيد أو رجل أو فم لأنه متعد بوقفها فيه وإن كان
الطريق واسعا ضمن في أحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لأن انتفاعه بالطريق مشروط بالسلامة
ولذلك لو ترك في الطريق طينا فزلق به إنسان ضمنه والثانية لا يضمن لأنه غير متعد بوقفها في الطريق
445

الواسع فلم يضمن كما لو وقفها في موات وفارق الطين فإنه متعد بتركه في الطريق وأما الكلب فيلزمه ضمان
ما أتلف لأنه تعدى بذلك فلزمه الضمان كما لو بنى في الطريق دكانا
(مسألة) (الا أن يكون دخل منزله بغير إذنه لأنه متعد بالدخول فقد تسبب إلى اتلاف نفسه
بجنايته، وان دخل بإذن المالك فعليه ضمانه لأنه تسبب إلى اتلافه فإن أتلف الكلب بغير العقر مثل
ان ولغ في إناء إنسان أو بال لم يضمنه لأن هذا لا يختص الكلب العقور قال القاضي وان اقتنى سنورا
يأكل أفراخ الناس ضمن ما أتلفه كالكلب العقور، ولافرق بين الليل والنهار فإن لم تكن له عادة بذلك
لم يضمن صاحبه جنايته كالكلب الذي ليس بعقور ولو أن الكلب العقور أو السنور حصل عند إنسان
من غير اقتنائه ولا اختياره فأفسد لم يضمنه لأنه لم يحصل الاتلاف بتسببه فإن اقتنى حماما أو غيره من
الطير فأرسله نهارا فلقط حبا لم يضمنه لأن العادة ارساله
(مسألة) (وقيل في الكلب روايتان في الجملة (إحداهما) يضمن سواء كان في منزل صاحبه أو
خارجا وسواء دخل باذن صاحب المنزل أو بغير إذنه لأن اقتناءه الكلب العقور سبب للعقر وأذى
الناس فضمن صاحبه كمن ربط دابة في طريق ضيق (والثانية) لا يضمن لقوله عليه الصلاة والسلام (جرح
العجماء جبار) ولأنه أتلف من غير أن تكون يد صاحبه عليه أشبه سائر البهائم
(مسألة) (وان أجج نارا في ملكه أو سقى أرضه فتعدى إلى ملك غيره فاتلفه ضمن إذا كان
قد أسرف فيه أو فرط والا فلا)
وجملته أنه إذا فعل ذلك لم يضمن إذا كان ما جرت به العادة من غير تفريط لأن غير متعد ولأنها
سراية فعل مباح فلا يضمن كسراية القود، وفارق من حل وكاء زق فاندفق لأنه متعد بحله ولان الغالب
خروج المائع من الزق المفتوح بخلاف هذا، فإن كان بتفريط منه أو اسراف بان أجج نارا تسري
446

في العادة لكثرتها أو في ريح شديدة تحملها أو فتح ماء كثيرا يتعدى أو فتح الماء في أرض غيره
أو أوقد في دار غيره ضمن ما تلف به وان سرى إلى غير الدار التي أوقد فيها والأرض التي فتح الماء
فيها لأنها سراية عدوان أشبهت سراية الجرح الذي تعدى به ولذلك إن يبست النار أغصان شجرة غيره
يضمن لأن ذلك لا يكون الا من نار كثيرة الا أن تكون الأغصان في هوائه فلا يضمن لأن دخولها
إليه غير مستحق فلا يمنع من التصرف في داره لحرمتها ومذهب الشافعي كما ذكرنا
في هذا الفصل.
(فصل) وان ألقت الريح إلى داره ثوب غيره لزمه حفظه لأنه أمانة حصلت تحت يده أشبهت
اللقطة فإن لم يعرف صاحبه فهو لقطة يثبت فيها أحكامها وان عرف صاحبه لزمه إعلامه فإن لم يفعل
ضمنه لأنه أمسك مال غيره بغير إذنه من غيرت عريف فهو كالغاصب، وان سقط طائر في داره لم يلزمه
حفظه ولا إعلام صاحبه لأنه محفوظ بنفسه إلا أن يكون غير ممتنع فهو كالثوب وان دخل برجه فأغلق عليه
الباب ناويا إمساكه لنفسه ضمنه لأنه أمسك مال غيره لنفسه فهو كالغاصب وإلا فلا ضمان عليه لأنه
يتصرف في برجه كيف شاء فلا يضمن مال غيره بتلفه ضمنا لتصرفه الذي لم يتعد فيه
(مسألة) (وان حفر في فنائه بئرا لنفسه ضمن ما تلف به، والفناء ما كان خارج الدار قريبا منها)
إذا حفر في الطريق بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها سواء حفرها باذن الإمام أو بغير إذنه وسواء
كان فيها ضرر أولا وقال أصحاب الشافعي ان حفرها باذن الإمام لم يضمن لأن للإمام أن يأذن في
الانتفاع بما لا ضرر فيه بدليل أنه يجوز ان يأذن في العقود فيه ويقطعه لمن يبيع فيه
ولنا أنه تلف بحفر حفره في مكان مشترك بغير إذن أهله لغير مصلحتهم فضمن كما لو لم يأذن
فيه الإمام ولا نسلم أن للإمام الاذن في هذا وإنما جاز الاذن في العقود لأنه لا يدوم ويمكن إزالته في
الحال أشبه العقود في المسجد ولأن العقود حائز من غير اذن الإمام بخلاف الحفر
447

(مسألة) (وان حفرها في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن في أصح الروايتين)
مثل أن يحفرها لينزل فيها ماء المطر أو ليشرب منه المارة ونحو هذا فلا يضمن لأنه محسن بفعله غير متعد
أشبه باسط الحصير في المسجد، وقال بعض أصحابنا لا يضمن إذا كان باذن الإمام وإن كان بغير اذنه لم
يضمن في إحدى الروايتين فإن أحمد قال في رواية إسحاق بن إبراهيم إذا أحدث بئرا لماء المطر فيه نفع
للمسلمين أرجو أن لا يضمن والثانية يضمن أوما إليه أحمد لأنه اقتات على الإمام ولم يذكر القاضي
سوى هذه الرواية، والصحيح الأول لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه ويشق استئذان الإمام فيه وتعم
البلوى به ففي وجوب الاستئذان فيه تفويت لهذه المصلحة العامة لأنه لا يكاد يوجد من يتحمل كلفة
الاستئذان والحفر معا فتضيع هذه المصلحة فوجب سقوط الاستئذان كما في سائر المصالح العامة من
بسط حصير في المسجد أو وضع سراج أو رم شعث وأشباه ذلك وحكم البناء في الطريق حكم الحفر
فيها على ما ذكرنا من التفصيل والخلاف وهو أنه متى بنى بناء يضر لكونه في طريق ضيق أو واسع
إلا أنه يضر بالمارة أو بناه لنفسه ضمن ما تلف به وساء في ذلك كله اذن الإمام وعدم الإذن قال
شيخنا ويحتمل ان يعتبر اذن الإمام في البناء لنفع المسلمين دون الحفر لأن الحفر تدعو الحاجة إليه
لنفع الطريق واصلاحها وإزالة الطين والماء منها بخلاف البناء فجرى حفرها مجرى تبقيتها وحفر هدفة
منها وقلع حجر يضر بالمارة ووضع الحصى في حفرة فيها ليسهلها، ويملكها بإزالة الطين ونحوه منها تسقيف
ساقية فيها ووضع حجر في طين فيها ليطأ الناس عليها فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به لا نعلم
فيه خلافا وكذلك ينبغي أن يكون في بناء القناطر ويحتمل أن يعتبر إذن الإمام فيها لأن مصلحته لا تعم
بخلاف غيره قال بعض أصحابنا في حفر البئر ينبغي أن يتقيد سقوط الضمان إذا حفرها في مكان مائل
عن القارعة وجعل عليه حاجزا يعلم به ليتوقى
(فصل) وان حفر العبد بسرا في ملك إنسان بغير إذنه أو في طريق يتضرر به ثم أعتق ثم تلف
بها شئ ضمنه العبد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة الضمان على السيد لأن الجناية بالحفر
448

في حال رقه فكان ضمان جنايته حينئذ على سيده ولا يزال ذلك بعتقه كما لو جرح في حال رقه
ثم سرى جرحه بعد عتقه
ولنا ان التلف الموجب للضمان وجد بعد العتق فكان الضمان عليه كما لو اشترى سيفا في حال رقه
ثم قتل به بعد عتقه وفارق ما قاسوا عليه لأن الاتلاف الموجب للضمان وجد حال رقه وههنا حصل
بعد عتقه وكذلك القول في نصيب حجر أو غيره من الأسباب التي يجب بها الضمان
(مسألة) (وان بسط في مسجد حصيرا أو علق فيه قنديلا أو سقفه أو نصب عليه بابا أو جعل فيه
رقا لينتفع به الناس فتلف به شئ فلا ضمان عليه) وقال أصحاب الشافعي ان فعل شيئا من ذلك بغير اذن
الإمام ضمن في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة يضمن إذا لم يأذن فيه الجيران
ولنا أن هذا فعل أحسن به ولم يتعد فيه فلم يضمن ما تلف به كما لو أذن فيه الإمام والجيران ولأنه فعل
ما ينتفع به المسلمون غالبا فلم يضمن كمن مهد الطريق ولان هذا مأذون فيه عرفا لأن العادة جارية
بالتبرع به من غير استئذان فلم يضمن فاعله كالمأذون فيه نطقا
(مسألة) (وان جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان فتلف لم يضمن في أحد الوجهين)
لأنه جلس في مكان له الجلوس فيه من غير تعد على أحد، وفي الآخر يضمن لأن الطريق إنما جعلت للمرور
فيها لا الجلوس، والمسجد للصلاة وذكر الله تعالى والأول أولى لأنه فعل فلا مباحا، وقولهم ان الطريق
إنما جعلت للمرور ممنوع فإن الطريق الواسع يجلس فيه عادة وكذلك المسجد جعل للصلاة وانتظارها
والاعتكاف فيه في جميع الأوقات وبعضها لا تباح الصلاة فيه ولان انتظار الصلاة والاعتكاف قربة
فلم يتعلق به الضمان كالصلاة والله أعلم
(مسألة) (وان أخرج جناحا أو ميزابا إلى الطريق فسقط على شئ فأتلفه ضمن)
وجملة ذلك أنه إذا أخرج إلى الطريق النافذ جناحا أو ساباطا فسقط أو شئ منه على شئ فأتلفه ضمنه المخرج وقال
449

أصحاب الشافعي ان وقعت خشبة ليست مركبة على حائط وجب نصف الضمان لأنه تلف بما وضعه على
ملكه وملك غيره فيقسم الضمان عليهما. ولنا أنه تلف بما أخرجه إلى هوا الطريق فكما لو بنى حائطه
مائلا إلى الطريق أو كما لو لم تكن الخشبة الساقطة موضوعة على الحائط ولأنه اخراج يضمن به البعض
فضمن به الكل كالذي ذكرنا ولأنه تلف بعدوانه فضمنه كما لو وضع البناء على أرض الطريق والدليل
على عدوانه وجوب ضمان البعض لأنه لو كان مباحا لم يضمن به كسائر المباحات، ولأن هذه خشبة لو
سقط الخارج مها حسب فأتلف شيئا ضمنه فيجب أن يضمن ما أتلف جميعها كسائر المواضع التي يجب
الضمان فيها ولأننا لم نعلم موضعا يجب الضمان كله ببعض الخشبة ونصفه بجميعها، وإن كان اخراج الجناح
إلى درب غير نافذ بغير اذن أهله ضمن ما تلف به وإن كان باذنهم فلا ضمان عليه لأنه غير متعد فيه
(فصل) وان أخرج ميزابا إلى الطريق النافذ فسقط على انسان أو شئ فأتلفه ضمن وبهذا قال
أبو حنيفة وحكي عن مالك أنه لا يضمن ما أتلفه لأنه غير متعد باخراجه فلم يضمن ما تلف به كما لو أخرجه إلى
ملكه وقال الشافعي ان سقط كله فعليه نصف الضمان لأنه تلف بما وضعه على ملكه وملك غيره وان انقصف
الميزاب فسقط منه الخارج حسب ضمن الجميع لأنه كله في غير ملكه
ولنا ما سبق في الجناح ولا نسلم أن اخراجه مباح بل هو محرم لأنه أخرج إلى هواء ملك غيره شيئا
يضربه أشبه ما أخرجه إلى ملك آدمي معين بغير اذنه، فأما ان أخرجه إلى ملك آدمي معين بغير اذنه فهو
متعد ويضمن ما تلف به لا نعلم في ذلك خلافا
(مسألة) (وان مال حائطه فلم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه نص عليه وأومأ في موضع انه ان
تقدم إليه لنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن)
إذا كان في ملكه حائط مستو أو مائل إلى ملكه أو بناء كذلك فسقط من غير استهدام ولا ميل
فلا ضمان على صاحبه فيما تلف به لأنه لم يتعد ببنائه ولا حصل منه تفريط بابقائه وان مال قبل وقوعه إلى
ملكه ولم يتجاوزه فلا ضمان عليه أيضا لأنه بمنزلة بنائه مائلا في ملكه وإن مال قبل وقوعه إلى هواء
الطريق أو إلى ملك انسان أو ملك مشترك بينه وبين غيره وكان بحيث لا يمكنه نقضه فلا ضمان عليه لأنه
لم يتعد ببنائه ولا فرط في ترك نقضه لعجزه عنه أشبه ما لو سقط من غير ميل، فإن أمكنه نقضه ولم
450

ينقضه ولم يطالب بذلك لم يضمن في المنصوص عن أحمد وهو الظاهر عن الشافعي ونحوه قول الحسن والنخعي
والثوري وأصحاب الرأي لأنه بناه في ملكه والميل حادث بغير فعله أشبه ما لو وقع ميله، وذكر بعض
أصحابنا فيه وجها آخر ان عليه الضمان وهو قول ابن أبي ليلى وأبي ثور وإسحاق لأنه متعد بتركه مائلا
فضمن ما تلف به كما لو بناه مائلا إلى ذلك ابتداء ولأنه لو طولب بنقضه فلم يفعل ضمن ما تلف به ولو لم يكن
موجبا للضمان لم يضمن بالمطالبة كما لو لم يكن مائلا أو كان مائلا إلى ملكه، وأما ان طولب بنقضه فلم يفعل فقد
توقف أحمد عن الجواب فيها وقال أصحابنا يضمن وقد أومأ إليه أحمد وهو مذهب مالك ونحو قال الحسن
والنخعي والثوري، وقال أبو حنيفة الاستحسان ان يضمن لأن حق الجواز للمسلمين وميل الحائط
يمنعهم ذلك فكان لهم المطالبة بإزالته فإذا لم يزله ضمن كما لو وضع شيئا على حائط نفسه فسقط في
ملك غيره فطولب برفعه فلم يفعل حتى عثر به انسان، وفيه وجه آخر لا ضمان عليه قال أبو حنيفة
وهو القياس لأنه بناه في ملكه ولم يسقط بفعله فأشبه ما لو لم يطالب بنقضه أو سقط قبل ميله أولم
يمكنه نقضه، ولأنه لو وجب الضمان به لم تشترط المطالبة به كما لو بناه مائلا إلى غير ملكه فإن قلنا
عليه الضمان إذا طولب فإن المطالبة من كل مسلم أو ذمي توجب المضان إذا كان ميله إلى الطريق لأن
لكل واحد منهم حق المرور فكانت له المطالبة كما لو مال الحائط إلى ملك جماعة فإن لكل واحد
منهم المطالبة وإذا طالب واحد فاستأجله صاحب الحائط أو أجله الإمام لم يسقط عنه الضمان لأن
الحق لجميع المسلمين فلا يملك الواحد منهم اسقاطه وان كانت المطالبة لمستأجر الدار ومرتهنيها ومستعيرها
ومستودعها فلا ضمان عليهم لأنهم لا يملكون القبض و ليس الحائط ملكها لهم وان طولب المالك في
هذه الحال فلم يمكنه استرجاع الدار ونقض الحائط فلا ضمان عليه لعدم تفريطه وان أمكنه استرجاعها
كالمعير و المودع والراهن إذا أمكنه فكاك الرهن فم يفعل ضمن لأنه أمكنه النقض، وإن كان
451

المالك محجورا عليه لسفه أو صغر أو جنون فطولب هو لم يلزمه الضمان لأنه ليس أهلا للمطالبة وان
طولب وليه أو وصيه فلم ينقضه فالضمان على المالك لأن سبب الضمان ماله فكان الضمان عليه دون
التصرف كالوكيل مع الموكل وإن كان الملك مشتركا بين جماعة فطولب أحدهم بنقضه احتمل وجهين
أحدهما لا يلزمه شئ لأنه لا يمكنه نقضه بدون إذنهم فهو كالعاجز والثاني يلزمه بحصته لأنه يتمكن
من النقض بمطالبته شركاءه والزامهم النقض فصار بذلك مفرطا فإن كان ميل الحائط إلى ملك آدمي
معين اما واحد أو جماعة فالحكم على ما ذكرنا إلا أن المطالبة تكون للمالك أو ساكن الملك الذي
مال إليه دون غيره، وإن كان لجماعة فأيهم طالب وجب النقض بمطالبته كما لو طالب واحد بنقض
المائل إلى الطريق إلا أنه متى طولب إلا أنه متى طولب ثم اجله صاحب الملك أو أبرأه منه أو فعل ذلك ساكن الدار
التي مال إليها جاز لأن الحق له وهو يملك اسقاطه، وان مال إلى درب غير نافذ فالحق لأهل الدرب
والمطالبة لهم لأن الملك لهم يلزم النقض بمطالبة أحدهم ولا يبرأ بابرائه وتأجيله الا ان يرضى بذلك
جميعهم لأن الحق للجميع.
(فصل) وان لم يمل الحائط لكن تشقق فإن لم يخش سقوطه لكون سقوطه بالطول لم يجب
نقضه وحكمه حكم الصحيح قياسا عليه وان خيف وقوعه لكونه مشقوقا بالعرض فحكمه حكم المائل
لأنه يخاف منه التلف أشبه المائل
(فصل) ولو بنى في ملكه حائط مائلا إلى الطريق أو إلى ملك غيره فتلف به شئ أو سقط على شئ
أتلفه ضمن لتعديه فإنه ليس له النباء في هواء ملك غيره أو هواء مشترك ولأنه يعرضه للوقوع
على غيره في غير ملكه أشبه ما لو نصب فيه منجلا يصيد به وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا
(فصل) إذا تقدم إلى صاحب الحائط المائل بنقضه فباعه مائلا فسقط على شئ فتلف به فلا
452

ضمان على بائعه لأنه ليس بملكه ولا على المشتري لأنه لم يطالب بنقضه وكذلك ان وهبه واقبضه وان
قلنا بلزوم الهبة زال الضمان عنه بمجرد العقد، وإذا وجب الضمان عنه وكان التلف به آدميا فالدية على عاقلته
فإن أنكرت العاقلة كون الحائط لصاحبهم لم يلزمهم إلا أن يثبت ذلك ببينة لأن الأصل عدم الوجوب
عليهم فلا يجب بالشك وان اعترف صاحب الحائط فالضمان عليه دونهم لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف
وكذلك ان أنكروا مطالبته بنقضه فالحكم على ما ذكرنا وإن كان الحائط في يد صاحبهم وهو ساكن في
الدار لم يثبت بذلك الوجوب عليهم لأن دلالة ذلك على الملك من جهة الظاهر والظاهر لا تثبت به
الحقوق وإنما ترجح به الدعوى
(مسألة) (وما أتلفت البهية فلا ضمان على صاحبها الا أن تكون في يد إنسان كالراكب والسائق
والقائد قد يضمن ما جنت يدها أو فمها دون ما جنت رجلها) إذا أتلف البهيمة شيئا فلا ضمان على
صاحبها إذا لم تكن يد أحد عليه القول النبي صلى الله عليه وسلم (العجماء جرحها جبار) يعني هدرا فاما ان كانت يد
صاحبها عليها كالراكب والسائق القائد فإنه يضمن وهذا قول شريح وأبي حنيفة والشافعي وقال مالك
لا ضمان عليه لما ذكرنا من الحديث ولأنه جناية بهيمة فلم يضمنها كما لو لم تكن يده عليها
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (والرجل جبار) رواه سعيد باسناده عن الهزيل بن شرحبيل عن النبي صلى الله عليه وسلم
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخصيص الرجل بكونه جبارا دليل على وجوب الضمان في جناية
غيرها ولأنه يمكنه حفظها من الجناية إذا كان راكبها أو يده عليها بخلاف من لا يدله عليه وحديثه
محمول على من لا يدله عليها
(فصل) ولا يضمن ما جنت برجلها وبه قال أبو حنيفة وعن أحمد رواية أخرى أنه يضمنها وهو
قول شريح والشافعي لأنه من جناية بهيمة يده عليها فضمنه كجناية يدها
453

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل جبار) ولأنه لا يملك حفظ رجلها عن الجناية فلم يضمنها
كما لو لم يكن يده، عليها فاما ان كانت جنايتها بفعله مثل أن كبحها أو ضربها في وجهها ونحو ذلك
فإنه يضمن جناية رجلها لأنه السبب في جنايتها فكان عليه ضمانها ولو كان السبب غيره
مثل أن نخسها أو نفرها فالضمان على من فعل ذلك دون راكبها وسائقها وقائدها لأنه السبب في جنايتها
(فصل) فإن كان على الدابة راكبان فالضمان على الأول منهما لأنه المتصرف فيها القادر على
كفها الا أن يكون الأول منهما صغيرا أو مريضا ونحوهما ويكون الثاني هو المتولي لتدبيرها فيكون
الضمان عليه فإن كان مع الدابة قائد وسائق فالضمان عليهما لأن كل واحد منهما لو انفرد ضمن
فإذا اجتمعا ضمنا، وإن كان معهما أو مع أحدهما راكب فالضمان عليهم جميعا في أحد الوجهين لذلك
والثاني الضمان على الراكب لأنه أقوى يدا وتصرفا، ويحتمل أن يكون على القائد لأنه لاحكم للراكب معه
(فصل) والجمل المقطور على الجمل الذي عليه راكب يضمن جنايته لأنه في حكم القائد فاما الجمل
المقطور على الجمل الثاني فينبغي أن لا يضمن جنايته إلا أن يكون له سائق لأن الراكب الأول لا
يمكنه حفظه عن الجناية، ولو كان مع الدابة ولدها لم يضمن جنايته لأنه لا يمكنه حفظه وذكر ابن
أبي موسى في الارشاد أنه يضمن قال لأنه يمكنه ضبطه بالشد
(مسألة) (ويضمن ما أفسدت من الزرع والشجر ليلا ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهارا)
يعني إذا لم تكن يد أحد عليها وهذا قول مالك والشافعي وأكثر فقهاء الحجاز وقال الليث يضمن
مالكها ما أفسدته ليلا ونهارا بأقل الامرين من قيمتها أو قدر ما أتلفته كالعبد إذا جنبي، وقال أبو
حنيفة لا ضمان عليه بحال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العجماء جرحها جبار) يعني هدرا ولأنها أفسدت وليست
يده عليها فلم يضمن كالنهار أو كما لو أتلفت غير الزرع
ولنا ما روى مالك عن الزهري عن حزام بن سعيد بن محيصة ان ناقة للبراء دخلت حائط قوم
فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت بالليل فهو
مضمون عليهم. قال ابن عبد البر إن كان هذا مرسلا فهو مشهور حدث به الأئمة الثقاة وتلقاه فقهاء
الحجاز بالقبول ولان العادة من أهل المواشي إرسالها في النهار للرعي وحفظها ليلا وعادة أهل الحوائط
حفظها نهارا دون الليل فإذا ذهبت ليلا كان التفريط من أهلها بتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ
454

وان تلفت نهارا كان التفريط من أهل الزرع فكان عليهم وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى
على كل إنسان بالحفظ في وقت عادته
فصل) قال بعض أصحابنا إنما يضمن مالكها ما أتلفته ليلا إذا فرط بارسالها ليلا أ نهارا أولم
يضمها بالليل أو ضمها بحيث يمكنها الخروج أما إذا ضمها فأخرجها غيره بغير إذنه أو فتح عليها بابها
فالضمان على مخرجها أو فاتح بابها لأنه المتلف قال القاضي هذه المسألة عندي محمولة على موضع فيه
مزارع ومراعي اما القرى العامرة التي لا مرعى على فيها إلا بين قراحين (1) كساقية وطريق وطرف
زرع فليس لصاحبها ارسالها بغير حافظ عن الزرع فإن فعل فعليه الضمان لتفريطه وهذا قول
بعض أصحاب الشافعي.
(فصل) فإن أتلفت البهيمة غير الزرع والشجر لم يضمن مالكها ما أتلفته ليلا كان أو نهارا ما
لم تكن يده عليها، وحكي عن شريح انه قضى في شاة وقعت في غزل حائك ليلا بالضمان على صاحبها
وقرأ (إذ نفشت فيه غنم القوم) قال والنفش لا يكون الا بالليل وعن الثوري يضمن وإن كان نهارا
لتفريطه بارسالها. ولنا قول النبي صلى الله عليه (العجماء جرحها جبار) متفق عليه اي هدر واما الآية
فالنفش هو الرعي بالليل وكان هذا في الحرث الذي تفسده البهائم بالرعي طبعا وتدعوها نفسها إلى
اكله بخلاف غيره فلا يصح قياس غير عليه
(فصل) إذا استعار بهيمة فأتلفت شيئا وهي في يد المستعير فضمانه عليه سواء كان المتلف لمالكها
أو لغيره لأن ضمانه يجب باليد واليد للمستعير، وإن كانت البهيمة في يد الراعي فأتلفت زرعا أو شجرا فالضمان
على الراعي دون المالك لأن اتلاف ذلك في النهار لا يضمن إلا بثبوت اليد عليها واليد للراعي دون المالك فضمن
كالمستعير، وإن كان الزرع للمالك وكان ليلا ضمن أيضا لأن ضمان اليد أقوى بدليل انه يضمن في الليل والنهار جميعا
(مسألة) (ومن صال عليه آدمي أو غيره فقتله دفعا عن نفسه لم يضمنه لأنه قتله بالدفع الجائز
فلم يجب ضمانه فإن كان الصائل بهيمة فلم يمكنه دفعها إلا بقتلها جاز له قتلها اجماعا ولا يضمنها إذا كانت
لغيره وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة يضمنها لأنه أتلف مال غيره لا حياء نفسه
فضمنه كالمضطر إذا اكل طعام غيره وكذلك الخلاف في غير المكلف من الآدمين كالصبي والمجنون
يجوز قتله ويضمنه لأنه لا يملك إباحة نفسه ولذلك لو ارتد لم يقتل
ولنا انه قتله بالدفع الجائز فلم يضمنه كالعبد ولأنه حيوان جاز اتلافه فلم يضمنه كالآدمي المكلف ولأنه

(1) كذا في الأصل
455

قتله لدفع شره فأشبه وذلك أنه إذا قتله لدفع شره كان الصائل هو القاتل لنفسه فأشبه ما لو نصب
حربة في طريقه فقذف نفسه عليها فمات بها وفارق المضطر فإن الطعام لم يلجئه إلى اتلافه ولم يصدر منه
ما يزيل عصمته ولهذا لو قتله لصياله لم يضمنه ولو قتله ليأكله في المخمصة وجب عليه الضمان وغير المكلف
كالمكلف في هذا وقولهم لا يملك إباحة نفسه قلنا: والمكلف لا يملك إباحة نفسه ولو قال أبحت دمي لم
يبح مع أنه إذا صال فقد أبيح دمه بفعله فلم يضمنه كالمكلف
(مسألة) (وان اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر وما فيها)
إذا اصطدمت سفينتان متساويتان كاللتين في بحر أو ماء واقف فإن كان القيمان مفرطين ضمن كل
واحد منهما سفينة الآخر بما فيها من نفس ومال كالفارسين إذا تصادما وان لم يكونا مفرطين فلا
ضمان عليهما، وقال الشافعي: يضمن في أحد الوجهين لأنهما في أيديهما فضمنا كما لو اصطدما
فارسان لغلبة الفرسين لهما
ولنا أن الملاحين لا يسيران السفينتين بفعلهما ولا يمكنهما ضبطهما في الغالب ولا الاحتراز من ذلك
فأشبه الصاعقة إذا نزلت فأحرقت سفينة ويخالف الفرسين فإنه يمكن ضبطهما والاحتراز من طردهما
وإن كان أحدهما مفرطا وحده ضمن وحده، وان اختلفا في تفريط القيم ولا بينه فالقول قوله مع يمينه
لأن الأصل عدمه وهو أمين أشبه المودع وعند الشافعي أنهما إذا كانا مفرطين فعلى كل واحد من
القيمين ضمان نصف سفينته ونصف سفينة صاحبه وقال مثل ذلك في الفارسين وسنذكره إن شاء الله تعالى
والتفريط أن يكون قادرا على ضبطها أوردها عن الأخرى فلم يفعل أو أمكنه أن يعد لها إلى ناحية أخرى
فلم يفعل أو لم يكمل آلتها من الرجال والحبال وغيرهما
(مسألة) (وان كانت إحداهما منحدرة فعلى صاحبها ضمان المصعدة إلا أن يكون عليه ريح
فلم يقدر على ضبطها)
متى كان قيم المنحدرة مفرطا فعليه ضمان المصعدة لأنها تنحط عليها من علو فيكون ذلك سببا
لغرقها فتزل المنحدرة بمنزلة السائر والمصعدة منزلة الواقف إذا اصطدما، وإن غرقتا جميعا فلا شئ
على المصعد وعلى المنحدر قيمة المصعدة أو أرش ما تقصت ان لم تتلف كلها الا أن يكون التفريط من
المصعد بان يمكنه العدول بسفينته والمنحدر غير قادر ولا مفرط فيكون الضمان على المصعد، وان لم
يكن من واحد منهما تفريط لكن هاجت ريح أو كان الماء شديد الجرية فلم يمكنه ضبطها فلا ضمان
عليه لأنه لا يدخل في وسعه (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فإن كانت إحدى السفينتين واقفة
456

والأخرى سائرة فلا شئ على الواقفة وعلى السائرة ضمان الواقفة إن كان القيم مفرطا، فلا ضمان عليه
إذا لم يفرط على ما ذكرنا.
(فصل) فإن خيف على السفينة الغرق فالقى بعض الركبان متاعه لتخف وتسلم من الغرق لم يضمنه
أحد لأنه أتلف متاع نفسه باختياره لصلاحه وصلاح غيره، وان القى متاع غيره بغير إذنه ضمنه وحده
وان قال لغيره الق متاعك فقبل منه لم يضمنه لأنه لم يلتزم ضمانه، وان قال القه وأنا ضامن له أو علي
قيمته لزم ضمانه لأنه أتلف ماله بعوض لمصلحة فوجب له العوض على من التزمه كما لو قال أعتق عبدك
وعلي ثمنه. وان قال القه وعلي وعلى ركاب السفينة ضمانه فألقاه ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه ضمانه وحده
ذكره أبو بكر وهو نص الشافعي لأنه التزم ضمان جميعه فلزمه ما التزمه، وقال القاضي إن كان ضمان
اشتراك مثل أن يقول نحن نضمن لك أو قال على كل واحد منا ضمان قسطه أو ربع متاعك لم يلزمه
الا ما يخصه من الضمان وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنه لم يضمن إلا حصته وإنما أخبر عن
الباقين بالضمان فسكتوا وسكوتهم ليس بضمان، وان التزم ضمان الجميع وأخبر عن كل واحد منهم بمثل
ذلك لزمه ضمان الكل لأنه ضمن الكل، وان قال القه على أن أضمنه لكل أنا وركبان السفينة فقد أذنوا
لي في ذلك فأنكروا الاذن فهو ضامن للجميع وان قال القي متاعي وتضمنه؟ فقال نعم ضمنه له وان قال
الق متاعك وعلي ضمان نصفه وعلى أخي ضمان ما بقي فألقاه فعليه ضمان النصف وحده ولا شئ على الآخر
لأنه لم يضمن والله أعلم.
(فصل) إذا خرق سفينة فغرقت بما فيها وكان عمدا وهو مما يغرقها غالبا ويهلك من فيها لكونهم
في اللجة أو لعدم معرفتهم بالسياحة فعليه القصاص ان قتل من يجب القصاص بقتله وعليه ضمان السفينة
بما فيها من مال ونفس وإن كان خطأ فعليه ضمان العبيد ودية الأحرار على عاقلته وإن كان عمد خطأ
مثل ان اخذ السفينة ليصلح موضعا فقلع لوحا أو يصلح مسمارا فنقب موضعا فهو عمدا لخطأ ذكره القاضي
وهو مذهب الشافعي، والصحيح ان هذا خطأ محض لأنه قصد فعلا مباحا فأفضى إلى التلف لما لم يرده
فأشبه ما لو رمى صيدا فأصاب آدميا فقتله ولكن ان قصد قلع اللوح في موضع الغالب أنه لا يتلفها
فاتلفها فهو عمد الخطأ فيه ما فيه
(مسألة) (وان كسر مزمارا أو طنبورا أو صليبا لم يضمنه)
وقال الشافعي إن كان ذلك إذا فصل يصلح لنفع مباح وإذا كسر لم يصلح لزمه ما بين قيمته
مفصلا ومكسورا لأنه أتلف بالكسر ماله قيمه، وإن كان لا يصلح لمنفعة مباحة لم يضمن،
وقال أبو حنيفة يضمن.
457

ولنا أنه لا يحل بيعه فلم يضمنه كالميتة والدليل على أنه لا يحل بيعه قول النبي صلى الله عليه وسلم
(ان الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام (بعثت
بمحق القينات والمعازف)
(مسألة) (وان كسر آنية ذهب أو فضة لم يضمنها)
وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد انه يضمن فإن منها نقل عنه فيمن هشم على غيره
إبريق فضه عليه قيمته يصوغه كما كان، فقيل له أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذها
فسكت، والصحيح أنه لا يضمن نص عليه في رواية المروذي فيمن كسر إبريق فضة لا ضمان
عليه لأنه أتلف ما ليس بمباح فلم يضمنه كالميتة، ورواية منها تدل على أنه رجع عن قوله ذلك
لكونه سكت حين ذكرا لسائل النهي عن وليس في رواية منها أنه قال يصوغه ولا تحل صناعته فكيف تجب؟
(مسألة) (وان كسر اناء خمر لم يضمنه في أصح الروايتين)
لما روي عن ابن عمر قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آنية بمدية وهي الشفرة فأتيته بها فأرسل بها
فأرهفت ثم أعطانيها وقال (اغد علي بها) ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد
جلبت من الشام فاخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته كلها وأمر أصحابه الذين
كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني وأمرني ان آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته
رواه أحمد، وروي عن انس قال كنت أسقي أبا طلحة وأبي بن كعب وأبا عبيدة شرابا من فضيخ فأتانا
آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة قم يا أنس إلى هذه الدنان فاكسرها وهذا يدل على سقوط
حرمتها وإباحة اتلافها فلا يضمنها كسائر المباحات (والثانية) يضمنها إذا كان ينتفع بها في غيره لأنها مال
يمكن الانتفاع به ويحل بيعه فيضمنها كما لو لم يكن فيها خمر ولأن جعل الخمر فيها لا يقتضي سقوط ضمانها
كالبيت الذي جعل مخزنا للخمر
(فصل) إذا غصب أرضا فحكمها في جواز دخول غيره إليها حكمها قبل الغصب فإن كانت
محوطة كالدار والبستان المحوط عليه لم يجز دخولها لغير مالكها الا باذنه لأن ملك مالكها لم يزل
عنها فلم يجز دخولها بغير اذنه كما لو كانت في يده. قال احمد: في الضيعة تصير غيضة فيها سمك
لا يصيد فيها أحد إلا باذنهم، وان كانت صحراء جاز الدخول فيها ورعي حشيشها. قال احمد:
لا بأس برعي الكلأ في الأرض المغصوبة وذلك لأن الكلأ لا يملك بملك الأرض ويتخرج في كل
واحدة من الصورتين مثل حكم الأخرى قياسا لها عليها ونقل عنه المروذي في دار طوابيقها غصب
لا يدخل على والديه لأن دخوله عليهما تصرف في الطوابيق المغصوبة ونقل عنه الفضل بن عبد الصمد
458

في رجل له إخوة في أرض غصب يزورهم ويراودهم على الخروج فإن أجابوه وإلا لم يقم معهم ولا يدع
زيارتهم يعني يزورهم يأتي باب دارهم ويتعرف أخبارهم ويسلم عليهم ويكلمهم ولا يدخل إليهم
ونقل المروذي عنه أكره المشي على العبارة التي بجري فيها الماء وذلك لأن العبارة وضعت لعبور
الماء لا للمشي عليها، قال أحمد لا يدفن في الأرض المغصوبة لما في ذلك من التصرف في أرضهم بغير إذنهم وقال
أحمد فيمن ابتاع طعاما من موضع غصب ثم علم رجع إلى الموضع الذي أخذه منه فرده وروي عنه
أنه قال يطرحه يعني على من ابتاعه منه وذلك لأن قعوده فيه حرام منهي عنه فكان البيع فيه محرما
ولان الشراء ممن يقعد في الموضع المحرم يحملهم على العقود والبيع فيه وترك الشراء منهم يمنعهم القعود
فقال لا يبتاع من الخانات التي في الطرق الا أن لا يجد غيره كان بمنزلة المضطر، وقال في السلطان إذا بنى
دارا وجمع الناس إليها أكره الشراء منها. قال شيخنا وهذا على سبيل الورع إن شاء الله تعالى لما فيه
من الإعانة على فعل المحرم والظاهر صحة البيع لأنه إذا صحت الصلاة في الدار المغصوبة في رواية وهي
عبادة فما ليس بعبادة أولى وقال فيمن غصب ضيعة وغصبت من الغاصب وأراد الثاني ردها جمع بينهما يعني
بين مالكها والغاصب الأول وان مات بعضهم جمع ورثته إنما قال هذا احتياطا خوف التبعة من الغاصب
الأول لأنه ربما طالب ربها فادعاها ملكا باليد والا فالواجب ردها على مالكها وقد صرح بهذا في رواية
عبد الله في رجل استودع رجلا ألفا فجاء رجل إلى المستودع فقال إن فلانا غصبني الألف الذي أستودعكه
وصح ذلك عند المستودع فإن لم يخف التبعة وهو أن يرجعوا به عليه دفعه إليه
باب الشفعة
وهي استحقاق الانسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها وهي ثابتة بالسنة والاجماع أما السنة فما روى
جابر قال قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة متفق
عليه ولمسلم قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع
حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وان شاء ترك فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به وللبخاري: إنما جعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، وأما الاجماع
459

فقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط
والمعنى في ذلك أن أحد الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه وتمكن من بيعه لشريكه وتخليصه مما كان
بصدده من توقع الخلاص والاستخلاص فالذي يقتضيه حسن العشرة أن يبيعه منه ليصل إلى غرضه
من بيع نصيبه وتخليص شريكه من الضرر فإذا لم يفعل ذلك وباعه لأجنبي سلط الشرع الشريك على صرف
ذلك إلى نفسه. قال شيخنا ولا نعلم أحدا خالف هذا الا الأصم فإنه قال لا تثبت الشفعة فإن في ذلك اضرارا
بأرباب الاملاك فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا اشتراه لم يبتعه ويتقاعد الشريك عن الشراء
فيستضر المالك وهذا الذي ذكره ليس بشئ لمخالفته الأحاديث الصحيحة والاجماع المنعقد قبله، والجواب
عما ذكره من وجهين (أحدهما) أنا نشاهد الشركاء يبيعون ولا يعدم من يشتري منهم غير شركائهم ولم يمنعهم
استحقاق الشفعة من الشراء (الثاني) أنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم فتسقط الشفعة، واشتقاقها من
الشفع وهو الزوج فإن الشفيع كان نصيبه منفردا في ملكه فبالشفعة يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به
وقيل اشتقاقها من الزيادة لأن الشفيع يزيد المبيع في ملكه
(مسألة) ولا يحل الاحتيال على اسقاطها فإن فعل لم يسقط نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن
سعيد وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة فقال لا يجوز شئ من الحيل في ذلك ولا في ابطال حق مسلم
460

وبهذا قال أبو أيوب وأبو خيثمة وابن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني، وقال عبد الله بن عمر من يخدع
الله يخدعه، ومعنى الحيلة أن يظهروا في البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة معه ويتواطئون في الباطن على خلافه
مثل أن يشتري شيئا يساوي عشرة دنانير بألف درهم ثم يقضيه عنها عشرة دنانير أو يشتريه بمائة دينار
ويقضيه عنها مائة درهم أو يشترى البائع من المشتري عبدا قيمته مائة بألف في ذمته ثم يبيعه الشقص
بالألف أو يشتري شقصا بألف ثم يبرئه البائع من تسعمائة أو يشتري جزءا من الشقص بمائة ثم يهب له
البائع باقيه أو يهب الشقص للمشتري ويهب المشتري له الثمن أو يعقد البيع بثمن مجهول المقدار كحفنة
قراضة أو جوهرة معينة أو سلعة غير موصوفة أو بمائة درهم ولؤلؤة وأشباه هذا فإن وقع ذلك
من غير تحيل سقطت الشفعة، وان تحيلا به على اسقاط الشفعة لم تسقط ويأخذ الشفيع الشقص في الصورة
الأولى بعشرة دنانير أو قيمتها من الدراهم وفى الثانية بمائة درهم أو قيمتها ذهبا وفي الثالثة بقيمة العبد
المبيع وفي الرابعة بالباقي بعد الابراء وفي الخامسة يأخذ الجزء المبيع من الشقص بقسطه من الثمن ويحتمل
أن يأخذ الشقص كله بجميع الثمن لأنه إنما وهبه بقية الشقص عوضا عن الثمن الذي اشترى به جزءا من
الشقص وفي السادسة يأخذ بالثمن الموهوب وفي سائر الصور المجهول ثمنها يأخذه بمثل الثمن أو قيمته
ان لم يكن مثليا إذا كان الثمن موجودا فإن لم يوجد دفع إليه قيمة الشقص لأن الأغلب وقوع العقد
على الأشياء بقيمتها وقال أصحاب الرأي والشافعي يجوز ذلك كله وتسقط به الشفعة لأنه لم يأخذ بما وقع
البيع به فلم يجز كما لو يكن حيلة
461

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدخل فرسا بين فرسين ولا يأمن ان يسبق فليس بقمار وإن
امن ان يسبق فهو قمار) رواه أبو داود وغيره فجعل ادخال الفرس المحل قمارا في الموضع الذي يقصد
به إباحة اخراج كل واحد من المتسابقين جعلا مع عدم معنى المحال فيه وهو كونه بحال يحتمل ان يأخذ
سبقهما وهذا يل على ابطال كل حيلة لم يقصد بها إلا إباحة المحرم مع عدم المعنى فيها فاستدل أصحابنا
بما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا
محارم الله بأدنى الحيل) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله اليهود ان الله لما حرم عليهم شحومها
جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه) متفق عليه ولان الله تعالى ذم المخادعين له بقوله (يخادعون الله والذين
آمنوا وما يخدعون الا أنفسهم وما يشعرون) والحيل مخادعة وقد مسخ الله تعالى الذين اعتدوا في السبت
قردة بحيلهم فإنه روي عنهم انهم كانوا ينصبون شباكهم يوم الجمعة ومنهم من يحفر جبابا ويرسل الماء
إليها يوم الجمعة فإذا جاءت الحيتان يوم السبت وقعت في الشباك والجباب فيدعوها إلى ليلة الأحد فيأخذونها
ويقولون ما اصطدنا يوم السبت شيئا فمسخهم الله تعالى بحيلتهم وقال تعالى (فجعلناها نكالا لما بين يديها
وما خلفها وموعظة للمتقين) قيل يعني به أمة محمد صلى الله عليه وسلم أي ليتعظ بذلك أمة محمد صلى الله
عليه وسلم فيجتنبوا مثل فعل المعتدين ولان الحية خديعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل الخديعة لمسلم ولان
الشفعة وجعت لدفع للضرر فلو سقطت بالتحيل للحق الضرر فلم تسقط كما لو اسقطها المشتري عنه بالوقف
462

والبيع، وفارق ما لم يقصد به التحيل لأنه لا خداع فيه ولا قصد به ابطال حق والأعمال بالنيات، فإن
اختلفا هل وقع شئ من هذا حيلة أو لا فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه أعلم بنيته وحاله، إذا ثبت
هذا فإن الغرر في الصورتين الأوليين على المشتري لشرائه ما يساوي عشرة بمائة وما يساوي مائة
درهم بمائة دينار وأشهد على نفسه ان عليه ألفا فربما طالبه بها فلزمه في ظاهر الحكم، وفي الثالثة الغرر
على البائع لأنه اشترى عبدا يساوي مائة بألف، وفي الرابعة الغرر على المشتري لأنه اشترى شقصا قيمته
مائة بألف وكذلك في الخامسة لأنه اشترى بعض الشقص بثمن جميعه، وفي السادسة على البادئ منهما
بالهبة لأنه قد لا يهب له الآخر شيئا فإن خالف أحدهما ما تواطأ عليه فطالب صاحبه بما أظهره لزمه
في ظاهر الحكم لأنه عقد البيع مع صاحبه بذلك مختارا فاما ما بينه وبين الله تعالى فلا يحل لمن غر صاحبه
الاخذ بخلاف ما تواطأ عليه لأن صاحبه إنما رضي بالعقد للتواطؤ فمع فواته لا يتحقق الرضى به
(مسألة) (ولا تثبت إلا بشروط خمسة أحدها أن يكون مبيعا فلا شفعة فيما انتقل بغير عوض بحال)
كالهبة بغير ثواب والصدقة والوصية والإرث فلا شفعة فيه في قول الأكثرين منهم مالك والشافعي
وأبو حنيفة وأصحاب الرأي إلا أنه حكي عن مالك رواية أخرى ان الشفعة تجب في المنتقل بهبة أو
صدقة ويأخذه الشفيع بقيمته وحكي عن ابن أبي ليلى لأن الشفعة تثبت لإزالة ضرر الشركة وهو
موجود في الشركة كيفما كان ولان الضرر اللاحق بالمتهب دون ضرر المشتري لأن اقدام المشتري على
463

شراء الشقص وبذل ماله دليل حاجته إليه فانتزاعه منه أعظم ضررا من أخذه ممن لم يوجد منه دليل الحاجة إليه
ولنا أنه انتقل بغير عوض أشبه الميراث ولان محل الوفاق هو البيع والخبر ورد فيه وليس غيره في
معناه لأن الشفيع يأخذه ومن المشتري بمثل السبب الذي انتقل إليه به ولا يمكن هذا في غيره ولان
الشفيع يأخذ الشقص بثمنه لا بقيمته وفي غيره يأخذه بقيمته فافترقا
(مسألة) (ولا تجب فيما عوضه غير المال كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد
في أحد الوجهين)
والمستقل بعوض على ضربين أحدهما ما عوضه المال كالبيع ففيه الشفعة بغير خلاف وكذلك كل ما
جرى مجراه كالصلح بمعنى البيع والصلح عن الجناية الموجبة للمال والهبة والمشروط فيها ثواب معلوم لأن
ذلك بيع يثبت فيه أحكام البيع وهذا منها وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة
وأصحابه قالوا لا تثبت الشفعة في الهبة المشروط فيها ثواب حتى يتقابضا لأن الهبة لا تثبت إلا بالقبض
فأشبهت البيع بشرط الخيار.
ولنا أنه تملكها بعوض هو مال فلم يفتقر إلى القبض في استحقاق الشفعة كالبيع ولا يصح ما قالوه
من اعتبار لفظ الهبة لأن العوض صرف اللفظ عن مقتضاه وجعله عبارة عن البيع خاصة عندهم فإنه
ينعقد بها النكاح الذي لا تصح الهبة فيه بالاتفاق (الضرب الثاني) ما انتقل بعوض غير المال نحو أن
464

يجعل الشقص مهرا أو عوضا في الخلع أوفي الصلح عن دم العمد فلا شفعة فيه في ظاهر كلام الخرقي
لأنه لم يتعرض في جميع مسائله لغير البيع اختاره أبو بكر وبه قال الحسن الشعبي وأبو ثور وأصحاب
الرأي حكاه عنهم ابن المنذر واختاره، وقال ابن حامد تجب فيه الشفعة وبه قال ابن شبرمة والحارث
العكلي ومالك وابن أبي ليلى والشافعي لأنه عقار مملوك بعقد معاوضة أشبه البيع. ووجه الأول أنه مملوك
بغير مال أشبه الموهوب والموروث ولأنه يمتنع أخذه بمهر المثل لأننا لو أوجبنا مهر المثل لقومنا
البضع على الأجانب وأضررنا بالشفيع لأن مهر المثل يتفاوت مع المسمى لتسامح الناس فيه في العادة
ويمتنع أخذه بالقيمة لأنها ليست عوض الشقص فلا يجوز الاخذ بها كالموروث فيتعذر أخذه، وفارق البيع
فإنه أمكن الاخذ بعوضه، فإن قلنا يؤخذ بالشفعة فطلق الزوج قبل الدخول بعد عفو الشفيع
رجع بنصف ما أصدقها لأنه موجود في يدها بصفته وان طلق بعد أخذ الشفيع رجع بنصف قيمته
لأن ملكها زال عنه فهو كما لو باعته وان طلق قبل علم الشفيع ثم علم ففيه وجهان (أحدهما) يقدم حق
الشفيع لأنه ثبت بالنكاح السابق على الطلاق فهو أسبق (والثاني) حق الزوج مقدم لأنه ثبت بالنص
والاجماع والشفعة ههنا لا نص فيها ولا اجماع. فاما ان عفا الشفيع ثم طلق الزوج فرجع في نصف
الشقص لم يستحق الشفيع الاخذ منه لأنه عاد إلى المالك لزوال العقد فلم يستحق به الشفيع كالرد بالعيب
وكذلك كل فسخ يرجع به الشقص إلى العاقد كرده بعيب أو مقايلة أو اختلاف المتبايعين أورده لغبن
465

وقد ذكرنا في الإقالة رواية أخرى أنها بيع فثبت فيها الشفعة وهو قول أبي حنيفة، فعلى هذا لو لم
يعلم الشفيع حتى تقايلا فله أن يأخذ من أيهما شاء، وان عفا عن الشفعة في البيع ثم تقايلا فله الاخذ بها
(فصل) فإذا جنى جنايتين عمدا وخطأ فصالحه منهما على شقص فالشفعة في نصف الشقص دون
باقيه وبه قال أبو يوسف ومحمد وهذا على الرواية التي نقول فيها ان موجب العمد القصاص عينا وان
قلنا موجبه أحد شيئين وجبت الشفعة في الجميع، وقال أبو حنيفة لا شفعة في الجميع لأن الاخذ بها
تبعيض للصفقة على المشتري
ولنا أن ما قابل الخطأ عوض عن مال فوجبت فيه الشفعة كما لو انفرد ولان الصفقة جمعت ما يجب
فيه وما لا يجب فوجبت فيما يجب دون الآخر كما لو اشترى شقصا وسيفا، وبهذا الأصل يبطل ما ذكره
قال شيخنا وقول أبي حنيفة أقيس لأن في الشفعة تبعيض الشقص على المشتري وربما لا يبقى منه إلا مالا
نفع فيه فأشبه ما لو أراد أخذ بعضه مع عفو صاحبه بخلاف مسألة الشقص والسيف وأما إذا
قلنا إن الواجب أحد شيئين فباختياره الصلح سقط القصاص وتعينت الدية فكان الجميع
عوضا عن مال.
(مسألة) (الثاني أن يكون شقصا مشاعا من عقار فيقسم فاما المقسوم المحدود فلا
شفعة لمجاوره فيه)
466

وبه قال وعمر بن عبد العزيز وابن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ويحيى الأنصاري
وأبو الزناد وربيعة ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وقال ابن شبرمة والثوري
وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي الشفعة بالشركة ثم بالشركة في الطريق ثم بالجواز، قال أبو حنيفة
يقدم الشريك فإن لم يكن وكان الطريق مشتركا كالدرب لا ينفذ تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب
فالأقرب فإن لم يأخذوا ثبتت للملاصق من درب آخر خاصة وقال العنبري وسوار تثبت بالشركة
في الملك وبالشركة في الطريق واحتجوا بما روى أبو رافع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجار
أحق بصقبه) رواه البخاري وأبو داود وروي الحسن عن سمرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (جاز
الدار أحق بالدار) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وروى الترمذي في حديث جابر (الجار أحق
بشفعته بداره ينتظر به إذا كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) وقال حديث حسن ولأنه إيصال ملك
يدوم ويتأبد فثبتت الشفعة به كالشركة.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا
شفعة) رواه البخاري وروى ابن جريج عن الزهري عن سعيد بن المسيب أو عن أبي سلعة أو
أو عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها) رواه
أبو داود ولان الشفعة ثبتت في موضع الوفاق على خلاف الأصل لمعنى معدوم في محل النزاع
467

فلا تثبت فيه، وبيان انتفاء المعنى هو أن الشريك ربما دخل عليه شريك فيتأذى به فتدعوه الحاجة إلى
مقاسمته أو يطلب الداخل المقاسمة فيدخل الضرر على الشريك بنقص قيمة ملكه وما يحتاج إلى
إحداثه من المرافق، وهذا لا يوجد في المقسوم، فأما حديث أبي رافع فليس بصريح في الشفعة
فإن الصقب القرب يقال بالسين والصاد قال الشاعر
* كوفيه نازح محلتها * لا أمم دارها ولا صقب *
فيحتمل أنه أراد باحسان جاره وصلته وعيادته ونحو ذلك، وخبرنا صحيح صريح فيقدم وبقية
الأحاديث في أسانيدها مقال فحديث سمرة يرويه عن الحسن ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة قاله أصحاب
الحديث قال ابن المنذر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث جابر الذي رويناه وما عداه من الأحاديث
فيها مقال، على أنه يحتمل أنه أراد بالجار الشريك فإنه جار أيضا وتسمى الضرتان جارتين لاشتراكهما
في الزوج، قال حمل بن مالك: كنت بين جارتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلها وجنينها،
وهذا يمكن في تأويل حديث أبي رافع أيضا. إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الطريق مفردة أو
مشتركة، قال أحمد في رواية ابن القاسم في رجل له أرض تشرب هي وأرض غيره من نهر واحد
فلا شفعة له من أجل الشرب إذا وقعت الحدود فلا شفعة. وقال في رواية أبي طالب وعبد الله ومثنى
فيمن لا يرى الشفعة بالجوار وقدم إلى الحاكم فأنكر لم يحلف إنما هو اختيار وقد اختلف الناس فيه،
468

قال القاضي إنما قال هذا لأن يمين المنكر ههنا على اقطع والبت ومسائل الاجتهاد مظنونة فلا يقطع
ببطلان مذهب المخالف ويمكن أن يحمل كلام احمد ههنا على الورع لاعلى التحريم لأنه لم يحكم ببطلان
مذهب المخالف ويجور المشترى الامتناع به من تسليم المبيع فيما بينه وبنى الله تعالى
(فصل) ولا تثبت الشفعة فيما لا تجب قسمته كالحمام الصغير والبئر والطرق الضيقة والرحى الصغيرة
والعضادة والعراص الضيقة في إحدى الروايتين عن أحمد وبه قال يحيي الأنصاري وسعيد وربيعة
والشافعي. والثانية فيها الشفعة وهو قول أبي حنيفة والثوري وابن شريح، وعن مالك كالروايتين
لقوله صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم) وسائر النصوص العامة ولان الشفعة تثبت لإزالة ضرر
المشاركة، والضرر في هذا النوع أكثر لأنه يتأبد ضرره والأول ظاهر المذهب لما روي عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال (لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة) والمنقبة الطريق الضيق، رواه أبو الخطاب
في رؤوس المسائل وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل، ولان إثبات
الشفعة في هذا يضر بالبائع لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة وقد يمتنع
المشتري لأجل الشفيع فيتضرر البائع وقد يمتنع البيع فتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى نفيها ويمكن أن
يقال إن الشفعة إنما تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة لما يحتاج إليه من احداث المرافق الخاصة
ولا يوجد هذا فيما لا ينقسم، قولهم ان الضرر ههنا أكثر لتأبده قلنا إلا أن الضرر في محل الوفاق من
469

غير جنس هذا الضرر وهو ضرر الحاجة إلى إحداث المرافق الخاصة فلا يمكن التعدية وفي الشفعة
ههنا ضرر غير موجود في محل الوفاق وهو ما ذكرناه فتعذر الالحاق، فاما ما أمكن قسمته مما ذكرنا
كالحمام الكبير الواسع بحيث إذا قسم لا يستضر بالقسمة وأمكن الانتفاع به حماما فإن الشفعة تجب فيه
وكذلك البئر والدور والعضائد متى أمكن أن يحصل من ذلك شيئان كالبئر يقسم بئرين يرتقى الماء منهما
وجبت الشفعة أيضا لأنه يمكن القسمة وهكذا الحري إن كان لها حصن يمكن قسمته بحيث يحصل
الحجران في أحد القسمين أو كان فيها أربعة أحجار دائرة يمكن أن يفرد كل واحد منهما بحجرين
وجبت الشفعة وإن لم يكن إلا أن يحصل لكل واحد منهما مالا يتمكن به من ابقائها رحى لم تجب
الشفعة فاما الطريق فإن الدار إذا بيعت ولها طريق في شارع أو درب نافذ فلا شفعة في الدار ولا
الطريق لأنه لا شركة لاحد في ذلك وإن كان الطريق في درب غير نافذ ولا طريق، للدار سوى
ذلك الطريق فلا شعفة أيضا لأن اثبات ذلك يضر بالمشترى لأن الدار تبقى بلا طريق، وإن كان للدرب
باب آخر يستطرق منه أو كان لها موضع يفتح منه باب لها إلى الطريق النافذ نظرنا في الطريق
المبيع مع الدار فإن كان ممرا لا تمكن قسمته فلا شفعة فيه وإن كان يمكن قسمته وجبت الشفعة فيه لأنه
أرض مشتركة تحتمل القسمة فوجبت فيما الشفعة كغير الطريق ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال
470

لأن الضرر يلحق المشتري بتحويل الطريق إلى مكان آخر مع ما في الاخذ بالشفعة من تفريق صفقته
وأخذ بعض المبيع من العقار دون بعض فلم يجز كما لو كان الشريك في الطريق شريكا في الدار فأراد
أخذ الطريق وحدها، والقول في دهليز الدار وصحنه كالقول في الطريق المملوك، وإن كان نصيب
المشتري من الطريق أكثر من حاجته فذكر القاضي ان الشفعة تجب في الزائد بكل حال لوجود
المقتضي وعدم المانع، والصحيح انه لا شفعة فيه لأن في ثبوتها تبعيض صفقة المشتري ولا يخلو من الضرر
(مسألة) (ولا تجب فيما ليس بعقار كالشجر والحيوان والبناء المفرد في إحدى الروايتين الا أن
الغراس والبناء يؤخذ تبعا للأرض ولا يؤخذ الزرع والثمرة تبعا في أحد الوجهين)
وجملة ذلك أن من شروط وجوب الشفعة أن يكون المبيع أرضا لأنها التي تبقى على الدوام ويدوم
ضررها وغيرها ينقسم قسمين
(أحدهما) تثبت فيه الشفعة تبعا للأرض وهو البناء والغراس يباع مع الأرض فإنه يؤخذ بالشفعة
تبعا بغير خلاف في المذهب ولا نعرف فيه بين من أثبت الشفعة خلافا، وقد دل عليه قول النبي صلى
الله عليه وسلم وقضاؤه بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط وهذا يدخل فيه البناء والأشجار
(القسم الثاني) مالا تثبت فيه الشفعة تبعا ولا مفردا وهو الزرع والثمرة الظاهرة ويباع مع الأرض
فلا يؤخذ بالشفعة مع الأصل وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك يؤخذ بالشفعة مع
أصوله، وقد ذكر أصحابنا وجها مثل قولهما لأنه متصل بما فيه الشفعة فثبتت فيه الشفعة تبعا كالبناء والغراس
471

ولنا انه لا يدخل في البيع تبعا فلا يؤخذ بالشفعة كقماش الدار وعكسه البناء والغراس، يحقق ذلك أن
الشفعة بيع في الحقيقة لكن الشارع جعل له سلطان الاخذ بغير رضى المشتري، فإن بيع الشجر
وفيه ثمرة غير ظاهرة كالطلع غير المؤبر دخل في الشفعة لأنها تبع في البيع فأشبهت الغراس في الأرض
فإن بيع ذلك مفردا فلا شفعة فيه سواء كان ممن ينقل كالحيوان والثياب والسفن والحجارة والزرع
والثمار أولا ينقل كالبناء والغراس إذا بيع مفردا وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وروي عن
الحسن والثوري والأوزاعي والعنبري وقتادة وربيعة وإسحاق لا شفعة في المنقولات، واختلف فيه عن
عطاء ومالك فقالا مرة كذلك ومرة قالا الشفعة في كل شئ حتى في الثوب، قال ابن أبي موسى وقد
روي عن أبي عبد الله رواية أخرى ان الشفعة واجبة فيما لا ينقسم كالحجر والسيف والحيوان وما في
معنى ذلك قال أبو الخطاب وعن أحمد ان الشفعة تجب في البناء والغراس وان بيع منفردا وهو قول
مالك لعموم قوله عليه السلام (الشفعة فيما لم يقسم) ولان الشفعة وجبت لدفع الضرر والضرر فيما لا ينقسم
أبلغ منه فيما ينقسم وقد روى ابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الشفعة في كل شئ)
ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا
شفعة) لا يتناول الا ما ذكرناه وإنما أراد مالا ينقسم من الأرض لقوله (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق)
472

ولان هذا مما لا ينافي ضرره على الدوام فلم تجب فيه الشفعة كصبرة الطعام وحديث ابن أبي مليكه مرسل
ولم يرو في الكتب الموثوق بها والحكم في الغراف والدولاب والناعورة كالحكم في البناء، فأما ان بيعت
الشجرة مع قرارها من الأرض مفردة عما يتخللها من الأرض فحكمها حكم مالا ينقسم من العقار فيه من
الخلاف ما ذكرناه لأنه مما لا ينقسم ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال لأن القرار تابع لها فإذا لم تجب الشفعة
فيها مفرده لم تجب في تبعها وان بيعت حصة من علو دار مشترك وكان السقف الذي تحته لصاحب السفل فلا شفعة في
العلو لأنه بناء مفرد وإن كان لصاحب العلو فكذلك لأنه بناء مفرد لأنه لا أرض له فهو كما لو لم يكن السقف له
ويحتمل ثبوت الشفعة فيه لأن له قرارا أشبه السفل
(فصل) الشرط الثالث المطالبة بها على الفور ساعة يعلم نص عليه، وقال القاضي له طلبها في المجلس
وان طال فإن أخر الطلب سقطت شفعته)
ظاهر المذهب ان حق الشفعة على الفور ان طالب بها ساعة يعلم بالبيع وإلا بطلت نص عليه
أحمد في رواية أبي طالب فقال الشفعة بالمواثبة ساعة يعلم وهو قول ابن شبرمة والبتي والأوزاعي
وأبي حنيفة والعنبري والشافعي في جديد قوله وعن أحمد رواية ثانية ان الشفعة على التراخي لا تسقط ما لم
يوجد منه ما يدل على الرضى بعفو أو مطالبة بقسمة ونحوه وهو قول مالك وقول الشافعي الا أن مالكا قال
تنقطع بمضي سنة وعنه بمضي مدة يعلم أنه تارك لها لأن هذا الخيار لا ضرر في تراخيه فلم يسقط بالتأخير
كحق القصاص، وبيان عدم الضرر ان النفع للمشتري باستغلال المبيع فإن أحدث فيه عمارة من بناء أو غراس
473

فله قيمته وحكي عن ابن أبي ليلى والثوري ان الخيار مقدر بثلاثة أيام وهو أحد أقوال الشافعي لأن الثلاث
حد بها خيار الشرط فصلحت حدا لهذا الخيار
ولنا ما روى ابن السلماني عن أبيه عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشفعة كحل
العقال) رواه ابن ماجة وفي لفظ (الشفعة كنشطة العقال قيدت ثبت وان تركت فاللوم على من تركها) وروي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((الشفعة لمن واثبها) رواه الفقهاء في كتبهم ولأنه خيار لدفع الضرر عن
المال فكان على الفور كخيار الرد بالعيب لأن اثباته على التراخي يضر المشتري لكونه لا يستقر ملكه على
المبيع ويمنعه من التصرف بعمارة خشية أخذه منه ولا يندفع عنه الضرر بدفع قيمته لأن خسارتها في الغالب
أكثر من قيمتها مع تعب قبله وبدنه فيها، والتحديد بثلاثة أيام تحكم لا دليل عليه، والأصل المقيس عليه ممنوع
ثم هو باطل بخيار الرد العيب. إذا تقرر هذا فقال ابن حامد يتقدر الخيار بالمجلس وهو قول القاضي وبه قال أبو
حنيفة فمتى طالب في مجلس العلم ثبتت الشفعة وان طال لأن المجلس كله في حكم حالة العقد بدليل أن القبض فيه
لما يشترط فيه القبض كالقبض حالة العقد، وظاهر كلام أحمد انه لا يتقدر بالمجلس بل متى طالب عقيب عمله والا
بطلت شفعته وهو ظاهر كلام الخرقي وقول الشافعي في الجديد لما ذكرنا من الخبر والمعنى، وما ذكروه يبطل
بخيار الرد بالعيب، فعلى هذا متى أخر المطالبة عن وقت العلم لغير عذر بطلت شفعته وان أخرها لعذر مثل أن
أن لا يعلم أو يعلم ليلا فيؤخر إلى الصبح أو لشدة جوع أو عطش حتى يأكل ويشرب أو أخرها لطهارة أو اغلاق
474

باب أو ليخرج من الحمام أو ليؤذن ويقيم ويأتي بالصلاة وسنتها أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها لم تبطل
شفعته لأن العادة تقديم هذه الحوائج على غيرها فلا يكون الاشتغال بها رضى بترك الشفعة الا أن يكون
المشتري حاضرا عنده في هذه الأحوال فيمكنه مطالبته من غير اشتغاله عن اشتغاله فإن شفعته تبطل بتركه
المطالبة لأن هذا لا يشغله عنها ولا تشغله المطالبة عنه فاما مع غيبته فلا فإن العادة تقديم هذه الأشياء فلم يلزمه
تأخيرها كما لو أمكنه أن يسرع في مشيه ويحرك دابته فلم يفعل ومضى على حب عادته لم تسقط شفعته لأنه
طلب بحكم العادة، وإذا فرغ من حوائجه من مضى على حسب عادته إلى المشتري فإذا لقيه بدأه بالسلام لأن ذلك
الشنة لأن في الحديث (من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ثم يطالب فإن قال بعد السلام بارك الله لك
في صفقة يمينك أو دعا له بالمغفرة ونحو ذلك لم تبطل شفعته لأن ذلك يتصل بالسلام فهو من جملته والدعاء له
بالبركة في الصفقة دعاء لنفسه لأن الشقص يرجع إليه فلان يكون ذلك رضا فإن اشتغل بكلام آخر أو سكت
لغير حاجة بطلت شفعته لما قدمنا
(مسألة) (الا أن يعلم وهو غائب فيشهد على الطلب ثم إن اخر الطلب بعد الاشهاد مع امكانه أو ترك
الاشهاد أو لم يشهد لكن سار في طلبها فعلى وجهين)
متى عليم الغائب بالبيع وقدر على الاشهاد على المطالبة فلم يفعل بطلت شفعته سواء قدر على التوكيل أو
عجز عنه أو سار عقيب العلم أو أقام هذا ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب وهو ظاهر قول الخرقي وهو وجه
475

للشافعي والوجه الآخر لا يحتاج إلى الاشهاد لأنه إذا ثبت عذره فالظاهر أنه ترك الشفعة لذلك فقبل قوله فيه
ولنا انه قد يترك الطلب للعذر وقد يتركه لغير وقد يسير لطلب الشفعة ويسير لغيره وقد قدر على أن يبين ذلك
بالاشهاد فإذا لم يفعل سقطت شفعته كتارك الطلب مع الحضور وقال القاضي ان سار عقيب علمه إلى البلد الذي
فيه المشتري من غيره اشهاد احتمل ان لا تبطل شفعته لأن ظاهر سيره انه للطلب وهو قل أصحاب الرأي
والعنبري وقول للشافعي وقال أصحاب الرأي له من الاجل بعد العلم قدر السير فإن مضى الاجل قبل أن يطلب
أو يبعث بطلت شفعته وقال العنبري له مسافة الطريق ذاهبا وجائيا لأن عذره في ترك الطلب ظاهر لم يحتج
معه إلى الشهادة وقد ذكرنا وجه القول الأول
(فصل) فإن أخر الطلب بعد الاشهاد مع امكانه فظاهر كلام الخرقي ان الشفعة بحالها وقال القاضي تبطل.
إذا قدر على المسير وأخره وان لم يقدر على المسير وقدر على التوكيل في طلبها فلم يفعل بطلت أيضا لأنه تارك
للطلب بها مع قدرته عليه فسقطت كالحاضر أو كما لو لم يشهد وهذا مذهب الشافعي، الا أن لهم فيما إذا قدر على التوكيل
فلم يفعل وجهين (أحدهما) لا تبطل شفعته لأن له غرضا في المطالبة بنفسه لكونه أقوم بذلك أو يخاف الضرر
من جهة وكيله بان يقر عليه برشوة أو غير ذلك فيلزمه اقراره فكان معذورا
ولنا أن عليه في السفر ضررا لالتزامه كلفته وقد يكون له حوائج وتجارة ينقطع عنها وتضيع بغيبته
476

والتوكيل إن كان بجعل لزمه غرم وإن كان بغير جعل ففيه منة ويخاف الضرر من جهته فاكتفي بالاشهاد فاما
ان ترك السفر لعجزه عنه أو لضرر يلحقه فيه لم تبطل شفعته وجها واحدا لأنه معذور كمن لم يعلم
(فصل) تجب الشفعة للغائب في قول الأكثرين منهم مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي
وروي عن النخعي ليس للغائب شفعة وبه قال الحارث العكلي والبتي الا للغائب القريب لأن اثباتها يضر بالمشتري
ويمنع استقرار ملكه وتصرفه على حسب اختياره خوفا من أخذه فلم يثبت كما لا يثبت للحاضر على التراخي
ولنا عموم قوله عليه السلام (الشفعة فيما لم يقسم) وسائر الأحاديث ولان الشفعة حق مالي وجد سببه
بالنسبة إلى الغائب فيثبت له كالإرث ولأنه شريك لم يعلم بالبيع فتثبت له الشفعة عند علمه كالحاضر إذا كتم
عنه البيع والغائب غيبة قريبة وضرر المشتري يندفع بايجاب الثمن له كما في الصور المذكورة. إذا ثبت
هذا ولم يعلم بالبيع إلا عند قدومه فله المطالبة وان طالت غيبته لأنه خيار ثبت لإزالة والضرر عن المال
فتراخي الزمان قبل العلم به لا يسقطه كالرد بالعيب ومتى علم فحكمه في المطالبة حكم الحاضر في أنه ان طالب على
الفور استحق وإلا بطلت شفعته، وحكم المريض والمحبوس ومن لم يعلم بالبيع حكم الغائب لما ذكرنا
(مسألة) (فإن ترك الطلب والاشهاد لعجزه عنهما كالمريض والمحبوس ومن لا يجد من
يشهده لم تبطل شفعته)
أما إذا كان مرضه لا يمنع المطالبة كالصداع اليسير والألم القليل فهو كالصحيح، وإن كان المرض
477

يمنع المطالبة كالحمى وأشباهها فهو كالغائب في الاشهاد والتوكيل، وأما المحبوس فإن كان حبس ظلما أو
بدين لا يمكنه أداؤه فهو كالمريض وإن كان محبوسا بحق يلزمه أداؤه وهو قادر عليه فهو كالمطلق إن لم
يبادر إلى المطالبة ولم يوكل بطلت شفعته
(فصل) فإن عجز عن الاشهاد في سفره لم تبطل شفعته بغير خلاف لأنه معذور في تركه فأشبه ما
لو ترك الطلب لعذر أو لعدم العلم، ومتى قدر على الاشهاد فأخره كان كتأخير الطلب بالشفعة إن كان
لعذر لم تسقط الشفعة وإن كان لغير عذر سقطت لأن الاشهاد قائم مقام الطلب ونائب عنه فيعتبر له
ما يعتبر للطلب، ومن لم يقدر الاعلى اشهاد من لا تقبل شهادته كالمرأة والفاسق فترك الاشهاد لم تسقط
شفعته بتركه لأن قولهم غير مقبول فلم تزم شهادتهم كالا طفال والمجانين، وان لم يجد من يشهده الا من
لا يقدم معه إلى موضع المطالبة قلم يشهد فالأولى أن شفعته لا تبطل لأن اشهاده لا يفيد فأشبه اشهاد
من لا تقبل شهادته، وان لم يجد إلا مستوري الحال فلم يشهدهما احتمل ان تبطل لأن شهادتهما
يمكن اثباتها بالتزكية فاشبها العدلين، ويحتمل أن لا تبطل لأنه يحتاج في اثبات شهادتهما إلى كلفة
كثيرة وقد لا يقدر على ذلك فلا تقبل شهادتهما فإن أشهدهما لم تبطل شفعته سواء قبلت شهادتهما
أو لم تقبل لأنه لا يمكنه أكثر من ذلك فأشبه العاجز عن الاشهاد وكذلك ان لم يقدر إلا على
اشهاد واحد فاشهده أو ترك اشهاده
478

(مسألة) (أو لاظهارهم زيادة في الثمن أو نقصا في المبيع أو ان المشتري غيره أو أخبره من لا
يقبل خبره فلم يصدقه أو قال للمشتري بعني ما اشتريت أو صالحني سقطت شفعته)
إذا أظهر المشتري أن الثمن أكثر مما وقع عليه العقد فترك الشفيع الشفعة لم تبطل بذلك وبه قال
الشافعي وأصحاب الرأي ومالك الا أنه قال بعد أن يحلف ما سلمت الشفعة الا لمكان الثمن الكثير وقال
ابن أبي ليلى لا شفعة له لأنه سلم ورضي
ولنا أنه تركها للعذر فإنه لا يرضاه بالثمن الكثير ويرضاه بالقليل وقد يعجز عن الكثير فلم تسقط
بذلك كما لو تركها لعدم العلم وكذلك ان ظهر أن المبيع سهام قليلة فبانت كثيرة لأنه قد يرغب في
الكثير دون القليل وكذلك إن كان بالعكس لأنه قد يقدر على ثمن القليل دون الكثير أو انهما تبايعا
بدنانير فبانت بدراهم أو بالعكس وبه قال الشافعي وزفر، وقال أبو حنيفة وصاحباه إن كان قيمتهما سواء سقطت
الشفعة لأنهما كالجنس الواحد
ولنا أنهما جنسان أشبها الثياب والحيوان ولأنه قد يملك النقد الذي وقع به البيع دون ما أظهره
فيتركه لعدم ملكه له وكذلك إن أظهر أنه اشتراه بنقد فبان أنه اشتراه بعرض أو بالعكس أو بنوع
من العروض فبان أنه بغيره أو أظهر أنه اشتراه له فبان أن اشتراه لغيره أو بالعكس أو انه اشتراه
لانسان فبان أنه اشتراه لغيره لأنه قد يرضى بشركة إنسان دون غيره وقد يحابي أنسانا أو يخافه
479

فيترك لذلك وكذلك ان أظهر أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى نصفه بنصفه أو أنه اشترى نصفه
بثمن فبان أنه اشترى جميعه بضعفه أو أنه اشترى الشقص وحده فبان أنه اشتراه هو وغيره وأو بالعكس
لم تسقط الشفعة في جميع ذلك لأنه قد يكون له غرض فيما أبطنه دون ما أظهره فيترك لذلك فلم تسقط
شفعته كما لو أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أقل منه. فأما ان أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أنه اشتراه
بأكثر أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى به بعضه سقطت شفعته لأن الضرر فيما أبطنه أكثر
فإذا لم يرض بالثمن القليل مع قلة ضرره فبالكثير أولى
(فصل) فإن أخبره بالبيع مخبر فصدقه ولم يطالب بالشفعة بطلت شفعته سواء كان المخبر ممن يقبل
خبره أولا لأن العلم قد يحصل بخبر من لا يقبل خبره لقرائن دالة على صدقه وان قال لم أصدقه وكان
المخبر ممن يحكم بشهادته كرجلين عدلين بطلت شفعته لأن قولهم حجة تثبت بها الحقوق، وإن كان ممن
لا يعمل بقوله كالفاسق والصبي لم تبطل وحكي عن أبي يوسف أنها تسقط لأنه خبر يعمل به في الشرع
في الاذن في دخول الدار وشبهه فسقطت كخبر العدل
ولنا أنه خبر لا يقبل في الشرع أشبه قول الطفل والمجنون، وان أخبره رجل عدل أو مستور الحال سقطت
شفعته، ويحتمل ان لا تسقط يروى هذا عن أبي حنيفة وزفر لأن الواحد لا تقوم به البينة.
480

ولنا أنه خبر لا تعتبر فيه الشهادة فقبل من العدل كالرواية والفتيا وسائر الأخبار الدينية، وفارق
الشهادة فإنه يحتاط لها باللفظ والمجلس وحضور المدعى عليه وإنكاره ولان الشهادة يعارضها
إنكار المنكر وتوجب الحق عليه بخلاف هذا الخبر، والمرأة كالرجل في ذلك والعبد كالحر وقال القاضي
هما كالفاسق والصبي وهذا مذهب الشافعي لأن قولهما لا يثبت به حق
ولنا ان هذا خبر وليس بشهادة فاستوى فيه الرجل والمرأة والعبد والحر كالرواية والاخبار
الدينية والعبد من أهل الشهادة فيما عدا الحدود والقصاص وهذا مما عداهما فأشبه الحر
(مسألة) (وان قال الشفيع للمشتري بعني ما اشتريت أو قاسمني بطلت شفعته)
لأنه يدل على رضاه بشرائه وتركه الشفعة وان قال صالحني على مال سقطت أيضا وهو قول أبي الخطاب
وقال القاضي لا تسقط لأنه لم يرض باسقاطها وإنما رضي بالمعاوضة ولم تثبت المعاوضة فبقيت الشفعة
ولنا أنه رضي بتركها وطلب عوضها فثبت الترك المرضي به ولم يثبت العوض كما لو قال بعني فلم
يبيعه ولان ترك المطالبة بها كاف في سقوطها فمع طلب عوضها أولى ولا صحاب الشافعي وجهان كهذين
فإن صالحه عنه بعوض لم يصح وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك يصح لأنه عوض عن إزالة
ملك فجاز كأخذ العوض عن تمليك المرأة أمرها
481

ولنا أنه خيار لا يسقط إلى فلم يجز أخذ العوض عنه كخيار الشرط وبه يبطل ما قاله وأما
الخلع فهو عما ملكه بعوض وههنا بخلافه
(فصل) وان لقيه الشفيع في غير بلده فلم يطالبه قال إنما تركت المطالبة لا طالبه في البلد الذي
فيه البيع أو المبيع أو لا آخذ الشقص في موضع الشفعة سقطت شفعته لأن ذلك ليس بعذر في ترك
المطالبة فإنها لا تقف على تسليم الشقص ولا حضور البلد الذي هو فيه، وان قال نسيت فلم أذكر
المطالبة أو نسيت البيع سقطت شفعته لأنه خيار على الفور فإذا أخره نسيانا بطل كالرد بالعيب وكما لو
أمكنت المعتقة زوجها من وطئها نسيانا ويحتمل ان لا تسقط المطالبة لأنه تركها لعذر فأشبه ما لو تركها
لعدم علمه بها وإن تركها جهلا لاستحقاقه لها إذا كان مثله يجهل ذلك بطلت كالرد بالعيب ويحتمل ان
لا تبطل كما إذا ادعت المعتقة الجهل بملك الفسخ
(مسألة) (وان دل في البيع لم تبطل شفعته) لأن ذلك لا يدل على الرضى باسقاطها بل لعله أراد البيع ليأخذ بالشفعة
(مسألة) (وان توكل الشفيع في البيع لم تسقط شفعته بذلك سواء توكل للبائع أو للمشتري)
ذكره الشريف وأبو الخطاب وهو ظاهر مذهب الشافعي، وقال القاضي وبعض الشافعية إن كان وكيل
البائع فلا شفعة له لأنه تحلقه التهمة في البيع لكونه يقصد تقليل الثمن ليأخذ به بخلاف المشتري وقال
482

أصحاب الرأي لا شفعة لوكيل المشتري بناء على أصلهم ان الملك ينتقل إلى الوكيل فلا يستحق على نفسه
ولنا انه وكيل فلا تسقط شفعته كالاجر ولا نسلم ان الملك ينتقل إلى الوكيل بل ينتقل إلى الموكل ثم لو انتقل إلى
الوكيل لما ثبت في ملكه إنما ينتقل في الحال إلى الموكل فلا يكون الاخذ من نفسه ولا الاستحقاق عليها وأم التهمة
فلا تؤثر لأن الموكل وكله من علمه بثبوت شفعه راضيا بتصرفه فلم يؤثر كما لو وكله في الشراء من نفسه، وفعلى
هذا لو قال لشريكه بع نصف نصبي مع نصف نصيبك ففعل ثبتت الشفعة لكل واحد منهما في المبيع من
نصيب صاحبه وعند القاضي تثبت في نصيب الوكيل دون نصيب الموكل
(مسألة) (وان جعل له الخيار فاختار امضاء البيع فهو على شفعته)
إذا شرط للشفيع الخيار فاختار امضاء العقد أو ضمن العهدة للمشتري فالشفعة بحالها وبه قال الشافعي
وقال أصحاب الرأي تسقط لأن العقد تم به فأشبه البائع إذا باع بعض نصيب نفسه
ولنا ان هذا سبب سبق وجوب الشفعة فلم تسقط به الشفعة كالاذن في البيع والعفو عن الشفعة قبل
تمام البيع وما ذكروه لا يصح فإن البيع لا يقف على الضمان ويبطل بما إذا كان المشتري شريكا فإن البيع
تم به وثبتت له الشفعة بقدر نصيبه
(مسألة) (وان أسقط شفعته قبل البيع لم تسقط ويحتمل أن تسقط)
ادا عفا الشفيع عن الشفعة قبل البيع فقال قد أذنت في البيع أو أسقطت شفعتي أو ما أشبه ذلك
483

لم تسقط وله المطالبة بها في ظاهر المذهب وبه قال مالك والشافعي والبتي وأصحاب الرأي، وعن أحمد
ما يدل على أن الشفعة تسقط بذلك فإن إسماعيل بن سعيد قال قلت لأحمد ما معني قول النبي صلى الله عليه
وسلم (من كان بينه وبين أخيه ربعة فأراد بيعها فليعرضها عليه) وقد جاء في بعض الحديث (لا يحل له الا أن
يعرضها عليه إذا كانت الشفعة ثابتة) فقال ما هو ببعيد من أن يكون على ذلك وأن لا تكون له شفعة وهذا قول
الحكم والثوري وأبي خيثمة وطائفة من أهل الحديث، قال ابن المنذر وقد اختلف فيه عن أحمد فقال مرة تبطل
شفعته وقال مرة لا تبطل، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان له شركة في أرض ربعة
أو حائط فلا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وان شاء ترك) ومحال أن يقول النبي صلى الله
عليه وسلم (وان شاء ترك) فلا يكون لتركه معنى ولان مفهوم قوله (فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به) انه إذا
باعه باذنه لاحق له ولان الشفعة ثبتت في موضع الاتفاق على خلاف الأصل لكونه يأخذ ملك المشتري
بغير رضاه ويجبره على المعاوضة به لدخوله مع البائع في العقد الذي أساء فيه بادخاله الضرر على شريكه
وتركه الاحسان إليه في عوضه عليه وهذا المعنى معدوم ههنا فإنه قد عرضه عليه، وامتناعه من أخذه دليل
على عدم الضرر في حقه ببيعه فإن كان فيه ضرر فهو أدخله على نفسه فلا يستحق الشفعة كما لو أخر
المطالبة بعد البيع. ووجه الأول انه اسقاط حق قبل وجوبه فلم يصح كما لو أبرأه مما يجب له أو لو أسقطت
المرأة صداقها قبل التزويج، وأما الخبر فيحتمل انه أراد العرض عليه ليبتاع ذلك أن أراد فتخف عليه المؤنة
484

ويكتفي أخذ المشترى الشقص لا اسقاط حقه من شفعته
(مسألة) وان ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ له لم تسقط وله الاخذ بها إذا كبر وان تركها لعدم
الخط فيها سقطت ذكره ابن حامد وقال القاضي يحتمل أن لا تسقط)
إذا بيع في شركة الصغير شقص ثبتت له الشفعة في قول عامة الفقهاء منهم الحسن وعطاء ومالك
والأوزاعي والشافعي وسوار والعنبري وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى لا شفعة له وروي ذلك عن
النخعي والحارث العكلي لأن الصبي لا يمكنه الاخذ ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ لما فيه من الاضرار
بالمشتري، وليس للولي الاخذ لأن من لا يملك العفو لا يملك الاخذ كالأجنبي
ولنا عموم الأحاديث ولأنه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال فثبت في حق الصبي كخيار الرد
بالعيب، قولهم لا يمكن الاخذ ممنوع فإن الولي يأخذ بها كما يرد بالعيب، قولهم لا يمكنه العفو يبطل بالوكيل
فيها وبالرد بالعيب فإن ولي الصبي لا يمكنه العفو ويمكنه الرد ولان في الاخذ تحصيلا للملك للصبي ونظرا
له وفي العفو تضييع وتفريط في حقه ولا يلزم من ملك ما فيه الحظ ملك ما فيه تضييع ولان العفو
إسقاط لحقه والاخذ استيفاء له ولا يلزم من ملك الولي استيفاء حق المولى عليه ملك اسقاطه بدليل
سائر حقوقه وديونه، فإن لم يأخذ الولي انتظر بلوغ الصبي كما ينتظر قدوم الغائب، وبه يبطل ما ذكروه
من الضرر في الانتظار. إذا ثبت هذا فإن الصغير إذا كبر فله الاخذ بها في ظاهر قول الخرقي سواء عفا
485

عنها الولي أولم يعف وسواء كان الخط في الاخذ بها أو في تركها وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور
وهذا قول الأوزاعي وزفر ومحمد بن الحسن وحكاه بعض أصحاب الشافعي عنه لأن المستحق
للشفعة يملك الاخذ بها سواء كان له الحظ فيها أولم يمكن فلم تسقط بترك غيره كالغائب إذا ترك وكيله
الاخذ بها، وقال ابن حامدا تركها المولى لحظ الصبي أو لأنه ليس للصبي ما يأخذها به سقطت
وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن الولي فعل ماله فعله فلم يجز للصبي نقضه كالرد العيب ولأنه فعل ما
للصبي فيه حظ فصح كالاخذ مع الحظ، وان تركها لغير ذلك لم تسقط، وقال أبو حنيفة تسقط بعفو الولي
عنها في الحالين لأن من ملك الاخذ بها ملك العفو عنها كالمالك، وخالفه صاحباه في هذا لأنه أسقط حقا
للمولي عليه ولاحظ له في اسقاطه فلم يصح كالابراء وخيار الرد بالعيب، ولا يصح قياس الولي على
المالك لأن للمالك التبرع والابراء وما لاحظ له فيه بخلاف الولي
(فصل) فاما الولي فإن كان للصبي حظ في الاخذ بها مثل أن يكون الشراء رخيصا أو بثمن المثل
وللصبي ما يشتري به العقار لزم وليه الاخذ بالشفعة لأن عليه الاحتياط له والاخذ بما فيه الحظ فإذا
أخذ بها ثبت الملك للصبي ولم يملك نقضه بعد البلوغ في قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال
الأوزاعي ليس للولي الاخذ بها لأنه لا يملك العفو عنها ولا يملك الاخذ بها كالأجنبي وإنما يأخذ بها
الصبي إذا كبر، وهذا لا يصح لأنه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال فملكه الولي كالرد بالعيب
486

وقد ذكرنا فساد قياسه فيما مضى، فإن تركها الولي مع الحظ للصبي الاخذ بها إذا كبر ولا
يلزم الولي غرم لذلك لأنه لم يفوت شيئا من ماله وإنما ترك تحصيل ماله الحظ فيه فأشبه ما لو ترك
شراء العقار له مع الخط في شرائه وإن كان الحظ في تركها مثل أن يكون المشتري قد غبن أو كان
في الاخذ بها يحتاج إلى أن يستقرض ويرهن مال الصبي له الاخذ لأنه لا يملك فعل مالا حظ
للصبي فيه، فإن أخذ لم يصح في إحدى الروايتين ويكون باقيا على ملك المشتري لأنه اشترى له ما لا
يملك شراءه فلم يصح كما لو اشترى بزيادة كثيرة على ثمن المثل أو اشترى معيبا يعلم عيبه، ولا يملك الولي
المبيع لأن الشفعة تؤخذ بحق الشركة ولا شركة للولي ولذلك لو أراد الاخذ لنفسه لم يصح فأشبه
ما لو تزوج لغيره بغير إذنه فإنه يقع باطلا ولا يصح لواحد منهما كذا ههنا وهذا مذهب الشافعي
(والثانية) يصح الاخذ للصبي لأنه اشترى له ما يندفع عنه الضرر به فصح كما لو اشترى معيبا لا يعلم عيبه
والحظ يختلف ويخفى فقد يكون له حظ في الاخذ بأكثر من ثمن المثل لزيادة قيمة ملكه والشقص
الذي يشتريه بزوال الشركة أو لأن الضرر الذي يندفع بأخذه كثير فلا يمكن اعتبار الحظ بنفسه لخفائه
ولا بكثرة الثمن لما ذكرناه فسقط اعتباره وصح البيع
(فصل) وإذا باع وصي الأيتام فباع لأحدهم نصيبا في شركة الآخر فله الاخذ للآخر بالشفعة لأنه
487

كالشراء له، وإن كان الوصي شريكا لمن باع عليه فليس له الاخذ للتهمة في البيع ولأنه بمنزلة من يشتري
لنفسه من مال يتيمه، ولو باع الوصي نصيبه كان له الاخذ لليتيم بالشفعة مع الحظ لليتيم لأن التهمة منتفية
فإنه لا يقدر على الزيادة في ثمنه لكون المشتري لا يوافقه ولان الثمن حاصل له من المشتري كحصوله من
اليتيم بخلاف بيعه مال اليتيم فإنه يمكنه تقليل الثمن ليأخذ الشقص به، فإن رفع الامر إلى الحاكم فباع عليه
فللوصي الاخذ حينئذ لعدم التهمة، فإن كان مكان الوصي أب فباع شقص ولده فله الاخذ بالشفعة لأن له أن
يشتري من نفسه مال ولده لعدم التهمة، وان بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليه الاخذ له بالشفعة لأنه
لا يمكن تمليكه بغير الوصية فإذا ولد الحمل ثم كبر فله الاخذ بالشفعة كالصبي إذا كبر
(فصل) وإذا عفا ولي الصبي عن شفعته التي له فيها حظ ثم أراد الاخذ بها فله ذلك في قياس المذهب لأنها
لم تسقط باسقاطه ولذلك ملك الصبي الاخذ بها إذا كبر ولو سقطت لم يملك الاخذ بها، ويحتمل أن لا يملك الاخذ بها
لأن ذلك يؤدي إلى ثبوت حق الشفعة على التراخي وذلك على خلاف الخبر والمعنى ويخالف أخذ الصبي بها
إذا كبر لأن الحق يتجدد له عند كبره فلا يملك تأخيره حينئذ وكذلك أخذ الغائب بها إذا أقدم، فاما ان تركها
لعدم الحظ فيها ثم أراد الا خذ بها والامر بحاله لم يملك ذلك كما لم يملكه ابتداء، وان صار فيها حظ أو كان معسرا
عند البيع فأيسر بعد ذلك انبنى ذلك على سقوطها بذلك فإن قلنا لا تسقط وللصبي الاخذ بها إذا كبر فحكمها
حكم ما فيه الحظ وان قلنا تسقط فليس له الاخذ بها بحال لأنها قد سقطت مطلقا فهو كما لو عفا الكبير عن شفعته
488

(فصل) والحكم في المجنون المطبق كالحكم في الصبي سواء لأنه محجور عليه لحظه وكذلك السفيه
فاما المغمى عليه فحكمه الغائب لأن لا ولاية عليه وكذلك المحبوس، فعلى هذا ننتظر افاقته
وأما مفلس فله الاخذ بالشفعة والعفو عنها وليس لغرمائه الا خذ بها لأنها معاوضة فلا يجبر عليها كسائر المعاوضات
وليس لهم اجباره على العفو لأنه اسقاط حق فلا يجبر، وسواء كان له حظ في الاخذ بها أو لم يكن لأنه يأخذ
في ذمته وليس بمحجور عليه في ذمته لكن لهم منعه من دفع ماله في ثمنها لتعلق حقوقهم بماله فأشبه ما لو اشترى
في ذمته شقصا غير هذا، ومتي ملك الشقص المأخوذ بالشفعة تعلقت حقوق الغرماء به سواء أخذه برضاهم أو
بغيره لأنه مال له فأشبه ما لو اكتسبه. وأما المكاتب فله الاخذ والترك وليس لسيده الاعتراض عليه لأن التصرف
يقع له دون سيده، وكذلك المأذون له في التجارة من العبيد له الاخذ بالشفعة لأنه مأذون له في الشراء
وان عفا عنها لم ينفذ عفوه لأن الملك للسيد ولم يأذن في ابطال حقوقه، فإن أسقطها السيد سقطت ولم يكن
للعبد أن يأخذ لأن للسيد الحجر عليه ولان الحق قد أسقطه مستحقه فسقط باسقاطه
(فصل) (الشرط الرابع) أن يأخذ جميع المبيع فإن طلب أخذ البعض سقطت شفعته وبه قال محمد بن
الحسن وبعض أصحاب الشافعي وقال أبو يوسف لا تسقط لأن طلبه لبعضها طلب لجميعها لكونه لا يتبعض
ولا يجوز أخذ بعضها
489

ولنا انه تارك لطلب بعضها فتسقط ويسقط باقيها لأنها لا تتبعض، ولا يصح ما ذكره فإن طلب بعضها
ليس بطلب جميعها ومالا يتبعض لا يثبت حتى يثبت السبب في جميعه كالنكاح بخلاف السقوط فإن الجميع يسقط
بوجود السبب في بعضه كالطلاق
(فصل) فإن أخذ الشقص بثمن مغصوب ففيه وجهان (أحدهما) لا تسقط شفعته لأنه بالعقد استحق الشقص
بمثل ثمنه في الذمة فإذا عينه فيمالا يملكه سقط التعيين وبقي الاستحقاق في الذمة أشبه ما لو أخر الثمن أو
ما لو اشترى شيئا آخر ونقد فيه ثمنا مغصوبا (والثاني) يسقط لأن أخذه للشقص بمالا يصح أخذه به ترك له
واعراض عنه فسقطت الشفعة كما لو ترك الطلب بها
(مسألة) (وان كانا شفيعين فالشفعة بينهما على قدر ملكهما وعنه على عدد الرؤوس)
ظاهر المذهب ان الشقص المشفوع إذا اخذه الشفعاء قسم بينهم على قدر أملاكهم اختاره أبو بكر وروي
ذلك عن الحسن وابن سيرين وعطاء وبه قال مالك وسوار والعنبري وإسحاق وأبو عبيد وهو أحد قولي
الشافعي، وعن أحمد رواية ثانية انه يقسم بينهم على عدد الرؤوس اختارها ابن عقيل وروي ذلك عن النخعي
والشعبي وهو قول ابن أبي ليلى وابن شبرمة والثوري وأصحاب الرأي لأن كل واحد منهم لو انفرد لا يستحق
الجميع فإذا اجتمعوا تساووا كالبنين في الميراث وكالمعتقين في سراية العتق
ولنا انه حق يستفاد بسبب الملك فكان على قدر الاملاك كالغلة ودليلهم ينتقض بالابن والأب أو
490

الجد وبالفرسان والرجالة في الغنيمة وبأصحاب الديون والوصايا إذا نقص ماله عن دين أحدهم أو الثلث عن
وصية أحدهم، وأما الاعتاق فلنا فيه منع وان سلم فلانه اتلاف والاتلاف يستوي فيه القليل والكثير كالنجاسة
تلقى في مائع، واما البنون فإنهم تساووا في السبب وهو النبوة فتساووا في الإرث بها فنظيره في مسئلتنا تساوي
الشفعاء في سهامهم، فإذا كانت دار بين ثلاثة لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس فباع
أحدهم فعلى هذا ينظر مخرج سهام الشركاء كلهم فيأخذ منهم سهام الشفعاء فإذا علمت عدتها
قسمت السهم المشفوع عليها ويصير العقار بين الشفعاء على تلك العدة كما يفعل في مسائل الرد ففي
هذه المسألة مخرج سهام الشركاء ستة فإذا باع صاحب النصف فسهام الشفعاء ثلاثة لصاحب الثلث سهمان
وللآخر سهم فالشفعة بينهم على ثلاثة ويصير العقر بينهم أثلاثا لصاحب الثلث ثلثاه وللآخر ثلثه
وان باع صاحب الثلث كانت بين الآخرين أرباعا لصاحب النصف ثلاثة أرباعها وللآخر ربعها وان
باع صاحب السدس كانت بين الآخرين أخماسا لصاحب النصف ثلاثة أخماسه وللآخر خمساه هذا
على ظاهر المذهب، وعلى الرواية الثانية ينقسم الشقص المشفوع بين الآخرين نصفين فإذا باع صاحب
النصف قسم النصف بين الآخرين لكل واحد الربع فيصير لصاحب الثلث ثلث وربع وللآخر ربع
وسدس وإن باع صاحب الثلث صار لصاحب النصف الثلثان وللآخر الثلث وان باع صاحب السدس
فلصاحب النصف ثلث وربع ولصاحب الثلث ربع وسدس
491

(مسألة) (فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر الا أن يأخذ الكل أو يترك)
وجملة ذلك أنه إذا كان الشقص بين شفعاء فترك بعضهم فليس للباقين إلا أخذ الجميع أو ترك الجميع
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا وهو قول مالك والشافعي وأصحاب
الرأي لأن في أخذ البعض اضرارا بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه ولا يزال الضرر بالضرر، ولان الشفعة
إنما تثبت على خلاف الأصل دفعا لضرر الشريك الداخل خوفا من سوء المشاركة ومؤنة القسمة
فإذا أخذ بعض الشقص لم يندفع عنه الضرر فلم يتحقق المعنى المجوز لمخالفة الأصل فلا تثبت، وإن وهب
بعض الشركاء نصيبه من الشفعة لبعض الشركاء أو لغيره لم يصح لأن ذلك عفو وليس بهبة فلم يصح لغير
من هو عليه كالعفو عن القصاص
(فصل) فإن كان الشفعاء غائبين لم تسقط الشفعة لموضع العذر فإذا قدم أحدهم فليس له الا أن يأخذ
الكل أو يترك لأنا لا نعلم اليوم مطالبا سواه ولان في أخذ البعض تبعيضا لصفقة المشتري فلم يجز
ذلك كما لو لم يكن معه غيره، ولا يجوز تأخير حقه إلى أن يقدم شركاؤه لأن في التأخير ضررا بالمشتري
فإذا أخذ الجميع ثم حضر آخر قاسمه ان شاء أو عفا فيبقى للأول لأن المطالبة إنما وجدت منهما فإن
قاسمه ثم حضر الثالث قاسمهما ان أحب أو عفا فيبقى للأولين، فإن نما الشقص في يد الأول نماء منفصلا
لم يشاركه فيه واحد منهما لأنه انفصل في ملكه أشبه ما لو انفصل في يد المشتري قبل الاخذ بالشفعة
492

وكذلك إذا أخذ الثاني فنما في يده منفصلا لم يشاركه الثالث فيه، فإن خرج الشقص مستحقا فالعهدة
على المشتري يرجع الثلاثة عليه ولا يرجع أحدهم على الآخر فإن الاخذ وإن كان من الأول
فهو بمنزلة النائب عن المشتري في الدفع إليهما والنائب عنهما في دفع الثمن إليه لأن الشفعة مستحقة
عليه لهم هذا ظاهر مذهب الشافعي، وان امتنع الأول من المطالبة حتى يحضر صاحباه أو قال آخذ قدر
حقي ففيه وجهان (أحدهما) يبطل حقه لأنه قدر على أخذ الكل وتركه فأشبه المفرد (والثاني) لا
تبطل لأنه تركه لعذر وهو خوف قدوم الغائب فينزعه منه والترك لعذر لا يسقط الشفعة بدليل ما لو
أظهر المشتري ثمنا كثيرا فترك لذلك فبان خلافه، وان ترك الأول شفعته توفرت الشفعة على صاحبيه وإذا
قدم الأول منهما فله أخذ الجميع على ما ذكرنا في الأول، فإن أخذ الأول بها ثم رد ما أخذه بعيب فكذلك
وبهذا قال الشافعي وحكي عن محمد بن الحسن أنها لا تتوفر عليهما وليس لهما أخذ نصيب الأول لأنه لم
يعف وإنما رد نصيبه بالعيب فأشبه ما لو رجع إلى المشتري ببيع أو هبة
ولنا أن الشفيع فسخ ملكه ورجع إلى المشترى بالسبب الأول فكان لشريكه أخذه كما لو عفا
ويفارق عوده بسبب آخر لأنه عاد غير الملك الأول الذي تعلقت به الشفعة
(فصل) وإذا حضر الثاني بعد أخذ الأول فأخذ نصف الشقص منه واقتسما ثم قدم الثالث وطالب
بالشفعة وأخذ بها بطلت القسمة لأن هذا الثالث إذا أخذ بالشفعة فهو كأنه مشارك حال القسمة لثبوت
493

حقه، ولهذا لو باع المشتري ثم قدم الشفيع كان له ابطال البيع، فإن قيل وكيف تصح القسمة وشريكهما
الثالث غائب؟ قلنا يحتمل أن يكون وكل في القسمة قبل البيع أو قبل عمله به أو يكون الشريكان رفعا
ذلك إلى الحاكم وطالباه بالقسمة عن الغائب فقاسمهما وبقي الغائب على شفعته، فإن قيل وكيف تصح
مقاسمتهما للشقص وحق الثالث ثابت فيه؟ قلنا ثبوت حق الشفعة لا يمنع التصرف لأنه لا يصح بيعه وهبته
وغيرهما ويملك الشفيع ابطاله كذا ههنا. إذا ثبت هذا فإن الثالث إذا قدم فوجد أحد شريكيه غائبا
أخذ من الحاضر ثلث ما في يده لأنه قدر ما يستحقه ثم إن حكم له القاضي على الغائب أخذ ثلث
ما في يده أيضا وان لم يقض انتظر الغائب حتى يقدم لأن موضع عذر
(فصل) إذا أخذ الأول الشقص كله بالشفعة فقدم الثاني فقال لا آخذ منك نصفه بل اقتصر على
قذر نصيبي وهو الثلث فله ذلك لأنه اقتصر على بعض حقه وليس فيه ببعض الصفقة على المشتري
فجاز كترك الكل، فإذا قدم الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده فيضيفه إلى ما في يد الأول
ويقسمانه نصفين فتصح قسمة الشقص من ثمانية عشر سهما لأن الثالث أخذ حقه من الثاني ثلث الثلث
ومخرجه تسعة فيضمه إلى الثلثين وهي ستة صارت سبعة ثم قسما السبعة نصفين لا تنقسم فاضرب اثنين
في تسعة يكن ثمانية عشر للثاني أربعة ولكل واحد من شريكيه سبعة، وإنما كان كذلك لأن الثاني
ترك سدسا كان له أخذه وحقه منه ثلثاه وهو السبع فيوفر ذلك على شريكيه في الشفعة، فللأول والثالث
أن يقولا نحن سواء في الاستحقاق ولم يترك واحد منا شيئا من حقه فنجمع ما معنا فنقسمه فيكون
على ما ذكرنا، وان قال الثاني أنا آخذ الربع فله ذلك لما ذكرنا في التي قبلها، فإذا قدم الثالث أخذ منه
494

نصف سدس وهو ثلث في يده فضمنه إلى ثلاثة الأرباع وهي تسعة يصير الجميع عشرة فيقسمانها لكل
واحد منهما خمسة وللثاني سهمان وتصح من اثنى عشر
(مسألة) (وإن كان المشتري شريكا فالشفعة بينه وبين الآخر) وللآخر الاخذ بقدر نصيبه
وبه قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن الحسن والشعبي والبتي لا شفعة للآخر لأنها تثبت لدفع
ضرر الشريك الداخل وهذا شركته متقدمة فلا ضرر في شرائه، وحكى ابن الصباغ عنهم أن الشفعة
كلها لغير المشتري ولا شئ للمشتري فيها لأنها تستحق عليه فلا يستحقها على نفسه
ولنا أنهما تساويا في الشركة فتساويا في الشفعة كما لو اشترى أجنبي بل المشتري أولى لأنه قد
ملك الشقص المشفوع من غير نظر إلى المشتري وقد حصل شراؤه والثاني لا يصح أيضا لا نالا نقول
أنه يأخذ من نفسه بالشفعة وإنما يمنع الشريك أن يأخذ قدر حقه بالشفعة فيبقى على ملكه ثم لا
يمتنع أن يستحق الانسان على نفسه لأجل تعلق حق الغير به ألا ترى ان العبد المرهون إذا جنى
على عبد آخر لسيده ثبت للسيد على عبده أرش الجناية لأجل تعلق حق المرتهن ولو لم يكن رهنا
ما تعلق به، إذا ثبت هذا فإن لشريك المشتري أخذ بقدر نصيبه لا غير أو العفو
(مسألة) (وان ترك المشتري شفعته ليوجب الكل على شريكه لم يكن له ذلك)
إذا قال المشتري قد أسقطت شفعتي فخذ الكل أو اترك لم يلزمه ذلك ولم يصح اسقاط المشتري
495

لأن ملكه استقر على قدر حقه فجرى مجرى الشفيعين إذا أخذا بالشفعة ثم عفا أحدهما عن حقه
ولذلك لو حضر أحد الشفيعين فأخذ جميع الشقص بالشفعة ثم حضر الآخر فله أخذ النصف من
ذلك فإن قال الأول خذ الكل أودع فاني قد أسقطت شفعتي لم يكن له ذلك، فإن قيل هذا تبعيض
للصفقة على المشتري قلنا هذا تبعيض اقتضاه دخوله في العقد فصار كالرضى منه به كما قلنا في الشفيع
الحاضر إذا أخذ جميع الشقص وكما لو اشترى شقصا وسيفا
(مسألة) (وإذا كانت دار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه لأجنبي صفقتين ثم علم الشريك فله
أن يأخذ بالبيعين وله أن يأخذ بأحدهما، فإن أخذ بالثاني شاركه المشتري في شفعته في أحد الوجهين
وإن أخذ بالأول لم يشاركه وإن أخذ بهما جميعا لم يشاركه في شفعة الأول، وهل يشاركه في
شفعة الثاني؟ على وجهين)
وجملة ذلك أن الشريك إذا باع بعض الشقص لأجنبي ثم باعه باقيه في صفقة أخرى ثم على الشفيع
فله أخذ المبيع الأول والثاني وله أخذ أحدهما، فإن أخذ الأول لم يشاركه في شفعته أحد، وإن أخذ
بالثاني فهل يشاركه المشتري في شفعته بنصيبه الأول؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يشاركه فيها وهو مذهب أبي
حنيفة وبعض أصحاب الشافعي لأنه شريك في وقت البيع الثاني بملكه الذي اشتراه أولا (والثاني)
لا يشاركه لأن ملكه على الأول لم يستقر لكون الشفيع يملك أخذه (والثالث) ان عفا الشفيع عن
496

الأول شاركه في الثاني وان أخذ بهما جميعا لم يشاركه وهذا مذهب الشافعي لأنه إذا عفا عنه استقر
ملكه بخلاف ما إذا أخذ، فإن قلنا يشاركه في الشفعة ففي قدر ما يستحق وجهان أحدهما ثلثه والثاني
نصفه بناء على الروايتين في قسم الشفعة على قدر الاملاك أو عدد الرؤوس فإذا قلنا يشاركه فعفا له
عن الأول صار له ثلث العقار في أحد الوجهين وفي الآخر ثلاثة أثمانه وباقيه لشريكه وان لم يعف
عن الأول فله نصف سدسه في أحد الوجهين وفي الآخر ثمنه والباقي لشريكه، وان باعه الشريك
الشقص في ثلاث صفقات متساوية فحكمه حكم ما لو باعه لثلاثة أنفس على ما نذكره ويستحق ما
يستحقون وللشفيع ههنا مثل ماله مع الثلاثة والله أعلم
(فصل) وان كانت دار بين ثلاثة فوكل أحدهم شريكه في بيع نصيبه مع نصيبه فباعهما لرجل
واحد فلشريكهما الشفعة فيهما، وهل له أخذ أحد النصيبين دون الآخر؟ فيه وجهان (أحدهما) له ذلك لأن
المالك اثنان فيما بيعان فكان له أخذ نصيب أحدهما كما لو توليا العقد (والثاني) ليس له ذلك لأن
الصفقة واحدة وفي أخذ أحدهما تبعيض الصفقة على المشتري فلم يجز كما لو كانا لرجل واحد، وان
وكل رجل رجلا في شراء نصف نصيب أحد الشركاء فاشترى الشقص كله لنفسه ولموكله فلشريكه
أخذ نصيب أحدهما لأنهما مشتريان أشبه ما لو وليا العقد، والفرق بين هذه الصورة
497

والتي قبلها ان أخذ أحد النصيبين لا يفضي إلى تبعيض الصفقة على المشتري ولأنه قد يرضى شركة أحد
المشتريين دون الآخر بخلاف التي قبلها فإن المشتري واحد
(مسألة) (وان اشترى اثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما)
وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه وقال في الأخرى يجوز له ذلك بعد
القبض ولا يجوز قبله لأنه قبل القبض يبعض صفقة البائع
ولنا أنهما مشتريان فجاز للشفيع أخذ نصيب أحدهما كما بعد القبض وما ذكروه ممنوع على أن
المشتري الاخر يأخذ نصيبه فلا يكون تبعيضا فإن باع اثنان من اثنين فهي أربعة عقود وللشفيع أخذ
الكل أو ما شاء منها
(فصل) وإذا باع شقصا لثلاثة دفعة واحدة فلشريكه أن يأخذ من الثلاثة وله أن يأخذ بمن
أحدهم وله أن يأخذ من اثنين دون الثالث لأن كل عقد منها منفرد فلا يتوقف الاخذ به على الاخذ
بما في العقد الاخر كما لو كانت متفرقة وإذا أخذ نصيب أحدهم لم يكن للآخرين مشاركته في الشفعة
لأن ملكهما لم يسبق ملك من أخذ نصيبه ولا يستحق الشفعة الا بملك سابق، فأما ان باع نصيبه
لثلاثة في ثلاثة عقود متفرقة ثم على الشفيع فله أيضا أن يأخذ الثلاثة وله ان يأخذ ما شاء منها فإن
أخذ نصيب الأول لم يكن للآخرين مشاركته في شفعته لأنهما لم يكن لهما ملك حين بيعه وان أخذ
498

نصيب الثاني وحده لم يملك الثالث مشاركته لذلك ويشاركه الأول في شفعته لأن ملكه سابق لشراء
الثاني فهو شريك في استحقاقها حال شرائه ويحتمل ان لا يشاركه لأن ملكه حال شراء الثاني يستحق اخذه
بالشفعة فلا يكون سببا في استحقاقها، وان اخذ من الثالث وعفا عن الأولين ففي مشاركتهما له وجهان، وان اخذ
من الثلاثة ففيه وجهان (أحدهما) لا يشاركه واحد منهم لأن املاكهم قد استحقاقها بالشفعة فلا يستحق
عليه بها شفعة (والثاني) يشاركه الثاني في شفعة الثالث وهو قول أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي
لأنه كان مالكا ملكا صحيحا شراء الثالث ولذلك استحق مشاركته إذا عفا عن شفعته فكذلك
إذا لم يعف لا إنما استحق الشفعة بالملك الذي صار به شريكا لا بالعفو عنه ولذلك قلنا في الشفيع إذا
لم يعلم بالشفعة حتى باع نصيبه ان له اخذ نصيب المشترى الأول وللمشتري الأول اخذ نصيب
المشتري الثاني، وعلى هذا يشاركه الأول في شفعة الثاني والثالث جميعا. فعلى هذا إذا كانت دار بين
اثنين نصفين فباع أحدهما نصيبه لثلاثة في ثلاثة عقود في كل عقد سدسا فللشفيع السدس الأول
وثلاثة أرباع الثاني وثلاثة أخماس الثالث وللمشتري الأول ربع السدس الثاني وخمس الثالث وللمشتري
499

الثاني خمس الثالث فتصح المسألة من مائة وعشرين سهما للشفيع الأول مائة وسبعة أسهم وللثاني تسعة
وللثالث أربعة، وان قلنا إن الشفعة على عدد الرؤوس فللمشتري الأول نصف السدس الثاني وثلث الثالث
وللثاني ثلث الثالث وهو نصف التسع فتصح من ستة وثلاثين فللشفيع تسعة وعشرون وللثاني
خمسة وللثالث سهمان
(فصل) دار بين أربعة أرباعا باع ثلاثة منهم في عقود متفرقة ولم يعلم شريكهم ولا بعضهم ببعض
فلذي لم يبع الشفعة في الجميع، وهل يستحق البائع الثاني والثالث الشفعة فيما باعه البائع الأول؟ على
وجهين، وكذلك هل يستحق الثالث الشفعة فيما باعه الأول والثاني؟ على وجهين وهل يستحق مشتري
الربع الأول الشفعة فيما باعه الثاني والثالث؟ أو هل يستحق الثاني شفعة الثالث على ثلاثة أوجه (أحدها)
يستحقان لأنهما مالكان حال البيع (والثاني) لا حق لهما لأن ملكهما متزلزل يستحق أخذه بالشفعة فلا
تثبت به (و الثالث) ان عفا عنهما أخذ وإلا فلا فإذا قلنا يشترك الجميع فللذي لم يبع ثلث كل ربع لأن
له شريكين فصار له الربع مضموما إلى ملكه فكمل له النصف للبائع الثالث والمشتري الأول الثلث
لكل واحد منهما سدس لأنه شريك في شفعة مبيعين وللبائع الثاني والمشتري الثاني السدس لكل واحد
منهما نصفه لأنه شريك في شفعة بيع واحد وتصح من اثنى عشر
(مسألة) (وان اشترى واحد حق اثنين أو اشترى شقصين من دارين صفقة واحدة فللشفيع
500

أخذا أحدهما على أصح الوجهين)
إذا اشترى رجل من رجلين شقصا صفقة واحدة فللشفيع أخذ نصيب أحدهما دون الآخر
وبه قال الشافعي وحكي عن القاضي أنه لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة ومالك لئلا تتبعض صفقة المشتري
ولنا أن عقد الاثنين مع واحد عقدان لأنه مشتر من كل واحد منهما ملكه بثمن مفرد فكان للشفيع
أخذه كما لو أفرده بعقد وبهذا ينفصل عما ذكروه، وأما إذا باع شقصين من أرضين صفقة واحدة
لرجل واحد وكان الشريك في أحدهما غير الشريك في الآخر فلهما أن يأخذا ويقسما الثمن على قدر
القيمتين، وان أخذ أحدهما دون الآخر جاز ويأخذ الشقص الذي في شركته بحصته من الثمن، ويتخرج
أن لا شفعة له لأن فيه تبعيض الصفقة على المشتري وذلك ضرر به وليس له أخذهما معا لأن أحدهما
لا شركة له فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة فجرى مجرى الشقص والسيف على ما نذكره، وإن كان
الشريك فيهما واحدا فله أخذهما وتركهما لأنه شريك فيهما وله أخذ أحدهما دون الآخر وهو منصوص
الشافعي، وفيه وجه آخر أنه لا يملك ذلك، ومتى اختاره سقطت الشفعة فيهما لأنه أمكنه أخذ المبيع كله
فلم يملك أخذ بعضه كما لو كان شقصا واحدا ذكره أبو الخطاب وبعض الشافعية
ولنا أنه يستحق كل واحد منهما بسبب غير الآخر فجرى مجرى الشريكين ولأنه لو جرى مجرى
501

الشقص الواحد لوجب إذا كانا شريكين فترك أحدهما شفعته أن يكون للآخر أخذ الكل والامر بخلافه
(مسألة) (وان باع شقصا وسيفا فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن ويحتمل أن لا يجوز)
إذا باع شقصا مشفوعا ومعه مالا شفعة فيه كالسيف والثوب في عقد واحد ثبتت الشفعة في الشقص
بحصته من الثمن دون ما معه فيقوم كل واحد منهما ويقسم الثمن على قدر قيمتهما فما يخص الشقص
بأخذ به الشفيع وبه قال أبو حنيفة والشافعي، ويحتمل أن لا يجب لئلا تتبعض شفعة المشتري وفي
ذلك اضرار به أشبه ما لو أراد أخذ بعض الشقص وقال مالك تثبت الشفعة فيهما لذلك
ولنا أن السيف لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة فلم يؤخذ بالشفعة كما لو أفرده والضرر
اللاحق بالمشتري هو ألحقه بنفسه لجمعه في العقد بين ما تثبت فيه الشفعة وما لا تثبت ولان في الاخذ
بالكل اضرارا بالمشتري أيضا لأنه ربما كان غرضه في ابقاء السيف له ففي أخذه منه اضرار به
من غير سبب يقتضيه
(مسألة) (وان تلف بعض المبيع فله أخذ الباقي بحصته من الثمن وقال ابن حامد إن كان تلفه
بفعل الله تعالى فليس له أخذه الا بجميع الثمن)
إذا تلف الشقص أو بعضه في يد المشتري فهو من ضمانه لأنه ملكه تلف في يده، فإن أراد
502

الشفيع الاخذ إذا تلف بعضه أخذ الموجود بحصته من الثمن سواء كان التلف بفعل الله تعلى أو بفعل
آدمي وسواء تلف باختيار المشتري كنقضه البناء أو بغير اختياره مثل أن انهدم، ثم إن كانت الابعاض
موجودة أخذها مع العرصة بالحصة وان كانت معدومة اخذ العوض وما بقي من البناء، وهذا ظاهر كلام
أحمد في رواية ابن القاسم وهو قول الثوري والعنبري وأبي يوسف وقول للشافعي، وقال ابن حامد
إن كان التلف بعفل آدمي كما ذكرنا وإن كان بفعل الله تعالى كانهدام البناء بنفسه أو حريق أو غرق فليس
للشفيع أخذ الباقي الا بكل الثمن أو يترك وهو قول أبي حنيفة وقول للشافعي لأنه متى كان النقص بفعل
آدمي رجع بدله إلى المشتري فلا يتضرر ومتى كان بغير ذلك لم يرجع إليه شئ فيكون الاخذ منه
اضرارا به والضرر لا يزال بالضرر. ولنا انه تعذر علي الشفيع اخذ الجميع وقدر على اخذ البعض فكان له
بالحصة كما لو تلف بفعل سواء وكما لو كان له شفيع آخر، أو نقول أخذ بعض ما دخل معه في العقد
فاخذه بالحصة كما لو كان معه سيف، وأما الضرر فإنما حصل بالتلف ولا صنع للشفيع فيه والذي يأخذه
الشفيع يؤدي ثمنه فلا يتضرر المشتري بأخذه وإنما قلنا يأخذ الابعاض وان كانت منفصلة لأن استحقاقه
كان حال عقد البيع وفي تلك الحال كان متصلا اتصالا ليس مآله إلى الانفصال وانفصاله بعد ذلك لا يسقط
حق الشفعة، ويفارق الثمرة غير المؤبرة إذا أبرت فإن مآلها إلى الانفصال والظهور فإذا ظهر فقد
انفصلت فلم تدخل في الشفعة، وان نقصت القيمة مع بقاء صورة المبيع مثل ان انشق الحائط واستهدم
503

البناء وشعث الشجر وبارت الأرض فليس له إلا أن يأخذ بجميع الثمن أو يترك لأن هذه المعاني لا
يقابلها الثمن بخلاف الأعيان، ولهذا لو بنى المشتري أعطاه الشفيع قيمة بنائه، ولو زاد المبيع زيادة متصلة
دخلت في الشفعة.
(فصل) (الشرط الخامس أن يكون للشفيع ملك سابق) لأن الشفعة إنما ثبتت للشريك لدفع الضرر
عنه وإذا لم يكن له ملك سابق فلا ضرر عليه فلا تثبت له الشفعة
(مسألة) (فإن اشترى اثنان دارا صفقة واحدة فلا شفعة لأحدهما على صاحبه) لأنه لا مزية
لأحدهما على صاحبه لتساويهما.
(مسألة) (فإن ادعى كل واحد منهما السبق فتحالفا أو تعارضت بينتا هما فلا شفعة لهما)
إذا كانت دار بين رجلين فادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه يستحق ما في يده بالشفعة سئلا
متى ملكتماها؟ فإن قالا ملكناها دفعة واحدة فلا شفعة لأحدهما على الآخر لأن الشفعة إنما ثبتت بملك
سابق في ملك متجدد بعده وان قال كل واحد منهما ملكي سابق ولأحدهما بينة بما ادعاه قضي له
وإن كان لكل واحد منهما بينة قدم اسبقهما تاريخا فإن شهدت بينة كل واحد منهما بسبق ملكه وتجدد
ملك صاحبه تعارضتا، وان لم يكن لواحد منهما بينة سمعنا دعوى السابق وسألنا خصمه فإن أنكر فالقول
504

قوله مع يمينه فإن حلف سقطت دعوى الأول ثم نسمع دعوى الثاني على الأول فإن أنكر وحلف سقطت
دعواهما جميعا وان ادعى الأول فنكل الثاني عن اليمين قضينا عليه ولم نسمع دعواه لأن خصمه قد استحق
ملكه وان حلف الثاني ونكل الأول قضينا عليه
(مسألة) (ولا شفعة بشركة الوقف في أحد الوجهين)
ذكره القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه لا يؤخذ بالشفعة فلا
تجب به كالمجاور وما لا ينقسم ولأننا إن قلنا هو غير مملوك فالموقوف عليه غير مالك وان قلنا هو مملوك
فملكه غير تام لأنه لا يبيح إباحة التصرف في الرقبة فلا يملك به ملكا تاما، وقال أبو الخطاب ان قلنا
هو مملوك وجبت به الشفعة لأنه مملوك بيع في شركته شقص فوجبت به الشفعة كالطلق ولان الضرر
يندفع عنه بالشفعة فوجبت فيه كوجوبها في الطلق وإنما لم يستحق بالشفعة لأن الاخذ بها بيع
وهو مما لا يجوز بيعه
(فصل) وان تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب بوقف أو هبة سقطت الشفعة نص عليه في
رواية علي بن سعيد وبكر بن محمد وحكي ذلك عن الماسرجسي في الوقف لأن الشفعة إنما تثبت في
المملوك وقد خرج بهذا عن كونه مملوكا قال ابن أبي موسى من اشترى دارا فجعلها مسجدا فقد استهلكها
505

ولا شفعة فيها ولان في الشفعة ههنا إضرارا بالموهوب له والموقوف عليه لأن ملكه يزول عنه بغير عوض
ويزال الضرر بالضرر بخلاف البيع فإنه إذا فسخ البيع الثاني رجع المشترى الثاني بالثمن الذي أخذ
منه فلا يلحقه ضرر، ولان ثبوت الشفعة ههنا يوجب رد العوض إلى غير المالك وسلبه عن المالك وفي
ذلك ضرر فيكون منفيا، وقال أبو بكر للشفيع فسخ ذلك وأخذه بالثمن الذي وقع به البيع وهذا قول مالك
والشافعي وأصحاب الرأي لأن الشفيع يملك فسخ البيع الثاني والثالث مع امكان الاخذ بهما فلان
يملك فسخ عقد لا يمكنه الاخذ به أولى، ولان حق الشفيع أسبق وجنبته أقوى فلم يملك المشتري تصرفا
يبطل حقه ولا يمتنع أن يبطل الوقف لأجل حق الغير كما لو وقف المريض املاكه وعليه دين فإنه
إذا مات رد الوقف إلى الغرماء والورثة فيما زاد على ثلثه بل لهم ابطال العتق والوقف أولى، فإذا قلنا
بثبوت الشفعة أخذ الشفيع الشقص ممن هو في يده ويفسخ عقده ويدفع الثمن إلى المشترى وحكي عن
مالك أنه يكون للموهوب له لأنه يأخذ ملكه.
ولنا أن الشفيع يبطل الهبة ويأخذ الشقص بحكم العقد الأول ولو لم يكن وهب كان الثمن له فكذلك
بعد الهبة المفسوخة
(مسألة) (وان باع فله الاخذ بأي البيعين شاء فإن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول)
إذا تصرف المشترى في المبيع قبل أخذ الشفيع أو قبل علمه صح تصرفه لأنه ملكه وصح قبضه
506

له ولم يبق الا أن الشفيع ملك أن يتملكه عليه وذلك لا يمنع من تصرفه كما لو كان أحد العوضين
في البيع معينا لم يمنع التصرف في الآخر، والموهوب له يجوز له التصرف في الهبة وإن كان الواصب
ممن له الرجوع فيه مفتى تصرف فيه تصرفا تجب به الشفعة كالبيع فللشفيع الخيار ان شاء فسخ البيع
الثاني وأخذه بالبيع الأول بثمنه لأن الشفعة وجبت له قبل تصرف المشتري وان شاء أمضى تصرفه
وأخذ بالشفعة من المشتري الثاني لأنه شفيع في العقدين فكان له الاخذ بأيهما شاء، وان تبايع ذلك
ثلاثة فله ان يأخذ بالبيع الأول وينفسخ العقدان الآخران وله أن يأخذه بالثاني وينفسخ الثالث وحده
وله ان يأخذه بالثلث ولا ينفسخ شئ من العقود، فإذا أخذه من الثالث دفع إليه الثمن الذي اشترى به
ورجع الثالث عليه بما أعطاه لأنه قد انفسخ عقده وأخذ الشقص منه فرجع بثمنه على الثاني لأنه
أخذه منه وان أخذ بالبيع الأول دفع إلى المشتري الأول الثمن الذي اشترى به وانفسخ عقد الآخرين
ورجع الثالث على الثاني بما أعطاه والثاني على الأول بما أعطاه، فإن كان الأول اشتراه بعشرة ثم
اشتراه الثاني بعشرين ثم اشتراه الثالث بثلاثين فاخذه بالبيع الأول دفع إلى الأول عشرة وأخذ
الأول من الثاني عشرين وأخذ الثالث من الثاني ثلاثين لأن الشقص إنما يؤخذ من الثالث لكونه
في يده وقد انفسخ عقده فيرجع بثمنه الذي ورثه ولا نعلم في هذا خلافا، وبه يقول مالك والشافعي
والعنبري وأصحاب الرأي وما كان في معنى البيع مما تجب به الشفعة فهو كالبيع على ما ذكرنا وإن كان
مما لا تجب به الشفعة فهو كالهبة والوقف على ما ذكرنا من الخلاف فيه والله أعلم
507

(مسألة) (وإن فسخ العقد بعيب أو إقالة أو تحالف فللشفيع أخذه ويأخذه في التحالف
بما حلف عليه البائع)
إذا رد المشتري الشقص بعيب أو قايل البائع فللشفيع فسخ الإقالة والرد والاخذ بالشفعة لأن
حقه سابق عليهما ولا يمكنه الاخذ معهما فإن تحالفها على الثمن وفسخا البيع فللشفيع أن يأخذ الشقص
بما حلف على البائع لأن البائع مقر بالبيع الثمن الذي حلف عليه ومقر للشفيع باستحقاق
الشفعة بذلك فإذا بطل حق المشتري بانكاره لم يبطل حق الشفيع بذلك وله أن يبطل فسخهما
ويأخذه لأن حقه أسبق
(فصل) وان اشترى شقصا بعبد ثم وجد بائع الشقص بالعبد عيبا فله رد العبد واسترجاع الشقص
ويقدم على حق الشفيع لأن في تقديم حق الشفيع إضرارا بالبائع باسقاط حقه من الفسخ الذي
استحقه والشفعة ثبتت لإزالة الضرر فلا تثبت على وجه يحصل به الضرر فإن الضرر لا يزال بالضرر
وقال أصحاب الشافعي يقدم حق الشفيع في أحد الوجهين لأن حقه أسبق فوجب تقديمه كما لو وجد
المشتري بالشقص عيبا فرده
ولنا أن في الشفعة ابطال حق البائع وحقه أسبق لأنه استند إلى وجود العيب وهو موجود حال
البيع والشفعة ثبتت بالبيع فكان حق البائع سابقا وفي الشفعة ابطاله فلم تثبت، ويفارق ما إذا كان
508

الشقص معيبا فإن حق المشتري إنما هو في استرجاع الثمن قد تحصل له من الشفيع فلا
فائدة في الرد وفي مسئلتنا حق البائع في استرجاع الشقص ولا يحتمل ذلك مع الاخذ بالشفعة
فافترقا، فإن لم يرد البائع العبد المعيب حتى أخذ الشفيع كان له رد العبد ولم يملك استرجاع المبيع لأن
الشفيع ملكه بالأخذ فلم يملك البائع إبطال ملكه كما لو باعه المشتري لأجنبي فإن الشفعة بيع في الحقيقة
ولكن يرجع بقيمة الشقص لأنه بمنزلة التالف والمشتري قد أخذ من الشفيع قيمة العبد فهل يتراجعان؟
فيه وجهان (أحدهما) لا يتراجعان لأن الشفيع أخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد وهو قيمة العبد صحيحا
لاعيب فيه بدليل أن البائع إذا علم بالعيب ملك رده ويحتمل أن يأخذه بقيمته معيبا لأنه إنما أعطى
عبدا معيبا فلا يأخذ قيمة غير ما أعطى (والثاني) يتراجعان لأن الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي استقر
عليه العقد والذي استقر عليه العقد قيمة الشقص فإذا قلنا يتراجعان فأيهما كان ما دفعه أكثر رجع
بالفضل على صاحبه، وان لم يرد البائع العبد ولكن أخذ أرشه لم يرجع المشتري على الشفيع بشئ
لأنه إنما دفع إليه قيمة العبد غير معيب وان أدى قيمته معيبا رجع المشتري عليه بما أدى من أرشه وان
عفا عنه ولم يأخذ أرشا لم يرجع الشفيع عليه بشئ لأن البيع لازم من جهة المشتري لا يملك فسخه
فأشبه ما لو حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد، وان عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ارث أو
غيره فليس للشفيع أخذه بالبيع الأول لأن ملك المشتري زال عنه وانقطع حقه منه وانتقل حقه إلى
509

القيمة فإذا أخذها لم يبق له حق بخلاف ما لو غصب شيئا لم يقدر على رده فادى قيمته ثم قدر عليه فإنه
يرده لأن ملك المغصوب منه لم يزل عنه
(فصل) ولو كان ثمن الشقص مكيلا أو موزونا فتلف قبل قبضه بطل البيع وبطلت الشفعة لأنه
تعذر التسليم فتعذر امضاء العقد فلم تثبت الشفعة كما لو فسخ البيع في مدة الخيار بخلاف الإقالة والرد
بالعيب وإن كان الشفيع قد أخذ الشقص فهو كما لو أخذه في المسألة التي قبلها لأن لمشتري النقص
التصرف فيه قبل تقبيض ثمنه فأشبه ما لو اشتراه منه أجنبي
(فصل) فإن اشترى شقصا بعبد أو ثمن معين فخرج مستحقا فالبيع باطل ولا شفعة فيه لأنها
إنما تثبت في عقد ينقل الملك إلى المشتري وهو العقد الصحيح فاما الباطل فوجوده كعدمه فإن
كان الشفيع قد أخذ بالشفعة لزمه رد ما أخذ على البائع ولا يثبت ذلك إلا ببينة أو اقرارا من الشفيع
والمتبايعين وان أقر المتبايعان وأنكر الشفيع لم يقبل قولهما عليه وله الاخذ بالشفعة ويرد العبد إلى
صاحبه ويرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص وان أقر الشفيع أو المشتري دون البائع لم تثبت
الشفعة ويجب على المشتري رد قيمة العبد على صاحبه ويبقى الشقص معه يزعم أنه للبائع والبائع ينكره
ويدعي عليه وجوب رد العبد والمشتري ينكره فيشتري الشقص منه ويتبارئان، وان أقر الشفيع والبائع
وأنكر المشتري وجب على البائع رد العبد على صاحبه ولم تثبت الشفعة ولم يملك البائع مطالبة المشتري
بشئ لأن البيع صحيح في الظاهر وقد أدى ثمنه الذي هو ملكه في الظاهر، ان أقر الشفيع وحده
510

لم تثبت الشفعة ولا يثبت شئ من أحكام البطلان في حق المتبايعين، فاما ان اشترى الشقص بثمن في
في الذمة ثم نقد الثمن فبان مستحقا كانت الشفعة واجبة لأن البيع صحيح، فإن تعذر قبض الثمن من
المشتري لاعسار أو غيره فللبائع فسخ البيع ويقدم حق الشفيع لأن بالأخذ بها يحصل للمشتري ما
يؤديه ثمنا فتزول عسرته ويحصل الجمع بين الحقين فكان أولى
(فصل) وإذا وجبت الشفعة وقضى القاضي بها والشقص في يد البائع ودفع الثمن إلى المشتري
فقال البائع للشفيع أقلني فأقاله لم تصح الإقالة لأنها تصح بين المتبايعين وليس بين الشفيع والبائع بيع
وإنما هو مشتر من المشتري فإن باعه إياه صح لأن العقار يجوز التصرف فيه قبل قبضه
(مسألة) (وان أجره المشتري أخذه الشفيع وله الأجرة من يوم أخذه) لأنه صار ملكه بأخذه.
(مسألة) (وان استغله المشتري فالغلة له) لأنها نماء ملكه
(مسألة) (وان أخذه الشفيع وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة فهي للمشتري مبقاة إلى الحصاد والجذاذ)
إذا زرع المشتري الأرض فللشفيع الاخذ بالشفعة ويبقى زرع المشتري إلى الحصاد لأن ضرره
لا يتباقى ولا أجرة عليه لأنه زرعه في ملكه ولان الشفيع اشترى الأرض وفيها زرع للبائع فكان
له مبقى إلى الحصاد بلا أجرة كغير المشفوع وإن كان في الشجر ثمر ظاهر أثمر في ملك المشتري
فهو له مبقى إلى الجذاذ كالزرع
511

(فصل) وإذا نمى المبيع في يد المشتري لم يخل من حالين أحدهما) أن يكون نماء متصلا كالشجر
إذا كبر أو ثمرة غير ظاهرة فإن الشفيع يأخذه بزيادته لأنها زيادة غير متميزة فتبعت الأصل كما لو رد
بعيب أو خيار أو إقالة، فإن قيل فلم لا يرجع الزوج في نصفه زائدا إذا طلق قبل الدخول؟ قلنا لأن
الزوج يقدر على الرجوع بالقيمة إذا فاته الرجوع في العين وفي مسئلتنا إذا لم يرجع في الشقص
سقط حقه من الشفعة فلم يسقط حقه من الأصل لأجل ما حدث من البائع وإذا أخذ الأصل تبعه
نماؤه المتصل كما ذكرنا في الفسوخ كلها (الحال الثاني) أن تكون الزيادة منفصلة كالغلة والأجرة والطلع
المؤبر والثمرة الظاهرة فهي للمشتري لأنها حدثت في ملكه وتكون مبقاة في رؤوس النخل إلى الجذاذ
لأن أخذ الشفيع من يشتري شراء ثان فيكون حكمه حكم ما لو اشترى برضاه وان اشتراه وفيه
طلع غيره مؤبر فأبرأ ثم أخذه الشفيع أخذ الأصل دون الثمرة ويأخذ الأرض والنخيل بحصتهما من
الثمن كما لو كما لو كان المبيع شقصا
(مسألة) وان قاسم المشترى وكيل الشفيع أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن
أو نحوه وغرس أو بنى فللشفيع أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء ويملكه أو يقلعه ويضمن النقص
فإن اختار الشفيع أخذه واختار المشتري قلعه فله ذلك إذا لم يكن فيه ضرر بالقلع)
وجملة ذلك أنه يتصور بناء المشترى وغرسه في الشقص المشفوع على وجه مباح في مسائل (منها)
512

أن يظهر المشتري أنه اشتراه بأكثر من ثمنه أو أنه وهب له أو غير ذلك مما يمنع الشفيع من الاخذ بها
فيتركها ويقاسمه ثم يبني المشترى ويغرس فيه (ومنها) أن يكون غائبا فيقاسمه وكيله أو صغيرا فيقاسمه وليه
أو نحو ذلك ثم يقدم الغائب أو يبلغ الصبي فيأخذ بالشفعة، وكذلك إن كان غائبا أو صغيرا فطالب
المشتري الحاكم بالقسمة فقاسم ثم قدم الغائب وبلغ الصبي فيأخذ بالشفعة بعد غرس المشتري وبنائه
فإن للمشترى قلع غرسه وبنائه ان اختار ذلك لأنه ملكه فإذا قلعه فليس عليه تسوية الحفر ولا نقص
الأرض ذكره القاضي وهو قول الشافعي لأنه غرس وبنى في ملكه وما حدث من النقص إنما حدث
في ملكه وذلك مما لا يقابله ثمن، وظاهر كلام الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل بالقلع لأنه اشترط
في قلع الغرس والبناء عدم الضرر وذلك لأنه نقص دخل على ملك غيره لأجل تخليص ملكه فلزمه
ضمانه كما لو كسر محبرة غيره لا خراج ديناره منها، قولهم ان النقص حصل في ملكه ليس كذلك فإن
النقص الحاصل بالقلع إنما حصل في ملك الشفيع فاما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فلا يضمنه
لما ذكروه، فإن لم يختر المشترى القلع فللشفيع الخيار بين ثلاثة أشياء: ترك الشفعة وبين دفع قيمة الغراس
والبناء فيملكه مع الأرض وبين قلع الغراس والبناء وبضمن له ما نقص بالقلع. وبهذا قال الشعبي
والأوزاعي وابن أبي ليلى ومالك والليث والشافعي والبتي وسوار وإسحاق، وقال حماد بن أبي سليمان
والثوري وأصحاب الرأي يكلف المشتري القلع ولا شئ له لأنه بنى فيما استحق عليه أخذه فأشبه
الغاصب ولأنه بنى في حق غيره بغير إذنه فأشبه ما لو كانت مستحقة
513

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا اضرار) ولا يزول الضرر عنهما إلا بذلك ولأنه بنى في ملكه
الذي ملك بيعه فلم يكلف قلعه مع الاضرار كما لو لم يكن مشفوعا، وفارق ما قاسوا عليه فإنه بنى في غير
ملكه، ولأنه عرق ظالم وليس لعرق ظالم حق. إذا ثبت هذا فإنه لا يمكن إيجاب قيمته مستحقا للبقاء في
الأرض لأنه لا يستحق ذلك، ولا قيمته مقلوعا لأنه لو وجبت قيمته مقلوعا لوجب قلعه ولم يضمن شيئا
ولأنه قد يكون مما لا قيمة له إذا قلعه، ولم يذكر أصحابنا كيفية وجوب القيمة فالظاهر أن الأرض
تقوم مغروسة مبنية ثم تقوم خالية منها فيكون ما بينهما قيمة الغرس والبناء فيدفعه الشفيع إلى المشتري
إن أحب أو ما نقص مننه ان اختار القلع لأن ذلك هو الذي زاد بالغرس والبناء، ويحتمل أن يقوم
والبناء مستحق للترك بالأجرة أو لاخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه، فإن كان للغرس وقت يقلع فيه فيكون
له قيمة وان قلع قبله لم يكن له قيمة أو تكون قيمته قليلة فاختار الشفيع قلعه قبل وقته فله ذلك لأنه
يضمن النقص فينجبر به ضرر المشتري سواء كثر النقص أو قل ويعود ضرر كثرة النقص على الشفيع
وقد رضي بتحمله، وان غرس أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثم أخذه الشفيع فالحكم في أخذ
نصيبه من ذلك كالحكم في أخذ جميعه بعد المقاسمة
(مسألة) (فإن باع الشفيع ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين وللمشتري الشفعة
فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين)
514

وجملة ذلك أن الشفيع إذا باع ملكه عالما بالحال سقطت شفعته لأنه لم يبق له ملك يستحق به،
ولأن الشفعة تثبت لإزالة الضرر الحاصل بالشركة، وقد زال ذلك ببيعه، وان باع بعضه ففيه وجهان
(أحدهما) تسقط أيضا لأنها استحقت بجميعه، وإذا باع بعضه سقط ما تعلق بذلك من الشفعة فسقط
باقيها لأنها لا تتبعض فيسقط جميعها بسقوط بعضها كالرق والنكاح وكما لو عفا عن بعضها (والثاني)
لا تسقط لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد، فكذلك إذا بقي،
وللمشتري الأول الشفعة على الثاني في المسألة الأولى، وفي الثانية إذا قلنا بسقوط شفعة البائع الأول
لأنه شريك في المبيع، وان قلنا لا تسقط شفعة البائع فله أخذ الشقص من المشتري الأول، وهل
للمشتري الأول شفعة على المشتري الثاني؟ فيه وجهان (أحدهما) له الشفعة لأنه شريك فإن الملك ثابت
له يملك التصرف فيه بجميع التصرفات ويستحق نماء وفوائده، واستحقاق الشفعة به من فوائده
(والثاني) لا شفعة له لأن ملكه يؤخذ بها فلا تؤخذ الشفعة به ولان ملكه متزلزل ضعيف فلا يستحق
الشفعة به لضعفه، قال شيخنا والأول أقيس فإن استحقاق أخذه منه لا يمنع أن يستحق به الشفعة
كالصداق قبل الدخول والشقص الموهوب للولي. فعلى هذا للمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني
سواء أخذ منه المبيع بالشفعة أو لم يؤخذ، وللبائع الثاني إذا باع بعض الشقص الاخذ من المشتري
الأول في أحد الوجهين، فاما ان باع الشفيع ملكه قبل علمه بالبيع الأول فقال القاضي تسقط شفعته
515

أيضا لما ذكرناه وهو مذهب الشافعي ولأنه زال السبب الذي يستحق به الشفعة وهو الملك الذي يخاف
الضرر بسببه فصار كمن اشترى معيبا لا يعلم عيبه حتى زال أو حتى باعه. فعلى هذا حكمه حكم ما لو باع
مع علمه سواء فيما إذا باع جميعه أو بعضه، وقال أبو الخطاب لا تسقط شفعته لأنها ثبتت له ولم يوجد
منه رضى بتركها ولا ما يدل على إسقاطها والأصل بقاؤها بخلاف ما إذا علم فإن بيعه دليل على رضاه
بتركها. فعلى هذا للبائع الثاني أخذ الشقص من المشتري الأول فإن عفا عنه فللمشتري الأول أخذ
الشقص من المشتري الثاني، وان أخذ منه فهل للمشتري الأول الاخذ من الثاني؟ على وجهين (أولاهما
ان له الاخذ لأن ملكه كان ثابتا حال البيع ولم يوجد منه ما يمنع ذلك
(مسألة) (وان مات بطلت شفعته إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه)
وجملة ذلك أن الشفيع إذا مات قبل الاخذ بالشفعة فإن كان قبل الطلب بها سقطت ولا تنقل
إلى الورثة، قال احمد الموت يبطل به ثلاثة أشياء الشفعة والحد إذا مات المقذوف والخيار إذا مات
الذي اشترط الخيار، لم يكن للورثة هذه الثلاثة أيضا إنما هي بالطلب فإذا لم يطلب فليس تجب الا أن
يشهد أني على حقي من كذا وكذا وأني قد طلبته فإن مات بعده كان لوارثه الطلب به، وروي سقوط
الشفعة بالموت عن الحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي
وقال مالك والشافعي والعنبري يورث، قال أبو الخطاب ويتخرج لنا مثل ذلك لأنه خيار ثابت لدفع
الضرر عن المال فيورث كخيار الرد بالعيب
516

ولنا انه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث كالرجوع في الهبة ولأنه نوع خيار جعل
للتمليك أشبه خيار القبول فاما خيار الرد بالعيب فإنه لاستدراك جزء فات من المبيع
(فصل) فإن مات بعد طلب الشفعة انتقل حق المطالبة بالشفعة إلى الورثة قولا واحدا ذكره
أبو الخطاب، وقد ذكرنا نص أحمد عليه لأن الحق يتقرر بالطلب ولذلك لا يسقط بتأخير الحق بعده
وقبله يسقط، وقال القاضي يصير الشقص ملكا للشفيع بنفس المطالبة والأول أصح فإنه لو صار ملكا
للشفيع لم يصح العفو عن الشفعة بعد طلبها كما لا يصح العفو عنها بعد الاخذ بها. فإذا ثبت هذا فإن الحق
ينتقل إلى جميع الورثة على قدر إرثهم لأنه حق مالي موروث فينتقل إلى الجميع كسائر الحقوق المالية
وسواء قلنا الشفعة على قدر الاملاك أو على عدد الرؤوس لأن هذا ينتقل إليهم من موروثهم فإن ترك
بعض الورثة حقه توفر الحق على باقي الورثة ولم يكن لهم إلا أن يأخذوا الكل أو يتركوا كالشفعاء
إذا عفا بعضهم عن شفعته لأنا لو جوزنا أخذ بعض الشقص لتشقص المبيع وتبعضت الصفقة على المشتري
وهذا ضرر في حقه
(فصل) وان أشهد الشفيع على مطالبته بها للعذر ثم مات لم تبطل وللورثة المطالبة بها
نص عليه احمد لأن الاشهاد على الطلب عند العجز عنه يقوم مقامه فلم تسقط الشفعة بالموت
بعده كنفس الطلب
517

(فصل) وإذا بيع شقص له شفيعان فعفا عنها أحدهما وطالب بها الآخر ثم مات الطالب فورثه
العافي فله أخذ الشقص بها لأنه وارث لشفيع مطالب بالشفعة فملك الاخذ بها كالأجنبي وكذلك لو
قذف رجل أمهما وهي ميتة فعفا أحدهما وطلب الآخر ثم مات الطالب فورثه العافي ثبت له استيفاؤه
بالنيابة عن أخيه الميت إذا قلنا بوجوب الحد بقذفها
(فصل) ولو مات مفلس وله شقص فباع شريكه كان لورثته الشفعة وهذا مذهب الشافعي،
و قال أبو حنيفة لا شفعة لهم لأن الحق انتقل إلى الغرماء
ولنا انه بيع في شركة ما خلفه موروثهم شقص فكان لهم المطالبة بشفعته كغير المفلس، ولا نسلم
أن التركة انتقلت إلى الغرماء بل هي للورثة بدليل انها لو نمت أو زاد ثمنا لحسب على الغرماء في قضاء
ديونهم، وإنما تعلق حقهم به فلم يمنع ذلك من الشفعة كما لو كان لرجل شقص مرهون فباع شريكه فإنه
يستحق الشفعة به، ولو كانت للميت دار فبيع بعضها في قضاء دينه لم يكن للورثة شفعة لأن البيع يقع
لهم فلا يستحقون الشفعة على أنفسهم ولو كان الورث شريكا للمورث فباع نصيب الموروث في دينه
فلا شفعة أيضا لأنه نصيب الموروث انتقل بموته إلى الوارث فإذا بيع فقد بيع ملكه فلا يستحق
الشفعة على نفسه
(فصل) ولو اشترى شقصا مشفوعا ووصى به ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لأن حقه أسبق
518

من حق الموصى له فإذا أخذه دفع الثمن إلى الورثة وبطلت الوصية لأن الموصى به ذهب فبطلت الوصية
به كما لو تلف، ولا يستحق الموصى له بدله لأنه لم يوص له الا بالشقص، وقد فات بأخذه، ولو وصى رجل
لانسان بشقص ثم مات فبيع في شركته شقص قبل قبول الموصى له فالشفعة للورثة في الصحيح لأن الموصى
به لا يصير للموصى له الا بعد القبول ولم يوجد فيكون باقيا على ملك الورثة، ويحتمل أن يكون للموصى له
إذا قلنا إن الملك ينقل إليه بمجرد الموت فإذا قبل الوصية استحق المطالبة لأننا تبينا ان الملك كان
له فكان المبيع في شركته، ولا يستحق المطالبة قبل القبول لأنا لا نعلم أن الملك له قبل القبول لأنا لا نعلم أن الملك له قبل القبول وإنما يتبين
ذلك بقبوله فإن قبل تبينا انه كان له وان رد تبينا انه كان للورثة ولا يستحق الورثة المطالبة أيضا
لذلك ويحتمل ان لهم المطالبة لأن الأصل عدم القبول وبقاء الحق لهم، ويفارق الموصى له من
وجهين (أحدهما) ان الأصل عدم القبول منه (والثاني) انه يمكنه ان يقبل ثم يطالب بخلاف الوارث
فإنه لا سبيل له إلى فعل ما يعلم به ثبوت الملك له أو لغيره فإذا طالبوا ثم قبل الوصي الوصية كانت
الشفعة له ويفتقر إلى الطلب منه لأن الطلب الأول يتبين أنه من غير المستحق، وان قلنا بالرواية الأولى
فطالب الورثة بالشفعة فلهم الاخذ بها وإذا قبل الوصي اخذ الشقص الموصى به دون الشقص المشفوع
لأن الشقص الموصى به إنما انتقل إليه بعد الاخذ بشفعته فأشبه ما لو اخذ بها الموصى في حياته، وان لم
يطالبوا بالشفعة حتى قبل الموصى له فلا شفعة له لأن البيع وقع قبل ثبوت الملك له وحصول شركته
وفي ثبوتها للورثة وجهان بناء على ما لو باع الشفيع نصيبه قبل علمه ببيع شريكه
519

(فصل) ولو اشتري رجل شقصا ثم ارتد فقتل أو مات فللشفيع اخذه بالشفعة لأنها وجبت
بالشراء وانتقاله إلى المسلمين بقتله أو موته لا يمنع الشفعة كما لو مات على الاسلام فورثه ورثته أو
صار ماله لبيت المال لعدم ورثته والمطالب بالشفعة وكيل بيت المال
(فصل) وإذا اشترى المرتد شقصا فتصرفه موقوف فإن قتل على ردته أو مات عليها تبينا ان
شراءه باطل ولا شفعة فيه وان أسلم تبينا صحته وثبوت الشفعة فيه، وقال أبو بكر تصرفه غير صحيح
في الحالين لأن ملكه يزول بردته فإذا أسلم عاد إليه تمليكا مستأنفا، وقال الشافعي وأبو يوسف تصرفه
صحيح في الحالين وتجب الشفعة فيه، ومبنى الشفعة ههنا على صحة تصرف المرتد ويذكر في غير هذا
الموضع، وان بيع شقص في شركة المرتد وكان المشتري كافرا فأخذه بالشفعة انبنى على ذلك أيضا
لأن اخذ بالشفعة شراء للشقص من المشترى فأشبه شراءه لغيره، فإن ارتد الشفيع المسلم وقتل بالردة
أو مات عليها انتقل ماله إلى المسلمين، فإن كان طالب بالشفعة انتقلت أيضا إلى المسلمين ينظر فيها الإمام
أو نائبه وان قتل أو مات قبل طلبها بطلت شفعته كما لو مات على اسلامه، ولو مات الشفيع المسلم ولم
يحلف وارثا سوى بيت المال انتقل نصيبه إلى المسلمين ان مات بعد الطلب وإلا فلا
(فصل) قال رحمه الله (ويأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته)
وجملة ذلك أن الشفيع يأخذ الشقص من المشترى بالثمن الذي استقر عليه العقد لما روى في
520

حديث جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (هو أحق به بالثمن) رواه الجوزجاني في كتابه ولان الشفيع إنما استحق
الشقص بالبيع فكان مستحقا له بالثمن كالمشتري فإن قيل إن الشفيع استحق اخذه بغير رضا مالكه
فينبغي ان يأخذ بقيمته كالمضطر يأخذ طعام غيره، قلنا المضطر استحق اخذه بسبب حاجة خاصة فكان
المرجع في بدله إلى قيمته والشفيع استحقه لا جل البيع ولهذا لو انتقل بهبة أو ميراث لم يستحق
الشفعة وإذا استحق ذلك بالبيع وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع. إذا ثبت هذا فإننا ننظر في الثمن
فإن كان دراهم أو دنانير أعطاه الشفيع مثله
(فصل) ولا يأخذ بالشفعة من لا يقدر على الثمن لأن في أخذه بدون دفع الثمن اضرارا
بالمشتري ولا يزال الضرر بالضرر، فإن أحضر رهنا أو ضمينا لم يلزم المشتري قبوله لأن عليه ضررا في
تأخير الثمن فلم يلزم المشتري ذلك كما لو أراد تأخير ثمن حال، وإن بذل عوضا عن الثمن لم يلزمه قبوله
لأنها معاوضة فلم يجبر عليها، وإذا أخذ بالشفعة لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن فإن كان
موجودا سلمه وإن تعذر في الحال فقال أحمد في رواية حرب ينظر الشفيع يوما أو يومين بقدر
ما يرى الحاكم فإذا كان أكثر فلا وهذا قول مالك، وقال ابن شبرمة وأصحاب الشافعي ينظر ثلاثا
لأنها آخر حد القلة فإن أحضر الثمن وإلا فسخ عليه، وقال أبو حنيفة وأصحاب لا يأخذ بالشفعة ولا
521

يقتضي القاضي بها حتى يحضر الثمن لأن الشفيع يأخذ الشقص بغير اختيار المشتري فلا يستحق ذلك
الا باحضار عوضه كتسليم المبيع
ولنا انه تملك للمبيع بعوض فلا يقف على احضار العوض كالبيع، واما التسليم في البيع فالتسليم في
الشفعة مثله وكون الاخذ بغير اختيار المشتري يدل على قوته فلا يمنع من اعتباره في الصحة، ومتى أجلناه
مدة فأحضر الثمن فيها وإلا فسخ الحاكم الاخذ ورده إلى المشتري، وكذا لو هرب لشفيع بعد الاخذ
قال شيخنا والأولى ان للمشتري الفسخ من غير حاكم لأنه فات شرط الاخذ ولأنه تعذر على البائع
الوصول إلى الثمن فملك الفسخ كغير من أخذت الشفعة منه، وكما لو أفلس الشفيع والشفعة لا تقف على
حكم الحاكم فلا يقف فسخ الاخذ بها على الحاكم كفسخ غيرها من البيوع وكالرد بالعيب ولان وقف ذلك
على الحاكم يفضي إلى الضرر بالمشترى لأنه قد يتعذر عليه اثبات ما يدعيه وقد يصعب عليه حضور مجلس
الحاكم لبعده أو غير ذلك فلا يشرع فيها ما يفضي إلى الضرر، ولأنه لو وقف الامر على الحاكم لم يملك
الاخذ الابعد احضار الثمن لئلا يفضي إلى هذا الضرر، وان أفلس الشفيع خير المشترى بين الفسخ
وبين أن يضرب مع الغرماء بالثمن كالبائع إذا أفلس المشترى
(مسألة) (وما يزاد في ثمن أو يحط منه في مدة الخيار يلحق به وما بعد ذلك لا يلحق به)
قد ذكرنا ان الشفيع إنما يستحق الشقص بالثمن الذي استقر عليه العقد فلو تبايعا بقدر ثم غيراه
522

في زمن الخيار بزيادة أو نقص ثبت ذلك التغيير في حق الشفيع لأن حق الشفيع إنما يثبت إذا تم العقد
وإنما يستحق بالثمن الذي هو ثابت حال استحقاقه ولان زمن الخيار بمنزلة حالة العقد والتعيير يلحق
بالعقد فيه لأنهما على اختيارهما فيه كما لو كانا في حال العقد، فاما إذا انقضى الخيار وانبرم العقد فزادا
أو نقصا لم يلحق بالعقد لأن الزيادة بعده هبة تعتبر لها شروط الهبة والنقص ابراء مبتدأ، ولا يثبت
ذلك في حق الشفيع وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يثبت النقص في حق الشفيع دون الزيادة وان
كانا عنده ملحقان بالعقد لأن الزيادة تضر بالشفيع فلم يملكاها بخلاف النقص، وقال مالك ان بقي
ما يكون ثمنا أخذ به وان حظ الأكثر أخذه بجميع الثمن الأول.
ولنا ان ذلك يعتبر بعد استقرار العبد فلم يثبت في حق الشفيع كالزيادة ولان الشفيع استحق الاخذ
بالثمن الأول قبل التغيير فلم يؤثر التغيير بعد ذلك فيه كالزيادة وما ذكروه من العذر لا يصح لأن ذلك
لو لحق العقد لزم الشفيع وان أضر به كالزيادة في مدة الخيار ولأنه حط بعد لزوم العقد فأشبه حط
الجميع أو الأكثر عند مالك
(مسألة) (وإن كان مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن كان مليئا والا أقام كفيلا مليئا وأخذه به)
وبهذا قال مالك وعبد الملك وإسحاق، وقال الثوري لا يأخذها إلا بالنقد حالا، وقال أبو حنيفة
لا يأخذ الا بثمن حال أو ينتظر مضي الاجل ثم يأخذ، وعن الشافعي كمذهبنا ومذهب أبي حنيفة
523

لأنه لا يمكنه أخذه بالمؤجل لأنه يقضي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمة الشفيع والذمم لا تتماثل
وإنما يأخذ بمثله ولا يلزمه أن يأخذ بمثله حالا لئلا يلزمه أكثر مما يلزم المشتري ولا بسلعة
بمثل الثمن إلى الاجل لأنه إنما يأخذه بمثل الثمن أو القيمة والسلعة ليست واحدا منهما
فلم يبق إلا التخيير
ولنا ان الشفيع تابع للمشتري في قدر الثمن وصفته والتأجيل من صفاته ولان في الحلول زيادة
على التأجيل فلم يلزم الشفيع كزيادة القدر، وما ذكروه من اختلاف الذمم فانا لا نوجبها حتى توجد
الملاءة في الشفيع أو في الضامن بحيث ينحفظ المال فلا يضر اختلافهما فيها وراء ذلك، كما لو
اشترى الشقص بسلعة وجبت قيمتها ولا يضر اختلافهما، ومتى أخذه الشفيع بالأجل فمات الشفيع
أو المشتري وقلنا يحل الدين بالموت حل الدين على الميت منهما دون صاحبه لأن سبب حلوله الموت
فاختص بمن وجد في حقه
(مسألة) (وإن كان الثمن عرضا أعطاه مثله إن كان ذا مثل والا أعطاه قيمته)
أما إذا كان من المثليات كالحبوب والادهان فهو كالأثمان قياسا عليها فيعطيه الشفيع مثلها مثلها هكذا
ذكره أصحابنا وهو قول أصحاب الرأي وأصحاب الشافعي لأن هذا مثل من طريق الصورة والقيمة
فكان أولى من المماثل في إحداهما ولان الواجب بذل الثمن فكان مثله كبدل العرض والمتلف وإن كان
524

مما لا مثل له كالثياب والحيوان فإن الشفيع يستحق الشقص بقيمة الثمن وهذا قول: أكثر أهل العلم
وبه يقول أصحاب الرأي والشافعي وحكي عن الحسن وسوار أن الشفعة لا تجب ههنا لأنها تجب بمثل
الثمن وهذا لا مثل له فتعذر الاخذ فلم يجب كما لو جهل الثمن
ولنا أنه أحد نوعي الثمن فجاز أن تثبت به الشفعة في المبيع كالمثلي وما ذكروه لا يصح لأن الثمل يكون
من طريق الصورة ومن طريق القيمة كبدل المتلف
(فصل) وإن كان الثمن تجب قيمته فإنها تعتبر وقت البيع لأنه وقت الاستحقاق والاعتبار بعد ذلك
بالزايدة والنقص في القيمة، وإن كان فيه خيار اعتبرت القيمة حين انقضاء الخيار واستقرار العقد لأنه حين
استحقاق الشفعة وبه قال الشافعي، وحكي عن مالك أنه يأخذه بقيمته يوم المحاكمة وليس بصحيح لأن
وقت الاستحقاق وقت العقد وما زاد بعد ذلك حصل في ملك البائع فلا يكون للمشتري وما نقص فمن
مال البائع فلا ينقص حق المشترى
(مسألة) (وان اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشترى الا أن تكون للشفيع بينة)
إذ اختلف الشفيع والمشترى في الثمن فقال المشترى اشتريته بمائة فقال الشفيع بل بخمسين
فأقول قول المشترى لأنه العاقد فهو أعرف بالثمن ولان الشقص ملكه فلا ينزع عنه بالدعوى بغير
بينة وبهذا قال الشافعي، قان قيل فهلا قلتم القول قول الشفيع لأنه غارم ومنكر للزيادة فهو كالغاصب
525

والمتلف والضامن نصيب شريكه إذا أعتق؟ قلنا الشفيع ليس بغارم لأنه لا شئ عليه وإنما يريد أن يملك
الشقص بثمنه بخلاف الغاصب والمتلف والمعتق، فاما إن كان للشفيع بينة حكم له بها وكذلك إن كان
للمشترى بينة حكم بها واستغنى عن يمينه ويثبت ذلك بشاهد ويمين وشهادة رجل وامرأتين، ولا تقبل
شهادة البائع لأنه إذا شهد للشفيع كان متهما لأنه يطلب تقليل الثمن خوفا من الدرك عليه، فإن أقام كل
واحد منهما بينة احتمل تعارضهما لأنهما يتنازعان فيما وقع عليه العقد فيصيران كمن لا بينة لهما، وذكر الشريف
أن بينة الشفيع تقدم لأنها خارجة ويقتضيه قول الخرقي لأن بينة الخارج عنده تقدم على بينة الداخل
والشفيع خارج وهو قول أبي حنيفة وقال صاحباه تقدم بنية المشتري لأنها ترجح بقول المشترى فإنه مقدم
على قول الشفيع، ويخالف الخارج والداخل لأن بينة الداخل يجوز أن تكون مستندة إلى يده وفي مسئلتنا
البينة تشهد على نفس العقد كشهادة بينة الشفيع
ولنا أنهما بينتان تعارضتا فقدمت بينة من لا يقبل قوله عند عدمها كالداخل والخارج ويحتمل أن
يقرع بينهما لأنهما يتنازعان في العقد ولا يدلهما عليه فصار كالمتنازعين عينا في يد غيرهما
(فصل) فإن قال المشتري لا أعلم قدر الثمن فالقول قوله لأن ما يدعيه ممكن يجوز أن يكون
اشتراه جزافا أو بثمن نسي قدره ويحلف فإذا حلف سقطت الشفعة لأنها لا تستحق بغير بدل
526

ولا يمكن أن يدفع إليه مالا يدعيه فإن ادعى أنك فعلت ذلك تحليلا على اسقاط الشفعة حلف على نفي ذلك
(فصل) فإن اشترى شقصا بعرض واختلفا في قيمته فإن كان موجودا عرضناه على المقومين وان
تعذر احضاره فالقول قول المشتري كما لو اختلفا في قدره فإن ادعى جهل قيمته فهو على ما ذكرنا فيما
إذا ادعى جهل ثمنه وان اختلفا في الغراس والبناء في الشقص فقال المشترى أنا أحدثته فأنكر فالقول
قول المشتري لأنه ملكه والشفيع يريد تملكه عليه فكان القول قول المالك
(مسألة) (وان قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف
فإن قال المشترى غلطت فهل يقبل قوله مع يمينه؟ على وجهين)
وجملة ذلك أن للشفيع أن يأخذه بما قال المشترى لأن المشترى مقر له باستحقاقه بألف ويدعي
أن البائع ظلمه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان حكم الحاكم بألفين أخذه الشفيع بهما لأن
الحاكم إذا حكم عليه بالبينة بطل قوله وثبت ما حكم به
ولنا أن المشتري يقر بأن هذه البينة كاذبة وأنه ظلم بألف فلم يحكم له به وإنما حكم بها للبائع لأنه
لا يكذبها فإن قال المشتري صدقت البينة وكنت أنا كاذبا أو ناسيا ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل
رجوعه لأنه رجوع عن اقرار تعلق به حق آدمي غيره فأشبه ما لو أقر له بدين (والثاني) يقبل
527

قوله وقال القاضي هو قياس المذهب عندي كما لو أخبر في المرابحة بثمن ثم قال غلطت والثمن أكثر قبل
قوله مع يمينه بل ههنا أولى لأنه قد قامت البينة بكذبه وحكم الحاكم بخلاف قوله فقبل رجوعه
عن الكذب، وان لم تكن للبائع بينة فتحالفا فللشفيع أخذه بما حلف عليه البائع، فإن أراد أخذه بما
حلف عليه المشتري لم يكن له ذلك لأن للبائع فسخ البيع وأخذه بما قال المشتري يمنع ذلك، ولأنه يفضي
إلى الزام العقد بما حلف عليه المشتري ولا يملك ذلك، فإن رضي المشترى بأخذه بما قال البائع جاز
وملك الشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه المشتري لأن حق البائع من الفسخ قد زال فإن عاد
المشتري فصدق البائع وقال الثمن الفان وكنت غالطا فهل للشفيع أخذه بالثمن الذي حلف عليه؟ فيه
وجهان كما لو قامت به بينة
(فصل) ولو اشترى شقصا له شفيعان فادعى على أحد الشفيعين أنه عفا عن الشفعة وشهد له بذلك
الشفيع الآخر قبل عفوه عن شفعته لم تقبل شهادته لأنه يجر إلى نفسه نفعا وهو توفر الشفعة عليه
فإذا ردت شهادته ثم عفا عن الشفعة ثم أعاد تلك الشهادة لم تقبل لأنها ردت للتهمة فلم تقبل بعد
زوالها كشهادة الفاسق إذا ردت ثم تاب وأعادها لم تقبل، ولو لم يشهد حتى عفا قبلت شهادته لعدم
التهمة ويحلف المشتري مع شهادته ولو لم تكن بينة فالقول قول المنكر مع يمينه وان كانت الدعوى على
528

الشفيعين معا فحلفا ثبتت الشفعة وان حلف أحدهما ونكل الآخر نظرنا في الحالف فإن صدق شريكه
في الشفعة في أنه لم يعف لم يحتج إلى يمين وكانت الشفعة بينهما لأن الحق له فإن الشفعة تتوفر عليه
إذا سقطت شفعة شريكه وان ادعى أنه عفا فنكل قضي له بالشفعة كلها وسواء ورثا الشفعة أو كانا
شريكين، فإن شهد أجنبي بعفو أحد الشفيعين واحتيج إلى يمين معه قبل عفو الآخر حلف وأخذ الكل
بالشفعة وإن كان بعده حلف المشتري وسقطت الشفعة ء وان كانوا ثلاثة شفعاء فشهد اثنان منهم على
الثالث بالعفو بعد عفوهما قبلت وان شهدا قبله ردت، وان شهدا بعد عفو أحدهما وقبل عفو الآخر
ردت شهادة غير العافي وقبلت شهادة العافي وان شهد البائع بعفو الشفيع عن شفعته بعد قبض الثمن قبلت
شهادته، وإن كان قبله قبلت شهادة قبلت في أحد الوجهين لأنهما سواء عنده (والثاني) لا تقبل لأنه يحتمل أن يكون
قصد ذلك ليسهل استيفاء الثمن لأن المشتري يأخذ الشقص من الشفيع فيسهل عليه وفاؤه أو يتعذر
على المشتري الوفاء لفلسه فيستحق استرجاع المبيع، وان شهد لمكاتبه بعفو شفعته أو شهد بشراء شئ
لمكاتبه فيه شفعة لم تقبل لأن المكاتب عبده فلا تقبل شهادته له كمدبره ولان ما يحصل للمكاتب ينتفع
به السيد لأنه ان عجز صار له وان لم يعجز سهل عليه وفاؤه وان شهد على مكاتبه بشئ من ذلك قبلت
شهادته لأنه غير متهم فأشبه الشهادة على ولده
(مسألة) (وان ادعى أنك اشتريته بألف قال بل اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه فإن نكل
529

أو قامت للشفيع بينة فله اخذه ويقال للمشترى اما أن تقبل الثمن أو تبرئ منه)
وجملة ذلك أنه إذا ادعى الشفيع على بعض الشركاء انك اشتريت نصيبك فلي أخذه بالشفعة
فإنه يحتاج إلى تحرير دعواه فيحدد المكان الذي فيه الشقص ويذكر قدر الشقص والثمن ويدعي
الشفعة فيه فإذا ادعى سئل المدعى عليه فإن أقر لزمه وان أنكر وقال إنما اتهبته أو ورثته فلا شفعة
لك فيه فالقول قول من ينفيه كما لو ادعى عليه نصيبه من غير شفعة فإن حلف برئ وان نكل قضي
عليه وان قال لا يستحق علي شفعة فالقول قوله مع يمينه ويكون يمينه على حسب قوله في الانكار
وإذا نكل وقضي عليه بالشفعة عرض عليه الثمن فإذا أخذه دفع إليه، وان قال لا أستحقه ففيه ثلاثة
أوجه (أحدها) يقر في يد الشفيع إلى أن يدعيه المشتري فيدفع إليه كما لو أقر له بدار فأنكرها (والثاني)
يأخذه الحاكم فيحفظه لصاحبه إلى أن يدعيه، ومتى ادعاه المشتري دفع إليه (والثالث) يقال له اما أن
تقبضه واما ان تبرئ منه كسيد المكاتب إذا جاءه المكاتب بمال الكتابة فادعى أنه حرام اختاره
القاضي، وهذا يفارق المكاتب لأن سيده يطالبه بالوفاء من غير هذا الذي أتاه به فلا يلزمه ذلك بمجرد
دعوى سيده تحريم ما أتاه به وهذا لا يطالب الشفيع بشئ فلا ينبغي ان يكلف الابراء مما يدعيه
والوجه الأول أولى إن شاء الله تعالى
530

(فصل) فإن قال اشتريته لفلان وكان حاضرا استدعاه الحاكم وسأله فإن صدقه كان الشراء له
والشفعة عليه، وان قال هذا ملكي ولم اشتره انتقلت الخصومة إليه وان كذبه حكم بالشراء لمن
اشتراه وأخذه منه بالشفعة وإن كان المقر له غائبا أخذه الحاكم ودفعه إلى الشفيع وكان الغائب على
حجته إذا قدم لأننا لو وقفنا الامر في الشفعة إلى حضور المقر له كان في ذلك اسقاط الشفعة لأن كل
مشتر يدعي أنه لغائب، وان قال اشتريته لابني الطفل أو لهذا الطفل وله عليه ولاية لم تثبت الشفعة في
أحد الوجهين لأن الملك ثبت للطفل ولا تجب الشفعة باقرار الولي عليه لأنه إيجاب حق في مال صغير
باقرار وليه (والثاني) تثبت لأنه يملك الشراء له فصح اقراره فيه كما يصح اقراره بعيب في مبيعه، فاما ان
ادعى عليه شفعة في شقص فقال هذا لفلان الغائب أو لفلان الطفل ثم أقر بشرائه له لم تثبت فيه
الشفعة الا ان تثبت ببينة أو يقدم الغائب ويبلغ الطفل فيطالبهما بها لأن الملك ثبت لهما باقراره به واقراره
بالشراء بعد ذك اقرار في ملك غيره فلا يقبل بخلاف ما إذا أقر بالشراء ابتداء لأن الملك ثبت لهما
بذلك الاقرار المثبت للشفعة فثبتا جميعا وان لم يذكر سبب الملك لم يسأله الحاكم عنه ولم يطالب ببيانه لأنه لو صرح
بالشراء لم تثبت به شفعة فلا فائدة في الكشف عنه ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا.
(فصل) وإذا كانت دار بين حاضر وغائب فادعى الحاضر على من في يده نصيب الغائب أنه اشتراه
531

منه وأنه يستحقه بالشفعة فصدقه فللشفيع أخذه بالشفعة لأن من في يده العين يصدق في تصرفه فيما
في يده، وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان (أحدهما) ليس له
أخذه لأن هذا اقرار على غيره
ولنا أنه أقر بما في يده فقبل اقراره كما لو أقر بأصل ملكه، وهكذا لو ادعى عليه انك بعت نصيب
الغائب باذنه وأقر له الوكيل كان كاقرار البائع بالبيع فإذا قدم الغائب فأنكر البيع أو الاذن في
البيع فالقول قوله مع يمينه وينتزع الشقص ويطالب بأجرته من شاء منهما ويستقر الضمان على الشفيع
لأن المنافع تلفت تحت يده، فإن طالب الوكيل رجع عل الشفيع وان طالب الشفيع لم يرجع على أحد
وان ادعى على الوكيل أنك اشتريت الشقص الذي في يدك فأنكر وقال إنما أنا وكيل فيه أو مستودع
له فالقول قوله مع يمينه وإن كان للمدعي بينة حكم بها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي مع أن أبا حنيفة
لا يرى القضاء على الغائب لأن القضاء ههنا على الحاضر لوجوب الشفعة عليه واستحقاقه انتزاع الشقص
من يده فحصل القضاء على الغائب ضمنا، فإن لم تكن بينة وطلب الشفيع بينة ونكل الوكيل عنها احتمل
أن يقضى عليه لأنه لو أقر لقضي عليه فكذلك إذا نكل واحتمل ان لا يقضى عليه لأنه قضاء على الغائب
532

بغير بينة ولا اقرار من الشقص في يده
(فصل) وإذا ادعى على رجل شفعة في شقص اشتراه فقال ليس له ملك في شركتي فعلى الشفيع
إقامة البينة بالشركة وبه قال أبو حنيفة ومحمد والشافعي، وقال أبو يوسف إذا كان في يده استحق
الشفعة به لأن الظاهر من اليد الملك
ولنا ان الملك لا يثبت بمجرد اليد وإذا لم يثبت الملك الذي يستحق به الشفعة لم تثبت ومجرد الظاهر
لا يكفي كما لو ادعى ولد أمة في يده فإن ادعى أن المدعى عليه يعلم أنه شريك فعلى المشتري اليمين أنه
لا يعلم ذلك لأنها يمين على نفي فعل الغير فكانت على العلم كاليمين على نفي دين الميت فإذا حلف سقطت
دعواه وان نكل قضي عله
(فصل) إذا ادعى على شريكه انك اشتريت نصيبك من عمرو فلي شفعته فصدقه عمرو وأنكر
الشريك وقال بل ورثته من أبي فأقام المدعي بينة أنه كان ملك عمر ولم تثبت الشفعة بذلك وقال محمد
تثبت ويقال له اما أن تدفعه وتأخذ الثمن واما أن ترده إلى البائع فيأخذه الشفيع لأنهما شهدا بالملك
لعمرو فكأنهما شهدا بالبيع
ولنا أنهما لم يشهدا بالبيع واقرار عمرو على المنكر بالبيع لا يقبل لأنه اقرار على غيره فلا يقبل
في حقه ولا تقبل شهادته عليه وليست الشفعة من حقوق العقد فيقبل فيها قول البائع فصار بمنزلة ما لو
533

حلف اني ما اشتريت الدار فقال من كانت الدار ملكه أنا بعته إياها لم يقبل عليه في الحنث ولا يلزم
إذا أقر البائع بالبيع والشقص في يده وأنكر المشتري الشراء لأن الذي في يده الدار مقربها
للشفيع ولا منازع له فيها سواه وههنا من الدار في يده يدعيها لنفسه والمقر بالبيع لا شئ في يده ولا
يقدر على تقسيم الشقص فافترقا
(مسألة) (وإن كان عوضا في الخلع والصداق والصلح عن دم العمد وقلنا بوجوب الشفعة فيه
فقال القاضي يأخذه بقيمته)
قال وهو قياس قول ابن حامد وهو قول مالك وابن شبرمة وابن أبي ليلى لأنه ملك الشقص القابل
للشفعة ببدل ليس له مثل فوجب الرجوع إلى قيمته في الاخذ بالشفعة كما لو باعه بسلعة لامثل لها
ولأننا لو أوجبنا مهر المثل لافضى إلى تقويم البضع على الأجانب واضر بالشفيع لأن المهر يتفاوت مع
المسمى لتسامح الناس فيه في العادة بخلاف البيع وقال غير القاضي يأخذه بالدية ومهر المثل وحكاه
الشريف أبو جعفر عن ابن حامد وهو قول العكلي والشافعي لأنه ملك الشقص ببدل ليس
له مثل فيجب الرجوع إلى قيمة البدل إذا لم يكن نقدا ولا مثليا وعوض الشقص هو البضع وقيمة
البضع مهر المثل.
534

(فصل) قال الشيخ رحمه الله تعالى (ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه نص عليه ويحتمل ان تجب)
لا تثبت الشفعة في بيع الخيار قبل انقضائه سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما وحده أيهما كان، وقال
أبو الخطاب يتخرج أن تثبت الشفعة لأن الملك انتقل فثبتت الشفعة في مدة الخيار كما بعد انقضائه،
وقال أبو حنيفة إن كان الخيار للبائع أو لهما لم تثبت الشفعة حتى يتقضي لأن في الاخذ بها اسقاط حق
البائع من الفسخ وإلزام البيع في حقه بغير رضاه ولان الشفيع إنما يأخذ من المشترى ولم ينتقل الملك
إليه وإن كان الخيار للمشتري فقد انتقل الملك إليه ولا حق لغيره فيه والشفيع يملك أخذه بعد لزوم البيع
واستقرار الملك فلان يملك ذلك قبل لزومه أولى وغاية ما يقدر ثبوت الخيار له وذلك الا يمنع الاخذ
بالشفعة كما لو وجد به عيبا وللشافعي قولان كالمذهبين
ولنا أنه مبيع فيه الخيار فلم تثبت الشفعة كما لو كان للبائع وذلك لأن الاخذ بالشفعة يلزم المشترى
بالعقد بغير رضاه ويوجب العهدة عليه ويفوت حقه من الرجوع في عين الثمن فلم يجز
كما لو كان الخيار للبائع فإننا إنما منعنا من الشفعة لما فيه من إبطال خيار البائع وتفويت حق الرجوع
في عين ماله وهما في نظر الشرع على السواء، وفارق الرد بالعيب فإنه إنما تثبت لاستدراك الظلامة
وذلك يزول بأخذ الشفيع فإن باع الشفيع حصته في مدة الخيار عالما ببيع الأول سقطت شفعته وقد
ذكرنا ذلك فيما مضى
535

(فصل) وبيع المريض كبيع الصحيح في الصحة وثبوت الشفعة وسائر الأحكام إذا باع بثمن المثل
سواء كان لوارث أو غير وارث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يصح بيع
المريض مرض الموت لوارثه لأنه محجور عليه في حقه فلم يصح بيعه كالصبي
ولنا أنه إنما حجر عليه في التبرع في حقه فلم يمنع الصحة فيما سواه كالأجنبي إذا لم يزد على
التبرع بالثلث وذلك لأن الحجر في شئ لا يمنع صحة غيره كما أن الحجر على المرتهن في الرهن
لا يمنع التصرف في غيره والحجر على المفلس في ماله لا يمنع التصرف في ذمته، فاما بيعه بالمحاباة فلا
يخلو اما أن يكون لوارث أو لغيره فإن كان لوارث بطلت المحاباة لأنها في المرض بمنزلة محاباة الوصية
في الوصية لوارث لا تجوز ويبطل البيع في قدر المحاباة من المبيع وهل يصح فيما عداه؟ فيه ثلاثة أوجه
(أحدها) لا يصح لأن المشتري أبرأ الضامن في كل المبيع فلم يصح في بعضه كما لو قال بعتك هذا الثوب بعشرة
فقال قبلت البيع في نصفه أو قال قبلته بخمسة أو قبلت نصفه بخمسة ولأنه لا يمكن تصحيح البيع على الوجه
الذي تواجبا عليه فلم يصح لتفريق الصفقة (الثاني) أن يبطل البيع في قدر المحاباة ويصح فيما يقابل الثمن
المسمى وللمشتري الخيار بين الاخذ والفسخ لأن الصفقة تفرقت عليه وللشفيع أخذ ما صح فيه البيع
وإنما قلنا بالصحة لأن البطلان إنما جاء من المحاباة فاختص بما قابلها (الثالث) أنه يصح في الجميع ويقف
على إجازة الورثة لأن الوصية للوارث صحيحة في أصح الروايتين وتقف على إجازة الورثة فكذلك
536

المحاباة له فإن أجازوا المحاباة صح البيع في الجميع ولا خيار للمشتري ويملك الشفيع الاخذ به لأنه
يأخذ بالثمن، وان ردوا بطل البيع في قدر المحاباة وصح فيما بقي ولا يملك الشفيع الاخذ قبل إجازة
الورثة وردهم لأن حقهم متعلق بالبيع فلم يملك إبطاله وله أخذ ما صح البيع فيه فإن اختار المشتري
الرد في هذه الصورة وفي التي قبلها واختار الشفيع الاخذ بالشفعة قدم الشفيع لأنه لا ضرر على
المشتري وجرى مجرى المعيب إذا رضيه الشفيع بعيبه
(فصل) إذا كان المشتري أجنبيا والشفيع أجنبي فن لم تزد المحاباة على الثلث صح البيع وللشفيع
الاخذ بذلك الثمن لأن البيع حصل به فلا يمنع منها كون المبيع مسترخصا فإن زادت على الثلث فالحكم
فيه حكم أصل المحاباة في حق الوارث وإن كان الشفيع وارثا ففيه وجهان (أحدهما) له الاخذ بالشفعة لأن
المحاباة وقعت لغيره فلم يمنع منها تمكن الوارث من أخذها كما لو وهب غريم وارثه مالا فأخذه الوارث
(والثاني) يصح البيع ولا تجب الشفعة وهو قول أصحاب أبي حنيفة لأننا لو أثبتناها جعلنا للموروث
سبيلا إلى إثبات حق لوارثه في المحاباة، ويفارق الهبة لغريم الوارث لأن استحقاق الوارث الاخذ
بدينه لامن جهة الهبة وهذا استحقاقه بالبيع الحاصل من موروثه فافترقا. ولأصحاب الشافعي في هذا
خمسة أوجه وجهان كهذين (والثالث) أن البيع باطل من أصله لا فضائه إلى إيصال المحاباة إلى الوارث
537

وهذا فاسد لأن الشفعة فرع للبيع ولا يبطل الأصل فرعه وعلى الوجه الأول ما حصلت للوارث
المحاباة إنما حصلت لغيره ووصلت إليه بجبهة الاخذ من المشتري فأشبه هبة غريم الوارث (الوجه الرابع)
أن للشفيع أن يأخذ بقدر ما عدا المحاباة بجميع الثمن بمنزلة هبة المقابل للمحاباة لأن المحاباة بالنصف
مثلا هبة للنصف وهذا لا يصح لأنه لو كان بمنزلة هبة النصف ما كان للشفيع الأجنبي أخذ الكل لأن
الموهوب لا شفعة فيه (الخامس) ان البيع يبطل في قدر المحاباة وهو فاسد لأنها محاباة لأجنبي بما دون
الثلث فلا يبطل كما لو لم يكن الشقص مشفوعا
(فصل) ويملك الشفيع الشقص بأخذه وبكل لفظ يدل على أخذه بأن يقول قد أخذته بالثمن
أو تملكته بالثمن ونحو ذلك إذ كان الشقص والثمن معلومين ولا يفتقر إلى حكم حاكم وبهذا قال
الشافعي، وقال القاضي وأبو الخطاب يملكه بالمطالبة لأن البيع السابق سبب فإذا انضمت إليه المطالبة
كان كالايجاب في البيع إذا نضم إليه القبول، وقال أبو حنيفة لا يحصل الا بحكم حاكم لأنه نقل للملك
عن مالكه إلى غيره قهرا فافتقر إلى حكم حاكم كأخذ دينه
ولنا أنه حق ثبت بالنص والاجماع فلم يفتقر إلى حكم حاكم كالرد بالعيب وبهذا ينتقض ما ذكروه
ويأخذ الزوج نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول ولأنه مال يتملكه قهرا فملكه بالأخذ كالغنائم
والمباحات، وملكه باللفظ الدال على الاخذ لأنه بيع في الحقيقة لكن الشفيع يستقل به فاستقل
باللفظ الدال عليه، وقولهم يملك المطالبة بمجردها لا يصح لأنه لو ملك بها لما سقطت الشفعة بالعفو بعد
538

المطالبة ولوجب إذا كان له شفيعان فطلبا الشفعة ثم ترك أحدهما أن يكون للآخر أخذ قدر نصيبه
ولا يملك أخذ نصيب صاحبه. إذ ثبت هذا فإنه إذا قال قد أخذت الشقص بالثمن الذي ثم عليه العقد
وهو عالم بقدره وبالمبيع صح الاخذ وملك الشقص ولا خيار له ولا للمشتري لأن الشقص يؤخذ قهرا
والمقهور لا خيار له والآخذ قهرا لا خيار له أيضا كمسترجع المبيع لعيب في ثمنه أو الثمن لعيب في المبيع
وإن كان الثمن مجهولا أو الشقص لم يملكه بذلك لأنه بيع في الحقيقة فيعتبر العلم بالعوض كسائر البيوع
وله المطالبة بالشفعة ثم يتعرف مقدار الثمن من المشتري أو من غيره والمبيع فيأخذه بثمنه ويحتمل أن
له الاخذ مع جهالة الشقص بناء على بيع الغائب
(مسألة) (وان أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة؟ على وجهين (أحدهما) تجب
الشفعة وهو قول أبي حنيفة والمزني (والثاني) لا تجب ونصره الشريف أبو جعفر في مسائله وهو قول
مالك وابن شريح لأن الشفعة فرع للبيع ولم يثبت فلا يثبت فرعه ولان الشفيع إنما يأخذ الشقص من
المشتري وإذا أنكر البيع لم يمكن الاخذ منه، ووجه الأول أن البائع أقر بحقين حق للشفيع وحق للمشتري
فإذا سقط حق المشتري بانكاره ثبت حق الشفيع كما لو أقر بدار لرجلين فأنكر أحدهما ولأنه أقر
للشفيع أنه مستحق لاخذ هذه الدار والشفيع يدعي ذلك فوجب قبوله كما لو أقر أنها ملكه، فعلى
هذا يقبض الشفيع من البائع ويسلم إليه الثمن ويكون درك الشفيع على البائع لأن القبض منه ولم يثبت
539

الشراء في حق المشتري وليس للشفيع ولا للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع في حقه وتكون العهدة
عليه لأن مقصود البائع الثمن وقد حصل من الشفيع ومقصود الشفيع أخذ الشقص وضمان العهدة وقد
حصل من البائع فلا فائدة في المحاكمة، فإن قيل أليس لو ادعى على رجل دينا فقال آخر أنا أدفع
إليك الدين الذي تدعيه ولا تخاصمه لا يلزمه قبوله فهلا قلتم ههنا كذلك؟ قلنا في الدين عليه منة في
قبوله من غير غريمه وههنا بخلافه، ولان البائع يدعي أن الثمن الذي يدفعه الشفيع حق للمشتري عوضا
عن هذا البيع فصار كالنائب عن المشتري في دفع الثمن، والبائع كالنائب عنه في دفع الشقص بخلاف الدين
فلن كان البائع مقرا بقبض الثمن من المشتري بقي الثمن الذي على الشفيع لا يدعيه أحد لأن البائع
يقول هو للمشترى والمشتري يقول لا أستحقه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن يقال للمشترى اما أن تقبضه
وإما أن تبرئ منه (والثاني) يأخذه الحاكم عنده (والثالث) يبقى في ذمة الشفيع وفي جميع ذلك متى ادعاه
البائع أو المشترى دفع إليه لأنه لأحدهما، وإن تداعياه جميعا فأقر المشتري بالبيع وأنكر البائع أنه
ما قبض منه شيئا فهو للمشتري لأن البائع قد أقر له به ولان البائع إذ أنكر القبض لم يكن مدعيا لهذا
الثمن لأن البائع لا يستحق على الشفيع ثمنا إنما يستحقه على المشتري وقد أقر بالقبض منه وأما المشتري
فإنه يدعيه وقد أقر له باستحقاقه فوجب دفع إليه
(مسألة) (وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشترى على البائع)
540

إذا أخذ الشفيع الشقص فظهر مستحقا فرجوعه بالثمن على المشتري ويرجع المشتري على البائع
وان وجده معيبا فله رده على المشترى أو أخذ أرشه منه والمشترى يرد على البائع أو بأخذ الأرش منه
سواء قبض الشقص من المشتري أو من البائع وبه قال الشافعي، وقال ابن أبي ليلى وتبقى عهدة الشفيع
على البائع لأن الحق ثبت له بايجاب البائع فكان رجوعه عليه كالمشتري، وقال أبو حنيفة ان أخذ، من
المشتري فالعهدة عليه وان أخذه من البائع فالعهدة عليه لأن الشفيع إذا أخذه من البائع تعذر قبض
المشتري فينفسخ البيع بين البائع والمشتري فكأن الشفيع أخذه من البائع مالكا من جهته
فكانت عهدته عليه
ولنا أن الشفعة مستحقة بعد الشراء وحصول الملك للمشتري ثم يزول الملك من المشتري إلى الشقص
بالثمن فكانت العدة عليه كما لو أخذه منه ببيع ولأنه ملكه من جهة المشتري بالثمن فملك رده عليه
بالعيب كالمشتري في البيع الأول، وقياسه على المشتري في جعل عهدته على البائع لا يصح لأن المشترى ملكه
من البائع بخلاف الشفيع، وأما إذا أخذه من البائع فالبائع نائب عن المشتري في التسليم المستحق عليه
ولو انفسخ العقد بين المشتري والبائع بطلت الشفعة لأنها استحقت به
(فصل) وحكم الشفيع في الرد بالعيب حكم المشتري من المشتري فإن علم المشتري بالعيب ولم يعلم
الشفى فللشفيع رده على المشتري أو أخذ أرشه منه وليس للمشترى شئ ويحتمل أن لا يملك الشفيع
541

أخذ الأرش لأن الشفيع يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد فإذا أخذ الأرش فما أخذه بالثمن الذي
استقر على المشترى وان علم الشفيع وحده فليس لواحد منهما رد ولا أرش لأن الشفيع أخذه عالما بعيبه
فلم يثبت له رد ولا أرش كالمشتري إذا علم العيب والمشتري قد استغنى عن الرد لزوال ملكه عن المبيع وحصول
الثمن له من الشفيع ولم يملك الأرش لأنه استدرك ظلامته ورجع إليه جميع الثمن فأشبه ما لورده على
البائع ويحتمل أن يملك أخذ الأرش لأنه بدل عن الجزء الفائت من المبيع فلم يسقط بزوال ملكه
عن المبيع كما لو اشترى قفيزين فتلف أحدهما وأخذ الآخر فعلى هذا ما يأخذه من الأرش يسقط عن
الشفيع من الثمن بقدره لأن الشقص يجب عليه بالثمن الذي استقر عليه العقد فأشبه ما لو اخذ الأرش
قبل اخذ الشفيع منه وان علما جميعا فليس لواحد منهما رد ولأرش لأن كل واحد منهما دخل على بصيرة
ورضي ببذل الثمن فيه بهذه الصفة، وان لم يعلما فللشفيع رده على المشتري وللمشتري رده على البائع
فإن لم يرده الشفيع فلا رد للمشتري لما ذكرنا أولا، وان اخذ الشفيع أرشه من المشتري فللمشتري
أخذه من البائع وان لم يأخذ منه فلا شئ للمشتري ويحتمل أن يملك أخذه على الوجه الذي ذكرناه
فإذا أخذه فإن كان الشفيع لم يسقطه عن المشترى سقط عنه من الثمن بقدره لأنه الثمن الذي استقر
عليه البيع وسكوته لا يسقط حقه، وان أسقطه عن المشتري نوفر عليه كما لو زاده على الثمن باختياره، فأما
ان اشتراه بالبراءة من كل عيب فالصحيح في المذهب أنه لا يبرأ وحكمه حكم ما لو لم يشترط وفيه رواية
542

أخرى أنه يبرأ الا أن يكون البائع علم بالعيب فدلسه واشترط البراءة، فعلى هذه الرواية ان علم الشفيع
باشتراط البراءة فحكمه حكم المشتري لأنه دخل على شرائه فصار كمشتريين اشترطا البراءة وان لم يعلم ذلك
فحكمه حكم ما لو علمه المشتري دون الشفيع
(مسألة) (وان أبى المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم عليه ثم يأخذه الشفيع منه قاله القاضي
قال وليس له أخذه من البائع وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الشفيع يشترى
الشقص من المشتري فلا يأخذه من غيره، وبنوا ذلك علي أن البيع لا يتم الا بالقبض فإذا فات القبض
بطل العقد وسقطت الشفعة وقال أبو الخطاب قياس المذهب أن يأخذه الشفيع من يد البائع ويكون
كأخذه من المشتري وهو قول أبي حنيفة لأن العقد يلزم في بيع العقار قبل قبضه ويدخل المبيع في ملك
المشتري وضمانه ويجوز له التصرف فيه بنفس العقد فصار كما لو قبضه المشتري والله أعلم
(مسألة) (ولو ورث اثنان شقصا عن أبيهما فباع أحدهما نعيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه)
وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد وقال في القديم الأخ أحق بالشفعة وبه قال مالك لأن أخاه
أخص بشركته من شريك أبيه لاشتراكهما في سبب المالك
ولنا أنهما شريكان حال ثبوت الشفعة فكانت بينهما كما لو ملكوا كلهم بسبب واحد ولان الشفعة ثبتت
لدفع ضرر الشريك الداخل على شركائه بسبب شركته وهو موجود في حق الكل وما ذكروه لا أصل
543

له ولم يثبت اعتبار الشرع له في موضع والاعتبار بالشركة لا بسببها وهكذا لو اشترى رجل نصف دار
ثم اشترى اثنان نصفها الآخر أو ورثاه أو اتهباه أو وصل إليهما بسبب من أسباب الملك فباع أحدهما
نصيبه، أو ورث ثلاثة دارا فباع أحدهم نصيبه من اثنين ثم باع أحد الشريكين نصيبه فالشفعة بين جميع الشركاء
وكذلك لو مات رجل وخلف ابنين وأختين فباعت أحدى البنتين نصيبها أو إحدى الأختين فالشفعة بين
جميع الشركاء، ولو مات رجل وترك ثلاث بنين وأرضا فمات أحدهم عن ابنين فباع أحد العمين نصيبه فالشفعة
بنى أخيه وأبي أخيه، ولو خلف ابنين أو وصى بثلثه لا ثنين فباع أحد الشريكين الوصيين أو أحد الابنين
فالشفعة بين شركائه كلهم ولمخالفينا في هذه المسائل اختلاف يطول ذكره
(مسألة) (ولا شفعة لكافر على مسلم)
روي ذلك عن الحسن والشعبي ويقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وجماعة من أهل العلم
تجب له الشفعة لعموم قوله عليه السلام (لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه وان باع ولم يؤذنه
فهو أحق به) ولأنه خيار ثابت لدفع الضرر بالشراء فاستوى فيه المسلم والكافر كالرد بالعيب
ولنا ما ورى الدارقطني في كتاب العلل باسناده عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا شفعة لنصراني)
وهذا يخص عموم ما احتجوا به ولأنه معنى يختص العقار فأشبه الاستعلاء في البنيان يحققه أن الشفعة إنما
تثبت للمسلم دفعا للضرر عن ملكه وقدم دفع ضرره على دفع ضرر المشتري ولا يلزم من تقديم دفع ضرر
544

المسلم على المسلم تقديم دفع ضرر الذمي فإن حق المسلم أرجح ورعايته أولى ولان ثبوت الشفعة في
محل الاجماع على خلاف الأصل رعاية لحق الشريك المسلم وليس الذمي في معني المسلم فيبقى فيه على مقتضى
الأصل وتثبت الشفعة للمسلم على الذمي لعموم الأدلة ولأنها إذا تثبت للمسلم على المسلم مع عظم حرمته فلان
تثبت على الذمي مع دناءته أولى
(فصل) وتثبت للذمي على الذمي لعموم الاخبار ولأنهما تساويا في الدين فتثبت لأحدهما على الاخر كالمسلمين
ولا نعلم في هذا خلافا فإن تبايعوا بخمر أو خنزير وأخذ الشفيع بذلك لم ينقض ما فعلوه، وان جرى
التقابض بين المتبايعين دون الشفيع وترافعوا إلينا لم نحكم له بالشفعة وبه قال الشافعي وقال أبو الخطاب ان
تبايعوا بخمر وقلنا هي مال لهم حكمنا لهم بالشفعة وقال أبو حنيفة تثبت الشفعة إذا كان الثمن خمرا لأنها
مال لهم فأشبه ما لو تبايعوا بدراهم لكن إن كان الشفيع ذميا أخذه بمثله وإن كان مسلما أخذه بقيمة الخمر
ولنا أنه عقد بخمر فلم تثبت فيه الشفعة كما لو كان بين مسلمين ولأنه عقد بثمن محرم أشبه البيع بالخنزير والميتة، ولا
نسلم أن الخمر مال لهم فإن الله تعالى حرمه كما حرم الخنزير واعتقادهم حله لا يجعله مالا كالخنزير، وإنما لم ينتقض
عقد هم إذا تقابضوا لأننا لا نتعرض لما فعلوه مما يعتقدونه في دينهم ما لم يتحاكموا إلينا قبل تمامه ولو
تحاكموا إلينا قبل التقابض لفسخناه. فاما أهل البدع فتثبت الشفعة لمن حكمنا باسلامه منهم كالفاسق بالافعال
لعموم الأدلة التي ذكرناها، وروى حرب عن أحمد انه سئل عن أصحاب البدع هل لهم شفعة؟ وذكر
545

له عن ابن إدريس أنه قال ليس للرافضة شفعة فضحك، وقال أراد أن يخرجهم من الاسلام فظاهر
هذا انه أثبت لهم الشفعة، وهذا محمول على غير الغلاة منهم فأما الغلاة كالمعتقد ان جبريل غلط في الرسالة
فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أرسل إلى علي ونحوه ومن حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن
فلا شفعة له لأن الشفعة إذا لم تثبت للذمي الذي يقر على كفره فغيره أولى
(فصل) وتثبت الشفعة للبدوي على القروي وللقروي على البدوي في قول أكثر أهل العلم،
وقال الشعبي والبتي لا شفعة لمن لم يسكن المصر وعموم الأدلة واشتراكها في المعنى المقتضي لوجوب
الشفعة يدل على ثبوتها لهم
(فصل) قال احمد في رواية حنبل لا نرى في أرض السواد شفعة لأن عمر رضي الله عنه وقفها على
المسلمين فلا يجوز بيعها والشفعة إنما تكون في البيع وكذلك الحكم في سائر الأرض التي وقفها عمر وهي
التي فتحت عنوة في زمنه ولم يقسمها كأرض الشام ومصر وكذلك كل أرض فتحت عنوة ولم تقسم بين
الغانمين الا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه فإن فعل ذلك ثبتت فيه الشفعة لأنه فصل
مختلف فيه ومتى حكم الحاكم في المختلف فيه بشئ نفذ حكمه
(مسألة) (وهل تجب الشفعة للمضارب على رب المال ولرب المال على المضارب فيما يشتريه من
مال المضاربة؟ على وجهين)
546

إذا بيع شقص في شركة مال المضاربة فللعامل الاخذ بها إذا كان الحظ فيها، فإن تركها فلرب المال
الاخذ لأن مال المضاربة ملكه ولا ينفذ عفو العامل لأن الملك لغيره فلم ينفذ عفوه كالمأذون له، فإن
اشترى المضارب بمال المضاربة شقصا في شركة رب المال فهل لرب المال فيه شفعة؟ على وجهين مبنيين
على شراء رب المال من مال المضاربة وقد ذكرناهما، وإن كان المضارب شفيعه ولا ربح في المال فله
الاخذ بها لأن الملك لغيره، وإن كان فيه ربح وقلنا لا يملك بالظهور فكذلك، وان قلنا يملك بالظهور
ففيه وجهان كرب المال ومذهب الشافعي في هذا كله على ما ذكرنا، فإن باع المضارب شقصا في شركته
لم يكن له أخذه بالشفعة لأنه متهم فأشبه شراءه من نفسه
(فصل) إذا كانت دار بين ثلاثة فقارض واحد منهم أحد شريكيه بألف فاشترى به نصف نصيب
الثالث لم تثبت فيه شفعة في أحد الوجهين لأن أحد الشريكين رب المال والآخر العامل فهما كالشريكين
في المتاع فلا يستحق أحدهما على الآخر شفعة، وان باع الثالث باقي نصيبه لا جنبي كانت الشفعة مستحقة
بينهم أخماسا لرب المال خمساها وللعامل مثله ولرب المضاربة خمسها بالسدس الذي له فيجعل مال المضاربة
كشريك آخر لأن حكمه متميز عن مال كل واحد منهما
(فصل) فإن كانت الدار بين ثلاثة أثلاثا فاشترى أجنبي نصيب أحدهم فطالبه أحد الشريكين
بالشفعة فقال إنما اشتريته لشريكك لم تؤثر هذه الدعوى في قدر ما يستحق من الشفعة فإن الشفعة بين
547

الشريكين نصفين سواء اشتراها الأجنبي لنفسه أو للشريك الآخر، وان ترك المطالب بالشفعة حقه
منها بناء على هذا القول ثم تبين كذبه فلم تسقط شفعته، وان أخذ نصف المبيع كذلك ثم تبين كذب
المشتري وعفا الشريك عن شفعته فله أخذ نصيبه من الشفعة لأن اقتصاره على أخذ النصف انبنى على
خبر المشتري فلم يؤثر في إسقاط الشفعة واستحق أخذ الباقي لعفو شريكه عنه، وان امتنع من أخذ الباقي
سقطت شفعته كلهما لأنه لا يملك تبعيض صفقة المشتري ويحتمل أن لا يسقط حقه من النصف الذي أخذه
ولا يبطل أخذه له لأن المشتري أقر بما تضمن استحقاقه لذلك فلا يبطل برجوعه عن اقراره،
وان أنكر الشريك كون الشراء له وعفا عن شفعته وأصر المشتري على الاقرار للشريك به
فللشفيع أخذ اكل لأنه لا منازع له في استحقاقه وله الاقتصار علين النصف لاقرار المشتري
له باستحقاق ذلك
(فصل) فإن قال أحد الشريكين للمشتري شراؤك باطل وقال الآخر هو صحيح فالشفعة كلها
للمعترف بالصحة، وكذلك ان قال ما اشتريته إنما اتهبته وصدقه الآخران اشتراه فالشفعة لمصدق
بالشراء لأن شريكه مسقط لحقه باعترافه أنه لا بيع أو لا بيع صحيح، ولو احتال المشتري على
اسقاط الشفعة بحيلة لا نسقطها فقال أحد الشفيعين قد سقطت الشفعة توفرت على الآخر لاعتراف صاحبه
بسقوطها، ولو توكل أحد الشفيعين في البيع أو الشراء أو ضمن عهدة المبيع أو عفا عن الشفعة قبل
548

البيع وقال لا شفعة لي لذلك توفرت على الآخر، وان اعتقد ان له شفعة وطالب بها فارتفعا إلى حاكم
فحكم بأنه لا شفعة له توفرت على الآخر لأنها سقطت بحكم الحاكم فأشبه ما لو سقطت باسقاط المستحق
(فصل) إذا ادعى رجل على آخر ثلث دار فأنكره ثم صالحه عن دعواه بثلث دار أخرى صح
ووجبت الشفعة في الثلث المصالح به لأن المدعي يزعم أنه محق في دعواه وان ما أخذه عوض عن الثلث
الذي ادعاه فلزمه حكم دعواه ووجبت الشفعة، ولا شفعة على المنكر في الثلث المصالح عنه لأنه يزعم أنه
على ملكه لم يزل وإنما دفع ثلث داره إلى المدعي اكتفاء لشره ودفعا لضرر الخصومة واليمين عن نفسه
فلم تلزمه فيه شفعة، وإن قال المنكر للمدعي خذ الثلث الذي تدعيه بثلث دارك ففعل فلا شفعة على
المدعي فيما أخذه وعلى المنكر الشفعة في الثلث الذي يأخذه لأنه يزعم أنه أخذه عوضا عن ملكه الثابت
له وقال أصحاب الشافعي تجب الشفعة في الثلث الذي أخذه المدعي أيضا لأنها معاوضة من الجانبين
بشقصين فوجبت الشفعة فيهما كما لو كانت بين مقرين
ولنا ان المدعي يزعم أن ما أخذه كان ملكا له قبل الصلح ولم يتجدد له عليه ملك وإنما استنقذه
بصلحه فلم تجب فيه شفعة كما لو أقر له به
(فصل) إذا كانت دار بين ثلاثة أثلاثا فاشترى أحدهم نصيب أحد شريكيه ثم باعه لأجنبي ثم علم
شريكه فله أن يأخذ بالعقدين وله الاخذ بأحدهما لأنه شريك فيهما فإن أخذ بالعقد الثاني أخذ جميع
ما في يد مشتريه لأنه لا شريك له في شفعته وان أخذ العقد الأول ولم يأخذ بالثاني أخذ نصف المبيع
549

وهو السدس لأن المشتري شريكه في شفعته، ويأخذ نصفه من المشتري الأول ونصفه من المشتري
الثاني لأن شريكه لما اشترى الثلث كان بينهما نصفين لكل واحد منهما السدس فإذا باع الثلث من جميع
ما في يده وفي يده ثلثان فقد باع نصف ما في يده والشفيع يستحق ربع ما في يده وهو السدس
فصار منقسما في يديهما نصفين فيأخذ من كل واحد منهما نصفه وهو نصف السدس ويدفع ثمنه إلى
الأول ويرجع المشتري الثاني على الأول بربع الثمن الذي اشترى به وتكون المسألة من اثنى عشر ثم
ترجع إلى أربعة للشفيع نصف الدار ولكل واحد من الآخرين الربع، وان أخذ بالعقدين أخذ جميع
ما في يد الثاني وربع ما في يد الأول فصار له ثلاثة أرباع الدار ولشريكه الربع ويدفع إلى الأول نصف
الثمن الأول ويدفع إلى الثاني ثلاثة أربع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الثاني لأنه يأخذ
الثمن الأول ويدفع إلى الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الثاني لأنه يأخذ
نصف ما اشتراه الأول وهو السدس فيدفع إليه نصف الثمن لذلك، وقد صار نصف هذا النصف في
يد الثاني وهو ربع ما في يده فيأخذه منه ويرجع الثاني على الأول بثمنه وبقي المأخوذ من الثاني ثلاثة
أرباع ما اشتراه فأخذها منه ودفع إليه ثلاثة أرباع الثمن، وإن كان المشتري الثاني هو البائع الأول
فالحكم على ما ذكرنا لا يختلف، وان كانت الدار بين الثلاثة أرباعا لأحدهم نصفها وللآخرين نصفها
بينهما فاشترى صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه ثم باع ربعا مما في يده لا جنبي ثم علم شريكه فأخذ
بالبيع الثاني أخذ جميعه ودفع إلى المشتري ثمنه وان أخذ بالبيع الأول وحده أخذ ثلث المبيع وهو
550

نصف سدس لأن المبيع كله ربغ فثلثه نصف سدس ويأخذ ثلثيه من المشتري الأول وثلثه من الثاني
ومخرج ذلك من ستة ثلاثين النصف ثمانية عشر ولكل واحد منهما تسعة فلما اشترى صاحب
النصف تسعة كانت شفعتها بينة وبين شريكه الذي لم يبع أثلاثا لشريكه ثلثها ثلاثة، فلما باع
صاحب النصف ثلث ما في يده حصل في المبيع من الثلاثة ثلثها وهو سهم بقي في يد البائع منها سهمان
فيرد الثلاثة إلى الشريك يصير في يده اثنا عشر وهي الثلث ويبقى في يد المشترى الثاني ثمانية وهي تسعان وفي
يد صاحب النصف ستة عشر وهي أربعة أتساع ويدفع الشريك الثمن إلى المشترى الأول ويرجع المشترى
الثاني عليه بتسع الثمن الذي اشترى به لأنه قد أخذ منه تسع مبيعه، وان أخذ بالعقدين أخذ من
من الثاني جميع ما في يده وأخذ من الأول نصف التسع وهي سهمان من ستة وثلاثين فيصير في يده عشرون
سهما وهي خمسة أتساع ويبقى في يد الأول ستة عشر سهما وهي أربعة أتساع ويدفع إليه ثلث الثمن الأول
ويدفع إلى الثاني ثمانية أتساع الثمن الثاني ويرجع الثاني على الأول بتسع الثمن الثاني
(فصل) إذا كانت دار بين ثلاثة لزيد نصفها ولعمر وثلثها ولبكر سدسها فاشترى بكر من زيد ثلث
الدار ثم باع عمرا سدسها ولم يعلم عمرو بشرائه للثلث ثم علم فله المطالبة بحقه من شفعة الثلث وهو ثلثاه
وهو تسعا الدار فيأخذ من بكر ثلثي ذلك وقد حصل ثلثه الباقي في يده بشرائه للسدس فيفسخ بيعه في
ويأخذه بشفعة البيع الأول ويبقى من بيعه خمسة أتساعه لزيد ثلث شفعته فتقسم بينهما أثلاثا وتصح
المسألة من مائة واثنين وستين سهما الثلث المبيع أربعة وخمسون لعمرو ثلثاها بشفعته ستة وثلاثون
سهما يأخذ ثلثها من بكر وهي أربعة وعشرون سهما وثلثها في يده اثنا عشر سهما والسدس الذي
551

اشتراه سبعة وعشرون سهما قد أخذ منها اثنا عشر بالشفعة بقي منها خمسة عشر له ثلثاها عشرة ويأخذ
منها زيد خمسة فحصل لزيد اثنان وثلاثون سهما ولبكر ثلاثون سهما ولعمرو مائة سهم وذلك نصف الدار
وتسعها ونصف تسع تسعها، ويدفع بكر إلى عمر وثلثي الثمن في البيع الأول وعلى زيد خمسة أتساع
الثمن الثاني بينهما أثلاثا، فإن عفا عمرو عن شفعة الثلث فشفعة السدس الذي اشتراه بينه وبين زيد
أثلاثا، ويحصل لعمرو أربعة أتساع الدار ولزيد تسعاها ولبكر ثلثها وتصح من تسعة، وان باع بكر
السدس لأجنبي فهو كبيعه إياه لعمرو الا أن لعمرو العفو عن شفعته في السدس بخلاف ما إذا كان هو
المشتري فإنه لا يصح عفو عن نصيبه منها، وان باع بكر الثلث لأجنبي فلعمرو ثلثا شفعة المبيع الأول
وهو التسعان يأخذ ثلثهما من بكر وثلثيهما من المشتري الثاني وذلك تسع وثلث تسع يبقى في يد
الثاني سدس وسدس تسع وهو عشرة من أربعة وخمسين بين عمرو وزيد أثلاثا، وتصح أيضا من مائة
واثنين وستين ويدفع عمرو إلى بكر ثلثي ثمن مبيعه ويدفع هو وز يد إلى المشتري الثاني ثمن خمسة
أتساع مبيعه بينهما أثلاثا، ويرجع المشتري الثاني على بكر بثمن أربعة أتساع مبيعه، وان لم يعلم عمرو
حتى باع مما في يديه سدسا لم تبطل شفعته في أحد الوجوه وله أن يأخذ بها كما لو لم يبع شيئا (والثاني)
تبطل شفعته كلها (والثالث) تبطل في قدر ما باع وتبقى فيما لم يبع وقد ذكرنا توجيه هذه، والوجوه فاما
552

شفعة ما باعه ففيها ثلاثة أوجه (أحدها) أنها بين المشترى الثاني وزيد وبكر أرباعا للمشترى نصفها
ولكل واحد منهم ربعها على قدر املاكهم حين بيعه (والثاني) أنها بين زيد وبكر على أربعة عشر
سهما زيد تسعة ولبكر خمسة لأن لزيد السدس ولبكر سدس يستحق منه أربعة أتساعه بالشفعة فيبقى
معه خمسة أتساع السدس ملكه مستقر عليها فأضفناها إلى سدس زيد وقسمنا الشفعة على ذلك ولم
نعط المشتري الثاني ولا بكرا بالسهام المستحقة بالشفعة شيئا لأن الملك عليها غير مستقر (والثالث) ان
عفا لهم عن الشفعة استحقوا بها وان أخذت بالشفعة لم يستحقوا بها شيئا وان عفا عن بعضهم دون
بعض استحق المعفو عنه، بسهامه دون غير المعفو عنه وما بطلت الشفعة فيه ببيع عمرو فهو بمنزلة المعفو
عنه فيخرج في قدره وجهان، ولو استقصينا فروع هذه المسألة على سبيل البسط لطال وخرج إلى الاملال
(فصل) إذا كانت دار بين أربعة أرباعا فاشترى اثنان منهم نصيب أحدهم استحق الرابع الشفعة
عليهما واستحق كل واحد من المشتريين الشفعة على صاحبه فإن طالب كل واحد منهم بشفعته قسم
المبيع بينهم أثلاثا وصارت الدار بينهم كذلك، وان عفا الرابع وحده قسم المبيع بين المشتريين نصفين
وكذلك ان عفا الجميع عن شفعتهم فيصير لهما ثلاثة أرباع الدار وللرابع الربع بحاله وان طالب الرابع
وحده أخذ منهما نصف المبيع لأن كل واحد منهما له من الملك مثل ما للمطالب فشفعة مبيعه بينه وبين
شفيعه نصفين فيحصل للرابع ثلاثة أثمان الدار وباقيها بينهما نصفين، وتصح من ستة عشر، وان طالب
الرابع وحده أحدهما دون الاخر قاسمه الثمن نصفين فيحصل للمعفو عنه ثلاثة أثمان والباقي بين
الرابع والاخر نصفين وتصح من ستة عشر، وان عفا أحد المشترين ولم يعف الاخر ولا الرابع قسم
مبيع المعفو عنه بينه وبين الرابع نصفين ومبيع الاخر بينهم أثلاثا فيحصل للذي لم يعف عنه ربع
553

وثلث ثمن وذلك سدس وثمن والباقي بين الآخرين نصفين وتصح من ثمانية وأربعين، وان عفا الرابع
عن أحدهما ولم يعف أحدهما عن صاحبه أخذ ممن لم يعف عنه ثلث الثمن والباقي بينهما نصفين ويكون
الرابع كالعافي في التي قبلها وتصح أيضا من ثمانية وأربعين، وان عفا الرابع وأحدهما عن الآخر ولم
يعف الآخر فلغير العافي ربع وسدس والباقي بين العافيين نصفين لكل واحد منهما سدس وثمن وتصح
من أربعة وعشرين وما يفرع من المسائل فهو على مساق ما ذكرناه
باب المساقاة
وهي أن يدفع إنسان شجره إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه يجزء معلوم له من
الثمرة، وسميت مساقاة لأنها مفاعلة من السقي لأن أهل الحجاز أكثر حاجتهم إلى السقي لكونهما يسقون
من الآبار، فسميت بذلك والأصل في جوازها السنة والاجماع أما السنة فما روى عبد الله بن عمر قال
عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع متفق عليه، وأما الاجماع
فقال أبو جعفر علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن آبائه عامل رسول الله
صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر وعثمان وعلي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع
وهذا عمل به الخلفاء الراشدون مدة خلافتهم واشتهر ذلك ولم ينكره منكر فكان إجماعا
554

(مسألة) (تجوز المساقاة في ثمر النخل وفي كل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته)
هذا قول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وسالم ومالك والثوري والأوزاعي
وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال داود لا تجوز إلا في تمر النخل لأن الخبر إنما ورد بها فيه،
وقال
الشافعي لا تجوز إلا في النخل والكرم لأن الزكاة تجب في ثمرتهما، وفي سائر الشجر قولان (أحدهما)
لا تجوز فيه لأن الزكاة لا تجب في نمائها فأشبه مالا ثمرة له، وقال أبو حنيفة، وزفر لا تجوز بحال لأنها إجارة
بثمرة لم تخلق أو إجارة بثمرة مجهولة أشبه إجارته بثمرة غير الشجر الذي يسقيه
ولنا ما ذكرنا من الحديث والاجماع ولا يجوز التعويل على ما خالفهما فإن قيل راوي حديث خيبر
ابن عمر وقد رجع عنه فقال. كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهي عن المخابرة ولا ينعقد الاجماع مع مخالفته، ويدل على نسخ حديث ابن عمر أيضا رجوعه عن العمل به إلى
حديث رافع، قلنا لا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الاجماع ولا حديث ابن عمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل
يعامل أهل خيبر حتى مات ثم عمل به الخلفاء بعده ثم من بعدهم فكيف يتصور نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن
شئ ثم يخالفه؟ أم كيف يعمل ذلك في عصر الخلفاء ولم يخبرهم من سمع النهي وهو حاضر معهم وعالم
بفعلهم؟ فلو صح خبر رافع لوجب حمله على ما يوافق السنة والاجماع، على أنه قد روى في تفسير خبر
555

رافع عنه ما يدل على صحة قولنا فروى البخاري باسناده عنه قال كنا نكري الأرض بالناحية منها
تسمى لسيد الأرض فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك فنهينا فاما الذهب
والورق فلم يكن يومئذ، وروي تفسيره أيضا بشئ غير هذا من أنواع الفساد وهو مضطرب جدا، قال
الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن حديث رافع نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة فقال
رافع يروى عنه في هذا ضروب وكأنه يريد أن اختلاف الرويات عنه يوهن حديثه، وقال طاوس ان
أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه ولكن قال (لأن يمنح أحدكم أخاه
أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجا معلوما) رواه البخاري ومسلم وأنكر زيد بن ثابت حديث
رافع، عليه فكيف يجوز نسخ أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وهو يفعله ثم أجمع
عليه خلفاؤه وأصحابه بعده؟ ولا يجوز العمل به ولو لم يخالفه غيره ورجوع ابن عمر إليه يحتمل
أنه رجع عن شئ من المعاملات الفاسدة التي فسرها رافع في حديثه، وأما غير ابن عمر فقد أنكر
على رافع ولم يقبل حديثه وحمله على أنه غلط في روايته، والمعنى يدل على ذلك فإن كثيرا
من أهل النخيل والشجر يعجزون عن عمارته وسقيه ولا يمكنهم الاستئجار عليه وكثير من
الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر ففي تجويز المساقاة دفع الحاجتين وتحصيل لمصلحة الفئتين
556

فجاز كالمضاربة بالأثمان، فاما قياسهم فيبطل بالمضاربة فإنه يعمل في المال بنمائه وهو معدوم مجهول وقد
جاز بالاجماع وهذا في معناه، ثم إن الشارع قد جوز العقد في الإجارة على المنافع المعدومة للحاجة
فلم لا يجوز على الثمرة المعدومة للحاجة؟ مع أن القياس إنما يكون في إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه
أو الجمع عليه، فاما في إبطال نص وخرق إجماع بقياس نص آخر فلا سبيل إليه، وأما تخصيص ذلك
بالنخل أو به وبالكرم فيخالف عموم قوله عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما
يخرج منها من زرع أو ثمر وهذا عام في كل ثمر ولا تكاد بلد ذات أشجار تخلو من شجر غير النخل
وقد جاء في لفظ بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل
والشجر رواه الدارقطني ولأنه شجر يثمر كل حول فأشبه النخل والكرم ولان الحاجة تدعو
إلى المساقاة عليه كالنخل وأكثر لكثرته فأشبه النخل ووجوب الزكاة ليس من العلة المجوزة للمساقاة
ولا أثر فيها وإنما العلة ما ذكرناه
(فصل) فأما مالا ثمر له كالصفصاف والجوز أو له ثمر غير مقصود كالصنوبر والأرز فلا تجوز
المساقاة عليه وبه قال مالك والشافعي ولا نعلم فيه خلافا لأنه غير منصوص عليه ولا في معنى المنصوص
ولان المساقاة إنما تجوز بجزء من الثمرة وهذا لا ثمرة له إلا أن يكون مما يقصد ورقه أو زهره كالتوت
557

والورد فالقياس يقتضي جواز المساقاة عليه لأنه في معنى الثمر لكونه مما يتكرر كل عام ويمكن أخذه
والمساقاة عليه بجزء منه فيثبت له حكمه
(مسألة) (وتصح بلفظ المساقاة) لأنه موضوعها حقيقة وبلفظ المعاملة لقوله في الحديث عامل
أهل خيبر على شطر ما يخرج منها، وتصح بكل ما يؤدي معناها من الألفاظ نحو فالحتك واعمل في
بستاني هذا حتى تكمل ثمرته وما أشبهه لأن القصد المعني فإذا أتى بأي لفظ دل عليه صح كالبيع
(مسألة) (وتصح بلفظ الإجارة في أحد الوجهين)
لأنه مؤد للمعنى فصح به العقد كسائر الألفاظ المتفق عليها والثاني لا تصح وهو اختيار أبي الخطاب
لأن الإجارة يشترط لها كون العوض معلوما وتكون لازمة والمساقاة بخلافه والأول أقيس لما ذكرنا
(مسألة) (وقد نص أحمد في رواية جماعة فيمن قال أجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج
منها أنه يصح وهذه مزارعة بلفظ الإجارة ذكره أبو الخطاب)
فمعنى قوله أجرتك هذه الأرض بثلث أي زارعتك عليها بثلث عبر عن المزارعة بالإجارة على سبيل
المجاز كما يعبر عن الشجاع بالأسد، فعلى هذا يكون نهيه عليه السلام عنها بثلث أو ربع إنما ينصرف إلى
الإجارة الحقيقة لاعن المزارعة وقال أكثر أصحابنا هي إجارة لأنها مذكورة بلفظها فتكون إجارة
حقيقة وتصح بعض الخارج من الأرض كما تصح بالدراهم قال شيخنا والأول أقيس وأصح لما سبق
558

(مسألة) (وهل تصح على ثمرة موجودة، على روايتين (إحداهما تجوز اختارها أبو بكر وهو
قول مالك وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وأحد قولي الشافعي لأنها إذا جازت مع كثرة الغرر فيها
فمع وجودها وقلة الغرر فيها أولى وإنما تصح إذا بقي من العمل ما تزيد به الثمرة كالتأبير والسقي
واصلاح الثمرة فإن بقي مالا تزيد به الثمرة كالجذاذ ونحوه لم يجز بغير خلاف (والثانية) لا يجوز
وهو القول الثاني للشافعي لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص فإن النبي صلى الله عليه
وسلم عامل أهل خيبر على الشطر مما يخرج من زرع أو ثمر، ولان هذا يفضي إلى أن يستحق
بالعقد عوضا موجودا ينتقل الملك فيه عن رب المال إلى المساقي فلم يصح كما لو بدا صلاح الثمرة
ولأنه عقد على العمل في المال ببعض نمائه فلم يجز بعد ظهور النماء كالمضاربة ولان هذا يجعل إجارة
بمعلوم ومجهول فلم يصح كما لو استأجره على العمل بذلك، وقولهم إنهما أقل غررا قلنا قلة الغرر
ليس من المقتضي للجواز ولا كثرته الموجودة في محل النص مانعة منه فلا تؤثر قلته شيئا، والشرع
ورد به على وجه لا يستحق العامل فيه عوضا موجودا ولا ينتقل إليه من ملك رب المال شئ وإنما
يحدث النماء الموجود على ملكهما على ما شرطاه فلم تجز مخالفة هذا الموضوع ولا اثبات عقد ليس
في معناه الحاقا به كما لو بدا صلاح الثمرة وكالمضاربة بعدن ظهور الربح، ومن نصر الوجه الأول
قال نص النبي صلى الله عليه وسلم على المساقاة على الثمرة المعدومة بجزء منها نبيه على جوازها على الموجودة لما
559

ذكرنا، ولا يصح القياس على المضاربة إذا ظهر الربح لأنها لا تحتاج إلى عمل وههنا يحتاج إليه فلا يصح
القياس، ونظير ذلك المساقاة على الثمرة بعد بدو صلاحها فإنه لا يصح بغير خلاف علمناه لكون العمل لا
يزيد في الثمرة بخلاف الرواية الأولى فإن العمل يزيد فيها فافترقا
(فصل) وإذا ساقاه على ودي النخل أو صغار الشجر إلى مدة يحمل فيها غالبا بجزء من الثمرة صح
لأنه ليس فيه أكثر من أن عمل العامل يكثر وذلك لا يمنع الصحة كما لو جعل له سهم من الف، وفيه
الأقسام التي نذكرها في كبار النخل والشجر فإن قلنا المساقاة عقد جائز لم يحتج إلى ذكر مدة وان قلنا هو
لازم اشترط ذكر المدة وسنذكره
(مسألة) (وان ساقاه على شجر بغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة صح)
والحكم فيه كالحكم فيما إذا ساقاه على صغار الشجر على ما بينته قال أحمد في رواية المروذي فيمن
قال لرجل اغرس في أرضي هذه شجرا أو نخلا فما كان من غلة فلك بعملك كذا وكذا سهما من كذا
وكذا فاجازه، واحتج بحديث خيبر في الزرع والنخل لكن يشترط أن يكون الغرس من رب الأرض
كما يشترط في المزارعة كون البذر من رب الأرض، فإن كان من العامل خرج على الروايتين في المزارعة
إذا شرط البذر من العامل، وقال القاضي المعاملة باطلة وصاحب الأرض بالخيار بين تكليفه قلعها
ويضمن له نقصها وبين تركها في أرضه ويدفع إليه قيمتها كالمشتري إذا غرس في الأرض ثم جاء الشفيع
560

فاخذها وان اختار العامل قلع شجره فله ذلك سواء بذلك بذل له القيمة أو لم يبذلها لأنه ملكه فلم يمنع من تحويله
وان اتفقا على ابقاء الغرس ودفع أجر الأرض جاز
(فصل) ولو دفع أرضه إلى رجل يغرسها على أن الشجر بينهما لم يجر ويحتمل الجواز بناء على
المزارعة فإن المزارع يبذر الأرض فتكون بينه وبين صاحب الأرض وهذا نظيره، فأما ان دفعها على
أن الأرض والشجر بينهما فذلك فاسد وجها واحدا وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد ولا
نعلم فيه مخالفا لأنه يشترط اشتراكهما في الأصل ففسد كما لو دفع إليه الشجر أو النخيل ليكون الأصل
والثمرة بينهما أو شرط في المزارعة كون الأرض والزرع بينهما
(فصل) ومن شرط صحة المساقاة تقدير نصيب العامل بجزء معلوم من الثمرة كالثلث والربح لحديث
ابن عمر في خيبر وسواء قل الجزء أو كثر فلو جعل للعامل جزءا من مائة جزء أو جعل الجزء لنفسه
والباقي للعامل جاز إذا لم يفعل ذلك حيلة، فإن عقد على جزء مبهم كالسهم والجزء والنصيب لم يجز لأنه
إذا لم يكن معلوما لم يمكن القسمة بينهما ولو جعل له آصعا معلومة أو جعل مع الجزء المعلوم آصعا لم يجز
لأنه ربما لم يحصل ذلك أو لم يحصل غيره فيستضر رب الشجر أو يكثر الحاصل فيتضرر العامل وكذلك
ان شرط له ثمر شجر بعينه لأنه قد لا يحمل وقد لا يحمل غيرها ولهذه العلة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزارعة
التي يجعل فيها لرب الأرض مكانا معينا وللعامل مكانا معينا قال رافع كنا نكتري الأرض على أن لنا
561

هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك، فأما الذهب والورق فلم ينهنا متفق
عليه، فمتى شرط شيئا من هذه الشروط الفاسدة فسدت المساقاة، والثمرة كلها لرب المال لأنها نماء ملكه
وللعامل أجر مثله كالمضاربة الفاسدة
(فصل) ولا يحتاج أن يشرط لرب المال لأنه يأخذ بماله لا بالشرط فإذا قال ساقيتك على أن لك
ثلث الثمرة صح والباقي لرب المال، وان قال على أن لي ثلث الثمرة فقال ابن حامد يصح وقيل لا يصح
وقد ذكرنا تعليل ذلك في المضاربة، وان اختلفا في الجزء المشروط فهو للعامل لأنه إنما يستحق بالشرط
كما ذكرنا، فإن اختلفا في قدر المشروط للعامل فقال ابن حامد القول قول رب المال وقال مالك القول
قول العامل إذا ادعى ما يشبه لأنه أقوى سببا لتسلمه الحائط والعمل، وقد ذكرنا في المضارب رواية ان
القول قول إذا ادعى أجر المثل فيخرج ههنا مثله وقال الشافعي يتحالفان وكذلك ان اختلفا فيما
تتاولته المساقاة من الشجر
ولنا أن رب المال منكر للزيادة التي ادعاها العامل فكان القول قوله فإن كان مع أحدهما بينة حكم
بها وإن كان مع كل واحد منهما بينة انبنى على بينة الداخل والخارج فإن كان الشجر لا ثنين فصدق
أحدهما العامل وكذبه الآخر أخذ نصيبه مما يدعيه من مال المصدق وان شهد على المنكر قبلت شهادته
إذا كان عدلا لأنه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا ويحلف مع شاهده وان لم يكن عدلا
562

كانت شهادته كعدمه ولو كانا عاملين ورب المال واحدا فشهد أحدهما على صاحبه قبلت شهادته لما ذكرنا
(فصل) وإذا كان في البستان شجر من أجناس كالتين والزيتون والكرم فشرط للعامل من كل
جنس قدرا كنصف ثمر التين وثلث الزيتون وربع الكرم، أو كان فيه أنواع من جنس فشرط من
كل نوع قدرا وهما يعرفان قدر كل نوع صح لأن ذلك كثلاثة بساتين ساقاه على كل بستان بقدر
مخالف للقدر المشروط من الآخر، وان لم يعلما قدره أو أحدهما لم يجز للجهالة، ولو قال ساقيتك على
هذين البساتين بالنصف من هذا والثلث من هذا صح لأنها صفقة واحدة جمعت عوضين فصار كقوله بعتك
داري هاتين هذه بألف وهذه بمائة، وان قال بالنصف من أحدهما والثلث من الآخر ولم يعينه لم يصح
الجهالة لأنه لا يعلم الذي يستحق نصفه، لو ساقاه على بستان واحد نصفه هذا بالنصف ونصفه هذا
بالثلث وهما متميزان صح لأنهما كبستانين
(فصل) فإن كان البستان لاثنين فساقيا عاملا واحدا على أن له نصف نصيب أحدهما وثلث نصيب
الآخر والعامل عامل ما لكل واحد منهما جاز لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان، ولو أفرد كل واحد
منهما بعقد كان له أن يشرط ما اتفقا عليه وان جهل نصيب كل واحد منهما لم يجز لأنه غرر فإنه قد
يقل نصيب من شرط له النصف فيقل حظه، وقد يكثر فيتوفر حظه، فاما ان شرطا قدرا واحدا من
مالهما جاز وان لم يعلم قدر ما لكل واحد منهما لأنها جهالة لا غرر فيها ولا ضرر فهو كا لو قالا بعناك
563

دارنا هذه بألف ولم يعلم نصيب كل واحد منهما جاز لأنه أي نصيب كان فقد علم عوضه وعلم جملة
المبيع فصح كذلك ههنا، ولو ساقى واحد اثنين جاز ويجوز أن يشرط لهما التساوي في النصيب وان
يشرط لأحدهما أكثر من الآخر
(فصل) ولو ساقاه ثلاث سنين على أن له في الأولى النصف وفي الثانية الثلث وفي الثالثة الربع جاز
لأنه قدر ماله في كل سنة معلوم فصح كما لو شرط له من كل نوع قدرا
(فصل) ولا تصح المساقاة إلا على شجر معلوم بالرؤية أو بالصفة التي لا يختلف معها كالبيع
وإن ساقاه على بستان لم يره ولم يوصف له لم يصح لأنه عقد على مجهول أشبه البيع وان ساقاه على
أحد هذين الحائطين لم يصح لأنها معاوضة يختلف العوض فيها باختلاف الأعيان فلم يجز على
غير معين كالبيع.
(فصل) وتصح على البعل كما تصح على السقي وبه قال مالك ولا نعلم فيه خلافا عند من يجوز
المساقاة لأن الحاجة تدعوا إلى المعاملة في ذلك كدعائها إلى المعاملة في غيره فيقاس عليه
(مسألة) (والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه)
وكذلك المزارعة أو ما إليه أحمد في رواية الأثرم قد سئل عن الاكار يخرج من غير أن يخرجه
صاحب الضيعة فلم يمنعه من ذلك ذكره ابن حامد وهو قول بعض أصحاب الحديث، وقال بعض أصحابنا
564

هو لازم وهو قول أكثر الفقهاء لأنه عقد معاوضة فكان لازما كالإجارة لأنه لو كان جائزا كان لرب
المال فسخه إذا ظهرت الثمرة فيسقط سهم العامل فيتضرر
ولنا ما روى مسلم عن ابن عمر أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بخيبر على أن يعملوها
ويكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نقر كم على ذلك
ما شئنا) ولو كان لازما لم يجز بغير تقدير مدة ولا أن يجعل الخيرة إليه في مدة اقرارهم، ولان النبي
صلى الله عليه وسلم لو قدر لهم مدة لنقل لأن هذا مما يحتاج إليه فلا يجوز الاخلال بنقله وعمر رضي الله عنه أجلاهم
من أرض الحجاز وأخرجهم من خيبر ولو كانت لهم مدة مقدرة لم يجز اخراجهم فيها ولأنه عقد على
جزء من نماء المال فكان جائزا كالمضاربة، وفارق الإجارة لأنها بيع فكانت لازمة كبيع الأعيان ولان
عوضها معلوم أشبهت البيع وقياسهم ينتقض بالمضاربة وهي أشبه بالمساقاة من الإجارة فقياسها عليها أولى
وقولهم إنه يفضي إلى أن رب المال يفسخ بعد ادراك الثمرة قلنا إذا ظهرت الثمرة ظهرت على ملكيهما
فلا يسقط حق العامل منها بفسخ ولاغيره كما إذا فسخ المضارب بعد ظهور الربح، فعلى هذا لا يفتقر
إلى ذكر مدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب لأهل خيبر مدة معلومة ولا خلفاؤه حين عاملوهم، ولأنه عقد
جائز فلم يفتقر إلى ضرب مدة كالمضاربة وسائر العقود الجائزة، ومتى فسخ أحدهما بعد ظهور الثمرة فهي
بينهما على ما شرطاه وعلى العامل تمام العمل كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت المضاربة بعد
565

ظهور الربح وان فسخ العامل قبل ذلك فلا شئ له لأنه رضي باسقاط حقه فهو كعامل المضاربة إذا فسخ
قبل ظهور الربح وعامل الجعالة إذا فسخ قبل اتمام عمله، فإن فسخ رب المال قبل ظهور الثمرة فعليه أجر
المثل للعامل لأنه منعه اتمام عمله الذي يستحق به العوض فأشبه ما لو فسخ الجاعل قبل اتمام عمل الجعالة
وفارق رب المال في المضاربة إذا فسخها قبل ظهور الربح لأن عمل هذا مفض إلى ظهور الثمرة غالبا
فلولا الفسخ لظهرت الثمرة فملك نصيبه منها وقد قطع ذلك بفسخه فأشبه فسخ الجعالة بخلاف المضاربة
فإنه لا يعلم افضاؤها إلى الربح ولان الثمرة إذا ظهرت في الشجر كان العمل عليها في الابتداء من أسباب
ظهورها والربح إذا ظهر في المضاربة قد لا يكون للعمل الأول فيه أثر أصلا
(مسألة) (فإن قلنا هي عقد لازم فلا تصح الا على مدة معلومة)
وهذا قول الشافعي وقال أبو ثور تصح وتقع على سنة واحدة وأجازه بعض الكوفيين استحسانا
ولأنه لما شرط له جزءا من الثمرة كان ذلك دليلا على إرادة مدة تحصل فيها الثمرة
ولنا أنه عقد لازم فوجب تقديره بمدة معلومه كالإجارة ولان المساقاة أشبه بالإجارة لأنها تقتضي العمل
على العين مع بقائها ولأنها إذا وقعت مطلقة لم يمكن حملها على اطلاقها مع لزومها لأنها تفضي إلى أن العامل
يستبد بالشجر كل مدته فيصير كالمالك ولا يمكن تقديره بالسنة لأنه تحكم وقد تكمل الثمرة في أقل من السنة
فعلى هذا لا تتقدر أكثر المدة بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى الشجر فيها وان طالت وقيل لا يجوز
566

أكثر من ثلاثين سنة وهذا تحكم وتوقيت لا يصار إليه الا بنص أو اجماع فأما أقل المدة فتقدر بمدة
تكمل فيها الثمرة ولا يجوز على أقل منها لأن المقصود اشتراكهما في الثمرة ولا يوجد في أقل من هذه المدة
(مسألة) (فإن شرطا مدة لا تكمل فيها لم يصح)
لذلك فإذا عمل فيها فظهرت الثمرة فيها ولم تكمل فله أجرة مثله في أحد الوجهين وفي الآخر
لا شئ له لأنه رضي بالعمل بغير عوض فهو كالمتبرع والأول أصح لأن هذا لم يرض الا بعوض وهو
جزء من الثمرة وذلك الجزء موجود لكن لا يمكن تسليمه إليه فلما تعذر دفع العوض الذي اتفقا عليه
كان له أجر مثله كما في الإجارة الفاسدة بخلاف المتبرع فإنه رضي بغير شئ، وان لم تظهر الثمرة فلا
شئ له في أصح الوجهين لأنه رضي بالعمل بغير عوض
(فصل) فإن ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا فلم تحمل تلك السنة فلا شئ للعامل لأنه عقد
صحيح لم يظهر فيه النماء أشبه المضاربة إذا لم يربح فيها وان ظهرت الثمرة ولم تكمل فله نصيبه منها
وعليه اتمام العمل فيها كما لو انفسخت قبل كمالها
(مسألة) (وان شرطا مدة قد تكمل فيها الثمرة وقد لا تكمل ففي صحة المساقاة وجهان)
(أحدهما) تصح لأن الشجر يحتمل أن يحمل ويحتمل أن لا يحمل والمساقاة جائزة فيه (والثاني)
لا يصح لأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم يصح كالسلم في مثل ذلك ولان ذلك غرر أمكن
567

التحرز منه فلم يجز العقد معه كما لو شرط ثمرة نخلة بعينها، وفارق ما إذا شرط مدة تكمل فيها الثمرة فإن
الغالب أن الشجر يحمل واحتمال أن لا يحمل نادر لم يمكن التحرز عنه، فإن قلنا العقد صحيح فله حصته
من الثمر فإن لم يحمل فلا شئ له وان قلنا هو فاسد استحق أجر المثل سواء حمل أو لم يحمل لأنه لم يرض
بغير عوض ولم يسلم له العوض فاستحق أجر المثل بخلاف ما إذا شرطا مدة لا يحمل في مثلها، وفيه
وجه آخر أنه لا شئ له كما لو اشترطاه مدة لا يحمل فيها الشجر غالبا ومتى خرجت الثمرة قبل
انقضاء المدة فله حقه منها إذا قلنا بصحة العقد وان خرجت بعدها فلا شئ له فيها ومذهب الشافعي
في هذا قريب مما ذكرنا
(مسألة) (وان مات العامل تم الوارث فإن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته)
وجملة ذلك انا قد ذكرنا ان ظاهر المذهب أن المساقاة عقد جائز لا يفتقر إلى ذكر مدة لأن
ابقاء ها إليهما وفسخها جائز لكل واحد منهما فلم تحتج إلى مدة، فإن قدرها بمدة، جاز لأنه لا ضرر في ذلك
وقد بيناه في المضاربة والمساقاة مثلها، فعلى هذا تنفسخ بموت كل واحد منهما وجنونه والحجر عليه للسفه
كالمضاربة ويكون الحكم فيها كما لو فسخها أحدهما، فاما ان قلنا بلزومها لم ينفسخ العقد ويقوم الوارث
مقام الميت منهما لأنه عقد لازم أشبه الإجارة، فإنه كان الميت العامل فأبي وارثه القيام مقامه لم يجبر لأن
الوارث لا يلزمه من الحقوق التي على مورثه الا ما أمكن دفعه من تركته والعمل ليس مما يمكن فيه ذلك
568

فعلى هذا يستأجر الحاكم من التركة من يعمل فإن لم يكن له تركة أو تعذر الاستئجار فلرب
المال الفسخ لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فثبت الفسخ كما لو تعذر ثمن المبيع قبل قبضه
(مسألة) (فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما فإن فسخ قبل ظهورها فهل للعامل أجرة؟
على وجهين)
أما إذا فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما كما إذا انفسخت المضاربة بعد ظهور الربح، فعلى هذا يباع من
نصيب العامل ما يحتاج إليه لاجر ما بقي من العمل واستؤجر من يعمل ذلك وان احتيج إلى بيع الجميع بيع
ثم لا يخلو إما أن يكون قد بد اصلاح الثمرة أو لا فإن كان قد بدا صلاحها خير المالك بين البيع والشراء فإن اشترى
نصيب العامل جاز وان اختار بيع نصيبه باعه وباع الحاكم نصيب العامل وان أبى البيع والشراء باع الحاكم
نصيب العامل وحده وما بقي على العامل يستأجر من يعمله والباقي لورثته، وان كانت لم يبد صلاحها خير
المالك أيضا فإن بيع لأجنبي لم يجز الا بشرط القطع، ولا يجوز بيع نصيب العامل وحده لأنه لا يمكن قطعه إلا
بقطع نصيب المالك ولا يجوز ذلك الا باذنه وهل يجوز شراء المالك لها؟ على وجهين (أحدهما) لا يجوز
كالأجنبي (والثاني) يجوز كما إذا بع نخلا مؤبرا جاز للمشتري أن يبتاع الثمرة التي للبائع من غير شرط
القطع وهكذا الحكم إذا انفسخت المساقاة بموت العامل إذا قلنا بجوازها وأبى الوارث العلم، فأما ان
فسخ قبل ظهور الثمرة فللعامل الاجر في أحد الوجهين لأنه عمل بعوض لم يصح له فكانت له الأجرة
569

كما لو فسخ بغير عذر (والثاني) لا شئ له لأن الفسخ مستند إلى موته ولا صنع لرب المال فيه أشبه
إذا فسخ العامل قبل ظهور الثمرة
(مسألة) (وكذلك ان هرب العامل ولم يوجد له ما ينفق عليها فهو كما لو مات)
إن كان العقد جائزا فلرب الأرض الفسخ وإن قلنا بلزومه فوجد الحاكم له مالا أو أمكنه الاقتراض
عليه من بيت المال أو غيره فعل وان لم يمكنه ووجد من يعمل بأجرة مؤجلة إلى وقت إدراك الثمرة
فعل فإن تعذر ذلك فلرب المال الفسخ لما ذكرنا، وأما الميت فلا يقترض عليه لأنه لا ذمة له والأولى
في هذه الصورة أن لا يكون للعامل أجرة لأنه ترك العمل اختيارا منه فلم يكن له أجرة كما لو ترك
العمل من غير هرب مع القدرة عليه
(مسألة) (فإن عمل فيها رب المال باذن حاكم أو اشهاد رجع به وإلا فلا)
قد ذكرنا أن لرب المال الفسخ فإن اختار البقاء على المساقاة لم تنفسخ إذا قلنا بلزومها ويستأذن الحاكم
في الانفاق على الثمرة ويرجع بما أنفق فإن عجز عن استئذان الحاكم فأفق بنية الرجوع وأشهد على
الانفاق بشرط الرجوع رجع بما أنفق وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه مضطر، وان أمكنه
استئذان الحاكم وأنفق بنية الرجوع ولم يستأذنه فهل يرجع بذلك؟ على وجهين بناء على ما إذا قضى
دينه بغير إذنه، فإن تبرع بالانفاق لم يرجع كما لو تبرع بالصدقة والحكم فيما إذا أنفق على الثمرة
بعد فسخ العقد إذا تعذر بيعها كالحكم ههنا سواء
570

(فصل) قال رحمه الله (ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من السقي والحرث والزبار
والتفليح والتشميس واصلاح طرق الماء وموضع الشمس)
وجملة ذلك أنه يلزم العامل باطلاق عقد المساقاة ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من حرث الأرض
تحت الشجرة والبقر التي تحرث وآلة الحرث وسقي الشجر واستقاء الماء وإصلاح طرق الماء وقطع
الحشيش المضر والشوك وقطع الشجر اليابس وزبار الكرم وقطع ما يحتاج إلى قطعه وتسوية الثمرة
واصلاح الأجاحين وهي الحفر التي يجتمع فيها الماء على أصول النخل وإدارة الدولاب وحفظ
الثمر في الشجر وبعده حتى يقسم، وإن كان مما يشمس فعليه تشميسه لأن إطلاق عقد المساقاة يقتضي
ذلك فإن موضوعها على أن العمل من العامل
(مسألة) (وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من شد الحيطان وأجر الأنهار وحفر
البئر والدولاب وما يدبره)
وكذلك شراء ما يلقح به إذا أطلقا العقد وان شرطا ذلك كان تأكيدا وقيل ما يتكرر كل عام فهو
على العامل ومالا فلا، قال شيخنا وهذا صحيح الا في شراء ما يلقح به فإنه على رب المال وان تكرر
لأن هذا ليس من العمل، فاما البقرة التي تدير الدولاب فقال أصحابنا هي على رب المال لأنها ليست من
العمل أشبه ما يلقح به، قال شيخنا والأولى أنها على العامل لأنها تراد للعمل أشبهت بقر الحرث ولان
571

استقاء الماء على العامل إذا لم يحتج إلى بهيمة فكان عليه وان احتاج إليها كغيره من الأعمال وقال بعض
أصحاب الشافعي ما يتعلق بالأصول والثمرة معا ككسح النهر هو على من شرط عليه منهما وان أهمل شرط
ذلك على أحدهما لم تصح المساقاة وقد ذكرنا ما يدل على أنه من العامل، فاما تسميد الأرض بالزبل
إذا احتاجت إليه فتحصيله على رب المال لأنه ليس من العمل أشبه ما يلقح به وتفريقه في الأرض
على العامل كالتلقيح.
(فصل) فإن شرطا على أحدهما شيئا مما يلزم الآخر فقال القاضي وأبو الخطاب لا يجوز ذلك
فعلى هذا تفسد المساقاة وهو مذهب الشافعي لأنه شرط يخالف مقتضى العقد فأفسده كالمضاربة إذا
شرط العمل فيها على رب المال، وقد روي عن أحمد ما يدل على صحة ذلك فإنه ذكر أن الجذاذ عليهما
فإن شرطه على العامل جاز لأنه شرط لا يخل بمصلحة العقد ولا مفسدة فيه فصح كتأجيل الثمن في
البيع وشرط الرهن والضمين والخيار فيه لكن يشترط أن يكون ما يلزم كل واحد منهما من العمل معلوما
لئلا يفضي إلى التنازع فيختل العمل، وان لا يكون على رب المال أكثر العمل ولا نصفه لأن العامل
إنما يستحق بعمله فإذا لم يعمل أكثر العمل كان وجود عمله كعدمه فلا يستحق شيئا
(فصل) فإن شرط أن يعمل معه غلمان رب المال فهو كعمل رب المال فإن يد الغلام كيد مولاه وقال
أبو الخطاب فيه وجهان أحدهما كما ذكرنا والثاني يجوز لأن غلمانه ماله فجاز أن يجعل تبعا لماله كثور
572

الدولاب وكما يجوز في القراض أن يدفع إلى العامل بهيمة يحمل عليها، وأما رب المال لا يجوز جعله
تبعا وهذا قول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن، فإذا شرط غلمانا يعملون معه فنفقتهم على ما يشترطان
عليه فإن أطلقا فهي على رب المال وبهذا قال الشافعي وقال مالك نفقتهم على المساقي ولا ينبغي أن
يشرطها على رب المال لأن العمل على المساقي فمؤنة من يعمله عليه كمؤنة غلمانه
ولنا أنه مملوك رب المال فكانت نفقته عليه عند الاطلاق كما لو اجره فإن شرطها على العامل
جاز ولا يشترط تقديرها وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن يشترط لأنه اشترط عليه مالا يلزمه فوجب
أن يكون معلوما كسائر الشروط
ولنا أنه لو وجب تقديرها لوجب ذكر صفاتها ولا يجب ذلك فلم يجب تقديرها ولابد من معرفة الغلمان
المشروط عملهم برؤية أو صفة تحصل بها معرفتهم كما في عقد الإجارة
(فصل) فإن شرط العامل ان أجر الاجراء الذين يحتاج إلى الاستعانة بهم من الثمرة وقدر الأجرة
لم يصح لأن العمل عليه فإذا شرط أجرة من المال لم يصح كما لو شرط لنفسه أجر عمله وكذلك ان لم
يقدره لذلك لأنه مجهول، ويفارق هذا ما إذا شرط المضارب أجر من يحتاج إليهم من الحمالين ونحوهم لأن
ذلك لا يلزم العامل فكان على المال ولو شرط أجر ما يلزمه عمله بنفسه لم يصح
(مسألة) (وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وفيما يرد)
573

لأن رب المال ائتمنه فأشبه المضارب فإن اتهم حلف وان ثبتت خيانته ضم إليه من أشاء ربه كالوصي
إذا ثبتت خيانته فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل عمله، وبهذا قال الشافعي وقال
أصحاب مالك لا يقام غيره مقامه بل يحفظ منه لأن فسقه لا يمنع استيفاء المنافع المقصودة منه فأشبه
ما لو فسق بغير الخيانة
ولنا أنه تعذر استيفاء المنافع المقصودة منه فاستوفيت بغيره كما لو هرب ولا نسلم امكان استيفاء المنافع
منه لأنه لا يؤمن من تركها ولا يوثق منه بفعلها ولا نقول إن له فسخ المساقاة وإنما نقول لما لم يمكن
حفظها من خيانتك أقم غيرك يعمل ذلك وارفع يدك عنها لأن الأمانة قد تعذرت في حقك فلا يلزم رب
المال ائتمانك وفارق فسقه بغير الخيانة فإنه لا ضرر على رب المال فيها وههنا يفوت ماله، فإن عجز عن
العمل لضعفه مع أمانته ضم إليه غيره ولا تنزع يده لأن العمل مستحق عليه ولا ضرر في بقاء يده عليه
وان عجز بالكلية أقام مقامه من يعمل والأجرة عليه في الموضعين لأن عليه تمام العمل وهذا من تمامه
(فصل) ويملك العامل حصته من الثمرة بظهورها فلو تلفت كلها الا واحدة كانت بينهما وهذا أحد
قولي الشافعي والثاني يملكه بالمقاسمة كالمضارب
ولنا أن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه كسائر الشروط الصحيحة ومقتضاه كون الثمرة بينهما على
كل حال، واما القراض فنقول إنه يملك الربح بالظهور كمسئلتنا وان سلم فالفرق بينهما ان الربح وقاية
574

لرأس المال فلم يملك حتى سلم رأس المال لربه وهذا ليس بوقاية لشئ فإنه لو تلفت الأصول كلها كان
الثمر بينهما. إذا ثبت ذلك فإنه يلزم كل واحد منهما زكاة حصته إذا بلغت نصابا نص عليه أحمد في المزارعة
فإن لم تبلغ نصابا الا بجمعهما لم تجب الاعلى قولنا ان الخلطة تؤثر في غير السائمة، فيبدأ باخراج الزكاة
ثم يقسمان ما بقي فإن بلغت حصة أحدهما نصابا دون الآخر فعلى من بلغت حصته نصابا الزكاة وحده
يخرجها بعد المقاسمة الا أن يكون لمن لم تبلغ حصته نصابا ما يتم به النصاب من موضع آخر فيجب عليهما
جميعا، وإن كان أحدهما لا زكاة عليه كالمكاتب والذمي فعلى الآخر زكاة حصته ان بلغت نصابا وبهذا
كله قال مالك والشافعي وقال الليث إن كان شريكه نصرانيا أعلمه أن الزكاة مؤداة في الحائط ثم
يقاسمه بعد الزكاة ما بقي
ولنا أن النصراني لا زكاة عليه فلم يخرج من حصته شئ كما لو انفرد بها وقد روي أبو داود سنته
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص
النخيل حين يطيب قبل أن يؤكل ثم يخبر يهود خيبر أيأخذونه بذلك الخرص أم يدفعونه إليهم بذلك الخرص؟
لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار ويفترق قال جابر خرصها ابن رواحة أربعين الف وسق وزعم أن
اليهود لما خيرهم ابن رواحة أخذوا الثمر وعليهم عشرون الف وسق
(فصل) وان ساقاه على أرض خراجية فالخراج على رب المال لأنه يجب على الرقبة بدنه أليل
575

تجب سواء أثمرت الشجرة أو لم تثمر ولان الخراج يجب أجرة للأرض فكان على رب الأرض كما
لو استأجر أرضا وزارع غيره فيها وبه قال الشافعي، وقد نقل أحمد في الذي يتقبل الأرض البيضاء
لعمل عليها وهي من أرض السواد يقبلها من السلطان فعلى من تقبلها أن يؤدي وظيفة عمر رضي
الله عنه ويؤدي العشر بعد وظيفة عمر وهذا معناه والله أعلم إذا دفع السلطان أرض الخراج إلى رجل
يعملها ويؤدي خراجها فإنه يبدأ بخراجها ثم يزكي ما بقي كما ذكر الخرقي في باب الزكاة ولا تنافي
بين ذلك وبين ما ذكرناه ههنا
(فصل) ولا يجوز أن يجعل له فضل دراهم زائدة على ما شرط له من الثمرة بغير خلاف لأنه ربما
يحدث من النماء بقدر تلك الدراهم فيضر برب المال ولذلك معنا من اشتراط أقفزة معلومة فإن جعل
له ثمرة سنة غير السنة التي ساقاه عليها فيها أو ثمر شجر غير الشجر الذي ساقاه عليه لم يجز وكذلك
لو شرط عليه في غير الشجر الذي ساقاه عليه أو عملا في السنة فهذا يفسد العقد سواء جعل
ذلك كله حقه أو بعضه أو جميع العمل أو بعضه لأنه يخالف موضع المساقاة إذ موضوعها أن يعمل في
شجر معين بجزء مشاع من ثمرته في ذلك الوقت الذي يستحق عليه فيه العمل
(فصل) إذا ساقاه رجلا أو زارعه فعامل العامل غيره على الأرض أو الشجر لم يجز وبه قال أبو يوسف
وأبو ثور واجازه مالك إذا جاء برجل أمين
576

ولنا أنه عامل في المال بجزء من نمائه فلم يجز أن يعامل غيره فيه كالمضارب ولأنه إنما أذن له في
العمل فيه فلم يجز أن يأذن لغيره كالوكيل، فأما ان استأجر أرضا فإنه يزارع غيره فيها لأن منافعها صارت
مستحقة له فملك المزارعة فيها كالمالك والأجرة على المستأجر دون المزارع كما ذكرنا في الخراج
وكذلك يجوز لمن في يده أرض خراجية أن يزارع فيها لأنها كالمستأجرة وللموقوف عليه أن يزارع
في الوقف ويساقي على شجره لأنه اما مالك لرقبة ذلك أو بمنزلة المالك ولا نعلم فيه خلافا عند من
أجاز المساقاة والمزارعة
(فصل) وان ساقاه على شجر فبان مستحقا بعد العمل أخذه وبه وثمرته لأنه عين ماله ولاحق
للعامل في ثمرته ولأنه عمل فيها بغير اذن مالكها ولا أجرة له لذلك وله على الغاصب أجر مثله لأنه
غره واستعمله فأشبه ما لو غصب نقرة واستأجر من ضربها دراهم، وان شمس الثمرة فلم تنقص أخذهما
ربها وان نقصت فله أرش نقصها ويرجع به على من شاء منهما ويستقر الضمان على الغاصب، وان استحقت
بعد أن اقتسماها وأكلاها فللمالك تضمين من شاء منهما فإن ضمن الغاصب فله تضمينه الكل وله تضمينه
قدر نصيبه وتضمين العامل قدر نصيبه لأن الغاصب سبب يد العامل فلزمه ضمان الجميع فإن ضمنه الكل
رجع على العامل بقدر نصيبه لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه ويرجع العامل على الغاصب
بأجر مثله ويحتمل أن لا يرجع الغاصب على العامل بشئ لأنه غره فلم يرجع عليه كما لو أطعم انسانا
577

شيئا وقال كله فإنه طعامي ثم تبين أنه مغصوب، وان ضمن العامل احتمل أنه لا يضمنه الا نصيبه
خاصة لأنه ما قبض الثمرة كلها وإنما كان مراعيا لها وحافظا فلا يلزمه ضمانها ما لم يقبضها ويحتمل أن
يضمنه الكل لأنه يده ثبتت على الكل مشاهدة بغير حق فإن ضمنه الكل رجع على الغاصب ببدل
نصيبه منها وأجر مثله، وان ضمن كل واحد منهما ما صار إليه رجع العامل على الغاصب بأجر مثله لا
غير وان تلفت الثمرة في شجرها أو بعد الجذاذ قبل القسمة فمن جعل العامل قابضا لها بثبوت يده
على حائطها قال يلزمه ضمانها ومن قال لا يكون قابضا الا بأخذ نصيبه منها قال لا يلزمه الضمان
ويكون على الغاصب
(مسألة) (وان شرط إن سقى سيحا فله الربع وان سقى بكلفة فله النصف أو ان زرعها شعيرا فله
الربع وان زرعها حنطة فله النصف لم يصح في أحد الوجهين)
لأن العمل مجهول والنصيب مجهول وهو في معنى يتعين في بيعة (والثاني) يصح بناء على قوله في
الإجارة ان خطته روميا فلك درهم وان خطته فارسيا فلك نصف درهم فإنه يصح في المنصوص عنه
وهذا مثله، فأما إن قال ما زرعتها من شئ فلي نصفه صح لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساقى أهل خيبر بشطر ما يخرج
منها من زرع أو ثمر ولو جعل له في المزارعة ثلث الحنطة ونصف الشعير وثلثي الباقلا وبينا قدر ما
يزرع من كل واحد من هذه الأنواع اما بتقدير البذر أو تقدير المكان وتعيينه مثل أن يقول
578

تزرع هذا المكان قحما وهذا شعيرا أو تزرع مدين حنطة ومدي شعير جاز لأن كل واحد من
هذه طريق إلى العلم فاكتفى به
(مسألة) (وان قال ما زرعت من شعير فلي ربعه وما زرعت من حنطة فلي نصفه لم يصح)
لأن ما يزرعه من كل واحد منهما مجهول القدر فهو كما لو شرطه له في المساقاة ثلث هذا النوع
ونصف النوع الآخر وهو جاهل بما فيه منهما
(مسألة) (ولو قال ساقيتك هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم
يصح وجها واحدا)
لأنه يشرط عقدا في عقد فصار في معنى قوله بعتك هذا على أن تبيعني هذا وتشتري مني
هذا وإنما فسد لمعنيين (أحدهما) أنه شرط في العقد عقدا آخر والنفع الحاصل بذلك مجهول فكأنه شرط
العوض في مقابلة معلوم ومجهول (الثاني) أن العقد الآخر لا يلزم بالشرط فيسقط الشرط وإذا سقط وجب
رد الجزء الذي تركه من العوض لا جله وذلك مجهول فيصير الكل مجهولا
(فصل) ولو قال لك الخمسان ان كانت عليك خسارة وان لم يكن عليك خسارة فلك الربع لم يصح
نص عليه أحمد وقال هذا شرطان في شرط وكرهه، قال شيخنا ويخرج فيها مثل ما إذا شرط ان سقى سيحا
له الربع وان سقى بكلفة فله النصف
579

(فصل) وان ساقى أحد الشريكين شريكه وجعل له من الثمر أكثر من نصيبه مثل أن يكون الأصل
بينهما نصفين فجعل له ثلثي الثمرة صح وكان السدس حصته من المساقاة فصار كأنه قال ساقيتك على نصيبي
بالثلث وان جعل الثمرة بينهما نصفين أو جعل للعامل الثلث فهي مساقاة فاسدة لأن العامل يستحق نصفها
بملكه فلم يجعل له في مقابلة عمله شيئا وإذا شرط له الثلث فقد شرط ان غير العامل يأخذ من نصيب
العامل ثلثه ويستعمله بلا عوض فلا يصح فإذا عمل في الشجر بناء على هذا كانت الثمرة بينهما بحكم الملك ولا
يستحق العامل بعمله شيئا لأنه تبرع به لرضاه بالعمل بغير عوض فأشبه ما لو قال له أنا اعمل فيه بغير شئ
وذكر أصحابنا وجها آخر أنه يستحق أجر المثل لأن المساقاة تقتضي عوضا فلم تسقط برضاه باسقاطه
كالنكاح إذا لم يسلم له المسمى يجب فيه مهر المثل
ولنا أنه عمل في مال غيره متبرعا فلم يستحق عوضا كما لو لم يعقد المساقاة ويفارق النكاح من وجهين
(أحدهما) أن عقد النكاح صحيح فوجب به العوض لصحته وهذا فاسد لا يوجب شيئا (والثاني) أن
الابضاع لا تستباح بالبذل والإباحة والعمل ههنا يستباح بذلك، ولان المهر في النكاح لا يخلو من أن يكون
واجبا بالعقد أو بالإصابة أو بهما فإن وجب بالعقد لم يصح قياس هذا عليه لوجهين (أحدهما) أن النكاح
صحيح وهذا فاسد (والثاني) أن العقد ههنا لو أوجب لا وجب قبل العمل ولا خلاف أن هذا لا يوجب
قبل العمل شيئا وان وجب بالإصابة لم يصح القياس عليه أيضا لوجهين (أحدهما) أن الإصابة لا تستباح
بالإباحة والبذل بخلاف العمل (والثاني) ان الإصابة لو خلت من العقد لاوجبت وهذا بخلافه وان وجب
بهما امتنع القياس عليه أيضا لهذه الوجوه كلها، فأما ان ساقى أحدهما شريكه على أن يعملا معا فالمساقاة
فاسدة والثمرة بينهما على قدر ملكيهما ويتقاصان العمل ان تساويا فيه، وإن كان لأحدهما فضل نظرت
فإن كان قد شرط له فضل في مقابلة عمله استحق ما فضل له من أجر المثل وان لم يشرط فليس له شئ
الاعلى الوجه الذي ذكره أصحابنا وتكلمنا عليه
580

فصل في المزارعة
(مسألة) (تجوز المزارعة بجزء معلوم يجعل للعامل من الزرع في قول أكثر أهل العلم قال البخاري قال أبو جعفر
ما بالمدينة أهل بيت الا ويزرعون على الثلث والربع وزارع علي وسعد وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز
والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وابن سيرين، وهو قول سعيد بن المسيب وطاوس وعبد الرحمن
581

ابن الأسود وموسى بن طلحة والزهري وعبد الرحمن بن أبي ليلى وابنه وأبى يوسف ومحمد وروي
ذلك عن معاذ والحسن وعبد الرحمن بن مرثد، قال البخاري وعامل عمر الناس على أنه ان جاء عمر
بالبذر من عنده فله الشطر وان جاءوا بالبذر فلهم كذا وكذا. وكرهها عكرمة ومجاهد والنخعي ومالك وأبو
حنيفة وروي عن ابن عباس الأمران جميعا، وأجازها الشافعي في الأرض بين النخل إذا كان بياض
الأرض أقل فإن كان أكثر فعلى وجهين، ومنهما في الأرض البيضاء لما روى رافع بن خديج قال كنا
نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أن بعض عمومته أتاه فقال نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا وطواعية رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع قلنا ما ذاك؟ قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له أرض فليزرعها ولا يكريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى)
وعن ابن عمر قال ما كنا نرى بالمزارعة بأسا حتى سمعت رافع بن خديج يقول نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم
عنها وقال جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، وهذه كلها أحاديث صحاح متفق عليها
والمخابرة المزارعة واشتقاقها من الخبار وهي الأرض اللينة والخبير الاكار وقيل المخابرة
معاملة أهل خيبر وقد جاء حديث جابر مفسرا فروى البخاري عن جابر قال كانوا يزرعونها بالثلث
والربع والنصف فقال النبي صلى الله عليه وسلم (من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها فإن لم يفعل
فليمسك أرضه) وروي تفسيرها عن زيد بن ثابت فروى أبو داود باسناده عن زيد بن ثابت قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة قلت وما المخابرة؟ قال ((أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع)
ولنا ما روى ابن عمر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها
من زرع أو ثمر متفق عليه، وقد روي ذلك عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وقال أبو جعفر عامل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خبير بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر وعثمان وعلي ثم أهلوهم إلى اليوم
يعطون الثلث والربع
وهذا صحيح مشهور عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم خلفاؤه الراشدون حتى ماتوا ثم
أهلوهم ثم من بعدهم لم يبق بالمدينة أهل بيت إلا عمل به وعمل به أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده
582

فروى البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر
فكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون وسقا تمرا وعشرون وسقا شعيرا فقسم عمر خيبر فخير أزواج
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن من الماء والأرض أو يمضي لهن الأوسق فمنهن من اختار
الأرض ومنهن من اختار الوسق فكانت عائشة اختارت الأرض، فإن قيل حديث خيبر منسوخ
بخبر رافع قلنا مثل هذا لا يجوز أن ينسخ لأن النسخ إنما يكون في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاما شئ عمل به إلى أن مات ثم عمل به خلفاؤه بعده وأجمعت الصحابة رضي الله عنهم عليه وعملوا به ولم
يخالف فيه منهم أحد فكيف يجوز نسخه ومتى نسخ؟ فإن كان نسخ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكيف عمل به بعد نسخه؟ وكيف خفي نسخه فلم يبلغ خلفاءه مع اشتهار قصة خيبر وعملهم فيها؟ وأبن
كان راوي النسخ حتى لم يذكره ولم يخبرهم به
فأما ما احتجوا به فالجواب عن حديث رافع من أربعة أوجه (أحدها) أنه قد فسر
المنهي عنه في حديثه بما لا يختلف في فساده فإنه قال كنا من أكثر الأنصار حقلا فكنا فكري الأرض
على أن لنا هذه، ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الذهب والورق فلم
ينهنا متفق عليه وفي لفظ فأما بشئ معلوم مضمون فلا بأس، وهذا خارج عن محل الخلاف فلا دليل
فيه عليه ولا تعارض بين الحديثين (والثاني) أن خبره ورد في الكراء بثلث أو ربع والنزاع في المزارعة
583

ولم يدل حديثه عليها أصلا وحديثه الذي فيه المزارعة يحمل على الكراء أيضا لأن القصة واحدة أتت
بألفاظ مختلفة فيجب تفسير أحد اللفظين بما يوافق الاخر
(الثالث) ان أحاديث رافع مضطربة جدا مختلفة اختلافا كثيرا يوجب ترك العمل بها لو انفردت
فكيف تقدم على مثل حديثنا، قال الإمام أحمد حديث رافع ألوان وقال ابن المنذر قد جاءت الاخبار
عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لذلك (منها) الذي ذكرنا (ومنها) خمس أخرى وقد أنكره فقيهان من
فقهاء الصحابة زيد بن ثابت وابن عباس، قال زيد أنا أعلم بذلك منه وإنما سمع النبي صلى الله عليه وسلم
الرجلين قد اقتتلا فقال (إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع) رواه أبو داود، وروى البخاري عن عمرو
ابن دينار قال قلت لطاوس لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها قال إن
أعلمهم يعنى ابن عباس أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها ولكن قال (ان يمنع أحدكم
خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما) ثم إن أحاديث رافع منها ما يخالف الاجماع وهو النهي عن
كراء المزارع على الاطلاق ومنها مالا يختلف في فساده كما قد بينا، وتارة يحدث عن بعض عمومته
وتارة عن سماعه وتارة عن ظهير بن رافع وإذا كانت اخبار رافع هكذا وجب اطراحها واستعمال
الأخبار الواردة في شأن خيبر الجارية مجرى التواتر التي لا اختلاف فيها وقد عمل بها الخلفاء الراشدون
وغيرهم فلا معنى لتركها بمثل هذه الأحاديث
والجواب الرابع أنه لو قدر صحة خبر رافع وامتنع تأويله وتعذر الجمع وجب حمله على أنه منسوخ
584

لأنه لا بد من نسخ أحد الخبرين ويستحيل القول بنسخ خبر خيبر لكونه معمولا به من جهة النبي
صلى الله عليه وسلم إلى حين موته ثم من بعده إلى عصر التابعين فمتى كان نسخه؟ فأما حديث جابر في
النهي عن المخابرة فيجب حمله على أحد الوجوه التي حمل عليها خبر رافع فإنه قد روى حديث خيبر
أيضا فيجب الجمع بين حديثيه مهما أمكن ثم لو حمل على المزارعة لكان منسوخا بقصة خيبر لاستحالة
نسخها كما ذكرنا وكذلك القول في حديث زيد بن ثابت، فإن قال أصحاب الشافعي تحمل أحاديثكم
على الأرض التي بين النخيل وأحاديث النهي على الأرض البيضاء جمعا بينهما قلنا هذا بعيد لوجوه خمسة
(أحدهما) أنه يبعد أن تكون بلدة كبيرة يأني منها أربعون الف وسق ليس فيها أرض بيضاء ويبعد
أن يكون قد عاملهم على بعض الأرض دون بعض فينقل الرواة كلهم القصة على العموم من غير تفصيل
مع الحاجة إليه (الثاني) أن ما يذكرونه من التأويل لا دليل عليه وما ذكرناه دلت عليه بعض
الروايات وفسره رواية بما ذكرناه، وليس معهم سوى الجمع بين الأحاديث والجمع بينهما بحمل
بعضها على ما فسره رواية به أولى من التحكم بما لا دليل عليه (الثالث) أن قولهم يفضى إلى تقييد
كل واحد من الحديثين وما ذكرناه حمل لأحدهما على بعض محتملاته لاغير (الرابع) أن فيما ذكرناه
موافقه عمل الخلفاء الراشدين وأهليهم وفقهاء الصحابة وهم أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسنته ومعانيها فكان أولى من قول من خالفهم (الخامس) أن ما ذهبنا إليه مجمع عليه على ما رواه
أبو جعفر رحمة الله عليه وما روي في مخالفته فقد بينا فساده فيكون هذا اجماع من الصحابة رضي الله عنهم
585

فلا يسوع لاحد خلافه والقياس يقتضيه فإن الأرض عين تنمي بالعمل فجازت المعاملة عليها ببعض نمائها
كالمال في المضاربة والنخل في المساقاة، ولأنه أرض فجازت المزارعة عليها كالأرض بين النخل، ولان
الحاجة داعية إلى المزارعة لأن أصحاب الأرض لا يقدرون على زرعها والعمل عليها والأكرة يحتاجون
إلى الزرع ولا أرض لهم فاقتضت الحكمة جواز المزارعة كما قلنا في المضاربة والمساقاة بل ههنا آكد
لأن الحاجة إلى الزرع آكد منها إلى غيره لكونه قوتا ولان الأرض لا ينتفع بها إلا بالعمل فيها
بخلاف المال والله أعلم
(مسألة) (فإن كان في الأرض شجر فزارعه الأرض وساقاه على الشجر صح)
سواء قل بياض الأرض أو كثر نص عليه أحمد وقال قد دفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على هذا وبهذا
قال كل من أجاز المزارعة في الأرض المفردة، فإذا قال ساقيتك على الشجر وزارعتك على الأرض
بالنصف جاز وكذلك ان قال عاملتك على النصف لأن المعاملة تشملهما، وان قال زارعتك الأرض بالنصف
وساقيتك على الشجر بالربع جاز كما يجوز أن يساقيه على أنواع من الشجر ويجعل له في كل نوع
قدرا، وان قال ساقيتك على الأرض والشجر بالنصف جاز لأن المزارعة مساقاة من حيث إنها
تحتاج إلى السقي، وقال أصحاب الشافعي لا يصح لأن المساقاة لا نتناول الأرض فصح في النخل وحده
وقيل ينبني على تفريق الصفقة
586

ولنا انه عبر عن عقد بلفظ عقد يشاركه في المعنى المشهور به في الاشتقاق فصح كما لو عقد بلفظ البيع في
السلم، وهكذا إن قال في الأرض البيضاء ساقيتك على هذه الأرض بنصف ما يزرع فيها، فإن قال ساقيتك
على الشجر بالنصف ولم يذكر الأرض لم تدخل في العقد، وليس للعامل أن يزرع وبه قال الشافعي، وقال
مالك وأبو يوسف: الداخل زرع البياض، فإن تشارطا أن ذلك بينهما فهو جائز، وان اشترط
صاحب الأرض انه يزرع البياض لم يصح لأن الداخل يسقي لرب الأرض فتلك زيادة ازدادها عليه
ولنا ان هذا لم يتناوله العقد فلم يدخل فيه كما لو كانت أرضا منفردة
(فصل) وإن زارعه أرضا فيها شجرات يسيرة لم يجز أن يشترط العامل ثمرتها وبه قال الشافعي
وابن المنذر وأجازه مالك إذا كان الشجر يقدر الثلث أو أقل لأنه يسير فيدخل تبعا، ولنا انه اشترط
الثمرة كلها فلم يجز كما لو كان الشجر أكثر من الثلث
(فصل) وان أجره بياض الأرض وساقاه على الشجر الذي فيها جاز لأنهما عقدان يجوز افراد
كل واحد منهما فجاز الجمع بينهما كالبيع والإجارة، وقيل لا يجوز بناء على الوجه الذي لا يجوز الجمع
بينهما في الأصل والأول أولى الا أن يفعلا ذلك حيلة على شراء الثمرة قبل وجودها أو قبل بدو
صلاحها فلا يجوز سواء جمعا بين العقدين أو عقدا أحدهما بعد الآخر لما ذكرنا في إبطال الحيل
(مسألة) (ولا يشترط كون البذر من رب الأرض وظاهر المذهب اشتراطه)
اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فروي عنه اشتراط كون البذر من رب الأرض نص
587

عليه في رواية جماعة وهو اختيار الخرقي وعامة الأصحاب وهو قول ابن سيرين والشافعي وإسحاق لأنه
عقد يشترك رب المال والعامل في نمائه فوجب أن يكون رأس المال كله من عند أحدهما كالمساقاة
والمضاربة، وروي عنه ما يذل على أن البذر يجوز أن يكون من العامل فإنه قال في رواية منها في الرجل
يكون له الأرض فيها نخل وشجر يدفعها إلى قوم يزرعون الأرض ويقومون على الشجر على أنه له
النصف ولهم النصف فلا بأس بذلك فدفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على هذا، فأجاز دفع الأرض ليزرعها
من غير ذكر البذر، فعلى هذا أيهما أخرج البذر جاز، روي نحو ذلك عن عمر رضي الله عنه وهو
قول أبي يوسف وطائفة من أهل الحديث وهو أصح إن شاء الله تعالى
وروى عن سعد وابن مسعود وابن عمر أن البذر من العامل، ولعلهم أرادوا به أنه يجوز أن يكون
من العامل فيكون كقول عمر ولا يكون قولا ثالثا، والدليل على ذلك قول ابن عمر دفع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها
وفي لفظ على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها فجعل عملها من أموالهم وزرعها عليهم
ولم يذكر شيئا آخر وظاهره ان البذر من أهل خيبر، والأصل المعمول به في المزارعة قصة خيبر ولم يذكر النبي
صلى الله عليه وسلم ان البذر على المسلمين ولو كان شرطا لما أخل بذكره ولو فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لنقل
ولم يجز ترك نقله ولان عمر رضي الله عنه فعل الامرين جميعا فروى البخاري عنه انه عامل الناس على
588

أنه ان جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وان جاءوا بالبذر فلهم كذا، وظاهر هذا ان ذلك اشتهر فلم
ينكر فكان إجماعا، فإن قيل هذا بمنزلة بيعتين في بيعة فكيف يفعله عمر؟ قلنا يحمل على أنه فعل ذلك
ليخيرهم في أي العقدين شاءوا فمن اختار عقدا عقده معه معينا كما لو قال في البيع ان شئت بعتك
بعشرة صحاح وان شئت بأحد عشر مكسرة فاختار أحدهما فعقد البيع عليه معينا، ويجوز أن يكون
مجيئه بالبذر أو شروعه في العمل بغير بذر مع اقرار عمر له على ذلك وعمله به جرى مجرى العقد،
ولهذا روي عن أحمد صحة الإجارة فيما إذا قال إن خطته روميا فلك درهم وان خطته فارسيا فلك
نصف درهم، وما ذكره أصحابنا من القياس يخالف ظاهر النص والاجماع الذي ذكرنا هما فكيف يعمل
به؟ ثم هو منتقض بما إذا اشترك مالان ببدن صاحب أحدهما
(فصل) فإن كان البذر منهما نصفين وشرطا أن الزرع بينهما نصفان فهو بينهما سواء قلنا
بصحة المزارعة أو فسادها لأنها ان كانت صحيحة فالزرع بينهما على ما شرطاه وان كانت فاسدة فلكل
واحد منهما بقدر بذره لكن ان حكمنا بصحتها لم يرجع أحدهما على صاحبه بشئ وان وان قلنا من شرط
صحتها أن يكون البذر من رب الأرض فهي فاسدة فعلى العامل نصف اجر الأرض وله على رب
الأرض نصف أجر عمله فيتقاصان بقدر الأقل منهما ويرجع أحدهما على صاحبه بالفضل، وان شرطا
التفاضل في الزرع وقلنا بصحتها فالزرع بينهما على ما شرطاه ولا تراجع وان قلنا بفسادها فالزرع بينهما
589

على قدر البذر ويتراجعان كما ذكرنا وكذلك ان تفاضلا في البذر وشرطا التساوي في الزرع أو شرطا
لأحدهما أكثر من قدر بذره أو أقل
(فصل) فإن قال صاحب الأرض أجرتك نصف أرضي بنصف البذر ونصف منفعتك ومنفعة
بقرك وآلتك وأخرج المزارع البذر كله لم يصح لأن المنفعة غير معلومة وكذلك لو جعلها اجرة
لأرض أخرى أو دارا لم يجز والزرع كله للمزارع وعليه أجر مثل الأرض فإن أمكن علم المنفعة
وضبطها بما لا يختلف معه ومعرفة البذر جاز كان الزرع بينهما ويحتمل أن لا يصح لأن البذر
عوض في الإجارة فيشترط قبضه كما لو كان مبيعا وما حصل فيه قبض وان قال أجرتك نصف أرضي
بنصف منفعتك ومنفعة بقرك وآلتك وأخرجا البذر فهي كالتي قبلها إلا أن الزرع يكون بينهما على كل حال
(مسألة) (فإن شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسما الباقي لم يصح)
لأنه كأنه اشترط لنفسه قفزانا معلومة وهو شرط فاسد تفسد به المزارعة لأن الأرض ربما
لا تخرج إلا تلك القفزان فيختص رب المال بها وربما لا تخرجه وموضوع المزارعة على اشتراكهما في الزرع
(مسألة) (وكذلك لو شرطا لأحدهما دراهم معلومة أو زرع ناحية معينة أو شرط لأحدهما
ما على الجداول إما منفردا أو مع نصيبه فهو فاسد باجماع العلماء)
لأن الخبر صحيح في النهى عنه غير معارض ولا منسوخ ولأنه ربما تلف ما عين لأحدهما دون
الآخر فينفرد أحدهما بالغلة دون صاحبه
590

(مسألة) (ومتى فسد فالزرع لصاحب البذر)
لأنه عين ماله ينقلب من حال إلى حال وينمي فهو كصغار الشجر إذا غرس فطال وعليه اجرة
صاحبه فإن كان البذر من العامل فعليه اجرة الأرض لأن ربها إنما بذلها بعوض لم يسلم له فرجع إلى
عوض منافعها الفائتة بزرعها على الزرع وان فسدت والبذر من رب الأرض فالزرع له لما ذكرنا
وعليه مثل أجر العامل لذلك وإن كان منهما فالزرع بينهما على قدر البذر ويتراجعان بما يفضل
لأحدهما على ما ذكرنا
(مسألة) وحكم المزارعة حكم المساقاة)
فيما ذكرنا من الجواز واللزوم وأنها لا تجوز إلا بجزء للعامل من الزرع وما يلزم العامل ورب الأرض
وغير ذلك من أحكامها لأنها معاملة على الأرض ببعض نمائها
(مسألة) (والحصاد على العامل نص عليه وكذلك الجذاذ وعنه أن الجذاذ عليهما)
الجذاذ والحصاد واللقاط على العامل نص عليه أحمد في الحصاد وهو مذهب الشافعي لأنه من
العمل فكان على العمل كالتشميس، وروي عن أحمد في الجذاذ انه إذا شرط على العامل فجائز لأن
العمل عليه وان لم يشرطه فعلى رب المال بحصة ما يصير إليه وعلى العامل بحصة ما يصير إليه فجعل الجذاذ
591

عليهما وأجاز اشتراطه على العامل وهو قول بعض الشافعية، وقال محمد بن الحسن تفسد المساقاة بشرطه
على العامل لأنه شرط ينافي مقتضى العقد، واحتج من جعله عليهما بأنه بعد تكامل الثمرة وانقضاء
المعاملة فأشبه نقله إلى منزله
ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى يهود خيبر على أن يعملوها من أموالهم ولان هذا من العمل
أشبه التشميس وبه يبطل ما ذكروه، وفارق النقل إلى المنزل فإنه يكون بعد القسمة وزوال العقد فأشبه المخزن
(فصل) وان دفع رجل بذره إلى صاحب الأرض ليزرعه في أرضه ويكون ما يخرج بينهما فهو
فاسد لأن البذر ليس من رب الأرض ولا من العامل ويكون الزرع لمالك البذر وعليه أجر الأرض
والعمل ويتخرج أن تنبني صحته على إحدى الروايتين كالمسألة التي بعدها
(مسألة) وان قال أنا أزرع الأرض بذري وعواملي وتسفيها بمائك والزرع بيننا ففيها روايتان
(إحداهما) لا تصح اختارها القاضي لأن موضوع المزراعة على أن من تكون أحدهما اقترض من
الآخر العمل وصاحب الماء ليس منه أرض ولا عمل بذر ولأن الماء لا يباع ولا يستأجر فكيف
تصح المزارعة به؟ (والثانية) تصح اختارها أبو بكر ونقلها عن أحمد يعقوب بن بختان وحرب لأن الماء
أحد ما يحتاج إليه في الزرع فجاز أن يكون من أحدهما كالأرض والعمل والأول أصح لأن هذا ليس
بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص
592

(فصل) وان اشترك ثلاثة من أحدهم الأرض ومن الآخر البذر ومن الآخر البقر والعمل على
أن ما رزق الله تعالى بينهم فعملوا فهذا عقد فاسد نص عليه احمد في رواية أبي داود ومنها وأحمد ابن
القاسم، وذكر حديث مجاهد في أربعة اشتركوا في زرع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم علي
الفدان وقال الآخر قبلي الأرض وقال الآخر قبلي البذر وقال الا خر قبلي العمل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
الزرع لصاحب البذر وألغى صاحب الأرض وجعل لصاحب العمل كل يوم درهما ولصاحب الفدان
شيئا معلوما، فقال أحمد لا يصح والعمل على غيره وذكر هذا الحديث سعيد بن منصور عن الوليد
ابن مسلم عن الأوزاعي عن واصل بن أبي جميل عن مجاهد وقال في آخره فحدثت به مكحولا فقال
ما يسرني بهذا الحديث وصيفا، وحكم هذه المسألة حكم المسألة التي ذكرنا ها في أول الفصل وهما فاسدتان
لأن موضوع المزارعة على أن البذر من رب الأرض أو من العامل وليس هو واحد منهما، وليست
شركة لأن الشركة تكون بالأثمان فإن كانت بالعروض اعتبر كونها معلومة ولم يوجد شئ من ذلك
ههنا، ولا هي إجارة لأن الإجارة تفتقر إلى مدة معلومة وعوض معلوم وبهذا قال مالك والشافعي
وأصحاب الرأي. فعلى هذا يكون الزرع لصاحب البذر لأنه نماء ماله ولصاحبيه عليه أجر مثلهما لأنهما
دخلا على أن يسلم لهما المسمى فإذا لم يسلم عاد إلى بدله وبهذا قال الشافعي وأبو ثور، وقال أصحاب
الرأي يتصدق بالفضل والصحيح ان النماء لصاحب البذر لا تلزمه الصدقة به كسائر ماله
593

(فصل) فإن كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم ودوابهم وأعوانهم على أن
ما اخرج الله بينهم على قدر مالهم جاز وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر ولا نعلم فيه خلافا لأن
أحدهم لا يفضل صاحبه بشئ
فصل فإن زارع رجلا أو آجره أرضه فزرعها وسقط منن الحب شئ فنبت في تلك الأرض عاما
آخر فهو لصاحب الأرض نص عليه احمد في رواية أبي داود ومحمد بن الحارث، وقال الشافعي هو
هو لصاحب الحب لأنه عين ماله فهو كما لو بذره قصدا
ولنا ان صاحب الحب أسقط حقه منه بحكم العرف وزال ملكه عنه لأن العادة ترك ذلك لمن
يأخذه ولهذا أبيح له التقاطه ورعيه ولا نعلم خلافا في إباحة التقاط ما خلفه الحصادون من سنبل وحب
وغيرهما فجرى ذلك مجرى نبذه على سبيل الترك له وصار كالشئ التافه يسقط منه الثمرة والقمة
ونحوهما والنوى لو التقطه انسان فغرسه كان له دون من سقط منه كذا هذا
(مسألة) (وإن زارع شريكه في نصيبه صح)
إذا جعل له في الزرع أكثر من نصيبه مثل أن تكون الأرض بينهما نصفين فجعل للعامل الثلثين
صح وكان السدس حصته من المزارعة فصار كأنه قال زارعتك على نصيبي بالثلث فصح كما لو زارع
594

أجنبيا، وفيه وجه آخر أنه لا يصح لأن النصف للمزارع ولا يصح أن يزارع الانسان لنفسه فإذا فسد
في نصيبه فسد في الجميع كما لو جمع في البيع بين ما يصح ومالا يصح والأول أصح إن شاء الله تعالى
وقد ذكرنا في المساقاة نحو هذا
(فصل في إجارة الأرض)
تجوز اجارتها بالذهب والفضة وسائر العروض غير المطعوم في قول عامة أهل العلم، قال أحمد:
قلما اختلفوا في الذهب والورق، وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض وقتا
معلوما جائز بالذهب والفضة. وروي هذا القول عن سعد ورافع بن خديج وابن عمر وابن عباس وبه
قال سعيد بن المسيب وعروة والقاسم ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي
اروي عن طاوس والحسن كراهة ذلك لما روى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء
المزارع متفق عليه.
ولنا أن رافعا قال أما بالذهب والورق فلم ينهنا يعني النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولمسلم (اما بشئ معلوم
مضمون فلا بأس) وعن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال نهى رسول
595

الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض فقلت بالذهب والفضة؟ قال إنما نهى عنها ببعض ما يخرج منها اما بالذهب
والفضة فلا بأس متفق عليه، وعن سعد قال: كنا نكري الأرض بما على السواقي وما سعد بالماء منها
فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرنا أن نكريها بذهب أو فضة. رواه أبو داود، ولأنها عين
يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها فجازت إجارتها بالأثمان ونحوها كالدور، والحكم في العروض
كالحكم في الأثمان. وأما حديثهم فقد فسره الرازي بما ذكرنا عنه فلا يجوز الاحتجاج به على غيره
وحديثنا مفسر لحديثهم فإن راويهما واحد وقد رواه عاما وخاصا فيحمل العام على الخاص مع موافقة الخاص
لسائر الأحاديث والقياس وقول أكثر أهل العلم
فأما اجارتها بطعام فتقسم ثلاثة أقسام (أحدها) أن يؤجرها بطعام معلوم غير الخارج منها فيجوز
نص عليه أحمد في رواية الحسن بن ثواب وهو قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن جبير وعكرمة
والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، ومنع منه مالك حتى منع اجارتها باللبن والعسل، وقد
روي عن أحمد أنه قال ربما تهيبته، قال القاضي هذا من أحمد على سبيل الورع ومذهبه الجواز، واحتج
مالك بما روى رافع بن خديج عن بعض عمومته قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له أرض
596

فلا يكريها بطعام مسمى) رواه أبو داود وابن ماجة. وروى ظهير بن رافع قال: دعاني رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال (ما تصنعون بمحاقلكم؟) قلت نؤاجرها على الربع أو على الأوسق من التمر أو الشعير
قال (لا تفعلوا ازرعوها أو امسكوها) متفق عليه. وروى أبو سعيد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
المحاقلة والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة
ولنا قول رافع فاما بشئ معلوم مضمون فلا بأس به ولأنه عوض معلوم مضمون لا يتخذ وسيلة
إلى الربا فجازت اجارتها بها كالأثمان وحديث رافع وظهير قد سبق الكلام عليه في المزارعة على أنه
يحتمل النهي عن إجارتها بذلك إذا كان خارجا منها، ويحتمل النهي عنه إذا أجرها بالربع والأوسق
وحديث أبي سعيد يحتمل المنع من كرائها بالحنطة إذا اكتراها لزرع الحنطة
(القسم الثاني) اجارتها بطعام معلوم من جنس ما يزرع فيها كاجارتها بقفزان حنطة ليزرعها فقال أبو الخطاب
فيها روايتان (إحداهما) المنع وهي التي ذكرها القاضي مذهبا وهي قوال مالك لما ذكرنا من الأحاديث
ولأنه ذريعة إلى المزارعة عليها بشئ معلوم من الخارج منها لأنه يجعل مكان قوله زارعتك أجرتك فتصير
597

مزارعة بلفظ الإجارة والذرائع معتبرة (والثانية) جواز ذلك اختارها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة
والشافعي لما ذكرنا في القسم الأول ولان ما جازت اجارته بغير المطعوم جازت به كالدور
(القسم الثالث) اجارتها بجزء مشاع مما يخرج منها كنصف وثلث فالمنصوص عن أحمد جوازه
وهو قول أكثر الأصحاب، واختار أبو الخطاب أنها لا تصح وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو الصحيح
إن شاء الله تعالى لما تقدم من الأحاديث في النهي من غير معارض لها، ولأنها إجارة بعوض مجهول
فلم تصح كاجارتها بثلث ما يخرج من أرض أخرى، فأما نص أحمد في الجواز فيتعين حمله على
المزارعة بلفظ الإجارة فيكون حكمها حكم المزراعة فيما ذكرنا من أحكامها، ذكرناه في المساقاة
(تم بحمد الله وعونه الجزء الخامس.)
598