الكتاب: نضد القواعد الفقهية
المؤلف: المقداد السيوري
الجزء:
الوفاة: ٨٢٦
المجموعة: مصطلحات ومفردات فقهية
تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوهكمري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٣
المطبعة: الخيام - قم
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي - قم
ردمك:
ملاحظات:

من مخطوطات
مكتبة آية الله المرعشي العامة
(7)
نضد القواعد الفقهية
على مذهب الإمامية
تأليف
الفقيه المتبحر والأصولي المتكلم
مقداد بن عبد الله السيوري الحلي
المتوفى سنة 826
باهتمام - السيد محمود المرعشي
تحقيق - السيد عبد اللطيف الكوهكمري
تعريف الكتاب 1

كتاب: نضد القواعد الفقهية
تأليف: الفاضل المقداد السيوري
تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوهكمري
نشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي
طبع: مطبعة الخيام - قم
التاريخ: 1403 ه‍
العدد: (2000)
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمده استتماما لنعمته، واستسلاما لعزته، واستعظاما من معصية،
واستعينه فاقة إلى كفاية، انه لا يضل من هداه، ولا يئل من
عاداه، ولا يفتقر من كفاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، شهادة ممتحنا اخلاصها، معتقدا مصاصها، نتمسك
بها أبدا ما أبقانا، وندخرها لأهاويل ما يلقانا. وأصلي وأسلم
على سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور والعلم
المأثور والكتاب المسطور، وعلى آله الطيبين الطاهرين
المنتجبين، سيما امام العصر وناموس الدهر الحجة بن الحسن
العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف.
مقدمة المحقق 3

التعريف بالكتاب
" القواعد الفوائد " مما ألفه الشيخ أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي
المستشهد سنة 786.
قال في اجازته للمولى العالم التقي الورع زين الدين أبى الحسن علي بن
عز الدين أبى محمد بن الحسن المعروف بابن الخازن: فمما صنفته كتاب
" القواعد والفوائد " في الفقه، مختصر يشتمل على ضوابط كلية أصولية وفرعية
تستنبط منها الأحكام الشرعية، لم يعمل للأصحاب مثله - انتهى.
والكتاب الحاضر " نضد القواعد " كما يظهر من اسمه نظم وترتيب ونضد
وتهذيب لهذا الكتاب الشريف بترتيب أبواب الفقه والأصول من غير أن يزيد
شيئا على أصل الكتاب الا في مسألة القسمة وضعها في آخر الكتاب.
قال في أول الكتاب بعد الخطبة: ولما وفق الله لزبر كتاب " اللوامع الإلهية
في المباحث الكلامية " رأيت اتباعه بكتاب في المسائل الفقهية والمباحث الفروعية
إحدى الحسنيين وأجدى الموهبتين، وكان شيخنا الشهيد قدس سره قد جمع
كتابا يشتمل على قواعد وفوائد في الفقه تأنيسا للطلبة بكيفية استخراج المنقول
مقدمة المحقق 5

من المعقول وتدريبا لهم في اقتناص الفروع من الأصول، لكنه غير مرتب
ترتيبا يحصله كل طالب وينتهز فرصة كل راغب، فصرفت عنان العزم إلى ترتيبه
وتهذيبه وتقرير ما اشتمل عليه وتقريبه.
فنظمه ورتبه على مقدمة في تعريف الفقه، وقطبين: أولهما في القواعد
العامة يشتمل على عدة مطالب، وثاني القطبين في قواعد متعددة. وعناوينه
" قاعدة - قاعدة ".
هذا الكتاب كان مهجورا عن طلاب العلم متروكا في الرفوف ومخزونا
في الصناديق ودور الكتب، لم تصل إليه أيدي المحصلين بل ولم يطلع بوجوده
الا قليل من الخواص، وظفرت به في المكتبة المقدسة المرعشية بقم - دام ظل
مؤسسها المحترم - فأردت تحقيقه وتصحيحه واستخرت الله تعالى - ومنه الخير -
وأقدمت على هذا المشروع رجاء أن يطبع وينتشر لينتفع منه العام والخاص.
مقدمة المحقق 6

ترجمة الفاضل المقداد (1)
من أكابر رجال العلم وفطاحل أبطال الدين، المولى الفقيه الأصولي المتكلم
الشيخ جمال الدين أبو عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن
محمد السيوري المعروف بالفاضل المقداد المتوفى سنة 826.
كان مدققا في تحقيقاته ومتضلعا في استنباطاته، وكان من الذين سهروا
الليالي وأحكموا الأصول المبادئ، جمعوا الفوائد ونضدوا القواعد، نقحوا
شرائع الاسلام وبينوا الحلال والحرام، جودوا البراعة إلى تجريد البلاغة،
أسدوا الطالبين إلى صراط المسترشدين واستضاؤا من الأنوار الجلالية واستناروا
من اللوامع الإلهية، واستكشفوا الكنوز العرفانية من الآيات القرآنية والأحاديث

(1) مصادر المقدمة:
أعيان الشيعة 48 / 94، ريحانة الأدب 4 / 282، البحار 107 / 185، 110 / 63
- 167 - 169، هدية العارفين 2 / 470، تنقيح المقال 3 / 245، الكنى والألقاب 1 / 369
- 378، 3 / 7، الروضات 7 / 171، الأعلام للزركلي 8 / 207، لؤلؤة البحرين 172
أمل الآمل 2 / 325، الذريعة، كشف الظنون.
مقدمة المحقق 7

النبوية والآثار الولوية، لينتفعوا يوم الحشر الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون
الامن أتى الله بقلب سليم. لله درهم وعلى صاحب الشريعة أجرهم.
الفاضل المقداد عند أصحاب التراجم:
قال في أمل الآمل: الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله بن محمد بن
الحسين بن محمد السيوري الحلي الأسدي، كان عالما فاضلا متكلما محققا
مدققا.
وفي الروضات: هو الذي يعبر عنه في فقهيات متأخري أصحابنا بالفاضل
السيوري، وينقل عن كتابه في آيات الأحكام كثيرا، وكنيته أبو عبد الله. وفي
بعض المواضع صفته أيضا بالغروي نزلا، وكأنه كان من جملة متوطني ذلك
المشهد المقدس حيا وميتا.
ونقل من خط الشيخ حسن بن راشد: وكان رجلا جميلا من الرجال جهوري
الصوت ذرب اللسان مفوها في المقال متفننا في علوم كثيرة، فقيها متكلما أصوليا
نحويا منطقيا.
وقد ذكره غيرهم من أصحاب التراجم.
أعقابه وولده:
نقل الروضات عن صاحب رياض العلماء: ان له ولدا يسمى بعبد الله، وهو
الذي ألف له المقداد كتاب " الأربعين حديثا " ولأجله يكني بأبي عبد الله.
مشائخه وأساتذته:
روى عن الشيخ العلم الملة والدين أبى عبد الله محمد بن جمال الدين
مقدمة المحقق 8

مكي بن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد النبطي العاملي الجزيني
المستشهد سنة 786 كان من أعاظم تلاميذه وخصيصا له، ويدل على هذا تسمية
أحد تأليفاته باسمه وهو كتاب " المسائل المقداديات ". قال في الروضات: وهو
الذي ينقل في كتبنا الاستدلالية الفتاوى والخلافيات، وكان نسبة تلك المسائل
إلى تلميذه الشيخ المقداد السيوري.
قال العلامة المجلسي في إجازات البحار في قصة شهادة الشهيد محمد بن
مكي: وجدت في بعض المواضع ما هذه صورته: قال السيد عز الدين حمرة
ابن محسن الحسيني: وجدت بخط شيخنا المغفور العالم العامل أبى عبد الله
المقداد السيوري ما هذه صورته:
كانت وفاة شيخنا الأعظم الشهيد الأكرم أعني شمس الدين محمد بن مكي
قدس سره وفي حظيرة القدس سره تاسع جمادى الأولى سنة ست وثمانين
وسبعمائة، قتل بالسيف ثم صلب ثم رجم ثم أحرق ببلدة دمشق. لعن الله الفاعلين
لذلك والراضين به، في دولة بيدمر وسلطنة برقوق بفتوى المالكي يسمى
" برهان الدين " و " عباد بن جماعة الشافعي "، وتعصب عليه في ذلك جماعة كثيرة
بعد أن حبس في القلعة الدمشقية سنة كاملة.
وكان سبب حبسه أن وشى به تقي الدين الخيامي بعد جنوبه وظهور أمارة
الارتداد منه أنه كان عاملا، ثم بعد وفاة هذا الواشي قام على طريقته شخص
اسمه " يوسف بن يحيى " وارتد عن مذهب الإمامية وكتب محضرا شنع فيه
على الشيخ شمس الدين محمد بن مكي ما قالته الشيعة معتقداتهم، وأنه كان
أفتى بها الشيخ ابن مكي وكتب في ذلك المحضر سبعون نفسا من أهل الجبل
ممن يقول بالإمامة والتشيع وارتدوا عن ذلك وكتبوا خطوطهم تعصبا مع يوسف
ابن يحيى في هذا الشأن، وكتب في هذا ما يزيد على الألف من أهل السواحل
مقدمة المحقق 9

من المتسننين وأثبتوا ذلك عند قاضي بيروت وقيل قاضى صيدا، وأتوا بالمحضر
إلى القاضي ابن جماعة بدمشق، فنفذه إلى القاضي المالكي وقال له: تحكم
فيه بمذهبك والا عزلتك، فجمع ملك الامراء " بيدمر " القضاة والشيوخ وأحضروا
الشيخ الرحمة الله وأحضروا المحضر وقرئ عليه، فأنكر ذلك وذكر أنه غير
معتقد له مراعيا للتقية الواجبة، فلم يقبل ذلك منه وقيل له: قد ثبت ذلك شرعا ولا ينتقض حكم القاضي فقال الشيخ للقاضي ابن جماعة: انى شافعي المذهب
وأنت امام المذهب وقاضيه فاحكم في بمذهبك، وإنما قال الشيخ ذلك لان
الشافعي يجوز توبة المرتد عنده. فقال ابن جماعة: حينئذ على مذهبي يجب
حبسك سنة كاملة ثم استتابتك، أما حبس فقد حبست ولكن أنت استغفر الله
حتى أحكم باسلامك. فقال الشيخ: ما فعلت ما يوجب الاستغفار خوفا من أن
يستغفر فيثبتوا عليه الذنب، فاستغلظه ابن جماعة وقال: استغفرت فثبت الذنب.
ثم قال: الان ما عادكم الحكم إلي غدرا منه وعنادا منه لأهل البيت عليهم السلام،
ثم قال عباد: الحكم إلي المالكي وتوضأ وصلى ركعتين ثم
قال: حكمت باهراق دمك، فألبسوه اللباس وفعل به ما قلناه من القتل والصلب
والجرم والاحراق، وساعد في احراقه شخص يقال له: محمد بن الترمذي
وكان تاجر فاجرا (1).
وذكر هذه القصة في " لؤلؤة البحرين " عن خط الشيخ أبي الحسن سليمان
ابن عبد الله البحراني أنه قال: وجدت في بعض المجموعات بخط من أثق به
منقولا من خط الشيخ العلامة جعفر بن كمال الدين البحراني ما هذه صورته (2).

1) البحار 107 / 185.
2) لؤلؤة البحرين: 148.
مقدمة المحقق 10

ثم ذكر القصة بتمامها.
تلاميذه والراوون عنه:
1 - الشيخ الفاضل العالم الشاعر الحسن بن راشد الحلي.
2 - رضي الدين عبد الملك بن شمس الدين إسحاق بن عبد الملك بن محمد
الحافظ القمي القاشاني.
3 - العالم الفاضل الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن علالة، أجازه في
ثاني جمادى الثانية سنة 822، ونقل عن صاحب " رياض العلماء " أنه قال: رأيت
كتاب " الأربعين حديثا " للمقداد في أردبيل في مجموعة بخط تلميذ المصنف
وعليه اجازته له صورتها: " أنهى قراءة الأحاديث الشيخ الصالح العالم الفاضل زين الدين علي
ابن الحسن بن علالة وأجزت له روايتها عني عن مشائخي قدس الله أرواحهم.
وكتب المقداد بن عبد الله السيوري في الخامس والعشرين من جمادى الأولى
سنة 822 " 1).
4 - العالم الفاضل المولى أبو الحسن علي بن هلال الجزائري العراقي
شيخ مشايخ الامامية في عصره. قال المحقق الكركي في اجازته للقاضي صفي
الدين عيسى: ان هذا الشيخ الجليل يروي عن جماعة من الأساطين من أجلاء
تلاميذه الشهيد الأول وفخر المحققين منهم الشيخ مقداد بن عبد الله السيوري
عن الشهيد.

1) اجازه مرتين إحداهما في ثاني جمادى الثانية سنة 822 على ظهر كتاب " آداب
الحج " للمجيز والثانية على ظهر " الأربعين حديثا " أيضا للمجيز. راجع الذريعة 1 / 17، 251.
مقدمة المحقق 11

5 - العلامة الشيخ شمس الدين محمد بن الشجاع القطان الأنصاري الحلي
صاحب كتاب " معالم الدين في فقه آل ياسين ".
آثاره وتأليفاته: 1 - آداب الحج. ذكره في الذريعة 1 / 17 ولم يطبع إلى الان.
2 - الأدعية الثلاثون. قال فيه " وقبل الشروع في الغرض المعهود نذكر
مقدمات نافعة في المقصود " ثم بعد ذكره للمقدمات ذكر الأدعية وهي ثلاثون
دعاء عن النبي والأئمة عليهم السلام مرتبا إلى آخرهم، رأيت نسخة منه بخط
جعفر بن محمد بن بكة الحسيني سنة 940 في كتب السيد محمد علي السبزواري
بالكاظمية. لم يطبع إلى الان.
3 - الأربعون حديثا. رآه صاحب " رياض العلماء " في أردبيل كما مر
وألفه لولده. لم يطبع إلى الان.
4 - ارشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين. شرح لنهج المسترشدين في
أصول الدين للعلامة الحلي، فرغ من تأليفه آخر نهار الخميس الحادي والعشرين
من شعبان سنة 792. طبع ببمبئ في سنة 1303.
5 - الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد، وتسميته بنهج السداد كما في الروضات
سهو من القلم. كذا قال في الذريعة. لم يطبع إلى الان.
6 - الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية للخاجا نصير الدين الطوسي والفصول أصله فارسي قد ترجمة ركن الدين محمد بن علي الجرجاني تلميذ
العلامة الحلي، والمؤلف قد شرح تلك النسخة المعربة بعنوان " قال - قال "
وصدره باسم الملك جلال الدين علي بن شرف الدين المرتضى العلوي الحسيني
الاوي وسماه باسمه. لم يطبع إلى الان.
مقدمة المحقق 12

7 - تجويد البراعة في شرح تجريد البلاغة في علمي المعاني والبيان.
الأصل للشيخ الحكيم كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني المتوفى
سنة 679، ويقال له " أصول البلاغة ". لم يطبع إلى الان.
8 - التنقيح الرائع في شرح المختصر النافع. قال في الروضات: وأما
كتابه التنقيح الذي هو في الحقيقة معلمه الوضيع فهو أيضا أمتن كتاب في الفقه
الاستدلالي - إلى آخر ما قال - سيطبع انشاء الله تعالى وهو مسبب الأسباب.
9 - تفسير مغمضات القرآن. ذكره في ريحانة الأدب.
10 - الأسئلة المقدادية. ذكرها خير الدين في الاعلام. لم يطبع.
11 - جامع الفوائد في تلخيص القوائد، لخص قواعد أستاذه الشهيد.
لم يطبع إلى الان.
12 - شرح سى فصل، للخاجا نصير الدين الطوسي في النجوم والتقويم
الرقمي، ذكره في " ريحانة الأدب ". لم يطبع إلى الان.
13 - شرح ألفية الشهيد، ذكره في الذريعة. لم يطبع إلى الان.
14 - شرح الباب الحادي عشر المسمى بالنافع يوم الحشر. طبع مرارا
وهو في علم الكلام.
15 - شرح مبادئ الوصول لعلم الأصول للعلامة، سماه " نهاية
المأمول " في خزانة كتب السيد حسن صدر الدين الكاظمي موجود. لم يطبع
إلى الان.
16 - كنز العرفان في فقه القرآن. طبع بطهران سنة 1384 ه‍.
17 - اللوامع الإلهية في المسائل الكلامية، في الروضات: من أحسن
مقدمة المحقق 13

ما كتب في فن الكلام على أجمل الوضع وأسد النظام. طبع بتبريز.
18 - الإجازات، منها إجازتان مختصرتان لتلميذه الشيخ زين الدين علي
ابن الحسن بن علالة المذكور في عداد تلاميذه.
19 - نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية. وهو هذا الكتاب بين يديك.
مقدمة المحقق 14

تحقيق الكتاب
على هاتين النسختين المخطوطتين المذكورتين اعتمدنا في تحقيق وتصحيح
الكتاب:
1 - بخط المولى الشيخ الصالح بن سليمان العاملي سنة 1074، وجعلناها
أصلا وكانت عليها آثار التصحيح والمقابلة وبهامشها حواش بامضاء: عبد الله بن
حسن. وأخرى بامضاء: أبو الحسن.
2 - بخط المولى فضل الله بن محمد، ورمزنا إليها " ب " وعليها أيضا
حواش مختصرة لكنها بلا امضاء، وفي أخرها " بلغت مقابلته بقدر الطاقة
الانسانية من النسخة الواسطة عن الأصل وبالله العصمة والتوفيق وبيده أزمة
التحقيق " وعلى ظهرها تملك الحاج ملا محمود بن الحاج محمد رضا البيدكلي
الكاشاني بتاريخ 1288.
وبالرغم من هذا البلاغ والتصحيح والمقابلة لم تكونا خاليتين من السقط
والسهو والاشتباه لأنها كالطبيعة الثانية للانسان وان عمله لا يخلو عن هذه الامن
عصمه الله تعالى.
مقدمة المحقق 15

وقد خرجنا الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأوضحنا اللغات التي
تحتاج إلى التوضيح والبيان وعلقنا تعاليق رأينا ضرورتها لبيان ما لعله أبهم
من الكتاب.
وعلى الله تعالى قصد السبيل ومنه التوفيق والتسديد.
الداعي
عبد اللطيف بن علي أكبر الحسيني
الكوهكمري الخوئي
عفى عنه وعن والديه
مقدمة المحقق 16

نضد القواعد الفقهية
على مذهب الإمامية
1

بسم الله الرحمن الرحيم
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا، وأفض علينا من سجال (1)
جودك ما يزيل عن قلوبنا الصدأ (2)، وصيرنا في محفوظ لوحك ممن جعلته في
القول مؤيدا والفعل مسددا.
وصل اللهم على من أرسلته بشيرا ونذيرا وشاهدا، ومنحته (3) من مواد مواهبك
وزلال عذب منا هلك موردا، وأتممت به نظام الوجود ومصالح خلقك بعد أن كانت،
محمد وآله الذين بهم اندفعت مهالك الردى، وارتفعت أعلام الحجى (4)،

(1) السجل: الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء قل أو كثر، وسجال عطيتك من هذا المعنى.
(2) صدأ الحديد: وسخه، وفي الخبر: ان هذا القلب يصدأ كما يصدأ الحديد، أي
يركبه الرين بمباشرة المعاصي.
(3) المنحة بالكسر في الأصل: الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم
يردها إذا انقطع اللبن، ثم كثر استعماله حتى أطلق على كل عطاء، منحة أي أعطيته.
(4) الحجي: العقل.
3

وخفقت (1) رايات الهدى، ما برق بارق وغدا ودر شارق وبدا.
اما بعد: فان اتباع الحسنة الحسبة (2) في العمر الذي سنة منه سنة من أعظم
الرغائب وأسنى المواهب، ولما وفق الله لزبر كتاب " اللوامع الإلهية في
المباحث الكلامية " رأيت اتباعه بكتاب في المسائل الفقهية والمباحث
الفروعية إحدى الحسنيين واحدى الموهبتين، وكان شيخنا الشهيد قدس الله سره
قد جمع كتابا يشتمل على قواعد وفوائد في الفقه تأنيسا للطلبة بكيفية استخراج
المعقول من المنقول وتدريبا لهم في اقتناص الفروع من الأصول، لكنه غير مرتب
ترتيبا يحصله كل طالب وينتهز فرصة كل راغب، فصرفت عنان العزم إلى ترتيبه
وتهذيبه وتقريبه، وسميته (3) (نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية) وما
توفيقي الا بالله، عليه توكلت واليه أنيب (4). وهو مرتب على مقدمة وقطبين:

(1) خفق قلب الرجل: إذا اضطرب، ومنه خفقت الراية.
(2) الحسبة بالكسر: الامر بالمعروف والنهى عن المنكر. قال الأصمعي: وفلان حسن
الحسبة في الامر أي حسن التدبير والنظر فيه.
(3) نضد متاعه ينضده: جعل بعضه فوق بعض.
(4) في ص: " انبت " من أناب ينيب إنابة: إذا رجع.
4

اما المقدمة
(ففي تعريف الفقه وما يتعلق بذلك)
وفيها قواعد:
[القاعدة] الأولى:
" الفقه " لغة الفهم، واصطلاحا هو العلم بالحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها
التفصيلية.
فالعلم جنس، وقولنا بالأحكام يخرج العلم بالذوات والصفات، وبالشرعية
يخرج العقلية، وبالفرعية يخرج أصول الشريعة الضرورية، وكونها عن أدلتها
يخرج علم واجب الوجود، وكونها تفصيلية يخرج علم المقلد فإنه بما استدل
على المسألة اجمالا بأنه " أفتاني به المفتي وكلما أفتاني به المفتي فهو حكم الله في
حقي ".
وموضوعه أحوال المكلفين من حيث هي متعلق الاقتضاء أو التخيير.
5

ومسائله المطالب المثبتة فيه.
ومباديه: اما تصورية، وهي معرفة الموضوع وأقسامه ومعرفة الأحكام وأقسامها
ومتعلقاتها. واما تصديقية، وهي ما يرجع إليها الاستدلال، وهي الكتاب والسنة
والاجماع والعقل، وأقسام ذلك وما يتعلق به.
لطيفة:
قد يطلق " الفقه " أيضا على علم طريق الآخرة، وحصول ملكة يفيد الإحاطة
بحقائق (1) الأمور الدنيوية ومعرفة دقائق آفات النفوس، بحيث يستولي الخوف
عليها فتعرض عن الأمور الفانية وتقبل على الأمور الباقية.
ولعل ذلك هو المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أنبئكم بالفقيه
كل الفقيه؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم
يؤمنهم من مكر الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى
ما سواه (2).
وقول الصادق عليه السلام: لا يكون الرجل فقيها حتى لا يبالي أي ثوبيه
ابتذل وبما سد فورة (3) الجوع.
والأول هو المصطلح عليه، وعليه مباني قطبي هذا الكتاب وعيره من كتب
الفقه.

(1) في كب: بحقارة.
(2) أخرجه الكليني رحمة الله عليه في الكافي 1 / 36 عن علي أمير المؤمنين عليه
السلام مع إضافات واختلافات في اللفظ.
(3) فارت القدر فورا وفورانا: غلت.
6

(القاعدة) الثانية:
لما تقرر في علم الكلام كون أفعاله تعالى معللة بالاغراض واستحالة عود الغرض
إليه وجب كونه لمصالح عبيده، وهو اما جلب نفع أو دفع ضرر، وكلاهما اما
دنيوي أو أخروي. فالأحكام الشرعية لا تخلو من أحد هذه الأربعة، وهي تنظم (1)
كتب الفقه.
وقد قررها الأصحاب بأن غرض الحكم الشرعي اما أخروي وهو العبادات
أو دنيوي لا يفتقر إلى عبارة وهو الأحكام، أو يفتقر إلى عبارة اما من الطرفين وهو
العقود، أو من طرف وهو الايقاعات.
وان، شئت قلت: الشرائع كلها لحفظ المقاصد الخمسة، وهي: الدين،
والنفس، والمال، والنسب، والعقل التي يجب تقريرها في كل شريعة، فالدين
يقتسم العبادات، وحفظه بالجهاد وتوابعه (2). وحفظ النفس بشرع القصاص،
وحافظة الحياة وما يتعلق بهما (3). وحفظ النسب بالنكاح وتوابعه والحدود
والتعزيرات، وحفظ المال بأكثر العقود والتمليكات وحرمة الغصب والسرقة
وغيرها. وحفظ العقل بتحريم المسكرات وما في معناها والحدود والتعزير
وحفظ الجميع بالقضاء والشهادات وتوابعهما.
فائدة:
قد يجتمع في الحكم الواحد غرضان فما زاد، فان المكتسب لقوته وقوت
عياله الواجبي النفقة إذا انحصر وجه التكسب في جهة وقصد به التقرب إلى الله

(1) في ص: وبقي تنظم.
(2) ومنها قتل المرتد والامر بالمعروف والنهى عن المنكر.
(3) كالدية والكفارة.
7

تعالى، فان الاغراض الأربعة تجتمع فيه، فالنفع الدنيوي بحفظ النفس
والأخروي بأداء الفريضة المقصود بها القربة، وأما دفع الضرر الدنيوي فهو
إزالة الألم الحاصل للنفس بترك القوت، وأما الأخروي فهو العقاب اللاحق
بترك الواجب.
أخرى: العبادة تنتظم ما عدا المباح كما يجئ، وأما العقود والايقاعات فهي
أسباب يترتب عليها الأحكام كما يجئ أيضا.
وأما المسمى بالأحكام فالغرض منها: اما بيان الإباحة كالصيد والأطعمة
والأشربة والاخذ بالشفعة، واما بيان التحريم كموجبات الحدود والجنايات
وغصب الأموال، واما بيان الوجوب كنصب القاضي ونفوذ حكمه ووجوب
إقامة الشهادة عند التعيين ووجوب الحكم على القاضي عند الوضوح، واما
بيان الاستحباب كالطعمة (1) في الميراث وبيان آداب الأطعمة والأشربة والذبائح
والعفو في حدود الآدميين وقصاصهم ودياتهم، واما الكراهة ففي كثير من الأطعمة
والأشربة وآداب القاضي.
(القاعدة) الثالثة:
كل حكم شرعي يكون الغرض الأهم منه الدنيا، سواء كان لجلب نفع
أو دفع ضرر: فأما أن يكون مقصودا بالأصالة، أو بالتبع.

(1) الطعمة: الرزق، وجمعها الطعم مثل غرفة وغرف، ومنه " لا ميراث للجدات
إنما هي طعمة ".
8

فالأول اما لجلب النفع، وهو ما يدرك (1) بالحواس الخمس، فان كل حاسة لها
حظ من الأحكام الشرعية، فللسمع الوجوب كما في القراءة الجهرية والتحريم كما
في سماع الغناء وآلات اللهو، وللبصر الوجود كما في الاطلاع على العيوب
وإرادة التقويم (2)، والتحريم كما في تحريم النظر إلى المحرمات، وللمس (3)
أحكام الوطئ ومقدماته بل المناكحات كلها الغرض الأهم منها اللمس، ويتعلق
باللمس أيضا اللباس والأواني وإزالة النجاسات وتحصيل الطهارات، ويتعلق
بالذوق أحكام الطعمة والأشربة والصيد والذبائح. واما لدفع الضرر، وهو
حفظ المقاصد الخمس.
والثاني وهو الذي يكون مقصودا بالتبع، فهو كل وسيلة إلى المدرك
بالحواس أو إلى حفظ المقاصد، ويجئ مفصلا.
(القاعدة) الرابعة:
الحكم خطاب الشرع المتعلق بالافعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.
فالاقتضاء هو الطلب، اما للوجود مع المنع من النقيض - وهو الوجوب -
أو لامعه - هو الندب - واما للعدم مع المنع من النقيض وهو التحريم أولا معه
وهو الكراهة.
والتخيير الإباحة، والوضع هو الحكم على الشئ بكونه سببا أو شرطا

(1) أي هو حكم يتعلق بما يدرك بالحواس الخمس، والا فالحكم لا يدرك بالحواس
الخمس.
(2) أي تقويم المبيع، فان تقويمه موقوف على الرؤية فتجب.
(3) أي يجري في اللمس الذي هو أحد الحواس أحكام الوطئ والمناكحات من الوجوب
والحرمة وغيرهما من الأحكام الخمسة. وفي بعض النسخ: إذ الغرض الأهم منها اللمس.
9

أو مانعا.
وأضاف بعضهم الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة والتقدير والحجة.
والأربعة الأول ظاهرة المثال، وأما التقدير فاما بجعل الموجود معدوما
كالماء بالنسبة إلى مريض يتضرر باستعماله أو إلى عاجز عن ثمنه يقدر (1) معدوما،
أو بجعل المعدوم موجودا، وله أمثلة:
(الأول) الدية، تقدر داخلة في ملك المقتول قبل موته بآن يتورث عنه ويقضى
منها ديونه، فإنه يقدر الملك المعدوم موجودا للضرورة.
(الثاني) تجديد النية في الصوم قبل الزوال، فتنعطف هذه النية تقديرا إلى
الفجر، مع أن الواقع عدم النية.
(الثالث) تقدير الملك قبل العتق في قوله " أعتق عبدك عني "، وليس ذلك
كله من باب الكشف، للقطع بعدم هذه المقدرات.
وأما الحجة فهي مستند قضاء الحاكم، كالاقرار والبينة واليمين والنكول.
والحق أن هذه يمكن ردها إلى أقسام الوضع الثلاثة (2).
هداية:
ظهر أن الخطاب اما تكليفي أو وضعي، وليس بينهما منع جمع (3)، بل
ينقسمان أقساما:
" أ " ما اجتمعا فيه: كالطهارة عن الحدث والخبث وأسباب الحدث التي
من فعل العبد، والصلاة فإنها واجبة وسبب لعصمة الدم، وغسل الميت واجب

(1) في ص: فقدر.
(2) وهي السبب والشرط والمانع.
(3) بل بينهما عموم وخصوص من وجه.
10

وشرط في صحة الصلاة عليه، وباقي أحكامه واجبة وسبب في سقوط الغرض
عن الباقين، والاعتكاف ندب وسبب في تحريم محرماته، والنكاح ندب وسبب
في أشياء تأتي، والطلاق مكروه أو واجب وسبب في التحريم، والرضاع
مستحب أو واجب وسبب للتحريم، والزنا وأمثاله محرمة وسبب في الحد
والتعزير والقصاص، والعتق ندب وسبب للحرية.
" ب " وضعي لا غير، كأسباب الحدث، وليست من فعل العبد كالنوم والحلم (1)
والحيض وأوقات الصلاة ورؤية الهلال، فإنها أسباب محضة، وحول الحول
شرط لوجوب الزكاة (2)، والحيض مانع من الصلاة والصوم.
وجعل بعضهم ضابط هذا ما لا فعل فيه للمكلف، ومنه الإرث فإنه تملك
محض بعد وقوع السبب.
" ج " تكليفي لا غير، كالتطوعات فإنها تكليف وليس فيها سببية ولا شرطية
ولا مانعية، وكذا الزكاة والصوم والحج والالتقاط بنية الحفظ (3).
هذا إذا لم تلحظ اعتبار براءة الذمة أو سقوط الخطاب أو استحقاق الثواب
أما مع ملاحظتها فإنه يزول هذا القسم (4)، لان السببية حاصلة بالنسبة إلى ما ذكرناه.
" د " مبدأه تكليفي وعقباه وضعي، فان وجوب النفقة سبب لملك الزوجة
والحضانة سبب للحفظ، واستيفاء الحد والتعزير سبب للزجر عن المعصية،
والقضاء سبب في تسلط المقضى له.

(1) الحلم بضمتين واسكان الثاني من باب قتل، واحتلم: رأى في منامه رؤيا.
(2) في ك: شرط أداء الزكاة.
(3) لان الالتقاط بنية التملك سبب في التملك فيكون من خطاب الوضع.
(4) أي مع ملاحظة هذه الأشياء يزول قسم خطاب التكليف.
11

ومن هذا القسم البيع والرهن والحوالة والضمان والشركة والوكالة والشفعة
والإجارة والمزارعة والمساقاة والقراض والجعالة والوصية والهبة والمسابقة
والعارية والوديعة إذا فرط، فان ذلك كله مباح.
وقد يستحب أو يجب، ويترتب عليه بعد وقوعه أحكامه.
" ه‍ " مدارك الأحكام عندنا أربعة: الكتاب، والسنة، والاجماع، ودليل
العقل.
أما الكتاب فدليل حجيته كونه كلام الله الذي يستحيل عليه الكذب والقبح.
وأدلته قسمان نص وظاهر، فالنص هو ما لم يحتمل خلاف ما فهم منه،
والظاهر هو ما احتمل خلاف ما فهم منه لكن دلالته على المفهوم منه راجحة.
ويقابل النص المجمل، وهو ما يحتمل خلاف ما فهم منه، لكن لا رجحان
معه لاحد الطرفين. ويقابل الظاهر المأول، وهو ما في دلالته احتمال لكن مع
مرجوحية المحتمل.
ويشترك النص والظاهر في المحكم والمجمل، والمأول في المتشابه.
وأما السنة فهي: اما نبوية ودليل حجيتها الكتاب نحو " ما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (1) وقوله تعالى " لنبين للناس ما نزل إليهم " (2)، واما
امامية ودليل حجيتها قوله صلى الله عليه وآله " اني تارك فيكم الثقلين كتاب
الله وعترتي " (3) وآية الطهارة (4) نص في الباب.

(1) سورة الحشر: 7.
(2) سورة النحل: 44.
(3) كمال الدين وتمام النعمة 1 / 334، ومعاني الأخبار 90، العيون 1 / 57.
(4) سورة الأحزاب: 33.
12

واشتراط وجوب وجود المعصوم في كل وقت دليل جلي أيضا.
وكلاهما اما قول وأقسامه كما تقدم، أو فعل فأما بيان فتابع للمبين في وجهه
واما ابتدائي فلا حجة فيه الا مع علم الوجه، أو تقرير فإن كان نبويا فحجة لاستحالة
التقية عليه، وإن كان اماميا فمحتمل.
وأما الاجماع فلوجوب دخول المعصوم الذي يستحيل عليه الخطأ.
وأما العقل فقد يكون مع استقلاله ضرورة أو نظرا، وقد يكون لا مع
استقلاله.
وله أقسام كثيرة من مفهوم موافقة أو مخالفة أو علة منصوصة أو اتحاد طريق
كما هو مذكور مفصلا في الأصول.
وفي حجية هذا القسم الثاني خلاف، يقوى في بعضه الحجية كالعلة
المنصوصة ومتحد الطريق وبعض المفهوم الموافق وهو ما يكون ثبوت الحكم
في المسكوت أولى.
والأحكام المأخوذة عن هذه الأدلة كثيرة، ينتظمها كتب الفقه والأحاديث.
" و " استنبط العلماء من المدارك المذكورة قواعد خمسا ردوا إليها كثيرا
من الأحكام، سيأتي بيانها انشاء الله تعالى:
(الأول) البناء على الأصل، ويعبر عنها بأن اليقين لا يرفع بالشك، وهو
راجع إلى الدليل العقلي، أعني أصالة عدم الحكم السابق.
وينبه عليه قول النبي صلى الله عليه وآله: ان الشيطان ليأتي أحدكم
وهو في الصلاة فيقول له أحدثت أحدثت، فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو
يجد ريحا (1). رواه عبد الله وأبو هريرة. ومثله رويناه عن أئمتنا عليهم السلام (2).

(1) البخاري أخرج حديثا في كتاب الوضوء في هذا المعنى.
(2) التهذيب 1 / 347، فروع الكافي 3 / 36.
13

(الثاني) ان العمل بحسب النية، لقوله تعالى " وما أمروا الا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين " (1). ولقول النبي صلى الله عليه وآله: إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى (2). والتقدير إنما صحة الأعمال بالنيات أو اعتبارها
وتقدير الثاني (3) ان كل من نوى شيئا حصل له وان لم ينو شيئا لم يحصل له لقضية
الحصر.
(تبصرة) قيل (4): النية إرادة ايجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعا أورد
عليه ارادته تعالى، لما تقرر من كونه مريدا للطاعات عندنا أو للكائنات عند
الخصم، مع أنها لا تسمى نية، فيزيد مقارنة قلنا: لا يخرجها بناءا على افتقار
الممكن حال بقائه إلى المؤثر. فقيل: حادثة. قلنا: تدخل أيضا على قول السيد.
فقيل: تفعل بالقلب فاستقام، فهي اذن إرادة قلبية لايجاد الفعل على الوجه المأمور
به شرعا.

(1) سورة البينة: 5.
(2) أخرجه البخاري في باب " بدء الوحي " وفي باب " ان الأعمال بالنيات "، التهذيب
1 / 83 أخرجه مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله.
(3) في ك: ويفيد الثاني.
(4) قال العلامة رحمه الله في قواعد الأحكام في بحث الوضوء: النية وهي إرادة ايجاد
الفعل على الوجه المأمور به شرعا.
قال الشيخ الفقيه الكامل بهاء الدين العاملي في شرح الحديث السابع والثلاثين من
كتاب الأربعين بعد نقل كلام العلامة: وإرادة بالإرادة إرادة الفاعل وبالفعل ما يعم توطين
النفس على الترك، فخرجت إرادة الله تعالى لأفعالنا ودخلت نية الصوم والاحرام وأمثالها.
والجار متعلق بالإرادة لا بالايجاد، فخرج العزم.
ثم أورد اعتراض شيخه الشيخ علي قدس سره عليه ورده. من أحب زيادة الاطلاع
فليراجع الكتاب.
14

(الثالث) ان المشقة سبب في التيسير، لقوله تعالى " يريد الله بكم اليسر " (1)
ولقوله " وما جعل عليكم في الدين من حرج " (2). ولقوله صلى الله عليه وآله
وسلم: بعثت بالحنفية السمحة السهلة (3)، وقوله صلى الله عليه وآله: يسروا
ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا (4).
(الرابع) تحكيم (5) العرف والعادة إذا فرض انتفاء النص اللغوي والشرعي
فإنه يحمل (5) الخطاب على الحقيقة العرفية والا لزم الخطاب بما لا يفهم.
وينبه على اعتبار العادة " ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن "، وهو
من المراسيل، ووقفه بعضهم على عبد الله بن مسعود.
وربما احتج على اعتبار العادة بفحوى قوله تعالى " ليستأذنكم الذين " (6)
الآيات، فان هذه الأوقات جرت العادة فيها بالابتذال (7) ووضع الثياب. وقول
النبي صلى الله عليه وآله لحمنة بنت جحش (8): تحيض في علم الله ستا أو سبعا
كما تحيض النساء. وقوله: المكيال مكيال المدينة والوزن وزن أهل مكة،

(1) سورة البقرة: 185.
(2) سورة الحج: 78.
(3) الجامع الصغير: 126، وفيه: بعثت للحنيفية السمحة ومن خالف سنتي فليس مني.
(4) الجامع الصغير: 205.
(5) في ص: حكم العرف. وفيه: يحتمل الخطاب.
(6) سورة النور: 58.
(7) في ص وهامش ك: بالابتدال.
(8) في ص: لزينب. في " أسد الغابة في معرفة الصحابة " قال أبو عمر: حمنة بنت
جحش كانت تستحاض وهي أخت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
- إلى أن قال - روى عنها ابنها عمران بن طلحة قال: قالت: كنت استحاض حيضة كثيرة
شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم استفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي
زينب - الخ.
15

فان أهل المدينة اعتادوا الكيل لمكان النخل وأهل مكة الوزن لمكان متاجرهم،
ولأنه صلى الله عليه وسلم قضى في ناقة البراء بن عازب لما أفسدت حائطا أن
على أهل الحوائط حفظها نهارا وعلى أهل الماشية حفظها ليلا (1). وهو ظاهر في
اعتبار العادة.
وأما قوله صلى الله عليه وآله من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو
رد (2)، فيحتمل أن يقال: المراد ما عليه المسلمون، وهو يشمل ما هم عليه من
حيث الشرع أو العادة، أو يقال: اعتبار العوائد حيث هو عن أمره فعليه أمره.
(الخامس) نفي الضرر، مستنده قوله صلى الله عليه وآله في خبر أبي
سعيد: لا ضرر ولا ضرار (3) بكسر الضاد وحذف الهمزة، أسنده ابن ماجة
والدار قطني وصححه الحاكم في المستدرك وفسرا بوجوه:
أ - ما كان من فعل واحد فهو ضرر ومن اثنين فهو ضرار، لأنه فعال من
المضارة الصادرة م‍؟ ن اثنين، وإن كان مضارة الثاني غير منهي عنها لوقوعها
مجازاة. وسماها ضرارا تبعا للصورة، كقوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (4).
أو نقول: الثاني منهي عنه أيضا، لأنه عدول عن طريق العفو والاحسان
كما قال صلى الله عليه وآله: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من
خانك (5).
ب - ان الضرار ما يتضرر به صاحبك ولا تنتفع به، والضرر ما تضره به

(1) راجع الكافي 5 / 301، التهذيب 7 / 224.
(2) الجامع الصغير: 176.
(3) الكافي 5 / 292.
(4) سورة الشورى: 40.
(5) الجامع الصغير: 143.
16

وينفعك.
ح - ان الضرر اسم والضرار مصدر، فالنهي عن الفعل الذي هو المصدر
وعن ايصال (1) الضرر إلى الغير الذي هو الاسم.
وهذا خبر معناه النهي، وسيأتي في فصل مفرد جملة مما يتفرع على هذه
الخمس من الأحكام.

(1) في هامش ك: وهو ايصال.
17

القطب الأول
(في القواعد العامة المترتبة على المقدمات السابقة)
(وما يتفرع عليها من المسائل)
وفيه مطالب:
المطلب الأول
(في تفصيل أقسام الحكم)
وفيه فصلان:
الفصل الأول: في الاقتضاء
وفيه قواعد وفوائد:
قاعدة:
الواجب ما يذم تاركه لا إلى بدل (1)، ويطلق أيضا على ما لابد منه وان لم يتعقبه

(1) أي يذم تاركه ان لم يأت بدله كتارك الجمعة مع اتيان الظهر، وهذا يكون في
الواجب التخييري فقط.
18

ذم. ويتفرع على ذلك أمور:
1 نية الصبي في تمرينه الوجوب.
2 أن يستعمله في الطهارة الكبرى هل يلحقه حكم الاستعمال أم لا؟
3 أن طهارته الواقعة في الصبا مجزية حتى أنه لو بلغ لم تجب اعادتها.
4 أن صلاته في أول الوقت صحيحة، فلو بلغ لم يعدها، والأصح
وجوب الإعادة في الموضعين.
5 أنه لو غسل ميتا أو صلى عليه هل يعتد به؟ الا صح عدم الاعتداد به.
ويتفرع حينئذ فرعان:
الأول: لو سلم على المصلي فرد صبي لا يكون ذلك مسقطا للفرض عن
المصلي، فتبطل صلاته لو استمر على الترك، على قول قوي عندي خلافا
لشيخنا.
الثاني: أنه لو سلم الصبي على المصلي هل يجب عليه الرد؟ فيه نظر،
من عموم الآية (1) المقتضية للوجوب مطلقا، ومن عدم التكليف وعدم قصده استتباع
الوجوب.
ويتفرع بطلان الصلاة بترك الرد وعدمه، والحق الوجوب، لان أفعاله
التمرينية توصفه بصفات ما يمرن به، ولهذا ينوي الوجوب في الواجب والندب
فيه، فيتبع ذلك أحكام فعله، ومن جملته هنا وجوب الرد، وهو المطلوب.
تقسيم:
الواجب ينقسم أقساما:

(1) يريد قوله تعالى " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ان الله كان على كل
شئ حسيبا " سورة النساء: 85.
19

" الأول " الواجب اما على الأعيان، وهو ما أراد الشارع ايقاعه من كل
واحد من المكلفين. واما على الكفاية، وهو ما أراد ايقاعه في الخارج لا عن
مباشر بعينه.
" الثاني " الواجب اما مضيق، وهو ما لا يفضل وقته عنه، أو ما لا يسوغ
تأخيره عنه. واما موسع، وهو مقابله فيهما.
" الثالث " الواجب أن لا يجزي عنه غيره وهو المعين، أو يجزي وهو
المخير. وقد يتركب بعض هذه مع بعض.
فائدة:
الواجب العيني شرعيته للحكمة في تكراره كالمكتوبة، وان مصلحتها
الخضوع لله عزو جل تعظيمه ومناجاته والتذلل لله والمثول (1) بين يديه والتفهم
لخطابه والتأدب بآدابه، وكلما تكررت الصلاة تكررت هذه المصالح الحكمية.
والواجب الكفائي الغرض منه ابراز الفعل إلى الوجود، وما بعده خال
عن الحكمة كانقاذ الغريق (2) من الهلكة. ومن ثم لا تكرر صلاة الجنازة وجوبا،
لان الغرض الدعاء له، وبالمرة يحصل ظن الإجابة، والقطع غير مراد، فلا تبقى
حكمة في الدعاء بعد ذلك بخصوصية هذا الميت.
وإنما قيدنا بالخصوصية لان الاحياء على الدوام يدعون للأموات لا على
وجه الصلاة.

(1) المثول: الانتصاب قائما.
(2) في ص وهامش ك: كانقاذ الغير.
20

فائدة:
الواجب على الكفاية له شبه بالنفل (1) من حيث سقوطه عن البعض بفعل
الباقين، وقد يسقط بالتعرض له فرض العين، كمن له مريض يقطعه تمريضه عن
الجمعة وإن كان غيره من الأقارب، وقد يقوم مقامه.
ومن ثم ظن بعض الناس أن الاتيان بفرض الكفاية أفضل من الفرض العين،
من حيث أنه يسقط بفعله الحرج عن نفسه وعن غيره.
ويشكل بجواز استناد الأفضلية إلى زيادة الثواب والمدح لا إلى اسقاط
الذم، أما الشروع فيه فإنه يلزم اتمامه غالبا كالجهاد وصلاة الجنازة.
ومن جهة ان له شبها بالندب جاز الاستيجار عليه كالاستيجار على الجهاد.
وربما جاز أخذ الأجرة على فرض العين، كاللبأ (2) من الام واطعام المضطر
إذا كان له مال فإنه يطعمه ويأخذ العوض.
قاعدة:
قسم بعضهم الواجب إلى الكلي على الاطلاق، والى الكلي الذي يقال فيه
انه واجب فيه أو به أو عليه أو عنده أو منه أو عنه أو مثله أو إليه.
وذلك لان خطاب الشرع قد يتعلق بجزئي وقد يتعلق بكلي، وهو القدر
المشترك بين أفراد جنس، دون خصوصية الافراد.

(1) في ك: بالفعل. أي الواجب الكفائي كالنوافل ان أتي به يستحق الثواب وان
تركه لا يستحق العقاب والذم.
(2) اللبأ كعنب: أول اللبن عند الولادة، جمعه الباء كأعناب.
21

والمتعلق بالجزئي كالأمر بالشهادتين والتوجه إلى الكعبة.
فالواجب الكلي مطلقا هو المخير، والواجب فيه هو الموسع.
والواجب به ينقسم إلى سبب الوجوب وآلة الفعل، مثال الأول مطلق الزوال
سبب وجوب الظهر في أي يوم كان، ومطلق الاتلاف سبب لوجوب الضمان،
ومطلق ملك النصاب سبب وجوب الزكاة، إذ لا خصوصية للذهب والفضة مثلا
في ذلك، فالمنصوب سببا إنما هو المطلق الذي هو قدر مشترك بين النصب. ومثال
الآلة مطلق الماء في الوضوء والغسل، ومطلق التراب في التيمم، ومطلق الساتر
في الستر والجمار في الرمي والشاة في الذبح والرقبة في العتق.
وبهذا يجاب عن مغالطة، وهي ان يقال: المدعى أن الوضوء من هذا الاناء
واجب، لان الوضوء واجب بالاجماع ولا يجب من غيره بالاجماع، فيجب
منه، والا لانتفى (1) الوجوب. أو يقال: الستر بهذا الثوب واجب في الصلاة، لان
الستر في الصلاة واجب بالاجماع إلى آخره.
والواجب: قولكم " الوضوء واجب بالاجماع " مسلم لكنه واجب بمطلق
الماء وهو القدر المشترك بين هذا الاناء وغيره فإذا انتقى الوجوب عن غير
ذلك الاناء بالاجماع لا يتعين ذلك الاناء للوجوب، بل يتعين القدر المشترك بين
هذا الاناء وغيره. والخصوصيات ساقطة من البين.
ومثال الواجب عليه فرض الكفاية، فإنه واجب على مطلق المكلفين.
ومثال الواجب عنده دوران الحول في الزكاة وعدم الحيض في الصلاة،
فان الواجب (2) بالسبب عند عدم الحيض وغيره من الموانع (3)، وكذا عدم الماء فان

(1) في هامش ك: لا يبقى الوجوب.
(2) في ص: فان الوجوب.
(3) في ك: من المواضع. وفيه: وان التيمم يجب.
22

التيمم يجب عنده لا به. وكذا أكل المية عند عدم المباح، إذ السبب في وجوب
الاكل حفظ النفس عند عدم المباح. وعدم الخصلة الأولى من خصال الواجب
المرتب كالظهار، وان السبب هو الظهار، فيجب به الصوم عند عدم العتق.
ومثال الواجب فيه كالجنس المخرج منه الزكاة غنما أو إبلا أو نقدا أو قوتا
في الفطرة أو كفارة.
ومثال الواجب عنه وهو جنس المعول في آخر شهر رمضان، أي ولد كان
وأية زوجة كانت وأي ضيف كان.
ومثال الواجب مثله كل متلف له مثل مضمون وجزاء الصيد.
ومثال الواجب إليه كالليل في الصوم، والمعتبر جنس الغروب ودخول الليل
في أية ليلة اتفق، وكالوصول إلى مشاهدة الجدران أو سماء الاذان للمسافر،
وكالنهاية في العدد.
فهذه عشر اشتركت كلها في تعلق الوجوب لمعنى كلي، واختص كل واحد
منها بخصوصية.
قاعدة:
الامر التخييري يتعلق بالقدر المشترك، وهو مفهوم أحدها ولا تخير فيه (1).
ومتعلق التخير الخصوصيات، لأنه لا يجب عليه عين أحدها كما لا يجوز
له الاخلال بجميعها.
وهل يصح النهي تخييرا؟ منع منه بعضهم، لان متعلقه هو مفهوم أحدها

(1) في ص: ولا تخيير فيه ومتعلق التخيير.
23

الذي هو مشترك بينها، فيحرم جميع الافراد. لأنه لو دخل فرد إلى الوجود لدخل
في ضمنه المشترك وقد حرم بالنهي.
لا يقال: ينتقض بالأختين والام والبنت، فإنه منهي بالتزويج بأيهما شاء.
فنقول: التحريم هنا ليس على التخيير، لأنه إنما تعلق بالمجموع عينا لا بالمشترك
بين الافراد، ولما كان المطلوب لا يدخل ماهية المجموع في الوجود وعدم
الماهية يتحقق بعدم جزء من أجزائها أي الاجزاء كان، فأي أخت تركها خرج عن
عهدة النهي عن المجموع. لا لأنه نهي عن القدر المشترك، بل لان الخروج
عن عهدة المجموع يكفي فيه فرد من أفراد ذلك المجموع ويخرج عن العهدة
بواحدة لا بعينها.
وكذا نقول في خصال الكفارة، لما وجب المشترك حرم ترك الجميع
لاستلزامه ترك المشترك، فالمحرم ترك الجميع لا واحدة بعينها من الخصال،
فلا يوجد نهي على هذه الصورة الا وهو معلق بالمجموع لا بالمشترك.
وكيف لا يكون كذلك، ومن المحال العقلي (1) أن يفعل فردا من نوع أو جزءا
من كلي مشترك ولا يفعل (1) ذلك المشترك المنهي عنه، لاشتمال الجزئي على الكلي
بالضرورة، وفاعل الأخص فاعل الأعم، فلا يخرج عن العهدة في النهي الا بترك
كل فرد.
فرعان:
(الأول) يمكن التخيير بين الواجب والندب إذا كان التخيير بين جزء
وكل لا بين أمور متباينة، وذلك كتخيير النبي صلى الله عليه وآله في قيام

(1) في ص: العقل أن يعقل. وفيه: ولا يعقل ذلك.
24

الليل بين الثلث والنصف والثلثين، وتخير (1) المسافر في الأماكن الأربعة بين
القصر والتمام (1)، وتخير المصلي في الاخرتين بين التسبيح ثلاثا أو مرة، وتخير
المدين في انتظار (1) المعسر والصدقة. وفي هذا يقال: المندوب أفضل من الواجب
وسيجئ بحثه.
(الثاني) قد يقع التخيير بين ما يخاف سوء عاقبته وبين ما لا خوف فيه،
كتخير الاسراء فإنه عليه السلام خير بين اللبن والخمر فاختار اللبن، فقال له
جبرئيل عليه السلام: اخترت الفطرة ولو اخترت الخمر لغوت أمتك (2).
وليس هذا تخييرا بين المباح والحرام، لان سوء العاقبة يرجع إلى اختيار
الفاعلين.
فائدة:
التخيير في الكفارات تخير شهوة، وتخيير الامام بين الفداء والاسترقاق
والمن في الأسير وبين القتل والصلب والقطع مخالفا مخير (3) الأصلح للمسلمين،
وكذا في التعزيرات.
والأقرب أن تخيير شهر للمحبوس فيصومه من هذا القبيل، و (كذا) تخير (4)
المرأة للستة أو السبعة إذا كانت متحيرة، مع أن ظاهر الاخبار أنه بحسب الشهوة،

1) في ص: وتخيير المسافر. وفيه: والاتمام وتخيير المصلى. وفيه: في انظار
المعسر.
2) البخاري في باب المعراج. وليس فيه " اخترت الفطرة " إلى آخره، وفيه مكانه
" فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك ".
3) في ص: تخيير الأصلح.
4) في ص ليس " كذا " وفيه: تخيير المرأة.
25

وكذا تخير المكلف بين الحقاق (1) وبنات اللبون في موضوع امكان الاخراج.
وقد يقع التخيير بين المباحات والمستحبات.
قاعدة:
الواجب منه فوري، وهو ما يجب المبادرة إليه في أول أوقات الامكان،
وما ليس كذلك فهو على التراخي.
واختلف في مجرد الامر العاري عن القرائن، فعند بعض الأصحاب أنه
المبادرة إليه في أول أوقات الامكان،
وما ليس كذلك فهو على التراخي.
واختلف في مجرد الامر العاري عن القرائن، فعند بعض الأصحاب أنه
للفور، وعند آخرين صالح له وللتراخي. فهنا أمور:
(الأول) أداء الصلاة عند دخول الوقت، يظهر من كلام بعض الأصحاب
أنه على الفور، ولكنه يعفى عن ذنب من أخر. والحق عدمه.
(الثاني) قضاء الصلوات الفائتة، والأكثرون على أنه للفور، سواء فاتت (2)
عمدا أو نسيانا، لعذر أولا، أتحدث أولا. والأقرب التراخي.
(الثالث) استتابة المرتد، والمروي أنه إلى ثلاثة أيام.
(الرابع) دفع الزكاة والخمس وكل حق لادمي غير عالم به أو عالم مطالب
[على القول] (3)، ورد السلام لفاء التعقيب في قوله تعالى " فحيوا " (4)، ولكونه متوقعا

1) الحقاق جمع " حق " بكسر الأول، وهو الإبل الداخل في الرابعة، لأنه آن له
أن يركب، ولاستحقاقه أن يحمل عليه وأن ينتفع به.
و " بنات اللبون " جمع بنت اللبون، وهي ولد الناقة الأنثى التي استكملت السنة
الثانية ودخلت في الرابعة، سميت بذلك لان أمها ولدت غيرها فصار لها لبن.
2) في ص: سواء كانت عمدا.
3) ليس " على القول " في ص.
4) سورة النساء: 85.
26

في الحال، فتأخره اضرار كاضرار الفقراء والهاشميين بتأخير حقهم، والدائن
بتأخر ماله، وكذا الحج للأحاديث الدالة عليه ولجواز عروض العارض، إذ
السلامة من المشكوك فيها، وكذا الجهاد والحسبة لما في التأخير من التغرير (1)
على المعصية، وكذا الكفارات لأنها كالتوبة الواجبة على الفور.
(الخامس) لو تحجر أرضا أو حفر معدنا ولما يتمم يطالب بنمام الاحياء
أو رفع اليد. والأقرب أنه ليس على الفور.
(السادس) حق الاستمتاع للرجل إذا طالب به في موضوع المطالبة على
الفور، كذا حقها منه في الأربعة الأشهر، وحق القسم والنفقة والبناء [وحقه] (2)
عليها لو طلبه أمهلت بقدر التنظيف للتهيئة لا غير.
(السابع) نفي الولد، قيل على الفور، والأقرب التراخي، فله نفيه ما لم
يقربه.
(الثامن) لو ذكر الشفيع غيبة الثمن أو المدعي غيبة البينة أجل الثلاثة أيام.
(التاسع) لو سأل المولى والمظاهر الانظار بعد انقضاء المدة لم ينظر، الا
أن يذكر عذرا فيؤخر إلى انقضائه.
(العاشر) إذا عسر (3) الزوج بالنفقة وقلنا لها الفسخ يجئ حكمه.
(الحادي عشر) إذا سكت المدعى عليه عن الجواب، قيل ترد اليمين على
المدعي في الحال أو يقضى بالنكول، وقيل له الحاكم ثلاثا.
(الثاني عشر) المتهم بالدم قيل يحبس ستة أيام.

1) في ص وهامش ك: من التقرير.
2) ليس " وحقه " في ص. وفيه: والتهية لا غير.
3) في ص: إذا أعسر الزوج.
27

(الثالث عشر) إذا ردت اليمين على المدعي فطلب الامهال، فالأقرب اجابته
ولا تقدير لامهاله.
قاعدة:
السنة ترادف المستحب غالبا، كما يرادفه التطوع والفضل والاحسان.
وقد أطلق على الواجب في مواضع:
الأول - ما روى: التشهد سنة.
الثاني - غسل مس الأموات سنة.
الثالث - قول ابن بابويه: القنوت سنة واجبة من ترك متعمدا في كل
صلاة فلا صلاة له.
الرابع - قول الشيخ: الرمي مسنون، وفسره ابن إدريس بالوجوب.
وكل هذا يراد به الثبوت [بالسنة] (1)، فصار لفظ " السنة " من قبيل المشترك.
الفصل الثاني
(في اقسام الوضع)
وفيه أبحاث:
(الأول) قد عرفت أنه يقسم إلى السبب والشرط والمانع.
فالسبب لغة كل ذريعة إلى مطلوب، واصطلاحا كل وصف ظاهر منضبط دل

1) ليس " بالسنة " في ص.
28

الدليل على كونه معرفا لاثبات حكم شرعي بحيث يلزم من وجوده الوجود ومن
عدمه العدم.
وقد يتخلف الحكم عنه اما الوجود مانع أو فقد شرط. ووجود الحكم بدونه
محال، لان المراد به نوع السبب، فإذا عدم بعض أصنافه ووجد الحكم عند
صنف آخر فهو تابع لذلك الاخر.
أو نقول: الحكم الخاص المستند إلى سبب خاص يمتنع وجوده بدونه.
والشرط لغة العلامة، وعرفا ما يتوقف عليه التأثير، بحيث يلزم من عدمه العدم
ولا يلزم من وجوده الوجود، كالطهارة للصلاة والحول للزكاة.
والمانع يجئ بيانه.
(الثاني) في أقسام السبب وأحكامه، وفيه قواعد:
قاعدة:
السبب اما معنوي أو وقتي، فالأول هو كون الوصف مستلزما لحكمة باعثة
على شرعية الحكم، كالزنا فإنه سبب الحد، والملك فإنه سبب الانتفاع، والاتلاف
والمباشرة واليد فإنها أسباب الضمان.
وطريق السببية قد يكون الشرع، وقد تقدم.
والثاني أن لا يكون هناك حكمة ظاهرة سوى مجرد الوقت، كأوقات الصلوات
والزكاتين والصوم والحج.
قاعدة:
العلة لابد فيها من المناسبة للحكم المرتب عليها، سواء جعلناها باعثة أو
29

معرفة للحكم. والسبب أعم من ذلك، إذ من الأسباب ما لا يظهر فيه المناسبة.
فالعلة أقسام:
الأول - النجاسة في وجوب الغسل، فإنها مستقذرة طبعا، فناسب ذلك
وجوب الإزالة بالغسل وشبهه.
الثاني - الزنا في وجوب الحد، لأنه مؤد إلى اختلاط الأنساب، فيقع
التقاطع والتدابر، فناسب وجوب الحد الرادع عنه.
الثالث - القتل عمدا للمكافي في وجوب القصاص، فإنه سبب في زهاق
الأنفس المطلوب بقاؤها للقيام بعبادة الله، فجعل الرادع عنه القتل ليكون سببا
في بقاء الحياة، كما أشار إليه سبحانه بقوله " ولكم في القصاص حياة " (1).
الرابع - الكبيرة لا لعذر شرعي في الفسق، فإنها أمر فاحش عقلا وشرعا،
فلا يناسبها قبول الشهادة من المتلبس بها، بل يجب رد شهادته، ليرتدع هو
وأمثاله عنها.
ولو كانت الكبيرة لعذر كزنا الاكراه وشرب الخمر لإساغة اللقمة لم يكن
ذلك قادحا، لأنه لا يؤذن (2) بالتهاون بالأمور الشرعية.
والسبب الذي لا يظهر فيه مناسبة - وإن كان مناسبا في نفس الامر كما بين
في الأصول - مثاله كالدلوك وباقي الأوقات للصلوات والحدث الموجب للوضوء
والغسل والاعتداد مع عدم الدخول واستيناف العدة في المسترابة بعد التربص
والهرولة في السعي ورمي جمار وتقديم الأضعف على الأقوى في ميراث الغرقى
على القول الأصح من عدم التوريث مما ورث منه، فان العقل لا يهتدي إلى وجه

(1) سورة البقرة: 179.
(2) في هامش ص: يؤدي.
30

الحكمة المقتضية لنصب هذه الأشياء أسبابا دون غيرها أو شروطا أو موانع.
فالحكمة الظاهرة فيها مجرد الاذعان الانقياد، ولهذا قيل إن الثواب في
هذا النوع التعبدي أكثر، لما فيه من الانقياد المحض إلى العبادة، فهو أبلغ في
الاخلاص مما تهتدي العقول إلى علته، فإنه ربما كانت العلة باعثة على الفعل،
فلا يقع مخلصا.
ومن هنا عمل بعضهم بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، محافظة على
قوة التوطين على امتثال الامر. وليس ذلك ببعيد عن الصواب.
قاعدة:
السبب قد يكون قوليا كالعقود والايقاعات، ومنه تكبيرة الاحرام والتلبيات.
وقد يكون فعليا كالصيد والالتقاط والاحتياز واحياء الموات والكفر والزنا والسرقة
وقتل النفس المعصومة والوطئ المقرر لكمال المهر.
وزعم بعضهم أن الفعلي أقوى من القولي، لصحته من المحجور والعبد،
فان السفيه لو وطئ أمته فأحبلها صارت أم ولد، ولو أعتقها لم ينفذ (1). ولو
التقط العبد دون الدرهم أو اصطاد ملكه السيد ان شاء، ولو وهب (2) لم يملك
السيد ولا يتملك.
قاعدة:
السبب والمسبب باعتبار الزمان مقارنة وعدمها أقسام:

(1) في النسختين كلتيهما هكذا، ولعله " لم ينفذ " والمراد: ولو أعتقها لم يصح.
(2) أي ولو وهب شخص العبد شيئا لم يملك السيد بهذا الشئ لان العبد لا يجوز
له القبول.
31

(الأول) ما يتقارنان كالشرب والزنا والسرقة والمحاربة والمقارنة لاستحقاق
الحد وقتل الكافر لاستحقاق السلب مع الشرط (1) لا بدونه في الأصح.
ومن ذلك مقارنة الملك لأسبابه مع النية على الأقوى كالحيازة والاصطياد
والاخذ من المعدن والاحتطاب والاحتشاش والاحياء.
(الثاني) ما يتقدم فيه المسبب كتقدم غسل الجمعة في الخميس وغسل الاحرام
على الميقات واذان الفجر ليلا وزكاة الفطرة في شهر رمضان على قول مشهور
الا أن يجعل السبب دخول الشهر فيكون من المقارن، وتقديم الزكاة قبل الحول
بشهر أو شهرين على قول ضعيف.
ومن هذا القسم أيضا توريث الدية للوارث، مع أنها لا تجب الا بعد الموت
وهو بعد موته لا يملك شيئا، والإرث إنما هو لما كان مالكا له قبل الموت.
وإنما قدر العلماء تملكه قبل موته لينتقل عنه إلى ورثته، الا أنه على هذا
التقدير لا يتقدم الحكم على سببه.
وهذا التقدير واجب لوجوب قضاء ديونه وانفاذ وصاياه، وربما التزم
بعضهم بجواز الملك الميت في هذه الصورة.
واعلم أنه لا يجوز تقديم دم المتعة على الاحرام بالحج، ولا صومه على
الظاهر، ولاجزاء الصيد قبل موته، ولا فدية اللبس والطيب والحلق، ولاجزاء
النذر قبل شرطه، ولا كفارة الظهار قبل العود، ولا كفارة القتل على الزهوق،
ولا كفارة اليمين على الحنث.
(الثالث) ما اختلف فيه ووقع فيه شك، وهو صيغ العقود والايقاعات،
فقيل بمقارنة الحكم للحرف الأخير من اللفظ، وقيل بل يقع عقيبه بلا فصل.

(1) أي مع شرط الامام ان كل من قتل قتيلا فله سلبه.
32

ويتفرع على ذلك أمران:
الأول - لو زوج الكافر ابنه الصغير امرأة بالغة ثم أسلم الأب والمرأة معا،
فان قلنا بمقارنة الجزء الأخير استمر النكاح لعدم سبق اسلامها، وان قلنا بالتعقيب
فاسلام الولد الحكمي إنما حصل بعد اسلام أبيه فيكون اسلامها سابقا فينفسخ
النكاح.
الثاني لو باع المفلس ماله من غريمه بالدين ولا دين سواه، فان قلنا إن
ارتفاع الحجر يقارن الجزء الأخير من البيع صح، وان قلنا يتعقبه بطل. لان
صحة البيع موقوفة على رفع الحجر الموقوف على سقوط الدين الموقوف
على صحة البيع، فيدور.
ويحتمل الجزم بصحة البيع هنا، لان هذا الحجر لحق الغريم، والغرض
منه عدم نزول الضرر به، وهو منفي هنا، كما لو باع الراهن الرهن من المرتهن.
أو نقول: مجرد ايقاع القبول معه رضى يرفع الحجر.
قاعدة:
السبب والمسبب قد يتحدان وقد يتعددان، ومع التعدد قد يقع دفعة وقد
يترتب. ثم قد تتداخل الأسباب والمسببات وقد تتباين، فهنا مباحث:
(الأول) اتحادهما، كالقذف والحد إذا صدر من الفاسق أو العدل، ان لم
نعتبر مسببية الفسق، وكالدلوك لايجاب صلاة الظهر، ولو اعتبرنا مسببية سببها
تعدد المسبب.
(الثاني) ان تعدد (1) الأسباب والمسبب واحد كأسباب الوضوء الموجبة له،

(1) في ص: انه يتعدد الأسباب.
33

فيجزي عنها واحد إذا نوى رفع الحدث وأطلق، وأن نوى رفع واحد منها فالأصح
ارتفاع الجميع، الا أن ينوي نفي رفع غيره فيبطل.
وان تعددت أسباب الغسل، قال شيخنا الأقرب أنه كذلك.
وتفصيل بعض الأصحاب بنية الجنابة المجزية عن غيرها وعدم اجزاء غيرها
عنها، بعيد.
والأصل فيه أن المرتفع ليس نفس الحدث، بل المنع من العبادة المشروطة
به، وهو قدر مشترك بين الجميع والخصوصيات ملغاة.
وفيه نظر، لمنع الغاء الخصوصيات، فان خصوصية الجنابة لا توجب
الوضوء بخلاف غيرها. وهذا صريح في اعتبار الخصوصية، فلا يجزي نيتها
عن غيرها (لكن ان نوى خصوصية، توجب الوضوء والغسل وجبا والا اكتفى (1)
بالغسل وحده كنية الجنابة) (2).
وأما الاجتزاء بغسل الميت لمن مات جنبا أو حائضا بعد طهرها فليس من هذا الباب، إذا بالموت يرتفع التكليف، فلا يبقي للأسباب المتقدمة أثر.
وما روي من أنه يغسل غسل الجنابة بعد موته، (3) يوجب عدم التداخل في

(1) في ص: والا اكتفى بنية الغسل وحده.
(2) في ص ما بين القوسين " لكن " إلى كنية الجناية " مقدم على " وهذا صريح " إلى
" عن غيرها ".
(3) الكافي 3 / 154 وفي التهذيب 1 / 433 بسنده عن عيص عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: سألته عن رجل مات وهو جنب. قال: يغسل غسلة واحدة بماء ثم يغسل بعد ذلك.
ثم روى روايتين في هذا المنعى عن عيص، وفي إحداهما: قال: يغسل من الجنابة
ثم يغسل بعد غسل الميت. وقال: فلا تنافي بين هذه الأخبار وبين ما قدمناه أولا، لأن هذه
الروايات الأصل فيها كلها عيص بن القاسم وهو واحد، ولا يجوز أن تعارض بواحد جماعة
كثيرة لما بيناه في غير موضع، ولو صح لاحتمل أن يكون محمولا على ضرب من الاستحباب
دون الفرض والايجاب.
على أنه يمكن أن يكون الوجه في هذه الأخبار أن الامر بالغسل بعد غسل الميت غسل
الجنابة إنما توجه إلى غاسله، فكأنه قيل له ينبغي أن تغسل الميت غسل الجنابة ثم تغتسل
أنت، فيكون ذلك غلطا من الراوي أو الناسخ.
وقد روى الذي ذكرناه هذا الرواي بعينه، ثم روى بسنده عن عيص عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا مات الميت وهو جنب غسل غسلا واحدا ثم اغتسل بعد ذلك. تم ما
في التهذيب، وكذا قال في الاستبصار أيضا.
وفي هامش الاستبصار عن المولى المجلسي الثاني في شرح " ثم يغسل بعد غسل
الميت " قال رحمه الله: يمكن حمله على أن المعنى إزالة الجنابة، أي المني، بأن يقرأ
" يغسل " بالتخفيف - انتهى.
وقال أبوه المجلسي الأول المولى محمد تقي رضوان الله تعالى عليهما في كتابه الشريف
" روضة المتقين " عند شرح رواية " الجنب إذا مات غسل غسلا واحدا يجزي عنه لجنابته "
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، وفي معناه أخبار كثيرة. وما
ورد من الامر بالغسل منها محمول على التقية أو الاستحباب، والظاهر أن التداخل كناية
عن أنه كان جنبا يرتفع حكم الجنابة بالغسل، لا أنه جنب لأنها من أحكام الاحياء لا الأموات.
ويمكن حمله على الظاهر ويقال ببقاء حكمها وارتفاعه بغسل الميت، على أنه قد تقدم ان
غسل الميت أيضا غسل الجنابة وفي حكمه - انتهى.
34

الغسلين المنسوبين إلى الولي (المباشر لغسله) (1) أو نائبه، أما الميت فليس له هنا
مدخل الا في قبول الغسل (1) إذا كان مسلما.
واختلف (1) في تداخل أسباب الأغسال المندوبة إذا انضم إليها واجب،
وظاهر الروايات التداخل.

(1) ما بين القوسين ليس في ص. وفيه: الا في قبول الغسلة. أيضا فيه: واختلفوا
في تداخل.
35

أقول: يمكن حملها على التداخل النوعي، (والا) (1) فلا دلالة فيها.
فعلى التداخل فهل يشترط نية السبب؟ يحتمل ذلك، لقوله عليه السلام:
إنما لكل المرئ ما نوى. فيشكل حينئذ مع انضمام الواجب، إذا الفعل الواحد
لا يقع على وجهين متباينين، مع أن فروع النية فعلى القول باجزاء نية القربة
تلغى الأسباب خصوصا مع الاشتراك في الوجوب كالجنابة والحيض والمس،
أو الاشتراك في الندب كالجمعة والزيارة والحرام، فان الالغاء موجه.
وظاهر المحقق اعتبار نية السبب في الأغسال المندوبة دون الواجبة (2)، قال:
وربما نسب إلى التحكم، وليس لان الغرض في الواجبة زوال المنع من العبادة
وهو قدر مشترك كما تقدم، أما المندوبات فالغرض منها التنظيف لأجلها،
فالخصوصيات مرادة فيها، فالتحكم ممن نسبه إلى التحكم.
فان قلت: على القول باجزاء نية القربة يلغى السبب كما تقدم.
قلت: ذلك في الواجبة أو المندوبة من حيث اعتبار جهة الندب أو الوجوب
أما من حيث سببيتها فلا، فان نية السبب مشخصة للفعل، ولا قائل باجزاء نية القربة
عن تشخص الفعل.
وبيانه: ان الناوي للغسل المطلق تقربا معرضا عن السبب في شرعية الغسل
ملتزم بشرعية غسل لا لسبب (له) (3)، وهذا لا وجود له في الشرع، فحينئذ إنما
يحصل الغسل عبادة القصد إلى السبب، وعند التجرد عنه يكون فعلا مطلقا

(1) ليس " والا " في ك.
(2) قال في الشرائع في الأغسال المسنونة: إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا يكفي نية
القربة ما لم ينو السبب، وقيل إذا انضم إليها غسل واجب كفاه نية القربة، والأول أولى.
وذكر المسألة في المعتبر مشروحا.
(3) ليس " له " في ك.
36

لا يوصف بالتقرب.
لا يقال: هذا يسد باب الاجتزاء بنية القربة في الطهارة، مع أنه قال به جمع
من فحول العلماء.
لأنا نقول: بالتزامه فيها، والقائل ليس جميع الامامية حتى يكون اجماعا
لا يجوز رده.
مع أنه يمكن الفرق بالاحتمال الوجوب لنفسها كما قيل في غسل الجنابة،
ولعل القائل به يتمسك بالاجتزاء بالقربة الساذجة في تمسكاته الاخر.
وقد قال بعض المفسرين والفقهاء: بأن جميع الوضوءات والأغسال الواجب
لنفسها.
فان قلت: الأسباب معتبرة على المذهبين، ولم يشترط صاحب نية القربة
قصد الأسباب، فليكن في الأغسال المندوبة كذلك.
قلت: الفرق عند من قال بالوجوب النفسي أن السبب في الواجب فاعلي
وفي الندب غائي، وظاهر أن الغاية معتبرة في كل فعل اختياري. وبه استدل
المتكلمون على علم الله وارادته، والعدلية منهم على اعتبار الغرض في أفعاله تعالى.
ومن التداخل موجبات الافطار في يوم واحد للكفارة على قول، ويتداخل
ما عدا الوطئ في قول، ويتداخل مع عدم تخلل التكفير في المتحد الجنس وعدم
التداخل في المختلف الجنس مطلقا وفي المتحد مع التخلل في قول. وهو
الأقوى.
ومنه تداخل مرات الوطئ بالشبهة بالنسبة إلى وجوب مهر واحد ان أتحدث
الشبهة، ولو تعددت فالأقوى عدم التداخل.
ومنه تعدد وطئ المستكرهة. نعم تداخل مرات الزنا يوجب حدا واحدا.
37

ومن التداخل أسباب السرقة في الاجتزاء بقطع واحد، ولم يظفر به (1). وفي
الرواية: لو قامت البينة بسرقة أخرى بعد القطع قطع ثانيا. وفيه بعد، وأبعد
إذا ما أمسك للقطع ثم قامت البينة بأخرى.
ولا شك في تداخل أسباب المحاربة في قطع واحد أو قتل أو نفي، وكذا
أسباب القذف لو أخذ في حد واحد أو لعان واحد، وكذا الشرب وان تغاير
جنس المشروب.
وفي تداخل أسباب التعزير، شك، إذ تضعيفه بالزيادة هل يكون من باب
تعدد التعزير أم لا؟.
الثالث أن يتعدد السبب ولكن يختلف الحكم، فينقسم حينئذ أقساما:
" الأول " ما يمكن فيه الجمع، بأن يندرج أحدهما في الاخر، كما إذا
نوى داخل المسجد فريضة أو نافلة راتبة، فالظاهر اجزاؤها عن التحية. ويحتمل
العدم توفية لحق الأسباب مع اختلاف الأحكام.
ومنه أداء الوضوء المستحب، كوضوء قراءة القرآن بالوضوء الواجب
والأصل فيه أن الغرض من الوضوء رفع الحدث وهو حاصل، فلا معنى للتعدد.
وكذا يقال: الغرض ايجاد حقيقة الصلاة لداخل المسجد وهو حاصل هنا.
ويمكن الفرق بأن الجمع بين رافعي الحدث غير متصور بخلاف الجمع
بين صلاة فريضة وتحية أو نافلة راتبة وتحية.
ومنه عدم تداخل أسباب النوافل في مسبب واحد، كالقضاء والأداء والعيد
والاستسقاء. نعم قد قيل في صلاة جعفر عليه السلام بجواز احتسابها من رواتبه،

(1) أي ولم يظفر بالسارق في المرات السابقة.
38

وكذا ركعتا الفصل بين الأذان والإقامة يتأديان بركعتين من نوافل الزوال.
وفي تأدي صلاة الاستخارة ببعض النوافل المسببة احتمال، اما بالفريضة
فلا، لما روي من كونهما من غيرها.
ومنه أسباب الحج كالنذر المطلق وحجة الاسلام، ففي تأدي حجة الاسلام
بنية النذر قولان أصحهما العدم، ولا خلاف في عدم اجزاء العكس.
وكذا لو نذر حجا ولا مال له فحج عن غيره، ففي تأدي النذر بالحج عن
الغير قولان، الا صح أيضا العدم.
وقد قيل باجزاء تكبيرة الاحرام عنه وعن الركوع إذا نواهما، كما في المأموم
إذا أدرك الامام راكعا. قاله الشيخ.
" الثاني " ما لا يمكن فيه الجمع، كقتل الواحد جماعة اما دفعة كأن يسقيهم
سما أو يهدم عليهم جدارا أو يغرقهم أو يجرحهم فيسري إلى الجميع، أو على
التعاقب. ففي الأول يقتل بالجميع، وفي وجه لبعض الأصحاب يقتل بواحد
اما بالقرعة أو بتعيين الامام ويأخذ الباقون الدية. وفي الثاني يقتل بالأول، فان
عفى عنه أو صولح بمال قتل بالثاني، وعلى هذا ويكون لمن بعده الدية.
وقيل يقتل بالجميع كالدفعي ويكون لهم ديات مكملة لحقوقهم على
احتمال مخرج (1)، كما إذا هرب القاتل أو مات وقلنا تؤخذ الدية من تركته.

(1) التخريج اجراء مناط مسألة في مسالة أخرى فتلك المسألة مخرجة. وبعبارة أخرى:
التخريج تعدية الحكم من منطوق به إلى مسكوت عنه، اما لاشتراكها في العلة كتحريم بيع العنب
بالزبيب المستفاد من تحريم الرطب بالتمر، أو يكون المسكوت عنه أولى في الحكم من
المنطوق به كتحريم الضرب المستفاد من التأفيف الناطقة به الآية الشريفة " ولا تقل لهما أف ".
39

" الثالث " ما يمكن فيه اعمال السببين، كتوريث عم هو خال وجدة هي
أخت على نكاح المجوس، أو في الشبهة للمسلمين.
" الرابع " ما يتنافيان فيه، فيقدم الأقوى منهما، كتوريث الأخ الذي هو
ابن عم.
" الخامس " ما يتساقطان فيه، كتعارض البينتين على القول بالتساقط
وتعارض الدعاوي لا يتساقط (1) فيه لوجوب اليمين على كل من المتداعيين فيه.
" الرابع " أن يتحد السبب ويتعدد المسبب، وهو قسمان:
الأول: ان يندرج بعض المسببات في بعض، كالزنا يوجب الحد ويحصل
مع (2) الملامسة، وهي موجبة للتعزير فيغني الحد عنه، وكقطع الأطراف بضربة
فإنه بالسراية إلى النفس تدخل دية الطرف في دية النفس. وأما القصاص فثالث
الأقوال تداخله إن كان بضربة واحدة وعدمه ان تعددت، فالأول من الباب والثاني
ليس منه.
وزنا المحصن يوجب الجلد والرجم، فيجمعان (3) للشيخ والشيخة، ولا
تداخل، وفي الشاب والشابة قيل بالتداخل، فيكون من الباب لان ما يوجب
أعظم (4) الامرين بخصوصه لا يوجب أخفهما بعمومه. وقيل يجمع بينهما، وهو
الأصح لفعل علي عليه السلام، فإنه قال في سراحه (5) جلدتها بكتاب الله ورجمتها
بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله.

(1) في ص وهامش ك: لا تساقط فيه.
(2) في ص: ويحصل معه الملامسة.
(3) في ص: فيجتمعان.
(4) أعظم الامرين هو الرجم فإنه أعظم من الجلد، وهو مختص بالزاني إذا كان شابا
بالاتفاق.
(5) في هامش النسختين والتهذيب " سراقة " وفي الفقيه " شراجة ". وقال المولى
المجلسي في " روضة المتقين " في شرح الحديث الشريف: كما في كتب العامة، أو " بسراقة "
كما في بعض النسخ وفي التهذيب. أقول: الحديث في التهذيب 10 / 47، روضة
المتقين 10 / 16 وسائل الشيعة 18 / 375. ولم يذكروا قول أمير المؤمنين عليه السلام:
جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
40

الثاني: ما لا اندراج فيه كالحيض والنفاس ومس الأموات والاستحاضة مع
كثرة الدم، فإنها توجب الوضوء والغسل ولا تداخل، وكالقتل يوجب الفسق
والقود والكفارة جمعا إن كان عمدا وإن كان خطأ أو شبيها يوجب الدية والكفارة
المرتبة.
واتلاف مال الغير عدوانا يوجب الضمان والتعزير والفسق، وقذف المحصنة
يوجب الجلد والفسق، وزنا البكر يوجب الجلد والجز (1) والتغريب، وسائر
الحدود تجامع الفسق والسبب واحد.
والحدث الأصغر سبب لتحريم الصلاة والطواف، وسجود السهو وسجود
العزيمة على قول، ومس المصحف والحدث الأكبر يزيد على ذلك قراءة
العزيمة، واللبث في المساجد مطلقا والجواز في المسجدين وتحريم الصوم،
وإذا كان حيضا أو نفاسا يزيد تحريم الوطئ والطلاق إلى غير ذلك من الأحكام،

(1) الجز: القطع، يقال: جززت الشعر أي قطعته. قال في الشرائع: واما الجلد
والتغريب فيجبان على الذكر الحر غير المحصن يجلد مائة ويجز رأسه ويغرب عن مصره
إلى آخر عاما مملكا كان أو غير مملك، وقيل: يختص التغريب بمن أملك ولم يدخل، وهو
مبني على أن البكر ما هو، والأشبه انه عبارة عن غير المحصن وان لم يكن مملكا.
وقال في المسالك: هذه الثلاثة - أي الجلد والجزو التغريب - يجب على البكر
اتفاقا. ثم ذكر اختلاف الفقهاء في البكر انه المملك، أي من عقد على امرأة دواما ولم
يدخل بها، أو انه شامل عليه وعلى غيره ممن لم يكن له زوج.
41

وكذا الوطئ في النكاح (1)، إذ العقد وحده يوجب أشياء كثيرة تأتي في
بابها انشاء الله تعالى.
فائدة:
الفرق بين أجزاء السبب والأسباب المجتمعة أن الحكم إذا ورد بعد أوصاف
فان ترتب على كل واحد منها بانفراده فهي أسباب كأسباب الوضوء المشهورة
واجبار الكبر الصغيرة، فان الصغر كاف اجماعا والبكارة كافية على قول جماعة
من الأصحاب.
وان ترتب على الجميع لا على كل واحد فالسبب واحد مركب وتلك
الأمور أجزاؤه، كما في القتل العمد العدواني مع التكافؤ، فان كل واحد من
هذه الأوصاف لو انفرد لم يترتب عليه الحكم وهو القصاص.
والفرق بين جزء العلة وجزء الشرط يعلم مما سبق.
قاعدة:
قد تقدم أن السبب قد يكون قوليا كالعقود والايقاعات، وقد يكون فعليا.
والفعلي اما منصوب (2) ابتداءا كالقتل والزنا واللواط، واما غير منصوب (2) بالأصالة
من الشارع لكن مع القرائن المقالية أو الحالية (مختصة بأدلة) (3) كتقديم الطعام
إلى الضيف كما يجئ.

(1) في ص: أو العقد وحده.
(2) كذا في النسختين وبظني " منصوص " في المقامين.
(3) ما بين القوسين ليس في ص.
42

ثم الفعلي أيضا قد يكون قلبيا كنيات الزكاة والخمس في التملك ونيات
العبادات في ترتب أحكامها عليها، وقد يكون الوقت سببا لحكم شرعي كأوقات
الصلوات.
وهو أيضا ظرف لما كلف به، فليس السببية مختصة بأدلة (1) الدلوك مثلا،
والا لم يجب الظهر على من أسلم أو بلغ في أثناء النهار بعد الدلوك بلحظة،
بل كل جزء من الوقت سبب للوجوب وظرف للايقاع.
وكذا أجزاء أيام الأضاحي سبب للامر بالأضحية وظرف لايقاعها فيه، ومن
ثم استحبت على من تجدد اسلامه وبلوغه.
أما شهر رمضان فان كل يوم من أيامه سبب للتكليف لمن استقبله جامعا
للشرائط، وليس أجزاء اليوم سببا للوجوب، ومن ثم لم يجب على البالغ أو
المسلم في أثناء الصوم.
فان قيل: فينبغي في المريض والمسافر ألا يجب الصوم وقد زال العذر قبل
الزوال.
قلنا: المرض والسفر ليسا مانعين للسبب، وإنما منعا الحكم بالوجوب،
فإذا زال المانع ظهر أثر السبب.
فائدة:
الوقت قد يفضل عن الفعل كما يجئ، وقد لا يفضل كهذا، (2) فإنه لا فضل
فيه عن الفعل ولا نقص (2)، وكزمان وقوف عرفة والمشعر الاختياريين، أما

(1) في هامش ك: كالدلوك. وفي ص: فليس السببية مختصة بأوله كالدلوك.
(2) في هامش ك: " فليس " مكان " كهذا " وفي ص: ولا نقض.
43

الاضطراريين فالوقت أوسع من الفعل كأوقات الصلاة.
قاعدة:
ثم الوقت قد يعرى عن السببية وإن كان لا يعرى عن الظرفية، وهو واقع
في كثير كالمنذورات المعلقة على أسباب مغايرة للأوقات فوقتها جميع العمر،
وكالسنة بكمالها في قضاء شهر رمضان فإنها ظرف للايقاع وليست سببا، إنما
السبب هو الفوات لما كان قد أثر فيه السبب الموجب للأداء، فان موجب أداء
شهر رمضان رؤية الهلال وموجب القضاء هو فوات الأداء.
وكذا جميع العمر ظرف للواجبات الموسعة كالنذر والكفارة، وان كانت
أسبابها مغايرة للزمان.
وكذلك شهور العدد والأقراء ظروف للعدة والسبب الطلاق أو غيره.
وكذا سبب الفطرة دخول شوال على الأصح، ومجموع الليلة ونصف النهار
ظرف لا سبب، فلا تجب على من كمل بعد دخول شوال.
قاعدة:
لو علق حكما على سبب متوقع وكان ذلك الحكم يختلف بحسب وقت
التعليق ووقت الوقوع، ففي اعتبار أيهما، وجهان مأخذهما من الموصى بثلث
ماله هل يعتبر يوم الوصية أو يوم الوفاة؟
والمشهور عندنا الثاني، لان بالموت يملك الموصى له، وكذا الصفات
المعتبرة في الوصي. ومن قال باعتبار يوم الوصية أجراه مجرى ما لو نذر الصدقة
بثلث ماله، فإنه معتبر عند النذر إن كان منجرا.
44

ولو كان معلقا على شرط ففيه الوجهان.
وكذا لو أطلق العبد الوصية فتحرر ومات، أو نذر العتق أو الصدقة فتحرر
أو علق الظهار على مشيئة زيد وكان ناطقا فخرس، فهل تعتبر الإشارة حينئذ - كما
لو كان أخرس ابتداء (أو النطق اعتبارا بحال تعليقه؟ فيه الوجهان) (1).
أو نذر عتق عبده عند شرط فوقع حال المرض، ففيه الوجهان. ان اعتبرنا
حال النذر فهو من الأصل، والا فمن الثلث.
قاعدة:
لو شك في سبب الحكم بنى على أصل، فهنا صورتان:
(الأولى) أن يكون الأصل الحرمة ويشك في سبب الحل، كالصيد المتردي
بعد رميه فيوجد ميتا، فإنه حرام الا أن يقضى أن الضربة قاتلة، اما لكونها في محل
قاتل، واما لغلبة الظن بعدم عروض سبب آخر.
وكذا الجلد المطروح أو اللحم مع عدم قيام قرينة مغنية (2).
(الثانية) أن يكون الأصل الحل والشك في السبب المحرم، كالطائر
المقصوص (3) والظبي المقرط (3)، فظاهر الأصحاب التحريم لقوة الامارة.

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
(2) في ص وهامش ك: معينة. قيل: القرينة في اللحم وجدانه مقطعا بالسكين وشبهه
وفي الجلد أن يكون مدبوغا.
(3) القص: القطع، والطائر المقصوص: المقطوع جناحه. والظبي المقرط: الذي
في اذنه قرط، فإنهما علامتان للملكية فيحرم الاخذ ولا يكونان مباحا. في ك: المقرطق.
وقرطق كجعفر ملبوس يشبه القباء.
45

أما لو علق أحد رجلين ظهار زوجته بكون الطائر عرابا وعلقه الاخر بكونه
غير غراب، فالأولى عدم وقوع الظهارين إذا امتنع استعلام حاله عملا بالأصل
وإن كان الاجتناب أحوط.
ولو كان في زوجتين لواحد اجتنبا، لأنه قد علم تحريم إحداهما في حقه
لا بعينها.
ولو غلب الظن على تأثير السبب بنى على التحريم، كما لو بال كلب في
الماء فوجده متغيرا. وإن كان بعيدا فلا أثر له، كتوهم الحرمة في ماء الغير (1).
ولو تساوى الاحتمالان كطين الطريق، وثياب مدمني الخمر وملامسي النجاسة
والميتة مع المذكى غير المحصور، والمرأة المحرمة مع نساء غير محصورات -
فالأقرب الحكم بالطهارة والحل، وإن كان الاجتناب أحوط مع وجود غيره مما
لا شبهة فيه.
ومن ذلك وقوع الثمرة (2) المحلوف عليها في ثمر كثير (2)، فإنه يأكل ما عدا
واحدة.
وكذا وجدان المال في أيدي الظلمة والسراق ومن لا يجتنب المحارم،
وإن كان الورع تركه، بل من الورع ترك كل ما لا يتيقن حله، كما روي عن
الني صلى الله عليه وآله وسلم: اني لأجد الثمرة ساقطة على فراشي فلو لا اني
أخشى أن تكون من الصدقة لا كلتها.

(1) في ص: في يد الغير.
(2) في ص: التمرة، في ثمر كثير.
(3) أخرجه البخاري في اللقطة. وفيه: التمرة.
46

ولو انحصر المشتبه فالأولى الحرمة، لأنه من باب ما لا يتم الواجب الا به.
ولو عم بلدة الحرام وندر فيها الحلال، فالأولى التجنب مع الامكان، ولو
لم يتمكن تناول ما لا بد منه من غير تبسط.
هذا لو علم المالك، ولو جهل فعندنا الفرض الخمس، فيمكن أن يقال:
من تناول منه شيئا خمسه وعند العامة كل مال جهل مالكه ولا يتوقع معرفته فهو
لبيت المال، وقد نظم بعضهم وجوه بيت المال فقال:
جهات أموال بيت المال سبعتها * في بيت شعر حواها فيه لافظه
خمس وفي، خراج جزية عشر * ميراث فرد ومال ضل حافظه
وظاهر كلام أصحابنا انحصار وجوه بيت المال في المأخوذ من الأرض
المفتوحة عنوة خراجا أو مقاسمة، ويمكن الحاق سهم سبيل الله في الزكاة به
على القول بعمومه. وقد ذكر الأصحاب أن مصرف الجزية عسكر البلد (1)،
والعشر لا أصل له عندنا، وارث من لا وارث له للامام، والمال المأيوس من
صاحبه يتصدق به.
نعم قال المرتضى في دية الجناية على الميت انها لبيت المال.
ويجري في كلام بعض الأصحاب أن ميراث من لا وراث له لبيت المال،
والظاهر أن مراده بيت مال الإمام، وأما الخمس فمصرفه معلوم عندنا.
قاعدة:
قد يكون الشك سببا في حكم شرعي، وقد لا يكون والأول إن كان الحكم
تحريما - كمن شك في الشاة المذكاة أو الميتة وفي أخته وأجنبية - فان ذلك

(1) في ص: عسكر الامام.
47

سبب في تحرم الكل، وإن كان الحكم وجوبا أتى بالمشكوك عنه ونوى جازما
بوجوب الفعل المشكوك فيه وقاطعا بالتقرب به إلى باريه للقطع بسببه.
ومن ثم إذا نسي صلاة ولم يعلمها وقلنا بوجوب خمس أو ثلاث، لا نقول إن
الناوي متردد في النية فتبطل نيته، بل هو جازم بحصول سبب الوجوب،
وهو الشك.
وبهذا يندفع قول من قال بتصور النية في النظر الأول الذي يعلم به وجود
الصانع، فإنه ينوي مع الشك كما نوى في هذه المواضع، لأن الشك هنا
غير حاصل للجزم بوجوب سببه فيجب مسببه.
وان كنا لا نقول بأن جميع أقسام الشك سبب في الايجاب، لان منها ما يلغى
قطعا، كمن شك هل طلق أم لا وهل سهى في صلاته أم لا.
مع أن لقائل أن يقول: لا نسلم ان الشك سبب في شئ مما ذكر، أما في
الطهارة فلان الوجوب مستند إلى الحدث الحاصل بعد وجوب الصلاة والأصل
عدم فعلها، وكذلك الصلاة والزكاة. وأما التحريم فسببه أن اجتناب الحرام
واجب ولا يتم الا باجتنابهما، فلا يكون الشك سببا في وجوب شئ. وأما
النظر المعرف فليس له أصل قبله يرجع إليه ليكون سببا في نيته الواقعة على
طريقة التردد.
نعم قد عد من موجبات سجدتي السهو الشك بين الأربع والخمس، ومن
موجبات الاحتياط الشك بين الاعداد المشهورة، ورتب على ذلك الشك وجوبه،
لقول الصادق عليه الصلاة والسلام: إذا لم تدر أربعا صليت أو خمسا زدت أو
نقصت فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو (1).

(1) التهذيب 2 / 196، الكافي 3 / 355، الوسائل 3 / 327.
48

وقوله عليه السلام: إذا لم تدر أثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الأربع
فسلم وانصرف وصل ركعتين وأنت جالس (1).
وان قلت: الاحتياط خارج عن ذلك، لان الأصل عدم فعل ما شك فيه،
فيكون الوجوب مستندا إلى هذا الأصل.
فالجواب: لو كان الاستناد إلى هذا لما انفصل عن الصلاة بنية وتكبير وتشهد
وتسليم، ولما جاز فيه الجلوس والقيام والتعدد.
البحث الثالث
(في الشرط)
وفيه قواعد وفوائد:
قاعدة:
قد تقدم تعريفه على وجه مختصر، فلنذكر هنا تعريفه مع السبب على وجه
البسط، فنقول:
السبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته، فالتلازم في الوجود
يخرج الشرط وفي العدم يخرج المانع، فإنه لا يلزم من عدمه عدم شئ، إنما
يؤثر وجوده في العدم.
وقوله " لذاته " احتراز من مقارنة وجود السبب عدم الشرط أو وجود المانع.
والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، ولا عدم لذاته،
ولا يشتمل على شئ من المناسبة في ذاته بل في غيره. فاعتبرنا فيه أمورا:

(1) الكافي 3 / 353، التهذيب 2 / 184، الوسائل 3 / 320.
49

الأول: يلزم من عدمه العدم، وبه يخرج المانع، فإنه يلزم من عدم الوجود.
الثاني: أنه لا يلزم من وجوده وجود، وبه يخرج السبب.
الثالث: كونه لذاته احتراز من مقارنة وجوده لوجود السبب، فيلزم الوجود
ولكن ليس لذاته بل لأجل السبب، أو مقارنة وجوده قيام المانع فيلزم العدم
لأجل المانع لا لذاته.
الرابع: كونه لا يشتمل على مناسبة احترازا من جزء العلة، فإنه يلزم من
عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، الا أنه يشتمل على جزء المناسبة
فان جزء المناسب مناسب.
قاعدة: في أقسامه:
وهي أربعة:
الأول: يكون لغويا، وهو مطلق التعليق على شئ، كتعلق الظهار على
الدخول. وهو ملازم لنا في الشروط في الوجوب والعدم، فهو سبب بهذا الاعتبار.
الثاني: يكون عرفيا، كالسلم في صعود الدرج.
الثالث: يكون شرعيا، كالطهارة مع الصلاة.
الرابع: يكون عقليا، كالحياة مع العلم.
فاطلاق اسم الشرط عليها اما بطريق الاشتراك أو الحقيقة والمجاز، بناءا
على أن المجاز خير من الاشتراك أو العكس. ويحتمل أن يكون بطريق الموطاة،
إذ القدر المشترك بينها توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما عدا ذلك.
50

قاعدة:
كل معلق على شرط اما في التأثير أو الوجود، فإنه يشترط تقدم المعلق
عليه، كالظهار المعلق على الدخول يشترط فيه تقدم الدخول.
وقد يعلق الشرط على شرط آخر أيضا إلى مراتب كثيرة، فيشترط تقدم
تلك الشرائط مترتبة، كما في قوله تعالى " وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي
ان أراد النبي أن يستنكحها " (1) وقوله تعالى " ولا ينفعكم نصحي ان أردت أن
أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم " (2).
وتسميه النحاة اعتراض الشرط على الشرط (3)، ومثل قول ابن دريد:

(1) سورة الأحزاب: 50.
(2) سورة هود: 34.
(3) قال في المغني: ذكروا أنه إذا اعترض شرط على آخر نحو " ان اكلت ان شربت
فأنت طالق " فان الجواب المذكور للسابق منهما وجواب الثاني محذوف مدلول عليه
بالشرط الأول وجوابه، كما قالوا في الجواب المتأخر عن الشرط والقسم. ولهذا قال محققوا الفقهاء في المثال المذكور: انها لا تطلق حتى تقدم المؤخر
وتؤخر المقدم، وذلك لان التقدير حينئذ ان شربت فان أكلت فأنت طالق. وهذا كله حسن، ولكنهم جعلوا منه قوله تعالى " ولا ينفعكم نصحي ان أردت ان أنصح
لكم إن كان الله يريد ان يغويكم " وفيه نظر، إذ لم يتوال شرطان وبعدهما كما في المثال
وكما في قول الشاعر:
ان تستغيثوا بنا ان تذعروا تجدوا * منا معاقل عز زانها كرم
وقول ابن دريد: فان عثرت بعدها ان وألت * نفسي من هاتا فقولا لالعا
إذ الآية الكريمة لم يذكر فيها جواب وإنما تقدم على الشرطين ما هو جواب في
المعنى للشرط الأول، فينبغي ان يقدر إلى جانبه، ويكون الأصل: ان أردت أن أنصح لكم
فلا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم واما ان يقدر الجواب بعدهما ثم يقدر بعد
ذلك مقدما إلى جانب الشرط الأول، فلا وجه له. والله أعلم.
51

فان عثرت بعدها ان وألت * نفسي من هاتا فقولا لا لعا
وقال آخر:
ان تستغيثوا بنا ان تذعروا تجدوا * منا معاقل عزانها الكرم
والمشهور بين النحاة والفقهاء ان كل شرط لا حق فإنه شرط في السابق،
فيجب تقدمه عليه، والآيتان والشعر المذكور صريح في ذلك، وإن كان في الآية
الأولى احتمال أن تكون الإرادة متأخرة، لأنها كالقبول لهبتها والقبول متأخر
عن الايجاب.
ويحتمل أن يقال: إن إرادة النبي صلى الله عليه وآله تعلقت بإرادة
الهبة منها، لعلمه ذلك من قصدها، فلو قال: ان أعطيتك ان وعدتك ان سألتني
فأنت علي كظهر أمي، اشترط أن يتبدئ بالسؤال ثم بعدتها ثم يعطيها، كأنه قال:
سألتني فوعدتك فأعطيتك. فعلى هذا لو تقدم الشرط الأول في الوقوع على
الثاني لم تكن مظاهرة.
وعن بعضهم انه لا يبالي بذلك، إذ المقصود هو اجتماع الشرطين، وحرف
العطف مراد هنا كما مراد في " جاء زيد جاء عمرو "، ولو أنه أتى بالواو كان
الغرض مطلق الاجتماع.
ويرد عليه: أن التقدير خلاف الأصل.
والشروط اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم،
بخلاف الشروط العقلية والشرعية والعرفية فإنه يلزم من وجودها وجود شئ
52

مما علق عليها وإن كان التأثير موقوفا عليها، إذ لا يلزم من الحياة العلم ولا من
الطهارة الصلاة ولا من نصب السلم الصعود. نعم هي متلازمة في العدم. وإذا كانت الشروط اللغوية أسبابا فمن ضرورتها التقدم على مسبباتها، وظاهر
أنه قد جعل الظهار معلقا على الاعطاء، فيجب تقدم الاعطاء عليه، وجعل الاعطاء
معلقا على الوعد فيجب تقديمه عليه، وجعل الوعد معلقا على السؤال فيجب
تقديمه أيضا، لان شأن الأسباب ذلك.
قاعدة:
التكاليف الشرعية بالنسبة إلى قبول الشرط والتعليق على الشرط أربعة:
(الأول) ما لا يقبل شرطا ولا تعليقا، كالايمان بالله ورسوله والأئمة عليهم
السلام، ووجوب الواجبات القطعية وتحريم المحرمات القطعية (1).
(الثاني) ما يقبل الشرط والتعليق على الشرط، كالعتق فإنه يقبل الشرط في
العتق المنجز مثل " أنت حر وعليك كذا "، ويقبل التعليق على صورتي النذر
وشبهه والتدبير (2).
(الثالث) ما يقبل الشرط ولا يقبل التعليق كالبيع والصلح والإجارة والرهن
وسائر العقود، لان الانتقال يعتمد الرضا، ولا رضا الا مع الجزم، ولا جزم مع
التعليق، لأنه يعرضه عدم الحصول، ولو قدر علم حصوله كالمعلق على الوصف
لأن الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه وأفراده، فاعتبر المعنى العام دون

(1) لان التعليق والشرط ينافي الجزم الذي لابد منه فيها.
(2) أي العهد واليمين، كأن يقول " عاهدت الله عتق عبدي ان رزقني الله حج بيته "
أو " لله على عتق عبدي إن كان كذا " ومثال التدبير أن يقول لعبده " أنت حر بعد وفاتي ".
53

خصوصيات الافراد.
(الرابع) ما يقبل التعليق ولا يقبل الشرط، كالصلاة والصوم وسائر العبادات
بالنذر وشبهه.
ولا يجوز أصلي على أن لي ترك سجدة أو أن لا احتياط (1) ان عرض لي الشك
والاعتكاف من قبيل القابل للشرط والتعليق، أما التعليق فبالنذر وشبهه، وأما
الشرط كأن ينوي أن له الرجوع متى شاء أو متى عرض له عارض.
البحث الرابع
(في المانع)
وهو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود ولا العدم لذاته.
فبالأول خرج السبب، وبالثاني خرج الشرط، وبالثالث احتراز من
مقارنة عدمه لعدم الشرط فيلزم العدم أو وجود السبب فيلزم الوجود، بل بالنظر
إلى ذاته لا يلزم شئ من ذلك.
فظهر أن المعتبر من المانع وجوده ومن الشرط عدمه ومن السبب وجوده
وعدمه.
وقد اجتمعت الثلاثة في الصلاة، فان الدلوك سبب في الوجوب، والبلوغ
شرط، والحيض مانع. وفي الزكاة النصاب سبب، والحول شرط، والمنع
من التصرف مانع.

(1) في ص: أو ان لا احتاط ان عرض لي شك.
54

تقسيم:
المانع اما للسبب أو للحكم، فالأول كل وصف وجودي ظاهر منضبط
مستلزم لحكمة مقتضاها يقتضي حكمة (1) السبب مع بقاء حكمة السبب، كالأبوة
المانعة من القصاص في موضعه. والحكمة التي اشتملت الأبوة عليها هي كون
الوالد سببا لوجود الولد، وذلك يقتضي عدم القصاص لئلا يصير الولد سببا
لعدمه.
والثاني فهو كل وصف وجودي يحل (2) وجوده بحكمة السبب، كالدين
بالنسبة إلى خمس المكاسب، فإنه مانع من وجوبه فيها.
تقسيم آخر له:
هو ينقسم إلى ثلاثة أنواع:
(الأول) مانع في الابتداء والدوام، كالرضاع المانع من صحة النكاح
واستدامته.
(الثاني) مانع ابتداءا لا دواما، كالعدة فإنها مانعة من ابتداء النكاح من غير
صاحبها ولو طرأت على نكاح صحيح كما في الوطئ بشبهة لم يقطع النكاح.
(الثالث) ما اختلف فيه، كالاحرام بالنسبة إلى ملك الصيد النائي عنه أو مطلقا (3).

(1) في ص: يقتضي حكم السبب.
(2) في ص وهامش ك: يخل وجوده.
(3) قال في الشرائع: من كان معه صيد فأحرم زال ملكه عنه ووجب ارساله، فلو مات
قبل ارساله لزمه ضمانه، ولو كان الصيد نائيا عنه لم يزل ملكه.
وقال في المسالك في شرحه: هذا هو المشهور، وعليه العمل، وكما لا يمنع الاحرام
استدامة ملك البعيد لا يمنع ابتداؤه، فلو اشترى ثمة صيدا أو اتهبه أو ورثه انتقل إلى ملكه
أيضا. انتهى كلامهما.
وقيل: يملك ولو كان قريبا عند عروض سبب الملكية كالإرث ثم يجب عليه ارساله.
55

قاعدة:
إذا كان المانع مختصا بالحكم كما في المريض والمسافر بالنسبة إلى الصوم
فاجزاء النصف الأول من النهار سبب في الوجوب، كما أن مجموع النهار سبب
في الوجوب، لان السببية باقية فيهما وإنما حصل فيهما منع الحكم بالوجوب،
فإذا زالا ظهر أثر السبب. بخلاف مانع السبب كالصغر والجنون، فان السببية
ليست حاصلة فيهما.
فان قلت: فهلا يساوي آخر النهار أوله في السببية - كما في ثبوت كونه من
الشهر فإنه يجب الصوم ولو بقي من النهار لحظة.
قلت: معظم الشئ يقوم مقام ذلك الشئ في مواضع، منها الصوم، ولهذا
أجزأ تجديد النية في النصف الأول لبقاء المعظم، بخلاف ما إذا زالت الشمس
لزوال المعظم. اما في اليوم الذي يظهر وجوب الصوم فيه فالسببية حاصلة في
نفس الامر، وإنما جهل وجودها، فإذا علم ذلك تبعه الحكم، بخلاف المريض
والمسافر، فان الوجوب ليس حاصلا فيهما في نفس الامر وإنما تجدد بزوال العذر.
56

المطلب الثاني
(في المقاصد والوسائل)
قاعدة:
متعلقات الأحكام كما عرفت قسمان: مقاصد بالذات وهي المتضمنة للمصالح
والمفساد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المقضية إليها.
وحكمها في الأحكام الخمسة حكم المقاصد، وتتفاوت في الفضائل بحسب
المقاصد، فالفضيلة (1) إلى الأفضل أفضل الوسائل، والى الا قبح أقبح الوسائل.
وقد مدح الله سبحانه على الوسائل كما مدح على المقاصد، قال تعالى
" ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله " إلى آخر الآية (2).
فأثابهم عن ذلك وان لم يكن بقصدهم، لأنه إنما حصل بسبب التوسل إلى
الجهاد الذي هو وسيلة إلى اعزاز الدين الذي هو وسيلة إلى رضوان الله تعالى.
قاعدة:
الوسائل ثلاثة:
(الأولى) ما اجتمعت الأمة على منعه، كحفر الابار في طرق المسلمين وطرح
المعاثر، لأنه وسيلة إلى ضررهم الحرام.

(1) في ص: فالوسيلة إلى الأفضل. أي كلما كان الحكم أفضل فالوسيلة أفضل، مثلا
وسيلة الواجب أفضل من وسيلة المستحب ووسيلة أفضل من وسيلة المباح.
(2) سورة التوبة: 12. وتمام الآية " ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من
عدو نيلا الا كتب لهم به عمل صالح ".
57

وكذلك القاء السم في مياههم، وسب الأصنام، وما في معناها عند من يعلم
أنه ليسب الله تعالى أو أحدا من أوليائه، كما قال تعالى " ولا تسبوا الذين يدعون
من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " (1).
ومنه بيع العنب ليعمل خمرا، والخشب ليعمل صنما. وكذا إجارة العين
كالمسكن والعبد لعصره أو بيعه أو شربه، فيحرم ويبطل العقد.
(الثاني) ما أجمعت الأمة على عدم منعه كالمنع من غرس العنب خشية اعتصاره
خمرا ومن عمل السيف خشية قتل مؤمن به (ووضع الشبهة وحلها، وإن كان قد
يظفر بالشبهة من متمكن في قلبه و يعجز عن الحل، ومع ذلك لو قصدت هذه
الغايات كان الفعل حراما). (2)
(الثالث) ما فيه خلاف، كبيع العنب على من يعمله خمرا أو الخشب على
من يعمله صنما، وكالبيع بشرط الاقراض والنظرة، أو بيع السلعة على غلامه
ليخبر بالزائد، أو شراء ما باعه نسيئة عند حلول الأجل بنقيصة عن الثمن أو مثله،
كما إذا باعه ثوبا بمائة إلى سنة ثم اشتراه منه حالا بخمسين، فإنه في المعنى
عاوض على خمسين في الحال بمائة إلى سنة.
وألحق بعض العامة مسائل ثيرة جدا تكاد تبلغ الألف، سموها بسد الذرائع
منها تضمين الصناع ما تلف في أيديهم سدا لدعواهم التلف أو الاشتباه بسبب
تغيرها بالعمل فيحلفون، ومنها منع القضاء بالعلم سدا لتسلط قضاة السوء على
قضاء باطل، وكذلك تضمين حامل الطعام.

(1) سورة الأنعام: 108.
(2) ما بين القوسين ليس في ص.
58

فوائد:
(الأولى) كلما كان وسيلة لشئ فعدم ذلك الشئ عدمت الوسيلة.
ويشكل: بامرار المحرم الموسى على رأسه، وبوقوف ناذر المشي في
مواضع العبور.
ويجاب: بأنه خرج بقوله عليه السلام: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه استطعتم.
(الثانية) ربما كان المتوسل إليه حراما والوسيلة غير حرام، كدفع المال
إلى المحارب ليكف، ودفع المال للحربي للكف عند العجز عن مقاومتهما،
أوفي فك أسرى المسلمين. فان انتفاعهم بذلك المال حرام ولكن لما لم يكن
مقصودا للدافع لم يكن الدفع حراما.
ومن هذا الباب إذا دفع التاجر المتاع والباج على الظالم الذي يصرف
ذلك في المعاصي قطعا أو غيرها، فان انتفاع الظالم بذلك المال حرام لكن ذلك
ليس مقصودا للتاجر.
(الثالثة) مما يحريم لكونه وسيلة إلى الحرام ترخص العاصي بسفره، لان
ترتب الرخصة على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية.
ولو قارنت المعاصي أسباب الرخص لم يحرم، للاجماع على جواز التيمم
للفاسق العاصي إذا عدم الماء. وكذلك الفطر إذا ضربه الصوم، والقعود في
الصلاة إذا عجز عن القيام، لان الأسباب هنا غير معصية بل هي عجزه عن الماء
أو العبادة، والعجز ليس معصية. فالمعصية هنا مقارنة للسبب لا سبب.
فان قلت: على هذا العاصي بسفره تباح له الميتة، لان سبب أكله خوفه على
نفسه لا سفره، فالمعصية مقارنة لسبب الرخصة لا أنها هي السبب، مع أنه لا تباح
له الميتة اجماعا.
59

قلت: لا نص فيه للأصحاب، وهذا متجه والا لزم أن يباح للعاصي على ما
ذكرناه، وهو باطل (1).
قاعدة:
الوسائل خمس:
(الأولى) أسباب تفيد الملك، وهي ستة:
الأول: ما يفيد الملك للغير بعقد معاوضة، كالبيع والصلح والمزارعة
والمساقاة والمضاربة.
الثاني: ما يفيد ملك العين بعقد لا معاوضة فيه، كالهبة والصدقة والوقف
والوصية بالغير (2) وقبض الزكاة والخمس والنذر.
الثالث: ما يفيد تملك العين لا بعقد، كالحيازة والإرث واحياء الموات
والاغتنام والالتقاط.
الرابع: ما يفيد ملك المنفعة بعقد معاوضة، كالإجارة.
الخامس: ما يفيد ملك المنفعة بعقد غير معاوضة، كالوصية بالمنفعة والعمرى
عند الشيخ وابن إدريس.
السادس: ما يفيد تملك المنفعة لا بعقد كإرث المنافع.

(1) عنون الشهيد الأول في قواعده هذا السؤال والجواب هكذا: فان قلت: مساق هذا
الكلام ان العاصي بسفره تباح له الميتة لان سبب اكله خوفه على نفسه فالمعصية مقارنة
لسبب الرخصة لا انها هي السبب. قلت: هذا متجه ولا يجعل هذا من باب الباغي والعادي
اللذين يحرم عليهما الميتة.
(2) في ص وهامش ك: والوصية بالعين.
60

(الثانية) أسباب التسلط على ملك الغير، وهي أقسام خمسة:
الأول: ما تسلط (1) عليه بالتملك قهرا، كالشفعة والمقاصة للمماطل، وبيع
الملك الممتنع عن الحق الواجب، ورجوع البائع في عين ماله للتفليس مطلقا
وللموت إن كان في المال وفاء، وفسخ البائع بخياره ان قلنا بانتقال المبيع
بالعقد، وهو الأصح.
الثاني: ما تسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة المتصرف خاصة،
كالعارية.
الثالث: ما تسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة المالك، كالوديعة
المأذون في نقلها واخراجها، والوكالة المتبرع بها (والوصية مع غنى الوصي) (2).
الرابع: ما تسلط لمصلحتها، كالشركة والقراض والجعالة والوكالة بجعل.
الخامس: ما تسلط على ملك الغير بمجرد وضع اليد، كالوديعة غير المأذون
فيها إذا لم يحتج إلى النقل.
(الثالثة) أسباب تقتضي منع المالك من التصرف في ماله، وهي أسباب
الحجر (3) الستة وما يضاهيها، كحجر الزوج على المرأة فيما يتعلق بالاستمتاع،
وحجر البائع والمشتري لتسليم الثمن والمثمن، والحجر على سيد أم الولد
فيما يتعلق باخراجها عن ملكه الا في مواضع:
الأول: في ثمن رقبتها مع اعسار مولاها به.
الثاني: إذا جنت على غير المولى.

(1) في ص: ما يتسلط عليه.
(2) ما بين القوسين ليس في ص.
(3) وهي الجنون والصغر والفلس والسفه والمرض المتصل بالموت والرقبة.
61

الثالث: إذا عجز عن نفقتها.
الرابع: إذا مات قريبها ولا وارث له سواها.
الخامس: إذا كان علوقها بعد الارتهان.
السادس: إذا كان علوقها بعد الافلاس.
السابع: إذا مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق وان لم يكن
ثمنها.
الثامن: بيعها على من تنعتق عليه، فإنه في قوة العتق.
التاسع: بيعها بشرط العتق على الأقرب.
(العاشر: أن تسلم في يد سيدها الكافر) (1).
(الرابعة) ما هو وسيلة إلى حفظ المقاصد الخمسة، وهي النفس والدين
والعقل والنسب ومال التي لم تأت شريعة الا بحفظها، وهي الضروريات الخمس
فحفظ النفس بالقصاص والدية والدفاع، وحفظ الدين بالجهاد وقتل المرتد،
وحفظ العقل بتحريم المسكرات والحد عليها، وحفظ النسب بتحريم الزنا واتيان
الذكران والبهائم وتحريم القذف والحد على ذلك، وحفظ المال بتحريم الغصب
والسرقة والخيانة وقطع الطريق والحد والتعزير عليها.
قلت: ومن هنا ظهر بطلان قول من قال إن الخمر كانت مباحة في بعض
الشرائع المتقدمة، والمنقول عن أئمتنا عليهم السلام خلاف ذلك، ونقل المرتضى
قدس سره اجماع الامامية على تحريمها وتحريم كل مسكر في كل شريعة وانها
لم تبح في وقت أصلا. وذلك هو المطلوب.
(الخامسة) ما كان مقويا لجلب المصلحة وذب المفسدة، وهو القضاء والدعاوي

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
62

والبينات، وذلك لان الاجتماع من ضروريات المكلفين، وهو مظنة التنازع،
فلابد لحاسم لذلك وهو الشريعة، ولا بد لها من سائس وهو الامام ونوابه والسياسة
بالقضاء وما يتعلق به.
المطلب الثالث
(فيما يترتب على القواعد الخمس المستنبطة على وجه مختصر)
وفيه أبحاث:
البحث الأول
قاعدة:
اليقين، وهي البناء على الأصل، أعني استصحاب ما سبق. وهو أربعة أقسام:
(الأول) استصحاب النفي في الحكم الشرعي إلى أن يرد دليل، وهو المعبر
عنه بالبراءة الأصلية.
(الثاني) استصحاب حكم العموم إلى ورود مخصص وحكم النص إلى
ورود ناسخ، وهو إنما يتم بعد استقصاء البحث عن المخصص والناسخ.
(الثالث) استصحاب حكم ثبت شرعا، كالملك عند وجود سببه وشغل الذمة
عند اتلاف أو التزام إلى أن يثبت رافعه.
(الرابع) استصحاب حكم الاجماع في موضع النزاع، كما نقول: الخارج
من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، للاجماع على أنه متطهر قبل هذا الخارج
فيستصحب، إذ الأصل في كل متحقق ودوامه حتى يثبت معارض والأصل عدمه.
63

وكما نقول في المتيمم: إذا وجد الماء في أثناء الصلاة لا ينتقض تيممه،
للاجماع على صحة صلاته قبل وجوده، فيستصحب حتى يثبت دليل يخرجه
عن التمسك به.
(ومن فروعها) طهارة الماء لو شك في نجاسته ونجاسته لو وقعت فيه نجاسة
وشك في بلوغه الكرية، لان الأصل عدم بلوغها.
وقيل: هو من باب تعارض الأصلين، لان الأصل طهارة الماء والشك في
تأثره بالنجاسة.
ويضعف: بأن ملاقاة النجاسة المعلومة رفع حكم الأصل السابق فيحتاج
إلى مانع، اما لو كان كرا فوجد متغيرا وشك في تغيره بالنجاسة أو بالاجون (1)
فالبناء على الطهارة، لأنها الأصل الذي لا يعارضه أصل آخر.
(ومنها) عدم الالتفات لو تيقن الطهارة وشك في الحدث. وقال بعض العامة:
يتطهر، لان الصلاة ثابتة في ذمته يقينا، فلا تزول الا بيقين الطهارة.
ويرد عليه الخبر السالف، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ان الشيطان
ليأتي أحدكم إلى آخره (2).
ولو تيقن الحدث وشك في الطهارة أعاد، وكذا يعيد الصلاة بالشك في
الركعتين الأولتين أو الثنائية الثلاثية، لأنه مخاطب بالصلاة يقينا، ولا يقين
بالبراءة هنا الا بإعادتها ولزوم الاحتياط لو شك في غير ذلك. فان فيه مراعاة البناء
على الأصل ومن عدم الاتيان بالزائد، ووجود أداء الزكاة والخمس لو شك في

(1) أجن الماء أجنا واجونا من باب ضرب وقعد: تغير الا انه يشرب، فهو آجن.
وفي القاموس: الاجن الماء المتغير اللون والطعم.
(2) راجع ص: 10.
64

أدائهما، وسقوط الوجوب لو شك في بلوغ النصاب، وصحة الصوم لو شك
في عروض المفطر، وصحة الاعتكاف لو شك في عروض المبطل. وكذا الشك
في أفعال الحج بعد الفراغ منها، وعدم قتل الصبي الذي يمكن بلوغه، ودعوى
المشتري العيب أو تقدمه، ودعوى الغارم في القيمة.
وقد يتعارض الأصلان، كدخول المأموم في صلاة، فشك هل كان الامام
راكعا أو رافعا. ولكن يتأيد الثاني بالاحتياط. وكالشك في العبد الغائب (1) فتجب
فطرته أولا ويجوز عتقه في الكفارة أولا، والأصح ترجيح البقاء على أصل البراءة
كاختلاف الراهن والمرتهن في تخمير العصير عند الراهن أو بعده، لإرادة المرتهن
فسخ البيع المشروط به، فالأصل صحة البيع والأصل عدم القبض الصحيح. لكن
الأول أقوى، لتأيده بالظاهر من صحة القبض.
وكذا لو كان المبيع عصيرا، وكذا لو اختلف البائع والمشتري في تغير
المبيع، وهو مما يحتمل تغيره، فالأصل عدم التغير، وصحة البيع والأصل
عدم معرفة المشتري بهذه الصفة التي هو عليها الان، فان حاصل دعوى البائع
أن المشتري علمه على هذه الصفة، ويتأيد هذا بأصالة عدم وجوب الثمن على
المشتري الا بما يوافق عليه ويقوى إذا كان دعوى المشتري حدوث عيب في
المبيع بعد الرؤية وقال البائع كان حاصلا حال الرؤية، لان الأصل عدم تقدم
العيب على الزمان الذي يدعي المشتري حدوثه فيه.
أما لو ادعى المشتري اشتماله على صفة كمال حال الرؤية كالسمن والصنعة
وهو مفقود الان وأنكر البائع اشتماله عليها، فإنه يترجح البائع لأصالة عدم
تلك الصفة.

(1) في ص: المكاتب.
65

ولو تسلم المستأجر العين وادعى على المؤجر أنه غصبها من يده وأنكر
المؤجر، فهنا أصلان: عدم الغصب، وعدم الانتفاع. ويؤيد الأول أن الأجرة
مستحقة بالعقد والأصل بقاؤها.
ولو شك في وقوع الرضا بعد الحولين أو قبله تعارضا. ورجح الفاضل
الحل، ويشكل بأغلبية الحرام على الحلال عند الاجتماع.
ولو شك في حياة المقدود بنصفين تعارضا، وتقديم أصل الحياة قوي. وربما
فرق بعضهم بين كونه في كفن وشبهه وبين ثياب الاحياء. وهو خيال ضعيف،
لان الميت قد يصاحب ثياب الاحياء والحي قد يلبس ثياب الموتى، وخصوصا
المحرم.
ومنه اختلاف الزوجين في التمكين أو النشوز أو تقديم الحمل على الطلاق
في صور منتشرة:
وهنا فوائد:
(الأولى) قد يستثنى من تغليب اليقين على الشك مسائل:
" أ " المتحيرة تغتسل عند أوقات الاحتمالات، والأصل عدم الانقطاع.
وفيه نظر.
" ب " لو أنمى (1) صيده حرم، مع أصالة عدم حدوث سبب آخر.
" ج " يجب غسل جميع الثوب والبدن لو علم إصابة النجاسة موضعا وجهل
تعيينها، مع أصالة الطهارة في غير ذلك الموضع.

(1) في ص: لو نأى. وفي هامش ك: لو أبقى. قال في القاموس: أنمى الصيد: رماه
فأصابه ثم ذهب عنه فمات ونأى أي بعد.
66

" د " لا يلتفت الشاك بعد الفراغ من العبادة، مع أن الأصل عدم الفعل.
" ه‍ " من فاته صلاة واحدة تجب ثلاث مع أصالة البراءة.
(الثانية) قد يعارض الأصل ظاهر، ففي ترجيح أحدهما وجهان، وصوره
كثيرة:
1 غسالة الحمام، ورجح فيها الأصحاب الظاهر، وهو النجاسة.
2 ثياب مدمن الخمر وشبهه وطين الطريق، ورجح فيه الأصحاب الطهارة
وربما فرق بين طريق الدور والطريق في الصحاري.
3 لو تنازع الراكب والمالك في الإجارة والعارية بعد انقضاء مدة، ففيه
وجهان. وترجيح قول المالك أقوى، لأن الظاهر يقتضي الاعتماد على قوله
في الاذن فكذا في صفته، أي الإجارة والإعارة. كما تقدم قوله لو ادعى الغصب
فهو من باب ترجيح الظاهر، ولان الأصل له فالظاهر أن المنفعة له.
4 لو تنازع القاذف والمقذوف في الحرية والرقية، فالأقرب ترجيح
الظاهر، لأنه الأغلب في بني آدم، مع امكان أن تجعل معتضدة بأصالة الحرية.
5 لو تنازع الزوجان بعد ردتها في وقت الاسلام، فالظاهر ترجيحها،
فيجب النفقة. ويحتمل ترجيح دعوى الزوج، لأصالة البراءة من النفقة بعد الردة
وأصالة عدم تقدم الاسلام. والظاهر بقاء ما كان على ما كان.
6 الاختلاف في شرط يفسد العقد، فيرجح فيه جانب الظاهر على أصالة
عدم صحة العقد وعدم لزوم الثمن، وكذا في فوات الشرط في الصحة.
7 ربما جعل حيض الحامل من هذا الباب، لأن الظاهر أنه دم علة،
والأصل السلامة والظاهر الغالب عدم حيض الحبلى، فيكون لعلة، وهو ضعيف.
67

8 إذا تمعط (1) شعر الفارة في البئر فنزحت حتى غلب على الظن خروجه
فإنه يحكم بطهارة الماء وإن كان الغالب أنه يبقى شئ، ترجيحا للأصل.
9 قطع لسان الصغير يرجح فيه الظاهر، وهو الصحة. (غريبة):
عد العامة من هذا الباب قصة ذي اليدين، فإنه أعمل في الأصل من استصحاب
بقاء الصلاة تماما، وسرعان (2) الصحابة الذين خرجوا من المسجد أعملوا الظاهر
من عدم السهو على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والزمان، قابل للنسخ، فجوزوا
أن يكون تشريعا، والساكتون تعارض عندهم الأصل والظاهر. وابن بابويه قائل
بهذه المسألة (3)، ولم يثبت عند باقي لأصحاب.

(1) معط الشعر: سقط، يقال تمعط شعر فارة: إذا سقط شعرها.
(2) سرعان الناس بفتح السين والراء: أوائلهم، يقال " جئت في سرعاتهم " أي في
أوائلهم. والحديث مشهور أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة.
(3) قالها في أحكام السهو، وفرق بين الصلاة وبين التبليغ، وقال: ولا يجوز ان يقع
عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة، لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة، وبها
تثبت له العبودية.
إلى أن قال: وليس سهو النبي صلى الله عليه وآله كسهونا، لان سهوه من الله
عز وجل، إنما أسهاه ليعلم انه بشر مخلوق فلا يتخذ ربا معبودا دونه، وليعلم الناس بسهوه
حكم السهو متى سهوا، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي صلى الله عليه وآله
وسلم والأئمة عليهم السلام سلطان. إلى آخر ما قال رحمة الله عليه.
ورده كثير من العلماء رضوان الله تعالى عليهم، ومنهم العالم العارف المولى المعظم
المجلسي الأول في روضة المتقين، وحمل الاخبار التي وردت في هذه المقولة عن الأئمة
صلوات الله عليهم على التقية، لما رواه الشيخ في الموثق كالصحيح عن زرارة قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام: هل سجد رسول الله صلى الله عليه وآله سجدتي السهو قط؟
فقال: لا ولا سجدهما فقيه.
إلى أن قال: ولا يلزم أن يحصل منهم السهو حتى يعلم أنهم ليسوا بآلة، فان ولادتهم
وأكلهم وشربهم وذهابهم إلى بيت الخلاء ونومهم في غير حال الصلاة وموتهم كافية في ذلك
مع قطع النظر عن تجسمهم وتحيرهم وتعبدهم واقرارهم وبالعبودية، إلى غير ذلك مما لا يحصى.
نعم يمكن القول بالاسهاء إذا لم يكن للاخبار معارض، وقد ذكرنا المعارض. والأولى
التوقف في الاسهاء، لان الدلائل العقلية لا تتم في نفي الاسهاء والنقلية الدالة على علو مرتبتهم لا تنافي الاسهاء وإنما تنافي السهو، وهو منفي عنهم صلوات الله عليهم عند الجميع، ومن
قال بالاسهاء والانامة لا يتعدى عن المرتين. والله تعالى يعلم.
68

10 موضع الخلاف في تعارض الأصل والظاهر ليس عاما، إذ الاجماع
على تقديم الأصل على الظاهر في صورة دعوى بيع أو شراء أو دين أو غصب
وإن كان المدعى في غاية العدالة مع فقد العصمة وكان المدعى عليه معهودا
بالتغليب والظلم، كما أجمعوا على تقديم الظاهر على الأصل في البينة الشاهدة
بالحق، فان الظاهر الغالب صدقها وإن كان الأصل براءة ذمة المشهود عليه،
ولهذا نظائر كثيرة.
المبحث الثاني
قاعدة:
النية، ولها أحكام يأتي ذكرها في العبادات والمعاملات، ولنذكر هنا منها
قاعدتين:
(الأول) النية يكتفى بها في تقييد المطلق وتخصيص العام وتعيين المعين
والمطلقة والفريضة المنوية وتعيين أحد معاني المشترك وصرف اللفظ من الحقيقة
إلى المجاز، كقوله في المطلق " والله لأصلين " وعنى به ركعتين و " لأكلمن
69

رجلا " وعنى به زيدا، وتخصيص العام " والله لا لبست الثياب " وعنى به القطن
أو ثيابا بعينها.
ولا تكفي النية عن الألفاظ التي هي أسباب كالعقود والايقاعات، فلو قال
" والله لا أكلت " أثرت النية في مأكول بعينه إذا أراده (1)، أو في وقت بعينه إذا
قصده، لان اللفظ دال عليه التزاما.
وقد جاء في القرآن " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم
يلعبون " (2) مع قوله تعالى في الآية الأخرى " الا كانوا عنه معرضين " (3) أي
لا يأتيهم في حالة من الأحوال الا في هذه الحالة من لهوهم واعراضهم، فقد قصد
إلى حال اللهو والاعراض بالاثبات والى غيرها من الأحوال بالنفي.
والأحوال أمور خارجة من المدلول المطابقي، مع أنها عارضة غير لازمة.
فإذا أثرت النية في العوارض ففي اللوازم أولى.
وقوله تعالى " حرمت عليكم الميتة والدم " الآية (4)، والمدلول المطابقي هنا
متعذر، إذا التحريم لا يتعلق بالأعيان بل بالافعال المتعلقة بها من الاكل والانتفاع،
فقد قصد بالتحريم ما لا يدل اللفظ عليه مطابقة بل لأدلة خارجة، فان كانت الافعال
لازمة فالمطلوب وان كانت عارضة فبالأولى، لان التصرف في اللازم أقوى من
التصرف في العارض.

(1) في ص: إذا إرادة أول وقت بعينه.
(2) سورة الأنبياء: 2.
(3) سورة الشعراء: 5، وكذا أول الآية " وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث الا
كانوا عنه معرضين ".
(4) سورة المائدة: 3.
70

ومنه ما ورد في الحديث القدسي: ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في
قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا يكون الا ما أريد (1)
فان التردد عليه تعالى محال، غير أنه لما جرت العادة أن يتردد من يعظم الشخص
في مساءته نحو الوالد والصديق وان لا يتردد في مساءة من لا يكرمه ولا يعظمه
كالعدو والحية، بل إذا خطر بالبال مساءة أوقعها من غير تردد، فصار التعدد
لا يقع الا في موضع التعظيم والاهتمام وعدمه لا يقع الا في مورد الإهانة. فحينئذ
دل الحديث على تعظيم الله تعالى للمؤمن وشرف منزلته عند الله، فعبر باللفظ
المركب عما يلزمه، وليس مذكورا في اللفظ إنما هو بالإرادة والقصد، فمعناه
حينئذ منزلة عبدي المؤمن عندي عظيمة.
لطيفة: قيل في تأويل هذا الحديث وجوه:
1 ما ذكرناه.
2 ما ذكره بعض الفضلاء، وهو أن التردد إنما هو في الأسباب، بمعنى
أن الله تعالى يظهر للمؤمن أسبابا يغلب على ظنه دنو الوفاة، فيصير مستعدا للآخرة
استعدادا تاما، وينشط للعمل، ثم يظهر له أسبابا توجب البسط في الامل، فيشتغل
بعمارة دنياه بمالا بد منه. ولما كان ذلك بصورة التردد أطلق عليها ذلك استعارة،
إذ كان العبد الذي هو متعلق تلك الأسباب بصورة التردد وأسند إليه تعالى من حيث
أنه فاعل للتردد في العبد، وهو مأخوذ من كلام بعض القدماء الباحثين عن أسرار

(1) الكافي 2 / 46، علل الشرائع 1 / 12 مع اختلاف بينهما، وليس فيهما: ولا يكون
الا ما أريد.
71

كلام الله تعالى، فالتردد في اختلاف الأحوال لا في مقدر الآجال.
3 أنه تعالى لا يزال يورد على المؤمن حالا بعد حال ليؤثر الموت فيقبضه
مريدا له، وايراد تلك الأحوال المراد بها غاياتها من غير تعجيل، فالغايات من
القادر على التعجيل يكون ترددا بالنسبة إلى قادرية المخلوقين، فهو بصورة التردد
ولم يكن ثم تردد، كما ورد في قصة إبراهيم عليه السلام لما أراه (1) ملك الموت،
فكره قبض روحه فأخره حتى رأى شيخنا يأكل ولعابه يسيل على لحيته، فاستشنع (2)
ذلك وطلب الموت. وكذا قيل عن موسى على نبينا وآله وعليه السلام.
4 أنه بصورة التردد، لتعارض تحتم الموت على العباد وكراهة مساءة
المؤمن، وهو استعارة أيضا.
5 أن يكون على التقدير والفرض، أي لو كنت مترددا لترددت في ذلك
وهو مجاز (3).

(1) في ص: لما أتاه.
(2) في بعض النسخ: فاستفظع.
(3) قال الشيخ العارف العالم المولى محمد بن الحسين بهاء الدين العاملي في الأربعين:
وقد يتوهم المنافاة بين ما دل عليه هذا الحديث وأمثاله من " ان المؤمن الخالص يكره الموت
ويرغب في الحياة " وبين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله " من أحب لقاء الله أحب
الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فإنه يدل بظاهره على أن المؤمن الحقيقي لا يكره
الموت بل يرغب فيه، كما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: ان ابن أبي طالب
آنس بالموت من الطفل بثدي أمه. وانه قال حين ضربه ابن ملجم عليه اللغة: فزت ورب
الكعبة.
وقد أجاب عنه شيخنا الشهيد في الذكرى فقال: ان حب لقاء الله غير مقيد بوقت،
فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحب، كما روينا عن الصادق عليه السلام ورووه في
الصحاح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره
لقاء الله كره الله لقاءه. قيل: يا رسول الله انا لنكره الموت. فقال: ليس ذلك ولكن المؤمن
إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس، شئ أحب إليه مما أمامه كره لقاء الله
فكره الله لقاءه - انتهى.
وقد يقال: إن الموت ليس نفس لقاء الله، فكراهته من حيث الألم الحاصل منه لا
يستلزم كراهة لقاء الله، وهذا ظاهر وأيضا فحب الله سبحانه يوجب الاستعداد التام للقائه
بكثرة الأعمال الصالحة، وهو يستلزم كراهة الموت القاطع لها.
72

(القاعدة الثانية) ذهب بعضهم إلى أنه إذا نوى بالعام الخاص لا يتخصص
به بل يكون ذكر الخاص توكيدا للنسبة إليه والنسبة إلى غيره باقية بحالها، فلو قال
" لا كلمت أحدا " ونوى زيدا عمه بالقصد الثاني وغيره بالقصد الأول، الا أن ينوي
مع ذلك اخراج من عدا زيد، لان المخصص يجب أن يخالف حكم العام وذكر
زيد لا يخالفه، فهو مثل خبر شاة ميمونة مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أيما
اهاب دبغ فقد طهر (1).
فان قيل: لو قال " والله لا لبست ثوبا " ونوى القطن كان بمثابة قوله " ثوبا
قطنا "، ولو قال ذلك تخصص به وإن كان غافلا عن غيره.
أجيب: بأن المعلوم من كلام العرب أن اللفظ المستقل بنفسه إذا ألحق به غير
المستقل صير الأول غير مستقل، كما في الاستثناء والغاية، ولم يثبت ذلك في
النية حتى يجري مجرى اللفظ، ومن ثم لو قال " له عشرة الا تسعة " قبل، ولو قال
" تنقص تسعة أو أديتها " لم يقبل، لاستقلال الضميمة بنفسها.
قلت: كلما تلفظ به كان مخصصا، إذ اللفظ المذكور صالح له، فينبغي أن
يكون بنية تنافي التخصيص، إذ يصير ذلك بمثابة الملفوظ، لان التقدير صلاحية
اللفظ له. واستعمال العام في الخاص من هذا القبيل، فيصير الجزء الأخير كغير
المذكور في عدم تناول اللفظ إياه.
ولان الصفة المتعقبة يجوز جعلها مؤكدة ولا يخرج ما عداها، ويجوز جعلها

(1) الجامع الصغير: 118.
73

مخصصة، وذلك بالنية. فإذا أثرت النية في الصفة الملفوظة فلم لا تؤثر في المنوية
مع اشتراكهما في الاستفادة من اللفظ.
ولأنه لو صح ما قاله لم يكن معنى صورة اطلاق العام وإرادة الخاص منه
الا مع التقييد بإرادة اخراج الخاص الاخر.
وحاصل كلام هذا القائل راجع إلى أن ذلك من قبيل المفهوم، فيجري
الخلاف فيه كالخلاف في المفهوم، الا أنه مع ذلك لا يفترق صورة التلفظ بالصفة
والنية بها.
ونحن نقول: إنما يخصص هذا بالمذكور لا بمفهوم اللفظ، بل لان قضية
الأصل تنفي ما عدا المذكور.
البحث الثالث
قاعدة:
كون المشقة سبب اليسر. وجميع رخص الشرع وتخفيفاته تعود إليها،
كالتقية، وشرعية التيمم عند الخوف على النفس، وابدال القيام عند التعذر في
(صلاة) (1) الفريضة ومطلقا في النافلة، (وصلاة الاحتياط غالبا) (2)، وقصر الصلاة
والصوم (وإن كان فرض السفر مستقلا في نفسه) (3).
ومنه المسح على الرأس والرجلين بأقل مسماه، ومن ثم أبيح المفطر (في)

(1) ما بين القوسين ليس في ك.
(2) ما بين القوسين ليس في ص.
(3) ما بين القوسين ليس في ص.
74

جميع الليل بعد أن كان حراما بعد النوم، وكان ذلك للترغيب في العبادات
وتحبيبها إلى النفس.
ومن الرخص ما يخص، كرخص السفر والمرض والاكراه والتقية، ومنها
يعم كالقعود في النافلة، وإباحة الميتة عند المخمصة يعم السفر والحضر عندنا.
ومن رخص السفر ترك الجمعة والقصر، وسقوط القسم بين الزوجات لو
تركهن، بمعنى عدم القضاء بعد عوده، وسقوط القضاء للمتخلفات لو استصحب
بعضهن. والظاهر أن القسم تابع لمطلق السفر وان لم يقصر فيه الصلاة.
ومن الرخص إباحة كثير من محظورات الاحرام مع الفدية، وإباحة الفطر
للحامل والمرضع والشيخ والشيخة وذي العطاش، والتداوي بالنجاسات
والمحرمات عند الاضطرار، وشرب الخمر لإساغة اللقمة، وإباحة الفطر عند
الاكراه عليه مع عدم القضاء سواء وجر (1) في حلقه أو خوف حتى أفطر في الأصح.
ولو أكره على الكلام في الصلاة فوجهان، مع القطع بعدم الاثم، والقطع
بالبطلان لو أكره على الحدث. اما الاستدبار وترك الستارة (2) واستعمال النجاسة
فكالكلام، والأقرب في ذلك كله ابطال هذه الصلاة والآتيان بغيرها. هذا مع
اتساع الوقت، والا فلا بطلان.
ومن اليسر (3) الاستنابة في الحج للمعضوب (4)، والمريض المأيوس من برئه

(1) أي يصب في حلقه، يقال " أو جرت المريض " صببت الدواء في حلقه.
(2) الستارة بكسر السين: ما استترت به كائنا ما كان. والمراد هنا بين المرء والمرأة
أو ستار العورة.
(3) وكذا في هامش ك، وفي ص: ومن التيسير.
(4) عضبة: قطعه، رجل معضوب: زمن لا حراك به، كأن الزمانة عضبته ومنعته الحركة.
75

وخائف العدو، والجمع بين الصلاتين في السفر والمرض والمطر والوحل والاعذار بغير كراهية.
ومنه إباحة نظر المخطوبة المجيبة للنكاح، وإباحة أكل مال الغير مع بذل
البدل مع الامكان ولا معه مع عدمه عند الاشراف على الهلاك.
ومنه العفو عما لا تتم الصلاة فيه منفردا منع نجاسته، وعن دم القروح
والجروح الذي لا يرقى. وعد منه الشيخ دم البراغيث بناءا على نجاسته، ومالا
يدركه الطرف من الدم في الماء القليل. وطرده بعض الأصحاب في كل نجاسة
غير مرئية.
ومنه قصر الصلاة في الخوف كمية وكيفية، وفعلها مع الحركات الكثيرة
المبطلة مع الاختيار، وقصر المريض الكيفية.
ثم التخفيف قد يكون لا إلى بدل كقصر الصلاة وان استحب الجبر بالتسبيح
وترك الجمعة، والظهر فرض قائم بنفسه، وصلاة المريض. وقد يكون إلى
بدل، كفدية الصائم، ونقص الناسكين في بعض المناسك، كالشاة لمن ترك
المبيت بمنى، ومكة لضرورة، وكالبدنة لو أفاض قبل الغروب لعذر وقلنا بالوجوب
وكشاة المزدلفة. والوجه عدم الوجوب فيهما مع الضرورة.
وعد الشيخ من التخفيف تعجيل الزكاة المالية قبل الحول، والبدنية
قبل الهلال.
والرخصة قد تجب كتناول الميتة عند خوف الهلاك، والخمر عند الاضطرار
إلى الإساغة به، وقصر الصلاة في السفر والخوف، وقصر الصيام في السفر عندنا.
وقد يستحب، كنظر المخطوبة.
وقد يباح، كالقصر في الأماكن الأربعة، والابراد بالظهر في شدة الحر
76

محتمل للاستحباب والإباحة. ومثار الاحتمالين قول النبي صلى الله عليه وآله
وسلم للمؤذن: أبرد أبرد (1). يحتمل الإباحة لما ثبت من أفضلية أول الوقت،
وعموم " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " (2) والاستحباب لأغلبية أفعاله صلى الله
عليه وآله وسلم، ولتكرار الامر (3) المشعر بالتأكيد المفيد للاستحباب.
وهنا فوائد:
(الأولى) المشقة الموجبة للتخفيف على ما ينفك عنه العبادة غالبا، أما
ما لا ينفك عنه العبادة فلا، كمشقة الوضوء والغسل في السبرات (4) وأقام الصلاة في
الظهيرات والصوم في شدة الحر وطول النهار وسفر الحج ومباشرة الجهاد، إذ
مبنى التكليف على المشقة، إذ هو مشتق من الكلفة فلو انتفت انتفى التكليف، فتنتفى
المصالح المنوطة به. وقد رد الله على القائلين " لا تنفروا في الحر " بقوله " قل
نار جهنم أشد حرا " (6).
ومنه المشاق التي تكون على جهة العقوبة على الجزم (7) وان أدت إلى
تلف النفس كالقصاص والحدود بالنسبة إلى المحل والفاعل، وإن كان قريبا بعظم
ألمه باستيفاء (8) ذلك من قريبه لقوله تعالى " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله

(1) أخرجه البخاري في صحيحه في باب الاذان.
(2) سورة آل عمران: 132.
(3) في ص: ولتكرار الا براد المشعر.
(4) السبرة: ضحوة الباردة، والجمع سبرات مثل سجدة وسجدات. في هامش ك:
الشتوات والبكرات.
(5) في ص: وقد نص الله. وفي هامش ك: وقد نقم الله.
(6) سورة التوبة: 81.
(7) في ص: على الحرم، وهو جمع حرام.
(8) في ص: باستيفاء ذلك.
77

ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " (1).
والضابط في المشقة ما قدره الشرع. وقد أباح الشرع حلق المحرم للقمل
كما في قصة كعب بن عجرة سبب نزول الآية (2)، وأقر النبي صلى الله عليه وآله
وسلم عمرو على التيمم لخوف البرد (3)، وكذا المشاق في باقي محظورات
الاحرام وباقي مسوغات التيمم (4).
وليس ذلك مضبوطا بالعجز الكلي، بل بما فيه تضيق على النفس، ومن
ثم قصرت الصلاة وأبيح الفطر في السفر ولا كثير مشقة فيه ولا عجز غالبا. فحينئذ
يجوز الجلوس في الصلاة مع مشقة القيام وان أمكن تحمله على (5) عسر شديد،
وكذا باقي مراتبه. ومن ثم تحلل المصدود والمحصر وان أمكنهما المصابرة لما
في ذلك من العسر.
(الثانية) قد يقع التخفيف في العقود كما يقع في العبادات، ومرات الغرور
فيها ثلاث:
الأولى: ما يسهل اجتنابه، كبيع الملاقيح (6) والمضامين وغير المقدور على
تسليمه. وهذا لا تخفيف فيه، لأنه أكل مال بالباطل.

(1) سورة النور: 2.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه في أبواب المحصر، أسد الغابة 4 / 243، الإصابة
5 / 304.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه في باب: إذا خاف الجنب على نفسه. وفيه: عمرو
ابن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم وتلا " ولا تقتلوا أنفسكم " الخ، فذكر للنبي صلى
الله عليه وآله وسلم فلم يعنفه.
(4) في ص: وباقي مشروبات التيمم.
(5) في ص: مع عسر شديد.
(6) الملاقيح جمع ملقوح، وهو جنين الناقة وولدها ملقوح به، فحذف الجار. والناقة
ملقوحة.
والمضامين ما في أصلاب الفحول، وكانوا يبيعون الجنين في بطن أمه وما يضرب الفحل
في عام أو في أعوام ونهى عنه.
78

الثانية: ما يعسر اجتنابه وان أمكن تحمله بمشقة، كبيع البيض في قشره
والبطيخ والرمان قبل الاختبار وبيع الجدار وفيه الاس، وهذا يعفى عنه تخفيفا.
الثالثة: ما توسط بينهما، كبيع الجوز واللوز في القشر الاعلى وبيع الأعيان
الغائبة بالوصف عندنا لمشاركته في المشقة. ومنه الاكتفاء بظاهر الصبرة المتماثلة
وبظهور مبادئ النضج في بدو الصلاح وان لم ينته.
ومن التخفيف شرعية خيار المجلس، لما كان العقد قد يقع بغتة فيتعقبه الندم
فشرع ذلك للتروي، ثم لما كان مدة التروي قد تزيد على ذلك جوز خيار الشرط
بحسبه وان زاد على ثلاثة أيام، ليتدارك فيه ما عساه يحصل فيه من غبن يشق تحمله.
ومنه شرعية المزارعة والمساقاة والقراض، وإن كان معاملة عن معدوم لكثرة
الحاجة إليها.
ومنه إجازة الأعيان، فان المنافع مدعومة حال العقد.
ومنه جواز تزويج المرأة من غير نظر ولا وصف دفعا للمشقة اللاحقة للأقارب
بذلك، وايثارا للحياء وسد باب التبرج على النساء، بخلاف المبيع وإن كان أمة
لعدم المشقة فيه.
ومن ذلك شرعية الطلاق والخلع دفعا لمشقة المقام على الشقاق وسوء
الأخلاق، وشرعت الرجعة في العدة غالبا ليتروي كما قال تعالى " لعل الله يحدث
بعد ذلك أمرا " (1). ولم شرع في الزيادة على المرتين دفعا للمشقة على الزوجات.
ومنه شرعية الكفارة في الظهار والحنث تيسرا من الالزام بالمشقة، لاستعقابه
الندم غالبا.

(1) سورة الطلاق: 1.
79

ومنه التخفيف عن الرقيق بسقوط كثير من العبادات لئلا يجتمع عليه (مع)
شغل العبودية أصر.
ومنه شرعية الدية لا عن القصاص مع التراضي كما قال تعالى " ذلك تخفيف
من ربكم ورحمة " (1)، فقد ورد أن القصاص كان حتما في شرع موسى عليه السلام
كما أن الدية كانت حتما في شرع عيسى على نبينا وآله وعليه السلام، فجاءت
الحنيفة الشريفة بتسويغ الامرين طلبا للتخفيف ووضعا للاصار وصيانة للدماء
عن أيدي المؤسرين الفجار (2).
(الثالثة) التخفيف على المجتهدين، اما اجتهادا جزئيا كفئ الوقت والقبلة
والتوخي (3) في الأشهر عند الصوم واجتهاد الحجيج في الوقوف فيخطون بالتأخير
دفعا للحرج في ذلك، وقيل بالقضاء. اما لو غلطوا بالتقديم فالقضاء لندوره، إذ
يندر (4) فيه الشهادة زورا في هلال رمضان وهلال شوال وذلك قليل الوقوع. واما
اجتهادا كليا كالعلماء في الأحكام الشرعية فلا اثم على غير المقصر وان أخطأ،
ويكفيهم الظن الغالب المستند إلى امارة معتبرة شرعا. وذلك تسهيل.
ومنه اكتفاء الحكام بالظنون في العدالة والأمانة.
(الرابعة) الحاجة قد تقوم سببا مبيحا في المحرم لولاها كالمشقة، كما قلنا
في نظر المخطوبة، ومحله الوجه والكفان والجسد من وراء الثياب. ونظر
المستأمة (5) من الإماء، فينظر إلى ما يرى من العبيد، وقيل ينظر إلى ما يبدوا حال المهنة،

(1) سورة البقرة: 178.
(2) في ص: التجار.
(3) يقال توخيت الامر أي تحريته في الطلب.
(4) في ص وهامش ك: إذ يتكرر فيه.
(5) أي التي عرضت على البيع.
80

وقيل يقتصر على الوجه والكفين كالحرة،.
ويجوز النظر إلى المرأة للشهادة عليها والمعاملة إذا احتاج إلى معرفتها
، ويقتصر على الوجه. والفرق بينه وبين النظر المباح على الاطلاق من وجهين:
الأول - تحريم التكرار في ذلك بخلافه هنا، فإنه ينظر حتى يستثبت ويحرم
الزائد.
الثاني - أن ذلك قد يصدر من غير قصد، حتى قيل بتحريمه مع القصد
بخلافه هنا، ولو خاف الفتنة حرم مطلقا.
ومنه نظر الطبيب والفاصد إلى ما يحتاج إليه، بحيث لا يعد الكشف فيه
هتكا للمروة. ويعذر فيه لأجل هذا السبب عادة، وهو مطرد في جميع الأعضاء.
نعم في السوئتين مزيد تأكيد في مراعاة الضرورة، والظاهر جواز نظر الشهود
إلى العورتين ليتحملوا الشهادة على الزنا والى فرج المرأة لتحمل شهادة الولادة
والى الثدي لتحمل شهادة الرضاع.
البحث الرابع
قاعدة:
نفي الضرر، وحاصلها الرجوع إلى تحصيل المنافع أو تقريرها لدفع المفاسد
أو احتمال أخف المفسدتين. وفروعها كثيرة، حتى أن القاعدة الأولى لكاد تداخل
هذه القاعدة:
فمنها وجود تمكين الامام لينتفي به الظلم ويقاتل به المشركين وأعداء الدين.
ومنها - صلح المشركين مع ضعف المسلمين، ورد مهاجريهم دون مهاجرينا
وجواز رد المعيب أو أخذ أرشه، ورد ما خالف الصفة أو الشرط، وفسخ البائع
81

عند عدم سلامة شرطه من الضمين أو الرهن، وكذا فسخ النكاح بالعيوب.
ومنه الحجر على المفلس، والرجوع في عين المال، والحجر على الصغير
والسفيه والمجنون للدفع (1) عن أنفسهم الحلاق بنقص مالهم (2).
ومنه شرعية الشفعة والتغليظ على الغاصب بوجوب أرفع القيم، وتحمل
مؤنة الرد، وضمان المنفعة بالفوات، وشرعية القصاص والحدود، وقطع السارق
في ربع دينار مع أنها تضمن بيد مثلها أو خمسمائة دينار صيانة للدم والمال،
وقد نسب إلى المعري (3):
يد بخمس مئين عسجدا (4) وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار
فأجابه السيد المرتضى رحمه الله:
حراسة الدم أغلاها وأرخصها * حراسة المال فانظر حكمة الباري
(وقلت:
خيانتها أهانتها وكانت * ثمينا عندما كانت أمينا
نظرا) (5) لقول بعض العلماء: لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت

(1) في ك: لدفع الضرر عن أنفسهم.
(2) في هامش ص: بتقصير مالهم.
(3) هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري، شاعر فيلسوف، ولد ومات
في معرة نعمان، أصيب بالجدري صغيرا فعمى في السنة الرابعة من عمره، وقال الشعر وهو
ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة 398 فأقام بها سنة وسبعة أشهر ومات سنة 449.
(4) العسجد: الذهب والجوهر كله والدر والياقوت.
(5) ما بين القوسين ليس في ص.
82

(وتذكير الثمين والأمين باعتبار موصوف مذكر أي شيئا) (1).
ومن احتمال أخف المفسدتين صلح المشركين، لان فيه ادخال ضيم (2) على
المسلمين، واعطاء الدنية في الدين، لكن في تركه قتل المؤمنين والمؤمنات
الذين كانوا خاملين بمكة لا يعرفهم أكثر الصحابة كما قال تعالى " ولولا رجال
مؤمنون ونساء مؤمنات " الآية (3). وفي ذلك مفسدة عظيمة ومعرة على المسلمين،
وهي أشد من الأولى.
ومنه الإساغة بالخمر، لان شرب الخمر مفسدة لكن فوات النفس أعظم منه
نظرا إلى عقوبتيهما، وكذا فوات النفس أشد من أكل الميتة ومال الغير.
ومنه إذا أكره على قتل مسلم محقون الدم بحيث يقتل لو امتنع من قتله،
فإنه يصبر على القتل ولا يقتله، لان صبره أخف من الاقدام على قتل المسلم، لان
الاجماع على تحريم القتل بغير حق والاختلاف في جواز الاستسلام للقتل.
ولا كذا لو أكره على أخذ المال، لان اتلاف نفسه أشد من اتلاف المال، فالفساد
فيه أكثر. وكذا لو أكره على شرب حرام شربه لكثرة الفساد بالقتل.
فائدة:
قد يقع التخيير باعتبار تساوي الضرر، كمن أكره على أخذ درهم زيد أو
عمرو ووجد في المخمصة ميتين أو حربيين متساويين، ولو كان أحدهما قريبه
قدم الأجنبي، كما يكره قتل قريبه في الجهاد.

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
(2) ضام ضيما مثل ضار ضيرا وزنا ومعنى.
(3) سورة الفتح: 25.
83

ومنه تخيير الامام في قتال أحد العدوين من جهتين مع تساويهما من كل وجه.
ويمكن التوقف في الواقع على أطفال المسلمين ان أقام على واحد قتله وان
انتقل إلى آخر قتله، وكذا لو هاج البحر واحتيج إلى القاء بعض المسلين فلا
أولوية. ولو كان في السفينة مال أو حيوان ألقى قطعا، ولو كان في الأطفال من
أبواه حربيان قدم.
ولو تقابلت المصلحة والمفسدة فان غلبت المفسدة درئت كالحدود، فإنها
مفسدة بالنظر إلى الا لم وفي تركها مفسدة أعظم، فتدرأ المفسدة العظمى باستيفائها
لان في ذلك مراعاة الأصلح، واليه الإشارة بقوله تعالى " يسألونك عن الخمر
والميسر قل فيهما " الآية (1). وان غلبت المصلحة قدمت، كالصلاة مع النجاسة أو
كشف العورة، فان فيه مفسدة لما فيه من الاجلال بتعظيم الله في أنه لا يناجى على
تلك الأحوال، الا أن تحصيل الصلاة أهم.
ومنه نكاح الحر الأمة، وقتل نساء الكفار وصبيانهم، ونبش القبور عند
الضرورة، وتقرير الكتابي على دينه، والنظر إلى العورة عند الضرورة. وقد
قيل منه قطع فلذة (2) من الفخذ لدفع الموت عن نفسه، أما لدفع الموت عن غيره
فلا خلاف في عدم جوازه.
ومن انغماز المصلحة في جنب المفسدة فيسقط اعتبار المصلحة رد شهادة
المتهم وحكمه كالشاهد لنفسه والحاكم لها، لان قوة الداعي الطبيعي قادحة في
الظن المستفاد من الوازع الشرعي قدحا ظاهرا لا يبقى منه الا ظن ضعيف لا يصلح
للاعتماد عليه.

(1) سورة البقرة: 219.
(2) الفلذة: القطعة من الشئ، الجمع فلذ مثل سدرة وسدر.
84

فالمصلحة الحاصلة بالشهادة والحكم مغمورة في جنب هذه المفسدة، ولهذا
لو كان معصوما قبل قوله لنفسه وان لم يسم حكما ولا شهادة، كما في قصة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم مع الاعرابي في دعوى الناقة وقتل علي عليه السلام الاعرابي
لما أكذب النبي صلى الله عليه وآله وكانا قد تحاكما إليه بعد أن تحاكما
إلى غيره وحكم ذلك بغير الواقع (1)، وكشهادة خزيمة بتصديقه صلى الله عليه
وآله وسلم فسمي ذا الشهادتين (2).
ويمكن تعليل الحكم في ذلك بدفع سوء القالة والتعرض لإساءة الظن.
وقد تشهد (3) الله تعالى على المكلفين بالملائكة الحافظين وبالجوارح يوم
القيامة، وهو أحكم الحاكمين مبالغة في الحجة البالغة.
أما شهادته لصديقه أو قريبه فبالعكس، فإنه لو منع أدى إلى فوات المصلحة
العامة من الشهادة للناس، فانغمرت هذه التهمة في جنب هذه المفسدة العامة، إذ
لا يشهد الانسان الا لمن يعرفه غالبا.
ومنه اشتمال العقد على مفسدة تترتب عليه ترتيبا قريبا، كبيع المصحف
أو العبد المسلم من الكافر وبيع السلاح لأعداء الدين. ويحتمل أيضا قطاع
الطريق إذا تحقق منهم ذلك، وهو قوي. وبيع الخشب ليعمل صنما، والعنب
ليصنع خمرا.
وقد يدخل المسلم في ملك الكافر فيزال كالإرث، والرجوع بالعيب،
وافلاس المشتري، والملك الضمني كقوله " أعتق عبدك عني،، وفيما لو كاتب

(1) روضة المتقين 6 / 253، أمالي الصدوق 62 (المجلس 22)، الوسائل 18 / 200.
(2) روضة المتقين 6 / 258.
(3) في ص وهامش ك: وقد استشهد الله تعالى.
85

الكافر عبده وملك عبدا فأسلم فعجزه المكاتب فعجزه سيده الكافر، فإنه يدخل ذلك
العبد المسلم في ملك السيد الكافر ثم يزال. وفي شراء من يعتق عليه اما باطنا
كقريبه أو ظاهرا كما إذا أقر بحرية عبد ثم اشتراه فيكون شراءا من جهة البائع
وفداءا من جهة المشتري.
وفيما إذا أسلم العبد المجعول صداقا في يد الذمية زوجة الذمي ثم فسخ نكاحها
لعيب أوردتها قبل الدخول أو طلاق أو اسلامها قبل الدخول، أو في تقويم العبد
المسلم على الشريك الكافر إذا أعتق نصيبه، وفي وطي الذمي الأمة المسلمة لشبهة
فتعلق منه فإنه يقوم عليه ان قلنا بانعقاده رقا مع أنه مسلم.
لو تزويج المسلم أمة الكافر الذمية في موضع الجواز وشرط عليه رق الولد
وقلنا بجواز في الحر المسلم، ففي جوازه هنا تردد، فان جوزناه دخل في ملك
الكافر ثم أزيل.
وفيما لو وهبه الكافر من مسلم وأقبضه وقلنا بجواز رجوعه في موضع جواز
الرجوع.
ولا يبطل بيع العبد باسلامه قبل قبض المشتري الكافر، بل يزال ملكه عنه
ويتولى مسلم قبضه بإذن الحاكم.
البحث الخامس
حكم العادة، كاعتبار (1) المكيال والميزان والعدد.
وترجيح العادة على التمييز في القول الأقوى، وفي قدر زمان قطع الصلاة

(1) في ص: كاعتياد.
86

فان الكثرة ترجع إلى العادة، وكذا كثرة الافعال فيها، وكذا تباعد المأموم
أو علو الامام.
وفي كيفية القبض، وتسمية الحرز، ورق الزوجة بالنسية إلى استخدام
السيد نهارا، وفتح الباب، وقبول الهدية وإن كان المخبر امرأة أو صبيا مميزا
والاستحمام والصلاة في الصحاري، والشرب من الجداول والأنهار المملوكة
حيث لا ضرر، وإباحة المثار بعد الاعراض عنها، وهبة الاعلى للأدنى في عدم
استعقاب الثواب، وفي العكس في تعقبه عند بعض الأصحاب، وفي قدر الثواب
عند بعض، وفي ظروف الهدايا التي لم تجر العادة بردها كالقوصرة (1) فيها التمر،
وفي عدم وجوب رد الرقاع إلى المكاتب، وفي تنزيل المبيع المأذون فيه على
ثمن المثل نقدا بنقد البلد الغالب، وكذا عقود المعاوضات، وتزويج الكفوفي
الوكالة ومراعاة مهر المثل، والتسمية.
وفي تسمية المال في الوكالة في الخلع من الجانبين، وابقاء الثمرة إلى أوان
الصرام، وحمل الوديعة على حرز المثل، وسقي الدابة في المنزل إذا جرت
العادة به، وفي الركوب أو الحمل في استعارة الدابة مما يحمل مثلها مثله غالبا.
وفي احراز الودائع بحسب العادة، فيفرق بين الجواهر والحطب والحيوان
وفي أجرة المثل لمن امر بعمل له أجرة عادة.
وفي الصنائع، فيخيط الرفيع غير خياطة الكرباس، وفي ألفاظ الوقف
والوصية، كما لو أوصى لمسجد فإنه يصرف إلى عمارته والوصية للعلماء والقراء
وفي ألفاظ الايمان، وفي أكل الضيف عند احضار الطعام وان لم يأذن المضيف
وفي حل (2) الهدي المعلم.

(1) القوصرة: وعاء التمر يتخذ من قصب.
(2) أي الهدى المذبوح بعجزه المعلم بالعلامة الموضوعة للهدى وهي خمس المذكورة
في محلها.
87

قاعدة 1):
يعتبر التكرار في عادة الحيض مرتين عندنا عملا بالنص والاشتقاق، وكذا
في عيب البول في الفراش مع احتمال رجوعه إلى الكثرة العرفية.
أما المرض والإباق فتكفي المرة.
وفي اعتبار العرف الخاص تردد، والأولى اعتباره مع علم الغريم، والا
فلا، كاعتياد قوم قطع الثمرة قبل الانتهاء أو اعتياد قوم حفظ زروعهم نهارا
وتسريح مواشيهم ليلا، وقسمة البزار والحارس ووجوب ارسال الأمة إليه نهارا،
أما ما ندر كاعتياد النساء الجفا (2) في القرى فلا عبرة به بل يجب النعلان.
وفي عطلة المدارس (فئ) أوقات العادة تردد، وخصوصا من واقف لا يعلم
العادة. ويحكم بعض العامة بجوازها من نصف شعبان إلى عيد الفطر.
والظاهر أنه لا فرق بين العادة القولية كاستعمال لفظ " الدابة " في الفرس،
والفعلية كاعتياد قوم أكل طعام خاص وأوصى رجل بالصدقة بطعام.
وقطع بعض العامة بأن العادة الفعلية لا تعارض الوضع اللغوي، وانه لم نجد
أحدا حكى فيه خلافا الا الآمدي في الأحكام. ويدل عليه أن كثيرا من العامة حمل
قوله عليه السلام في الرقيق " أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون " على
ما اعتيد في زمن صاحب الشرع من مأكل العرب المتقاربة (3) الواقعة بحسب

(1) في ص: فائدة.
(2) كذا في النسختين، وفي بعض النسخ: الحفاة، وهو الصحيح باعتبار " بل يجب
النعلان ".
(3) في ص: المتفاوتة. وفي هامش ك: المتعارفة.
88

ضيق معاشهم. وهذه عادة فعلية، وحملوه على الاستحباب فيمن يرفع عن ذلك
المأكل.
فائدتان:
(الأولى) ما ذكر أدلة شرعية للأحكام، وههنا أدلة أخر لوقوع الأحكام
ولتصرف الحكام، فأدلة الوقوع منتشرة جدا. فان " الدلوك " سبب لوجوب
صلاة الظهر، ودليل حصول الدلوك وقوعه في العالم متكثر كالإصطرلاب
والميزان وربع الدائرة والأشخاص المماثلة (1) والمشاهدة بالبصر واعتباره
بالادوار في بعض الأحوال وصياح الديكة على ما روي، وكذا جميع الأسباب
والشروط والموانع، لا يتوقف معرفة شئ منها على نصب دليل يدل على وقوعه
من جهة الشرع، بل كون السبب سببا والشرط شرطا والمانع مانعا، فأما وقوعه
في الوجود فموكول إلى المكلفين به بحسب ما عرفوه (2) موصولا إلى ذلك.
وأما أدلة تصرف الحكام فمحصورة، كالعلم وشهادة العدلين أو الأربعة أو
العدل مع اليمين، واخبار المرأة عن حيضها وطهرها، واستمرار اليد على الملك
والاستطراق من أهل المحلة فيما يستطرقون فيه، والاستطراق العام، واليمين
على المنكر، واليمين مع النكول، وشهادة أربع نسوة في بعض الصور وأقل
في مثل الوصية والاستهلال فيثبت الربع بالواحدة، وشهادة الصبيان في الجراح
بشروطه، ووصف اللقطة بالأوصاف الخفيفة فإنه يبيح (3) الاعطاء ولا يوجبه فلا يزول
الضمان مع قيام البينة بخلافه، والاستفاضة في الملك المطلق والنسب والنكاح.

(1) أي المماثلة بين الفئ الزائد والظل الباقي قبله.
(2) في ص: موصلا إلى ذلك.
(3) في ك: يقبح الاعطاء.
89

وهذا كله قد يسمى الحجاج، وهو مختص بالحكام كاختصاص الأدلة
الشرعية بالمجتهدين.
(الثانية) يجوز تغيير الأحكام بتغيير العادات، كما في النقود المتعاورة
والاقران (1) المتداولة ونفقات الزوجات والأقارب، فإنها تتبع عادة ذلك الزمان
الذي وقعت فيه، وكذا تقدير العواري بالعوائد.
ومنه الاختلاف بعد الدخول في قبض الصداق، فالمروي تقديم قول الزوج
عملا بما كان عليه السلف من تقديم المهر على الدخول.
ومنه إذا قدم شيئا قبل الدخول كان مهرا إذا لم يسم غيره تبعا لتلك العادة،
والآن ينبغي تقديم قول الزوجة واحتساب ذلك من مهر المثل.
ومنه اعتبار الشبر في الكر والذراع في المسافة، فإنه يعتبر بما تقدم لا بما هو
الان ان ثبت اختلاف المقادير كما هو الظاهر.
المطلب الرابع
(في قواعد من هذا الباب)
قاعدة:
اللفظ اما دال على الكلي أو على الكل، وكلاهما اما في جانب الثبوت
أو النفي، فالأول إن كان في جانب الثبوت فيكفي في الخروج من العهدة الاتيان
بأي جزء اتفق، إذ اللفظ لا يدل عل جزئي معين فيكفي، وإن كان في جانب النفي
لا بد من الامتناع الكلي من جميع الجزئيات والثاني لا يكفي في طرف الثبوت

(1) في ص وهامش ك: والأوزان المتداولة.
90

الاتيان بجزء منه.
مثال الأول " فتحرير رقبة "، فان المحرر لأي رقبة كانت آت بالمأمور به.
ومثال الثاني قوله تعالى، فمن شهد منكم الشهر فليصمه " (1) لا يكفيه بعضه بل لابد
من الاتيان بجميع الشهر.
ويتفرع على ذلك جواز التيمم بالحجر والسبخ، لان قوله تعالى " صعيدا
طيبا " (2) يصدق على أقل مراتبه. وقصر الحضانة على سن التربية (3) بل سن الرضاع
لان قوله صلى الله عليه وآله " أنت أحق به ما لم تنكحي " فقيد مطلق الا حقية
فيكفي أقل مراتبها، ولا يحمل على الاعلى وهو البلوغ. ولا ينافي الاطلاق تقييد
الحكم بعدم النكاح، لأنه إشارة بهذه الغاية إلى المانع، أي ان نكاحها مانع من ترتب
الحكم على سببه، والمانع وعدمه لا مدخل لهما في ترتب الأحكام بل في عدم
ترتيبها، لان تأثير المانع منحصر في أن وجوده يؤثر في العدم لا عدمه في الوجود
فتبقى قضية لفظ الا حقية بحالها في اقتضائها أقل ما يطلق عليه.
وقصر تحريم الفرقة أيضا على سن التربية (4)، لان قوله صلى الله عليه وآله
وسلم " لا تولم والدة على ولدها " وإن كان عاما في الوالدات باعتبار النكرة في
سياق النفي، وعاما في المولودين باعتبار اضافته على رأي القائل بعمومه وعام
في الأزمنة، لان " لا " لنفي الاستقبال على طريق العموم، كقوله تعالى " لا يموت
فيها ولا يحيى " (5)، فهو بالنسبة إلى أحوال الولد مطلق، لان العام في الأشخاص

(1) سورة البقرة: 185.
(2) سورة النساء: 43.
(3) في ص: على سن المزيل من الرضاع.
(4) في ص: في سن المزيل.
(5) سورة طه: 74.
91

والأزمان لا يلزم أن يكون عاما في الأحوال.
والاكتفاء في الرشد (1) باصلاح المال حملا على أقل مراتبه، وهذا أظهر [في
الدلالة] مما قبله، لاقتران تلك بما احتيج إلى الجواب عنه به.
واستدل بعض العامة على الاقتصار في حكاية الاذان على حكاية التشهد، [فان
قوله صلوات الله عليه " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول " مطلق، فحمل
على مطلق المماثلة وهو صادق على التشهد] (2)، فيكون كافيا.
قلت: هذا يناقضه قولكم بعموم المفرد المضاف ومثل مضاف.
فائدة:
استثني من هذه القاعدة ما أجمع على اعتبار أعلى المراتب فيه، وهو ما
نسب إليه تعالى من التوحيد والتنزيه وصفات الكمال، وما أجمع على الاكتفاء
فيه بأقل المراتب، كالاقرار بصيغة الجمع، فإنه يحمل على أقل مراتبه والفرق
أن الأصل تعظيم جانب الربوبية بالقدر الممكن، والأصل براءة ذمة المقر، قال
الله تعالى " وما قدروا الله حق قدره " (3) وقال النبي صلى الله عليه وآله:
لا أحصي ثناءا عليك. والباقي هو المحتاج إلى دليل.
ولك أن تقول: محل النزاع هو الجاري على الأصل، وكذلك الاقرار.
وأما تعظيم الله تعالى فهو دليل من خارج اللفظ، فلا تخرج القاعدة عن حقيقتها.

(1) في ص: بالرشد في اصلاح المال.
(2) ما بين القوسين ليس في ص.
(3) سورة الأنعام: 91.
92

قاعدة:
الأصل في اللفظ الحمل على الحقيقة الواحدة، فالمجاز والمشترك لدليل
من خارج، والحقيقة ثلاثة لغوية وعرفية وشرعية، وكذا المجاز.
ولا مجاز في الحروف، بل الكلام فيها في أصل الوضع.
وأما الأسماء فمنها الماهيات الجعلية، كأسماء العبادات الخمس، وهي
حقائق شرعية. ومن الأسماء المتصلة بالافعال كالمصدر واسم الفاعل واسم
المفعول، فاسم الفاعل معتبر في الطلاق عندنا، ولا يجزي غيره في الأصح ولا
يجزي في البيع والصلح والإجارة على الظاهر والنكاح " كأنك بائعك " أو
" مصالحك " أو " موجرك " أو " بائع منك " أو " منكح ".
ويكفى في الضمان والوديعة والعارية والرهن وكذا اسم المفعول ك‍ " أنا
ضامن " أو " هذا مودع عندك "، وفي العتق كعتيق ومعتق، ويقرب منه " أنت حر "
و " أنت كظهر أمي "، ويكفي المصدر في الوديعة والعارية والرهن والوصية.
وأما الافعال فالماضي منها منقول إلى الانشاء في العقود والفسوخ والايقاعات
في بعض مواردها، ويعتبر في اللعان والشهادة بصيغة المستقبل، فلو قال " شهدت
بكذا " لم يقبل، ولو قال " أنا شاهد عندك بكذا " فالظاهر القبول لصراحته. ولا
يجزي في البيع والنكاح المستقبل على الأصح ولا في الطلاق والخلع، ويكفي
في اليمين صيغة الماضي والآتي.
وأما الامر فجائز (1) في العقود الجائزة كالوديعة والعارية، وفي النكاح على
قول ضعيف، وفي المزارعة والمساقاة في وجه وفي بذل الخلع. والمأخذ في

(1) في ك: فجار في العقود. وفي هامشه: فنختار في العقود.
93

صراحة هذه مجيئها في خطاب الشارع كذلك وشيوعها بين حملة الفقه.
قاعدة:
لا يستعمل اللفظ الصريح في غير بابه الا بقرينة، فان أطلق حمل على
موضوعه، كاستعمال السلف في البيع بقرينة التعيين، فلو لم يعين نفذ في
موضوعه واشترط شروط السلف، لان الأصل في الاطلاق الحقيقة، فلو قال
" بعتك " وقبل بالشراء أو بمعناه ثم ادعى أحدهما قصد الإجارة حلف الاخر.
وقد تردد الأصحاب في إرادة الحوالة من الوكالة وبالعكس، اما لعدم
استقرار اللفظ في إحداهما، فيقدم دعوى المخالفة من اللافظ لأنه أبصر بنيته،
واما لأنه وان استقر فيعضده أصل آخر، ولو قدمنا قول مدعي حقيقة اللفظ زال
الاشكال.
ولو باع المشتري من البائع بعد قبضه واتفقا على إرادة الإقالة لم يصر إقالة
لعدم استعماله فيه، وفي انعقاده بيعا نظر لعدم القصد إليه مع احتمال جعله إقالة،
إذ لا صيغة لها مخصوصة، بل المراد ما دل على ذلك المعنى. وتظهر الفائدة في
الشفعة والخيار، فلو تقايلا ونويا البيع فالاشكال أقوى.
ولو قال " بعتك بلا ثمن " فمعناه الهبة. واللفظ يأباه، فعلى البيع يكون
فاسدا لعدم ركنه وهو الثمن وعلى الهبة يصح ويملك الواهب الرجوع ومواضعه
اتصل به القبض أولا، ولو تلف بعد القبض فلا ضمان على تقدير الهبة إذا كان
القبض بأذن الواهب. وعلى تقدير البيع فيه وجهان: الضمان لأنه بيع فاسد،
وعدمه عملا بلفظه الدال على سقوطه.
ولو كان حيوانا فتلف في الثلاثة احتمل على الضمان عدم الضمان لتبعية الفاسد
الصحيح، وهو هنا غير مضمون صحيحا ويحتمل الضمان، لعموم قوله صلى الله
94

عليه وآله وسلم " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " (1).
وهذا البحث مطرد في كل بيع فاسد، أعني تلفه في زمن الخيار. ويرد
أيضا فيما إذا فسخ البائع أو المشتري في زمن الخيار، [فإن كان الفاسخ البائع
فمن مال المشتري ويحتمل عدمه، وإن كان الفاسخ المشتري في الخيار] (2)
المشترك فالضمان أقوى. وفي الخيار المختص به وجهان.
ولو قال " وهبتك بألف " فهل يكون هبة بعوض أو بيعا؟ الظاهر الأول،
والفائدة ثبوت خيار المجلس والشفعة وخيار الثلاثة في الحيوان، وخيار التأخير
عند عدم الاقباض ان جعلناه بيعا لا هبة. ولا يلزم على كونه هبة دفع العوض وان
تفرقا من المجلس، ويلزم على تقدير البيع. وكذا القبض في المجلس لو كانا
نقدين، وجريان الربا لو حصل التفاوت، اما خيار الغبن فيقطع بثبوته على تقدير
البيع ويشكل على تقدير الهبة.
ولو عقد السلم بلفظ الشراء صح عندنا، ويجري عليه أحكام السلم إن كان
المورد غير عام الوجود عند العقد، ولو كان موجودا فالأقرب انعقاده بيعا بناءا
على جواز بيع عين موصوفة بغير أجل ان قلنا باشتراط الأجل في السلف، وان
منعنا بيع مثل هذا وقلنا باشتراط الأجل في السلم وعري عنه بطل العقد من أصله.
ولو لم يشترط الأجل في السلم مع عموم الوجود ففي انعقاده بيعا نظرا إلى
لفظه أو سلما نظرا إلى قصد المتعاقدين وجهان، فعلى الأول هل يجب قبض أحد
العوضين في المجلس؟ الأقرب نعم، ليخرج عن بيع الدين بالدين، ولو قلنا
هو سلم وجب قبض الثمن فيه. والحق بناءا على عدم اشتراط الأجل في السلم

(1) الجامع الصغير: 61 نقلا عن مسند أحمد.
(2) ما بين القوسين ليس في ص.
95

أنه سلم، ولا عبرة بلفظ " البيع " هنا، لان العبرة بالمعنى، وخصوصا مع
انضمام النية، ولأنه يلزم أن يكون لنا صورة يجب فيها قبض أحد العوضين لا بعينه
وليس ذلك معهودا من الشرع وإنما تضر النية لو قلنا باشتراط الأجل في السلم
عملا بأصالة صحة العقد وخروجا عن بيع الدين بمثله.
أما لو كان الثمن معينا في العقد لم يجب قبضه في المجلس ان جعلناه بيعا.
احتمال ضعيف.
ولا يشترط في الإجارة على عمل في الذمة القبض في المجلس، لمباينتها
البيع عندنا. ولو عبر عن الإجارة بالبيع أو العارية ففي الانعقاد قولان، أقربهما
عدم الانعقاد.
ومن هذا الباب " قارضتك والربح لي أو لك "، ففي اعتباره بمعناه فيكون
بضاعة أو قرضا أو بطلان العقد فيكون مضاربة فاسدة، وجهان أقربهما الثاني.
فالربح للمالك في الصورتين وعليه أجرة العامل. ويحتمل سقوط الأجرة في
الأول لرضاه بالسعي لا بعوض.
وعلى اعتبار المعنى يكون الربح للعامل في صورة جعله قرضا والمال
مضمون عليه، ويكون الربح للمالك في صورة جعله بضاعة. ويقطع بوجوب
أجرة العامل هنا، لأنه عمل مأمور به له أجرة عادة.
ولا يمكن القول بكون الربح بأسره للعامل مع عدم ضمان المال لتلازمهما
فان إعارة النقدين هنا غير ممكنة، فالربح هنا لمالك المال، فقد ملك مال الغير
بعوض، إذ صاحبه لم يجعل للعامل سوى الربح ويريد أن أصل المال باق له
وليس عين المال باقية، فوجب المصير إلى مثلها، وهو معنى القرض.
ومنه تعليق البيع على الواقع أو على ما هو شرط فيه. والأصح انعقاده،
96

مثل " بعتك إن كان لي " أو " بعتك ان قبلت ". ويحتمل البطلان نظرا إلى صيغ
الشرط المحترز عنها في البيع. وفي قوله " ان قبلت " زيادة الشك، إذ قبوله غير
معلوم " الا أن يقال: الايجاب لا يكون الا بعد المواطاة على القبول، وهو يمنع الشك.
فالجواب ان المواطاة لا يوجب بقاء الرضى، لجواز البداء. والحق أنه
تعليق على ما هو من قضية العقد. والشك هنا غير ضائر، لأنه حاصل وان لم
يتلفظ به عند لحظة إياه فكذا مع التلفظ.
ومثله " أنت طالق إن كان الطلاق يقع بك " وهو يعلمها على حالة الوقوع
اما منكر الوكالة في البيع أو النكاح إذا كان مبطلا، فإنه يقول للوكيل " إن كان
لي فقد بعته منك بكذا " وللمرأة " ان كانت زوجتي فهي طالق " إذا امتنع من
عدم التعليق فلا يضر هنا، اما لأنه تعليق على واقع أو لمساس الحاجة إليه. بخلاف
ما تقدم، فإنه ايراد لأمر مستغنى عنه.
ومنه بيع العبد من نفسه في انعقاده كتابة أو بيعا منجزا أو يبطل، وجوه.
ولو وقف على غير المنحصر كالعلويين صح عندنا، لان المقصود الجهة التي
يصرف فيها لا الاستيعاب. ومن منع فإنه ينظر إلى أنه تمليك لمجهول، إذ الوقف
مملك.
ولو راجع بلفظ النكاح أو التزويج ففي صحة الرجعة وجهان، ويقوى الصحة
إذا قصد الرجعة به، ولو قصد حقيقة النكاح أو التزويج ضعفت.
قاعدة:
لا يحمل اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه معا عند كثير من الأصوليين، لان
حمله على حقيقته يستلزم كونه موضوعا لها، وحمله على مجازه يستلزم كونه غير
موضوع لها، وهو تناقض.
97

فعلى هذا لو أوصى أو وقف لا ولادة لم تدخل الحفدة ولو جعلناهم حقيقة
دخلوا. ولا فرق بين أولاد البنين وأولاد البنات، لقول النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: الحسن والحسين ولداي (1) وقوله صلى الله عليه وآله: ان ابني هذا
سيد - يشير إلى الحسن (2).
ولو حلف السلطان على الضرب أو تركه حمل على الأمر والنهي، اما لأنه
قد صار حقيقة عرفية بالنسبة إليه واما باعتبار القرينة الصارفة للفظ إلى مجازه.
فلو باشره بنفسه فعلى القاعدة لا يحنث، لان فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز بحسب
الاعتبارين المذكورين. والظاهر الحنث، ويجعل الضرب للقدر المشترك بين
صدور الفعل عن رضاه. ومن يجوز استعمال اللفظ في حقيقة ومجازه فلا اشكال
عنده.
ومنه " أو لامستم النساء " (3) في الحمل على الجماع أو اللمس باليد.
ومنه " فقد جعلنا لوليه سلطانا " (4) في الحمل على القصاص أو الدية، فان
السلطان حقيقة في القصاص. وهذا ضعيف، والظاهر أنه القدر المشترك بين
القصاص والدية، وهو المطالبة بحقه.
فائدة:
الماهيات الجعلية - كالصلاة والصوم وسائر العقود - لا يطلق على الفاسد،
الا الحج لوجوب المضي فيه. فلو حلف على ترك الصلاة في الأماكن المكروهة

(1) الأمالي: 35، وفيه: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام.
(3) سورة النساء: 43، سورة المائدة: 6.
(4) سورة الإسراء: 33.
98

أو الصوم اكتفى بمسمى الصحة، وهو الدخول فيها، فلو أفسدها بعد ذلك لم
يزل الحنث. ويحتمل زواله، لأنها لا تسمى صلاة شرعا ولا صوما مع الفساد.
أما لو تحرم في الصلاة أو دخل في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث قطعا.
ولو كان الحلف على ترك الصلاة في الدار [المغصوبة]، أو على ترك
الوصم مع الجنابة، أو على ترك بيع الخمر أو الحر (1)، أمكن الحمل على
الصورة، فيحنث بهما وعدمه، لأنه حلف على ممتنع شرعا.
ومن فروع الحقيقة:
حمل اللام على الملك، فلو قال " هذا لزيد " فقد أقر له بملكه، فلو قال
" أردت أنه بيده عارية أو إجارة أو سكنى " لم يسمع، لأنه خلاف الحقيقة.
وكذا الإضافة، بمعنى اللازم، مثل " دار زيد " فلو حلف لا يدخل دار زيد فهي
المملوكة ولو بالوقف. وعلى هذا لا يحنث بالحلف على دار العبد (2) أصلا، لعدم
تصور الملك فيه على الأقوى، الا أن يقصد ما عرفت به وشبهه.
قال بعض العامة: لا يحنث ولو قلنا بملكه لنقصه (3) باعتبار أنه في معرض
الانتزاع منه كل آن. ويؤيده (4) أن الملك ينقسم إلى التام والناقص حقيقة، الا أن
يمنع القسمة المعنوية.
فيجاب: بأن تسمية المتزلزل ملكا سائغ (5) على ألسنة حملة الشرع، كالملك

(1) في هامش ك: أو الخنزير.
(2) في ص: على دابة.
(3) في ص وهامش ك: لنفسه.
(4) في ص وهامش ك: ويرده.
(5) في ص وهامش ك: شائع.
99

في زمن الخيال وملك الهبة بعد القبض. ويحتمل الحنث لما يضاف إلى العبد
ظاهرا، لان اللفظ يمتنع هنا حمله على الحقيقة، فيحمل على المجاز باعتبار
القرينة.
وقد يجاب: بأن امتناع الحمل على الحقيقة لا يوجب المصير إلى المجاز
إذ غايته تحصيل حكم شرعي. وبطلان اليمين هنا حكم شرعي، فليس تحصيل
أحدهما أولى من الاخر.
ومن هذا علم أن المشترك لا يحمل على كلا معنييه، لان الحمل عليها مجاز
وإرادة الحقيقة هنا ممكنة وإنما يبطل لعدم تعيينها، فكان البطلان أولى من حمله
على المعنيين.
فائدة:
مما يشتبه تعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح - كالنكاح فإنه حقيقة
في العقد ومجاز في الوطي أو بالعكس، مع أن اطلاقه عليها في حيز التساوي
أمور:
(منها) لو تعارض في الإمامة الا فقه الا قرأ مع الا ورع الا تقى، ففي كل منهما
وجه رجحان مفقود في الاخر.
والأقرب ترجيح الا فقه الا قرأ، لان ما فيه من الورع يحجزه عن نقص الصلاة
إذ العدالة معتبرة فيه واحد أركانها الورع ويبقى علمه زائدا مرجحا.
وكذا في المجتهدين المختلفين بالنسبة إلى المقلد يرجح الا علم، لان ما فيه
من الورع يحجزه عن التهجم على الفتوى بغير حق، فبقي علمه راجحا بغير
معارض.
100

لا يقال: هذا يقلب، لان ما في الورع من العلم كاف في تحصيل هذا الحكم
فيبقى ورعه زائدا بغير معارض.
لأنا نقول: لما كان الحكم الشرعي إنما يحصل بالعلم كان الا زيد علما أقرب
إلى تحصيله من الناقص، إذ عمدة الفتوى إنما هي العلم.
(ومنها) لو تعارض الحر غير الفقيه والعبد الفقيه في صلاة الجنازة قدم الفقيه
لان فضيلته اكتسابية، بخلاف الحرية.
وهذا مبني على جواز امامة العبد الحر أو على كون المأموم عبدا، وحينئذ
ينسحب في الصلاة اليومية ولو منعنا من إمامته فلا تعارض.
(ومنها) تعارض الصلاة جماعة في آخر الوقت وفرادى في أوله، أو جماعة
في تقديم الثانية عن وقت فضلها وفرادى في وقت تأخرها إلى وقت الفضيلة، كما
في تأخير العصر إلى المثل والعشاء إلى ذهاب الشفق.
ولعل مراعاة الجماعة أشبه للحنث عليها على الاطلاق، ولان فضيلة الجماعة
يفيد تضعيف الصلاة إلى سبع وعشرين، بخلاف مراعاة الوقت.
ولو كان التقديم أو التأخير لعذر عام كما في المطر والوحل، فلا اشكال في
ترجيح الجماعة، لان النبي صلى الله عليه وآله كان يجمع بين الصلاتين
في الليلة المطيرة بأذان وإقامتين.
(ومنها) أصحاب الاعذار كالمتيمم الراجي الماء أو غير الراجي والعاري.
والأولى أن التأخير أفضل. وأوجبه المرتضى رحمه الله.
(ومنها) لو كان في الوضوء وأقيمت الجماعة فتعارض اسباغه (1) وفوات

(1) في ص: اشباعه.
101

الجماعة في البعض أو في الكل. والأولى ترجيح الجماعة، لان المتوسل إليه
أولى في المراعاة من الوسيلة لو كان مدافعا للأخبثين أو الريح وخشي فوت
الجماعة بالوضوء، فوجهان لاشتمالها على صفة الكراهية المغلظة باعتبار سلبه
للخشوع الذي هو روح الصلاة ولقوله صلى الله عليه وآله: هو كمن صلى
وهو معه.
أما لو عارضها كمال شرط - كإزالة النجاسة المعفو عنها أو زيادة في اللبس
مستحبة كالقميص والعمامة والرداء - فالظاهر ترجيحها، لما ذكرناه من مراعاة
المتوسل إليه.
وليس منها (1) جاهل القراءة إذا رجا للتعلم باقي الوقت، إذ يترك صلاة الجماعة
توقعا للتعلم وجوبا على الأقرب.
(ومنها) تعارض الصف الأول وفوات ركعة، ففي ايثار الصف الأخير ليحصل
الركعة الزائدة فصاعدا يصلي في الأخير قطعا.
(ومنها) تعارض تعجيل الزكاة للأجنبي أو المفضول وتأخيرها للرحم أو
الفاضل على القول بجواز تأخيرها شهرا أو شهرين. ويعارض دفعها قرضا ودفعها
عند الحول، فان القرض راجح من حيث الجمع بينه وبين الزكاة والأداء راجح
من حيث قرار (2) الملك فيه وتزلزله في القرض مع امتداد أعين الفقراء في رأس
الحول.
(ومنها) تعارض الصوم والاشتغال بوظائف علمية أو عملية، ففي ترجيح
أحدهما احتمال.

(1) في ص: وليس منه.
(2) في ص: من حيث اقرار.
102

وكذا تعارض الاعتكاف والاشتغال بقضاء حوائج الاخوان، والمروي عن
مولانا الحسن عليه السلام ترجيحها.
(ومنها) تعارض المشي في الحج والضعف عن العبادة، والمروي مراعاة
العبادة.
(ومنها) تعارض الجهاد وحق الأبوين، والمروي تقديم حقهما الا مع
التعيين.
(ومنها) تعارض الخطاب في النكاح كعبد عفيف عدل عالم وحر فاسق.
ولعل ترجيح العبد هنا أولى إذا كانت الزوجة المخطوبة اما الولي فلا، أو حر
فقير عالم وغني جاهل، والأقرب ترجيح العالم لعلمه أو معيب عالم ورع وصحيح
جاهل فاسق إذا كان العيب موجبا للفسخ، والأقرب ترجيح الصحيح.
قاعدة:
المجاز لا يدخل في المنصوص كأسماء العدد وإنما يدخل في الظواهر،
فمن أطلق العشرة وقال " أردت تسعة " لم يقبل منه ويعد مخطئا لغة وان ثبت تسمية
الشئ باسم أكثره كالأسود، ومنه لا يضع عصاه عن عاتقه.
ومن أطلق العموم وأراد الخصوص فهو مصيب لغة.
وكل لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية فيه في صرفه عن موضوعه
فلو طلق المخالف ثلاثا وقال " أردت اثنتين " لم يسمع منه، ولو حلف على
الاكل وقال " أردت الخمر " (1) سمع بعثا كان أو منعا.

(1) في ص: أردت الخبز.
103

قاعدة:
الصفة ترد للتخصيص تارة وللتوضيح أخرى، ولها فروع:
(منها) الاختلاف في ملك العبد وعدمه، فإنه يمكن استناده إلى قوله تعالى
" لا يقدر على شئ " (1)، فان ذلك صفة لقوله عبدا، فان قلنا: إنها للتوضيح دلت
على عدم ملكه مطلقا، وان جعلناها للتخصيص فمفهومه الملك، لان المخصص
بالوصف يدل على نفيه عن غيره.
ويقرب منه تعارض الجملة بين الحال والاستيناف، فان الجملة الحالية مفيدة
لصاحب الحال ومخصصة له. وعليه يتفرع توجيه قوله تعالى " ولا تأكلوا ما لم
يذكر اسم الله عليه وانه لفسق " (2) فان هذه الجملة على تقدير جعلها مستأنفة تكون
الآية حجة على تحريم متروك التسمية، وان جعلناها حالا فهي حجة تستعمل في حله.
وهاتان الآيتان مما يتمسك به الخصمان.
(ومنها) الاختلاف في العارية، فإنها عندنا لا تضمن الا بالشرط، وعند
بعض العامة تضمن من غير شرط، لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعار
من صفوان بن أمية أدراعا فقال له: اغصبا؟ فقال النبي: بل عارية مضمونة (3)
فالوصف للتوضيح.
قلنا لم لا يكون للتخصيص؟ ويكون ذلك شرطا لضمانها، ونحن نقول
بموجبه، إذ مع شرط الضمان تكون مضمونة.
(ومنها) لو قال لوكيله " استوف ديني الذي على فلان " فمات استوفاه من

(1) سورة النحل: 75.
(2) سورة الأنعام: 121.
(3) التهذيب 7 / 182، الفروع الكافي 5 / 240، الوسائل 6 / 236.
104

وارثه، لان الصفة للتوضيح والتعريف. ولو قال " من فلان " لم يكن له مطالبة
وارثه، سواء علقنا " من " باستوف فيكون ظرفا لغوا أو بمحذوف فيكون حالا
من المفعول، إذ الحال نص في التخصيص ويبعد جعلها بيانية. ولو أمكن (1)
صارت كالمسألة السابقة، وقال بعضهم بالمنع بناءا على أنها للتخصيص.
(ومنها) لو قال لزوجته " ان ظاهرت من فلانة " وسيجئ في الظهار.
(ومنها) لو حلف أن لا يكلم هذا الصبي فصار شيخا، أو لا أكل من لحم
هذا الحمل فصار كبشا، أو لا أركب دابة هذا العبد فعتق وملك دابة فركبها،
فعلى التوضيح يحنث وعلى التخصيص لا حنث.
ويقرب منه ما يعبر عنه الفقهاء باجتماع الإشارة والإضافة، كقوله " لا كلمت
هذا عبد زيد " أو " هذه زوجته " أو " زوجته هذه " أو " عبده هذا "، فان الإضافة
في معنى الصفة، فان جعلناها للتوضيح فزال الملك والزوجية فاليمين باقية وان
جعلناها للتخصيص انحلت. وكذا لو قال " لا عطين فاطمة زوجة زيد أو سعيد
عبده ".
ومنه لو أوصى لحمل فلانة من زيد فظهر من عمرو أو نفاه زيد باللعان،
فان قلنا الصفة للتوضيح فالوصية باقية أو للتخصيص بطلت لو ظهر من عمرو.
وفي صورة اللعان نظر مبني على اعتبار مدلول اللفظ في الحال أو اعتبار مدلوله
المستقر، فعلى الأول يأخذ الوصية وعلى الثاني لا.

(1) في هامش ك: ولو أنكر.
105

المطلب الخامس
(في قواعد متعددة وأحكام متبددة)
قاعدة:
للمطلق والمقيد أقسام:
(الأول) اختلاف الحكم والسبب ولا حمل فيه اتفاقا، مثل " فاطعام ستين
مسكينا " مع قوله تعالى " وأشهدوا ذوي عد منكم " (1)، فإنه لا يقتضي تقييد
المساكين بالعدالة.
(الثاني) أن يتحد السبب والحكم فيحمل المطلق على المقيد قطعا، مثل
" ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله " (2) مع قوله " ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت
وهو كافر " (3)، وقوله تعالى " وأشهدوا إذا تبايعتم " (4) مع قوله تعالى، ممن ترضون
من الشهداء " (5).
وقول النبي صلى الله عليه وآله: الحمى من قيح جهنم فأبردوها
بالماء (6). وفي حديث آخر: فأبردوها من ماء زمزم. ومثله قوله عليه السلام:
خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم - وذكر الغراب منها (7). وفي حديث آخر

(1) سورة الطلاق: 2.
(2) سورة المائدة: 5.
(3) سورة البقرة: 217.
(4) سورة البقرة: 282.
(5) سورة البقرة: 282.
(6) البحار 62 / 102، رواه عن دعائم الاسلام عن النبي صلى الله عليه وآله
وفيه: الحمى من فيح جهنم فاطفئوها بالماء. الفيح بالفاء: تصاعد الحر، يقال: فاحت
القدر إذا غلت.
(7) التهذيب 5 / 366، الفروع 4 / 363، صحيح البخاري باب ما يقتل المحرم.
106

تقييد الغراب بالأبقع.
ومن أمثلة اتحادهما وهما يفيان قوله صلى الله عليه آله وسلم: لا تبيعوا
الذهب بالذهب الا مثلا بمثل (1)، مع قوله في الحديث الاخر: الا يدا بيد ولا تبيعوا
منها شيئا غائبا بناجز.
(الثالث) أن يختلف السبب ويتحد الحكم، كتحرير رقبة في الظهار مطلقة
مع تقييدها في القتل بالايمان.
(الرابع) أن يتحد السبب ويختلف الحكم، ففي الثبوت مثل " فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه " (2) مع قوله تعالى في آية الوضوء " وأيديكم إلى
المرافق " (3)، فان السبب فيهما واحد وهو التطهير للصلاة بعد الحدث والحكم
مختلف بالغسل في أحدهما والمسح في الاخر.
قاعدة:
التأويل إنما يكون في الظواهر دون النصوص، ولا يقال " تأويل " لبيان
المجمل، كالمشترك إذا حمل على أحد معنييه بقرينة.
وللتأويل مراتب، أعلاها ما كان اللفظ محتملا له ويكثر دخوله في الكلام،
ويليه ما يكون احتماله فيه بعد لكن يقوم قرينة يقتضي ذلك، فان زاد البعد أشكل
القبول والرد من جهة القرينة قوة وضعفا، وأبعده مالا يحتمله ولا يقوم عليه
قرينة فيرد.

(1) صحيح البخاري باب بيع الذهب من أبواب البيوع.
(2) سورة المائدة: 6.
(3) سورة المائدة: 6.
107

وهذا وارد في الأدلة، ويجئ مثله في ألفاظ المكلفين.، مثل " طلقتك "
للرجعية يحتمل الانشاء والاخبار، فإذا ادعى الاخبار قبل منه. وهذا في الحقيقة
تبيين أحد محتملي اللفظ المشترك وليس بتأويل.
ولو كان اسمها " طالق " أو " حرة " فناداها بذلك، فان قصد النداء فلا بحث
وان قصد الايقاع الحتمل الوقوع، وان أطلق فالأقرب الحمل على النداء للقرينة.
ومنه تخصيص العام وتقييد المطلق بالنية كما يقع في ايمان.
ومنه " طلقتك " أو " أنت طالق " وادعى سبق لسانه من غير قصد وانه أراد
أن يقول: طلبتك.
ومنه لو صدقت الزوج في عدم الرجعة ثم رجعت إلى تصديقه، هل يقبل
اقرارها لامكان اخبارها عن ظنها ثم تبين لها خلافه؟ ويشكل بالاقرار بالمحرمية
والرضاع ثم يرجع، فإنه لا يقبل مع قيام الاحتمال فيه.
وفرق بينهما بأن المحرمية والرضاع أمر ان ثبوتيان وعدم الرجعة نفي
والإحاطة في الثبوت أقرب من النفي، ومن ثم لو ادعت الطلاق عليه البائن فرد
اليمين فحلفت ثم رجعت لم يقبل منها لاستنادها إلى الاثبات.
ولو زوجت وقالت " لم أرض " ثم رجعت قبل، لرجوعه إلى النفي ولأنها
أنكرت حق الزوج فرجعت إلى التصديق فيقبل لحقه. وقيل لا يقبل في جميع
هذه المواضع، لأن النفي في فعلها كالاثبات، ولهذا تحلف على القطع.
وكالتأويل في الرجوع عن الاقرار بقدر الثمن بشراء وكيله وشبهه فتسمع
دعواه، ولو قال " له علي شئ، ففسره بحبة حنطة قيل يقبل لأنه شئ يحرم
أخذه ويجب رده، ولو فسره بوديعة قبل لان عليه ردها ويضمنها لو فرط وتلفت
ولو فسره بالعبادة ورد السلام لم يقبل لبعد التأويل.
108

ولو قال " له علي حق " احتمل قبول رد السلام، ويشكل بأن الحق أخص
ويبعد قبول الأخص بتأويل لا يقبله الأعم. ولو قيل بأن العرف يأبى تأويله
في الوجهين أمكن.
ومنه دعوى إقامة القبالة في الدين والرهن.
قاعدة:
قد يثبت ضمنا مالا يثبت أصلا، وهو مأخوذ من قاعدة المقتضي في أصول
الفقه، وهي ما إذا كان المدلول مضمرا، لضرورة صدق المتكلم لرفع الخطأ أو
لتوقف صحة اللفظ عليه " كاسئل القرية "، أو لاقتضاء الشرع ذلك، مثل " أعتق
عبدك عني "، فإنه يقتضي تقدير سبق انتقال المال إليه، كما لو حكمنا بثبوت
أول الصوم بشهادة الواحد، فإنهم يفطرون عند كمال الثلاثين ضمنا وإن كان
هلال شوال لا يثبت به، وقيل لا افطار.
ويتفرع حلول الدين وتعليق الظهار وغير ذلك. أما لو شهد النساء على الولادة
قبل ويثبت النسب وإن كان لا يثبت النسب بشهادتين.
ولو وقف على الفقراء ثم صار فقيرا، فهنا دخل في الوقف وإن كان لو
وقف على نفسه بطل.
وكبيع الثمرة مع الأصل لا يشترط فيها مع الظهور بدو الصلاة لأنها في
ضمن الشجر.
ولو تجددت اللفظة الثانية قبل أخذ الأولى وترك البائع للمشتري وقلنا:
لاخيار لحصول (1) التملك ضمنا في الترك، وكذا لورد مشتري العبد المسلم من
الكافر للعيب فإنه يدخل المسلم في ملك الكافر ضمنا، أو وجد البائع في الثمن

(1) في ص: بحصول.
109

المعين عيبا والضمن في هذا أظهر.
ولو باع المريض محاياة والزائد (1) هبة ولا يشترط فيه القبض لأنه في ضمن
البيع.
ولو قال " أعتق عبدك المستأجر عني " صح وان قلنا بمنع بيع العين المستأجرة
لان الملك ضمني. وكذا لو أعتق العبد المغصوب عنه ولا يقدر الاذن على انتزاعه
فإنه يصح وان لم يصح بيعه، لان الملك في ضمن العتق.
وكذا حب الزوان في الحنطة بمثلها، وكذلك اللبن في الشاة إذا باعها بحالبه
ولو قلنا بمذهب الشيخ ان الغسل عن الجنابة إذا كان على البدن نجاسة فغسلها
بنية رفع الحدث وزالت، فإنه يكون قد يضمن إزالة الحدث إزالة الخبث، وكذا
تدخل الأشجار في بيع الأرض ضمنا، وكإرث الخيار تبعا للمال وإن كان الخيار
وحده لا يورث.
قاعدة:
يستفاد من دلالة الإشارة أحكام، كقوله تعالى " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، (2)
مع قوله تعالى " وفصاله في عامين " (3)، فإنه يشير إلى أن أقل الحمل ستة أشهر.
ومن ذلك قول المصلي " ادخلوها بسلام آمنين " وقصد التلاوة والامر، فان
صلاته لا تبطل، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أبيا بفتح القراءة
على من ارتج عليه.
وهل تقوم الإشارة منه مقام اللفظ على الاطلاق؟ تظهر الفائدة في ابطال

(1) في ص: فالزائد.
(2) سورة الأحقاف: 15.
(3) سورة لقمان: 14.
110

إشارة الأخرس لصلاته.
قاعدة:
إذا تعارضت الإشارة والعبارة ففي ترجيح أيهما؟ وجهان. ويتفرع عليهما
مسائل، مثل " أصلي خلف هذا زيد " وكان عمرا، أو " على هذه المرأة " وكان
رجلا، أو " زوجتك هذه العربية " وهي عجمية. قوى العامة تغليب الإشارة في
الكل.
ومنه " بعتك الفرس بهذا " فإذا هو حمار، و " خلعتك على هذا الثوب
الصوف " فبان قطنا.
وفي الايمان مسائل من هذا، ومنه، لله علي أن اشتريت هذه الشاة جعلتها
أضحية " فإنه قيد بالمنع، لان التعليق على تملك معين لا يجوز، بخلاف ما لو قال
" ان اشتريت شاة " والأصح الصحة في الموضعين.
قاعدة:
قد يثبت الحكم على خلاف الدليل لمعارضة دليل أقوى، منه، كرد الصاع
عوضا عن قيمة لبن المصراة، وقبول قول ذي اليد في شراء ما في يده من العين
المربحة للمضاربة والجعالة والعرية، وغرامة مهر زوجة المهاجرة والكتابة ومنع
سيده التصرف في ماله بغير الاستيفاء، وجعل (1) جارية من القلعة للدال مع أنها
غير معلومة ولا مقدور على تسلميها.

(1) أي جعل الامام أو المنصوب من قبله في الجهاد للدال على فتح القلعة جارية
بعد الفتح.
111

قاعدة:
كل ما وقع الاتفاق على أصل أجريت فروعه عليه وقد يختلف فيها لعارض
ثم قد يكون الاختلاف بعد تعيين العلة، كالاتفاق على أن العلة في طهورية الماء
هي اطلاقه ثم خالف العامة في المتغير بالتراب المطروح قصدا أو بالملح المائي.
وهذا عجيب، لان العلة إذا كانت قائمة كيف يتخلف عنها المعلول؟ قالوا
هذه تسلب اسم الماء، لان طهوريته اما تعبد لا يعقل معناه واما لاختصاصه بمزيد
لطافة ورقة ونفوذ لا يشاركه فيها سائر المائعات. وعلى التقديرين المناط للاسم.
قلنا: مسلم، لكن التقدير أنه لم يزل الاسم بهذا النوع من التغير، ولو زال
فلا اشكال في زوال الطهورية.
وقد يكون الاختلاف بعد تعيين العلة، والمرجع فيه إلى العرف، كالغرر
في البيع، فإنه نهي عنه مع الاختلاف في صحة بيع سمك الآجام مع ضم القصب
وشبهها من الأحكام، فمن أبطله يقول لا تغني الضميمة عن معرفة المنضم إليه مع
كونه مقصودا فالغرر بحاله، ومن صححه يقول الضميمة معلومة والباقي في
ضمنها، كالحمل في بيع الدابة إذا شرط أو مطلقا على قول الشيخ وابن البراج.
وليس من هذا بيع الغائب، لان الوصف الشارح يزيل الغرر عرفا وما فات
من اللفظ يتدارك بخيار الرؤية، فمثله لا يسمى غررا عرفا.
وقد يكون الاختلاف بعد تعيين العلة، والمرجع فيه إلى الحس، كزوال
تغير الماء بالتراب عند من قال من الأصحاب بطهارة الماء بزوال التغير كيف
اتفق، فمن قال: التراب مزيل فهو كالماء في التطهير، ومن قال ساتر فهو كالمسك
والزعفران في عدم التطهير. فحاصل الاختلاف راجع إلى أمر حسي.
ومنه ما يكون قبل تعيين العلة، والنزاع إنما هو في العلة، كالقول بعدم
طهورية الماء المستعمل والاختلاف في التعليل اما بأداء الفرض أو أداء العبادة.
112

قاعدة:
الحكم المعلق على اسم الجنس قد يعقل فيه معنى وقد يكون تعبدا.
وتظهر الفائدة في تعدية الحكم عند من قال بالقياس من العامة، ونحن نذكره
الزاما لهم. وذلك مثل اختصاص الماء بالطهورية هل هو تعبد أو لعلة كما مر،
واختصاص التراب بذلك تعبد واستعماله في الولوغ للجمع بين الطهورين أو
تعبدا أو استظهارا. وتظهر الفائدة في الأشنان والدقيق، فعلى الأولين لا يجزيان
وعلى الثالث يجزي.
ونحن نقول: التعدية غير ممكنة، لأنه إذا دار الامر بين احتمالين لا يمكن
القطع بأحدهما تعينا فيبقى عدم التعدية بحاله، وأما عدم تعين الحجر في الاستجمار
فمأخذه عندنا النصوص الصريحة، وعند العامة قد يؤخذ من نهي النبي صلى
الله عليه وآله وسلم أن يستنجي بروث أو عظم، فإنه يعلم منه أنه لا يتعين الحجر
والا لما كان لاستثناء هذين فائدة، وإنما ذكر الأحجار لتيسرها غالبا في كل
موضع، وأما الأحجار في رمي الجمار فلا بحث في عدم التعدي.
قاعدة:
الأمور الخفية جرت عادة الشرع أن يجعل لها ضوابط ظاهرة.
ومنه الاستنجاء، لماء كانت المشربة تخفى عن العيان وكانت الثلاثة مما يزيل
النجاسات عنها غالبا ضبطها بثلاث.
والقصر لما كان للمشقة وهي مضطربة مختلفة باختلاف المسافرين والأوقات
ضبطت بالمسافة التي هي مظنة المشقة غالبا.
والعقل الذي هو مناط التكليف لا يكاد يعلم ضبط الأمور (1) المعرفة للبلوغ

(1) في ص: بالأمور المعرفة.
113

وضبط التراضي في العقود بصيغها الخاصة والاسلام بالشهادتين لا التصديق القلبي
لا يطلع عليه، وضبط العدة الاستبرائية بالوطئ والوطئ بغيبوبة الحشفة.
فرعان:
(الأول) لو علق الظهار بمشيتها فقالت " شئت " وهي كارهة لذلك فهل يقع
على هذه القاعدة؟ ينبغي أن يقع، لأن الأمور منوطة بالظاهر.
(الثاني) لو أوقع بيعا أو شراء قاصدا إلى خلاف مدلوله أو غير مريد له
فهل ينفذ (1) ظاهرا وباطنا؟ يحتمل النفوذ، لان الشارع جعل ذلك سببا.
قاعدة:
إذا دار الوصف بين الحسي والمعنوي فالظاهر أن الحسي أولى لكونه
أضبط. ويتفرع عليه تحريم انهزام مائة ضعيف من المسلمين عن مائة بطل
وثبات مائة بطل من المسلمين لمائتي ضعيف وواحد.
وحال التبسط في أطعمة الغنيمة وإن كان هناك سوق، ولا يجزي المكسورة
وإن كان غير مؤثر في الهزال بعد الذبح، ولا يمنع الذمي من ركوب البغل
وإن كان أنفس من الفرس.
قاعدة:
كل ما كانت العلة مركبة توقف الحكم على اجتماع أجزائها، كالقتل عمدا
عدوانا في ثبوت القود، وكالسكوت لا بنية القطع والقطع لا بنية السكوت في

(1) في ك: فهل ينقل.
114

القراءة لا تبطل واجتماعهما يبطل.
وكل من نية التعدي والنقل في الوديعة يضمن وأحدهما لا يضمن.
فرع:
لو راج نقد ان متساويان جاز بيع الوكيل بأيهما شاء، وفي جواز بيعه بهما
وجهان.
فائدة:
كل حكم شرط فيه شروط متعددة - كالجمعة ووجوب الحد والقصر في
المسافة فإنه ينعدم بفوات واحد منها.
قاعدة:
المعارضة بنقيض المقصود واقعة في مواضع، كحرمان القاتل من الإرث،
واثبات الشفعة للشريك. ومن ثم قال ابن أبي عقيل بمنع قتل الخطأ الإرث مطلقا،
لئلا يتوصل مدعي الخطأ إلى استعجال الإرث بالقتل.
وتوغل العامة في الامام لو قتل مورثه حدا بالرجم أو المحاربة، فذكروا
فيه أوجها ثلاثة يفرق في الثالث بين ثبوته بالبينة أو الاقرار، ففي الأول يمنع،
وفي الثاني لا يمنع لعدم التهمة، وفي قتله قصاصا خلاف مرتب وأولى بالحرمان
عندهم.
وكذا في الميت بالسبب كنصب الميزاب ورفع الحجر، والشهادة على
مورثه بما يوجب رجما أو قصاصا، واخراج الجناح والروشن فيقع على مورثه.
ومنه ما إذا شرب مسكرا أو مرقدا أو ألقى نفسه من شاهق فجن، فإنه يجب
115

عليه قضاء تلك الأيام. وفي الجنون نظر.
وفي قتل أم الولد سيدها والمدبر مدبره ورب الدين المؤجل مديونه وجه
بالمقابلة بعيد.
ويورث المطلق في مرض موته بائنا والمتزوج في العدة عالما فإنه، استعجل
الحل قبل وقته (1) فعورض بنقيض مقصوده. وألحق به الجاهل مع الدخول لتوغله
في الاستعجال في مظنة البقاء.
ولو جنت الزوج وقلنا بأن الحادث يفسخ به ففيه وجه يمنعها الفسخ، أما
هدم المستأجر الدار فالأصح أنه لا فسخ فيه للمعارضة ولأنه سبب ادخال النقص
على نفسه.
ولو أوصى للقاتل قبل الجرح أو بعده ففيه وجه بالفرق، فيأخذ إذا تقدمت
الجراحة الوصية دون العكس. ولو قتلت نفسها قبل الدخول لم يسقط المهر،
بخلاف ما لو قتلها سيدها.
قاعدة:
ما ثبت على خلاف الدليل لحاجة قد يتقدر بقدرها وقد يصير أصلا مستقلا
ومن ثم وقع الخلاف في مواضع:
(منها) الماسح على الخف أو الجبيرة أو غاسل موضع المسح ثم يزول
السبب.
ومما صار أصلا الإجارة فيها معاوضة على المنافع الممدوحة وشرعيتها
للحاجة، ثم صارت أصلا لعموم البلوى.

(1) في هامش ص: قبل فرضه.
116

والجعالة جعلت (1) للتوصل إلى تحصيل المجهول، فلو كان معلوما ففي الجواز
كلام للعامة. والأصح أنها صارت أصلا مستقلا فيجوز مع العلم.
وجواز اقتداء الأجنبي المرأة وإن كان شرعيته لحاجة المرأة.
وصلاة الخوف شرعت مقصورة بنص القرآن لأجل الخوف في السفر،
ثم عم جميع الاسفار المباحة.
ويجوز المسابقة بعوض مع جهالة العمل، وبيع العرايا (2) والمزارعة
والمساقاة. ولو تمكن من إقامة البينة على زنا زوجته ففي جواز ترك ذلك
اعتمادا على اللعان - لان ذلك عار وخزي - أولا لعموم " ولم يكن لهم شهداء
الا أنفسهم " (3) وهذا متمكن (4) من الاشهاد؟ وجهان.
قاعدة:
إذا دل دليل على حكم ولم يرد فيه بيان عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم مع عموم الحاجة إليه هل يكون ذلك قدحا في ذلك الدليل؟ فيه كلام في
الأصول. ويعبر عنه العامة بالقياس الجزئي ما لم يرد فيه بيان من النبي صلى الله
عليه وآله وسلم مع عموم الحاجة إليه في زمانه أو عموم الحاجة إلى خلافه.
وله أمثله:
(منها) إذا غمس المجنب يده في ماء قليل فنوى رفع الحدث هل يصير الماء

(1) في ص وهامش ك: شرعت.
(2) في هامش ك: وبيع القرايا.
(3) سورة النور: 6.
(4) في ص: وهنا تمكن.
117

مستعملا فمستند هذا أنه استعمل في رفع الحدث الأكبر فلا يرفع ثانيا. ويعارضه
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبين ذلك لسكان البوادي مع حاجتهم
إلى ذلك.
ولو غمسها لا بنية الاستعمال فلا اشكال، ولو غمسها لا بنية أصلا فالظاهر أنه
لا يحصل الغسل. ويحتمل حصوله اعتمادا على النية الأولى.
(ومنها) ما ذهب إليه بعض الأصحاب من بسط النية على التكبير بحيث يقع
بين الهمزة والراء، فان دليل المقارنة قد يدل عليه وان النبي صلى الله عليه وآله
وسلم لم يبن ذلك مع احتياج كل إلى بيانه.
(ومنها) ما ذهب إليه بعض العامة من جواز الصلاة على كل ميت غائب
بالنية في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يبينه النبي " ص بقول ولا فعل.
(ومنها) منعهم ولاية الفاسق عقد النكاح، ولم يبينه للبوادي ولا غيرهم ممن
يغلب عليه الفسق.
(ومنها) ضمان الدرك، فإنه مضان ما لم يجب (1)، وسوغه مسيس الحاجة
إليه ولم يبينه النبي " ص ".
وجواز شراء عين أقر قابضها بشرائها من الغير، فان قضية الدليل عدم
الجواز، لأنه أقر بالملك لغيره وادعى حصوله لنفسه، ولكن شرع (2) لما قال
الأئمة عليهم السلام: لولا هذا لما قامت للمسلمين سوق. ولم ينقل في هذا
بيان عن النبي " ص " مع عموم الحاجة إليه.

(1) في ص: ما يجب.
(2) في ص: ولكن سوغ.
118

قاعدة:
الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة العامة (1)، كجواز قتل الترس (2) من النساء
والصبيان من الكفار، بل ومن المسلمين عند الحاجة كجواز النظر إلى الأجنبية
لحاجة العلاج.
وهل هو ملحق بالتيمم الذي يبيحه المرض المعين (3) أو مطلق المرض وان
لم يخش عاقبته؟ وفرق بينهما بأن الحاجة إلى التيمم عامة بخلاف الحاجة
إلى الطبيب في هذا المقام فإنها خاصة نادرة.
وقد يعبر عن هذه القاعدة بتنزيل ما يعم وان خف منزلة ما يثقل إذا خص.
قاعدة:
العدول عن الأصل المستعمل إلى الأصل المهجور هل هو جائز؟ الظاهر
المنع، وله صور:
(منها) إذا كثر سهوه فحكمه عدم الالتفات، فلو شك كثير السهو في سجدة
أو تسبيحة أو قراءة وهو في محلها فإنه لا يلتفت، لان كثرة السهو جوزت البناء
على الفعل مع أن الأصل عدمه، فلو فعل ذلك هل تبطل صلاته؟ فيه أوجه، ثالثها
الفرق بين الركن وغيره.

(1) في ص: الضرورة الحاجية. وفي قواعد الشهيد: الضرورة الخاصة.
(2) أي ما جعلوه الكفار سترا لأنفسهم من النساء والصبيان والشيوخ من الذين لا يجوز
قتلهم عند الحرب.
(3) في ك: الذي يبيحه هو المرض المضني (ه‍) أو مطلق المرض. (ه‍) وفي هامشه
- ظ -: المضر.
119

وكما لو غسل موضع المسح تقية فإنه صار أصلا، فلو مسح حينئذ ففي
الاجزاء احتمال.
وزعم العامة أن الشاة في الإبل بدل عن الإبل، إذ الأصل كون المخرج من
جنس المخرج عنه، وجوزوا أن يكون أصلا، ورتبوا عليه اجزاء البعير عن
خمس شياة أو عن شاة.
قاعدة:
إذا تردد الفرع بين أصلين وقع الاشتباه، وهو مناط الاشكال في مواضع:
(منها) ما هو داخل في القياس، فذكره الزام.
(ومنها) غيره، مثاله حجر السفيه متردد بين كونه لنقص فيه كالصبي أولا
لنقص بل لحفظ المال كحجر العبد. ويتفرع عليه لو أذن الولي السفيه في البيع
فهل يبطل كالصبي أو يصح كالعبد؟ وكذا في عقد النكاح والوصية.
(ومنها) الحيوانية بالنسبة إلى الآدمية وغيرها، تارة يفرق بالضرورة وتارة
بالتحسين، فالأول منه ما إذا ألقاه في البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله الماء،
فمن منع الضمان قال لان الحيوان يقطع مباشرته السبب. والأصح الضمان،
لأنه متلف على كل حال.
وإذا فتح عن طائر قفصا فطار اعتبر بعضهم مباشرة الطائر. وهو خطأ،
بل يضمنه سواء طار عقيب الفتح أو بعد مكث.
ولو كسر الطائر في خروجه قارورة آخر ضمنها الفاتح أيضا، ولو فتح
جراب شعير لغيره فلما فتحه أكلته الدابة فالأقرب الضمان على الفاتح ولكن
يرجع على صاحب الدابة ان فرط.
120

وأما التحسين فكشبه العبد الحر، فإنه لا فرق بينهما في الآدمية ولكن
المملوكية تلحقه بشبه غير الادمي من الحيوان. ولهذا يلحق بالحر فيما فيه مقدر
وبالحيوانات المملوكة فيما لا مقدر فيه.
وبنى بعضهم حل العبد الآبق على ذلك فيما لو أبق، وفصل الأصحاب بعقله
وجنونه لقوة اختيار العاقل، فقالوا يضمن الحال لو كان العبد مجنونا ولا يضمن
لو كان عاقلا.
(ومنه) اللعان متردد بين الايمان والشهادات، وبشبه الايمان أقوى، فيجوز
من الذمي.
وحد القذف متردد بين حق الله تعالى وحق الادمي، من جهة أنه ينظر بالرق (1)
وان استيفاءه باذن الامام فيشبه حق الله تعالى، ومن توقفه على مطالبة المستحق
وسقوطه بعفوه، وانه لا يسقط بالرجوع من المقربه، وانه يورث. ويتفرع عليه
ثبوته بالشهادة على الشهادة.
والعدة مترددة بين حق الله تعالى وحق الادمي، ويغلب فيها حق الله تعالى
لوجوبها مع الوفاة وان لم يدخل، ولذلك كان الأقرب عدم تداخل العدتين.
وجنين الأمة هل يعتبر بنفسه أو بكونه عضوا من أعضاء أمه لعسر اعتباره
بنفسه، ولهذا يدخل عند الشيخ في البيع والعتق والتدبير والوصية، فمن ثم
وجب فيه عشر قيمة الام. وهذا كله اظهار للحكمة والا فالاستناد إلى المنصوص
منهما (2) واجب.

(1) في ص والقواعد: تشطر بالرق.
(2) في ص: منها.
121

قاعدة:
قد يتردد الشئ بين أصلين، فيختلف الحكم فيه بحسب دليلي الأصلين،
فمنه الإقالة في كونها فسخا أو بيعا. والأقوى أنه فسخ والا لصحت مع غير
المتعاقدين وبغير الثمن الأول.
ويتفرع على ذلك فروع كثيرة، كالإقالة في العبد بعد اسلامه والبائع كافر
فعلى الفسخ يمكن الصحة وثبوت خيار المجلس والشرط والحيوان والشفعة
وجوازها بعد التلف وجوازها قبل القبض في المكيل والموزون، وغرم أرش
المبيع لو تعيب في يد المشتري بعد الإقالة على قول الفسخ وعلى البيع يتخير
البائع بين إجازة الإقالة والأرش وبين الفسخ. وقيل الأرش، وهو قضية قول
من قال من الأصحاب بأن العيب الحادث بعد العقد قبل القبض لا أرش فيه.
ولو اطلع البائع على عيب حدث في يد المشتري قبل الإقالة فلا رد له على
الفسخ وعلى البيع، والأقرب الرد على القولين.
ومن المتردد بين أصلين الابراء هل هو اسقاط أو تمليك، ويتفرع عليه
احتياجه إلى القبول وعدمه، فان اعتبرنا القبول ارتد برده وتولى المبرأ العقد
عن المبرئ بوكالته جائز على الاسقاط وعلى التمليك يبني على جواز تولي
الطرفين.
والابراء عن المجهول يصح على الاسقاط ويبطل على التمليك.
ولو قال لمن اغتابه " قد اغتبتك " ولم يعين الغيبة فأبرأه يمكن القول بالصحة
لأنه هنا اسقاط محض. والأقرب لا، للاختلاف في الاغراض والرضى بالمجهول
لا يمكن.
ولو كان له على جماعة دين فقال " أبرأت أحدكم " فعلى التمليك لا يصح
122

قطعا وعلى الاسقاط يمكن الصحة ويطالب بالبيان.
(ومنه) الحوالة هل هي استيفاء أو ابراء ذمة المحال عليه أو هي اعتياض
عما كان في ذمة المحيل بما في ذمة المحال عليه؟
وجه الأول عدم اشتراط القبض في المجلس لو كان الحقان من الأثمان،
وتحقق براءة ذمة الامر (1) بمجردها، ولأنها لو كانت اعتياضا لكانت بيع دين بدين
وهو باطل.
ووجه الثاني أنه لم يقبض نفس حقه بل أخذ بدله عوضا عنه، وهو معنى
الاعتياض. و يتفرع على ذلك فروع كثيرة:
(منها) لو احتال البائع ثم ردت السلعة (2) بعيب سابق، فان قلنا بالأول بطلت
لأنها نوع ارفاق، فإذا بطل الأصل بطل هبة الارفاق، كما لو دفع الصحاح عوض
المكسرة ثم فسخ فإنه يرجع بالصحاح. وان قلنا بالثاني لم يبطل، كما لو استبدل
عن قبض (3) الثمن ثوبا ثم فسخ فإنه يرجع بالثمن لا بالثوب، فللمشتري الرجوع
على البائع خاصة ان قبض ولا يتعين المقبوض، وان لم يقبضه فله - أي للبائع -
قبضه إلى غير ذلك.
(ومنه) ما هو متردد بين القرض والهبة، كقوله " أعتق عبدك عني " ولم
يذكر العوض أو " اقض ديني " ولم يذكر الرجوع، فهل يرجع في الموضعين
بالعوض كالقرض أولا كالهبة؟
ولو دفع إليه مالا وقال " اتجر في حانوتي لنفسك، أو دفع إليه بزرا وقال

(1) في ص: الاخر.
(2) السلعة: البضاعة، الجمع سلع كسدرة وسدر
(3) ليس " قبض " في ك.
123

" ازرعه في أرضي لك " فهو معير للحانوت والأرض، وهل المال قرض أو هبة؟
ولو دفع إلى فقير دراهم وقال " اشتر بها قميصا لك " هل يكون هبة أو قرضا؟
يقوى الهبة عملا بالقرينة وليس له شراء غير القميص بها قطعا الا أن يكون قوله
على سبيل التبسط فينصرف كيف شاء.
ولو دفع إلى شاهد في موضع تلحقه المشقة بحضوره أجرة دابة ليركبها
فهل هو قرض أو هبة؟
(ومنه) تردد العين المستعارة للرهن بين العارة والضمان، فكان المعير
ضامن المال في عين ماله والمستعير مضمون عنه. ويتفرع عليه معرفة الجنس
والقدر والصفة على قول الضمان، بل ومعرفة المرهون عنده.
ولو تلف في يد المرتهن فعلى قول الضمان لا شئ عليه ولا على الراهن،
وعلى قول العارية على الراهن الضمان. ولو تلف في يد الراهن ضمن على
القولين.
(فرع) لو قال مالك العبد " ضمنت ما لفلان عليك في رقبة هذا العبد " قيل
يصح على قول الضمان، ويكون كالإعارة للرهن. ويشكل بعدم قبول المضمون
له، الا أن يقال قبوله غير شرط بل يكفي الرضا.
(ومنه) أن الصداق قبل الدخول هل هو مضمون على الزوج ضمان عقد
أو ضمان يد؟ فيه وجهان، ووجه الأول أنه مملوك بعقد معاوضة فهو كالبيع، ووجه
الثاني أن النكاح لا ينفسخ بتلفه وما لا ينفسخ العقد بتلفه يكون مضمونا ضمان اليد
كما لو غصب البائع المبيع بعد قبضه فإنه يضمن عليه ضمان اليد.
والأصل فيه أن في الصداق مشابهة العوض فيشابهه النحلة (1)، والنحلة هي

(1) في ص والقواعد: ومشابهة النحلة.
124

العطية من غير عوض، فلا يكون مضمونا عليه ضمان العقود.
وحجة المعاوضة: أن للزوجة رده بالعيب وحبس نفسها إلى القبض، والنحلة
لا يتعين للعطية بل هي التدين والشريعة. سلمنا أنها عطية لكن هي عطية من الله
للزوجات.
وأما عدم انفساخ النكاح بتلفه فلان المهر ليس ركنا في عقد النكاح لصحته
مع تجرده عنه، فالزوجان هما الركنان في النكاح كالعوضين في البيع، ومن ثم
وجب تسمية الزوجين في العقد لو باشره الوكيل كما تجب تسمية العوضين. وفروع ذلك كثيرة:
(منها) إذا تلف الصداق في يده، فان قلنا ضمان عقد انفسخ عقد الصداق
وتعذر عود الملك إليه قبل التلف ويكون لها مهر المثل، لان النكاح مستمر
والبضع كالتالف فيرجع إلى عوضه. وان قلنا ضمان اليد لم ينفسخ العقد في
الصداق بل يتلف على ملك الزوجة حتى لو كان عبدا وجب عليها مؤنة تجهيزه
ويضمن الزوج بدله مثلا أو قيمة.
(ومنها) الظهار يشبه الطلاق من حيث اشتراط الشاهدين والطهر والاستبراء
ويشبه اليمين من حيث بقاء حقيقة الزوجية واحتياج البينونة إلى الطلاق.
وفرع العامة عليه توقيت الظهار، فعلى الطلاق لا يجوز وعلى اليمين يجوز.
ولو قال لأربع " أنتن علي كظهر أمي " فعلى الطلاق لكل واحدة كفارة،
وعلى اليمين كفارة واحدة كما لو حلف: لا كلمت جماعة فكلمهم.
(ومنها) جواز التوكيل في الظهار، فعلى اليمين لا يجوز وعلى الطلاق يجوز.
ولو كرر الظهار من واحدة فعلى اليمين يلزمه بكل مرة كفارة ان قصد
التأسيس، وعلى الطلاق كفارة واحدة، إذ لا يصح طلاق المطلقة ثانيا قبل
125

الرجعة عندنا.
(ومنه) المطلقة بائنا مع الحمل تجب نفقتها بالنص، وهل هي للحامل أو
الحمل؟ وفروعه كثيرة، كوجوبها على العبد وسقوط قضائها أولا، ووجوبها
لو كانت ناشزا حال الطلاق أو نشزت بعده أو ارتدت بعد الطلاق، وصحة ضمان
الماضي منها.
وإذا كان الزوج حرا والزوجة أمة ومنعها المولى من الليل، وكذا لو كان
رقيقا مع الشرط، وإذا مات وهي حامل لان نفقة القريب تسقط بالموت وان قلنا
للحامل وجبت، وروى الأصحاب أن نفقة الحامل من نصيب الحمل، وفي أخرى
لا نفقة لها. وهو يؤيد أن النفقة للحامل وبالبينونة زالت توابع الزوجية.
ولو مات الزوج معدما فلا نفقة ان قلنا للحامل قطعا، وان قلنا للحمل وجبت
في ماله، فان خلف أبا فان قلنا لها فلا نفقة والا وجبت على الجد. ويحتمل أن
لا نفقة على القولين.
ولو أبرأته عن النفقة الحاضرة كما بعد طلوع الفجر عن نفقة اليوم لم تسقط
على الحمل.
ولو أعتق أم ولده الحامل منه وجبت ان جعلناها للحمل ويقبض من الزكاة
والخمس مع فقرها ان جعلناها للحمل، وان قلنا لها فلا لأنها في نفقة الزوج.
قال: وهذا الفرع مشكل، لان الزوج أبو الحمل فالنفقة واجبة على
التقديرين. والقابض فإن كان موسرا أداها وان أعسر كان هو القابض. نعم لو
مات أو كان كافرا والام مسلمة فان كانت فقيرة قبضت على التقديرين لان المصروف
إنما هو إليها، والا فلا لوجوب نفقة الحمل عليها.
ولو سافرت بغير اذنه فان قلنا للحمل وجبت والا فلا، ويصح الاعتياض
126

عنها ان كانت لها. واستلم (1) وهي كافرة وجبت ان قلنا للحمل والا فلا.
ولو سلم إليها نفقة اليوم فخرج الولد ميتا في أوله لم تسترد ان قلنا لها
والا استرد.
ووجوب الفطرة ان قلنا للحامل دون الحمل، ويشكل بما أنها منفق عليها
حقيقة فكيف لا تجب فطرتها.
ولو أتلفها متلف بعد قبضها وجب بدلها ان قلنا للحمل ولم تفرط.
ولو نشزت في النكاح وهي حامل أمكن وجوب النفقة ان قلنا إنها للحمل،
ويشكل بأنها غير مطلقة ولا معتدة.
ولو حملت الأمة من رقيق فان قلنا للحمل وجبت على السيد وان قلنا للحامل
فعلى العبد إذا انفرد السيد بالولد.
تنبيه:
لو كانت معتدة عن غير الطلاق، منهم من بناها على الحمل والحامل فتجب
ان قلنا للحمل والا فلا كالمعتدة عن النكاح الفاسد أو الشبهة أو المفسوخ نكاحها
لعيبها، ومنهم من قال إن نفقة الحامل إنما تجب لكونها كالحاضنة ومؤنة الحاضنة
على الأب، فلا يفرق الحال بين المطلقة والمفسوخ نكاحها فتجب النفقة عليها
على التقديرين. فهذه نيف ثلاثون فرعا.
(ومنه) إذا نذر عبادة كصلاة مثلا وأطلقها فهل تصير كالصلاة الواجبة فتنزل
على أقل واجب أو تنزل على أقل ما يصح من الصلاة شرعا؟ الأقرب الأول.
ويتفرع جواز صلاتها على الراحلة، وصلاتها قاعدا، ووجوب السورة

(1) في ص: ولو أسلم. وفي هامش ك: ولو أسلم وبقيت كافرة.
127

وتعلق الاحتياط بها وسجود السهو فيها، وجواز الايتمام بها وفيها، وجواز ركعة
ووجوب التشهد بين كل ركعتين لو نذر أربع ركعات بتسليمة، وكما لو نذر
ركعتين فصلى أربعا اما بتشهد واحد أو اثنين، فان قلنا كالجائز شرعا صح والا
فلا، كما لو صلى الصبح أربعا.
ولو نذر الخطبة في الاستسقاء فان نزلناه على الواجب من جنسه وجب
الصيام وان نزلناه على الجائز شرعا في الخطبة المطلقة لم يجب، ووجوب
تبييت النية مبني على ذلك، فان جعلناه كأقل مجزى شرعا فهو كالصوم المنذور
يجزى فيه عدم التبييت.
ولو نذر المغصوب حجا وقلنا بجواز نيابة المميز في حج التطوع وهو
الظاهر فان نزلناه على الواجب من جنسه لم يجز استنابته وان قلنا ينزل على
الجائز من جنسه أجزأ.
ولو نذر عتق رقبة فهل تجزي الكافرة ان قلنا بجواز عتق الكافر ابتداء،
يبنى على التنزيل على العتق الواجب أو على العتق الجائز.
ولو نذر أن يهدي بعيرا أو شاة فهل ينزل على الهدي الواجب فيشترط فيه
شروطه أم على الهدي الجائز شرعا.
ولو نذر كسوة فقير أو يتيم فان نزلناه على الكسوة الواجبة لم يجز غير
المسلم ولا أجزأ الذمي.
وقد ذكر الأصحاب جواز الأكل بل استحبابه في الأضحية المنذورة،
وفيه إشارة إلى تنزيله منزلة الأضحية المستحبة لا الهدي الواجب.
ولو نذر اتيان المسجد الحرام فان نزلنا النذر على واجب الشرع لزمه اتيانه
بنسك وان نزلناه على الجائز شرعا وكان لمن يجوز له دخول مكة بغير احرام لم يجب
128

(ومنه) ان قاطع الطريق إذا قتل فإنه يقتل، ففي هذا القتل معنى القصاص
لأنه قتل في مقابلة قتل، وفيه معنى الحد لأنه لا يصح العفو عنه، بل لو عفى
الولي قتل حدا سواء قلنا بالترتيب أو بالتخيير، فهل يغلب حق الله أو جانب
الادمي؟ فيه وجهان. وتظهر الفائدة في مواضع:
(منها) إذا قتل من لا يقاد به كالأب ولده والحر العبد والمسلم الكافر ان غلبنا
حق الله تعالى قتل به وان غلبنا حق الادمي قتل لابه.
ولو قتل جماعة فان غلبنا معنى القصاص قتل بواحد منهم وللباقين الدية في
وجه ذكره الأصحاب وهو الأولى ان ترتبوا وواحد بالقرعة ان لم يترتبوا، وان
غلبنا حق الله تعالى قتل بهم ولادية. ولو مات قبل القود فان غلبنا حق الله تعالى
فلا شئ لورثة المقتول ولا أخذت من تركته على القول به في غير المحاربة.
ولو عفى الولي على مال فان غلبنا حق الادمي فلا قصاص وتجب الدية
ويقتل حدا كمرتد استوجب القصاص فيعفى عنه، وان غلبنا حق الله تعالى لغى العفو.
ولو قتل المحارب أجنبي كمن تولى المقتول بغير اذن الامام فان غلبنا
القصاص فعليه الدية لوارثه، والأقرب عدم الاقتصاص منه لأنه قتله متحتم،
ويحتمل القصاص لأنه معصوم بالنسبة إليه، وان غلبنا حق الله عز وجل عزر فقط.
ولو كان مستحق القصاص صبيا أو مجنونا فينبغي أن يخرج عفو الولي على
هذا الاختلاف، فان غلبنا حق الادمي لم يقبض حتى يبلغ أو يفيق ان أوجبنا
التربص في مثله لئلا يفوت عليه المال لو أراده، وان غلبنا حق الله تعالى فعفوه
لاغ فيقتل في الحال.
ولو مات قبل الظفر فان غلبنا حق الادمي لم يسقط القصاص ويسقط التحتم
وان غلبنا حق الله تعالى سقط.
129

(ومنه) اليمين المردودة على المدعي والواجبة بالنكول عليه هل هي كاقرار
المدعى عليه أو كالبينة؟ يحتمل الأول، لان المدعى عليه بنكوله يوصل إلى اثبات
حق المدعي فأشبه اقراره، ووجه الثاني أنها حجة صادرة من المدعي مع جحد
المدعى عليه.
قاعدة:
العمل بالأصلين المتنافيين واقع في كثير من المسائل، وأصله الاخذ
بالاحتياط غالبا.
وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قضية عبد بن زمعة: هو لك
يا عبد بن زمعة الولد للفراش واحتجبي منه (1) يا سودة (2). قيل: قال فيه ذلك لما
رأى فيه شبها بعتبة بن أبي وقاص فاتبعه للفراش بأخي سودة أم المؤمنين وأمرها
بالاحتجاب منه للشك الطارئ على الفراش، ولما روي عنهم عليهم السلام في
الذي وطئ أمته ووطئها أجنبي فجورا وحصلت أمارة على كون الولد ليس منه
فإنه لا ينفيه (3) ولا يورثه ميراث الأولاد.
(ومنها) المتحيرة إذا قلنا بالاحتياط فهي يعرض بالنسبة إلى وجوب العبادة
ظاهرا وبالنسبة إلى وجوب القضاء وتحريم الوطئ وغيرهما حائضا.
(ومنها) حيض الحامل مع عدم انقضاء العدة به من صاحب الحمل ومن
غيره الأقرب الانقضاء. واشتباه موت الصيد بالجرح أو الماء القليل في أحد

(1) في ص: واحتجي منه.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه في باب " من قضى له بحق أخيه فلا يأخذه " من
كتاب الأحكام.
(3) في ص: فإنه لا يتبعه.
130

الوجهين، ونفي احصان من اعترف بالولد من زوجته ونفي وطيها فإنه يلحق
به الولد ولا يثبت احصانه الا أن يتصور علوقها من مائه بغير وطي مثلا.
ولو ادعى المطلق انقضاء عدتها وأنكرت حلفت ووجب عليه الانفاق وله
التزويج بالأخت أو الخامسة في وجه.
واللقيط في دار الاسلام لو أقر بالرقية أعملنا فيه الأصلين المتنافيين على
ما اختاره بعض الأصحاب.
قاعدة:
التعليل بانتفاء المقتضي ووجود المانع مختلف فيه، ويرجح الأول اعتضاده
بالأصل، والثاني كونه على خلاف الأصل. وله فروع:
(منها) أن الحكم ببطلان البيع الصادر من المميز وشبهه كالإجارة هل هو
لانتفاء المقتضي وهي الأهلية المقتضية لصحة التصرف - وهي التكليف - أو
لوجود المانع وهو انفراده عن الولي. وتظهر الفائدة لو أذن له الولي، فعلى
الأول البطلان بحاله وعلى الثاني يصح.
قاعدة:
في الاحتياط وشرعه لاختلاف المصالح ودفع المفاسد. وقد ظهر أثره في
الشاك في فعل من أفعال الصلاة وهو في محله، فإنه يأتي به.
والشاك في العدد يبطل في الثنائية والثلاثية، وهو احتياط، إذ الأصل عدم
فعل المشكوك فيه، وفي الرباعية يبني على الأكثر، وهو ضد الاحتياط لكنه
يجبر بالتدارك.
131

والشاك في عين الفائتة يصلي خمسا احتياطا، وآخر يوم من شعبان يصام
احتياطا، والصلاة على جميع القتلى ودفنهم احتياطا عند اشتباه المسلمين
بالكفار، وترك التزويج بالمشتبهة بالمحرمة في عدم محصور.
وأصل هذا أحاديث خاصة في بعضها وعموم قول النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (1).
أما إعادة الصلاة لو شك بعد الانتقال في ركن أو فعل أو إعادة الصوم لو شك
في نيته أو غسل والزكاة لو شك في استحقاق القابض وإعادة الحج لو شك
في تمام أركانه بل إعادة جميع العبادات عند زيادة الفقه بعد فعلها، فلم نظفر فيه
بنص على خصوصه ولا بلغنا فيه نقلا عن السلف. وإن كان متأخرو الأصحاب
أولو الورع يصنعونه كثيرا.
ويمكن ترجيحه بقوله تعالى " وجاهدوا في الله حق جهاده " (2) وقوله تعالى
" والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة " (3) وقوله " ص ": دع ما يريبك إلى مالا
يريبك (4) وقوله " ص ": من اتقى الشبهات استبرأ لدينه (4) وقول الصادق عليه
السلام: أرى لك أن تنتظر الحزم وتأخذ الحائطة لدينك (5) وغير ذلك.
ويطرد ذلك لو شك في الحدث بعد تيقن الطهارة، أو في دخول الوقت
قبل الطهارة، أو في اشتغال ذمته بصلاة واجبة لينوي واجب الطهارة، أو في كون

(1) الجامع الصغير: 15 نقلا عن مسند أحمد وعن النسائي. البخاري، كتاب البيوع.
(2) سورة الحج: 78.
(3) سورة المؤمنون: 60.
(4) البحار: 2 / 259 نقلا عن الغوالي.
(5) رواه في البحار: 2 / 259.
132

الخارج منيا، أو في تعيين المني من صاحبي الثوب المشترك. فطريق الاحتياط
لا يحصل بمجرد الفعل في مسائل الاحداث أو الشك في الطهارات، بل ينبغي
اتحاد السبب اليقيني ثم الفعل، لان الفعل مع النية المشكوك فيها كلا فعل عند
بعض الأصحاب.
ويتوغل في ذلك إلى استحباب طلاق الزوجة مع الشك في وقوعه، والى
اثباتها (1) بطلقة جديدة لو شك.
ومن شك بماذا أحرم يتمتع احتياطا، ومن شك في تملك شئ توصل
إلى اليقين - إلى غير ذلك ممالا ضابط له.
وقد اعتبره بعض العامة ما لم يؤد إلى كثرة الشك، فإنه مغتفر.
أما ستارة الخنثى كالمرأة وجمعه بين احرامي الرجل والمرأة فالأقرب
وجوبه لتساوي الاحتمالين.
ومن هذا الباب الجمع بين المذاهب مهما أمكن في صحة العبادة والمعاملة.
قاعدة:
الأصل يقتضي قصر الحكم على مدلول اللفظ وانه لا يسري إلى غير مدلوله
الا في مواضع:
(منها) العتق في الأشقاص (2) لا في الأشخاص الا على مذهب الشيخ من
السراية إلى الحمل، والعفو عن بعض الشقص في الشفعة على احتمال، وعن
بعض القصاص في النفس على وجه، والسراية الصوم في أول النهار.

(1) في ص: إلى اتيانها.
(2) جمع شقص وهو الجزء، أي لو عتق جزء من العبد يسري إلى اجزائه الأخرى ولا
يسرى عتق عبد إلى عبد آخر.
133

ويحتمل سراية ثواب الوضوء إلى المضمضة والاستنشاق إذا نوى عند
غسل الوجه لأنه يعد وضوء واحدا. ويمكن الفرق بين الوضوء وبين الصوم
أن بعض الصوم (1) مرتبط ببعض بخلاف الوضوء فإنه لا يرتبط بالمقدمات.
ومن السراية تسمية الاكل في الأثناء إذا قال " على أوله وآخره " بعد نسيان
التسمية، وسراية الظهر إلى تحريم غيره. وهذا من الغريب أن الشقص يسري
إلى الاكل من غير عكس، كما لو قال " أنت كأمي "، ومثله الايلاء يختص بالجماع
قبلا ويسري على احتمال.
قاعدة:
الأحكام التابعة لمسميات الأصل أن يناط بحصول تمام المسمى، كالحمل
فإنه علق على وضعه العدة فيشترط خروجه بتمامه، والإرث المعلق على وضعه
حيا، وكذلك الوصية فيشترط خروجه بأجمعه حيا فلا يكفي بعضه وكذلك دية
الجنين.
أما الغرة (2) أو المقدر المشهور أو الدية الا أن يعلم عدم قبوله الحياة بعد
ذلك فهو كالخارج، ولو ماتت الام بعد خروج بعضه وجبت ديته لعلمنا بوجوده.
أما الحاق الولد بالنكاح (3) فالتمام الستة الأشهر فلا يلحق الولد التام الحي
الذي يمكن أن يعيش بدونها، أما الولد الناقص فيلحق بالواطي في الزمان

(1) في ك: ان بعض اليوم.
(2) الغرة بالضم عبد أو أمة ومنه قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الجنين
بغرة. قال أبو سعيد الضرير: الغرة عند العرب أنفس كل شئ يملك، وقال الفقهاء: الغرة من
العبد الذي يكون ثمنه عشر الدية. المجمع.
(3) في ص والقواعد: بالناكح.
134

الممكن. وتظهر الفائدة في أخذ ديته لو جنى عليه.
وفي وجوب مؤنة تجهيزه وان نقص عن ستة أشهر فحينئذ اطلاق أن الولد
لا يلحق بأبيه إذا نقص عن الستة مقيد بالتمام.
ومما علق بالتمام اجزاء الحج إذا مات المحرم بعد دخول الحرم فيشترط
دخول جميعه والطواف خارج البيت خروجه بجميع بدنه.
قاعدة:
طريان الرافع للشئ هل هو مبطل له أو بيان لنهايته؟ وهي مأخوذة من
النسخ هل هو رافع (1) أو بيان؟
ويتفرع على ذلك مسائل، كالرد بالعيب والغبن وفسخ الخيار ورد المسلم
إليه العين بالعيب.
وقد يعبر عنها بأن الزائل (العائد) هل هو كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟
فان القائل بأنها كالذي لم يزل يجعل العود بيانا لاستمرار الحكم الأول، والقائل
بأنها كالذي لم يعد يقول: رفع الحكم الأول بالزوال فلا يرجع حكمه بالعود.
ومنه - لو انعقد دم الاستحاضة بعد الطهارة ولما تعلم أهو للبرء أم لا؟ فإنها
تعيد الطهارة، فلو تركت ودام الانقطاع قضت ما صلت بالطهارة التي يعقبها الانقطاع.
وان عاد الدم ففي القضاء وجهان مبنيان على أن هذا العائد يكشف (2) على
أن الدم لم يزل فهذا (3) بمثابة الواقع، أو أنه كالذي لم يعد فيجب القضاء.

(1) في ص: هل هو رفع.
(2) في ك: كشف عن أن الدم.
(3) في ص: فهو.
135

وهذا يتم إذا دخلت في الصلاة ذاهلة عن وجوب الطهارة بها مع علمها بأنها
مكلفة بإعادة الطهارة، فإنها تعتقد فساد صلاتها فلا تكون صحيحة.
ولو تعجل الفقير الزكاة ثم ارتد في أثناء الحول أو فسق وقلنا انها زكاة
معجلة وعاد إلى الاسلام، فان قلنا إن الزائل العائد كأنه لم يزل أجزأت، وان
قلنا كالذي لم يعد لم تجز. والأول أقرب.
ومنه - لو عاد الملك بعد زواله إلى يد المفلس، فهل لغريمه الرجوع.
وكذا لو عاد الملك إلى الموهوب بعد زواله وقلنا إن التصرف غير مانع.
ومنه - لو زال ملك المرأة عن المهر ثم عاد وطلقها قبل الدخول.
ولو أصدقها عصيرا ثم تخمر في يدها ثم عاد خلا فهل يرجع الزوج
المطلق بنصفه لكون عينه باقية وإنما تغيرت صفتها أو لا يرجع بشئ لان حق
الرجوع إنما يثبت إذا كان المقبوض ما لا والمالية حدثت في يدها والأقرب
الرجوع.
ومنه - لو دبر عبدا ثم ارتد ثم عاد إلى الاسلام فهل يعود التدبير.
ولو جار في القسمة وطلقها ثم تزوجها فهل يجب عليه القضاء أو فسق
الحاكم أو جن أو أغمي عليه ثم زالت الأسباب، فهل تعود ولاية القاضي، أو
جرحه مسلم (1) ثم ارتد المجروح ثم عاد بعد حدوث سراية في زمان الردة
أو قبله.
قاعدة:
في جريان الأحكام قبل العلم، احتمالان لعلهما مأخوذان من قاعدة جواز
الفسخ قبل الفعل. وفروعه كثيرة، كرجوع الموكل قبل علم الوكيل، وعزل

(1) في ص: أو جرح مسلمين.
136

القاضي ولم يعلم، ورجوع السيد عن اذن الاحرام لعبده ولم يعلم حتى أحرم،
ورجوع واهبة الليلة ولم يعلم الزوج، وصلاة الأمة مكشوفة الرأس ولم تعلم
بعتقها (قبل؟) (1) أو أباح زاده فأكل بعد رجوعه ولم يعلم، أو رجع المعير فانتفع
بها المستعير جاهلا.
والأصح أنه لا أثر لهذا كله، بل تمضي الأحكام قبل العلم، لامتناع التكليف
بالمحال.
قاعدة:
الانشاء هو القول الذي يوجد به مدلوله في نفس الامر.
فقولنا " يوجد به مدلوله " احتراز عن الخبر، فإنه تقرير لا ايجاد.
وقولنا " يوجد " المراد به الصلاحية للايجاد، فلو صدر الانشاء عن سفيه أو
ناقص الأهلية لم يخرج عن كونه انشاء لصلاحية اللفظ لذلك، وإنما امتنع تأثيره
لأمر خارجي.
وقولنا " في نفس الامر " ليخرج به العقد المكرر فإنه قول صالح لايجاد
مدلوله ظاهرا ولا يسمى انشاء لعدم الايجاد في نفس الامر.
(ومن قال بالكلام النفسي قال: ان انشاء السببية والشرطية والمانعية بل
الأحكام الخمسة قائم بذاته، ثم يقال لما أنزل الكتاب دالا على ما قام بذاته زيد
من الحد أو متعلقه، لان كلام النفس لا دلالة فيه ولا مدلول وإضافة متعلق ومعلق.
ولكن الظاهر أن النيات انشاء، وهي من أفعال القلوب. وقد قال كثير منا بوقوع
النذر والعهد بالنية، فالأولى أن يقال: الانشاء هو قول أو عقد يوجد به مدلوله

(1) ليس " قيل " في ص، وأيضا فيه: أو أباح سان؟.
137

ولا حاجة إلى نفس الامر، لان الصيغة الثابتة لا تسمى انشاء الا مجاز مستعارا) (1).
والفرق بينه وبين الخبر من أربعة أوجه:
الأول ان الانشاء سبب لمدلوله والخبر ليس سببا.
الثاني الانشاء يتبعه مدلوله والخبر يتبع مدلوله، والمراد بتبعية الخبر
لمدلوله أنه تابع لتقريره (2) في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا، لا أنه
تابع لمخبره في وجوده. والا لم يصدق الا في الماضي، فان الحاضر مقارن،
فهو مساو في الوجود والمستقبل وجوده بعد الخبر فكان متبوعا لا تابعا.
الثالث قبول الخبر للتصديق ومقابله (التكذيب) (3)، بخلاف الانشاء.
الرابع - أن الخبر يكفي فيه الوضع الأصلي والانشاء قد يكون منقولا عن
أصل الوضع في
صيغ العقود والايقاعات وقد يقع انشاء بالوضع الأصلي كالأمر
والنهي فإنهما ينشئان (4) الطلب بالوضع الأول.
فائدة:
الانشاء أقسام القسم والأمر والنهي والترجي والتمني والعرض والنداء.
قيل: وهذه متفق على كونها انشاء في الاسلام والجاهلية، وأما صيغ العقود
فالصحيح أنها انشاء. وقال بعض العامة: بل هي اخبار عن الوضع اللغوي
والشرع قدم مدلولاتها قبل النطق بها، بأن لضرورة صدق المتكلم بها والاضمار
أولى من النقل. وهو تكلف.

(1) ليس ما بين القوسين من " ومن قال - إلى - مستعارا " في ص.
(2) في ص: لتقرره.
(3) ليس في ص.
(4) في ص: يثبتان.
138

قاعدة:
الاقرار في موضع يصلح للانشاء هل يكون انشاء؟ النص عن أهل البيت
عليهم السلام في المطلق على غير السنة يؤتى بشاهدين ثم يقال له: هل طلقت
فلانة؟ فإذا قال: نعم، تعتد حينئذ.
وفي خبر السكوني عن الصادق عليه السلام في الرجل يقال له: هل طلقت
امرأتك؟ فيقول: نعم. قد طلقها حينئذ.
وهذا فيه احتمال أن يقصد به الانشاء، وكثير من الأصحاب جرى على الأول
وآخرون قيدوه بقصد الانشاء، وآخرون (1) على الاقرار، لان الاقرار والانشاء
يتنافيان، إذ الاقرار اخبار عن ماض والانشاء احداث، ولان الاقرار يحتمل الصدق
والكذب بخلاف الانشاء.
وقد قطع بعض الأصحاب بأنهما لو اختلفا في الرجعة وهما في العدة فادعى
الزوج (2) قدم قوله ولا يجعل اقراره انشاء.
ويقرب منه " زوجت بنتك من فلان " فقال: نعم فقبل الزوج فحمله كثير من
الأصحاب على قصد الانشاء. وهو محتمل (3)، لان يراد تجعله انشاء. والسر فيه
أن الانشاء المراد به احداث (4) حل أو حرمة تابع لإرادة المنشئ ذلك، والمخبر
عن الوقوع في قوة الماضي بمضمون المخبر (5)، والعمدة في العقود هو الرضى
الباطن والانشاء وسيلة إلى معرفته، فإذا حصل بالخبر أمكن جعله انشاء.

(1) في ك: والاجرى بدل " وآخرون ".
(2) في ك: فادعاها الزوج.
(3) في ص: وهو يحتمل.
(4) ليس " احداث " في ص.
(5) في ك: الراضي بمضمون الخبر.
139

وفي مسألة الطلاق نكتتان آخرتان: إحداهما عدم استعمال الصيغة المخصوصة
والثانية أن المطلق قد يفرض فيه عدم إرادة الطلاق لو علم (1) فساد الأول، اما المخبر
بوجود ما يعلم عدمه يحمل كلامه على الانشاء صونا له عن الكذب. وحينئذ
يتجه أن يقال: كل اقرار لم يسبق مضمونه يجعل انشاء و، كذا كل اقرار سبق
مضمونة للعالم بفساده، وكل اقرار سبق من معتقد صحته لا يكون انشاء.
وعلى هذا يمكن حمل مسألة المطلق على غير السنة، الا أن في هذا اطراحا
للصيغ الشرعية بالكلية. نعم يمكن نفوذ هذه القاعدة في العقود الجائزة، إذ
لا صيغ لها مخصوصة.
قاعدة:
الشرط إذا دخل على السبب منع تنجيز حكمه لا سببيته، كتعليق (2) الظهار
على دخول الدار، فإنه لولا التعليق وقع الظهار في الحال.
(و) عند الحنفية ويظهر من كلام الشيخ منع سببية السبب، لأنه داخل على
ذات السبب. قلنا: بل دخل على حكم السبب وهو التنجيز فأخره، وتظهر
الفائدة في مسائل:
(منها) أن البيع بشرط الخيار ينعقد سببا لنقل الملك في الحال وإنما أثر
الشرط (3) في تأخير حكم السبب وهو اللزوم.
(ومنها) أن الخيار يورث، لان الملك انتقل إلى الوارث، والثابت له

(1) في ص: إذ علم.
(2) في ص: كتعلق.
(3) في ص: وإنما اثر اللزوم.
140

بالخيار حق الفسق والامضاء وهما راجعان إلى نفس العقد.
(ومنها) بطلان تعليق الطلاق والظهار على النكاح وتعليق العتق على الملك،
لان الصيغة المعلقة سبب لوقوع الطلاق عندهم والظهار عندنا، ولابد من كون
المحل صالحا لاتصال (1) الصيغة به حتى يمكن تأخيره وقبل النكاح ليس صالحا.
قاعدة:
المانع ثلاثة أقسام:
أحدها - ما يكون مانعا ابتداء واستدامة كالمعصية في السفر وكالردة يمنع
صحة النكاح ابتداء وتبطله استدامة اما في الحال كقبل الدخول أو كون الرجوع (2)
عن فطرة أو بعد انقضاء العدة في غيرهما. والرضاع كذلك وفي الزنا ووطئ
الشبهة خلاف. ومنه ان الملك يمنع من العقد، ولو طرأ بعد النكاح أبطله.
وفي منع الكر من النجاسة استدامة كالابتداء قولان يعبر عنهما باتمام النجس
كرا، ونية القينة في العين (3) والجنون في الرجل ابتداء يمنع لزوم العقد، وكذا
يمنع استدامة النكاح.
الثاني - ما يكون مانعا ابتداء لاستدامة، كالاحرام يمنع من ابتداء النكاح
وطريانه لا يبطله، والاسلام يمنع من ابتداء السبي ولا يمنع استدامته، والتمكن
واستعمال الماء مانع من ابتداء الصلاة ولا يبطل استدامتها في الأصح، والدين
لا يصح ابتداء الرهن فيه ويصح الاستدامة، كما لو أتلف متلف الرهن فعوضه
رهن وقد صار دينا لأنه ثبت في ذمة المتلف.

(1) في ص: لاتصال.
(2) في ص والقواعد: أو كون الزوج.
(3) في ص: ومنه القينة. وفي القواعد: ومنه العنة في العنين.
141

ولو سبى الذمي لم يحكم بالاسلام المسبى، ولو طرأ تملك ما سباه المسلم
لم يخرج عن حكم الاسلام وكذا ما عدا العنة والجنة (1) من العيوب.
وعصف الريح يوجب الضمان لو كان ابتداء لا استدامة، والاسلام يمنع
ملك الذمي إياه ولو طرأ الاسلام لم يزل ملك الذمي، والارتداد يمنع من ابتداء
الاحرام وفي منعه استدامة وجه ضعيف، فلو أسلم بعد الردة نفى (2) على الأقوى
كالمعصية في السفر. والمأخذ أن المؤمن لا يكفر، وقد بين (3) فساده في الكلام،
ولو سلم لم يكن مما نحن فيه، لان ذلك يكشف عن سبق الكفر.
والاحرام يمنع التوكيل في (النكاح، ولو كان له وكيل لم ينعزل الا أنه
لا باشر الا بعد تحلل الموكل. ولا فرق بين الحاكم وغيره في أن احرامه
يمنع من) (4) عقد النكاح، وهل يمنع احرامه (نوابه) (5) المحلين من عقد النكاح؟
نظر. والامام الأعظم أقوى في عدم المنع، لأدائه إلى تعطيل حكام الأرض من
التصرف.
والعدد في الجمعة شرط في الابتداء لا الدوام.
ولو جنى المرهون على سيده الراهن خطأ لم يثبت له الفك، ولو جنى
على مورث السيد فالأقرب أن له الفك، لان الفك وقع أولا للمورث.
الثالث - ما يكون مانعا استدامة لا ابتداء، كابتداء الرهن، فان أمانته (6)
ترفع ضمان الغاصب على احتمال، مع أنه لو تعدى في الاستدامة ضمن.

(1) في ك: والجبب. وفي هامشه: والجب.
(2) في ك: بنى. وفي هامشه: فهي.
(3) في ك: وقد ثبت.
(4) ليس ما بين القوسين في ك.
(5) في القواعد: نيابة المحلين.
(6) في ك: فان اثباته. وفي هامشه: فإنه أمانة.
142

فائدة:
من فروع المجاز أن المشرف على الزوال هل له حكم الزائل أو حكم
نفسه؟ ويترتب عليه دخول المكاتب في عتق عبده (1) إذا كان مطلقا أو مشروطا،
ولو أدى المطلق اتجه الكلام في الباقي (2).
وكذا إقامة الحد عليه هل هي للسيد أو الحاكم، وجواز وطئ المشترى
الجارية بعد التنازع (3) في الثمن قبل التحالف، وتغريم الغاصب المثل إذا بل
الحنطة وتمكن فيها العفن (4) بحيث لا يرجى عودها، وكذا لو جعل منها هريسة أو
غصب تمرا ودقيقا وسمنا واتخذ منه عصيدة، فان مصيرة الهلاك لمن لا يريده.
وبيع العبد الجاني بما يوجب القصاص في النفس، وبيع المرتد وخصوصا
عن فطرة، ورهن ما يسارع إليه الفساد قبل الأجل ولم يشترط بيعه ورهن ثمنه.
والحجر لظهور أمارة الفلس كأن يكون الديون مساوية لماله الا أن كسبه لا يفي
لمؤنته، فإنه مشرف على قصور ماله عن ديونه. وينعكس فيما لو كان أمواله أقل
الا أن كسبه يزيد على مؤنته فهو مشرف على الغنى.
فائدة:
من المبني على أن ما لا يتم الواجب الا به واجب: وجوب غسل الثوب
كله عند اشتباه النجاسة في أجزائه، وغسل الثياب المحصورة عند اشتباه
النجس منها، ووجوب إعادة ثلاث صلوات أو خمس عند اشتباه الفائتة،

(1) في ص: عبيده.
(2) في ص وهامش ك: في الثاني.
(3) في ص: بعد النزاع.
(4) في ص: العين.
143

ووجوب أجرة الكيال والوزان على البائع في المبيع وعلى المشتري في الثمن،
ووجوب الاكاف (1) والحزام والزمام والقتب على المؤجر.
فائدة:
روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
ان الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (2). رواه ابن ماجة
والدار قطني باسناد حسن وصححه الحاكم في المستدرك، ورويناه نحن عن
أهل البيت عليهم السلام (3).
وفي حكم الخطأ الجهل، ولا بد فيه من تقدير، ويعبر عنه بالمقتضي اما
حكم أو أثم أو لازم أو الجميع على خلاف الأصوليين.
وعن النبي صلى الله عليه وآله: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم
فباعوها وأكلوا أثمانها (4). رواه مسلم. وفيه دلالة على اضمار جميع التصرفات
المتعلقة بالشحوم في التحريم والا لما توجه الذم على البيع.
وقد وقع في الأحكام ارتفاع الحكم، كمن نسي صلاة الجمعة، أو تكلم في
الصلاة ناسيا، أو فعل المفطر في الصوم المتعين ناسيا، أو أخطأ فصلى بغير
طهارة صحيحة، أو ظن طهارة الماء فتطهر، أو أكره على أخذ مال الغير. وورد
فيها ارتفاع الاثم، كمن نسي صلاة الظهر، أو ظن جهة القبلة فأخطأ فإنه لا يرتفع

(1) الاكاف للحمار معروف ويقال بالفارسية: پالان.
(2) الجامع الصغير: 68 نقلا عن ابن ماجة والطبراني وغيرهما.
(3) الخصال: 2 / 184.
(4) كنوز الحقائق: 65 نقلا عن مسند أبي يعلى ومستدرك الحاكم. وأخرجه البخاري
في الصحيح في " باب بيع الميتة والأصنام " من كتاب البيوع.
144

الحكم، إذ يجب القضاء وإنما يرتفع المؤاخذة به والاثم عليه.
ووجوب التدارك هنا من أمر جديد كقوله صلى الله عليه وآله: من
نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها (1).
وقد يقع النسيان والخطأ في المنهيات عنها لذواتها، وهو ثلاثة أقسام:
فالأول - مالا يتعلق بالغير، كمن نسي فأكل طعاما نجسا أو جهل كون هذا
خمرا فشربه. وهذا أيضا يرتفع فيه الحكم والاثم، لان الحد مثلا للزجر وذلك
إنما يكون مع الذكر.
الثاني - ما يتعلق بالغير، كمن أكل ما أودعه ناسيا (2) أو مخطئا، فالمرفوع
هنا الاثم والمؤاخذة بالتعزير وإن كان عليه الضمان.
الثالث - ما يتعلق بحق الله وحق العباد كالقتل خطأ أو نسيانا أو الافطار في
الصوم المتعين. وهذا كالثاني فتجب الكفارة والدية.
وربما جعل هذا من باب خطاب الوضع، كوجوب القيمة على النائم المتلف
والصبي المجنون وان لم يتصور فيهم تكليف. ومثله الوطي بالشبهة ويمين الناسي.
وفي حنث الجاهل نظر، كما لو حلف على ترك شئ في وقت معين ففعله
جاهلا به، والأقرب العدم للحديث.
ولو علق الظهار على فعل ففعله جاهلا فالاشكال أقوى في وقوع الظهار.
واتفق الأصحاب على أن الجاهل والناسي لا يعذر ان في قتل الصيد في
الاحرام ولا في ترك شرط أو فعل من أفعال العبادة المأمور بها، الا ما ذكروه من
الجهر والاخفات والقصر والتمام، وبعضهم جعل ما هو من قبيل الاتلاف في

(1) كنوز الحقائق: 121 نقلا عن ابن ماجة.
(2) في ك: نسيانا.
145

محرمات الاحرام لاحقا بالصيد، كحلق الشعر وقلم الظفر وقلع الحشيش والشجر
في الحرم، وقالوا يعذر المخطئ في دفع الزكاة إلى من ظهر غناه أو فسقه إذا
اجتهد، وفي بقاء الليل مع المراعاة فيظهر خلافه، وفي دخول الليل فيكذب ظنه.
ومن ذلك الصلاة خلف من يظنه أهلا فبان غير ذلك. ويشكل في الجمعة،
لان من شرط صحتها الامام فينبغي البطلان لو ظهر عدم الأهلية. وكذا في العبد
مع الوجوب.
ولو أخطأ جميع الحاج فوقفوا العاشر فالأقرب الاجزاء للمشقة العامة وكثرة
وقوعه بخلاف الثامن لندور شهادة الزور مرتين في شهرين، بخلاف ما إذا أخطأ
شر ذمة قليلة فوقفوا العاشر، فان التفريط منهم حيث لم يبحثوا.
قاعدة:
الاكراه يسقط أثر التصرف الا في مواضع:
الأول - اسلام الحربي والمرتد عن ملة والمرأة مطلقا الا الذمي.
الثاني - الارضاع ينشر الحرمة لارتباطه بصورة وصول اللبن إلى الجوف
لا بالقصد.
الثالث - الاكراه على القتل.
الرابع - الاكراه على الحدث بالنسبة إلى الصلاة والطواف.
الخامس - طلاق المظاهر والمولى، ومع الاشتباه بين الزوجين حيث
حكمنا بصحة الاكراه.
السادس - بيع المال في الحقوق الواجبة ولا سبيل الا به.
السابع - قبض الزكاة والخمس فإنه معتبر مع الاكراه.
146

الثامن اختيار من أسلم على أكثر من النصاب لو أدى الامر إلى اكراهه
عليه.
التاسع - تولى الحد والقصاص لو لم يباشر أحد الا بالاكراه.
واختلف في الاكراه على فعل المنافي في الصلاة عدا الحدث.
وفي تحقق الاكراه على زنا الرجل، والأظهر تحققه، لان الانتشار طبيعي
والاكراه إنما هو على الايلاج وهو متصور.
قاعدة:
لا تكليف على الغافل، لأنه في معنى النائم المرفوع عنه القلم، ووجوب قضاء
الصلاة على النائم والغافل والساهي بأمر جديد، ولبعد وقوع ذلك هنا والامر
بالتحفظ من ذلك مع القدرة عليه غالبا.
وعليه يتخرج عدم وجوب سجود العزيمة على السامع مع دلالة صحيحة
عبد الله بن سنان عن الصادق صلوات الله عليه، وكذا باقي أسباب العقوبات إذا
صدرت حال الغفلة الا ما كان قبيل الاتلاف (لمال الغير) (1) أو البضع أو صيد
الاحرام أو الحرم فإنه لا خلاف في عدم توجه الاثم وان وجب الضمان.
قاعدة:
الأمر والنهي متعلقهما اما أن يكون معينا أو مطلقا، والمعين اما أن تنجز أو لا.
والأول يشترط في الامر الاستيعاب، كمن حلف على الصدقة بعشرة فلا يكفي
البعض. وفي النهى يكفي الانتهاء من البعض، فلو حلف على أن لا يأكل رغيفا

(1) ليس " لمال الغير " في ص. وفيه " التضيع " بدل " البضع ".
147

أو علق الظهار به فلا بد من استيعابه في تحقق الحنث فلا يحنث بالبعض، لان الماهية
المركبة تعدم بعدم جزء منها.
وقال بعض العامة: يحنث في النهي بمباشرة البعض، فلو أكل بعض الرغيف
المحلوف على تركه حنث، لأنه إذا أكل مننه شيئا فقد أخرجه عن مسمى الرغيف،
لان الحقيقة المركبة تعدم بعدم أجزائها.
قلنا: توجه النهي إنما هو المجموع، وأما ما لا يتجزأ فلا فرق بين الأمر والنهي
، كالقتل لو حلف على فعله أو تركه. وأما المطلق ففي الامر يخرج عن
العهدة بجزئي من جزئياته، وفي النهي لابد من الامتناع من جميع جزئياته،
فلو حلف على أكل رمان بر بواحدة، ولو حلف على تركه لم يبر الا بترك
الجميع، لأن المطلق في جانب النهي كالنكرة المنفية في العموم مثل " لا رجل
عندنا ".
قاعدة:
النهي في العبادات مفسد وإن كان بوصف خارج، كالطهارة بالماء المغصوب
والصلاة في المكان المغصوب. وفي غيرها يفسد إذا كان عن نفس الماهية لا
لأمر خارج، فالبيع المشتمل على الربا فاسد لا يملك المساوي ولا الزائد، والبيع
وقت النداء صحيح، لان النهي في الأول لنفس ماهية البيع وفي الثاني لوصف
خارج. وفي ذبح الأضحية والهدي بالآلة المغصوبة نظر.
فائدة:
مما يشبه الامر الوارد بعد الحظر النظر إلى المخطوبة وهل هو مجرد الإباحة
أم مستحب، والايراد في شدة الحر كذلك، ورجوع المأمور إذا سبق الامام
148

بركن ظاهر الأصحاب وجوبه، وكقتل الأسودين الحية والعقرب في الصلاة
قد ورد الامر به مع أن الأفعال الكثيرة في الصلاة محرمة والقليلة مكروهة، فهل
هذا مع القلة مستحب أم مباح؟
قاعدة:
في العام والخاص حكم ما يتصرف من جميع في العموم حكم جميع كأجمع
وجمعاء وأجمعين وتوابعها المشهورة كأكتع وأخواته، و " سائر " شاملة (1) اما
لجميع ما بقي أو للجميع على الاطلاق على اختلاف تفسيرها، وكذا " معشر "
و " معاشر " و " كافة " و " عامة " و " قاطبة " ومن الشرطية والاستفهامية، وفي
الموصولة خلاف.
وقال بعضهم: ما الزمانية للعموم وان كانت حرفا مثل " الا ما دمت عليه قائما "،
وكذا المصدرية إذا وصلت بفعل مستقبل مثل " يعجبني ما يصنع ".
و " أي " في شرط والاستفهام وان اتصل بها ما مثل " اما امرأة نكحت ".
ومتى وحيث وأين وكيف وإذا الشرطية إذا اتصلت بواحد منها ما ومهما
وأنى وأيان.
وإذ ما إذا قلنا باسميتها كما قاله المبرد، وعلى قول سيبويه بأنها حرف ليست
من الباب.
قيل: وكم الاستفهامية.
وحكم اسم الجمع كالجمع كالناس والقوم والرهط، والأسماء الموصولة
كالذي والتي إذا كان تعريفها للجنس وتثنيتهما وجمعهما وأسماء الإشارة المجموعة

(1) صفة لسائر، وتأنيث الضمير اما باعتبار تأنيثها معني أو باعتبار تأنيث ما بمعناه،
كلفظة عامة وكافة.
149

مثل قوله تعالى: " أولئك هم الفائزون " (1) " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم " (2) وكذا
مثل " لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها " (3) و " لا تدع مع الله إلها آخر "، (4) وكذا
الواقع في سياق الشرط مثل " ليس له ولد " بعد قوله " ان امرأ هلك " (5).
وقال الجويني في البرهان: أحد للعموم في قوله " ان أحد من المشركين
استجارك " (6) وكذا قيل النكرة في سياق النفي الذي هو الانكار مثل قوله " هل تعلم له
سميا " (7) " هل تحس منهم من أحد " (8).
قيل: وإذا أكد الكلام بالأبد أو الدوام أو الاستمرار أو السرمد أو دهر
الداهرين أو عوض أو قط في النفي أفاد العموم في الزمان، وهو أن (9) الإفادة
لذلك.
قيل: وأسماء القبائل بالنسبة إلى القبيلة، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج
وغسان، وإن كان التسمية لأجل ماء معين.

(1) سورة التوبة: 20، سورة النور: 52.
(2) سورة البقرة: 85.
(3) سورة الكهف: 49.
(4) سورة القصص: 88.
(5) سورة النساء: 176.
(6) سورة التوبة: 6.
(7) سورة مريم. 65.
(8) سورة مريم: 98.
(9) في ص: وهو بين الإفادة.
150

فائدة (1):
اشتهر أن العام لا يستلزم الخاص المعين، يعنون به في الامر والخبر، ومن
ثم قالوا إذا وكله في بيع شئ فلا اشعار في اللفظ بثمن معين، وإنما جاء التعيين
من جهة العرف، فان العرف ثمن المثل لا الغبن ولا النقصان.
واعترض عليهم بأن مطلق الفعل أعم من المرة والمرات ووجوده يستلزم
المرة قطعا، لان المرة ان وجدت فظاهر وان وجدت المرات وجدت المرة
بالضرورة. فالحاصل ان الحقيقة العامة تارة تقع في رتب مترتبة بالأقل والأكثر
والجزء والكل، وتارة تقع في رتب متبانية، فالقسم الأول يستلزم فيه العام الخاص
والقسم الثاني لا يستلزم كالحيوان. وحينئذ مسألة الوكالة يستلزم الامر بالبيع بأقل
ثمن يمكن الذي هو مطلق الثمن، وهو لازم للعمل بمقتضى اللفظ ضرورة، فاللفظ
دال عليه بالالتزام.
فان قيل: لا نسلم أن هذا من قبيل العام بل من قبيل الكل والجزء، ولا ريب أن
وجود الكل أو الجزء مستلزم لوجود الجزء، فالامر بالكل أمر بالجزء.
والجواب: ان الأقل مع الأكثر لهما ماهية كلية مشتركة بينهما، وذلك
معنى العموم، كقولنا " تصدقت بمال " فإنه مشترك بين الأقل والأكثر، فيكون أعم
منهما أو يحمل على الأقل أو على الأكثر كما يحمل الحيوان على الانسان والفرس.
فائدة (2):
قسم بعض الأصوليين ترك الاستفصال في حكاية الحال إلى أقسام:

(1) في ك: قاعدة.
(2) في ك: قاعدة.
151

(الأول) أن يعلم اطلاع النبي صلى الله عليه وآله على خصوصية
الواقعة، فلا ريب أن حكمه لا يقتضي العموم في كل الأحوال.
(الثاني) أن يثبت بطريق ما (كيفية) استفهام (1) كيفيتها، وهي تنقسم إلى حالات
يختلف بسببها الحكم، فينزل اطلاقه الجواب عنها منزلة اللفظ الذي يعم تلك
الأحوال كلها.
(الثالث) أن يسأل عن الواقعة باعتبار دخولها الوجود لا باعتبار أنها وقعت،
فهذا أيضا يقتضي الاسترسال على جميع الأقسام التي ينقسم عليها، إذ لو كان
الحكم خاصا ببعضها استفصل، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سئل
عن بيع الرطب بالتمر: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. قال: فلا اذن.
(الرابع) أن تكون الواقعة المسؤول عنها قد وقعت في الوجود والسؤال
عنها مطلق بالالتفات إلى العقد الوجودي لمنع القضاء على الأحوال كلها والالتفات
إلى اطلاق السؤال، وارسال الحكم من غير تفصيل يقتضي استواء الأحوال في
غرض المجيب، فمن قال بالعموم لأجل ترك الاستفصال التفت إلى هذا الوجه،
وهو أقرب إلى مقصود الارشاد وإزالة الاشكال.
والفرق بين ترك الاستفصال وقضايا الأحوال: أن الأول ما كان فيه لفظ وحكم

(1) في ك والقواعد: بطريق ما استبهام كيفيتها. قال المحشي في توضيحه: لما كان
علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام بالنسبة إلى الوقائع الحادثة أمرا
مفروغا التجأ في مقام فرض عدم العلم لهم عليهم السلام إلى أن ثبت بقول بطريق مجهول
عندنا استبهام كيفية تلك الواقعة عندهم بمعنى انه علمنا بطريق من الطرق عدم علمهم بكيفية
الطرق الواقعة. ودعوى امتناع ذلك مع معلومية ثبوت علمهم بالوقايع على ما هي عليه غير
مسموعة بعد معلومية ان علمهم بالوقائع إرادي لا حضوري كما هو مذهب أهل الحق، ويظهر
ذلك للمتأمل. وفي بعض النسخ المصححة " استفهام " بدل " استبهام " وهو غلط ظاهر وان
أمكن توجيهه بوجه بعيد ركيك.
152

من النبي صلى الله عليه وآله بعد سؤال عن قضية يحتمل وقوعها على
وجوه متعددة، فيرسل الحكم من غير استفصال عن كيفية القضية كيف وقعت،
فان جوابه يكون شاملا لتلك الوجوه، إذ لو كان مختصا ببعضها والحكم يختلف (1)
لتنبه النبي " ص "، وأما قضايا الأعيان فهي الوقائع التي حكاها الصحابي ليس فيها
سوى مجرد فعله " ص " أو فعل الذي ترتب الحكم عليه، ويحتمل ذلك الفعل
وقوعه على وجوه متعددة، فلا عموم له في، جميعها، فيكفي حمله على صورة
منها، فمن ترك الاستفصال وقائع من أسلم على أكثر من أربع وخيره النبي " ص "
كغيلان بن سلمة وقيس بن الحارث وعروة بن مسعود الثقفي ونوفل بن معاوية.
ومنه حديث فاطمة بنت أبي خنيس (2) أن النبي " ص " قال لها وقد ذكرت
أنها مستحاضة (3): ان دم الحيض أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة
وإذا كان الاخر فاغتسلي وصلي (4).
ولم يستفصل هل لها كان عادة قبل ذلك أم لا؟ وبه احتج من قدم من الأصحاب
التمييز على العادة.
ومنه سؤال كثير من الحجاج النبي صلى الله عليه وآله عند الجمرة في التقديم
والتأخير، فيجيب " لا حرج " (5) ولم يستفصل بين العمد والجهل والسهو والعلم.

(1) في ك والقواعد: والحكم مختلف لبينه النبي صلى الله عليه وآله.
(2) في الكافي والتهذيب: أبي حبيش.
(3) في ص: انها تستحاض.
(4) الكافي 3 / 83، التهذيب 1 / 381، صحيح البخاري باب الاستحاضة من أبواب
كتاب الحيض.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه في باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل ان
يذبح ناسيا من أبواب كتاب الحج.
153

ومنه جوابه بنعم للمرأة التي سألته عن الحج عن أمها بعد موتها (1)، فلا
يستفصل هل أوصت أم لا.
ومن القضايا الأعيان ترديد (النبي " ص ") ما عز (2) أربع مرات في أربع
مجالس، فيحتمل أن يكون قد وقع ذلك اتفاقا وقع ذلك اتفاقا لا أنه يشرط فيكفي فيه حمله على
أقل مراتبه.
وحديث أبي بكرة لما ركع ومشى - إلى الصف حتى دخل فيه، فقال النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد (3). إذ يحتمل كون المشي غير
كثير عادة كما يحتمل الكثرة، فيحمل على ما لم يكثر، فلا يبقي في الحديث حجة
على جواز المشي في الصلاة مطلقا.
(ومنها) صلاة النبي " ص " على النجاشي (4) ان حملت على غير الدعاء فقيل
يحتمل أن يكون رفع له سريره حتى شاهده كما رفع له بيت المقدس حتى
وصفه. ورد ببعد هذا الاحتمال ولو رفع لا خبرهم به، لان فيه خرق العادة فيكون
معجزا كما أخبرهم (5) بقصر بيت المقدس.
وحمله بعضهم على أن النجاشي لم يصل عليه لأنه كان يكتم ايمانه ولم يصل

(1) أخرجه البخاري في الصحيح في باب " الحج والنذر عن الميت " من أبواب
كتاب الحج.
(2) هو ما عز بن مالك الأسلمي ذكره في أسد الغابة وذكر قضيته.
(3) أخرجه البخاري في الصحيح في " باب: إذا ركع دون الصف " من أبواب
كتاب الصلاة.
(4) أخرجه البخاري في الصحيح في " باب: الصفوف على الجنازة " من أبواب
كتاب الجنائز.
(5) في ص: برفع وفي هامشهما والقواعد: بقصة.
154

عليه (قومه) الصلاة الشرعية فمن ثم قالوا: يصل على الغائب الذي صلى عليه
ولك أن تقول: لعل هذه خصوصية للنجاشي رحمه الله.
قاعدة:
في المطلق والمقيد، الأجود حمل المطلق على المقيد، لان فيه اعمال الدليلين.
وليس منه " في كل أربعين شاة زكاة " مع قوله " في الغنم السائمة الزكاة " (1)
حتى يحمل الأول على السوم لان الحمل هناك يوجب تخصيص العام فلا يكون
جامعا بين الدليلين، بل هذا راجع إلى أن العام هل يخص بالمفهوم أم لا.
وكذا ليس منه " لا تعتقوا رقبة " و " لا تعتقوا رقبة كافرة " قضية للعموم، فهو
تخصيص أيضا ولا دليل عليه. بخلاف النكرة في سياق الامر، فإنها مطلقة لا عامة
وكذا في النفي. فالحاصل ان حمل المطلق على المقيد إنما هو في الكلي كرقبة
لا في الكل كما مثلنا به.
فرع:
لو قيد بقيدين متضادين فتساقطا وبقي المطلق على اطلاقه الا أن يدل دليل
على أحد القيدين كما ورد عن النبي " ص ": إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم
فليغسله سبعا إحداهن بالتراب. وبهذا عمل ابن الجنيد، وروينا " ثلاثا "، وروى
العامة " آخرهن بالتراب "، وروينا ورووا " أولاهن بالتراب "، فيبقى المطلق
على اطلاقه، لكن رواية " أولاهن " أشهر فترجحت بهذا الاعتبار.

(1) البخاري: باب زكاة الغنم من أبواب كتاب الزكاة.
155

قاعدة:
أفعال النبي " ص " حجة كما أن أقواله حجة، ولو تردد الفعل (بين) الجبلي
والشرعي فهل يحمل على الجبلي لأصالة عدم التشريع أو على الشرعي لأنه
صلى الله عليه وآله وسلم بعث لبيان الشرعيات. وقد وقع ذلك في مواضع:
(منها) جلسة الاستراحة، وهي ثابتة من فعله " ص "، وبعض العامة زعم
أنه إنما فعلها بعد أن بدن حمل اللحم فتوهم انها للجبلة.
(ومنها) دخوله من ثنية كداء (1) وخروجه من ثنية كداء، فهل ذلك لأنه صادف
طريقه أو لأنه سنة. وتظهر الفائدة في استحبابه لكل داخل.
(ومنها) نزوله " ص " في، المحصب (2) لما نزل (3) في الأخير وتعريسه لما
بلغ ذا الحليفة وذهابه بطريق في العيد ورجوعه في آخر، والصحيح حمل ذلك
كله على الشرعي.

(1) الثنية كسجية: الطريق العالي والجبل وقيل كالعقبة فيه، ومنه الخبر: كان يدخل
مكة من الثنية العليا ويخرج من السفلى. والثنية العليا التي تنزل منها إلى المعلى مقابر مكة
والسفلى عند باب شبكة قيل والسر في ذلك قصد ان يشهد له الطريقان. وكدي جمع كدية
مثل مدى ومدية وبالجمع سمى موضع بأسفل مكة بقرب شعب الشافعيين. ويجوز بالألف
لان المقصور إن كان لامه ياء نحو كدي ومدي جازت الياء تنبيها على الأصل وجاز بالألف
اعتبارا باللفظ. وكداء بالفتح والمد: الثنية العليا بأعلى مكة عند المقبرة وتسمى تلك الناحية:
المعلى بالقرب من الثنية. المعلى موضع يقال له: كدي مصغرا وهو طريق الحاج من مكة
إلى اليمن.
(2) المحصب: موضع بمكة على طريق منى. والمحصب أيضا مرمى الجمار بمنى.
(3) في ك: لما نفر في الأخير، وفي هامشه كما في المتن.
156

قاعدة:
ما فعل " ص " ويمكن فيه مشاركة الامام دون غيره فالظاهر أنه على الامام،
كما كان " ص " يقضي الديون عن الموتى لكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهذا
حاصل في الامام، والمروي عن أهل البيت عليهم السلام أن على الامام أن يقضي
عنه، ولما أقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر (1) على الذمة قال: أقركم
ما أقركم الله (2)، فيجوز ذلك أيضا للامام.
وقيل بالمنع، لان المعنى الذي فعله النبي صلى الله عليه وآله لأجله هو
انتظار الوحي، وهو لا يمكن في حق الامام.
مسألة:
كل فعل ظهر منه قصد القربة ولم يعلم وجوبه اختلف فيه هل هو على الوجوب
في حقنا أم على الندب، خلاف وذلك في مواضع:
(منها) الموالاة في الوضوء والتيمم وفي الغسل وفي الطواف والسعي وخطبة
الجمعة وصلاتها وكذلك العيد. وعندنا يراعى ذلك حسب ما يأتي في الأحكام.
ومنه القيام في الخطبة والحمد والثناء والمبيت بمزدلفة، وكل ذلك صح
عندنا وجوبه.
مسألة:
لو تعارض الفعل والقول - كما نقل عنه صلى الله عليه وآله أنه أمر

(1) في ك: أهل حنين.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه في " باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك "
من أبواب كتاب الشروط.
157

بالقيام للجنازة وقام لها ثم قعد - فالظاهر أن الثاني ناسخ للأول.
فائدة (1):
تصرف النبي صلى الله عليه وآله: تارة بالتبليغ وهو الفتوى، وتارة
بالإمامة كالجهاد والتصرف في بيت المال، وتارة بالقضاء كفصل الخصومة بين
المتداعيين بالبينة أو اليمين والاقرار. وكل تصرف في العبادة فإنه من باب
التبليغ، وقد يقع المتردد (2) في بعض الموارد بين القضاء والتبليغ:
(فمنه) قوله صلى الله عليه وآله " من أحيى أرضا ميتة فهي له " (3)، فقيل تبليغ
وافتاء، فيجوز الاحياء لكل أحد اذن الامام فيه أولا، وهو اختيار بعض الأصحاب
وقيل تصرف بالإمامة فلا يجوز الاحياء الا باذن، وهو قول الأكثر.
(ومنه) قوله لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين قالت له صلى الله عليه
وآله وسلم: ان أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني. فقال لها:
خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف. فقيل: افتاء فيجوز المقاصة للمسلط
بإذن الحاكم وبغير اذنه، وقيل تصرف بالقضاء فلا يجوز الاخذ الا بقضاء قاض.
ولا ريب أن حمله على الافتاء أولى، لان تصرفه صلى الله عليه وآله
بالتبليغ أغلب والحمل على الغالب أولى من النادر.

(1) في ص: قاعدة.
(2) في ص: التردد.
(3) الكافي 5 / 279 وفيه: من أحيا مواتا فهو له. التهذيب 7 / 152 وفيه: من أحيا
أرضا مواتا فهي له.
(4) أخرجه البخاري في صحيحه: باب " إذا لم ينفق الرجل فللمرأة ان تأخذ بغير
علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف " من كتاب النفقات.
158

فان قيل: فلا يشترط اذن الامام في الاحياء حينئذ. قلنا: اشتراطه يعلم من
دليل خارج لا من هذا الدليل.
(ومنه) قوله " ص ": من قتل قتيلا فله سلبه (1). فقيل فتوى فنعم، وهو قول
ابن الجنيد. وقيل تصرف بالإمامة، فيتوقف على اذن الامام. وهو أقوى هنا،
لان القضية في بعض الحروب، فهي مختصة بها. ولان الأصل في الغنيمة أن
تكون للغانم لقوله تعالى " واعلموا أنما غنمتم من شئ " (2) الآية، فخروج السلب
منه ينافي ظاهرها. ولأنه كان يؤدي إلى حرصهم على قتل ذي السلب دون غيره،
فيختل نظام المجاهدة. ولأنه ربما أفسد الاخلاص المقصود من الجهاد.
ولا يعارض بالاشتراط، لان ذلك إنما يكون لمصلحة (3) غالبة على هذه
العوارض.
قاعدة:
الاجماع وهو حجة، والمعتبر فيه قول المعصوم عندنا.
وإنما تظهر الفائدة في اجماع الطائفة مع عدم تمييز المعصوم بعينه، فعلى
هذا لو قدر خلاف واحد أو الف معروفو النسب فلا عبرة بهم، ولو كانوا غير
معروفين قدح ذلك في الاجماع.
وعند العامة خلاف في اعتبار النادر هل يلحق بجنسه أو بنفسه.
ويتفرع على ذلك طول مجلس المتعاقدين بما يخرج به عن العادة، فعندنا

(1) المناقب 1 / 319.
(2) سورة الأنفال: 41.
(3) في ص: عند مصلحة.
159

يبقى الخيار الحاقا له بجنسه. ولو أتت بالولد لستة أشهر التحق به وان ندر
وكذا السنة في الأصح.
ومن الاجماع المسمى بالسكوتي، ولا أثر له عندنا ولا لما يترتب عليه من
حضور المالك عقد الفضولي وسكوته، ومن سكوت البائع على وطي المشتري
في مدة الخيار.
أما حلق (المحل) رأس المحرم فالسكوت فيه موجب لكفارة، وكذا
سكوت المحمول عن المجلس عن الفسخ مع تمكنه من الكلام.
واعتبر الشيخ السكوت فيمن قال لرجل " هذا ابني " وألحق به نسبه.
قاعدة:
الشرع معلل بالمصالح، فهي اما في محل الضرورة أو محل الحاجة أو
محل التتمة أو مستغنى عنها اما لقيام غيرها واما لعدم ظهور اعتبارها.
فاشتراط عدالة المفتى في محل الضرورة لصون الأحكام وحفظ دماء
الناس وأموالهم وأبضاعهم وأعراضهم وأبلغ (1) منه الامام.
وكذا شرط عدالة القاضي وأمين الحاكم والوصي وناظر الوقف والساعي،
للضرر العظيم بالاعتماد على الفاسق فيها.
وكذا في الشهادة والرواية، لان الضرورة تدعو إلى حفظ الشرع وصونه
عن الكذب.
وكل موضع تشترط العدالة فهي معتبرة في نفس الامر، وفي الطلاق وجه

(1) أي اعتبار العدالة أشد وآكد في الإمام عليه السلام ولهذا يعتبر فيه العصمة التي
هي أعلى مراتب العدالة.
160

انه يكتفى بالظاهر، إذ يقع غالبا في العوام وأهل البوادي والقرى، فاشتراط
العدالة في نفس الامر ودوام العدالة شرط للقاضي والمفتي، لأنا محتاجون إلى
دوام الاعتماد على قولهما، وإنما يتم بالعدالة.
وأما ما هو في محل الحاجة فكعدالة الأب والجد في الولاية على الولد
والمؤذن، لاعتماد أصحاب الاعذار على قوله في الأوقات وامام الجماعة أبلغ،
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الأئمة ضمناء " (1).
وأما ما هو في محل التتمة فكالولاية في عقد النكاح، لان طبع الولي يردعه
عن الخيانة والتقصير في حق المولى عليه، الا أنه لما كان بعض الفساق لا يبالي
بذلك جعلت العدالة من المكملات، إذ ينعقد عندنا انكاح الفاسق من الأولياء.
وفيه للشافعية اثنا عشر وجها، ومنه ولاية تجهيز المولى، لان فرط شفقة
القريب تبعثه على الاحتياط في ذلك ولكن مع العدالة يكون أبلغ، فلذلك كانت
العدالة هنا تستحب اعتبارها.
وأما المستغنى عنه لعدم ظهور اعتبار الحاجة إليه فكالاقرار، لان قضية الطبع
حفظ النفس والمال عن الاتلاف فلا يقر بما يضره.
ومن اعتبر عدالة المقر في المرض فلان المال قد صار في قوة ملك الغير
فصار الاقرار كالشهادة التي يعتبر فيها العدالة في محل الضرورة.
وأما المستغنى عنه لقيام غيره مقامه التوكيل (2) والايداع إذا صدرا من المالك
فإنه يجوز توكيل الفاسق وايداعه إذا وثق به، إذ طبع المالك يردعه عن اتلاف

(1) كنوز الحقائق: 96، عن ابن ماجة. وفيه: الامام ضامن فان أحسن فله ولهم وان
أساء فعليه لا عليهم.
(2) في هامش ك: فكالتوكيل.
161

ما له فيكفي ظنه في جوازهما، فلو كان المالك سفيها قاصر النظر لم يجز له
التصرف.
وإن كان المودع غير المالك لضرورة اعتبر في الودعي العدالة، لوجوب
الاحتياط عليه في مال غيره بالوادع (1) الشرعي. وكذا التوكيل فيما يحتاج إلى
الأمانة، كامساك السلعة والتصرف فيها، أما في مجرد العقد فلا.
قاعدة:
يجوز الاعتماد على القرائن في مواضع، وهذه مأخوذة من إفادة الخبر
المحتف بالقرائن العلم اما بمجرد القرينة أو بها وبالاخبار.
ولكن معظم هذه المواضع فيها ظن غالب لا غير، كالقبول من المميز في
الهدية وفتح الباب واللوث وجواز أكل الضيف بتقديم الطعام من غير اذن
والتصرف في الهدية من غير لفظ والشهادة بالاعسار عند صبره على الجوع
والعرى في الخلوة وشبهه.
قاعدة:
عمد الصبي في الدماء خطأ مع نص الأصحاب على حل ذبيحته واصطياده،
مع أن ذينك مشروطان بالقصد فكيف اعتبر القصد هنا ولم يعتبر في الدماء؟
وقد بنى الشيخ مباشرته لمحظور الاحرام على أن عمده عمد أو خطأ،
وأجمعنا على أنه لو تعمد الكلام في الصلاة والافطار في الصوم لبطلا
ويترتب على ذلك تحريم المصاهرة بوطيه اما مع عقد أو شبهه أو ايقاب

(1) في ك: بالوازع.
162

ذكر، والمجنون أبعد في اعتبار عمده.
واعتبر بعض الأصحاب في الزنا محصن أو غير محصن.
قاعدة:
كلما كان هناك دليل على وجوب جزئي معين في الماهية الكلية اتبع ولو
قلنا بأن المطلق لا يتناول الجزئي المعين، لوجوب اخراج الزكاة عند الحلول
من الخمس، وكالبيع بثمن المثل نقدا بنقد البلد.
ويقرب من هذه القاعدة أن الاذن في الشئ اذن في لوازمه، كالتوكيل في
التصرفات التي لا يضبطها اليد الواحدة، فيوكل في الزائد عن الممكن له،
وكالاذن في أداء الدين فان من لوازمه اثباته.
قاعدة:
النهي في غير العبادات قد يقتضي الفساد، بأن يكون النهي عن الشئ لعينه
أو لوصفه اللازم. والأول كبيع الميتة والخمر ونكاح المحرمات، والثاني كبيع
الملامسة والمنابذة والحصاة والربا ونكاح الشغار.
ومنه عدم جواز ترخص العاصي بسفره، كقاطع الطريق والآبق عن مولاه،
لان تحريم السفر عليه لوصفه الذي أنشأه لأجله، ففي إباحة الترخص له بالقصر
وشبهه من رخص السفر إعانة له على عصيانه.
فان قلت: ذبح الغاصب الشاة منهي عنها، لوصف لازم، وهو كونها ملك
الغير مع وقوع الزكاة عليها.
قلت: الوجه اللازم هنا خارج عن الذبح، إذ الذبح هنا يستوفي شرائطه
163

والشاة باقية على ملك مالكها. وهذا بخلاف النهي عن ذبح الذمي، فإنه يحرم
الذبيحة أو بالظفر والسن أو بغير الحديد مع امكانه، فان هذا النهي يرجع إلى
وصف لازم للذكاة من حيث هي ذكاة.
فائدة:
نهي الانسان عن جرح نفسه واتلافها، ويكفي في التحريم عدم علم إباحة
الجرح واشكال جوازه، فمن ثم قيل: لا تختن الخنثى لأنه جرح مع الاشكال
فلا يكون مباحا، ووجه وجوبه عملا بصورة القلفة (1). ولا يجوز له حلق لحيته
لجواز رجوليته، ويجب عليه الستر في الصلاة كالمرأة، فلو ترك احتمل عدم
البطلان للشك في كونه امرأة.
ويحرم عليه النظر إلى النساء والرجال كما يحرم على القبيلتين النظر إليه،
وهو في الشهادة كالمرأة.
قاعدة:
الألف واللام يستعمل من معانيهما عند الفقهاء والأصوليين ثلاثة، لأنه اما
أن ينظر إلى متعلقهما من حيث هو هو وهو الحقيقة كقوله " اشتر الخبز واللحم "
ولا يريد شيئا (2) بعينه، أو من حيث هو مستغرق تام لما يندرج تحته وهو الجنس،
أو من حيث هو خاص جزئي وهو العهد.
فمتى كان في الكلام معهود يمكن عود التعريف إليه تعين له، وان لم يكن

(1) القلفة الجلدة التي تقطع في الختان، وجمعها قلف مثل غرفة وغرف.
(2) في ص: ولا يقصد شيئا.
164

معهودا ولا قرينة عهدا فالأصل أنها لاستغراق الجنس، لان الأعم أكثر فائدة فالحمل
عليه أولى، فان تعذر الجنس حمل على الحقيقة كقوله " لا آكل الخبز ولا أشرب
الماء "، ومنه قوله تعالى حكاية عن يعقوب على نبينا وآله وعليه السلام " وأخاف
أن يأكله الذئب " (1).
ومن قال اسم الجنس لا يعم قال لاشتباهه بتعريف الحقيقي.
ويرد على العامة اشكال في قولهم " الطلاق يلزمني " لم لا يقع الثلاث وان
لم ينوها، لان التعريف للجنس (2) يقتضي العموم وتعميم جميع عدد الطلاق متعذر
والجائز الثلاث (3) فيحمل عليه.
أجاب بعضهم: بأن الايمان تتبع المنقولات العرفية غالبا دون الأوضاع
اللغوية ويقدم عليها عند التعارض، وقد انتقل الكلام في الحلف بالطلاق إلى
حقيقة الجنس دون استغراقه، فلذلك كان الحالف لا يلزمه الا الماهية المشتركة،
فلا يزاد على الواحدة.
ووجهه (الحنفية) (4) فيه: بأنه لما امتنع حمله على جميع الجنس من أعداد
الطلاق انصرف إلى تعريف حقيقة الجنس، فكأنه قال: أنت طالق بعضها من
الطلاق، وذلك البعض مجهول والواحدة فيه متيقن، فيصرف اللفظ إليه.
قاعدة:
الموالاة معتبرة في العقد ونحوه، فهو مأخوذ من اعتبار الاتصال بين الاستثناء

(1) سورة يوسف: 13.
(2) في ك: لان التعريف الجنسي.
(3) في ص: والحال الثلاث. في القواعد: والحمل على الثلاث ممكن وأجاب.
(4) ليس " الحنفية " في ص. في القواعد: ووجهه انه لما امتنع.
165

والمستثنى منه.
وقال بعض العامة: لا يضر قول الزوج بعد الايجاب " الحمد لله والصلاة
على رسوله قبلت النكاح ".
(ومنه) الفورية في استتابة المرتد فيعتبر في الحال، وقيل إلى ثلاثة أيام.
(ومنه) السكوت في أثناء الاذان، فإن كان كثيرا أبطله، وكذا الكلام عند
طول الفصل.
(ومنه) السكوت الطويل في أثناء القراءة وقراءة غيرها خلالها، وكذا
التشهد.
(ومنه) تحرم (1) المأمومين في الجمعة قبل الركوع، فلو تعمدوا أو نسوا حتى
ركع فلا جمعة. واعتبر بعض العامة تحرمهم معه قبل الفاتحة.
(ومنه) الموالاة في التعريف بحيث لا ينسى لأنه تكرار والموالاة في سنة
التعريف، فلو رجع في أثناء المدة استؤنف (2) ليتوالى الانجاش (3)، وقيل يبنى.

(1) في ص: تحريم. وفيه: تحريمهم معه.
(2) في ص: استأنف.
(3) قال في حاشية القواعد: اضطربت النسخ في هذه العبارة، ففي بعضها " الايجاس "
بالياء قبل الجيم والسين المهملة من الوجس، فتخيل انه من قبيل قوله تعالى " فأوجس في
نفسه خيفة " بمعنى أدرك، والمعنى على هذا ان الاستيناف لأجل حصول التوالي في أدرك
صاحب المال اللقيط.
وفي بعضها " الايحاش " بالياء قبل الحاء المهملة والشين المعجمة، وهو بمعنى البعد
والتباعد من الناس وحشة. ولا يخفى عدم مناسبته للمقام.
وفي بعضها بالنون ثم الجيم ثم الشين المعجمتين، وهو بمعنى إثارة الصيد ليدركه
الرامي، ولعل هذا المعنى انسب من غيره فليتأمل.
166

فائدة:
الأحكام اللازمة باعتبار جماعة قد تكون موزعة على رؤوسهم وقد تكون
موزعة باعتبار تعلقهم، وكذا الحكم المعلق على عدد قد يوزع على ذلك العدد
وقد يوزع على صنف ذلك العدد، ولا ضابط لذلك هنا يشمل الجميع.
نعم قد يشترط بعضها في ذلك فكانت قاعدة في الجملة، كالشفعاء والمتقاسمون
يكون أنصباء والمؤن تابعة اما للرؤس أو للانصباء، وهو قوي.
وأقوى في الشفعة ما إذا أورث جماعة شقصا من واحد، لأنهم يأخذون لمورثهم
ثم يتلقونه لأنفسهم.
ويحتمل أن يقال: يأخذون لأنفسهم، لان الميت لا يملك شيئا. ويضعف
بأنهم يمنعون حينئذ لتأخر ملكهم عن الشراء إذا ملكهم بالإرث المتأخر عن
الشراء.
ولا يحمل على حدهم القذف حيث هو ملكهم بالسوية، لان الحدود على
غير مجاري المعاملات، فالشركاء في عبد إذا أعتق جماعة منهم يقوم حصص
الرق بينهم بالسوية - قاله بعض الأصحاب. ويحتمل على الحصص.
ولو استأجر دابة لقدر فزاد فتلفت ففي كيفية ضمانها الوجهان، وكذا لو زاد
الجلاد أو ضرب جماعة واحدا ضربا متفاوتا في العدد فمات أو جرحوا. والمشهور
بين الأصحاب التساوي هنا ولا اعتبار بعدد الضربات والجراحات. ويمكن الفرق
بأن السياط مضبوطة باعتبار وقوعها على ظاهر البدن والجراحة غير مضبوطة
لأنها ذات غور ونكاية في الباطن لا يعلم قدره.
قلت: الفرق ضعيف، إذ السياط أيضا يمكن اعتبار تأثيرها في النكاية باعتبار
قوة وقوعها على البدن وتأثر اللحم والفصل عنها، فاذن لا فرق.
167

القطب الثاني
وفيه مقاصد:
المقصد الأول
(في العبادات)
وفيه مرصدان:
الأول - في العبادة بقول مطلق
واعلم أن كل حكم شرعي الغرض الأهم منه الآخرة اما لجلب نفع أو دفع
ضرر يسمى عبادة أو كفارة.
ثم العبادة تنتظم ما عدا المباح، فتوصف العبادة بالوجوب والتحريم والاستحباب
والكراهة، كالصلاة المنقسمة إلى الواجبة والمستحبة والمحرمة والمكروهة،
فالأوليان ظاهرتان، وأما الثالثة فكصلاة الحائض وأما الرابعة فكالصلاة في الأماكن
المكروهة والأوقات المكروهة. وكذا الصوم ينقسم إلى الأربع كرمضان
168

وشعبان مثلا والعيد والنافلة سفرا.
ثم إن النسبة بين العبادة والكفارة العموم المطلق، فكل كفارة عبادة ولا
ينعكس.
وما ورد من أن الصلوات الخمس كفارة لما بينهن، وان غسل الجمعة كفارة
من الجمعة إلى الجمعة، وان الحج والعمرة ينفيان الذنوب (1)، وان العمرة كفارة
لكل ذنب. لا ينافي ذلك، فان الصوم (2) والحج يقعان ممن لا ذنب له كالمعصوم،
بل الكلام خرج مخرج الأغلب، أو التسمية مجاز تسمية الشئ بما يتعقبه، فان
كثرة الثواب يستتبع التفضل لعدم المؤاخذة بالذنب.
وهنا قواعد:
الأولى - في النية "
وفيها فوائد "
(الأولى) انه يعتبر فيها القربة، ودل عليه الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله
تعالى " وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " (3) أي وما امر أهل الكتابين
بما فيهما الا لأجل أن يعبدوا الله على هذه الصفة، فيجب علينا ذلك لقوله تعالى
" وذلك دين القيمة " (3).
وقال تعالى " وما لا حد عنده من نعمة تجزى * الا ابتغاء وجه ربه الاعلى " (4)

(1) راجع التهذيب 5 / 21، 22.
(2) في ص وهامش ك: فان الصلاة.
(3) سورة البينة: 5.
(4) سورة الاعلى: 19، 20.
169

أي لا يؤتى ماله الا ابتغاء وجه ربه، إذ هو منصوب على الاستثناء المنفصل،
وكلاهما يعطيان أن ذلك يعتبر في العبادة، لأنه تعالى مدح فاعله عليه.
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وآله عن الحديث القدسي: من عمل
لي عملا أشرك فيه غيري تركته لشريكي.
(الثانية) معنى الاخلاص فعل الطاعة خالصة لله وحده، وهنا غايات ثمان:
1 - الرياء، ولا ريب أنه مخل بالاخلاص، ويتحقق الرياء بقصد مدح المرائي
أو الانتفاع به أو دفع ضرره.
فان قلت: فما تقول في العبادة المشوبة بالتقية. قلت: أصل العبادة واقع
على وجه الاخلاص، وما فعل منها تقية فان له اعتبارين بالنظر إلى أصله وهو
قربة وبالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر وهو لازم لذلك فلا يقدح في اعتباره.
اما لو فرض احداثه صلاة (مثلا) تقية فإنها من باب الرياء.
2 - قصد الثواب أو الخلاص من العقاب أو قصدهما معا. 3 - فعلها شكرا لنعم الله تعالى واستجلابا لمزيده. 4 - فعلها حياء من الله تعالى. 5 - فعلها حبا لله تعالى. 6 - فعلها تعظيما لله ومهابة وانقيادا وإجابة.
7 - فعلها موافقة لإرادته وطاعة لامره. 8 - فعلها لكونه أهل للعبادة. وهذه الغاية مجمع على كون العبادة تقع
بها معتبرة، وهي أكمل مراتب الاخلاص، واليه أشار الإمام الحق أمير المؤمنين
عليه السلام بقوله: ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ولكن وجدتك
أهلا للعبادة فعبدتك (1).

(1) البحار 70 / 186.
170

وأما غاية الثواب والعقاب فقد قطع الأصحاب بكون العبادة تفسد (1) بقصدهما،
وكذا ينبغي أن يكون غاية الحياء والشكر وباقي الغايات (الظاهر) أن قصدها
مجز، لان الغرض بها الله في الجملة.
ولا يقدح كون تلك الغايات باعثة على العبادة - أعني الطمع والرجاء
والشكر والحياء - لان الكتاب والسنة مشتملة على المرهبات من الحدود
والتعزيرات والذم والايعاد بالعقوبات، وعلى المرغبات من المدح والثناء في
العاجل والجنة ونعيمها في الأجل.
وأما الحياء فغرض مقصود، وقد جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: استحيوا من الله حق الحياء (2)، ا عبد الله كأنك تراه فإن لم تك تراه فإنه
يراك (3). فإنه إذا تخيل الرؤية انبعث على الحياء والتعظيم والمهابة.
وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقد قال له ذعلب اليماني - بالذال
المعجمة المكسورة والعين المهملة الساكنة واللام المكسورة - هل رأيت ربك
يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: أفأعبد ما لا أرى. فقال: وكيف تراه؟ فقال
لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان، قريب
من الأشياء من غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلم بلا رؤية، مريد لا بهمة (4)

(1) في ص: فقد جزم الأصحاب بكون العبادة فاسدة.
(2) الأمالي: 366، البحار 71 / 333. تمام الحديث: قالوا وما نفعل يا رسول الله؟
قال: فان كنتم فاعلين فلا يبيتن أحدكم الا وأجله بين عينيه، وليحفظ الرأس وما حوى والبطن
وما وعى وليذكر القبر والبلى، ومن أراد الآخرة فليدع زينة الحياة الدنيا.
(3) روضة المتقين 13 / 13 وفيه قيل: يا رسول الله ما الاحسان؟ قال: ان تعبد الله
كأنك تراه - الخ.
(4) في ص: مريد بلا همة.
171

صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء [كبير لا يوصف بالجفاء] (1) بصير لا
يوصف بالحاسة رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو (2) الوجوه لعظمته وتجل (3) القلوب
من مخافته (4).
وقد اشتمل هذا الكلام الشريف على أصول صفات الجلال والاكرام التي
عليها مدار علم الكلام، وأفاد أن العبادة تابعة للرؤية وتفسير معنى الرؤية، وأفاد
الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن وان لم يكن تمام الغاية، وكذلك
الخوف منه تعالى.
(الثالثة) لما كان الركن الأعظم في النية هو الاخلاص وكان انضمام تلك
الأربعة غير قادح فيه، فخليق أن يذكر ضمائم أخر، وهي أقسام:
1 - ما يكون منافيا له كضم الرياء، وتوصف بسببه العبادة بالبطلان، بمعنى
عدم استحقاق الثواب. وهل يقع مجزيا بمعنى سقوط التعبد به والخلاص من
العقاب؟ الأصح أنه لا يقع مجزيا، ولم أعلم فيه خلافا الا من السيد الإمام المرتضى
قدس الله لطيفه، فان ظاهره الحكم بالاجزاء في العبادة المنوي بها الرياء.
2 - ما يكون من الضمائم لازما للفعل، كضم التبرد والتسخن أو التنظيف إلى
نية القربة. وفيه وجهان ينظران إلى عدم تحقق معنى الاخلاص فلا يكون الفعل
مجزيا والى أنه حاصل لا محالة، فنيته كتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه.

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
(2) عنا عنوا من باب قعد: خضع وذل.
(3) وجل يجل: خاف. في شرح النهج لابن أبي الحديد " وتجب القلوب " أي تخفق
واصله من وجب الحائط: سقط.
(4) شرح النهج لابن أبي الحديد 10 / 64، توحيد الصدوق: 304 مع اختلاف بينهما.
172

وهذا الوجه ظاهر أكثر الأصحاب، والأول أشبه ولا يلزم من حصوله نيه
حصوله.
ويحتمل أن يقال: إن كان الباعث الأصلي هو القربة ثم طرأ التبرد عند الابتداء
في الفعل لم يضر، وإن كان الباعث الأصلي هو التبرد فلما أراد ضم القربة لم يجز.
وكذا إن كان الباعث مجموع الامرين، لأنه لا أولوية فتدافعا فتساقطا، فكأنه
غير ناو.
ومن هذا الباب ضم نية الحمية إلى القربة في الصوم، وضم ملازمة الغريم
إلى القربة في الطواف والسعي والوقوف بالمشعرين.
3 - ضم ما ليس بمناف ولا لازم، كما لو ضم إرادة دخول السوق مع نية التقرب
في الطهارة، أو إرادة الاكل ولم يرد بذلك (1) الكون على طهارة في هذه الأشياء،
فإنه لو أراد الكون على طهارة كان مؤكدا غير مناف، وهذه الأشياء وان لم
يستحب لها الطهارة بخصوصياتها الا أنها داخلة فيما يستحب لعمومه.
وفى هذه الضميمة وجهان مرتبان على القسم الثاني وأولى بالبطلان، لان
ذلك تشاغل عما يحتاج إليه بما لا يحتاج إليه.
(الرابعة) (2) يجب في النية التعرض لمشخصات الفعل من غيره، فتجب نية
جنس الفعل ثم فصوله وخواصه المميزة التي لا يشاركه فيها غيره، كالوجوب
والندب والرفع والاستباحة في الطهارة حيث يمكن أو الاستباحة وحدها حيث
لا يمكن، فلو ضم نية الواجب والندب في فعل واحد - كما لو نوى بغسل الجنابة
والجمعة بطل لتنافي الوجهين. ويحتمل الاجزاء، لان نية الوجوب هي المقصودة

(1) كذا في القواعد، وفي ص: الا الكون.
(2) الفائدة الرابعة.
173

فتلغو نية الندب أو نقول: يقعان له، فان غاية غسل الجنابة رفع الحدث وغاية
غسل الجمعة النظافة، فهو كضم التبرد إلى التقرب.
ومن هذا الباب لو جمع في الصلاة على الجنازة الوجوب والندب إذا
اجتمع من تجب عليه الصلاة ومن لا تجب، ولو اقتصر على نية الوجوب أجزأ
في الموضعين.
ويجوز اجتماع نية الندب مع الواجب في مواضع:
(منها) نية الصلاة، فإنها تشتمل على الواجب منها والمستحب، ولا يجب
التعرض لنية المستحب لخصوصيته ولا إلى نية فعل الواجب لوجوبه والندب
لندبه وإن كان ذلك هو المقصود، لان المندوب في حكم التابع للوجوب، ونية
المتبوع تغني عن نية التابع.
(ومنها) إذا صلى الفريضة في جماعة، فإنه ينوي الوجوب في الصلاة من
حيث هي صلاة وينوي الندب في الصلاة من حيث هي جماعة، سواء كان إماما
أو مأموما، وإن كان قد اختلف في استحباب نية الامام للإمامة.
(ومنها) إذا أدرك المأموم بتكبيرة الركوع مع الامام فكبر ناويا للركوع
والاحرام، فقد حكم الشيخ بالاجزاء، وهو مروي.
(الخامسة) لو اجتمع أسباب الوجوب في مادة واحدة - كما لو نذر الصلاة
اليومية وقلنا بالانعقاد كما هو مذهب المتأخرين وكذا لو نذر الصوم الواجب
أو الحج الواجب أو استؤجر للصلاة الواجبة عن الغير أو صلى عن أبيه بالتحمل -
ففي هذه الصور يكفي نية الوجوب ولا يجب التعرض للخصوصيات، لان الغرض
ابراز الفعل على وجهه وقد حصل. ولا حاجة إلى أن ينوي النائب لوجوبه علي
وعليه يعني المنوب، لان الوجوب عليه إنما هو الوجوب عن المنوب صار
متحملا له.
174

ولو اشتمل النذر على هيئة زائدة فان كانت مانا - كما لو نذر الصلاة في
أول وقتها أو أداء الزكاة عند رأس الحول أو قضاء شهر رمضان في رجب - أمكن
أن يجب التعرض لنية تعينه في ذلك الزمان، لأنه أمر لم يجب بالسبب الأول.
والأقرب عدم الوجوب، لان الوجوب الأصلي صار متشخصا بذلك المشخص (1)
الزماني، فنيته منصبة عليه.
وان كانت هيئة زائدة - كما لو نذر قراءة سورة معينة في الصلاة - ففي
التعرض لها وجهان، والأقرب عدم الوجوب.
ولو نذر قراءة القرآن في صومه فهما أمران متغايران يجب أن يفرد لكل
منهما نية.
(السادسة) الأصل أن كلا من الواجب والندب لا يجزي عن صاحبه، لتغاير
الجهتين. وقد يتخلف (2) هذا الأصل في مواضع، منها اجزاء الواجب عن الندب
في صلاة الاحتياط الذي يظهر الغناء عنها، وكذا لو صام يوما بنية القضاء عن
رمضان فتبين (3) أنه كان قد صامه فإنه يستحق على ذلك ثواب الندب.
وأما اجزاء الندب عن الواجب ففي مواضع:
(منها) صوم يوم الشك.
(ومنها) صدقة الحاج بالتمر ما دام الاشتباه باقيا، فلو ظهر أن عليه واجبا
فالظاهر الاجزاء عنه إذا كان من جنس المؤدى، كما يجزي الصوم عن رمضان
لو ظهر أنه منه.

(1) في ص والقواعد: بذلك الشخص.
(2) في ص والقواعد: وقد يختلف.
(3) في ص: فتيقن.
175

(ومنها) الوضوء المجدد لو بان أنه محدث، ففيه الوجهان، والاجزاء أقوى.
(ومنها) لو جلس للاستراحة فلما قام تبين أنه نسي سجدة، فالأقرب قيامها
مقام جلسة الفصل، فيجب السجود ولا يجب الجلوس قبله.
(ومنها) هذه الجلسة لو قام عقيبها إلى الخامسة سهوا وأتى بها وكانت بقدر
التشهد. فان الظاهر اجزاؤه عن جلسة التشهد وصحة الصلاة بسبق (1) نية الصلاة
المشتملة عليها. بخلاف من توضأ احتياطا ندبا فظهر الحدث، فان النية هنا
لم تشتمل على الواجب في نفس الامر.
ولو جلس بنية التشهد ثم ذكر ترك سجدة أجزأت هذه الجلسة عن جلسة
الفصل قطعا، لان التغاير هنا في القصد إلى تعيين الواجب لا بالوجوب والندب
(ومنها) لو أغفل (2) لمعة في الغسلة الأولى فغسلها في الثانية بنية الاستحباب
وفيها وجهان من حيث مخالفة الوجه ومن اشتمال نية الوضوء عليها.
(ومنها) لو نوى الفريضة فظن أنه في نافلة فأتى بالافعال ناويا للندب أو ببعضها
فان الأصح الاجزاء للرواية، وقد أوضحناه في الذكرى.
أما لو ظن أنه سلم فنوى فريضة أخرى ثم ذكره نقض الأولى، فالمروي
عن صاحب الامر صلوات الله عليه وعلى آبائه الاجزاء عن الفريضة الأولى. والسر
فيه أن صحة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من الأولى في موضعه أو الخروج
منها ولم يحصلا، فجرى التحريم مجرى الأذكار المطلقة التي لا تخل بصحة
الصلاة. ونية الوجوب في الثانية لغو لعدم مصادفته محلا. وحينئذ هل يجب
نية العدول في الأولى؟ الأقرب عدمه، لعدم انعقاد الثانية، فهو بعد في الأولى.

(1) في ص والقواعد: لسبق.
(2) أي لو ترك غسل لمعة من العضو.
176

نعم يجب القصد إلى أنه في الأولى من حين الذكر.
(السابعة) يجب الجزم في مشخصات النية من التعيين والأداء والقضاء
والوجوب أو الندب مع امكانه، ولا يجزي الترديد حيث يمكن الجزم، لان
القصد إلى الفعل إنما يتحقق مع الجزم، وقد جاء الترديد في مواضع:
(منها) الصلاة المنسية المشتبهة بين الثلاث الرباعيات أو المشتبهة في الأداء
والقضاء.
(ومنها) الزكاة المترددة بين الوجوب والندب على تقديري بقاء المال
وعدم بقائه.
(ومنها) نية الصوم آخر شعبان المرددة بين الوجوب أو الندب، فإنه غير واجب
هنا وان وجب في الأولين. ولو فعل ففي اجزائه نظر أقربه الاجزاء، لمصادفته
الواقع.
ولو ردد ليلة الشك في العيد بين الصوم وعدمه ففيه الوجهان. وأولى بالمنع
لأنه تردد لا في محل الحاجة، إذ يجب عليه الصوم من غير تردد.
(ومنها) لو شك في تعيين الطواف المنسي، فإنه تردد. ولو شك في تعيين
النسك المنذور من التمتع أو القران أو الافراد أو العمرة المفردة أو عمرة التمتع،
فان التردد يجزي في الأول. وفي اجزائه عن العمرتين تردد من حيث اختلافهما
في الافعال وترتب الحج على إحداهما دون الأخرى.
وليس الصلاة في الثياب المتعددة عند الاشتباه بالنجاسة أو الطهارة بالماء
المطلق والمضاف عند اشتباههما من هذا القبيل، لان الجمع هنا واجب لأنه من
باب ما لا يتم الواجب الا به.
(ومنها) لو نسي تعيين الكفارة مع علمه بوجوبها، فإنه تردد بين الأقسام
المحتملة، أما لو نوى الوجوب مع ظهور أمارة فان فيه صورا:
(منها) لو شهد عدل أو جماعة من الفساق أو النساء برؤية الهلال فنوى
177

الوجوب فصادف، ففي الاجزاء وجهان، وظاهر الأكثر عدمه.
(ومنها) لو توهمت الحائض انقطاع الدم فنوت فصادف انقطاعه، أو كان
سائلا فنوت ثم انقطع قبل الفجر، ففي الاجزاء الوجهان. ويقوى الاجزاء
عند قوة الامارة، ككونه عند رأس عادتها أو قريبا منها.
(ومنها) لو ظن المسافر القدوم عادة قبل الزوال فنوى ليلا، ففي اجزائه لو
وافق الوجهان. وكذا الجنب لو نوى بعد الجنابة ثم اغتسل.
(ومنها) لو نذر يوم قدوم زيد فظنه في الغد فنوى ليلا، ففي وجوب الصوم
هنا وجهان. وكذا في اجزاء هذه النية ان قلنا بالوجوب.
(ومنها) لو ظن دخول الوقت فتطهر بنية الوجوب فظهر مطابقته، فإن كان
لا يمكنه العلم أجزأ قولا واحدا، وإن كان متمكنا من العلم ففيه الوجهان.
(ومنها) لو ظن ضيق الوقت فتيمم فرضا، فان صادف التضييق أجزأ، وان
صادف السعة أجزأ مع عدم التمكن من العلم، ومع التمكن الوجهان.
وكذا لو ظن ضيق الوقت الا عن العصر فصلاها ثم تبين السعة، فالأقرب
الاجزاء إذا وقعت في المشترك بينها وبين الظهر أو دخل المشترك وهو فيها. ولو
دخل المختص بالعصر وهو فيها ففيه الوجهان.
ولو وقعت العصر في الأربع المختصة بالظهر بحيث يكون قد بقي بعد
العصر مقدار أربع ركعات لا أزيد، فالأقرب أنها لا تجزي ويعيد العصر الان
ويقضي الظهر. ويحتمل الاجزاء اما بناءا على اشتراك الوقتين دائما واما
لتعارضهما (1)، فكأن العصر قد اقترضت من الظهر وقتها وعوضتها بوقت نفسها.
وهو ضعيف والا لكان يقوى (2) في الظهر الأداء في هذه الأربع، وظاهرهم عدمه،

(1) في هامش ك: لتقارضهما. وفي القواعد: لتعاوضهما.
(2) في القواعد وهامش ك: ينوي.
178

وإنما ينوي القضاء لو قلنا باجزاء العصر.
(ومنها) لو ترك الطلب فتيمم ثم ظهر عدم الماء.
(ومنها) لو صلى إلى جهة فشك أنها القبلة فصادفت، أو شك في دخول الوقت
فصلى فصادف، فالأقرب عدم الاجزاء الا مع الظن حيث لا طريق إلى العلم.
(ومنها) لو صلى خلف الخنثى فظهر أنه رجل. وفيه التفصيل المذكور.
(ومنها) لو صلى على ميت شك أنه من أهل الصلاة فصادف، أو تيمم للصلاة
على الميت شاكا في تغسيله وقلنا لا يشرع التيمم قبل الغسل فصادف كونه قد غسل.
(ومنها) إذا كان في مطمورة (1) فتحرى شهر رمضان صادف. وهنا قد نص
الأصحاب على اجزائه ما لم يتقدم على شهر رمضان، ولو أوجبنا الاجتهاد هنا
فصام من غير اجتهاد فصادف ففيه الوجهان.
(ومنها) لو صام من عليه كفارة مرتبة قبل علمه بعجزه عن العتق فصادف عجزه.
(ومنها) إذا شك في دخول شوال فأحرم بالحج أو بعمرة التمتع فصادف
دخول شوال.
(ومنها) إذا أحرم بالعمرة المفردة ناسيا للتحلل من الاحرام بالحج أو أحرم
بحج التمتع ناسيا للاحلال من العمرة فصادف التحلل.
(الثامنة) تعتبر النية في جميع العبادات إذا أمكن فعلها على وجهين الا النظر
لوجوب معرفة الله تعالى فإنه عبادة ولا تعتبر فيه النية لعدم تحصيل المعرفة قبله،
ولا إرادة الطاعة - أعني - النية فإنها عبادة ولا تحتاج إلى نية والا تسلسل.
وما لا يمكن فيه اختلاف الوجه - كرد الوديعة وقضاء الدين - لا يحتاج إلى
نية وان احتاج في استحقاق الثواب إلى قصد التقرب إلى الله تعالى.

(1) المطمورة: حفرة تحفر تحت الأرض.
179

(التاسعة) للنية غايتان: إحداهما التمييز، والثانية استحقاق الثواب. وإن كان
الفعل واجبا فان يستفيد المكلف بالفعل الخلاص من الذم والعقاب وبالترك
التعرض لاستحقاقهما. وهذه غاية ثالثة.
ثم ينقسم الواجب إلى قسمين:
أحدهما - ما الغرض الا هم بروزه إلى الوجود كالجهاد والامر بالمعروف
والنهي عن المنكر وقضاء الدين وشكر المنعم ورد الوديعة، وهذا القسم يكفي
مجرد فعله عن الخلاص من تبعة الذم والعقاب، ولا يستتبع الثواب الا إذا أريد
به التقرب إلى الله تعالى.
والثاني - ما الغرض الا هم منه تكميل النفس وارتفاع الدرجة في المعرفة
والاقبال على الله تعالى واستحقاق الرضا من الله تعالى وتوابعه من المنافع الدنيوية
والأخروية كالتعظيم في الدنيا والثواب في الآخرة، وهذا القسم لا يقع مجزيا في
نظر الشرع الأبنية القربة.
(العاشرة) يجب ترك المحرمات ويستحب ترك المكروهات، ومع ذلك
لا يجب فيه النية، بمعنى أن الامتثال حاصل بدونها، وإن كان استحقاق الثواب
بالترك يتوقف على نية القربة.
وهذه التروك يمكن استناد عدم وجوب النية فيها إلى كونها لا تقع الا على
وجه واحد، فان الترك لا تعدد فيه.
ويمكن استناد عدم الوجوب إلى كون الغرض الا هم منها هجران هذه الأشياء
ليستعد بواسطتها للعمل الصالح.
ومن هذا الباب الافعال الجارية مجرى الترك، كغسل النجاسة عن الثوب
والبدن، فإنه لما كان الغرض بها هجران النجاسة واماطتها جرى مجرى الترك.
(الحادية عشر) التميز الحاصل بالنية - بأن يكون لتمييز العبادة عن غير
180

العبادة كالوضوء والغسل - فإنه كما يقع كل منهما عبادة يقع عادة، كالتنظيف
والتبرد والتداوي، وتازة لتمييز أفراد العبادة كالفرض عن النفل والأداء عن القضاء
والقربة عن الرياء.
وربما جعل التميز الحاصل بالقربة من قبيل امتياز العبادة عن العبادة، لان
الرياء المقصود في العبادة يخرجها عن حقيقة العبادة، فهو كالفعل المعتاد.
ولا بد من استيعاب المميزات في النية وان كثرت تحصيلا للغرض منها.
(الثانية عشر) كلما يعتبر في صحة العبادة لا يخرج عن الشرطية والجزئية
وإزالة المانع من قبيل الشروط. وقد اختلف في النية هل هي من قبيل الشروط
باعتبار تقدمها على العبادة ومصاحبتها مجموع الصلاة مثلا وهذا هو حقيقة
الشرط، ويقابله الجزء وهو ما يقارن العبادة أو ما لا يصاحب المجموع؟
ويحتمل الفرق بين نية الصوم وباقي العبادات، فتجعل شرطا في الصوم
وركنا في باقي العبادات، لان تقدم نية الصوم على وجه لا يشتبه بالمقارنة. نعم
لو قارن بها الصوم فإنه جائز على الأصح، (و) انسحب فيها الخلاف.
وربما قيل: إن جعلنا اسم العبادة ينطلق عليها من حين النية فهي جزء على
الاطلاق والا فهي شرط.
وقيل أيضا: كلما اعتبرت النية في صحته فهي ركن فيه كالصلاة، وكلما
اعتبرت في استحقاق الثواب به فهي شرط فيه كالجهاد والكلف عن المعاصي
وفعل المباح أو تركه إذا قصد به وجه راجح شرعيا.
ولا ثمرة مهمة في تحقيق هذا، فان الاجماع على أن النية معتبرة في العبادة
ومقارنة لها غالبا وان فواتها مخل بصحتها، فيبقى النزاع في مجرد التسمية. وإن كان
قد يترتب على ذلك أحكام نادرة ذكرناها في الذكرى، كصحة صلاة من
تقدمت نيته على الوقت ونية وضوئه المنوي به الوجوب.
181

فان قلت: ما تقول في التيمم، فإنه غير معتاد فلم افتقر إلى النية المميزة؟
قلت: ليس التمييز بين العبادة والعادة ما يتمحص شرعية النية لأجلها، بل
الركن لأعظم فيها التقرب، فلا بد من قصده في التيمم كغيره، ولان التمييز فيه
بالنسبة إلى الفرض والنفل والبدل عن الأصغر والأكبر.
(الثالثة عشر) قضية الأصل وجوب استحضار النية فعلا في كل جزء من
أجزاء العبادة لقيام دليل الكل في الاجزاء، فإنها عبادة أيضا، ولكن لما تعذر
ذلك في العبادة البعيدة المسافة أو تعسر في القريبة المسافة اكتفى بالاستمرار
الحكمي، وفسر بتجديد العزم كلما ذكر، ومنهم من فسره بعدم الاتيان بالمنافي،
وقد قلناه في رسالة الحج.
قلت: ذكر في رسالة الحج هكذا: واستدامتها حكما لا فعلا، وفسر بأمر
عدمي. وفيه دقيقة كلامية يريد بالامر العدمي هو ما ذكر من عدم الاتيان بالمنافي.
وأما الدقيقة فهي أن الممكن حال بقائه هل هو مفتقر إلى المؤثر أم لا؟ فعلى
الثاني - وهو رأي المتكلمين - فسر بالامر العدمي، إذ لا احتياج إلى المؤثر
حتى يكون وجوديا، وعلى الأول فسر بالوجودي، وهو تجديد العزم هنا (1).
فلو نوى القطع فإن كان المنوي احراما لم يفسد اجماعا، لان محللاته معلومة،
ولأنه لا يبطل بفعل المفسد بأن لا يبطل بنية القطع أحرى. وإن كان صوما ففيه
وجهان: من تغليب شبه الفعل أو شبه الترك (عليه). وإن كان صلاة فوجهان
مرتبان، وأولى بالبطلان لأنها أفعال محضة، فكان من حقها استصحاب النية
فعلا في كل جزء منها، فلا أقل من الاستصحاب الحكمي، وظاهر أن نية القطع
تنافي الاستصحاب الحكمي.
ووجه عدم التأثير النظر إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: تحريمها التكبير

(1) في ص وهامش ك: هذا.
182

وتحليلها التسليم (1). ومقتضاهما الحصر، ولان الصلاة عبادة واحدة وكل جزء
منها العبادة فيه إنما هو بالنظر إلى المجموع، فإذا تحقق انعقادها بالتكبير بعد
النية لم تؤثر القصود اللاحقة لذلك لأنها لم تصادف ما تجب فيه النية فعلا.
أما الوضوء والغسل فان نية القطع تبطل بالنسبة إلى ما بقي لا إلى ما مضى،
لأنه أفعال منفصلة، وخصوصا الغسل. نعم لو خرج الوضوء عن الموالاة أثر
ذلك باعتبار فوات الشرط لا باعتبار النية في الماضي (2).
(الرابعة عشر) التردد في قطع العبادة، فيه وجهان مبنيان على تأثير نية
الخروج أو نية فعل المنافي وأولى بالصحة، لان المنافاة غير متحققة بالنظر إلى
كون التردد ليس على طرف النقيض بالنسبة إلى النية المصححة للعبادة.
والوجه أنهما سواء، لان أقل أحوال الاستصحاب الحكمي الجزم بالبقاء
على ما مضى والشك ينافي الجزم. وأما نية فعل المنافي فهي كنية الخروج من
العبادة تؤثر حيث تؤثر وتنتفي حيث ينتفي التأثير، فلو نوى الصائم الافطار فهو
كنية القطع. ويقوى عدم تأثير النية في الصوم، لأن الصوم لا تبطل حقيقته بنفس
فعل المنافي، ولهذا وجبت الكفارة لو أفطر ثانيا فلان لا يبطل بنيته أولى فان منع
وجوب الكفارة الثانية.
فلنا: ان نستدل بأن نية المنافي لو أبطلت الصوم لما وجبت كفارة أصلا،

(1) الوسائل 4 / 715، الفقيه 1 / 23 ذكره عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(2) في حاشية ص: قلت: واما التيمم فان أوجبنا فيه الموالاة مطلقا ونوى قطعه فلو
مضى زمان يخرجه عن الموالاة بطل كالوضوء، وان أوجبنا الموالاة فيما إذا كان بدلا عن
الوضوء خاصة دون ما إذا كان بدلا عن الغسل فالأول هو الحكم الأول والثاني هو حكم الغسل
فيبطل فيما بقي لا فيما مضى فلو رجع تممه من غير استيناف.
183

لان الاكل والجماع مثلا مسبوقان بنية فعلهما، فإذا أفسدت النية الصوم صادفا (1)
صوما فاسدا، فلا يتحقق به كفارة. والاجماع على خلافه، الا أن نقول بقول
الشيخ أبى الصلاح الحلبي رحمه الله وقول شيخنا الامام فخر الدين ابن المطهر
رحمه الله من أن ترك النية في الصوم يوجب الكفارة. فان سياق هذا القول يقتضي
أن نية المنافي أو نية الخروج توجبان الكفارة، اما لمجردهما أو بشرط انضمام
المنافي إليهما. الا أنه يلزم من الأول ارتكاب وجوب كفارتين بالجماع إحداهما
على نيته والأخرى على فعله، ولم يقل به أحد من العلماء.
(الخامسة عشر) يمكن اجتماع نية عبادة في أثناء أخرى، كنية الزكاة والصيام
في أثناء الصلاة. وقد تضمن الكتاب العزيز إيتاء الزكاة في حال الركوع على
ما دل عليه النقل من تصدق علي عليه السلام بخاتمه في ركوعه فأنزلت فيه الآية (2).
أما لو كانت العبادة الثانية منافية (3) للأولى - كما لو نوى في أثناء الصلاة
طوافا - فهو كنية القطع، ولو نوى (4) المسافر في أثناء الصلاة المقام وجب الاتمام
ولا يكون ذلك تغييرا مفسدا. والسر فيه أن النية السابقة اشتملت على أبعاض
الصلاة والمنافي (5) كالمكرر، فلا يقدح عدم تقدم نيته. على أن الملتزم أن يلتزم
بوجوب النية لما زاد على المقدار المنوي أولا، ولا استبعاد فيه وان لم يصاحبه
تكبيرة الاحرام، لانعقاد أصل الصلاة بها.
ولو نوى المقيم في أثناء الصلاة السفر قبل أن يصلي على التمام ففي جواز

(1) في ك: صادف.
(2) وهي " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون " سورة المائدة: 55.
(3) في ص وهامش ك: مباينة.
(4) في ك: أو نوى.
(5) في ك والقواعد: والباقي.
184

رجوعه إلى القصر ثلاثة أوجه، ثالثها الفرق بين من تجاوز التقصير وبين من لم
يتجاوز. وهنا لا قادح، لعدم زيادة شئ عن العبادة إنما هو حذف شئ منها.
نعم وجه الاتمام قوي، لقولهم صلى الله عليهم " الصلاة على ما افتتحت عليه "،
ولوجوب اتمام العبادة الواجبة بالشروع فيها.
(السادسة عشر) العدول من الصلاة المعينة إلى صلاة أخرى أو من الصوم
فريضة إلى الصوم نافلة أو بالعكس ليس من باب نية فعل المنافي، إذ لا تغير
فاحشا فيه. وكذا في العدول من نسك إلى آخر ومن نسك التمتع إلى قسيميه
وبالعكس.
ويجب في هذه المواضع احداث نية العدول إليه، ويحرم التلفظ بها في
أثناء الصلاة، فلو فعله بطل، بخلاف باقي العبادات. أما التلفظ بها في أول الصلاة
فإنه جائز ولكن الأولى تركه، لان مسمى النية هو الإرادة القلبية وهو حاصل،
فلا معنى للتلفظ. ولان السلف لم يؤثر عنهم ذلك.
ومن زعم استحباب التلفظ ليجمع بين التعبد بالقلب وباللسان، فقد أبعد،
لأنا نمنع كون اللفظ باللسان عبادة وليس النزاع الا فيه.
(السابعة عشر) اقتران عبادتين في نية واحدة جائز إذا لم يتنافيا، فتارة تكون
إحداهما منفكة عن الأخرى كنية دفع الزكاة والخمس، وتارة مصاحبة لها كنية
الصوم والاعتكاف أو تابعة لها. وتتحقق التبعية في أمور:
منها - لو نوى النظافة في الأغسال المسنونة، فان النظافة تابعة للغسل على
وجه التقرب، بل هي المقصود من شرعية الغسل.
ومنها - نية تحسين القراءة في الصلاة، ونية تحسين الركوع والسجود ليقتدى
به لا لاستجلاب نفع ولا لدفع ضرر.
185

ومنها - أن يزيد الامام في ركوعه انتظارا للمسبوق ليفيده ثواب الجماعة
ويستفيد الامام زيادة عدد الجماعة المقتضي لزيادة الثواب، فإنه إعانة للمأموم
على الطاعة، والإعانة على الطاعة طاعة، لان وسيلة الشئ يلحق به حكمه.
وتوهم بعض العامة منعه، لأنه شرك في العبادة. وهو مدفوع بما قررناه،
ولأنه لو كان شركا في العبادة لكان لاحقا بالاذان والإقامة والامر بالمعروف بل
بتعليم العلوم، وليس كذلك بالاجماع.
ومنها - رفع الامام صوته بالقراءة في الجهرية ليسمعه المأموم، ورفع الخطيب
صوته في الخطبة، ورفع القاري صوته بالقراءة وتحسينه لاستجلاب الاسماع (1)
المستتبع للطف (2) لا لاستجلاب التعظيم ودفع الضرر.
ومنها - إذا وجد منفردا يصلي استحب له أن يؤمه أو يأتم به، لقوله صلى
الله عليه وآله وسلم وقد رأى رجلا يصلي منفردا: من يتصدق على هذا. فقام
رجل فصلى خلفه.
(الثامنة عشر) لا يجب عندنا النفل بالشروع فيه الا الحج والاعتمار، وفي
الاعتكاف للأصحاب ثلاثة أوجه: الوجوب بالشروع فيه، والوجوب بمضي
يومين، وعدم الوجوب. وأوسطها وسطها.
نعم يكره قطع العبادة المندوبة بالشروع فيها، وتتأكد الكراهية في الصلاة
وفي الصوم بعد الزوال.
(التاسعة عشر) جوز بعض الأصحاب الابهام في نية الزكاة بالنسبة إلى
خصوصيات الأموال، فلو وجب عليه شاة في الغنم وشاة في الإبل ونوى اخراج

(1) في ص والقواعد: الاستماع.
(2) في القواعد: للطف.
186

شاة برئت الذمة وان لم يعين إحداها. نعم يشترط قصد الزكاة المالية. ولا يخلو
من اشكال، لان البراءة ان نسبت إلى أحد المالين بعينه فهو تحكم بغير دليل،
وان نسبت إليهما بمعنى التوزيع (1) فهو غير منوي وإنما لكل امرئ ما نوى.
وتظهر الفائدة فيما لو تلف أحد النصابين قبل التمكن من الدفع بعد أن
دفع عن الأول.
فان قلت: كيف يتصور عدم التمكن وقد كان يمكنه دفع الشاتين إلى من
دفع إليه إحداهما.
قلت: يتصور ذلك في ابن السبيل لا يعوزه الا شاة وشبهه، وأما الابهام
في العتق عن الكفارة ففيه خلاف مشهور، والأقرب المنع سواء اتحدت الكفارة
جنسا أو اختلفت.
وأما الابهام في النسك فقد صرح الأصحاب بمنعه، حيث يكون المكلف
مخاطبا بأحدهما، كالحج والعمرة لو لم يجب عليه أحدهما والزمان غير صالح
للحج وجبت العمرة، وان صلح لهما - كأشهر الحج ففيه وجهان التخيير
والبطلان، لعدم التميز الذي هو ركن في النية.
(العشرون) روى عن النبي " ص " ان نية المؤمن خير من عمله (2). وربما
روي: ونية الكافر شر من عمله (2).
فورد سؤالان:
أحدهما: أنه روي أن أفضل العبادة (3) أحمزها. ولا ريب أن العمل أحمز

(1) في ص: تعين التوزيع.
(2) المحاسن: 206، الكافي 2 / 84، وسائل الشيعة 1 / 35. في المحاسن: نية
الفاجر شر من عمله.
(3) في ص: الأعمال.
187

من النية فكيف يكون مفضولا. وروي أيضا ان المؤمن إذا هم بحسنة كتبت
بواحدة وإذا فعلها كتبت عشرا (1) وهذا صريح في أن العمل أفضل من النية وخير.
السؤال الثاني: انه روي أن النية المجردة لا عقاب فيها، فكيف يكون شرا
من العمل.
وأجيب بوجوه:
الأول - ان النية يمكن فيها الدوام بخلاف العمل فإنه يتعطل عنه المكلف
أحيانا، فإذا نسبت هذه النية الدائمة إلى العمل المنقطع كانت خيرا منه، وكذا
نقول في نية الكافر.
الثاني - ان النية لا يكاد يدخلها الرياء ولا العجب، لأنا نتكلم على تقدير
النية المعتبرة شرعا، بخلاف العمل فإنه يعرضه ذينك (2). ويرد على هذا أن العمل
وإن كان معرضا لهما الا أن المراد به العمل الخالي عنهما والا لم يقع تفضيل.
الثالث - ان المؤمن يراد به الخاص، أي المؤمن المغمور بمعاشرة أهل
الخلاف، فان غالب أفعاله جارية على التقية ومداراة أهل الباطل، وهذه الأفعال
المفعولة تقية منها ما يقطع فيه بالثواب كالعبادات الواجبة ومنها ما لا ثواب فيه ولا
عقاب كالباقي. وأما نيته فإنها خالية عن التقية، وهو وان أظهر موافقتهم بأركانه
ونطق بها بلسانه الا أنه غير معتقد لها بجنانه بل آب عنها ونافر منها. والى هذا
الا شارة بقول أبي عبد الله الصادق عليه السلام وقد سأله أبو عمرو الشامي عن الغزو
مع غير الإمام العادل: ان الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة (3) وروي مرفوعا

(1) الكافي 2 / 428.
(2) في هامش ك: ذانك.
(3) المحاسن: 208، الوسائل 1 / 34. رواه عن أبي عروة السلمي عن أبي عبد الله
عليه السلام.
188

عن النبي صلى الله عليه وآله. قال شيخنا وهذه الثلاثة من السوانح (1).
الرابع - ما قاله بعض العلماء أن خلود المؤمن في الجنة إنما هو بنيته أنه
لو عاش أبدا لا طاع الله أبدا، وخلود الكافر في النار بنيته أنه لو بقي أبدا لكفر أبدا.
الخامس - ما حكاه المرتضى رحمه الله أن المراد أن نية المؤمن بغير عمل
خير من عمله بغير نية. وأجاب عنه بأن أفعل التفضيل يقتضي المشاركة، والعمل
بغير نية لا خير فيه فكيف يكون داخلا في باب التفضيل، ولهذا لا يقال " العسل
أحلى من الخل ".
السادس - أنه عام مخصوص أو مطلق مقيد، أي نية بعض الأعمال الكبار
كنية الجهاد خير من بعض الأعمال الخفيفة كتسبيحة أو تحميدة أو قراءة آية،
لما في تلك النية من تحمل النفس المشقة الشديدة والتعرض للغم والهم الذي
لا يوازيه تلك الأفعال. وبمعناه قال المرتضى نضر الله وجهه، قال: واتى بذلك
لئلا يظن (2) أن ثواب النية لا يجوز أن يساوي أو يزيد على ثواب بعض الأعمال.
ثم أجاب بأنه خلاف الظاهر، لان فيه ادخال زيادة ليست في الظاهر. قال شيخنا
المصنف: المصير إلى خلاف الظاهر متعين عند وجود ما يصرف (3) اللفظ إليه
وهو هنا حاصل، وهو معارضة الخبرين السالفين، فيجعل ذلك جمعا بين هذا
الخبر وبينهما.
السابع - للمرتضى أيضا أن النية لا يراد بها التي مع العمل، والمفضل
عليه هو العمل الخالي من النية. وهذا الجواب يرد عليه النقض السالف مع
أنه قد ذكره كما حكيناه عنه.

(1) أي قال شيخنا الشهيد: هذه الثلاثة من عوارض فكري.
(2) أي اتى بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لئلا يظن.
(3) وكذا في القواعد. وفي ص: عند وجود ما لا يصرف.
189

الثامن - له أيضا أن لفظه " خير " ليست التي بمعنى أفعل التفضيل، بل
التي هي موضوعة لما فيه منفعة، ويكون معنى الكلام أن نية المؤمن من جملة
الخير من أعماله، حتى لا يقدر مقدر أن النية لا يدخلها الخير والشر كما يدخل
ذلك في الأعمال. وحكي عن بعض الوزراء استحسانه، لأنه لا يرد عليه شئ
من الاعتراضات.
التاسع - له أيضا أن لفظة افعل التفضيل قد تكون مجردة عن الترجيح،
كما في قوله تعالى " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا " (1)
وقول المتنبي: أبعد بعدت بياضا لا بياض له * لانت أسود في عيني من الظلم
قال ابن جني: أراد انك أسود من جملة الظلم كما يقال: حر من أحرار
ولئيم من لئام، فيكون الكلام قد تم عند قوله " لانت أسود "، ومثله قول الاخر:
وأبيض من ماء الحديد كأنه * شهاب بدا والليل داج عساكره
كأنه يقول: وأبيض كائن من ماء الحديد. وقول الاخر:
يا ليتني مثلك في البياض * أبيض من أخت بنى اباض
أي ابيض من جملة أخت بني اباض ومن عشيرتها.
فان قلت: فقضية هذا الكلام أن يكون في قوة قوله: النية من جملة عمله،
والنية من أفعال القلوب فكيف يكون عملا، لأنه يختص بالعلاج.
قلت: جاز أن يسمى عملا كما جاز أن يسمى فعلا، أو يكون اطلاق العمل
عليه مجازا.

(1) سورة الإسراء: 72.
190

العاشر - ما أجاب به ابن دريد، وهو أن المؤمني ينوي الأشياء من أبواب
الخير كالصدقة والصوم والحج، ولعله يعجز عنها أو عن بعضها، ويؤجر على
ذلك لأنه معقود النية عليه.
الحادي عشر - جواب الغزالي بأن النية سر لا يطلع عليه الا الله تعالى،
وعمل السر أفضل من عمل الظاهر.
الثاني عشر - أن وجه تفضيل النية على العمل أنها تدوم إلى آخره حقيقة
أو حكما، وآخر العمل لا يتصور فيها الدوام بل يتصرم شيئا فشيئا.
الثالث عشر - لشيخنا رحمه الله أن النية لما كانت لا تقف عند حد بل هي
مستمرة بالنسبة إلى جميع الأوقات وجميع الأعمال وجميع التروك فكانت خيرا
من العمل الذي يقع حينا ما، ولهذا قال الصادق عليه السلام: يحشر الناس يوم
القيامة على نياتهم (1)، قال: وهذا أجود الوجوه. والله أعلم.
الرابع عشر - ما خطر لهذا الضعيف، وتقريره: ان العمل مع النية وان
اشتركا في حصول الثواب والفوز برضاء الرب تعالى، لكن العمل بدون نية
كالجهاد الذي لا حراك (2) به، بل كالصورة المنقوشة على الجدار التي لا حقيقة لها،
والنية كالروح السارية في الأعضاء والقوى وكأن كمال العمل بها فكانت أكثر
خيرية. ولا ينافي ذلك حديث " أفضل العبادة أحمزها "، فان حظوظ النفس
وميولها كثيرة لا تكاد تحصر، فحصول النية المشتملة على كمال الاخلاص خالصة
من تلك الحظوظ والميول تفتقر إلى مجاهدات توجب لها الا حمزية فكانت أفضل
فاستحقت اسم الخيرية. وعلى ذلك يخرج جواب: إذا هم بحسنة كتبت له.
الخامس عشر - ما خطر للضعيف أيضا، وتقريره: ان النية لما كانت حقيقتها

(1) المحاسن: 208، الوسائل 1 / 34.
(2) الحراك كسلام: الحركة.
191

كمال الاخلاص كان حصولها يستلزم حصول المعارف الحقيقية، واستحضار
صفات الجمال ونعوت الجلال التي هي كالأسباب لذلك الاخلاص، بخلاف
العمل فكانت أفضل. وخلوصها أيضا عن الشبهات والمعارضات يفتقر أيضا إلى
مجاهدات فكرية توجب لها وصف الا حمزية فكانت أفضل.
السادس عشر - ان النية لما كان لازمة لتعظيم مقام الربوبية وشكر انعامه
وكانت من لوازم الايمان الذي هو واجب الدوام والبقاء ببقاء النفس الانسانية
ويستحيل تطرق النسخ والتغيير إليه فحكمها حكمه، بخلاف العمل الذي يجوز
تغيره ونسخه فكانت أفضل. وهذا أيضا من خواطر الضعيف.
(الحادية والعشرون) يعتبر مقارنة النية لأول العمل، فما سبق منه لا يعتد به.
وان سبقت النية سميت عزما، وهو غير معتد به أيضا على الاطلاق الاعلى القول
بجواز تقديم نية شهر رمضان عليه.
وقد اغتفرت المقارنة في الصيام، فجاز تقديمها وتوسطها كما جاز مقارنتها
وإن كان فعلها في النهار إنما جاء في مواضع الضرورة كنسيان النية، أو عدم
العلم بتعلق التكليف بذلك اليوم، أو عدم حصول شرط الكمال عند طلوع
فجره. ثم إذا وقعت مؤثرة في صحة الصوم استفاد ثوابه بأجمعه، سواء فعلها
بعد الزوال إذا جوزناه في الندب أو قبله.
وان وقعت على سبيل التمرين كنية الصبي المميز استحق آمره الثواب
واستحق هو العوض، وان وقعت على طريق التأديب كنية الكافر والمجنون
والمغمى عليه والصبي بزوال أعذارهم في أثناء النهار استحق ثوابا على ذلك
العمل وان لم يسم صوما.
(الثانية والعشرون) ينبغي المحافظة على النية في كبير الأعمال وصغيرها،
ويجب إذا كان واجبة فينوي عند قراءة القرآن العزيز قراءته وتدبره وسماعه
192

واستماعه وحفظه وتجويده وترتيله، وغير ذلك من الغايات المجتمعة فيه.
وينوي للسعي إلى مجلس العلم والحضور فيه ودخول المسجد والاستماع
والسؤال والتفهم والتفهيم والتعلم والتعليم والتسبيح والفكر والصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله وسلم والرضا عن الصحابة والتابعين والترحم على العلماء
والمؤمنين.
ولعيادة المريض والجلوس عنده والدعاء له، وزيارة الاخوان والسلام عليهم
ورد السلام، وحضور الجنائز وزيارة المقابر والسعي في حاجة أخيه وفي حاجة
عياله والنفقة عليهم والدخول إليهم.
وينوي عند الضيافة وإجابة السؤال في الضيافة.
بل ينوي عند المباحات كالأكل والشرب والنوم قاصدا حفظ نفسه إلى
الحال الذي ضمن له من الأجل وقاصدا التقوي على عبادة الله تعالى، والمؤمن
التقي خليق بأن يصرف جميع أعماله إلى الطاعة، فان الوسيلة إلى الطاعة طاعة
وكل ذلك يحصل بالنية.
وينوي عند المباضعة والمقدمات التحصن والتحصين وحصول الألفة
المقتضية للمودة والرحمة والتعرض للنسل.
والضابط في ذلك كله إرادة الطاعة الواجبة أو المستحبة تقربا إلى الله تعالى
عند بعض العلماء لو قال في أول نهاره " اللهم ما عملت في يومي هذا من خير فهو
لابتغاء وجهك، وما تركت فيه من شر فتركه لنهيك " عدناويا، وان ذهل عن النية
في بعض الأعمال أو التروك وكذا يقول في أول ليلته.
ويجزي نية أعمال متصلة في أولها، ولا يحتاج إلى تجديد نية لافرادها، وإن كان
كل واحد منها مباينا لصاحبه، كالتعقيب الواقع بعد [الفرض] (1).

(1) ليس في ص، وفي هامش القواعد بدله ب‍ " الصلاة ".
193

(الثالثة وعشرون) ينبغي للثاقب البصيرة (1) في الخيرات أن يستحضر الوجوه
الحاصلة في العمل الواحد ويقصد قصدها بأجمعها لينفرد كل واحد منها بنفسه
وتصير حسنة مستقلة أجرها عشرا إلى أضعاف كثيرة وبحسب التوقيف تتكثر تلك
الوجوه، مثاله: الجلوس في المسجد، فإنه يمكن اشتماله على نحو من عشرين
وجها لأنه في نفسه طاعة، وهو بيت الله وداخله زائر الله، ومنتظر للصلاة
ومشغول بالذكر والتلاوة أو سماع العلم، ومشغول عن المعاصي، والمباحات
والمكروهات بكونه فيه، والتأهب بكف السمع والبصر والأعضاء عن الحركات
في غير طاعة الله تعالى، وعلوق (2) الهمة على الله ولزوم الفكر في أمر الآخرة
حيث يسكت عن الذكر، وإفادة العلم واستفادته والمجالسة لأهله والاستماع له
ومحبته ومحبة أهله، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمكروه.
وقد نبه على ذلك كلام أمير المؤمنين عليه السلام: من اختلف إلى المساجد
أصاب إحدى الثماني: أخا مستفادا في الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو
رحمة منتظرة، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو كلمة ترده عن ردى، أو يترك
ذنبا خشية أو حياء (3).
فإذا استحضر العارف هذه الأمور اجمالا أو تفصيلا وقصدها تعدد بذلك
عمله فتضاعف جزاؤه فبلغ بذلك أعمال المتقين وتصاعد في درجات المقربين
وعلى ذلك يحمل أشباهه من الطاعات.

(1) التاء للمبالغة، أي الماضي في الخيرات البصير عين قلبه لمشاهدة الحقائق.
(2) في هامش ك: عكوف الهم.
(3) الفقيه 1 / 153 وفيه تقديم وتأخير في جملة " أو يسمع.. " و " أو كلمة ترده.. ".
194

تنبيه (1):
ينبغي أن ينوي في الأشياء المحتملة الوجوب كتلاوة القرآن، إذ حفظه
واجب على الكفاية. وربما يعين على الحافظ له حذرا من النسيان، وكطلب
العلم فإنه فريضة على كل مسلم، وكالامر بالمعروف وان قام غيره مقامه. وبالجملة
فروض الكفايات كلها.
وتجب نية الوجوب حيث يتعين عليه، وفي ترك الحرام ينوي الوجوب
وفي فعل المستحب وترك المكروه ينوي الندب. والله الموفق.
(الرابعة والعشرون) لما كانت الافعال تقع على وجوه واعتبارات أمكن أن
يكون الفعل الواحد واجبا وندبا وحراما ومباحا على البدل، وإنما يتخصص
ذلك بالنية، كضربة اليتيم فإنها تجب في تعزيره وتستحب في تأديبه وتحرم
لاهانته، وكالاكل فإنه مباح بالنظر إلى ماهيته ومستحب أو واجب أحيانا.
وكالتطيب والجماع فإنهما من حظوظ النفس، وقد ورد في فضائل الأعمال
لهما ثواب كثير، ما ذاك الا بحسب النية، فلا يقصد المباضع والمتطيب بذلك
ابقاء حظ النفس بل حق الله في ذلك. ولا فرق في حظ النفس أن يقصد بذلك
مجرد اللذة والتنعم أو اظهار التجمل بالطيب واللباس للتفاخر والرياء واستجلاب
المعاملين، بل إذا تطيبت لغير الزوج فعلت حراما فاحشا، وكذلك إذا خرجت
متطيبة للتعرض للفجور أو مقدماته، أو قصد الرجل بذلك التردد إلى النساء
المحرمات، فكل ما فيه حظ النفس يتصور فيه الأحكام الخمسة غالبا ولا ينصرف
إلى أحدها الا بالنية.
ومن الخسران المبين أن يجعل المباح حراما فكيف الواجب والمستحب،

(1) كذا في نسختين وفي القواعد: الفائدة الخامسة والعشرون.
195

بل معدود (1) من الخسران صرف الزمان في المباح وان قل، لأنه ينقص من
الثواب ويخفض من الدرجات.
وناهيك خسرانا بأن يتعجل ما يفنى (2) ويخسر زيادة نعيم يبقى، فمن حق
المتطيب يوم الجمعة أن يقصد (3) أمورا:
الأول التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم الصلاة
والسلام.
الثاني اكرام الملائكة الكاتبين.
الثالث تعظيم المسجد واحترام ملائكته.
الرابع ترويح مجاوريه في الجلوس في المسجد.
الخامس رفع ما عساه يعرض من رائحة كريهة في نفسه وغيره.
السادس حسم باب الغيبة عن المغتابين لو نسبوه إلى الرائحة الكريهة،
فالمتعرض للغيبة كالشريك فيها، قال الله تعالى " ولا تسبوا الذين يدعون من دون
الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " (4).
السابع زيادة العقل بالطيب، كما جاء في الاخبار " من تطيب في أول
نهاره صائما لم يفقد عقله ".
تنبيه:
لا تظن أن النية هي التلفظ بقولك " أجلس في هذا المسجد أو اسمع (5)

(1) في ص: بل تعدد.
(2) في ص: ما ينفي.
(3) في ص: ان يعد أمورا.
(4) سورة الأنعام: 108.
(5) في ص " استمع " بصيغة المتكلم الوحدة.
196

العلم أو أدرسه تقربا إلى الله تعالى "، فان ذلك لا عبرة به، بل المراد الهمة على
ذلك وبعث النفس وتوجهها وميلها إلى تحصيل ما فيه ثواب عاجل أو آجل
تلفظ بذلك أولا، ولو قدر تلفظه بذلك والوجه (1) غيره فهو لغو.
(الخامسة والعشرون) يجب التحرز من الرياء فإنه يلحق العمل بالمعاصي.
وهو قسمان جلي وخفي، والجلي ظاهر، والخفي إنما يطلع عليه أو لو المكاشفة
والمعاملة لله، كما يروى عن بعضهم أنه طلب الغزو وتاقت (2) نفسه إليه فتفقدها فإذا
هو يحب المدح بقولهم " فلان غاز " فتركه، فتاقت نفسه إليه فأقبل يعرض على
ذلك الرياء حتى أزاله، ولم يزل يتفقدها شيئا فشئ (بعد شئ) حتى وجد الاخلاص
مع بقاء الانبعاث، فاتهم نفسه وتفقد أحوالها فإذا هو أن يقال " مات فلان
شهيدا " لتحسن سمعته في الناس بعد موته.
وقد يكون ابتداء النية اخلاصا، وفي الأثناء يحصل الرياء فيجب التحرز منه،
فإنه مفسد للعمل.
لا يكلف بضبط هواجس النفس وخواطرها بعد ايقاع النية في الابتداء
خالصة، فان ذلك معفو عنه كما جاء في الحديث: ان الله تجاوز لامتي عما حدثت
به أنفسها (3).
وهنا تذنيبات (4) ثلاثة:
(الأول) ذهب بعض العامة إلى أن كل عبادة لا تلتبس بعبادة لا تفتقر إلى النية،

(1) في ص والقواعد: والهمة.
(2) تاقت نفسه إلى الشئ أي اشتاقت ونازعت إليه، ونفس تائقة وتواقة أي مشتاقة.
(3) أخرجه في البحار 72 / 128، ط الكمباني 15 / 224. ورواه عن تفسير الرازي
في تفسير الآية: 285 و 286 من سورة البقرة، عن ابن عباس. راجعنا التفسير ولم نجده هناك.
(4) في ص: تنبيهات.
197

كالايمان بالله ورسله واليوم الآخر والتعظيم والاجلال لله والخوف والرجاء
والتوكل والحياء والمحبة والمهابة، فإنها متميزة في أنفسها بصورها التي
لا يشاركها فيها غيرها.
وألحق بذلك الأذكار كلها والثناء على الله عز وجل بما لا يشاركه فيه غيره
والاذان والإقامة وتلاوة القرآن
وهذا بالاعراض عنه حقيق، فان أكثر هذه يمكن صدورها على وجه الرياء
والعبث والسهو والنسيان، فلا تتخصص بالعبادة الا بالنية. اما الايمان المذكور
فإنه لا يقع الا على وجه واحد فلم تجب فيه النية.
على أن استحضار أدلة الايمان في كل وقت يمكن أن يتصور فيه النية، وكذا
في عقد القلب على ذلك والاستدامة عليه، وقد جاء في الحديث: جددوا اسلامكم
بقول " لا إله إلا الله " (1).
(الثاني) اعتبر بعض الأصحاب النية في الاعتداد استخراجا من أن مبدأ العدة
في الوفاة من حين علم الزوجة لا من حين موته، وبعضهم جعل العلة في ذلك
الاحداد. وربما رجح الأول بأن المرأة قد توجد صورة الاحداد في هذه المدة
مع أنه غير كاف، مع أن باقي العدد لا يشترط فيها القصد، فان المطلقة تعتد من
حين الطلاق وان تأخر الخبر، وكذلك المنكوحة بالفاسد إذا لحقه الوطي
ووطئت بالشبهة.
وقد قيل: إن مبدأ عدة الشبهة لامن آخر وطئ بل من حين (2) الخلاء بها. وهذا
يمكن استناده إلى اعتبار النية والى أنها في الظاهر عصمة نكاح فلا يجامع العدة.

(1) الجامع الصغير: 143، عن مسند أحمد وفيه: جددوا ايمانكم أكثروا من قول
لا إله إلا الله.
(2) في ص: بل من انجلائها.
198

(الثالث) الأصل أن النية فعل المكلف ولا أثر لنية غيره.
وتجوز النية من غير المباشر في الصبي غير المميز والمجنون إذا حج
بهما الولي.
وقد تؤثر نية الانسان في فعل غير المكلف، وله صور:
1 - أخذ الامام الزكاة قهرا من الممتنع، فيمتنع أن تعرى عن النية، فيمكن
أن يقال: تجب النية من الامام وإن كان الدافع المكلف.
2 - إذا أخذ من المماطل قهرا، فإنه يملك ما أخذه إذا نوى المقاصة.
وحينئذ لو كان له على مماطل دينان فالتعيين يفوض إلى الاخذ، فلو أخبر المقهور
أنه نوى فالأقرب سماعه وترجحه على نية القابض.
3 - إذا استحلف الغريم وكان الحالف مبطلا فان النية نية المدعي، فلا
يخرج الحالف بالتورية به عن اثم الكذب ووبال اليمين الكاذبة.
الثانية (1):
الواجب أفضل من الندب غالبا، لاختصاصه بمصلحة زائدة ولقوله في
الحديث القدسي " ما يقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ".
وقد يتخلف ذلك في صور:
(الأولى) الابراء من الدين ندب وانظار المعسر واجب.
(الثانية) إعادة المنفرد صلاته جماعة، فان الجماعة مطلقا تفضل صلاة الفرد
بسبع وعشرين درجة، وصلاة الجماعة مستحبة مع أنها أفضل من السابقة وهي
واجبة.

(1) أي القاعدة الثانية من المرصد الأول من المقصد الأول من القطب الثاني.
199

(الثالثة) الصلاة في الأماكن الشريفة، فإنها مستحبة وهي أفضل من غيرها
من مائة ألف إلى اثني عشر صلاة.
(الرابعة) الصلاة بالسواك والخشوع مستحبة، ويترك لأجله (سرعة) (1) المبادرة
إلى الجمعة وان فات بعضها مع أنها واجبة، لأنه إذا اشتد سعيه شغله الانتهاز
عن الخشوع.
وكل ذلك في الحقيقة غير معارض لأصل الواجب وزيادته، لاشتماله على
مصلحة أزيد من فعل الواجب لا بذلك القيد.
(وهنا فائدة) قد ظهر أن النافلة وإن كان فيها وجه يترجح به على الفريضة وانه
جاز أن يترتب عليه حكم زائد على الفريضة لكن لا يلزم من ذلك أفضليتها عليها،
لاشتمال الفرائض على مزايا تنغمر تلك المزية في جملتها وليست حاصلة في النوافل.
ومن هذا ترتب تفضيل الأنبياء على الملائكة، وإن كان للملائكة مزية دوام
العبادة بغير فتور، وكما ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله: إذا
أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط - إلى قوله - فإذا أحرم العبد بالصلاة جاءه
الشيطان فيقول له: أذكر كذا أذكر كذا، حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى (2).
مع أن الأذان والإقامة من وسائل الصلاة المستحبة والمقاصد أفضل من الوسائل
خصوصا الواجبة.
الثالثة:
الأغلب أن الثواب في الكثرة والقلة تابع للعمل في الزيادة والنقصان، لان

(1) ليس في ص.
(2) أخرجه البخاري في الصحيح في باب فضل التأذين من أبواب كتاب الاذان.
200

المشقة أصل التكليف المؤدي إلى الثواب ومداره، فكلما عظمت عظم. وقد
تخلف ذلك في صور تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: أمر ان متساويان وثواب أحدهما أكثر كتكبيرة الاحرام مع باقي
التكبيرات، وكذبح الهدي والأضحية وللضعيف، وكالصلاة في مسجدين أحدهما
أكثر جماعة وقربهما والبعد واحد، وكسجدة التلاوة مع سجدة الصلاة،
وكركعتي النافلة مع ركعتي الفريضة. وهو كثير.
الثاني: أمران متفاوتان، والأقل منهما أكثر ثوبا كتسبيح الزهراء عليها السلام
مع اضعافه من التسبيحات، وكالصيام ندبا في الحضر والسفر، وقد ورد في الخبر
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من قتل الوزغة في الضربة الأولى فله مائة
حسنة، ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة (1). قالوا لان الوزغة حيوان ضعيف،
فحمية الدين يقتضي قتلها بضربة واحدة، فإذا لم يحصل دل على ضعف العزم.
فائدة:
تظهر من كلام المرتضى أن قبول العبادة واجزاءها غير متلازمين، فيوجد
الاجزاء من دون القبول ودون العكس. وهو قول بعض العامة، لان المجزي ما
وقع على الوجه المأمور به شرعا وبه يخرج عن العهدة ويبرأ الذمة ويسمى فاعله
مطيعا، والقبول ما يترتب عليه الثواب.
والذي يدل على انفكاكه عنه وجوه:
(الأول) سؤال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام التقبل، مع أنهما لا يفعلان
الا فعلا صحيحا مجزيا.

(1) البحار ط الكمباني 14 / 716، حياة الحيوان 2 / 323.
201

وفيه نظر، لان السؤال قد يكون للواقع كقوله " رب احكم بالحق " (1)، وكذا
الذي بعده " ربنا واجعلنا مسلمين لك " (2) وقد كانا مسلمين.
(الثاني) قوله تعالى " فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاخر " (3) مع أنهما معا
قربا، فلو كان عمل الذي لم يتقبل منه غير صحيح لعلل بعدم الصحة.
وفيه نظر أيضا، لامكان التعبير عن عدم الاجزاء بعدم القبول لأنه غايته.
(الثالث) قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما من أسلم وأحسن في
اسلامه. فإنه يجزي بعمله في الجاهلية والاسلام شرط في الجزاء ان يحسن في
اسلامه، والاحسان هو التقوى.
وفيه نظر، إذ الظاهر أن الاحسان هو العمل بالأوامر على شرائطها وأركانها
وارتفاع موانعها، ونحن نقول به.
(الرابع) قوله " ص " " ان من الصلاة لما تقبل نصفها وثلثها وربعها، وان
منها لما يلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها " (4) مع أنها مجزية
عند الفقهاء الا من شذ من بعض فقهاء العامة والصوفية.
وفيه نظر، لأنه يمكن أن يكون ذلك مع استحقاق الثواب لكنه ناقص،
أما حديث النصف إلى العشر فظاهر، وأما الملفوفة هنا غير المجزية لاشتمالها
على نوع من الخلل.
(الخامس) الناس مجمعون على أن الدعاء بقبوله العمل، فلو كان القبول هو
الاجزاء لم يحسن الا قبل الشروع في العمل، بمعنى تيسر الشرائط والأركان

(1) سورة الأنبياء: 112.
(2) سورة البقرة: 128.
(3) سورة المائدة: 27.
(4) أورد في هذا المعنى أحاديثا في الباب 17 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
202

وارتفاع الموانع وهم يسألون (1) قبل وبعد.
وفيه نظر، لان السؤال قد يكون لزيادة القبول أي زيادة لازمة، أعني الثواب
أو على وجه الانقطاع إلى الله تعالى.
(السادس) قوله تعالى، " إنما يتقبل الله من المتقين " (2) فظاهره أن غير المتقي
لا يتقبل منه، مع أن عبادته مجزية بالاجماع.
وفيه نظر، لان بعض المفسرين قال: يراد من المؤمنين لان الايمان هو التقوى
قال تعالى، وألزمهم كلمة التقوى " (3).
سلمنا لكن المراد من المتقي في ذلك العمل بحيث لا يكون ذلك العمل
على غير التقوى كما يحكى عن الشيخ أبى جعفر مؤمن الطاق أنه مر معه بعض
رؤساء العامة في سوق الكوفة على بائع رمان، فأخذ العامي منه رمانتين اختلاسا
ثم مر على سائل فدفع إليه واحدة ثم التفت إلى أبى جعفر وقال: عملنا سيئتين
وحصلنا عشر حسنات فربحنا ثماني حسنات. فقال له: أخطأت، إنما يتقبل
الله من المتقين (4).
(هداية) كل عبادة أريد بها غير الله تعالى بل ليراه الناس متصفا بها أو ليجلب
نفعا منهم أو يدفع ضررا لامن حيث العبادة فهي الرياء، وأما دفع الضرر بعبادة
التقية فليس برياء، وكذا دافع الضرر بترك الصلاة والصيام.
(الرابعة) وكل عبادة علم سببها وشك في فعلها وجب فعلها ان كانت واجبة
واستحب ان كانت مستحبة، كمن شك في الطهارة بعد تيقن الحدث، وفي فعل

(1) في ص: يسلمون.
(2) سورة المائدة: 27.
(3) سورة الفتح: 26.
(4) الاحتجاج 2 / 129، البحار 47 / 238، عن الصادق صلوات الله عليه.
203

الصلاة ووقتها باق، وفي أداء الزكاة وباقي العبادات ويجزم الناوي بالوجوب
لاستصحاب الوجوب المعلوم.
وكذا لو توقف الخروج عن العهدة على فعل زيادة على الواجب نوى
الوجوب في الجميع، كالصلاة المنسية غير المعلوم عينها، وتكون النية جازمة.
ومنه الصلاة في الثياب الكثيرة المشتبهة بالنجس. وطعن فيه بعض الأفاضل
بأن الناوي غير جازم وصار إلى الصلاة عاريا. وعلى ما قلناه الصلاة في الجميع
بنية الوجوب الجازم.
وظن بعض العامة أن الشك في هذه الصورة سبب في الوجوب. وليس الامر
كما ظن، بل السبب هو ما قيل الشك من المقتضيات للحكم لكن لما توقف الخروج
عن العهدة (1) بالزائد على الواجب وجب، ولو كان الشك سببا للوجوب لا طرد،
فيلزم تحريم الزوجة لو شك في طلاقها ووجوب اجتنابها، ويلزم وجوب مقتضي
السهو لو شك هل عرض له في صلاته سهو، وليس كذلك قطعا.
(الخامسة) قد وقع التعبد المحض في مواضع لا يكاد يهتدى فيها إلى العلة،
كالبدأة بظاهر الذراع وباطنه في الوضوء، وكالجريدة ان لم تعلل بدفع العذاب
ما دامت خضراء، وكرمي الجمرات والنهي عن بيع الطعام حتى يكال أو يوزن
وكونه لا يكتفى به في المكيال لو قلنا به تعبد (2).
واذن الواهب في قبض ما بيد الموهوب في مضي (3) زمان عند الشيخ،
والسرف في استعمال الماء على شاطئ نهر أو بحر فإنه مكروه، ووجوب طلب
المتيمم وان علم عدم الماء، ووجوب امرار الموسى على رأس الأقرع أو

(1) في ص: على العهدة.
(2) في ص: بعد.
(3) في ص: بمضي.
204

استحبابه.
ولا تدخل هذه الصورة تحت قوله صلى الله عليه وآله " إذا أمرتكم
بأمر فأتوا منه بما استطعتم " إذ لم يأت بشئ من المأمور.
ووجوب العدة على المتوفى عنها زوجها مع عدم الدخول، ووجوبها
على الصغيرة واليائسة عند المرتضى رحمه الله ومن تبعه، وعدم اجزاء القيمة في
الكفارة وفي الانعام الزكوية عند بعض الأصحاب مع أن مشروعية الزكاة لسد خلة
الفقراء وهو حاصل بالقيمة، وتحريم الرياء مع اشتماله على المحلصات (1)
الخصوصية يخرج عن التحريم والتفاضل حاصل.
(السادسة) الفعل يوصف بالأداء والقضاء بحسب الوقت المحدود ولا يوصف
به مالا وقت له محدود، فعرف الأداء بأنه ايقاع الفعل في وقته المحدود له شرعا
[والقضاء بأنه الايقاع خارج وقته المحدود له شرعا] (2)).
وأورد أن الواجبات الفورية - كالحسبة والحج ورد المغصوب وانقاذ الغريق
والأمانات الشرعية والوديعة والعارية - إذا طلبتا فان الشرع [قد] (3) حد لها زمانا
للوقوع، فأوله زمان التكليف وآخره الفراغ منها بحسبها في طولها وقصرها،
فيصدق عليها المحدود شرعا مع انتفاء الأداء والقضاء عنها في الوقت وبعده،
وكذلك مقتضى الطلب إذا جعلنا الامر للفور.
والجواب بمنع التحديد هنا، لان المراد بالمحدود ما ضربه الشارع وقتا
مخصوصا للعبادة بحسب المصلحة الباعثة عليه [بحيث] لا يتقدم ولا يتأخر ولا يزيد
ولا ينقص، وما ذكر المصلحة فيه راجعة إلى المأمور، إذ المأمور به لا بحسب

(1) في ك: على المختلطات.
(2) ليس ما بين القوسين في ص.
(3) في ص: فان الشارع.
205

الوقت وهو قابل بالتقدم والتأخر والزيادة والنقصان، فان الحسبة تابعة لوقوع
المنكر أو ترك المعروف في أي وقت اتفق وزمانها يقصر ويطول، والتكليف بالحج
يتبع الاستطاعة وحصول الرفقة.
فان قلت: يلزم أن يكون استدراك رمضان الفائت في سنة الفوات موصوفا
بالأداء، لان الله تعالى جعل له وقتا موسعا محدودا بالرمضان الثاني.
قلت: لما كان يصدق عليه أنه فعل في غير وقته المحدود مع (1) الجملة كان
أداءا، والتحديد بالسنة أمر اقتضاه الأمر الثاني بالقضاء، لا على معنى أنه بعد السنة
يخرج وقته بل بمعنى وجوب المبادرة فيها والا فوقته بحسب الاجزاء مدة العمر
وهذا هو معنى غير المحدود.
فائدتان:
(الأولى) القضاء يطلق على معان خمسة:
أ - بمعنى الفعل والآتيان به، ومنه قوله تعالى " فإذا قضيتم الصلاة " (2) " فإذا
قضيتم مناسككم " (3).
ب - المعنى السابق.
ج - استدراك ما تعين وقته اما بالشروع فيه كالاعتكاف [فيه] أو بوجوبه
فوريا كالحج إذا أفسد (4) فإنه يطلق على المأتي به ثانيا قضاء وان لم ينوبه القضاء.
د - ما وقع مخالفا لبعض الأوضاع المعتبرة فيه، كما يقال فيمن أدرك ركعتين

(1) في ص: في الجملة. وفي هامشه: كان قضاء.
(2) سورة النساء: 103.
(3) سورة البقرة: 200.
(4) في ك: إذا فسد.
206

مع الامام " يقضي ركعتين بعد التسليم ". ولو حمل هذا على المعنى الأول أمكن
ولكن إنما يتأتى على الرواية المتضمنة لصيرورة (1) آخر الصلاة أولها بحيث يأتي
بالركعتين الأخيرتين من العشاء الآخرة جهرا، فان وضع الشريعة أن يكون الجهر
قبل الاخفات، وكما يقال في السجدة والتشهد تقضى بعد التسليم.
ه‍ - ما كان بصورة القضاء المصطلح عليه في أنه يفعل بعد خروج الوقت
المحدود، ومنه قولهم في الجمعة تقضى ظهرا. وهو أولى من حمله على المعنى
الأول، لان الأول لغوي محض وأما هذا ففيه مناسبة للمعنى الشرعي، وخصوصا
عند من قال الجمعة ظهر مقصورة (2).
(الثانية) لا يجتمع الأداء والاثم فيه، وما ورد من أن تأخير الصلاة إلى
آخر الوقت إنما يجوز لذوي الاعذار فيأثم غيره (3). محمول على التغليظ، وكذا
ما ورد أن أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله (4). ولو سلم يمنع الاثم.
(السابعة) الاخلال بالفعل لا يستعقب القضاء الا بأمر جديد، وقد نص على
قضاء عبادات واستدراكها، ولكن يعرض ما يمنع من وجوبه في صور، كمن
فاته شهر رمضان لمرض استمر به إلى رمضان آخر فإنه لا قضاء عليه، وكذا الشيخان
العاجز ان وذو العطاش، وكذا من نذر أن يصلي جميع الصلوات في أول أوقاتها
فإنه لو أخل به ثم صلى في آخر الوقت سقط القضاء.
ومن نذر صوم الدهر وفاته شئ منه لا يقضي لعدم زمانه، ولكن قيل
يفدي عنه.

(1) في ص وهامش ك: لضرورة.
(2) في ص: مقصودة.
(3) راجع باب مواقيت الصلاة من الكافي والتهذيب والفقيه وغيرها من كتب الأحاديث.
(4) الفقيه 1 / 140.
207

وكذا من نذر الحج كل عام وفاته عام فإنه لا يقضي، ويمكن وجوب الاستيجار
وإذا دخل مكة بغير احرام ناسيا أو متعمدا فان الظاهر أنه لا يجب عليه التدارك،
ولو وجب فليس قضاء للأول بل هو واجب مستقل لأجل كونه الان خارج الحرم.
ولو نذر أن يتصدق بما فضل عن قوته كل يوم ثم فضلت فضلة فأتلفها فكل
ما فضل بعدها في الأيام المستقبلة واجب عن يومه لا عن الغرم، فإذا لم يكن له
مال فات التدارك.
ولو نذر أن يعتق كل عبد يملكه فملك ولما يعتق حتى مات ففي وجوب
الاعتاق نظر، لأنهم انتقلوا إلى الوارث. الا أن يقال تعلق بهم وجوب العتق
فلا يجري فيهم الإرث الا مع الحجر كالمرهون وتركة المديون.
ومما لا يستدرك نفقة القريب وان قدرها الحاكم، وهذا داخل في القاعدة.
وكذا زكاة الفطرة إذا قلنا بعدم نقصانها، وكذلك الجمعة والعيدان.
المرصد الثاني
وهو قسمان:
الأول - في العبادات المشهورة
وهي أنواع:
(الأول - الطهارة)
قاعدة:
الاستجمار رخصة، وهو أمر خارج عن إزالة النجاسة المعتبرة ولكن اكتفى
208

الشارع به تخفيفا لعموم البلوى، فلا بد فيه من النقاء وعدد الأحجار جمعا بين
النص والمعنى.
والعامة اضطربوا هنا: فمنهم من رأى هذا دالا عفى العفو فجوز ترك
الاستجمار ثم عداه إلى كل نجاسة بقدر الدرهم إذ هو مقدار المسربة (1) غالبا،
ومنهم من اعتبر النقاء ولو بواحد نظرا إلى المعنى ولم يعد الحكم إلى غيره،
ومنهم من حمل على النص واعتبر التعدد لا النقاء.
وإذا اعتبرنا النص فالمراد بالحجر المسحة فيجزي ذو الوجوه. والمأخذ
ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله حمل إليه حجران وروثة فألقى الروثة
واستعمل الحجرين (2). فان الظاهر أنه استعمل وجهي أحدهما.
قاعدة:
ألحق بعض العامة إزالة النجاسة بالماء بالرخص. قال: لأن الماء إن كان
قليلا فالجزء الذي يلاقي النجاسة ينجس ثم ينجس المجاور له ثم المجاور له حتى
ينجس جميع ما في الآنية التي يصيب (3) بها كل جزء من الماء الكثير، لو كان ماء
البحر فإنه منفصل في الحقيقة وإن كان متصلا في الحس، فإذا لاقته نجاسة ينجس
ذلك الجزء فينجس ما يجاوره وهلم جرا فحينئذ إزالة النجاسة من باب الرخص
والغرض بها إنما هو زوال الأعيان عن الحس.

(1) المسربة: بفتح الميم وسكون السين وفتح الراء: مجرى الغائط ومخرجه سميت
بذلك لانسراب الخارج منها فهي اسم للموضع.
(2) صحيح البخاري: باب الاستنجاء بالحجارة من أبواب الوضوء.
(3) في ص: التي يصب بل كل جزء.
209

وهذا الالحاق باطل، لأن الطهارة والنجاسة حكمان شرعيان، وقد جعل
الشارع للنجاسة علامات خاصة كالتغير في الكثير واستواء السطح أو علو النجاسة
في القليل، فلا يحكم بالنجاسة بدون ما نصبه الشارع أمارة لها.
قاعدة:
النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة والأغذية للاستقذار وللتوصل إلى الفرار
[فبالاستقذار تخرج السموم والأغذية الممرضة وبالتوصل إلى الفرار] (1) ليدخل
الخمر والعصير فإنهما غير مستقذرين.
وكل عين يحكم بنجاستها يزيد ابعادا من النفس، لأنها مطلوبة بالفرار عنها
وبالنجاسة يزداد الفرار، وحينئذ يبقى ذكر الأغذية مستدركا، الا أن يذكر
لزيادة البيان ولبيان موضوع التحريم، فان في الصلاة تنبيها على الطواف ودخول
المسجد، وفي الأغذية تنبيها على الأشربة.
ويقابلها الطاهر، وهو ما أبيح ملابسته في الصلاة اختيارا، فحينئذ مرجع
النجاسة إلى التحريم ومرجع الطهارة إلى الإباحة، وهما حكمان شرعيان.
والحق أن عين النجاسة والطاهر ليسا حكما وإنما هما متعلقا الحكم من
حيث استعمال المكلف، [فموضوع الحكم هو فعل المكلف] (2) في النجس
والطاهر.
وربما قيل: النجاسة معنى قائم بالجسم يوجب اجتنابه في الصلاة والتناول
لعينه، وفيه تنبيه على أن الجسم من حيث [هو] جسم لا يكون نجسا والا لعمت

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
(2) ما بين القوسين ليس في ص.
210

النجاسة كل الأجسام، بل معنى قائم به من قذارة أو ابعاد عن الحرام.
وقوله " لعينه " احتراز عن الأعيان المغصوبة، فإنه يجب اجتنابها في الصلاة
لكن [لا] لعينها بل باعتبار تعلق حق الغير بها.
وعطف التناول تحقيقا للخاصة، لان لقائل أن يقول: أكثر محرمات الصلاة
حرمت لعينها، كالكلام والحدث والفعل الكثير والاستدبار، فيكون الحد غير
مطرد. الا أن هذه لا تحرم في التناول أكلا وشربا، وذكر هما أيضا لبيان محل
ايجاب الاجتناب.
قاعدة:
كل الأجسام على الطهارة الا العشرة المشهورة، وكل الحيوان على الطهارة
الا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما والكافر، ووكل الميتات على
النجاسة الا ما لا نفس له كالسمك والجراد والجنين بذكاة أمه، وأما الصيد المقتول
بمحدد وكلب معلم فذكي، وكذا المجروح من الحيوان لاستعصابه وترديه
[ولو في غير موضع الذكاة. وكل الحيوانات تقبل التذكية الا النجس منها
عينا والآدمي] (1) والحشرات، وقيل يقع على الحشرات الذكاة.
قاعدة:
كل النجاسة مانعة من صحة الصلاة الا في مواضع ما لا تتم الصلاة فيه
وحده ودون الدرهم البغلي عن الدم وثوب المربية للصبي والجروح والقروح
الدائمة (2) وعند تعذر ازالتها عن البدن وكذا عن الثوب إذا اضطر إلى لبسه

(1) ليس ما بين القوسين في ص.
(2) في هامش ك: الدامية.
211

وكذا لو لم يضطر على قول التخيير بينه وبين العرى وإذا جهلها ولم يعلم حتى
خرج الوقت، وقيل لا يعيد مطلقا وإذا نسيها وخرج الوقت [وآثار] الاستجمار
ان حكمنا بنجاستها.
قاعدة:
الحدث هو المانع من الصلاة المرتفع بالطهارة، ويطلق على نفس السبب
الموجب للوضوء.
والمراد بقولهم " ينوي رفع الحدث " هو المعنى الأول، لان الأول واقع
والواقع لا يرتفع، والمانع وإن كان واقعا الا أن المقصود [بالرفع] منع
استمراره (1)، كما أن عقد النكاح يرفع استمرار منع الوطي في الأجنبية.
وهذا يبين قوة قول من قال برفع التيمم الحدث، لان المنع متعلق بالمكلف
وقد استباح الصلاة بالتيمم اجماعا والحدث مانع من الصلاة اجماعا.
وقوله عليه السلام لحسان لما تيمم وصلى بالناس: أصليت بأصحابك وأنت
جنب؟ لاستعلام فقهه، كما قال " ص " لمعاذ: بم تحكم؟
وأما وجوب استعمال الماء عند تمكنه منه فلان القائل بأنه يرفع الحدث
يغييه به كما يغييه (2) بطريان حدث.
قاعدة:
حكم الحدث متعلق بالمكلف، لان الحدث هو المنع الشرعي، فلا يتعلق

(1) في ص: الا ان المقصود منع استقراره.
(2) في ص: يعنيه به كما يعنيه.
212

الا بالمكلف. فالقول بأنه يتعلق بالأعضاء بعيد.
وتظهر الفائدة في عدم الحكم بارتفاع الحدث عن العضو بغسله وحده، إذ
العضو لا يقال إنه ممنوع. ولا ريب أن المنع من الصلاة باق ما بقي لمعة من
الأعضاء، فعلى هذا لا يجوز له لمس المصحف بالعضو المغسول قبل تمام الغسل
والمسح.
فان قلت: ما تقول في وضوء الجنب للنوم، فإنه قد رفع الحدث بالنسبة
إلى النوم.
قلت: هذا ليس مما نحن فيه، إذ لا نقول يرتفع الحدث عن أعضاء الوضوء
دون باقي البدن ولا رفع هنا حقيقة، وإنما هو تعبد محض أو لوقوع النوم على
الوجه الأكمل بغسل هذه الأعضاء.
والظاهر أن تعقب ريح أو بول لا ينقضه،
إذ لم يجعل رافعا للحدث الأصغر
فيقال فيه: أين معنى وضوء لا ينقضه الحدث؟
قاعدة:
كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض تجانس أو اختلف، ويتعلق
بالحيض أحكام:
(منها) ما يترتب عليه، وهو: البلوغ، والغسل، والعدة، والاستبراء، وقبول
قولها فيه، وسقوط فرض الصلاة، وعدم صحة الصوم، وعدم ارتفاع الحدث،
وجواز الاستنابة في الطواف على قول مخرج لم أقف فيه على نص.
(ومنها) ما يحرم بسببه، وهو: الصلاة، والصوم، والاعتكاف، ودخول المسجد
وقراءة العزائم، ومس كتابة المصحف. وفي سجدة العزيمة قولان.
213

(ومنها) ما يكره، وهو: كتب المصحف، وحمله، ولمس هامشه، وقراءة
ما عدا العزائم.
(ومنها) ما يحرم على الزوج، وهو: الطلاق، والوطي قبلا، والمباشرة
بين السرة والركبة عند بعض الأصحاب.
(ومنها) ما يجب، وهو: الاستبراء عند تجويز الانقطاع، وقضاء الصوم.
(ومنها) ما يستحب، كالوضوء، والجلوس في المصلى، وذكر الله بقدر
زمان الصلاة.
قاعدة:
مما يستثنى من الأصول الكلية من الفروع الجزئية للضرورة أو مس الحاجة
صحة صلاة المستحاضة ودائم الحدث للضرورة، وعدم الحكم بكون الماء
مستعملا ما دام على عضو الجنب والا لم يرتفع حدث أصلا، وكالحكم بأن ملاقاة
النجس للماء لا ينجسه إذا كان كرا فصاعدا والا لعسرت (1) الطهارة، وطهارة الميتة
من غير ذي النفس السائلة والمني منه، والعفو عن ماء الاستنجاء وعن ما لا يدركه
الطرف من الدم عند كثير من الأصحاب، والعفو عن سؤر الهرة وشبهها وقد
نجس فوها بزوال العين غابت أولا، والعفو عن محل الاستجمار وعن زيادة
ركن [مع القدوة] (2) للحاجة إلى الاقتداء وعسر المتابعة في بعض الأحيان لتباعد
المأموم، وتغيير الكيفية في صلاة الخائف لمصلحة الجماعة وللحاجة إليها والى
حراسة المجاهدين، ولبس الحرير لدفع القمل وللمحارب، وكاختصاص

(1) في ص: والا اعتبرت.
(2) ليس في ص.
214

النسكين (1) بعدم الخروج [منها بالمفسد] (2) وشرط العتق لما فيه من تحصيل الحرية
وتشوق الشرع إليها بدليل السراية إلى نصيب الشريك.
وهل يصح اشتراط الوقت في البيع؟ نظر، لقربه من العتق ومن قصوره
عنه، لعدم (3) التغليب فيه والسراية.
(الثاني - الصلاة)
قاعدة:
الصلاة أفضل الأعمال البدنية، لان تصرفات العباد أربعة: حق الله تعالى
كالمعرفة، وحق العبد وهو ما يتمكن من اسقاطه والا فكل حق العبد حق الله
تعالى كأداء الدين ورد الغصب والوديعة، وحقهما والمغلب فيه جانب العبد كالزكاة
والصدقة والكفارات والنذور والضحايا والهدايا والأوقاف والوصايا، وحق الله
ورسوله والعباد كالاذان والصلاة مشتملة على الجميع. فحق الله كالنية والأذكار
والكف عن الكلام والمنافيات، وحق الرسول وآله صلوات الله عليهم وهي
الصلاة عليهم والشهادة لرسول الله صلى الله عليه وآله بالرسالة ولهم
بالإمامة، وحق المكلفين (4) وهو دعاؤه لنفسه ولهم بالهداية. وفي القنوت وغيره
يجوز الدعاء له ولهم بما شاء وفي السلام يسلم عليهم بعد السلام على النبي وآله
ومن ثم ورد " صلاة فريضة أفضل من عشرين حجة " (5) وفي خبر آخر " من ألف

(1) في ص: السكين.
(2) ليس ما بين القوسين في ص.
(3) في ص: لتقدم.
(4) في ك: المكلف.
(5) الفقيه 1 / 134، الكافي 3 / 265. وتمامه: وحجة خير من بيت مملو ذهبا يتصدق
منه حتى يفنى.
215

حجة " وعن النبي " ص " " واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة " (1) رواه العامة
والخاصة، وما في الأذان والإقامة من " حي على خير العمل " صريح في ذلك.
فان قلت: هذا معارض بأن الأفضلية تتبع الأشقية، وبأن النبي " ص " لما
سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: الايمان بالله. قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في
سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور (2).
ومن البعيد كون صلاة الصيح أفضل من حجة مبرورة [فضلا عن العدد
المذكور وكون نافلتها أفضل من حجة مسنونة] (3)، وأبعد منه أفضلية الصلاة
التي لا كثير تحمل فيها (4) على الجهاد الذي فيه بذل النفس في سبيل الله تعالى.
قلت: أما الايمان فخرج بقولنا " الأعمال البدنية " فلا كلام فيه، ولهذا قالوا
صلوات الله عليهم: ما تقرب العبد إلى الله تعالى بشئ بعد المعرفة أفضل من
الصلاة (5).
وأما الحج فلعل المعارضة بين الصلاة الواجبة وبين الحج المندوب أو بين
المتفضل به في الصلاة وبين المستحق به في الحج مع قطع [النظر عن] المتفضل
به في الحج، أو يراد به أن لو حج (6) في ملة غير هذه الملة.
وأما الصلاة المندوبة فيمكن أن لا يراد ان الواحدة أفضل من الحج، إذ ليس
في الحديث الا الفريضة.

(1) الأشعثيات: 34.
(2) صحيح البخاري باب " فضل الحج المبرور " من كتاب الحج.
(3) ما بين القوسين ليس في ص.
(4) وكذا في هامش ك وفي متنه: لا كثير عمل فيها.
(5) الكافي 3 / 264.
(6) في هامش ك: انه لو حج.
216

وأما حديث " خير أعمالكم الصلاة " (1) فيمكن حمله على المعهودة وهي
الفرائض. ويؤيده الأذان والإقامة لاختصاصه بها، أو نقول: لو صرف زمان
الحج والعمرة في الصلاة المندوبة كان أفضل منهما، أو يختلف بحسب الأحوال
والأشخاص، كما نقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟
فقال: بر الوالدين (2) [وسئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة لأول وقتها] (3) وسئل
أيضا: أي الأعمال أفضل؟ فقال: حج مبرور (4). فيختص بما يليق بالسائل من
الأعمال، فيكون لذلك السائل والدان محتاجان إلى بره، والمجاب بالصلاة
يكون عاجزا عن الحج والجهاد، والمجاب بالجهاد في الخبر السابق يكون
قادرا عليه - كذا ذكره بعض علماء العامة دفعا للتناقض عن الاخبار.
قاعدة:
كل مكلف دخل عليه وقت الصلاة وجبت عليه بحسب حاله ولا عذر في
تأخيرها عن وقتها الا في مواضع: المكره على تركها حتى أنه يمنع من فعلها
بالايماء، والناسي والمشغول عنها بدفع صائل عن نفس أو بضع أو بانقاذ غريق
أو بالسعي إلى عرفة أو المشعر في وجه، وفاقد الطهور.
ولا يؤخر بعذر من لا تنتهي النوبة إليه في البئر الا في آخر الوقت أو النوبة
في الثوب بين العراة، أو المحبوس في بيت لا يمكن للقيام فيه (5)، أو راكب

(1) الأشعثيات: 34.
(2) الكافي 2 / 158. فيه: عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في وقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله عز وجل.
(3) ما بين القوسين ليس في ص.
(4) في ص: ابر.
(5) في ص: لا يتمكن من القيام فيه.
217

السفينة لا يمكنه الخروج منها، ولا المقيم العادم للقابل (1) يصلون في الوقت
بحسب الحال، ولكن يستحب التأخير إلى زوال العذر لادراك الكمالية ان أمكن
زواله.
ولهذا يستحب لطالب الجماعة، والمسافر [و] المستوفر، والمبرد للظهر
لشدة الحر منفردا ومجتمعا، والمتنفل قدر السبحتين، والعصر إلى المثلين،
والعشاء إلى ذهاب الشفق، نافلة الليل إلى السحر، والمفيض العشائين إلى
المشعر، والمستحاضة الظهر والمغرب إلى دخول ثانيهما، والقاضي يؤخر الأداء
إلى آخر الوقت على الوقت، وللصائم المتوقع افطاره والمتمكن من استيفاء
الافعال لمن يباح له رخصها والمتمكن من المندوبات.
فائدة (2):
الاذان مستحب للخمس، وقد يعرض له ما يخرجه عن ذلك، اما لعدم
وقوعه صحيحا كأذان غير المميز من الطفل والمجنون وقبل الوقت في غير الصبح
واذان الكافر وغير المرتب واذان السكران الذي لا تحصيل له.
وأما الكراهية كأذان الجماعة الثانية قبل تفرق الأولى أو لعصري عرفة والجمعة
وعشاء المشعر، واما لعروض مبطل له كالارتداد والاغماء إذا طال الزمان والسكوت
الطويل وعروض الجنون أو السكر والكلام الكثير في أثنائه الذي يخرجه عن
الموالاة والاغماء والنوم مع الطول وترك شئ من كلماته عمدا.
أما الطهارة والاستقبال والذكورية وشبهها فشرط في كماله.

(1) في ص: العادم للمسائل. وفي القواعد وهامش ك: العادم للماء بل يصلون.
(2) في ص: قاعدة.
218

فائدة (1):
لا ريب أن الطهارة والاستقبال والستر معدودة من الواجبات في الصلاة مع
الاتفاق على جواز فعلها قبل الوقت والاتفاق في الأصول أن غير الواجب لا يجزي
عن الواجب، فاتجه هنا سؤال، وهو أن يقال: أحد الامرين لازم، وهو اما أن
يقال بوجوب هذه الأمور على الاطلاق ولم يقله أحد، أو يقال باجزاء غير
الواجب عن الواجب وهو باطل، لان الفعل إنما يجزي عن غيره مع تساويهما
في المصلحة المطلقة، ومحال تساوي الواجب وغير في المصلحة.
وجوابه: انا قد بينا أن الخطاب قد ينقسم إلى خطاب التكليف وخطاب
الوضع، أعني الخطاب بنصب الأسباب، ولا يشترط فيه العلم والقدرة ولا عدمهما
ولا التكليف، لان معنى قول الشارع اعلموا كذا انه حتى وجد كذا فقد وجب
كذا أو حرم كذا أو أبيح كذا أو ندب كذا، ومن ثم حكم بضمان الصبي والمجنون
ما أتلفاه مع عدم تكليفهما.
وقد يكون خطاب الوضع بالمانع [له] أيضا، كما يقول عدم كذا عند وجود
المانع أو عند عدم الشرط.
إذا تقرر ذلك فالطهارة من باب خطاب الوضع، إذ هي شرط في صحة
الصلاة، وكذلك الاستقبال والستر، وذلك لا يشترط فيه شرط التكليف من
ايقاعه على الوجه المخصوص، فان دخل الوقت على المكلف وهو موصوف
بهذه الأوصاف تم الفرض وصحت الصلاة، وان لم يتصف بها أو ببعضها توجه
عليه حينئذ خطاب التكليف وخطاب الوضع وصارت حينئذ واجبة.
ولا استبعاد في وجوب الطهارة في حالة دون حالة، لان بيان الشرع تخصص

(1) في ص: قاعدة.
219

الوجوب (1) ببعض الحالات دون البعض وببعض الأزمنة دون البعض.
فان قلت: أليس ينوي في الطهارة قبل دخول الوقت الاستحباب، وذلك
خطاب التكليف، فكيف جعلها من خطاب الوضع؟
قلت: ذلك وان احتيج إليه في الطهارة فهو غير محتاج إليه في الاستقبال
والستر، ولهذا لو اتفق كونه قائما إلى القبلة وقد لبس ساترا للعورة حياء من
الناس أو ألبسه غيره كرها أجزأ ذلك في الصلاة.
وأما وقوع الطهارة بنية الاستحباب فهو باعتبار أنها في نفسها مستحبة
لاستحباب الدوام على الطهارة، ولا امتناع في كون الشئ من خطاب الوضع
باعتبار ومن خطاب التكليف باعتبار، فإذا وجد سبب الوجوب كدخول الوقت
مثلا على متطهر (2) ندبا فقد خوطب بالصلاة حينئذ من غير أمر بتجديد طهارة
لامتناع تحصيل الحاصل.
وإن كان محدثا اجتمع عليه خطاب التكليف بفعل الطهارة وجوبا وخطاب
الوضع، ومن قبله كان عليه خطاب التكليف باستحباب الطهارة، فلا امتناع
في ذلك.
وهذا الاشكال البين (3) هو الذي ألجأ بعض العلماء إلى اعتقاد وجوب الوضوء
وغيره من الطهارات لنفسه، غير أنه يجب وجوبا موسعا قبل الوقت وفي الوقت
وجوبا مضيقا عند آخر الوقت. ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر ابن العنبري
من الجمهور وحكاه الرازي في التفسير عن جماعة، وصار بعض الأصحاب إلى

(1) في ك: لان شأن الشرع تخصيص الوجوب.
(2) في ص: مطهر.
(3) في ك: اليسير.
220

وجوب الغسل أيضا بهذه المثابة.
قاعدة:
يجب انحصار المبتدأ في خبره نكرة كان أو معرفة، إذ الخبر لا يجوز أن
يكون أخص بل مساويا أو أعمل، والمساوي منحصر في مساويه والأخص منحصر
في الأعم.
فان قلت: قد فرقوا بين " زيد عالم " و " زيد العالم "، فجعلوا الثاني للحصر
لا الأول، فكيف يتوجه الاطلاق؟
قلت: الحصر الذي أثبتناه على الاطلاق - وهو حصر - يقتضي نفي
النقيض، والذي نفوه عن النكرة هو الحصر الذي يبقى معه النقيض الضد
والمخالف، لان قولنا " زيد عالم " يقتضي حصر زيد في مفهوم عالم لا يخرج
عنه إلى نقيضه الا أن عالما مطلق في العلم فهو في قوة موجبة جزئية في وقت
واحد، فنقيضه سالبة كلية دائمة، أي لا يكون زيد عالما في زمان ماض ولا حال
ولا استقبال. وهذا المفهوم ينتفي بقولنا " زيد عالم في وقت ما " بخلاف ما إذا
كان الخبر معرفة فإنه ينتفي كل ما خالفه.
ويتفرع عليه أحكام:
(منها) قوله صلى الله عليه وآله في الصلاة: تحريمها التكبير، فإنه
يفيد انحصار حصولها (1) في حرمة الصلاة بالتكبير، دون نقيضه الذي هو عدم
التكبير، وضده الذي هو الهزء واللعب والنوم، وخلافه الذي هو الخشوع
والتعظيم، فلو فعل أحد هذه لم يتحرم بالصلاة.

(1) في ك: دخولها.
221

(ومنها) قوله " ص ": وتحليها التسليم، يقتضي انحصار التحلل (1) في
التسليم دون نقيضه الذي هو عدمه، ودون ضده وهي اضداد التكبير، ودون خلافه
الذي هو الحدث وغير ذلك. والمراد بالمحلل هنا ما كان مباحا آخر الصلاة ليخرج
سائر ومبطلات الصلاة ونفس التسليم إذا وقع في أثنائها.
وكما اقتضى الحصر في التكبير اقتضى الحصر في الصيغة، وهي " الله أكبر "
لان اللام فيه للعهد، والمعهود من فعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك،
فلا ينعقد بمعناه ولا بتعريف الخبر ولا بتقديمه (2) ولا ترجمته الا مع العجز. وكذا
الكلام في التسليم.
فائدة:
لا يتعلق الأمر والنهي والدعاء والإباحة والشرط والجزاء والوعد والوعيد
والترجي والتمني الا بمستقبل، فمتى وضع (3) تشبيه بين لفظتي دعاء أو أمر أو نهي
أو واحد مع الاخر فإنما يقع في مستقبل. وعلى هذا خرج بعضهم الجواب عن
السؤال المشهور في قوله " ص ": قولوا " اللهم صل على محمد وآل محمد كما
صليت على إبراهيم [وآل إبراهيم] (4) وبارك على محمد وآل محمد كما باركت
على آل إبراهيم " وفي روايات أخرى " كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم " (5)
فان التشبيه يعتمد كون المشبه به أقوى في وجه الشبه أو مساويا.

(1) في ك: المحلل.
(2) في ص: ولا تقديمه.
(3) في ك: فمتى وقع.
(4) ليس في ص.
(5) البحار 94 / 87 نقلا عن الدر المنثور، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم.
222

والصلاة هنا الثناء أو العطاء والمنحة التي هي من آثار الرحمة والرضوان
فيستدعي أن يكون عطاء إبراهيم أو الثناء عليه فوق الثناء على محمد أو مساويا له
وليس كذلك والا لكان أفضل منه.
والواقع خلافه، فان الدعاء إنما يتعلق بالمستقبل ونبينا " ص " كان الواقع
قبل هذا الدعاء أنه أفضل من إبراهيم عليه السلام. وهذا الدعاء يطلب فيه زيادة
على هذا الفضل مساوية لصلاته على إبراهيم، فهما وان تساويا في الزيادة الا أن
الأصل المحفوظ خال عن معارضة الزيادة، وهو جواب أحمد بن إدريس المالكي.
وفيه نظر، لان ذلك بناء على أن الزيادة أمر يحصل بدعائنا، وقد قال علماء
الكلام في باب الدعاء حيث قسموه إلى أقسامه: ان هذا القسم من أقسام الدعاء
تعبد ونفعه عائد إلى الداعي، لان الله تعالى قد أعطى نبيه " ص " من علو القدر
وارتفاع المنزلة ما لا يؤثر فيه دعاء داع، فحينئذ يصير هذا كالاخبار عما أعطى
الله تعالى نبيه " ص " كما يشهد به القرآن العزيز والسنة القويمة والاخبار لا
توقع فيه.
وأجيب بوجوه أخر:
الأول - ان المشبه به المجموع المركب من الصلاة على إبراهيم وآله
ومعظم الأنبياء هم آل إبراهيم والمشبه الصلاة على نبينا " ص " وآله عليهم السلام
وآل محمد صلوات الله عليهم ليسوا بأنبياء (1) فكانت الصلاة على آل إبراهيم أبلغ
من الصلاة على آل محمد، فإذا قوبل آله بآل إبراهيم رجحت الصلاة على آل
إبراهيم على الصلاة على آله عليه السلام، فيكون الفاضل من الصلاة على آل

(1) معظم أنبياء آل إبراهيم هم أنبياء بني إسرائيل وقد ورد في الحديث عنه صلى الله
عليه وآله وسلم: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل فعلم من هذا ان آل محمد صلوات الله عليهم
أفضل من أنبياء بني إسرائيل بلا خفاء وشبهة.
223

إبراهيم لمحمد، فيزيد به على إبراهيم. وهو جواب عز الدين بن عبد السلام.
وفيه أيضا نظر، لأنه يشكل بأن ظاهر اللفظ تشبيه الصلاة على محمد بالصلاة
على إبراهيم والصلاة على آله بآله قضية لا يراد كل منهما وآله، فلا يقع المقابلة
بالمجموع بل إنما هي مقابلة الافراد بالافراد.
مع أن في هذا الجواب هضما لآل محمد عليهم السلام، وقد قام الدليل على
أفضلية علي عليه السلام على [من] خلق من الأنبياء وهو واحد من الال، فيكون
السؤال عند الإمامية على حاله (1).
الثاني - ان تشبيه أصل الصلاة ب‍ (أصل) الصلاة لا كميتها بكميتها ولا صفة
من صفاتها بصفتها، كما في قوله تعالى، كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين
من قبلكم " (2) ان المراد تشبيه أصل الصوم بأصل لا الوقت والعدد.
وفيه أيضا نظر، لان الكاف في " كما " للتشبيه، فهو اسم بمعنى " مثل "
منصوب صفة لمصدر محذوف، أي صلاة مماثلة للصلاة على إبراهيم. والمصدر
إذا وقع موصوفا استحال أن يشار به إلى الماهية من حيث هي، لان الماهية
من حيث هي لا تكون مقيدة بقيد، والوصف قيد.
الثالث - ان المساواة في التشبيه وان كانت حاصلة فهي في الافراد بالنسبة
إلى كل مصل (3) وصلاة على حدته، فإذا جمع جميع المصلين في جميع الصلوات

(1) بل قام الدليل على أفضلية علي عليه السلام على جميع الأنبياء ما عداه صلى الله
عليه وآله بالآية وهي قوله تعالى " وأنفسنا " لان المراد بها كما يظهر من مساواة علي عليه
السلام لمحمد صلى الله عليه وآله وسام وهو " ص " أفضل من الأنبياء قطعا والمساوي
للأفضل أفضل أيضا.
(2) سورة البقرة: 183.
(3) في ك: إلى كل فضل.
224

زاد ذلك أضعافا مضاعفة. وهو جواب أبى الفتح القشيري.
ويشكل هذا بأن التشبيه (1) واقع في كل صلاة تذكر في حال كونها صلاة
واحدة. سلمنا لكن كان ينبغي مع توالى الصلوات في زمانه صلى الله عليه وآله
وسلم يزيد المشبه على المشبه به، كيف وهو متوال في جميع الأعصار إلى حين
انقطاع التكليف.
الرابع - ان قوله " اللهم صل على محمد وآل محمد، في قوة جملتين،
والتشبيه إنما وقع في الثانية، أعني الصلاة على الال.
وهذا فيه بحث نحوي، وهو أن العامل في المعطوف هل هو العامل في
المعطوف عليه وهو القول بالانسحاب أولا.
ويدفعه سياق الكلام، فان ذكر إبراهيم مقابل ذكر محمد صلى الله عليه وآله
وسلم، فالتشبيه واقع في الجملتين. مع أن في هذا أيضا هضما لآل محمد،
وفيه ما فيه.
الخامس - ان مطلوب كل مصل المساواة لإبراهيم في الصلاة، وكل منهم
طالب صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم، وإذا اجتمعت هذه الصلوات كانت
زائدة على الصلاة على إبراهيم.
وكل هذا أيضا بناءا على أن صلاتنا عليه " ص " تفيده زيادة في رفع الدرجة
ومزيد الثواب، وقد أنكر هذا جماعة من المتكلمين وخصوصا الأصحاب، وقد
تقدم بيانه. بل فائدة هذا الامتثال (2) تعود إلى المكلف نفسه، فيستفيد به ثوابا كما
جاء في الحديث: من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا (3). فقد ظهر ضعف

(1) في ك: بأن النسبة.
(2) في ص: هذا المقال.
(3) الكافي 2 / 492، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا ذكر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فأكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة
واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ولم يبق شئ مما خلفه الله الا
صلى على العبد لصلاة الله عليه وصلاة ملائكة فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور وقد
برئ الله منه ورسوله وأهل بيته.
225

هذه الأجوبة.
لكن الأولى منها جواب تشبيه الأصل بالأصل ويلزم المساواة في الصلاتين،
ولكن تلك أمور موهبية فجاز تساويهما فيها وان تفاوتا في الأمور الكسبية المقتضية
للزيادة، فان الجزاء على الأعمال هو الذي يتفاضل فيه العمال لا المواهب التي
يجوز نسبتها إلى كل واحد تفضلا خصوصا على قواعد العدلية.
وهذا باطل ان الجزاء كله تفضل كما تقوله الأشعرية، الا أن الصلاة هنا
موهبة محضة ليس باعتبار الجزاء، فالذي يسمى جزاء عند العمل وان لم يكن
مسببا عن العمل هو الذي يتفاضلان فيه. وهذا واضح.
فائدة:
كل واحدة من الصلوات الخمس لا بدل لها، الا الظهر فقد قيل الجمعة
بدل منها، فهي في المعنى كظهر مقصورة لمكان الخطبتين. وقيل بل الجمعة
صلاة على حيالها (1)، وهو الأقرب.
وتظهر الفائدة في عروض ما يمنع من ادراك ركعة مع تلبسه بها، فعلى
البدلية يتمها ظهرا. والأقرب اشتراط نية العدول كما يعدل المسافر من القصر
إلى الاتمام [وان اتحد عين الصلاة الا أن المسافر] (2) ينوي الاتمام. وهذا يحتمل

(1) كذا في النسختين وفي القواعد: على حالها.
(2) ليس ما بين القوسين في ص.
226

فيه ذلك، ويحتمل أن يوجد العدول ليسري إلى أول الصلاة.
وعلى الاستقلال فلا ريب في عدم وقوعها ظهرا من غير نية، وهل يقبل
العدول؟ يحتمله كما في الصلوات وعدمها لمخالفتها بالنوع وانه قد حكم ببطلانها
فكيف تنقلب صحيحة.
قاعدة:
الأصل في الأسباب عدم تداخلها، وقد استثني منها صور:
(منها) أسباب سجود السهو، فحكم جماعة منهم ابن الجنيد بتداخلها، ومع
قوله بكونه قبل التسليم للنقيصة يزول التداخل في صور:
الأولى - لو سجد للسهو للنقيصة ثم سهى بعده ناسيا قبل التسليم أعاده، كما
لو تكلم بعده ناسيا ان قلنا بوجوب التسليم. وكلامه فيه محتمل، ويبعد هنا كون
السهو للنقيصة، لأنه لم يبق فعل يتصور فيه النقيصة لأنه قبل التسليم.
الثانية - لو سهى للنقيصة ثم سجد في صلاة القصر ثم عن له المقام بعده،
فالظاهر أنه تصح النية لعدم التسليم والخروج من الصلاة. وحينئذ لو سهى بعد
ذلك سجد له. ويحتمل أيضا إعادة سجوده الأول، لأنه لم يقع آخر الصلاة.
الثالثة - لو كانت الفريضة مسبوقة فعدل إلى السابقة بعد التشهد وكان أزيد
عددا منها ثم سهى فإنه يسجد ويجئ في الأول الإعادة أيضا.
ويحتمل في الموضعين عدم العدول، لان سجود السهو حائل والا يلزم
زيادة صورة سجدتين متواليتين في الصلاة، الا أن نقول: المبطل زيادة الركن
وهذا ليس بركن وإنما هو صورته. ويتفرع على اعتقاد هذا الزائد فروع:
" أ " لو شك هل سهى أم لا فسجد جاهلا بالحكم ثم علم في الصلاة، فعلى
227

القول بالاغتفار ينبغي أن يسجد ثانيا لأنه الان قد زاد سجودا فيسجد له.
" ب " - لو ظن أنه سهى فسجد ثم تبين له بعده أنه لم يسه، فالأقرب
السجود حينئذ للزيادة. ويحتمل ضعيفا عدمه بناءا على أن السجود كما جبر غيره
فيجبر نفسه.
" ج " - لو ظن أن سبب سجوده بسبب نقيصة سجدة فسجد ثم تبين له أن
الفائت تشهد مثلا. احتمل لأنه لا يعيد، لان القصد جبر الخلل الواقع في الصلاة
والتعيين لغو. واحتمل الإعادة، لأنه لم يجبر ما يحتاج إلى الجبر. وهذا نظير
الاشكال فيما إذا نوى رفع حدث والواقع غيره غلطا.
قاعدة:
كل صلاة اختيارية تتعين فيها فاتحة الكتاب ولا تتم الا بها الا أن يسهو عنها
فان كانت ركعة أو ركعتين فلا بدل لها فرضا كان أو نفلا، وان كانت أكثر من
ذلك تخير في التسبيح في الزائد.
وابن أبي عقيل يرى في السنة جواز القراءة في الركعة الثانية من حيث
قطع في السورة التي قرأها مع الحمد في الركعة الأولى. وهو نادر.
ولا يتعين سورة من السور للقراءة الا ما ذكره ابن بابويه وأبو الصلاح في
الجمعة والمنافقين لظهرها وجمعتها (1) ينبغي أن يكون أولى بالتعيين كما قاله
أبو الصلاح، مع أن الخبر الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام بعدمه (2).
ولا شئ من الفرائض يجزي فيه التبعيض عند من أوجب السورة الا صلاة
الآيات، وفي تعيين الحمد ثانيا في الركعة الواحدة منها لو لم يبعض، قولان

(1) الفقيه 1 / 201.
(2) التهذيب 3 / 7.
228

أقربهما الوجوب.
واحترزنا بالاختيارية عن صلاة جاهل الفاتحة مع ضيق الوقت، وعن المصلي
بالتسبيح في شدة الخوف.
وألحق بهما ابن إدريس ذا الحدث الدائم إذا لم يتمكن من الفاتحة لتوالي
الحدث فإنه يجتزي بالتسبيح أربعا في جميع الركعات، قال: فإن لم يتمكن
لتوالي الحدث فليقتصر على مرة واحدة في قيامه ومثلها في ركوعه وسجوده.
وهذا التخفيف لم نقف لغيره عليه ورده أولى بل، إن كان مبطونا توضأ
وبنى. والظاهر أنه مع التوالي يسقط الوضوء الا في افتتاح الصلاة، وإن كان
سلسا استمر مطلقا الا أن يكون فيه فترات يمكن فعل جميع الصلاة فيها. وقد
حررناه في الذكرى.
قلت: قال فيها عقيب ذكر الروايات الدالة على بناء المبطون: هل ينسحب
مضمون الرواية في السلس؟ يمكن ذلك لاستوائهما في الموجب وإشارة
الروايات إلى النباء بالحدث مطلقا. والوجه العدم، لان أحاديث التحفظ بالكيس
والقطن مشعرة باستمرار الحدث وأنه لا مبالاة به. والظاهر أنه لو كان في السلس
فترات وفي البطن تواتر أمكن نقل حكم كل منهما إلى الاخر.
قاعدة:
إذا كان الفعل موصوفا بالوجوب وله هيئات يقع عليها وجب كل واحدة
منها تخييرا، وجاز أن يوصف بعضها بالاستحباب بكماله ويكون الاستحباب
راجعا إلى اختيار تلك الهيئة لا إلى نفسها، وله صور:
" أ " الجهر في صلاة الجمعة اجماعا وفي الظهر على قول مشهور موصوف
بالاستحباب، وهو صفة للقراءة الواجبة.
229

" ب " الجهر بالبسملة في مواضع الاخفات كذلك.
" ج " استحباب قراءة سورة بعينها في الفريضة مع وجوب أصل السورة.
" د " الجهر للامام بالأذكار والاخفات للمأموم، فإنه يوصف بالاستحباب
مع وجوب أصله. ولو جعل الجهر صفة زائدة على الاخفات بحيث تكون نسبة
الاخفات إلى الجهر كنسبة البعض إلى الكل لم يكن من هذا الباب.
" ه‍ " الهرولة بين الصفا والمروة موصوفة بالاستحباب مع وجوب أصل
الحركة، وهو السبب في افتاء بعض الأصحاب وبوجوب الجهر في البسملة
ووجوب الهرولة، لأنهم لحظوا أصل الوجوب ولم ينظروا إلى جواز الانفكاك.
" و " التسبيح في الركوع والسجود، فان التسبيحة الكبرى موصوفة
بالأفضل مع قيام أصل الوجوب بها من حيث اشتمالها على التسبيح أو الذكر
المطلق.
قاعدة:
الأصل في هيئات المستحب أن تكون مستحبة، لامتناع زيادة الوصف على
الأصل. وقد خولف في مواضع:
1 - الترتيب في الاذان، وصفه الأصحاب بالوجوب.
2 رفع اليدين بالتكبير في التكبيرات الصلاة، وصفه المرتضى بالوجوب.
3 - وجوب القعود في النافلة أو القيام تخييرا ان قلنا بعدم جواز الاضطجاع.
وهذا وترتيب الاذان الوجوب بمعني الشرط، ومنه وجوب الطهارة للصلاة
المندوبة، ويسمى الوجوب غير المستقر.
230

قاعدة:
قدغيا الشارع العبادات بغايات مخصوصة، كتغية الصوم بالليل والغسل
بالمرافق والمسح بالكفين والوقوف بالموقفين بغاياتهما. والظاهر دخول الغاية
في المغيا إذا لم ينفصل بمفصل محسوس.
ويكفي مسمى الغاية من العبادات ما غايته آخر أفعاله، كالطواف والسعي
وإن كان تحقق الاخر موقوفا على جزء زائد من المطاف والمسعى.
ومن الأول الانحناء في الركوع والسجود، ومن الثاني الصلاة، فان غايتها
آخر أفعالها. ويظهر من كلام العلماء أنه لا يكفي انقضاء أفعالها في الخروج
منها، بل لابد من محلل وهو التسليم بعينه على الأصح من قولي الأصحاب، فان
اتفق الخروج بغيره من حدث وشبهه سقط التسليم لوجود المخرج، فاستغنى عنه.
ويمكن حمل صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام في المحدث قبل التسليم
أن صلاته تامة (1) على ذلك، ولا يكون فيه دلالة على نفي وجوب التسليم مطلقا،
وإنما يلزم ذلك لو كان التسليم واجبا وجزء، وأما إذا كان واجبا لا جزء لأجل
الخروج من الصلاة فلا يلزم ذلك.
وكذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنما صلاتنا هذه تكبير وقراءة
وركوع وسجود. لا ينافي وجوب التسليم، لأنه عد أجزاء الصلاة والتسليم
ليس جزءا.
وكذا صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام فيمن صلى خمسا: إن كان قد
جلس في الرابعة قدر التشهد تمت صلاته (2). ولا يلزم منه عدم وجوب التسليم،

(1) الكافي 3 / 347.
(2) التهذيب 2 / 194، الفقيه 1 / 229.
231

للاستغناء عنه بالركعة الزائدة المنافية.
فان قلت: هذا باطل ان التسليم ليس جزءا لكن التشهد جزء قطعا، فلا تكون
الصحة مستندة إلى الاتيان بالمنافي بدلا عن التسليم بل إلى أنهما ليسا ركنا،
وترك غير الركن لا تبطل الصلاة.
قلت: هذا أيضا لا ينافي وجوب التسليم، إذ لا يلزم من نفي ركنيته نفي
وجوبه، لان انتفاء الأخص لا يلزم منه انتفاء الأعم. على أن الجلوس بقدر التشهد
جاز أن يكون مصاحبا للتشهد فلم يتخلف سوى التسليم واستغنى عنه بالاتيان
بالمنافي. فظهر بذلك كله ضعف تمسك القائل بندب التسليم وبقاء أدلة الوجوب
خالية عن معارض.
قاعدة:
إذا دل دليل على حكم لم يكف به الا بعدم المعارض، لان وجود المقتضي
مع وجود المانع لا أثر له، وخصوصا إذا كان ذلك الدليل قاصرا في كيفية
الدلالة عن المعارض، فلا يجوز أن يجعل مدلول ما عارضه مدلولا له والا لكان
قد أقيم منافي الشئ مقام ذلك الشئ، وهو غير جائز.
ومن ذلك يظهر أنه لا يمكن الاستدلال بقوله تعالى " وسلموا تسليما " (1) على
وجوب التسليم على النبي " ص " في الصلاة، لان الاجماع واقع على خلاف
الدليل، إذ الاجماع حاصل على استحبابه فيها وعدم تكرره وفوريته. والآية
لو سلم كونها في التسليم عليه " ص " لم تدل على التكرار ولا على الفورية ولا
على كونه في الصلاة، فكيف يجوز أن يجعل ما أجمع على منافاته للدليل
موردا له.

(1) سورة الأحزاب: 56.
232

قاعدة:
إذا تعارض العام والخاص بني العام على الخاص، ومن ذلك صورة
استحباب الجهر في القنوت، لان قول الصادق عليه السلام " القنوت كله جهار " (1)
خاص، وقول النبي " ص " " صلاة النهار عجماء " عام، وكذا قول الصادق عليه
السلام " السنة في صلاة النهار بالاخفات " (2).
ومنها لو سلم وتكلم لظنه تمام الصلاة، فهذا كلام وتسليم وقعا عمدا، وطريق
العموم أن تعمدهما مبطل للصلاة، الا أنه معارض بأخبار صحاح يتضمن خصوصية
هذا بالصحة. على أن لمانع أن يمنع من تسمية ذلك تعمدا.
ومنها كون الأكل والشرب مفسدين للصلاة، فإنه خرج في الوتر بدليل
خاص، وهو خبر سعيد الأعرج عن الصادق عليه السلام (3).
قاعدة:
الأسباب تؤثر في مسبباتها ولا يجب دوام مسببها بدوامها إذا امتثل الامر فيه
والواجبات الموسعة بحسب الأوقات من هذا القبيل، فان الوقت سبب ويكفي
ايقاع الفعل في جزء منه. ومن ثم اكتفى في صلاة الكسوف والخسوف بالمرة
مع أن أصل الامر لا يدل على التكرار.
ويظهر من كلام المرتضى وأبي الصلاح وسلار وجوب الإعادة ما دام السبب
كأنهم يذهبون إلى أن الوجوب مغيى برد النور أو ذهاب الخسوف، فيكون

(1) الفقيه 1 / 209.
(2) التهذيب 2 / 289، الاستبصار 1 / 313، الوسائل 2 / 759.
(3) التهذيب 2 / 329.
233

الكسوف سببا لوجوب الصلاة ودوامه سببا أيضا، ويلزم من هذا اثبات سببيته
لم يدل عليها النص بأحد الدلالات.
فان قلت: المشهور استحباب الإعادة والمنع قائم.
قلت: جاز أن يكون ابتداء الكسوف سببا في الوجوب ودوامه سببا في
الاستحباب، كما أن الزوال سبب في وجوب اليومية وطلب الجماعة لمن صلى
منفراد سبب في استحبابها.
قاعدة:
الموالاة في الصلاة شرط في صحتها، لان النبي " ص " صلاها كذلك،
فيقطعها الفعل الكثير في أثنائها. وقد يعرض ما يخرجها عن الشرطية في مواضع:
(منها) المبطون إذا فاجأه الحدث فإنه يتوضى ويبني.
(ومنها) من سلم على نقص (1) من صلاته ثم ذكر، وقد رواه علي بن النعمان
الرازي (2) عن الصادق عليه السلام والحسين بن أبي العلاء (3) وعبيد بن زرارة عنه
عليه السلام بسند آخر (4). وأبلغ منه ما رواه عمار بن موسى عنه عليه السلام:
يبني ولو بلغ الصين ولا يعيد الصلاة (5). واختاره الصدوق، ونقل عن يونس بن
عبد الرحمن إعادة الصلاة بذلك ولم يرتضه.
(ومنها) من كان في الخسوف فخشي فوت الحاضرة، فإنه يقطع الكسوف

(1) في ص وهامش ك: على بعض.
(2) التهذيب 2 / 181، الفقيه 1 / 228.
(3) التهذيب 2 / 183.
(4) التهذيب 2 / 346، الفقيه 1 / 229.
(5) التهذيب 2 / 192، الفقيه 1 / 229.
234

ثم يأتي بالحاضرة ثم يبنى على صلاة الكسوف. وذهب إليه أعيان الأصحاب،
وقد رواه في الصحيح محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام (1) وعن ابن أبي
عمير بسنده أيضا عنه عليه السلام.
(ومنها) إذا لزمه احتياط ففعله ثم ذكر النقص فإنه يجزي مع أنه قد تخلل
النية والتكبير والتشهد والتسليم، وربما تخلل فعل آخر غير ذلك.
قاعدة:
كل النوافل ركعتان بتسليمة الا الوتر، ولا يزاد على ركعتين الا في مواضع
ثلاثة:
أ - صلاة الاعرابي، وهي من مراسيل الشيخ عن زيد بن ثابت (2).
ب - صلاة العيد إذا صليت بغير خطبة، فان علي بن بابويه يقول: يصلي
أربعا بتسليمة (3).
ج - صلاة جعفر عليه السلام، فان ظاهر الصدوق أنها أربع بتسليمة (4).
قاعدة:
قصر الصلاة قد يكون في الكم وهو ثابت في المسافر والخائف وإن كان
حاضرا سواء كان منفراد أو في جماعة إذا استوعب العذر الوقت أو بقي منه مالا

(1) الفقيه 1 / 346، التهذيب 3 / 155.
(2) رواها السيد ابن طاوس في جمال الأسبوع والشيخ في المصباح.
(3) التهذيب 3 / 135.
(4) الفقيه 1 / 317. ويقال لها صلاة الحبوة والتسبيح أيضا. وفي المصباح: حبوت
الرجل حباء بالمد والكسر: أعطيته الشئ بغير عوض والاسم منه الحبوة بالضم.
235

يسع الطهارة وركعة سواء كان الخائف رجلا أو امرأة، وخالف ابن الجنيد في
المرأة فزعم أنها لا تقصر في الحرب. وقد تكون في الكيف، وهو كثير كالمريض
والخائف والمضطر.
تنبيه:
غاية القصر ركعتان سواء كان في السفر أو الخوف، وظاهر ابن الجنيد
ورواه ابن بابويه في الصحيح عن حريز عن الصادق عليه السلام: ان الخائف
مع الامام يقتصر على ركعة فيكون للامام ركعتان ولكل فرقة ركعة (1).
قاعدة:
لا يقضى شئ من الواجبات بعد التسليم سوى السجدة والتشهد والصلاة
على النبي وآله، وخالف في الصلاة ابن إدريس فأسقط قضاءها الا مع فوات
التشهد. أما ما يفعل احتياطا عند الشك فإنه ليس معلوم الجزئية.
ولا يقضى شئ من المندوبات سوى القنوت لو لم يتذكره بعد الركوع فإنه
يقضيه بعد التسليم في المشهور. وقال ابن الجنيد يقضيه في تشهده، وهو نادر.
ولو تذكره فعله بعد الركوع للخبر الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر
صلوات الله عليه (2)، وعليه الأصحاب الا ابن أبي عقيل فإنه نفى قضاءه بعد الركوع
وبه خبر صحيح لكنه مجهول المسؤول (3)، ولو سلم حمل على نفي وجوب

(1) الفقيه 1 / 295.
(2) التهذيب 2 / 160.
(3) التهذيب 2 / 161.
236

القضاء لا على نفي المشروعية.
قاعدة:
ضابط الجماعة أن يكون المقتدى فيه فرضا أو أصله فرضا أو بصفة ما أصله
الفرض كالاستسقاء، ولا يتخلف الاستحباب في ذلك كما لا يتجاوزه الاستحباب.
وخالف في الأولين قوم، قال ابنا بابويه في الكسوف: يصلي جماعة مع
الاستيعاب وفرادى لامعه، اعتمادا على قول الصادق عليه السلام في رواية ابن أبي
يعفور: إذا انكسفت الشمس والقمر وانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى امام يصلي بهم وان كسف بعضه فإنه يجزي الرجل أن يصلي وحده (1).
وهو دال على تأكد الجماعة في احتراق الكل أكثر لا على النفي بالكلية (2)،
والجماعة لا تنكر تأكدها في بعض دون بعض، فإنها واجبة في الجمعة والعيدين
وفي الفرائض آكد من النوافل التي يستحب فيها الجماعة.
والمفيد يقول في قضاء الكسوف بقول ابني بابويه، وقال أبو الصلاح
باستحبابها في صلاة الغدير، وفي كلامه ايماء إلى أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم فعله.
قاعدة (3):
ذهب المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل رحمهم الله تعالى إلى أن المنبر
يحمل بين يدي الامام في الصلاة الاستسقاء إلى الصحراء، وبه رواية مرسلة عن

(1) التهذيب 3 / 292.
(2) في ص: لاعلى نفى الكلية.
(3) في ص: فائدة.
237

الصادق عليه السلام (1). وأنكر ذلك متأخرو الأصحاب، ولم نقف لهم على رواية
سوى عموم أنها كصلاة العيد.
قاعدة:
كل مؤتم لا يجوز له التقدم في الموقف على امامه اجماعا، والمشهور جواز
المساواة، وأوجب ابن إدريس تقدم الامام بقليل في الصلاة الاختيارية وفي العراة
والروايات خالية عن هذا القيد، وقضية الأصل تنفيه، والتمسك بصحة صلاة
الاثنين لو قال كل منهما كنت إماما يضعف لجواز توهم كل واحد منهما التقدم.
قاعدة:
ضابط امام الصلاة كما له وايمانه وعدالته وطهارة مولده، وباقي شرائطه
إضافية كالقيام بالإضافة إلى القائمين والذكورة بالنسبة إلى الرجال، وينقسم
الأئمة إلى أقسام سبعة:
(الأول) من لا تجوز إمامته، وهو الصبي غير المميز والكافر والفاسق والمجنون
والمحدث والجنب ونجس الثوب أو البدن مع امكان الإزالة والحائض والنفساء
والمستحاضة لا مع فعلها فرضها. وهذا مع علم المقتدي بحالهم، فلو ظن الكمال
أجزأت الا في الجمعة إذا اعتبرنا كون الامام من العدد أو كان تمام العدد به.
(الثاني) من تجوز إمامته بقبيل دون قبيل، وهو الأمي واللاحن والخنثى
والمرأة والمؤوف اللسان والصبي المميز.
(الثالث) من تجوز إمامته في صلاة دون صلاة، وهو العبد يستثنى من

(1) التهذيب 3 / 149، الكافي 3 / 462.
238

الجمعة على قول، وكذا الأصم والأبرص والمسافر على قول من لا يوجب على
المسافر لو حضر الجمعة.
(الرابع) من يكره إمامته كالأجذم والأبرص والمتيمم بالمتطهرين والمسافر
بالحاضرين ومن يكرهه المأموم.
(الخامس) من يجوز إمامته مع أن غيره أفضل منه، كالعبد والمبعض والمكاتب
والمدبر والمكفوف ومراتب الأقراء والا فقه إلى آخرها.
(السادس) من تجب إمامته وتقدمه - يعنى يحرم تقديم غيره عليه - وهو امام
الأصل صلوات الله عليه الا لعذر.
(السابع) من يستحب إمامته، وهو من عدا هذه الأقسام.
قاعدة:
كل من فاته صلاة فريضة نوعية لا بدل لها وجب قضاؤها مع تكليفه واسلامه
ولو حكما والطهارة من الحيض والنفاس، فعلى هذا هل يقضي فاقد الطهورين
لان الوقت سبب ولم يثبت كون التمكن من المطهر شرطا في تحقق السببية؟
واجتزأ المفيد هنا في أوقات الصلوات عن الدعاء بقدرها عن الأداء والقضاء
وهو بدل له لم يثبت.
قاعدة (1):
لو صلى ما عدا العشاء بطهارة ثم أحدث فصلاها بطهارة ثم ذكر اخلالا بعضو
من إحدى الطهارتين، احتمل وجوب الخمس بعد الطهارة ووجوب صبح ومغرب

(1) في ص: فائدة.
239

ورباعيتين يطلق في الأولى بين الظهر والعصر وفي الثانية بين العصر قضاء وبين
العشاء الآخرة أداء إذا كان الوقت باقيا والا كان الجميع قضاء.
ولو سهى عن الوضوء الذي كلف به الان وصلى الصلوات الخمس أو الأربع
ثم ذكر أنه صلاها بغير وضوء مستأنف، فعلى الأول ليس عليه الا إعادة العشاء
لاغير، لان الاخلال إن كان من طهارته الأولى فهو الان متطهر وقد صلى ما فاته
بطهارة صحيحة ما فاته وزيادة، وإن كان من طهارته الثانية فلم يضره هذا التكرار
ووجب عليه صلاة العشاء.
وأما على الثاني فيحتمل هذا أيضا، ويحتمل أن يعيد ما عدا الصبح، لأنه
إذا كانت طهارته الأولى فاسدة وجب عليه الصلوات بنية جازمة وهنا قد وقع
الترديد.
فائدة (1):
الترتيب في القضاء معتبر بين الفرائض اليومية، لقوله عليه السلام " فليقضها
كما فاتته " (2) وقد فاتته مرتبة فيجب الترتيب عملا بمدلول الامر.
هذا مع الذكر، أما مع النسيان فيحتمل سقوطه لقوله عليه السلام " رفع عن
أمتي الخطأ والنسيان " (3) والمراد حكمهما والمؤاخذة عليهما، ولقوله " ص "
" الناس في سعة ما لم يعلموا "، ولان الزائد حرج وعسر، وهو منفي بالقرآن
العزيز، ولان التكليف مع عدم العلم تكليف بالمحال، ولا صالة البراءة من الزائد

(1) في ص: قاعدة.
(2) انظر التهذيب 3 / 158 وهذه العبارة نقلها في طي كلامه انظر: ص 164 من
هذا المجلد.
(3) الخصال 2 / 184.
240

وثبوته لتمكنه من فعل ما وجب عليه كما وجب فيجب من باب المقدمة، ولأنه
لو جهل عين الفريضة صلى اثنين أو ثلاثا أو خمسا على اختلاف الأحوال والأقوال
وكذا صفة الفائت لتساويهما في الوجوب.
وتوقف فيه المحقق في المعتبر وقال في توجيه السقوط: انه تخمين وكلفة
فلا يصار إليه. ومراده بالتخمين أي بالنسبة إلى النية، فإنه إذا قدم فريضة أو
أخرها لا يكون متيقنا حال النية محلها من الفائتة الأخرى بل بحسب الوهم.
ومنه يظهر ضعف وجوبه، لأنه يؤدي إلى تزلزل النية المأمور بالجزم بها.
وجزم الفاضل في أكثر كتبه بالوجوب، وجعله في التذكرة أقرب، وفي
القواعد والتحرير أحوط. فعلى الأول يتخير الابتداء بأي فريضة شاء، وعلى
الثاني يكرر حتى يحصله.
وضابطه أن ينظر إلى الاحتمالات الممكنة (1) في المسألة ثم ينظر إلى ترتيب
ينطبق كل واحد من الاحتمالات عليه، فهناك يعلم (2) وجود الترتيب.
وهو ظاهر مع القلة، كما لو فاته ظهر وعصر مجهول ترتيبهما، فان هناك
احتمالين بين تقديم الظهر على العصر وعكسه، فإذا صلى الظهر بين العصرين
أو بالعكس حصلا، وكذلك لو أضيف إليهما صبح فان الاحتمالات ستة حاصلة
من ضرب اثنين في ثلاثة.
ويصح من سبع فرائض، بأن يزيد صبحا محفوفة بالجملة الأولى فيصلي
الظهر ثم العصر ثم الظهر ثم الصبح ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر، ولو أضيف
إلى الثلاث مغرب صارت الاحتمالات أربعة وعشرين حاصلة من ضرب أربعة في

(1) في ص: المحتملة.
(2) في ك: فهيهنا يعلم.
241

ستة. ويصح على هذا الترتيب من خمس عشر، بأن يضاف إلى المجموع
مغرب متوسطة بين السبعتين. وان شاء جعل المتوسط إحدى الأربع الباقيات
وكرر في غيرها.
وان أضيف إليها عشاء كانت الاحتمالات مائة وعشرين حاصلة من ضرب
خمسة في أربعة وعشرين، ويصح على هذا الترتيب من أحد وثلاثين بتوسط
واحدة من الخمس بين الجملة مرتين.
وعلى هذا لو كانت سادسة يصير الاحتمالات سبعمائة وعشرين والصحة من
ثلاث وستين فريضة، ولو كانت سابعة كانت الاحتمالات خمسة آلاف وأربعين
احتمالا والصحة من مائة [وسبع] وعشرين.
وضابطه أنه يحاط بفريضة واحدة متساويان نظما يصح دون ذلك، والفرض
من أحدهما ان كانت تحته فرض وبالأخير تدخل الفريضتان.
وربما قيل: إن ضابطه أن يزاد على احتمالات ممكنة واحدة، وهو صحيح
غير أنه كلفة عظيمة فيما زاد على اثنتين أو ثلاث وعلى هذا دائما.
وهذا الطريق مبرئ للذمة يقينا الا أنه من الأربع فصاعدا يمكن الصحة من
دون هذا العدد، فالزائد كلفة فتصح الأربع من ثلاث عشرة، بأن يكرر أربعا
ثلاث مرات على نظم واحد أي نظم شاء ويزيد على آخرها أولاها، والخمس
من إحدى وعشرين بأن يكرر الخمس أيضا على نظم واحد أربع مرات ويزاد
عليها أولاها. وضابطه أن يكرر العدد المذكور على نظم واحد أنقص من عدده
بواحد ويزاد على آخره [أخرى] (1) أولى الفرائض.

(1) ليس " أخرى " في ص.
242

فروع ثلاثة:
(الأول) لو فاته صلاتان متماثلتان كالظهرين من يومين وجهل ترتيبهما أجزأه
أن يصلي ظهرين ينوي بالأولى منهما لأول ما في ذمته، ولا حاجة إلى التكرار.
وهل يجزي المختلفين المتساويتين عددا؟ فيه احتمال، لأنه لو جهل العين (1)
فعله فكذا إذا جهل الترتيب، فلو فاته ظهر وعصر صلى أربعا ينوي بها لأول ما في
ذمته ان ظهرا فظهرا وان عصرا فعصرا، ثم يصلي أربعا ينوي بها باقي (2) عليه ان
ظهرا فظهرا وان عصرا فعصرا، وإن كان معهما مغرب وسطها بين أربع فرائض
على هذا النظم، فيصلي أربعتين مطلقتين ثم مغربا ثم أربعتين مطلقتين، ولو كان
معهن عشاء وسط المغرب بين الست المطلقات، وعلى هذا.
(الثاني) لو فاته صلوات قصر وتمام مجهولة الترتيب ذكر المحقق فيه
احتمالات: السقوط والبناء على الظن، والاحتياط بالترتيب، بأن يقضي الرباعيات
من كل يوم مرتين تماما وقصرا.
ويمكن نصرة الاحتمال الأخير بأن المكلف لوفاته فريضة لا يدري أهي قصر
أم تمام فإنه يجب عليه أن يصليها مرتين، كما لو فاته فريضة مغرب وعشاء، وحينئذ
نقول في صورة الفرض كل رباعية تمر به يجوز فيها القصر والتمام فلا يبرأ الا
بهما. ويمكن الجواب بالحرج وعدمه.
(الثالث) هذا الحكم إذا تعددت المقصورات أو كانت الرباعيات ثلاثا أو
اتحدت وهي مجهولة العين، اما لو علم عينها كالظهر مثلا أو هي والعصر لم
يعرض (3) لغيرهما قطعا، إذ لا تعلق للفائت به.

(1) في ك: لأنه جهل العين.
(2) في ك: ثاني ما عليه.
(3) في ك: لم يتعرض.
243

ولو فاته فريضتان مجهولتا العين والترتيب فاحتمالات التعيين عشرة والترتيب
اثنتان فيكون عشرين ويصح من ست فرائض صبح وأربع ومغرب وصبح وأربع
عما في ذمته مرتين، وينوي في كل من الثلاث الأول أولى ما في ذمته. وعليك
باستخراج ما يرد عليك من فروع هذا الباب فإنها لا تنحصر وقد نبهت عليها.
(الثالث - الزكاة)
قاعدة:
الزكاة اما أن تتعلق بمال أولا، والثاني زكاة الفطرة، والأول اما أن يكون
تعلقها بعينيته أو بماليته، والأول زكاة الأعيان، والثاني زكاة التجارة.
ثم اما أن يعتبر فيها الحول أولا، والثاني اثنتان زكاة الفطرة والغلات.
ثم هي اما أن تتعلق بالعين أو بالذمة [والثاني زكاة الفطرة والأول ما عداها،
الا في موضعين وهما عند التفريط أو التمكن من الاخراج فتتعلق بالذمة] (1).
قد تصير الفطرة متعلقة بعين إذا عزلها عند عدم المستحق، فلو تلفت حينئذ
لا بتفريط فلا ضمان، وبالعزل أيضا تصير المتعلقة بالذمة من المالية متعلقة بالعين،
فلو فرط في المعزول تعلقت بالذمة، وهكذا.
قاعدة:
كلما يشترط فيه الحول لابد من بقاء عينه، فلو عورض (2) بجنسه أو بغيره
من الزكوي استؤنف. الا زكاة التجارة، فان الأقرب فيها البناء. أما لو اشترى

(1) ليس ما بين القوسين في ك.
(2) في هامش ك: فلو عووض.
244

بنقد ليس من مال التجارة فالأصح أنه لا بناء هنا.
قاعدة:
لا تجتمع الزكاتان في عين واحدة للحديث، وقد يتخيل الاجتماع في مواضع:
(منها) العبد المتخذ للتجار تجب فطرته وزكاة التجارة.
(ومنها) من معه نصاب وعليه بقدره دين، فإنه على القول بوجوب زكاة
الدين على مؤخره تجب عليه الزكاة في النصاب وعلى المدين.
(ومنها) زكاة التمرة من نحل التجارة، فإنه على القول بأن نتاج مال التجارة
منها تتعلق الزكاة بالتمرة عينا وقيمة.
وعند التحقيق ليس هذا من العين (1) في شئ: أما الأول فلان مورد زكاة
الفطرة ذمة السيد لا عين العبد، وأما الثاني فلان مورد زكاة الدين ذمة المديون
لا أعيان أمواله، وأما الثالث فلعدم اتحاد الوقت.
قاعدة:
كلام الشيخ في المبسوط (2) أن كل من وجبت نفقته على الغير وجبت فطرته
عليه إذا كان المنفق من أهل الوجوب.
وهذا يخرج منه: المطلقة الحامل ان قلنا إن النفقة للحمل، وفي الأجير الذي

(1) في ك: من الثنى، وفي القواعد: من الثنيا. والثنى: الجمل يدخل في السنة
السادسة والناقة ثنية. والثنيا بضم الثاء مع الياء: اسم من الاستثناء وفي الحديث " من استثنى
فله ثنياه " أي ما استثناه.
(2) راجع التهذيب 4 / 71.
245

اشترط النفقة على المستأجر، والعبد الموقوف على المسجد أو الرباط أو الثغر
[أو العبد الذي لبيت المال فان نفقتهم واجبة اما على جهات المسجد والثغر واما على
بيت المال] (1) ففي الحقيقة ذلك للمسلمين، فالنفقة في المعنى واجبة على المسلمين.
ولا فطرة في العبد المشترك بين جماعة عند بعض الأصحاب، وقال آخرون
تجب بالحصص. وربما لزم منه وجوب فطرة عبد المسجد (2) وبيت المال بناءا
على أنه كمال المسلمين.
تنبيه:
ظاهر بعض الأصحاب اعتبار الانفاق لا وجوب الانفاق، وهو اختيار الفاضل
في المختلف، فلو عصى بتركه أو تحملها عنه المنفق عليه سقط الوجوب فحينئذ
تبقى القاعدة " كل من أنفق على غيره وجبت فطرته عليه " سواء كانت النفقة
مستحقة أو مستحبة أولا.
وظاهر ابن إدريس رحمه الله أنها تجب بسبب الذي من شأنه أن ينفق عليه
وان لم تجب، وقد يفهم هذا من كلام الشيخ في المبسوط، لأنه أوجب فطرة
الولد الصغير وإن كان موسرا محتجا بعموم قولهم " يخرجها عن نفسه وولده "،
وابن إدريس يوجب فطرة الزوجة الناشز والمستمتع بها عملا بقولهم " والزوجة "
فالقاعدة على هذا القول كل من ينفق عليه أو دخل [في مسمى من شأنه أن ينفق
عليه تجب فطرته عليه وأهلية الوجوب مراعاة في جميع هذه القواعد] (3).

(1) ليس ما بين القوسين في ص.
(2) في ك: في بيت المال.
(3) ليس ما بين القوسين في ص.
246

(الرابع - الصوم)
فائدة:
كل الأعمال الصالحة لله تعالى، فلم جاء في الخبر،: كل عمل ابن آدم له
الا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به (1)، مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل
أعمالكم الصلاة (2). وكتب عمر إلى عماله: ان أهم أمري عندكم الصلاة.
وأجيب بوجوه:
(الأول) انه اختص بترك الشهوات والملاذ في الفرج والبطن، وذلك أمر
عظيم يوجب التشريف وأجيب بالمعارضة بالجهاد، فان فيه ترك الحياة فضلا
عن الشهوات، وبالحج إذ فيه الاحرام ومتروكاته كثيرة.
(الثاني) انه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه، فلذلك شرف بخلاف الصلاة
والجهاد وغيرهما. أجيب بأن الايمان والاخلاص أفعال القلب والخشية خفية (3)
مع تناول الحديث إياها.
(الثالث) ان عدم ملا (4) الجوف تشبه بصفة الصمدية. وأجيب بأن طلب
العلم تشبيه بأجل صفات الربوبية وهو العلم الذاتي، وكذلك الاحسان إلى
المؤمنين وتعظيم الأولياء والصالحين كل ذلك فيه التخلق تشبيها بصفات الله
تعالى.

(1) البحار 96 / 256، معاني الأخبار: 409 وفيه: الصبر وهو الصوم، صحيح
البخاري في باب هل يقول اني صائم من كتاب الصوم.
(2) قرب الإسناد: 34 وفيه: وخير أعمالكم الصلاة.
(3) في ص: والحسنة خفية.
(4) في هامش ص: خلاء.
247

(الرابع) ان جميع العبادات وقع فيها التقرب إلى غير الله تعالى الا الصوم
فإنه لم يتقرب به الا إلى الله وحده. أجيب بأن الصوم يفعله أصحاب استخدام
الكواكب.
(الخامس) ان الصوم يوجب صفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى
الشهوية بسبب الجوع، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا تدخل الحكمة
جوف ملئ طعاما، وصفاء العقل والفكر يوجبان حصول المعارف الربانية التي
هي أشرف أحوال النفس الانسانية. أجيب بأن سائر العبادات إذا واظب عليها
أورثت ذلك، خصوصا الصلاة، قال تعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا " (1) وقال تعالى " اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل
لكم نورا تمشون به " (2) قال بعضهم لم أر فيه فرقا تقربه العين ويسكن إليه القلب.
ولقائل أن يقول: هب (3) ان كل واحد من هذه الأجوبة مدخول بما ذكر
فلم لا يكون مجموعها هو الفارق، فإنه لا تجتمع هذه الأمور المذكورة لغير
الصوم. وهذا واضح.
فائدة:
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من صام رمضان واتبعه بست
من شوال فكأنما صام الدهر (4). فيه مباحث:

(1) سورة العنكبوت: 69.
(2) سورة الحديد: 28.
(3) قال في الصحاح: هب بمعنى احسب، يقال هب زيدا منطلقا بمعنى احسب،
يتعدى إلى مفعولين ولا يستعمل فيه ماض ولا مستقبل في غير هذا المعنى.
(4) الأشعثيات: 59، الجامع الصغير: 174.
248

(الأول) لم قال " رمضان " وقد قال تعالى " شهر رمضان " (1) وفي الحديث:
لا تقولوا رمضان (2).
جوابه: إنما قيل للتنبيه على جواز ذلك اللفظ وإن كان غيره أولى منه.
(الثاني) هل هذه الستة مترتبة على صيام مجموع الشهر أو يكفي صوم شئ
منه أولا يترتب أصلا.
جوابه: ان الظاهر ترتيبها على مجموع الشهر، لما يذكره في علل صيام
الدهر. ويحتمل عدم الترتيب أصلا لأنها أيام معينة للصوم فلا يختلف فيها الحال.
(الثالث) لم قال بست والأيام مذكرة.
جوابه: للجري على قاعدة الكلام العربي من تغليب الليالي على الأيام،
كقوله تعالى " وعشرا " (3) وكقوله " ان لبثتم الا يوما " (4) بعد قوله تعالى " ان
لبثتم الا عشرا " (5).
(الرابع) لم قال " من شوال " وهل له مزية على غيره من الشهور.
جوابه: لعله رفق بالمكلف باعتبار أنه حديث عهد بالصوم، فيكون دوامه
على الصوم أسهل من ابتدائه بعد انقطاعه.
(الخامس) هل هي بعد العيد بغير فصل أم لا، ولو أخرها عن العيد هل
يأتي بها أم لا؟

(1) سورة البقرة: 185.
(2) معاني الأخبار: 315.
(3) سورة البقرة: 234، سورة القصص: 27.
(4) سورة طه: 104.
(5) سورة طه: 103.
249

جوابه: الأفضل عندنا ان تلي (1) العيد بغير فصل لما قلناه، والظاهر بقاء
الاستحباب لشمول اللفظ. (السادس) لم خص (2) العدد بست دون غيرها؟
جوابه: لقوله تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " (3) فيكون مع رمضان
ثلاثمائة وستين يوما، وذلك سنة كاملة.
(السابع) لم قال " فكأنما " ولم يقل فكأنه؟
جوابه: لان المراد تشبيه الصوم بالصوم، ولو قال فكأنه لكان تشبيها للصائم
بالصوم وليس بمراد.
(الثامن) كيف يتصور أن يكون هذا القدر معادلا لصوم الدهر وهو جزء
منه، وكيف يساوي الجزء الكل؟
جوابه: ان لصائم هذه مثل ثواب صيام الدهر مجردا عن المضاعفة، أي
أضعاف هذه مثل استحقاق صوم الدهر، أو ان المراد أن لو كان في غير هذه
الملة فان الأضعاف إنما جاءت في هذه الملة.
(التاسع) هل المشبه به كيف اتفق أو كونه على حالة مخصوصة؟
جوابه: بل المراد صوم الدهر خمسة أسداسه فرض وسدسه نفل كما كان
المشبه بهذه النسبة، فله بالحسنة من الواجب عشر أمثالها من الواجب وبالحسنة
من المندوب عشر أمثالها من المندوب.
(العاشر) هل المراد دهر هذا الصائم أو مطلقا، فإن كان الأول فهلا قال دهره
وإن كان الثاني فلا يتوجه الجواب عن السادس.

(1) في ص: انها يلي.
(2) في ك: لم حصر.
(3) سورة الأنعام: 160.
250

جوابه: ان المراد دهر الصائم " وال " عوض عن المضاف إليه، كقوله
تعالى " فان الجنة هي المأوى " (1) أي مأواه.
(الحادي عشر) هل فرق بين هذه الستة وبين ستة الأيام في الآية الأخرى؟
جوابه: نعم، لأن هذه الستة قد ثبت حكمها، وأما ستة الخلق فقيل لان
الستة أول عدد تام، ونعني بالتام الذي إذا اجتمعت أجزاؤه لا تزيد عليه ولا تنقص
وبغير التام هو الذي إذا اجتمعت أجزاؤه ينقص عنه، كالأربعة فان لها نصفا
وربعا تنقص عنها وقد يكون زائدا وهو الذي أجزاؤه تزيد عليه كالاثني عشر،
والعدد التام أحسن الاعداد كانسان خلق سويا والناقص كانسان ناقص عضوا
والزائد كانسان خلق بيد زائدة.
(الخامس - الحج)
قاعدة:
للحج والعمرة المتمتع بها ميقات بحسب الزمان وميقات بحسب المكان،
واتفق الأصحاب على أنه لا يجوز تقديمهما على الميقات الزماني، والأكثر على
عدم جواز تقديم الاحرام على الميقات المكاني الا بالنذر إذا صادف الزمان،
وكذلك جوزوا تقديم الاحرام على الميقات المكاني في العمرة المفردة الرجبية
إذا خيف خروجه قبل ادراك الميقات، فسئل عن الفرق بين المكان والزمان مع
استوائهما في التوقيت.
وأجيب: بأن ميقات الزمان مستفاد من قوله تعالى " الحج أشهر معلومات " (2)

(1) سورة النازعات: 41.
(2) سورة البقرة: 197.
251

وقد تقرر في العربية والأصول أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر والخبر لا
يجب انحصاره في المبتدأ كقوله عليه السلام: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (1)
والشفعة فيما لم يقسم. فالتحريم منحصر في التكبير من غير عكس والتحليل
منحصر في التسليم كذلك، وكذلك الشفعة منحصرة فيما لم يقسم من دون العكس
فحينئذ زمان الحج منحصر في الأشهر فلا يوجد في غيرها.
وأما ميقات المكان فمأخوذ من قوله " ص " لما عد المواقيت قال: هن لهن
ولمن أتى عليهن من غير أهلن (2). والضمير في " هن " راجع إلى المواقيت،
وهو المبتدأ وفي " لهن " راجع إلى أهل المواقيت، فالتقدير المواقيت لأهل
هذه الجهات، أي لاحرام أهل هذه الجهات، فيجب انحصار المواقيت في أهل
هذه الجهات ومن أتى عليها من غير أهلها، ولا يجب انحصار احرام أهل الجهات
في المواقيت قضية للقاعدة.
وأجيب أيضا بأن الاحرام قبل الزمان يفضي إلى طول التكليف، فلا يأمن
المكلف من الوقوع في محظورات الاحرام، بخلاف المكان. وبأن الميقات
المكاني يسوغ الاحرام بعده للضرورة فكذا يسوغ قبله للضرورة أو النذر، بخلاف
الزماني فان الاحرام لا يسوغ بعده للنسكين لضرورة ولا غيرها.
قاعدة:
كل من تجاوز الميقات غير محرم مع كونه مخاطبا بالنسك يعود إليه مع
التعمد ومع التعذر يبطل الا في صورة (3) ذكرها بعض الأصحاب، وهو الثابت

(1) الفقيه 1 / 23، الوسائل 4 / 715.
(2) صحيح البخاري باب " مهل أهل مكة للحج والعمرة " من كتاب الحج.
(3) في ص: الا في ضرورة.
252

في الحج (1) الذي استريح العمرة الا أنه يحرم من أدنى الحل [ويجزيه].
وفيها مناقشة مع التعمد، لان القاعدة كلية واستثناء هذه يحتاج إلى دليل،
فان قيل: هذه من خصوصيات النائب (2)، فالمطالبة بالدليل باقية.
فائدة:
للحرم حرمة مؤكدة ظهر أثرها في مواضع: وجوب الحج والعمرة إليه،
ويحرم الصيد فيه (3)، وعضد شجره (4)، واخراج المستأمن به، وتحريم دخوله
بغير احرام الا في المتكرر وفي الناقص عن شهر، واختصاصه بمناسك الحج
الا وقوف عرفة، وتحريم دخوله على المشركين، وتحريم دفنهم، واختصاصه
بالنحر والذبح لما يجب بالاحرام، وتغليظ الدية على من قتل فيه خطأ، وتحريم
لقطته (5) الا لمنشد، واختصاص مسجده بالمضاعفة في الصلاة إلى ما لا يساويه
غيره، وانه لا هدي على أهله وان يمنعوا (6) في قول، واختصاصه بالاستقبال تبعا
للكعبة الشريفة.
فائدة:
مذهب الأصحاب أن مكة شرفها الله تعالى أفضل البقاع، وهو مذهب أكثر
الجمهور، وخالف فيه بعضهم. لنا وجوه:

(1) في ك: وهو النائب في الحج. وفي بعض النسخ: استربح العمرة.
(2) في ص: الباب.
(3) في ك: وتحريم الصيد فيه.
(4) عضدت الشجرة عضدا من باب ضرب قطعتها.
(5) في ك: لفظته، وفي هامشه أيضا: لقطته.
(6) في ك: وان تمتعوا.
253

(الأول) وجوب الحج والعمرة إليها وتعظيم ثواب الحاج والمعتمر، قال
النبي صلى الله عليه وآله: من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج
من ذنوبه كيوم ولدته أمه (1). وقال " ص ": الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة (2).
وقال أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: من أراد دنيا وآخرة فليؤم
هذا البيت (3). ولو كان لملك داران فألزم عبيده ورعيته بقصد إحداهما حتما
ووعدهم على ذلك جزاء عظيما لقطع كل عاقل بأن تلك الدار آثر عنده من الأخرى.
(الثاني) اختصاص الكعبة الشريفة بتقبيل الأركان والاستلام، وذلك يدل
على الاحترام والتعظيم.
(الثالث) حديث الرحمات المائة والعشرين للطائفين والمصلين والناظرين (4).
(الرابع) ان الله جعلها حرما أمنا في الجاهلية والاسلام.
(الخامس) ان ابتداء الاسلام منها.
(السادس) ان مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومولد علي أمير المؤمنين
عليه السلام فيها.
(السابع) اختصاصها بالكعبة الشريفة وحج الأنبياء السالفين إليها وإقامة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها ثلاثة عشر سنة وبالمدينة عشرا.

(1) صحيح البخاري باب " فضل الحج المبرور " من كتاب الحج. وفيه: من حج لله
فلم يرفث - الخ.
(2) الجامع الصغير: 151 عن الطبراني ومسند أحمد.
(3) البحار 99 / 50 نقلا عن الدعائم.
(4) المحاسن: 53، الخصال: 408، البحار: 99 / 59، 61 نقلا عنهما وعن ثواب الأعمال
.
254

(الثامن) ان التعظيم والاحترام يختص بهما الكعبة دون (1) غيرها، ولوجوب
استقبالها في الصلاة ومواضع العبادة واستدبارها والانحراف عنها عند التبرز.
ولا يعارض باستقبال بيت المقدس، لأنه كان مدة قليلة وانقطع، والناسخ لابد وأن
يكون أكثر مصلحة من المنسوخ غالبا.
(التاسع) كونها لا يدخل الا باحرام.
(العاشر) تحريم حرمها صيدا وشجرا وحشيشا ومن دخله كان آمنا.
(الحادي عشر) انها مبدأ (2) إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
(الثاني عشر) انها يحجها كل سنة ستمائة ألف، فان أعوز تمموا (3) من الملائكة،
وبأن الله حرمها يوم خلق السماوات والأرض والمدينة لم تحرم الا في زمن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم.
(الثالث عشر) أنه يحرم دخول مشرك إليها لقوله تعالى " فلا يقربوا المسجد
الحرام بعد عامهم هذا " (4).
(الرابع عشر) انه تعالى أكد فضلها بتسميتها بالمسجد الحرام فجعلها كلها
مسجدا، وجعل البيت الحرام الذي هو أول بيت وضع للناس الموصوف بالبركة
والهدى حاصل بها.
(الخامس عشر) قوله صلى الله عليه وآله وسلم: مكة حرم الله وحرم رسوله،
الصلاة فيها بمائة ألف، والدرهم فيها بمائة ألف. وروى بعشرة آلاف (5).

(1) في القواعد: فوق غيرها.
(2) في ص والقواعد: انها مبوأ.
(3) في ص: فان اعوزتمم.
(4) سورة التوبة: 28.
(5) الفقيه 1 / 147، التهذيب 6 / 31.
255

احتج الآخرون بوجوه:
1 - ان المدينة موضع استقرار الدين وبها هاجر سيد المرسلين وظهور
دعوة الايمان، وبها دفن سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وسلم وكمل
الدين ووضح اليقين، والمنقول من السنة فيها أثبت المنقولات.
2 - إقامة أعظم الصحابة بها وموت جماعة منهم ومن الأئمة عليهم السلام
فيها.
3 - ان النبي صلى الله عليه وآله دعا لها (1) بمثل ما دعا إبراهيم عليه
السلام لمكة.
4 - ان النبي " ص " قال: المدينة خير من مكة.
5 - قول النبي " ص ": اللهم انهم أخرجوني من أحب البقاع إلي فاسكني
بأحب البقاع إليك، و الاحب إلى الله تعالى أفضل والأنبياء مستجابو الدعوة.
6 - قول النبي " ص " لا يصبر للاواء (2) بها وشدتها الا كنت له شفيعا أو شهيدا
يوم القيامة.
7 - قوله " ص ": ان الايمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها (3)
أي يأوى.
8 - قوله عليه السلام ان المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد (4).

(1) الفقيه 2 / 337، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14 / 86.
(2) اللاى: الشدة.
(3) أخرجه البخاري في باب فضل المدينة. قال في المجمع: في الحديث: العلم يأرز
كما تأرز الحية في جحرها أي ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض.
(4) أخرجه البخاري في باب المذكور بألفاظ مختلفة تارة: المدينة تنفي الناس
كما ينفي الكير خبث الحديد. وتارة أخرى: المدينة كالكير تنفي خبثها. وفي الأخرى:
تنفي الرجال كما تنفي النار خبث الحديد.
256

9 - قوله عليه السلام: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة (1).
أجاب الأولون: بأن ما ذكرناه أوضح دلالة، والوجوه التي ذكرتموها
في الأول تدل على التعظيم أما على الأفضلية فلا، وكذا الثاني، وأما الدعاء
منه " ص " فيحمل على المصرح به فيه وهو الصاع والمد، وأما الخيرية فهي
مطلقة، فيحمل الخيرية في سعة الرزق أو المتجر أو سلامة المزاج أو في ساكني
هذه وساكني تلك، والمراد بأحب البقاع إليك بعد مكة، لأنه كان قد يئس من
دخولها في ذلك الوقت فلم يرد الا مكانا مرجوا (2) دخوله إليه.
ويجوز أن يكون معنى الأحبية لها الأحبية لأهلها باعتبار اشتمالها، وقد كان
إذ ذاك رسول الله " ص " يرشد الخلق إلى الله تعالى، فانقضى التبليغ عن الله
تعالى بواسطة (3) موته " ص " وإن كان قد أسند المحبة إليها فالمراد أهلها،
كقوله " (4) الأرض المقدسة " أي من فيها أو " الوادي المقدس " أي شرفته الملائكة
أو الكليم عليه السلام، والصبر على اللاواء (5) دليل على الفضل والكلام في
الافضال (6) ولأنه مطلق بحسب الزمان فيحمل على زمانه " ص " والكون معه لنصرته.

(1) الكافي 4 / 553 وفيه " ما بين بيتي ومنبري " وفي حديث " ما بين منبري وبيتي "
وفي آخر " ما بين منبري وبيوتي " وأخرجه البخاري في باب " ما ذكر النبي وخص على
اتفاق أهل العلم وما اجتمع عليه الحرمان " من أبواب كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.
(2) في ك: يرجو دخوله.
(3) في القواعد: بغير واسطة بموته " ص ".
(4) في ك: كقولنا.
(5) اللاواء الشدة. وفي هامش ك: الاذاء.
(6) في ص والقواعد: في الأفضل.
257

ويؤيده خروج أكابر الصحابة إلى البلاد، كأمير المؤمنين علي عليه أفضل
الصلاة.
وأما الايراز (1) فهو عبارة عن تردد المسلمين في حال حياته " ص " واجتماعهم
وانضمامهم إليها، ولابقاء لهذه الفضيلة بعد موته صلى الله عليه وآله،
وكذا حديث الكير مخصوص بزمانه بخروج أكابر الصحابة منها، وأما الروضة
فقد نلتزم أنها أفضل من سائر أجزاء المدينة ولا يلزم أفضليتها على مكة، لان مكة
كلها رياض الجنة، ففي الخبر عن أهل البيت صلوات الله عليهم الركن اليماني
على ترعة (2) من ترع الجنة.
قال شيخنا: ولا أرى لهذا الاختلاف كثير فائدة، فان أفضلية البقاع لا يكاد
تتحقق بالمعنى المشهور من كثرة الثواب، وغايته أنه يجعل العامل فيه أكثر ثوابا
من غيره. وقد تظافرت الاخبار بأفضلية الصلاة في مكة على المدينة وغيره من
البلدان، ولا ريب في اختصاصها بأفعال (3) الحج، ومنها الطواف الذي هو من
أفضل الأعمال (4).
وقد روى الأصحاب أيضا أفضلية الصدقة فيها على غيرها، حتى أن الدرهم

(1) أقول: هذه اللفظة " الايراز " اشتباه من المؤلف ومن طغيان قلمه الشريف قدس
الله رمسه أو من الكاتب، لان الايراز من " ورز " وهذا " ارز " بمعنى الاجتماع والالتجاء
يقال: ارزت الحية: أي لاذت بجحرها. والمأرز كالمجلس: الملجأ.
(2) الترعة بالضم: الروضة في مكان مرتفع والباب الصغير. وقوله صلى الله عليه
وآله وسلم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، لان قبر فاطمة سلام الله عليها بين
قبره ومنبره وقبرها روضة من رياض الجنة.
(3) في ص وهامش ك: بأعمال.
(4) الكافي 4 / 412، الفقيه 2 / 134 و 143.
258

فيها بمائة ألف درهم، رواه خالد القلانسي عن الصادق عليه السلام في الخبر
الذي فيه: ان الصلاة فيها بمائة ألف صلاة، وجعل في المدينة الصلاة بعشرة
ألف صلاة والدرهم بعشرة ألف درهم (1). وعن علي بن الحسين عليهما السلام:
تسبيحة بمكة أفضل من خراج العراقين ينفق في سبيل الله (2) ومن ختم القرآن
بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويرى منزله في
الجنة (3). وفي هذا ايماء إلى أن باقي الأعمال تتضاعف فيها، وقد جاءت الرواية
بعظم الذنب أيضا في مكة حتى قيل من الالحاد فيها شتم الخادم (4). وكل هذا يدل
على شرف البقعة بحيث يتزايد فيها ثواب العمال على الأعمال.
وزعم بعض (5) مكابرة العامة على أن الأمة اجتمعت على أن البقعة التي دفن
فيها رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل البقاع، ونازعه بعض العلماء
في تحقق الأفضلية هنا أولا وفي دعوى الاجماع ثانيا.
قاعدة:
بعد مكة والمدينة (6) ومواضع تتفاوت بالأفضلية (7) كالكوفة وبيت المقدس
والمشاهد الشريفة، وخصوصا الحائر المقدس على ساكنه السلام، حتى جاء
في الحديث عن أهل البيت عليهم السلام: قري كعبة لولا بقعة تسمى كربلا ما

(1) الفقيه 1 / 147، التهذيب 6 / 31، الكافي 4 / 586 وفيه: عن خلاد القلانسي.
(2) المحاسن: 52 وفيه عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) المحاسن: 53.
(4) الكافي 4 / 227.
(5) في ص والقواعد: بعض مغاربة.
(6) في ك: فائدة وبغير مكة والمدينة.
(7) في ك: بالفضيلة.
259

خلقتك (1) فلما تبهجت كربلا قال لها: قري كربلا لولا من يدفن فيك لما خلقتك.
وبعد ذلك المساجد وتتفاوت بكثرة الجماعات، وما صلى فيه نبي أو وصي
نبي أفضل من غيره (2).
ثم الثغور وأفضلها أشدها خطرا، ثم مجالس الذكر والعلم، وذلك باعتبار

(1) البحار 101 / 106.
(2) في هامش ص: قد وجدت بخط شيخنا الأعظم ورئيسنا المقدم خاتمة المجتهدين
جمال الملة والحق والدين أحمد بن عبد الله بن المتوج قدس الله روحه ونور ضريحه انه
لاشك ولا خفى في أن مسجد جواثا أفضل كل مسجد على وجه الأرض بعد المسجد الحرام
ومسجد المدينة، واحتج على ذلك بأن ثاني جمعة في الاسلام قد صليت فيه. قلت: جواثا
موضع بالاحسا وقد خرب لكن المسجد المذكور فيه بعد موجود، وإنما سمى جواثا لان
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث رسوله إلى آل عبد القيس بالاحسا لما نزل وجوب
الجمعة وكانوا قد أسلموا من قبل طوعا ثم أمر صلوات الله وسلامه عليه وآله الرسول بأن
يدع الناقة أين ما شاءت تبرك فإذا بركت في موضع ان يأمرهم بأن يبنوا ذلك مسجدا ويصلوا
فيه الجمعة فكان أول جمعة صليت في الاسلام بالمدينة والثانية بالاحسا فالناقة لما جثت في
ذلك الموضع اتخذوه مسجدا وهو ذلك المسجد المذكور فلا جرم سميت تلك البقعة بجواثا
بسبب جثو ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها والخبر مشهور في الواثلية. انتهى
قوله رفع مقامه.
أقول: جثى كدعا ورمى جثوا وجثيا بضمهما أي جلس على ركبتيه أو قام على أطراف
أصابعه. قال في " معجم البلدان ": جواثاء بالضم وبين الألفين ثاء مثلثة يمد ويقصر وهو علم
مرتجل حصن لعبد القيس بالبحرين فتحه العلاء بن الحضرمي في أيام أبي بكر الصديق سنة 12
عنوة. وقال ابن الاعرابي: جواثا مدينة الخط والمشقر مدينة هجر - إلى أن قال - قالوا
وجواثا أول موضع جمعت فيه الجمعة بعد المدينة، قال عياض: وبالبحرين أيضا موضع يقال
له قصر جواثا، ويقال ارتدت العرب كلها بعد النبي صلى الله عليه وآله الا أهل جواثا
وأهل الردة بالبحرين حصروا طائفة من المسلمين بجواثا فجاءهم العلاء بن الحضرمي
فاستنقذهم وفتح البحرين كلها.
260

شرف الطاعة المفعولة فيها لا باعتبار اجرامها أو اعراض قائمة بها.
وكذلك قد وقع التفضيل بين الأزمنة، كشهر رمضان والجمع والأيام الأربعة
والليالي الأربع (1) وأزمنة الاغتسال.
(السادس - الجهاد وأحكام الكفار والمرتد)
قاعدة:
لا يقرمن الكفار على كفره غير أهل الكتاب بشرائط الذمة.
وللمرتد خصائص: المؤاخذة بأحكام المسلمين، والامر بقضاء فائت العبادة
إذا قبلت منه التوبة، وعدم صحة نكاحه ابتداءا، وعدم اقراره على نكاحه المستدام
الا أن يعود في العدة، وعدم الاقرار على دينه ان قلنا بعدم الامهال للتوبة والا
أقر (2) بقدره لا غير، ودمه هدر بالنسبة إلى المسلم، وزوال ملكه بنفس الردة إن كان
عن فطرة، والحجر على ماله مطلقا، ومنعه من تزويج رقيقه وأولاده الا صاغر،
وعدم صحة سبيه وفدائه والمن عليه، وعدم ارثه قريبه لو مات وكان ارتداده عن
فطرة وفي غيرها نظر والمراعاة محتملة، وعدم صحة تصرفاته بالبيع والهبة والعتق
وشبهها فتكون باطلة في الفطري موقوفة في الملي، وعدم اقرار ولده المرتدين
على كفره، وعدم جواز استرقاق هذا الولد على قول، وقسمة أموال الفطري
في الحال واعتداد أزواجه عدة الوفاة، وعدم قبول عوده إلى الاسلام.

(1) الأيام الأربعة: يوم المولد والمبعث والدحو والغدير. والليالي الأربع: وهي
الليلة الأولى من رجب وليلة النصف من شعبان وليلتا العيدين.
(2) في ص: والاقر بقدره.
261

قاعدة:
أموال الحربي فئ للمسلمين، ولا يجوز أن يدفع الامام إلى أهل الحرب
مالا الا في مواضع:
الأول - افتكاك الاسرى من المسلمين إذا لم يمكن الا به.
الثاني - رد مهر الحربي عليه إذا هاجر امرأته مسلمة.
الثالث - دفع مال إليهم ليكفوا حال العجز عن مقاومتهم.
قاعدة:
إنما جعل السجود للصنم كفرا ولم يجعل للأب ومن يراد تعظيمه من الآدميين
كفرا، لان السجود للصنم يجعل على وجه العبادة له بخلاف الأب فإنه يراد به
التعظيم.
فان قلت: قد قالوا " ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى " (1) فهو كالتقرب إلى
الله تعالى بتعظيم الأب [قلت: هذا حكاية عن قوم منهم، فلعل بعضهم يعتقدون
غير هذا.
فان قلت: فهؤلاء كفار قطعا وهم القائلون بالتقرب إلى الله تعالى] (2).
قلت: جاز أن يكونوا مقتصرين على عبادة الأصنام لهذه الغاية، ولو أن
عابدا جعل صلاته وصيامه لتعظيم آدمي كان مثلهم، ولان التقرب إلى الله تعالى
ينبغي أن يكون بالطريق الذي نصبه الله تعالى للمتقرب، ولم ينصب الله تعالى
عبادة الصنم طريقا للتقرب [وجعل تعظيم الأب والعالم طريقا للتقرب] (3) وان

(1) سورة الزمر: 3.
(2) ليس ما بين القوسين في ك.
(3) ليس ما بين القوسين في ص.
262

كان غير جائز تعظيمه بهذا النوع من التعظيم الا أنه لا يؤول إلى الكفر باعتبار
أنه قد أمر بتعظيمه في الجملة.
قاعدة:
كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم وموجدة لما فيه فلا ريب
أنه كافر، وان اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها والله تعالى هو المؤثر الأعظم
- كما يقوله أهل العدل - فهو مخطئ، إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل
عقلي ولا نقلي.
وبعض الأشعرية [يكفرون هذا كما] يكفرون الأول، وأوردوا على أنفسهم
عدم اكفار المعتزلة وكل من قال بفعل العبد، وفرقوا بأن الانسان وغيره من
الحيوان يوجد فعله مع أن التذلل والعبودية ظاهرة عليه، فلا يحصل منه اهتضام
الجانب الربوبية، بخلاف الكواكب فإنها غائبة عنه فربما أدى ذلك إلى اعتقاد
استقلالها وفتح باب الكفر.
أما ما يقال بأن استناد الافعال إليها كاستناد الاحراق وغيرها من العاديات، بمعنى
أن الله تعالى أجرى عادته أنها إذا كانت على شكل مخصوص أو وضع محصور (1)
يفعل ما ينسب إليها، ويكون ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية والأغذية
بها مجازا باعتبار الربط العادي لا الفعل الحقيقي، فهذا لا يكفر معتقده ولكنه
مخطئ أيضا وإن كان أقل خطأ من الأول، لان وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم
ولا أكثري.

(1) في ص: مخصوص.
263

(السابع - الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)
قاعدة:
يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اجماعا، وهل هما عقليان أو
سمعيان وعلى الكفاية أو على الأعيان؟ قولان، أقربهما أولهما، عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم: لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث
الله عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم، وروى الأصحاب قريبا من معناه.
ومن شروطهما أن لا يؤدى الانكار إلى مفسدة، كارتكاب (1) منكر أعظم منه،
مثل أن ينهاه عن شرب الخمر فيترتب (2) القتل ونحوه والعلم يؤخر الفعل في نفسه (3)،
وبأن هذا الفعل موصوف بالوجه.
فلا انكار فيما اختلف فيه العلماء اختلافا ظاهرا، الا أن يكون المتلبس يعتقد
تحريم ما فعل أو وجوب ما ترك والمنكر موافق له في اعتقاده.
ومع اختلال هذه الشروط يحرم النهي والامر الا بالقلب فيهما إذا علم
كونه منكرا.
ويشترط أن يجوز التأثير ولو مع تساوي الاحتمالين، ولا يشترط العلم ولا
غلبة الظن، أما لو علم عدم التأثير أو غلب ظنه فإنه يسقط الوجوب لا الجواز
والاستحباب.
وان يأمن على نفسه وماله ومن يجري مجراه. وهذا يمكن دخوله في

(1) في ص: وارتكاب.
(2) في ك: فيوثب للقتل. وفي القواعد: فيتوثب إلى القتل. وفي هامشه: فيؤثر القتل.
(3) في ك والقواعد: بوجه الفعل في نفسه.
264

الشرط الأول، وهو يسقط الجواز أيضا، الا أن يكون المأخوذ [منه] مالا له
فيجوز تحمل الامر والسماحة به.
فائدة:
مراتب الانكار ثلاث تتعاكس في الابتداء، فبالنظر إلى القدرة والعجز اليد (1)،
فان عجز فاللسان، فان عجز فالقلب.
وبالنظر إلى التأثير يقتصر على القلب والمقاطعة ويعتبر التعظيم (2)، فإن لم
ينجع (3) فالقول مقتصرا على الأيسر فالأيسر، قال الله تعالى " فقولا له قولا لينا لعله
يتذكر أو يخشى " (4) [وقال تعالى " ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن " (5)
] ثم بالقلب.
وأصعب الانكار (6) القلبي، لقوله صلى الله عليه وآله: من رأى منكم منكرا
فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، ليس وراء ذلك
شئ من الايمان، ويروي: وذلك أضعف الايمان.
والمراد بالايمان هنا الافعال، ومنه قوله " ص ": الايمان بضع وسبعون
شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.

(1) أي إن كان الامر والناهي قادرا والمأمور والمنهي عاجزا فالانكار باليد فان عجز
عنه فباللسان فان عجز عنه أيضا فالانكار بالقلب.
(2) في ك: وتغير التعظيم. وفي القواعد: وتغيير التعظيم.
(3) نجع فيه الامر: أثر فيه ونفع.
(4) سورة طه: 44.
(5) سورة العنكبوت: 46. وليس ما بين القوسين في ص.
(6) في ص والقواعد: واضعف الانكار.
265

وهذه التجزية إنما تصح في الافعال، وأقوى الايمان الفعل باليد ثم اللسان
ثم القلب، لان اليد يستلزم إزالة المفسدة على الفور، ثم القول لأنه قد يقع معه
الإزالة، ثم القلب لأنه لا يؤثر، فإذا لحظ عدم تأثيره في الإزالة فكأنه لم يأت
الا لهذا النوع الضعيف من الايمان.
وقد سمى الله تعالى الصلاة ايمانا بقوله تعالى " وما كان الله ليضيع ايمانكم " (1)
أي صلاتكم إلى بيت المقدس.
فروع:
(الأول) لا يشترط في المأمور والمنهي أن يكون عالما بالمعصية فينكر
على المتلبس بالمعصية بصورة تعريفه أنها معصية ونهيه عنها، وكذا المتأول
للمعصية فإنه ينكر عليه كالبغاة، لان المعتبر ملابسة لمفسدة واجبة الدفع، أو
كونه تاركا لمصلحة واجبة الحصول، كنهي الأنبياء عليهم السلام في أول البعثة
وقد كان المتلبسون غير عالمين بذلك، ولان الصبيان يؤدبون والمجانين ولا
معصية.
وربما أدى الأدب إلى القتل كما في صورة صولتهم (2) على دم أو بضع لا
يندفعون عنه الا بالقتل، ومن هذا الباب لو سمع العدل أو الفاسق عفو الموكل
عن القصاص وأخبر الوكيل بعفوه فلم يقبل منه، فللشاهد الانكار والدفع لهذا
الوكيل عن القصاص ما أمكن ولو أدى إلى قتله فاشكال وكذا لو وجد أمته بيد
رجل وزعم أنه اشتراها من وكيله فأراد البائع وطئها لتكذيبه في الشراء أو أخذها
فله دفاعه عنها.

(1) سورة البقرة: 143.
(2) في ص والقواعد وهامش ك: صولهم. صال صولا أي وثب وثوبا.
266

وهذا الباب (1) ليس من باب الانكار بل من باب الدفاع عن المال والبضع.
(الثاني) يجبان على الفور اجماعا، فلو اجتمع جماعة متلبسون بمنكر أو
ترك المعروف واجب أنكر عليهم جميعا بفعل واحد أو قول واحد إذا كان ذلك
كافيا في الغرض، مثل لا تزنوا صلوا (2).
(الثالث) الامر بالمندوب والنهي عن المكروه مستحبان ولكن ليس فيهما
تعنيف ولا توبيخ ولا انزال ضرر، لان الضرر حرام فلا يكون بدلا عن المكروه
وهو من باب التعاون على البر والتقوى.
وكذلك من وجده يفعل ما يعتقده الواجد قبيحا ولا يعتقد مباشره قبحه ولا
حسنه مع تقارب (3) المدارك، أو يعتقد حسنه بمدرك ضعيف كاعتقاد الحنفي شرب
النبيذ فإنه ينكر عليه، أما الأول فبغير تعنيف، وأما الثاني فكغيره من المنكرات.
(الرابع) لو أدى الانكار إلى قتل المنكر حرم ارتكابه لما سلف، وجوزه
كثير من العامة، لقوله تعالى " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير " (4) مدحهم
لأنهم قتلوا بسبب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذا مسلم إذا كان على وجه الجهاد، قالوا قتل يحيى بن زكريا لنهيه عن
تزويج الربيبة. قلنا: وظيفة الأنبياء غير وظائفنا.
قالوا: قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل الجهاد كلمة
حق عند سلطان جائر (5). وفي هذا تعريض لنفسه بالقتل ولم يفرق بين الكلمات

(1) في ص والقواعد: وهذا المثال.
(2) في ص. ضلوا بالضاد المعجمة.
(3) في ك: مع تفاوت.
(4) سورة آل عمران: 146.
(5) الخصال: 65، التهذيب 6 / 178.
267

أهي من الأصول أو الفروع من الكبائر أو الصغائر. قلنا محمول على الامام أو
نائبه أو باذنه أو على من لا يظن القتل.
قالوا: خرج مع ابن الأشعث جمع عظيم من التابعين في قتال الحجاج
لإزالة ظلمه وظلم الخليفة عبد الملك ولم ينكر ذلك عليهم أحد من العلماء.
قلنا: لم يكونوا كل الأمة ولا علمنا أنهم ظنوا القتل بل جوزوا التأثير
ودفع المنكر، أو جاز أن يكون خروجهم باذن امام واجب الطاعة كخروج
زيد بن علي صلوات الله على آبائه وعليه وغيره من بنى علي " ع ".
(الثامن - التقية وتوابعها)
قاعدة:
المداهنة في قوله تعالى " ودوا لو تدهن فيدهنون " (1) معصية والتقية غير
معصية، والفرق بينهما أن الأول تعظيم غير المستحق لاجتلاب نفعه أو لتحصيل
صداقته، كمن يثني على ظالم بسبب ظلمه ويصوره بصورة العدل، أو مبتدع
على بدعته ويصورها بصورة الحق. والتقية مخاطبة الناس (2) بما يعرفون وترك
ما ينكرون حذرا من غوائلهم، كما أشار إليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه،
وموردها غالبا الطاعة والمعصية، فمجاملة الظالمين فيما يعتقده ظلما والفاسق
المتظاهر بفسقه اتقاء شرهما من باب المداهنة الجائزة ولا يكاد يسمى تقية.
قال بعض الصحابة: انا لنكشر (3) في وجوه أقوام وان قلوبنا لتلعنهم.

(1) سورة القلم: 9.
(2) في ك والقواعد: مجاملة الناس.
(3) كشر عن أسنانه يكشر كشرا: ابدي سنه وهو التبسم.
268

وينبغي لهذا المداهن التحفظ من الكذب، فإنه قل أن يخلو أحد من
صفة مدح.
وقد دل على التقية الكتاب والسنة، قال الله تعالى " لا يتخذ المؤمن الكافرين
أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا أن تتقوا منهم
تقاة " (1) وقال تعالى " الا ممن أكره وقلبه مطمئن بالايمان " (2).
وقال الأئمة عليهم الصلاة والسلام: تسعة أعشار الدين التقية (3). وقالوا عليهم
الصلاة والسلام: من لا تقية له لا دين له، ان الله يحب أن يعبد سرأ كما يحب أن
يعبد جهرا (4). وقالوا عليهم السلام: امضوا في أحكامهم ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا.
وكتب الكاظم عليه السلام إلى علي بن يقطين بتعليمه كيفية الوضوء على
ما عليه العامة، فتعجب من ذلك ولم يسعه الامتناع، ففعل ذلك أياما، فسعي به
إلى الرشيد بسبب المذهب فشغله يوما بشئ من الديوان في دار وحده، فلما
حضر وقت الصلاة تجسس عليه فوجده يتوضأ كما أمر، فسري عن الخليفة واعتذر
إليه، فكتب إليه بعد ذلك الإمام عليه السلام أن يتوضأ كذا وكذا، ووصف له
الوضوء الصحيح (5).
وفتاوى أهل البيت عليهم صلوات الله مشحونة بالتقية، وهو أعظم أسباب
اختلاف الأحاديث.

(1) سورة آل عمران: 28.
(2) سورة النحل: 106.
(3) أصول الكافي 2 / 217، المحاسن: 205.
(4) وسائل الشيعة 6 / 465 باختلاف يسير في اللفظ.
(5) الارشاد: 294، اعلام الوري: 303، المناقب 2 / 355.
269

تنبيهات:
(الأول) التقية تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة:
فالواجب إذا علم أو ظن نزول الضرر بتركها به أو ببعض المؤمنين.
والمستحب إذا كان لا يخاف ضررا عاجلا [ويتوهم ضررا آجلا] أو ضررا
سهلا، أو كان تقية في المستحب كالترتيب في تسبيح الزهراء صلوات الله عليها
وترك فصول بعض الاذان.
والمكروه التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا، ويخاف منه
الالتباس على عوام المذهب.
والحرام التقية حيث يؤمن الضرر عاجلا وآجلا أو في قتل مسلم. قال
أبو جعفر عليه السلام: إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا
تقية (1).
والمباح التقية في بعض المباحات التي يرجحها العامة ولا يصل بتركها
ضرر.
(الثاني) التقية تبيح كل شئ حتى اظهار كلمة الكفر، ولو تركها حينئذ
أثم، الا في هذا المقام ومقام التبري من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، فإنه
لا يأثم بتركها بل صبره اما مباح أو مستحب خصوصا إذا كان ممن يقتدى به.
(الثالث) الذريعة أيضا تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة باعتبار ما هي وسيلة
إليه، لان الوسائل تتبع المقاصد:
فالواجب ما وقى به دمه وماله ولا طريق الا به وكذا إذا كان طريقا إلى دفع

(1) المحاسن: 205، الكافي 2 / 220 فيه: ليحقن بها الدم.
270

مظلمة عن الغير وهو مسلم أو معاهد.
والمستحب ما كان طريقا إلى المستحب كأن يحسن خلقه للظالم ليحسن
خلقه.
والمكروه ما كان بمجرد جرد في الطبع (1) لا لدفع ضرر.
والحرام ما كان طريقا إلى زيادة شر الظالم وترغيبه في الظلم ومحرصا
للمداهن على الهلاك (2) والمكابرة عليها.
والمباح ما عدا ذلك، ويلحق بهذا المكان:
قاعدة:
محدثات الأمور بعد عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنقسم أقساما لا
يطلق اسم " البدعة " عندنا الا على ما هو محرم منها:
(أولها) الواجب، كتدوين القرآن والسنة إذا خيف عليهما التفلت من
الصدور، فان التبليغ للقرون الآتية واجب اجماعا، وللآية. ولا يتم الا بالحفظ
وهذا في زمان الغيبة واجب، وأما في زمان الظهور فلا لأنه الحافظ لهما حافظا (3)
لا يتطرق إليه الخلل.
(وثانيها) المحرم، وهو كل بدعة تتناولها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة:
كتقديم غير الأئمة المعصومين " ع " وأخذ مناصبهم، واستيثار ولاة الجور
بالأموال ومنعها مستحقها، وقتال أهل الحق وتشريدهم وابعادهم، والقتل على

(1) في ك: لمجرد دخول في الطبع، وفي القواعد: لمجرد خور في الطبع.
(2) في ك والقواعد: على الانهماك في المعاصي. وفي القواعد " والمشاورة عليها "
بدل " والمكابرة عليها ".
(3) في ك: حفظا.
271

الظنة، والالزام ببيعة (1) الفساق والمقام عليها وتحريم مخالفتها، والغسل في
موضع المسح، والمسح على غير المقدم، وشرب كثير من الأشربة، والجماعة
في النوافل، والاذان الثاني يوم الجمعة، وتحريم المتعتين، والبغي على الامام،
وتوريث الأباعد ومنع الأقارب، ومنع الخمس أهله، والافطار في غير وقته -
إلى غير ذلك من المحدثات المشهورات، ومنها بالاجماع من الفريقين المكس
وتولية المناصب غير الصالح لها ببذل أو ارث وغير ذلك.
(وثالثها) المستحب، وهو ما تناولته أدلة الندب، كبناء المدارس والربط
وليس منه اتخاذ الملوك الأهبة ليعظموا في النفوس. اللهم الا أن يكون ذلك
مرهبا للعدو.
(ورابعها) المكروه، وهو ما يشتمله (2) أدلة الكراهة، كالزيادة في تسبيح
الزهراء صلوات الله عليها وسائر الموظفات أو النقيصة منها، والتنعم في الملابس
والمآكل بحيث يبلغ الاسراف بالنسبة إلى الفاعل، وربما أدى إلى التحريم
إذا استضربه وعياله.
(وخامسها) المباح، وهو الداخل تحت أدلة الإباحة، كنخل الدقيق، فقد
ورد: أول شئ أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتخاذ المناخل.
لان لين العيش والرفاهية من المباحات فوسيلته مباحة.
(التاسع - في تعظيم المؤمن وتوابعه)
قاعدة:
يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان وان لم يكن منقولا عن السلف

(1) في ص: بتبعة.
(2) في ك: شملته.
272

لدلالة العمومات عليه، قال تعالى " ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " (1)
وقال تعالى " ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " (2) ولقول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا
وكونوا عباد الله اخوانا (3).
فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بالحياء وشبهه، وربما وجب إذا أدى تركه
إلى التباغض والتقاطع أو إهانة المؤمن، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قام إلى فاطمة عليها السلام (4) وقام إلى جعفر عليه السلام لما قدم من الحبشة (5)
وقال للأنصار: قوموا إلى سيدكم. ونقل أنه " ص " قام لعكرمة بن أبي جهل لما
قدم من اليمن فرحا بقدومه (6).
فان قلت: قد قال رسول الله " ص ": من أحب أن يتمثل له الناس أو الرجال
قياما فليتبوأ مقعده من النار (7). ونقل أنه " ص " كان يكره أن يقام له فكانوا إذا
قدم لا يقومون لعلم كراهته ذلك فإذا فارقهم قاموا حتى يدخل منزله لما يلزمهم
من تعظيمه.
قلت: تمثيل الرجال قياما هو ما يصنعه الجبابرة من الزامهم الناس بالقيام
في حال قعودهم إلى أن ينقضي مجلسهم، لا هذا القيام المخصوص القصير زمانه.

(1) سورة الحج: 32.
(2) سورة الحج: 30.
(3) قرب الإسناد: 15 باختلاف وتقدم وتأخر.
(4) المناقب 2 / 95 عن فضائل السمعاني.
(5) الخصال 1 / 107، 2 / 254.
(6) شرح نهج ابن أبي الحديد 18 / 9.
(7) الجامع الصغير: 160 عن مسند أحمد وأبي داود والترمذي.
273

سلمنا لكن يحمل على من أراد ذلك تجبرا وعلوا على الناس فيؤاخذ من لا يقوم
له بالعقوبة، أما من يريده لدفع الإهانة عنه والنقيصة [له] فلا حرج عليه، لان
دفع الضرر عن النفس واجب.
وأما كراهته " ص " فتواضع لله وتخفيف على أصحابه، وكذا نقول: ينبغي
للمؤمن أن لا يحب ذلك وان يؤاخذ نفسه بمحبة تركه إذا مالت إليه، ولان
الصحابة كانوا يقومون كما في الحديث، ويبعد عدم علمه " ص " بهم، مع أن
فعلهم يدل على تسويغ ذلك.
وأما المصافحة فثابتة من السنة (1) وكذا تقبيل موضع السجود (2)، وأما تقبيل
اليد فقد ورد أيضا في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا تلاقى
الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما وكان أقربهما إلى الله تعالى أكثرهما بشرا.
وفي الكافي للكليني رحمه الله في هذه المقامات أخبار كثيرة نقلت منها ما
تيسر لي نقله:
1 - عن رفاعة عن الصادق عليه السلام قال: لا يقبل رأس أحد ولا يده الا
رسول الله " ص " أو من أريد به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3).
2 - عن علي بن بريد صاحب السابري قال: دخلت على الصادق سلام الله
عليه فتناولت يده فقبلتها فقال: أما انه لا يصلح الا لنبي أو وصي نبي (4).
3 - عن الحسن عليه الصلاة والسلام قال: من قبل للرحمة ذا قرابة فليس

(1) راجع الكافي 2 / 179.
(2) الكافي 2 / 185.
(3) الكافي 2 / 185.
(4) الكافي 2 / 185 فيه: عن علي بن مزيد.
274

عليه شئ، وقبلة الأخ على الخد وقبلة الامام بين عينيه (1).
4 - عن محمد بن سنان عن الصادق عليه السلام: ليس القبلة على الفم الا
للزوجة والولد الصغير (2).
5 - عن يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السلام قال: ان لكم لنورا تعرفون
به في الدنيا، حتى أن أحدكم إذا لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته (3).
6 - عن أبي جعفر عليه السلام: كما لا يقدر على صفة الله كذا لا تقدر على
صفتنا، وكما لا تقدر على صفتنا لا تقدر على صفة المؤمن، ان المؤمن يلقى
المؤمن فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما
تتحات الورق عن الشجر (4).
وأما المعانقة فجائزة أيضا لما ثبت من معانقة النبي " ص " جعفرا، واختصاصه
به غير معلوم. وفي الحديث انه قبل بين عيني جعفر عليه السلام مع المعانقة (5).
وأما تقبيل المحارم على الوجه فجائز ما لم يكن لريبة أو تلذذ.
ويلحق هنا قاعدتان:
(القاعدة) الأولى:
الكبر معصية، والاخبار كثيرة بذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر. فقالوا: يا رسول الله

(1) الكافي 2 / 186 فيه: من قبل للرحم.
(2) الكافي 2 / 186.
(3) الكافي 2 / 185.
(4) الكافي 2 / 180.
(5) الخصال 2 / 254.
275

ان أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. فقال: ان الله جميل يحب
الجمال، ولكن الكبر بطر الحق وغمص الناس (1).
بطر الحق: رده على قائله. والغمص بالصاد المهملة: الاحتقار. والحديث
مؤول بما يؤدي إلى الكفر، أو يراد أن لا يدخل الجنة مع دخول غير المتكبر
بل هو بعده وبعد العذاب في النار.
وقد علم [منه] أن التجمل ليس من الكبر في شئ، وقسم بعضهم التجمل
بانقسام الأحكام الخمسة:
1 الواجب، كتجمل الزوجة عند إرادة الزوج منها ذلك، وتجمل ولاة
الامر إذا كان طريقا إلى ارهاب العدو (2).
2 المستحب، كتجمل المرأة لزوجها ابتداءا وتجمله لها، والولاة لتعظيم
الشرع، والعلماء لتعظيم العلم.
3 الحرام، كالتجمل بالحرير للرجال وتجمل الأجنبي للأجنبية ليزني بها.
4 المكروه، لبس ثياب التجمل وقت المهنة ووقت الحداد في المرأة إذا
لم تؤد إلى الزينة.

(1) راجع الكافي 2 / 309، البحار 73 / 234، معاني الأخبار: 241. قال الصدوق
عليه الرحمة فيه: في كتاب الخليل بن أحمد يقول فلان غمص الناس وغمص النعمة إذا
تهاون بها وبحقوقهم، ويقال: انه لمغموص عليه في دينه أي مطعون عليه، وقد غمص النعمة
والعافية إذا لم يشكرها. وقال أبو عبيد في قوله عليه السلام - إلى أن قال -: واما قوله
غمص الناس فإنه الاحتقار لهم والازدراء بهم وما أشبه ذلك. قال: وفيه لغة أخرى في غير
هذا الحديث. وغمص بالصاد غير معجمة وهو بمعنى غمط والغمص في العين والقطعة منه
غمصة. والغميصاء: كوكب، والغمص في المعاء: غلظة وتقطيع ووجع.
(2) في ك: ادهاب العدو، قال في القاموس: الدهب بالفتح: العسكر المنهزم.
276

5 المباح، وهو ما عدا ذلك، وهو الأصل في التجمل، قال الله تعالى
" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده " (1) قال بعضهم: قد يجب الكبر على الكفار في الحرب وغيره، وقد يندب
تقليلا لبدعة المبتدع إن كان طريقا إليها، ولو قصد به الاستتباع وكثرة الاتباع
كان حراما إذا كان الغرض به الرياء.
وقال آخر: التواضع للمبتدع أولى في استجلابه وأدخل في قمع بدعته.
والعجب استعظام العبد عبادته، وهذا معصية.
وما قدر العبادة بالنسبة إلى أقل نعمة من نعم الله تعالى وكذا استعظام العالم
علمه وكل مطيع طاعته حتى ينسب بذلك إلى التكبر.
والفرق بينه وبين الرياء أن الرياء يقارن العبادة والعجب متأخر عنها، فتفسد
بالرياء لا بالعجب.
ومن حق العابد والورع أن يستقل فعله بالنسبة إلى عظمة الله تعالى، قال
الله تعالى " وما قدروا الله حق قدره " (2). ويتهم نفسه في عمله، قال الله " والذين
يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة " (3).
نعم لا يضر السرور بالتوفيق للعمل، وعليه الشكر على التوفيق لذلك، فقد
ورد في الحديث " المؤمن إذا أحسن استبشر، وإذا أساء استغفر، وإذا ابتلي
صبر، وإذا أعطي شكر، وإذا أسئ إليه غفر (4).

(1) سورة الا عراف 32.
(2) سورة الأنعام: 91.
(3) سورة المؤمنون: 60.
(4) الكافي 2 / 240.
277

وأما التسميع (1) المنهي عنه في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من
يسمع سمع الله به يوم القيامة (2). فهو من لوازم العجب، إذ هو التحدث بالعبادة
والطاعة والكمال ليعظم في أعين الناس، فأول ما يحصل في نفسه العجب ويتبعه
التسميع.
(القاعدة) الثانية:
الغيبة محرمة بنص الكتاب العزيز والاخبار، قال صلى الله عليه وآله:
الغيبة أن تذكر الرجل بما يكره أن يسمع. قيل: يا رسول الله وإن كان حقا.
قال: ان قلت باطلا فذاك البهتان.
وهي قسمان: ظاهر وهو معلوم، وخفي وهو كثير كما في التعريض، مثل
أنا لا أحضر مجلس الحكام، أنا لا آكل أموال الأيتام، أو فلان ويشير بذلك
إلى من يفعل ذلك أو الحمد لله الذي نزهنا عن كذا يأتي به في معرض الشكر.
ومن الخفي: الايماء والإشارة إلى نقض في الغير وإن كان حاضرا.
ومنه: لو فعل كذا لكان خيرا، أو لو لم يفعل كذا لكان حسنا.
ومنه: التنقص بمستحق الغيبة للتنبيه به على عيوب آخر غير مستحق للغيبة.
أما ما يخطر في النفس من نقائص الغير فلا يعد غيبة، لان الله تعالى عفى

(1) وهو السمعة، قال في مرآة العقول 10 / 107: والسمعة بالضم وقد يفتح يكون
على وجهين: أحدهما ان يعمل عمل ويكون غرضه عند العمل سماع الناس له كما أن الرياء
هو ان يعمل ليراه الناس فهو قريب من الرياء بل نوع منه، وثانيهما ان يسمع عمله الناس
بعد الفعل والمشهور انه لا يبطل عمله بل ينقص ثوابه أو يزيله كما سيأتي.
(2) الجامع الصغير: 183 عن مسند أحمد والترمذي، كنوز الحقائق: 123 عن الترمذي.
وفيها هكذا: من يرائي يراء الله به ومن يسمع يسمع الله به.
278

عن حديث النفس.
ومن الأخفى أن يذم نفسه بذكر طرائق غير محمودة فيه أوليس متصفا بها
لينبه على عورات غيره.
وقد جوزت صورة الغيبة في مواضع سبعة:
1 أن يكون المقول فيه مستحقا لذلك لتظاهره بسببه، كالكافر والفاسق
المتظاهر، فيذكره بما هو فيه لا بغيره.
ومنع بعض الناس من ذكر الفاسق وأوجب التعزير بقذفه بذلك الفسق،
وقد روى الأصحاب نحوا من ذلك. قال بعض العامة: حديث " لا غيبة لفاسق "
أو " في فاسق، لا أصل له. قلت: ولو صح أمكن حمله على النهي، أي خبر يراد
به النهي، أما من يتفكه بالفسق ويبتهج به (1) في شعره أو كلامه فيجوز حكاية كلامه.
2 شكاية المتظلم بصورة ظلمه، كقول المرأة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم
: ان فلانا رجل شحيح (2).
3 النصيحة للمستشير، كقول النبي " ص " لفاطمة بنت قيس حين شاورته
في خطابها: أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع العصا
عن عاتقه (3). هذا مع مسيس الحاجة إلى ذلك والاقتصار على ما ينبه به المستشير.
وكذا لو علم دخول الشخص مع من لا يوثق بدينه أو ماله أو نفسه جاز

(1) في ص والقواعد: يتبجح به.
(2) قالته هند زوجة أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ان أبا سفيان
رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني فقال لها: خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف.
أخرجه البخاري في باب " إذا لم ينفق الرجل فللمرأة ان تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها
بالمعروف " من كتاب النفقات.
(3) أسد الغابة 5 / 526.
279

له تحذيره منه وربما وجب، بأن يوقع التحذير المجرد عن الغيبة ان مكن
والا جاز ذكر عيب فعيب حتى ينتهي، لان حفظ نفس الانسان وماله وعرضه
واجب. وليقتصر على العيب المنوط به ذلك الامر، فلا يذكر في عيب التزويج
ما يخل بذلك الامر ولا يتجاوزه.
4 الجرح والتعديل للشاهد والراوي، ومن ثم وضع العلماء كتب الرجال
وقسموهم إلى الثقات والمجروحين وذكروا أسباب الجرح غالبا.
ويشترط اخلاص النصيحة في ذلك بأن يقصد في ذلك حفظ أموال المسلمين
وضبط السنة وحمايتها عن الكذب ولا يكون حامله العداوة والتعصب.
وليس له الا ذكر ما يخل بالشهادة والرواية منه ولا يتعرض لغير ذلك،
مثل كونه ابن ملا عنة أو شبهه.
أقول: ومن ذلك ما يذكره النسابون من مطاعن النسب صونا للنسب
الشريف من الحاق ما ليس منه به، إذ قد يترتب على ذلك أمور شرعية من استحقاق
الخمس والكفاءة في النكاح لو لم يكن لرشدة (1) ويكون ذلك هو الباعث لا
العداوة.

(1) في ك: لرشيدة. قال السيد المحقق الداماد الأمير محمد باقر قدس سره: لغية
رشدة بفتح الراء المهملة وكسرها قبل الشين المعجمة الساكنة ثم الدال المهملة المفتوحة
والتاء أخيرا. قال في النهاية في باب الراء مع الشين: يقال: هذا ولد رشدة إذا كان
لنكاح صحيح كما يقال في ضدة: ولد زنية بالكسر فيهما. وقال الأزهري. المعروف فلان
ابن زنية وابن رشدة وقيل: زنية ورشدة والفتح أفصح اللغتين وقال في المغرب للمطرزى.
هو ولد زنية ولزنية بالفتح والكسر وخلافه ولد رشدة ولرشدة وكذلك يقال مكان زنية
ولد غية ولغية بفتح الغين المعجمة وكسرها وتشديد المثناة من تحت مفتوحة والتاء أخيرا
إذا لغى وهو خلاف الرشد على ما نص التنزيل الكريم قال في الصحاح. يقال فلان لغية
وهو نقيض قولك لرشدة وقال في القاموس: ولد غية أي زنية، ومنه ما في الحديث من
طريق الخاصة والعامة، وقد أخرجناه في شرح التقدمة وهو شرح تقدمة كتابنا " تقويم
الايمان " عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
بوروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب فمن أحبه فاعلموا انه لرشدة ومن أبغضه فاعلموا
أنه لغية.
وعن قتادة قال: كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب: فإذا رأينا أحدهم لا يحبه
علمنا أنه لغير رشدة. وفى الحديث الخاصي من طريق رئيس المحدثين باسناده عن أبان
ابن أبي عياش عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله " ص ":
ان الله لحرم الجنة على كل فحاش قليل الحياء لا يبالي بما قال ولا بما قيل له فإنه
فإنك ان فتشته لم تجده الا لغية أو شرك شيطان - الحديث.
ومن أعاجيب الأغاليط وتعاجيب التوهمات ما يقرع السمع هناك من حسبان اللام أصلية
وتخايل أن تكون الكلمة بضم اللام واسكان الغين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت أي
ملغى وأن تكون بالعين المهملة المفتوحة أو الساكنة والنون أي من دأبه ان يعلن الناس
أو يلعنوه. انتهى كلامه رفع مقامه ونقلناه عن حاشيتنا على مجمع البحرين.
280

5 ذكر المبتدعة وتصانيفهم الفاسدة وآرائهم المضلة، وليقتصر على
ذلك القدر.
قال العلامة (1): من مات منهم ولا شيعة له تعظمه ولا خلف كتابا يقرؤن ولا
ما يخشى افساده لغيره، فالأولى أن يستر بستر الله عز وجل ولا يذكر له عيبا البتة
وحسابه على الله، وقد قال عليه السلام: أذكروا محاسن موتاكم (2). وفي خبر
آخر: لا تقولوا في موتاكم الا خيرا.
6 لو اطلع العدد الذي يثبت به الحد أو التعزير على فاحشة جاز ذكرها
عند الحاكم بصورة الشهادة في حضرة الفاعل وغيبته.
7 قيل إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها في

(1) في ك والقواعد. قال العامة.
(2) الجامع الصغير. 37 عن أبي داود والترمذي والبيهقي والحاكم.
281

غيبة ذلك العاصي جاز، لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا. والأولى التنزه عن هذا
لأنه ذكر له بما يكره لو كان حاضرا ولأنه ربما ذكر أحدهما صاحبه بعد نسيانه
أو كان سببا لاشتهارها. (العاشر وهو نوعان)
الأول: صلة الأرحام.
قاعدة:
كل رحم توصل للكتاب والسنة والاجماع على الترغيب في صلة الأرحام
والكلام فيها في مواضع:
(الأول) ما الرحم، والظاهر أنه المعروف بنسبه وان بعد وإن كان بعضه
آكد من بعض ذكرا كان أو أنثى، وقصره بعض العامة على المحارم الذي يحرم
التناكح بينهم ان كانوا ذكور أو إناثا، وإن كان من قبيل يقدر أحدهما ذكرا والاخر
أنثى، فان حرم التناكح فهم رحم، واحتج بأن تحريم الأختين إنما كان لما يتضمن
من قطيعة الرحم وكذا الجمع بين العمة والخالة، وابنة الأخ والأخت مع عدم
الرضا عندنا ومطلقا عندهم.
وهذا بالاعراض عنه حقيق، لان الوضع اللغوي يقتضي ما قلناه والعرف
أيضا، والاخبار دلت عليه، وفيها تباعد لا بأكثره.
وقوله تعالى " فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " (1)
عن علي صلوات الله عليه وآله أنها نزلت في بني أمية. أورده علي بن إبراهيم

(1) سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 22.
282

في تفسيره (1). وهو يدل على تسمية القرابة المتباعدة رحما.
(الثاني) ما العلة التي يخرج بها عن القطيعة؟
الجواب المرجع في ذلك إلى العرف، لأنه ليس له حقيقة شرعية ولا لغوية
وهو يختلف بالعادات وبعد المنازل وقربها.
(الثالث) بم الصلة؟
والجواب قال صلى الله عليه وآله: بلوا أرحامكم ولو بالسلام (2). وفيه تنبيه
على أن السلام صلة.
ولا ريب أنه مع فقر بعض الأرحام وهم العمودان تجب الصلة بالمال،
وتستحب لباقي الأقارب، ويتأكد في الوارث وهو قدر النفقة ومع الغنى فبالهدية
في الأحيان بنفسه أو رسوله، وأعظم الصلة ما كان بالنفس. وفيه أخبار كثيرة.
ثم بدفع الضرر عنها، ثم بجلب النفع إليها، ثم بصلة من يحب وان لم
يكن رحما للواصل كزوجة الأب والأخ ومولاه، وأدناها السلام بنفسه ورسوله
والدعاء بظهر الغيب والثناء في المحضر.
(الرابع) هل الصلة واجبة أو مستحبة؟
والجواب انها تنقسم إلى الواجب وهو ما يخرج به عن القطعية، فان قطيعة

(1) الصافي: 466 عنه وعن الكافي.
(2) البحار 74 / 104 نقلا عن " كتاب الإمامة والتبصرة " وفيه: صلوا أرحامكم في
الدنيا ولو بسلام. قال في مجمع البحرين: في الحديث: بلوا أرحامكم ولو بالسلام أي
ندوها بصلتها وهم يطلقون النداوة على الصلة كما يطلقون اليبس على القطعية لأنهم لما رأوا
بعض الأشياء تتصل وتختلط بالنداوة ويحصل بينهما التجافي والتفرق باليبس استعاروا البلل
بمعنى الوصل واليبس بمعنى القطيعة.
283

الرحم معصية، بل قيل هي من الكبائر. والمستحب ما زاد على ذلك.
وتظافرت الاخبار بأن صلة الرحم تزيد في العمر، فأشكل هذا على كثير
من الناس باعتبار أن المقدرات في الأزل والمكتوبات في اللوح المحفوظ لا
تتغير بالزيادة والنقصان لاستحالة خلاف معلوم الله تعالى وقد سبق العلم بوجود
كل ممكن أراد وجوده وبعدم كل ممكن أراد بقاءه على حالة العدم الأصلي أو
اعدامه بعد ايجاده، فكيف يمكن الحكم بزيادة العمر أو نقصانه بسبب من
الأسباب.
واضطربوا في الجواب، فتارة يقولون هذا على سبيل الترغيب، وتارة
المراد به الثناء الجميل بعد الموت، قال الشاعر:
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته (1) * ما فاته وفضول العيش اشغال
وقال: ماتوا فعاشوا بحسن الذكر بعدهم (2).
وقيل: بل المراد زيادة البركة في الأجل، اما في نفس الأجل فلا، وهذا
الاشكال ليس بشئ " أما أولا " فلو روده في كل ترغيب مذكور في القرآن والسنة
حتى الوعد بالجنة والنعيم بالايمان وبجواز الصراط والحور والولدان، وكذلك
التوعد بالنيران وكيفية العذاب.
ولأنا نقول: إن الله تعالى علم ارتباط الأسباب بالمسببات في الأزل وكتبه
في اللوح المحفوظ، فمن علمه مؤمنا فهو مؤمن أقر بالايمان أولا بعث إليه نبيا
أولا ومن علمه كافرا فهو كافر على التقديرات. ثم هذا اللازم الذي ذكروه ويبطل
الحكمة في بعث الأنبياء والأوامر الشرعية والمناهي ومتعلقاتها، وفي ذلك هدم

(1) في القواعد: عمر الفتى ذكره الباقي وغايته.
(2) عجزه في القواعد: ونحن في صورة الاحياء أموات.
284

الأديان.
والجواب عن الجميع واحد، وهو أن الله تعالى كما علم كمية العمر علم
ارتباطه بسببه المخصوص، وكما علم من زيد دخول الجنة جعله مرتبطا بأسبابه
المخصوصة من ايجاده وخلق العقل له وبعث الأنبياء ونصب الألطاف وحسن
الاختيار والعمل بموجب الشرع (1)، فالواجب على كل مكلف الاتيان بما لزمه.
ولا يتكل على العلم، فإنه مهما صدر عنه فهو المعلوم بعينه، فإذا قال الصادق
عليه السلام " ان زيدا إذا وصل رحمه زاد الله في عمره ثلاثين سنة ففعل " كان
ذلك اخبارا بأن الله تعالى عليم بأن زيدا يفعل ما يصبر به عمره زائدا ثلاثين
سنة، كما أنه إذا أخبر أن زيدا إذا قال " لا إله إلا الله " دخل الجنة، ففعل تبينا
أن الله علم أنه يقول ويدخل الجنة.
وبالجملة جميع ما يحدث في العالم معلوم لله تعالى على ما هو عليه واقع
من شرط أو سبب، وليس نصب صلة الرحم زيادة في العمر الا كنصب الايمان
سببا في دخول الجنة والعمل بالصالحات في رفع الدرجة والدعوات في تحقق
المدعو به، وقد جاء في الحديث " لا تملوا من الدعاء فإنكم لا تدرون متى
يستجاب لكم ". وفي هذا سر لطيف، وهو أن المكلف عليه الاجتهاد، ففي كل
ذرة من الاجتهاد امكان سببيته لخير علمه الله تعالى، كما قال تعالى " والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " (2).
والعجب كيف نصب الاشكال في صلة الرحم، ولم يذكر في جميع التصرفات
الحيوانية، مع أنه وارد فيها عند من لا يتفطن للمخرج منه.
فان قلت: هذا كله مسلم، ولكن قد قال تعالى " ولكل أمة أجل فإذا جاء

(1) في ص: بواجب الشرع.
(2) سورة العنكبوت: 69.
285

أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " (1) وقال تعالى، ولن يؤخر الله نفسا إذا
جاء أجلها " (2).
قلت: الأجل صادق على كل ما يسمى أجلا موهبيا وأجلا مسببيا، فيحمل
ذلك على الموهبي ويكون فيه وفاءا لحق اللفظ كما تقدم في قاعدة الجزئي
والجزء.
ويجاب أيضا: بأن الأجل عبارة عما يحصل عنده الموت لا محالة، سواء
كان بعد العمر الموهبى أو المسببي، ونحن نقول كذلك، لأنه عند حضور أجل
الموت لا يقع التأخر. وليس المراد به العمر، إذ الأجل مجرد الوقت.
وينبه على قبول العمر للزيادة وللنقصان (3) بعد ما دلت عليه الأخبار الكثيرة
قوله تعالى " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا في كتاب " (4).
(الثاني) حق الوالدين وما يتبعه.
قاعدة:
لا ريب أن كلما يحرم أو يجب للإجابة للأجانب يحرم أو يجب للأبوين،
وينفردان بأمور:
(الأول) تحريم السفر المباح بغير اذنهما وكذا السفر المندوب. وقيل
بجواز سفر التجارة وطلب العلم إذا لم يمكن استيفاء التجارة والعلم في بلدهما.

(1) سورة الأعراف: 34.
(2) سورة المنافقون: 11.
(3) في ص: الزيادة والنقصان.
(4) سورة الفاطر: 11.
286

(الثاني) قال بعضهم: يجب عليه طاعتهما في كل فعل وإن كان شبهة، فلو
أمراه بالاكل معهما من مال يعتقد شبهة أكل، لان طاعتهما واجبة وترك الشبهة
مستحب.
(الثالث) لو دعواه إلى فعل، وقد حضرت الصلاة فلتؤخر الصلاة وليطعهما
كما قلناه.
(الرابع) هل لهما منعه من الصلاة جماعة؟ الأقرب أنه ليس لهما منعه مطلقا
بل في بعض الأحيان بما يشق عليهما مخالفته، كالسعي في ظلمة الليل إلى العشاء
والصبح.
(الخامس) لهما منعه من الجهاد مع عدم التعيين، لما صح أن رجلا قال:
يا رسول الله أبايعك على الهجرة والجهاد. فقال: هل من والديك أحد؟ قال:
نعم كلاهما. قال: أفتبتغي الاجر من الله؟ قال: نعم. قال " ص ": فارجع إلى
والديك بأحسن صحبتهما (1).
(السادس) الأقرب أن لهما منعه من فروض الكفاية إذا علم قيام لغير أو ظن
لأنه يكون حينئذ كالجهاد الممنوع.
(السابع) قال بعض العلماء: لو دعواه في صلاة نافلة قطعها، لما صح أن
رسول الله " ص " ان امرأة نادت ابنها وهو في صومعة قالت: يا جريح. قال:
اللهم أمي وصلاتي. فقالت: يا جريح. فقال: اللهم أمي وصلاتي. فقالت:
لا تموت حتى تنظر في وجوه المومسات (2) الحديث.

(1) راجع الكافي 2 / 157.
(2) في ص: في فروج المومسات. وفي البحار: في وجوه المومسات. والمومسات:
الزانيات، والحديث في البحار 74 / 75 نقلا عن " قصص القرآن " للراوندي. وفي هذا
النقل: فانصرفت وهي تقول: اسأل اله بني إسرائيل ان يخذلك. فلما كان من الغد جاءت
فاجرة وقعدت عند صومعته قد أخذها الطلق فادعت ان الولد من جريح ففشا في بني إسرائيل
ان من كان يلوم الناس على الزنا قد زنى وامر الملك بصلبه، فأقبلت أمه إليه فلطمت وجهها
فقال لها: اسكتي إنما هذا لدعوتك. فقال الناس لما سمعوا ذلك منه: وكيف لنا بذلك؟
قال: هاتوا الصبي فجاءوا به فأخذه، فقال: من أبوك؟ فقال: فلان الراعي لبني فلان،
فأكذب الله الذين قالوا ما قالوا في جريح فحلف جريح الا يفارق أمه يخدمها.
287

وبعض الروايات أنه " ص " قال: لو كان جريح فقيها لعلم أن إجابة أمه أفضل
من صلاته.
وهذا الحديث يدل على قطع النافلة لأجلهما، ويدل بطريق الأولى على
تحريم السفر، لان غيبة الوجه فيه أعظم، وهي كانت تريد النظر إليها والاقبال
عليها.
(الثامن) كف الأذى عنهما وإن كان قليلا بحيث لا يوصله الولد إليهما،
ويمنع غيره من ايصاله بحسب طاقته.
(التاسع) ترك الصوم ندبا الا باذن الأب، ولم أقف على نص في الام.
(العاشر) ترك اليمين والعهد الا باذنه أيضا ما لم يكن في فعل واجب أو ترك
محرم، ولم نقف في النذر على نص خاص. الا أن يقال: هو يمين يدخل في
النهي عن اليمين الا باذنه.
تنبيه:
بر الوالدين لا يتوقف على الاسلام، لقوله تعالى " ووصينا الانسان بوالديه
حسنا " (1) " وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما

(1) سورة العنكبوت: 8.
288

في الدنيا معروفا " (1) وهو نص، وفيه دلالة على مخالفتهما في الامر بالمعصية، وهو
كقوله صلى الله عليه وآله: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2).
فان قلت: ما تصنع بقوله تعالى " ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " (3)
وهو يشمل الأب، وهذا منع من المباح، فلا يكون طاعته واجبة فيه أو منع من
المستحب فلا يجب طاعته في ترك المستحب.
قلت: الآية في الأزواج ولو سلم الشمول، إذا التمسك في ذلك بتحريم
العضل. فالوجه فيه أن للمرأة حقا: في الاعفاف والتضرر (4)، ودفع ضرر مدافعة
الشهوة، والخوف من الوقوع في الحرام، وقطع وسيلة الشيطان عنهم (5) بالنكاح.
وأداء الحقوق واجب على الاباء للأبناء كما وجب العكس. وفي الجملة النكاح
مستحب، وفي تركه تعرض لضرر ديني ودنيوي، ومثل هذا لا يجب طاعة
الأبوين فيه.
فائدة وسؤال:
جاء في الحديث عن النبي " ص " أنه قال له رجل: يا رسول الله من أحق
الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟

(1) سورة لقمان: 15.
(2) الفقيه - روضة المتقين - 13 / 29، عيون الأخبار 2 / 43 فيه: لادين لمن دان
بطاعة المخلوق ومعصية الخالق.
(3) سورة البقرة: 232.
(4) في ك: والتصون.
(5) في ص: عنها.
289

قال: أبوك (1).
ذكر الام مرتين، وفي رواية أخرى ثلاثا فقال بعض العلماء: هذا يدل على
أن للام اما ثلثي الابن (2) على الرواية الأولى أو ثلاثة أرباعه على الرواية الثانية
وللأب اما الثلث أو الربع، فاعترض بعض من المستطيعين (3) بأن هنا سؤالان:
الأول - ان السؤال بأحق عن أعلى رتبة البر فعرف الرتبة العالية، ثم سأل
عن الرتبة التي تليها بصيغة ثم التي هي للتراخي الدالة على نقص رتبة الفريق
الثاني عن الفريق الأول في البر، فلا بد أن يكون الرتبة الثانية أخفض من الأولى
[وكذا الثالثة أخفض من الثانية] (4) فلا يكون رتبة الأب مشتملة على ثلث البر
والا لكانت الرتب مستوية وقد ثبت أنها مختلفة فنصيب الأب أقل من الثلث قطعا
أو أقل من الربع قطعا فلا يكون ذلك الحكم صوابا.
الثاني - ان حرف العطف يقتضي المغايرة، لامتناع عطف الشئ على
نفسه، وقد عطف الام على الام.
الثالث - ان السائل إنما سأل ثانيا عن غير الام فكيف يجاب بالأم؟ والجواب
يشترط فيه المطابقة.
وأجاب عن هذين بأن العطف هنا محمول على المعنى كأنه لما أجيب أولا
بالأم، قال: فلمن أتوجه ببري بعد فراغي منها. فقيل له: للام وهي مرتبة ثانية
دون الأولى كما ذكر أولا، فالأم المذكورة ثانيا هي المذكورة أولا بحسب

(1) راجع الكافي 2 / 157، البحار 74 / 22. ونص الرواية أخرجها البخاري في
صحيحه في " باب من أحق الناس بحسن الصحبة " من كتاب الأدب.
(2) في القواعد: على أن للام اما ثلثي الأب.
(3) في القواعد: بعض المستضعفين.
(4) في ص ليس ما بين القوسين.
290

الذات وان كانت غيرها بحسب العرض وهو كونها في الرتبة الثانية من البر،
وإذا تغايرت الاعتبارات جاز العطف، مثل " زيد أخوك وصاحبك ومعلمك "
وأعرض عن الأول كأنه يرى أن لا جواب عنه ثم تبحج به.
قلت: السؤال ليس (الا) عن أكثر الناس استحقاقا بحسن الصحابة لا عن
أعلى رتب حسن الصحابة، فالعلو منسوب إلى المبرور على تفسيره حسن الصحابة
بالبر لا إلى نفس البر.
مع أن قوله: نقص رتبة الفريق الثاني عن الفريق الأول مناف لكلامه الأول
ان أراد بالفريق الأول المبرورين، وان أراد بالفريق من البر ورد عليه الاعتراض
الأول.
وقوله الرتبة الثانية أخفض من الأولى مبني على أمرين فيهما منع: أحدهما
ان أحق هنا للزيادة على من فضل عليه لأنها للزيادة مطلقا كما تقرر في العربية من
احتمال المعنيين، والثاني ان ثم لما أتى بها السائل للتراخي كانت في كلام
النبي " ص " للتراخي.
ومن الجائز أن يكون للزيادة المطلقة، بل هذا أرجح بحسب المقام، لأنه
لا يجب بر الناس بأجمعهم بل لا يستحب، لان منهم البر والفاجر، فكأنه سأل
عن من له حق في البر فأجيب بالأم ثم سأل عن من له حق بعدها.
فأجيب بها منبها على أنه لم يفرغ من برها بعد، لان قوله " ثم من " صريح
في أنه إذا فرغ من حقها في البر لمن يبر، فنبه على أنك لم تفرغ من برهان بعد
فإنها الحقيقة بالبر فأفاده الكلام الثاني الامر ببرها كما أفاده الكلام الأول وانها
حقيقة بالبر مرتين.
ولا يلزم من اتيان السائل بثم الدلالة على التراخي كون البر الثاني أقل من
291

الأول، لأنه بناه على معتقده من الفراغ من البر ثم ظن الفراغ من البر.
فأجيب: بأنك لم تفرغ منه بعد بل عليك ببرها فإنها حقيقة به، فكأنه أمره
ببرها مرتين وببر الأب مرة في الرواية الأولى وببرها ثلاثا وببره مرة في الرواية
الثانية، وذلك يقتضي أن يكون للأب مرة من ثلاث أو مرة من أربع، وظاهر
أن تلك الثلث أو الربع.
وبهذا يندفع السؤالان الاخر ان لأنه لا عطف هنا الا في كلام السائل. سلمنا
أن أحق للأفضلية على من أضيف إليه وان جملة من أضيف إليه الأب، لكن
نمنع أن الا حقية الثانية ناقصة عن الأولى، لأنه إنما استفدنا نقصها من اتيان السائل
بثم معتقدا أن هناك رتبة دون هذه، فسأل عنها، فأجاب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بقوله " أمك ". وكلامه " ص " في قوة أحق الناس بحسن صحابتك أمك،
أحق الناس بحسن صحابتك أمك.
وظاهر أن هذه العبارة لا تفيد الا مجرد التوكيد، الا أن الثاني أخفض من
الأول. فالحاصل على تقدير الامر ببر الام مرتين أو ثلاثا، والامر ببر الأب
مرة واحدة، سواء قلنا إن أحق بالمعنى الأول أو المعنى الثاني.
فائدة:
هل للأبوين المنع من سفر طلب العلم؟ الأقرب لا، الا أن يكون متمكنا
من فعله عندهما على حد يمكنه مع السفر. نعم يستحب الاستيذان، ولو كان
واجب التعلم وتعذر الا بالسفر فلا حجر، أما لو كان طالبا درجة الفتوى - وهو
مترشح لذلك - فإن لم يكن في البلد مستقل بها فهو ملحق بالواجب - وإن كان
فهو ملحق بالمستحب.
ولو خرج لطلب الفتوى وليس في البلد مستقل فخرج معه جماعة فهل
292

للأبوين المنع؟ يمكن القول به ان قلنا لهم منعه من المستحب، لان كل واحد
منهم قد يقوم مقامه. والأولى عدمه، إذ الخارجون معه قد لا يحصل منهم
الغرض التام.
ويجوز أيضا سفر التجارة إذا لم يكن متمكنا من تحصيلها في بلده، وكذا
لو كان في سفره زيادة توقع ربح أو ارفاق أو زيادة فراغ (1) أو حذق أستاذ بالنسبة
إلى طلب العلم، ولهما منعه من سفر التجارة مع الخوف الظاهر، كالسير في
البوادي الخطرة وركوب البحر.
ويلحق بهذا الباب أحكام تتعلق بالأبوين والنسب:
(الأول) يتبع النسب أحكام، كولاية أحكام الميت، والحضانة، والإرث،
وانتقال الولاء، واستحباب الوصية (2)، والعقل، وولاية النكاح، والمال، والمطالبة
بالحد والقصاص، وسقوط القصاص في بعض صوره.
ويترتب على الإرث استحقاق الشفعة والقصاص والخيار، فيتبع النسب (3)
وجوب النفقة والعتق وعدم قبول الشهادة في صورة شهادة الابن على أبيه وعدم
الدفع من الزكاة الا في مثل الغرم وتحريم الموطوءة والمعقود عليها بالنسبة
إلى الأب وولده وثبوت المحرمية.
(الثاني) يسري إلى الولد المتجدد: التدبير، والرهن في الأصح، والضمان
في الغاصب، والأمانة في الودعي، والكتابة، والوقف في وجه قوي، والأضحية
المنذورة بعينها، والحرية الا مع شرط المولى رقية ولد الحرة على قول، والرقية

(1) في ص أو انفاق أو زيادة مرابح.
(2) واستحسان الوصية.
(3) في ص: فيتبع البر.
293

إذا كان الواطي عالما بالتحريم، وولد الأمة المنذور عتقها لو تجدد بعد حصول
الشرط وقبله تردد، وملك المشتري وإن كان في زمن خيار البائع لو حملت
به فيه.
وفي ولد الأمة الموصى بها وجه بعيد، ويقوى لو تجدد بعد الوفاة قبل القبول
على القول بالكشف.
(الثالث) في الاعتداد بالأبوين أو بأحدهما بالنسبة إلى الولد، وهو أقسام:
الأول: ما يعتد فيه بالأبوين ولا يكفي أحدهما، كالاسهام في الجهاد للفرس
لا للبغل، وفي الحل والحرمة في الظاهر، وفيما يجري في الأضحية والهدي والعقيقة
كذلك، والزكاة. ويمكن مراعاة الاسم هنا، ومنه الخلاف في المتولد بين وحشي
وانسي أو ما يحل ويحرم بالنسبة إلى المحرم.
الثاني: ما يعتد فيه بالأب، وهو النسب خلافا للمرتضى ويتبعه استحقاق
الخمس والوقف والوصية ومهر المثل يعتبر بأقرباء الأب، والولاء يغلب فيه
جانب الأب.
ولو ضرب الامام على أفراد قبيل جزية وعلى افراد قبيل آخر جزية مخالفة
للأخرى ثم تولد ولد بين رجل وامرأة من القبيلين أمكن اعتبار جانب الأب.
ولو تولد بين وثني وكتابي فالظاهر أن ديته ثابتة على قاتله لاقراره بالجزية
إن كان الأب كتابيا. ويمكن اقراره بالأم أيضا.
أما حجب الاخوة فالمعتبر فيه جانب الأب، سواء كانت الام واحدة أولا.
الثالث: ما يعتد فيه بالأم وحدها - وهو الجنين المملوك - يعتبر بعشر قيمة
أمه على رواية، والمشهور اعتباره بالأب. والعامة يعتبرونه (1) في صورتين:

(1) في ك: والعامة يعتدونه.
294

إحداهما - الحرية، فمتى كانت حرة كان ولدها حرا. وهي عندنا معتبرة
بأحد الأبوين.
وثانيتهما - الرقية، فمتى كانت الام رقا كان الولد عندهم رقا الا في مواضع
فإنه حر، كوطأ الحر أمة لظنها زوجته الحرة، ووطئ المولى الحر مملوكته،
ووطئ الحر الأمة التي عين نكاحها (1)، ووطئ الأب جارية ابنه، ونكاح المسلم
حربية للشبهة ثم استرقت بعد الحمل فان ولدها لا يسترق لأنه مسلم في الحكم.
الرابع: ما يعتد فيه بأيهما كان كالاسلام وحرمة الاكل بحرمة أي الأبوين كان،
والنجاسة بنجاسة أيهما كان مع احتمال اعتبار الاسم، وضرب الجزية في وجه،
والمناكحة متعة أو بملك اليمين لو كانت امرأة، وحقن الدم (2) إذا أسلم أحد
الأبوين الحربي قبل الظفر به، ورد المبتدأة الفاقدة للتمييز إلى عادة نسائها تعتبر
بهن من أي جهة كانت.
(الرابع) الأغلب استواء الأب والجد في الأحكام، كما في وجوب النفقة
عليهما ولهما، واشتراكهما في الولاية في المال، والنكاح على الطريقة الاجبار،
وانعتاقهما بالملك، وبيع مال الطفل من نفسه وبيع ماله على الطفل، وسقوط
قودهما، وتبعيتهما في تجدد اسلام أحدهما حيا كان الاخر أو ميتا والولد صغير،
ومنعهما من تبعية السابي في الاسلام إذا كان الصغير مع أحدهما، واستيذانهما في
سفر الجهاد وسائر الاسفار إذا لم يجب، وكذا الأجداد ويختلفان في صور:
منها: أن الأب يحجب الإخوة والجد يشاركهم. والتفرقة بين الولد والام
أشد منها بين الأب وبنيه، إذ لا نص في جانب الأب الا ما ذكره ابن الجنيد من

(1) في ك: غبن نكاحها.
(2) في هامش ص: وحق الدم.
295

اجرائه مجرى الام وطرد الحكم في الأجداد والاخوة والأخوات.
ولو أسلم الكافر قبل الاستيلاء أحرز ولده الا صاغر، والظاهر أنه يجوز (1)
أولاد ابنه الأصاغر. ويمكن اشتراط كون الأوسط ميتا، فلو كان حيا التحق
الولد به.
الثاني 2) - في التوابع
وفيه أبحاث:
(الأول - في الحقوق)
قاعدة:
في ازدحام الحقوق، وهي وجوده ثلاثة:
(أحدها) حقوق الله تعالى، فتقدم الصلاة عند ضيق الوقت على الراتبة وعلى
القضاء وعلى النوافل المطلقة مع اتساع الوقت وتقديم الوتر، وسنة الفجر على
صلاة الليل عند الضيق، والصوم والنسك الواجبين على نفلهما.
والظاهر أنه لا ترتيب بين الصدقة الواجبة والمندوبة.
وتقديم الغسل الواجب على المستحب، وتقديم المتبرع بالماء الجنب على
الميت والمحدث، وقيل الميت أولى. وتقديم الجنب على الحائض، وتقديم
غسل الجنابة على رفع الحدث.
والأقرب تقديم غسل الجمعة على الأغسال المندوبة لو جامعت ولم يسع

(1) في ص وهامش ك: انه يحرز.
(2) أي القسم الثاني من المرصد الثاني من المقصد الأول.
296

الماء الجميع أو وسع الماء (1) الجميع ليفوز بفضيلة الدخول (2) إلى المسجد
مغتسلا.
وقد يتعارض أمران مهمان فيقدم الا هم، كما أن الصلاة جماعة مستحبة وفي
المسجد مستحبة، فلو تعارضا فالأقرب (3) أن الجماعة أولى وان كانت في البيت،
وصلاة النفل في المنزل أفضل وإن كان المسجد أفضل من المنزل، لأنه أبعد من
الرياء والاعجاب وأدعى (4) إلى الخشوع والاخلاص.
ولو قلنا باستحباب الرمل في أوائل الطواف ولم يمكن الا بالبعد من البيت
فالأقرب أن البعد أفضل ليحصل الرمل وإن كان الدنو في أصله أفضل، وكذا
لو أدى الدنو إلى مزاحمة تتعرض بضرورة (5) أو غيره.
وقد تتساوى حقوق الله تعالى فيتخير المكلف حينئذ لعدم المرجح، كمن
عليه صوم فائت من رمضانين. ويحتمل تقديم الثاني.
أما الفدية عن رمضان فالأقرب أن لا ترجيح بين الرمضانين.
ومن عليه نذران دفعة يقدم ما شاء، ولو نذر شاتين لسببين ولم يكن عنده
الا واحدة خصها بما شاء، ولو نذر حجا وعمرة دفعة قدم ما شاء.
وقد اختلف في مواضع، كالصلاة في الثوب النجس وعاريا، وتخصيص
القبل بالستر عند عدم ما يستر العورتين جميعا، وتقديم التيمم أو تأخيره مع
اليأس من الماء إلى آخر الوقت أو مع الطمع، وتقديم الفائتة على الحاضرة

(1) في ص: أو يسع الماء.
(2) في ص " السبق " بدل " الدخول ".
(3) في ص: فالأقوى.
(4) في هامش ك: وارعى.
(5) في ك: بضرره.
297

وتقديم جميع أصحاب الاعذار في أول الوقت أو تأخيره.
والخلاف هنا في الاستحقاق والاستحباب والتأخير لأجل الجماعة مع تيقنها
أو ترجيحها أو تقدمه في الصف الأول لو استلزم فوت ركعة، فهل الصف الأخير
حينئذ أفضل لفوزه بالركعة أو الأول؟ فيه نظر، وأقوى في النظر ما لو سعى إلى الأول
لادراك الركوع وان يحرم عنده ادراك الركعة من أولها. ولعل الأقرب السعي.
ولا اشكال أن الصف الأخير أولى لو استلزم السعي فوات الركعة الأخيرة
والاقتصار على ادراك السجود أو التشهد، لان ادراك فضيلة الجماعة بهذين غير
معلوم بخلاف الركعة، ولو وجد العاري المضطر أو المختار ثوبي حرير ونجس
ففي ترجيح أيهما احتمال.
ولو تزاحم ادراك عرفة وصلاة العصر ففي التقديم أوجه:
(الأول) تقديم الصلاة والاجتزاء بالاضطراري، فيشكل لو تردد الحال في
الاضطراري وصلاة العشاء على القول بامتدادها إلى الفجر.
(الثاني) تقديم الوقوف، لان فوات الحج يستلزم مشقة كثيرة ولا يستدرك
الا في السنة القابلة وقد يدركه الموت، ويتحقق هذا في وقوف المشعر مبيتا
إذا كان قد فاته عرفات بالكلية ولم نقل بالاجتزاء باضطراري المشعر وكان
المعارض له صلاة الصبح.
(الثالث) أن يصلي ماشيا إليه. وهذا أقوى، لان فيه جمعا بين الامرين،
وقد شرعت الصلاة مع المشي لما هو أسهل من هذا كالخائف وغيره.
(وثانيها) حقوق العباد فقد تكون متساوية، كتسوية الحاكم بين الخصوم
والزوج بين النسوة في القسم والنفقة، والقريب في نفقة المتساويين في الدرجة
وتخير المرأة في توكيل الأخوين المتساويين في السن، واستواء الشركاء في قسمة
ما لا ضرر فيه، والبائع والمشتري في القبض معا، والشركاء في شقص مشفوع اما
298

ابتداءا على القول بثبوتها مع الكثرة أو استدامة كما لو ورثوا شفيعا، وتسوية
الغرماء في التركة ومال المفلس مع القصور.
وقد يرجح بعضها، كتقديم نفقته على نفقة الزوجة ثم الزوجة ثم الأقارب،
وتقديم نفقته على الغرماء في أيام الحجر ويوم القسمة، وتقديم ذي العين بها في
المفلس مطلقا وفي الميت مع الوفاء، وتقديم المضطر في المخمصة على مالك
الطعام المستغنى عنه، وتقديم الرجل على المرأة في الصلاة في المكان الضيق
وفي الجنائز والدفن في لحد واحد عند الضرورة، وتقديم الأقرأ فالأفقه في
الجماعة، وتقديم السابق في الجناية في القصاص على احتمال، أما تقديم صاحب
الطرف المقدم فلا ريب فيه.
والتقديم في السبق إلى المساجد والمباحات، وتقديم الفاسخ على المجيز
في [اجتماع] الخيارين في البيع والنكاح، وتقديم الشفيع على المشتري في
المفلس، والتقديم في الإرث بالقرب أو بقوة السبب باجتماع السببين، والتقديم
في الحضانة.
ومنه تقديم البر على الفاجر في الاعتاق، والأرفع قيمة على الأخس، والأتقى
على التقي لان العتق احسان وكلما صادف الاحسان الأفضل كان أفضل، وكذا
تقديم القريب على غيره لاجتماع العتق والصلة، ومن هو في شدة على غيره لأنه
يدفع عنه مع ذل الرق ايذاء الجهد بل شراؤه لترفيهه فيه ثواب عظيم.
ومنه في الدفاع يقدم عن النفس ثم العضو ثم البضع ثم المال إذا لم يمكن
الجمع، والدفع عن الانسان على الدفع عن باقي الحيوانات اما للأشرفية أو
للأهمية واما لان تحمل أخف المفسدتين أولى من تحمل الأعظم، أو مفسدة
فوات النفس والعضو أعظم مفسدة من فوات البضع ومفسدة فوات البضع
أعظم مفسدة من مفسدة فوات المال.
(وثالثها) اجتماع حق الله وحق العباد. ولا ريب في تقديم العبادات كلها
299

على راحة البدن بالترفه، والانتفاع بالمال تحصيلا لمصلحة العبد في الفوز بثواب
الله تعالى ورضوانه، ودفع الغرر (1) في البيع فلا يسقط برضى المتبايعين، ووجوب
حد الزنا بالاكراه وان أسقطته المزني بها أو عصباتها وإن كان في ذلك دفع
العار عنهم، وتحريم وطئ الزوجة المتحيرة وتضعيف الغسل عليها مرارا
والصيام مرتين عند من قال به من الأصحاب، وتقدم حق العبد في مثل الاعذار
المجوزة للتيمم مع وجود الماء لخوف المرض والشين وزيادة المرض،
وكالاعذار المبيحة لترك الجمعة والجهاد والجماعة، وفي التلفظ بكلمة الكفر
عند الاكراه، وكتقديم قتل القصاص على القتل بالردة، ورخص السفر من القصر
والفطر، وليس الحرير للحرب والحكة، والتداوي بالنجاسات حتى بالخمر
شربا على قول، وجواز التحلل بالصد والاحصار.
ويقع الشك في مواضع، كاجتماع حق سراية العتق والدين، ووجدان
المضطر ميتة، وطعام الغير.
والمحرم إذا كان مستودعا صيدا فهل يرسله لحق الله تعالى أو يبقيه لحق
الادمي أو يرسله ويضمن الادمي.
ولو أصدقها صيدا وطلق وهو محرم فإنه قيل بدخول مثل هذا في ملكه،
لما كان قهرا على الصحيح، فحينئذ هل يرسله ويضمن لها يعينها (2) تغليبا لحق
الله تعالى، أو تبقيه ويضمن لها نصف الجزاء ان تلف عندها، أو يكون مخيرا؟
ولو مات وعليه دين وزكاة أو خمس أو هما مع الدين، فالأقرب التوزيع.
ونقل بعض الأصحاب تقديم الزكاة، لقول النبي " ص ": فدين الله أحق أن

(1) في هامش ك: الضرر.
(2) في ك: نصيبها.
300

يقضى. وتقديم الدين لان حق العباد مبني على التضيق وحق الله تعالى على
المسامحة.
ويشكل بما أن الزكاة حق للعباد فهي مشتملة على الحقين، وكذلك الخمس.
هذا إذا كانت الزكاة مرسلة في المال، بأن يكون قد فرط في النصاب حتى تلف
وصارت في ذمته أو كانت زكاة الفطرة أو كان الخمس من المكاسب ان قلنا بثبوته
في الذمة، أما لو كان متعلق الزكاة والخمس باقيا (1) فالأقرب تقديمها على الدين
بسبق تعلقها (2) على تعلق الدين.
مسألة:
لو ترافع الذميان إلينا فالأقرب تخير الحاكم بين الحكم والرد، سواء كان
حق الله تعالى أو حق العبد، لعموم الآية. هذا إذا كان عندهم يستوفى، ولو كان
الحق عندهم مهدورا - كنكاح الام في المجوس إذا تظاهر به - لم يرد قطعا.
قاعدة:
قد تقدم تقسيم الحقوق، ونزيد هنا أن المراد بحق الله تعالى اما أوامره الدالة
على طاعته أو نفس طاعته، بناءا على أنه لولا الامر لما صدق على العبادة أنها
حق الله تعالى، أو بناءا على أن الامر إنما تعلق بها لكونها في نفسها حق الله
تعالى. وعليه نبه في الحديث الصحيح عن رسول الله " ص " وعن أهل بيته
صلوات الله عليهم: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (3).

(1) في هامش ص: ثانيا.
(2) في ص: تعلقهما.
(3) الخصال 2 / 346.
301

ويتفرغ على اعتبار أن الامر هو حق الله تعالى: أن حقوق العباد المأمور
بأدائها إليهم مشتملة على حق الله تعالى لأجل الامر الوارد إليهم معاملة أو أمانة
أو حدا أو قصاصا أو دية أو غير ذلك، فعلى هذا يوجد حق الله بدون حق العباد
كما في الامر بالصلاة، ولا يوجد حق العبد بدون حق الله تعالى. والضابط فيه
أن كل ما للبعد اسقاطه فهو حق العبد ومالا فلا، كتحريم الربا والغرر فإنه لو
تراضيا اثنان على ذلك لم يخرج عن الحرمة لتعلق حق الله تعالى به، لان الله
تعالى إنما حرمها صونا لمال العباد عليهم وحفظا له عن الضياع، فلا تحصل
المصلحة بالمعقود عليه أو تحصل مصلحة نزرة (1) بإزائها مفسدة كبرى، ومن ثم
منع العبد من اتلاف نفسه وماله ولا اعتبار برضاه في ذلك، ولذلك حرمت السرقة
والغصب صونا لماله والقذف صونا لعرضه والزنا صونا لنسبه والقتل والجرح
صونا لنفسه، ولا يغيرها رضى العبد.
فائدة:
لو اجتمع مضطران فصاعدا إلى الانفاق وليس هناك ما يفضل عن أحدهما
قدم واجب النفقة، فان وجبت نفقة الكل قدم الأقرب فالأقرب، فان تساويا فالأقرب
القسمة. ولو كان الكل غير واجبي النفقة في الأصل فالأقرب تقديم المخشي
تلفه، فان تساووا احتمل تقديم الأفضل.
ولا يعارض الامام غيره البتة. ولو كان عنده ما لو أطعمه أحد المضطرين
لعاش يوما ولو قسمه بينهما لعاش كل منهما نصف يوم فالظاهر القسمة، لعموم
قوله تعالى " ان الله يأمر بالعدل والاحسان " (2)، ولتوقع تتميم حياة كل منهما.

(1) مصلحة نزرة أي قليلة.
(2) سورة النحل: 90.
302

وهل القسمة في مواضعها على الرؤوس أو على سدخلة الجوع؟ احتمال
ويرجح الثاني أنه أدخل في العدل، إذ يجب عليه مع القدرة اشباعهما مع
اختلاف قدر أكلهما فليكن كذلك مع العجز.
فعلى هذا لو كان عنده رغيف وله ولدان وثلثه نصف شبع أحدهما وثلثاه
نصف شبع الاخر وزعه عليهما أثلاثا وعلى الرؤوس نصفين، ولو كان نصفه يشبع
أحدهما ونصفه نصف شبع الاخر قسم أيضا أثلاثا. والضابط القسمة على الشبع
ونعني به سد الجوع الذي لا يصبر عليه لا التملي.
ونبه على ذلك قسمة الغنائم للفارس ضعف الراجل باعتبار حاجته وحاجة
فرسه.
(الثاني - في الجبر والزجر والتحمل والبدل)
ويعبر بالجبر والزجر عن تكميل المصلحة والدرأ عن المفسدة، وموضوع
الجبر أعم بدليل بالعامد الناسي والمخطئ، بخلاف الزجر فإنه للعامد.
فهنا أقسام:
(الأول) جبر العبادة بالعمل البدني كالجبر بسجدتي السهو والاحتياط.
(الثاني) جبرها بالمال، كالفدية في الصيام والبدنة في الحج الفاسد
والصحيح على الوطأ وشبهه، كالمفيض من عرفات قبل الغروب، وكالشاتين
والدراهم في الزكاة.
(الثالث) ما يتعاقب عليه الأمران، كهدي التمتع والصوم عنه ان جعلنا
الهدي جبرا، كما يلوح من كلام الشيخ في المبسوط حيث أسقط الدم عن
المحرم من غير مكة مع تعذر عوده إليها، وككفارة الصيد ان قلنا بالترتيب،
وكقضاء الصوم عن الولي فإنه جابر لصوم المولى عليه مع أن الصوم قد يجبر
بالمال كالفدية في الشيخين والمستمر مرضه إلى رمضان.
303

(الرابع) ما يتخير بين الجبر بالمال والبدن، كالكفارة المخيرة في الاحرام
ويحتمل في شهر رمضان.
(الخامس) ما يجمع فيه بين المال والبدن، كمن مات وعليه شهر ان متتابعان
فإنه يصوم الولي شهرا ويتصدق عن شهر، وكذا الحامل والمرضع وذو العطاش
إذا برأ فإنهم يقضون ويفدون.
(تنبيه) قد تكون الصلاة عن الميت جبرا بدنيا لما فاته من الصلاة، لما قلناه
في الصوم. والحق فيهما أنهما ليسا من قبيل الجبر، لان العمل يقع للميت لا
للحي، ولهذا لا يسمى قضاء الصلاة والصيام في الحياة من المكلف جبرا.
وأما الزجر فقسمان:
أحدهما - ما يكون زاجرا للفاعل عن العود ولغيره عن الفعل، كالحدود
والتعزيرات والقصاص والديات، ويجب على المكلف اعلام المستحق في
القصاص والدية وحد القذف وتعزيره.
أما حقوق الله تعالى فالأولى لمتعاطيها سترها والتوبة، لقوله صلى الله عليه
وآله وسلم: من أتى شيئا من هذه القاذورات فليسترها بستر الله - الحديث.
والسارق يجب عليه ايصال المال لا الاقرار بالسرقة.
وثانيهما - ما يكون زاجرا عن الاصرار على القبيح، كقتل المرتد المحارب
في قتال الكفار والبغاة والممتنع عن الزكاة، وقتال الممتنعين عن إقامة شعائر
الاسلام الظاهرة كالاذان وزيارة النبي والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.
ومنه زجر الدفع والمتطلع إلى حريم الغير، وضرب الناشز وتأديب الصبي
والمجنون وان لم يأثما، وحبس الممتنع عن الحق.
ومنه تحريم المطلقة ثلاثا والملاعنة زجرا عن ارتكاب مثله.
304

فائدة:
هذه الزواجر:
(منها) ما يجب على متعاطي أسبابها، كالكفارات الواجبة في الظهار والافطار
والقتل العمد والخطأ ان جعلناها زاجرة، إذ لا اثم فيه.
(ومنها) ما يجب على غيره، اما على الحاكم كحد الزنا والسرقة والمحاربة
والشرب والتعزير لحق الله تعالى أو الحد للآدمي والتعزير له إذا طلبهما من
الحاكم.
(ومنها) ما يتخير مستحقه بين فعله وتركه كالقصاص، وقولهم وجب عليه
القصاص أو الحد أو التعزير مجاز عن وجوب إقامة ذلك عليه أو عن وجوب
تمكنه من إقامة ذلك عليه لا أنه يجب عليه فعله بنفسه.
تنبيه:
قد يكون الشئ جائزا زاجرا، كما يقال في سجود السهو، فإنه مع جبره
لنقص الصلاة يزجر الشيطان عن الوسوسة، لقول النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: كانت السجدتان ترغيما للشيطان (1).
وكذا كفارة الظهار والصوم والافساد وقتل العمد، أما كفارة الخطأ فإنه جبر
محض.
قاعدة:
لا يجوز البناء على فعل الغير في العبادات الا في بعض المواضع القابلة

(1) الكافي 3 / 354.
305

للنيابة، كالاستنابة في الطواف والرمي والذبح، الا أن نقول هذه عبادات مستقلة.
نعم يبنى النائب على ما سعى المنوب من الطريق، ولكن السعي ليس عبادة
مقصودة إنما هو وسيلة مقصودة (1)، وفي الاقتداء ان جوزنا للامام الثاني البناء على
قراءة الأول، ويحتمله في الخطبة والاذان والإقامة.
وأما القعود فلا بناء فيها، فلو مات البائع قبل القبول فليس للمشتري القبول
بحضرة الوارث، ولكن الخيار لما ورث أشبه بناء الوارث على خيار الميت لأنه
خليفته.
قاعدة:
الأصل عدم تحمل الانسان عن غيره ما لم يأذن له فيه الا في مواضع:
(الأول) تحمل الولي عن الميت قضاء الصلاة والصيام والاعتكاف.
(الثاني) تحمل الامام القراءة عن المأموم، وعند بعض العامة ادراكه راكعا
وتحمله سجود السهو عن المأمومين في وجه.
(الثالث) تحمل الغارم لاصلاح ذات البين، ولذا يصرف إليه من الزكاة.
(الرابع) التحمل في زكاة الفطرة عن الزوجة وواجب النفقة والمملوك بناءا
على ملافاة الوجوب لهؤلاء أولا والتحمل عنهم بعده.
ويبعد في العبد والقريب والزوجة المعسرة، لأنهم لو تجردوا عن المنفق
لما وجب عليهم شئ فكيف يتحمل ما لم يجب. ويمكن نفي التحمل مطلقا،
لان المخاطب بها المنفق والأصل عدم التقدير، فإذا قلنا بالتحمل فهو كالضامن

(1) في ك وهامش ص: إلى المقصود.
306

الناقل (1) لا يطالب به المتحمل عنه بحال. ويتفرع على ذلك صور:
الأولى - لو أعسر الزوج والزوجة موسرة أو سيد الأمة المزوجة موسر،
فعلى التحمل تجب على الزوجة والسيد.
الثانية - لو أخرج الذي وجب لأجله عن نفسه.
الثالثة - في الكافر إذا عال مسلمين.
الرابعة - إذا أيسر القريب بعد الهلال وقبل الاخراج.
الخامسة - إذا أسلمت دونه وأهل الهلال فعلى التحمل يؤمر بالاخراج عنها.
السادسة - تحمل المكره زوجته والأجنبية على القول به على الجماع في
الصوم المتعين الكفارة. وفيه الوجه السالف، والأصح القطع لعدم التحمل هنا.
وكذا في اكراهها على الوطئ في الاحرام، لأنه إنما يتحمل ما يمكن فيه
الوجوب على المتحمل عنه. وهو غير ممكن هنا، واطلاق التحمل على هذا
مجاز. على أن الأقرب في جميع هذه المواضع عدم حقيقة التحمل.
فائدة:
للبدل والمبدل أحوال أربعة:
أحدها: تعين البدل (2) للابتداء، وهو الأكثر كالطهارة المائية والترابية وخصال
الكفارة.
وثانيها: تعين البدل، كالجمعة ان جعلناها بدلا من الظهر، وان قلنا فرض
مستقل فلا.

(1) في ك والقواعد: كالضمان الناقل.
(2) في ك: المبدل.
307

وثالثها: تعين الجمع بينهما، كما عند اشتباه المطلق بالمضاف ثم يهراق
أحدهما فإنه يتطهر بالباقي ويتيمم.
ورابعها: التخيير بينهما، كخصال الكفارة المخيرة ان جعلنا أحدها بدلا
من الاخر، والماء والأحجار في الاستنجاء ان قلبنا بالبدلية، وان جعلنا كلا منهما
أصلا مستقلا فلا. وقد يكون منه التخيير بين الصلاة عاريا وفي الثوب النجس.
قاعدة:
إذا اجتمع أمران أحدهما أخص والاخر أعم قدم الأخص، كما لو اضطر
المحرم إلى صيد وميتة أكل الصيد، لان تحريمه خاص وتحريم الميتة عام.
ولو اضطر إلى لبس حرير أو نجس احتمل الحرير، لان تحريمه خاص بالرجل
والنجس عام.
ومنهم من قال الأخص أولى بالاجتناب، فيجتنب الصيد ويأكل الميتة.
وهما قولان للأصحاب.
وفصل بعضهم بالقدرة على الفداء فيأكل الصيد ولا يأكل الميتة، والنجس
يجتنب لان تحريم الحرير يشمل المصلي وغيره بخلاف النجس فإنه خاص
بالمصلي.
ومن هذا لو وثبت سمكة فوقعت في حجر أحد ركاب السفينة كان أولى من
صاحبها، لان حوزه أخص، إذ حوزة السفينة يشمل هذا وغيره وحوز السمكة
يختص به.
(الثالث - في النذر واليمين وما يتعلق بهما)
قاعدة:
ضابط النذر أن يكون طاعة لله تعالى مقدورا للناذر، فعلى هذا لا ينعقد نذر
308

المباح لتجرده عن الطاعة. وقيل يلحق باليمين في اعتبار الأولوية.
فعلى عدم الانعقاد يشكل تعين الصدقة بمال مخصوص، لان المستحب هو
الصدقة المطلقة وخصوصية المال مباحة، فكما لا ينعقد لو خلصت الإباحة فكذا
إذا تضمنها النذر.
وتحقق الاشكال تجويز بعض الأصحاب فعل الصلاة المنذورة في مسجد
فيما هو أزيد مزية منه كالحرام والأقصى مع أن الصلاة في المسجد سنة وطاعة، فإذا
جازت مخالفتها لطلب الأفضل فتعين الصدقة بالمال المعين. وعدم اجزاء الأفضل
منه مشكل.
ولعل الأقرب عدم جواز المخالفة في الموضعين لعموم وجوب الوفاء بالنذر:
أما على القول بانعقاد نذر المباحات فظاهر، وأما على الاخر فلان الصدقة والصلاة
لما كانتا طاعتين لله وقد شخصهما الناذر بمال معين ومكان معين تعلقت الطاعة بذلك
المال والمكان، فيكون تخصيص المال والمكان مستفادا من تخصيص الطاعة
المذكورة.
والأصل فيه: أن المندوبات وان كانت طاعة هي من حيث هي لا يتصور فيها
الوجود فضلا عن الطاعة، بل إنما تصير موجودة بمشخصاتها من زمان ومكان
ومحل وفاعل، فإذا تعلق النذر بهذا المشخص انحصرت الطاعة فيه كما ينحصر
عند فعلها في متعلقاتها فلا يجزي غيرها.
ولأنه لو فتح هذا الباب لم يكن النذر وسيلة إلى التعيين حتى في الصوم
والحج، لأنه يقال الصوم في نفسه طاعة وكذا الحج وأما تخصيصه بيوم مخصوص
أو نسبة مخصوصة فهو من قبيل المباح، ولما كان ذلك باطلا فكذا يبطل العدول
عن المحل المنذور والمكان المنذور كما يتعين الزمان كذلك (1).

(1) في ك والقواعد: لذلك.
309

سؤال: المعلوم أن الندب لا يساوي الواجب في المصلحة التي وجب لأجلها
وإذا كان أصل المنذور الندب فكيف يساوي الواجب في المصلحة حتى يجب
مع أنه فعل خاص قبل النذر وبعده؟
وبعبارة أخرى: الافعال لها وجوه واعتبارات تقع عليها لأجلها تكون
موصوفة بالأحكام الخمسة، فكيف جاز انقلاب أحدها إلى الاخر، والنذر قالب
لأنه يجعل المكروه حراما والندب واجبا، وعلى القول بنذر المباح يجعله واجبا
أو حراما بحسب تعلق النذر بفعله أو تركه.
وبعبارة أخرى: الأوقات والأحوال متساوية في قبول العبادة لا خصوصية
فيها الا في الأوقات والأحوال التي جعلها الله تعالى سببا لاقتضاء المصلحة ذلك
كأوقات الخمس وككسوف الشمس والزلزلة وكالموت فيما يترتب عليه، وإذا
تعلق النذر بوقت خاص (أو حال خاص) (1) كيوم الجمعة أو هبوب الريح أو قدوم
زيد صار ذلك سببا ولم يكن قبل ذلك سببا وقد علم أن السببية أيضا تابعة للمصلحة
فمن أين نشأت هذه المصالح بسبب النذر، وكذا نقول في العهد واليمين وسببية
الأحوال في غاية البعد عن القواعد الشرعية، لأنها قد لا يتصور كونها عبادة [كطيران
غراب بخلاف فعل المندوب إلى الواجب فإنه على كل حال عبادة] (2) تقرب
فيها المصلحة بالزيادة أما هذا فإنه أنشئت فيه المصلحة انشاء.
والجواب عن الجميع واحد، وهو: أنه ليس من الممتنع أن يشنأ في
الندب سبب النذر مصلحة يساوي بها الوجوب وينشأ في تلك الأمور سببية بالنذر
تلحق بالأسباب المتأصلة بسبب النذر، ولا يجب علينا بيان تلك المصلحة على

(1) ليس في ص.
(2) ما بين القوسين ليس في ص.
310

التفصيل، لأنا لما علمنا أن النذر موجب وعلمنا أن الايجاب يتبع خصوصيات
المصلحة علمنا هنا تحقق خصوصية مصلحة الوجوب مع جواز كون المصلحة
المحصلة للوجوب هي الخلق الكريم الذي هو الوفاء بالوعد والأدب مع الرب
سبحانه وتعالى حيث قرن باسمه الشريف (1)، والأدب هو المقصود بالتكليف
عاجلا كما أن الثواب هو المقصود آجلا. ويجوز أيضا أن يصير النذر عاجلا
للفعل المنذور في الوقت المخصوص لطفا في بعض الواجبات العقلية أو السمعية
فيجب كما وجبت السمعيات لكونها ألطافا.
وينبه عليه أن الشئ إذا صار واجبا زاد اهتمام المكلف بفعله والحرص على
تحصيله، وذلك ممرن (2) على الاهتمام بواجب آخر ومحرص عليه، قال الله تعالى
" فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى " (3). وكذا الكلام
في الانقلاب إلى الحرام فيه ما ذكر من الوجوه.
ومن هنا يظهر جواز نذر فعل الواجب وترك الحرام، لان الاهتمام حينئذ
يكون أتم، وعقد الهمة بهما فعلا وتركا أقوى، فيدخلان في حيز لطف جديد
بالنسبة إلى ما كان لطفا فيه.
فان قلت: لا يجب في اللطف البلوغ إلى أقصى غايته، وقد كان اللطف
حاصلا قبل فعل النذر، فلم يصادف النذر ما يحتاج إليه من اللطف، فكيف يجب
المندوبات (4) أو تنعقد بنذر الواجبات (5).

(1) في ص: الشريف.
(2) في ص: وذلك تمرين.
(3) سورة الليل: 7.
(4) في هامش ص: المنذورات.
(5) في ص والقواعد: أو ينعقد نذر الواجبات.
311

قلت: ذلك في التكليف الأصلي، أما التابع لاختيار المكلف لان يصير
لطفا فلا مانع منه، لان زيادة التقريب حاصلة به بالضرورة، فمسمى اللطف متحقق
فيه وكان المانع من الوجوب التخفيف عن المكلف (فإذا اختار المكلف) (1)
الأثقل لنفسه فلا مانع حينئذ من وصفه بالوجوب. ولأنه لا مانع في الحكمة أن
يقول النبي صلى الله عليه وآله للمكلف: إذا اخترت الفعل الفلاني فقد جعله
الله لطفا لك في الواجب، وهو المطلوب.
فائدة:
قد يباح بالنذر ما لولاه لم يبح، كالاحرام قبل الميقات والصوم الواجب
سفرا.
قاعدة:
ضابط متعلق اليمين كونه مقدورا للحالف وطاعة لله تعالى أو مباحا يساوي
طرفاه أو رجح طرف الالتزام.
واليمين على فعل المعصية باطل، وكذا فعل المكروه وترك المستحب وترك
الواجب، وكذا ترك مباح فعله أرجح أو بالعكس.
وينعقد على فعل الواجب وترك الحرام، وفروض الكفايات أولى بالانعقاد.
قاعدة:
اليمين لغة تطلق على ثلاثة معان: الجارحة، والقوة والقدرة، ومنه قوله تعالى

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
312

" والسماوات مطويات بيمينه " (1). والحلف المطلق، وقوله تعالى " فراغ عليهم
ضربا باليمين " (2) يحتمل الأوجه الثلاثة.
وأما عرفا فلها معنيان أشهرهما الحلف بالله تعالى وبأسمائه لتحقيق ما يمكن
فيه المخالفة أو لانتفاء ما توجهت الدعوى به أو اثباته.
وإنما تخصصت بالله شرعا لان الحلف يقتضى تعظيم المقسم به والعظمة
المطلقة لله سبحانه، ولقوله صلى الله عليه وآله: من كان حالفا فليحلف
بالله أو ليذر.
ومن ثم كره الحلف بغير الله تعالى وحرم بالأصنام وشبهها، فعنه " ص ":
لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت.
المعنى الثاني تعليق بالجزاء على الشرط على وجه البعث على الشرط أو
المنع منه أو ليرتبه عليه مطلقا، وهو المستعمل في الطلاق والعتاق عند العامة.
وهو مجرد اصطلاح، إذ لم ينقل عن أهل اللغة مثله قاله بعضهم، بخلاف المعنى
المشهور فإنه يشتمل على المعاني الثلاثة اللغوية: أما الحلف فظاهر، وأما القوة
فلان فيه تقوية الكلام وتوثيقه، وأما الجارحة فلأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ بعضهم
بأيدي بعض. واستمر ذلك في أيمان البيعة (3).
فائدة:
اليمين أقسام:
الأول: منعقدة، وهي الحلف على المستقبل فعلا أو تركا مع القصد إليه.

(1) سورة الزمر: 67.
(2) سورة الصافات: 93.
(3) في هامش ك النية.
313

الثاني: لاغية، وهي الحلف لا مع القصد على ماض أو آت.
الثالث: يمين الغموس، وهي الحلف على الماضي أو الحال مع تعمد
الكذب. وسميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الاثم أو في النار، وفي رواية
هي من الكبائر (1). وفي أخرى: اليمين الغموس تدع الديار بلاقع (2). ولا كفارة
فيها لقوله تعالى، بما عقدتم الايمان " (3) والعقد لا يتصور الا مع امكان الحل ولا
حل في الماضي، ولعدم ذكر الكفارة في الحديث.
الرابع: ما عدا ذلك، كالحلف مع الصدق على الماضي أو الحال.
قاعدة:
إنما يجوز الحلف بالله تعالى أو بأسمائه الخاصة به: فالأول مثل " الواجب
وجوده " و " الأول الذي ليس قبله شئ " و " فالق الحبة " و " بارئ النسمة ". والثاني
مثل قولنا " والله " وهو اسم للذات المقدسة لجريان النعوت عليه، وقيل هو اسم
للذات مع جملة الصفات الإلهية، فإذا قلنا " الله " فمعناه الذات الموصوفة بالصفات
الخاصة وهي صفات الكمال ونعوت الجلال، وهذا المفهوم هو الذي يعبد
ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والضد والند.
وأما سائر الأسماء فان آحادها لا يدل الا على آحاد المعاني من علم وقدرة
أو فعل منسوب إلى الذات، مثل قولنا " الرحمن " فإنه اسم للذات مع اعتبار

(1) الكافي 2 / 285، الفقيه - روضة المتقين - 8 / 36، 9 / 259.
(2) راجع وسائل الشيعة 16 / 144. وقيل: اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة على
الماضي والحال. وقال في " روضة المتقين " 8 / 43: والبلقع الأرض القفر الخالي من
النبات، أي يصير سببا لهلاك أصحابها حتى لا يبقى أحد فيها أو لجلائهم عنها.
(3) سورة المائدة: 89.
314

الرحمة وكذا " الرحيم " و " العليم " و " الخالق " اسم للذات مع اعتبار وصف
وجودي خارجي.
و " القدوس " اسم للذات مع وصف سلبي، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص.
و " الباقي " اسم للذات مع نسبة وإضافة، أعني البقاء، وهو نسبة بين الوجود
والأزمنة، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. و " الأبدي " هو المستمر مع جميع
الأزمنة، فالباقي أعم منه.
و " الأزلي " هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحققة والمقدرة
فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط، ولنشر إليها
إشارة خفيفة (1): و " الله " قد سبق.
و " الرحمن الرحيم " اسمان للمبالغة من رحم، كغضبان من غضب وعليم
من علم، والرحمة لغة رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والاحسان، ومنه
الرحم (2) لانعطافها على ما فيها، وأسماء الله إنما توجد (3) باعتبار الغايات التي
هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال.
و " الملك " المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين، أو الذي يستغني في
ذاته وصفاته من كل موجود ويحتاج إليه كل موجود في ذاته وصفاته.
و " القدوس " ذكر.
و " السلام " ذو السلامة في ذاته عن العيب وفي صفاته عن كل نقص وآفة، فإنه

(1) في ك: إشارة خفية.
(2) في ص: منه الرحمة.
(3) في ص: إنما تؤخذ.
315

مصدر وصف به للمبالغة.
و " المؤمن " الذي أمن أولياؤه عذابه، أو المصدق عباده المؤمنين يوم القيامة
أو الذي لا يخاف ظلمه، أو الذي لا يتصور أمن ولا أمان الا من جهته.
و " المهيمن " القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم.
و " العزيز " الغالب القاهر أو ما يمتنع الوصول إليه.
و " الجبار " القهار أو المتسلط أو المغني من الفقر من جبره، أي (1) أصلح كسره
أو الذي تنفذ مشيته (على سبيل الاجبار) (2) في كل أحد (ولا تنفذ فيه مشية أحد) (2).
و " المتكبر " ذو الكبرياء، وهي الملك أو ما يرى الملك حقيرا بالنسبة إلى
عظمته.
و " الباري " هو الذي خلق الخلق بريئا من الاضطراب.
و " الخالق " هو المقدر.
و " المصور " أي من قدر صور المخترعات. وتحقيق هذه الثلاثة (3) ان كل
ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى اختراع أولا ثم إلى الايجاد على وفق
التقدير ثانيا ثم إلى التصوير بعد الايجاد ثالثا.
و " الغفار " هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح.
و " الوهاب " المعطي كل ما يحتاج إليه لكل من يحتاج إليه.
و " الرزاق " خالق أرزاق المرتزقة وموصلها إليهم.
و " الخافض " و " الرافع " هو الذي يخفض الكفار بالاشقاء ويرفع المؤمنين

(1) في ص: إذا أصلح.
(2) ما بين القوسين ليس في ص.
(3) في ص: هذه المسألة.
316

بالاسعاد.
و " السميع " الذي لا يعزب عن ادراكه مسموع خفي أو ظهر.
و " البصير " الذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى، ومرجعهما إلى العلم لتعاليه
سبحانه عن الحاسة والمعاني القديمة.
و " الحليم " الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الامر ثم لا يسارع إلى
الانتقام مع غاية قدرته.
و " العظيم " الذي لا يحيط بكنهه العقول.
و " العلي " الذي لا رتبة فوق رتبته.
و " الكبير " ذو الكبرياء في كمال الذات والصفات.
و " الحفيظ " الحافظ لذوات الموجودات والمزيل لتضاد العنصريات يحفظها
عن الفساد.
و " الجليل " الموصوف بصفات الجلال من الغنى والملك والقدرة والعلم
والتقدس عن النقائص.
و " الرقيب " هو العليم الحفيظ.
و " المجيب " هو الذي يقابل مسألة السائل باسعافه والداعي بإجابته والمضطر
بكفايته.
و " الحكيم " العالم بأفضل الأشياء بأفضل العلوم.
و " المجيد " الشريف ذاته الجميل أفعاله.
و " الباعث " محيى الخلق في النشأة الأخرى.
و " الحميد " هو المحمود المثنى عليه بأوصاف الكمال، أو المثنى عليه على عباده بطاعتهم.
317

و " المبدئ " و " المعيد " الموجد بلا سبق مادة ولا مدة، والمعيد لما فنى من
مخلوقاته بالحشر في يوم القيامة.
و " المحيى المميت " الخالق للموت والحياة.
و " الحي " الدراك الفعال.
و " القيوم " القائم بذاته وبه قيام كل موجود في ايجاده وتدبيره وحفظه.
و " الماجد " مبالغة في المجيد.
و " التواب " ميسر أسباب التوبة لعباده وقابلها منهم مرة بعد أخرى.
و " المنتقم " القاصم ظهور العصاة والشديد العقاب للطغاة.
و " العفو " الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي.
و " الرؤف " ذو الرأفة، وهي شدة الرحمة.
و " الوالي " الذي دبر أمور الخلق ووليها مليا بولايتها، أو المالك للأشياء
المستولي عليها، والغني في ذاته وصفاته، والمغني لجميع خلقه.
و " الفتاح " الحاكم أو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.
و " القابض الباسط " هو الذي يوسع الرزق على عباده ويغيره بحسب الحكمة
ويحسن القران بين هذين الاسمين ونظائرهما كالخافض والرافع والمعز والمذل
والضار والنافع، فإنه أنباء عن القدرة وأدل على الحكمة، فالأولى لمن وقع
بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كل اسم عن مقابله، لما فيه عن
الاعراب عن وجه الحكمة.
و " الحكم " الحاكم بمنعه الناس عن الظلم.
و " العدل " ذو العدل، وهو مصدر أقيم مقام الاسم.
و " اللطيف " العالم بغوامض الأشياء ثم يوصلها إلى المستصلح بالرفق دون
318

العنف، أو البر بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهئ لهم
أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون.
و " الخبير " العالم بكنه الشئ المطلع على حقيقته.
و " الغفور " و " الشكور " مبنيان للمبالغة، أي يكثر مغفرته ويشكر بستر
الطاعة.
و " المقيت " المقتدر أو خالق القوت وموصله إلى البدن.
و " الحسيب " المحاسب أو الكافي (1)، فعيل بمعنى مفعل، كأليم بمعنى مؤلم
من قولهم " أحسبني " أي أعطاني ما كفاني.
و " الواسع " الغني الذي وسع غناه عباده ووسع رزقه جميع خلقه، وقيل
هو المحيط بعلم كل شئ.
و " الودود " المحب لعباده، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول، أي توده
قلوب أوليائه بما ساق إليهم من المعارف وأظهر لهم من الألطاف.
و " الشهيد " الذي لا يغيب عنه شئ.
و " الحق " المتحقق بوجوده أو الموجد للشئ على ما يقتضيه الحكمة.
و " الوكيل " هو الكافي أو الموكل إليه جميع الأمور، وقيل الكفيل بأرزاق
العباد.
و " القوي " الذي لا يستولى عليه الضعف والعجز في حال من الأحوال.
و " المتين " هو الشديد القوة الذي لا يعتريه وهن ولا يمسه لغوب.
و " الولي " القائم بنصر عباده المؤمنين، أو المتولي للامر القائم به.

(1) في ص: أو المكافى.
319

و " المحصي " الذي أحصى كل شئ بعلمه فلا يعزب عنه مثقال ذرة ولا
أصغر.
و " الواجد " أي الغني من الجدة، أو الذي لا يعزب عنه شئ (1)، أو الذي
لا يحول بينه وبين مراده حائل من الوجود.
و " الواحد الأحد " يدلان على معنى الوحدانية وعدم التجزي، وقيل الفرق
بينهما أن الواحد هو المتفرد بالذات لا يشابهه آخر والأحد المتفرد بصفاته
الذاتية بحيث لا يشاركه فيها أحد.
و " الصمد " السيد الفائق في السؤدد الذي تصمد إليه الحوائج، أي تصمد
إليه الناس في حوائجهم.
و " القادر " الموجد للشئ اختيارا، و " المقتدر " أبلغ لاقتضائه الاطلاق
ولا يوصف بالقدرة المطلقة غير الله تعالى.
و " المقدم " و " المؤخر " المنزل للأشياء في منازلها وترتيبها في التكوين
والتصوير والأزمنة والأمكنة على ما تقتضيه الحكمة.
و " الأول " و " الاخر " لا شئ قبله ولا معه ولا بعده.
و " الظاهر " أي بآياته الباهرة الدالة على ربوبيته ووحدانيته، أو العالي
الغالب، من الظهور بمعنى العلو والغلبة، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
أنت الظاهر فليس فوقك شئ.
و " الباطن " الذي لا يستولي عليه توهم الكيفية، أو المحتجب عن أبصارنا،
ويكون معنى الظاهر المتجلي لبصائرنا، وقيل هو العالم بما ظهر من الأمور

(1) أي لا يغيب عنه شئ.
320

المطلع على ما بطن من الغيوب وينبغي أن يقرن بين هذين الا سمين أيضا.
و " البر " هو العطوف على العباد الذي عم بره جميع خلقه يبر المحسن
بتضعيف الثواب والمسئ بالعفو عن العقاب وبقبول التوبة.
و " ذو الجلال والاكرام " أي العظمة أو الغناء المطلق والفضل العام.
و " المقسط " العادل الذي لا يجور.
و " الجامع " الذي يجمع الخلائق ليوم القيامة، أو الجامع للمتباينات
والمؤلف بين المتضادات، أو الجامع لأوصاف الحمد والثناء.
و " المانع " أي يمنع أولياءه ويحوطهم وينصرهم من المنعة، أو يمنع من
يستحق المنع للحكمة في منعه واشتقاقه من المنع، أي الحرمان، لان منعه
سبحانه حكمة وعطاءه جود ورحمة، أو الذي يمنع أسباب الهلاك والنقصان بما
يخلقه في الأبدان والأديان من الأسباب المعدة للحفظ.
و " الضار النافع " أي خالق ما يضر وينفع.
و " النور " المنور مخلوقاته بالوجود والكواكب والشمس والقمر واقتباس
النار، أو نور الوجود بالملائكة والأنبياء، أو دبر الخلائق بتدبيره.
و " البديع " هو الذي فطر الخلائق مبتدعا لا على مثال سبق (1).
و " الوارث " هو الباقي بعد فناء الخلق ويرجع إليه الاملاك بعد فناء الملاك.
و " الرشيد " الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم، أو ذو الرشد وهو الحكمة
لاستقامة تدبيره، أو الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها.
و " الصبور " الذي لا يعاجل بعقوبة العصاة لاستغنائه عن التسرع، إذ لا

(1) في ص: على مثل سبق.
321

يخاف الفوت.
و " الهادي " لعباده إلى معرفته بغير واسطة أو بواسطة ما خلقه من الأدلة
على معرفته، أو هدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في معاشه ومعاده.
و " الباقي " هو الموجود الواجب وجوده لذاته أزلا وأبدا.
و " الصابر " هو الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه.
ورد في الكتاب العزيز في الأسماء الحسنى " الرب " وهو في الأصل بمعنى
الربية، وهو تبليغ الشئ إلى كماله شيئا فشيئا، ثم وصف به للمبالغة كالقيوم
والعدل. وقيل هو نعت من ربه يربه فهو رب، ثم سمي به المالك لأنه يحفظ
ما يملكه ويربيه، ولا يطلق على غير الله سبحانه الا مضافا كقولنا " رب الضيعة "
ومنه قوله تعالى " ارجع إلى ربك " (1).
و " المولى " وهو الناصر والأولى بمخلوقاته والمتولي لأمورهم.
و " النصير " مبالغة في الناصر.
و " المحيط " أي الشامل علمه.
و " الفاطر " أي المبتدع، من الفطر وهو الشق، كأنه شق العدم باخراجنا منه.
و " العلام " مبالغة في العلم.
و " الكافي " أي يكفي عباده جميع مهامهم (2) ويدفع عنهم مؤذياتهم.
و " ذو الطول، أي الفضل بترك العقاب المستحق عاجلا وآجلا لغير الكافر.
و " ذو المعارج " ذو الدرجات التي هي مصاعد الكلم الطيب والعمل

(1) سورة يوسف: 50.
(2) في ص: مهماتهم.
322

الصالح، أو التي يترقى فيها المؤمنون أو في الجنة.
قاعدة (1):
هذه الأسماء والصفات عندنا وعند المعتزلة ترجع إلى الذات، وذلك
لان مرجع هذه إلى الذات والحياة والقدرة والعلم والإرادة والسميع والبصير
والكلام، والأربعة الأخيرة ترجع إلى العلم والقدرة، والعلم والقدرة كافيان في
الحياة، والعلم والقدرة نفس الذات، فرجعت جميعها إلى الذات اما مستقلة أو
إليها مع السبب (2) أو الإضافة أو هما أو إليهما (2) مع واحدة من الصفات الاعتبارية
المذكورة أو إلى صفة مع إضافة أو إلى صفة مع زيادة إضافة أو إلى صفة مع
فعل وإضافة أو إلى صفة فعل أو إلى صفة فعل مع إضافة زائدة، فالأول " الله "
ويقرب منه " الحق "، والثاني مثل القدوس والسلام والغني والأحد، والثالث
كالعلي والعظيم والأول والاخر، والرابع كالملك والعزيز، والخامس كالعليم
والقدير، والسادس كالحليم والخبير والشهيد والمحصي، والسابع كالقوي
والمتين، والثامن كالرحمن والرحيم والرؤوف والودود، والتاسع كالخالق
والبارئ والمصور، والعاشر كالمجيد والكريم واللطيف.
فائدة:
هذه كلها ورد بها السمع، ولا شئ منها يوهم نقصا، فلذلك جاز اطلاقها
على الله تعالى اجماعا. أما ما عداها فينقسم أقساما ثلاثة:

(1) في ك: فائدة.
(2) في ك: مع السلب - أو إليها.
323

(الأول) ما لم يرد به السمع ويوهم نقصا فيمتنع اطلاقه اجماعا، نحو
العارف والعاقل والفطن والذكي، لان المعرفة قد يشعر بسبق فكره، والعقل
هو المنع عمالا يليق، والفطنة والذكاء يشعر ان بسرعة الادراك لما غاب عن
المدرك.
وكذا المتواضع، لأنه يوهم المذلة، والعلامة فإنه يوهم التأنيث، والداري
لأنه يوهم تقدم الشك.
وما جاء في الدعاء من قولهم " لا يعلم ولا يدري ما هو الا هو " يوهم جواز هذا
فيكون مرادفا للعلم.
(الثاني) ما ورد به السمع ولكن اطلاقه في غير مورده يوهم النقص، كما في
قوله تعالى " ومكر الله " (1) وقوله تعالى " الله يستهزئ بهم " (2) فلا يجوز أن يقال
عليه يا مستهزئ أو يا ماكر أو يحلف به.
وكذا منع بعضهم أن يقال " اللهم امكر بفلان " وقد ورد هذا في دعوات
المصباح، اما، اللهم استهزئ به، أو " لا تستهزئ بي " ففيه الكلام.
(الثالث) ما خلا عن الابهام الا أنه لم يرد به السمع، مثل السخي والنجي
والأريحي (3)، ومنه السيد عند بعضهم، وقد جاء في الدعاء كثيرا، وورد أيضا في
بعض الأحاديث " قال السيد الكريم "، والأولى التوقف عما لم يثبت التسمية به
وان جاز أن يطلق معناه عليه إذا لم يكن فيه ابهام. وضابط الحلف بالأسماء

(1) سورة آل عمران: 54.
(2) سورة البقرة: 15.
(3) الأريحي بفتح الأول وسكون الراء وفتح الياء وكسر الحاء: الواسع الخلق والذي يرتاح للعطاء.
324

الاختصاص أو الاشتراك مع أغلبية الاطلاق عليه تعالى.
فائدة:
" ال " في قولنا " القدير " و " العليم " و " الرحمن " و " الرحيم " يمكن أن يكون
للعهد لان كل مخاطب يعهد هذا المدلول، ويمكن أن يكون للكمال، مثل قولهم
" زيد الرجل " أي الكامل في الرجولية - قاله سيبويه.
فعلى هذا " الرحمن " الكامل في الرحمة، و " العليم " الكامل في العلم. ولا بد
في الايمان كلها من القصد عندنا وان كانت بلفظ صريح.
فائدة:
لو قال " واسم الله " فالأقرب عدم الانعقاد، لان الاسم مغاير للمسمى على
الصحيح. ومن قال بأن الاسم هو المسمى لزمه الانعقاد، فكأنه حلف بالله.
قيل: وموضع الخلاف هو في المركب من أس م، لا في مثل قولنا " حجر
نار " و " ذهب فضة " وغيرها من الأسماء، إذ لا يقال لفظ " الحجر " هو عين
الحجر حتى يؤذي من تلفظ به أو لفظ " النار " هو عين النار حتى يحترق من
تكلم به.
وفي التحقيق لفظ " اسم " هو موضوع للقدر المشترك بين الأسماء وان مسماه لفظ لا معنى.
والظاهر أن الخلاف ليس مقصورا على لفظ " اسم " بل مطرد ولكنه يرجع
إلى الخلاف في العبارة، وذلك لان الاسم ان أريد به اللفظ فغير المسمى قطعا
لأنه يتألف من أصوات مقطعة مثالية وتختلف باختلاف الأمم والأعصار ويتعدد
تارة ويتحد أخرى، والمسمى ليس كذلك. وان أريد بالاسم الذات فهو المسمى
325

لكنه لم يشتهر في هذا المعني، الا أن يكون من ذلك قوله تعالى " تبارك اسم
ربك " (1) وهو غير متعين (2)، لجواز اطلاق التنزيه على الألفاظ الدالة على الذات
المقدسة كما تنزه الذات. وان أريد بالاسم الصفة ينقسم إلى ما هو المسمى
والى غيره.
قاعدة (3):
كل يمين خولف مقتضاها نسيا أو جهلا أو اكراها فلا حنث فيها، لظاهر
" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "، ولان البعث والزجر
المقصودين من اليمين إنما يكونان مع ذكر اليمين. ضرورة أن كل حالف
إنما قصد بعثه أو زجره باليمين، وذلك إنما يكون عند ذكرها وذكر المحلوف
عليه حتى يكون تركه لأجل اليمين، وهذا لا يتصور الا مع القصد إليها والمعرفة
بها، فإذا جهل اليمين في صورة النسيان أو المحلوف عليه في صورة الجهل
لم يوجد المقصود من اليمين وهو الترك لأجلها مخرجا عن اليمين، إذ لا يقصده
حالف من الناس، لامتناع حال الجهل والنسيان.
وكذا حال الاكراه، بل أولى، لان الداعية حال الاكراه ليست للفاعل على
الحقيقة، بل نشأت عن أسباب الاكراه التي هي مستندة إلى غيره، فلم تدخل
هذه الحالة أيضا في اليمين.
والقصد باليمين البعث على الاقدام أو [المنع] منه، والبعث [إنما يقع]
في الأفعال الاختيارية لامتناع بعث المرأ نفسه على ما يعجز عنه كالصعود إلى

(1) سورة الرحمن: 78.
(2) في ص: وهو غير معنى.
(3) في ص: فائدة.
326

السماء، ولقوله صلى الله عليه وآله لاطلاق في اغلاق (1). ويحمل غيره
عليه، وهذا الزام.
فرع:
إذا قلنا بعدم الحنث هنا هل ينحل اليمين أم لا؟ يظهر من كلام الأصحاب
انحلالها، فلو خالف مقتضاها بعد ذلك لم يحنث، لان المخالفة قد حصلت
والمخالفة لا تتكرر.
ويحتمل أن تبقى اليمين، لان الاكراه والنسيان لم يدخلا تحتها، لما قلناه
فالواقع بعد ذلك هو الذي تعلقت به اليمين.
والأول أقرب، لأنه لو نذر عتق أمته ان وطئها ثم باعها ثم عادت إليه انحل
النذر، للرواية الصحيحة عن أحدهما عليهما السلام. وقد توقف فيها ابن إدريس
والفاضل رحمهما الله.
وهي أقرب (2) في الانحلال من المسألة المتقدمة، [ولأنه] لا يلزم من القول
بها القول بتلك. وقد صرح الأصحاب في الايلاء بأنه لو وطئ ساهيا أو مجنونا
أو بشبهة أو غيرها بطل حكم الايلاء وهي صريحة، وكذا لو كانت أمة فاشتراها
وأعتقها أو كان عبدا فاشتراه وأعتقه (3).
وهيهنا فائدة دقيقة من قبيل الشرط اللغوي دائرة على ألسنة الأفاضل، فلنذكرها
حسب ما قرروها، وهي ما أنشد بعضهم:

(1) الجامع الصغير: 203 وفيه: لاطلاق ولا عتاق في اغلاق. نقلا عن مسند أحمد
وأبي داود وابن ماجة والحاكم.
(2) في ك: وهي أبلغ.
(3) في ك: فاشترته واعتقته.
327

ما يقول الفقيه أيده الله * ولا زال عنده احسان
في فتى علق الطلاق بشهر * قبل ما بعد قبله رمضان (1)
وليمثل عندنا في الظهار أو الصيام في النذر والعهد واليمين، ويمكن انشاد
هذا البيت ثمانية بالتقدم والتأخر (2) بشرط استعمال الألفاظ في حقائقها دون
مجازاتها مع بقاء الوزن، ولو اطرحنا اعتبار الحقيقة وطولنا البيت بمثله (3) اشتمل
على سبعمائة وعشرين مسألة فقهية وهلم جرا. ولا تتعجب من ذلك، فان هنا
بيتا يتفق فيه بحسب التغيير أربعون ألف بيت وثلاثمائة وعشرون بيتا:
علي امام جليل عظيم * فريد شجاع كريم عليم
قلت محاذاة لقول بعض العلماء:
لقلبي حبيب مليح ظريف * بديع جميل رشيق لطيف
وهو من بحر المتقارب، لان اللفظين الأولين لهما صورتان، فإذا ضربنا في
مخرج الثالث صارت ستة، فإذا ضربت في مخرج الرابع صارت أربعة وعشرين
فإذا ضربت في مخرج الخامس صار مائة وعشرين، فإذا ضربت في مخرج الستة
فسبعمائة وعشرين، فإذا ضربت في السبعة فخمسة آلاف وأربعون، ثم في مخرج
الثامن تبلغ ما قلناه.
ومن هذا يعلم أن صور العكس (4) في الوضوء مائة وعشرون، ولو اعتبرنا
الترتيب بين الرجلين كانت سبعمائة وعشرين ويعلم الترتيب في قضاء الفوائت

(1) في ك: قبل ما قبل قبله رمضان.
(2) في ك: بالتقديم والتأخير.
(3) في ص: بمسألة.
(4) في ك: صور النكس.
328

على القول بالوجوب أو الاستحباب.
فإذا أردنا في بيت السؤال تكثيره جمعنا في البيت ثلاثة من لفظ قبل وثلاثة
من لفظ بعد فيجتمع بين الستة فيخرج البيت عن الوزن فنقول قبل ما قبل قبله
بعد ما بعد بعده رمضان. ثم إن لنا أن ننوي بكل قبل وبكل بعد شهرا من شهور
السنة أي شهر كان من غير مجاوزة ولا التفات إلى ما بينهما من عدة الشهور ويكون
بالمجاز، فان أي شهر أخذته فبينه وبين الشهر الذي نسبته إليه بالقبلية والبعدية
علاقة من جهة أنه شهور السنة معه أو هو قبله من حيث الجملة أو بعده من حيث
الجملة أو هو شبيه بما يليه من جهة أنه شهر موصوف بالقبلية إلى غير ذلك من
علائق المجاز. ثم انا نعمد إلى هذه الألفاظ الستة فيظهر نسبتها إلى رمضان،
فيظهر من ذلك الشهر المسؤول عنه. ثم يورد عليها لفظة أخرى من لفظ قبل وبعد
إلى آخر السنة ومتى اقتضى الامر (1) إلى التداخل بين صورتين في شهر نوينا به آخر
من شهور السنة حتى تحصل المغايرة فيحصل من الألفاظ الستة ما ذكرناه، وان
زدت عليها لفظ قبل أو بعد تراقى الامر إلى ما لا نهاية له.
وقال ابن الحاجب في أماليه: هذا البيت ينشد على ثمانية أوجه، لان ما بعد
قبل الأول قد يكون قبلين وقد يكون بعدين وقد يكونان مختلفين، فهذه أربعة
أوجه كل منها قد يكون قبله قبل وقد يكون قبله بعد، فصارت ثمانية، فأذكر
قاعدة يبنى عليها تفسير الجميع، وهي أن كلما اجتمع فيه منها قبل وبعد فألقها
لان كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده، فلا يبقى حينئذ
الا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان فيكون شوالا، فلم يبق الا ما جميعه
قبل أو جميعه بعد، فالأول هو الشهر الرابع من رمضان، لان معنى قبل ما قبل

(1) في ك: ومتى أفضى الامر.
329

قبله رمضان شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله وذلك ذو الحجة، والثاني هو
الرابع أيضا ولكن على العكس، لان معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر
رمضان بعد شهرين بعده وذلك هو جمادى الآخرة. فإذا تقرر ذلك فقبل ما قبل
قبله رمضان ذو الحجة، لان ما قبل قبله شوال وقبله رمضان فهو ذو الحجة، وقبل
ما بعد بعده رمضان شعبان، لان المعنى بعده رمضان وذلك شعبان، وقبل ما قبل
بعده رمضان شوال، لان المعنى قبله رمضان وذلك شوال، وقبل ما بعد قبله
رمضان شوال، لان المعنى أيضا قبله رمضان وذلك شوال.
فهذه الأربعة الأول، ثم تأخذ الأربعة الأخرى على ما تقدم، فان بعد ما قبل
قبله رمضان شوال، لان المعنى قبله رمضان وذلك شوال، وبعد ما بعد بعده
رمضان جمادى الآخرة لان بعد ما بعده شعبان وبعده رمضان فهو جمادى الآخرة
وبعد ما قبل بعده رمضان شعبان، لان المعنى بعده رمضان وذلك شعبان، وبعد
ما بعد قبله رمضان شعبان، لان المعنى بعده رمضان وذلك شعبان.
قال بعض البصريين هنا مباحث:
(الأول) في " ما " ثلاثة أوجه أن تكون زائدة وموصولة ونكرة موصوفة، ولا
تختلف الأحكام مع شئ من ذلك، فالزائدة نحو قولنا " قبل قبل قبله رمضان "،
والموصولة تقديرها الذي استقر قبل قبله رمضان، ويكون الاستقرار في قبل الذي
بعدها وهو الذي قبلها، وتقدير النكرة الموصوفة قبل شئ استقر قبل قبله رمضان
فيكون الاستقرار العامل في الظرف الكائن بعدها صفة لها.
(الثاني) أن هذه القبلات والبعدات (1) ظروف زمان مظروفاتها الشهور ههنا
ففي كل قبل أو بعد شهر هو المستقر فيه، مع أن اللغة تقبل غير هذه (2) المظروفات

(1) في ص: القبليات والبعديات.
(2) في ص وهامش ك: تقبل عن هذه.
330

لان القاعدة أنا إذا قلنا قبله رمضان احتمل أن يكون شوالا فان رمضان قبله،
واحتمل أن يكون [يوما] واحدا من شوال فان رمضان قبله، لصدق قولنا رمضان
قبل العيد حقيقة، لكن يجب هنا كون المظروف شهرا للسياق ولضرورة الضمير
في قبله العائد إلى الشهر المسؤول عنه، الا أن نتجوز في الشهر ببعضه تسمية
للجزء باسم الكل، الا أن الفتوى هنا مبنية على الحقيقة.
هذا تقرير قبله الأخير المصحوب بالضمير، وأما قبل المتوسط فليس معه
ضمير يضطرنا إلى ذلك، بل علمنا أن المظروفة شهر بالدليل العقلي، لان رمضان
إذا كان قبل قبل الشهر المسؤول عنه وتعين أن أحد القبلين هو الذي أضيف إلى
الضمير مظروفه شهر تعين أن مظروف [القبل المتوسط شهر أيضا، لأنه ليس
بين شهرين من جميع الشهور أقل من شهر، فيصدق عليه أنه قبل شهر وبعد
شهر، بل لا يوجد بين شهرين عربيين الأشهر، فلذلك تعين أن مظروف] (1)
هذه الظروف شهور تامة، وأما شهور القبط (2) فان أيام النسئ متوسط بين مشرى
وتوت.
(الثالث) أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة، كقوله تعالى " ولا تكتم شهادة
الله " (3) أضيف الشهادة إليه تعالى لأنه شرعها لا أنه شاهد ومشهود عليه، وكذلك

(1) ليس ما بين القوسين في ص.
(2) القبط جبل من النصارى بمصر، الواحد قبطي، وهي قبطية جمعها اقباط. واللغة
القبطية هي اللغة المصرية القديمة.
وفي السنة القبطية اثنا عشر شهرا كل منها ثلاثون يوما ويضاف بعد نهاية الشهر الثاني
عشر خمسة أيام لكل سنة بسيطة وستة أيام لكل كبيسة تسمى أيام النسئ وتعرف في القبطية
بالشهر الصغير. وأسامي أشهر القبط هكذا: توت، بابة، هاتور، كيهك، طوبة، اشبر،
برمهات، برمودة، بشنس، بونة، ابيب، مسرى.
(3) سورة المائدة: 106.
331

" دين الله " و " نفخنا فيه من روحنا " (1) و " لله على الناس حج البيت " (2)، ومنه قول
أحد حاملي الخشبة " خذ طرفك "، قال الشاعر:
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة [سهيل] (3).
لأنها كانت تقوم إلى عملها وقت طلوعه، فالقدر المشترك بين هذه الإضافات
المختلفة المعاني هو أدنى ملابسة كما قاله صاحب المفصل.
إذا تقرر ذلك فهذه القبلات أو البعدات المضاف بعضها إلى بعض يحتمل
لغة أن يكون كل ظرف أضيف إلى مجاورة أو إلى مجاور مجاورة فصاعدا، فيكون
الشهر الذي قبل رمضان هو ربيعا، فان ربيعا قبل رمضان بالضرورة، بل يومنا
هذا قبل يوم القيامة. وهذا كله حقيقة غير أن الظروف التي في البيت حملت على
مجاور الأول لأنه الا سبق إلى الفهم، مع أن غيره حقيقة أيضا.
(الرابع) انك تعلم أنك إذا قلت " قبل ما قبل قبله رمضان " فالقبل الأول هو عين
رمضان، لأنه يستقر في ذلك الظرف، وكذلك بعد ما بعد بعده رمضان، فالبعد
الأخير هو رمضان لأنه مستقر فيه، متى كان القبل الأول هو رمضان فالقبلان الكائنان
بعده شهر ان آخران متقدمان على الشهر المسؤول عنه.
وكذلك في " بعد ما بعد بعده رمضان " البعدان الأخيران شهران آخران
متأخران عن الشهر المسؤول عنه، فالقريب (4) دائما في الشهر الرابع الشهر

(1) سورة الأنبياء: 91.
(2) سورة آل عمران: 97.
(3) عجزه: سهيل أشاعت غزلها في القرايب.
الخرقاء اسم امرأة مغنية سمى الكواكب باسمها لاشتغالها بشغلها عند طلوعه، وأشار
إليه المؤلف رحمه الله بقوله: لأنها كانت تقوم إلى عملها وقت طلوعه. وفي بعض النسخ
" اذاعت " بدل " أشاعت " والمعنى واحد.
(4) في ك: فالريب. وفي القواعد: فالترتب.
332

المسؤول وثلاث ظروف لغيره.
(الخامس) انا إذا قلنا " قبل ما بعد بعده رمضان " فهل يجعل هذه الظروف
متجاورة على ما نطق بها في اللفظ فيتعين أن يكون الشهر المسؤول عنه هو رمضان
فان كل شئ فرض له أبعاد كثيرة متأخرة عنه فهي قبل جميعها فرمضان قبل بعده
وبعد بعده وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو قبل تلك الظروف كلها المصوفة
ببعد وان كانت غير متناهية، وكذلك يصدق أيضا أنه جعل بعد قبله وقبل قبله
إلى الأزل (1)، فيكون رمضان قال ويبطل ما قاله ابن الحاجب فإنه عين الأول شوالا
والثاني شعبان، ويقتضي ما ذكرناه أن يكون الشهر المسؤول عنه هو رمضان في
المسألتين.
أو نقول مقتضى اللغة خلاف هذا التقدير وان لا تكون هذه الظروف المنطوق
بها مترتبة على ما هي في اللفظ، بل قولنا " قبل ما بعد بعده " فبعد الأول المتوسط
بين قبل وبعد متأخر في المعنى وقبل المتقدمة متوسطة بين البعدين منطبقة على
ما بعد الأخيرة ويكون بعد الأخيرة بعدا وقبلا معا.
وليس ذلك محالا، لأنه بالنسبة إلى شهرين واعتبارين، وتقدير ذلك أن
العرب إذا قالت، غلام غلام غلامي " فهؤلاء ينعكسون في المعنى، فالغلام الأول
هو الغلام الذي ملكه عبد عبدك، والغلام الأخير هو عبدك الذي ملكته وهو ملك
عبد الأخير، فملك ذلك الأخير العبد المقدم ذكره. وكذلك إذا قلت " صاحب
صاحب صاحبي "، فالمبدوبه هو أبعد الثلاثة عنك والأقرب إليك هو الأخير
والمتوسط متوسط.

(1) في ك: إلى الأول. أي يصدق بأن رمضان بعد قبل رمضان يعني شعبان وبعد قبل
قبله يعني رجب.
333

إذا عرفت هذا فنقول: قبل ما بعد بعده رمضان شعبان كما قاله ابن الحاجب
لان شعبان بعده رمضان وبعد قبل بعده شوال، فقولنا قبل مجاورة لبعده الأخير
لأنه لم يقل قبل بعده بل قبل بعد بعده فجعل له مضافا في المعنى إلى بعد متأخر عن
بعد وهو البعد الثاني، فيكون رمضان قبل البعد الثاني وهو شوال، فالواقع قبله
رمضان وليس لنا شهر بعده بعدان رمضان قبل البعد والأخير الا شعبان.
فان قلت: رمضان حينئذ هو قبل البعد الأخير، وهو بعد شوال باعتبار البعد
الأول كما بينته، فيلزم أن يكون قبل وبعد. وهو محال، لان القبل والبعد ضدان
والضدان لا يجتمعان في شئ واحد.
قلت: مسلم أنهما ضدان وأنهما اجتمعا في شئ واحد وهو رمضان، لكن
باعتبار إضافتين، فيكون رمضان قبل باعتبار شوال وبعد باعتبار شعبان، كما
يكون المؤمن صديقا للمؤمن وعدوا للكافر، فيجتمع فيه الصداقة والعداوة
باعتبار فريقين.
إذا عرفت هذا فيتعين أنا لو زدنا في لفظ " بعد " لفظة أخرى منه فقلنا " قبل
ما بعد بعد بعده " تعين أن يكون الشهر عينه رجبا وان جعلنا بعد أربع كان جمادى
الآخرة أو خمسة كان جمادى الأولى أو ستة كان ربيع الثاني وكذلك كل ما زاد بعد
زاد شهرا قبل، فان هذه الشهور ظروف كما تقدم. فيحصل على هذا الضابط
مسائل غير متناهية. وإذا وصلت إلى أكثر من اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة
معك، فربما عدت إلى عين الشهر الذي كنت قلته في المسألة ولكن في سنة أخرى
وكذا في السنين إذا كثرت.
مسألة:
فإذا عكسنا وقيل " بعد ما قيل رمضان " فبمقتضى جعلنا الظروف متجاورة
334

على ما هي [متجاورة] في اللفظ يكون الشهر المسؤول عنه رمضان، فان كل
شئ بعد جميع ما هو قبله وبعد قبلاته وان كثرت. وقال ابن الحاجب ان شوال
بناءا على ما تقدم، وهو أن الأول متقدم على البعد الأول متوسط مضاف إلى البعد
الأخير المضاف إلى المضمر العائد على الشهر المسؤول عنه، فنفرض شهرا هو
شوال فقبله رمضان وقبل رمضان شعبان، والسائل قد قال إن رمضان بعد أحد
القبلين والقبل الأخير بعده، وليس لنا شهر قبله شهران الثاني منهما رمضان
الا شوال فيتعين، فيكون رمضان موصوفا بأنه بعد باعتبار شعبان وبأنه قبل باعتبار
شوال ولا مضادة كما تقدم.
وان زدنا في لفظة " قبل " لفظة أخرى فقلنا " بعد ما قبل قبل قبله رمضان "
كان ذا القعدة، فان رمضان أضيف إلى قبل قبل قبلين وهما شوال وذو القعدة
فان جعلنا لفظ " قبل " أربعا كان ذا الحجة أو خمسا كان المحرم وعلى هذا.
مسألة:
فإذا قلنا " بعد ما بعد بعده رمضان " فهو جمادى الأخرى، لان السائل قد
نطق بثلاث بعدات عن الشهر المسؤول عنه، فرجب البعد الأول وشعبان البعد
الثاني ورمضان البعد الثالث والرابع هو الشهر المسؤول عنه المتقدم عليها وذلك
جمادى الأخرى.
مسألة:
فإذا قلنا، قبل ما قبل قبله رمضان " تعين ذو الحجة، لان السائل قد نطق
بثلاث من لفظ قبل، فقبل ذي الحجة ذو القعدة وقبل ذي القعدة شوال وقبل
شوال رمضان، وهو ما قاله السائل. وأما قبل ما قبل بعده أو بعد ما بعد قبله فقد في
335

تقدم أن كل شئ هو قبل ما هو بعده وبعد ما هو قيله، وإذا اتحدت العين (1) صار
معنى الكلام بعده رمضان أو قبله رمضان، فيكون المسؤول عنه شعبان في الأول
وشوال في الثاني.
فائدة:
جميع أجوبة البيت منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة، فالطرفان
جمادى الآخرة وذو الحجة والواسطة شوال والشعبان.
وتقريب ضبطها: أن جميعها أن كان قبلا فالجواب بذي الحجة أو بعدا
فالجواب بجمادى الآخرة أو مركب من قبل وبعد، فمتى وجدت في الأخير قبل
بعده أو بعد قبله فالكلمة الأولى ان كانت حينئذ قبلا فهو شوال، لان المعنى قبله
رمضان أو بعدا فهو شعبان، لان التقدير بعده رمضان.
هذا ان اجتمع آخر البيت قبل وبعد، فان اجتمع قبلان أو بعدان وقبلهما
مخالف لهما ففي البعدين شعبان وفي القبلين شوال، فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة
هذه الستة هي المتوسطة بين جمادى وذي الحجة.
هذا كله على تقدير التزام الحقيقة والوزن في البيت المذكور، وأما على
تقدير خلافهما من التزام المجاز وعدم النظم بل يكون الكلام نثرا فتصير
المسائل سبعمائة وعشرون مسألة.

(1) في ص: ولو اتحدت الغير.
336

المقصد الثاني
(في المعاملات)
وفيه قسمان:
(الأول - في الأمور العامة للتملكات والعقود)
وفيه بحثان:
(الأول في التملكات)
قاعدة:
الملك حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة يؤثر تمكين المضاف إليه من
الانتفاع به والعوض عنه من حيث هو كذلك.
وإنما كان حكما شرعيا لأنه يتبع الأسباب الشرعية، وأما انه مقدر فلانه
يرجع إلى تعلق خطاب الشارع والتعلق اعتباري، بل يقدر في العين والمنفعة عند
حصول الأسباب المحصلة له.
والتقييد بالانتفاع ليخرج تصرف الوصي والوكيل والحاكم مع عدم تحقق
الملك، والتقييد بالانتفاع به ليخرج الإباحة كما في الضيف والمار على الشجرة
المثمرة على خلاف، ويخرج الاختصاص في المسجد والرباط والطرق ومقاعد
الأسواق، وان هذه لا تملك فيها مع التمكن الشرعي من التصرف.
والتقييد بالحيثية ليخرج عنه ما يعرض له من مانع الحجر (1) على المالك، فان
الملك يقتضي ذلك من حيث هو هو، وإنما التخلف لمانع.

(1) في ص: من بائع كالحجر.
337

ولا تنافي بين الامكان الذاتي والانتفاع الغيري ولا يرد النقض بملك الملك
لأنه لا يسمى ملكا حقيقيا، وكذا الضيافة إذ الا صح أنه لا يملك الا بالمضغ،
ولا بالوقف عند من قال بملك الموقوف عليه لان الانتفاع حاصل به في الجملة
والاعتياض قد يحصل في صور بيع الوقف، ولا مالك الانتفاع دون المنفعة
كالمسكن لان ذلك لا يعد ملكا حقيقيا.
وعلى هذا الملك من الأحكام الخمسة، أعني الإباحة، وله اعتبار يلحقه
بالوضع، إذ هو سبب في الانتفاع الا أنه غير المصطلح، إذ الضابط في خطاب
الوضع ما كان متعلقا بأفعال المكلف لا على وجه الاقتضاء والتخيير.
ولو صلحت السببية هنا بجعله (1) من خطاب الوضع لكان أكثر الأحكام
منه، إذا النكاح مثلا سبب في الحل والحل سبب في وجوب حقوق الزوجة التي
هي سبب في أمور أخر، والدلوك سبب في وجوب الصلاة والوجوب سبب
لاستحقاق الثواب بالفعل والعقاب بالترك. وسبب تقدمه على غيره من المندوبات.
قاعدة:
أقسام الملك قد يكون للرقبة، وقد يكون للمنفعة، وقد يكون للانتفاع، وقد
يكون للملك (2). وهو المعبر عنه بقولهم " ملك أن يملك ".
والأولان ظاهران، وأما ملك الانتفاع فكالوقف على الجهات العامة عند من
قال ينتقل إلى الله تعالى، فان الموقوف عليه يملك انتفاعه به، كالمدارس والربط
فله السكنى بنفسه والارتفاق وليس له الإجارة.
ومنه ملك الزوج للبضع، فإنه إنما يملك الانتفاع به، ولهذا لو وطئت

(1) في ص: لجعله.
(2) في ص: وقد يكون بملك الملك.
338

بالشبهة كان مهر المثل لها ان كانت حرة وللسيد ان كانت أمة وليس للزوج فيه
شئ.
ومنه ملك الضيف الانتفاع بالاكل لا المأكول، فليس التصرف في الطعام
بغير الاكل.
أما الوقوف الخاصة فإنه يملك المنفعة قطعا، فله الإجارة والإعارة، ويملك
الثمرة والصوف واللبن.
وأما الاقطاع فالخبر يدل على أنه مملك، كأرض الزبير وعقيق بلال بن
الحارث. نعم لو اعتيد الاعمار فيه لم يملك الرقبة، وكذا لو صرح الامام بالعمرى
أو الرقبى، وحينئذ ليس للمقطع إجارة الأرض المقطعة كما ليس للمعمر أن يؤجر
الا مع تصريح الامام له بذلك أو تعميم وجه الانتفاع.
ولو عم عرف بلد ذلك صار كأنه المقصود، وجوز بعض متأخري العامة
الإجارة مطلقا، وعارضه متأخر منهم بالمنع الا مع العرف.
وملك [الملك] (1) جار في المواضع المعروفة، وخاصية (2) زواله بالاعراض
وتوقفه على نية التملك إذا أراد ملكه الحقيقي.
قاعدة:
قد يقوم السبب الفعلي غير المنصوب ابتداءا مقام الفعلي المنصوب ابتداءا
كتقديم الطعام إلى الضيف، فإنه مغن عن الاذن في الأصح. وتسليم الهدية
إلى المهدى إليه وان لم يحصل (3) القبول القولي في الظاهر من فعل السلف

(1) ليس " الملك " في ص.
(2) في ك: وخاصة.
(3) في ص: وان لم ينقل القبول.
339

والخلف، وكذلك صدقة التطوع وكسوة القريب والصاحب وجائزة الملك من
كسوة وغيرها، وعلامة الهدي كغمس النعل في ذمه وجعله عليه أو كتابة عنده
والوطئ في الرجعية، ومدة الخيار من ذي الخيار، والتقبيل كذلك وكذا اللمس
بشهوة.
أما المعاطاة في المبايعات فتفيد إباحة التصرف لا الملك وإن كان في الحقير
عندنا، ولا يكفي تسليم العوض في الخلع عن بذلها أو قبولها بعد ايجابه، ولا
تسليم الدية في سقوط القصاص، بل لابد من التلفظ بالعفو أو بمعناه.
ولو خص الامام بعض الغازين (1) بأمة وقلنا يتوقف الملك على اختيار التملك
فلو وطئ أمكن كونه اختيارا، لان الوطئ دليل الملك، إذ لا يقع (2) هنا الا في
الملك.
قاعدة:
الغالب في التملكات تراضي اثنين، وقد يكفي الواحد في مواضع، كالاخذ
بالشفعة والمقاصة، والمضطر في المخمصة إلى طعام الغير، واللفظ الفاسخ
بطريقه، والوالي باسترقاق رجال الكفار إذا أخذوا بعد تقضي الحرب، والغنيمة
والسرقة من دار الحرب، واحياء الموات والاحتياز في المباحات، وتبسط
الغانمين في المأكل والعلف، وعفو المجني عليه أو وارثه على مال ان قلنا بقول
ابن الجنيد من أن الواجب في قتل العمد أحد الامرين أما الأب والجد متواليان
لطرفي العقد فان الاستقلال في الحقيقة قائم مقام اثنين.

(1) في ص: بعض الغانمين.
(2) في هامش ك: إذ لا نفع.
340

قاعدة:
لا يجوز أن يجمع لواحد بين العوض والمعوض عندنا والا لكان أكلا
بالباطل، إذا كله (1) بالحق أن يدفع عوضا ويأخذ معوضا ليرتفع الضرر عن
المتعاقدين وينتفع كل واحد بما بذل.
وقد وقع الاجماع على أنه لا يجوز أن يكون للبائع الثمن والمثمن وللأجير
المنفعة والأجرة ولا للزوج البضع والمهر.
ومنه نسبة الأرض إلى الثمن مثل ما بين القيمتين، إذ لو نسب إلى القيمة أدى
في بعض الصور إلى الجمع بين العوض والمعوض، كما لو اشتراه بمائة فقوم
صحيحا بمائتين ومعيبا بمائة، فانا لو رجعنا بما بين القيمتين لرجع بالمائة فيملك
العوض والمعوض.
ومنه من وجد عين ماله عند مفلس وقد جنى عليها، فإنه يرجع بمثل الجناية
من الثمن لا بالجناية نفسها حذرا من ذلك، كما لو كان ثمنه مائة فقلعت عينه وهو
يساوي مائتين، فلو رجع بأرش الجناية لرجع بمائة بل يرجع بمثل نسبته فيرجع
بخمسين.
وقد ذكر بعض العامة صورا ثلاثا مستثناة:
(الأولى) الأجرة على الجهاد باستيجار القاعد (2) المجاهد أو الجعالة له،
وشرط بعضهم أن يكون الأجير والمستأجر من ديوان واحد. ومنعه أكثرهم،
لان المجاهد يحصل له ثواب الجهاد، فلو أخذ عليه أجرة لاجتمع العوض
والمعوض. والتحقيق فيه أن هنا أمورا (3) أربعة:

(1) في ص: إذا الحكم بالحق.
(2) في ك: باستيجار الفارس.
(3) في ك: ان هنا صورا.
341

1 - أن يتعين عليهما الجهاد باجتماع الشرائط فيهما والإجارة هنا ممتنعة.
2 - أن لا يتعين عليهما، لاتصافهما بأحد الموانع (1)، والإجارة هنا جائزة
قوله: للخارج ثواب الجهاد. قلنا: إن أردت لأنه مجاهد عن نفسه، فالتقدير أنه
لم يتعين عليه وان أردت لأنه مجاهد في الجملة، فلا نسلم أن أصل ثواب الجهاد
له وان كانت الأضعاف له كأجير الحج فلا يلزم اجتماع العوض والمعوض.
3 - أن لا يتعين على الأجير ويتعين على المستأجر، والإجارة هنا باطلة
لوجوب خروجه بنفسه، الا أن يستأجره ويخرج فيكون من قبيل الثاني.
4 - أن يتعين على الأجير ولا يتعين على المستأجر، والإجارة هنا باطلة
لما ذكره (2) من العلة وأما التفصيل بالديوان فتحكم.
(الثانية) عقد المسابقة يحصل بالعمل للعامل ثواب الاستعداد للقتال والهداية
لممارسة النضال، فكان ينبغي أن لا يأخذ عليه عوضا حذرا من اجتماع العوض
والمعوض، ولكنه لما لم يكن واجبا في نفسه وهو قابل للنيابة فإذا بذل أجنبي
عوضا أو بذل من بيت المال كان الجعل في الحقيقة لعمل مصلحة من مصالح
المسلمين، فكأن المتسابقين مشغولان بالعمل للمسلمين، فجاز أن يأخذا عليه
عوضا. وكذا إذا كان العوض منهما أو من أحدهما، فإنه بذل المال في مقابلة
تلك المصلحة، لان جلب الغنم ودفع الغرم يبعث العزم على ذلك، فيكون أبلغ في
نفع المسلمين من المباشرة من غير رهن.
(الثالثة) الأجرة على الإمامة يلزم منها ذلك المحذور، لان الصلاة نفع له
فلو أخذ عنها عوضا لاجتمع العوضان له. وخرجوها على أن الأجرة بإزاء ملازمة
المكان المعين وهو مغاير للصلاة.

(1) في ك: بأحد المواضع.
(2) في ك: لما ذكرنا.
342

ومنهم من اعتبر الاذان فجعل الأجرة عليه خاصة، لأنه غير لازم فصحت
الأجرة عليه. وهذه الصور في الحقيقة غير مخالفة للقاعدة كما ترى، ونحن
نمنع الإجارة على الإمامة، لأنها ليست عملا زائدا على الصلاة الواجبة ولما
ذكروه من اجتماع العوضين.
فائدة:
قد سبق الفرق بين تملك المنفعة وتملك الانتفاع [فالنكاح من باب تملك
الانتفاع] (1) ذا نسب إلى الزوجة دائما كان أو مؤجلا، وإذا نسب إلى الأمة فهو
من باب تملك المنفعة. فالقسم الأول لا يجوز فيه تمليكه الغير، بخلاف الثاني،
الا أن الثاني إنما ملكت المنفعة فيه تبعا للعين.
ومما يشبه ملك الانتفاع الوكالة بغير عوض، فليس للموكل تمليك انتفاعه
بالوكيل لغيره، أما لو وكله بعوض فهو في معنى الإجارة، فيكون مالكا لمنفعته
فله نقلها في موضع يصح النقل، كالوكالة في بيع وشراء شهرا مثلا، بخلاف
الوكالة في بيع سلعة معينة أو تزويج امرأة معينة.
والقراض والمزارعة والمساقاة من قبيل تملك الانتفاع بالنسبة إلى المالك
أما العامل فالحصة يملكها (2) ملك عين لا منفعة.
فروع:
لو قال " وقفت هذا على العلوية ليسكنوا فيه " فالظاهر أنه ليس لهم الإجارة

(1) ليس ما بين القوسين في ص.
(2) في ص بمثلها.
343

لأنه تمليك الانتفاع، بخلاف ما إذا أطلق. ولو شككنا في تناول اللفظ للمنفعة
لم يدخل الا بقرينة عادية أو حالية.
أما السكنى والعمرى فلا يتصور فيهما تملك المنفعة بل تملك الانتفاع،
فليس له أن يسكن غيره. بخلاف الوصية بالمنفعة، كما لو أوصى له بمنفعة الدار
فلو أوصى له أن يسكن الدار فهو تمليك الانتفاع أيضا، ويجوز أن يسكن بالمسكن
معه من جرت العادة به قضية للعرف وان يدخل إليه ضيفا وصديقا لمصلحته.
وكذا الكلام في بيوت المدارس والربط إنما تستعمل فيما وقفت له ولا
يجوز استعمالها في خزن أو ايداع متاع الا مع قصر الزمان أو ما جرت العادة
به، وكذا لا يستعمل حصر المسجد في غيره ولا فيه في الغطاء مثلا، لأنها لم توضع
لتملك العين ولا المنفعة بل للانتفاع على الوجه المخصوص.
قاعدة:
حرم الأصحاب الأجرة على القضاء والاذان والإقامة وجوزوا الرزق من
بيت المال، فيسأل عن الفرق بينهما وكلاهما عوض عن تلك الأفعال، فيقال
في الجواب:
ان الرزق احسان ومعروف وإعانة من الامام على قيام المصلحة عامة، وليس
فيه معاوضة. ويفارق الإجارة بأن الارتزاق جائز والإجارة لازم، وبأنه يجوز
زيادته ونقيصته بحسب المصلحة بخلاف الإجارة، ويجوز أيضا نغير جنسه وتبديله
بخلاف مال الإجارة، وبأنه يصرف في الأهم من المصالح فالأهم، ولان مال
الإجارة يورث بخلاف الرزق.
ولو قيل بأنه معاوضة منهم للمسلمين أمكن، لان العمل للمسلمين فالعوض
منهم. وإنما لم يجعل إجارة ابقاءا لها على الجواز واقتداء بالسلف.
344

قاعدة:
لا يدخل في ملك انسان شئ قهرا الا الإرث والوصية للحمل ان قلنا بعدم
احتياجه إلى القول، ومطلق الوصية ان قلنا إن القبول ناقل، والوقف على قوم
معينين ونسلهم إذا قبل الأول منهم، والجهات العامة ان قلنا بملك المسلمين،
والغنيمة ان قلنا يملك بالاستيلاء، والزكاة ان قلنا بالشركة وكذا الخمس الا أنه
فيهما ملك لجميع المستحقين ويصرف إلى البعض لتعذر العموم، ونصف
الصداق إذا تنصف، وكله إذا ارتدت، والمبيع إذا تلف قبل القبض وقلنا
بالملك الضمني، وكذا الثمن المعين لو تلف قبل القبض، وثمن الشقص إذا
تملكه الشفيع، والشقص المتقوم في الرقيق إذا أعتق الشقص الاخر، والمبيع
إذا رد على البائع بأحد أسباب الفسخ، وكذا الثمن المعين إذا فسخ البائع
وأرش جناية الخطأ وعمده، والعمد المضمون بالأرش.
وفي النذر لمعين أو مبهم تردد، وأما الماء والثلج المجتمعان في داره أو
الكلاء النابت في أرضه فالظاهر أنه أولوية لا ملك.
فائدة:
المراد بملك (1) الملك أن ينعقد سبب يقتضي المطالبة بالتمليك، فهو يعد
مالكا من حيث الجملة تنزيلا للسبب منزلة المسبب، كحيازة الغنيمة، والاستحقاق
بالشفعة، والحضور على كنز أو مال مباح، وحق الشفعة، وظهور مال المضاربة
ان قلنا يملك بالانضاض.

(1) في هامش ك: بتملك الملك.
345

(البحث الثاني - في العقود وتوابعها على وجه عام)
قاعدة:
لا يقع عقد على عين أو منفعة الا من مالك أو بحكمه، وحكم المالك الأب
والجد والوصي والوكيل والحاكم والأمين والمقاص وناظر الوقف، والملتقط
إذا خاف هلاك اللقطة، وتعذر الحاكم والودعي كذلك، وبعض المؤمنين في
مال الطفل عند تعذر الولي، وواجد البدنة هدية ويتعذر ايصالها أو نحرها
وتفرقها (1) على احتمال جواز البيع.
قاعدة:
لا يجوز تعليق انعقاد العقود على شرط، سواء كان مترقبا (2) قطعا معلوم الوقت
- وهو المعبر عنه بالصفة - أو غير معلوم الوقت، أو كان غير مقطوع الترقب
إذا لم يعلم المتعاقدان وجوده، مثل إن كان وكيلي قد اشتراه فقد بعتكه بكذا أو
إن كان لي، أو إن كان أبى قد مات فقد زوجتك أمته، أو ان كانت موكلتي قد
انقضت عدتها فقد زوجتكها، أو إن كان أحد من نسائك الأربع مات فقد زوجتك
ابنتي.
أما لو علمنا (3) الوجود فان القصد صحيح ولا شرط وإن كان بصورة التعليق
ولا نظر إلى كونهما ينكر انه أو أحدهما إذا كان معلوما، كانكار الموكل الاذن في
شراء شئ معين أو بثمن معين.

(1) في ص: وتفرقتها.
(2) في هامش ك: متوقتا.
(3) في ك: لو علمنا.
346

ولو قال " بعتك بمائة ان شئت " فهذا تعليق بما هو من قضاياه، إذا لو لم يشأ
لم يشتر. ووجه المنع النظر إلى صورة التعليق.
ولا فرق بين تعليق العقد أو بعض أركانه، مثل " بعتك عبدي بمثل ما باع
به فلان قريبه " وهما غير عالمين. وحمله على جواز اهلاك كاهلاك الغير قياس
من غير جامع.
وكذا لو زوجه امرأة يشك أنها محرمة أو محللة فيظهر محللة، فإنه باطل
لعدم الجزم حال العقد وان ظهر حلها.
وكذا الايقاعات، كما لو خالع امرأته فطلقها وهو شاك في زوجتها، أو ولي
نائب الامام قاضيا لا يعلم أهليته وان ظهرت الأهلية.
ويخرج من هذا بيعه مال مورثه لظنه حياته فبان موته، لان الجزم هنا حاصل
لكن خصوصية البائع غير معلومة. وان قيل بالبطلان أمكن، لعدم القصد إلى
نقل ملكه.
وكذا لو زوج أمة أبيه (1) فظهر ميتا، أما لو باع صبرة بصبرة فظهر تماثلهما
في القدر متجانسين أو مختلفين (2) أو تخالفهما متخالفين ولم يتمانعا، فان الشيخ
جوزه. والأقرب منعه، للغرر الظاهر حال العقد.
قاعدة:
كل عقد تعاقد (3) عن نفوذه في النقل والانتقال باطل، ومن ثم لم يصح

(1) في ك: ابنه.
(2) في ك: أو متخالفين.
(3) في ك والقواعد: تقاعد.
347

بيع الحر ولا الشراء به، وكذا كل ما لا يملك وأم الولد والوقف والنكاح المحرم
والإجارة على الفعل المحرم، وكذا المبيع المجهول.
قاعدة:
كل عقد شرط فيه خلاف ما يقتضيه مع كونه ركنا من أركانه فإنه باطل،
كالبيع واشتراط نفي تسليم المبيع إلى المشتري والثمن إلى البائع أو الانتفاع
للمنتقل إليه وان لم يكن من أركانه لكنه من مكملاته، كاشتراط نفي خيار المجلس
والحيوان، فعندنا يصح، لان لزوم العقود هو المقصود بالأصل والخيار عارض.
ومنعه بعضهم، لان الغرض بادخال الخيار هنا للتروي واستدراك الغايات
فهو من مقاصد العقد، فاشتراط الاخلال به اخلال بمقاصد العقد.
قلنا: هو مقصود بالقصد الثاني لا الأول. ومثله لو شرط نفي خيار العيب،
ولو شرطا رفع خيار الرؤية أو الغبن أو خيار تأخير الثمن ففيه نظر.
قاعدة:
كل شرط اما أن يقتضيه العقد أولا، والأول مؤكد، والثاني أما أن يكون
مصلحة للبائع أو المشتري أو لهما، كشرط الرهن والضمين بالثمن والاشهاد
أو بشرط كونه صانعا أو ضمان الدرك، أو اشتراط الخيار لهما، أو لا يكون
من مصلحتهما: فاما أن لا يتعلق به غرض [كشرط أن يلبس أو يصلي النوافل
أو لا يأكل اللحم، فالشرط لاغ لان فيه منعا عن المباح وايجاب ما ليس بواجب.
وهل يفسد العقد فيه؟ وجهان.
وان تعلق به غرض] (1) لأحدها فاما أن ينافي مقتضى العقد فيفسد ويفسد

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
348

كشرط أن لا يبيع أو لا يطأ أو لا يقبض المبيع، الا اشتراط العتق فإنه جائز
لحديث بريرة. واما أن لا ينافي العقد، كشرط خياطة ثوب وقرض مال فيصح
عندنا.
والشرط في النكاح ينقسم إلى هذه القسمة، الا أن شرط ما لا ينافي العقد
كشرط عدم التزويج والتسري أو عدم الطلاق والا يبطل العقد قطعا، وفي ابطاله
المهر وجهان.
ولو شرط عدم الطلاق أو عدم وطئ أو عدم الثيبوبة (1) بعد الوطئ أو عددا
معينا منه لا غيره بطل العقد، ولو شرط الطلاق بعده فوجهان في العقد ويبطل
الشرط قطعا.
وربما احتمل ان شرط عددا معينا في الوطئ إنما يبطل إذا كان المشترط
الزوجة، أما لو كان المشترط الزوج فإنه حق له فلا يبطل به.
وليس بشئ، لان الوطئ حق للزوجة أيضا للوقت المعين، أما لو شرط
عليها أن يزيد على الواجب أمكن الصحة، وكذا لو شرطت عليه النقص عن
الواجب.
ولو شرط أحدهما الزيادة على الواجب فإن كان الزوج فهو لاغ، وان
كانت الزوجة فالأقرب أنه كذلك، لان الزائد حق له يصنع فيه ما شاء.
قاعدة:
كل شرط تقدم العقد أو تأخر عنه فلا أثر له، وقد يظهر أثره في مواضع:
(الأول) ما لو تواطيا على شرط فنسياه حين العقد فالأقرب أن العقد باطل.

(1) في ص وهامش ك: أو عدم البينونة.
349

(الثاني) ما لو شاهدا القرية بجميع حدودها ومزارعها أو ساوم عليها كذلك
ولم يذكره حال العقد، فإنه ينصرف إليه - قاله بعض الأصحاب.
(الثالث) بيع التلجئة (1) وهو المواطاة على صورة بيع ثم يبيع وقد تواطئا
على الفسخ لمنع الظالم من استملاك العين، فإنه يحتمل التأثير وأن يكون
العقد باطلا.
(الرابع) كل اثنين تواطيا على صورة عقد وفي أنفسهما رده بعده، وفي
الاخبار ما يدل على بطلانه.
(الخامس) التدليس قبل العقد في النكاح على قول.
قاعدة:
كل عقد على عوضين لابد من القبض في الجملة من الجانبين، ولكن القبض
في المجلس يختلف، فهنا أنواع أربعة:
(الأول) مالا يشترط فيه، وهو غالب العقود.
(الثاني) ما يشترط فيه قبض العوضين، وهو الصرف. ولا يلحق به الطعام
بالطعام وان كانا موصوفين.
(الثالث) ما يشترط فيه قبض الثمن، وهو السلم.
(الرابع) ما يشترط فيه قبض أحدهما وهو بيع الموصوف بموصوف،
سواء كانا ربويين أولا. ولعل الأقرب ترجيح قبض الثمن لأنه لم يعهد اشتراطه.

(1) التلجئة: الاكراه. قال بعض اللغويين: التلجئة عند الفقهاء: ان يلجئك انسان
ان تأتي أمرا ظاهره خلاف الباطن.
350

قاعدة:
الأصل الحلول في العقود، ولها بالنسبة إلى الأجل أقسام أربعة:
(الأول) ما يشترط فيه الأجل، وقد سلف.
(الثاني) ما يبطله كالربوي.
(الثالث) ما فيه خلاف وأقربه جواز الحلول، وهو السلف.
(الرابع) ما يجوز حالا ومؤجلا، وهو معظم العقود.
وكل ما يبطله الأجل يمتنع السلم فيه ان اشترطنا الأجل، والا فان قبض
الثمن أو أحدهما على ما مر صح.
وقد يتصور أجلا مع التقابض في المجلس، فإن كان ربويا بجنسه فالأقرب
البطلان وإن كان صرفا فالأصحاب قاطعون بالمنع، وكذا لو جعل الثمن المسلم
فيه أجلا وقبضه في المجلس.
قاعدة:
الأصل في العقود اللزوم، ويخرج عن الأصل في مواضع بعلل خارجة،
فالبيع يخرج إلى الفسخ أو الانفساخ بأمور:
(منها) أقسام الخيار المشهورة، وخيار فوات شرط معين أو وصف معين
أو عروض الشركة قبل القبض وتلف المبيع المعين أو الثمن المعين قبله أو في
زمن الخيار إذا كان الخيار للمشتري وان قبضه، والإقالة والتحالف عند التخالف
في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أو تقديره على قول، وتفريق الصفقة والاخلال
بالشرط، وخيار الرجوع عند الافلاس.
وأما سائر العقود:
351

فمنها - ما هو لازم من طرفيه كالنكاح والإجارة والوقف والصلح والمزارعة
والمساقاة والهبة في بعض الصور والضمان بأقسامه الا الكفالة، وفي المسابقة
خلاف.
ومنها - ما هو جائز من طرفيه، وهي الوديعة والعارية والقراض والشركة
والوكالة والوصية والقرض والجعالة والهبة في بعض صورها، لانتظام المصالح
بجوازها والا لرغب عنها أكثر الناس للمشقة بلزومها.
ويلحق بالوكالة ولاية القضاء والوقف والمصالح المعينة من قبل القاضي،
وقيل لا يجوز عزل القاضي اقتراحا فيكون لازما من طرف، وأما عزل نفسه فجائز
عند وجود من هو بالصفات لا عند عدمه.
ومنها - ما هو لازم من طرف جائز من آخر، كالرهن وكفالة البدن وعقد
الذمة والأمان، قيل والهبة من ذي الرحم أو مع القرابة أو مع التعويض أو مع
التصرف، ويظهر اللزوم من الطرفين، إذ لا يجب على الواهب القبول بفسخ
المتهب، لأنه ملك جديد.
وأما الكتابة فقد قال ابن حمزة بجوازها مشروطة من الطرفين ومطلقة من
طرف السيد، والفاضلان على لزومها من طرفيهما.
ومنها - ما يكون في مبدئه جائزا ثم يؤول إلى اللزوم، كالهبة بعد القبض
وقبل أحد الأربعة السابقة والوصية قبل الموت والقبول وتلزم بعدهما.
فوائد:
(الأولى) الأقرب أن الخلاف في لزوم المسابقة والرماية وجوازهما مختص
بغير المحلل، إذ له الفسخ. ويحتمل طرده فيه.
(الثانية) يدخل خيار الشرط في جميع العقود اللازمة الا النكاح والوقف
352

أما خيار المجلس فيختص بالبيع وأقسامه وليست الإجارة بيعا عندنا.
وقد منع الشيخ من ثبوت خيار الشرط في الصرف، محتجا بالاجماع.
ولا يدخل خيار التأخير في غير البيع، أما خيار الغبن فيمكن الحاقه بالصلح
والإجارة، وكذا خيار الرؤية، بل وبالمزارعة والمساقاة، وخيار العيب يدخل
في الجميع. اما الأرش فيختص بالبيع، ويحتمل وجوبه في الصلح والإجارة.
(الثالثة) قد يجعل خيار الشرط العقد لازما في وقت وجائزا في آخر، ثم
يلحقه اللزوم بعد ذلك، كما إذا اشترط رد الثمن في أجل، فان ترك لزم البيع.
وهذا جواز بين لزومين.
وقد يشترط الخيار شهرا بعد شهر العقد، فان الأقرب جوازه. وهذا اللزوم
بين جوازين، لان خيار المجلس ثابت فيه ثم يلزم العقد بعد التفرق حتى يدخل
الأجل المشروط.
(الرابعة) لا يدخل الخيار بأقسامه في الايقاعات بأقسامها، الا العتق على
رواية والوقف على خلاف.
قاعدة:
يجوز الجمع بين عقدين مختلفين حكما: أما في اللزوم والجواز، كالبيع
والجعالة والشركة. أو في المكايسة والمسامحة، كالبيع والنكاح، وفي التسديد (1)
وامتناع الخيار وجوازه كالبيع والصرف، وفي الغرر وعدمه كالبيع والقراض
والمساقاة. ومنع بعضهم من جواز هذه الستة. ويجمع أوائل أسمائها " جص
مشنق " (2) اعتبارا بتنافيها.

(1) في ك: وفي التشديد.
(2) جص مشنق: الجيم إشارة إلى الجعالة والصاد إلى الصرف والميم إلى المساقاة
والشين إلى الشركة والنون إلى النكاح والقاف إلى القراض.
353

وجوزوا اجتماع البيع والإجارة، لاشتراكهما في اللزوم. لنا أن ذلك
في قوة عقدين فيعطي كل منهما حكمه الشرعي.
قاعدة:
وقت الحكم 1) قد يكون وقت (2) انتقال وقد يكون وقت (2) انكشاف، وعقد
الفضولي يحتمل الامرين، ومما يقوى فيه الكشف قبول الوصية وزوال ملك
المرتد عن غير فطرة إذا مات مرتدا أو قتل تبينا زواله بالردة، وعتق الحصة
الساري إليها العتق.
وأظهر منه في الكشف بيع مال مورثه لظنه حيا فبان ميتا، وبيع مال الغير
لظنه فضوليا فظهر توكيله، ان قلنا لا تتوقف الوكالة على القبول ولا على العلم
وكذا لو زوج أمة أبيه فظهر موته، وكذا لو عامل العبد فظهر الاذن له، وكذا
لو سأله عن الاذن أو سأل الوكيل عن الوكالة فأنكراه وظهر صحة الاذن والوكالة.
وهو مشكل بما أن العقد موقوف بزعمه، وكذا في أكثر ما مضى لم يقصد
قطع الملك، وكذا لو تزوج امرأة المفقود فظهر ميتا إذا كانت قد اعتدت بأخبار
ضعيف ثم تزوجت به، أو أعتق رقيق مورثه ثم بان ملكه، أو أبرأه ولا يعلم أن
عليه مالا فظهر اشتغال ذمته، أو أبرأه من مال أبيه عنده ثم ظهر موت أبيه، وكذا
لو قال " أبرأتك من مال مورثي " ويكون ذكر الأبوة والمورثية وصف تعريف
لا اشتراط ولو جعلناه للاشتراط بطل الابراء.
وكذا لو باع مال أبيه بعبارة الأب أو المورث ما لو قال، بعتك هذه الدار "

(1) في ك والقواعد: وقف الحكم.
(2) في ك والقواعد: وقف.
354

ثم ظهر موت أبيه فإنه أظهر في الصحة.
ولو طلق بحضور خنثيين فظهرا رجلين أمكن الصحة، أو بحضور من يظنه
فاسقا فظهر عدلا.
ويشكلان في العالم بالحكم لعدم قصده إلى طلاق صحيح.
وطلاق العبد زوجته المعتقة يحتمل فيه الوقف، وكذا اختيار المسلمات
للفسخ وقد يختلف النصاب كافرات.
ولو أجازت المعتقة بعد طلاقها العقد احتمل الوقف، ولو أسلمت أمته تحت
عبد فعتقت واختارت الفسخ ثم أسلم أمكن نفوذ الفسخ.
ولو اختلعت مرتدة ثم عادت تبينا (1) الصحة والا تبينا (1) البطلان، لأنا تبينا
زوال ملكها عن العين المبذولة.
ولو قذف زوجته مرتدا بعد الدخول فلا عن، فان أصر ظهر بطلانه وان
أسلم تبينا صحته.
ولو أوصى بالعبد المكاتب فاسدا أو باعه ولا يعلم بفسادها، ففيه الوجهان.
والصور كثيرة جدا موجودة في تضاعيف أبواب الفقه.
وهذا وقف الكشف (2) قد يجري في الطلاق كما مر في طلاق المعتقة، وكما
لو طلق الوثني المسلمة في العدة وأسلم بعده، وكذا الظهار والايلاء، مع أن
الطلاق عندنا لا يقب التعليق، وذلك لكون هذا تعليقا مقدرا لا محققا وقد يعبر
عنه بأنه تعليق كشف لا تعليق انعقاد.
أما لو خالع وكيل الزوج بدون مهر المثل فلا وجه عندنا، لاعتبار رضى

(1) في بعض النسخ " تبين " في الموضعين.
(2) في ص: وهذا وصف الكشف.
355

الزوج في صحة الطلاق بل ينعقد باطلا. وربما قيل إذا قلنا بأن الإجازة كاشفة
لم لا يصلح (1). قلنا ذلك فيما يقبل الإجازة كالعقود، أما الايقاعات فلا والا لصلح (2)
طلاق الفضولي مع الإجازة وليس كذلك، مع أن الذي نص عليه الأصحاب
أن الطلاق لا يكون معلقا على شرط، ولا يلزم منه بطلان طلاق الفضولي إذا قلنا
بالكشف.
فان احتج بقولهم عليهم السلام " لا طلاق الا فيما يملك ". قلنا: يضمر
اللزوم، لأنه قد جاء " لا تبع ما ليس عندك " مع أن قائلون بوقوفه على الإجازة
وتؤل النهي عن البيع اللازم، أي لا تبع بيعا لازما لما ليس عنده.
الا أنا لا نعلم قائلا من الأصحاب بصحة اطلاق مع الإجازة، وحينئذ يمكن
أن يستنبط منه أن الإجازة في موضعها سبب ناقل لا كاشفة، استدلالا بانتفاء المعلول
على انتفاء العلة. لأنا استدللنا على بطلان الكشف ببطلان الطلاق المجاز
والاستدلال الأول على صحة الطلاق بكون الإجازة كاشفة في العقود.
فائدة:
لو قال واحد من ركبان السفينة لاخر عند الحاجة إلى الالقاء " ألق متاعك
وأهل السفينة ضمناء " فألقاه فأجازوا احتمل كونه من باب العقود الموقوفة، إذ
هو من باب الضمان الا أنه ضمان ما لم يجب، وهو معاوضة على الملقى ببدله،
وكلاهما قابل للوقف. واحتمل البطلان، لأنه معاملة مخالفة للأصل شرعت
للضرورة فيقتصر فيها على قدر الضرورة، فكان من حقه سؤالهم قبل الالقاء.

(1) في ص: لم يصح. وفي القواعد: لم لا يصح.
(2) في ص والقواعد: والا لصح.
356

فائدة أخرى: كل فعل يأتي به في حال الشك احتياطا فيظهر الاحتياج إليه، فإنه من هذا
الباب حتى في العبادات كالطهارات والصلوات. وقد ظهر أثر هذا في صيام آخر
شعبان والمتردد في نية الزكاة بل في متردد في آخر شعبان وحكم بأجزائه.
قاعدة:
الصحيح من العبادات والعقود قد ذكر رسمها في المقدمات وكذا الفاسد
منهما، ويترتب على الفاسد أمور أخر شرعية:
(منها) الضمان، وهو تابع لاصله، فكلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده
ومالا فلا، لان المالك دخل على ذلك.
(ومنها) الزوائد، فإنها للناقل لأنها تابعة للأصل. نعم يرجع (1) في صورة
الشراء الفاسد بما اغترمه وله ما زاد بعمله عينا كان أو صفة، لغدره بغروره إن كان
البائع عالما وبتسلط الشرع إن كان البائع جاهلا.
وفاسد العقود التي يقصد فيها الأعمال كالإجارة والمساقاة والمزارعة
والقراض يثبت فيها أجرة المثل، لأنه عمل محترم (2)، فلا يكون ضائعا والا لكان
أكل مال بالباطل، ويكون ذلك الشرط الذي كان تابعا للصحة لا غيا.
ولا يثبت في القراض والمساقاة قراض المثل، سواء كان سبب الفساد القراض
بالعروض أو الأجل، أو التضمين للعامل، أو ابهام الحصة، أو كونها بدين
يقبضه من أجنبي، أو على أنه لا يشترى الا سلعة معينة لما يكثر وجوده فاشترى
غيرها، أو على أن يشتري عبد فلان بمال القراض ثم يبيعه ويتجر بثمنه. وأو لا

(1) في هامش ك: ترجيح.
(2) في هامش ك: محتوم.
357

في المضاربة وسواء في المساقاة كان سبب الفساد ظهور الثمرة أو شرط عمل
المالك أو اجتماعهما مع البيع أو مساقاة شيئين على جزئين مختلفين أو اختلفا
مخلفا أو نكلا أولا.
وبعض العامة يحكم في السبع التي في المضاربة والخمس التي في المساقاة
بقراض المثل ومساقاة المثل وفيما عداها بأجرة المثل، محتجا بأن الأسباب إذا
تأكدت بطلت الحقيقة بالكلية فكان له الأجرة وان لم تتأكد اعتبر بمثله في القراض
والمساقاة، وهو مطالب بأمرين: كون هذه الأسباب متأكدة، وكون التأكيد
مزيلا للحقيقة وغيره لا يزيلها.
(القسم الثاني - في خصوصيات العقود)
وفيه فصول:
(الأول - في البيع)
فائدة:
الأحكام الخمسة قد تلحق عقد البيع وإن كان سببا:
فيجب البيع عند توقف الواجب عليه، كايفاء الدين ونفقة الواجبي النفقة
والحج به وصرفه في الجهاد.
ويستحب البيع عند الربح إذا كان السلعة مقصودا بها الاسترباح وقصد
بذلك التوسعة على العيال ونفع المحتاج.
ويحرم إذا اشتمل على الربا أو جهالة أو منع حق واجب، كبيع راحلة
الحاج إذا علم عدم امكان الاستبدال، وبيع المكلف ماء الطهارة إذا علم فقده بعده.
ويكره إذا استلزم تأخر الصلاة عن وقت الفضيلة.
358

ويباح حيث لا رجحان ولا مرجوحية.
ويلحق أيضا مقدمات العقد، فالوجوب كوجوب العلم بالعوضين، والتحريم
كالاحتكار والتلقي (1) والنجش عند من حرمها، والكراهة كالزيادة وقت النداء
والدخول في سوم المؤمن.
ويلحق العقد الصحيح وجوب الستليم إلى المشتري والبائع في العوضين
وتحريم المنع منه، وإباحة الانتفاع، وكراهة الاستحطاط بعد الصفقة (2)،
واستحباب إقالة النادم.
قاعدة:
يشترط كون المبيع معلوم العين والقدر والصفة، فلو قال " بعتك عبدا من
عبدين " بطل، لأنه غرر يمكن اجتنابه بسهولة.
واحترز به عن أس الحائط، فإنه وإن كان غررا الا أنه لما شق الاطلاع عليه
اكتفى فيه بالتبعية، لأنه قد تصح الجهالة تبعا وان لم تصح أصلا، ولان العقد
يحتاج إلى مورد يتأثر به في الحال كما في النكاح ولا تأثير هنا في الحال،
وخصوصا إذا قيل بالصحة حين التعيين، فيكون في معنى تعليق العقد وانه باطل.
فان قلت: العتاق والطلاق يصحان مع الابهام، فالأصح هنا.

(1) التلقي هو أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد فربما اخبره بكساد
ما معه كذبا ليشترى منه سلعة بالركس والقيمة القليلة، وذلك حرام وقد نهى عنه ويقال:
تلقي الركبان. والنجش بفتح النون والجيم وهو ان يمدح السلعة في البيع لينفقها أو يروجها
أو يزيد في قيمتها وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها وهو أيضا حرام للنهي عنه.
(2) الاستحطاط بعد الصفقة: هو ان يطلب المشتري من البائع ان يحط عنه من ثمن
المبيع. ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله.
359

قلت: لان فيهما معنى الفك والحل، وتفويض التعيين إلى المباشرة لا يلزم
منه تنازع، بخلاف صورة النزاع. ولان الغرض في البيع الانتفاع بالمبيع
عقيب العقد، وهو غير ممكن هنا، لتوقفه على التمييز.
وأيضا فان الشرع بعث ليتم مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال، والعقلاء
يختارون ثم يعقدون غالبا.
واستنبط الشيخ رحمه الله في الخلاف من مسألة بائع العبد، فيدفع عبدين
للتخيير، جواز بيع عبد من عبدين.
وهو بعيد أصالة ومأخذا: اما أصالة فلما قلناه، وأما مأخذا فلانه لا تلازم
بين انحصار الحق بعد البيع في عبدين وبين صحة ايراد العقد على عبد من
عبدين.
قاعدة:
يشترط كون المبيع مما يتمول، فلا يصح العقد على مالا يتمول، لعدم
الانتفاع به كحبة دخن وكالحشار، لان بذل المال في مقابلتها سفه.
أما ما خرج عن التمول بكثرته - كبيع الماء على شاطئ نهرو الحجارة في
جبل مملو منها - فصحيح لأنه منتفع به في الجملة.
وقد يتعلق الغرض بنفع البائع بالثمن بغير منة، ولو باع جزأ مشاعا مما
يملك بجزء مشاع مساو منه لاخر، قيل يبطل لعدم الفائدة، وقيل يصح.
والفائدة في مواضع، وهي: أنه لو كان موهوبا لم يرجع فيه لأنه تصرف
ولو كان ذا خيار حصل به الفسخ أو الإجازة وعدم رجوع البائع فيه إذا أفلس
لأنه غير ماله، ولو كان صداقا (1) لزوجته فعلت فيه ذلك رجع الزوج بقيمة نصفه

(1) في ص: ولو كان خادما.
360

لا به، ولو كان أجرة فانفسخت لم يرجع المؤجر إلى تلك العين بل إلى بدله.
ولقائل أن يقول: هذا مبني على النقل والانتقال، وفيه ما فيه، إذ لا شئ
يشار إليه لأحدهما حتى ينقل. فان عورض بأن المتشبثين لو تنازعا في عين وأقاما
بينه يقضى لكل واحد منهما بما في يد صاحبه. أجيب بنقل الكلام إليه وانه
مبني على ترجيح الخارج وبأن يد كل واحد منهما موردها غير مورد يد الآخر
فكأنه حكم بنزع يده واثباتها على ما في يد الآخر.
فان تخيل هذا فرقا والا منعنا حكم الأصل، وقلنا على تقديم بنية الداخل
لا اشكال وعلى تقدير تقديم الخارج هما متعارضان فتساقطا، فاستقر يد كل واحد
منهما على ما فيها.
قاعدة:
كلما جاز بيعه جازت هبته وبالعكس الا في مسائل، وهي قسمان:
(الأول) فيما تجوز هبته ولا يصح بيعه، وهي الآبق، والمغصوب، والضال
وهبة الكلب ان منعنا من بيع ما عدا كلب الصيد، ولحوم الأضاحي وجلودها
إذا كان واجبة، والثمرة المختلطة بعد البيع وقبل القبض، وكذا اللقطة.
(الثاني) ما يجوز بيعه ولا يجوز هبته، وهو الموصوف في الذمة، كالمسلم
فيه فلا يصح، وهبتك صاع حنطة موصوف ثم يعينه ويقبضه، والدين في ذمة
الغير على خلاف فيه، والمريض في ماله بثمن المثل، وكذا مال المحجور عليه.
قاعدة:
الغرر لغة ماله ظاهر محبوب وباطن مكروه قاله بعضهم، ومنه قوله تعالى
361

" في متاع الغرور " (1).
وشرعا هو جهل الحصول وأما المجهول فمعلوم الحصول مجهول الصفة
وبينهما عموم وخصوص من وجه، لوجود الغرر بدون الجهل في العبد الآبق
إذا كان معلوما الصفة من قبل أو موصوفا الان، ووجود الجهل بدون الغرر كما
في المكيل والموزون والمعدود إذا لم يعتبر.
وقد يتوغل في الجهالة كحجر لا يدري أذهب أم فضة أم نحاس أم صخر
ويوجدان معا في العبد الآبق المجهول صفته فيتعلق الغرر.
والجهل تارة بالوجود كالعبد الآبق وتارة بالحصول كالعبد الآبق المعلوم
وجوده والطير في الهواء، وبالجنس بحيث لا يدرى ما هو كسلعة من سلع
مختلفة، وبالنوع كعبد من عبيد، وبالقدر كالمكيال الذي لا يعرف قدره والبيع
إلى مبلغ السهم والتعيين كثوب من ثوبين مختلفين وفي البقاء كبيع الثمرة قبل
بدو صلاحها عند بعض الأصحاب.
ولو شرط في العقد أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا عند الكل، كما
لو شرط صيرورة الزرع سنبلا.
والغرر قد يكون مما له مدخل ظاهر في العوضين وهو ممتنع اجماعا، وقد
يكون مما يتسامح به لقلته كأس الجدار ووطن الحية (2)، وهو معفو عنه اجماعا
وكذا اشتراط الحمل.
وقد يكون بينهما، وهو محل الخلاف في مواضع الخلاف، كالجزاف
في مال التجارة (3) والمضاربة والثمرة قبل بدو الصلاح والابق بغير ضميمة.

(1) الامتاع الغرور. آل عمران: 185. ولم نجد: في متاع..
(2) في ص وهامش ك: وقطن الحبة.
(3) في ك: الإجارة.
362

قاعدة:
النهي عن الغرر والجهالة كما جاء في الخبر من نهيه صلوات الله عليه عن
الغرر وعن بيع المجهول في قضية كلام الأصحاب مختص بالمعاوضات المحضة
كالبيع، فهنا أقسام ثلاثة:
(الأول) لصرف موجب لتنمية المال وتحصيلها بإزاء عوض محض مقصودا
بالذات، كالبيع بأقسامه والصلح على الأقوى والإجارة منفعة وعوضا على الأقرب.
وهذا لا تجوز فيه الجهالة.
(الثاني) احسان محض لا قصد فيه إلى تنمية المال ولا تحصيل ربح، كالصدقة
والهبة والابراء. وهذا لا تضر فيه الجهالة، إذا لا ضرر في نقصه ولا في زيادته.
(الثالث) تصرف الغرض الا هم فيه أمر وراء المعاوضات، كالنكاح فان
المقصود فيه الذاتي هو الألفة والمودة وتحصيل التحصين عن القبائح وتكثير
النسل، ولكن قد جعل الشرع فيه عوضا لقوله تعالى " ان تبتغوا بأموالكم " (1)
" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " (2)، فبالنظر إلى الأول جاز تجريده عن المهر وجهالة
قدره، وبالنظر إلى الثاني امتنع فيه الغرر الكثير، كالتزويج على عبد آبق غير
معلوم أو بعير شارد غير معلوم.
ومن ثم قال الأصحاب: لو تزوجها على خادم أو بيت كان لها وسط (3) لقلة
الغرر فيه. وكذلك الخلع يكفي في ماله المشاهدة، لان البضع ليس عوضا
محضا، ولهذا كان الغالب النزول عنه بغير عوض كالطلاق.

(1) سورة النساء: 24.
(2) سورة النساء: 4.
(3) في ص: أو بنت فان لها وسط.
363

فرع:
لو وهب (1) المجهول المطلق كشئ ونحوه لم يصح، وكذا لو وهبه دابة
من دوابه أو درهما من كيسه (2) من غير تعيين، ولكن الجهالة في الكيل أو الوزن
أو الوصف لا تصر.
قاعدة:
الاستثناء المجهول باطل، فيبطل في المبيعات وسائر العقود، كقوله [بعتك
الصبرة الا جزءا منها. وفي صحيح مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم نهى عن الثنيا.
وربما جاءت في الايقاعات] (3) كقوله عبيدي أحرار الا واحدا أو " أعطوه
نخلي الا نخلة "، ولو قال " بعتك الصبرة الا صاعا منها، وهي متفرقة وأراد واحدا
من المتفرقة ولم يعينه بطل البيع، وكذا لو قال " بعتك صاعا من الصبرة متفرقة "
لأنه غرر يسهل اجتنابه، أو لأن العقد لم يجد موردا يحمل عليه.
وإن كان الصبرة مجتمعة وقال " بعتكها الا صاعا منها " فان كانت مجهولة
الصيعان (4) بطل البيع، لعدم معرفة قدر المبيع.
وكذا لو قال " بعتك صاعا منها " ان نزلناه على الإشاعة. والأصح إذا ظن
اشتماله عليه وان كانت معلومة فاستثنى منها عددا معينا صح قطعا.
واختلف في تنزيله، فقيل هو بمثابة جزء من الجملة كالربع والعشر، فلو

(1) في ص والقواعد: لو وهبه.
(2) في ص وهامش ك: من كسبه.
(3) ما بين القوسين ليس في ص.
(4) الصيعان جمع الصاع كالتيجان جمع التاج.
364

كانت الصرة أربع أصواع والربع وعلى هذا حتى إذا تلف منها شئ يقسط
بالحساب. وقيل بل المبيع جزء مشاع منها مقدر، فلو لم يبق الا صاع بقي المبيع
فيه، وعليه دل خبر بريد بن معاوية عن الصادق عليه السلام. والأول اختيار
أكثر العامة.
قاعدة:
كل عقد بيع فإنه يثبت فيه خيار المجلس وإن كان بيع الولي من المولى
عليه على الأقرب، وكذا لو اشترى جمدا في الحر الشديد، ووجه العدم تلفه
بمضي الزمان.
قلنا: التلف لا يمنع من نفوذ الخيار، ولو اشترى من يعتق عليه فكذلك.
ويحتمل العدم لانعتاقه ففيم يفسخ. ويحتمل بناؤه على الملك في زمن الخيار
للبائع ثبت الخيار قطعا ثم ينعتق بافتراقهما، وان قلنا بالوقف فكذلك الا أنا نتبين
بالافتراق انه عتق بالشراء وان قلنا بملك المشتري فلا خيار [له بل للبائع وحينئذ
يتوقف الحكم بعتقه حتى يفترقا ثم نتبين عتقه بالعقد. ويحتمل عتقه بالشراء] (1)
وحينئذ هل ينقطع خيار البائع نظر، فان قلنا ببقائه أغرم القيمة.
ولو اشترى العبد نفسه من سيده وجوزناه فلا خيار له، لأنه كالكتابة، وثبوته
قوي وينزل على ما تقدم.
ولو اشترى من أقر بحريته كان فداء من جهته بيعا من جهة البائع فله الفسخ
دون المشتري، ويحتمل ثبوت الخيار لهما بناء على صورة البيع.

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
365

قاعدة:
ينقسم الخيار بحسب الفور والتراخي إلى أنواع ثلاثة:
(الأول) ما هو على التراخي، كخيار العيب وخيار الاشتراط وخيار الحيوان
وخيار التأخير وخيار المولى منها بين الصبر على الزوج والزامه بالفئة [أو
الطلاق] (1) وخيار أحد الزوجين إذا طلق قبل الدخول وقد زادت العين زيادة متصلة
أو نقصت بين أخذ نصف العين أو نصف القيمة في صورة النقيصة للزوج وبين
دفع [نصف] (2) العين أو نصف القيمة للزوجة في صورة الزيادة، وخيار ولي
الدم بين العفو أو القصاص وبين أخذ الدية والعفو، وخيار الأمة إذا كانت تحت
عبد وأسلمت وهو كافر ثم عتقت في العدة وكذا لو أسلم الزوج وهي كافرة ثم
عتقت في العدة، وخيار المستأجر إذا تعيب العين المستأجرة، وخيار المرأة عند
اعسار الزوج بالنفقة، وخيار الفسخ عند التخالف ان قلنا بعدم الانفساخ به،
وخيار التصرية (3) على الأقرب [إلى ثلاثة أيام، وخيار الفسخ بالعنة الا بعد السنة،
وخيار المسلم فيه] (4)، وعند انقطاع المسلم فيه على احتمال.
(الثاني) ما هو على الفور كخيار الغبن، وخيار التدليس في البيع والنكاح
وخيار العيب في الزوجين الا العنة. وفي التحقيق هو على الفور، لان محله بعد
الثبوت ولا يكون الا بعد انقضاء السنة، والاخذ بالشفعة على الأقوى، وعتق
الأمة تحت عبد أو حر على المشهور الا فيما ذكر، وخيار الرؤية وتفريق الصفقة

(1) ليس في ص.
(2) ليس في ك والقواعد.
(3) التصرية: هي ترك اللبن في الضرع حتى يمتلأ ليراه المشتري كثيرا فيزيد في
الثمن وهو لا يعلم.
(4) ما بين القوسين ليس في ص.
366

وتجديد الشركة.
(الثالث) ما فيه اشكال، وهو خيار البائع في عين ماله بافلاس المشتري،
وخيار التلقي. والأقرب الفورية فيهما.
قاعدة:
كل خيار في عقد فإنه يزلزله، وهل يلحق أحكام العقد به حتى يجعل مدة
الخيار كابتداء العقد؟ ظاهر كلام الشيخ ذلك، وهو من فروع وقت الانتقال،
فمن قال بانقضاء الخيار فالعقد غير مستقل ولهذا جاز الفسخ، ومن قال بالعقد
فقدتم بالايجاب والقبول. وتظهر الفائدة في أمور:
(الأول) لو زاد الثمن أو نقص أو في الأجل أو في مشترط الخيار اعتبر
ذلك حتى على الشفيع وله.
(الثاني) لو اقترن بالعقد شرط مفسد ثم حذفاه (1) في المجلس، فيه الوجهان
والأقرب عدم الصحة بحذفه.
(الثالث) لو لم يعينا أجلا في السلم وعيناه في المجلس فيه الوجهان.
(الرابع) لو باع الوكيل فحضر من يزيد في المجلس، فان جعلنا الخيار
كابتداء العقد انفسخ بنفسه والا وجب على الوكيل الفسخ، فإن لم يفسخ احتمل
قويا الانفساخ لأنه تصرف على خلاف مصلحة الموكل، وكذا في خيار الشرط.
(الخامس) لو دفع الغابن التفاوت، فيه الوجهان.
(السادس) لو أسلم إليه ما في ذمته إلى أجل فالأقوى البطلان. ولو كان حالا
فإن لم يقبض المسلم فيه قبل التفرق بطل، لأنه بيع دين بدين، وان قبضه في

(1) في ص: ثم جدداه.
367

المجلس فان قلنا كالعقد صح فكأنهما عقداه بعد القبض، والا احتمل البطلان،
لأنه من القواعد المقررة أن قبض المسلم فيه ليس بشرط في المجلس، فالعقد
قد وقع على المسلم فهو دين بدين بطل، فلا ينقلب صحيحا بالقبض في المجلس.
ومثله بيع عين موصوفة بصفات السلم هل يشترط قبض ثمنها في المجلس
أو يكفي قبض العين الموصوفة أو يبطل من أصله، وكذا لو باع الربوي بمثله
موصوفين من غير أجل هل يبطل أو يصح مطلقا أو يراعى القبض في المجلس
لهما جميعا أو لأحدهما. صرح متأخرو الأصحاب أنه لا يشترط التقابض في
المجلس الا في الصرف، فحينئذ يزول بيع الدين بالدين بقبض إحداهما.
قاعدة:
المصالح على ثلاثة أقسام: ضرورية كنفقة الانسان على نفسه، وخاصة (1) كنفقته
على زوجته، وتمامية كنفقته على أقاربه لأنها تتمة مكارم الأخلاق.
والأولى مقدمة على الثانية، كما أن الثانية مقدمة على الثالثة.
والسلم من التمامية لأنه من تمام المعاش، وكذلك المزارعة والمساقاة
والمضاربة.
وبيع الغائب إنما اشترط فيه قبض الثمن المجلس حذرا من بيع الكالي
بالكالي، أي أن البائع والمشتري كلا منهما يكلا صاحبه، أي يراقبه لأجل ماله
عليه، فيكون اسم فاعل للمتعاقدين. ويجوز أن يكون اسما للدين، لان المدين
يحفظ صاحبه عند الفلس عن الضياع، وعلى هذا هو اسم فاعل للدين. ويجوز
أن يكون اسم مفعول، كالدافق. وعلى التفسيرين الأخيرين لا حذف في الكلام
وعلى التفسير الأول في الكلام اضمار تقديره بيع مال الكالي بمال الكالي،

(1) في ص والقواعد: وحاجية.
368

لاستحالة ورود البيع على العاقدين وعلى كل تقدير، فهو مجاز من باب تسمية
الشئ باسم ما يؤول إليه، لان حال العقد ليس هناك كالي.
ومن فسر بيع الكالي بالكالي ببيع دين في ذمة واحد بدين للمشتري في ذمة
آخر، فهو حقيقة لحصولهما حال العقد.
ولا بد كون المسلم فيه قابلا للنقل حتى يكون في الذمة، فلا يجوز السلم
في الدار والعقار.
قاعدة:
كل ما يكال ويوزن ذهب كثير من الأصحاب إلى تحريم بيعه قبل قبضه، وخصه
بعضهم بالطعام، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من ابتاع
طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه (1).
وقد جاءت في ذلك أحاديث كثيرة عامة، والعموم لا يخصص بذكر بعضه
ولا يمكن هنا أن يكون من باب حمل المطلق على المقيد، لما تقدم من أن
الحمل إنما هو في الكلي لا الكل، بل العمدة في ذلك قضية الأصل من أن الملك
مسلط على التصرف بأنواعه خرج عنه الطعام أو المكيل والموزون فيبقى ما
عداه على الأصل.
ولم أقف على قائل من الأصحاب بالاطلاق، وعلله العامة بضعف الملك
قبل القبض، لأنه لو تلف انفسخ البيع ويتوالى الضمانين في شئ واحد، فإنه
يكون مضمونا على البائع الأول للمشتري وعلى المشتري للمشترى الثاني، وبأنه
ان لم يقبضه كان من ضمان البائع، وقد حرم النبي صلى الله عليه وآله

(1) أخرجه البخاري في صحيحه في " باب بيع الطعام قبل القبض " من أبواب كتاب
البيوع.
369

ربح ما لم يضمن (1) في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وقد استثنى المانعون صورا يجوز بيعها قبل القبض، كالأمانات لتمام الملك
وعدم ضمانها على من هي في يده، والمملوك بالإرث الا أن يكون المورث
اشتراه ولم يقبضه. ولو اشترى من أبيه فمات قبل قبضه وهو وارث جميع ماله
جاز بيعه قبل قبضه، لأنه بحكم المقبوض.
ورزق الجند إذا عينه لواحد، والظاهر أن لا يملك الا بالقبض، وسهم
الغنيمة بعد الافراز ان قلنا بالملك الحقيقي، وكذا لو انحصر الغانمون فباع قدر
نصيبه المعلوم ان قلنا تملك الغنيمة بالاستيلاء وان لم تقسم، والوصية وغلة
الوقف والموهوب إذا رجع فيه.
وأما الصيد فان اثباته في الحبالة وشبهها قبض حكمي، وكذا يصح بيع
المقبوض مع الغير وهو مضمون عليه، كالعارية مع اشتراط الضمان والمستام،
والشراء الفاسد ورأس مال السلم لو فسخ المسلم لانقطاعه، وكذا إذا فسخ البائع
لا فلاس المشتري ولما يقبض.
أما المضمون بعقد معاوضة كالبيع والصلح وثمن المبيع المعين والأجرة
والعوض في الهبة، فإنه ممنوع عند العامة الا في بيعه من البائع، فان فيه وجها
ضعيفا بالجواز مبنيا على أن علة البطلان توالي الضمانين، إذ لا توالي هنا.
ومنهم من قال الخلاف مختص بغير جنس الثمن أو به بزيادة أو نقصان، والا
فهو إقالة بلفظ البيع.
وظاهر الأصحاب أمران:
أحدهما - ان هذا الحكم مختص بالبيع في طرف المبيع أو لاثم بالبيع

(1) التهذيب 7 / 230، 131.
370

ثانيا، فلو ملكه بغير بيع ولم يقبضه صح، ولو ملكه ببيع ثم عاوض عليه بغبر
البيع كالصلح والإجارة والكتابة صح، الا الشيخ في المبسوط فإنه منع الإجارة
والكتابة.
الأمر الثاني - أن غير المكيل والموزون لا حجر فيه على حال الا ما ذكره
الشيخ في الكتابة، فسقطت هذه التعريفات على ذلك. وكذا ما ملك بالإقالة
أو القسمة لأنهما ليستا بيعا عندنا وبالاصداق والشفعة.
أما ثمن المبيع المعين فيمكن انسحاب الخلاف فيه، لان كل واحد منهما
في معنى البيع 1) والثمن هو النقد 2) إن كان هناك نقد والا فما اتصلت به الباء
وقيل هو ما اتصلت به الباء مطلقا، وهو قوي، وقيل النقد مطلقا.
فائدة:
لو تصرف المشتري فيما اشتراه قبل قبضه فإن كان مكيلا أو موزونا وقلنا
بالمنع فان تصرف بالبيع فهو باطل لتحقق النهي عنه، لمصلحة لا تتم الا بابطاله
وبغيره صحيح. وفي المختلف انه لا يلزم من النهي هنا البطلان، وفي رواية
يختص التحريم على من يبيعه بربح، أما التولية فلا، أما التصرف فيه بغير
البيع كالعتق والوقف والاصداق والرهن والاقراض والصدقة والتزويج فجائز.
فائدتان:
(الأولى) الفرق بين الماء المطلق ومطلق الماء والبيع المطلق ومطلق البيع:

1) في ك والقواعد: في معنى البائع.
2) في هامش ك: والثمن هو النقل.
371

أن البيع المطلق هو البيع العام قضية للام الجنسية، ووصفه بالاطلاق يفيد أنه لم
يقيد بما ينافي العموم من شرط أو صفة أو غير ذلك من لواحق العموم كالاستثناء
ومطلق البيع هو القدر المشترك بين أفراد البيع، وهو مسمى البيع الصادق بفرد
من أفراده، ثم أضيف إلى البيع للتمييز عن باقي المطلقات لمطلق 1) الإجارة
ومطلق النكاح ومطلق جميع الحقائق، فالإضافة للتمييز فقط.
فعلى هذا يصدق أن مطلق البيع حلال اجماعا ولا يصدق أن البيع المطلق
حلال اجماعا، لان بعض أفراده حرام اجماعا.
ويصدق زيد له مطلق المال ولا يصدق أن له المال المطلق وفي هذا نظر بين.
(الثانية) ارتفاع الواقع لا ريب في امتناعه، وقد يقال في فسخ العقد عند
التحالف هل الفسخ من أصله أو من حينه؟ ويترتب على ذلك النماء، فيرد هنا
سؤال، وهو: ان العقد واقع بالضرورة في الزمان الماضي، واخراج ما يضمه
الزمان الماضي من الوقوع محال.
فان قلت: المراد رفع آثاره دونه.
قلت: الآثار أيضا من جملة الواقع وقد تضمنها الزمان الماضي، فيكون
رفعها محالا.
وأجيب عن ذلك: بأن هذا من باب اعطاء الموجود حكم المعدوم، ومن
هذا الباب تأثير ابطال النية في أثناء العبادة بالنسبة إلى ما مضى في نحو الصلاة
والصيام على الخلاف، فإنه تضمن رفع الواقع.
ويجاب عنه: بأنه من باب تقدير الموجود كالمعدوم كما قلناه.
وعورض: بأنه لو صح تأثر هذا العزم هنا لاثر في نية ابطال ما تقدم من

1) في ص وهامش ك: كمطلق الإجارة.
372

الأعمال الصالحة من أول عمره إلى آخره، فيصير هنا في تقدير غير الواقع،
ولكان يلزم منه 1) صحة القصد إلى ابطال الأعمال القبيحة كلها، إذ لا دليل على
اعتبار العزم المتجدد فيما ذكرتم بالخصوص، ولا فارق 2).
قال بعض العامة: وهذا متجه لم أجد له دافعا.
والجواب: ان الفرق واقع بين العزم في أثناء العبادة وبينه بعدها، لان الصلاة
والصوم مثلا لا يعد كل جزء منها عبادة الا عند الاتيان بالمجموع، والنية كما هي
شرط في مجموعها شرط في أجزائها، فإذا وقع العزم على ابطال أو العزم على
ما ينافيها بقي الجزء الواقع في تلك الحال وما بعدها بغير نية فيبطل في نفسه
ويبطل. فاشتراط كل منهما بصاحبه اشتراط معية، فيصير ما مضى وإن كان
واقعا في تقدير غير واقع. أو نقول: بطل ما مضى كما يبطل الحدث الصلاة
والافطار الصوم.
قيل: ولا يخلو باب من أبواب الفقه عن التقدير.
(الثاني 4) - في الديون)
قاعدة:
القرض عقد صحيح مستقل، وعند بعض العامة هو بيع يخالف الأصول
في ثلاثة أوجه: عدم القبض في المجلس في قرض النقد، وسلف المعلوم في
المجهول ان قلنا بضمان المثل في القيمي، وبيع ما ليس عنده في المثليات.

1) في ص: يلزم من صحة.
2) في ص: ولا فرق.
3) في هامش ك: نفيه.
4) أي الفصل الثاني.
373

واحتمل هذه المخالفات تحصيلا لمصلحة المعروف إلى العباد، ومن ثم
امتنع إذا جر نفعا إلى المقرض، لخروجه عن اسداء 1) المعروف.
قاعدة:
كل دين حال لا يتأجل الا في صور:
منها: اشتراط أجله في لازم.
ومنها: الايصاء بتأجيله، كما يصح الايصاء باسقاطه.
ومنها: إذا ضمن الحال مؤجلا إلى مدة أو رهنه على دين وشرط بيعه
واستيفاء ثمنه بعد مدة. وليس هذا من المشروط في اللازم، إذ لا لزوم للرهن
من جهة المرتهن.
ومنها: إذا نذر عند شرط أو تبرعا ان لا قبض دينه من فلان الا بعد مدة معينة
وهذا ينحل إذا دفع المديون قبلها.
قاعدة:
الأجل قسمان:
(أحدهما) ما قدر بأصل الشرع، وهو: البلوغ، والحمل، والرضاع،
ومدة الصلاحية للحيض ابتداء وانتهاء، والعدة، والاستبراء، والهدية في بعض
الصور، وحول الزكاة، والمكاسب في الخمس، واللقطة، وخيار التصرية،
ومدة مقام المسافر، ومدة السفر الذي يكون مسافة، وأقل الحيض وأكثره، وأكثر

1) الاسداء: الاعطاء، ومنه (من أسدى إليكم معروفا فكافئوه) أي من أعطاكم معروفا
فكافئوه. وفى هامش القواعد: (اسم) بدل (اسداء)
374

النفاس، وأقل الطهر، واستبراء الجلالة، ومدة وطئ الزوجة، والايلاء والظهار
والعنة، وانتظار السن والعقد، واستتابة المرتد، وثمن الشفيع، والبينة، وتغريب
الزاني، وتخصص البكر والثيب، ومطلق القسم، واستيفاء دية العمد والخطأ
والشبيه، ومدة قضاء رمضان وأشهر الحج وصوم الكفارات وصوم شهر رمضان
ومطلق الصوم، ومدة الحضانة وطلب المفقود.
(الثاني) ما قدره المكلفون، وهو أقسام:
الأول: ما يصح ولا يجب، ويشترط علمه، وهو أجل ثمن المبيع والرهن
والضمان والتقدير فيها 1) للايفاء 2) والصداق والسكنى والحبيس 3).
الثاني: ما يجب ويشترط تقديره، وهو أجل المتعة والكتابة والسلم على
خلاف والإجارة الزمانية والمزارعة والمساقاة.
الثالث: ما لا يصح، وهو النسيئة في الربوي والدين بمثله والقرض وتأجيل
الانتقال في الأعيان مثل بعتك الدار سنة.
الرابع: مالا يدخل الأجل فيه، فان ذكر فيه مجهولا لم يؤثر وان علم
أثر، وهو في الوكالة والشركة والمضاربة.
الخامس: ما يصح معلوما ومجهولا، وهو التقدير 4) في الجزية والعارية
والوديعة والجزية خاصة للاختصاص بالرجال دون النساء.

1) في ص: فيهما
2) ليس (للايفاء) في ص.
3) في هامش ك: والحبس.
4) في هامش النسختين: وهو التقرير.
375

قاعدة:
التوقيت بالألفاظ المشتركة ولا قرينة، كربيع وجمادى والنفر 1) وأول الشهر
وآخره والخميس والعيد، فان قرينة الحال تحمله على الأول، فيلزم 2). وقيل
بالبطلان استضعافا للقرينة.
ويقرب منه التعليق على ما في حيز الامتناع ظاهر أو بضرب من التأويل
يصير ممكنا، كما لو علق الظهار على حيضهما حيضة، فظاهره يقتضي صدور
الحيضة منهما وهو ممتنع، فيكون تعليقا على الممتنع فلا يقع. وتأويلها ان
حاضت كل منكما حيضة مثل قولهم كسانا الأمير جبة، أي كل واحد واحدة.
(الثالث - الرهن)
قاعدة:
كل ما صح بيعه صح رهنه ومالا فلا.
وقد يتصور ما يصح بيعه ولا يصح رهنه، وهو الدين والمنفعة عند الشيخ
حيث حكم بأن الإجارة بيع في بعض المواضع من المبسوط والابق وما يصح
رهنه ولا يصح بيعه، وهو الطعام المشترى قبل قبضه عند الشيخ.
قاعدة:
كل رهن فإنه غير مضمون الا في مواضع ضابطها التعدي والتفريط اللاحق
أو الضمان السابق ان قلنا إن الرهن لا يزيله.

1) في هامش ك: والشهر (بدل) والنفر.
2) في هامش ك: فيلزمه.
376

قاعدة:
كلما جاز الرهن عليه جاز ضمانه، وكلما لا يجوز الرهن عليه لا يصح ضمانه
الا في ضمان الدرك لأنه لو رهن عليه فالغالب أن المبيع لا يخرج مستحقا فيتأبد
الرهن وهو غير جائز.
وفيه نظر، لان التأبيد غير مقصود وإنما هو عارض، وكثير من الرهون يتأخر
فيها وفاء الدين طويلا، ولا يقدح ذلك فيه. على أن هذا التأبيد غير لازم، لجواز
فسخ المرتهن واستبدالهما رهنا مكانه أو ضمينا.
ويمكن أن يقال: إذا مضى مدة حصل فيها اليأس من الخروج مستحقا انفك الرهن.
(الرابع - الحجر)
قاعدة:
حجر الصغير والمجنون للنقص، وحجر المفلس للحفظ للغرماء لا للنقص،
وكذا حجر العبد للحفظ على السيد، وحجر السفيه متردد بين الامرين هل هو
لنقصه أو لحفظ ماله؟ فان قلنا لنقصه سلبت عباراته أصلا ورأسا والا سلب استقلاله
وهو الوجه.
فعلى هذا يصح أن يتوكل لغيره، وان يباشر عقود نفسه بإذن وليه، ويقبل
اقراره بما لا يوجب مالا.
ويقتصر الحجر عليه إلى حكم الحاكم ولا يفتقر في زواله إلى حكمه، وقيل
يتوقف فيهما، وقيل يثبت بغير حكمه ولا ينتفي الا بحكمه.
377

قاعدة:
الحجر على الصبي والسفيه لا يؤثر في الأسباب الفعلية كالاحتطاب والاحتشاش
فيملكان بهما 1)، بخلاف الأسباب القولية كالبيع وغيره، لان الأسباب الفعلية
فوائد محضة غالبا بخلاف القولية فإنها من باب المكايسة 1) والمغابنة وعقلهما قاصر عن ذلك.
وعلى هذا لو وطئ السفيه أمة فأحبلها صارت أم ولد ويكون وطؤه مباحا وان
استعقب العتق. ولو أعتقها باللفظ لم يصح، لان الطبع وتحصين الفرج يدعوه
إلى الوطئ فلا يمنعه خوفا من نقص الثمن أو البدن، فإذا أبيح الوطئ ترتب
عليه سببه.
ولهذا قيل السبب الفعلي أقوى لنفوذه من السفيه بخلاف القولي، وقيل بل
القولي أقوى لان مسببها يتعقبها بلا فصل كما في العتق بخلاف الفعلي.
قاعدة:
هل يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال المولى عليه أو يكتفى بنفي
المفسدة؟
يحتمل الأول، لأنه منصوب لها، وأصالة 3) بقاء الملك على حاله، ولان النقل
والانتقال لابد لهما من غاية والعدميات لا تكاد تقع لها غاية.
وعلى هذا هل يتحرى الأصلح أو يكتفى بمطلق المصلحة؟ فيه وجهان.

1) في ك والقواعد: فيما كان بهما.
2) المكايسة: والمماكسة والمداقة في المعاملة.
3) في ص وهامش ك: ولأصالة.
378

نعم لمثل ما قلناه ولا لان ذلك لا يتناهى. وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال
الأصلح والمصلحة لم يجز العدول عن الأصلح.
ويترتب على ذلك أخذ الولي بالشفعة للمولى عليه حيث لا مصلحة ولا مفسدة
وتزويج المجنون حيث لا مفسدة وغير ذلك.
قاعدة:
الذمة معنى مقدر في المكلف قابل للالزام والالتزام، فلا ذمة للصبي وللسفيه
ذمة الالزام والالتزام بنحو البيع والضمان والحوالة والصداق الا أن يكون عقد
السفيه عن اذن الولي أو يكون للصبي مال عند النكاح ان قلنا يتعلق بذمته وان
قلنا يتعلق بماله وكذا ما أتلف فلا ذمة له أصلا.
ولكن يشكل بالاتلاف من الصبي حال عدم ماله، فإنه لم يؤخذ منه حتى
صار له مال، فلا بد من متعلق.
ويمكن أن يقال: المتعلق هنا مقدر، بمعنى أنه إذا بلغ وجب عليه الغرم
أو وليه قبل بلوغه، وأما أهلية التصرف فمغايرة للذمة، لان المعنى بها قبول
يقدره الشارع في المحل، ولا يشترط فيه سوى البلوغ.
ومن جعل للمميز تصرفا اكتفى بالتمييز.
ولا يشترط في الأهلية ملك المتصرف فيه، لان عقد الفضولي صادر من أهله
غاية ما في الباب ان ذلك شرط في اللزوم. والحاصل انه لا يشترط في الأهلية
التذمم، فان الوصي والوكيل والحاكم وأمينه لهم أهلية ولا يتعلق بذمتهم 1)
شئ، وكذلك ولي النكاح أهل للعقد على المولى عليه والنكاح لا يتصور ثبوته

1) في بعض النسخ: بذممهم.
379

في الذمة.
والظاهر أن الذمة وأهلية التصرف من خطاب الوضع من باب اعطاء
المعدوم حكم الموجود، وذلك لأنه لا شئ قائم بالمحل من الصفات الموجودة
كاللون والطعم، وإنما هو نسبة مخصوصة يقدرها صاحب الشرع موجودة عند
سببها كما يقدر الملك في العتق عن الغير، ولذلك تذهب هذه التقادير بذهاب
أسبابها وتثبت بثبوتها.
ويجوز أن يقدر من خطاب التكليف، لان معناهما إباحة التصرف بالالزام
والالتزام.
(الخامس - الإجارة)
قاعدة:
مورد الإجارة العين لاستيفاء المنفعة، لان المنافع معدومة. وقيل المورد
نفس المنفعة، لان المعقود عليه ما صح استيفاؤه بالعقد وتسلط العاقد على التصرف
فيه وذلك هو المنفعة.
ولا يجوز إجازة المرهون مع المرتهن 1) وارتهان المستأجر العين المستأجرة
من المؤجر، فلو كان مورد الإجارة العين لزم أن يتوارد على عين واحدة عقدان
لا زمان وانه محال 2).
قيل: وتظهر الفائدة في إجارة الحلي بجنسه، ولا نظر إلى الزيادة والنقيصة
ان جعلنا المورد المنفعة وان جعلناه العين امتنع.

1) في ك: من المرتهن.
2) في ص: وهو محال.
380

وقيل: هذا الخلاف غير محقق، فان القائل بالعين لا يعني بها أنها تملك
بالإجارة كما في البيع بل لاستيفاء المنفعة منها، والقائل بالمنفعة لا يقطع النظر
عن العين بل له تسليمها 1) وامساكها مدة الانتفاع.
وأجيب: بأن المنع من إجارة الحلي بجنسه يحتمل الخلاف فيه محققا.
ولقائل أن يقول: هذا المانع ممن ظن أن الخلاف محقق فلا يكون منعه
حجة [عليه]، وربما خرج عليه جواز بيعها من المستأجر فيصح على تقادير
المورد لا على اتحاده.
فرع: لو آجر قريبه عينا فمات فورثها المستأجر، فالأقرب أنها لا تبطل لعدم نفوذ
الإرث في المنفعة.
وقال بعضهم تبطل لأنه يستوفي المنفعة الان بملكه فاستغنى عن الإجارة
فتنفسخ، كما لو زوجه أمته فمات فورثها الزوج فان النكاح يبطل.
قلنا: الفرق أن مورد النكاح البضع، وهي منفعة لا يصح نقلها بغير عقده
الخاص. وهو أضعف من عقد الإجارة، بدليل عدم وجوب تسليمها نهارا فيه.
ويترتب على ذلك ما لو ورثه اثنان 2)، فان قلنا بالبطلان بطلت في حصته وله
الخيار لتبعض الصفقة، فان فسخ رجع بالنسبة في التركة، وان أجاز فنصف
الأجرة دين في التركة فتسلم حصته بمنفعتها، ونصيب شريكه مسلوب المنفعة
فيرجح على شريكه فيرجع أخوه بقدر النقص حتى يساويه. فلو لم يكن سوى
العين المستأجرة أخذ منها بقدر ما تخلف له ويلزم انفساخ الأجرة فيه، فيدور

1) في ص: بل له تسليمها.
2) في ص: ابنان.
381

فيستخرج بطريقه.
وكذا لو كان له مال غيرها لا بالمرجوع به مع احتمال عدم رجوع الأخ،
لاستناد النقص إلى فعل المورث في حال الحياة، فلا حجر عليه فيه، وحينئذ
يحتمل اجراؤه مجرى الوصية، فيكون بمثابة من أوصى بتخصيص أحد وراثه
فينفذ من الثلث مع عدم الإجازة.
قاعدة:
هل الطارئ في مدة الإجارة من الموالي كالمقارن في الابطال، فيتضح
ذلك بنصب مسائل:
(الأولى) لو آجر الموقوف عليه مدة فمات في الأثناء، فيه وجهان: بقاء
الإجارة للزومها في الأصل كما لو آجر ملكه، والأقرب البطلان، لان المنافع
انتقلت إلى غيره بعد موته لاعنه، بل كأنها عن الواقف فتبينا أنه تصرف فيما لا
يملكه.
(الثانية) لو استأجر مسلم دار حربي في دار الحرب ثم غنمها المسلمون
لم تبطل الإجارة، لان المنافع كالأعيان مملوكة ملكا تاما [ولو سبيت وزوجته
انفسخ النكاح في الحال على الأقرب، لان البضع مستباح ولا يملك ملكا تاما] 1)
ولهذا لا تضمن باليد المجردة، بخلاف المنفعة. ويحتمل التربص بالعدة رجاء
لاسلامه وعتقها.
(الثالثة) آجر الولي الطفل مدة فبلغ ورشد في الأثناء، أو آجر ماله يحتمل
البقاء، لان تصرفه كان للمصلحة فيلزم. وحينئذ هل له خيار الفسخ؟ نظر. ويحتمل

1) ما بين القوسين ليس في ص.
382

البطلان لتبيين خروج هذه المدة عن الولاية، وهو الأقرب. ومثله لو آجر مال
المجنون فأفاق.
(الرابعة) آجر أم ولده أو مدبرة ثم مات، فيه الوجهان.
(الخامسة) آجر عبده ثم أعتقه لا تبطل الإجارة، لان الإزالة هنا مستندة إلى
السيد وقد كان تصرفه سابقا فلم يصادف العتق هذه المنافع. وحينئذ لا خيار له
لان السيد تصرف في ملكه، فلا يعترض عليه ولا يرجع على السيد بالأجرة،
لمثل ما قلناه. وكما لو زوج أمته واستقر المهر ثم أعتقها.
قاعدة:
كلما جازت الإجارة عليه مع العلم تجوز الجعالة عليه مع الجهل، وهل
تجوز مع العلم؟ الأقرب الجواز بطريق الأولى.
تنبيه:
إذا تعذر كمال الإجارة وزع المسمى بنسبة المستوفى إلى الباقي بحسب
القيمة، وقد يشكل بعضها في صنعة الحساب، كما لو استأجر لحفر عشرة طولا
ومثلها عرضا ومثلها عمقا فحفر خمس أذرع في خمس [في خمس] 1) وتعذر
اكمال العمل لموته مع تعيينه في العقد أو لصلابة الأرض، فان نسبة المحفور
إلى المستأجر نسبة الثمن إلى السلعة، وذلك لان مضروب الأولى ألف ذراع
ومضروب الثانية مائة وخمسة وعشرون ذراعا. هذا بحسب العدد، فان فرض
تساوي الأذرع في الاخر 2) كان الواجب ثمن الأجرة، والأوجب التوزيع بحسب

1) ليس في ص.
2) في ص: في الأجرة.
383

القيمة أيضا.
(السادس - في عقود متبددة) 1)
قاعدة:
الأمانة نسبة إلى يد غير المالك تقتضي عدم الضمان، وهي قد تكون من
المالك كالوديعة والعارية وقد تكون من الشرع وهي المسماة بالأمانة الشرعية.
والواجب فيها المبادرة إلى اعلام المالك، فان تمكن وأهمل ضمن، والا فالظاهر
عدم الضمان.
ولها صور سبع:
(الأولى) اطارة الريح ثوبا إلى داره فيجب الاعلام أو أخذه ورده إلى مالكه.
(الثانية) لو انتزع الصيد من المحرم أو من محل أخذه في الحرم.
(الثالثة) لو انتزع المغصوب من الغاصب بطريق الحسبة.
(الرابعة) لو أخذ الوديعة من صبي أو مجنون لخوف اتلافها.
(الخامسة) لو خلص الصيد من خارج ليداويه أو من شبكة في الحرم.
(السادسة) لو تلاعب الصبيان بالجوز وصار في يد أحدهما جوز الاخر
وعلم به الولي فإنه يجب رده على ولي الاخر، ولو تلف في يد الصبي قبل علم الولي ضمنه في ماله.
ولا عبرة بعلم غير الولي من أم أو أخ، لأنه ليس قيما عليه، فلو أخذه
أحدهما بنية الرد على المالك أمكن الحاقه بالأمانة. وكذا الكلام في البيض.
ولو كان أحد المتلاعبين بالغا ضمن ما أخذه من الصبي، وهل يضمن الصبي

1) المتبددة: المتفرقة.
384

المأخوذ من البالغ؟ نظر، أقربه عدم الضمان لتسليطه على اتلافه.
(السابعة) لو ظفر المقاص بغير جنس حقه فهل يكون أمانة شرعية حتى
يباع؟ قوى بعض الأصحاب الضمان، ويضعف ضمان الزائد عن قدر حقه إذا
لم يمكن التوسل إلى حقه الا به، كمن كان له مائة فلم يجد الا دابة تساوي مائتين.
(الوديعة) قاعدة:
كل عبارة لا يتم مضمونها الا بايجاب وقبول فهي عقد، ومالا يحتاج إلى
القبول من العبارات فهو ايقاع أو اذن مجرد.
والوديعة ليس القبول المعهود شرطا فيها، فله هي عقد أو اذن مجرد؟
تظهر فائدته فيما لو عزل الودعي نفسه، فعلى العقد تبطل وتبقى أمانة شرعية،
وعلى الاذن لا تبطل.
وفيما إذا شرط فيها شرطا فاسدا فإنها تفسد، فان قلنا هي عقد فلابد من
عقد جديد، فإن لم يعقد فهي أمانة شرعية، وان قلنا مجرد اذن لغى الشرط وبقيت
وديعة.
وان سمينا القبول الفعلي قبولا زال هذا التخريج وجزم بأنها عقد.
وربما خرج ضمان الصبي الوديعة بالاتلاف على الوجهين، فعلى العقد
لا يضمن كما لو باع منه أو أقرضه، وعلى الاذن يضمن. أما لو فرط فيها أو
تعدى لا غير فتلفت فوجهان مرتبان، فان قلنا بعدم الضمان هناك فهنا بطريق الأولى
وان قلنا هناك بالضمان أمكن عدم الضمان هنا، لان التفرط من قبل المالك.
(العارية) قاعدة:
كل عارية أمانة الا في مواضع:
385

(الأول) استعارة المحرم صيدا.
(الثاني) استعارة الذهب والفضة.
(الثالث) من الغاصب.
(الرابع) من مستعير غير مأذون له.
(الخامس) من مستأجر مع شرط الاستيفاء بنفسه.
(السادس) عند التعدي والتفريط.
(السابع) الاستعارة للرهن على الأقوى.
ومن جعله من باب الضمان بالعين فلا ضمان على المستعير.
(الوكالة) قاعدة:
ضابط الوكالة بحسب المتعلق أن كل فعل تعلق غرض الشارع بايقاعه لامن
مباشر بعينه يصح التوكيل فيه، كالعقود كلها والفسوخ والعارية والايداع والقبض
والتقبيض وأخذ الشفعة والابراء وحفظ الأموال وقسمة الصدقة واستيفاء القصاص
والحدود واثبات الحقوق وحدود الآدميين والطلاق والخلع والعتق والتدبير والدعاوي كلها.
وما تعلق غرض الشارع بمباشرته فلا يصح، كالقسم بين الزوجات وقضاء
العدة والقاضي. أما العبادات ففيها تفصيل يأتي.
[ولا ريب أن كل خيار يرجع إلى المصلحة لا يتعلق فيه الغرض بمباشر
بعينه] وأما الخيار العائد إلى الشهوة والإرادة فيحتمل أنه مما تعلق الغرض بايقاعه
من مباشر بعينه، كخيار من أسلم على أزيد من أربع أو على الأختين فلا يصح
فيه التوكيل. ويحتمل الجواز، لأنه لا يزيد على التوكيد في التزويج.
386

أما خيار الرؤية ففيه نزوع 1) إلى كل واحد من القسمين، ولعل الأقرب جواز
التوكيل فيه، ومن ثم اختلف في جواز التوكيل في الاقرار.
ثم هذا التوكيل تارة يجعل المشية إلى الوكيل فيكون كما لو شرط له
الخيار في العقد والخبطة 2) فيه، أما لو عين له الجهة المختارة فالجواز أظهر،
بل يمكن أن يجعل بالتعين 3) مختارا لما عينه الموكل.
قاعدة:
كل من صح منه المباشرة لشئ صح منه التوكيل فيه، وما لا يصح منه
المباشرة يمتنع التوكيل فيه. وقد يتخلف صور:
فمن الأول العبادات بأسرها إذا كانت بدنية وشبهها، كالايمان والنذر والايلاء
واللعان والقسامة وتحمل الشهادة وأدائها والظهار منجزا ومعلقا، فإنه لا يصح
التوكيل في ذلك كله حالة الحياة أما بعد الموت فيجوز التوكيل في العبادات
البدنية.
هذا واختلف في مواضع:
(الأول) الجهاد، قال الشيخ لا يصح فيه التوكيل، لان كل من حضره
وجب عليه. وجوزه القاضي مطلقا والعلامة على وجه الإجارة، وهو جمع بين
القولين، لان الإجارة عقد لازم يمنع من انقلاب الفرض بخلاف عدمها، فان
الواجب على الكفاية يصير فرض عين امام بتعيين الامام أو الحضور وواجب

1) في هامش ك: ففيه فروع. وفى القواعد: ففيه تروع.
2) في هامش ك: والحلف.
3) في ص: بالتعين.
387

العين لا يقبل النيابة.
(الثاني) صب الماء في الطهارة، جوزه الشيخ على كراهته ومنعه القاضي.
والحق الأول، لان الصب ليس بجزء من الطهارة الواجب مباشرتها، لامكان
فعلها بدونه فيجوز.
(الثالث) جوز الشيخ لمستحقي الزكاة توكيل من يقبض لهم سهماتهم،
ومنعه القاضي، وقواه ابن إدريس محتجا بأن ذمة المزكي مشتغلة بالزكاة فلا
تبرا الا بيقين دفعها إلى المستحق والوكيل ليس منهم، وبأنه ليس للمستحق
المطالبة فليس له التوكيل: أما الأول فلانه لا يملك الا بالقبض وللمالك دفعها
إلى من شاء، وأما الثاني فظاهر.
وأجيب عن الأول: بأن يد التوكيل يد الموكل فيبرأ بالتسليم إليه، وعن
الثاني بأن جميع الأصناف الحاضرين في البلد يملكون المطالبة خصوصا مع
العزل. سلمنا أنهم لا يملكون بالفعل فلم لا يكفي مشارفة الملك. وكذا لو كان
النزاع في بعض المستحقين واختار المالك الدفع إليه يكفي المشارفة.
قلت: عندي في الجواب نظر، أما الأول فلانه مانع 1) لجواز الوكالة فلا
يجعل دليلا عليه والا لانسحب 2) في كل موضع لا يصح فيه الوكالة، وأما الثاني
فلانا لا نسلم أن لهم المطالبة بل للحاكم أمره بما يبرئ ذمته، ولهذا لو كان له
وكيل مطلق وأخرجها عنه في بلد آخر أجزأ. وبالجملة عندي فيه توقف.
(الرابع) في الاحتياز والالتقاط وجهان مبنيان على تملك المباح بالحيازة
أو بالنية، الا صح الثاني، فيجوز التوكيل.

1) في ك: تابع.
2) في ك: والا لوجب. وفى هامشه: والا لاستحب.
388

وكذا لا يصح في تعيين المطلقة المبهمة والمعتق المبهم وتعيين المختارة
من المسلمات، ولو عين واحدة ووكل في تعيينها للطلاق أو الاختيار فالأقرب
الصحة والوكالة مع أنه لا يصح منه المباشرة الا مع الاذن صريحا أو فحوى.
وكذلك العبد والسفيه إذا أذن لهما في النكاح باشرا ولم يوكلا، لأنهما
في معنى الوكيلين وإن كان مصلحة العقد تعود إليهما.
وفي الوصي خلاف، والأقرب الجواز. والعبد المأخوذ كالوكيل.
أما لو وكل أحد المتعاقدين صرفا في القبض فإنه يصح، ولكن يشترط
قبضه في حضرة الموكل، فلا يعد هذا من هذه المسائل.
ومن الثاني 1) - وهو ما يجوز التوكيل فيه ولا يجوز مباشرته - فعزيز عندنا
وقوعه، لأنهم يذكرونه في توكيل المرأة في عقد النكاح ولا يصح منها مباشرته
وكذا الأعمى في الشراء والبيع والولي والقصاص حذرا من الزيادة في الواجب
تشفيا، وفي الدور الحكمي (كما إذا قال لزوجته كلما طلقتك ثلاث فأنت طالق
قبله ثلاثا) إذا قيل بلزوم الدور فإنه يمتنع عليه التطليق الا بالتوكيل فيه، وكذا
لو قال لوكيله (كلما عزلتك فأنت وكيلي) فليوكل في عزله، وتوكيل المرأة 2)
في توكيل رجل يلي عقد النكاح وان لم يصح منها مباشرته.
وقد تأولوا 3) ما روي من تزويج عائشة بنت أخيها عبد الرحمن في عيبته بجواز
أن يكون أخوها وكلها في أن توكل رجلا في تزويج ابنته أو وكل محل محرما
في أن يوكل محلا في تزويج.

1) في ص: واما الثاني.
2) في ك: وتوكل المرأة.
3) في ص: وقد يؤولون.
389

وعلى هذا يجوز أن يوكل المسلم ذميا [ان يوكل مسلما] 1) في شراء عبد
مسلم أو مصحف، أو وكل مسلم ذميا أن يوكل مسلما على مسلم. وجميع هذه
الصور الا الثلاث الأخيرة عندنا باطلة، وأما تلك فمحتملة.
فائدة:
يجوز أن يسلب مباشرة فعل عن نفسه مع جواز أن يكون وكيلا فيه لغيره
كالسفيه والمرتد وكالعبد في قبول النكاح لغيره أو ايجابه حيث لا ضرر على السيد
فيه، وكذا ذو الأربع لا يملك التزويج بخامسة ويتوكل لغيره في مطلق التزويج
وكذلك غير خائف العنت 2) لا يعقد على الأمة لنفسه على قول ويجوز لغيره.
قاعدة:
كلما جازت الوكالة فيه فتبرع به الغير فإن كان فعل وقع موقعه - كرد
الوديعة والغصب وقضاء الدين ونفقة الزوجة والأقارب والبهائم والحج والصوم
والصلاة عن الميت والزكاة عنه - وإن كان عقدا وقف على الإجازة كسائر العقود
والفسوخ.
ومن الافعال ما يقف أيضا على الإجازة، كقبض دين الغير من المديون،
وقبض أحد الشريكين من الغريم، وقبض المبيع عن المشتري والثمن عن البائع
وقبض الرهن عن المرتهن على احتمال، وكذا قبض الموهوب عن المتهب
وإن كان ايقاعا بطل كالطلاق والعتق. وكلما لا يجوز التوكل فيه لا تجري من
التبرع كالايمان [والظهار] 3) والقسم والقسم.

1) ما بين القوسين ليس في ك.
2) عنت عنتا: أي وقع في امر شاق.
3) ليس في ص.
390

(الوصية) قاعدة:
كل ايجاب فقبوله بعد موت الموجب باطل الا في الوصية، وكل ذي قبول
إذا مات بطل العقد الا في الوصية فان وارثه يقوم مقامه على الأقرب.
قاعدة:
الغالب في أن الوصية بما فيه نفع لغيره يتوقف على قبوله، الا إذا أوصى
بعتق عبده وهو يخرج من الثلث، أو بابراء غريمه من دينه، أو بقضاء دين فلان
أو بفداء الأسير. وفي الوصية للدابة بالعلف وجهان.
قاعدة:
ظاهر الأصحاب أن التدبير وصية بالعتق وليس تعليقا للعتق على صفة الموت.
وربما تخيل ذلك في مواضع.
وله عند العامة فروع على هذين المأخذين من 1) جواز الرجوع فيه وعدمه
والبيع بخيار، فعلى الصفة لا يصح وعلى الوصية يحتمل بطلان التدبير قبل
لزوم البيع فلا يعود إلى التدبير.
ولو فسخ البيع احتمل المراعاة، ولو رهنه احتمل الرجوع لأنه عرضه
للبيع وعدمه لأنه ليس بمزيل للملك. وعلى الصفة لا يجوز.
والفرض في البيع كالبيع، ويمكن العدم 2)، لأنه لم يخرج عن الملك.

1) ليس (من) في ك.
2) في ص: ويحتمل العدم.
391

[أما الوطئ فليس برجوع] 1) قطعا على الوجهين، لأنه مع الحمل يؤكد التدبير.
وفي المكاتبة وجهان، ويحتمل أنه ان قصد بالمكاتبة الرجوع عن التدبير
كان رجوعا على القول بالوصية والا فهو مدبر مكاتب.
ولو ادعى العبد أنه دبر ففي سماع الدعوى تردد، من توهم أن الانكار ليس
رجوعا.
ولو حملت تبعها الولد، أما على العتق فظاهر، وأما على الوصية فمشكل
من حيث أن الوصية بالجارية لا يدخل فيها الحمل المتجدد قبل الوفاة. وهذا
يوهم أنه عتق بصفة، لفتوى الأصحاب بأن الولد مدبر، وبالغوا في ذلك حتى
منعوا من الرجوع في تدبيره ولو رجع في تدبير أمه وهو يؤكد الصفة.
(السابع - الغصب)
قاعدة:
منافع الأموال تضمن بالفوات والتفويت، ومنفعة البضع بالتفويت لاغير.
وفي ضمان منفعة الحر إذا حبسه مدة وجه بالضمان، وضعفوه من حيث عدم
دخوله تحت اليد، ويقوي الضمان فيما لو استأجره ثم حبسه، وخصوصا مع
كون الأجير خاصا، لان المنافع بعقد الإجارة قدرت موجودة شرعا فاستقرت
الأجرة في مقابلها.
والذي يدل على ملكها اقتضاء العقد، ومن ثم جاز أن يؤجره غيره.

1) ما بين القوسين ليس في ك.
392

قاعدة:
المعتبر في الضمان بيوم التلف مطلقا، وفي قول يفرق بين الغاصب وغيره
فيضمن الغاصب الا رفع من القبض إلى حين التف وغيره يوم التلف. وفي
قول الكل كذلك. وفي وجه يمتد إلى حين الرد، وهو ضعيف.
نعم في المثلي يتوجه احتمالات: لو تلف عند الغاصب والمثلي موجود
ثم لم يدفعه حتى تلف، والأقرب أن المعتبر القيمة يوم الدفع.
وقد خرج من الضمان يوم التلف ضمان ولد الأمة إذا انعقد حرا ووجبت
قيمته على الأب، فإنها تعتبر عند الولادة لا حين الاحبال. وان قضية الأصل أن
الاتلاف إنما حصل حين القاء النطفة، فإنه لولا هذا العارض كانت رقا لمولى
الأمة فانتقلت إلى الوالد 1) حينئذ.
قيل: والسر فيه أن النطفة حينئذ لا قيمة لها، لكنه لما كانت مكملة بدم أمه
وكان تكونه حيوانا بالقوى التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الرحم صار
كالشجرة المخلوقة من الثمرة 2) فهو من كسب أمه، فلذلك قدر الاتلاف متأخرا
إلى حين الوضع، فكأنه رقيق إلى حين الوضع. ومن ثم تبع الولد أمه في أحكام كثيرة.
فان قلت: لم لا يقال إن الوجه في ذلك أن الولد كالجزء من الام، فهو ملك
لمالكها حين ينفصل، فهنالك ينتقل إلى ملك الوالد؟
قلت: يأبى ذلك الحكم بانعقاده حرا. نعم ذكر في بعض الموارد أنه رقيق
وان يجب على الأب فكه عند الولادة. وعلى هذا لا يكون التلف الا حين الولادة

1) في ص: إلى الولد.
2) في ك. كالثمرة المخلوقة من الشجرة.
393

وفيه تنبيه على اعتبار أرفع القيم، فإنه من المعلوم أن قيمته عند الولادة أرفع غالبا.
ولك أن تقول: الحمل على انعقاده رقيقا أولى، ويحمل قولهم (انعقد حرا)
على أوله إلى ذلك لا محالة، وهو مجاز مشهور، وفيه توفيق بين الكلامين، وجرى على قاعدة الضمان يوم التلف.
قاعدة:
الضمان قد يكون بالقوة وقد يكون بالفعل، فالأول الحكم بضمان ما يجب
ضمانه عند تلفه، وأثره استعداد الذمة لذلك، والعود إليه عند التلف لو كانت
القيمة العليا قبله.
والضمان الفعلي: تارة بعد تلف العين، ولا ريب أنه مبرئ لذمة الضامن،
ويكون من باب المعاملة على ما في الذمم بالأعيان وهو نوع من الصلح. وتارة
يتبع بقاء 1) العين لتعذر ردها، وهو ضمان في مقابلة فوات اليد، والتصرف والملك باق على مالكه.
وفي وجه للأصحاب أن الضمان في مقابلة العين المغصوبة، لأنها التي يجب
ردها، فالضمان بدل عنها.
قلنا: العين باقية والفائت إنما هو اليد، والتصرف والضمان الفعلي إنما
هو عن التالف بالفعل. وتظهر الفائدة في الظفر به فيما بعد، فعلى الأول يترادان
وعلى الثاني لا، حتى قال بعض العامة: لو كان المغصوب قريب الغاصب عتق
عليه. وتوغلوا في ذلك حتى ملكوا الغاصب ما غير صفته كالطحن والخياطة

1) في ص: مع بقاء.
394

والذبح، وأنه لو جنى على العبد بما فيه قيمته ملكه مع قولهم بأنه لو نقص عن القيمة لا يملك النقص.
قاعدة:
الاذن العام لا ينافي المنع الخاص، لان الله سبحانه وهب العبيد مالا وفوض
أمره إليهم تمليكا واسقاطا، فإذا وجد سبب من غير جهتهم في أموالهم لا يكون
قادحا في زوال حقوقهم، الا أن يكون جاريا على طريق المعاوضة.
فمن ذلك المأخوذ بالمقاصة مع غير الجنس مع عدم الظفر بغيره لو تلف
فيه وجهان. والأقوى الضمان، لان اذن الشارع فيه عام والمنع من تصرف غير
المالك فيه حق للمالك.
ومنه المأكول في لمخمصة مضمون على الاكل وإن كان مأذونا فيه على الأقرب.
ولقائل أن يقول: ليس الاذن من الله تعالى مطلقا بل بعوض، فيكون من
المعاوضات القهرية، لان المالك امتنع في موضع [ليس له] الامتناع.
نعم ذكر بعض العامة هنا مثالين في الوديعة والعارية: لو دفع الوديعة من
مكان إلى غيره لمصلحة المالك أو انتفع بالعارية لمصلحة وتلفت لم يضمن، ولو
سقط من يده شئ عليهما فتلفا أو عابا يضمن، لان تصرف الانسان في ماله وإن كان
جائزا الا أنه باذن عام وصاحب الوديعة والعارية لم يأذن فيه بخلاف النقل
والانتفاع.
وهذان لا يتمان عندنا، لان المعتبر التفريط، فإذا سقط من يده بتفريطه
ضمن والا فلا.
395

(الثامن - الاقرار)
قاعدة:
كل من قدر على انشاء قدر على الاقرار به الا في مسائل أشكلت،
وهو ولي المرأة الاختياري لا يقبل اقراره، وكذا قيل في الوكيل إذا أقر البيع
وقبض الثمن أو الشراء أو الطلاق أو الثمن أو الأجل، ولو أقر بالرجعة في
العدة لا يقبل منه مع أنه قادر على الانشاء وقيل يقبل، وكذا كل من لا يقدر على
انشاء شئ لا يقبل اقراره به، الا فيمن أقر على نفسه بالرق فإنه يقبل مع جهالة
نسبه ولا يقدر أن ينشئ في نفسه الرق. وعندهم المرأة تقر بالنكاح ولا تتمكن
من انشائه.
والقاضي المعزول إذا أقر بأن ما في يد الأمين تسلمه مني وهو لفلان فقال
الأمين تسلمته منك لكنه لغير فلان قبل قول القاضي. وهذه بغاياتها عندهم، فيقال
رجل في يده مال 1) لا يقبل اقراره فيه ويقبل اقرار غير ذي اليد فيه.
ومسألة المرأة ممنوعة عندنا، لأنها قادرة على الانشاء، ومسألة القاضي مشكلة.
قاعدة:
كل اقرار إنما يعمل فيه بالمتيقن ويطرح المشكوك، كما لو أقر أنه وهبه
وملكه ثم أنكر القبض، لامكان توهمه الا مع القرينة القوية، كما لو أقر لمسجد
أو حمل وأطلق فإنه يحمل على الممكن.
وكذا من أقر بدراهم وفسرها بالناقصة عن الشرعية إذا اتصل باللفظ، وكذا

1) في ك: رجل يقدر على مال.
396

بالناقصة عن زون البلد مع الاتصال.
مسألة:
لو أقر لغيره بمال أمكن تنزيله 1) على سبب يمنع من الرجوع كالبيع، وعلى
مالا يمنع من الرجوع كالهبة، فهل ينزل على المانع من الرجوع أو يستفسر 2)
ويقبل تفسيره تنزيلا على أقل السببين؟ ووجه الأول أصالة بقاء الملك للمقر الأول.
قاعدة:
كل من أنكر حقا لغيره ثم رجع إلى الاقرار قبل منه ووقع، الشك فيما
لو ادعى عليها زوجية فقالت زوجني الولي بغير اذني وقد أبطلته ثم رجعت إلى
الاقرار وانقضت عدتي قبل الرجعة ثم رجعت. وهنا أقوى في صحة الرجوع،
لان الأصل عدم انقضاء المدة هنا والأصل هناك عدم النكاح.
قاعدة:
الاستثناء المستغرق باطل اجماعا، واختلف فيما لو عطف بعض العدد على
بعض، أما في المستثنى أو في المستثنى منه هل يجمع بينهما حتى يكونا كالكلام
الواحد كقوله علي درهم ودرهم الا درهما.
وقال ابن الحداد من العامة: لا يجوز 3)، لان الجملتين المعطوفتين تفردان

1) في ص: تنزيله.
2) في ص: أو يسقر.
3) في ك: لا تجمع.
397

بالحكم وان لم يكن الواو للترتيب، كما إذا قال لغير المدخول بها (أنت طالق
وطالق) لا يقع الا واحدة، بخلاف طلاق اثنتين عندهم.
ويترفع على ذلك " له علي ثلاثة الا درهمين وردهما " وكذا " له علي
درهمان ودرهم الا درهما " و " له علي ثلاثة الا درهما ودرهما ودرهما ".
قاعدة:
الاستثناء من النفي اثبات، ويشكل عليه " والله لا أجامعك في السنة الامرة "
فمضت السنة ولم يجامع أصلا، فان قضية القاعدة أنه يحنث، لأنه يقتضي اثبات
المرة فيجب الجماع مرة. ووجه عدم الحنث أن المقصود من اليمين أنه لا يزيد
على الواحدة فيرجع ذلك إلى العرف بجعل " الا " بمعنى غير.
ومنه لو قال " لا لبست ثوبا الا الكتان " فقعد عاريا، فعند العامة لا يلزمه
كفارة. ويشكل عليهم بما ذكرناه.
وجوابه: أن " الا " في الحلف 1) انتقلت عرفا إلى معنى الصفة، مثل سوا
وغير 2)، فكأنه قال " لا لبست ثوبا غير الكتان " فلا يكون الكتان محلوفا عليه فلا يضر تركه ولا لبسه.
ومنه لو قال " ليس له علي عشرة الا خمسة " فإنه قيل لا يلزمه شئ لأن النفي
الأول توجه إلى مجموع المستثنى والمستثنى منه وذلك عشرة الا خمسة
وهي خمسة، فكأنه قال ليس علي خمسة. ووجه اللزوم أن النفي بليس لم يتوجه
الا في العشرة ثم الاستثناء بعد ذلك من النفي بليس فكان اثباتا للخمسة والتحقيق
أنه ان نصب خمسة فلا شئ وان رفع فخمسة.

1) في ص ان الا في الجملة.
2) في ص: مثل قوله غير.
398

قاعدة:
المطالبة بتفسير المبهم على الفور مأخوذ من امتناع تأخير البيان عن وقت
الحاجة، كمن أقر بمبهم اما ابتداءا أو عقيب دعوى.
وفيه أوجه، إذا امتنع من الفور الحبس حتى يجيب 1) وجعله ناكلا فيرد
اليمين، وانه ان أقر بغصب مبهم وامتنع من بيانه حبس وان أقر بدين مبهم جعل
ناكلا، وكذا اختيار ما زاد على أربع أو طلق مبهمة أو ادعى القاضي دينا لميت لا ولي له.
(التاسع - في أحكام متفرقة)
قاعدة:
في التعليقات 2) بالأعيان، وهي كثيرة وإن كان بعضها يشترك في قدر مشترك
فالخصوصية 3) يكفي في المباينة، فمنها: تعلق الدين بالرهن وتعلق الزكاة بالنصاب
والخلاف فيه مشهور، وتعلق الأرش بالجاني خطأ وعمدا، وتعلق حق البائع
في المبيع فيحبسه حتى يستوفي الثمن، وتعلق الدين بالتركة، وتعلق المال
المضمون بالأعيان المشروطة، وتعلق الضمان بما يجب احضاره من الأعيان.
ويشبهه الاستيثاق، وهو في مواضع: توثق المرأة للصداق بمنع تسليمها
نفسها حتى تقبض، والمفوضة حتى يسمى لها مهرا، وبالاشهاد على أداء الدين
والقرض والعقود بأسرها وان لم يكن الاشهاد واجبا، والتوثق بحبس الجاني

1) أي إذا امتنع عن الاقرار يحبس حتى يجيب.
2) في ك: في التعلقات.
3) في ص: بخصوصية.
399

حتى يبلغ اليتيم أو يفيق المجنون على القول به، ومثله التوثق للغائب حتى يقدم
والتوثق بالحبس في موضعه على الحقوق، وبالحيلولة بين المدعى عليه وبين
العين بعد شهادة شاهدين مستورين حتى يزكيا في وجه، ومثله حبس المدعى
عليه إذا شهد مستوران بحد أو قصاص على احتمال ومثله التوثق بعزل نصيب
الحمل إذا أريد قسمة التركة ويعزل قدر الدين لو مات المضمون عنه قبل الأجل.
قاعدة:
الغالب في المقدرات الشرعية التحقيق، كأقل الحيض وأكثره، واعتبار
المرة في الوضوء والمرتين 1) في غسل النجاسة، ونصاب الزوجات - إلى صور كثيرة.
ولا ريب أن المسلم فيه أن ذكر سنة أو الوكيل إذا وكل في شراء عبد أو
حيوان بسن مخصوص لا يشترط عدم زيادته عن تلك السن بقليل، حتى لو شرط
في السلم التحقيق عسر وجوده، مضافا إلى تلك الصفات، وفي جواز نقصان
اليوم 2) والأسبوع احتمال لصدق الاسم وعدم الالتفات إلى حد هذا النقص
اليسير وكذلك سن مفارقة الولد في البيع 3).
والأصح اعتبار التحقيق في أرطال الكر، ومسافة القصر، وسن البلوغ.
قاعدة:
قد تترتب أحكام على أسباب يمكن اعتبارها في الحال والمال، فيقع كذلك

1) في ص: واعتبار الوضوء في المرة.
2) في ك: وفى جواز نقضه باليوم.
3) في ك: في السبع.
400

اشكال 1)، وصورها كثيرة:
(الأولى) لو حلف على أكل هذا الطعام في الغد فأتلفه في الحال فهل يلزم
الكفارة معجلا ان اعتبرنا المآل؟ وهو الأصح، فلا حنث والا حنث.
وتظهر الفائدة في التكفير الان هل هو مجز أم لا، حتى لو كفر بالصوم أمكن
اجزاء الغد من الصوم إذا نواه.
(الثانية) لو تبين انقطاع المسلم 2) فيه قبل المحل ففي تنجيز الخيار وتأخيره
الوجهان، والأقرب المنع.
(الثالثة) لو كان دين الغارم مؤجلا ففي أخذه من الزكاة قبل الأجل وجهان
والأقرب الجواز. وقد نص الأصحاب على أن المعذور لو حج عنه ثم زال عذره
وجب فعله بنفسه، وهو يعطي أن الحال مراعى بالمآل.
(الرابعة) لو انقطع دم المستحاضة وظنت عوده قبل وقت يسع الطهارة
والصلاة فتطهرت وصلت، فإن لم يعد 3) فيه الوجهان.
(الخامس) لو قلنا بعدم انعقاد نذر التضحية بالمعيب فنذر ثم زال العيب،
فان اعتبرنا الحال بطل النذر وان اعتبرنا المآل صح.
ولكن الظاهر انعقاد النذر وإن كان معيبا حال النذر لعموم وجوب الوفاء
بالنذر. نعم لو نذر أضحية مطلقة اشترط فيها السلامة من العيب فلو عينها في معيب
ثم زال العيب جاء الوجهان.
(السادسة) لو اشترى معيبا ولم يعلم حتى زال العيب، فيه الوجهان. وكذا

1) في ص: الاشكال.
2) في ص: انقطاع السلم قبل.
3) في ص: فاتفق انه لم يعد.
401

كتابة الكافر عبده المسلم كتابة مطلقة، لأنها تؤل إلى العتق، والأقرب عدم
الاكتفاء بها نظرا إلى الحال.
(السابعة) لو عين للسلم موضعا فخرب أو أطلق العقد فخرب موضعه وارتحل
المتبايعان منه، ففيه الوجهان. وتعينه قوي نظرا إلى الحال.
(الثامنة) لو أسلم ثم وطئ في زمان التربص ثم أسلمت فالظاهر عدم وجوب
المهر، وعلى اعتبار الحال يمكن وجوبه، وهو بعيد لأنها في حكم الزوجة.
أما المعتدة رجعية لو وطئها بشبهة ثم رجع فهل يجب المهر، نظر. والفرق
أن الحل 1) العائد بالرجعة غير الحل 1) الأول والعائد بالاسلام هو الأول.
(التاسعة) لو ارتد الزوج لا عن فطرة ثم وطئها ورجع في العدة احتمل ما ذكر
ولو لم يرجع وجب المهر عند الشيخ، لأنا تبينا 2) البينونة حين الوطئ، وحينئذ لو لم تسلم الزوجة ولم يرجع في المطلقة أمكن البناء على الحال والمال.
ويقال هما في حكم الزوجة ما دامت العدة فلا مهر، وان بقاء المطلق على
طلاقه وبقاءها على كفرها كشف عن البينونة، وهو ضعيف
(العاشرة) الموسر في الكفارة حال الوجوب لا يستقر عليه العتق بل المعتبر حال الأداء.
(الحادية عشر) طريان العتق في العدة ينتقل إلى عدة الحرة إن كان الطلاق
رجعيا لا بائنا، وفي عدة الوفاة ينتقل. ويحتمل في الطلاق البائن ذلك تغليبا
للاحتياط ولعدم تعفل الفرق بينه وبين عدة والوفاة.

1) في ص: الحال.
2) في ص: لأنا بينا.
402

(الثانية عشر) المعتبر في التقاط المهايا 1) بيوم الالتقاط لا يوم التملك.
(الثالثة عشر) سيد الملتقط أولى باللقطة لو أعتقه اعتبارا بيوم اللقطة.
(الرابعة عشر) لو أعتقت تحت عبد ولم تعلم حتى عتق ففي ثبوت الخيار
وجهان، ولو قلنا بالفسخ تحت الحر فلا بحث.
(الخامسة عشر) في جواز بيع الدهن النجس الوجهان ان قلنا بقبوله الطهارة أما الماء فقابل لها.
وتوهم بعضهم أن تطهير الماء لا يقع بل باستحالته من صفة النجاسة إلى
صفة الطهارة، فعلى هذا لا يصح بيعه قبل تطهيره كما لا يصح بيع الخمر وان
رجا انقلابها نظرا إلى الحال.
(السادسة عشر) بيع السباع جائز نظرا 2) إلى الانتفاع بجلدها، وهو نظر إلى المآل.
(السابعة عشر) بيع آلات الملاهي ذات الرصاص المتقوم في صحته الوجهان
إذ لا منفعة لها في الحال. ويحتمل الجواز ان اتخذت من جوهر نفيس، لأنها
مقصودة في نفسها بخلاف الخشب فان قصده بعيد.
(الثامنة عشر) بيع الآبق ينظر فيه إلى الحال فلا يصح بدون الضميمة، وكذا
الضال. ولو قدر المشتري على تحصيله اعتبرنا الحال 3) في الصحة.
وكذا بيع ما يتعذر تسليمه الا بعد مدة، كالسمك في المياه المحصورة

1) المهاياة في كسب العبد انهما يقسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه ويكون كسبه
في كل وقت لمن ظهر له بالقسمة.
2) في القواعد: تبعا.
3) في ص وهامش ك: المآل.
403

المشاهدة، إذ لا يمكن تحصيلها الا بعد تعب، والحمام الكثير 1) في البرج كذلك ولو خرج واعتيد عوده صح.
(التاسعة عشر) يصح بيع المرتد والجاني عمدا، وقاطع الطريق على اعتبار
الحال. ولو كان الارتداد عن غير فطرة فأقوى في الصحة.
أما البيضة المدرة والعناقيد التي استحال خمرا بواطنها ففي صحة بيعها
نظرا إلى حال الفرخ والتخليل بعد.
(العشرون) لو اشترى حبا فزرعه أو بيضاء فأفرخ عنده ثلم فلس فاعتبار المآل
هنا أقوى فلا يرجع البائع.
(الحادية والعشرون) لو نوى المسافر أو الحائض الصوم ليلا لظن القدوم
والانقطاع فصادف ففي صحة النية الوجهان.
(الثانية والعشرون) لو قلنا بأن الاقرار للوارث في المرض من الثلث فهل
المعتبر لمن هو وارث في الحال أو المال حالة الموت الوجهان، أما اعتبار
الثلث فقد نص الأصحاب على اعتباره عند الوفاة.
(الثالثة والعشرون) اختلاف الحال بين الجناية والتلف بطريان الاسلام
والردة من هذا الباب، وكذا الحربية حال الجناية إذا أسلمت ثم ألقت جنينا.
(العاشر - في نبذ من أحكام النية)
وأنها تدخل في التملكات والعقود والايقاعات وغيرها، وفيه فوائد:
(الأولى) لو نوى الأمين الخيانة، فإن كان سبب أمانته المالك كالوديعة
والعارية والإجارة لم يضمن بمجرد النية، وإن كان سببها الشارع كاللقطة ضمن.

1) في ص: الكبير.
404

ولو نوى تملك المباح لم يكف حتى يحوزه [قولا واحدا] 1)، وفي الاكتفاء
بمجرد الحيازة قولان أقربهما المنع.
ولو أحيا أرضا بنية جعلها مسجدا أو رباطا أو مقبرة فالأقرب أنها لا تصير
إليها بالنية بل لابد من صيغة الوقف، وفي تملكه حينئذ وجهان، ينظر فيهما إلى
أن الملك الضمني هل هو كالحقيقي في اعتبار نيته أولا، فعلى الأول يملك وعلى
الثاني لا. والأول أقرب.
ولو نوى بالاحياء والاحتياز تملك الغير، فإن كان وكيلا أو وليا ملك ذلك
الغير على القول بالتوقف على النية، لأنه عمل لا يتعلق غرض الشارع بايقاعه
من مباشر بعينه، فصح الاستنابة فيه. وان نوى تبرعا فإن كان ذلك الغير لا يملك
كالكافر في احياء موات الاسلام - لغت النية، والأقرب المحيى لا يملك العدم
التضمن هنا مع احتماله لوجود النية في الجملة، فتلغو الإضافة ويبقى مطلق النية.
وإن كان ممن يملك أمكن الوقف على اجازته ان قلنا بوقوف الافعال على
الإجازة كما سبق، فان أجاز ملك وان امتنع ففي تملك المباشر الوجهان وان أبى
الملك، لان المضاف إليه يتصور ملكه هنا فقد نوى ملكا في الجملة بخلاف الأولى
ومن عدم تضمن نية الغير تملك نفسه.
ولو نوى بالاحتياط قضاء دين الغير أو المدين للغير منه، ففيه الوجهان لو
أجاز ذلك. وأقوى للتضمن هنا عند وقوع القضاء بالفعل، أما لو نوى قضاء دين
نفسه منه أو صرفه في بعض مصالحه فإنه يملك قطعا، لأنه تعرض لخصوصية
الملك، فهي أقوى من نية الملك المطلق.
(الثانية) لابد من النية في صيغ العقود والايقاعات عندنا، وهو القصد إلى

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
405

ذلك اللفظ المعين مريدا به غايته.
ولافرق بين الصريح والكناية في ذلك [في موضع جواز الكناية كما في
العقود الجائزة كالوديعة والعارية] 1) ولا يكفي قصد اللفظ مجردا عن قصد غايته
فلو فعل بطل وان لم يقصد الضد، فيحصل هنا صور ثلاث باطلة:
إحداها: لم يقصد اللفظ أصلا كالساهي والنائم، فلا تأثير قطعا.
الثانية: قصد اللفظ وقصد ضد مدلوله، كما قول قال " يا طالق " وقصد النداء،
فيبطل الطلاق.
الثالثة: قصد اللفظ ولما يقصد المعنى الموضوع له ولا عدمه، فإنه يبطل عندنا.
ولا يكفي نية أركان العقد عن التلفظ به كما لا يكفي نية العقد، فلو قال
" بعتك بمائة " ونوى الدراهم أو " خالعتك بمائة درهم " ونويا النقد المخصوص
ونقود البلد متعددة، فالأقرب البطلان. نعم لو تواطيا قيل العقد على نوع بعينه
وأهملاه في العقد أمكن الصحة، لأنه كالملفوظ في العقد والبطلان قوي للاخلال
بركن العقد.
أما النية في اليمين فالظاهر اعتبارها إذا كان اللفظ صالحا لها، فيجوز تقييد
المطلق بالنية كاللحم وينوي به لحم الغنم وتخصيص العام بها. فلو قال " لا دخلت
الدار " ونوي دخولا خاصا أو موقتا صح.
ولو حلف على ترك التسليم على زيد وسلم على قوم ونوى خروجه لم يحنث.
ولو كان المحلوف عليه فعلا فالأقرب عدم جواز الاستثناء، فلو دخل على
جماعة فيهم من حلف على عدم الدخول عليه لم يكف عزله، إذ لا ينتظم أن يقال:

(1) ما بين القوسين ليس في ص.
406

دخل فلان على القوم الاعلى فلان منهم، وينتظم سلم عليهم الا على فلان.
ولو تعلقت اليمين بحق آدمي لم يقبل ظاهرا ولكنه يدين به باطنا، فلو قال
" هي كظهر أمي ان كلمت زيدا " وقال قصدت شهرا ولا قرينة مخصصة لم يقبل
ظاهرا، ومع القرينة يقبل مع احتمال قبوله مطلقا، لان المتكلم أعرف بقصده.
هذا إذا قصد توقيت الكلام الذي جعله شرطا، أي ان استمر التكلم شهرا
فهي كظهر أمه، ولو قصد توقيت الظهار بالشهر فكذلك يدين به، فان قلنا بوقوع
الظهار الموقت حنث 1) شهرا لا غير، والأحكم بالبطلان بالنسبة إلى الدين
وبالتحريم ظاهرا، وان قبلنا قوله في الحكم لم تحرم ظاهرا.
فرع:
حيث قلنا بقبول قوله في الحكم أو في الدين لا يحتاج إلى عين، لأنه مؤتمن
على دينه وأعرف بنيته.
(الثالثة) النية تؤثر في العطايا المشروط فيها عدم المعصية كالوقف والصدقة
فلو وقف على الزناة وشاربي الخمر أو قاطعي الطريق ونوى بالوقوف لكونهم كذلك
بطل، وإذا وقف على قوم من المسلمين وإذا هم من أولئك صح، ولو وقف
على قوم يظنهم فساقا لأجل فسقهم فإذا هم عدول بطل أيضا لعدم القصد إلى
الوقف الصحيح وإن كان متعلقه ممن يصح عليه. وقيل الوقف على الذمي يصح
ويبطل بالاعتبارين.
وكذا تؤثر النية في العطايا التي لا يشترط فيها ذلك، كما لو أوصى لبنى
زيد وقصد به بنيه لصلبه فإنه يتخصص، فان كانوا فالوصية لهم والا بطلت.

(1) في ص حرمت شهرا.
407

ولو أطلق ففي حمله على البطن الأول أو استرساله وجهان، أما لو أطلق
وليس هناك بطن أول حمل على باقي البطون قولا واحدا، كبني آدم لو قصد
بطنا مخصوصا من بني آدم الموجودين حال الوقف أثرت النية.
(الرابعة) مما يؤثر فيه النية دفع المديون الدين إلى لغريم عن المرهون
مثلا ويقبل قوله فيه بيمينه، وفيما إذا لم ينحو حال الدفع وجهان أقربهما تجديد النية بعده.
ولو أكل مالا يعتقده لغيره، أو وطأ امرأة يعتقدها أجنبية، أو ذهب بالعين
المستعارة إلى ما أذن فيه المالك لرسول المستعير لا إلى ما استعار له مع جهله
بالحال، أو قتل نفسا يعتقدها معصومة فبان مصادفة الاستحقاق والحل فالظاهر
أنه لا عقاب عليه.
وهل يقدح ذلك في العدالة؟ فيه وجهان. نعم لظهور جرأته على المعاصي
ولان نية المعصية لا يقدح حتى يأتي بها. وهذا أقرب.
وبعضهم حكم بفسقه، لان ذلك يسقط الثقة بصدقه وأداء الأمانة، وحكم
بأنه في الآخرة يعذب عذابا متوسطا بين عذاب الكبيرة والصغيرة. وكلاهما
تحكم وتخرص على الغيب.
نعم قد ذكر بعض الأصحاب أنه لو شرب المباح متشبها بشارب الخمر
فعل حراما، ولعله بالنية وإضافة أفعال الجوارح لا بمجرد النية.
408

المقصد الرابع (في التناكح والتوارث وما يتعلق بهما)
وفيه فصول: (الأول - في التناكح)
وفيه قواعد:
الأولى:
ينقسم النكاح بحسب الناكح إلى الأحكام الخمسة: فالواجب عند التوقان 1)
وخوف الوقوع في الحرام، والمستحب إذا فقد الشرط الثاني مع القدرة على
النفقة والمهر أو مع العجز وتوقان النفس، والمكروه وهو عند عدم التوقان
والطول وربما قيل لا يكره والزيادة على الواحدة عند الشيخ، والحرام هو
الزيادة على الأربع وشبهه بالنسبة إلى الحرائر والإماء والأحرار والعبيد، والمباح

1) تاقت نفسه إلى الشئ توقانا: أي اشتاقت ونازعت إليه.
409

وهوما عداه.
وكذا ينقسم بحسب المنكوحة إلى الخمسة:
(الأول) حرام، وأقسامه خمسة: حرام وهي الأربعة عشر المذكورة
في الكتاب العزيز 1)، وهي ترجع إلى التحريم بالنسب والمصاهرة والرضاع،
وحرام جمعا مطلقا وهو بين الأختين، وحرام جمعا الا مع الاذن كبين العمة
والخالة وبنت الأخ والأخت وبين الحرة والأمة، وحرام بحسب العارض
كالشغار 2) ونكاح المعتدة والمحرمة والوثنية والمرتدة والملاعنة الكتابية بالدوام
وشبهه، وحرام بالاشتباه كاختلاط محرم له بنساء محصورات.
(الثاني) مكروه، وهو نكاح العقيم، وفي الأوقات المكروهة، ونكاح المحلل
والخطبة على خطبة المجاب.
(الثالث) مستحب، وهو النكاح في الأقارب، لما فيه من الجمع بين الصلة
وفضيلة النكاح. وقيل يستحب التباعد للخبر.
(الرابع) واجب، وهو مقصور في الوطئ في أماكن، كوطئ المظاهر
والمولى وبعد أربعة أشهر مطلقا، وقد يكون في الأمة والزوجة إذا غلب ظنه على وقوع الفاحشة لولاه.
وأما في العقد بحسب المحل فتصوره بعيد الا أن يعلم وقوع الزنا من أجنبية
ويعلم أنه لو تزوجها متعة منعها ولا ضرر فيه، فيمكن وجوبه كفاية عند قيام غيره

1) إشارة إلى الآية 22. 23 من سورة النساء.
2) الشغار بكسر الشين نكاح كان في الجاهلية، وهو ان يقول الرجل لاخر: زوجني
ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو أختي على أن صداق كل منهما بضع الأخرى كأنهما
رفعا المهر واخليا البضع.
410

مقامه وعينا عند عدم غيره.
(الخامس) المباح، وهو ما عدا ذلك.
وينقسم بحسب النكاح نفسه إلى: دائم وهو نكاح بعقد خال عن ذكر أجل
واشتراط مهر وجوازه اجماعي، ومنقطع وهوما اشترط فيه المهر والأجل.
وهو جائز باجماع أهل البيت عليهم السلام وبنص " فما استمتعتم به منهن
فآتوهن أجورهن " 1)، إذا المتعة شرعا اسم للنكاح المنقطع، فيجب صرف الآية
إليه مراعاة لجانب الحقيقة الشرعية. وثبوت مشروعيتها اجماعا.
ودعوى النسخ لم يثبت.
وملك عين، وهو نوعان: ملك الرقبة وهو جائز اجماعا، وملك المنفعة
وهو المعبر عنه بالتحليل، وهو جائز باجماع علماء أهل البيت عليهم السلام
ولعموم " أو ما ملكت أيمانكم " 2) الشامل لصورة النزاع ولأصالة الجواز السالم عن المعارض الشرعي.
الثانية:
تحرم على الرجل نساء أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من
كل أصل، يحرم عليه مثله راضعا، وبالمصاهرة أصول زوجته مطلقا وفصولها
مع الدخول، وجمعا الأختان مطلقا والعمة والخالة مع بنت الأخ المنسوبة
إليها بالوصفين والأخت الا مع رضاهما.
وعلى المرأة ما حرم على الرجل عينا إذا فرض ذكرا وعلى الخنثى المشكل التزويج مطلقا.

1) سورة النساء: 26.
2) سورة النساء: 3.
411

ويحرم الزنا السابق ووطئ الشبهة ما حرمه الصحيح، واللواط أم الموطوء
فعالية وابنته فنازلة والأخت فحسب، واللعان وشبهه، وطلاق التسع للعدة،
والوثنية تحرم على المسلم مطلقا، والكتابية دواما ابتداء، والخامسة في الدوام
على الحر من الحرائر، والثالثة من الإماء عليه، وينعكس في العبد.
والمبعض عبد بالنسبة إلى الحرائر وحر بالنسبة إلى الإماء والمبعضة كذلك.
والافضاء ما دامت غير صالحة، فان صلحت ففيه قولان.
الثالثة:
الحكمة في إباحة الأربع دون ما زاد في الدوام والإباحة مطلقا في غيره من
المتعة وملك اليمين، وقد كان في شرع موسى على نبينا وآله وعليه السلام جائزا
بغير حصر مراعاة لمصالح الرجال وفي شرع عيسى عليه السلام لا يحل سوى
الواحدة مراعاة لمصلحة النساء، فجاءت هذه الشريعة المطهرة مراعاة للمصلحتين.
والتزويج الدائم مظنة التضرر بالشحناء والعداوة بسبب المناقشة 1) الدائمة،
وكان غاية صبر المرأة على ذلك العدد اعتبرت الأربع.
أما الإماء فإنهن للخدمة غالبا والوطئ بالتبعية، وذل الرق يمنعهن من
المناقشة 1) المولدة للشحناء، والحرائر وان خدمن الا أن الخدمة فيهن بالتبعية
وأنفة 2) الحرية تمنعهن من الصبر على المناقشة.
وأما المتعة فلكونها إلى أجل مخصوص سهل فيه الخطب، لان كلا من
الزوجين ينتظره فلا يضطر فيه للشحناء. هذا مع عدم وجوب الانفاق والمساكنة

1) في ك: " المنافسة " في كلا الموضعين.
2) في هامش ك: وانفسه.
412

اللذين هما مثار آخر للشحناء، وربما زادا على مثار الاستمتاع أو قارباه.
وإنما أبيح للنبي صلى الله عليه وآله الزيادة اظهارا لشرفه ومزيته على
أمته، أو للوثوق لعدله والهام أزواجه الصبر عن لوازم الضرائر اكراما له " ص ".
الرابعة:
كل عضو يحرم النظر إليه يحرم مسه ولا ينعكس، فإنه وجه الأجنبية يجوز
النظر إليه مرة ويحرم مسه، وقد يجوز اللمس اجماعا ويكره النظر وهو الفرج
من الزوجة والمملوكة، وحرم النظر هنا بعض العامة.
أما النظر إلى المحارم فلا شك فيه، وكذا يجوز اللمس عندنا بغير شهوة
- قاله بعض الأفاضل. وحرمه بعض العامة الا في مثل الرأس وغيره مما ليس
بعورة، فيحرم عندهم مس بطن الام وسقاها وقدمها وتقبيل وجهها.
الخامسة:
ولاية النكاح بالقرابة والملك والحكم والوصاية، وكل منهم يزوج بالولاية
الا المالك، فإنه يزوج بالملك لأنه مالك للبضع فله نقله إلى غيره بطريقه.
وربما احتمل كونه بالولاية، لما ورد في تزويج أمة المرأة نفسها متعة فإنه
مشعر بذلك، ولأنه لا يجوز تزويج الأمة لمجنون الا برضاها عند بعض العامة فلها حق في نفسها.
ويتفرع على ذلك عندهم اشتراط عدالة الولي على الولاية دون الملك
وتزويج المكاتب أمته ان قلنا بالملك.
وتزويج الكافر أمته المسلمة إذا كانت أم ولد وقلنا بعدم البيع جائز على الملك وعلى الولاية لا يجوز.
413

السادسة:
الأصل أن كل أحد لا يملك اجبار غيره الا في مواضع:
اجبار السيد رقيقه على النكاح [وليس لرقيقه اجباره عندنا، والأب والجد
الصغيرة والمجنونة والصغير مطلقا والمجنون الكبير إذا كان النكاح] 1) صلاحا
له بظهور امارة التوقان أو برجاء الشفاء المستند إلى الأطباء.
ولو طلبت البالغ بكرا النكاح أجبر الأب والجد على تزويجها ان قلنا لا ولاية
لها أو بالاشتراك، وهل يجبر الولي على تزويج الصغيرين عند ظهور الغبطة لهما؟ نظر.
وكذا يجبر الولي على تزويج السفيه، والأقرب أن له اجبار السفيه مع الغبطة.
ومن هذا الباب يجبر المضطر صاحب الطعام وصاحب الطعام يجبره إذا
امتنع من الاكل وأشرف على التلف.
السابعة:
يحرم وطئ الزوجة مع بقاء الزوجية بأمور: الحيض والنفاس والصوم
الواجب اما المتعين أو مطلقا على احتمال، والاحرام والاعتكاف الواجب،
والايلاء والظهار قبل التكفير، والعدة عن وطئ الشبهة، والمفضاة قبل التسع
وقيل تخرج من حباله ولو برئت قيل حلت، والعاجزة عن احتمال الوطئ لمرض
[يضر الوطئ بها] 2) أو صغر أو عبالة 3) وعند تضيق وقت الصلاة واجبة، وبعد

1) ليس ما بين القوسين في ص.
2) ليس في ص.
3) العبالة: الغلظة، وعبل الشئ: ضخم.
414

الاشتغال بها قيل وفى ليلة غيرها، وفيما إذا امتنعت من تسليم نفسها لأجل الصداق وفي المساجد وبحضور الناس.
ولقائل أن يقول: قد عد في الواجب وطئ المولى والمظاهر، فكيف عد في الحرام.
قلنا: أما في المظاهر فالامر ظاهر لاختلاف الاعتبار، فإنه حرام قبل التكفير
واجب بعده. وأما في المولى فيوصف بالحرمة من حيث اليمين المقتضية لتحريمه
ويوصف بالوجوب من حيث حق الزوجة، وتنجبر الحرمة بالكافرة، واليه
الإشارة بقوله " فان فاءوا فان الله غفور رحيم " 1).
وقد يكره في الأوقات والأحوال المخصوصة، وقد يستحب وهو مع الامكان
ولا ضرر ولا مانع، وقد يجب كما قلنا في المظاهر والمولى بعد المرافعة وبعد
الأربعة الأشهر فله الاستعداء عليه لو تركه وان لم يكن موليا الا أن المولى يجبر
عليه أو على الطلاق. وهنا يحتمل ذلك ويحتمل اجباره على الوطئ عينا.
ولو طلق أساء وسقط الوطئ إذا كان باينا، ولو كان رجعيا ففيه اشكال من
حيث أنه واجب يمكن استدراكه ومن زوال حقيقة العصمة، فان قلنا باجباره عليه
ووطئ فهو رجعة قطع والأصح عدم الاجبار. نعم لو راجعها أمكن الاجبار لزوال
المانع، بل يمكن لو تزوجها بعد البينونة كما يقضي لها ليالي الجور 2).
الثامنة:
النكاح قد يكون سببا في أشياء كثيرة فيتعلق بالوطئ فيه استقرار المهر

1) سورة البقرة: 226.
2) في ص الحول، وبها مشه: الحولا.
415

المسمى بكما له، ووجوب مهر المثل إذا لم يسم أصلا، ووجوب الفرض
المحكوم به إذا كانت مفوضة المهر، ووجوب مهر المثل حيث لا يصح التفويض
و [حيث] تكون التسمية فاسدة، وفي الشبهة و [زنا] الاكراه، ووجوب النفقة
ما دامت ممكنة في الدائم، وتوزيع المسمى بحسب الأيام في المنقطع 1)،
ووجوب الكسوة والمسكن في الدائم والخادم إذا كانت من أهله ووجوب نفقة
الخادم وكسوتها، وقد يكتفى في هذا بالتمكين وثبوت التحصين لكل منهما في
الدائم وملك اليمين.
ولحوق الولد بشروطه، وتحريم العزل في الدائم بغير الاذن، ووجوب
عدة الطلاق والفسخ عليها وتحريم ابنتها عليه، ووجوب القسم اما ابتداء أو إذا
قسم لضرتها، والظاهر أن هذا لا يتبع الوطئ بل التمكين، ووجوب القضاء
لها في القسم إذا ظلمها و [هذا كالأول في] 2) تقرير صحة العقد في نكاح المريض
الا أن يبرأ فيكفي العقد في التقرير ونشر الحرمة في الرضاع وصيرورة البنت
محرما، وفي حكمها بنت ابنها وبنت بنتها فنازلا وامتناع فسخها بالعنة الطارئة.
وتحقق الفيئة 3) في الايلاء والظهار، ووجوب الكفارة فيهما، ففي الظهار
تتعدد وأما منعها من أكل الثوم وأكل ما يتأذى برائحته واجبارها على الاستجداد
وإزالة الوسخ وكل منفر فيكفي فيه بذل المهر لها، ووجوب النفقة عليه إذا طلق
رجعيا، ووجوب ذلك للبائن إذا كانت حاملا.
وأما وجوب الفراش وآلة التنظيف وكل ما يزال به الرائحة الكريهة ووجوب
آلة الطبخ والأكل والشرب والالزام بالغسل لو كانت ذمية ان وقفنا الاستمتاع

1) في ص: وتوزيع المسمى في الأيام بحسب المنقطع.
2) ليس في ص.
3) في ص: وتحقق الفئة به. وبها مشه: وتحقق النية به.
416

عليه، ووجوب أجرة الحمام مع الحاجة، وكذا وجوب ثمن ماء الغسل على
قول، ومنعها من الخروج والبروز والعبادات المتطوع بها والاسفار غير الواجبة
ومجاورة النجاسة والسكر إذا كانت ذمية، فيمكن ترتبه على التمكين وبعضه
على مجرد العقد، كما يترتب عليه بر اليمين إذا حلف ليتزوجن والحنث لو حلف
على تركه والخروج عن العزوبة المنهي عنها وجواز الاستمتاع بالمرأة والنظر
إلى جميع بدنها حتى العورة وبالعكس واستقرار المهر بموت أحدهما ولو
كانت هي مفوضة المهر وجبت المتعة وقيل مهر المثل
ووجوب النصف إذا طلق أو فسخت لعنته قبل الدخول، وكذا إذا أسلم
قبلها قبل الدخول أو ارتد عن غير فطرة اما عنها فالأقرب الجميع.
ووجوب المتعة في مفوضة البضع إذا طلق قبل الدخول والفرض، وتحريم
الام والجمع بين الأختين والعمة والخالة وبنت الأخ والأخت الا برضاهما،
وتحريمها على أبيه فصاعدا وعلى ولده فنازلا، وتحريم العقد على غيرها ان كانت
رابعة بالدائم أو ثالثة حرة والزوج عبدا أو ثالثة أمة والزوج حرا، وملك طلاقها
وخلعها وظهارها وايلائها ولعانها، وثبوت الفسخ بظهور عيب فيه أو فيها، ووجوب
نفقتها بالتمكين، وجواز السفر بها.
وتحريم العقد على الأمة الا باذن الحرة وعلى أمة ثانية ان شرطنا خوف
العنت وعدم الطول، أما العبد فله أن يتزوج الأمة على الحرة عند بعض العامة والأقرب المنع.
وثبوت العدة بموته والتوارث إذا لم يكن الدخول شرطا في صحة العقد
ولا الأجل مانعا منه، وجواز غسلها ووجوب تكفينها إذا كانت دائما، واستحقاق
الصلاة عليها والنزول معها في قبرها، وجواز ذلك لها إذا مات هو وإن كان
الرجال أولى. ويصير والده وابنه علا أو سفل محرما لها وتصير أمها وان علت
417

محرما له وتملك نصف الصداق لو كانت عينا وطلق قبل الدخل.
وبعث الحاكم 1) عند الشقاق، والزامها بالغسل من الحيض عند الدخول ان
حرمنا الوطئ قبله، وكذا لو كانت ذمية، والزامها بالاستحداد (2)، وما يتوقف
عليه كمال الاستمتاع للتهيئة للدخول كما يجب في دوام النكاح، وتقديم قول
الزوج في قدر الصداق وقولها في عدم دفعه والتحالف لو اختلفا في تعيينه ولا
ينفسخ العقد، وتحريمها على غيره، ومنعها من اليمين والنذر والعهد والارضاع
إذا اشتمل على منع حقه.
فائدة:
ومما يتعلق بغيبوبة الحشفة في الفرج أو قدرها من مقطوعها نقض الطهارة
الا أن يكون ملفوفا على قول ضعيف. ووجوب الغسل على الفاعل والقابل،
ووجوب التيمم ان عجز عن الماء. وتحريم الصلاة والطواف وسجود السهو
قيل وسجود التلاوة وقراءة العزائم وأبعاضها، والمكث في المسجد، والدخول
إلى المسجدين، وافساد الصلاة والصوم ان وقع عمدا، وافساد التتابع إن كان
الصوم مشروطا فيه ذلك، ووجوب قضاء الصوم إن كان واجبا، ووجوب الكفارة
في المتعين، وفساد الاعتكاف ووجوب قضائه ان وجب، ووجوب اتمامه إن كان
قد شرط فيه التتابع، وفساد الحج والعمرة، ووجوب المضي في فاسدهما
ووجوب قضائهما، ووجوب البدنة أو بدلها مع العجز - وهي بقرة فإن لم يجد

1) في ص وهامش ك: الحكمين.
2) اللفظة ان كانت " الاستحداد " بالحاء المهملة من الحداد وهو ترك الزينة والتجمل
للمرآة المتوفى عنها زوجها لا يناسب المقام، ولعل هي " الاستجداد " بالجيم المحجمة أي
يلزمها بتجديد الزينة ليتمتع منها زوجها.
418

فسبع شياة ان جعلنا الكفارة كالنذر - [ونفقة المرأة التي جامعها في القضاء] 1)
والتحمل للبدنة عنها سواء كان في موضع الفساد أولا. وهل يتعلق بالوطئ منع
انعقاد احراميهما أو ينعقد فاسدين؟ نظر.
ووجوب التفريق بين الزوجين إذا وصلا موضع الخطيئة إلى أن يقضيا
المناسك، وثبوت الفسق إذا جامع في الاحرام أو الصوم الواجب أو الاعتكاف
عالما بالتحريم وترتب التقرير 2) على ذلك، واستحباب الوضوء إذا أراد النوم
ولما يغتسل، فان تعذر فالتيمم، وكفارة الحيض وجوبا أو استحبابا، وجعل
الكبر ثيبا فيعتبر نطقها في النكاح، ووجوب العدة بالشبهة إذا كانت ممن لها عدة
وزوال التحصين في القذف إذا كان الوطئ زنا لا مكرهة، ووجوب الجلد
والرجم والجز والتغريب، وتحريم أم الموطوء وأخته وبنته - والمشهور أنه
يكفي هنا ايلاج البعض - والخروج عن حكم العنة، والتحليل للمطلقة ثلاثا
حرة أو اثنتين أمة، والحاق الولد في النكاح الصحيح وملك اليمين وكذا في
الشبهة بالملك أو بالزوجية إذا كانت الموطوءة خالية، وتحريم نفي الولد الا مع
القطع بكونه ليس منه ولا يكفي الظن الغالب، والتمكين عن الرجعة في العدة
الرجعية، والتمكن من اللعان عند نفي الولد، أما القذف بالزنا فلا.
ووجوب التعزير لو كانت الموطوءة زوجة بعد الموت، ووجوب القتل في
اللواط إذا كانا بالغين عاقلين والتعزير في اتيان البهيمة، وتحريم وطئ الأخت
إذا وطئ أختها بملك اليمين حتى تحرم 3) التي وطئها أولا، ونشر الحرمة
بالشبهة والزنا على القول به.

1) ليس ما بين القوسين في ص.
2) في ص وهامش ك: التعزير.
3) في ك: حتى تخرج التي وطئها.
419

وفى إباحة الأخ [المملوكة] مع العمة المملوكة من غير اذن اشكال
للفاضل رحمة الله تعالى.
وسقوط الامتناع من التمكين لأجل الصداق بعده وسقوط عفو الولي
بالطلاق في المجنونة والسفيه 1) لا في الناقصة عن خمس عشر 2) سنة عندنا بعده
ثبوت السنة والبدعة في الطلاق، وثبوت المهر بوطئ المكاتبة، وثبوت بعضه
بوطئ المشتركة بينه وبين غيره، وصيرورة الأمة فراشا على رواية، وقطع
العدة إذا حملت من الشبهة، والفسخ بوطئ البائع والإجارة بوطئ المشترى
إذا كان الواطي ذا خيار، وفسخ الهبة في الأمة الموهوبة في موضع جواز الرجوع
وفسخ البيع فيما لو وجد البائع بالثمن المعين عيبا فوطئ الأمة. وفى كون
وطئ البائع مع افلاس المشتري استردادا للأمة وجه ضعف.
ورجوع الموصى به إذا لم يعزل وكونه بيانا في حق من أسلم على أكثر
من أربع، وكذا في الطلاق المبهم والعتق المبهم على احتمال، وتوقف الفسخ
على انقضاء العدة فيما لو ارتدت الزوجة أو الزوج عن غير فطرة أو أسلمت
الزوجة مطلقا أو الزوج وكانت الزوجة وثنية، والمنع من الرد بالعيب الا في
عيب الحبل، ويرد معها نصف عشر قيمتها، وسقوط خيار الأمة إذا أعتقت تحت
عبد أو حر على الخلاف ومكنت منه عالمة، ويمكن أن يكون هذا لأجل اخلالها
بالفور لا لخصوصية التمكن من الوطئ، وتحقق الرجعة له في الرجعية، ومنعه
من التزويج بخامسة إذا أسلم على أربع وثنيات حتى تنقضي العدة وهن على
كفرهن، وكذا الأخت حتى تنقضي العدة مع بقاء الأخت على الكفر، ومنعه
من اختيار الأمة لو أسلمت مع الحرة حتى تنقضي العدة مع بقاء الحرة على

1) في ص: ولسفيهة.
2) في ك: عن خمسة عشر.
420

الكفر، ووجوب مهر ثان لو وطئ المرتد وبقي على الردة إذا كان عن فطرة وفي
غيرها خلاف، ووقوع الظهار المعلق به أو التعق المنذور عنده، وذبح البهيمة
الموطوءة المأكولة واحراقها وتغريم قيمتها وبيع غيرها وتغريمه القيمة، وابطال
خيار الزوجين لو تجدد العيب بعده الا الجنون من الرجل، ووجوب استبراء
الأمة إذا وطئها السيد وأراد تزويجها أو بيعها.
فائدة:
كل هذه الأحكام يتساوى فيه القبل والدبر، الا التحليل والخروج من
الايلاء والاحصان والاستنطاق في النكاح فتستنطق 1) بالوطئ في القبل لا في الدبر
وخروج المني من الدبر بعد الغسل فإنه لا يوجب الغسل عليها بخلاف القبل فان
فيه كلاما ذكرناه في الذكرى. [حاشية - قال فيها: روى عبد الرحمن بن أبي
عبد الله عن الصادق عليه السلام عدم ووجوب الغسل على المرأة بخروج نطفة
الرجل، نعم لو علمت الاختلاط وجب، ولو شكت فالأحوط الوجوب للاختلاط المظنون] 2).
ويتعلق بالدبر ابطال حصانة الرجل بالنسبة إلى القذف، كما يحصل للواطئ
بالنسبة إلى ذلك.، ولو لم يبق للمقطوع بقدر الحشفة فغيبه فالظاهر عدم تعلق
الأحكام به الا تحرم أم المفعول وأخته وبنته.
التاسعة:
ترتب على البكارة والثيبوبة أحكام: كالولاية، واستحباب تزويج البكر،

1) في ص: فتنطق.
2) ليس ما بين القوسين في ص.
421

والاكتفاء منها بالسكوت عند عرض النكاح عليها، والوصية بجارية بكر، والوكالة
في شراء بكر، والتفرقة في 1) تخصص القسم بثلاث وسبع، واشتراط البكارة والثيبوبة في العقد.
وتطلق الثيبوبة أيضا على الاحصان المعتبر في الرجم وتزول البكارة، أو
تحصل الثيبوبة بالوطئ والجناية والطفرة والوثبة والمرض. وقد تزول بالتعنيس 2)
ولا [ريب] في ترتب زوال أكثر أحكام البكارة على مطلق الثيبوبة.
ونص الأصحاب على أن العبرة في الصغيرة بالصغر لا بالبكارة، سواء زالت
بجماع أو غيره. وهل يزول الضمان 3) بزواله بغير الجماع وكذا قصرها على
ثلاث في ابتداء الدخول بها؟ احتمال. وبعض العامة يرى أن الذاهبة بكارتها
بغير الاجماع لا تدخل تحت البكر ولا الثيب.
العاشرة:
الشبهة أمارة تفيد ظنا بترتب عليه الاقدام على ما يخالف ما في نفس الامر
والكلام هنا في وطئ الشبهة، وهي تتنوع ثلاثة أنواع:
الأول - بالنسبة إلى الفاعل، كما لو وجد امرأة في فراشه فظنها زوجته
أو مملوكته، أو تزويج امرأة فظهرت محرمة عليه.
الثاني - وبالنسبة إلى القابل، بأن يكون للواطئ فيها ملك أو شبهة ملك
كالأمة المشتركة وأمه مكاتبة أو ولده.

1) في ص: واتفرد.
2) العنس طول مكث الجارية في أهلها بعد ادراكها حتى خرجت من عداد الابكار
ولم تزوج قط.
3) في ص: الصمات.
422

الثالث - وبالنسبة إلى مأخذ الحكم، بأن يكون مختلفا فيه، كالمخلوقة
من الزنا.
وزاد بعضهم أن يكون الخلاف معتبرا، فقول عطا بإباحة إعارة الإماء
للوطئ يمكن أن لا يكون شبهة. والحق أنه شبهة لمن يمكن في حقه توهم ذلك.
ويترتب على الشبهة أحكام خمسة:
الأول: سقوط الحد عمن اشتبه عليه منهما دون الاخر، وشبهة الملك لا
يشترط فيها توهم الحل والاخذ بقدر نصيب صاحبه.
الثاني: النسب، ويلحق بالجاهل منهما دون العالم، وان جهلا لحق بهما.
الثالث: العدة، وهي واجبة مع جهل الواطي صيانة لمائه عن الاختلاط
ومع علمهما فلا عدة، ومع جهلها خاصة نظر. وقطع العامة بأن لا عدة على الواطي.
الرابع: المهر، وهو معتبر بالشبهة على المرأة، فلو لم يشتبه عليها فلا مهر
ولو كان الزوج مشتبها عليه.
الخامس: حرمة المصاهرة، وهي ثابتة لكل من الرجل والمرأة مع
اتصافهما بالشبهة بالنسبة إلى قرابة الاخر. وقد توقف فيه بعض الأصحاب. ولو
اختصت الشبهة بأحدهما فقضية الدليل ثبوت الحرمة بالنسبة إليه فيحرم عليه أمها
وبنتها وتحرم على أبيه وابنه لو كان ذا شبهة، ولا يحرم حينئذ أبوه ولا ابنه بالنسبة
إليها. ولو انعكس انعكس، ويمكن عموم التحريم من الجانبين.
فرع:
وطئ الشبهة وان نشر الحرمة فلا يفيد المحرمية لترتبها على النكاح الصحيح
423

لمسيس الحاجة إلى الاختلاط والمداخلة وذلك منتف في وطئ الشبهة، فليس
له الخلوة بأم الموطوءة بالشبهة ولا ابنتها.
الحادية عشرة:
ينتصف المهر بالفرقة قبل الدخول من الزوج بطلاق أو ارتداد أو اسلام
مع التسمية. ولا ينتصف بالفسخ من قبل المرأة الا في العنة وفي اسلامها قبله
على رواية 1)، لان الاسلام لم يزدها الا عزا، وهي محسنة بتعجيل الاسلام والإساءة
منسوبة إليه إذا كان من حقه سبقها إلى ذلك، وهو قول من قولي بعض العامة.
وقضية الأصل يقتضي عدم المهر بالفسخ قبل الدخول مطلقا، لان فيه يراد
العوضين سليمين، فكما يرجع بضعها إليها سليما فليرجع صداقه إليه سالما.
ولكن خولف في هذا بالطلاق جبرا لما حصل لها من الكسر مما لا مدخل لها
فيه وأجري مجراه ما عددناه.
وأما العنة فلان غالب الفسخ بها يكون بعد اطلاعه على ظاهرها وباطنها
واختلاطه بها اختلاط الأزواج، فجبر ذلك بالنصف.
وقد قال الشيخ علي بن بابويه رحمه الله تعالى في الخصي: إذا دلس نفسه
يفرق بينهما ويوجع ظهره وعليه نصف الصداق ولا عدة، وتبعه ابنه في المقنع 2).
ولو اشترى أحد الزوجين الاخر فالظاهر عدم التنصيف، أما إذا اشترته
فلصدور الفسخ منها، وأما إذا اشتراها فلمساعدة المالك الذي هو مستحق للمهر.

1) الكافي 5 / 436.
2) قال في المقنع ص 104: وان دلس خصى نفسه لامرأة فرق بينهما وتأخذ منه
صداقها ويوجع ظهره - انتهى. كلامه هذا عدم التنصيف، وللمسألة رواية في الكافي
5 / 411.
424

وللفاضل رحمه الله تعالى احتمال في ثبوت نصف المهر فشرائها له، ويلزمه بطريق أولى في شرائه لها.
ولو زوج الكتابي ابنته الصغيرة من كتابي وأسلم أحد أبويها قبل الدخول
فالأقرب السقوط تنزيلا لفعله منزلة فعلها. ويحتمل التنصيف، إذ لا صنع لها
وعلى الرواية السابقة لا اشكال في التنصيف.
الثانية عشرة:
يجب المهر المسمى بدخول الزوج في القبل أو الدبر وإن كان خصيا إذا
كان النكاح صحيحا.
ومهر المثل يجب في مواضع: في مفوضة البضع أو المهر مع الدخول
وموت الحاكم، ولو كان قد حكم أو فرض 1) في مفوضة البضع وجبا، وفي
مفوضة البضع إذا مات الحاكم قبل الدخول على قول، وفي اختلافهما في
تعيين المهر إذا تحالفا، وفي ظهور الصداق معيبا فتفسخ للعيب ويحتمل وجوب
مثله أو قيمته صحيحا، ولو أخذت الأرش جاز، وفي تلف الصداق المعين قبل
القبض ولا يعلم قدره، وفي الصداق الفاسد. وله أسباب:
الأول: الجهالة كعبد مبهم أو ثوب.
الثاني: عدم قبوله للملك كالحر والخمر والخنزير.
الثالث: أن يكون مغصوبا مع العلم ولو جهلا فمثله أو قيمته، ويحتمل مهر المثل.
الرابع: أن يشترط شروطا غير مشروعة، فان ذلك يؤثر في فسخ الصداق 2)

1) في ص أو فوض.
2) في ص: فساد الصداق.
425

والرجوع إلى مهر المثل.
الخامس: أن يتضمن ثبوته نفيه، كما إذا ولد أمة في غير ملكه بنكاح أو
شبهة ولدا ثم اشتراها ثم زوج ابنه منها امرأة وجعل الأمة 1) مهرا فيفسد المهر
لأنه يتضمن دخول أمه في ملكه فتعتق عليه فلا يكون صداقا.
السادس: العقد على المولية 2) بدون مهر المثل.
السابع: أن يعقد لابنه الصغير بزيادة على مهر المثل، الا أن نقول بضمان
الأب الزائد أيضا فإنه يدخل في ملك الابن فليس للأب التبرع به.
الثامن: مخالفة الامر، فيزيد عما أذن له الزوج أو ينقص عما أذنت له
الزوجة. ويحتمل في الأول ثبوت الخيار للزوج في الفسخ لا بمعنى خيار من
عقد له الفضولي، وتظهر الفائدة لو سكت فإنه يبطل خياره ويلزم العقد بخلاف
عقد الفضولي فإنه يشترط في اللزوم تلفظه بالإجازة.
التاسع: أن يأذن الولي للسفيه فيزيد على مهر المثل ويدخل بها فإنه يجب
مهر المثل، سواء قلنا بصحة النكاح أو فساده.
العاشر: مخالفة الشرط في الصداق، كالعقد على ثوب على أنه يساوي
مائة فظهر يساوي خمسين. ويحتمل الرجوع إلى ما ظن.
الحادي عشر: شرط الخيار في الصداق، فيتخير الفسخ فيه، وهذا يمكن
أن لا يعد صداقا فاسدا.
الثاني عشر: لو عقد الذميان على فاسد وترافعا بعد الاسلام 3) قبل التقابض

1) في ص: وجعل الام.
2) المولية: من كان عليه ولاية الغير.
3) في ص: مع الاسلام.
426

فإنه قيل بوجوب القيمة عندهم، ويحتمل مهر المثل. وكذا لو ترافعا ذميان قبل القبض.
الثالث عشر: لو قال " زوجتك أمتي على أن تزوجني ابنتك ويكون رقبة
الأمة صداقا للبنت " فإنه يصح العقدان، إذ لا تشريك فيما يرد عليه العقد، ويثبت
مهر المثل.
الرابع عشر: لو زوج عبده بامرأة وجعل رقبته صداقا لها وقلنا بصحة
النكاح فإنه يفسد المسمى ويجب 1) مهر المثل.
ويثبت أيضا مهر المثل بوطئ الشبهة كما تقدم ذكر أنواعه، ومنها وطئ
المرتهن بظن الإباحة وبوطئ الاكراه، قيل وبوطئ الأمة البغي وبوطئ الأمة
المشتراة فاسدا، ويثبت فيما إذا أرضعت الكبيرة ضرتها الصغيرة فان النكاح
ينفسخ وتغرم الكبيرة للزوج ما غرم للصغيرة من المهر كله أو نصفه، ولو لم
يكن سمى شيئا فمهر المثل فيرجع بمهر المثل على المرضعة ويحتمل ضمان المرضعة لها مهر المثل ابتداءا بل [وبعد الدخول].
وكذا لو شهدا عليه بطلاق زوجته ثم رجعا قبل الدخول احتمل ضمانهما
مهر المثل، بل وبعد الدخول. وكذا لو شهدا برضاع محرم ثم رجعا، وكذا
بغيره من الأسباب المحرمة ويرجعان.
وهنا صور مشكلة:
الأولى: إذا تداعا زوجيتها اثنان فصدقت أحدهما فللاخر احلافها، فلو
نكلت وحلف قيل يغرمها مهر المثل.
الثانية: لو ادعى عليها بعد تزويجها بغيره 2) أنه راجع في العدة فأقرت لم

1) في ص: وثبت.
2) في ص: بعد تزوجيه لغيره.
427

يقبل منها وغرمت على احتمال.
الثالثة: لو ادعت تسمية قدر وقال الزوج لا أعلم وكان قد زوجه وكيله أو
قال نسيت حلف على نفي العلم وثبت مهر المثل. ويحتمل ما ادعته، إذ لا
معارض لها 1). وكذا لو ادعت على الوارث وأجاب بنفي العلم.
الرابعة: لو تنازعا في قدره قيل يقدم قول الزوج وهو المشهور، وقيل يتحالفان فمهر المثل.
ولو كان دعواهما أزيد من مهر المثل أمكن تقديم قوله، ويحتمل ثبوت
مهر المثل، وكذا لو نقضت دعواهما عنه احتمل تقدم قولها واحتمل مهر المثل.
وهذه الأقسام ذكرها بعض الأصحاب، والأصح فيها تقديم قول الزوج.
الثالثة عشرة:
لا يمكن عراء وطئ مباح عن مهر الا في تزويج عبده بأمته، ولو أعتقها
فوجهان إن كان قبل الدخول وإن كان بعده بعد وجوب المهر بالعتق 2). قيل وفيما
إذا فوضت بضعها وهما حربيان ويعتقدان ذلك نكاحا ثم أسلما بعد المسيس أو
قبله، لأنه قد سبق استحقاق وطئ بلا مهر.
ولو تزوجت السفيه بغير اذن وليه جاهلة ودخل بها فإنه قيل لا مهر لها،
والأصح الوجوب. ونعم لو كانت عالمة سقط على الأقرب، وحينئذ يتصور أن
يكون مباحا بالنسبة إليه إذا كان جاهلا.

1) في ص: إذ لا تعارض لها. وفى الحاشية: الأقوى هنا أقل الأمرين مما أدعية
ومهر المثل لأنه ان أراد المدعى عن مهر المثل عورض بالأصالة البراءة وان أراد مهر المثل
عما أدعية فلاعترافها بعدم استحقاق الزائد.
2) في ص،: فقد وجب المهر بالعتق.
428

ويطرد هذا في كل موضع تكون الشبهة من جانب الواطي مع حملها،
ويحتمل في السفيه وجوب مهر مثلها لاستناده إلى العقد ويؤخذ منه اما في الحال
أو بعد فك الحجر لأنه كالجناية. ويحتمل وجوب أقل متمول.
فائدة:
لو زوج ولده الصغير يحمل عنه المهر في ماله، فان قلنا بملاقاة الابن فلها
مطالبة أيهما شاءت. وهو إنما يتم على القول بأنه ضمان وأن الضمان غير ناقل
أما لو قلنا حكمه حكم الحوالة أو أن الضمان ناقل كقول الأصحاب فليس لها
مطالبة الابن على التقديرين.
والمحتمل في تزويج عبده أضعف، لان العبد ليس أهلا لملاقاة الوجوب
الا أن نقول يتعلق برقبته أو يتبع به بعد عتقه.
تنبيه:
هل يسقط المهر بعد وجوبه في تزويج رقيقي مالك إذ لم يمسه 1) الوجوب
الأقرب الثاني، لامتناع أن يستحق على ماله مالا، فلو صرح السيد بتفويض
بضع أمته صح العقد، فلو أعتق قبل الدخول ثم دخل بها فعلى الأقرب لا شئ
عليه 2)، وعلى الاخر يجب، إذ لا يجب مهر المثل بالوطئ في المفوضة لا بالعقد
وهو حينئذ حرة 3).
ويحتمل أن لا شئ، لان التصريح بالتفويض كلا تصريح أو تزويج 4) الأمة

1) في ص: أو لم يسمه.
2) في ص: فعلى الأول لا شئ عليه.
3) في ص: جزء.
4) في ص: إذ تزوج.
429

هنا لا يكون الا خاليا عن مهر، وإذا قلنا إن العقد إباحة سقط هذا البحث.
فرع:
لو زوج رقيقه ثم باع الأمة قبل المسيس فأجاز المشتري العقد ففي وجوب
مهر المثل هنا نظر، من استناده إلى العقد الذي لم يوجب مهرا وقد استحق
الوطئ بلا مهر والأصل بقاء ما كان، ومن الإجازة كالعقد المستأنف.
ويمكن بناؤه على أن الإجازة كاشفة أو جزء من السبب، فعلى الأول لا يجب وعلى الثاني يجب.
الربعة عشرة:
لا يجب بالوطئ الواحد الا مهر واحد، وربما فرض أزيد في صور:
(الأولى) لو وطئ أمة لشبهة وفي أثناء الوطئ باعها المولى وكان تمام
الوطئ في ملك المشتري الثاني، فيحتمل وجوب مهر واحد يقسم بينهما أو
يختص به الأول، ويحتمل وجوب مهرين لان الوطئ صادف الملكين ولو
انفرد ذلك القدر لا وجب مهرا كاملا.
أما لو وطئ في ملك أحدهما فنزع في ملك الاخر، فالظاهر أن لا شئ
للثاني، لأنه لا يسمى وطئا. وعلى هذا يتصور تعدد المهور بتعدد الملاك مع دوام الوطئ.
(الثاني) إذا قلنا بضمان منفعة البضع بالوفاة لو وطئ الأب زوجة ابنه
بشبهة فعليه مهر لها ومهر لابنه لانفساخ النكاح.
(الثالثة) إذا تزوج الأب بأمرة وابنه بابنتها فسيقت امرأة كل منهما إلى
الاخر خطا ووطئها انفسخ النكاحان، وعلى البادي منهما مهر الموطوءة بالشبهة
430

ونصف مهر لزوجته لانفساخ عقدها قبل المسيس بسبب من جهته، وعلى الاخر
مهر للموطوءة.
وهل يجب عليه شئ لزوجته التي سبق وطؤها من غير زوجها؟ يحتمل
وجوب نصفه، لان الفرقة ليست من جهتها في الجملة، فحينئذ يرجع به على
البادي، فيغرم البادي على هذا بوطئ واحد مهرا ونصفي مهر.
(الرابعة) لو تزوج امرأتين في عقدين ووطئ إحداهما ثم ظن أن إحداهما
أم الأخرى وكان المهر للمتأخرة في العقد، فإنه يجب لها مهر المثل ويجب للمتقدمة
نصف المسمى، لان الفسخ بسببه أتي 1). ولو سبق وطئ السابقة في العقد فلا
اشكال لبطلان عقد الأخرى.
(الخامسة) لو وطئ الصغيرة أو اليائسة في حال الزوجية وطلق حال الوطئ
ولم يعقب بالنزع وجب بوطئ واحد لامرأة واحدة مهران: الأول المسمى،
والثاني مهر المثل. ولو قدر أنه عقد عقدا جديدا وجب مسميان، وهكذا.
وقد تنازع في تسمية هذا الوطئ واحدا، وفي صحة الطلاق على هذه الحالة.
الخامسة عشرة:
الذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الأب والجد، وقد يكون أيضا السيد في
مهر أمته. وليس هو الزوج، لان العفو حقيقة في الاسقاط لالتزام ما سقط بالطلاق
إذ لا يسمى ذلك عفوا، ولان إقامة الظاهر مقام المضمر مع الاستغناء بالمضمر
خلاف الأصل، ولو ارتد الزوج يقتل أو يعفو عما استحق لكم، ولان المفهوم
من قولنا " بيده 2) كذا " تصرفه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح إنما كان تصرفه

1) ليس " اتى " في ص.
2) في ص: بعده " بدل " بيده.
431

في الوطئ وان (ما) يتصرف في العقد الان الولي.
فان قلت: الزوج كان بيده عقدة النكاح حال العقد.
قلت: يعارض بالولي، فإنه كان له ذلك فتهاترا وبقيت ولاية الولي الان
وثبوت يد خالية عن المعارض. ولان المستند إليهن العفو أولا الرشيدات،
فيجب ذكر غير الرشيدات ليستوفي القسمة. ولان قوله تعلى " الا أن يعفون " 1)
استثناء من الاثبات فيكون نفيا. وحمله على الولي يقتضي ذلك، وفيه طرد
لقاعدة الاستثناء. ولو حمل على الزوج لكان اثباتا فيستثنى من الاثبات اثبات،
وهو خلاف القاعدة:
ولان قضية العطف التشريك، وعلى ما قلناه المعطوف والمعطوف عليه
مشتركان في النفي، ولو أريد 2) الزوج لكان اثباتا فلا يقع الاشتراك.
وان قلت: يعارض بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله في
ذلك بالصريح، وبأن قضية 3) الأصل عدم تسلط الانسان على مال غيره.
قلت: الرواية لا تنهض حجة، لعدم كونها من الصحاح مع امكان الحمل
على أن للزوج أن يفعل ذلك لأنه يكون تفسيرا للآية. والمال هنا وان دخل على
الزوجة بفواته نقص الا أنه معرض لترغيب الزوج أو غيره في تزويجها، فيجر ذلك 4) النقص ويزيد عليه.

1) سورة البقرة: 237.
2) في ص: ولو ارتد.
3) في ص: ولان قضية
4) في ص: فيجئ ذلك.
432

السادسة عشرة:
لا يسمع من المرأة دعوى عنة الزوج في صور:
(الأولى) أن يكون صغيرا، إذ لا حكم لكلامه ولا قطع ببقاء عنته بعد بلوغه.
(الثانية) أن يكون مجنونا لمثل ما قلناه ولأنه قد يدعى بعد الإفاقة الإصابة.
(الثالثة) الأمة لو تزوج بها حر، لأنها لو سمعت لبطل النكاح، إذ من شرط
صحته خوف العنت على قول.
السابعة عشرة:
الام أولى بالحضانة مدة الرضاع في الذكر والأنثى وسبع سنين في الأنثى
وقد يترجح غير الام عليها في صور:
(الأولى) أن تكون ناقصة بكفر ولو ردة أو رقية ولو متجددة بسبيها واقدارها
وكذا لو كانت مبعضة فالأب أولى.
(الثانية) أن تكون غير مأمونة مع كون الأب مأمونا.
(الثالثة) إذا تزوجت.
(الرابعة) إذا امتنعت الام من الحضانة صار الأب أولى، ولو امتنعا معا
فالظاهر اجبار الأب.
(الخامسة) لو سافر الأب قيل له استصحاب الولد وتسقط حضانة الام.
فرع:
لو كان بها جذام أو برص وخيف العدوي أمكن كون الأب أولى، لقوله
صلى الله عليه وآله: فر من المجذوم كفر ارك من الأسد. وقوله " ص ":
433

لا يورد ممرض على مصح 1). ويحتمل بقاء حضانتها، لقوله " ص ": لا عدوى
ولا طيرة) 2.
ووجه الجمع بين الاخبار الحمل على أن ذلك لا يحصل بالطبع كاعتقاد
المعطلة والجاهلية، وان جاز أن يخلق الله تعالى ذلك المرض عند لمخالطة.
الثامنة عشرة:
أظهر القولين في نفقة الزوجة أنها غير مقدرة بل الواجب سد الخلة كالأقارب
لقول النبي صلى الله عليه وآله لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف 3).
ولم يقدر بالمدين أو بمد، والتقدير بالحب ومؤنة الطحن [والاصلاح] 4)
يرد إلى جهالة، لان المؤنة مجهولة فيصير الجميع مجهولا.
قالوا: النفقة بإزاء ملك البضع فتكون مقدرة، لأصالة التقدير في الاعراض 5).
قلنا: نمنع ذلك، بل هي بإزاء التمكين، ولهذا تسقط بعدمه وإنما قابل
البضع المهر، فالنفقة منها كنفقة العبد المشتري إذ الثمن بإزاء رقبته والنفقة بسبب ملكه.
قال بعض العامة ردا على فريقه القائل بالتقدير: لم يعهد في السلف ولا في
الخلف أن أحدا أنفق الحب على زوجته مع مؤنة اصلاحه، فالقول به يؤدي

1) كنوز الحقائق: 185 نقلا عن مسند أحمد وفيه: لا يوردن.
2) البحار، ط الكمباني 14 / 169.
3) أخرجه البخاري في صحيحه في باب " إذا لم ينفق الرجل فللمرأة ان تأخذ بغير
علمه ما يكفيها وولدها " من أبواب كتاب النفقات.
4) ليس " الاصلاح " في ك. وفيه رد إلى جهالة.
5) في ص: في الأعواض.
434

إلى أن كل من مات يكون مشغول الذمة بنفقة الزوجة، لان المعاوضة على الحب
الذي أوجب مما تأكله الزوجة 1) من الخبز واللحم وغيرهما ربا، ولو جاز كونه
عوضا لم يبرأ من النفقة الا بعقد صلح وتراض من الجانبين، وما بلغنا ان أحدا
أطعم زوجته على العادة ثم أوصى بايفائها نفقتها حبا من ماله، ولا حكم حاكم
بذلك على أحد من الأزواج.
الفصل الثاني
(فيما يتعلق بالتناكح)
قاعدة:
أسباب الفرقة في النكاح كثيرة، كالطلاق والخلع والمباراة والفسخ لعيب
أو تجدد اسلام أو كفر أو تجدد عتق الأمة والرضاع والمصاهرة والوطئ لشبهة
وسبي الزوجين والزوج الصغير واسترقاق الزوج الكبير والاسلام على أكثر
من أربع أو على الأختين، وملك أحد الزوجين صاحبه، واللعان، وجهل سبق
أحد العقدين في وجه ويحتمل القرعة، وتوثن النصرانية تحت مسلم أو تهودها
والتدليس، وفقد الزوج بعد البحث واعساره بالنفقة في قول [والموت والافضاء على قول] 2).
وكثير من هذه يستبد بها الزوجان، وفي اللعان يحتاج إلى الحضور عند
الحاكم أو الحكم 3)، والظهار والايلاء ليسا فرقة وإنما يؤديان إلى الطلاق بعد

1) في ص: الزوجان.
2) ليس ما بين القوسين في ص.
3) في بعض النسخ: والتحكم.
435

مرافعة الحاكم، وكذا في الاعسار بالنفقة يحتاج إلى حكم الحاكم.
تنبيه:
لا يلاقي بين الزوجين بعد بعض هذه الأسباب، كاللعان والرضاع ووطئ
الشبهة وطلاق العدة إذا نكحها رجلان والافضاء وقد يتوقف على تزويج بغيره
كفى التحليل.
(فوائد في الطلاق)
قاعدة:
النكاح عصمة مستفادة من الشرع يقف زوالها على اذن الشرع كما استفيد
حصولها منه.
والمتفق عليه عند الأمة قوله " طالق "، فليقتصر عليها وقوفا على المتيقن
وتمسكا بأصل الحل.
وللجمهور اختلاف عظيم واضطراب كثير فيما عدا هذه الصيغة، حتى أن
في قوله " أنت حرام " أحد عشر قولا. قال ابن عباس على ما نقل عنه: يمين
مغلظة، وابن جبير عتق رقبة، والشعبي كتحريم المال لا شئ فيه لقوله تعالى
" لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " 1)، وقال اسحق كفارة ظهار قبل الوطئ
والأوزاعي له ما نوى والا فيمن يكفر، وسفيان ان نوى واحدة فواحدة وثانية
فثانية أو الثلاث فالثلاث أو اليمين فاليمين أو لا فرقة ولا يمينا فكذبة لا شئ
فيها، وأبو حنيفة ان نوى الاطلاق فواحدة وان نوى اثنتين أو الثلاث فواحدة

1) سورة المائدة: 87.
436

ثانية وان لم ينو، وكفارة يمين وهو مؤل 1)، ومالك في المدخول بها ثلاث وينوي
في غير المدخول بها، والشافعي لا يلزمه شئ حتى ينوي واحدة فتكون رجعية
وان نوى تحريمها بغير طلاق لزمته كفارة يمين ولا يكون موليا.
قال بعض متأخري المالكية: معنى التحريم لغة المنع، فقوله " أنت علي
حرام " اخبار عن كونها ممنوعة، فهو كذب لا يلزم فيه الا التوبة في الباطن
والتعزير في الظاهر كسائر أنواع الكذب. وأما قوله " أنت خلية " فليس في
مقتضاها لغة الا الاخبار عن الخلاء وانها فارغة، وليس في اللفظ التعرض لما هي
منه فارغة، وكذلك " بائن " معناه لغة المفارقة في الزمان أو المكان وليس فيه
تعرض لزوال العصمة، فهي اخبارات صرفة ليس فيها تعريض للطلاق البتة من
جهة اللغة، فهي اما كاذبة وهو الغالب أو صادقة ان كانت مفارقة له في المكان،
ولا يلزم بذلك طلاق، كما لو صرح وقال " أنت في مكان غير مكاني وحبلك
على غاربك " معناه الاخبار بذلك، وأصله في الراعي إذا قصد التوسعة على
المرعية جعل حبلها على غاربها وهو الكتفان حتى تنتقل كيف شاءت.
ثم ذكر بعد ذلك أنه راجع إلى النية والفرق 2) بناءا منهم على صحة الكنايات
عن الطلاق. وليس بشئ، لان الكناية من باب المجاز واللفظ يحمل على
حقيقته لا على مجازه، والحمل على اليمين كذلك لعدم حقيقتها الشرعية، وعن
النبي صلى الله عليه وآله: الطلاق والعتاق ايمان الفساق.
قاعدة:
ينقسم الطلاق إلى ما عدا المباح من الخمسة: فالواجب طلاق المولى

1) في ص: وهو قول. وفى هامش ك: وهو قول مالك.
2) في ص: والعرف.
437

والمظاهر وإن كان الوجوب تخييريا، ومنه طلاق الحكمين باذن الزوج إذا
تعذر الصلح، والمحرم الطلاق البدعي، والمكروه ما سوى ذلك، ولا مباح
فيه لقول النبي صلى الله عليه وآله: أبغض الحلال إلى الله الطلاق 1).
فرع:
لو قسم بين الزوجات نوبة ثم طلق صاحبتها قيل بالتحريم، لان فيه
اسقاط حقها.
قاعدة:
ينقسم الطلاق إلى بائن ورجعي، والبائن ستة والرجعي ما عداه.
وضبطه بعضهم فقال: كل من طلق مستعقبا للعدة ولم يكن بعوض 2) ولم
يستوف عدد الطلاق ثبتت له الرجعة. وهو يتم على تقدير وجوب العدة على
الصغيرة واليائسة وعلى عدمه، لأنا ان قلنا بوجوبها فهو رجعي والا فهو بائن ولا
يكون متعقبا للعدة.
وأورد عليه: من طلق مخالعة ثم تزوجها في العدة ثم طلق قبل المسيس،
فإنها تعود إلى العدة الأولى وتستأنف مع أنه غير رجعي، وكذا لو وطئها بشبهة
فاعتدت ثم تزوجها في العدة وفعل ما قلناه.
وأجيب: بأن الطلاق في الموضعين لم يستعقب عدة بل ترجع إلى عدتها
الأولى. وهذا يتم ان لم نقل بالاستيناف، وان قلنا به مع بعده فيجاب بأن

1) الكافي 6 / 54 رواه عن ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام - ولفظه هذا - قال:
ما من شئ مما أحله الله عز وجل أبغض إليه من الطلاق وان الله يبغض المطلاق الذواق.
2) في ص: ولم يكن تفويض.
438

استعقابه للعدة ليس بسبب الطلاق بل مسبب عن الوطئ السابق بهذا العقد.
وأورد أيضا: من طلق الزوجة رجعية وعاشرها في العدة معاشرة الأزواج
فإنها لا تنقضي عدتها عند كثير من العامة ومع ذلك لا رجعة له ولو طلقها لحقها
الطلاق.
وهذا الحكم ضعيف، لأنه ان حصل منه هذه المدة لمس أو تقبيل أو وطئ
فهو رجعة، والا فلا عبرة بالمعاشرة.
وأورد على عكسه: إذا تزوج امرأة وطلقها بعد المسيس فأتت بولد لأقل
من ستة أشهر من حين العقد لم تنقض عدتها به وله رجعتها بعد وضع الحمل.
وهو واه، لان الرجعة هنا ليست تعد العدة 1) في طلاق رجعي، إذ وضع
الحمل لا ينقضي به العدة لعدم تكونه منه، فالرجعة وقعت في العدة.
وأورد أيضا: إذا وطئ امرأة بشبهة فحملت ثم تزوجها وأصابها ثم طلقها
فوضعت حمل الشبهة فان عدة الشبهة قد انقضت وله الرجعة، وكذا لو وطئ
أمته بالملك فحملت ثم أعتقها وتزوجها ثم وطئها وطلقها فوضعت حمل ملك
اليمين ممن له العدة وله الرجعة بعد الوضع في الموضعين.
وأجيب بمنع الرجعة هنا، كيف وهما داخلتان تحت قوله تعالى " وأولات
الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " 2).
قاعدة:
كل عدة لا يشترط فيها العلم بأنها عدة الا في المتوفى عنها زوجها وفي

1) في ص: ليست بعد العدة.
2) سورة الطلاق: 4.
439

المسترابة بعد مضي ستة 1) أشهر، أما في المتوفى عنها زوجها فللحداد المقصود
وأما في المسترابة فلان الأول كان لغاية الاستبراء من الحمل لا للاعتداد، ولان
الغالب في العدد التعبد المحض كاعتداد الصغيرة واليائسة وغير المدخول بها
عدة الوفاة، وكمن غاب عن زوجته سنين فحضر ثم طلقها قبل المسيس.
وقال بعض العامة: إنما وجب ثلاثة أشهر بعد التربص لأنا نعلم يأسها بعدها
وقد قال تعالى " واللائي يئسن من المحيض " 2) الآية، رتب الاعتداد على اليأس
فلا يحصل قبله كسائر الأسباب والمسببات.
وهذا غير مستقيم، لأنه لا يعلم بمضي 3) هذا القدر يأس المرأة، كيف وقد
تبقى سنين بغير محيص ثم تحيض.
فائدة:
الفرق بين العدة والاستبراء أن العدة تجامع العلم ببراءة الرحم بخلاف
الاستبراء، ومن ثم لم تستبرأ الصغيرة ولا اليائسة ولا الحامل من الزنا ولا من
غاب عنها سيدها مدة تحيص فيها ولا أمة المرأة على الأظهر.
ولو كان البائع محرما للأمة - كما يتفق بالمصاهرة أو الرضاع على خلاف
فيه - فالأقرب عدم وجوب الاستبراء فيه صونا للمسلم عن الحرام.
ولما كان الأغلب في الاستبراء براءة الرحم لا التعبد، اكتفي فيه بقرء واحد
بخلاف العدة، وحيض الحبلى نادر ولو قلنا به.

1) في ص وهامش ك: تسعة.
2) سورة الطلاق: 4.
3) في ص: يمضى.
440

(فوائد في الظهار)
قاعدة: لو قال لزوجاته " أيتكن حاضت فصواحباتها علي كظهر أمي " فقالت إحداهن
حضت فصدقها وقع الظهار بالنسبة إليه.
ويشكل بأن قولها لا يقبل في حقهن واحلافها غير ممكن وقطع الزوج
بذلك نادر، ولهذا لو صرح بالمستند وقال لم أعلم 1) حيضها الا بقولها عد مخطئا
الا مع قرينة الحال المفيدة للعلم.
ولعل الأقرب أنه ان أخبر بعلم صدقها بالقرائن وقع الظهار، وان أطلق
أمكن أيضا لأصالة الصدق في أخبار المسلم، ولأنه قادر على انشاء الظهار الان
فيقبل اقراره.
فائدة:
من الأسباب الفعلية الأسباب القلبية كالإرادة والكراهة والمحبة، فلو علق
ظهارها باضمارها بعضه فادعته صدقت كدعوى الحيض، فان اتهمها أحلفها ان
قلنا بيمين التهمة، ولو علقه [بما يشهد الحس بعدم محبته] 2) كدخول النار أو
السم أو الأطعمة الممرضة [أو الشرع كمحبة الكفر وعبدة الأوثان لكونهم كذلك] 3)
فادعته أمكن القبول، لأنه قد نصبه سببا ولا يعلم الا منها وعدمه للقطع بكذب

1) في ص: وقال لا أعلم.
2) ليس ما بين القوسين في ص. وفيه: ولو علقه بحبها دخول النار
3) ليس ما بين القوسين في ص.
441

مدعي ذلك.
[ويحتمل الفرق بين الامرين، لان الطبع يعين على الأول دون الثاني،
فيقبل منها في الثاني ولا يقبل في الأول، وخصوصا مع عدم التقوي. وكذا لو
علقه بما يخالف الحس أو العقل أو الشرع] 1).
ولو علقه بمشيتها فالظاهر الاحتياج إلى اللفظ، لان كلامه يستدعي جوابا
على العادة، فلا يكفي الإرادة القلبية. وتظهر الفائدة لو أرادت بالقلب ولما
تتلفظ.
ولو تلفظت مع كونها كارهة بالقلب وقع الظهار ظاهرا، وفي وقوعه باطنا
بالنسبة إليها احتمالان. نعم لان التعليق بلفظ المشية لا بما في الباطن. ولا كما
لو علق بحيضها وكانت كاذبة في الاخبار عن الحيض، فإنه لا يقع باطنا.
ولو كانت صبية فعلق على مشيتها أو علق على مشية صبي فالأقرب الصحة
مع التمييز، لأنه اقتضى بلفظه وقد وقع ويحتمل المنع، كما ليس للفظه اعتبار
في الطلاق ولا في باقي العقود اللازمة.
ولو علق ظهارها على حيض ضرتها فادعته وأنكر الزوج حلف، لأصالة
العدم، ولأنه تصديق في حق الضرة. ويحتمل قبول قولها، لأنه لا يعلم الا منها،
فحينئذ لا يحلف، لان الانسان لا يحلف ليحكم لغيره.
فرع:
لو علق أحد رجلين ظهار زوجته بكون الطائر غرابا وعلقه الاخر بكونه
غير غراب، فالأولى عدم وقوع الظهارين إذا امتنع استعلام حاله عملا بالأصل

1) ما بين القوسين ليس في ص.
442

وإن كان الاجتناب أحوط. ولو كان في زوجتين لواحد اجتنبا، لأنه قد علم تحريم
إحداهما في حقه لا بعينها.
فائدة: من فروع أن الصفة للتوضيح أو للتخصيص لو قال لزوجته " ان ظاهرت
من فلانة الأجنبية فأنت كظهر أمي "، فان جعلنا الأجنبية للتوضيح، وظاهر منها
بعد تزويجها - وقع الظهاران، وان جعلناها للتخصيص لم يقع 1)، لان التزويج
يخرجها عن كونها أجنبية. وهو الذي قواه الأصحاب.
ولو ظاهر منها في حال كونها أجنبية بنى على قاعدة الحمل على الحقيقة
الشرعية عند التجرد حيث لاتمكن الحقيقة، وعلى المجاز لتعذر الحقيقة. وعلى
الأول يقع الظهار المعلق، وعلى الثاني يقع حملا للظهار على التلفظ بصيغته وان
لم تكن مؤثرة تحريما.
ولو تزوجها فأوجد الصيغة غير المؤثرة كالتي لم تجمع فيها الشرائط بنى
على القاعدتين، فان جعلنا الصفة 3) للتخصيص فلا ظهار، وان جعلناها للتوضيح
ورجحنا الحقيقة الشرعية فلا ظهار أيضا، وان رجحنا المجاز وقع الظهار المعلق
خاصة.
فائدة:
من فروع الحقيقة اللغوية العرفة لو علق الظهار على تمييزها نوى ما أكلت

1) في ص ارتفع " بدل " لم يقع.
2) في ص: هي على القاعدتين.
3) في هامش ك: الصيغة.
443

عما أكل أو على اخبارها بعدد ما في الرمانة من الحب أو ما في البيت من الجوز
ففي الحمل على الوضع أو على العرف تردد، فعلى الأول لو فرقت النوى كل
واحدة على حدتها أو عدت عددا يتحقق فيه أنه لا ينقص عنه ولا يزيد عليه
تخلصت من الظهار، وعلى الثاني لابد من التعيين والتعريف الحقيقي.
قاعدة:
من فروع حمل المشترك على معانيه تعليق العتق المنذور أو الظهار على
العين مثلا مثل " ان رأيت عينا فزوجتي كظهر أمي "، فان قلنا بالجمع 1) على
الجميع لم يقع العتق أو الظهار حتى يرى جميع مسميات العين.
وقال بعض العامة يعتق ويصير مظاهرا برؤية أي فرد كان، لان الصفة في
التعليق تتعلق بأول أفرادها، كما لو قال " ان دخلت الدار " فإنه يكون مظاهرا
بدخوله شيئا من الدار، فإن لم يدخل جميع الدار. وهو قياس فاسد، فان الدخول متواطئ.
ان قلت: لفظ " عين " منكر في الاثبات وهو لا يعم وخصوصا مع افراده
ولو جمعه بغير تعريف، غاية ما في الباب أنه يحمل على ثلاثة قضية للجمع،
فكيف يمكن القول بحمله على الجميع مع كونه مفردا.
قلت: ليس شمول المشترك كشمول 2) العام لافراده حتى يراعى فيه صيغة
العموم كالعيون مثلا، بل لما كان هذا اللفظ مشتركا بين موضوعين فصاعدا
حمل عند اطلاقه على جميع معانيه عند من قال بذلك، وعليه التفريع.

1) في ك: بالحمل.
2) في ص: كمسؤول.
444

نعم قد قال فريق من الأصوليين بالفرق بين المفرد والجمع، فعلى قول
هؤلاء يتوجه البطلان في المفرد لعدم التعيين والصحة، فيحمل على أي فرد كان
لوضع اللفظ له. ولا يكون بينه وبين المتواطي على هذا فرق الا من حيث أن
إرادة الفرد من المتواطي لصدق الحقيقة بتمامها فيه وإرادة الفرد من المشترك
لصدق اللفظ عليه.
ويضعف: بأن اللفظ إذا كان صالحا لجميع الحقائق على السواء وهي متباينة
يمتنع حمله على بعضها، لأدائها إلى الترجيح من غير مرجح اما عند وجود
جميع الحقائق فقد تحقق وقوع مدلول اللفظ.
(الفصل الثالث - في التوارث)
وفيه قواعد:
الأولى:
الموروث كل مال أو تابع للمال أو حق عقوبة، ولا ينتقل النكاح وتوابعه،
لان الزوج إنما ملك أن ينتفع ولم يملك المنفعة كما تقدم. وكذا ما يرجع إلى
الشهوة كخيار من أسلم على أكثر من أربع، أما من طلق 1) إحدى زوجاته ومات
فقيل لعين الوارث. وهو بعيد.
وكذا لا ينتقل حق اللعان إلى وارث الزوج [ولا وارث الزوجة] 2) الا في
رواية، وكذا حق الرجوع في الهبة لا ينتقل على الأقرب، إذ الموهوب غير
موروث.

1) في ص: اما لو طلق.
2) ليس في ص.
445

وفي الولاء وجهان، من حيث أنه كالنسب والنسب غير موروث، ولأنه لا
ينتقل إلى جميع الورثة.
الثانية:
أسباب الإرث ثلاثة: السبب، والنكاح، والولاء. والمراد به مطلق كل
واحد منها.
ووجه الحصر: أن الامر المشترك بين جميع الأسباب التامة، اما أن يمكن
ابطاله أولا، والأول النكاح. وان لم يمكن ابطاله، فاما أن يقتضي التوارث
من الجانبين فهو القرابة، أو من أحدهما وهو الولاء. وإنما قلنا إن المراد المطلق
من كل واحد، لان أحد الأسباب القرابة والام لا ترث الثلث في حال والسدس
في حال آخر بمطلق القرابة والا لثبت مثله في الابن والبنت لوجود مطلق القرابة
فيهما، وإنما ترث بخصوص كونها اما ويرد عليها في موضع الرد [بالقرابة] 1)
والبنت ترث النصف لا بالقرابة المطلقة بل بخصوص كونها بنتا والرد عليها
بالقرابة المطلقة. فكل وارث سبب خاص مركب من خصوصية البنت مثلا ومن عمومية القرابة.
وكذلك الزوج ليس له النصف بمطلق النكاح والا لكان للزوجة النصف
لوجود مطلق النكاح فيها، بل بخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح، فسببه
أيضا مركب، وكذلك الزوجة. فحينئذ ان أريد بالأسباب التامة فهي أكثر من
ثلاثة لتعددها بحسب الوارث، وان أريد بها الناقصة فالخصوصيات كثيرة، فلهذا
قلنا المراد به المطلق.

1) ليس في ص.
446

الثالثة:
الأصل في الميراث النسبي التولد، فمن ولد شخصا ترتب عليه طبقات
الإرث، وفي الميراث السببي الانعام بالعتق أو الضمان أو الولاية العامة، والنسب
مقدم لأنه أصل الوجود، ثم العتق لأنه أصل لوجود العتيق 1) لنفس، [ثم الضامن
لأنه منهم خاص، ثم الامام] 2).
الرابعة 3):
كل قاتل يمنع من الإرث ولا يمنع من متصل به لقوله تعالى " ولا تزر
وازرة وزر أخرى " الا في موضع واحد، وهو ما إذا قتل المعتق عتيقه وللمعتق
ابن فإنه يحتمل هنا عدم ارثه، لان الابن لا يحصل له الولاء الا بعد موت أبيه
وأبوه قد زال ولاؤه فكيف يتوصل بزائل.
ويحتمل ثبوته، لان قضية الولاء أن ينتقل عن الأقرب إلى الابعد مع عدم
الأقرب والمعتق هنا بحكم المعدوم. ومثله لو هرب المعتق وكان كافرا إلى دار
الحرب فاسترق ولده عندنا ثم مات العتيق، فهل يرثه ولده لان المعتق في حكم
المعدوم أو يكون لبيت المال؟ فيه وجهان.
الخامسة 4):
للإرث أسباب قد مر ذكرها، وشرائط وموانع، وبالحدود يعرف ذلك

1) في ص.: بدل " العتق " العبد.
2) ليس ما بين القوسين في ص.
3) ليس " الرابعة " في ص وبدله: قاعدة.
4) في ص: الرابعة.
447

كله كما قيل عند الاختلاف في الحقائق بحكم الحدود.
ولما كان السبب هو الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم، والشرط
هو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، والمانع هو الذي
يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود ولا العدم. تبين ما ذكرناه،
فالشرائط أمور:
الأول: موت المورث.
الثاني: تقدم موته على موت الوارث ويكفي التقدير كالغرقى والمهدوم عليه.
الثالث: وجود الوارث حالة الموت وان لم تحله الحياة بشرط انفصاله
حيا وان لم يكن مستقر الحياة.
الرابع: العلم بالقرب.
الخامس: العلم بالدرجة التي اجتمعا فيها عند بعضهم ليخرج ما إذا مات
رجل من قريش لا يعلم له قريب، فان ميراثه للامام مع أن كل قرشي ابن عمه
لفوات شرطه الذي هو العلم بدرجته، فما من قرشي الا وغيره يمكن أن يكون
أقرب منه، وتوريث جميعهم متعذر، فكان المال للأولى بالناس من أنفسهم.
والموانع ستأتي.
السادسة 1):
يتصور دور الولاء في موضعين:
(الأول) لو تزوج عبده بمعتقة فأولدها ابنا فاشترى عبدا فأعتقه فاشترى عتيق
الابن أبا الابن وأعتقه ثبت له الولاء عليه وثبت له على ولده الولاء، لانجرار

1) في ص: الخامسة.
448

الولاء من مولى الام إلى مولى الأب، فكل من الابن وعتيقه مولى لصاحبه.
(الثاني) إذا أعتق الذمي عبدا ثم لحق المعتق بدار الحرب فاسترق ثم أسلم
العتيق وملك سيده بالشراء أو السبي أو غيرهما فأعتقه فالولاء دائر. وفي هذا بحث.
السابعة 1):
الإرث يكون من الجانبين، وهو الأغلب، حتى أنه لا يوجد في النسب
عندنا الا دائرا ما لم يحصل مانع كالكفر، فان المسلم يرث الكافر من غير عكس.
وأما في الأسباب فيدور تارة كما في الزوجين يتوارثان في الدائم اجماعا
وافي المتعة على [حسب الشرط] 2)، ولا يدور أخرى كالعتق فان المنعم يرث
العتيق دائما ولا ينعكس الا في الولاء الدائر كما تقدم. وابن بابويه رحمه الله
جعل في ولاء العتق توارثا من الجانبين.
وأما ضمان الجريرة فان دار دار الولاء والإرث والا فلا، وأما ارث الإمامة فغير دائر.
الثامنة 3):
لا يرث أبعد مع أقرب الا في مسألة الأجداد وأولاد الاخوة، فإنه لو كان له
اخوة لام وأجداد أدنون لأب وأجداد أعلون لام فالظاهر أنهم يرثون لأنهم [لا] 4)

1) في ص: السادسة.
2) ليس في ص وبدله: على خلاف.
3) في ص: السابعة.
4) ليس " لا " في ك وأثبت في الهامش.
449

يزاحمون أقرباء الأب بحال، وكذا لو كان له أجداد لام وأولاد أخ لام وأجداد
لأب وأخوة لأب أو اخوة لأب بغير أجداد لأب فان الثلث تقتسمه الأجداد للام
وأولاد الأخ للام والثلثان للاخوة وللأجداد للأب ان كانوا والا فللاخوة
للأب.
التاسعة 1):
لا يحجب الابعد الأقرب الا في مسألة ابن العم لأب وأم مع عم لأب، فابن
العم للأبوين أولى. ويتفرع عليه مسائل:
الأولى: اجتماعه مع الزوجين.
الثانية: تعدد ابن العم.
الثالثة: تعدد العم للأب.
الرابعة: تعددهما.
الخامسة: بنت العم للأبوين مع العم للأب.
السادسة: ابن العم للأبوين مع العمة للأب.
السابعة: بنت العم للأبوين مع العم للأب.
الثامنة: ان يضاف إليهما خال أو خالة أو عمة.
التاسعة: أن يكون أحدهما خنثى.
العاشرة: أن يكونا خنثيين.
ويتحقق الاشكال فنقول: أما الصور الأربع الأول فالظاهر أن الصورة

1) في ص: الثامنة.
450

بحالها، وأما الثلاثة التي تليها فالأقرب تغير الصورة ويراعى حينئذ القرب كما
قاله ابن إدريس، وقال الشيخ: العمة للأب كالعم.
وأما إضافة الخال فالظاهر أن المال بين العم والخال، وبه قال عماد الدين
ابن حمزة، وقال قطب الدين الراوندي ومعين الدين المصري المال للخال
وابن العم لان الخال لا يمنع العم فلان لا يمنع ابن العم الذي هو أقرب أولى
وقال سديد الدين محمود الحمصي المال للخال لان العم محجوب بابن العم
وابن العم محجوب بالخال.
وأما الأخيرتان فيحتمل فيهما تغير الصورة وهو الظاهر، ويحتمل أن يفرض
ذكرا فيحجب فيرث المال ويفرض أنثى فلا يكون لها شئ فيأخذ النصف مع
العم للأب. وعلى هذا أكثر الأصحاب.
فرع:
وقال ابن شاذان رحمه الله: للأخ من الام السدس والباقي لابن الأخ،
محتجا باجتماع السببين. وعورض بأن الأخ للأب يمنع ابن الأخ للأبوين مع
قيام السببين:
العاشرة 1):
ضابط القرب والبعد عد القرابة إلى الميت، فمن كان أقل عددا فهو أقرب.
وقد يختلف هذا في أولا الأولاد فنازلا مع الأبوين، فإنهم يرثون مع أنهم
يعدون في القرب إلى الميت بواسطة أو أكثر والأبوان يتقربان بأنفسهما. والحجة

1) في ص: التاسعة.
451

في ذلك وجوه:
الأول: أنه قول أكثر الأصحاب وربما كان اجماعا.
الثاني: ان ولد الولد ولد حقيقة عند بعضهم ولا اعتبار بالوسائط.
الثالث: الروايات في ذلك، روى عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق
عليه السلام أنه قال: ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن
وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت 1). وهو يشمل
صور النزاع.
وذهب الصدوق رحمة الله عليه إلى أن الأبوين يحجبانه (2 عملا بالقاعدة
وبمفهوم خبر سعد بن أبي خلف: ان ابن الابن يقوم مقام الابن إذا لم يكن للميت
ولد ولا وارث غيره 3) والوالدان وارث غيره. فهو المراد هنا أو داخل في المراد.
وأجاب الشيخ رحمه الله 4): بأن المراد بالغير هنا ابن الميت الذي هو والد
لهذا الابن، وتحقيقه أن لفظ " وارث " نكرة موصوفة يصدق على أقل ممكن، وهو
صادق هنا فلا حاجة إلى غيره، وحملها على العموم لا وجه له.
وفيه نظر، لوقوع النكرة في سياق النفي فتعم. والأولى في الجواب الاجماع
فإنه سبق الصدوق وتأخر عنه، فان الروايات محتملة ليست ناصة على مدعى
الأصحاب، وكون ولد الولد ولدا حقيقة ممنوع لصحة النفي، إذ يقال إن هذا
ليس ولدي بل ولد ولدي، وحينئذ يكذب الحقيقة.
ومن هذا الباب توريث الأجداد مع أولاد الأولاد عند الصدوق نظرا إلى

1) الكافي 7 / 88، التهذيب 9 / 317.
2) الفقيه - روضة المتقين - 11 / 247.
3) الكافي 7 / 88
4) التهذيب 9 / 317.
452

المساواة في الرتبة، فللجد مع بنات البنت السدس عملا بما رواه سعد بن أبي
خلف عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام في بنات بنت وجد للجد السدس
والباقي لبنات البنت 1).
ورده الشيخ بأنه قد ثبت قيام ولد الولد مقام الولد والولد يحجب الجد فكذا
من قام مقامه، والخبر إذا كان فيه ابن فضال أجمعت العصابة على ترك العمل
به، ولو صح ربما حمل على استحباب الطعمة.
وفيه نظر، لان الطعمة هي من الأبوين.
الحادية عشر 2):
مراتب الإرث بالنسب عندنا ثلاث:
(الأولى) مرتبة الاباء والأبناء وان نزلوا.
(الثانية) الأجداد فصاعدا ذكورا وإناثا والاخوة وأولادهم فنازلا ذكورا
وإناثا.
(الثالثة) الأعمام والأخوال فصاعدا وأولادهم فنازلا ذكورا وإناثا، ولا ترث 3)
مرتبة الا مع عدم السابقة عليها بجميع جزئياتها، فلو اشتملت المرتبة على طبقات
ورث الا على منها فالأعلى كالأجداد والحفدة من أبناء الميت وأبناء اخوته وأبناء
أعمامه وأخواله، أما في مثل أعمام الميت وعماته وأخواله وخالاته وأعمام أبويه
وأخوالهما فصاعدا فيمنع الأدنى الاعلى.

1) التهذيب 9 / 314، الفقيه - روضة المتقين - 11 / 285.
2) في ص: العاشر.
3) في ص: ولا ترتيب.
453

الثانية عشر 1):
لا ارث عندنا بالتعصيب، بل الفاضل عن ذوي السهام يرد عليهم الا مع مانع
لهم أو لبعضهم خلافا لجمهور العامة. لنا وجوه:
(الأول) قوله تعالى " ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " 2).
وجه الدلالة: أن التعصيب لو كان حقا لكانت الأخت تستحق النصف بالتعصيب
وإن كان له ولد، فيبقى قوله تعالى، ليس له ولد " بلا فائدة.
(الثاني) قوله تعالى " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض " 3) وعلى التعصيب
يخالف مقتضاها.
(الثالث) اجماع أهل البيت عليهم السلام على ذلك وهو حجة، ورواياتهم
دالة على ذلك.
احتجت العامة بقوله تعالى " واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي
عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني " 4) وجه الدلالة: انه لولا التعصيب لم يخص
السؤال بالولي بل قال وليا وولية، فلما خصه [به] دليل على أن بني عمه مؤثرة 5) مع الولية فلذلك لم يطلبها.
وربما رووه من طريقهم عن طاووس وابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم أنه قال: ألحقوا بالأموال الفرائض، فما أبقت الفرائض فلا ولي

1) في ص: الحادية عشر.
2) سورة النساء: 176.
3) سورة الأنفال: 75، سورة الأحزاب: 6.
4) سورة مريم: 5.
5) في ك: يرثونه.
454

عصبة 1).
وربما رووه عن جابر أن امرأة أتت بابنتي سعد بن الربيع فقالت: يا رسول
الله ان أباهما قتل يوم أحد وأخذ عمهما المال ولا تنكحان الا ولهما مال. فقال
النبي صلى الله عليه وآله: سيقضي الله في ذلك، فنزلت " يوصيكم الله في
أولادكم " الآيات 2)، فدعى النبي عمهما وقال له: اعط الجاريتين الثلثين واعط
أمهما الثمن وما بقي فهو لك 2).
والجواب: ان تخصيص السؤال بناءا على التغليب أو المراد الجنس أو
لان الولي أحب إلى طبع البشر، وهو سبب التخصيص لاما ذكروه.
وعن الخبر أنه روى عن ابن عباس وطاووس انهما أنكراه، رواه أبو طالب
الأنباري عن محمد بن أحمد البربري مرفوعا إلى قارئة بن مضرب قال: قلت
لابن عباس: روى أهل العراق عنك وعن طاووس ان ما أبقت الفرائض فلا ولى
عصبة ذكر. قال: أمن أهل العراق أنت؟ قلت: نعم. قال: أبلغ من وراءك اني
أقول إن قول الله تعالى عز وجل " آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم
نفعا فريضة من الله " 3) وقوله " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " 4)
وهل هذه الا فريضتان وهل أبقتا شيئا، ما قلت هذا ولا طاووس يرويه علي. قال
قارئة بن مضرب: فلقيت طاووسا فقال: لا والله ما رويت هذا على ابن عباس قط

1) التهذيب 9 / 260 فيه: الحقوا الفرائض فما أبقت الفرائض فلا ولى عصبة ذكر.
وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب النكاح هكذا: الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو
لا ولى رجل ذكر.
2) سورة النساء: 11، والحديث في التهذيب 9 / 260 وذكره فخر الدين الرازي
في التفسير الكبير 9 / 203.
3) سورة النساء: / 11
4) سورة الأنفال: 75، سورة الأحزاب: 6.
455

وإنما الشيطان ألقاه على ألسنتهم 1).
وعن الخبر الآخر منع صحته، وعلى تقدير الصحة جاز أن يكون أخذ العم
الباقي عوضا عن قيامه في مالهما.
ويمكن الاستدلال على نفي هذا الحكم لو سلم الحديث بقوله تعالى " الا أن
تفعلوا إلى أوليائكم معروفا " 2)، إذ لو كان له ميراث لم يرغب إلى فعل المعروف معهم.
الثالثة عشر 3):
العول عندنا باطل، ولا يدخل النقص على الكل بل على البعض كما يجئ.
لنا وجوه:
(الأول) أنه لابد من مخالفة الآيات، وكلما كانت المخالفة أقل كان أولى.
(الثاني) اجماع أهل البيت عليهم السلام وتواتر أخبارهم.
(الثالث) أن كل واحد من الأبوين والزوجين لهما سهمان أعلى وأدون،
وليس للبنت ولا البنتين أو الأختين لولا قولنا الا سهم واحد، فإذا دخل النقص
عليها استوى ذو السهام.
احتج العامة بالقياس على تركة لا تفي بالديون، فإنه يدخل النقص على
الجميع بحسب سهامهم، وبما رواه سماك بن حرب عن عبيدة السلماني قال:
كان علي عليه السلام على المنبر فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين رجل مات

1) التهذيب 9 / 262 رواه مسندا.
2) سورة الأحزاب: 6.
3) في ص: الثانية عشر.
456

وترك ابنتيه وأبويه وزوجة. فقال علي عليه السلام: صار ثمن المرأة تسعا 1).
وتسمى المسألة المنبرية. وبأن عمر حكم بالعول ولم ينكر عليه أحد فصار اجماعا.
والجواب: بطلان القياس عندنا، وعلى تقدير تسليمه نقول: إنما دخل
النقص في الأصل في الكل لأمر غير حاصل في الفرع، وهو لزوم الترجيح من
غير مرجح، وأما في الفرع فالمرجح موجود وهو ما ذكرناه من بيان السهمين.
وعن الخبر أنه أجابه انكارا للعول والاستفهام مقدر، ويدل عليه نقل أهل
البيت عليه السلام أنه صلى الله عليه وآله كان ينكر العول 2).
وعن الثالث بمنع الاجماع، ويدل عليه ما رواه الزهري مرفوعا إلى ابن
عباس: ان أول من أعال الفريضة عمر بن الخطاب، فقال زفر: هلا أشرت عليه؟
فقال: هبته وكان رجلا مهيبا 3).
تنبيه:
تقرير قوله عليه السلام " صار ثمنها تسعا " ان أصل الفريضة أربعة وعشرون
لان فيها الثمن والسدس للزوجة الثمن ثلاثة منها وللأبوين السدسان ثمانية منها
وللبنتين الثلثان ستة عشر منها، فإذا دخل النقص على الكل ارتقت الفريضة إلى
سبعة وعشرين وهو مجموع السهام المذكورة، فتعطى الزوجة ثلاثة من سبعة

1) المناقب 1 / 269، البحار 40 / 159، التهذيب 9 / 259.
2) راجع البحار 104 / 328.
3) الكافي 7 / 79، التهذيب 9 / 248 رواه في خبر بسنده عن الزهري عن عبيد الله
ابن عبد الله بن عتبة قال: جلست إلى ابن عباس فعرض ذكر الفرائض - إلى أن قال - فقال
له زفر بن أوس البصري:: فمن أول من أعال الفرائض؟ فقال عمر بن الخطاب - إلى أن
قال - فقال له زفر: فما منعك ان تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال: هبته.
457

وعشرين وهو تسع الفريضة فقد صار ثمنها تسعا.
الرابعة عشر 1):
كل وارث اما أن يسمى له في كتاب الله بخصوصه ويسمى ذا فرض أو بعمومه
ويسمى قرابة فاما أن يعتبر الوارث أو جهة الإرث:
(فالأول) ثلاثة:
1 - ذو فرض لا غير، وهو الام والأخ والأخت أو المتعدد من قبلها الا على الرد
عليها أو عليهم والزوج والزوجة الا على الرد.
2 - ذو فرض تارة وقرابة أخرى، وهو الأب والبنت وان تعددت والأخت للأب وان تعددت.
3 - ذو قرابة لا غير، وهم الباقون.
(والثاني) ستة:
1 - وارث بالفرض خاصة، وهو الزوجة على الأصح والام والأخت أو الأخ
من قبلها أو المتعدد حيث لا رد.
2 - وارث بالفرض والقرابة، وهم هؤلاء إذا كان هناك رد.
3 - وارث بالفرض المحض، وهو الأب والبنت أو البنات والأخت للأب أو الأخوات حيث لأرد.
4 - وارث بالقرابة المحضة، وهم هؤلاء حيث لا تسمية.
5 - وارث بالفرض والقرابة معا، وهم هؤلاء حيث يحصل الرد.
6 - الوارث بالقرابة لا غير وهم باقي الوارث.

1) في ص: الثالثة عشر.
458

إذا تقرر هذا فنقول: إذا خلف الميت ذا فرض أخذ فرضه، فان تعدد في
طبقته أخذ كل فرضه. والفاضل يرد على ذوي الفروض ان فقد غيرهم في طبقتهم
وكانت وصلتهم متساوية، الا في مثل كلالة الام من الاخوة وكلالة الأب من
الأخت والأخوات، فان كلالة الأب ينفرد بالرد، وفي الزوج والزوجة خلاف
أقربه الرد على الزوج خاصة غائبا كان الامام أو حاضرا إذا لم يكن وارث سواه.
وان قصرت التركة عن ذوي الفروض فالنقص على البنت أو البنات والأخت
للأب أو الأخوات له، ولا تعصيب في الأول ولا عول في الثاني، كما تقدم من مذهبنا.
وكل ما كان الوارث لا فرض له فالجميع له واحدا كان أو أكثر، ولو
اختلفت وصلتهم إلى الميت فلكل نصيب من يتقرب به، كالأعمام لهم نصيب
الأب والأخوال لهم نصيب الام. وإذا اجتمع ذو فرض وغيره في طبقته فالباقي بعد ذي الفرض للاخر.
الخامسة عشر 1):
متى اجتمع قرابة الأبوين مع قرابة الام يشاركوا مع اتحاد الرتبة، ويختص
الرد بقرابة الأبوين حيث يقع، وكذا قرابة الأب وحده مع قرابة الام وحدها.
ومتى اجتمع قرابة الأب وحده مع قرابة الأبوين فلا شئ لقرابة الأب،
ومتى اجتمع قرابة الأب وحده مع قرابة الام وحدها نزل منزلة قرابة الأبوين
مع عدمهم. وفي الرد على الاخوة خلاف.

1) في ص: الرابعة عشر.
459

السادسة عشر 1):
الأولاد والاخوة من قبل الأب والأعمام من قبله والأجداد من قبله يقتسمون
للذكر مثل حظ الأنثيين، وكلالة الام يقتسمون بالسوية من الإخوة والأجداد
والأعمام والأخوال، واقتسام المعتقين وضمناء الجريرة بنسبة العتق والضمان،
واقتسام ورثة المعتق كاقتسام وراثه.
السابعة عشر 2):
قد يجتمع للوارث نسبان فصاعدا أو سببان أو نسب وسبب، فيرث بالجميع
ما لم يكن هناك من هو أقرب منه فيهما أو في أحدهما أو يكن أحدهما ما نعا للاخر
ولا يمنع من هو في طبقته من ذوي النسب الواحد. فههنا صور:
الأولى: نسبان يرث بهما كعم هو خال.
الثانية: أنساب متعددة يرث بها، مثل ابن عم هو ابن خال وهو ابن بنت
عمه وهو ابن بنت خاله.
الثالثة: نسبان يحجب أحدهما الاخر، كأخ هو ابن عم.
الرابعة: نسبان يحجب صاحبهما عن أحدهما، كأخ هو ابن عم وبنت أخ آخر 3).
الخامسة: نسبان فصاعدا لواحد ونسب لاخر، كابني عم أحدهما ابن خال.

1) في ص: الخامسة عشر.
2) في ص: السادسة عشر.
3) في ك: وللميت أخ آخر.
460

السادسة: نسب وسبب ولا حاجب للنسب، كزوج هو ابن عم.
السابعة: نسب وسبب والنسب محجوب، كزوج هو ابن عم وللزوجة أخ أو ولد.
الثامنة: سببان ولا يحجب أحدهما الاخر، كزوج هو معتق أو ضامن جريرة.
التاسعة: سببان ويحجب أحدهما الاخر، كالامام إذا مات عتيقه فإنه يورث بالعتق لا بالإمامة.
العاشرة: سببان وهناك من يحجب أحدهما، كزوج معتقته ولها أخ أو ولده.
الثامنة عشر 1):
موانع الإرث ان أخذت بمعنى السلب فهي كلما انتفى فيه السبب 2) والشرط
وان أخذت بمعنى عدم الملكة فهي أقسام:
(الأول) الرق، وهو مانع من الطرفين، إذ العبد لا يملك فلا مال له فيورث
ولا يدخل في ملكه شئ فيرث الا في صورة عدم كل وارث سواه فيشتريه الامام
بمال من التركة ويعتقه فيرث الباقي ان وجد أوانه يعتق على ميراث قبل قسمته.
والولد الرق لا يمنع ولده الحر، فيرث جده.
ولو تحرر بعض الوارث ورث بحساب حريته، فلو كان له ولد نصفه حر
وأخ حر فالمال بينهما نصفان، ولو كان الأخ نصفه حر فللابن النصف وللأخ
الربع، ولو كان هناك عم كله حر كان له الربع الباقي، ولو كان نصفه حرا أخذ
الثمن والباقي لغيره. وهكذا لا يمنع الوارث بجزئه الحر من بعد.

1) في ص: السابعة عشر.
2) في ك: المسبب.
461

(الثاني) الكفر، فلا يرث الكافر المسلم لا العكس، فان المسلم يرث الكافر
ولو أسلم الكافر قبل القسمة ورث.
(الثالث) القتل، وهو يمنع القاتل من الإرث إذا كان عمدا ظلما. وفي الخطأ
خلاف أقربه المنع من الدية.
وقد ذكر أمور أخرى مانعة من الإرث هي في التحقيق راجعة إلى عدم السبب
أو فوات الشرط، فليست من هذا القسم فنذكرها.
التاسعة عشر 1):
قد يقع حجب عن بعض الميراث، وهو صورتان:
(الأولى) الولد بالنسبة إلى الأبوين أو أحدهما والى الزوجين، فان الولد
مطلقا ذكرا كان أو أنثى يحجب الزوجين عن النصيب الاعلى إلى الأدنى، ويحجب
الولد الذكر الأبوين أو أحدهما عما زاد على السدس.
(الثانية) الاخوة فإنهم يمنعون الام عما زاد على السدس مع وجود الأب بشروط:
1 - التعدد، فلابد من ذكرين أو أخ وأختين أو أربع أخوات، والخنثى كالأنثى.
2 - كونهم للأبوين أو للأب، فلا يحجب كلالة الام.
3 - انتفاء موانع الإرث عنهم.
4 - انفصالهم، فلا يحجب الحمل.
5 - حياته بعد موت أخيهم، فلو اقترن الموتان فلا حجب، ولو اشتبه

1) في ص: الثامنة عشر.
462

المتقدم والمتأخر فلا حجب لأصالة استحقاق النصيب.
وفي الغرقى نظر، كما لو مات أخوان غرقا ومعهما أبوان ولهما أخ آخر
حي أو غريق، فان فرض موت كل واحد منهما يستدعي حياة الاخر فيتحقق
الحجب، ومن أن الإرث حكم شرعي فلا بد فيه 1) من اطراد الحكم بالحياة مع
احتمال عدم تقرير السبق بينهما.
6 - المغايرة، فلو كانت الام أختا لأب فلا حجب كما يتفق للمجوس، أو
في الوطئ الشبهة كمن وطئ ابنته فولدها أخوها لأبيها.
العشرون:
الفروض المسماة في كتاب الله ستة:
النصف، وهو للزوج مع فقد الولد وان نزل وللبنت الواحدة والأخت
للأبوين أو للأب مع فقد الأخت للأبوين إذا لم يكن ذكر في الموضعين.
والربع، وهو للزوج مع الولد وللزوجة أو الزوجات مع فقده.
والثمن، وهو للزوجة أو الزوجات مع وجود الولد وان نزل.
والثلثان، وهو سهم البنتين فصاعدا والأختين فصاعدا للأبوين أو للأب مع
فقد كلالة الأبوين إذا لم يكن ذكر في الموضعين.
والثلث، وهو سهم الام مع فقد الحاجب من الولد والاخوة وسهم الاثنين
فصاعدا من ولد الام ذكورا كانوا أو إناثا أو بالتفريق.
والسدس، وهو لكل من الأبوين مع الولد وللأم مع الحاجب والواحد
من كلالة الام، وقد يجتمع السهم الواحد من هذه مع مثله ومع مخالفه، وهو

1) في ك: فلا يلزم فيه.
463

يظهر لمن له أدنى تأمل. لكن يمنع اجتماع ربع وثمن وثلث وسدس فرضا،
ويمكن قرابة كزوج وأبوين.
ومخرج السهم أقل عدد يخرج منه صحيحا، وهو اثنان للنصف والباقي
من ستة كالأربعة للربع والثمانية للثمن والثلاثة للثلث والثلثين، فالمخارج حينئذ
خمسة، ومع اجتماعها يراعى فيها التساوي، فمنها التساوي والتباين والتداخل
والتوافق، وكذا اجتماع الورثة قد يوجب ذلك وان لم يكن لهم فرض.
فالمتساويان يجتزأ بأحدهما كالثلاثة والثلاثة في أخوة ثلاثة لام وأخوات
ثلاثة لأب وأم في باب الفرض وكأعمام ثلاثة وأخوال ثلاثة في باب القرابة.
والمتباينان وهما اللذان لا يعدهما الا الواحد يضرب أحدهما في الاخر،
كالخمسة والستة.
والمتداخلان - ويسميان متناسبين ومتوافقين - وهما اللذان يعد أقلهما
الأكثر ولا يتجاوز نصفه، كالثلاثة والستة والأربعة والاثني عشر والخمسة والعشرين 1) يجتزأ بأكثرهما.
المتوافقان هما اللذان يعدهما عدد ثالث، كالستة والثمانية يعدهما الاثنان
والتسعة والاثني عشر يعدهما الثلاثة، والثمانية والاثني عشر يعدهما الأربعة.
ولذلك يسميان بالمتشاركين، يجتزأ بضرب أحدهما في الكسر الذي ذلك
المشترك سمي له، كالنصف في الستة والثمانية والربع في الثمانية والاثني عشر
والثلث في التسعة والاثني عشر، ويتراقى إلى الجزء من أحد عشر فصاعدا.
ثم الفريضة قد يكون بقدر السهام وتنقسم من مخارج السهام، كأبوين وبنتين
الفريضة سدسان وثلثان وهي مال كامل، والمخرج ستة لدخول الثلاثة في الستة.

1) في ص: والخمسة والعشرة.
464

وقد لا تنقسم من المخارج، فكسرها اما على فريق واحد أو أكثر، فيراعى في
سهم المنكسر عليهم وعددهم يناسب الاعداد بالموافقة وشبهها، ومع لموافقة
يؤخذ الوفق من العدد لا من النصيب، ويراعى مع تعدد أعداد المنكسر عليهم التناسب المذكور سابقا.
ولنذكر هنا أمثلة:
1 - انكسرت على فريق واحد ولا وفق بين عدده وسهامه، كأبوين وخمس
بنات، فان الأربعة ينكسر على الخمسة وتباينها فيضرب الخمسة في الأصل وهو ستة تبلغ ثلاثين فيصح.
2 - الصورة بحالها مع الوفق، كأن كان البنات ستة فالتوافق والتشارك
بالنصف فنضرب نصف عددهن في ستة تبلغ ثمانية عشر.
3 - انكسرت على الجميع ولا وفق، كزوجتين وثلاثة اخوة لام وسبعة
للأبوين فالمسألة من اثني عشر لأنها مخرج الربع والثلث، فبين ثلثه الزوجتين
وأربعة أخوة الام والباقي وهو خمسة لاخوة الأبوين تباين فتضرب أيها شئت
في الاخر ثم المبلغ في الباقي ثم المبلغ في أصل المسألة، فتضرب الاثنين في
المسألة ثم الستة في السبعة ثم الاثنين والأربعين في اثني عشر تبلغ خمسمائة
وأربعة. وكل من كان له سهم من اثني عشر أخذه مضروبا في اثنين وأربعين.
ولا يعتبر هنا توافق مضروب المخارج مع أصل المسألة ولا عدمه، لأنه
لا أثر له هنا، فلا يقال الاثنان والأربعون يشارك الاثني عشر هنا في السدس
فتضرب سدس [سدس] 1) أحدهما في الاخر.
4 - انكسرت على الجميع مع الوفق، كست زوجات في المريض يطلق

1) ليس في ص.
465

ويتزوج ويدخل ثم يموت قبل الحول وثمانية من كلالة الام وعشرة من كلالة
الأب فالمسألة من اثني عشر للزوجات ثلاثة توافق عددهن بالثلث ولكلالة الام
أربعة توافق بالربع ولكلالة الأب خمسة توافق بالخمس، فترد الزوجات إلى
اثنين واخوة الام إلى اثنين اخوة الأب إلى اثنين فيتماثل الاعداد فيجتزي
باثنين فتضربها في اثني عشر تبلغ أربعة وعشرين للزوجات ستة لكل واحدة
سهم ولاخوة الام ثمانية لكل سهم ولاخوة الأب عشرة لكل سهم. ومنه يعلم
ما لو انكسرت على بعضهم دون بعض أو كان لبعض من انكسر وفق دون بعض.
الحادية والعشرون 1):
وفيها فائدتان:
(الأولى) المناسخة أن يموت انسان ولا تقسم تركته ثم يموت أحد وراثه
فيضطر إلى قسمة الفريضتين من أصل واحد، فان اتحد الوارث والاستحقاق
كستة اخوة وست أخوات لميت فمات بعده أحد الاخوة ثم إحدى الأخوات
وهكذا حتى بقي أخ وأخت فمال الجميع بينهما أثلاثا ان تقربوا بالأب وبالسوية
ان تقربوا بالأم، وان اختلف الوارث والاستحقاق أو أحدهما فان انقسم نصيب
الميت الثاني على ورثته على صحة صحت المسألتان من الأولى، كزوج وأربعة
اخوة لأب ثم يموت الزوج ويترك ابنا وبنتين فتصح المسألتان من المسألة الأولى
وهي ثمانية، وان لم ينقسم تنظر النسبة بين نصيب الميت الثاني وسهام ورثته،
فإن كان بينما وفق ضربت وفق الفريضة الثانية لا وفق النصيب في الفريضة الأولى
مثل أبوين وابن ثم يموت الابن ويترك ابنين وبنتين، فالفريضة الأولى ستة
نصيب الابن أربعة وسهام ورثته ستة توافقها بالنصف فيضرب ثلاثة في ستة تبلغ

1) في ص: العشرون.
466

ثمانية عشر، وإن كان بينهما تباين ضربت الثانية في الأولى، مثل كون ورثة
الابن ابنين وبنتا سهامهم خمسة تباين نصيب مورثهم فتضرب خمسة في ستة تبلغ ثلاثين.
ولو مات أحد وراث الثاني قبل القمسة فالعمل واحد، وكذا لو فرض كثرة التناسخ.
(الثانية) قسمة التركات وهو ثمرة الحساب في الفرائض، فان المسألة تصح
من ألف والتركة ان كانت عقارا فهو يقسم على ما صحت فيه المسألة، وان كانت
مكيلة أو موزونة أو مذروعة احتيج إلى عمل، وفيه طرق:
1 - نسبة سهام كل وارث 1) من الفريضة فيؤخذ له من التركة بتلك النسبة.
وهذا يقرب إذا كانت النسبة واضحة، مثل زوجة وأبوين ولا حاجب، فالفريضة
اثنا عشر للزوجة ثلاثة هي ربع الفريضة فتعطى ربع وللأم أربعة هي ثلث الفريضة
فيعطى ثلث التركة وللأب خمسة هي ربع وسدس فيعطى ربع التركة وسدسها.
ومع ذلك قد لا يسهل استخراج هذه النسبة الا بضرب التركة، كأن كانت التركة
خمسة دنانير والفريضة بحالها، فإنه يحتاج إلى ضرب الخمسة في عدد سهام
الفريضة فيكون ستين، فتجعل الخمسة 2) ستين جزءا كل دينار من ذلك اثنا عشر
جزءا، فللزوجة خمسة عشر جزءا هي دينا ر وربع وللأم عشرون جزءا هي دينار
وثلثا دينار وللأب خمسة وعشرون جزءا هي دينار ان ونصف سدس دينار.
2 - أن تقسم التركة على الفريضة فما خرج بالقسمة ضريبه في سهام كل
واحد فما بلغ فهو نصيبه. وهذا يقرب مع سهولة القسمة، كالفريضة بحالها
والتركة ستة فإنها إذا قسمت على الفريضة فلكل سهم نصف دينار، فيضرب

1) في ص: كل واحد.
2) في هامش ك: خمسين.
467

نصف دينار في سهام الزوجة وهي ثلاثة تبلغ دينارا ونصفا، ويضرب نصف
دينار في سهام الام وهي أربعة يكون دينارين، ويضرب نصف دينار في سهام
الأب وهي خمسة يكون دينارين ونصفا.
3 - وهو المستعمل بين الفريضتين لشموله النسب المتقاربة والمتباعدة، وله مثالان:
الأول: أن لا يكون في التركة كسر، كاثني عشر دينارا، فيؤخذ سهام كل
وارث من الفريضة ويضرب في التركة فما بلغ قسم على أصل الفريضة، فالخارج
بالقسمة هو نصيب ذلك الوارث، مثل ثلاث زوجات وأبوين وابنين وبنت،
فالفريضة من أربعة وعشرين ينكسر نصيب الأولاد على خمسة ولاوفق فتضربها
في الأصل فيكون مائة وعشرين. فسهام كل زوجة خمسة تضرب في التركة
وهي اثنا عشر يكون ستين جزءا تقسمهما على مائة وعشرين يخرج نصف جزء
فهو نصيب كل زوجة، وسهام كل من الأبوين عشرون فتضربها في اثني عشر
يكون مائتين وأربعين تقسمها على مائة وعشرين يخرج ديناران فهو نصيب كل
واحد منهما، وسهام كل ابن ستة وعشرون تضربها في اثني عشر يكون ثلاثمائة
واثني عشر جزءا تقسمها على مائة وعشرين يخرج ديناران وثلاثة أخماس دينار
لكل ابن وللبنت دينار وثلاثة أعشار دينار.
الثاني: أن يكون في التركة كسر فتبسطها من جنس الكسر وتزيد عليها
الكسر وتعمل فيه ما عملت في الصحاح، كأن كانت في المثال المذكور اثني
عشر ونصفا فتجعلها خمسة وعشرين، ولو كان ثلاثا جعلتها سبعة وثلاثين وهكذا.
ومتى أمكن القسمة إلى القراريط والحبات والارزات فعل، سواء كان عددها
منطقا كذي الكسر المستقيم، أعني أن يكون من الكسور التسعة التي تنطق بها
أو أصم كغيره أعني ما ينسب إليه بالجزئية كجزء من أحد عشر وثلاثة عشر
468

وغيرها.
والدينار عشرون قيراطا، والقيراط ثلاث حبات، والحبة أربع أرزات،
وليس بعد الأرزة اسم خاص. وقيل الأرزة حبتان من الخردل البري. ونقل أن
الدينار أربعة وعشرون طسوجا، وهو ستون حبة، والطسوج حبتان ونصف وهو عشر أرزات.
ومتى قسمت التركة جمعت ما حصل بالقسمة، فان ساوى التركة والقسمة صحيحة والا فلا.
469

المقصد الخامس
(في العقوبات) وفيه فصلان: (الأول - في فوائد في الحدود)
قاعدة:
كل من وطئ حراما لعينه فعليه الحد مع العلم بالتحريم، الا في مواضع:
كوطئ الأب جارية ابنه، والغانم جارية المغنم على قول، وقيد بالعين ليخرج
وطئ الحائض، والمحرم والمولى منها والمظاهرة وزوجته المعتدة عن وطئ الشبهة.
قاعدة:
المتناول المغير للعقل اما أن تغيب معه الحواس الخمس أولا، والأول
[المرقد، والثاني اما أن يحصل مع نشرة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناولين
470

له أولا، والأول] 1) المسكر، والثاني المفسد للعقل كالبنج والشوكران.
والنبات المعروف بالحشيشة اتفق علماء عصرنا وما قبله من العصور التي
ظهرت فيها على تحريمها، وهل هو لا فسادها فيعزر فاعلها أو لا سكارها فيحد؟
قال بعض العلماء: هي إلى الافساد أقرب، لان فعلها السبات 2) وزوال التعقل بغير
عربدة حتى يصير متناولها أشبه شئ بالبهيمة.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن الحد منوط بالعربدة والنشوة بل يكفي فيه
زوال العقل [وقد اشتهر زوال العقل] 3) بها فيترتب عليه الحد، وهو اختيار
الفاضل في القواعد.
وقد حد بعضهم السكر بأنه اختلال الكلام المنظوم وظهور السر المكتوم
وفي المشهور ان هذا حاصل فيها. وقال بعضهم: ان أثرها إرادة 4) الخلط
الغالب، فصاحب البلغم يحصل له السبات والصمت، وصاحب السوداء البكاء
والجزع، وصاحب الدم السرور بقدر خيالية وصاحب الصفراء الحدة. بخلاف
الخمر فإنه لا ينفك عن النشؤة ويبعد عن البكاء والصمت. وهذا ان صح فلا
ينافي زوال العقل بل هو من مؤكداته. وأما النجاسة فلا ريب أنها معلقة على
المسكر المائع بالأصالة، فلا يحكم بنجاسة هذا النبات.
ولو جمد الخمر حكم بنجاسته، كما لو كان مائعا. وقال بعضهم: السكر
والنجاسة متلازمان، فان صح اسكارها حكم بنجاستها عملا بالعمومات الدالة
على نجاسة المسكر، والا فهي حرام قطعا لا فسادها وليست نجسة.

1) ما بين القوسين ليس في ك.
2) السباب بضم السين: النوم أو أوله.
3) ليس في ص.
4) في ص: اثاره.
471

فائدة:
لو قال له " أنت أزنى الناس " أو " أزنى من فلان " فلا حد على القائل
حتى يقول " في الناس زناة وأنت أزنى زناتهم أو " فلان زاني وأنت أزنى منه ".
وهذا خلاف الظاهر، لأن الظاهر من قولهم " هو أعلم الناس " أنه أعلم
علمائهم، و " أشجع الناس " أنه أشجع شجعانهم، ولكن هذا مجاز عرفي لا
يعارض مقتضى الحقيقة اللغوية، وهي لا تستدعى تحقق المشاركة بين المفضل
والمفضل عليه.
وبتقدير التعارض يتساويان فيصير اللفظ به كالمجمل، ولا دلالة في الألفاظ المجملة على شئ بعينه.
فائدة:
يفرق بين الحد والتعزير من وجوه عشرة:
(الأول) عدم التقدير في طرف القلة لكنه مقدر في طرف الكثرة بما لا يبلغ
الحد، وجوزه كثير من العامة، لان عمر جلد رجلا زور كتابا عليه ونقش خاتما
مثل خاتمه مائة، فشفع فيه قوم فقال: أذكرني الطعن وكنت ناسيا، فجلده مائة أخرى.
(الثاني) استواء الحر والعبد فيه.
(الثالث) كونه على وفق الجنايات في العظم والصغر، بخلاف الحد فإنه
يكفي فيه مسمى الفعل، فلا فرق في القطع بين سرقة ربع دينار وقنطار وشارب
قطرة من الخمر وشارب جرة مع عظم اختلاف مفاسدها.
(الرابع) أنه تابع للمفسدة وان لم يكن معصية، كتأديب الصبيان والبهائم
472

والمجانين استصلاحا لهم. وبعض الأصحاب يطلق على هذا التأديب.
أما الحنفي فيحد بشرب النبيذ وان لم يسكر، لان تقليده لا امامه فاسد،
لمنافاته النصوص عندنا مثل " ما أسكر كثيرة فقليله حرام "، والقياس الجلي عندهم وترد شهادته لفسقه.
(الخامس) إذا كانت المعصية حقيرة لا تستحق من التعزير الا الحقير وكان
لا أثر له البتة فقد قيل لا يعزر لعدم الفائدة بالقليل وعدم إباحة الكثير.
(السادس) سقوطه بالتوبة وفي بعض الحدود الخلاف، والظاهر أنه إنما
سقط بالتوبة قبل قيام البينة.
(السابع) دخول التخيير فيه بحسب أنواع التقرير، ولا تخيير في الحدود
الا في المحاربة.
(الثامن) اختلافه بحسب الفاعل والمفعول والجناية، والحدود لا تختلف بحسبها.
(التاسع) لو اختلفت الإهانات في البلدان روعي في كل بلد عادته.
(العاشر) أنه يتنوع إلى كونه على حق الله تعالى كالكذب وعلى حق العبد
محضا كالشتم وعلى حقهما كالجناية على صلحاء الموتى بالشتم. ولا يمكن أن
يكون الحد تارة لحق الله وتارة لحق الادمي، بل الكل حق الله تعالى الا القذف على خلاف.
وعندي في الأخير نظر، إذ كونه على حق العبد، محضا ممنوع، لأنه تعالى
أمر بتعظيم المؤمن وحرم اهانته، فإذا فعل خلاف ذلك استحق التعزير.
ان قلت: انه متوقف على المطالبة من المستحق فيكون له.
قلت: لا يلزم من توقفه تمحضه، لجواز كون حق العبد أغلب، ويكون
473

حق الله من الصغائر التي تقع مكفرة مع العفو من المستحق الاخر.
(الثاني - في الجنايات)
وفيه قواعد:
الأولى:
ينقسم القتل بانقسام الأحكام الخمسة:
فالواجب قتل الحربي إذا لم يسلم، والذمي إذا لم يلتزم ولم يسلم، والمرتد
عن فطرة مطلقا وعن غيرها إذا أصر، والمحارب إذا لم يتب قبل القدرة عليه
وفي اشتراط بقتله الغير خلاف، والزاني المحصن والزاني بالاكراه وبالمحارم
واللائط، وأصحاب الكبائر بعد التعزيرات، والترس إذا لم يمكن الفتح الا بقتله
وان كانوا غير مستحقين لولاه.
والحرام قتل المسلم بغير حق، والذمي والمعاهد والمستأمن ونساء أهل
الحرب وصبيانهم الا مع الضرورة، وقتل الأسير المأخوذ بعد انقضاء الحرب.
والمكروه قتل الغازي أباه.
والمستحب قتل الصائل إذا كان الدفع أولى من الاستسلام عندهم، والأقرب
وجوبه عندنا. ولو أن الدفاع عن بضع محرم أو عن قتل مؤمن ظلما فهو واجب.
والمباح القتل قصاصا، ولو خيف من عدم استيفائه أذى أمكن جعله مستحبا.
ومن المباح من مات بالحد أو بالقصاص في الطرف.
أما قتل الخطأ فلا يوصف بشئ من الأحكام، لأنه ليس بمقصود.
وأما شبيه العمد فقد يوصف بالحرمة فيما إذا ضربه عدوانا لا بقصد القتل
ولا بما يقتل غالبا، وقد لا يوصف كالضرب للتأديب، على أن الضارب عدوانا
474

الوصف في الحقيقة لضربه لا للقتل المتولد عنه.
الثانية:
ينقسم القتل باعتبار سببه إلى أقسام:
(الأول) ما لا يوجب قصاصا ولا دية ولا كفارة ولا اثما، وهو القتل الواجب
والمباح الا قتل الترس المسلم فإنه تجب به الكفارة.
(الثاني) ما لا يوجب الثلاثة الأول ولكنه يأثم، وهو قتل الأسير إذا عجز
عن المشي، وقتل الزاني المحصن وشبهه بغير اذن الامام.
(الثالث) ما يوجب القصاص والكفارة، وهو قتل المكافئ من المسلمين عمدا عدوانا.
(الرابع) ما يوجب الدية والكفارة، وهو شبيه العمد والخطأ وقتل الوالد ولده.
(الخامس) ما يوجب الدية ولا وجب الكفارة، وهو قتل الذمي.
(السادس) ما يوجب الكفارة لا الدية، وهو قتل عبد نفسه إذا كان مسلما،
وقتل الانسان نفسه. اما قتل الذمي المرتد فالأقرب أنه يوجب القصاص وحده، لأنه معصوم الدم بالنسبة إليه.
الثالثة:
في ضابط العمد وقسيميه. اعلم أن الفاعل اما أن يقصد الفعل أولا الثاني
الخطأ، والأول اما أن يقصد القتل أولا والثاني الشبيه والأول العمد، فهذا الضابط
لا التفات فيه إلى الآلة بحيث تقتل غالبا أو لا تقتل غالبا ولم يعتبر فيه قصد المجني عليه، والظاهر أنه لابد منه.
475

وقيل اما أن لا يقصد أصل الفعل أو يقصده، والأول الخطأ، كمن زلق فقيل
غيره، والثاني اما أن لا يقصد المجني عليه أو يقصده، وان لم يقصده فهو أيضا
خطأ، كمن رمى صيدا فأصاب انسانا أو رمى انسانا فأصاب غيره. وان قصد
المجني عليه والفعل فاما أن يكون بما يقتله غالبا أولا، والأول هو العمد والثاني هو الشبيه.
وهذا لم يعتبر فيه قصد القتل ولا عدمه بل الآلة، اللهم الا أن يقصد الفعل
ولم يقصد القتل، فحينئذ يختل التقسيم، لان الضرب للتأديب فيتفق الموت خارج منه.
وقيل إن الضرب اما أن يكون بما يقتل غالبا أولا، والأول عمد سواء كان
جارحا أو مثقلا كالسيف والعصا، والثاني اما أن يقتل كثيرا أو نادرا، والثاني
لا قصاص فيه والأول اما أن يكون جارحا أو مثقلا، فإن كان جارحا كالسكين
الصغيرة فهو عمد وإن كان مثقلا كالسوط والعصا فشبيه.
والفرق بين الجارح والمثقل أن الجراحات لها تأثيرات خفية يعسر الوقوف
عليها، وقد يهلك الجرح الصغير ولا يهلك الكبير، ولان الجرح يفعله من يقصد
القتل غالبا فيناط به القصاص، وأما المثقل فليس طريقا غالبا فيعتبر أن يتحقق
في مثله كونه مهلكا لمثل هذا الشخص غالبا، وهو يختلف باختلاف الأشخاص
والأحوال، وهذا ليس فيه الا بيان العمد. على أن الفرق بين الجارح وغيره غير واضح.
وقيل: كلما ظن الموت بفعله فهو عمد، سواء قصد التلف أولا، وسواء
كان متلفا غالبا أولا كقطع الا نملة، وكلما شك في حصول الموت به فهو شبيه.
وفي هذا ضعف، إذ القضاء بالدية مع الشك بعيد، وكثير من العامة يجعلون
ضابط العمد هو القصد إلى الفعل بما يقتل غالبا، سواء قصد ازهاق الروح أولا.
476

فائدة:
كلما ضمن الطرف من مجنى عليه ضمنت النفس الا في صورة واحدة، وهي
ما إذا جنى السيد على النفس المكاتب المشروط أو المطلق الخالي عن الأداء،
فإنه لا يضمنه لان الكتابة بطلت بموته فيموت على ملك السيد، ولو جنى على
طرفه ضمنه لبقاء الكتابة والأرش ككسب المكاتب.
الرابعة:
يعتبر في القصاص نفسا وطرفا المماثلة، لامن كل وجه بل في الاسلام والحرية
أو الكفر أو الرقية وفي العقل واعتبار الحرمة ويمنع من طرف الأبوة.
ولا يعتبر التساوي في الأوصاف العرضية، كالعلم والجهل والقوة والضعف
والسمن والهزال ونحوها والا لا نسد باب القصاص. ومن ثم قتل الجماعة
بالواحد واقتص من أطرافهم مع الرد عندنا حسما لتواطئ الجماعة على قتل
واحد أو قطع طرفه.
الخامسة:
المشهور بين الأصحاب أن الواجب في قتل العمد بالأصالة القصاص وان
الدية لا تثبت الا صلحا. وقال ابن الجنيد رحمه الله: لولي المقتول عمدا الخيار بين
أن يستقيد أو يأخذ الدية أو يعفو. ويلوح ذلك من كلام ابن أبي عقيل رحمهما الله.
وهذا يحتمل أمرين: أحدهما ان الواجب هو القصاص والدية بدل عنه
لقوله تعالى " كتب عليكم القصاص في القتلى " 1)، وثانيهما أن الواجب أحد

1) سورة البقرة: 178.
477

الامرين من القصاص والدية وكل منهما أصل كالواجب المخير لقول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم في من قتل له قتيل: هو بخير النظرين اما أن يودى أو يقاد 1).
ويتفرع فروع:
(الأول) إذا عفى الولي عن القود مطلقا فعلى المشهور سقط القود والدية
وعلى التفسير الثاني للقول الثاني تجب الدية، وعلى التفسير الأول له يحتمل
وجوب سقوط الدية لان البدلية يتحقق باختياره ولم يذكرها، ويحتمل وجوبها
لان عفو المستحق كعفو الشارع، فان كل موضع عفى الشرع عن القصاص لعدم
الكفاءة وجبت الدية.
(الثاني) إذا قال " عفوت عما وجب لي بهذه الجناية "، أو " عن حقي فيها "
أو " عن ما استحقه " وشبهه فعلى المشهور سقطت المطالبة أصلا ورأسا، وعلى
الاخر الأقرب ذلك أيضا لشمول اللفظ. ويحتمل على التفسير الأول بقاء الدية
لأنها إنما تجب إذا استبدل بها عن القود ولم يستبدل فهو كالعفو عما لم يجب.
(الثالث) لو قال " عفوت عن القصاص والدية " فهذا كالذي قبله، وأولى
في سقوطهما للتصريح، ويتوجه فيه الاحتمال الاخر.
(الرابع) لو قال " عفوت عن القصاص إلى الدية " فعلى المشهور يعتبر
رضى الجاني، فان رضي والا فالقصاص بحاله، وعلى الاخر تجب الدية حتما.
(الخامس) لو قال " عفوت عن الدية " فعلى المشهور لا أثر لهذا العفو،
وعلى الاخر ان فسرنا بالبدلية صح العفو عن الدية ويبقى القصاص، فلو مات

1) أخرجه البخاري في الصحيح " باب قتل من له قتيل " أبواب كتاب الديات.
478

الجاني قبل القصاص والعفو عنه فهل للمستحق طلب الدية؟ يحتمل المنع لعفوه
عنها والثبوت لفوات القصاص بغير اختياره فله بدله.
وهذا يتوجه على القول المشهور أيضا، بمعنى إذا عفى عن الدية ثم مات
المقتول رجع بها في تركته على ما قاله بعض الأصحاب، ولكنهم لم يذكروا
العفو عن الدية. وهذا يبنى على أن العفو عن الدية لغو، وأما لو قلنا هو مراعى
صح العفو إذا انتقل الحق إليه. وهو بعيد.
وان فسر القول الثاني بأحد الامرين وقد عفا عن الدية فهل له الرجوع
إليها والعفو عن القصاص؟ فيه احتمالان: أحدهما - وهو الأصح - المنع كما
أنه لو عفى عن القصاص لم يكن له الرجوع إليه، وثانيهما الجواز لما فيه من
استيفاء نفس الجاني والرفق به.
(السادس) إذا عفى على مال من غير جنس الدية وشرط رضى الجاني، فان
رضي فلا كلام على القول المشهور، وأما على الاخر فعلى البدلية يثبت المال
وعلى أحد الامرين فالأقرب ذلك أيضا.
(السابع) لو قال " عفوت عنك " وسكت فعلى المشهور وتفسير البدلية الأقرب
صرفه إلى القصاص لأنه الواجب، ويبقى في الدية ما سبق. وعلى أحد الامرين
يمكن صرفه إلى القصاص، إذ هو المعتاد في العفو واللائق به. والأقرب استفساره
فأيهما قال بني عليه كما مر، وان قال لم أقصد شيئا احتمل الصرف إلى القصاص وان يقال له الان اصرفه إلى ما تشاء.
(الثامن) لو قال " قد اخترت القصاص " فعلى المشهور زاده تأكيدا، وعلى
البدلية له الرجوع إلى الدية كما لو عفى عن القصاص إليها، وعلى أحد الامرين
هل له الرجوع إلى الدية هو كما لو صرح بالعفو عن الدية بل أولى بالرجوع.
(التاسع) إذا عفا المفلس عن القصاص سقط، وأما الدية فعلى المشهور
479

لا شئ، وعلى البدلية ان عفا على مال ثبت وتعلق به حق الغرماء، وان عفى
مطلقا أو على أن لا مال فان قلنا مطلق العفو يوجب الدية وجبت هنا عند الاطلاق
وأما العفو مع نفي المال فالأقرب صحته، لان طلب المال تكسب ولا يجب
عليه التكسب على القول به، وأما على أحد الامرين إذا عفا عن القصاص ثبتت
الدية سواء صرح باثباتها أو نفيها أو طلق.
(العاشر) لو عفا الراهن عن الجاني عمدا على الرهن على غير مال فقضية
كلام الأصحاب صحة العفو، وقال الفاضل هو كعفو المحجور يعني المفلس،
وقد سبق تنزيله.
قيل: ويفترقان بأن المفلس لا يكلف تعجيل القصاص والعفو ليصرف المال
إلى الغرماء لان ذلك اكتساب وهو غير واجب عليه، والراهن يجبر على القصاص
أو العفو على مال ليكون المرتهن على ثبت من أمره. ومنهم من بناه على أن
الواجب إن كان القود عينا لم يجبر وإن كان أحد الامرين أجبر على استيفاء ما شاء
فلعله يختار استيفاء الدية فيتعلق حقوق الغرماء بها. وربما احتمل أن تتعين عليه الدية لصرفها في الدين.
(الحادي عشر) لا ريب أن الصلح على أزيد من الدية من جنسها أو غير
جنسها جائز على القول المشهور، وعلى البدلية وجهان. نعم لتعلقه باختيار
المستحق فجازت الزيادة والنقيصة كعوض الخلع، والثاني 1) لا، لان العدول
عن القصاص يوجب الدية فلا تجوز الزيادة عليها، وأما على أحد الامرين فقد
تكلفوا 2) بالمنع لأنه زيادة على قدر الواجب، فكأنهم يجعلونه ربا، وهو مبني على اطراد الربا في المعاوضات.

1) ليس " الثاني " في ص.
2) في ص: فقد تطلقوا. وفى القواعد: فقد نطقوا.
480

تنبيهات:
(الأول) إذا عفى عن الدية فهي دية المقتول لا القاتل، لان العافي أحيا
المقتول 1) باسقاط حقه من مورثه، ومن أحيا غيره ببذل شئ استحق بدل المبذول
كمن أطعم مضطرا في مخمصة فإنه يستحق عليه بدل الطعام.
ولو مات الجاني قبل العفو والقصاص أو قتل ظلما أو بحق وأوجبنا الدية
في تركته فهي أيضا دية المقتول عندنا لا القاتل، لأنه الفائت على الورثة بالأصالة 2).
(الثاني) قد يعرض ما يمنع من أخذ الدية، كمن عفا عن القصاص إليها على
المذهبين، وله صور:
الأولى: لو قطع من الجاني ما فيه ديته كاليدين أو الرجلين قيل يكون
مضمونا عليه بالدية، فليس له القصاص في النفس حتى يؤدي إليه الدية. ولو
عفا عن القصاص لم يكن له أخذ الدية لاستيفاء ما يوازنها 3).
الثانية: لو قطع يدي رجل فقطع يدي القاطع قصاصا ثم سرى القطع في
المقتص فمات فللولي قتل الجاني، ولو عفا لم يكن له دية لاستيفائه 4) ما قابلها
الثالثة: الصورة بحالها ولكنه أخذ دية اليدين ثم سرت فللولي قتله قصاصا
بجز الرقبة، ولو عفا فلا دية لان دية الطرف تدخل في دية النفس وقد استوفاها
المجني عليه كاملة.
الرابعة: لو قطع ذمي يدي مسلم فاقتص منه ثم سرت إلى المسلم فلوليه

1) في القواعد وهامش ص: القاتل.
2) في ص: وهامش ك: بالإصابة.
3) في ص والقواعد وهامش ك: يوازيها.
4) في ص: لاستيفاء.
481

القصاص، وان عفا إلى الدية فلا دية ينقص دية الذمي. وقال بعضهم لا دية،
ويضعف بعدم استيفاء ما قابل دية المسلم.
الخامسة: لو قطعت امرأة يدي رجل فاقتص منها ثم سرت إليها فليس له
مع العفو سوى [نصف] الدية 1).
السادس: لو قطع يديه فسرى إلى نفسه فقطع الولي يدي الجاني فلم يمت
فله قتله تحقيقا للمماثلة. ولو مات قبل جز الرقبة لم يؤخذ من تركته شئ، لأنه
لما فات المحل ثبت له دية واحدة وقد استوفى ما قابلها.
وأورد الشيخ المحقق نجم الدين رحمه الله على هذه الأحكام أن للنفس
دية بانفرادها وما استوفى 2) وقع قصاصا عن الجناية، فلا يكون مانعا من القصاص ولا الدية.
السابع: لو قطع يدي عبد يساوي ألف دينار ثم أعتقه السيد ومات بالسراية
فللورثة القصاص والعفو عنه مجانا، لان أرش الجناية كان ملك السيد فيكون
له، ولا يمكن تعدده بتعدد المستحقين فليس لهم مال هنا أيضا.
السادسة:
كل من لم يباشر القتل لم يقتص منه الا في نحو تقديم الطعام المسموم
إلى الضيف وأمره بالاكل منه أو سكوته، وكذا لو دعاه إلى بئر لا يعلمها،
وكذا لو شهدا عليه بالقتل فقتل ثم رجعا وقالا تعمدنا فإنه يقتص منهما، وكذا لو
ثبت أنهما شهدا زورا وقالا تعمدنا.

1) في ص: سوى الدية.
2) في ص وهامش ك: وما استوفاه.
482

السابعة:
اعتبر بعضهم في القود تكافي المجني عليه والجاني في جميع أزمنة الجرح
إلى الموت، فلو تخلل ردة بين الاسلامين فلا قصاص لأنها شبهة.
وفصل الشيخ رحمة الله عليه في المبسوط: بأنه إن كان لم يحصل سراية
في زمان الردة فالقود وان حصلت فلا قود، لان وجوبه مستند إلى الجناية وكل
السراية وبعضها هدر.
وقوى المحقق نجم الدين تبعا لابن الجنيد والشيخ في الخلاف ثبوت
القصاص، لأن الاعتبار في الجناية بحال استقرارها، وهو حينئذ مسلم.
قلت: ربما دخلت المناقشة في التفصيل، لان أزمنة الجرح القاتل لا ينفك
عن سراية غالبا وان خفيت. وكذا يعتبر في حل أكل الصيد ذلك حتى لو رمى
إلى صيد فارتد ثم أسلم ثم أصابه لا يحل، لان الأصل في الميتات الحرمة.
وكذا في تحمل العاقلة يعتبر الطرفان والواسطة، لأنها جارية 1) على خلاف الأصل
من حيث أنها مؤاخذة بجناية الغير، فاحتيط فيها بطريق الأولى كما احتيط في
القود. وفيها كلام يأتي.
وقطع المحقق بتضمن العاقلة ولم يفصل، وكأنه أحاله على ما ذكره في
العمد. وقد قيل إذا رمى حال اسلامه طائرا ثم ارتد ثم أسلم ثم أصاب السهم
انسانا ان الدية على عاقلته المسلمين وتكتفي باسلامه في الطرفين. وهذا بناءا
على أن المرتد يرثه بيت المال، وعندنا أن ميراثه لورثته المسلمين. فعلى هذا
لو أصاب مرتدا لعقله المسلمون من أقاربه، أما الدية فالاعتبار بها حال التلف
فلو رمى حربيا أو مرتدا ثم أسلم فأصابه السهم في حال اسلامه وجبت الدية.

1) في ص: لأنها جاءت.
483

الثامنة:
كل جناية تلزم جانيها الا في ضمان الخطأ على العاقلة، وضمان جناية
الصبي على الأنفس مطلقا، لان عمده خطأ. وقيل في الأعمى كذلك ولم يثبت،
والا جناية الصبي على صيد في الاحرام أو فعل بعض محظوراته فإنه يلزم الولي.
التاسعة:
تحمل العاقلة الدية عن أنفسها، وعلى قول الشيخ المفيد بضمان العاقلة ثم إن
لهم الرجوع على الجاني يكون الوجوب قد لاقى الجاني قضية الزام كل متلف بجنايته.
وتزول شناعة ابن إدريس رحمه الله على المفيد ونسبته إلى خلاف الأمة،
فان كثيرا من علماء العامة يجعلون الوجوب ملاقيا للجاني، أولا ثم تتحمله العاقلة
ويفرعون عليه أنه إذا انتهى التحمل إلى بيت المال وهو خال يؤخذ 1) من الجاني
وأنه لو أقر الجاني بجناية الخطأ ولم يصدقه العاقلة وحلفوا على نفي العلم يحتمل
أن لا يؤاخذ باقراره، بناءا على أن الجناية في الخطأ تجب على العاقلة ابتداءا
فكأنه مقر على غيره فلا يلزمه شئ، وان قلنا بملاقاته الوجوب نفذ اقراره على
نفسه 2). وانه لو غرم الجاني ثم اعترفت العاقلة فان قلنا بملاقاة 3) الوجوب رجع
على العاقلة ولا يرد الولي ما قبض، وان قلنا بعدمه رد الولي ما قبض ثم يرجع على العاقلة.

1) في ص: يوجد.
2) في ص: فقد أقر على نفسه.
3) في ك: بملاقاته.
484

العاشرة:
كل جناية لا مقدر لها ففيها الأرش تحقيقا كما في الرقيق وتقديرا كما في
الحر، والتقدير غالبا أنه يتبع العدد، ففي جميع ما في البدن منه واحد عينا
كان أو منفعة الدية وتوزع الدية على ما زاد بالسوية غالبا، ففي الاثنين الدية وكذا
في الثلاثة والأربعة والعشرة.
واستثنى من الاثنين الحاجبان والترقوتان، ومن العشرة الأظفار، وفي
الشجاج في الرأس والوجه من عشر عشر الدية إلى ثلثها، وفي البدن بنسبتها
إلى الرأس، وفي كسر عظم من عضو خمس دية العضو، فان صلح بغير عيب
فأربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي رضه ثلث دية
العضو فان برأ بغير عيب فأربعة أخماس دية رضه، وفي فكه من العضو بحيث
يتعطل العضو ثلثا دية العضو، فان صلح بغير عيب فأربعة أخماس دية فكه، وفي
احداث شلل في العضو ثلثا ديته، وفي قطعه كل عضو أشل ثلث ديته، وفي الزائد
ثلث دية الأصلي من الأسنان والأصابع.
485

المقصد السادس (في الأحكام) وفيه فصلان: (الأول - في لاجتهاد)
قاعدة:
إذا لم يعثر المجتهد على وجه مرجح لاحد الاحتمالات ففيه صور:
(الأولى) أن يكون ذلك في الامارات، ففيه وجهان التوقف والتخيير.
وقيل إن كانا دليلين تساقطا ويرجع إلى البراءة الأصلية.
(الثانية) أن يكون في الأواني فيطرحها ويستعمل غيرها والا تيمم.
(الثالثة) أن يكون في الثياب فيصلي في كل واحد مرة ويزيد على عدد
النجس بواحد. وقيل يصلي عاريا ولا إعادة عندنا.
(الرابعة) أن يكون الشك في الوقت فعليه الصبر حتى يتحقق 1) دخوله.

1) في ص: حتى يتيقن.
486

(الخامسة) الشك في جهة القبلة، فيصلي إلى أربع جهات. وقيل يتخير ولا إعادة عندنا على كل حال.
(السادسة) يتخير 1) الأسير والمحبوس في شهر مضان، فإنه يتوخى فان
صادف أو تأخر أجزأ والا أعاد.
قاعدة:
القادر على اليقين لا يعمل بالظن الا نادرا، كالمتوضي من ماء قليل على
شاطئ بحر أو نهر عظيم.
وهذه القاعدة مأخوذة من اختلاف الأصوليين من جواز الاجتهاد بحضرة
الرسول صلى الله عليه وآله ووقوعه، ومن قال من الأصحاب بجواز
تقليد المؤذن للقادر على العلم بالوقت فهو من باب النادر.
وعد بعض العامة مواضع مدخولة عندنا، كالاجتهاد في الثوبين مع وجود
ثوب طاهر يقينا، وفي دخول الوقت للقادر على العلم، وفي استقبال الحجر
مع قدرته على الكعبة بناءا منهم على أن كون الحجر من الكعبة غير معلوم،
إذ رووا أنه من البيت، ورووا أنه سبع أذرع منه أو ستا 2) أو خمس، ووجوب
الطواف به يدرأ هذه الاحتمالات الا أن يقال الطواف يجب به تأسيا وان لم يكن
من البيت. وهو بعيد.
قاعدة:
هل يتكرر الاجتهاد بتكرر الواقعة؟ فيه خلاف أصولي، وفي الفروع

1) في ص: يتحرى، في القواعد: تحرى
2) في ص: أو ست.
487

مسائل كطل المتيمم عند دخول وقت الثانية أو عند تضيقه والاجتهاد في القبلة
للصلاة الثانية أو الثالثة.
أقول: والوجه في ذلك كله أنه مع ظهور أمارة يوجب نقيض الحكم الأول
يجب التكرار والا فلا، أما طلب التزكية فيمن زكى أو لا وان طالت المدة
فليس منه، لأغلبية حمل أفعال المسلم على الصحة الا مع تيقن الخارج.
قاعدة:
كل مجتهدين اختلفا في ما يرجع إلى الحس كالقبلة وطهارة الاناء والثوب
لا يأتم أحدهما بصاحبه، وان اختلفا في فروع شرعية لا حقة بالصلاة، كترك
الوضوء من بعض جزئيات النوم، ومن مس الفرج والتحريم بأكبر معرفا 1)،
واسقاط السورة، والاجتزاء بالذكر المطلق، ووجوب القنوت وتكبيرات
الركوع والسجود لم يصح اقتداء المعتقد بطلان صلاة نفسه لو فعل ما فعل امامه.
وربما قيل بالصحة.
وفرق بينهما، فان الأول يعتقد المأموم بطلان صلاته بسبب إن كان واقعا،
فهو اجماعي في البطلان، بخلاف الثاني فان الواقع ليس باجماعي بل يجوز
أن يكون صلاته هي الفاسدة في بعض الصور.
ويشكل بأن الظن واقع في الطريق، فبطلان الصلاة بالاجماع ليس بحاصل
الابعد صدق ظنه وكذب ظن صاحبه.
وقيل في الفرق: ان ذلك يؤدي إلى تعطيل الايتمام لكثرة المخالفة في
الفروع، بخلاف مسألة الأواني والقبلة فإنها نادرة.

1) في هامش: بالكثير معروفا.
488

قاعدة:
لا يجوز التقليد في العقليات ولا في الأصول الضرورية من السمعيات،
ويجوز التقليد في غيرها للعاجز عن درك الدليل إذا تعلق به عمل.
وكلما لا يتعلق فيه عمل: فإن كان المطلوب فيه العلم لا يجوز التقليد فيه
كالتفاضل بين الأنبياء السالفة أو الأنبياء والملائكة، والا جاز كسيرة الأنبياء التي
لا يتعلق بها العمل كتقدم غزاة على غزاة وتأمير زيد أو عمرو.
قاعدة:
لو تعارضت الامارتان عند المجتهد فالحكم اما التخيير أو الوقف، وقد
ذكر مواضع يقع فيها التخيير عند التعارض وقد يكون التخيير مجزوما به
تحصيلا لمصلحة لا تتم الا به، كتخيير المصلي داخل الكعبة إلى أي جدرانها
شاء، وكتخيير من ملك مائتين بين الحقاق وبنات اللبون.
فرع:
لو ابتلع خيطا قبل الفجر وأصبح صائما متعينا وطرفه خارج من فيه والاخر
ملاصق لنجاسة المعدة واعتبرنا وجوب اجتناب مثله، فهو متردد بين أن يبقيه
فيلزمه ابطال ثلاث صلوات وهي النهارية، وبين أن يقطعه فيفسد صومه أو يقلعه 1)
فكذلك، إذ هو كالمتعمد للقئ.
فيحتمل التخيير، ويحتمل مراعاة الصلاة لتأكدها وأفضليتها على الصوم
ومراعاة الصوم لشروعه فيه قبل الصلاة.

1) في ص: أو يبتلعه.
489

قاعدة:
الفرق بين الفتوى والحكم مع أن كلا منهما اخبار عن حكم الله تعالى يلزم
المكلف اعتقاده من حيث الجملة: أن الفتوى مجرد اخبار عن الله تعالى بأن
حكمه في هذه القضية كذا، والحكم انشاء اطلاق أو الزام في المسائل الاجتهادية
وغيرها مع تفاوت المدارك فيها مما يتنازع فيه الخصمان لمصالح المعاش،
فبالانشاء تخرج الفتوى لأنها اخبار والاطلاق والالزام نوعا الحكم، وغالب
الأحكام الزام.
وبيان الاطلاق فيها الحكم باطلاق مسجون لعدم ثبوت الحق عليه، ورجوع
أرض تحجرها شخص ثم أعرض عنها وعطلها، وباطلاق حرمن يد من ادعى رقه ولم يكن له بينة.
وبتقارب المدارك في مسائل الاجتهاد يخرج ما ضعف مدركه جدا، كالعول
والتعصيب وقتل المسلم بالكافر، فإنه لو حكم به حاكم وجب نقضه.
وبمصالح المعاش يخرج العبادات، فان لا مدخل للحكم فيها، فلو حكم
الحاكم بصحة صلاة زيد لم يلزم صحتها، بل إن كانت صحيحة في نفس الامر
فذاك والا فهي فاسدة، وكذا الحكم بأن مال التجارة لا زكاة فيه أو أن الميراث
لا خمس فيه، فان الحكم فيه لا يرفع الخلاف بل للحاكم غيره أن يخالفه في
ذلك. نعم لو اتصل بما أخذ الحاكم ممن حكم عليه بالوجوب مثلا لم يجز
نقضه، فالحكم المجرد عن اتصال الاخذ اخبار كالفتوى وأخذه للفقراء حكم
باستحقاقهم فلا ينقض إذا كان في محل الاجتهاد.
ولو اشتملت الواقعة على أمرين أحدهما من مصالح المعاد والاخر من
مصالح المعاش - كما لو حكم بصحة حج من أدرك اضطراري المشعر وكان
نائبا - فإنه لا أثر له في براءة النائب في نفس الامر لكن يؤثر في عدم رجوعهم
490

عليه بالأجرة.
وبالجملة فالفتوى ليس فيها منع الغير عن مخالفة مقتضاها من المفتين ولا
مستفتين: أما من المفتين فظاهر، وأما من المستفتين فلان المستفتي له أن يستفتي
آخر، وإذا اختلفا عمل بقول الا علم ثم الا ورع ثم يتخير مع التساوي. والحكم
لما كان انشاءا خاصا في مواقع خاصة وقع الخلاف في تلك الواقعة بحيث لا
يجوز لغيره نقضها، كما لو حكم حاكم بتوريث ابن العم ومنع العم للأب وفي
المسألة خال فإنه يقتضي بخصوصه منع حاكم آخر بتوريث العم أو الخال في
هذه المادة، لأنه لو جاز له نقضها لجاز لاخر نقض الثانية وهلم جرا، فيؤدي
إلى عدم استقرار الأحكام، وهو مناف للمصلحة التي لأجلها شرع نصب الحكام
من نظم أمور أهل الاسلام ولا يكون ذلك رفعا للخلاف في سائر الواقعة 1) المشتملة على مثل هذه الواقعة.
(الفصل الثاني - في القضاء ومتعلقاته) وفيه قواعد:
الأولى: في ضبط ما يحتاج إليه الحاكم
كل قضية وقع التنازع فيه بين اثنين فصاعدا في اثبات شئ لأحدهم أو نفيه
أو كيفيته وكل أمر مجمع على ثبوته وتعين الحق فيه ولا يؤدي انتزاعه إلى فتنة
يجوز انتزاعه من غير اذن الحاكم 2)، ولو لم يتعين جاز في صورة المقاصة، ومن
المرفوع إلى الحاكم كل أمر فيه اختلاف بين العلماء كثبوت الشفعة مع الكثرة

1) في ص: في نهاية الواقعة. وفى القواعد: في سائر الواقعات.
2) في ك والقواعد: من دون الحاكم.
491

أو احتيج فيه إلى التقويم كالأرش وتقدير النفقات، أو إلى ضرب المدة كالايلاء
والظهار أو إلى الألفاظ كاللعان والقصاص طرفا أو نفسا والحدود والتعزيرات
مطلقا. وقد يقيد القصاص بخوف فتنة أو فساد وحفظ مال الغياب كالوديعة واللقطات. الثانية:
يجوز عزل الحاكم في مواضع:
(الأول) إذا ارتاب به الامام، فإنه يعزله لحصول خشية المفسدة مع بقائه.
(الثاني) إذا وجد أكمل منه تقديما للأصلح على المصلحة، قال النبي صلى
الله عليه وآله وسلم: من ولي من أمور المسلمين شيئا ثم لم يجتهد لهم وينصح لم يدخل الجنة معهم.
(الثالث) مع كراهية الرعية وانقيادهم إلى غيره وان لم يكن أكمل إذا كان
أهلا، لان نصبه لمصلحتهم فكلما كان الصلاح أتم كان أولى.
ولا يجوز عزله لتولية الا نقص لمنافاته المصلحة، وفي جوازه بالمساوي
وجهان نعم كما يتخير بينهما ابتداءا أولا وهو الأقرب لما فيه من ادخال الغضاضة
)
عليه بغير سبب.
ولا يعارض بأن فيه نفعا للمولى، لان دفع الضرر أقدم من جلب المنفعة
وحفظ الموجود أولى من تحصيل المفقود، وأولى بالمنع جواز عزله اقتراحا
مع قطع النظر عن البدل، لان ولايته ثبتت شرعا فلا تزول تشهيا.

1) الغضاضة: التنقص.
492

الثالثة:
يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية آحاد التصرفات الحكمية على الأصح
كدفع ضرورة اليتيم لعموم " وتعاونوا على البر والتقوى " 1) وقوله عليه السلام:
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه 2). وقوله عليه السلام: كل معروف صدقة 3).
وهل يجوز قبض الزكوات والأخماس من الممتنع وتفرقها في أربابها وكذا
بقية وظائف الحكام غير ما يتعلق بالدعاوي؟ فيه وجهان. ووجه الجواز ما ذكرناه
ولأنه لو منع ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال وهي مطلوبة لله سبحانه.
قال بعض متأخري العامة: لاشك أن القيام بهذه المصالح أتم من ترك هذه
الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها ويصرفونها إلى غير مستحقها، فان
توقع امام يصرف ذلك في وجهه حفظ المتمكن تلك الأموال إلى حين تمكنه
من صرفها إليه، وان آيس من ذلك - كما في هذا الزمان - تعين صرفه على الفور
في مصارفه، لما في ابقائه من التغرير وحرمان مستحقيه من تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه.
ولو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتى تصل إليهم، ومع اليأس
يتصدق بها عنهم ويضمن. وعند العامة تصرف في المصالح العامة.

1) سورة المائدة: 2.
2) كتاب قضاء حقوق المؤمنين حديث: 1، البحار 74 / 312.
3) الخصال 1 / 147.
493

الرابعة:
إنما تجوز المقاصة أو أخذ العين المدعى بها مع قطع المدعي بالاستحقاق
فلو كان أو متهما لم يجز، وكذا إذا كانت المسألة من المختلف فيها والغريم
مقلد، كمن وهب منجزا في مرض موته ولا يخرج من الثلث أو عليه دين مستوعب
أو وهب ولم يقبض أو باع صرفا أو افترقا قبل القبض.
نعم لو حكم له بذلك حاكم ترتبت المقاصة والاستقلال بأخذ العين مع
الشروط المعلومة ولا يجوز الاستقلال بالتعزير، لان تقديره بنظر الحاكم.
ولو أدى إلى انتهاك العرض وخوف سوء العاقبة - كما لو وجد عين ماله
وخاف أن ينسب إلى السرقة بأخذها فعرض نفسه لسوء القالة 1) ووخامة العاقبة - أمكن القول بالتحريم.
أما الوديعة ففيها قولان مستندان إلى روايتين، وقد روي عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك 2).
وروي أنه قال لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف 3). ومال الرجل كالوديعة عند المرأة.
الخامسة:
الفرق بين الثبوت والحكم: أن الثبوت هو نهوض الحجة كالبينة وشبهها

1) في ك: المقالة.
2) الجامع الصغير: 14 نقلا عن تاريخ البخاري وعن أبي داود وعن الحاكم وعن
الترمذي.
3) البخاري في صحيحه " باب القضاء إلى الغائب " من أبواب كتاب الأحكام. وراجع
كتاب النفقات من الكتاب.
494

السالمة عن المطاعن، والحكم انشاء كلام هو الزام أو اطلاق ترتب على هذا الثبوت.
وبينهما عموم من وجه، لوجود الثبوت بدون الحكم في نهوض الحجة
قبل انشاء الحكم، وكثبوت هلال شوال وطهارة الماء ونجاسته، وثبوت التحريم
بين الزوجين برضاع ونحوه والتحليل بعقد أو ملك. ويوجد الحكم بدون الثبوت
كالحكم بالاجتهاد. ويوجدان معافي نهوض الحجة والحكم بعدها. أقول: في وجود الحكم بدون الثبوت نظر.
السادسة:
الموارد التي عنها الحكم: الاقرار، وعلى الحاكم، والشاهدان فقط،
والشاهدان واليمين، والشاهد والمرأة فقط، والمرأة فقط، والمرأتان فقط،
والثلاث فقط، والأربع فقط، والمرأتان واليمين، والأربعة الرجال، والثلاثة،
والمرأتان والرجلان، وأربع نسوة، والنكول مع رد اليمين، ورد اليمين
فيحلف المدعى والقسامة، وايمان اللعان، واليمين وحدها في صورة التحالف،
وشهادة الصبيان في الجراح بالشروط، والمعاقد في الخص 1)، واليد والتصرف. مسألة:
الاستفاضة طريق إلى ثبوت أحكام، وضبطها كثير من الأصحاب بما يتآخم
العلم، وبعضهم بمحصل العلم. وهو مأخوذ من الخبر المستفيض عند الأصوليين
وهو المشهور بحيث تزيد نقلته على ثلاثة.

1) الخص بضم الخاء وتشديد الصاد: البيت من القصب. ومنه الحديث: الخص
لمن إليه القمط، يعنى شد الحبل.
495

ثم إن بعضهم قال: يثبت بالاستفاضة اثنان وعشرون: النسب إلى الأبوين
والموت، والنكاح، والولايات، والعزل، والولاء، والرضاع، وتضرر الزوجة،
والوقوف، والصدقات، والملك المطلق، والتعديل، والجرح، والاسلام،
والكفر، والرشد والسفه، والحمل والولادة والوصاية، والحرية، واللوث. قيل والغصب والدين والاعسار والعتق.
فرع 1):
ان اعتبرنا فيها العم جاز للحاكم أن يحكمه بعلمه المستفاد منها، والا ففيه
نظر. وقد نصوا على أن الحاكم يحكم بعلمه في التعديل والجرح، مع أنه من الاستفاضة.
وقد يفرق: بأن التعديل كالرواية العامة لجميع الناس، لان نصبه عدلا يعم
كل مشهود عليه، فهو كالرواية التي لا يشترط في ثبوتها 2) العلم بخلاف باقي
الأحكام الثابتة بالاستفاضة، فإنها أحكام على أشخاص بعينهم، فاعتبر فيها العلم القطعي.
السابعة:
اليد تقبل الشدة والضعف إذ هي عبارة عن القرب والاتصال، فكلما زاد
تأكدت اليد، فأبلغها: ما قبض بيده، ثم ما عليه من الثياب، والمنطقة والنعل،
ثم البساط تحته أو الدابة تحته، ثم تحت حمله، ثم ما هو سائقها أو قائدها، ثم

1) في ك: تنبيه - بدل فرع. وفيه ان اعتبرنا في الاستفاضة العلم.
2) في ك: في قبولها.
496

الدار التي هو ساكنها إذ هي دون الدابة لاستيلائه في الدابة على جميعها، ثم الملك الذي يتصرف فيه.
ولو تنازع ذو يد ضعيفة وقوية - كالراكب مع السائق أو قابض اللجام أو
تنازع ذو الحمل مع غيره - قدمنا ذا اليد القوية. ويمكن أن يقال: الترجيح
هنا ليس بقوة اليد بل بإضافة التصرف إليها.
فرع:
لو كانت دابة في يد اثنين وعبد أحدهما 1) فهي نصفان مع التنازع، ولا عبرة
بيد العبد، سواء كان مأذونا له في التجارة أولا، لان الملك منتف عنه والعبرة بيد المولى.
الثامنة:
لا تكلف المدعى بينة في مواضع: دعوى الدم لتأيده باللوث، واللعان
لتعذر إقامة البينة هنا غالبا، وتلطيخ الفراش فالاستتار 2) أمر مهم فاكتفي فيه بقول
الزوج ليصون نفسه عن هذه الوصمة 3) العظيمة، ولان العادة درأ 4) الفاحشة عن
الزوجة مهما أمكن فحيث أقدم على ذلك مع ايمانه قدمه الشرع.
وتقديم قول الامناء في دعوى التلف لئلا يقل قبول الأمانة مع امساس

1) في ك: وعند أحدهما.
2) في ص: بالاستتار.
3) في ص: الوضيمة بفتح الواو وسكون الصاد المهملة: العيب والعار
والوضيمة بالضاد المعجمة: طعام المأتم.
4) درأ الشئ أي دفعه شديدا.
497

الضرورة إليها، سواء كانت أمانتهم من جهة يستحق الأمانة كالوديعة أو من قبل
الشرع كالوصي والملتقط.
ومن ألقت الريح ثوبا إلى داره.
ويقبل قول الحكام في الأحكام والجرح التعديل لئلا يفوت المصالح المترتبة
على الولاية والحكم.
ويقدم يمين الغاصب في دعوى التلف للضرورة، إذ لو لم يسمع لخلد
السجن فيستضر أو أطلق مع الزام العين، وهو متعذر مع انكاره أولا مع الزام
العين فيضيع حتى المالك.
ودعوى الودعي في الرد، لئلا يزهد الناس في قبول الوديعة.
ودعوى من ثبت صدقه كالمعصومين عليهم السلام. والكل محتاجون إلى اليمين الا هذا.
التاسعة:
إذا ادعي إلى الحاكم ويعلم براءة ذمته لا تجب الإجابة الا أن يخاف الفتنة
ولو كان المدعى به عينا وسلمها لم تجب الإجابة، وكذا لو كان معسرا أو علم
أنه يحكم عليه يجوز بل ربما حرم كما في القصاص والحد لأنه تعرض بالنفس
إلى الاتلاف.
ولو كان الحق موقوفا على الحاكم كأجل المولى والمظاهر والعنين، تخير
الزوج بين الطلاق فيسقط الإجابة وبين الحضور.
أما الحكم 1) المختلف فيه فتجب الإجابة ان دعاه الحاكم ولا تجب بدعاء

1) في ك: اما الحاكم.
498

الخصم.
ومن عليه دين أو عين وجب تسليمه إلى المدعى ولا يكلفه اثباته عند الحاكم
لان المطل 1) ظلم والمحاكم ربما يسقط محله عند معامليه 2) وتجلب إليه التهمة.
ولا يجب الترافع إلى الحاكم في النفقات، إذ هي عندنا مقدرة بما يسد الخلفة ولا عبرة بتقدير الحاكم فيها.
العاشرة:
ضابط الحبس توقف استخراج الحق عليه، ويثبت في مواضع:
(الأول) الجاني إذا كان المجني عليه غائبا أو وليه، حفظا لمحل القصاص.
(الثاني) الممتنع من أداء الحق مع قدرته عليه.
(الثالث) المشكل أمره في العسر واليسر إذا كانت الدعوى مالا أو علم له
أصل مال ولم يثبت اعساره، فيحبس ليعلم أحد الامرين.
(الرابع) السارق بعد قطع يده ورجله في مرتين أو سرق ولا يد له ولا رجل.
(الخامس) من امتنع من التصرف الواجب عليه الذي لا يدخله النيابة، كتعيين 3)
المختارة والمطلقة وتعيين المقربة من العينين أو الأعيان وقدر المقربه عينا أو ذمة
وتعيين المقر له والمتهم بالدم ستة أيام.
فان قلت: القواعد تقتضي أن العقوبة بقدر الجناية ومن امتنع عن أداء
درهم يحبس حتى يؤديه، فربما طال الحبس وهذا عقوبة عظيمة في مقابلة جناية

1) مطله حقه: سوفه بوعد الا وفاء مرة بعد الأخرى.
2) في ص: عند معاملة. وفى ك: عند معاملة.
3) في ص: لتعين
499

حقيرة.
قلت: لما استمر امتناعه قوبل كل ساعة من ساعات الامتناع بساعة من
ساعات الحبس، فهي جناية متكرر، وعقوبات مكررة.
الحادية عشر:
كل من ادعى على غيره سمعت دعواه وطالب باليمين مع عدم البينة، سواء
علم بينهما خلطة أولا، لعموم قوله عليه السلام " البينة على المدعي واليمين على
من أنكر " 1) وقوله عليه السلام " شاهداك أو يمينه " 2).
ولا مكان ثبوت الحق بدون الخلطة فاشتراطها يؤدي إلى ضياعها، ولأنها
واقعة يعم بها البلوى، فلو كانت الخلطة شرطا لعلمت ونقلت.
ولا يعارض بأنها لو لم يكن شرطا لعلمت، لان النقل إنما يكون إلى مخرج 3)
عن الأصل لا لما يقرر على الأصل.
احتج مشترط الخلطة: بأن بعض الرواة أورد في الحديث بعد قوله عليه
السلام واليمين على من أنكر " إذا كان بينهما خلطة ".
قلنا: هذه الزيادة لم يثبت كيف والحديث من المشاهير وليس فيه هذه
الزيادة، وإنما هي شئ اختص به مشترط الخلطة وهو مجنون 4).

1) الفقيه - روضة المتقين - 6 / 91، الكافي 7 / 415، التهذيب 6 / 229. والحديث
في هذه المصادر هكذا: عن النبي صلى الله عليه وآله: البينة على من ادعى واليمين
على من ادعى عليه.
2) أخرجه البخاري في صحيحه في " باب اليمين " من أبواب كتاب الشهادات.
3) في ك: لما يخرج.
4) النسخ مختلفة. في ص: سحنون. وفى القواعد: سحنون، مخون، شخنون،
مختون
500

وبما روي عن علي صلوات الله عليه: لا يعدى الحاكم على الخصم الا أن
يعلم بينهما معاملة. ولم يرد له مخالف فكان اجماعا.
قلنا: أهل بيته أعرف بأحواله ولم يذكروا هذا، ولان وقائعه المأثورة
وأحكامه المشهورة خالية عن كل هذا، ولو كان شرطا لذكر في كلها أو في بعضها.
وبأنه لولا ذلك لاجترأ السفهاء على ذوي المروات والهيئات فادعوا عليهم
بدعاوي فاضحات، فان أجابوا افتضحوا وان صالحوا على مال ذهب مالهم.
قلنا: القواعد الكلية لا يقدح فيها العوارض الجزئية، وكم قد انقضت
الاعصار ولم تحصل هذه الفروض.
قالوا: فعل عثمان ذلك وصالح بمال.
قلنا: فيه دليل على عدم اشتراط الخلطة.
ثم نقول: يلزمكم الدوران جعلتم القاعدة كلية، لأنه لا يعدى عليه حتى
يعلم بينهما خلطة لا تكاد تعلم الا بالاثبات الموقوف على الدعوى
الموقوف سماعها على تقديم الخلطة، فيتوقف الشئ على نفسه.
فان قالوا: قد يعلم باقرار الخصم.
قلنا: حضور الخصم غير واجب لسماع هذه الدعوى فكيف يعلم اقراره.
واستثنى بعضهم من اعتبار الخلطة مواضع: الصانع، والمتهم بالسرقة، والوديعة والعارية، والقائل عند موته " لي عند فلان دين "، وهذا كله تحكم.
الثانية عشر:
لا نظر في باب الدعاوي كلها إلى حال المدعي أو المنكر ولا في الأمور
الشرعية كلها الا إلى الممكن وإن كان الظاهر بخلافه فاستبعاد [بعض العامة] 1)

1) ليس في ص.
501

صحة الدعوى على القاضي المرتفع من الكناس انه استأجر القاضي للكنس
من خاصه 1). بعيد لامكانه وحمله على دعوى الغاصب 2) قيمة العبد درهما أو قيمة
الفرس حبة، ممنوع ولو فتحنا باب العرف لسمع دعوى القاضي على الكناس
استيجاره على الكنس بغير بينة لأنه معتاد غالبا، ولسمعنا دعوى البر التقي على
المشهور بالغصب وأخذ الأموال وانكاره أنه غصب منه شيئا ولم يحلف المنكر،
ولرددنا دعوى الفاجر الشقي على التقي المشهور بالأمانة والصدق. وكل ذلك لم يثبت، بل لحسم التنازع تطرد.
قاعدة:
الباب في الدعاوي حذرا من الاضطراب، إذ لكل أحد أن يدعي الأمانة لنفسه
والفجور على خصمه. ولو أتت بولد لستة أشهر لحق وإن كان نادرا، وكذا في
السنة على الأقرب، لأصالة عدم الزنا والوطئ بالشبهة، وتشوق الشارع الستر
ودرء الحدود، فغلب الأصل على الظاهر.
ومن هذا الباب تفسير المال العظيم بأقل متمول وإن كان خلاف الظاهر،
لان العظم والجلالة وأمثالهما من الأمور الإضافية تختلف باختلاف الإضافات
بالنسبة إلى اليسار والفقر والزهد والرغبة ونحو ذلك، فلما تعذر الضبط عرفا
حمل على ما يقتضيه لغة، وهو أقل محتملاته بالنسبة إلى ما دونه. أو حمل العظم
على المعنى، أي انه حلال أو خالص من شبهة وإن كان ذلك مخالفا للظاهر.

1) في ص: من حاجته.
2) في ص: الغصب.
502

الثالثة عشر:
في تحقيق المدعي والمنكر، وفيهما عبارات ملخصها يرجع إلى أن المدعي
من يدعي خلاف الظاهر، أو الذي يخلى وسكوته، والمنكر بإزائه.
وقد يتفق في صور كثيرة اجتماع الدعوى والانكار في كل من المتداعيين،
وتتفق العبارات في كثير من الصور، كمن ادعى على زيد عينا أو دينا. وقد يختلفان في صور:
(منها) قول الزوج أسلمنا معا قبل المسيس وقالت المرأة على التعاقب فلا
نكاح بيننا، فعلى الظاهر الزوج هو المدعي لأنه يخالفه، والا فهي المدعية لأنها
لو سكتت تركت واستمر حد النكاح، بخلاف الزوج فإنه لو سكت لم يترك
لأنه يحاول بسكوته استيفاء النكاح. والنزاع واقع في الانفساخ.
ولو قال الزوج هنا أسلمت، قيل فلا نكاح ولا مهر، وقالت أسلمنا معا أخذ
الزوج بقوله في الفرقة.
وأما المهر فان فسرنا بالظاهر فهي المدعية فيحلف الزوج، والا فهو المدعي فتحلف هي.
واعترض: بتصديق الودعي في الرد والتلف مع أنه مخالف للظاهر.
وأجيب: بأن هنا أصلا وهو بقاء الأمانة، فان المودع ائتمنه ثم ادعى عليه
الخيانة فيصير الودعي منكرا، فيقدم قوله.
ورتب الإصطخري من العامة على الظهور والخفاء عدم سماع دعوى رجل
من السفلة على عظيم القدر ما يبعد 1) وقوعه، كما إذا ادعى الخسيس أنه أقرض
ملكا مالا أو نكح ابنته أو استأجره لسياسة دوابه. ورده الأكثر بأن فيه تشويش

1) في هامش ك: ما يتعذر.
503

القواعد فلا تعويل عليه، وقد مر مثله.
الرابعة عشر:
في تقسيم الدعوى، وهي تنقسم إلى الصحيحة والفاسدة والكاذبة والمجملة
والزائدة والناقصة:
فالصحيحة اما دعوى استحقاق عين أو منفعة أو شئ في الذمة.
وأما دعوى معاوضة بما يضر بالمدعي وتبطل دعواه، ويدخل في دعوى
الاستحقاق دعوى القصاص والحد والنكاح والرد بالعيب.
والفاسدة قد يعود الفساد إلى المدعى به، كدعوى الخمر والميتة ومالا يتمول.
والأقرب قبول دعوى الخمر المحرمة [وقد يعود الفساد إلى المدعي كما إذا
ادعى الكافر ابتداءا نكاح مسلمة أو المسلم نكاح وثنية] 1) وقد يعود الفساد إلى
سبب الدعوى كدعوى الكافر شراء عبد مسلم أو مصحف.
وأما الكاذبة فكدعوى معاملة [ميت] أو جناية [مع شخص] بعد موته، أو
ادعى وهو بمكة أنه تزوج فلانة أمس بالكوفة.
وأما الدعوى المجملة 2) فكقوله " لي عليه شئ " وان سمعنا الاقرار بالمجهول
لان المدعى مقصر في حق نفسه والمقر مقصر في حق غيره فيطالب بالبيان.
وقد تسمع الدعوى المجهولة في الوصية والاقرار له، وفرض المهر في
المفوضة وثواب الهبة المطلقة، لان ذلك يمكن تقديره والمطلوب تقديره.
وأما الزائدة فقد تكون الزيادة مفسدة، كقوله " لي عليه مائة درهم من ثمن

1) ما بين القوسين ليس في ص.
2) في ك: المجهلة.
504

خمر " وقد تكون لاغية كقوله " اشتريت منه على أن له أن يقيلني إذا استقلنه ".
وقد تكون مؤكدة، كقوله " لي عليه مائة من ثمن مبيع صفته كذا وكذا "
وقد تسمى الذي قبلها أيضا مؤكدة.
وتكون اللاغية مثل قوله " اشتريت منه في الدكان الفلاني أو وعليه ثوب أبيض ".
وأما الناقصة فاما في الصفة كقوله " لي عنده دابة " ولم يصفها فيسأله الحاكم
عن الصفة، ولو قال " لي عليه ألف درهم " لم يحمل على غالب نقد البلد كالبيع
لان أسباب المعاملات لا تنحصر في ذلك البلد.
وأما الناقصة في الشرط كدعوى عقد النكاح من غير أن يذكر بلوغ الناكح
ورشده أو صدوره من وليه، فيستفصله الحاكم.
ويكفي في دعوى المهر أو في استحقاق اجراء الماء على سطح الغير أو
في ساحته تحديد ما منه وما فيه، ويحتمل تقديره بالذرع أو الحد المعين.
والشهادة به تابعة بل أولى، لان الشهادة أعلى شأنا من الدعوى.
الخامسة عشر:
كلما كان المدعى به حقا فلا ريب في سماعه وإن كان ينفع في الحق، ففيه صور:
(الأولى) دعوى فسق الشهود أو كذبهم وعلم المدعي بذلك. والأقرب
الحلف، فان نكل حلف الخصم وبطلت الشهادة، أما دعوى فسق الحاكم فأبعد
لأنه لا يثير فسادا به.
(الثانية) دعوى الاقرار بالمدعى به والحلف قوي.
505

الثالثة) دعوى احلاف المدعي قبل هذه الدعوى فان قلنا به وقال المدعي
قد أحلفني اني لم أحلفه لم يسمع لأدائه إلى عدم التناهي وتضييع مجالس الحكام.
(الرابعة) دعوى القاذف زنا المقذوف.
(الخامسة) قيل لو قال للقاضي " حكمت لي " فأنكر لم يسمع الدعوى،
ولو توقف انتظر ريثما يتذكر ولس له أن يأمره بالحكم، فلو قال للخصم " أحلف
على أنك لا تعلم أنه حكم لي " ففي السماع وجهان. ولا ريب من عدم سماع
الدعوى على القاضي والشاهد بالكذب، لاباء منصبهما ذلك وأدائه إلى الفساد.
السادسة عشر:
لا يحكم بالنكول على الأقوى الا في مواضع:
(الأول) دعوى المالك انتقال النصاب أو الاخراج أو عدم الحول. الأصح
أنه مسموع بغير يمين.
ولو قلنا باليمين فنكل أخذ منه الحق، فهو اما قضاء بالنكول أو قضاء عند
النكول، لان قضية ملك النصاب أداء الزكاة، فإذا لم يأت بحجة أخذت منه.
وقال بعضهم إذا كان المستحقون محصورين وقلنا بتحريم النقل حلفوا
وأخذت منه. وهو بعيد، وقيل عند نكوله يحبس حتى يقر أو يحلف، وقيل
بل يخلى، وقيل إن كان بصورة المدعي كقوله " أخرجت " أو " باذلت " 1) أخذت
منه عند النكول، وإن كان بصورة المنكر كقوله " لم يحل الحول " أو " ما في
يدي لمكاتبي " ترك.

1) في ك: أو بادلت.
2) في ص: الحلول.
506

(الثاني) إذا وجد القاضي في تركة 1) ميت لا وارث له لي علي فلان كذا
فادعى به ونكل عن اليمين فله الحكم والحبس والاعراض وربما ضعف الاعراض
هنا، لان اليمين هنا واجبة قطعا.
ورجح بعضهم القضاء بالنكول أو عنده في الأولى دون هذه، لان هناك
وجوبا محققا ولم يظهر مسقط.
ومثل هذا لو ادعى الوصي أن الميت أوصى للفقراء فأنكر الوارث ونكل.
(الثالث) الذمي إذا ادعي الاسلام قبل الحول أو تهمة العامل 2) أو قال أسلمت
بعد الحول على القول بالأخذ منه هنا، فإنه يحلف. فلو نكل فالأوجه.
(الرابع) إذا ادعى استعجال الشعر بالدواء وقلنا الاثبات عبارة عن البلوغ
لا عينه، قيل يحلف. فلو نكل لم يقبل بل اما يحبس أو يطلق أو الحلف هنا مشكل لعدم ثبوت بلوغه، وهو الذي ذكره الأصحاب.
(الخامس) لو ادعى ناظر الوقف أو المسجد ونكل المدعى عليه، ففيه
الأوجه. وقيل يرد اليمين عليه. وليس بشئ، إذ لا يحلف لاثبات مال غيره.
وقيل إن كان ذلك بسبب باشره بنفسه ردت وإن كان باتلاف المدعى عليه لم
يرد، وهما ضعيفان.
(السادس) إذا ادعى ولد المرتزق الاحتلام وطلب الرزق فالأقرب تصديقه
من غير يمين. والا دار، لأنه إن كان كاذبا فكيف يحلف وهو صبي. وقيل يحلف
للشبهة، فان نكل لم يثبت في المرتزقة.
وهذا الموضع [ليس] من القضاء بالنكول وإنما هو ترك الحكم لعدم

1) في ك: تذكرة.
2) في ك: أو اتهمه العامل.
507

قيام الحجة.
(السابع) إذا نكل الزوج عن يمين الإصابة بعد العنة ففي يمين المرأة وجه
لامكان علمها بالقرائن، فإن لم نقل به قضى بالنكول.
(الثامن) لو قتل من لا وارث له وهناك لوث 1) أو لبس أحلف المنكر، فان نكل فيه ما تقدم.
(التاسع) لو ادعت تقدم الطلاق على الوضع وقال لا أدري لم يقنع منه
بذلك، بل اما يحلف يمينا جازمة أو ينكل فتحلف هي، فان نكلت فعليها العدة.
وليس قضاء بالنكول عند بعضهم، بل لان الأصل بقاء النكاح وآثاره فيعمل به حتى يثبت رافع.
(العاشر) لو نكل المقذوف عن اليمين على عدم الزنا قيل يقضى عليه بالنكول
وقيل بل ترد اليمين. وهو وجه ان سمعنا الدعوى في الأصل، إذ النص " لا يمين في حد ".
(الحادي عشر) إذا ادعى الولي مالا للمولى عليه فأنكر المدعى عليه ونكل
عن اليمين، احتمل القضاء بالنكول وانتظار أهلية المدعى له.
السابعة عشر:
البينة حجة شرعية، والبحث فيها في مواضع:

1) اللوث امارة يظن بها صدق المدعى فيما ادعاه من القتل كوجود ذي سلاح الملطخ
بالدم عند قتيل في دم. وفى النهاية اللوث هو ان يشهد شاهد واحد على اقرار المقتول
قبل ان يموت ان فلانا قتلني أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما أو تهديد منه له أو نحو ذلك.
وهو من التلوث التلطخ.
508

(الأول اقامتها على تملك ما في يده للتسجيل، والأقرب جوازه.
(الثاني) اقامتها بعد دعوى الخارج لدفع اليمين. يحتمل القبول، لان
اليمين مخوفة وفيها تهمة، وكإقامة الودعي البينة على الرد والتلف وان قبل قوله فيهما.
ويحتمل عدمه لقوله عليه السلام " البينة على المدعي واليمين على من أنكر "
والتفصيل قاطع للشركة.
(الثالث) اقامتها بعد إقامة الخارج بينته وقبل تعديلها.
(الرابع) اقامتها بعد تعديلها وقبل الحكم، وهذان مبنيان على تقديم الداخل
على الخارج أو بالعكس. وقيل مع تعارض البينتين يحكم للداخل ليده، فعلى
هذا يحلف. ويحتمل وجوب الحلف وان قضينا بالبينة لتأكيدها.
(الخامس) اقامتها بعد الفضاء للخارج وقبل التسليم. والظاهر أنها من باب بينة ذي اليد، لأنها باقية حسا.
(السادس) اقامتها بعد الحكم والتسليم إلى الخارج. فيحتمل السماع، لان
اليد إنما أزيلت لعدم حجة هي قائمة الان. ويحتمل عدمه، لان الفضاء لا يقضى
الا بقطعي ولان الأول صار خارجا.
هذا إذا صرحت بينته بالملكية قبل القضاء واعتذر بتغيبها 1) أو غفلته عنها وشبهه
ولو شهدت مطلقة فهي بينة خارجة. ولو رجحنا بالخروج احتمل الترجيح بها
لان البينة لا تؤخر 2) زوال الملك عما قبل الشهادة.
واحتمل التصريح في الخروج، لاحتمال استنادها إلى اليد السابقة، فتخلصنا 3)

1) في بعض النسخ: بغيبتها.
2) في ك والقواعد: لا توجب.
3) في ك والقواعد: فتحصلنا.
509

منها على ثلاثة أوجه: ان صرحت بالتقدم فهي داخلة، وان صرحت بالتأخر فهي خارجة، وان أطلقت وقف الحكم.
الثامنة عشر:
اليمين اما على النفي وهي وظيفة المنكر المشار إليها في الحديث، واما
على الاثبات وهي: في اللعان ان جعلناه يمينا والقسامة من المدعي ومع الشاهد
الواحد في موضعه 1)، واليمين المردودة على المدعي بالرد أو بالنكول، ويمين
الاستظهار ولها موارد الميت والصبي والمجنون والغائب مع البينة.
ومن صور الغيبة أن يدعى المشتري أن غائبا معينا باعه هذا وأقبضه الثمن
ثم ظهر به عيب وأنه فسخ البيع، ويقيم البينة على ذلك. وموضع الحكم 2)
على الغائب بنصب الحاكم له وكيلا ثم يحلفه بعد قيام البينة.
والمعسر يحلف مع بينته احتياط للمال الخفي عن البينة، والأقرب توقفها
على استدعاء الخصم كغيرها من الايمان.
ولو ادعى العنين الوطئ قبل فأقامت البينة على البكارة فقال لم أبالغ
فعادت البكارة حلفت على أنها البكارة الأصلية أو على عدم الإصابة وفسخت، فان
نكلت حلف، وان نكل قيل لها الفسخ ويكون نكوله كحلفها. ويحتمل عدم
الفسخ، لأنه يصير 3) نكولها بنكوله، والأصل بقاء العصمة.
ويمين دعوى المواطاة على القبالة.

1) في ص: موضوعه.
2) في بعض النسخ: ومن منع الحكم.
3) في ك والقواعد: لأنه يضرب نكولها.
510

وقيل لو ادعى الجاني شلل العضو وقام الاخر البينة على سلامته حلف معها
أيضا إذا كان باطنا دفعا لاحتمال خفي.
التاسع عشر:
ليس بين شرعية الاحلاف وبين قبول الاقرار تلازم وإن كان غالبا إذ يقبل
اقرار الصبي بالبلوغ ولا يقبل يمينه لأنه يؤدي إلى نفيه، ويقبل يمين الانسان
في نفي العبودية ولا يقبل اقراره بها بعد دعواه الحرية.
فان قلت: طلب الاحلاف لتوقع الافرار فإذا انتفى انتفى الاحلاف لعدم
فائدته.
قلت: الغاية في الاحلاف أعم من ذلك، لأنه قد ينكل فيحلف المدعى
[عليه] على رقبته فيغرم القيمة ان قلنا اليمين المردودة كالافرار، وان قلنا كالبينة
ثبت رقه والأصل فيه أن من فوت مالا ادعى فيه على آخر 1) ثم رجع، فإن كان
مما لا يستدرك كالعتق والفتل والطلاق غرم وإن كان مما يستدرك كالاقرار الحاصل
في الشهادة 2) بالملك فالأقرب الغرم أيضا للحيلولة.
العشرون:
الحلف دائما على القطع، وهو ينقسم إلى اثبات ونفي، وكلاهما اما من
فعله أو من فعل غيره، فالأقسام أربعة:
يحلف على نفي العلم في واحد منها، وهي الحلف على نفي فعل غيره، والباقي على البت.

1) في ص: مالا أو غرم على آخر. وفى القواعد: مالا أو غيره على آخر.
2) في ص والقواعد: كالاقرار باليمن والشهادة.
511

وهنا سؤال، وهو النفي المحصور يجوز الشهادة به كما لو شهد أنه باع
فلانا في ساعة كذا ويشهد آخران بأن المشتري في تلك الساعة كان ساكنا أو
شهدا أن فلانا قتل فلانا في وقت كذا فشهد آخران أنه كان في تلك الحالة ساكن
الأعضاء جميعها وانه لم يكن عند المقتول في تلك الساعة. وصوره كثيرة، والشهادة
ان لم تكن أبلغ من اليمين فلا أقل من المساواة.
وجوابه: إذا قدر أن النفي المحصور يمكن العلم به التزمنا تحليف النافي
لفعل غيره على البت أيضا.
وهنا مسائل:
(الأولى) لو ادعى عليه جناية بهيمة وأنكر حلف على البت، لان البهيمة لا ذمة
لها 1) وضمان المالك لها ليس بمجرد فعلها بل لتقصيره في حفظها وهو من أفعال نفسه.
(الثانية) لو أنكر جناية عبده قيل يحلف على نفي العلم جريا على القاعدة
وربما بني هذا على أن جناية العبد هل يتعلق بمحض الرقية أو بها أو بالذمة جميعا
بمعنى أنه يتبع به بعد العتق؟ فعلى الأول يحلف المولى على البت كالبهيمة لأنه
يخاصم عن نفسه، وعلى الثاني - وهو ظاهر الأصحاب - يحلف على نفي العلم
لان للعبد ذمة يتعلق بها الحقوق والرقبة كالمرتهنة بها.
(الثالثة) لو ادعى عليه موت مورثه سمعت في مواضع السماع، فلو أنكر
حلف على نفي العلم ان ادعاه عليه كما يحلف على نفي عصبه أو اتلافه. ويحتمل
الحلف على البت لكثرة اطلاع الوارث على ذلك، ويحتمل الفرق بين حضوره
وغيبته عند الموت المدعى به، والأصحاب على الأولى.
(الرابعة) لو قال المشتري من الوكيل " أنت تعلم أن البائع أذن لك في تسليم

1) في ص: لان البهيمة له.
512

المبيع قبل قبض الثمن " فالظاهر أنه يحلف على نفي العلم. ويحتمل حلفه على
البت لأنه يثبت لنفسه استحقاق ثبوت اليد على المبيع حتى يقبض الثمن.
ويضعف بأن ذلك ثابت له بحكم اليد، فلا يحتاج إلى اثباته.
(الخامسة) لو ادعى البائع حدوث عجز عن تسليم المبيع وعلم المشتري
به، قيل يحلف المشتري على البت، لأنه بيمينه يستبقي وجوب تسليم المبيع إليه.
(السادسة) لو مات عن ابن فادعى آخر البنوة وعلم أخيه فأنكر حلف على
نفي العلم. وقيل يحلف على البت، لان الاخوة رابطة تجمع بينهما، فهو حالف
على نفي فعل نفسه.
(السابعة) لو أنكر أحد الزوجين الرضاع المدعى به حلف على نفي العلم
فان نكل حلف الاخر على البت، لأنها يمين مثبتة. وقيل حلف الزوج على البت
بخلاف الزوجة.
والفرق أن في يمين الزوج تصحيح العقد في الماضي واثبات استباحته في
المستقبل، فكانت على البت تغليظا، ويمين الزوجة لبقاء حق ثبت بالعقد ظاهرا
فيقنع فيه بنفي العلم. وهذا فرق ضعيف.
ويمكن فيهما اعتبار البت، لأنه يفني حرمة يدعيها المدعي فيحلف على البت.
الحادية والعشرون:
كلما جازت الشهادة به جاز الحلف عليه ومالا فلا، لعموم قوله تعالى " ولا تقف ما ليس لك به علم " 1).

1) سورة الإسراء: 36.
513

وزعم بعضهم أن مجال اليمين أوسع، لأنها يفي الغالب مستندة إلى النفي
للأصل فيعتضد به، فيجوز له الحلف على ما يراه بحط أبيه في دفتره إذا غلب 1)
على ظنه، وكذا لو أخبره ثقة بقتل فلان أباه أو غصبه منه وان 2) لم يجز له
الشهادة به، وهو مردود عندنا.
وكذا لا يجوز الحلف على تملك ما اشتراه من ذي اليد إذا قلنا لا يشهد له
بالملك، وان جوزناه فيجوز ذلك.
الثانية والعشرون:
لا يجوز الحلف لاثبات مال الغير، واختلف في مواضع:
(الأول) لو امتنع المفلس من الحالف مع شاهده بدين له، فهل يحلف
الغرماء.
(الثاني) لو مات مديون وقام له شاهد بدين فلورثة الحلف، فلو امتنعوا
قيل يحلف 3) الغريم. ومنهم من فرق بأن نكول المفلس عن اليمين يورث ريبة
ظاهرة، لأنه المستحق بالأصالة، وأما ورثة الميت فقد يخفى عليهم أحوالهم
ويكون الغرماء مطلعين عليها. وأيضا فغريم الميت في محل اليأس من حلف
الميت بخلاف غريم المفلس فإنه في مقام الرجاء.
(الثالث) الصورتان بحالهما، ولكن لا شاهد هناك بل نكول الغريم. ولو
لم يدع المفلس ولا الوارث فالأقرب أنه للغرماء الدعوى وان لم يكن لهم الحلف.

1) في بعض النسخ: أو غلب.
2) ليس " ان " في ص.
3) في ص: فهل يحلف.
514

(الرابع) لو أحبل الراهن الجارية وادعى اذن المرتهن فنكل حلف الراهن
فان نكل توجه احلاف الأمة لان لها حقا في الجملة.
(الخامس) لو أوصى لام ولده بعبد فوجد مقتولا بعد الوفاة وهناك لوث
حلف الورثة، فان نكلوا ففي حلفها وجهان.
الثالثة والعشرون:
اليمين المردودة على المدعي والواجبة بالنكول عليه هل هي كاقرار المدعى
عليه أو كالبينة؟ يحتمل الأول، لان المدعى عليه بنكوله توصل إلى اثبات حق
المدعي فأشبهه الاقرار، ووجه الثاني أنها حجة صادرة من المدعي مع جحد
المدعى عليه.
وفيها فوائد:
(الأولى) لو أقام المدعى عليه بعد يمين المدعي بينة ان العين ملكه أوانه أدي
الدين أو أبرئ منه، فان قلنا كالاقرار لم تسمع، وان قلنا كالبينة سمعت.
(الثانية) افتقار الثبوت إلى الحكم على البينة دون الاقرار.
(الثالثة) هل للبائع مرابحة احلاف المشتري على نفي علمه بزيادة الثمن
على ما أخبر به 1) ان قلنا كالاقرار فله ذلك رجاء النكول ورد اليمين فيكون كالتصديق
وان قلنا كالبينة فلا لعدم سماع بينة على هذا اليمين الزائد.
(الرابعة) لو أنكر الأصيل دفع الضامن، فهل له احلافه ان قلنا لو صدقه
رجع عليه فله ذلك، فيحلف على نفي العلم بالدفع. وان قلنا لا يرجع عليه لو
صدقه لعدم انتفاعه بالدفع، إذا الفرض انكار المستحق فان قلنا اليمين كالاقرار
لم يلزم بالحلف، لأنه غايته النكول فيحلف المدعي فهو كالاقرار، وان قلنا

1) في ك: عما أخبر به.
515

كالبينة طالبه بالحلف طمعا في نكوله فيحلف فيرجع كما لو أقام بينة.
(الخامسة) لو ادعى كل من اثنين على واحد رهن عبده واقباضه إياه فصدق
أحدهما قضى به للمصدق، وهل للمكذب احلافه؟ الظاهر نعم، لأنه لو صدقه
غرم له.
ولو قلنا لا يغرم بالتصديق فهل له المطالبة باليمين؟ ان قلنا كالاقرار فلا وان
قلنا كالبينة أجيب. ويستفيد به الغرم لا انتزاعه من الأول، لان البينة هنا حجة
على المتداعيين لا على غيرهما.
(السادسة) هل يطالب السفيه [باليمين] 1) على نفي القتل الموجب للمال؟
ان قلنا كالاقرار فلا لان غايته النكول فيحلف المدعي فيكون كاقرار السفيه وهو
غير مسموع، وان قلنا كالبينة طولب.
ويحتمل مطالبته باليمين ولو قلنا كالاقرار، لأنه قد يحلف فتسقط الخصومة
وهو أولى من بقائها.
(السابعة) لو ادعى على المفلس فأنكر وحلف المدعي ان قلنا كالبينة شارك
الغرماء وان قلنا كالاقرار بنى على المشاركة بالاقرار. وعلى القول بأن البينة إنما
يتعلق بالمتداعيين لا يشارك على التقديرين.
(الثامنة) لو ادعى بقتل الخطأ وثبت باليمين المردودة وجبت الدية
على العاقلة ان جعلناها كالبينة والا فعلى المدعى عليه. ولافرق بين المفلس وغيره
هنا الا في مشاركة الغرماء وعدمه، ويجئ الكلام السالف الا أن يقال: العاقلة
ليست أجنبية هنا، إذ هي قائمة مقام الجاني في الخطأ، وهو بعيد.
(التاسعة) لو ادعى كل من الأختين زوجيته وصدق إحداهما فهل للأخرى

1) ليس " باليمين " في ص.
516

احلافه؟ الأقرب نعم، لان المقصود المهر. وأما النكاح فمرفوع بانكاره، فان
نكل حلفت ويبطل نكاح أختها ان قلنا كالبينة، ويرد الكلام الأول.
(العاشرة) لو قال في عين بيده هي لاحد هذين، ثم عين زيدا فهل لعمرو
احلافه؟ فيه ما سبق.
(الحادية عشر) لو ادعى عليه عينا في يده فقال هي لفلان وصدقه فلان أخذها
وهل للمدعي احلاف المصدق ان قلنا بالغرم فنعم والا ففيه ما سبق.
(الثانية عشر) لو زوجها أحد الوليين برجل والاخر برجل، أو ادعى زوجيتها
اثنان فصدقت في الصورتين أحدهما ثبت نكاحه، وهل يحلف للاخر 1) ان قلنا
بالغرم حلفت والا بنى على الوجهين.
وأما انتزاعها من الأول للثاني عند يمينه ففيه ما تقدم، وكذا لو انتزع العين
من المصدق أولا في المسألة السابقة.
(الثالثة عشر) لو باع أحد الشريكين سلعة بينهما وهو وكيل وفي القبض فادعاه
المشتري عليه وصدقه الشريك فأنكر البائع حلف لهما، فلو نكل البائع عن
اليمين للشريك فحلف الشريك استحق نصيبه وللبائع المطالبة بنصيبه للمشتري
بعد يمينه على عدم القبض. ولو قلنا اليمين [المردودة] 2) كالبينة وأنها حجة على
الخارج لم يكن له مطالبة المشتري.
الرابعة والعشرون:
اليمين لنفي شئ لا يكون لاثبات غيره، ولها صور كثيرة:

1) في ص: الاخر.
2) ليس " المردودة " في ك.
517

(الأولى) إذا اختلف البائع والمشتري في قدم العيب حلف البائع مع عدم
البينة والقرينة ويحلف على القطع، فلو اختلف بعد ذلك في الثمن 1) وقلنا
بالتحالف أو كان الاختلاف في تعيين الثمن وان التحالف فيه هو 2) الأقرب ففسخ
البيع اما بالحلف أو بغيره على اختلاف فيه فطلب البائع من المشتري أرش
العيب الذي اختلفا فيه أولا بناءا على أنه استقر انه حادث بيمين البائع لم
يكن له ذلك، لان يمينه كانت لنفي الغرم عنه أو الرد، فلا يصلح لشغل ذمة المشتري
بل يحلف الان المشتري على أن هذا العيب ليس بحادث، فان حلف برئ ولا
يثبت تقدمه بحيث يطالب المشتري بأرشه، وان رد اليمين أو نكل حلف البائع
الان على حدوثه فاستحق أرشه، سواء قلنا يمين الرد كالاقرار أو كالبينة.
(الثانية) لو قذفه بالزنا فلما دعاه للحد طلب منه يمينا على نفي الزنا وقلنا
بقول الشيخ بثبوت اليمين هنا فنكل أو ردها على القاذف فحلف القاذف أنه
زنى سقط حد القذف عنه ولا يجب على المقذوف حد الزنا، سواء قلنا كالاقرار
أولا، لأن هذه اليمين كانت لدفع حد القذف ولا يجب لا لاثبات الزنا على المقذوف.
وليس هذا كاللعان في أن نكول الزوجة عنه يوجب عليها الحد.
(الثالثة) لو أقر الوكيل في البيع وقبض الثمن بهما وأنكر الموكل القبض
قيل حلف الوكيل لاستيمانه، فلو خرج المبيع مستحقا ورجع المشتري على الوكيل
بالثمن لجهله بالوكالة لم يكن للوكيل أن يرجع على الموكل ببذل الثمن بناءا
على تلك اليمين، لان يمينه كانت لنفي الغرم عنه لا لشغل ذمة الموكل، بل القول
الان قول الموكل في عدم القبض مع يمينه، فلو ردها على الوكيل أمكن القول

1) في ص: في اليمين.
2) ليس " هو " في ص.
518

بحلفه وبراءته حينئذ، سواء قلنا يمين الرد كالاقرار أو كالبينة. وغير ذلك من
الصور.
الخامسة والعشرون:
الشهادة والرواية يشتركان في الجزم وينفردان في أن المخبر عنه ان أمرا
عاما لا يختص بمعين فهو الرواية كقوله عليه السلام " لا شفعة فيما لا يقسم " 1) فإنه شامل لجميع الخلق إلى يوم القيامة، وإن كان لمعين فهو الشهادة كقوله عند
الحاكم: أشهد بكذا لفلان.
ثم إن كل شرط لهما فهو معتبر عند الأداء لا التحمل الا الطلاق قطعا،
والبراءة من ضمان الجريرة على قول، ولا يعتبر الزوال 2) قبل البلوغ وان صح
تحمله.
ومن العامة من اعتبرها، وفرعوا جواز تدبيره ووصيته وأمانه كافرا واسلامه
مميزا، وقد يقع اللبس بينهما في صور:
(الأولى) رؤية الهلال، فان الصوم مثلا لا يتشخص لمعين فهو رواية، ومن
اختصاصه بهذا العام دون ما قبله وما بعده بل بهذا الشهر 3) فهو كالشهادة، ومن
أنه اختلف في التعدد.
(الثانية) المترجم عند الحاكم من حيث نصبه عاما للترجمة ومن اخباره عن
كلام معين، والأقوى التعدد في الموضعين.

1) البخاري في " باب بيع الشريك من شريكه " وما بعده. وفيه: الشفعة في كل
مال - أو - في كل ما لم يقسم. وفى الكافي 5 / 208: الشفعة لكل شريك لم يقاسم.
2) في ك: ولا تعتبر الرواية.
3) في ك: بل هذا الشهر.
519

(الثالثة) المقوم من حيث أنه منصوب لتقويمات لا نهاية لها فهو رواية، ومن
أنه الزام لمعين.
(الرابعة) القاسم من حيث نصبه لكل قسمة ومن حيث التعيين في كل قضية.
(الخامسة) المخبر عن عدد الركعات أو الأشواط من أنه لا يخبر عن الزام
حكم لمخلوق بل للخالق سبحانه فهو كالرواية، ومن الزامه لمعين يتعداه.
(السادسة) المخبر بالطهارة أو النجاسة يرد فيه الشبهات. ويمكن الفرق بين
قوله طهرته ونجسته لاستناده إلى الأصل هناك وخلافه في الاخبار بالنجاسة،
أما لو كان ملكه فلا شك في القبول.
(السابعة) المخبر عن دخول الوقت.
(الثامنة) المخبر عن القبلة.
(التاسعة) الخارص. والأقرب في هذه الخمسة الاكتفاء بالواحد الا في
الاخبار بالنجاسة، الا أن يكون يده ثابتة عليه بإذن المالك.
أما المفتي فلا خلاف في أنه لا يعتبر فيه التعدد، وكذا الحاكم لأنه ناقل
عن الله تعالى إلى الخلق فهو كالراوي، ولأنه وارث النبي صلى الله عليه وآله
والإمام عليه السلام الذي هو واحد.
وأما قبول الواحد في الهدية وفي الاذن في دخول دار الغير فليس، لأنه
رواية، إذ هو حكم خاص لمحكوم عليه خاص، بل هو شهادة لكن اكتفى فيها
بالواحد عملا بالقرائن المفيدة للقطع، ولهذا قيل " وإن كان صبيا ".
ومنه اخبار المرأة في اهداء العروس إلى زوجها.
ولو قيل بأن هذه الأمور قسم ثالث خارج عن الشهادة والرواية وإن كان
520

مشبها للرواية كان قويا وليس اخبارا، ولهذا لا يسمى الامر المخبر عن قوله 1)
شاهدا ولا راويا مع قبول قوله وحده، كقوله " هذا مذكى وهذا ميتة " لما في
يده، وقول الوكيل " بعث " أو " أنا وكيل " أو " هذا ملكي ".
ولا يرد على الفرق أن من الشهادات ما يتضمن العموم كالوقف العام والنسب
المتصل إلى يوم القيامة وكون الأرض عنوة أو صلحا، ومن الروايات ما يتضمن
حكما خاصا كتوقيت الصلوات بأوقاتها المخصوصة، لان العموم هنا عارض.
وفي الحقيقة التعيين هو المقصود بالذات، فإنها شهادة على الواقف وهو شخص
واحد، وليس العموم من لوازم الوقف.
وكذا النسب المشهود عليه الحاق معين بمعين والعموم طرا عليه، وأما
أوقات الصلاة وان كانت متحدة بحسب صلاة صلاة الا أنها شرع عام على جميع
المكلفين.
فروع:
(الأول) لو روى أحد المتنازعين رواية يقضي الحاكم له 2) أو العبد رواية
تقتضي عتقه، فالأقرب السماع لان العموم مع وصف العدالة 3) يمنع التهمة مع
الخصوص. 4)

1) في ك: الأمي المخبر عن فعله. وفى الهامش: لو قال العامي كان أحسن لان الأمي
في عرف الفقهاء من لا يحسن الفاتحة، ويمكن ان يراد بالأمي هنا من لا يحسن شيئا فيكون
فائدة التخصيص التنبيه بالأدنى على الاعلى.
2) في ك: تقتضي الحكم له.
3) في ك: مع وازع العدالة.
4) في ك: في الخصوص.
521

(الثاني) معنى " شهد "، حضر، ومنه " ومن شهد منكم الشهر فليصمه " 1)،
وأخبر ومنه " الشهادة عند الحاكم "، أو بمعنى علم وعلى ذلك 2) سمي " شهيد "
أي عليم، وقوله تعالى " شهد الله أنه لا إله إلا هو " 3) يحتمل الاخبار والعلم،
ومعنى " روى " تحمل، فراوي الحديث تحمله عن شيخه، ومن ثم سمي البعير
رواية لحمله الماء، وأطلق عليه " المزادة " 4) للمجاورة، وليس هذا من باب
أروى [وروى] 5) والا لقيل مروية ومروية.
(الثالث) رجح الأصحاب في بعض الصور الشهادة بالأعدل فالأكثر كما في
الرواية، ومنع بعضهم الامرين، وآخرون الترجيح بالعدد، لان الحاكم نصب
لدرء الخصومة وقطع المنازعة.
ولو فتح باب الكثرة أمكن [طلب] 6) الخصم الامهال ليحضر شهودا أكثر
ولو زورا فإذا أحضر أمكن خصه طلب مثله فيتمادى النزاع، بخلاف العدالة
فان العدالة لا يستفاد الا من الحاكم، فلا يمكن السعي في زيادتها.
وهذا خيال واه، لأنا نمنع الامهال أو لابل يحكم الحاكم بحسب الحال
للحاضر لما كان الامهال يؤدي إلى هذا الاخلال. سلمنا لكن المراد بالأعدل
ظاهرا، وقد يسعى في تحصيل أعدل ظاهرا أيضا.

1) سورة البقرة: 185.
2) كذا في النسختين وفى القواعد: ومنه على كل شئ شهيدا أي عليم.
3) سورة آل عمران: 18.
4) في ص: على المرادة.
5) ليس " وروى " في. أي ليس " رواية " من باب الافعال والتفعيل والا يقال:
مروية كمكرمة ومروية كمصرفة.
6) ليس " طلب " في ص.
522

ولو زورا فان العصمة إذا ارتفعت اتسع المجال، فالمحذور لازم، ولأنه
من القضايا ما يمكن فيها تكثير الشهود وتبديلهم، كالشهادة على بيع من معين،
فإنه يمكن أن يحضر جماعة فيأتي ببعضهم ثم يسعى لا كمال الباقي، أو على اقرار
فيسعى لسماع الاقرار ثانيا وثالثا، وذلك يمكن في الكثرة والأعدلية.
السادسة والعشرون:
يعتبر في الشهادة العلم لقوله تعالى " الا من شهد بالحق وهم يعلمون " 1)
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: على مثلها فاشهد - وأشار إلى الشمس.
ولدخوله تحت عموم " وان تقولوا على الله مالا تعلمون " 2) في التحريم والمعتبر
في علم الشاهد حال التحمل.
ولا يشترط استمراره في كثير من الصور، كالشاهد بدين أو ثمن مبيع أو
ملك لوارث 3) مع امكان أن يكون قد وقع 4) الدين وثمن المبيع وباع المورث،
وكالشهادة بعقد بيع أو إجارة مع امكان الإقالة بعده. والمعتمد في هذه الصور
إنما وهو الاستصحاب 5).
أما الشهادة على السبب 6) والولاء فإنهما على القطع، لامتناع انتقالهما،
وكذا الشهادة على الاقرار [فإنه اخبار عن وقوع النطق الزمان الماضي.

1) سورة الزخرف: 86.
2) سورة البقرة: 169.
3) في هامش ص: الموروث.
4) في ص: قد دفع.
5) في ك: الاستحضار.
6) في ك: على النسب.
523

وأما الشهادة بالوقف فان منعنا بيعه فهي من قبيل القطع]. 1)
السابعة والعشرون:
كل كافر لا تسمع شهادته ولو على مثله الا في الوصية مع عدم عدول
المسلمين للآية 2). وقال الشيخ في أحد قوليه: يجوز شهادته على مثله.
دليل القول الأول قوله تعالى " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم
القيامة " 3) وقال عليه السلام: لا تقبل شهادة عدو على عدوه. ولان رد شهادة
الفاسق يستلزم رد شهادته. والأول ثابت بقوله تعالى " وأشهدوا ذوي عدل منكم " 4)
وفي قوله " منكم " اشتراط الاسلام، وبقوله " يا أيها الذين آمنوا ان جائكم
فاسق بنبأ فتبينوا " 5) ولقوله عليه السلام: لا يقبل شهادة أهل دين على غير أهل
دينه الا المسلمين 6)، فإنهم عدول عليهم وعلى غيرهم.
ويشكل بأن مفهومه قبول شهادتهم على أهل دينهم، ولان من لا يقبل شهادته
على مسلم لا يقبل على غيره، كالعبد عند بعض وعند العامة. وهذا الزام.
دليل القول الآخر آية المائدة 7).
وإذا قبلت شهادته على المسلمين فعلى مثله أولى، لما ثبت أن النبي صلى

1) ليس ما بين القوسين في ص.
2) إشارة إلى الآية 106 من سورة المائدة.
3) سورة المائدة 64.
4) سورة المائدة 106.
5) سورة الحجرات: 6.
6) راجع الكافي 7 / 398، التهذيب 6 / 252.
7) سورة المائدة 106. في نسخة من القواعد: لاخر آية المائدة.
524

الله عليه وآله وسلم رجم اليهودي واليهودية لما جاءت اليهود بهما وذكروا
زناهما. والظاهر أنه رجمهما بشهادتهم، فقد روى الشعبي أنه " ص " قال: ان
شهد منكم أربعة رجمتهما.
ولان الكافر تزوج ابنته بالولاية، ويؤتمن لاية القنطار. وبما رواه سماعة
عن الصادق عليه السلام في شهادة أهل الملة قال: لا تجوز الاعلى ملتهم، فإن لم
تجد غير هم جازت شهادتهم في الوصية، لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد 1).
ولرواية ضريس الكناسي عن الباقر عليه السلام في شهادة أهل الملة على
غير أهل ملتهم. فقال: لا الا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم، فإن لم يوجد
غيرهم جازت شهادتهم في الوصية، لأنه لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم ولا يبطل وصيته. 2)
والجواب: الجواز في الوصية للضرورة كما أشار إليه الحديثان، ونقل 3)
أن اليهوديين اعترفا بالزنا، ونقل أنه إنما 4) رجمهما الا بالوحي، لان الرجم لم
يكن حدا للمسلمين حينئذ. والتورية لا يجوز الاعتماد عليها لتحريفها.
والفرق في الولاية أن وازع الولاية طبيعي بخلاف الشهادة، فان وازعها
ديني. وعن آية الأمانة أنها لا تستلزم قبول الشهادة، فان الفاسق يقبل قوله في
تلف أمانته ولا تقبل شهادته، مع أن فيها قولهم " ليس علينا في الأميين سبيل "
ومن أين لنا ان هذين الشاهدين لا يقولان هذا القول.

1) الكافي 7 / 398، التهذيب 6 / 252.
2) الكافي 7 / 399، التهذيب 6 / 253.
3) في ك: وقيل.
4) ليس " إنما " في ص.
5) في النسختين والقواعد هكذا.
525

ويعارض الجميع بقوله تعالى " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة " 1)
وبقوله تعالى " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات " 2).
وفيه نظر، لان الاستواء غير حاصل على تقدير قبول شهادتهم على أهل
الذمة، لان المسلمين مقبولو الشهادة على الاطلاق، وشهادة هؤلاء مقصورة
على أهل ملتهم.
وزعم بعض العامة أن آية المائدة منسوخة بقوله تعالى " وأشهدوا ذوي
عدل منكم " 3) ولم يثبت مع أن المائدة [من] آخر القرآن نزولا.
تتمة:
لا تسمع شهادة الفاسق، لما تقدم ولقوله تعالى " ممن ترضون من الشهداء " 4)
والفاسق غير مرضي، والمراد به من فعل كبيرة أو أصر على صغيرة. وقيل من
ترك واجبا أو محرما. والأول أقوى للزوم الحرج، إذ لا يتحقق الثاني الا في المعصوم.
وهنا فوائد:
تتضمن قواعد:

1) سورة الحشر: 20.
2) سورة الجاثية: 21.
3) سورة الطلاق: 2.
4) سورة البقرة: 282.
526

الأولى:
كلما توعد عليه الشرع بخصوصه فإنه كبيرة، وقد ضبط ذلك بعضهم فقال 1):
هي الشرك بالله، والقتل بغير حق، واللواط، والزنا، والفرار من الزحف،
والسحر، والربا، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والغيبة بغير حق،
واليمين الغموس، وشهادة الزور، وشرب الخمر، واستحلال الكعبة، والسرقة
ونكث الصفقة، والتعرب بعد الهجرة، واليأس من روح الله تعالى، والامن
من مكر الله سبحانه وعقوق الوالدين، وكلما ورد 2) في الحديث منصوصا عليه
بأنه كبيرة وورد أيضا التهمة وترك السنة، ومنع ابن السبيل فضل الماء، وعدم التنزه من البول، والتسبيب إلى شتم الوالدين، والاضرار في الوصية.
وهناك عبارات أخرى في حد الكبيرة، منها: كل معصية توجب الحد، ومنها:
التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بكتاب أو سنة، ومنها: كل جريمة تؤذن بقلة
اكتراث 3) فاعلها بالذنب، ومنها: كل معصية توجب في جنسها الحد.
وهذه الكبائر المعدودة عند التأمل ترجع إلى ما يتعلق بالضروريات الخمس
التي هي مصلحة الأديان والعقول والنفوس والأنساب والأموال:
فمصلحة الدين منها ما يتعلق بالاعتقاد، وهو اما كفر أو شرك بالله تعالى أوليس
بكفر، وهو بترك السنة إذا لم ينته إلى الكفر، ويدخل فيه مقالات المبتدعة

1) في ص ليس " بعضهم قال " وبدله: فقيل.
2) في ك: وكل هذا ورد.
3) في حديث: لا يكترث لهذا الامر، أي لا يعبأ به ولا يباليه. ولا يستعمل الا
في النفي وقد جاء في الاثبات على شذوذ.
527

من الأمة كالمرجئة 1) والخوارج والمجسمة.
وقد يكون في الاعتقاد في نفسه خطأ وان لم يسم كفرا ولا بدعة، كالامن
من مكر الله واليأس من روح الله. ويدخل فيه كل ما أشبهه كالسخط بقضاء الله

1) قال في مجمع البحرين: وقد اختلف في المرجئة فقيل: هم فرقة من فرق الاسلام
يعتقدون انه لا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم
ان الله أرجى تعذيبهم أي عن المعاصي أي أخره عنهم، وعن أبي قتيبة أنه قال: هم الذين يقولون
الايمان قول بلا عمل لأنهم يقدمون القول ويؤخرون العمل. وقال بعض أهل المعرفة بالملل:
ان المرجئة هم فرقة الجبرية الذين يقولون إن العبد لا فعل له وإضافة الفعل إليه بمنزلة
اضافته إلى المجازات كجرى النهر ودارت الرحا. وإنما سميت المجبرة مرجئة لأنهم يؤخرن
أمر الله ويرتكبون الكبائر، وفى المغرب نقلا عنه: سموا بذلك لارجائهم حكم أهل الكبائر
إلى يوم القيامة، وفى الأحاديث: المرجئ يقول من لم يصل ولم يصم يغتسل من
جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على ايمان جبرئيل وميكائيل - إلى آخر ما قال - ولهم ذكر
في مرآة العقول 7 / 248، بحار الأنوار 68 / 297، شرح أصول الكافي للعلامة المولى
صالح المازندراني 8 / 116 وقال العلامة المحقق الشعراني رحمة الله عليه
في تعليقه على هذا الشرح: هم " أي المرجئة " والخوارج على طرفي النقيض كان هؤلاء يعتقدون كفر الفساق
وهم على غاية البغض والعداوة مع بنى أمية الولاة في عصرهم والمرجئة كانوا يعتقدون
تساوى الصالح والطالح والعابد والفاسق في الفضل عند الله وكانوا متملقين ومائلين إلى
ولاتهم وكان يؤيدهم سياسة بنى أمية أو جدتهم وروجت آرائهم بين المسلمين - إلى أن قال
رحمة الله - فاخترعوا لهم مذهب المرجئة وغرضهم ان بنى أمية مسلمون مؤمنون وان ظهر
منهم الفجور والقتل والمناهي وهم والصلحاء سواء عند الله في الفضل فيجب مودتهم والمصافاة
معهم واعانتهم في التدبير الملكي ونصرهم في جهاد عدوهم وبالجملة دفع تنفر الناس وما
يلزمه ولما كان هذا من أضر الآراء في فرق الاسلام بل منافيا لأصل تشريع هذا الدين وكل
دين لولا احتمال الشبهة الممكنة في حقهم لحكم بكفرهم لمخالفتهم ضروري الاسلام
بل ضروري كل دين ولانتفى فائدة ارسال الرسل وانزال الكتب ولم يبق للطاعات واكتساب
الفضائل ومكارم الأخلاق موقع. رد الأئمة عليهم السلام في هذه الأحاديث رأيهم ومذهبهم.
528

سبحانه والاعتراض في قدره، وقد يكون من أفعال القلوب المتعدية كالكبر
والحسد والغل 1) للمؤمنين.
ومن مصالح الدين ما يتعلق بالبدن: اما خاص كالالحاد في الحرم، فيدخل
فيه شبهة، كإخافة المدينة الشريفة والالحاد فيها، والكذب على النبي والأئمة
صلوات الله عليهم أجمعين. واما متعدي وقد نص منها 2) على النميمة والسحر
والفرار عن الزحف ونكث الصفقة لان ضرره متعد.
وأما مصلحة النفس فكالقتل بغير حق، فيدخل فيه جناية الطرف.
وأما العقل فشرب الخمر، ويدخل فيه كل مسكر، وأكل الميتة وسائر
النجاسات في معناه لاشتمال الخمر على النجاسة.
وأما الا نساب فالزنا واللواط، ويدخل فيهما القيادة. وعن النسب عقوق
الوالدين والاضرار في الوصية.
الثانية:
جاء في الحديث " لا صغيرة مع الاصرار ". والاصرار اما فعلي وهو
المداومة على نوع واحد من الصغائر بلا توبة، أو الاكثار من جنس الصغائر
بلا توبة، واما حكمي وهو العزم على فعل الصغيرة بعد الفراغ منها اما من فعل
الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها، فالظاهر أنه غير مصر.
ولعله مما يكفره الأعمال الصالحة من الصلاة والصيام والوضوء كما جاء في الاخبار.

1) الغل بالكسر: الحقد والبغض.
2) في ص: فمنها.
529

الثالثة:
التوبة بشروطها تزيل الكبائر والصغائر، وهل يشترط الاستبراء مدة تظهر
فيها توبته وصلاح سريرته كما قال تعالى " الا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " 1)؟
الظاهر ذلك، لأنا لا نتحقق التوبة بدونه.
ولا تقدير لتلك المدة وقدرها بعض العامة بسنة أو نصفها. وهو تحكم،
إذا المعتبر ظن صدقه في توبته، وهو يختلف بحسب الأشخاص والأحوال
المستفادة من القرائن.
على أن بعض الذنوب يكفي في التوبة منها تركها بمجرده من غير استبراء
كمن عرض عليه القضاء مع وجوبه فامتنع ثم عاد، أو أوصى إليه وعلم بعد
الموت فامتنع وعاد، أو [من] تعينت عليه الشهادة فامتنع وعاد، أو عضل المرأة
عن التزويج ثم عاد.
ويظهر من كلام الشيخ رحمه الله عدم الاستبراء بالكلية، لأنه قال في المشهور
بالفسق يقول له الحاكم " تب أقبل شهادتك ".
الرابعة:
كل مسلم أخبر عن أمر ديني يفعله فالظاهر قبوله. وهذه مخرجة من قبول
قول الصحابي أمرنا بكذا أو أمرنا النبي صلى الله عليه وآله بكذا أو نهى
عن كذا، لأن الظاهر من حال الصحابي تثبته 2) ومعرفته باللغة، فلا يطلق ذلك الا بعد تيقن ما هو أمر أو نهي.

1) سورة آل عمران: 89.
2) في ص: تثبيه.
530

وفي هذه القاعدة مسائل، كاخبار المسلم بوكالته في مبيع أو وصية أو بأن
ما في يده طاهر أو نجس أو بأنه طهر الثوب المأمور بتطهيره.
تنبيه:
يشترط في بعض هذه الأمور هنا ذكر السبب عند اختلاف الأسباب، كما
لو أخبر بنجاسة الماء فإنه يمكن أن يتوهم ما ليس بسب سببا وان كانا عدلين.
اللهم الا أن يكون المخبر فقيها يوافق اعتقاده اعتقاد المخبر.
ومنه عدم قبول شهادة النساء 1) باستحقاق الشفعة أو بأن بينهما رضاعا محرما
لتحقق الخلاف في ذلك أو بأولية شهر أو بإرث زيد من عمرو أو بكفره، والصور كثيرة.
ويشكل منها لو شهدا بانتقال الملك من زيد إلى عمرو ولم يبينا [سبب
الانتقال، أو بأن حاكما جائز الحكم حكم بهذا ولم يبينا] 5 2)، أو شهدا على
من باع عبدا من زيد [انه عاد إليه من زيد] 2) ولم يبينا إقالة أو بيعا مثلا.
وبالجملة لا ينبغي للشاهد أن يرتب 3) الأحكام على أسبابها، بل وظيفته أن
ينقل ما سمعه منها من اقرار أو عقد بيع أو غيره أو ينقل ما رآه، وإنما ترتبت
المسببات وظيفة الحاكم، فالشاهد متغير 4) والحاكم متصرف.

1) في ص: الشاهد.
2) ما بين القوسين ليس في ص
3) في ص: ان يثبت.
4) في ك: فالشاهد سفير.
531

الثامنة والعشرون:
ذكر الشاهد السبب قد يكون سببا كما في صورة 1) الترجيح، وقد يكون
فعله وتركه سواء، كما في صور كثيرة. وقيل: قد يكون ذكر السبب قادحا في
الشهادة كما لو قال " أعتقد أن هذا ملكه " للاستصحاب وإن كان في الحقيقة
مستندا إلى الاستصحاب، وكذا لو صرح بأن هذا ملكه علمته بالاستفاضة.
وهذا ضعيف، لان الشرع جعل الاستفاضة من أسباب 2) التحمل فكيف يضر
ذكرها، وإنما ضر ذكر الاستصحاب ان قلنا به لأنه يؤذن بشكه في البقاء ولو
أهمل ذكره وأتى بصورة الجزم زال الوهم. ولو قيل بعدم الضرر أيضا كان قويا.
وكذا الكلام لو قال هو ملكه لأني رأيت يده عليه أو رأيته يتصرف فيه
بغير منازع. وغاية ما في الباب أن يقال: إن الشاهد ليس له وظيفة ترتب
المسببات على الأسباب إنما يشهد بما يعلم، وإنما ذلك وظيفة الحكام. قلنا:
إذا كان الترتيب شرعيا وحكاه الشاهد فقد حكى صورة الواقع فكيف ترد شهادته
بما هو مستندها في الحقيقة.
فائدة:
لو شاهد ماء الغير يجري على سطح آخر أو في ساقيته 3) مدة طويلة بغير
منازعة فهل للشاهد أن يشهد بالاستحقاق؟ الظاهر لا، صرح بذلك أولا.
وقال بعض العامة: يجوز كونه سببا للتحمل، ولو صرح به ردت شهادته،

1) في ص: في صور.
2) في ص: من باب.
3) في ك: أو في ساحته.
532

وهو من النمط الأول. وربما رجحوا هذا المأخذ بأن شاهد الرضاع لا يكفي
قوله شاهدته ممتصا للثدي يحرك شفتيه ثم ثم حلقومه، وإن كان مستند الشهادة
بالرضاع ذلك.
قال شيخنا: قلنا وما المانع من صحة هذه الشهادة على هذا الوجه وهل النزاع الا فيها.
أقول: الحق أن ذكر الشاهد السبب يوهم شكه وعدم قطعه بالمشهود به 1)
وغير خفي أن المعتبر في الشهادة العلم والجزم. والحق الصريح التفصيل،
وهو أنه إذا ذكر السبب واقتصر عليه لم تسمع شهادته، لأن هذه الأسباب إنما
تصح الشهادة بها إذا أفادت البينة القطع 2) ولم يتعرض له الشاهد هنا فترد شهادته
وان ذكر السبب وقال وأنا أشهد بصورة الجزم [لم يضر ذكر السبب، وكذا
لو صرح وقال مستند شهادتي السبب المعين الذي حصل لي منه القطع] 3) أو
الذي يجوز الشهادة به وكان من أهل المعرفة، فإنه تسمع شهادته في الصورتين.
التاسعة والعشرون:
في شئ من توابع القضاء. ثبت عندنا قولهم عليهم السلام " كل أمر مجهول
فيه القرعة " 4)، وذلك لان فيها عند تساوي الحقوق والمصالح وقوع التنازع دفعا
للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الاقدار 5) وقضاء الملك الجبار.

1) في ص: بالمشهود فيه.
2) في ك: إذا أفاده الشاهد القطع
3) ليس ما بين القوسين في ص.
4) النهاية: 346، البحار 104 / 325، التهذيب 9 / 258.
5) في ص: الاقرار.
533

ولا قرعة في الأمانة الكبرى، لأنها بالنص عندنا، وإنما مواردها في غيرها وهي أنواع:
1 - أئمة الصلاة عند الاستواء في المرجحات
2 - بين أولياء الميت في تجهيزه مع الاستواء
3 - بين الموتى في الصلاة والدفن مع الاستواء في الأفضلية وعدمها.
4 - بين المزدحمين في الصف الأول مع استوائهم في الورود.
5 - في العقود في المسجد أو الموضع المباح.
6 - في الحيازة واحياء الموات.
7 - في التقديم في الدعاوي والدروس الا أن يكون فيهم مضطر بسفر أو أمر.
8 - بين الزوجات في السفر وابتداء القسمة لو سيق إليه زوجات دفعة.
9 - بين الموصى بعتقهم أو المنجز من غير ترتيب.
10 - عند تعارض البينتين.
11 - تعارض الدعويين.
12 - تخصيص الحصة بعد القسمة.
ولا يستعمل في العبادات في غير ما ذكرناه ولا في الفتاوى والأحكام المشتبهة اجماعا.
فائدة:
إنما روعيت القرعة في العبيد ولم يسع 1) العتق فيهم لوجوه:

1) ساع الماء يسع سيعا أي جرى واضطرب. في ك: لم يشيع، في القواعد: لم يشع.
534

(الأول) ما روي أن رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه ولا مال له غيرهم
فجزأهم النبي صلى الله عليه وآله أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.
(الثاني) اجماع التابعين على ذلك، مثل زين العابدين عليه السلام قوله
عندنا حجة وعمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد وابان بن عثمان وابن سيرين
وغيرهم، ولم ينقل في عصرهم خلاف في ذلك.
(الثالث) ان في الاستعساء مشقة وضررا على العبد بالالزام
وعلى الوارث
بتأجيل الحق وتعجيل حقوق العبد، والأصول تقتضي تصرف الوارث في الثلثين
عند تصرف الموصى له في الثلث.
(الرابع) أن المقصود من العتق تفرغ المعتق في الطاعات ووجوه الاكتساب
وهو مما لا يحصل الا بالاكمال والتجزية تمنع ذلك في الحال وقد يستمر في المآل.
احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام " لا عتق الا فيما يملك ابن آدم " 1)
و " المريض لا يملك سوى الثلث " 2)، وهو شائع في الجميع فينفذ عتقه فيه.
والخبر حكاية حال في عين لا عموم لها، واثنان يحتمل أن يكونا شايعين لا معينين
لقضاء العادة باختلاف قيمة العبيد، فيتعذر غالبا أن يكون اثنان معينان ثلث ماله.
ولان القرعة على خلاف القرآن لأنها من الميسر وخلاف القواعد، لان
فيه تحويل الحرية بالقرعة. ولأنه لو أوصى بثلث كل واحد صح وحمل على
الإشاعة، وكذا إذا أطلق قياسا عليه وعلى حالة الصحة، ولأنه لو باع ثلث عبيده

1) التهذيب 8 / 249، الكافي 6 / 63، الفقيه - روضة المتقين 6 / 291، الوسائل
16 / 8، قرب الإسناد: 47 بألفاظ مختلفة والمنعى واحد.
2) الكافي 7 / 8، التهذيب 9 / 188.
535

كان شائعا، والعتق أقوى من البيع لان البيع يلحقه الفسخ والعتق لا يلحقه الفسخ
فهو أولى بعدم القرعة لان فيها تحويل العتق، ولأنه لو كان مالكا لثلثهم فأعتقه
لم يجمع ذلك في اثنين منهم، والمريض لا يملك غير الثلث فلا يجمع في
اعتاقه، إذ لا فرق بين عدم الملك والمنع من التصرف، ولان مورد القرعة ما يجوز
التراضي عليه فالحرية في حال الصحة لما لم يجز التراضي على انتقاضها لم تجز
القرعة فيها والأموال يجوز التراضي فيها فتدخل فيها القرعة.
أجيب: بأن العتق لم يقع الا فيما يملك، لأنه ملكه منحصر في اثنين.
والخبر تمهيد لقاعدة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: حكمي على الواحد
حكمي على الجماعة 1). والحمل على اثنين شائعين باطل والا لم يكن للقرعة معنى.
واتقاق القيمة ممكن وقد كان واقعا في تلك القضية.
وليست القرعة من الميسر في شئ، لأنه قمار والقرعة ليست قمارا، لاقراع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أزواجه، واستعملت القرعة في الشرائع السالفة
بدليل قوله تعالى " فساهم فكان من المدحضين " 2) وقوله تعالى " إذ يلقون أقلامهم
أيهم يكفل مريم " 3).
وليس هنا نقل الحرية وتحويلها، لان عتق المريض لا يستقر الا بموته
مع الشرائط، ولهذا لو طرأ الدين المستوعب بطل وغير المستوعب يقدم.
وفرق بين الوصية والبيع وبين العتق، لان الغرض من العتق التخليص للطاعة

1) البحار 2 / 272 عن عوالي اللئالي.
2) سورة الصافات: 141.
3) سورة آل عمران: 44.
536

والتكسب والغرض من البيع والوصية التمليك وهو حاصل مع الإشاعة، بخلاف
العتق فإنه لا يحصل غايته الا بتكميله، وقد قدمنا أنه لا تحويل في العتق.
والفرق بين مالك الثلث فقط وبين هذا عدم التنازع فيه بخلاف صورة
الخلاف. ولا نسلم أن العتق لا يجزي فيه التراضي، لأنه لو رضي الوارث فتنفذ 1) الوصية عتق الجميع.
الثلاثون: في القسمة
لما كانت الشركة من النقائص 2) التي يتنزه عنها ولهذا تنزه عنها مقام الربوبية
ولما يترتب عليها من الفساد كما أشار سبحانه " لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا " 3)
في تمانع التصرفات، ولمنافاتها مقام الامتنان بالانتفاعات الخالصة من المعارض
بقوله تعالى " خلق لكم ما في الأرض " 4) وقال عليه السلام " الناس مسلطون
على أموالهم " 5).
شرعت القسمة لإزالة ذلك، وهي عبارة عن تمييز حقوق الملاك، فيستحب
للامام نصب قاسم أهل للأمانة عارف بقواعد الحساب، وليس ذلك شرطا في من تراضى به الخصمان.
وللحاكم القسمة بين أصحاب اليد وان لم يثبت عنده الملك، ومنعه الشيخ.

1) في ك والقواعد: بتنفيذ.
2) في ص: من النقايض.
3) سورة الأنبياء: 23.
4) سورة البقرة: 29. وفى ص " خلق لكم ما في السماوات والأرض " ولم أعثر
على هكذا آية.
5) البحار 2 / 272.
537

نعم لا يستحل بالملك الا بقضاء اليد 1).
ولو كان أحد الشريكين طفلا أجبر وليه 2) على القسمة في موضع الاجبار،
وان لم يكن غبطة لكن هو لا يلبها الا مع الغبطة.
وتمام البحث هنا بفوائد:
(الأولى) لو اشتملت على تقويم لم يكف الواحد 3) بل لابد من العدلين،
لاستلزام اثبات حق في البين الا مع رضى الشريكين.
(الثانية) المنصوب من قبل الحاكم تلزم قسمته بنفس القرعة لكونها حكما
وغير المنصوب لا يلزم الا بالتراضي في قسمة الرد وأما غيرها فلا.
(الثالثة) كل متساوي الاجزاء يجبر الشركاء على قسمته مع طلب بعضهم،
ويجوز الخرص إذ ليس ذلك بيعا. قال الشيخ: والأحوط اعتبار خارصين،
ولو طلب بعضهم قسمة المتساوي بعضا في بعض لم يجبر الممتنع، ولو طلب
قسمة كل نوع على حدته أجبر الممتنع، اما مختلف الاجزاء فمع اشتمال القسمة
على ضرر الجميع لم يجز وعلى ضرر بعض وامتنع ذلك 4) المتضرر فله ذلك
ولم يجبر، ولو أذعن المتضرر وامتنع غيره فهل يجبر؟ ان فسرنا الضرر بعدم
الانتفاع بعد القسمة لم يجبر لأنه ذريعة إلى اتلاف مال منهي عنه، وان فسر بنقص
القيمة أجبر لان الناس مسلطون على أموالهم. ولعل ضرر الشركة أعظم عنده
من النقص القيمي. ومع اشتمالها 5) على ضرر مطلقا يجبر الممتنع إذا لم يتضمن

1) في ك: نعم لا يسجل بالملك الا مقيدا باليد.
2) في ص: لم يجبر وليه.
3) في ك: بكف الواحد.
4) ليس " ذلك " في ص.
5) في ك: ومع عدم اشتمالها.
538

ردا، ومع تضمنها لم يجبر.
(الرابعة) لو أمكن تعديل الثياب والعبيد وأمثالهما بالقيمة قسمت قسمة اجبار وان لم يمكن قسمت قسمة تراض. والعلو والسفل في الدار يقسم بعضا في بعض
مع امكان التعديل قسمة اجبار ومع عدمه قسمة تراض.
ولو طلب واحد قسمة العلو أو السفل كل على حدته لم يجبر صاحبه، وفي
الثوب لو نقص بالقطع لم يجبر الممتنع والا أجبر.
(الخامسة) يقسم الأرض وإن كان فيها زرع ولا يقسم، ولو اقتسماه جاز ان
ظهر سنبلا كان أو قصيلا 1)، ولو طلبا قسمة الأرض والزروع بعضا في بعض فلا
اجبار مع الرد، ومع عدمه وامكان التعديل يجبر والا فلا، وكذا القرحان 2)
المتعددة والدكاكين المتجاورة.
وقال القاضي: إذا استوت الدور والأقرحة في الرغبات قسمت بعضا في
بعض. قال: وكذا لو تضرر بعضهم بقسمة كل على حدته جمع حقه في ناحية.
(السادسة) يجوز قسمة الوقف من الطلق لا الوقف نفسه وان تعدد الواقف
والمصرف، ولو تضمنت ردا جاز من صاحب الوقف خاصة لامن صاحب الطلق
والا لكان بذلا في مقابلة بعض الوقف فيكون بيعا له. وهو باطل.
فإن كان المبذول في مقابلة الوقف فالجميع وقف، وإن كان في مقابلة عين فلا.
(السابعة) إذا أريد قسمة الأرض مثلا صححت المسألة على سهامهم 3) ثم

1) القصيل: وهو الشعير يجر اخضر لعلف الدواب.
2) القراح: المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر والجمع أقرحة. والقرحان
بضم القاف ضرب من الكمأة، الواحدة اقرح أو قرحانة.
3) في ص: على سهام.
539

عدلت بالتقويم لا بالمساحة، وجعل للسهام أول يعينه المتقاسمون والا الحاكم
ويكتب أسماؤهم لا أسماء السهام حذرا من التفريق. وتردد الشيخ في المبسوط
في كتابة الرقاع بعدد 1) الرؤوس أو بعدد السهام، نظرا إلى سرعة خروج
صاحب الأكثر وحصول الغرض.
(الثامنة) لو ظهر في المقسوم استحقاق جزء مشاع نقصت، ولو كان الجزء
متعينا واخراجه لا يخل بالتعديل لم ينقص والا نقصت.
ومن موجب النقص أن يلزم بسد طريقه أو مجرى مائه.
ولا يضمن أحد الشركاء ما يحدثه الاخر من غرس [أو بناء] 2) لو ظهر الاستحقاق.
(التاسعة) لو اقتسم الورثة ثم ظهر دين وامتنعوا من أدائه نقصت ولو امتنع
بعضهم بيع نصيبه خاصة والقسمة بحالها.
والوصية بجزء من المقسوم تبطل القسمة، بخلاف الوصية بالملك المطلق فإنها كالدين.
ولو اقتسم البعض وكان في الباقي وفاء أخرج منه الحق الواجب، فان
تلف قبل أدائه كان الحق في المقسم فينقص ان لم تؤد الورثة.
(العاشرة) لو تهايا 3) الشريكان بسكنى أحدهما بيتا والاخر آخرا وبالزمان
كشهر وشهر كان جائزا وليس بلازم، فان استوفى أحدهما غرم الأجرة للاخر،

1) في ص: تعدد.
2) ليس " أو بناء " في ص.
3) تهايا القوم تهايؤا: إذا جعلوا لكل واحد هيئة معلومة والمراد النوبة. وفى
القاموس: تهايئوا: توافقوا.
540

ولا يجبر الممتنع على المهاياة وان كانت القسمة ممتنعة. نعم ينتزعه الحاكم
ويؤجره عليهما إن كان له أجرة ويقسمها 1) بينهما بالنسبة.
(الحادية عشر) حق الاستطراق قبل القسمة ومجرى الماء عند الاطلاق
باقيان على ما كانا عليه، ومع الشرط فبحسبه حتى لو شرط سد طريق أحدهما جاز.
(الثانية عشر) لو ادعى الشريك الغلط في القسمة أو التقويم ولا بينة حلف
الاخر، وان كانت قسمة تراض واقتسما بأنفسهما، لامكان عدم علمه بها حال
القسمة قيل: ولا تقبل شهادة القاسم إن كان بأجرة والا قبلت لعدم التهمة. ولا
يحلف قاسم القاضي لأنه حاكم.
وليكن هذا آخر ما رتبناه على حسب ما وجدناه الا مسألة القسمة فاني أضفتها
إلى ما وجدته في نسخته رحمه الله وقدس روحه.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة على أكرم المرسلين محمد النبي وآله
الطاهرين.
وكتب المقداد بن عبد الله بن محمد بن حسين السيوري عفا الله عنه. رب اختم بالخير.

1) الضمير يرجع إلى العين المشتركة بينهما
541