الكتاب: الشرح الكبير
المؤلف: عبد الرحمن بن قدامه
الجزء: ٦
الوفاة: ٦٨٢
المجموعة: فقه المذهب الحنبلي
تحقيق:
الطبعة: جديدة بالأوفست
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: بعناية جماعة من العلماء

الشرح الكبير
على متن المقنع، تأليف الشيخ الإمام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد
بن قدامه المقدسي المتوفي سنة 682 ه‍ كلاهما على مذهب إمام الأئمة (أبي عبد الله أحمد بن محمد بن
حنبل الشيباني) مع بيان الخلاف سائر الأئمة وأدلتهم رضي الله عنهم
الجزء السادس
دار الكتاب العربي
للنشر والتوزيع
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب الإجارة)
والأصل في جوازها الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (فإن أرضعن لكم
فآتوهن أجورهن) وقال تعالى قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين *
قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) وروى ابن ماجة في سننه
عن عتبة بن الندر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ (طس) حتى إذا بلغ قصة موصى قال " ان
موسى عليه السلام أجر نفسه ثماني حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه " وقال الله تعالى (قال لو
شئت لاتخذت عليه أجرا) وهذا يدل على جواز أخذ الأجرة على إقامة الجدار
وأما السنة فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا رجلا من بنى الديل هاديا خريتا. وروى البخاري
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عز وجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل
2

أعطى بي ثمن غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره "
وأجمع أهل العلم في كل عصر على جواز الإجارة إلا ما يحكى عن عبد الرحمن بن الأصم أنه قال: لا يجوز
ذلك لأنه غرر يعني انه يعقد على منافع لم تخلق. وهذا غلط لا يمنع انعقاد الاجماع الذي سبق في
الاعصار وسائر الأمصار. والعبرة أيضا دالة عليها فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز
العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع، ولا تخفى حاجة الناس إلى ذلك فإنه ليس لكل
أحد دار يملكها ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها ولا يلزم أصحاب الاملاك إسكانهم وحملهم
تطوعا، وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر ولا يمكن كل أحد عمل ذلك ولا يجد متطوعا به،
فلابد من الإجارة لذلك بل ذلك مما جعله الله تعالى طريقا إلى الرزق حتى أن أكثر المكاسب
بالصنائع، وما ذكره من الغرر لا يلتفت إليه مع ما ذكرنا من الحاجة فإن العقد على المنافع لا يمكن بعد
وجودها لأنها تتلف بمضي الأوقات فاحتيج إلى العقد عليها قبل وجودها كالسلم في الأعيان. واشتقاق
الإجارة من الاجر وهو العوض، قال الله تعالى (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) ومنه سمي الثواب
أجرا لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته، أو صبره على مصيبته
* (مسألة) * (وهي عقد على المنافع تنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما، وفي لفظ البيع وجهان)
الإجارة عقد على المنافع في قول أكثر العلماء منهم أبو حنيفة ومالك وأكثر الشافعية، وذكر
3

بعضهم ان المعقود عليه العين لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فيقول أجرتك داري
ولنا أن المعقود على المستوفى بالعقد وذلك هو المنافع دون الأعيان ولان الاجر في مقابلة
المنفعة وبهذا يضمن دون العين وما كان العوض في مقابلته فهو المعقود عليه وإنما أضيف العقد إلى
العين لأنها محل المنفعة، وكما يضاف عقد المساقاة إلى البستان والمعقود عليه الثمرة، ولو قال أجرتك
منفعة داري جاز
(فصل) وهي نوع من البيع لأنها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه فهي بيع المنافع والمنافع
كالأعيان لأنها يصح تمليكها في الحياة وبعد الموت وتضمن باليد والاتلاف وتكون عوضا عينا ودينا
وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم مع كونه بيعا، فعلى هذا تنعقد بلفظ الإجارة والكراء لأنهما
موضوعان لها، وكذلك كل ما يؤدي معناهما لحصول المقصود به، وهل تنعقد بلفظ البيع؟ فيه
وجهان [أحدهما] تنعقد به لأنها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف [والثاني] لا تنعقد به لأن فيها معنى
خاصا فافتقرت إلى لفظ يدل على ذلك المعنى، ولان الإجارة تضاف إلى العين التي يضاف إليها البيع
إضافة واحدة فاحتيج إلى لفظ يعرف ويفرق بينهما كالعقود المتباينة. ولأنها عقد يخالف البيع في
الحكم والاسم أشبه النكاح
(فصل) ولا تصح إلا من جائز التصرف لأنه عقد تمليك في الحياة أشبه البيع
4

* (مسألة) * (ولا تصح إلا بشروط ثلاثة (أحدها) معرفة المنفعة إما بالعرف كسكنى الدار شهرا
وخدمة العبد سنة وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين أو بناء حائط يذكر
طوله وعرضه وسمكه وآلته)
وجملة ذلك أنه لابد من معرفة المنفعة في الإجارة لأنها المعقود عليها فاشترط العلم بها كالمبيع فإن
معرفته شرط في صحة البيع فكذلك معرفة المنفعة في الإجارة فإن بيع المجهول لا يصح اجماعا، فإن كان
لها عرف كسكنى الدار شهرا لم يحتج إلى ذكرها لأنه لا يكترى الا لذلك فاستغني عن ذكرها كالبيع
بثمن مطلق في موضع فيه نقد معروف، وخدمة العبد سنة كسكنى الدار لأنها معلومة بالعرف، وأما
إن اكترى لحمل زبرة حديد إلى موضع معين فلابد من ذكر الوزن ههنا والمكان الذي تحمل إليه
لأن المنفعة إنما تعرف بذلك
* (مسألة) * (أو بناء حائط بذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته وإجارة أرض معينة لزرع كذا
أو غرس أو بناء معلوم)
وجملة ذلك أنه يجوز الاستئجار للبناء ويقدر بالزمان والعمل، فإن قدر بالعمل فلابد من معرفة
موضعه لأنه يختلف بقرب الماء وسهولة التراب ولابد من ذكر طوله وعرضه وسمكه وآلة البناء من
طين أو لبن أو آجر أو حجارة أو شيد أو غير ذلك. قال ابن أبي موسى: وإذا استأجره لبناء الف لبنة
5

في جدار أو استأجره يبني له فيه يوما فعمل ما استؤجر عليه ثم سقط الحائط فله أجره لأنه وفى العمل
فإن قال ارفع لي هذا الحائط عشرة أذرع فرفع بعضه فسقط فعليه إعادة ما سقط وإتمام ما وقعت عليه
الإجارة من الذرع، هذا إذا لم يكن سقوطه في الأول لأمر من جهة العامل فأما ان فرط أو بناه محلولا
أو نحو ذلك فسقط فعليه اعادته وغرامة ما تلف به
(فصل) ويجوز الاستئجار لتطيبن السطوح والحيطان وتجصيصها ولا يجوز على عمل معين لأن
الطين يختلف في الرقة والغلط، والأرض تختلف منها العالي والنازل، وكذلك الحيطان فلذلك لم
يجز الا على مدة
(فصل) وإذا استأجر دارا جاز اطلاق العقد ولم يحتج إلى ذكر السكنى ولا صفتها لما ذكرنا،
وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي. وقال أبو ثور لا يجوز حتى يقول أبيت تحتها أنا وعيالي لأن
السكنى تختلف، ولو اكتراها ليسكنها فتزوج امرأة لم يكن له أن يسكنها معه
ولنا أن الدار لا تكترى الا للسكنى فاستغني عن ذكره كاطلاق الثمن في بلد فيه نقد معروف
والتفاوت في السكنى يسير فلم يحتج إلى ضبطه لما ذكرنا. وما ذكروه لا يصح فإن الضرر لا يكاد يختلف
بكثرة من يسكن وقلتهم ولا يمكن ضبط ذلك فاجتزئ فيه بالعرف كما في دخول الحمام وشبهه، ولو اشترط
ما ذكره لوجب أن يذكر عدد السكان وأن لا يبيت عنده ضيف ولا غير من ذكره ولكان ينبغي أن يعلم
صفة الساكن كما يعلم ذلك فيها إذا اكترى للركوب
6

(فصل) قد ذكرنا انه يجوز الاستئجار للخدمة كل شهر بشئ معلوم وسواء كان الأجير رجلا أو
امرأة حرا أو عبدا وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور لأنه يجوز النيابة فيه ولا يختص فاعله بكونه
من أهل القربة. قال أحمد أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمعة وان لم يشترط ذلك، قيل له فيتطوع بالركعتين
قال ما لم يضر صاحبه، وإنما أباح ذلك لأن أوقات الصلاة مستثناة من الخدمة ولهذا وقعت مستثناة في حق
المعتكف لترك معتكفه لها، وقال ابن المبارك لا بأس أو يصلي الأجير ركعات من السنة وقال أبو ثور وابن
المنذر ليس له منعه منها، قال أحمد يجوز أن يستأجر الأمة والحرة للخدمة ولكن يصرف وجهه عن النظر
ليست الأمة مثل الحرة ولا يخلو معها في بيت ولا ينظر إليها متجردة ولا إلى شعرها إنما قال ذلك لأن حكم
النظر بعد الإجارة كحكمه قبلها وفرق بين الحرة والأمة لأنهما يختلفان قبل الإجارة فكذلك بعدها
(فصل) إذا استأجر أرضا احتاج إلى ذكر ما تكترى له من غراس أو بناء أو زرع لأنها تكترى
لذلك كله وضرره يختلف فوجب بيانه، وفي إجارة الأرض للزرع اختلاف ذكرناه في باب المساقاة
(فصل) ويجوز الاستئجار لضرب اللبن لما ذكرنا ويكون على مدة أو عمل فإن قدره بالعمل احتاج
إلى تعيين عدده وذكر قالبه وموضع الضرب لأن الأرض تختلف باختلافه لكون التراب في بعض الأماكن
أسهل والماء أقرب فإن كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز كما إذا كان المكيال معروفا، وان قدره بالطول
7

والعرض والسمك جاز ولا يكتفى بمشاهدة قالب الضرب إذا لم يكن معروفا لأن فيه غرار وقد يتلف
القالب فلا يصح كما لو أسلم في مكيال بعينه
* (مسألة) * (وان استأجر للركوب ذكر المركوب فرسا أو بعيرا أو نحوه)
لأن منافعها تختلف وتشترط معرفته برؤية أو صفة لأنه يصح بيعه بهما وذكر المهمليج والقطوف لأن سيرهما
يختلف ومعرفة ما يركب به من سرج أو غيره لأنه يختلف بالركوب والراكب ولا يحتاج إلى ذكر الذكورة
والأنوثة لأن التفاوت بينهما يسير وقال القاضي يفتقر لتفاوتهما ولابد من معرفة الراكب برؤية أو صفة
ذكره الخرقي وقال الشريف لا يجزئ فيه الا بالرؤية لأن الصفة لا تأتي عليه ولابد من معرفة المحامل
والأوطئة والأغطية والمعاليق كالقدر والسطحة ونحوهما أما برؤية أو صفة أو وزن
* (مسألة) * (فإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره)
لعدم الغرض في معرفته فإن اتفق وجود غرض في الحمولة مثل أن يكون المحمول شيئا تضره كثرة الحركة
كالفاكهة والزجاج أو كون الطريق مما يعسر على بعضها دون بعض فينبغي أن يذكره في الإجارة ذكره
شيخنا، وتشترط معرفة المتاع برؤية أو صفة ويذكر جنسه من حديد أو قطن أو نحوه لأن ضرره يختلف
وقدره بالوزن إن كان موزونا أو بالكيل إن كان مكيلا لأن البيع يصح بكلا الامرين، ويحصل بالمشاهدة
لأنها من أعلى طرق العلم وبالصفة إذا ذكر القدر والجنس، وذكر ابن عقيل انه إذا قال أجرتكها لتحمل عليها
8

ثلاثمائة رطل مما شئت جاز وملك ذلك لكن لا يحمله حملا يضر بالحيوان فلو أراد حمل حديد أو زئبق ينبغي أن
يفرقه على ظهر الحيوان فلا يجتمع في موضع واحد من ظهره ولا يجعله في وعاء يموج فيه فيكد البهيمة ويتعبها
وان اكترى ظهرا للحمل موصوفا بجنس فأراد حمله على غير ذلك الجنس وكان الطالب لذلك المستأجر
لم يقبل منه لأنه لا يملك المطالبة بما لم ينعقد عليه، ان طلبه المؤجر وكان يقوت به غرض المستأجر مثل أن يكون
غرضه الاستعجال في السير أو أن لا ينقطع عن القافلة فيتعين الخيل أو البغال أو يكون غرضه السكون لكون
المحمول مما يضره الهز أو قوتها وصبرها لطول الطريف وثقل الحمولة فيعين الإبل لم يجز العدول عنه لأنه
يفوت غرض المستأجر فلم يجز ذلك كما في المركوب، وان لم يفوت غرضا جاز كما يجوز لمن اكترى على حمل
شئ حمل مثله، فإن اكترى بهيمة لحمل ما شاء لم يصح لأنه يدخل فيه ما يقتل البهيمة وكذلك ان شرط
طاقتها لأنه لا ضابط له
* (فصل) * قال رضي الله عنه (الثاني معرفة الأجرة بما يحصل به معرفة الثمن قياسا عليه ولا نعلم في ذلك
خلافا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من استأجر أجيرا فليعلمه أجره " ويعتبر العلم بالرؤية أو بالصفة
كالبيع، فإن كان العوض معلوما بالمشاهدة دون القدر كالصبرة جاز في أحد الوجهين كالثمن في البيع
والثاني لا يجوز لأنه قد ينفسخ العقد بعد تلف الصبرة فلا يدرى بكم يرجع فاشترط معرفة قدره كعوض
السلم والأول أولى لما ذكرنا، وما قاسوا عليه ممنوع ثم الفرق بينهما ان المنفعة ههنا أجريت مجرى الأعيان
9

لأنها متعلقة بعين حاضرة والسلم يتعلق بمعدوم فافترقا وللشافعي نحو ما ذكرنا في هذا الفصل
(فصل) وكل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز عوضا في الإجارة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع (1)
* (مسألة) * (يجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته وكذلك الظئر)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فمن استأجر أجيرا بطعامه وكسوته أو جعل له أجرا وشرط
طعامه وكسوته فروي عنه جواز ذلك وهو مذهب مالك وإسحاق، وروي عن أبي بكر وعمر
وأبي موسى رضي الله عنهم انهم استأجروا الاجراء بطعامهم وكسوتهم. وروي عنه ان ذلك جائز
في الظئر دون غيرها. اختاره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة لأن ذلك مجهول وإنما جاز في الظئر لقول
الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) أوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع
ولم يفرق بين المطلقة وغيرها بل في الآية قرينة تدل على طلاقها لأن الزوجة تجب نفقتها وكسوتها
بالزوجية وان لم ترضع، ولان الله تعالى قال (وعلى الوارث مثل ذلك) والوارث ليس بزوج. ولان
المنفعة في الرضاع والحضانة غير معلومة فجاز أن يكون عوضها كذلك. وروي عنه رواية ثالثة ان
ذلك لا يجوز بحال في الظئر ولا في غيرها وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر
لأن ذلك يختلف اختلافا كثيرا متباينا فيكون مجهولا والاجر من شرطه أن يكون معلوما
ولنا ما روى ابن ماجة عن عتبة بن الندر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ (طس) حتى إذا

(1) هذا الفصل بنصه مكرر مع ما ينافي له في صحيفة 17 ولا معنى لذكره ههنا
10

بلغ قصة موسى عليه السلام قال " ان موسى أجر نفسه ثماني سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه "
وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه. وعن أبي هريرة أنه قال كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام
بطني وعقبة رجلي أحطب لهم إذا نزلوا وأحدوا بهم إذا ركبوا. رواه الأثرم وابن ماجة، ولأنه فعل
من ذكرنا من الصحابة فلم ينكر فكان اجماعا، ولأنه قد ثبت في الظئر في الآية فيثبت في غيرها بالقياس
عليها، ولأنه عوض منفعة فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة، ولان للكسوة عرفا وهي كسوة
الزوجات وللاطعام عرف وهو الاطعام في الكفارات فجاز اطلاقه كنقد البلد. ونخص أبا حنيفة بأن
ما جاز عوضا في الرضاع جاز في الخدمة كالأثمان
إذا ثبت هذا وتشاحا في قدر الطعام والكسوة رجع في القوت إلى الاطعام في الكفارة وفي الملبوس
إلى أقل ملبوس مثله لأن الاطلاق فيه يجزئ فيه أقل ما يتناوله اللفظ كالوصية. ويحتمل أن يحمل على
الملبوس في الكفارة كالمطعوم. قال أحمد إذا تشاحا في الطعام حكم به بمد كل يوم ذهب به إلى ظاهر
ما أمر الله من إطعام المساكين ففسرت ذلك السنة بأنه مد لكل مسكين، ولان الاطعام مطلق في
الموضعين فما فسر به أحدهما يفسر به الآخر، وليس له اطعام الأجير الا ما يوافقه من الأغذية لأن عليه
ضررا ولا يمكنه استيفاء الواجب له منه
(فصل) فإن شرط الأجير كسوة ونفقة معلومة موصوفة كصفتها في السلم جاز عند الجميع وان لم يشرط
11

طعاما ولا كسوة فنفقته وكسوته على نفسه وكذلك الظئر، قال ابن المنذر لا أعلم عن أحد خلافا فيما ذكرت
وان شرط للأجير طعام غيره وكسوته موصوفا جاز لأنه معلوم فهو كما لو شرط دراهم معلومة ويكون ذلك
للأجير ان شاء أطعمه وان شاء تركه، وان لم يكن موصوفا لم يجز لأن ذلك مجهول احتمل فيما إذا شرطه
للأجير للحاجة إليه وجري العادة به فلا يلزم احتمالها مع عدم ذلك ولو استأجر دابة بعلفها أو باجر مسمى
وعلفها لم يجز لأنه مجهول ولا عرف له يرجع إليه ولا نعلم أحدا قال بجوازه الا أن يشترطه موصوفا فيجوز
(فصل) فإن استغني الأجير عن طعام المستأجر بطعام نفسه أو غيره أو عجز عن الاكل بمرض أو غيره
لم تسقط نفقته وكان له المطالبة بها لأنه عوض فلا يسقط بالغنى عنه كالدراهم، وان احتاج إلى دواء لمرضه
لم يلزم المستأجر لأنه لم يشترط له الا طعام الأصحاء لكن يلزمه بقدر طعام الصحيح لأن ما زاد على ذلك
لم يقع العقد عليه فلم يلزم كالزائد في القدر
(فصل) فإن قبض الأجير طعامه فأحب أن يستفضل بعضه لنفسه وكان المستأجر دفع إليه أكثر من
الواجب له ليأكل منه قدر حاجته ويفضل الباقي أو كان في تركه لاكله كله ضرر على المستأجر بان يضعف
عن العمل أو يقل لأن الظئر منع منه لأنه في الصورة الأولى لم يملكه وإنما أباحه قدر حاجته وفي الثانية
على المستأجر ضرر بتفويت بعض منفعته عليه فمنع منه كالجمال إذا امتنع من علف الجمال وان دفع إليه قدر
الواجب فقط أو أكثر منه فملكه إياه ولم يكن في تفضيله لبعضه ضرر بالمستأجر جاز لأنه ضرر لاحق فيه
12

على المستأجر أشبه الدراهم
(فصل) فإن قدم إليه طعاما ما فنهب أو تلف قبل أكله وكان على مائدة لا يخصه فيها بطعامه فهو من ضمان
المستأجر لكونه لم يسلم إليه وان خصه بذلك وسلمه إليه فهو من مال الأجير لأنه يسلم عوضه على وجه
التمليك أشبه البيع
(فصل) قال أحمد في رواية مهنا لا بأس أن يحصد الزرع ويصرم النخل بسدس ما يخرج منه
وهو أحب إلي من المقاطعة إنما جاز ههنا لأنه معلوم بالمشاهدة وهي أعلى طرق العلم ومن علم شيئا علم
جزأه المشاع فيكون أجرا معلوما. واختاره على المقاطعة مع وجودها لأنه ربما يخرج من الزرع مثل
الذي قاطع عليه وههنا هو أقل منه يقينا
(فصل) يجوز استئجار الظئر بطعامها وكسوتها وفيه خلاف ذكرناه. وقد أجمع أهل العلم على
استئجار الظئر وهي المرضعة لقول الله تعالى [فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن] واسترضع النبي
صلى الله عليه وسلم لولده إبراهيم. ولان الحاجة تدعو إليه أكثر من الحاجة إلى غيره فإن الطفل في العادة إنما يعيش
بالرضاع وقد يتعذر رضاعه من أمه فجاز ذلك كالإجارة في سائر المنافع، فإن استأجرها للرضاع دون
الحضانة أو للحضانة دون الرضاع أو لهما جاز، وان أطلق العقد على الرضاع دخلت فيه الحضانة في أحد
الوجهين وهو قول أصحاب الرأي لأن العرف جار بأن المرضعة تحضن الصبي فحمل الاطلاق عليه
13

[الثاني] لا تدخل وهو قول أبي ثور وابن المنذر لأن العقد ما تناولها ولأصحاب الشافعي كهذين
الوجهين، والحضانة تربية الصبي وحفظه وجعله في سريره وربطه ودهنه وكحله وتنظيفه وغسل خرقه
أشباه ذلك واشتقاقه من الحضن وهو ما تحت الإبط وما يليه وسميت التربية حضانة تجوزا من حضانة
الطير لبيضه وفراخه لأنه يجعلها تحت جناحه فسميت تربية الصبي بذلك أخذا من فعل الطائر
(فصل) ولهذا العقد أربعة شروط أحدها العلم بمدة الرضاعة لأنه لا يمكن تقديره الا بها لأن السقي
والعمل فيها يختلف (الثاني) معرفة الصبي بالمشاهدة لأن الرضاع يختلف بكبر الصبي وصغره وتهمته وقناعته
وقال القاضي يعرف بالصفة كالراكب (الثالث) موضع الرضاع لأنه يختلف فيشق عليها في بيته ويسهل في
بيتها (الرابع) معرفة العوض لما ذكرنا
(فصل) والمعقود عليه في الرضاع خدمة الصبي وحمله ووضع الثدي في فيه واللبن تبع كالصبغ في
إجارة الصباغ وماء البئر في الدار لأن اللبن عين فلا يعقد عليه في الإجارة كلبن غير الآدمي، وقيل هو
اللبن قال القاضي وهو أشبه لأنه المقصود دون الخدمة ولهذا لو أرضعته ولم تخدمه استحقت الأجرة ولو
خدمته ولم ترضعه لم تستحق شيئا ولان الله تعالى قال (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فجعل الاجر
مرتبا على الرضاع فيدل على أنه المعقود عليه ولان العقد لو كان على الخدمة لما لزمها سقيه لبنها وإنما جاز
العقد عليه مع كونه عينا رخصة لأن غيره لا يقول مقامه ولا ضرورة تدعوا إلى استيفائه وإنما جاز في الآدميين
14

دون سائر الحيوان للضرورة إلى حفظ الآدمي والحاجة إلى بقائه
(فصل) وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر لبنها ويصلح به وللمكتري مطالبتها بذلك لأنه من
تمام التمكين من الرضاع وفي تركه اضرار بالصبي فإن لم ترضعه لكن سقته لبن الغنم أو أطعمته فلا أجر
لها لأنها لم توف المعقود عليه أشبه ما لو استأجرها لخياطة ثوب فلم تخطه فإن دفعته إلى خادمها فأرضعته
فكذلك وبه قال أبو ثور وقال أصحاب لها أجرها لأن رضاعه حصل بفعلها
ولنا أنها لم ترضعه أشبه ما لو سقته لبن الغنم فإن قالت أرضعته فأنكر المسترضع فالقول قولها لأنها مؤتمنة
* (مسألة) * (ويستحب أن تعطى عند الفطام عبدا أو وليدة إذا كان المسترضع موسرا)
لما روى أبو داود باسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه قال قلت
يا رسول الله ما يهب عني مذمة الرضاع قال " الغرة أو الأمة " قال الترمذي حسن صحيح المذمة بكسر
الذال من الذمام وبفتحها من الذم قال ابن عقيل إنما خص الرقبة بالمجازاة دون غيرها لأن فعلها من
الرضاعة والحضانة سبب حياة الولد وبقائه وحفظ رقبته فاستحب جعل الجزاء هبتها رقبة للتناسب بين
النعمة والشكر ولهذا جعل الله تعالى المرضعة أما فقال سبحانه (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم
لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيعتقه " وان كانت المرضعة مملوكة استحب اعتاقها
لأنه يحصل أخص الرقاب بها لها وتحصل به المجازاة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مجازاة للوالد من النسب
15

(فصل) ويجوز للرجل ان يؤجر أمته ومدبرته وأم ولده والمعلق عتقها بصفة والمأذون لها في
التجارة للارضاع لأنه عقد على منفعتها أشبه اجارتها للخدمة وليس لواحدة منهن إجارة نفسها لأن
منفعتها لسيدها فإن كان لها ولد لم يجز إجارتها للارضاع الا أن يكون فيها فضل عن ريه لأن الحق لولدها
ليس لسيدها الا الفاضل عنه فإن كانت مزوجة لم تجز اجارتها لذلك الا باذن الزوج لأنه يفوت حقه
لاشتغالها عنه بالرضاع والحضانة فإن أجرها للرضاع ثم زوجها صح النكاح ولا تنفسخ الإجارة وللزوج
الاستمتاع بها وقت فراغها من الرضاع والحضانة وقال مالك ليس لزوجها وطؤها الا برضى المستأجر
لأنه ينقص اللبن وقد يقطعه
ولنا أن وطئ الزوج مستحق فلا يسقط لأمر مشكوك فيه، وليس للسيد إجارة مكاتبته لأن منافعها
لها ولذلك لا يمكن تزويجها ولا وطؤها ولا اجارتها لغير الرضاع ولها أن تؤجر نفسها لأنه من الاكتساب
* (مسألة) * (وان دفع ثوبه إلى خياط أو قصار ليعملاه ولهما عادة بأجرة صح ولهما ذلك وان لم
يعقدا عقد إجارة وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح)
إذا دفع ثوبه إلى خياط ليخيطه أو قصار ليقصره من غير عقد ولا شرط ولا تعريض باجر مثل أن يقول
خذ هذا فاعمله وأنا أعلم انك إنما تعمله باجر وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك ففعلا ذلك فلهما الاجر
وقال أصحاب الشافعي لا أجر لهما لأنهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما أشبه ما لو تبرعا بعمله
16

ولنا ان العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول فصار كنقد البلد وكما لو دخل حماما أو جلس في سفينة
ملاح ولان شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعريض فأما ان لم يكونا منتصبين لذلك لم يستحقا أجرا الا بعقد
أو شرط العوض أو تعريض به لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد فهو كما لو تبرع به أو عمله بغير اذن مالكه
وكذلك لو دفع ثوبه إلى رجل ليبيعه وكان منتصبا يبيع للناس بأجر مثله فهو كالقصار والخياط فيما ذكرنا له
الاجر نص عليه أحمد، وان لم يكن كذلك فلا شئ له لما تقدم، ومتى دفع ثوبه إلى أحد هؤلاء ولم يقاطعه على أجر فله
أجر المثل لأن الثياب يختلف أجرها ولم يعين شيئا فجرى مجرى الإجارة الفاسدة، فإن تلف الثوب من حرزه
أو بغير فعله فلا ضمان عليه لأن ما لا يضمن في العقد الصحيح لا يضمن في الفاسد
(فصل) إذا استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلى مكة أو غيرها إلى انسان فحمله فوجد المحمول إليه
غائبا فرده استحق الاجر لحمله في الذهاب والرد لأنه حمله في الذهاب باذن صاحبه صريحا وفي الرد تضمنا
لأن تقدير كلامه وان لم تجد صاحبه فرده إذ ليس سوى رده الا تضييعه وقد علم أنه لا يرضى تضييعه فتعين رده
* (مسألة) * (ويجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة)
وجملة ذلك أن كل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز عوضا في الإجارة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع
فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينا أو منفعة أخرى سواء كان الجنس واحدا كمنفعة دار بمنفعة أخرى
ومختلفة كمنفعة دار بمنفعة عبد قال أحمد لا بأس أن يكتري بطعام موصوف معلوم وبه قال الشافعي قال
17

الله تعالى إخبارا عن شعيب أنه قال (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج)
فجعل النكاح عوض الإجارة، وقال أبو حنيفة فيما حكي عنه لا تجوز إجارة دار بسكنى أخرى ولا يجوز
الا أن يختلف جنس المنفعة كسكنى دار بمنفعة بهيمة لأن الجنس الواحد عنده يحرم النساء فيه، وكره الثوري
الإجارة بطعام موصوف والصحيح جوازه وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وقياس قول الشافعي لأنه
عوض يجوز في البيع فجاز في الإجارة كالذهب والفضة وما قاله أبو حنيفة لا يصح لأن المنافع في الإجارة
ليست في تقدير النسيئة ولو كانت نسيئة ما جاز في جنسين لأنه يكون بيع دين بدين
* (مسألة) * (وتجوز إجارة الحلي بأجرة من جنسه وقيل لا يصح)
تجوز إجارة الحلي نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور
وأصحاب الرأي وروي عن أحمد أنه قال في إجارة الحلي ما أدري ما هو؟ قال القاضي هذا محمول على اجارته
بأجرة من جنسه فاما بغير جنسه فلا بأس لتصريح أحمد بجوازه وقال مالك في إجارة الحلي والثياب هو
من المشتبهات ولعله يذهب إلى أن المقصود بذلك الزينة وليس ذلك من المقاصد الأصلية ومن منع ذلك بأجر
من جنسه احتج بأنها تحتك بالاستعمال فيذهب منه اجزاء وان كانت بسيرة فيحصل الاجر في مقابلتها
ومقابلة الانتفاع بها فيفضي إلى بيع ذهب بذهب وشئ آخر
ولنا انها عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقاء عينها فأشبهت سائر ما يجوز اجارته والزينة من
18

المقاصد الأصلية فإن الله تعالى أمتن بها علينا بقوله (لتركبوها وزينة) وقوله (قل من حرم زينة الله التي
أخرج لعباده) وأباح الله تعالى من التحلي واللباس ما حرم على الرجال لحاجتهن إلى التزين للأزواج وأسقط
الزكاة عن حليهن معونة لهن على اقتنائه، وما ذكروه من نقصها بالاحتكاك لا يصح لأن ذلك يسير لا يقابل
بعوض ولا يكاد يظهر في وزن ولو ظهر فالاجر في مقابلة الانتفاع لا في مقابلة الاجزاء لأن الاجر في الإجارة
إنما هو عوض المنفعة كما في سائر المواضع ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب لما جاز إجارة أحد النقدين بالآخر
لافضائه إلى التفرق في معاوضة أحدهما بالآخر قبل القبض
(فصل) ولو استأجر من يسلخ له بهيمة بجلدها لم يجز لأنه لا يعلم هل يخرج الجلد سليما أو لا وهل هو
ثخين أو رقيق؟ ولأنه لا يجوز أن يكون عوضا في البيع فلا يجوز أن يكون عوضا في الإجارة كسائر
المجهولات
فإن سلخه بذلك فله أجر مثله وان استأجره لطرح ميتة بجلدها فهو أبلغ في الفساد لأن جلد الميتة نجس
لا يجوز بيعه وقد خرج بموته عن كونه ملكا وله أجر مثل ان فعل
(فصل) ولو استأجر راعيا لغنم بثلث درها وصوفها وشعرها ونسلها أو نصفه أو جميعه لم يجز نص عليه
أحمد في رواية سعيد بن محمد النسائي لأن الاجر غير معلوم ولا يصلح عوضا في البيع، قال إسماعيل بن سعيد
سألت أحمد عن الرجل يدفع البقرة إلى الرجل على أن يعلفها ويحفظها وولدها بينهما فقال أكره ذلك وبه قال
أبو أيوب وأبو خيثمة ولا أعلم فيه مخالفا لأن العوض معدوم مجهول لا يدرى أيوجد أم لا، والأصل عدمه
19

ولا يصلح أن يكون ثمنا، فإن قيل فقد جوزتم دفع الدابة إلى من يعمل عليها بنصف مغلها قلنا إنما جاز ثم
تشبيها بالمضاربة ولأنها عين تنمي بالعمل فجاز اشتراط جزء من النماء كالمضاربة والمساقاة وفي مسئلتنا
لا يمكن ذلك لأن النماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله على عمله فيها فلم يمكن الحاقه بذلك، وذكر صاحب
المحرر رواية أخرى انه يجوز بناء على ما إذا دفع دابته أو عبده يجزء من كسبه والأول ظاهر المذهب لما
ذكرنا من الفرق، وعلى قياس ذلك إذا دفع نحله إلى من يقوم عليه بجزء من عسله وشمعه يخرج على
الروايتين فإن اكتراه على رعيها مدة معلومة بجزء معلوم منها صح لأن العمل والمدة والاجر معلوم فصح
كما لو جعل الاجر دراهم ويكون النماء الحاصل بينهما بحكم الملك لأنه ملك الجزء المجعول له منها في الحال
فكان له نماؤه كما لو اشتراه
* (مسألة) * وان قال إن خطت الثوب اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح؟
على روايتين)
(إحداهما) لا يصح وله أجر المثل نقلها أبو الحارث عن أحمد وهو مذهب ملك والثوري والشافعي
وإسحاق وأبو ثور لأنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلم يصح كما لو قال بعتك بدرهم
نقدا وبدرهمين نسيئة (والثانية) يصح وهو قول الحارث العكلي وأبي يوسف ومحمد لأنه سمى لكل عمل عوضا
معلوما فصح كما لو قال كل دلو بتمرة، وقال أبو حنيفة ان خاطه اليوم فله درهم وان خاطه غدا لم يزد على درهمين
وقد ينقص عن نصف درهم لأن المؤجر قد جعل له نصف درهم فلا ينقص منه وقد رضي في أكثر العمل
20

بدرهم فلا يزاد عليه وهذا لا يصح لأنه ان صح العقد فله المسمى وان فسد فوجوده كعدمه فيجب أجر المثل
كسائر العقود الفاسدة
* (مسألة) * (وإن قال إن خطته روميا فلك درهم، وان خطته فارسيا فلك نصف درهم فهل
يصح؟ على وجهين)
بناء على التي قبلها والخلاف فيها كالتي قبلها الا أن أبا حنيفة وافق صاحبيه في الصحة ههنا
ولنا أنه عقد معاوضة لم يتعين فيه العوض ولا المعوض فلم يصح كما لو قال بعتك هذا بدرهم أو
هذا بدرهمين، وفارق هذا كل دلو بتمرة من وجهين (أحدهما) أن العمل الثاني ينضم إلى العمل الأول
ولكل واحد منهما عوض مقدر فأشبه ما لو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وههنا الخياطة واحدة
يشرط فيها عوضا إن وجدت على صفة وعوضا ان وجدت على أخرى أشبه ما لو باعه بعشرة صحاح
أو إحدى عشرة مكسرة (والثاني) أنه وقف الإجارة على شرط بقوله ان خطته كذا فلك كذا وان
خطته كذا فلك كذا بخلاف قوله كل دلو بتمرة
(فصل) نقل مهنا عن أحمد فيمن استأجر من جمال إلى مصر بأربعين دينارا فإن نزل دمشق
فكراؤه ثلاثون فإن نزل الرقة فكراؤه عشرون، فقال إن اكترى إلى الرقة بعشرة واكترى إلى دمشق
بعشرة والى مصر بعشرة جاز ولم يكن للجمال أن يرجع فظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة العقد الأول
21

لأنه في معنى بيعتين في بيعة لكونه خيره بين ثلاثة عقود، ويتخرج فيه أن يصح بناء على المسئلتين قبل
هذا، ونقل عن أحمد في رجل استأجر رجلا يحمل له كتابا إلى الكوفة وقال إن أوصلت الكتاب يوم
كذا فلك عشرون وان تأخرت بعد ذلك بيوم فلك عشرة فالإجارة فاسدة وله أجر مثله مثل الذي قبله
* (مسألة) * (وان أكراه دابة وقال إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة وان رددتها غذا فكراؤها عشرة
فقال أحمد لا بأس به
نقل عبد الله فيمن اكترى دابة وقال إن رددتها غدا فكراؤها عشرة، وان رددتها اليوم فكراؤها
خمسة لا بأس به، وهذه الرواية تدل على صحة الإجارة والظاهر عن أحمد برواية الجماعة فيما ذكرنا
فساد العقد على قياس بيعتين في بيعه، وقال القاضي يصح في اليوم الأول دون الثاني وقياس حديث
علي والأنصاري صحته فإن عليا أجر نفسه ليهودي يستقي له كل دلو بتمرة وكذلك الأنصاري وسنذكره
* (مسألة) * (وان أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم
فقال احمد في رواية أبي الحارث هو جائز) ونقل ابن منصور عنه فيمن اكترى دابة من مكة
إلى جدة بكذا فإن ذهب إلى عرفات بكذا فلا بأس، ونقل عبد الله عنه لو قال اكتريتها بعشرة فما
حبسها فعليه في كل يوم عشرة أنه يجوز وهذه الروايات تدل على أن مذهبه أنه متى قدر لكل عمل
معلوم أجرا معلوما صح، وتأول القاضي هذا كله على أنه يصح في الأول ويفسد في الثاني لأن مدته
22

غير معلومة فلم يصح العقد فيه كما لو قال استأجرتك لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم وما زاد
فبحساب ذلك. قال شيخنا: والظاهر عن أحمد خلاف هذا فإن قوله فهو جائز عاد إلى جميع ما قبله وذلك
قوله لا بأس، ولان لكل عمل عوضا معلوما فيصح كما لو استقى له كل دلو بتمرة وقد ثبت الأصل بالخبر الوارد
فيه ومسائل الصبرة لا نص فيها عن الإمام وقياس نصوصه صحة الإجارة وإن سلم فسادها فلان القفزان
التي شرط عملها غير معلومة بتعيين ولا صفة وهي مختلفة فلم يصح العقد لجهالتها بخلاف الأيام فإنها معلومة
* (مسألة) * (ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته)
وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك قد عرف
وجه ذلك وأرجو أن يكون خفيفا
ولنا أن المدة مجهولة والعمل مجهول فلم يجز كما لو اكتراها لمدة سفره في تجارته ولان مدة الغزاة
تطول وتقصر ولا حد لها تعرف به والعمل فيها يقل ويكثر ونهاية سفرهم تقرب وتبعد فلم يجز
التقدير بها كغيرها من الاسفار المجهولة فإن فعل ذلك فله أجر المثل كالإجارات الفاسدة
* (مسألة) * (وان سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز)
23

وقال الشافعي لا يصح لأن مدة الإجارة مجهولة. ولنا أن عليا رضي الله عنه أجر نفسه كل دلو
بتمرة وكذلك الأنصاري فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولان كل يوم معلوم مدت وأجره فصح كما لو أجره
شهرا كل يوم بدرهم أو استأجره لنقل صبرة معلومة كل قفيز بدرهم. إذا ثبت هذا فلا بد من تعيين
ما يستأجر له من ركوب أو حمل معلوم، ويستحق الاجر المسمى لكل يوم سواء أقامت أو سارت لأن
المنافع ذهبت في مدته أشبه ما لو اكترى دارا وغلقها ولم يسكنها
* (مسألة) * (وان أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص عن أحمد أنه يصح وكلما دخل
شهر لزمهما حكم الإجارة ولكل واحد منهما الفسخ عند انقضاء كل شهر، وقال أبو بكر وابن حامد لا يصح)
اختلف أصحابنا في ذلك فقال القاضي يصح ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهو
اختيار الخرقي لأن الشهر الأول تلزم الإجارة فيه باطلاق العقد لأنه معلوم يلي العقد وأجره معلوم
وما بعده من الشهور يلزم العقد فيه بالتلبس به وهو السكنى في الدار ان أجره دارا لأنه مجهول
حال العقد فإذا تلبس به تعين الدخول فيه فصح بالعقد الأول، وان لم تتلبس به أو فسخ العقد عند انقضاء
الأول انفسخ وكذلك حكم كل شهر يأتي وهذا مذهب أبي ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك نحو هذا
الا أن الإجارة لا تكون لازمة عنده لأن المنافع مقدرة بتقدير الاجر فلا يحتاج إلى ذكر المدة الا في اللزوم
واختار أبو بكر عبد العزيز وابن حامد وابن عقيل أن العقد لا يصح وهو قال الثوري والصحيح
24

من قولي الشافعي لأن كل اسم للعدد فإذا لم يقدره كان مجهولا فيكون فاسدا كقوله أجرتك أشهرا
وحمل أبو بكر وابن حامد كلام أحمد على أنه وقع على أشهر معينة، ووجه الأول أن عليا استقى لرجل
من اليهود كل دلو بتمرة وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكل منه قال كنت أدلو الدلو بتمرة واشترطها جلدة
وعن رجل من الأنصار أنه قال ليهودي أسقي نخلك؟ قال نعم كل دلو بتمرة فاشترط الأنصاري أن
لا يأخذه خدرة ولا تارزة ولا حشفة ولا يأخذ الا جلدة فاستقى بنحو من صاعين فجاء به إلى النبي
صلى الله عليه وسلم. رواهما ابن ماجة وهو نظير مسألة إجارة الدار، ونص في المسألة الأخرى، ولان شروعه في
كل شهر مع ما تقدم العقد من الاتفاق على تقدير أجره والرضى ببذله به جرى مجرى ابتداء العقد عليه
وصار كالبيع بالمعاطاة إذا وجد من المساومة ما دل على التراضي بها. فعلى هذا متى ترك التلبس به في
شهر لم تلزم الإجارة فيه لعدم العقد وكذلك ان فسخ وليس بفسح في الحقيقة لأن العقد الثاني ما ثبت
والقياس يقتضي عدم الصحة لأن العقد تناول جميع الأشهر وذلك مجهول ثم لا وجه لاعتبار الشروع
في الشهر الذي يلي الأول مع كون الشهور كلها داخلة في اللفظ، فأما أبو حنيفة فذهب إلى أنهما إذا
تلبسا بالشهر الثاني فقد اتصل القبض بالعقد الفاسد، قال شيخنا ولا يصح هذا العذر لأن العقد الفاسد
في الأعيان لا يلزم بالقبض ولا يضمن بالمسمى تم ثم لم يحصل القبض ههنا الا فيما استوفاه وقول مالك
لا يصح لأن الإجارة من العقود اللازمة فلا يجوز أن تكون جائزة
25

(فصل) إذا قال أجرتك داري عشرين شهرا كل شهر بدرهم جاز بغير خلاف لأن المدة معلومة
والاجر معلوم وليس لواحد منهما فسخ بحال لأنها مدة واحدة فأشبه ما لو قال أجرتك عشرين شهرا
بعشرين درهما، فإن قال أجرتكها شهرا بدرهم وما زاد فبحساب ذلك صح في الشهر الأول لأنه أفرده
بالعقد وبطل في الزائد لأنه مجهول، ويحتمل أن يصح في كل شهر تلبس به كما لو قال أجرتكها كل
شهر بدرهم لأن معناهما واحد، ولو قال أجرتكها هذا الشهر بدرهم وكل شهر بعد ذلك بدرهم أو بدرهمين
صح في الأول وفيما بعده وجهان لما ذكرنا
(فصل) في مسائل الصبرة وهي عشر مسائل (إحداها) أن يقول استأجرتك لحمل هذه الصبرة إلى مصر
بعشرة فهي صحيحة بغير خلاف نعلمه لأن الصبرة معلومة بالمشاهدة فجاز الاستئجار عليها كما لو علم كيلها
(الثانية) قال استأجرتك لتحملها كل قفيز بدرهم فيصح وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يصح في قفيز ويبطل
فيما زاد، ومبنى الخلاف على الخلاف في بيعها وقد ذكرناه (الثالثة) قال لتحملها لي نفيرا بدرهم وما زاد فبحساب
ذلك فيجوز كما لو قال كل قفيز بدرهم وكذلك كل لفظ يدل على إرادة حمل جميعها كقوله لتحمل قفيزا منها
بدرهم وسائرها أو باقيها بحساب ذلك أو قال وما زاد بحساب ذلك يريد باقيها كله إذا فهما ذلك من
اللفظ لدلالته عندهما عليه أو لقرينة صرفت إليه (الرابعة) قال لتحمل قفيزا منها بدرهم وما زاد
فبحساب ذلك يريد مهما حملته من باقيها فلا يصح ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن المعقود عليه
بعضها وهو مجهول. ويحتمل أن يصح لأنه في معنى كل دلو بتمرة (الخامسة) قال لتنقل لي منها كل
26

قفيز بدرهم فهي كالرابعة سواء (السادسة) قال لتحمل لي منها قفيزا بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب
ذلك فلا يصح لأنه في معنى بيعتين في بيعة. ويحتمل أن يصح لأن معناه لتحمل لي كل قفيز منها بدرهم
(السابعة) قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وتنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك،
فإن كانا يعلمان الصبرة التي في البيت بالمشاهدة صح فيهما لأنهما كالصبرة الواحدة وإن جهل أحدهما
صح في الأولى وبطل في الثانية لأنهما عقدان أحدهما على معلوم والثاني على مجهول فصح في المعلوم وبطل
في المجهول كما لو قال بعتك عبدي هذا بعشرة وعبدي الذي في البيت بعشرة [الثامنة] قال لتحمل لي
هذه الصبرة والتي في البيت بعشرة فإن كانا يعلمان التي في البيت صح فيهما وإن جهلاها بطل فيهما لأنه
عقد واحد بعوض واحد على معلوم ومجهول بخلاف التي قبلها، فإن كانا يعلمان التي في البيت لكنها
مغصوبة أو امتنع تصحيح العقد فيها لمانع اختص بها بطل العقد فيها، وفي صحته في الأخرى وجهان
بناء على تفريق الصفقة الا أنها إن كانت قفزانها معلومة أو قدر إحداهما معلوم من الأخرى فالأولى
صحته لأن قسط لاجر فيها معلوم، وان لم يكن كذلك فالأولى بطلانه لجهالة العوض فيها (التاسعة)
قال لتحمل لي هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم فإن زادت على ذلك فالزائد بحساب ذلك صح في
العشرة لأنها معلومة ولم يصح في الزيادة لأنها مشكوك فيها ولا يجوز العقد على ما يشك فيه (العاشرة)
قال لتحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فإن قدم لي طعام فحملته فبحساب ذلك صح أيضا في
الصبرة وفسد في الزيادة لما ذكرنا
27

* (فصل) * قال المصنف رحمه الله [الثالث أن تكون المنفعة مباحة مقصودة فلا يجوز على
الزنا والزمر والغناء ولا إجارة دار ليجعلها كنيسة أو بيت نار، أو لبيع الخمر أو القمار]
وجملة ذلك أن من شرط صحة الإجارة أن تكون المنفعة مباحة فإن كانت محرمة كالزنا والزمر
والنوح والغناء لم يجز الاستئجار لفعله وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه وأبو ثور، وكره
ذلك الشعبي والنخعي لأنه محرم فلم يجز الاستئجار عليه كإجارة الأمة للزنا. قال ابن المنذر أجمع كل من
نحفظ عنه من أهل العلم على ابطال إجارة النائحة والمغنية
(فصل) ولا يجوز استئجار كاتب ليكتب له غناء أو نوحا، وقال أبو حنيفة يجوز. ولنا انه
انتفاع بمحرم أشبه ما ذكرنا، ولا يجوز الاستئجار على كتب شعر محرم ولا بدعة ولا شئ محرم لذلك
(فصل) ولا تجوز إجارة داره لمن يتخذها كنيسة أو بيعة أو لبيع الخمر أو القمار وبه قال الجماعة،
وقال أبو حنيفة إن كان بيتك في السواد فلا بأس وخالفه صاحباه، واختلف أصحابه في تأويل قوله
ولنا انه فعل محرم فلم تجز الإجارة عليه كإجارة عبده للفجور، ولو اكترى ذمي من مسلم دارا
فأراد بيع الخمر فيها فلصاحب الدار منعه، وبذلك قال الثوري. وقال أبو حنيفة إن كان بيتك في السواد
والجبل فله أن يفعل ما يشاء. ولنا انه محرم جاز المنع منه في المصر فجاز في السواد كقتل النفس المحرمة
28

* (مسألة) * (ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة والخمر وعنه يصح للحر أكل أجرته)
لا يجوز الاستئجار على حمل الخمر لمن يشتريها أو يأكل الميتة ولا على حمل خنزير لذلك، وبه قال
أبو يوسف ومحمد والشافعي. وقال أبو حنيفة يجوز لأن العمل لا يتعين عليه بدليل انه لو حمله مثله جاز
لأنه لو قصد إراقته أو طرح الميتة جاز. وقد روي عن أحمد فيمن حمل خنزيرا لذمية أو خمرا لنصراني
أكره أكل كرائه ولكن يقضى للحمال بالكراء فإذا كان لمسلم فهو أشد. قال القاضي: هذا محمول على أنه
استأجره ليريقها فأما للشرب فمحظور لا يحل أخذ الأجر عليه
قال شيخنا: وهذا تأويل بعيد لقوله: أكره أكل كراء وإذا كان لمسلم فهو أشد والمذهب خلاف
هذه الرواية لأنه استئجار لفعل محرم فلم يصح كالزنا؟؟؟؟؟ النبي صلى الله عليه وسلم لعن حاملها والمحمولة إليه.
وقول أبي حنيفة لا يتعين يبطل بما لو استأجر أرضا ليتخذها مسجدا، فأما حمل الخمر لإراقتها والميتة لطرحها
والاستئجار لكسح الكنيف فجائز لأن ذلك مباح، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة فحجمه. وقال أحمد في رواية
ابن منصور فيمن يؤاجر نفسه لنظارة كرم نصراني: يكره ذلك لأن الأصل في ذلك راجع إلى الخمر
(فصل) قد ذكرنا ان الاستئجار لكسح الكنيف جائز الا انه يكره له أكل أجرته كأجرة
الحجام بل هذا أولى. وقد روى سعيد بن منصور ان رجلا حج وأتى ابن عباس فقال له اني رجل
أكنس فما ترى في مكسبي؟ قال أي شئ تكنس؟ قال العذرة، قال: ومنه حججت ومنه تزوجت؟
قال نعم. قال أنت خبيث وحجك خبيث وما تزوجت خبيث. ونحو هذا. ولان فيه دناءة فكره
29

كالحجامة. وإنما قلنا بجواز الإجارة عليه لدعو الحاجة إليه ولا يندفع ذلك الا بالإباحة فجاز كالحجامة
(فصل) ويشترط أن تكون المنفعة مقصودة فلا يجوز استئجار شمع ليتجمل به وبرده ولا طعام
ليتجمل به على مائدته ثم يرده ولا النقود ليتجمل بها الدكان لأنها لم تخلق لذلك ولا تراد له فبذل
العوض فيه سفه وأخذه من أكل المال بالباطل، وكذلك استئجار ثوب ليوضع على سرير الميت لما ذكرنا
* (فصل) * (قال الشيخ رحمه الله) والإجارة على ضربين (أحدهما) إجارة عين. فتجوز إجارة كل
عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها) كالأرض والدار والعبد والبهيمة والثياب والفساطيط
والحبال والخيام والمحامل والسرج واللجام والسيف والرمح وأشباه ذلك. وقد ذكرنا بعض ذلك في مواضعه
* (مسألة) * (ويجوز له استئجار حائط ليضع عليه أطراف خشبه) إذا كان الخشب معلوما والمدة معلومة
وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة لا يجوز. ولنا أن هذه منفعة مقصودة مقدور على تسليمها
واستيفائها فجازت الإجارة عليها كاستئجار السطح للنوم عليه
* (مسألة) * (ويجوز استئجار حيوان ليصيد به إلا الكلب)
يجوز استئجار الفهد والبازي والصقر ونحوه للصيد في مدة معلومة لأن فيه نفعا مباحا تجوز إعارته
فجازت إجارته له كالدابة، فأما إجارة سباع البهائم والطير التي لا تصلح للصيد فلا تجوز اجارتها لأنه
لا نفع فيها وكذلك إجارة الكلب والخنزير لأنه لا يجوز بيعه. ويتخرج جواز إجارة الكلب الذي يباح
اقتناؤه لأن فيه نفعا مباحا تجوز اعارته له فجاز اجارته له كغيره. ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين
30

* (مسألة) * (ويجوز استئجار كتاب ليقرأ فيه الا المصحف في أحد الوجهين)
تجوز إجارة كتب العلم التي يجوز بيعها للانتفاع بها من القراءة فيها والنسخ منها والرواية وغير
ذلك من الانتفاع المقصود المحتاج إليه. وهذا مذهب الشافعي، ومقتضى قول أبي حنيفة أنه لا تجوز
اجارتها لأنه علل منع إجارة المصحف بأنه ليس في ذلك أكثر من النظر إليه ولا تجوز الإجارة لمثل
ذلك كما يجوز أن يستأجر سقفا لينظر إلى عمله
ولنا أن فيه نفعا مباحا يحتاج إليه تجوز الإعارة له فجازت الإجارة له كسائر المنافع. وفارق النظر
إلى السقف فإنه لا حاجة إليه ولا جرت العادة بالإعارة من أجله، وتجوز إجارة كتاب فيه خط حسن
ينقل منه ويكتب عليه على قياس ذلك
(فصل) وفي إجارة المصحف وجهل [أحدهما] لا يصح اجارته لأنه لا يصح بيعه إجلالا
لكتاب الله تعالى وكلامه عن المعاوضة به وابتذاله بالثمن في البيع والأجرة في الإجارة [والثاني] يصح
وهو مذهب الشافعي لأنه انتفاع مباح تجوز الإعارة من أجله فجازت اجارته كسائر الكتب، ولا
يلزم من عدم جواز البيع عدم جواز الإجارة كالحر
(فصل) والذي يحرم بيعه تحرم اجارته الا الحر والوقف وأم الولد فإنه يجوز اجارتها وان حرم
بيعها، وما عدا ذلك لا تجوز اجارته، وسنذكر ذلك أن شاء الله تعالى
31

* (مسألة) * (ويجوز استئجار النقد للتحلي والوزن لا غير)
إذا كان في مدة معلومة وبه قال أبو حنيفة وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الآخر
انه لا تجوز اجارتها لأن هذه المنفعة ليست المقصود منها ولذلك لا نضمن منفعتها بغصبها فأشبهت الشمع
ولنا انها عين أمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة فأشبهت الحلي، وفارق الشمع فإنه لا ينتفع به
إلا بما يتلف عينه
* (مسألة) * (فإن أطلق الإجارة لم يصح في أحد الوجهين ويصح في الآخر وينتفع بها في ذلك)
وهذا اختيار أبي الخطاب لأن منفعتها في الإجارة متعينة في التحلي والوزن وهما متقاربان فوجب
أن نحمل الإجارة عند الاطلاق عليهما كاستئجار الدار مطلقا فإنه يتناول السكني ووضع المتاع فيها،
فعلى هذا ينتفع بها فيما شاء منهما، وقال القاضي لا تصح الإجارة وتكون قرضا وهذا مذهب أبي حنيفة
لأن الإجارة تقتضي الانتفاع والانتفاع المعتاد بالدراهم والدنانير إنما هو بأعيانها فإذا أطلق الانتفاع حمل
على الانتفاع المعتاد، وقال أصحاب الشافعي لا تصح الإجارة ولا تكون قرضا لأن التحلي ينقصها والوزن
لا ينقصها فقد اختلفت جهة الانتفاع فلم يجز اطلاقها، ولا يجوز أن يعبر بها عن القرض لأن القرض تمليك للعين
والإجارة تمليك المنفعة تقتضي الانتفاع مع بقاء العين فلم يجز التعبير بأحدهما عن الآخر، ولان التسمية
والألفاظ تؤخذ نقلا ولم يعهد في اللسان التعبير بالإجارة عن القرض، قال شيخنا وقول أبي الخطاب أصح
32

إن شاء الله تعالى لأن العقد متى أمكن حمله على الصحة كان أولى من إفساده وقد أمكن حملها على إجارتها
للجهة التي تجوز اجارتها فيها، وقول القاضي لا يصح لما ذكرنا، وما ذكر أصحاب الشافعي من نقص العين
بالاستعمال في التحلي فبعيد فإن ذلك يسير لا أثر له فوجوده كعدمه
(فصل) ويجوز أن يستأجر نخلا ليجفف عليه الثياب ويبسطها عليه ليستظل بظلها ولأصحاب
الشافعي في ذلك وجهان لما ذكروه في الأثمان
ولنا انها لو كانت مقطوعة لجاز استئجارها لذلك فكذلك النابتة وذلك لأن الانتفاع يحصل بهما على
السواء في الحالتين فما جاز في إحداهما يجوز في الأخرى ولأنها شجرة فجاز استئجارها لذلك كالمقطوعة
ولأنها منفعة مقصودة يمكن استيفاؤها مع بقاء العين فجاز العقد عليها كما لو كانت مقطوعة
(فصل) ويجوز استئجار ما يبقى من الطيب والصندل وقطع الكافور والند لشمه للمرضى وغيرهم مدة
ثم يرده لأنها منفعة أشبهت الوزن والتحلي مع أنه لا ينفك من أخلاق وبلى
(فصل) يجوز استئجار دار يتخذها مسجدا يصلي فيه وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز
لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة بحال فلا تجوز الإجارة لذلك
ولنا ان هذه منفعة مباحة يمكن استيفاؤها من العين مع بقائها فجاز استئجار العين لها كالسكنى
ويفارق الصلاة فإنها لا تدخل النيابة فيها بخلاف المسجد
* (مسألة) * (ويجوز استئجار ولده لخدمته وامرأته لرضاع ولده وحضانته)
33

يجوز استئجار ولده لخدمته كالأجنبي واستئجار أمه وأخته وابنته لرضاع ولده وكذلك سائر أقاربه
بغير خلاف كالأجانب، فأما استئجار امرأته لرضاع ولده منها فيجوز في الصحيح من المذهب قال الخرقي
ان أرادت الام أن ترضع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في جبال الزوج أو مطلقة
وقال القاضي لا يجوز وتأول كلام الخرقي على أنها في حبال زوج آخر وهو قول أصحاب الرأي وحكي عن
الشافعي لأنه قد استحق حبسها والاستمتاع بها بعوض فلا يجوز أن يلزمه آخر لذلك
ولنا ان كل عقد يصح أن تعقده مع غير الزوج يصح أن تعقده معه كالبيع ولان منافعها في الرضاع
والحضانة غير مستحقة للزوج بدليل انه لا يملك إجبارها على ذلك ويجوز أن تأخذ عليها العوض من
غيره فجاز لها أخذه منه كثمن مالها، قولهم انها استحقت عوض الحبس والاستمتاع قلنا هذا غير الحضانة
واستحقاق منفعة من وجه لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر كما لو استأجرها ثم تزوجها، وتأويل
القاضي كلام الخرقي يخالف الظاهر من وجهين (أحدهما) أن الألف واللام في الزوج للمعهود وهو أبو الطفل
(الثاني) انها إذا كانت في حبال زوج آخر لا تكون أحق به بل يسقط حقها من الحضانة ثم ليس لها أن ترضع
الا باذن زوجها ففسد التأويل
* (مسألة) * (ولا تصح الإجارة الا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع العين دون أجزائها)
34

لأن الإجارة بيع المنافع فأما الاجزاء فلا تدخل في الإجارة فلا يصح إجارة الطعام للاكل ولا
الشمع ليشعله لأن هذا لا ينتفع به الا باتلاف عينه فلم يجز كما لو استأجر دينارا لينفقه، فإن استأجر شمعة
ليسرجها ويرد بقيتها وثمن ما ذهب وأجر الباقي فهو فاسد لأنه يشمل بيعا وإجارة وما وقع عليه البيع
مجهول وإذا جهل البيع جهل المستأجر أيضا فيفسد العقدان
* (مسألة) * (ولا يجوز استئجار حيوان ليأخذ لبنه)
كاستئجار الإبل والبقر والغنم ليأخذ لبنها أو ليسترضعها لسخالها ونحوها ولا ليأخذ صوفها
وشعرها ووبرها ولا استئجار شجرة ليأخذ ثمرتها أو شيئا من عينها لما ذكرناه
* (مسألة) * (الا في الظئر ونفع البئر يدخل تبعا)
أما الظئر فقد سبق ذكرها، وأما نفع البئر فقال ابن عقيل يجوز استئجار البئر ليستقي منه أياما
معلومة ودلاء معلومة لأن هواء البئر وعمقها فيه نوع انتفاع بمرور الدلو فهي، فأما الماء
فيؤخذ على أصل الإباحة
(فصل) ولا يجوز استئجار الفحل الضرب وهو ظاهر مذهب الشافعي وأصحاب الرأي
35

وخرج أبو الخطاب وجها في جوازه بناء على إجارة الظئر للرضاع لأن الحاجة تدعو إليه وهو قول
الحسن وابن سيرين
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل متفق عليه ولان المقصود الماء الذي يخلق منه الولد
فيكون عقد الإجارة لاستيفاء عين فهو كإجارة الغنم لاخذ لبنها، ولأن الماء محرم لا قيمة له فلم يجز أخذ
العوض عنه كالميتة، فأما من أجازه فينبغي أن يوقع العقد على العمل ويقدره بمرة أو مرتين، وقيل
يقدره بالمدة وهو بعيد فإن من أراد إطراق فرسه مرة فقدره بمدة تزيد على قدر الفعل لم يكن استيعابها
به وربما لا يحصل الفعل في المدة ويتعذر ضبط مقدار الفعل فيتعين التقدير بالفعل الا أن يكتري فحلا
لاطراق ماشية كثيرة كتيس يتركه في غنمه فإنه إنما يكتريه مدة معلومة. والمذهب أنه لا يجوز
اجارته لما ذكرنا فإن احتاج إلى ذلك ولم يجد من يطرق له جاز له أن يبذل الكراء، وليس للمطرق
أخذه لأن ذلك بذل مال لتحصيل منفعة مباحة تدعو الحاجة إليها فجاز كشراء الأسير ورشوة الظالم
ليدفع ظلمه، وان أطرق انسان فحله بغير إجارة ولا شرط فأهديت له هدية أو أكرم بكرامة لذلك
فلا بأس لأنه فعل معروفا فجازت مجازاته عليه كما لو أهدى هدية فجوزي عليها
* (مسألة) * (الثاني معرفة العين برؤية أو صفة في أحد الوجهين ويصح في الآخر بدونه
وللمستأجر خيار الرؤية)
36

يشترط معرفة العين المستأجرة بالمشاهدة إن كانت لا تنضبط بالصفات، أو بالصفة ان كانت
تنضبط قياسا على البيع، وفيه وجه آخر أنه لا يشترط ويثبت للمستأجر خيار الرؤية وهو قول أصحاب
الرأي، والخلاف ههنا مبني على الخلاف في البيع، وقد ذكرناه والمشهور الأول. فعلى هذا إذا كانت
مما لا ينضبط بالصفة كالدور والحمام فلابد من رؤيتها كالبيع لأن الغرض يختلف بصغرها وكبرها ومرافقها
ومشاهدة قدر الحمام ليعلم كبرها من صغرها ومعرفة مائه ومشاهدة الإيوان ومطرح الرماد وموضع
الزبل ومصرف ماء الحمام، فمتى أخل بهذا أو بعضه لم يصح للجهالة بما يختلف به الغرض، وقد كره
أحمد كراء الحمام لأنه يدخله من يكشف عورته فيه قال ابن حامد هو على طريق كراهة التنزيه دون التحريم
فاما العقد فصحيح في قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن كراء الحمام
جائز إذا حدده وذكر جميع آلته شهورا مسماة وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي
لأن المكتري إنما يأخذ الاجر عوضا عن دخول الحمام والاغتسال بمائه وأحوال المسلمين محمولة على السلامة
وان وقع من بعضهم فعل ما لا يجوز لم يحرم الاجر المأخوذ منه كما لو اكترى دارا ليسكنها فشرب فيها خمرا
* (مسألة) * (الثالث القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الآبق والشارد والمغصوب من غير
غاصبه إذا لم يقدر على أخذه منه) لأنه لا يمكن تسليم المعقود عليه فلم تصح إجارته كبيعه
* (مسألة) * (ولا تجوز إجارة المشاع مفردا لغير شريكه وعنه ما يدل على الجواز
37

قال أصحابنا لا تجوز إجارة المشاع لغير الشريك إلا أن يؤجر الشريكان معا وهذا قول أبي
حنيفة وزفر لأنه لا يقدر على تسليمه فلم تصح اجارته كالمغصوب، يحقق ذلك أنه لا يقدر على تسليمه إلا
بتسليم نصيب الشريك ولا ولاية له على مال شريكه، واختار أبو حفص العكبري جوازه، وقد
أومأ إليه أحمد وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد لأنه معلوم يجوز بيعه فجازت إجارته
كالمفرد ولأنه عقد في ملكه يجوز مع شريكه فجاز مع غيره كالبيع، ومن نصر الأول فرق بين محل
النزاع وبين ما إذا أجره الشريكان أو أجره لشريكه فإنه يمكن التسليم إلى المستأجر فأشبه إجارة
المغصوب من غاصبه دون غيره، وان كانت لواحد فاجر نصفها صح لأنه يمكنه تسليمه ثم إن أجر
نصفها الآخر للمستأجر الأول صح لامكان تسليمه إليه، وان أجره لغيره ففيه وجهان كالمسألة
التي قبلها لأنه لا يمكنه تسليم ما اجره إليه، وان أجر الدار لاثنين لكل واحد منهما نصفها فكذلك
لأنه لا يمكنه تسليم نصيب كل واحد إليه
(فصل) ولا تجوز إجارة المسلم للذمي لخدمته نص عليه أحمد في رواية الأثرم فقال إن أجر نفسه من
الذي في خدمته لم يجز، وإن كان في عمل شئ جاز وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر تجوز لأنه يجوز
له إجارة نفسه في غير الخدمة فجاز فيها كإجارته من المسلم
ولنا أنه عقد يتضمن حبس المسلم عند الكافر واذلاله له واستخدامه أشبه البيع، يحققه أن عقد
38

الإجارة للخدمة يتعين فيها حبسه مدة الإجارة واستخدامه، والبيع لا يتعين فيه ذلك فإذا منع فالمنع
من الإجارة أولى، فاما ان أجر نفسه منه في عمل معين في الذمة كخياطة ثوب جاز بغير خلاف نعلمه
لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يستقي له كل دلو بتمرة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم
ينكره، وكذلك الأنصاري ولأنه عقد معاوضة لا يتضمن اذلال المسلم ولا استخدامه فأشبه مبايعته فإن
أجر نفسه منه لغير الخدمة مدة معلومة جاز أيضا في ظاهر كلام أحمد لقوله: وإن كان في عمل شئ جاز
ونقل عنه أحمد بن سعيد لا بأس أن يؤجر نفسه من الذمي وهذا مطلق في نوعي الإجارة، وذكر
بعض أصحابنا أن ظاهر كلام أحمد منع ذلك وأشار إلى ما رواه الأثرم واحتج بأنه عقد يتضمن حبس
المسلم أشبه البيع، والصحيح ما ذكرنا فإن كلام أحمد يدل على خلاف ما قاله، وانه خص المنع بالإجارة
للخدمة وأجاز اجارته للعمل وهذا إجارة للعمل، ويفارق البيع فإن فيه إثبات الملك على المسلم ويفارق
إجارته للخدمة لتضمنها الاذلال
(فصل) نقل إبراهيم الحربي أنه سئل عن الرجل يكتري الديك ليوقظه لوقت الصلاة
لا يجوز لأن ذلك يقف علي فعل الديك، ولا يمكن استخراج ذلك منه بضرب ولا غيره وقد يصيح
وقد لا يصيح وربما صاح بعد الوقت
* (مسألة) * (الشرط الرابع اشتمال العين على المنفعة)
39

فلا يجوز استئجار بهيمة زمنة للحمل ولا أرض لا تنبت الزرع لأن الإجارة عقد على المنفعة ولا
يمكن تسليم هذه المنفعة من هذه العين فلا تجوز اجارتها كالعبد الآبق
* (مسألة) * (الخامس كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها)
لأنه تصرف فيما لا يملكه ولا اذن فيه مالكه فلم يجز كبيعه، ويحتمل أن يجوز ويقف على
إجازة المالك بناء على بيع العين بغير إذن مالكها
* (مسألة) * (يجوز للمستأجر إجارة العين لمن يقوم مقامه من المؤجر وغيره)
يجوز للمستأجر إجارة العين المستأجرة إذا قبضها نص عليه أحمد وهو قول سعيد بن المسيب
وابن سبرين ومجاهد وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والشعبي والثوري والشافعي وأصحاب
الرأي، وذكر القاضي فيه رواية أخرى أنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن والمنافع لم
تدخل في ضمانه، ولأنه عقد على ما لم يدخل في ضمانه فلم يجز كبيع المكيل والموزون قبل قبضه، والأول
أصح لأن قبض العين قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يجوز التصرف فيها فجاز العقد عليها كبيع الثمرة
على الشجرة وبهذا الأصل يبطل قياس الرواية الأخرى. إذا ثبت هذا فإنه لا تجوز إجارته إلا لمن يقوم
مقامه أو دونه في الضرر لأن هذه المنفعة صارت مملوكة له فله أن يستوفيها بنفسه وبنائه، والمستأجرة لا
يجوز إجارتها لمن هو أكثر ضررا منه ولا لمن يخالف ضرره ضرره لما نذكره
40

(فصل) فاما اجارتها قبل قبضها فتجوز من غير المؤجر في أحد الوجهين وهو قول بعض الشافعية
لأن قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه فلم يقف جواز التصرف عليه، والثاني لا يجوز وهو قول
أبي حنيفة، والمشهور من قولي الشافعي لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها
القبض كالأعيان، وأما اجارتها للمؤجر قبل القبض فإذا قلنا لا يجوز من غير المؤجر ففيها ههنا وجهان
(أحدهما) لا يجوز كغيره (والثاني) يجوز لأن القبض لا يتعذر عليه بخلاف الأجنبي وأصلهما بيع الطعام
قبل قبضه وهل يصح من بائعه؟ على روايتين وتجوز اجارتها من المؤجر بعد قبضها وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه يؤدي إلى تناقض الأحكام لأن التسليم مستحق من المكري فإذا اكتراها
صار مستحقا له فيصير مستحقا لما يستحق عليه وهو تناقض
ولنا أن كل عقد جاز مع الأجنبي جاز مع العاقد كالبيع وما ذكروه لا يصح لأن التسليم قد حصل
وهذا المستحق له تسليم آخر ثم يبطل بالبيع فإنه يستحق عليه تسليم العين، فإذا اشتراها استحق
تسليمها فإن قبل التسليم ههنا مستحق في جميع المدة قلنا المستحق تسليم العين، وقد حصل وليس عليه
تسليم آخر غير أن العين من ضمان المؤجر فإذا تعذرت المنافع بتلف الدار أو غصبها رجع عليها لأنها
تعذرت بسبب كان في ضمانه
41

* (مسألة) * (وتجوز إجارتها بمثل الأجرة وزيادة، وعنه لا تجوز بزيادة، وعنه ان جدد فيها
عمارة جازت الزيادة وإلا فلا)
إذا قلنا بجواز إجارة العين المستأجرة جازت بمثل الأجرة وزيادة نص عليه أحمد، وروي عن عطاء
والحسن والزهري وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وعن أحمد لا تجوز بزيادة تروى كراهة
ذلك عن ابن المسيب وأبي سلمة وابن سيرين ومجاهد وعكرمة والنخعي وعنه إن جدد فيها عمارة
جازت الزيادة وإلا فلا فإن فعل تصدق بالزيادة روي ذلك عن الشعبي وبه قال الثوري وأبو حنيفة
لأنه يربح بذلك فيما لم يضمن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن ولأنه يربح فيما لم يضمن فلم
يجز كما لو ربح في الطعام قبل قبضه ويخالف ما إذا عمل فيها فإن الربح في مقابلة العمل، وعن أحمد رواية
أخرى ان أذن له المالك في الزيادة جاز وإلا لم يجز
ولنا أنه عقد يجوز برأس المال فجاز بزيادة كبيع المبيع بعد قبضه وكما لو أحدث فيها عمارة لا يقابلها
جزء من الاجر، وأما الخبر فإن المنافع قد دخلت في ضمانه من وجه بدليل أنها لو فاتت من غير
استيفائه كانت من ضمانه، والقياس على بيع الطعام قبل قبضه لا يصح فإنه لا يجوز وان لم يربح
فيه، وتعليلهم بأن الربح في مقابلة عمله ملغي بما إذا كنس الدار ونظفها فإن ذلك يزيد في أجرها
عادة والله أعلم
42

(فصل) وسئل أحمد عن الرجل يتقبل العمل من الأعمال فيقبله بأقل من ذلك أيجوز له الفضل؟
قال ما أدري هي مسألة فيها بعض الشئ، قلت أليس كان الخياط أسهل عندك إذا قطع الثوب أو غيره
إذا عمل في العمل شيئا؟ قال إذا عمل فهو أسهل. قال النخعي لا بأس أن يتقبل الخياط الثياب بأجر
معلوم ثم يقبلها بعد ذلك بعد أن يعين فيها أو يقطع أو يعطيه سلوكا أو إبرا فإن لم يعين فيها بشئ
فلا يأخذن فضلا. وهذا يحتمل أن يكون النخعي قاله بناء على مذهبه في أن من استأجر شيئا لا يؤجره
بزيادة، وقياس المذهب جواز ذلك سواء أعان فيها بشئ أو لم يعن لأنه إذا جاز أن يقبله بمثل
الاجر الأول جاز بزيادة عليه كالبيع وكإجارة العين
* (مسألة) * (وللمستعير اجارتها إذا أذن له المعير مدة بعينها)
لأنه لو أذن له في بيعها جاز فكذلك إذا أذن له في اجارتها ولان الحق له فجاز باذنه ولابد من
تعيين المدة في الاذن لأن الإجارة عقد لازم لا تجوز الا مدة معينة
* (مسألة) * (وتجوز إجارة الوقف) لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه فجاز اجارتها كالمستأجر
* (مسألة) * (فإن مات المؤجر فانتقل إلى من بعده لم تفسخ الإجارة في أحد الوجهين)
وللثاني حصته من الاجر لأنه أجر ملكه في زمن ولايته فلم تبطل بموته كما لو أجر ملكه الطلق
43

(والثاني) تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدة لأنا تبينا أنه أجر ملكه وملك غيره فصح في ملكه دون
ملك غيره كما لو أجر دارين إحداهما له والأخرى لغيره بخلاف الطلق فإن المالك يملك من جهة
الموروث فلا يملك إلا ما خلفه، وما تصرف فيه في حياته لا ينتقل إلى الوارث والمنافع التي أجرها قد
خرت عن ملكه بالإجارة فلا تنتقل إلى الوارث، والبطن الثاني في الوقف يملكون من جهة الواقف
فما حدث فيها بعد البطن الأول كان ملكا لهم فقد صادف تصرف المؤجر في ملكهم من غير اذنهم ولا
ولاية له عليهم ويتخرج أن تبطل الإجارة كلها بناء على تفريق الصفقة وهذا التفصيل مذهب الشافعي
فعلى هذا إن كان المؤجر قبض الاجر كله وقلنا تنفسخ الإجارة فلمن انتقل إليه الوقف أخذه
ويرجع المستأجر على ورثة المؤجر بحصة الباقي من الاجر. وان قلنا لا تنفسخ رجع من انتقل إليه
الوقف على التركة بحصته
* (مسألة) * (وإن أجر الولي اليتيم أو ماله مدة فبلغ في أثنائها فليس له فسخ الإجارة ذكره أبو الخطاب)
لأنه عقد لازم عقده بحق الولاية فلم يبطل بالبلوغ كما لو باع داره أو زوجه، ويحتمل أن تبطل
الإجارة فيما يعد البلوغ لزوال الولاية لما ذكرنا في إجارة الوقف. ويحتمل انه إذا أجره مدة يتحقق
فيها بلوغه وهو أن يؤجر ابن أربع عشره سنتين فيبطل في السادس عشر لأننا نتيقن انه أجره فيها
بعد بلوغه، وهل يصح في الخامس عشر؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة، وإن لم يتحقق فيها بلوغه
44

كالذي أجره الخامس عشر وحده فبلغ في أثنائه فيكون فيه ما ذكرنا في صدر الفصل، لأنا لو قلنا يلزم
الصبي بعقد الولي مدة يتحقق فيها بلوغه أفضى إلى أن يعقد على منافعه طول عمره وإلى أن يتصرف
فيه في غير زمن ولايته عليه، ولا يشبه النكاح لأنه لا يمكن تقدير مدته فإنه إنما يعقد للأبد، وبهذا قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا بلغ لصبي فله الخيار لأنه عقد على منافعه في حال لا يملك التصرف في
نفسه فإذا ملك ثبت له الخيار كالأمة إذا عتقت تحت زوج
ولنا انه عقد لازم عقد عليه قبل أن يملك التصرف فإذا ملكه لم يثبت له الخيار كالأب إذا زوج ولده
والأمة إنما ثبت لها الخيار إذا عتقت تحت عبد لأجل العيب لا لما ذكره، بدليل انها لو عتقت تحت حر
لم يثبت لها الخيار، إن مات الولي المؤجر للصبي أو ماله أو عزل وانتقلت الولاية إلى غيره لم يبطل عقده
لأنه تصرف وهو من أهل التصرف في محل ولايته فلم يبطل تصرفه بموته أو عزله كما لو مات ناظر الوقف
أو عزل أو مات الحاكم بعد تصرفه فيما له النظر فيه، ويفارق ما لو أجر الموقوف عليه الوقف مدة ثم مات
في أثنائها لأنه أجر ملك غيره بغير اذنه في مدة لا ولاية له فيها، وههنا إنما يثبت للوالي الثاني التصرف
فيما لم يتصرف فيه الأولى وهذا العقد قد تصرف فيه الأول فلم يثبت للثاني ولاية على ما تناوله الخبر
* (مسألة) * (فإن أجر السيد عبده مدة ثم أعتقه في أثنائها صح العتق)
ولم يبطل عقد الإجارة في قياس المذهب ولا يرجع العبد على مولاه بشئ. وهذا أحد قولي
45

الشافعي، وقال في القديم يرجع على مولاه بأجر المثل لأنه المنافع تستوفى منه بسبب كان من جهة السيد
فرجع عليه كما لو أكرهه بعد عتقه على ذلك العمل
ولنا انها منفعة استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببدلها كما لو زوج أمته ثم أعتقها بعد دخول
الزوج بها فإن ما يستوفيه السيد لا يرجع به عليه. ويخالف المكره فإنه تعدى بذلك، وقال أبو حنيفة
للعبد الخيار في الفسخ أو الامضاء كالصبي إذا بلغ للمعنى الذي ذكره. ثم ولنا انه عقد لازم على ما يملك
فلم ينفسخ بالعتق ولا يزول ملكه عنه كما لو زوج أمته ثم باعها
إذا ثبت هذا فإن نفقة العبد إذا لم تكن مشروطة على المستأجر فهي على معتقه لأنه كالباقي في ملكه
لكونه يملك عوض نفعه، ولان العبد عاجز عن نفقته لأنه مشغول بالإجارة ولم تجب على المستأجر
لأنه استحق منفعته بعوض غير نفقته لم يبق الا انها على المولى، ويتخرج ان تنفسخ الإجارة كالصبي والله أعلم
* (فصل) * قال رحمه الله (وإجارة العين تنقسم إلى قسمين (أحدهما) أن تكون على مدة كإجارة
الدار شهرا والأرض عاما والعبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة ويسمى الأجير فيها الأجير الخاص)
تكون في الآدمي وغيره، فأما غير الآدمي فمثل إجارة الدار شهرا والأرض عاما. وأما إجارة
الآدمي فمثل أن يستأجر رجلا يبني معه يوما أو يخيط له شهرا فهذا يسمى الأجير الخاص لأن المستأجر
يختص بمنفعته في مدة الإجارة لا يشاركه فيها غيره
* (مسألة) * (ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وان طالت)
46

أما ضبطها بالشهر والسنة فلا نعلم فيه خلافا وإنما اشترط العلم بالمدة لأنها هي الضابطة فاشترط
معرفتها كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل، فإن قدر المدة بسنة مطلقة حمل على السنة الهلالية لأنها المعهودة
قال الله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) فوجب أن يحمل العقد عليه،
فإن قال هلالية كان توكيدا، وإن قال عددية أو سنة بالأيام فهي ثلاثمائة وستون يوما لأن الشهر العددي
ثلاثون يوما. وان استأجر سنة هلالية في أولها عد اثني عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو
ناقصا لأن الشهر الهلالي ما بين هلالين ينقص مرة ويزيد أخرى. وكذلك إن كان العقد على أشهر
دون السنة، وإن جعلا المدة سنة رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وهما يعلمانها جاز وهي ثلاثمائة
وخمسة وستون يوما وربع يوم وإن جهلا ذلك أو أحدهما لم يصح
(فصل) فإن أجره إلى العيد انصرف إلى الذي يليه وتعلق بأول جزء منه لأنه جعل غاية فتنتهي
مدة الإجارة بأوله. وقال القاضي: لابد من تعيين العيد فطرا أو أضحى من هذه السنة أو من سنة
كذا. وكذلك الحكم ان علقه بشهر يقع اسمه على شهرين كجمادى وربيع يجب على قوله أن يذكر
الأول أو الثاني من سنة كذا. وان علقه بشهر مفرد كرجب فلابد أن يبينه من أي سنة، وإن علقه بيوم
بينه من أي أسبوع، وإن علقه بعيد من أعياد الكفار وهما يعلمانه صح وإلا لم يصح
(فصل) ولا تتقدر أكثر مدة الإجارة بل يجوز أجرة العين مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها
47

وإن طالت. وهذا قول عامة أهل العلم، غير أن أصحاب الشافعي اختلفوا في مذهبه فمنهم من قال له قولان
(أحدهما) كما ذكرنا وهو الصحيح (والثاني) لا يجوز أكثر من سنة لأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر منها
ومنهم من قال له قول ثالث انها لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة. وحكى القاضي في كتاب الخلاف عن
ابن حامد ان أصحابنا اختلفوا في مدة الإجارة فمنهم من قال لا تجوز أكثر من سنة. واختاره ومنهم من
قال إلى ثلاثين سنة لأن الغالب ان الأعيان لا تبقى أكثر منها وتتغير الأسعار والاجر
ولنا قوله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام أنه قال (على أن تأجرني ثماني حجج) وشرع من
قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل. ولان ما جاز العقد عليه سنة جاز أكثر منها كالبيع والنكاح والمساقاة
والتقدير بسنة وثلاثين تحكم لا دليل عليه وليس هو بأولى من التقدير بزيادة عليه أو نقصان منه
(فصل) إذا استأجر سنين لم يحتج إلى تقسيط الاجر على كل سنة في ظاهر كلام احمد كما لو
استأجر سنة لم يحتج إلى تقسيط أجر كل شهر بالاتفاق، وكذلك لا يفتقر إلى تقسيط أجر كل يوم إذا
استأجر شهرا، ولان المنفعة كالأعيان في البيع، ولو اشتملت الصفقة على أعيان لم يلزمه تقدير ثمن كل
عين كذلك، ههنا وقال الشافعي في أحد قوليه يفتقر إلى تقسيط أجر كل سنة لأن المنافع تختلف
باختلاف السنين فلا يأمن أن ينفسخ العقد فلا يعلم بم يرجع وهذا يبطل بالشهور فإنه لا يفتقر إلى
تقسيط الاجر على كل شهر مع الاحتمال الذي ذكروه
48

* (مسألة) * (ولا يشترط أن تلي العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح)
سواء كانت العين مشغولة وقت العقد أو لم تكن وكذلك ان أجره شهر رجب في المحرم وبه قال
أبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح إلا أن يستأجرها من هي في إجارة، ففيه قولان لأنه عقد على ما يمكن
تسليمه في الحال فأشبه إجارة العين المغصوبة قال ولا يجوز أن يكتري بعيرا بعينه إلا عند خروجه لذلك
ولنا انها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس كالتي تلي العقد
وإنما تشترط القدرة على التسليم عند وجوبه كالسلم فإنه لا يشترط وجود القدرة عليه حين العقد، ولا فرق بين
كونها مشغولة أو غير مشغولة لما ذكرناه، وما ذكره يبطل بما إذا أجرها من المكتري فإن يصح مع
ما ذكروه. إذا ثبت هذا فإن الإجارة ان كانت على مدة تلي العقد لم يحتج إلى ذكر ابتدائها من حين
العقد وان كانت لا تليه فلابد من ذكره لأنها أحد طرفي العقد فاحتيج إلى معرفته كالانتهاء، وان
أطلق فقال أجرتك سنة أو شهرا صح وكان ابتداؤها من حين العقد وهو قول أبي حنيفة ومالك وقال
الشافعي وبعض أصحابنا لا يصح حتى يسمي الشهر ويذكر أي سنة هي قال أحمد في رواية إسماعيل
ابن سعيد إذا استأجر أجيرا شهرا فلا يجوز حتى يسمي الشهر
ولنا قول الله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام قال (على أن تأجرني ثماني حجج) لم يذكر ابتداءها
ولأنه تقدير بمدة ليس فيها قربة فإذا أطلقها وجب أن تلي السبب كمدة السلم والايلاء وتفارق النذر فإنه قربة
49

(فصل) إذا تمت الإجارة وكانت على مدة ملك المستأجر المنافع المعقود عليها إلى المدة وتحدث
على ملكه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تحدث على ملك المؤجر ولا يملكها المستأجر بالعقد لأنها
معدومة فلا تكون مملوكة كالولد والتمرة
ولنا ان الملك عبارة عن حكم يحصل به تصرف مخصوص وقد ثبت أن المنفعة المستقبلة كان لمالك
العين أن يتصرف فيها كتصرفه في العين فلما أجرها كان المستأجر مالكا للتصرف فيها كما كان يملكه
المؤجر فثبت انها كانت مملوكة لمالك العين ثم انتقلت إلى المستأجر بخلاف الولد والتمرة فإن المستأجر
لا يملك التصرف فيها قولهم إن المنفعة معدومة قلنا هي مقدرة الوجود لأنها جعلت موردا للفعل
والقدر لا يرد إلا على موجود
* (مسألة) * (وإذا أجره في أثناء شهر سنة استوفى شهرا بالعدد وسائرها بالأهلة)
لأنه تعذر اتمامه بالهلال فتممناه بالعدد وأمكن استيفاء ما عداه بالهلال فوجب ذلك لأنه الأصل
وعنه يستوفي الجميع بالعدد لأنها مدة يستوفي بعضها بالعدد فوجب استيفاء جميعها به كما لو كانت المدة
شهرا واحدا ولان الشهر الأول ينبغي أن يكمل من الشهر الذي يليه فيحصل ابتداء الشهر الثاني في
أثنائه وكذلك كل شهر يأتي بعده ولأبي حنيفة والشافعي كالروايتين، وكذلك الحكم في كل ما يعتبر
فيه الأشهر كعدة الوفاة وشهري صيام الكفارة
50

(فصل) ومن اكترى دابة إلى العشاء فآخر المدة غروب الشمس وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة
وأبو ثور آخرها زوال الشمس لأن العشاء آخر النهار وآخره النصف الآخر من الزوال وكذلك
جاء في حديث ذي اليدين عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاة
العشي يعني الظهر أو العصر هكذا تفسيره
ولنا قوله تعالى (من بعد صلاة العشاء) يعني العتمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي
لاخرت العشاء إلى ثلث الليل " وإنما تعلق الحكم بغروب الشمس لأن هذه الصلاة تسمى العشاء
الآخرة فيدل على أن الأولى المغرب وهو في العرف كذلك فوجب أن يتعلق الحكم به لأن المدة
إذا جعلت إلى وقت تعلقت بأوله كما لو جعلتا إلى الليل، وما ذكروه لا يصح لأن لفظ العشي غير لفظ
العشاء فلا يجوز الاحتجاج بأحدهما على الآخر حتى يقوم دليل على أن معنى اللفظين واحد ثم لو ثبت
أن معناهما واحد غير أن أهل العرف لا يعرفون غير ما ذكرنا، فإن اكتراها إلى الليل فهو إلى أوله
وكذلك ان اكتراها إلى النهار فهو إلى أوله، ويتخرج أن يدخل الليل في المدة الأولى والنهار في
الثانية لما ذكرنا في مدة الخيار، وان اكتراها نهارا فهو إلى غروب الشمس وان اكتراها ليلة فهي
إلى طلوع الفجر في قول الجميع لأن الله تعالى قال في ليلة القدر (سلام هي حتى مطلع الفجر) وقال (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) ثم قال (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا
51

واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل)
(فصل) وان اكترى فسطاطا إلى مكة ولم يقل متى اخرج فالكراء فاسد وبه قال أبو ثور وهو
قياس قول الشافعي وقال أصحاب الرأي يجوز استحسانا بخلاف القياس
ولنا انها مدة غير معلومة الابتداء فلم يجز كما لو قال أجرتك داري من حين يخرج الحاج إلى
رأس السنة وقد اعترفوا بمخالفته الدليل وما ادعوه دليلا تمنع كونه دليلا
(القسم الثاني) إجارتها العمل معلوم كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان
أو دياس زرع واستئجار عبد ليدله على طريق أو رحى لطحن قفزان معلومة فيشترط معرفة العمل
وضبطه بما لا يختلف لأن الإجارة عقد معاوضة فوجب أن يكون العوض فيها معلوما لئلا يفضي إلى
الاختلاف والتنازع كقولنا في البيع، والعلم بمقدار المنفعة إما أن يحصل بتقدير المدة كما ذكرنا في إجارة
الدار وخدمة العبد مدة معلومة وإما بتقدير العمل ووصف ما يعمله وضبطه بما لا يختلف فيه كالمبيعات
(فصل) يجوز أن يكتري بقرا لحرث مكان لأن البقر خلقت للحرث ولذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم
" بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها فقالت إني لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث " متفق عليه، ويحتاج
إلى معرفة الأرض وتقدير العمل، فأما الأرض فلا تعرف إلا بالمشاهدة فإنها تختلف فتكون صلبة تتعب
52

البقر والحراث وتكون فيها حجارة تتعلق فيها السكة وتكون رخوة يسهل حرثها، ولا تنضبط بالصفة
فتحتاج إلى الرؤية. وأما تقدير العمل فيجوز بأحد شيئين إما بالمدة كيوم وإما بمعرفة الأرض كهذه
القطعة أو من ههنا إلى ههنا أو بالمساحة كجريب أو جريبين أو كذا ذراعا في كذا كل ذلك جائز
لحصول العلم به فإن قدره بالمدة فلابد من معرفة البقر التي يعمل عليها لأن الغرض يختلف باختلافها
بالقوة والضعف ويجوز أن يستأجر البقر مفردة ليتولى رب الأرض الحرث بها ويجوز أن يستأجرها
مع صاحبها ويجوز استئجارها بآلتها وبدونها وتكون الآلة من عند صاحب الأرض ويجوز استئجار
البقر وغيرها لدواس الزرع لأنها منفعة مباحة مقصودة اشبهت الحرث ويجوز على مدة أو زرع معين
أو موصوف كما ذكرنا في الحرث، ومتى كان على مدة احتيج إلى معرفة الحيوان لأن الغرض يختلف
به فمنه ما روثه ظاهر ومنه نجس، ولا يحتاج إلى معرفة عين الحيوان ويجوز أن يستأجر الحيوان بآلته
وغيرها مع صاحبه ومنفردا كما ذكرنا في الحرث
(فصل) ويجوز استئجار غنم لتدوس له طينا أو زرعا ولأصحاب الشافعي فيه وجه انه لا يجوز
لأنها منفعة غير مقصودة من هذا الحيوان. ولنا انها منفعة مباحة يمكن استيفاؤها اشبهت سائر
المنافع المباحة وكالتي قبلها
(فصل) وان اكترى حيوانا لعمل لم يخلق له كمن استأجر البقر للركوب أو الحمل أو الإبل
53

والحمير للحرث جاز لأنها منفعة مقصودة أمكن استيفاؤها من الحيوان لم يرد الشرع بتحريمها فجاز كالتي
خلقت له، ولان مقتضى الملك جواز التصرف بكل ما تصلح له العين المملوكة ويمكن تحصيلها منها ولا
يمتنع ذلك الا بمعارض راجح أو ما ورد بتحريمه نص أو قياس صحيح أو رجحان مضرة على منفعة
ولم يوجد شئ منها، كثير من الناس يحملون على البقر ويركبونها وفي بعض البلاد يحرث على الإبل والبغال
والحمير فيكون معنى خلقها للحرث إن شاء الله تعالى انه معظم نفعها ولا يمنع ذلك الانتفاع بها
في شئ آخر كما أن الخيل خلقت للركوب والزينة ويباح أكلها، واللؤلؤ خلف للحلية ويجوز استعماله
في الأدوية وغيرها
(فصل) ويجوز استئجار بهيمة لإدارة الرحى ويفتقر لشيئين معرفة الحجر بالمشاهدة أو الصفة
لأن عمل البهيمة يختلف فيه بثقله وخفته فيحتاج صاحبها إلى معرفته (الثاني) تقدير العمل بالزمان كيوم
أو يومين أو بالطعام فيقول قفيزا أو قفيزين وذكر جنس المطحون إن كان يختلف لأن منه ما يسهل
طحنه ومنه ما يشق، وان اكتراها لإدارة دولاب فلابد من مشاهدته ومشاهدة دلائه لاختلافها
وتقدير ذلك بالزمان أو ملء، هذا الحوض، وكذلك ان اكتراها للسقي بالغرب فلابد من معرفته ولأنه
يختلف بكبره وصغره، ويقدر بالزمان أو الغروب أو بملء ء بركة، يجوز تقدير ذلك بسقي أرض
لأن ذلك يختلف فقد تكون الأرض شديدة العطش لا يرويها القليل وتكون قريبة العهد بالماء فيرويها
54

اليسير، وان قدره بسقي ماشية احتمل أن لا يجوز لذلك ويحتمل الجواز لأن شربها يتقارب في الغالب
ويجوز استئجار دابة ليستقي عليها ماء، ولابد من معرفة الآلة التي يسقي فيها من راوية أو قرب أو
جرار اما بالرؤية والماء بالصفة، ويقدر العمل بالزمان أو بالعدد أو بملء ء شئ معين، فإن قدره بعدد
المرات احتاج إلى معرفة المكان الذي يستقي منه والذي يذهب إليه لأن ذلك يختلف بالقرب والبعد
والسهولة والحزونة، وان قدره إلى شئ معين احتاج إلى معرفته ومعرفة ما يستقي منه، ويجوز أن يكتري
البهيمة بآلتها وبدونها مع صاحبها ووحدها، فإن اكتراها لبل تراب معروف جاز لأنه يعلم بالعرف
وكل موضع وقع العقد على مدة فلابد من معرفة الظهر الذي يعمل عليه لأن الغرض يختلف باختلافها
في القوة والضعف وان وقع على عمل معين لم يحتج إلى ذلك لأنه لا يختلف ويحتمل أن يحتاج
إلى ذلك في استقاء الما عليه لأن منه ما روثه وجسمه طاهر كالخيل والبقر ومنه ما روثه نجس وفي
جسمه اختلاف كالبغال فربما نجس يد المستقي أو دلوه فيتنجس الماء به فيختلف الغرض بذلك
فاحتيج إلى معرفته
* (مسألة) * (يجوز استئجار رجل ليدله على طريق)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا عبد الله بن الأريقط هاديا خريتا وهو الماهر بالهداية
ليدلهما على الطريق إلى المدينة
55

* (مسألة) * (ويصح استئجار رحى لطحن قفزان معلومة)
ويحتاج إلى معرفة جنس المطحون برا أو شعيرا أو ذرة أو غيره لأن ذلك يختلف فمنه ما يسهل
طحنه ومنه ما يعسر فاحتيج إلى معرفته لتزول الجهالة
(فصل) يجوز استئجار كيال أو وزان لعمل معلوم أو في مدة معلومة وبه قال مالك والثوري
والشافعي وأصحاب الرأي لا نعلم فيه خلافا، وقد روي في حديث سويد بن قيس أتانا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاشترى رجل منا سراويل وثم رجل يزن بأجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" زن وأرجح " رواه أبو داود
(فصل) ويجوز استئجار رجل ليلازم غريما تستحق ملازمته وقد روي عن أحمد انه كره ذلك
وقال: غير هذا أعجب إلي وإنما كرهه لأنه يؤول إلى الخصومة وفيه تضييق على المسلم ولا يأمن أن يكون
ظالما فيساعده على ظلمه وروي عنه أنه قال لا بأس به لأن الظاهر أنه بحق فإن الحاكم في الظاهر لا يحكم
الا بحق ولهذا أجزنا للموكل فعله
(فصل) ويجوز الاستئجار لحفر الآبار والأنهار والقني لأنها منفعة معلومة يجوز التطوع بها
فجاز الاستئجار عليها كالخدمة ولابد من تقدير العمل بمدة أو عمل معين فإن قدره بمدة نحو أن
يستأجره شهرا ليحفر له بئرا أو نهرا لم يحتج إلى معرفة القدر وعليه الحفر في ذلك الشهر قليلا حفر أو كثير
56

قال شيخنا ويفتقر إلى معرفة الأرض التي يحفر فيها وقال بعض أصحابنا لا يحتاج إلى ذلك لأن الغرض
لا يختلف بذلك والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن الأرض الصلبة يشق حفرها واللينة يسهل، وان
قدره بالعمل فلابد من معرفة الموضع بالمشاهدة لكونها تختلف بالسهولة والصلابة وذلك لا ينضبط
بالصفة، ويعرف دور البئر وعمقها وطول النهر وعرضه وعمقه لأن العمل يختلف بذلك، وإذا حفر بئرا
فعليه شيل التراب لأنه لا يمكنه الحفر الا بذلك فقد تضمنه العقد، فإن تهور تراب من جانبيها أو سقطت
فيه بهيمة أو نحو ذلك لم يلزمه شيله وكان على صاحب البئر لأنه سقط فيها من ملكه ولا يتضمن
عقد الإجارة رفعه، وان وصل إلى صخرة أو جماد يمنع الحفر لم يلزمه حفره لأن ذلك مخالف لما شاهده
من الأرض وإنما اعتبرت مشاهدة الأرض لأنها تختلف فإذا ظهر فيها ما يخالف المشاهدة كان له
الخيار في الفسخ فإن فسخ كان له الاجر بحصة ما عمل فيقسط الاجر على ما بقي وما عمل، فيقال
كم أجر ما عمل وكم أجر ما بقي؟ فيقسط الاجر المسمى عليهما ولا يجوز تقسيطه على عدد الأذرع،
لأن أعلى البئر يسهل نقل التراب منه وأسفله يشق ذلك فيه، وان نبع منه ما منعه من الحفر فهو
كالصخرة على ما ذكرنا
(فصل) ويجوز استئجار ناسخ ينسخ له كتبا من الفقه والحديث والشعر المباح وسجلات نص
عليه في رواية مثنى ابن جامع، وسأله عن كتابة الحديث بالاجر فلم ير به بأسا، ولابد من التقدير بالمدة
57

أو العمل فإن قدره بالعمل ذكر عدد الورق وقدره وعدد السطور في كل ورقة وقدر الحواشي ودقة
القلم وغلظ فإن عرف الخط بالمشاهدة جاز وان أمكن ضبطه بالصفة ضبطه والا فلابد من المشاهدة لأن
الاجر يختلف باختلافه، ويجوز تقدير الاجر بأجزاء الفرع وبأجزاء الأصل، وان قاطعه على نسخ الأصل
بأجر واحد جاز فإن أخطأ بالشئ اليسير عفي عنه لأنه لا يمكن التحرز منه، وإن كان كثيرا بحيث
يخرج عن العادة فهو عيب يرد به، قال ابن عقيل ليس له محادثة غيره حال النسخ ولا التشاغل بما
يشغل سره ويوجب غلطه ولا لغير تحديثه وشغله، وكذلك الأعمال التي تختل بشغل السر والقلب
كالقصارة والنساجة ونحوهما، ويجوز أن يستأجر على نسخ مصحف في قول أكثر أهل العلم، منهم
جابر بن زيد ومالك بن دينار وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وقال ابن سيرين
لا بأس أن يستأجر الرجل شهرا ويستكتبه مصحفا، وكره علقمة كناية المصحف بالاجر ولعله يرى
ذلك مما يختص كون فاعله من أهل القربة فكره الاجر عليه كالصلاة
ولنا انه فعل مباح يجوز أن ينوب فيه الغير عن الغير فجاز أخذ الأجرة عليه ككتابة الحديث،
وقد جاء في الخبر " أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله "
(فصل) يجوز أن يستأجر لحصاد زرعه لا نعلم فيه خلافا وكان إبراهيم بن أدهم يؤجر نفسه لحصاد
الزرع، ويجوز تقديره بمدة وبعمل مثل أن يقاطعه على حصاد زرع معين، ويجوز أن يستأجر رجلا لسقي
58

زرعه وتنقيته ودياسه ونقله إلى موضع معين، ويجوز ان يستأجر رجلا يحتطب له لأنه عمل مباح تدخله
النيابة أشبه حصاد الزرع. قال احمد في رجل استأجر أجيرا على أن يحتطب له على حمارين كل يوم
فكان الرجل ينقل عليهما وعلى حمير لرجل آخر ويأخذ منه الأجرة فإن كان يدخل عليه ضرر يرجع
عليه بالقيمة، وظاهر هذا أن المستأجر يرجع على الأجير بقيمة ما استضر باشتغاله عن عمله
لقوله إن كان يدخل عليه ضرر رجع بالقيمة فاعتبر الضرر. وظاهر هذا انه إذا لم يستضر لا يرجع
بشئ لأنه اكتراه لعمل فوفاه على التمام فلم يلزمه شئ كما لو استأجره بعمل فكان يقرأ القرآن في حال
عمله فإن ضر المستأجر رجع عليه بقيمة ما فوت عليه. ويحتمل أنه أراد أنه يرجع عليه بقيمة ما عمله
لغيره لأنه صرف منافعه المعقود عليها إلى عمل غير المستأجر فكان عليه قيمتها كما لو عمل لنفسه. وقال
القاضي معناه انه يرجع عليه بالاجر الذي أخذه من الآخر لأن منافعها في هذه المدة مملوكة لغيره فما
حصل في مقابلتها يكون الذي استأجره
(فصل) يجوز الاستئجار لاستيفاء القصاص في النفس وما دونها، وبه قال مالك والشافعي
وأبو ثور، وقال أبو حنيفة لا يجوز في النفس لأن عدد الضربات يختلف وموضع الضربات غير متعين
إذ يمكن أن يضرب مما يلي الرأس ومما يلي الكتف فكان مجهولا
ولنا انه حق يجوز التوكيل في استيفائه لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فجاز الاستئجار
59

عليه كالقصاص في الطرف. وقوله ان عدد الضربات يختلف وهو مجهول يبطل بخياطة الثوب فإن
عدد الغرزات مجهول، وقوله ان محله غير متعين، قلنا هو متقارب فلا يمنع ذلك صحته كموضع
الخياطة من حاشية الثوب
(فصل) ويجوز أن يستأجر سمسارا يشتري له ثيابا، ورخص فيه ابن سيرين وعطاء
والنخعي، وكرهه الثوري وحماد
ولنا انها منفعة مباحة تجوز النيابة فيها فجاز الاستئجار عليها كالبناء، وتجوز على مدة معلومة مثل
أن يستأجره عشرة أيام يشتري له فيها لأن المدة معلومة والعمل معلوم فأشبه الخياط والقصار، وان عين
العمل دون الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا معلوما صح أيضا، وان قال كلما اشتريت ثوبا فلك
درهم أجرا وكانت الثياب معلومة بصفة أو مقدرة بثمن جاز، وان لم تكن كذلك فظاهر كلام أحمد انه
لا يجوز لأن الثياب تختلف باختلاف أثمانها والاجر يختلف باختلافها فإن اشترى فله أجر مثله،
وهذا قول أبي ثور وابن المنذر لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له فكان له أجر المثل كسائر الإجارات الفاسدة
(فصل) وان استأجره ليبيع له ثيابا بعينها صح وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يصح لأن
ذلك يتعذر عليه فأشبه ضراب الفحل وحمل الحجر الكبير
ولنا انه عمل مباح معلوم تجوز النيابة فيه فجاز الاستئجار عليه كشراء الثياب، ولأنه يجوز الاستئجار
60

عليه مقدرا بزمن فجاز مقدرا بالعمل كالخياطة وقولهم انه يتعذر ممنوع فإن الثياب لا تنفك عن راغب
فيها ولذلك صحت المضاربة ولا تكون الا بالبيع والشراء بخلاف ما قاسوا عليه فإنه يتعذر، وان
استأجره على شراء ثياب معينة من رجل معين احتمل أن لا يصح لأنه قد يتعذر لامتناع صاحبها من البيع
فيتعذر تحصيل العمل بحكم الظاهر بخلاف البيع ويحتمل أن يصح لأنه ممكن في الجملة فإن حصل من ذلك
شئ استحق الاجر وإلا بطلت الإجارة كما لو لم يعين البائع ولا المشتري
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثاني عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات السلم كخياطة ثوب
وبناء دار وحمل إلى موضع معين ولا يكون الأجير فيها إلا آدميا جائز التصرف، ويسمى الأجير المشترك)
يجوز للآدمي أن يؤجر نفسه بغير خلاف وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعاية الغنم،
واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رجلا ليدلهما على الطريق ولأنه يجوز الانتفاع
به مع بقاء عينه أشبه الدور، ثم إن اجارته تقع على مدة بعينها وعمل بعينه كإجارة موسى عليه السلام
نفسه للرعي، وتقع على عمل موصوف في الذمة كالسلم، ومتى كان على عمل موصوف في الذمة لم يكن الأجير
فيها إلا آدميا جائز التصرف لأن الذمة لا تكون لغير الآدمي ولا تثبت المعاوضة لعمل في الذمة لغير
جائز التصرف، ولابد أن يكون العمل الذي يتعلق بالذمة مضبوطا بصفات السلم ليحصل العلم به
61

ويسمى الأجير فيها الأجير المشترك مثل الخياط الذي يتقبل الخياطة لجماعة وكذلك القصار ومن في
معناه فتكون منفعة مشتركة بينهم
* (مسألة) * (ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا
الثوب في يوم، وعنه يجوز)
لا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم أو تبني
هذه الدار في شهر وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الجمع بينهما بزبد الإجارة غررا لا حاجة إليه لأنه
قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة فإن استعمل في بقية المدة فقد زاد على ما وقع عليه العقد وان لم
يعمل كان تاركا للعمل في بعض المدة، فهذا غرر قد أمكن التحرز منه ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم
يجز العقد معه، وروي عن أحمد فيمن اكترى دابة إلى موضع على أن يدخله في ثلاث فدخله في ست
قال قد أضربه فقيل يرجع عليه بالقيمة؟ قالا لا ويصالحه، وهذا يدل على جواز تقديرهما جميعا وهو قول
أبي يوسف ومحمد لأن الإجارة معقودة على العمل فالمدة إنما ذكرت للتعجيل فلا تمنع ذلك، فعلى هذا
إذا تم العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها لأنه وفى ما عليه قبل مدته فلم يلزمه شئ آخر
كما لو قضى الدين قبل أجله، وان مضت المدة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة لأن الأجير لم يف
له بشرطه، فإن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ لأن الاخلال بالشرط منه فلا يكون ذلك وسيلة
62

له إلى الفسخ كما لو تعذر المسلم فيه في وقته لم يملك المسلم إليه الفسخ وملكه المسلم، فإن اختار امضاء العقد
طالبه بالعمل لا غير كالمسلم إذا صبر عند تعذر المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه
وان فسخ العقد قبل العمل سقط الاجر والعمل، وإن كان بعد عمل بعضه فله أجر المثل لأن العقد
قد انفسخ فسقط المسمى ورجع إلى أجر المثل
* (مسألة) * (ولا تجوز الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالحج
والاذان، وعنه تجوز)
معنى قوله يختص فاعله أن يكون من أهل القربة أنه يكون مسلما، وقد اختلفت الرواية عن أحمد
رحمه الله في الاستئجار على عمل يختص فاعله أن يكون مسلما كالإمامة والحج والاذان وتعليم القرآن
فروي عنه انها لا تصح وبه قال عطاء والضحاك بن قيس وأبو حنيفة والزهري، وكره إسحاق تعليم
القرآن بأجر، قال عبد الله بن شقيق: هذه الرغفان التي يأخذها المسلمون من السحت، وكره أجر المعلم
مع الشرط الحسن وابن سيرين وطاوس والشعبي والنخعي، وعن أحمد رواية أخرى انه يجوز حكاها
أبو الخطاب، ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال: التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين،
ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة، ومن أن يستدين ويتجر لعله لا يقدر على الوفاء فيلقى
الله بأمانات الناس التعليم أحب إلي، وهذا يدل على أن منعه منه في موضع منعه للكراهة لا للتحريم
63

وممن أجاز ذلك مالك والشافعي، ورخص في أجور المعلمين أبو قلابة وأبو ثور وابن المنذر لأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا بما معه من القرآن متفق عليه، فإذا جاز تعليم القرآن عوضا في النكاح وقام مقام
المهر جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب
الله " حديث صحيح، وفي حديث أبي سعيد أن رجلا رقى رجلا بفاتحة الكتاب على جعل فبرأ
وأخذ أصحابه الجعل فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه وسألوه فقال " لعمري لمن أكل برقية باطل لقد
أكلت برقية حق، كلوا واضربوا لي معكم بسهم " حديث صحيح. وإذا جاز أخذ الجعل جاز أخذ الأجر
لأنه في معناه، ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال فجاز أخذ الأجر عليه كبناء المساجد
ولان الحاجة تدعو إلى الاستنابة في الحج عمن وجب عليه وعجز عن فعله ولا يكاد يوجد متبرع بذلك
فيحتاج إلى بذل الاجر فيه
ووجه الرواية الأولى ما روى عثمان بن أبي العاص قال إن آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا. قال الترمذي هذا حديث حسن. وروى عبادة بن الصامت قال
64

علمت أناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة فأهدى إلي رجل منهم قوسا قال قلت قوس وليست
بمال قال قلت أتقلدها في سبيل الله وذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقص عليه القصة قال إن سرك أن
يقلدك الله قوسا من نار فاقبلها " وعن أبي بن كعب أنه علم رجلا سورة من القرآن فاهدى له خميصة
أو ثوبا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " لو أنك لبستها أو أخذتها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار " وعن
أبي
قال: كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن فكان عند فراغه مما أقرئه
يقول لجارية له هلمي طعام أخي فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة فحاك في نفسي منه شئ فذكرته
للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إن كان ذاك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه، وإن كان يتحفك به فلا تأكله "
وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اقرءوا القرآن ولا تغلوا
فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به " روى هذه الأحاديث كلها الأثرم في سننه، ولان
من شرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى فلم يجز أخذ الأجر عليها كما لو استأجر قوما
يصلون خلفه الجمعة أو التراويح. فاما الاخذ على الرقية فإن احمد اختار جوازه وقال لا بأس، وذكر
حديث أبي سعيد، والفرق بينه وبين ما اختلف فيه أن الرقية نوع مداواة والمأخوذ عليها جعل والمداواة
يباح أخذ الأجر عليها والجعالة أوسع من الإجارة ولهذا تجوز مع جهالة العمل والمدة وقوله عليه السلام
" أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " يعني الجعل أيضا في الرقية لأنه ذكر ذلك في سياق خبر
65

الرقية، وأما جعل تعليم القرآن صداقا فعنه فيه اختلاف، وليس في الخبر تصريح بأن التعليم صداق
إنما قال " زوجتكها بما معك من القرآن " فيحتمل أنه زوجها إياه بغير صداق اكراما له كما زوج أبا طلحة
أم سليم على اسلامه ونقل عنه جوازه، والفرق بين المهر والاجر أن المهر ليس بعوض محض وإنما وجب
نحلة ووصلة ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته وصح مع فساده بخلاف الاجر في غيره
(فصل) فأما الرزق من بيت المال فيجوز على ما يتعدى نفعه من هذه الأمور لأن بيت المال من
مصالح المسلمين فإذا كان بذله لمن يتعدى نفعه إلى المسلمين محتاجا إليه كان من المصالح وكان له أخذه لأنه
من أهله وجرى مجرى الوقف على من يقوم بهذه المصالح بخلاف الاجر
(فصل) فأن أعطى المعلم شيئا من غير شرط جاز في ظاهر كلام أحمد فإنه قال في رواية أيوب
ابن سافري لا يطلب ولا يشارط فإن أعطي شيئا أخذه، وقال في رواية أحمد بن سعيد أكره أجر
المعلم إذا شرط، وقال إذا كان المعلم لا يشارط ولا يطلب من أحد شيئا ان أتاه شئ قبله كأنه يراه
أهون، وكرهه طائفة من أهل العلم لما تقدم من حديث الفرس والخميصة التي أعطيها أبي وعبادة من غير
شرط، ولان ذلك قربة فلم يجز أخذ العوض عنه بشرط ولا بغيره كالصلاة والصيام ووجه الأول قول
النبي صلى الله عليه وسلم " ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه وتموله فإنه رزق ساقه الله
إليك " وقد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكل طعام الذي كان يعلمه إذا كان طعامه وطعام أهله ولأنه إذا
66

كان بغير شرط كان هبة مجردة فجاز كما لو لم يعلمه شيئا، فاما حديث القوس والخميصة فقضيتان في عين
فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا فكره أخذ العوض عنه من غير الله تعالى، ويحتمل
غير ذلك، فاما ان أعطي المعلم أجرا على تعليم الخط وحفظه جاز نص عليه أحمد فقال: إن كان المعطي
ينوي أنه يعطيه لحفظ الصبي وتعليمه فأرجو إذا كان كذا ولان هذا مما يجوز أخذ الأجر عليه مفردا
فجاز مع غيره كسائر ما يجوز الاستئجار عليه وهكذا لو كان إمام المسجد قيما يكنسه ويسرج قناديله ويغلق
بابه ويفتحه فأخذ أجرا على خدمته، أو كان النائب في الحج يخدم المستنيب له في طريق الحج وليشد له
ويحج عن قريبه فدفع إليه أجرا لخدمته جاز ذلك انشاء الله تعالى
(فصل) فأما ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كتعليم الخط والحساب والشعر وشبهه
وبناء المساجد والقناطر فيجوز أخذ الأجرة عليه لأنه يقع تارة قربة وتارة غير قربة فلم يمنع من الاستئجار
لفعله كغرس الأشجار وبناء البيوت وكذلك في تعليم الفقه والحديث ذكره شيخنا، وذكر القاضي
في الخلاف أنهما من القسم الأول، والأولى ما ذكره شيخنا لكون فاعله لا يختص أن يكون من
أهل القربة، وأما ما لا يتعدى نفعه فاعله من العبادات المحضة كالصيام وصلاة الانسان لنفسه وحجه
عن نفسه، وأداء زكاة نفسه فلا يجوز أخذ الأجرة عليه بغير خلاف لأن الاجر عوض للانتفاع ولم يحصل
لغيره ههنا انتفاع فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها
67

* (مسألة) * وان استأجر من بحجمه صح، ويكره للحر أكل أجرته ويطعمه الرقيق والبهائم،
وقال القاضي لا يصح)
يجوز أن يستأجر حجاما ليحجمه وأجره مباح اختاره أبو الخطاب وهو قول ابن عباس قال أنا
آكله وبه قال عكرمة والقاسم ومحمد بن علي بن الحسين وربيعة ويحيي الأنصاري ومالك والشافعي
وأصحاب الرأي، وقال القاضي لا يجوز وذكر أن أحمد نص عليه قال وان أعطي شيئا من غير عقد
ولا شرط فله أخذه وبصرفه في علف دابته وطعم عبيده ومؤنة صناعته ولا يحل أكله وممن كره كسب
الحجام عثمان وأبو هريرة والحسن والنخعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كسب الحجام خبيث " متفق عليه
وقال أطعمه ناضحك ورقيقك
ولنا ما روى ابن عباس قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه حراما لم يعطه
متفق عليه، وفي لفظ ولو علمه خبيثا لم يعطه ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل
القربة فجاز الاستئجار عليها كالختان ولان بالناس حاجة إليها ولا يجد كل أحد متبرعا بها فجاز الاستئجار
عليها كالرضاع ولان قول النبي صلى الله عليه وسلم في كسب الحجام " أطعمه رقيقك " دليل على اباحته إذ غير جائز
أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله فإن الرقيق آدمي يحرم عليه أكل ما حرم على الحر وتخصيص ذلك بما
68

أعطيه من غير استئجار تحكم لا دليل عليه، فعلى هذا تسمية كسبه خبيثا لا يلزم منه التحريم فقد سمى
النبي صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحر تنزيها له لدناءة صناعته
وليس عن أحمد نص في تحريم كسب الحجام ولا استئجاره عليها وإنما قال نحن نعطيه كما أعطى النبي
صلى الله عليه وسلم ونقول له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكله نهاه، وقال " أعلفه الناضح والرقيق " هذا معنى
كلامه في جميع الروايات وليس هذا صريحا في تحريمه بل فيه دليل على إباحته كما في قول النبي صلى الله
عليه وسلم
على ما بينا، فإن إعطاءه للحجام دليل اباحته إذ لا يعطيه ما يحرم عليه وهو عليه السلام يعلم الناس وينهاهم
عن المحرمات فكيف يعطيهم إياها؟ فعلى هذا يكون نهيه عليه السلام عن أكله نهي كراهة لا نهي تحريم
وكذلك قول الإمام أحمد فإنه لم يخرج عن قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله بل قصد اتباعه، وكذلك سائر من
كرهه من الأئمة يتعين حمل قولهم على الكراهة فلا يكون في المسألة قائل بالتحريم. إذا ثبت هذا فإنه
يكره للحر أكل أجرة الحجام ويكره تعلم صناعة الحجامة وإجارة نفسه لها لما ذكرنا من الاخبار ولان
فيها دناءة فكره الدخول فيها كالكسح، وفيما ذكرناه إن شاء الله جمع بين الاخبار وتوفيق بين الأدلة الدالة
عليها فعلى هذا يطعمه الرقيق والبهائم كما جاء في الأخبار الصحيحة والله أعلم
(فصل) فأما استئجار الحجام لغير الحجامة كالفصد وحلق الشعر وتقصيره والختان وقطع شئ من الجسد
للحاجة إليه فجائز لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " كسب الحجام خبيث " يريد بالحجامة كما نهى عن مهر البغي
69

أي في البغاء، ولذلك لو كسب في بضاعة أخرى لم يكن خبيثا بغير خلاف وهذا النهي يخالف القياس فيختص
بالمحل الذي ورد فيه ولأن هذه الأمور تدعو الحاجة إليها، ولا تحريم فيها فجازت الإجارة فيها
كسائر المنافع المباحة
(فصل) ويجوز أن يستأجر كحالا ليكحل عينه لأنه عمل جائز ويمكن تسليمه ويقدر على ذلك
بالمدة لأن العمل غير مضبوط ويحتاج إلى بيان عدد ما يكحله في كل يوم مرة أو مرتين فإن قدرها بالبرء
فقال القاضي لا يجوز لأنه غير معلوم، وقال ابن أبي موسى لا بأس بمشارطة الطبيب على البرء، لأن
أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء، قال شيخنا والصحيح إن شاء الله جواز ذلك لكي يكون
جعالة لا إجارة فإن الإجارة لابد فيها من مدة معلومة أو عمل معلوم والجعالة تجوز على عمل مجهول
كرد اللقطة والآبق وحديث أبي سعيد في الرقية إنما كان جعالة فيجوز ههنا مثله. إذا ثبت هذا فإن
الكحل إن كان من العليل جاز لأن آلات العمل تكون من المستأجر كاللبن في البناء والطين والآجر
ونحوها وان شرطه على الكحال جاز، وقال القاضي يحتمل أن لا يجوز لأن الأعيان لا تملك بعقد
الإجارة فلا يصح اشتراطه على العامل كلبن الحائط
ولنا ان العادة جارية به ويشق على العامل تحصيله وقد يعجز عنه بالكلية فجاز ذلك كالصبغ من الصباغ
والحبر والأقلام من الوراق وما ذكره ينتقض بهذين الأصلين، وفارق لبن الحائط لأن العادة تحصيل
70

المستأجر إياه ولا يشق ذلك بخلاف مسئلتنا، وقال أصحاب مالك يجوز أن يستأجر من يبني له جدارا
والآجر من عنده لأنه اشترى ما تتم به الصنعة التي عقد عليها فإذا كان معروفا جاز كما لو استأجره
ليصبغ له ثوبا والصبغ من عنده
ولنا ان عقد الإجارة عقد على المنفعة فإذا شرط بيع العين صار كبيعتين في بيعة ويفارق الصبغ
من حيث إن الحاجة داعية إليه، لأن تحصيل الصبغ يشق على صاحب الثوب وقد يكون الصبغ
لا يحصل الا في خنب يحتاج إلى مؤنة كثيرة لا يحتاج إليها في صبغ هذا الثوب فجاز لمسيس الحاجة
إليه بخلاف مسئلتنا
(فصل) فإن استأجره مدة فكحله فيها فلم تبرأ عينه استحق الاجر وبه قال الجماعة، وحكي
عن مالك انه لا يستحق أجرا حتى تبرأ عينه ولم يحك ذلك أصحابه وهو فاسد لأن المستأجر قد وفى
العمل الذي وقع العقد عليه فوجب له الاجر وان لم يحصل الغرض كما لو استأجره لبناء حائط يوما
أو لخياطة قميص فلم يتمه فيه فإن برأت عينه في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة لتعذر
العمل فهو كما لو حجز عنه أمر غالب وكذلك لو مات فإن امتنع عن الاكتحال مع بقاء المرض استحق
الكحال الاجر بمضي المدة كما لو استأجره يوما للبناء فلم يستعمله فيه، فأما ان شارطه على البرء فهي
جعالة لا يستحق شيئا حتى يوجد البرء سواء وجد قريبا أو بعيدا فإن برئ بغير كحله أو تعذر الكحل
71

لموته أو غير ذلك من الموانع التي من جهة المستأجر فله أجر مثله كما لو عمل العامل في الجعالة ثم فسخ
العقد فإن امتنع لأمر من جهة الكحال أو غير المستأجر فلا شئ له وان فسخ الجاعل الجعالة بعد عمل
الكحال فعليه أجر عمله وان فسخ الكحال فلا شئ له على ما يذكر في باب الجعالة إن شاء الله تعالى
(فصل) ويصح ان يستأجر طبيبا لمداواته والكلام فيه كالكلام في الكحال سواء لأنه لا يجوز
اشتراط الدواء على الطبيب لأنه إنما جاز في الكحال على خلاف الأصل للحاجة إليه وجري العادة به
ولم يوجد ذلك المنع ههنا فيثبت الحكم فيه على وفق الأصل
(فصل) ويجوز أن يستأجر من يقلع ضرسه لأنها منفعة مباحة مقصودة فجاز ذلك عليها كالختان
فإن أخطأ فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه لأنه من جنايته وان برأ الضرس قبل قلعه انفسخت الإجارة
لأن قلعه لا يجوز وان لم يبرأ لكن امتنع المستأجر من قلعه لم يجبر عليه لأن اتلاف جزء الآدمي محرم
في الأصل وإنما أبيح إذا صار بقاؤه ضررا وذلك مفوض إلى كل انسان في نفسه إذا كان أهلا لذلك
فصاحب الضرس اعلم بمضرته ونفعه وقدر ألمه
* (فصل) * قال رضي الله عنه (وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله فإذا اكترى دارا للسكنى
فله أن يسكنها مثله لأنه لم يزد على استيفاء حقه ولأنه حقه فجاز أن يستوفيه بنفسه وبوكيله إذا كان
مثله في الضرر أو دونه كقبض المبيع واستيفاء الدين ويضع فيه ما جرت عادة الساكن به من الرحل
72

والطعام ويخزن فيه الثياب وغيرها مما لا يضر بها ولا يسكنها من يضر بها كالقصارين والحدادين ولا
يجعل فيها الدواب لأنها تروث فيها وتفسدها، ولا يجعل فيها السرجين ولا رحى ولا ما يضر بها ولا
شيئا ثقيلا فوق سقف لأنه يثقله وقد يكسر خشبه فإن شرط ذلك جاز وبه قال الشافعي وأصحاب
الرأي ولا نعلم فيه مخالفا ولا يملك فعل ما يضر بها لأنه فوق المعقود عليه فلم يكن له فعله
كما لو اشترى شيئا لم يملك أخذ أكثر منه فإن جعل الدار مخزنا للطعام فقال أصحابنا يجوز ذلك
لأنه يجوز أن يجعلها مخزنا لغيره ويحتمل أن لا يجوز لأنه يفضي إلى تخريق الفار أرضها وحيطانها وذلك
ضرر لا يرضى به صاحب الدار
(فصل) وان اكترى ظهرا ليركبه فله أن يركبه مثله ومن هو أخف منه ولا يركبه من هو أثقل
منه لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة بذلك الراكب فكان له أن يستوفي ذلك بنفسه ونائبه
وله استيفاء أقل منه لأنه بعض حقه وليس له استيفاء أكثر منه لأنه أكثر مما عقد عليه ولا يشترط
التساوي في الطول والقصر ولا المعرفة بالركوب، وقال القاضي يشترط أن يكون مثله في هذه الأوصاف
كلها لأن قلة المعرفة بالركوب يثقل على المركوب ويضر به قال الشاعر
لم يركبوا الخيل إلا بعدما كبروا * فهم ثقال على أكفالها عنف
73

ولنا ان التفاوت في هذه الأمور مع التساوي في الثقل يسير فعفي عنه ولهذا لا يشترط ذكره
في الإجارة ولو اعتبر ذلك لاشترطت معرفته في الإجارة كالثقل والخفة
(فصل) فإن شرط أن لا يستوفى المنفعة بمثله ولا بمن دونه فقياس قول أصحابنا صحة العقد
وبطلان الشرط فإنهم قالوا فيمن شرط أن يزرع في الأرض حنطة ولا يزرع غيرها يبطل الشرط
ويصح العقد، يحتمل أن يصح الشرط وهو أحد الوجهين للشافعية لأن المستأجر يملك المنافع من
جهة المؤجر فلا يملك ما لم يرض به ولأنه قد يكون له غرض في تخصيصه باستيفاء هذه المنفعة وقالوا
في الوجه الآخر يبطل الشرط لأنه ينافي موجب العقد إذ موجبه ملك المنفعة والتسليط على استيفائها بنفسه
ونائبه واستيفاء بعضها بنفسه وبعضها بنائبه والشرط ينافي ذلك فكان باطلا ولا يبطل به العقد في
أصح الوجهين لأنه لا يؤثر في حق المؤجر نفعا ولا ضرا فألغي وبطل العقد على مقتضاه والآخر يبطله
لأنه ينافي مقتضاه أشبه ما لو شرط أن لا يستوفي المنافع
* (مسألة) * (وله استيفاء المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها)
قال احمد إذا استأجر دابة ليحمل عليها تمرا فحمل عليها حنطة أرجو أن لا يكون به بأس إذا كان
الوزن واحدا وان كانت المنفعة التي يستوفيها أكثر ضررا أو مخالفة للمعقود عليها في الضرر لم يجز
لأنه يستوفي أكثر من حقه أو غير ما يستحقه
74

* (مسألة) * (فإذا استأجر أرضا لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه وليس له زرع الدخن ونحوه
ولا يملك الغرس ولا البناء ولو اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر)
وجملة ذلك أن إجارة الأرض صحيحة وقد ذكرناه ولا يصح حتى يرى الأرض لأن المنفعة تختلف
باختلافها ولا تعرف إلا بالرؤية لكونها لا تنضبط بالصفة ولا يصح حتى يذكر ما يكتري له من زرع
أو غرس أو بناء لأن الأرض تصلح لذلك كله وتأثيره في الأرض يختلف فوجب بيانه فإن قال أجرتكها
لتزرعها أو تغرسها لم يصح لأنه لم يعين أحدهما لأنه أشبه ما لو قال بعتك أحد هذين العبدين، فإن قال
لتزرعها ما شئت وتغرسها ما شئت صح وهذا منصوص الشافعي وخالفه أكثر أصحابه فقالوا لا يجوز لأنه
لا يدري كم يزرع ويغرس وقال بعضهم يصح ويزرع نصفها ويغرس نصفها
ولنا أن العقد اقتضى إباحة هذين الشيئين فصح كما لو قال لتزرعها ما شئت ولان اختلاف
الجنسين كاختلاف النوعين، وقوله لتزرعها ما شئت اذن في نوعين وأنواع وقد صح فكذلك في الجنسين
وله أن يغرسها كلها وأن يزرعها كلها كما لو أذن له في أنواع الزرع كله كان له زرعها نوعا واحدا وزرعها
جميعها من نوعين وكذلك ههنا
(فصل) فإن اكراها للزرع وحده ففيه أربع مسائل (إحداهن) اكراها للزرع مطلقا أو
قال لتزرع ما شئت فيصح وله زرع ما شاء وهذا مذهب الشافعي وحكي عن ابن سريج أنه لا يصح
75

حتى يبين الزرع لأن ضرره يختلف فلم بصح بدون البيان كما لو لم يذكر ما يكترى له من زرع أو غرس أو بناء
ولنا أنه يجوز استئجارها لأكثر الزرع ضررا ويباح له جميع الأنواع لأنها دونه فإذا عمم أو
أطلق تناول الأكثر وكان له ما دونه، ويخالف الأجناس المختلفة فإنه لا يدخل بعضها في بعض، فإن
قيل فلو اكترى دابة للركوب لوجب تعيين الراكب قلنا لأن إجارة المركوب لأكثر الركاب ضررا
لا تجوز بخلاف المزروع ولان للحيوان حرمة في نفسة فلم يجز اطلاق ذلك فيه بخلاف الأرض، فإن
قيل فلو استأجر دارا للسكنى مطلقا لم يجز أن يسكنها من يضر بها كالقصار والحداد فلم قلتم انه يزرعها
ما يضر بها؟ قلنا السكنى لا تقتضي ضررا فلذلك منع من اسكان من يضر بها لأن العقد لم يقتضه
والزرع يقتضي الضرر فإذا أطلق كان راضيا بأكثره فلهذا جاز، وليس له أن يغرس في هذه الأرض ولا يبني
لأن ضرره أكثر من المعقود عليه (المسألة الثانية) اكراها لزرع حنطة أو نوع بعينه فإن له زرع
ما عينه وما ضرره كضرره أو دونه ولا يتعين ما عينه في قول عامة أهل العلم الا أهل الظاهر فإنهم
قالوا لا يجوز له زرع غير ما عينه حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء لم يجز أن يزرع بيضاء لأنه عينه
بالعقد فلم يجز العدول عنه كما لو عين المركوب أو عين الدراهم في الثمن
ولنا أن المعقود عليه منفعة الأرض دون القمح ولهذا يستقر عليه الاجر بمضي المدة إذا تسلم
الأرض ولم يزرعها وإنما ذكر القمح لتقدر به المنفعة فلم يتعين كما لو استأجر دارا ليسكنها فله أن
76

يسكنها غيره، وفارق المركوب والدراهم في الثمن فإنه معقود عليهما فتعينا والمعقود عليه ههنا منفة مقدرة
وقد تعينت أيضا ولم يتعين ما قدرت به كما لا يتعين المكيال والميزان في المكيل والموزون، فعلى
هذا يجوز له زرع القمح والشعير والباقلا لأنه أقل ضررا وليس له زرع الدخن والذرة والقطن لأنه
اما أن يكون أكثر ضررا فيأخذ فوق حقه أو يكون ضرره مخالفا لضرر القمح فيأخذ ما لم يتناوله
العقد ولا شيئا من جنسه (المسألة الثالثة) قال ازرعها حنطة وما ضرره كضررها أو دونه فهذه كالتي
قبلها الا أنه لا مخالف فيها لأنه شرط ما اقتضاه الاطلاق وبين ذلك بصريح نصه فزال الاشكال
(المسألة الرابعة) قال ازرعها حنطة ولا تزرع غيرها فذكر القاضي أن الشرط باطل لمنافاته مقتضى
العقد لأنه يقتضي استيفاء المنفعة كيف شاء فلم يصح الشرط كما لو شرط عليه استيفاء المبيع بنفسه والعقد
صحيح لأنه لا ضرر فيه ولا غرض لاحد المتعاقدين لأن ما ضرره مثله لا يختلف في غرض المؤجر فلم
يؤثر في العقد فأشبه شرط استيفاء المبيع أو الثمن بنفسه وقد ذكرنا فيما إذا اشترط مكتري الدار أن
لا يسكنها غيره وجها في صحة الشرط ووجها في فساد العقد فيخرج ههنا مثله
(فصل) فإن أكراها للغراس ففيه ما ذكرنا من المسائل إلا أن يزرعها لأن ضرر الزرع أقل من ضرر
الغراس وهو من جنسه لأن كل واحد منهما يضر بباطن الأرض وليس له البناء لأن ضرره مخالف لضرره
فإنه يضر بظاهر الأرض وان اكتراها للزرع لم يملك الغراس ولا البناء لأن ضرر الغرس أكثر
77

وضرر البناء مخالف لضرره، وان اكتراها للبناء لم يكن له الغرس ولا الزرع لأن ضررهما يخالف ضرره
(فصل) ولا تخلو الأرض من قسمين (أحدهما) أن يكون لها ماء دائم اما من نهر لم تجر العادة
بانقطاعه أو لا ينقطع الا مدة لا تؤثر في الزرع أو من عين تنبع أو بركة من مياه الأمطار يجتمع فيها
الماء ثم تسقى به أو من بئر يقوم بكفايتها أو ما يشرب بعروقه لنداوة الأرض وقرب الماء الذي
تحت الأرض فهذا كله دائم ويصح استئجاره للغرس والزرع وكذلك الأرض التي تشرب من مياه
الأمطار ويكتفي بالمعتاد منها لأن ذلك بحكم العادة لا تنقطع الا نادرا فهي كسائر الصور المذكورة (والثاني)
أن لا يكون لها ماء دائم وهي نوعان (أحدهما) ما يشرب من زيادة معتادة تأتي وقت الحاجة كأرض
مصر الشاربة من زيادة النيل وما يشرب من زيادة الفرات وأشباه وأرض البصرة الشاربة من المد
والجزر وأرض دمشق الشاربة من زيادة برد أو ما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر فتصح اجارتها
قبل وجود الماء الذي تسقى به وبعده وحكى ابن الصباغ ذلك مذهبا للشافعي وقال أصحابه ان أكراها
بعد الزيادة صح ولا تصح قبلها لأنها معدومة لا يعلم هل يقدر عليها أو لا
ولنا أن هذا معتادا لظاهر وجوده فجازت إجارة الأرض الشاربة منه كالشاربة من مياه الأمطار
ولان ظن القدرة على التسليم في وقته يكفي في صحة العقد كالسلم في الفاكهة إلى أوانها (النوع الثاني)
أن يكون مجئ الماء نادرا أو غير ظاهر كالأرض التي لا يكفيها الا المطر الشديد الكثير الذي يدر
78

وجوده أو يكون شربها من فيض ماء وجوده نادر أو من زيادة نادرة في نهر أو عين غالبة فهذه
ان أجرها بعد وجود ما يسقيها به صح لأنه أمكن الانتفاع بها وزرعها فجازت اجارتها كذات الماء
الدائم، وان أجرها قبله لم يصح لأنه يتعذر الزرع غالبا أو يتعذر المعقود عليه في الظاهر فلم تصح اجارتها
كالآبق والمغصوب، وان اكتراها على أنها لا ماء لها جاز لأنه يتمكن من الانتفاع بها بالنزول فيها
ووضع رحله وجمع الحطب فيها وله أن يزرعها رجاء الماء وان حصل له ماء قبل زرعها فله زرعها لأن
ذلك من منافعها الممكن استيفاؤها، وليس له أن يبني ولا يغرس لأن ذلك يراد للتأبيد وتقدير الإجارة
بمدة يقتضي تفريغها عند انقضائها، فإن قيل فلو استأجرها للغراس والبناء صح مع تقدير المدة؟
قلنا التصريح بالبناء والغراس صرف التقدير عن مقتضاه بظاهره في التفريغ عند انقضاء المدة الا أن
يشترط قلع ذلك عند انقضاء المدة فيصرف الغراس والبناء عما يراد له بظاهره بخلاف مسئلتنا، وان
أطلق إجارة هذه الأرض مع العلم بحالها وعدم مائها صح لأنهما دخلا في العقد على أنها لا ماء لها
فأشبه ما لو شرطاه، وان لم يعلم عدم مائها أو ظن المكتري انه يمكن تحصيل ماء لها بوجه من الوجوه
لم يصح العقد لأنه ربما دخل في العقد بناء على أن المالك يحصل لها ماء وأنه يكتريها للزراعة مع
تعذرها وقيل لا يصح العقد على الاطلاق وان علم حالها لأن اطلاق كراء الأرض يقتضي الزراعة والأولى
صحته لأن العلم بالحال يقوم مقام الاشتراط كالعلم بالعيب يقوم مقام شرطه، ومتى كان لها ماء غير
79

دائم أو الظاهر انقطاعه قبل الزرع أو لا يكفي الزرع فهي كالتي لا ماء لها ومذهب الشافعي في
هذا كله كما ذكرنا
(فصل) وان اكترى أرضا غارقة بالماء لا يمكن زرعها قبل انحساره عنها وقد ينحسر ولا ينحسر
فالعقد باطل لأن لانتفاع بها في الحال غير ممكن ولا يزول المانع غالبا، وإن كان ينحسر عنها وقت الحاجة
إلى الزراعة كأرض مصر في وقت مد النيل صح لأن المقصود يتحقق بحكم العادة المستمرة، فإن
كانت الزراعة فيها ممكنة ويخاف غرقها والعادة غرقها لم تجز اجارتها لأنها في حكم الغارقة بحكم العادة المستمرة
(فصل) ومتى زرع فغرق الزرع أو هلك بحريق أو جراد أو برد أو غيره فلا ضمان على المؤجر
ولا خيار للمكتري نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا وهو مذهب الشافعي، لأن التالف غير المعقود
عليه وإنما تلف مال المكتري فيه فأشبه من اكترى دكانا فاحترق متاعه فيه ثم إن أمكن المكتري
الانتفاع بالأرض بغير الزرع أو بالزرع في بقية المدة فله ذلك، وان تعذر ذلك لزمه الاجر لأن تعذره
لفوات وقت الزراعة بسبب غير مضمون على المؤجر لا لمعنى في العين، وان تعذر الزرع بسبب غرق
الأرض وانقطاع مائها فللمستأجر الخيار لأنه لمعنى في العين، وان تلف الزرع بذلك فليس على المؤجر
ضمانه لأنه لم يتلف بمباشرة ولا سبب، وان قل الماء بحيث لا يكفي الزرع فله الفسخ لأنه عيب فإن كان
ذلك بعد الزرع فله الفسخ أيضا ويبقى الزرع في الأرض إلى أن يستحصد وعليه من المسمى بحصته إلى
80

حين الفسخ وأجر المثل لما بقي من المدة لأرض لها مثل ذلك الماء وكذلك ان انقطع الماء بالكلية
أو حدث بها عيب من غرق يهلك به بعض الزرع أو تسوء حالته به
* (مسألة) * (وان اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر، وان اكتراها لحمل الحديد
أو القطن لم يملك الآخر)
إذا اكترى دابة للركوب لم يملك الحمل عليها لأن الراكب يعين الظهر بحركته، وان اكتراها
ليحمل عليها فليس له ركوبها لأن الراكب يقعد في موضع واحد فيشتد على الظهر والمتاع يتفرق على
جنبيها، وان اكتراها ليركبها عريا لم يجز أن يركب بسرج لأنه يحمل عليه أكثر مما عقد عليه، وإن
اكتراها ليركبها بسرج فليس له ركوبها عريا لأن الركوب بغير سرج يحمى به الظهر فربما عقرها،
وان اكتراها ليركب بسرج لم يجز أن يركب بأثقل منه فإن اكترى حمارا بسرج لم يجز أن يركبه
بسرج البرذون إن كان أثقل من سرجه، وإن اكترى دابة بسرج فركبها بأثقل منه أو أضر منه
لم يجز، وإن كان أخف أو أقل ضررا فلا بأس، وإن اكترى دابة ليحمل عليها حديدا لم يحمل
عليها قطنا لأنه يتجافى وتهب فيه الربح فيتعب الظهر، وإن اكتراها لحمل القطن فليس له حمل الحديد
لأنه يجتمع في موضع واحد فيثقل عليه والقطن يتفرق ويكثر ضرره ومتى فعل ما ليس له فعله كان ضامنا
وعليه أجر المثل وهذا كله مذهب الشافعي وأبي ثور
81

(فصل) وإن اكترى دابة ليركبها في مسافة معينة معلومة أو يحمل عليها فيها فأراد العدول بها
إلى ناحية أخرى مثلها في القدر وهي أضر منها أو يخالف ضررها ضررها بأن تكون إحداهما أخوف
والأخرى أخشن لم يجز وان كانت مثلها في السهولة والحزونة والامن أو التي يعدل إليها أقل ضررا
فذكر القاضي أنه يجوز وهو قول أصحاب الشافعي لأن المسافة عينت ليستوفي بها المنفعة ويعلم قدرها
بها فلم تتعين كنوع المحمول والراكب قال شيخنا ويقوى عندي أنه متى كان للمكتري غرض في
تلك الجهة المعينة لم يجز العدول إلى غيرها مثل من يكري جماله إلى مكة ليحج معها فلا يجوز له أن
يذهب بها إلى غيرها، ولو أكراها إلى بغداد لكون أهله بها أو ببلد العراق فليس له الذهاب إلى
مصر، ولو أكرى جماله جملة إلى بلد لم يجز التفريق بينها بالسفر ببعضها إلى جهة وبباقيها إلى غيرها
وذلك لأنه عين المسافة لغرض في فواته ضرر فلم يجز تفويته كما في حق المكتري فإنه لو أراد حمله إلى غير
المكان الذي اكترى إليه لم يجز وكما لو عين طريقا سهلا أو آمنا فأراد سلوك ما يخالفه في ذلك
(فصل) إذا اكترى قميصا ليلبسه جاز لأن الانتفاع به ممكن مع بقاء عينه ويجوز بيعه أشبه
العقار ولابد من تقدير المنفعة بالمدة فإن كانت العادة في بلده نزع ثيابهم عند نوم الليل فعليه نزعه
لأن الاطلاق يحمل على العادة وله لبسه فيما سوى ذلك ولا يلزمه نزعه إذا نام نهارا لأنه العرف ويلبس
القميص على ما جرت العادة به لا أن يتزر به لأنه يعتمد عليه فيشقه، وفي اللبس لا يعتمد ويجوز
82

الارتداء به لأنه أخف من اللبس ومن ملك شيئا ملك ما هو أخف منه وقيل لا يجوز لأنه استعمال له بما لا تجري
العادة به في القميص أشبه الاتزار به والله أعلم
* (مسألة) * (وإن فعل ما ليس له فعله فعليه أجر المثل) لأنه استوفى منفعة غير التي عقد عليها
لا يجوز له استيفاؤها فلزمه أجر المثل كالغاصب
* (مسألة) * (وإن اكتراها لحمولة شئ فزاده أو إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة
المثل للزائد، وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع)
وجملة ذلك أن من اكترى دابة لحمولة شئ فزاد عليه كمن اكترى لحمل قفيزين فحمل ثلاثة أو
إلى موضع فجاوزه مثل أن يكتريها من دمشق إلى القدس فيركبها إلى مصر وجب عليه الاجر المسمى
وأجر المثل لما زاد وضمانها ان تلفت وهذا مذهب الشافعي ونص عليه أحمد فيما إذا استأجرها إلى
موضع فجاوزه واليه ذهب ابن شبرمة والحكم، والظاهر من قول الفقهاء السبعة، وقال الثوري
وأبو حنيفة لا أجر عليه لما زاد لأن منافع الغصب غير مضمونة عندهما، وحكي عن مالك أنه إذا تجاوز
بها إلى مسافة بعيدة خير صاحبها بين أجر المثل وبين المطالبة بقيمتها يوم التعدي لأنه متعدى بامساكها
فكان لصاحبها تضمينها إياه
ولنا أن العين باقية بحالها يمكن أخذها فلم تجب قيمتها كما لو كانت المسافة قريبة وما ذكروه تحكم
83

لا دليل عليه ولا نظير له فلا يجوز المصير إليه وسيأتي الكلام مع أبي حنيفة في باب الغصب إن شاء الله
وحكى القاضي أن قول أبي بكر فيما إذا اكترى لحمولة شئ فزاد عليه وجوب أجر المثل للجميع آخذا
من قوله فيمن استأجر أرضا ليزرعها شعيرا فزرعها حنطة ان عليه أجر المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود
عليه إلى غيره فأشبه ما لو استأجر أرضا فزرع أخرى فجمع القاضي بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر
وقال ينقل قول كل واحد من إحدى المسئلتين إلى الأخرى لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون في
المسئلتين وجهان، وليس الامر كذلك فإن بين المسئلتين فرقا ظاهرا فإن الذي حصل التعدي فيه في
الحمل متميز عن المعقود عليه وهو القفيز الزائد بخلاف الزرع، ولأنه في مسألة الحمل استوفى المنفعة
المعقود عليها وزاد وفي الزرع لم يزرع ما وقع العقد عليه ولهذا علله أبو بكر بأنه عدل عن المعقود عليه
ولا يصح هذا القول في مسألة الحمل فإنه قد حمل المعقود عليه وزاد عليه بل الحاق هذه المسألة بما إذا
اكترى إلى مسافة فزاد عليها أشد وشبهها بها أشد لأنه في مسألة الحمل متعد بالزيادة وحدها وفي مسألة الزرع
متعد بالزرع كله فأشبه الغاصب
(فصل) فاما مسألة الزرع فيما إذا اكترى لزرع الشعير فزرع حنطة فقد نص أحمد في رواية
عبد الله فقال: ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير فيعطى رب الأرض فجعل
هذه المسألة كمسئلتي الخرقي في إيجاب المسمى وأجر المثل المزائد ووجهه أنه لما عين الشعير لم يتعين
84

ولم يتعلق العقد بعينه كما سبق ذكره ولهذا قلنا له زرع مثله وما هو دونه في الضرر فإذا زرع حنطة
فقد استوفى حقه وزيادة أشبه ما لو اكتراها إلى موضع فجاوزه، وقد ذكرنا قول أبي بكر ان له أجر
المثل لأنه عدل عن المعقود فإن الحنطة ليست بشعير وزيادة، وإن قلنا إنه قد استوفى المعقود عليه
وزيادة غير أن الزبادة ليست متميزة عن المعقود عليه بخلاف مسئلتي الخرقي، وقال الشافعي المكري
مخير بين أخذ الكراء وما نقصت الأرض عما ينقصها الشعير وبين أخذ كراء مثلها للجميع
لأن هذه المسألة أخذت شبها من أصلين (أحدهما) إذا ركب دابة فجاوز بها المسافة المشترطة لكونه
استوفى المعقود عليه وزيادة (والثاني) إذا استأجر أرضا فزرع غيرها لأنه زرع متعديا فلهذا خيره
بينهما ولأنه وجد سبب يقتضي كل واحد من الحكمين وتعذر الجمع بينهما فكان له أوفرهما وفوض
اختياره إلى المستحق كقتل العمد، والأولى إن شاء الله قول أبي بكر فإن هذا متعد بالزرع كله فكان
عليه أجر المثل كالغاصب ولهذا ملك رب الأرض منعه من زرعه ويملك أخذه بنفقته إذا زرعه، ويفارق
من زاد على حقه زيادة متميزة في كونه لم يتعد بالجميع إنما تعدى بالزيادة فقط ولهذا لا يملك المكري
منعه من الجميع، ونظير هاتين المسئلتين من اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة حنطة فجعل أكثر منها ومن
اكتراها ليجعل فيها قنطار قطن فجعل فيها قنطار حديد ففي الأولى له المسمى وأجر الزيادة، وفي
الثانية يخرج فيها من الخلاف كقولنا في مسألة الزرع وحكم المستأجر الذي يزرع أضر مما اكترى له
85

حكم الغاصب لرب الأرض منعه في الابتداء لما يلحقه من الضرر فإن زرع فرب الأرض مخير بين
ترك الزرع بالاجر وبين أخذه ودفع النفقة، وان لم يعلم حتى أخذ المستأجر زرعه فله الاجر
على ما نذكر في الغصب
(فصل) وان اكترى دابة إلى مسافة فسلك أشق منها فهي كمسألة الزرع يخرج فيها وجهان
وقياس منصوص أحمد ان له الاجر المسمى وزيادة لكون المسافة لا تتعين على قول أصحابنا وقياس
قول أبي بكر ان له أجر المثل لأن الزيادة غير متميزة ولأنه متعد بالجميع بدليل ان لرب الدابة منعه من
سلوك تلك الطريق كلها بخلاف من سلك تلك الطريق وجاوزها فإنه إنما يمنعه الزيادة لا غير، وان
اكترى لحمل قطن فحمل بوزنه حديدا أو بالعكس فعليه أجر المثل لأن ضرر أحدهما مخالف لضرر
الآخر فلم يتحقق كون المحمول مشتملا على المستحق بعقد الإجارة وزيادة عليه بخلاف ما قبلها
من المسائل وسائر مسائل العدوان يقاس على ما ذكرنا من المسائل ما كان متميزا وما لم يكن متميزا
فتلحق كل مسألة بنظيرتها
(فصل) وان اكتراه لحمل قفيزين فحملهما فوجدهما ثلاثة فإن كان المكتري تولى الكيل ولم
يعلم المكري بذلك فهو كمن اكترى لحمولة شئ فزاد عليه وإن كان المكري تولى كيله وتعبيته ولم يعلم
المكتري فهو غاصب لا أجر له في حمله الزائد وان تلفت دابته فلا ضمان لها لأنها تلفت بعدوان صاحبها
86

وحكمه في ضمان الطعام حكم من غصب طعام غيره، وان تولى ذلك أجنبي ولم يعلما فهو متعد عليهما عليه
لصاحب الدابة الاجر ويتعلق به ضمانها وعليه لصاحب الطعام ضمان طعامه وسواء كاله أحدهما ووضعه
الآخر على ظهر الدابة أو كان الذي كاله وعباه وضعه على ظهرها، وقال أصحاب الشافعي في أحد
الوجهين إذا كاله المكتري ووضعه المكري على ظهر البهيمة لا ضمان على المكتري لأن المكري مفرط في حمله
ولنا ان التدليس من المكتري إذ أخبره بكيلها بخلاف ما هو به فلزمه الضمان كما لو أمر
أجنبيا بتحميلها، فأما ان كالها المكتري ووضعها المكري على الدابة عالما بكيلها لم يضمن المكتري الدابة
إذا تلفت لأنه فعل ذلك من غير تدليس ولا تغرير وله أجر القفيز الزائد في أحد الوجهين لأنهما
اتفقا على حمله على سبيل الإجارة فجرى مجرى المعاطاة في البيع ودخول الحمام من غير تقدير أجر
(والثاني) لا أجر له لأن المكتري لم يجعل له على ذلك أجرا، وإن كاله المكري وحمله المكتري على الدابة
عالما بذلك من غير أن يأمره بحمله فعليه أجر القفيز الزائد وان أمره بحمله ففي وجوب الاجر وجهان
كما لو حمله المكري عليها لأنه إذا أمر به كان كفعله، وإن كاله أحدهما وحمله أجنبي فهو كما لو حمله الذي
كاله وإن كان بأمر الاخر فهو كما لو حمله الاخر وإن حمله بغير أمرهما فهو كما لو كاله ثم حمله
* (مسألة) * (وإن تلفت ضمنها إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين)
إذا تلفت الدابة التي تعدى فيها إما بزيادة على الحمل أو زيادة على المسافة ضمنها بقيمتها سواء
87

تلفت في الزبادة أو بعد ردها إلى المسافة وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن هذا ظاهر كلام
الخرقي والفقهاء السبعة إذا تلفت حال التعدي، وقال القاضي إن كان المكتري نزل عنها وسلمها إلى
صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت فلا ضمان على المكتري وان هلكت والمكتري راكب عليها أو حمله
عليها ضمنها، وقال أبو الخطاب ان كانت يد صاحبها عليها احتمل أن يلزم المكتري جميع قيمتها
واحتمل أن يلزمه النصف، وقال أصحاب الشافعي ان لم يكن صاحبها معها لزم المكتري جميع القيمة
وإن كان معها فتلفت في يد صاحبها لم يضمنها المكتري لأنها تلفت في يد صاحبها أشبه ما لو تلفت
بعد مدة التعدي، وإن تلفت تحت الراكب ففيه قولان (أحدهما) يلزمه نصف القيمة لأنها تلفت بفعل
مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحته وجراحة مالكها (والثاني) تقسط القيمة على المسافتين فما قابل
مسافة الإجارة سقط ووجب الباقي ونحو هذا قول أبي حنيفة فإنه قال فيمن اكترى جملا لحمل تسعة
فحمل عشرة فتلف فعلى المكتري عشر قيمته، قال شيخنا وموضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان
صاحبها مع راكبها أو تلفت في يد صاحبها، فاما ان تلفت حال التعدي ولم يكن صاحبها مع راكبها فلا
خلاف في ضمانها بكمال قيمتها لأنها تلفت في يد عادية فوجب ضمانها كالمغصوب، وكذلك إذا تلفت
تحت الراكب أو تحت حمله وصاحبها معها لأن اليد للراكب وصاحب الحمل بدليل ما لو تنازعا دابة
أحدهما راكبها أو له عليها حمل والاخر آخذ بزمامها كانت لصاحب الحمل والراكب ولان الراكب متعد
88

بالزيادة وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان كمن خرق ثياب انسان وهو ساكت ولأنها ان تلفت بسبب
تعبها فالضمان على المتعدي كمن القى حجرا في سفينة موقرة فغرقها، فأما ان تلفت في يد صاحبها بعد
نزول الراكب عنها وكان تلفها بسبب تعبها بالحمل والسير فهو كتلفها تحت الحمل والراكب، وإن كان
بسبب آخر من أفراس سبع أو سقوط في هوة فلا ضمان فيها لأنها لم تتلف في يد عادية ولا بسبب
عدوان، وقولهم تلفت بفعل مضمون وغير مضمون أشبه ما لو تلفت بجراحين يبطل بما إذا قطع السارق
ثم قطع آخر يده عدوانا فمات منهما، وفارق ما لو جرح نفسه وجرحه غيره لأن الفعلين عدوان
فقسم الضمان عليهما
(فصل) ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد
يسقط كما لو تعدى في الوديعة ثم ردها ولنا انها يد صارت ضامنة فلا يزول الضمان عنها إلا باذن جديد
ولم يوجد والأصل ممنوع إلا أن يردها إلى مالكها أو يجدد لها إذنا
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل ورحله وحزامه
والشد عليه وشد الأحمال والمحامل والرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض ومفاتيح الدار
وعمارتها وكل ما جرت عادته به
89

يلزم المكري كل ما جرت العادة أن يوطئ به للركوب من الحداجة للجمل والقتب وما يتمكن
به الراكب من النفع كزمام الجمل والبرة التي في أنفه ان كانت العادة جارية بها والسرج واللجام
للفرس والبردعة والإكاف للبغل والحمار على ما يقتضيه العرف يحمل الاطلاق عليه، وما زاد على
ذلك من المحمل والمحارة والحبل الذي يشد به بين المحملين على المكتري لأنه من مصلحة الحمل وكذلك
الوطاء الذي يشد فوق الحداجة تحت المحمل وعلى المكري رفع المحمل وحطه وشده على الحمل ورفع
الأحمال وشدها وحطها لأن هذا هو العرف وبه يتمكن من الركوب، ويلزمه القائد والسائق هذا
إذا كان الكراء على أن يذهب مع المكتري، فإن كان على أن يتسلم الراكب البهيمة ليركبها بنفسه فكل
ذلك عليه لأن الذي على المكري تسليم البهيمة وقد سلمها، فأما الدليل فهو على المكتري لأن ذلك خارج عن
البهيمة المكتراة وآلتها فأشبه الزاد وقيل إن كان اكترى منه بهيمة بعينها فأجرة الدليل على المكتري لأن
الذي عليه تسليم الظهر وقد سلمه، وان كانت الإجارة على حمله إلى مكان معين في الذمة فهو على المكتري
لأنه من مؤنة إيصاله إليه وتحصيله فيه، فإن كان الراكب ممن لا يقدر على الركوب والبعير قائم كالمرأة
والشيخ والضعيف والسمين فعلى الجمال أن يبرك الجمل لركوبه ونزوله لأنه لا يتمكن منها إلا به وإن
كان ممن يمكنه الركوب والنزول مع قيام البعير لم يلزم الجمال أن يبرك الجمل لامكان استيفاء المعقود
عليها، فإن كان قويا حال العقد فتجدد له الضعف أو بالعكس فالاعتبار بحال الركوب لأن العقد اقتضى
ركوبه بحسب العادة، ويلزم الجمال أن يقف البعير لينزل لصلاة الفرض وقضاء حاجة الانسان والطهارة
ويدع البعير واقفا حتى يفعل ذلك لأنه لا يمكنه فعل شئ من هذا على ظهر البعير، وما يمكنه فعله عليه
90

من الأكل والشرب وصلاة النافلة لا يلزمه ان يقفه له من أجله فإن أراد المكتري اتمام الصلاة وطالبه
الجمال بقصرها لم يلزمه ذلك بل تكون خفيفة في تمام
(فصل) إذا اكترى ظهرا في طريق العادة فيه النزول والمشي عند اقتراب المنزل والراكب امرأة
أو ضعيف لم يلزمه ذلك لأنه اكترى جميع الطريق كالمتاع، وإن كان جلدا قويا احتمل أن لا يلزمه
أيضا لأنه عقد على جميع الطريق ولم تجر له عادة بالمشي فلزم حمله في جميع الطريق أشبه الضعيف
ويحتمل ان يلزمه لأنه متعارف والمتعارف كالمشروط
(فصل) فإن كان المكترى دارا أو حماما فعلى المكري ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم مفاتيح
الدار والحمام لأن عليه التمكين من الانتفاع وتسليم مفاتيحها تمكين من الانتفاع، فإن ضاعت أو تلفت
بغير تفريط المستأجر فعلى المؤجر بدلها لكونها أمانة في يد المستأجر فأشبه حيطان الدار وأبوابها وان
سقط حائط أو خشبة أو انكسرت فعليه ابدالها وبناء الحائط، وعليه تبليط الحمام وعمل الأبواب والبرك
ومجرى الماء لأن بذلك يحصل الانتفاع ويتمكن منه وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبركة فعلى
المكتري فاما التحسين والتزويق فلا يلزم واحدا منهما لأن الانتفاع ممكن بدونه
* (مسألة) * (فاما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا سلمها فارغة)
إن احتيج إلى تفريغ البالوعة والكنيف عند الكراء فعلى المكري لأنه مما يتمكن به من الانتفاع
91

وان امتلأت بفعل المستأجر فتفريغها عليه وهذا قول الشافعي، وقال أبو ثور هو على رب الدار لأن به
يتمكن من الانتفاع أشبه ما لو اكتراها وهي ملأى، وقال أبو حنيفة القياس أنه على المكتري والاستحسان
أنه على رب الدار لأن ذلك عادة الناس
ولنا أن ذلك حصل بفعل المكتري فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا، والقول في تفريغ
جية الحمام التي هي مصرف مائه كالقول في بالوعة الدار، وان انقضت الإجارة وفي الدار زبل أو قمامة من
فعل الساكن فعليه نقله وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي
(فصل) فإن شرط على مكتري الحمام أو غيره أن مدة تعطيله عليه لم يصح لأنه لا يجوز أن يؤجر
مدة لا يمكنه الانتفاع في بعضها ولا يجوز أن يشرط أن يستوفي بقدرها عند انقضاء مدته لأنه يؤدي
إلى أن يكون انتهاء مدة الإجارة مجهولا فإن أطلق وتعطل فهو عيب حادث والمكتري بالخيار بين
الامساك بكل الاجر وبين الفسخ ويتخرج أن له أرش العيب، كالمبيع المعيب فإن لم يعلم بالعيب حتى
انقضت مدة الإجارة فعليه جميع الاجر لأنه استوفى المعقود عليه فأشبه ما لو علم العيب بعد العقد فرضيه
ويتخرج أن له أرش العيب كما لو اشترى معيبا فلم يعلم عيبه حتى تلف في يده أو أكله
(فصل) وإن شرط على المكتري النفقة الواجبة على المكري كعمارة الحمام فالشرط فاسد لأن
العين ملك للمؤجر فنفقتها عليه، فإن أنفق بناء على هذا الشرط احتسب به على المكتري لأنه أنفقه
92

على ملكه بشرط العوض فإن اختلفا في قدر ما أنفق ولا بينة فالقول قول المكري لأنه منكر فإن لم
يشرط لكن أذن له في الانفاق ليحتسب له به من الاجر ففعل ثم اختلفا فالقول قول المكري
أيضا، وإن أنفق من غير اذنه لم يرجع بشئ لأنه أنفق على ماله بغير إذنه نفقة غير واجبة على المالك
أشبه ما لو عمر له دارا أخرى
(فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في جواز كراء الإبل وغيرها من الدواب إلى مكة وغيرها
قال الله تعالى (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) ولم يفرق بين المملوكة والمستأجرة، وروي عن ابن
عباس في قوله تعالى (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) أن يحج ويكري ونحوه عن ابن
عمر ولان بالناس حاجة إليه، وقد فرض الله تعالى الحج على الناس وليس لكل أحد بهيمة يملكها
ولا يحسن القيام بها والشد عليها فدعت الحاجة إلى استئجارها فجاز ذلك دفعا للحاجة. إذا ثبت هذا
فمن شرط صحة العقد معرفة المتعاقدين المعقود عليه لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فأما الجمال فيحتاج
إلى معرفة الراكبين بالرؤية أو بالصفة من المعرفة بالصفة تقوم مقام الرؤية إذا وصفهما بالطول والقصر
والهزال والسمن والصغر والكبر والذكورية والأنوثية، وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب
لا يكفي في ذلك الصفة لأنه يختلف بثقله وخفته وسكونه وحركته ولا ينضبط بالوصف فيجب تعيينه وهذا
مذهب الشافعي ولهم في المحمل وجه أنه لا يكتفى فيه بالصفة ويجب تعيينه
93

ولنا أنه عقد معاوضة مضاف إلى حيوان فاكتفي فيه بالصفة كالبيع وكالمركوب في الإجارة ولأنه
لو لم يكتف فيه بالصفة لما جاز للراكب أن يقيم غيره مقامه لأنه إنما يعلم كونه مثله لتساويهما في الصفات
فما لا تأتي عليه الصفات لا يعلم تساويهما فيه ولان الوصف يكتفى به في البيع فاكتفي به في الإجارة
كالرؤية والتفاوت بعد ذكر الصفات يسير تجري المسامحة فيه كالمسلم فيه ويحتاج إلى معرفة الآلة التي
يركبان فيها من محمل ومحارة وقتب وغير ذلك، وهل يكون مغطى أو مكشوفا؟ فإن كان مغطى احتاج إلى
معرفة الغطاء ويحتاج إلى معرفة الوطاء ومعرفة المعاليق التي معه من قربة وسطيحة وقدر وسفرة ونحوها
وذكر سائر ما يحمل معه وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر إلا أن الشافعي قال: يجوز اطلاق غطاء
المحمل لأنه لا يختلف اختلافا كثيرا متباينا، وحكي عنه في المعاليق قول أنه يجوز اطلاقها ويحمل على العرف
وحكي عن مالك أنه يجوز اطلاق الراكبين لأن أجسام الناس متقاربة في الغالب، وقال أبو حنيفة إذا قال في
المحمل رجلان وما يصلحهما من الوطاء والدثر جاز استحسانا لأن ذلك يتقارب في العادة فحمل على العادة
كالمعاليق، وقال القاضي في غطاء المحمل كقول الشافعي
ولنا أن هذا يختلف ويتباين كثيرا فاشترطت معرفته كالطعام الذي يحمله معه وقول مالك إن
أجسام الناس متقاربة لا يصح فإن منهم الكبير والصغير والطويل والقصير والسمين والهزيل والذكر
والأنثى ويختلفون بذلك ويتباينون كثيرا ويتفاوتون أيضا في المعاليق منهم من يكثر الزاد والحوائج
94

ومنهم من يقنع باليسير ولا عرف له يرجع إليه فاشترطت معرفته كالمحمل والأوطئة، وكذلك غطاء
المحمل من الناس من يختار الواسع النقيل الذي يشد على المحمل في الهواء ومنهم من يقنع بالضيق
الخفيف فتجب معرفته كسائر ما ذكرنا، فإن رأى الراكبين أو وصفا له وذكر الباقي بأرطال معلومة جاز
ذكره الخرقي، وأما الراكب فيحتاج إلى معرفة الدابة التي يركب عليها لأن الغرض يختلف بذلك ويحصل
بالرؤية لأنها أعلى طرق العلم إلا أن يكون مما يحتاج إلى معرفة صفة المشي كالرهوال وغيره، واما أن
يجربه فيعلم ذلك برؤيته ويحصل بالصفة فإذا وجدت اكتفي بها لأنه يمكن ضبطه بالصفة فجاز العقد عليه
كالبيع، فإذا استأجر بالصفة للركوب احتاج إلى ذكر الجنس فرسا أو بعيرا أو بغلا أو حمارا أو النوع
فيقول في الإبل بختي أو عرابي وفي الخيل عرابي أو برذون وفي الحمير مصري أو شامي وإن كان في
النوع ما يختلف كالمهملج من الخيل والقطوف احتيج إلى ذكره لأن الغرض يختلف به، وقد ذكرنا ذلك
والخلاف فيه، قال شيخنا ومتى كان الكراء إلى مكة فالصحيح انه لا يحتاج إلى ذكر الجنس ولا النوع
لأن العادة أن الذي يحمل عليه في طريق مكة الجمال العراب دون البخاتي
(فصل) إذا كان الكراء إلى مكة أو طريق لا يكون السير فيه إلى اختيار المتكاريين فلا وجه
لذكر تقدير السير فيه لأن ذلك ليس إليهما ولا مقدور عليه لهما وإن كان في طريق السير فيه إليهما
استحب ذكر قدر السير في كل يوم فإن اطلق وللطريق منازل معروفة جاز لأنه معلوم بالعرف، ومتى
95

اختلفا في ذلك وفي وقت السير ليلا أو نهارا أو في موضع المنزل إما في داخل البلد أو. خارج منه
حملا على العرف كما لو أطلقا الثمن في بلد فيه نقد معروف، وان لم يكن للطريق عرف فقال القاضي لا يصح
كما لو أطلقا الثمن في بلد لا عرف فيه، والأولى أن هذا ليس بشرط لأنه لو كان شرطا لما صح العقد
بدونه في الطريق المخوف لأنه لم تجر العادة بتقدير السير في الطريق فإن اختلفا رجع إلى العرف
في غير ملك الطريق
(فصل) فإن شرط حمل زاد مقدر كمائة رطل وشرط انه يبدل منها ما نقص بالاكل أو غيره فله
ذلك وان شرط أن ما نقص بالاكل لا يبدله فليس له ابداله فإن ذهب بغير الاكل كسرقة أو سقوط
فله ابداله لأن ذلك لم يدخل في شرطه، وان اطلق العقد فله ابدال ما ذهب بسرقة أو سقوط أو اكل
غير معتاد بغير خلاف وان نقص بالاكل المضاد فله ابداله أيضا لأنه استحق حمل مقدار معلوم فملك
ابدال ما نقص منه كما لو نقص بسرقة ويحتمل أن لا يملك ذلك لأن العرف جار بأن الزاد ينقص
ولا يبدل فحمل العقد عليه عند الاطلاق وصار كالمصرح به، وقال الشافعي القياس ان له ابداله ولو قيل
ليس له ابداله كان مذهبا لأن العادة أن الزاد لا يبقى جميع المسافة ولذلك يقل اجره عن أجر المتاع
(فصل) إذا اكترى جملا ليحج عليه فله الركوب عليه إلى مكة ومن مكة إلى عرفة والخروج
96

عليه إلى منى لأن ذلك من تمام الحج، وقيل ليس له الركوب إلى منى لأنه بعد التحلل من الحج،
والأولى أن له ذلك لأنه من تمام الحج وتوابعه ولذلك وجب على من وجب عليه دون غيره فدخل في
قول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت) ولو اكترى إلى مكة فقط فليس له الركوب إلى الحج
لأنها زيادة ويحتمل أن له ذلك لأن الكراء إلى مكة عبارة عن الكراء للحج لكونها لا يكترى إليها
إلا للحج غالبا فكان بمنزلة المكتري للحج
(فصل) قال أصحابنا يصح كراء العقبة وهو مذهب الشافعي، ومعناها الركوب في بعض الطريق
يركب شيئا ويمشي شيئا لأنه إذا جاز اكتراؤها في الجميع جاز في البعض ولابد من العلم بها إما بالفراسخ
واما بالزمان مثل أن يركب ليلا ويمشي نهارا ويعتبر في هذا زمان السير دون زمان النزول، وإن
شرط أن يركب يوما ويمشي يوما جاز فإن أطلق احتمل الجواز واحتمال أن لا يصح لأنه يختلف وليس
له ضابط فيكون مجهولا، وإن اتفقا على أن يركب ثلاثة أيام ويمشي ثلاثة أو ما زاد ونقص جاز وإن
اختلفا لم يجبر الممتنع منهما لأن فيه ضررا على كل واحد منهما الماشي لدوام المشي عليه والدابة لدوام
الركوب عليها لأنه إذا ركب بعد شدة التعب كان أثقل على البعير، وان اكترى اثنان جملا يتعاقبان
عليه جاز ويكون كراؤه كل الطريق والاستيفاء بينهما على ما يتفقان عليه، وإن تشاحا قسم بينهما لكل
97

واحد منهما فراسخ معلومة أو لأحدهما بالليل وللآخر بالنهار، وإن كان لذلك عرف رجع إليه وان
اختلفا في البادئ منهما أقرع، ويحتمل أن لا يصح كراؤها إلا أن يتفقا على ركوب معلوم لكل واحد
منهما لأنه عقد على مجهول بالنسبة إلى كل واحد منهما فلم يصح كما لو اشتريا عبدين على أن
لكل واحد منهما عبدا معينا منهما
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (والإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها)
وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأنها عقد معاوضة فكانت لازمة كالبيع ولأنها نوع من البيع
وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم لا أن يجد العين معيبة عيبا لم يكن علم به فله الفسخ بغير خلاف نعلمه
قال ابن المنذر إذا اكترى دابة بعينها فوجدها جموحا أو عضوضا أو نفورا أو بها عيب غير ذلك
مما يفسد ركوبها فللمكتري الخيار ان شاء ردها وفسخ الإجارة، وإن شاء أخذها وهذا قول الثوري
وأصحاب الرأي لأنه عيب في المعقود عليه فأثبت الخيار كالعيب في بيوع الأعيان، والعيب الذي يرد
به ما تنقص به المنفعة كتعثر الظهر في المشي والعرج يتأخر به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها
جموحا أو عضوضا ونحو ذلك، وفي المكترى للخدمة ضعف البصر والجنون والجذام والبرص، وفي
الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها وانقطاع الماء من بئرها أو تغيره بحيث يمنع الشرب والوضوء
98

وأشباه ذلك من النقائص، فإن رضي بالمقام ولم يفسخ لزمه جميع الأجرة لأنه رضي به ناقصا أشبه ما لو
رضي بالمبيع معيبا، وان اختلفا في الموجود هل هو عيب أو لا؟ رجع فيه إلى أهل الخبرة مثل أن تكون
الدابة خشنة المشي أو انها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيرا فإن قالوا هو عيب فله الفسخ والا فلا
هذا إذا كان العقد تعلق بعينها فإن كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد وعلى المكري إبدالها
كالمسلم فيه إذا وجده معيبا أو على غير صفته فإن عجز عن إبدالها أو امتنع منه ولم يمكن إجباره
فللمكتري الفسخ أيضا
* (مسألة) * (وان بدا له قبل تقضي المدة فعليه الأجرة)
قد ذكرنا أن الإجارة عقد لازم يقتضي تمليك المؤجر الاجر والمستأجر المنافع فإذا فسخ المستأجر
الإجارة قبل انقضاء مدتها وترك الانتفاع اختيارا منه لم تنفسخ الإجارة وتلزمه الأجرة ولا يزول
ملكه عن المنافع كما لو اشترى شيئا وقبضه ثم تركه: قال الأثرم قلت لأبي عبد الله رجل اكترى بعيرا
فلما قدم المدينة قال له فاسخني؟ قال ليس ذلك له قد لزمه الكراء قلت فإن مرض المستكري بالمدينة؟
فلم يجعل له فسخا لأنه عقد لازم من الطرفين فلم يملك أحد المتعاقدين فسخه، وإن فسخه لم يسقط
العوض الواجب كالبيع
(فصل) قد ذكرنا أن المستأجر يملك المنافع بالعقد كما يملك المشتري المبيع بالبيع ويزول ملك
المؤجر عنها كما يزول ملك البائع عن المبيع فلا يجوز له التصرف فيها لأنها صارت مملوكة لغيره فإن
99

تصرف فيها وكان ذلك في حال يد المستأجر قبل تقضي المدة مثل أن يكتري دارا سنة فيسكنها
شهرا ويتركها فيسكنها المالك بقية السنة أو يؤجرها لغيره احتمل أن ينفسخ العقد فيما استوفاه المالك
لأنه تصرف فيه قبل قبض المكتري له أشبه ما لو أتلف المكيل قبل تسليمه وسلم باقيه، فإن تصرف
في بعض المدة دون بعض انفسخ العقد في قدر ما تصرف فيه خاصة، وعلى المستأجر أجر ما بقي فإن
سكن المستأجر شهرا وسكن المالك عشرة أشهر لزم المستأجر أجر شهرين، وان سكنها شهرا وسكن
المالك شهرين ثم تركها فعلى المستأجر أجر عشرة أشهر واحتمل أن يلزم المستأجر أجر جميع المدة وله
على المالك أجر المثل لما سكن أو تصرف فيه يسقط ذلك مما على المستأجر من الاجر ويلزمه الباقي لأنه
تصرف فيما ملكه المستأجر عليه بغير إذنه أشبه ما لو تصرف في المبيع بعد قبض المشتري إياه وقبض
الدار ههنا قام مقام قبض المنافع بدليل أنه يملك التصرف في المنافع بالسكنى والإجارة وغيرها، فعلى
هذا لو كان أجر المثل الواجب على المالك بقدر الاجر المسمى في العقد لم يجب على المستأجر شئ،
وان فضلت منه فضلة لزم المالك أداؤها إلى المستأجر، والأول أولى وهو ظاهر مذهب الشافعي وان
تصرف المال قبل تسليمه العين أو امتنع من تسليمها حتى انقضت مدة الإجارة انفسخت الإجارة
وجها واحدا لأن العاقد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فانفسخ العقد كما لو باعه طعاما فأتلفه قبل
تسليمه، وان سلمها إليه في أثناء المدة انفسخت فيما مضى، ويجب أجر الباقي بالحصة كالمبيع إذا
سلم بعضه وأتلف بعضا
100

* (مسألة) * (وان حوله المالك قبل تقضيها فليس له أجر لما سكن نص عليه ويحتمل أن له من
الأجرة بقسطه)
إذا استأجر مدة فسكنه بعضها ثم أخرجه المالك ومنعه تمام السكنى فلا شئ له من الاجر نص
عليه أحمد وذكره الخرقي ويحتمل أن له من الاجر بقسطه وهو قول أكثر الفقهاء لأنه استوفى ملك غيره
على وجه المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته
ولنا أنه لم يسلم إليه ما تناوله عقد الإجارة فلم يستحق شيئا كما لو استأجره لحمل كتاب إلى بلد فحمله
بعض الطريق أو ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرا وامتنع من حفر الباقي وقياس الإجارة على
الإجارة أولى من قياسها على البيع، والحكم فيمن اكترى دابة فامتنع المكترى من تسليمها في
بعض المدة أو أجر نفسه أو عبده للخدمة مدة وامتنع من إتمامها أو أجر نفسه لبناء حائط أو خياطة
أو حفر بئر أو حمل شئ إلى مكان وامتنع من اتمام العمل مع القدرة عليه كالحكم في العقار يمتنع من
تسليمه وانه لا يستحق شيئا لما ذكرنا
* (مسألة) * (وان هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة، وان ان كانت على عمل خير
للمستأجر بين الصبر والفسخ)
101

وجملة ذلك أنه إذا هرب الأجير أو شردت الدابة أو أخذ المؤجر العين وهرب بها أو منعه
استيفاء المنفعة منها من غير هرب لم تنفسخ الإجارة لكن يثبت للمستأجر خيار الفسخ فإن انفسخ
فلا كلام، وان لم يفسخ وكانت الإجارة على مدة انفسخت بمضي المدة يوما فيوما فإن عادت العين
في أثناء المدة استوفى ما بقي منها، وان انقضت المدة انفسخت الإجارة لفوات المعقود عليه وان كانت
الإجارة على موصوف في الذمة كخياطة ثوب أو بناء حائط أو حمل إلى موضع معين استؤجر من ماله
من يعمله كما لو أسلم إليه في شئ فهرب بيع من ماله فإن تعذر فللمستأجر الفسخ فإن لم يفسخ وصبر
إلى أن يقدر عليه فله مطالبته بالعمل لأن ما في الذمة لا يفوت بهربه، وكل موضع امتنع الأجير من العمل
فيه أو منع المؤجر المستأجر من الانتفاع إذا كان بعد عمل البعض فلا أجر له فيه على ما سبق الا أن
يرد العين قبل انقضاء المدة أو يتم العمل ان لم يكن على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل
فاما ان شردت الدابة أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر فله من الاجر بقدر ما استوفى بكل حال
* (مسألة) * (فإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها الحاكم من مال الجمال أو أذن
للمستأجر في الانفاق فإذا قدم باعها ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه)
إذا هرب الجمال في بعض الطريق أو قبل الدخول فيها لم يخل من حالين (أحدهما) أن
يهرب بجماله فإن لم يجد المستأجر حاكما أو وجد حاكما لم يمكن إثبات الحال عنده أو أمكن ولم يحصل
102

له ما يستوفي به حقه منه فللمستأجر الفسخ لأنه تعذر عليه قبض المعقود عليه أشبه ما إذا أفلس
المشتري فإن فسخ العقد وكان الجمال قد قبض الاجر كان دينا في ذمته وان اختار المقام على العقد
وكانت الإجارة على عمل في الذمة فله ذلك، ومتى قدر على الجمال طالبه به وإن كان العقد على مدة
انقضت في هربه انفسخت الإجارة وان أمكن اثبات الحال عند الحاكم وكان العقد على موصوف
غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الامر إلى الحاكم ويثبت عنده حاله فإن وجد الحاكم للجمال مالا اكترى
به وان لم يجد له مالا وأمكنه أن يقترض عليه ما يكتري له به فعل فإن دفع الحاكم المال إلى المكتري
ليكتري به لنفسه جاز في ظاهر كلام أحمد، وإن كان القرض من المكتري جاز وصار دينا في ذمة
الجمال وإن كان العقد على معين لم يجز ابداله ولا اكتراء غيره لأن العقد تعلق بعينه فيخير المكتري
بين الفسخ أو الصبر إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعلم
(الحال الثاني) إذا هرب وترك جماله فإن المكتري يرفع الامر إلى الحاكم فإن وجد للجمال مالا
استأجر به من يقوم مقامه في الانفاق على الجمال والشد عليها وفعل ما يلزم الجمال فإن لم يجد له غير الجمال
وكان فيها فضلة عن الكراء باع بقدر ذلك وان لم يكن فيها فضل أو لم يكن بيعه افترض عليه الحاكم
كما ذكرنا، وان أدان من المكتري وأنفق جاز، وان أذن للمكتري في الانفاق من ماله بالمعروف ليكون
دينا على الجمال جاز لأنه موضع حاجة فإذا رجع واختلفا فيما أنفق وكان الحاكم قدر النفقة قبل قول
103

المكتري في ذلك دون ما زاد، وان لم يقدر له قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف لأنه أمين فأشبه الوصي
إذا ادعى النفقة على الأيتام بالمعروف وما زاد لا يرجع به لأنه متطوع به، وإذا وصل المكتري رفع الامر
إلى الحاكم فيفعل ما يرى الحظ فيه من بيع الجمال فيوفي عن الجمال ما لزمه من الدين للمكتري أو لغيره
ويحفظ باقي الثمن له وان رأى بيع بعضها وحفظ باقيها والانفاق على الباقي من ثمن ما باع جاز، وان لم
يجد حاكما أو عجز عن استئذانه فله أن ينفق عليها ويقيم مقام الجمال فيما يلزمه ولا يرجع بذلك ان فعله
متبرعا وان نوى الرجوع واشهد على ذلك رجع به لأنه حال ضرورة وهذا أحد الوجهين لأصحاب
الشافعي، وان لم يشهد ونوى الرجوع ففي الرجوع وجهان (أحدهما) يرجع به لأن ترك الجمال مع العلم
بأنها لابد لها من نفقة اذن في الانفاق (والثاني) لا يرجع به لأنه يثبت لنفسه حقا على غيره وكذلك
ان لم يشهده وأنفق محتسبا بالرجوع، قال شيخنا وقياس المذهب أن له الرجوع كقولنا يرجع بما أنفق
على الآبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة المرهونة، فإن قدر على استئذان الحاكم فانفق من غير
استئذانه واشهد على ذلك ففي رجوعه وجهان أيضا، وحكم موت الجمال حكم هربه وقال أبو بكر مذهب
احمد أن الموت لا يفسخ الإجارة وله أن يركبها ولا يسرف في علفها ولا يقصر ويرجع بذلك في مال
المتوفى، فإن لم يكن في يد المستأجر ما ينفق لم يجز أن يبيع منها شيئا لأن البيع إنما يجوز من المالك أو
نائبه أو ممن لا ولاية عليه
104

* (مسألة) * (وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها)
وجملته ان من استأجر عينا مدة فحيل بينه وبين الانتفاع بها لم يخل من أقسام [أحدها] ان
تتلف العين كدابة تنفق أو عبد يموت فتلك على ثلاثة أضرب [أحدها] أن تتلف قبل قبضها فإن
الإجارة تنفسخ بغير خلاف نعلمه لأن المعقود عليه تلف قبل قبضه فأشبه ما لو تلف الطعام المبيع قبل
قبضه [الثاني] أن تتلف عقيب قبضها فإن الإجارة تنفسخ أيضا ويسقط الاجر في قول عامة الفقهاء
إلا أبا ثور حكي عنه أنه قال يستقر الاجر لأن المعقود عليه تلف بعد قبضه أشبه المبيع. وهذا غلط لأن
المعقود عليه المنافع وقبضها باستيفائها أو التمكن من استيفائها ولم يحصل ذلك فأشبه تلفها قبل قبض
العين [الثالث] أن تتلف بعد مضي شئ من المدة فإن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة دون ما مضى
ويكون للمؤجر من الاجر بقدر ما استوفى من المنفعة، قال أحمد في رواية إبراهيم بن الحارث: إذا
اكترى بعيرا بعينه فنفق يعطيه بحساب ما ركب وذلك لما ذكرنا من أن المعقود عليه المنافع وقد تلف
بعضها قبل قبضه فبطل العقد فيها تلف دون ما قبض كما لو اشترى صبرتين فقبض إحداهما وتلفت
الأخرى قبل قبضها، ثم ننظر فإن كان أجر المدة متساويا فعليه بقدر ما مضى إن كان قد مضى النصف
فعليه نصف الاجر وإن كان قد مضى الثلث فعليه الثلث كما يقسم الثمن على المبيع المتساوي، وإن كان
مختلفا كدار أجرها في الشتاء أكثر من أجرها في الصيف وأرض أجرها في الصيف أكثر من الشتاء،
105

أو دار لها موسم كدور مكة رجع في تقويمه إلى أهل الخبرة ويسقط الاجر المسمى على حسب قيمة
المنفعة كقسمة الثمن على الأعيان المختلفة في البيع، وكذلك لو كان الاجر على قطع مسافة كبعير استأجره
على حمل شئ إلى مكان معين وكانت متساوية الاجزاء أو مختلفة وهذا ظاهر مذهب الشافعي
* (مسألة) * (وموت الصبي المرتضع)
إذا مات الصبي المرتضع انفسخ العقد لأنه يتعذر استيفاء المعقود عليه لأنه لا يمكن إقامة
غيره مقامه لاختلاف الصبيان في الرضاع واختلاف اللبن باختلافهم فإنه قد يدر على أحد الولدين
دون الآخر وهذا منصوص الشافعي، وإذا انفسخ العقد عقيبه بطلت الإجارة من أصلها ورجع المستأجر
بالاجر كله وإن كان في أثناء المدة رجع بحصة ما بقي
وتنفسخ الإجارة بموت المرضعة لفوات المنفعة بهلاك محلها، وحكي عن أبي بكر انها لا تنفسخ
ويجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت لأنه كالدين
ولنا انه هلك المعقود عليه أشبه ما لو هلكت البهيمة المستأجرة.
* (مسألة) * (وموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة) إذا مات المكتري ولم يكن
له وارث يقوم مقامه في استيفاء المنفعة أو كان غائبا كمن يموت في طريق مكة ويخلف جمله الذي اكتراه
وليس له عليه شئ يحمله ولا وارث له حاضر يقوم مقامه فظاهر كلام أحمد ان الإجارة تنفسخ فيما بقي
106

من المدة لأنه قد جاء أمر غالب يمنع المستأجر منفعة العين فأشبه ما لو غصبت ولان بقاء القعد ضرر
في حق المكري والمكتري لأن المكتري يجب عليه الكراء من غير نفع والمكري يمتنع عليه التصرف
في ماله مع ظهور امتناع الكراء عليه، وقد نقل عن أحمد في رجل اكترى بعيرا فمات المكتري في بعض
الطريق فإن رجع البعير خاليا فعليه بقدر ما وجب له، وإن كان عليه ثقله ووطاؤه فله الكراء إلى الموضع،
وظاهر هذا أنه حكم بفسخ العقد فيما بقي من المدة إذا مات المستأجر ولم يبق له به انتفاع لأنه تعذر
استيفاء المنفعة بأمر من الله تعالى فأشبه ما لو اكترى من يقلع له ضرسه فبرأ أو انقلع قبل قلعه أو
اكترى كحالا ليكحل عينه فبرأت أو ذهبت، ويجب أن يقدر انه لم يكن ثم من ورثته من يقوم مقامه في الانتفاع
لأن الوارث يقوم مقام الموروث وتأولها القاضي على أن المكري قبض البعير ومنع الورثة الانتفاع
ولولا ذلك لما انفسخ العقد لأنه لا ينفسخ بعذر في المستأجر مع سلامة المعقود عليه كما لو حبس مستأجر
الدار ومنع من سكناها، ولا يصح هذا لأنه لو منع الوارث الانتفاع لما استحق شيئا من الاجر، ويفارق
هذا ما لو حبس المستأجر لأن المعقود عليه انتفاعه وهذا لم يؤيس منه بالحبس لأنه يمكن خروجه في
كل وقت من الحبس وانتفاعه ويمكن أن يستنيب من يستوفي المنفعة له إما بأجره أو غيره بخلاف الميت
فإنه قد فات انتفاعه بنفسه ونائبه أشبه ما ذكرنا من الصور
107

* (مسألة) * (وانقلاع الضرس الذي اكتري لقلعه أو برؤه) وكذلك ان اكترى كحالا ليكحل
عينه فبرأت أو ذهبت انفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه أشبه ما لو تعذر بالموت
* (مسألة) * (فإن اكترى دارا فانهدمت أو أرضا للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الإجارة فيما
بقي من المدة في أحد الوجهين وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ)
وجملة ذلك أنه إذا حدث في العين المكتراة ما يمنع نفعها كدار انهدمت أو أرض غرقت أو
انقطع ماؤها فهذه ينطر فيها فإن لم يبق فيها نفع أصلا فهي كالتالفة سواء، وإن بقي فيها نفع غير
ما استأجرها له مثل أن يمكن الانتفاع بعرصة الدار أو الأرض لوضع حطب فيها أو وضع خيمة في
الأرض الذي استأجرها للزرع أو صيد السمك من الأرض التي غرقت انفسخت الإجارة أيضا لأن
المنفعة التي وقع العقد عليها تلفت فانفسخت الإجارة كما لو استأجر دابة ليركبها فزمنت بحيث لا تصلح
إلا لتدور في الرحى. وقال القاضي في الأرض التي انقطع ماؤها لا تنفسخ الإجارة فيها وهو منصوص
الشافعي، لأن المنفعة لم تبطل جملة لأنه يمكن الانتفاع بعرصة الأرض بنصب خيمة أو جمع حطب
فيها فأشبه ما لو نقص نفعها مع بقائه، فعلى هذا يخير المستأجر بين الفسخ والامضاء، فإن فسخ
فحكمه حكم العبد إذا مات، وإن اختار إمضاء العقد فعليه جميع الأجرة لأن ذلك عيب فإذا
108

رضي به سقط حكمه فإن لم يختر الفسخ ولا الامضاء إما لجهله بان له الفسخ أو لغير ذلك فله الفسخ
بعد ذلك والأول أصح لأن بقاء غير المعقود عليه لا يمنع انفساخ العقد بتلف المعقود عليه كالأعيان
في البيع، ولو كان النفع الباقي في العين مما لا يباح استيفاؤه بالعقد كدابة استأجرها للركوب فصارت
لا تصلح الا للحمل أو بالعكس انفسخ العقد وجها واحدا لأن المنفعة الباقية لا يملك استيفاءها مع
سلامتها فلا يملكها مع تعيبها كبيعها، فاما ان أمكن الانتفاع بالعين وفيما اكتراها له على نعت من
القصور مثل أن يمكنه زرع الأرض بغير ماء أو كان الماء منحسرا عن الأرض التي عرفت على وجه
يمنع بعض الزراعة أو يسوء الزرع أو كان يمكنه سكنى ساحة الدار إما في خيمة أو غيرها لم تنفسخ
الإجارة لأن المنفعة المعقود عليها لم تزل بالكلية فأشبه ما لو تعيبت وللمستأجر خيار الفسخ على
ما ذكرنا إلا في الدار إذا انهدمت ففيها وجهان (أحدهما) لا تنفسخ الإجارة (والثاني) تنفسخ
لأنه زال اسمها بهدمها وذهبت المنفعة التي تقصد منها ولذلك لا يستأجر أحد عرصة دار ليسكنها
فاما إن كان الحادث في العين لا يضرها كغرق الأرض بما ينحسر عن قريب بحيث لا يمنع الزرع
ولا يضره وانقطاع الماء عنها إذا ساق المؤجر إليها ماء من مكان آخر أو كان انقطاعه في زمن لا يحتاج
إليه فيه فليس للمستأجر الفسخ لأن هذا ليس بعيب، وإن حدث الغرق المضر أو انقطاع الماء أو الهدم
ببعض العين المستأجرة فلذلك البعض حكم نفسه في الفسخ أو ثبوت الخيار وللمكتري الخيار في بقية
109

العين لأن الصفقة تبعضت عليه فإن اختار الامساك أمسك بالحصة من الاجر كما إذا تلف أحد
القفيزين من الطعام في يد البائع
* (مسألة) * (ولا تنفسخ بموت المكتري أو المكري)
وهذا قول مالك والشافعي وإسحاق والتي وأبي ثور وابن المنذر، وقال الثوري وأصحاب
الرأي والليث تنفسخ لاجارة بموت أحدهما لأن استيفاء المنفعة يتعذر بالموت لأنه استحق بالعقد
استيفاءها على ملك المؤجر فإذا مات زال ملكه عن العين فانتقلت إلى ورثته فالمنافع تحدث على
ملك الوارث فلا يستحق المستأجر استيفاءها لأنه ما عقد مع الوارث، وإذا مات المستأجر لم يمكن
إيجاب الاجر في تركته
ولنا أنه عقد لازم فلم ينفسخ بموت العاقد مع سلامة المعقود عليه كما لو زوج أمته ثم مات، وما
ذكروه لا يصح لأنا قد بينا أن المستأجر قد ملك المنافع، وان الأجرة قد ملكت عليه كاملة في وقت
العقد على ما نذكره، ويلزمهم ما لو زوج أمته ثم مات ولو صح ما ذكروه لكن وجوب الاجر ههنا بسبب
من المستأجر فوجب في تركته بعد موته كما لو حفر بئرا فوقع فيها شئ بعد موته ضمنه في ماله لأن
سبب ذلك كان منه في حياته كذا ههنا
* (مسألة) * (ولا تنفسخ بعذر لأحدهما مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه)
وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور، وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز للمكتري فسخها لعذر
110

في نفسه مثل أن يكتري جملا ليحج عليه فيمرض فلا يتمكن من الخروج أو تضيع نفقته، أو يكتري
دكانا للبز فيحترق متاعه وما أشبه هذا لأن هذا العذر يتعذر معه استيفاء المنفعة المعقود عليها فملك به
الفسخ كما لو استأجر عبدا فابق
ولنا انه عقد لا يجوز فسخه لغير عذر فلم يجز لعذر في غير المعقود عليه كالبيع ولأنه لو جاز
فسخه لعذر المكتري لجاز لعذر المكري تسوية بين المتعاقدين ودفعا للضرر عن كل واحد منهما
ولم يجز ثم فلا يجرز ههنا، ويفارق الإباق فإنه عذر في المعقود عليه
* (مسألة) * (وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ والامضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل)
إذا غصبت العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ لأن فيه تأخر حقه فإن فسخ فالحكم كما لو
انفسخ العقد بتلف العين وإن لم يفسخ حتى انقضت مدة لاجارة فله الخيار بين الفسخ والرجوع
بالمسمى وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجر المثل لأن المعقود عليه لم يفت مطلقا بل إلى
بدل وهو القيمة فأشبه ما لو أتلف الثمرة لمبيعة آدمي قبل قطعها، ويتخرج افساخ العقد بكل حال على
الرواية التي تقول إن منافع الغصب لا تضمن وهو قول أصحاب الرأي ولأصحاب الشافعي في ذلك
اختلاف فإن ردت العين في أثناء المدة ولم يكن فسخ استوفى ما بقي منها ويكون فيما مضى من المدة
111

مخيرا كما ذكرنا، وإن كانت الإجارة على عمل كخياطة ثوب أو حمل شئ إلى موضع معين فغصب
جمله الذي يحمل عليه أو عبده الذي يخيط له لم ينفسخ العقد، وللمستأجر مطالبة الأجير بعوض المغصوب
وإقامة من يعمل العمل لأن العقد على ما في الذمة كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا فرده فإن تعذر البدل ثبت
للمستأجر الخيار بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفي منها
(فصل) فإن حدث خوف عام يمنع من سكنى المكان الذي فيه العين المستأجرة أو يحصر
البلد فيمتنع خروج المستأجر إلى الأرض المستأجرة للزرع ونحو ذلك ثبت للمستأجر خيار الفسخ
لأنه أمر غالب يمنع من استيفاء المنفعة فأثبت الخيار كغصب العين، ولو اكترى دابة ليركبها أو يحمل
عليها إلى موضع معين فانقطعت الطريق إليها لخوف حادث أو اكترى إلى مكة فلم يحج الناس ذلك العام
من تلك الطريق ملك كل واحد منهما فسخ الإجارة، وان اختار ابقاها إلى حين امكان استيفاء
المنفعة جاز لأن الحق لهما، فاما إن كان الخوف خاصا بالمستأجر كمن خاف وحده لقرب أعدائه من
الموضع المستأجر أو خلوهم في طريقه لم يملك الفسخ لأنه عذر يختص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية
أشبه مرضه، وكذلك لو حبس أو مرض لأنه ترك استيفاء المنفعة لمعنى من جهته فلم يمنع ذلك وجوب
أجرها عليه كما لو تركها اختيارا. قال الخرقي: فإن جاء أمر غالب يحجر المستأجر عن منفعة ما وقع عليه
العقد لزمه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه وقد شرحناه
112

* (مسألة) * (ومن استؤجر لعمل شئ فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه)
لا خلاف بين أهل العلم في جواز استئجار الآدمي، وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعيه الغنم
واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا ليدلهما على الطريق، ولأنه يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه فجازت
اجارته كالدور. ثم إجارته تنقسم قسمين (أحدهما) استئجاره مدة بعينها لعمل معين كإجارة موسى
عليه السلام نفسه ثماني حجج لرعي الغنم (والثاني) استئجاره على معنى في الذمة كاستئجار النبي صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر رجلا ليدلهما على الطريق، واستئجار رجل لخياطة قميص أو بناء حائط، ويتنوع ذلك بنوعين
(أحدهما) أن تقع الإجارة على عين كإجارة عبده لرعاية الغنم أو ولده لعمل معين (والثاني) أن تقع
على عمل في الذمة كخياطة قميص وبناء حائط. فمتى كانت على عمل في ذمته فمرض وجب عليه أن يقيم
مقامه من يعمله لأنه حق وجب في ذمته فوجب عليه إيفاؤه كالمسلم، فيه ولا يلزم المستأجر انظاره لأن
العقد باطلاقه يقتضي التعجيل وفي التأخير إضرار به، فاما إن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها
فمرض لم يقم غيره مقامه لأن الإجارة وقعت على عمله بعينه لا على شئ في ذمته وعمل غيره ليس
بمعقود عليه فأشبه ما لو اشترى معينا لم يجز أن يدفع إليه غيره ولا يبدله له بخلاف ما لو وقع في الذمة فإنه
يجوز ابدال المعيب ولا ينفسخ العقد بتلف ما يسلمه والمبيع المعين بخلافه فكذلك الإجارة فإن كانت الإجارة
على عمل في الذمة لكن لا يقوم غير الأجير مقامه كالنسخ فإنه يختلف القصد فيه باختلاف الخطوط لم يكلف إقامة
113

غيره مقامه ولا يلزم المستأجر قبول ذلك أن بذله الأجير لأن العوض لا يحصل من غير الناسخ كحصوله
منه فأشبه ما لو أسلم إليه في نوع فسلم إليه غيره وكذلك كل ما يختلف باختلاف الأعيان
* (مسألة) * (وان وجد العين معيبة فله الفسخ)
كما لو وجد المبيع معيبا وقد ذكرناه، وان حدث بها عيب فله الفسح وأجرة ما مضي لأن البائع
لا يحصل قبضها إلا بالاستيفاء فهي كالمكيل يتعيب قبل قبضه فإن بادر المكري إلى إزالة العيب من
غير ضرر يلحق المستأجر كدار تشعثت فأصلحها، ولا خيار للمستأجر لعدم الضرر والا فله الفسخ،
وان سكنها مع عيبها فعليه الأجرة علم أو لم يعلم لأنه استوفى جميع المعقود عليه معيبا فلزمه البدل
كالمبيع المعيب إذا رضيه
* (مسألة) * (ويجوز بيع العين المستأجرة ولا تنفسخ الإجارة إلا أن يشتريها المستأجر فتنفسخ
في إحدى الروايتين)
يصح بيع العين المستأجرة نص عليه أحمد سواء باعها للمستأجر أو لغيره وهو أحد قولي الشافعي
وقال في الآخر ان باعها لغير المستأجر لم يصح لأن يد المستأجر تمنع التسليم إلى المشتري فمنعت الصحة
كما في بيع المغصوب
ولنا أن الإجارة عقد على المنافع فلم تمنع الصحة كبيع الأمة إذا زوجها، قولهم يد المستأجر تمنع
114

التسليم لا يصح لأن يد المستأجر إنما هي على المنافع والبيع على الرقبة فلا يمنع ثبوت اليد على أحدهما تسليم
الآخر كما لو باع الأمة المزوجة ولأنها منعت التسليم في الحال فلا تمنع في الوقت الذي يجب التسليم فيه وهو
عند انقضاء الإجارة ويكفي القدرة على التسليم حينئذ كالمسلم فيه وقال أبو حنيفة البيع موقوف على إجازة
المستأجر فإن أجازه جائز وبطلت الإجارة وان رده بطل
ولنا أن البيع على غير المعقود عليه في الإجارة فلم تعتبر اجازته كبيع الأمة المزوجة. إذا ثبت هذا
فإن المشتري يملك المبيع مسلوب المنفعة إلى حين انقضاء الإجارة ولا يستحق تسليم العين إلا حينئذ لأن
تسليم العين إنما يراد لاستيفاء نفعها وإنما يستحق نفعها إذا انقضت الإجارة فهو كمن اشترى عينا في
مكان بعيد لا يستحق تسليمها إلا بعد مضي مدة يمكن احضارها فيه وكالمسلم إلى وقت لا يستحق تسليم
المسلم فيه الا في وقته، فإن لم يعلم المشتري بالإجارة خير بين الفسخ وامضاء البيع بكل الثمن لأن ذلك عيب ونقص
(فصل) ويصح بيعها للمستأجر لأنه إذا صح بيعها لغيره فله أولى لأن العين في يده وهل تبطل
الإجارة؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تبطل لأنه ملك المنفعة ثم ملك الرقبة المسلوبة بعقد آخر فلم يتنافيا
كما يملك الثمرة بعقد ثم يملك الأصل بعقد آخر، ولو أجر الموصى له بالمنفعة مالك الرقبة صحت الإجارة
فدل على أن ملك المنفعة لا ينافي العقد على الرقبة ولذلك لو استأجر المالك العين المستأجرة من مستأجرها
جاز، فعلى هذا يكون الاجر باقيا على المشتري وعليه الثمن ويجتمعان للبائع كما لو كان المشتري غيره
115

(والثاني) تبطل الإجارة فيما بقي من المدة لأنه عقد على منفعة العين فبطل بملك العاقد الرقبة كما لو تزوج
أمة ثم اشتراها بطل نكاحه ولان ملك الرقبة يمنع ابتداء الإجارة فمنع استدامتها كالنكاح، فعلى هذا يسقط عن
المشتري الاجر فيما بقي من مدة الإجارة كما لو بطلت الإجارة بتلف العين وإن كان المؤجر قد قبض الاجر كله
حسبه عليه من الثمن إن كان من جنس الثمن
(فصل) فإن رد المستأجر العين المستأجرة فالحكم فيه كما لو اشتراها في بطلان الإجارة وبقائها فلو
استأجر انسان من أبيه دارا ثم مات الأب وخلف ابنين (أحدهما) المستأجر فالدار بينهما نصفين
والمستأجر أحق بمنفعتها لأن النصف الذي لأخيه الإجارة باقية فيه والنصف الذي ورثه يستحقه اما بحكم
الملك أو بحكم الإجارة وما عليه من الأجرة بينهما نصفين، فإن كان أبوه قد قبض الاجر لم يرجع على
أخيه بشئ منه ولا على تركة أبيه ويكون ما خلفه أبوه بينهما نصفين لأنه لو رجع بشئ أفضى إلى أن
يكون قد ورث النصف بمنفعته وورث أخوه نصفا مسلوب المنفعة والله سبحانه قد سوى بينهما في الميراث
ولأنه لو رجع بنصف أجر النصف الذي انتقضت الإجارة فيه لوجب أن يرجع أخوه بنصف المنفعة التي بطلت
الإجارة فيها إذ لا يمكن أن يجمع له بين المنفعة وأخذ عوضها من غيره
(فصل) فإن اشترى المستأجر العين فوجدها معيبة فردها فإن قلنا لا تنفسخ الإجارة بالبيع فهي
باقية بعد رد العين كما كانت قبل البيع، وان قلنا قد انفسخت فالحكم فيها كما لو انفسخت بتلف العين
116

فإن كان المشتري أجنبيا فرد المستأجر الإجارة لعيب فينبغي أن تعود المنفعة إلى البائع لأنه يستحق
عوضها على المستأجر وإذا سقط العوض عاد إليه المعوض، ولان المشتري ملك العين مسلوبة المنفعة
مدة الإجارة فلا يرجع إليه ما لم يملكه، وقال بعض أصحاب الشافعي يرجع إلى المشتري لأن المنفعة
تابعة للرقبة وإنما استحقت بعقد الإجارة فإذا زالت عادت إليه كما لو اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قال
شيخنا ولا يصح هذا القياس لأن منفعة البضع قد استقر عوضها للبائع بمجرد دخول الزوج بها ولا
ينقسم العوض على المدة ولهذا لا يرجع الزوج بشئ من الصداق فيما إذا انفسخ النكاح أو وقع
الطلاق بخلاف الاجر في الإجارة فإن المؤجر يستحق الاجر في مقابلة المنفعة مقسوما على مدتها فإذا
كان له عوض المنفعة المستقبلة فزال بالفسخ رجع إليه بعوضها وهو المنفعة، ولان منفعة البضع لا يجوز
أن تملك بغير ملك الرقبة أو النكاح فلو رجعت إلى البائع لملكت بغيرهما ولأنها مما لا يجوز الزوج
نقلها إلى غيره ولا المعاوضة عنها ومنفعة البدن بخلافها
(فصل) وإذا وقعت الإجارة على عين كمن استأجر عبدا للخدمة أو للرعي فتلف انفسخ العقد
وقد ذكرناه وإن خرجت العين مستحقة تبينا أن العقد باطل وان وجد بها عيبا فردها انفسخ العقد أيضا
ولم يملك إبدالها لأن العقد على معين فتثبت هذه الأحكام كمن اشترى عينا، وإن وقعت على عين موصوفة في الذمة
انعكست هذه الأحكام فمن سلم إليه عينا فتلفت أو خرجت مغصوبة أو وجد بها عيبا فردها لم تنفسخ الإجارة
117

ولزم المؤجر ابدالها لأن المعقود عليه غير هذه العين وهذه بدل عنه فلم يؤثر ذلك في ابطال العقد كما لو اشترى
بثمن في الذمة على ما قرر في موضعه، فإن قيل فقد قلتم فيمن اكترى جملا ليركبه جاز أن يركبه
من هو مثله ولو اكترى أرضا لزرع شئ بعينه جاز له زرع ما هو مثله أو دونه في الضرر فلم قلتم إذا اكترى
جملا بعينه لا يجوز أن يبدله؟ قلنا: المعقود عليه منفعة العين فلم يجز أن يدفع إليه غير المعقود عليه كما لو
اشترى عينا لا يجوز ان يأخذ غيرها والراكب غير معقود عليه إنما هو مستوف للمنفعة وإنما يشترط
معرفته ان تقدر به المنفعة لا لكونه معقودا عليه وكذلك الزرع في الأرض فإنما يعين ليعرف به قدر
المنفعة المستوفاة فيجوز الاستيفاء بغيرها كما لو وكل المشتري غيره في استيفاء المبيع ألا ترى أنه لو تلف
البعير أو الأرض انفسخت الإجارة ولو مات الراكب أو تلف البذر لم تنفسخ وجاز أن يقوم
غيره مقامه فافترقا.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولا ضمان على الأجير الخاص وهو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر
فيما تلف في يده الا ان يتعدى)
وجملته ان الأجير على ضربين خاص ومشترك: فالخاص الذي يقع العقد عليه في مدة معلومة
يستحق المستأجر نفعه في جميعها كمن استؤجر لخدمة أو خياطة أو رعاية شهرا أو سنة، سمي خاصا
لأن المستأجر يختص بنفعه في تلك المدة دون سائر الناس والمشترك الذي يقع العقد معه على عمل معين
118

كخياطة ثوب أو بناء حائط وحمل شئ إلى مكان معين أو على عمل في مدة لا يستحق جميع نفعه فيها
كالكحال والطبيب سمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لاثنين أو أكثر في وقت واحد ويعمل لهم فيشتركون
في منفعته فسمي مشتركا لاشتراكهم في منفعته، فاما الأجير الخاص فلا ضمان عليه ما لم يتعد قال أحمد
في رواية مهنا في رجل أمر غلامه يكيل لرجل بزرا فسقط الرطل من يده فانكسر لا ضمان عليه، فقيل أليس
هو بمنزلة القصار؟ قال لا القصار مشترك قيل فرجل اكترى رجلا يستقي ماء فكسر الجرة؟ فقال لا ضمان
عليه قيل له فإن اكترى رجلا يحرث له على بقرة فكسر الذي يحرث به؟ قال لا ضمان عليه وهذا مذهب
مالك وأبي حنيفة وأصحابه وظاهر مذهب الشافعي وله قول آخر أن جميع الاجراء يضمنون وروى
في مسنده ان عليا كان يضمن الاجراء ويقول لا يصلح للناس الا هذا
ولنا أن عمله غير مضمون عليه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص وقطع يد السارق وخبر علي
مرسل والصحيح فيه أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وان روي مطلقا حمل على هذا فإن المطلق
يحمل على المقيد ولان الأجير الخاص نائب عن المالك في صرف منافعه إلى ما أمره به فلم يضمن من
غير تعد كالوكيل والمضارب. فأما ما لف بتعديه فعليه ضمانه مثل الخباز الذي يسرف في الوقود أو
يلزقه قبل وقته أو يتركه بعد وقته حتى يحترق لأنه تلف بتعديه فضمن كغير الأجير
(فصل) وان استأجر الأجير المشترك أجيرا خاصا كالخياط في دكان يستأجر أجيرا مدة يستعمله
119

فيها فيقبل صاحب الدكان خياطة ثوب ودفعه إلى أجير فخرقه أو أفسده لم يضمنه لأنه أجير خاص ويضمنه
صاحب الدكان لأنه أجير مشترك
* (مسألة) * (ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله)
قد ذكرنا ان الأجير المشترك هو الصانع الذي لا يختص المستأجر بنفعه فيضمن ما جنت يده
كالحائك إذا أفسد حياكته فهو ضامن لما أفسد نص عليه أحمد في رواية ابن منصور والقصار ضامن لما
يتخرق من دقه أو مده أو عصره أو بسطه والطباخ ضامن لما أفسد من طبيخه والخباز ضامن لما أفسد
من خبزه والحمال يضمن لما يسقط من حمله عن دابته أو تلف من عثرته والجمال يضمن ما تلف بقود
وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به حمله والملاح يضمن ما تلف من مدة أو جذفه أو ما يعالج به
السفينة، روي ذلك عن عمر وعلى وعبد الله بن عتبة وشريح والحسن والحكم، وهو قول
أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر لا يضمن ما لم بتعد قال الربيع هذا مذهب الشافعي
وان لم يبح به يروى ذلك عن عطاء وطاوس وزفر ولأنها عين مقبوضة بعقد الإجارة فلم تصر
مضمونة كالعين المستأجرة
ولنا ما روى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وقال لا يصلح الناس
الا على ذلك وروى الشافعي باسناده عن علي أنه كان يضمن الاجراء ويقول لا يصلح الناس الا هذا
120

ولان عمل الأجير المشترك مضمون عليه فما تولد منه يجب أن يكون مضمونا كالعدوان بقطع عضو
بخلاف الأجير الخاص والدليل على أن عمله مضمون عليه أنه لا يستحق العوض الا بالعمل وان الثوب لو
تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجر فيما عمل فيه وكان ذهاب عمله. من ضمانه بخلاف الخاص فإنه
إذا أمكن المستأجر من استعماله استحق العوض بمضي المدة وان لم يعمل وما عمل فيه من شئ فتلف
من حرزه لم يسقط أجره بتلفه
(فصل) ذكر القاضي ان الأجير المشترك إنما يضمن إذا كان يعمل في ملك نفسه كالخباز يخبز
في تنوره والقصار والخياط في دكانيهما قال ولو دعا الرجل خبازا فخبز له في داره أو خياطا أو قصارا
ليقصر ويخيط عنده لا ضمان عليه فيما أتلف ما لم يفرط لأنه سلم نفسه إلى المستأجر فصار كالأجير الخاص
ولو كان صاحب المتاع مع الملاح في السفينة أو راكبا على الدابة فوق حمله فعطب الحمل لا ضمان على
الملاح والمكاري لأن يد صاحب المتاع لم تزل، ولو كان رب المتاع والجمال راكبين على الحمل فتلف
حمله لم يضمن الجمال لأن رب المتاع لم يسلمه إليه ومذهب مالك والشافعي نحو هذا قال أصحاب
الشافعي لو كان العمل في دكان الأجير والمستأجر حاضر أو اكتراه ليعمل له شيئا وهو معه لم يضمن
لأن يده عليه فلم يضمن من غير جناية ويجب له أجر عمله لأن يده عليه فكلما عمل شيئا صار مسلما
إليه، وظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق بين كونه في ملك نفسه أو ملك مستأجره أو كان صاحب العمل
121

حاضرا عنده أو غائبا أو كونه مع الملاح أو الجمال أو لا ولذلك قال ابن عقيل ما تلف بجناية الملاح بجذفه
أو بجناية المكاري بشدة المتاع ونحوه فهو مضمون عليه سواء كان صاحب المتاع معه أو لم يكن لأن
وجوب الضمان عليه لجناية يده فلا فرق بين حضور المالك وغيبته كالعدوان، ولان جناية الجمال والملاح
إذا كان صاحب المتاع راكبا معه تعم المتاع وصاحبه وتفريطه يعمهما فلم يسقط ذلك الضمان كما لو رمى
انسانا متترسا فكسر ترسه وقتله، ولان الطبيب والختان إذا جنت يداهما ضمنا مع حضور المطبب
والمختون، وقد ذكر القاضي أنه لو كان حمالا يحمل على رأسه ورب المتاع معه فعثر فسقط المتاع فتلف
ضمن وان سرق لم يضمن لأنه في العثار تلف بجنايته والسرقة ليست من جنايته ورب المال لم يحل
بينه وبينه وهذا يقتضي أن تلفه بجنايته مضمون عليه سواء حضر رب الما أو غاب بل وجوب الضمان في
محل النزاع أولى لأن الفعل في ذلك المكان مقصود لفاعله والسقطة من الحمال غير مقصودة له فإذا
وجب الضمان ههنا فثم أولى
(فصل) وذكر القاضي أنه إذا كان المستأجر على حمله عبيدا صغارا أو كبارا فلا ضمان على
المكاري فيما تلف من سوقه وقوده إذ لا يضمن بني آدم من جهة الإجارة لأنه عقد على منفعة، والأولى
وجوب الضمان لأن الضمان ههنا من جهة الجناية فوجب أن يعم بني آدم وغيرهم كسائر الحيوانات
وما ذكره ينتقض بجناية الطبيب والخاتن
122

* (مسألة) * (ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله ولا أجرة له فيما عمل فيه وعنه يضمن)
اختلفت الرواية عن أحمد في الأجير المشترك إذا تلفت العين من حرزه من غير تعد منه ولا
تفريط فروي عنه لا يضمن في رواية ابن منصور وهو قول طاوس وعطاء وأبي حنيفة وزفر وقول
للشافعي، وروي عن أحمد إن كان هلاكه بما يستطاع ضمنه وإن كان غرقا أو عدوا غالبا فلا ضمان
عليه قال أحمد في رواية أبي طالب إذا جنت يده أو ضاع من بين متاعه ضمنه وإن كان عدوا أو غرقا
فلا ضمان ونحو هذا قال أبو يوسف، والصحيح في المذهب الأول وهذه الرواية تحتمل أنه إنما أوجب
عليه الضمان إذا تلف من بين متاعه خاصة لأنه يتهم ولهذا قال في الوديعة في رواية إنه يضمن إذا
ذهبت من بين ماله فاما في غير ذلك فلا ضمان عليه لأن تخصيصه التضمين بما إذا أتلف من بين ماله
يدل على أنه لا يضمن إذا تلف مع متاعه، ولأنه إذا لم يكن منه تفريط ولا عدوان لم يجب عليه الضمان
كما لو تلف بأمر غالب، وقال مالك وابن أبي ليلى يضمن بكل حال لقول النبي صلى الله عليه وسلم " على اليد
ما أخذت حتى تؤديه " ولأنه قبض العين لمنفعة نفسه من غير استحقاق فلزمه ضمانها كالمستعير
ولنا أنها عين مقبوضة بعقد الإجارة لم يتلفها بفعله فلم يضمنها كالعين المستأجرة ولأنه قبضها
باذن مالكها لنفع يعود إليهما فلم يضمنها كالمضارب والشريك والمستأجر ويخالف العارية فإنه ينفرد
بنفعها والخبر مخصوص بما ذكرنا من الأصول فنخص محل النزاع بالقياس عليها. إذا ثبت هذا
123

فإنه لا أجر له فيما عمل فيها لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق عوضه كالمبيع من الطعام إذا تلف
في يد البائع قبل تسليمه
* (مسألة) * (ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا نزاع ولا طبيب إذا علم منهم حذق ولم تجن أيديهم)
وجملة ذلك أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين (أحدهما) أن يكونوا
ذوي حذق في صناعتهم لأنه إذا لم يكن كذلك لم تحل له مباشرة القطع فإذا قطع مع هذا كان فعلا
محرما فضمن سرايته كالقطع ابتداء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من تطبب بغير علم فهو ضامن " رواه
أبو داود (والثاني) أن لا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع. فإذا وجد هذان الشرطان
لم يضمنوا لأنهم قطعوا قطعا مأذونا فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق، فاما إن كان
حاذقا وجنت يده مثل أن يجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها أو يقطع في غير محل القطع
أو قطع سلعة من انسان فتجاوز بها موضع القطع أو يقطع بآلة كآلة يكثر ألمها أو في وقت لا يصلح
القطع فيه وأشباه هذا ضمن فيه كله لأنه اتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ فأشبه اتلاف المال
ولأنه فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء، وكذلك الحكم في النزاع والقاطع في القصاص وقاطع
يد السارق وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا
(فصل) فإن ختن صبيا بغير اذن وليه أو قطع سلعة من انسان بغير اذنه أو من صبي بغير
124

إذن وليه فسرت جنايته ضمن لأنه قطع غير مأذون فيه وإن فعل ذلك الحاكم أو وليه أو فعله من أذنا
له لم يضمن لأنه مأذون فيه شرعا
* (مسألة) * (ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد)
يصح استئجار الراعي بغير خلاف علمناه وقد أجر موسى عليه السلام نفسه لرعاية الغنم. إذا
ثبت ذلك فإنه لا يضمن ما تلف من الماشية إذا لم يتعد أو يفرط في حفظها لا نعلم فيه خلافا إلا ما روي
عن الشعبي انه كان يضمن الراعي
ولنا أنه مؤتمن على حفظها فلم يضمن من غير تعد ولا تفريط كالمودع ولأنه قبض العين بحكم
الإجارة فلم يضمنها من غير تعد كالعين المستأجرة، فاما ما تلف بتعديه فيضمنه بغير خلاف مثل أن
ينام عن الماشية أو يغفل عنها أو يتركها تتباعد عنه أو تغيب عن نظره وحفظه أو يسرف في ضربها
أو يضربها في غير موضع الضرب أو من غير حاجة إليه أو يسلك بها موضعا تتعرض فيه للتلف
وأشباه هذا مما يعد تفريطا وتعديا فتتلف به فيضمنها لأنها تلفت بعدوانه فضمنها كالمودع إذا تعدى،
فإن اختلفا في التعدي وعدمه فالقول قول الراعي لأنه أمين وإن فعل فعلا اختلفا في كونه تعديا رجع
إلى أهل الخبرة، ولو جاء بجلد شاة وقال ماتت قبل قوله ولم يضمن وعن أحمد انه لا يقبل قوله ويضمن
والصحيح الأول لأن الامناء يقبل قولهم كالمودع، ولأنه يتعذر عليه إقامة البينة في الغالب أشبه المودع
وكذلك إذا ادعى موتها ولم يأت بجلدها
125

(فصل) ولا يصح العقد في الرعي إلا على مدة معلومة لأن العمل لا ينحصر، ويجوز العقد على
رعي ماشية معينة وعلى جنس في الذمة فإن عقد على معينة كمائة شاة معينة فذكر أصحابنا أنه يتعلق
بأعيانها كما لو استأجره لخياطة ثوب بعينه فلا يجوز ابداله، ويبطل العقد بتلفها فإن تلف بعضها بطل
العقد فيه وله أجر ما بقي بالحصة، وإن ولدت لم يكن عليه رعي سخالها لأنها زيادة لا يتناولها العقد
ويحتمل أن لا يتعلق بأعيانها لأنها ليست المعقود عليها إنما لتستوفى المنفعة بها فأشبه ما لو استأجر ظهرا
ليركبه فله أن يركب غيره مكانه، ولو استأجر دارا ليسكنها فله أن يسكنها مثله وإنما المعقود عليه
منفعة الراعي ولهذا تجب له الأجرة إذا سلم نفسه وإن لم يرع، ويفارق الثوب في الخياطة لأن الثياب
في مظنة الاختلاف في سهولة خياطتها ومشقتها بخلاف الرعي. فعلى هذا له ابدالها بمثلها وإن تلف بعضها
لم ينفسخ العقد فيه وكان له ابداله.
(فصل) فإن وقع العقد على موصوف في الذمة فلابد من ذكر جنس الحيوان ونوعه إبلا أو
بقرا أو غنما أو ضأنا أو معزا وان أطلق ذكر البقر والإبل لم يتناول الجواميس والبخاتي لأن اطلاق
الاسم لا يتناولها عرفا إلا أن يقع العقد في مكان يتناولها الاسم فيحتاج إلى ذكر نوع ما يرعاه منها
كالغنم لأن كل نوع له أثر في اتعاب الراعي ويذكر الكبر والصغر فيقول كبارا أو صغارا أو
عجاجيل أو فصلانا إلا أن يكون ثم قرينة أو عرف صارف إلى بعضها فيكتفي بذلك، ومتي عقد على
عدد موصرف كالمائة لم يجب عليه رعي زيادة من سخالها ولا من غيرها، وان أطلق ولم يذكر
126

عددا لم يجز وهذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال القاضي يصح ويحمل على ما جرت به العادة كالمائة
من الغنم ونحوها، وهو قول بعض أصحاب الشافعي، والأول أصح لأن العادة في ذلك تختلف
وتتباين كثيرا والعمل يختلف باختلافه
* (مسألة) * (وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه) لأنه لم يرهنه عنده ولا اذن له في
امساكه فلزمه الضمان كالغاصب
* (مسألة) * (فإن أتلف الثوب بعد عمله خير المالك بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له وبين
تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه الأجرة)
وكذلك لو وجب عليه ضمان المتاع المحمول فصاحبه مخير بين تضمينه قيمته في الموضع الذي سلمه
إليه ولا أجرة له، وبين تضمينه إياه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجرة إلى ذلك المكان، وإنما
كان كذلك لأنه إذا أحب تضمينه معمولا أو في المكان الذي أفسده فيه فله ذلك لأنه ملكه في ذلك
الموضع على تلك الصفة فملك المطالبة بعوضه حينئذ، وان أحب تضمينه قبل ذلك فلان أجر العمل
لا يلزمه قبل تسليمه وما سلم إليه فلا يلزمه
(فصل) إذا أخطأ القصار فدفع الثوب إلى غير مالكه فعليه ضمانه لأنه فوته على مالكه قال أحمد
يغرم القصار ولا يسع المدفوع إليه لبسه إذا علم أنه ليس بثوبه ويرده إلى القصار ويطالبه بثوبه فإن لم
127

يعلم القابض حتى قطعه ولبسه ثم علم رده مقطوعا وضمن أرش القطع وله مطالبته بثوبه إن كان موجودا
وان هلك عند القصار ضمنه في إحدى الروايتين لأنه أمسكه بغير إذن صاحبه بعد طلبه فضمنه كما لو علم
(والثانية) لا يضمنه لأنه لا يمكنه رده فأشبه ما لو عجز عن دفعه لمرض
(فصل) والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر ان تلفت بغير تفريط لم يضمنها قال الأثرم
سمعت أبا عبد الله يسئل عن الذين يكرون الخيمة إلى مكة فتذهب من المكتري بسرق هل يضمن قال
أرجو أن لا يضمن وكيف يضمن؟ إذا ذهب لا يضمن ولا نعلم في هذا خلافا لأنه قبض العين لاستيفاء
منفعة يستحقها منها فكانت أمانة كما لو قبض لعبد الموصى له بخدمته سنة أو قبض الزوج امرأته الأمة
ويخالف العارية فإنه لا يستحق منفعتها وإذا انقضت المدة فعليه رفع يده عنها وليس عليه الرد أومأ
إليه في رواية ابن منصور قيل له إذا اكترى دابة أو استعار أو استودع فليس عليه أن يحملها فقال
أحمد من استعار شيئا فعليه رده من حيث أخذه فأوجب الرد في العارية ولم يوجبه في الإجارة والوديعة
ووجه ذلك أنه عقد لا يقتضي الضمان فلا يقتضي رده ومؤنته كالوديعة بخلاف العارية فإن ضمانها يجب
فكذلك ردها. وعلى هذا متى انقضت المدة كانت العين في يده أمانة كالوديعة ان تلفت من غير تفريط
فلا ضمان عليه وهو قول بعض الشافعية، وقال بعضهم يضمن لأنه بعد انقضاء الإجارة غير مأذون له
في امساكه أشبه العارية المؤقتة بعد وقتها
128

ولنا أنها أمانة أشبهت الوديعة ولأنه لو وجب ضمانها لوجب ردها، أما العارية فإنها مضمونة بكل
حال بخلاف مسئلتنا ولأنه يجب ردها ومتى طلبها صاحبها وجب تسليمها إليه فإن امتنع من ذلك لغير
عذر صارت مضمونة كالمغصوبة
(فصل) فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد
وتفسد به الإجارة في أحد الوجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع قال أحمد فيما إذا اشترط ضمان
العين الكراء والضمان مكروه، روي الأثرم باسناده عن ابن عمر قال لا يصلح الكراء بالضمان، وعن
فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون لا يكري بضمان إلا أنه من شرط على كري الا ينزل بمتاعه بطن واد
ولا يسير به ليلا مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف شئ مما حمل في ذلك التعدي فهو ضامن
فاما غير ذلك فلا يصح شرط الضمان فيه، وان شرطه لم يصح لأن ما لا يجب ضمانه لا يصير مضمونا
بالشرط وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال: المسلمون على شروطهم وهذا يدل على وجوب الضمان
بشرطه وسنذكر ذلك في العارية فاما ان أكراه عينا وشرط أن لا يسير بها في الليل أو وقت القائلة
أو لا يتأخر بها عن القافلة أو لا يجعل سيره في آخرها وأشباه هذا مما فيه غرض مخالف ضمن لأنه
متعد لشرط كريه فضمن ما تلف به كما لو شرط عليه ألا يحمل الا قفيزا فحمل قفيزين، وحكم الإجارة
الفاسدة حكم الصحيحة في أنه لا يضمن إذا تلفت العين من غير تفريط ولا تعد لأنه عقد لا يقتضي
129

الضمان صحيحه فلا يقتضيه فاسده كالوكالة وحكم كل عقد فاسد في وجوب الضمان وعدمه حكم صحيحه
فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده ومالا فلا
* (مسألة) * (إذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها أو الرائض الدابة لم يضمن)
وجملة ذلك أن للمستأجر ضرب الدابة بما جرت به العادة ويكبحها باللجام للاستصلاح ويحثها على
السير ليلحق القافلة فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نخس بعير جار وضربه وكان أبو بكر رضي الله عنه يحرش بعيره
بمحجنه، وللرائض ضرب الدابة للتأدب وترتيب المشي والعد واليسير
* (مسألة) * (وكذلك المعلم إذا ضرب الصبي للتأديب)
قال الأثرم سئل أحمد عن ضرب المعلم الصبيان قال على قدر ذنوبهم ويتوقى بجهده الضرب،
وإذا كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه ومتى ضرب من هؤلاء كلهم الضرب المأذون فيه لم يضمن
ما تلف في الدابة وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد، وقال الثوري
وأبو حنيفة يضمن لأنه تلف بجنايته فضمن كغير المستأجر، وكذلك قال الشافعي في المعلم يضرب
الصبي لأنه يمكنه تأديبه بغير الضرب
ولنا أنه تلف من فعل مستحق فلم يضمن كما لو تلف تحت الحمل ولان الضرب معنى تضمنه الإجارة
فإذا تلف منه لم يضمن كالركوب وفارق غير المستأجر لأنه متعد، وقول الشافعي يمكن التأديب بغير
130

الضرب لا يصح فإن العادة خلافه ولو أمكن التأديب بغير الضرب لما جاز الضرب إذ فيه ايلام لا حاجة إليه
فإن أسرف في هذا كله أو زاد على ما يحصل الغنى به أو ضرب من لا عقل له من الصبيان فعليه الضمان لأنه متعد
حصل التلف بعدوانه، وحكم ضرب الرجل امرأته في النشوز على ما ذكرنا قياسا على الصبي
* (مسألة) * (وان قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا فالقول قول الخياط نص عليه)
إذا اختلف المؤجر والمستأجر فقال أذنت لي في قطعه قميص امرأة قال أذنت لك في قطعه
قميص رجل أو قال أذنت لي في قطعه قميصا قال بل قباء أو قال الصباغ أمرتني بصبغه أحمر قال بل
أسود فالقول قول الخياط والصباغ نص عليه احمد في رواية ابن منصور وهذا قول ابن أبي ليلى وقال
مالك وأبو حنيفة وأبو ثور القول قول صاحب الثوب واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال له قولان كالمذهبين
ومنهم من قال له قول ثالث انهما يتحالفان كالمتبايعين يختلفان في الثمن ومنهم من قال الصحيح ان القول قول
رب الثوب لأنهما اختلفا في صفة اذنه والقول قوله في أصل الاذن فكذلك في صفته ولان الأصل عدم الإذن
المختلف فيه فالقول قول من ينفيه
ولنا أنهما اتفقا على الاذن واختلفا في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب إذا قال:
أذنت لي في البيع نساء فأنكره ولأنهما اتفقا على ملك الخياط القطع والصباغ الصبغ والظاهر أنه فعل
ما ملكه واختلفا في لزوم الغرم له والأصل عدمه فعلى هذا يحلف الخياط والصباغ: لقد أذنت لي
131

في قطعه قباء وصبغه أحمر، ويسقط عنه الغرم ويستحق أجر المثل لأنه ثبت وجود فعله المأذون فيه
بعوض ولا يستحق المسمى لأن المسمى ثبت بقوله ودعواه فلا يجب بيمينه، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " أخرجه مسلم
فاما المسمى في العقد فإنما يعترف رب الثوب بتسميته أجرا لقطعه قميصا أو صبغه أسود، وأما من قال
القول قول رب الثوب فإنه يحلف بالله ما أذنت في قطعه قباء ولا صبغه أحمر ويسقط عنه المسمى ولا
يجب للخياط والصباغ أجر لأنهما فعلا غير ما أذن لهما فيه، وذكر ابن أبي موسي رواية أخرى عن أحمد
أن صاحب الثوب إذا لم يكن ممن يلبس الأقبية والسواد فالقول قوله وعلى الصانع غرم ما نقص
بالقطع وضمان ما أفسد ولا أجر له لأن قرينة حال رب الثوب تدل على صدقه فترجح دعواه بها
كما لو اختلف الزوجان في متاع البيت رجحنا دعوى كل واحد منهما فيما يصلح له ولو اختلف
صانعان في الآلة التي في دكانهما رجحنا قول كل واحد منهما في آلة صناعته فعلى هذا يحلف رب الثوب
ما أذنت لك في قطعه قباء ويكفي هذا لأنه ينتفي به الاذن فيصير قاطعا لغير ما أذن فيه فإذا كان
القباء مخيطا بخيوط لمالكه لم يملك الخياط فتقه وكان لمالكه أخذه مخيطا بلا عوض لأنه عمل في ملك
غيره عملا مجردا عن عين مملوكة له فلم يكن له إزالته كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى موضع
لم يكن له رده إذا رضي صاحبه بتركه فيه وإن كانت الخيوط للخياط فله نزعها لأنها عين ماله ولا يلزمه
132

أخذ قيمتها لأنها ملكه ولا يتلف بأخذها ماله حرمة فإن اتفقا على تعويضه عنها جاز لأن الحق لهما
وإن قال رب الثوب أنا أشد في كل خيط خيطا حتى إذا سلمه عاد خيط رب الثوب في مكانه لم يلزم
الخياط الإجابة إلى ذلك لأنه انتفاع بملكه وحكم الصباغ في قلع الصبغ إن اختاره وفي غير ذلك من
أحكامه حكم صبغ الصباغ على ما يأتي في بابه
قال شيخنا " والذي يقوى عندي أن القول قول رب الثوب لما ذكرنا في دليلهم وما قاسوا عليه
فيما إذا قال المضارب أذنت لي في البيع نساء فأنكر رب المال ان القول قول المشارب ممنوع
(فصل) إذا دفع إلى خياط ثوبا فقال: إن كان يقطع قميصا فاقطعه، فقال: هو يقطع وقطعه،
فلم يكف ضمنه، أو قال أنظر هذا يكفيني قميصا؟ قال نعم، قال اقطعه فقطعه فلم يكفه، لم يضمن
وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال أبو ثور لا ضمان عليه في المسئلتين لأنه لو كان غره في الأولى
لكان قد غره في الثانية.
ولنا أنه إنما أذن له في الأولى بشرط كفايته فقطعه بدون شرطه، وفي الثانية اذن له من غير
شرط فافترقا ولم يجب عليه الضمان في الأولى لتغريره بل لعدم الاذن في قطعه لأن اذنه مقيد بشرط
كفايته فلا يكون اذنا في غير ما وجد فيه الشرط بخلاف الثانية.
(فصل) فإن أمره أن يقطع الثوب قميص رجل فقطعه قميص امرأة فعليه غرم ما بين قيمته صحيحا
133

ومقطوعا لأن هذا قطع غير مأذون فيه فأشبه ما لو قطعه من غير إذن وقيل يغرم ما بين قميص رجل
وقميص امرأة لأنه مأذون في قميص في الجملة والأول أصح لأن المأذون فيه قميص موصوف بصفة
فإذا قطع قميصا غيره لم يكن فاعلا لما أذن فيه فكان متعديا بابتداء القطع ولذلك لا يستحق على القطع
أجرا ولو فعل ما أمر به لاستحق أجره
(فصل) إذا دفع إلى حائك غزلا فقال انسجه لي عشرة أذرع في عرض ذراع فنسجه زائدا
على ما قدر له في الطول والعرض فلا أجر له في الزيادة لأنه غير مأمور بها وعليه ضمان ما نقص الغزل
المنسوج فيها فاما ما عدا الزائد فينظر فيه فإن كان جاءه زائدا في الطول وحده ولم ينقص الأصل
بالزيادة فله ما سمى له من الاجر كما لو استأجره أن يضرب له مائة لبنة فضرب له مائتين وإن جاء به
زائدا في العرض وحده أو فيهما ففيه وجهان (أحدهما) لا أجر له لأنه مخالف لأمر المستأجر فلم يستحق
شيئا كما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض ذراعين (والثاني) له المسمى لأنه زاد
على ما أمره به فأشبه زيادة الطول ومن قال بالوجه الأول فرق بين الطول والعرض بأنه يمكن قطع
الزائد في الطول ويبقى الثوب على ما أراد ولا يمكن ذلك في العرض فاما ان جاء به ناقصا في الطول
والعرض أو في أحدهما ففيه أيضا وجهان (أحدهما) لا أجر له وعليه ضمان نقص الغزل لأنه مخالف
لما أمر به فأشبه ما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض نصف ذراع (والثاني) له بحصته
134

من المسمى كمن استؤجر على ضرب لبن فضرب بعضه ويحتمل انه ان جاء به ناقصا في العرض فلا
شئ له وإن كان ناقصا في الطول فله بحصته من المسمى لما ذكرنا من الفرق بين الطول والعرض وإن
جاء به زائدا في أحدهما ناقصا في الآخر فلا أجر له في الزائد وهو في الناقص على ما ذكرنا من
التفصيل فيه. وقال محمد بن الحسن في الموضعين يتخير صاحب الثوب بين دفع الثوب إلى النساج
ومطالبته بثمن غزله وبين أن يأخذه ويدفع إليه المسمى في الزائد وبحصة المنسوج في الناقص لأن
غرضه لم يسلم له لأنه ينتفع بالطويل ما لا ينتفع بالقصير وينتفع بالقصير ما لا ينتفع بالطويل فكأنه أتلف
عليه غزله ولنا انه وجد عين ماله فلم يكن له مطالبته بعوض كما لو جاء به زائدا في الطول وحده فأما
إن أثرت الزيادة أو النقص في الأصل مثل أن يأمره بنسج عشرة أذرع ليكون الثوب صفيقا
فنسجه خمسة عشر فصار خفيفا أو بالعكس فلا أجر له بحال وعليه ضمان نسج الغرل لأنه لم يأت
بشئ مما أمر به
(فصل) إذا اختلف المتكاريان في قدر الاجر فقال أجرتنيها سنة بدينار قال بل بدينارين تخالفا
ويبدأ بيمين الآجر نص عليه أحمد وهو قول الشافعي لأن الإجارة نوع من البيع فإذا تحالفا قبل مضي
شئ من المدة فسخا العقد ورجع كل واحد منهما في ماله وان رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر أقر
العقد وان فسخا العقد بعد المدة أو شئ منها سقط المسمى ووجب أجر المثل كما لو اختلفا في المبيع
135

بعد تلفه وهذا قول الشافعي وبه قال أبو حنيفة إن لم يكن عمل العمل وإن كان عمله فالقول
قول المستأجر فيما بينا وبين أجر مثله، وقال أبو ثور القول قول المستأجر لأنه منكر للزيادة في الأجر
والقول قول المنكر
ولنا ان الإجارة نوع من البيع فيتحالفان عند اختلافهما في عرضها كالبيع وكما قبل أن يعمل
العمل عند أبي حنيفة، وقال ابن أبي موسى القول قول المالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اختلفا المتبايعان
فالقول ما قال البائع " وهذا يحتمل أن يتناول ما إذا اختلفا في المدة وأما إذا اختلفا في العوض
فالصحيح أنهما يتحالفان لما ذكرناه
(فصل) فإن اختلفا في المدة فقال أجرتكها سنة بدينار فقال بل سنتين بدينارين فالقول قول
المالك لأنه منكر للزيادة فكان القول قوله فيما أنكره كما لو قال بعتك هذا العبد بمائة فقال بل هذين
العبدين بمائتين، وإن قال أجرتكها سنة بدينار فقال بل سنتين بدينار فههنا قد اختلفا في قدر العوض
والمدة فيتحالفان لأنه لم يوجد الاتفاق منهما على مدة بعوض فصار كما لو اختلفا في العوض مع اتفاق
المدة وان قال المالك أجرتكها سنة بدينار فقال الساكن بل استأجرتني على حفظها بدينار، فقال احمد
القول قول رب الدار الا أن تكون للساكن بينة وذلك لأن سكنى الدار قد وجد من الساكن واستيفاء
منفعتها وهي ملك صاحبها والقول قوله في ملكه والأصل عدم استئجاره للساكن في الحفظ فكان القول
قول من ينفيه ويجب على الساكن أجر المثل
136

(فصل) فإن اختلفا في التعدي في العين المستأجرة فالقول قول المستأجر لأنه أمين فأشبه المودع
ولان الأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان وان ادعى أن العبد أبق من يده وان الدابة شردت
أو نفقت وأنكر المؤجر فالقول قول المستأجر لما ذكرنا ولا أجر عليه إذا حلف أنه ما انتفع بها
لأن الأصل عدم الانتفاع وعنه القول قول المؤجر لأن الأصل السلامة فأما ان ادعى أن العبد مرض
في يده فإن جاء به صحيحا فالقول قول المالك سواء وافقه العبد أو خالفه نص عليه أحمد وان جاء
به مريضا فالقول قول المستأجر وهذا قول أبي حنيفة لأنه إذا جاء به صحيحا فقد ادعى ما يخالف
الأصل وليس معه دليل عليه وان جاء به مريضا فقد وجد ما يخالف الأصل يقينا فكان القول قوله في
مدة المرض لأنه أعلم بذلك لكونه في يده وكذلك لو ادعى إباقه في حال إباقه ونقل إسحاق بن
منصور عن أحمد أنه يقبل قوله في إباق العبد دون مرضه، وبه قال الثوري وإسحاق قال أبو بكر
وبالأول أقول لأنهما سواء في تفويت منفعته فكانا سواء في دعوى ذلك وان هلكت العين فاختلفا في
وقت هلاكها أو أبق العبد أو مرض واختلفا في وقت ذلك فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم
العمل ولان ذلك حصل في يده وهو أعلم به
* (فصل) * قال المصنف رحمه الله (وتجب الأجرة بنفس العقد الا أن يتفقا على تأخيرها)
متى أطلق العقد في الإجارة ملك المؤجر الأجرة بنفس العقد كما يملك البائع الثمن بالبيع
137

وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يملكها ولا يستحق المطالبة بها الا يوما بيوم الا أن يشترط
تعجيلها قال أبو حنيفة الا أن تكون معينة كالثوب والدار والعبد لأن الله تعالى قال (فإن أرضعن لكم
فآتوهن أجورهن) أمر بايتائهن بعد الرضاع وقال النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله عز وجل ثلاثة أنا خصمهم
يوم القيامة رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره " فتوعده على الامتناع من دفع الاجر بعد
العمل دل على أنها حالة الوجوب وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " أعطوا الأجير أجره قبل ان
يجف عرقه " رواه ابن ماجة ولأنه عوض لم يملك معوضه فلم يجب تسليمه كالعوض في العقد الفاسد
فإن المنافع معدومة لم تلك ولو ملكت فلم يتسلمها لأنه يتسلمها شيئا فشيئا فلا يجب عليه العوض مع
تعذر التسليم في العقد
ولنا أنه عوض أطلق ذكره في عقد معاوضة فيستحق بمطلق العقد كالثمن والصداق أو نقول عوض
في عقد يتعجل بالشرط فوجب أن يتعجل بمطلق العقد كالذي ذكرنا فأما الآية فيحتمل أنه أراد الايتاء
عند الشروع في الارضاع أو تسليم نفسها كقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) أي إذا أردت
القراءة ولان هذا تمثيل بدليل الخطاب ولا يقولون به وكذلك الحديث يحققه أن الامر بالايتاء في وقت
لا يمنع وجوبه قبله كقوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) والصداق يجب قبل الاستمتاع
وهذا هو الجواب عن الحديث ويدل عليه أنه إنما توعد على ترك الايفاء بعد الفراغ من العمل وقد
138

قلتم يجب الاجر شيئا فشيئا ويحتمل أنه توعده على ترك الوفاء في الوقت الذي تتوجه المطالبة فيه عادة جواب آخر
أن الآية والاخبار إنما وردت فيمن استؤجر على عمل فأما ان وقعت الإجارة فيه على مدة فلا تعرض لها به
* (مسألة) * (ولا يجب تسليم اجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه)
إذا استؤجر على عمل فإن الاجر يملك بالعقد أيضا لكن لا يستحق تسليمه إلا عند تسليم العمل وقال ابن
أبي موسى من استؤجر لعمل معلوم استحق الاجر عند إيفاء العمل، وان استؤجر كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل
يوم عند تمامه، وقال أبو الخطاب الاجر يملك بالعقد ويستحق التسليم ويستقر بمضي المدة وإنما توقف استحقاق
تسليمه على العمل لأنه عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق والثمن في البيع وفارق
الإجارة على الأعيان لأن تسليمها أجري مجرى تسليم نفعها ومتى كانت على منفعة في الذمة لم يحصل
تسليم المنفعة ولا ما يقوم مقامها فتوقف استحقاق تسليم الاجر على تسليم العمل وقولهم لم يملك المنافع
قد سبق الجواب عنه فإن قيل فإن المؤجر إذا قبض الاجر انتفع به كله بخلاف المستأجر فإنه لا يحصل
له استيفاء المنفعة كلها قلنا لا يمنع هذا كما لو شرط التعجيل وكانت الأجرة عينا فاما ان شرط التأجيل
في الاجر فهو على ما شرط وان شرط منجما يوما يوما أو شهرا شهرا فهو على ما شرطاه لأن إجارة
العين كبيعها وبيعها يصح بثمن حال ومؤجل كذلك إجارتها، وفيه وجه آخر ان الإجارة على المنفعة
في الذمة لا يجوز تأجيل عوضها كالسلم
139

(فصل) إذا استوفى المستأجر المنافع استقر الاجر لأنه قبض المعقود عليه فاستقر عليه البدل
كما لو قبض المبيع وان تسلم العين المستأجرة ومضت المدة لا مانع له من الانتفاع استقرت الأجرة
أيضا وان لم ينتفع لأن المعقود عليه تلف تحت يده وهي حقه فاستقر عليه بدلها كثمن المبيع إذا
تلف في يد البائع فإن كانت الإجارة على عمل فسلم المعقود عليه ومضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها
مثل أن يكتري دابة ليركبها إلى حمص فقبضها ومضت مدة يمكن ركوبها فيها فقال أصحابنا يستقر عليه
الاجر وهو مذهب الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده باختياره فاستقر الضمان عليه كما لو تلفت العين
في يد المشتري وكما لو كانت الإجارة على مدة فمضت وقال أبو حنيفة لا يستقر الاجر عليه حتى يستوفى المنفعة
لأنه عقد على المنفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر بدلها قبل استيفائها كالاجر في الأجير المشترك وان بذل
تسليم العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الاجر عليه لأن المنافع تلفت باختياره في مدة
الإجارة فاستقر عليه الاجر كما لو كانت في يده وان بذل تسليم العين وكانت الإجارة على عمل فقال
أصحابنا إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها استقر عليه الاجر وبهذا قال الشافعي لأن المنافع تلفت باختياره
وقال أبو حنيفة لا أجر عليه قال شيخنا وهو الصحيح عندي لأنه عقد على ما في الذمة فلم يستقر
عوضه ببذل التسليم كالمسلم فيه ولأنه عقد على منفعة غير مؤقتة بزمن فلم يستقر عوضها بالبذل كالصداق
إذا بذلت تسليم نفسها وامتنع الزوج من أخذها
140

* (مسألة) * (وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضاء الأجل
فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه وان اشترط القلع لزمه ذلك ولا يلزمه
تسويق الأرض إلا بشرط)
إذا استأجر أرضا للغراس أو للبناء سنة صح لأنه يمكنه تسليم منفعتها المباحة المقصودة
فأشبهت سائر المنافع وسواء شرط قلع الغراس والبناء عند انقضاء المدة أو أطلق وله أن
يغرس قبل انقضاء المدة فإذا انقضت لم يكن له أن يغرس ولا أن يبني لزوال عقده فإذا انقضت السنة
وكان قد شرط القطع عند انقضائها لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه وليس على صاحب الأرض غرامة
نقصه ولا على المستأجر تسوية الحفر واصلاح الأرض لأنهما دخلا على هذا لرضاهما بالقلع واشتراطهما
عليه وان اتفقا على إبقائه بأجرة أو غيرها جاز إذا شرطا مدة معلومة وكذلك لو اكترى الأرض
سنة بعد سنة كلما انقضى عقد جدد آخر، وان أطلق العقد فللمكتري القلع لأنه ملكه فله أخذه كطعامه في
الدار التي باعها وإذا قلع فعليه تسوية الحفر لأنه نقص دخل على ملك غيره بغير إذنه وهكذا ان
قلعه قبل انقضاء المدة هاهنا وفي التي قبلها لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك ولأنه تصرف في
141

الأرض تصرفا نقصها لم يقتضه عقد الإجارة وان أبى القلع لم يجبر عليه الا أن يضمن له المالك النقص
فيخير حينئذ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك عليه القلع من غير ضمان النقص له لأن تقدير
المدة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها كما لو استأجرها للزرع
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس لعرق ظالم حق " مفهومه ان غير الظالم له حق وهذا
غير ظالم ولأنه غرس بإذن المالك ولم يشرط قلعه فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص كما لو استعار
منه أرضا للغرس مدة فرجع قبل انقضائها ويخالف الزرع فإنه لا يقتضي التأبيد فإن قيل فإن كان
اطلاق العقد في الغراس يقتضي التأبيد فشرط القلع ينافي مقتضى العقد فينبغي أن يفسده قلنا إنما
اقتضى التأبيد من حيث أن العادة في الغراس التبقية فإذا أطلقه حمل على العادة وإذا شرط خلافه
جاز كما إذا باع بغير نقد البلد أو شرط في الإجارة سيرا يخالف العادة إذا ثبت هذا فإن رب الأرض
يخير بين ثلاثة أشياء (أحدها) أن يدفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع أرضه لأن الضرر يزول عنهما
به أشبه الشفيع في غراس المشتري (الثاني) أن يقلع الغراس والبناء ويضمن أرش نقصه لذلك (الثالث)
أن يقر الغراس والبناء ويأخذ منه أجر المثل، وبهذا قال الشافعي لأن الضرر يزول عنهما بذلك وقال
142

مالك يتخير بين دفع قيمته فيملكه وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان وبين تركه فيكونان شريكين
والأول أصح فإن اتفقا على بيع الغرس والبناء للمالك جاز وان باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض جاز
ومشتريهما يقوم مقام البائع فيهما وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: ليس له بيعهما لغير مالك
الأرض لأن ملكه ضعيف بدليل ان لصاحب الأرض تملكه عليه بالقيمة بغير رضاه
ولنا انه ملك له يجوز بيعه لمالك الأرض فجاز لغيره كالشقص المشفوع وبهذا يبطل ما ذكروه فإن
للشفيع تملك الشقص بغير رضى المشترى ويجوز بيعه لغيره
(فصل) فإن شرط في العقد تبقية الغراس فذكر القاضي أنه صحيح وحكمه حكم ما لو أطلق العقد
سواء وهو قول أصحاب الشافعي، ويحتمل أن يبطل العقد لأنه شرط ما ينافي مقتضى العقد فلم يصح
كما لو شرط ذلك في الزرع الذي لا يكمل قبل انقضاء المدة ولان الشرط باطل بدليل أنه لا يجب الوفاء
به وهو مؤثر فأبطله كشرط تبقية الزرع بعد مدة الإجارة
* (مسألة) * (وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة وإن كان
بغير تفريط لزم تركه بالأجرة)
143

إذا استأجر أرضا للزراعة مدة فانقضت وفيها زرع لم يبلغ حصاده لم يخل من حالين
(أحدهما) أن يكون لتفريط المستأجر مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة
فحكمه حكم زرع الغاصب، يخير المالك بين أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة لما زاد على المدة لأنه أبقى
زرعه في أرض غيره بعدوانه وان اختار المستأجر قطع زرعه في الحال وتفريغ الأرض فله ذلك
لأنه يزيل الضرر ويسلم الأرض على الوجه الذي اقتضاه العقد، وذكر القاضي أن على المستأجر نقل
الزرع وتفريغ الأرض وان اتفقا على تركه بعوض أو غيره جاز وهذا مذهب الشافعي بناء على قوله في
الغاصب وقياس المذهب ما ذكرناه
(الحال الثاني) أن يكون بقاؤه بغير تفريطه مثل أن يزرع زرعا ينتهى في المدة عادة فأبطأ لبرد
أو غيره فيلزم المؤجر تركه بالأجرة إلى أن ينتهي وله المسمى وأجر المثل لما زاد وهذا أحد
الوجهين لأصحاب الشافعي (والوجه الثاني) يلزمه نقله لأن المدة ضربت لنقل الزرع فلزم العمل بموجبه
وقد وجه منه تفريط لأنه كان يمكنه أن يستظهر في المدة فلم يفعل
ولنا ان الزرع حصل في أرض غيره باذنه من غير تفريط فله تركه كما لو أعاره أرضا فزرعها ثم
رجع المالك قبل كمال الزرع وقولهم إنه مفرط لا يصح لأن هذه المدة التي جرت العادة بكمال الزرع فيها
144

وفي زيادة المدة تفويت زيادة الاجر بغير فائدة وتضييع زيادة متيقنة لتحصيل شئ متوهم على خلاف
العادة هو التفريط فلم يكن تركه تفريطا ومتى أراد المستأجر زرع شئ لا يدرك مثله في مدة الإجارة
فللمالك منعه لأنه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حق، فإن زرع لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدة
لأنه في أرض يملك نفعها ولأنه لا يملك ذلك بعد المدة فقبلها أولى، ومن أوجب عليه قطعه بعد المدة
قال إذا لم يكن بد من المطالبة بالنقل فليكن عند المدة التي يستحق تسليمها إلى المؤجر فارغة
(فصل) إذا اكترى الأرض لزرع مدة لا يكمل فيها مثل أن اكترى خمسة أشهر لزرع لا يكمل
إلا في ستة نظرنا فإن شرط تفريغها عند انقضاء المدة ونقله عنها صح لأنه لا يفضي إلى الزيادة على مدته
وقد يكون له غرض في ذلك لاخذه إياه قصيلا أو غيره ويلزمه ما التزم، وإن أطلق العقد ولم يشرط
شيئا احتمل أن يصح لأن الانتفاع في هذه المدة ممكن واحتمل انه أمكن أن ينتفع بالأرض في زرع
ضرره كضرر الزرع المشروط ودونه مثل أن يزرعها شعيرا يأخذه قصيلا صح لأن الانتفاع بها في
بعض ما اقتضاه العقد ممكن وإن لم يكن كذلك لم يصح لأنه اكترى للزرع مالا ينتفع بالزرع فيه فأشبه
إجارة السبخة له، فإن قلنا يصح فإذا انقضت المدة ففيه وجهان: أحدهما حكمه حكم زرع المستأجر
لما لا تكمل مدته لأنه ههنا مفرط واحتمل أن يلزم المكري تركه لأن التفريط منه حيث أكراه مدة
لزرع لا يكمل فيها، وإن شرط تبقيته حتى يكمل فالعقد فاسد لأنه جمع بين متضادين فإن تقدير المدة
145

يقتضي النقل فيها وشرط التبقية يخالفه ولان مدة التبقية مجهولة فإن زرع لم يطالب بنقله كالتي تقدمت
* (مسألة) * (وإذا تسلم العين بالإجارة الفاسدة فعليه أجرة المثل سكن أو لم يسكن)
إذا قبض العين في الإجارة الفاسدة ومضت المدة أو مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها أو لا يمكن ففيه
روايتان: إحداهما عليه أجرة المثل لمدة بقائها في يده وهذا مذهب الشافعي لأن المنافع تلفت تحت يده
بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاها (والثانية) لا شئ له وهو قول أبي حنيفة لأنه عقد
فاسد على منافع لم يستوفها فم يلزمه عوضه كالنكاح الفاسد. فأما إن بذل له التسليم في الإجارة الفاسدة
فلم يتسلمها فلا أجر عليه لأن المنافع لم تتلف تحت يده ولا في ملكه، وإن استوفى المنفعة في العقد
الفاسد فعليه أحر المثل وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يجب أقل الأمرين من المسمى أو أجر
المثل بناء منه على أن المنافع لا تضمن إلا بالعقد. ولنا ان ما ضمن بالمسمى في العقد الصحيح وجب ضمانه
بجميع القيمة في الفاسد كالأعيان وما ذكروه غير مسلم
* (مسألة) * (إذا اكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم)
لأن العقد إذا انفسخ رجع كل واحد من المتعاقدين في العوض الذي بذله وعوض العقد هو الدراهم
فكان الرجوع بها والدنانير إنما أخذها المؤجر بعقد آخر سوى الإجارة ولم ينفسخ فأشبه ما إذا قبض
الدراهم ثم صرفها بالدنانير.
146

باب احياء الموات
وهي الأرض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت والموات الأرض الدارسة تسمى ميتة ومواتا وموتانا
بفتح الميم والواو والموتان بضم الميم وسكون الواو الموت الذريع ورحل موتان القلب بفتح الميم وسكون
الواو يعنى عمي القلب لا يفهم والأصل في إحياء الموات ما روي جابر رضي الله عنه قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا أرضا ميتة فهي له " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروي سعيد
ابن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحيا أرضا ميتة فهي له " قال الترمذي هذا حديث حسن وروى
مالك في موطئه وأبو داود في سننه عن عائشة مثله قال ابن عبد البر وهو مسند صحيح متلقى بالقبول
عند فقهاء المدينة وغيرهم وروى أبو عبيد في الأموال عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحيا
أرضا ليست لاحد فهو أحق بها " قال عروة وقضى بذلك عمر بن الخطاب في خلافته وعامة فقهاء
الأمصار على أن الموات يملك بالاحياء وان اختلفوا في شروطه
* (مسألة) * (فإن كان فيها آثار الملك ولا يعلم لها مالك ففيه روايتان)
وجملة ذلك أن الموات قسمان (أحدهما) ما لم يجر عليه ملك لاحد ولم يوجد فيه أثر عمارة فهذا
يملك بالاحياء بغير خلاف بين القائلين بالاحياء لأن الاخبار المروية متناولة له (القسم الثاني) ما جرى
147

عليه ملك وهو ثلاثة أنواع (أحدهما) ماله مالك معين وهو ضربان (أحدهما) ما ملك بشراء أو عطية فهذا
لا يملك بالاحياء بغير خلاف قال ابن عبد البر أجمع العلماء أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز
احياؤه لاحد غير أربابه (الثاني) ما ملك بالاحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا فهو كالذي قبله سواء وقال
مالك تملك لعموم قوله " من أحيا أرضا ميتة فهي له " ولان أصل هذه الأرض مباح فإذا تركت حتى
تصير مواتا عادت إلى الإباحة كمن أخذ ماء من نهر ثم رده فيه
ولنا أن هذه أرض يعرف مالكها فلم تملك بالاحياء كالتي ملكت بشراء أو عطية والخبر مقيد
بغير المملوك بقوله في الرواية الأخرى " من أحيا أرضا ميتة ليست لاحد " وقوله " من غير حق مسلم " وهذا
يوجب تقييد مطلق حديثه وقال هشام بن عروة في تفسير قوله عليه السلام " ليس لعرق ظالم حق "
الظالم أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها رواه سعيد بن منصور وفي سننه ثم الحديث
مخصوص بما ملك بشراء أو عطية فقيس عليه محل النزاع ولان سائر الأموال لا يزول الملك عنها
بالترك بدليل سائر الاملاك إذا تركت حتى تشعثت وما ذكروه يبطل بالموات إذا أحياه إنسان ثم
باعه فتركه المشتري حتى عاد مواتا وباللقطة إذا ملكها ثم ضاعت منه ويخالف ماء النهر فإنه استهلك
(النوع الثاني) ما يوجد فيه آثار ملك قديم جاهلي كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوهم فهذا يملك
بالاحياء في أظهر الروايتين لما ذكرنا من الأحاديث ولان ذلك الملك لا حرمة له لما روي طاوس عن
148

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم بعد " رواه سعيد في سننه وأبو عبيد في الأموال
وقال عادي الأرض التي كان بها ساكن في آباد الدهر فأقرضوا فلم يبق منهم أنيس وإنما نسبها إلى
عاد لأنهم كانوا مع تقدمهم ذوي قوة وبطش وأثار كثيرة فينسب كل أثر قديم إليهم والرواية الثانية
لا تملك لأنها إما لمسلم أو ذمي أو بيت المال أشبه ما لو تعين مالكه قال شيخنا ويحتمل أن كل ما فيه
أثر الملك ولم يعلم زواله قبل الاسلام أنه لا يملك لأنه يحتمل أن المسلمين أخذوه عامرا فاستحقوه
فصار موقوفا بوقف عمر له فلم يملك كما لو علم مالكه (النوع الثالث) ما جرى عليه الملك في الاسلام
لمسلم أو ذمي غير معين فظاهر كلام الخرقي أنه لا يملك بالاحياء وهو إحدى الروايتين عن أحمد نقلها
عنه أبو داود وأبو الحرث لما روي كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أحيا أرضا مواتا في غير حق مسلم فهي له " فقيده بكونه في غير حق مسلم ولأن هذه
الأرض لها مالك فلم يجز احياؤها كما لو كان معينا فإن مالكها إن كان له ورثة فهي لهم وان لم يكن له
ورثة ورثه المسلمون (والثانية) أنها تملك بالاحياء نقلها صالح وغيره وهي مذهب أبي حنيفة ومالك لعموم
الاخبار ولأنها أرض موات لا حق فيها لقوم بأعيانهم أشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك ولأنها ان
كانت في دار الاسلام فهي كلقطة دار الاسلام وان كانت في دار الكفر فهي كالركاز
* (مسألة) * (ومن أحيا أرضا ميتة فهي له للاخبار التي رويناها مسلما كان أو كافرا في دار الاسلام وغيرها)
149

لعموم الاخبار ولان عامر دار الحرب إنما يملك بالقهر والغلبة كسائر أموالهم فاما ما عرف أنه كان
مملوكا في دار الحرب ولم يعلم له مالك معين فهو على الروايتين فإن قيل هذا ملك كافر غير محترم فأشبه
ديار عاد وقد دل عليه قوله عليه السلام " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم بعد " ولان الركاز من
أموالهم ويملكه واجده فهذا أولى قلنا قوله " عادي الأرض " يعني ما تقدم ملكه ومضت عليه الأزمان
وما كان كذلك فلا حكم لمالكه فاما ما قرب ملكه فيحتمل أن له مالكا باقيا وان لم يتعين فلهذا قلنا
لا يملك على إحدى الروايتين وأما الركاز فإنه ينقل ويحول وهذا يخالف الأرض بدليل أن لقطة
دار الاسلام تملك بعد التعريف بخلاف الأرض
(فصل) ولا فرق بين المسلم والذمي في الاحياء نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال مالك
لا يملك الذمي بالاحياء في دار الاسلام قال القاضي وهذا مذهب جماعة من أصحابنا لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم " موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني " فجمع المرتان ثم جعله للمسلمين ولان موتان الأرض
من حقوقها والدار للمسلمين فكان مواتها لهم كمرافق المملوك
ولنا عموم قوله عليه السلام " من أحيا أرضا ميتة فهي له " ولأن هذه جهة من جهات التمليك فاشترك
فيها المسلم والذمي كسائر جهاته وحديثهم لا نعرفه إنما نعرف قوله " عادي الأرض لله ورسوله ثم هي
لكم بعد ومن أحيا مواتا من الأرض فله رقبتها " هكذا روي سعيد بن منصور وهو مرسل ورواه طاوس
150

عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا يمتنع أن يريد بقوله " هي لكم " أي لأهل دار الاسلام والذي من أهل الدار
تجري عليه أحكامها وقولهم إنها من حقوق دار الاسلام قلنا هو من أهل الدار فيملكها كما يملكها
بالشراء ولأنه يملك مباحاتها من الحشيش والحطب والصيود والركاز والمعدن واللقطة وهي من مرافق
دار الاسلام فكذلك الموات
* (مسألة) * (ويملكه باذن الإمام وغير اذنه)
وجملة ذلك أن احياء الموات لا يفتقر إلى اذن الإمام وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال
أبو حنيفة يفتقر إلى اذنه لأن للإمام مدخلا في النظر في ذلك بدليل من تحجر مواتا فلم يحيه فإنه يطالبه
بالاحياء أو الترك فافتقر إلى اذنه كمال بيت المال
ولنا عموم قوله عليه السلام " من أحيا أرضا ميتة فهي له " ولأن هذه عين مباحة فلا يفتقر تملكها
إلى اذن الإمام كأخذ الحشيش والحطب ونظر الإمام في ذلك لا يدل على اعتبار اذنه ألا ترى أن من
وقف في مشرعة طالبه الإمام أن يأخذ حاجته وينصرف ولم يفتقر ذلك لي اذنه وأما مال بيت المال
فهو مملوك للمسلمين وللإمام تعيين مصارفه وترتيبها فافتقر إلى اذنه بخلاف مسئلتا فإن هذا مباح فمن
سبق إليه كان أحق الناس به كسائر المباحات
* (مسألة) * (الا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها)
151

وجملة ذلك أن جميع البلاد فيما ذكرنا سواء المفتوح عنوة كأرض الشام والعراق وما أسلم أهله
عليه كالمدينة، وما صولح أهله على أن الأرض للمسلمين كأرض خيبر إلا الذي صولح أهله
على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها فإن أصحابنا قالوا لو دخل إليها مسلم فأحيا فيها مواتا لم يملكه لأنهم صولحوا
في بلادهم فلا يجوز التعرض لشئ منها عامرا كان أو مواتا لأن الموات تابع للبلد فإذا لم يملك عليهم البلد
لم يملك مواته ويفارق دار الحرب حيث يملك مواتها لأن دار الحرب على أصل الإباحة وهذه صالحناهم
على تركها لهم ويحتمل أن يملكها من أحياها لعموم الخبر، ولأنها من مباحات دارهم فجاز أن يملكها
من وجد منه سبب تملكها كالحشيش والحطب
وقد روي عن أحمد أنه ليس في السواد موات يعني سواد العراق قال القاضي هو محمول على
العامر، ويحتمل أن أحمد قال ذلك لكون السواد كان معمورا كله في زمن عمر بن الخطاب حين أخذه
المسلمون من الكفار حتى بلغنا أن رجلا سأل أن يعطى خربة فلم يجدوا له خربة فقال أردت أن أعلمكم
كيف أخذتموها منا وإذا لم يكن فيها موات حين ملكها المسلمون لم يصر فيها موات بعده لأن ما دثر
من أملاك المسلمين لم يصر مواتا على إحدى الروايتين
* (مسألة) * (وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لا يملك بالاحياء فإن لم يتعلق بمصالحه فعلى روايتين)
152

كل ما تعلق بمصالح العامر من طرقه ومسيل مائه ومطرح قمامته ولقى ترابه وآلاته لا يجوز احياؤه
بغير خلاف في المذهب وكذلك ما تعلق بمصالح القرية كفنائها ومرعى ماشيتها ومحتطبها وطرقها ومسيل
مائها لا يملك بالاحياء لا نعلم فيه أيضا خلافا بين أهل العلم وكذلك حريم البئر والنهر والعين وكل مملوك
لا يجوز احياء ما تعلق بمصالح لقوله عليه السلام " من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له " مفهومه
أن ما تعلق به حق مسلم لا يملك بالاحياء ولأنه تابع للمملوك ولو جوزنا احياءه لبطل الملك في العامر
على أهله، وذكر القاضي أن هذه المرافق لا يملكها المحيي بالاحياء لكن هو أحق بها من غيره لأن
الاحياء الذي هو سبب الملك لم يوجد فيها: وقال الشافعي تملك بذلك وهو ظاهر قول الخرقي في
حريم البئر لأنه مكان استحقه بالاحياء فملكه كالمحيى، ولان معنى الملك موجود فيه لأنه يدخل مع
الدار في البيع ويختص به صاحبها، فأما ما قرب من العامر ولم يتعلق بمصالحه فيجوز احياؤه في إحدى
الروايتين. قال أحمد في رواية أبي الصقر في رجلين أحييا قطعتين من موات وبقيت بينهما رقعة فجاء
رجل ليحييها فليس لهما منعه، وقال في جبانة بين قريتين: من أحياها فهي له وهذا مذهب الشافعي
لعموم قوله عليه السلام " من أحيا أرضا ميتة فهي له " ولان النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق
وهو يعلم أنه من عمارة المدينة، ولأنه موات لم تتعلق به مصلحة العامر فجاز احياؤه كالبعيد
(والثانية) لا يجوز احياؤه وبه قال أبو حنيفة والليث لأنه في مظنة تعلق المصلحة به فإنه يحتمل
153

أن يحتاج إلى فتح باب في حائطه إلى فنائه ويجعله طريقا أو يخرب حائطه فيجعل آلات البناء في فنائه
وغير ذلك فلم يجز تفويت ذلك عليه بخلاف البعيد. إذا ثبت هذا فإنما يرجع في القريب والبعيد إلى
العرف، وقال الليث حده غلوة وهو خمس خمس الفرسخ، وقال أبو حنيفة حد البعيد هو الذي إذا
وقف الرجل في أدناه فصاح بأعلى صوته لم يسمع أدنى أهل المصر إليه (والثاني) أن التحديد لا يعرف
إلا بالتوقيف ولا يعرف بالرأي والتحكم ولم يرد من الشرع تحديد له فوجب أن يرجع في ذلك إلى
العرف كالقبض والاحراز فقول من حدد بهذا تحكم بغير دليل وليس ذلك بأولى من تحديده بشئ
آخر كميل أو نصف ميل وهذا التحديد الذي ذكره والله أعلم يختص بما قرب من المصر أو القرية،
ولا يجوز أن يكون حدا لكل ما قرب من عامر لأنه يفضي إلى أن من أحيا أرضا في موات حرم احياء
شئ من ذلك الموات على غيره ما لم يخرج عن ذلك الحد
* (مسألة) * (ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار، والكحل والجص، والنفط بالاحياء
وليس للإمام اقطاعه)
وجملة ذلك أن المعادن الظاهرة وهي التي يوصل إلى ما فيها من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون
بها كالملح والماء والكبريت والقير والموميا والنفط والكحل والبرام والياقوت ومقاطع الطين وأشباه
ذلك لا يملك بالاحياء ولا يجوز اقطاعه لاحد من الناس ولا احتجاره دون المسلمين لأن فيه ضررا
154

بالمسلمين وتضييقا عليهم، ولما روى أبو عبيد وأبو داود والترمذي باسنادهم عن أبيض بن حمال أنه
استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح الذي بمأرب فلما ولى قيل يا رسول الله أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته
الماء العد فرجعه منه، قال قلت يا رسول الله ما يحمى لي من الأراك؟ قال " ما لم تنله أخفاف الإبل "
وهو حديث غريب
ورواه سعيد قال حدثني إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس المأربي عن أبيه عن أبيض بن
حمال المأربي قال: استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم معدن الملح بمأرب فأقطعنيه فقيل يا رسول الله انه بمنزلة
الماء العد يعني انه لا ينقطع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلا اذن " ولان هذا يتعلق به مصالح المسلمين
العامة فلم يجز احياؤه ولا اقطاعه كمشارع الماء وطرقات المسلمين. قال ابن عقيل هذا من مواد الله
الكريم وفيض جوده الذي لا غناء عنه، ولو ملكه أحد بالاحتجار ملك منعه فضاق على الناس، فإن
أخذ العوض عنه أعلاه فخرج عن الوضع الذي وضعه الله به من تعميم ذوي الحوائج من غير كلفة وهذا
مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا
(فصل) فأما المعادن الباطنة وهي التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤنة كمعادن الذهب والفضة
والحديد والنحاس والرصاص والبلور والفيروزج فإن كانت ظاهرة لم تملك أيضا بالاحياء لما ذكرنا في
التي قبلها، وإن لم تكن ظاهرة فحفرها انسان وأظهرها لم يملكها بذلك في ظاهر المذهب وظاهر مذهب
155

الشافعي ويحتمل أن يملكها بذلك وهو قول للشافعي لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤنة فملك
الاحياء كالأرض ولأنه باظهاره تهيأ للانتفاع به من غير حاجة إلى تكرار ذلك العمل فأشبه الأرض
إذا أحياها بماء أو حاطها ووجه الأول أن الاحياء الذي يملك به هو العمارة التي يتهيأ بها المحيي للانتفاع
من غير تكرار عمل وهذا حفر وتخريبه يحتاج إلى تكرار عند كل انتفاع، فإن قيل فلو احتفر بئرا
ملكها وملك حريمها قلنا البئر تهيأت للانتفاع بها من غير تجديد حفر ولا عمارة وهذه المعادن تحتاج
عند كل انتفاع إلى عمل وعمارة فافترقا، قال أصحابنا وليس للإمام اقطاعها لأنها لا تملك بالاحياء
والصحيح جواز ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها
وغوريها. رواه أبو داود وغيره
* (مسألة) * (فإن كان بقرب الساحل موضع)
إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالاحياء وللإمام اقطاعه لا يضيق على المسلمين باحداثه بل
يحدث نفعه بفعله فلم يمنع منه كبقية الموات وأحياء هذا تهيئته لما يصلح له من حفر ترابه وتمهيده وفتح
قناة إليه تصب الماء فيه لأنه يتهيأ بهذا للانتفاع به
* (مسألة) * (وإذا ملك المحيي ملك ما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة)
إذا ملك الأرض بالاحياء فظهر فيها معدن جامد ملكه ظاهرا كان أو باطنا لأنه ملك الأرض
156

بجميع أجزائها وطبقاتها وهذا منها ويفارق الكنز فإنه مودع فيها وليس من أجزائها ويفارق ما إذا كان
ظاهرا قبل احيائها لأنه قطع على المسلمين نفعا كان واصلا إليهم ومنعهم انتفاعا كان لهم وههنا لم يقطع
عنهم شيئا لأنه إنما ظهر باظهاره، ولو تحجر الأرض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل احيائها كان له
احياؤها ويملكها بما فيها لأنه صار أحق بتحجره واقطاعه فلم يمنع من اتمام حقه
* (مسألة) * (وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلا أو شجر فهو أحق به لأنه في ملكه)
ويملكه في إحدى الروايتين لأنه خارج من أرضه أشبه المعادن الجامدة والزرع (والثانية) لا يملكه
وهي أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار " رواه الخلال ولأنها
ليست من أجزاء الأرض فلم يملكها بملك الأرض كالكنز
* (مسألة) * (ويلزمه بذل ما فضل من مائه لبهائم غيره)
لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله
فضل رحمته " وهل يلزمه بذله لزرع غيره؟ على روايتين (إحداهما) لا يلزمه لأن الزرع لا حرمة له في
نفسه (والثانية) يلزمه لما روى إياس بن عبد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء وعن بهنسة عن
أبيها أنه قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال " الماء " رواه أبو داود
(فصل) ولو شرع انسان في حفر معدن ولم يصل إلى النيل صار أحق به كالمتحجر الشارع في
157

الاحياء فإذا وصل إلى النيل صار أحق بالأخذ منه ما دام مقيما على الاخذ منه وهل يملكه بذلك؟ فيه ما قد
ذكرنا من قبل فإن حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن له منعه وإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له
منعه سواء قلنا إن المعدن يملك بحفره أو لم نقل لأنه إن ملكه فإنما يملك المكان الذي حفره. وأما
العرق الذي في الأرض فلا يملكه بذلك ومن وصل إليه من جهة أخرى فله أخذه، ولو ظهر في ملكه
معدن بحيث يخرج النيل عن أرضه فحفر انسان من خارج أرضه كان له أن يأخذ ما خرج عن أرضه منه
لأنه لم يملكه إنما ملك ما هو من أجزاء أرضه وليس لاحد أن يأخذ ما كان داخلا في أرضه من أجزاء
الأرض الباطنة كما لا يملك أخذ أجزائها الظاهرة، ولو حفر كافر في دار الحرب معدنا فوصل إلى النيل
ثم فتحها المسلمون عنوة لم يصر غنيمة وكان وجود عمله وعدمه واحدا لأن عامره لم يملك بذلك ولو
ملكه فإن الأرض تصير كلها وقفا للمسلمين وهذا ينصرف إلى مصلحة من مصالحهم فتعين لها كما لو
ظهر بفعل الله تعالى
(فصل) ومن ملك معدنا فعمل فيه غيره بغير اذنه فما حصله منه فهو لمالكه ولا أجر للغاصب
على عمله لأنه عمل في ملك غيره بغير اذنه فهو كما لو حصد زرع غيره، وإن قال مالكه اعمل فيه ولك
ما يخرج منه فله ذلك وليس لصاحب المعدن فيه شئ لأنه إباحة من مالكه فملك ما أخذه كما لو أباحه
الاخذ من بستانه، وإن قال اعمل فيه على أن ما رزق الله من نيل كان بيننا نصفين فعمل ففيه وجهان
158

(أحدهما) يجوز وما يأخذه يكون بينهما كما لو قال احصد هذا الزرع بنصفه أو ثلثه ولأنها عين تنمي
بالعمل عليها فصح العمل فيها ببعضه كالمضاربة في الأثمان (والثاني) لا يصح لأن ما يحصل منه مجهول
ولأنه لا يصح أن يكون إجارة لأن العوض مجهول والعمل مجهول ولا جعالة لأن العوض مجهول ولا
مضاربة لأن المضاربة إنما تصح بالأثمان على أن يرد رأس المال ويكون له حصة من الربح وليس ذلك
ههنا وفارق حصاد الزرع بنصفه أو جزء منه لأن الزرع معلوم بالمشاهدة وما علم جميعه علم جزؤه بخلاف
هذا، وإن قال اعمل فيه كذا ولك ما يحصل منه بشرط أن تعطيني ألفا أو شيئا معلوما لم يصح لأنه
بيع لمجهول ولا يصح أن يكون معلوما كالمضاربة لما ذكرنا ولان المضاربة تكون بجزء من النماء لا دراهم
معلومة، قال أحمد إذا أخذ معدنا من قوم على أن يعمره ويعمل فيه ويعطيهم ألفي من أو ألف من
صفر فذلك مكروه ولم يرخص فيه
(فصل) إذا استأجر رجلا ليحفر له عشرة أذرع في دور كذا بدينار صح لأنها إجارة معلومة
وإن ظهر عرق ذهب فقال استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصح لأن العمل مجهول، وإن قال إن استخرجته
فلك دينار صح وتكون جعالة لأن الجعالة تصح على عمل مجهول إذا كان العوض معلوما
(فصل) وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يملك بالاحياء. قال أحمد في رواية العباس بن
موسى إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها لأن فيه ضررا وهو أن الماء يرجع يعني أنه
159

يرجع إلى ذلك المكان فإذا وجده مبنيا رجع إلى الجانب الآخر فأضر باهله ولان الجزائر منبت
الكلأ والحطب فجرى مجرى المعادن الظاهرة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا حمي الا في الأراك " قال أحمد
في رواية حرب يروى عن عمر أنه أباح الجزائر يعني أباح ما ينبت في الجزائر من النبات وقال إذا
نضب الفرات عن شئ ثم نبت فيه نبات فجاء رجل يمنع الناس منه فليس له ذلك فأما ان غلب الماء
على ملك انسان ثم عاد فنضب عنه فله أخذه ولا يزول ملكه بغلبة الماء عليه فإن كان ما نضب عنه
الماء لا ينتفع به أحد فعمره رجل عمارة لا ترد الماء مثل ان يجعله مزرعة فهو أحق به من غيره لأنه
متحجر لما ليس للمسلم فيه حق فأشبه التحجر في الموات
* (فصل) * قال رحمه الله (وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط أو يجري لها)
ظاهر كلامه ههنا أن تحويط الأرض إحياء لها سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للغنم أو
الخشب وهو ظاهر كلام الخرقي نص عليه أحمد في رواية علي بن سعيد فقال الاحياء أن يحوط عليها
حائطا أو يحفر فيها بئرا أو نهرا ولا يعتبر في ذلك تسقيف وذلك لما روي الحسن عن سمرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحاط حائطا على أرض فهي له " رواه أبو داود والإمام أحمد في مسنده
وروي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولان الحائط حاجر منيع فكان احياء أشبه ما لو جعلها حظيرة
للغنم ويبين هذا أن القصد - لا اعتبار به بدليل ما لو أرادها حظيرة للغنم كما لو جعلها حظيرة للغنم
فبناها بجص وآجر وقسمها بيوتا فإنه يملكها وهذا لا يصنع للغنم مثله ولابد أن يكون الحائط منيعا يمنع
160

ما وراءه ويكون مما جرت العادة بمثله ويختلف باختلاف البلدان فإن كان ممن جرت عادتهم بالبناء بالحجر وحده
كأهل حوران أو بالطين كأهل الغوطة بدمشق أو بالخشب أو القصب كأهل الغور كان ذلك احياء وان
بناه بأقوى مما جرت به عادتهم كان أولى، وقال القاضي في صفة الاحياء روايتان (إحداهما)
ما ذكرنا (والثانية) الاحياء ما تعارفه الناس احياء لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه ولم يبينه ولا ذكر
كيفيته فيجب الرجوع فيه إلى ما كان احياء في العرف كما أنه لما ورد باعتبار القبض والحرز ولم يبين
كيفيته كان المرجع فيه إلى العرف ولان الشارع لو علق الحكم على مسمى باسم لتعلق بمسماه عند
أهل اللسان فلذلك يتعلق الحكم بالمسمى احياء عند أهل العرف ولان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلق
الحكم على ما ليس إلى معرفته طريق فلما لم يبينه تعين العرف طريقا لمعرفته إذ ليس له طريق سواه
إذا ثبت هذا فإن الأرض تحيا دارا للسكنى وحظيرة ومزرعة، فاحياء كل واحدة من ذلك بما تتهيأ به
للانتفاع الذي أريدت له، فأما الدار فبأن يبني حيطانها بما جرت به العادة ويسقفها لأنها لا تصلح
للسكنى الا بذلك، والحظيرة احياؤها بحائط جرت به العادة لمثلها، وليس من شرطها التسقيف لأن
العادة لم تجر به وسواء أرادها حظيرة للماشية أو للخشب أو للحطب أو نحو ذلك فإن جعل عليها خندقا
لم يكن احياء لأنه ليس بحائط ولا عمارة إنما هو حفر تخريب وكذلك ان حاطها بشوك وشبهه لا يكون
161

احياء ويكون تحجرا لأن المسافر قد ينزل منزلا ويحوط على رحله بنحو من ذلك ولو نزل منزلا
فنصب فيه بيت شعر أو خيمة لم يكن احياء. وان أرادها للزراعة فبأن يهيئها لامكان الزرع فيها فإن كانت
لا تزرع الا بالماء فبأن يسوق إليها ماء من نهر أو بئر وإن كان المانع من زرعها كثرة الأحجار كأرض
الحجاز فاحياؤها بقلع أحجارها وتنقيتها حتى تصلح للزرع وان كانت غياضا أو أشجارا كأرض الشعرى
فبأن يقلع أشجارها ويزيل عروقها المانعة من الزرع، وان كانت مما لا يمكن زرعه الا بحبس الماء عنه
كأرض البطائح فاحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها لأن بذلك يمكن الانتفاع بها فيما
أرادها له من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام فكان احياء كسوق الماء إلى أرض لا ماء لها
ولا يعتبر في احياء الأرض حرثها ولا زرعها لأن ذلك مما يتكرر كلما أراد الانتفاع بها فلم يعتبر في
الاحياء كسقيها وكالسكنى في البيوت ولا يحصل الاحياء بذلك إذا فعله بمجرده لما ذكرنا، ولا يعتبر في
احياء الأرض للسكنى نصب الأبواب على البيوت وبه قال الشافعي فيما ذكرنا في الرواية الثانية الا أن
له وجها في أن حرثها وزرعها احياء لها وأن ذلك معتبر في احيائها لا يتم بدونه وكذلك نصب الأبواب
على البيوت لأنه مما جرت العادة به أشبه السقف ولا يصح هذا لما ذكرنا ولان السكنى ممكنة بدون
نصب الأبواب فأشبه تطيين سطوحها وتبييضها
* (مسألة) * (وان حفر بئرا عادية ملك حريمها خمسين ذراعا وان لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون)
البئر العادية بتشديد الياء القديمة منسوبة إلى عاد ولم يرد عادا بعينها لكن لما كانت عاد
162

في الزمن الأول وكانت لها آثار في الأرض نسب إليها كل قديم، فكل من سبق إلى بئر عادية كان
أحق بها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له " وله حريمها خمسون
ذراعا من كل جانب، وان حفر بئرا في موات للتمليك فله حريمها خمسة وعشرون ذراعا من كل جانب
نص أحمد على هذا في رواية حرب وعبد الله واختاره أكثر أصحابنا، وقال القاضي وأبو الخطاب ليس
هذا على طريق التحديد بل حريمها في الحقيقة ما يحتاج إليه في ترقية مائها منها فإن كان بدولاب فقدر
مد الثور أو غيره وإن كان بساقية فبقدر طول البئر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" حريم البئر مد رشائها " أخرجه ابن ماجة ولأنه المكان الذي تمشي إليه البهيمة، وإن كان يستقي منها
بيده فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها، وإن كان المستخرج عينا فحريمها القدر الذي يحتاج إليه صاحبها
للانتفاع ولا يستضر بأخذه منه ولو كان الف ذراع، وحريم النهر من جانبيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته
بحكم العرف وذلك أن هذا إنما ثبت للحاجة فينبغي أن تراعى فيه الحاجة دون غيرها، وقال أبو حنيفة
حريم البئر أربعون ذراعا وحريم العين خمسمائة ذراع لأن أبا هريرة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال " حريم البئر أربعون ذراعا لاعطان الإبل والغنم " وعن الشعبي مثله رواه أبو عبيد.
ولنا ما روي أن الدارقطني والخلال باسنادهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " حريم البئر
البدي خمس وعشرون ذراعا وحريم البئر العادي خمسون ذراعا " وهذا نص وروى أبو عبيد باسناده
163

عن يحي بن سعيد الأنصاري أنه قال السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا والبدي خمس وعشرون ذراعا
وباسناده عن سعيد بن المسيب قال حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها وحريم بئر الزرع
ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها وحريم البئر العادي خمسون ذراعا من نواحيها كلها، ولأنه معنى يملك به
الموات فلا يقف على قدر الحاجة كالحائط ولان الحاجة إلى البئر لا تنحصر في ترقية الماء فإنه يحتاج
إلى ما حوله عطنا لا بله وموقفا لدوابه وغنمه وموضعا يجعل فيه أحواضا يسقي منها ماشيته وموقفا
لدابته التي يستقي عليها وأشباه ذلك فلم يختص الحريم بما يحتاج إليه في ترقية الماء فأما حديث أبي حنيفة
فحديثنا أصح منه ورواهما أبو هريرة فيدل على ضعفه
* (مسألة) * (وقيل حريمها قدر مد رشائها من كل جانب) لما ذكرنا من الحديث إذا ثبت
ذلك فإن ظاهر كلامه في هذا الكتاب وظاهر كلام الخرقي أنه يملك حريم البئر ونقل عن الشافعي
وقال القاضي بل يكون أحق به
* (مسألة) * (وقيل احياء الأرض ما عد إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها) وقد ذكرنا
ذلك وقيل ما يتكرر كل عام كالسقي والحرث فليس باحياء وما لا يتكرر فهو احياء لأن العرف ان حرث
الأرض مرة ليس باحياء وان عمل الحائط عليها ونحوه احياء وللشافعي وجه في أن الزرع والحرث احياء
وقد ذكرناه، فإن كانت كثيرة الدغل والحشيش كالمروج التي لا يمكن زرعها إلا بتكرار حرثها وتنقية
دغلها وحشيشها المانع من زرعها كان احياء على قياس ما ذكرنا أولا
164

(فصل) ولابد أن يكون البئر فيها ماء فإن لم تصل إلى الماء فهو كالمتحجر الشارع في الاحياء على
ما نذكره، وقوله ومن حفر بئرا عادية يحمل على البئر التي انطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها
أو انقطع ماؤها فاستخرجه ليكون ذلك احياء لها فاما البئر التي لها ماء ينتفع به المسلمون فليس لأحد
احتجاره ومنعه لأنه بمنزلة المعادن الظاهرة التي يرتفق بها الناس وهكذا العيون النابعة ليس لأحد
ان يختص بها ولو حفر رجل بئرا للمسلمين ينتفعون بها أو ينتفع بها مدة إقامته عندها ثم يتركها لم
يملكها وكان له الانتفاع بها فإذا تركها كانت للمسلمين كلهم كالمعادن الظاهرة وهو أحق بها ما دام مقيما
عندها لأنه سابق إليها فهو كالمتحجر الشارع في الاحياء
(فصل) وإذا كان لانسان شجرة في موات فله حريمها قدر ما تمد إليه أغصانها حواليها وفي النخلة
مد جريدها لما روى أبو سعيد قال اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حريم نخلة فأمر بجريدة
من جرائدها فذرعت فكانت سبعة أذرع أو خمسة أذرع فقضى بذلك رواه أبو داود، وان غرس
شجرة في موات فهي له وحريمها وان سبق إلى شجر مباح كالزيتون والخروب فسقاه وأصحه فهو له
كالمتحجر الشارع في الاحياء فإن طعمه ملكه بذلك وحريمه لأنه تهيأ للانتفاع به لما يراد منه فهو
165

كسوق المال إلى الأرض الموات ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق
إليه مسلم فهو أحق به "
(فصل) ومن كانت له بئر فيها ماء فحفر آخر قريبا منها بئرا ينسرق إليها ماء البئر الأولى
فليس له ذلك سواء كان محتفر الثانية في ملكه مثل رجلين متجاورين في دارين حفر أحدهما
في داره بئرا ثم الآخر بئرا أعمق منها فسرى إليها ماء الأولى أو كانتا في موات فسبق أحدهما فحفر
بئرا ثم جاء آخر فحفر قريبا منها بئرا يجتذب ماء الأولى، ووافق الشافعي في هذه الصورة الثانية لأنه
ليس له ان يبتدئ ملكه على وجه يضر بالمالك قبله، وقال في الأولى له ذلك لأنه تصرف مباح في
ملكه فجاز له فعله كتعلية داره وهكذا الخلاف في كل ما يحدثه الجار مما يضر بجاره مثل ان يجعل داره
مدبغة أو حماما يضر بعقار جاره بحمى ناره ورماده ودخانه أو يحفر في أصل حائطه حشا يتأذى جاره
برائحته وغيرها أو يجعل داره مخبزا في وسط العطارين ونحوه مما يؤذي جاره وقال الشافعي له ذلك
كله وروي ذلك عن أحمد وهو قول بعض الحنفية لأنه تصرف مباح في ملكه أشبه بناءه ونقضه
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا اضرار " ولأنه احداث ضرر بجاره فلم يجز
كالدق الذي يهز الحيطان ويخربها وكالقاء السماد والتراب في أصل حائطه على وجه يضر به ولو كان
166

لرجل مصنع فأراد جاره غرس شجر مما تسري عروقه فتشق حائط مصنع جاره وتتلفه لم يملك ذلك
وكان لجاره منعه وقلعها ان غرسها، ولو كان هذا الذي حصل منه الضرر سابقا مثل من له في ملكه
مدبغة أو مقصرة فأحيا إنسان إلى جانبه مواتا وبناه دارا فتضرر بذلك لم يلزمه إزالة الضرر بغير
خلاف نعلمه لأنه لم يحدث ضررا
* (مسألة) * (ومن تحجر مواتا لم يملكه وهو أحق به وورثته من بعده ومن ينقله إليه وليس
له بيعه وقيل له ذلك)
تحجر الموات المشروع في احيائه مثل ان يدير حول الأرض ترابا أو احجارا أو حاطها بجدار
صغير لم يملكها بذلك لأن الملك بالاحياء وليس هذا احياء لكن يصير أحق الناس به لما روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " رواه أبو داود، فإن مات فوارثه
أحق به لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ترك حقا أو مالا فهو لورثته " فإن نقله إلى غيره صار
الثاني أحق به لأن صاحبه اقامه مقامه، وليس له بيعه فإن باعه لم يصح لأنه لا يملكه فلم يملك
بيعه كحق الشفعة قبل الاخذ به وكمن سبق إلى معدن أو مباح قبل اخذه وقيل له بيعه لأنه أحق به
* (مسألة) * (فإن لم يتم احياءه قيل له اما ان تحييه واما ان تتركه) إذا طالت المدة بعد التحجر ولم
يحييه فينبغي ان يقول السلطان اما ان تحييه أو تتركه ليحييه غيرك لأنه ضيق على الناس في حق مشترك
167

بينهم فلم يمكن من ذلك كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينتفع به ولا يدع غيره
* (مسألة) * (فإن طلب الامهال امهل مدة قريبة)
كالشهرين والثلاثة ونحوها لأنه يسير فإن بادر غيره فأحياه في مدة المهلة أو قبل ذلك ملكه
بالاحياء في أحد الوجهين لأن الاحياء يملك به والتحجر لا يملك به فيثبت الملك بما يملك به دون ما لا
يملك به كمن سبق إلى معدن أو مشرعة فجاء غيره فأزاله وأخذ ولعموم الحديث في الاحياء (والثاني)
لا يملكه لأن مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام " من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له " انها لا تكون
له إذا كان لمسلم فيها حق وكذلك قوله " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وروي سعيد في
سننه أن عمر قال من كانت له ارض - يعني من تحجر أرضا - فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم يعمرونها فهم أحق
بها وهذا يدل على أن من عمرها قبل ثلاث سنين لا يملكها ولان الثاني أحيا في حق غيره فلم يملكه كما لو أحيا
ما تتعلق به مصالح ملك غيره ولان حق المتحجر أسبق فكان أولى كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري
(فصل) فإن ضربت للمتحجر مدة فانقضت المدة ولم يعمر فلغيره أن يعمره ويملكه لأن المدة
ضربت له لينقطع حقه بمضيها وسواء اذن له السلطان في عمارتها أو لم يأذن، وان لم يكن للمتحجر
عذر في ترك العمارة قيل له اما ان تعمر واما ان ترفع يدك فإن لم يعمرها كان لغيره عمارتها، فإن لم يقل له
شئ واستمر تعطيلها فقد ذكرنا حديث عمر في المسألة قبلها ومذهب الشافعي في هذا الفصل
والمسألة قبلها على نحو ما ذكرنا
168

(فصل) وللإمام اقطاع موات لمن يحييه ولا يملك بالاقطاع بل يصير كالمتحجر الشارع في الاحياء
على ما ذكرنا، ولا ينبغي ان يقطع الا ما قدر على احيائه لأن اقطاعه أكثر منه ادخال ضرر على المسلمين
بلا فائدة فيه فإن فعل ثم تبين عجزه عن احيائه استرجعه منه كما استرجع عمر رضي الله عنه من بلال
ابن الحارث ما عجز عن عمارته من العقيق الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم فروى أن النبي صلى الله
عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع وإن عمر قال لبلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يقطعك لتحجبه عن الناس إنما أقطعك لتعمر فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي رواه أبو
عبيد في الأموال، وذكر سعيد في سننه عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة قال سمعت الحارث بن بلال بن
الحارث يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقطع بلال بن الحارث العقيق فلما ولي عمر قال ما
أقطعته لتحجبه فاقطعه الناس، وروى علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اقطعه أرضا
بحضر موت قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، قال سعيد ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عمرو
ابن شعيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع ناسا من جهينة أو مزينة أرضا فعطلوها فجاء قوم
فأحيوها فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر بن الخطاب فقال عمر لو كانت
قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردها ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانا أردها
169

(فصل) وقد روى وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا فأرسل معاوية أن
اعطه إياه أو أعلمه إياه. حديث صحيح، واقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام ورمى
بسوطه فقال " أعطوه من حيث وقع السوط " رواه سعيد وأبو داود، وذكر البخاري عن أنس قال
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم بالبحرين فقالوا يا رسول الله ان فعلت فاكتب
لإخواننا من قريش بمثلها، وروي أن أبا بكر أقطع طلحة بن عبيد الله أرضا، وأقطع عثمان خمسة من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وسعدا وابن مسعود وأسامة بن زيد وخباب بن الأرت وروي
عن نافع أبي عبد الله أنه قال لعمران قبلنا أرضا بالبصرة ليست من أرض الخراج ولا تضر بأحد
من المسلمين فإن رأيت أن تقطعنيها اتخذ فيها قصيلا لخيلي قال فكتب عمر إلى أبي موسى ان كانت
كما يقول فاقطعها إياه. روى هذه الآثار كلها أبو عبيد في الأموال. إذا ثبت هذا فإن من اقطعه الإمام
شيئا من الموات لم يملكه بذلك لكن يصير أحق به كالمتحجر الشارع في الاحياء على ما ذكرنا من
حديث بلال بن الحارث حيث استرجع منه عمر ما عجز عن احيائه، ولو ملكه لم يجز استرجاعه ورد
عمر أيضا قطيعة أبي بكر لعيينة بن حصن فسأل عيينة بن حصن أبا بكر ان يجدد له كتابا فقال والله
لا اجدد شيئا رده عمر رواه أبو عبيد. فعلى هذا يكون المقطع أحق بها من سائر الناس وأولى باحيائه وحكمه
حكم المتحجر الشارع سواء وقد مر ذكره ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا
* (مسألة) * (وله اقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ورحاب المساجد ما لم يضيق على الناس)
القطائع ضربان (أحدهما) اقطاع موات لمن يحييه وقد ذكرناه (والثاني) اقطاع ارفاق وذلك كاقطاع مقاعد
الأسواق والطرق الواسعة ورحاب المساجد فللإمام اقطاعها لمن يجلس فيها لأن له في ذلك اجتهادا
170

من حيث إنه لا يجوز الجلوس الا فيما لا يضر بالمارة فكان للإمام ان يجلس فيها من لا يرى أنه يتضرر
بجلوسه، ولا يملكها المقطع بذلك بل يكون أحق بالجلوس فيها من غيره بمنزلة السابق إليها من غير
اقطاع الا في أن السابق إذا نقل متاعه عنها فلغيره الجلوس فيها لأن استحقاقه لها بسبقه إليها ومقامه
فيها فإذا انتقل عنها زال استحقاقه لزوال المعنى الذي استحق به وهذا استحق باقطاع الإمام فلا
يزول حقه بنقل متاعه ولا لغيره الجلوس فيه، وحكمه في التظليل على نفسه بما ليس بيتا ومنعه من
البناء ومنعه إذا طال مقامه حكم السابق على ما نذكره
* (مسألة) * فإن لم يقطعها فلمن يسبق إليها الجلوس فيها ويكون أحق بها ما لم ينقل قماشه عنها) ما كان من الشوارع
والطرقات والرحاب بين العمران فليس لأحد احياؤه سواء كان واسعا أو ضيقا وسواء ضيق على الناس بذلك أو لم
يضيق لأن ذلك يشترك فيه المسلمون وتتعلق به مصلحتهم أشبه مساجدهم ويجوز الارتفاق بالقعود في الواسع من
ذلك للبيع والشراء على وجه لا يضيق على أحد ولا يضر بالمارة لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على
اقرار الناس على ذلك من غير انكار، ولأنه ارتفاق بمباح من غير اضرار فلم يمنع منه كالاجتياز قال احمد في
السابق إلى دكاكين السوق غدوة فهو له إلى الليل وكان هذا في سوق المدينة فيما مضى وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم " منى مناخ من سبق " وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية
وكساء ونحوه لأن الحاجة تدعو إليه من غير مضرة فيه، وليس له أن يبني دكة ولا غيرها لأنه يضيق
على الناس وتعثر به المارة بالليل والضرير في الليل والنهار وتبقى على الدوام وربما ادعى ملكه
بذلك والسابق أحق به ما كان فيه فإن قام وترك متاعه فيه لم يجز لغيره ازالته لأن يد الأول
171

عليه وان نقل متاعه كان لغيره أن يقعد فيه لأن يده قد زالت
* (مسألة) * (فإن طال مقامه منع في أحد الوجهين) لأنه يصير كالملك ويختص بنفع يساويه غيره
في استحقاقه (والثاني) لا يمنع لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم
* (مسألة) * (وان سبق اثنان إليه احتمل أن يقرع بينهما واحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما
فإن كان الجالس يضيق على المارة لم يحل له الجلوس فيه وليس للإمام تمكينه بعوض ولا غيره)
قال أحمد ما كان ينبغي لنا أن نشتري من هؤلاء الذين يبيعون على الطريق قال القاضي هذا
محمول على أن الطريق ضيق أو يكون يؤذي المارة لما تقدم وقال لا يعجبني الطحن في العروب إذا
كانت في طريق الناس وهي السفن التي يطحن فيها في الماء الجاري إنما كره ذلك لتضييقها طريق
السفن المارة في الماء قال احمد ربما غرقت السفن فأرى للرجل ان يتوقى الشراء مما يطحن بها
(فصل) وإن سبق إلى معدن فهو أحق بما ينال منه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق
إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وسواء كان المعدن ظاهرا أو باطنا إذا كان في موات فإن اخذ
قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره منع من ذلك لأنه يضيق على الناس بما لا نفع فيه
له أشبه ما لو وقف في مشرعة الماء لغير حاجة
* (مسألة) * (وهل يمنع إذا طال مقامه للاخذ؟ على وجهين)
(أحدهما) يمنع لأنه يصير كالمتملك والآخر لا يمنع لاطلاق الحديث، وإن استبق إليه اثنان أو أكثر
وضاق المكان عنهما أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على الاخر ويحتمل ان يقسم بينهما لأنه يمكن قسمته وقد
172

تساويا فقسم بينهما كما لو تداعيا عينا في أيديهما ولا بينة لأحدهما ويحتمل ان يقدم الإمام من يرى منهما لأن
له نظرا وذكر القاضي وجها رابعا وهو ان الإمام ينصب من يقسم بينهما وهذا التفصيل مذهب الشافعي
* (مسألة) * (ومن سبق إلى مباح كصيد أو عنبر وحطب وثمر ولقطة ولقيط وما ينبذه الناس
رغبة عنه أو يضيع منهم مما لا تتبعه النفس وما يسقط من البلح وسائر المباحات فهو أحق به باذن الإمام
وغير اذنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وان سبق إليه اثنان
قسم بينهما لأن قسمته ممكنة فلا يؤخر حق أحدهما لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، وان سبق
إلى موات أو بئر عادية فهو أحق بها لما ذكرنا
* (مسألة) * (وإذا كان الماء في نهر غير مملوك كمياه الأمطار فلمن في أعلاه أن يسقي ويحبس الماء
حتى يصل إلى الكعب ثم يرسل إلى من يليه)
وجملة ذلك أنه لا يخلو الماء من حالين إما أن يكون جاريا أو واقفا والجاري ضربان (أحدهما)
أن يكون في نهر غير مملوك وهو قسمان [أحدهما] أن يكون نهرا عظيما كالنيل والفرات الذي لا يستضر
أحد بالسقي منهما فهذا لا تزاحم فيه ولكل أحد أن يسقي منها متى شاء وكيف شاء
[القسم الثاني] أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيل يتشاح فيه
أهل الأرضين الشاربة منه فيبدأ بمن في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ الكعب ثم يرسل إلى
الذي يليه فيصنع كذلك وعلى هذا حتى تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شئ أو عن
173

الثاني أو عمن يليهما فلا شئ للباقين لأنهم ليس لهم إلا ما فضل فهم كالعصبة في الميراث وهذا قول
فقهاء المدينة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه مخالفا لما روى عبد الله بن الزبير ان رجلا من الأنصار خاصم
الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم " اسق يا زبير ثم ارسل الماء إلى
جارك " فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
قال " يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فقال الزبير فوالله اني لأحسب هذه الآية نزلت فيه
(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) متفق عليه، وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال
نظرنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ثم احبس حتى يبلغ الجدر " وكان ذلك إلى الكعبين، قال أبو عبيد: الشراج
جمع شرج والشرج نهر صغير والحرة أرض ملتبسة بحجارة سود، والجدر الجدار وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
الزبير أن يسقي ثم يرسل تسهيلا على غيره فلما قال الأنصاري ما قال استوفى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه
وروى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن حزم انه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
في سيل مهزوز ومذينيب " يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الاعلى على الأسفل " قال ابن عبد البر:
هذا حديث مدني مشهور عند أهل المدينة يعملون به عندهم. قال عبد الملك بن حبيب: مهزوز ومذينيب
واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر يتنافس أهل الحوائط في سيلهما
وروى أبو داود باسناده عن ثعلبة بن أبي مالك انه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلا من قريش كان
له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزوز السيل الذي يقتسمون ماءه فقضى بينهم
174

رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الماء إلى الكعبين لا يحبس الاعلى على الأسفل، ولان من أرضه قريبة من رأس
النهر سبق إلى المكان فكان أولى به كالسابق إلى المشرعة فإن كانت أرض صاحب الاعلى مختلفة
منها عالية ومنها مستفلة سقى كل واحدة منها على حدتها، فإن استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما
الماء بينهما ان أمكن وإلا أقرع بينهما فقدم من تقع له القرعة فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من
تقع له القرعة بقدر حقه من الماء ثم تركه للآخر، وليس له السقي بجميع الماء لمساواة الآخر له في استحقاق
الماء وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق لا في أصل الحق بخلاف الاعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل
حق الا في الفاضل عن الاعلى فإن كانت أرض إحداهما أكبر من أرض الآخر قسم الماء بينهما على
قدر الأرض لأن الزائد من أرض أحدهما مساو في القرب فاستحق جزءا من الماء كما لو كان لثالث
* (مسألة) * (فإن أراد انسان احياء أرض ليسقيها من ماء النهر جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه)
إذا كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل فجاء انسان ليحيي مواتا أقرب من رأس
النهر من أرضهم لم يكن له أن يسقي قبلهم لأنهم أسبق إلى النهر منه ولان من ملك أرضا ملكها بحقوقها
ومرافقها ولا يملك غيره إبطال حقوقها وهذا من حقوقها، وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات؟ فيه
وجهان (أحدهما) ليس لهم منعه لأن حقهم في النهر لا في الموات (والثاني) لهم منعه لئلا يصير ذلك ذريعة إلى منعهم
حقهم من السقي لتقديمه عليهم في القرب إذا طال الزمان وجهل الحال، فإذا قلنا ليس لهم منعه فسيق إلى مسيل
ماء أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا ثم أحيا آخر فوقه ثم أحيا ثالث فوق الثاني كان للأسفل السقي أولا ثم
الثاني ثم الثالث، ويقدم السبق إلي الاحياء على السبق إلى أول النهر لما ذكرنا
175

(فصل) الضرب الثاني الجاري في نهر مملوك وهو قسمان (أحدهما) أن يكون الماء مباح الأصل مثل أن
يحفر انسان نهرا صغيرا يتصل بنهر كبير مباح فما لم يتصل الحفر لا يملكه وإنما هو تحجر وشروع في الاحياء
فإذا اتصل الحفر ملكه لأن الملك بالاحياء ان تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرر الانتفاع بها على
صورتها وهذا كذلك وسواء أجرى فيه الماء أو لم يجره لأن الاحياء يحصل بهيئته للانتفاع به دون
حصول المنفعة فيصير مالكا لقرار النهر وحافتيه، وهواؤه حق له وكذلك حريمه وهو ملقى الطين من
جوانبه، وعند القاضي ان ذلك غير مملوك لصاحب النهر وإنما هو حق من حقوق الملك، وظاهر قول
الخرقي انه مملوك لغير صاحبه قياسا على قوله في حريم البئر انه يملكه. إذا تقرر ذلك فكان النهر لجماعة
فهو بينهم على حسب العمل والنفقة لأنه إنما ملك بالعمارة والعمارة بالنفقة، فإن كفى جميعهم فلا كلام وإن لم
يكفهم فتراضوا على قسمته بالمهايأة أو غيرها جاز لأن حقهم لا يخرج عنهم، وان تشاحوا فيه قسمه
الحاكم بينهم على قدر أملاكهم لأن كل واحد منهم يملك من النهر بقدر ذلك فتؤخذ خشبة أو حجر
مستوى الطرفين والوسط فتوضع على موضع مستو من الأرض في مصدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية
في السعة على قدر حقوقهم من كل حز أو ثقب ساقية مفردة لكل واحد منهم فإذا حصل الماء في ساقيته
انفرد به فإن كانت أملاكهم مختلفة قسم على قدر ذلك، فإذا كان لأحدهم نصفه وللثاني ثلثه وللثالث
سدسه جعل فيه ستة ثقوب: لصحاب النصف ثلاثة نصب في ساقيته ولصاحب الثلث اثنان ولصاحب
176

فسدس واحد، فإن كان لواحد الخمسان والباقي لاثنين على السواء جعل عشرة ثقوب: لصاحب الخمسين
أربعة نصب في ساقيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة، فإن كان النهر لعشرة - لخمسة منهم أراض
الريبة من أول النهر ولخمسة أراض بعيدة جعل لأصحاب القريبة خمسة ثقوب لكل واحد ثقب وجعل
للباقين خمسة تجري في النهر حتى تصل إلى أرضهم، ثم تقسم بينهم قسمة أخرى فإن أراد أحدهم أن
يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر لم يجز بغير رضاه لأنه يتصرف في ساقيته ويخرب حابتيها
بغير إذنه ويخلط حقه بحق غيره على وجه لا يتميز فلم يجز ذلك، ويجئ على قولنا إن الماء لا يملك ان
حكم الماء في هذا النهر حكمه في نهر غير مملوك وان الأسبق أحق بالسقي ثم الذي يليه على ما ذكرنا،
ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على نحو ما ذكرنا
(فصل) وإذا حصل نصيب انسان في ساقية فله أن يسقي به ما شاء من الأرض سواء كان
لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن، وله أن يعطيه من يسقي به، وقال القاضي وأصحاب الشافعي
ليس له سقي أرض ليس لها رسم شرب من هذا الماء لأن ذلك دال على أن لها قسما من هذا الماء فربما
جعل سقيها منه دليلا على استحقاقها لذلك فيستضر الشركاء ويصير هذا كما لو كان له دار بابها في درب
لا ينفذ ودار بابها في درب آخر ظهرها ملاصق لظهر داره الأولى فأراد تنفيذ إحداهما إلى الأخرى لم
يجز لأنه يجعل لنفسه استطراقا من كل واحدة من الدارين
ولنا أن هذا ماء انفرد باستحقاقه فكان له أن يسقي منه ما شاء كما لو انفرد به من أصله ولا نسلم
177

ما ذكره في الدارين وان سلمنا فالفرق بينهما ان كل دار يخرج منها إلى درب مشترك لأن الظاهر أن
لكل دار سكانا فيجعل لسكان كل واحدة منهما استطراقا إلى درب غير نافذ لم يكن لهم حق في
استطراقه وههنا إنما يسقي من ساقيته المفردة التي لا يشاركه غيره فيها، فلو صار لتلك الأرض رسم من
الشرب من ساقيته لم يتضرر بذلك أحد، ولو كان يسقي من هذا النهر بدولاب فأحب أن يسقي بذلك الماء
أرضا لا رسم لها في الشرب من ذلك النهر فالحكم في ذلك على ما ذكرنا من الخلاف، وإن كان الدولاب يغرف
من نهر غير مملوك جاز أن يسقى بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها في الشرب منه بغير خلاف نعلمه فإن
ضاق الماء قدم الأسبق فالأسبق على ما مضى
(فصل) ولكل واحد منهم أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب من إجراء ماء غير هذا
الماء فيها أو عمل رحى عليها أو دولاب أو عبارة وهي خشبة تمد على طرفي النهر أو قنطرة يعبر فيها
الماء أو غير ذلك من التصرفات لأنها ملكه ولا حق فيها لغيره فاما النهر المشترك فليس لواحد منهم
أن يتصرف فيه بشئ من ذلك لأنه تصرف في النهر المشترك أو في حريمه بغير إذن شركائه وقال
القاضي في العبارة هذا ينبني على الروايتين فيمن أراد أن يجري ماءه في أرض غيره والصحيح أنه
178

لا يجوز ههنا ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره لأن اجراء الماء في أرض ينفع صاحبها
لأنه يسقي عروق شجره ويشربه أولا وآخرا وهذا لا ينفع النهر بل ربما أفسد حافته ولا يسقي له
شيئا، ولو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من النهر قبل قسمته شيئا يسقي به أرضا في أول النهر أو في غيره
أو أراد إنسان غيرهم ذلك لم يجز لأنهم صاروا أحق بالماء الخاص في نهرهم من غيرهم ولان الاخذ
من الماء ربما احتاج إلى تصرف في حافة النهر المملوك لغيره أو المشترك بينه وبين غيره، ولو فاض
ماء هذا النهر إلى أرض إنسان فهو مباح كالطائر يعشش في ملك إنسان ومذهب الشافعي في
ذلك على نحو ما ذكرنا.
(فصل) وان قسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة جاز إذا تراضوا به وكان حق كل واحد منهم
معلوما مثل أن يجعلوا لكل حصة يوما وليلة، وان قسموا النهار فجعلوا لواحد من طلوع الشمس إلي
الزوال وللآخر من الزوال إلى الغروب ونحو ذلك جاز، وان قسموه ساعات وأمكن ضبط ذلك
بشئ معلوم جاز فإذا حصل الماء لأحدهم في نوبته فأراد أن يسقي به أرضا ليس لها رسم شرب من
هذا أو يؤثر به إنسانا أو يقرضه إياه على وجه لا يتصرف في حافة النهر جاز وعلى قول القاضي
وأصحاب الشافعي ينبغي أن لا يجوز لما تقدم، وان أراد صاحب النوبة أن يجري مع مائه ماء له آخر يسقي
179

به أرضه التي لها رسم شرب من النهر أو أرضا له أخرى أو سأله إنسان أن يجري له ماء مع مائه في هذا النهر
ليقاسمه إياه في موضع آخر على وجه لا يضر بالنهر ولا بأحد جاز ذلك في قياس قول أصحابنا فإنهم
قالوا فيمن استأجر أرضا جاز أن يجري فيها ماء في نهر محفور إذا كان فيها ولأنه مستحق لنفع النهر في
نوبته باجراء الماء فأشبه ما لو استأجرها لذلك.
(فصل) القسم الثاني أن يكون منبع الماء مملوكا مثل ان اشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها
فإنهم يملكونها أيضا لأن ذلك احياء لها، ويشتركون فيها وفي ساقيتها على حسب ما أنفقوا عليها وعملوا
فيها كما ذكرنا في النهر في القسم الذي قبله الا أن الماء غير مملوك ثم لأنه مباح دخل ملكه فأشبه ما لو
دخل بستانه صيد، وههنا يخرج على روايتين أصحهما أنه غير مملوك أيضا وقد ذكرنا ذلك في كتاب
البيع وعلى كل حال فلكل أحد أن يستقي من الماء الجاري لشربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه
وينتفع به في أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه من غير إذنه إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحصل
لصاحبه المنع من ذلك لما روي أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم
ولهم عذاب أليم رجل كان يفضل ماء بالطريق فمنعه ابن السبيل " رواه البخاري وعن بهيسة عن أبيها أنه
قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال الماء قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال
180

" الملح " قال يا نبي الله ما الشئ الذي لا يحل منعه؟ قال " أن تفعل الخير خير لك " رواه أبو داود ولان ذلك
لا يؤثر في العادة وهو فاضل عن حاجة صاحب النهر، واما ما يؤثر كسقي الماشية الكثيرة فإن فضل
عن حاجته لزمه بذله والا لم يلزمه وقد ذكرناه
(فصل) إذا كان النهر أو الساقية مشتركا بين جماعة فأرادوا اكراءه أو سد بثق فيه أو اصلاح
حائطه أو شئ منه كان ذلك عليهم على حسب ملكهم فيه فإن كان بعضهم أدنى إلى أوله من بعض
اشترك الكل في إصلاحه واكرائه إلى أن يصلوا إلى الأول ثم لا شئ على الأول ويشترك الباقون
حتى يصلوا إلى الثاني ثم يشترك من بعده كذلك كلما انتهى العمل إلى موضع واحد منهم لم يكن
عليه فيما بعده شئ وبهذا قال الشافعي وحكي عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يشترك جميعهم
في اكرائه كله لأنهم ينتفعون بجميعه فإن ما جاوز الأول مصب لمائه وان لم يسق أرضه
ولنا أن الأول إنما ينتفع بالماء الذي في موضع شربه وما بعده إنما يختص بالانتفاع به من دونه
فلا يشاركهم في مؤنته كما لا يشاركهم في نفعه فإن كان يفضل عن جميعهم منه ما يحتاج إلى مصرف
فمؤنته على جميعهم لاشتراكهم في الحاجة إليه والانتفاع به فكانت مؤنته عليهم كلهم كأوله
181

* (مسألة) * (وللإمام أن يحمي أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها
ما لم يضيق على الناس، ولا يجوز ذلك لغيره)
معنى الحمى أن يحمى أرضا يمنع الناس رعى جشيشها ليختص بها وكانت العرب في الجاهلية تعرف
ذلك فكان منهم من إذا انتجع بلدا أقام كلبا على نشز ثم استعواه ووقف له من كل ناحية من
يسمع صوته بالعواء فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ويرعى مع الناس فيما سواه فنهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لما فيه من التضييق على الناس ومنعهم من الانتفاع بشئ لهم فيه حق فروى
الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا حمى إلا لله ولرسوله " رواه أبو داود وقال عليه
الصلاة والسلام " الناس شركاء في ثلاث في الماء والنار والكلأ " رواه الخلال فليس لأحد من الناس
أن يحمي سوى الأئمة لما ذكرنا من الخبر والمعنى، فاما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان له أن يحمي لنفسه
وللمسلمين لقوله " لا حمى إلا لله ولرسوله " ولم يحم لنفسه شيئا وإنما حمى للمسلمين فروى ابن عمر
قال حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين رواه أبو عبيد والنقيع بالنون موضع ينتقع فيه الماء فيكثر
فيه الخصب لمكان الماء الذي يصير فيه، وأما سائر أئمة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئا
ولكن لهم أن يحموا مواضع لترعى فيها خيل المجاهدين ونعم الجزية وإبل الصدقة وضوال
182

الناس التي يقوم الإمام بحفظها وماشية الضعيف من الناس على وجه لا يستضر به من سواه من
الناس وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في صحيح قوليه، وقال في الآخر ليس لغير النبي صلى الله عليه وسلم
أن يحمي لقوله " لا حمى إلا لله ولرسوله " ووجه الأول أن عمر وعثمان حميا واشتهر ذلك في الصحابة
فلم ينكر عليهما فكان اجماعا فروى أبو عبيد باسناده عن عامر بن عبد الله بن الزبير أحسبه عن
أبيه قال أتى اعرابي عمر فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الاسلام
علام؟ تحميها قال فاطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه وكان إذا كربه أمر فتل شاربه ونفخ فلما
رأى الاعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال عمر المال مال الله والعباد عباد الله والله لولا ما أحمل عليه
في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرا في شبر. قال خالك بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين
ألفا من الظهر، وعن أسلم قال سمعت عمر يقول لهني حين استعمله على حمى الربذة يا هني اضمم
جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة ودعني من نعم ابن
عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع وان هذا المسكين ان هلكت
ماشيته جاء يصرخ يا أمير المؤمنين فالكلا أهون علي أم غرم الذهب والورق انها أرضهم قاتلوا عليها
في الجاهلية وأسلموا عليها في الاسلام وانهم ليرون أنا نظلمهم ولولا النعم التي نحمل عليها في سبيل الله
183

لما حميت على الناس من بلادهم شيئا أبدا وهذا اجماع منهم ولان ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمة
فيه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما أطعم الله لنبي طعمة الا جعلها طعمة
من بعده " والخبر مخصوص وما حماه لنفسه يفارق حمى النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه لأن صلاحه يعود إلى صلاح
المسلمين وماله كان يرده على المسلمين، وليس لهم أن يحموا الا قدرا لا يضيق عن المسلمين ويضر بهم
لأنه إنما جاز لما فيه من المصلحة لما يحمى وليس من المصلحة ادخال الضرر على أكثر الناس
* (مسألة) * (وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع بقاء الحاجة إليه)
لأن ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم نص لا يجوز نقضه بالاجتهاد ومن أحيا منه شيئا لم يملكه وان زالت
الحاجة إليه ففيه وجهان أصحهما أنه لا يجوز نقضه لما ذكرنا، فأما ما حماه غيره من الأئمة فغيره هو أو
غيره من الأئمة جاز، وان أحياه انسان ملكه في أحد الوجهين لأن حمى الأئمة اجتهاد وملك الأرض
بالأشياء نص والنص يقدم على الاجتهاد والوجه الآخر لا يملكه لأن اجتهاد الإمام لا يجوز نقضه
كما لا يجوز نقض حكمه والأول أولى لأن الاجتهاد في حماء في تلك المدة دون غيره ولهذا ملك الحامي
نقضه ومذهب الشافعي في هذا على نحو ما ذكرنا
184

كتاب الوقف
وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وهو مستحب، والأصل فيه ما روى عبد الله بن عمر قال
أصاب عمر أرضا بخير فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله انى أصبت أرضا بخيبر لم أصب قط مالا
أنفس عندي منه فما تأمرني فيه؟ قال " ان شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع
ولا يوهب ولا يورث " قال فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف
لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا بالمعروف غير متاثل فيه أو غير متمول فيه متفق
عليه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة
جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولده صالح يدعو له " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ورواه مسلم
(فصل) والقول بصحة الوقف قول أكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم، قال جابر لم يكن
أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف ولم يره شريح وقال لا حبس عن فرائض الله
قال احمد هذا مذهب أهل الكوفة وحديث ابن عمر حجة على من خالفه وهو صريح في الحكم مع
صحته وقول جابر نقل للاجماع فلا يلتفت إلى خلاف ذلك
185

* (مسألة) * وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجدا
ويأذن للناس في الصلاة فيه أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها أو سقاية ويشرعها لهم)
ظاهر المذهب ان الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه التي ذكرناها قال احمد في رواية أبي داود
وأبي طالب فيمن أدخل بيتا في المسجد واذن فيه: لم يرجع فيه وكذلك إذا اتخذ المقابر واذن للناس
والسقاية فليس له الرجوع هذا قول أبي حنيفة، الرواية الأخرى لا يصح الا بالقول ذكرها القاضي
وهو مذهب الشافعي وأخذه القاضي من قول احمد إذ سأله الأثرم عن رجل أحاط حائط على أرض
ليجعلها مقبرة ونوى بقلبه ثم بدا له العود فقال إن كان جعلها لله فلا يرجع
قال شيخنا وهذا لا ينافي الرواية الأولى فإنه ان أراد بقوله إن كان جعلها لله أي نوى بتحويطها
جعلها لله فهذا تأكيد للرواية الأولى وزيادة عليها إذ منعه من الرجوع بمجرد التحويط مع النية وان
أراد بقوله جعلها لله أي اقترنت بفعله قرائن دالة على إرادة ذلك مع اذنه للناس في الدفن فيها فهو
الرواية الأولى بعينها وان أراد إذا وقفها بقوله فيدل بمفهومه على أن الوقف لا يحصل بمجرد التحويط
والنية وهذا لا ينافي الرواية الأولى لأنه في الأولى انضم إلى فعله، اذنه للناس في الدفن ولم يوجد
ههنا فلا تنافي بينهما ولم يعلم مراده من هذه الاحتمالات فانتفت هذه الرواية وصار المذهب رواية واحدة
واحتجوا بان هذا تحبيس على وجه القربة فوجب أن لا يصح بدون اللفظ كالوقف على الفقراء
186

ولنا أن العرف جار بذلك وفيه دلالة على الوقف فجاز ان يثبت به كالقول وجرى مجرى من
قدم إلى ضيفه طعاما كان اذنا في أكله ومن ملا خابية ماء على الطريق كان تسبيلا له ومن نثر نثارا
كان اذنا في أخذه كذلك دخول الحمام واستعمال مائه من غير اذن مباح بدلالة الحال وقد ذكرنا
في البيع أنه يصح بالمعاطاة وكذلك الهبة والهدية لدلالة الحال كذلك هذا وأما الوقف على المساكين
فلم تجر به عادة بغير لفظ ولو كان شئ جرت به العادة أو دلت الحال عليه كان كمسئلتنا
* (مسألة) * وصريحه وقفت وسبلت وحبست فمتى أتى بواحدة منها صار وقفا من غير انضمام أمر
زائد لأن هذه الألفاظ ثبت لها عرف الاستعمال بين الناس وانضم إلى ذلك عرف الشرع بقول
النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " ان شئت حبست أصلها وسلبت ثمرتها " فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ التطليق
في الطلاق والكناية تصدقت وحرمت وأبدت فليست صريحة لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة
فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات والتحريم يستعمل في الظهار والايمان ويكون تحريما على نفسه
وعلى غيره، والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأييد الوقف فلم يثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال فلا
يصح الوقف بمجردها ككنايات الظاهر فإذا انضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها
(أحدها) أن ينوي الوقف فيكون على ما نوى إلا أن النية تجعله وقفا في الباطن دون الظاهر
لعدم الاطلاع عليها فإن اعترف بما نواه لزم في الحكم لظهوره، وإن قال ما أردت الوقف فالقول
قوله لأنه أعلم بما نوى
187

(الثاني) أن يضيف إليها لفظة تخلصها من الألفاظ الخمسة فيقول صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة
أو مؤبدة أو محرمة أو يقول هذه محرمة موقوفة أو محتبسة أو مسبلة أو مؤبدة
(الثالث): أن يصفها بصفات الوقف فيقول صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث لأن هذه
القرينة تزيل الاشتراك.
* (مسألة) * (ولا يصح الوقف إلا بشروط أربعة: (أحدها) أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن
الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها كالحيوان والعقار والأثاث والسلاح)
وجملة ذلك أن الذي يصح وقفه ما جاز بيعه مع بقاء عينه وكان أصلا يبقى بقاء متصلا كالعقار والحيوان
والسلاح والأثاث وأشباه ذلك
قال احمد في رواية الأثرم إنما الوقف في الدور والأرضين على ما وقف أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال فيمن وقف خمس نخلات على مسجد: لا بأس به، وهذا قول الشافعي، وقال
أبو يوسف لا يجوز وقف الحيوان ولا الرقيق ولا العروض الا الكراع والسلاح والغلمان والبقر
والآلة في الأرض الموقوفة تبعا لها لأن هذا حيوان لا يقاتل عليه فلم يجز وقفه كما لو كان الوقف إلى
مدة، وعن مالك في الكراع والسلاح روايتان
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أما خالد فإنه قد احتبس أدراعه واعتاده في سبيل الله " متفق
188

عليه وفي رواية أعتده أخرجه البخاري قال الخطابي الاعتاد ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة
الجهاد، وروي أن أم معقل جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان أبا معقل جعل ناصحه في
سبيل الله واني أريد الحج أفأركبه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اركبيه فإن الحج والعمرة من سبيل الله "
ولأنه يحصل فيه تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فصح وقفه كالعقار والفرس الحبيس أو نقول يصح وقفه
مع غيره فصح وحده كالعقار
(فصل) قال احمد رحمه الله في رجل له دار في الربض أو قطيعة فأراد التنزه منها قال يقفها وقال
القطائع ترجع إلى الأصل أراد جعلها للمساكين فظاهر هذا إباحة وقف السواد وهو في الأصل وقف
ومعناه أن وقفها يطابق الأصل لا انها تصير بهذا القول وقفا
* (مسألة) * (ويصح وقف المشاع وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف، وقال محمد بن الحسن
لا يصح وبناه على أصله في أن القبض شرط وهو لا يصح في المشاع
ولنا أن في حديث عمر انه أصاب مائة سهم من خيبر فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فأذن له في وقفها
وهذا صفة المشاع ولأنه عقد يجوز على بعض الجملة مقررا فجاز عليه مشاعا كالبيع ولان الوقف تحبيس
الأصل وتسبيل المنفعة وهذا يحصل في المشاع كحصوله في المقرر ولا نسلم اعتبار القبض وان سلمها
189

(فصل) وان وقف داره على جهتين مختلفتين مثل أن يقفها على أولاده وعلى المساكين نصفين
أو أثلاثا أو كيفما كان جاز وسواء جعل مآل الموقوف على أولاده على المساكين أو على جهة سواهم
لأنه إذا جاز وقف الجزء مفردا جاز وقف الجزئين، وان أطلق الوقف فقال وقفت داري هذه على
أولادي وعلى المساكين فهي بينهما نصفين لأن اطلاق الإضافة إليهما يقتضي التسوية بين الجهتين ولا تتحقق
الا بالتنصيف وان قال وقفتها على زيد وعمرو والمساكين فهي بينهم أثلاثا
* (مسألة) * (ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية)
لأن ذلك نفع مباح مقصود يجوز أخذ الأجرة عليه فصح الوقف عليه كوقف السلاح في سبيل الله
ولما روى نافع قال ابتاعت حفصة حليا بعشرين ألفا فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج
زكاته رواه الخلال باسناده ولأنه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دائما فصح وقفها كالعقار وهو قول
الشافعي وروي عن أحمد انه لا يصح وقفها عليه وأنكر الحديث عن حفصة في وقفه ووجه هذه الرواية
أن التحلي ليس هو المقصود الأصلي من الأثمان فلم يصح وقفها عليه كما لو وقف الدنانير والدراهم والمذهب
الأول لما ذكرنا، والتحلي من المقاصد المهمة والعادة جارية به وقد اعتبره الشرع في اسقاط الزكاة عن
متخذه وجوز اجارته لذلك ويفارق الدراهم والدنانير فإن العادة لم تجر بالتحلي بها ولا اعتبر الشرع
ذلك في اسقاط زكاة ولا ضمان نفعه في الغصب بخلاف مسئلتنا
190

* (مسألة) * (ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار وسلاح غير معين) لأن الوقف ابطال لمعنى الملك
فيه فلم يصح في غير معين كالعتق
* (مسألة) * (ولا يصح في غير معين كأحد هذين العبدين) لأنه انقل للملك على وجه القربة فلم يصح
في غير معين كالهبة
* (مسألة) * (ولا يصح وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد والكلب والمرهون وكذلك الخنزير وسائر سباع
البهائم التي لا تصلح للصيد وجوارح الطير التي لا يصاد بها)
لأنه نقل للملك فيها في الحياة فلم يجز كالبيع ولان الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وما لا منفعة
فيه مباحة فلا يحصل فيه تسبيل المنفعة والكلب أبيح الانتفاع به على خلاف الأصل للضرورة فلم يجز
التوسع فيها، والمرهون في وقفه ابطال حق المرتهن منه فلم يجز ابطاله ولا يصح وقف الحمل المنفرد
لأنه لا يجوز بيعه.
(فصل) ولا يصح وقف ما لا ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان والطعوم والرياحين)
ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدراهم والدنانير والمشروب وأشباهه من الرياحين لا يجوز وفقه في
قول عامة الفقهاء وأهل العلم الا شيئا حكي عن مالك والأوزاعي في وقف الطعام انه يجوز ولم يحكه أصحاب
مالك وليس بصحيح لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وما لا ينتفع به إلا بالاتلاف لا يصح ذلك
191

فيه وقيل في الدراهم والدنانير يصح وقفها عند من أجاز اجارتها ولا يصح لأن تلك المنفعة ليست المقصود
الذي خلقت له الأثمان ولهذا لا تضمن في الغصب فلم يجز الوقف له كوقف الشجر على نشر الثياب والغنم
على دوس الطين والشمع ليتجعل به ولذلك لا يصح وقف الشمع للأشعال لأنه يتلف بالانتفاع به فهو
كالمأكول (الثاني) أن يكون على بر كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب مسلمين كانوا أو من
أهل الذمة. وجملة ذلك أن الوقف لا يصح إلا على بر أو معروف لولده وأقاربه والمساجد والقناطر
وكتب الفقه والعلم والقرآن والسقايات والمقابر وسبيل الله وإصلاح الطرق ونحو ذلك من القرب ويصح
على أهل الذمة لأنهم يملكون ملكا محترما وتجوز الصدقة عليهم قال الله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين
لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) وإذا جازت الصدقة عليهم جاز
الوقف عليهم كالمسلمين، وروي ان صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقفت على أخ لها يهودي ولان
من جاز أن يقف عليه الذمي جاز أن يقف المسلم عليه كالمسلم ولو وقف على من ينزل كنائسهم وبيعهم
من المارة والمجتازين من أهل الذمة وغيرهم صح لأن الوقف عليهم لا على الموضع
* (مسألة) * (ولا يصح على الكنائس وبيوت النار والبيع وكتب التوراة والإنجيل) لأن ذلك
معصية فإن هذه المواضع بنيت للكفر وكتبهم مبدلة منسوخة ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم
على عمر حين رأى معه صحيفة فيها شئ من التوراة وقال " أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها
بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي " ولولا أن ذلك معصية ما غضب منه. وحكم
192

الوقف على قناديل البيعة وفرشها ومن يخدمها ومن يعمرها كالوقف عليها لأنه يراد لتعظيمها والمسلم
والذمي في ذلك سواء، قال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعا وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا
والضياع بيد النصارى فلهم أخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم وهذا مذهب الشافعي
قال شيخنا ولا نعلم فيه مخالفا لأن ما لا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح وقف الذي كغير المعين
فإن قيل فقد قلتم ان أهل الكتاب إذا عقدوا عقودا فاسدة وتقابضوا ثم أسلموا وترافعوا إلينا لم ننقض
ما فعلوه فكيف أجزتم الرجوع فيما وقفوه علي كنائسهم؟ قلنا الوقف ليس بعقد معاوضة إنما هو إزالة
ملك في الموقوف على وجه القربة فإذا لم يقع صحيحا لم يزل الملك بحاله كالعتق، وقد روي عن أحمد
رحمه الله فيمن أشهد في وصيته ان غلامه فلانا يخدم البيعة خمس سنين ثم هو حر ثم مات مولاه
وخدم سنة ثم أسلم ما عليه؟ قال هو حر ويرجع على الغلام بأجر خدمة مبلغ أربع سنين، وروي عنه
قال هو حر ساعة مات مولاه لأن هذه معصية وهذه الرواية أصح وأوفق لأصوله، ويحتمل ان قوله
يرجع عليه بخدمة أربع سنين لم يكن لصحة الوظيفة بل لأنه إنما أعتقه بعوض يعتقدان صحته فإذا
تعذر العوض باسلامه كان عليه ما يقوم مقامه كما لو تزوج الذمي ذمية على ذلك ثم أسلم فإنه يجب عليه
المهر كذا ههنا يجب عليه العوض والأول أولى
193

* (مسألة) * (ولا يصح الوقف على حربي ولا مرتد) لأن أموالهم مباحة في الأصل تجوز إزالتها
فما يتجدد لهم أولى والوقف يجب أن يكون لازما لأنه تحبيس الأصل
* (مسألة) * (ولا يصح على نفسه في إحدى الروايتين، فإن وقف على غيره واستثنى الاكل
منه مدة حياته صح)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن وقف على نفسه ثم على المساكين أو على ولده فقال
في رواية أبي طالب وقد سئل عن هذا فقال لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله تعالى أو في سبيله
فإذا وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه، فعلى هذه الرواية يكون الوقف عليه باطلا وهل يبطل على من
بعده؟ على وجهين بناء على الوقف المنقطع الابتداء وهذا مذهب الشافعي لأن الوقف تمليك للرقبة
أو للمنفعة ولا يجوز أن يملك الانسان نفسه من نفسه كما لو يجوز أن يبيع ماله من نفسه ولان الوقف
على نفسه إنما حاصله منع نفسه من التصرف في رقبة الملك فلم يصح ذلك كما لو أفرده بأن يقول
لا أبيع هذا ولا أهبه ولا أورثه، ونقل جماعة ان الوقف صحيح اختاره ابن أبي موسى. قال ابن عقيل
وهو أصح وهو قول ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي يوسف وابن شريح لما نذكره في المسألة بعدها
ولأنه يصح أن يقف وقفا عاما فينتفع به كذلك إذا خص نفسه بانتفاعه والأول أقيس
(فصل) ومن وقف وقفا صحيحا على انسان فقد صارت منافعه جميعها للموقوف عليه وزال ملكه
194

عن الوقف وملك منافعه فلم يجز أن ينتفع بشئ منها فأما ان وقف شيئا للمسلمين دخل في جملتهم
مثل أن يقف مسجدا فله أن يصلي فيه أو مقبرة فله الدفن فيها أو بئر للمسلمين فله أن يسقي منها
أو سقاية أو شيئا يعم المسلمين فيكون كأحدهم لا نعلم في ذلك خلافا وقد روي عن عثمان بن عفان رضي
الله عنه أنه سبل بئر رومة وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين
* (مسألة) * (وان وقف على غيره واستثنى الاكل منه مدة حياته صح)
إذا وقف وقفا على غيره وشرط أن ينفق منه على نفسه صح الوقف والشرط نص عليه أحمد
قال الأثرم قيل لأبي عبد الله اشترط في الوقف اني أنفق على نفسي وأهلي؟ قال نعم واحتج قال سمعت
ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر قال القاضي يصح الوقف رواية واحدة لأن أحمد نص عليها
في رواية جماعة وبذلك قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو يوسف والزبيري وابن شريح وقال مالك
والشافعي ومحمد بن الحسن لا يصح الوقف لأنه إزالة الملك فلم يجز اشتراط نفعه لنفسه كالبيع والهبة
وكما لو أعتق عبدا واشترط أن يخدمه ولان ما ينفقه على نفسه مجهول فلم يصح اشتراطه كما لو باع شيئا
واشترط أن ينتفع به.
ولنا ان الخبر الذي ذكره الإمام أحمد ولان عمر رضي الله عنه لما وقف قال لا بأس على من
195

وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقا غير متمول منه وكان الوقف في يده إلى أن مات ولأنه إذا وقف
وقفا عاما كالمساجد والسقايات والمقابر كان له الانتفاع به وكذلك ههنا ولا فرق بين أن يشترط لنفسه
الانتفاع به مدة حياته أو مدة معلومة معينة وسواء قدر ما يأكل منه أو أطلقه فإن عمر لم يقدر ما يأكله
الوالي ويطعم الا بقوله بالمعروف وفي حديث صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرط أن يأكل
أهله منها بالمعروف غير المنكر إلا أنه إذا شرط أن ينتفع بها مدة معينة فمات فيها فينبغي أن يكون ذلك
لورثته كما لو باع دارا واشترط أن يسكنها سنة فمات في أثنائها
(فصل) ويصح أن يشترط ان يأكل منها أهله لأن النبي صلى الله عليه شرط ذلك في صدقته وان
شرط أن يأكل منه من وليه ويطعم صديقا صح لأن عمر شرط ذلك في صدقته التي استأمر فيها رسول الله
عليه وسلم فإن وليها الواقف كان له أن يأكل ويطعم صديقا لأن عمر ولي صدقته وان وليها أحد من
أهله فله ذلك لأن حفصة بنت عمر كانت تلي صدقته بعد موته ثم وليها بعدها عبد الله بن عمر
(فصل) فإن اشترط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه بطل الوقف والشرط لا نعلم في
بطلان الشرط خلافا لأنه ينافي مقتضى الوقف ويحتمل أن يبطل الشرط ويصح الوقف بناء على الشروط
الفاسدة في البيع وان شرط الخيار في الوقف فسد نص عليه أحمد وبه قال الشافعي وقال أبو يوسف في
رواية عنه يصح لأن الوقف تمليك المنافع فجاز شرط الخيار فيه كالإجارة
196

ولنا أنه شرط ينافي مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط ان له بيعه متى شاء ولأنه إزالة ملك لله تعالى
فلم يصح شرط الخيار فيه كالعتق ولأنه ليس بعقد معاوضة فلم يصح اشتراط الخيار فيه كالهبة بخلاف
الإجارة فإنها عقد معاوضة وههنا لو ثبت الخيار لثبت مع ثبوت حكم الوقف فافترقا
(فصل) وان شرط في الوقف أن يخرج من شاء من أهل الوقف ويدخل من شاء من غيرهم لم
يصح لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف فأفسده كما لو شرط أن لا ينتفع به فأما ان شرط للناظر ان يعطي
من يشاء من أهل الوقف ويمنع من يشاء جاز لأن ذلك ليس باخراج للموقوف عليه من الوقف
وإنما علق استحقاق الوقف بصفة فكأنه جعل له حقا في الوقف إذا اتصف بإرادة الناظر عطيته
ولم يجعل له حقا إذا انتفت تلك الصفة فيه فأشبه ما لو وقفه على المشتغلين بالعلم من ولده فإنه يستحق
منهم من اشتغل دون من لم يشتغل فمتى ترك المشتغل الاشتغال زال استحقاقه فإن عاد إليه عاد استحقاقه
* (فصل) * إذا جعل علو داره مسجدا دون أسفلها أو أسفلها دون علوها صح وقال أبو حنيفة لا يصح
لأن المسجد يتبعه هواؤه
ولنا أنه يصح بيعها كذلك فصح وقفها كالدار جميعها ولأنه تصرف يزيل الملك إلى من يثبت له حق
الاستقرار والتصرف فجاز فيما ذكرنا كالبيع
* (فصل) * فإن جعل وسط داره مسجدا ولم يذكر الاستطراق صح وقال أبو حنيفة لا يصح حتى
يذكر الاستطراق
197

ولنا أنه عقد يبيح الانتفاع من ضرورته الاستطراق فصح وإن لم يذكره كما لو أجر بيتا من داره
* (مسألة) * (الثالث أن يقفه على معين يملك ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد)
لأنه تمليك أشبه البيع ولان الوقف تمليك للعين أو للمنفعة فلا يصح على غير معين كالإجارة
* (مسألة) * (ولا يصح على حيوان لا يملك كالعبد القن وأم الولد والمدبر والميت والحمل والملك والبهيمة والجن)
قال أحمد فيمن وقف على مماليكه لا يصح الوقف حتى يعتقهم وذلك لأن الوقف تمليك فلا يصح
على من لا يملك فإن قيل فقد جوزتم الوقف على المساجد والسقايات وأشباهها وهي لا تملك قلنا الوقف
هناك على المسلمين الا أنه عين في نفع خاص لهم
فإن قيل فينبغي أن يصح الوقف على الكنائس ويكون الوقف على أهل الذمة والوقف عليهم
جائز قلنا على الجهة التي عين صرف الوقف فيها ليست نفعا بل هي معصية محرمة يزدادون بها عقابا
واثما بخلاف المساجد
فإن قيل فلم لا يصح الوقف على العبد إذا قلنا إنه يملك بالتمليك؟ قلنا لأن الوقف يقتضي تحبيس
الأصل والعبد لا يملك ملكا لازما ولا يصح على المكاتب وإن كان يملك لأن ملكه غير مستقر
* (مسألة) * (الرابع أن يقف ناجزا فإذا علقه على شرط لم يصح إلا أن يقول هو وقف بعد
198

موتي فيصح في قول الخرقي وعند أبي الخطاب لا يصح)
لا يصح تعليق ابتداء الوقف على شرط في الحياة مثل أن يقول إذا جاء رأس الشهر قداري وقف
أو فرسي حبيس أو إذا ولد لي ولد أو إذا قدم غائب ونحو ذلك ولا نعلم في هذا خلافا لأنه نقل للملك
فيما لم يبن على التغليب والسراية فلم يجز تعليقه على شرط في الحياة كالهبة
(فصل) فأما إذا قال هو وقف بعد موتي فظاهر كلام الخرقي أنه يصح ويعتبر من الثلث كسائر
الوصايا وهو ظاهر كلام أحمد وقال القاضي لا يصح هذا لأنه تعليق للوقف على شرط فلم يصح كما لو علقه
على شرط في حياته وحمل كلام الخرقي على أنه قال قفوا بعد موتي فتكون وصية بالوقف لا ايقافا
ولنا على صحة الوقف المعلق بالموت ما احتج به أحمد أن عمرا وصى فكان في وصيته هذا ما أوصى به
عبد الله عمر أمير المؤمنين ان حدث به حدث ان ثمنا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه
الذي فيه والمائة وسق الذي أطعمني محمد صلى الله عليه وسلم تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهله
لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث يرى من السائل والمحروم وذوي القربى ولا حرج على من وليه ان
أكل أو اشتري رقيقا رواه أبو داود بنحو من هذا وهذا نص في مسئلتنا ووقفه هذا كان بأمر النبي
صلى الله عليه وسلم ولأنه اشتهر في الصحابة ولم ينكر فكان إجماعا ولان هذا تبرع معلق بالموت فصح كالهبة
والصدقة المطلقة أو نقول صدقة معلقة بالموت فأشبهت غير الوقف وفارق هذا التعليق على شرط في الحياة
199

بدليل الصدقة المطلقة أو الهبة وغيرهما وذلك لأن هذا وصية والوصية أوسع من التصرف في الحياة
بدليل جوازها بالمجهول والمعدوم وللمجهول وللحمل وغير ذلك وبهذا يبين فساد قياس من قاس على
هذا الشرط بقية الشروط وسوى المتأخرون من أصحابنا بين تعليقه بالموت وتعليقه بشرط في الحياة
ولا يصح لما ذكرنا من الفرق بينهما
(فصل) ولا يشترط القبول الا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان أحدهما يشترط فإن لم يقبل
أو رده بطل في حقه دون من بعده وصار كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز يصرف في الحال
إلى من بعده وجملة ذلك أن الوقف إذا كان على غير معين كالمساكين أو من لا يتصور منه القبول
كالمساجد والقناطر لم يفتقر إلى القبول ون كان على آدمي معين ففيه وجهان أحدهما لا يشترط اختاره
القاضي لأنه أحد نوعي الوقف فلم يشترط له القبول كالنوع الآخر ولأنه إزالة ملك تمنع البيع والهبة
والميراث فلم يعتبر فيه قبول كالعتق
والثاني يشترط لأنه تبرع لآدمي معين فكان من شرطه القبول كالهبة والوصية يحققه أن الوصية
إذا كانت لادمي معين وقفت على قبوله وان كانت لغير معين كالمساكين أو لمسجد أو نحوه لم تفتقر إلى
قبول كذا هاهنا والأول أولى والفرق بينه وبين الهبة والوصية أو الوقف لا يختص المعين بل يتعلق
به حق من يأتي من البطون في المستقبل فيكون الوقف على جميعهم الا أنه مرتب فصار بمنزلة الوقف
200

على الفقراء الذي لا يبطل برد واحد منهم ولا يقف على قبوله والوصية للمعين بخلافه وهذا مذهب الشافعي
وإذا قلنا لا يفتقر إلى القبول لم يبطل بالرد كالعتق وإن قلنا يفتقر إلى القبول فرده بطل في حقه دون من
بعده وصار كالوقف المنقطع الابتداء يخرج في صحته في حق من سواه وبطلانه وجهان بناء على تفريق الصفقة
* (فصل) * إذا وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز فهو وقف منقطع الابتداء كالوقف على عبده
وأم ولده أو مجهول فإن لم يذكر له مآلا فالوقف باطل وكذلك ان جعل له مآلا لا يجوز الوقف عليه
لأنه أخل بأحد شرطي الوقف فبطل كما لو وقف ما لا يجوز وقفه، وإن جعل له مآلا يجوز الوقف عليه
كمن يقف على عبده ثم على المساكين ففي صحته وجهان بناء على تفريق الصفقة، وللشافعي قولان
كالوجهين، فإذا قلنا يصح وهو قول القاضي وكان من لا يجوز الوقف عليه لا يمكن اعتبار انقراضه كالميت
والمجهول والكنائس صرف في الحال إلى من يجوز الوقف عليه لأننا لما صححنا الوقف مع ذكر ما لا يجوز الوقف
عليه فقد ألغيناه لتعذر التصحيح مع اعتباره، وإن كان من لا يجوز الوقف عليه يمكن اعتبار انقراضه كأم ولده
وعبد معين فكذلك ذكره أبو الخطاب وفيه وجه آخر أنه يصرف في الحال إلى مصرف الوقف المنقطع
إلى أن ينقرض من لا يجوز الوقف عليه فإذا انقرض صرف إلى من يجوز ذكره القاضي وابن عقيل
لأن الواقف إنما جعله وقفا على من يجوز بشرط انقراض هذا فلا يثبت بدونه، ويفارق ما لا يمكن اعتبار
انقراضه لتعذر اعتباره ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين
* (فصل) * فإن كان الوقف صحيح الطرفين منقطع الوسط كمن وقف على ولده ثم على عبيده ثم على
201

المساكين خرج في صحة الوقف وجهان على ما نذكره في الوقف المنقطع الانتهاء، ثم ينظر فيما لا يجوز
الوقف عليه فإن لم يمكن اعتبار انقراضه ألغيناه إذا قلنا بالصحة وان أمكن اعتبار انقراضه فهل يعتبر أو يلغى؟
على وجهين كما تقدم، فإن كان منقطع الطرفين صحيح الوسط كمن وقف على عبده ثم على أولاده ثم على الكنيسة
خرج في صحته أيضا وجهان ومصرفه بعد من يجوز الوقف عليه إلى مصرف الوقف المنقطع
* (مسألة) * (وان وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مآلا أو وقف على من يجوز ثم على من لا يجوز
أو قال وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إحدى
الروايتين، والأخرى إلى أقرب عصبته وهل يختص به فقراءهم؟ على وجهين، وقال القاضي في موضع
يكون وقفا على المساكين)
وجملة ذلك أن الوقف الذي لا اختلاف في صحته عند القائلين بصحة الوقف ما كان معلوم الابتداء
والانتهاء غير منقطع مثل أن يجعل علي المساكين أو طائفة لا يجوز بحكم العادة انقراضهم، وإن كان معلوم
الانتهاء مثل أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة ولم يجعل آخره للمساكين ولا لجهة غير منقطعة
فهو صحيح أيضا وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي في أحد قوليه، وقال محمد بن الحسن لا يصح
وهو القول الثاني للشافعي لأن الوقف مقتضاه التأبيد فإذا كان منقطعا صار وقفا على مجهول فلم يصح كما
لو وقف على مجهول في الابتداء
202

ولنا أنه تصرف معلوم المصرف فصح كما لو صرح بمصرفه المتصل ولان الاطلاق إذا كان له
عرف حمل عليه كنقد البلد وعرف الصرف ههنا أولى الجهات به فكأنه عينهم. إذا ثبت هذا فإنه ينصرف عند
انقراض الموقوف عليهم إلى أقارب الواقف وبه قال الشافعي إلا أنه قال يكون وقفا على أقرب الناس
إلى الواقف الذكر والأنثى فيه سواء، وعن أحمد أنه يصرف إلى المساكين اختاره القاضي والشريف
أبو جعفر لأنهم مصرف الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها فإذا وجدت صدقة غير
معينة الصرف انصرفت إليهم كما لو نذر صدقة مطلقة، وعن أحمد رواية ثالثة انه يجعل في بيت مال المسلمين
لأنه مال لا مستحق له فأشبه مال من لا وارث له وقال أبو يوسف يرجع إلى الواقف وإلى ورثته الا
أن يقول صدقة موقوفة ينفق منها على فلان وفلان فإذا انقرض المسمى كانت على الفقراء والمساكين
لأنه جعلها صدقة على مسمى فلا تكون على غيره، ويفارق ما إذا كان ينفق منها على فلان وفلان
فإنه جعل الصدقة مطلقة.
ولنا أنه أزال ملكه لله تعالى فلم يجز أن يرجع إليه كما لو أعتق عبدا، والدليل على صرفه إلى
أقارب الواقف أنهم أولى الناس بصدقته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صدقتك على غير ذي رحمك صدقة وصدقتك
على ذي رحمك صدقة وصلة " وقال " انك ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون
الناس " ولأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات فكذلك صدقته المنقولة. إذا ثبت فإنه يكون
203

للفقراء منهم والأغنياء في إحدى الروايتين عن أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الوقف لا يخص
الفقراء ولأنه لو وقف على أولاده تناول الأغنياء والفقراء كذا ههنا، وفيه وجه آخر أنه يختص الفقراء
منهم لأنهم أهل الصدقات دون الأغنياء ولأننا خصصنا الأقارب بالوقف لكونهم أولى الناس بالصدقة
وأولى الناس بالصدقة الفقراء دون الأغنياء، واختلفت الرواية فيمن يستحق الوقف من أقرباء الواقف
ففي إحدى الروايتين يختص بالورثة منهم لأنهم الذين صرف الله إليهم ماله بعد موته واستغنائه عنه
فكذلك يصرف إليهم من ماله ما لم يذكر له مصرفا، فعلى هذا يكون بينهم على حسب ميراثهم ويكون
وقفا عليهم نص عليه أحمد وذكره القاضي لأن الوقف يقتضي التأبيد، وإنما صرفناه إلى هؤلاء لأنهم
أحق الناس بصدقته فيصرف إليهم مع بقائه صدقة ويحتمل أن يصرف إليهم على سبيل الإرث
على ما ذكره الخرقي ويبطل الوقف فيه كقول أبي يوسف والرواية الثانية يكون وقفا
على أقرب غصبة الواقف دون بقية الوراث ودون البعيد من العصبات فيقدم الأقرب فالأقرب على
حسب استحقاقهم لولاء الموالي لأنهم خصوصا بالعقل عنه وبميراث مواليه فخصوا بهذا أيضا، قال شيخنا وهذا
لا يقوى عندي فإن استحقاقهم لهذا دون غيرهم من الناس لا يكون إلا بدليل من نص أو إجماع ولا
نعلم فيه نصا ولا اجماعا ولا يصح قياسه على ميراث ولاء الموالي لأن علته لا تتحقق ههنا، وأقرب الأقوال
فيه صرفه إلى المساكين لأنهم مصارف مال الله وحقوقه فإن كان في أقارب الواقف مساكين كانوا أولى
204

به لا على سبيل الوجوب كما أنهم أولى بزكاته وصلاته مع جواز الصرف إلى غيرهم ولأنا إذا صرفناه
إلى أقاربه على سبيل التعيين فهي أيضا جهة منقطعة فلا يتحقق اتصاله الا بصرفه إلى المساكين فإن
لم يكن للواقف أقارب أو كان له أقارب فانقرضوا صرف إلى الفقراء أو المساكين وقفا عليهم لأن
القصد به الثواب الجاري عليه على وجه الدوام، وإنما قدمنا الأقارب على المساكين لكونهم أولى فإذا
لم يكونوا فالمساكين أهل لذلك فصرف إليهم إلا على قول من قال إنه يصرف إلى ورثة الواقف
ملكا لهم فإنه يصرف عند عدمهم إلى بيت المال لأنه بطل الوقف فيه بانقطاعه فصار ميراثا لا وارث
له فكان بيت المال أولى به
(فصل) وان وقف على من يجوز ثم على من لا يجوز كمن وقف على أولاده ثم على البيع صح
الوقف أيضا ويرجع بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى من يصرف إليه الوقف المنقطع كالمسألة
قبلها لأن ذكر من لا يجوز الوقف عليه وعدمه واحد ويحتمل أن لا يصبح الوقف لأنه جمع بين
ما يجوز وما لا يجوز فأشبه تفريق الصفقة
(فصل) فإن قال وقفت هذا وسكت أو قال صدقة موقوفة ولم يذكر سبيله فلا نص فيه وقال
ابن حامد يصح الوقف قال القاضي هو قياس قول أحمد فإنه قال في النذر المطلق ينعقد موجبا لكفارة
اليمين وهو قول مالك والشافعي في أحد قوليه لأنه إزالة ملك على وجه القربة فوجب أن يصح
205

مطلقا كالأضحية والوصية، ولو قال وصيت بثلث مالي صح وإذا صح صرف إلى مصارف الوقف المنقطع
عند انقراض الموقوف عليه كما ذكرنا
* (مسألة) * (وان قال وقفت داري سنة أو إلى يوم يقدم الحاج لم يصح في أحد الوجهين)
لأن مقتضى الوقف التأبيد وهذا ينافيه (والوجه الآخر) يصح لأنه منقطع الانتهاء فهو كما لو وقف
على منقطع الانتهاء فإن قلنا يصح فهو كمنقطع الانتهاء يصرف إلى مصرف الوقف المنقطع الانتهاء
(فصل) فإن قال هذا وقف على ولدي سنة ثم على المساكين صح وكذلك ان قال وقف على
ولدي مدة حياتي ثم هو بعد موتي للمساكين صح لأنه وقف متصل الابتداء والانتهاء، وان قال
وقف على المساكين ثم على أولادي صح ويكون وقفا على المساكين ويلغو قوله على أولادي لأن
المساكين لا انقراض لهم
* (مسألة) * (ولا يشترط اخراج الوقف عن يده في إحدى الروايتين)
ظاهر المذهب أن الوقف يزول به ملك الواقف ويلزم بمجرد اللفظ لأن الوقف يحصل به وعن
أحمد أنه لا يلزم الا بالقبض واخراج الوقف عن يده فإنه قال الوقف المعروف أن يخرجه من يده إلى
غيره يوكل فيه من يقوم به اختاره ابن أبي موسى وهو قول محمد بن الحسن لأنه تبرع بما لم يخرجه عن
المالية فلم يلزمه بمجرده كالهبة والوصية
206

ولنا ما رويناه من حديث عمر ولأنه تبرع يمنع البيع والهبة والميراث فيلزم بمجرده
كالعتق، ويفارق الهبة فإنها تمليك مطلق والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فهو بالعتق أشبه
والحاقه به أولى.
* (فصل) * قال رضي الله عنه (ويملك الموقوف عليه الوقف وعنه لا يملكه)
ظاهر المذهب أن الملك ينتقل في الموقوف إلى الموقوف عليه قال أحمد إذا وقف داره على ولد
أخيه صارت لهم وهذا يدل على أنهم ملكوه وروي عن أحمد أنه لا يملك فإن جماعة نقلوا عنه فيمن
وقف على ورثته في مرضه يجوز لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة وإنما ينتفعون بغلتها وهذا
يدل بظاهره على أنهم لا يملكون، ويحتمل أن يريد بقوله لا يملكون أي لا يملكون التصرف في الرقبة
فإن فائدة الملك وآثاره ثابتة في الوقف وعن الشافعي من الاختلاف نحو ما حكيناه وقال أبو حنيفة
لا ينتقل الملك في الوقف اللازم بل يكون حق الله تعالى لأنه إزالة ملك عن العين والمنفعة على
وجه القربة بتمليك المنفعة فانتقل إلى الله تعالى كالعتق
ولنا أنه سبب يزيل ملك الواقف وجه إلى من يصح تمليكه على وجه لم يخرج المال عن ماليته فوجب
أن ينقل الملك إليه كالهبة والبيع ولأنه لو كان تمليك المنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى ولم يزل ملك
الواقف عنه كالعارية، ويفارق العتق فإنه أخرجه عن المالية وامتناع التصرف في الرقبة لا يمنع الملك كأم الولد
207

* (مسألة) * (ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه) لأنه نماء ملكه ولا نعلم في ذلك خلافا
* (مسألة) * (وليس له وطئ الجارية فإن فعل فلا حد عليه ولا مهر)
لا يجوز للموقوف عليه وطئ الأمة الموقوفة لأنا لا نأمن حبلها فتنقص أو تتلف أو تخرج من
الوقف بكونها أم ولد ولان ملكه ناقص فإن وطئ فلا حد عليه للشبهة ولا مهر عليه لأنه لو وجب
لوجب له ولا يجب للانسان شئ على نفسه
* (مسألة) * (وان ولدت فالولد حر)
لأنه من وطئ شبهه وعليه قيمته يوم الوضع يشترى بها عبد مكانه لأنه فوت رقه وتصير أم ولد له
لأنه أحبلها بحر في ملكه فإذا مات عتقت وتجب قيمتها في تركته لأنه أتلفها على من بعده من البطون
فيشتري بها جارية تكون وقفا مكانها، وإن قلنا لا يملكها الموقوف عليه لم تصر أم ولد له بذلك لأنها أجنبية
* (مسألة) * (فإن أعتقها لم ينفذ عتقه)
لأنه يتعلق به حق غيره ولان الوقف لازم فلا يمكن من إبطاله فإن كان نصف العبد وقفا ونصفه
طلقا فاعتق صاحب الطلق لم يسر عتقه إلى الوقف لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة فبالسراية أولى
* (مسألة) * (وان وطئها أجنبي بشبهة فالولد حر)
208

لاعتقاده أنه يطأ في ملكه وإن كان الواطئ عبدا وعليه المهر لأهل الوقف لأنه وطئ جاريتهم
في غير ملك أشبه الأمة المطلقة، وتجب قيمته لأنه كان من سبيله أن يكون مملوكا فمنعه اعتقاد الحرية من
الرق فوجبت قيمته يشتري بها عبدا يكون وقفا وتعتبر قيمته يوم تضعه حيا لأنه لا يمكن تقويمه قبل ذلك
وان وطئها مكرهة أو طاوعته فعليه الحد إذا انتفت الشبهة والمهر لأهل الوقف لأنه وطئ جارية غيره
ويكون ولدها وقفا معها لأنه تبع لها
* (مسألة) * (وان تلفت فعليه قيمتها يشترى بها مثلها)
سواء أتلفها أجنبي أو الواقف كما لو أتلف غير الوقف، وان أتلفه الموقوف عليه فعليه قيمته أيضا
يشترى بها مثله يقوم مقامه لأنه لا يملك التصرف في رقبته إنما له نفعه ويحتمل أن يملك الموقوف عليه قيمة
الولد فيما إذا وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد ولا يلزمه قيمته ان أولدها لذلك
* (مسألة) * (وله تزويج الأمة وأخذ مهرها وولدها وقف معها ويحتمل أن يملكه)
يجوز للموقوف عليه تزويج الأمة الموقوفة لأنه عقد على منفعتها أشبه الإجارة ولان الموقوف عليه
لا يملك استيفاء هذه المنفعة فلا يتضرر بتمليك غيره إياها والمهر للموقوف عليه لأنه بدل نفعها أشبه
الأجرة، ويحتمل أن لا يجوز تزويجها لأنه عقد على منفعتها في العمر فيفضى إلى تفويت منفعتها في حق
البطن الثاني، ولان النكاح يتعلق به حقوق من وجوب تمكين الزوج من استمتاعها ومبيتها عنده
فتفوت خدمتها في الليل على البطن الثاني فإن طلبت التزويج وجب تزويجها لأنه حق لها طلبته فتعينت
209

الإجابة إليه وما فات من الحق به يفوت تبعا لابقائها حقها فلا يكون مانعا من تزويجها كغير الموقوفة إذا
طلبت ذلك وإذا زوجها فولدت من الزوج فولدها وقف معها لأن ولد كل ذات رحم حكمه حكمها كأم
الولد والمكاتبة ويحتمل أن يملك الموقوف عليه ولدها لأنه من نمائها
* (مسألة) * (وان جنى الوقف خطأ فالأرش على الموقوف عليه ويحتمل أن يكون في كسبه)
إذا جنى الوقف جناية موجبة للمال لم يتعلق أرشها برقبته لأنه لا يمكن بيعها ويجب أرشها على
الموقوف عليه لأنه ملكه تعذر تعلق أرشه برقبته فكان على مالكه كجناية أم الولد ولا يلزمه أكثر
من قيمته كأم الولد، فإن قلنا إن الوقف لا يملك فالأرش في كسبه لأنه تعذر تعلقه برقبته لكونها لا تباع
وبالموقوف عليه لأنه لا يملكه فكان في كسبه كالحر، ويحتمل أن يكون في بيت المال كأرش جناية الحر المعسر.
قال شيخنا: وهذا احتمال ضعيف فإن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند
عدمها وجناية العبد لا تحملها العاقلة، وإن كان الوقف على المساكين فينبغي أن يكون الأرض في كسبه لأنه
ليس له مستحق معين يمكن ايجاب الأرش عليه ولا يمكن تعلقه برقبته فتعين في كسبه، ويحتمل أن
يكون في بيت المال، وإن جني جناية توجب القصاص وجب سواء كانت على الموقوف عليه أو على
210

غيره، فإن قتل بطل الوقف فيه وإن قطع كان باقيه وقفا كما لو تلف بفعل الله تعالى
(فصل) وإن جني على الوقف جناية موجبة للمال وجب لأن ماليته لم تبطل ولو بطلت ماليته لم
يبطل أرش الجناية عليه فإن الحر يجب أرش الجناية عليه فإن قتل وجبت قيمته وليس للموقوف عليه
العفو عنها لأنه لا يختص بها ويشترى مثل المجني عليه يكون وقفا، وقال بعض الشافعية يختص الموقوف
عليه بالقيمة إن قلنا إنه يملك الموقوف لأنها بدل ملكه
ولنا انه ملك لا يختص به فلم يختص ببدله كالعبد المشترك والمرهون، وبيان عدم الاختصاص ظاهر
فإنه يتعلق به حق البطن الثاني فلم يجز إبطاله ولا نعلم قدر ما يستحق هذا منه فيعفو عنه فلم يصح العفو
عن شئ منه كما لو أتلف رجل رهنا أخذت منه قيمته فجعلت رهنا ولم يصح عفو واحد منهما عنه،
وإن كانت الجناية عمدا محضا من مكافئ له فالظاهر أنه لا يجب القصاص لأنه محل لا يختص الموقوف
عليه فلم يجز أن يقتص من قاتله كالعبد المشترك، وقال بعض أصحاب الشافعي يكون ذلك إلى الإمام
فإن قطعت يد العبد أو بعض أطرافه فله استيفاء القصاص لأنه حق لا يشاركه فيه غيره، وإن كان
القطع لا يوجب القصاص أو يوجبه فعفا عنه وجب نصف قيمته، فإن أمكن أن يشترى بها عبد كامل
وإلا اشتري شقص من عبد
* (مسألة) * (وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه إلى الآخرين
فإذا ماتا رجع إلى المساكين) لأنه جعله لهم مشروطا بانقراض الثلاثة فوجب اتباع شرطه في ذلك
211

كسائر شروطه وكما لو وقف على ولده ثم على المساكين فإنه لا يصرف إلى المساكين شئ من الوقف
إلا بعد انقراض الولد كذا ههنا
* (فصل) * قال رضي الله عنه (ويرجع إلى شرط الواقف في قسمه على الموقوف عليهم في التقديم والتأخير والجمع
والترتيب والتسوية والتفضيل واخراج من شاء بصفة وادخاله بصفة وفي الناظر فيه والايقاف عليه وسائر أحواله
لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه ولان ابتداء الوقف مفوض إليه فكذلك
تفضيله وترتيبه، وكذلك إن شرط إخراج بعضهم بصفة ورده بصفة مثل أن يقول من تزوج منهم فله
ومن فرق فلا شئ له أو عكس ذلك أو من حفظ القرآن فله ومن نسيه فلا شئ له، أو من اشتغل
بالعلم فله ومن تركه فلا شئ له أو من كان على مذهب كذا فله ومن خرج منه فلا شئ له، وكذلك
إن وقف علي أولاده على أن للأنثى سهما وللذكر سهمين أو على حسب ميراثهم أو بالعكس أو على أن
للكبير ضعف ما للصغير أو للفقير ضعف ما للغني أو عكس ذلك أو عين بالتفضيل واحدا معينا أو ولده
أو ما أشبه هذا فهو على ما قال لما ذكرنا فكل هذا صحيح وهو على ما شرط، وقد روى هشام بن
عروة ان الزبير جعل دوره صدقة على بنيه لا تباع ولا توهب وان للمردودة من بناته أن تسكن غير
مضرة ولا مضر بها فإن استغنت بزوج فلا حق لها في الوقف وليس هذا تعليقا للوقف بصفة بل وقف
مطلق والاستحقاق له بصفة وكل هذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا
212

* (مسألة) * (فإن لم يشرط ناظرا فالنظر للموقوف عليه وقيل للحاكم ينفق عليه من غلته)
النظر في الموقف لمن شرطه الواقف لأن عمر رضي الله عنه جعل وقفه إلى حفصة تليه ما عاشت
ثم يليه ذو الرأي من أهلها، ولان مصرف الوقف يتبع فيه شرط الواقف فكذلك النظر فإن جعل النظر
لنفسه جاز وإن جعله إلى غيره صح، فإن لم يجعله إلى أحد أو جعله لانسان فمات فالنظر للموقوف عليه
لأنه ملكه يختص بنفعه فكان نظره إليه كملكه المطلق، ويحتمل أن ينظر فيه الحاكم اختاره ابن أبي موسى
قال شيخنا ويحتمل أن يكون ذلك مبنيا على أن الملك فيه هل ينتقل إلى الموقوف عليه أو إلى الله تعالى
فإن قلنا هو للموقوف عليه فالنظر له فيه لأنه يملك عينه ونفعه، وإن قلنا هو لله تعالى فالحاكم يتولاه
ويصرفه إلى مصارفه لأنه مال الله فكان النظر فيه إلى حاكم المسلمين كالوقف على المساكين. فأما
الوقف على المساكين والمساجد ونحوها أو على من لا يمكن حصرهم واستيعابهم فالنظر فيه إلى الحاكم
لأنه ليس له مالك معين ينظر فيه وللحاكم أن يستنيب فيه لأن الحاكم لا يمكنه تولى النظر بنفسه
(فصل) ومتى كان النظر للموقوف عليه إما بجعل الواقف النظر له أو لكونه أحق بذلك عند عدم
ناظر سواه أو كان واحدا مكلفا رشيدا فهو أحق بذلك رجلا كان أو امرأة عدلا أو فاسقا لأنه ينظر
لنفسه فكان له ذلك في هذه الأحوال كملكه المطلق ويحتمل أن يضم إلى الفاسق أمين حفظا لأصل
الوقف عن البيع والتضييع، وإن كان الوقف لجماعة رشيدين فالنظر للجميع لكل انسان في حصته
213

فإن كان الموقوف عليه صغيرا أو مجنونا أو سفيها قام وليه في النظر مقامه كملكه المطلق، وإن كان النظر
لغير الموقوف عليه بتولية الواقف أو الحاكم أو لبعض الموقوف عليهم لم يجز أن يكون إلا أمينا فإن لم
يكن أمينا لم تصح ولايته إن كانت من الحاكم وأزيلت يده، وإن ولاه الواقف وهو فاسق أو كان
عدلا ففسق ضم إليه أمين لحفظ الوقف ولم تزل يده لأنه أمكن الجمع بين الحقين، ويحتمل أن لا تصح
تولية الفاسق وينعزل إذا فسق لأنها ولاية على حق غيره فنافاها الفسق كما لو ولاه الحاكم وكما لو لم يكن
حفظ الوقف منه مع بقاء ولايته فإن يده تزال لأن مراعاة حفظ الوقف أهم من ابقاء ولاية الفاسق عليه
(فصل) ونفقة الوقف من حيث شرط الواقف لأنه لما اتبع شرطه في مصرفه وجب اتباعه في
نفقته فإن لم يكن شرطه فمن غلته لأن الوقف اقتضى تحبيس أصله وتسبيل نفعه ولا يحصل ذلك إلا بالانفاق
عليه فهو من ضرورته، وكذلك عمارة الوقف قياسا على نفقته فإن تعطلت منافع الحيوان الموقوف
فنفقته على الموقوف عليه لأنه ملكه ويحتمل وجوبها في بيت المال ويجوز بيعه على ما نذكره
* (مسألة) * (وان وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث والحبالى بالسوية)
وكذلك إن قال وقفت على أولادي أو على ولد فلان لأنه شرك بينهم وإطلاق التشريك يقتضي
التسوية كما لو أقر لهم بشئ وكولد الام في الميراث حين شرك الله تعالى بينهم فيه فقال (فهم شركاء
في الثلث) تساووا فيه ولم يفضل بعضهم على بعض وليس كذلك في ميراث ولد الأبوين وولد الأب
214

فإن الله تعالى قال (فإن كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) ولا نعلم في هذا خلافا
* (مسألة) * (ولا يدخل فيه ولد البنات وهل يدخل فيه ولد البنين؟ على روايتين)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه ما يدل عى أنه يكون وفقا على أولاده
وأولاد بنيه الذكور والإناث ما لم تكن قرينة تصرفه عن ذلك دون أولاد البنات. قال المروذي:
قلت لأبي عبد الله ما تقول في رجل وقف ضيعة على ولده فمات الأولاد وتركوا النسوة حوامل؟ فقال
كل ما كان من أولاد الذكور بنات كن أو بنين فالضيعة موقوفة عليهم وما كان من أولاد البنات فليس
لهم فيه شئ لأنهم من رجل آخر، ووجه ذلك أن الله تعالى لما قال (يوصيكم الله في أولادكم) دخل
فيه ولد البنين وإن سفلوا، ولما قال (ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد) تناول ولد البنين
فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينه ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ويفسر
بما يفسر به ولان ولد الولد ولد بدليل قوله تعالى (يا بني آدم، ويا بني إسرائيل) وقال النبي صلى الله
عليه وسلم " ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا " وقال " نحن بنو النضر بن كنانة " ولأنه
لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه ولد البنين فكذلك إذا لم يكونوا قبيلة (والرواية الثانية)
لا يدخل فيه ولد الولد بحال وسواء في ذلك ولد البنين وولد البنات اختاره القاضي وأصحابه لأن الولد
حقيقة وعرفا إنما هو ولده لصلبه وإنما سمي ولد الولد ولدا مجازا ولهذا يصح نفيه فيقال ما هذا ولدي
215

إنما هو ولد ولدي. فأما ولد البنات فلا يدخلون بغير خلاف لأنهم لم يدخلوا في قوله تعالى (يوصيكم
الله في أولادكم) قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد
(فصل) فإن قال على ولد ولدي لصلبي فهو آكد في اختصاصه بالولد دون ولد الولد، وإن قال
على ولدي وولد ولدى ثم على المساكين دخل فيه البطن الأول والثاني ولم يدخل فيه البطن الثالث
وإن قال على ولدي وولد ولدي ولد ولد ولدي دخل فيه ثلاثة بطون دون من بعدهم، وموضع الخلاف
المطلق، فأما مع وجود دلالة تصرف إلى أحد المحملين فإنه يصرف إليه بغير خلاف، مثل أن يقول على
ولد فلان وهم قبيلة ليس فيهم ولد من صلبه أو قال ويفضل الولد الأكبر أو الأفضل أو الأعلم على
غيرهم أو قال فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين أو قال على ولد ولدي غير ولد البنات
أو غير ولد فلان أو قال يفضل البطن الاعلى على الثاني أو قال الاعلى فالأعلى وأشباه ذلك فهذا
يصرف لفظه إلى جميع نسله وعقبته، فإن اقترنت به قرينة تقتضي تخصيص أولاده لصلبه بالوقف مثل
أن يقول على ولدي لصلبي أو الذين يلونني ونحو هذا فإنه يختص بالبطن الأول دون غيرهم، وإذا قلنا
بتعميمهم اما بالقرينة واما لقولنا ان المطلق يقتضي التعميم ولم يكن في لفظه ما يقتضي تشريكا ولا ترتيبا
احتمل أن يكون بين الجميع على التشريك لأنهم دخلوا في اللفظ دخولا واحدا فوجب أن يشتركوا
216

فيه كما لو أقر لهم بدين، ويحتمل أن يكون على الترتيب على حسب الترتيب في الميراث، وهذا ظاهر كلام
أحمد لقوله فيمن وقف على ولد علي بن إسماعيل ولم يقل ان مات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولد
ولده فمات ولد علي بن إسماعيل وترك ولدا فقال إن مات ولد علي بن إسماعيل: دفع إلى ولده أيضا لأن
هذا من ولد علي بن إسماعيل فجعله لولد من مات من ولد علي بن إسماعيل عند موت أبيه وذلك لأن
ولد البنين لما دخلوا في قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) لم يستحق
ولد البنين شيئا مع وجود آبائهم واستحقوا عند فقدهم كذا ههنا فأما ان وصى لولد فلان وهم قبيلة
فلا ترتيب ويستحق الاعلى والأسفل على كل حال
(فصل) وان رتب فقال وقفت هذا على ولدي وولد ولدي ما تناسلوا وتعاقبوا الاعلى فالأعلى
والأقرب فالأقرب أو الأول فالأول أو البطن الأول ثم البطن الثاني أو على أولادي ثم على أولاد
أولادي أو على أولادي فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولادي فعلى هذا الترتيب لا يستحق البطن الثاني
شيئا حتى ينقرض البطن الأول كله ومتى بقي واحد من البطن الأول كان الجميع له لأن الوقف ثبت
بقوله فيتبع مقتضى كلامه وان قال على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا على أنه من مات منهم عن
ولد كان ما كان جاريا عليه جاريا على ولده كان دليلا على الترتيب لأنه لو اقتضى التشريك لا اقتضى
217

التسوية ولو جعلنا لولد الولد سهما مثل سهم أبيه ثم دفعنا إليه سهم أبيه صار له سهمان ولغيره سهم
وهذا ينافي التسوية ولأنه يفضي إلى تفضيل ولد الابن على الابن والظاهر من إرادة الواقف خلاف
هذا فإذا ثبت الترتيب فإنه يترتب بين كل والد وولده وإذا مات عن ولد انتقل إلى ولد سهمه سواء
بقي من البطن الأول أحد أو لم يبق
(فصل) وان رتب بعضهم دون بعض فقال وقفت على ولدي وولد ولدي ثم على أولادهم أو على
أولادي ثم على أولاد أولادي وأولادهم ما تناسلوا وتعاقبوا أو قال على أولادي وأولاد أولادي ثم
على أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا فهو على ما قال من شرك بينهم بالواو المقتضية للجمع والتشريك
ويرتب من رتبه بحرف الترتيب ففي المسألة الأولى يشترك الولد وولد الولد فإذا انقرضوا صار لمن
بعدهم وفي الثانية يختص به الولد فإذا انقرضوا صار مشتركا بين من بعدهما وفي الثالثة يشترك فيه البطنان
الأولان دون غيرهم فإذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم
(فصل) فإن قال وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي على أنه من مات من أولادي
عن ولد فنصيبه لولده أو فنصيبه لاخوته أو لولد ولده أو لولد أخيه أو لأخواته أو لولد أخواته
فهو على ما شرطه، وان قال: ومن مات منهم عن ولد فنصيبه لولده ومن مات منهم عن غير ولد
فنصيبه لأهل الوقف وكان له ثلاثة بنين فمات أحدهم عن ابنين انتقل نصيبه إليهما ثم مات الثاني عن
218

غير ولد فنصيبه لأخيه وابني أخيه بالتسوية لأنهم أهل الوقف فإن مات أحد ابني الابن عن غير ولد
انتقل نصيبه إلى أخيه وعمه لأنهما أهل الوقف، ولو مات أحد البنين الثلاثة عن غير ولد وخلف أخويه
وابني أخ له فنصيبه لأخويه دون ابني أخيه لأنهما ليسا من أهل الوقف ما دام أبوهما حيا فإذا مات
أبوهما صار نصيبه لهما فإذا مات الثالث كان نصيبه لابني أخيه بالتسوية ان لم يخلف ولدا فإن خلف
ابنا واحدا فله نصيب أبيه وهو النصف ولابني عمه النصف بينهما نصفين، وان قال: من مات منهم عن
غير ولد كان ما كان جاريا عليه جاريا على من هو في درجته وكان الوقف مرتبا بطنا بعد بطن كان
نصيب الميت عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منه وإن كان مشتركا بين البطون كلها احتمل أن يكون
نصيبه بين جميع أهل الوقف لأنهم في استحقاق الوقف سواء فكانوا في درجته من هذه الجهة ولأننا
لو صرفنا نصيبه إلى بعضهم أفضى إلى تفضيل بعضهم على بعض والتشريك يقتضي التسوية فعلى هذا
يكون وجود هذا الشرط كعدمه لأنه لو سكت عنه كان الحكم كذلك ويحتمل أن يعود نصيبه إلى سائر
البطن الذي هو منه لأنهم في درجته في القرب إلى الحد الذي يجمعهم ويستوي في ذلك اخوته وبنو
عمه وبنو عم أبيه لأنهم سواء في القرب ولأننا لو شركنا بين أهل الوقف كلهم في نصيبه لم يكن في
هذا الشرط فائدة والظاهر أنه قصد سببا يفيد فعلى هذا إن لم يكن في درجته أحد بطل هذا الشرط
وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره وإن كان الوقف على البطن الأول على أنه من مات منهم عن ولد انتقل
نصيبه إلى ولده ومن مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلى من في درجته ففيه ثلاثة أوجه:
219

(أحدهما) أن يكون نصيبه بين أهل الوقف كلهم يتساوون فيه سواء كانوا من بطن واحد أو من
بطون وسواء تساوت أنصباؤهم في الوقف أو اختلفت لما ذكرنا من قبل (والثاني) أن يكون لأهل
بطنه سواء كانوا من أهل الوقف أو لم يكونوا مثل أن يكون البطن الأول ثلاثة فمات أحدهم عن ابن
ثم مات الثاني عن ابنين فمات أحد الابنين وترك أخاه وابن عمه وعمه وابنا لعمه الحي فيكون نصيبه
بين أخيه وابني عمه (والثالث) أن يكون لأهل بطنه من أهل الوقف فيكون على هذا لأخيه وابن عمه
الذي مات أبوه، فإن كان في درجته في النسب من ليس من أهل الاستحقاق بحال كرجل له أربعة
بنين وقف على ثلاثة منهم على هذا الوجه المذكور وترك الرابع فمات أحد الثلاثة عن غير ولد لم يكن
للرابع فيه شئ لأنه ليس من أهل الاستحقاق فأشبه ابن عمهم
(فصل) وإن وقف على بنيه وهم ثلاثة على أن من مات من فلان وفلان وأولادهم عن ولد
فنصيبه لولده وإن مات فلان فنصيبه لأهل الوقف فهو على ما شرط، وكذلك إن كان بنون وبنات
فقال: من مات من الذكور فنصيبه لولده، ومن مات من البنات فنصيبها لأهل الوقف فهو على ما قال،
وإن قال على أولادي على أن يصرف إلى البنات منه ألف والباقي للبنين لم يستحق البنون شيئا حتى
يستوفي البنات الألف لأنه جعل للبنات مسمى وجعل للبنين الفاضل عنه والحكم فيه على ما قال لأنه
220

جعل البنات كذوي الفروض وجعل البنين كالعصبات الذين لا يستحقون إلا ما فضل عن ذوي الفروض
(فصل) فإن كان له ثلاثة بنين فقال وقفت على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي كان الوقف
على الابنين المسمين وعلى أولادهما وأولاد الثالث ولا شئ للثالث، وقال القاضي يدخل الثالث في
الوقف وذكر أن أحمد قال في رجل قال: وقفت هذه الضيعة على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي
وله ولد غير هؤلاء قال يشتركون في الوقف واحتج القاضي بأن قوله ولدي يستغرق الجنس فيعم الجميع
وقوله فلان وفلان تأكيد لبعضهم ولا يوجب اخراج بقيتهم كالعطف في قوله (من كان عدوا لله
وملائكته ورسله وجبريل وميكال)
ولنا انه أبدل بعض الولد من اللفظ المتناول للجميع فاختص بالبعض المبدل كما لو قال على ولدي
فلان وذلك لأن بدل البعض يوجب اختصاص الحكم به كقول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت
من استطاع إليه سبيلا) لما خص المستطيع بالذكر اختص الوجوب به، ولو قال ضربت زيدا رأسه
أو رأيت زيدا وجهه اختص الضرب بالرأس والرؤية بالوجه، ومنه قول القائل: طرحت الثياب بعضها
فوق بعض، فإن الفوقية تختص بالبعض مع عموم اللفظ الأول كذا ههنا وفارق العطف فإن عطف
الخاص على العام يقتضي تأكيده لا تخصيصه وكلام أحمد: هم شركاء يحتمل أن يعود إلى أولاد أولاده
أي يشترك أولاد الموقوف عليهما وأولاد غيرهم لعموم لفظ الواقف فيهم ويتعين حمل كلامه عليه لقيام
221

الدليل عليه، ولو قال على ولدي فلان وفلان ثم على المساكين خرج فيه من الخلاف مثل ما ذكرنا
قال شيخنا ويحتمل أن يدخل في الوقف ولد ولده لأننا قد ذكرنا من قبل ان ظاهر كلام أحمد أن
قوله وقفت على ولد ولدي يتناول نسله وعاقبته كلها
(فصل) ومن وقف على أولاده أو أولاد غيره وله حمل لم يستحق شيئا قبل انفصاله لأنه لم تثبت له أحكام
الدنيا قبل انفصاله، وقال أحمد في رواية جعفر بن محمد فيمن وقف نخلا على قوم ما توالدوا ثم ولد
مولود: فإن كانت النخل قد أبرت فليس له فيه شئ وهي للأول، وإن لم تكن قد أبرت فهو مفهم،
وإنما قال ذلك لأنها قبل التأبير تتبع الأصل في البيع وهذا الموجود يستحق نصيبه من الأصل فتتبعه حصته
من الثمرة كما لو اشترى ذلك النصيب من الأصل وبعد التأبير لا تتبع الأصل ويستحقها من كان له الأصل
فكانت للأول لأن الأصل كان كله له فاستحق ثمرته كما لو باع هذا النصيب منها ولم يستحق المولود
منها شيئا كالمشتري وهكذا الحكم في سائر الثمر الظاهر على الشجر لا يستحق المولود منها شيئا ويستحق
مما ظهر بعد ولادته، وإن كان الوقف أرضا فيها زرع يستحقه البائع فهو للأول، وإن كان مما يستحقه
المشتري فللمولود حصته منه لأن المولود يتجدد استحقاقه للأصل كتجدد ملك المشتري فيه
* (مسألة) * (وان وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين بغير خلاف علمناه)
222

وأما ولد البنات فقال الخرقي لا يدخلون فيه وقد قال أحمد فيمن وقف على ولده: ما كان من ولد
البنات فليس لهم فيه شئ فهذا النص يحتمل أن يعدى إلى هذه المسألة ويحتمل أن يكون مقصودا فيمن
وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده وممن قال لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي على أولاده
وأولاد أولاده مالك ومحمد بن الحسن، وكذلك إذا قال على ذريته ونسله وروي عن أحمد أنهم يدخلون
في الوصية وذهب إليه بعض أصحابنا وهذا مثله وقال أبو بكر وابن حامد يدخل فيه ولد البنات وهو
مذهب الشافعي وأبي يوسف لأن البنات أولاده فأولادهن أولاد أولاده حقيقة فيجب أن يدخلوا في
اللفظ لتناوله لهم بدليل قوله تعالى (ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان) إلى قوله (وعيسى)
وهو ولد بنته فجعله من ذريته ولذلك ذكر الله تعالى قصة إبراهيم وعيسى وموسى وإسماعيل وإدريس
ثم قال (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم
وإسرائيل) وعيسى معهم ولما قال الله تعالى (وحلائل أبنائكم) دخل في التحريم حلائل أبناء البنات
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن " ان ابني هذا سيد " ووجه الرواية الأولى أنهم لم يدخلوا في قول الله تعالى
(يوصيكم الله في أولادكم) ولأنه لو وقف على ولد فلان وقد صاروا قبيلة دخل فيه ولد البنين دون
ولد البنات وكذلك قبل أن يصيروا قبيلة لأن ولد البنات منسوبون إلى آبائهم دون أمهاتهم قال الشاعر
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد
223

وقولهم انهم أولاده أولاده حقيقة قلنا لأنهم ينتسبون إلى الواقف عرفا وكذلك لو قال أولاد
أولادي المنتسبين إلي لم يدخلوا في الوقف ولان ولد الهاشمية من غير الهاشمي ليس بهاشمي ولا ينتسب
إلى أبيها وأما عيسى عليه السلام فلم يكن له نسب ينسب إليه فنسب إلى الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم
للحسن " ان ابني هذا سيد مجاز بالاتفاق " بدليل قول الله تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم
ولكن رسول الله) والقول بأنهم يدخلون يصح وأقوى دليلا لأنهم أولاد أولاده حقيقة فأما قياسهم
على ما إذا كانوا قبيلة فيفارق ما إذا وقف على ولد فلان وليسوا قبيلة لأنه لو وقف على بني فلان
وهم قبيلة دخل فيه البنات بخلاف ما إذا وقف على بني انسان حي أو ميت وليسوا قبيلة وقياسهم على
ما إذا قال وقفت على ولد ولدي المنتسبين إلي لا يصح لأنهم خرجوا من الوقف لكونهم لا ينتسبون
وباقي الأدلة ضعيفة جدا
* (مسألة) * (فإن قال على ولد ولدي لصلبي أو المنتسبين إلي لم يدخل ولد البنات)
والخلاف إنما هو إذا لم يوجد ما يدل على تعيين أحد الامرين فأما إن وجد ما يصرف اللفظ
إلى أحدهما انصرف إليه فلو قال على أولادي وأولاد أولادي على أن لولد البنات سهما ولولد البنين
سهمين أو قال فإذا خلت الأرض ممن يرجع نسبه إلي من قبل أب أو أم كان للمساكين أو كان البطن
الأول من أولاده الموقوف عليهم كلهم بنات ونحو هذا ما يدل على إرادة ولد البنات بالوقف دخلوا
في الوقف وان قال على أولادي وأولاد أولادي المنتسبين أو غير ذوي الأرحام أو نحو ذلك لم يدخل
224

فيه ولد البنات وان قال على ولدي فلان وفلانة وفلانة وأولادهم دخل فيه ولد البنات وكذلك
ان قال على أن من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده وان قال الهاشمي وقفت على أولادي وأولاد
أولادي الهاشمين لم يدخل في الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشمي فأما من كان هاشميا من
غير أولاد بنيه فهل يدخلون؟ على وجهين (أولهما) أنهم يدخلون لأنه اجتمع فيهم الصفتان جميعا كونهم
من أولاد أولاده وكونهم هاشميين (والثاني) لا يدخلون لأنهم لم يدخلوا في مطلق أولاد أولاده
فأشبه ما لو لم يقل الهاشمين وان قال على أولادي وأولاد أولادي ممن ينتسب إلى قبيلتي فكذلك
(فصل) والمستحب أن يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث بينهم للذكر
مثل حظ الأنثيين وقال القاضي المستحب التسوية بين الذكر والأنثى لأن القصد القربة على وجه الدوام
وقد استووا في القرابة
ولنا أنه إيصال للمال إليهم فينبغي أن يكون بينهم على حسب الميراث كالعطية ولان الذكر في مظنة الحاجة
أكثر من الأنثى لأن كل واحد منهما في العادة يتزوج ويكون له الولد فالذكر تجب عليه نفقة امرأته
وأولاده والمرأة ينفق عليها زوجها ولا تلزمها نفقة أولادها وقد فضل الله تعالى الذكر على الأنثى
في الميراث على وفق هذا المعنى فيصح تعليله به ويتعدى إلى الوقف والعطايا والصلات وما ذكره
225

القاضي لا أصل له وهو ملغي بالميراث والعطية وإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى أو فضلها عليه
أو فضل بعض البنين أو بعض البنات على بعض أو خص بعضهم بالوقف دون بعض فقال احمد في
رواية محمد بن الحكم إن كان على طريق الأثرة فأكرهه، وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة
يعني فلا بأس به. ووجه ذلك أن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته وعلى قياس
قول احمد لو خص المشتغلين بالعلم من أولاده بوقفه تحريضا لهم على طلبه، أو ذا الدين دون الفساق
أو المريض أو من له فضيلة من أجل فضيلته فلا بأس وقد دل على ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه
نحل عائشة جذاذ عشرين وسقا دون بسائر ولده وحديث عمر أنه كتب (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا
ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث ان ثمغا وصرمة بن الأكوع لعبد الذي
فيه والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه الذي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالواد تليه حفصة
ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها أن لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم
وذوي القربى لا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقا منه رواه أبو داود فيه دليل
على تخصيص حفصة دون اخوتها وأخواتها
* (مسألة) * (وان وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة دون الأناثي والخناثي عند المجهور)
وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن واسحق وأبو ثور هو للذكر والأنثى جميعا لأنه لو وقف على
226

بني فلان أو أوصى لهم وهم قبيلة دخل فيه الذكر والأنثى وقال الثوري ان كانوا ذكورا وإناثا فهو
بينهم وإن كن بنات لا ذكر معهن فلا شئ لهن لأنه متى اجتمع الذكور والإناث غلب لفظ التذكير
ودخل فيه الإناث كلفظ المسلمين
ولنا أن لفظ البنين يختص الذكور قال الله تعالى (أصطفى البنات على البنين) وقال تعالى (أم اتخذ
مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين؟) وقال تعالى (زين الله للناس حب الشهوات من النساء والبنين) وقال تعالى
(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وقد أخبر أنهم لا يشتهون البنات فقال (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم
ما يشتهون) وإنما دخلوا في الاسم إذا صاروا قبيلة لأن الاسم نقل فيهم عن الحقيقة إلى العرف ولهذا
تقول المرأة انا من بني فلان إذا انتسبت إلى القبيلة ولا تقول ذلك إذا انتسبت إلى أبيها، فاما ان
وقف على بناته أو وصى لهن دخل فيه البنات دون غيرهن ولا يدخل فيهن الخنثى المشكل لأنه لا يعلم
كونه أنثى لا نعلم في ذلك خلافا
* (مسألة) * الا ان يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم أما إذا وقف على
بنى فلان أو ولد فلان وهم قبيلة كبني هاشم وتميم فإنه يدخل فيه الذكر والأنثى والخنثى ويدخل ولد
الرجل معه ولا يدخل فيه ولد بناتهم من غيرهم لأن اسم القبيلة يشتمل ذكرها وأنثاها قال الله تعالى
(يا بني آدم - ولقد كرمنا بني آدم) يريد الجميع وروي ان جواري بني النجار ولمن نحن جوار من بني
النجار يا حبذا محمد من جار ويقال امرأة من بني هاشم ولا يدخل ولد البنات فيهم لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة.
227

* (مسألة) * (وان وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد
أبيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى)
وجملة ذلك أن الرجل إذا وقف على قرابته أو قرابة فلان صرف الوقف إلى الذكر والأنثى
من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه ويستوي فيه الذكر والأنثى ولا ينصرف إلى من هو أبعد
منهم شئ لأن الله تعالى لما قال (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى)
يعني قربى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أولاده وأولاد عبد المطلب وأولاد هاشم
ذكرهم وأنثاهم
ولم يعط من هو أبعد منهم كبني عبد شمس وبني نوفل شيئا الا أنه أعطى بني المطلب بن عبد مناف
وعلل عطيتهم بأنهم لم يفارقوا بني هاشم في جاهلية ولا إسلام ولم يعط قرابة أمه وهم بنو زهرة شيئا
ولم يعط منهم الا مسلما فحمل مطلق كلام الوقف على ما حمل عليه المطلق من كلام الله تعالى وفسر
بما فسر به ويسوي بين قريبهم وبعيدهم وذكرهم وأنثاهم لأن اللفظ يشملهم وبين الكبير والصغير والغني
والفقير لذلك ولا يدخل فيه الكفار لأنهم لم يدخلوا في المستحق من قربى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اختيار
الخرقي وقد نقل عبد الله وصالح عن أبيهما رواية أخرى أنه يصرف إلى قرابة أمه إن كان يصلهم في
حياته كإخوته من أمه وأخواله وخالاته، وإن كان لا يصلهم في حياته لم يعطوا شيئا لأن صلته إياهم في
حياته قرينة دالة على ارادتهم بصلته هذه
228

وعنه رواية ثالثة أنه يجاوز بها أربعة آباء ذكرها ابن أبي موسى في الارشاد وهي تدل على أن
لفظه لا يتقيد بالقيد الذي ذكرناه فعلى هذا يعطي كل من يعرف بقرابته من قبل أبيه وأمه الذين
ينتسبون إلى الأب الأدنى، وهذا مذهب الشافعي لأنهم قرابة فيتناولهم الاسم ويدخلون في عمومه
واعطاء النبي صلى الله عليه وسلم بعض قرابته تخصيصا لا يمنع من العمل بالعموم في غير هذا الموضع وقال أبو حنيفة
قرابته كل ذي رحم محرم فيعطي من أدناهم اثنان فصاعدا فإذا كان له عم وخالان أعطى عمه النصف
وخاليه النصف. هكذا روي عنه فيما إذا أوصى لقرابته. وقال قتادة: للأعمام الثلثان
وللأخوال الثلث وهو قول الحسن، قال ويزاد الأقرب بعض الزيادة، وقال مالك يقسم على
الأقرب فالأقرب بالاجتهاد
ولنا أن هذا له عرف في الشرع وهو ما ذكرناه فيجب حمله عليه وتقديمه على العرف اللغوي
كالوضوء والصلاة والصوم والحج ولا وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم فإن اسم القرابة يقع على غيرهم
عرفا وشرعا وقد يحرم على الرجل ربيبته وأمهات نسائه ولا قرابة لهم وتحل له ابنة عمه وخاله وهن
من أقاربه وما ذكروه من التفضيل لا يقتضيه اللفظ ولا يدل عليه دليل فالمصير إليه تحكم. فأما إن كان في
لفظه ما يدل على إرادة قرابة أمه كقوله وتفضل قرابتي من جهة أبي على قرابتي من جهة أمي
أو قوله إلا ابن خالتي فلانا أو نحو ذلك أو قرينة تخرج بعضهم عمل بما دلت عليه القرينة لأنها
تصرف اللفظ عن ظاهره إلى غيره
229

* (مسألة) * (وأهل بيته بمنزلة قرابته وقال الخرقي يعطى من قبل أبيه وأمه)
المنصوص عن أحمد رحمه الله ان أهل بيته بمنزلة قرابته فإنه قال في رواية عبد الله إذا أوصى بثلث ماله لأهل
بيته فهو بمثابة قوله لقرابتي، وحكاه ابن المنذر عن أحمد وقال أحمد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لي ولأهل
بيتي " فجعل سهم ذوي القربى لهم عوضا عن الصدقة التي حرمت عليهم فكان ذوي القربى الذين سماهم
الله تعالى هم أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة وذكر حديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" أذكركم الله في أهل بيتي " قال قلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال لا أصله وعشيرته الذين حرمت عليهم
الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال القاضي قال ثعلب أهل البيت عند العرب
آباء الرجل وأولادهم كالأجداد والأعمام وأولادهم ويستوي فيه الذكور والإناث وذكر القاضي أن أولاد
الرجل لا يدخلون في اسم القرابة والا أهل بيته وليس هذا بشئ فإن ولد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته
وأقاربه الذين حرموا الصدقة وأعطوا من سهم ذي القربى وهم أقرب أقاربه فكيف لا يكونون من
أقاربه؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة وولديها وزوجها " اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا " ولو وقف على أقارب رجل أو وصى لأقاربه دخل فيه وولده بغير خلاف علمناه
والخرقي قد عدهم في القربة بقوله لا يجاوز به أربعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي
230

القربى فجعل هاشما الأب الرابع ولا يكون رابعا الا ان يعد النبي صلى الله عليه وسلم أبا لأن هاشما
إنما هو رابع النبي صلى الله عليه وسلم ووجه قول الخرقي ان أمه من أهل بيته فكذلك أقاربها من
أولادها وأبويها واخوتها وأخواتها
* (مسألة) * (وقومه ونسباؤه كقرابته لأن قوم الرجل قبيلته وهم نسباؤه)
قال الشاعر:
فقلت لها أما رفيقي فقومه تميم * وأما أسرتي فيمان
وقال أبو بكر هو بمثابة أهل بيته لأن أهل بيته أقاربه وأقاربه قومه ونسباؤه وقال القاضي إذا
قال لرحمي أو لأرحامي أو لنسبائي أو لمناسبي صرف إلى قرابته من قبل أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب
الخامس فعلى هذا يصرف إلى كل من يرث بفرض أو تعصيب أو بالرحم في حال من الأحوال
قال شيخنا وقول أبي بكر في المناسبين أولى من قول القاضي لأن ذلك في العرف على من كان
من العشيرة التي ينتسبان إليها وإذا كان كل واحد منهما ينتسب إلى قبيلة غير قبيلة صاحبه
فليس بمناسب له.
(فصل) وآله مثل قرابته فإن في بعض ألفاظ حديث زيد بن أرقم من آل رسول صلى الله عليه وسلم؟ قال
أصله وعشيرته الذين حرموا الصدقة بعده آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل والأصل في آل
أهل فقلبت الهاء همزة كما قالوا هرقت الماء وأرقته ومدت لئلا يجتمع همزتان
231

* (مسألة) * (والعترة هم العشيرة الأدنون في عرف الناس وولده الذكور والإناث وإن سفلوا
فسره ابن قتيبة وقد توقف أحمد في ذلك وقال ثعلب وابن الاعرابي العترة الأولاد وأولاد الأولاد
ولم يدخلا في ذلك العشيرة والأول أصح وأشهر في عرف الناس ووجه الأول قول أبي بكر رضي الله
عنه في محفل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيضته التي تفقأت عنه فلم
ينكره أحد وهم أهل اللسان فلا يعول على ما خالفه
* (مسألة) * (وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات)
قال القاضي ينصرف إلى قرابته من جهة أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس وقد ذكرنا
ذلك في مسألة القوم والنسباء
* (مسألة) * (والأيامى والعزاب من لا زوج له من الرجال والنساء)
ذكره أصحابنا قال شيخنا ويحتمل أن يختص اسم الأيامى النساء اللاتي لا أزواج لمن قال الله
تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) وفي الحديث " أعوذ بالله من بوار الأيم " ووجه الأول ما روى
سعيد بن المسيب أنه قال: آمت حفصة بنت عمر من زوجها وآم عثمان من رقية
قال الشاعر:
فإن تنكحي انكح وان تتأيمي * وان كنت أفتى منك أنايم
وقول شيخنا أولى لأن العرف يختص النساء بهذا الاسم والحكم للاسم العرفي ولان قول النبي
232

صلى الله عليه وسلم " أعوذ بالله من بوار الأيم " إنما أراد به النساء وأما العزاب فهم الذين لا أزواج لهم من الرجال
والنساء يقال رجل عزب وامرأة عزبة قاله ثعلب وإنما سمي عزبا لانفراده ويحتمل أن يختص الأيامى
بالنساء والعزاب بالرجال ولذلك يقال امرأة أيم بغير هاء ولا يقال أيمة ولو كان الرجل مشاركا لها
لقيل أيم وأيمة مثل قائم وقائمة ولان العرف ان العزب يختص بالرجل
* (مسألة) * (فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو غيره قال أحمد في رواية
حرب وقد سئل عن رجل وصى لأرامل بني فلان فقال قد اختلف الناس فيها فقال قوم للرجال
والنساء والذي يعرف من كلام الناس أن الأرامل النساء وقال الشعبي واسحق هو للرجال والنساء وانشد
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها * فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟
وقال آخر
أحب أن اصطاد ضبا سحبلا * رعى الربيع والشتاء أرملا
ووجه الأول أن المعروف من كلام الناس أنه للنساء فلا يحمل اللفظ الا عليه ولان الأرامل
جمع أرملة فلا يكون جمعا للذكر لأن ما يختلف لفظ الذكر والأنثى في واحده يختلف في جمعه وقد
أنكر ابن الأنباري على قائل القول الأول وخطأه فيه والشعر الذي احتج به حجة عليه فإنه لو كان لفظ
233

الأرامل يشمل الذكر والأنثى لقال حاجتهم إذ لا خلاف بين أهل اللسان في أن اللفظ متى كان للذكر
والأنثى ثم رد عليه ضمير غلب فيه لفظ التذكير وضميره فلما رد الضمير على الإناث علم أنه موضع لهن
على الانفراد وسمي نفسه أرملا تجوزا وتشبيها بهن ولذلك وصف نفسه بأنه ذكر وكذلك الشعر الآخر
ويدل على إرادة المجاز أن اللفظ عند اطلاقه لا يفهم منه الا النساء ولا يسمى به في العرف غيرهن وهذا دليل
على أنه لم يوضع لغيرهن، ثم لو ثبت أنه في الحقيقة للنساء والرجال لكن أهل العرف قد خصوا به النساء
وتركت الحقيقة حتى صارت مهجورة لا تفهم من لفظ المتكلم ولا يتعلق بها حكم كسائر الألفاظ العرفية
(فصل) وان وقف على أخواته فهو للإناث خاصة وان وقف على اخوته دخل فيه الذكر والأنثى
جميعا لأن الله تعالى قال (وان كانوا اخوة رجالا ونساء) وقال (فإن كان له اخوة فلأمه السدس)
واجمع العلماء على حجبها بالذكر والأنثى وان قال لعمومته فالظاهر أنه مثل الاخوة لا يشمل الذكر
والأنثى لأنهم اخوة أبيه وان قال لبني اخوته أو لبنى عمه فهو للذكور دون الإناث إذا لم يكونوا
قبيلة والفرق بينهما أن الاخوة والعمومة ليس لهما لفظ موضوع يشمل الذكر والأنثى سوى هذا
اللفظ وبنو الاخوة والعم لهم لفظ يشمل الجميع وهو لفظ الأولاد فإذا عدل عن اللفظ العام إلى لفظ
البنين دل على إرادة الذكور ولان لفظ العمومة أشبه بلفظ الاخوة ولفظ بني الاخوة والعم يشبه
بني فلان وقد دللنا عليهما والحكم في تناول اللفظ للبعيد من العمومة وبني العم والاخوة حكم ما ذكرنا
في ولد الولد مع القرينة وعدمها في المسائل المتقدمة
234

* (مسألة) * (وان وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم من يخالف دينه وفيه وجه آخر
أن المسلم يدخل فيه وإن كان الواقف كافرا)
وجملة ذلك أن الانسان إذا وقف على أهل قريته أو قرابته أو اتى بلفظ عام يدحل فيه المسلمون والكفار
والواقف مسلم فهو للمسلمين خاصة ولا شي للكفار وقال الشافعي يدخل فيه الكفار، لأن اللفظ يتناولهم بعمومه
ولنا أن الله تعالى قال (يوصيكم الله في أولادكم) فلم يدخل فيه الكفار إذا كان الميت مسلما وإذا
لم يدخلوا في لفظ القرآن مع عمومه لم يدخلوا في لفظ الواقف ولان ظاهر حاله لا يريد الكفار لما
بينه وبينهم من عداوة الدين وعدم الوصلة المانع من الميراث ووجوب النفقة ولذلك خرجوا من عموم
اللفظ في الأولاد والاخوة والأزواج وسائر الألفاظ العامة في الميراث فكذا ههنا، فإن صرح بهم دخلوا
لأن إخراجهم يترك به صريح المقال وهو أقوى من قرينة الحال، وان وقف عليهم وأهل القرية كلهم
كفار أو وقف على قرابته وكلهم كفار دخلوا لأنه لا يمكن تخصيصهم إذ في اخراجهم رفع اللفظ
بالكلية، فإن كان فيها مسلم واحد والباقي كفار دخلوا أيضا لأن اخراجهم ههنا بالتخصيص بعيد
وفيه مخالفة الظاهر من وجهين (أحدهما) مخالفة لفظ العموم (والثاني) حمل اللفظ الدال على الجمع على
المفرد، وإن كان الأكثر كفارا فهو للمسين في ظاهر كلام الخرقي لأنه أمكن حمل اللفظ عليهم وصرفه
إليهم والتخصيص يصح وإن كان باخراج الأكثر ويحتمل أن يدخل الكفار في الوصية لأن التخصيص
في مثل هذا بعيد فإن تخصيص الصورة النادرة قريب وتخصيص الأكثر بعيد يحتاج إلى دليل قوي
235

والحكم في سائر ألفاظ العموم كالاخوة والأعمام وبني عمه واليتامى والمساكين كالحكم في أهل
قريته فاما إن كان الواقف كافرا فإنه يتناول أهل دينه لأن لفظه يتناولهم والقرينة تدل على ارادتهم
فأشبه وقف المسلم يتناول أهل دينه، وهل يدخل فيه المسلمون؟ ينظر فإن وجدت قرينة دالة على دخولهم
مثل أن لا يكون في القرية الا مسلمون دخلوا وكذلك ان لم يكن فيها الا كافر واحد وباقي أهلها
مسلمون وان انتفت القرائن ففي دخولهم وجهان (أحدهما) لا يدخلون كما لو لم يدخل الكفار في وقف
المسلم (والثاني) يدخلون لأن عموم اللفظ يتناولهم وهم أحق بوصيته من غيرهم فلا يصرف اللفظ عن
مقتضاه ومن هو أحق بحكمه إلى غيره، فإن كان في القرية كافر من غير أهل دين الواقف لم يدخل لأن
قرينة، الحال تخرجه ولم يوجد فيه ما وجد في المسلم من الأولى فبقي خارجا بحاله ويحتمل أن لا يخرج
بناء على توريث. الكفار بعضهم من بعض مع اختلاف دينهم
* (مسألة) * (وان وقف على مواليه وله موال من فوق وموال من أسفل تناول جميعهم، وقال ابن
حامد يختص الموالي من فوق)
إذا وقف على مواليه وله موال من فوق حسب وهم معتقوه اختص الوقف بهم لأن الاسم
يتناولهم وقد تعينوا بوجودهم دون غيرهم، وان لم يكن له الأموال من أسفل فهو لهم لذلك وان
236

اجتمعوا فهو لهم جميعا يستوون فيه لأن الاسم يشملهم جميعا، وقال أصحاب الرأي الوصية باطلة
لأنها لغير معين وقال أبو ثور يقرع بينهما لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر وقال ابن القاسم هو للموالي
من أسفل، ولأصحاب الشافعي أربعة أوجه كقولنا وكقول أصحاب الرأي (والثالث) هو للموالي من
فوق لأنهم أقوى لكونهم عصبته ويرثونه بخلاف عتقائه وهو قول ابن حامد (والرابع) يقف الامر حتى يصطلحوا
ولنا ان الاسم يتناول الجميع فدخلوا فيه كما لو وقف على اخوته وقولهم انها لغير معين غير صحيح
فإن التعميم يحصل مع التعين ولذلك لو حلف لا كلمت مولاي حنث بكلام أيهم كان وقولهم ان المولى
من فوق أقوى قلنا مع شمول الاسم لهم يدخل فيه الأقوى والأضعف كاخوته ولا يدخل فيه ولد العم
ولا المساكين ولا الحليف ولا غير من ذكرنا لأن الاسم ان تناولهم حقيقة لم يتناولهم عرفا والأسماء
العرفية تقدم على الحقيقة ولا يستحق مولى الله مع وجود مواليه وقال زفر يستحق
ولنا ان مولى الله ليس بمولى له حقيقة إذا كان له مولى سواه فإن لم يكن له مولى فقال الشريف
أبو جعفر إذا وصى لمواليه وليس له مولى فهو لمولى الله وقال أبو يوسف ومحمد لا شئ له لأنه ليس
بمولى، واحتج الشريف بان الاسم يتناولهم مجازا فإذا تعذرت الحقيقة وجب صرف الاسم إلى المجاز
والعمل به تصحيحا لكلام المكلف عند إمكان تصحيحه ولان الظاهر ارادته المجاز لكونه محملا
صحيحا وإرادة الصحيح أغلب من إرادة الفاسد فإن كان له موالي أب حين الوقف ثم انقرض مواليه
237

لم يكن الموالي الأب على مقتضى ما ذكرناه لأن الاسم يتناول غيرهم فلا يعود إليهم إلا بعقد ولم يوجد
ولا يشبه هذا قوله أوصيت لأقرب الناس إلي وله ابن وابن ابن فمات الابن حيث يستحق ابن الابن
وإن كان لا يستحق في حياة الابن شيئا لأن الوصية ههنا الموصوف وجدت الصفة في ابن الابن كوجودها
في الابن حقيقة، وفي المولى يقع الاسم على مولى نفسه حقيقة وعلى مولى الله مجازا فمع وجودهما جميعا لا يحمل
اللفظ إلا على الحقيقة وهذه الصفة لا توجد في مولى الله
* (مسألة) * (وان وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم)
لأن اللفظ يقتضي ذلك، وقد أمكن الوفاء به فوجب العمل بمقتضاه كقوله سبحانه (فهم شركاء في
الثلث) فإنه يجب تعميم الاخوة من الام والتسوية بينهم، ولان اللفظ يقتضي التسوية أشبه ما لو أقر لهم
* (مسألة) * (فإن لم يمكن حصرهم كالمساكين والقبيلة الكثيرة كبني هاشم وبني تميم صح الوقف عليهم)
وكذلك يصح الوقف على المسلمين كلهم وعلى أهل إقليم ومدينة كالشام ودمشق، ويجوز
للرجل أن يقف على عشريته وأهل مدينته، وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح الوقف على من لا يمكن
استيعابهم وحصرهم في غير المساكين ونحوهم لأنه تصرف في حق الآدمي فلم يصح مع الجهالة كما
لو قال وقفت على قوم
ولنا أن من صح الوقف عليهم إذا كانوا محصورين صح، وان لم يحصوا كالفقراء وقياسهم
يبطل بالوقف على المساكين
238

(فصل) ولا يجب تعميمهم إجماعا لأنه غير ممكن ويجوز تفضيل بعضهم على بعض لأن من جاز حرمانه
جاز تفضيل غيره عليه ويجوز الاقتصار على واحد منهم ويحتمل أن لا يجرئه أقل من ثلاثة وهو مذهب
الشافعي ووجه القول قد ذكر في الزكاة والأول ظاهر المذهب
(فصل) فإن كان الوقف في ابتدائه على من يمكن استيعابه فصار مما لا يمكن استيعابه كرجل
وقف على ولده وولد ولده وعقبه ونسله فصاروا قبيلة كثيرة تخرج عن الحصر مثل وقف علي رضي الله
عنه على ولده ونسله فإنه يجب تعمم من أمكن منهم والتسوية بينهم لأن التعميم كان واجبا وكذلك
التسوية فإذا تعذر وجب منه ما أمكن كالواجب الذي يعجز عن بعضه، ولان الواقف ههنا أراد
التعميم والتسوية لامكانه وصلاح لفظه لذلك فيجب العمل بما أمكن بخلاف ما إذا كانوا حال
الوقف ممن لا يمكن ذلك فيهم
* (مسألة) * (ولا يعطى كل واحد أكثر من القدر الذي يعطى من الزكاة يعني إذا كان الوقف
على صنف من أصناف الزكاة)
وجملة ذلك أن من وقف على سبيل الله أو ابن السبيل أو الرقاب أو الغارمين - فهم الذين
يستحقون السهم من الصدقات - لا يدخل معهم غيرهم لأن المطلق من كلام الآدميين يحمل على المعهود
239

في الشرع فينظر من كان يستحق السهم من الصدقات فالوقف مصروف إليه وقد مضى شرح ذلك
في الزكاة فإن وقف على الأصناف الثمانية الذين يأخذون الصدقات صرف إليهم ويعطى كل واحد منهم
من الوقف مثل القدر الذي يعطى من الزكاة لا يزاد عليه وقد ذكرنا ذلك، وقد اختلف في العقد الذي
يحصل به الغنى فقال احمد في رواية علي بن سعيد في الرجل يعطى من الوقف خمسين درهما فقال إن
كان الواقف ذكر في كتابة المساكين فهو مثل الزكاة وإن كان متطوعا أعطى من شاء وكيف شاء فقد
نص على الحاقه بالزكاة فيكون الخلاف فيه كالخلاف في الزكاة، واختار أبو الخطاب وابن عقيل زيادة
المسكين على خمسين درهما لأن لفظ أحمد لا تقييد فيه. قال أبو الخطاب وفي المسألة وجهان وجههما ما سبق
(فصل) فإن وقف على الأصناف كلها أو على صنفين أو أكثر فهل يجوز الاقتصار على صنف واحد أو
يجب إعطاء بعض كل صنف؟ فيه وجهان بناء على الزكاة
* (مسألة) * (والوصية كالوقف في هذا التفصيل لأن مبناها على لفظ الموصي أشبهت الوقف)
(فصل) والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه بإقالة ولا غيرها ويلزم بمجرد القول لأنه تبرع يمنع
البيع والهبة والميراث فلزم بمجرده كالعتق وعنه لا يلزم إلا بالقبض وإخراج الوقف عن يده اختاره
ابن أبي موسى كالهبة والصحيح الأول وقد ذكرناه، وذهب أبو حنيفة إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده
وللواقف الرجوع فيه إلا أن يوصي به بعد موته فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم وحكاه بعضهم عن علي
240

وابن مسعود وابن عباس وخالف أبا حنيفة صاحباه فقالا كقول سائر أهل العلم واحتج بعضهم بما روي
أن عبد الله بن زيد صاحب الاذان جعل حائطه صدقة وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبواه إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا
فورثهما رواه المحاملي في أماليه ولأنه إخراج ماله على وجه القربة من ملكه فلا يلزم بمجرد القول
كالصدقة، قلنا هذا القول يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في وقفه " لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " قال الترمذي العمل
على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك
اختلافا، قال الحميدي تصدق أبو بكر بداره على ولده وعمر بزيعه عند المروة على ولده وعثمان برومة
وتصدق علي بأرضه بينبع وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده وتصدق
سعد بداره بالمدينة وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط وداره بمكة على ولده وحكيم
ابن حزام بدره بمكة والمدينة على ولده فذلك كله إلى اليوم، وقال جابر لم يكن أحد من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا وقف وهذا اجماع منهم فإن الذي قدر على الوقف منهم وقف واشتهر ذلك
فلم ينكره أحد فكان ذلك اجماعا ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية فإذا نجزه في حال الحياة لزم من غير
حكم كالعتق، وحديث عبد الله بن زيد ان ثبت فليس فيه ذكر الوقف، والظاهر أنه جعله صدقة غير
241

موقوف استناب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى والديه أحق الناس بصرفها إليهما ولهذا لم يردها إليه إنما
دفعها إليهما ويحتمل أن الحائط كان لهما وكان هو يتصرف فيه بحكم النيابة عنهما فتصرف بهذا التصرف بغير
اذنها فلم ينفذاه وأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فرده إليهما والقياس على الصدقة لا يصح لأنها تلزم في الحياة بغير حكم
حاكم وإنما يفتقر إلى القبض والوقف لا يفتقر إليه فافترقا
* (مسألة) * (ولا يجوز بيعه الا أن تتعطل منافعه فيباع ويصرف ثمنه في مثله وكذلك الفرس
الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه
وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر)
وجملة ذلك أنه لا يجوز بيع الوقف ولا هبته لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر " غير أنه لا يباع أصلها
ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " فإن تعطلت منافعه بالكلية كدار انهدمت أو أرض خربت وعادت مواتا
لا يمكن عمارتها أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه
في موضعه فإن أمكن بيع بعضه ليعمر به بقيته جاز بيع البعض وان لم يمكن الانتفاع بشئ منه بيع جميعه
قال أحمد في رواية أبي داود إذا كان في المسجد خشبتان لهما قيمة جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه وقال في رواية
صالح يحول المسجد خوفا من اللصوص وإذا كان موضعه قذرا قال القاضي يعني إذا كان ذلك يمنع الصلاة
فيه ونص على جواز بيع عرصته في رواية عبد الله وتكون الشهادة في ذلك على الإمام. قال أبو بكر
وقد روى علي بن سعيد أن المساجد لا تباع وإنما تنقل آلتها قال وبالقول الأول أقول لاجماعهم على
بيع الفرس الحبيس يعني الموقوفة على الغزو إذا كبرت فلم تصلح للغزو وأمكن الانتفاع بها في شئ
آخر مثل أن تدور في الرحا أو يحمل عليها تراب أو تكون الرغبة في نتاجها أو حصانا يتخذ للطراق فإنه
يجوز بيعها ويشتري بثمنها ما يصلح للغزو نص عليه أحمد وقال محمد بن الحسن إذا خرب المسجد
242

والوقف عاد إلى ملك واقفه لأن الوقف إنما هو تسبيل المنفعة فإذا زالت منفعته زال حق الموقوف
عليه منه فزال ملكه عنه وقال مالك والشافعي لا يجوز بيع شئ من ذلك لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم " لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث " ولان ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز
مع تعطلها كالمعتق والمسجد أشبه الأشياء بالمعتق
ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة أن
انقل المسجد الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل وكان
هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان اجماعا ولان فيما ذكرناه استبقاء للوقف بمعناه عند تعذر
ابقائه بصورته فوجب ذلك كما لو استولد الجارية الموقوفة أو قبلها أو قبلها غيره قال ابن عقيل
الوقف مؤبد فإذا لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين
أخرى وايصال الابدال جرى مجرى الأعيان وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض ويقرب هذا
من الهدي إذا عطب فإنه يذبح في الحال وإن كان يختص بالموضع، فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية
استوفي منه ما أمكن وترك مراعاة المحل الخاص عند تعذره لأن مراعاته مع تعذره تفضي إلى فوات
الانتفاع به بالكلية وهكذا الوقف المعطل المنافع. ولنا على محمد بن الحسن انه إزالة ملك على وجه
القربة فلا يعود إلى مالكه باختلاله وذهاب منافعه كالعتق
* (مسألة) * (ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته) كما يجوز بيع الفرس الحبيس عند تعذر
الانتفاع به وصرف ثمنه فيما يقوم مقامه ولأنه إذا جاز بيع الجميع عند الحاجة إلى بيعه فبيع بعضه مع
بقاء البعض أولى.
(فصل) وإذا بيع الوقف فأي شئ اشترى بثمنه مما يرد على أهل الوقف جاز، وإن كان من
غير جنسه في ظاهر كلام الخرقي لكن تكون المنفعة مصروفة إلى المصلحة التي كانت الأولى تصرف
243

فيها لأنه لا يجوز تغيير المصرف مع امكان المحافظة عليه كما لا يجوز تغيير الوقف بالبيع مع إمكان الانتفاع به
(فصل) فإن لم يكف ثمن الفرس الحبيس لشراء فرس أخرى أعين به في شراء حبيس يكون
بعض الثمن نص عليه أحمد لأن المقصود استيفاء منفعة الوقف الممكن استيفاؤها وصيانتها عن الضياع
ولا سبيل إلى ذلك إلا بهذه الطريق
(فصل) فإن لم تتعطل منفعة الوقف بالكلية لكن قلت وكان غيره أنفع منه وأكثر ردا على
أهل الوقف لم يجز بيعه لأن الأصل تحريم البيع وإنما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف عن الضياع
مع إمكان تحصيله ومع الانتفاع ما يضيع المقصود وإن قل اللهم إلا أن يبلغ في قلة النفع إلى حد لا يعد
نفعا فيكون وجوده كالعدم
(فصل) قال أحمد في رواية أبي داود في مسجد أراد أهله رفعه من الأرض ويجعل تحته سقاية
وحوانيت فامتنع بعضهم من ذلك ينظر إلي قول أكثرهم واختلف أصحابنا في تأويل كلام أحمد
فذهب ابن حامد إلى أن هذا مسجد أراد أهله انشاءه ابتداءا واختلفوا كيف يعمل، وسماه مسجدا
قبل بنائه تجوزا لأن مآله إليه، أما بعد بنائه لا يجوز جعله سقاية ولا حوانيت وذهب القاضي إلى
ظاهر اللفظ وهو انه كان مسجدا فأراد أهله رفعه وجعل ما تحته سقاية لحاجتهم إلى ذلك والأول أصح
وأولى، وان خالف الظاهر فإن المسجد لا يجوز نقله وإبداله وبيع ساحته وجعلها سقاية وحوانيت
إلا عند تعذر الانتفاع به والحاجة إلى سقاية وحوانيت لا تعطل نفع المسجد فلا يجوز صرفه في ذلك
ولو جاز جعل أسفل المسجد سقاية وحوانيت لهذه الحاجة لجاز تخريب المسجد وجعله سقاية وحوانيت
ويجعل بدله مسجدا في موضع آخر، وقال أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه في مسجد ليس بحصين
من الكلاب وله منارة فرخص في نقضها وبناء حائط المسجد بها للمصلحة
* (مسألة) * (وما فضل من حصره وزيته عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر والصدقة به على
فقراء المسلمين)
وكذلك إن فضل من قصبه أو شئ من نقضه، قال أحمد في مسجد يبنى فيبقى من خشبه أو قصبه
أو شئ من نقضه قال يعان به في مسجد آخر أو كما قال، وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن بواري
المسجد إذا فضل منه الشئ أو الخشبة قال يتصدق به، وأرى أنه قد احتج بكسوة البيت إذا تخرقت
244

تصدق بها، وقال في موضع آخر قد كان شيبة يتصدق بخلقان الكعبة.
وروى الخلال باسناده عن علقمة عن أمه ان شيبة بن عثمان الحجبي جاء إلى عائشة رضي الله عنها
فقال يا أم المؤمنين ان ثياب الكعبة تكثر عليها فننزعها فنحفر لها آبارا فندفنها فيها حتى لا تلبسها
الحائض والجنب قالت عائشة بئس ما صنعت ولم تصب ان ثياب الكعبة إذا نزعت لم يضرها من
لبسها من حائض أو جنب ولكن لو بعتها وجعلت ثمنها في سبيل الله والمساكين. فقال فكان شيبة
يبعث بها إلى اليمن فتباع فيضع ثمنها حيث أمرته عائشة، وهذه قضية مثلها ينتشر ولم تنكر فتكون
إجماعا ولأنه مال الله تعالى لم يبق له مصرف فصرف إلى المساكين كالوقف المنقطع
* (مسألة) * (ولا يجوز غرس شجرة في المسجد)
نص عليه أحمد فقال إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجدا فهذه غرست بغير حق فلا
أحب الاكل منها، ولو قلعها الإمام لجاز، وذلك لأن المسجد لم يبن لهذا إنما بنى لذكر الله والصلاة
وقراءة القرآن ولان الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها ويسقط ورقها في المسجد
وثمرها ويسقط عليها الطير وتبول في المسجد وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها ورموها
بالحجارة ليسقط ثمرها
* (مسألة) * (فإن كانت مغروسة جاز الاكل منها)
يعني إذا كانت الشجرة في أرض فجعلها صاحبها مسجدا والشجرة فيها فلا بأس، قال أحمد في
موضع لا بأس يعني أن يبيعها من الجيران، وقال في رواية أبي طالب في النفقة لا تباع وتجعل للمسلمين
وأهل الدرب يأكلونها وذلك والله أعلم، لأن صاحب الأرض لما جعلها مسجدا والشجرة فيها فقد
وقف الأرض والشجرة معا ولم يعين مصرفها فصارت كالوقف المطلق الذي لم يعين له مصرف.
وقد ذكرنا انه للمساكين في بعض الروايات. فأما إن قال صاحبها هذه وقف على المسجد فينبغي أن
تباع ثمرتها وتصرف إليه كما لو وقفها على المسجد وهي في غيره. وقال أبو الخطاب عندي ان السجد
إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة بيعت وصرفت في عمارته، وقال أحمد يأكلها الجيران محمول على أنهم
يعمرونه فإن استعنى المسجد عنها فلا بأس بالاكل منها والله سبحانه وتعالى أعلم
245

باب الهبة والعطية
وهي تمليك في الحياة بغير عوض، الهبة والعطية والهبة والصدقة معانيهما متقاربة وهي تمليك في
الحياة بغير عوض، واسم الهبة والعطية شامل لجميعها، فأما الصدقة والهدية فهما متغايران وإن دخلا
في مسمى الهبة والعطية فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وقال في اللحم الذي
تصدق به على بربرة " هو عليها صدقة ولنا هدية " فالظاهر أن من أعطى شيئا ينوي به التقرب إلى
الله تعالى للمحتاج فهو صدقة، ومن دفع إلى انسان شيئا للتقرب إليه والمحبة له فهو هدية وجميع ذلك
مندوب إليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تهادوا تحابوا " وأما الصدقة فما ورد في فضلها كثير، وقد قال الله
تعالى (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتؤها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيأتكم
* (مسألة) * (فإن شرط فيها عوضا معلوما صارت بيعا وعنه يغلب فيها حكم الهبة)
وجملة ذلك أن الهبة المطلقة لا تقتضي ثوابا سواء كانت لمثله أو دونه أو أعلى منه وبه قال أبو حنيفة
وقال الشافعي كقولنا فيما إذا كانت لمثله أو دونه وإن كانت لاعلى منه اقتضت الثواب في أحد القولين وهو
قول مالك لقول عمر رضي الله عنه من وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها
246

ولنا انها عطية على وجه التيرع فلم تقتض ثوابا كهبة المثل والوصية، وقول عمر قد خالفه ابنه
وابن عباس فلا يبقى حجة فإن عوضه عن الهبة كانت هبة مبتدأة لا عوضا أيهما أصاب عيبا لم يكن له
الرد وإن خرجت مستحقة أخذها صاحبها ولم يرجع الموهوب له ببدلها، فإن شرط في الهبة ثوابا
معلوما صح نص عليه، لأنه تمليك بعوض معلوم فهو كالهبة وحكمها حكم البيع في ثبوت الخيار والشفعة
وبه قال أصحاب الرأي ولأصحاب الشافعي قول انها لا تصح لأنه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها.
ولنا انه تمليك بعوض فصح كما لو قال ملكتك هذا بدرهم فإنه لو أطلق التمليك كان هبة فإذا
ذكر العوض صار بيعا وفيه رواية أخرى ذكرها أبو الخطاب انه يغلب عليها حكم الهبة فلا تثبت
فيها أحكام البيع المختصة به
* (مسألة) * (وان شرط ثوابا مجهولا لم تصح الهبة)
وحكمها حكم البيع الفاسد لأنه عوض مجهول في معاوضة فلم يصح كالبيع ويردها الموهوب له بزيادتها
المتصلة والمنفصلة لأنه نماء ملك الواهب، وإن كانت تالفة رد قيمتها وهذا قول الشافعي وأبي ثور وعنه أنه قال
يرضيه بشي وظاهر كلام أحمد انها تصح فإذا أعطاه عنها عوضا رضيه لزم العقد بذلك، قال أحمد في
رواية محمد ابن الحكم إذا قال الواهب هذا لك على أن تثيبني فله أن يرجع إذا لم يثيبه لأنه شرط، وقال
في رواية إسماعيل بن سعيد إذا وهب له على وجه الإثابة فلا يجوز إلا أن يثيبه منها فعلى هذا عليه أن
247

يعطيه حتى يرضيه، فإن لم يفعل فللواهب الرجوع فيها أو عوضها إن كانت تالفة لأنه عقد معاوضة
فاسد فلزم ضمان العين إذا تلفت كالبيع الفاسد ويحتمل أن يعطيه قدر قيمتها والأول أصح لأن هذا
بيع فيعتبر له التراضي إلا أنه بيع بالمعاطاة فإذا عوضه عوضا رضيه حصل البيع بما حصل من المعاطاة مع
التراضي بها وإن لم يحصل التراضي لم يصح لعدم العقد فإنه لم يوجد الايجاب والقبول ولا المعاطاة
ولا التراضي والأصل في هذا قول عمر رضي الله عنه: من أوهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته
يرجع فيها ما لم يرض منها، وروي معنى ذلك عن علي وفضالة بن عبيد ومالك بن أنس وهو قول الشافعي
على القول الذي يرى أن الهبة المطلقة تقتضي ثوابا، وقد روى أبو هريرة ان أعرابيا وهب النبي صلى الله عليه وسلم
ناقة فإعطاء ثلاثا فأبى فزاده ثلاثا فلما كملت تسعا قال رضيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لقد هممت أن لا
اتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي " من المسند، فإن تغيرت العين الموهوبة بزيادة
أو نقصان أو لم يثبه منها فقال أحمد لا أرى عليه نقصان ما نقصه عنده إذا رده إلي صاحبه إلا أن يكون
ثوبا لبسه أو جارية استخدمها، فأما غير ذلك إذا نقص فلا شئ عليه فكان عندي مثل الرهن
الزيادة والنقصان لصاحبه
* (مسألة) * (وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الايجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها)
فالايجاب أن يقول وهبتك أو أهديت إليك أو ملكتك أو هذا لك ونحوه من الألفاظ
248

الدالة على هذا المعنى، والقبول أن يقول قبلت أو رضيت أو نحو هذا، وتصح بالمعاطاة المقترنة بما يدل عليهما
وإن لم يحصل ايجاب أو قبول، ذكر القاضي وأبو الخطاب أن الهبة والعطية لابد فيها من الايجاب
والقبول، ولا تصح بدونه سواء وجد القبض أو لم يوجد وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه
عقد تمليك فافتقر إلى الايجاب والقبول كالنكاح، والصحيح ان المعاطاة والافعال الدالة على الايجاب
والقبول كافية ولا يحتاج إلى لفظ اختاره ابن عقيل فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدي ويهدى إليه ويعطي
ويعطى ويفرق الصدقات ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها وكان أصحابه يفعلون ذلك ولم ينقل عنهم
في ذلك ايجاب ولا قبول ولا أمر به ولا تعليمه لاحد ولو كان ذلك شرطا لنقل عنهم نقلا مشتهرا،
وقد كان ابن عمر على بعير لعمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر " بعنيه " فقال هو لك يا رسول الله، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت " ولم ينقل قبول النبي صلى الله عليه وسلم من عمر
ولا قبول ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان شرطا لفعله النبي وعلمه ابن عمر ولم يكن ليأمره أن يصنع
به ما شاء قبل أن يقبله، وروى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قالوا صدقة
قال لأصحابه " كلوا " ولم يأكل وإن قالوا هدية ضرب بيده فأكل معهم، ولا خلاف بين العلماء فيما
علمنا في أن تقديم الطعام بين يدي الضيفان والاذن في أكله ان ذلك لا يحتاج إلى ايجاب ولا قبول
ولأنه وجد ما يدل على التراضي بنقل الملك فاكتفى به كما لو وجد الايجاب والقبول، قال ابن عقيل
إنما يشترط الايجاب مع الاطلاق وعدم العرف القائم من المعطي والمعطى لأنه إذا لم يكن عرف يدل
249

على الرضي فلابد من قول دال عليه، أما مع قرائن الأحوال والدلال فلا وجه لتوقفه على اللفظ،
ألا ترى أنا اكتفينا بالمعاطاة في البيع واكتفينا بدلالة الحال في دخول الحمام وهو إجارة وبيع أعيان
فإذا اكتفينا في المعاوضات مع تأكدها بدلالة الحال فإنها تنقل الملك من الجانبين فلان نكتفي بها
في الهبة أولى. وأما النكاح فإنه يشترط فيه ما لا يشترط في غيره من الاشهاد ولا يقع إلا قليلا فلا
يشق اشتراط الايجاب والقبول فيه بخلاف الهبة والله سبحانه وتعالى أعلم
* (مسألة) * (وتلزم بالقبض وعنه تلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة) أما المكيل والموزون
الذي لا يتميز إلا بالكيل والوزن فلا تلزم الهبة فيه إلا بالقبض وعلى قياس ذلك المعدود والمذروع،
وهو قول أكثر الفقهاء منهم النخعي والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة والشافعي وقال مالك
وأبو ثور تلزم بمجرد العقد لعموم قوله عليه السلام " العائد في هبته كالعائد في قيئه " ولأنه إزالة ملك
بغير عوض فلزم بمجرد العقد كالوقف والعتق ولأنه تبرع فلا يعتبر فيه القبض كالوصية والوقف
ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه مروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولم نعرف لهما
في الصحابة مخالفا، وقد روى عروة عن عائشة رضي الله عنها ان أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ
عشرين وسقا من ماله بالعالية فلما مرض قال: يا بنية ما أحد أحب غنى منك بعدي ولا أحد أعز علي
فقرا منك وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا ووددت انك حزتيه أو قبضتيه، وهو اليوم مال الوارث
أخواك وأختاك فاقتسموا على كتاب الله عز وجل، رواه مالك في موطئه. وروى ابن عيينة عن
250

الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري ان عمر بن الخطاب قال: ما بال قوم ينحلون أولادهم
فإذا مات أحدهم قال مالي وفي يدي فإذا مات هو قال قد كنت نحلت ولدي، لا نحلة لا نحلة يحوزها الولد دون
الوالد، فإن مات ورثه قال المروذي اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة
ولأنها هبة غير مقبوضة فلم تلزم كما لو مات الواهب قبل أن يقبض فإن مالكا يقول لا يلزم الورثة
التسليم والخبر محمول على المقبوض ولا يصح القياس على الوقف والوصية والعتق لأن الوقف إخراج
ملك إلى الله تعالى فخالف التمليكات والوصية تلزم في حق الوارث والعتق إسقاط حق وليس بتمليك
ولان الوقف والعنق لا يكون في محل النزاع لأن النزاع في المكيل والموزون
(فصل) وفي غير المكيل والموزون روايتان (إحداهما) ان حكمه حكم المكيل والموزون في أنه
لا يلزم إلا بالقبض وهو قول أكثر أهل العلم، قال المروذي: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن
الهبة لا تجوز إلا مقبوضة روي ذلك عن النخعي والثوري والعنبري والحسن بن صالح والشافعي
وأصحاب الرأي لما ذكرنا في المكيل والموزون (والثانية) انها تلزم بمجرد العقد وثبت الملك في
الموهوب فيه قبل قبضه فروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما انهما قالا الهبة جائزة إذا كانت
معلومة قبضت أو لم تقبض وهو قول مالك وأبي ثور لأن الهبة أحد نوعي التمليك فكان منها ما لا يلزم
قبل القبض ومنها ما يلزم قبله كالبيع فإن منه ما لا يلزم إلا بقبض وهو الصرف وبيع الربويات ومنه
251

ما يلزم قبله وهو ما عدا ذلك، فأما حديث أبي بكر في هبته لعائشة فإن جذاذ عشرين وسقا يحتمل
انه أراد به عشرين وسقا مجذوذة فيكون مكيلا غير معين وهذا لابد فيه من القبض، وإن أراد نخلا
بجذ عشرين وسقا فهو أيضا غير معين فلا تصح الهبة فيه قبل تعيينه فيكون معناه وعدتك بالنحلة،
وقول عمر أراد به النهي عن التحيل بنحلة الوالد ولده نحلة موقوفة على الموت فيظهر اني نحلت ولدي
شيئا ويمسكه في يده يستغله فإذا مات أخذه ولده بحكم النحلة التي أظهرها، وإن مات ولده أمسكه
ولم يعط ورثته شيئا وهذا على هذا الوجه محرم فنهاهم عن هذا حتى يحوزها الولد دون والده، فإن مات
ورثها ورثته كسائر ماله، وإذا كان المقصود هذا اختص بهبة الولد وشبهه، على أنه قد روي عن علي
وابن مسعود خلاف ذلك فتعارضت أقوالهم
(فصل) قوله في المكيل والموزون ان الهبة لا تلزم فيه الا بالقبض محمول على عمومه في كل ما
يكال ويوزن وخصه أصحابنا المتأخرون بما ليس بمتعين منه كقفيز من صبرة ورطل من دن وقد ذكرنا
ذلك في البيع ورجحنا العموم
* (مسألة) * (ولا يصح القبض إلا باذن الواهب الا ما كان في يد المتهب فيكفي مضي زمن
يتأتى قبضه فيه وعنه لا يصح حتى يأذن في القبض
252

إذا قلنا إن الهبة لا تلزم الا بالقبض لم يصح القبض إلا باذن الواهب لأنه قبض
غير مستحق عليه ولأنه أمر تلزم به الهبة فلم يصح الا باذن الواهب كأصل العقد لأن قبضه
مستدام فأغنى عنه الابتداء كما لو باعه سلعة في يده وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، فأما
ما كان في يد المتهب كالوديعة والمغصوب فظاهر كلام أحمد أنها تلزم من غير قبض ولا مضي مدة
يتأتى فيها القبض فإنه قال في رواية ابن منصور إذا وهب امرأته شيئا ولم تقبضه فليس بينه وبينها
خيار هي معه في البيت فظاهر هذا أنه لم يعتبر قبضا ولا مضي مدة يتأتى فيها لكونها معه في البيت
فيدها على ما فيه لأن قبضه مستدام اغنى عن الابتداء كما لو باعه سلعة في يده وهو الصحيح إن شاء الله
تعالى. قال القاضي لابد من مضي مدة يتأتى القبض فيها، وهل يفتقر إلى اذن في القبض؟ فيه روايتان
(إحداهما) يفتقر كغير المقبوض (والثانية) لا يفتقر لأنه مقبوض فلا معنى لتجديد الاذن فيه وقد
ذكرنا ذلك في الرهن ومذهب الشافعي في الاختلاف في اعتبار الاذن واعتبار مضي مدة يتأتى
القبض فيها كمذهبنا
(فصل) والواهب بالخيار قبل القبض ان شاء أقبضها وان شاء رجع فيها فإن قبضها المتهب بغير
اذن الواهب لم يصح القبض ولم تتم الهبة وحكي عن أبي حنيفة أنه إذا قبضها في المجلس صح وان لم
يأذن له لأن الهبة قامت مقام الاذن في القبض لكونها دالة على رضاه بالتمليك الذي لا يتم الا بالقبض
253

ولنا أنه قبض الهبة بغير اذن الواهب فلم يصح كما بعد المجلس وكما لو نهاه ولان التسليم غير مستحق
على الواهب فلم يصح التسليم الا باذنه كما لو أخذ المشتري المبيع من البائع قبل قبض ثمنه، ولا يصح
جعل الهبة إذنا في القبض كما بعد المجلس ويحتمل أنه إذا قبضها بحضرة الواهب أن يقوم ذلك
مقام الاذن كما جعلنا أخذ المتهب لها باذن الواهب دليلا على القبول فإن أذن الواهب في القبض ثم رجع
عن الاذن أو رجع في الهبة صح رجوعه لأن ذلك ليس بقبض وان رجع بعد القبض لم يصح رجوعه
لأن الهبة تمت
* (مسألة) * (فإن مات الواهب قام وارثه مقامه في الاذن والرجوع)
وجملة ذلك أنه إذا مات الواهب أو المتهب قبل القبض بطلت الهبة سواء كان قبل الاذن في القبض
أو بعده ذكره القاضي في موت الواهب لأنه عقد جائز فبطل بموت أحد المتعاقدين كالوكالة قال أحمد
في رواية أبى طالب وأبي الحارث في رجل أهدى هدية فلم تصل إلى المهدى إليه حتى مات فإنها تعود
إلى صاحبها ما لم يقبضها وروى باسناده عن أم كلثوم بنت أبي سلمى قالت لما تزوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم أم سلمة قال لها " اني أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك ولا أرى النجاشي الا قد مات
ولا أرى هديتي الا مردودة علي فإن ردت فهي لك " فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وردت عليه هديته فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة وان
254

مات المهدي قبل أن تصل إلى المهدي إليه رجعت إلى ورثة المهدي وليس للرسول حملها إلى المهدى
إليه الا أن يأذن الوارث والهبة كالهدية، وقال أبو الخصاب قام وارثه مقامه في الاذن في القبض والفسخ
وهذا يدل على أن الهبة لم تنفسخ بموته وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه عقد مآله إلى اللزوم فلم
ينفسخ بالموت كالبيع في مدة الخيار وكذلك يخرج فيما إذا مات الموهوب له بعد القبول وان مات
أحدهما قبل القبول أو ما يقوم مقامه بطلت وجها واحدا لأن العقد لم يتم فهو كما لو مات المشتري بعد
الايجاب وقبل القبول فإن قلنا إن الهبة لا تبطل فمات أحدهما بعد الاذن في القبض بطل الاذن لأن
الميت إن كان هو الواهب فقد انتقل حقه في الرجوع في الهبة إلى وارثه وإن كان المتهب فلم يوجد
الاذن لوارثه فلم يملك القبض بغير اذن والله أعلم
* (مسألة) * (وان أبرأ الغريم غريمه من دينه أو وهبه له أو أحله منه برئ وان رد ذلك ولم يقبله)
لأنه اسقاط فلم يفتقر إلى القبول كاسقاط القصاص والشفعة وحد القذف وكالعتق والطلاق وكذلك
إن قال تصدقت به عليك فإن القرآن ورد في الابراء بلفظ الصدقة قال الله تعالى (ودية مسلمة إلى
أهله الا أن يصدقوا) وان قال عفوت لك عنه صح قال الله تعالى (الا أن يعفون أو يعفو الذي بيده
عقدة النكاح) يريد به الابراء من الصداق، فإن قال أسقطته عنك صح لأنه اتى بحقيقة اللفظ وكذلك
ان قال ملكتك لأنه بمنزلة هبته إياه فإن وهب الدين لغير من هو في ذمته لم يصح قياسا على البيع
255

ويحتمل ان يصح لأنه لا غرر فيها على المتهب ولا الواهب فصح كهبة الأعيان
(فصل) وتصح البراءة من المجهول إذا لم يكن لهما سبيل إلى معرفته وقال أبو حنيفة تصح مطلقا
وقال الشافعي لا تصح الا انه إذا أراد ذلك فقال أبرأتك من درهم إلى الف لأن الجهالة إنما منعت
لأجل الغرر فإذا رضي بالجملة فقد زال الغرر وصحت البراءة
ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين اختصما إليه في مواريث درست " اقتسما وتوخيا ثم استهما ثم تحالا " رواه
أبو داود ولأنه اسقاط فصح في المجهول كالطلاق والعتاق وكما لو قال من درهم إلى الف، ولان الحاجة
داعية إلى تبرئة الذمة ولا سبيل إلى العلم بما فيها فلو وقفت صحة البراءة على العلم لكان سدا لباب
عفو الانسان عن أخيه المسلم وتبرئة ذمته فلم يجز ذلك كالمنع من العتق، فأما إن كان من عليه الحق يعلمه
ويكتمه المستحق خوفا من أنه إذا علمه لم يسمح بابرائه منه فينبغي ان لا تصح البراءة فيه لأن فيه
تغريرا بالمبرئ وقد أمكن التحرز منه، وقال أصحابنا لو أبرأه من مائة وهو يعتقد انه لا شئ عليه
وكان له عليه مائة ففي صحة البراءة وجهان (أحدهما) صحتها لأنها صادفت ملكه فأسقطته كما لو علمها
(والثاني) لا يصح لأنه أبرأه مما لا يعتقد انه عليه فلم يكن ذلك ابراء في الحقيقة، واصل الوجهين ما لو
باع ما لا كان لموروثه يعتقد انه باق لموروثه وكان موروثه قد مات وانتقل ملكه إليه فهل يصح؟
فيه وجهان وللشافعي قولان في البيع وفي صحة الابراء وجهان
256

(فصل) فإن كان الموهوب له طفلا أو مجنونا لم يصح قبضه ولا قبوله لأنه من غير أهل التصرف
ويقبض له أبوه إن كان أمينا لأنه أشفق عليه وأقرب إليه، فإن لم يكن له أب قبض له وصي إليه لأن
الأب اقامه مقام نفسه فجرى مجرى وكيله، وإن كان الأب غير مأمون أو كان مجنونا أو كان لا وصي
له قبل الحاكم، ولا يلي ماله غير هؤلاء الثلاثة وامين الحاكم يقوم مقامه وكذلك وكيل الأب الأمين
ووصيه يقوم كل واحد منهما مقام الصبي والمجنون في القبول والقبض ان احتيج إليه لأنه قبول لما
للصبي أو المجنون فيه حظ فكان إلى الولي كالبيع والشراء ولا يصح القبض من غير هؤلاء
قال احمد في رواية صالح في صبي وهبت له هبة أو تصدق عليه بصدقة فقبضت الام ذلك وأبوه حاضر
فقال لا اعرف للام قبضا ولا يكون الا للأب، وقال عثمان رضي الله عنه أحق من يحوز للصبي أبوه
وهذا مذهب الشافعي لا اعلم فيه خلافا لأن القبض إنما يكون من المتهب أو نائبه والولي نائب بالشرع
فصح قبضه له، اما غيره فلا نيابة له، قال شيخنا ويحتمل ان يصح القبول والقبض من غيرهم عند عدمهم
لأن الحاجة داعية إلى ذلك فإن الصبي قد يكون في مكان لا حاكم فيه وليس له أب ولا وصي ويكون
257

فقيرا لا غنى به عن الصدقات فإن لم يصح قبض غيرهم له انسد باب وصولها إليه فيضيع ويهلك ومراعاة
حفظه عن الهلاك أولى من مراعاة الولاية، فعلى هذا للام القبض له وكل من يليه من أقاربه وغيرهم
(فصل) فإن كان الصبي مميزا فحكمه حكم الطفل في قيام وليه مقامه لأن الولاية لا تزول عنه
قبل البلوغ إلا أنه إذا قبل لنفسه وقبض لها صح لأنه من أهل التصرف فإنه يصح بيعه وشراؤه بإذن الولي
فههنا أولى، ولا يحتاج إلى إذن الولي ههنا لأنه مصلحة لا ضرر فيه فصح من غير إذن وليه
كوصيته وكسبه المباحات، ويحتمل أن يقف صحة القبض منه على إذن وليه دون القبول لأن القبض
يحصل به مستوليا على المال فلا يؤمن تضييعه له وتفريطه فيه فيتعين حفظه عن ذلك بتوقفه على إذن
وليه كقبضه أو ذيعته بخلاف القبول فإنه يحصل له به الملك من غير ضرر فجاز من غير إذن
كاحتشاشه واصطياده.
(فصل) فإن وهب الأب لولده الصغير شيئا قام مقامه في القبض والقبول ان احتيج إليه قال
ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا وهب لولده الطفل دارا بعينها
أو عبدا بعينه وقبضه له من نفسه وأشهد عليه أن الهبة تامة، هذا قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب
الرأي وروي معنى ذلك عن شريح وعمر بن عبد العزيز، فإن كان الموهوب مما يفتقر إلى قبض اكتفى
258

بقوله قد وهبت هذا لابني وقبضته له لأنه يغني عن القبول كما ذكرنا ولا يكفي قوله قد قبلته لأن
القبول لا يغني ن القبض، وإن كان مما لا يفتقر اكتفى بقوله قد وهبت هذا لابني ولا يحتاج إلى ذكر
قبض ولا قبول، قال ابن المنذر أجمع الفقهاء على أن هبة الأب لولده الصغير في حجره لا يحتاج إلى
قبض وان الاشهاد فيها يغني عن القبض وان وليها أبوه لما رواه مالك عن الزهري عن ابن المسيب
أن عثمان قال من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز نحلة فاعلن ذلك وأشهد على نفسه فهي جائزة
وان وليها أبوه، وقال القاضي لابد في هبة الولد من أن يقول قبلته وهذا مذهب الشافعي لأن الهبة
عندهم لا تصح الا بالايجاب والقبول وقد ذكرنا من قبل ان قرائن الأحوال ودلالتها تغني عن لفظ
القبول ولا أدل على القبول من كون القابل هو الواهب فاعتبار لفظ لا يفيد معنى من غير ورود الشرع
به تحكم لا معنى له مع مخالفته لظاهر حال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وليس هذا مذهبا
لأحمد فقد قال في رواية حرب في رجل أشهد بسهم من ضيعته وهي معروفة لابنه وليس له ولد غيره
فقال أحب أن يقول عند الاشهاد قد قبضته له قال له فإن سها قال إذا كان مفرزا رجوت فقد ذكر
أحمد أنه يكتفي بقوله قد قبضته له وان يرجو أن يكتفي مع التمييز بالاشهاد فحسب وهذا موافق
للاجماع المذكور عن سائر العلماء، وقال بعض أصحابنا يكتفى بأحد لفظين اما أن يقول قد قبلته أو
قد قبضت لأن القبول يغني عن القبض وظاهر كلام احمد ما ذكرناه ولا فرق بين الأثمان وغيرها فيما
259

ذكرنا وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك ان وهب له مالا يعرف بعينه كالأثمان لم يجز الا ان
يضعها على يد غيره لأن الأب قد يتلف ذلك أو يتلف بغير سببه فلا يمكن ان يشهد على شئ
بعينه فلا ينفع القبض شيئا
ولنا ان ذلك مما يصح هبته فإذا وهبه لابنه الصغير وقرضه له صح كالعروض
(فصل) فإن كان الواهب للصبي غير الأب من أوليائه فقال أصحابنا لابد أن يوكل من يقبل
للصبي ويقبض له ليكون الايجاب منه والقبول والقبض من غيره كما في البيع بخلاف الأب فإنه يجوز
أن يوجب ويقبل ويقبض لكونه يجوز أن يبيع لنفسه، قال شيخنا والصحيح عندي أن الأب وغيره
في هذا سواء لأنه عقد يجوز أن يصدر منه ومن وكيله فجاز ان يتولى طرفيه كالأب. وفارق البيع
فإنه يجوز ان يوكل من يشتري له ولان البيع عقد معاوضة ومرابحة فيتهم في عقده لنفسه والهبة
محض مصلحة لا تهمة فيها وهو ولي فجاز ان يتولى طرفي العقد كالأب، ولان البيع إنما منع منه لما
يأخذه من العوض لنفسه من مال الصبي وهو ههنا يعطي ولا يأخذ فلا وجه لمنعه من ذلك وتوقيفه
على توكيل غيره ولأننا قد ذكرنا انه يستغنى بالايجاب والاشهاد عن القبض والقبول فلا حاجة إلى
التوكيل فيهما مع غناه عنهما
260

(فصل) فأما الهبة من الصبي لغيره فلا تصح سواء اذن فيها الولي أو لم يأذن لأنه محجور عليه
لحظ نفسه فلا يصح تبرعه كالسفيه، فأما العبد فلا يجوز ان يهب الا باذن سيده لأنه مال لسيده وماله
مال لسيده فلا يجوز له إزالة ملك سيده عنه بغير اذنه كالأجنبي وقد ذكرنا في جواز الصدقة من
قوته بالرغيف ونحوه رواية ان ذلك جائز وذكرنا دليله في الحجر وللعبد ان يقبل الهدية
والهبة بغير اذن سيده نص عليه احمد لأنه تحصيل للمال للسيد فلم يعتبر اذنه فيه كالالتقاط
والاصطياد ونحوه:
(فصل) والقبض في الهبة كالقبض في البيع وقد ذكرنا ذلك والاختلاف فيه في كتاب
البيع وهذا مقيس عليه
* (مسألة) * (وتصح هبة المشاع وبه قال مالك والشافعي وسواء في ذلك ما أمكن قسمته أو لم يمكن
وقال أصحاب الرأي لا تصح هبة المشاع الذي يمكن قسمته لأن القبض شرط في الهبة ووجوب
القسمة يمنع صحة القبض وتمامه وتصح هبة ما لا يمكن قسمته لعدم ذلك فيه فإن وهب واحد اثنين
شيئا مما ينقسم لم يجز عند أبي حنيفة وجاز عند صاحبيه وان وهب اثنان اثنين شيئا مما ينقسم لم يصح في
قياس قولهم لأن كل واحد من المتهبين قد وهب له جزء مشاع
261

ولنا أن وفد هوازن لما جاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنمه
منهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم " رواه البخاري وهو
هبة مشاع وروي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء
رجل ومعه كبة من شعر فقال أخذت هذه من الغنم لأصلح بها برذعة لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم
" ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك " وروى عمير بن سلمة الضمري قال خرجنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى أتينا الروحاء فرأينا حمار وحش معقورا فأردنا أخذه فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " دعوه فإنه يوشك أن يجئ صاحبه " فجاء رجل من بهز وهو الذي عقره فقال يا رسول الله
شأنكم بالحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بين الناس رواه الإمام أحمد والنسائي
ولأنه يجوز بيعه فجازت هبته كالذي لا ينقسم، وقولهم ان وجوب القسمة يمنع صحة القبض لا يصح لأنه
لا يمنع صحته في البيع فكذا ههنا، ومتى كانت الهبة لاثنين فقبضاه باذنه ثبت ملكهما فيه وإن قبضه
أحدهما ثبت الملك في نصيبه دون صاحبه
* (مسألة) * (وتصح هبة ما يجوز بيعه لأنه تمليك في الحياة فصح كالبيع وتصح هبة الكلب وما
يباح الانتفاع به من النجاسات لأنه تبرع فجاز في ذلك كالوصية، ومتى قلنا إن القبض شرط في الهبة
262

لم تصح الهبة فيما لا يمكن تسليمه كالعبد الآبق والجمل الشارد والمغصوب لغير غاصبه ممن لا يقدر على
أخذه منه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأنه عقد يفتقر إلى القبض أشبه البيع فإن وهب المغصوب
لغاصبه أو لمن يتمكن من أخذه منه صح لامكان قبضه، وليس لغير الغاصب القبض الا باذن الواهب
فإن وكل المالك الغاصب في تقبيضه صح وان وكل المتهب الغاصب في القبض له فقبل في زمن يمكن قبضه
فيه صار مقبوضا وملكه المتهب وبرئ الغاصب من ضمانه وان قلنا القبض ليس شرطا في الهبة فما
لا يعتبر فيه القبض من ذلك يحتمل أن لا يعتبر في صحة هبته القدرة على التسليم وهو قول أبي ثور
لأنه تمليك بلا عوض أشبه الوصية ويحتمل أن لا تصح هبته لأنه لا يصح بيعه أشبه الحمل في البطن
وكذلك يخرج في هبة الطير في الهواء أو السمك في الماء إذا كان مملوكا
* (مسألة) * (ولا تصح هبة المجهول كالحمل في البطن واللبن في الضرع)
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور لأنه مجهول معجوز عن تسليمه فلم تصح هبته كما لا يصح
بيعه وفي الصوف على الظهر وجهان بناء على صحة بيعه، ومتى أذن له في جز الصوف وحلب الشاة
كان إباحة وإن وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه أو جفته لم يصح وبهذا قال الثوري
والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفا، ولا تصح هبة المعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته لأن
الهبة عقد تمليك في الحياة فلم تصح في هذا كله كالبيع
(فصل) قد ذكرنا أن هبة المجهول لا تصح نص عليه احمد في رواية أبي داود وحرب وبه قال
الشافعي، قال شيخنا ويحتمل أن الجهل إذا كان من الواهب منع الصحة لأنه غرر في حقه وإن كان
من الموهوب له لم يمنعها لأنه لا غرر في حقه فلم يعتبر في حقه العلم بما يوهب له كالوصية، وقال مالك:
تصح هبة المجهول لأنه تبرع فصح في المجهول كالنذر والوصية
263

ولنا أنه عقد تمليك لا يصح تعليقه بالشروط فلم يصح في المجهول كالبيع بخلاف النذر والوصية
فاما ما لا يقدر على تسليمه فتصح هبته في أحد الاحتمالين إذا قلنا إن القبض ليس بشرط في صحة
الهبة وقد ذكرناه.
* (مسألة) * (ولا يجوز تعليقها على شرط ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها)
لا يصح تعليق الهبة على شرط لأنها تمليك لعين في الحياة فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع، فإن
علقها على شرط كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة " ان رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك " كان وعدا
لا هبة ومتى شرط شرطا ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها أو بشرط أن يبيعه أو يهبه أو أن يهب
فلانا شيئا لم يصح الشرط رواية واحدة، وفي صحة الهبة وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع.
* (مسألة) * (ولا توقيتها كقوله وهبتك هذا سنة)
إذا وقت الهبة كقوله وهبتك هذا سنة ثم يعود إلي لم يصح لأنه عقد تمليك لعين فلم تصح مؤقتا كالبيع
(فصل) وان وهب أمة واستثنى ما في بطنها صح في قياس قول احمد فيمن أعتق أمة واستثنى
ما في بطنها لأنه تبرع بالام واستثنى ما في بطنها أشبه العتق، وبه يقول في العتق النخعي وإسحاق
وأبو ثور، ويتخرج أن لا يصح كما لو باع أمة واستثنى ما في بطنها، وقد ذكرناه في البيع، وقال
أصحاب الرأي تصح الهبة ويبطل الاستثناء، ولنا أنه لم يهب الولد فلم يملكه الموهوب له كالمنفصل وكالموصى به.
* (مسألة) * (الا في العمرى والرقبى وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار أو أرقبتكها أو جعلتها لك
عمرك أو حياتك فإنه يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده)
العمرى والرقبى نوعان من أنواع الهبة يفتقران إلى ما يفتقر إليه سائر الهبات من الايجاب والقبول
والقبض أو ما يقوم مقام ذلك عند من اعتبره، وصورة العمرى أن يقول أعمرتك داري هذه أو هي
لك عمرك أو ما عشت أو مدة حياتك أو ما حييت أو نحو هذا، سميت عمرى لتقييدها بالعمر، والرقبى
264

أن يقول أرقبتك هذه الدار أو هي لك حياتك على أنك ان مت قبلي عادت إلي وان مت قبلك فهي
لك ولعقبك فكأنه يقول هي لآخرنا موتا، ولذلك سميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت
صاحبه، وهما جائزان في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن بعضهم أنها لا تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم
" لا تعمروا ولا ترقبوا "
ولنا ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها "
رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن، فاما النهي فإنما ورد على وجه الاعلام لهم انكم ان
أعمرتم أو أرقبتم يعد للمعمر والمرقب ولم يعد إليكم منه شئ، وسياق الحديث يدل عليه فإنه قال " فمن
أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا وعقبه " ولو أريد به حقيقة النهي لم يمنع ذلك صحتها فإن النهي
إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة، أما إذا كان صحة المنهي ضررا على مرتكبه لم يمنع صحته
كالطلاق في زمن الحيض، وصحة العمرى ضرر على المعمر فإن ملكه يزول بغير عوض. إذا ثبت
ذلك فإن العمرى تنقل الملك إلى المعمر، وبهذا قال جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وشريح
ومجاهد وطاوس والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن علي، وقال مالك والليث:
العمرى تمليك المنافع لا تملك بها رقبة المعمر بحال ويكون للمعمر السكنى فيه فإن مات عادت إلى المعمر
وان قال له ولعقبه كان سكناها لهم فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر، واحتجا بما روى يحيى بن سعيد عن
عبد الرحمن بن القاسم قال سمعت مكحولا يسأل القاسم بن محمد عن العمرى ما يقول الناس فيها فقال
القاسم ما أدركت الناس الا على شروطهم في أموالهم وما أعطوا، وقال إبراهيم الحربي عن ابن الاعرابي
لم يختلف العرب في العمرى والرقبى والافقار والمنحة والعارية والسكنى والاطراق انها على ملك أربابها
ومنافعها لمن جعلت له ولان التمليك لا يتأقت كما لو باعه إلى مدة فإذا كان لا يتأقت حمل قوله على
تمليك المنافع لأنه يصح توقيته
ولنا ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها
265

فإنه من آعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه " رواه المسلم وفي لفظ قضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له متفق عليه، وروى ابن ماجة عن ابن عمر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " لا رقبى، فمن أرقب شيئا فهو له حياته وموته " وعن زيد بن ثابت ان النبي صلى
الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث وقد روى مالك حديث العمرى في موطئه وهو صحيح رواه جابر
وابن عمر وابن عباس ومعاوية وزيد بن ثابت وأبو هريرة، وقول القاسم لا يقبل في مخالفة من سمينا
من الصحابة والتابعين فكيف يقبل في مخالفة سيد المرسلين، ولا يصح دعوى اجماع أهل المدينة لكثرة
من قال بها منهم وقضى بها طارق بالمدينة بأمر عبد الملك بن مروان وقول ابن الاعرابي انها عند العرب
تمليك المنافع لا يضر إذا نقلها الشرع إلى تمليك الرقبة كما نقل الصلاة من الدعاء إلى الافعال
المنظومة ونقل الظهار والايلاء من الطلاق إلى أحكام مخصوصة، قولهم ان التمليك لا يتأقت قلنا فلذلك
أبطل الشرع تأقيتها وجعلها تمليكا مطلقا فإن قال في العمرى انها للمعمر وعقبه كان توكيدا لحكمها
وتكون للمعمر ولورثته وهو قول جميع القائلين بها
* (مسألة) * (وان شرط رجوعها إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتا صح الشرط
وعنه لا يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده)
أما إذا شرط رجوعها إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتا أو إذا مت عادت إلي إن
كنت حيا أو إلى ورثتي ففيه روايتان
(إحداهما) صحة العقد والشرط ومتى مات المعمر رجعت إلى المعمر، وبه قال القاسم بن محمد
ويزيد بن قسيط والزهري وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن أبي ذئب ومالك وأبو ثور وداود وهو
أحد قولي الشافعي لما روى جابر قال إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك
فلما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها متفق عليه، وروى مالك في موطئه عن جابر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى
من أعطاها " لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون على شروطهم
وقال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم.
266

(والثانية) أنها تكون للمعمر أيضا ولورثته ويبطل الشرط وهو قول الشافعي في الجديد وأبي
حنيفة، قال شيخنا وهو ظاهر المذهب نص عليه احمد في رواية أبي طالب للأحاديث المطلقة التي
ذكرناها ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا رقبى، فمن أرقب شيئا فهو له حياته وموته "،
قال مجاهد والرقبى هو أن يقول هي للآخر مني ومنك موتا قال مجاهد سميت بذلك لأن كل واحد
منهما يرقب موت صاحبه، وروى الإمام أحمد باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا عمرى
ولا رقبى، فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته وموته " وهذا صريح في ابطال الشرط لأن الرقبى
يشترط فيها عودها إلى المرقب ان مات الآخر قبله فاما حديثهم الذي احتجوا به فمن قول جابر نفسه
وإنما نقل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر
عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه " ولأننا لو أجزنا هذا الشرط كانت هبة مؤقتة والهبة لا يجوز
فيها التأقيت وإنما لم يفسدها الشرط لأنه ليس بشرط على المعمر وإنما شرط ذلك على ورثته ومتى
لم يكن الشرط مع المعقود معه لم يؤثر فيه ولنا قوله في الحديث الآخر لأنه أعطى عطاء وقعت فيه
المواريث فهذه الزيادة من كلام أبي سلمة بن عبد الرحمن كذلك رواه ابن أبي ذئب، وفصل هذه
الزيادة فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى فيمن أعمر عمرى له ولعقبه فهي له بتلة لا يجوز
للمعطي فيها شرط ولا مثنوية قال أبو سلمة لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث
(فصل) والرقبي كالعمرى قال أحمد هي أن يقول هي لك حياتك فإذا مت فهي لفلان أو هي راجعة
إلي وهي كالعمرى فيما إذا شرط عودها إلى المعمر قال علي رضي الله عنه العمرى والرقبى سواء وقال
طاوس من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث وقال الزهري الرقبى وصية يعني ان معناها إذا مت فهذا لك
وقال الحسن ومالك وأبو حنيفة الرقبى باطلة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى وأبطل الرقبي لأن
267

معناها انها للآخر منا وهذا تمليك معلق بخطر ولا يجوز تعليق التمليك بالخطر
ولنا ما ذكرنا من الأحاديث وحديثهم لا نعرفه ولا نسلم ان معناها ما ذكروه بل معناها انها لك
حياتك فإن مت رجعت إلي فتكون كالعمرى سواء لأنه زاد شرطها لورثة المرقب ان مات المرقب قبله
وهذا يبين تأكيدها على العمرى
(فصل) وتصح العمرى في الحيوان والثياب لأنها نوع هبة فصحت في ذلك كسائر الهبات وقد
روي عن أحمد في الرجل يعمر الجارية أنه قال لا أرى له وطأها قال القاضي لم يتوقف أحمد في وطئ
الجارية لعدم الملك فيها لكن على طريق الورع لكون الوطئ استباحة فرج وقد اختلف في العمرى
فجعلها بعضهم تمليك المنافع فلم ير له وطأها لهذا ولو وطئها جاز
(فصل) وقد ذكرنا أنه لو وقت الهبة في غير العمرى والرقبي كقوله (وهبتك هذا سنة) أو إلى أن
يقدم الحاج أو إلى أن يبلغ ولدي أو مدة حياة فلان ونحو هذا لم يصح لأنها تمليك للرقبة فلم تصح
موقنة كالبيع وتفارق العمرى والرقبي لأن الانسان إنما يملك الشئ عمره فإذا ملكه عمره فقد وقته بما
هو موقت به في الحقيقة فصار ذلك كالمطلق
(فصل) فاما ان قال سكناها لك عمرك فله اخذها في أي وقت أحب وكذلك ان قال اسكنها أو
أسكنتكها عمرك أو نحو ذلك فليس هذا عقدا لازما لأنه في التحقيق هبة المنافع والمنافع إنما تستوفى
بمضي الزمان شيئا فشيئا فلا تلزم إلا في قدر ما قبضه منها واستوفاه بالسكنى فعلى هذا للمسكن الرجوع
متى شاء وتبطل بموت من مات منهما وبه قال أكثر أهل العلم منهم الشعبي والنخعي والثوري والشافعي
وإسحاق وأصحاب الرأي وقال الحسن وعطاء وقتادة هي كالعمرى يثبت فيها مثل حكمها وحكي عن
الشعبي أنه قال إذا قال هي لك أسكن حتى تموت فهي له حياته وموته، وان قال داري هذه اسكنها حتى
تموت فإنها ترجع إلى صاحبها لأنه إذا قال لك فقد جعل له رقبتها فتكون عمرى، وإذا قال أسكن
داري هذه فإنما جعل له نفعها دون رقبتها فتكون عارية
268

ولنا ان هذا إباحة المنافع فلم يقع لازما كالعارية وفارق العمرى فإنها هبة الرقبة فأما قوله هذه لك
اسكنها حتى تموت فإنه يحتمل لك سكناها حتى تموت وتفسيرها بذلك دليل على أنه أراد السكنى فأشبه ما لو
قال هذه لك سكناها وإذا احتمل أنه يريد به الرقبة واحتمل ان يريد السكنى فلا نزيل ملكه بالاحتمال.
(فصل) إذا وهب هبة فاسدة أو باع بيعا فاسدا ثم وهب تلك العين أو باعها بعقد صحيح مع علمه
بفساد الأول صح العقد الثاني لأنه تصرف في ملكه، عالما بأنه ملكه، وان اعتقد صحة العقد الأول ففي
الثاني وجهان (أحدهما) صحته لأنه تصرف صادف ملكه وتم بشروطه فصح كما لو علم فساد الأول
(والثاني) لا يصح لأنه تصرف تصرفا يعتقد فساده ففسد كما لو صلى يعتقد انه محدث فبان متطهرا وهكذا
لو تصرف في عين يعتقد انها لأبيه فبان أنه قد مات وملكها الوارث أو غصب عينا فباعها يعتقدها مغصوبة
فبان انها ملكه فعلى الوجهين. قال القاضي: أصل الوجهين من باشر امرأة بالطلاق يعتقدها أجنبية
فبانت امرأته أو باشر بالعتق من يعتقدها حرة فبانت أمته ففي وقوع الطلاق والحرية روايتان وللشافعية
في هذه المسألة وجهان كما حكينا والله أعلم
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم)
ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية بينهم وكراهية التفضيل قال إبراهيم كانوا يستحبون
التسوية بينهم حتى في القبل، إذا ثبت هذا فالتسوية المستحبة ان يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى
الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه قال عطاء وشريح وإسحاق ومحمد بن الحسن قال شريح لرجل
قسم ماله بين ولده: أرددهم إلى سهام الله وفرائضه وقال عطاء ما كانوا يقسمون الا على كتاب الله
تعالى، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المبارك يعطي الأنثى مثل ما يعطي الذكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لبشير بن سعد " سو بينهم " وعلل ذلك بقوله " أيسرك ان يستووا في برك " فقال نعم قال " فسو بينهم "
والبنت كالابن في استحقاق برها فكذلك في عطيتها وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
269

" سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا أحدا لا ترث النساء على الرجال " رواه سعيد في سننه
ولأنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة
ولنا أن الله تعالى قسم بينهم فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وأولى ما اقتدى به قسمة الله تعالى
ولان العطية في الحياة إحدى حالتي العطية فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين كحالة الموت يعني الميراث
يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت فينبغي أن تكون على حسبه كما أن معجل الزكاة قبل
وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها وكذلك الكفارات المعجلة ولان الذكر أحوج من الأنثى
من قبل انهما إذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر، والأنثى لها ذلك فكان
أولى بالتفضيل لزيادة حاجته وقد قسم الله الميراث ففضل الذكر مقرونا بهذا المعنى فيعلل به ويتعدى
ذلك إلى العطية في الحياة وحديث بشير قضية عين وحكاية حال لا عموم لها إنما يثبت حكمها في مثلها
ولا نعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى أو لا؟ ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أنه ليس له الا
ولد ذكر ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى ويحتمل انه أراد التسوية في أصل العطاء
لا في صفته فإن التسوية لا تقتضي التسوية من كل وجه وكذلك الحديث الآخر ودليل ذلك قول عطاء:
ما كانوا يقسمون الا على كتاب الله تعالى وهذا خبر عن جميعهم على أن الصحيح في خبر ابن عباس أنه مرسل
* (مسألة) * (فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا)
قد ذكرنا ان المشروع أن يسوي بين أولاده في العطية على قدر ميراثهم فإن خص بعضهم بعطيته
أو فاضل بينهم اثم إذا لم يختص بمعنى يبيح التفضيل ووجب عليه التسوية اما برد ما فضل به البعض أو
اعطاء الآخر حتى يتم نصيبه قال طاوس لا يجوز ذلك ولا رغيف محترق، وبه قال ابن المبارك وروي
معناه عن مجاهد وعروة وكان الحسن يكرهه ويخيره في القضاء وقال مالك والليث والثوري والشافعي
وأصحاب الرأي يجوز ذلك وروي معنى ذلك عن شريح وجابر بن زيد والحسن بن صالح لأن أبا بكر
270

رضي الله عنه نحل عائشة ابنته جداد عشرين وسقا دون سائر ولده واحتج الشافعي بقول النبي صلى الله عليه وسلم
في حديث النعمان بن بشير " أشهد علي هذا غيري " فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها ولأنها عطية تلزم
بموت الأب فكانت جائزة كما لو سوي بينهم
ولنا ما روى النعمان بن بشير قال تصدق علي أبي ببعض ماله فسالت أمي عمرة بنت رواحة لا ارضى
حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده علي
صدقتي فقال " اكل ولدك أعطيت مثله " قال لا قال " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال فرجع أبي فرد
تلك الصدقة وفي لفظ قال " فاردده " وفي لفظ " لا تشهدني على جور " وفي لفظ " فلا
تشهدني إذا " وفي لفظ " فاشهد على هذا غيري " وفي لفظ " سو بينهم " متفق عليه وفيه دليل على التحريم
لأنه أسماه جورا وأمره برده وامتنع من الشهادة عليه والجور حرام والامر يقتضي الوجوب ولان تفضيل
بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فمنع منه كترويج المرأة على عمتها وخالتها وقول أبي بكر
لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتج به معه ويحتمل ان أبا بكر رضي الله عنه خصها لحاجتها
وعجزها عن الكسب والسبب مع اختصاصها بفضلها وكونها أم المؤمنين وغير ذلك من فضائلها ويحتمل
أن يكون نحلها ونحل غيرها من ولده أو نحلها وهو يريد ان ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك
ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه لأن حمله على مثل محل النزاع منهي عنه وأقل أحواله الكراهة
والظاهر من حال أبي بكر رضي الله عنه اجتناب المكروهات وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فاشهد
على هذا غيري " ليس بأمر لأن أدنى أحوال الامر الاستحباب والندب ولا خلاف في كراهة هذا
وكيف يجوز ان يأمره بتأكيده مع أمره برده وتسميته إياه جورا وحمل الحديث على هذا حمل لحديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم على التناقض ولو أمر النبي صلى الله عليه وسلم باشهاد غيره لامتثل بشير أمره
ولم يرده وإنما هو تهديد له فيفيد ما أفاده النهي عن اتمامه
271

(فصل) فأما ان خص بعضهم لمعنى يقتضيه تخصيصه من حاجة أو زمانة أو عمي أو كثرة عائلة
أو لاشتغاله بالعلم أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته ولكونه يعصي الله تعالى بما يأخذه
فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك فإنه قال في تخصيص بعضهم بالوقف لا بأس إذا كان لحاجة
وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة والعطية في معناه ويحتمل ظاهر لفظه المنع من التفضيل على كال حال
لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل بشيرا في عطيته قال شيخنا والأول أولى إن شاء الله لحديث أبي بكر
ولان بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة وحديث بشير
قضية في عين لا عموم لها وترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستفصال يجوز أن يكون لعلمه بالحال فإن قيل لو علم الحال
لما قال " ألك ولد غيره؟ " قلنا يجوز أن يكون السؤال ههنا لبيان العلة كما قال عليه الصلاة والسلام الذي
سأله عن بيع الرطب بالتمر " أينقص الرطب إذا يبس قال نعم " قال " فلا إذا " وقد علم أن الرطب
ينقص لكن نبه السائل بهذا على علة المنع والله أعلم
(فصل) والام في المنع من المفاضلة بين أولادها كالأب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله واعدلوا
بين أولادكم " ولأنها أحد الوالدين أشبهت الأب ولان ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من
الحسد والتباغض يوجد مثله في تخصيص الام فيثبت لها مثل حكمه في ذلك
* (مسألة) * (وان مات قبل ذلك ثبت للمعطى وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو عبد الله بن بطة)
إذا فاضل بين ولده في العطايا أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب
له ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره
الخلال وصاحبه أبو بكر وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره
الخرقي، وفيه رواية أخرى أن لباقي الورثة أن يرتجعوا ما وهبه اختاره أبو عبد الله بن بطة وأبو حفص
العكبريان وهو قول عروة بن الزبير وإسحاق قال أحمد: عروة قد روى الأحاديث الثلاثة حديث
272

عائشة وحديث عمر وحديث عثمان وتركها وذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم " يرد في حياة الرجل وبعد
موته " وهو قول إسحاق إلا أنه قال إذا مات الرجل فهو ميراث بينهم لا يسع أن ينتفع أحد بما أعطى
دون اخوته وأخواته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك جورا بقوله لبشير " لا تشهدني على جور " والجور
لا يحل للفاعل فعله ولا للمعطى تناوله والموت لا يغيره عن كونه جورا حراما فيجب رده ولان أبا بكر
وعمر أمرا قيس بن سعد يرد قسمة أبيه حين ولد له ولد لم يكن علم به ولا أعطاه شيئا وكان ذلك بعد
موت سعد فروى سعيد باسناده من طريقين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده وخرج إلى الشام
فمات بها ثم ولد له بعد ذلك ولد فمشى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى قيس بن سعد فقالا إن سعد
قسم ماله ولم يدر ما يكون وإنا نرى أن ترد هذه القسمة فقال لم أكن لاغير شيئا صنعه سعد ولكن
نصيبي له وهذا معنى الخبر، ووجه الرواية الأولى قول أبي بكر لعائشة رضي الله عنهما لما نحلها نحلا
وددت أنك كنت حزتيه فيدل على أنها لو كانت حازته لم يكن لهم الرجوع وقال عمر لا نحلة إلا نحلة
يحوزها الولد دون الوالد ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد ولأنه حق للأب يتعلق بمال
الولد فسقط بموته كالاخذ من ماله
(فصل) وليس عليه التسوية بين سائر أقاربه ولا اعطاؤهم على قد ميراثهم سواء كانوا من جهة
واحدة كاخوة وأخوات وني عم أو من جهات كبنات وأخوات وغيرهم وقال أبو الخطاب المشروع
في عطية سائر الأقارب أن يعطيهم على قدر ميراثهم كالأولاد فإن خالف فعليه أن يرجع أو يعمهم
بالنحلة لأنهم في معنى الأولاد فثبت فيهم حكمهم
ولنا أنها عطية لغير الأولاد في صحته فلم تجب عليه التسوية كما لو كانوا غير وارثين ولان الأصل
إباحة الانسان التصرف في ماله كيف شاء وإنما وجبت التسوية بين الأولاد للخبر وليس غيرهم في
معناهم لأنهم استووا في بر والدهم فاستووا في عطيته وبهذا علل النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لبشير " أيسرك
273

أن يستووا في برك " قال نعم قال " فسو بينهم " ولم يوجد هذا في غيرهم ولان للوالد الرجوع فيما
أعطى ولده فيمكنه أن يسوي بينهم في الرجوع بما أعطاه لبعضهم ولا يمكن ذلك في غيرهم ولان الأولاد
لشدة محبة الوالد لهم وصرفه ماله إليهم عادة يتنافسون في ذلك ويشتد عليهم تفضيل بعضهم ولا يساويهم
في ذلك غيرهم فلا يصح قياسه عليهم ولان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن لبشير زوجة ولم يأمره باعطائها
شيئا حين أمره بالتسوية بين أولاده ولم يسأله هل لك وارث غير ولدك؟
(فصل) فإن أعطى أحدا بنيه في صحته والآخر في مرضه فقد توقف أحمد فيه فإنه سئل عمن
زوج ابنه فأعطى عنه الصداق ثم مرض الأب وله ابن آخر هل يعطيه في مرضه كما أعطي الآخر في
صحته؟ فقال لو كان أعطاه في صحته فيحتمل وجهين (أحدهما) لا يصح لأن عطيته في مرضه كوصية
له ولو وصى له لم يصح فكذلك إذا أعطاه (والثاني) يصح وهو الصحيح ان شا الله تعالى لأن
التسوية بينهما واجبة ولا طريق لها في هذا الموضع إلا بعطية الآخر فتكون واجبة فصح كقضاء دينه
(فصل) قال أحمد أحب إلي أن لا يقسم ماله ويدعه إلى فرائض الله تعالى لعله أن يولد له فإن
اعطى ولده ماله ثم ولد له ولد فاعجب إلى أن يرجع فيسوي بينهم بعني يرجع في الجميع أو يرجع في
بعض ما اعطى كل واحد منهم ليدفعه إلى هذا الولد الحادث ليساوي اخوته فإن اعطى ولده ثم مات
ثم ولد له ولد استحب للمعطي أن يساوي المولود الحادث بعد أبيه
(1) * (مسألة) * (فإن سوى بينهم في الوقف أو وقف ثلثه في مرضه على بعضهم جاز نص عليه
وقياس المذهب أن لا يجوز)
إذا سوى بين أولاده في الوقف الذكر والأنثى جاز ذكره القاضي وقال هو المستحب لأن القصد
القربة على وجه الدوام وقد استووا في القرابة وقال شيخنا المستحب أن يقسم الوقف على أولاده

(1) قال الشيخ رحمه الله هذه المسألة مذكورة في الوقف فلا حاجة إلى اعادتها
274

كقسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين كما قسم الله تعالى بينهم الميراث لأنه إيصال المال إليهم
فينبغي أن يكون بينهم على حسب الميراث كالوصية ولان الذكر في مظنة الحاجة أكثر من الأنثى لأن
الذكر تجب عليه نفقة زوجته وأولاده والمرأة ينفق عليها زوجها ولا تلزمها نفقة ولدها إذا كان لهم
أب وقد فضل الله سبحانه الذكر على الأنثى في الميراث على وفق هذا المعني فيصح تعليله به فينبغي
أن يتعدى إلى الوقف وما ذكره القاضي لا أصل له وهو ملغي بالميراث فإن خالف فسوى بين الذكر
والأنثى أو فضلها عليه أو فضل بعض البنين على بعض في الوقف أو بعض البنات أو خص بعضهم
بالوقف فقد روي عن أحمد في رواية محمد بن الحكم: إن كان على طريق الأثرة فاكرهه وإن كان على
أن بعضهم له عيال وبه حاجة فلا بأس به وذلك لأن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته
(1) (فصل) وأما إذا وقف ثلثه في مرضه على بعض ورثته فقد اختلفت الرواية عن أحمد في
ذلك فروي عنه عدم الجواز فإن فعل وقف على إجازة الورثة فإنه قال في رواية إسحاق بن إبراهيم
فيمن وصى لأولاد بنته بأرض توقف عليهم فقال إن لم يرثوه فجائز فظاهر هذا انه لا يجوز الوقف
عليهم في المرض اختاره أبو حفص العكبري وابن عقيل واليه ذهب الشافعي (والثانية) يجوز أن
يقف عليهم ثلثه كالأجانب فإنه قال في رواية جماعة منهم الميموني يجوز للرحل أن يقف في مرضه على
ورثته فقيل له أليس تذهب إلى أنه لا وصية لوارث؟ فقال نعم والوقف غير الوصية ولأنه لا يباع ولا
يورث ولا يصير ملكا للورثة بل ينتفعون بغلتها وقال في رواية أحمد بن الحسن انه صرح في مسئلته
بوقف ثلثه على بعض ورثته دون بعض فقال جائز قال الخبري وأجاز هذا الأكثرون واحتج احمد
بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين أن حدث به حدث

(1) قد ذكرنا ذلك في الوقف
275

ان ثمغا صدقة والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة وسق الذي أطعمني محمد
صلى الله عليه وسلم تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهله لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث يرى من
السائل والمحروم وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقا رواه أبو داود بنحو
من هذا فالحجة فيه انه جعل حفصة تلي وقفه وتأكل منه وتشتري رقيقا، قال الميموني قلت لأحمد
إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بالايقاف وليس في الحديث الوارث، قال فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمره وهوذا
قد وقفها على ورثته وحبس الأصل عليهم جميعا ولان الوقف ليس في معنى المال لأنه لا يجوز التصرف
فيه فهو كعتق الوارث
ولنا انه تخصيص لبعض الورثة بماله في مرضه فمنع منه كالهبات ولان كل من لا تجوز له الوصية
بالعين لا تجوز له بالمنفعة كالأجنبي فيما زاد على الثلث، وأما خبر عمر فإنه لم يخص بعض الورثة بوقفه
والنزاع إنما هو في تخصيص بعضهم وأما جعل الولاية إلى حفصة فليس ذلك وقفا عليها فلا يكون ذلك
واردا في محل النزاع وكونه انتفاعا بالغلة لا يقتضي جواز التحصيص بدليل ما لو وصى لوارثه بمنفعة
عبد لم يجز، ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية الجماعة على أنه وقف على جميع الورثة ليكون على
وفق حديث عمر وعلى وفق الدليل الذي ذكرناه والله أعلم
(فصل) فإن وقف داره وهي تخرج من ثلثه بين ابنه وبنته نصفين في مرض موته صح على رواية
الجماعة ولزم لأنه لما كان يجوز تخصيص البنت بوقف الدار كلها فنصفها أولى وعلى الرواية التي نصرناها
إن أجازه الابن جاز وإن رده بطل الوقف فيما زاد على نصيب الابن وهو السدس ويرجع إلى الابن
ملكا فيكون له النصف وقفا والسدس ملكا طبقا والثلث جميعه للبنت وقفا، ويحتمل أن يبطل الوقف
في نصف ما وقف على البنت وهو المربع ويبقى ثلاثة أرباع الدار وقفا نصفها للابن وربعها للبنت والربع
الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثا، وتصح المسألة من اثنى عشر للابن ستة أسهم وقفا وسهمان ملكا
276

وللبنت ثلاثة أسهم وقفا وسهم ملكا، ولو وقفها على ابنه وزوجته نصفين وهي تخرج من ثلثه فرد
الابن صح الوقف على الابن في نصفها وعلى المرأة في ثمنها، وللابن ابطال الوقف في ثلاثة أثمانها
وترجع إليه ملكا على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني يصح الوقف على الابن في نصفها وهو أربعة
أسباع نصيبه ويرجع إليه باقي نصيبه ملكا، ويصح الوقف في أربعة أسباع الثمن الذي للمرأة وباقيه
يكون لها ملكا فاضرب سبعة في ثمانية تكن ستة وخمسين للابن ثمانية وعشرون وقفا وإحدى وعشرون
ملكا وللمرأة أربعة أسهم وقفا وثلاثة ملكا وهكذا ذكر أصحاب الشافعي، فأما إن كانت الدار جميع
ملكه فوقفها كلها فعلى ما اخترناه الحكم فيها كما لو كانت تخرج من الثلث فإن الورث في جميع المال
كالأجنبي في الزائد عن الثلث، وأما على ما رواه الجماعة فإن الوقف يلزم في الثلث من غير اختيار
الورثة وما زاد فلهما ابطال الوقف فيه وللابن ابطال التسوية فإن اختار ابطال التسوية دون ابطال
الوقف خرج فيه وجهان (أحدهما) انه يبطل الوقف في التسع ويرجع إليه ملكا فيصير له النصف وقفا
والتسع ملكا وللبنت الثلث وقفا ونصف التسع ملكا لئلا تزداد البيت على الابن في الوقف، وتصح
المسألة في هذا الوجه من ثمانية عشر للابن تسعة وقفا وسهمان ملكا وللبنت ستة وقفا وسهم ملكا،
وقال أبو الخطاب له إبطال الوقف في الربع كله ويصير له النصف وقفا والسدس ملكا ويكون للبنت
الربع وقفا ونصف السدس ملكا كما لو كانت الدار تخرج من الثلث وتصح من اثنى عشر
* (مسألة) * (ولا يجوز لواهب أن يرجع في الهبة)
لا يختلف المذهب ان غير الأب والام لا يجوز له الرجوع في الهبة والهدية وبه قال الشافعي،
وقال النخعي والثوري وإسحق وأصحاب الرأي: من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع ما لم يثب عليها
ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما روى
أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها " رواه ابن ماجة لقول عمر
رضي الله عنه: من وهب هبة يرى أنه أراد بها صلة الرحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها،
ومن وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها ما لم يرض منها رواه مالك في الموطأ ولأنه
لم يحصل عنها عوض فجاز له الرجوع فيها كالعارية
277

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " العائد في هبته كالعائد في قيئه وفي لفظ " كالكلب يعود في قيئه " وفي رواية
" ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " متفق عليه، وروى عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده ان النبي الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يرجع واهب في هبته إلا الوالد من ولده " ولأنه واهب
لا ولاية له في المال فلم يرجع في هبته لذي الرحم المحرم وأحاديثنا أصح من حديثهم وأول، وقول عمر
قد روي عن ابنه وابن عباس خلافه، وأما العارية فهي هبة المنافع ولم يحصل القبض فيها فإن قبضها
باستيفائها فنظير مسئلتنا ما استوفى من منافع العارية فإنه لا يجوز الرجوع فيها وقياسهم منقرض بهبة
الأجنبي فإن فيها ثوابا وقد جوزوا فيها الرجوع فحصل الاتفاق على أن ما وهب الانسان لذوي رحمه
المحرم غير الوالدين لا رجوع فيها وكذلك ما وهب الزوج امرأته والخلاف فيما عدا هذا فعندنا لا يرجع
إلا الوالد وعندهم لا يرجع إلا الأجنبي
(فصل) فأما الأب فله الرجوع فيما وهب لولده في ظاهر المذهب سواء قصد برجوعه التسوية
بين أولاده أولا وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وإسحق وأبو ثور، وعن أحمد رواية أخرى
ليس له الرجوع وبها قال أصحاب الرأي والثوري وللعنبري لقول النبي صلى الله عليه وسلم " العائد في هبته كالعائد
في قيئه " متفق عليه، ولما ذكرنا من حديث عمر
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لقيس بن سعد " فاردده " وروي " فارجعه " رواه كذلك عن مالك عن
الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن النعمان فأمره بالرجوع في هبته وأقل أحوال الامر الجواز،
وقد امتثل بشير بن سعد ذلك فرجع في هبته لولده، ألا تراه قال في الحديث: فرجع أبي فرد تلك
الصدقة؟ فإن قيل يحمل الحديث على أنه لم يكن أعطاه شيئا قلنا هذا يخالف ظاهر الحديث لقوله
تصدق أبي علي بصدقة، وقول بشير اني نحلت ابني غلاما يدل على أنه كان قد أعطاه وقول النبي
صلى الله عليه وسلمه " فاردده " وروى طاوس عن ابن عمر وابن عباس يرفعان الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
278

" ليس لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده " رواه الترمذي وقال حديث
حسن وهذا يخص عموم ما رووه وقياسهم منقرض بهبة الأجنبي فإن فيها أجرا وثوابا فإن النبي صلى الله عليه وسلم
ندب إليها وعندهم له الرجوع فيها والصدقة على الولد كمسئلتنا، وقد دل حديث النعمان بن بشير على
جواز الرجوع في الصدقة قول تصدق علي أبي بصدقة
(فصل) فأما الام فظاهر كلام أحمد انه ليس لها الرجوع، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله
الرجوع للمرأة فيما أعطت ولدها كالرجل؟ قال ليس هي عندي كالرجل لأن للأب أن يأخذ من
مال ولده والام لا تأخذ وذكر حديث عائشة " أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه "
أي كأنه الرجل، ولا يصح قياس الام على الأب لأن للأب ولاية على ولده ويحوز جميع المال في
الميراث بخلاف الام، ويحتمل ان لها الرجوع وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه قال: وإذا فاضل بين
أولاده أمر برده فيدخل فيه الام وهذا مذهب الشافعي لأنها داخلة في قوله إلا الولد فيما يعطي ولده
ولأنها دخلت في قول النبي صلى الله عليه وسلم " سووا بين أولادكم " فينبغي أن يتمكن من الرجوع في الهبة
ولأنه طريق إلى التسوية وربما لا يكون لها طريق غيره إذا لم يمكن أعطت الآخر كما أعطت لأول
لأنها ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضلته
به تخليصا لها من الاثم وإزالة التفضيل المحرم كالأب وهذا الصحيح إن شاء الله تعالى، وقال مالك
للام الرجوع فيما وهبت ولدها ما كان أبوه حيا فإن كان ميتا فلا رجوع لها لأنها هبة ليتيم وهبة اليتيم
لازمة كصدقة التطوع، ومن مذهبه انه لا يرجع في صدقة التطوع
(فصل) وحكم الصدقة حكم الهبة فيما ذكرنا وهو مذهب الشافعي، وفرق مالك وأصحاب الرأي
بينهما فلم يجيزوا الرجوع في الصدقة بحال واحتجوا بحديث عمر: من وهب هبة أراد بها صلة الرحم
أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع
279

ولنا حديث النعمان فإنه قال: تصدق أبي علي بصدقة فرجع أبي فرد تلك الصدقة، وأيضا قول
النبي صلى الله عليه وسلم " إلا الوالد فيما يعطي ولده " وهذا يقدم على قول عمر ثم هو خاص في الولد، وحديث
عمر فيجب تقديم الخاص عليه
(فصل) وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة (أحدها) أن يبقى ملك الابن فيها فإن خرجت
عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك لم يكن له الرجوع فيها لأنه ابطال لملك غير الولد فأشبه
غير الموهوب للولد (الثاني) أن تكون العين باقية في تصرف الولد يلك التصرف في رقبتها فإن
استولد الأمة لم يملك الرجوع لأن الملك فيها لا يجوز نقله إلى غير سيدها وكذلك ان أفلس وحجر
عليه أو رهن العين لأنه يفضي إلى ابطال حق غير الولد فإن زال المانع من التصرف فله الرجوع لأن
ملك الابن لم يزل وان أطرأ معنى قطع التصرف مع بقاء الملك فمنع لرجوع فإذا زال زال المنع والصحيح
في التدبير أنه لا يمنع الرجوع فإن قلنا يمنع البيع منع الرجوع كالاستيلاد، وكل تصرف لا يمنع الابن
التصرف في الرقبة كالوصية والهبة قبل القبض فيما يفتقر إليه والوطئ والتزويج والإجارة والمزارعة
عليها وجعلها مضاربة أو في عقد شركة فكل ذلك لا يمنع الرجوع لأنه لا يمنع تصرف الابن في رقبتها
وكذلك تعليق العتق بصفة وإذا رجع وكان التصرف لازما كالإجارة والتزويج والكتابة فهو باق بحاله
لأن الابن لا يملك ابطاله وأما التدبير والمعلق عتقه بصفة فلا يبقى حكمها في حق الأب ومتى عاد إلى
الابن عاد حكمها والبيع الذي للابن فيه خيار اما بالشرط أو عيب في الثمن أو غير ذلك فيمنع الرجوع
لأن الرجوع يتضمن فسخ ملك الابن في عوض المبيع ولم يثبت ذلك من جهته
(فصل) فإن تعلق بها رغبة لغير الولد مثل ان يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته ويداينونه
أو في مناكحته فيزوجوه أو يهب بنته فتتزوج لذلك فعن احمد روايتان (أولاهما ليس له الرجوع قال
أحمد في رواية أبي الحارث في الرجل يهب ابنه مالا فله الرجوع الا أن يكون غر به قوما فإن غر به
280

فليس له الرجوع، وهذا مذهب مالك لأنه تعلق بها حق غير الابن ففي الرجوع ابطال حقه وقد قال
عليه الصلاة والسلام " لا ضرر ولا اضرار " وفي الرجوع ضرر ولان في هذا تحيلا على الحاق الضرر بالمسلمين
ولا يجوز ذلك (والثانية) له الرجوع لعموم الخبر ولان حق المتزوج والغريم لم يتعلق بعين هذا المال فلم يمنع
الرجوع فيه وان داينه الناس فأفلس ولم يحجر عليه فعلى الروايتين
* (مسألة) * (وان نقصت العين أو زادت زيادة مفصلة لم تمنع الرجوع والزيادة للابن ويحتمل أنها
للأب وهل تمنع المتصلة الرجوع؟ على روايتين)
أما الزيادة المنفصلة كالولد وثمرة الشجرة وكسب العبد فلا تمنع الرجوع بغير خلاف نعلمه والزيادة
للولد لأنها حادثة في ملكه ولا تتبع في الفسوخ فلا تتبع ههنا، ويحتمل انها للأب ذكره القاضي كالرد
بالعيب، فإن كانت لزيادة ولد أمة لا يجوز التفريق بينه وبين أمه منع الرجوع لأنه يلزم منه التفريق بينه
وبين أمه وهو محرم الا أن نقول إن الزيادة المنفصلة للأب فلا تمنع الرجوع لأنه يرجع فيهما جميعا أو
يرجع في الام ويتملك الولد من مال ولده
(فصل) فإن تلف بعض العين أو نقصت قيمتها لم يمنع الرجوع فيها ولا ضمان على الابن فيما تلف
منها لأنه تلف على ملكه سواء تلف بفعل الابن أو بغير فعله وان جنى العبد جناية تعلق أرشها برقبته
فهو كنقصانه بذهاب بعض أجزائه وللأب الرجوع فيه فإن رجع فيه ضمن أرش الجناية وان جنى
على العبد فرجع الأب فيه فأرش الجناية عليه للابن لأنه بمنزلة الزيادة المنفصلة فإن قيل فلو أراد الأب
الرجوع في الرهن وعليه فككه لم يملك ذلك فكيف يملك الرجوع في العبد الجاني إذا أدى أرش الجناية؟
قلنا الرهن يمنع التصرف في العين بخلاف الجناية ولان فك الرهن فسخ لعقد عقده الموهوب له وههنا
لم يتعلق الحق به من جهة العقد فافترقا
(فصل) فاما الزيادة المتصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة إذا زادت بها القيمة فعن أحمد فيها روايتان
281

(إحداهما) لا تمنع الرجوع وهو مذهب الشافعي لأنها زيادة في الموهوب فلم تمنع الرجوع كالزيادة قبل
القبض والمنفصلة (والثانية) تمنع وهو مذهب أبي حنيفة لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم
تنتقل إليه من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل
لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص ولأنه فسخ استرجاع المال يفسخ عقد لغير عيب في
عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح أو نصفه بالطلاق ورجوع البائع في المبيع
لفلس المشتري وفارق الرد بالعيب من جهة ان الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزيادة وان فرض
الكلام فيما إذا باع عرضا بعرض فراد أحدهما ووجد المشتري بالآخر عيبا قلنا بائع المعيب سلط
المشتري على الفسخ ببيعه المعيب فكان الفسخ وجد منه ولهذا قلنا فيما إذا فسخ لزوج النكاح لعيب
المرأة قبل الدخول سقط صداقها كما لو فسخته وعلى هذا لا فرق بين الزيادة في العين كالسمن والطول
ونحوهما أو في المعاني كتعلم صناعة أو كتابة أو قران أو علم أو اسلام أو قضاء دين عنه وبهذا قال محمد بن
الحسن وقال أبو حنيفة الزيادة بتعلم القرآن وقضاء دين عنه لا تمنع الرجوع
ولنا أنها زيادة لها مقابل من الثمن فمنعت الرجوع كالسمن وتعلم صنعة وان زاد ببرئه من مرض
أو صمم منع الرجوع كسائر الزيادات وان كانت زيادة العين أو التعلم لا تزيد في قيمته شيئا أو تنقص
منها لم تمنع الرجوع لأنه ليس بزيادة في المالية
(فصل) فإن قصر العين أو فصلها فهي زيادة متصلة هل تمنع الرجوع أولا؟ مبني على الروايتين في
السمن قال شيخنا ويحتمل ان تمنع هذه الزيادة الرجوع بكل حال لأنها حاصلة بفعل الابن فجرت
مجرى العين الحاصلة بفعله بخلاف السمن فإنه يحتمل أن يكون للأب فلا يمنع الرجوع لأنه نماء العين
فيكون نابعا لها وان وهبه حاملا فولدت في يد الابن فهي زيادة متصلة في الولد ويحتمل أن يكون
الولد زيادة منفصلة إذا قلنا الحمل لا حكم له وان وهبه حاملا ثم رجع فيها حاملا جاز إذا لم تزد قيمتها
282

وان زادت قيمتها فهي زيادة متصلة، وان وهب حائلا فحملت فهي زيادة منفصلة وله الرجوع فيها
دون حملها وان قلنا إن الحمل لا حكم له فزادت به قيمتها فهي زيادة متصلة وان لم تزد جاز الرجوع
فيها وان وهبه نخلا فحملت فهي قبل التأبير زيادة متصلة وبعده زيادة منفصلة
* (مسألة) * (وان باعه المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة فهل له الرجوع؟ على وجهين)
إذا خرجت العين عن ملك الابن ببيع أو هبة ثم عادت إليه بسبب كبيع أو هبة أو وصية أو ارث
أو نحوه لم يملك الأب الرجوع فيها لأنها عادت بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه فلا يملك
فسخه وازالته كالذي لم يكن موهوبا وان عادت إليه بفسخ العيب أو إقالة أو فلس المشتري ففيها
وجهان (أحدهما) يملك الرجوع لأن السبب المزيل ارتفع وعاد الملك بالسبب الأول فأشبه
ما لو فسخ البيع بالخيار (والثاني) لا يملك الرجوع لأن الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل
إليه عليه أشبه ما لو عاد إليه بالهبة فاما ان عاد إليه بخيار الشرط أو خيار المجلس فله الرجوع لأن
الملك لم يستقر عليه.
* (مسألة) * (وان وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع الا ان يرجع هو)
لأن رجوعه ابطال لملك غير ابنه فإن رجع الابن في هبته احتمل ان يملك الأب الرجوع في
هبته لأنه فسخ هبته برجوعه فعاد إليه الملك بالسبب الأول ويحتمل ان لا يملك الأب الرجوع لأنه
رجع إلى ابنه بعد استقرار ملك غيره عليه فأشبه ما لو وهبه ابن الابن لابنه.
* (مسألة) * (وان كاتبه أو رهنه لم يملك أبوه الرجوع الا ان ينفك الرهن وينفسخ)
أما إذا رهنه الابن فليس للأب الرجوع قبل انفكاك الرهن لأن في ذلك ابطال حق غير الولد
فإن انفك الرهن فله الرجوع لزوال المانع ولأنه عاد إلى صحة تصرف الابن فيه أشبه غير المرهون
وحكم الكتابة كذلك عند من لا يرى بيع المكاتب وهو مذهب الشافعي وجماعة غيره فاما من أجاز
بيع المكاتب فحكمه عنده كالعين المستأجرة والمزوج على ما ذكرناه
283

(فصل) والرجوع في الهبة ان يقول قد رجعت فيها أو ارتجعتها أو رددتها أو نحو ذلك من الألفاظ
الدالة على الرجوع ولا يفتقر إلى حكم حاكم، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح الرجوع الا بقضاء
قاض لأن ملك الموهوب له مستقر
ولنا انه خيار في فسخ عقد فلم يفتقر إلى قضاء كالفسخ بخيار الشرط فإن أخذ ما وهبه لولده ونوى به الرجوع
كان رجوعا والقول قوله في نيته لأن ذلك لا يعلم إلا منه، فإن مات الأب ولم يعلم هل نوى الرجوع
أو لا؟ ولم توجد قرينة تدل على الرجوع لم نحكم بأنه رجوع لأن الاخذ يحتمل الرجوع وغيره، فلا
نزيل حكما يقينيا بأمر مشكوك فيه فإن اقترنت به قرائن دالة على الرجوع كان رجوعا في أحد الوجهين
اختاره ابن عقيل لأننا اكتفينا في العقد بدلالة الحال في الفسخ ولان لفظ الرجوع إنما كان رجوعا
لدلالته عليه فكذلك كل ما دل عليه، والآخر لا يكون رجوعا، وهو مذهب الشافعي لأن الملك
ثابت للموهوب له يقينا فلا يزول إلا بالصريح، قال شيخنا ويمكن أن ينبني هذا على نفس العقد
فمن أوجب الايجاب والقبول فيه لم يكتف ههنا إلا بلفظ يقتضي زواله، ومن اكتفى في العقد
بالمعاطاة الدالة على الرضى به فههنا أولى، فإن نوى الرجوع من غير فعل ولا قول لم يحصل الرجوع
وجها واحدا لأنه إثباتا لملك على مال مملوك لغيره فلم يحصل بمجرد النية كسائر العقود، وإن علق
الرجوع بشرط فقال إذا جاء رأس الشهر فقد رجعت في الهبة لم يصح لأن الفسخ للعقد لا يقف
على شرط لا يقف العقد عليه
* (مسألة) * (وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو
كرهت لأنها لا تهبه له إلا مخافة غضبه أو اضرار بها بأن يتزوج عليها)
اختلفت الرواية عن أحمد في هبة المرأة زوجها، فعنه لا رجوع لها، وهذا ظاهر كلام الخرقي
واختيار أبي بكر، وبه قال عمر بن عبد العزيز والنخعي وربيعة ومالك والثوري والشافعي وأبي ثور
284

وأصحاب الرأي وعطاء وقتاده لقول الله تعالى (إلا أن يعفون) وقال تعالى (فإن طبن لكم عن شئ
منه نفسا) الآية، وعموم الأحاديث وعنه رواية ثانية لها الرجوع. قال الأثرم سمعت احمد يسئل
عن المرأة تهب ثم ترجع فرأيته يجعل النساء غير الرجال ثم ذكر الحديث " إنما يرجع في المواهب النساء
وشرار الناس " وذكر حديث عمر: إن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت زوجها
شيئا ثم أرادت أن تعتصره فهي أحق، رواه الأثرم، وهذا قول شريح والشعبي وحكاه
الزهري عن القضاة.
وعنه رواية ثالثة نقلها عنه أبو طالب: إذا وهبت له مهرها فإن كان سألها ذلك رده إليها رضيت
أو كرهت لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه أو اضرار بأن يتزوج عليها، وإن لم يكن سألها وترغب به
فهو جائز فظاهر هذه الرواية أنه متى كانت مع الهبة قرينة من مسألته لها أو غضب عليها أو ما يدل
على خوفها منه فلها الرجوع لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب به نفسا وإنما أباحه الله تعالى عند
طيب نفسها بقوله تعالى (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا فيكون فيها ثلاث روايات
(إحداها) ليس لها الرجوع كالأجنبي (والثانية) لها الرجوع مطلقا لحديث عمر (والثالثة)
التفصيل الذي ذكرناه.
* (فصل) * (قال رضي الله عنه) وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجته وعدمها
في صغره وكبره ما لم تتعلق حاجة الابن به)
إنما يجوز ذلك بشرطين (أحدهما) أن لا يجحف بالابن ولا يضر به ولا يأخذ شيئا تعلقت
به حاجته (الثاني) أن لا يأخذ من مال ولد فيعطيه الآخر نص عليه احمد في رواية إسماعيل بن
سعيد لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه فلان يمنع من تخصيصه بما أخذه من
مال ولده الآخر أولى وقد روي أن مسروقا زوج ابنته بصداق، عشرة آلاف فأخذها فأنفقها في
285

سبيل الله وقال للزوج جهز امرأتك وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي ليس له أن يأخذ من مال ولده
إلا بقدر حاجته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في
بلدكم هذا في شهركم هذا " متفق عيه وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل أحد أحق بكسبه من ولده
ووالده والناس أجمعين " رواه سعيد في سننه، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل مال امرئ مسلم إلا
عن طيب نفسه " رواه الدارقطني ولان لك لابن تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم من كسبكم " أخرجه
سعيد والترمذي وقال حديث حسن، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي احتاج مالي فقال " أنت ومالك لأبيك " رواه الطبراني في معجمه مطولا،
ورواه ابن ماجة وروى أبو داود نحوه ورواه غيره وزاد " وان أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من
أموالهم " وروى محمد بن المنكدر والمطلب بن حنطب قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي
مالا وعيالا ولأبي مال وعيال وأبي يريد أن يأخذ مالي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك "
رواه سعيد في سننه ولان الله تعالى جعل الولد موهوبا لأبيه فقال (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) وقال
(ووهبنا له يحيى) وقال زكريا (هب لي من لدنك وليا) وقال إبراهيم (الحمد لله الذي وهب لي
على الكبر إسماعيل وإسحاق) وما كان موهوبا له كان له أخذ ماله كعبده قال سفيان بن عيينة في قوله
تعالى (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) ثم ذكر بيوت سائر القرابات الا الأولاد
لم يذكرهم لأنهم دخلوا في قوله من بيوتكم فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم لم يذكر بيوت أولادهم
ولان الرجل يلي مال ولده من غير تولية فكان له التصرف فيه كمال نفسه، وأما أحاديثهم فأحاديثنا
تخصها وتفسرها فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مال الابن مالا لأبيه بقوله " أنت ومالك لأبيك " ولا تنافي
بينهما وقوله عليه السلام " أحق به من والده وولده " الحديث مرسل ثم هو يدل على ترجيح حقه على حق
286

أبيه لا على نفي الحق بالكلية والولد أحق من الوالد فيما تعلقت به حاجته.
* (مسألة) * (فإن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء من دين لم يصح تصرفه فيه)
نص عليه احمد قال لا يجوز عتق الأب لعبد ابنه ما لم يقبضه، فعلى هذا لا يصح ابراؤه من
دينه ولا هبته لماله ولا بيعه له لأن ملك الابن تام على مال نفسه يصح تصرفه فيه، وذكر ابن أبي موسى
في الارشاد قال إذا وهب الابن من ماله شيئا فليس لأبيه الاعتراض عليه الا أن يكون للولد عقار
يكفيه ويكفي أباه ولا مال له غيره ولا مال لأبيه فإن احمد قال إن اعترض عليه الوالد رأيت أن
يرده الحاكم على الأب ولا يبقى فقيرا لا حيلة له، ويحل له وطئ جواريه ولو كان الملك مشتركا لم يحل
له الوطئ كما لا يحل وطئ الجارية المشتركة وإنما للأب انزاعه منه كالعين التي وهبها إياه فقبل
انتزاعها لا يصح تصرفه لأنه تصرف في ملك غيره بغير ولاية، وإن كان الابن صغيرا لم يصح أيضا
لأنه لا يملك التصرف بما لاحظ للصغير فيه وليس من الحظ اسقاط دينه وعتق عبده وهبة ماله
قال احمد بين الرجل وبين ولده ربا لما ذكرنا من أن ملك الابن على ماله تام
* (مسألة) * (وان وطئ جارية ابنه فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا تلزمه قيمته ولا حد
عليه ولا مهر وفي التعزير وجهان)
قال احمد لا يطأ جارية الابن إلا أن يقبضها يعني يتملكها لأنه إذا وطئها قبل تملكها فقد
وطئها وليست زوجة ولا ملك يمين فإن تملكها لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها لأنه ابتداء ملك
فوجب الاستبراء فيه كما لو اشتراها، فإن كان الابن قد وطئها لم تحل له بحال فإن وطئها قبل تملكها
ولم يكن الابن وطئها كان محرما من وجهين (أحدهما) أنه وطئها قبل تملكها (والثاني) أنه وطئها
قبل استبرائها وإن كان الابن وطئها حرمت بوجه ثالث وهو أنها صارت بمنزلة حليلة ابنه فإن
فعل فلا حد عليه لشبهة الملك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف مال الولد إلى أبيه فقال " أنت ومالك لأبيك "
287

وإن ولدت منه صارت أم ولد له وولده حر لأنه من وطئ سقط فيه الحد للشبهة وليس للابن
مطالبته بشئ من قيمتها ولا قيمة ولدها ولا مهر ويجب تعزيره في أحد الوجهين لأنه وطئ وطأ
محرما أشبه وطئ الجارية المشتركة. والثاني لا يعزر لأنه لا يقتص منه بالجناية على ولده فلا يعزر
بالتصرف في ماله، والأول أولى لأن التعزير ههنا حق لله تعالى بخلاف الجناية على ولده لأنها حق للولد
(فصل) وليس لغير الأب الاخذ من مال غيره بغير اذنه للأحاديث التي ذكرناها لأن الخبر ورد في
الأب بدليل قوله عليه السلام " أنت ومالك لأبيك " ولا يصح قياس غيره عليه لأن للأب ولاية على
ولده وماله إذا كان صغيرا وله شفقة تامة وحق متأكد، ولا يسقط ميراثه بحال والام لا تأخذ لأنها لا ولاية
لها والجد أيضا لا يلي على مال ولد ابنه وشفقته قاصرة عن شفقة الأب ويحجب به في الميراث وفي ولاية
النكاح، وغيرهما من الأقارب والأجانب ليس لهم الاخذ بطريق التنبيه لأنه إذا امتنع الاخذ في حق
الام والجد مع مشاركتهما للأب في بعض المعاني فغيرهما ممن لا يشارك في ذلك أولى ويحتمل أن يجوز
للام لدخول ولدها في قول الله تعالى (وأولادكم)
* (مسألة) * (وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك)
وبه قال الزبير بن بكار ومقتضى قول سفيان بن عيينة وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي له ذلك لأنه
دين ثابت فجازت المطالبة به كغيره
ولنا ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال " أنت ومالك لأبيك " رواه
الخلال باسناده وروى الزبير بن بكار في الموفقيات أن رجلا استقرض من أبيه مالا فحبسه فأطال
حبسه فاستعدى عليه الابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر قصته في شعر فأجابه أبوه بشعر
أيضا فقال علي رضي الله عنه
288

قد سمع القاضي ومن ربى الفهم * المال للشيخ جزاء بالنعم
يأكله برغم أنف من رغم * من قال قولا غير ذا فقد ظلم
وجار في الحكم وبئس ما جرم
قال الزبير إلى هذا نذهب ولان المال أحد نوعي الحقوق فلم يملك مطالبة أبيه به كحقوق الأبدان
ويفارق الأب غيره بما يثبت له من الحق على ولده فإن مات الابن فانتقل الدين إلى ورثته لم يملكوا
مطالبة الأب لأن موروثهم لم يكن له المطالبة فهم أولى، فإن مات الأب فقيل يرجع الابن في تركته
بدينه لأن دينه عليه لم يسقط عن الأب وإنما تأخرت المطالبة وعن أحمد إذا مات الأب بطل دين
الابن وقال فيمن أخذ من مهر ابنته شيئا فأنفقه ليس عليه شئ ولا يؤخذ من بعده وما أصابت من
المهر من شئ بعينه أخذته وتأول أصحابنا كلام أحمد على أنه أخذه على سبيل التمليك لأن أخذه له
وانفاقه دليل على قصد التمليك فيثبت الملك له بذلك الاخذ والله أعلم
* (مسألة) * (والهدية والصدقة نوعان من الهبة)
والعطية تشمل الكل وكذلك النحلة ومعانيها كلها متقاربة إلا أنه في الغالب من أعطى شيئا ينوي به
التقرب إلى الله تعالى للمحتاجين سمي صدقة وان دفع إلى غير محتاج للتقرب والمحبة فهي هبة، ومن
بعث على هذا إلى إنسان مع غيره سمي هدية وكل ذلك مستحب مندوب إليه وأحكام ذلك
أحكام الهبة ويشترط لها ما يشترط من الشروط على ما سبق.
* (فصل) * في عطية المريض قال الشيخ رحمه الله (أما المريض غير مرض الموت أو مرضا غير
مخوف كالرمد ووجع الضرس والصداع ونحوه فعطاياه كعطايا الصحيح سواء تصح من جميع ماله)
وجملة ذلك أن عطايا المريض إذا برأ من مرضه أو كان مرضا غير مخوف كالذي ذكره وكذلك
ما في معناه كالجرب والحمى اليسيرة ساعة أو نحوها والاسهال اليسير من غير دم فعطاياه مثل عطايا
الصحيح لأنه لا يخاف منه في العادة
289

* (مسألة) * (وإن كان مرض الموت المخوف كالبرسام وهو بخار يرتقي إلى الرأس ويؤثر في
الدماغ فيختل عقل صاحبه، وذات الجنب وهو قرح بباطن الجنب ووجع القلب والرئة فإنها لا تسكن
حركتها فلا يندمل جرحها والرعاف الدائم فإنه يصفي الدم فيذهب القوة والقولنج وهو أن ينعقد
الطعام في بعض الأعضاء ولا ينزل عنه فهذه مخوفة، وإن لم يكن معها حمى وهي مع الحمى أشد خوفا
وان ثار الدم واجتمع في عضو كان مخوفا لأنه من الحرارة المفرطة، وان هاجت به الصفراء فهي
مخوفة لأنها تورث يبوسة وكذلك البلغم إذا هاج لأنه من شدة البرودة وقد تغلب على الحرارة الغريزية
فتطفيها، والطاعون مخوف لأنه من شدة الحرارة إلا أنه يكون في جميع البدن، وأما الاسهال فإن كان
متحرقا لا يمكنه إمساكه فهو مخوف وإن كان ساعة لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه، وإن كان
يجري تارة وينقطع أخرى فإن كان يوما أو يومين فليس بمخوف لأن ذلك قد يكون من فضلة الطعام.
إلا أن يكون معه زحير أو تقطيع كأن يخرج متقطعا فإنه يكون مخوفا لأن ذلك يضعف وان دام
الاسهال فهو مخوف سواء كان معه ذلك أو لم يكن، وكذلك الفالج في ابتدائه والسل في انتهائه والحمى
المطبقة، وما أشكل من ذلك رجع فيه إلى قول عدلين من الأطباء لأنهم أهل الخبرة بذلك ولا يقبل
قول واحد لأنه يتعلق به حق الوارث والمعطي، وقياس قول الخرقي أنه يقبل قول واحد عدل إذا لم
يقدر على طبيبين. فهذا الضرب وما أشبهه عطاياه صحيحه لأن عمر رضي الله عنه أوصى حين جرح
فسقاه الطبيب لبنا فخرج من جرحه فقال له الطبيب أعهد إلى الناس فعهد إليهم ووصى
فاتفق الصحابة على قبول عهده ووصيته وكذلك أبو بكر رضي الله عنه عهد إلى عمر حين
اشتد مرضه فنفذ عهده.
(فصل) فإن كان المريض يتحقق تعجيل موته فإن كان عقله قد اختل مثل من ذبح أو أبينت
حشوته فلا حكم لكلامه ولا لعطيته وإن كان ثابت العقل كمن خرقت حشوته واشتد مرضه ولم
يتغير عقله صح تصرفه وعطيته لما ذكرنا من حديث عمر وكذلك علي رضي الله عنهما بعد ضرب ابن
290

ملجم وصى وأمر ونهى ولم يختلف في صحة ذلك
* (مسألة) * (فعطاياه كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا لأجنبي بزيادة على الثلث الا بإجازة
الورثة كالهبة والعتق والكتابة والمحاباة)
وجملة ذلك أن التبرعات المنجزة كالعتق والمحاباة والهبة المقبوضة والصدقة والوقف والابراء من
الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال والكتابة إذا كانت في الصحة فهي من رأس المال لا نعلم في
هذا خلافا، وان كانت في مرض مخوف اتصل به الموت فهي من ثلث المال في قول الجمهور وحكي عن
أهل الظاهر في الهبة المقبوضة أنها من رأس المال
ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم
بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجة وهذا يدل بمفهومه على أنه ليس له أكثر
من الثلث، وروى عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة أعبد له في مرضه لا مال له غيرهم فاستدعاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة رواه مسلم
وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى ولأن هذه الحال الظاهر منها الموت فكانت عطيته فيها
في حق ورثته لا يتجاوز الثلث كالوصية
(فصل) وحكم العطايا في مرض الموت حكم الوصية في خمسة أشياء (أحدها) أن يقف نفوذها
على خروجها من الثلث وإجازة الورثة (الثاني) أنها لا تصح للوارث الا بإجازة الورثة (الثالث) أن
فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة قال " أن تصدق
وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان
كذا وقد كان لفلان " متفق عليه (الرابع) أن العطايا تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة
كتزاحم الوصايا فيه (الخامس) أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله ولا بعده
291

* (مسألة) * (فأما الأمراض الممتدة كالجذام وحمى الربع والسل في ابتدائه والفالج في دوامه
فإن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة والا فلا)
قال القاضي إذا كان يذهب ويجئ فعطاياه من جميع المال هذا تحقيق المذهب وقد روى حرب
عن أحمد في وصية المجذوم والمفلوج من الثلث وهو محمول على أنه صار صاحب فراش وبه يقول
الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحابه وأبو، ثور وذكر أبو بكر وجها آخر أن عطايا هؤلاء
من المال كله وهو مذهب الشافعي لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه وإن كان لا يبرأ منه فهو كالهرم. ولنا أنه
مريض صاحب فراش يخشى التلف أشبه صاحب الحمى الدائمة وأما الهرم فإن صار صاحب فراش فهو كمسئلتنا
* (مسألة) * (ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب أو في؟؟؟؟ البحر عند هيجانه أو وقع الطاعون
ببلده أو قدم ليقتص منه والحامل عند المخاض فهو كالمريض)
وجملة ذلك أن الخوف يحصل في هذه المواضع الخمسة المذكورة فيقوم مقام المرض (أحدها) إذا التحم الحرب
واختلطت الطائفتان للقتال وكانت كل واحدة منهما مكافئة للأخرى أو مقهورة فأما القاهرة منهما بعد
ظهورها فليست خائفة وكذلك إذا لم يختلطوا بل كانت كل واحدة منهما متميزة سواء كان بينهما رمي السهام
أو لم يكن فليست حالة خوف، ولا فرق بين كون الطائفتين متفقتين في الدين أو لا وبه مالك والثوري والأوزاعي
ونحوه عن مكحول وعن الشافعي قولان (أحدهما) كقول الجماعة (والثاني) ليس بخوف لأنه ليس بمرض
ولنا أن توقع التلف ههنا كتوقع المرض أو أكثر فوجب أن يلحق به ولان المرض إنما جعل
مخوفا لخوف صاحبه التلف وهذا كذلك قال أحمد إذا حضر القتال كان عتقه من الثلث وعنه إذا
التحم الحرب فوصيته من المال كله لكن يقف الزائد عن الثلث على إجازة الورثة فإن حكم وصية
الصحيح وخائف التلف واحد فيحتمل أن يجعل هذا رواية ثانية وسمى العطية وصية تجوز لكونها في حكم الوصية
ويحتمل أن يحمل على حقيقته في صحة الوصية من المال كله (الثانية) إذا قدم ليقتل فهي حالة خوف سواء أريد قتله
292

للقصاص أو لغيره، وللشافعي فيه قولان أحدهما مخوف والثاني ان جرح فهو مخوف وإلا فلا لأنه صحيح البدن
والظاهر العفو عنه. ولنا أن التهديد بالقتل جعل اكراها يمنع وقوع الطلاق وصحة البيع ويبيح
كثيرا من المحرمات ولولا الخوف لم تثبت هذه الأحكام، وإذا حكم للمريض وحاضر الحرب بالخوف
مع ظهور السلامة وبعد وجود التلف فمع ظهور التلف وقربه أولى، ولا عبرة بصحة البدن فإن المرض
لم يكن مثبتا لهذا الحكم لعينه بل لخوف افضائه إلى التلف فيثبت الحكم ههنا بطريق التنبيه لظهور
التلف (الثالثة) إذا ركب البحر فإن كان ساكنا فليس بمخوف وان اضطرب وهبت الريح العاصف
فهو مخوف، وقد وصفهم الله تعالى بشدة الخوف فقال تعالى (هو الذي يسيركم في البر والبحر) الآية
إلى قوله (جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم) (الرابع) الأسير
والمحبوس إذا كان من عادتهم القتل فهو خائف عطيته من الثلث وإلا فلا وهذا قول أبي حنيفة ومالك
وابن أبي ليلى وأحد، قولي الشافعي وقال الحسن لما حبس الحجاج إياس بن معاوية ليس له من ماله
إلا الثلث وقال أبو بكر عطية الأسير من الثلث ولم يفرق وبه قال الزهري والثوري وإسحاق وحكاه
ابن المنذر عن أحمد وتأول القاضي ما روي وهو على ما ذكرناه من التفصيل ابتداء وقال الشعبي ومالك
الغازي عطيته من الثلث وقال مسروق إذا وضع رجله في الغرز وقال الأوزاعي المحصور في سبيل الله
والمحبوس ينتظر القتل هو في ثلثه والصحيح إن شاء الله ما ذكرناه من التفصيل لأن مجرد الحبس
والأسر من غير خوف القتل ليس بمرض ولا هو في معنى المرض في الخوف فلم يجز الحاقه به وإذا كان
المريض الذي لا يخاف التلف عطيته من رأس ماله فغيره أولى (الخامسة) إذا وقع الطاعون ببلده
فعن أحمد أنه مخوف ويحتمل أنه ليس بمخوف فإنه ليس بمريض وإنما يخاف المرض
(فصل) وكذلك الحامل عند المخاض لأنه يحصل لها ألم شديد يخاف منه التلف أشبهت سائر
أصحاب الأمراض المخوفة وما قبل ذلك فلا ألم بها فلا يكون مخوفا، وقال الخرقي وكذلك الحامل إذا
صار لها ستة أشهر يعنى عطيتها من الثلث وبه قال مالك وقال إسحاق إذا ثقلت لا يجوز لها إلا الثلث ولم
293

يحد حدا وحكاه ابن المنذر عن أحمد وقال سعيد بن المسيب وعطاء وقتادة عطية الحامل من الثلث
وقال أبو الخطاب عطيتها من المال كله ما لم يضر بها المخاض فإذا ضر بها المخاض فعطيتها من الثلث وبه
قال النخعي ومكحول ويحيى الأنصاري والأوزاعي والثوري والعنبري وابن المنذر وهو ظاهر مذهب
الشافعي لأنها لا تخاف إلا إذا ضر بها الطلق فأشبهت صاحب الأمراض الممتدة قبل أن يصير صاحب
فراش وقال الحسن والزهري عطيتها كعطية الصحيح وهو القول الثاني للشافعي لأن الغالب سلامتها
ووجه قول الخرقي أن ستة الأشهر وقت يمكن الولادة فيه وهو من أسباب التلف، والصحيح إن شاء الله
تعالى ما ذكرناه من أنه إذا ضر بها الطلق كان مخوفا بخلاف ما قبل ذلك لأنه لا ألم بها واحتمال وجوده
خلاف العادة فلا يثبت الحكم باحتماله البعيد مع عدمه كالصحيح وقيل عن أحمد ما يدل على أن عطايا
هؤلاء من المال كله لأنه لا مرض بهم وقد ذكرنا الخلاف في ذلك
(فصل) فأما بعد الولادة فإن بقيت المشيمة معها فهو مخوف وان مات الولد معها فهو مخوف لأنه
يصعب خروجه فإن وضعت الولد وخرجت المشيمة فحصل ثم ورم أو ضربان شديد فهو مخوف وان لم
يكن شئ من ذلك فقد روي عن أحمد في النفساء ان كانت ترمي الدم فعطيتها من الثلث فيحتمل أنه
أراد بذلك إذا كان معه ألم للزومه ذلك في الغالب ويحتمل أن يحمل على ظاهره فإنها إذا كانت ترمي
الدم كانت كالمريض وحكمها بعد السقط مثل حكمها بعد الولد التام فإن أسقطت مضغة أو علقة فلا
حكم لها إلا أن يكون ثم مرض أو ألم وهذا كله مذهب الشافعي إلا أن مجرد الدم عنده ليس بمخوف
(فصل) وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه واسقاطه كأرش جنايته وجناية عبده
وما عاوض عليه بثمن المثل وما يتغابن الناس بمثله فهو من رأس المال لا نعلم فيه خلافا وهو قول
الشافعي وأصحاب الرأي وكذلك النكاح بمهر المثل يجوز من رأس المال لأنه صرف ماله في حاجة
294

نفسه فقدم بذلك على وارثه وكذلك لو اشترى أمة للاستمتاع بها كثيرة الثمن بثمن مثلها أو اشترى
من الأطعمة التي لا يأكل مثله مثلها جاز وصح شراؤه له لأنه صرف ماله في حاجته وإن كان عليه دين
أو مات وعليه دين قدم بذلك على وارثه لقول الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين)
(فصل) فاما ان قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بسائر الديون صح قضاؤه ولم يكن
لسائر الغرماء الاعتراض عليه، وان لم يف بها ففيه وجهان (أحدهما) أن لسائر الغرماء الرجوع عليه
ومشاركته فيما أخذه وهو قول أبي حنيفة لأن حقهم تعلق بماله بمرض فمنع تصرفه فيه بما ينقص
ديونهم كتبرعه ولأنه لو وصى بقضاء بعض ديونه لم يجز فكذلك إذا قضاها (والثاني) لا يملكون
الاعتراض عليه ولا مشاركته وهو قياس قول أحمد ومنصوص الشافعي لأنه أدى واجبا عليه فصح
كما لو اشترى شيئا فأدى ثمنه أو باع بعض ماله وسلمه ويفارق الوصية فإنه لو اشترى ثيابا مثمنة صح
ولو وصى بتكفينه بثياب مثمنة لم يصح يحقق هذا أن إيفاء ثمن المبيع قضاء لبعض غرمائه وقد صح
عقيب البيع فكذلك إذا تراخى إذ لا أثر لتراخيه
(فصل) وإذا تبرع المريض أو أعتق ثم أقر بدين لم يبطل تبرعه نص عليه أحمد فيمن أعتق
عبده في مرضه ثم أقر بدين عتق العبد ولم يرد إلى الرق لأن الحق ثبت بالتبرع في الظاهر فلم يقبل
اقراره فيما يبطل به حق غيره
* (مسألة) * (وان لم يف الثلث بالتبرعات المنجزة بدئ بالأول فالأول سواء كان الأول عتقا أو غيره)
وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة الجميع سواء إذا كانت من جنس واحد وان كانت من أجناس
وكانت المحاباة متقدمة قدمت وان تأخرت سوي بينها وبين العتق وإنما كان كذلك لأن المحاباة حق
آدمي على وجه المعاوضة فقدمت إذا تقدمت كقضاء الدين وإذا تساوى جنسها سوي بينها لأنها عطايا
من جنس واحد تعتبر من الثلث فسوى بينها كالوصية وقال أبو يوسف ومحمد يقدم العتق تقدم أو تأخر
295

ولنا أنهما عطيتان منجزتان فكانت أولاهما أولى كما لو كانت الأولى محاباة عند أبي حنيفة أو
عتقا عند صاحبه ولان العطية المنجزة لازمة في حق المعطي فإذا كانت خارجة من الثلث لزمت في
حق الورثة فلو شاركتها الثانية لمنع ذلك لزومها في حق المعطي لأنه يملك الرجوع في بعضها بعطية
أخرى بخلاف الوصايا فإنها غير لازمة في حقه وإنما تلزم بالموت في حال واحدة فاستويا لاستوائهما
في حال لزومها بخلاف المنجزتين وما قاله في المحاباة لا يصح فإنها بمنزلة الهبة ولو كانت بمنزلة المعاوضة
أو الدين لما كانت من الثلث
* (مسألة) * (وان تساوت قسم بين الجميع بالحصص وعنه يقدم العتق) أما إذا وقعت دفعة واحدة
بان وكل جماعة في هذه التبرعات فأوقعوها دفعة واحدة فإن كانت كلها عتقا أقرعنا بينهم فكملنا العتق
في بعضهم وان لم يكن فيها عتق قسمنا الثلث بينهم على قدر عطاياهم لأنهم تساووا في الاستحقاق فقسم
بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس وإنما خولف هذا الأصل في العتق لحديث عمران بن حصين
وسنذكر ذلك في موضعه، وإن كان فيها عتق وغيره ففيه روايتان (إحداهما) يقدم العتق لتأكده
(والثانية) يسوى بين الكل لأنها حقوق تساوت في استحقاقها فتساوت في تنفيذها كما لو كانت من
جنس واحد لأن استحقاقها حصل في حال واحدة
(فصل) إذا قال المريض إذا أعتقت سعدا فسعيد حر ثم أعتق سعدا عتق سعيد ان خرج من
الثلث وان لم يخرج من الثلث الا أحدهما عتق سعد وحده ولم يقرع بينهما لوجهين (أحدهما) أن سعدا
سبق بالعتق (والثاني) ان عتقه شرط لعتق سعيد فلو رق بعضه فات اعتاق سعيد أيضا لفوات شرطه وان
بقي من الثلث ما يعتق به بعض سعيد عتق تمام الثلث منه، وان قال إن أعتقت سعدا فسعيد وعمرو
حران ثم أعتق سعدا ولم يخرج من الثلث الا أحدهم عتق سعد وحده لما ذكرنا وان خرج من الثلث
اثنان أو واحد وبعض آخر عتق سعد وأقرع بين سعيد وعمرو فيما بقي من الثلث لأن عتقهما في حال
296

واحدة وليس عتق أحدهما شرطا في عتق الآخر، ولو خرج من الثلث اثنان وبعض الثالث أقرعنا بينهما
لتكميل الحرية في أحدهما وحصول التشقيص في الآخر وان قال إن أعتقت سعدا فسعيد حر أو فسعيد
وعمرو حران في حال اعتاقي سعدا فالحكم سواء لا يختلف لأن عتق سعد شرط لعتقهما فلو رق بعضه
لفات شرط عتقهما فوجب تقديمه فإن كان الشرط في الصحة والاعتاق في المرض فالحكم على ما ذكرناه
(فصل) فإن قال إن تزوجت فعبدي حر فتزوج في مرضه بأكثر من مهر المثل فالزيادة محاباة
تعتبر من الثلث فإن لم يخرج من الثلث الا المحاباة أو العبد قدمت المحاباة لأنها وجبت قبل العتق لكون
التزويج شرطا في العتق فقد سبقت العتق ويحتمل ان يتساويا لأن التزويج سبب لثبوت المحاباة وشرط
للعتق فلا يسبق وجود أحدهما صاحبه فيكونان سواء، ثم هل يقدم العتق على المحاباة؟ على روايتين وهذا
فيما إذا ثبتت المحاباة بأن لا ترث المرأة الزوج اما لوجود مانع من الإرث أو لمفارقته إياها في حياته
اما بموتها أو طلاقها أو نحوه، فاما ان ورثته تبينا ان المحاباة لا تثبت لها الا بإجازة الورثة فينبغي أن يقدم
العتق عليها لأنه لازم غير موقوف على الإجازة فيكون متقدما وان قال أنت حر في حال تزويجي فتزوج
بأكثر من مهر المثل فعلى القول الأول يتساويان لأن التزويج جعل حالة لايقاع العتق كما في عتق
سعد وسعيد وبطلان المحاباة لا يبطل التزويج ولا يؤثر فيه وعلى الاحتمال المذكور يكون العتق سابقا
لأن المحاباة إنما تثبت بتمام التزويج والعتق قبل تمامه فيكون سابقا على المحاباة فيتقدم لهذا المعنى سيما إذا
تأكد بقوته. وكونه غير وارث
(فصل) إذا أعتق المريض شقصا من عبد ثم أعتق شقصا من آخر ولم يخرج من الثلث الا العبد
الأول عتق وحده لأنه يعتق حين تلفظه باعتاق بعضه وان خرج الأول وبعض الثاني عتق ذلك وان
أعتق الشقصين معا فلم يخرج من الثلث الا الشقصان عتقا ورق باقي العبدين وان لم يخرج الا أحدهما
أقرع بينهما وان خرج الشقصان وباقي أحد العبدين ففيه وجهان (أحدهما) تكميل العتق من أحدهما
297

بالقرعة بينهما كما لو أعتق العبدين فلم يخرج من الثلث الا أحدهما (والثاني) يقسم ما بقي من الثلث
بينهما بغير قرعة لأنه أوقع عتقا مشقصا فلم يكمله بخلاف ما لو أعتق العبدين ولهذا إذا لم يخرج من الثلث
الا الشقصان أعتقناهما بغير قرعة ولم نكمله من أحدهما ولو وصى باعتاق النصيبين وان يكمل عتقهما
من ثلثه ولم يخرج من الثلث الا النصيبان وقيمة باقي أحدهما أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته كمل
العتق فيه لأن الموصي أوصى بتكميل العتق فجرى مجرى اعتاقهما بخلاف التي قبلها
* (مسألة) * (وأما معاوضة المريض بثمن المثل فتصح من رأس المال وان كانت مع وارث)
لأنه ليس بوصية لأن الوصية تبرع وليس هذا تبرعا فاستوى فيه الوارث وغيره ويحتمل أن لا يصح
لوارث لأنه خصه بعين المال أشبه ما لو حاباه
* (مسألة) * (وان حابى وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه ويصح فيما عداه)
مثل أن يبيع شيئا بنصف ثمنه فله نصفه بجميع الثمن لأنه تبرع له بنصف الثمن فبطل التصرف
فيما تبرع له به وللمشتري الخيار لأن الصفقة تبعضت في حقه
* (مسألة) * (فإن كان له شفيع فله أخذه فإن أخذه فلا خيار للمشتري) لزوال الضرر عنه لأنه
لو فسخ البيع رجع بالثمن وقد حصل له الثمن من الشفيع
(فصل) فإن باع أجنبيا وحاباه لم يمنع ذلك صحة العقد عند الجمهور وقال أهل الظاهر
يبطل العقد.
ولنا عموم قوله تعالى (وأحل الله البيع ولأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كغير المريض
فعلى هذا لو باع عبدا لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعشرة فقد حابى المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة
بأكثر من الثلث فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع وان ردوا فاختار المشترى فسخ البيع فله ذلك لأن
الصفقة تبعضت في حقه فإن اختار امضاء البيع فقال شيخنا عندي أنه يأخذ نصف المبيع بنصف
298

الثمن ويفسخ البيع في الباقي وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والوجه الثاني أنه يأخذ ثلثي المبيع
بالثمن كله والى هذا أشار القاضي في نحو هذه المسألة لأنه يستحق الثلث بالمحاباة والثلث الآخر بالثمن
وقال أهل العراق يقال له ان شئت أديت عشرة أخرى وأخذت المبيع وان شئت فسخت ولا شئ
لك وعند مالك له أن يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة ويسميه أصحابه خلع الثلث
ولنا أن ما ذكرناه مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميعه فصح ذلك
كما لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في إحداهما لعيب أو غيره أو كما لو اشترى شقصا وسيفا فأخذ
الشفيع الشقص أو كما لو اشترى قفيزا يساوي ثلثين بقفيز قيمته عشرة، وأما الوجه الثاني الذي اختاره
القاضي فلا يصح لأنه أوجب له المبيع بثمن فيأخذ بعضه بالثمن كله فلا يصح كما لو قال بعتك هذا
بمائة فقال قد قبلت نصفه بها ولأنه إذا فسخ البيع في بعضه وجب أن يفسخه بقدره من ثمنه ولا يجوز
فسخ البيع فيه مع بقاء ثمنه كما لا يجوز فسخ البيع في الجميع مع بقاء ثمنه، وأما قول أهل العراق فإن
فيه اجبارا للورثة على المعاوضة على غير الوجه الذي عاوض موروثهم، وأما قول مالك فلا يصح لأنه
ذا فسخ البيع لم يستحق شيئا لأن المحاباة إنما حصلت في ضمن البيع فإذا بطل البيع بطلت كما لو
وصى لرجل بعينه أن يحج عنه بمائة وأجر المثل خمسون فطلب الخمسين الفاضلة بدون الحج. وإن
اشترى عبدا يساوي عشرة بثلاثين فإنه يأخذ نصفها بنصفها وان باع العبد الذي يساوي ثلاثين بخمسة
عشر جاز البيع في ثلثيه بثلثي الثمن في قول شيخنا وعلى قول القاضي للمشتري خمسة أسداسه بكل
الثمن، وطريق هذا أن ينسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته فيصح البيع في مقدار تلك النسبة وهو خمسة
اسداسه وعلى الوجه الأول يسقط الثمن من قيمة المبيع وينسب الثلث إلى الباقي فيصح البيع في
299

قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن فإن خلف البائع عشرة أخرى فعلى الوجه الأول يصح في ثمانية
اتساعه بثمانية أتساع الثمن وعلى الوجه الثاني يأخذ المشترى نصفه وأربعة أتساعه بجميع الثمن
* (مسألة) * (وان باع المريض أجنبيا وحاباه وكان شفيعه وارثا فله الاخذ بالشفعة)
لأن المحاباة لغيره يعني إذا باع شقصا تجب فيه الشفعة لأن المحاباة إنما وقعت للأجنبي فأشبه ما لو
وصى لغريم وارثه ويحتمل أن لا يملك الوارث الشفعة ههنا لافضائه إلى جعل سبيل للانسان إلى اثبات
حق وارثه في المحاباة وقد ذكرنا ذلك والخلاف فيه في الشفعة
* (مسألة) * (ويعتبر الثلث عند الموت لأنه وقت لزوم الوصية واستحقاقها وتثبت له ولاية القبول
والرد فلو أعتق عبدا لا يملك غيره ثم ملك مالا يخرج من ثلثه تبينا أنه عتق كله لخروجه من الثلث
عند الموت وان صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شئ لأن الدين يقدم على الوصية لما روي عن
علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ويحتمل أن يعتق ثلثه لأن
تصرف المريض في الثلث كتصرف الصحيح في الجميع
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء (أحدها) انه يبدأ
بالأول فالأول منها والوصايا سوى بين المتقدم والمتأخر منها) أما العطايا فقد ذكرنا حكمها والخلاف
فيها، وأما الوصايا فإنها تبرع بعد الموت فتؤخذ دفعة واحدة ولذلك استوى فيها المتقدم والمتأخر،
(الثاني) انه لا يجوز الرجوع في العطية بخلاف الوصية لأن العطية تقع لازمة في حق المعطي تنتقل إلى
المعطى في الحياة إذا اتصل بها القبول والقبض وإن كثرت فلم يكن له الرجوع فيها كالهبة وإنما منع
المريض من التبرع بزيادة على الثلث لحق الورثة لا لحقه فلم يملك اجازتها ولا ردها بخلاف الوصية
لأن التبرع بها مشروط بالموت ففيما قبل الموت لم يوجد التبرع ولا العطية فهي كالهبة قبل القبول،
300

(الثالث) انه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها ويفتقر إلى شروط الهبة المذكورة لأنها هبة منجزة فاعتبر لها
القبول عند وجودها كعطية الصحيح بخلاف الوصية فإنه لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعد الموت على ما يأتي
(فصل) والعطية تقدم على الوصية وهو قول الشافعي وجمهور العلماء وبه قال أبو حنيفة وأبو
يوسف وزفر إلا في العتق فإنه حكي عنهم تقديمه لأن العتق يتعلق به حق الله تعالى ويسري وينفذ
في ملك الغير فيجب تقديمه. ولنا ان العطية لازمة في حق المريض فقدمت على الوصية كعطية الصحة
أو فقدمت على العتق كعطية الصحة
(الرابع) ان الملك يثبت في العطية من حينها ويكون مراعى فإذا خرج من الثلث عند
الموت تبينا ان الملك كان ثابتا من حينه لأن العطية في المرض تمليك في الحال لأنها إن كانت هبة
فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال ولهذا يعتبر قبولها في المجلس كما لو كانت في الصحة، وكذلك
إن كانت محاباة أو اعتاقا وأما كونها مراعاة فلانا لا نعلم هل هذا مرض الموت أو لا ولا نعلم هل
يستفيد مالا أو يتلف شئ من ماله أو لا فتوقفنا لنعلم عاقبة أمره فنعمل عليها فإذا انكشف الحال
علمنا حينئذ ما ثبت حال العقد، ومثل ذلك ما لو أسلم أحد الزوجين بعد الدخول فانا لا ندري هل يسلم
الثاني أم لا فنقف الامر حتى تنقضي العدة فإن أسلم الآخر في العدة تبينا ان النكاح كان صحيحا باقيا
وإن انقضت العدة قبل اسلامه تبينا ان النكاح انفسخ من حين اختلف دينهما
* (مسألة) * (فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لانسان ثم كسب في حياة سيده شيئا ثم مات
سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقا وللموهوب إن كان موهوبا، وإن خرج بعضه
فلهما من كسبه بقدر ذلك)
إذا أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فللعبد من كسبه بقدر ما عتق
منه وباقيه لسيده فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية لذلك ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد
من الكسب وينقص بذلك قدر المعتق منه فيدخل الدور فيستخرج ذلك بالجبر فيقال عتق من العبد
شئ وله من كسبه شئ لأن كسبه مثله وللورثة من العبد شيئان لأن لهم مثلي ما عتق منه وقد عتق منه شئ
ولا يحسب على العبد ما حصل له من كسبه لأن استحقه بجزئه الحر لا من جهة سيده فصار للعبد شيئان
301

وللورثة شيئان من العبد وكسبه فيقسم العبد وكسبه نصفين فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة
نصفهما، وإن كسب مثلي قيمته فله من كسبه شيئان صار له ثلاثة أشياء ولهم شيئان فيقسم العبد
وكسبه أخماسا يعتق منه ثلاثة أخماس وله ثلاثة أخماس كسبه وللورثة خمساه وخمسا كسبه وإن كسب
ثلاثة أمثال قيمته فله من كسبه ثلاثة أشياء مع ما عتق منه وللورثة شيئان فيعتق منه ثلثاه وله ثلثا كسبه
وللورثة ثلثهما، وإن كسب نصف قيمته عتق منه شئ وله من كسبه نصف شئ ولهم شيئان فالجميع
ثلاثة أشياء ونصف شئ فإذا بسطها انصافا صارت سبعة فله ثلاثة أسباعها فيعتق منه ثلاثة أسباعه
وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة وذلك مثلا ما عتق منه
* (مسألة) * (وإن كان موهوبا لانسان فللموهوب له من العبد بقدر ما عتق منه وله من كسبه
بقدر ذلك) فإن كانت قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له من كل دينار شيئا فقد عتق منه مائة وله من
كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شئ فيعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من ثلاثمائة وتسعة وله من كسبه
مثل ذلك ولهم مائتا جزء من كسبه، فإن كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرفا في
الدين ولم يعتق منه شئ لأن الدين مقدم على التبرع وإن لم يستغرق فقيمته وقيمة كسبه صرف من
العبد وكسبه ما يقضى به الدين وما بقي منهما يقسم على ما يمل في العبد الكامل وكسبه، فعلى هذا
لو كان على الميت دين بقيمة العبد صرف فيه نصف العبد ونصف كسبه وقسم النصف الباقي بين الورثة
والعتق نصفين وكذلك بقية الكسب، فإن كسب العبد مثل قيمته وللسيد مال بقدر الكسب قسمت العبد
ومثل قيمته على الأشياء الأربعة لكل شئ ثلاثة أرباع فيعتق من العبد ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه
(فصل) وإن أعتق عبدا قيمته عشرون ثم أعتق عبدا قيمته عشرة فكسب كل واحد منهما
مثل قيمته أكملت الحرية في العبد الأول فيعتق منه شئ وله من كسبه شئ وللورثة شيئان ويقسم
العبدان وكسبهما على الأشياء الأربعة لكل شئ خمسة عشر فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه
وله ثلاثة أرباع كسبه والباقي للورثة، وإن بدأ بعتق الأدنى عتق كله وأخذ كسبه ويستحق الورثة
من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق وهو نصفه ونصف كسبه ويبقى نصفه ونصف كسبه
302

بينهما نصفين فيعتق ربعه وله ربع كسبه ويرق ثلاثة أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما عتق
منهما، وإن أعتق العبدين دفعة واحدة أقرعنا بينهما فمن خرجت له قرعة الحرية فهو كما لو بدأ باعتاقه
(فصل) فإن أعتق ثلاثة أعبد قيمتهم سواء وعليه دين بقدر قيمة أحدهم وكسب أحدهم مثل
قيمته أقرعنا بينهم لاخراج الدين، فإن وقعت على غير المكتسب عتق كله والمكتسب وماله للورثة
وإن وقعت قرعة الحرية على المكتسب عتق منه ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه وباقيه وباقي كسبه
والعبد الآخر للورثة كما قلنا فيما إذا كان للسيد مال بقدر قيمته، ولو وقعت قرعة الدين ابتداء على
المكتسب لقضينا الدين بنصفه ونصف كسبه ثم أقرعنا؟ ين باقيه وبين العبدين الآخرين في الحرية
فإن وقعت على غيره عتق كله وللورثة ما بقي، فإن وقعت على المكتسب عتق باقيه وأخذنا باقي كسبه
ثم يقرع بين العبدين لاتمام الثلث فمن وقعت عليه القرعة عتق ثلثه ويبقى ثلثاه والعبد الآخر للورثة
(فصل) رجل أعتق عبدين متساويي القيمة بكلمة واحدة لا مال له غيرهما ثم مات أحدهما في
حياته أقرع بين الحي والميت، فإن وقعت على الميت فالحي رقيق وتبين ان الميت نصفه حر لأن مع
الورثة مثلي نصفه، وإن وقعت على الحي عتق ثلثه ولا يحسب الميت على الورثة لأنه لم يصل إليهم
(فصل) رجل أعتق عبدا لا مال له سواء قيمته عشره فمات قبل سيده وخلف عشرين فهي
لسيده بالولاء وتبين انه مات حرا، وكذلك إن خلف أربعين وبنتا وإن خلف عشرة عتق منه شئ
وله من كسبه شئ ولسيده شيئان وقد حصل في يد سيده عشرة تعدل ستين فتبين ان نصفه حر
وباقيه رقيق والعشرة يستحقها السيد نصفها بحكم الرق ونصفها بالولاء، فإن خلف العبد ابنا فله من
رقبته شئ ومن كسبه شئ لابنه بالميراث ولسيده شيئان فتقسم العشرة على ثلاثة للابن ثلثها وللسيد
ثلثاها ونتبين انه عتق من العبد ثلثه، وإن خلف بنتا فلها نصف شئ وللسيد شيئان فصارت العشرة
على خمسة، للبنت خمسها وللسيد أربعة أخماسها تعدل ستين فتبين ان خمسي العبد مات حرا،
وإن خلف العبد عشرين وابنا فله من كسبه شيئان يكونان لابنه ولسيده شيئان فصارت العشرون
بين السيد وبين ابنه نصفين وتبين انه عتق منه نصفه فإن مات الابن قبل موت السيد كان ابن معتقة
303

ورثه السيد لأننا تبينا أن أباه مات حرا لكون السيد ملك عشرين وهي مثلا قيمته فعتق وجر ولاء
ابنه إلى سيده فورثه، وإن لم يكن الابن ابن معتقه لم ينجر ولاؤه ولم يرثه سيد أبيه، وكذلك الحكم
لو خلف هذا الابن عشرين ولم يخلف أبوه شيئا أو ملك السيد عشرين من أي جهة كانت
وإن لم يملك عشرين لم ينجر ولاء الابن إليه لأن الأب لم يعتق، وإن عتق بعضه جر من ولاء
ابنه بقدره، فلو خلف الابن عشرة وملك السيد خمسة فإنك تقول عتق من العبد شئ ويجر من
ولاء ابنه مثل ذلك ويحصل له من ميراثه شئ مع خمسة وهما يعدلان شيئين وباقي العشرة لمولى أمه
فيقسم بين السيد وبين مولى الام نصفين ونتبين انه قد عتق من العبد نصفه ويحصل للسيد خمسة
من ميراث ابنه وكانت له خمسة وذلك مثلا ما عتق من العبد، فإن مات الابن في حياة أبيه قبل موت
سيده وخلف مالا وحكمنا بعتق الأب أو عتق بعضه ورث مال أبيه إن كان حرا أو بقدر ما فيه من
الحرية إن كان بعضه حرا ولم يرث سيده منه شيئا، وفي هذه المسائل خلا ف تركنا ذكره مخافة التطويل
* (مسألة) * (وان أعتق جارية لا مال له غيرها ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسبت
نصف قيمتها) يعتق منها ثلاثة أسباعها وقد ذكرناه
* (فصل) * وان وهبها مريضا آخر لا مال له غيرها ثم وهبها الثاني للأول وماتا جميعا فنقول
صحت هبة الأول في شئ وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه بقي لورثة الثاني ثلثا شئ ولورثة الأول شيئان
فأضر بها في ثلثه لزوال الكسر يكن ثمانية أشياء تعدل الأمة الموهوبة فلورثة الواهب الأول ثلاثة أرباعها
ستة ولورثة الثاني ربعها شيئان وان شئت قلت المسألة من ثلاثة لأن الهبة صحت في ثلث المال وهبة الثاني
صحت في ثلث الثلث فتكون من ثلاثة اضر بها في أصل المسألة تكن تسعة أسقط السهم الذي صحت
فيه الهبة الثانية لأننا لو رددناه على الأول لوجب رده على جميع السهام الباقية إذ يلزم من زيادة الباقي
للواهب الأول زيادة الجزء الذي صحت فيه الهبة الأولى فيسقط كما يسقط الباقي في مسألة الرد إذ العلة
في إسقاطه ثم أننا لو رددناه لرددناه على جميع السهام بالسوية فإذا أسقطنا ذكره عاد على جميع السهام
كذلك ههنا إذا أسقطنا هذا السهم بقيت المسألة من ثمانية كما ذكرنا
304

(فصول في هبة المريض)
رجل وهب أخاه مائة لا يملك غيرها فقبضها ثم مات وخلف بنتا فقد صحت الهبة في شئ والباقي
للواهب ورجع إليه بالميراث نصف الشئ الذي جازت الهبة فيه صار معه مائة الا نصف شئ يعدل
شيئين فالشئ خمسا ذلك رجع إلى الواهب نصفها عشرون صار معه ثمانون وبقي لورثة الموهوب له
عشرون وطريقها بالباب ان يأخذ عددا لثلثه نصف وهو ستة فيأخذ ثلثه اثنين ويلغى نصفه سهما يبقى
سهم فهو للموهوب له ويبقى للواهب أربعة فتقسم المائة بينهما على خمسة والسهم الذي أسقطته لا يذكر
لأنه يرجع على جميع السهام الباقية بالتسوية فيجب اطراحه كالسهام الفاضلة عن الفروض في مسألة الرد
ولو ترك ابنتين ضربت ثلاثة في ثلاثة صارت تسعة وأسقطت منهما سهما يبقى سهمان فهي التي تبقى لورثة
الموهوب له وتبقى ستة للواهب وهي مثلا ما جازت الهبة فيه وان خلف امرأة وبنتا فمسئلتها من ثمانية
نضربها في ثلاثة تكن أربعة وعشرين يسقط منهما الثلاثة التي ورثها الواهب يبقى أحد وعشرون فهي
المال ويأخذ ثلث الأربعة والعشرين وهي ثمانية يلغى منها الثلاثة يبقى خمسة في الباقية لورثة الموهوب
له والباقي للواهب فتقسم المائة على هذه السهام
(فصل) وان وهب رجلا جارية فقبضها الموهوب له ووطئها ومهرها ثلث قيمتها ثم مات الواهب
ولا شئ له سواها وقيمتها ثلاثون ومهرها عشرة فقد صحت الهبة في شئ وسقط عنه من مهرها ثلث
شئ وبقي للواهب أربعون الا شيئا وثلثا يعدل شيئين أجبر وقائل يخرج الشئ خمس ذلك وعشرة
وهو اثنا عشر وذلك خمسا الجارية فقد صحت الهبة فيه ويبقى للوارث ثلاثة أخماسها وله على الموهوب
له ثلاثة أخماس مهرها وهو ستة ولو كان الواطئ أجنبيا فكذلك ويكون عليه مهرها ثلاثة أخماسه
للواهب وخمساه للموهوب له الا أن تعود الهبة فيما زاد على الثلث منها موقوف على حصول المهر من
الوطئ فإن لم يحصل منه شئ لم تزد الهبة على ثلثها وكلما حصل من شئ نفذت الهبة في الزيادة بقدر
305

ثلثه فإن وطئها الواهب فعليها من عقرها بقدر ما جازت الهبة فيه وهو ثلث شئ يبقى معه ثلاثون
إلا شيئا وثلثا يعدل شيئين فالشئ تسعة وهو خمس الجارية وعشرها وسبعة أعشارها لورثة الواطئ
وعليه عقر الذي جازت الهبة فيه ثلاثة فإن أخذ من الجارية بقدرها صار له خمساها
(فصل) وان وهب مريض عبدا لا يملك غيره فقتل العبد الواهب قيل للموهوب له اما أن تفديه
واما أن تسلمه فإن اختار تسلميه سلمه كله نصفه بالجناية ونصفه لانتقاص الهبة وذلك لأن العبد كله قد
صار إلى ورثة الواهب وهو مثلا نصفه فتبين ان الهبة جازت في نصفه فإن اختار فداه ففيه روايتان
إحداهما يفديه بأقل الامرين من قيمة نصيبه فيه أوراش جنايته والأخرى يفديه بقدر ذلك من أرش
جنايته بالغة ما بلغت فإن كانت قيمته دية فإنك تقول صحت الهبة في شئ ويدفع إليهم نصف العبد
وقيمة نصفه وذلك يعدل شيئين فتبين ان الشئ نصف العبد وان كانت قيمته ديتين واختار دفعه فإن
الهبة تجوز في شئ ويدفع إليهم نصفه يبقى معهم عبد الا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ خمساه ويرد
إليهم ثلاثة أخماسه لانتقاض الهبة وخمسا من اجل جنايته فيصير لهم أربعة أخماسه وذلك مثلا ما جازت
الهبة فيه وان اختار فداءه فداه بخمسي الدية أو أقل وقلنا يفديه بأرش جنايته نفذت الهبة في جميعه
لأن أرشها أكثر من مثلي قيمته وان كانت قيمته ثلاثة أخماس الدية فاختار فداءه بالدية فقد
صحت الهبة في شئ ويفديه بشئ وثلثين فصار مع الورثة عبد وثلثا شئ يعدل شيئين فالشئ يعدل
ثلاثة أرباع فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد ويرجع إلى الواهب ربعه مائة وخمسون وثلاثة أرباع
الدية سبعمائة وخمسون صار الجميع تسعمائة وهو مثلا ما صحت الهبة فيه فإن ترك الواهب مائة دينار فاضممها
إلى قيمة العبد فإن اختار دفع العبد دفع ثلثه وربعه وذلك قدر نصف جميع المال بالجناية وباقيه لانتقاص
الهبة فيصير للورثة العبد والمائة وذلك ما جازت الهبة فيه وان اختار الفداء فقد علمت أنه يفدي ثلاثة أرباعه
إذا لم يترك شيئا فزد على ذلك ثلاثة أرباع المائة يصر ذلك سبعة أثمان العبد فيفديه سبعة أثمان الدية
(فصل) في إعتاق المريض: مريض أعتق عبدا لا مال سواه قيمته مائة فقطع أصبع سيده خطأ
فإنه يعتق نصفه وعليه نصف قيمته ويصير للسيد نصفه ونصف قيمته وذلك مثلا ما عتق منه وأوجبنا
306

نصف قيمته عليه لأن عليه من أرش جنايته بقدر ما عتق منه وحسابها أن تقول عتق منه شئ وعليه شئ
للسيد فصار مع السيد عبد إلا شيئا وشئ يعدل شيئين فأسقط بشئ بقي ما معه من العبيد يعدل شيئا
مثل ما عتق منه، وإن كانت قيمة العبد مائتين عتق خمساه لأنه يعتق منه شئ وعليه نصف شئ للسيد
فصار للسيد نصف شئ وبقية العبد تعدل شيئين فتكون بقية العبد تعدل شيئا ونصفا وهو ثلاثة أخماسه
والشئ الذي عتق خمساه، وإن كانت قيمته خمسين أو أقل عتق كله لأنه يلزمه مائة وهي مثلاه
أو أكثر، وإن كانت قيمته شيئين قلنا عتق منه شئ وعليه شئ وثلثا شئ للسيد مع بقية العبد
تعدل شيئين فبقية العبد إذا ثلث شئ فيعتق منه ثلاثة أرباعه وعلى هذا القياس إلا أن ما زاد من
العتق على الثلث ينبغي أن يقف على أداء ما يقابله من القيمة كما إذا ما دبر عبدا وله دين في ذمة غريم له
فكلما اقتضى من القيمة شيئا عتق من الموقوف بقدر ثلثه
(فصل) فإن أعتق عبدين دفعة واحدة قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون فجنى الأدنى
على الا رفع جناية نقصته ثلث قيمته وأرشها كذلك في جناية السيد ثم مات أقرعنا بين العبدين فإن
وقعت على الجاني عتق منه أربعة أخماسه وعليه من أرش الجناية مثل ذلك وبقي لورثة سيده خمسه
وأرش جنايته والعبد الآخر وذلك مائة وستون وهو مثلا ما عتق منه وحسابها أن تقول عتق منه
شئ وعليه نصف شئ لأن جنايته بقدر نصف قيمته بقي للسيد نصف شئ وبقية العبد تعدل شيئين
فعلمت ان بقية العبدين تعدل شيئا ونصفا فإذا أضفت إلى ذلك الشئ الذي عتق صارا جميعا يعدلان
شيئين ونصفا، فالشئ الكامل خمساهما وذلك أربعة أخماس أحدهما، وإن وقعت قرعة الحرية على
المجني عليه عتق ثلثه وله ثلث أرش جنايته يتعلق برقبة الجاني وذلك تسع الدية لأن الجناية على من ثلثه
حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق، والواجب من الأرش يستغرق قيمة الجاني فيستحقه بها ولا يبقى
لسيده مال سواه فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه فإن أعتق عبدين قيمة أحدهما خمسون والآخر قيمته ثلاثون
فجنى الأدنى على الا رفع فنقصه حتى صارت قيمته أربعين أقرعنا بينهما فإن خرجت القرعة للأدنى
عتق منه شئ وعليه ثلث شئ فبعد الجبر تبين أن العبدين شيئان وثلثان فالشئ ثلاثة أثمانهما وقيمتهما
307

سبعون فثلاثة أثمانهما ستة وعشرون وربع وهي من الأدنى نصفه وربعه وثمنه، وان وقعت على الآخر
عتق ثلثه وحقه من الجناية أكثر من قيمة الجاني فيأخذه بها أو يفديه المعتق وقد ثبتت فروع كثيرة
وفيما ذكرنا ما يستدل به على غيره إن شاء الله تعالى وكل موضع زاد المعتق على ثلث العبدين من أجل
وجوب الأرش للسيد تكون الزيادة موقوفة على أداء الأرش كما ذكرنا من قبل والله أعلم
* (مسألة) * (وان باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة
وهما جنس واحد فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه مع التخلص من الربا لكونه يحرم
التفاضل بينهما فالطريق في ذلك أن يسقط قيمة الردئ من قيمة الجيد ثم ينسب الثلث إلى ما بقي
وهو عشرة من عشرين وذلك نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الردئ ويبطل فيما بقي)
وطريق الجبر أن تقول يصح البيع في شئ من الا رفع بشئ من الأدنى وقيمته ثلث شئ فتكون
المحاباة بثلثي شئ ألقها من الا رفع يبق قفيز الا ثلثي شئ يعدل مثلي المحاباة وذلك شئ وثلث فإذا
جبر به عدل شيئين والشئ نصف القفيز فإن كانت قيمة الأدنى خمسة عشر فإذا أسقطت قيمة الردئ
من قيمة الجيد يبقى خمسة عشر إذا نسبت إليهما الثلث يكن ثلثيها فيصح البيع في ثلثي الجيد
بثلثي الردئ فحصلت المحاباة بعشرة وذلك ثلث المال. فإن كان الأدنى يساوي عشرين صحت
في جميع الجيد بجميع الردئ
* (مسألة) * (وان أصدق امرأة عشرة في مرضه لا مال له غيرها)
وصداق مثلها خمسة ثم ماتت قبله ومات بعدها ولا مال لها سوى ما أصدقها دخلها الدور فنقول لها
خمسة بالصداق وشئ بالمحاباة ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ورجع إليهم بموتها نصف ذلك وهو
اثنان ونصف ونصف شي صار لهم سبعة ونصف الا نصف شئ يعدل شيئين أجبرها بنصف شئ
وقابل فزد على الشيئين نصف شئ يبقى سبعة ونصف تعدل شيئين ونصفا فالشئ ثلاثة فلورثته ستة
ولورثتها أربعة لأنها كان لها خمسة وشئ وذلك ثمانية رجع إلى ورثته نصفها وهي أربعة صار لهم ستة
ولورثتها أربعة على ما ذكرنا فإن ترك الزوج خمسة أخرى قلت يبقى مع ورثة الزوج اثنا عشر ونصف
الا نصف شئ تعدل شيئين فالشئ خمسة فجازت لها المحاباة جميعها ورجع جميع ما حاباها به إلى ورثة
308

الزوج وبقي لورثتها صداق مثلها فإن كان للمرأة خمسة ولم يكن للزوج شئ قلت يبقى مع ورثة الزوج
عشرة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ أربعة فيكون لها بالصداق تسعة مع خمستها أربعة عشر
رجع إلى ورثة الزوج نصفها مع الدينار الذي بقي لهم صار لهم ثمانية ولورثتها سبعة، وإن كان عليها
دين ثلاثة قلت يبقى مع ورثة الزوج ستة إلا نصف شئ يعدل شيئين فالشئ ديناران وخمسان
والباب في هذا أن ينظر ما بقي في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشئ الذي صحت المحاباة فيه
وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا، والشئ هو خمساها، وان شئت أسقطت خمسة
وأخذت نصف ما بقي
* (مسألة) * (وان مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة)
لأن حكمها في المرض حكم الوصية في أنها لا تصح لوارث وعنه تعتبر المحاباة من الثلث لأنها محاباة
لمن تجوز له الصدقة عليه فاعتبرت من الثلث كمحاباة الأجنبي الا أن أبا بكر قال هذا قول قديم رجع عنه
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه انه أعتقه في صحته وهو وارثه
عتق ولم يرث ذكره أبو الخطاب لأنه لو ورثه كان اقراره لوارث فيبطل عتقه لأنه مرتب على صحة
الاقرار ولا يصح الاقرار للوارث وإذا بطل عتقه سقط الإرث فعلى هذا نثبت الحرية ولا يرث لأن
توريثه يفضي إلى اسقاط توريثه ويحتمل أن يرث لأنه حين الاقرار لم يكن وارثا فوجب أن يرث كما
لو لم يصر وارثا وعلى قياس ذلك لو اشترى دار حمه المحرم في مرضه وهو وارثه أو وصى له به أو
وهب له فقبله في مرضه فالحكم في ذلك كالمسألة قبلها سواء لما ذكرنا وذكر شيخنا أنه إذا ملكه
بغير عوض كالهبة والميراث انه يعتق ويرث المريض إذا مات وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي
وقال بعضهم يعتق ولا يرث كما قال أبو الخطاب لأن عتقه وصية فلا تجتمع مع الميراث وهذا لا يصح
لأنه لو كان وصية لاعتبر من الثلث كما لو اشتراه وجعل أهل العراق عتق الموهوب وصية يعتبر خروجه
من الثلث، وان خرج من الثلث عتق وورث، وان لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه ولم يرث
في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يحتسب بقيمته من ميراثه فإن فضل من قيمته شئ سعى فيه
309

ولنا أن الوصية هي التبرع بعطية أو اتلاف أو السبب إلى ذلك ولم يوجد واحد منهما لأن العتق
ليس من فعله ولا يقف على اختياره، وقبول الهبة ليس بعطية ولا اتلاف لماله إنما هو تحصيل لشئ
يتلف بتحصيله فأشبه قبوله لشئ لا يمكنه حفظه أو لما يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرف فيه
وفارق الشراء فإنه تضييع لماله في ثمنه قال القاضي هذا المذكور قياس قول احمد لأنه قال في مواضع إذا
وقف في مرضه على ورثته صح ولم تكن وصية لأن الوقف ليس بمال لأنه لا يباع ولا يورث قال الخبري
هذا قول احمد وابن الماجشون وأهل البصرة ولم يذكر فيه عن أحمد خلافه فاما ان اشترى من يعتق
عليه فقال القاضي ان حمله الثلث عتق وورثه وهذا قول مالك وأبي حنيفة، وان لم يخرج من الثلث
عتق منه بقدر الثلث ويرث بقدر ما فيه من الحرية وباقيه على الرق فإن كان الوارث ممن يعتق عليه
إذا ملكه عتق عليه إذا ورثه، وقال أبو يوسف ومحمد لا وصية لوارث ويحتسب بقيمته من ميراثه
وان فضل من قيمته شئ سعي فيه، وقال بعض أصحاب مالك يعتق من رأس المال ويرث كالموهوب
والموروث وهو قياس قول احمد لكونه لم يجعل الوقف وصية واجازه للوارث فهذا أولى لأن العبد
لا يملك رقبته فيجعل ذلك وصية له ولا يجوز أن يجعل الثمن وصية له لأنه لم يصل إليه ولا وصية للبائع
لأنه قد عاوض عنه وإنما هو كبناء مسجد وقنطرة في أنه ليس بوصية لمن ينتفع به فلا يمنعه ذلك الميراث
واختلف أصحاب الشافعي في قياس قوله فقال بعضهم إذا حمله الثلث عتق وورث لأن عتقه ليس
بوصية له على ما ذكرنا، وقيل يعتق ولا يرث لأنه لو ورث لصارت وصية لوارثه فتبطل وصيته ويبطل
عتقه وارثه فيفضي توريثه إلى إبطال توريثه فكان ابطال توريثه أولى، وقيل على مذهبه شراؤه باطل
لأن ثمنه وصية والوصية يقف خروجها من الثلث أو إجازة الورثة، والبيع عنده لا يجوز أن يكون
موقوفا، ومن مسائل ذلك مريض وهب له ابنه فقبله وقيمته مائة وخلف مائتي درهم وابنا آخر فإنه
يعتق وله مائة ولأخيه مائة وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، وقيل على قول الشافعي لا يرث
والمئتان كلها للابن الآخر، وقال أبو يوسف ومحمد يرث نصف نفسه ونصف المائتين ويحتسب
بقيمة نصفه الباقي من ميراثه، وإن كانت قيمته مائتين وبقية التركة مائة عتق من رأس المال والمائة
310

بينه وبين أخيه وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يعتق منه نصفه لأنه قدر ثلث التركة
ويسعى في قيمة باقيه ولا يرث لأن المستسعى عنده كالعبد لا يرث إلا في أربعة مواضع الرجل يعتق
أمته على أن تتزوجه، والمرأة تعتق عبدها على أن يتزوجها فيأبيان ذلك، والعبد المرهون يعتقه سيده
والمشترى للعبد نصفه قبل قبضه وهما معسران ففي هذه المواضع يسعى كل واحد في قيمته وهو حر
يرث وقال أبو يوسف ومحمد يرث نصف التركة وذلك ثلاثة أرباع رقبته ويسعى في ربع قيمته لأخيه فإن
وهب له ثلاث أخوات متفرقات لا مال له سواهن ولا وارث عتقن من رأس المال وهذا قول مالك وإن كان
اشتراهن فكذلك فيما ذكره الخبري عن أحمد وهو قول ابن الماجشون وأهل البصرة وبعض أصحاب مالك وعلى
قول القاضي يعتق ثلثهن في أحد الوجهين وهو قول مالك وفي الآخر يعتقن كلهن لكون وصية من لا وارث
له جائزة في جميع ماله في أصح الروايتين، وان ترك مالا يخرجن من ثلثه عتقن وورثن، وقال
أبو حنيفة إذا اشتراهن أو وهبن له ولا مال له سواهن ولا وارث عتقن وتسعى كل واحدة من الأخت للأب
والأخت من الام في نصف قيمتها للأخت للأبوين وإنما لم يرثا لأنهما لو ورثتا لكان لهما خمس وذلك رقبة
وخمس بينهما نصفين فكان يبقى عليهما سعاية وإذا بقيت عليهما سعاية لم يرثا وكانت لهما الوصية وهي رقبة بينهما نصفين
وأما الأخت للأبوين فإذا ورثت عتقت لأن لها ثلاثة أخماس الرقاب وذلك أكثر من قيمتها فورثت وبطلت
وصيتها وقال أبو يوسف ومحمد يعتقن وتسعى كل واحدة من الأخت للأب والأخت للام للأخت من
الأبوين في خمسي قيمتها لأن كل واحدة ترث ثلاثة أخماس رقبة وعلى قول الشافعي لا يعتقن
(فصل) وإذا اشترى المريض أباه بألف لا مال له سواه ثم مات وخلف ابنا فعلى القول الذي حكاه
الخبري يعتق كله على المريض وله ولاؤه وعلى قول القاضي يعتق ثلثه بالوصية ويعتق الباقي على الابن
لأنه جده ويكون ثلث ولائه للمشتري وثلثاه لابنه، وهذا قول مالك وقيل هو مذهب للشافعي، وقال
أبو حنيفة يعتق ثلثه بالوصية ويسعى للابن في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد يعتق سدسه لأنه
ورثه ويسعى في خمسة أسداس قيمته للابن ولا وصية له وقيل على قول الشافعي ينفسخ البيع الا ان
يجيز الابن عتقه وقيل ينفسخ في ثلثيه ويعتق ثلثه وللبائع الخيار لتفريق الصفقة عليه وقيل لا خيار له
لأنه متلف فإن ترك الفين سواه عتق كله وورث سدس الألفين والباقي للابن، وبهذا قال مالك
311

وأبو حنيفة وقيل نحوه قول الشافعي وقيل على قوله يعتق ولا يرث وقيل شراؤه مفسوخ وقال أبو يوسف
ومحمد يرث الأب سدس التركة وخمسمائة يحتسب بها من رقبته ويسعى في نصف قيمته ولا وصية له
فإن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره ومات وخلف أباه عتق كله بالشراء في الوجه الأول وفي الثاني
يعتق ثلثه بالوصية وثلثاه على جده عند الموت وولاؤه بينهما أثلاثا، وبهذا قال مالك وقول الشافعي
فيه على ما ذكرنا في مسألة الأب، وقال أبو حنيفة يعتق ثلثه بالوصية ويسعى في قيمة ثلثيه للأب
ولا يرث، وقال أبو يوسف ومحمد يرث خمسة أسداسه ويسعى في قيمة سدسه فإن ترك الفين سواه
عتق كله وورث خمسة أسداس الألفين وللأب السدس، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وقال
أبو يوسف ومحمد للأب سدس التركة خمسمائة وباقيها للابن يعتق منها ويأخذ ألفا وخمسمائة
وان خرج مالا يخرج المبيع من ثلثه فعلى الوجه الأول يعتق كله ويرث منه كأنه حر الأصل
على الوجه الثاني يعتق منه بقدر ثلث التركة ويرث بقدر ما فيه من الحرية فإن لم يخلف المشتري الا
أخا حرا ولم يترك مالا عتق من رأس المال على الوجه الأول ويعتق ثلثه على الثاني ويرث الأخ ثلثيه
ثم يعتق عليه وقال أبو حنيفة يعتق ثلثه ويسعى لعمه في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد يعتق كله ولا
سعاية وان خلف الفين سواه عتق وورث الألفين ولا شئ للأخ في الأقوال الا فيما قيل على قول
الشافعي انه يعتق ولا يرث وقيل شراؤه باطل فإن اشترى ابنه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلثا الألف
وخلف ابنا آخر فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال ويستقر ملك البائع على قدر قيمته من الثمن
وله ثلث الباقي لأن المشتري حاباه ولم يبق من التركة سواه فيكون له ثلثه وهي تسع الف ويرد التسعين
فتكون بين الاثنين، وعلى الوجه الثاني يعتق ثلثه ويرث اخوه ثلثيه ويعتق عليه وللبائع ثلث المحاباة
ويرد ثلثيها فيكون ميراثا، وقال أبو حنيفة الثلث للبائع ويسعى المشتري في قيمته لأخيه وقال أبو يوسف
ومحمد يسعى في نصف رقبته ويرث نصفها وقال الشافعي المحاباة مقدمة لتقدمها ويرث الابن الحر أخاه
فيملكه وقيل يفسخ البيع في ثلثيه ويعتق ثلثه ولا تقدم المحاباة لأن في تقديمها تقرير ملك الأب على ولده
وقيل يفسخ البيع في جميعه فإن كانت قيمته ثلاثة آلاف فعلى الوجه الأول يعتق من رأس المال وتنفذ
312

المحاباة في ثلث الباقي وهو تسعا الألف ويرد البائع أربعة اتساع الألف فتكون بين الابنين وعلى الوجه
الآخر يحتمل وجهين (أحدهما) يقدم العتق على المحاباة فيعتق جميعه ويرد البائع ثلثي الألف فيكون
بينهما (والثاني) يعتق ثلثه ويكون للبائع تسعا ألف ويرد أربعة أتساعها كما قلنا في الوجه الأول، وقال
أبو حنيفة للبائع بالمحاباة الثلث ويرد الثلث ويسعى الابن في قيمته لأخيه في قول أبى يوسف ومحمد
يرد البائع ثلث الألف فيكون ذلك مع المشتري للابن الحر وقيل غير ذلك وان اشتراه بألف لا يملك
غيره وقيمته ثلاثة آلاف فمن أعتقه من رأس المال جعله حرا ومن جعل ذلك وصية أعتق ثلثه بالشراء
ويعتق باقيه على أخيه إلا في قول الشافعي ومن وافقه فإن الحر يملك بقية أخيه فيملك من رقبته قدر
ثلثي الثمن وذلك تسعا رقبته لأنه يجعل ثمنه من الثلث دون قيمته وقيل يفسخ البيع في ثلثيه وقيل في
جميعه، وقال أبو حنيفة يسعى لأخيه في قيمة ثلثيه وقال أبو يوسف ومحمد يسعى له في نصف قيمته
فإن ترك الفين سواه عتق كله لأن التركة هي الثمن مع الألفين والثمن يخرج من الثلث فيعتق ويرث
نصف الألفين وهو قول للشافعي وقيل يعتق ولا يرث وعند أبي حنيفة وأصحابه التركة قيمته مع الألفين
وذلك خمسة آلاف فعلى قول أبي حنيفة يعتق منه قدر ثلث ذلك وهو الف وثلثا الف ويسعى لأخيه
في الف وثلث ألف وفى قول صاحبيه يعتق منه نصف ذلك وهو خمسة أسداسه ويسعى لأخيه في
خمسمائة والألفان لأخيه في قولهم جميعا
(فصل) ولو اشترى المريض ابني عم له بألف لا يملك غيره وقيمة كل واحد منهما الف فاعتق
أحدهما ثم وهبه أخاه ثم مات وخلفهما وخلف مولاه فإن قياس قول القاضي إن شاء الله انه يعتق ثلثا
المعتق الا ان يجيز المولى عتق جميعه ثم يرث بثلثيه ثلثي بقية التركة فيعتق منه ثمانية اتساعه يبقى تسعة
وثلث أخيه للمولى ويحتمل ان يعتق كله ويرث أخاه فيعتقان جميعا لأنه يصير بالاعتاق وارثا لثلثي التركة
313

فتنفذ اجازته في اعتاق باقيه فتكمل له الحرية ثم يكمل له الميراث وفي قياس قول أبي الخطاب يعتق ثلثاه
ولا يرث لأنه لو ورث لكان اعتاقه وصية له فيبطل اعتاقه ثم يبطل ارثه فيؤدي توريثه إلى ابطال
توريثه وهذا قول الشافعي ويبقى ثلثه وابن العم الآخر للمولى وقال أبو حنيفة يعتق ثلثا المعتق ويسعى
في قيمة ثلثه ولا يرث، وقال أبو يوسف ومحمد يعتق كله ويعتق عليه أخوه بالهبة ويكون أحق بالميراث
من المولى فإن كان للميت مال سواهما أخذا ذلك المال بالميراث ويغرم المعتق لأخيه الموهوب نصف
قيمة نفسه ونصف قيمة أخيه لأن عتق الأول وصية ولا وصية لوارث وقد صار وارثا مع أخيه
فورث نصف قيمة رقبته ونصف قيمة أخيه وورث أخوه الباقي وكان أخوه الموهوب له هبة من المريض
له فيعتق بقرابته له ولم يعتق من المريض فلم يكن عتقه وصية بل استهلكها بالعتق الذي جرى فيها فيغرم
الأول نصف قيمته ونصف قيمة أخيه لأخيه وأما قول أبي حنيفة فإن كان الميت لم يدع وارثا غيرهما
عتق وغرم الأول لأخيه نصف قيمة أخيه ولم يغرم له نصف قيمة نفسه لأنه إذا لم يدع وارثا جازت
وصيته لأنهما لا يرثان ولا يعتقان حتى تجوز وصية الأول لأنه متى بقيت عليه سعاية لم يرث واحد منهما
ولم يعتق فلابد من أن تنفذ للمعتق وصية ليصير حرا فيعتق أخوه بعتقه وقد جازت له الوصية في
جميع رقبته لأن الميت إذا لم يدع وارثا جازت وصيته بجميع ماله ويرثان جميعا ويرجع الثاني على الأول
بنصف قيمته لأنه يقول قد صرت أنا وأنت وارثين فلا تأخذ من الميراث شيئا دوني وقد كانت رقبتي
لك وصية فعتقت من قبلك فاضمن لي نصف رقبتي فإن كان معسرا أو هناك مال غيرهما أخذ الثاني نصفه
ثم اخذ من النصف الثاني نصف قيمة نفسه وكان ما بقي ميراثا لأخيه الأول
* (مسألة) * (ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه فنقل المروذي عن أحمد انها ترث اختاره
القاضي، وقال الشافعي لا ترث لأن ترويثها يفضي إلى ابطال عتقها لأنه وصية وابطال
عتقها يبطل توريثها.
ولنا أن العتق في هذه الحال وصية بما لا يلحقه الفسخ فيجب تصحيحه للوارث كالعفو عن العمد في
مرضه فإنه لا يسقط ميراثه ولا تبطل الوصية
314

* (مسألة) * (ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهما مهر مثلها ثم مات صح
العتق ولم تستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها وقال القاضي تستحق المائتين وتعتق)
لأن العتق وصية لها وهي غير وارثة والصداق استحقته بعقد المعاوضة وهي تنفذ من
رأس المال فهو كما لو تزوج أجنبية وأصدقها المائتين وقال أصحاب الشافعي يسقط مهرها ولا ترث
لكونها لا تخرج من الثلث وسقوط العتق في بعضها يبطل مهرها ويسقط نكاحها فأسقطنا
المهر والميراث وأنفذنا العتق والنكاح قال شيخنا وهذا أولى من القول بصحة العتق والصداق جميعا
لأنه يفضي إلى القول بصحة العتق في مرض الموت من جميع المال ولا خلاف في فساد ذلك ولو
أصدق المائتين أجنبية صح وبطل العتق في ثلثي الأمة لأن الخروج من الثلث معتبر بحالة الموت وحالة
الموت لم يبق له مال وهكذا لو تلفت المائتان قبل موته لم ينفذ من عتق الأمة الا الثلث وإذا بطل بعض
عتقها بذهاب المائتين إلى غيرها فأولى أن يبطل بذهابها إليها وبطلان عتقها يبطل نكاحها فالقول
بسقوط المهر وحده أولى
* (مسألة) * (وان تبرع بالثلث ثم اشترى أباه من الثلثين وله ابن فعلى قول من قال: ليس الشراء
بوصية يعتق الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت وما بقي فللأب سدسه وباقيه للابن
وعلى قول القاضي ومن جعله وصية لا يعتق الأب لأن تبرع المريض إنما ينفذ في الثلث ويقدم الأول
فالآل وإذا قدم التبرع لم يبق من الثلث شئ ويرثه الابن فيعتق عليه ولا يرث لأنه إنما عتق بعد الموت
وان وهب له أبوه عتق وورث لأن الهبة ليست بوصية وكذلك ان ورثه وان اشترى أباه ثم أعتقه
لم يعتق على قول القاضي لأنه إذا لم يعتق بالملك وهو أقوى من الاعتاق بالقول بدليل نفوذه في حق
الصبي والمجنون فأولى أن لا ينفذ بالقول والله سبحانه وتعالى أعلم
فصول في تصرف المريض
(فصل) إذا أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر فإذا مات ولم يملك
شيئا آخر تبين أن نكاحها باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وهذا قول أبي حنيفة والشافعي
ويعتق منها ثلثها ويرق ثلثاها فإن كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق
أربعة أسباعها وحساب ذلك أن تقول عتق منها شئ ولها بصداقها نصف شئ وللورثة شيئان فيجمع
315

ذلك فيكون ثلاثة أشياء ونصفا نبسطها فتكون سبعة لها منها ثلاثة ولهم أربعة ولا شئ للميت سواها
فنجعل لنفسها منها ثلاثة أسباعها يكون حرا والباقي للورثة وان أحب لورثة أن يدفعوا إليها حصتها
من مهرها وهو سبعاه ويعق منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها فلهم ذلك وهذا مذهب الشافعي
وقال أبو حنيفة يحسب مهرها من قيمتها ولها ثلث الباقي ويسعي فيما بقي وهو ثلث قيمتها فإن كان يملك
مع الجارية قدر نصف قيمتها ولم يدخل بها عتق منها نصفها ورق نصفها لأن نصفها هو ثلث المال وان
دخل بها عتق منها ثلاثة أسباعها ولها ثلاثة أسباع مهرها وإنما قل العتق فيها لأنها لما أخذت ثلاثة
أسباع مهرها نقص المال به فيعتق منها ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها وطريق حسابها أن تقول عتق منها
شئ ولها بمهرها نصف شئ وللورثة شيئان يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها فالشئ سبعاها وسبعا
نصف قيمتها وهو ثلاثة أسباعها وهو الذي عتق منها ويأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة أسباعه
فإن كان يملك معها مثل قيمتها ولم يدخل بها عتق ثلثاها ورق ثلثها وبطل نكاحها وإن كان دخل بها عتق
أربعة أسباعها ولها أربعة أسباع مهرها ويبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها وهو يعدل
مثلي ما عتق منها وحسابها أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها فيعتق منها بقدر سبعي الجميع وهو
أربعة أسباعها وتستحق سبع الجميع بمهرها وهو أربعة أسباع مهرها فإن كان يملك معها مثلي قيمتها
عتقت كلها وصح نكاحها لأنها تخرج من الثلث ان أسقطت مهرها وان أبت أن تسقطه لم ينفذ عتقها
وبطل نكاحها فإن كان لم يدخل بها فينبغي أن يقضي بعتقها ونكاحها ولا مهر لها لأن ايجابه يفضي
إلى اسقاطه واسقاط عتقها ونكاحها فاسقاطه وحده أولى وإن كان دخل بها عملنا فيها على ما تقدم
فيعتق ستة أسباعها ولها ستة أسباع مهرها ويبطل عتق سبعها ونكاحها ولو أعتقها ولم يتزوجها ووطئها
كان العمل فيها في هذه المواضع كما لو تزوجها وهذا مذهب الشافعي وذكر القاضي في هذه المسألة التي
قبل الأخيرة ما يقتضى صحة نكاحها وعتقها مع وجوب مهرها فيما إذا عتق في مرضه أمة قيمتها مائة
وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهو مهر مثلها وهو مذكور في هذا الباب وقال أبو حنيفة فيما إذا
ترك مثلي قيمتها وكان مهرها نصف قيمتها تعطي مهرها وثلث الباقي يحسب ذلك من قيمتها وهو نصفها
وثلثها فيعتق ذلك وتسعى في سدسها الباقي ويبطل نكاحها فإن خلف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها
ونكاحها وصداقها في قول الجميع لأن ذك يخرج من الثلث وترث من الباقي في قول أصحابنا وهو
316

قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا ترث وهو مقتضى قول الخرقي لأنها لو ورثت لكان عتقها وصية
لوارث واعتبار الوصية بالموت
(فصل) ولو أن امرأة مريضة أعتقت عبدا قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت
وخلفت مائة اقتضي قول أصحابنا أن تضم العشرة التي في ذمته إلى المائة فيكون ذلك هو التركة
وترث نصف ذلك ويبقى للورثة خمسة وخمسون وهذا مذهب أبي حنيفة وقال صاحباه يحسب عليه
قيمته أيضا ويضم إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي لا ترث شيئا وعليه أداء العشرة التي
في ذمته لئلا يكون اعتاقه وصية لوارث وهذا مقتضى قول الخرقي إن شاء الله تعالى
(فصل) فأما ان أعتق أمته في صحته ثم تزوجها في مرضه صح وورثته بغير خلاف علمناه فأما ان
أعتقها في مرضه ثم تزوجها وكانت تخرج من ثلثه عتقت وورثت في اختيار أصحابنا وقول أبي حنيفة
ونقله المروذي عن أحمد كما لو كان عتقها في صحته وقال الشافعي لا ترث وقد ذكرناه
317

باب اللقطة
وهي المال الضائع من ربه يلتقطه غيره قال الخليل بن أحمد اللقطة بفتح القاف اسم للملتقط
لأن ما جاه على فعلة فهو اسم لفاعل كالصحلة والصرعة، واللقطة بسكون القاف المال الملقوط مثل
الصحلة الذي يصحل منه والهزأة الذي يهزأ به، وقال الأصمعي وابن الاعرابي والفراء هي بفتح
القاف اسم المال المقوط أيضا والأصل فيها ما روى زيد بن خالد الجهني قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن لقطة الذهب والورق فقال " اعرف وكاها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن
وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه " وسأله عن ضالة الإبل فقال " مالك ولها دعها
فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها " وسأله عن الشاة فقال " خذها فانا
هي لك أو لأخيك أو للذئب " متفق عليه الوكاء الخيط الذي يشد به المال في الخرقة، والعفاص الوعاء
الذي هي فيه من خرقة أو قرطاس أو غيره، قاله أبو عبيد والأصل في العفاص أنه الجلد الذي يلبسه
رأس القارورة، وقوله " معها حذاءها " يعني خفها لأنه لقوته وصلابته يجري مجرى الحذاء وسقاؤها
بطنها تأخذ فيه ماء كثيرا فيبقى معها يمنعها العطش والضالة، اسم للحيوان خاصة دون سائر اللقطة
والجمع ضوال ويقال لها أيضا الهوامي والهوامل.
318

* (مسألة) * (وتنقسم ثلاثة أقسام (أحدها): مالا تتبعه الهمة كالسوط والشع والرغيف
فيملكه بأخذه بلا تعريف)
لما روى جابر قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل
فينتفع به رواه أبو داود وكذلك التمرة والكسرة والخرقة ومالا خطر له يجرز الانتفاع به من غير
تعريف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على واجد التمرة حيث أكلها بل قال له " لو لم تأتها لاتتك " ورأي
النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فقال " لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها " ولا نعلم خلافا بين أهل العلم
في إباحة اليسير والانتفاع به روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة وبه قال عطاء وجابر بن زيد
وطاووس والنخعي ويحيي بن أبي كثير ومالك والشافعي وأصحاب الرأي
قال شيخنا وليس عن أحمد تحديد اليسير الذي يباح، وروى عن أحمد أبو بكر بن صدقة
إذا أخذ درهما عرفه سنة وقال في رواية عبد الله ما كان نحو التمرة والكسرة والخرقة ومالا خطر له
فلا بأس، ونحو ذلك قول الشافعي وذكر القاضي ذلك في كتاب الخلاف ويحتمل أن لا يجب تعريف
ما لا يقطع به السارق وهو ربع دينار عند مالك وعشرة دراهم عند أبي حنيفة لأن ما دون ذلك
تافه فلا يجب تعريفه كالكسرة والتمرة بدليل قول عائشة رضي الله عنها كانوا لا يقطعون في الشئ
319

التافه وروي عن علي رضي الله عنه أنه وجد دينارا فتصرف فيه، وروى الجوزجاني عن سلمى
بنت كعب قالت وجدت خاتما من ذهب في طريق مكة فسألت عائشة عنه فقالت تمتعي به، ورخص
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحبل في حديث جابر وقد تكون قيمته دراهم، وعن سويد بن غفلة قال
خرجت مع سلمان بن ربيعة وزيدان بن صوحان حتى إذا كنا بالعذيب التقطت سوطا فقال لي
ألقه فأبيت فلما قدمنا المدينة أتيت أبي بن كعب فذكرت ذلك له فقال أصبت قال الترمذي هذا
حديث حسن صحيح وللشافعية ثلاثة أوجه كالمذاهب الثلاثة
ولنا على ابطال تحديده بما ذكره عموم حديث زيد بن خالد في كل لقطة فيجب ابقاؤه على
عمومه الا ما خرج منه لدليل ولم يرد بما ذكروه نص ولا هو في معني ما ورد به النص ولان التحديد لا يعلم
بالقياس وإنما يؤخذ من نص أو اجماع وليس فيما ذكروه نص ولا اجماع فاما حديث على فهو ضعيف
رواه أبو داود وقال طرقه كلها مضطربة ثم هو مخالف لمذهبهم ولسائر المذاهب فتعين حمله على وجه
من الوجوه غير اللقطة اما لكونه مضطرا إليه أو غير ذلك وحديث عائشة قضية في عين لا يدرى
كم قدر الخاتم؟ ثم هو قول صحابي وهم لا يرون ذلك حجة وسائر الأحاديث ليس فيها تقدير لكن
يباح ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ورخص فيه من السوط والعصا والحبل وما قيمته كقيمة ذلك
(فصل) والذي يجوز التقاطه والانتفاع به من غير تعريف كالكسرة والتمرة والعصا ونحو ذلك
320

إذا التقطه انسان وانتفع به وتلف فلا ضمان فيه ذكره صاحب المستوعب وكذلك ما قيمته كقيمة ذلك
لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه ولم يذكر عليه ضمانا ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وكذلك
يخرج في السوط والحبل وشبهه المذكور في حديث جابر وقدره الشيخ أبو الفرج بما دون القيراط ولا
يصح تحديده لما ذكرناه وذكره القاضي انه لا يجب تعريف الدافق
* (القسم الثاني) * (الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر والخيل والبغال والظباء والطير
والفهود ونحوها لا يجوز التقاطها)
كل حيوان يقوى على الامتناع من صغار السباع وورود الماء لا يجوز التقاطه سواء كان لكبر جثته
كالإبل والخيل أو لطيرانه كالطيور كلها أو لعدوه كالظباء أو أنيابه كالكلاب والفهود قال عمر رضي
الله عنه من أخذ الضالة فهو ضال أي مخطئ وبهذا قال الشافعي وأبو عبيد، وقال مالك والليث في ضالة الإبل
من وجدها في الصحراء لا يقر بها ورواه المزني عن الشافعي وكان الزهري يقول من وجد بدنة فليعرفها فإن لم يجد
صاحبها فلينحرها قبل ان تنقضي الأيام الثلاثة وقال أبو حنيفة يباح التقاطها لأنها لقطة اشبهت الغنم
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنها " مالك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الما وتأكل الشجر
حتى يجدها ربها وسئل صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله انا نجد هوامي الإبل فقال " ضالة المسلم حرق النار " وعن
جرير بن عبد الله انه أمر بطرد بقرة لحقت ببقره حتى توارت وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
321

" لا يؤوى الضالة لا ضال " رواه أبو داود بمعناه وقياسهم يعارض صريح النص وكيف يجوز ترك نص
النبي صلى الله عليه وسلم وصريح قوله بقياس نصه في موضع آخر؟ على أن الإبل تفارق الغنم لضعفها وقلة صبرها
عن الماء والخوف عليها من الذئب
(فصل) فإن كانت الصيود مستوحشة إذا تركت رجعت إلى الصحراء وعجز عنها صاحبها جاز
التقاطها لأن تركها أضيع لها من سائر الأموال والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها؟ ي نفسها ولو كان
المقصود حفظها في نفسها لما جاز التقاط الأثمان فإن الدينار دينار حيث كان
(فصل) والبقر كالإبل نص عليه احمد وهو قول الشافعي وأبي عبيد وحكي عن مالك ان البقرة كالشاة
ولنا خبر جرير فإنه طرد البقرة ولم يأخذها ولأنها تمتنع من صغار السباع وتجزئ في الأضحية
عن سبعة فأشبهت الإبل، وكذلك الحكم في الخيل والبغال، فاما الحمر فجعلها أصحابنا من هذا القسم الذي
لا يجوز التقاطه لكبر أجسامها فأشبهت الخيل والبغال، قال شيخنا والأولى الحاقها بالشاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم
علل الإبل بان معها سقاءها يريد شدة صبرها عن الماء لكثرة ما توعي في بطونها منه وقوتها على
وروده وفي اباحته ضالة الغنم بأنها معرضة لاخذ الذئب إياها بقوله " هي لك أو لأخيك أو للذئب " والحمر
مساوية للشاة في علتها فإنها لا تمتنع من الذئب وتفارق الإبل في علتها لكونها لا صبر لها عن الماء ولهذا
يضرب المثل بقلة صبرها عن الماء فيقال ما بقي من مدته الا ظمأ حمار والحاق الشئ بما ساواه في علة
الحكم وفارقه في الصورة أولى من الحاقه بما قاربه في الصورة وفارقه في العلة
322

(فصل) فأما غير الحيوان فما كان منه ينحفظ بنفسه كأحجار الطواحين والكبير من الخشب
وقدور النحاس فهو كالإبل في تحريم اخذه بل أولى منه لأن الإبل معرضة للتلف في الجملة بالأسد وبالجوع
والعطش وغير ذلك وهذه بخلاف ذلك ولأن هذه لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تبرح من مكانها بخلاف
الحيوان فإذا حرم اخذ الحيوان فهذه أولى
(فصل) فإن اخذ الحيوان الذي لا يجوز أخذه على سبيل الالتقاط ضمنه إماما كان أو غيره لأنه
اخذ ملك غيره بغير اذنه ولا اذن الشارع له فهو كالغاصب، فإن رده إلى موضعه لم يبرأ من الضمان
وبهذا قال الشافعي وقال مالك يبرأ لأن عمر رضي الله عنه قال أرسله إلى الموضع الذي أصبته
فيه وجرير طرد البقرة التي لحقت ببقره
ولنا ان ما لزمه ضمانه لا يزول عنه الا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق والمغصوب واما حديث
جرير فإنه لم يأخذ البقرة إنما لحقت بالبقر فطردها فأشبه ما لو دخلت داره فاخرجها واما عمر فهو كان
الإمام فأمره بردها إلى مكانها كأخذها، فعلى هذا متى لم يأخذها بحيث نثبت يده عليها لا يلزمه ضمانها
سواء طردها أو لم يطردها فإن دفعها إلى نائب الإمام زال عنه الضمان لأن له نظرا في ضوال الناس بدليل
ان له اخذها فكان نائبا عن أصحابها فيها
323

(فصل) وللإمام أو نائبه أخذ الضالة ليحفظها لصاحبها لأن عمر رضي الله عنه حمى موضعا يقال له النقيع
لخيل المجاهدين والضوال ولان للإمام نظرا في حفظ مال الغائب وفي أخذ هذه حفظ لها عن الهلاك
ولا يلزمه تعريفها لأن عمر رضي الله عنه لم يكن يعرف الضوال ولأنه إذا عرف ذلك فمن كانت له ضالة
فإنه يجئ إلى موضع الضوال فإذا عرف ضالته أقام البينة عليها وأخذها، ولا يكتفى فيها بالصفة لأنها
ظاهرة بين الناس فيعرف صفاتها من رآها من غير أهلها فلم تكن الصفة دليلا على ملكه لها ولان
الضالة كانت ظاهرة للناس حين كانت في يد مالكها فلا يختص هو بمعرفة صفاتها دون غيرها فلم
يكن ذلك دليلا ويمكنه إقامة البينة عليها لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرانه تملكه إياها
(فصل) وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ليحفظها لصاحبها لم يجز له ذلك ولزمه ضمانها لأنه
لا ولاية له على صاحبها، وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولأصحابه وجه أن له أخذها لحفظها كالإمام
أو نائبه ولا يصح القياس على الإمام لأن له ولاية وهذا لا ولاية له، فإن وجدها في موضع يخاف
عليها به كأرض مسبعة يغلب على الظن أن الأسد يفترسها إن تركت به أو قريبا من دار الحرب
يخاف عليها من أهلها أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين أو في برية لا ماء بها ولا مرعى فالأولى
جواز أخذها للحفظ ولا ضمان على آخذها لأن فيه انقاذها من الهلاك فأشبه تخليصها من غرق أو
324

حريق وإذا أخذها سلمها إلى نائب الإمام وبرئ من ضمانها ولا يملكها بالتعريف لأن الشرع
لم يرد بذلك فيها.
(فصل) ويسم الإمام ما يحصل عنده من الضوال بأنها ضالة ويشهد عليها ثم إن كان له حمى ترعى
فيه تركها فيه إن رأى ذلك وان رأى المصلحة في بيعها أو لم يكن له حمى باعها بعد أن يحليها ويحفظ
صفاتها ويحفظ ثمنها لصاحبها فإن ذلك أحفظ لها لأن تركها يفضي إلى أن تأكل جميع ثمنها
(فصل) ومن ترك دابة بمهلكة فأخذها انسان فأطعمها وسقاها وخلصها ملكها وبه قال الليث
والحسن بن صالح وإسحاق الا أن يكون تركها لترجع إليه أو ضلت منه وقال مالك هي لمالكها ويغرم
ما أنفق عليها وقال الشافعي وابن المنذر هي لمالكها والآخر متبرع بالنفقة لا يرجع بشئ لأنه ملك
غيره فلم يملكه بغير عوض من غير رضاه كما لو كانت في غير مهلكة ولا يملك الرجوع بما أنفق
لأنه أنفق على مال غيره بغير اذنه فلم يرجع به كما لو بنى داره.
ولنا ما روى الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها
فأخذها فأحياها فهي له، قال عبد الله بن عبد الرحمن فقلت - يعني للشعبي - من حدثك
بهذا؟ قال غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود، وفي لفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
" من ترك دابة بمهلكة فأحياها رجل فهي لمن أحياها " ولان في الحكم بملكها إحياؤها وانقاذها من
325

الهلاك ومحافظة على حرمة الحيوان وفي القول بأنها لا تملك تضييع لذلك كله من غير مصلحة تحصل
ولأنه نبذ رغبة عنه وعجز عن أخذه فملكه آخذه كالساقط من السبيل وسائر ما ينتبذه الناس رغبة
عنه، فأما ان ترك متاعا فخلصه انسان لم يملكه لأنه لا حرمة له في نفسه ولا يخشى عليه التلف كالخشية
على الحيوان فإن الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى وتأكله السباع والمتاع يبقى حتى يرجع إليه صاحبه
وإن كان المتروك عبدا لم يأخذه لأن العبد في العادة يمكنه التخلص إلى الأماكن التي يعيش بها بخلاف
البهيمة، وله أخذ العبد والمتاع ليخلصه لصاحبه وله أجر مثله في تخليص المتاع نص عليه، وكذلك
العبد على قياسه، قال القاضي يحب أن يحمل قوله في وجوب الاجر على أنه جعل له ذلك أو أمره به
فاما ان لم يجعل له شيئا فلا شئ له لأنه عمل في مال غيره بغير جعل فلم يستحق شيئا كالملتقط وهذا
خلاف ظاهر كلام أحمد فإنه لو جعل له جعلا لاستحقه ولم يجعل له أجر المثل، ويفارق هذا الملتقط
فإنه لم يخلص اللقطة من الهلاك، ولو تركها أمكن أن يرجع صاحبها فيطلبها في مكانها فيجدها وههنا
ان لم يخرجه هذا ضاع وهلك ولم يرجع إليه صاحبه ففي جعل الاجر فيه حفظ الأموال من الهلاك
من غيره مضرة فجاز كالجعل في الآبق ولان اللقطة جعل فيها الشارع ما يحث على أخذها وهو ملكها
ان لم يجئ صاحبها فاكتفي به عن الاجر فينبغي أن يشرع في هذا ما يحث على تخليصه بطريق الأولى
وليس إلا الاجر كرد الآبق
326

(فصل) فاما ما لقاه ركاب البحر فيه خوفا من الغرق فلم أعلم لأصحابنا فيه قولا سوى عموم قولهم الذي
ذكرناه ويحتمل أن يملك هذا من أخذه وهو قول الليث وبه قال الحسن فيما أخرجه، قال وما نضب عنه
الماء فهو لأهله، وقال ابن المنذر يرده على أصحابه ولا شئ له ويقتضيه قول الشافعي والقاضي لما
تقدم في الفصل قبله ويقتضي قول الإمام أبي عبد الله ان لمن أنقذه أجر مثله لما ذكرنا، قال شيخنا
ووجه ما ذكرنا من الاحتمال ان هذا مال ألقاه أصحابه فيما يتلف ببقائه فيه اختيارا منهم فملكه
من أخذه كالذي القوة رغبة عنه، ولان فيما ذكروه تحقيقا لاتلافه فلم يجز كمباشرته بالاتلاف، فاما ان انكسرت
السفينة فأخرجه قوم فقال مالك يأخذ أصحاب المتاع متاعهم ولا شئ للذين أصابوه وهذا قول
الشافعي وابن المنذر والقاضي. وعلى قياس نص أحمد يكون لمستخرجه ههنا أجر المثل لأن ذلك وسيلة
إلى تخليصه وحفظه لصاحبه وصيانته عن الغرق فإن الغواص إذا علم أنه يدفع إليه الاجر بادر إلى
التخليص ليخلصه، وان علم أنه يؤخذ منه بغير شئ لم يخاطر بنفسه في استخراجه فينبغي أن يقضى
له بالاجر كجعل رد الآبق
(فصل) ذكر القاضي فيما إذا التقط عبدا صغيرا أو جارية ان قياس المذهب أنه لا يملك بالتعريف
وقال الشافعي يملك العبد دون الجارية ولان التمليك بالتعريف عنده افتراض والجارية عنده لا تملك
بالقرض. قال شيخنا وهذه المسألة فيما نظر فإن اللقيط محكوم بحريته، وإن كان ممن يعبر عن نفسه
327

فأقر بأنه مملوك لم يقبل اقراره لأن الطفل لا قول له ولو اعتبر قوله في ذلك لاعتبر في تعريفه لسيده
* (الثالث) * سائر الأموال كالأثمان والمتاع والغنم والفصلان والعجاجيل وإلا فلا فيجوز التقاطها لمن بقصد
تعريفها وتملكها بعده لحديث زيد بن خالد في لقطة الذهب والورق وقوله في الشاة " خذها فإنما هي
لك أو لأخيك أو للذئب " ثبت في الذهب والفضة وقسنا عليه المتاع وقسنا على الشاة كل حيوان لا يمتنع
بنفسه من صغار السباع وهي الثعلب وابن آوى والذئب وولد الأسد ونحوها ومنه الدجاج والإوز
ونحوها يجوز التقاطها، وروي عن أحمد رواية أخرى ليس لغير الإمام التقاطها يعني الشاة ونحوها
من الحيوان، وقال الليث بن سعد لا اختار أن يقر بها إلا أن يحرزها لصاحبها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لا يؤوي الضالة إلا ضال " ولأنه حيوان أشبه الإبل
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الشاة " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " متفق عليه ولأنه يخشى
عليه التلف والضياع أشبه لقطه غير الحيوان وحديثنا أخص من حديثهم فنخصه به ولو قدر التعارض
قدم حديثنا لأنه أصح ولا يصح قياسه على الإبل فإن النبي صلى الله عليه وسلم علل منع التقاطها بأن معها حذاءها وسقاءها
وهذا معدوم في الغنم، ثم قد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في خبر واحد فلا يجوز الجمع بين ما فرق الشارع بينهما
ولا قياس ما أمن بالتقاطه على ما منع منه
(فصل) ولا فرق بين أن يجدها بمصر أو مهلكة وقال مالك وأبو عبيد وابن المنذر في الشاة
328

وجد في الصحراء اذبحها وكلها وفي المصر ضمها حتى يجدها صاحبها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هي لك
أو لأخيك أو للذئب " ولا يكون الذئب في المصر
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأخذها ولم يفرق ولم يستفصل ولو افترق الحال لاستفصل ولأنها لقطة
فاستوى فيها المصري وغيره كسائر اللقطات، وقولهم لا يكون الذئب في المصر قلنا كونها للذئب في
الصحراء لا يمنع كونها لغيره في المصر، ومتى عرفها حولا ملكها، وذكر القاضي وأبو الخطاب عن أحمد
رواية أنه لا يملكها ولعلها الرواية التي منع من التقاطها فيها
ولنا قوله عليه السلام " هي لك " أضافها إليه بلام التمليك ولان التقاطها مباح فملكت بالتعريف
كالأثمان، وقد حكاه ابن المنذر اجماعا
* (مسألة) * (فمن لا يأمن نفسه عليها ليس له أخذها فإن أخذها لزمه ضمانها ولا يملكها وان عرفها)
إذا التقط لقطة عازما على تملكها بغير تعريف فقد فعل محرما ولا يحل له أخذها بهذه النية فإن
أخذها لزمه ضمانها سواء تلفت بتفريط أو بغير تفريط، ولا يملكها وان عرفها لأنه أخذ مال غيره
على وجه ليس له أخذه فهو كالغاصب نص عليه أحمد، ويحتمل أن يملكها لأن ملكها بالتعريف والالتقاط
وقد وجدا فيملكها بذلك كالاصطياد والاحتشاش إذا دخل ملك غيره بغير اذنه فاصطاد أو احتش
329

منه ملك الصيد والحشيش وإن كان دخوله محرما كذا ههنا، ولان عموم النص يتناول هذا الملتقط فيثبت
حكمه فيه ولأنا لو اعتبرنا نية لتعريف وقت الالتقاط لافترق الحال بين العدل والفاسق والصبي والسفيه
لأن الغالب على هؤلاء الالتقاط للتمليك لا للتعريف
* (مسألة) * (ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها)
لما ذكرنا والأفضل تركها قاله أحمد روي معنى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وبه قال جابر بن زيد
والربيع بن خثم وعطاء، وقال أبو الخطاب إذا وجدها بمضيعة وأمن نفسه عليها فالأفضل أخذها
وهذا قول للشافعي وعنه أنه يجب أخذها لقول الله تعالى (والمؤمنون بعضهم أولياء بعض) وإذا كان
وليه وجب عليه حفظ ماله كولي اليتيم، وممن رأى أخذها سعيد بن المسيب والحسن بن صالح وأبو حنيفة
وأخذها أبي بن كعب وسويد بن غفلة وقال مالك إن كان شيئا له بال يأخذه أحب إلي ويعرفه ولان فيه
حفظ مال المسلم عليه فكان أولى من تضييعه كتخليصه من الغرق
ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة ولأنه يعرض نفسه لاكل الحرام
وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الأمانة فيها فكان تركه أولى وأسلم كولاية مال اليتيم وما ذكروه
يبطل بالضوال فإنه لا يجوز أخذها مع ما ذكروه وكذلك ولاية مال الأيتام
* (مسألة) * (ومتى أخذها ثم ردها إلى موضعها ضمنها)
330

روي ذلك عن طاوس وبه قال الشافعي، وقال مالك لا ضمان عليه لأنه روي عن عمر أنه قال لرجل
وجد بعيرا أرسله حيث وجدته رواه الأثرم ولما روي عن جرير بن عبد الله أنه رأى في بقره بقرة قد
لحقت بها فأمر بها فطردت حتى توارت
ولنا أنها أمانة حصلت في يده لزمه حفظها وتركها تضييعها فأما حديث عمر فهو في الضالة التي لا
يحل أخذها، فإذا أخذه احتمل ان له رده إلى مكانه ولا ضمان عليه لهذا الآثار ولأنه كان واجبا عليه
تركه في مكانه ابتداء فكان له ذلك بعد اخذه ويحتمل ان لا يبرأ من ضمانه برده لأنه دخل في ضمانه
فلم يبرأ برده إلى مكانه كالمسروق وما يجوز التقاطه، فعلى هذا لا يبرأ الا برده إلى الإمام أو نائبه وأما
عمر فهو كان الإمام فإذا أمر برده فهو كأخذه منه وحديث جرير لا حجة فيه لأنه لم يأخذ البقرة
ولا اخذها غلامه إنما لحقت بالبقر من غير فعله ولا اختياره ولذلك يلزمه ضمانها إذا فرط فيها لأنها
أمانة فهي كالوديعة.
(فصل) فإن ضاعت اللقطة من ملتقطها في حول التعريف بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنها أمانة
في يده فهي كالوديعة، فإن التقطها آخر فعلم أنها ضاعت من الأول فعليه ردها إليه لأنه قد ثبت له حق
التمول وولاية التعريف والحفظ فلا يزول بالضياع فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرفها حولا ملكها
لأن سبب الملك وجد منه من غير عدوان فثبت الملك به كالأول ولا يملك الأول انتزاعها منه لأن الملك
331

مقدم على حق التملك فإذا جاء صاحبها أخذها من الثاني وليس له مطالبة الأول لأنه لم يفرط، وان
علم الثاني بالأول فردها إليه فأبى اخذها وقال عرفها أنت فعرفها ملكها أيضا لأن الأول ترك حقه
فسقط، وإن قال عرفها ويكون ملكها لي ففعل فهو نائبه في التعريف ويملكها الأول لأنه وكله في التعريف
فصح كما لو كانت في يد الأول، وإن قال عرفها وتكون بيننا ففعل صح أيضا وكانت بينهما لأنه أسقط
حقه من نصفها ووكله في الباقي، وإن قصد الثاني بالتعريف تملكها لنفسه دون الأول احتمل وحيهن
(أحدهما) يملكها الثاني لأن سبب الملك وجد منه فملكها كما لو أذن له الأول في تعريفها لنفسه (والثاني)
لا يملكها لأن ولاية التعريف للأول أشبه ما لو غصبها من الملتقط غاصب فعرفها وكذلك الحكم إذا علم
الثاني بالأول فعرفها ولم يعلمه بهاء ويشبه هذا من تحجر مواتا إذا سبقه غيره إلى ما حجره فأحياه بغير
إذنه، فأما إن غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم يملكها وجها واحدا لأنه تعدى بأخذها ولم يوجد
منه سبب تملكها فإن الالتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه، ويفارق هذا إذا التقطها ثان فإنه وجد
منه الالتقاط والتعريف
(فصل) ومن اصطاد سمكة من البحر فوجد فيها درة أو عنبرة أو شيئا مما يكون في البحر فهو
للصياد لأن ذلك يكون في البحر، قال الله تعالى (وتستخرجون حلية تلبسونها) ولان الأصل عدم
ملكها لغيره، فإن باعها الصياد ولم يعلم فوجده المشتري في بطنها فهو للصياد نص عليه أحمد لأنه إذا لم
332

يعلم به فما باعه ولا رضي بزوال ملكه عنه فأشبه من باع دارا له مال مدفون فيها، فإن وجد دراهم أو
دنانير فهي لقطة لأن ذلك لا يخلق في البحر ولا يكون إلا للآدمي فكان لقطة كما لو وجده في البحر
وكذلك الحكم في الدرة والعنبرة إذا كان فيها أثر لآدمي كالمثقوبة والمتصلة بذهب أو فضة أو غيرهما
أو كانت العنبرة تفاحة ونحو ذلك مما لا يخلق عليه في البحر تكون لقطة لأنها لم تقع في البحر حتى
تثبت اليد عليها فهي كالدينار فمنى وجدها الصياد فعليه تعريفها لأنه ملتقطها، وإن وجدها المشتري
فالتعريف عليه لأنه واجدها ولا حاجة إلى البداية بالبائع فإنه لا يحتمل أن تكون المسكة ابتلعت
ذلك بعد اصطيادها وملك الصياد لها فاستوى هو وغيره، فأما إن اشترى شاة ووجد في بطنها درة
أو عنبرة أو دنانير أو دراهم فهو لقطة يعرفها ويبدأ بالبائع لأنه يحتمل أن تكون ابتلعتها من ملكه
فيبدا به كقولنا فيمن اشترى دارا فوجد فيها مالا مدفونا، وإن اصطاد السمكة من غير البحر كالنهر
والعين فحكمها حكم الشاة في أن ما وجد في بطنها من ذلك فهو لقطة لأن ذلك لا يكون إلا في البحر
عادة، ويحتمل ان النهر إذا كان متصلا بالبحر فهو كما لو صادها منه لأنها قد تبتلع ذلك في البحر ثم
تخرج إلى النهر وإن لم يكن متصلا به فهو لقطة ويحتمل أن يكون للصياد لقول الله تعالى (ومن كل
تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها)
(فصل) وإن وجد عنبرة على الساحل فهي له لأنه يمكن ان البحر ألقاها والأصل عدم الملك
333

فيها فكانت مباحة لآخذها كالصيد، وقد روى سعيد عن إسماعيل بن عياش عن معاوية بن عمرو
الصدري قال ألقى بحر عدن عنبرة مثل البعير فأخذها ناس بعدن فكتب إلى عمر بن عبد العزيز
فكتب إلينا أن خذوا منها الخمس وادفعوا إليهم سائرها وإن باعوكموها فاشتروها فأردنا أن نزنها فلم
نجد ميزانا يخرجها فقطعناها ثنتين ووزناها فوجدناها ستمائة رطل فأخذنا خمسها ودفعنا سائرها إليهم
ثم اشتريناها بخمسة آلاف دينار وبعثنا بها إلى عمر فلم يلبث إلا قليلا حتى باعها بثلاثة وثلاثين ألف دينار
(فصل) وإن صاد غزالا فوجده مخضوبا أو في عنقه خرزا أو في أذنه قرط ونحو ذلك مما يدل
على ثبوت اليد عليه فهو لقطة لأن ذلك يدل على أنه كان مملوكا، قال أحمد فيمن ألقى شبكة في البحر
فوقعت فيها سمكة فجذبت الشبكة فمرت بها في البحر فصادها رجل فإن السمكة له والشبكة يعرفها
ويدفعها إلى صاحبها فجعل الشبكة لقطة لأنها مملوكة لآدمي والسمكة لمن صادها لأنها كانت مباحة
ولم يملكها صاحب الشبكة لكون شبكته لم تثبتها فبقيت على الإباحة، وهكذا لو نصب فخا أو شركا فوقع
فيه صيد من صيود البر فأخذه وذهب به فصاده آخر فهو لمن صاده ويرد الآلة إلى صاحبها فإن لم يعرف
صاحبها فهي لقطة، وقال أحمد في رجل انتهى إلى شرك فيه حمار وحش أو ظبي قد شارف الموت
فخلصه وذبحه فهو لصاحب الحبالة وما كان من الصيد في الحبالة فهو لمن نصبها، وإن كان بازيا أو
334

صقرا أو عقابا وسئل عن بازي أو صقر أو كلب معلم أو فهد ذهب عن صاحبه فدعاه فلم يجبه ومر في
الأرض حتى أتى لذلك أيام فأتى قرية فسقط على حائط فدعاه رجل فأجابه قال يرده على صاحبه،
قيل له فإن دعاه فلم يجبه فنصب له شركا فصاده به؟ قال يرده على صاحبه فجعله لصاحبه لأنه قد ملكه
أفلم يزل ملكه عنه بذهابه، والسمكة في الشبكة لم يكن ملكها ولا حازها، وكذلك جعل ما وقع في
الحبالة من الصقر والعقاب لصاحب الحبالة ولم يجعله ههنا لمن وقع في شركه لأن هذا فيما علم أنه قد
كان مملوكا لانسان فذهب وإنما يعلم هذا بالخبر أو بوجود ما يدل على الملك فيه كوجود السير في رجله
أو آثار التعليم مثل استجابته للذي يدعوه ونحو ذلك فإن لم يوجد ما يدل على أنه مملوك فهو لمن صاده
ولان الأصل إباحته وعدم الملك فيه
(فصل) ومن أخذت ثيابه في الحمام ووجد بدلها أو أخذ مداسه وترك له بدله لم يملكه بذلك
قال أحمد فيمن سرقت ثيابه ووجد غيرها لم يأخذها فإن أخذها عرفها سنة ثم تصدق بها إنما قال ذلك
لأن آخذ الثياب لم يقع بينه وبين مالكها معاوضة تقتضي زوال ملكه عن ثيابه فإذا أخذها قد أخذ مال
غيره ولا يعرف صاحبه فيعرفه ويتصدق به كالصدقة باللقطة، قال شيخنا ويحتمل أن ينظر في هذا
فإن كانت ثم قرينة تدل على السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيرا من المتروك له وكانت مما لا يشتبه
على الآخذ بثيابه ومداسه فلا حاجة إلى التعريف لأن التعريف إنما جعل على المال الضائع من ربه
ليعلم به ويأخذه، وتارك هذا عالم به راض ببذله عوضا عما أخذه ولا يعترف انه له فلا يحصل من
335

تعريفه فائدة فإذا ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص، وفيما يصنع به ثلاثة أوجه (أحدها)
يتصدق بها على ما ذكرنا (والثاني) انه يباح له أخذها لأن صاحبها في الظاهر تركها له بادلا إياها
عوضا عما أخذه فصار كالمبيح له أخذها بلسانه فصار كمن قهر إنسانا على أخذ ثوبه ودفع إليه درهما
(والثالث) يرفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها عوضا عن ماله، والوجه الثاني أقرب إلى الرفق
بالناس لأن فيه نفعا لمن سرقت ثيابه بحصول عوض عنها ونفعا للسارق بالتخفيف عنه من الاثم
وحفظا لهذه الثياب المتروكة من الضياع، وقد أباح بعض أهل العلم فيمن له على انسان حق من دين
أو غصب أن يأخذ من ماله بقدر حقه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك فههنا مع رضا من عليه الحق
بأخذه أولى، وان كانت ثم قرينة دالة على أن الآخذ للثياب إنما أخذها ظنا منه انها ثيابه مثل أن تكون
المتروكة مثل المأخوذة أو خيرا منها وهي مما تشتبه بها فينبغي أن يعرفها ههنا لأن صاحبها لم يتركها عمدا
فهي بمنزلة الضائعة، والظاهر أنه إذا علم بها أخذها ورد ما كان أخذه فتصير كاللقطة في المعنى، وبعد
التعريف إذا لم تعرف ففيها الأوجه الثلاثة المذكورة لا أننا إذا قلنا يأخذها أو يبيعها الحاكم ويدفع
إليه ثمنها فإنما يأخذ بقدر قيمة ثيابه من غير زيادة لأن الزائد فاضل عما يستحقه ولم يرض صاحبها
بتركها عوضا عما أخذه فإنه لم يأخذ غيرها اختيارا منه لتركها ولا رضي بالمعارضة بها وإذا قلنا إنه
يدفعها إلى الحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها فله أن يشتريها بثمن في ذمته ويسقط عنه من ثمنها ما قابل
ثيابه ويتصدق بالباقي
336

(فصل) نقل الفضل ابن زياد عن أحمد إذا تنازع صاحب الدار والساكن في دفن في الدار فقال
كل منهما انا دفنته يبين كل واحد منهما ما الذي دفن فكل من أصاب الوصف فهو له وذلك لأن
ما يوجد من الدفن في الأرض مما عليه علامة المسلمين فهو لقطة واللقطة تستحق بوصفها ولان المصيب
للوصف في الظاهر هو من كان ذلك في يده فكان أحق به كما لو تنازعه أجنبيان فوصفه أحدهما
(فصل) ومن وجد لقطة في دار الحرب فكان في جيش فقال احمد يعرفها سنة في دار الاسلام
ثم يطرحها في المقسم إنما عرفها في دار الاسلام لأن أموال أهل الحرب مباحة ويجوز أن تكون لمسلم
وقد لا يمكنه المقام في دار الحرب لتعريفها ومعناه والله أعلم انه يتم التعريف في دار الاسلام فاما ابتداء
التعريف فيكون الجيش الذي هو فيه لأنه يحتمل أن تكون لأحدهم فإذا قفل أتم التعريف في دار الاسلام
فأما ان دخل دارهم بأمان فينبغي ان يعرفها في دارهم لأن أموالهم محرمة عليه فإذا لم تعرف ملكها كما
يملكها في دار الاسلام وإن كان في الجيش طرحها في المقسم بعد التعريف لأنه وصل إليها بقوة الجيش
فأشبهت مباحات دار الحرب إذا اخذ منها شيئا فإن دخل إليهم متلصصا فوجد لقطة عرفها في دار
الاسلام لأن أموالهم مباحة له ثم يكون حكمها حكم غنيمته ويحتمل أن تكون غنيمة له لا تحتاج إلى
تعريف لأن الظاهر إنما أموالهم وأموالهم غنيمة والله أعلم
337

* (مسألة) * وهي على ثلاثة اضرب (حيوان) فيخير بين أكله في الحال وعليه قيمته وبين بيعه وحفظ ثمنه
وبين تركه والانفاق عليه من ماله وهل يرجع به؟ على وجهين وجملة ذلك أن ملتقط الشاة وما كان مثلها
مما يباح أكله يتخير ملتقطها بين ثلاثة أشياء (أحدها) اكلها في الحال وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي
وغيرهم قال ابن عبد البر اجمعوا على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له اكلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم
" هي لك أو لأخيك أو للذئب " جعلها له في الحال وسوي بينه وبين الذئب والذئب لا يؤخر أكلها ولان
في أكلها في الحال اغناء عن الانفاق عليها وحراسته لماليتها على صاحبها إذا جاء فإنه يأخذ قيمتها بكمالها
وفي ابقائها تضييع للمال بالانفاق عليها والغرامة في علفها فكان اكلها أولى وإذا أراد اكلها حفظ صفتها
فمتى جاء صاحبها غرمها له في قول عامة أهل العلم وقال مالك كلها ولا غرم عليك لصاحبها ولا تعريف
لها القول رسول الله صلى الله عليه وسلم " هي لك " ولم يوجب فيها تعريفا ولا غرما ولأنه سوى بينه وبين الذئب
والذئب لا يعرف ولا يغرم قال ابن عبد البر لم يوافق مالكا أحد من العلماء على قوله وقول النبي صلى الله عليه وسلم
في حديث عبد الله ابن عمر " ورد على أخيك ضالته " دليل على أن الشاة على ملك صاحبها ولأنها لقطة
لها قيمة وتتبعها النفس فتجب غرامتها لصاحبها إذا جاء كغيرها ولأنها ملك لصاحبها فلم يجز تملكها
عليه بغير عوض من غير رضاه كما لو كانت بين البنيان ولأنها عين يجب ردها مع بقائها فوجب غرمها
إذا أتلفها كلقطة الذهب وكون النبي صلى الله عليه وسلم قال " هي لك " لا يمنع وجوب غرامتها فإنه قد اذن في لقطة
338

الذهب والورق بعد تعريفها في اكلها وانفاقها وقال " هي كسائر مالك " ثم اجمعنا علي وجوب غرامتها
كذلك الشاة ولا فرق في إباحة اكلها بين وجدانها في الصحراء أو في المصر وقال مالك وأبو عبيد
وابن المنذر وأصحاب الشافعي ليس له أكلها في المصر لأنه يمكن بيعها بخلاف الصحراء
ولنا أن ما جاز أكله في الصحراء جاز في المصر كسائر المأكولات ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال هي لك
ولم يستفصل ولان أكلها مطل بما ذكرنا من الاستغناء عن الانفاق عليها وهذا في المصر أشد منه في الصحراء
(الثاني) تركها والانفاق عليها من ماله ولا يتملكها فإن تركها ولم ينفق عليها ضمنها لأنه فرط
فيها وان أنفق عليها متبرعا لم يرجع على صاحبها فإن أنفق بنية الرجوع علي صاحبها واشهد على ذلك
رجع عليه بما أنفق في إحدى الروايتين نص عليه احمد في رواية المروذي في طيرة أفرخت عند قوم
فقضى أن الفراخ لصاحب الطيرة ويرجع بالعلف إذا لم يكن متطوعا وقضى عمر بن عبد العزيز
فيمن وجد ضالة فأنفق عليها فجاء ربها فإنه يغرم له ما أنفق وذلك أنه أنفق على اللقطة لحفظها فكان
من مال صاحبها كمؤنة تجفيف الرطب والعنب، (والثانية) لا يرجع بشئ وهو قول الشعبي والشافعي
ولم يعجب الشعبي قضاء عمر بن عبد العزيز لأنه أنفق على مال غيره بغير اذنه فلم يرجع به كما لو بنى
داره ويفارق العنب والرطب فإنه قد يكون تجفيفه والانفاق عليه أحظ لصاحبه لأن النفقة عليه
لا تتكرر والحيوان يتكرر الانفاق عليه فربما استغرق ثمنه فكان بيعه واكله احظ فلذلك لم يرجع
339

المنفق عليها بما أنفق (الثالث) بيعها وحفظ ثمنها لصاحبها وله ان يتولى ذلك بنفسه وقال بعض أصحاب
الشافعي يبيعها باذن الإمام
ولنا انه إذا جاز له اكلها من غير اذن فبيعها أولى ولم يذكر أصحابنا لها تعريفا في هذه المواضع
وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " ولم يأمر بتعريفها
كما أمر في لقطة الذهب والورق
ولنا انها لقطة لها خطر فوجب تعريفها كالمطعوم الكثير وإنما ترك ذكر تعريفها لأنه ذكرها
بعد بيان التعريف فيما سواها فاستغني بذلك عن ذكره فيها ولا يلزم من جواز التصرف فيها في الحول
سقوط تعريفها كالمطعوم وإذا أراد بيعها أو أكلها لزمه حفظ صفتها لحديث زيد بن خالد وسنذكره إن شاء الله
(فصل) وإذا اكلها ثبتت قيمتها في ذمته ولا يلزمه عزلها لعدم الفائدة فيه فإنها لا تنقل من الذمة
في المال المعزول ولو عزل شيئا ثم أفلس كان صاحب اللقطة أسوة الغرماء ولم يختص بالمال المعزول فأما
ان باعها وحفظ ثمنها وجاء صاحبها اخذه ولم يشاركه فيه أحد من الغرماء لأنه عين ماله ولا شئ
للمفلس فيه فهو كالوديعة
* (مسألة) * (الثاني) ما يخشى فساده فيخير بين بيعه وأكله إن كان مما لا يمكن تجفيفه كالفاكهة التي
لا تجفف والطبيخ والبطيخ والخضروات فهو مخير بين اكله وبيعه وحفظ ثمنه ولا يجوز ابقاؤه لأنه يتلف
340

فإن تركه حتى تلف ضمنه لأنه فرط في حفظه فهو كالوديعة فإن أكله ثبتت القيمة في ذمته على ما ذكرنا في
الشاة وهذا ظاهر مذهب الشافعي وله ان يتولى بيعه بنفسه وقال أصحاب الشافعي ليس له بيعه الا بإذن الحاكم
فإن عجز عنه جاز البيع بنفسه لأنه حال ضرورة فأما مع القدرة على استئذانه فلا يجوز من غير
اذنه لأنه مال معصوم لا ولاية عليه فلم يجز لغير الحاكم بيعه كغير الملتقط
ولنا انه مال أبيح للملتقط اكله فأبيح له بيعه كماله ومتي أراد بيعه أو أكله حفظ صفاته ثم
عرفه عاما على ما نذكره فإن تلف الثمن قبل تملكه من غير تفريط أو نقص أو تلفت العين أو نقصت
من غير تفريط فلا ضمان عليه وان تلف أو نقص بتفريطه أو تلفت اللقطة بتفريطه فعليه ضمانه وكذلك
ان تلف بعد تملكه أو نقص وإن كان مما يمكن تجفيفه كالعنب والرطب فينظر ما فيه الحظ لمالكه
فإن كان في التجفيف فعله ولم يكن له الا ذلك لأنه مال غيره فلزمه ما فيه الحظ لصاحبه كولي اليتيم
* (مسألة) * (وغرامة التجفيف منه وله بيع بعضه في ذلك)
لأنه موضع حاجة فإن أنفق من ماله رجع به لأن النفقة ههنا لا تكرر بخلاف نفقة الحيوان فإنها تكرر فربما
استوعبت قيمته فلا يكون لصاحبها حظ في امساكها الا باسقاط النفقة وإن كان الحظ في بيعه باعه وحفظ ثمنه كالطعام
الرطب فإن تعذر بيعه ولم يمكن تجفيفه تعين اكله كالطبيخ وإن كان اكله أنفع لصاحبه فله اكله أيضا قال شيخنا
ويقتضي قول أصحابنا ان العروض لا تملك بالتعريف وان هذا كله لا يجوز له اكله لكن يخير بين
341

الصدقة به وبين بيعه وقد قال احمد فيمن وجد في منزله طعاما لا يعرفه: يعرفه ما لم يخش فساده فإن خشي
فساده تصدق به فإن جاء صاحبه غرمه وكذلك قال مالك وأصحاب الرأي في لقطة ما لا يبقى سنة يتصدق
به وقال الثوري يبيعه ويتصدق بثمنه
ولنا على جواز اكله قول النبي صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم " خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " وهذا
تجويز للاكل فإذا جاز أكل ما هو محفوظ بنفسه فما يفسد ببقائه أولى وعن أحمد انه يبيع اليسير ويرفع
الكثير إلى الحاكم لأن الكثير مال لغيره لم يأذن له في بيعه فيكون امره إلى الحاكم واما اليسير فتدخله
المسامحة ويشق رفعه إلى السلطان وربما تضيع عند السلطان
* (مسألة) * (الثالث) سائر المال فيلزمه حفظه ويعرف الجميع بالنداء عليه في مجامع الناس كالأسواق
وأبواب المساجد في أوقات الصلوات حولا كاملا من ضاع منه شئ أو نفقة واجرة المنادي عليه)
وجملة ذلك أن في التعريف فصولا ستة في وجوبه وقدره وزمانه ومكانه ومن يتولاه وكيفيته اما
وجوبه فهو واجب على كل ملتقط سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها الا في اليسير الذي لا تتبعه
النفس وقد ذكرناه وقال الشافعي لا يجب على من أراد حفظها لصاحبها
ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولم يفرق ولان حفظها لصاحبها إنما فائدته ايصالها
إليه وطريقه التعريف اما بقاؤها في يد الملتقط من غير وصولها إلى صاحبها فهو وهلاكها سيان ولان امساكها
342

من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز كردها إلي موضعها أو القائها في غيره ولأنه لو لم يجب
التعريف لما جاز الالتقاط لأن بقاءها في مكانها إذا أقرب إلى وصولها إلى صاحبها اما ان يطلبها
في الموضع الذي ضاعت منه فيجدها واما بان يأخذها من يعرفها واخذ لها يفوت الامرين فيحرم
فلما جاز الالتقاط لزم وجوب التعريف كيلا يحصل هذا الضرر ولان التعريف واجب على من أراد
تملكها وكذلك من أراد حفظها فإن التملك غير واجب فلا تجب الوسيلة إليه فيلزم أن يكون الوجوب
في المحل المتفق عليه لصيانتها عن الضياع عن صاحبها وهذا موجود في محل النزاع
(الفصل) الثاني في قدر التعريف وذلك سنة روي ذلك عن عمر وعلى وابن عباس وبه قال
سعيد بن المسيب والشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن عمر رواية أخرى يعرفها
ثلاثة أشهر وعنه ثلاثة أعوام لأن أبي ابن كعب روي أن النبي صلى الله عليه وسلم امره بتعريف مائة الدينار ثلاثة
أعوام وقال أبو أيوب الهاشمي ما دون الخمسين درهما يعرفها ثلاثة أيام إلى سبعة أيام وقال الحسن بن صالح
ما دون عشرة دراهم يعرفها ثلاثة أيام وقال الثوري في الدرهم يعرفه أربعة أيام وقال اسحق ما دون الدينار
يعرفه جمعة أو نحوها وروي أبو إسحاق الجوزجاني باسناده عن يعلى بن أمية قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم من التقط درهما أو حبلا أو شبه ذلك فليعرفه ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه سبعة أيام
ولنا حديث زيد بن خالد الصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم امره بعام واحد ولان السنة لا تتأخر عنها
343

القوافل ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد من الحر والبرد والاعتدال فصلحت قدرا كمدة
اجل العنين فاما حديث أبي فقد قال الراوي لا أدري ثلاثة أعوام أو عام واحد قال أبو داود شك
الراوي في ذلك وحديث يعلى لم يقل به قائل على وجهه وحديث زيد وأبي أصح منه وأولى إذا ثبت
هذا فإنه يجب أن تكون هذه السنة تلي الالتقاط وتكون متوالية لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعريفها حين
سئل عنها والامر يقتضي الفور ولان القصد بالتعريف وصول الخبر إلى صاحبها وذلك يحصل بالتعريف
عقيب ضياعها متواليا لأن صاحبها في الغالب إنما يطلبها عقيب ضياعها فيجب تخصيص التعريف به
(الفصل الثالث) في زمانه وهو النهار دون الليل لأن النهار مجمع الناس وملتقاهم بخلاف الليل
ويكون ذلك في اليوم الذي وجدها والأسبوع لأن الطلب فيه أكثر ولا يجب فيما بعد ذلك متواليا وقد
روي الجوزجاني باسناده عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني قال نزلنا مناخ ركب فوجدت خرقة
فيها قريب من مائة دينار فجئت بها إلى عمر فقال عرفها ثلاثة أيام على باب المسجد ثم أمسكها حتى
قرن السنة ولا يقدمن ركب الا أنشدتها وقلت الذهب بطريق الشام ثم شأنك بها
(الفصل الرابع) في مكانه وهو الأسواق وأبواب المساجد والجوامع في الوقت الذي يجتمعون
فيه كأدبار الصلوات في المساجد وكذلك في مجامع الناس لأن المقصود إشاعة ذكرها واظهارها
ليظهر عليها صاحبها فيجب تحري مجامع الناس ولا ينشدها في المسجد ولان المسجد لم يبن لهذا وروى
344

أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سمع رجلا ينشد ضالته في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن
المساجد لم تبن لهذا " وامر عمر واجد اللقطة بتعريفها على باب المسجد
(الفصل الخامس) في كيفية تعريفها فيذكر جنسها لا غير فيقول من ضاع منه ذهب أو فضة أو
أو دراهم أو دنانير أو ثياب ونحو ذلك لقول عمر رضي الله عنه لواجد الذهب قل الذهب بطريق الشام
ولا تصفها لأنه لو وصفها لعلم صفتها من يسمعها فلا تبقى صفتها دليلا على ملكها لمشاركة من يسمعه للمالك
في ذلك ولأنه لا يأمن ان يدعيها من سمع صفتها ويذكر صفتها التي يجب دفعها به فيأخذها فتفوت على مالكها
(الفصل السادس) فيمن يتولى تعريفها وللملتقط تولي ذلك بنفسه وان يستنيب فيه فإن وجد متبرعا
بذلك والا استأجر والأجرة على الملتقط وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي واختار أبو الخطاب
انه ان قصد حفظها لمالكها دون تملكها رجع بالأجرة عليه وكذلك قال ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف
لأنه من مؤنة ايصالها إلى مالكها فكان على مالكها كمؤنة تجفيفها واجرة مخزنها
ولنا ان هذا اجر واجب على المعرف ولأنه لو وليه بنفسه لم يكن له اجر على صاحبها فكذلك
345

إذا استأجر عليه ولأنه سبب لملكها فكان على الملتقط كما لو قصد تملكها، وقال مالك ان اعطى منها شيئا
لمن عرفها فلا غرم عليه كما لو دفع منها شيئا لمن حفظها وقد ذكرنا الدليل على ذلك
(فصل) إذا أخر التعريف عن الحول الأول مع امكانه اثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فيه والامر
يقتضي الوجوب وقال في حديث عياض ابن حمار " لا تكتم ولا تغيب " ولان ذلك وسيلة إلى أن لا يعرف
صاحبها لأن الظاهر أنه بعد الحول يسلو عنها وييأس فيترك طلبها ويسقط التعريف بتأخيره عن الحول
الأول في المنصوص عن أحمد لأن حكمة التعريف لا تحصل بعده فإن تركه في بعض الحول عرف بقيته
ويتخرج ان لا يسقط التعريف بتأخيره لأنه واجب فلا يسقط بتأخيره عن وقته كالعبادات وسائر
الواجبات ولان التعريف في الحول الثاني يحصل به المقصود على نعت من القصور فيجب الاتيان به لقول
النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فعلى هذا إذا أخر التعريف بعض الحول اتى بالتعريف
في بقيته وأتمه من الحول الثاني وعلى كلا القولين لا يملكها بالتعريف فيما عد الحول الأول لأن شرط
الملك التعريف فيه ولم يوجد ولذلك لو ترك التعريف في بعض الحول الأول لا يملكها بالتعريف بعده لأن
الشرط لم يكمل وعدم بعض الشرط كعدم جميعه كما لو اختل بعض الطهارة في الصلاة فأما إن ترك
التعريف في الحول الأول لعجزه عنه كالمريض والمحبوس أو لنسيان ونحوه ففيه وجهان (أحدهما) حكمه
346

حكم من تركه لغير عذر لأن تعريفه في الحول الأول سبب الملك والحكم ينتفي لانتفاء سببه سواء
انتفي لعذر أو لغيره والثاني يملكها بالتعريف في الحول الثاني لأنه لم يؤخره عن وقت امكانه أشبه
تعريفها في الحول الأول
* (مسألة) * فإن لم تعرف دخلت في ملكه بعد الحول حكما كالميراث نص عليه احمد في رواية
الجماعة وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله والا كانت كسائر ماله وعند أبي الخطاب لا تدخل ملكه حتى
يختار واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم كقولنا وقال قوم يملكها بالنية ومنهم من قال يملكها
بتموله اخترت ملكها ومنهم من قال لا يملكها الا بقوله والتصرف فيها لأن هذا تملك بعوض فلم يحصل
الا باختيار التملك كالقرض
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن جاء صاحبها والا فهي كسائر مالك " وقوله " فاستنفقها " ولو وقف ملكها
على تملكها لبينه له ولم يجوز له التصرف قبله وفي لفظ " كلها " وهذه الألفاظ كلها تدل على ما قلنا ولان
الالتقاط والتعريف سبب للتملك فإذا ثم وجب أن يثبت به الملك حكما كالاحياء والاصطياد ولأنه سبب
يملك به فلم يقف الملك بعده على قوله ولا اختياره كسائر الأسباب وذلك لأن المكلف ليس إليه
347

الا مباشرة الأسباب فإذا انى بها ثبت الحكم قهرا وجبرا من الله عز وجل غير موقوف على اختيار المكلف فأما
الاقتراض فهو السبب في نفسه فلم يثبت الملك بدونه فعلى هذا لو التقطها اثنان فعرفاها حولا ملكاها
جميعا فإن قلنا يقف الملك على الاختيار فاختار أحدهما دون الآخر ملك المختار نصفها وحده
(فصل) فإن رأياها معا فأخذها أحدهما وحده أو رآها أحدهما فأعمل بها صاحبه فأخذها فهي
لآخذها لأن استحقاقها بالأخذ لا بالرؤية كالاصطياد وان قال أحدهما لصاحبه هاتها فأخذها لنفسه
فهي له دون الآمر وان أخذها الآمر فهي له كما لو وكله في الاصطياد له
(فصل) ومتى عرف اللقطة حولا فلم تعرف ملكها غنيا كان أو فقيرا روي ذلك عن عمرو ابن مسعود
وعائشة رضي الله عنهم وبه قال عطاء والشافعي واسحق وابن المنذر وروي عن علي وابن عباس والشعبي
والنخعي وطاوس وعكرمة نحو ذلك، وقال مالك والحسن بن صالح والثوري وأصحاب الرأي: يتصدق بها
فإذا جاء صاحبها خير بين الاجر والغرم لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن اللقطة فقال
" عرفها حولا " وروي ثلاثة أحوال " فإن جاء ربها والا تصدق بها فإذا جاء ربها فرضي بالاجر والا
غرمها " ولأنها مال لمعصوم لم يرض بزوال ملكه عنها ولا يوجد منه سبب يقتضي ذلك فلم يزل ملكه
عنه كغيرها قالوا وليس له أن يتملكها الا أن أبا حنيفة قال له ذلك أن كان فقيرا من غير ذوي القربى
348

لما روي عياض بن حمار المجاشعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي
عدل ولا يكتم ولا يغيب فإن وجد صاحبها فليردها عليه والا فهي مال الله يؤتيه من يشاء " رواه
النسائي قالوا وما يضاف إلى الله تعالى إنما يتملكه من يستحق الصدقة ونقل حنبل عن أحمد مثل هذا
القول فأنكره الخلال وقال ليس هذا مذهبا لأحمد
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد " فإن لم تعرف فاستنفقها " وفي لفظ " وإلا
فهي كسائر مالك " وفي لفظ " ثم كلها " وفي لفظ " فانتفع بها " وفي لفظ " فشأنك بها " في حديث أبي بن كعب
وفي لفظ " فاستمتع بها " وهو حديث صحيح ولان من ملك بالقرض ملك اللقطة كالفقير ومن جاز له الالتقاط
ملك به بعد التعريف كالفقير وحديثهم عن أبي هريرة لم يثبت ولا نقل في كتاب يعتمد عليه ولا
به ودعواهم في حديث عياض أن ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملكه الا من يستحق الصدقة
349

لها وبطلانها ظاهر فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى خلقا وملكا قال الله تعالى (وآتوهم من مال
الله الذي آتاكم)
* (مسألة) * (وعن أحمد لا يملك الا الأثمان وهو ظاهر المذهب وهل له الصدقة بغيرها؟ على روايتين)
كلما جاز التقاطه ملك بالتعريف عند تمامه أثمانا كان أو غيرها وهو ظاهر كلام الخرقي ونقل ذلك
عن أحمد فروى عنه محمد بن الحكم في الصياد يقع في شبكته الكيس أو النحاس يعرفه سنة فإن
جاء صاحبها وإلا فهو كسائر ماله وهذا نص في النحاس وقال ابن أبي موسى هل حكم العروض في
التعريف وجواز التصرف بعد ذلك حكم الأثمان؟ على روايتين أظهرهما أنها كالأثمان قال شيخنا ولا
أعلم بين أكثر أهل العلم فرقا بين الأثمان والعروض في ذلك وقال أكثر أصحابنا لا تملك العروض
بالتعريف قال القاضي نص عليه أحمد في رواية الجماعة واختلفوا فيما يصنع بها فقال أبو بكر وابن
عقيل يعرفها أبدا وقال القاضي هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجئ صاحبها وبين دفعها إلى
الحاكم ليري رأيه فيها وهل له بيعها بعد الحول والصدقة بها؟ على روايتين (إحداهما) يجوز كما تجوز
الصدقة بالغصوب التي لا يعرف أربابها (والثانية) لا يجوز لأنه يحتمل أن يظهر صاحبها فيأخذها وقال
الخلال كل من روى عن أحمد روى عنه أنه يعرفه سنة ويتصدق به والذي روي عنه أنه يعرفها أبدا
350

قول قديم رجع عنه واحتجوا بأنه قد روي عن ابن عمر وابن عباس وابن مسعود مثل قولهم ولأنها
لقطة لا تملك في الحرم فلا تملك في غيره كالإبل ولان الخبر ورد في الأثمان وغيرها لا يساويها لعدم
الغرض المتعلق بعينها فمثلها لا يقوم مقامها من كل وجه
ولنا عموم الأحاديث في اللقطة فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال " عرفها سنة " ثم
قال في آخره " فشأنك بها - أو - فانتفع بها " وفي حديث عياض بن حمار " من وجد لقطة " وهو لفظ عام
وقد روى الجوزجاني والأثرم في كتابيهما ثنا أبو نعيم ثنا هشام بن سعد قال حدثني عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في متاع
يوجد في الطريق المعتاد أو في قرية مسكونة؟ قال " عرفه سنة فإن جاء صاحبه والا فشأنك به " ورويا
ان سفيان بن عبد الله وجد عيبة فأتى بها عمر بن الخطاب فقال عرفها سنة فإن عرفت والا فهي لك زاد الجوزجاني
فلم تعرف فلقيه بها العام فذكرها له فقال عمر هي لك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ورواه النسائي
وهذا نص في غير الأثمان وروى الجوزجاني باسناده عن الحر بن الصباح قال كنت عند ابن عمر بمكة
إذ جاءه رجل فقال إني وجدت هذا البرد وقد نشدته وعرفته فلم يعرفه أحد وهذا يوم التروية يوم
351

يتفرق الناس فقال إن شئت قومته قيمة عدل ولبسته وكنت له ضامنا متى جاء صاحبه دفعت إليه ثمنه
وان لم يجئ له طالب فهو لك ان شئت ولان ما جاز التقاطه ملك بالتعريف كالأثمان وما حكوه عن
الصحابة ان صح فقد حكينا عن عمر وابنه خلافه وقولهم انها لقطة لا تملك في الحرم ممنوع ثم هو
منقوض بالأثمان وقياسها على الإبل لا يصح لأن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى
يأتيها ربها ولا يوجد ذلك في غيرها ولان الإبل لا يجوز التقاطها فلا تملك وههنا يجوز
التقاطها فملك به كالأثمان وقولهم ان النص خاص في الأثمان قلنا بل هو عام في كل لقطة فيجب العمل
بعمومه وان ورد فيها نص خاص فقد روي خبر عام فيعمل بها ثم قد رويناه في العوض فيجب العمل
به كما وجب العمل بالخاص في الأثمان ثم لو اختص الخبر بالأثمان لوجب أن يقاس عليها ما في معناها
كسائر النصوص التي عقل في معناها ووجد غيرها وههنا قد وجد المعنى فيجب قياسه على المنصوص
عليه بل المعنى ههنا أكد فيثبت الحكم فيه بطريق البينة، بيانه أن الأثمان لا تتلف بمضي الزمان عليها
وانتظار صاحبها بها أبدا والعروض تتلف بذلك ففي النداء عليها دائما هلاكها وضياع ماليتها على صاحبها
وملتقطها وسائر الناس وفي إباحة الانتفاع بها وملكها بعد التعريف حفظ لماليتها علي صاحبا بدفع
352

قيمتها إليه ونفع لغيره فيجب ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ولما فيه من المصلحة والحفظ لمال المسلم عليه ولان
في اثبات الملك حثا على التقاطها وحفظها وتعريفها لكونه وسيلة إلى الملك المقصود للآدمي وفي نفي
ملكها تضييع لها لما في التقاطها من الخطر والمشقة والكلف من غير نفع يصل إليه فيؤدي إلى أن
لا يلتقطها أحد فتضيع وما ذكره في الفرق ملغي في الشاة فقد ثبت الملك فيها مع هذا الفرق ثم يمكننا
أن نقيس على الشاة فلا يحصل هذا الفرق بين الفرع والأصل ثم نقلب دليلهم فنقول لقطة لا تملك
في الحرم فما أبيح التقاطه منها ملك إذا كان في الحل وما لا يباح لا يملك كالإبل
* (مسألة) * (وعن أحمد أن لقطة الحرم لا تملك بحال)
المشهور عن أحمد وفي المذهب أن لقطة الحرم والحل سواء وهو ظاهر كلام الخرقي
روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب وهو مذهب مالك وأبي
حنيفة وروي عن أحمد أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتمليك ويجوز لحفظها لصاحبها
فإن التقطها عرفا أبدا حتى يأتي صاحبها وهو قول عبد الرحمن بن مهدي وأبو عبيد وعن الشافعي
353

كالمذهبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة " لا تحل ساقطتها الا لمنشد " متفق عليه والمنشد المعرف قاله أبو عبيد
والناشد الطالب وينشد * إصاخة الناشد للمنشد *
فيكون معناه لا تحل لقطة مكة الا لمن يعرفها لأنها خصت بهذا من بين سائر البلدان وروى
أبو داود باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج قال ابن وهب يعني يتركها حتى يجدها صاحبها،
ووجه الرواية الأولى عموم الأحاديث، ولأنه أحد الحرمين أشبه حرم المدينة ولأنها أمانة فلم يختلف
حكمها بالحل والحرم كالوديعة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الا لمنشد " يحتمل أنه يريد الا لمن عرفها
عاما وتخصيصها بذلك لتأكيدها لقوله عليه السلام " ضالة المؤمن حرق النار " وضالة الذمي مقيسة عليها والله أعلم
(فصل) ولا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها،
ويستحب ذلك عند وجدانها والاشهاد عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد " اعرف
وكاها وعفاصها " وقال في حديث أبي بن كعب " اعرف عفاصها ووكاءها وعددها ثم عرفها سنة "
وفي لفظ عن أبي ابن كعب أنه قال وجدت مائة دينار فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال " عرفها
حولا " " فعرفها حولا فلم تعرف فرجعت إليه فقال اعرف " عدتها ووعاءها ووكاءها واخلطها بمالك فإن جاء
354

ربها فأدها إليه " ففي هذا الحديث أمره بمعرفة صفاتها بعد التعريف وفي غيره أمره بمعرفتها بعين التقاطها
قبل تعريفها وهو الأولى ليحصل عنده علم ذلك فمتى جاء صاحبها فنعتها غلب على ظنه صدقه فدفعها إليه
وان أخر معرفة ذلك إلى حين مجئ باغيها جاز لأن المقصود يحصل حينئذ فإن لم يجئ طالبها فأراد
التصرف فيها بعد الحول لم يجز له حتى يعرف صفاتها لأن عينها تنعدم بالتصرف فلا يبقى له سبيل إلى
معرفة صفاتها إذا جاء طالبها ولذلك ان خلطها بماله على وجه لا تتميز منه فيكون أمر النبي صلى الله
عليه وسلم لأبي بمعرفة صفاتها عند خلطها بماله أمر ايجاب مضيق وأمره لزيد بن خالد بمعرفة ذلك حين
الالتقاط أمر استحباب، قال القاضي ينبغي أن يعرف جنسها ونوعها وان كانت ثيابا عرف لفافتها
وجنسها ويعرف قدرها بالكيل أو الوزن أو العدد أو الذرع ويعرف العقد عليها هل هو عقد واحد
أو أكثر؟ أنشوطة أو غيرها؟ ويعرف صمام القارورة الذي يدخل رأسها وعفاصها الذي يلبسه ويستحب
ان شهد عليها حين يجدها، قال أحمد لا أحب أن يمسها حتى يشهد عليها. فظاهر هذا انه مستحب
غير واجب وانه لا ضمان عليه إذا لم يشهد وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يضمنها إذا
لم يشهد عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل " وهذا أمر
يقتضي الوجوب ولأنه إذا لم يشهد كان الظاهر أنه أخذها لنفسه
ولنا خبر زيد بن خالد وأبي بن كعب فإنه أمرهما بالتعريف دون الاشهاد ولو كان واجبا لبينه
355

فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة سيما وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم اللقطة
فلم يكن ليخل بذكر الواجب فيها فيتعين حمل الامر في حديث عياض على الاستحباب ولأنه أخذ
أمانة فلم يفتقر إلى الاشهاد كالوديعة، والمعنى الذي ذكروه غير صحيح فإنه إذا حفظها وعرفها لم يأخذها
لنفسه وفائدة الاشهاد صيانة نفسه من الطمع فيها وحفظها من ورثته ان مات ومن غرمائه ان أفلس
وإذا أشهد عليها لم يذكر للشهود صفاتها كما قلنا في التعريف لكن يذكر للشهود ما يذكره في التعريف
من الجنس والنوع. قال أحمد في رواية صالح وقد سأله إذا أشهد عليها هل يبين كم هي؟ قال لا،
ولكن يقول قد أصبت لقطة، ويستحب أن يكتب صفاتها ليكون أثبت له مخافة أن ينساها ان اقتصر
على حفظها بقلبه فإن الانسان عرضة النسيان
* (مسألة) * (فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه بنمائها المتصل وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل
الحلول ولو أخذها بعده في أصح الوجهين)
إذا جاء طالب اللقطة فوصفها وجب دفعها إليه بغير بينة سواء غلب على ظنه صدقه أو لم يغلب.
وبهذا قال مالك وأبو عبيد وداود وابن المنذر، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجبر على ذلك الا ببينة
356

ويجوز له دفعها إليه إذا غلب على ظنه صدقه، وقال أصحاب الرأي ان شاء دفعها إليه وأخذ كفيلا بذلك
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " البينة على المدعي " ولان صفة المدعي لا يستحق بها كالمغصوب
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن جاءك أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه "
وظاهر الامر الوجوب، وفي حديث زيد " اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها
وإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه " يعني إذا ذكر صفاتها لأن ذلك هو المذكور في صدر
الحديث ولم يذكر البينة ولو كانت شرطا للدفع لذكرها لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة
ولان إقامة البينة على اللقطة تتعذر لأنها إنما تسقط حال الغفلة فتوقف دفعها على البينة منع لوصولها
إلى صاحبها أبدا وهذا يفوت مقصود الالتقاط ويفضي إلى تفويت أموال الناس وما هذا سبيله يسقط
اعتبار البينة فيه كالانفاق على اليتيم، والجمع بين هذا القول وبين تفصيل الالتقاط على تركه متناقض
لأن الالتقاط حينئذ يكون تضييعا لمال المسلم واتعابا لنفسه بالتعريف الذي لا يفيد والمخاطرة بدينه يتركه
357

الواجب من تعريفها وما هذا سبيله يجب أن يكون حراما فكيف يكون فاضلا، وعلى هذا نقول لو لم يجب
دفعها بالصفة لم يجز التقاطها لما ذكرناه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعي " يعني إذا كان
ثم منكر لقوله في سياقه " واليمين على من أنكر " ولا منكر ههنا على أن البينة تختلف وقد جعل النبي صلى
الله عليه وسلم بينة مدعي اللقطة وصفها فإذا وصفها فقد أقام بينته وقياس اللقطة على المغصوب غير
صحيح فإن النزاع ثم في كونه مغصوبا والأصل عدمه وقول المنكر يعارض دعواه فاحتيج إلى البينة
وههنا قد ثبت كون هذا المال لقطة وإن له صاحبا غير من هو في يده ولا مدعي له إلا الواصف وقد
يرجح صدقه فينبغي أن يدفع إليه.
(فصل) ويدفعها إليه بزيادتها المتصلة والمنفصلة إذا كان قبل الحول لأنها ملكها فإن وجدها زائدة
بعد الحول أخذها بزيادتها المتصلة لأنها تتبع في الرد بالعيب والإقالة فتبعت ههنا وان حدث بعد الحول لها
نماء منفصل فهو للملتقط لأنه نماء ملكه متميز لا يتبع في الفسوخ فكان له كنماء المبيع إذا رد بعيب
358

وذكر أبو الخطاب فيه وجها آخر أنه يكون لصاحب اللقطة بناء على المفلس إذا استرجعت منه العين
بعد أن زادت زيادة متميزة والولد إذا استرجع أبوه ما وهبه له بعد زيادته المنفصلة والصحيح ان
الزيادة للملتقط لما ذكرناه وكذلك الصحيح في الموضعين اللذين ذكرهما ان الزيادة لمن حدثت في
ملكه ثم الفرق بينهما انه في مسئلتنا يضمن النقص فتكون الزيادة له ليكون الخراج بالضمان وثم لا ضمان
عليه فأمكن أن لا يكون الخراج ومتى اختلفا في القيمة أو المثل فالقول قول الملتقط مع يمينه إذا كانت
اللقطة قد استهلكت في يد الملتقط لأنه غارم
* (مسألة) * (وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها وبعده يضمنها)
لأنها أمانة في يده الا أن تكون تلفت أو نقصت بتفريطه كالوديعة وان أتلفها الملتقط أو تلفت
بتفريطه ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال أو بقيمتها ان لم تكن مثلية، قال شيخنا لا أعلم فيه خلافا
359

وان تلفت بعد الحول ثبت في ذمته مثلها أو قيمتها بكل حال لأنها دخلت في ملكه وتلفت من ماله
وسواء فرط أو لم يفرط وان وجد العين ناقصة بعد الحول أخذ العين وأرش النقص لأن جميعها مضمون
إذا تلف فكذلك أرش نقصها، وهذا قول أكثر العلماء الذين حكموا بملكه لها بمضي حول التعريف،
فاما من قال لا يملكها إلا باختياره لم يضمنه إياها حتى يتملكها وحكمها قبل ذلك كحكمها قبل مضي حول
التعريف، ومن قال لا يملك اللقطة بحال لم يضمنه إياها وبهذا قال الحسن والنخعي وأبو مجلز والحارث
العكلي ومالك وأبو يوسف قالوا لا يضمن، وان ضاعت بعد الحول وقد ذكرنا فيما تقدم دليل دخولها
في ملكه وقال داود إذا تملك العين وأتلفها لم يضمنها وحكى ابن أبي موسى عن أحمد انه لوح إلى مثل
هذا القول لحديث عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " فإن جاء ربها والا فهو مال الله يؤتيه
من يشاء " وقوله في حديث أبي بن كعب " فإن جاء من يعرفها وإلا فهي كسبيل مالك " وفي حديث
زيد " فإن جاء صاحبها والا فشأنك بها " وروي " فهي لك " ولم يأمره برد بدلها.
360

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها
يوما من الدهر فادفعها إليه " قال الأثرم قال أحمد اذهب إلى حديث الضحاك بن عثمان جوده
ولم يروه أحد مثل ما رواه ان جاء صاحبها بعد سنة وقد أنفقها ردها إليه ولأنها عين يلزمه ردها
لو كانت باقية فيلزمه ضمانها إذا أتلفها كما قبل الحول ولأنه مال معصوم فلم يجز اسقاط حقه منه مطلقا
كما لو اضطر إلى مال غيره
(فصل) فإن وجد العين بعد خروجها من ملك الملتقط ببيع أو هبة أو نحوهما لم يكن له أخذها
وله أخذ بدلها لأن تصرف الملتقط وقع صحيحا لأنه ملكها فإن صادفها وقد عادت إلى الملتقط بفسخ
أو شراء أو غير ذلك فله أخذها لأنه وجد عين ماله في يد ملتقطه فكان له أخذها كالزوج إذا طلق
361

قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة وسائر الرجوع ههنا كحكم رجوع الزوج على
ما نذكره إن شاء الله تعالى.
* (مسألة) * (وان وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين ذكره أبو الخطاب)
لأنهما تساويا فيما يستحق به الدفع فتساويا فيها كما لو كانت في أيديهما، والوجه الثاني أنه يقرع بينهما
فمن وقعت له القرعة حلف وسلمت إليه ذكره القاضي وهكذا إن أقاما بينتين وهذا الوجه أشبه بأصولنا
فيما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما ولأنهما تداعيا عينا في يد غيرهما وتساويا في البينة أو عدمها فتكون
لمن وقعت له القرعة كما لو ادعيا وديعة في يد إنسان فقال هي لاحدكما لا أعرف عينه، وفارق ما إذا
كانت في أيديهما لأن يد كل واحد منهما على نصفه فرجح قوله فيه
362

* (مسألة) * (فإن أقام آخر بينة أنها له قدم لأن البينة أقوى من الوصف فإن كان الواصف قد
أخذها ردت إلى صاحب البينة لأننا تبينا أنها له، فإن كانت قد هلكت فلصاحبها تضمين من شاء من
الواصف والدافع وبه قال أبو حنيفة والشافعي، ويتخرج أن لا يلزم الملتقط شئ إذا قلنا بوجوب
الدفع عليه لأنه فعل ما أمر به ولم يفرط وهو أمين فلم يضمن كما لو دفعها بأمر الحاكم ولأنه إذا كان
الدفع واجبا عليه يأثم بتركه فكأنه دفع بغير اختياره فلم يضمن كما لو أخذت منه كرها، ووجه الأول
أنه دفع مال غيره إلى غير مستحقه اختيارا منه فضمنه كما لو دفع الوديعة إلي غير مالكها إذا غلب
على ظنه أنه مالكها.
* (مسألة) * (الا أن يدفعها بحكم الحاكم فلا يملك صاحبها مطالبته)
لأنها مأخوذة منه على سبيل القهر فلم يضمنها كما لو غصبها غاصب ومتى ضمن الواصف لم يرجع على أحد لأن العدوان
منه والتلف عنده وان ضمن الدافع رجع على الواصف لأنه كان سبب تغريمه الا أن يكون الملتقط قد أقر للواصف
363

أنها له فإنه لا يرجع عليه لأنه أقر انه مالكها ومستحقها وان صاحب البينة ظلمه بتضمينه فلا يرجع
على غير ظالمه، وان كانت اللقطة قد تلفت عند الملتقط فضمنه إياها رجع على الواصف بما غرمه وليس
لمالكها تضمين الواصف لأن الذي قبضه إنما هو مال الملتقط لا مال صاحب اللقطة بخلاف ما إذا سلم
العين فأما ان وصفها انسان فأخذها ثم جاء آخر فوصفها وادعاها لم يستحق شيئا لأن الأول استحقها
لوصفه إياها وعدم المنازع فيها وثبتت يده عليها ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه فوجب ابقاؤها
في يده كسائر ماله.
(فصل) ولو جاء مدعي اللقطة فلم يصفها ولا أقام بينة أنها له لم يجز دفعها إليه سواء غلب على
ظنه صدقه أو كذبه لأنها أمانة فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها كالوديعة، فإن دفعها فجاء آخر
فوصفها أو أقام بها بينة لزم الدافع غرامتها له لأنه فوتها على مالكها بتفريطه وله الرجوع على مدعيها
لأنه أخذ مال غيره ولصاحبها تضمين آخذها فإذا ضمنه لم يرجع على أحد وان لم يأت أحد يدعيها
364

فللملتقط مطالبة آخذها لأنه لا يأمن مجئ صاحبها فيغرمه إياها ولأنها أمانة في يده فملك الاخذ من
غاصبها كالوديعة.
(فصل) فإن كان الملتقط قد مات واللقطة موجودة قام وارثه مقامه في تعريفها أو اتمامه ان
مات قبل اتمام الحول ويملكها بعد إتمام التعريف وان مات بعد تمام الحول ورثها الوارث كسائر أموال
الميت، ومتى جاء صاحبها أخذها من الوارث كما يأخذها من الموروث وان كانت معدومة العين فصاحبها
غريم للميت بمثلها ان كانت من ذوات الأمثال أو بقيمتها ان لم تكن كذلك فيأخذ ذلك من تركته
ان اتسعت لذلك فإن ضاقت التركة زاحم الغرماء ببدلها سواء تلفت بعد الحول بفعله أو بغير فعله لأنها
قد دخلت في ملكه بمضي الحول، وان علم أنها تلفت قبل الحول بغير تفريط فلا ضمان عليه ولا شئ
لصاحبها لأنها أمانة في يده تلفت بغير تفريط فلم يضمنها كالوديعة وكذلك ان تلفت بعد الحول قبل
تملكها بغير تفريط عند من يرى أنها لا تدخل في ملكه حتى يتملكها أو أنها لا تملك بحال وقد
365

مضى الكلام في ذلك، فأما ان لم يعلم تلفها ولا وجدت في تركته فظاهر كلام الخرقي أنه غريم بها
سواء كان قبل الحول أو بعده ويحتمل أن لا يلزم الملتقط شئ ويسقط حق صاحبها لأن الأصل براءة
ذمة الملتقط منها لأنه يحتمل أن تكون قد تلفت بغير تفريط فلا تشتغل ذمته بالشك ويحتمل أنه إن كان
الموت قبل الحول فلا شئ عليه لأنها كانت أمانة عنده ولم تعلم خيانته فيها والأصل براءة ذمته منها وان
مات بعد الحول فهي في تركته لأن الأصل بقاؤها إلى ما بعد الحول ودخولها في ملكه ووجوب
بدلها عليه. فإن قيل فقد قلتم ان صاحبها لو جاء بعد بيع الملتقط إياها أو هبته لم يكن له إلا بدلها فلم
قلتم انها إذا انتقلت إلى الوارث يملك صاحبها أخذها؟ قلنا لأن الوارث خليفة الموروث وإنما ثبت له الملك
فيها على الوجه الذي كان ثابتا لموروثه وملك موروثه فيها كان مراعى مشروطا بعدم مجئ صاحبها
فكذلك ملك وارثه بخلاف ملك المشتري والمتهب فإنهما يملكان ملكا مستقرا
366

* (فصل) * قال رحمه الله (ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا
يأمن نفسه عليها وقيل يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها)
إذا التقط الغني لقطة وعرفها حولا ملكها كالفقير روي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة وعلي وابن
عباس وعطاء والشعبي والنخعي وطاوس وعكرمة وبه قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال أبو حنيفة ليس له
أن
يتملكها الا أن يكون فقيرا من غير ذوي القربى لما روى عياض بن حمار المجاشعي ان النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال
" من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب فإن وجد صاحبها فليردها عليه
والا فهي مال الله يؤتيه من يشاء " رواه النسائي، قالوا وما يضاف إلى الله تعالى إنما يتملكه من يستحق
الصدقة ونقل حنبل عن أحمد مثل هذا القول وأنكره الخلال وقال ليس هذا مذهبا لأحمد
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد " فإن لم تعرف فاستنفقها - وفي لفظ - فشأنك
بها - وفي لفظ - والا فهي كسبيل مالك " ولان من ملك بالقرض ملك اللقطة كالفقير ومن جاز له الالتقاط
367

ملك به بعد التعريف كالفقير ودعواهم في حديث عياض ان ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملكه الا من
يستحق الصدقة لا دليل عليه وبطلانها ظاهر فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى ملكا وخلقا قال الله
تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
(فصل) ويملك الذمي بالالتقاط كالمسلم وقال بعض أصحاب الشافعي ليس له الالتقاط في دار الاسلام
لأنه ليس من أهل الأمانة
ولنا أنه نوع اكتساب فكان من أهله كالاحتشاش والاحتطاب وما ذكروه يبطل بالصبي
والمجنون فإنه يصح التقاطهما مع عدم الأمانة ومتى عرف اللقطة حولا ملكها كالسلم، وان علم بها الحاكم
أقرها في يده وضم إليه مشرفا عدلا يشرف عليه ويعرفها لأننا لا نأمن الكافر على تعريفها ولا نأمن
أن نحل في التعريف بشئ من الواجب عليه فيه وأجر المشرف عليه فإذا تم حول التعريف ملكها الملتقط
ويحتمل أن تنزع من يد الذمي وتوضع على يدي عدل لأنه غير مأمون عليها
368

(فصل) ويصح التقاط الفاسق لأنها جهة من جهات الكسب فصح التقاطه كالعدل ولأنه إذا صح
التقاط الكافر فالمسلم أولى الا أن الأولى له ألا يأخذها لأنه يعرض نفسه للأمانة وليس من أهلها
وإذا التقطها فعرفها حولا ملكها كالعدل، وان علم الحاكم أو السلطان بها أقرها في يده وضم إليه
مشرفا يشرف عليه ويتولى تعريفها كما قلنا في الذمي وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال في الآخر
ينزعها من يده ويدعها في يد عدل
ولنا أن من خلي بينه وبين الوديعة لم تزل يده عن اللقطة كالعدل والحفظ يحصل بضم المشرف
إليه فأما ان لم يكن المشرف حفظها منه انتزعت من يده وتركت في يد العدل فإذا عرفها ملكها
الملتقط لوجود سبب الملك منه
* (مسألة) * (وان وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها فإذا عرفها فهي لواجدها)
وجملة ذلك أن الصبي والسفيه والمجنون إذا التقط أحدهم لقطة ثبتت يده عليها لعموم الاخبار
ولأنه نوع تكسب فصح منه كالاصطياد والاحتطاب فإن تلفت في يده بغير تفريط فلا ضمان عليه
وان تلفت بتفريطه ضمنها في ماله وإذا علم بها وليه لزمه أخذها منه لأنه ليس من أهل الحفظ والأمانة
فإن تركها في يده ضمنها لأنه يلزمه حفظ ما يتعلق به حق الصبي وهذا يتلف به حقه فإذا تركها
في يده كان مضيعا لها، ويعرفها الولي إذا أخذها لأن واجدها ليس من أهل التعريف فإذا انقضت مدة
369

التعريف دخلت في ملك واجدها لأن سبب التملك تم بشرطه فثبت الملك له كما لو اصطاد صيدا وهذا
مذهب الشافعي الا ان أصحابه قالوا إذا انقضت مدة التعريف فكان الصبي والمجنون بحيث يستقرض
لهما يملكه لهما وإلا فلا وقال بعضهم يتملكه لهم بكل حال لأن الظاهر عدم ظهور صاحبه
فيكون تملكه مصلحة له.
ولنا عموم الاخبار ولو جرى هذا مجرى الاقتراض لما صح التقاط صبي لا يجوز الاقتراض له لأنه
يكون تبرعا بحفظ مال غيره من غير فائدة
(فصل) قال احمد في رواية العباس بن موسى في غلام له عشر سنين التقط لقطة ثم كبر فإن
وجد صاحبها دفعها إليه والا تصدق بها قد مضى اجل التعريف فيما تقدم من السنين ولم ير عليه
استقبال اجل التعريف قال وقد كنت سمعته قبل هذا أو بعده يقول في انقضاء اجل التعريف إذا لم يجد
صاحبها أيتصدق بمال الغير؟ وهذه المسألة قد مضى نحوها فيما إذا لم يعرف الملتقط اللقطة في حولها الأول
فإنه لا يملكها وإن عرفها فيما بعد ذلك لكون التعريف بعده لا يفيد ظاهرا لكون صاحبها ييأس منها ويترك
طلبها، وهذه المسألة تدل على أنه إذا ترك التعريف لعذر فهو كتركه لغير عذر لكون الصبي من أهل
العذر وقد ذكرنا فيه وجهين فيما تقدم، وقال أحمد في غلام لم يبلغ أصاب عشرة دنانير فذهب بها إلى
370

منزله فضاعت فلما بلغ أراد ردها فلم يعرف صاحبها تصدق بها فإن لم يجد عشرة وكان يجحف به تصدق
قليلا قليلا قال القاضي هذا محمول على أنها تلفت بتفريط الصبي وهو أنه لم يعلم وليه حتى يقوم بتعريفها
* (مسألة) * (وإن التقطها عبد فلسيده أخذها منه وتركها معه يتولى تعريفها إن كان عدلا فإن لم
يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته وان أتلفها بعده فهي في ذمته)
يصح التقاط العبد بغير اذن سيده وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر
لا يصح التقاطه لأن اللقطة في الحول الأول أمانة وولاية وفي الثاني تملك والعبد ليس من أهل
الولايات ولا التملك.
ولنا عموم الخبر ولان الالتقاط سبب يملك به الصبي ويصح منه فصح من العبد كالاصطياد
والاحتطاب ولان من جاز له قبول الوديعة صح منه الالتقاط كالحر قولهم ان العبد ليس من أهل
الولايات والأمانات يبطل بالصبي والمجنون فإنهما أدنى حالا منه في هذا، وقولهم ان العبد لا يملك ممنوع
وان سلما فإنه يتملك لسيده كما يحصل بسائر الاكتسابات ولان الالتقاط تخليص مال من الهلاك
فجاز من العبد بغير اذن سيده كانقاذ المال الغريق والمغصوب. إذا ثبت هذا فإن اللقطة تكون أمانة
في يد العبد ان تلفت بغير تفريط في حول التعريف لم يضمن فإن عرفها صح تعريفه لأن له قولا
371

صحيحا فصح تعريفه كالحر فإذا تم حول التعريف ملكها سيده لأن الالتقاط كسب العبد وكسبه لسيده
فإن علم السيد بلقطة عبده كان له انتزاعها منه لأنها من كسب العبد وللسيد انتزاع كسبه من يده فإن
انتزعها بعد أن عرفها العبد ملكها وإن كان لم يعرفها عرفها سيده حولا وإن كان العبد عرفها بعض
الحول عرفها السيد تمامه وللسيد اقرارها في يد العبد إن كان أمينا ويكون مستعينا بعبده في حفظها
كما يستعين به في حفظ ماله، فإن كان العبد غير أمين كان السيد مفرطا باقرارها في يده ولزمه ضمانها
كما لو أخذها من يده وردها لأن يد العبد كيده وما يستحق بها لسيده وان أعتق العبد بعد الالتقاط
فله انتزاع اللقطة من يده لأنها من كسبه واكسابه لسيده، ومتى علم العبد أن سيده غير مأمون عليها
لزمه سترها عنه ويسلمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان، فإن أتلفها العبد في الحول
الأول فهي في رقبته كجناياته وكذلك ان تلفت بتفريطه وان أتلفها بعده فهي في ذمته ان قلنا إن العبد
يملكها بعد التعريف وان قلنا لا يملكها فهو كما لو أتلفها في حول التعريف ويصح ان ينبني ذلك على
استدانة العبد هل تتعلق برقبته أو ذمته؟ على روايتين وقد مر ذكره في الحجر
* (مسألة) * (والمكاتب كالحر في اللقطة) لأن المال له في الحال واكتسابه له دون سيده وهي
من اكتسابه فإن عجز عاد عبدا وصار حكمه في لقطته حكم العبد، وأم الولد والمدبر والمعلق عتقه
بصفة كالقن ومن بعضه حر إذا التقط لقطة فهي بينه وبين سيده إذا لم يكن بينهما مهايأة كالحرين إذا
372

التقطا لقطة وإن كان بينهما مهايأة لم تدخل في المهايأة في أحد الوجهين لأنها كسب نادر لا يعلم وجوده
ولا يظن فلم يدخل في المهايأة كالإرث. فعلى هذا يكون بينهما والثاني يدخل في المهايأة لأنها من كسبه
اشبهت سائر أكسابه فيكون لمن يوجد في يومه وكذلك الحكم في الهدية والوصية وسائر
الأكساب النادرة فيها الوجهان، فإن كان العبد بين اثنين شركة فلقطته بينهما على ما ذكرنا فيمن
بعضه حر والله أعلم.
373

باب اللقيط
وهو الطفل المنبوذ اللقيط بمعنى الملقوط كالقتيل والجريح والتقاطه واجب لقول الله تعالى
(وتعاونوا على البر والتقوى) ولان فيه إحياء نفسه فكان واجبا كاطعامه إذا اضطر وانجائه من
الغرق، وهو من فروض الكفايات إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وإن تركه الجماعة أثموا
كلهم إذا تركوه مع امكان أخذه، وقد روي عن سنين أبي جميلة قال: وجدت ملقوطا فأتيت به
عمر رضي الله عنه فقال عريفي يا أمير المؤمنين انه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال نعم قال:
فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته، رواه سعيد عن سفيان عن الزهري سمع سنينا أبا جميلة بهذا
وقال وعلينا رضاعه.
* (مسألة) * (وهو حر) اللقيط حر في قول عامة أهل العلم إلا النخعي قال ابن المنذر أجمع
عوام أهل العلم على أن اللقيط حر، روي هذا القول عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وبه قال عمر بن
عبد العزيز والشعبي والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي ومن تبعهم
وقال النخعي: ان التقطه للحسبة فهو حر وإن كان أراد أن يسترقه فذلك له، وهذا قول شذ فيه عن
الخلفاء والعلماء ولا يصح في النظر فإن الأصل في الآدميين الحرية فإن الله تعالى خلق آدم وذريته
أحرارا وإنما الرق لعارض فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل
374

* (مسألة) * (ينفق عليه من بيت المال إن لم يوجد معه ما ينفق عليه)
إذا لم يوجد مع اللقيط شئ لم يلزم الملتقط الانفاق عليه في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر
أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط، كوجوب نفقة الولد،
وذلك لأن أسباب وجوب النفقة من القرابة والزوجية والملك والولاء منفية فالالتقاط إنما هو تخليص له
من الهلاك وتبرع بحفظه فلا يوجب ذلك النفقة كما لو فعله بغير اللقيط، تجب نفقته في بيت المال لقول
عمر رضي الله عنه في حديث أبي جميلة: اذهب فهو حر ولك ولاؤه، وعلينا نفقته، وفي رواية: من
بيت المال ولان بيت المال وارثه وماله مصروف إليه فكانت نفقته عليه كقرابته ومولاه. فإن تعذر
الانفاق عليه من بيت المال لسكونه لا مال فيه أو كان في مكان لا إمام فيه أو لم يعط شيئا فعلى من علم
حاله من المسلمين الانفاق عليه لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولان في ترك
الانفاق عليه هلاكه، وحفظه من ذلك واجب كانقاذه من الغرق وهو فرض كفاية، ومن أنفق
عليه متبرعا فلا شئ له سواء كان الملتقط أو غيره، وإن لم يتبرع أحد بالانفاق عليه فأنفق عليه الملتقط
أو غيره محتسبا بالرجوع عليه إذا أيسر وكان ذلك بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت النفقة قصدا
بالمعروف وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي والشافعي، فإن أنفق بغير أمر الحاكم محتسبا بالرجوع
375

عليه فقال احمد تؤدى النفقة من بيت المال، وقال شريح والنخعي يرجع عليه بالنفقة إذا أشهد عليه
يحلف ما أنفق احتسابا فإن حلف استسعي، وقال الشعبي ومالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة
ومحمد بن الحسن والشافعي وابن المنذر لا يرجع بشئ لأنه أنفق عليه من غير اذنه ولا اذن وليه
ولا اذن الحاكم فلم يرجع بشئ كما لو تبرع به.
ولنا أنه أداء مال وجب على غيره فكان له الرجوع على من كان الوجوب عليه كالضامن إذا
قضى عن المضمون عنه.
* (مسألة) * (ويحكم باسلامه إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا فإن كان
فيه مسلم فعلى وجهين).
إذا وجد اللقيط في دار الاسلام فهو محكوم باسلامه وإن كان فيها أهل الذمة تغليبا للاسلام
ولظاهر الدار ولان الاسلام يعلو ولا يعلى ودار الاسلام قسمان:
(أحدهما) ما اختطه المسلمون كبغداد والبصرة فلقيطها محكوم باسلامه على ما ذكرنا
(الثاني) دار فتحها المسلمون كمدائن الشام فهذه إن كان فيها مسلم حكم باسلام لقيطها لأنه يحتمل أن يكون لذلك
المسلم تغليبا للاسلام وان لم يكن فيها مسلم بل كان أهلها أهل ذمة حكم بكفره لأن تغليب حكم الاسلام
إنما يكون مع الاحتمال. فاما بلد الكفار فضربان أحدهما بلد كان للمسلمين فغلب الكفار عليه كالساحل
376

فهذا كالقسم الذي قبله وإن كان فيه مسلم حكم باسلام لقيطه وان لم يكن فيه مسلم فهو كافر، وقال
القاضي يحكم باسلامه أيضا لأنه يحتمل أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه بخلاف الذي قبله فإنه لا حاجة
به إلى كتم إيمانه في دار الاسلام (الثاني) دار لم تكن للمسلمين أصلا كبلاد الهند والروم فإن لم يكن
فيها مسلم فلقيطها كافر لأن الدار لهم وأهلها منهم، وإن كان فيها مسلمون كالتجار وغيرهم ففيه وجهان
(أحدهما) يحكم باسلامه تغليبا للاسلام والثاني يحكم بكفره تغليبا للدار والأكثر وهذا التفصيل مذهب
الشافعي وقال ابن المنذر أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي
مكان وجد أنه يجب غسله ودفنه في مقابر المسلمين وقد منعوا أن يدفن أطفال المشركين في مقابر
المسلمين قال وإذا وجد لقيط في قرية ليس فيها إلا مشرك فهو على ظاهر ما حكموا به أنه كافر هذا
قول الشافعي وأصحاب الرأي.
* (مسألة) * (وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان
مشدود بثيابه فهو له، وإن كان مدفونا تحته أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين)
وجملة ذلك أن ما وجد مع اللقيط فهو له ينفق عليه منه وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأن
الطفل يملك وله يد صحيحة بدليل أنه يرث ويورث ويصح أن يشتري له وليه ويبيع ومن له ملك
377

صحيح فله يد صحيحة كالبلغ. إذا ثبت هذا فكل ما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعته فهو تحت يده ويثبت
بذلك ملكا له في الظاهر، فمن ذلك ما كان لابسا له أو مشدودا في ملبوسه أو في يديه أو تحته أو مجعولا
فيه كالسرير والسفط وما فيه من فرش أو دراهم والثياب التي تحته والتي عليه، وإن كان مشدودا
على دابة أو كانت مشدودة في ثيابه أو كان في خيمة أو دار فهي له وأما المنفصل عنه فإن كان
بعيدا منه فليس في يده، وإن كان قريبا منه كثوب موضوع إلى جانبه ففيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك
لأنه منفصل عنه فهو كالبعيد (والثاني) هو له ولان الظاهر أنه ترك له فهو كالذي تحته ولان القريب
من البالغ يكون في يده، ألا ترى أن الرجل يقعد في السوق ومتاعه بقربه ويحكم بأنه في يده والحمال
إذا جلس للاستراحة ترك حمله قريبا منه وهذا أصح، فأما المدفون تحته فقال ابن عقيل إن كان الحفر
طريا فهو له وإلا فلا لأن الظاهر أنه إذا كان طريا فواضع اللقيط حفره وإذا لم يكن طريا كان
مدفونا قبل وضعه وقيل ليس هو له بحال لأنه بموضع لا يستحقه إذا لم يكن الحفر طريا فلم يكن له
إذا كان طريا كالبعيد منه، ولان الظاهر أنه لو كان له لشده واضعه في ثيابه ليعلم به ولم يتركه في مكان
لا يطلع عليه وكان ما حكمنا بأنه ليس له فحكمه حكم اللقطة أو الركاز
* (مسألة) * (وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا لأن عمر رضي الله عنه أقر اللقيط في
يد أبي جميلة حين قال عريفه انه رجل صالح ولأنه سبق إليه فكان أولى به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من
378

سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وهل يجب الاشهاد عليه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يجب كما لا يجب
الاشهاد في اللقطة (والثاني) يجب لأن القصد بالاشهاد حفظ النسب والحرية فاختص بوجوب الشهادة
كالنكاح، وفارق اللقطة فإن المقصود منها حفظ المال فلم يجب الاشهاد فيها كالبيع
* (مسألة) * (وله الانفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم، وعنه ما يدل على أنه لا ينفق
عليه إلا باذنه)
وجملة ذلك أنه ينفق على اللقيط مما وجد معه وما حكم له به فإن كان فيه كفايته لم تجب نفقته
على أحد لأنه ذو مال فأشبه غيره من الناس ولملتقطه الانفاق عليه منه بغير اذن الحاكم ذكره ابن
حامد لأنه وليه فلم يعتبر في الانفاق عليه إذن الحاكم كولي اليتيم ولان هذا من الامر بالمعروف فاستوى
فيه الإمام وغيره كتبديد الخمر، وروى أبو الحارث عن أحمد في رجل أودع رجلا مالا وغاب وطالت
غيبته وله ولد ولا نفقة له هل ينفق عليهم هذا المستودع من مال الغائب فقال تقوم امرأته إلى الحاكم
حتى يأمره بالانفاق عليهم فلم يجعل له الانفاق من غير إذن الحاكم فقال بعض أصحابنا هذا مثله
والصحيح أن هذا مخالف له من وجهين (أحدهما) أن الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله فإن له
ولاية أخذه وحفظه (والثاني) أنه ينفق على اللقيط من ماله وهذا بخلافه ولان الانفاق على الصبي من
مال الله مشروط بكون الصبي محتاجا إلى ذلك لعدم ماله وعدم نفقة تركها أبوه برسمه وذلك لا يقيل
379

فيه قول المودع فاحتيج إلى اثبات ذلك عند الحاكم ولا كذلك في مسئلتنا فلا يلزم من وجوب
استئذان الحاكم ثم وجوبه في اللقيط، ومتى لم يجد حاكما فله الانفاق بكل حال لأنه حال ضرورة
وقال الشافعي ليس له أن ينفق بغير إذن حاكم في موضع يجد حاكما وان أنفق ضمنه بمنزلة ما لو كان
لأبي الصغير وديعة عند إنسان فأنفق عليه منها وذلك لأنه لا ولاية له على ماله وإنما له حق الحضانة
فإن لم يجد حاكما ففي جواز الانفاق وجهان
ولنا ما ذكرناه ابتداء ولا نسلم أنه لا ولاية له على ماله فانا قد بينا أن له أخذه وحفظه وهو
أولى الناس، به وذكرنا الفرق بين اللقيط وبين ما قاسوا عليه. إذا ثبت هذا فالمستحب أن يستأذن
الحاكم في موضع يجد حاكما لأنه أبعد من التهمة وأقطع للظنة وفيه خروج من الخلاف وحفظ لماله
من أن يرجع عليه بما أنفق وينبغي أن ينفق، عليه بالمعروف كما ذكرنا في ولي اليتيم فإن بلغ اللقيط
واختلفا في قدر ما أنفق وفي التفريط في الانفاق فالقول قول المنفق لأنه أمين فكان القول قوله
في ذلك كولي اليتيم.
* (مسألة) * (فإن كان الملتقط فاسقا لم تقر في يده وهو قول الشافعي) لأن حفظه للولاية عليه
ولا ولاية لفاسق وظاهر كلام الخرقي أنه يقر في يده لقوله وان لم يكن من وجد اللقيط أمينا منع من
السفر به لئلا يدعي رقه، فعلى قوله ينبغي أن يجب الاشهاد عليه ويضم إليه من يشرف عليه لأننا إذا
380

ضمنا إليه في اللقطة من يشرف عليه فههنا أولى قال القاضي والمذهب أنه ينزع من يده، ويفارق اللقطة
من ثلاثة أوجه (أحدها) أن في اللقطة معنى الكسب وليس ههنا إلا الولاية (الثاني) أن اللقطة لو أنزعناها
منه رددناها إليه بعد الحول فلذلك احتطنا عليها مع بقائها في يده وههنا لا يرد إليه بعد الانتزاع منه
بحال فكان الانتزاع أحفظ (والثالث) أن المقصود ثم حفظ المال ويمكن الاحتياط عليه بان يستظهر
عليه في التعريف أو ينصب الحاكم من يعرفها وههنا المقصود حفظ الحرية والنسب ولا سبيل إلى
الاستظهار عليه لأنه قد يدعي رقه في بعض البلدان أو في بعض الزمان ولان اللقطة إنما يحتاج إلى
حفظها والاحتياط عليها عاما واحدا وهذا يحتاج إلى الاحتياط عليه في جميع زمانه وقد ذكرنا أن
ظاهر قول الخرقي أنه لا ينزع منه لأنه قد ثبتت له الولاية بالتقاطه إياه وسبقه إليه وأمكن حفظه في
يديه بالاشهاد عليه وضم أمين يشارفه إليه ويشيع أمره فيظهر أنه لقيط فينحفظ بذلك من غير زوال
ولايته جمعا بين الحقين كاللقطة وكما لو كان الوصي خائنا، قال شيخنا وما ذكره القاضي من الترجيح
للقطه يمكن معارضته بان اللقيط ظاهر مكشوف لا تخفى الخيانة فيه بخلاف اللقطة فإنها خفية تتطرق إليها
الخيانة ولا يعلم بها ويمكن أخذ بعضها وتنقيصها وابدالها بخلاف اللقيط، ولان المال محل الخيانة والنفوس
إلى أخذه داعية بخلاف النفوس فعلى هذا متى أراد هذا الملتقط السفر باللقيط منع منه لأنه يبعده ممن عرف
حاله فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه
381

(فصل) فإن كان الملتقط مستور الحال لم تعرف منه حقيقة العدالة ولا خيانة أقر اللقيط في يديه
لأن حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفي أكثر الأحكام لأن
الأصل في المسلم العدالة ولذلك قال عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض فإن أراد السفر
بلقيطه ففيه وجهان (أحدهما) لا يقر في يديه وهو مذهب الشافعي لأنه لم تتحقق أمانته فلا تؤمن
الخيانة منه فيه (والثاني) يقر في يديه لأنه يقر في يديه في الحضر من غير مشرف يضم إليه فأشبه العدل
ولان الظاهر الستر والصيانة، فأما من عرفت عدالته وظهرت أمانته فيقر اللقيط في يده حضرا وسفرا
لأنه مأمون إذا كان سفره لغير النقلة
* (مسألة) * (فإن كان الملتقط رقيقا لم يقر في يده)
وجملته أنه ليس للعبد التقاط الطفل المنبوذ إذا وجد من يلتقطه سواه لأن منافعه مملوكة لسيده
فلا يذهبها في غير نفعه الا باذنه ولأنه لا يثبت على اللقيط الا الولاية ولا ولاية لعبد فإن التقطه لم
يقر في يده الا باذن السيد فإن أذن له أقر في يده لأنه استعان به في ذلك فصار كما لو التقطه سيده
وسلمه إليه، قال ابن عقيل إذا أذن له السيد لم يكن له الرجوع بعد ذلك وصار كما لو التقطه السيد
والحكم في الأمة كالحكم في العبد، فاما ان لم يجد أحدا يلتقطه سواه وجب التقاطه لأنه تخليص له
382

من الهلاك فهو كتخليصه من الغرق، والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن وكذلك المكاتب لأنه
ليس له التبرع بماله ولا بمنافعه الا أن يأذن له سيده في ذلك
* (مسألة) * (أو كافرا واللقيط مسلم)
ليس للكافر التقاط من حكم باسلامه لأنه لا ولاية لكافر على مسلم ولأنه لا يؤمن أن يعلمه
الكفر بل الظاهر أنه يربيه على دينه وينشأ على ذلك كولده فإن التقطه لم يقر في يده فإن كان الطفل
محكوما بكفره فله التقاطه لأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض
* (مسألة) * (أو بدويا ينتقل في المواضع ففيه وجهان)
(أحدهما) أنه يقر في يده لأن الظاهر أنه ابن بدويين واقراره في يد ملتقطه أرجى لكشف
نسبه (والثاني) يؤخذ منه فيدفع إلى صاحب قرية لأنه أرفه له وأخف عليه
* (مسألة) * (وان وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده لوجهين)
(أحدهما) أن مقامه في الحضر أصل له في دينه ودنياه وأرفه له (والثاني) أنه إذا وجد في الحضر
فالظاهر أنه ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به
* (مسألة) * (وان التقطه في البادية مقيم في حلة أقر في يده لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء
إلى الرفاهية والدعة والدين
383

* (مسألة) * (وان التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد آخر للإقامة فيه لم يجز في أحد الوجهين)
لأن بقاءه في بلده أرجى لكشف نسبه فلم يقر في يده قياسا على المنتقل به إلى البادية (والثاني)
يقر في يده والبلد الثاني كالأول في الرفاهية فيقر في يده كالمنتقل من أحد جانبي البلد إلى الجانب
الآخر وفارق المنتقل به إلى البادية لأنه يضر به بتفويت الرفاهية عليه
* (مسألة) * (وان التقطه اثنان قدم الموسر على المعسر والحاضر على المسافر فإن استويا وتشاحا أقرع بينهما)
إذا التقطه اثنان وتناولاه تناولا واحدا لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون أحدهما
ممن يقر في يده كالمسلم العدل الحر والآخر لا يقر في يديه كالكافر إذا كان الملتقط
التقطه وحده ولان الشريك لو التقطه وحده لم يسلم إليه فإذا شاركه من هو من أهل الالتقاط
كان أولى بالتسليم إليه واقراره في يده (والثاني) أن يكونا جميعا ممن لا يقر في يدي واحد منهما فإنه
ينزع منهما ويسلم إلى غيرهما (الثالث) أن يكون كل واحد منهما ممن يقر في يده لو انفرد الا أن أحدهما
أحظ للقيط من الآخر بأن يكون أحدهما موسرا والآخر معسرا فالموسر أحق لأن ذلك أحظ
للطفل وكذلك إن كان أحدهما مقيما والآخر مسافرا لأنه أرفق بالطفل
(فصل) وان التقط مسلم وكافر طفلا محكوما بكفره فالمسلم أحق وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي
384

هما سواء لأن للكافر ولاية على الكافر ويقر في يده إذا انفرد بالتقاطه فساوى المسلم في ذلك
ولنا أن دفعه إلى المسلم أحظ له لأنه يصير مسلما فيسعد في الدنيا والآخرة وينجو من النار
ويتخلص من الجزية والصغار، فالترجيح بهذا أولى من الترجيح باليسار الذي إنما يتعلق به توسعة
عليه في الانفاق وقد يكون الموسر بخيلا فلا تحصل التوسعة فإن تعارض الترجيحان فكان المسلم فقيرا
والكافر موسرا فالمسلم أولى لأن النفع الحاصل له باسلامه أعظم من النفع الحاصل له بيساره مع
كفره وعندهم يقدم الكافر وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل
لأن حظ الطفل عنده أكثر من الجهة التي يحصل له الحظ فيها باليسار، فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما
وإذا تساويا في الأوصاف التي تقتضي تقديم أحدهما على الآخر فرضي أحدهما بتسليمه إلى صاحبه
جاز لأن الحق له فلا يمنع من الايثار به وان تشاحا أقرع بينهما لقوله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون
أقلامهم أيهم يكفل مريم) ولأنه لا يمكن كونه عندهما في حالة واحدة وان تهايأه يوما ويوما أو أكثر أضر
بالطفل لاختلاف الأغذية عليه والانس والألف ولا يمكن دفعه إلى أحدهما من غير قرعة لأن حقهما
متساو فتقديم أحدهما بغير قرعة تحكم لا يجوز فتعين الاقراع بينهما كما يقرع بين الشركاء في تعيين
السهام في القسمة وبين النساء في البداية بالقسمة وبين العبيد في الاعتاق والرجل والمرأة سواء ولا
385

ترجح المرأة ههنا كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه لأنها رجحت ثم لشفقتها على ولدها وتوليها
لحضانته بنفسها والأب يحضنه بأجنبية فكانت أمه أحظ له وأرفق به أما ههنا فهي أجنبية من اللقيط
والرجل يحضنه بأجنبية فاستوتا، ومذهب الشافعي على ما ذكرنا فإن كان أحدهما مستور الحال والآخر
ظاهر العدالة احتمل ترجيح ظاهر العدالة لأن المانع من الالتقاط منتف في حقه بغير شك والآخر
مشكوك فيه فيكون الحظ للطفل في تسليمه إليه أتم ويحتمل أن يتساويا لأن احتمال وجود المانع
لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح
(فصل) فإن رأياه جميعا فسبق إليه أحدهما فأخذه أو وضع يده عليه فهو أحق به لقوله عليه
السلام " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " فإن رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق إلى اخذه
الآخر فالسابق إلى أخذه أحق لأن الالتقاط هو الاخذ دون الرؤية فإن قال أحدهما لصاحبه
ناولنيه فأخذه الآخر نظرنا إلى نيته فإن نوى أخذه لنفسه فهو أحق به كما لو لم يأمره الآخر بمناولته
إياه وان نوى مناولته فهو للآخر لأنه فعل ذلك بنية النيابة عنه فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح
* (مسألة) * (فإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة)
لأنها أقوى فإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا لأن الثاني إنما أخذ ما قد ثبت
الحق فيه لغيره فإن استوى تاريخهما أو اطلقتا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى تعارضتا وهل
386

يسقطان أو يستعملان؟ فيه وجهان (أحدهما) يسقطان فيصيران كمن لا بينة لهما (والثاني) يستعملان
ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه فهو أولى، ونذكر ذلك في بابه إن شاء الله تعالى فإن كان اللقيط في
يد أحدهما فهل تقدم بينته أو تقدم بينة الخارج فيه وجهان مبنيان على الروايتين في دعوى المال
* (مسألة) * (فإن لم يكن لهما بينة قدم صاحب اليد فيكون القول قوله مع يمينه أنه التقطه)
ذكره أبو الخطاب وهو قول الشافعي وقال القاضي قياس المذهب أنه لا يحلف كما في الطلاق والنكاح
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين
على المدعى عليه " رواه مسلم
* (مسألة) * (فإن كان في أيديهما أقرع بينهما فيسلم إلى من تقع له القرعة مع يمينه)
وعلى قول القاضي لا يشرع اليمين ههنا ويسلم إليه بمجرد وقوع القرعة له
* (مسألة) * (فإن لم يكن لهما يد فوصفه أحدهما قدم)
نحو ان يقول في ظهره شامة أو بجسده علامة فيقدم بذلك ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي
حنيفة وقال الشافعي لا يقدم بالصفة كما لو وصف المدعي المدعى فإن دعواه لا تقدم بذلك
ولنا أن ه‍؟ ا نوع من اللقطة فقدم بوصفها كلقطة المال ولان ذلك يدل على قوة يده فكان
387

مقدما بها، وقياس اللقيط على اللقطة أولى من قياسه على غيرها لأن اللقيط لقطة، وان لم يصفه أحدهما
فقال القاضي وأبو الخطاب يسلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما لأنه لا حق لهما قال شيخنا والأولى
أن يقرع بينهما كما لو كان في أيديهما لأنهما تنازعا حقا في يد غيرهما أشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما
* (فصل) * قال رحمه الله (وميراث اللقيط وديته ان قتل لبيت المال ان لم يخلف وارثا، ولا ولاء عليه)
وإنما يرثه المسلمون لأنهم خولوا كل مال لا مالك له ولأنهم يرثون مال من لا وارث له غير اللقيط
فكذلك اللقيط وهو قول مالك والشافعي وأكثر أهل العلم، وقال شريح وإسحاق عليه الولاء لملتقطه
لقول عمر رضي الله عنه لأبي جميلة في لقيطه هو حر ولك ولاؤه ولما روى واثلة بن الأسقع قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرأة تحوز ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " أخرجه أبو داود
والترمذي وقال حديث حسن
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " ولأنه لم يثبت عليه رق ولا على آبائه فلم يثبت عليه
ولاء كمعروف النسب ولأنه لا ولاء عليه إن كان ابن حرين، وإن كان ابن معتقين فلا يكون عليه ولاء
لغير معتقهما وحديث واثلة لا يثبت قاله ابن المنذر وقال في خبر عمر أبو جميلة رجل مجهول لا تقوم بحديثه
حجة، ويحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه عنى بقوله لك ولاؤه ولاية القيام به وحفظه ولذلك ذكره
عقيب قول عريفه أنه رجل صالح وهذا يقتضي تفويض الولاية إليه لكونه مأمونا عليه دون الميراث
388

إذا ثبت هذا فحكم اللقيط في الميراث حكم من عرف نسبه وانقرض أهله يدفع إلى بيت المال إذا لم
يكن له وارث فإن كانت له زوجة فلها الربع والباقي لبيت المال كمن عرف نسبه والله أعلم فإن قتل خطأ فالدية
لبيت المال لأن حكمها حكم الميراث وهو لبيت المال كذلك الدية
* (مسألة) * (وان قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وان شاء أخذ الدية)
أي ذلك فعل جاز إذا رآه أصلح وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر الا أن أبا حنيفة يخيره
بين القصاص والمصالحة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فالسلطان ولي من لا ولي له " ومتى عفا على
مال أو صالح عليه كان لبيت المال كجناية الخطأ الموجبة للمال.
* (مسألة) * (وان قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه إلا أن يكون فقيرا مجنونا فللإمام العفو على
مال ينفقه عليه)
إذا جني على اللقيط جناية فيما دون النفس توجب المال قبل بلوغه فلوليه أخذ الأرش وان كانت
موجبة للقصاص وله مال يكفيه وقف الامر على بلوغه ليقتص أو يعفو سواء كان عاقلا أو معتوها
وكذلك ان لم يكن له مال وكان عاقلا وإن كان معتوها فللإمام العفو على مال ينفق عليه لأن المعتوه
ليست له حال معلومة تنتظر لأن ذلك قد يدوم به بخلاف العاقل فإن له حالة تنتظر ويحبس الجاني
في الحال التي ينتظر بلوغه حتى يبلغ ويستوفي لنفسه وهذا مذهب الشافعي وقد روي عن أحمد أن
389

للإمام استيفاء القصاص له قبل بلوغه وهو مذهب أبي حنيفة لأنه أحد نوعي القصاص فكان للإمام
استيفاؤه عن اللقيط كالنفس
ولنا أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على من هو له كما لو كان بالغا غائبا، وفارق القصاص في النفس لأن القصاص ليس هو له بل هو لوارثه والإمام المتولي له
(فصل) إذا جنى اللقيط جناية تحملها العاقلة فهي على بيت المال لأن ميراثه له ونفقته عليه وان
جنى جناية لا تحملها العاقلة فحكمه فيها حكم غير اللقيط ان كانت توجب القصاص وهو بالغ عاقل اقتص
منه وان كانت موجبة للمال وله مال استوفي منه والا كان في ذمته حتى يوسر وان قذف اللقيط بعد
بلوغه محصنا حد ثمانين لأنه حر
* (مسألة) * وان ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط)
إذا قذف اللقيط قاذف وهو محصن فعليه الحد فإن ادعى القاذف رقه فصدقه اللقيط سقط الحد
لاقرار المستحق بسقوطه وان ادعى أنه عبد فصدقه وجب على القاذف التعزير لقذفه من ليس بمحصن
وان كذبه اللقيط فالقول قوله لأنه محكوم بحريته فقوله موافق للظاهر ولذلك أوجبنا عليه حد الحر
إذا كان قاذفا، وان ادعى الجاني رقه وكذبه اللقيط وادعى الحرية أوجبنا له القصاص وإن كان الجاني
390

حرا لما ذكرنا، قال شيخنا ويحتمل أن يكون القول قول القاذف لأنه يحتمل صحة قوله بأن يكون ابن
أمة فيكون ذلك شبهة والحد يندرئ بالشبهات، وفارق القصاص له إذا ادعى الجاني عليه أنه عبد لأن
القصاص ليس بحد وإنما وجب حقا لآدمي ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله بخلاف حد القذف
وإن قلنا إن القذف حق لآدمي فهو كالقصاص ويخرج من هذا أن اللقيط إذا كان قاذفا فادعى أنه
عبد ليجب عليه حد العبد قبل منه لذلك والأول أصح لأن من كان محكوما بحريته لا يسقط الحد
عن قاذفه باحتمال رقه بدليل مجهول النسب ولو سقط لهذا الاحتمال لسقط وان لم يدع القاذف رقه
لأنه موجود وان لم يدعه.
* (مسألة) * (وإذا ادعى انسان أنه مملوكه لم يقبل الا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه
ويحتمل أن لا يعتبر قولها في ملكه)
وجملة ذلك أنه إذا ادعى رق اللقيط مدع سمعت دعواه لأنها ممكنة وان كانت مخالفة لظاهر الدار
فإن لم يكن له بينة فلا شئ له لأنها دعوى تخالف الظاهر، وتفارق دعوى النسب من وجهين (أحدهما)
أن دعوى النسب لا تخالف الظاهر ودعوى الرق تخالفه (والثاني) أن دعوى النسب يثبت بها حقا للقيط
ودعوى الرق يثبت بها حقا عليه فلم تقبل بمجردها كما لو ادعى رق غير اللقيط فإن لم يكن له بينة
سقطت الدعوى وان كانت له بينة فشهدت بالملك أو باليد لم يقبل فيه الا شهادة رجلين أو رجل
391

وامرأتين وان شهدت بالولادة قبل فيه رجل واحد وامرأة واحدة لأنه مما لا يطلع عليه الرجال ومتى
شهدت البينة باليد فإن كانت للملتقط لم يثبت بها ملك لأننا عرفنا سبب يده وان كانت لأجنبي حكم له
باليد والقول قوله مع يمينه في الملك، وان شهدت بالملك فقالت نشهد أنه عبده أو مملوكه حكم بها وإن لم
تذكر سبب الملك كما لو شهدت بملك دار أو ثوب فإن شهدت بأن أمته ولدته في ملكه حكم له به لأن
أمته لا تلد في ملكه الا ملكه وان شهد أنه ابن أمته أو أن أمته ولدته ولم يقل في ملكه احتمل ان
يثبت له الملك بذلك كقولها في ملكه لأن أمته ملكه فنماؤها ملكه كسمنها واحتمل أن لا يثبت به
الملك لأنه يجوز ان تلده قبل ملكه إياها فلا يكون له وهو ابن أمته
(فصل) فإن كانت الدعوى بعد بلوغ اللقيط كلف إجابته فإن أنكر ولا بينة للمدعي لم
تقبل دعواه وان كانت له بينة حكم بها فإن كان اللقيط قد تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته
لأن تصرفه كان بغير اذن مالكه.
* (مسألة) * (وان أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل وعنه يقبل وقال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة
وهل يقبل في غيره؟ على روايتين)
إذا ادعى انسان رق اللقيط بعد بلوغه فصدقه وكان قد اعترف بالحرية لنفسه قبل ذلك لم يقبل
اقراره بالرق لأنه اعترف بالحرية وهي حق لله تعالى فلا يقبل رجوعه في إبطالها، وان لم يكن اعترف
392

بالحرية احتمل وجهين (أحدهما) يقبل وهو قول أصحاب الرأي لأنه مجهول الحال أقر بالرق فقبل
كما لو قدم رجلان من دار الحرب فأقر أحدهما للآخر بالرق وكاقراره بالحد والقصاص في نفسه فإنه
يقبل وان تضمن فوات نفسه ويحتمل أن لا يقبل قال شيخنا وهو الصحيح لأنه يبطل به حق الله تعالى
في الحرية المحكوم بها فلم يصح كما لو أقر بالحرية قبل ذلك ولان الطفل المنبوذ لا يعلم رق نفسه ولا
حريتها ولم يتجدد له حال يعرف به رق نفسه لأنه في تلك الحال ممن لا يعقل ولم يتجدد له رق بعد
التقاطه فكان إقراره باطلا وهذا قول ابن القاسم وابن المنذر وللشافعي وجهان كما ذكرنا فإن قلنا يقبل
اقراره صارت أحكامه أحكام العبيد فيما عليه خاصة وهذا الذي قاله القاضي، وبه قال أبو حنيفة
والمزني وهو أحد قولي الشافعي لأنه أقر بما يوجب حقا عليه وحقا له فوجب ان يثبت ما عليه دون
ما له كما لو قال لفلان علي الف ولي عنده رهن وفيه وجه آخر أنه يقبل اقراره في الجميع وهو القول
الثاني للشافعي لأنه يثبت ما عليه فيثبت ماله كالبينة ولأن هذه الأحكام تبع للرق فإذا ثبت الأصل بقوله
ثبت التبع كما لو شهدت امرأة بالولادة ثبتت وثبت النسب تبعا لها
(فصل) فاما ان أقر بالرق ابتداء الانسان فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا وان كذبه بطل اقراره
فإن أقر به بعد ذلك لرجل آخر جاز، وقال بعض أصحابنا يتوجه أن لا يسمع اقراره الثاني لأن اقراره
الأول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له فإذا بطل اقراره برد المقر له بقي الاعتراف بنفي
مالك له غيره فلم يقبل اقراره بما نفاه كما لو أقر بالحرية ثم أقر بعد ذلك بالرق
393

ولنا أنه إقرار لم يقبله المقر له فلم يمنع اقراره ثانيا كما لو أقر له بثوب ثم أقر به لآخر بعد رد
الأول وفارق الاقرار بالحرية فإن الاقرار بها لم يبطل ولم يرد
(فصل) فإذا قبلنا إقراره بالرق بعد نكاحه وهو ذكر وكان قبل الدخول فسد النكاح في حقه لأنه عبد
تزوج بغير اذن مواليه ولها عليه نصف المهر لأنه حق عليه فلم يسقط بقوله وإن كان بعد الدخول فسد نكاحه
وليه المهر كله لما ذكرنا لأن الزوج يملك الطلاق فإذا أقر به قبل وولده حر تابع لامه وإن كان متزوجا بأمه فولده
لسيدها ويتعلق المهر برقبته لأن ذلك من جناياته يفديه سيده أو يسلمه وإن كان في يده كسب استوفي المهر منه
لأنه لم يثبت اقراره به لسيده بالنسبة إلى امرأته ولا ينقطع حقها منه باقراره، وإن قلنا يقبل قوله
في جميع الأحكام فالنكاح فاسد لكونه تزوج بغير اذن سيده ويفرق بينهما ولا مهر لها عليه إن لم يكن
دخل بها، وإن كان دخل بها فلها عليه المهر المسمى في إحدى الروايتين والأخرى خمساه
(فصل) وإن كان اللقيط أنثى وقلنا يقبل فيما عليه خاصة فالنكاح صحيح في حقه فإن كان قبل
الدخول فلا مهر لها لاقرارها بفساد نكاحها أو أنها أمة تزوجت بغير اذن سيدها والنكاح الفاسد
لا يجب المهر فيه إلا بالدخول وإن كان دخل بها لم يسقط مهرها ولسيدها الأقل من المسمى أو مهر
المثل لأن المسمى إن كان أقل فالزوج ينكر وجوب الزيادة عليه وقولها غير مقبول في حقه وإن كان
الأقل مهر المثل فهي وسيدها يقران بفساد النكاح وان الواجب مهر المثل فلا يجب أكثر منه إلا
394

على الرواية التي يجب فيها المسمى في النكاح الفاسد فيجب ههنا قل أو كثر لاقرار الزوج بوجوبه،
وأما الأولاد فأحرار لا تحب قيمتهم لأنها لو وجبت لوجبت بقولها ولا يجب بقولها حق على غيرها
ولا يثبت الرق في حق أولادها بقولها فاما إبقاء النكاح فيقال للزوج قد ثبت أنها أمة ولدها رقيق
لسيدها فإن اخترت المقام على ذلك فأقم وان شئت ففارقها وسواء كان ممن يجوز له نكاح الإماء أو
لم يكن لأننا لو اعتبرنا ذلك وأفسدنا نكاحه لكان افسادا للعقد جميعه بقولها لأن شروط نكاح الأمة
لا تعتبر في استدامة العقد إنما تعتبر في ابتدائه فإن قيل فقد قبلتم قولها في أنها أمة في المستقبل وفيه
ضرر على الزوج قلنا لم يقبل قولها في ايجاب حق لم يدخل في العقد عليه فاما الحكم في المستقبل
فيمكن ابقاء حقه وحق من ثبت له الرق عليها بان يطلقها فلا يلزمه ما لم يدخل عليه أو يقيم على
نكاحها فلا يسقط حق سيدها فإن طلقها اعتدت عدة الحرة لأن عدة الطلاق حق للزوج بدليل
انها لا تجب إلا بالدخول وسببها النكاح السابق فلا يقبل قولها في تنقيصها وإن مات اعتدت عدة الأمة
لأن المغلب فيها حق الله تعالى بدليل وجوبها قبل الدخول فقبل قولها فيها وان قلنا بقبول قولها في جميع الأحكام
فهي أمة تزوجت بغير اذن سيدها فنكاحها فاسد ويفرق بينهما ولا مهر لها إن كان قبل
الدخول وإن كان دخل بها وجب لها مهر أمة تزوجت بغير اذن سيدها على ما ذكر في موضعه، وهل
يجب مهر المثل أو المسمى؟ فيه روايتان، وتعتد حيضتين لأنه وطئ في نكاح فاسد وأولاده أحرار
395

لاعتقاده حريتها فهو مغرور عليه قيمتهم يوم الوضع وان مات فليس عليها عدة الوفاة.
(فصل) فإن كان قد تصرف ببيع أو شراء فتصرفه صحيح وما عليه من الحقوق والأثمان
يؤدى مما في يده وما بقي ففي ذمته لأن معامله لا يقر برقه وان قلنا بقبوله اقراره في جميع الأحكام
فسدت عقوده كلها ووجب رد الأعيان إلى أربابها ان كانت باقية وان كانت تالفة وجبت قيمتها في رقبته
أو في ذمته على ما ذكرنا في استدانة العبد لأنه ثبت برضى صاحبه
(فصل) فإن كان قد جنى جناية موجبة للقصاص فعليه القود حرا كان المجني عليه أو عبدا لأن
اقراره بالرق يقتضي وجوب القود عليه فيما إذا كان المجني عليه عبدا أو حرا فقبل اقراره فيه وان
كانت الجناية خطأ تعلق أرشها برقبته لأن ذك مضر به فإن كان أرشها أكثر من قيمته وكان في يده
مال استوفي منه، وإن كان مما تحمله العاقلة لم يقبل قوله في اسقاط الزيادة لأن ذك يضر بالمجني عليه
فلا يقبل قوله فيه وقيل تجب الزيادة في بيت المال لأن ذلك كان واجبا للمجني عليه فلا يقبل قوله
في اسقاطه وان جنى عليه جناية موجبة للقود وكان الجاني حرا سقط لأن الحر لا يقاد بالعبد وقد
أقر المجني عليه بما يسقط القصاص وان كانت موجبة للمال تقل بالرق وجب أقل الأمرين وإن كان مساويا
للواجب قبل الاقرار وجب ويدفع الواجب إلى سيده وإن كان الواجب يكثر لكونه قيمته عبدا أكثر
من ديته حرا لم يجب الا أرش الجناية على الحر وان قلنا يقبل قوله في جميع الأحكام وجب
396

أرش الجناية على العبد وإن كان الأرش تحمله العاقلة إذا كان حرا سقط عن العاقلة ولم يجب على الجاني
لأن اقراره بالرق يتضمن اقراره بالسقوط عن العاقلة ولم يقبل اقراره على الجاني فسقط، وقيل
لا يتحول عن العاقلة وعلى قول من قال: يقبل اقراره في الأحكام كلها يوجب الأرش على الجاني والله أعلم
* (مسألة) * (وان قال إني كافر لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد، وقيل يقبل الا أن يكون
قد نطق بالاسلام وهو لا يعقله)
وجملة ذلك أنا في الموضع الذي حكمنا باسلام اللقيط إنما ذلك ظاهرا لا يقينا لاحتمال أن يكون
ولد كافرين ولهذا لو أقام كافر بينة انه ولده ولد على فراشه حكمنا له به وسنذكر ذلك، ومتى بلغ
اللقيط حدا يصح فيه اسلامه وردته فوصف الاسلام فهو مسلم سواء كان ممن حكم باسلامه أو كفره
ولا يقبل اقراره بالكفر بعد ذلك لأنه انكار بعد اقراره فلا يقبل كغيره وان وصف الكفر وهو
ممن حكم باسلامه بالدار فهو مرتد لا يقر على كفره، وبهذا قال أبو حنيفة، وذكر القاضي وجها
أنه يقر على كفره، وهو منصوص الشافعي لأن قوله أقوى من ظاهر الدار وهذا وجه بعيد لأن
دليل الاسلام وجد عريا عن المعارض فثبت حكمه واستقر فلا تجوز إزالة حكمه كما لو كان ابن مسلم
ولان قوله لا دلالة فيه أصلا لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه ولا ما كان دينه؟ وإنما يقول هذا
من تلقاء نفسه فعلى هذا إذا بلغ استتيب ثلاثا فإن تاب والا قتل فأما على قولهم فقال القاضي ان وصف
397

كفرا يقر عليه بالجزية عقدت له الذمة، فإن امتنع من التزامها ووصف كفرا لا يقر أهله ألحق بمأمنه،
قال شيخنا وهذا بعيد جدا فإن هذا اللقيط لا يخلو إما أن يكون ابن حربي فهو حاصل في
أيدي المسلمين بغير عهد ولا عقد فيكون لواجده ويصير مسلما باسلام سابيه، أو يكون ابن ذميين
أو أحدهما ذمي فلا يقر على الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب، أو يكون ابن مسلم أو مسلمين فيكون
مسلما، وقد قال احمد في أمة نصرانية ولدت من فجور، ولدها مسلم لأن أبويه يهودانه وينصرانه وهذا
ليس معه الا أمه، وإذا لم يكن لهذا الولد حال يحتمل ان يقر فيها على دين لا يقر أهله عليه فكيف
يرد إليه دار الحرب؟
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإن أقر انسان أنه ولده الحق به مسلما كان أو كافرا رجلا
أو امرأة حيا كان اللقيط أو ميتا)
وجملة ذلك أنه إذا ادعى مدع نسب اللقيط لم يخل من قسمين (أحدهما) أن يدعيه واحد ينفرد
بدعوته فإن كان المدعي حرا مسلما لحقه نسبه إذا أمكن أن يكون منه بغير خلاف بين أهل العلم، لأن
الاقرار محض يقع للطفل لايصال نسبه ولا ضرر على غيره فيه فقبل كما لو أقر له بمال فإن كان
المقر به ملتقطه أقر في يده، وإن كان غيره فله أن ينزعه من الملتقط لأنه قد ثبت أنه أبوه فيكون
أحق به كما لو قامت به بينة.
398

(فصل) فإن كان المدعي عبدا ألحق به لأن لمائه حرمة فلحق به نسبه كالحر وهذا قول الشافعي
وغيره غير أنه لا تثبت له حضانة لأنه مشغول بخدمة سيده ولا تجب عليه نفقته لأنه لا مال له ولا تجب
على سيده لأن الطفل محكوم بحريته فعلى هذا تكون نفقته في بيت المال
(فصل) فإن كان المدعي ذميا لحق به لأنه أقوى من العبد في ثبوت الفراش فإن يثبت له النكاح
والوطئ في الملك وقال أبو ثور لا يلحق به لأنه محكوم باسلامه
ولنا أنه أقر بنسب مجهول النسب يمكن أن يكون منه وليس في اقراره اضرار لغيره
فيثبت اقراره كالمسلم.
* (مسألة) * ولا يتبع الكافر في دينه الا ان يقيم بينة انه ولد علي فراشه)
وجملة ذلك أنه يتبع الكافر في النسب لا في الدين ولا حق له في حضانته ولا يسلم إليه لأنه لا
ولاية للكافر على المسلم وقال الشافعي في أحد قوليه يتبعه في دينه لأن كل ما لحق به بنسبه لحقه به في
دينه كالبينة الا أنه يحال بينه وبينه
ولنا أن هذا محكوم باسلامه فلا يقبل قول الذمي في كفره كما لو كان معروف النسب ولأنها
دعوى تخالف الظاهر فلم تقبل بمجردها كدعوى رقه، ولأنه لو تبعه في دينه لم يقبل اقراره بنسبه
لأنه يكون اضرارا به فلا يقبل كدعوى الرق، أما مجرد النسب بدون اتباعه في الدين فمصلحة عارية
399

عن الضرر فقبل قوله فيه ولا يجوز قبوله فيما هو أعظم الضرر والخزي في الدنيا والآخرة، فإن أقام
بينة أنه ولد على فراشه لحق به نسبا ودينا كذلك ذكره ههنا وهو قول بعض أصحابنا لأنه ثبت أنه
ابنه ببينة، وقياس المذهب أنه لا يلحقه في الدين الا أن تشهد البينة أنه ولد كافرين حيين لأن الطفل
يحكم باسلامه باسلام أحد أبويه أو موته
(فصل) فإن كان المدعي امرأة فروي عن أحمد أن دعوتها تقبل ويلحقها نسبه لأنها أحد الأبوين اشبهت
الأب، ولأنه يمكن كونه منها كما يمكن أن يكون من الرجل بل أكثر لأنها تأتي به من زوج ووطئ
شبهة ويلحقها ولدها من الزنا دون الرجل، وقد روي في قصة داود وسليمان عليهما السلام حين تحاكم
إليهما امرأتان كان لهما ابنان فذهب الذئب بأحدهما فادعت كل واحدة منهما أن الباقي ابنها فحكم به داود
للكبرى وحكم به سليمان للصغرى بمجرد الدعوى منهما، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، فعلى هذه
الرواية يلحق بها دون زوجها لأنه لا يجوز أن يلحقه نسب ولد لم يقر به، ولذلك إذا ادعى الرجل
نسبه لم يلحق بزوجته، فإن قيل الرجل يمكن أن يكون له ولد من امرأة أخرى ومن أمته والمرأة
لا يحل لها نكاح غير زوجها ولا يحل لغيره وطؤها قلنا يمكن ان تلد من وطئ شبهة أو غيره، وإن
كان الولد يحتمل أن يكون موجودا قبل تزوجها بهذا الزوج أمكن أن يكون من زوج آخر، فإن
قيل إنما قبل الاقرار بالنسب من الزوج لما فيه من المصلحة ودفع العار عن الصبي وصيانته عن النسبة
400

إلى كونه ولد زنا ولا يحصل هذا بالحاق نسبه بالمرأة بل في الحاق نسبه بها دون زوجها يطرق العار
إليه واليها قلنا بل قبلنا دعواه لأنه يدعي حقا لا منازع له فيه ولا مضرة فيه على أحد فقبل قوله فيه
كدعوى المال وهذا متحقق في دعوى المرأة، وروي عن أحمد انها إن كانت ذات زوج لم يثبت
النسب بدعوتها لافضائه إلى الحاق النسب بزوجها بغير اقراره ولا رضائه أو إلى أن امرأته وطئت
بزنا أو شبهة وفي ذلك ضرر عليه فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر به وإن لم يكن لها زوج قبلت دعوتها
لعدم الضرر، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي أيضا، وروى عن أحمد رواية ثالثة نقلها الكوسنج
عن أحمد في امرأة ادعت ولدا إن كان لها اخوة أو نسب معروف فلا تصدق الا ببينة وان لم يكن لها دافع
لم يخل بينهما وبينه لأنه إذا كان لها أهل وناس معروف لم تخف ولادتها عليهم ويتضررون بالحاق
النسب بها لما فيه من تعييرهم بولادتها من غير زوجها وليس كذلك إذا لم يكن لها أهل قال شيخنا
ويحتمل أن لا يثبت النسب بدعوتها بحال وهذا قول الثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي قال
ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن النسب لا يثبت بدعوة المرأة لأنها يمكنها
إقامة البينة على الولادة فلا يقبل قولها بمجرده كما لو علق زوجها طلاقها بولادتها
ولنا أنها أحد الوالدين أشبهت الأب وامكان البينة لا يمنع قبول القول كالرجل فإن يمكنه إقامة
401

البينة ان هذا ولد على فراشه وإن كان المدعي أمة أي كالحرة إلا أنا إذا قبلنا دعوتها في نسبه لم نقبل
قولها في رقه لأننا لا نقبل الدعوى فيما يضره كما لم نقبل الدعوى في كفره إذا ادعى نسبه كافر
* (مسألة) * (فإن ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهما بينة قدم بها فإن استووا في بينة أو عدمها عرض معهما
على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا)
الكلام في ذلك في فصول (أحدها) أنه إذا ادعاه مسلم وكافر وحر وعبد فهما سواء وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة المسلم أولى من الذمي والحر أولى من العبد لأن على اللقيط ضررا في الحاقه بالعبد
والذمي فيكون الحاقه بالحر المسلم أولى كما لو تنازعوا في الحضانة
ولنا ان كل واحد لو انفرد صحت دعوته فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى كالاحرار المسلمين وما
ذكروه من الضرر لا يتحقق فإننا لا نحكم برقه ولا كفره ولا يشبه النسب الحضانة بدليل اننا نقدم
في الحضانة الموسر والحضري ولا نقدمهما في دعوى النسب ولان الحضانة إنما يراعي فيهما حق الطفل
حسب وههنا ينبغي ان يراعى حق المدعي أيضا قال ابن المنذر إذا كان عند امرأته أمة في أيديهما صبي
فادعى رجل من العرب امرأته عربية أنه ابنه من امرأته وأقام العبد بينة بدعواه فهو ابنه في قول
أبي ثور وغيره وقال أصحاب الرأي يقضى به للعربي للعتق الذي يدخل فيه وكذلك إن كان المدعي
من الموالي عندهم قال شيخنا وهذا غير صحيح لأن العرب وغيرهم في أحكام الله تعالى ولحوق
النسب بهم سواء.
402

(الفصل الثاني) انه إذا ادعاه اثنان أو أكثر وكان لأحدهما بينة فهو ابنه وان أقام كل واحد
منهم بينة تعارضت وسقطت لأنه لا يمكن استعمالها ههنا لأن استعمالها في المال اما بقسمته بين المتنازعين
ولا يمكن ههنا أو بالقرعة لا يثبت بها النسب فإن قيل إنما يثبت ههنا بالبينة لا بالقرعة
وإنما القرعة مرجحة قلنا فيلزم انه إذا اشترك رجلان في وطئ امرأة وأتت بولد أن يقرع
بينهما ويكون لحوقه بالوطئ لا بالقرعة
(الفصل الثالث) انه إذا لم تكن بينة أو تعارضت بينتان وسقطتا أري القافة معهما أو مع عصبتهما
عند فقدهما فنلحقه بمن ألحقته به منهما هذا قول أنس وعطاء والأوزاعي والليث والشافعي وأبي وقال
أصحاب الرأي لا حكم للقافة ويلحق بالمدعيين جميعا لأن الحكم بالقيافة مبني على الشبه والظن والتخمين
فإن أشبه يوجد بين الأجانب وينتفي بين الأقارب ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا
أتاه فقال يا رسول الله ان امرأتي ولدت غلاما أسود فقال " هل لك من إبل؟ قال نعم - قال - فما ألوانها؟
قال حمر - قال فيها من أورق؟ قال - نعم - قال أين أتاها ذلك؟ قال لعل عرقا نزع قال - وهذا لعل عرقا نزع "
متفق عليه قالوا ولو كان الشبه كافيا لاكتفي به في ولد الملاعنة وفيها إذا أقر أحد الورثة بأخ
فأنكره الباقون.
ولنا ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسرورا تبرق
403

أسارير وجهه فقال " ألم تري أن محرزا نظر آنفا إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما
فقال إن هذه الاقدام بعضها من بعض؟ " متفق عليه فلو لا جواز الاعتماد على القيافة لما سر به النبي صلى
الله عليه وسلم ولا اعتمد عليه ولان عمر رضي الله عنه قضى به بحضرة الصحابة فلم ينكره منكر فكان
إجماعا ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في ولد الملاعنة " انظروها فإن جاءت به حمش
الساقين كأنه وحرة فلا أراه الا قد كذب عليها وان جاءت به جعدا جماليا سابغ الأليتين خدلج
الساقين فهو الذي رميت به " فاتت به على النعت المكروه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لولا الايمان لكان
لي ولها شأن " فحكم به النبي صلى الله عليه وسلم الذي أشبهه منهما وقوله " لولا الايمان لكان لي ولها شأن يدل على أنه
لم يمنعه من العمل بالشبه الا الايمان فإذا انتفى المانع يجب العمل به لوجود مقتضيه وكذلك قول
النبي صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة حين رأى به شبها بينا بعتبة بن أبي وقاص احتجبي منه
يا سودة فعمل بالشبه في حجب سودة فإن قيل فالحديثان حجة عليكم إذ لم يحكم النبي صلى الله عليه
وسلم بالشبه فيهما بل الحق الولد بزمعة وقال لعبد بن زمعة " هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش
وللعاهر الحجر " ولم يعمل بشبه ولد الملاعنة في إقامة الحد عليها لشبهه بالمقذوف قلنا إنما لم يعمل به في
ابن أمة زمعة لأن الفراش أقوى وترك العمل بالبينة لمعارضة ما هو أقوى منها لا يوجب الاعراض
404

عنها إذا خلت عن المعارض ولذلك ترك إقامة الحد عليها من اجل أيمانها بدليل قوله " لولا الايمان لكان
لي ولها شأن " علي ان ضعف الشبه عن إقامة الحد لا يوجب ضعفه عن إلحاق النسب، فإن الحد في
الزنا لا يثبت إلا بأقوى البينات وأكثرها عددا وأقوى الاقرار حتى يعبر فيه تكراره أربع مرات وتدرأ
بالشبهات، والنسب يثبت بشهادة امرأة على الولادة ويثبت بمجرد الدعوى مع ظهور انتفائه حتى لو أن
امرأة أتت بولد وزوجها غائب منذ عشرين سنة لحقه ولدها فكيف يجنح إلى نفيه بعدم إقامة الحد؟ ولأنه حكم
بظن غالب ورأي راجح ممن هو من أهل الخبرة فجاز كقول المقومين وقولهم ان الشبه يجوز وجوده وعدمه
قلنا الظاهر وجوده ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين قالت أم سلمة أو ترى ذلك المراة؟ قال " فمن أين يكون
الشبه، والحديث الذي احتجوا به حجة عليهم لأن إنكار الرجل ولده لمخالفة لونه لونه وعزمه على نفيه
لذلك يدل على أن العادة خلافه وان في طباع الناس إنكاره فإن ذلك إنما يوجد نادرا وإنما الحقه
النبي صلى الله عليه وسلم به لوجود الفراش وتجوز مخالفة الظاهر للدليل ولا يجوز تركه لغير دليل ولان ضعفه
عن نفي النسب لا يلزم منه ضعفه عن اثباته، فإن النسب يحتاط له لاثباته ويثبت
بأدنى دليل ويلزم من ذلك التشديد في نفيه وانه لا ينتفي الا بأقوى الأدلة كما أن الحد لما انتفى بالشبهة
لم يثبت الا بأقوى دليل فلا يلزم حينئذ من المنع من نفيه بالشبه في الخبر المذكور أن لا يثبت به
405

النسب في مسئلتنا، فإن قيل فههنا إذا عملتم بالقيافة فقد نفيتم النسب عمن لم تلحقه القافة به قلنا إنما انتسب
ههنا لعدم دليله لأنه لم يوجد الا مجرد الدعوى وقد عارضها مثلها فسقط حكمها وكان الشبه مرجحا
لأحدهما فانتفت دلالة الأخرى فلزم انتفاء النسب لانتفاء دليله، وتقديم اللعان عليه لا يمنع العمل به
عند عدمه كاليد تقدم عليها البينة ويعمل بها عند عدمها.
(فصل) والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرف منه
المعرفة بذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف، وقيل أكثر ما يكون في بنى مدلج رهط محرز الذي
رأي أسامة وزيدا قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الاقدام بعضها من بعض، وكان
اياس بن معاوية المزني قائفا وكذلك قيل في شريح
* (مسألة) * (فإن ألحقته بأحدهما لحق به ليرجح جانبه وان ألحقته بهما لحق بهما وكان ابنها
يرثهما ميراث ابن ويرثانه جميعا ميراث أب واحد)
يروى ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وهو قول أبي ثور وقال أصحاب الرأي يلحق بهما
بمجرد الدعوى، وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد فإن ألحقته بهما سقط قولهما ولم يحكم به
واحتج برواية عن عمر رضي الله عنه ان القافة قالت اشتركا فيه، فقال عمر وال أيهما شئت ولأنه لا يتصور
كونه من رجلين فإذا ألحقته القافة بهما تبينا كذبهما فسقط قولهما كما لو ألحقته بأمين ولان المتداعيين
406

لو اتفقا على ذلك لم يثبت، ولو ادعاه كل واحد منهما وأقام بينة سقطتا، ولو جاز أن يلحق بهما لثبت
باتفاقهما وألحق بهما عند تعارض بينتهما
ولنا ما روى سعيد في سننه ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر في امرأة
وطئها رجلان في طهر فقال القائف قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما، وباسناده عن الشعبي قال وعلي
يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه، رواه الزبير بن بكار باسناده عن عمر، وقال الإمام أحمد
حديث قتادة عن سعيد عن عمر جعله بينهما، وقال قابوس عن أبيه عن علي جعله بينهما، وروى
الأثرم باسناده عن سعيد بن المسيب في رجلين اشتركا في طهر امرأة فحملت فولدت غلاما يشبههما
فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فدعى القافة فنظروا فقالوا نراه يشبههما فألحقه بهما وجعله يرثهما
ويرثانه، قال سعيد عصبته الباقي منهما وما ذكروه عن عمر لا نعلم صحته وان صح فيحتمل أنه ترك
قولهما لأمر آخر إما لعدم ثقتها وإما لأنه ظهر له من قولهما واختلافه ما يوجب تركه فلا ينحصر
المانع من قبول قولهما انهما اشتركا فيه. قال أحمد إذا ألحقته القافة بهما ورثهما وورثاه، فإن مات أحدهما
فهو للباقي منهما ونسبه من الأول قائم لا يزيله شئ، ومعنى قوله هو للباقي منهما والله أعلم أنه يرثه
ميراث أب كامل كما أن الجدة إذا انفردت أخذت ما تأخذه الجدات، والزوجة تأخذ وحدها
ما يأخذه جميع الزوجات.
407

* (مسألة) *) ولا يلحق بأكثر من أم واحدة)
إذا ادعت امرأتان نسب اللقيط فهو مبني على قبول دعوتهما، وقد ذكرنا ذلك، وإن كانت
إحداهما ممن تقبل دعوتها دون الأخرى فهو ابنها كالمنفردة، وإن كانتا ممن لا تقبل دعوتهما فوجودها
كعدمها وإن كانتا جميعا ممن تقبل دعوتهما فهما في اثباته بالبينة وكونه يرى القافة عند عدمها أو تعارضهما
كالرجلين). قال احمد في رواية بكر بن محمد في يهودية ومسلمة ولدتا فادعت اليهودية ولد المسلمة فتوقف
فقيل يرى القافة فقال ما أحسنه، ولان الشبه يوجد بينهما وبين ابنها كوجوده بين الرجل وابنه بل أكثر
لاختصاصها بحمله وتغذيته، والكافرة والمسلمة، والحرة والأمة، في الدعوة واحدة كقولنا في الرجال،
وهذا قول أصحاب الشافعي على الوجه الذي يقولون بقبول دعوتها، إذا ثبت ذلك فإنه لا يلحق
بأكثر من أم واحدة، فإن ألحقته القافة بأمين سقط قولهما لأننا لا نعلم خطأه قطعا، وقال أصحاب
الرأي يلحق بهما بمجرد الدعوى لأن الام أحد الأبوين فجاز ان يلحق باثنتين كالآباء
ولنا ان هذا محال يقينا فلم يجز الحكم به كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما بخلاف الرجلين فإن كونه
منهما ممكن فإنه يجوز اجتماع نطفتي الرجلين في رحم امرأة فيمكن ان يخلق منهما ولدكما يخلق من
نطفة الرجل وامرأة ولذلك فال القائف لعمر قد اشتركا فيه ولا يلزم من الحاقه بمن يتصور كونه
منه الحاقه بمن يستحيل ذلك منه كما لا يلزم من الحاقه بمن يولد مثله لمثله الحاقه بأصغر منه
408

(فصل) فإن ادعى نسبه رجل وامرأة فلا تنافي بينهما لامكان كونه منهما بنكاح كان بينهما أو وطئ شبهه فيلحق
بهما جميعا ويكون ابنهما بمجرد دعوتهما كما لو انفرد كل واحد منهما بالدعوة وإن قال الرجل هذا ابني من زوجتي
وادعت زوجته ذلك وادعته امرأة أخرى فهو ابن الرجل وترجح زوجته على الأخرى لأن زوجها أبوه فالظاهر أنها
أمه، ويحتمل ان يتساويا لأن كل واحدة منهما لو انفردت الحق بها فإذا اجتمعتا تساوتا
(فصل) ولو ولدت امرأتان ابنا وبنتا فادعت كل واحدة منهما ان الابن ولدها احتمل وجهين
(أحدهما) ان يرى المرأتان القافة مع الولدين فيلحق كل منهما بمن ألحقته به كما لو لم يكن لهما ولد آخر.
(والثاني) يعرض لبنهما على أهل الطب والمعرفة فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته
وقد قيل لبن الابن ثقيل ولبن البنت خفيف فيعتبران بطباعهما ووزنهما وما يختلفان به عند أهل المعرفة
فمن كان لبنها لبن فهو ولدها والبنت للأخرى، فإن لم يوجد قافة اعتبر باللبن خاصة فاما ان تنازعا
أحد الوالدين وهما ذكران أو ابنتان عرضوا على القافة كما ذكرنا فيما تقدم
(فصل) فإن ادعى اللقيط رجلان فقال أحدهما هو ابني وقال الآخر هو ابنتي فإن كان ابنا فهو
لمدعيه وإن كان بنتا فهي لمدعيها لأن كل واحد منهما لا يستحق غير ما ادعاه فإن كان خنثى مشكلا
اري القافة لأنه ليس قوله كل واحد منهما أولى من الآخر، فإن أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه
فالحكم فيها كالحكم فيما لو انفرد كل واحد منهما بالدعوى لأن بينة الكاذب منهما كاذبة فوجودها كعدمها
والأخرى صادقة فيتعين الحكم بها
409

* (مسألة) * (فإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته بهم لحق وان كثروا)
وقد نص أحمد في رواية مهنا انه يلحق بثلاثة، ومقتضى هذا انه يلحق بمن ألحقته القافة وان
كثروا، وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وهو قول أبي يوسف لأننا صرنا إلى ذلك للأثر
فيقتصر عليه وقال القاضي: لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروي ذلك عن أبي يوسف أيضا
ولنا أن المعنى الذي لأجله ألحق باثنين موجود فيما زاد عليه فيقاس عليه، وإذا جاز أن يخلق من
اثنين جاز أن يخلق من أكثر منهما، وقولهم: ان إلحاقه باثنين على خلاف الأصل ممنوع وان سلمناه لكنه
ثبت لمعنى موجود في غيره فيجب تعدية الحكم به كما أن إباحة أكل الميتة عند المخمصة أبيح على خلاف
الأصل ولا يمنع من أن يقاس على ذلك مال الغير والصيد الحرمي وغيرهما من المحرمات لوجود المعنى
وهو إبقاء النفس وتخليصها من الهلاك، وأما قول من قال يجوز إلحاقه بثلاثة ولا يزاد عليه فتحكم فإنه
لم يقتصر على المنصوص عليه ولا عدى الحكم إلى ما في معناه ولا نعلم في الثلاثة معنى خاصا يقتضي الحاق
النسب بهم دون ما زاد عليهم فلم يجز الاقتصار عليه بالتحكم
* (مسألة) * (فإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم يوجد قافة ضاع نسبه في أحد الوجهين وفي
الآخر يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء أومأ إليه أحمد)
وجملة ذلك أنه إذا ادعاه أكثر من واحد وأري القافة فنفته عنهم أو لم يوجد قافة أو تعارضت
أقوالهم أو لم يوجد من يوثق بقوله لم يرجح أحدهم بذكر علامة في جسده لأن ذك لا يرجح به في سائر
الدعاوى سوى الالتقاط في المال واللقيط ليس بمال، فعلى هذا يضيع نسيه، هذا قول أبي بكر لأنه
410

لا دليل لأحدهم أشبه من لم يدع أحد نسبه، وقال ابن حامد نتركه حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهم
قال القاضي وقد أومأ أحمد إلى هذا في رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد إلى أن الابن يخير أيهما
أحب وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم حتى يميز لقول عمر: وال أيهما شئت ولان الانسان
يميل طبعه إلى قريبه دون غيره ولأنه مجهول النسب أقر به من هو من أهل الاقرار فثبت نسبه
كما لو انفرد، وقال أصحاب الرأي: يلحق بالمدعيين بمجرد الدعوى لأن كل واحد منهم لو انفرد
سمعت دعواه فإذا اجتمعا وأمكن العمل بهما وجب كما لو أقر له بمال
ولنا أن دعواهما تعارضت ولا حجة لواحد منهما فلم يثبت كما لو ادعى رقه وليس هو في أيديهما
قال شيخنا وقول أبي بكر أقرب لما ذكرنا وقولهم يميل طبعه إلى قرابته قلنا إنما يميل إلى قرابته بعد
معرفة أنه قرابته فالمعرفة بذلك سبب الميل فلا يثبت قبله ولو سلم ذلك فإنه يميل أيضا إلى من أحسن
إليه فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها وقد يميل إليه لإساءة الآخر
إليه وقد يميل إلى أحسنهما خلقا وأعظمهما قدرا أو جاها أو مالا فلا يبقى للميل أثر في الدلالة على
النسب، ولا خلاف بين أصحابنا في أنه لا يثبت نسبه بالانتساب قبل البلوغ، قولهم انه صدق المقر بنسبه
قلنا لا يحل له تصديقه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من ادعى إلى غير أبيه وهذا يعلم أنه أبوه فلا نأمن أن
يكون ملعونا بتصديقه، ويفارق ما إذا انفرد فإن المنفرد يثبت النسب بقوله من غير تصديق، وقول
عمر رضي الله عنه وال أيهما شئت لم يثبت ولو ثبت لم يكن فيه حجة لأنه إنما أمره بالموالاة لا بالانتساب وعلى قول
من جعل له الانتساب إلى أحدهما إذا انتسب إلى أحدهما ثم عاد فانتسب إلى الآخر أو نفى نسبه من الأول ولم
411

ينتسب إلى أحد لم يقبل منه لأنه قد ثبت نسبه فلا يقبل رجوعه عنه كما لو ادعى منفرد نسبه ثم أنكره
ويفارق الصبي الذي يخير بين أبويه فيختار أحدهما ثم يرد إلى الآخر إذا اختاره فإنه لا حكم لقول
الصبي وإنما تبع اختياره وشهوته فهو كما لو اشتهى طعاما في يوم وغيره في يوم آخر، فأما إن قامت للآخر بينة
بنسبه عمل بها لأنها تبطل قول القافة الذي هو مقدم على الانتساب فأولى أن تبطل الانتساب وإن وجدت قافة
بعد انتسابه فألحقته بغير من انتسب إليه بطل انتسابه لأنه أقوى فبطل به الانتساب كالبينة مع القافة
* (مسألة) * وكذلك الحكم إن وطئ امرأة اثنان بشبهة أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت
زوجة رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطئ أري القافة معهما)
كاللقيط فألحق بمن ألحقوه به منهما سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما وقد ثبت الافتراش ذكره القاضي
وشرط أبو الخطاب في وطئ الزوجة أن يدعي الزوج أنه من الشبهة ذكره في المحرر وكذلك ان تزوجها
كل واحد منهما تزويجا فاسدا وكان نكاح أحدهما صحيحا والآخر فاسدا مثل أن يطلق امرأته فينكحها
غيره في عدتها ويطؤها أو يبيع أمة فيطؤها المشتري قبل استبرائها وتأتي بولد يمكن أن يكون منهما فإنه
يرى القافة معهما فبأيهما ألحقوه لحق، والخلاف فيه كالخلاف في اللقيط على ما ذكرنا
* (مسألة) * (ولا يقبل قول القائف الا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة)
وفي اعتبار حريته وجهان من المحرر قول القافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك
بقبيلة، وقد قيل أكثر ما يكون ذلك في بني مدلج رهط محرز المدلجي وكان اياس بن معاوية المزني
قائفا ولا يقبل قول القائف الا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة لأن قوله حكم فاعتبرت له هذه
الشروط، قال القاضي في معرفة القائف بالتجربة هو أن يترك الصبي مع عشرة رجال غير من يدعيه
ويرى إياهم فإن ألحقه بواحد منهم سقط قوله لتبين خطئه وان لم يلحقه بواحد منهم أريناه إياه مع عشرين
منهم مدعيه فإن ألحقه به لحق، ولو اعتبر بأن يرى صبيا معروف النسب مع قوم فيه أبوه أو أخوه
فإذا ألحقه بقريبه عرفت اصابته وإن ألحقه بغيره سقط قوله جاز وهذه التجربة عند عرضه على القائف
للاحتياط في معرفة اصابته ولو لم يجربه بعد أن يكون مشهورا بالإصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة
جاز، فقد روي أن رجلا شريفا شك في ولده من جاريته وأبى أن يستلحقه فمر به اياس بن معاوية في
المكتب ولا يعرفه فقال له ادع لي أباك فقال له المعلم ومن أبو هذا؟ قال فلان، قال من أين علمت
أنه أبوه؟ قال هو أشبه به من الغراب بالغراب فقام المعلم مسرورا إلى أبيه فأعلمه بقول اياس فخرج
412

الرجل وسأل إياسا من أين علمت أن هذا ولدي؟ فقال سبحان الله وهل يخفى ذلك على أحد إنه
لاشبه بك من الغراب بالغراب فسر الرجل واستلحق ولده
(فصل) نقل عن أحمد أنه لا يقبل الا قول اثنين من القافة ولفظ الشهادة منهما فروى عنه الأثرم
أنه قيل له إذا قال أحد القافة هو لهذا وقال الآخر هو لهذا قال لا يقبل قول واحد حتى يجتمع اثنان
فيكونان شاهدين فإذا شهد اثنان من القافة أنه لهذا فهو لهذا لأنه قول يثبت به النسب أشبه الشهادة
ولأنه حكم بالشبه في الخلقة فاعتبر فيه اثنان كالحكم بالمثل في جزاء الصيد، وقال القاضي يقبل قول
الواحد لأنه حكم ويكتفي في الحكم قول واحد وحمل كلام أحمد على ما إذا تعارض قول القائفين فقال
إذا خالف القائف غيره تعارضا وسقطا، ولان النبي صلى الله عليه وسلم اكتفي بقول محرز وحده فإن قال اثنان
قولا وخالفهما واحد فقولهما أولى لأنه أقوى من قول واحد، وإن عارض قول اثنين قول اثنين
سقط قول الجميع، فإن عارض قول اثنين قول ثلاثة أو أكثر لم يرجح وسقط الجميع كما لو كانت إحدى
البينتين اثنين والأخرى ثلاثة فأما ان ألحقته القافة بواحد فجاءت قافة أخرى فألحقته بآخر كان للأول
لأن قول القائف جرى مجرى حكم الحاكم إذا حكم حكما لم ينتقض بمخالفة غيره ولذلك لو ألحقته بواحد
ثم عادت فألحقته بغيره كذلك، وإن أقام الآخر بينة أنه ولده حكم له وسقط قول القائف لأنه بدل
فسقط بوجود الأصل كالتيمم مع الماء
(فصل) وإذا ألحقته القافة بكافر أو رقيق لم يحكم بكفره ولا رقه لأن الحرية والاسلام ثبتا له
بظاهر الدار فلا يزول ذلك بمجرد الشبه والظن كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد لها وإنما
قبلنا قول القافة في النسب للحاجة إلى اثباته ولكونه غير مخالف للظاهر ولهذا اكتفينا فيه بمجرد الدعوى
من المنفرد ولا حاجة إلى اثبات رقه وكفره واثباتهما يخالف الظاهر
(فصل) لو ادعى نسب اللقيط انسان فألحق نسبه به لانفراده بالدعوى ثم جاء آخر فادعاه لم
يزل نسبه عن الأول لأنه حكم له به فلا يزول بمجرد الدعوى فإن ألحقته به القافة لحق به وانقطع عن
الأول لأنها بينة في إلحاق النسب فيزول بها الحكم الثابت بمجرد الدعوى كالشهادة
413

كتاب الوصايا
(وهي الامر بالتصرف بعد الموت) الوصايا جمع وصية مثل العطايا جمع عطية والوصية بالمال هي
المتبرع به بعد الموت، وقال أبو الخطاب هو التبرع بمال يقف نفوذه على خروجه من الثلث، فعلى قوله
تكون العطية في مرض الموت وصية، والصحيح أنها ليست وصية لأنها تخالفها في الاسم والحكم في
أشياء ذكرناها في عطية المريض، والأصل فيها الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله سبحانه
(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) وقوله (من بعد وصية يوصي بها أو دين)
وأما السنة فروى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة
الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني الا
ابنة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال " لا " قلت فبالشطر يا رسول الله؟ قال لا قلت فبالثلث؟ قال " الثلث والثلث
كثير انك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " متفق عليه وعن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما حق امرئ مسلم له ما يوصي ففيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده "
414

متفق عليه وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان الله قد أعطى كل ذي حق حقه
فلا وصية لوارث " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن علي رضي الله عنه قال إنكم
تقرؤن هذه الآية (من بعد وصية يوصي بها أو دين) وان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية رواه
الترمذي وأجمع العلما في جميع الأمصار والاعصار على جواز الوصية
(فصل) ولا تجب إلا على من عليه دين أو عنده وديعة أو عليه واجب يوصي بالخروج منه
لأن الله تعالى أوجب أداء الأمانات إلى أهلها وطريقه الوصية فتكون واجبة عليه، فأما الوصية ببعض
ماله فليست واجبة عند الجمهور يروى ذلك عن الشعبي والنخعي والثوري ومالك وأصحاب الرأي
والشافعي وغيرهم، قال ابن عبد البر أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا على من عليه حق بغير بينة
أو أمانة بغير إشهاد إلا طائفة شذت فأوجبتها فروي عن الزهري أنه قال: جعل الله الوصية حقا مما
قل أو كثر، وقيل لأبي مجلز على كل ميت وصية؟ قال إن ترك خيرا وقال أبو بكر عبد العزيز هي
واجبة للأقربين الذين لا يرثون وبه قال داود وحكي ذلك عن مسروق وطاوس وإياس وقتادة وابن
جرير واحتجوا بالآية وبخبر ابن عمر فقالوا تستحب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين وبقيت
فيمن لا يرث من الأقربين
415

ولنا أن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوصوا ولم ينقل لذلك نكير ولو كانت واجبة لم يخلوا
بذلك ولنقل عنهم نقلا ظاهرا ولأنها عطية لا تجب في الحياة فلم تجب بعد الموت كعطية الأجانب فأما
الآية فقال ابن عباس نسخها قول سبحانه (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) الآية وقال
ابن عمر نسختها آية الميراث وبه قال عكرمة ومجاهد ومالك والشافعي وذهب جماعة ممن يرى نسخ
القرآن بالنسبة إلى أنها نسخت بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث "
وحديث ابن عمر محمول على من عليه واجب أو عنده وديعة
* (مسألة) * (وتصح من البالغ الرشيد) عدلا كان أو فاسقا رجلا أو امرأة مسلما أو كافرا لأن
هبتهم صحيحة فالوصية أولى
* (مسألة) * (وتصح من السفيه في أصح الوجهين)
المحجور عليه للسفه تصح وصيته في قياس قول أحمد قال الخبري وهو قول الأكثرين وفيه وجه
آخر أنها لا نصح حكاه أبو الخطاب لأنه محجور عليه في تصرفاته فلم تصح منه كالهبة
ولنا أنه عاقل مكلف فصحت وصيته كالرشيد ولان وصيته محض مصلحة من غير ضرر لأنه
416

ان عاش لم يذهب من ماله شئ وان مات فهو محتاج إلى الثواب فصحت وصيته كعباداته
(فصل) وتصح من الصبي العاقل إذا جاوز العشر ولا تصح ممن له دون السبع وفيما بينهما روايتان
المنصوص من أحمد صحة وصية الصبي العاقل إذا جاوز العشر رواه عنه صالح وحنبل قال أبو بكر
لا يختلف المذهب ان من له عشر سنين تصح وصيته ومن له دون السبع لا تصح وصيته وفيما بين
السبع والعشر روايتان وقال ابن أبي موسى لا تصح وصية الغلام لدون العشر ولا الجارية لدون تسع
قولا واحدا وما زاد على العشر فيصح على المنصوص وفيه وجه آخر لا تصح حتى يبلغ وقال القاضي
وأبو الخطاب تصح وصية الصبي إذا عقل وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية الصبي
وهو قول عمر بن عبد العزيز وشريح وعطاء والزهري وإياس وعبد الله بن عتبة والشعبي والنخعي
ومالك وإسحاق، قال إسحاق إذا بلغ اثنتي عشرة، وحكاه ابن المنذر عن أحمد وعن ابن عباس لا تصح
417

وصيته حتى يبلغ وبه قال الحسن ومجاهد وأصحاب الرأي وللشافعي قولان كالمذهبين ولأنه تبرع
بالمال فلا يصح من الصبي كالهبة والعتق
ولنا ما روي أن صبيا من غسان له عشر سنين وصى لأخوال له فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب
رضي الله عنه فأجاز وصيته رواه سعيد، وروى مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن
عمرو بن سليم أخبره أنه قيل لعمر بن الخطاب ان ههنا غلاما يافعا لم يحتلم وورثته بالشام وهو ذو مال
وليس له ههنا لا ابنة عم فقال عمر فليوص لها فأوصى بمال يقال له بئر خشم قال عمرو بن سليم فبعث
ذلك المال بثلاثين ألفا وابنة عمه التي أوصى لها هي أم عمر بن سليم قال أبو بكر وكان الغلام بن عشر
أو اثنتي عشرة سنة وهذه قضية انتشرت ولم تنكر ولأنه تصرف محض نفع للصبي فصح منه كالاسلام
والصلاة وذلك لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه فلا يلحقه ضرر في عاجل دنياه
ولا أخراه بخلاف الهبة والمعتق المنجز فإنه يفوت من ماله ما يحتاج إليه وإذا ردت رجعت إليه وههنا لا يرجع
إليه بالرد والطفل لا عقل له ولا تصح عباداته ولا اسلامه وأما من له فوق السبع ولم يبلغ العشر فقد ذكرنا
فيه روايتين (إحداهما) تصح وصيته وهو ظاهر قول القاضي وأبي الخطاب لأنه عاقل يصح اسلامه
418

يؤمر بالصلاة وتصح منه أشبه من جاوز العشر (والثانية) لا تصح كمن له دون السبع والأول أقيس
والله أعلم قال الخرقي ومن جاوز العشر فوصيته جائزة إذا وافق الحق يريد إذا وصى وصية يصح مثلها
من البالغ صحت منه ومالا فلا قال شريح وعبد الله بن عتبة وهما قاضيان من أصاب الحق أجزنا وصيته
* (مسألة) * (ولا تصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والمبرسم، وفي السكران وجهان)
أما الطفل ومن له دون سبع سنين والمجنون والمبرسم فلا وصية لهم في قول الأكثرين منهم حميد بن عبد الرحمن
ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ومن تبعهم قال شيخنا ولا نعلم أحدا خالفهم إلا إياس بن معاوية
فإنه قال في الصبي والمجنون إذا وافقت وصيتهما الحق جازت وليس بصحيح فإنه لا حكم لكلامهما ولا تصح
عباداتهما ولا شئ من تصرفاتهما فكذلك الوصية بل أولى فإنه إذا لم يصح اسلامه وصلاته التي هي محض نفع
لا ضرر فيها فأولى أن لا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه فاما من يفيق في الأحيان فإذا أوصى حال
جنونه لم يصح، وان أوصى حال افاقته صحت وصيته لأنه بمنزلة العقلاء في شهادته ووجوب العبادات
عليه فكذلك وصيته ولا تصح وصية السكران في أصح الوجهين وفيه وجه آخر أنها تصح بناء على
419

طلاقه والأول أصح لأنه غير عاقل أشبه المجنون وطلاقه انا أوقعه من أوقعه تغليظا عليه لارتكابه
المعصية فلا يتعدى هذا إلى وصيته فإنه لا ضرر عليه فيها إنما الضرر على وارثه فأما الضعيف في عقله فإن
منع ذلك رشده في ماله فهو كالسفيه والا فهو كالعاقل والله أعلم
* (مسألة) * (وتصح وصية الأخرس بالإشارة ولا تصح ممن اعتقل لسانه بها ويحتمل أن تصح)
إذا فهمت إشارة الأخرس صحت وصيته بها لأنها أقيمت مقام نطقه في طلاقه ولعانه وغيرهما فإن لم
تفهم إشارته فلا حكم لهاربه قال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما فأما الناطق إذا اعتقل لسانه فعرضت
عليه وصيته فأشار بها رفعت إشارته فلا تصح وصيته إذا لم يكن مأيوسا من نطقه ذكره القاضي وابن
عقيل وبه قال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة ويحتمل أن يصح وهو قول الشافعي وابن المنذر لأنه
غير قادر على الكلام أشبه الأخرس واحتج ابن المنذر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وهو قاعد فأشار إليهم
فقعدوا رواه البخاري وخرجه ابن عقيل وجها إذا اتصل باعتقال لسانه الموت
ولنا أنه غير مأيوس من نطقه فلم تصح وصيته بالإشارة كالقادر على الكلام والخبر لا يلزم فإن
النبي صلى الله عليه وسلم كان قادرا على الكلام ولا خلاف في أن إشارة القادر لا تصح بها وصيته ولا اقراره
وفارق الأخرس فإنه مأيوس من نطقه
420

(فصل) وان وصى عبد أو مكاتب أو أم ولد وصية ثم ماتوا على الرق فلا وصية لهم لأنه لا مال
لهم وان عتقوا ثم ماتوا ولم يغيروا وصيتهم صحت لأن لهم قولا صحيحا وأهلية تامة وفارقوا الحر
بأنهم لا مال لهم والوصية تصح مع عدم المال كما لو وصى الفقير ولا شئ له ثم استغنى وان قال أحدهم
متى عتقت ثم مت فثلثي لفلان وصية فعتق ثم مات صحت وصيته وبه قال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور
ولا أعلم عن غيرهم خلافهم
* (مسألة) * (وان وجدت وصيته بخطه صحت وعنه لا تصح حتى يشهد عليها)
نقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنه قال من مات فوجدت وصيته مكتوبة عند رأسه ولم يشهد
عليها وعرف خطه وكان مشهور الخط يقبل ما فيها ووجه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما حق امرئ مسلم
له شئ يوصي فيه ببيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده ولم يذكر شهادة " ولان الوصية يتسامح فيها
ويصح تعليقها على الخطر والغرر وتصح للحمل وبالحمل وبما لا يقدر على تسليمه فجاز أن يتسامح فيها
بقبول الخط كرواية الحديث وكما لو كتب الطلاق ولم يلفظ به وعن أحمد ما يدل على أنه لا يقبل
الخط في الوصية ولا يشهد على الوصية المختومة حتى يسمعها الشهود منه أو تقرأ عليه فيقر بما فيه
421

وبهذا قال الحسن وأبو قلابة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، لأن الحكم لا يجوز برؤية خط
الشاهد بالشهادة فكذا ههنا وأبلغ من هذا ان الحاكم لو رأى حكمه خطه تحت ختمه ولم يذكر أنه
حكم به أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة لم يجز للحاكم انفاذ الحكم بما وجده ولا
للشاهد الشهادة بما رأى خطه به فههنا أولى، وان كتب وصيته وقال اشهدوا علي بما في هذه الورقة أو
قال هذه وصيتي فاشهدوا علي بها فقد حكي عن أحمد أن الرجل إذا كتب وصيته وختم عليها وقال
للشهود اشهدوا علي بما في هذا الكتاب لا يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه أو يقرأ عليه فيقر بما فيه
وهو قول من سمينا في المسألة الأولى ويحتمل جوازه على ما نقله عن أحمد إسحاق بن إبراهيم في
المسألة قبلها وذكره الخرقي، وممن قال ذلك عبد الملك بن يعلي ومكحول ونمير بن إبراهيم ومالك والليث
والأوزاعي ومحمد بن مسلمة وأبو عبيد وإسحاق وروي عن سالم بن عبد الله وقتادة وسوار بن
عبد الله بن الحسن ومعاذ بن معاذ العنبريين وهو مذهب فقهاء أهل البصرة وقضاتهم واحتج
أبو عبيد بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله وأمرائه في أمر ولايته وأحكامه وسننه ثم ما عمل
به الخلفاء الراشدون المهديون بعده من كتبهم إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج والأموال
422

مختومة لا يعلم حاملها ما فيها وأمضوها على وجهها وذكر استخلاف سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد
العزيز بكتاب كتبه وختم عليه، ولا نعلم أحدا أنكر ذلك مع شهريه وانتشاره في علماء العصر فيكون
اجماعا، ووجه القول الأول أنه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه فلم يجز أن يشهد عليه ككتاب القاضي إلى
القاضي والأولى الجواز إن شاء الله تعالى لظهور دليله والأصل لنافيه منع
(فصل) وأما إذا ثبتت الوصية بشهادة أو اقرار الورثة به فإنه يثبت حكمه ويعمل به ما لم يعلم رجوعه
عنه وان تطاولت مدته وتغيرت أحوال الموصي مثل أن يوصي في مرض فيبرأ منه ثم يموت بعد أو
بقتل لأن الأصل بقاؤه فلا يزول حكمه بمجرد الاحتمال والشك كسائر الأحكام
(فصل) ويستحب أن يكتب الموصي وصيته ويشهد عليها لأنه أحوط لها وأحفظ لما فيها وقد
ذكرنا حديث ابن عمر وروى أنس رضي الله عنه قال كانوا يكتبون في صدور وصاياهم بسم الله
الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده
ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا
الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله ان كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه
ويعقوب (يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وأنتم مسلمون) أخرجه سعيد عن فضيل بن عياض
423

عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس، وروي عن ابن مسعود أنه كتب في وصيته بسم
الله الرحمن الرحيم هذا ذكر ما أوصى به عبد الله بن مسعود ان حدث بي حادث الموت من مرضه
هذا أن مرجع وصيتي إلى الله تعالى ثم إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله وانهما في حل وبل مما وليا
وقضيا وأنه لا يزوج امرأة من بنات عبد الله الا باذنهما، وروى ابن عبد قال كان في وصيته أبى
الدرداء بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى أبو الدرداء أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وان الله يبعث من في القبور
وأنه يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت على ذلك يحيى ويموت إن شاء الله وأوصى فيما رزقه الله بكذا وكذا
وأن هذه وصيته إذ لم يغيرها.
* (فصل) * قال رحمه الله (والوصية مستحبة لمن ترك خيرا وهو المال الكثير بخمس ماله وتكره
لغيره إن كان له ورثة)
وجملة ذلك أن الوصية مستحبة لمن ترك خيرا لقول الله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم
الموت ان ترك خيرا) الوصية فنسخ الوجوب وبقي الاستحباب في حق من لا يرث، وروى ابن عمر
424

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن آدم جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لا طهرك
وأزكيك " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث
أموالكم " رواهما ابن ماجة، وقال الشعبي من أوصى بوصية فلم يجر ولم يحف كان له من الاجر مثل
ما لو أعطاه وهو صحيح، فأما الفقير الذي له ورثة محتاجون فلا يستحب له ان يوصي لأن الله تعالى قال
في الوصية ان ترك خيرا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد " انك ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم
عالة يتكففون الناس " وقال ابدأ بنفسك ثم بمن تعول وقال علي رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي
انك لم تدع طائلا إنما تركت شيئا يسيرا فدعه لورثتك، وروي عنه أنه قال في أربعمائة دينار ليس
فيها فضل عن الوراث وروى عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال لها لي ثلاثة آلاف درهم وأربعة
أولاد أفأوصي؟ فقالت اجعل الثلاثة للأربعة وعن ابن عباس قال من ترك سبعمائة درهم ليس عليه وصية
وقال عروة دخل علي على صديق له يعوده فقال الرجل اني أريد أن أوصي فقال له علي ان الله تعالى
يقول إن ترك خيرا وانك إنما تدع شيئا يسيرا فدعه لورثتك، واختلف أهل العلم في القدر الذي
425

لا نستحب الوصية لمالكه فروي عن أحمد إذا ترك دون الألف لا تستحب له الوصية وعن علي أربعمائة
دينار وعن ابن عباس إذا ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وقال من ترك ستين دينارا ما ترك
خيرا وقال طاوس الخير ثمانون دينارا، وقال النخعي الف إلى خمسمائة وقال أبو حنيفة القليل أن
يصيب أقل الورثة سهما خمسون درهما، قال شيخنا والذي يقوى عندي انه متى كان المتروك لا يفضل
عن غنى الورثة لم تستحب الوصية لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله " انك إن تترك ورثتك
أغنياء خير من أن تدعهم عالة، ولان اعطاء القريب المحتاج خير من اعطاء الأجنبي فمتى لم يبلغ الميراث
غناءهم كان تركه لهم كعطيتهم إياه فيكون أفضل من الوصية به لغيرهم. فعلى هذا تختلف الحال باختلاف
الورثة في كثرتهم وقلتهم وغنائهم وحاجتهم فلا يتقيد بقدر من المال وقد قال الشعبي ما من مال أعظم
أجرا من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس
(فصل) والأولى أن لا يستوعب الثلث بالوصية وإن كان غنيا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " والثلث كثير " قال
ابن عباس لو أن الناس نقصوا من الثلث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الثلث كثير " متفق عليه وقال القاضي
وأبو الخطاب إن كان غنيا استحب الوصية بالثلث
426

ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد " والثلث كثير " مع اخباره إياه بكثرة ماله وقلة عياله فإنه قال
في الحديث: إن لي مالا كثيرا ولا يرثني الا ابنتي. وروى سعيد ثنا خالد بن عبد الله ثنا عطاء بن
السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن سعد بن مالك قال مرضت مرضا فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لي " أوصيت؟ " فقلت نعم أوصيت بمالي كله للفقراء وفي سبيل الله فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
" أوص بالعشر؟ فقلت يا رسول الله مالي كثير وورثتي أغنياء فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقصني
وأناقصه حتى قال " أوص بالثلث والثلث كثير " قال أبو عبد الرحمن لم يكن منا من يبلغ في وصيته
الثلث حتى ينقص منه شيئا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير " إذا ثبت هذا فالأفضل
للغني الوصية بالخمس روى نحو هذا عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهو
ظاهر قول السلف وعلماء أهل البصرة، ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه جاءه شيخ فقال يا أمير المؤمنين
أنا شيخ كبير ومالي كثير ويرثني اعراب موالي كلالة منزوح بينهم أفأوصي بمالي كله؟ قال لا فلم
يزل يحطه حتى بلغ العشر وقال إسحاق السنة الربع الا أن يكون الرجل يعرف في ماله حرمة شبهات
أو غيرها فله استيعاب الثلث
427

ولنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى بالخمس وقال رضيت بما رضي الله به لنفسه يريد
قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) وروي أن أبا بكر وعليا رضي الله عنهما
أوصيا بالخمس، وعن علي رضي الله عنه أنه قال لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع
وعن إبراهيم قال كانوا يقولون صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث وصاحب الخمس أفضل
من صاحب الربع وعن الشعبي قال كان الخمس أحب إليهم من الثلث فهو منتهى الجامح، وعن
العلاء بن زياد قال أوصى أبي أن أسأل العلماء أي الوصية أعدل فما تتابعوا عليه فهو وصية
فتتابعوا على الخمس.
(فصل) والأفضل أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء في قول عامة أهل العلم
قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء علمت في ذلك إذا كانوا ذوي حاجة وذلك لأن الله تعالى كتب
الوصية للوالدين والأقربين فخرج منه الوارثون بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وبقي سائر
الأقارب على الوصية لهم وأقل ذلك الاستحباب، وقد قال الله تعالى (وآت ذا القربى حقه) وقال
تعالى (وأتى المال على حبه ذوي القربى) فبدأ بهم ولان الصدقة عليهم في الحياة أفضل فكذلك بعد
428

الموت فإن أوصى لغيرهم وتركهم صحت وصيته في قول أكثر أهل العلم منهم سالم وسليمان بن يسار
وعطاء ومالك والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي وإسحاق وحكي عن طاوس
والضحاك وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا ينزع عنهم ويرد إلى قرابته، وعن سعيد بن المسيب
والحسن وجابر بن زيد للذي أوصى له ثلث الثلث والباقي يرد إلى قرابة الموصي لأنه لو أوصى بماله
كله لجاز منه الثلث والباقي يرد على الورثة وأقاربه الذين لا يرثونه في استحقاق الوصية كالورثة
في استحقاق المال كله.
ولنا ما روى عمران بن حصين أن رجلا أعتق في مرضه ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم فبلغ
ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فاعتق اثنين وأرق أربعة فأجاز العتق في
ثلثه لغير أقاربه ولأنها عطية فجازت لغير أقاربه كالعطية في الحياة
* (مسألة) * (فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بجميع ماله وعنه لا يجوز الا الثلث)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن لم يخلف من وراثه عصبة ولا ذا فرض فروي عنه أن وصيته
جائزة بكل ماله ثبت ذلك عن ابن مسعود وبه قال عبيدة السلماني ومسروق وإسحاق وأهل
العراق والرواية الأخرى لا يجوز إلا الثلث وبه قال مالك والأوزاعي وابن شبرمة والشافعي والعنبري
429

لأن له من يعقل عنه فلم تنفذ وصيته في أكثر من الثلث كما لو ترك وارثا ولان المسلمين يرثونه
وهو بيت المال.
ولنا ان المنع من الزيادة على الثلث إنما كان لتعلق حق الورثة به بدليل قول النبي صلى الله عليه
وسلم " انك ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " وههنا لا وارث له يتعلق
حقه بماله فأشبه حال الصحة ولأنه لم ينعق بماله حق وارث ولا غريم أشبه حال الصحة والثلث
(فصل) وان خلف ذا فرض لا يرث جميع المال كبنت أو أم لم تكن له الوصية بأكثر من
الثلث لأن سعدا قال للنبي صلى الله عليه وسلم لا يرثني إلا ابنة فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من الزيادة
على الثلث، ولأنها تستحق جميع المال بالفرض والرد فأشبه العصبة وإن كان للميتة زوج أو كان للرجل
امرأة فكذلك لأن الوصية تنقص حقه لأنه إنما يستحق فرضه بعد الوصية لقول الله تعالى (من بعد
وصية يوصي بها أو دين) وقيل تبطل في قدر فرضه من الثلثين فإذا كان للميتة زوج فله الثلث وإن
كان للميت امرأة فلها السدس وهو ربع الباقي بعد الثلث والباقي للموصى له وهذا أولى إن شاء الله تعالى
لأن الثلث ليس للوارث فيه أمر إنما اجازته ورده في الثلثين ولم ينقص عليه منهما شئ فأما ذوو
430

الأرحام فظاهر كلام الخرقي أنه لا يمنع الوصية بجميع المال لأنه قال ومن أوصى بجميع ماله ولا عصبة
له ولا مولى فجائز وذلك لأن ذا الرحم إرثه كالفضلة والصلة ولذلك لا يصرف إليه شئ إلا عند عدم
الرد والمولى، ولا تجب نفقتهم في الصحيح ويحتمل كلام شيخنا في الكتاب المشروح أنه لا تنفذ وصيته
فيما زاد على الثلث لأن له وارثا فيدخل في معنى قوله عليه السلام " إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير
من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " ولأنهم ورثة يستحقون ماله بعد موته فأشبهوا ذوي الفروض
والعصبات وتقديم غيرهم عليهم لا يمنع مساواتهم لهم في مسئلتنا كذوي الفروض الذين يحجب بعضهم بعضا
(فصل) فإن خلف ذا فرض لا يرث المال كله بفرضه أو قال أوصيت لفلان بثلثي على أنه
لا ينقص ذا الفرض شيئا من فرضه أو خلف امرأة وقال أوصيت لك بما فضل من المال عن فرضها
صح في المسألة الأولى لأن ذا الفرض يرث المال كله لولا الوصية فلا فرق في الوصية بين أن يجعلها
من رأس المال أو يجعلها من الزائد على الفرض، فأما المسألة الثانية فتنبني على الوصية بجميع المال فإن
قلنا تصح ثم صحت ههنا لأن الباقي عن فرض الزوجة مال لا وارث له فصحت الوصية به كما لو لم تكن
زوجة وان قلنا لا تصح ثم فههنا مثله لأن بيت المال جعل كالوارث فصار كأنه ذو ورثة يستغرقون
431

المال إذا عين الوصية من نصيب العصبة منهم، فعلى هذا يعطى الموصى له الثلث من رأس المال
ويسقط تخصيصه.
* (مسألة) * (ولا يجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ولا لوارثه بشئ إلا بإجازة الورثة)
وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة وما زاد على الثلث يقف على
إجازة الورثة فإن أجازوه جاز وان ردوه بطل في قول أكثر العلماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم
لسعد حين قال أوصي بمالي كله؟ قال " لا - الحديث إلى أن قال - فبالثلث والثلث كثير " وقوله عليه السلام
" ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم " يدل على أنه لا شئ له في الزائد عليه وحديث عمران
ابن حصين في المملوكين السنة الذين أعتقهم المريض ولم يكن له مال سواهم. فجزأهم النبي صلى الله
عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرث أربعة وقال له قولا شديدا يدل على أنه لا يصح تصرفه
فيها زاد على الثلث إذا لم تجز الورثة وتجوز بإجازتهم لأن الحق لهم وقد قيل إن الوصية بما زاد على
الثلث باطلة كما يذكر فيما إذا أوصى للوارث، وحكم الوصية للوارث كالحكم في الوصية لغيره بالزيادة على
الثلث في أنها تبطل بالرد بغير خلاف بين العلماء، قال ابن المنذر وابن عبد البر أجمع أهل العلم على هذا
432

وجاءت الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فروى أبو أمامة قال سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول " ان الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " رواه أبو داود وابن ماجة
والترمذي ولان النبي صلى الله عليه وسلم منع من تفضيل بعض ولده عنى بعض في حال الصحة مع
إمكان تلافي العدل بينهم باعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك لما فيه من إيقاع العدواة والحسد بينهم
ففي حال موته وتعلق الحقوق به وتعذر تلافي العدل بينهم أولى وأحرى فإن أجازها باقي الورثة
جازت في قول الجمهور من أهل العلم وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة وان أجازها الورثة إلا أن يعطوه
عطية مبتدأه أخذا من ظاهر قول أحمد رحمه اله في رواية حنبل لا وصية لوارث وهذا قول المزني
وأهل الظاهر وقول للشافعي واحتجوا بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا وصية لوارث " وظاهر
مذهب أحمد والشافعي ان الوصية صحيحة في نفسها لأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح كما لو
وصى لأجنبي والخبر قد روي فيه " إلا أن يجيز الورثة " والاستثناء من النفي اثبات فيكون ذلك دليلا
433

على صحة الوصية عند الإجازة ولو خلا من الاستثناء جاز أن يكون معناه لا وصية نافذة أو لازمة أو
ما أشبه هذا أو يقدر فيه لا وصية لوارث عند عدم الإجازة من غيره من الورثة، وفائدة الخلاف ان
الوصية إذا كانت صحيحة فإجازة الورثة تنفيذ وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت وان كانت
باطلة كانت الإجازة هبة مبتدأة وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى
(فصل) وان أسقط عن وارثه دينا أو وصى بقضاء دينه أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها
أو عفى عن جناية موجبها المال فهي كالوصية له وان عفى عن القصاص وقلنا الواجب القصاص عينا
سقط إلى غير بدل وان قلنا الواجب أحد شيئين سقط القصاص ووجب المال وان عفى عن حد القذف
سقط مطلقا، وان وصى لغريم وارثه صحت الوصية وكذلك ان وهب له وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة
وقال أبو يوسف هي وصية للوارث لأن الوارث ينتفع بهذه الوصية ويستوفى دينه منها
ولنا أنه وصى لأجنبي فصح كما لو وصى لمن عادته الاحسان إلى وارثه، وان وصى لولد وارثه
صح فإن كان يقصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى قال طاوس في قوله تعالى فمن
خاف من موص جنفا أو إثما قال أن يوصي لولد ابنته وهو يريد ابنته رواه سعيد وقال ابن عباس
الجنف في الوصية والاضرار فيها من الكبائر
434

* (مسألة) * (فإن وصى لكل وارث بمعين قدر نصيبه كرجل خلف ابنا وبنتا وعبدا قيمته مائة
وأمة قيمتها خمسون فوصى للابن بالعبد وللبنت بالأمة صحت الوصية في أحد الوجهين) لأن حق الوارث
في القدر لا في العين بدليل ما لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبيا بجميع ماله فإنه يصح إذا
كان بثمن المثل وان تضمن فوات عين المال (والثاني) يقف على إجازة الورثة لأن في الأعيان غرضا
صحيحا فكما لا يجوز ابطال حق الوارث من قدر حقه لا يجوز من عينه
* (مسألة) * (وإن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه وادخل النقص على كل واحد بقدر وصيته
وعنه يقدم العتق)
إذا خلت الوصايا من العتق وتجاوزت الثلث فرد الورثة الزيادة فإن الثلث يقسم بين الموصى لهم على
قدر وصاياهم ويدخل النقص على كل واحد منهم بقدر ماله في الوصية كمسائل العول إذا زادت الفروض
عن المال فلو وصي لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولآخر بمعين قيمته خمسون ووصى بفداء أسير
بثلاثين ولعمارة مسجد بعشرين وثلث ماله مائة جمعت الوصايا كلها فبلغت ثلاثمائة ونسبت منها الثلث فكان
435

ثلثها فيعطى كل واحد منهم ثلث وصيته فلصاحب الثلث ثلث المائة وكذلك صاحب المائة ولصاحب
الخمسين سدسها ولفداء الأسير عشرة ولعمارة المسجد ستة وثلثان وإن كان فيها عتق ففيها روايتان
(إحداهما) أن الثلث يقسم بين الوصايا والعتق كما لو لم يكن فيها عتق وهذا قول ابن سيرين والشعبي وأبي
ثور لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فتساووا فيه كسائر الوصايا (والروية الثانية) يقدم العتق وما
فضل منه يقسم بين سائر الوصايا على قدر وصاياهم روي ذلك عن عمر وبه قال شريح ومسروق
وعطاء الخراساني وقتادة والزهري ومالك والثوري وإسحاق لأن فيه حقا لله وللآدمي فكان آكد
ولأنه لا يلحقه فسخ ويلحق غيره ولأنه أقوى بدليل سرايته ونفوذ من الراهن والمفلس وروي عن
الحسن والشافعي كالروايتين
(فصل) والعطايا المعلقة بالموت كقوله إذا مت فاعطوا فلانا كذا أو أعتقوا فلانا ونحوه وصايا
حكمها حكم غيرها من الوصايا في مقدمها ومؤخرها والخلاف في تقديم العتق منها لأنها تلزم بالموت
فتتساوى كلها.
436

(فصل) إذا أوصى بعتق عبده لزم الوارث اعتاقه ويجبره الحاكم عليه ان أبى لأنه حق واجب
عليه فأجبر عليه كتنفيذ الوصية بالعطية وان أعتقه الوارث أو الحاكم فهو حر من حين أعتقه لأنه
حينئذ عتق وولاؤه للموصي لأنه السبب وهؤلاء نواب عنه ولهذا لزمهم إعتاقه فإن كانت الوصية
بعتقه إلى غير الوارث كان الاعتاق إليه لأنه نائب الموصي في اعتاقه فلم يملك ذلك غيره إذا لم يمتنع
كالوكيل في الحياة:
* (مسألة) * (وان أجاز الورثة الوصية جازت)
لأن الحق لهم وان ردوها بطلت بغير خلاف لأن الحق لهم فجاز بإجازتهم وبطل بردهم واجازتهم
تنفيذ في الصحيح من المذاهب لأن ظاهر المذهب أن الوصية للوارث وللأجنبي بالزيادة على الثلث
صحيحة موقوفة على إجازة الورثة فعلى هذا تكون اجازته تنفيذا وإجازة محضة يكفي فيها قول الوارث
أجزت أو أمضيت أو نفذت فإذا قال ذلك لزمت الوصية ولا خلاف في تسميتها إجازة فعلى هذا لا
تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت فيها أحكام الهبة لأنها ليست هبة وقال بعض أصحابنا الوصية باطلة فعلى
هذا تكون هبة تفتقر إلى شروط الهبة وتثبت فيها أحكامها فلو كان المجيز أبا للمجاز له لم يكن له الرجوع
437

فيه إذا قلنا إنها إجازة مجردة وان قلنا هي هبة مبتدأة فله الرجوع ولو أعتق عبدا لا مال له سواه في
مرضه أو وصى بعتقه فأعتقوه بوصيته نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة فإن أجازوه
عتق جميعه واختص عصبات الميت بولائه كله على قولنا بصحة اعتاقه ووصيته وكذلك لو تبرع بثلث
ماله في مرضه ثم أعتق أو وصى بالاعتاق فالحكم فيه على ما ذكرنا وان قلنا الوصية باطلة والإجازة
عطية مبتدأة اختص عصبات الميت بثلث ولائه وكان ثلثاه لجميع الورثة بينهم على قدر ميراثهم لأنهم
باشروه بالاعتاق ولو تزوج رجل ابنة عمه فأوصت له بوصية أو أعطته في مرض موتها ثم ماتت وخلفته
وأباه فأجاز أبوه وصيته وعطيته ثم أراد الرجوع فليس له ذلك أن قلنا هي تنفيذ وله الرجوع ان قلنا
هي هبة مبتدأة ولو وقف في مرضه على ورثته فأجازوا الوقف صح ان قلنا اجازتهم تنفيذ وان قلنا هي
عطية مبتدأة انبنى على صحة وقف الانسان على نفسه على ما ذكر من الخلاف فيه
(فصل) ولا فرق في الوصية بين المرض والصحة وقد روى حنبل عن أحمد أنه قال إن وصى في
المرض فهو من الثلث وإن كان صحيحا فله أن يوصي بما شاء قال القاضي يريد بذلك العطية أما الوصية
فهي عطية بعد الموت فلا يجوز منها الا الثلث على كل حال
438

* (مسألة) * (ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فصار عند الموت غير وارث صحت الوصية، وان
أوصى له وهو غير وارث فصار عند الموت وارثا بطلت لأن اعتبار الوصية بالموت)
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت، فلو وصى لثلاثة اخوة له مفترقين
ولا ولد له ومات ولم يولد لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب الا بإجازة الورثة، وان ولد له ابن
صحت الوصية للجميع من غير إجازة إذا لم تتجاوز الثلث، وان ولد له بنت جازت الوصية لغير
الأخ من الأبوين فيكون لهما ثلثا الموصى به بينهما، ولا يجوز للأخ من الأبوين لأنه وارث، وبهذا يقول
الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلاف ذلك ولو وصى لهم وله
ابن فمات ابنه قبل موته لم تجز الوصية لأخيه من أبويه ولا لأخيه من أمه وجازت لأخيه من
أبيه، وان مات الأخ من الأبوين قبل موته لم تجز الوصية للأخ من الأب أيضا لأنه صار وارثا
(فصل) ولو وصى لامرأة أجنبية وأوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتها الا بإجازة الورثة وان
أوصى أحدهما للآخر ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير وارث الا أنه ان طلقها في مرض موته
439

فقياس المذهب أنها لا تعطى أكثر من ميراثها لأنه يتهم أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية فلم ينفذ لها
ذلك كما لو طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها
* (مسألة) * (ولا تصح اجازتهم وردهم الا بعد موت الموصي وما قبل ذلك لا عبرة به)
فلو أجازوا قبل ذلك ثم ردوا أو أذنوا لموروثهم بالوصية في حياته بجميع المال أو بالوصية لبعض الورثة
ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته فلهم الرد سواء كانت الإجازة في صحة الموصي أو مرضه نص عليه احمد
في رواية أبي طالب وروي ذلك عن ابن مسعود وهو قول شريح وطاوس والحكم والثوري والحسن
ابن صالح والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وأبي حنيفة وأصحابه وقال الحسن وعطاء وحماد بن أبي سليمان
وعبد الملك بن يعلى والزهري وربيعة والأوزاعي وابن أبي ليلى ذلك جائز عليهم لأن الحق للورثة فإذا
رضوا بتركه سقط حقهم كما لو رضي المشتري بالعيب وقال مالك ان أذنوا له في صحته فلهم ان يرجعوا وإن كان
ذلك في مرضه وحين يحجب عن ماله فكذلك جائز عليهم
ولنا انهم أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم كالمراة إذا أصدقت صداقها قبل النكاح أو
أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع ولأنها حالة لا يصح فيها ردهم للوصية فلم تصح فيها اجازتهم
كما قبل الوصية.
440

* (مسألة) * (ومن أجاز الوصية ثم قال إنما أجزت لأني ظننت المال قليلا فالقول قوله مع يمينه
وله الرجوع بما زاد على ما ظنه في أظهر الوجهين الا ان تقوم به بينة)
وجملة ذلك أنه إذا وصى بزيادة على الثلث فأجاز الوارث الوصية ثم قال إنما أجزتها ظنا ان المال قليل
فبان كثيرا فإن كانت للموصى له بينة تشهد باعترافه بقدر المال أو كان المال ظاهرا لا يخفى عليه لم يقبل
قوله إذا قلنا الإجازة تنفيذ فإن قلنا هي هبة مبتدأة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله
وان لم تشهد بينة باعترافه ولم يكن المال ظاهرا فالقول قوله مع يمينه لأن الإجازة تنزلت منزلة الابراء
فلا تصح في المجهول فالقول قوله في الجهل به مع يمينه لأن الأصل عدم العلم فإذا وصى بنصف ماله
فأجازه الوارث وكان المال ستة آلاف فقال ظننته ثلاثة آلاف فله الرجوع بخمسمائة لأنه رضي بإجازة
الوصية على أن الزائد على الثلث خمسمائة فكانت ألفا فيرجع بخمسمائة فيحصل للموصى له الفان وخمسمائة
441

وفيه وجه آخر أنه لا يقبل قوله لأنه أجاز عقدا له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو أجاز البيع
من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار أو أقر بدين ثم قال غلطت
* (مسألة) * (وإن كان المجاز عينا أو فرسا يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها ثم قال ظننت باقي
المال كثيرا تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلا أو ظهر عليه دين لم اعلمه تبطل الوصية) لأن العبد معلوم
لا جهالة فيه، وفيه وجه آخر انه يملك الفسخ لأنه قد يسمح بذلك ظنا منه ان يبقى له من المال ما يكفيه
فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة فملك الرجوع كالمسألة التي قبلها
(فصل) ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف ولا تصح من الصبي والمجنون والمحجور عليه
للسفه لأنها تبرع بالمال فلم تصح منهم كالهبة، فأما المحجور عليه لفلس فتصح منه ان قلنا هي تنفيذ وإن
قلنا هي هبة لم تصح منه لأنه ليس له هبة ماله
* (مسألة) * (ولا يثبت الملك للموصى له إلا بالقبول بعد الموت فأما رده وقبوله قبل ذلك فلا عبرة به)
يشترط لثبوت الملك للموصى له شرطان (أحدهما) القبول إذا كانت لمعين يمكن القبول منه في قول
جمهور الفقهاء لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين فاعتبر قبوله كالهبة والبيع قال احمد الهبة
442

والوصية واحد فإن كانت لغير معنى كالفقراء والمساكين أو لمن لا يمكن حصرهم كبني تميم أو على مصلحة
كمسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لأن اعتبار القول من جميعهم متعذر فسقط
اعتباره كالوقف عليهم ولا يتعين واحد منهم فيكتفى بقبوله ولذلك لو كان منهم ذو رحم من الموصى به
مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير لم يعتق عليه ولان الملك لا يثبت للموصى لهم بدليل ما ذكرنا
من المسألة وإنما يثبت لك واحد منهم بالقبض فيقوم قبضه مقام قبوله أما الآدمي المعين فيثبت له
الملك فيعتبر قبوله لكن لا يتعين القبول باللفظ بل يحصل بما قام مقامه من الاخذ والفعل الدال على
الرضى كقولنا في الهبة والبيع ويجوز القبول على الفور والتراخي (الثاني) أن يقبل بعد موت الموصي
لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق ولذلك لم يصح رده
* (مسألة) * (وان مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية) هذا قول أكثر أهل العلم
روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وربيعة ومالك والشافعي
وأصحاب الرأي وقال الحسن تكون لولد الموصى له وقال عطاء إذا علم المريض بموت الموصى له ولم
يحدث فيما أوصى به شيئا فهو لوارث الموصى له لأنه مات بعد عقد الوصية فيقوم الوارث مقامه كما لو
مات بعد موت الموصي وقبل القبول
443

ولنا أنها عطية صادقت المعطى ميتا فلم تصح كما لو وهب ميتا وذلك لأن الوصية عطية بعد
الموت وإذا مات قبل القبول بطلت الوصية أيضا وان سلمنا صحتها فإن العطية صادفت حيا بخلاف مسئلتنا.
* (مسألة) * (وان ردها بعد موته بطلت أيضا)
لا يخلو رد الوصية من أربعة أحوال (أحدها) أن يردها قبل موت الموصي فلا يصح
الرد لأن الوصية لم تقع بعد أشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول فلا
يكون محلا للرد كما قبل الوصية (الثاني) أن يردها بعد الموت وقبل القبول فيصح الرد وتبطل
الوصية لا نعلم فيه خلافا لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة
بعد البيع (الثالث) أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه فأشبه رده
لسائر ملكه الا أن يرضى الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة (الرابع) أن يرد
بعد القبول وقبل القبض فينظر فإن كان الموصى به مكيلا أو موزونا صح الرد لأنه لا يستقر ملكه
عليه قبل قبضه فأشبه رده قبل القبول وإن كان غير ذلك لم يصح لأن ملكه قد استقر عليه فهو
كالمقبوض ويحتمل أن يصح الرد بناء على أن القبض معتبر فيه، ولأصحاب الشافعي في هذه الحال وجهان
444

(أحدهما) يصح الرد في الجميع فلا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما وهو المنصوص عن الشافعي لأنهم
لما ملكوا الرد من غير قبول ملكوا الرد من غير قبض ولان ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض
فصح رده كما قبل القبول (والثاني) لا يصح الرد لأن الملك يحصل بالقول من غير قبض
(فصل) وكل موضع صح الرد فيه فإن الوصية تبطل بالرد ويرجع الموصى به إلى التركة فيكون
الجميع للوارث لأن الأصل ثبوت الحق لهم وإنما خرج بالوصية فإذا بطلت رجع إلى ما كأن عليه كان
الوصية لم توجد ولو عين بالرد واحدا فقصد تخصيصه بالمردود لم يكن له ذلك وكان لجميعهم لأن رده امتناع
من تملكه فبقي على ما كان عليه ولأنه لا يملك دفعه إلى أجنبي فلم يملك دفعه إلى وار ث يخصه به. وكل موضع امتنع
الرد لاستقرار ملكه عليه فله أن يخص به بعض الورثة لأنه ابتداء هبة ولأنه يملك دفعه إلى أجنبي فملك
دفعه إلى الوراث فلو قال رددت هذه الوصية لفلان قيل له ما أرددت بقولك لفلان؟ فإن قال أردت تمليكه
إياها وتخصيصه بها فقبلها اختص بها وان قال أردت ردها إلى جميعهم ليرضى فلان عادت إلى الجميع
إنما قبلوها فإن قبلها بعضهم دون بعض فمن قبل حصته منها
(فصل) ويحصل الرد بقوله رددت الوصية وقوله ما أقبلها وما أدى هذا المعنى قال أحمد إذا
445

وصى لرجل بألف فقال لا أقبلها فهي لورثة الموصى له
* (مسألة) * (وان مات بعده وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه ذكره الخرقي وقال القاضي
يبطل على قياس قوله) إذا مات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه في القبول
والرد كذلك ذكره الخرقي لأنه حق يثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته لقوله عليه الصلاة
والسلام " من ترك حقا فلورثته " وكخيار الرد بالعيب وقال أبو عبد الله بن حامد تبطل الوصية لأنه عقد
يفتقر إلى القبول فإذا مات من له القبول قبل القبول بطل العقد كالهبة قال القاضي هو قياس المذهب
لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل كخيار المجلس والشرط وخيار الاخذ بالشفعة، وقال أصحاب الرأي
تلزم الوصية في حق الوارث وتدخل في ملكه حكما بغير قبول لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصي
وإنما الخيار للموصى له فإذا مات بطل خياره ودخل في ملكه كما لو اشترى شيئا على أن الخيار له
فمات بعد انقضائه
ولنا على أن الوصية لا تبطل بموت الوصي أنها عقد لازم من أحد الطرفين فلم يبطل بموت من له الخيار
كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب له فلا يبطل
446

يموت الآخر كالذي ذكرنا، ويفارق الهبة والبيع قبل القبول من الوجهين الذين ذكرناهما وهو أنه
جائز من الطرفين ويبطل بموت الموجب له ولا يصح قياسه على الخيارات لأن ثم يبطل الخيار ويلزم
العقد فنظيره في مسئلتنا قول أصحاب الرأي
ولنا على إبطال قولهم أنه عقد يفتقر إلى قبول التملك فلم يلزم قبل القبول كالبيع والهبة
إذا ثبت هذا فإن الوراث يقوم مقام الموصي له في الرد والقبول لأن كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل
بالموت قام الوارث فيه مقامه فإن رد الوارث الوصية بطلت وان قبلها صحت وإن كان الوراث جماعة اعتبر
القبول والرد من جميعهم فإن رد بعضهم وقبل بعض ثبت الملك لمن قبل في حصته وبطلت الوصية في
حق من رد فإن كان منهم من ليس له التصرف قام وليه مقامه في ذلك وليس له أن يفعل إلا ما للمولي
عليه فيه الحظ فإن فعل غيره لم يصح، فإذا كان الحظ في قبولها لم يصح الرد وكان له قبولها بعد ذلك
وإن كان الحظ في ردها لم يصح قبوله لها لأن الولي لا يملك التصرف في حق المولي عليه بغير ماله
الحظ فيه فلو وصى لصبي بذي رحم يعتق بملكه له وكان على الصبي ضرر في ذلك بان تلزمه نفقة الموصي
به لكونه فقيرا لا كسب له والمولي عليه موسر لم يكن له قبول الوصية وان لم يكن عليه ضرر لكون
447

الموصى به ذا كسب أو لكون المولي عليه فقيرا لا تلزمه نفقته تعين القبول لأن في ذلك نفعا للمولي عليه
لعتق قرابته من غير ضرر يعود عليه فتعين ذلك والله أعلم
* (مسألة) * (وان قبلها بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح من المذهب) وهو قول مالك
وأهل العراق وروي عن الشافعي وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب أنه إذا قبل تبينا أن الملك ثبت
حين موت الموصي وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن ما وجب انتقاله بالقبول وجب انتقاله من جهة
الموجب عند الايجاب كالهبة والبيع ولأنه لا يجوز أن يثبت الملك فيه للوارث لأن الله تعالى قال (من
بعد وصية يوصي بها أو دين) والإرث بعد الوصية ولا يبقى للميت لأنه صار جمادا لا يملك
شيئا وللشافعي قول ثالث غير مشهور ان الوصية تملك بالموت ويحكم بذلك قبل القبول لما ذكرنا
ولنا أنه تمليك عين لمعين يفتقر إلى القبول فلم يسبق الملك القبول كسائر العقود ولان القبول من
تمام السبب والحكم لا يتقدم سببه ولان القبول لا يخلو من أن يكون شرطا أو جزءا من السبب
والحكم لا يتقدم سببه ولا شرطه ولان الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل، فإن قيل فلو
قال لامرأته أنت طالق قبل موتي بشهر ثم مات تبينا وقوع الطلاق قبل موته بشهر، قلنا ليس هذا
شرطا في وقوع الطلاق وإنما نتبين الوقت الذي يقع فيه الطلاق ولو قال إذا مت فأنت طالق قبله
448

بشهر لم يصح، وأما انتقاله من جهة الموجب في سائر العقود فإنه لا ينتقل الا بعد القبول فهو كمسئلتنا غير أن ما بين
الايجاب والقبول ثم يسير لا يظهر له أثر بخلاف مسئلتنا، قولهم ان الملك لا يثبت للوارث ممنوع فإن
الملك ينتقل إلى الوراث بحكم الأصل الا أن يمنع منه مانع فأما قول الله تعالى (من بعد وصية يوصي
بها أو دين) قلنا المراد به الوصية المقبولة بدليل أنه لو لم يقبل لكان ملكا للوارث وقبل قبولها فليست
مقبولة ويحتمل أن يكون المراد بقوله (فلكم الربع من بعد وصية يوصى بها) أي لكم ذلك مستقر
ولا يمنع هذا ثبوت الملك غير مستقر ولهذا لا يمنع الدين ثبوت الملك في التركة وهو آكد من الوصية
وان سلمنا أن الملك لا يبقى للوارث فإنه يبقى ملكا للميت كما إذا كان عليه دين، وقولهم لا يبقى له
ملك ممنوع فإنه يبقى ملكه فيما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه وقضاء ديونه ويجوز أن يتجدد له
ملك في ديته إذا قتل وفيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته بحيث تقضى ديونه وننفذ
وصاياه ويجهز إن كان قبل تجهيزه فهذا يبقى على ملكه لتعذر انتقاله إلى الوارث من أجل الوصية
وامتناع انتقاله إلى الوصي قبل تمام السبب فإن رد الموصي له أو قبل انتقل حينئذ فإن قلنا بالأول
وانه ينتقل إلى الوارث فإنه يثبت له الملك على وجه لا يفيد إباحة التصرف كثبوته في العين المرهونة
449

فلو باع الموصى به أو رهنه أو أعتقه أو تصرف بغير ذلك لم ينفذ شئ من تصرفاته ولو كان الوارث
ابنا للموصي به مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لأجنبي فإذا ماتت انتقل الملك
فيه إلى ابنه حين القبول ولا يعتق عليه
* (مسألة) * (فما حصل من كسب أو نماء منفصل في الموصى به بعد موت الموصي وقبل القبول
كالولد والثمرة والكسب فهو للورثة على الوجه الأول)
لأنه ملكهم فإن كان متصلا تبعها لأنه يتبع في العقود والفسوخ
* (مسألة) * (وان كانت الوصية بأمة فوطئها الوراث قبل القبول فأولدها صارت أم ولد له وولدها
حر لأنه وطئها في ملكه)
وعليه قيمتها للوصي إذا قبلها لأنه فوتها عليه ولا مهر عليه ولا تلزمه قيمة الولد لذلك، فإن قيل
فكيف قضيتم بعتقها ههنا وهي لا تعتق باعتاقه؟ قلنا الاستيلاد أقوى ولذلك يصح من المجنون والراهن
والأب والشريك المعسر وان لم ينفذ اعتاقهم، وعلى الوجه الآخر يكون ولده رقيقا والأمة باقية على
الرق فإن وطئها الموصى له قبل ذلك كان قبولا لها ويثبت الملك له به لأنه لا يجوز الا في الملك
450

فاقدامه عليه دليل على اختياره الملك فأشبه ما لو وطئ من له الرجعة زوجته الرجعية أو وطئ من له
الخيار في البيع الأمة المبيعة أو وطئ من له خيار فسخ النكاح امرأته
* (مسألة) * (وان وصى له بزوجته فأولدها بعد موت الموصي وقبل القبول فولده رقيق للوارث)
وعلى الوجه الاخر يكون حر الأصل ولا ولاء عليه وأمه أم ولد لأنها علقت منه بحر في ملكه
* (مسألة) * (وان وصى له بأبيه فمات قبل القبول فقبل ابنه عتق الموصى به ولم يرث شيئا)
وجملة ذلك أنه إذا وصى له بأبيه فمات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول فلوارثه
قبولها على قول الخرقي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى فإن قبلها ابنه صح وعتق عليه الجد ولم يرث
من ابنه شيئا لأن حريته إنما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراث لغيره
وعلى الوجه الآخر نثبت حريته من حين موت الموصي ويرث من ابنه السدس وقال
بعض أصحاب الشافعي لا يرث أيضا لأنه لو ورث لاعتبر قبوله ولا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم
بحريته وإذا لم يجز اعتباره لم يعتق فيؤدي توريثه إلى ابطال توريثه وهذا فاسد فإنه لو أقر جميع
الورثة بمشارك لهم في الميراث ثبت نسبه وورث مع أنه يخرج المقرون به عن كونهم جميع الورثة ومن
451

فروع ذلك أنه لو مات الموصى له فقبل وارثه لثبت الملك للوارث القابل ابتداء من جهة الموصي
لا من جهة موروثه ولم يثبت للموصى له شئ فحينئذ لا تقضى ديونه ولا ننفذ وصاياه ولا يعتق من
يعتق عليه فإن كان منهم من يعتق على الوراث عتق عليه وكان ولاؤه له دون الموصى له وعلى الوجه
الاخر نتبين أن الملك كان ثابتا للموصى له وان انتقل منه إلى وارثه فتنعكس هذه الأحكام فتقضى
ديونه وننفذ وصاياه ويعتق من يعتق عليه وله ولاؤه يختص به الذكور من ورثته ويحتمل أن يثبت الملك
من حين الموت فتنعكس هذه الأحكام وقد ذكرناه
(فصل) وتصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول إن مت فثلثي للمساكين أو لزيد والمقيدة
أن يقول إن مت في مرضي هذا أو في هذه البلدة أو في سفري هذا فثلثي للمساكين فإن برأ من
مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البلدة ثم مات بطلت الوصية المقيدة دون المطلقة قال أحمد فيمن
وصى وصية ان مات من مرضه هذا أو من سفره هذا ولم يغير وصيته ثم مات بعد ذلك
فليس له وصية وبهذا قال الحسن والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك ان قال
قولا ولم يكتب كتابا فهو كذلك وان كتب كتابا ثم صح من مرضه وأقر الكتاب فالوصية
بحالها ما لم ينقضها.
452

ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها فبطلت كما لو لم يكتب كتابا أو كما لو وصى لقوم فماتوا
قبله ولأنه قيد وصيته بقيد فلا تتعداه كما ذكرناه وان قال لاحد عبديه أنت حر بعد موتي وقال للآخر
أنت حر ان مت من مرضي هذا فمات من مرضه فالعبدان سواء في التدبير وان برأ من مرضه ذلك
بطل تدبير المقيد وبقي تدبير المطلق بحاله، ولو وصى لرجل بثلثه وقال إن مت قبلي فهو لعمرو صحت
وصيته على حسب ما شرطه وكذلك سائر الشروط فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون على شروطهم "
(فصل) قال رضي الله عنه (ويجوز الرجوع في الوصية)
اتفق أهل العلم على أن للموصي أن يرجع في كل ما وصى به وفي بعضه الا الوصية بالاعتاق فقد
اختلف فيها فالاكثرن على جواز الرجوع فيها أيضا روي ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه قال يغير
الرجل ما شاء من وصيته وبه قال عطاء وجابر بن زيد والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأحمد
وإسحاق وأبو ثور وقال الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي يغير ما شاء منها الا العتق لأنه اعتاق
بعد الموت فلم يملك تغييره كالتدبير
453

ولنا أنها وصية فملك الرجوع عنها ولأنها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها
كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه، وأما التدبير فلنا فيه منع وان سلم فإن الوصية تفارق التدبير فإنه تعليق
على شرط فلم يملك تغييره كتعليته على صفة في الحياة
* (مسألة) * (فإذا قال قدر رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو نحو ذلك كقوله غيرتها بطلت)
لأنه صريح في الرجوع وان قال في الموصى به هو لورثتي أو في ميراثي فهو رجوع لأن
ذلك ينافي كونه وصية
* (مسألة) * (وان قال ما أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعا)
وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا لأنه صرح بالرجوع عن
الأول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني أشبه ما لو قال رجعت عن وصيتي لفلان وأوصيت بها لفلان
* (مسألة) * (وان وصى به لاخر ولم يقل ذلك فهو بينهما) إذا وصى لانسان بمعين من ماله ثم وصى به لآخر
أو وصى لرجل بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما وليس ذلك رجوعا
454

في الوصية الأولى وبه قال ربيعة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي
وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء وطاوس وداود وصيته للأخير منهما لأنه وصى للثاني بما وصى
به للأول فكان رجوعا كما لو قال ما وصيت به لفلان فهو لفلان ولان الثانية تنافي الأولى فإذا أتى
بها كان رجوعا كما لو قال هذا لورثتي
ولنا انه وصى بها لهما فاستويا فيها كما لو قال وصيت لكما بهذه العين وما قاسوا عليه صرح فيه
بالرجوع عن وصيته للأول وفي مسئلتنا يحتمل انه قصد التشريك فلم تبطل وصية الآخر بالشك
(فصل) إذا وصى بعبد لرجل ثم وصى لآخر بثلثه فهو بينهما أرباعا وعلى قول الآخرين ينبغي
أن يكون للثاني ثلثه كاملا وان وصى بعبده لاثنين فرد أحدهما وصيته فللآخر نصفه وان وصى لاثنين
بثلثي ماله فرد الورثة ذلك ورد أحد الوصيين وصيته فللآخر الثلث كاملا لأنه وصى له به منفردا
وزالت المزاحمة فكمل له كما لو انفرد به
(فصل) إذا أقر الوارث أن أباه وصى بالثلث لرجل وأقام آخر شاهدين أنه أوصى له بالثلث،
فرد الوارث الوصيين وكان الوارث رجلا عدلا وشهد بالوصية حلف معه الموصى له واشتركا في
455

الثلث، وبهذا قال أبو ثور، وهو قياس قول الشافعي، وقال أصحاب الرأي لا يشاركه المقر له بناء
منهم على أن الشاهد واليمين ليس بحجة شرعية، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد
ويمين رواه مسلم، وإن كان المقر ليس بعدل أو كان امرأة فالثلث لمن شهدت له البينة، لأن
وصيته ثابتة ولم تثبت وصية الآخر وإن لم يكن لواحد منهما بينة فأقر الوراث أنه أقر لفلان بالثلث
أو بهذا العبد، أو أقر لآخر به بكلام متصل فالمقر به بينهما، وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي،
ولا نعلم فيه مخالفا وإن أقر به لواحد ثم أقر به لآخر في مجلس آخر لم يقبل إقراره لأنه ثبت للأول
باقراره فلا يقبل قوله فيما ينقص به حق الأول إلا أن يكون عدلا فيشهد بذلك ويحلف معه المقر له
فيشاركه كما لو ثبت للأول ببينة، وان أقر للثاني في المجلس بكلام منفصل ففيه وجهان (أحدهما)
لا يقبل لأن حق الأول ثبت في الجميع فأشبه ما لو أقر له في مجلس آخر (والثاني) يقبل لأن المجلس
الواحد كالحال الواحدة.
* (مسألة) * (وإن باعه أو وهبه أو رهنه كان رجوعا)
إذا وهب الموصى به أو تصدق به أو أكله أو أطعمه أو أتلفه أو كان ثوبا ففصله ولبسه
456

أو جارية فأحبلها أو ما أشبه ذلك فهو رجوع. قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم
أنه إذا أوصى لرجل بطعام فأكله أو بشئ فأتلفه أو وهبه أو تصدق به أو بجارية فأحبلها أو أولدها
فإنه يكون رجوعا، وكذلك ان باعها، وحكي عن أصحاب الرأي أن بيعه ليس برجوع لأنه أخذ
بدله بخلاف الهبة.
ولنا أنه أزال ملكه عنه، فكان رجوعا كما لو وهبه وان عرضه على البيع أو وصى ببيعه أو
أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له كان رجوعا لأنه يدل على اختياره للرجوع ووصيته ببيعه أو اعتاقه
رجوع لكونه وصي بما ينافي الوصية الأولى وان رهنه كان رجوعا لأنه علق به حقا يجوز بيعه،
فكان أعظم من عرضه على البيع، وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع، وهو وجه لأصحاب الشافعي
لأنه لا يزيل الملك أشبه اجارته
* (مسألة) * (وان كاتبه أو دبره أو جحد الوصية فعلى وجهين)
(أحدهما) يكون رجوعا لأن الكتابة بيع والتدبير أقوى من الوصية لأنه ينتجز بالموت فسبق
أخذ الموصى له وجحد الوصية رجوع لأنه لا يدل على الرجوع ولان جحده يدل على أنه لا يريد
ايصاله إلى الموصى له.
457

و (الثاني) لا يكون رجوعا لآل الكتابة والتدبير لا يخرج بهما عن ملكه ولان الوصية عقد
فلا تبطل بالجحود كسائر العقود وهو رواية عن أبي حنيفة.
* (مسألة) * (وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعا)
لأنه يتعذر تسليمه فيدل على رجوعه، وان خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعا، لأنه لا يمنع التسليم
وان أزال اسمه فطحن الحنطة أو عجن الدقيق أو خبز الحنطة أو جعل الخبز فتيتا فهو رجوع لأنه أزال
اسمه وذكره القاضي لأنه أزال اسمه وعرضه للاستعمال، وذلك دليل على رجوعه وبهذا قال الشافعي، وعلى
قياس ذلك إذا نجر الخشبة بابا ونحوه لأنه أزال اسمه فهو في معناه، وإن كان قطنا أو كتانا فغزله،
أو غزلا فنسجه، أو ثوبا فقطعه، أو بقرة فضربها، أو شاة فذبحها كان رجوعا، وبه قال أصحاب الرأي
والشافعي في ظاهر مذهبه، واختار أبو الخطاب أنه ليس برجوع وهو قول أبو ثور لأنه لا يزيل اسمه
ولنا أنه عرضه للاستعمال فكان رجوعا لأن فعله يدل على الرجوع، وقولهم انه لا يزيل اسمه
لا يصح فإن الثوب لا يسمى غزلا، والغزل لا يسمى كتانا.
(فصل) وان حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من فعل الموصي مثل ان سقط الحب في الأرض
458

فصار زرعا أو انهدمت الدار فصارت فضاء في حياة الموصي بطلت الوصية بها لأن الباقي لا يتناوله الاسم
وهو اختيار القاضي وذكر أبو الخطاب في الدار إذا انهدمت وزال اسمها وجها أنه لا يكون رجوعا
لأن الموصي لم يقصد ذلك والأول أولى وإن كان انهدام الدار لا يزيل اسمها سلمت إليه.
* (مسألة) * (وان زاد في الدار عمارة أو انهدام بعضها فهل يستحقه الموصى له؟ على وجهين:
(أحدهما): لا يستحقه لأن الزيادة لم تتناولها الوصية والانقاض لا تدخل في مسمى الدار وإنما
يتبع الدار في الوصية وما يتبعها في البيع. و (الوجه الآخر): يدخلان في الوصية لأن الزيادة تابعة
للموصى به فأشبه سمن العبد وتعليمه والمنهدم قد دخل في الوصية فتبقى الوصية ببقائه.
* (مسألة) * (وان وصى له بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعا سواء خلطها
بمثلها أو خير منها أو دونها لأنه كان مشاعا وبقي مشاعا وقيل إن خلطه بخير منه كان رجوعا لأنه
لا يمكنه تسليم الموصى به الا بتسليم خير منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم
بخلاف ما إذا خلطه بمثله أو دونه.
(فصل) نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال هذا ثلثي لفلان ويعطي فلان منه مائة
459

في كل شهر إلى أن يموت فهو للاخر منهما ويعطى هذا مائة في كل شهر فإن مات وفضل شئ رد إلى
صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وانفاذها على ما أمر به الموصى.
* (مسألة) * (وان وصى لرجل بشئ ثم قال إن قدم فلان فهو له، فقدم في حياة الموصي فهو له
لأنه جعله له بشرط قدومه وقد وجد الشرط، وان قدم بعد موت الموصي فهو للأول في أحد الوجهين،
لأنه لما مات قبل قدومه انتقل إلي الأول لعدم الشرط في الثاني وقدم وقدم الثاني بعد ملك الأول له وانقطاع
حق الموصي منه فيبقى للأول، ذكره القاضي، وفي الوجه الثاني هو للقادم لأنه مشروط له بقدومه
فأشبه ما لو قال إن حملت نخلتي بعد موتي فهو لفلان، فحملت بعد موته فإنه يستحق حملها، بعد
ملك الورثة لأصلها.
(فصل) إذا أوصى بأمة لزوجها الحر فقبلها انفسخ النكاح، لأن النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين
وظاهر المذهب ان الموصى له إنما ملك الموصى به بالقبول فحينئذ ينفسخ النكاح، وفيه وجه آخر انه
إذا قبل تبينا ان الملك كان ثابتا من حين موت الموصي فتبين ان النكاح انفسخ من حين موت الموصي
فإن أتت بولد لم يخل من ثلاثة أحوال.
460

(أحدها) أن تكون حاملا حين الوصية ويعمل ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ أوصى
فالصحيح أنه يكون موصى به معها لأن للحمل حكما ولهذا تصح الوصية به وله وإذا صحت الوصية به
منفردا صحت به مع أمه فيصير كما لو كان منفصلا فأوصى بهما جميعا وفيه آخر لا حكم للحمل فلا يدخل
في الوصية وإنما يثبت له الحكم عند انفصاله كأنه حدث حينئذ فعلى هذا ان انفصل في حياة الموصي
فهو كسائر كسبها، وإن انفصل بعد موته وقبل القبول فهو للورثة على ظاهر المذهب وان انفصل
بعده فهو للموصي.
(الحال الثاني) ان تحمل به بعد الوصية ويعلم ذلك بأن تضعه بعد ستة أشهر من حين أوصى
لأنها ولدته لمدة الحمل بعد الوصية فيحتمل انها حملته بعدها فلم تتناوله والأصل عدم الحمل حال الوصية
فلا نثبته بالشك فيكون مملوكا للموصي ان ولدته في حياته وإن ولدته بعده وقلنا للحمل حكم فكذلك
وان قلنا لا حكم له فهو للورثة ان ولدته قبل القبول ولأبيه ان ولدته بعده وكل موضع كان الولد
للموصى له فإنه يعتق عليه بأنه ابنه وعليه ولاء لأبيه لأنه عتق عليه بالقرابة وأمه أمة ينفسخ نكاحها
بالملك ولا تصير أم ولد لأنها لم تعلق منه بحر في ملكه
461

(الحال الثالث) ان تحمل بعد موت الموصي وقبل القبول ويعلم ذلك بأن تضعه لأكثر من ستة
أشهر من حين الموت فإن وضعته قبل القبول فهو للوارث في ظاهر المذهب لأن الملك إنما يثبت للموصى له
بعد القبول وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له، وان وضعته بعد القبول فكذلك لأن الظاهر أن
للحمل حكما فيكون حادثا على ملك الوارث وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له فعلى هذا يكون حرا
لا ولاء عليه لأنها أم ولد لكونها علقت منه بحر في ملكه فهو كما لو حملت به بعد القبول ومذهب
الشافعي في هذا الفصل قريب مما قلناه، وقال أبو حنيفة إذا وضعته بعد موت الموصي دخل في الوصية
بكل حال لأنها تستقر بالموت وتلزم فوجب ان تسرى إلى الولد كالاستيلاد
ولنا انها زيادة منفصلة حادثة بعد عقد الوصية فلا تدخل فيها كالكسب وكما لو وصى بعتق جارية
فولدت ويفارق الاستيلاد لأن له تغليبا وسراية وهذا التفريع فيما إذا خرجت من الثلث وان لم تخرج
من الثلث ملك منها بقدر الثلث وانفسخ النكاح لأن ملك بعضها يفسخ النكاح كملك جميعها وكل موضع
يكون الولد لأبيه فإن يكون له منه ههنا بقدر ما ملك من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسرا
وإن كان معسرا فقد عتق منه ما ملك وحده وكل موضع قلنا تكون أم ولد فإنها تصير أم ولد ههنا
462

سواء كان موسرا أو معسرا على قول الخرقي كما إذا استولد الأمة المشتركة وقال القاضي يصير منها أم
ولد بقدر ما ملك منها وهذا مذهب الشافعي والله أعلم
(فصل) قال رضي الله عنه (وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص كقضاء الدين
والحج والزكاة) لأن حق الورثة بعد أداء الدين لقوله سبحانه (من بعد وصيه يوصي بها أو دين) وقال
علي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية رواه الترمذي والواجب لحق الله سبحانه
بمنزلة الدين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " دين الله أحق أن يقضى " فإن وصى معها بتبرع اعتبر
الثلث من الباقي فيخرج الواجب أولا من رأس المال ثم يخرج ثلث الباقي كمن تكون تركته
أربعين فيوصي بثلث ماله وعليه دين عشرة فتخرج العشرة أولا وتدفع إلى الموصى له بالثلث عشرة
وهي ثلث الباقي بعد الدين
* (مسألة) * (وان قال اخرجوا الواجب من ثلثي أخرج من الثلث وتمم من رأس المال على ما
قال الموصي كأنه قصد إرفاق ورثته بذلك فإن كان معها وصية بتبرع فقال القاضي يبدأ بالواجب فإن
فضل عنه من الثلث شئ فهو لصاحب التبرع وإن لم يفضل منه شئ سقط وذلك لأن الدين تجب
463

البداءة به قبل الميراث والتبرع فإذا عينه في الثلث وجب البداية به وما فضل للتبرع فإن لم يفضل شئ
سقط لأنه لم يوص له بشئ إلا أن يجيز الورثة فيعطى ما أوصي له به وقال أبو الخطاب يزاحم به
أصحاب الوصايا فيحتمل ما قاله القاضي ويحتمل أن يقسم الثلث بين الواجب والتبرع بالحصة فما بقي
من الواجب تمم من الثلثين فيدخله الدور ويحتاج إلى العمل بطريق الخبر فلو كان المال ثلاثين فالواجب
عشرة والوصية عشرة فاجعل تتمة الواجب شيئا يبقى ثلاثون إلا شيئا فثلثه عشرة إلا ثلث شئ اقسمها
بين الواجب والتبرع يحصل للواجب خمسة إلا سدس شئ فإذا أضفت إليها الشئ الذي هو تتمة الواجب
كان عشرة فاجبر الخمسة من الشئ بسدسه يبقى خمسة أسداس شئ تعدل خمسة فتبين ان الشئ ستة
وللوصي الآجر وهو صاحب التبرع أربعة
(فصل) فإن كان عليه دين خمسة أيضا عزلت تتمة الواجب شئ وتتمة الدين نصف شئ بقي
ثلث المال عشرة الا نصف شئ فاقسمه بين الوصايا فيحصل للواجب أربعة الا خمس شئ اضمم إليها
تتمته يصير شيئا وأربعة الا خمس شئ تصير عشرة وبعد الجبر تصير أربعة أخماس تعدل ستة فرد على
الستة ربعها تكن سبعة ونصفها تعدل شيئا فالشئ سبعة ونصف ونصف الشئ ثلاثة ونصف وربع
464

وبقية المال ثمانية عشر وثلاثة أرباع ثلثها ستة وربع للدين خمسها أحد وربع إذا ضمت إليه تتمته كمل
خمسة وللواجب اثنان ونصف يكمل بتتمته وللصدقة اثنان ونصف، وفي عملها طريق آخر وهو أن يقسم
الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ثم ما بقي من الواجب أخذته من الورثة وصاحب التبرع بالقسط
ففي المسألة الأولى يحصل للواجب خمسة يبقى له خمسة يأخذ من صاحب التبرع دينارا ومن الورثة
أربعة وفي المسألة الثانية حصل للواجب أربعة وبقي له ستة وحصل للدين دينار وبقي له ثلاثة
فيأخذان ما بقي لهما وذلك تسعة من الورثة نصفها وثلثها وذلك سبعة ونصف ومن صاحب التبرع
سدسها دينار ونصفها للواجب منها ثلثاها وللدين ثلثها فإن أوصى بالواجب وأطلق فهو من رأس
المال فيبدا باخراجه قبل التبرعات والميراث فإن كانت وصية ثم بتبرع فلصاحبها ثلث الباقي وهذا قول
أكثر أصحاب الشافعي وذهب بعضهم إلى أن الواجب من الثلث كالقسم الذي قبله لأنه إنما يملك
الوصية بالثلث.
ولنا ان الواجب من رأس المال وليس في وصيته ما يقتضي تغييره فيبقى على ما كان عليه كما لو
لم يوص به وقولهم لا يملك الوصية إلا بالثلث قلنا في التبرع واما في الواجبات فلا ينحصر في الثلث
465

ولا يتقيد به فإن أوصى بالواجب وقرن به الوصية بتبرع مثل ان يقول حجوا عني وأدوا ديني
وتصدقوا عني ففيه وجهان (أصحهما) ان الواجب من رأس المال لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على
الاقتران في الحكم ولا في كيفيته ولذلك قال الله تعالى (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده)
والاكل لا يجب والايتاء يجب ولأنه ههنا قد عطف غير الواجب عليه فكما لم يستويا في الوجوب
لا يلزم استواءهما في محل الاخراج (والثاني) انه من الثلث لأنه قرن به ما مخرجه من الثلث والله
سبحانه وتعالى اعلم.
(باب الموصى له)
تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي وحربي ومرتد، أما صحة الوصية للمسلم والذمي
فلا نعلم فيه خلافا وبه قال شريح والشعبي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي قال محمد بن
الحنفية في قوله تعالى (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) هو وصية المسلم لليهودي والنصراني ولان
الهبة تصح له فصحت الوصية كالمسلم وتصح وصية الذمي للمسلم لأنه إذا صحت وصية المسلم للذمي
466

فوصية الذمي للمسلم أولى وحكم وصية الذمي حكم وصية المسلم فيما ذكرنا، وتصح الوصية للحربي وإن كان
في دار الحرب نص عليه أحمد وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا تصح
وهو قول أبي حنيفة لأن الله تعالى قال (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم
من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم) الآية إلى قوله (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم
من دياركم) الآية فدل على أن من قاتلنا لا يحل بره
ولنا انه تصح هبة فصحت الوصية له كالذمي وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم اعطى عمر حلة من حرير
فقال يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال " اني لم أعطكها لتلبسها " فكساها
عمر خاله مشركا بمكة وعن أسماء بنت أبي بكر قالت أتتني أمي وهي راغبة تعني عن الاسلام فسألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أتتني أمي وهي راغبة أفأصلها؟ قال " نعم " وهذان فيهما صلة أهل
الحرب وبرهم والآية حجة لنا فيمن لم يقاتل فأما المقاتل فإنما نهى عن توليه لا عن بره
ولا الوصية له وان احتج بالمفهوم فهو لا يراه حجة ثم قد حصل الاجماع على صحة الهبة للحربي
والوصية في معناها.
467

* (مسألة) * (وتصح للمرتد كما تصح الهبة له)
ذكره أبو الخطاب وقال ابن أبي موسى لا تصح لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو
كالميت ولان ملكه يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة فلا يثبت له الملك بالوصية
* (مسألة) * (وتصح لمكاتبه ومدبره وأم ولده)
تصح الوصية للمكاتب سواء كان مكاتبه أو مكاتب وارثه أو مكاتب أجنبي سواء وصي له يجزء
شائع أو معين لأن ورثته لا يستحقون المكاتب ولا يملكون ماله ولأنه يملك المال بالعقود فصحت
الوصية له كالحر، فإن قال ضعوا عن مكاتبي بعض كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاؤوا وان قال ضعوا
عنه نجما من نجومه فلهم ان يضعوا اي نجم شاؤوا وسواء كانت نجومه متفقة أو مختلفة لتناول اللفظ له فإن
قال ضعوا عنه أي نجم شاء رجع إلى مشيئته لأن سيده جعل المشيئة إليه وان قال ضعوا عنه أكثر
نجومه وضعوا عنه أكثرها مالا لأنه أكبرها قدرا، وان قال ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه أكثر
من نصفها لأن أكثر الشئ يزيد على نصفه فإن كانت نجومه خمسة وضعوا ثلاثة وان كانت ستة وضعوا
أربعة ويحتمل ان يصرف إلى واحد منها أكثرها مالا فإن كانت نجومه سواء تعين القول الأول
فإن قال ضعوا عنه أوسط نجومه ولم يكن فيها الا وسط واحد تعين مثل أن تكون نجومه متساوية
القدر والأجل وعددها مفرد فيتعين الأوسط في العدد فإن كانت خمسة تعين الثالث، وان كانت
468

سبعة فالرابع فإن كان عددها مزدوجا وهي مختلفة المقدار فبعضها مائة وبعضها مائتان وبعضها ثلاثمائة
فأوسطها المائتان فيتعين وان كانت متساوية القدر مختلفة الاجل مثل أن يكون اثنان إلى شهر شهر وواحد
إلى شهرين وواحد إلى ثلاثة أشهر تعنيت الوصية في الذي إلى شهرين، وإن اتفقت هذه المعاني في
واحد تعين، وإن كان لها أوسط في القدر وأوسط في الاجل وأوسط في العدد يخالف بعضها بعضا
رجع إلى قول الورثة، وان اختلفت الورثة والمكاتب في إرادة الموصي منها فالقول قول الورثة مع
أيمانهم أنهم لا يعلمون ما أراد، ومتى كان العدد وترا فأوسطه واحد وان كانت شفعا كأربعة فأوسطه
اثنان وهكذا القول فيما إذا أوصي بأوسط نجومه، وان قال ضعوا عنه ما يخف أو ما يثقل أو ما يكثر
رجع إلى تقدير الورثة لأن كل شئ يخف إلى حيث ما هو أثقل منه، ويثقل إلى حيث ما هو أخف منه،
469

كما قال أصحابنا فيما إذا أقر بمال عظيم أو كثير أو ثقيل أو خفيف، وان قال ضعوا عنه أكثر ما عليه
وضع عنه النصف وأدنى زيادة وان قال ضعوا عنه أكثر ما عليه ومثل نصفه فذلك ثلاثة أرباع وأدنى
زيادة وان قال ضعوا أكثر ما عليه ومثله فذلك الكتابة كلها وزيادة عليها فيصح في الكتابة
ويبطل في الزيادة لعدم محلها وان قال ضعوا عنه ما شاء فشاء وضع كل ما عليه وضع لتناوله اللفظ
فإن قال ضعوا عنه ما شاء من مال الكتابة لم يضعوا عنه الكل، لأن من للتبعيض ومذهب الشافعي
على نحو ما ذكرنا في هذا الفصل.
470

* (مسألة) * (وتصح الوصية لمدبره)
لأنه يصير حرا حين لزوم الوصية فصحت الوصية له كأم الولد فإن لم يخرج من الثلث هو والوصية
جميعا قدم عتقه على الوصية لأنه أنفع له، وقال القاضي يعتق بعضه ويملك من الوصية بقدر ما عتق منه.
ولنا أنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو وصى لعبده القن
بمشاع من ماله.
* (مسألة) * (وتصح الوصية لام ولده لأنها حرة حين لزوم الوصية)
وقد روي ذلك عن عمر رضي الله عنه انه أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف أربعة آلاف، رواه سعيد
وروي ذلك عن عمران بن حصين، وبه قال ميمون بن مهران، والزهري، ويحيى الأنصاري،
ومالك، والشافعي، واسحق.
471

* (مسألة) * (وتصح لعبد غيره) وتكون الوصية لسيده والقبول من العبد لأن العقد مضاف إليه
أشبه ما لو وهبه شيئا فإذا قبل نثبت لسيده لأنه من كسب عبده وكسب العبد للسيد ولا يفتقر في القبول
إلى اذن السيد لأنه كسب من غير اذن سيده كالاحتطاب وهذا قول أهل العراق والشافعي ولأصحابه
وجه آخر أنه يفتقر إلى اذن السيد لأنه تصرف العبد فهو كبيعه وشرائه
ولنا أنه تحصيل مال بغير عوض فلم يفتقر إلى اذنه كقبول الهبة وتحصيل المباح
(فصل) وان وصى لعبد وارثه فهي كالوصية لوارثه تقف على إجازة الورثة وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة، وقال مالك إن كان يسيرا جاز لأن العبد يملك وإنما لسيده أخذه من يده فإذا أوصى له
بشئ يسير علم أنه قصد بذلك العبد دون سيده.
472

ولنا أنها وصية لعبد وارثه أشبه الوصية بالكثير وما ذكره من ملك العبد ممنوع لا اعتبار به
فإنه مع هذا القصد يستحق سيده أخذه فهو كالكثير.
(فصل) وإذا وصى بعتق أمته على أن لا تتزوج ثم مات فقالت لا أتزوج عتقت فإن تزوجت
بعد ذلك لم يبطل عتقها وهذا مذهب الأوزاعي والليث وأبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي لأن
العتق إذا وقع لم يمكن رفعه فإن وصى لام ولده بألف على أن لا تتزوج أو على أن تبيت مع ولده ففعلت
وأخذت الألف ثم تزوجت أو تركت ولده ففيها وجهان (أحدهما) تبطل وصيتها لأنه فات الشرط ففاتت
الوصية، وفارق العتق فإنه لا يمكن رفعه (والثاني) لا تبطل وصيتها وهو قول أصحاب الرأي لأن وصيتها
صحت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها كالأولى
* (مسألة) * (وتصح لعبده بمشاع كثلثه فإن خرج العبد من الوصية عتق واستحق باقيه وان
لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث)
وبهذا قال الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة إلا أنهم قالوا إن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه
473

وقال الشافعي الوصية باطلة إلا أن يوصي بعتقه لأنه أوصى لمال يصير للورثة فلم يصح كما لو
وصى له بمعين.
ولنا ان الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها لأنه من جملة الثلث الشائع والوصية له بنفسه تصح
ويعتق وما فضل استحقه لأنه يصير حرا فملك الوصية فيصير كأنه قال أعتقوا عبدي من ثلثي وأعطوه
ما فضل منه، وفارق ما إذا وصى له بمعين لأنه لا يتناول شيئا منه على أن لنا في الأصل
المقيس عليه منعا.
* (مسألة) * (وان وصى له بمعين كثوب أو دار أو مائة لم تصح الوصية في قول الأكثرين منهم
الثوري وأصحاب الرأي والشافعي وإسحاق وذكر ابن أبي موسى رواية عن أحمد أنها تصح وهو
قول مالك وأبي ثور وقال الحسن وابن سيرين ان شاء الورثة أجازوا وان شاءوا ردوا
ولنا أن العبد يصير ملكا للورثة فما وصى به له فهو لهم فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه فلا
فائدة فيه، وفارق ما إذا وصى له بمشاع لما ذكرناه.
* (مسألة) * (وتصح الوصية للحمل إذا علم أنه كان موجودا حين الوصية بان تضعه لأقل من
ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو سيد يطؤها أو لأقل من أربع سنين ان لم يكن كذلك في أحد
الوجهين) وفي الآخر لأقل من سنتين
لا نعلم في صحة الوصية للحمل خلافا وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي
474

وذلك لأن الوصية جرت مجرى الميراث من حيث كونها انتقال المال من الانسان بعد موته إلى الموصى
له بغير عوض كانتقاله إلى وارثه، وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله سبحانه (يوصيكم الله في
أولادكم للذكر مثل حظ الاثنين) وقال سبحانه (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من
بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله) والحمل يرث فتصح الوصية له ولان الوصية أوسع
من الميراث لأنها تصح للمخالف في الدين والعبد بخلاف الميراث فإذا ورث الحمل فالوصية له أولى
ولان الوصية تتعلق بخطر وغرر فصحت للحمل كالعتق فإن انفصل الحمل ميتا بطلت الوصية لأنه لا يرث ولأنه
يحتمل أن لا يكون حيا حين الوصية فلا تثبت له الوصية والميراث بالشك، وسواء مات لعارض من ضرب البطن أو
شرب دواء أو غيره لما بينا من أنه لا يرث وان وضعته حيا صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حال الوصية بأن
تأتي به لأقل من ستة أشهر ان كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد يطؤها فانا نعلم وجوده حين الوصية فإن أتت به
لأكثر منها لم تصح الوصية لاحتمال حدوثه بعد الوصية، وان كانت بائنا فأتت به لأكثر من أربع سنين من
حين الفرقة وأكثر من ستة أشهر من حين الوصية لم تصح الوصية له وان أتت به لأقل من ذلك صحت الوصية
لأن الولد يعلم وجوده إذا كان لستة أشهر ويحكم بوجوده إذا أتت به لأقل من أربع سنين من حين
475

الفرقة وهذا مذهب الشافعي، وان وصى لحمل امرأة من زوجها أو سيدها صحت الوصية له مع اشتراط
الحاقه به، فإن كان منفيا باللعان أو دعوى الاستبراء لم تصح الوصية له لعدم نسبه المشترط في الوصية
فإن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد الا أنه لا يطؤها لكونه غائبا في بلد بعيد أو مريضا مرضا
يمنع الوطئ أو كان أسيرا أو محبوسا أو علم الورثة أنه لم يطأها أو أقروا بذلك فإن أصحابنا لم يفرقوا
بين هذه الصور وبين ما إذا كان يطؤها لأنهما لم يفترقا في لحوق النسب بالزوج والسيد فكانت في
حكم من يطؤها، قال شيخنا ويحتمل أنها متى أتت به في هذه الحال أو لوقت يغلب على الظن أنه كان
موجودا حال الوصية مثل أن تضعه لأقل من غالب مدة الحمل أو تكون أمارات الحمل ظاهرة أو
أتت به على وجه يغلب على الظن أنه كان موجودا بامارات الحمل بحيث يحكم لها بكونه حاملا صحت
الوصية له لأنه يثبت له أحكام الحمل في غير هذا الحكم وقد انتفت أسباب حدوثه ظاهرا فينبغي أن
تثبت له الوصية، والحكم بالحاقه بالزوج والسيد في تلك الصور إنما كان احتياطا للنسب فإنه يلحق
بمجرد الاحتمال وإن كان بعيدا، ولا يلزم من اثبات النسب بمطلق الاحتمال نفي استحقاق الوصية فإنه
لا يحتاط لابطال الوصية كما يحتاط لاثبات النسب فلا يلزم الحاق ما لا يحتاط له بما يحتاط له مع ظهور ما يثبته
476

ويصححه، وفيه وجه آخر أنه إذا أتت به لأكثر من سنتين إذا كانت بائنا لا تثبت له الوصية بناء
على أن أكثر مدة الحمل سنتان
* (مسألة) * (وان وصى لما تحمل هذه المرأة لم يصح)
وقال بعض أصحاب الشافعي تصح كما تصح الوصية بما تحمل هذه الجارية
ولنا أن الوصية تمليك فلا تصح للمعدوم بخلاف الموصى به فإنه يملك فلم يعتبر وجوده ولان الوصية
جرت مجرى الميراث ولو مات انسان لم يرثه من الحمل إلا من كان موجودا كذلك الوصية، ولو تجدد
للميت مال بعد موته بأن يسقط في شبكته صيد لورثه ورثته ولذلك قضينا بثبوت الإرث في ديته وهي
تتجدد بعد موته فجاز ان تملك بالوصية. فإن قيل فلو وقف على من يحدث من ولده أو ولد فلان صح
فالوصية أولى لأنها تصح بالمعدوم والمجهول بخلاف الوقف، قلنا الوصية أجريت مجرى الميراث ولا
يحصل الميراث إلا لموجود فكذلك الوصية، والوقف يراد للدوام فمن ضرورته اثباته للمعدوم.
(فصل) وإذا وصى لحمل امرأة فولدت ذكرا وأنثى فالوصية لهما بالسوية لأن ذلك عطية وهبة
فأشبه ما لو وهبهما شيئا بعد ولادتهما، وان فاضل بينهما فهو على ما قال كالوقف وإن قال إن كان في
477

بطنها غلام فله ديناران وإن كانت فيه جارية فلها دينار فولدت غلاما وجارية فلكل منهما ما وصي له به
لأن الشرط وجد فيه، وإن ولدت أحدهما منفردا فله وصيته، ولو قال إن كان حملها أو إن كان
ما في بطنها غلاما فله ديناران وان كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما منفردا فله وصيته، وان
ولدت غلاما وجارية فلا شئ لهما لأن أحدهما ليس هو جميع الحمل ولا كل ما في البطن، وبه قال
أصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور.
* (مسألة) * (وان قتل الوصي الموصي بطلت الوصية وان جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح
لم تبطل في ظاهر كلامه وقال أصحابنا في الوصية للقاتل روايتان)
اختلف أصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه، فقال ابن حامد تجوز الوصية له واحتج بقول
أحمد فيمن جرح رجلا خطأ فعفا المجروح فقال احمد تعتبر من الثلث قال وهذه وصية لقاتل وهو
قول مالك وأبي ثور وابن المنذر واظهر قولي الشافعي لأن الهبة له تصح فصحت الوصية له كالذمي
وقال أبو بكر لا تصح الوصية له فإن أحمد قد نص على أن المدبر إذا قتل سيده بطل تدبيره والتدبير
وصية وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من الوصية، فالوصية
478

أولى، ولان الوصية أجريت مجرى الميراث فمنعها ما يمنعه وقال أبو الخطاب ان وصى له بعد جرحه
صح وإن وصى له قبل ثم طرأ القتل على الوصية أبطلها جمعها بين نصي احمد في الموضعين، وهو قول
الحسن بن صالح وهذا قول حسن، لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها لم يطرأ عليه
ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت فإن القتل طرأ عليها فأبطلها فإنه يبطل ما هو آكد منها، يحققه ان القتل
إنما يمنع الميراث لكونه بالقتل استعجل الميراث الذي انعقد سببه فعورض بنقيض قصده وهو منع
الميراث دفعا لمفسدة قتل الموروثين ولذلك بطل التدبير بالقتل قبل الطارئ عليه أيضا وهذا المعنى متحقق
في القتل الطارئ على الوصية فإنه ربما استعجلها بقتله وفارق القتل قبل الوصية لأنه لم يقصد به استعجال
مال لعدم انعقاد سببه والموصي راض بالوصية له بعد ما صدر منه في حقه وعلى هذا لا فرق بين
الخطأ والعمد كما لا تفترق الحال بذلك في الميراث.
* (مسألة) * (وإن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الأصناف صح)
لأنهم من أبواب البر فصحت لهم كغيرهم ويعطى كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة قياسا
عليها، لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ولما أطلق الله تعالى أعطاهم
من الزكاة حمل على ذلك كذلك هذا
479

قال شيخنا وإذا وصى لأصناف الزكاة المذكورين في القرآن فهم الذين يستحقون الزكاة وينبغي
أن يجعل لكل صنف ثمن الوصية، كما لو وصى لثمان قبائل، والفرق بين هذا وبين الزكاة حيث يجوز
الاقتصار على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها بيان من يجوز الدفع إليه والوصية أريد بها بيان من
يجب الدفع إليه، ويجوز الاقتصار من كل صنف على واحد في ظاهر المذهب لأنه لا يمكن استيعابهم وحكي
هذا عن أصحاب الرأي وعن محمد بن الحسن أنه قال لا يجوز الدفع إلى أقل من اثنين، وعن أحمد
رواية ثانية أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة من كل صنف حكاها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي
وقد ذكرنا ذلك وأدلته في الزكاة ولا يجوز الصرف الا إلى المستحق من أهل بلده كما ذكرنا في الزكاة
(فصل) وإذا أوصى للفقراء وحدهم دخل فيه المساكين وكذلك إن أوصى للمساكين دخل
فيهم الفقراء لأنهم صنف واحد في غير الزكاة الا أن يذكر الصنفين جميعا فيدل ذلك على أنه أراد
المغايرة بينهما، ويستحب تعميم من أمكن منهم والدفع إليهم على قدر الحاجة والبداءة بأقارب الموصي
كما ذكرنا في الزكاة.
* (مسألة) * (وإن وصى لكتب القرآن أو العلم أو لمسجد أو لفرس حبيس ينفق عليه صح لأن
ذلك قربة يصح بذل المال فيه، فصحت الوصية له كالوصية للفقراء فإن مات الفرس رد الموصى به
480

أو باقيه إلى الورثة لأنه عين للوصية جهة فإذا فاتت عادت إلى الورثة كما لو وصى أن يشترى عبد زيد
فيعتق فمات العبد أو لم يبعه سيده أو تعذر شراؤه، وان أنفق بعض الدراهم ثم مات الفرس بطلت الوصية
في الباقي كما لو وصى بشراء عبدين معينين فاشترى أحدهما ومات الآخر قبل شرائه قال الأثرم سمعت
أبا عبد الله يسئل عن رجل أوصى بألف درهم في السبيل أيجعل في الحج منها؟ قال لا، إنما يعرف
الناس السبيل الغزو.
(فصل) إذا قال يخدم عبدي فلان سنة ثم هو حر صحت الوصية فإن قال الموصى له بالخدمة
لا أقبل الوصية أو قال قد وهبت الخدمة لم يعتق في الحال وبهذا قال الشافعي، وقال مالك ان وهب الخدمة
للعبد عتق في الحال. ولنا أنه أوقع العتق بعد مضي السنة فلم يقع قبله كما لو رد الوصية
(فصل) وان وصى أن يشترى عبد زيد بخمسمائة فيعتق فلم يبعه سيده فالخمسمائة للورثة وكذلك
ان امتنع عن بيعه بالخمسمائة أو تعذر شراؤه بموته أو لعجز الثلث عن ثمنه فالثمن للورثة لأن الوصية بطلت
481

لتعذر العمل بها فأشبه ما لو وصى لرجل فمات قبل موت الموصي أو بعده ولم يدع وارثا ولا يلزم
الورثة شراء عبد آخر لأن الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره فإن اشتروه بأقل من ذلك فالباقي للورثة
وقال الثوري يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد لأنه قصد ارفاقه بالثمن ومحاباته فأشبه ما لو قال بيعوه
عبدي بخمسمائة وقيمته أكثر منها وكما لو وصى أن يحج عنه فلان بخمسمائة وهي أكثر من أجر المثل
وقال إسحاق يجعل بقية الثمن في العتق كما لو وصى أن يحج عنه بخمسمائة رد ما فضل في الحج
ولنا أنه أمر بشرائه بخمسمائة فكان ما فضل من الثمن راجعا إليه كما لو وكل في شرائه في حياته
وفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه رجل بخمسمائة لأن القصد ثم ارفاق الذي يحج بالفضلة، وفي مسئلتنا
المقصود العتق، ويفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة لغير معين لأن الوصية ثم للحج مطلقا فتصرف
جميعها فيه وههنا لمعين فلا تتعداه، وقوله انه قصد ارفاق زيد ومحاباته به قلنا إن كان ثم قرينة تدل على
ذلك اما لكون البائع صديقه أو ذا حاجة أو من أهل الفضل الذين يقصدون بهذا أو كان يعلم حصول
العبد بدون الخمسمائة لقلة قيمته فنه يدفع جميع الثمن إلى زيد كما لو صرح بذلك فقال ادفعوا إليه جميعها
482

وإن بذله بدونها وإن عدمت هذه القرائن فالظاهر أنه إنما قصد العتق وقد حصل فكان الثمن عائدا
إلى الورثة كما لو أمره بالشراء في حياته قال شيخنا وهذا الصحيح إن شاء الله تعالى
(فصل) ولو وصى أن يشترى عبد بألف فيعتق عنه فلم يخرج من ثلثه اشتري عبد بالثلث وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة تبطل الوصية لأنه أمر بشراء عبد بألف فلا يجوز للمأمور الشراء بدونه
كالوكيل. ولنا أنها وصية يجب تنفيذها إذا احتملها الثلث فإذا لم يحملها وجب تنفيذها فيما حمله كما لو وصى
بعتق عبد فلم يحمله الثلث، وفارق الوكالة فإنه لو وكله في اعتاق عبد لم يملك اعتاق بعضه، ولو وصى إليه
باعتاق عبد أعتق منه ما يحتمله الثلث فإن حمله الثلث فاشتراه وأعتقه ثم ظهر على الميت دين يستغرق
المال فالوصية باطلة ويرد العبد إلى الرق إن كان اشتراه بعين المال لأننا تبينا أن الشراء باطل لكونه
اشترى بمال مستحق للغرماء بغير اذنهم وإن كان اشتراه في الذمة صح الشراء ونفذ العتق وعلى المشتري
غرامة ثمنه لا يرجع به على أحد لأن البائع ما غره إنما غره الموصي ولا تركة له فيرجع عليها وهذا
ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن يشارك الغرماء في التركة ويضر ب معهم بقدر دينه لأن الدين غرمه
بتغرير الموصي فيرجع به عليه فإذا كان ميتا لزمه في تركته كأرش جنايته
483

(فصل) وان وصى بشراء عين وأطلق أو ببيع عبده وأطلق فالوصية باطلة لأن الوصية لا بد لها من
مستحق ولا مستحق ههنا فإن وصى ببيعه بشرط العتق صحت الوصية وبيع كذلك لأن في البيع نفعا للعبد
بالعتق فإن لم يوجد من يشتريه كذلك بطلت الوصية لتعذرها كما لو وصى بشراء عبد يعتق فلم يبعه
سيده، وان وصى ببيعه لرجل بعينه بثمن معلوم بيع لأنه قصد ارفاقه بذلك في الغالب وان لم يسم ثمنا
بيع بقيمته وتصح الوصية لكونه قصد ايصال العبد المعين إلى رجل بعينه فيحتمل أن يتعلق الغرض
بارفاق العبد بايصاله إلى من هو معروف بحسن الملك واعتاق الرقاب ويحتمل أن يريد ارفاق المشتري
لمعنى يحصل له من العبد فإن تعذر بيعه لذلك الرجل أو أبى أن يشتريه بالثمن أو بقيمته ان لم يعين
الثمن بطلت الوصية
* (مسألة) * (وان وصى في أبواب البر فقال شيخنا يصرف في القرب كلها)
لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولا يجوز تخصيص العموم بغير دليل، وقيل عن أحمد
تصرف في أربع جهات في الأقارب والمساكين والحج والجهاد، وعنه فداء الاسرى مكان الحج لأن
الصدقة على الأقارب صدقة وصلة والمساكين مصارف الصدقات والزكاة والحج والجهاد من أكبر
484

شعائر الاسلام وفداء الاسرى من أعظم القربات، وقد نقل المروذي عن أحمد فيمن أوصى بثلثه في
أبواب البر يجزأ ثلاثة أجزاء جزءا في الجهاد وجزءا يتصدق به في أقاربه وجزءا في الحج وقال في رواية
أبي داود الغزو يبدأ به وحكي عنه أنه جعل جزءا في فداء الاسرى، قال شيخنا وهذا والله أعلم ليس
على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز صرفه في جهات البر كلها لأن اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه
ولأنه ربما كان غير هذه الجهات أحوج من بعضها وأحق فقد تدعو الحاجة إلى تكفين ميت واصلاح
طريق واعتاق رقبة وقضاء دين وإغاثة ملهوف أكثر من دعائها إلى حج من لا يجب عليه الحج فيكلف
وجوب ما لم يكن عليه واجبا وتعبا كأن الله تعالى قد أراحه منه من غير مصلحة تعود على أحد من خلق
الله تعالى فتقديم هذا على ما مصلحته ظاهرة والحاجة إليه داعية بغير دليل تحكم لا معنى له
(فصل) وان قال ضع ثلثي حيث أراك الله فله صرفه في أي جهة من جهات القرب رأى وضعه
فيها عملا بمقتضى وصيته وذكر القاضي أنه يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين، والأفضل صرفه إلى فقراء
أقاربه فإن لم يجد فإلى محارمه من الرضاع فإن لم يكن فإلى جيرانه وقال أصحاب الشافعي يجب ذلك
لأنه رده إلى اجتهاده فيما فيه الحظ وهذا أحظ
ولنا أنه قد يرى غير هذا أهم منه وأصلح فلا يجوز تقييده بالتحكم ونقل أبو داود عن أحمد
485

أنه سئل عن رجل أوصى بثلثه في المساكين وله أقارب محاويج فلم يوص لهم بشئ ولم يرثوا فإنه
يبدأ بهم فإنهم أحق قال وسئل عن النصراني يوصي بثلثه للفقراء من المسلمين أيعطى اخوته وهم
فقراء؟ قال نعم هم أحق يعطون خمسين درهما لا يزادون على ذلك يعني لا يزاد كل واحد منهم على
ذلك لأنه القدر الذي يحصل به الغنى
* (مسألة) * (وان وصى أن يحج عنه بألف صرف في حجة بعد أخرى حتى ينفذ)
إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال صرف جميع ذلك في الحج إذا حمله الثلث
لأنه وصى به في جهة قربة فوجب صرفه فيها كما لو وصى في سبيل الله تعالى وليس للوصي
أن يصرف إلى من يحج أكثر من نفقة المثل لأنه أطلق له التصرف في المعاوضة فاقتضى عوض المثل
كالتوكيل في البيع ثم لا يخلو اما أن يكون بقدر نفقة المثل لحجة واحدة فيصرف فيها أو ناقصا
فيحج به من حيث يبلغ في ظاهر نصوص أحمد فإنه قال في رواية حنبل في رجل أوصى أن يحج ولا
تبلغ النفقة فقال يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من أهل مدينته وهذا قول العنبري وقال القاضي
يعان به في الحج وهو قول سوار القاضي حكاه عنه العنبري وعن أحمد أنه مخير في ذلك فإنه قال في
486

رواية أبي داود في امرأة أوصت بحج لا يجب عليها: أرى أن يؤخذ ثلث مالها فيعان به في الحج أو
يحج به من حيث يبلغ فإن كان يفضل عن الحجة دفع في حجة ثانية وثالثة إلى أن ينفذ أو يبقى مالا
يبلغ حجة فيحج به من حيث يبلغ أو يعان به في الحج على ما ذكرنا من الخلاف فيه ولا يستنيب في
الحج مع الامكان الا من بلد المحجوج عنه لأنه نائب عن الميت وقائم مقامه فينوب عنه من موضع
لو حج المنوب عنه لحج منه فإن كان الموصى به لا يحمله الثلث لم يخل من أن يكون الحج فرضا أو تطوعا
فإن كان فرضا أخذ أكثر الامرين من الثلث أو القدر الكافي الحج الفرض إن كان قد أوصى بالثلث
فإن كان الثلث أكثر أخذ ثم يصرف منه في الفرض قدر ما يكفيه ثم يحج بالباقي تطوعا حتى ينفذ كما
ذكرنا من قبل، وإن كان الثلث أقل تمم قدر ما يكفي الحج من رأس المال وبهذا قال عطاء وطاوس
والحسن وسعيد بن المسيب والزهري والشافعي وإسحاق قال سعيد بن المسيب والحسن كل واجب
من رأس المال، وقال ابن سيرين والنخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة وداود
ابن أبي هند ان وصى بالحج من ثلثه والا فليس على ورثته شئ فعلى قولهم ان لم يف الثلث بالموصى
به والا لم يزد على الثلث لأن الحج عبادة فلا يلزم الوارث كالصلاة
487

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ " قال نعم قال " فدين الله أحق
أن يقضى " والدين من رأس المال فما هو أحق منه أولى ولأنه واجب فكان من رأس المال كدين
الآدمي وإن كان تطوعا اخذ الثلث لا غير إذا لم يجز الورثة ويحج به على ما ذكرنا
* (مسألة) * (وان وصى ان يحج عنه حجة بألف دفع الكل إلى من يحج)
إذا وصى ان يحج عنه حجة واحدة بقدر من المال وكان فيه فضل عما يحج به فهو لمن يحج لأنه قصد ارفاقه
بذلك فكأنه صرح فقال حجوا عني حجة واحدة بألف وما فضل منها فهو لمن يحج
* (مسألة) * (فإن عينه في الوصية فقال يحج عني فلان بألف صرف ذلك إليه وان لم يعين
فللموصى إليه صرفه إلى من شاء)
لأنه فوض إليه الاجتهاد الا انه لا يملك صرفها إلى وارث إذا كان فيها فضل الا باذن الورثة
وان لم يكن فيها فضل جاز لأنه لا محاباة فيها ثم ينظر فإن كان الحج الموصى به تطوعا اعتبر من الثلث
وإن كان واجبا فالزائد عن نفقة المثل معتبر من الثلث وان لم يف الموصى به بالحج أتم من رأس
المال وفيه من الخلاف ما ذكرنا
488

* (مسألة) * (فإن أبى الحج وقال اصرفوا لي الفضل لم يعطه وبطلت الوصية في حقه)
إذا قال المعين ذلك بطل التعيين ويحج عنه بأقل ما يمكن انسان ثقة سواه ويصرف الباقي إلى الورثة
ويحتمل أن تبطل الوصية إن كان الحج تطوعا لأنه عين لها جهة فإذا لم يقللها بطلت كما لو قال
بيعوا عبدي لفلان بمائة فأبى شراءه والظاهر أنها لا تبطل لأنه قصد القربة والتعيين فإذا بطل التعيين
لم تبطل القربة كما لو قال بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبل فلان فإنه يباع من غيره ويتصدق
بثمنه فإن قال المعين اصرفوا لي الفضل عن نفقة الحج لأنه موصى لي به لم يصرف إليه شئ لأنه إنما
أوصي له بالزيادة بشرط ان يحج فإذا لم يوجد الشرط لم يستحق شيئا
(فصل) فإذا قال حجوا عني حجة ولم يذكر قدرا من المال فإنه لا يدفع إلى من يحج الا قدر
نفقة المثل لما ذكرنا والباقي للورثة وهذا ينبني على أنه يجوز الاستئجار عليه إنما ينوب عنه نائب فما
ينفق عليه فيما يحتاج إليه فهو من مال الموصي وما بقي للورثة فإن تلف المال في الطريق فهو من مال
الموصي وليس على النائب اتمام الحج وإن قلنا يجوز الاستئجار على الحج فلا يستأجر الا ثقة بأقل ما
489

يمكن وما فضل فهو للأجير لأنه ملك ما أعطي بعقد الإجارة وان تلف المال في الطريق بعد قبض
الأجير له فهو من ماله ويلزمه اتمام الحج، وإن قال حجوا عني ولم يقل حجة واحدة لم يحج عنه إلا
حجة ولأنه أقل ما يقع عليه الاسم فإن عين مع هذا فقال يحج عني فلان دفع إليه بقدر نفقته من بلده
إذا خرج من الثلث فإن أبى الحج إلا بزيادة تصرف إليه فينبغي أن يصرف إليه أقل قدر يمكن ان يحج
به غيره فإن أبى الحج وكان واجبا استنيب غيره بأقل ما يمكن استنابته والله أعلم
(فصل) وان وصى ان يحج عنه زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث ولسعد بثلث ما له فأجاز الورثة
أمضيت على ما قال الموصي فإن لم يفضل عن المائة شئ فلا شئ لعمرو لأنه إنما وصى له بالفضل ولا
فضل وان رد الورثة قسم الثلث بينهم نصفين لسعد السدس ولزيد مائة وما فضل من الثلث فلعمرو فإن
لم يفضل منه شئ فلا شئ لعمر ولأنه إنما وصى له بالزيادة ولا زيادة ولا تمتنع المزاحمة به ولا يعطى
شيئا كولد الأب مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد ويحتمل انه متى كان في الثلث فضل عن المائة
ان يرد كل واحد إلى نصف وصيته لأن زيدا إنما استحق المائة بالإجازة فمع الرد يدخل عليه من
النقص بقدر وصيته كسائر الوصايا
490

(فصل) وان وصى لزيد بعبد بعينه ولعمرو ببقية الثلث قوم العبد يوم موت الموصي لأنه حال نفوذ
الوصية ودفع إلى زيد ودفع إلى بقية الثلث إلى عمرو فإن لم يبق من الثلث شئ بطلت وصية عمرو، وان مات
العبد بعد موت الموصي قومنا التركة حال موت الموصي بدون العبد ثم نقوم العبد لو كان حيا فإن بقي
من الثلث بعد قيمته شئ فهو لعمرو وإلا بطلت وصيته، لو قال لاحد عبديه أنت مدبر ثم قال لآخر
أنت مدبر في زيادة الثلث عن قيمة الأول ثم بطل تدبير الأول بموته فهي كالتي قبلها على ما ذكرنا أو
رجوعه فيه أو خروجه مستحقا أو غير ذلك
* (مسألة) * (وان وصى لأهل سكته فهو لأهل دربه)
لأن السكة الطريق والدرب مضاف إليه
* (مسألة) * (وان وصى لجيرانه تناول أربعين دارا من كل جانب)
نص عليه احمد وبه وقال الأوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة الجار الملاصق لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجار
أحق بصقبه " يعني الشفعة وإنما يثبت للملاصق ولان الجار مشتق من المجاورة وقال قتادة الجار الدار
والداران وروي عن علي عليه السلام في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قال
من سمع النداء وقال سعيد بن عمرو بن جعدة من سمع الإقامة وقال أبو يوسف الجيران أهل المحلة
ان جمعهم مسجد فإن تفرق أهل المحلة في مسجدين صغيرين متقاربين فالجميع جيران وان كانا عظيمين
فكل أهل مسجد جيران واما الأمصار التي فيها القبائل فالجوار على الافخاذ
491

ولنا ما روى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الجار أربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا
وهكذا " وهذا نص لا يجوز العدول عنه ان صح وان لم يثبت الخبر فالجار هو المقارب ويرجع في ذلك
إلى العرف وقال أبو بكر مستدار أربعين دارا من كل جانب والحديث يحتمله
* (مسألة) * (وان وصى لأقرب قرابته أو لأقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما لم يدفع بنفسه
من غير واسطة والأخ والجد سواء)
لأن كل واحد يدلي إلى الابعد مع وجود الأقرب فإن كان له أب وابن فهما سواء، لأن كل واحد
منهما يدلي بالأب من غير واسطة ويحتمل تقديم الابن على الأب لأنه يسقط تعصيبه والأولى أولى لأن
إسقاط تعصيبه لا يمنع مساواته في القرب ولا كونه أقرب مه بدليل أن ابن الابن يسقط تعصيبه مع بعده
ويحتمل تقديم الأخ على الجد لأن الأخ يدلي ببنوة الأب والجد يدلي بالأبوة فهما كالأب والابن والأول
أولى ولا يصح قياس الأخ على الابن لأنه لا يسقط تعصيب الجد بخلاف الابن ويقدم الابن على الجد والأب
على ابن الابن وقال أصحاب الشافعي يقدم ابن الابن على الأب في وجه لأنه يسقط تعصيبه
ولنا ان الأب يدلي بنفسه ويلي ابنه من غير حاجز ولا يسقط ميراثه بحال بخلاف ابن الابن
والأب والام سواء وكذلك الابن والبنت والجد أبو الأب وأبو الام وأم الأب وأم الام كلهم سواء
492

هكذا ذكره شيخنا ويحتمل تقديم أبي الأب على أب الام لأنه يسقطه ثم بعد الأولاد أولاد البنين
وان سفلوا الأقرب فالأقرب الذكور والإناث وفي أولاد البنات وجهان بناء على دخولهم في الوقف
ثم من بعد الولد الأجداد الأقرب منهم فالأقرب لأنهم العمود الثاني ثم الاخوة والأخوات ثم ولدهم
وان سفلوا ولا شئ لولد الأخوات إذا قلنا لا يدخل ولد البنات
* (مسألة) * (والأخ من الأب والأخ من الام سواء والأخ من الأبوين أحق منهما)
الأخ من الأب والأخ من الام سواء لأنهما على درجة واحدة وكذلك ولداهما والأخ من الأبوين
أحق منهما لأن له قرابتين فهو أقرب ممن له قرابة واحدة
(فصل) والأخ للأب أولى من ابن الأخ من الأبوين كما في الميراث ثم بعدهم الأعمام ثم بنوهم
وان سفلوا ويستوي العم من الأب والعم من الام وعلى الاحتمال الذي ذكرناه في تقديم أبي الأب
على أبي الام تقديم العم من الأب على العم من الام وكذلك أبناؤهما وعلى هذا الترتيب ذكره القاضي
وهو مذهب الشافعي إلا أنه يرى دخول ولد البنات والأخوات والأخوال والخالات وهذا القول يخرج
493

على مذهب أحمد على الرواية التي تجعل القرابة فيها كل من يقع عليه اسم القرابة فاما على الرواية التي
تقول ان اسم القرابة يختص من كان من أولاد الآباء وهي التي اختارها الخرقي فلا تدخل فيه الام
ولا أقاربها لأن من لم يكن من القرابة لم يكن من أقرب القرابة فعلى هذا تتناول الوصية من كان
أقرب من أولاد الموصي وأولاد آبائه إلى أربعة آباء ولا تعدوهم فإن وصى لجماعة من أقرب الناس إليه
أعطي ثلاثة من أقرب الناس إليه فإن وجد أكثر من ثلاثة في درجة واحدة كاخوة فالوصية لجميعهم لأن
بعضهم ليس بأولى من بعض والاسم يشملهم وان لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة كملت من الثانية
فإن كان في الدرجة الثانية جماعة سوي بينهم لما ذكرنا في الدرجة الأولى، وان لم يكمل من الثانية
فمن الثالثة فإذا وجد ابن واخ وعم فالوصية بينهم أثلاثا وكذلك إن كان ابن واخوان وإن كان ابن
وثلاثة أخوة دخل جميعهم في الوصية وينبغي أن يكون للابن ثلث الوصية ولهم ثلثاها فإن كان الابن
وارثا سقط حقه من الوصية ان لم يجز له والباقي للاخوة وإن وصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب
في الجملة سواء كان من يرث في الحال أو يكن ويسوي بين قريبهم وبعيدهم لشمول اللفظ لهم ولا
خلاف في أنهم لا يكونون من جهة الام بحال
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولا تصح الوصية لكنيسة ولا بيت نار ولا لعمارتهما والانفاق
494

عليهما وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وسواء كان الموصي مسلما أو ذميا وقال أصحاب الرأي تصح وأجاز
أبو حنيفة الوصية بأرضه تبنى كنيسة وخالفه صاحباه وأجاز أصحاب الرأي أن يوصي بشراء خمر
أو خنازير ويتصدق بها على أهل الذمة
ولنا أن هذه الأفعال محرمة وفعلها معصية فلم تصح الوصية بها كما لو وصى بعبده أو أمته للفجور ولأنها
لا تجوز في الحياة فلا يجوز في الممات
* (مسألة) * (وان وصى لكتب التوراة والإنجيل لم تصح)
لأنها كتب منسوخة وفيها تبديل والاشتغال بها غير جائز وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر
شيئا مكتوبا من التوراة وذكر القاضي أنه لو أوصى لحصر البيع وقناديلها وما شاكل ذلك ولم يقصد
اعظامها بذلك صحت الوصية لأن الوصية لأهل الذمة فإن النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة والصحيح
أن الوصية لا تصح بهذا لأن ذلك إنما هو إعانة لهم على معصيتهم وتعظيم لكنائسهم ونقل عن أحمد ما
يدل على صحة الوصية من الذمي بخدمة الكنيسة والأول أولى وأصح وان وصى ببناء بيت ليسكنه
المجتازون من أهل الذمة وأهل الحرب صح لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية
495

(فصل) ولا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد مسلم لأنه لا يجوز هبتهما له ولا بيعهما منه وان
وصى له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصى بطلت الوصية وان أسلم بعد الموت وقبل القبول وقلنا إن
الملك إنما ثبت حين القبول بطلت لأنه لا يجوز ان يبتدئ الملك على مسلم وان قلنا يثبت الملك بالموت
قبل القبول فالوصية صحيحة لأنا نتبين انه أسلم بعد أن ملكه ويحتمل ان لا يصح أيضا لأنه يأتي
بسبب لولاه لم يثبت الملك فمنع منه كابتداء الملك
* (مسألة) * (ولا تصح لملك ولا لبهيمة ولا لجني)
لأنه تمليك فلم يصح لهم كالهبة ولا تصح لميت لذلك وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك
ان علم أنه ميت صحت الوصية وهي لورثته بعد قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه لأن الغرض نفعه بها
فأشبه ما لو كان حيا.
ولنا انه أوصى لمن لا تصح الوصية له لو لم يعلم حاله فلا تصح إذا علم حاله كالبهيمة وفارق الحي
فإن الوصية تصح له في الحالين ولأنه عقد يفتقر إلى القبول فلم يصح للميت كالهبة
* (مسألة) * (وان وصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي ويحتمل أن لا يكون له إلا النصف
وإن لم يعلم فللحي نصف الموصى به
496

إذا وصى بثلثه أو بمائة لحي وميت فللحي نصف الوصية سواء علم موته أو لم يعلم، وهذا قول
أبي حنيفة واسحق والبصريين وقال الثوري وأبو يوسف ومحمد إذا قال هذه المائة لفلان وفلان
الميت فهي للحي منهما، وان قال بين فلان وفلان فوافقنا الثوري على أن نصفها للحي وعن الشافعي
كالمذهبين وقال أبو الخطاب عندي إذا علمه ميتا فالكل للحي وان لم يعلمه ميتا فللحي النصف
وقد نقل عن أحمد ما يدل على هذا القول فإنه قال في رواية ابن القاسم إذا وصى لفلان وفلان
بمائة فبان أحدهما ميتا فللحي خمسون، فقيل له أليس إذا قال ثلثي لفلان وللحائط أليس كله لفلان؟
قال وأي شئ يشبه هذا الحائط له ملك؟ فعلى هذا متى شرك بين من تصح الوصية له وبين من لا تصح
مثل أن يوصي لفلان وللملك أو الحائط أو لفلان وللميت فالموصى به كله لمن تصح الوصية له إذا
كان عالما بالحال لأنه إذا أشرك بينهما في هذه الحال علم أنه قصد بالوصية كلها من تصح الوصية له
وان لم يعلم بالحال فلمن تصح الوصية له نصفها لأنه قصد ايصال نصفها إليه والى الآخر النصف ظنا
منه ان الوصية له صحيحة فإذا بطلت الوصية في حق أحدهما صحت في حق الآخر بقسطه كتفريق
497

الصفقة ووجه القول الأول انه جعل الوصية لاثنين فلم يستحق أحدهما جميعها كما لو كانا ممن تصح
الوصية لهما فمات أحدهما أو كما لو لم يعلم الحال، فاما ان وصى لاثنين حيين فمات أحدهما فللآخر نصف
الوصية لا نعلم في هذا خلافا ومثله لو بطلت الوصية في حق أحدهما لرده لها أو لخروجه عن أن يكون
من أهلها ولو قال أوصيت لكل واحد من فلان وفلان بنصف الثلث أو بنصف المائة أو بخمسين
لم يستحق أحدهما أكثر من نصف الوصية سواء كان شريكه حيا أو ميتا لأنه عين وصيته في النصف
فلم يكن له حق فيما سواه.
* (مسألة) * (فإن وصى لوارثه وأجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الوارث فالثلث بينهما نصفين)
وان وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتهما الثلث فأجاز سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصيتان
498

لهما وان ردوا بطلت وصية الوارث في المسئلتين وللأجنبي السدس في الأولى والمعين الموصى له به في الثانية
وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وغيرهم
* (مسألة) * (وان وصى لهما بثلثي ماله وأجاز الورثة لهما جازت وان عينوا نصيب الوارث بالرد وحده
فللأجنبي الثلث كاملا)
لأنهم خصوا الوارث بالابطال فالثلث كله للأجنبي وسقطت وصية الوراث فصار كأنه لم يوص له
وان أبطلوا الزائد عن الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما فالثلث الباقي بين الوصيين لكل واحد منهما
السدس وهذا الذي ذكره القاضي هو قول مالك والشافعي لأن الوارث يزاحم الأجنبي إذا أجاز
الورثة الوصيتين فيكون لكل واحد منهما الثلث فإذا أبطلوا نصفهما بالرد كان البطلان راجعا إليهما وما
بقي منهما بينهما كما لو تلف ذلك بغير الرد، اختار أبو الخطاب أن الثلث جميعه للأجنبي وحكي نحوه
عن أبي حنيفة لأنهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان لأجنبي ولو جعلنا الوصية بينهما
لملكوا ابطال ما زاد على السدس فإن صرح الورثة بذلك فقالوا أجزنا الثلث لكما ورددنا ما زاد
عليه من وصيتكما أو قالوا رددنا من وصية كل واحد منكما نصفها وبقينا له نصفها كان ذلك آكد
499

في جعل السدس لكل واحد منهما لتصريحهم به وان قالوا أجزنا وصية الوارث كلها ورددنا وصية
الأجنبي فهو على ما قالوا لأن لهم أن يجيزوا لهما وان يردوا عليهما فكان لهم أن يجيزوا لأحدهما ويردوا
على الآخر، وان أجازوا للأجنبي جميع وصيته وردوا على الوارث نصف وصيته جاز كما قلنا وان أرادوا
أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه فإن ردوا جميع
وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي فعلى قول القاضي لهم ذلك لأن لهم أن يجيزوا الثلث لهما فيشتركان
فيه ويكون لكل واحد منهما نصفه ثم إذا رجعوا فيما للوارث لم يزد الأجنبي على ما كان له في حالة
الإجازة للوارث وعلى قول أبي الخطاب يتوفر الثلث كله للأجنبي لأنه إنما ينقص منه بمزاحمة الوارث فإذا
زالت المزاحمة وجب توفير الثلث عليه لأنه قد أوصى له به
* (مسألة) * (ولو وصى بماله لابنيه وأجنبي فردوا وصية الوارث فهو على ما قال وان أجازوا
للوارث فالثلث بينهما)
لأن الوصية تتعلق بالشرط ولو قال أوصيت لفلان بثلثي فإن مات قبلي فهو لفلان صح فإن وصى
لوارثه فأجاز بعض باقي الورثة الوصية دون البعض نفذ في نصيب من أجاز وحده وان أجازوا بعض
الوصية دون بعض نفذت فيما أجازوا دون ما لم يجيزوا وان أجاز بعضهم بعض الوصية وأجاز بعضهم
جميعها أو ردوها فهو على ما فعلوا من ذلك فلو خلف ثلاثة بنين وعبدا لا يملك غيره فوصى به لأحدهم
أو وهبه إياه في مرض موته فأجاز له أخواه فهو له وان أجاز أحدهما وحده فله ثلثاه وان أجاز له نصف
العبد فله نصفه ولهما نصفه وان أجاز أحدهما له نصف نصيبه ورد الاخر فله النصف الثلث بنصيبه
والسدس من نصيب المجيز، وان أجاز كل واحد منهما له نصف نصيبه كمل له الثلثان وان أجاز له
500

أحدهما نصف نصيبه والآخر ثلثه أو باع نصيبه كمل له ثلاثة أرباع العبد وان وصى بالعبد لاثنين منهما فللثالث
أن يجيز لهما أو يرد عليهما أو يجيز لهما بعض وصيتهما ان شاء متساويا وان شاء متفاضلا أو يرد على أحدهما ويجيز للآخر
وصيته كلها أو بعضها أو يجيز لأحدهما جميع وصيته وللآخر بعضها فكل ذلك جائز لأن الحق له فكيفما شاء فعل فيه
* (مسألة) * (وان وصى لزيد والفقراء والمساكين بثلثه فلزيد التسع)
وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد، وعن محمد لزيد الخمس وللفقراء الخمسان وللمساكين الخمسان لأن
أقل الجمع اثنان ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) كقولنا (والثاني) له السبع لأن أقل الجمع ثلاثة فإذا
انضم إليهم صاروا سبعة
ولنا أنه وصى لثلاث جهات فوجب أن يقسم بينهم بالسوية كما لو وصى لزيد وعمرو وخالد وإن كان
زيد مسكينا لم يدفع إليه من سهم المساكين شئ وبه قال الحسن وإسحاق لأن عطفهم عليه يدل
على المغايرة بينهم إذ الظاهر بين المعطوف والمعطوف عليه المغايرة ولان تجويز ذلك يفضي إلى تجويز دفع
نصيب المساكين كله إليه ولفظه يقتضي خلاف ذلك فأما ان كانت الوصية لقوم يمكن استيعابهم وحصرهم
مثل أن يقول هذا لزيد واخوته فهي كالتي قبلها ويحتمل أن يكون كأحدهم لأنه شرك بينه وبينهم على
وجه لا يجوز الاخلال ببعضهم فتتساووا فيه كما لو قال هذا لكم
501

باب الموصى به
تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في
الضرع لأن الوصية إذا صحت بالمعدوم فبغيره أولى ولأنها أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصى
به فإن قدر عليه أخذه وسلمه إذا خرج من الثلث وللوصي السعي في تحصيله فإن قدر عليه أخذه
إذا خرج من الثلث.
(فصل) وتصح بالحمل إذا كان مملوكا بان يكون رقيقا أو حمل بهيمة مملوكة لأن الغرر والخطر لا
يمنع صحة الوصية فجرى مجرى اعتاق الحمل فإن انفصل ميتا بطلت الوصية وان خرج حيا وعلمنا وجوده
حال الوصية أو حكمنا بوجوده صحت الوصية وان لم يكن كذلك لم يصح لجواز حدوثه
* (مسألة) * (وتصح بالمعدوم)
فلو قال أوصيت لك بما تحمل جاريتي هذه أو ناقتي هذا أو نخلتي هذه صح لما ذكرنا من صحتها مع الغرر سواء
وصى بما تحمله أبدا أو مدة بيعها لأن المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة فجاز أن يملك بالوصية فإن حصل منه
شئ والا بطلت وصيته لأن الموصى به عدم فبطلت الوصية به كالموهوب إذا عدم لأن الوصية كالهبة وان
وصى له بمائة لا يملكها صح فإن قدر عليه عند الموت أو على شئ منها والا بطلت لما ذكرنا في المسألة قبلها
* (مسألة) * (وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب والزيت النجس
502

تصح الوصية بالكلب المباح اقتناؤه ككلب الصيد والماشية والحرب لأن فيه نفعا مباحا وتقر اليد عليه والوصية
تبرع فصحت في المال وفي غير المال كالهبة، وإن كان مما لا يباح اقتناؤه لم تصح الوصية به سواء قال كلبا من كلابي أو من
مالي لأنه لا يصح شراء الكلب لأنه لا قيمة له بخلاف ما إذا أوصى له بشاة ولا شاة له فإنه يمكن تحصيلها بالشراء فإن
كان له كلب ولا مال له سواه فله ثلثه وإن كان له مال سواه فقد قيل للموصى له جميع الكلب وإن قل
المال لأن قليل المال خير من الكلب لكونه لا قيمة له وقيل للموصى له به ثلثه وان كثر المال لأن
موضوع الوصية على أن يسلم ثلثا التركة للورثة وليس في التركة شئ من جنس الموصى به
(فصل) وان وصى لرجل بكلابه ولآخر بثلث ماله فلموصى له بالثلث الثلث وللموصى له
بالكلاب ثلثها وجها واجها واحدا لأن ما حصل الورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله من حق
الموصي له وهو الثلث فلا يحسب عليهم في حق الكلاب ولو وصى بثلث ماله ولم يوص بالكلاب دفع
إليه ثلث المال ولم يحتسب بالكلاب على الورثة لأنها ليست بمال وإذا قسمت الكلاب بين الوارث
والموصى له أو بين اثنين موصى لهما بها قسمت على عددها لأنها لا قيمة لها فإن تشاحوا في بعضها فينبغي
ان يقرع بينهم وان وصى له بكلاب وله كلاب يباح اتخاذها ككلاب الصيد والماشية والحرث فله
واحد منها بالقرعة أو ما أحب الورثة على الرواية الأخرى وإن كان له كلب يباح اتخاذه وكلب هراس
فله الكلب المباح ومذهب الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرنا إلا أنه يجعل للموصى له بكلب
ما أحب الورثة دفعه إليه ولا تصح الوصية بالجر والصغير في أحد الوجهين وتصح في الآخر بناء
على جواز اقتنائه وتربيته للصيد وقد سبق ذلك في كتاب البيع
503

(فصل) فاما الزيت النجس فإن قلنا بجواز الاستصباح به فهو كالكلب الذي يباح اتخاذه وان قلنا
لا يجوز لم تصح الوصية لأنه ليس فيه نفع مباح أشبه الخنزير
(فصل) ولا تصح الوصية بالخنزير ولا بشئ من السباع التي لا تصلح للصيد كالأسد والذئب لأنها
لا منفعة فيها ولا تصح بشئ ليس فيه منفعة مباحة من غيرها كالخمر والميتة ونحوهما لأن الوصية تمليك
فلا تصح بذلك كالهبة ولان ذلك محرم فلا تصح الوصية به كالخنزير
* (مسألة) * (وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة لأن الوصية تصح بالمعدوم فالمجهول بطريق الأولى
ولان المجهول ينتقل إلى الوراث فصحت الوصية به كالمعلوم ويعطيه الورثة ما شاءوا مما يقع عليه
الاسم لأنه اليقين كما لو أقر له بعبد فإن لم يكن له عبيد اشترى له ما سمي عبدا وإن كان له عبيد أعطاه
الورثة ما شاءوا لما ذكرنا وقال القاضي يعطيه الورثة ما شاءوا من ذكر أو أنثى قال شيخنا والصحيح
عندي أنه لا يستحق إلا ذكرا فإن الله تعالى قرق بين العبيد والإماء بقوله سبحانه (وأنكحوا
الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) والمعطوف يغاير المعطوف عليه ظاهرا ولأنه في العرف
كذلك فإنه لا يفهم من اطلاق اسم العبد إلا الذكر فإنه لو وكله في شراء عبد لم يكن له شراء أمة
وان وصى له بأمة لم يكن له أن يعطيه إلا أنثى وليس له أن يعطيه خنثى مشكلا لأنه لا يعلم كونه
504

ذكرا ولا أنثى وإن وصى له بواحد من رقيقه أو برأس مما ملكت يمينه دخل في وصيته
الذكر والأنثى والخنثى.
* (مسألة) * (فإن اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة في العرف اسم للأنثى والبعير والثور
اسم المذكر غلب العرف)
في اختيار شيخنا لأن الظاهر أن المتكلم إنما يتكلم بعرفه ولا يريد إلا ما يفهمه أهل بلده
وقال أصحابنا تغلب الحقيقة ولهذا يحمل عليه كلام الله تعالى وكلام رسوله. فعلى هذا إذا أوصى له
بشاة يتناول الضأن والمعز قال أصحابنا ويتناول الصغيرة والكبيرة والأنثى لأن اسم الشاة يتناول
جميع ذلك بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " في أربعين شاة شاة " يريد الذكور والإناث والصغار والكبار
وقال شيخنا لا يتناول إلا أنثى كبيرة إلا أن يكون في عرفهم في بلد يتناول ذلك، فاما من لا يتناول
عرفهم إلا الإناث فإن وصيته لا نتناول إلا ما يسمى في عرفهم لما ذكرنا، والكبش الذكر الكبير من
الضأن والتيس لا يقع إلا على الذكر الكبير من المعز فإن وصى بعشرة من الغنم تناول عشرة من الذكور
والإناث والصغار والكبار
(فصل) وان وصى بجمل فهو الذكر وان وصى بناقة فهي الأنثى وان قال عشرة من إبلي وقع
على الذكر والأنثى جميعا ويحتمل أنه إن قال عشرة بالهاء فهي للذكور وان قال عشر فهو للإناث وكذلك
الغنم لأن العدد في العشرة من الثلاثة إلى العشرة للذكور بالها وللمؤنث بغيرها قال الله تعالى (سخرها
505

عليهم سبع ليال وثمانية أيام) وان وصى ببعير ففيه وجهان (أحدهما) هو للذكر وحده لأنه في العرف اسم
له (والثاني) هو للذكر والأنثى لأنه يتناولهما جميعا في لسان العرب فيقول حلبت البعير يريد الناقة، والجمل
في لسانهم كالرجل من بني آدم والناقة كالمرأة والبكرة كالفتاة وكذلك القلوص والبعير كالانسان وان
وصى له بثور فهو ذكر وان وصى ببقرة فهي أنثى
* (مسألة) * (والدابة اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير)
لأن الاسم في العرف يقع على جميع ذلك فإن قرن به ما يصرفه إلى أحدها كقوله دابة يقاتل
عليها انصر ف إلى الخيل وان قال دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال وخرج منه الذكر وان
وصى له بحمار فهو ذكر والاتان أنثى وان وصى بحصان فهو ذكر والفرس يتناول الذكر والأنثى
* (مسألة) * (وان وصى له بغير معين كعبد من عبيده صح ويعطيه الورثة ما شاءوا)
الوصية بغير معين كعبد من عبيده وشاة من غنمه صحيحة وقد ذكرنا صحة الوصية بالمجهول فيما مضى وبه يقول
مالك والشافعي وإسحاق، واختلفت الرواية فيما يستحقه الموصى له فروي أنه يستحق أحدهم بالقرعة
اختارها الخرقي ونقل ابن منصور أنه يعطى أخسهم يعني يعطيه الورثة ما أحبوا وهو قول الشافعي
وقال مالك قولا يقتضي أنه إذا وصى بعبد وله ثلاثة أعبد فله ثلثهم وان كانوا أربعة فله ربعهم فإنه قال
إذا وصى بعشر من إبله وهي مائة يعطى عشرها والنخل والرقيق والدواب على ذلك والصحيح ان
506

شاء الله تعالى أنه يعطى عشرة بالعدد لأنه الذي تناوله لفظه ولفظه هو المقتضى فلا يعدل عنه لكن
يعطى واحدا بالقرعة لأنه يستحق واحدا غير معين وليس واحد بأولى من واحد فوجب المصير
إلى القرعة كما لو أعتق واحدا منهم وعلى ما نقله ابن منصور يعطيه الورثة ما شاءوا من صحيح أو
معيب جيد أو ردئ لأنه يتناوله اسم العبد فأجزأ كما لو وصى له بعبد ولم يضفه إلى عبيده
* (مسألة) * (وان لم يكن له عبيد لم تصح الوصية في أحد الوجهين)
لأنه أوصى له بلا شئ فهو كما لو قال أوصيت لك بما في كيسي ولا شئ فيه أو بداري ولا دار له وهذا أحد
الوجهين، فإن اشترى قبل موته عبيدا احتمل أن لا تصح الوصية لأنها وقعت باطلة فهو كما لو قال أوصيت لك بما
في كيسي ولا شئ فيه ثم جعل في كيسه شيئا، ولان الوصية تقتضي عبدا من الموجودين حال الوصية، وقد روى
ابن منصور عن أحمد فيمن قال في مرضه أعطوا فلانا من كيسي مائة درهم فلم يوجد في كيسه شئ يعطى مائة
درهم فلم يبطل الوصية لأنه قصد اعطاء مائة درهم وظنها في الكيس فإذا لم يكن له في الكيس أعطي من
غيره فكذلك يخرج في الوصية بعبد من عبيده إذا لم يكن له عبيد يشترى له عبد ويعطاه وهذا الوجه الثاني
ووجهه أنه لما تعذرت الصفة بقي أصل الوصية فأشبه ما لو وصى له بألف لا يملكه ثم ملكه
* (مسألة) * (فإن كان عبيد فماتوا إلا واحدا تعينت الوصية فيه وكذلك لأن لم يكن له إلا عبد
واحد لتعذر تسليم الباقي، وان تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي بطلت الوصية لأنها إنما تلزم بالموت
ولا عبيد له حينئذ، وان تلفوا بعد موته بغير تفريط من الورثة بطلت أيضا لأن التركة عند الورثة
غير مضمونة لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم، وان قتلهم قاتل فللموصى له قيمة أحدهم مبنيا على
507

الروايتين فيمن يستحقه منهم في الحياة إما قيمة أحدهم بالقرعة أو قيمة من يختاره الورثة لأنه
بدل عما وجب له.
* (مسألة) * (وان وصى له بقوس وله أقواس للرمي والبندق والندف فله قوس النشاب لأنه
أظهرها إلا أن يقترن به قرينة تصرفه إلى غيره وعند أبي الخطاب له أحدهم بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده)
إذا وصى له بقوس صحت الوصية لأن فيه منفعة مباحة سواء كان قوس نشاب وهو الفارسي
أو نبل وهو العربي أو قوس يمجرى أو قوس جرح أو ندف أو بندق فإن لم يكن له إلا قوس واحد من هذه القسي
تعينت الوصية فيه وان كانت له جميعها وكان في لفظه أو حاله قرينة تصرفه إلى أحدهما انصرف إليه
مثل أن يقول قوس يندف به أو يتعيش به أو نحو ذلك فهذا يصرفه إلى قوس الندف وان قال قوس
يغزو به خرج منه قوس الندف والبندق، وإن كان الموصى له ندافا لا عادة له بالرمي أو
بندقانيا لا عادة له بالرمي بشئ سواه أو يرمي بقوس غيره ولا يرمي بسواه انصرفت الوصية
إلى القوس الذي يستعمله عادة لأن ظاهر حال الموصي أنه قصد نفعه بما جرت عادته بالانتفاع به
فإن انتفت القرائن فاختار أبو الخطاب أنه يأخذ أحدها بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده أو يعطيه
الورثة ما يختارونه لأن اللفظ يتناول جميعها قال شيخنا والصحيح أن وصيته لا تتناول قوس الندف،
ولا البندق ولا العربية في بلد لا عادة لهم بالرمي بها، وهذا مذهب الشافعي، إلا أنه لم يذكر العربية،
508

ويكون له واحد مما عدا هذه لأن هذه لا يطلق عليها اسم القوس في العادة من غير أهلها حتى يضيفها
فيقول قوس القطن أو الندف أو البندق، وأما لعربية فلا يتعارفها غير طائفة من العرب فلا يخطر ببال
الموصي غالبا ويعطى القوس معموله لأنها لا تسمى قوسا إلا كذلك، ولا يستحق وترها لأن الاسم يقع
عليها دونه، وفيه وجه آخر أنه يعطاها بوترها لأنها لا ينتفع بها إلا به فكان كجزء من أجزائها.
* (مسألة) * (وإن وصى له بطبل حرب صحت الوصية به لأن فيه منفعة مباحة، وإن كان بطبل لهو
لا يصلح إلا للهو لم تصح لعدم المنفعة المباحة، فإن كان إذا فصل صلح للحرب لم تصح الوصية به أيضا
لأن منفعة في الحال معدومة، فإن كان يصلح لهما صحت الوصية به لأن المنفعة به قائمة، وان وصى له
بطبل وأطلق وله طبلان تصح الوصية بأحدهما دون الآخر انصرفت الوصية إلى الطبل المباح فإن كان
له طبول تصح الوصية بجميعها فله أحدها بالقرعة أو ما شاء الورثة على اختلاف الروايتين. وان وصى
بدف صحت الوصية به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف " ولا تصح
الوصية بمزمار ولا طنبور ولا عود لهو لأنها محرمة وسواء كانت فيها الأوتار أو لم تكن لأنها مهيأة
لفعل المعصية فأشبه ما لو كانت فيه الأوتار.
* (مسألة) * (وتنفذ الوصية فيما علم من ماله أو لم يعلم)
وقال مالك لا تنفذ الا فيما علم، وحكي ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك
509

إلا في المدبر فإنه يدخل في كل شئ.
ولنا أنه من ماله فدخل في وصيته كالمعلوم ولان الوصية بجزء من ماله لفظ عام فيدخل فيه
ما لم يعلم به من ماله كما لو نذر الصدقة بثلثه
* (مسألة) * (وإن وصى بثلثه فاستحدث مالا دخل ثلثه في الوصية)
في قول أكثر أهل العلم ولا فرق عندهم بين التلاد والمستفاد في أنه يعتبر ثلث الجميع وممن قال
ذلك النخعي والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه من ماله يرثه ورثته وتقضى
منه ديونه أشبه ما ملكه قبل الوصية ولما ذكرنا في التي قبلها.
* (مسألة) * (وإن قتل وأخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية? على روايتين)
(إحداهما) تدخل قال مهنا روي عن أحمد فيمن أوصى بثلث ماله أو جزء مشاع فقتل الموصي
وأخذت ديته فقال يستحق منها، وروي عن علي رضي الله عنه في دية الخطأ مثل ذلك، وهو قول
الحسن ومالك (والثانية) لا تدخل في وصيته نقلها ابن منصور وروي ذلك عن مكحول وشريك
وأبي ثور وداود وهو قول إسحاق، وقال مالك في دية العمد لأن الدية إنما تجب للورثة بعد موت
الموصي لأن سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله لأن الحكم لا يتقدم سببه ولا يجوز أن يجب للميت بعد
موته لأنه بالموت تزول أملاكه الثابتة له فيكف يتجدد له ملك فلا تدخل في الوصية لأن الميت إنما
510

يوصى بجزء من ماله لا بمال ورثته، ووجه الرواية الأولى أن الدية تجب للميت لأنها بدل نفسه
ونفسه له فكذلك بدلها، ولان بدل أطرافه في حياته له فكذلك بدل نفسه بعد موته، ولذلك تقضى
منها ديونه ويجهز منها إن كان قبل تجهيزه، وإنما يجوز ورثته من أملاكه ما استغنى عنه فاما ما تعلقت به
حاجته فلا ولأنه يجوز أن يتجدد له ملك بعد الموت كمن نصب شبكة فسقط فيها شئ بعد موته فإنه يملكه
بحيث تقضى منه ديونه ويجهز فكذلك ديته لأن تنفيذ وصيته من حاجته فأشبه قضاء دينه.
* (مسألة) * (فإن وصى بمعين بقدر نصف الدية فهل الدية على الورثة من الثلثين؟ على وجهين)
بناء على الروايتين فعلى الرواية الأولى تحسب الدية من ماله فإن كانت وصيته بقدر نصف الدية أو أقل منه
نفذت الوصية والا أخرج منه قدر ثلثها. وعلى الرواية الثانية لا تحسب الدية وتخرج الوصية من تلاد
ماله دون ديته بناء على أن الدية ليست من ماله.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وتصح الوصية بالمنفعة المفردة وتصح بخدمة عبد ومنفعة أمة وغلة
دار وبثمرة بستان أو شجرة سواء وصى بذلك مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله
وهذا قول الجمهور منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى لا تصح الوصية
بالمنفعة المفردة لأنها معدومة.
ولنا أنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فتصح الوصية بها كالأعيان ويعتبر خروج ذلك من ثلث المال
511

نص عليه أحمد في سكنى الدار وهو قول من قال بصحة الوصية بها، وان لم تخرج من الثلث أجيز منها
بقدر الثلث، وقال مالك إذا وصى بخدمه عبده سنة فلم تخرج من الثلث فالورثة بالخيار بين تسليم
خدمته سنة وبين المال، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور إذا وصى بخدمة عبده سنة فإن العبد يخدم الموصى له
يوما والورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة فإن أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا
ولنا أنها وصية صحيحة فوجب تنفيذها على صفتها إذا أخرجت من الثلث أو بقدر ما خرج
من الثلث منها كسائر الوصايا أو كالأعيان
إذا ثبت هذا وأريد تقويمها وكانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة
ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظر كم قيمتها
(فصل) فإن أراد الموصى له بمنفعة العبد أو الدار إجارة العبد أو الدار في المدة التي أوصى له
بنفعها فله ذلك، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تجوز إجارة المنفعة المستحقة بالوصية لأنه
أوصى له باستيفائه.
ولنا أنها منفعة يملكها ملكا تاما فملك أخذ العوض عنها بالأعيان كما لو ملكها بالإجارة وإن أراد
الموصى له اخراج العبد عن البلد فله ذلك وبه قال أبو ثور، وقال أصحاب الرأي لا يخرجه إلا أن
يسكون أهله في غير البلد فيخرجه إلى أهله.
512

ولنا أنه مالك لنفعه فملك إخراجه كالمستأجر.
* (مسألة) * (إذا أوصى بمنافع عبده أو أمته أبدا أو مدة بعينها فللورثة عتقها لأنها مملوكة لهم
ومنفعتها باقية للموصى له ولا يرجع على المعتق بشئ وان أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق لأن العتق للرقبة
وهو لا يملكها فإن وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد أو أسقطها عنه فللورثة الانتفاع به لأن ما يوهب
للعبد يكون لسيده.
(فصل) ولهم بيعها وتباع مسلوبة المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه وقيل لا يجوز
بيعها لأن ما لا نفع فيه لا يصح بيعه كالحشرات والميتات وقيل يجوز بيعها لمالك منفعتها دون غيره لأن
مالك منفعتها يجتمع له الرقبة والمنفعة فينتفع بذلك بخلاف غيره ولذلك جاز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها
لصاحب الشجرة دون غيره وكذلك بيع الزرع لصاحب الأرض، ووجه الأول انها أمة مملوكة تصح
الوصية بها فصح بيعها لغيره ولأنه يمكنه اعتاقها وتحصيل ولائها وثواب عتقها بخلاف الحشرات.
* (مسألة) * (ولهم ولاية تزويجها لأنهم يملكون رقبتها)
وليس لهم ذلك إلا باذن صاحب المنفعة وليس لواحد منهما تزويجها منفردا لأن مالك المنفعة
لا يملك رقبتها وصاحب المنفعة يتضرر به فإن اتفقا على ذلك جاز لأن الحق لهما وكذلك لو طت
513

التزويج وجب ترويجها عند طلبها لأنه لحقها وحقها في ذلك مقدم عليهما لأنها لو طلبته من سيدها الذي
يملك رقبتها ومنفعتها لزمه ذلك وقدم حقها على حقه ووليها في الموضعين مالك الرقبة لأنه مالكها.
* (مسألة) * (ومهرها ههنا وفي كل موضع واجب للورثة) في اختار شيخنا لأن منافع البضع لا تصح
الوصية بها مفردة ولا مع غيرها، ولا يجوز نقلها مفردة عن الرقبة بعد التزويج وإنما هي تابعة للرقبة
فتكون لصاحبها وعند أصحابنا المهر للموصى له بالمنفعة لأنه من منافعها.
* (مسألة) * (وان وطئت بشبهة فالولد حر لأن وطئ الشبهة يكون الولد حرا لاعتقاد الواطئ
انه يطأ في ملك فهو كوطئ المغرور بأمة وتجب قيمته يوم وضعه لصاحب الرقبة في أحد الوجهين وفي
الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها ويجب على الواطئ لأنه الذي فوت رقه وإنما اعتبرت قيمته يوم الوضع
لأن مقتضى الدليل أن تجب قيمته حين العلوق لأنه وقت تفويت الحرية فلما يكن ذلك قومناه في
أول حال الامكان وذلك حالة وضعه وهي للورثة ولا شئ للوصي فيها لأنه إنما وصى له بنفع الام
وليس الولد من المنافع ولا وصى له بمنفعته فلا يستحقه.
* (مسألة) * وان قتلت فللورثة قيمتها في أحد الوجهين)
لأنهم مالكوها لأن القيمة بدل الرقبة فتكون لصاحبها وتبطل الوصية بالمنفعة كما تبطل الإجارة
وفي الوجه الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها لأن كل حق تعلق بالعين تعلق ببدلها إذا لم يبطل استحقاقها
ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لأن الاستحقاق يبطل بتلفهما
514

* (مسألة) * (وللوصي استخدامها واجارتها وإعارتها) لأن الوصية له بنفعها وهذا منه
* (مسألة) * (وليس لواحد منهما وطؤها)
لأن صاحب المنفعة لا يملك رقبتها ولا هو زوجها ولا يباح وطئ بغيرهما لقول الله تعالى (إلا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) وصاحب الرقبة لا يملكها ملكا تاما ولا يأمن أن تحمل منه فربما أفضى
إلى هلاكها وأيهما وطئها فلا حد عليه لأنه وطئ بشبهة لوجود الملك لكل واحد منهما وولده حر
لأنه من وطئ شبهة فإن كان الواطئ صاحب المنفعة لم تصر أم ولد له لأنه لا يملكها وعليه قيمة ولدها يوم
وضعه وحكمها على ما ذكرنا فيما إذا وطئها أجنبي بشبهة وإن كان الواطئ مالك الرقبة صارت أم ولد له لأنها
علقت منه بحر في ملكه وفي وجوب قيمته عليه الوجهان، وأما المهر فإن كان الواطئ ملك الرقبة فلا
مهر عليه في اختيار شيخنا وله المهر على صاحب المنفعة إن كان هو الواطئ وعند أصحابنا وأصحاب
الشافعي ينعكس الحال وقد تقدم تعليل ذلك ويحتمل ان يجب الحد على صاحب المنفعة إذا وطئ لأنه
لا يملك الا المنفعة فوجب عليه الحد كالمستأجر وعلى هذا يكون ولده مملوكا
* (مسألة) * (وان ولدت من زوج أو زنا فحكمه حكمها)
لأن الولد يتبع الام في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة ويحتمل أن يكون لمالك الرقبة لأن ذلك ليس من
النفع الموصى به ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها
515

* (مسألة) * (وفي نفقتها ثلاثة أوجه)
(أحدها) تجب على مالك الرقبة وهو الذي ذكره الشريف أبو جعفر مذهبا لأحمد وبه قال أبو
ثور وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن النفقة على الرقبة فكانت على صاحبها كنفقة العبد المستأجر وكما
لو لم يكن له منفعة قال الشريف ولان الفطرة تلزمه والفطرة تتبع النفقة ووجوب التابع على انسان
دليل على وجوب المتبوع عليه (والثاني) تجب على صاحب المنفعة وهو قول الإصطخري وأصحاب
الرأي وهو أصح إن شاء الله تعالى لأنه يملك نفعها على التأبيد فكانت النفقة عليه كالزوج ولان نفعه
له فكان عليه ضرره وكالمالك لهما جميعا يحققه أن إيجاب النفقة على من لا نفع له ضرر مجرد فيصير معنى
الوصية أوصيت لك بنفع أمتي وأبقيت على ورثتي ضررها والشرع ينفي هذا بقوله " لا ضرر ولا اضرار "
ولذلك جعل الخراج بالضمان ليكون ضرره على من له نفعه وفارق المستأجر فإن نفعه في الحقيقة للمؤجر
لأنه يأخذ الاجر عوضا عن المنافع (والثالث) أنها تجب في كسبه وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب
المنفعة لأن كسبه من منافعه فإذا صرفت في نفقته فقد صرفت المنفعة الموصى بها بها إلى النفقة فصار كما لو
صرف إليه شيئا من ماله سواء فإن لم يكن لها كسب فقيل تجب نفقتها في بيت المال لأن مالك
الرقبة لا ينتفع بها وصاحب المنفعة لا يملك الرقبة فلا يلزمه اجبارها وكذلك سائر الحيوانات الموصى
بمنفعتها قياسا على الأمة.
516

* (مسألة) * (وفي اعتبارها من الثلث وجهان)
(أحدهما) يعتبر جميعها من الثلث يعني تقوم بمنفعتها ويعتبر خروج ثمنها من الثلث لأن أمة لا منفعة
فيها لا قيمة لها غالبا (والثاني) تقوم بمنفعتها ثم تقوم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما فإذا كان قيمتها بمنفعتها
مائة وقيمتها مسلوبة المنفعة عشر علمنا أن قيمة المنفعة تسعون.
* (مسألة) * (وان وصى لرجل برقبتها ولآخر بمنفعتها صح) وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا
(فصل) وإذا وصى بثمرة شجرة مدة أو بماء تثمر أبدا صح ولا يملك واحد من الموصى له والوارث
اجبار الآخر على سقيها لأنه لا يجبر على سقي ملكه ولا سقي ملك غيره فإن أراد أحدهما سقيها بحيث
لا يضر بصاحبه لم يملك الآخر منعه فإن يبست الشجرة فحطبها للوارث وان وصى له بثمرتها مدة بعينها
فلم تحمل في تلك المدة فلا شئ للموصى له وان قال لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها في ذلك
العام وكذلك إذا وصى له بما تحمل أمته أو شاته وان وصى لرجل بشجرة ولآخر بثمرتها صح وقام
صاحب الرقبة مقام الوراث فيما له وان وصى له بلبن شاته وصوفها صح كما تصح الوصية بثمرة الشجرة
وان أوصى بلبنها أو صوفها صح ويقوم الموصى به دون العين
(فصل) وإذا وصى لرجل بحب زرعه ولآخر بتبنه صح والنفقة بينهما لأن كل واحد منهما تعلق
حقه بالزرع فإن امتنع أحدهما من الانفاق فهما بمنزلة الشريكين أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من
517

سقيه والانفاق عليه فيخرج في ذلك وجهان (أحدهما) يجبر على الانفاق عليه هذا قول أبي بكر لأن في
ترك الانفاق ضررا عليهما وإضاعة للمال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا إضرار "
ونهى عن إضاعة المال (والثاني) لا يجبر على الانفاق على ما نصيبه ولا على مال غيره إذا كان كل
واحد منهما منفردا فكذلك إذا اجتمعا واصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد
الشريكين الآخر إلى مباناته فامتنع وينبغي أن تكون النفقة عليهما على قدر قيمة كل واحد منهما
كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع
(فصل) وان أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه صح وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا باذن
الآخر وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وان اتفقا على بيعه واصطلحا
على لبسه جاز لأن الحق لهما
(فصل) فإن وصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران صح فإن أراد الورثة بيع نصفها
وترك النصف الذي أجره دينار فله منعهم منه لا يجوز أن ينقص أجره عن الدنيا وان كانت الدار لا
يخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه خاصة وترك الباقي فإن كان عليه دينار أو أقل فهو للموصى له
وان زادت فله دينار والباقي للورثة.
* (مسألة) * تصح الوصية بالمكاتب إذا قلنا يصح بيعه)
518

لأنه مملوك يصح بيعه فصحت الوصية به كالقن ويقوم من انتقل إليه مقام السيد في الأداء إليه
وان عجز عاد رقيقا له وان عتق فالولاء له كالمشتري فإن عجز في حياة الموصي لم تبطل الوصية لأن
رقه لا ينافيها وان أدى بطلت فإن قال إن عجز ورق فهو لك بعد موتي فعجز في حياة الموصي صحت
الوصية وان عجز بعد موته بطلت كما لو قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فلم يدخلها حتى
مات سيده وان قال إن عجز بعد موتي فهو لك ففيه وجهان نذكرهما في العتق فيما إذا قال إن دخلت
الدار بعد موتى فأنت حر
* (مسألة) * وان وصى له بمال الكتابة أو ينجم منها صح
لأنها تصح بما ليس بمستقر كما تصح بما لا يملكه في الحال كحمل الجارية وللموصى له أن
يستوفي المال عند حلوله وله ان يبرئ منه ويعتق بأحدهما والولاء لسيده لأنه المنعم عليه فإن عجز
وأراد الوارث تعجيزه وأراد الوصي انظاره فالقول قول الوارث لأن حق الوصي في المال إذا كان
العقد قائما وحق الوارث متعلق به إذا عجز يوده في الرق وليس للوصي ابطال حق الوارث من تعجيزه
وكذلك إن أراد الوارث انظاره وأراد الوصي تعجيزه فالحكم للوارث ولا حق للوصي في ذلك ولا نفع
له لأن حقه يسقط به ومتى عجز عاد عبدا للوارث وان وصى بما يعجله المكاتب صح فإن عجل شيئا فهو
للوصي وان لم يعجل شيئا حتى حلت نجومه بطلت الوصية
519

* (مسألة) * (وان وصى لرجل برقبته ولآخر بما عليه صح فإن أدى إلى صاحب المال أو أبرأه منه
عتق وبطلت وصيته صاحب الرقبة)
قاله أصحابنا ويحتمل أن لا تبطل ويكون الولاء له لأنه أقامه مقام نفسه ولو لم يوص بها كان الولاء
له فإذا أوصى بها كان الولاء للموصى له وكما لو وصى له بالمكاتب مطلقا لأن الولاء يستفاد من
الوصية بالرقبة دون الوصية بالمال وان عجز فسخ صاحب الرقبة كتابته وكان رقيقا له وبطلت وصية
صاحب المال وإن كان صاحب المال قبض من مال الكتابة شيئا فهو له فإن اختلفا في فسخ الكتابة
بعد العجز قد قول صاحب الرقبة لأنه يقوم مقام الورثة على ما ذكرنا
(فصل) فإن كانت الكتابة فاسدة فوصى لرجل بما في ذمة المكاتب لم يصح لأنه لا شئ في ذمته
فإن قال أوصيت لك بما أقبضه من مال الكتابة صح لأن الكتابة الفاسدة يؤدى منها المال كما يؤدى
في الصحيحة وان وصى برقبة المكاتب فيها صح لأنها تصح في المكاتبة الصحيحة ففي الفاسدة أولى والله أعلم
(فصل) وإذا قال اشتروا بثلثي رقابا فاعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين لأنه أوصى بالشراء لا
بالدفع إليهم فإن اتسع الثلث لم يجز أن يشتري أقل منها لأنها أقل الجمع فإن قدر أن يشتري أكثر
من ثلاثة بثمن ثلاثة غالية كان أولى وأفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أعتق امرأ مسلما أعتق الله بكل
عضو منه عضوا منه من النار " ولأنه يفرج عن نفس زائدة فكان أفضل من عدم ذلك وان أمكن
520

شراء ثلاثة رخيصة وحصة من الرابعة بثمن ثلاثة غالية فالثلاثة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل
الرقاب قال " أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " والقصد من العتق تكميل الأحكام من الولاية والجمعة
والحج والجهاد وسائر الأحكام التي تختلف بالرق والحرية ولا يحصل ذلك الا باعتاق جميعه، وهذا
التفصيل والله أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون مع التساوي في المصلحة، فأما ان ترجح بعضهم بدين
وعفة وصلاح ومصلحة له في العتق بأن يكون مضرورا بالرق وله صلاح في العتق وغيره له مصلحة في
الرق ولا مصلحة في العتق بل ربما تضرر به من فوات نفقته وكفايته ومصالحه وعجزه بعد العتق عن
عن الكسب وخروجه عن الصيانة والحفظ فإن اعتاق من كثرت المصحلة في اعتاقه أفضل وأولى وان
قلت قيمته ولا يسوغ اعتاق من في اعتاقه مفسدة لأن مقصود الموصي تحصيل الثواب والاجر ولا أجر
في اعتاق هذا، ولا يجوز أن يعتق الا رقبة مسلمة فإن الله تعالى لما قال (فتحرير رقبة) فلم يتناول الا
المسلمة ومطلق كلام الآدمي محمول على مطلق كلام الله تعالى ولا يجوز اعتاق معيبة عيبا يمنع من الاجزاء
في الكفارة والله أعلم
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ومن أوصي له بشئ بعينه فتلف قبل موت الموصي أو بعده
بطلت الوصية) كذلك حكاه ابن المنذر فقال أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا أوصي
له بشئ فهلك الشئ ان لا شئ له في سائر مال الميت وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية لا
غير وقد تعلقت بمعين فإذا ذهب ذهب حقه كما لو تلف في يده والتركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم
لأنها حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريطهم فلا يضمنوا شيئا
* (مسألة) * (ولو تلف المال كله غيره بعد موت الموصي فهو للموصى له)
521

لأن حقوق الورثة لم تتعلق به لتعينه للموصى له ولذلك يملك أخذه بغير رضاهم واذنهم فكان حقه فيه
دون سائر المال فحقوقهم في سائر المال دونه فأيهما تلف حقه لم يشارك الآخر في حقه كما لو كان
التلف بعد أن اخذه الموصي له وكالورثة إذا اقتسموا ثم تلف نصيب أحدهم قال احمد فيمن خلف
مائتي دينار وعبدا قيمته مائة ووصى لرجل بالعبد فسرقت الدنانير بعد الموت فالعبد للموصى له به
* (مسألة) * (وان لم يأخذه زمانا قوم وقت الموت لا وقت الاخذ)
وذلك لأن الاعتبار في قيمة الوصية وخروجها من الثلث وعدم خروجها بحالة الموت لأنها حال
لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا فينظر كم كان
الموصى به وقت الموت فإن كان ثلث التركة أو دونه نفذت الوصية واستحقه الموصى له كله فإن زادت
قيمته حتى صار معادلا لسائر الأموال أو أكثر منه أو هلك المال كله سواه فهو للموصى له ولا شئ
للورثة فيه فإن كان حين الموت زائدا عن الثلث فللموصى له منه قدر ثلث المال فإن كان نصف المال
فللموصى له ثلثاه وإن كان ثلثيه فللموصى له نصفه وإن كان نصف المال وثلثه فللموصى له خمساه
فإن نقص بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر المال أو زاد فليس للموصى له سوى ما كان حين الموت فلو
وصى بعبد قيمته مائة وله مائتان فزادت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائتين فهو للموصى له كله وان
كانت قيمته حين الموت مائتين فللموصى له ثلثاه لأنهما ثلث المال فإن نقصت قيمته بعد الموت حتى صار
يساوي مائة لم يزد حق الموصى له عن ثلثيه شيئا الا ان يجيز الورثة وان كانت قيمته أربعمائة فللموصى
له نصفه لا يزداد حقه عن ذلك سواء نقص العبد أو زاد
* (مسألة) * (فإن لم يكن له سوى المعين الا مال غائب أو دين في ذمة موسر أو معسر فللموصى
له ثلث الموصى به وكلما اقتضى من الدين شئ أو حضر من الغائب ملك من الموصى به قدر
ثلثه حتى يكمله كله)
522

وجملة ذلك أن من أوصى بمعين حاضر وسائر ماله دين أو غائب فليس للوصي اخذ المعين قبل
قدوم الغائب وقبض الدين لأنه ربما تلف فلا تنفذ الوصية في المعين كله ويأخذ الوصي من المعين ثلثه
وهو ظاهر كلام الخرقي ذكره في المدبر وقيل لا يدفع إليه شئ لأن الورثة شركاؤه في التركة فلا يحصل
له شئ ما لم يحصل الورثة مثلاه ولم يحصل لهم شئ وهذا وجه لأصحاب الشافعي، والصحيح الأول
لأن حقه في الثلث مستقر فوجب تسليمه إليه لعدم الفائدة في وقفه كما لو لم يخلف غير المعين ولأنه
لو تلف سائر المال لوجب تسليم ثلث المعين إلى الوصي وليس تلف المال سببا لاستحقاق الوصية
وتسليمها ولا يمتنع نفوذ الوصية في الثلث المستقر وان لم ينتفع الورثة بشئ كما لو أبرأ معسرا من
دين عليه وقال مالك يخير الورثة بين دفع العين الموصى بها وبين جعل وصيته ثلث المال لأن الموصي كان له
ان يوصي بثلث ماله فعدل إلى المعين وليس له ذلك لأنه يؤدي إلى أن يأخذ الموصى له المعين فينفرد
بالتركة على تقدير تلف الباقي قبل وصوله إلى الورثة فيقال للورثة ان رضيتم بذلك والا فعودوا إلى
ما كان له ان يوصي به وهو الثلث
ولنا أنه أوصى بما لا يزيد على الثلث لأجنبي فوقع لازما كما لو وصى له بمشاع وما قاله لا يصح
لأن جعل حقه في قدر الثلث إشاعة وابطال لما عينه فلا يجوز اسقاط ما عينه الموصي للموصى له
ونقل حقه إلى ما لم يوص به كما لو وصى له بمشاع لم يجز نقله إلى معين، وكما لو كان المال كله
523

حاضرا أو غائبا. إذا ثبت هذا فإن للموصى له ثلث العين الحاضرة وكلما اقتضي من دينه شئ أو حضر
من الغائب شئ فللموصى له بقدر ثلثه من الموصى به كذلك حتى يكمل للموصى له الثلث أو يأخذ
المعين كله، فلو خلف تسعة عينا وعشرين دينارا وابنا ووصى بالتسعة لرجل فللوصي ثلثها ثلاثة وكلما اقتضي
من الدين شئ فللوصي ثلثه فإذا اقتضى ثلثه فله من التسعة واحد حتى يقتضي ثمانية عشر فتكمل له
التسعة فإن جحد الغريم أو مات أو يئس من استيفاء الدين أخذ الورثة الستة الباقية من العين ولو كان
الدين تسعة فإن الابن يأخذ ثلث العين ويأخذ الوصي ثلثها ويبقى ثلثها موقوفا كلما استوفي من الدين
شئ فللوصي من العين قدر ثلثه فإذا استوفى الدين كله كمل للموصى له ستة وهي ثلث الجميع، وإن
كانت الوصية بنصف العين أخذ الوصي ثلثها، واخذ الابن نصفها وبقي سدسها موقوفا، فمتى اقتضي
من الدين مثليه كملت وصيته.
* (مسألة) * (وكذلك الحكم في المدبر) في أنه يعتق في الحال ثلثه وكلما اقتضي من الدين شئ
أو حضر من الغائب شئ عتق منه بقدر ثلثه حتى يعتق جميعا ان خرج من الثلث.
(فصل) فإن كان الدين مثل العين فوصى لرجل بثلثه فلا شئ له قبل استيفائه فكلما اقتضى منه
شئ فله ثلثه وللابن ثلثاه وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو أحق بما يخرج من الدين
حتى يستوفي وصيته، وهذا قول أهل العراق لأن ذلك يخرج من ثلث المال الحاضر.
524

ولنا ان الورثة شركاؤه في الدين وليس له معهم شركة في العين فلا يختص بما يخرج منه دونهم،
كما لو كان شريكه في الدين وصيا آخر، وكما لو وصى لرجل بالعين ولآخر بالدين فالمنفرد بوصية الدين
لا يختص بما خرج منه دون صاحبه كذا ههنا.
(فصل) ولو وصى لرجل بثلث ماله وله مائتان دينا وعبد يساوي مائة ووصى لآخر بثلث
العبد اقتسما ثلث العبد نصفين وكلما اقتضى من الدين شئ فللموصى له بثلث المال ربعه، وله وللآخر
من العبد بقدر ربع ما استوفى بينهما نصفين فإذا استوفي الدين كله كمل للوصيين نصف العبد ولصاحب
الثلث ربع المائتين وذلك هو ثلث المال، وإن استوفي الدين قبل القسمة قسما بينهما كذلك للموصى له
ثلث العبد ربعه، لأن للوصيين أربعة أتساع المال والجائز منهما ثلث المال وهو ثلاثة أتساع وذلك
ثلاثة أرباع وصيتهما، فرددنا كل واحد منهما إلى ثلاثة أرباع وصيته وهي ربع المال كله لصاحب ثلثه
وربع العبد لصاحب ثلثه، وفي المسألة أقوال سوى ما قلناه تركناها لطولها، وهذا أسدها إن شاء الله
لأننا أدخلنا النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية وكملنا لهما الثلث فإن أجيز لهما أخذ كل واحد
منهما ما بقي من وصيته وهو ربعها فيكمل ثلث المال لصاحبه وثلث العبد للآخر.
(فصل) وان خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحد ابنيه وهو معسر ووصى لأجنبي
بثلث ماله فإن الوصي والابن الذي لا دين عليه يقتسمان العشرة العين نصفين ويسقط عن المدين ثلثا
525

دينه ويبقى لهما عليه ثلثه، فإن كانت الوصية بالربع قسمت العشرة العين بينهما أخماسا للوصي خمساها أربعة
وللابن ستة وسقط عن المدين ثلاثة أرباع دينه وبقي عليه ربعه فإذا استوفى قسم بينهما أخماسا كما
قسمت العين لأن الوصية بالربع وهو ثمنان ويبقى ستة أثمان لكل ابن ثلاثة أثمان فصار نصيب
الوصي والابن الذي لا دين عليه خمسة أثمان للابن ثلاثة وللوصي سهمان فلذلك قسمنا العين
وما حصل لهما من الدين أخماسا وسقط عن المدين ثلاثة أرباع ما عليه لأن له ثلاثة أثمان وهي ثلاثة
أرباع النصف الذي عليه.
(فصل) ونماء العين الموصى بها إن كان متصلا تبعها وهو للموصى له، وإن كان منفصلا في حياة
الموصي فهو له يكون ميراثا وإن حدث بعد الموت قبل القبول فهو للورثة في ظاهر المذهب وقيل
للوصي وقد ذكرناه.
* (مسألة) * (وان وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد
فاستحق اثنان منهم أو ماتا فله ثلث الباقي)
إذا وصى له بمعين فاستحق بعضه فله ما بقي منه ان حمله الثلث فإذا وصى له بثلث عبد أو دار فاستحق الثلثان منه
فالثلث الباقي للموصى له وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي لأن الباقي كله موصى به وقد خرج من الثلث فاستحقه
الموصي له كما لو كان شيئا معينا وان وصى له بثلث ثلاثة أعبد فهلك عبدان أو استحقا فليس له الا ثلث الباقي
526

وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأنه لم يوص له من الباقي بأكثر من ثلثه وقد شرك بينه
وبين ورثته في استحقاقه.
* (مسألة) * (وان وصى له بعبد لا يملك غيره قيمته مائة ولآخر بثلث ماله وملكه غير العبد مائتان
فأجاز الورثة فللموصى له بالثلث ثلث المائتين وربع العبد وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه وان ردوا
فقال الخرقي للموصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد وللموصى له بالعبد نصفه قال شيخنا وعندي
أنه يقسم الثلث بينهما على حسب مالهما في حال الإجازة لصاحب الثلث خمس المائتين وعشر العبد ونصف
عشره ولصاحب العبد ربعه وخمسه)
وجملة ذلك أنه إذا أوصى لرجل من ماله ولآخر بجز؟ مشاع منه كثلثه فاجيز لهما انفرد صاحب المشاع
بوصيته من غير المعين ثم شارك صاحب المعين فيه فيقسم بينهما على قدر حقيهما ما فيه ويدخل النقص على كل واحد منهما
بقدر ماله في الوصية كمسائل العول وكما لو وصى لرجل بماله ولآخر بجزء منه فاما في حال الرد فإن كانت وصيتهما
لا تجاوز الثلث مثل ان يوصي لرجل بسدس ماله ولآخر بمعين قيمته سدس المال فهي كحالة الإجازة
سواء إذ لا أثر للرد وان جاوزت الثلث رددنا وصيتهما إلى الثلث وقسمناه بينهما على قدر وصيتيهما
الا أن صاحب المعين يأخذ نصيبه من المعين والآخر يأخذ حقه من جميع المال هذا قول الخرقي
وسائر الأصحاب ويقوى عندي أنهما في حال الرد يقتسمان الثلث على حسب مالهما في حال الإجازة وهذا
527

قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة ومالك في الرد يأخذ صاحب المعين نصيبه منه ويضم الآخر سهامه
إلى سهام الورثة ويقتسمون الباقي على خمسة في مثل مسألة الخرقي لأن له السدس وللورثة أربعة
أسداس وهو مثل قول الخرقي الا أن الخرقي يعطيه السدس من جميع المال وعندهما أنه يأخذ خمس
المائتين وعشر العبد واتفقوا على أن كل واحد من الوصيين يرجع إلى نصف وصيته لأن كل واحد
منهما قد أوصي له بثلث المال وقد رجعت الوصيتان إلى الثلث وهو نصف الوصيتين فيرجع كل واحد
إلى نصف وصيته ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ماله في الوصية، وفي قول الخرقي يأخذ
سدس الجميع لأنه وصى له بثلث الجميع، وأما في قول شيخنا فإن وصية صاحب العبد دون وصية صاحب
الثلث لأنه وصى له بشئ شرك معه غيره فيه وصاحب السدس أفرد بشئ لم يشاركه فيه غيره فوجب
أن يقسم بينهما الثلث حالة الرد على حسب مالهما في حال الإجازة كما في سائر الوصايا ففي هذه المسألة
لصاحب الثلث ثلث المائتين ستة وستون وثلثان لا يزاحمه الاخر فيها ويشتركان في العبد لهذا ثلثه
وللآخر جميعه فابسطه من جنس الكسر وهو الثلث يصر العبد ثلاثة واضمم إليها الثلث الذي للآخر
يصر أربعة ثم أقسم العبد على أربعة أسهم يصر الثلث ربعا كما في مسائل العول وفي حالة الرد ترد
وصيتهما إلى ثلث المال وهو نصف وصيتيهما فيرجع كل واحد إلى نصف وصيته فيرجع صاحب الثلث
إلى سدس الجميع ويرجع صاحب العبد إلى نصفه، وفي قول شيخنا تضرب مخرج الثلث في مخرج الربع
528

يكن اثني عشر ثم في ثلاثة تكن ستة وثلاثين فلصاحب الثلث ثلث المائتين وهو ثمانية وربع
العبد وهو ثلاثة أسهم صار له أحد عشر ولصاحب العبد ثلاثة أرباعه وذلك تسعة فبضمها إلى صاحب
الثلث تصير عشرين سهما ففي حال الرد يجعل الثلث عشرين سهما والمال كله ستون فلصاحب العبد
تسعة من العبد وهو ربعه وخمسه ولصاحب الثلث ثمانية من المائتين وهي خمسها وثلثه من العبد
وذلك عشرة ونصف عشرة
* (مسألة) * (وان كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فله في حال الإجازة مائة وثلث العبد
ولصاحب العبد ثلثاه.
وفي الرد لصاحب النصف خمس المائتين وخمس العبد ولصاحب العبد خمساه هذا قول أبي الخطاب
وهو قياس قول الخرقي وعلى اختيار شيخنا لصاحب النصف ربع المائتين وسدس العبد ولصاحب العبد
ثلثه والطريق فيها ان ينسب الثلث إلى ما حصل لهما في حال الإجازة ثم يعطي كل واحد مما حصل له
في الإجازة مثل نسبة الثلث إليه وعلى قول الخرقي ينسب الثلث إلى وصيتيهما جميعا ثم يعطي كل واحد
في الرد مثل الخارج بالنسبة وبيانه في هذه المسألة أن نسبة الثلث إلى وصيتيهما بالخمسين لأن النصف
والثلث خمسة من ستة فالثلث خمساها فلصاحب العبد خمسا العبد لأنه وصيته ولصاحب النصف الخمس
لأنه خمسا وصيته وعلى اختيار شيخنا قد حصل لهما في الإجازة الثلثان ونسبة الثلث إليهما بالنصف
529

فلكل واحد منهما مما حصل في الإجازة نصفه وقد كان لصاحب النصف من المائتين نصفها فله ربعها
وكان له من العبد ثلثه فصار له سدسه وكان لصاحب العبد ثلثاه فصار له ثلثه
(فصل) فإن كانت المسألة بحالها وملكه غير العبد ثلاثمائة ففي الإجازة لصاحب النصف مائة وخمسون
وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه وفي الرد لصاحب النصف تسعا المال كله ولصاحب العبد أربعة أتساعه
على الوجه الأول وعلى اختيار شيخنا لصاحب العبد ثلثه وخمس تسعه وللآخر تسعه وثلث خمسه ومن
المال ثمانون وهو ربعها وسدس عشرها وان وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بالعبد ففي الإجازة لصاحب
العبد نصفه والباقي كله للآخر وفي الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب العبد خمسه وهو
ربع العبد وسدس عشره وللآخر أربعة أخماسه فله من العبد مثل ما حصل لصاحبه ومن كل مائة
مثل وهو ثمانون.
(فصل) فلو خلف عبدا قيمته مائة ومائتين ووصى لرجل بمائة وبالعبد كله ووصى بالعبد لاخر
ففي حال الإجازة يقسم العبد بينهما نصفين وينفرد صاحب المائة بنصف الباقي وفي الرد للمولى له بالعبد
ثلثه وللآخر ثلث وثلث المائة وعلى الوجه الاخر لصاحب العبد ربعه وللآخر ربعه ونصف المائة
يرجع كل واحد منهما إلى نصف نصيبه فإن لم تزد الوصيتان على الثلث كرجل خلف خمسمائة وعبدا
قيمته مائة ووصى بسدس ماله لرجل ولآخر بالعبد فلا أثر للرد ههنا ويأخذ صاحب المشاع سدس
530

المال وسبع العبد وللآخر ستة أسباعه فإن وصى لصاحب المشاع بخمس المال فله مائة وسدس العبد
ولساحب العبد خمسة أسداسه ولا أثر للرد أيضا لأن الوصيتين لا تزيد على ثلث المال.
* (مسألة) * وان وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة فلم يزد الثلث على المائة
وذلك إذا كان المال ثلاثمائة بطلت وصية صاحب التمام)
لأنه لم يوص له بشئ أشبه ما لو أوصى له بداره وليس له دار ويقسم الثلث في حال الرد بين الوصيين على قدر
وصيتهما، وإن زاد الثلث على المائة بأن يكون المال ستمائة فأجاز وأنفذت الوصية على ما قال الموصي فيأخذ صاحب
الثلث مائتين وكل واحد من الوصيين مائة، وإن ردوا ففيه وجهان (أحدهما) يرد كل واحد منهم إلى نصف وصيته
لأن الوصايا رجعت إلى نصفها فيدخل النقص على كل واحد بقدر ماله في الوصية كسائر الوصايا، وهذا
اختيار شيخنا. (والثاني) لا شئ لصاحب التمام حتى تكمل المائة لصاحبها ثم يكون الثلث بين الوصيين
الآخرين نصفين فلا يحصل لصاحب التمام إذا كان المال ستمائة شئ، اختاره القاضي لأنه إنما يستحق
بعد تمام المائة لصاحبها، ولم يفضل ههنا له شئ قال ويجوز أن يزاحم به ولا يعطي شيئا كولد الأب
مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد يزاحم الجد بالأخ من الأب ولا يعطيه شيئا، فإن كان المال تسعمائة
ورد الورثة فعلي الوجه الأول لصاحب الثلث مائة وخمسون ولصاحب المائة خمسون ولصاحب التمام
مائة لأن الوصية كانت بالثلثين فرجعت إلى الثلث فرددنا كل واحد منهم إلى نصف وصيته، وعلى الوجه
531

الثاني لصاحب المائة مائة لا ينقص منها شئ ولصاحب التمام خمسون وهذا اختيار القاضي.
(فصل) فإن ترك ستمائة ووصى لأجنبي بمائة ولآخر بتمام الثلث فلكل واحد منهما مائة، وإن
رد الأول وصيته فللآخر مائة، وإن وصى للأول بثمانين وللآخر باقي الثلث فلا شئ للثاني، سواء
رد الأول وصيته أو أجازها، وهذا قياس قول الشافعي وأهل البصرة، وقال أهل العراق إن رد
الأول فللثاني مائتان في المسئلتين.
ولنا أن المائة ليست باقي الثلث ولا تتمته فلا يكون موصى بها للثاني كما لو قتل الأول ولو وصى
لوارث بثلثه ولآخر بتمام الثلث، فلا شئ للثاني، وعلى قول أهل العراق له الثلث كاملا.
باب الوصية بالأنصباء والاجزاء
إذا وصى لرجل بمثل نصيب وارث معين فله مثل نصيبه مضموما إلى المسألة ومزادا عليها، هذا
قول الجمهور، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك وابن أبي ليلى وزفر وداود: يعطى مثل
نصيب المعين، أو مثل نصيب أحدهم إن كانوا يتساوون من أصل المال غير مزيد ويقسم الباقي بين
الورثة لأن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال فلو أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابن واحد
فالوصية بجميع المال، وإن كان له ابنان فالوصية بالنصف، وإن كانوا ثلاثة فله الثلث، وقال مالك ان
كانوا يتفاضلون نظر إلى عدد رؤوسهم فاعطي سهما من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم
فاعتبر عدد رؤوسهم.
532

ولنا أنه جعل وارثه أصلا وقاعدة حمل عليه نصيب الموصى له وجعل مثلا له، وهذا يفضي إلى
أن لا يزاد أحدهما على صاحبه، ومتى أعطي من أصل المال فما أعطي مثل نصيبه ولا حصلت التسوية به
والعبارة تقتضي التسوية.
* (مسألة) * (فإذا وصى له بمثل نصيب ابنه، وله ابنان، فله الثلث وإن كانوا ثلاثة فله الربع
وإن كان معهم بنت فله التسعان لأن المسألة من سبعة لكل ابن سهمان ويزاد عليها مثل نصيب ابن، سهمان،
فتصير تسعة فالاثنان منها تسعاها.
* (مسألة) * (وإن وصى بنصيب ابنه فكذلك في أحد الوجهين)
تصح الوصية وتكون كما لو وصى بمثل نصيب ابن، وهذا قول مالك وأهل المدينة واللؤلؤي
وأهل البصرة وابن أبي ليلى وزفر وداود، والوجه الثاني: لا تصح الوصية، وهو الذي ذكره القاضي،
وهو قول أصحاب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه، لأنه أوصى بما هو حق للابن فلم يصح كما لو قال
بدار ابني، وبما يأخذه ابني، ووجه الأول أنه أمكن تصحيح وصيته بحمل لفظه على مجازة فصح
كما لو طلق بلفظ الكناية أو أعتق وبيان إمكان التصحيح أنه أمكن حذف المضاف وإقامة المضاف
إليه مقامه، أي بمثل نصيب ابني ولأنه لو أوصى بجميع ماله صح وإن تضمن ذلك الوصية بنصيب ورثته كلهم
* (مسألة) * (وإن وصى بضعف نصيب ابنه أو ضعفيه فله مثله مرتين وإن وصى بثلاثة أضعافه
فله ثلاثة أمثاله).
533

قال شيخنا هذا الصحيح عندي، وقال أصحابنا ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله،
كلما زاد ضعفا زاد مرة واحدة)
إذا وصى بضعف نصيب ابنه فله مثلا نصيبه، وبه قال الشافعي، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الضعف
المثل لقول الله تعالى (يضاعف لها العذاب ضعفين) أي مثلين، وقوله (فآتت أكلها ضعفين) أي مثلين،
وإذا كان الضعفان مثلين فالضعف مثل.
ولنا على أن الضعف مثلان قوله تعالى (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) وقال (فأولئك
لهم جزاء الضعف بما عملوا)، وقال (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون)
ويروى عن عمر أنه أضعف الزكاة على نصارى بني تغلب فكان يأخذ من الثمانين عشرة، وقال
لحذيفة وعثمان بن حنيفة لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق، فقال عثمان لو أضعفت عليها لاحتملت،
قال الأزهري الضعف المثل فما فوقه، فأما قوله ان الضعفين المثلان فقد روى ابن الأنباري عن هشام
ابن معاوية النحوي قال العرب تتكلم بالضعف مثنى فتقول ان أعطيتني درهما فلك ضعفاه، أي مثلاه،
وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن يعني أن المفرد والمثنى في هذا بمعنى واحد وكلاهما يراد به
المثلان وإذا استعملوه على هذا الوجه وجب اتباعهم وإن خالفنا القياس.
(فصل) وان وصى له بضعفيه فله مثله مرتين وإن قال ثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله، هذا
الصحيح عندي، وهو قول أبي عبيد، وقال أصحابنا ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله
وعلى هذا كلما زاد ضعفا زاد مرة واحدة، وهو قول الشافعي، واحتجوا بقول أبي عبيدة مسعر بن
المثنى ضعف الشئ هو ومثله وضعفاه: هو ومثلاه وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، وقال أبو ثور ضعفاه
534

أربعة أمثاله وثلاثة أضعافه ستة أمثاله لأنه قد ثبت ان ضعف الشئ مثلاه فتثنيته مثلا مفرده.
ولنا قول الله (فآتت أكلها ضعفين) قال عكرمة: تحمل في كل عام مرتين، قال عطاء
أثمرت في سنة مثل ثمرة غيرها سنتين، ولا خلاف بين المفسرين فيما علمنا في تفسير قوله تعالى:
(يضاعف لها العذاب ضعفين) ان المراد به مرتين، وقد دل عليه قوله تعالى (نؤتها أجرها مرتين
ومحال أن يجعل أجرها على العمل الصالح مرتين وعذابها على الفاحشة ثلاث مرات فإن الله تعالى إنما
يريد تضعيف الحسنات على السيئات هذا المعهود من كره وفضله، وأما قول أبي عبيدة فقد خالفه
فيه غيره وأنكر قوله قال ابن عرفة لا أحب قول أبي عبيدة في (يضاعف لها العذاب ضعفين) لأن الله
تعالى قال في آية أخرى (نؤتها أجرها مرتين) فأعلم أن لها من هذا حظين ومن هذا حظين وقد نقل
هشام بن معاوية النحوي عن العرب أنهم ينطقون بالضعف مثنى ومفردا بمعنى واحد وموافقة العرب
على لسانهم مع ما دل عليه كلام الله تعالى العزيز وأقوال المفسرين من التابعين وغيرهم أولى من قول
أبي عبيدة المخالف لذلك كله مع مخالفة القياس ونسبة الخطأ إليه أولى من تخطئة ما ذكرناه وأما قول
أبي ثور فظاهر الفساد، لما فيه من مخالفة الكتاب والعرب وأقوال المفسرين من التابعين وغيرهم،
وأهل العربية، فلا يجوز التمسك بمجرد القياس المخالف للنقل، فقد شذ من العربية كلمات تؤخذ
نقلا بغير قياس.
535

(فصل) ولو وصى بمثل نصيب له كمن يوصي بمثل نصيب ابنه وهو لا يرث لرقه
أو كونه مخالفا لدينه أو بنصيب أخيه وهو محجوب عن ميراثه فلا شئ للوصي لأنه لا نصيب له فمثله لا شئ
* (مسألة) * (وإذا وصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيبا)
فلو كانوا ابنا وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين سهما لكل امرأة سهم وللموصى له سهم يزاد عليها
فتصح من ثلاثة وثلاثين سهما للموصي سهم ولكل امرأة سهم والباقي للابن. وجملة ذلك أنه إذا وصى
بمثل نصيب أحدهم غير مسمى فإن كان الورثة يتساوون في الميراث كالبنين فله مثل نصيب أحدهم مزادا على
الفريضة ويجعل كواحد منهم زاد فيهم وان كانوا يتفاضلون كهذه، المسألة فله مثل أقلهم ميزانا يزاد على فريضتهم
هذا قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك ان كانوا يتفاضلون نظر إلى عدد رؤوسهم
فأعطي سهما من عددهم لأنه لا يمكن اعتبار انصبائهم لتفاضلهم فاعتبر عدد رؤوسهم
ولنا أن اليقين أن يعطى الوصي مثل أقلهم نصيبا وما زاد مشكوك فيه فلا يثبت مع الشك وقوله
يعطى سهما من عددهم مخالف لما يقتضيه لفظ الموصي لأنه ليس بنصيب أحد ورثته ولفظه إنما اقتضى
نصيب أحدهم وتفاضلهم لا يمنع كون نصيب الأقل نصيب أحدهم فيصرفه إلى الوصي عملا بمقتضى
وصيته وذلك أولى من اختراع شئ لا يقتضيه قول الموصي أصلا وقوله تعذر العمل بقول الموصي ممنوع
فقد أمكن العمل به بما قلناه ثم لو تعذر العلم به لم يجز أن يجب في ماله حق لم يأذن فيه ولم يأمر به
ولو قال أوصيت بمثل نصيب أقلهم ميراثا كان كما لو أطلق وكان ذلك تأكيدا وان قال أوصيت بمثل
536

نصيب أكثرهم ميراثا فله ذلك مضافا إلى المسألة ثمانية وعشرون تضم إلى المسألة
فتكون ستين سهما.
* (مسألة) * (ولو وصى له بمثل نصيب وارث لو كان فله مثل ماله لو كانت الوصية وهو موجود
فقدر الوارث موجودا وانظر ما للموصى له مع وجوده فهو له مع عدمه)
فإن خلف ابنين ووصى بمثل نصيب ثالث لو كان فللموصى له الربع وان خلف ثلاثة بنين فله
الخمس وان وصى بمثل نصيب خامس لو كان فللموصى له السدس وعلى هذا أبدا، فلو خلفت امرأة
زوجا وأختا وأوصت بمثل نصيب أم لو كانت فللموصى له الخمس لأن للام الربع لو كانت فيجعل
له سهم مضاف إلى أربعة يكن خمسا فقس على ذلك.
* (مسألة) * (فإن خلف أربعة بنين فأوصى بمثل نصيب خامس لو كان الا مثل نصيب سادس لو
كان فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية فله سهم يزاد على ثلاثين وتصح من اثنين وستين
له سهمان ولكل ابن خمسة عشر) لأنه استثنى السدس من الخمس. فطريقها أن تضرب مخرج أحدهما
في مخرج الآخر تكن ثلاثين خمسها ستة وسدسها خمسة فإذا استثنيت الخمسة من الستة بقي سهم
للموصى له فزده على الثلاثين تصر واحدا وثلاثين فأعط الموصى له سهما يبقى ثلاثون على أربعة لا تنقسم
وتوافق بالنصف فزدها إلى خمسة عشر واضربها في أربعة تكن ستين زد عليها سهمين للموصى له ولكل
ابن خمسة عشر. وطريقها بالجبر أن تجعل المال أربعة وشيئا تدفع الشئ إلى الموصى له يبقى أربعة
537

تقسمها على خمسة يخرج أربعة أخماس وتقسمها على ستة يخرج ثلثان فتسقط الثلثين من أربعة الأخماس
يبقى سهمان من خمسه عشر ثم تضر ب الأربعة الأسهم في الخمسة عشر لأنها مخرج الثلث تكن ستين
تزيد عليها السهمين فهي للموصى له ولكل ابن خمسة عشر فقد حصل له خمس الستين إلا سدسها
الخمس اثنا عشر والسدس عشرة
(فصل) وإذا خلف بنتا وحدها ووصى بمثل نصيبها فهو كما لو وصى بنصيب ابن عند من يرى
الرد لأنه يأخذ المال كله بالفرض والرد، ومن لا يرى الرد يقتضي قوله أن يكون له الثلث ولها نصف
الباقي وما بقي لبيت المال، وعلى قول مالك ومن وافقه للموصى له النصف في حال الإجازة ولها نصف
الباقي وما بقي لبيت المال، فإن خلف ابنتين ووصى بمثل نصيب إحداهما فهي من ثلاثة عندنا ويقتضي
قول من لا يرى الرد أنها من أربعة لبيت المال الربع ولكل واحد منهم الربع وعلى قول مالك الثلث
للموصى له وللبنتين ثلثا ما بقي والباقي لبيت المال وتصح من تسعة. فإن خلف جدة وحدها وأوصى
بمثل نصيبها فقياس قولنا أن المال بينهما نصفين وعلى قول من لا يرى الرد هي من سبعة لكل
واحد منهما السبع والباقي لبيت المال وقياس قول مالك للموصى له السدس وللجدة سدس ما بقي
والباقي لبيت المال.
(فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لثلاثة بمثل انصبائهم فالمال بينهم على ستة ان أجازوا وان
538

ردوا فمن تسعة للموصى لهم الثلث ثلاثة والباقي بين البنين على ثلاثة فإن أجازوا لواحد وردوا على
اثنين فللمردود عليهما التسعان اللذان كانا لهما في حال الرد عليهم، وفي المجاز له وجهان أحدهما له السدس
الذي كان له في حال الإجازة للجميع وهذا قول أبي يوسف وابن شريح فتأخذ السدس والتسعين
من مخرجهما وهي ثمانية عشر بين البنين على ثلاثة لا تصح فتضرب عددهم في ثمانية عشر تكن أربعة
وخمسين للمجاز له السدس تسعة ولكل واحد من صاحبيه ستة ولكل ابن أحد عشر (والوجه الثاني)
ان تضم المجاز له إلى البنين وتقسم الباقي بعد التسعين عليهم وهم أربعة لا تنقسم فتضرب في تسعة تكن
ستة وثلاثين فإن أجاز الورثة بعد ذلك للآخرين أتموا لكل واحد منهم تمام سدس المال فيصير
المال بينهم أسداسا على الوجه الأول، وعلى الوجه الآخر يضمون ما حصل لهم وهو أحد وعشرون
من ستة وثلاثين إلى ما حصل لهما وهو ثمانية ثم يقتسمونه بينهم على خمسة لا تصح فتضرب خمسة في
ستة وثلاثين تكن مائة وثمانين ومنها تصح، فإن أجاز أحد البنين لهم ورد الآخر ان عليهم فللمجيز
السدس وهو ثلاثة من ثمانية عشر وللذين لم يجيزا أربعة اتساعه ثمانية يبقى سبعة بين الموصى لهم
على ثلاثة نضربها في ثمانية عشر تكن أربعة وخمسين فإن أجاز واحد لواحد دفع إليه ثلث ما في يده من
الفضل وهو ثلث سهم من ثمانية عشر فاضربها في ثلاثة تكن أربعة وخمسين والله أعلم
539

(فصل) في الوصية بالاجزاء إذا وصى له بجزء وحظ أو نصيب أو شئ فللورثة أن يعطوه ما شاءوا لا نعلم
فيه خلافا وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وابن المنذر وغيرهم لأن كل ما يعطونه جزء وشئ وحظ ونصيب
وكذلك ان قال أعطوا فلانا من مالي أو ارزقوه لأن ذلك لاحد له في الشرع ولا في اللغة فكان على اطلاقه
* (مسألة) * (وان وصى له بسهم ففيه ثلاث روايات (إحداها) له له السدس بمنزلة سدس المفروض إن لم تكمل
فروض المسألة أو كانوا عصبة أعطي سدسا كاملا وان كملت فروضها أعيلت به وان عالت أعيل معها (والثانية) له
سهم مما تصح منه المسألة ما لم تزد على السدس (والثالثة) له مثل نصيب أقل الورثة ما لم يزد على السدس
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيمن أوصى بسهم من ماله فروي عنه أن
للموصى له السدس روي ذلك علي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال الحسن وإياس بن معاوية
والثوري (والرواية الثانية) أنه يعطى سهما مما تصح منه الفريضة فينظركم سهما صحت منه الفريضة
فيزاد عليها مثل سهم من سهامها للموصى له وهذا قول شريح، قال ترفع السهام فيكون للموصى له سهم
قال القاضي هذا ما لم يزد على السدس فإن زاد السهم على السدس فله السدس لأنه متحقق، ووجه ذلك أن قوله سهما
ينصرف إلى سهام فريضته لأن وصيته منها فينصرف السهم إليها فكان واحدا من سهامها كما لو قال فريضتي كذا
وكذا سهما لك منها سهم (والثالثة) له سهم من سهام أقل الورثة اختارها الخلال وصاحبه قال أحمد في
رواية أبي طالب والأثرم إذا أوصى له بسهم من ماله يعطى سهما من الفريضة قيل أنصيب رجل أو
نصيب امرأة؟ فقال أقل ما يكون من السهام قال القاضي ما لم يزد على السدس وهذا قول أبي حنيفة
وقال صاحباه إلا أن يزيد على الثلث فيعطى الثلث، ووجه هذا القول أن سهام الورثة أنصباؤهم فيكون له
540

أقلها لأنه اليقين، فإذا زاد على السدس دفع إليه السدس لأنه أقل سهم يرثه ذو قرابة وقال أبو ثور يعطى سهما من
أربعة وعشرين لأنها أكثر أصول الفرائض فالسهم منها أقل السهام، وقال الشافعي وابن المنذر يعطيه الورثة ما شاؤوا
لأن ذلك يقع عليه اسم السهم فأشبه ما لو وصى له بجزء أو حظ وقال عطاء وعكرمة لا شئ له
ولنا ما روى ابن مسعود أن رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس ولان السهم في
كلام العرب السدس قاله إياس بن معاوية فتنصرف الوصية إليه كما لو لفظ به ولأنه قول علي وابن
مسعود ولا مخالف لهما في الصحابة. إذا ثبت هذا فإن السدس الذي يستحقه الموصى له يكون بمنزلة
سدس مفروض فإن كانت المسألة كاملة الفروض أعيلت به وان كانت عائلة زاد عولها به وان كانت
فيها رد أو كانوا عصبة أعطي سدسا كاملا قال احمد في رواية ابن منصور وحرب إذا أوصى لرجل
بسهم من ماله يعطى السدس إلا أن تعول الفريضة فيعطى سهما مع العول فكأن معنى الوصية أوصيت لك
بسهم من يرث السدس فإن وصى له بسهم في مسألة فيها زوج وأخت كان له السبع كما لو كان معها جدة على الروايات
الثلاث وكذلك لو كان في المسألة أم وثلاث أخوات متفرقات فإن كان معهم زوج فالمسألة من تسعة وللموصى له العشر
541

وإن كان الورثة ثلاث أخوات مفترقات فللموصى له السدس على الروايات الثلاث وان كانوا زوجا
وأبوين وابنتين فالمسألة من خمسة عشر وتعول بسدس آخر إلى سبعة عشر وكذلك على قول الخلال
لأن أقل سهام الورثة سدس وعلى الرواية الأخرى يكون للوصي سهم واحد يزاد على المسألة فتصير سته عشر، وان
كانوا زوجة وأبوين وابنا فالفريضة من أربعة وعشرين وتعول بالسدس الموصى به إلى ثمانية وعشرين، وعلى
الرواية الثانية يزاد عليها سهم واحد للموصى له فتكون من خمسة وعشرين وعلى الرواية الثالثة التي اختارها
الخلال يزاد عليها مثل سهم الزوجة ثلاثة فتكون من سبعة وعشرين وان كانوا خمسة بنين فللموصى السدس
كاملا وتصح من ستة على الروايات الثلاث فإن كان معهم زوجة صحت الفريضة من أربعين فتزيد عليها سهما
للوصي على إحدى الروايات فتصير أحدا وأربعين وعلى قول الخلال تزيد مثل نصيب الزوجة فتصير خمسة
وأربعين وعلى الرواية الأولى تزيد عليها مثل سدسها ولا سدس لها صحيحا فتضربها في ستة ثم تزيد عليها سدسها
تكون مائتين وثمانين للوصي أربعون وللزوجة ثلاثون ولكل ابن اثنان وأربعون وترجع بالاختصار إلى مائة
وأربعين. والذي يقتضيه القياس فيما إذا وصى بسهم من ماله أنه ان صح أن السهم في لسان العرب السدس أو
صح الحديث المذكور فهو كما لو وصى له بسدس ماله والا فهو كما لو وصى له بجزء من ماله على ما اختاره الشافعي وابن
المنذر أن الورثة يعطونه ما شاؤوا. والأولى انه إن ثبت أن السهم في كلام العرب يراد به السدس فالحكم في ذلك
كما لو وصى له بالسدس سواء وان لم يثبت ذلك أعطي مثل سهم أقل الورثة وهو اختيار الخلال واحدى
الروايات عن أحمد رحمه الله
(فصل) فلو خلف أبوين وابنتين ووصى لرجل بسدس ماله ولآخر بسهم منه جعلت ذا السهم
كأحد الأبوين وأعطيت صاحب السدس سدسا كاملا وقسمت الباقي بين الورثة والوصي على سبعة
542

فتصح من اثنين وأربعين لصاحب السدس سبعة ولصاحب السهم خمسة على الروايات الثلاث ويحتمل
أن يعطى الموصى له بالسهم السبع كاملا كما لو أوصى له به من غير وصية أخرى فيكون له ستة ويبقى
تسعة وعشرون على ستة لا تنقسم فتضربها في اثنين وأربعين تكن مائتين واثنين وخمسين
* (مسألة) * (وان وصى بجزء معلوم كثلث أو ربع أخذته من مخرجه فدفعته إليه وقسمت الباقي على
مسألة ما لورثة الا أن يزيد على الثلث ولا يجيزوا له فنفرض له الثلث وتقسم الثلثين عليها) فإن لم تنقسم
ضربت المسألة أو وفقها في مخرج الوصية فما بلغ فمنه تصح
* (مسألة) * وان وصى بجزأين أو أكثر أخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على المسألة فإن زادت
على الثلث وردوا جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال وقسمت الثلثين على الورثة فإذا وصى لرجل
بثلث ماله ولآخر بربعه وخلف ابنين اخذت الثلث والربع من مخرجهما سبعة من اثني عشر يبقى
للابنين خمسة ان أجاز أو ان ردا جعلت السبعة ثلث المال فتكون المسألة من أحد وعشرين
للوصيين الثلث سبعة ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة ولكل واحد من
الابنين سبعة فإن أجازا لأحدهما دون الآخر أو أجاز أحدهما لهما دون الآخر أو أجاز
كل واحد من الابنين لو أحد فاضرب وفق مسألة الإجازة وهي ثمانية في مسألة الرد تكن مائة وثمانية
وستين الذي أجيز له سهمه من مسألة مضروب في وفق مسألة الرد وللمردود عليه سهمه من
مسألة الرد مضروب في وفق مسألة الإجازة والباقي للورثة وللذي أجاز لهما سهم من مسألة الإجازة في
543

وفق مسألة الرد وللآخر سهم من مسألة الرد في وفق مسألة الإجازة والباقي بين الوصيين على سبعة وبيان ذلك أن
مسألة الإجازة من اثنى عشر لأنها مخرج الثلث والربع لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة يبقى خمسة
للابنين لا تصح عليهما تضرب اثنين في أصله تكن أربعة وعشرين للموصى لهما سبعة في اثنين أربعة عشر
لصاحب الثلث ثمانية ولصاحب الربع ستة يبقى عشرة للابنين لكل واحد خمسة، ومسألة الرد من أحد
وعشرين لأن ثلثها سبعة للموصى لهما ويبقى أربعة عشر للابنين بينهما نصفين، فإن أجازا لأحدهما دون
الآخر أو أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر أو أجاز كل واحد لواحد فوافق بين مسألة الإجازة ومسألة
الرد وهما متفقان بالأثلاث فاضرب ثلث إحداهما في جميع الأخرى تكن مائة وثمانية وستين كما ذكر، فإن كانت
الإجازة لصاحب الثلث وحده فسهمه من مسألة الإجازة ثمانية مضروب في وفق مسألة الرد وهي سبعه ستة
وخمسون لصاحب الربع نصيبه من مسألة الرد ثلاثة في وفق مسألة الإجازة ثمانية تكن أربعة وعشرين صار
المجموع للوصيين ثمانين سهما والباقي بين الابنين وهو ثمانية وثمانون لكل ابن أربعة وأربعون سهما، وان أجازا
لصاحب الربع وحده أخذت سهمه من مسألة الإجازة ستة من أربعة وعشرين فتضربها في وفق مسألة الرد وهو
سبعة تكن اثنين وأربعين تدفعها إليه ولصاحب الثلث سهمه من مسألة الرد أربعة تضربها في وفق مسألة الإجازة
وهو ثمانية تكن اثنين وثلاثين فصار المجموع أربعة وسبعين يبقى أربعة وتسعون للابنين، فإن أجاز أحد
الابنين لهما ورد الآخر فللذي أجاز سهمه من مسألة الإجازة خمسة مضروب في وفق مسألة الرد
سبعة تكن خمسة وثلاثين وللذي رد سهمه من مسألة الرد سبعة مضروب في وفق مسألة الإجازة وهو
ثمانية ستة وخمسون تضمها إلى خمسة وثلاثين تكن إحدى وتسعين يبقى للوصيين سبعة وسبعون
544

بينهما على سبعة لصاحب الثلث أربعة أربعون ولصاحب الربع ثلاثة وثلاثون فإن أجاز كل واحد منهما
لواحد فإن صاحب الثلث إذا أجاز له الابنان كان له ستة وخمسون وإذا ردا عليه كان له اثنان وثلاثون
فقد نقصه ردهما أربعة وعشرين فينقصه رد أحدهما نصف ذلك اثني عشر يبقى له أربعة وأربعون
وصاحب الربع إذا أجازا له كان له اثنان وأربعون وان ردا عليه كان له أربعة وعشرون فقد نقصه
ردهما ثمانية عشر فينقصه رد أحدهما نصفها يبقى له ثلاثة وثلاثون واما الاثنان فالذي أجاز لصاحب
الثلث إذا أجاز لهما كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فتنقصه الإجازة لهما أحدا
وعشرين لصاحب الثلث منها اثنا عشر يبقى له أربعة وأربعون والذي أجاز لصاحب الربع إذا أجاز
لهما كان له خمسة وثلاثون وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فقد نقصته الإجازة أحدا وعشرين منها
تسعة لصاحب الربع بقي له سبعة وأربعون وللوصيين سبعة وسبعون لصاحب الثلث أربعة وأربعون
ولصاحب الربع ثلاثة وثلاثون فصار المجموع لهما وللابنين مائة وثمانية وستين
(فصل) إذا وصى لرجل بنصف ماله ولآخر بربعه فأجاز الورثة فلصاحب النصف نصف المال
والربع للآخر وان ردوا قسمت الثلث بين الوصيين على قدر سهامهما لصاحب النصف ثلثاه وللآخر
ثلثه وقسمت الثلثين على الورثة هذا قول الجمهور منهم الحسن والنخعي ومالك وابن أبي ليلى والثوري
545

والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر لا يضرب الموصى له بزيادة
على الثلث في حال الرد بأكثر من الثلث لأن ما زاد على الثلث باطل فكيف يضرب به؟
ولنا انه فاضل بينهما في الوصية فوجبت المفاضلة بينهما في حال الرد كما لو وصى بالثلث والربع أو
بمائة ومائتين وماله أربعمائة وبهذا يبطل ما ذكروه ولأنها وصية صحيحة ضاق عنها الثلث فقسم بينهم
على قدر الوصايا كالثلث والربع ودعوى بطلان الوصية فيما زاد على الثلث ممنوع وقد ذكرنا ما يدل
على صحتها فيما مضى فعلى قولنا في هذه المسألة فللموصى لهما ثلاثة أرباع ان أجاز الورثة ويبقى للورثة
الربع، وان ردوا فالثلث بين الوصيين على ثلاثة والمسألة كلها من تسعة وان أجازوا لأحدهما دون
صاحبه ضربت مسألة الرد في مسألة الإجازة وأعطيت المجاز له سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد
والمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروبا في مسألة الإجازة فإن أجاز بعض الورثة لهما ورد الباقون
عليهما أعطيت للمجيز سهمه من مسألة الإجازة في مسألة الرد ومن لم يجز سهمه من مسألة الرد في
مسألة الإجازة وقسمت الباقي بين الوصيين على ثلاثة فإن اتفقت المسئلتان ضربت وفق إحداهما في
الأخرى ومن له سهم من إحدى المسئلتين مضروب في وفق الأخرى، وان دخلت إحدى المسئلتين في
الأخرى اجتزأت بأكثرهما فتقول في هذه المسألة إذا كان اما وثلاث أخوات متفرقات
فأجازوا فالمسألة من أربعة للوصيين ثلاثة ويبقى سهم على ستة تضربها في أربعة تكن أربعة
546

وعشرين وان ردوا فللوصيين الثلث ثلاثة من تسعة يبقى ستة على المسألة وهي ستة فتصح من
تسعة، وان أجازوا لصاحب النصف وحده ضربت وفق التسعة في أربعة وعشرين تكن اثنين وسبعين
لصاحب النصف اثنا عشر في ثلاثة ستة وثلاثون وللآخر سهم في ثمانية يبقى ثمانية وعشرون للورثة وان
أجازت الام لهما ورد الباقون عليهما أعطيت الام سهما في ثلاثة وللباقين خمسة أسهم في ثمانية فالجميع
ثلاثة وأربعون يبقى تسعة وعشرون بين الوصيين على ثلاثة وان أجازت الأخت من الأبوين وحدها
فلها تسعة ولباقي الورثة أربعة وعشرون يبقى تسعة وثلاثون لهما على ثلاثة لصاحب النصف ستة وعشرون
ولصاحب الربع ثلاثة عشر
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (فإن زادت الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول فتجعل
وصاياهم كالفروض التي فرض الله تعالى للورثة)
إذا زادت على المال وان ردوا قسمت الثلث بينهم على تلك السهام فإذا وصى بنصف وثلث
وربع وسدس أخذتها من مخرجها اثنى عشر وعالت إلى خمسة عشر وقسمت المال بينهم كذلك إن أجيز
لهم والثلث ان رد عليهم فتصح في حال الإجازة من خمسة عشر وفي الرد من خمسة وأربعين هذا قول النخعي
ومالك والشافعي، قال سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ثنا أبو عاصم الثقفي قال: قال لي إبراهيم النخعي ما تقول في
رجل أوصى بنصف ماله وثلث ماله وربع ماله؟ قلت لا يجوز قال فإنهم قد أجازوا قلت لا أدري؟ قال أمسك
547

اثني عشر فاخرج نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة فاقسم المال على ثلاثة عشر لصاحب النصف ستة
ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة وكان أبو حنيفة يقول يأخذ أكثرهم وصية ما يفضل به على
من دونه ثم يقسمون الباقي ان أجازوا وفي الرد لا يضرب لاحد بأكثر بالثلث وان نقص بعضهم عن
عن الثلث اخذ أكثر ما يفضل به على من دونه ومثال ذلك رجل أوصى بثلثي ماله ونصفه وثلثه فالمال
بينهم على تسعة في الإجازة والثلث بينهم كذلك في الرد كمسألة فيها زوج وأختان لأب وأختان لام
وقال أبو حنيفة صاحب الثلثين يفضلهما بسدس فيأخذه وهو وصاحب النصف يفضلان صاحب الثلث
بسدس فيأخذانه بينهما نصفين ويقتسمون الباقي بينهم أثلاثا وتصح من ستة وثلاثين لصاحب الثلثين
سبعة عشر ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب الثلث ثمانية وان ردوا قسم بينهم على ثلاثة ولو
أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بثلثه فالمال بينهما على أربعة ان أجازوا والثلث بينهما كذلك في حال
الرد وعند أبي حنيفة ان أجازوا فلصاحب المال الثلثان ينفرد بهما ويقاسم صاحب الثلث فيحصل له
خمسة أسداس ولصاحب الثلث السدس وان ردوا اقتسما الثلث نصفين فلا يحصل لصاحب الثلث الا
السدس في حال الإجازة والرد جميعا ولو جعل مكان الثلث سدسا لكان لصاحب المال خمسة أسداسه
في الإجازة ويقاسم صاحب السدس فيأخذ نصفه ويبقى لصاحب السدس سهم من اثني عشر وفي الرد
يقتسمان الثلث بينهما أثلاثا فيحصل لصاحب السدس التسع سهم من تسعة وذلك أكثر مما حصل له
548

في حال الإجازة وهذا دليل على فساد هذا القول لزيادة سهم الموصى له في الرد على حال الإجازة ومتى
كان للوصي حق في حال الرد لا ينبغي أن يتمكن الوارث من تغييره ولا تنقيصه ولا اخذه منه ولا
صرفه إلى غيره مع أن ما ذهب إليه الجمهور نظيره مسائل العول في الفرائض والديون وما ذكره لا نظير
له مع أن فرص الله تعالى للوارث آكد من فرض الموصي ووصيته ثم إن صاحب الفضل المفروض لا
ينفرد بفضله فكذا في الوصايا
* (مسألة) * (وان وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بنصفه وخلف ابنين فالمال بينهما على ثلاثة
أن أجيز لهما والثلث على ثلاثة ان رد عليهما)
إنما كان كذلك لأنك إذا بسطت المال من جنس الكسر كان نصفين فإذا ضممت إليهما النصف الآخر
صارت ثلاثة فيقسم المال على ثلاثة ويصير النصف ثلثا كمسألة فيها زوج وأم وثلاث أخوات متفرقات
وان ردوا فالثلث بينهما على ثلاثة
* (مسألة) * (فإن أجازوا لصاحب النصف وحده فلصاحب المال التسعان ولصاحب النصف
النصف في أحد الوجهين)
لأنه موصي له به وإنما منعه أخذه في حال الإجازة لهما مزاحمة صاحبه فإذا زالت مزاحمته أخذ جميع
وصيته (والثاني) ليس له إلا الثلث الذي كان له في حال الإجازة لهما لأن ما زاد على ذلك إنما كان حقا
لصاحب المال أخذه الورثة منه بالرد فيأخذه الابنان، وان أجازا لصاحب الكل وحده فله ثمانية أتساع
549

على الوجه الأول والتسع للآخر وعلى الوجه الثاني ليس إلا الثلثان اللذان كانا له في حال الإجازة
لهما ويبقى التسعان للورثة
* (مسألة) * (فإن أجاز أحد الابنين لهما دون الآخر فسهمه بينهما على ثلاثة ولا شئ للمجيز وللابن
الاخر الثلث والثلثان بين الوصيين على ثلاثة فإن أجاز أحدهما لصاحب المال وحده فللآخر التسع
وللابن الاخر الثلث والباقي لصاحب المال في أحد الوجهين)
وفي الآخر له أربعة أتساع والتسع الباقي للمجيز وان أجاز لصاحب النصف وحده دفع إليه
نصف ما يتم به النصف وهو تسع ونصف سدس في أحد الوجهين وهو ثلث ما في يده وربعه وفي
الآخر يدفع التسع وهو ثلث ما في يده فيصير له تسعان ولصاحب المال تسعان وللمجيز تسعان والثلث
للذي لم يجز وتصح من تسعة وعلى الوجه الأول تصح من ستة وثلاثين للذي لم يجز اثنا عشر وللمجيز
خمسة ولصاحب النصف أحد عشر ولصاحب المال ثمانية وذلك لأن مسألة الرد من تسعة ولصاحب
النصف منها سهم فلو أجاز له الابنان كان له تمام النصف ثلاثة ونصف فإذا أجاز له أحدهما لزمه نصف
ذلك وهو سهم ونصف وربع فتضرب مخرج الربع في تسعة تكن ستة وثلاثين
(فصل) في الجمع بين الوصية بالأنصباء والاجزاء، إذا خلف ابنين ووصى لرجل بثلث ماله ولآخر
بمثل نصيب ابن ففيها وجهان (أحدهما) لصاحب النصيب ثلث المال في حال الإجازة كما لو لم يكن معه
550

وصي آخر وهذا قول يحيى بن آدم وعند الرد يقسم الثلث بين الوصيين نصفين لأنه وصى لهما بثلثي ماله
وقد رجعت وصيتهما بالرد إلى نصفها وتصح من ستة (والوجه الثاني) يحصل لصاحب النصيب مثل
ما يحصل للابن وهو ثلث الباقي وذلك التسعان عند الإجازة لأن للموصى له بالثلث ثلث المال ويبقى
سهمان بين الموصى له بالنصيب وبين الابنين على ثلاثة لا تصح تضربها في ثلاثة لكن تسعة لصاحب
الثلث ثلاثة ويبقى ستة لكل ابن سهمان وللموصى له بالنصيب سهمان وهي التسعان وفي الرد يقسم
الثلث بينهما على الخمسة التي كانت لهما في حال الإجازة لصاحب الثلث ثلاثة ولصاحب النصيب سهمان:
* (مسألة) * (وإن كان الجزء الموصى به النصف خرج فيها وجه ثالث)
وهو أن يكون لصاحب النصيب في حال الإجازة ثلث الثلثين وفي الرد يقسم الثلث بينهما على
ثلاثة عشر سهما لصاحب النصف تسعة ولصاحب النصيب أربعة وإنما كان كذلك لأن الورثة لا يلزمهم
إجازة أكثر من ثلث المال فإذا جازوا أكثر من ذلك حسب من نصيبهم لأنهم تبرعوا به ويبقى نصيب
الموصى له بالنصيب على حاله كأنه لم يخرج من المال الا الثلث فيبقى الثلثان بينه وبين الابنين على
ثلاثة لأن له مثل نصيب ابن فتجعل المسألة من ثمانية عشر لأنها أقل عدد له نصف ولثلثه ثلث لصاحب
النصف تسعة لأنه مجاز له ويعطى الموصى له بالنصيب ثلث الثلثين أربعة صار الجميع ثلاثة عشر يبقى
551

خمسة للابنين لا تصح عليهما فتضرب عددها في ثمانية عشر تكن ستة وثلاثين للموصى لهما ستة
وعشرون لصاحب النصف ثمانية عشر وللآخر ثمانية يبقى عشرة للابنين بينهما نصفين وان ردوا
قسم الثلث بينهما على ثلاثة عشر فتصح من تسعة وثلاثين ثلاثة عشر للوصيين وللابنين ستة وعشرون (فصل) فإن كان الجزء الموصى به الثلثين فعلى الوجه الأول للموصى له بالنصيب الثلث في حال
الإجازة وتصح من ثلاثة وفى الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة وتصح من تسعة وعلى الوجه الثاني
للموصى له بالنصيب التسع وللآخر الثلثان في حال الإجازة وتصح من تسعة أيضا وفي الرد يقسم
الثلث بينهما على سبعة وتصح من أحد وعشرين، وفي الوجه الثالث لصاحب النصيب ثلث الثلثين
وللآخر الثلثان وأصلها من تسعة وتصح من ثمانية عشر في الإجازة لصاحب الثلثين اثنا عشر وللآخر
أربعة يبقى سهمان للابنين وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ستة عشر وتصح من ثمانية وأربعين
(فصل) فإن كان الموصى به جميع المال فعلى الوجه الأول يقسم المال بينهما على أربعة في حال
الإجازة لصاحب المال ثلاثة ولصاحب النصيب سهم كما لو وصى بماله كله وبثلثه، وفي الرد يقسم الثلث
بينهما على أربعة، وعلى الوجه الثاني لا يحصل لصاحب النصيب شئ لأنه إنما يحصل له مثل ابن
والابن لا يحصل له شئ وهذا ما يوهن هذا الوجه لأنه لا يطرد ويكون الكل لصاحب المال في حال
الإجازة وفي الرد يأخذ صاحب المال الثلث ويبقى الثلثان بين صاحب النصيب وبين الابنين على ثلاثة
وتصح من تسعة، وعلى الوجه الثالث لصاحب النصيب ثلث الثلثين اثنان من تسعة ولصاحب المال
552

تسعة فتصح من أحد عشر في حال الإجازة وفي الرد من ثلاثة وثلاثين لصاحب المال تسعة ولصاحب
النصيب اثنان ولكل ابن أحد عشر
* (مسألة) * (إذا وصى لرجل بمثل نصيب أحد ابنيه ولآخر بثلث باقي المال فعلى الوجه الأول
لصاحب النصيب ثلث المال وللآخر ثلث باقي المال تسعان والباقي للابنين وتصح من تسعة)
وعلى الوجه الثاني يدخلها الدور لكونه إنما يحصل لصاحب النصيب مثل ما يحصل للابن وهو
لا يعلم ثلث الباقي حتى يعلم نصيب الابن ولا يعلم نصيب الابن حتى يعلم ثلث الباقي فيخرجه ويقسم
الباقي على الابنين وصاحب النصيب والتفريع على هذا الوجه. ولعملها طرق (أحدها) أن
تجعل المال ثلاثة أسهم ونصيبا وإنما جعلته ثلاثة أسهم ليكون للباقي بعد النصيب ثلث فيدفع النصيب
إلى الموصى له به وإلى الآخر ثلث الباقي سهما يبقى سهمان لكل ابن سهم وذلك هو النصيب فصحت
من أربعة (والطريق الثاني) طريق الجبر فتأخذ مالا وتلقي منه نصيبا ويبقى مال إلا نصيبا تدفع إلى الوصي
الآخر ثلثه وهو ثلث مال الا ثلث نصيب يبقى ثلثا مال إلا ثلثي نصيب يعدل نصيبين أجبر ثلثي
المال بثلثي نصيب ورد على النصيبين مثل ذلك يبقى ثلثا مال تعدل نصيبين وثلثين ابسط الكل
أثلاثا من جنس الكسر واقلب وحول فاجعل النصيب اثنين والمال ثمانية ويرجع بالاختصار إلى أربعة
(والطريق الثالث) الطريق المنكوس وهي أن تقول للابنين سهمان وهو مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل
553

نصفه سهما يصر ثلاثة ثم زد عليه مثل نصيب ابن تصر أربعة وان شئت ضربت ثلاثة مخرج الثلث
في ثلاثة وهي عدد البنين مع الوصي تكن تسعة انقص منها واحدا يبقى ثمانية تصح ومنها تصح وتسمى طريق
الباب وتعمل بها ما يرد عليك من هذه المسائل
* (مسألة) * (وان كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف فعلى الوجه الأول تصح من ثمانية
عشر لصاحب النصيب الثلث ستة وللآخر ثلث ما يبقى من النصف سهم يبقى أحد عشر للابنين)
وتصح من ستة وثلاثين لصاحب النصيب اثنا عشر وللآخر سهمان ولكل ابن أحد عشر
سهما في حال الإجازة وفي الرد، وتصح من أحد وعشرين للأول ستة أسهم وللآخر سهم ولكل
ابن سبعة وعلى الوجه الثاني يجعل المال ستة أسهم ونصيبين يدفع النصيب إلى الموصى له به
والى الاخر ثلث باقي النصف سهما والى أحد الابنين نصيبا يبقى خمسة للابن الآخر فالنصيب خمسة
والمال ستة عشر للموصى له بثلث باقي النصف سهم يبقى خمسة عشر للموصى له بالنصيب
خمسة ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالا وتلقي منه نصيبا يبقى مال الا نصيبا تلقي منه
ثلث باقي النصف يبقى خمسة أسداس مال الا ثلثي نصيب تعدل نصيبين اجبرها بثلثي نصيب وزد
على النصيبين مثلها يبقى خمسه أسداس مال تعدل نصيبين وثلثين ابسط الكل أسداسا واقلب وحول
واجعل أجزاء المال النصيب واجزاء النصيب المال يصر النصيب خمسة والمال ستة عشر وان شئت
554

أخذت نصف مال ألقيت منه نصيبا يبقى نصف مال الا نصيبا الق ثلثه يبقى ثلث مال الا ثلثي نصيب
ضمه إلى نصف المال يصر خمسة أسداس إلا ثلثي نصيب تعدل نصيبين أجبر وقابل يصر خمسة
أسداس مال تعدل نصيبين وثلثين ابسط الكل أسداسا من جنس الكسر واقلب يكن المال ستة عشر
والنصيب خمسة كما سبق
(فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لرجل بمثل نصيب أحدهم ولآخر بنصف باقي المال ففيها
ثلاثة أوجه (أحدها) أن يعطى صاحب النصيب مثل نصيب الوارث إذا لم يكن ثم وصية أخرى (والثاني)
أن يعطى نصيبه من ثلث المال (والثالث) أن يعطى مثل نصيب ابن بعد أخذ صاحب النصف وصيته
وعلى هذا الوجه يدخلها الدور والتفريح عليه ولعملها طرق:
(أحدها) أن تأخذ مخرج النصف فتسقط منه سهما يبقى سهم فهو النصيب ثم تزيد على عدد
البنين واحدا يصر أربعة فتضربها في المخرج تكن ثمانية تنقصها سهما يبقى سبعة فهي المال للموصى
له بالنصيب سهم وللآخر نصف الباقي وهو ثلاثة ولكل ابن سهم.
* (طريق آخر) * أن تزيد سهام البنين نصف سهم وتضربها في المخرج تكن سبعة
* (طريق ثالث) * يسمى المنكوس أن تأخذ سهام البنين وهي ثلاثة فتقول هذا بقية مال ذهب
نصفه فإذا أردت تكميله زدت عليه مثله ثم زد عليه مثل نصيب ابن تكن سبعة
555

* (طريق رابع) وهو أن تجعل المال سهمين ونصيبا وتدفع النصيب إلى صاحبه والى الآخر سهما
يبقى سهم للبنين يعدل ثلاثة أنصباء فالمال كله سبعة، وبالجبر تأخذ مالا وتلقي منه نصيبا يبقى مال الا
نصيبا وتدفع نصف الباقي إلى الوصي الآخر يبقى نصف مال إلا نصف نصيب تعدل ثلاثة أنصباء فاجبره
بنصف نصيب وزده على الثلاثة يبقى نصف كامل يعدل ثلاثة ونصفا فالمال كله سبعة
(فصل) فإن كانت الوصية الثانية بنصف ما يبقى من الثلث أخذت مخرج النصف والثلث
من ستة نقصت منها واحدا يبقى خمسة فهي النصيب ثم تزيد واحدا على سهام البنين وتضربها في
المخرج تكن أربعة وعشرين تنقصها ثلاثة يبقى أحد وعشرون فهو المال تدفع إلى صاحب النصيب خمسة
يبقى من الثلث سهمان تدفع منها سهما إلى الوصي الآخر يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وبالطريق
الثاني تزيد على سهام البنين نصفا وتضربها في المخرج يكن أحدا وعشرين. وبالثالث تعمل كما عملت
في الأولى فإذا بلغت سبعة ضربتها في ثلاثة من أجل الوصية الثانية بنصف الثلث وبالرابع تجعل الثلث سهمين
ونصيبا تدفع النصيب إلى الموصى له به والى الآخر سهما يبقى من المال خمسة أسهم ونصيبان تدفع
النصيبين إلى اثنين يبقى خمسة للثالث فهي النصيب فإذا بسطتها كانت إحدى وعشرين وبالجبر تأخذ
مالا تلقي من ثلثه نصيبا وتدفع إلى الأخ نصف باقي الثلث يبقى من المال خمسة أسداسه الا نصف
556

نصيب أجبره بنصف نصيب وزده على سهام البنين تصر ثلاثة ونصفا تعدل خمسة أسداس اقلب وحول
يكن النصيب خمسة وكل ستة والمال أحدا عشرين
(فصل) فإن أوصى لثالث بربع المال فخذ المخارج وهي اثنان ثلاثة وأربعة واضرب بعضها في
بعض تكن أربعة وعشرين وزد على عدد البنين واحدا واضربها في أربعة وعشرين تكن ستة وتسعين
انقص منها ضرب نصف سهم في أربعة وعشرون وذلك اثنا عشر يبقى أربعة وثمانون وهي المال ثم
انظر الأربعة والعشرين فأنقص منها سدسها لأجل الوصية الثانية وربعها لأجل الوصية الثالثة يبقى
أربعة عشر وهي النصيب فادفعها إلى الموصى له بالنصيب ثم ادفع إلى الثاني نصف ما يبقى من الثلث
وهو سبعة والى الثالث ربع المال أحدا وعشرين يبقى اثنان وأربعون لكل ابن أربعة عشر. وبالطريق
الثاني تزيد على عدد البنين نصف سهم وتضرب ثلاثة ونصفا في أربعة وعشرين تكن أربعة وثمانين
وبالطريق الثالث تعمل في هذه كما عملت في التي قبلها فإذا بلغت أحدا وعشرين ضربتها في أربعة
من أجل الربع تكن أربعة وثمانين. وبطريق النصيب تفرض المال ستة أسهم وثلاثة أنصبا تدفع نصيبا
إلى صاحب النصيب والى الآخر سهما والى صاحب الربع سهما ونصفا وثلاثة أرباع نصيب يبقى من
المال نصيب وربع وثلاثة أسهم ونصف للورثة تعدل ثلاثة أنصباء فأسقط نصيبا وربعا بمثلها يبقى ثلاثة
أسهم ونصف تعدل نصيبا وثلاثة أرباع فالنصيب إذا سهمان فابسط الثلاثة الانصباء تكن ستة فصار
المال اثنا عشر ومنها تصح لصاحب النصيب سهمان وللآخر نصف باقي الثلث سهم ولصاحب الربع
557

ثلاثة يبقى ستة للبنين لكل ابن سهمان وهذا أخصر وأحسن. وبالجبر تأخذ مالا تدفع منه نصيبا يبقى
مال الا نصيبا تدفع نصف باقي ثلثه وهو سدس الا نصف نصيب يبقى من المال خمسة أسداس
الا نصف نصيب تدفع منها ربع المال يبقى ثلث المال وربعه الا نصف نصيب تعدل ثلاثة أنصباء
أجبر وقابل واقلب وحول يكن النصيب سبعة والمال اثنين وأربعين فتضربها في اثنين ليزول
الكسر تصر أربعة وثمانين.
(فصل) فإن كانت الوصية الثالثة بربع ما بقي من المال بعد الوصيتين الأوليين فاعملها بطريق النصيب
كما ذكرنا يبقى معك ثلاثة أسهم وثلاثة أرباع سهم تعدل نصيبا ونصفا ابسطها أرباعا تكن السهام خمسة
عشر والأنصباء ستة توافقهما وتردهما إلى وفقهما تصر خمسة أسهم تعدل نصيبين اقلب واجعل النصيب
خمسة والسهم اثنين وابسط ما معك يصر سبعة وعشرين فادفع خمسة إلى صاحب النصيب والى الآخر
558

نصف باقي الثلث سهمين والى الثالث ربع الباقي خمسة يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة وهذه الطريق
أخصر. وان عملت بالطريق الثاني أخذت أربعة وعشرين فنقصت سدسها وربع الباقي يبقى خمسة عشر
فهي النصيب ثم زدت على عدد البنين سهما ونقصت نصفه وربع ما بقي منه يبقى ثلاثة أثمان زدها على
سهام البنين تكن ثلاثة أثمان تضربها في أربعة وعشرين تكن أحدا وثمانين ومنها تصح وبالجبر
يفضي إلى ذلك أيضا
* (مسألة) * (وان خلف أما وبنتا وأختا وأوصى بمثل نصيب الام وسبع ما بقي ولآخر بمثل نصيب
الأخت وربع ما بقي ولآخر بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي فاعملها بالمنكوس فقل مسألة الورثة من
ستة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه نصفه ثلاثة يكن تسعة ومثل نصيب البنت ثلاثة تكن اثنى عشر
وهي بقية مال ذهب ربعه فزد عليه ثلثه أربعة صار ستة عشر ومثل نصيب الأخت اثنين تكن ثمانية
عشر وهي بقية مال ذهب سبعه فزد عليه سدسه ثلاثة يكن أحدا وعشرين ومثل نصيب الام سهما يكن
559

اثنين وعشرين ومنها تصح تدفع إلى الموصى له بمثل نصيب الام سهما وسبع الباقي ثلاثة يبقى ثمانية عشر
تدفع إلى الموصى بمثل الأخت سهمين وربع الباقي فيحصل له ستة ويبقى اثنا عشر، تدفع إلى الموصى
له بمثل نصيب البنت ثلاثة يبقى تسعة تدفع إليه ثلثها ثلاثة يصر له ستة ويبقى ستة للورثة، هذا في حال
الإجازة، وفي الرد تجعل الثلث ستة عشر فتصح من ثمانية وأربعين للموصى له بمثل نصيب الام أربعة
ولكل واحد من الوصيين الآخرين ستة وللورثة اثنان وثلاثون لا تنقسم على مسئلتهم وتوافقها بالانصاف
فتضرب وفق أحدهما في الأخرى تكن مائة وأربعة وأربعين
(فصل) فإن خلفت امرأة زوجا وأما وأختا لأب وأوصت بمثل نصيب الام وثلث ما بقي ولآخر
بمثل نصيب الزوج ونصف ما بقي فمسألة الورثة من ثمانية وهي مال ذهب نصفه فزد عليه
مثله يكن ستة عشر ومثل نصيب الزوج ثلاثة تصر تسعة عشر وهو بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه
560

نصفه صار ثمانية وعشرين نصفا فرد عليه مثل نصيب الأخت سهمين يكن ثلاثين ونصفا ابسطها من جنس
الكسر تكن أحدا وستين للموصى له بمثل نصيب الام أربعة بقي سبعة وخمسون ادفع إليه ثلثها تسعة
عشر بقي ثمانية وثلاثون ادفع إلى الموصى له بمثل نصيب الزوج ستة يبقي اثنان وثلاثون ادفع
إليه نصفها ستة عشر يبقي سته عشر للورثة، للزوج ستة وللأم أربعة وللأخت ستة هذا في حال الإجازة
وفي الرد تجعل السهام الحاصلة للأوصياء وهي خمسة وأربعون ثلث المال فتكون المسألة جميعها
من خمسة وثلاثين.
* (مسألة) * (إذا خلف ثلاث بنين ووصى بمثل نصيب أحدهم الأربع المال فخذ مخرج الكسر
أربعة وزد عليها تكن خمسة فهو النصيب وزد على عدد البنين واحدا واضربه في مخرج الكسر
يكن ستة عشر تدفع إلى الموصى له بالنصيب خمسة ويستثني من ربع المال أربعة أقسام يبقى له سهم ولكل ابن خمسة)
561

وان شئت خصصت كل ابن بربع وقسمت الربع الباقي بينهم وبينه على أربعة فإن قال الأربع
الباقي بعد النصيب فزد على سهام البنين سهما وربعا واضربه في أربعة يكن سبعة عشر للوصي سهمان
ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالا وتدفع منه نصيبا إلى الوصي ويستثني منه ربع الباقي وهو
ربع مالا الا ربع نصيب صار معك ما وربع الا نصيبا وربعا يعدل أنصباء البنين وهو ثلاثة أجبر وقابل
يخرج النصيب خمسة والمال سبعة عشر
* (مسألة) * (فإن قال الا ربع الباقي بعد الوصية جعلت المخرج ثلاثة وزدت عليه واحدا صار
أربعة فهو النصيب وتزيد على عدد البنين سهما وتضربه في ثلاثة يكن ثلاثة عشر فهو المال) وان شئت قلت
المال كله ثلاثة أنصباء ووصية الوصية هي نصيب الأربع الباقي بعدها وذلك ثلاثة أرباع نصيب فبقي
562

ربع نصيب فهو الوصية وبين ان المال كله ثلاثة وربع ابسطها تكن ثلاثة عشر ولهذه المسائل
طرق سوى ما ذكرنا.
(فصل) فإن قال أوصيت لك بمثل نصيب أحد بني الا ثلث ما يبقى من الثلث فخذ مخرج ثلث
الثلث وهو تسعة زد عليها سهما تكن عشرة فهي النصيب وزد على أنصباء البنين سهما وثلثا واضرب
ذلك في تسعة يكن تسعة وثلاثين ادفع عشرة إلى الوصي واستثن منه ثلث بقية الثلث سهما يبقى له
تسعة ولكل ابن عشرة وان قال الا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية جعلت المال ستة وزدت عليه
سهما صار سبعة فهذا هو النصيب وزدت على أنصباء البنين سهما ونصفا وضربته في ستة يصر سبعة
وعشرين ودفعت إلى الوصي سبعة وأخذت منه نصف بقية الثلث سهما بقي معه ستة وبقي أحد وعشرون
لكل ابن سبعة وإنما كان كذلك لأن الثالث بعد الوصية هو النصف بعد النصيب ومتى أطلق الاستثناء
563

فلم يقبل بعد النصيب ولا الوصية فعند الجمهور يحمل على ما بعد النصيب وعند محمد بن الحسن
والبصريين يكون بعد الوصية
(فصل) فإن قالا الا خمس ما يبقى من المال بعد النصيب ولآخر بثلث ما يبقى من المال بعد
وصية الأول فخذ المخرج خمسة وزد عليها خمسها تكن ستة انقص ثلثها من أجل الوصية بالثلث يبقى
أربعة فهي النصيب ثم خذ سهما وزد عليه خمسها وانقص من ذلك ثلثه يبقى أربعة أخماس زدها
على أنصباء البنين واضربها في خمسة تصر تسعة عشر فهي المال ادفع إلى الأول أربعة واستثن منه
خمس الباقي ثلاثة يبقى معه سهم وادفع إلى الآخر ثلث الباقي ستة يبقى اثنا عشر لكل ابن أربعة
وبالجبر خذ مالا وألق منه نصيبا واسترجع منه خمس الباقي يصر مال وخمس الا نصيبا وخمسا الق
ثلث ذلك بقي أربعة أخماس مال الا أربعة أخماس نصيب يعدل ثلاثة أنصباء أجبر وقابل وابسط
564

يكن المال تسعة عشر والنصيب أربعة، وان شئت قلت أنصباء البنين ثلاثة وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد
عليه نصفه يصر أربعة أنصباء ونصفا ووصية والوصية هي نصيب الا خمس الباقي وهو نصف نصيب
وخمس نصيب وخمس وصيته يبقى خمس نصيب وعشر نصيب الا خمس وصية أجبر وقابل وابسط
تصر ثلاثة من النصيب تعدل اثني عشر سهما من الوصية وهي لا تنفق بالأثلاث فردها إلى وقفها تصر
سهما تعدل أربعة والوصية سهم والنصيب أربعة فابسطها تكن تسعة عشر فإن كان الاستثناء بعد الوصية
قلت المال أربعة أسهم ونصف ووصية وهي نصيب الا خمس الباقي وهي تسعة أعشار نصيب يبقى
عشر نصيب فهو الوصية فابسط الكل اعشارا تكن الانصباء خمسة وأربعين والوصية سهم وإن كان
استثنى خمس المال كله فالوصية عشر نصيب الا خمس وصية أجبر يصر العشر يعدل وصية وخمسا
أبسط يصر النصيب ستين والوصية خمسة والمال كله مائتان وخمسة وسبعون الق منها ستين واسترجع منه
خمس المال وهي خمسة وخمسون يبقى له خمسه وللآخر ثلث الباقي تسعون ويبقى مائة وثمانون لكل
565

ابن ستون ويرجع بالاختصار إلى خمسها وذلك خمسة وخمسون للوصي الأول سهم وللثاني ثمانية
عشر ولكل ابن اثنا عشر وبالجبر تأخذ ما لا تلقي منه نصيبا وتزيد على المال خمسة يصر مالا وخمسا الا نصيبا الق
ثلث ذلك يبقى أربعة أخماس مال الا ثلثي نصيب تعدل ثلاثة أجبر وقابل وابسط يكن المال ثمانية عشر وثلثا
اضربها في ثلاثة ليزول الكسر تصير خمسة وخمسين وإن كان استثنى الخمس كله وأوصى بالثلث كله فخذ
مخرج الكسرين خمسة عشر وزد عليها خمسها ثم انقص ثلث المال كله يبقى ثلاثة عشر فهي النصيب
وزد على أنصباء البنين سهما واضربه في المال يكن ستين وهي المال وإن كان استثنى خمس الباقي وأوصى
بثلث المال كله فالعمل كذلك إلا أنك تزيد على سهام البنين سهما وخمسا وتضربها تكن ثلاثة وستين
فإن كان استثنى خمس ما بقي من الثلث زدت على الخمسة عشر سهما واحدا فصار ستة عشر ثم نقصت
ثلث المال كله بقي أحد عشر فهي النصيب ثم زدت على سهام البنين سهما وخمسا وضربتها في خمسة عشر
تكن ثلاثة وستين تدفع إلى الوصي الأول أحد عشر وتستثني منه خمس بقية الثلث سهمين يبقى
566

معه تسعة وتدفع إلى صاحب الثلث أحدا وعشرين يبقى ثلاثة وثلاثون لكل ابن أحد عشر فإن
كانت الوصية الثانية بثلث باقي المال زدت على الخمسة عشر واحدا نقصت ثلث الستة عشر ولا ثلث
لها فاضربها في ثلاثة تكن ثمانية وأربعين انقص منها ثلثها يبقى اثنان وثلاثون فهي النصيب وخذ سهما
وزد عليه خمسه ثم انقص ثلث ذلك من أجل الوصية بثلث الباقي يبقى أربعة أخماس زدها على سهام
الورثة واضربها في خمسة وأربعين تكن مائة واحدا وسبعين ومنها تصح
(فصل) إذا وصى لرجل بمثل نصيب أحد بنيه وهم ثلاثة ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث ولآخر
بدرهم فاجعل المال تسعة دراهم وثلاثة أنصباء فادفع إلى الوصي الأول نصيبا وإلى الثاني والثالث درهمين
بقي سبعة ونصيبان ادفع نصيبين إلى ابنين يبقى سبعة للابن الثالث فالنصيب سبعة والمال ثلاثون فإن
كانت الوصية الثالثة بدرهمين فالنصيب ستة والمال سبعة وعشرون
(فصل) إذا وصى لعمه بثلث ماله ولخاله بعشره فردت وصيتهما فتحاصا الثلث وأصاب الخال
567

ستة فاضربها في وصيته وذلك عشرة تكن ستين واقسمه على الفاضل بينهما يخرج بالقسم خمسة عشر
فهي الثلث وان شئت قلت قد أصاب الخال ثلاثة أخماس وصيته يجب أن يصيب العم كذلك فيبقى من
الثلث خمساه وهي تعدل ما أصاب الخال فزد على ما أصاب الخال مثل نصفه وهو ثلاثة يصر تسعة
وهو الذي أصاب العم، وان قال أصاب العم الربع فقد أصابه ثلاثة أرباع وصيته وبقي من الثلث
نصف سدس يعدل ثلاثة أرباع وصية الخال وذلك سبعة ونصف وللعم ثلاثة أمثالها اثنان وعشرون
ونصف والمال كله تسعون وان قال أصاب الخال خمس المال فقد بقي من الثلث خمساه للعم فيكون
الحاصل للخال خمسا وصيته أيضا وذلك أربعة دنانير ووصية وللعم مثل ثلثيها ديناران وثلثان والثلث
كله ستة وثلثان والمال عشرون فإن كان معهما وصية بسدس المال فأصاب الخال ستة فهي ثلاثة أخماس
وصيته ولكل واحد من الآخرين ثلاثة أخماس وصيته وذلك تسعة أعشار الثلث يبقى منه عشر
568

يعدل ما حصل للعم وهو ستة فالثلث ستون، وان أصاب صاحب السدس عشر المال فقد أصاب صاحب
الثلث خمسه يبقى من الثلث أيضا عشره فهو نصيب الخال وذلك ثلاثة أخماس وصيته ستة فيكون
الثلث ستين كما ذكرنا
(فصل) إذا خلف ثلاثة بنين ووصى لعمه بمثل أحدهم إلا ثلث وصية خاله ولخاله بمثل
نصيب أحدهم الأربع وصية عمه فاضرب مخرج الثلث في مخرج الربع تكن اثنى عشر أنقصها
سهما يبقى أحد عشر فهي نصيب ابن أنقصها سهمين يبقى تسعة فهي وصية الخال، وان نقصتها ثلاثة فهي
ثمانية فهي وصية العم، وبالجبر تجعل مع العم أربعة دراهم ومع الخال ثلاثة دنانير ثم تزيد على الدراهم
دينارا وعلى الدنانير درهما يبلغ كل واحد منهما نصيبا أجبر وقابل وأسقط المشترك يبقى معك ديناران
تعدل ثلاثة دراهم فاقلب وحول تصر الدراهم ثمانية والدنانير تسعة كما قلنا، وان وصى لعمه بعشرة إلا
569

وصية ربع خاله ولخاله بعشرة إلا خمس وصية عمه فاضرب مخرج الربع في مخرج الخمس تكن عشرين أنقصها
سهما تكن تسعة عشر فهي المقسوم عليه ثم اجعل مع الخال أربعة وانقصها سهما يبقى ثلاثة اضربها
في العشرة ثم فيما مع العم وهو خمسة تكن مائة وخمسين اقسمها على تسعة عشر تخرج سبعة وسبعة عشر
جزءا من تسعة عشر فهي وصية عمه واجعل مع العم خمسة وانقصها سهما واضربها في عشرة ثم في أربعة
تكن مائة وستين واقسمها تكن ثمانية وثمانية اجزاء فهي وصية خاله
(طريق آخر) تنقص من العشرة ربعها وتضرب الباقي في العشرين ثم تقسمها على تسعة عشر
وتنقص منها خمسها وتضرب الباقي في عشرين وتقسمها وبالجبر تجعل وصية الخال شيئا ووصية العم
عشرة إلا ربع شئ فخذ خمسها فزده على الشئ وهي سهمان الا نصف عشر شئ تعدل عشرة
فأسقط المشترك من الجانبين تصر ثمانية وثمانية أجزاء من تسعة عشر إذا أسقطت ربعها من العشرة
بقيت سبعة وسبعة عشر جزءا، وان وصى لعمه بعشرة الا نصف وصية خاله ولخاله بعشرة إلا ثلث
570

وصية جده ولجده بعشرة إلا ربع وصية عمه فوصية عمه ستة وخمسان وصية خاله سبعة وخمس
ووصية جده ثمانية وخمسان، وبابها أن تضرب المخارج بعضها في بعض فتضرب اثنين في أربعة في
ثلاثة تكن أربعة وعشرين تزيدها واحدا تكن خمسة وعشرين فهذا هو المقسوم عليه ثم تنقص
من الاثنين واحدا وتضرب واحدا في ثلاثة ثم تزيدها واحدا وتضربها في أربعة تكن ستة عشر
ثم اضربها في عشرة تكن مائة وستين واقسمها على خمسة وعشرين يخرج بالقسم ستة وخمسان
فهي وصية العم وانقص الثلاثة واحدا يبق اثنان اضربها في الأربعة تكن ثمانية زدها واحدا واضربها
في اثنين في عشرة تكن مائة وثمانين اقسمها على خمسة وعشرين تخرج بالقسم سبعة وخمس وهي
وصية الخال ثم انقص من الأربعة واحدا واضرب ثلاثة في اثنين ثم زدها واحدا تكن سبعة اضربها
في ثلاثة ثم في عشرة تكن مائتين وعشرة مقسومة على خمسة وعشرين تخرج بالقسم ثمانية وخمسان
وهي وصية الجد.
571

(طريق آخر) تجعل مع العم أربعة أشياء ومع الخال دينارين ومع الجد ثلاثة دراهم ثم تضم
إلى ما مع العم دينارا وإلى ما مع الخال درهما وتقابل ما مع أحدهما بما مع الآخر وتسقط المشترك
فيصير أربعة أشياء تعدل دينارا ودرهما فأسقط لفظة الأشياء واجعل مكانها دينارا ودرهما ثم قابل
ما مع الخال بما مع الجد بعد الزيادة وهو ديناران ودرهم مع الخال لثلاثة دراهم وربع درهم وربع
دينار مع الجد فإذا أسقطت المشترك بقي درهمان وربع معادلة لدينار وثلاثة أرباع فابسط الكل
أرباعا يصر سبعة أرباع من الدينار تعدل تسعة من الدراهم فاقلب واجعل الدرهم سبعة والدينار
تسعة ثم ارجع إلى ما فرضت فتجد مع العم درهما ودينارا ستة عشر ومع الخال ثمانية عشر ومع الجد
أحد وعشرون والعشرة الكاملة خمس وعشرون والستة عشر منها ستة وخمسان والثمانية عشر سبعة
وخمس والاحد وعشرون ثمانية وخمسان، فإن كان معهم أخ ووصية الجد عشرة إلا ربع ما مع الأخ
ووصية الأخ عشرة إلا خمس ما مع العم فهذه الطريق تجعل مع العم خمسة أشياء ومع الخال دينارين
572

ومع الجد ثلاثة دراهم ومع الآخر أربعة أفلس ثم تقابل ما مع العم بما مع الخال كما ذكرنا وتجعل
الأشياء دينارا ودرهما ثم تقابل ما مع الخال بما مع الجد فتجعل الدينارين درهمين وفلسا ثم تقابل
ما مع الجد بما مع الأخ فتخرج الفلس ستة وعشرين والدرهم أحدا وثلاثين الدينار أربعة وأربعين
فتبين مع العم خمسة وسبعين ومع الخال ثمانية وثمانين وثمانين ومع الجد ثلاثة وتسعين ومع الأخ مائة
وأربعة إذا زدت على ما مع كل واحد ما استثنيته منه صار معه مائة وتسعة عشر وهي العشرة الكاملة
فصارت وصية العم ستة وستة وثلاثين جزءا ووصية الخال سبعة وسبعة وأربعين جزءا ووصية الجد
سبعة وسبعة وتسعين جزءا ووصية الأخ ثمانية وثمانين جزءا
وبطريق الباب تضرب المخارج بعضها في بعض تكن مائة وعشرين تنقصها واحدا يبقى مائة وتسعة
عشر فهو المقسوم عليه وتنقص الاثنين واحدا وتضربه في ثلاثة تزيدها واحدا وتضربها في أربعة تكن
ستة عشر تنقصها واحدا وتضربها في خمسة تكن خمسة وسبعين فهذه وصية العم تضربها في عشرة ثم
573

تقسمها على تسعة عشر تكن ستة وستة وثلاثين جزءا ثم تنقص الثلاثة واحدا وتضربها في أربعة
وتزيدها واحدا وتضربها في خمسة تكن خمسة وأربعين تنقصها واحد وتضربها في اثنين تكن ثمانية
وثمانين فهذه وصية الخال ثم تنقص الأربعة واحدا وتضربها في خمسة تكن خمسة عشر تزيدها واحدا
وتضربها في اثنين تكن اثنين وثلاثين تنقصها واحدا وتضربها في ثلاثة تكن ثلاثة وتسعين فهذه وصية
الجد، ثم تنقص الخمسة واحدا وتضربها في اثنين تكن ثمانية تزيدها واحدا وتضربها في ثلاثة تكن
سبعة وعشرين تنقصها واحدا وتضربها في أربعة تكن مائة وأربعة وهي وصية الأخ، وفي كل ذلك
تضرب العدد الذي مع كل واحد منهم في عشرة وتقسمه على تسعة عشر فالخارج بالقسم هو وصيته.
(فصل) فإن وصى لعمه بعشرة ونصف وصية خاله ولخاله بعشرة وثلث وصية عمه كانت وصية
العم ثمانية عشر ووصية الخال ستة عشر، وبابها أن تضرب أحد المخرجين في الآخر وتنقصه واحدا فهو
المقسوم عليه وتزيد مخرج النصف واحدا وتضربه في مخرج الثلث وتضربه في عشرة يكن تسعين مقسومة
574

على خمسة تكن ثمانية عشر ثم تزيد مخرج الثلث واحدا وتضربه في مخرج النصف ثم في عشرة تكن
ثمانين مقسومة على خمسة فإن كان معهما آخر ووصى للخال بعشرة وثلث وصيته ووصى له بعشرة
وربع وصية العم ضربت المخارج ونقصتها واحدا تكن ثلاثة وعشرين فهي المقسوم عليه ثم تزيد الاثنين
واحدا وتضربها في ثلاثة تكن تسعة فزدها واحدا واضربها في أربعة تكن أربعين ثم في عشرة ثم
اقسمها تخرج سبعة عشر وتسعة أجزاء فهي وصية العم ثم تصنع في الباقين كما ذكرنا فتكون وصية الخال
أربعة عشر وثمانية عشر جزءا وصية الثالث أربعة عشر وثمانية أجزاء، وان شئت بعد ما عملت وصية
العم فاضرب الزائد من وصيته في اثنين فهي وصية الخال واضرب الزائد عن العشرة من وصية الخال
في ثلاثة فهي وصية العم، ومتى عرفت ما مع الواحد منهم أمكنك معرفة ما مع الآخرين والله أعلم.
وهذا القدر من هذا الفن يكفي فإن الحاجة إليه قليلة وفروعه كثيرة طويلة وغيرها أهم منها والله تعالى
المسؤول أن يوفقنا لما يرضيه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
575

باب الموصى إليه
* (تصح وصية المسلم إلى كل مسمل عاقل عدل، وإن كان عبدا أو مراهقا أو امرأة أو أم ولد) *
تصح الوصية إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل إجماعا فأما العبد فتصح الوصية إليه قال ابن حامد سواء
كان عبد نفسه أو عبد غيره وبه قال مالك، وقال النخعي والأوزاعي وابن شبرمه تصح الوصية
إلى عبده ولا تصح إلى عبد غيره، وقال أبو حنيفة تصح الوصية إلى عبد نفسه إذا لم يكن في ورثته
رشيد وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا تصح الوصية إلى عبد بحال لأنه لا يكون وليا على ابنه بالنسب
فلا يجوز أن يلي الوصية كالمجنون
ولنا أنه تصح استنابته في الحياة فصح أن يوصى إليه كالحر وقياسهم يبطل بالمرأة والخلاف في
المكاتب والمدبر والمعتق بعضه كالخلاف في العبد القن، وأما الصبي المميز فقال القاضي قياس المذهب
576

صحة الوصية لأن أحمد قد نص على صحة وكالته وعلى هذا يعتبر أن يكون قد جاوز العشر، وقال شيخنا
لا أعلم فيه نصا عن أحمد فيحتمل أنه لا تصح الوصية إليه لأنه ليس من أهل الشهادة والاقرار ولا يصح
تصرفه إلا باذن هو مولى عليه فلم يكن من أهل الولاية كالطفل وهذا مذهب الشافعي، وهو
الصحيح إن شاء الله تعالى
(فصل) وتصح الوصية إلى المرأة في قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن شريح وبه قال.
مالك والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح وإسحاق والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولم يجزه
عطاء لأنها لا تكون قاضية فلا تكون وصية كالمجنون
ولنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أوصى إلى حفصة ولأنها من أهل الشهادة أشبهت الرجل
ويخالف القضاء فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد بخلاف الوصية وتصح الوصية إلى أم الولد،
ذكره الحرقي ونص عليه أحمد لأنها تكون حرة من أصل المال عند نفوذ الوصية.
577

* (مسألة) * (ولا تصح إلى غيرهم كالطفل والمجنون ولا وصية المسلم إلى كافر بغير خلاف تعلمه)
لأن المجنون والطفل ليسا أهلا للتصرف في أموالهما فلا يليان على غيرهما والكافر ليس من أهل الولاية
على المسلم ولأنه ليس من أهل الشهادة والعدالة أشبه المجنون، وأما الفاسق فقد روي عن أحمد أن
الوصية إليه لا تصح، وهو قول مالك والشافعي، وعن أحمد ما يدل على صحة الوصية إليه فإنه قال في رواية
ابن منصور إذا كان متهما لم تخرج عن يده، وقال الخرقي إذا كان خائنا ضمن إليه أمين، وهذا يدل
على صحة الوصية إليه ويضم الحاكم إليه أمينا، وقال أبو حنيفة تصح الوصية إليه وينفذ تصرفه وعلى
الحاكم عزله لأنه بالغ عاقل فصحت الوصية إليه كالعدل
ولنا أنه لا يجوز افراده بالوصية فلم تجز الوصية إليه كالمجنون، وعلى أبي حنيفة أنه لا يجوز اقراره
على الوصية فأشبه ما ذكرنا
* (مسألة) * (وان كانوا على غير هذه الصفات ثم وجدت عند الموت فهل تصح؟ على وجهين)
578

يعتبر وجود هذه الشروط في الوصي حال العقد والموت في أحد الوجهين، وفي الآخر تعتبر حالة
الموت حسب كالوصية له ولان شروط الشهادة تعتبر عند أدائها لا عند تحملها كذلك ههنا، وهو قول
بعض أصحاب الشافعي.
ولنا أنها شروط العقد فتعتبر حال وجوده كسائر العقود فأما الوصية له فهي صحيحة، وإن كان
وارثا وإنما يعتبر عدم الإرث وخروجها من الثلث للنفوذ واللزوم فاعتبرت حالة اللزوم بخلاف مسئلتنا
فإنها شروط لصحة العقد فاعتبرت حالة العقد ولا ينفع وجودها بعده
(فصل) وتصح الوصية إلى الأعمى، قال أصحاب الشافعي فيه وجه أن الوصية لا تصح إليه
بناء منهم على أنه لا يصح بيعه ولا شراؤه فلا يوجد فيه معنى الولاية، وهذا لا يسلم له مع أنه يمكنه
التوكيل في ذلك وهو من أهل الشهادة، والولاية في النكاح، والولاية على أولاده الصغار، فصحت
لوصية إليه كالبصير.
579

* (مسألة) * (وإذا أوصى إلى رجل وبعده إلا آخر فهما وصيان إلا أن يقول قد أخرجت الأول)
ونظير ذلك ما إذا أوصى لرجل بمعين من ماله ثم وصى به لآخر، أو وصى بجميع ماله لرجل ثم
وصى به لآخر فإنه يكون بينهما وقد ذكرنا ذلك، فكذلك إذا أوصى إلى رجل ثم وصى إلى
آخر فإنهما يصيران وصيين، وكما لو وصى إليهما جميعا في حال واحدة وإن قال قد أخرجت الأول بطلت
وصيته لأنه صرح بعزله فانعزل كما لو وكله ثم عزله.
* (مسألة) * (وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه)
وجملة ذلك أن يجوز أن يوصي إلى رجلين معا في شئ واحد ويجعل لكل واحد منهما التصرف
منفردا فيقول أوصيت إلى كل واحد منكما وجعلت له أن ينفرد بالتصرف فإن هذا يقتضي تصرف
كل واحد منهما على الانفراد، وله أن يوصي إليهما ليتصرفا مجتمعين فلا يجوز لأحدهما الانفراد بالتصرف
لأنه لم يجعل ذلك إليه ولم يرض بنظره وحده ولا نعلم خلافا في هاتين الصورتين، فإن أطلق فقال
580

أوصيت اليكما في كذا فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو يوسف
له ذلك لأن الوصية والولاية لا تتبعض فملك كل واحد منهما الانفراد بها كالأخوين في تزويج أختهما
وقال أبو حنيفة ومحمد يستحسن على خلاف القياس فيبيح أن ينفرد كل واحد منهما بسبعة أشياء: كفن
الميت، وقضاء دينه، وانفاذ وصيته، ورد الوديعة بعينها، وشراء ما لابد للصغير منه من الكسوة،
والطعام، وقبول الهبة له، والخصومة عن الميت فيما يدعى له وعليه، لأن هذه يشق الاجتماع عليها
ويضر تأخيرها فجاز الانفراد بها.
ولنا انه شرك بينهما في النظر فلم يكن لأحدهما الانفراد كالوكيلين وما قاله أبو يوسف نقول به فإنه
جعل الولاية إليهما باجتماعهما فليست ستبعضه كما لو وكل وكيلين أو صرح للوصيين بان لا يتصرفا الا مجتمعين
ويبطل ما قاله بهاتين الصورتين وبهما يبطل ما قاله أبو حنيفة أيضا ومتى تعذر اجتماعهما قام الحاكم
أمينا مقام الغائب
581

(فصل) إذا قال أوصيت إلى زيد فإن مات فقد أوصيت إلى عمر وصح ذلك رواية واحدة ويكون
كل واحد منهما وصيا إلى أن عمرا وصي بعد زيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جيش مؤتة " أميركم زيد فإن
قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة " والوصية في معنى التأمير وكذلك ان قال أوصيت
إليك فإذا كبر ابني كان وصيي صح لذلك وإذا كبر ابنه صار وصيه ومثله لو قال أوصيت إليك فإذا ناب
ابني من فسقه أو قدم من غيبته أو صح من مرضه أو اشتغل بالعلم أو صالح أمه أو رشد فهو وصيي
صحت الوصية إليه ويصير وصيا عند وجود هذه الشروط
* (مسألة) * (وان مات أحدهما أقام الحاكم مقامه أمينا)
قد ذكرنا ان الوصية تجوز إلى اثنين وانه متى أوصى إليهما مطلقا فليس لأحدهما الانفراد بالتصرف
فإن مات أحدهما أو جن أو وجد منه ما يوجب عزله أقام الحاكم مقامه أمينا لأن الموصي لم يرض بنظر
هذا الباقي وحده، وان أراد الحاكم ان يكتفى بالباقي منهما لم يجز له ذلك، وذكر أصحاب الشافعي
582

وجها في جوازه لأن النظر لو كان للحاكم بموت الموصي من غير وصية كان له رده إلى واحد كذلك ههنا
فيكون ناظرا بالوصية من الموصي والأمانة من جهة الحاكم
ولنا ان الموصي لم يرض بتصرف هذا وحده فوجب ضم غيره إليه لأن الوصية مقدمة على نظر
الحاكم واجتهاده فإن تغيرت حالهما جميعا بموت أو غيره فللحاكم ان ينصب مكانهما، وهل له نصب واحد؟
فيه وجهان (أحدهما) له ذلك لأنه لما عدم الوصيان صار الامر إلى الحاكم بمنزلة من لم يوص ولو لم يوص
لاكتفى بواحد كذا ههنا، ويفارق ما إذا كان أحدهما حيا لأن الموصي بين انه لا يرضى بهذا وحده بخلاف
ما إذا ماتا معا (والثاني) لا يجوز لأن الموصي لم يرض بواحد فلم يكتف به كما لو كان أحدهما حيا فأما ان
جعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فمات أحدهما أو خرج من الوصية لم يكن للحاكم ان يقيم
مقامه أمينا لأن الباقي منهما له النظر بالوصية فلا حاجة إلى غيره وان ماتا معا أو خرجا عن الوصية
583

فللحاكم ان يقيم واحدا فإن تغيرت حال أحد الوصيين تغيرا لا يزيله عن الوصية كالعجز عنها لضعف
أو علة أو نحو ذلك أو كانا ممن لكل واحد منها التصرف منفردا فليس للحاكم ان يضم إليهما أمينا لأن
الباقي منهما يكفي، الا أن يكون الباقي منهما يعجز عن التصرف وحده لكثرة العمل ونحوه فله ان يقيم
أمينا، وان كانا ممن ليس لأحدهما التصرف منفردا فعلى الحاكم ان يقيم مقام من ضعف منهما أمينا يتصرف
معه على كل حال فيصيرون ثلاثة الوصيان والأمين
* (مسألة) * (وكذلك ان فسق وعنه يضم إليه امين)
قد ذكرنا الاختلاف في صحة الوصية إلى الفاسق وان كلام الخرقي يدل على صحة الوصية إليه ويضم
إليه امين وكذلك إن كان عدلا ففسق ونقل ابن منصور عن أحمد نحو ذلك فقال إذا كان الوصي متهما
لم يخرج عن يده ونقل المروذي عن أحمد فيمن وصى إلى رجلين ليس أحدهما بموضع الوصية فقال
للآخر اعطني لا يعطيه شيئا ليس هذا بموضع للوصية فقيل له أليس المريض قد رضي به؟ فقال وان
584

رضي به فظاهر هذا ابطال الوصية إليه وحمل القاضي كلام الخرقي وكلام احمد على ابقائه في الوصية على أن جنايته
طرأت بعد الموت. فاما ان كانت جنايته موجودة حال الوصية إليه لم يصح لأنه لا يجوز تولية الخائن على يتيم في حياته
فكذلك بعد موته ولان الوصية ولاية وأمانة والفاسق ليس من اهلهما فعلى هذا إذا كان الوصي فاسقا فحكمه حكم
من لا وصي له وينظر في ماله الحاكم وان طرأ فسقه بعد الوصية زالت ولايته وأقام الحاكم مقام أمينا
هذا اختيار القاضي وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق وعلى قول الخرقي لا تزول ولايته ويضم إليه
امين ينظر معه روي ذلك عن الحسن وابن سيرين لأنه أمكن حفظ المال بالأمين وتحصيل نظر الموصي
بابقائه في الوصية فيكون جمعا بين الحقين فأما ان لم يمكن حفظ المال بالأمين تعين إزالة يد الفاسق
الخائن وقطع تصرفه لأن حفظ المال على اليتيم أولى من رعاية قول الموصي الفاسد واما التفريق بين
الفسق الطارئ والمقارن فإن الشروط تعتبر في الدوام كاعتبارها في الابتداء سيما إذا كانت لمعنى
585

يحتاج إليه في الدوام وإذا لم يكن بد من التفريق فاعتبار العدالة في الدوام أولى من قبل ان الفسق
إذا كان موجودا حال الوصية فقد رضي به الموصي مع علمه بحاله وأوصى إليه راضيا بتصرفه مع فسقه
فيشعر ذلك بأنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط فيه وخيانته في ماله بخلاف ما إذا
طرأ الفسق فإنه لم يرض به على تلك الحال والاعتبار برضائه الا تري انه إذا وصى إلى واحد جاز له
التصرف وحده ولو وصى إلى اثنين لم يجز للواحد التصرف
(فصل) إذا تغيرت حال الموصى إليه بموت أو فسق أو جنون أو سفه فقد ذكرنا حكمه، فإن
تغيرت حاله قبل الموت وبعد الوصية ثم عاد فكان عند الموت جامعا لشروط الوصية صحت الوصية إليه
لأن الشروط موجودة حال العقد والموت صحت الوصية كما لو لم تتغير حاله ويحتمل ان تبطل لأن كل
حالة منها حالة للقبول والرد فاعتبرت الشروط فيها فأما ان زالت بعد الموت فانعزل ثم عاد فكمل الشروط
لم تعد وصية لأنها زالت فلا تعود الا بعقد جديد
586

(فصل) فأما العدل الذي يعجز عن النظر لعلة أو ضعف فإن الوصية تصح إليه ويضم الحاكم إليه
أمينا ولا يزيل يده عن المال ولا نظره لأن الضعيف أهل للولاية والأمانة فصحت الوصية إليه وهكذا إن كان
قويا فحدث فيه ضعف أو علة ضم الحاكم إليه يدا أخرى ويكون الأول الوصي دون الثاني وهذا
معاون لأن ولاية الحاكم إنما تكون عند عدم الموصى إليه وهذا قول الشافعي وأبي يوسف وما نعلم فيه مخالفا
* (مسألة) * (ويصح قبوله للوصية ورده في حياة الموصي) لأنه اذن في التصرف فصح قبوله بعد العقد
كالتوكيل بخلاف الوصية له فإنها تمليك في وقت فلم صح القبول قبل الوقت ويجوز تأخير القبول إلى
ما بعد الموت لأنها نوع وصية فصح قبولها بعد الموت كالوصية له ومتى قتل صار وصيا
* (مسألة) * (وله عزل نفسه متى شاء) مع القدرة والعجز في حياة الموصي وبعد موته في حضوره وغيبته
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجوز له ذلك بعد الموت ولا يجوز في حياته الا بحضرته لأنه
غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الايصاء إلى غيره وعن أحمد انه لا يجوز له عزل نفسه بعد الموت ذكره
587

ابن أبي موسى في الارشاد لما ذكرنا: ولنا انه متصرف بالآن فكان له عزل نفسه كالوكيل
* (مسألة) * (وللموصي عزله متى شاء) لأنه متصرف باذنه فكان له عزله كالموكل له عزل وكيله متى شاء
* (مسألة) * (وليس للوصي ان يوصي الا ان يجعل ذلك إليه وعنه له ذلك) وجملة ذلك أنه إذ أوصى
إلى رجل واذن له في الايصاء لمن شاء نحو ان يقول أذنت لك إلى أن توصي إلى من شئت أو كل من
أوصيت إليه فقد أوصيت إليه أو فهو وصيي صح وبه قال أكثر أهل العلم وحكى عن الشافعي في أحد قوليه
أنه قال ليس له أن يوصي لأنه يلي بتوليه فلا يصح ان يوصي كالوكيل
ولنا انه مأذون له في الاذن في التصرف فجاز له ان يأذن لغيره كالوكيل إذا أمر بالتوكيل فالوكيل
حجة عليه من الوجه الذي ذكرناه فإن وصى إليه وأطلق فلم يأذن له ولم ينهه عنه ففيه روايتان (إحداهما)
له ان يوصي إلى غيره وهو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوصف لأن الأب اقامه مقام نفسه فكان
له الوصية كالأب والثاني ليس له ذلك اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي وإسحاق وهو الظاهر من قول الخرقي
588

لقوله ذلك في التوكيل لأنه تصرف بتوليه فلم يكن له ذلك التفويض كالوكيل ويخالف الأب لأنه يلي بغير توليه
(فصل) ويجوز أن يجعل للوصي جعلا لأنها بمنزلة الوكالة والوكالة تجوز بجعل فكذلك الوصية،
ونقل إسحاق بن إبراهيم في الرجل يوصي إلى الرجل ويجعل له دراهما مسماة فلا بأس ومقاسمة الوصي
الموصى له جائزة على الورثة لأنه نائب عنهم ومقاسمته للورثة على الموصى له لا تجوز لأنه ليس نائبا عنه
(فصل) إذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما ولم يقسم بينهما
وجعل في مكان تحت أيديهما جميعا لأن الموصي لم يأمن أحدهما على حفظه ولا التصرف فيه وقال
مالك يجعل عند أعدلهما وقال أصحاب الرأي يقسم بينهما وهو المنصوص عن الشافعي إلا أن أصحابه
اختلفوا في مراده بكلامه فقال بعضهم إنما أراد إذا كان كل واحد موصى إليه منفردا وقال
بعضهم بل هو عام فيهما.
ولنا ان حفظ المال من جملة الموصى به فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالتصرف ولأنه لو جاز لكل
589

واحد منهما أن ينفرد بحفظ بعضه لجاز له أن ينفرد بالتصرف في بعضه
* (مسألة) * (ولا تصح الوصية إلا في معلوم يملك الموصي فعله كقضاء الدين وتفريق الوصية والنظر
في أمر الأطفال) لأن الوصي يتصرف بالاذن فلم يجز إلا في معلوم يملك الموضي فعله كالوكالة فيجوز
أن يوصي إليه بقضاء ديونه واقتضائها ورد الودائع واستردادها لأنه يملك ذلك فملكه وصية فأما
النظر لورثته في أموالهم فإن كان ذا ولاية عليهم كأولاده الصغار والمجانين ومن لم يؤنس رشده فله أن
يوصي إلى من ينظر لهم في أموالهم بحفظها ويتصرف لهم فيها بما لهم الحظ فيه، فأما من لا ولاية له عليهم
كالعقلاء الراشدين وغير أولاده من الاخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد فلا تصح الوصية عليهم
لأنه لا ولاية للموصي عليهم في الحياة فلا يكون ذلك لنائبه بعد الممات ولا نعلم في هذا كله خلافا وبه
يقول أبو حنيفة والشافعي ومالك إلا أن أبا حنيفة والشافعي قالا للجد ولاية على ابن ابنه وان سفل
لأن له ولادة وتعصيبا فأشبه الأب ولأصحاب الشافعي في الام عند عدم الأب والجد وجهان (أحدهما)
لها ولاية لأنها أحد الأبوين فأشبهت الأب
590

ولنا ان الجد يدلي بواسطة أشبه الأخ والعم بخلاف الأب فإنه يدلي بنفسه ويحجب الجد
ويخالفه في منزلته وحجبه فلا يصح إلحاقه به ولا قياسه عليه واما المرأة فلا تلى لأنها قاصرة
لا تلي النكاح بحال ولا تلي مال غيرها كالعبد
* (مسألة) * (وإذا وصى إليه في شئ لم يصر وصيا في غيره)
يجوز أن يوصى إلى رجل بشئ دون شئ مثل أن يوصي إليه بتفريق ثلثه دون غيره أو بقضاء
ديونه أو بالنظر في أمر أطفاله حسب فلا يكون له غير ما جعل إليه ويجوز أن يوصي إلى إنسان بتفريق
وصيته وإلى آخر بقضاء ديونه وإلى آخر بالنظر في أمر أطفاله فيكون لكل واحد ما جعل إليه دون غيره
ومتى أوصى إليه بشئ لم يصر وصيا في غيره، بهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يكون وصيا في كل
ما يملكه الموصي لأن هذه ولاية تنتقل من الأب بموته فلا تتبعض كولاية الجد
ولنا أنه استفاد التصرف بالاذن من جهة الآدمي فكان مقصورا على ما أذن فيه كالوكيل وولاية
الجد ممنوعة ثم تلك ولاية استفادها بقرابته وهي لا تتبعض والاذن يتبعض فافترقا
591

(فصل) ولا بأس بالدخول في الوصية فإن الصحابة رضي الله عنهم كان بعضهم يوصى إلى بعض
فيقبلون الوصية فروي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر وأوصى إلى الزبير ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
عثمان وابن مسعود والمقداد وعبد الرحمن بن عوف ومطيع بن الأسود وآخر وروي عن بن عمر أنه
كان وصيا لرجل وفي وصية ابن مسعود: ان حدث بي حادث الموت من مرضي هذا ان مرجع وصيتي
إلى الله عز وجل ثم إلى الزبير بن العوام وابن عبد الله ولأنها وكالة وأمانة فأشبهت الوديعة والوكالة في
الحياة وقياس مذهب أحمد ان ترك الدخول ففيها أولى لما فيها من الخطر وهو لا يعدل بالسلامة شيئا
ولذلك يرى ترك الالتقاط وترك الاحرام قبل الميقات أفضل طلبا للسلامة واجتنابا للخطر وقد روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر " اني أراك ضعيفا واني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تأمرن على اثنين ولا
تولين مال يتيم " أخرجه مسلم
(فصل) فإن مات رجل لا وصي له ولا حاكم في بلده فظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه يجوز لرجل
592

من المسلمين أن يتولى أمره ويبيع ما دعت الحاجة إلى بيعه فإن صالحا نقل عنه في رجل بأرض عرية
لا قاضي بها مات وخلف جواري ومالا أترى لرجل من المسلمين بيع ذلك؟ فقال اما المنافع والحيوان
فإن اضطروا إلي بيعه ولم يكن قاض فلا بأس واما الجواري فأحب أن يتولى بيعهن حاكم من الحكام
وإنما توقف عن بيع الإماء على طريق الاختيار احتياطا لأن بيعهن يتضمن إباحة فرج وأجاز بيع
ذلك لأنه موضع ضرورة
* (مسألة) * (وإذا أوصى إليه بتفرقة ثلثه فأبى الورثة اخراج ثلث ما في أيديهم ففيه روايتان)
(إحداهما) يخرج الثلث كله مما في يده نقلها أبو طالب لأن حق الموصى له متعلق باجزاء التركة
فجاز أن يدفع إليه مما في يده كما يدفع إلى بعض الورثة (والأخرى) يدفع إليه ثلث ما في يده ولا
يعطيهم شيئا مما في يده حتى يخرجوا ثلث ما في أيديهم نقلها أبو الحارث لأن صاحب الدين إذا كان
في يده مال لم يملك استيفاءه مما في يده كذا ههنا ويمكن حمل الروايتين على اختلاف حالين فالرواية
593

الأولى محمولة على ما إذا كان المال جنسا واحدا فللوصي أن يخرج الثلث كله مما في يده لأنه لا فائدة
في انتظار اخراجهم مما في أيديهم مع اتحاد الجنس (والرواية الثانية) محمولة على ما إذا كان المال أجناسا
فإن الوصية تتعلق بثلث كل جنس فليس له أن يخرج عوضا عن ثلث ما في أيديهم مما في يده لأنه
معاوضة لا تجوز الا برضاهم والله أعلم
* (مسألة) * (وان أوصاه بقضاء دين معين فأبى الورثة ذلك قضاه بغير علمهم)
لأنه واجب سواء رضوا به أو أبوه فإذا أبوه قضاه كما لو وصى لرجل بمعين يخرج من الثلث فلم يقبلوا
الوصية فإنه يدفع إليه وصيته بغير رضاهم ولا يعتبر علمهم كذا ههنا وعن أحمد فيمن عليه دين لميت
وعلى الميت دين أنه يقضي دين الميت ان لم يخف بيعه يعني إذا خاف أن يطلبه الورثة بما عليه وينكروا
الدين الذي على موروثهم فلا يقضيه لأنه لا يأمن رجوعهم عليه وان لم يخف ذلك قضى دين الميت
الذي عليه بدين الميت الذي له لما فيه من تبرئة ذمته وذمة الميت
594

(فصل) إذا علم الموصى إليه أن على الميت دينا إما بوصية الميت أو غيرها فقال أحمد لا يقضيه
إلا ببيته قيل له فإن كان ابن الميت يصدقه قال يكون ذلك في حصة من أقر بدر حصته، وقال في من
استودع رجلا ألف درهم فقال إن أنا مت فادفعها إلى ابني الكبير وله ابنان أو قال ادفعها إلى أجنبي
فقال إن دفعها إلى أحد الابنين ضمن للآخر قدر حصته وان دفعها إلى الآخر ضمن ولعل هذا من
أحمد فيما إذا لم يصدق الورثة الوصي ولم يقروا فلم يقبل قوله عليهم وليس له الدفع بغير إذنهم لأن
قوله أقر عندي وأذن لي إثبات ولائه فلا يقبل قوله فيه ولا شهادته لأنه يشهد لنفسه بالولاية وقد
نقل أبو داود في رجل أوصى أن لفلان علي كذا فينبغي للوصي أن ينفذه ولا يحل له لا إن لم ينفذه
فهذه المسألة محمولة على أن الورثة يصدقون الوصي أو المدعي أو له بينة بذلك جمعا بين الروايتين
وموافقة الدليل قيل لأحمد فإن علم الموصى إليه لرجل حقا على الميت فجاء الغريم يطالب الوصي وقدمه
إلى القاضي ليستحلفه أن مالي في يديك حق فقال لا يحلف ويعلم القاضي بالقضية فإن أعطاه القاضي
595

فهو أعلم فإن ادعى رجلا دينا على الميت وأقام بينة فهل يجوز للوصي قبولها وقضاء الدين بها من غير
حضور حاكم؟ فكلام أحمد يدل على روايتين (إحداهما) لا يجوز الدفع إليه بدعواه إلا أن تقوم بينة
فظاهر هذا أنه جوز الدفع بالبينة من غير حكم حاكم لأن البينة حجة له وقال في موضع آخر إلا أن
تثبت بينة عند الحاكم بذلك فاما ان صدقهم الورثة قبل لأنه اقرار منهم على أنفسهم
* (مسألة) * (وتصح وصية الكافر إلى المسلم إذا لم تكن تركته خمرا أو خنزيرا لأن المسلم مقبول
الشهادة عليه وعلى غيره فأما وصية الكافر إلى الكافر العدل في دينه ففيها وجهان (أحدهما) تصح الوصية
إليه وهو قول أصحاب الرأي لأنه يلي بالنسب فيلي بالوصية كالمسلم والثاني لا يصح وهو قول أبي ثور
لأنه فاسق فلم تصح الوصية إليه كفاسق المسلمين ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين فإن لم يكن الكافر
عدلا في دينه لم تصح الوصية إليه لأن عدم العدالة في المسلم تمنع صحة الوصية إليه فالكافر أولى
* (مسألة) * (إذا قال ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه من شئت لم يجز له أخذه ولا دفعه إلى
ولده ولا والده)
قال أحمد إذا كان في يده مال للمساكين وأبواب البر وهو محتاج إليه فلا يأكل منه شيئا إنما
أمر بتنفيذه، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي إذا قال الموصي جعلت لك
أن تضع ثلثي حيث شئت أو حيث رأيت فله أخذه لنفسه وولده ويحتمل أن يجوز ذلك عندنا أيضا
لأن لفظ الموصي يتناوله ويحتمل أن ينظر إلى قرائن الأحوال فإن دلت على أنه أراد أخذه منه مثل
أن يكون من جملة المستحقين الذين يصرف إليهم ذلك أو عادته الاخذ من مثله فله الاخذ منه والا فلا،
596

ويحتمل أن له اعطاء ولده وسائر أقاربه إذا كانوا مستحقين دون نفسه لأنه مأمور بالتفريق وقد فرق
فيمن يستحق فأشبه الدفع إلى الأجنبي.
ولنا أنه تمليك ملكه بالاذن فلا يجوز أن يكون قابلا كما لو وكله في بيع سلعة لم يجز بيعها من نفسه
* (مسألة) * (وان دعت الحاجة إلى بيع بعض العقار لقضاء دين الميت أو حاجة الصغار وفي
بيع بعضه نقص فله البيع على الكبار والصغار)
وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى يجوز البيع على الصغار والكبار فيما لابد منه وكذلك إن كان
جميعهم كبارا وهناك دين أو وصية وقيل لا يملك أن يبيع الا ما يخص الصغار ويقدر الدين والوصية
ولنا أنه وصي يملك بيع بعض التركة فملك بيع جميعها كما لو كان جميع الورثة صغارا وكان الدين
يستغرق التركة ولان الوصي قائم مقام الأب وللأب أن يبيع الجميع ولأنه لما جاز بيعها في الدين
المستغرق جاز بيعها فيما لا يستغرق كالعين المرهونة ولان في بيع البعض نقصا على الصغار فيتعين بيع
الجميع دفعا للضرر عنهم ويحتمل أن لا يجوز البيع على الكبار، وبه قال الشافعي، وهو أقيس إن شاء الله
تعالى لأنه لا يجب على الانسان بيع ملكه ليزداد ثمن ملك غيره كما لو كان شريكهم غير وارث، وهذا
اختيار شيخنا، وهو الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم.
* (تم بحمد الله وعونه الجزء السادس من كتاب الشرح الكبير) *
* (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء السابع منه وأوله (كتاب الفرائض)) *
597