الكتاب: المغني
المؤلف: عبد الله بن قدامه
الجزء: ٨
الوفاة: ٦٢٠
المجموعة: فقه المذهب الحنبلي
تحقيق:
الطبعة: جديدة بالأوفست
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: بعناية جماعة من العلماء

المغني
تأليف الشيخ الإمام العلامة موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة) * المتوفى سنة 630 ه‍
على مختصر الإمام أبي القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي المتوفى سنة 334 ه‍
(الجزء الثامن)
دار الكتاب العربي
للنشر والتوزيع
1

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصداق
الأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والاجماع: أما الكتاب فقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء
ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وقال تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قال أبو
عبيد يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى، وقيل النحلة الهبة والصداق في معناها
لأن كل واحد من الزوجين يستمتع يصاحبه وجعل الصدق للمرأة فكأنه عطية بغير عوض، وقبل
نحلة من الله تعالى للنساء، وقال تعالى (وآتوهن أجورهن فريضة)
وأما السنة فروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران فقال
2

النبي صلى الله عليه وسلم (مهيم؟) فقال يا رسول الله تزوجت امرأة، فقال (ما أصدقتها؟) قال وزن نواة من
ذهب فقال (بارك الله لك أولم ولو بشاة) وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها
متفق عليهما، وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح
(فصل) وللصداق تسعة أسماء: الصداق، والصدقة، والمهر، والنحلة، والفريضة، والاجر،
والعلائق، والعقر، والحباء، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أدوا العلائق) قيل يا رسول الله وما
العلائق؟ قال (ما يتراضى به الأهلون) وقال عمر لها عقر نسائها، وقال مهلهل:
انكحها فقدها الأراقم * في جنب وكان الحباء من أدم
لو بأبانين جاء يخطيها * خضب ما وجه خاطب بدم
يقال أصدقت المرأة ومهرنها ولا يقال أمهرتها
(فصل) ويستحب أن لا يعرى النكاح عن تسمية الصداق لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوج بناته
وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق وقال للذي زوجه الموهوبة (هل من شئ تصدقها؟)
فالتمس ولم يجد قال (التمس ولو خاتما من حديد) فلم يجد شيئا فزوجه إياها بما معه من القرآن، ولأنه
أقطع للنزاع وللخلاف فيه، وليس ذكره شرط بدليل قوله سبحانه وتعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم
النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا
امرأة ولم يسم لها مهرا.
3

(مسألة) قال (وإذا كانت المرأة بالغة رشيدة أو صغيرة عقد عليها أبوها فأي صداق
اتفقوا عليه فهو جائز إذا كان شيئا له نصف يحصل)
في هذه المسألة ثلاثة فصول:
(أحدها) أن الصداق غير مقدر لا أقله ولا أكثره بل كل ما كان مالا جاز أن يكون صداقا
وبهذا قال الحسن وعطاء وعمرو بن دينار وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق
وأبو ثور وداود، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وقال لو أصدقها سوطا لحلت وعن سعيد
ابن جبير والنخعي وابن شبرمة ومالك وأبي حنيفة هو مقدر الأقل، ثم اختلفوا فقال مالك وأبو حنيفة
أقله ما يقطع به السارق وقال ابن شبرمة خمسة دراهم وعن النخعي أربعون درهما وعنه عشرون وعنه
رطل من الذهب وعن سعيد بن جبير خمسون درهما، واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(لا مهر أقل من عشرة دراهم) ولأنه يستباح به عضو فكان مقدرا كالذي يقطع به السارق
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي زوجه (هل عندك من شئ تصدقها؟) قال لا أجد قال (التمس ولو
خاتما من حديد) متفق عليه وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟) قالت نعم فأجازه أخرجه أبو داود والترمذي
4

وقال حديث حسن صحيح وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا
ملء يده طعاما كانت له حلالا)، رواه الإمام أحمد في المسند وفي لفظ عن جابر، قال كنا ننكح
على عهد رسول الله صله الله عليه وسلم على القبضة من الطعام رواه الأثرم ولان قول الله عز وجل (وأحل لكم
ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) يدخل فيه القليل والكثير، ولأنه بدل منفعتها فجاز ما تراضيا
عليه من المال كالعشرة وكالأجرة. وحديثهم غير صحيح رواه ميسرة بن عبيد وهو ضعيف عن الحجاج
بن أرطاة وهو مدلس ورووه عن جابر وقد روينا عنه خلافه أو نحمله على مهر امرأة بعينها أو على
الاستحباب وقياسهم لا يصح فإن النكاح استباحة الانتفاع بالجملة والقطع إتلاف عضو دون استباحته
وهو عقوبة وحد وهذا عوض فقياسه على الأعواض أولى. وأما أكثر الصداق فلا توقيت فيه باجماع
أهل العلم قاله ابن عبد البر وقد قال الله عز وجل (وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم
إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) وروى أبو حفص باسناده ان عمر أصدق أم كلثوم ابنة علي
أربعين ألفا، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال خرجت وانا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرت
هذه الآية (وآتيتم إحداهن قنطارا) وقال أبو صالح القنطار مائة رطل وقال أبو سعيد الخدري ملء
مسك ثور ذهبا وعن مجاهد سبعون ألف مثقال
5

(فصل) ويستحب أن لا يغلي الصداق لما روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أعظم النساء
بركة أيسرهن مؤنة) رواه أبو حفص باسناد. وعن أبي العجفاء قال قال عمر رضي الله عنه ألا لا
تغلوا صداق النساء فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولا كم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وان
الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه وحتى يقول كلفت لكم علق القربة أخرجه
النسائي وأبو داود مختصرا وعن أبي سلمة قال سألت عائشة عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت اثنتا عشرة
أوقية ونش فقلت وما نش؟ قالت نصف أوقية أخرجاه أيضا، والأوقية أربعون درهما فلا تستحب
الزيادة على هذا لأنه إذا كثر ربما تعذر عليه فيتعرض للضرر في الدنيا والآخرة
(فصل) وكل ما جاز ثمنا في البيع أو أجرة في لاجارة من العين والدين والحال والمؤجل والقليل
والكثير ومنافع الحر والعبد وغيرهما جاز أن يكون صداقا، وقد روي الدارقطني باسناده قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق - قيل ما العلائق يا رسول الله قال - ما تراضى
عليه الأهلون ولو قضيبا من أرك) ورواه الجوزجاني وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة منافع
الحر لا تكون صداقا لأنها ليست مالا وإنما قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم)
ولنا قول الله تعالى (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج)
6

والحديث الذي ذكرناه ولأنها منفعة يجوز العوض عنها في الإجارة فجازت صداقا كمنفعة العبد وقولهم
ليست مالا ممنوع فإنها تجوز المعاوضة عنها وبها ثم إن لم تكن مالا فقد أجريت مجرى المال في هذا
فكذلك في النكاح وقد نقل مهنا عن أحمد إذا تزوجها على أن يخدمها سنة أو أكثر كيف يكون هذا
قيل له فامرأة لها ضياع وأرضون لا تندر على أن تعمرها قال لا يصلح هذا قال أبو بكر ان كانت الخدمة
معلومة جاز، وان كانت مجهولة لا تضبط فلها صداق مثلها كأنه تأول مسألة مهنا على أن الخدمة مجهولة
فلذلك لم يصح، ونقل أبو طالب عن أحمد التزويج على بناء الدار وخياطة الثوب وعمل شئ جائز
لأنه معلوم يجوز أخذ العوض عنه فجاز أن يكون صداقا كالأعيان، ولو تزوجها على أن يأتيها بعبدها
الآبق من مكان معين صح لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الأجرة عنه، وان أصدقها الاتيان به
أين كان لم يصح لأنه مجهول
(فصل) ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية وبهذا قال الشافعي وقال النخعي ومالك والثوري
والأوزاعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد يصح
ولنا أن الحملان مجهول لا يوقف له على حد فلم يصح كما لو أصدقها شيئا، فعلى هذا لها مهر المثل
وكذلك كل موضع قلنا لا تصح التسمية
(فصل) وان أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب لم تفسد التسمية ولم تجب مهر المثل لأن
7

تعذر تسليم ما أصدقها بعينه لا يوجب مهر المثل كما لو أصدقها قفيز حنطة فهلك قبل تسليمه ويجب عليه
أجر مثل خياطته لأن المعقود على العمل فيه تلف فوجب الرجوع إلى عوض العمل كما لو أصدقها تعليم
عبدها صناعة فمات قبل التعليم، وان عجز عن خياطته مع بقاء الثوب لمرض أو نحوه فعليه أن يقيم
مقامه من يخطيه، وان طلقها قبل خياطته قبل الدخول فعليه خياطة نصفه ان أمكن معرفة نصفه وان لم يمكن
فعليه نصف أجر خياطته الا أن يبذل خياطة أكثر من نصفه بحيث يعلم أنه قد خاط النصف يقينا، وإن كان
الطلاق بعد خياطته رجع عليها بنصف أجره
(فصل) وان أصدقها تعليم صناعة أو تعليم عبدها صناعة صح لأنه منفعة معلومة يجوز بذل العوض
عنها فجاز جعلها صداقا كخياطة ثوبها، وان أصدقها تعليمه أو تعليمها شعرا مباحا معينا أوبقها أو لغة أو
نحوا أو غير ذلك من العلوم الشرعية التي يجوز أخذ لأجرة على تعليمها جاز وصحت التسمية لأنه يجوز أخذ الأجرة
عليه فجاز صداقا كمنافع الدار
(فصل) فأما تعليم القرآن فاختلفت الرواية عن أحمد في جعله صداقا فقال في موضع أكرهه،
وقال في موضع لا بأس أن يتزوج المرأة على أن يعلمها سورة من القرآن أو على نعلين وهذا مذهب
الشافعي قال أبو بكر في المسألة قولان يعني روايتين قال واختياري انه لا يجوز وهو مذهب مالك
والليث وأبي حنيفة ومكحول وإسحاق، وأحتج من أجازه بما روى سهل بن سعد الساعدي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل يا رسول الله
8

زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة فقال (هل عندك من شئ تصدقها؟) فقال ما عندي الا إزاري
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إزارك ان أعطيتها أجلست ولا إزار لك فالتمس شيئا - قال لا أجد قال - التمس
ولو خاتما من حديد) فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (زوجتكها بما معك من القرآن) متفق
عليه ولأنها منفعة معينة مباحة فجاز جعلها صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح
ووجه الرواية الأخرى ان الفروج لا تستباح إلا بالأموال لقوله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم)
وقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) والطول المال. وقد روي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا على سورة من القرآن ثم قال (لا تكون لاحد بعدك مهرا) رواه
النجاد باسناده. ولان تعليم القرآن لا يجوز أن يقع إلا قربة لفاعله فلم يصح أن يكون صداقا كالصوم
والصلاة وتعليم الايمان. ولان التعليم من المعلم والمتعلم مختلف ولا يكاد ينضبط فأشبه الشئ المجهول
فأما حديث الموهوبة فقد قيل معناه أنكحتكها بما معك من القرآن أي زوجتكها لأنك من أهل القرآن
كما زوج أبا طلحة على إسلامه فروى ابن عبد البر باسناده عن أنس ان أبا طلحة أنى أم سليم يخطبها قبل
أن يسلم فقالت أتزوج بك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بني فلان؟ إن أسلمت تزوجت بك قال فأسلم
أبو طلحة فتزوجها على إسلامه وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم، ويحتمل أن يكون خاصا
لذلك الرجل بدليل ما رواه النجاد ولا تفريع على هذه الرواية، فأما على الأخرى فلا بد من تعيين ما يعلمها
9

إباه إما سورة معينة أو سورا أو آيات بعينها لأن السور تختلف وكذلك الآيات، وهل تحتاج إلى
تعيين قراءة مرتبة فيه وجهان (أحدهما) يحتاج إلى ذلك لأن الأغراض تختلف القراءات تختلف
فمنها صعب كقراءة حمزة وسهل فأشبه تعيين الآيات
(والثاني) لا يفتقر إلى التعيين لأن هذا اختلاف يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه ويقوم
مقامه ولذلك لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة قراءة وقد كانوا يختلفون في القراءة أشد من اختلاف القراء اليوم
فأشبه ما لو أصدقها قفيزا من صبرة وللشافعي في هذا وجهان كهذين
(فصل) فإن أصدقها تعليم سورة لا يحسنها نظرت فإن قال احصل لك تعليم هذه السورة صح لأن
هذه منفعة في ذمته لا تختص به فجاز أن يستأجر عليها من لا يحسنها كالخياطة إذا استأجر من يحصلها
له وان قال على أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح لأنه تعين بفعله وهو لا يقدر عليه فأشبه
ما لو استأجر من لا يحسن الخياطة ليخيط له، وذكر في المجرد انه يحتمل الصحة لأن هذه تكون في
ذمته فأشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال
(فصل) فإن جاءته بغيرها فقالت علمه السورة التي تريد تعليمي إياها لم يلزمه لأن المستحق عليه
العمل في عين فلم يلزمه ايقاعه في غيره كما لو استأجرته لخياطة ثوبه فأتته بغيره فقالت خط هذا ولان
المتعلمين يختلفون في التعليم اختلافا كثيرا ولان له غرضا في تعليمها فلا يجبر على تعليم غيرها، وان أتاها
10

بغيره يعلمها لم يلزمها قبول ذلك لأن المعلمين يختلفون في التعليم، ولان لها غرضا في التعليم منه لكونه
زوجها تحل له ويحل لها ولأنه لما لم يلزمه تعليم غيرها لم يلزمها التعليم ممن غيره قياسا لأحدهما على الآخر
(فصل) فإن تعلمتها من غيره أو تعذر عليه تعليمها فعليه أجر تعليمها فإن اختلفا فقال علمتكيها
فأنكرت فالقول قولها لأن الأصل عدم تعليمها، وفيه وجه آخر انهما ان اختلفا بعد أن تعلمتها فالقول
قوله لأن الظاهر معه، وان علمها السورة ثم أنسيتها فلا شئ عليه لأنه قد وفى لها بما شرط وإنما تلف
الصداق بعد القبض، وان لقنها الجميع وكلما لقنها آية أنسيتها لم يعتد بذلك تعليما لأن ذلك لا يعد تعليما
ولو جاز ذلك لأقضي إلى أنه متى قرأها فقرأتها بلسانها من غير حفظ كان تلقينا، ويحتمل أن
يكون ذلك تلقينا لأنه قد لقنها الآية وحفظتها، فأما ما دون الآية فليس بتلقين وجها واحدا
(فصل) فإن طلقها قبل الدخول بعد تعليمها السورة رجع عليها بنصف أجر تعليمها لأن الطلاق
قبل الدخول يوجب الرجوع بنصف الصداق وان لم يكن علمها ففيه وجهان (أحدهما) عليه نصف
أجر تعليمها لأنها قد صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها القتة (والثاني) يباح له تعليمها من وراء
حجاب من غير خلوة بها كما يجوز له سماع كلامها في المعاملات، وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي
تعليمها السورة الوجهان، وان أصدقها رد عبدها من مكان معين فطلقها قبل الدخول وقبل الرد فعليه
نصف أجر الرد لأنه لا يمكنه نصف الرد وان طلقها بعد الرد رجع عليها بنصف أجره
11

(فصل) ولو أصدق الكتابية تعليم سورة من القرآن لم يجز ولها مهر المثل وقال الشافعي يصح
لقوله تعالى (حتى يسمع كلام الله)
ولنا أن الجنب يمنع قراءة القرآن مع ايمانه واعتقاده انه حق فالكافر أولى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
(لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم) فالتحفظ أولى أن يمنع منه، فأما الآية
التي احتجوا بها فلا حجة لهم فيها فإن السماع غير الحفظ، وان أصدقها أو أصدق المسلمة تعليم
شئ من التوراة والإنجيل لم يصح في المذهبين لأنه مبدل مغير، ولو أصدق الكتابي الكتابية شيئا
من ذلك كان كما لو أصدقها محرما
(الفصل الثاني) ان الصداق ما اتفقوا عليه ورضوا به لقول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما
تراضيتم به من بعد الفريضة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (العلائق ما تراضى عليه الأهلون) ولأنه عقد معاوضة
فيعتبر رضا المتعاقدين كسائر عقود المعاوضات فإن كان الولي الأب فمهما اتفق هو والزوج عليه جاز
أن يكون صداقا قليلا كان أو كثيرا بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة على ما أسلفناه فيما مضى
ولذلك زوج شعيب عليه السلام موسى عليه السلام ابنته وجعلا الصداق إجارة ثماني حجج من غير
مراجعة الزوجة، وإن كان الولي غير الأب اعتبر رضا المرأة والزوج لأن الصداق لها وهو عوض
منفعتها فأشبه أجر دارها وصداق أمتها فإن لم يستأذنها الولي في الصداق فحكمه حكم الوكيل المطلق في البيع
ان جعل الصدق مهر المثل فما زاد صح ولزم وان نقص عنه فلها مهر أمثل
12

(الفصل الثالث) أن الصداق لا يكون إلا مالا لقول الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) ويشترط
أن يكون له نصف يتمول عادة بحيث إذا طلقها قبل الدخول بقي لها من النصف مال حلال وهذا
معنى قول الخرقي له نصف يحصل، ومالا يجوز أن يكون ثمنا في البيع كالمحرم والمعدوم والمجهول ومالا
منفعة فيه، ومالا يتم ملكه عليه كالمبيع من المكيل والموزون قبل قبضه، ومالا يقدر على تسليمه كالطير
في الهواء والسمك في الماء، ومالا يتمول عادة كحبة حنطة وقشرة جوزة لا يجوز أن يكون صداقا لأنه نقل
للملك فيه بعوض فلم يجز فيه ما ذكرناه كالبيع، ويعتبر أن يكون نصفه مما يتمول عادة ويبذل العوض في مثله
عرفا لأن الطلاق يعرض فيه قبل الدخول فلا يبقى للمرأة إلا نصفه فيجب أن يكون لها مال تنتفع به ويعتبر
نصف القيمة لا نصف عين الصداق فإنه لو أصدقها عبدا جاز وان لم تمكن قسمته
* (مسألة) * قال (وإذا أصدقها عبدا بعينه فوجدت به عيبا فردته فلها عليه قيمته)
وجملة ذلك أن الصداق إذا كان معينا فوجدت به عينا فلها رده كالمبيع المعيب ولا نعلم في هذا خلافا
إذا كان العيب كثيرا فإن كان يسيرا فحكي عن أبي حنيفة أنه لا يرد به
ولنا أنه عيب يرد به المبيع فرد به الصداق كالكثير وإذا رد به فلها قيمته لأن العقد لا ينفسخ
يرده فيبقى سبب استحقاقه فيجب عليه قيمته كما لو غصبها إياه فأتلفه، وإن كان الصداق مثليا كالمكيل
13

والموزون فردته فلها عليه مثله لأنه أقرب إليه، وان اختارت امساك المعيب وأخذ أرشه فلها ذلك في
قياس المذهب، وان حدث به عيب عندها ثم وجدت به عيبا خيرت به أخذ أرشه وبين رده ورد
أرش عيبه لأنه عوض في عقد معاوضة فيثبت فيه ذلك كالبيع، وسائر فروع الرد بالعيب فيثبت فيها
ههنا مثل ما يثبت في البيع لما ذكرنا
(فصل) وان شرطت في الصداق صفة مقصودة كالكتابة والصناعة فبان بخلافها فلها الرد كما
ترد به في البيع وهكذا ان دلسه تدليسا يرد به المبيع مثل تحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده
وتضمير الماء على الحجر وأشباه ذلك فلها الرد به، وان وجدت الشاة مصراة فلها ردها ورد صاع
من تمر قياسا على البيع، وقد نقل مهنا عن أحمد فيمن تزوج امرأة على الف ذراع فإذا هي تسعمائة
هي بالخيار إن شات أخذت الدار، وان شاءت أخذت قيمة الف ذراع والنكاح جائز وهذا فيما إذا
أصدقها دارا بعينها على أنها الف ذراع فخرجت تسعمائة فهذا كالعيب في ثبوت الرد لأنه شرط شرطا
مقصودا فبان بخلافه فأشبه ما لو شرط العبد كاتبا فبان بخلافه وجوز أحمد الامساك لأن المرأة رضيت
بها ناقصة ولم يجعل لها مع الامساك أرشا لأن ذلك ليس بعيب، ويحتمل أن لها الرجوع بقيمة
نقصها أو ردها وأخذ قيمتها
14

* (مسألة) * قال (وكذلك إذا تزوجها على عبد فخرج حرا أو استحق سواء سلمه
إليها أو لم يسلمه)
وجملة ذلك أنه إذا تزوجها على عبد بعينه تظنه عبدا مملوكا فخرج حرا أو مغصوبا فلها قيمته
وبهذا قال أبو يوسف والشافعي في قديم قوليه، وقال في الجديد لها مهر المثل، وقال أبو حنيفة ومحمد في
المغصوب كقولنا، وفي الحر كقوله لأن العقد تعلق بعين الحر بإشارته إليه فأشبه ما لو علماه حرا
ولنا أن العقد وقع على التسمية فكانت لها قيمته كالمغصوب ولأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكا فكان لها
قيمته كما لو وجدته معيبا فردته بخلاف ما إذا قال أصدقتك هذا الحر أو هذا المغصوب فإنها رضيت بلا شئ
لرضاها بما تعلم أنه ليس بمال أو بما لا يقدر على تمليكه إياها فكان وجود التسمية كعدمها فكان لها
مهر المثل وقول الخرقي سواء سلمه إليها أو لم يسلمه يعني ان تسليمه لا يفيد شيئا لأنه سلم ما لا يجوز
تسليمه ولا تثبت اليد عليه فكان وجوده كعدمه
(فصل) فإن أصدقها مثليا فبان مغصوبا فلها مثله لأن المثل أقرب إليه ولهذا يضمن به في الاتلاف
وان أصدقها جرة خل فخرجت خمرا أو مغصوبة فلها مثل ذلك خلا لأن الخل من ذوات الأمثال
وهذا مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وقال القاضي لها قيمته لأن الخمر ليس بمال ولا من
15

ذوات الأمثال. والصحيح ما قلناه لأنه سماه خلا فرضيت به على ذلك فكان لها بدل المسمى كالحر وما
ذكره يبطل بما إذا أصدقها عبدا فبان حرا ولأنه ان أوجب قيمة الخمر فالخمر لا قيمة له وان أوجب
قيمة الخل فقد اعتبر التسمية في ايجاب قيمته ففي ايجاب مثله أولى
(فصل) فإن قال أصدقتك هذا الخمر وأشار إلى الخل أو عبد فلان هذا وأشار إلى عبده صحت
التسمية ولها المشار إليه لأن المعقود عليه يصح العقد عليه فلا يختلف حكمه باختلاف صفته كما لو قال
بعتك هذا الأسود وأشار إلى أبيض أو هذا الطويل وأشار إلى قصير
(فصل) وان تزوجها على عبدين فخرج أحدهما حرا أو مغصوبا صح الصداق في تملكه ولها
قيمة الآخر نص عليه أحمد، وإن كان عبدا واحدا فخرج نصفه حرا أو مغصوبا فلها الخيار بين رده
وأخذ قيمته وبين امساك نصفه وأخذ قيمة باقيه نص عليه أحمد لأن الشركة عيب فكان لها الفسخ
كما لو وجدته معيبا، فإن قبل فلم لا تقولون ببطلان التسمية في الجميع وترجع بالقيمة كلها في المسئلتين
كما في تفريق الصفقة؟ قلنا إن القيمة بدل إنما يصار إليها عند العجز عن الأصل وههنا العبد المملوك مقدور
عليه ولا عيب فيه وهو مسمى في العقد فلا يجوز الرجوع إلى بدله. أما تفريق الصفقة فإنه إذا بطل
العقد في الجميع صرنا إلى الثمن وليس هو بدلا عن المبيع وإنما أفسخ العقد فرجع في رأس ماله وههنا
لا ينفسخ العقد وإنما رجع إلى قيمة الحر منهما لتعذر تسليمه فلا وجه لا يجاب قيمته، وأما إذا كان
16

نصفه حرا ففيه عيب فجاز رده بعيبه وقال أبو حنيفة إذا أصدقها عبدين فإذا أحدهما حر فلها العبد
وجده صداقا ولا شئ لها سواه
ولنا أنه أصدقها حرا فلم تسقط تسميته إلى غير شئ كما لو كان منفردا
(آخر الجزء الرابع من ربع النكاح من أجزاء الشيخ رحمه الله)
(مسألة) قال (وإذا تزوجها على أن يشتري لها عبدا بعينه فلم يبع أو طلب فيه
أكثر من قيمته أو لم يقدر عليه فلها قيمته)
نص أحمد على هذا في رواية الأثرم وقال الشافعي لا تصح التسمية ولها مهر المثل لأنه جعل
ملك غيره عوضا فلم يصح كالبيع
ولنا أنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو تزوجها على رد عبدها الآبق من مكان معلوم
ولا نسلم أنه جعل ملك غيره عوضا وإنما العوض تحصيله وتمليكها إياه. إذا ثبت هذا فإنه إذا قدر عليه
بثمن مثله لزمه تحصيله ودفعه إليها وان جاها بقيمته لم يلزمها قبوله لأنه قدر على دفع صداقها إليها
فلزمه كما لو أصدقها عبدا يملكه، وان لم يبعه سيده أو تعذر عليه الوصول إليه لتلفه أو غير ذلك أو
طلب فيه أكثر من قيمته فلها قيمته لأنه تعذر الوصول إلى قبض المسمى المتقوم فوجبت قيمته كما لو
تلف وإن كان الذي جعل لها مثليا فتعذر شراؤه وجب لها مثله لأن المثل أقرب إليه
17

(فصل) وان تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لأنه يصح أن يكون عوضا في البيع فإن
جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها وبهذا قال الشافعي واختاره أبو الخطاب وقال القاضي يلزمها قبولها قياسا
على الإبل في الدية.
ولنا أنها استحقت عليه عبدا بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه، ولأنه عبد وجب صداقا
فأشبه ما لو كان معيبا وأما الدية فلا يلزم أخذ قيمة الإبل وإنما الأثمان أصل في الدية كما أن الإبل
أصل فيتخير بين دفع أي الأصول شاء فيلزم الولي قبوله لا على طريق القيمة بخلاف مسئلتنا ولان
الدية خارجة عن القياس فلا يناقض بها ولا يقاس عليها ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من
قياسه على غير عقود المعاوضات ثم ينتقض بالعقد المعين
(فصل) وإن تزوجها على أن يعتق إياها صح نص عليه أحمد فإن طلب به أكثر من قيمته أو
لم يقدر عليه فلها قيمته وهذا قول الشعبي ووجهه ما تقدم فإن جاءها بقيمته مع امكان شرائه لم يلزمها
قبولها لما ذكرنا ولأنه يفرت عليها الغرض في عتق أبيها
(فصل) ولا يصح الصداق إلا معلوما يصح بمثله البيع وهذا اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي
وقال القاضي يصح مجهولا ما لم ترد جهالته على مهر المثل لأن جعفر بن محمد نقل عن أحمد في رجل
تزوج امرأة على ألف درهم وخادم فطلقها قبل أن يدخل بها يقوم الخادم وسطا على قدر ما يخدم مثلها
18

ونحو هذا قول أبي حنيفة، فعلى هذا إذا تزوجها على عبد أو أمة أو فرس أو بغل أو حيوان من جنس
معلوم أو ثوب هروي أو مروي وما أشبهه مما يذكر جنسه فإنه يصح ولها الوسط وكذلك قفيز حنطة
وعشرة أرطال زيت، وإن كانت الجهالة تزيد على جهالة مهر المثل كثوب أو دابة أو حيوان أو على
حكمها أو حكمه أو حكم أجنبي أو على حنطة أو شعير أو زيت أو على ما اكتسبه في العام لم يصح لأنه
لا سبيل إلى معرفة الوسط فيتعذر تسليمه، وفي الأول يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العلائق ما تراضى عليه
الأهلون) وهذا قد تراضوا عليه، ولأنه موضع يثبت فيه الحيوان في الذمة بدلا عما ليس المقصود
فيه المال فثبت مطلقا كالدية، ولان جهالة التسمية ههنا أقل من جهالة مهر المثل لأنه يعتبر بنسائها
ممن يساويا في صفانها وبلدها وزمانها ونسبها، ثم لو تزوجها على مهر مثلها صح فههنا مع قلة الجهل فيه
أولى وبفارق البيع فإنه لا تحتمل فيه الجهالة بحال، وقال مالك يصح مجهولا لأن ذلك ليس بأكثر من
ترك ذكره، وقال أبو الخطاب إن تزوجها على عبد من عبيده أو قميص من قمصانه أو عمامة من عمائمه
ونحو ذلك صح لأن أحمد قال في رواية مهنا فيمن تزوج على عبد من عبيده جائز فإن كانوا عشرة عبيد
تعطى من أوسطهم فإن تشاحا أقرع بينهم قلت وتستقيم القرعة في هذا؟ قال نعم ووجهه أن الجهالة ههنا
يسيرة ويمكن التعيين بالقرعة بخلاف ما إذا أصدقها عبدا مطلقا فإن الجهالة تكثر فلا يصح
ولنا أن الصداق عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كعوض البيع والإجارة ولان المجهول
19

لا يصلح عوضا في البيع فلم تصح تسميته كالمحرم وكما لو زادت جهالته على مهر المثل، وأما الخبر فالمراد
به ما تراضوا عليه مما يصلح عوضا بدليل سائر ما لا يصلح، وأما الدية فإنها تثبت بالشرع لا بالعقد
وهي خارجة عن القياس في تقديرها ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا، ثم إن الحيوان الثابت فيها
موصوف بسنه مقدر بقيمته فكيف يقاس عليه العبد المطلق في الامرين ثم ليست عقدا وإنما الواجب
بدل متلف لا يعتبر فيه التراضي فهو كقيم المتلفات فكيف يقاس عليها عوض في عقد يعتبر تراضيهما به؟
ثم إن قياس العوض في عقد معاوضة على عوض في معاوضة أخرى أصح وأولى من قياسه على بدل متلف،
وأما مهر المثل فإنما يجب عند عدم التسمية الصحيحة كما يجب قيم المتلفات وإن كانت تحتاج إلى نظر،
ألا ترى أنا نصير إلى مهر المثل عند عدم التسمية ولا نصير إلى عبد مطلق، ولو باع ثوبا بعبد مطلق فأتلفه
المشتري فانا نصير إلى تقويمه ولا نوجب العبد المطلق، ثم لا نسلم أن جهالة المطلق من الجنس الواحد دون
جهالة مهر المثل فإن العادة في القبائل والقرى أن يكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف إلا بالبكارة والثيوبة
فحسب فيكون إذا معلوما والوسط من الجنس ببعد الوقوف عليه لكثرة أنواع الجنس واختلافها واختلاف
الأعيان في النوع الواحد. وأما تخصيص التصحيح بعبد من عبيده فلا نظير له يقاس عليه ولا نعلم فيه نصا
يصار إليه فكيف يثبت الحكم فيه بالتحكم. وأما نصوص أحمد على الصحة فتأولها أبو بكر على أنه
تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه. إذا ثبت هذا فإن لها مهر المثل في كل موضع حكمنا بفساد التسمية
20

ومن قال بصحتها أوجب الوسط من المسمى والوسط من العبيد السندي لأن الاعلى التركي والرومي
والأسفل الزنجي والحبشي والوسط السندي والمنصوري، قال القاضي وإن أعطاها قيمة العبد لزمها
قبولها إلحافا بالإبل في الدية
(فصل) ويجوز أن يكون الصداق معجلا ومؤجلا وبعضه معجلا وبعضه مؤجلا لأنه عوض في معاوضة فجاز
ذلك فيه كالثمن ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن، وإن شرطه مؤجلا إلى وقت فهو
إلى أجله وان أجله ولم يذكر أجله فقال القاضي المهر صحيح ومحله الفرقة فإن أحمد قال إذا تزوج على
العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة وهذا قول النخعي والشعبي وقال الحسن وحماد بن
أبي سليمان وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد يبطل الاجل ويكون حالا، وقال اياس بن معاوية وقتادة
لا يحل حتى يطلق أو يخرج من مصرها أو يتزوج عليها
وعن مكحول والأوزاعي والعنبري يحل إلى سنة بعد دخوله بها، واختار أبو الخطاب أن المهر
فاسد ولها مهر المثل وهو قول الشافعي لأنه عوض مجهول المحل ففسد كالثمن في البيع، ووجه القول الأول
أن المطلق يحمل على العرف والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه
فيصير حينئذ معلوما بذلك، فأما ان جعل الاجل مدة مجهولة كقدوم زيد ومجئ المطر ونحوه لم يصح
لأنه مجهول وإنما صح المطلق لأن أجله الفرقة بحكم العادة وههنا صرفه عن العادة بذكر الاجل ولم يبينه
فبقي مجهولا فيحتمل أن تبطل التسمية ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل
21

* (مسألة) * قال (وإذا تزوجها على محرم وهما مسلمان ثبت النكاح وكان لها مهر المثل
أو نصفه إن كان طلقها قبل الدخول)
في هذه المسألة ثلاث مسائل:
(الأولى) أنه إذا سمى في النكاح صداقا محرما كالخمر والخنزير فالتسمية فاسدة والنكاح صحيح
نص عليه أحمد وبه قال عليه الفقهاء منهم للثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وحكي
أبي عبيد أن النكاح فاسد واختاره أبو بكر عبد العزيز قال لأن أحمد قال في رواية المروذي إذا تزوج
على مال غير طيب فكرهه، فقلت ترى استقبال النكاح فأعجبه. وحكي عن مالك أنه إن كان بعد
الدخول ثبت النكاح وإن كان قبله فسخ، واحتج من أفسده بأنه نكاح جعل الصداق فيه محرما
فأشبه نكاح الشغار.
ولنا أنه نكاح لو كان عوضه صحيحا كان صحيحا فوجب أن يكون صحيحا وإن كان عوضه
فاسدا كما لو كان مغصوبا أو مجهولا ولأنه عقد لا يفسد بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع، ولان
فساد العوض لا يزيد على عدمه ولو عدم كان العقد صحيحا فكذلك إذا فسد، وكلام أحمد في رواية
المروذي محمول على الاستحباب فإن مسألة المروذي في المال الذي ليس بطيب وذلك لا يفسد العقد
22

بتسميته فيه اتفاقا وما حكى عن مالك لا يصح فإن ما كان فاسدا قبل الدخول فهو بعده فاسد كنكاح
ذوات المحارم، فأما إذا فسد الصداق لجهالته أو عدمه أو العجز عن تسليمه فإن النكاح ثابت لا نعلم
فيه خلافا، وقول الخرقي وهما مسلمان احتراز من الكافرين إذا عقد النكاح بمحرم فإن هذه
قد مر تفصيلها.
(المسألة الثانية) أنه يجب مهر المثل وهذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأبو ثور
وأصحاب الرأي وذلك لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض وقد تعذر رده لصحة النكاح فيجب
رد قيمته وهو مهر المثل كمن اشترى شيئا بثمن فاسد فقبض المبيع وتلف في يده فإنه يجب عليه رد
قيمته فإن دخل بها استقر مهر المثل في قولهم جميعا، وإن مات أحدهما فكذلك لأن الموت يقوم مقام
الدخول في تكميل الصداق وتقريره، وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى لا يستقر بالموت إلا أن يكون
قد فرضه لها، وإن طلق قبل الدخول فلها نصف مهر المثل وبهذا قال الشافعي، وقال أصحاب الرأي
لها المتعة لأنه لو لم يسم لها صداقا كان لها المتعة فكذلك إذا سمى لها تسمية فاسدة لأن هذه التسمية
كعدمها. وذكر القاضي في الجامع أنه لا فرق بين من لم يسم لها صداقا وبين من سمى لها محرما كالخمر
أو مجهولا كالثوب وفي الجميع روايتان
(إحداهما) لها المتعة إذا طلقها قبل الدخول لأن ارتفاع العقد يوجب رفع ما أوجبه من العوض
23

كالبيع لكن تركناه في نصف المسمى لتراضيهما عليه فكان ما تراضيا عليه أولى ففي مهر المثل يبقى على
الأصل في أنه يرتفع وتجب المتعة
(والثانية) أن لها نصف مهر المثل لأن ما أوجبه عقد النكاح يتنصف بالطلاق قبل الدخول ومهر المثل
قد أوجبه العقد فيتنصف به كالمسمى، والخرقي فرق بينهما فأوجب في التسمية الفاسدة نصف مهر
المثل وفي المفوضة المتعة وهو مذهب الشافعي لأن المفوضة رضيت بلا عوض وعاد إليها بضعها سليما
وايجاب نصف المهر لها لا وجه له لأن الله تعالى أوجب لها المتعة ففي ايجاب نصف المهر جمع بينهما أو
إسقاط للمتعة المنصوص عليها وكلاهما فاسد، وأما التي اشترطت لنفسها مهرا فلم ترض إلا بعوض ولم
يحصل لها العوض الذي اشترطته فوجب لها بدل ما فات عليها من العوض وهو مهر المثل أو نصفه
إن كان قبل الدخول ولان الأصل وجوب مهر المثل لأنه وجب بالعقد بدليل انه يستقر بالدخول والموت
وإنما خولف هذا في المفوضة بالنص الوارد فيها ففيما عداها يبقى على الأصل
(المسألة الثالثة) انه إذا سمى لها تسمية فاسدة وجب مهر المثل بالغا ما بلغ وبه قال الشافعي وزفر
وقال أبو حنيفة وصاحباه يجب الأقل من المسمى أو مهر المثل لأن البضع لا يقوم إلا بالعقد فإذا رضيت
بأقل من مهر مثلها لم يقوم بأكثر مما رضيت به لأنها رضيت باسقاط الزيادة
ولنا أن ما يضمن بالعقد الفاسد اعتبرت قيمته بالغا ما بلغ كالمبيع وما ذكروه فغير مسلم ثم لا يصح
24

عندهم فإنه لو وطنها وجب مهر المثل ولو لم يكن له قيمة لم يجب فإن قيل إنما وجب لحق الله تعالى قيل
لو كان كذلك لوجب أقل المهر ولم يجب مهر المثل
(مسألة) قال (وإذا تزوجها على الف لها والف لأبيها كان ذلك جائزا فإن طلقها قبل
الدخول رجع عليها بنصف الألفين ولم يكن على الأب شئ مما أخذ)
وجملة الامر انه يجوز لأبي المرأة أن يشترط شيئا من صداق ابنته لنفسه وبهذا قال إسحاق،
وقد روي عن مسروق انه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف فجعلها في الحج والمساكين ثم قال
للزوج جهز امرأتك، وروي نحو ذلك عن علي بن الحسين، وقال عطاء وطاوس وعكرمة وعمر بن
عبد العزيز والثوري وأبو عبيد يكون كل ذلك للمرأة. وقال الشافعي إذا فعل ذلك فلها مهر المثل
وتفسد التسمية لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد لأن المهر لا يجب الا للزوجة لأنه
عوض بضعها فيبقى مجهولا لأننا نحتاج أن نضم إلى المهر ما نقص منه لأجل هذا الشرط وذلك مجهول فيفسد
ولنا قول الله تعالى في قصة شعيب عليه السلام (اني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن
تأجرني ثماني حجج) فجعل الصداق الإجارة على رعاية غنمه وهو شرط لنفسه ولان للوالد الاخذ
من مال ولده بدليل قوله عليه السلام (أنت ومالك لأبيك) وقوله (ان أولادكم من أطيب كسبكم
25

فكلوا من أموالهم) أخرجه أبو داود ونحوه الترمذي وقال حديث حسن، فإذا شرط لنفسه شيئا
من الصداق يكون ذلك أخذا من مال ابنته وله ذلك
قولهم: انه شرط فاسد. ممنوع، وقال القاضي ولو شرط جميع الصداق لنفسه صح بدليل قصة
شعيب فإنه شرط الجميع لنفسه، وإذا تزوجها على الف لها والف لأبيها فطلقت قبل الدخول رجع
الزوج في الألف الذي قبضته ولم يكن على الأب شئ مما أخذ لأن الطلاق قبل الدخول يوجب نصف
الصداق والألفان جميع صداقها فرجع عليها بنصفيهما وهو الف ولم يكن على الأب شئ لأنه أخذ من
مال ابنته ألفا فلا يجوز الرجوع عليه به، وهذا فيما إذا كان قد قبضها الألفين ولو طلقها قبل قبضهما
سقط عن الزوج الف وبقي عليه الف للزوجة يأخذ الأب منها ما شاء
وقال القاضي يكون بينهما نصفين وقال نقله مهنا عن أحمد لأنه شرط لنفسه النصف ولم يحصل
من الصداق الا النصف، وليس هذا القول على سبيل الايجاب فإن للأب أن يأخذ ما شاء ويترك
ما شاء وإذا ملك أن يأخذ من غير شرط فكذلك إذا شرط
(فصل) فإن شرط ذلك غير الأب من الأولياء كالجد والأخ والعم فالشرط باطل نص عليه
أحمد وجميع المسمى لها ذكره أبو حفص وهو قول من سمينا في أول المسألة، وقال الشافعي يجب مهر
المثل وهكذا ذكر القاضي في المجرد لأن الشرط إذا بطل احتجنا ان ترد إلى الصداق ما نقصت الزوجة
26

لأجله ولا يعرف قدره فيصير الكل مجهولا فيفسد وان أصدقها الفين على أن تعطي أخاها ألفا فالصداق
صحيح لأنه شرط لا يزاد في المهر من أجله ولا ينقص منه فلا يؤثر في المهر بخلاف التي قبلها
ولنا ان جميع ما اشترطه عوض في تزويجها فيكون صداقا لها كما لو جعله لها وإذا كان صداقا انتفت
الجهالة وهكذا لو كان الأب هو المشترط لكان الجميع صداقا وإنما هو أخذ من مال ابنته لأن له ذلك
ويشترط أن لا يكون ذلك مجحفا بمال ابنته فإن كان مجحفا بما لها لم يصح الشرط وكان الجميع لها كما
لو اشترطه سائر أوليائها ذكره القاضي في المجرد
(فصل) فإن شرط لنفسه جميع الصداق ثم طلق قبل الدخول بعد تسليم الصداق إليه رجع
في نصف ما أعطى الأب لأنه الذي فرضه لها فترجع في نصفه لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) ويحتمل
أن يرجع عليها بقدر نصفه ويكون ما أخذه الأب له لأننا قدرنا أن الجميع صار لها ثم أخذه الأب منها
فتصير كأنها قبضته ثم أخذه منها وهكذا لو أصدقها ألفا لها وألفا لأبيها ثم ارتدت قبل الدخول فهل
يرجع في الألف الذي قبضه الأب عليه أو عليها؟ على وجهين
27

* (مسألة) * قال (وإذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر ثم طلقها قبل الدخول فإن شاءت
دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد أو تدفع إليه نصفه زائدا الا أن يكون يصلح
صغيرا لما لا يصلح له كبيرا فيكون له عليها نصف قيمته يوم وقع عليه العقد الا أن يشاء
أخذ ما بذلته من نصفه)
في هذه المسألة أحكام منها أن المرأة تملك الصداق بالعقد وهذا قول عامة أهل العلم إلا أنه حكي
عن مالك أنها لا تملك إلا نصفه وروي عن أحمد ما يدل على ذلك وقال ابن عبد البر هذا موضع اختلف
فيه السلف والآثار وأما الفقهاء اليوم فعلى أنها تملكه وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ان أعطيتها ازارك جلست
ولا إزار لك) دليل على أن الصداق كله للمرأة لا يبقى للرجل منه شئ ولأنه عقد تملك به العوض
بالعقد فملك فيه العوض كاملا كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى
أنها لو ارتدت سقط جميعه وان كانت قد ملكت نصفه إذا ثبت هذا فإن نماءه وزيادته لها سواء قبضته
أو لم تقبضه متصلا كان أو منفصلا وإن كان مالا زكاتيا حال عليه الحول فزكاته عليها نص عليه أحمد
وان نقص بعد قبضها له أو تلف فهو من ضمانها ولو زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كلها
عليها وأما قبل القبض فهو من ضمان الزوج إن كان مكيلا أو موزونا وأما غيرهما فإن منعها منه ولم
28

يمكنها من قبضه فهو من ضمانه لأنه بمنزلة الغاصب وان لم يحل بينه وبينها فهل يكون من ضمانها أو
من ضمانه؟ على وجهين بناء على المبيع وقد ذكرنا حكمه في بابه (الحكم الثاني) أن الصداق يتنصف
بالطلاق قبل الدخول لقوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف
ما فرضتم) وليس في هذا اختلاف بحمد الله، وقياس المذهب أن نصف الصداق يدخل في ملك الزوج
حكما كالميراث لا يفتقر إلى اختياره وارادته فما يحدث من النماء يكون بينهما وهو قول زفر وذكر
القاضي احتمالا آخر أنه لا يدخل في ملكه حتى يختار كالشفيع وهو قول أبي حنيفة، وللشافعي قولان كالوجهين
ولنا قوله تعالى (فنصف ما فرضتم) أي لكم أو لهن فاقتضى ذلك أن النصف لها والنصف له
بمجرد الطلاق ولان الطلاق سبب يملك به بغير عوض فلم يقف الملك على إرادته واختياره كالإرث
ولأنه سبب لنقل الملك فنقل الملك بمجرده كالبيع وسائر الأسباب ولا تلزم الشفعة فإن سبب الملك
فيها الاخذ بها ومتى أخذ بها ثبت الملك من غير ارادته واختياره وقبل الاخذ ما وجد السبب وإنما
استحق بمباشرة سبب الملك ومباشرة الأسباب موقوفة على اختياره كما أن الطلاق مفوض إلى اختياره
فالأخذ بالشفعة نظير الطلاق وثبوت الملك للآخذ بالشفعة نظير ثبوت الملك للمطلق فإن ثبوت الملك
حكم لهما وثبوت أحكام الأسباب بعد مباشرتها لا يقف على اختيار أحد ولا إرادته فإن نقص الصداق
في يد المرأة بعد الطلاق فإن كان قد طالبها به فمنعته فعليها الضمان لأنها غاصبة وان تلف قبل مطالبته
29

فقياس المذهب أنه لا ضمان عليها لأنه حصل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه كالوديعة
ان اختلفا في مطالبته لها فالقول قولها لأنها منكرة وان ادعى أن التلف أو النقص كان قبل
الطلاق وقالت بعده فالقول أيضا قولها لأنه يدعي ما يوجب الضمان عليها وهي تنكره والقول
قول المنكر، وظاهر قول أصحاب الشافعي أن على المرأة الضمان لما تلف أو نقص في يدها بعد الطلاق
لأنه حصل في يدها بحكم قطع العقد فأشبه المبيع إذا ارتفع العقد بالفسخ
ولنا ما ذكرناه، وأما المبيع فيحتمل أن يمنع وان سلمنا فإن الفسخ إن كان منهما أو من المشتري
فقد حصل منه التسبب إلى جعل ملك غيره في يده، وفي مسئلتنا ليس من المرأة فعل وإنما حصل ذلك
بفعل الزوج وحده فأشبه ما لو لفى ثوبه في دارها بغير أمرها
(فصل) ولو خالع امرأته بعد الدخول ثم تزوجها في عدتها وطلقها قبل دخوله بها فلها في النكاح
الثاني نصف الصداق أو المسمى فيه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا جميعه لأن حكم الوطئ موجود
فيه بدليل أنها لو أتت بولد لزمه
ولنا قول الله سبحانه (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف
ما فرضتم) ولأنه طلاق من نكاح لم يمسها فيه فوجب أن يتنصف به المهر كما لو تزوجها بعد العدة وما
ذكره غير صحيح فإن لحوق النسب لا يقف على الوطئ عنده ولا يقوم مقامه فاما إن كان لم يدخل بها في
النكاح لأول أيضا فعليه نصف الصدق الأول ونصف الصداق الثاني بغير خلاف
30

(الحكم الثالث) أن الصداق إذا زاد بعد العقد لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة كعبد
يكبر أو يتعلم صناعة أو يسمن أو متميزة كالولد والكسب والثمرة فإن كانت متميزة أخذت لزيادة
ورجع بنصف الأصل، وان كانت غير متميزة فالخيرة إليها إن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم العقد
لأن الزيادة لها لا يلزمها بدلها ولا يمكنها دفع الأصل بدونها فصرنا إلى نصف القيمة، وان شاءت دفعت
إليه نصفا زائدا فيلزمه قبوله لأنها دفعت إليه حقه وزيادة لا تضر ولا تتميز فإن كان محجورا عليها
لم يكن لها الرجوع الا في نصف القيمة لأن الزيادة لها ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشئ لا يجب عليها
وان نقص الصداق بعد العقد فهو من ضمانها ولا يخلو أيضا من أن يكون النقص متميزا أو غير متميز
فإن كان متميزا كعبدين تلف أحدهما فإنه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة التالف أو مثل نصف
التالف إن كان من ذرات لأمثال، وان لم يكن متميزا كعبد كان شابا فصار شيخا فنقصت قيمته أو
نسئ ما كان يحسن من صناعة أو كتابة أو هزل فالخيار إلى الزوج. ان شاء رجع بنصف قيمته وقت
ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لأنه دون حقه، وان شاء رجع بنصفه ناقصا
فتجبر المرأة على ذلك لأنه رضي أن يأخذ حقه ناقصا، وان اختار أن يأخذ أرش النقص مع هذا لم يكن له
هذا في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء، وقال القاضي القياس أن له ذلك كالمبيع يمسكه
ويطالب بالأرش وبما ذكرناه كله قاله أبو حنيفة والشافعي، وقال محمد بن الحسن الزيادة غير المتميزة
تابعة للعين فله الرجوع فيها لأنها تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة السوق
31

ولنا انها زيادة حدثت في ملكها فلم تنصف بالطلاق كالتميزة، وأما زيادة السوق فليست ملكه
وفارق نماء المبيع لأن سبب الفسخ العيب وهو ساق على الزيادة وسبب تنصيف المهر الطلاق وهو
حادث بعدها ولان الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين ولهذا لو وجدها ناقصة كان له
الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها بخلاف المبيع المعيب والمفروض لم يكن سمينا فلم يكن له أخذه والمبيع
تعلق حقه بعينه فتبعه ثمنه فأما ان نقص الصداق من وجه وزاد من وجه مثل أن يتعلم صنعة وينسى
أخرى أو هزل وتعلم ثبت الخيار لكل واحد منهما وكان له الامتناع من العين والرجوع إلى القيمة فإن
اتفقا على نصف العين جاز وان امتنعت المرأة من بذل نصفها فلها ذلك لأجل الزيادة وان امتنع هو من
الرجوع في نصفها فله ذلك لأجل النقص، وإذا امتنع أحدهما رجع في نصف قيمتها
(فصل) فإن كانت العين تالفة وهي من ذوات الأمثال رجع في نصف مثلها والأرجع في نصف
قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض أو إلى حين التمكين منه على ما ذكرنا من
الاختلاف لأن العين إن زادت فالزيادة لها تختص بها، وان نقصت قبل ذلك فالنقص من ضمانه،
وان طلقها قبل قبض الصداق وقبل الدخول وقد زادت زيادة منفصلة نهي لها تنفرد بها وتأخذ نصف
الأصل، وان كانت الزيادة متصلة فلها الخيار بين أن تأخذ النصف ويبقي له النصف وبين أن تأخذ
الكل وتدفع إليه قيمة النصف غير زائد، وإن كان ناقصا فلها الخيار بين أخذه ناقصا وبين
مطالبته بنصف قيمته غير ناقص
32

(فصل) إذا أصدقها نخلا حائلا فأطلعت ثم طلقها قبل الدخول فله نصف قيمتها وقت ما أصدقها
وليس له الرجوع في نصفها لأنها زائدة زيادة متصلة فأشبهت الجارية إذا سمنت وسواء كان الطلع مؤبرا
أو غير مؤبر لأنه متصل بالأصل ولا يجب فصله عنه في هذه الحال فأشبه السمن وتعلم الصناعة، فإن
بذلت له المرأة الرجوع فيها مع طلعها أجبر علي ذلك لأنها زيادة متصلة ولا يجب فصلها، وإن قال اقطعي
ثمرتك حتى أرجع في نصف الأصل لم يلزمها لأن عرف هذه الثمرة أنها لا تؤخذ الا بالجذاذ بدليل البيع
ولان حق الزوج انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين الا برضاها، فإن قالت المرأة اترك الرجوع حتى
أجذ ثمرتي وترجع في نصف الأصل أو ارجع في الأصل وأمهلني حتى أقطع الثمرة أو قال الزوج أنا
أصبر حتى إذا جذذت ثمرتك رجعت في الأصل أو قال أنا أرجع في الأصل وأصبر حتى تجذي ثمرتك
لم يلزم واحدا منهما قبول قول الآخر لأن الحق انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين إلا برضاهما ويحتمل
أن يلزمها قبول ما عرض عليها لأن الضرر عليه فأشبه ما لو بذلت له نصفها مع طلعها وكما لو وجد العين
ناقصة فرضي بها، وإن تراضيا على شئ من ذلك جاز والحكم في سائر الشجر كالحكم في النخل واخراج
النور في الشجر بمنزلة الطلع الذي لم يؤبر، وإن كانت أرضا فحرثها فتلك زيادة محضة ان بذلتها له
بزيادتها لزمه قبولها كالزيادات المتصلة كلها، وإن لم تبذلها دفعت نصف قيمتها وإن زرعتها فحكمها حكم
33

النخل إذا أطلع الا في موضع واحد وهو أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه
قبوله بخلاف الطلع مع النخل والفرق بينهما من وجهين:
(أحدهما) أن الثمرة لا ينقص بها الشجر والأرض تنقص بالزرع وتضعف
(الثاني) أن الثمرة متولدة من النخل فهي تابعة له والزرع ملكها أودعته في الأرض فلا يجبر على
قبوله، وقال القاضي يجبر على قبوله كالطلع سواء وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق ومسائل الغراس كمسائل
الزرع فإن طلقها بعد الحصاد ولم تكن الأرض زادت ولا نقصت رجع في نصفها، وإن نقصت بالزرع
أو زادت به رجع في نصف قيمتها إلا أن يرضى يأخذها ناقصة أو ترضى هي يبذلها زائدة
(فصل) وإذا أصدقها خشبا فشققته أبوابا فزادت قيمته لم يكن له الرجوع في نصفه لزيادته ولا
يلزمه قبول نصفه لأنه نقص من وجه فإنه لم يبق مستعدا لما كان يصلح له من التسقيف وغيره، وإن
أصدقها ذهبا أو فضة فصاغته حليا فزادت قيمته فلها منعه من نصفه، وإن بذلت له النصف لزمه القبول
لأن الذهب لا ينقص بالصياغة ولا يخرج عن كونه مستعدا لما كان يصلح له قبل صياغته، وإن
أصدقها دنانير أو دراهم أو حليا فكسرته ثم صاغته على غير ما كان عليه لم يلزمه قبول نصفه لأنه نقص
34

في يدها ولا يلزمها بدل نصفه لزيادة الصناعة التي أحدثتها فيه، وإن عادت الدنانير والدراهم إلى ما كانت
عليه فله الرجوع في نصفها وليس له طلب قيمتها لأنها عادت إلى ما كانت عليه من غير نقص ولا زيادة فأشبه
ما لو أصدقها عبدا فمرض ثم برى، وإن صاغت الحلي على ما كان عليه ففيه وجهان
(أحدهما) له الرجوع كالدراهم إذا أعيدت (والثاني) ليس له الرجوع في نصفه لأنها جددت
فيه صناعة فأشبه ما لو صاغته على صفة أخرى، ولو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت فعادت إلى حالتها
الأولى فهل يرجع في نصفها؟ على وجهين
(فصل) وحكم الصداق حكم البيع في أن ما كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه قبل قبضه
وما عداه لا يحتاج إلى قبض ولها التصرف فيه قبل قبضه، وقال القاضي وأصحابه ما كان متعينا فلها
التصرف فيه وما لم يكن متعينا كالقفيز من صبرة والرطل من زيت من دن لا تملك التصرف فيه حتى
تقبضه كالمبيع، وقد ذكرنا في المبيع رواية أخرى أنها لا تملك التصرف في شئ منه قبل قبضه وهذا مذهب
الشافعي وهذا أصل ذكر في البيع، وذكر القاضي في موضع آخر أن ما لم ينتقض العقد بهلاكه كالمهر وعوض الخلع
يجوز التصرف فيه قبل قبضه لأنه بذل لا ينفسخ السبب الذي ملك به بهلاكه فجاز التصرف فيه قبل قبضه
كالوصية والميراث وقد نص أحمد على هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضها وهو نوع تصرف فيه
وقياس المذهب أن ما جاز لها التصرف فيه فهو من ضمانها ان تلف أو نقص ما لا تصرف لها فيه فهو
35

من ضمان الزوج وان منعها الزوج قبضه أو لم يمكنها منه فهو من ضمانه على كل حال لأن يده عادية
فضمنه كالغاصب وقد نقل مهنا عن أحمد في رجل تزوج امرأة على هذا الغلام ففقئت عينه فقال إن
كانت قبضته فهو لها وان لم تكن قبضته فهو على الزوج فظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من ضمان الزوج
بكل حال وهو مذهب الشافعي وكل موضع قلنا هو من ضمان الزوج قبل القبض إذا تلف قبل قبضه
لم يبطل الصداق بتلفه ويضمنه بمثله إن كان مثليا وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في القديم وقال في
الجديد يرجع إلى مهر المثل لأن تلف العوض يوجب الرجوع في المعوض فإذا تعذر رده رجع إلى
قيمته كالمبيع ومهر المثل هو القيمة فوجب الرجوع إليه
ولنا أن كل عين يجب تسليمها مع وجودها إذا تلفت مع بقاء سبب استحقاقها فالواجب بدلها
كالمغصوب والقرض والعارية وفارق المبيع إذا تلف فإن البيع انفسخ وزال سبب الاستحقاق إذا
ثبت هذا فإن التالف في يد الزوج لا يخلوا من أربعة أحوال
(أحدها) أن يتلف بفعلها فيكون ذلك قبضا منها ويسقط عن الزوج ضمانه (الثاني) تلف بفعل
الزوج فهو من ضمانه على كل حال ويضمنه لها بما ذكرناه (الثالث) أتلفه أجنبي فلها الخيار بين
الرجوع على الأجنبي بضمانه وبين الرجوع على الزوج ويرجع الزوج على المتلف (الرابع) تلف بفعل الله تعالى فهو على ما ذكرناه من التفصيل في صدر المسألة
36

(فصل) إذا طلق المرأة قبل الدخول وقد تصرفت في الصداق بعقد من العقود لم يخل من
ثلاثة أقسام (أحدها) ما يزيل الملك عن الرقبة كالبيع والهبة والعتق فهذا يمنع الرجوع وله نصف
القيمة لزوال ملكها وانقطاع تصرفها فإن عادت العين إليها قبل طلاقها ثم طلقها وهي في يدها بحالها
فله الرجوع في نصفها لأنه وجدها بعينها فأشبه ما لو لم يخرجها ولا يلزم الوالد إذا وهب لولده شيئا فخرج
عن ملكه ثم عاد إليه حيث لا يملك الرجوع فيه لأننا تمنع ذلك وان سلمناه فإن حق الوالد سقط
بخروجه عن يد الولد بكل حال بدليل انه لا يطالب ببذله والزوج لم يسقط حقه بالكلية بل يرجع
بنصف قيمته عند عدمه فإذا وجد كان الرجوع في عينه أولى وفي معنى هذه التصرفات الرهن فإنه
وإن لم يزل الملك عن الرقبة لكنه يراد للبيع المزيل للملك ولذلك لا يجوز رهن ما لا يجوز بيعه
ففي الرجوع في العين ابطال لحق المرتهن من الوثيقة فلم يجز وكذلك الكتابة فإنها تراد للعتق المزيل
للملك وهي عقد لازم فجرت مجرى الرهن فإن طلق الزوج قبل اقباض الهبة أو الرهن أو في مدة
الخيار في البيع ففيه وجهان.
(أحدهما) لا تجبر على رد نصفه إليه لأنه عقد عقدته في ملكها فلم تملك إبطاله كاللازم ولان
ملكها قد زال فلم تملك الرجوع في ما ليس بمملوك لها (والثاني) تجبر على تسليم نصفه لأنها قادرة
على ذلك ولا زيادة فيها وللشافعي قولان كهذين الوجهين فأما ان طلقها بعد تقبيض الهبة والرهن ولزوم
37

البيع فلم يأخذ قيمة النصف حتى فسخ البيع والرهن والهبة لم يكن له الرجوع في نصفها لأن حقه يثبت
في القيمة (الثاني) تصرف غير لازم لا ينقل الملك كالوصية والشركة والمضاربة فهذا لا يبطل حق الرجوع
في نصفه ويكون وجود هذا التصرف كعدمه لأنه تصرف لم ينقل الملك ولم يمنع المالك من التصرف فلا يمنع
من له الرجوع على المالك من الرجوع كالايداع والعارية فأما إن دبرته فظاهر المذهب أنه لا يمنع الرجوع
لأنه وصية أو تعليق نصفه وكلاهما لا يمنع الرجوع ولأنه لا يمنع البيع فلم يمنع الرجوع كالوصية ولا يجبر
الزوج على الرجوع في نصفه بل يخير بين ذلك وبين أخذ نصف قيمته لأن شركة من نصفه مدبر نقص ولا يؤمن
أن يرفع إلى حاكم حنفي فيحكم بعتقه وان كانت أمة فدبرتها خرج على الروايتين ان قلنا تباع في الدين
فهي كالعبد، وان قلنا لا تباع لم يجبر الزوج على الرجوع في نصفها، وان كاتبت الأمة أو العبد لن يجبر الزوج
على الرجوع في العبد لأنه نقص، وان اختار الرجوع وقلنا الكتابة تمنع البيع منعت الرجوع وان قلنا
لا تمنع البيع احتمل أن لا تمنع الرجوع كالتدبير، واحتمل أن تمنعه لأن الكتابة عقد لازم يراد لإزالة
الملك فمنعت الرجوع كالرهن (الثالث) تصرف لازم لا يراد لإزالة الملك كالإجارة والتزويج فهذا نقص
فيتخير بين أن يرجع في نصفه ناقصا لأنه رضي بحقه ناقصا وبين الرجوع في نصف قيمته فإن رجع
في نصف المستأجر صبر حتى تنفسخ الإجارة فإن قبل فقد قلتم في الطلع الحادث في النخل إذا قال
38

أنا أصبر حتى تنتهي الثمرة لم يكن له ذلك قلنا الفرق بينهما أن في تلك المسألة تكون المنة له فلا يلزمها
قبول منته بخلاف مسئلتنا ولان ذلك يؤدي إلى التنازع في سقي الثمرة ووقت جذاذها وقطعها لخوف
العطش أو غيره بخلاف مسئلتنا
(فصل) فإن أصدقها شقصا فهل للشفيع أخذه؟ على وجهين فإن قلبا له أخذه فأخذه ثم طلق الزوج
رجع في نصف قيمته لأنه قد زال ملكها عنه، وان طلقها قبل أخذه بالشفعة وطالب الشفيع فيه
وجهان (أحدهما) يقدم الشفيع لأن حقه أسبق فإنه ثبت بالنكاح وحق الزوج ثبت بالطلاق ولان
الزوج يرجع إلى بدله وهو نصف القيمة وحق الشفيع إذا بطل بطل بغير بدل (والثاني) يقدم لزوج لأن
حقه آكد فإنه ثبت بنص القرآن والاجماع وحق الشفعة مجتهد فيه غير مجمع عليه فعلى هذا يكون للشفيع
أخذ النصف الباقي بنصف ما كان يأخذ به الجميع
(مسألة) قال (وإذا اختلفا في الصداق بعد العقد في قدره ولا بينة على مبلغه
فالقول قولها ما ادعت مهر مثلها)
وجملة ذلك أن الزوجين إذا اختلفا في قدر المهر ولا بينة على مبلغه فالقول قول من يدعي مهر
39

المثل منهما فإن ادعت المرأة مهر مثلها أو أقل فالقول قولها، وان ادعي الزوج مهر المثل أو أكثر
القول قوله وبهذا قال أبو حنيفة وعن الحسن والنخعي وحماد بن أبي سليمان وأبي عبيد نحوه، وعن أحمد
رواية أخرى أن القول قول الزوج بكل حال وهذا قول الشعبي وابن أبي ليلى وابن شبرمة
وأبي ثور وبه قال أبو يوسف الا أن يدعي مستنكرا وهو أن يدعي مهرا لا يتزوج بمثله في العادة لأنه
منكر للزيادة ومدعى عليه فيدخل تحت قوله عليه السلام (ولكن اليمين على المدعى عليه) وقال الشافعي
يتحالفان فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت ما قاله، وان حلفا وجب مهر المثل وبه قال الثوري
لأنهما اختلفا في العوض المستحق في العقد ولا بينة فيتحالفا قياسا على المتبايعين إذا اختلفا في الثمن
وقال مالك إن كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح، وإن كان بعده فالقول قول الزوج
وبناه على أصله في البيع فإنه يفرق في التخالف بين ما قبل القبض وبعده ولأنها إذا أسلمت نفسها بغير
إشهاد فقد رضيت بأمانته
ولنا أن الظاهر قول من يدعي مهر المثل فكان القول قوله قياسا على المنكر في سائر الدعاوى
وعلى المودع إذا ادعى التلف أو الرد ولأنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلا يشرع فيه كالعفو عن دم العمد
ولان القول بالتحالف يقضي إلى إيجاب أكثر مما يدعيه أو أقل مما يقر لها به فإنها إذا كان مهر مثلها
مائة فادعت ثمانين وقال بل هو خمسون أوجب لها عشرين يتفقان على أنها غير واجبة، ولو ادعت مائتين
40

وقال بل هو مائة وخمسون ومهر مثلها مائة فأوجب مائة لأسقط خمسين يتفقان على وجوبها ولان مهر المثل ان
لم يوافق دعوى أحدهما لم يجز إيجابه لاتفاقهما على أنه غير ما أوجبه العقد، وإن وافق قول أحدهما فلا حاجة
في إيجابه إلى يمين من ينفيه لأنها لا تؤثر في إيجابه وفارق البيع فإنه ينفسخ بالتحالف ويرجع كل واحد منهما
في ماله وما ادعاه مالك من أنها استأمنته لا يصح فإنها لم تجعله أمينها ولو كان أمينا لها لوجب أن تكون أمينة
له حين لم يشهد عليها على أنه لا يلزم من الاختلاف عدم الاشهاد فقد تكون بينهما بينة فتموت
أو نغيب أو تنسى الشهادة إذا ثبت هذا، لكل من قلنا القول قوله فهو مع يمينه لأنه اختلاف في
ما يجوز بذله فتشرع فيه اليمين كسائر الدعاوى في الأموال، وحكي عن القاضي ان اليمين لا تشرع في
الأحوال كلها لأنها دعوى في النكاح
(فصل) فإن ادعى أقل من مهر المثل وادعت هي أكثر منه رد إلى مهر أمثل ولم يذكر أصحابنا
يمينا والأولى أن يتحالفا فإن ما يقوله كل واحد منهما محتمل للصحة فلا يعدل عنه الا بيمين من صاحبه
كالمنكر في سائر الدعاوى ولأنهما تساويا في عدم الظهور فيشرع التحالف كما لو اختلف المتبايعان وهذا
قول أبي حنيفة والباقون على أصولهم
(فصل) فإن قال تزوجتك على هذا العبد فقالت بل على هذه الأمة وكانت قيمة العبد مهر المثل
أو أكثر وقيمة الأمة فوق ذلك حلف لزوج ووجبت لها قيمة العبد لأن قوله يوافق الظاهر ولا تجب
41

عين العبد لئلا يدخل في ملكها ما ينكره وإن كانت قيمة الأمة مهر المثل أو أقل وقيمة العبد أقل من
ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها وهل تجب الأمة أو قيمتها؟ فيه وجهان
(أحدهما) تجب عين الأمة لأننا قبلنا قولها في القدر فكذلك في العين وليس في ذلك ادخال
ما ينكره في ملكها
(والثاني) تجب لها قيمتها لأن قولها إنما وافق الظاهر في القدر لا في العين فأوجبنا لها ما وافقت
الظاهر فيه، وإن كان كل واحد منهما قدر مهر المثل أو كان العبد أقل من مهر المثل والأمة أكثر منه
وجب مهر المثل إذا تخالفا وظاهر قول القاضي أن اليمين لا يشرع في هذا كله
(مسألة) قال (وإن أنكر أن يكون لها عليه صداق فالقول أيضا قولها قبل الدخول
وبعده ما ادعت مهر مثلها إلا أن يأتي ببينة تبرئه منه)
وجملة ذلك أن الزوج إذا أنكر صداق امرأته وادعت ذلك عليه فالقول قولها فيما يوافق مهر
مثلها سواء ادعى أنه وفى لها أو أبرأته منه أو قال لا نستحق علي شيئا وسواء كان ذلك قبل الدخول
أو بعده، وبه قال سعيد بن جبير والشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وإسحاق
وأصحاب الرأي. وحكي عن فقهاء المدينة السبعة أنهم قالوا إن كان بعد الدخول فالقول قول الزوج
42

والدخول بالمرأة يقطع الصداق، وبه قال مالك، قال أصحابه إنما قال ذلك إذا كانت العادة تعجيل
الصداق كما كان بالمدينة أو كان الخلاف فيما تعجل منه في العادة لأنها لا تسلم نفسها في العادة إلا بقبضه
فكان الظاهر معه:
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اليمين على المدعى عليه) ولأنه ادعى تسليم الحق الذي عليه فلم يقبل
بغير بينة كما لو ادعى تسليم الثمن أو كما قبل الدخول
(فصل) فإن دفع إليها ألفا ثم اختلفا فقال دفعتها إليك صداقا وقالت بل هبة فإن كان اختلافهما
في نيته كأن قالت قصدت الهبة وقال قصدت دفع الصداق فالقول قول الزوج بلا يمين لأنه أعلم بما
نواه ولا تطلع المرأة على نيته، وإن اختلفا في لفظه فقالت قد قلت خذي هذا هبة أو هدية فأنكر
ذلك فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعي عليه عقدا على ملكه وهو ينكره فأشبه ما لو ادعت عليه بيع ملكه
لها، لكن إن كان المدفوع من غير جنس الواجب عليه كأن أصدقها دراهم فدفع إليها عوضا ثم اختلفا
وحلف أنه دفع إليها ذلك من صداقها فللمرأة رد العوض ومطالبته بصداقها
قال أحمد في رواية الفضل بن زياد في رجل تزوج امرأة على صداق ألف فبعث إليها بقيمته
متاعا وثيابا وهم يخبرهم أنه من الصداق فلما دخل سألته الصداق فقال لها قد بعثت إليك بهذا المتاع
واحتسبته من الصداق فقالت المرأة صداقي دراهم ترد الثياب والمتاع وترجع عليه بصداقها فهذه الرواية
43

إذا لم تخبرهم أنه صداق فأما إذا ادعى أنها احتسبت به من الصداق وادعت هي أنه قال هو هبة فينبغي
أن يحلف كل واحد منهما ويتراجعان بما لكل واحد منهما، وحكي عن مالك أنه قال إن كان مما جرت
العادة بهديته كالثوب والخاتم فالقول قولها لأن الظاهر معها وإلا فالقول قوله
ولنا أنهما اختلفا في صفة انتقال ملكه إلى يدها فكان القول قول المالك كما لو قال أودعتك هذه
العين قال بل وهبتها:
(فصل) إذا مات الزوجان واختلف ورثتهما قام ورثة كل إنسان مقامه إلا أن من يحلف منهم على
الاثبات يحلف على البت ومن يحلف على النفي يحلف على نفي العلم لأنه يحلف على نفي فعل الغير وبه قال
الشافعي وقال أبو حنيفة ان مات أحد الزوجين فكذلك وان مات الزوجان فادعى ورثة المرأة التسمية
فأنكرها ورثة الزوج جملة لم يحكم عليهم بشئ قال أصحابه إنما قال ذلك إذا تقادم العهد لأنه تعذر
الرجوع إلى مهر المثل لأنه تعتبر فيه الصفات والأوقات وقال محمد بن الحسن يقضى بمهر المثل وقال
زفر بعشرة دراهم لأنه أقل الصداق.
ولنا أن ما اختلف فيه المتعاقدان قال ورثتهما مقامهما كالمتبايعين وما ذكروه ليس بصحيح لأنه
لا يسقط الحق لتقادم العهد ولا يتعذر الرجوع في ذلك كقيم سائر المتلفات
(فصل) وان اختلف الزوج وأبو الصغيرة والمجنونة قام الأب مقام الزوجة في اليمين لأنه يحلف
44

على فعل نفسه ولان قوله مقبول فيما اعترف به من الصداق فسمعت يمينه فيه كالزوجة فإن لم يحلف
حتى بلغت وعقلت فاليمين عليها دونه لأن الحق لها وإنما يحلف هو لتعذر اليمين من جهتها فإذا أمكن
في حقها صارت اليمين عليها كالوصي إذا بلغ الأطفال قبل يمينه فيما يحلف فيه فأما البكر البالغة
العاقلة فلا تسمع مخالفتها لأن الكبيرة قولها مقبول في الصداق والحق لها دونه وأما سائر الأولياء
فليس لهم تزويج صغيرة الا على رواية في بنت تسع وليس لهم أن يزوجوا بدون مهر المثل
ولو زوجوها بدون مهر المثل ثبت مهر المثل من غير يمين فإن ادعى أنه زوجها بأكثر من مهر مثلها
فاليمين على الزوج لأن القول قوله في قدر مهر المثل
(فصل) إذا أنكر الزوج تسمية الصداق وادعى انه تزوجها بغير صداق فإن كان بعد الدخول
نظرنا فإن ادعت المرأة مهر المثل أو دونه وجب ذلك من غير يمين لأنها لو صدقته في ذلك لوجب
مهر المثل فلا فائدة في الاختلاف، وإن ادعت أقل من مهر المثل فهي مقرة بنقصها عما يجب لها بدعوى
الزوج فيجب أن يقبل قولها بغير يمين، وإن ادعت أكثر من مهر المثل لزمته اليمين على نفي ذلك ويجب لها مهر
المثل، وإن كان اختلافهما قبل الدخول انبنى على الروايتين فيما إذا اختلفا في قدر الصداق، فإن قلنا القول
قول الزوج فلها المتعة، وإن قلنا القول قول من يدعي مهر المثل قبل قولها ما ادعت مهر مثلها هذا إذا
طلقها، وإن لم يطلقها فرض لها مهر المثل على الروايتين وكل من قلنا القول قوله فعليه اليمين.
45

* (مسألة) * قال (وإذا تزوجها بغير صداق لم يكن لها عليه إذا طلقها قبل الدخول الا المتعة)
وجملته أن النكاح يصح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم وقد دل على هذا قول الله
تعالى (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة)
وروي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات
فقال ابن مسعود لها صداق نسائها لاوكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث؟ فقام معقل بن سنان
الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت. أخرجه أبو داود
والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولان القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق
فصح من غير ذكره كالنفقة وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه مثل أن يقول زوجتك بغير مهر فيقبله
كذلك، ولو قال زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح أيضا
وقال بعض الشافعية لا يصح في هذه الصورة لأنها تكون كالموهوبة وليس بصحيح لأنه قد صح
فيما إذا قال زوجتك بغير مهر فيصح ههنا لأن معناهما واحد وما صح في إحدى الصورتين المتساويتين
صح في الأخرى وليست كالموهوبة لأن الشرط يفسد ويجب المهر إذا ثبت هذا فإن المزوجة بغير
مهر تسمى مفوضة بكسر الواو وفتحها فمن كسر أضاف الفعل إليها على أنها فاعلة مثل مقومة ومن فتح
أضافه إلى وليها ومعنى التفويض الاهمال كأنها أهملت أمر المهر حيث لم تسمه ومنه قول الشاعر:
46

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا
يعني مهملين والتفويض على ضربين: تفويض بضع وتفويض مهر. فأما تفويض البضع
فهو الذي ذكره الخرقي وفسرناه وهو الذي ينصرف إليه إطلاق التفويض، وأما تفويض المهر فهو
ان يجعل الصداق إلى رأي أحدهما أو رأي أجنبي فيقول زوجتك على ما شئت أو على حكمك أو على
حكمي أو حكمها أو حكم أجنبي ونحوه فهذه لها مهر المثل في ظاهر كلام الخرقي لأنها لم تزوج نفسها إلا
بصداق لكنه مجهول فسقط لجهالته ووجب مهر المثل، والتفويض الصحيح أن تأذن المرأة الجائزة
الامر لوليها في تزويجها بغير مهر أو بتفويض قدره أو بزوجها أبوها كذلك، فأما ان زوجها غير أبيها
ولم يذكر مهرا بغير إذنها في ذلك فإنه يجب مهر المثل
وقال الشافعي لا يكون التفويض الا في الصورة الأولى وقد سبق الكلام معا في أن للأب أن يزوج
ابنته بدون صداق مثلها فكذلك يجوز تفويضه، فإذا طلقت المفوضة البضع قبل الدخول فليس لها
إلا المتعة نص عليه أحمد في رواية الجماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء وجابر بن زيد
والشعبي والزهري والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي. وعن أحمد
رواية أخرى ان الواجب لها نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح بوجب مهر المثل بعد الدخول فيوجب
نصفه بالطلاق قبل الدخول كما لو سمى محرما
47

وقال مالك والليث وابن أبي ليلى، المتعة مستحبة غير واجبة لأن الله تعالى قال (حقا على المحسنين)
فخصهم بها فيدل انها على سبيل الاحسان والتفضل، والاحسان ليس بواجب ولأنها لو كانت واجبة
لم تختص المحسنين دون غيرهم
ولنا قوله تعالى (ومتعوهن) أمر والامر يقتضي الوجوب، وقال تعالى (وللمطلقات متاع
بالمعروف حقا على المتقين) وقال تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما
لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن) ولأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضا فلم يعر عن العوض كما لو
سمى مهرا، وأداء الواجب من الاحسان فلا تعارض بينهما
(فصل) فإن فرض لها بعد العقد ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف ما فرض لها ولا متعة، وهذا
قول ابن عمر وعطاء والشعبي والنخعي والشافعي وأبى عبيد. وعن أحمد ان لها المتعة ويسقط المهر.
وهو قول أبي حنيفة لأنه نكاح عري عن تسميته فوجبت به المتعة كما لو لم يفرض لها
ولنا قوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)
ولأنه مفروض يستقر بالدخول فتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد
(فصل) ومن أوجب لها نصف المهر لم تجب لها متعة سواء كانت ممن سمي لها صداق أو لم يسم
لها لكن فرض بعد العقد وبهذا قال أبو حنيفة فيمن سمي لها وهو قديم قولي الشافعي، وروي عن
48

أحمد لكل مطلقة متاع. وروي ذلك عن علي بن أبي طالب والحسن وسعيد بن جبير وأبي قلابة والزهري
وقتادة والضحاك وأبي ثور لظاهر قوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) ولقوله
تعالى لنبيه عليه السلام (قل لأزواجك إلى قوله - فتعالين أمتعكن وأسرحكن) وعلى هذه
الرواية لكل مطلقة متاع سواء كانت مفوضة أو مسمى لها مدخولا بها أو غيرها لما ذكرنا، وظاهر
المذهب أن المتعة لا تجب إلا المفوضة التي لم يدخل بها إذا طلقت، قال أبو بكر كل من روى عن أبي
عبد الله فيما أعلم روى عنه انه لا يحكم بالمتعة إلا لمن لم يسم لها مهر إلا حنبلا فإنه روى عن أحمد ان
لكل مطلقة متاعا، قال أبو بكر والعمل عليه عندي لولا تواتر الروايات عنه بخلافها
ولنا قوله تعالى (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن)
ثم قال (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فخص الأولى
بالمتعة والثانية بنصف المفروض مع تقسيمه النساء قسمين وإثباته لكل قسم حكما فيدل ذلك علي
اختصاص كل قسم بحكمه، وهذا يخص ما ذكروه، ويحتمل أن يحمل الامر بالمتاع في غير المفوضة على
الاستحباب لدلالة الآيتين اللتين ذكرناهما على نفي وجوبها جمعا بين دلالة الآيات والمعنى فإنه عوض
واجب في عقد فإذا سمي فيه عوض صحيح لم يجب غيره كسائر عقود المعاوضة ولأنها لا تجب لها
المتعة قبل الفرقة ولا ما يقوم مقامها فلم تجب لها عند الفرقة كالمتوفى عنها زوجها
49

(فصل) ولو طلق المسمى لها بعد الدخول أو المفوضة المفروض لها بعد الدخول فلا متعة لواحدة
منهما إلا على رواية حنبل، وقد ذكرنا ذلك وذكرنا قول من ذهب إليه وظاهر المذهب أنه لا متعة
لواحدة منهما وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالروايتين وقد ذكرنا ذلك، إذا ثبت هذا فإنه
يستحب أن يمتعهما نص عليه احمد فقال أنا أوجبها على من لم يسم لها صداقا فإن كان سمى صداقا فلا
أوجبها عليه وأستحب أن يمنع وان سمى لها صداقا وإنما استحب ذلك لعموم النص الوارد فيها ودلالتها
على إيجابها. وقول علي رضي الله عنه ومن سمينا من الأئمة بها فلما امتنع الوجوب لدلالة الآيتين
المذكورتين على نفي الوجوب ودلالة المعنى المذكور عليه تعين حمل الأدلة الدالة عليها على الاستحباب
أو على أنه أريد به الخصوص، وأما المتوفى عنها فلا متعة لها بالاجماع لأن النص العام لم يتناولها وإنما يتناول
المطلقات ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود
(فصل) والمتعة تجب على كل زوج لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول وسواء في ذلك الحر
والعبد والمسلم والذمي والحرة والأمة والمسلمة والذمية، وحكي عن أبي حنيفة لا متعة للذمية، وقال
الأوزاعي إن كان الزوجان أو أحدهما رقيقا فلا متعة
ولنا عموم النص ولأنها قائمة مقام نصف المهر في حق من سمى فتجب لكل زوجة على كل زوج كنصف
المسمى ولان ما يجب من العوض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد كالمهر
50

(فصل) فأما المفوضة لمهر وهي التي يتزوجها على ما شاء أحدهما أو التي زوجها غير أبيها بغير
صداق بغير اذنها أو التي مهرها فاسد فإنه يجب لها مهر المثل ويتنصف بالطلاق قبل الدخول، ولا
متعة لها هذا ظاهر كلام الخرقي، وقد صرح به في التي مهرها فاسد وهو مذهب الشافعي، وعن
أحمد ان لها المتعة دون نصف المهر كالمفوضة البضع وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خلا عقدها من تسمية
صحيحة فأشبهت التي لم يسم لها شئ
ولنا أن هذه لها مهر واجب قبل الطلاق فوجب أن يتنصف كما لو سماه أو نقول لم ترض بغير
صداق فلم تجب المتعة كالمسمى لها، وتفارق التي رضيت بغير عوض فإنها رضيته بغير صداق وعاد
بضعها سليما فعوضت المتعة بخلاف مسئلتنا
(فصل) وكل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة وما يسقط به المسمى من
الفرق كاختلاف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا تجب به متعا لأنها أقيمت مقام نصف
المسمى فسقطت في موضع يسقط كما تسقط لابدال بما يسقط مبدلها
(فصل) قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهرا، ثم
وهب لها غلاما، ثم طلقها قبل الدخول قال لها المتعة وذلك لأن الهبة لا تنقضي بها المتعة كما لا ينقضي بها
نصف المسمى ولان المتعة إنما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله ولأنها واجبة فلا تنقضي بالهبة كالمسمى
51

(مسألة) قال (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره فأعلاه خادم وأدناه كسوة يجوز
لها أن تصلي فيها الا أن يشاء هو أن يزيدها أو تشاء هي أن تنقصه)
وجملة ذلك أن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره واعساره نص عليه احمد وهو وجه لأصحاب الشافعي
والوجه الآخر قالوا هو معتبر بحال الزوجة لأن المهر معتبر بها كذلك المتعة القائمة مقامه ومنهم من قال يجزئ
في المتعة ما يقع عليه الاسم كما يجزئ في الصداق ذلك
ولنا قول الله تعالى (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) وهذا نص في أنها معتبرة بحال الزوج
وانها تختلف، ولو أجزأ ما يقع عليه الاسم سقط الاختلاف، ولو اعتبر بحال المرأة لما كان على
الموسع قدره وعلى المقتر قدره. إذا ثبت هذه فاختلف الرواية عن أحمد فيها فروي عنه مثل
قول الخرقي أعلاها خادم هذا إذا كان موسرا، وإن كان فقيرا متعها كسوتها درعا وخمارا
وثوبا تصلي فيه ونحو ذلك قال ابن عباس والزهري والحسن، قال ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم
دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة، ونحو ما ذكرنا في أدناها قال الثوري والأوزاعي وعطاء ومالك
وأبو عبيد وأصحاب الرأي، قالوا درع وخمار وملحفة (والرواية الثانية) يرجع في تقديرها إلى الحاكم
52

وهو أحد قولي الشافعي لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره وهو مما يحتاج إلى الاجتهاد فيجب الرجوع فيه
إلى الحاكم كسائر المجتهدات، وذكر القاضي في المجرد رواية ثالثة انها مقدرة بما يصادف نصف مهر
المثل لأنها بدل عنه فيجب أن تتقدر به، وهذه الرواية تضعف لوجهين،
[أحدهما] أن نص الكتاب يقتضى تقديرها بحال الزوج وتقديرها بنصف مهر المثل يوجب
اعتبارها بحال المرأة لأن مهرها معتبر بها لا بزوجها
(الثاني) أنا لو قدرناها بنصف المهر لكانت نصف المهر إذ ليس المهر معينا في شئ ولا المتعة
ووجه قول الخرقي قول ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك الكسوة رواه أبو حفص باسناده
وقدرها بكسوة تجوز لها الصلاة فيها لأن الكسوة الواجبة بمطلق الشرع تتقدر بذلك كالكسوة في
الكفارة والسترة في الصلاة وروى كنيف السلمي أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر الكلبية
فحممها بجارية سوداء يعني متعها قال إبراهيم النخعي العرب تسمي المتعة التحميم وهذا فيما إذا تشاحا
في قدرها فإن سمح لها بزيادة على الخادم أو رضيت بأقل من الكسوة جاز لأن الحق لهما لا يخرج عنهما
وهو مما يجوز بذله فجاز ما أنفقا عليه كالصداق وقد روي عن الحسن بن علي أنه متع امرأة بعشرة آلاف
درهم فقالت * متاع قليل من حبيب مفارق *
53

* (مسألة) * قال (ولو طالبته قبل الدخول أن يفرض لها أجبر على ذلك فإن فرض
لها مهر مثلها لم يكن لها غيره وكذلك أن فرض لها أقل منه فرضيته)
وجملة ذلك أن المفوضة لها المطالبة بفرض المهر لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجبت لها المطالبة
ببيان قدره وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا فإن اتفق الزوجان على فرضه جاز ما فرضاه قليلا
كان أو كثيرا سواء كانا عالمين بمهر المثل أو غير عالمين به وقال الشافعي في قول له لا يصح الفرض لغير
مهر المثل إلا مع علمها بمهر المثل لأن ما فرضه بدل عن مهر المثل فيحتاج أن يكون المبدل معلوما
ولنا أنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه وان رضيت باليسير فقد رضيت
بدون ما يجب لها فلا تمنع من ذلك وقولهم انه بدل غير صحيح، فإن البدل غير المبدل والمفروض
إن كان ناقصا فهو بعضه وإن كان أكثر فهو الواجب وزيادة ولا يصح جعله بدلا ولو كان بدلا لما
جاز مع العلم لأنه يبدل ما فيه الربا بجنسه متفاضلا، وقد روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أرتضى اني أزوجك فلانة؟ قال نعم وقال للمرأة (أترضين أن أزوجك فلانا؟ قالت نعم فزوج أحدهما
صاحبه ودخل عليها ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم يفرض
لها صداقا ولم أعطها شيئا وإني قد أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة الف، فأما
ان تشاحا فيه ففرض لها مهر مثلها أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه فإن لم ترض به لم يستقر لها
54

حتى ترضاه فإن طلقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة لأنه لا يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة
الابتداء وان فرض لها أقل من مهر المثل فلها المطالبة بتمامه ولا يثبت لها ما لم ترض به وان تشاحا
وارتفعا إلى الحاكم فليس له أن يفرض لها إلا مهر المثل لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها والعدل
المثل ولأنه إنما يفرض بدل البضع فيقدر به كالسلعة إذا تلفت فرجعا في تقويمها إلى أهل الخبرة، ويعتبر
معرفة مهر المثل ليتوصل إلى إمكان فرضه ومتى صح الفرض صار كالمسمى في العقد في أنه يتنصف
بالطلاق ولا تجب المتعة معه وإذا فرضه الحاكم لزم ما فرضه سواء رضيته أو لم ترضه كما يلزم ما حكم به
(فصل) وان فرض لها أجنبي مهر مثلها فرضيته لم يصح فرضه وكان وجوده كعدمه لأنه ليس بزوج ولا
حاكم فإن سلم إليها ما فرضه لها فرضيته احتمل أن لا يصح لما ذكرنا ويكون حكمها حكم ما لم يفرض لها ويسترجع
ما أعطاها لأن تصرفه ما صح ولا برئت به ذمة لزوج ويحتمل أن يصح لأنه يقوم مقام الزوج في قضاء المسمى فيقوم
مقامه في قضاء ما يوجبه العقد غير المسمى، فعلى هذا إذا طلقت قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج لأنه
ملكه إياه حين قضى به دينا عليه فيعود إليه كما لو دفعه هو ولأصحاب الشافعي مثل هذين الوجهين
وذكروا وجها ثالثا أنه يرجع نصفه إلى الأجنبي وذكره القاضي وجها لنا ثالثا وقد ذكرنا ما يدل على
صحة ما قلناه، ولو أن رجلا قضى المسمى عن الزوج صح ثم إن طلقها الزوج قبل الدخول رجع نصفه
إليه، وان فسخت نكاح نفسها بفعل من جهتها رجع جميعه إليه وعلى الوجه الآخر يرجع إلى من
قضاه والله أعلم
55

(فصل) ويجب المهر للمفوضة بالعقد وإنما يسقط إلى المتعة بالطلاق وهذا مذهب أبي حنيفة
واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال الصحيح أنه يجب بالعقد، وقال بعضهم لا يجب بالعقد
قولا واحدا، ولا يجئ على أصل الشافعي غير هذا لأنه لو وجب بالعقد لتنصف بالطلاق
كالمسمى في العقد.
ولنا أنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى، ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كما
في العقد الفاسد، ولان النكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي إلى خلوه عنه وإلى
أن النكاح انعقد صحيحا وملك الزوج الوطئ ولا مهر فيه وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى نقل غير
المسمى لها بالطلاق إلى المتعة كما نقل من سمي لها إلى نصف المسمى لها والله أعلم
فعلى هذا لو فوض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر كان لمعتقها أو بائعها لأن
المهر وجب بالعقد في ملكه، ولو فوضت المرأة نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد تغير مهر مثلها أو
دخل بها لوجب مهر مثلها حالة العقد لما ذكرنا ورافق أصحاب الشافعي على ذلك لأن الوجوب يستند
إلى حالة العقد الا في الأمة التي أعتقها أو باعها في أحد الوجهين
(فصل) ويجوز الدخول بالمرأة قبل اعطائها شيئا سواء كانت مفوضة أو مسمى لها وبهذا قال
سعيد بن المسيب والحسن والنخعي والثوري والشافعي، وروي عن ابن عباس وابن عمر والزهري
56

وقتادة ومالك لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا، قال الزهري مضت السنة أن لا يدخل بها حتى يعطيها
شيئا. قال ابن عباس يخلع إحدى نعليه ويلقيها إليها
وقد روى أبو داود باسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا لما تزوج فاطمة أراد ان
يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئا فقال يا رسول الله ليس لي شئ فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم (أعطها درعك) فأعطاها درعه ثم دخل بها. ورواه ابن عباس أيضا قال: لما تزوج علي فاطمة
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطها شيئا) قال ما عندي قال (أين درعك الخطمية؟)
رواه أبو داود والنسائي
ولنا حديث عقبة بن عامر في الذي زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ودخل عليها ولم يعطها شيئا، وروت عائشة
قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا. رواه ابن ماجة، ولأنه
عوض في عقد معاوضة فلم يقف جواز تسليم المعوض على قبض شئ منه كالثمن في البيع والأجرة في
الإجارة وأما الاخبار فمحمولة على الاستحباب فإنه يستحب أن يعطيها قبل الدخول شيئا موافقة
للاخبار ولعادة الناس فيما بينهم ولنخرج المفوضة عن شبه الموهوبة وليكون ذلك أقطع للخصومة ويمكن
حمل قول ابن عباس ومن وافقه على الاستحباب فلا يكون بين القولين فرق والله أعلم
57

(مسألة) قال (ولو مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه وكان
لها مهر نسائها)
أما الميراث فلا خلاف فيه فإن الله تعالى فرض لكل واحد من الزوجين فرضا وعقد الزوجية
ههنا صحيح ثابت فورث به لدخوله في عموم النص وأما الصداق فإنه يكمل لها مهر نسائها في الصحيح
من المذهب واليه ذهب ابن مسعود وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري وإسحاق وروي عن علي وابن
عباس وابن عمر والزهري وربيعة ومالك والأوزاعي لا مهر لها لأنها فرقة وردت على تفويض صحيح
قبل فرض ومسيس فلم يجب بها مهر كفرقة الطلاق، وقال أبو حنيفة كقولنا في المسلمة وكقولهم في
الذمة، وعن أحمد رواية أخرى لا يكمل ويتنصف وللشافعي قولان كالروايتين
ولنا ما روي أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قضى لامرأة لم يفرض لها زوجها صداقا ولم يدخل بها حتى
مات؟ فقال لها صداق نساءها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنار الأشجعي
فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوع ابنة واشق مثل ما قضيت قال الترمذي هذا حديث صحيح وهو نص في
محل النزاع ولان الموت معنى يكمل به المسمى فكمل به مهر المثل لمفوضة كالدخول وقياس الموت على الطلاق
غير صحيح فإن الموت يتم به النكاح فيكمل به الصداق والطلاق يقطعه ويزيله قبل اتمامه ولذلك وجبت
العدة بالموت قبل الدخول ولم تجب بالطلاق وكمل المسمى بالموت ولم يكمل بالطلاق وأما الذمية فإنها
58

مفارقة بالموت فكمل لها الصداق كالمسلمة أو كما لو سمى لها ولان المسلمة والذمية لا يختلفان في الصداق
في موضع فيجب أن لا يختلفا ههنا
(فصل) قوله مهر نسائها يعني مهر مثلها من أقاربها وقال مالك تعتبر بمن هي في مثل كمالها
ومالها وشرفها ولا يختصر بأقربائها، لأن الأعواض إنما تختلف بذلك دون الأقارب
ولنا قوله في حديث ابن مسعود لها مهر نسائها ونساؤها أقاربها وما ذكره فنحن نشترطه ونشترط معه
أن تكون من نساء أقاربها لأنها أقرب إليهن وقوله لا يختلف ذلك باختلاف الأقارب لا يصح فإن
المرأة تطلب لحسبها كما جاء في الأثر وحسبها يختص به أقاربها فيزداد المهر لذلك ويقل وقد يكون
الحي وأهل القرية لهم عادة في الصداق ورسم مقرر لا يشاركهم فيه غيرهم ولا يغيرونه بتغيير الصفات
فيكون الاعتبار بذلك دون سائر الصفات واختلفت الرواية عن أحمد في من يعتبر من أقاربها فقال
في رواية حنبل لها مهر مثلها من نسائها من قبل أبيها فاعتبرها بنساء العصبات خاصة وهذا مذهب
الشافعي وقال في رواية إسحاق بن هانئ لها مهر نسائها مثل أمها أو أختها أو عمتها أو بنت عمها اختاره
أبو بكر وهو مذهب أبي حنيفة وابن أبي ليلى لأنهن من نسائها والأولى أولى فإنه قد روي في قصة بروع
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثل مهر نساء قومها ولان شرف المرأة معتبر في مهرها
وشرفها بنسبها، وأمها وخالتها لا تساوياتها في نسبها فلا تساوياتها في شرفها وقد تكون أمها مولاة وهي
59

شريفة وقد تكون أمها شريفة وهي غير شريفة وينبغي أن يعتبر الأقرب فالأقرب فأقرب نساء عصباتها
إليها أخواتها ثم عماتها ثم بنات عمها الأقرب فالأقرب ويعتبر أن تكون في مثل حالها في دينها وعقلها
وجمالها ويسارها وبكارتها وثيوبتها وصراحة نسبها وكل ما يختلف لأجله الصداق وأن تكون من أهل
بلدها لأن عادة البلاد تختلف في المهر وإنما اعتبرت هذه الصفات كلها لأن مهر المثل إنما هو بدل متلف
فاعتبرت الصفات المقصودة فيه فإن لم يكن في عصباتها من هو في مثل حالها فمن نساء أرحامها كامها
وجداتها وخالاتها وبناتهن فإن لم يكن فأهل بلدها فإن لم يكن فنساء أقرب البلدان إليها فإن لم يوجد
الا دونها زيد لها بقدر فضيلتها وان لم يوجد الأخير منها نقصت بقدر نقصها
(فصل) ولا يجب مهر المثل الا حالا لأنه بدل متلف فأشبه قيم المتلفات ولا يكون إلا من نقد
البلد لما ذكرنا ولا تلزم الدية لأنها لا تختلف باختلاف صفات المتلف لأنها مقدرة بالشرع فكانت
بحكم ما جعل ما الحلول والتأجيل فلا يعتبر بها غيرها ولأنها عدل بها عن سائر الابدال في من وجبت
عليه وكذلك في تأجيلها تخفيفا عنه بخلاف غيرها فإن كانت عادة نسائها تأجيل المهر ففيه وجهان
(إحداهما) يفرض حالا لذلك (والثاني) يفرض مؤجلا لأن مهر مثلها مؤجل وإن كان عادتهم
أنهم إذا زوجوا من عشيرتهم خففوا وان زوجوا غيرهم ثقلوا اعتبر ذلك وهذا مذهب الشافعي فإن
قيل فإذا كان مهر المثل بدل متلف يجب أن لا يختلف باختلاف المتلف كسائر المتلفات قلنا النكاح
60

يخالف سائر المتلفات فإن سائر المتلفات المقصود بها المالية خاصة فلم تختلف باختلاف المتلفين والنكاح
يقصد به أعيان الزوجين فاختلف باختلافهم ولان سائر المتلفات لا تختلف باختلاف العوائد والمهر
يختلف بالعادات فإن المرأة إذا كانت من قوم عادتهم تخفيف مهور نسائهم وجب مهر المرأة منهم
خفيفا وان كانت أفضل وأشرف من نساء من عادتهم تثقيل المهر وعلى هذا متى كانت عادتهم التخفيف
لمعنى مثل الشرف أو اليسار ونحو ذلك اعتبر جريا على عادتهم والله أعلم
(فصل) إذا زوج السيد عبده أمته فقال القاضي لا يجب مهر لأنه لو وجب لوجب لسيدها
ولا يجب للسيد على عبده مال، وقال أبو الخطاب يجب المسمى أو مهر المثل ان لم يكن مسمى كيلا
يخلو النكاح عن مهر ثم يسقط لتعذر إثباته
وقال أبو عبد الله إذا زوج عبده من أمته فأحب أن يكون بمهر وشهود قيل فإن طلقها؟ قال يكون
الصداق عليه إذا أعتق قيل فإن زوجها منه بغير مهر؟ قال قد اختلفوا فيه فذهب جابر إلى أنه جائز
* (مسألة) * قال (وإذا خلا بها بعد العقد فقال لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما
وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما الا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا أو في الزنا
فإنهما يجلدان ولا يرجمان)
وجملة ذلك إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها
61

العدة وان لم يطأ روي عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر وبه قال علي بن الحسين وعروة
وعطاء والزهري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي وهو قديم قولي الشافعي، وقال شريح والشعبي
وطاوس وابن سيرين والشافعي في الجديد لا يستقر إلا بالوطئ وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس
وروي نحو ذلك عن أحمد، روى عنه يعقوب بن بختان أنه قال إذا صدقته المرأة انه لم يطأها لم يكمل
لها الصداق وعليها العدة وذلك لقول الله تعالى [وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن
فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه قد طلقها قبل أن يمسها، وقال تعالى (وكيف تأخذونه وقد أفضى
بعضكم إلى بعض) والافضاء الجماع، ولأنه مطلقة لم تمس أشبهت من لم يخل بها
ولنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم، روى الإمام أحمد والأثرم باسنادهما عن زرارة بن أوفى قال
قضى الخلفاء الراشدون المهديون ان من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة
ورواه أيضا عن الأحنف عن عمر وعلي، وعن سعيد بن المسيب وعن زيد بن ثابت عليها العدة ولها
الصداق كاملا، وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعا، وما رووه عن ابن
عباس لا يصح قال احمد يرويه ليث وليس بالقوي، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث وحنظلة
أقوى من ليث، وحديث ابن مسعود منقطع قاله ابن المنذر، ولان التسليم المستحق وجد من جهتها
فيستقر به البدل كما لو وطئها أو كما لو أجرت دارها أو باعتها وسلمتها
وأما قوله تعالى (من قبل أن تمسوهن) فيحتمل انه كنى بالمسبب عن السبب الذي هو الخلوة
62

بدليل ما ذكرناه، وأما قوله (وأفضى بعضكم إلى بعض) فقد حكي عن الفراء أنه قال: الافضاء
الخلوة دخل بها أو لم يدخل وهذا صحيح فإن الافضاء مأخوذ من الفضاء وهو الخالي فكأنه قال
وقد خلا بعضكم إلى بعض، وقول الخرقي حكمهما حكم الدخول في جميع أمورهما يعني في حكم ما لو
وطئها من تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت
الرجعة له عليها في عدتها، وقال الثوري وأبو حنيفة لا رجعة له عليها إذا أقر انه لم يصبها
ولنا قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ولأنها معتدة من نكاح صحيح لم ينفسخ
نكاحها ولا كمل عدد طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة كما لو أصابها، ولها عليه نفقة العدة
والسكنى لأن ذلك لمن لزوجها عليه الرجعة ولا تثبت بها الإباحة للزوج المطلق ثلاثا لقول النبي
صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرشي (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة الا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)
ولا الاحصان لأنه يعتبر لايجاب الحد والحدود تدرأ بالشبهات ولا الغسل لأن موجبات الغسل
خمسة وليس هذا منها، ولا يخرج به من العنة لأن العنة العجز عن الوطئ فلا يزول الا بحقيقة الوطئ
ولا تحصل به الفيئة لأنها الرجوع عما حلف عليه وإنما حلف على ترك الوطئ، ولان حق المرأة لا يحصل
الا بنفس الوطئ ولا تفسد به العبادات ولا تجب به الكفارة
وأما تحريم الربيبة فعن أحمد أنه يحصل بالخلوة، وقال القاضي وابن عقيل لا تحرم، وحمل القاضي
63

كلام أحمد علي انه حصل مع الخلوة نظرا ومباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين في أن ذلك يحرم
والصحيح أنه لا يحرم لقول الله تعالى (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم والدخول كناية عن
الوطئ والنص صريح في إباحتها بدونه فلا يجوز خلافه
(مسألة) قال (وسواء خلا بها وهما محرمان أو صائمان أو حائض أو سالمان
من هذه الأشياء)
اختلفت الرواية عن أحمد فيما إذا خلا بها وبهما أو بأحدهما مانع من الوطئ كالاحرام والصيام
والحيض والنفاس أو مانع حقيقي كالجب والعنة أو الرتق في المرأة فعنه ان الصداق يستقر بكل حال
وبه قال عطاء وابن أبي ليلى والثوري لعموم ما ذكرناه من الاجماع وقال عمر في العنين يؤجل سنة
فإن هو غشيها والا أخذت الصداق كاملا وفرق بينهما وعليها العدة ولان التسليم المستحق عليه قد
وجد وإنما الحيض والاحرام والرتق من غير جهتها فلا يؤثر في المهر كما لا يؤثر في اسقاط النفقة وروي
أنه لا يكمل به الصداق وهو قول شريح وأبي ثور لأنه لا يتمكن من تسلمها فلم تستحق عليه مهرا يمنعها
كما لو منعت تسليم نفسها إليه يحققه ان المنع من التسليم لا فرق بين كونه من أجنبي أو من العاقد كالإجارة
وعن أحمد رواية ثالثة ان كانا صائمين صوم رمضان لم يكمل الصداق فإن كان غيره كمل قال أبو داود
64

وسمعت أحمد وسئل عن رجل دخل على أهله وهما صائمان في غير رمضان فأغلق الباب وأرخى الستر
قال وجب الصداق قيل لأحمد فشهر رمضان؟ قال شهر رمضان خلاف لهذا قيل له فكان مسافرا
في رمضان قال هذا مفطر يعني وجب الصداق، وهذا يدل على أنه متى كان المانع متأكدا كالاحرام
وصوم رمضان لم يكمل الصداق
وقال القاضي إن كان المانع لا يمنع دواعي الوطئ كالجب والعنة والرتق والمرض والحيض والنفاس
وجب الصداق وإن كان يمنع دواعيه كالاحرام وصيام الفرض فعلى روايتين، وقال أبو حنيفة: إن كان
المانع من جهتها لم يستقر الصداق وإن كان من من جهته صيام فرض أو احرام لم يستقر الصداق،
وإن كان جبا أو عنة كمل الصداق لأن المانع من جهته وذلك لا يمنع وجود التسليم المستحق منها فكمل
حقها كما يلزم الصغير نفقة امرأته إذا سلمت نفسها إليه
(فصل) وان خلا بها وهي صغيرة لا يمكن وطؤها أو كانت كبيرة فمنعته نفسها أو كان أعمي فلم
يعلم بدخولها عليه لم يكمل صداقها نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج المرأة فأدخلت عليه فأرخى
الستر وأغلق الباب، فإن كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق وأومأ إلى أنها إذا نشزت عليه
أو منعته نفسها لا يكمل صداقها، وذكره ابن حامد وذلك لأنه لم يوجد التمكين من جهتها فأشبه ما لو
65

لم يخل بها وكذلك أن خلا بها وهو طفل لا يتمكن من الوطئ لم يكمل الصداق لأنه في معنى الصغيرة
في عدم التمكن من الوطئ
(فصل) والخلوة في النكاح الفاسد لا يجب بها شئ من المهر لأن الصداق لم يجب بالعقد وإنما
يوجبه الوطئ ولم يوجد ولذلك لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول فأشبه ذلك الخلوة بالأجنبية وقد روي
عن أحمد ما يدل على أن الخلوة فيه كالخلوة في الصحيح لأن الابتداء بالخلوة فيه كالابتداء بذلك في
النكاح الصحيح فيتقرر به المهر كالصحيح والأولى أولى
(فصل) فإن استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة كالقبلة ونحوها فالمنصوص
عن أحمد انه يكمل به الصداق فإنه قال إذا أخذها فمسها وقبض عليها من غير أن يخلو بها لها الصداق
كاملا إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره، وقال في رواية مهنا: إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة
تغتسل أوجب عليه المهر، ورواه عن إبراهيم: إذا اطلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر لأنه نوع
استمتاع فهو كالقبلة. قال القاضي يحتمل ان هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك وفيه روايتان
فيكون في تكميل الصداق به وجهان (أحدهما) يكمل به الصداق لما روى الدارقطني عن محمد بن
عبد الرحمن بن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق
دخل بها أو لم يدخل) ولأنه مسيس فيدخل في قوله (من قبل أن تمسوهن) ولأنه استمتاع بامرأته
فكمل به الصداق كالوطئ
[والوجه الآخر] لا يكمل به الصداق وهو قول أكثر الفقهاء لأن قوله تعالى (تمسوهن)
66

إنما أريد به في الظاهر الجماع ومقتضى قوله (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) أن لا يكمل
الصداق لغير من وطئها، ولا تجب عليها العدة ترك عمومه فيمن خلا بها للاجماع الوارد عن الصحابة
فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم
(فصل) إذا دفع زوجته فأذهب عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فليس عليه إلا نصف صداقها، وقال أبو
يوسف ومحمد عليه الصداق كاملا لأنه أذهب عذرتها في نكاح صحيح فكان عليه المهر كاملا كما لو وطئها
ولنا قول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم)
وهذه مطلقة قبل المسيس فأشبه ما لو لم يدفعها ولأنه أتلف ما يستحق اتلافه بالعقد فلم يضمنه لغيره كما
لو أتلف عذرة أمته، ويتخرج أن يجب لها الصداق كاملا لأن احمد قال إن فعل ذلك أجنبي عليه الصداق
ففيما إذا فعله الزوج أولى فإن ما يجب به الصداق ابتداء أحق بتقرير المهر ونص أحمد فيمن أخذ
امرأته وقبض عليها وفيمن نظر إليها وهي عريانة عليها الصداق كاملا فهذا أولى
(فصل) وإن دفع امرأة أجنبية فاذهب عذرتها أو فعل ذلك بإصبعه أو غيرها فقال أحمد لها
صداق نسائها وقال إن تزوج امرأة عذراء فدفعها هو وأخوه فاذهبا عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فعلى
الزوج نصف الصداق وعلى الأخ نصف العقد وروي نحو ذلك عن علي وابنه الحسن وعبد الله بن معقل
وعبد الملك بن مروان وقال الشافعي ليس عليه الا أرش بكارتها لأنه اتلاف جزء لم يرد الشرع
67

بتقدير عوضه فرجع في ديته إلى الحكومة كسائر ما لم يقدر ولأنه إذا لم يكمل به الصداق في حق الزوج
ففي حق الأجنبي أولى
ولنا ما روى سعيد قال حدثنا هشيم حدثنا مغيرة عن إبراهيم أن رجلا كانت عنده يتيمة فخافت
امرأته أن يتزوجها فاستعانت بنسوة فضبطنها لها فأفسدت عذرتها وقالت لزوجها انها فجرت فأخبر عليا
رضي الله عنه بذلك فأرسل علي إلى امرأته والنسوة فلما أتينه لم يلبثن أن اعترفن بما صنعن فقال للحسن
ابن علي اقض فيها يا حسن فقال الحد على من قذفها والعقر عليها وعلى الممسكات فقال علي: لو كلفت
الإبل طحنا لطحنت وما يطحن يومئذ بعير. وقال حدثنا هشيم قال ثنا إسماعيل بن سالم حدثنا الشعبي
أن جواري أربعا قالت إحداهن هي رجل وقالت الأخرى هي امرأة وقالت الثالثة هي أبو رجل التي زعمت
أنها رجل وقالت الرابعة هي أبو التي زعمت أنها امرأة فخطبت التي زعمت أنها أبو الرجل إلى التي زعمت
أنها أبو المرأة فزوجوها إياها فعمدت إليها فأفسدتها بإصبعها فرفع ذلك إلى عبد الملك بن مروان فجعل
الصداق بينهن أرباعا والغى حصة التي أمكنت من نفسها فبلغ عبد الله بن معقل فقال لو وليت انا فجلعت
الصداق على التي أفسدت الجارية وحدها، وهذه قصص تنتشر فلم تنكر فكانت اجماعا ولان اتلاف
العذرة مستحق بعقد النكاح فإذا أتلفه أجنبي وجب المهر كمنفعة البضع
68

(مسألة) قال (والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح فإذا طلق قبل الدخول فأيهما
عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الامر في ماله برئ منه صاحبه)
اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح فظاهر مذهب احمد رحمه الله أنه الزوج روي
ذلك عن علي وابن عباس وجبير بن مطعم رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وشريح وسعيد
ابن جبير ونافع بن جبير ونافع مولى ابن عمر ومجاهد وإياس بن معاوية وجابر بن زيد وابن سيرين
والشعبي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد وعن أحمد أنه الولي إذا كان أبا
الصغيرة وهو قول الشافعي القديم إذا كان أبا أو جدا. وحكى عن ابن عباس وعلقمة والحسن وطاوس
والزهري وربيعة ومالك انه الولي لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح لكونها قد
خرجت عن يد الزوج ولان الله تعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهن فينبغي أن يكون عفو الذي بيده
عقدة النكاح عنه ليكون المعفو عنه في الموضعين واحدا ولان الله تعالى بدا بخطاب الأزواج على
المواجهة بقوله (وإن طلقتموهن من قبل ان تمسوهن - ثم قال - أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح)
وهذا خطاب غير حاضر. ولنا ما روى الدارقطني باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ولي العقدة الزوج ولان الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج فإنه
69

يتمكن من قطعه وفسخه وإمساكه وليس إلى الولي منه شئ ولان الله تعالى قال (وأن تعفو أقرب للتقوى)
والعفو الذي هو أقرب إلى التقوى هو عفو الزوج عن حقه، اما عفو الولي عن مال المرأة فليس هو
أقرب إلى التقوى، ولان المهر مال للزوجة فلا يملك الولي هبته واسقاطه كغيره من أموالها وحقوقها
وكسائر الأولياء ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب كقوله تعالى (حتى إذا كنتم
في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) وقال تعالى (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه
ما حمل وعليكم ما حملتم) فعلى هذا متي طلق الزوج قبل الدخول تنصف المهر بينهما فإن عفا الزوج
لها عن النصف الذي له كمل لها الصداق جميعه وإن عفت المرأة عن النصف الذي لها منه وتركت له
جميع الصداق جاز إذا كان العافي منهما رشيدا جائزا تصرفه في ماله وإن كان صغيرا أو سفيها لم يصح
عفوه لأنه ليس له التصرف في ماله بهبة ولا إسقاط ولا يصح عفو الولي عن صداق الزوجة أبا كان أو غيره
صغيرة كانت أو كبيرة نص عليه أحمد في رواية الجماعة وروى عنه ابن منصور إذا طلق امرأته وهي
بكر قبل أن يدخل بها فعفا أبوها أو زوجها ما أرى عفو الأب الا جائزا قال أبو حفص ما أرى ما
نقله ابن منصور الا قولا لأبي عبد الله قديما، وظاهر قول أبي حفص أن المسألة رواية واحدة وأن أبا عبد
الله رجع عن قوله بجواز عفو الأب وهو الصحيح لأن مذهبه انه لا يجوز للأب اسقاط ديون ولده
الصغير ولا اعتاق عبيده ولا تصرفه له الا بما فيه مصلحته ولاحظ لها في هذا الاسقاط فلا يصح
70

وإن قلنا برواية ابن منصور لم يصح الا بخمس شرائط: أن يكون أبا لأنه الذي يلي مالها ولايتهم عليها
(الثاني) أن تكون صغيرة ليكون وليا على مالها فإن الكبيرة تلي مال نفسها (الثالث) أن تكون بكرا
لتكون غير مبتذلة ولأنه لا يملك تزويج الثيب وإن كانت صغيرة فلا تكون ولايته عليها تامة (الرابع) أن
تكون مطلقة لأنها قبل الطلاق معرضة لاتلاف البضع (الخامس) أن تكون قبل الدخول لأن ما بعده
قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف ومذهب الشافعي على نحو من هذا الا أنه يجعل الجد كالأب
(فصل) ولو بانت امرأة الصغير أو السفيه أو المجنون على وجه يسقط صداقها عنهم مثل أن تفعل
امرأته ما ينفسخ به نكاحها من رضاع من ينفسخ نكاحها برضاعه أو ردة أو بصفة لطلاق من السفيه
أو رضاع من أجنبية لمن ينفسخ نكاحها برضاعه أو نحو ذلك لم يكن لوليهم العفو عن شئ من الصداق
رواية واحدة، وكذلك لا يجوز عند الشافعي قولا واحدا والفرق بينهم وبين الصغير أن وليها أكسبها
المهر بتزويجها وههنا لم يكسبه شيئا إنما رجع المهر إليه بالفرقة
(فصل) وإذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته له بعد قبضه
وهي جائزة الامر في مالها جاز ذلك وصح ولا نعلم فيه خلافا لقول الله تعالى (الا أن يعفون) يعني
الزوجات وقال تعالى (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال أحمد في رواية المروذي
ليس شئ قال الله تعالى (فكلوه هنيئا مريئا) سماه غير المهر تهبه المرأة للزوج وقال علقمة لامرأته
هيئي لي من الهنئ المرئ يعنى من صداقها، وهل لها الرجوع فيما وهبت زوجها؟ فيه عن أحمد روايتان
واختلاف بين أهل العلم ذكرناه فيما مضى
71

(فصل) إذا طلقت قبل الدخول وتنصف المهر بينهما لم يخل من أن يكون دينا أو عينا فإن كان
دينا لم يخل إما أن يكون دينا في ذمة الزوج لم يسلمه إليها أو في ذمتها بأن تكون قد قبضته وتصرفت
فيه أو تلف في يدها وأيهما كان فإن للذي له الدين أن يعفو عن حقه منه بأن يقول عفوت عن حقي
من الصداق أو أسقطته أو أبرأتك منه أو ملكتك إياه أو وهبتك أو أحللتك منه أو أنت منه في حل
أو تركته لك وأي ذلك قال سقط به المهر وبرئ منه الآخر، وان لم يقبله لأنه إسقاط حق فلم يفتقر
إلى قبول كاسقاط القصاص والشفعة والعتق والطلاق ولذلك صح إبراء الميت مع عدم القبول منه ولو
رد ذلك لم يرتد وبرئ منه لما ذكرناه، وان أحب العفو من الصداق في ذمته لم يصح العفو لأنه إن
كان في ذمة الزوج فقد سقط عنه بالطلاق، وإن كان في ذمة الزوجة فلا يثبت في ذمتها إلا النصف
الذي يستحقه الزوج، وأما النصف الذي لها فهو حقها تصرفت فيه فلم يثبت في ذمتها منه شئ ولان
الجميع كان ملكا لها تصرفت فيه، وإنما يتجدد ملك الزوج للنصف بطلاقه فلا يثبت في ذمتها غير
ذلك وأيهما أراد تكميل الصداق لصاحبه فإنه يجدد له هبة مبتدأة، وأما إن كان الصداق عينا في يد
أحدهما فعفا الذي هو في يده للآخر فهو هبة له تصح بلفظ العفو والهبة والتمليك ولا تصح بلفظ الابراء
والاسقاط ويفتقر إلى القبض فيما يشترط لقبض فيه، وان عفا غير الذي هو في يده صح بهذه الألفاظ وافتقر
إلى مضي زمن يتأتى القبض فيه إن كان الموهوب مما يفتقر إلى القبض
72

(فصل) إذا أصدق امرأته عينا فوهبتها له ثم طلقها قبل الدخول بها فعن أحمد فيه روايتان
(إحداهما) يرجع عليها بنصف قيمتها وهو اختيار أبي بكر وأحد قولي الشافعي لأنها عادت إلى الزوج
بعقد مستأنف فلا تمنع استحقاقها بالطلاق كما لو عادت إليه بالبيع أو وهبتها لأجنبي ثم وهبتها له (والرواية
الثانية) لا يرجع عليها وهو قول مالك والمزني وأحد قولي الشافعي وهو قول أبي حنيفة إلا أن تزيد
العين أو تنقص ثم تهبها له لأن الصداق عاد إليه ولو لم تهبه لم يرجع بشئ وعقد الهبة لا يقتضي ضمانا
ولان نصف الصداق تعجل له بالهبة فإن كان الصداق دينا فأبرأته منه فإن قلنا لا يرجع ثم فههنا أولى،
وان قلنا يرجع ثم خرج ههنا وجهان (أحدهما) لا يرجع لأن الابراء إسقاط حق وليس بتمليك كتمليك
الأعيان ولهذا لا يفتقر إلى قبول. ولو شهد شاهدان على رجل بدين فأبرأه مستحقه ثم رجع الشاهدان
لم يغرما شيئا ولو كان قبضه منه ثم وهبه له ثم رجع الشاهدان غرما والثاني) يرجع لأنه عاد إليه بغير
الطلاق فهو كالعين، والابراء بمنزلة الهبة ولهذا يصح بلفظها، وان قبضت الدين منه ثم وهبته لم ثم
طلقها فهو كهبة العين لأنه تعين بقبضه، وقال أبو حنيفة يرجع ههنا لأن الصداق قد استوفته كله ثم
تصرفت فيه فوجب الرجوع عليها كما لو وهبته أجنبيا، ويحتمل أن لا يرجع لأنه عاد إليه ما أصدقها
فأشبه ما لو كان عينا فقبضتها ثم وهبتها أو وهبته العين أو أبرأته من الدين ثم فسخت النكاح
73

بفعل من جهتها كاسلامها أو ردتها أو ارضاعها لمن ينفسخ نكاحها برضاعه ففي الرجوع بجميع الصداق
عليها روايتان كما في الرجوع بالنصف سواء
(فصل) وان أصدقها عبدا فوهبته نصفه ثم طلقها قبل الدخول انبنى ذلك على الروايتين فإن قلنا
إذا وهبته الكل لم يرجع بشئ رجع ههنا في ربعه، وعلى الرواية الأخرى يرجع في النصف الباقي
كله لأنه وجده بعينه وبهذا قال أبو يوسف ومحمد والمزني، وقال أبو حنيفة لا يرجع بشئ لأن النصف
حصل في يده فقد استعجل حقه، وقال الشافعي في أحد أقواله كقولنا (والثاني) له نصف النصف الباقي
ونصف قيمة الموهوب والثالث يتخير بين هذا وبين الرجوع بقيمة النصف
ولنا أنه وجد نصف ما أصدقها بعينه فأشبه ما لو لم تهبه شيئا
(فصل) فإن خالع امرأته بنصف صداقها قبل دخوله بها صح وصار الصداق كله له نصفه بالطلاق
ونصفه بالخلع ويحتمل أن يصير له ثلاثة أرباعه لأنه إذا خالعها بنصفه مع علمه أن النصف يسقط عنه
صار مخالعا بنصف النصف الذي يبقى لها فيصير له النصف بالطلاق والربع بالخلع وان خالعها بمثل نصف
الصداق في ذمتها صح وسقط جميع الصداق نصفه بالطلاق ونصفه بالمقاصة بما في ذمتها له من عوض الخلع ولو
قالت له اخلعني بما تسلم لي من صداقي ففعل صح وبرئ من جميع الصداق وكذلك إن قالت اخلعني على أن
لا تبعة عليك في المهر صح وسقط جميعه عنه، وان خالعته بمثل جميع الصداق في ذمتها صح ويرجع عليها
بنصفه لأنه يسقط نصفه بالمقاصة بالنصف الذي لها عليه ويسقط عنه النصف بالطلاق يبقى له عليها
74

النصف، وان خالعته بصداقها كله فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر لا يرجع عليها بشئ لأنه لما
خالعها به مع مع علمه بسقوط نصفه بالطلاق كان مخالعا لها بنصفه ويسقط عنه بالطلاق نصفه ولا يبقي لها شئ
(فصل) وإذا أبرأت المفوضة من المهر صح قبل الدخول وبعده وسواء في ذلك مفوضة البضع
ومفوضة المهر وكذلك من سمي لها مهر فاسد كالخمر والمجهول لأن المهر واجب في هذه المواضع وإنما
جهل قدره والبراءة من المجهول صحيحة لأنها إسقاط فصحت في المجهول كالطلاق، وقال الشافعي:
لا تصح البراءة في شئ من هذا لأن المفوضة لم يجب لها مهر فلا يصح الابراء مما لم يجب وغيرها مهرها
مجهول والبراءة من المجهول لا تصح الا ان تقول أبرأتك من درهم إلى الف فيبرأ من مهرها إذا
كان دون الألف وقد دللنا على وجوبه فيما مضى فيصح الابراء منه كما لو قالت أبرأتك من درهم إلى
الف، وإذا أبرأت المفوضة ثم طلقت قبل الدخول فإن قلنا لا يرجع إلى المسمى لها لم يرجع ههنا،
وإن قلنا يرجع ثم احتمل أن لا يرجع ههنا لأن المهر كله سقط بالطلاق ووجبت المتعة بالطلاق
ابتداء، ويحتمل ان يرجع لأنه عاد إليه مهرها بسبب غير الطلاق وبكم يرجع؟ يحتمل أن يرجع
بنصف مهر المثل لأنه الذي وجب بالعقد فهو كنصف المفروض ويحتمل أن يرجع بنصف المتعة لأنها
التي تجب بالطلاق فأشبهت المسمى
(فصل) وان أبرأته المفوضة من نصف صداقها ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها لأن المتعة قائمة
75

مقام نصف الصداق وقد أبرأت منه فصار كما لو قبضته، ويحتمل أن يجب لها نصف المتعة إذا قلنا إن
الزوج لا يرجع عليها بشئ إذا أبرأت من جميع صداقها
(فصل) ولو باع رجلا عبدا بمائة فأبرأه البائع من الثمن أو قبضه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري
بالعبد عيبا فهل له رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ أرش العيب مع امساكه؟ على وجهين بناء على
الروايتين في الصداق إذا وهبته المرأة لزوجها ثم طلقها قبل الدخول وان كانت بحالها فوهب المشتري
العبد للبائع ثم أفلس المشتري والثمن في ذمته فللبائع أن يضرب بالثمن مع الغرماء وجها واحدا لأن
الثمن ما عاد إلى البائع منه شئ ولذلك كان يجب أداؤه إليه قبل الفلس بخلاف التي قبلها ولو كان
عبدا ثم أسقط عنه مال الكتابة برئ وعتق ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب على السيد
أن يؤتيه إياه وكذلك لو أسقط عنه القدر الذي يلزمه إيتاؤه إياه واستوفى الباقي لم يلزمه أن يؤتيه شيئا لأن
اسقاطه عنه يقوم مقام الايتاء وخرجه بعض أصحابنا على وجهين بناء على الروايتين في الصداق ولا
يصح لأن المرأة أسقطت الصداق الواجب لها قبل وجود سبب استحقاق الزوج عليها نصفه وههنا
أسقط السيد عن المكاتب ما وجد سبب ايتائه إياه فكان اسقاطه مقام ايتائه، ولهذا لو قبضه السيد
منه ثم آتاه إياه لم يرجع بشئ ولو قبضت المرأة صداقها ووهبته لزوجها ثم طلقها قبل الدخول لرجع عليها فافترقا
(فصل) ولا يبرأ الزوج من الصداق الا بتسليمه إلى من يتسلم مالها فإن كانت رشيدة لم يبرأ
76

الا بالتسليم إليها أو إلى وكيلها ولا يبرأ بالتسليم إلى أبيها ولا إلى غيره بكرا كانت أو ثيبا، قال أحمد
إذا أخذ مهر ابنته وأنكرت فذاك لها ترجع على زوجها بالمهر ويرجع الزوج على أبيها، فقيل له أليس
قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) قال نعم ولكن هذا لم يأخذ منها إنما أخذ من زوجها،
وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة له قبض صداق البكر دون الثيب لأن ذلك العادة ولان
البكر تستحي فقام أبوها مقامها كما قام مقامها في تزويجها
ولنا انها رشيدة فلم يكن لغيرها قبض صداقها كالثيب أو عوض ملكته وهي رشيدة فلم يكن
لغيرها قبضه بغير اذنها كثمن مبيعها وأجر دارها، وان كانت غير رشيدة سلمه إلى وليها في مالها من
أبيها أو وصيه أو الحاكم لأنه من جملة أموالها فهو كثمن مبيعها وأجر دارها
(مسألة) قال (وليس عليه دفع نفقة زوجته إذا كان مثلها لا يوطأ أو منع منها بغير
عذر فإن كان المنع من قبله لزمته النفقة)
وجملة ذلك أن المرأة إذا كانت لا يوطأ مثلها لصغرها فطلب وليها تسليمها والانفاق عليه لم يجب
ذلك على الزوج لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز وهذه لا يمكنه الاستمتاع بها وان
كانت كبيرة فمنعته نفسها أو منعها أولياؤها فلا نفقة لها أيضا لأنها في معني الناشز لكونها لم تسلم
77

الواجب عليها فلا يجب تسليم ما في مقابلته من الانفاق وكل موضع لزمته النفقة لزمه تسليم الصداق
إذا طولب به فاما الموضع الذي لا تلزمه نفقتها فيه كالصغير والمانعة نفسها فقال أبو عبد الله بن حامد يجب
تسليم الصداق وهو قول الشافعي لأن المهر في مقابلة ملك البضع وقد ملكه بخلاف النفقة فإنها في مقابلة
التمكين ورد قوم هذا وقالوا المهر قد ملكته في مقابلة ما ملكه من بضعها فليس لها المطالبة بالاستيفاء
الا عند إمكان الزوج استيفاء العوض
(فصل) وامكان الوطئ في الصغيرة معتبر بحالها واحتمالها لذلك قاله القاضي وذكر انهن يختلفن
فقد تكون صغيرة السن تصلح وكبيرة لا تصلح وحده احمد بتسع سنين فقال في رواية أبي الحارث
في الصغيرة يطلبها زوجها: فإن أتى عليها تسع سنين دفعت إليه ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع وذهب
في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي ابنة تسع قال القاضي وهذا عندي ليس على طريق التحديد
وإنما ذكره لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها فمتى كانت لا تصلح للوطئ لم يجب على
أهلها تسليمها إليه وان ذكر أنه يحضنها ويربيها وله من يخدمها لأنه لا يملك الاستمتاع بها وليست له
بمحل ولا يؤمن شرة نفسه إلى مواقعتها فيفضها أو يقتلها وان طلب أهلها دفعها إليه فامتنع فله ذلك ولا تلزمه
نفقتها لأنه لا يمكن من استيفاء حقه منها وإن كانت كبيرة إلا أنها مريضة مرضا مرجو الزوال لم يلزمها
تسليم نفسها قبل برئها لأنه مانع مرجو الزوال فهو كالصغر ولان العادة لم تجر بزف المريضة إلى زوجها
78

والتسليم في العقد يجب على حسب العرف فإن سلمت نفسها فتسلمها الزوج فعليه نفقتها لأن المرض عارض
بعرض ويتكرر فيشق إسقاط النفقة به فجرى مجرى الحيض ولهذا لو مرضت بعد تسليمها لم تسقط
نفقتها وان امتنع من تسليمها فله ذلك ولا تلزمه نفقتها لأنه لما لم يجب تسليمها إليه لم يجب عليه تسلمها
كالصغيرة ولان العادة لم تجر بتسليمها على هذه الصفة وقال القاضي يلزمه تسلمها وإن امتنع فعليه
نفقتها لما ذكرنا من أنه عارض لا يمكن التحرز منه ويتكرر فأشبه الحيض فأما إن كان المرض غير
مرجو الزوال لزم تسليمها إلى الزوج إذا طلبها ولزمه تسلمها إذا عرضت عليه لأنها ليست لها حالة
يرجي زوال ذلك فيها فلو لم تسلم نفسها لم يفد التزويج فائدة وله أن يستمتع بها فإن كانت نضوة
الخلق وهو جسيم تخاف على نفسها الافضاء من عظم خلقه فلها منعه من جماعها وله الاستمتاع بها في
ما دون الفرج وعليه نفقتها ولا يثبت له خيار الفسخ لأن هذه يمكن الاستمتاع بها لغيره وإنما امتناع
الاستمتاع لمعنى فيه وهو عظم خلقه بخلاف الرتقاء وان طلب تسليمها إليه وهي حائض احتمل ان
لا يجب ذلك لأنه خلاف العادة فأشبه المرض المرجو الزوال واحتمل وجوب التسليم لأنه يزول قريبا
ولا يمنع من الاستمتاع بما دون الفرج فإذا طلب ذلك لم يجز منعه منه كما لم يجز لها منعه منه بعد
تسلمها وان عرضت عليه فأباها حتى تطهر فعلى قول القاضي يلزمه تسلمها أو نفقتها ان امتنع منه ويتخرج
على ما ذكرنا ان لا يلزمه ذلك كالمرض المرجو الزوال
79

(فصل) فإن منعت نفسها حتى تتسلم صداقها وكان حالا فلها ذلك قال ابن المنذر وأجمع كل
من تحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها، وان قال
الزوج لا أسلم إليها الصداق حتى أتسلمها أجبر الزوج على تسليم الصداق أولا ثم تجبر هي على تسليم نفسها
ومذهب الشافعي في هذا على نحو مذهبه في البيع
ولنا أن في إجبارها على تسليم نفسها أولا خطر اتلاف البضع والامتناع من بذل الصداق فلا
يمكن الرجوع في البضع بخلاف البيع الذي يجبر على تسليمه قبل تسليم ثمنه. فإذا تقرر هذا فلها النفقة
ما امتنعت لذلك، وإن كان معسرا بالصداق لأن امتناعها بحق، وإن كان الصداق مؤجلا فليس
لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بتأجيله رضى بتسليم نفسها قبل قبضه كالثمن المؤجل في البيع فإن حل
المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأن التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه فلم يكن لها
أن تمتنع منه، وإن كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الآجل، وإن كان
الكل حالا فلها منع نفسها على ما ذكرنا فإن سلمت نفسها قبل قبضه ثم أرادت منع نفسها حتى تقبضه
فقد توقف أحمد عن الجواب فيها وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحاق بن شاقلا إلى أنها ليس لها ذلك وهو قول
مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمتنع منه بعد ذلك
كما لو سلم البائع المبيع، وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن لها ذلك وهو مذهب أبي حنيفة لأنه تسليم
80

يوجهه عليها عقد النكاح فملكت أن تمتنع منه قبل قبض صداقها كالأول، فاما ان وطئها مكرهة لم يسقط
به حقها من الامتناع لأنه حصل بغير رضاها كالمبيع إذا أخذه المشتري من البائع كرها، وان أخذت
الصداق فوجدته معيبا فلها منع نفسها حتى يبدله أو يعطيها أرشه لأن صداقها صحيح، وان لم تعلم
عيبه حتى سلمت نفسها خرج على الوجهين فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها ثم بدا لها أن تمتنع
وكل موضع قلنا لها الامتناع من تسليم نفسها فلها السفر بغير اذن الزوج لأنه لم يثبت للزوج عليها
حق الحبس فصارت كمن لا زوج لها ولو بقي منه درهم كان كبقاء جميعه لأن كل من ثبت له الحبس
بجميع البدل ثبت له الحبس ببعضه كسائر الديون
(فصل) وان أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول فلها الفسخ لأنه تعذر الوصول إلى عوض
العقد قبل تسليم المعوض فكان لها الفسخ كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع وان أعسر بعد الدخول
فعلى وجهين مبنيين على منع نفسها فإن قلنا لها منع نفسها بعد الدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول، وان قلنا ليس لها
منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين لها آخر، ولا يجوز الفسخ الا بحكم حاكم لأنه مجتهد فيه
(مسألة) قال (وإذا تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية، وإن كان
السر قد انعقد به النكاح)
ظاهر كلام الخرقي أن الرجل إذا تزوج المرأة في السر بمهر ثم عقد عليها في العلانية بمهر آخر أنه
81

يؤخذ بالعلانية وهذا ظاهر قول أحمد في رواية الأثرم، وهو قول الشعبي وابن أبي ليلى والثوري
وأبى عبيد، وقال القاضي الواجب المهر الذي انعقد به النكاح سرا كان أو علانية وحمل كلام احمد
والخرقي على أن المرأة لم تقر بنكاح السر فيثبت مهر العلانية لأنه الذي ثبت به النكاح وهذا قول
سعيد بن عبد العزيز وأبي حنيفة والأوزاعي والشافعي ونحوه عن شريح والحسن والزهري والحكم بن
عيينة ومالك وإسحاق لأن العلانية ليس بعقد ولا يتعلق به وجوب شئ، ووجه قول الخرقي أنه إذا
عقد في الظاهر عقدا بعد عقد السر فقد وجد منه بذل الزائد على مهر السر فيجب ذلك عليه كما لو
زادها على صداقها ومقتضى ما ذكرنا من التعليل لكلام الخرقي انه إن كان مهر السر أكثر من العلانية
وجب مهر السر لأنه وجب عليه بعقده ولم تسقطه العلانية فبقي وجوبه. فأما ان اتفقا على أن المهر الف
وأنهما يعقدان العقد بألفين تجملا ففعلا ذلك فالمهر الفان لأنها تسمية صحيحة في عقد صحيح فوجبت كما
لو لم يتقدمها اتفاق على خلافها وهذا أيضا قول القاضي ومذهب الشافعي، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون
السر من جنس العلانية نحو أن يكون السر ألفا والعلانية الفين أو يكونا من جنسين مثل أن يكون
السر مائة درهم والعلانية مائة دينار، وإذا قلنا إن الواجب مهر العلانية فيستحب للمرأة ان تفي للزوج
بما وعدت به وشرطته على نفسها من أنها لا تأخذ إلا مهر السر. قال أحمد في رواية ابن منصور إذا
و ج امرأة في السر بمهر وأعلنوا مهرا ينبغي لهم أن يفوا ويؤخذ بالعلانية فاستحب الوفاء بالشرط
82

لئلا يحصل منهم غرور ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال (المؤمنون على شروطهم) وعلى قول القاضي إذا ادعى
الزوج عقدا في السر انعقد به النكاح فيه مهر قليل قصد فيه فليس لها سواه، وان أنكرته فالقول
قولها لأنها منكرة، وان أقرت به وقالت هما مهران في نكاحين وقال بل نكاح واحد أسررناه ثم
أظهرناه فالقول قولها لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكما كالأول ولها المهر في العقد الثاني
ونصف المهر في العقد الأول ان ادعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول وان أصر على الانكار سئلت
المرأة فإن ادعت أنه دخل بها في النكاح الأول ثم طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها نكاحها ثانيا حلفت على ذلك
واستحقت، وان أقرت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما أقرت به
(فصل) إذا تزوج أربع نسوة في عقد واحد بمهر واحد مثل أن يكون لهن ولي واحد كبنات
الأعمام أو موليات لمولى واحد أو من ليس لهن ولي فزوجهن الحاكم أو كان لهن أولياء فوكلوا وكيلا
واحدا فعقد نكاحهن مع رجل فقبله فالنكاح صحيح والمهر صحيح وبهذا قال أبو حنيفة وهو أشهر قولي
الشافعي (والقول الثاني) ان المهر فاسد ويجب مهر المثل لأن ما يجب لكل واحدة منهن من المهر غير معلوم
ولنا أن الفرض في الجملة معلوم فلا يفسد لجهالته في التفصيل كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل
بثمن واحد وكذلك الصبرة بثمن واحد وهو لا يعلم قدر قفرانها. إذا ثبت هذا فإن الصداق يقسم
بينهن على قدر مهورهن في قول القاضي وابن حامد وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والشافعي. وقال
83

أبو بكر يقسم بينهن بالسوية لأنه أضافه إليهن إضافة واحدة فكان بينهن بالسوية كما لو وهبه لهن أو أقر
به لهن وكما لو اشترى جماعة ثوبا بأثمان مختلفة ثم باعوه مرابحة أو مساومة كان الثمن بينهم بالسواء، وان
اختلفت رؤوس أموالهم، ولان القول بتقسيطه يفضي إلى جهالة العوض لكل واحدة منهن وذلك يفسده
ولنا أن الصفقة اشتملت على سببين مختلفي القيمة فوجب تقسيط العوض عليهما بالقيمة كما لو باع
شقصا وسيفا أو كما لو ابتاع عبدين فوجد أحدهما حرا أو مغصوبا، وقد نص أحمد فيمن ابتاع عبدين
فإذا أحدهما حر انه يرجع بقيمته من الثمن وكذلك نص فيمن تزوج على جاريتين فإذا إحداهما حرة
انه يرجع بقيمة الحرة، ولو اشترى عبدين فوجد أحدهما معيبا فرده فرجع بقسطه من الثمن، وما
ذكره من المسألة غير مسلم له وان سلم فالقيمة ثم واحدة بخلاف مسئلتنا
وأما الهبة والاقرار فليس فيهما قيمة يرجع إليها وتقسم الهبة عليها بخلاف مسئلتنا وإفضاؤه إلى
جهالة التفصيل لا يمنع الصحة إذا كان معلوم الجملة، ويتفرع عن هذه المسألة إذا خالع امرأتين بعوض
واحد أو كاتب عبيدا بعوض واحد أنه يصح مع الخلاف فيه ويقسم العوض في الخلع على قدر
المهرين وفي الكتابة على قدر قيمة العبيد، وعلى قول أبي بكر يقسم بالسوية في المسئلتين
(فصل) وإذا تزوج امرأتين بصداق واحد وإحداهما ممن لا يصح العقد عليها لكونها محرمة
عليه أو غير ذلك وقلنا بصحة النكاح في الأخرى فلها بحصتها من المسمى وبه قال الشافعي على قول
84

وأبو يوسف، وقال أبو حنيفة: المسمى كله للتي يصح نكاحها لأن العقد الفاسد لا يتعلق به حكم بحال
فصار كأنه تزوجها والحائط بالمسمى
ولنا انه عقد على عينين إحداهما لا يجوز العقد عليها فلزمه في الأخرى بحصتها كما لو باع عبده وأم
ولده، وما ذكروه ليس بصحيح فإن المرأة في مقابلة نكاحها مهر بخلاف الحائط
(فصل) فإن جمع بين نكاح وبيع فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري هذه بألف صح ويقسط
الألف على صداقها وقيمة الدار، وان قال زوجتك ابنتي واشتريت منك عبدك هذا بألف فقال
بعتكه وقبلت النكاح صح ويقسط الألف على العبد ومهر المثل. وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح
البيع والمهر لافضائه إلى الجهالة
ولنا أنهما عقدان يصح كل واحد منهما منفردا فصح جمعهما كما لو باعه ثوبين فإن قال زوجتك
ولك هذا الألف بألفين لم يصح المهر لأنه كمسألة مد عجوة
(فصل وأن تزوجها على الف إن كان أبوها حيا وعلى الفين إن كان أبوها ميتا فالتسمية فاسدة
ولها صداق نسائها نص عليه أحمد في رواية مهنا لأن حال الأب غير معلومة فيكون مجهولا وان قال
تزوجتك على الف ان لم أخرجك من دارك وعلى الفين ان أخرجتك منها أو على الف ان لم يكن لي
امرأة وعلى الفين ان كانت لي امرأة فنص أحمد على صحة التسمية في هاتين المسئلتين. وقال القاضي
85

وأبو بكر في الجميع روايتان (إحداهما) لا يصح واختاره أبو بكر لأن سبيله سبيل الشرطين فلم يجز
كالبيع (والرواية الثانية) يصح لأن ألفا معلوم وإنما جهل الثاني وهو معلوم على شرط فإن وجد الشرط
كان زيادة في الصداق والصداق تجوز الزيادة فيه والأولى أولى، والقول بأن هذا تعليق على شرط
لا يصح لوجهين [أحدهما] ان الزيادة لا يصح تعليقها على شرط فلو قال إن مات أبوك فقد زدتك في
صداقك ألفا لم تصح ولم تلزم الزيادة عند موت الأب
(والثاني) ان الشرط ههنا لم يتجدد في قوله إن كان لي زوجة أو إن كان أبوك ميتا ولا الذي جعل
الألف فيه معلوم الوجود ليكون الألف الثاني زيادة عليه، ويمكن الفرق بين المسألة التي نص أحمد
على إبطال التسمية فيها وبين التي نص على الصحة فيها بأن الصفة التي جعل الزيادة فيها ليس للمرأة فيها
غرض يصح بذل العوض فيه وهو كون أبيها ميتا بخلاف المسئلتين اللتين صحت التسمية فيهما فإن
خلو المرأة من ضرة تغيرها وتقاسمها وتضيق عليها من أكبر أغراضها وكذلك إقرارها في دارها بين
أهلها وفي وطنها فلذلك خففت صداقها لتحصيل غرضها وثقلته عند فواته، فعلى هذا يمتنع قياس أحد
الصورتين على الأخرى ولا يكون في كل مسألة إلا رواية واحدة وهي الصحة في المسئلتين الآخرتين
والبطلان في المسألة الأولى وما جاء من المسائل أحلق بأشبههما به
(فصل) وان تزوجها على طلاق امرأة له أخرى لم تصح التسمية ولها مهر مثلها وهذا اختيار
86

أبي بكر وقول أكثر الفقهاء لأن هذا ليس بمال وإنما قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) ولان النبي
صلى الله عليه وسلم قال (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها) صحيح
وروى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى)
ولان هذا لا يصلح ثمنا في بيع ولا أجرا في إجارة فلم يصح صداقا كالمنافع المحرمة. فعلى هذا يكون حكمه
حكم ما لو أصدقها خمرا ونحوه يكون لها مهر المثل أو نصفه ان طلقها قبل الدخول أو المتعة عند من
يوجبها في التسمية الفاسدة.
وعن أحمد رواية أخرى ان التسمية صحيحة لأنه شرط فعلا لها فيه نفع وفائدة لما يحصل لها من
الراحة بطلاقها من مقاسمتها وضررها والغيرة منها فصح صداقا كعتق أبيها وخياطة قميصها ولهذا صح
بذل العوض في طلاقها بالخلع، فعلى هذا ان لم يطلق ضرتها فلها مثل صداق الضرة لأنه سمى لها صداقا
لم يصل إليه فكان لها قيمته كما لو أصدقها عبدا فخرج حرا، ويحتمل ان لها مهر مثلها لأن الطلاق
لا قيمة له، وان جعل صداقها ان طلاق ضرتها إليها إلى سنة فلم تطلقها فقال أحمد إذا تزوج امرأة وجعل
طلاق الأولى مهر الأخرى إلى سنة أو إلى وقت فجاء الوقت ولم تقض شيئا رجع الامر إليه، فقد أسقط
أحمد حقها لأنه جعله لها إلى وقت فإذا مضي الوقت ولم تفض فيه شيئا بطل تصرفها كالوكيل، وهل
يسقط حقها من المهر؟ فيه وجهان ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يسقط لأنها تركت ما شرط لها باختيارها
87

فسقط حقها كما لو تزوجها على عبد فأعتقته (والثاني) لا يسقط لأنها أخرت استيفاء حقها فلا يسقط كما لو
أجلت قبض دراهمها، وهل ترجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الأخرى؟ يحتمل وجهين
(فصل) الزيادة في الصداق بعد العقد تلحق به نص عليه أحمد قال: في الرجل يتزوج المرأة
على مهر فلما رآها زادها في مهرها فهو جائز فإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق الأول
والذي زادها وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي لا تلحق الزيادة بالعقد فإن زادها فهي هبة تفتقر
إلي شروط الهبة، وان طلقها بعد هبتها لم يرجع بشئ من الزيادة. قال القاضي وعن أحمد مثل ذلك
فإنه قال: إذا زوج رجل أمته عبده ثم أعتقهما جميعا فقالت الأمة زدني في مهري حتى أختارك فالزيادة
للأمة، ولو لحقت بالعقد كانت الزيادة للسيد، وليس هذا دليلا على أن الزيادة لا تلحق بالعقد فإن معنى
لحوق الزيادة بالعقد أنها تلزم ويثبت فيها أحكام الصداق من التنصيف بالطلاق قبل الدخول وغيره
وليس معناه أن الملك يثبت فيها قبل وجودها وانها تكون للسيد. واحتج الشافعي بأن الزوج ملك البضع بالمسمى
في القعد فلم يحصل بالزيادة شئ من المعقود عليه فلا تكون عوضا في النكاح لو وهبها شيئا ولأنها زيادة في
عوض العقد بعد لزومه فلم يلحق به كما في البيع
ولنا قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) ولان ما بعد العقد زمن
88

لفرض المهر فكان حالة الزيادة كحالة العقد وبهذا فارق البيع والإجارة، وقولهم انه لم يملك به شيئا
من المعقود عليه قلنا هذا يبطل بجميع الصداق فإن الملك ما حصل به ولهذا صح خلوه عنه وهذا ألزم
عندهم فإنهم قالوا مهر المفوضة إنما وجب بفرضه لا بالعقد، وقد ملك البضع بدونه ثم إنه يجوز أن
يستند ثبوت هذه الزيادة إلى حالة العقد فيكون كأنه ثبت بهما جميعا كما قالوا في مهر المفوضة إذا
فرضه وكما قلنا جميعا فيما إذا فرض لها أكثر من مهر مثلها. إذا ثبت هذا فإن معنى لحوق الزيادة بالعقد
أنه يثبت لها حكم المسمى في العقد في أنها تتنصف بالطلاق ولا تفتقر إلى شروط الهبة وليس معناه أن
الملك يثبت فيها من حين العقد، ولأنها تثبت لمن كان الصداق له لأن الملك لا يجوز تقدمه على سببه ولا
وجوده في حال عدمه، وإنما يثبت الملك بعد سببه من حينئذ، وقال القاضي في الزيادة وجه آخر أنها
تسقط بالطلاق، ولا أعرف وجه ذلك فإن من جعلها صداقا جعلها تستقر بالدخول وتتنصف بالطلاق
قبله وتسقط كلها إذا جاء الفسخ من قبل المرأة، ومن جعلها هبة جعلها جميعها للمرأة لا تتنصف
بطلاقها إلا أن تكون غير مقبوضة فإنها تسقط لكونها عدة غير لازمة. قان كان القاضي أراد
ذلك فهذا وجه وإلا فلا
89

(مسألة) قال (فإذا أصدقها غنما فتوالدت ثم طلقها قبل الدخول كانت الأولاد لها
ورجع بنصف الأمهات الا أن تكون الولادة نقصتها فيكون مخيرا بين ان يأخذ نصف
قيمتها وقت ما أصدقها أو يأخذ نصفها ناقصة)
قد ذكرنا أن المهر يدخل في ملك المرأة بمجرد العقد فإذا زاد فالزيادة لها وان نقص فعليها، وإذا
كانت غنما فولدت فالأولاد زيادة منفصلة تنفرد بها دونه لأنه نماء ملكها ويرجع في نصف الأمهات
ان لم تكن نقصت ولا زادت زيادة متصلة لأنه نصف ما فرض لها، وقد قال الله تعالى (وان طلقتموهن
من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وان كانت نقصت بالولادة أو بغيرها
فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصا لأنه راض بدون حقه وبين أخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها لأن
ضمان النقص عليها وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يرجع في نصف الأصل، وإنما يرجع في نصف
القيمة لأنه لا يجوز فسخ العقد في الأصل دون النماء لأنه موجب العقد فلم يجز رجوعه في الأصل بدونه
ولنا أن هذا نماء منفصل عن الصداق فلم يمنع رجوع الزوج كما لو انفصل قبل القبض وما ذكروه
فغير صحيح لأن الطلاق ليس برفع للعقد ولا النماء من موجبات العقد إنما هو من موجبات الملك إذا ثبت
هذا فلا فرق بين كون الولادة قبل تسليمه إليها أو بعده إلا أن يكون قد منعها قبضه فيكون النقص من
90

ضمانه والزيادة لها فتنفرد بالأولاد، وان نقصت الأمهات خيرت بين أخذ نصفها ناقصة
وبين أخذ نصف قيمتها أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها، وإن أراد الزوج أخذ نصف
قيمة الأمهات من المرأة لم يكن له ذلك، وقال أبو حنيفة إذا ولدت في يد الزوج ثم طلقها قبل
الدخول رجع في نصف الأولاد أيضا لأن الولد دخل في التسليم المستحق بالعقد لأن حق التسليم
تعلق بالام فسرى إلى الولد كحق الاستيلاد وما دخل في التسليم المستحق يتنصف بالطلاق كالذي
دخل في العقد.
ولنا قول الله تعالى (فنصف ما فرضتم) وما فرض ههنا الا الأمهات فلا يتنصف سواها ولان
الولد حدث في ملكه فأشبه ما حدث في يدها ولا يشبه حق التسليم حق الاستيلاد فإن حق الاستيلاد
يسري وحق التسليم لا سراية له فإن تلف في يد الزوج وكانت المرأة قد طالبت به فمنعها ضمنه كالغاصب
وإلا لم يضمنه لأنه تبع لامه
(فصل) والحكم في الصداق إذا كان جارية كالحكم في الغنم فإذا ولدت كان الولد لها كولد الغنم
إلا أنه ليس له الرجوع في نصف الأصل لأنه يفضي إلى التفريق بين الام وولدها في بعض الزمان
وكما لا يجوز التفريق بينها وبين ولدها في جميع الزمان لا يجوز في بعضه فيرجع أيضا في نصف قيمتها
وقت ما أصدقها لا غير
(فصل) وإن كان الصداق بهيمة حائلا فحملت فالحمل فيها زيادة متصلة إن بذلتها له بزيادتها لزمه
91

قبولها وليس ذلك معدودا نقصا ولذلك لا يرد به المبيع به وإن كان أمة فحملت فقد زادت من وجه لأجل
ولدها ونقصت من وجه لأن الحمل في النساء نقص لخوف التلف عليها حين الولادة ولهذا يرد بها المبيع
فحينئذ لا يلزمها بذلها لأجل الزيادة ولا يلزمه قبولها لأجل النقص وله نصف قيمتها، وإن اتفقا على
تنصيفها جاز، وإن أصدقها حاملا فولدت فقد أصدقها عينين الجارية وولدها وزاد الولد في ملكها فإن
طلقها فرضيت ببذل النصف من الام والولد جميعا أجبر على قبولهما لأنها زيادة غير متميزة وإن لم تبذله
لم يجز له الرجوع في نصف الولد لزيادته ولا في نصف الام لما فيه من التفرقة بينها وبين ولدها ويرجع
بنصف قيمة الام وفي نصف الولد وجهان
(أحدهما) لا يستحق نصف قيمته لأنه حالة العقد لا قيمة له وحالة الانفصال قد زاد في ملكها
فلا يقوم الزوج بزيادته ويفارق ولد المغرور، فإن وقت الانفصال وقت الحيلولة فلهذا قوم
فيها بخلاف مسئلتنا.
(والثاني) له نصف قيمته لأنه أصدقها عينين فلا يرجع في إحداهما دون الأخرى ويقوم حالة
الانفصال لأنها أول حالة امكان تقويمه، وفي المسألة وجه آخر وهو أن الحمل لا حكم له فيكون كأنه حادث
(فصل) إذا كان الصداق مكيلا أو موزونا فنقص في يد الزوج قبل تسليمه إليها أو كان غير
المكيل والموزون فمنعها أن تتسلمه فالنقص عليه لأنه من ضمانه وتتخير المرأة بين أخذ نصفه ناقصا
92

مع أرش النقص وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها لأنه ان زاد فلها
وان نقص فعليه فهو بمنزلة الغاصب ولا يضمن زيادة القيمة لتغير الأسعار لأنها ليست من ضمان
الغاصب فههنا أولى.
* (مسألة) * قال (وإذا أصدقها أرضا فبنتها دارا أو ثوبا فصبغته ثم طلقها قبل الدخول
رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها إلا أن يشاء أن يعطيها نصف قيمة البناء أو الصبغ فيكون
له النصف أو تشاء هي أن تعطيه زائدا فلا يكون له غيره)
إنما كان له نصف القيمة لأنه قدر صار في الأرض والثوب زيادة للمرأة وهي البناء والصبغ فإن
دفعت إليه نصف الجميع زائدا فعليه قبوله لأنه حقه وزيادة، وإن بذل لها نصف قيمة البناء والصبغ
ويكون له النصف فقال الخرقي له ذلك، قال القاضي هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لأنها تجبر على
قبوله لأن بيع البنا معاوضة فلا تجبر المرأة عليها، والصحيح أنها تجبر لأن الأرض حصلت له وفيها بناء
لغيره فإذا بذل القيمة لزم الآخر قبوله كالشفيع إذا أخذ الأرض بعد بناء المشتري فيها فبذل الشفيع
قيمته لزم المشتري قبولها، وكذلك إذا رجع المعير في أرضه وفيها بناء أو غرس للمستعير فبذل المعير
قيمة ذلك لزم المستعير قبولها
93

(فصل) إذا أصدقها نخلا حائلا فأثمرت في يده فالثمرة لها لأنها نماء ملكها فإن جذها بعد تناهيها
وجعلها في ظروف والقى عليها صفرا من صفرها وهو سيلان الرطب بغير طبخ وهذا يفعله أهل الحجاز
حفظا لرطوبتها لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن لا تنقص قيمة الثمرة والصفر بل كانا بحالهما أو زادا
فإنه يردهما عليها ولا شئ عليه (الثاني) أن تنقص قيمتها وذلك على ضربين (أحدهما) أن يكون نقصهما
متناهيا فإنه يدفعهما إليها وأرش نقصهما لأنه تعدى بما فعله من ذلك (الضرب الثاني) أن لا يتناهى
بل يتزايد ففيه وجهان (أحدهما) أنها تأخذ قيمتها لأنها كالمستهلكة (الثاني) هي مخيرة بين ذلك وبين
تركها حتى يستقر نقصها وتأخذها وأرشها كالمغصوب منه (الحال الثالث) أن لا تنقص قيمتها لكن إن
أخرجها من ظروفها نقصت قيمتها فللزوج اخراجها واخذ ظروفها ان كانت الظروف ملكه وإذا نقصت
فالحكم على ما ذكرناه، وان قال الزوج انا أعطيكها مع ظروفها فقال القاضي يلزمها قبولها لأن ظروفها
كالمتصلة بها التابعة لها ويحتمل أن لا يلزمها قبولها لأن الظروف عين ماله فلا يلزمها قبولها كالمنفصلة عنها
(فصل) فإن كانت بحالها إلا إن الصفر المتروك على الثمرة ملك الزوج فإنه ينزع الصفر ويرد
الثمرة والحكم فيها إن نقصت أو لم تنقص كالتي قبلها فإن قال أنا أسلمها مع الصفر والظروف فعلى
الوجهين الذين ذكرناهما وفي الموضع الذي حكمنا أن له رده إذا قالت إنا أرد الثمرة وآخذ الأصل فلها
ذلك في أحد الوجهين والآخر ليس لها ذلك مبنيان على تفريق الصفقة في البيع وقد ذكرناها في موضعها
94

(فصل) إذا كان الصداق جارية فوطئها الزوج عالما بزوال ملكه وتحريم الوطئ عليه فعليه الحد
لأنه وطئ في غير ملكه وعليه المهر لسيدتها أكرهها أو طاوعته لأن المهر لمولاتها فلا يسقط ببذلها
ومطاوعتها كما لو بذلت يدها للقطع، والولد رقيق (1) للمرأة وإن اعتقد أن ملكه لم يزل عن جميعها أو غير
عالم بتحريمها عليه فلا حد عليه للشبهة وعليه المهر والولد حر لاحق نسبه به وعليه قيمته يوم ولادته ولا
تصير أم ولد له وإن ملكها بعد ذلك لأنه لا ملك له فيها، وتخير المرأة بين أخذها في حال حملها وبين أخذ
قيمتها لأنه نقصها باحبالها، وهل لها الأرش مع ذلك؟ يحتمل أن لها الأرش لأنها نقصت بعدوانه أشبه
ما لو نقصها الغاصب بذلك، وقال بعض أصحاب الشافعي في الأرش ههنا قولان وقال بعضهم ينبغي
أن يكون لها المطالبة بالأرش قولا واحدا لأن النقص حصل بفعله الذي تعدى به فهو كالغاصب وكما
لو طالبته فمنع تسليمها وهذا أصح

(1) في نسخة رهن
95

(فصل) إذا أصدق ذمي ذمية خمرا فتخللت في يدها ثم طلقها قبل الدخول احتمل أن لا يرجع
عليها بشئ لأنها قد زادت في يدها بالتخلل والزيادة لها، وإن أراد الرجوع بنصف قيمتها قبل التخلل
فلا قيمة لها وإنما يرجع إذا زادت في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض وحينئذ
لا قيمة لها، وإن تخللت في يد الزوج ثم طلقها فلها نصفها لأن الزيادة لها ويحتمل أن يكون الخل له وعليه
نصف مهر مثلها إذا ترافعها إلينا قبل القبض أو أسلما أو أحدهما
(فصل) إذا تزوج امرأة فضمن أبوه نفقتها عشر سنين صح ذكره أبو بكر لأن أكثر ما فيه أنه
ضمان مجهول أو ضمان ما لم يجب وكلاهما صحيح ولا فرق بين كون الزوج موسرا أو معسرا، واختلف
أصحاب الشافعي فمنهم من قال كقولنا ومنهم من قال لا يصح الا ضمان نفقة المعسر لأن غير المعسر
يتغير حاله فيكون عليه نفقة الموسر أو المتوسط فيكون ضمان مجهول والمعسر معلوم ما عليه ومنهم من
قال لا يصح أصلا لأنه ضمان ما لم يجب
96

ولنا أن الحبل لا يمنع صحة الضمان بدليل صحة ضمان نفقة المعسر مع احتمال أن يموت أحدهما
فتسقط النفقة ومع ذلك صح الضمان فكذلك هذا
(فصل) ويجب المهر للمنكوحة نكاحا صحيحا والموطوءة في نكاح فاسد، والموطوءة بشبهة بغير
خلاف نعلمه، ويجب للمكرهة على الزنا وعن أحمد رواية أخرى أنه لا مهر لها ان كانت ثيبا، واختاره
أبو بكر، ولا يجب مع ذلك أرش البكارة، وذكر القاضي ان احمد قد قال في رواية أبي طالب في
حق الأجنبية إذا أكرهها على الزنا وهي بكر فعليه المهر وأرش البكارة، وهذا قول الشافعي، وقال
أبو حنيفة لا مهر للمكرهة على الزنا
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (فلها المهر بما استحل من فرجها وهذا حجة على أبي حنيفة فإن المكره مستحل
لفرجها فإن الاستحلال الفعل في غير موضع الحل كقوله عليه السلام (ما آمن بالقرآن من استحل
محارمه) وهو حجة على من أوجب الأرش لكونه أوجب المهر وحده من غير أرش ولأنه استوفى
ما يجب بدله بالشبهة، وفي العقد الفاسد كرها فوجب بدله كاتلاف المال وأكل طعام الغير
97

ولنا على أنه لا يجب الأرش أنه وطئ ضمن بالمهر فلم يجب معه أرش كسائر الوطئ يحققه أن المهر
بدل المنفعة المستوفاة بالوطئ وبدل المتلف لا يختلف بكونه في عقد فاسد وكونه تمحض عدوانا ولان
الأرش يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل ومهر البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها فكانت الزيادة
في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة فلا يجب عوضها مرة ثانية يحققه أنه إذا أخذ أرش البكارة مرة لم يجز
أخذه مرة أخرى فتصير كأنها معدومة فلا يجب لها الا مهر ثيب، ومهر الثيب مع أرش البكارة هو
مهر مثل البكر فلا تجوز الزيادة عليه والله أعلم
(فصل) ولا فرق بين كون الموطوءة أجنبية أو من ذوات محارمه وهو اختيار أبي بكر ومذهب
النخعي ومكحول وأبي حنيفة والشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أن ذوات محارمه من النساء لا مهر
لهن وهو قول الشعبي لأن تحريمهن تحريم أصل فلا يستحق به مهر كاللواط وفارق من حرمت تحريم
المصاهرة فإن تحريمها طارئ، وكذلك ينبغي أن يكون الحكم في من حرمت بالرضاع لأنه طارئ أيضا،
98

وعن أحمد رواية أخرى أن من تحرم ابنتها لا مهر لها كالأم والبنت والأخت ومن تحل ابنتها كالعمة
والخالة فلها المهر لأن تحريمها أخف
ولنا أن ما ضمن للأجنبي ضمن للمناسب كالمال ومهر الأمة ولأنه أتلف منفعة بضعها بالوطئ
فلزمه مهرها كالأجنبية، ولأنه محل مضمون على غيره فوجب عليه ضمانه كالمال، وبهذا فارق اللواط
فإنه ليس بمضمون على أحد
(فصل) ولا يجب المهر بالوطئ في الدبر ولا اللواط لأن الشرع لم يرد ببدله، ولا هو اتلاف
لشئ فأشبه القبلة، والوطئ دون الفرج ولا يجب للمطاوعة على الزنا لأنها باذلة لما يجب بذله لها
فلم يجب لها شئ كما لو أذنت له في قطع يدها فقطعها إلا أن تكون أمة فيكون المهر لسيدها ولا يسقط
ببذلها لأن الحق لغيرها فأشبه ما لو بذلت قطع يدها
99

(فصل) ولو طلق امرأته قبل الدخول طلقة وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل ونصف
المسمى، وقال مالك لا يلزمه إلا مهر واحد
ولنا أن المفروض يتنصف بطلاقه بقوله سبحانه (فنصف ما فرضتم) ووطؤه بعد ذلك عري عن
العقد فوجب به مهر المثل كما لو علم أو كغيرها أو كما لو وطئها غيره
(فصل) ومن نكاحها باطل بالاجماع كالمزوجة والمعتدة إذا نكحها رجل فوطئها عالما بالحال،
وتحريم الوطئ وهي مطاوعة عالمة فلا مهر لها لأنه زنا يوجب الحدود وهي مطاوعة عليه، وان جهلت تحريم ذلك
أو كونها في العدة فالمهر لها لأنه وطئ شبهة
وقد روى أبو داود باسناده أن رجلا يقال له نصر بن أكتم نكح امرأة فولدت لأربعة أشهر
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها الصداق. وفي لفظ قال (الصداق بما استحللت من فرجها فإذا ولدت فاجلدوها)
100

وروى سعيد في سننه عن عمران بن كثير أن عبد الله بن الحر تزوج جارية من قومه يقال لها الدرداء
فانطلق عبيد الله فلحق بمعاوية ومات أبو الجارية فزوجها أهلها رجلا يقال له عكرمة فبلغ ذلك عبيد الله
فقدم فخاصمهم إلى علي رضي الله عنه فقصوا عليه قصتهم فرد عليه المرأة وكانت حاملا من عكرمة فوضعت
على يدي عدل فقالت المرأة لعلي أنا أحق بمالي أو عبيد الله؟ قال بل أنت أحق بمالك قالت فاشهدوا
أن ما كان لي على عكرمة من صداق فهو له، فلما وضعت ما في بطنها ردها على عبيد الله بن الحر
والحق الولد بأبيه.
(فصل) والصداق إذا كان في الذمة فهو دين إذا مات من هو عليه وعليه دين سواء قسم ماله
بينهم بالحصص، قال احمد في مريض تزوج في مرضه وعليه دين ومات: ما ترك بين الغرماء والمرأة بالحصص
وذلك لأن نكاح المريض صحيح والصداق دين فيساوى سائر الديون
101

(فصل) وكل فرقة كانت قبل الدخول من قبل المرأة مثل اسلامها أو ردتها أو ارضاعها من
ينفسخ النكاح بارضاعه أو ارتضاعها وهي صغيرة أو فسخت لاعساره أو عيبه أو لعتقها تحت عبد أو
فسخ بعيبها فإنه يسقط به مهرها ولا يجب لها متعة لأنها أتلفت المعوض قبل تسليمه فسقط البدل كله
كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه، وإن كانت بسبب الزوج كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو جاءت
من أجنبي كالرضاع أو وطئ ينفسخ به النكاح سقط نصف المهر ووجب نصفه أو المتعة لغير من سمي
لها ثم يرجع الزوج على من فسخ النكاح إذا جاء الفسخ من قبل أجنبي، وإن قتلت المرأة استقر المهر
جميعه لأنها فرقة حصلت بالموت وانتهاء النكاح فلا يسقط بها المهر كما لو ماتت حتف أنفها سواء قتلها
زوجها أو أجنبي أو قتلت نفسها أو قتل الأمة سيدها، وإن طلق الحاكم على الزوج في الايلاء فهو
كطلاقه لأنه قام مقامه في إيفاء الحق عليه عند امتناعه منه وفي فرقة اللعان روايتان
102

(إحداهما) هي كطلاقه لأن سبب اللعان قذفه الصادر منه (والثانية) يسقط به مهرها لأن
الفسخ عقيب لعانها فهو كفسخها لعنته وفي فرقة شرائها لزوجها أيضا روايتان
(إحداهما) يتنصف بها مهرها لأن البيع الموجب للفسخ ثم بالسيد القائم مقام الزوج وبالمرأة فأشبه
الخلع (والثانية يسقط المهر لأن الفسخ وجد عقيب قبولها فأشبه فسخها لعنته وفيما إذا اشترى الحر
امرأته وجهان مبنيان على الروايتين في شرائها لزوجها، وإذا جعل لها الخيار فاختارت نفسها أو
وكلها في الطلاق فطلقت نفسها فهو كطلاقه لا يسقط مهرها لأن المرأة وإن باشرت الطلاق فهي نائبة
عنه ووكيلة له وفعل الوكيل كفعل الموكل فكأنه صدر عن مباشرته، وإن علق طلاقها على فعل من
قبلها لم يسقط مهرها لأن السبب منه وجد، وإنما هي حققت شرطه والحكم ينسب إلى صاحب
السبب والله أعلم.
103

كتاب الوليمة
الوليمة اسم للطعام في العرس خاصة لا يقع هذا الاسم على غيره كذلك حكاه ابن عبد البر عن
ثعلب وغيره من أهل اللغة، وقال بعض الفقهاء من أصحابنا وغيرهم إن الوليمة تقع على كل طعام لسرور
حادث الا أن استعمالها في طعام العرس أكثر وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل اللسان وهو أعرف
بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب، والعذيرة اسم لدعوة الختان وتسمى الاعذار والخرس والخرسة
عند الولادة، والوكيرة دعوة البناء يقال وكر وخرس مشدد، والنقيعة عند قدوم الغائب يقال نقع
مخفف، والعقيقة الذبح لأجل الولد. قال الشاعر:
كل الطعام تشتهي ريعه * الخرس والاعذار والنقيعه
والحذاق الطعام عند حذاق الصبي، والمأدبة اسم لكل دعوة لسبب كانت أو لغير سبب،
والآدب صاحب المأدبة. قال الشاعر:
نحن في المشتاة ندعوا الجفلى * لا يرى الآدب منها ينتقر
والجفلى في الدعوة أن يعم الناس بدعوته والنقري هو أن يخص قوما دون قوم
104

* (مسألة) * قال (ويستحب لمن تزوج ان يؤلم ولو بشاة)
لا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة سنة في العرس مشروعة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها
وفعلها فقال لعبد الرحمن بن عوف حين قال تزوجت (أولم ولو بشاة) وقال أنس ما أولم رسول الله
صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب جعل يبعثني فأدعو له الناس فأطعمهم خبزا ولحما حتى
شبعوا، وقال أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية لنفسه فخرج بها حتى بلغ ثنية الصهباء فبنى بها
ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال (ائذن لم حولك) فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية،
متفق عليهن، ويستحب أن يؤلم بشاة ان أمكنه ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن (أولم ولو
بشاة) وقال أنس ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة، لفظ البخاري
فإن أولم بغير هذا جاز فقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بحيس، وأولم على بعض نسائه بمدين
من شعير، رواه البخاري
(فصل) وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم، وقال بعض أصحاب الشافعي هي واجبة لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولان الإجابة إليها واجبة فكانت واجبة
ولنا انها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والخبر محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه
105

وكونه أمر بشاة ولا خلاف في أنها لا تجب وما ذكروه من المعنى لا أصل له ثم هو باطل بالسلام ليس
بواجب وإجابة المسلم واجبة
* (مسألة) * قال (وعلى من دعي ان يجيب)
قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو وبه
يقول مالك والشافعي والعنبري وأبو حنيفة وأصحابه ومن أصحاب الشافعي من قال هي من فروض
الكفايات لأن الإجابة إكرام وموالاة فهي كرد السلام
ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) وفي لفظ
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها) وقال أبو هريرة شر الطعام طعام
الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله. رواهن البخاري،
وهذا عام، ومعنى قوله شر الطعام طعام الوليمة والله أعلم أي طعام الوليمة التي يدعى إليها الأغنياء ويترك
الفقراء ولم يرد ان كل وليمة طعامها شر الطعام فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها ولا أمر
بالإجابة إليها ولا فعلها ولان الإجابة تجب بالدعوة فكل من دعي فقد وجبت عليه الإجابة
(فصل) وإنما تجب الإجابة على من عين بالدعوة بأن يدعو رجلا بعينه أو جماعة معينين فإن
106

دعا الجفلى بأن يقول يا أيها الناس أجيبوا إلى الوليمة أو يقول الرسول أمرت ان أدعو كل من لقيت
أو من شئت لم تجب الإجابة ولم تستحب لأنه لم يعين بالدعوة فلم تتعين عليه الإجابة ولأنه غير
منصوص عليه ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك إجابته، وتجوز الإجابة بهذا لدخوله في عموم الدعاء
(فصل) وإذا صنعت الوليمة أكثر من يوم جاز فقد روى الخلال باسناده عن أبي انه أعرس
ودعى الأنصار ثمانية أيام وإذا دعي في اليوم الأول وجبت الإجابة وفي اليوم الثاني تستحب الإجابة
وفي اليوم الثالث لا تستحب، قال أحمد الأول يجب والثاني ان أحب والثالث فلا وهكذا مذهب
الشافعي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة)
رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما وقاله سعيد بن المسيب أيضا. ودعي سعيد إلى وليمة مرتين فأجاب
فدعي الثالثة فحصب الرسول، رواه أبو داود والخلال
(فصل) والدعاء إلى الوليمة إذن في الدخول والاكل بدليل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(إذ دعي أحدكم فجاء مع الرسول فذلك إذن له) رواه أبو داود، وقال عبد الله بن مسعود إذا دعيت
فقد أذن لك رواه الإمام أحمد باسناده
(فصل) فإن دعاه ذمي فقال أصحابنا لا تجب إجابته لأن الإجابة للمسلم للاكرام والموالاة
وتأكيد المودة والإخاء فلا تجب على المسلم للذمي ولأنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة
ولكن تجوز اجابتهم لما روى أنس أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فاجابه
ذكره الأمام احمد في الزهد
107

(فصل) فإن دعاه رجلان ولم يمكن الجمع بينهما وسبق أحدهما أجاب السابق لأن اجابته وجبت
حين دعاه فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني ولم تجب إجابة الثاني لأنها غير ممكنة مع إجابة الأول، فإن
استويا أجاب أقربهما منه بابا لما روى أبو داود باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا اجتمع داعيان
فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق) وروى
البخاري باسناده عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ان لي جارين فإلى أيهما أهدي قال (أقربهما
منك بابا) ولان هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أجاب أقربهما رحما لما فيه من صلة
الرحم فإن استويا أجاب أدينهما فإن استويا أقرع بينهما لأن القرعة تعين المستحق عند استواء الحقوق
* (مسألة) * قال (فإن لم يجب ان يطعم دعا وانصرف)
وجملة ذلك أن الواجب الإجابة إلى الدعوة لأنها الذي أمر به وتوعد على تركه أما الاكل فغير واجب
صائما كان أو مفطرا نص عليه أحمد لكن إن كان المدعو صائما صوما واجبا أجاب ولم يفطر لأن
الفطر غير جائز فإن الصوم واجب والاكل غير واجب، وقد روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليدع وإن كان مفطرا فليطعم) رواه أبو داود وفي رواية
فليصل يعني يدعو ودعي ابن عمر إلى وليمة فحضر ومد يده وقال بسم الله ثم قبض يده وقال كلوا
فاني صائم، وإن كان صوما تطوعا استحب له الاكل لأن له الخروج من الصوم فإذا كان في الاكل إجابة
أخيه المسلم وادخال السرور على قلبه كان أولى وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعة
108

فاعتزل رجل من القوم ناحية فقال إني صائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (دعاكم أخوكم وتكلف لكم كل ثم صم
يوما مكانه ان شئت) وان أحب اتمام الصيام جاز لما روينا من الخبر المتقدم ولكن يدعو لهم ويبارك
ويخبرهم بصيامه ليعلموا عذره فتزول عنه التهمة في ترك الأكل، وقد روى أبو حفص باسناده عن عثمان
ابن عفان رضي الله عنه أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم فقال إني صائم ولكنني أحببت أن أجيب
الداعي فادعو بالبركة، وعن عبد الله قال إذا عرض على أحدكم الطعام وهو صائم فليقل إني صائم وإن
كان مفطرا فالأولى له الاكل لأنه أبلغ في اكرام الداعي وجبر قلبه ولا يجب عليه ذلك، وقال أصحاب
الشافعي فيه وجه آخر أنه يلزمه الاكل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإن كان مفطرا فليطعم) ولان المقصود
منه الاكل فكان واجبا
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وان شاء ترك) حديث صحيح،
ولأنه لو وجب الاكل لوجب على المتطوع بالصوم فلما لم يلزمه الاكل لم يلزمه إذا كان مفطرا وقولهم
المقصود الاكل قلنا بل المقصود الإجابة ولذلك وجبت على الصائم الذي لا يأكل
(فصل) إذا دعى إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه وأمكنه الانكار وإزالة المنكر لزمه
الحضور والانكار لأنه يؤدي فرضين إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر وان لم يقدر على الانكار لم يحضر
وان لم يعلم بالمنكر حتى حضر ازاله فإن لم يقدر انصرف ونحو هذا قال الشافعي وقال مالك اما اللهو
الخفيف كالدف والكير فلا يرجع وقاله ابن القاسم وقال أصبغ أرى ان يرجع وقال أبو حنيفة إذا
وجد اللعب فلا بأس ان يقعد فيأكل
109

وقال محمد بن الحسن إن كان ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج، وقال الليث إذا كان فيها
الضرب بالعود فلا ينبغي له أن يشهدها. والأصل في هذا ما روى سفينة أن رجلا أضافه علي فصنع له
طعاما فقالت فاطمة لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى
قراما في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة لعلي الحقه فقل له ما أرجعك يا رسول الله فقال إنه ليس
لي أن أدخل بيتا مزوقا حديث حسن، وروى أبو حفص باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر) وعن نافع قال كنت أسير مع عبد الله بن
عمر فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول يا نافع أتسمع حتى قلت
لا فأخرج أصبعيه من أذنيه ثم رجع إلى الطريق ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع رواه أبو
داود والخلال ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة إلى ذلك فمنع منه كما لو قدر على ازالته
ويفارق من له جار مقيم على المنكر والزمر حيث يباح له المقام فإن تلك حال حاجة لما في الخروج
من المنزل من الضرر.
(فصل) فإن رأى نقوشا وصور شجر ونحوها فلا بأس بذلك لأن تلك نقوش فهي كالعلم
في الثوب وان كانت فيه صور حيوان في موضع يوطأ أو يتكأ عليها كالتي في البسط والوسائد جاز
أيضا وان كانت على الستور والحيطان ومالا يوطأ وأمكنه حطها أو قطع رؤوسها فعل وجلس وان لم
يكن ذلك أنصرف ولم يجلس وعلى هذا أكثر أهل العلم، قال ابن عبد البر هذا أعدل المذاهب وحكاه
عن سعد بن أبي وقاص وسالم وعروة وابن سيرين وعطاء وعكرمة بن خالد وعكرمة مولى ابن عباس
110

وسعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي وكان أبو هريرة يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط وكذلك
مالك الا أنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة ولعلهم يذهبون إلى عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن
الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة)، متفق عليه وروي عن ابن مسعود أنه دعي إلى طعام فلما قيل
له ان في البيت صورة أبى أن يذهب حتى كسرت
ولنا ما روت عائشة قالت قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير فلما
رآه قال أتسترن الخدر بستر فيه تصاوير فهتكه قالت فجعلت منه منتذبتين كأني أنظر إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم متكئا على إحداهما رواه ابن عبد البر ولأنها إذا كانت تداس وتبتذل لم تكن معززة ولا معظمة
فلا تشبه الأصنام التي تعبد وتتخذ آلهة فلا تكرم وما رويناه أخص مما رووه وقد روي عن أبي طلحة
أنه قيل له ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب) قال ألم تسمعه قال
(الا رقما في ثوب) متفق عليه وهو محمول على ما ذكرناه من أن المباح ما كان مبسوطا والمكروه منه ما
كان معلقا بدليل حديث عائشة.
(فصل) فإن قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة قال ابن عباس الصورة الرأس فإذا قطع الرأس
فليس بصورة وحكي ذلك عن عكرمة وقد روي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتأتي
جبريل فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت الا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت ستر
فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع فيصير كهيئة الشجر ومر
بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن ومر بالكلب فليخرج. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وان
111

قطع منه مالا يبقى الحيوان بعد ذهابه كصدره أو بطنه أو جعل له رأس منفصل عن بدنه لم يدخل
تحت النهي لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه فهو كقطع الرأس وإن كان الذاهب يبقى الحيوان بعده
كالعين واليد والرجل فهو صورة داخلة تحت النهي وكذلك إذا كان في ابتداء التصويرة صورة بدن بلا
رأس أو رأس بلا بدن أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي لأن
ذلك ليس بصورة حيوان.
(فصل) وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الذين
يصنعون هذه الصورة يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم) وعن مسروق قال دخلنا مع عبد الله
بيتا فيه تماثيل فقال لتمثال منها تمثال من هذا قالوا تمثال مريم قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان أشد
الناس عذابا يوم القيامة المصورون) متفق عليهما والامر بعمله محرم كعمله
(فصل) فأما دخول منزل فيه صورة فليس بمحرم وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة للداعي
باسقاط حرمته لايجاده المنكر في داره ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام
أحمد فإنه قال في رواية الفضل إذا رأى صورا على الستر لم يكن رآها حين دخل قال هو أسهل من أن
يكون على الجدار قيل فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج؟ فقال لا تضيق علينا ولكن
إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم يعني لا يخرج وهذا مذهب مالك فإنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة وقال
112

أكثر أصحاب الشافعي إذا كانت الصور على الستور أو ما ليس بموطوء لم يجز له الدخول لأن الملائكة لا تدخله
ولأنه لو لم يكن محرما لما جاز ترك الدعوة الواجبة من أجله
ولنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام
فقال (قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط) رواه أبو داود وما ذكرنا من خبر عبد الله أنه دخل
بيتا فيه تماثيل وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة أو يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ليدخلها
المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم، وروى ابن عائد في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر رضي
الله عنه حين قدم الشام طعاما فدعوه فقال أين هو؟ قالوا في الكنيسة فأبى أن يذهب، وقال لعلي
امض بالناس فليغتدوا فذهب علي رضي الله عنه بالناس فدخل الكنيسة وتغذى هو والمسلمون وجعل
علي ينظر إلى الصور وقال ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها
الصورة، ولان دخول الكنائس والبيع غير محرم فكذلك المنازل التي فيها الصور وكون الملائكة لا تدخله
لا يوجب تحريم دخوله علينا كما لو كان فيه كلب ولا يحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس مع أن الملائكة لا تصحبهم
وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله وزجرا له عن فعله والله أعلم
(فصل) فأما ستر الحيطان بستور غير مصورة فإن كان لحاجة من وقاية حر أو برد فلا بأس به
لأنه يستعمله في حاجته فأشبه الستر على الباب وما يلبسه على بدنه، وإن كان لغير حاجة فهو مكروه
113

وعذر في الرجوع عن الدعوة وترك الإجابة بدليل ما روى سالم بن عبد الله بن عمر قال: أعرست في
عهد أبي فآذن أبي الناس فكان أبو أيوب فيمن آذن وقد ستروا بيتي بخباء أخضر فأقبل أبو أيوب
مسرعا فاطلع فرأى البيت مستترا بخباء أخضر فقال يا عبد الله أتسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا
غلبتنا النساء يا أبا أيوب، فقال من خشيت أن يغلبنه فلم أخش أن يغلبنك ثم قال لا أطعم لكم طعاما
ولا أدخل لكم بيتا ثم خرج. رواه الأثرم
وروي عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه دعي إلى طعام فرأى البيت منجدا فقعد خارجا وبكى
قيل ما يبكيك؟ قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد رقع بردة له بقطعة أدم فقال (تطالعت
عليكم الدنيا - ثلاثا ثم قال - أنتم اليوم خير أم إذا غدت عليكم قصعة وراحت أخرى ويغدو أحدكم
في حلة ويروح في أخرى وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة) قال عبد الله أفلا أبكي وقد بقيت حتى رأيتكم
تسترون بيوتكم كما تستر الكعبة؟
وقد روى الخلال باسناده عن ابن عباس وعلي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تستر
الجدر. وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا فيما رزقنا أن نستر الجدر. إذا ثبت هذا فإن ستر
الحيطان مكروه غير محرم وهذا مذهب الشافعي إذ لم يثبت في تحريمه دليل وقد فعله ابن عمر وفعل
في زمن الصحابة رضي الله عنهم وإنما كره لما فيه من السرف كالزيادة في الملبوس والمأكول وقد قيل هو
محرم للنهي عنه والأول أولى فإن النهي لم يثبت ولو ثبت لحمل على الكراهة لما ذكرناه
114

(فصل) وسئل احمد عن الستور فيها القرآن فقال لا ينبغي أن يكون شيئا معلقا فيه القرآن يستهان
به ويمسح به، قيل له فيقلع؟ فكره أن يقلع القرآن! وقال إذا كان ستر فيه ذكر الله فلا بأس به وكره
أن يشترى الثوب فيه ذكر الله مما يجلس عليه أو يداس
(فصل) قيل لأبي عبد الله الرجل يكتري البيت فيه تصاوير ترى أن يحكها؟ قال نعم، قال
المروذي قلت لأبي عبد الله دخلت حماما فرأيت صورة أترى أن أحك الرأس؟ قال نعم إنما جاز ذلك
لأن اتخاذ الصورة منكر فجاز تغييرها كآلة اللهو والصليب والصنم ويتلف منها ما يخرجها عن حد الصورة
كالرأس ونحوه لأن ذلك يكفي، قال احمد ولا بأس باللعب ما لم تكن صورة لما روي عن عائشة قالت
دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ألعب باللعب فقال (ما هذا يا عائشة؟) فقلت هذه خيل سليمان فجعل
يضحك، رواه مسلم بنحوه
(فصل) والدف ليس منكر لما ذكرنا من الأحاديث فيه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم به في النكاح،
وروت عائشة أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفعان وتضربان والنبي صلى الله
عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال (دعهما يا أبا بكر فإنها
أيام عيد) متفق عليه
(فصل) واتخاذ آنية الذهب والفضة محرم فإذا رآه المدعو في منزل الداعي فهو منكر يخرج من
أجله، وكذلك ما كان من الفضة مستعملا كالمكحلة ونحوها، قال الأثرم سئل احمد إذا رأى حلقة
مرآة فضة ورأس مكحلة يخرج من ذلك؟ فقال هذا تأويل تأولته، وأما الآنية نفسها فليس فيها شك
115

وقال ما لا يستعمل فهو أسهل مثل الضبة في السكين والقدح وذلك لأن رؤية المنكر كسماعه فكما لا يجلس
في موضع يسمع فيه صوت الزمر لا يجلس في موضع يرى فيه من يشرب الخمر وغيره من المنكر
(فصل) وان علم أن عند أهل الوليمة منكرا لا يراه ولا يسمعه لكونه بمعزل عن موضع الطعام أو
يخفونه وقت حضوره فله أن يحضر ويأكل نص عليه أحمد وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه
فإنه سئل عن الرجل يدعى إلى الختان أو العرس وعنده المخنثون فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس
عنده أولئك؟ قال أرجو أن لا يأثم إن لم يجب وان أجاب فأرجو أن لا يكون آثما فأسقط الوجوب
لاسقاط الداعي حرمة نفسه باتخاذ المنكر ولم يمنع الإجابة لكون المجيب لا يرى منكرا ولا يسمعه، وقال
احمد إنما تجب الإجابة إذا كان المكسب طيبا ولم ير منكرا، فعلى قوله هذا لا تجب إجابة من طعامه من
مكسب خبيث لأن اتخاذه منكر والاكل منه منكر فهو أولى بالامتناع وان حضر لم يسغ له الاكل منه
* (مسألة) * قال (ودعوة الختان لا يعرفها المتقدمون ولا على من دعي إليها ان يجيب
وإنما وردت السنة في إجابة من دعي إلى وليمة تزويج)
يعني بالمتقدمين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يقتدى بهم وذلك لما روي أن عثمان بن أبي
العاص دعي إلى ختان فأبى أن يجيب فقيل له؟ فقال إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
116

ولا ندعى إليه رواه الإمام أحمد باسناده، إذا ثبت هذا فحكم الدعوة للختان وسائر الدعوات غير
الوليمة أنها مستحبة لما فيها من اطعام الطعام، والإجابة إليها مستحبة غير واجبة وهذا قول مالك والشافعي
وأبي حنيفة وأصحابه، وقال العنبري تجب إجابة كل دعوة لعموم الامر به فإن ابن عمر روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو غير عرس) أخرجه أبو داود
ولنا أن الصحيح من السنة إنما ورد في إجابة الداعي إلى الوليمة وهي الطعام في العرس خاصة،
كذلك قال الخليل وثعلب وغيرهما من أهل اللغة وقد صرح بذلك في بعض روايات ابن عمر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب) رواه ابن ماجة،
وقال عثمان بن أبي العاص كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى إليه، ولان التزويج
يستحب اعلانه وكثرة الجمع فيه والتصويت والضرب بالدف بخلاف غيره، فأما الامر بالإجابة إلى
غيره فمحمول على الاستحباب بدليل أنه لم يخص به دعوة ذات سبب دون غيرها وإجابة كل داع
مستحبة لهذا الخبر ولان فيه جبر قلب الداعي وتطييب قلبه، وقد دعي أحمد إلى ختان فأجاب وأكل
فأما الدعوة في حق فاعلها فليست لها فضيلة تختص بها لعدم ورود الشرع بها ولكن هي بمنزلة الدعوة
لغير سبب حادث فإذا قصد فاعلها شكر نعمة الله عليه واطعام إخوانه وبذل طعامه فله أجر ذلك أن
شاء الله تعالى.
117

* (مسألة) * قال (والنثار مكروه لأنه شبه النهبة وقد يأخذه من غيره أحب إلى
صاحب النثار منه)
اختلفت الرواية عن أحمد في النثار والتقاطه فروي أن ذلك مكروه في العرس وغيره، وروي ذلك
عن أبي مسعود البدري وعكرمة وابن سيرين وعطاء وعبد الله بن يزيد الخطمي وطلحة وزيد اليامي
وبه قال مالك والشافعي، وروي عن أحمد رواية ثانية ليس بمكروه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن
وقتادة والنخعي وأبي حنيفة وأبي عبيد وابن المنذر لما روى عبد الله بن قرط قال قر ب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كلمة لم
أسمعها فسألت من قرب منه فقال قال (من شاء اقتطع) رواه أبو داود وهذا جار مجرى النثار،
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى وليمة رجل من الأنصار ثم أتوا بنهب فأنهب عليه. قال الراوي
ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاحم الناس أو نحو ذلك قلت يا رسول الله أو ما نهيتنا عن النهبة؟ قال
(نهيتكم عن نهبة العساكر) ولأنه نوع إباحة فأشبه إباحة الطعام للضيفان)
ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تحل النهبي والمثلة) رواه البخاري وفي لفظ ان النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن النهبى والمثلة. ولان فيه نهبا وتزاحما وقتالا وربما أخذه من يكره صاحب النثار لحرصه
118

وشرهه ودناءة نفسه ويحرمه من يجب صاحبه لمروءته وصيانة نفسه وعرضه. والغالب هذا فإن أهل
المروءات يصونون أنفسهم عن مزاحمة سفلة الناس على شئ من الطعام أو غيره، ولان في هذا دناءة
والله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها. فأما خبر البدنات فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه لا نهبة في
ذلك لكثرة اللحم وقلة الآخذين أو فعل ذلك لاشتغاله بالمناسك عن تفريقها
وفي الجملة فالخلاف إنما هو في كراهية ذلك وأما إباحته فلا خلاف فيها ولا في الالتقاط لأنه نوع
إباحة لما له فأشبه سائر الإباحات
(مسألة) قال (فإن قسم على الحاضرين فلا بأس بأخذه)
كذا روي عن أبي عبد الله رحمه الله ان بعض أولاده حذق فقسم على الصبيان الجوز. أما إذا
قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز والسكر وغيره فلا خلاف أن ذلك حسن غير مكروه. وقد
روي عن أبي هريرة قال قسم النبي صلى الله عليه وسلم يوما بين أصحابه تمرا فأعطى كل إنسان سبع تمرات فأعطاني
سبع تمرات إحداهن حشفة لم تكن تمرة أعجب إلي منها شدت إلى مضاغي. رواه البخاري. وكذلك أن
وضعه بين أيديهم وأذن لهم في أخذه على وجه لا يقع تناهب فلا يكره أيضا
119

قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الحوز ينثر فكرهه وقال يعطون يقسم عليهم. وقال محمد بن
علي بن بحر سمعت حسن أم ولد أحمد بن حنبل تقول لما حذق ابني حسن قال لي مولاي: حسن
لا تنثروا عليه فاشترى تمرا وجوزا فأرسله إلى المعلم قالت وعملت أنا عصيدة وأطعمت الفقراء فقال
أحسنت أحسنت وفرق أبو عبد الله على الصبيان الجوز لكل واحد خمسة خمسة
(فصل) ومن حصل في حجره شئ من النثار فهو له غير مكروه لأنه مباح حصل في حجره فملكه
كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت في حجره وليس لاحد أن يأخذه من حجره لما ذكرناه
(فصل) ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعا وان أكل بعضهم أكثر من بعض
فلا بأس، وقد كان السلف يتعاهدون في الغزو والحج. ويفارق النثار فإنه يؤخذ بنهب وتسالب
وتجاذب بخلاف هذا
(فصل في آداب الطعام)
يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء قال المروذي: رأيت أبا عبد الله يغسل
يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أحب أن يكثر خير بيته
فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع) رواه ابن ماجة
120

وروى أبو بكر باسناده عن الحسن بن علي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الوضوء قبل الطعام ينفي
الفقر وبعده ينفي اللمم) يعني به غسيل اليدين وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من نام وفي يده ريح غير وأصابه
شئ فلا يلومن إلا نفسه) رواه أبو داود ولا بأس بترك الوضوء لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
خرج من الغائط فأتي بطعام فقال رجل يا رسول الله ألا آنيك بوضوء قال (لا أريد الصلاة) رواه
ابن ماجة وعن جابر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعب الجبل وقد قضى حاجته وبين أيدينا تمر
على ترس أو جحفة فدعوناه فأكل معنا وما مس ماء رواه أبو داود وروي عنه أنه كان يحتز من كتف
شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها من يده ثم قال فصلى ولم يتوضأ رواه البخاري ولا بأس بتقطيع
اللحم بالسكين لهذا الحديث وقال مهنا سألت أحمد عن حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقطعوا
اللحم بالسكين فإنه من صنع الأعاجم وانهشوه نهشا فإنه أهنأ وأمرأ) قال ليس بصحيح واحتج
بهذا الحديث الذي ذكرناه
(فصل) وتستحب التسمية عند الاكل وأن يأكل بيمينه مما يليه لما روى عمر بن أبي سلمة قال
كنت يتيما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم (يا غلام
سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) متفق عليه وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أكل أحدكم
فليأكل بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) رواه مسلم وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
121

قال (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه الا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال
بسم الله أوله وآخره فضحك النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر الله قاء ما في بطنه)
رواهن أبو داود وعن عكراش بن ذؤيب قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بحفنة كثيرة الثريد والودك فأقبلنا نأكل
فخبطت يدي في نواحيها فقال (يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد) ثم أتينا بطبق فيه ألوان
الرطب فجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق وقال (يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد)
رواه ابن ماجة ولا يأكل من ذروة الثريد لما روي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أكل أحدكم
طعاما فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها) وفي الحديث
(كلوا من جوانبها ودعوا ذووتها يبارك فيها) رواهما ابن ماجة
(فصل) ويستحب الاكل بالأصابع الثلاث ولا يمسح يده حتى يلعقها قال مثنى سألت أبا عبد الله
عن الاكل بالأصابع كلها مذهب إلى ثلاث أصابع فذكرت له الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم
122

أنه كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير الا ثلاث أصابع وقد روى كعب بن مالك قال كان رسول
الله يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الخلال باسناده ويكره الاكل متكئا لما روى أبو
جحفية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا آكل متكئا) رواه البخاري ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها
لما روينا ولما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى
يلعقها أو يلعقها) رواه أبو داود وعن نبيشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أكل في قصعة فلحسها
استغفرت له القصعة) رواه الترمذي. وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وقعت اللقمة
من يد أحدكم فليمسح ما عليها من الأرض وليأكلها) رواهن ابن ماجة
(فصل) ويحمد الله إذا فرغ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله ليرضى من العبد أن يأكل الاكلة
أو يشرب الشربة فيحمده عليها) رواه مسلم وعن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أكل طعاما
123

قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين) رواه أبو داود، وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول
(إذا رفع طعامه الحمد لله كثيرا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا) وعن معاذ بن أنس الجهني
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول
مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه) رواهن ابن ماجة وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعاما هو وأبو بكر
وعمر ثم قال (من قال في أوله بسم الله وبركة الله، وفى آخره الحمد لله الذي أطعم وأروى وأنعم
وأفضل فقد أدى شكره) ويستحب الدعاء لصاحب الطعام لما روى جابر بن عبد الله قال: صنع
أبو الهيثم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طعاما فدعى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغ قال (أثيبوا صاحبكم)
قالوا يا رسول الله وما أثابته؟ قال (ان الرجل إذا دخل بيته وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك
أثابته) وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة قال: فجاء بخبر وزيت فأكل ثم قال النبي
صلى الله عليه وسلم (أفطر عندك الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة) رواهما أبو داود
(فصل) ولا باس بالجمع بين طعامين فإن عبد الله بن جعفر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل
القناء بالرطب، ويكره عيب الطعام لقول أبي هريرة ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إذا اشتهى
شيئا أكله، وان لم يشتهه تركه متفق عليهما وإذا حضر فصادف قوما يأكلون فدعوه لم يكره له الاكل
لما قدمنا من حديث جابر حين دعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معهم. ولا يجوز أن يتحين وقت أكلهم
124

فيهجم عليهم ليطعم معهم لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم
إلى طعام غير ناظرين إياه) أي غير منظرين بلوغ نضجه، وعن أنس قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم
على خوان ولا في سكرجة قال فعلام كنتم تأكلون؟ قال على السفر، وقال ابن عباس لم يكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الاناء وفي المتفق عليه من حديث أبي قتادة (ولا يتنفس
أحدكم في الاناء) وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا وضعت المائدة فلا يقوم رجل حتى
ترفع المائدة ولا يرفع يده وان شبع حتى يفرغ القوم وليعذر فإن الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسى
أن يكون له في الطعام حاجة) رواهن كلهن ابن ماجة
(فصل) قال محمد بن يحيى قلت لأبي عبد الله الاناء يؤكل فيه ثم تغسل فيه اليد؟ قال لا بأس وقيل
لأبي عبد الله ما تقول في غسل اليد بالنخالة؟ فقال لا بأس به نحن نفعله واستدل الخطابي على جواز ذلك بما
روى أبو داود باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه أمر امرأة أن تجعل مع الماء ملحا ثم تغسل به الدم من
حيضة. والملح طعام ففي معناه ما أشبهه والله أعلم
125

كتاب عشرة النساء والخلع
قال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وقال تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقال
أبو زيد يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال ابن عباس إني لأحب أن أتزين للمرأة
كما أحب أن تزين لي لأن الله تعالى يقول (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقال الضحاك في
تفسيرها إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه ان يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته
وقال بعض أهل العلم التماثل ههنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يمطله
به ولا يظهر الكراهة بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه إذا ولا منة لقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف)
وهذا من المعروف، ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرفق به واحتمال أذاه
لقول الله تعالى (وبالوالدين إحسانا وبذي القربى - إلى قوله - والصاحب بالجنب) قيل هو كل واحد من
الزوجين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم
فروجهن بكلمة الله) رواه مسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ان المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة فإن
ذهبت تقيمها كسرتها وان استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج) متفق عليه وقال (خياركم خياركم لنسائهم
126

رواه ابن ماجة، وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى (والمرجال عليهن درجة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم
((لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن
من الحق) رواه أبو داود، وقال (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع)
متفق عليه، وقال لامرأة (أذات زوج أنت؟) قالت نعم قال (فإنه جنتك ونارك) وقال (لا يحل
لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا باذنه ولا تأذن في بيته الا باذنه وما أنفقت من نفقة من غير اذنه
فإنه يرد إليه شطره) رواه البخاري
(فصل) إذا تزوج امرأة مثلها يوطأ فطلب تسليمها إليه وجب ذلك وان عرضت نفسها عليه
لزمه تسلمها ووجبت نفقتها وان طلبها فسألت الانظار أنظرت مدة جرت العادة أن تصلح أمرها فيها
كاليومين والثلاثة ذن ذلك يسير جرت العادة بمثله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تطرقوا النساء ليلا حتى
تمتشط الشعثة وتستحد المغيية) فمنع من الطروق وأمر بامهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبته لها فههنا
أولى، ثم إن كانت حرة وجب تسليمها ليلا ونهارا وله السفر بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه
الا أن يكون سفرا مخوفا فلا يلزمها ذلك، وان كانت أمة لم يلزم تسليمها الا بالليل لأنها مملوكة عقد
على أحدى منفعتها فلم يلزم تسليمها في غير وقتها كما لو أجرها لخدمة النهار لم يلزم تسليمها بالليل، ويجوز
للمولى بيعها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في شراء بريرة وهي ذات زوج ولا ينفسخ النكاح بذلك
بدليل أن بيع بريرة لم يبطل نكاحها
127

(فصل) وللزوج اجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية حرة كانت
أو مملوكة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه، وان احتاجت إلى
شراء الماء فثمنه عليه لأنه لحقه، وله إجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لأن الصلاة واجبة
عليها ولا تتمكن منها الا بالغسل، فأما الذمية ففيها روايتان (إحداهما) له إجبارها عليه لأن كمال
الاستمتاع يقف عليه فإن النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة (والثانية) ليس له إجبارها عليه وهو
قول مالك والثوري لأن الوطئ لا يقف عليه فإنه مباح بدونه، وللشافعي قولان كالروايتين، وفي إزالة
الوسخ والدرن وتقليم الأظفار وجهان بناء على الروايتين في غسل الجنابة، وتستوي في هذه المسلمة
والذمية لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها، وله إجبارها على إزالة شعر العانة إذا خرج عن
العادة رواية واحدة، ذكره القاضي. وكذلك الأظفار وان طالا قليلا بحيث تعافه النفس ففيه
وجهان، وهل له منعها من أكل ماله رائحة كريهة كالبصل والثوم والكراث؟ على وجهين (أحدهما)
له منعها من ذلك لأنه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع
(والثاني) ليس له منعها منه لأنه لا يمنع الوطئ، وله منعها من السكر وان كانت ذمية لأنه يمنع
الاستمتاع بها فإنه يزيل عقلها ويجعلها كالزق المنفوخ ولا يأمن أن تجني عليه، وان أرادت شرب
ما لا يسكرها فله منع المسلمة لأنهما يعتقدان تحريمه، وان كانت ذمية لم يكن له منعها منه، نص عليه
128

أحمد لأنها تعتقد إباحته في دينها، وله إجبارها على غسل فمها منه ومن سائر النجاسات ليتمكن من
الاستمتاع بفيها، ويتخرج أن يملك منعها منه لما فيه من الرائحة الكريهة وهو كالثوم وهكذا
الحكم لو تزوج مسلمة تعتقد إباحة يسير النبيذ هل له منعها منه؟ على وجهين، ومذهب الشافعي
على نحو من هذا الفصل كله
(فصل) وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى مالها منه بد سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما
أو حضور جنازة أحدهما، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة إطاعة زوجها أوجب عليها من أمها الا أن يأذن
لها، وقد روى ابن بطة في أحكام النساء عن انس أن رجلا سافر ومنع زوجته الخروج فمرض أبوها فاستأذنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة أبيها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقي الله ولا تخالفي زوجك) فمات أبوها
فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته فقال (لها اتقي الله ولا تخالفي زوجك) فأوحى الله إلى
النبي صلى الله عليه وسلم (اني قد غفرت لها بطاعة زوجها) ولان طاعة الزوج واجبة والعيادة غير واجبة فلا يجوز
ترك الواجب لما ليس بواجب ولا يجوز لها الخروج الا بأذنه ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة
والديها وزيارتهما لأن في ذلك قطيعة لهما وحملا لزوجته على مخالفته وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف
وليس هذا من المعاشرة بالمعروف وإن كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة لأن ذلك
ليس بطاعة ولا نفع وإن كانت مسلمة فقال القاضي له منعها من الخروج إلى المساجد وهو مذهب
129

الشافعي وظاهر الحديث يمنعه من منعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وروي
أن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت تخرج إلى المساجد وكان غيورا فيقول لها
لو صليت في بيتك فتقول لا أزال أخرج أو تمنعني فكره منعها لهذا الخبر وقال أحمد في الرجل تكون له
المرأة أو الأمة النصرانية يشتري لها زنارا؟ قال لا بل تخرج هي تشتري لنفسها فقيل له جاريته
تعمل الزنانير؟ قال لا
(فصل) وليس على المرأة خدمة زوجها من العجن والخبز والطبخ وأشباهه نص عليه احمد
وقال أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني عليها ذلك واحتجا بقصة علي وفاطمة فإن النبي
صلى الله عليه وسلم قضي على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى علي ما كان خارجا من البيت من عمل رواه الجوزجاني
من طرق قال الجوزجاني وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة
ان تسجد لزوجها ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر أو من جبل أحمر
إلى جبل أسود كان عليها أن تفعل) ورواه باسناده قال فهذا طاعته فيما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه؟
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه بخدمته فقال يا عائشة اسقينا (يا عائشة أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة
واشحذيها بحجر) وقد روي أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى من الرحى وسألته
خادما يكفيها ذلك
130

ولنا أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه فاما قسم
النبي صلى الله عليه وسلم بين علي وفاطمة فعلى ما تليق به الأخلاق المرضية ومجرى العادة لا على سبيل الايجاب كما
قد روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقوم بفرس الزبير وتلتقط له النوى وتحمله على رأسها ولم
يكن ذلك واجبا عليها ولهذا لا يجب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت ولا الزيادة على ما يجب لها
من النفقة والكسوة ولكن الأولى لها فعل ما جرت العادة بقيامها به لأنه العادة ولا تصلح الحال إلا به
ولا تنتظم المعيشة بدونه
(فصل) ولا يحل وطئ الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء
وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد
وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ورويت اباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع
ومالك وروي عن مالك أنه قال ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال وأهل العراق
من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أجله بقول الله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم
أنى شئتم) وقوله سبحانه (والذين هم لفروجهم حافظون * الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)
ولنا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ان الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء من
أعجازهن) وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأة في
131

دبرها) رواهما ابن ماجة وعن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (محاش النساء حرام عليكم) وعن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر
بما أنزل على محمد) رواهن كلهن الأثرم فاما الآية فروى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل
امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزل الله (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم انى شئتم)
من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها الا في المأتى متفق عليه وفي رواية (ائتها مقبلة ومدبرة إذا
كان ذلك في الفرج) والآية الأخرى المراد بها ذلك
(فصل) فإن وطئ زوجته في دبرها فلا حد عليه لأن له في ذلك شبهة ويعزر لفعله المحرم،
وعليها الغسل لأنه إيلاج فرج في فرج وحكمه حكم الوطئ في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر
ووجوب العدة، وإن كان الوطئ لأجنبية وجب حد اللوطي ولا مهر عليه لأنه لم يفوت منفعة لها عوض
في الشرع ولا يحصل بوطئ زوجته في الدبر احصان إنما يحصل بالوطئ الكامل، وليس هذا بوطئ
كامل والاحلال للزوج الأول لأن المرأة لا تذوق به عسيلة الرجل، ولا تحصل به الفيئة ولا
الخروج من العنة لأن الوطئ فيهما لحق المرأة، وحقها الوطئ في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصماتها
في الاذن بالنكاح لأن بكارة الأصل باقية
(فصل) ولا بأس بالتلذذ بها بين الأليتين من غير إيلاج لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر فهو
مخصوص بذلك ولأنه حرم لأجل الأذى وذلك مخصوص بالدبر فاختص التحريم به
(فصل) والعزل مكروه ومعناه أن ينزع إذا قرب الانزال فينزل خارجا من الفرج رويت
132

كراهته عن عمر وعلي وان عمر وابن مسعود، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق أيضا لأن فيه تقليل
النسل وقطع اللذة عن الموطوءة وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد فقال (تناكحوا تناسلوا
تكثروا - وقال - سوداء ولود خير من حسناء عقيم) الا أن يكون لحاجة مثل أن يكون في دار الحرب
فتدعو حاجته إلى الوطئ فيطأ ويعزل ذكر الخرقي هذه الصورة أو تكون زوجته أمة فيخشى الرق
على ولده أو تكون له أمة فيحتاج إلى وطئها وإلى بيعها، وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يعزل
عن إمائه فإن عزل من غير حاجة كره ولم يحرم، ورويت الرخصة فيه عن علي وسعد بن أبي وقاص
وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب بن الأرت وسعيد بن المسيب
وطاوس وعطاء والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وروى أبو سعيد قال: ذكر يعني العزل
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فلم يفعل أحدكم؟ - ولم يقل فلا يفعل - فإنه ليس من نفس مخلوقة إلا الله
خالقها) متفق عليه، وعنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن
تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وان اليهود تحدث أن العزل الموؤودة الصغرى قال (كذبت يهود لو
أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه) رواه أبو داود
(فصل) ويجوز العزل عن أمته بغير اذنها نص عليه أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي
وذلك لأنه لا حق لها في الوطئ ولا في الولد ولذلك لم تملك المطالبة بالقسم ولا الفيئة فلان لا تملك المنع من
133

العزل أولى ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا باذنها. قال القاضي ظاهر كلام احمد وجوب استئذان
الزوجة في العزل ويحتمل أن يكون مستحبا لأن حقها في الوطئ دون الانزال بدليل أنه يخرج به من
الفيئة والعنة، وللشافعية في ذلك وجهان، والأول أول لما روي عن عمر رضي الله عنه قال نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا باذنها رواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة لأن لها في الولد حقا
وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا باذنها فاما زوجته الأمة فيحتمل جواز العزل عنها بغير إذنها وهو
قول الشافعي استدلالا بمفهوم هذا الحديث وقال ابن عباس تستأذن الحرة ولا تستأذن الأمة ولان
عليه ضررا في استرقاق ولده بخلاف الحرة ويحتمل أن لا يجوز إلا باذنها لأنها زوجة تملك المطالبة
بالوطئ في الفيئة والفسخ عند تعذره بالعنة وترك العزل من تمامه فلم يجز بغير إذنها كالحرة
(فصل) فإن عزل عن زوجته أو أمته ثم أنت بولد لحقه نسبه لما روى أبو داود عن جابر قال
جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل
فقال (اعزل عنها ان شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) وقال أبو سعيد كنت أعزل عن جارية لي فولدت
أحب الناس إلي ولان لحوق النسب حكم يتعلق بالوطئ فلم يعتبر فيه الانزال كسائر الأحكام وقد قيل
إن الوطأ في الفرج يحصل به الانزال ولا يحس به
134

(فصل في آداب الجماع)
تستحب التسمية قبله لقول الله تعالى (وقد قدموا لأنفسكم) قال عطاء هي التسمية عند الجماع،
وروى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا
الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا) متفق عليه، ويكره
التجرد عند المجامعة لما روى عتبة بن عبيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتى أحدكم أهله فليستتر
ولا يتجرد تجرد العيرين) رواه ابن ماجة وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى
رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه ولا يجامع بحيث يراهما أحد أو يسمع حسهما ولا يقبلها ويباشرها عند
الناس قال أحمد ما يعجبني الا أن يكتم هذا كله وقال الحسن في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع
قال كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي ولا يتحدث بما كان بينه وبين أهله لما روى الحسن
قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء فاقبل على الرجال (فقال لعل أحدكم يحدث بما يصنع
باهله إذا خلا) ثم أقبل على النساء فقال (لعل إحداكن تحدث النساء بما يصنع بها زوجها) قال
فقالت امرأة إنهم ليفعلون وإنا لنفعل فقال (لا تفعلوا فإنما مثل ذلكم كمثل شيطان لقي
شيطانة فجامعها والناس ينظرون)
135

وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه ولا يستقبل القبلة حال الجماع لأن
عمرو بن حزم وعطاء كرها ذلك ويكره الاكثار من الكلام حال الجماع لما روى قبيصة بن ذؤيب أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإن منه يكون الخرس والفأفاء) ولأنه
يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه وأولى بذلك منه ويستحب أن يلاعب امرأته قبل الجماع
لتنهض شهوتها فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تواقعها الا وقد أتاها من الشهوة
مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ - قلت وذلك إلي؟ قال - نعم انك تقبلها وتغمزها وتلمزها فإذا رأيت أنه
قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها) فإن فرغ قبلها كره له النزع حتى تفرغ لما روى أنس بن مالك قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جامع الرجل أهله فليقصدها ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي
حاجتها) ولان في ذلك ضررا عليها ومنعا لها من قضاء شهوتها ويستحب للمرأة أن تتخذ خرقة تناولها
الزوج بعد فراغه فيتمسح بها فإن عائشة قالت ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة فإذا جامعها
زوجها ناولته فمسح عنه ثم تمسح عنها فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة ولا بأس أن يجمع بين
نسائه وإمائه بغسل واحد لما روي عن أنس قال سكبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه غسلا واحدا في
ليلة واحدة فإن حدث الجنابة لا يمنع الوطئ بدليل إتمام الجماع قال احمد إذا أراد أن يعود فاعجب
136

إلى الوضوء فإن لم يفعل فأرجو أن لا يكون به بأس ولان الوضوء يزيده نشاطا ونظافة فاستحب وان
اغتسل بين كل وطئين فهو أفضل فإن أبا رافع روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه جميعا فاغتسل
عند كل امرأة منهن غسلا فقلت يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا؟ قال (هذا أزكى وأطيب وأطهر)
رواه أحمد في المسند، وروى أحاديث هذا الفصل كلها أبو حفص العكبري، وروي ابن بطة باسناده
عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جامع الرجل أول الليل ثم أراد أن يعود
توضأ وضوءه للصلاة)
(فصل) وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيرا كان أو كبيرا لأن عليهما ضررا
لما بينهما من العداوة والغيرة واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى
أو ترى ذلك فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن رضيتا بنومه بينهما في لحاف
واحد، وإن رضيتا بأن يجامع واحدة بحيث تراه الأخرى لم يجز لأن فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة
فلم يبح برضاهما وإن أسكنهما في دار واحدة كل واحدة في بيت جاز إذا كان ذلك مسكن مثلها
(فصل) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني)
وعن علي رضي الله عنه قال: بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق أما تغارون؟ انه لا خير
فيمن لا يغار. وقال محمد بن علي بن الحسين كان إبراهيم عليه السلام غيورا وما من امرئ لا يغار
إلا منكوس القلب.
137

(مسألة) قال (أبو القاسم وعلى الرجل أن يساوي بين زوجاته في القسم)
لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا وقد قال الله تعالى (وعاشروهن
بالمعروف) وليس مع الميل معروف، وقال الله تعالى (فلا تميلوا كل الميل) فتذروها كالمعلقة، وروى
أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه
مائل، وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول (اللهم هذا قسمي في
فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك) رواهما أبو داود إذا ثبت هذا فإنه إذا كان عنده نسوة لم يجز له أن
يبتدئ بواحدة منهن الا بقرعة لأن البداءة بها تفضيل لها والتسوية واجبة ولأنهن متساويات في الحق
ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة كما لو أراد السفر بإحداهن فإن كانتا اثنتين كفاه قرعة
واحدة ويصير في الليلة الثانية إلى الثانية بغير قرعة لأن حقها متعين وإن كن ثلاثا أقرع في الليلة الثانية
للبداية بإحدى الباقيتين، وإن كن أربعا أقرع في الليلة الثالثة ويصير في الليلة الرابعة إلى الرابعة بغير
قرعة، ولو أقرع في الليلة الأولى فجعل سهما للأولى وسهما للثانية وسهما للثالثة وسهما للرابعة ثم أخرجها
عليهن مرة واحدة جاز وكان لكل واحدة ما خرج لها
(فصل) ويقسم المريض والمجبوب والعنين والخنثى والخصي وبذلك قال الثوري والشافعي وأصحاب
138

الرأي لأن القسم للانس وذلك حاصل ممن لا يطأ، وقد روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه
جعل يدور في نسائه ويقول أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟) رواه البخاري فإن شق عليه ذلك استأذنهن في الكون
عند إحداهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النساء فاجتمعن قال
(اني لا أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن) فأذن له رواه أبو
داود فإن لم يأذن أقام عند إحداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعا إن أحب، فإن كان الزوج مجنونا
لا يخاف منه طاف به الولي عليهن، وإن كان يخاف منه فلا قسم عليه لأنه لا يحصل منه أنس ولا فائدة
وإن لم يعدل الولي في القسم بينهن ثم أفاق المجنون فعليه أن يقضي للمظلومة لأنه حق ثبت في ذمته
فلزمه إيفاؤه حال الإفاقة كالمال.
(فصل) ويقسم للمريضة والرتقاء والحائض والنفساء والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها وكلهن
سواء في القسم، وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وكذلك
التي ظاهر منها لأن القصد الايواء والسكن والانس وهو حاصل لهن، وأما المجنونة فإن كانت لا يخاف
منها فهي كالصحيحة وان خاف منها فلا قسم لها لأنه لا يأمنها على نفسه ولا يحصل لها أنس ولا بها
(فصل) ويجب قسم الابتداء ومعناه انه إذا كانت له امرأة لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع
ليال ما لم يكن عذر، وإن كان له نساء فلكل واحدة منهن ليلة من كل أربع، وبه قال الثوري وأبو
139

ثور، وقال القاضي في المجرد لا يجب قسم الابتداء إلا أن يترك الوطئ مصرا فإن تركه غير مصر لم
يلزمه قسم ولا وطئ لأن أحمد قال إذا وصل الرجل إلى امرأته مرة بطل أن يكون عنينا أي لا يؤجل
وقال الشافعي لا يجب قسم الابتداء بحال لأن القسم لحقه فلم يجب عليه
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص يا عبد الله (ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟)
قلت بلى يا رسول الله قال (فلا تفعل صم، وأفطر، وقم، ونم فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك
عليك حقا وان لزوجك عليك حقا) متفق عليه فأخبر أن للمرأة عليه حقا وقد اشتهرت قصة كعب
ابن سور رواهما عمر بن شبة في كتاب قضاة البصرة من وجوه إحداهن عن الشعبي أن كعب بن
سور كان جالسا عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل
من زوجتي والله انه ليبيت ليله قائما ويظل نهاره صائما فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت
راجعة فقال كعب يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها؟ فجاء فقال لكعب اقض بينهما فإنك
فهمت من أمرهما ما لم أفهم قال فاني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن فأقضي له بثلاثة
أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر اذهب
فأنت قاض على أهل البصرة، وفي رواية فقال عمر: نعم القاضي أنت. وهذه قضية انتشرت فلم
تنكر فكانت اجماعا. ولأنه لو لم يكن حقا لم تستحق فسخ النكاح لتعذره بالجب والعنة وامتناعه
بالايلاء، ولأنه لو لم يكن حقا للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجتيه به كالزيادة في النفقة على
140

قدر الواجب إذا ثبت هذا فقال أصحابنا حق المرأة ليلة من كل أربع وللأمة ليلة من كل سبع لأن
أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها السابعة
والذي يقوى عندي أن لها ليلة من ثمان لتكون على النصف مما للحرة فإن حق الحرة من كل ثمان
ليلتان ليس لها أكثر من ذلك، فلو كان للأمة ليلة من سبع لزاد على النصف ولم يكن للحرة ليلتان
وللأمة ليلة ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة فلم يرد أن يزيدهن على الواجب لهن فقسم بينهن
سبعا فماذا يصنع في الليلة الثامنة؟ ان أوجبنا عليه مبيتها عند حرة فقد زادها على ما يجب لها، وان باتها
عند الأمة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه، وعلى ما اخترن تكون هذه الليلة الثامنة له، ان أحب انفرد فيها
وان أحب بات عند الأولى مستأنفا للقسم، وإن كان عنده حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال من ثمان وله
الانفراد في خمس، وإن كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث وإن كان حرتان وأمتان فلهن
ست وله اثنتان وان كانت أمة واحدة فلها ليلة وله سبع، وعلى قولهم لها ليلة وله ست
(فصل) والوطئ واجب على الرجل إذا لم يكن له عذر وبه قال مالك وعلى قول القاضي لا يجب
الا أن يتركه للاضرار وقال الشافعي لا يجب عليه لأنه حق له فلا يجب عليه كسائر حقوقه
ولنا ما تقدم في الفصل الذي قبله، وفي بعض روايات حديث كعب أنه حين قضى بين الرجل
وامرأته قال إن لها عليك حقا يا بعل تصيبها في أربع لمن عدل فأعطها ذاك ودع عنك العلل فاستحسن
141

عمر قضاءه ورضيه، ولأنه حق واجب بالاتفاق وإذا حلف على تركه فيجب قبل أن يحلف كسائر
الحقوق الواجبة، يحقق هذا انه لو لم يكن واجبا لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر ما لا يجب ولان
النكاح شرع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة كافضائه
إلى دفع ذلك عن الرجل فيجب تعليله بذلك ويكون النكاح حقا لهما جميما، ولأنه لو لم يكن لها فيه
حق لما وجب استئذانها في العزل كالأمة
إذا ثبت وجوبه فهو مقدر بأربعة أشهر نص عليه أحمد ووجهه ان الله تعالى قدره بأربعة
أشهر في حق المولي فكذلك في حق غيره لأن اليمين لا توجب ما حلف على تركه فيدل على أنه واجب
بدونها فإن أصر على ترك الوطئ وطالبت المرأة فقد روى ابن منصور عن أحمد في رجل تزوج
امرأة ولم يدخل بها يقول غدا أدخل بها غدا أدخل بها إلى شهر هل يجبر على الدخول؟ فقال أذهب
إلى أربعة أشهر ان دخل بها والا فرق بينهما فجعله أحمد كالمولى
وقال أبو بكر بن جعفر لم يرو مسألة ابن منصور غيره وفيها نظر وظاهر قول أصحابنا انه لا يفرق
بينهما لذلك وهو قول أكثر الفقهاء لأنه لو ضرب له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للايلاء أثر
ولا خلاف في اعتباره
(فصل) وإن سافر عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطئ، وان طال سفره
142

ولذلك لا يصح نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة، وان لم يكن له عذر مانع من الرجوع فإن أحمد
ذهب إلى توقيته بستة أشهر فإنه قيل له كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال ستة أشهر يكتب إليه فإن
أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما، وإنما صار إلى تقديره بهذا لحديث عمر رواه أبو حفص باسناده عن
زيد بن أسلم قال: بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة في بيتها وهي تقول
تطاول هذا الليل واسود جانبه * وطال على أن لا خليل ألاعبه
ووالله لولا خشية الله وحده * لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عنها عمر فقيل له هذا فلانة زوجها غائب في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث إلى
زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت سبحان الله مثلك يسأل
مثلي عن هذا فقال لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك قالت خمسة أشهر ستة أشهر فوقت للناس في
مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة ويسيرون شهرا راجعين. وسئل أحمد كم للرجل أن
يغيب عن أهله؟ قال يروى ستة أشهر وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لأمر لابد له فإن غاب أكثر من ذلك لغير
عذر فقال بعض أصحابنا يراسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ نكاحه ومن قال لا يفسخ نكاحه إذا ترك الوطئ
وهو حاضر فههنا أولى وفي جميع ذلك لا يجوز الفسخ عند من يراه الا بحكم حاكم لأنه مختلف فيه
(فصل) وسئل أحمد يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة؟ فقال إي والله يحتسب الولد وان
لم يرد الولد يقول هذه امرأة شابة لم لا يؤجر؟ وهذا صحيح فإن أبا ذر روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
143

(مباضعنك أهلك صدقة - قلت يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال - أرأيت لو وضعه في غير حقه
كان عليه وزر؟ قال قلت بلى قال - أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير) ولأنه وسيلة إلى الولد
وإعفاف نفسه وامرأته وغض بصره وسكون نفسه أو إلى بعض ذلك
(فصل) وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن
قال أحمد في الرجل له امرأتان: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسى إذا كانت
الأخرى في كفاية ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية وهذا لأن التسوية في هذا كله
تشق فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج فسقط وجوبه كالتسوية في الوطئ
(مسألة) قال (وعماد القسم الليل)
لا خلاف في هذا وذلك لأن الليل للسكن والايواء يأوي فيه الانسان إلى منزلة ويسكن إلى أهله
وينام في فراشه مع زوجته عادة، والنهار للمعاش والخروج والتكسب والاشتغال. قال الله تعالى
(وجعل الليل سكنا) وقال تعالى (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال (ومن رحمته جعل لكم
الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبغوا من فضله) فعلى هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلة وليلة ويكون في
النهار في معاشه وقضاء حقوق الناس وما شاء مما يباح له إلا أن يكون ممن معاشه بالليل كالحراس ومن أشبههم
فإنه يقسم بين نسائه بالنهار ويكون الليل في حقه كالنهار في حتى غيره
144

(فصل) والنهار يدخل في القسم تبعا لليل بدليل ما روي أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه
وقالت عائشة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وإنما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نهارا ويتبع اليوم الليلة
الماضية لأن النهار تابع لليل ولهذا يكون أول الشهر الليل ولو نذر اعتكاف شهر دخل معتكفه قبل غروب شمس
الشهر الذي قبله ويخرج منه بعد غروب شمس آخر يوم منه فيبدأ بالليل وان أحب أن يجعل النهار مضافا إلى
الليل الذي يتعقبه جاز لأن ذلك لا يتفاوت
(فصل) فإن خرج من عند بعض نسائه في زمانها فإن كان ذلك في النهار أو أول الليل
أو آخره الذي جرت العادة بالانتشار فيه والخروج إلى الصلاة جاز فإن المسلمين يخرجون لصلاة
العشاء ولصلاة الفجر قبل طلوعه، وأما النهار فهو المعاش والانتشار، وإن خرج في غير ذلك
ولم يلبث أن عاد لم يقض لها لأنه لا فائدة في قضاء ذلك، وإن أقام قضاه لها سواء كانت إقامته
لعذر من شغل أو حبس أو لغير عذر لأن حقها قد فات بغيبته عنها، وإن أحب أن يجعل
قضاءه لذلك غيبته عن الأخرى مثل ما غاب عن هذه جاز لأن التسوية تحصل بذلك ولأنه
إذا جاز له ترك الليلة بكمالها في حق كل واحدة منهما فبعضها أولى ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك
الوقت لأنه أبلغ في المماثلة والقضاء تعتبر المماثلة فيه كقضاء العبادات والحقوق وإن قضاه في غيره من
الليل مثل أن فاتها في أول الليل فقضاه في آخره أو من آخره فقضاه في أوله ففيه وجهان (أحدهما) يجوز
145

لأنه قد قضى قدر ما فاته من الليل والآخر لا يجوز لعدم المماثلة إذا ثبت هذا فإنه لا يمكن قضاؤه كله
من ليلة الأخرى لئلا يفوت حق الأخرى فتحتاج إلى قضاء ولكن إما أن ينفرد بنفسه في ليلة فيقضي
منها وإما أن يقسم ليلة بينهن ويفضل هذه بقدر ما فات من حقها وإما أن يترك من ليلة كل واحدة
مثل ما فات من ليلة هذه وإما أن يقسم المتروك بينهما مثل أن يترك من ليلة إحداهما ساعتين فيقضي
لها من ليلة الأخرى ساعة واحدة فيصير الفائت على كل واحدة منهما ساعة
(فصل) وأما الدخول على ضرتها في زمنها فإن كان ليلا لم يجز إلا لضرورة مثل أن يكون
منزولا بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه أو ما لابد منه فإن فعل ذلك ولم يلبث أن خرج لم يقض
وان أقام وبرئت المرأة المريضة قضى للأخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها وإن خرج لحاجة غير
ضرورية أثم والحكم في القضاء كما لو دخل لضرورة لأنه لا فائدة في قضاء اليسير وإن دخل عليها
فجامعها في زمن يسير ففيه وجهان
(أحدهما) لا يلزمه قضاؤه لأن الوطئ لا يستحق في القسم والزمن اليسير لا يقضى
(والثاني) يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما
ولان اليسير مع الجماع يحصل به السكن فأشبه الكثير وأما لدخول في النهار إلى المرأة في يوم غيرها
فيجوز للحاجة من دفع النفقة أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لبعد عهده بها
146

ونحو ذلك لما روت عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري فينال مني كل شئ
إلا الجماع وإذا دخل إليها لم يجعلها ولم يطل عندها لأن السكن يحصل بذلك وهي لا تستحقه وفي الاستمتاع
منها بما دون الفرج وجهان
(أحدهما) يجوز لحديث عائشة (والثاني) لا يجوز لأنه يحصل لها به السكن فأشبه الجماع
قال أطال المقام عندها قضاه وإن جامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان على ما ذكرنا ومذهب الشافعي
على نحو ما ذكرنا إلا أنهم قالوا لا يقضي إذا جامع في النهار
ولنا أنه زمن يقضيه إذا طال المقام فيقضيه إذا جامع فيه كالليل
(فصل) والأولى أن يكون لكل واحدة منهن مسكن يأتيها فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم
هكذا ولأنه أصون لهن وأستر حتى لا يخرجن من بيوتهن وان اتخذ لنفسه منزلا يستدعي إليه كل
واحدة منهن في ليلتها ويومها كان له ذلك لأن للرجل نقل زوجته حيث شاء ومن امتنعت منهن من
إجابته سقط حقها من القسم لنشوزها وان اختار أن يقصد بعضهن في منازلهن ويستدعي البعض كان
له ذلك لأن له ان يسكن كل واحدة منهن حيث شاء وإن حبس الزوج فأحب القسم بين نسائه بان
يستدعي كل واحدة في ليلتها فعليهن طاعته إن كان ذلك سكني مثلهن وان لم يكن لم تلزمهن إجابته لأن
عليهن في ذلك ضررا وإن أطعنه لم يكن له أن يترك العدل بينهن ولا استدعاء بعضهن دون بعض
كما في غير الحبس.
147

* (مسألة) * قال (ولو وطئ زوجته ولم يطأ الأخرى فليس بعاص)
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع وهو مذهب مالك والشافعي
وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك فإن قلبه قد يميل إلى
إحداهما دون الأخرى قال الله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قال عبيدة
السلماني في الحب والجماع وان أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فإنه أبلغ في العدل وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بينهن فيعدل ثم يقول (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك) وروي
أنه كان يسوي بينهن حتى في القبل ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبل واللمس
ونحوهما لأنه إذا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى
(مسألة) قال (ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية)
وبهذا قال علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب ومسروق والشافعي وإسحاق وأبو عبيد، وذكر
أبو عبيد أنه مذهب الثوري والأوزاعي وأهل الرأي، وقال مالك في إحدي الروايتين عنه يسوي
بين الحرة والأمة في القسم لأنهما سواء في حقوق النكاح من النفقة والسكنى وقسم الابتداء كذلك ههنا
ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة
148

وللحرة ليلتين. رواه الدارقطني واحتج به أحمد، ولان الحرة يجب تسليمها ليلا ونهارا فكان حظها
أكثر في الايواء ويخالف النفقة والسكنى فإنه مقدر بالحاجة وحاجتها إلى ذلك كحاجة الحرة، وأما
قسم الابتداء فإنما شرع ليزول الاحتشام من كل واحد منهما من صاحبه ولا يختلفان في ذلك وفي
مسئلتنا يقسم لهما ليتساوى حظهما
(فصل) والسلمة والكتابية سواء في القسم فلو كان له امرأتان أمة مسلمة وحرة كتابية قسم
للأمة ليلة وللحرة ليلتين، وإن كانتا جميعا حرتين فليلة وليلة، قال ابن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه
من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء، كذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي
والنخعي والزهري والحكم وحماد ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأن
القسم من حقوق الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسكنى ويفارق الأمة لأن الأمة
لا يتم تسليمها ولا يحصل لها الايواء التام بخلاف الكتابية
(فصل) فإن أعتقت الأمة في أثناء مدتها أضاف إلى ليلتها ليلة أخرى لتساوي الحرة وإن كان
بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساويا ولم يقض لها ما مضى لأن الحرية حصلت بعد استيفاء حقها
وإن عتقت وقد قسم للحرة ليلة لم يزدها على ذلك لأنهما تساويا فيسوي بينهما
(فصل) والحق في القسم للأمة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها كالحرة
149

وليس لسيدها الاعتراض عليها، ولا أن يهبه دونها لأن الايواء والسكن حق لها دون سيدها فملكت
اسقاطه، وذكر القاضي أن قياس قول أحمد أنه يستأذن سيد الأمة في العزل عنها أن لا تجوز هبتها
لحقها من القسم إلا باذنه ولا يصح هذا لأن الوطئ لا يتناوله القسم فلم يكن للولي فيه حق، ولان
المطالبة بالفيئة للأمة دون سيدها وفسخ النكاح بالجب والعنة لها دون سيدها فلا وجه لاثبات
الحق له ههنا.
(فصل) ولا قسم على الرجل في ملك يمينه فمن كان له نساء وإماء فله الدخول على الإماء كيف
شاء والاستمتاع بهن ان شاء كالنساء، وإن شاء أقل، وإن شاء أكثر، وإن شاء ساوى بين الإماء
وإن شاه فضل، وإن شاء استمتع من بعضهن دون بعض بدليل قول الله تعالى (فإن خفتم أن لا تعدلوا
فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وريحانة فلم يكن يقسم لهما، ولان
الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار يكون السيد مجبوبا أو عنينا ولا تضرب لها مدة
الايلاء لكن إن احتاجت إلى النكاح فعليه اعفافها اما بوطئها أو تزويجها أو بيعها
(فصل) ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز الا برضاهن، وقال القاضي
له أن يقسم ليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن، والأولى مع هذا ليلة
وليلة لأنه أقرب لعهدهن به وتجوز الثلاث لأنها في حد القلة فهي كالليلة وهذا مذهب الشافعي
150

ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قسم ليلة وليلة ولان التسوية واجبة وإنما جوزت البداءة بواحدة لتعذر
الجمع فإذا بات عند واحدة ليلة تعينت الليلة الثانية حقا للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها ولأنه
تأخير لحقوق بعضهن فلم يجز بغير رضاهن كالزيادة على الثلاث، ولأنه إذا كان له أربع نسوة فجعل
لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الأخيرة في تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد
أن يجعل لكل واحدة تسعا، ولان للتأخير آفات فلا يجوز مع امكان التعجيل بغير رضا المستحق
كتأخير الدين الحال والتحديد بالثلاث تحكم لا يسمع من غير دليل وكونه في حد القلة لا يوجب جواز
تأخير الحق كالديون الحالة وسائر الحقوق
(فصل) فإن قسم لإحداهما ثم طلق الأخرى قبل قسمها أثم لأنه فوت حقها الواجب لها فإن
عادت إليه برجعة أو نكاح قضى لها قدر على إيفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين فإن قسم
لإحداهما ثم جاء ليقسم للثانية فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت لا تدخل علي
أو لا تبت عندي أو ادعت الطلاق سقط حقها من القسم. فإن عادت بعد ذلك إلى المطاوعة استأنف
القسم بينهما ولم يقض الناشز لأنها أسقطت حق نفسها، وإن كان له أربع نسوة فأقام عند ثلاث منهن
ثلاثين ليلة لزمه أن يقيم عند الرابعة عشرا لتساويهن فإن نشزت إحداهن عليه وظلم واحدة فلم يقسم
لها وأقام عند الاثنين ثلاثين ليلة ثم أطاعته الناشز وأراد القضاء للمظلومة فإنه يقسم لها ثلاثا ولناشز
151

ليلة خمسة أدوار فيكمل للمظلومة خمس عشرة ليلة ويحصل للناشز خمس ثم يستأنف القسم بين الجميع
فإن كان له ثلاث نسوة فقسم بين اثنتين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة ثم تزوج جديدة ثم أراد أن يقضي المظلومة
فإنه يخص الجديدة بسبع إن كانت بكرا وثلاث إن كانت ثيبا لحق العقد ثم يقسم بينها وبين المظلومة
خمسة أدوار على ما قدمنا للمظلومة من كل دور ثلاثا وواحدة للجديدة
(فصل) فإن كان امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط
حقهما عنه بذلك فاما إن يمضي إلى الغائبة في أيامها، واما أن يقدمها إليه ويجمع بينهما في بلد واحد
فإن امتنعت من القدوم مع الامكان سقط حقها لنشوزها، وان أحب القسم بينهما في بلديهما لم يكن
أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن كشهر وشهر وأكثر أو أقل على حسب ما يمكنه
وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما
(فصل) ويجوز للمرأة أن تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها أو لهن جميعا، ولا
يجوز إلا برضى الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه فإذا رضيت هي والزوج جاز
لأن الحق في ذلك لهما لا يخرج عنهما فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج
في الاستمتاع بها ثابت في كل وقت إنما منعته المزاحمة بحق صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت
حقه في الاستمتاع بها، وإن كرهت كما لو كانت منفردة. وقد ثبت أن سودة وهبت يومها لعائشة
152

فكان رسول الله صلى الله عيله وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة متفق عليه، ويجوز ذلك في جميع الزمان
وفي بعضه فإن سودة وهبت يومها في جميع زمانها، وروى ابن ماجة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجد على صفية بنت حيي في شئ فقالت صفية لعائشة هل لك ترضي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولك يومي؟ فأخذت خمارا مصبوغا بزعفران فرشته ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي
صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إليك يا عائشة انه ليس يومك) قال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
فأخبرته بالامر فرضي عنها. فإذا ثبت هذا فإن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها صار القسم بينهن كما لو طلق
الواهبة، وان وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء لأنه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع
وان شاء خص بها واحدة منهن، وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض وان وهبتها لواحدة منهن
كفعل سودة جاز، ثم إن كانت تلك الليلة تلي ليلة الموهوبة والى بينهما، وان كانت لا تليها لم يجز له
الموالاة بينهما إلا برضاء الباقيات، ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة لأن الموهوبة قامت
مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها كما لو كانت باقية للواهبة، ولان في ذلك تأخير
حق غيرها وتغييرا لليلتها بغير رضاها فلم يجز. وكذلك الحكم إذا وهبتها للزوج فآثر بها امرأة منهن
بعينها. وفيه وجه آخر انه يجوز الموالاة بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق. والأول أصح وقد
ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز اطراحها. ومتى رجعت الواهبة في ليلتها فلها ذلك في المستقبل لأنها هبة
153

لم تقبض وليس لها الرجوع فيما مضى لأنه بمنزلة المقبوض، ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج
أن ينتقل إليها فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئا لأن التفريط منها
(فصل) فإن بذلت ليلتها بمال لم يصح لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال فلا
يجوز مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالا لزمها رده وعليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم
يسلم لها، وإن كان عوضها غير المال مثل إرضاء زوجها أو غيره عنها جاز فإن عائشة أرضت رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن صفية وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره
* (مسألة) * قال (وإذ سافرت زوجته باذنه فلا نفقة لها ولا قسم وإن كان هو أشخصها
فهي على حقها من ذلك)
وجملة الامر انها إذا سافرت في حاجتها باذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة لم
يبق لها حق في نفقة ولا قسم. هكذا ذكر الخرقي والقاضي، وقال أبو الخطاب في ذلك وجهان،
وللشافعي فيه قولان (أحدهما) لا يسقط حقها لأنها سافرت باذنه أشبه ما لو سافرت معه
ولنا أن القسم للانس والنفقة للتمكين من الاستمتاع وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فسقط
كما لو تعذر ذلك قبل دخوله بها، وفارق ما إذا سافرت معه لأنه لم يتعذر ذلك ويحتمل أن يسقط
154

القسم وجها واحدا لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها بسفرها كان
أولى ويكون في النفقة الوجهان. وفي هذا تنبيه على سقوطهما إذا سافرت بغير اذنه فإنه إذا سقط
حقها من ذلك لعدم التمكين بأمر ليس فيه نشوز ولا معصية فلان يسقط بالنشوز والمعصية أولى،
وهذا لا خلاف فيه نعلمه. فأما ان أشخصها وهو أن يبعثها لحاجته أو يأمرها بالنقلة من بلدها لم يسقط
حقها من نفقة ولا قسم لأنها لم تفوت عليه التمكين ولا فات من جهتها وإنما حصل بتفويته فلم يسقط
حقها كما لو أتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه، فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام
عند ضرتها وان سافرت معه فهي على حقها منهما جميعا
(مسألة) قال (وإذا أراد سفرا فلا يخرج معه منهن الا بقرعة فإذا قدم ابتدأ القسم بينهن)
وجملته ان الزوج إذا أراد سفرا فأحب حمل نسائه معه كلهن أو تركهن كلهن لم يحتج إلى قرعة
لأن القرعة لتعيين المخصوصة منهن بالسفر وههنا قد سوى، وان أراد السفر ببعضهن لم يجز له أن
يسافر بها الا بقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن مالك ان له ذلك من غير قرعة وليس
بصحيح فإن عائشة روت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه وأيتهن خرج سهمها
خرج بها معه متفق عليه. ولان في المسافرة ببعضهن من غير قرعة تفضيلا لها وميلا إليها فلم يجز
بغير قرعة كالبداية بها في القسم
155

وان أحب المسافرة بأكثر من واحدة أقرع أيضا فقد روت عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
خرج أقرع بين نسائه فصارت القرعة لعائشة وحفصة رواه البخاري، ومتى سافر بأكثر من واحدة سوى
بينهن كما يسوي بينهن في الحضر ولا يلزمه القضاء للحاضرات بعد قدومه، وهذا معنى قول الخرقي فإذا قدم
ابتدأ القسم بينهن وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن داود انه يقضي لقول الله تعالى (فلا تميلوا كل الميل)
ولنا أن عائشة لم تذكر قضاء في حديثها، ولأن هذه التي سافر بها يلحقها من مشقة
السفر بإزاء ما حصل لها من السكن، ولا يحصل لها من السكن مثل ما يحصل في الحضر فلو قضى
للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل، لكن ان سافر بإحداهن بغير قرعة اثم وقضى
للبواقي بعد سفره وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يقضي لأن قسم الحضر ليس بمثل القسم
السفر فيتعذر القضاء.
ولنا أنه خص بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا. إذا ثبت
هذا فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة وإنما يقضي منها ما أقام منها معها بمبيت ونحوه فأما زمان السير
فلم يحصل لها منه إلا التعب والمشقة فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتا عندها واستمتاعا
بها لمال كل الميل.
(فصل) إذا خرجت القرعة لإحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن القرعة
156

لا توجب وإنما تعين من تستحق التقديم وان أراد السفر بغيرها لم يجز لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز
العدول عنها إلى غيرها وان وهبت حقها من ذلك لغيرها جاز إذا رضي الزوج لأن الحق لها فصحت
هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ولا يجوز بغير رضا الزوج لما ذكرنا في هبة الليلة في الحضر وان
وهبته للزوج أو للجميع جاز، وان امتنعت من السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج وان أبى فله
إكراهها على السفر معه لما ذكرنا، وان رضي بذلك استأنف القرعة بين البواقي وان رضي الزوجات
كلهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز لأن الحق لهن إلا أن لا يرضى الزوج ويريد غير من اتفقن عليها
فيصار إلى القرعة ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى وذكر
القاضي احتمالا ثانيا أنه يقضي للبواقي في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة وهو وجه لأصحاب الشافعي
ولنا أنه سافر بها بقرعة فلم يقض كالطويل ولو كان في حكم الإقامة لم تجز المسافرة بإحداهن دون
الأخرى كما لا يجوز إفراد إحداهن بالقسم دون الأخرى، ومتى سافر بإحداهن بقرعة ثم بدا له فأبعد
السفر نحو أن يسافر إلى بيت المقدس ثم يبدو له فيمضي إلى مصر فله استصحابها معه لأنه سفر
واحدة قد أقرع له وان أقام في بلدة مدة إحدى وعشرين صلاة فما دون لم يحتسب عليه بها لأنه في حكم
السفر تجري عليه أحكامه وان زاد على ذلك قضى الجميع مما أقامه لأنه خرج عن حكم السفر وان
أزمع على المقام قضى ما أقامه وان قل لأنه خرج عن حكم السفر ثم إذا خرج بعد ذلك إلى بلده
أو بلد أخرى لم يقض ما سافره لأنه في حكم السفر الواحد وقد أقرع له
(فصل) إذا أراد الانتقال بنسائه إلى بلد آخر فأمكنه استصحابهن كلهن في سفره فعل ولم يكن
157

له إفراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن فإن خص إحداهن
قضى للباقيات كالحاضر فإن لم يمكنه صحبة جميعهن أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعا مع غيره ممن
هو محرم لهن جاز ولا يقضي لاحد ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن وان أراد افراد بعضهن بالسفر
معه لم يجز إلا بقرعة فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات مدة كونها
معه في البلد خاصة لأنه صار مقيما وانقطع حكم السفر عنه
(فصل) إذا كانت له امرأة فتزوج أخرى وأراد السفر بهما جميعا قسم للجديدة سبعا إن
كانت بكرا وثلاثا إن كانت ثيبا ثم يقسم بعد ذلك بينهما وبين القديمة وان أراد السفر بإحداهما
أقرع بينهما فإن خرجت قرعة الجديدة سافر بها معه ودخل حق العقد في قسم السفر لأنه نوع قسم
وان وقعت القرعة للأخرى سافر بها فإن حضر قضى للجديدة حق العقد لأنه سافر بعد وجوبه عليه
وان تزوج اثنتين وعزم على السفر أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة ويدخل حق العقد
في قسم السفر فإذا قدم قضى للثانية حق العقد في أحد الوجهين لأنه حق وجب لها قبل سفره لم يؤده
إليها فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه (والثاني) لا يقضيه لئلا يكون تفضيلا لها على التي
سافر بها لأنه لا يحصل للمسافرة من الايواء والسكن والمبيت عندها مثل ما يحصل في الحضر فيكون
ميلا فيتعذر فضاؤه فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى أتمه في الحضر وقضي
للحاضرة مثله وجها واحدا وفيما زاد الوجهان
158

ويحتمل في المسألة الأولى وجها ثالثا وهو أن يستأنف قضاء حق العقد لكل واحدة منهما ولا
يستحب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد وهذا أقرب إلى الصواب
من اسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط
(مسألة) قال (وإذا أعرس عند بكر أقام عندها سبعا ثم دار ولا يحتسب عليها بما
أقام عندها، وان كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا ثم دار ولا يحتسب عليها أيضا بما أقام عندها)
متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة قطع الدور وأقام عندها سبعا ان كانت بكرا ولا يقضيها
للباقيات، وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا ولا يقضيها إلا أن تشاء هي أن يقيم عندها سبعا فإنه يقيمها
عندها ويقضي الجميع للباقيات. وروي ذلك عن أنس، وبه قال الشعبي والنخعي ومالك والشافعي
وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر، وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وخلاس بن عمرو ونافع مولى
ابن عمر للبكر ثلاث وللثيب ليلتان ونحوه قال الأوزاعي، وقال الحكم وحماد وأصحاب الرأي لا فضل
للجديدة في القسم فإن أقام عندها شيئا قضاه للباقيات لأنه فضلها بمدة فوجب قضاؤها كما لو أقام
عند الثيب سبعا
ولنا ما روى أبو قلابة عن أنس قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وإذا
تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم قال أبو قلابة لو شئت لقلت ان أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم متفق
159

عليه، وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا وقال (ليس بك على أهلك
هوان ان شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) رواه مسلم، وفي لفظ (وإن شئت
ثلثت ثم درت) وفي لفظ (وإن شئت زدتك ثم حاسبتك به للبكر سبع وللثيب ثلاث) وفي لفظ رواه
الدارقطني (إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك، وإن شئت سبعت لك ثم سبعت لنسائي)
وهذا يمنع قياسهم ويقدم عليه، قال ابن عبد البر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب على ما قلناه وليس
مع من خالفنا حديث مرفوع والحجة مع من أدلي بالسنة
(فصل) والأمة والحرة في هذا سواء ولأصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدهما) كقولنا
(والثاني) الأمة على النصف من الحرة كسائر القسم (والثالث) للبكر من الإماء أربع وللثيب
ليلتان تكميلا لبعض الليلة
ولنا عموم قوله عليه السلام (للبكر سبع وللثيب ثلاث) ولأنه يراد للانس وإزالة الاحتشام
والأمة والحرة سواء في الحاجة إليه فاستويا فيه كالنفقة
(فصل) يكره أن يزف إليه امرأتان في ليلة واحدة أو في مدة حق عقد إحداهما لأنه لا يمكنه أن
يوفيهما حقهما وتستضر التي لا يوفيها حقها وتستوحش فإن فعل فأدخلت إحداهما قبل الأخرى بدأ بها
160

فوفاها حقها ثم عاد فوفى الثانية ثم ابتدأ القسم، وإن زفت الثانية في أثناء مدة حق العقد أتمه للأولى
ثم قضى حق الثانية، وإن أدخلتا عليه جميعا في مكان واحد أقرع بينهما وقدم من خرجت لها القرعة
منهما ثم وفى الأخرى بعدها
(فصل) وإذا كانت عنده امرأتان فبات عند إحداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية قدم
المزفوفة بلياليها لأن حقها آكد لأنه ثبت بالعقد وحق الثانية ثبت بفعله فإذا قضى حق الجديدة بدأ
بالثانية فوفاها ليلتها ثم يبيت عند الجديدة ثم يبتدئ القسم، وذكر القاضي أنه إذا وفى الثانية ليلتها
بات عند الجديدة نصف ليلة ثم يبتدئ القسم لأن الليلة التي يوفيها للثانية نصفها من حقها ونصفها من
حق الأخرى فيثبت للجديدة في مقابلة ذلك نصف ليلة بإزاء ما حصل لكل واحدة من ضرتيها، وعلى
هذا القول يحتاج أن ينفرد بنفسه في نصف ليلة وفيه حرج فإنه ربما لا يجد مكانا ينفرد فيه أو لا يقدر
على الخروج إليه في نصف الليلة أو المجئ منه وفيما ذكرناه من البداية بها بعد الثانية وفاء بحقها بدون
هذا الحرج فيكون أولي إن شاء الله
(فصل) وحكم السبعة والثلاثة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم في أن عماده الليل وله الخروج
نهارا لمعاشه وقضاء حقوق الناس، وان تعذر عليه المقام عندها ليلا لشغل أو حبس أو ترك ذلك لغير
عذر قضاء لها وله الخروج لصلاة الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك الجماعة لذلك ويخرج لما لابد
له منه فإن أطال قضاء، وإن كان يسيرا فلا قضاء عليه
161

(مسألة) قال (وإذا ظهر منها ما يخاف معه نشوزها وعظها فإن أظهرت نشوزا هجرها
فإن أردعها والا فله أن يضربها ضربا لا يكون مبرحا)
معنى النشوز معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها
ارتفعت وتعالت عما أوجب الله عليها من طاعته، فمتى ظهرت انها أمارت النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع
إذا دعاها، ولا تصير إليه الا بتكره ودمدمة فإنه يعظها فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له
عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها من الاثم بالمخالفة والمعصية وما يسقط بذلك من حقوقها من النفقة
والكسوة وما يباح له من ضربها وهجرها لقول الله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) فإن
أظهرت النشوز وهي أن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه فله أن بهجرها
في المضجع لقول الله تعالى (واهجروهن في المضاجع) قال ابن عباس لا تضاجعها في فراشك. فأما
الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل
لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة
وقد روي عن أحمد إذا عصت المرأة زوجها فله ضربها ضربا غير مبرح. فظاهر هذا إباحة ضربها
بأول مرة لقول الله تعالى (واضربوهن) ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت ولان
162

عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقي المقصود زجرها عن المعصية
في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل كمن هجم منزله فأراد إخراجه. وأما قوله
(واللاتي تخافون نشوزهن) الآية ففيها اضمار تقديره: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فإن نشزن
فاهجروهن في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن كما قال سبحانه (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
ويسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يعفوا من
من الأرض) والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف في أنه لا يضربها
لخوف النشوز قبل إظهاره، وللشافعي قولان كهذين فإن لم ترتدع لوعظ والهجر فله ضربها لقوله تعالى
(واضربوهن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن
فاضربوهن ضربا غير مبرح) رواه مسلم معنى غير مبرح أي ليس بالشديد. قال الخلال سألت أحمد
ابن يحيى عن قوله ضربا غير مبرح قال غير شديد، وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة لأن
المقصود التأديب لا الاتلاف، وقد روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت
يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال (أن يطعمها إذا طعمت، ويكسوها إذا اكتست ولا يقبح
ولا يهجر إلا في البيت) وروى عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يجلد أحدكم امرأته
جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يجلد
أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله) متفق عليه
163

(فصل) وله تأديبها على ترك فرائض الله. وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة
عليه قال على فرائض الله، وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربا رفيقا غير مبرح، وقال
علي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى (قو أنفسكم وأهليكم نارا) قال علموهم أدبوهم، وروى أبو محمد
الخلال باسناده عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله عبدا علق في بيته سوطا يؤدب أهله)
فإن لم تصل فقد قال احمد أخشى أن لا يحل لرجل يقيم مع امرأة لا نصلي ولا تغتسل من جنابة ولا نتعلم
القرآن. قال احمد في الرجل يضرب امرأته لا ينبغي لاحد أن يسأله ولا أبوها لم ضربتها، والأصل في
هذا ما روى الأشعث عن عمر أنه قال يا أشعث احفظ عني شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نسألن
164

رجلا فيم ضرب امرأته. رواه أبو داود، ولأنه قد يضربها لأجل الفراش، فإن أخبر بذلك
استحيا، وان أخير بغيره كذب
(فصل) وإذا خافت المرأة نشوز زوجها واعراضه عنها لرغبته عنها اما لمرض بها أو كبر أو
دمامة فلا بأس ان تضع عنه بعض حقوقها تسترضيه بذلك لقول الله تعالى (وان امرأة خافت من
بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) روى البخاري عن عائشة (وان
امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا) قالت هي المرأة تكون عند
الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج عليها تقول له أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت
في حل من النفقة علي والقسمة لي
وعن عائشة ان سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا
165

رسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، قالت في ذلك أنزل الله جل ثناؤه وفي
أشباهها أراه قال (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) رواه أبو داود، ومتى صالحته على
ترك شئ من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله جاز فإن رجعت فلها ذلك، قال أحمد في الرجل
بغيب عن امرأته فيقول لها ان رضيت على هذا وإلا فأنت أعلم فتقول قد رضيت فهو جائز فإن شاءت رجعت
(مسألة) قال (والزوجان إذا وقعت بينهما العداوة وخشي عليهما أن يخرجهما ذلك إلى
العصيان بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما بأن
يجمعا إذا رأيا أو يفرقا فما فعلا من ذلك لزمهما)
وجملة ذلك أن الزوجين إذا وقع بينهما شقاق نظر الحاكم فإن بان له انه من المرأة فهو نشوز قد
166

مضى حكمه، وان بان انه من الرجل أسكنهما إلى جانب ثقة يمنعه من الاضرار بها والتعدي عليها.
وكذلك أن بان من كل واحد منهما تعد أو ادعى كل واحد منهما ان الآخر ظلمه اسكنهما إلى
جانب من يشرف عليهما ويلزمهما الانصاف، فإن لم يتهيأ ذلك وتمادى الشر بينهما وخيف الشقاق
عليهما والعصيان بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها فنظرا بينهما وفعلا ما يريان المصلحة فيه
من جمع أو تفريق لقول الله تعالى (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها
إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما)
واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الحكمين ففي إحدى الروايتين عنه انهما وكيلان لهما
لا يملكان التفريق لهما إلا باذنهما، وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي وحكي ذلك عن الحسن
وأبي حنيفة لأن البضع حقه والمال حقها وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما
167

أو ولاية عليهما (والثانية) انهما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغير عوض
ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين لا رضاهما. روي نحو ذلك عن علي وابن عباس وأبي سلمة بن
عبد الرحمن والشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي وإسحاق وابن المنذر لقول الله
تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) فسماهما حكمين ولم يعتبر رضا الزوجين ثم قال (إن
يريدا إصلاحا) فخاطب الحكمين بذلك
وروى أبو بكر باسناده عن عبيدة السلماني أن رجلا وامرأة أتيا عليا مع كل واحد منهما فئام
من الناس فقال علي رضي الله عنه ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فبعثوا حكمين ثم قال علي
للحكمين هل تدريان ما عليكما من الحق؟ عليكما من الحق ان رأيتما أن تجمعا جمعتما وان رأيتما أن تفرقا
فرقتما فقال المرأة رضيت بكتاب الله علي ولي فقال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي كذبت حتى
168

ترضى بما رضيت به، وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك، ويروى أن عقيلا تزوج فاطمة بنت عتبة
فتخاصما فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان فبعث حكما من أهله عبد الله بن عباس وحكما من أهلها معاوية
فقال ابن عباس: لأفرقن بينهما، وقال معاوية: ما كنت لافرق بين شيخين من بني عبد مناف،
فلما بلغا الباب كانا قد غلقا الباب واصطلحا، ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند
اتباعه من أداء الحق كما يقضى الدين عنه من ماله إذا امتنع ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع، إذا
ثبت هذا فإن الحكمين لا يكونان عاقلين بالغين عدلين مسلمين لأن هذه من شروط العدالة سواء
169

قلنا هما حاكمان أو وكيلان لأن الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز أن يكون الا عدلا كما لو
نصب وكيلا لصبي أو مفلس ويكونان ذكرين لأنه مفتقر إلى الرأي والنظر قال القاضي ويشترط
كونهما حرين وهو مذهب الشافعي لأن العبد عنده لا تقبل شهادته فتكون الحرية من شروط العدالة
والأولى أن يقال إن كانا وكيلين لم تعتبر الحرية لأن توكيل العبد جائز وان كانا حكمين اعتبرت الحرية
لأن الحاكم لا يجوز أن يكون عبدا ويعتبر أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق لأنهما يتصرفان في ذلك
فيعتبر علمهما به والأولى أن يكونا من أهلهما لأمر الله تعالى بذلك ولأنهما أشفق وأعلم بالحال فإن كانا
170

من غير أهلهما جاز لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة فكان الامر بذلك ارشادا
واستحبابا فإن قلنا هما وكيلان فلا يفعلان شيئا حتى يأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو صلح
وتأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه فإن امتنعا من التوكيل لم يجبر أو ان قلنا إنهما حكمان
فإنهما يمضيان ما يريانه من طلاق وخلع فينفذ ذلك عليهما رضياه أو أبياه
(فصل) فإن غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث حكمين جاز للحكمين امضاء رأيهما ان قلنا
إنهما وكيلان لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة وان قلنا إنهما حاكمان لم يجز لهما امضاء الحكم لأن كل واحد
171

من الزوجين محكوم له وعليه والقضاء للغائب لا يجوز إلا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم
التوكيل لا بالحكم وإن كان أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته وان جن أحدهما
بطل حكم وكيله لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل وإن كان حاكما لم يجز له الحكم لأن من شرط ذلك
بقاء الشقاق وحضور المتداعيين ولا يتحقق ذلك مع الجنون
(فصل) فإن شرط الحكمان شرطا أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشترطا ترك بعض النفقة
والقسم لم يلزم الوفاء به لأنه إذا لم يلزم برضى الموكلين فيرضى الوكيلين أولى وان أبرأ وكيل المرأة
من الصداق أو دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع وان أبرأ وكيل الزوج من دين له أو من الرجل لم
تبرأ الزوجة لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالاصلاح لا في اسقاط الحقوق
172

(كتاب الخلع)
(مسألة) قال (والمرأة إذا كانت مبغضة للرجل وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية
بمنعه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه)
وجملة الامر أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك
وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى
(فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج
إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما شأنك؟ قالت لا أنا
ولا ثابت لزوجها فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء
الله أن تذكر وقالت حبيبة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس
خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها وهذا حديث صحيح ثابت الاسناد رواه الأئمة مالك وأحمد وغيرهما وفي
رواية البخاري قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين
ولا خلق إلا أنى أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتردين عليه حديقته؟) فقالت نعم فردتها عليه
وأمره ففارقها وفي رواية فقال له (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام
173

قال ابن عبد البر ولا نعلم أحدا خالفه إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه لم يجزه وزعم أن آية الخلع منسوخة
بقوله سبحانه (وإن أدرتم استبدال زوج مكان زوج) الآية
وروي عن ابن سيرين وأبي قلابة أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لقول الله تعالى (ولا
تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)
ولنا الآية التي تلوناها والخبر وأنه قول عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة لم نعرف لهم
في عصرهم مخالفا فيكون إجماعا، ودعوي النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وأن الآية الناسخة
متأخرة ولم يثبت شئ من ذلك، إذا ثبت هذا فإن هذا يسمى خلعا لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها
قال الله تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ويسمى افتداء لأنها تفتدي نفسها بمال تبذله قال الله
تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به)
(فصل) ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه أحمد فقال يجوز الخلع دون السلطان، وروى البخاري ذلك
عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، وبه قال شريح والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وأهل الرأي
وعن الحسن وابن سيرين لا يجوز إلا عند السلطان
ولنا قول عمر وعثمان ولأنه معاوضة فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح، ولأنه قطع عقد
بالتراضي أشبه الإقالة
(فصل) ولا بأس بالخلع في الحيض والطهر الذي أصابها فيه لأن المنع من الطلاق في الحيض من
174

أجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من
تكرهه وتبغضه وذلك أعظم من ضرر طول العدة فجاز دفع أعلاهما بأدناهما ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم
المختلعة عن حالها ولان ضرر تطويل العدة عليها والخلع يحصل بسؤالها فيكون ذلك رضاء منها به ودليلا
على رجحان مصلحتها فيه
* (مسألة) * قال (ولا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها)
هذا القول يدل على صحة الخلع بأكثر من الصداق وأنهما إذا تراضيا على الخلع بشئ صح وهذا
قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب
والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا لو اختلعت
امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزا، وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن
شعيب لا يأخذ أكثر مما أعطاها، وروي ذلك عن علي باسناد منقطع واختاره أبو بكر قال فإن فعل
رد الزيادة. وعن سعيد بن المسيب قال: ما أرى أن يأخذ كل مالها ولكن ليدع لها شيئا واحتجوا
بما روي أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: والله ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق
ولكن أكره الكفر في الاسلام لا أطيقه بغضا، فقال لها النبي (أتردين عليه حديقته؟) قالت
نعم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد. رواه ابن ماجة ولأنه بدل في مقابلة فسخ
فلم يزد على قدره في ابتداء العقد كالعوض في الإقالة
175

ولنا قول الله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولأنه قول من سمينا من الصحابة قالت
الربيع بنت معوذ: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان بن عفان رضي الله
عنه ومثل هذا يشتهر فلم ينكر فيكون إجماعا ولم يصح عن علي خلافه فإذا ثبت هذا فإنه لا يستحب له
أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وبذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وإسحاق
وأبو عبيد فإن فعل جاز مع الكراهة ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي قال مالك لم أزل أسمع
إجازة الفداء بأكثر من الصداق
ولنا حديث جميلة وروي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها
رواه أبو حفص باسناده وهو صريح في الحكم فنجمع بين الآية والخبر فنقول الآية داله على الجواز
والنهي عن الزيادة للكراهة والله أعلم
* (مسألة) * قال (ولو خالعته لغير ما ذكرنا كره لها ذلك ووقع الخلع)
في بعض النسخ بغير ما ذكرنا بالباء فيحتمل أنه أراد بأكثر من صداقها وقد ذكرنا ذلك في
المسألة التي قبل هذه، والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله لأنه
لو أراد الأول لقال كره له فلما قال كره لها دل على أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة ولا خلاق ملتئمة
176

فإنه يكره لها ذلك فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك
والأوزاعي والشافعي، ويحتمل كلام أحمد تحريمه فإنه قال الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه
المهر، فهذا الخلع، وهذا يدل على أنه لا يكون الخلع صحيحا الا في هذه الحال وهذا قول ابن المنذر
وداود، وقال ابن المنذر وروي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم، وذلك لأن الله
تعالى قال (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم
ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) فدل بمفهومه على أن الجناح لاحق بهما إذا افتدت من
غير خوف ثم غلظ بالوعيد فقال (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)
وروى ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام
عليها رائحة الجنة) رواه أبو داود، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المختلعات
والمنتزعات
هن المنافقات) رواه أبو حفص ورواه أحمد في المسند وذكره محتجا به، وهذا يدل على تحريم المخالعة
لغير حاجة ولأنه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة فحرم لقول عليه السلام
(لا ضرر ولا ضرار) واحتج من أجازه بقول الله سبحانه (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه
هنيئا مريئا) قال ابن المنذر لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضة بدليل الربا حرمه الله في
177

العقد وأباحه في الهبة والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمه على عموم آية
الجواز مع ما عضدها من الاخبار والله أعلم
(فصل) فأما ان عضل زوجته وضارها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة
والقسم ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود روي ذلك عن ابن عباس
وعطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري
وبه قال مالك والثوري وقتادة والشافعي وإسحاق، وقال أبو حنيفة: العقد صحيح والعوض لازم وهو آثم عاص
ولنا قول الله تعالى (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا أن يخافا أن لا يقيما حدود
الله) وقال الله تعالى (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن)
ولأنه عوض أكرهن على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع والاجر في الإجارة، وإذا لم يملك
العوض وقلنا الخلع طلاق وقع الطلاق بغير عوض فإن كان أقل من ثلاث فله رجعتها لأن الرجعة
إنما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة، وان قلنا هو فسخ ولو ينو به الطلاق لم يقع شئ
لأن الخلع بغير عوض لا يقع إحدى الروايتين، وعلى الرواية لاخرى إنما رضي بالفسخ ههنا
بالعوض فإذا لم يحصل له العوض لا يحصل المعوض
وقال مالك أن أخذ منها شيئا على هذا الوجه رد، ومضى الخلع عليه ويتخرج لنا مثل ذلك
إذا قلنا يصح الخلع بغير عوض
178

(فصل) فأما ان ضربها على نشوزها ومنعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لأن ذلك لا يمنعهما أن
لا يخافا أن لا يقيما حدود الله. وفي بعض حديث حبيبة أنها كانت تحت ثابت بن قيس فضربها فكسر
ضلعها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فدعى النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا فقال (خذ بعض مالها وفارقها نفعل) رواه أبو داود
وهكذا لو ضربها ظلما لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم عليه مخالعتها لأنه لم
يعضلها ليذهب ببعض ما آتاها ولكن عليه إثم الظلم
(فصل) فإن أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت صح الخلع لقول الله تعالى (ولا
تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) والاستثناء من النهي إباحة ولأنها
متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى
(فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وهذا أحد قولي الشافعي، والقول الآخر
لا يصح لأنه عوض أكرهت عليه أشبه ما لو لم تزن والنص أولى
(فصل) إذا خالع زوجته أو بارأها بعوض فإنهما يتراجعان بما بينهما من الحقوق فإن كان قبل
الدخول فلها نصف المهر، وان كانت قبضته كله ردت نصفه، وإن كانت مفوضة فلها المتعة،
وهذا قول عطاء والزهري والشافعي، وقال أبو حنيفة ذلك براءة لكل واحد منهما مما لصاحبه
عليه من المهر، وأما الديون التي ليست من حقوق الزوجية فعنه فيها روايتان. ولا تسقط النفقة
في المستقبل لأنها ما وجبت بعد
179

ولنا أن المهر حق لا يسقط بالخلع إذا كان بلفظ الطلاق فلا يسقط بلفظ الخلع والمباراة كسائر
الديون ونفقة العدة إذا كانت حاملا، ولان نصف المهر الذي يصير له لم يجب له قبل الخلع فلم
يسقط بالمباراة كنفقة العدة، والنصف لها لا يبرأ منه بقولها بارأتك لأن ذلك يقتضي براءتها من
حقوقه لابراءته من حقوقها
(مسألة) قال (والخلع فسخ في إحدى الروايتين، والاخري أنه تطليقة بائنة)
اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع ففي إحدى الروايتين أنه فسخ، وهذا اختيار أبي بكر وقول
ابن عباس وطاوس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور وأحد قولي الشافعي (والرواية الثانية) أنه طلقة
بائنة، روي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وقبيصة وشريح ومجاهد وأبي سلمة بن عبد الرحمن
والنخعي والشعبي والزهري ومكحول وابن أبي نجيح ومالك والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي
وقد روي عن عثمان وعلي وابن مسعود لكن ضعف أحمد الحديث عنهم وقال: ليس في الباب شئ
أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ، واحتج ابن عباس بقوله تعالى (الطلاق مرتان - ثم قال -
فلا جناح عليهما فيما افتدت به - ثم قال - فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فذكر
تطليقتين والخلع وتطليقة بعدها فلو كان الخلع طلاقا لكان أربعا ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق
ونيته فكانت فسخا كسائر الفسوخ، ووجه الثانية أنها بذلت العوض للفرقة، والفرقة التي يملك
180

الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون طلاقا ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصدا فراقها
فكان طلاقا كغير الخلع وفائدة الروايتين انا إذا قلنا هو طلقة فخالعها مرة حسبت طلقة فينقص بها عدد
طلاقه، وان خالعها ثلاثا طلقت ثلاثا فلا تحل له من بعد حق تنكح زوجا غيره وان قلنا هو فسخ لم تحرم
عليه، وان خالعها مائة مرة، وهذا الخلاف فيما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق ولم ينوه، فاما ان بذلت
له العوض على فراقها فهو طلاق لا اختلاف فيه، وان وقع بغير لفظ الطلاق مثل كنايات الطلاق
أو لفظ الخلع والمفاداة ونحوهما ونوى به الطلاق فهو طلاق أيضا لأنه كناية نوى الطلاق فكانت
طلاقا كما لو كان بغير عوض فإن لم ينو به الطلاق فهو الذي فيه الروايتان والله أعلم
(فصل) وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح ثلاثة ألفاظ خالعتك لأنه ثبت له
العرف والمفاداة لأنه ورد به القرآن بقوله سبحانه (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وفسخت نكاحك
لأنه حقيقة فيه فإذا أتي بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية، وما عدا هذه مثل بارأتك وأبرأتك
وابنتك فهو كناية لأن الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية كالطلاق، وهذا قول الشافعي
الا أن له في لفظ الفسخ وجهين فإذا طلبت الخلع وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع وكنايته صح
من غير نية لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه فأغنى عن النية فيه، وان لم يكن
181

دلالة حال فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية سواء قلنا هو فسخ أو طلاق، ولا يقع بالكناية الا بنية ممن
تلفظ به منهما ككنايات الطلاق مع صريحه والله أعلم
(فصل) ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ الزوج قال القاضي هذا الذي
عليه شيوخنا البغداديون وقد أومأ إليه أحمد وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب إلى وقوع الفرقة
بقبول الزوج للعوض وأفتى بذلك ابن شهاب بعكبرا واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز واستفتى
عليه من كان ببغداد من أصحابنا فقال ابن شهاب المختلعة على وجهين: مستبرئة ومفتدية، فالمفتدية
هي التي تقول لا أنا ولا أنت ولا أبر لك قسما وأنا أفتدي نفسي منك فإذا قبل الفدية وأخذ المال انفسخ
النكاح لأن إسحاق بن منصور روى قال قلت لأحمد كيف الخلع؟ قال إذا أخذ المال فهي فرقة،
وقال إبراهيم النخعي أخذ المال تطليقة بائنة ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي الله عنه من قبل مالا
على فراق فهي تطليقة بائنة لا رجعة لها فيها، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم لجميلة (أتردين عليه حديقته؟)
قالت نعم ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال (خذ ما أعطيتها ولا تزدد ولم يستدع منه لفظا) ولان
دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبه إلى قصار أو خياط معروفين بذلك فعملاه استحقا
الأجرة وإن لم يشترطا عوضا
ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع فلم يصح بدون اللفظ كما لو سألته أن يطلقها بعوض، ولأنه تصرف
182

في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق، ولان أخذ المال قبض لعوض فلم يقم بمجرده
مقام الايجاب كقبض أحد العوضين في البيع، ولأن الخلع إن كان طلاقا فلا يقع بدون صريحه أو
كنايته وإن كان فسخا فهو أحد طرفي عقد النكاح فيعتبر فيه اللفظ كابتداء العقد. وأما حديث جميلة
فقد رواه البخاري (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) وهذا صريح في اعتبار اللفظ، وفي رواية فأمره ففارقها
ومن لم يذكر الفرقة فإنما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق فإن القصة
واحدة والزيادة من الثقة مقبولة ويدل على ذلك أنه قال ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وقال (خذ ما أعطيتها)
فجعل التفريق قبل العوض ونسب التفريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يباشر التفريق
فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ لأنه
معلوم منه. وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظا ولا دلالة
حال ولابد منه اتفاقا
(مسألة) قال (ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به)
وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق بحال وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن
183

زيد والحسن والشعبي ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وحكي عن أبي حنيفة أنه يلحقها الطلاق
الصريح المعين دون الكناية والطلاق المرسل وهو ان يقول كل امرأة لي طالق وروي نحو ذلك عن
سعيد بن المسيب وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد والثوري لما روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال (المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة
ولنا أنه قول ابن عباس وابن الزبير ولا نعرف لهما مخالفا في عصرهما، ولأنها لا تحل له إلا بنكاح
جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول أو المنقضية عدتها، ولأنه لا يملك بضعها فلم يلحقها طلاقه
كالأجنبية ولأنها لا يقع بها الطلاق المرسل ولا تطلق بالكناية فلم يلحقها الصريح المعين كما قبل الدخول
ولا فرق بين أن يواجهها به فيقول أنت طالق أو لا يواجهها به مثل أن يقول فلانة طالق وحديثهم
لا نعرف له أصلا ولا ذكره أصحاب السنن
(فصل) ولا يثبت في الخلع رجعة سواء قلنا هو فسخ أو طلاق في قول أكثر أهل العلم منهم
الحسن وعطاء وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق وحكي عن الزهري
وسعيد بن المسيب أنهما قالا الزوج بالخيار بين إمساك العوض ولا رجعة له وبين رده وله الرجعة
وقال أبو ثور إن كان الخلع بلفظ الطلاق فله الرجعة لأن الرجعة من حقوق الطلاق فلا تسقط
بالعوض كالولاء مع العتق.
184

ولنا قوله سبحانه وتعالى (فيما افتدت به) وإنما يكون فداء إذا خرجت به عن قبضته وسلطانه
وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه، ولان القصد إزالة الضرر عن المرأة فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر
وفارق الولاء فإن العتق لا ينفك منه والطلاق ينفك عن الرجعة فيما قبل الدخول وإذا أكمل العدد
(فصل) فإن شرط في الخلع أن له الرجعة، فقال ابن حامد يبطل الشرط ويصح الخلع وهو قول
أبي حنيفة واحدى الروايتين عن مالك، لأن الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسدا فلا يفسد بالشرط الفاسد
كالنكاح ولأنه لفظ يقتضي البينونة فإذا شرط الرجعة معه بطل الشرط كالطلاق الثلاث ويحتمل أن
يبطل الخلع وتثبت الرجعة وهو منصوص الشافعي لأن شرط العوض والرجعة متنافيان فإذا شرطاهما
سقطا وبقي مجرد الطلاق فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط ولأنه شرط في العقد ما ينافي مقتضاه فأبطله
كما لو شرط أن لا يتصرف في المبيع، وإذا حكمنا بالصحة فقال القاضي يسقط المسمى في العوض،
لأنه لم يرض به عوضا حتى ضم إليه الشرط فإذا سقط الشرط وجب ضم النقصان الذي نقصه من
أجله إليه فيصير مجهولا فيسقط ويجب المسمى في العقد ويحتمل أن يجب المسمى لأنهما تراضيا به عوضا
فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة
(فصل) فإن شرط الخيار لها أوله يوما أو أكثر وقبلت المرأة صح الخلع وبطل الخيار وبه قال
أبو حنيفة فيما إذا كان الخيار للرجل، وقال إذا جعل الخيار للمرأة ثبت لها الخيار ولم يقع الطلاق
185

ولنا أن سبب وقوع الطلاق وجد وهو اللفظ به فوقع كما لو أطلق ومتى وقع فلا سبيل إلى رفعه
(فصل) نقل مهنا في رجل قالت له امرأته اجعل أمري بيدي وأعطيك عبدي هذا فقبض العبد
وجعل أمرها بيدها وباع العبد قبل أن تقول المرأة شيئا هو له إنما قالت اجعل أمري بيدي وأعطيك
فقيل له متى شاءت تختار؟ قال نعم ما لم يطأها أو ينقض فجعل له الرجوع ما لم تطلق وإذا رجع فينبغي
أن ترجع عليه بالعوض لأنه استرجع ما جعل لها فتسترجع منه ما أعطته، ولو قال إذا جاء رأس الشهر
فأمرك بيدك ملك أبطال هذه الصفة لأن هذا يجوز الرجوع فيه لو لم يكن معلقا فمع التعليق أولى كالوكالة
قال أحمد ولو جعلت له امرأته ألف درهم على أن يخيرها فاختارت الزوج لا يرد عليها شيئا ووجهه أن
الألف في مقابلة تمليكه إياها الخيار وقد فعل فاستحق الألف وليست الألف في مقابلة الفرقة
(فصل) إذا قالت امرأته طلقني بدينار فطلقها ثم ارتدت لزمها الدينار ووقع الطلاق بائنا ولا تؤثر
الردة لأنها وجدت بعد البينونة، وان طلقها بعد ردتها وقبل دخوله بها بانت بالردة ولم يقع الطلاق لأنه
صادفها بائنا فإن كان بعد الدخول وقلنا إن الردة ينفسخ بها النكاح في الحال فكذلك وان قلنا يقف
على انقضاء العدة كان الطلاق مراعى فإن أقامت على ردتها حتى انقضت عدتها تبينا أنها لم تكن
زوجته حين طلقها فلم يقع ولا شئ له عليها وان رجعت إلى الاسلام بان أن الطلاق صادف زوجة
فوقع واستحق عليها العوض.
186

(مسألة) قال (وإذا قالت له اخلعني على ما في يدي من الدراهم ففعل فلم يكن في
يدها شئ لزمه ثلاثة دراهم)
وجملة ذلك أن الخلع بالمجهول جائز وله ما جعل له وهذا قول أصحاب الرأي وقال أبو بكر
لا يصح الخلع ولا شئ له لأنه معاوضة فلا يصح بالمجهول كالبيع وهذا قول أبي ثور وقال الشافعي
يصح الخلع وله مهر مثلها لأنه معاوضة بالبضع فإذا كان العوض مجهولا وجب مهر المثل كالنكاح
ولنا أن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط فجاز أن يستحق به العوض المجهول كالوصية، ولأن الخلع
اسقاط لحقه من البضع وليس فيه تمليك شئ، والاسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز من غير
عوض بخلاف النكاح، وإذا صح الخلع فلا يجب مهر المثل لأنها لم تبذله ولا فوتت عليه ما يوجبه فإن
خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو أخرجته من ملكه بردتها أو رضاعها لمن ينفسخ به
نكاحها لم يجب عليها شئ، ولو قتلت نفسها أو قتلها أجنبي لم يجب للزوج عوض عن بضعها، ولو
وطئت بشبهة أو مكرهة لوجب المهر لها دون الزوج ولو طاوعت لم يكن للزوج شئ وإنما يتقوم البضع
على الزوج في النكاح خاصة وأباح لها افتداء نفسها لحاجتها إلى ذلك فيكون الواجب ما رضيت ببذله
فأما ايجاب شئ لم ترض به فلا وجه له، فعلى هذا ان خلعها على ما في يدها من الدراهم صح فإن كان
187

في يدها دراهم فهي له، وان يكن في يدها شئ فله عليها ثلاثة نص عليه احمد لأنه أقل ما يقع عليه
اسم الدراهم حقيقة ولفظها دل على ذلك فاستحقه كما لو وصى له بدراهم، وإن كان في يدها أقل من ثلاثة احتمل
أن لا يكون له غيره لأنه من الدراهم وهو في يدها، واحتمل أن يكون له ثلاثة كاملة لأن اللفظ يقتضيها فيما إذا
لم يكن في يدها شئ فكذلك إذا كان في يدها
(فصل) والخلع على مجهول ينقسم اقساما (أحدها) أن يخالعها على عدد مجهول من شئ غير مختلف
كالدنانير والدراهم كالتي يخالعها على ما في يدها من الدراهم فهي هذه التي ذكر الخرقي حكمها
(الثاني) أن يكون ذلك من شئ مختلف لا يعظم اختلافه مثل أن يخالعها على عبد مطلق أو
عبيد أو يقول أعطيتني عبدا فأنت طالق فإنها تطلق بأي عبد أعطته إياه ويملكه بذلك ولا يكون
له غيره. وكذلك إن خالعته عليه فليس له إلا ما يقع عليه اسم العبد، وإن خالعته على عبيد فله ثلاثة
هذا ظاهر كلام أحمد وقياس قوله وقول الخرقي في المسألة التي قبلها، وقد قال أحمد فيما إذا قال: إذا
أعطيتني عبدا فأنت طالق فإذا أعطته عبدا فهي طالق. والظاهر من كلامه ما قلناه، وقال القاضي
له عليها عبد وسط وتأول كلام أحمد على أنها أعطته عبدا وسطا والظاهر خلافه
ولنا انها خالعته على مسمى مجهول فكان له أقل ما يقع عليه الاسم كما لو خالعها على ما في يدها من
الدراهم، ولأنه إذا قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا فقد وجد شرطه فيجب أن يقع
188

الطلاق كما لو قال إن رأيت عبدا فأنت طالق ولا يلزمها أكثر منه لأنها لم تلتزم له شيئا فلا يلزمها
شئ كما لو طلقها بغير خلع
(الثالث) أن يخالعها على مسمى تعظم الجهالة فيه مثل أن يخالعها على دابة أو بعير أو بقرة أو
ثوب أو يقول إن أعطيتني ذلك فأنت طالق فالواجب في الخلع ما يقع عليه الاسم من ذلك ويقع الطلاق
بها إذا أعطته إياه فيما إذا علق طلاقها على عطيته إياه ولا يلزمها غير ذلك في قياس ما قبلها، وقال
القاضي وأصحابه من الفقهاء ترد عليه ما أخذت من صداقها لأنها فوتت البضع ولم يحصل له العوض
لجهالته فوجب عليها قيمة ما فوتت وهو المهر
ولنا ما تقدم ولأنها ما التزمت له المهر المسمى ولا مهر المثل فلم يلزمها كما لو قال إن دخلت الدار
فأنت طالق، ولان المسمى قد استوفى بدلة بالوطئ فكيف يجب بغير رضى ممن يجب عليه؟ والأشبه
بمذهب أحمد أن يكون الخلع بالمجهول كالوصية به، ومن هذا القسم لو خالعها على ما في بيتها من المتاع
فإن كان فيه متاع فهو له قليلا كان أو كثيرا معلوما أو مجهولا وان لم يكن فيه متاع فله أقل ما يقع عليه
اسم المتاع، وفي قول القاضي عليها المسمى في الصداق وهو قول أصحاب الرأي والوجه للقولين ما تقدم
(الرابع) ان يخالعها على حمل أمتها أو غنمها أو غيرهما من الحيوان أو قال على ما في بطونها أو
189

ضروعها فيصح الخلع، وروي عن أبي حنيفة يصح الخلع على ما في بطنها ولا يصح على حملها
ولنا ان حملها هو ما في بطنها فصح الخلع عليه كما لو قال على ما في بطنها. إذا ثبت هذا فإنه إن
خرج الولد سليما أو كان في ضروعها شئ من اللبن فهو له وإن لم يخرج شئ فقال القاضي لا شئ له
وهو قول مالك وأصحاب الرأي، وقال ابن عقيل لها مهر المثل، وقال أبو الخطاب له المسمى وإن
خالعها على ما يثمر نخلها أو تحمل أمتها صح، قال احمد إذا خالع امرأته على ثمرة نخلها سنين فجائز فإن
لم يحمل نخلها ترضيه بشئ قبل له فإن حمل نخلها؟ قال هذا أجود من ذاك قيل له يستقيم هذا؟
قال نعم جائز فيحتمل قول احمد ترضيه بشئ اي له أقل ما يقع عليه اسم الثمرة أو الحمل فتعطيه عن
ذلك شيئا اي شئ كان مثل ما ألزمناه في مسألة المتاع، وقال القاضي لا شئ له وتأول قول احمد
ترضيه بشئ على الاستحباب لأنه لو كان واجبا لتقدر بتقدير يرجع إليه، وفرق بين هاتين المسئلتين
ومسألة الدراهم والمتاع حيث يرجع فيهما بأقل ما يقع عليه الاسم إذا لم يجد شيئا وههنا لا يرجع بشئ إذا لم
يجد حملا ولا ثمرة ثم أوهمته ان معها دراهم وفي بيتها متاع لأنها خاطبته بلفظ يقتضي الوجود مع امكان
علمها به فكان له ما دل عليه لفظها كما لو خالعته على عبد فوجده حرا وفي هاتين المسئلتين دخل معها
في العقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال فلم يكن له شئ غيره كما لو قال
خالعتك على هذا الحر، وقال أبو حنيفة لا يصح العوض ههنا لأنه معدوم
190

ولنا أن ما جاز في الحمل في البطن جاز فيما يحمل كالوصية، واختار أبو الخطاب ان له في هذه
الأقسام الثلاثة المسمى في الصداق وأوجب له الشافعي مهر المثل ولم يصحح أبو بكر الخلع في هذا كله
وقد ذكرنا نصوص احمد على جوازه والدليل عليه والله أعلم
(فصل) إذا خالعته على رضاع ولده سنتين صح وكذلك أن جعلا وقتا معلوما قل أو كثر،
وبهذا قال الشافعي لأن هذا مما تصح المعاوضة عليه في غير الخلع ففي الخلع أولى فإن خالعته على رضاع
ولده مطلقا ولم يذكرا مدته صح أيضا وينصرف إلى ما بقي من الحولين نص عليه احمد قيل له ويستقيم
هذا الشرط رضاع ولدها ولا يقول ترضعه سنتين؟ قال نعم، وقال أصحاب الشافعي لا يصح حتى
يذكرا مدة الرضاع كما لا تصح الإجارة حتى يذكرا المدة
ولنا أن الله تعالى قيده بالحولين فقال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وقال
سبحانه (وفصاله في عامين) وقال (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ولم يبين مدة الحمل ههنا والفصال
فحمل على ما فسرته الآية الأخرى وجعل الفصال عامين والحمل ستة أشهر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا رضاع
بعد فصال) يعنى بعد العامين فيحمل المطلق من كلام الآدمي على ذلك أيضا ولا يحتاج إلى وصف
بالرضاع لأن جنسه كاف كما لو ذكر جنس الخياطة في الإجارة فإن ماتت المرضعة أوجف لبنها فعليها
اجر المثل لما بقي من المدة وإن مات الصبي فكذلك، وقال الشافعي في أحد قوليه لا ينفسخ ويأتيها
191

بصبي ترضعه مكانه لأن الصبي مستوفى به لا معقودا عليه فأشبه ما لو استأجر دابة ليركبها فمات
ولنا انه عقد على فعل في عين فينفسخ بتلفها كما لو ماتت الدابة المستأجرة ولان ما يستوفيه من
اللين إنما يتقدر بحاجة الصبي وحاجات الصبيان تختلف ولا تنضبط فلم يجز أن يقوم غيره مقامه كما لو
أراد ابداله في حياته، ولأنه لا يجوز ابداله في حياته فلم يجز بعد موته كالمرضعة بخلاف راكب الدابة،
وإن وجد أحد هذه الأمور قبل مضي شئ من المدة فعليها أجر رضاع مثله وعن مالك كقولنا وعنه
لا يرجع بشئ، وعن الشافعي كقولنا وعنه يرجع بالمهر
ولنا أنه عوض معين تلف قبل قبضه فوجبت قيمته أو مثلها كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه
(فصل) وان خالعها على كفالة ولده عشر سنين صح وان لم يذكر مدة الرضاع منها ولا قدر
الطعام والادم ويرجع عند الاطلاق إلى نفقة مثله، وقال الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع وقدر
الطعام وجنسه وقدر الادم وجنسه ويكون المبلغ معلوما مضبوطا بالصفة كالمسلم فيه وما يحل منه كل
يوم، ومبني الخلاف على اشتراط الطعام للأجير مطلقا وقد ذكرناه في الإجارة ودللنا عليه بقصة موسى
عليه السلام وقول النبي صلى الله عليه وسلم (رحم الله أخي موسى آجر نفسه بطعام بطنه وعفة فرجه) ولان نفقة
الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة وهي غير مقدرة كذا ههنا وللوالد أن يأخذ منها ما يستحقه من مؤنة
الصبي وما يحتاج إليه لأنه بدل ثبت له في ذمتها فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره فإن أحب أنفقه بعينه وان
192

أحب أخذه لنفسه وأنفق عليه غيره، وان أذن لها في إنفاقه على الصبي جاز، فإن مات الصبي بعد
انقضاء مدة الرضاع فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤنة، وهل يستحقه دفعة أو يوما بيوم؟ فيه وجهان
(أحدهما) يستحقه دفعة واحدة، ذكره القاضي في الجامع واحتج بقول أحمد إذا خالعها على رضاع
ولده فمات في أثناء الحولين قال يرجع عليها ببقية ذلك ولم يعتبر الاجل، ولأنه إنما فرق لحاجة الولد
إليه متفرقا فإذا زالت الحاجة إلى التفريق استحق جملة واحدة
(والثاني) لا يستحقه الا يوما بيوم، ذكره القاضي في المجرد وهو الصحيح لأنه ثبت منجما فلا
يستحقه معجلا كما لو أسلم إليه في خبز يأخذه منه كل يوم أرطالا معلومة فمات المستحق له، ولان الحق
لا يحل بموت المستوفي كما لو مات وكيل صاحب الحق وان وقع الخلاف في استحقاقه بموت من هو عليه،
ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان كهذين، وان ماتت المرأة خرج في استحقاقه في الحال وجهان كهذين
بناء على أن الدين هل يحل بموت من هو عليه أم لا؟
(فصل) والعوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع إن كان مكيلا أو موزونا لم يدخل في
ضمان الزوج ولم يملك التصرف فيه الا بقبضه، وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح
تصرفه فيه، قال أحمد في امرأة قالت لزوجها اجعل أمري بيدي ولك هذا العبد ففعل ثم خيرت
فاختارت نفسها بعد ما مات العبد جائز وليس عليها شئ، قال ولو أعتقت العبد ثم اختارت نفسها
193

لم يصح عتقها له، فلم يصحح عتقها له لأن ملكها زال عنه يجعلها له عوضا في الخلع ولم يضمنها إياه إذا
تلف لأنه عوض معين غير مكيل ولا موزون فدخل في ضمان الزوج بمجرد العقد، ويخرج فيه وجه انه
لا يدخل في ضمانه ولا يصح تصرفه فيه حتى يقبضه كما ذكرنا في عوض البيع وفي الصداق، وأما المكيل
والموزون فلا يصح تصرفه فيه ولا يدخل فيه ضمانه حتى يقبضه فإن تلف قبل قبضه فالواجب مثله
لأنه من ذوات الأمثال، وقد ذكر القاضي في الصداق انه يجوز التصرف فيه قبل قبضه وإن كان مكيلا
أو موزونا لأنه لا ينفسخ سببه بتلفه فههنا مثله
(مسألة) قال (وان خالعها على غير عوض كان خلعا ولا شئ له)
اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فروى عنه ابنه عبد الله قال قلت لأبي رجل علقت به
امرأته تقول اخلعني قال قد خلعتك قال يتزوج بها ويجدد نكاحا جديدا وتكون عنده على ثنتين،
فظاهر هذا صحة الخلع بغير عوض وهو قول مالك لأنه قطع للنكاح فصح من غير عوض كالطلاق،
ولان الأصل في مشروعية الخلع أن توجد من المرأة رغبة عن زوجها وحاجة إلى فراقه فتسأله فراقها
فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع فصح كما لو كان بعوض
قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله ان الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال
194

فلا نزاع في أنه طلاق تملك به الرجعة ولا يكون فسخا (والرواية الثانية) لا يكون خلع الا بعوض،
روى عنه مهنا إذا قال لها اخلعي نفسك فقالت خلعت نفسي لم يكن خلعا الا على شئ الا أن يكون نوى
الطلاق فيكون ما نوى، فعلى هذه الرواية لا يصح الخلع إلا بعوض فإن تلفظ به بغير عوض ونوى
الطلاق كان طلاقا رجعيا لأنه يصلح كناية عن الطلاق، وان لم ينو به الطلاق لم يكن شيئا وهذا قول
أبي حنيفة والشافعي لأن الخلع إن كان فسخا فلا يملك الزوج فسخ النكاح الا بعيبها وكذلك لو قال
فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق لم يقع شئ بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة فلا يجتمع
له العوض والمعوض، وان قلنا الخلع طلاق فليس بصريح فيه اتفاقا وإنما هو كناية. والكناية لا يقع
بها الطلاق الأبنية أو بذل للعوض فيقوم مقام النية وما وجد واحد منهما ثم إن وقع الطلاق فإذا لم يكن
بعوض لم يقتض البينونة إلا أن تكمل الثلاث
(فصل) إذا قالت بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح وكان بيعا وخلعا بعوض واحد
لأنهما عقدان يصح افراد كل واحد منهما بعوض فصح جمعهما كبيع ثوبين، وقد نص أحمد على الجمع
بين بيع وصرف أنه يصح وهو نظير لهذا، وذكر أصحابنا فيه وجها آخر أنه لا يصح لأن أحكام
العقدين تختلف، والأول أصح لما ذكرنا وللشافعي فيه قولان أيضا، فعلى قولنا يتقسط الألف على
الصداق المسمى وقيمة العبد فيكون عوض الخلع ما يخص المسمى وعوض العبد ما يخص قيمته حتى لو ردته
195

بعيب رجعت بذلك، وان وجدته حرا أو مغصوبا رجعت به لأنه عوضه فإن كان مكان العبد شقص
مشفوع ففيه الشفعة ويأخذ الشفيع بحصة قيمته من الألف لأنها عوضه
(فصل) وان خالعها على نصف دار صح ولا شفعة فيه لأنه عوض عما لا قيمة له، ويتخرج
أن فيه شفعة لأن له عوضا، وهل يأخذه الشفيع بقيمته أو بمثل المهر؟ على وجهين، فاما إن خالعها
ودفع إليها ألفا بنصف دارها صح ولا شفعة أيضا، وقال أبو يوسف ومحمد تجب الشفعة فيما
قابل الألف لأنه عوض مال
ولنا أن إيجاب الشفعة تقويم للبضع في حق غير الزوج والبضع لا يتقوم في حق غيره، ولان الزوج
ملك الشقص صفقة واحدة من شخص واحد فلا يجوز للشفيع أخذ بعضه كما لو اشتراه بثمن واحد
(مسألة) قال (ولو خالعها على ثوب فخرج معيبا فهو مخير بين أن يأخذ أرش العيب
أو قيمة الثوب ويرده)
وجملة ذلك أن الخلع يستحق فيه رد عوضه بالعيب أو أخذ الأرش لأنه عوض في معاوضة فيستحق
فيه ذلك كالبيع والصداق، ولا يخلو اما أن يكون على معين مثل أن تقول اخلعني على هذا الثوب.
فيقول خلعتك ثم تجد به عيبا لم يكن علم به فهو مخير بين رده وأخذ قيمته وبين أخذ أرشه، وان قال
196

ان أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته إياه طلقت وملكه. قال أصحابنا والحكم فيه كما لو خالعها
عليه وهذا مذهب الشافعي إلا أنه لا يجعل له المطالبة بالأرش مع إمكان رده وهذا أصل ذكرناه في
البيع، وله أيضا قول انه إذا رده رجع بمهر المثل، وهذا الأصل ذكر في الصداق، وان خالعها على
ثوب موصوف في الذمة واستقصى صفات السلم صح وعليها أن تعطيه إياه سليما لأن اطلاق ذلك يقتضي
السلامة كما في البيع والصداق، فإن دفعته إليه معيبا أو ناقصا عن الصفات المذكورة فله الخيار بين
امساكه أو رده والمطالبة بثوب سليم على تلك الصفة لأنه إنما وجب في الذمة سليما تام الصفات فيرجع
بما وجب له لأنها ما أعطته الذي وجب له عليها، وان قال إن أعطيتني ثوبا صفته كذا وكذا فأعطته
ثوبا على تلك الصفات طلقت وملكه، وان أعطته ناقصا صفة لم يقع الطلاق ولم يملكه لأنه ما وجد
الشرط. فإن كان على الصفة لكن به عيب وقع الطلاق لوجود شرطه، قال القاضي ويتخير بين
إمساكه ورده والرجوع بقيمته وهذا قول الشافعي إلا أن له قولا أنه يرجع بمهر المثل على ما ذكرنا
وعلى ما قلنا نحن فيما تقدم أنه إذا قال إذا أعطيتني ثوبا أو عبدا أو هذا الثوب أو هذا العبد فأعطته
إياه معيبا طلقت وليس له شئ سواه، وقد نص أحمد على من قال إن أعطيتني هذا الألف فأنت طالق
فأعطته إياه فوجده معيبا فليس له البدل وقال أيضا إذا قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فإذا أعطته
عبدا فهي طالق ويملكه، وهذا يدل على أن كل موضع قال إن أعطيتني كذا فأعطته إياه فليس له
197

غيره وذلك لأن الانسان لا يلزمه في ذمته شئ إلا بالزام أو التزام ولم يرد الشرع بالزامها هذا ولا
هي التزمته له وإنما علق طلاقها على شرط وهو عطيتها له ذلك فلا يلزمها شئ سواه ولأنها لم تدخل
معه في معاوضة وإنما حققت شرط الطلاق فأشبه ما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت أو
ما لو قال إن أعطيت أياك عبدا فأنت طالق فأعطته إياه
(فصل) إذا قال إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألفا أو أكثر طلقت لوجود الصفة
وان أعطته دون ذلك لم تطلق لعدمها، وان أعطته ألفا وازنة تنقص في العدد طلقت وان أعطته ألفا
عددا تنقص في الوزن لم تطلق لأن إطلاق الدرهم ينصرف إلى الوازن من دراهم الاسلام وهي ما كل
عشرة منها وزن سبعة مثاقيل ويحتمل ان الدراهم متى كانت تنفق برؤوسها من غير وزن طلقت لأنها
يقع عليها اسم الدراهم ويحصل منها مقصودها ولا تطلق إذا أعطته وازنة تنقص في العدد لذلك وان
أعطته ألفا رديئة كنحاس فيها أو رصاص أو نحوه لم تطلق لأن اطلاق الألف يتناول ألفا من الفضة
وليس في هذه الف من الفضة وان زادت على الألف بحيث يكون فيها الف فضة طلقت لأنها قد
أعطته ألفا فضة وان أعطته سبيكة تبلغ ألفا لم تطلق لأنها لا تسمى دراهم فلم توجد الصفة بخلاف المغشوشة
فإنها تسمى دراهم، وان أعطته ألفا ردئ الجنس لخشونة أو سواد أو كانت وحشة السكة طلقت لأن
الصفة وجدت، قال القاضي وله ردها وأخذ بدلها وهذا قد ذكرناه في المسألة التي قبلها
198

(فصل) وان قال إن أعطيتني ثوبا مرويا فأنت طالق فأعطته هرويا لم تطلق لأن الصفة التي علق الطلاق
عليها لم توجد وان أعطته مرويا طلقت وان خالعها على مروي فأعطته هرويا فالخلع واقع ويطالبها بما
خالعها عليه، وان خالعها على ثوب بعينه على أنه مروي فبان هرويا فالخلع صحيح لأن جنسهما واحد
وإنما ذلك اختلاف صفة فجرى مجرى العيب في العوض وهو مخير بين إمساكه ولا شئ له غيره وبين
رده وأخذ قيمته لو كان مرويا لأن مخالفة الصفة بمنزلة العيب في جواز الرد
وقال أبو الخطاب: وعندي لا يستحق شيئا سواه لأن الخلع على عينه وقد أخذه، وان خالعها
على ثوب على أنه قطن فبان كتانا لزم رده ولم يكن له إمساكه لأنه جنس آخر واختلاف الأجناس
كاختلاف الأعيان بخلاف ما لو خالعها على مروي فخرج هرويا فإن الجنس واحد
(فصل) وكل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض وقع الطلاق
سواء قبضه منها أو لم يقبضه لأن العطية وجدت فإنه يقال أعطته فلم يأخذ، ولأنه علق اليمين على
فعل من جهتها والذي من جهتها في العطية البذل على وجه يمكنه قبضه، فإن هرب الزوج أو غاب قبل
عطيتها أو قالت يضمنه لك زيد أو اجعله قصاصا مما لي عليك أو أعطته به رهنا أو احالته به لم يقع
الطلاق لأن العطية ما وجدت ولا يقع الطلاق بدون شرطه، وكذلك كل موضع تعذر العطية فيه لا يقع
الطلاق سواء كان التعذر من جهته أو من جهتها أو من جهة غيرهما لانتفاء الشرط، ولو قالت طلقني
199

بألف فطلقها استحق الألف وبانت وان لم يقبض نص عليه أحمد. قال أحمد ولو قالت لا أعطيك شيئا
يأخذها بالألف، يعني ويقع الطلاق لأن هذا ليس بتعليق على شرط بخلاف الأول
(فصل) وتعليق الطلاق على شرط العطية أو الضمان أو التمليك لازم من جهة الزوج لزوما لا سبيل
إلى دفعه فإن الغالب فيها حكم التعليق المحض بدليل صحة تعليقه على الشروط ويقع الطلاق بوجود
الشرط سواء كانت العطية على الفور أو التراخي، وقال الشافعي ان قال متى أعطيتني أو متى ما أعطيتني
أو أي حين أو أي زمان أعطيتني ألفا فأنت طالق فذلك على التراخي، وان قال إن أعطيتني أو
إذا أعطيتني ألفا فأنت طالق فذلك على الفور فإن أعطته جوابا لكلامه وقع الطلاق وان تأخر العطاء
لم يقع الطلاق لأن قبول المعاوضات على الفور فإذا لم يوجد منه تصريح بخلافه وجب حمل ذلك على
المعاوضات بخلاف متى وأي فإن فيهما تصريحا بالتراخي ونصا فيه وان صارا معاوضة فإن تعليقه بالصفة
جائز أما ان وإذا فإنهما يحتملان الفور والتراخي فإذا تعلق بهما العوض حملا على الفور
ولنا انه علق الطلاق بشرط الاعطاء فكان على التراخي كسائر التعليق أو نقول علق
الطلاق بحرف مقتضاه التراخي فكان على التراخي كما لو خلا عن العوض، والدليل على أن مقتضاه
التراخي انه يقتضيه إذا خلا عن العوض ومقتضيات الألفاظ لا تختلف بالعوض وعدمه، وهذه المعاوضة
معدول بها عن سائر المعاوضات بدليل جواز تعليقها على الشروط ويكون على التراخي فيما إذا علقها
200

بمتى أو بأي فكذلك في مسئلتنا ولا يصح قياس ما نحن فيه على غيره من المعاوضات لما ذكرنا من
الفرق ثم يبطل قياسهم بقول السيد لعبده ان أعطيتني ألفا فأنت حر فإنه كمسئلتنا وهو على التراخي، على
أننا قد ذكرنا أن حكم هذا اللفظ حكم الشرط المطلق
(فصل) إذا قال لامرأته أنت طالق بألف ان شئت لم تطلق حتى تشاء فإذا شاءت وقع الطلاق
بائنا ويستحق الألف سواء سألته الطلاق فقالت طلقتني بألف فأجابها أو قال ذلك لها ابتداء لأنه علق
طلاقها على شرط فلم يوجد قبل وجوده، وتعتبر مشيئتها بالقول فإنها وإن كان محلها القلب فلا يعرف
ما في القلب الا بالنطق فيعلق الحكم به ويكون ذلك على التراخي فمتى شاءت طلقت نص عليه أحمد
ومذهب الشافعي كذلك الا في أنه على الفور عنده. ولو أنه قال لامرأته أمرك بيدك ان ضمنت لي
ألفا فقياس قول احمد انه على التراخي لأنه نص على أن أمرك بيدك على التراخي ونص على أنه إذا
قال لها أنت طالق ان شئت أن لها المشيئة بعد مجلسها، ومذهب الشافعي انه على الفور لما تقدم
ولنا انه لو قال لعبده ان ضمنت لي ألفا فأنت حر كان على التراخي، ولو قال له أنت حر على
الف ان شئت كان على التراخي والطلاق نظير العتق، فعلى هذا متى ضمنت له ألفا كان أمرها بيدها
وله الرجوع فيما جعل إليها لأن أمرك بيدك توكيل منه لها فله الرجوع فيه كما يرجع في الوكالة، وكذلك
لو قال لزوجته طلقي نفسك ان ضمنت لي ألفا فمتى ضمنت له ألفا وطلقت نفسها وقع ما لم يرجع، وان
ضمنت الألف ولم تطلق أو طلقت ولم تضمن لم يقع الطلاق
201

(مسألة) قال (وإذا خالعها على عبد فخرج حرا أو استحق فله عليها قيمته)
وجملة ذلك أن الرجل إذا خالع امرأته على عوض بظنه مالا فبان غير مال مثل ان يخالعها
على عبد بعينه فيبين حرا أو مغصوبا أو على خل فيبين خمرا فإن الخلع صحيح في قول أكثر أهل العلم
لأن الخلع معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح ولكنه يرجع عليها بقيمته
لو كان عبدا وبهذا قال أبو ثور وصاحبا أبي حنيفة، وان خالعها على هذا الدن الخل فبان خمرا رجع عليها
بمثله خلا لأن الخل من ذوات الأمثال، وقد دخل على أن هذا المعين خل فكان له مثله كما لو كان
خلا فتلف قبل قبضه، وقد قبل يرجع بقيمة مثله خلا لأن الخمر ليس من ذوات الأمثال. والصحيح
الأول لأنه إنما وجب عليها مثله لو كان خلا كما توجب قيمة الحر بتقدير كونه عبدا فإن الحر لا قيمة
له، وقال أبو حنيفة في المسألة كلها يرجع بالمسمى، وقال الشافعي يرجع بمهر المثل لأنه عقد على
البضع بعوض فاسد فأشبه النكاح بخمر، واحتج أبو حنيفة بأن خروج البضع لا قيمة له فإذا
غرته رجع عليها بما أخذت
ولنا أنها عين يجب تسليمها مع سلامتها وبقاء سبب الاستحقاق فوجب بدلها مقدرا بقيمتها أو
مثلها كالمغصوب والمستعار، وإذا خالعها على عبد فخرج مغصوبا أو أم ولد فإن أبا حنيفة يسلمه ويوافقنا فيه
202

(فصل) وان خالعها على محرم يعلمان تحريمه كالحر والخمر والخنزيز والميتة فهو كالخلع بغير عوض
سواء لا يستحق شيئا وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي له عليها مهر المثل لأنه معاوضة بالبضع فإذا
كان العوض محرما وجب مهر المثل كالنكاح
ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم على ما أسلفنا فإذا رضي بغير عوض لم يكن
له شئ كما لو طلقها أو علق طلاقها على فعل شئ ففعلته وفارق والنكاح فإن دخول البضع في ملك الزوج
متقوم، ولا يلزم إذا خالعها على عبد فبان حرا لأنه لم يرض بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور
وههنا رضي بما لا قيمة له، إذا تقرر هذا فإن كان الخلع بلفظ الطلاق فهو طلاق رجعي لأنه خلا عن
عوض، وإن كان بلفظ الخلع وكنايات الخلع ونوى به الطلاق فكذلك لأن الكنايات مع النية كالصريح
وان كل بلفظ الخلع ولم ينو الطلاق انبنى على أصل وهو انه هل يصح الخلع بغير عوض؟ وفيه روايتان
فإن قلنا يصح صح ههنا، وان قلنا لا يصح لم يصح ولم يقع شيئا، وان قال إن أعطيتني خمرا أو ميتة
فأنت طالق فأعطته ذلك طلقت ولا شئ عليها وعند الشافعي عليها مهر المثل كقوله في التي قبلها
(فصل) فإن قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته مدبرا أو معنقا نصفه وقع الطلاق بهما
لأنهما كالفن في التمليك وان أعطته حرا أو مغصوبا أو مرهونا لم تطلق لأن العطية إنما تتناول ما يصح
تمليكه ومالا يصح تمليكه لا تكون معطية له، وان قال إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته إياه
203

فإذا هو حر أو مغصوب لم تطلق أيضا لما ذكره أبو بكر وأومأ إليه أحمد، وذكر القاضي وجها آخر
انه يقع الطلاق قال وأومأ إليه أحمد في موضع آخر لأنه إذا عينه فقد قطع اجتهادها فيه فإذا أعطته إياه
وجدت الصفة فوقع الطلاق بخلاف غير المعين. ولا صحاب الشافعي أيضا وجهان كذلك وعلى قولهم
يقع الطلاق هل يرجع بقيمته أو بمهر المثل؟ على وجهين
ولنا أن العطية إنما معناها المتبادر إلى الفهم منها عند اطلاقها التمكن من تملكه بدليل غير المعين
ولان العطية ههنا التمليك بدليل حصول الملك بها فيما إذا كان العبد مملوكا لها وانتفاء الطلاق فيما
إذا كان غير معين
(مسألة) قال (وإذا قالت له طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يكن له شئ
ولزمها تطليقة)
أما وقوع الطلاق بها فلا خلاف فيه، وأما الألف فلا يستحق منه شيئا، وقال أبو حنيفة ومالك
والشافعي له ثلث الألف لأنها استدعت منه فعلا بعوض فإذا فعل بعضه استحق بقسطه من العوض
كما لو قال من رد عبيدي فله ألف فرد ثلثهم استحق ثلث الألف وكذلك في بناء الحائط وخياطة
الثوب. ولنا أنها بذلت العوض في مقابلة شئ لم يجبها إليه فلم يستحق شيئا كما لو قال في المسابقة من
204

سبق إلى خمس إصابات فله ألف فسبق إلى بعضها أو قالت يعني عبديك بألف فقال بعتك أحدهما بخمسمائة
وكما لو قالت طلقني ثلاثا على ألف فطلقها واحدة فإن أبا حنيفة وافقنا في هذه الصورة على أنه لا يستحق
شيئا فإن قيل الفرق بينهما أن الباء للعوض دون الشرط وعلى للشرط فكأنها شرطت في استحقاقه
الألف أن يطلقها ثلاثا قلنا لا نسلم أن على للشرط فإنها ليست مذكورة في حروفه وإنما معناها ومعنى
الباء واحد وقد سوي بينهما فيما إذا قالت طلقني وضرتي بألف أو على ألف ومقتضى اللفظ لا يختلف
بكون المطلقة واحدة أو اثنتين
(فصل) فإن قالت طلقني ثلاثا ولك ألف فهي كالتي قبلها ان طلقها أقل من ثلاث وقع الطلاق
ولا شئ له، وإن طلقها ثلاثا استحق الألف ومذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد فيها كمذهبهم في التي
قبلها، وقال أبو حنيفة لا يستحق شيئا، وإن طلقها ثلاثا لأنه لم يعلق الطلاق بالعوض
ولنا أنها استدعت منه الطلاق بالعوض فأشبه ما لو قال رد عبدي ولك ألف فرده، وقوله لم يعلق
الطلاق بالعوض غير مسلم فإن معنى الكلام ولك ألف عوضا عن طلاقي فإن قرينة الحال دالة عليه،
وإن قالت طلقني وضرتي بألف أو على ألف علينا فطلقها وحدها طلقت وعليها قسطها من الألف لأن
عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين وخلعه للمرأتين بعوض عليهما خلعان فجاز أن ينعقد أحدهما
صحيحا موجبا للعوض دون الآخر، وإن كان العوض منها وحدها فلا شئ له في قياس المذهب لأن
205

العقد لا يتعدد بتعدد العوض ولذلك لو اشترى منه عبدين بثمن واحد كان عقدا واحدا بخلاف ما إذا
كان العاقد من أحد الطرفين اثنين فإنه يكون عقدين
(فصل) وإن قالت طلقني ثلاثا بألف ولم يبق من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة أو ثلاثا
بانت بثلاث، قال أصحابنا ويستحق الألف علمت أو لم تعلم وهو منصوص الشافعي، وقال المزني:
لا يستحق الا ثلث لألف لأنه إنما طلقها ثلث ما طلبت منه فلا يستحق الا ثلث الألف كما لو كان
طلاقها ثلاثا، وقال ابن شريح ان علمت أنه لم ينو من طلاقها الا طلقة استحق الألف وان لم تعلم
كقول المزني لأنها ان كانت عالمة كان معنى كلامها كمل لي الثلاث وقد فعل ذلك ووجه قول أصحابنا
أن هذه الواحدة كملت الثلاث وحصلت ما يحصل بالثلاث من البينونة وتحريم العقد فوجب بها العوض
كما لو طلقها ثلاثا
(فصل) فإن لم يبق من طلاقها الا واحدة فقالت طلقني بألف واحدة أبين بها واثنتين في نكاح
آخر فقال أبو بكر قياس قول أحمد أنه إذا طلقها واحدة استحق العوض فإن تزوج بها بعد ذلك ولم
يطلقها رجعت عليه بالعوض لأنه بذلت العوض في مقابلة ثلاث فإذا لم يرقع الثلاث لم يستحق العوض
كما لو كانت ذات طلقات ثلاث فقالت طلقني ثلاثا فلم يطلقها الا واحدة ومقتضى هذا انه إذا لم ينكحها
نكاحا آخر انها ترجع عليه بالعوض وإنما يفوت نكاحه إياها بموت أحدهما وان نكحها نكاحا آخر وطلقها
206

اثنتين لم ترجع عليه بشئ وان لم يطلقها الا واحدة رجعت عليه بالعوض كله، وقال القاضي الصحيح في المذهب
أن هذا لا يصح في الطلقتين الآخرتين لأنه سلف في طلاق ولا يصح السلم في الطلاق ولأنه معاوضة على
الطلاق قبل النكاح والطلاق قبل النكاح لا يصح فالمعارضة عليه أولى فإذا بطل فيهما انبني ذلك على تفريق
الصفقة فإن قلنا تفرق فله ثلث لألف وان قلنا لا تفرق فسد العوض في الجميع ويرجع بالمسمى فقد عقد النكاح
(فصل) وان قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحق الألف، وقال محمد بن الحسن قياس
قول أبي حنيفة انه لا يستحق شيئا لأن الثلاث مخالفة للواحدة لأن تحريمها لا يرتفع الا بزوج وإصابة
وقد لا تريد ذلك ولا تبذل العوض فيه فلم يكن ذلك إيقاعا لما استدعته بل هو إيقاع مبتدأ فلم
يستحق به عوضا
ولنا أنه أوقع ما استدعته وزيادة لأن الثلاث واحدة واثنتان وكذلك لو قال طلقي نفسك ثلاثا
فطلقت نفسها واحدة وقع فيستحق العوض بالواحدة وما حصل من الزيادة التي لم تبذل العوض فيها
لا يستحق بها شيئا فإن قال لها أنت طالق بألف وطالق وطالق وقعت الأولى بائنة ولم تقع الثانية ولا
الثالثة لأنهما جاءا بعد بينونتها وهذا مذهب الشافعي وان قال لها أنت طالق وطالق وطالق بألف
وقع الثلاث وان قال أنت طالق وطالق وطالق ولم يقل بألف قيل له أيتهن أوقعت بالألف؟ فإن قال
207

الأولى بانت بها ولم يقع ما بعدها وان قال الثانية بانت بها ووقعت بها طلقتان ولم تقع الثالثة وإن قال
الثالثة وقع الكل وإن قال نويت ان الألف في مقابلة الكل بانت الأولى وحدها ولم يقع بها ما بعدها
لأن الأولى حصل في مقابلتها عوض وهو قسطها من الألف فبانت بها وله ثلث الألف لأنه رضي بان يوقعها
بذلك مثل أن تقول طلقني بألف فيقول أنت طالق بخمسمائة هكذا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي
ويحتمل أن يستحق الألف لأنه أتى بما بذلت العوض فيه بنية العوض فلم يسقط بعضه بنيته كما لو قالت رد عبدي
بألف فرده ينوي خمسمائة وان لم ينو شيئا استحق الألف الأولى ولم يقع بها ما بعدها ويحتمل أن تقع
الثلاث لأن الواو للجمع ولا تقتضي ترتيبا فهو كقوله أنت طالق ثلاثا بألف وكذلك لو قال
لغير مدخول بها أو قال أنت طالق وطالق وطالق بألف طلقت ثلاثا
(فصل) وإذا قالت طلقني بألف أو على أن لك ألفا أو ان طلقتني فلك علي الف فقال أنت
طالق استحق الألف وان لم يذكره لأن قوله جواب لما استدعته منه والسؤال معاد في الجواب فأشبه
ما لو قالت يعني عبدك بألف فقال بعتكه وان قالت اخلعني بألف فقال أنت طالق فإن قلنا الخلع
طلقة بائنة وقع واستحق العوض لأنه أجابها إلى ما بذلت العوض فيه وان قلنا هو فسخ احتمل أن
يستحق العوض أيضا لأن الطلاق يتضمن ما طلبته وهو بينونتها وفيه زيادة نقصان العدد فأشبه ما لو
قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا احتمل أن لا يستحق شيئا لأنها استدعت منه فسخا فلم يجبها
208

إليه وأوقع طلاقا ما طلبته ولا بذلت فيه عوضا، فعلى هذا يحتمل أن يقع الطلاق رجعيا لأنه أوقعه
مبتدئا به غير مبذول فيه عوض فأشبه ما لو طلقها ابتداء ويحتمل أن لا يقع لأنه أوقعه بعوض فإذا لم
يحصل العوض لم يقع لأنه كالشرط فيه فأشبه ما لو قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق وإن قالت طلقني
بألف فقال خلعتك فإن قلنا هو طلاق استحق الألف لأنه طلقها وإن نوى به الطلاق فكذلك لأنه
كناية فيه وان لم ينو الطلاق وقلنا ليس بطلاق لم يستحق عوضا لأنه ما أجابها إلى ما بذلت
العوض فيه ولا يتضمنه لأنها سألته طلاقا ينقص به عدد طلاقه فلم يجبها إليه وإذا لم يجب العوض
لم يصح الخلع لأنه إنما خالعها معتقدا لحصول العوض فإذا لم يحصل لم يصح ويحتمل أن يكون كالخلع
بغير عوض وفيه من الخلاف ما فيه
(فصل) ولو قالت له طلقني عشرا بألف فطلقها واحدة أو اثنتين فلا شئ له لأنه لم يجبها إلى ما
سألت فلم يستحق عليها ما بذلت وإن طلقها ثلاثا استحق الألف على قياس قول أصحابنا فيما إذا
قالت طلقني ثلاثا بألف ولم يبق من طلاقها إلا واحدة فطلقها واحدة استحق الألف لأنه قد
حصل بذلك جميع المقصود
(فصل) ولو لم يبق من طلاقها الا واحدة فقالت طلقني ثلاثا بألف فقال أنت طالق طالقتين
الأولى بألف والثانية بغير شئ وقعت الأولى واستحق الألف ولم تقع الثانية وان قال الأولى بغير
209

شئ وقعت وحدها ولم يستحق شيئا لأنه لم يجعل لها عوضا وكملت الثلاث وإن قال إحداهما بألف
لزمها الألف لأنها طلبت منه طلقة بألف فأجابها إليها وزادها أخرى
(فصل) وان قالت طلقني بألف إلى شهر أو أعطته ألفا على أن يطلقها إلى شهر فقال إذا جاء رأس
الشهر فأنت طالق صح ذلك واستحق العوض ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائنا لأنه بعوض وإن
طلقها قبل مجئ الشهر طلقت ولا شئ له ذكره أبو بكر وقال روى ذلك عن أحمد علي بن سعيد وذلك
لأنه إذا طلقها قبل رأس الشهر فقد اختار ايقاع الطلاق من غير عوض، وقال الشافعي إذا أخذ منها
ألفا على أن يطلقها إلى شهر فطلقها بألف بانت وعليها مهر المثل لأن هذا سلف في طلاق فلم يصح لأن
الطلاق لا يثبت في الذمة ولأنه عقد تعلق بعين فلا يجوز شرط تأخير التسليم فيه
ولنا أنها جعلت له عوضا صحيحا على طلاقها فإذا طلقها استحقه كما لو لم يقل إلى شهر ولأنها
جعلت له عوضا صحيحا على طلاقها فلم يستحق أكثر منه كالأصل، وان قالت لك الف على أن
تطلقني أي وقت شئت من الآن إلى شهر صح في قياس المسألة التي قبلها، وقال القاضي لا يصح لأن
زمن الطلاق مجهول فإذا طلقها فله مهر المثل وهذا مذهب الشافعي لأنه طلقها على عوض لم يصح لفساده
ولنا ما تقدم في التي قبلها، ولا تضر الجهالة في وقت الطلاق لأنه مما يصح تعليقه على الشرط
فصح بذل العوض فيه مجهول الوقت كالجعالة ولأنه لو قال متى أعطيتني ألفا فأنت طالق صح، وزمنه
210

مجهول أكثر من الجهالة ههنا فإن الجهالة ههنا في شهر واحد وثم في العمر كله وقول القاضي له مهر المال
مخالف لقياس المذهب فإنه ذكر في المواضع التي يفسد فيها العوض ان له المسمى فكذلك يجب أن يكون
ههنا ان حكمنا بفساده والله أعلم.
(فصل) إذا قال لها أنت طالق وعليك ألف وقعت طلقة رجعية ولا شئ عليها لأنه لم يجعل له
العوض في مقابلتها ولا شرط فيها وإنما عطف ذلك على طلاقها فأشبه ما لو قال أنت طالق وعليك
الحج فإن أعطته المرأة عن ذلك عوضا لم يكن عوضا لأنه لم يقابله شئ وكان ذلك هبة مبتدأة يعتبر
فيه شرائط الهبة، وإن قالت المرأة ضمنت لك ألفا لم يصح لأن الضمان إنما يكون عن غير الضامن
لحق واجب أو مآله إلى الوجوب وليس ههنا شئ من ذلك
وذكر القاضي أنه يصح لأن ضمان ما لم يجب يصح ولم أعرف لذلك وجها الا أن يكون أراد أنها
إذا قالت له قبل طلاقها ضمنت لك ألفا على أن تطلقني فقال أنت طالق وعليك ألف فإنه يستحق
الألف، وكذلك إذا قالت طلقني طلقة بألف فقال أنت طالق وعليك ألف وقع الطلاق وعليها
ألف لأن قوله أنت طالق يكفي في صحة الخلع واستحقاق العوض وما وصل به تأكيد، فإن اختلفا
فقال أنت استدعيت مني الطلاق بالألف فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل عدمه فإذا حلفت برئت
من العوض وبانت لأن قوله مقبول في بينونتها لأنها حقه غير مقبول في العوض لأنه عليها وهذا مذهب
الشافعي وأبي حنيفة، وان قال ما استدعيت مني الطلاق وإنما أنا ابتدأت فلي عليك الرجعة وادعت
211

أن ذلك كان جوابا لاستدعائها فالقول قول الزوج لأن الأصل معه ولا يلزمها الألف لأنه لا يدعيه
وان قال أنت طالق على الألف فالمنصوص عن أحمد أن الطلاق يقع رجعيا كقوله أنت طالق وعليك
الف فإنه قال في رواية مهنا في الرجل يقول لامرأته أنت طالق على ألف درهم فلم تقل هي شيئا فهي
طالق يملك الرجعة ثانيا وقال القاضي في المجرد ذلك للشرط تقديره ان ضمنت لي ألفا فأنت طالق فإن
ضمنت له ألفا وقع الطلاق بائنا وإلا لم يقع، وكذلك الحكم إذا قال أنت طالق على أن عليك فقياس
قول أحمد الطلاق يقع رجعيا ولا شئ له وعلى قول القاضي ان قبلت ذلك لزمها الألف وكان خلعا
والا لم يقع الطلاق وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو أيضا ظاهر كلام الخرقي، لأنه استعمل على
بمعنى الشرط في مواضع من كتابه منها قوله وإذا أنكحها على أن لا يتزوج عليها فلها فراقه إن تزوج
عليها وذلك أن على تستعمل بمعنى الشرط بدليل قول الله تعالى في قصة شعيب (إني أريد أن أنكحك
إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) وقال (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا
وبينهم سدا؟) وقال موسى (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟) ولو قال في النكاح زوجتك
ابنتي على صداق كذا صح، وإذا أوقعه بعوض لم يقع بدونه وجرى مجرى قوله أنت طالق ان أعطيتني
ألفا أو ضمنت لي ألفا، ووجه الأول أنه أوقع الطلاق غير معلق بشرط وجعل عليها عوضا لم تبذله فوقع
رجعيا من غير عوض كما لو قال أنت طالق وعليك ألفا ولان على ليست للشرط ولا للمعاوضة ولذلك
لا يصح أن يقول بعتك ثوبي على دينار
212

(فصل) وإذا قال أنت طالق ثلاثا بألف فقالت قبلت واحدة منها بألف وقع الثلاث واستحق
الألف لأن إيقاع الطلاق إليه وإنما علقه بعوض يجري مجرى الشرط من جهتها وقد وجد الشرط فيقع
الطلاق، وان قالت قبلت بألفين وقع ولم يلزمها الألف الزائد لأن القبول لما أوجبه دون ما لم يوجبه
وإن قالت قبلت بخمسمائة لم يقع لأن الشرط لم يوجد، وان قالت قبلت واحدة من الثلاث بثلث
الألف لم يقع لأنه لم يرض بانقطاع رجعته عنها الا بألف، وان قال أنت طالق طلقتين إحداهما بألف
وقعت بها واحدة لأنها بغير عوض ووقعت الأخرى على قبولها لأنها بعوض
(مسألة) قال (وإذا خالعته الأمة بغير اذن سيدها على شئ معلوم كان الخلع واقعا
ويتبعها إذا عتقت بمثله إن كان له مثل والا فقيمته)
في هذه المسألة ثلاثة فصول:
(أحدها) أن الخلع مع الأمة صحيح سواء كان باذن سيدها أو بغير اذنه لأن الخلع يصح مع الأجنبي
فمع الزوجة أولى ويكون طلاقها على عوض بائنا والخلع معها كالخلع مع الحرة سواء
(الفصل الثاني) أن الخلع إذا كان بغير اذن سيدها على شئ في ذمتها فإنه يتبعها إذا عتقت لأنه
رضي بذمتها ولو كان على عين فالذي ذكر الخرقي أنه يثبت في ذمتها مثله أو قيمته ان لم يكن مثليا
213

لأنها لا تملك العين وما في يدها من شئ فهو لسيدها فيلزمها بذله كما لو خالعها على عبد فخرج حرا أو
مستحقا وقياس المذهب أنه لا شئ له لأنه إذا خالعها على عين وهو يعلم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك
العين فيكون راضيا بغير عوض فلا يكون له شئ كما لو قال خالعتك على هذا المغصوب أو هذا الحر
وكذلك ذكر القاضي في المجرد قال هو كالخلع على المغصوب لأنها لا تملكها وهذا قول مالك وقال
الشافعي يرجع عليها بمهر المثل كقوله في الخلع على الحر والمغصوب ويمكن حمل كلام الخرقي على أنها
ذكرت لزوجها أن سيدها أذن لها في هذا الخلع بهذه العين ولم تكن صادقة أو جهل أنها لا تملك العين، أو
يكون اختاره فيما إذا خالعها على مغصوب أنه يرجع عليها بقيمته ويكون الرجوع عليها في حال عتقها
لأنه الوقت الذي تملك فيه فهي كالمعسر يرجع عليه في حال يساره ويرجع بقيمته أو مثله لأنه مستحق
تعذر تسليمه مع بقاء سبب الاستحقاق فوجب الرجوع بمثله أو قيمته كالمغصوب
(الفصل الثالث) إذا كان الخلع باذن السيد تعلق العوض بذمته هذا قياس المذهب كما لو أذن
لعبده في الاستدانة، ويحتمل أن يتعلق برقبة الأمة، وان خالعت على معين باذن السيد فيه ملكه،
وإن أذن في قدر المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها، وإن أطلق الاذن اقتضى الخلع بالمسمى لها
فإن خالعت به أو بما دونه لزم السيد، وإن كان بأكثر منه تعلقت الزيادة بذمتها كما لو عين لها قدرا فخالعت
بأكثر منه وان كانت مأذونا لها في التجارة سلمت العوض مما في يدها
214

(فصل) والحكم في المكاتبة كالحكم في الأمة القن سواء لأنها لا تملك التصرف فيما في يدها
بتبرع وما لاحظ فيه وبذل المال في الخلع لا فائدة فيه من حيث تحصيل المال بل فيه ضرر بسقوط
نفقتها وبعض مهرها ان كانت غير مدخول بها، وإذا كان الخلع بغير اذن السيد فالعوض في ذمتها
يتبعها به بعد العتق، وإن كان باذن السيد سلمه مما في يدها وان لم يكن في يدها شئ فهو على سيدها
(فصل) ويصح خلع المحجور عليها لفلس، وبذلها للعوض صحيح لأن لها ذمة يصح تصرفها
فيها ويرجع عليها بالعوض إذا أيسرت، وفك الحجر عنها وليس له مطالبتها في حال حجرها كما لو
استدانت منه أو باعها شيئا في ذمتها
(فصل) فأما المحجور عليها لسفه أو صغر أو جنون فلا يصح بذل العوض منها في الخلع لأنه
تصرف في المال وليس هي من أهله وسواء أذن فيه الولي أو لم يأذن لأنه ليس له الاذن في التبرعات
وهذا كالتبرع، وفارق الأمة فإنها أهل التصرف ولهذا تصح منها الهبة وغيرها من التصرفات باذنه
ويفارق المفلسة لأنها من أهل التصرف. فإن خالع المحجور عليها بلفظ يكون طلاقا فهو طلاق رجعي
ولا يستحق عوضا، وان لم يكن اللفظ مما يقع به الطلاق كان كالخلع بغير عوض، ويحتمل أن لا يقع
الخلع ههنا لأنه إنما رضي به بعوض ولم يحصل له ولا أمكن الرجوع بدله: قال أصحابنا وليس لولي
هؤلاء المخالعة بشئ من مالهن لأنه إنما يملك التصرف بمالها فيه الحظ، وهذا لاحظ فيه بل فيه اسقاط
215

نفقتها ومسكنا وبذل مالها، ويحتمل أن يملك ذلك إذا رأى الحظ فيه ويمكن أن يكون الحظ لها فيه
بتخليصها ممن يتلف مالها وتخاف منه على نفسها وعقلها ولذلك لم يعد بذل المال في الخلع تبذيرا ولا
سفها فيجوز له بذل مالها لتحصيل حظها وحفظ نفسها ومالها كما يجوز بذله في مداواتها وفكها من
الأسر وهذا مذهب مالك، والأب وغيره من أوليائها في هذا سواء، وان خالعها بشئ من ماله
جاز لأنه يجوز من الأجنبي فمن الولي أولى
(فصل) إذا قال الأب طلق ابنتي وأنت برئ من صداقها فطلقها وقع الطلاق رجعيا ولم يبرأ
من شئ ولم يرجع على الأب ولم يضمن له لأنه أبرأه مما ليس له الابراء منه فأشبه الأجنبي، قال
القاضي وقد قال احمد انه يرجع على الأب قال وهذا محمول على أن الزوج كان جاهلا بأن ابراء الأب
لا يصح فكان له الرجوع عليه لأنه غره فرجع عليه كما لو غره فزوجه معيبة، وان علم أن ابراء الأب
لا يصح لم يرجع بشئ، ويقع الطلاق رجعيا لأنه خلا عن العوض، وفي الموضع الذي يرجع عليه يقع
الطلاق بائنا لأنه بعوض فإن قال الزوج هي طالق ان أبرأتني من صداقها فقال قد أبرأتك لم يقع
الطلاق لأنه لا يبرأ، وروي عن أحمد أن الطلاق واقع فيحتمل أنه أوقعه إذا قصد الزوج تعليق الطلاق
على مجرد التلفظ بالابراء دون حقيقة البراءة، وان قال الزوج هي طالق ان برئت من صداقها لم
يقع لأنه علقه على شرط ولم يوجد، وان قال الأب طلقها علي الف من مالها وعلي الدرك فطلقها طلقت
بائنا لأنه بعوض وهو ما لزم الأب من ضمان الدرك ولا يملك الألف لأنه ليس له بذلها
216

(فصل) وان قال لامرأتيه أنتما طالقتان بألف ان شئتما فقالتا قد شئنا وقع الطلاق بهما بائنا
ولزمهما العوض بينهما على قدر مهريهما، وان شاءت إحداهما دون الأخرى لم يطلق واحدة منهما
لأنه جعل ما شئتما صفة في طلاق كل واحدة منهما ويخالف هذا ما لو قال أنتما طالقتان بألف فقبلت
إحداهما دون الأخرى لزمه الطلاق بعوضه لأنه لم يجعل في طلاقها شرطا وههنا علق طلاق كل واحدة
منهما بمشيئتهما جميعا فيتعلق الحكم بقولهما قد شئنا لفظا لأن ما في القلب لا سبيل إلى معرفته فلو قال الزوج
ما شئتما وإنما قلتما ذلك بألسنتكما أو قالتا ما شئنا بقلوبنا لم يقبل فإذا ثبت هذا فإن العوض يتقسط عليهما
على قدر مهر كل واحدة منهما في الصحيح من المذهب وهو قول ابن حامد ومذهب أهل الرأي وأحد قولي
الشافعي، وقال في الآخر يلزم كل واحدة منهما مهر مثلها وعلى قول أبي بكر من أصحابنا يكون ذلك عليهما
نصفين وأصل هذا في النكاح إذا تزوج اثنتين بصداق واحد، وقد ذكرناه في موضعه فإن كانت إحداهما
رشيدة والأخرى محجورا عليها لسفه فقالتا قد شئنا وقع الطلاق عليهما ووجب على الرشيدة قسطها
من العوض ووقع طلاقها بائنا ولا شئ على المحجور عليها ويكون طلاقها رجعيا لأن لها مشيئة ولكن
الحجر مع صحة تصرفها ونفوذه ولهذا يرجع إلى مشيئة المحجور عليه في النكاح وفيما تأكله وكذلك أن
كانت غير بالغة إلا أنها مميزة فإن لها مشيئة صحيحة ولهذا يخير الغلام بين أبويه إذا بلغ سبعا وان
كانت إحداهما مجنونة أو صغيرة غير مميزة لم تصح المشيئة منهما ولم يقع الطلاق وفي كل موضع حكمنا
217

بوقوع الطلاق فإن الرشيدة يلزمها قسطها من العوض وهو قسط مهرها من العوض في أحد الوجهين
وفي الآخر نصفه وان قالت له امرأتان طلقنا بألف بيننا نصفين فطلقهما فعلى كل واحدة منهما نصفه
وجها واحدا، وان طالق إحداهما وحدها فعليها نصف الألف، وان قالتا طلقنا بألف فطلقهما فالألف
عليهما على قدر صداقيهما في أصح الوجهين، وان طلق إحداهما فعليها حصتها منه، وإن كانت إحداهما
غير رشيدة فطلقها فعلى الرشيدة حصتها من الألف ويقع طلاقها بائنا وتطلق الأخرى طلاقا رجعيا
ولا شئ عليها.
(فصل) ويصح الخلع مع الأجنبي بغير اذن المرأة مثل أن يقول الأجنبي للزوج طلق امرأتك
بألف علي وهذا قول أكثر أهل العلم، وقال أبو ثور لا يصح لأنه سفه فإنه يبذل عوضا في مقابلة ما لا
منفعة له فيه فإن الملك لا يحصل له فأشبه ما لو قال بع عبدك لزيد بألف علي
ولنا أنه بذل مال في مقابلة اسقاط حق عن غيره فصح كما لو قال أعتق عبدك وعلي ثمنه، ولأنه
لو قال ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه صح ولزمه ذلك مع أنه لا يسقط حقا على أحد فههنا أولى ولأنه
حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين وفارق البيع فإنه تمليك فلا يجوز بغير
رضاء من يثبت له الملك وان قال طلق امرأتك بمهرها وأنا ضامن له صح ويرجع عليه بمهرها
(فصل) وان قالت له امرأته طلقني وضرتي بألف فطلقها وقع الطلاق بهما بائنا واستحق
218

الألف على باذلته لأن الخلع مع الأجنبي جائز، وان طلق إحداهما فقال القاضي تطلق طلاقا بائنا ولزم
الباذلة بحصتها من الألف وهذا مذهب الشافعي الا أن بعضهم قال يلزمها مهر مثل المطلقة وقياس قول
أصحابنا فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يلزمها شئ ووقعت بها التطليقة أن لا يلزم
الباذلة ههنا شئ لأنه لم يجبها إلى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت ولأنه قد يكون غرضها في بينونتهما
جميعا منه فإذا طلق إحداهما لم يحصل غرضها فلا يلزمها عوضها
(فصل) وان قالت طلقني بألف على أن تطلق ضرتي أو على أن لا تطلق ضرتي فالخلع صحيح
والشرط والبذل لازم، وقال الشافعي الشرط والعوض باطلان ويرجع إلى مهر المثل لأن الشرط سلف
في الطلاق والعوض بعضه في مقابلة الشرط الباطل فيكون الباقي مجهولا، وقال أبو حنيفة الشرط باطل
والعوض صحيح لأن العقد يستقل بذلك العوض
ولنا أنها بذلت عوضا في طلاقها وطلاق ضرتها فصح كما لو قالت طلقني وضرتي بألف فإن لم
يف لها بشرطها فعليها الأقل من المسمى أو الألف الذي شرطته ويحتمل أن لا يستحق شيئا من العوض
لأنها إنما بذلته بشرط لم يوجد فلا يستحقه كما لو طلقها بغير عوض
219

(مسألة) قال (وما خالع العبد به زوجته من شئ جاز وهو لسيده)
وجملة ذلك أن كل زوج صح طلاقه صح خلعه لأنه إذا ملك الطلاق وهو مجرد اسقاط من غير
تحصيل شئ فلان يملكه محصلا للعوض أولى والعبد يملك الطلاق فملك الخلع. وكذلك
المكاتب والسفيه، وفي الصبي المميز وجهان بناء على صحة طلاقه، ومن لا يصح طلاقه كالطفل والمجنون
لا يصح خلعه لأنه ليس من أهل التصرف فلا حكم لكلامه، ومتى خالع العبد كان العوض لسيده
لأنه من اكسابه واكتسابه لسيده وسائر من ذكرنا العوض لهم ويجب تسليم العوض إلى سيد
العبد وولي المحجور عليه لأن العوض في خلع العبد ملك لسيده فلم يجز تسليمه إلى غيره الا باذنه.
وولي المحجور عليه هو الذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه، وأما المكاتب فيدفع العوض
إليه لأنه هو الذي يتصرف لنفسه، وقال القاضي يصح قبض العبد والمحجور عليه للعوض لأن من
صح خلعه صح قبضه للعوض كالمحجور عليه لفلس، واحتج بقول أحمد ما ملكه العبد من خلع فهو لسيده
وان استهلكه لم يرجع على الواهب والمختلعة بشئ والمحجور عليه في معنى العبد، والأولى أن لا يجوز
لأن العوض في الخلع لسيد العبد فلا يجوز دفعه إلى غيره من هو له بغير اذن مالكه، والعوض في
خلع المحجور عليه ملك له الا أنه لا يجوز تسليمه إليه لأن الحجر أفاد منعه من التصرف. وكلام أحمد
220

يحمل على ما إذا أتلفه العبد قبل تسليمه إليه، وعلى أن عدم الرجوع عليها لا يلزم منه جواز الدفع إليه
فإنه لو رجع عليها لرجعت على العبد وتعلق حقها برقبته وهي ملك للسيد فلا فائدة في الرجوع عليها
مما يرجع به على ماله، وان أسلمت العوض إلى المحجور عليه لم تبرأ فإن أخذه الولي منه برئت، وان
أتلفه أو تلف كان لوليه الرجوع عليها به
(فصل) وقد توقف أحمد في طلاق الأب زوجة ابنه الصغير وخلعه إياها، وسأله أبو الصقر عن
ذلك فقال قد اختلف فيه وكأنه رآه. قال أبو بكر لم يبلغني في هذه المسألة الا ما رواه أبو الصقر فيخرج
على قولين، أحدهما يملك ذلك وهو قول عطاء وقتادة لأن ابن عمر طلق على ابن له معتوه رواه الإمام أحمد
، وعن عبد الله بن عمرو ان المعتوه إذا عبث بأهله طلق عليه وليه، قال عمرو بن شعيب وجدنا
ذلك في كتاب عبد الله بن عمرو ولأنه يصح أن يزوجه فصح أن يطلق عليه إذا لم يكن متهما كالحاكم
يفسخ للاعسار ويزوج الصغير، والقول الآخر لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (الطلاق لمن أخذ بالساق) رواه ابن ماجة، وعن عمر أنه قال إنما الطلاق بيد الذي
يحل له الفرج ولأنه إسقاط لحقه فلم يملكه كالابراء من الدين وإسقاط القصاص، ولان طريقه
الشهوة فلم يدخل في الولاية، والقول في زوجة عبده الصغير كالقول في زوجة ابنه الصغير لأنه في معناه
221

(مسألة) قال (وإذا خالعت المرأة في مرض موتها بأكثر من ميراثه منها فالخلع
واقع وللورثة أن يرجعوا عليه بالزيادة)
وجملة الامر أن المخالعة في المرض صحيحة سواء كان المريض الزوج أو الزوجة أو هما جميعا
لأنه معاوضة فصح في المرض كالبيع ولا نعلم في هذا خلافا، ثم إذا خالعته المريضة بميراثه منها فما دونه
صح ولا رجوع، وإن خالعته بزيادة بطلت لزيادة وهذا قول الثوري وإسحاق، وقال أبو حنيفة له
العوض كله فإن اجابته فمن الثلث لأنه ليس بوارث لها فصحت محاباتها له من الثلث كالأجنبي،
وعن مالك كالمذهبين، وعنه يعتبر بخلع مثلها، وقال الشافعي ان خالعت بمهر مثلها جاز، وان زاد
فالزيادة من الثلث
ولنا على أنه لا يعتبر مهر المثل أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بما قدمنا واعتبار مهر
المثل تقويم له وعلى ابطال الزيادة أنها متهمة في أنها قصدت الخلع لتوصل إليه شيئا من مالها بغير عوض
على وجه لم تكن قادرة عليه وهو وارث لها فبطل كما لو أوصت له أو أقرت له وأما قدر الميراث فلا
تهمة فيه فإنها لو لم تخالعه لورث ميراثه، وإن صحت من مرضها ذلك صح الخلع وله جميع ما خالعها
به لأنا تبينا أنه ليس بمرض الموت والخلع في غير مرض الموت كالخلع في الصحة
222

(مسألة) قال (ولو خالعها في مرض موته وأوصى لها بأكثر مما كانت ترث فللورثة
أن لا يعطوها أكثر من ميراثها)
أما خلعه لزوجته فلا اشكال في صحته سواء كان بمهر مثلها أو أكثر أو أقل ولا يعتبر من الثلث
لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلان يصح بعوض أولى ولان الورثة لا يفوتهم بخلعه شئ فإنه لو مات وله
امرأة لبانت بموته ولم تنتقل إلى ورثته، فأما ان أوصى لها بمثل ميراثها أو أقل صح لأنه لا تهمة في أنه أبانها ليعطيها
ذلك فإنه لو لم يبنها لاخذته بميراثها، وإن أوصى لها بزيادة عليه فللورثة منعها ذلك لأنه اتهم في أنه
قصد إيصال ذلك إليها لأنه لم يكن له سبيل إلى ايصاله إليها وهي في حباله فطلقها ليوصل ذلك إليها
فمنع منه كما لو أوصى لوارث
(فصل) وإذا خالع امرأته على نفقة عدتها فحكي عن أحمد وأبي حنيفة أنه يجوز ذلك وهذا إنما
يخرج على أصل أحمد إذا كانت حاملا، اما غير الحامل فلا نفقة لها عليه فلا تصح عوضا، وقال الشافعي
لا تصح النفقة عوضا فإن خالعها به وجب مهر المثل لأن النفقة لم تجب فلا يصح الخلع كما لو خالعها على
عوض ما يتلفه عليها
223

ولنا أنها إحدى النفقتين فصحت المخالعة عليها كنفقة الصبي فيما إذا خالعته على كفالة ولده وقتا
معلوما، وقولهم انها لم تجب ممنوع فإنه قد قيل إن النفقة تجب بالعقد ثم إنها ان لم تجب فقد وجد
سبب وجوبها كنفقة الصبي بخلاف عوض ما يتلفه
(مسألة) قال (ولو خالعته بمحرم وهما كافران فقبضه ثم أسلما أو أحدهما
لا يرجع عليها بشئ)
وجملة ذلك أن الخلع من الكفار جائز سواء كانوا أهل الذمة أو أهل حرب لأن كل من ملك الطلاق
ملك المعاوضة عليه كالمسلم فإن خالعها بعوض صحيح ثم أسلما وترافعا إلى الحاكم أمضى ذلك عليهما
كالمسلمين وإن كان بمحرم كخمر وخنزير فقبضه ثم أسلما وترافعا إلينا أو أسلم أحدهما أمضى ذلك
عليهما ولم يعرض له ولم يزده ولا يبقى له عليها شئ كما لو أصدقها خمرا ثم أسلما أو تبايعا خمرا أو
تقابضا ثم أسلما، وإن كان اسلامهما أو ترافعهما قبل القبض لم يمضه الحاكم ولم يأمر باقباضه لأن الخمر
والخنزير لا يجوز أن يكون عوضا لمسلم أو من مسلم فلا يأمر الحاكم باقباضه، قال القاضي في الجامع ولا
شئ له لأنه رضي منها بما ليس بمال كالمسلمين إذا تخالعا بخمر، وقال في المجرد يجب مهر المثل وهو
224

مذهب الشافعي لأن العوض فاسد فيرجع إلى قيمة المتلف وهو مهر المثل وكلام الخرقي يدل بمفهومه على
أنه يجب له شئ لأن تخصيصه حالة القبض بنفي الرجوع يدل على الرجوع مع عدم القبض، والفرق بينه
وبين المسلم أن المسلم لا يعتقد الخمر والخنزير مالا فإذا رضي به عوضا فقد رضي بالخلع بغير مال فلم يكن
له شئ والمشرك يعتقده حالا فلم يرض بالخلع بغير عوض فيكون العوض واجبا كما لو خالعها على حر
يظنه عبدا أو خمر يظنه خلا. إذا ثبت أنه يجب له العوض فذكر القاضي أنه مهر المثل كما لو تزوجها
على خمر ثم أسلما وعلى ما عللنا به يقتضي وجوب قيمة ما سمى لها على تقدير كونه مالا فإنه رضي بمالية
ذلك فيكون له قدره من المال كما لو خالعها على خمر يظنه خلا، وإن حصل القبض في بعضه دون
بعض سقط ما قبض وفيما لم يقبض الوجوه الثلاثة، والأصل فيه قول الله تعالى (وذروا ما بقي من الربا
إن كنتم مؤمنين)
(فصل) ويصح التوكيل في الخلع من كل واحد من الزوجين ومن أحدهما منفردا وكل من صح أن يتصرف
بالخلع لنفسه جاز توكيله ووكالته حرا كان أو عبدا ذكرا أو أنثى مسلما أو كافرا محجورا عليه أو رشيدا لأن
كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع فصح أن يكون وكيلا وموكلا فيه كالحر الرشيد وهذا مذهب الشافعي
225

وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا، ويكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء: استدعاء الخلع أو الطلاق
وتقدير العوض وتسليمه، وتوكيل الرجل في ثلاثة أشياء: شرط العوض وقبضه، وإيقاع الطلاق
أو الخلع، ويجوز التوكيل مع تقدير العوض ومن غير تقدير لأنه عقد معاوضة فصح كذلك كالبيع
والنكاح، والمستحب التقدير لأنه أسلم من الغرر وأسهل على الوكيل لاستغنائه عن الاجتهاد، فإن وكل
الزوج لم يخل من حالين (أحدهما) أن يقدر له العوض فخالع به أو بما زاد صح ولزم المسمى لأنه فعل
ما أمر به، وان خالع بأقل منه ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الخلع وهذا اختيار ابن حامد ومذهب
الشافعي لأنه خالف موكله فلم يصح تصرفه كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى ولأنه لم يأذن له
في الخلع بهذا العوض فلم يصح منه كالأجنبي (والثاني) يصح ويرجع على الوكيل بالنقص وهذا قول
أبي بكر لأن المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع كحالة الاطلاق، والأول أولى، وأما ان خالف
في الجنس مثل أن يأمره بالخلع على دراهم فخالع على عبد أو بالعكس أو يأمره بالخلع حالا فخالع بعوض
نسيئة فالقياس أنه لا يصح لأنه مخالف لموكله في جنس العوض فلم يصح تصرفه كالوكيل في البيع ولان
ما خالع به لا يملكه الموكل لكونه لم يأذن فيه ولا الوكيل لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه، وفارق
226

المخالفة في القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل، وقال القاضي القياس أن يلزم الوكيل
القدر الذي أذن فيه ويكون له ما خالع قياسا على المخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع، ولان
هذا خلع لم يأذن فيه الزوج فلم يصح كما لو لم يوكله في شئ ولأنه يفضي إلى أن يملك عوضا ما ملكته
إياه المرأة ولا قصد هو تملكه وتنخلع المرأة من زوجها بغير عوض لزمها له بغير إذنه، وأما المخالفة في
القدر فلا يلزم فيها ذلك مع أن الصحيح أنه لا يصح الخلع فيها أيضا لما قدمناه (والحال الثاني) إذا
أطلق الوكالة فإنه يقتضي الخلع بمهرها المسمى حالا من جنس نقد البلد فإن خالع بذلك فما زاد صح
لأنه زاده خيرا وان خالع بدونه ففيه الوجهان المذكوران فيما إذا قدر له العوض فخالع بدونه. وذكر
القاضي احتمالين آخرين (أحدهما) أن يسقط المسمى ويجب مهر المثل لأنه خالع بما لم يؤذن له فيه
(والثاني) أن يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصا ولا رجعة له وبين رده وله الرجعة، وان خالع
بغير نقد البلد فحكمه حكم ما لو عين له عوضا فخالع بغير جنسه، وان خالع الوكيل بما ليس بمال كالخمر
والخنزير لم يصح الخلع ولم يقع الطلاق لأنه غير مأذون له فيه إنما أذن له في الخلع وهو إبانة المرأة
بعوض وما أتى به وإنما أتى بطلاق غير مأذون له فيه ذكره القاضي في المجرد وهو مذهب الشافعي
وسواء عين له العوض أو أطلق، وذكر في الجامع أن الخلع يصح ويرجع على الوكيل بالمسمى ولا شئ
على المرأة، هذا إذا قلنا الخلع بلا عوض يصح وان قلنا لا يصح لم يصح الا أن يكون بلفظ الطلاق
227

فيقع طلقة رجعية، واحتج بأن وكيل الزوجة لو خالع بذلك صح فكذلك وكيل الزوج، وهذا القياس
غير صحيح فإن وكيل الزوج يوقع الطلاق فلا يصح أن يوقعه على غير ما أذن له فيه، ووكيل الزوجة
لا يوقع وإنما يقبل ولان وكيل الزوج إذا خالع على محرم فوت على موكله العوض، ووكيل الزوجة
يخلصها منه فلا يلزم من الصحة في موضع يخلص موكله من وجوب العوض عليه الصحة في موضع يفوته
عليه ألا ترى أن وكيل الزوجة لو صالح بدون العوض الذي قدرته له صح ولزمها ولو خالع وكيل لزوج
بدون العوض الذي قدره له لم يلزمه، وأما وكيل الزوجة فله حالان (أحدهما) أن تقدر له العوض
فمتى خالع به فما دون صح ولزمها ذلك لأنه زادها خبرا، وان خالع بأكثر منه صح ولم تلزمها الزيادة
لأنها لم تأذن فيها ولزم الوكيل لأنه التزمه للزوج فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من يعتق على رب
المال وقال القاضي في المجرد عليها مهر مثلها ولا شئ على وكيلها لأنه لا يقبل العقد لنفسه إنما يقبله
لغيره ولعل هذا مذهب الشافعي والأولى أنه لا يلزمها أكثر مما بذلته لأنها ما التزمت أكثر منه ولا
وجد منها تعرير للزوج ولا ينبغي أن يجب للزوج أيضا أكثر مما بذل له الوكيل لأنه رضي بذلك
عوضا وهو عوض صحيح معلوم فلم يكن له أكثر منه كما لو بذلته المرأة (الثاني) أن يطلق الوكالة
فيقتضي خلعها بمهرها من جنس نقد البلد فإن خالعها بذلك فما دون صح ولزمها وان خالعها بأكثر
منه فهو كما لو خالعها بأكثر مما قدرت له على ما مضى من القول فيه
228

(فصل) إذا اختلفا في الخلع فادعاه الزوج وأنكرته المرأة بانت باقراره ولم يستحق عليها عوضا
لأنها منكرة وعليها اليمين وان ادعته المرأة وأنكره الزوج فالقول قوله لذلك ولا يستحق عليها عوضا
لأنه لا يدعيه، فإن اتفقا على الخلع واختلفا في قدر العوض أو جنسه أو حلوله أو تأجيله أو صفته فالقول
قول المرأة حكاه أبو بكر نصا عن أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة وذكر القاضي رواية أخرى عن
أحمد أن القول قول الزوج لأن البضع يخرج من ملكه فكان القول قوله في عوضه كالسيد مع
مكاتبته وقال الشافعي يتحالفان لأنه اختلاف في عوض العقد فيتحالفان فيه كالمتبايعين إذا اختلفا في الثمن
ولنا أنه أحد نوعي الخلع فكان القول قول المرأة كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره ولأن المرأة
منكرة للزيادة في القدر أو الصفة فكان القول قولها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اليمين على المدعى عليه)
وأما التحالف في البيع فيحتاج إليه لفسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا يفسخ، وان قال خالعتك بألف
فقالت إنما خالعك غيري بألف في ذمته بانت والقول قولها في نفي العوض عنها لأنها منكرة له وان قالت نعم
229

ولكن ضمنها لك أبي أو غيره لزمها الألف لاقرارها به والضمان لا ببرئ ذمتها، وكذلك أن قالت خالعتك
على الف يزنه لك أبي لأنها اعترفت بالألف وادعت على أبيها دعوى فقبل قولها على نفسها دون غيرها
وإن قال سألتني طلقة بألف فقالت بل سألتك ثلاثا بألف فطلقتني واحدة بانت باقراره والقول
قولها في سقوط العوض وعند أكثر الفقهاء يلزمها ثلث الألف بناء على أصلهم فيما إذا قالت طلقني
ثلاثا بألف فطلقها واحدة أنه يلزمها ثلث الألف، وان خالعها على الف فادعى أنها دنانير وقالت بل
هي دراهم فالقول قولها لما ذكرنا في أول الفصل، ولو قال أحدهما كانت دراهم قراضة وقال الآخر
مطلقة فالقول قولها إلا على الرواية التي حكاها القاضي فإن القول قول الزوج في هاتين المسئلتين
وان اتفقا على الاطلاق لزم الألف من غالب نقد البلد، وان اتفقا على أنهما أرادا دراهم قراضة لزمها
ما أنفقت ارادتهما عليه، وان اختلفا في الإرادة كان حكمها حكم المطلقة يرجع إلى غالب نقد البلد، وقال
القاضي إذا اختلفا في الإرادة وجب المهر المسمى في العقد لأن اختلافهما يجعل البدل مجهولا فيجب
المسمى في النكاح، والأول أصح لأنهما لو أطلقا لصحت التسمية ووجب الألف من غالب نقد البلد
ولم يكن إطلاقهما جهالة تمنع صحة العوض فكذلك إذا اختلفا ولأنه يجيز العوض المجهول إذا لم تكن
جهالته تزيد على جهالة مهر المثل كعبد مطلق وبعير وفرس والجهالة ههنا أقل فالصحة أولى
230

(فصل) إذا علق طلاق امرأته بصفة ثم أبانها بخلع أو طلاق ثم عاد فتزوجها ووجدت الصفة
طلقت، ومثاله إذا قال إن كلمت أباك فأنت طالق ثم أبانها بخلع ثم تزوجها فكلمت أباها
فإنها تطلق نص عليه أحمد، فأما ان وجدت الصفة في حال البينونة ثم تزوجها ثم وجدت مرة أخرى
فظاهر المذهب أنها تطلق، وعن أحمد ما يدل على أنها لا تطلق نص عليه في العتق في رجل قال لعبده
أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم رجع يعني فاشتراه فإن رجع وقد دخل الدار لم يعتق وإن لم يكن
دخل فلا يدخل إذا رجع إليه فإن دخل عتق، فإذا نص في العتق على أن الصفة لا تعود وجب أن يكون
في الطلاق مثله بل أولى لأن العتق يتشوف الشرع إليه ولذلك قال الخرقي وإذا قال إن تزوجت فلانة
فهي طالق لم تطلق ان تزوجها، ولو قال إن ملكت فلانا فهو حر فملكه صار حرا وهذا اختيار أبي
الحسن التميمي، وأكثر أهل العلم يرون أن الصفة لا تعود إذا أبانها بطلاق ثلاث، وإن لم توجد الصفة في
حال البينونة هذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي، قال ابن المنذر أجمع كل من تحفظ
عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن دخلت الدار فطلقها ثلاثا ثم
نكحت غيره ثم نكحها الحالف ثم دخلت الدار أنه لا يقع عليها الطلاق وهذا على مذهب مالك والشافعي
وأصحاب الرأي لأن إطلاق الملك يقتضى ذلك فإن أبانها دون الثلاث فوجدت الصفة ثم تزوجها انحلت
يمينه في قولهم، وإن لم توجد الصفة في البينونة ثم نكحها لم تنحل في قول مالك وأصحاب الرأي وأحد
أقوال الشافعي وله قول آخر لا تعود الصفة بحال وهو اختيار المزني وأبي إسحاق لأن الايقاع وجد
قبل النكاح فلم يقع كما لو علقه بالصفة قبل أن يتزوج بها فإنه لا خلاف في أنه لو قال لأجنبية أنت طالق
231

إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخلت الدار لم تطلق وهذا في معناه فأما إذا وجدت الصفة في حال
البينونة انحلت اليمين لأن الشرط وجد في وقت لا يمكن وقوع الطلاق فيه فسقطت اليمين وإذا انحلت
مرة لم يمكن عودها لا بعقد جديد
ولنا أن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح فيقع كما لو لم يتخلله بينونة أو كما لو بانت بما دون
الثلاث عند مالك وأبي حنيفة ولم تفعل الصفة، وقولهم ان هذا طلاق قبل نكاح قلنا يبطل بما إذا
لم يكمل الثلاث، وقولهم تنحل الصفة بفعلها قلنا إنما تنحل بفعلها على وجه يحنث به وذلك لأن اليمين
حل وعقد ثم ثبت أن عقدها يفتقر إلى الملك فكذلك حلها والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال بينونتها
فلا تنحل اليمين وأما العتق ففيه روايتان
(إحداهما) أن العتق كالنكاح في أن الصفة لا تنحل بوجودها بعد بيعه فيكون كمسئلتنا
(والثانية) تنحل لأن الملك الثاني لا يبنى على الأول في شئ من أحكامه، وفارق النكاح فإنه
يبنى على الأول في بعض أحكامه وهو عدد الطلاق فجاز أن يبني عليه في عود الصفة ولان هذا يفعل
حيلة على إبطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فإن ابن ماجة وابن بطة رويا باسنادهما
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته قد
طلقتك قد راجعتك قد طلقتك) وفي لفظ رواه ابن بطة (خلعتك وراجعتك طلقتك راجعتك)
232

وروى باسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا
محارم الله بأدنى الحيل)
(فصل) فإن كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني مثل أن قال إن أكلت هذا الرغيف فأنت
طالق ثلاثا ثم أبانها فأكلته ثم نكحها لم يحنث لأن حنثه بوجود الصفة في النكاح الثاني وما وجدت ولا
يمكن إيقاع الطلاق بأكلها له حال البينونة لأن الطلاق لا يلحق البائن والله أعلم
كتاب الطلاق
الطلاق حل قيد النكاح وهو مشروع، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقول الله تعالى (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وقال تعالى (يا أيها
النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وأما السنة فما روى ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض
فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر
ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد، وان شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن
يطلق لها النساء) متفق عليه في آي وأخبار سوى هذين كثير، وأجمع الناس على جواز الطلاق والعبرة
دالة على جوازه فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضررا مجردا بالزام
233

الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع
ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه
(فصل) والطلاق على خمسة أضرب (واجب) وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفيئة،
(وطلاق) الحكمين في الشقاق إذا رأيا ذلك (ومكروه) وهو الطلاق من غير حاجة إليه. وقال القاضي
فيه روايتان (إحداهما) أنه محرم لأنه ضرر بنفسه وزوجته وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة
إليه فكان حراما كاتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا إضرار) (والثانية) أنه مباح
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وفي لفظ (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من
الطلاق) رواه أبو داود وإنما يكون مبغوضا من غير حاجة إليه وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حلالا ولأنه
مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها فيكون مكروها (والثالث) مباح وهو عند الحاجة
إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها من غير حصول الغرض بها (والرابع) مندوب إليه
وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها أو تكون
له امرأة غير عفيفة قال أحمد لا ينبغي له إمساكها وذلك لأن فيه نقصا لدينه ولا يأمن إفسادها
لفراشه وإلحاقها به ولدا ليس هو منه، ولا يأس بعضلها في هذه الحال والتضييق عليها لتفتدي منه.
قال الله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) ويحتمل أن
234

الطلاق في هذين الموضعين واجب ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق وفي الحال التي تخرج
المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر (وأما المحظور) فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه أجمع العلماء
في جميع الأمصار وكل الاعصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر
الله تعالى ورسوله. قال الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن شاء طلق قبل أن
يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء) وفي لفظ رواه الدارقطني باسناده عن ابن عمر أنه
طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال (يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله إنك أخطأت السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق
لكل قرء) ولأنه إذا طلق في الحيض طول العدة عليها فإن الحيضة التي طلق فيها لا تحسب من عدتها
ولا الطهر الذي بعدها عند من يجعل الأقراء الحيض وإذا طلق في طهر أصابها فيه لم يأمن أن تكون حاملا
فيندم وتكون مرتابة لا تدري أتعتد بالحمل أو الأقراء؟
(مسألة) قال (وطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع واحدة ثم يدعها
حتى تنقضي عدتها)
معنى طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في الآية والخبرين
المذكورين وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه ثم يتركها حتى تنقضي عدتها ولا خلاف في أنه إذا طلقها
235

في طهر لم يصبها فيه ثم تركها حتى تنقضي عدتها أنه مصيب للسنة مطلق للعدة التي أمر الله بها قاله ابن
عبد البر وابن المنذر وقال ابن مسعود طلاق السنة أن يطلقها من غير جماع، وقال في قوله تعالى
(فطلقوهن لعدتهن) قال طاهرا من غير جماع ونحوه عن ابن عباس وفي حديث ابن عمر الذي رويناه
(ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي
أمر الله أن يطلق لها النساء) فأما قوله ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فمعناه أنه لا يتبعها طلاقا آخر قبل
قضاء عدتها ولو طلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار كان حكم ذلك حكم جمع الثلاث في طهر واحد، قال أحمد
طلاق السنة واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض، وكذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو
عبيد وقال أبو حنيفة والثوري السنة أن يطلقها ثلاثا في كل قرء طلقة وهو قول سائر الكوفيين واحتجوا
بحديث ابن عمر حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم (راجعها ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر) قالوا وإنما
أمره بامساكها في هذا الطهر لأنه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل فإذا مضى ومضت الحيضة التي
بعده أمره بطلاقها، وقوله في حديثه الآخر والسنة أن يستقبل الطهر فيطلق لكل قرء
وروى النسائي باسناده عن عبد الله قال: طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر في غير جماع
فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك بحيضة
ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لا يطلق أحد للسنة فيندم. رواه الأثرم وهذا إنما يحصل
236

في حق من لم يطلق ثلاثا، وقال ابن سيرين ان عليا كرم الله وجهه قال: لو أن الناس أخذوا بما أمر
الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا فمتى
شاء راجعها رواه النجاد باسناده
وروى ابن عبد البر باسناده عن ابن مسعود أنه قال: طلاق السنة أن يطلقها وهي طاهر ثم يدعها
حتى تنقضي عدتها أو يراجعها ان شاء. فأما حديث ابن عمر الأول فلا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه
جمع الثلاث، وأما حديثه الآخر فيحتمل أن يكون ذلك بعد ارتجاعها، ومتى ارتجع بعد الطلقة ثم
طلقها كان للسنة على كل حال حتى قد قال أبو حنيفة لو أمسكها بيده لشهوة ثم والى بين الثلاث كان
مصيبا للسنة لأنه يكون مرتجعا لها والمعنى فيه أنه إذا ارتجعها سقط حكم الطلقة الأولى فصارت كأنها
لم توجد ولا غنى به عن الطلقة الأخرى إذا احتاج إلى فراق امرأته بخلاف ما إذا لم يرتجعها فإنه مستغن
عنها لافضائها إلى مقصوده من ابانتها فافترقا ولان ما ذكروه ارداف طلاق من غير ارتجاع فلم يكن
للسنة كجمع الثلاث في طهر واحد وتحريم المرأة لا يزول الا يزوج وإصابة من غير حاجة فلم يكن
للسنة كجمع الثلاث.
(فصل) فإن طلق للبدعة وهو أن يطلقها حائضا أو في طهر أصابها فيه اثم ووقع طلاقه في قول
عامة أهل العلم، قال ابن المنذر وابن عبد البر لم يخالف في ذلك الا أهل البدع والضلال وحكاه أبو
237

نصر عن ابن علية وهشام بن الحكم والشيعة قالوا لا يقع طلاقه لأن الله تعالى أمر به في قبل العدة فإذا
طلق في غيره لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بايقاعه في غيره
ولنا حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها وفي رواية
الدارقطني قال فقلت يا رسول الله أفرأيت لو أني طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال (لا كانت
تبين منك وتكون معصية) وقال نافع وكان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقه وراجعها كما أمره رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر قال لابن عمر أفتعتد عليه أو تحتسب عليه؟
قال نعم أرأيت ان عجز واستحق؟ وكلها أحاديث صحاح ولأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق
فوقع كطلاق الحامل ولأنه ليس يقر به فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فايقاعه
في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له أما غير الزوج فلا يملك الطلاق والزوج يملكه بملكه محله
(فصل) ويستحب أن يراجعها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها وأقل أحوال الامر الاستحباب ولأنه
بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق ولا يجب ذلك في ظاهر المذهب وهو قول الثوري والأوزاعي
والشافعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي وحكي ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أن الرجعة
تجب واختارها وهو قول مالك وداود لظاهر الامر في الوجوب ولان الرجعة تجرى مجرى استيفاء
238

النكاح واستبقاؤه ههنا واجب بدليل تحريم الطلاق ولان الرجعة إمساك للزوجة بدليل قوله تعالى
(فأمسكوهن بمعروف) فوجب ذلك كامساكها قبل الطلاق، وقال مالك وداود يجبر على رجعتها قال
أصحاب مالك يجبر على رجعتها ما دامت في العدة إلا أشهب قال ما لم تطهر ثم تحيض ثم تطهر لأنه لا يجب
عليه إمساكها في تلك الحال فلا يجب عليه رجعتها فيه
ولنا أنه طلاق لا يرتفع بالرجعة فلم تجب عليه الرجعة فيه كالطلاق في طهر مسها فيه فإنهم أجمعوا
على أن الرجعة لا تجب حكاه ابن عبد البر عن جميع العلماء وما ذكروه من المعنى ينتقض بهذه الصورة
وأما الامر بالرجعة فمحمول على الاستحباب لما ذكرنا
(فصل) فإن راجعها وجب امساكها حتى تطهر واستحب امساكها حتى تحيض حيضة أخرى
ثم تطهر على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر الذي رويناه قال ابن عبد البر ذلك من وجوه عند
أهل العلم منها أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها إلا بالوطئ لأنه المبغي من النكاح ولا يحصل الوطئ إلا
في الطهر فإذا وطئها حرم طلاقها فيه حتى تحيض ثم تطهر واعتبرنا مظنة الوطئ ومحله لا حقيقته ومنها
أن الطلاق كره في الحيض لتطويل العدة فلو طلقها عقيب الرجعة من غير وطئ كانت في معنى المطلقة
قبل الدخول وكانت تبني على عدتها فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع حكم الطلاق بالوطئ واعتبر الطهر الذي
هو موضع الوطئ فإذا وطئ حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر، وقد جاء في حديث عن ابن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مره أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها وان شاء
239

أمسكها، رواه ابن عبد البر ومنها أنه عوقب على ايقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي
يباح له وذكر غير هذا فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة قبل أن يمسها فهو طلاق سنة وقال أصحاب
مالك لا يطلقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر على ما جاء في الحديث
ولنا قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وهذا مطلق للعدة فيدخل في الامر وقد روى يونس بن جبير
وسعيد بن جبير وابن سيرين وزيد بن أسلم وأبو الزبير عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امره ان
يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وان شاء أمسك ولم يذكروا تلك الزيادة وهو حديث صحيح متفق
عليه ولأنه طهر لم يمسها فيه فأشبه الثاني وحديثهم محمول على الاستحباب
(مسألة) قال (ولو طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كان أيضا للسنة وكان تاركا للاختيار)
اختلفت الرواية عن أحمد في جمع الثلاث فروي عنه انه غير محرم اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي
وأبي ثور وداود وروي ذلك عن الحسن بن علي وعبد الرحمن بن عوف والشعبي لأن عويمر العجلاني
لما لاعن امرأته قال كذبت عليها يا رسول الله ان امسكتها فطلقها ثلاثا قبل ان يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
متفق عليه ولم ينقل انكار النبي صلى الله عليه وسلم وعن عائشة ان امرأة رفاعة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت يا رسول الله ان رفاعة طلقني فبت طلاقي متفق عليه وفي حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها ارسل إليها
بثلاث تطليقات ولأنه طلاق جاز تفريقه فجاز جمعه كطلاق النساء والرواية الثانية ان جمع الثلاث
240

طلاق بدعة محرم اختارها أبو بكر وأبو حفص روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس
وابن عمر وهو قول مالك وأبي حنيفة قال علي رضي الله عنه لا يطلق أحد للسنة فيندم وفي رواية قال يطلقها
واحدة ثم يدعها ما بينها وبين ان تحيض ثلاث حيض فمتى شاء راجعها، وعن عمر رضي الله عنه أنه كان
إذا اتي برجل طلق ثلاثا أوجعه ضربا وعن مالك بن الحارث قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إن
عمي طلق امرأته ثلاثا فقال إن عمك عصى الله وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجا، ووجه ذلك قول
الله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن - إلى قوله - لا ندري لعل الله يحدث بعد
ذلك أمرا) ثم قال بعد ذلك (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) ومن
جمع الثلاث لم يبق له أمر يحدث ولا يجعل الله له مخرجا ولا من امره يسرا. وروى النسائي باسناده عن محمود
بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فغضب ثم قال (أيلعب
بكتاب الله عز وجل وانا بين أظهركم؟) حتى قام رجل فقال يا رسول الله الا اقتله وفي حديث ابن عمر قال
قلت يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثا؟ قال (إذا عصيت ربك وبانت منك امرأتك) وروى الدارقطني
باسناده عن علي قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلق البتة فغضب وقال (تتخذون آيات الله هزوا أو دين
الله هزوا أو لعبا؟ من طلق البنة لزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره) ولأنه تحريم للبضع بقول
الزوج من غير حاجة فحرم كالظهار بل هذا أولى لأن الظهار يرتفع تحريمه بالتكفير وهذا لا سبيل للزوج إلى رفعه
بحال ولأنه ضرر واضرار بنفسه وبامرأته من غير حاجة فيدخل في عموم النهى وربما كان وسيلة إلى عوده إليها
حراما أو بحيلة لا تزيل التحريم ووقوع الندم وخسارة الدنيا والآخرة فكان أولى بالتحريم من الطلاق
241

في الحيض الذي ضرره بقاؤها في العدة أياما يسيرة أو الطلاق في طهر مسها فيه الذي ضرره احتمال الندم
بظهور الحمل فإن ضرر جمع الثلاث يتضاعف على ذلك اضعافا كثيرة فالتحريم ثم تنبيه على التحريم ههنا
ولأنه قول من سمينا من الصحابة رواه الأثرم وغيره ولم يصح عندنا في عصرهم خلاف قولهم
فيكون ذلك اجماعا
وأما حديث المتلاعنين فغير لازم لأن الفرقة لم تقع بالطلاق فإنها وقعت بمجرد لعانهما وعند الشافعي
بمجرد لعان الزوج فلا حجة فيه ثم إن اللعان يوجب تحريما مؤبدا فالطلاق بعده كالطلاق بعد انفساخ
النكاح بالرضاع أو غيره ولان جمع الثلاث إنما حرم لما يعقبه من الندم ويحصل به من الضرر ويفوت
عليه من حل نكاحها ولا يحصل ذلك بالطلاق بعد اللعان لحصوله باللعان وسائر الأحاديث لم يقع فيها
جمع الثلاث، بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مقرا عليه ولا حضر المطلق عند النبي صلى الله عليه
وسلم حين أخبر
بذلك لينكر عليه، على أن حديث فاطمة قد جاء فيه أنه أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها
وحديث امرأة رفاعة جاء فيه أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات. متفق عليه فلم يكن (1) في شئ من ذلك
جمع الثلاث ولا خلاف بين الجميع في أن الاختيار والأولى أن يطلق واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها
إلا ما حكينا من قول من قال إنه يطلقها في كل قرء طلقة، والأول أولى فإن في ذلك امتثالا لأمر الله
سبحانه وموافقة لقول السلف وأمنا من الندم، فإنه متى ندم راجعها فإن فاته ذلك بانقضاء عدتها فله
نكاحها، قال محمد بن سيرين ان عليا كرم الله وجهه قال: لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق

(1) في نسخة فلم يكره
242

ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا فمتى شاء راجعها.
رواه النجاد باسناده. وعن عبد الله قال: من أراد أن يطلق الطلاق الذي هو الطلاق فليمهل حتى
إذا حاضت ثم طهرت طلقها تطليقة في غير جماع ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ولا يطلقها ثلاثا وهي
حامل فيجمع الله عليه نفقتهما وأجر رضاعها ويندمه الله فلا يستطيع إليها سبيلا
(فصل) وان طلق ثلاثا بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه متى تنكح زوجا غيره ولا فرق
بين قبل الدخول وبعده روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود
وأنس وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم وكان عطاء وطاوس وسعيد بن جبير
وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار يقولون من طلق البكر ثلاثا فهي واحدة وروى طاوس عن ابن عباس
قال كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة
رواه أبو داود وروى سعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث عن ابن عباس خلاف
رواية طاوس أخرجه أيضا أبو داود وأفتى ابن عباس بخلاف ما رواه عنه طاوس وقد ذكرنا حديث
بن عمر أرأيت لو طلقتها ثلاثا وروى الدارقطني باسناده عن عبادة بن الصامت قال طلق بعض آبائي
امرأته ألفا فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ان أبانا طلق امنا ألفا فهل له مخرج؟
فقال (ان أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبعة
وتسعون اثم في عنقه) ولان النكاح ملك يصح ازالته متفرقا فصح مجتمعا كسائر الاملاك، فأما حديث ابن
عباس فقد صحت الرواية عنه بخلافه وأفتى أيضا بخلافه قال الأثرم سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس بأي
243

شئ تدفعه فقال ادفعه برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه ثم ذكر عن عدة عن ابن عباس
من وجوه انها ثلاث، وقيل معنى حديث ابن عباس ان الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر والا فلا يجوز ان يخالف عمر ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ولا يسوغ
لابن عباس ان يروي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفتى بخلافه
(فصل) وان طلق اثنتين في طهر ثم تركها حتى انقضت عدتها فهو للسنة لأنه لم يحرمها على
نفسه ولم يسد على نفسه المخرج من الندم ولكنه ترك الاختيار لأنه فوت على نفسه طلقة جعلها
الله له من غير فائدة تحصل بها، فكان مكروها كتضييع المال
(مسألة) قال (وإذا قال لها أنت طالق للسنة وكانت حاملا أو طاهرا لم يجامعها فيه
فقد وقع الطلاق، وان كانت حائضا لزمها الطلاق إذا طهرت وإن كانت طاهرة مجامعة
فيه فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة لزمها الطلاق)
وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته أنت طالق للسنة فمعناه في وقت السنة فإن فأنت كانت طاهرا غير
مجامعة فيه فهو وقت السنة على ما أسلفناه وكذلك أن كانت حالا، قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء
أن الحامل طلاقها للسنة، وقال أحمد اذهب إلى حديث سالم عن أبيه ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا
وأخرجه مسلم وغيره فأمره بالطلاق في الطهر أو في الحمل، فطلاق السنة ما وافق الامر ولان مطلق
الحامل التي استبان حملها قد دخل على بصيرة فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم وليست مرتابة
244

لعدم اشتباه الامر عليها فإذا قال لها أنت طالق للسنة في هاتين الحالتين طلقت لأنه وصف الطلقة بصفتها فوقعت
في الحال، وان قال ذلك لحائض لم تقع في الحال لأن طلاقها طلاق بدعة لكن إذا طهرت طلقت لأن
الصفة وجدت حينئذ فصار كأنه قال أنت طالق في النهار فإن كانت في النهار طلقت وان كانت في
الليل طلقت إذا جاء النهار، وان كانت في طهر جامعها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر لأن الطهر
الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة طلقت حينئذ لأن الصفة
وجدت، وهذا كله مذهب الشافعي وأبي حنيفة ولا أعلم فيه مخالفا، فإن أولج في آخر الحيض واتصل
بأول الطهر أو أولج مع أول الطهر لم يقع الطلاق في ذلك الطهر لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه طلقت
في أوله وهذا كله مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا
(فصل) إذا انقطع الدم من الحيض فقد دخل زمان السنة ويقع عليها طلاق السنة وان لم تغتسل
كذلك قال أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ان طهرت لأكثر الحيض
مثل ذلك وان انقطع الدم لدون أكثره لم يقع حتى تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء وتصلي أو يخرج
عنها وقت صلاة لأنه متى لم يوجد فما حكمنا بانقطاع حيضها
ولنا أنها طاهر فوقع بها طلاق السنة كالتي طهرت لأكثر الحيض، والدليل على أنها طاهر أنها
تؤمر بالغسل ويلزمها ذلك ويصح منها وتؤمر بالصلاة وتصح صلاتها، ولان في حديث ابن عمر فإذا
طهرت طلقها إن شاء، وما قاله غير صحيح فإننا لو لم نحكم بالطهر لما أمرناها بالغسل ولا صح منها
245

(مسألة) قال (ولو قال لا أنت طالق للبدعة وهي في طهر لم يصبها فيه لم تطلق
حتى يصيبها أو تحيض)
هذه المسألة عكس تلك فإنه وصف الطلقة بأنها للبدعة فإن قال ذلك لحائض أو طاهر مجامعة
فيه وقع الطلاق في الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها وان كانت في طهر لم يصبها فيه لم يقع في الحال
فإذا حاضت طلقت بأول جزء من الحيض وان أصابها طلقت بالتقاء الختانين فإن نزع من غير توقف
فلا شئ عليها وإن أولج بعد النزع فقد وطئ مطلقته ويأتي بيان حكم ذلك وان أصابها واستدام ذلك
فسنذكرها أيضا إن شاء الله تعالى فيما بعد
(فصل) فإن قال لطاهر أنت طالق للبدعة في الحال فقد قيل إن الصفة تلغو ويقع الطلاق لأنه
وصفها بما لا تتصف به فلغت الصفة دون الطلاق، ويحتمل أن تطلق في الحال ثلاثا لأن ذلك طلاق
بدعة فانصرف الوصف بالبدعة إليه لتعذر صفة البدعة من الجهة الأخرى، وان قال لحائض أنت طالق
للسنة في الحال لغت الصفة ووقع الطلاق لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به وان قال أنت طالق
ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة طلقت ثلاثا في الحال بناء على ما سنذكره
(فصل) وان قال أنت طالق ثلاثا للسنة فالمنصوص عن أحمد أنها تطلق ثلاثا ان كانت طاهرا
غير مجامعة فيه، وان كانت حائضا طلقت ثلاثا إذا طهرت وهذا مذهب الشافعي، قال القاضي وأبو
الخطاب هذا على الرواية التي قال فيها إن جمع الثلاث يكون سنة فأما على الرواية الأخرى فإذا
246

طهرت طلقت واحدة وتطلق الثانية والثالثة في نكاحين آخرين أو بعد رجعتين وقد أنكر احمد هذا
فقال في رواية مهنا إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة قد اختلفوا فيه فمنهم من يقول يقع عليها
الساعة واحدة فلو راجعها تقع عليها تطليقة أخرى وتكون عنده على أخرى وما يعجبني قولهم هذا
فيحتمل أن احمد أوقع الثلاث لأن ذلك عنده سنة ويحتمل أنه أوقعها لوصفه الثلاث بما لا تتصف به
فألغى الصفة وأوقع الطلاق كما لو قال لحائض أنت طالق في الحال للسنة، وقد قال في رواية أبي الحارث
ما يدل على هذا قال يقع عليها الثلاث ولا معنى لقوله للسنة
وقال أبو حنيفة يقع في كل قرء طلقة وإن كانت من ذوات الأشهر وقع في كل شهر طلقة وبناه
على أصله في أن السنة تفريق الثلاث على الأطهار وقد بينا أن ذلك في حكم جمع الثلاث فإن قال أردت
بقولي للسنة إيقاع واحدة في الحال واثنتين في نكاحين آخرين قبل منه، وإن قال أردت أن يقع في
كل قرء طلقة قبل أيضا لأنه مذهب طائفة من أهل العلم وقد ورد به الأثر فلا يبعد أن يريده، وقال
أصحابنا يدين. وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين
(أحدهما) لا يقبل لأن ذلك ليس بسنة (والثاني) يقبل لما قدمنا فإن كانت في زمن البدعة فقال
سبق لساني إلى قول السنة ولم أرده، وإنما أردت الايقاع في الحال وقع في الحال لأنه مالك لايقاعها
فإذا اعترف بما يوقعها قبل منه
(فصل) إذا قال أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت في الحال طلقتين وتأخرت
الثالثة إلى الأخرى لأنه سوى بين الحالين فاقتضى الظاهر أن يكونا سواء فيقع في الحال طلقة ونصف
247

ثم يكمل النصف لكون الطلاق لا يتبعض فيقع طلقتان ويحتمل أن تقع طلقه وتتأخر اثنتان إلى الحال
الأخرى لأن البعض يقع على ما دون الكل ويتناول القليل من ذلك والكثير فيقع أقل ما يقع عليه
الاسم لأنه اليقين وما زاد لا يقع بالشك فيتأخر إلى الحال الأخرى، فإن قيل فلم لا يقع من كل طلقة
بعضها ثم تكمل فيقع الثلاث؟ قلنا متى أمكنت القسمة من غير تكسير وجب القسمة على الصحة، وإن
قال نصفهن للسنة ونصفهن للبدعة وقع في الحال طلقتان وتأخرت الثالثة، وإن قال طلقتان للسنة وواحدة
للبدعة أو طلقتان للبدعة وواحدة للسنة فهو على ما قال، وإن أطلق ثم قال نوبت ذلك فإن فسر نيته
بما يوقع في الحال طلقتين قبل لأنه مقتضى الاطلاق ولأنه غير متهم فيه، وإن فسرها بما يوقع طلقة
واحدة ويؤخر اثنتين دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان (أظهرهما) أنه يقبل
لأن البعض حقيقة في القليل والكثير فما فسر كلامه به لا يخالف الحقيقة فيجب أن يقبل
(والثاني) لا يقبل لأنه فسر كلامه بأخف مما يلزمه حالة الاطلاق، ومذهب الشافعي على نحو
هذا فإن قال أنت طالق ثلاثا بعضها للسنة ولم يذكر شيئا آخر احتمل أن تكون كالتي قبلها لأنه يلزم
من ذلك أن يكون بعضها للبدعة فأشبه ما لو صرح به ويحتمل أنه لا يقع في الحال إلا واحدة لأنه لم
يسو بين الحالين والبعض لا يقتضي النصف فتقع الواحدة لأنها اليقين والزائد لا يقع بالشك وكذلك
لو قال بعضها للسنة وباقيها للبدعة أو سائرها للبدعة
(فصل) إذا قال أنت طالق إذا قدم زيد فقدم وهي حائض طلقت للبدعة ولم يأثم لأنه لم يقصده
248

وان قال أنت طالق إذا قدم زيد للسنة فقدم في زمان السنة طلقت وان قدم في زمان البدعة لم يقع حتى
إذا صارت إلى زمان السنة وقع ويصير كأنه قال حين قدم زيد أنت طالق للسنة لأنه أوقع الطلاق
بقدوم زيد على صفة فلا يقع الا عليها وان قال لها أنت طالق للسنة إذا قدم زيد قبل ان يدخل بها
طلقت عند قدومه حائضا كانت أو طاهرا لأنها لا سنة لطلاقها ولا بدعة وان قدم بعد دخوله بها
وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت وان قدم في زمن البدعة لم تطلق حتى يجئ زمن السنة لأنها صارت
ممن لطلاقها سنة وبدعة وان قال لامرأته أنت طالق إذا جاء رأس الشهر للسنة فكان رأس الشهر في
زمان السنة وقع والا وقع إذا جاء زمان السنة
(مسألة) قال (ولو قال لها وهي حائض ولم يدخل بها أنت طالق للسنة طلقت من
وقتها لأنه لا سنة فيه ولا بدعة)
قال ابن عبد البر أجمع العلماء ان طلاق السنة إنما هو للمدخول بها اما غير المدخول بها فليس
لطلاقها سنة ولا بدعة الا في عدد الطلاق على اختلاف بينهم فيه وذلك لأن الطلاق في حق المدخول
بها إذا كانت من ذوات الأقراء إنما كان له سنة وبدعة لأن العدة تطول عليها بالطلاق في الحيض وترتاب
بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الأمران بالطلاق في الطهر الذي لم يجامعها فيه أما غير
المدخول بها فلا عدة عليها تنفي تطويلها أو الارتياب فيها وكذلك ذوات الأشهر كالصغيرة التي لم
تحض والآيسات من المحيض لا سنة لطلاقهن ولا بدعة لأن العدة لا تطول بطلاقها في حال ولا تحمل
فترتاب وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء كلهن ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة من جهة
249

الوقت في قول أصحابنا وهو مذهب الشافعي وكثير من أهل العلم فإذا قال لاحدى هؤلاء أنت طالق
للسنة أو للبدعة وقعت الطلقة في الحال ولغت الصفة لأن طلاقها لا يتصف بذلك فصار كأنه قال أنت
طالق ولم يزد وكذلك إن قال أنت طالق للسنة والبدعة أو قال أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت في
الحال لأنه وصف الطلقة بصفتها ويحتمل كلام الخرقي أن يكون للحامل طلاق سنة لأنه طلاق أمر به
بقوله عليه السلام (ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا) وهو أيضا ظاهر كلام احمد فإنه قال اذهب إلى حديث
سالم عن أبيه يعني هذا الحديث ولأنها في حال انتقلت إليها بعد زمن البدعة ويمكن ان تنتقل عنها إلى زمان
البدعة فكان طلاقها طلاق سنة كالطاهر من الحيض من غير مجامعة ويتفرع من هذا انه لو قال لها أنت
طالق للبدعة لم تطلق في الحال فإذا وضعت الحمل طلقت لأن النفاس زمان بدعة كالحيض
(فصل) وان قال لصغيرة أو غير مدخول بها أنت طالق للبدعة ثم قال أردت إذا حاضت الصغيرة أو
أصبت غير المدخول بها أو قال لهما أنتما طالقتان للسنة وقال أردت طلاقهما في زمن يصير طلاقهما فيه للسنة
دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي (أحدهما) لا يقبل وهو مذهب
الشافعي لأنه خلاف الظاهر فأشبه ما لو قال أنت طالق ثم قال أردت إذا دخلت الدار (والثاني) يقبل وهو الأشبه
بمذهب احمد لأنه فسر كلامه بما يحتمله فقبل كما لو قال أنت طالق أنت طالق وقال أردت بالثانية افهامها
(فصل) وإذا قال لها في طهر جامعها فيه أنت طالق للسنة فيئست من المحيض لم تعلق لأنه
وصف طلاقها بأنه للسنة في زمن يصلح له فإذا صارت آيسة فليس لطلاقها سنة فلم توجد الصفة فلا يقع
250

وكذلك أن استبان حملها لم يقع أيضا الا على قول من جعل طلاق الحامل طلاق سنة فإنه ينبغي أن يقع
لوجود الصفة كما لو حاضت ثم طهرت
(فصل) إذا قال أنت طالق في كل قرء طلقة وهي من ذوات القرء وقع في كل قرء طلقة فإن
كانت في القرء وقعت بها واحدة في الحال ووقع بها طلقتان في قرأين آخرين في أولهما سواء قلنا القرء
الحيض أو الأطهار وسواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها الا ان غير المدخول بها تبين بالطلقة الأولى
فإن تزوجها وقع بها في القرء الثاني طلقة أخرى وكذلك الحكم في الثالثة وان كانت صغيرة وقلنا القرء
الحيض لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة وان قلنا القرء الأطهار احتمل ان تطلق في
الحال واحدة ثم لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر فتطلق الثانية ثم الثالثة في الطهر الآخر ثم تطهر لأن الطهر
قبل الحيض كله قرء واحد ويحتمل ان لا تطلق حتى تطهر بعد الحيض لأن القرء هو الطهر بين الحيضتين
وكذلك لو حاضت الصغيرة في عدتها لم تحتسب بالطهر الذي قبل الحيض من عدتها في أحد الوجهين
والحكم في الحامل كالحكم في الصغيرة لأن زمن الحمل كله قرء واحد في أحد الوجهين إذا قلنا الأقراء
الأطهار والوجه الآخر ليس بقرء على كل حال وان كانت آيسة فقال القاضي تطلق واحدة على كل
حال لأنه علق طلاقها بصفة تستحيل فيها فلغت ووقع بها الطلاق كما لو قال لها أنت طالق للبدعة وإذا
طلقت الحامل في حال حملها بانت بوضعه لأن عدتها تنقضي به فلم يلحقها طلاق آخر فإن استأنف نكاحها
أو راجعها قبل وضع حملها ثم طهرت من النفاس طلقت أخرى ثم إذا حاضت ثم طهرت وقع الثالثة
251

(فصل) فإن قال أنت طالق للسنة إن كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت
بوجود الصفة وإن لم تكن في زمن السنة انحلت الصفة ولم يقع بحال لأن الشرط ما وجد وكذلك إن
قال أنت طالق للبدعة إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة إن كانت في زمن البدعة وقع والا لم يقع
بحال فإن كانت ممن لا سنة لطلاقها ولا بدعة فذكر القاضي فيها احتمالين
(أحدهما) لا يقع في المسئلتين لأن الصفة ما وجدت فأشبه ما لو قال أنت طالق ان كنت هاشمية
ولم تكن هاشمية.
(والثاني) تطلق لأنه شرط لوقوع الطلقة شرطا مستحيلا فلغي ووقع الطلاق كما لو قال أنت طالق
للسنة والأول أشبه وللشافعية وجهان كهذين
(فصل) فإن قال أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله أو أعدله أو أكمله أو أتمه أو أفضله أو قال
طلقة حسنة أو جميلة أو عدلة أو سنية كان ذلك كله عبارة عن طلاق السنة وبه قال الشافعي، وقال
محمد بن الحسن إذا قال أعدل الطلاق أو أحسنه ونحوه كقولنا، وان قال طلقة سنية أو عدلة وقع
الطلاق في الحال لأن الطلاق لا يتصف بالوقت والسنة والبدعة وقت فإذا وصفها بما لا تتصف به سقطت
الصفة كما لو قال لغير المدخول بها أنت طالق طلقة رجعية أو قال لها أنت طالق للسنة أو البدعة
ولنا أن ذلك عبارة عن طلاق السنة ويصح وصف الطلاق بالسنة والحس لكونه في ذلك الوقت
موافقا للسنة مطابقا للشرع فهو كقوله أحسن الطلاق وفارق قوله طلقة رجعية لأن الرجعة لا تكون الا
في عدة ولا عدة لها فلا يحصل ذلك بقوله، فإن قال نويت بقولي أعدل الطلاق وقوعه في حال الحيض
252

لأنه أشبه بأخلاقها القبيحة ولم أرد الوقت وكانت في الحيض وقع الطلاق لأنه اقرار على نفسه بما فيه
تغليظ، وإن كانت في حال السنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين كما تقدم
(فصل) فإن عكس فقال أنت طالق أقبح الطلاق وأسمجه أو أفحشه أنتنه أو أردأه حمل على
طلاق البدعة فإن كانت في وقت البدعة والا وقف على مجئ زمان البدعة، وحكي عن أبي بكر انه
يقع ثلاثا ان قلنا إن جمع الثلاث بدعة وينبغي أن تقع الثلاث في وقت البدعة ليكون جامعا لبدعتي
الطلاق فيكون أقبح الطلاق، وإن نوى بذلك غير طلاق البدعة نحو أن يقول إنما أردت ان طلاقك
أقبح الطلاق لأنك لا تستحقينه لحسن عشرتك وجميل طريقتك وقع في الحال، وان قال أردت بذلك
طلاق السنة ليتأخر الطلاق عن نفسه إلى زمن السنة لم يقبل لأن لفظه لا يحتمله، وان قال أنت طالق
طلقة حسنة قبيحة فاحشة جميلة تامه ناقصة وقع في الحال لأنه وصفها بصفتين متضادتين فلغيا وبقي مجرد
الطلاق فإن قال أردت انها حسنة لكونها في زمان السنة وقبيحة لاضرارها بك، أو قال أردت انها
حسنة لتخليصي من شرك وسوء خلقك وقبيحة لكونها في زمان البدعة وكان ذلك يؤخر وقوع الطلاق
عنه دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على وجهين
(فصل) فإن قال أنت طالق طلاق الحرج فقال القاضي معناه طلاق البدعة لأن الحرج الضيق
والاثم فكأنه قال طلاق الاثم وطلاق البدعة طلاق اثم، وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه انه
يقع ثلاثا لأن الحرج الضيق والذي يضيق عليه ويمنعه الرجوع إليها ويمنعها الرجوع إليه هو الثلاث
وهو مع ذلك طلاق بدعة وفيه اثم فيجتمع عليه الأمران الضيق والاثم، وان قال طلاق الحرج والسنة
كان كقوله طلاق البدعة والسنة
253

(مسألة) (وطلاق الزائل العقل بلا سكر لا يقع)
أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو ما في معناه لا يقع طلاقه كذلك قال عثمان وعلي
وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشعبي وأبو قلابة وقتادة والزهري ويحيى الأنصاري ومالك
والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأجمعوا على أن الرجل إذا طلق في حال نومه لا طلاق له، وقد
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن
المجنون حتى يفيق)
وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كل الطلاق جائز الاطلاق المعتوه المغلوب على
عقله) رواه النجاد وقال الترمذي لا نعرفه الا من حديث عطاء بن عجلان وهو ذاهب الحديث، وروى
باسناده عن علي مثل ذلك ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال عقله لجنون أو
اغماء أو نوم أو شرب دواء أو اكراه على شرب خمر أو شرب ما يزيل عقله شربه ولا يعلم أنه مزيل
للعقل فكل هذا يمنع وقوع الطلاق رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافا، فأما ان شرب البنج ونحوه مما
يزيل عقله عالما به متلاعبا فحكمه حكم السكران في طلاقه وبهذا قال أصحاب الشافعي وقال أصحاب
أبي حنيفة لا يقع طلاقه لأنه لا يلتذ بشربها
ولنا انه زال عقله بمعصية فأشبه السكران
(فصل) قال احمد في المغمى عليه إذا طلق فلما أفاق علم أنه كان مغمى عليه وهو ذاكر لذلك
فقال إذا كان ذاكرا لذلك فليس هو مغمى عليه يجوز طلاقه، وقال في رواية أبي طالب في المجنون
254

يطلق فقيل له بعد ما أفاق انك طلقت امرأتك فقال إنا أذكر أني طلقت ولم يكن عقلي معي فقال إذا
كان يذكر انه طلق فقد طلقت فلم يجعله مجنونا إذا كان يذكر الطلاق ويعلم به وهذا والله أعلم فيمن جنونه
بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه، فأما من كان جنونه لنشاف أو كان مبرسما فإنه يسقط حكم
تصرفه مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكره للطلاق إن شاء الله تعالى
(مسألة) قال (وعن أبي عبد الله رحمه الله في السكران روايات: رواية يقع الطلاق
ورواية لا يقع، ورواية يتوقف عن الجواب ويقول قد اختلف فيه أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم)
أما التوقف عن الجواب فليس بقول في المسألة إنما هو ترك للقول فيها وتوقف عنها لتعارض الأدلة
فيها واشكال دليلها ويبقى في المسألة روايتان
(إحداهما) يقع طلاقه اختارها أبو بكر الخلال والقاضي وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد
والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي ميمون بن مهران والحكم ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي في
أحد قوليه وابن شبرمة وأبي حنيفة وصاحبيه وسليمان بن حرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل الطلاق جائز الاطلاق
المعتوه)، ومثل هذا عن علي ومعاوية وابن عباس قال (1) ابن عباس طلاق السكران جائز ان ركب
معصية من معاصي الله نفعه ذلك ولان الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف بدليل ما روى أبو
وبرة الكلبي قال أرسلي خالد إلى عمر فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعلي وعبد الرحمن وطلحة والزبير

(1) بل ذكر البخاري في صحيحه قال ابن عباس طلاق السكران والمستكره ليس بجائز هكذا بصيغة الجزم وما كان فيه بصيغة الجزم حكمه حكم مسنده في الصحة
255

فقلت ان خالدا يقول إن الناس انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة، فقال عمر هؤلاء عندك فسلهم فقال
علي نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون، فقال عمر أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه
كالصاحي ولأنه ايقاع للطلاق من مكلف غير مكره صادف ملكه فوجب أن يقع كطلاق الصاحي
ويدل على تكليفه أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون
(والرواية الثانية) لا يقع طلاقه اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان رضي الله عنه ومذهب
عمر بن عبد العزيز والقاسم وطاوس وربيعة ويحيى الأنصاري والليث والعنبري وإسحاق وأبي ثور
والمزني. قال ابن المنذر هذا ثابت عن عثمان ولا نعلم أحدا من الصحابة خالفه، وقال احمد حديث
عثمان أرفع شئ فيه وهو أصح يعني من حديث علي وحديث الأعمش منصور لا يرفعه إلى علي ولأنه
زائل العقل أشبه المجنون، والنائم ولأنه مفقود الإرادة أشبه المكره ولان العقل شرط للتكليف
إذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهي ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه، ولا فرق بين زوال الشرط
بمعصية أو غيرها بدليل أن من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعدا، ولو ضربت المرأة بطنها فنفست
سقطت عنها الصلاة، ولو ضرب رأسه فجن سقط التكليف. وحديث أبي هريرة لا يثبت. وأما
قتله وسرقته فهو كمسئلتنا
(فصل) والحكم في عنقه ونذره وبيعه وشرائه وردته وإقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم
في طلاقه لأن المعنى في الجميع واحد، وقد روي عن أحمد في بيعه وشرائه الروايات الثلاث وسأله
ابن منصور إذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو اشترى أو باع فقال أجبن عنه لا يصح
256

من أمر السكران شئ وقال أبو عبد الله بن حامد حكم السكران حكم الصاحي فيما له وفيما عليه فاما فيما
له وعليه كالبيع والنكاح والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شئ وقد أومأ إليه أحمد، والأولى أن ماله
أيضا لا يصح منه لأن تصحيح تصرفاته فيما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح تصرف له
(فصل) وحد السكر الذي يقع الخلاف في صاحبه هو الذي يجعله يخلط في كلامه، ولا يعرف
رداءه من رداء غيره، ونعله من نعل غيره ونحو ذلك لأن الله تعالى قال (يا أيها الذين آمنوا
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول، وروي
عن عمر رضي الله عنه أنه قال: استقرئوه القرآن أو ألقوا رداءه في الأردية فإن قرأ أم القرآن أو عرف
رداءه وإلا فأقم عليه الحد، ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى لأن
ذلك لا يخفى على المجنون فعليه أولى
(مسألة) قال (وإذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه)
وأما الصبي الذي لا يعقل فلا خلاف في أنه لا طلاق له، وأما الذي يعقل الطلاق ويعلم أن زوجته
تبين به وتحرم عليه فأكثر الروايات عن أحمد أن طلاقه يقع اختارها أبو بكر والخرقي وابن حامد
وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي وإسحاق، وروي أبو طالب عن أحمد
لا يجوز طلاقه حتى يحتلم وهو قول النخعي والزهري ومالك وحماد والثوري وأبي عبيد، وذكر أبو عبيد
أنه قول أهل العراق وأهل الحجاز، وروي نحو ذلك عن ابن عباس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم
عن الصبي حتى يحتلم ولأنه غير مكلف فلم يقع طلاقه كالمجنون، ووجه الأولى قوله عليه السلام (الطلاق
257

لمن أخذ بالساق) وقوله (كل طلاق جائز الاطلاق المعتوه المغلوب على عقله) وروي عن علي رضي الله
عنه أنه قال: اكتموا الصبيان النكاح فيفهم منه أن فائدته أن لا يطلقوا ولأنه طلاق من عاقل صادف
محل الطلاق فوق كطلاق البالغ
(فصل) وأكثر الروايات عن أحمد تحديد من يقع طلاقه من الصبيان بكونه يعقل وهو اختيار
القاضي وروى عن أحمد أبو الحارث إذا عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين عشر إلى اثنتي عشرة وهذا
يدل على أنه لا يقع لدون العشر وهو اختيار أبي بكر لأن العشر حد للضرب على الصلاة والصيام
وصحة الوصية فكذلك هذا وعن سعيد بن المسيب إذا أحصى الصلاة وصام رمضان جاز طلاقه،
وقال عطاء إذا بلغ أن يصيب النساء، وعن الحسن إذا عقل وحفظ لصلاة وصام رمضان، وقال إسحاق
إذا جاز اثنتي عشرة.
(فصل) ومن أجاز طلاق الصبي اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره وقد أومأ إليه
أحمد فقال في رجل قال لصبي طلق امرأتي فقال قد طلقتك ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق
فقيل له فإن كانت له زوجة صبية فقلت صير أمري إلي، فقال لها أمرك بيدك فقالت قد اخترت
نفسي فقال أحمد ليس بشئ حتى يكون مثلها يعقل الطلاق، وقال أبو بكر لا يصح أن يوكل حتى
يبلغ وحكاه عن أحمد
ولنا أن من صح تصرفه في شئ مما تجوز الوكالة فيه بنفسه صح توكيله ووكالته فيه كالبالغ وما
روي عن أحمد من منع ذلك فهو على الرواية التي لا تجيز طلاقه إن شاء الله تعالى
258

(فصل) فأما السفيه فيقع طلاقه في قول أكثر أهل العلم منهم القاسم بن محمد ومالك والشافعي
وأبو حنيفة وأصحابه ومنع منه عطاء، والأولى صحته لأنه مكلف مالك لمحل الطلاق فوقع طلاقه كالرشيد
والحجر عليه في ماله لا يمنع تصرفه في غير ما هو محجور عليه فيه كالمفلس
(مسألة) قال (ومن أكره على الطلاق لم يلزمه)
لا تختلف الرواية عن أحمد أن طلاق المكره لا يقع وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن
عباس وابن الزبير وجابر بن سمرة وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد
وشريح وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز وابن عون وأيوب السختياني ومالك والأوزاعي والشافعي
وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، وأجازه أبو قلابة والشعبي والنخعي والزهري والثوري وأبو حنيفة
وصاحباه لأنه طلاق من مكلف في محل يملكه فينفذ كطلاق غير المكره
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجة
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا طلاق في إغلاق) رواه
أبو داود والأثرم، قال أبو عبيد والقتيبي معناه في اكراه وقال أبو بكر سألت ابن دريد وأبا طاهر
النحويين فقالا يريد الاكراه لأنه إذا أكره انفلق عليه رأيه، ويدخل في هذا المعنى المبرسم والمجنون
ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعا ولأنه قول حمل عليه بغير
259

حق فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر إذا أكره عليها
(فصل) وإن كان الاكراه بحق نحو إكراه الحاكم المولي على الطلاق بعد التربص إذا لم يفئ
وإكراهه الرجلين اللذين زوجهما وليان ولا يعلم السابق منهما على الطلاق وقع الطلاق لأنه قول حمل
عليه بحق فصح كاسلام المرتد إذا أكره عليه ولأنه إنما جاز اكراهه على الطلاق ليقع طلاقه فلو لم
يقع لم يحصل المقصود.
(مسألة) قال (ولا يكون مكرها حتى ينال بشئ من العذاب مثل الضرب أو الخنق
أو عصر الساق وما أشبهه ولا يكون التواعد كرها)
أما إذا نيل بشئ من العذاب كالضرب والخنق والعصر والحبس والغط في الماء مع الوعيد فإنه
يكون إكراها بلا اشكال لما روي أن المشركين أخذوا عمارا فأرادوه على الشرك فأعطاهم فانتهى إليه
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول (أخذك المشركون فغطوك في الماء وأمروك
أن تشرك بالله ففعلت فإن أخذوك مرة أخرى فافعل ذ لك بهم) رواه أبو حفص باسناده، وقال
عمر رضي الله عنه ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أجعته أو ضربته أو أوثقته وهذا يقتضي وجود فعل
يكون به اكراها، فأما الوعيد بمفرده فعن أحمد فيه روايتان (إحداهما) ليس باكراه لأن الذي
ورد الشرع بالرخصة معه هو ما ورد في حديث عمار، وفيه، إنهم أخذوك فغطوك في الماء) فلا يثبت
الحكم الا فيما كان مثله
260

(والرواية الثانية) أن الوعيد بمفرده اكراه. قال في رواية ابن منصور حد الاكراه إذا خاف
القتل أو ضربا شديدا وهذا قول أكثر الفقهاء وبه يقول أبو حنيفة والشافعي لأن الاكراه لا يكون
الا بالوعيد فإن الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه ولا يخشى من وقوعه وإنما أبيح له فعل
المكره عليه دفعا لما يتوعده به من العقوبة فيما بعد وهو في الموضعين واحد، ولأنه متى توعده بالقتل
وعلم أنه يقتله فلم يبح له الفعل افضى إلى قتله والقائه بيده إلى التهلكة ولا يفيد ثبوت الرخصة
بالاكراه شيئا لأنه إذا طلق في هذه الحال وقع طلاقه فيصل المكره إلى مراده ويقع الضرر بالمكره وثبوت
الاكراه في حق من نيل بشئ من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره، وقد روي عن عمر رضي الله
عنه في الذي تدلى يشتار عسلا فوقفت امرأته على الحبل وقالت طلقني ثلاثا والا قطعته فذكرها الله
والاسلام فقالت لتفعلن أو لأفعلن فطلقها ثلاثا فرده إليها رواه سعيد باسناده وهذا كان وعيدا
(فصل) ومن شرط الاكراه ثلاثة أمور (أحدهما) أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب كاللص
ونحوه وحكي عن الشعبي ان أكرهه اللص لم يقع طلاقه وان أكرهه السلطان وقع قال ابن عيينة لأن اللص
يقتله وعموم ما ذكرناه في دليل الاكراه يتناول الجميع والذين أكرهوا عمارا لم يكونوا لصوصا وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمار (ان عادوا فعد ولأنه اكراه فمنع وقوع الطلاق كاكراه اللصوص (الثاني) ان يغلب
على ظنه نزول الوعيد به ان لم يجبه إلى ما طلبه (والثالث) أن يكون مما يستضربه ضررا كثيرا كالقتل
والضرب الشديد والقيد والحبس الطويلين، فأما الشتم والسب فليس باكراه رواية واحدة وكذلك أخذ
المال اليسير، فاما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به فليس باكراه وإن كان من ذوي المروءات
261

على وجه يكون اخراقا بصاحبه وغضاله وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره، وان توعد
بتعذيب ولده فقد قيل ليس باكراه لأن الضرر لاحق بغيره والأولى أن يكون اكراها لأن ذلك عنده
أعظم من أخذ ماله والوعيد بذلك اكراه فكذلك هذا
(فصل) وان أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها وقع لأنه غير مكره عليه وان أكره على
طلقة فطلق ثلاثا وقع أيضا لأنه لم يكره على الثلاث وان طلق من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق
غيرها دونها وان خلصت نيته في الطلاق دون دفع الاكراه وقع لأنه قصده واختاره ويحتمل ان لا يقع
لأن اللفظ مرفوع عنه فلا يبقي الا مجرد النية فلا يقع بها طلاق، وان طلق ونوى بقلبه غير امرأته أو
تأول في يمينه فله تأويله ويقبل قوله في نيته لأن الاكراه دليل له على تأويله وان لم يتأول وقصدها
بالطلاق لم يقع لأنه معذور وذكر أصحاب الشافعي وجها انه يقع لأنه لا مكره له على نيته
ولنا أنه مكره عليه فلم يقع لعموم ما ذكرنا من الأدلة ولأنه قد لا يحضره التأويل في تلك
الحال فتفوت الرخصة.
262

(باب تصريح الطلاق وغيره)
وجملة ذلك أن الطلاق لا يقع إلا بلفظ فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع في قول عامة أهل العلم
منهم عطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير ويحيى بن أبي كثير والشافعي وإسحاق وروي أيضا عن
القاسم وسالم والحسن والشعبي، وقال الزهري إذا عزم على ذلك طلقت وقال ابن سيرين فيمن طلق
في نفسه أليس قد علمه الله؟
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل)
رواه النسائي والترمذي وقال هذا حديث صحيح ولأنه تصرف يزيل الملك فلم يحصل بالنية كالبيع
والهبة، وان نواه بقلبه وأشار بأصابعه لم يقع أيضا لما ذكرناه. إذا ثبت أنه يعتبر فيه اللفظ فاللفظ ينقسم
فيه إلى صريح وكناية فالصريح يقع به الطلاق من غير نية والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه أو
يأتي بما يقوم مقام نيته.
(مسألة) قال (وإذا قال قد طلقتك أو قد فارقتك أو قد سرحتك لزمها الطلاق)
هذا يقتضي أن صريح الطلاق ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح وما تصرف منهن وهذا
مذهب الشافعي وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن صريح الطلاق لفظ الطلاق وحده وما تصرف
منه لا غير وهو مذهب أبي حنيفة ومالك إلا أن مالكا يوقع الطلاق به بغير نية لأن الكنايات الظاهرة
263

لا تفتقر عنده إلى النية وحجة هذا القول أن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا فلم
يكونا صريحين فيه كسائر كناياته، ووجه الأول أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب بمعنى الفرقة بين
الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق، قال الله تعالى (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وقال
(فأمسكوهن بمعروف) وقال سبحانه (وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال سبحانه (فتعالين
أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) وقول ابن حامد أصح فإن الصريح في الشئ ما كان نصا فيه لا يحتمل غيره إلا احتمالا بعيدا، ولفظة الفراق والسراح ان وردا في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين
فقد وردا لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيرا قال الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)
وقال (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) فلا معنى لتخصيصه بفرقة الطلاق على أن قوله (أو فارقوهن
بمعروف لم يرد به الطلاق وإنما هو ترك ارتجاعها وكذلك قوله (أو تسريح باحسان) ولا يصح قياسه
على لفظ الطلاق فإنه مختص بذلك سابق إلى الافهام من غير قرينة ولا دلالة بخلاف الفراق والسراح
فعلى كلا القولين إذا قال طلقتك أو أنت طالق أو مطلقة وقع الطلاق من غير نية وان قال فارقتك أو
أنت مفارقة أو سرحتك أو أنت مسرحة فمن يراه صريحا أوقع به الطلاق من غير نية ومن لم يره
صريحا لم يوقعه به الا أن ينويه، فإن قال أردت بقولي فارقتك أي بجسمي أو بقلبي أو بمذهبي أو سرحتك من
من يدي أو شغلي أو من حبسي أو سرحت شعرك قبل قوله، وان قال أردت بقولي أنت طالق أي من وثاقي
أو قال أردت أن أقول طلبتك فسبق لساني فقلت طلقتك ونحو ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى
فمتى علم من نفسه ذلك لم يقع عليه فيما بينه وبين ربه قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أنه إذا أراد
264

أن يقول لزوجته اسقيني ماء فسبق لسانه فقال أنت طالق أو أنت حرة انه لا طلاق فيه، ونقل ابن
منصور عنه أنه سئل عن رجل حلف فجرى على لسانه غير ما في قلبه فقال أرجو أن يكون الامر فيه
واسعا وهل تقبل دعواه في الحكم؟ ينظر فإن كان في حال الغضب أو سؤالها الطلاق لم يقبل في
الحكم لأن لفظه ظاهر في الطلاق وقرينة حاله تدل عليه فكانت دعواه مخالفة للظاهر من وجهين
فلا تقبل، وان لم تكن في هذه الحال فظاهر كلام احمد في رواية ابن منصور وأبي الحارث أنه يقبل
قوله وهو قول جابر بن زيد والشعبي والحكم حكاه عنهم أبو حفص لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا
غير بعيد فقبل كما لو قال أنت طالق أنت طالق وقال أردت بالنانية إفهامها، وقال القاضي فيه روايتان
هذه التي ذكرنا قال وهي ظاهر كلام احمد (والثانية) لا يقبل وهو مذهب الشافعي لأنه خلاف ما يقتضيه
الظاهر في العرف فلم يقبل في الحكم كما لو أقر بعشرة ثم قال زيوفا أو صغارا أو إلى شهر فاما ان صرح
بذلك في اللفظ فقال طلقتك من وثاقي أو فارقتك بجسمي أو سرحتك من يدي فلا شك في أن
الطلاق لا يقع لأن ما يتصل بالكلام يصرفه عن مقتضاه كالاستثناء والشرط، وذكر أبو بكر في قوله
أنت مطلقة انه ان نوى أنها مطلقة طلاقا ماضيا أو من زوج كان قبله لم يكن عليه شئ وان لم ينو شيئا
فعلى قولين (أحدهما) يقع (والثاني) لا يقع وهذا من قوله يقتضي أن تكون هذه اللفظة غير صريحة
في أحد القولين قال القاضي والمنصوص عن أحمد أنه صريح وهو الصحيح لأن هذه متصرفة من لفظ
الطلاق فكانت صريحة فيه كقوله أنت طالق
265

(فصل) فأما لفظة الاطلاق فليست صريحة في الطلاق لأنها لم يثبت لها عرف الشرع ولا
الاستعمال فأشبهت سائر كناياته، وذكر القاضي فيها احتمالا أنها صريحة لأنه لا فرق بين فعلت
وأفعلت نحو عظمته وأعظمته وكرمته وأكرمته وليس هذا الذي ذكره بمطرد فإنهم يقولون حييته
من التحية وأحييته من الحياة وأصدقت المرأة صداقا وصدقت حديثها تصديقا ويفرقون بين أقبل وقبل
وأدبر ودبر وأبصر وبصر ويفرقون بين المعاني المختلفة بحركة أو حرف فيقولون حمل لما في البطن
وبالكسر لما على الظهر والوقر بالفتح الثقل في الاذن وبالكسر لثقل الحمل، وههنا فرق بين حل
قيد النكاح وبين غيره بالتضعيف في أحدهما والهمزة في الآخر، ولو كان معنى اللفظين واحدا لقيل
طلقت الأسيرين والفرس والطائر فهو طالق وطلقت الدابة فهي طالق ومطلقة ولم يسمع هذا في
كلامهم وهذا مذهب الشافعي
(فصل) فإن قال أنت الطلاق فقال القاضي لا تختلف الرواية عن أحمد في أن الطلاق يقع به نواه
أو لم ينوه وبهذا قال أبو حنيفة ومالك ولأصحاب الشافعي فيه وجهان (أحدهما) أنه غير صريح لأنه مصدر
والأعيان لا توصف بالمصادر الا مجازا (والثاني) ان الطلاق لفظ صريح فلم يفتقر إلى نية كالمتصرف
منه وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر
نوهت باسمي في العالمين وأفنيت * عمري عاما فعاما
فأنت الطلاق وأنت الطلاق * وأنت الطلاق ثلاثا تماما
وقولهم انه مجاز قلنا نعم الا أنه يتعذر حمله على الحقيقة ولا محمل له يظهر سوى هذا المحمل فتعين فيه
266

(فصل) وصريح الطلاق بالعجمية بهشتم فإذا أتى بها العجمي وقع الطلاق منه بغير نية وقال النخعي
وأبو حنيفة هو كناية لا يطلق به الا بنية لأن معناه خليتك وهذه اللفظة كناية
ولنا أن هذه اللفظة بلسانهم موضوعة للطلاق يستعملونها فيه فأشبهت لفظ الطلاق بالعربية ولو لم
تكن هذه صريحة لم يكن في العجمية صريح للطلاق وهذا بعيد ولا يضر كونها بمعنى خليتك فإن معنى
طلقتك خليتك أيضا الا أنه لما كان موضوعا له يستعمل فيه كان صريحا كذا هذه ولا خلاف في أنه إذا
نوى بها الطلاق كانت طلاقا، كذلك قال الشعبي والنخعي والحسن ومالك والثوري وأبو
حنيفة وزفر والشافعي
(مسألة) قال (وإذا قال لها في الغضب أنت حرة أو لطمها فقال هذا طلاقك
فقد وقع الطلاق)
(الكلام في هذه المسألة في فصلين
(أحدهما) في أن هذا اللفظ كناية في الطلاق إذا نواه به وقع ولا يقع من غير نية ولا دلالة
حال ولا نعلم خلافا في أنت حرة انه كناية فأما إذا لطمها وقال هذا طلاقك فإن كثيرا من الفقهاء قالوا
ليس هذا كناية ولا يقع به طلاق، وإن نوى لأن هذا لا يؤدي معني الطلاق ولا هو سبب له ولا
حكم فلم يصح التعبير به عنه كقوله (غفر الله لك) وقال ابن حامد يقع به الطلاق من غير نية لأن تقديره
أوقعت عليك طلاقا هذا الضرب من أجله فعلى قوله يكون هذا صريحا، وقول الخرقي محتمل لهذا
267

أيضا، ويحتمل انه إنما يوقعه إذا كان في حال الغضب فيكون الغضب قائما مقام النية كما قام مقامها في
قوله أنت حرة، ويحتمل أن يكون لطمه لها قرينة تقوم مقام النية لأنه يصدر عن الغضب فجرى مجراه
والصحيح انه كناية في الطلاق لأنه محتمل بالتقدير الذي ذكره ابن حامد ويحتمل أن يريد انه سبب
لطلاقك لكون الطلاق معلقا عليه فصح أن يعبر به عنه وليس بصريح لأنه احتاج إلى تقدير ولو كان
صريحا لم يحتج إلى ذلك ولأنه غير موضوع له ولا مستعمل فيه شرعا ولا عرفا فأشبه سائر الكنايات
وعلى قياسه ما لو أطعمها أو سقاها أو كساها وقال هذا طلاقك أو لو فعلت المرأة فعلا من قيام أو
قعود أو فعل هو فعلا، وقال هذا طلاقك فهو مثل لطمها الا في أن اللطم يدل على الغضب القائم مقام
النية فيكون هو أيضا قائما مقامها في وجه وما ذكرنا لا يقوم مقام النية عند من اعتبرها
(الفصل الثاني) أنه إذا أتى بالكناية في حال الغضب فذكر الخرقي في هذا الموضع أنه يقع الطلاق
وذكر القاضي وأبو بكر وأبو الخطاب في ذلك روايتين
(أحداهما) يقع الطلاق، قال في رواية الميموني إذا قال لزوجته أنت حرة لوجه الله في الرضاء
لا في الغضب فأخشى أن يكون طلاقا
(والرواية الأخرى) ليس بطلاق وهو قول أبي حنيفة والشافعي الا أن أبا حنيفة يقول في اعتدي
واختاري وأمرك بيدك كقولنا في الوقوع واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه به فلم
يقع به الطلاق كحال الرضاء ولان مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضاء والغضب، ويحتمل أن ما كان من
الكنايات لا يستعمل في غير الفرقة الا نادرا نحو قوله أنت حرة لوجه الله واعتدي واستبرئي وحبلك
268

على غاربك وأنت بائن وأشباه ذلك أنه يقع في حال الغضب وجواب سؤال الطلاق من غير نية وما
كثر استعماله لغير ذلك نحو اذهبي واخرجي وروحي وتقنعي لا يقع الطلاق به الا بنية ومذهب أبي
حنيفة قريب من هذا وكلام احمد والخرقي في الوقوع إنما ورد في قوله أنت حرة وهو مما لا يستعمله
الانسان في حق زوجته غالبا الا كناية عن الطلاق ولا يلزم من الاكتفاء بذلك بمجرد الغضب وقوع
غيره من غير نية لأن ما كثر استعماله يوجد كثيرا غير مراد به الطلاق في حال الرضاء فكذلك في حال
الغضب إذ لا حجر عليه في استعماله والتكلم به بخلاف ما لم تجر العادة بذكره فإنه لما قل استعماله في غير
الطلاق كان مجرد ذكره يظن منه إرادة الطلاق فإذا انضم إلى ذلك مجيئه عقيب سؤال الطلاق أو في
حال الغضب قوي الظن فصار ظنا غالبا، ووجه الرواية الأخرى أن دلالة الحال تغير حكم الأقوال
والافعال فإن قال لرجل يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحا له، وإن قاله في حال شتمه
وتنقصه كان قذفا وذما، ولو قال إنه لا يغدر بذمة ولا يظلم حبة خردل وما أحد أوفى ذمة منه في حال
المدح كان مدحا بليغا كما قال حسان:
فما حلمت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد
ولو قاله في حال الذم كان هجاء قبيحا كقول النجاشي:
قبيلة لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل
وقال آخر كأن ربي لم يخلق لخشيته * سواهم من جميع الناس انسانا
269

وهذا في هذا الموضع هجاء قبيح وذم حتى حكي عن حسان أنه قال ما أراه الا قد سلح عليهم ولولا
القرينة ودلالة الحال كان من أحسن المدح وأبلغه وفي الافعال لو أن رجلا قصد رجلا بسيف والحال
يدل على المزح واللعب لم يجز قتله ولو دلت الحال على الجد جاز دفعه بالقتل والغضب ههنا يدل على
قصد الطلاق فيقوم مقامه
(فصل) وإن أتى بالكناية في حال سؤال الطلاق فالحكم فيه كالحكم في ما إذا أتى بها في حال
الغضب على ما فيه من الخلاف والتفصيل والوجه لذلك ما تقدم من التوجيه الا ان المنصوص عن أحمد
ههنا أنه لا يصدق في عدم النية قال في رواية أبي الحارث إذا قال لم أنوه صدق في ذلك إذا لم تكن سألته
الطلاق فإن كان بينهما غضب قبل ذلك فيفرق بين كونه جوابا للسؤال وكونه في حال الغضب وذلك
لأن الجواب ينصرف إلى السؤال فلو قال لي عندك دينار قال نعم أو صدقت كان اقرارا به ولم يقبل
منه تفسيره بغير الاقرار ولو قال زوجتك ابنتي وبعتك ثوبي هذا فقال قبلت صح وكفى ولم يحتج إلى زيادة
عليه ولو أراد بالكناية حال الغضب أو سؤال الطلاق غير الطلاق لم يقع الطلاق لأنه لو أراده بالصريح
لم يقع فبالكناية أولى وإذا ادعى ذلك دين وهل يقبل في الحكم؟ فظاهر كلام أحمد في رواية أبي الحارث
انه يصدق إن كان في الغضب ولا يصدق إن كان جوابا لسؤال الطلاق ونقل عنه في موضع آخر
انه إذا قال أنت خلية أو بريئة أو بائن ولم يكن بينهما ذكر طلاق ولا غضب صدق فمفهومه انه لا يصدق
مع وجودهما وحكي هذا عن أبي حنيفة الا في الأربعة المذكورة والصحيح انه يصدق لما روى سعيد
270

باسناده أن رجلا خطب إلى قوم فقالوا لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال قد طلقت ثلاثا فزوجوه
ثم أمسك امرأته فقالوا ألم تقل انك طلقت ثلاثا؟ قال ألم تعلموا اني تزوجت فلانة ثم طلقتها ثم تزوجت
فلانة وطلقتها ثم تزوجت فلانة وطلقتها فسئل عثمان عن ذلك فقال له نيته ولأنه أمر يعتبر بنيته فيه فقبل
قوله في ما يحتمله كما لو كرر لفظا وقال أردت التوكيد
(مسألة) قال (أبو عبد الله وإذا قال لها أنت خلية أو أنت برية أو أنت بائن أو
حبلك على غاربك أو الحقي بأهلك فهو عندي ثلاث ولكن أكره أن أفتى به سواء
دخل بها أو لم يدخل)
أكثر الروايات عن أبي عبد الله كراهية الفتيا في هذه الكنايات مع ميله إلى أنها ثلاث وحكى
ابن أبي موسى في الارشاد عنه روايتين (إحداهما) انها ثلاث (والثانية) يرجع إلى ما نواه اختارها أبو
الخطاب وهو مذهب الشافعي قال يرجع إلى ما نوى فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة ونحوه قول النخعي
الا أنه قال يقع طلقة بائنة لأن لفظه يقتضي البينونة ولا يقتضي عددا وروى حنبل عن أحمد ما يدل
على هذا فإنه قال يزيدها في مهرها ان أراد رجعتها ولو وقع ثلاثا لم يبح له رجعتها ولو لم تبن لم
يحتج إلى زيادة في مهرها
271

واحتج الشافعي بما روى أبو داود باسناده ان ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال والله ما أردت الا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله ما أردت الا واحدة؟)
فقال ركانة الله ما أردت الا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة
في زمن عثمان، قال علي بن محمد الطنافسي ما أشرف هذا الحديث، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون
(الحقي بأهلك) ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثا وقد نهى عن ذلك، ولان الكنايات مع النية
كالصريح فلم يقع به عند الاطلاق أكثر من واحدة كقوله أنت طالق
وقال الثوري وأصحاب الرأي ان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى اثنتين أو واحدة وقعت واحدة
ولا يقع اثنتين لأن الكناية تقتضي البينونة دون العدد والبينونة بينونتان صغرى وكبرى فالصغرى
بالواحدة والكبرى بالثلاث ولو أوقعنا اثنتين كان موجبه العدد وهي لا تقتضيه
وقال ربيعة ومالك: يقع بها الثلاث وان لم إلا في خلع أو قبل الدخول فإنها تطلق واحدة
لأنها تقتضي البينونة والبينولة تحصل في الخلع وقبل الدخول بواحدة فلم يزد عليها لأن اللفظ لا يقتضي
زيادة عليها وفي غيرهما يقع الثلاث ضرورة ان البينونة لا تحصل الا بها ووجه انها ثلاث انه قول أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي عن علي وابن عمر وزيد بن ثابت انها ثلاث، قال أحمد في الخلية والبريئة
والبتة قول علي وابن عمر قول صحيح ثلاثا
وقال علي والحسن والزهري في البائن انها ثلاث. وروي النجاد باسناده عن نافع أن رجلا جاء
إلى عاصم وابن الزبير فقال إن ظئري هذا طلق امرأته البتة قبل أن يدخل بها فهل تجدان له رخصة؟
272

فقالا: ولكنا تركنا ابن عباس وأبا هريرة عند عائشة فسلهم ثم ارجع إلينا فأخبرنا فسألهم فقال
أبو هريرة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وقال ابن عباس هي ثلاث وذكر عن عائشة متابعتهما
وروي النجاد باسناده أن عمر رضي الله عنه جعل البتة واحدة ثم جعلها بعد ثلاث تطليقات،
وهذه أقوال علماء الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا، ولأنه طلق امرأته بلفظ
يقتضي البينونة فوجب الحكم بطلاق تحصل به البينونة كما لو طلق ثلاثا أو نوى الثلاث واقتضاؤه
للبينونة ظاهر في قوله أنت بائن وكذا في قوله البتة لأن البت القطع فكأنه قطع النكاح كله ولذلك
يعبر به عن الطلاق الثلاث كما قالت امرأة رفاعة ان رفاعة طلقني فبت طلاقي وبتله هو من القطع
أيضا ولذلك قيل في مريم البتول لانقطاعها عن النكاح ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل وهو الانقطاع
عن النكاح بالكلية، وكذلك الخلية والبرية يقتضيان الخلو من النكاح والبراءة منه وإذا كان للفظ
معنى فاعتبره الشرع إنما يعتبر فيما يقتضيه ويؤدي معناه ولا سبيل إلى البينونة بدون الثلاث فوقعت
ضرورة الوفاء بما يقتضيه لفظه ولا يمكن إيقاع واحدة بائن لأنه لا يقدر علي ذلك بصريح الطلاق
فكذلك بكنايته ولم يفرقوا بين المدخول بها وغيرها لأن الصحابة لم يفرقوا، ولان كل لفظة أوجبت
الثلاث في المدخول بها أوجبتها في غيرها كقوله أنت طالق ثلاثا
فأما حديث ركانة فإن أحمد ضعف إسناده فلذلك تركه، وأما قوله عليه السلام لابنة الجون
(الحقي بأهلك) فيدل على أن هذه اللفظة لا تقتضي الثلاث وليست من اللفظات التي قال الصحابة
فيها بالثلاث ولا هي مثلها فيقتصر الحكم عليها، وقولهم ان الكناية بالنية كالصريح قلنا نعم إلا أن
273

الصريح ينقسم إلى ثلاث تحصل بها البينونة والى ما دونها ممن لا تحصل به البينونة فكذلك الكناية
تنقسم كذلك فمنها ما يقوم مقام الصريح المحصل للبينونة وهو هذه الظاهرة ومنها ما يقوم مقام
الواحدة وهو ما عداها والله أعلم
(فصل) وذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد والخرقي ان الطلاق يقع بهذه الكنايات من غير
نية كقول مالك لأنه اشتهر استعمالها فيه فلم تحتج إلى نية كالصريح، ومفهوم كلامه الخرقي أنه لا يقع الا
بنية لقوله وإذا أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه فمفهومه ان غير الصريح لا يقع الا بنية ولان
هذا كناية فلم يثبت حكمه بغير نية كسائر الكنايات
(فصل) والكناية ثلاثة أقسام ظاهرة وهي ستة ألفاظ خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وأمرك
بيدك، الحكم فيها ما بيناه في هذا الفصل، وان قال أنت طالق بائن أو البتة فكذلك الا أنه لا يحتاج
إلى نية لأنه وصف بها الطلاق الصريح وان قال أنت طالق لا رجعة لي عليك وهي مدخول بها فهي
ثلاث، قال أحمد إذا قال لامرأته أنت طالق لا رجعة فيها ولا مثنوية هذه مثل الخلية والبرية ثلاثا
هكذا هو عندي وهذا قول أبي حنيفة، وان قال ولا رجعة لي فيها بالواو فكذلك، وقال أصحاب
أبي حنيفة تكون رجعية لأنه لم يصف الطلقة بذلك وإنما عطف عليها
ولنا أن الصفة تصح مع العطف كما لو قال بعتك بعشرة وهي مغربية صح وكان صفة للثمن قال
الله تعالى (إلا استمعوه وهم يلعبون وان قال أنت طالق واحدة بائنا أو واحدة بنة ففيها ثلاث روايات
(إحداهن) أنها واحدة رجعية ويلغو ما بعدها قال أحمد لا أعرف شيئا متقدما ان نوى واحدة تكون
274

بائنا وهذا مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بما لا تنصف به فلغت الصفة كما لو قال أنت طالق طلقة
لا تقع عليك والثانية هي ثلاث قاله أبو بكر وقال هو قول أحمد لأنه أتى بما يقتضي الثلاث فوقع ولغا
قوله واحدة كما لو قال أنت طالق واحدة ثلاثا (والثالثة) رواها حنبل عن أحمد إذا طلق امرأته واحدة
البتة فإن أمرها بيدها يزيدها في مهرها ان أراد رجعتها، فهذا يدل على أنه أوقع بها واحدة بائنا لأنه
جعل أمرها بيدها ولو كانت رجعية لما كان أمرها بيدها ولا احتاجت إلى زيادة في مهرها ولو وقع ثلاث
لما حلت له رجعتها، وقال أبو الخطاب هذه الرواية تخرج في جميع الكنايات الظاهرة فيكون ذلك مثل
قول إبراهيم النخعي، ووجهه أنه أوقع الطلاق بصفة البينونة فوقع على ما أوقعه ولم يزد على واحدة
لأن لفظه لم يقتض عددا فلم يقع أكثر من واحدة كما لو قال أنت طالق وحمل القاضي رواية حنبل على
أن ذلك بعد انقضاء العدة.
(القسم الثاني) مختلف فيها وهي ضربان منصوص عليها وهي عشرة (1) ألحقي بأهلك، وحبلك
على غاربك، ولا سبيل لي عليك، وأنت علي حرج، وأنت علي حرام، واذهبي فتزوجي من شئت، وغطي
شعرك، وأنت حرة، وقد أعتقتك، فهذه عن أحمد فيها روايتان [إحداهما] أنها ثلاث (والثانية) ترجع
إلى ما نواه وان لم ينو شيئا فواحدة كسائر الكنايات
(والضرب الثاني) مقيس على هذه وهي استبرئي رحمك وحللت للأزواج وتقنعي ولا سلطان
لي عليك، فهذه في معنى المنصوص عليها فيكون حكمها حكمها، والصحيح في قوله الحقي بأهلك أنها واحدة

(1) كذا في الأصول ولكنه لم يذكر غير تسعة
275

ولا تكون ثلاثا الا بنية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون (الحقي بأهلك) متفق عليه ولم يكن النبي
صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثا وقد نهى أمته عن ذلك، قال الأثرم قلت لأبي عبد الله إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة
الجون (الحقي بأهلك) ولم يكن طلاقا غير هذا ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثا فيكون غير طلاق
السنة فقال لا أدري، وكذلك قوله اعتدي واستبرئي رحمك لا يختص الثلاث فإن ذلك يكون من الواحدة
كما يكون من الثلاث، وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لسودة ابنة زمعة اعتدي
فجعلها تطليقة وروى هشيم أنبأنا الأعمش عن المنهال بن عمرو أن نعيم بن دجاجة الأسدي طلق امرأته
تطليقتين ثم قال هي علي حرج وكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال أما إنها ليست بأهونهن
وأما سائر اللفظات فإن قلنا هي ظاهرة فلان معناها معنى الظاهرة فإن قوله لا سبيل لي عليك ولا
سلطان لي عليك إنما يكون في المبتوتة اما الرجعية فله عليها سبيل وسلطان وقوله أنت حرة أو أعتقتك
يقتضي ذهاب الرق عنها وخلوصها منه والرق ههنا النكاح، وقوله أنت حرام يقتضي بينونتها منه
لأن الرجعية غير محرمة وكذلك حللت للأزواج لأنك بنت مني وكذلك سائرها وان قلنا هي واحدة
فلأنها محتملة فإن قوله حللت للأزواج أي بعد انقضاء عدتك إذ لا يمكن حلها قبل ذلك والواحدة تحلها
وكذلك أنكحي من شئت وسائر الألفاظ يتحقق معناها بعد قضاء عدتها
(القسم الثالث) الخفية نحو أخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي وأنت مخلاة واختاري ووهبتك
لأهلك وسائر ما يدل على الفرقة ويؤدي معنى الطلاق سوى ما تقدم ذكره فهذه ثلاث ان نوى ثلاثا واثنتان
ان نواهما وواحدة ان نواها أو أطلق قال احمد ما ظهر من الطلاق فهو على ما ظهر وما عني به الطلاق
276

فهو على ما عني مثل حبلك على غاربك إذا نوى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فهو على ما نوى ومثل لا سبيل لي
عليك، وإذا نص في هاتين على أنه يرجع إلى نيته فكذلك سائر الكنايات وهذا قول الشافعي وقال
أبو حنيفة لا يقع اثنتان وان نواهما وقع واحدة وقد تقدم ذكر ذلك، وان قال أنت واحدة فهي كناية
خفية لكنها لا تقع بها الا واحدة وان نوى ثلاثا لأنها لا تحتمل غير الواحدة وان قال أغناك الله فهي
كناية خفية لأنه يحتمل أغناك الله بالطلاق لقول الله تعالى (وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته)
(فصل) والطلاق الواقع بالكنايات رجعي ما لم يقع الثلاث في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي
وقال أبو حنيفة كلها بوائن الا اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة لأنها تقتضي البينونة فتقع
البينونة كقوله أنت طالق ثلاثا
ولنا انه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فوجب أن يكون رجعيا كصريح
الطلاق وما سلموه من الكنايات وقولهم انها تقتضي البينونة قلنا فينبغي ان تبين بثلاث لأن المدخول
بها لا تبين الا بثلاث أو عوض
(فصل) فأما ما لا يشبه الطلاق ولا يدل على الفراق كقوله اقعدي وقومي وكلي واشربي واقربي
واطعميني واسقيني وبارك الله عليك وغفر الله لك وما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية ولا تطلق به وان
نوى لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو وقع الطلاق به لوقع بمجرد النية وقد ذكرنا انه لا يقع بها وبهذا
277

قال أبو حنيفة، واختلف أصحاب الشافعي في قوله كلي واشربي فقال بعضهم كقولنا وقال بعضهم هو
كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فوقع به كقولنا ذوقي وتجرعي
ولنا ان هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده الا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله تعالى (كلوا واشربوا هنيئا
بما كنتم تعملون - وقال - فكلوه هنيئا مريئا) فلم يكن كناية كقوله اطعميني، وفارق ذوقي وتجرعي فإنه
يستعمل في المكاره كقول الله تعالى (ذق انك أنت العزيز الكريم - وذوقوا عذاب الحريق - وذوقوا
مس سقر) وكذلك التجرع قال الله تعالى (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) فلم يصح ان يلحق بهما ما ليس مثلهما
(فصل) فإن قال إنا منك طالق أو جعل أمر امرأته بيدها فقالت أنت طالق لم تطلق زوجته
نص عليه في رواية الأثرم وهو قول ابن عباس والثوري وأبى عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وروي
ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقال مالك والشافعي تطلق إذا نوى به الطلاق وروي نحو ذلك
عن عمر وابن مسعود وعطاء والنخعي القاسم وإسحاق لأن الطلاق إزالة النكاح وهو مشترك بينهما
فإذا صح في أحدهما صح في الآخر ولا خلاف في أنه لا يقع به الطلاق من غير نية
ولنا انه محل لا يقع الطلاق بإضافته إليه من غير نية فلم يقع وان نوى كالأجنبي ولأنه لو قال:
أنا طالق ولم يقل منك لم يقع ولو كان محلا للطلاق لوقع بذلك كالمرأة ولان الرجل مالك في النكاح
والمرأة مملوكة فلم يقع إزالة الملك بإضافة الإزالة إلى المالك كالعتق، ويدل على هذا ان الرجل لا يوصف
بأنه مطلق بخلاف المرأة، وجاء رجل إلى ابن عباس فقال ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا فقال
ابن عباس خطا الله نواها ان الطلاق لك وليس لها عليك، رواه أبو عبيد والأثرم واحتج به أحمد
278

(فصل) وان قال أنا منك بائن أو برئ فقد توقف أحمد فيه، قال أبو عبد الله بن حامد يتخرج
على وجهين (أحدهما) لا يقع لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه فلم يقع بإضافة كنايته
إليه كالأجنبي (والثاني) يقع لأن لفظ البينونة والبراءة يوصف بهما كل واحد من الزوجين، يقال
بان منها وبانت منه وبرئ منها وبرئت منه وكذلك لفظ الفرقة يضاف إليهما قال الله تعالى
(وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال تعالى (يفرقون به بين المرء وزوجه) ويقال فارقته المرأة
وفارقها ولا يقال طلقته ولا سرحته ولا تطلقا ولا تسرحا
وان قال أنا بائن ولم يقل منك فذكر القاضي فيما إذا قال لها أمرك بيدك فقالت أنت بائن ولم
تقل مني انه لا يقع وجها واحدا، وان قالت أنا بائن ونوت وقع وان قالت مني بائن
فعلى الوجهين فيخرج ههنا مثل ذلك
(مسألة) قال (وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه أو لم ينوه)
قد ذكرنا ان صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد ولا خلاف في ذلك، ولان
ما يعتبر له القول يكتفى فيه به من غير نية إذا كان صريحا فيه كالبيع وسواء قصد المزح أو الجد لقول
النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث جدهن وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة) رواه أبو داود والترمذي
وقال حديث حسن، قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله
سواء روي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ونحوه عن عطاء وعبيدة وبه قال الشافعي وأبو عبيد
279

قال أبو عبيد وهو قول سفيان وأهل العراق، فأما لفظ الفراق والسراح فينبني على الخلاف فيه فمن
جعله صريحا أوقع به الطلاق من غير نية ومن لم يجعله صريحا لم يوقع به الطلاق حتى ينويه
ويكون بمنزلة الكنايات الخفية
(فصل) فإن قال الأعجمي لامرأته أنت طالق ولا يفهم معناه لم تطلق لأنه ليس بمختار
للطلاق فلم يقع طلاقه كالمكره، فإن نوى موجبه عند أهل العربية لم يقع أيضا لأنه لا يصح منه اختيار
لأنه لفظ بالطلاق ناويا موجبه فأشبه العربي، وكذلك الحكم إذا قال العربي، بهشتم وهو لا يعلم معناها
(فصل) فإن قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق أو قال لحماته ابنتك طالق ولها بنت سوى
امرأته، أو كان اسم زوجته زينب فقال زينب طالق طلقت زوجته لأنه لا يملك طلاق غيرها فإن قال
أردت الأجنبية لم يصدق نص عليه أحمد في رجل تزوج امرأة فقال لحماته ابنتك طالق وقال أردت
ابنتك الأخرى التي ليست بزوجتي فقال يحنث ولا يقبل منه وقال في رواية أبي داود في رجل له
امرأتان اسماهما فاطمة فماتت إحداهما فقال فاطمة طالق ينوي الميتة فقال الميتة تطلق؟ قال أبو داود:
كأنه لا يصدقه في الحكم
وقال القاضي فيما إذا نظر إلى امرأته وأجنبية فقال إحداكما طالق وقال أردت الأجنبية فهل
يقبل؟ على روايتين، وقال الشافعي يقبل ههنا ولا يقبل فيما إذا قال زينب طالق وقال أردت أجنبية
280

اسمها زينب لأن زينب لا يتناول الأجنبية بصريحه بل من جهة الدليل وقد عارضه دليل آخر وهو أنه
لا يطلق غير زوجته فصار اللفظ في زوجته أظهر فلم يقبل خلافه، فأما إذا قال إحداهما فإنه يتناول الأجنبية
بصريحه، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور يقبل في الجميع لأنه فسر كلامه بما يحتمله
ولنا أنه لا يحتمل غير امرأته على وجه صحيح فلم يقبل تفسيره بها كما لو فسر كلامه بما لا يحتمله وكما
لو قال زينب طالق عند الشافعي وما ذكروه من الفرق لا يصح فإن إحداكما ليس بصريح في واحدة
منهما إنما يتناول واحدة لا بعينها وزينب يتناول واحدة لا بعينها ثم تعينت الزوجة لكونها محل الطلاق
وخطاب غيرها به عبث كما إذا قال إحداكما طالق ثم لو تناولها بصريحه لكنه صرفه عنها دليل فصار
ظاهرا في غيرها، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين (أحدكما كاذب) لم ينصرف إلا إلى الكاذب منهما
وحده ولما قال حسان يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا سفيان * فشركما لخيركما الفداء * لم ينصرف شرهما إلا إلى
أبي سفيان وحده وخيرهما النبي صلى الله عليه وسلم وحده وهذا في الحكم، أما فيما بينه وبين الله تعالى فيدين فيه
فمتى علم من نفسه أنه أراد الأجنبية لم تطلق زوجته لأن اللفظ محتمل له، وإن كان غير مقيد ولو كانت
ثم قرينة دالة على ارادته الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه قبل قوله في الحكم
لوجود الدليل الصارف إليها وإن لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته لأنها محل الطلاق واللفظ
يحتملها ويصلح لها ولم يصرفه عنها فوقع به كما لو نواها
(فصل) فإن كانت له امرأتان حفصة وعمرة فقال يا حفصة فأجابته عمرة فقال أنت طالق فإن لم
281

تكن له نية أو نوى المجيبة وحدها طلقت وحدها لأنها المطلقة دون غيرها، وإن قال ما خاطبت بقولي
أنت طالق الا حفصة وكانت حاضرة طلقت وحدها، وإن قال علمت أن المجيبة عمرة فخاطبتها
بالطلاق وأردت طلاق حفصة طلقتا معا في قولهم جميعا، وإن قال ظننت المجيبة حفصة فطلقتها طلقت
حفصة رواية واحدة وفي عمرة روايتان:
(إحداهما) تطلق أيضا وهو قول النخعي وقتادة والأوزاعي وأصحاب الرأي واختاره ابن
حامد لأنه خاطبها بالطلاق وهي محل له فطلقت كما لو قصدها
(والثانية) لا تطلق وهو قول الحسن والزهري وأبي عبيد، قال احمد في رواية مهنا في رجل له
امرأتان فقال فلانة أنت طالق فالتفت فإذا هي غير التي حلف عليها قال: قال إبراهيم يطلقان والحسن
يقول تطلق التي نوى قيل له ما تقول أنت؟ قال تطلق التي نوى ووجهه أنه لو يقصدها بالطلاق فلم
تطلق كما لو أراد أن يقول أنت طاهر فسبق لسانه فقال أنت طالق، وقال أبو بكر لا يختلف كلام احمد
أنها لا تطلق، وقال الشافعي تطلق المجيبة وحدها لأنها مخاطبة بالطلاق فطلقت كما لو لم ينو غيرها ولا
تطلق المنوية لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولم تعترف بطلاقها وهذا يبطل بما لو علم أن المجيبة عمرة فإن المنوية
تطلق ارادتها الطلاق ولولا ذلك لم تطلق بالاعتراف به لأن الاعتراف بما لا يوجب لا يوجب ولان
الغائبة مقصودة بلفظ لطلاق فطلقت كما لو علم الحال
282

(فصل) وإن أشار إلى عمرة فقال يا حفصة أنت طالق وأراد طلاق عمرة فسق لسانه إلى نداء
حفصة طلقت عمرة وحدها لأنه لم يرد بلفظه الا طلاقها وإنما سبق لسانه إلى غير ما اراده فأشبه ما لو
أراد أن يقول أنت طاهر فسبق لسانه إلى أنت طالق، وان أتى باللفظ مع علمه أن المشار إليها عمرة
طلقتا معا عمرة بالإشارة إليها وإضافة الطلاق إليها وحفصة بنيته وبلفظه بها، وان ظن أن المشار إليها
حفصة طلقت حفصة وفي عمرة روايتان كالتي قبلها
(فصل) وان لقي أجنبية ظنها زوجته فقال: فلانة أنت طالق فإذا هي أجنبية طلقت زوجته
نص عليه احمد، وقال الشافعي لا تطلق لأنه خاطب بالطلاق غيرها فلم يقع كما لو علم أنها أجنبية
فقال أنت طالق
ولنا انه قصد زوجته بلفظ الطلاق فطلقت كما لو قال علمت أنها أجنبية وأردت طلاق زوجتي
وان قال لها أنت طالق ولم يذكر اسم زوجته احتمل ذلك أيضا لأنه قصد امرأته بلفظ الطلاق،
واحتمل أن لا تطلق لأنه لم يخاطبها بالطلاق ولا ذكر اسمها معه وان علمها أجنبية وأراد بالطلاق زوجته
طلقت، وان لم يردها بالطلاق لم تطلق
(فصل) وان لقي امرأته فظنها أجنبية فقال أنت طالق أو تنحي يا مطلقة أو لقي أمته فظنها
أجنبية فقال أنت حرة أو تنحي يا حرة فقال أبو بكر فيمن لقي امرأته فقال تنحي يا مطلقة أو يا حرة
وهو لا يعرفها فإذا هي زوجته أو أمته لا يقع بهما طلاق؟ ولا حرية لأنه لم يرد بهما ذلك فلم يقع بهما شئ
283

كسبق اللسان إلى ما لم يرده، ويحتمل أن لا تعتق الأمة لأن العادة من الناس مخاطبة من لا يعرفها بقوله يا حرة
وتطلق الزوجة لعدم العادة بالمخاطبة بقوله يا مطلقة
(فصل) فأما غير الصريح فلا يقع الطلاق به إلا بنية أو دلالة حال، وقال مالك الكنايات الظاهرة
كقوله أنت بائن وبتة وبتلة وحرام يقع بها الطلاق من غير نية قال القاضي في الشرح وهذا ظاهر كلام احمد
والخرقي لأنها مستعملة في الطلاق في العرف فصارت كالصريح
ولنا أن هذه كناية لم تعرف بإرادة الطلاق بها ولا اختصت به فلم يقع الطلاق بها بمجرد اللفظ
كسائر الكنايات، وإذا ثبت اعتبار النية فإنها تعتبر مقارنة للفظ فإن وجدت في ابتدائه وعريت
عنه في سائره وقع الطلاق، وقال بعض أصحاب الشافعي لا يقع فلو قال أنت بائن ينوي الطلاق وعريت نيته حين
قال أنت بائن لا يقع لأن القدر الذي صاحبته النية لا يقع به شئ
ولنا أن ما تعتبر له النية يكتفى فيه بوجودها في أوله كالصلاة وسائر العبادات فاما ان تلفظ بالكناية
غير ناو ثم نوى بها بعد ذلك لم يقع بها الطلاق وكما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه
(مسألة) قال (ولو قيل له ألك امرأة؟ فقال لا وأراد به الكذب لم يلزمه شئ ولو
قال قد طلقتها وأراد به الكذب لزمه الطلاق)
إنما لم يلزمه إذا أراد الكذب لأن قوله ما لي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق، وإذا نوى
الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع وهكذا لو نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أن ترضيني أو اني كمن
284

لا امرأة له أو لم ينو شيئا لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية، وان أراد بهذا اللفظ طلاقها طلقت
لأنها كناية صحبتها النية وبهذا قال الزهري ومالك وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والشافعي وقال
أبو يوسف ومحمد لا تطلق فإن هذا ليس بكناية وإنما هو خبر هو كاذب فيه وليس بايقاع
ولنا أنه محتمل للطلاق لأنه إذا طلقها فليس له بامرأة فأشبه قوله أنت بائن وغيرها من الكنايات
الظاهرة وهذا يبطل قولهم. فاما ان قال طلقتها وأراد الكذب طلقت لأن لفظ الطلاق صريح يقع
به الطلاق من غير نية، وان قال خليتها أو أبنتها افتقر إلى النية لأنه كناية لا يقع به الطلاق من غير نية
(فصل) فإن قيل له أطلقت امرأتك؟ فقال نعم أو قيل له امرأتك طالق فقال نعم طلقت امرأته، وان لم
ينو وهذا الصحيح من مذهب الشافعي واختيار المزني لأن نعم صريح في الجواب والجواب الصريح للفظ
الصريح صريح ألا ترى انه لو قيل له الفلان عليك ألف؟ فقال نعم وجب عليه وإن قيل له طلقت امرأتك؟ فقال قد
كان بعض ذلك وقال أردت الايقاع وقع، وان قال أردت أني علقت طلاقها بشرط قبل لأنه محتمل
لما قاله وان قال أردت الاخبار عن شئ ماض أو قيل له ألك امرأة؟ فقال قد طلقتها ثم قال إنما أردت
أني طلقتها في نكاح آخر دين فيما بينه وبين الله تعالى، فأما في الحكم فإن لم يكن ذلك وجد منه لم
يقبل لأنه لا يحتمل ما قاله وإن كان وجد فعلى وجهين
(فصل) فإن قال حلف بالطلاق أو قال على يمين بالطلاق ولم يكن حلف لم يلزمه شئ فيما
بينه وبين الله تعالى ولزمه ما أقر به في الحكم، ذكره القاضي وأبو الخطاب وقال أحمد في رواية محمد
ابن الحكم في الرجل يقول حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هي كذبة ليس عليه يمين، وذلك لأن
285

قوله حلف ليس بحلف وإنما هو خبر عن الحلف فإذا كان كاذبا فيه لم يصر حالفا كما لو قال حلفت
بالله وكان كاذبا واختار أبو بكر أنه يلزمه ما أقر به وحكي في زاد المسافر عن الميموني عن أحمد أنه
قال إذا قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف يلزمه الطلاق ويرجع إلى نيته في الطلاق الثلاث أو الواحد
وقال القاضي معنى قول أحمد يلزمه الطلاق أي في الحكم ويحتمل أنه أراد يلزمه الطلاق إذا نوى
به الطلاق فجعله كناية عنه ولذلك قال يرجع إلى نيته أما الذي قصد الكذب فلا نية له في الطلاق
فلا يقع به شئ لأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نوى به الطلاق فلم يقع به طلاق كسائر الكنايات وذكر
القاضي في كتاب الايمان فيمن قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف فهل يقع به الطلاق؟ على روايتين
(مسألة) قال (وإذا وهب زوجته لأهلها فإن قبلوها فواحدة يملك الرجعة ان
كانت مدخولا بها وان لم يقبلوها فلا شئ)
هذا المنصوص عن أحمد في هذه المسألة، وبه قال ابن مسعود وعطاء ومسروق والزهري ومكحول
ومالك وإسحاق وروي عن علي رضي الله عنه والنخعي ان قبولها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فواحدة
رجعية، وعن زيد بن ثابت والحسن ان قبلوها فثلاث وان لم يقبلوها فواحدة رجعية، وروي عن أحمد
مثل ذلك، وقال ربيعة ويحيى بن سعيد وأبو الزناد ومالك هي ثلاث على كل حال قبولها أو ردوها
وقال أبو حنيفة فيها كقوله في الكناية الظاهرة قبولها أو ردوها وكذلك قال الشافعي واختلفا ههنا
بناء على اختلافهما.
286

ولنا على أنها لا تطلق إذا لم يقبلوها أنه تمليك للبضع فافتقر إلى القبول كقوله اختاري وأمرك
بيدك وكالنكاح وعلى أنها لا تكون ثلاثا أنه لفظ محتمل فلا يحمل على الثلاث عند الاطلاق كقوله
اختاري وعلى أنها رجعية أنها طلقة لمن عليها عدة بغير عوض قبل استيفاء العدد فكانت رجعية كقوله
أنت طالق وقوله إنها واحدة محمول على ما إذا أطلق النية أو نوى واحدة فأما ان نوى ثلاثا أو اثنتين
فهو على ما نوى لأنها كناية غير ظاهرة فيرجع إلى نيته في عددها كسائر الكنايات، ولا بد من أن
ينوي بذلك الطلاق أو تكون ثم دلالة حال لأنها كناية والكنايات لابد فيها من النية كذلك، قال
القاضي وينبغي أن تعتبر النية من الذي يقبل أيضا كما تعتبر في اختيار الزوجة إذا قال لها اختاري أو
أمرك بيدك إذا ثبت هذا فإن صيغة القبول أن يقول أهلها قبلناها نص عليه أحمد والحكم في هبتها لنفسها
أو لأجنبي كالحكم في هبتها لأهلها
(فصل) فإن باع امرأته لغيره لم يقع به طلاق وان نوى وبهذا قال الثوري وإسحاق وقال مالك
تطلق واحدة وهي أملك بنفسها لأنه أتى بما يقتضي خروجها عن ملكه أشبه ما لو وهبها
ولنا أن البيع لا يتضمن معنى الطلاق لأنه نقل ملك بعوض والطلاق مجرد اسقاط لا يقتضى
العوض فلم يقع به طلاق كقوله أطعميني واسقيني
(مسألة) قال (وإذا قال لها أمرك بيدك فهو بيدها وان تطاول ما لم يفسخ أو يطأها)
وجملة ذلك أن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه وبين أن يوكل فيه وبين أن يفوضه إلى المرأة
ويجعله إلى اختيارها بدليل ان النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترنه، ومتى جعل أمر امرأته بيدها فهو بيدها
287

أيدا لا يتقيد ذلك بالمجلس. روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال الحكم وأبو ثور وابن المنذر
وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي هو مقصور على المجلس ولا طلاق لها بعد مفارقته لأنه تخيير
لها فكان مقصورا على المجلس كقوله اختاري
ولنا قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها قال هو لها حتى تنكل ولا نعرف
له في الصحابة مخالفا فيكون اجماعا، ولأنه نوع توكيل في الطلاق فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي
وفارق قوله اختاري فإنه تخيير فإن رجع الزوج فيما جعل إليها أو قال فسخت ما جعلت إليك بطل وبذلك
قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والأوزاعي وإسحاق، وقال الزهري والثوري ومالك وأصحاب
الرأي ليس له الرجوع لأنه ملكها ذلك فلم يملك الرجوع كما لو طلقت
ولنا أنه توكيل فكان له الرجوع فيه كالتوكيل في البيع وكما لو خاطب بذلك أجنبيا، وقولهم
تمليك لا يصح فإن الطلاق لا يصح تمليكه ولا ينتقل عن الزوج وإنما ينوب فيه غيره عنه فإذا استناب
غيره فيه كان توكيلا لا غير، ثم وان سلم أنه تمليك فالتمليك يصح الرجوع فيه قبل اتصال القبول به
كالبيع، وإن وطئها الزوج كان رجوعا لأنه نوع توكيل والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة وان
ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل
(فصل) ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ما لم ينو به إيقاع طلاقها في الحال أو تطلق نفسها ومتى
ردت الامر الذي جعل إليها بطل ولم يقع شئ في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وسعيد بن المسيب
288

وعمر بن عبد العزيز ومسروق وعطاء ومجاهد والزهري والثوري والأوزاعي والشافعي، وقال قتادة
إن ردت فواحدة رجعية
ولنا أنه توكيل رده الوكيل أو تمليك لم يقبله المملك فلم يقع به شئ كسائر التوكيل والتمليك فأما
ان نوى بهذا تطليقها في الحال طلقت في الحال ولم يحتج إلى قبولها كما لو قال حبلك على غاربك
(مسألة) قال (فإن قالت اخترت نفسي فواحدة تملك الرجعة)
وجملة الامر أن المملكة والمخيرة إذا قالت اخترت نفسي فهي واحدة رجعية روي ذلك عن
عمر وابن مسعود وابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق
وأبو عبيد وأبو ثور، وروي عن علي أنها واحدة بائنة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه لأن تمليكه إياها
أمرها يقتضي زوال سلطانه عنها، وإذا قبلت ذلك بالاختيار وجب أن يزول عنها ولا يحصل ذلك
مع بقاء الرجعة وعن زيد بن ثابت أنها ثلاث، وبه قال الحسن ومالك والليث الا أن مالكا قال
إذا لم تكن مدخولا بها قبل منه إذا أراد واحدة أو اثنتين، وحجتهم أن ذلك يقتضي زوال سلطانه
عنها ولا يكون ذلك الا بثلاث، وفي قول مالك أن غير المدخول بها يزول سلطانه عنها
بواحدة فاكتفى بها
ولنا أنها لم تطلق بلفظ الثلاث ولا نوت ذلك فلم تطلق ثلاثا كما لو أتى الزوج بالكناية الخفية
289

(فصل) وهذا إذا لم تنو أكثر من واحدة فإن نوت أكثر من واحدة وقع ما نوت لأنها تملك
الثلاث بالتصريح فتملكها بالكناية كالزوج وهكذا ان أتت بشئ من الكنايات فحكمها فيها حكم الزوج
ان كانت مما يقع بها الثلاث من الزوج وقع بها الثلاث إذا أتت بها، وإن كانت من الكنايات
الخفية نحو قولها لا يدخل علي ونحوها وقع ما نوت
قال أحمد إذا قال لها أمرك بيدك فقالت لا يدخل علي إلا باذن تنوى في ذلك أن قالت واحدة
فواحدة وان قالت أردت أن أغيظه قبل منها يعني لا يقع شئ وكذلك لو جعل أمرها في يد أجنبي
فأتى بهذه الكنايات لا يقع شئ حتى ينوي الوكيل الطلاق ثم إن طلق بلفظ صريح ثلاثا أو بكناية
ظاهرة طلقت ثلاثا وإن كان بكناية خفية وقع ما نواه
(فصل) وقوله امرك بيدك وقوله اختاري نفسك كناية في حق الزوج يفتقر إلى نية أو دلالة
حال كما في سائر الكنايات فإن عد ما لم يقع به طلاق لأنه ليس بصريح وإنما هو كناية فيفتقر إلى ما يفتقر
إليه سائر الكنايات وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي. وقال مالك لا يفتقر إلى نية لأنه من الكنايات
الظاهرة وقد سبق الكلام معه فيها وهو أيضا كناية في حق المرأة ان قبله بلفظ الكتابة وبهذا قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يفتقر وقوع الطلاق إلى نيتها إذا نوى الزوج لأن الزوج علق الطلاق بفعل
من جهتها فلم يفتقر إلى نيتها كما لو قال إن تكلمت فأنت طالق فتكلمت وقال لا يقع الا واحدة بائن
وان نوت ثلاثا لأن ذلك تخيير والتخيير لا يدخله عدد كخيار المعلقة
290

ولنا انها موقعة للطلاق بلفظ الكناية فافتقر إلى نيتها كالزوج وعلى أنه يقع الثلاث إذا نوت ان
اللفظ يحتمل الثلاث لأنها تختار نفسها بالواحدة وبالثلاث فإذا نوياه وقع كقوله أنت بائن
(مسألة) قال (وان طلقت نفسها ثلاثا وقال لم أجعل إليها إلا واحدة لم يلتفت
إلى قوله والقضاء ما قضت)
وممن قال القضاء ما قضت عثمان وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن علي وفضالة بن عبيد
وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والزهري وعن عمر وابن مسعود انها تطليقة واحدة وبه قال عطاء
ومجاهد والقاسم وربيعة ومالك والأوزاعي والشافعي، وقال الشافعي ان نوى ثلاثا فلها أن تطلق
ثلاثا وان نوى غير ذلك لم تطلق ثلاثا والقول قوله في نيته
قال القاضي ونقل عبد الله عن أحمد ما يدل على أنه إذا نوى واحدة فهي واحدة لأنه نوع تخيير
فيرجع إلى نيته فيه كقوله اختاري
ولنا انه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كما لو
قال طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله أردت واحدة لأنه خلاف ما يقتضيه اللفظ ولا يدين في هذا
لأنه من الكنايات الظاهرة والكنايات الظاهرة تقتضي ثلاثا
(مسألة) قال (وكذلك الحكم إذا جعله في يد غيرها)
وجملة ذلك أنه إذا جعل أمر امرأته بيد غيرها صح وحكمه حكم ما لو جعله بيدها في أنه بيده في
291

المجلس وبعده ووافق الشافعي على هذا في حق غيرها لأنه توكيل وسواء قال له أمر امرأتي بيدك
أو قال جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي أو قال طلق امرأتي، وقال أصحاب أبي حنيفة ذلك مقصور
على المجلس لأنه نوع تخيير أشبه ما لو قال اختاري
ولنا انه توكل مطلق فكان على التراخي كالتوكيل في البيع، وإذا ثبت هذا فإن له أن يطلقها
ما لم يفسخ أو يطؤها وله أن يطلق واحدة وثلاثا كالمرأة، وليس له أن يجعل الامر إلا بيد من يجوز
توكيله وهو العاقل فأما الطفل والمجنون فلا يصح أن يجعل الامر بأيديهم فإن فعل فطلق واحد منهم
لم يقع طلاقه، وقال أصحاب الرأي يصح
ولنا أنهما ليسا من أهل التصرف فلم يصح تصرفهم كما لو وكلهم في العتق، وان جعله في يد كافر
أو عبد صح لأنه ممن يصح طلاقه لنفسه فصح توكيلهما فيه، وان جعله في يد امرأة صح لأنه يصح
توكيلها في العتق فصح في الطلاق كالرجل، وان جعله في يد صبي يعقل الطلاق انبنى ذلك على صحة
طلاقه لزوجته وقد مضى ذلك، وقد نص أحمد ههنا على اعتبار وكالته بطلاقه فقال: إذا قال
لصبي طلق امرأتي ثلاثا فطلقها ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق، أرأيت لو كان
لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقه؟ فاعتبر طلاقه بالوكالة بطلاقه لنفسه، وهكذا
لو جعل أمر الصغيرة والمجنونة بيدها لم تملك ذلك، نص عليه أحمد في امرأة صغيرة قال
لها أمرك بيدك فقالت اخترت نفسي ليس بشئ حتى يكون مثلها يعقل وهذا لأنه تصرف بحكم
التوكيل وليست من أهل التصرف وظاهر كلام احمد أنها إذا عقلت الطلاق وقع طلاقها وان لم تبلغ
292

كما قررناه في الصبي إذا طلق وفي الصبي رواية أخرى لا يقع طلاقه حتى يبلغ فكذلك يخرج في هذه
لأنها مثله في المعنى والله أعلم
(فصل) فإن جعله في يد اثنين أو وكل اثنين في طلاق زوجته صح وليس لأحدهما أن يطلق
على الانفراد الا أن يجعل إليه ذلك لأنه إنما رضي بتصرفهما جميعا وبهذا قال الحسن ومالك والثوري
والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر، وان طلق أحدهما واحدة والآخر ثلاثا وقعت واحدة
وبهذا قال إسحاق وقال الثوري لا يقع شئ
ولنا أنهما طلقا جميعا واحدة مأذونا فيها فصح كما لو جعل إليهما واحدة
(فصل) ويصح تعليق أمرك بيدك واختاري نفسك بالشروط، وكذلك أن جعل ذلك إلى
أجنبي صح مطلقا ومقيدا ومعلقا نحو أن يقول اختاري نفسك وأمرك بيدك شهرا أو إذا قدم فلان
فأمرك بيدك أو اختاري نفسك يوما أو يقول ذلك لأجنبي، قال احمد إذا قال إذا كان سنة أو
أجل مسمى فأمرك بيدك فإذا دخل ذلك فأمرها بيدها وليس لها قبل ذلك أمر، وقال أيضا إذا تزوج
امرأة وقال لأبيها ان جاءك خبري إلى ثلاث سنين والا فأمر ابنتك إليك، فلما مضت السنون لم
يأت خبره فطلقها الأب فإن كان الزوج لم يرجع فيما جعل إلى الأب فطلاقه جائز ورجوعه أن يشهد انه
قد رجع فيما جعل إليه ووجه هذا انه فوض أمر الطلاق إلى من يملكه فصح تعليقه على شرط كالتوكيل
الصريح فإذا صح هذا فإن الطلاق إلى من فوض إليه على حسب ما جعله إليه في الوقت الذي عينه له
293

لا قبله ولا بعده وللزوج الرجوع في هذا لأنه عقد جائز، قال احمد ولا تقبل دعواه للرجوع الا ببينة
لأنه مما يمكن إقامة البينة عليه، فإن طلق الوكيل والزوج غائب كره للمرأة التزوج لأنه يحتمل أن
الزوج رجع في الوكالة وقد نص احمد على منعها من التزوج لهذه العلة، وحمله القاضي على الاستحباب
والاحتياط فإن غاب الوكيل كره للزوج الوطئ مخافة أن يكون الوكيل طلق ومنع منه احمد أيضا
لهذه العلة، وحمله القاضي أيضا على الاستحباب لأن الأصل بقاء النكاح فحمل الامر فيه على اليقين،
وقول احمد رجوعه أن يشهد على أنه قد رجع فيما جعل إليه معناه انه لا يقبل قوله انه قد رجع إليه الا
ببينة ولو صدقته المرأة في أنه قد رجع قبل وإن لم تكن له بينة
(مسألة) قال (ولو خيرها فاختارت فرقته من وقتها والا فلا خيار لها)
أكثر أهل العلم ان التخيير على الفور ان اختارت في وقتها والا فلا خيار لها بعده. روي
ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي
والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري وقتادة وأبو عبيد
وابن المنذر ومالك في إحدى الروايتين هو على التراخي ولها الاختيار في المجلس وبعده ما لم يفسخ
أو يطأ، واحتج ابن المنذر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما خبرها (اني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن
لا تعجلي حتى تستأمري أبويك) وهذا يمنع قصره على المجلس، ولأنه جعل أمرها إليها فأشبه أمرك بيدك
ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة روى النجاد باسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال: قضى
294

عمر وعثمان في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما لم يتفرقا، وعن عبد الله بن عمر قال ما دامت في
مجلسها، ونحوه عن ابن مسعود وجابر ولم نعرف لهم مخالفا في الصحابة فكان اجماعا، ولأنه خيار
تمليك فكان على الفور كخيار القبول، فأما الخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار على التراخي وخلافنا
في المطلق، وأما أمرك بيدك فهو توكيل والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسئلتنا
(فصل) وقوله في وقتها أي عقيب كلامه ما لم يخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غير ذكر
الطلاق فإن تفرقا عن ذلك الكلام إلى كلام غيره بطل خيارها، قال أحمد إذا قال لامرأته اختاري
فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام فإن طال المجلس وأخذوا في كلام غير ذلك ولم تختر فلا خيار
ولها وهذا مذهب أبي حنيفة ونحوه مذهب الشافعي على اختلاف عنه فقيل عنه إنه يتقيد بالمجلس وقيل
هو على الفور، وقال أحمد أيضا الخيار على مخاطبة الكلام انه تجاوبه ويجاوبها إنما هو جواب كلام
ان أجابته من ساعته والا فلا شئ، ووجه أنه تمليك مطلق تأخر قبوله عن أول حال الامكان فلم يصح
كما لو قامت من مجلسها فإن قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها بطل خيارها وقال أبو حنيفة يبطل
بقيامها دون قيامه بناء على أصله في أن الزوج لا يملك الرجوع، وعندنا أنه يملك الرجوع فبطل بقيامه
كما يبطل بقيامها، وإن كان أحدهما قائما أو مشى بطل الخيار وان قعد لم يبطل، والفرق بين القيام والقعود
أن القيام يبطل الفكر والارتياء في الخيار فيكون اعراضا والقعود بخلافه ولو كانت قاعدة فاتكأت أو
متكئة فقعدت لم يبطل لأن ذلك لا يبطل الفكرة، وان تشاغل أحدهما بالصلاة بطل الخيار وان كانت
في صلاة فأتمتها لم يبطل خيارها وان أضافت إليها ركعتين أخريين بطل خيارها، وان أكلت شيئا يسيرا
295

أو قالت بسم الله أو سبحت شيئا يسيرا لم يبطل لأن ذلك ليس باعراض، وان قالت ادعو لي شهودا
اشهدهم على ذلك لم يبطل خيارها، وان كانت راكبة فسارت بطل خيارها وهذا كله قول أصحاب الرأي
(فصل) فإن جعل لها الخيار متى شاءت أو في مدة فلها ذلك في تلك المدة وإذا قال اختاري
إذا شئت أو متى شئت أو متى ما شئت فلها ذلك لأن هذه تفيد جعل الخيار لها في عموم الأوقات
وان قال اختاري اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك، فإن ردت الخيار في الأول بطل كله وكذلك أن
قال لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ونحوه فلها الخيار على التراخي فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة
فدل على أن خيارها لا يبطل بالتأخير، وان قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فردته
في اليوم الأول لم يبطل في الثاني، وقال أبو حنيفة لا يبطل في المسألة الأولى أيضا لأنهما خياران في
زمنين فلم يبطل أحدهما برد الآخر قياسا على المسألة الثانية
ولنا أنه خيار واحد في مدة واحدة فإذا بطل أوله بطل ما بعده كما لو كان الخيار في يوم واحد
وكخيار الشرط وخيار المعتقة ولا نسلم أنهما خياران وإنما هو خيار واحد في يومين، وفارق ما إذا قال
اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فإنهما خياران لأن كل واحد ثبت بسبب مفرد، ولو خيرها
شهرا فاختارت نفسها ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار وعند أبي حنيفة لها الخيار
ولنا أنها استوفت ما جعل لها في هذا العقد فلم يكن لها في عقد ثان كما لو اشترط الخيار في سلعة
مدة ثم فسخ ثم اشتراها بعقد آخر في تلك المدة ولو لم تختر نفسها أو اختارت زوجها وطلقها الزوج ثم
تزوجها بطل خيارها لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كما في البيع والحكم في قوله أمرك بيدك في هذا
296

كله كالحكم في التخيير لأنه نوع تخيير ولو قال لها اختاري أو أمرك بيدك اليوم وبعد الغد فردت في اليوم الأول لم
يبطل بعد في غد لأنهما خياران ينفصل أحدهما من صاحبه فلم يبطل أحدهما ببطلان الآخر بخلاف ما إذا كان
الزمان متصلا واللفظ واحدا فاته خيار واحد فبطل كله ببطلان بعضه وان قال لك الخيار يوما أو
امرك بيدك يوما فابتداؤه من حين نطق به إلى مثله من الغد لأنه لا يمكن استكمال يومه بتمامه لا بذلك
وان قال شهرا فمن ساعة نطق إلى استكمال ثلاثين يوما إلى مثل تلك الساعة وان قال الشهر أو اليوم
أو السنة فهو على ما بقي من اليوم والشهر والسنة
(مسألة) قال (وليس لها ان تختار أكثر من واحدة الا ان يجعل إليها أكثر من ذلك)
وجملة الامر ان لفظة التخيير لا تقتضي بمطلقها أكثر من تطليقة رجعية قال احمد هذا قول ابن عمر
وابن مسعود وزيد بن ثابت وعمر وعائشة رضي الله عنهم وروي ذلك عن جابر وعبد الله بن عمرو
وقال أبو حنيفة هي واحدة بائن وهو قول ابن شبرمة لأن اختيارها نفسها يقتضي زوال سلطانه عنها ولا
يكون الا بالبينونة وقال مالك هي ثلاث في المدخول بها لأن المدخول بها لا تبين بأقل من ثلاث
الا أن تكون بعوض
ولنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن من سمينا منهم قالوا إن اختارت نفسها فهي واحدة وهو
أحق بها رواه النجاد عنهم بأسانيده ولان قوله اختاري تفويض مطلق فيتناول أقل ما يقع عليه
الاسم وذلك طلقة واحدة ولا يجوز أن تكون بائنا لأنها طلقة بغير عوض لم يكمل بها العدد بعد الدخول
297

فأشبه ما لو طلقها واحدة ويخالف قوله امرك بيدك فإنه للعموم فإنه اسم جنس فيتناول جميع أمرها لكن ان
جعل إليها أكثر من ذلك فلها ما جعل إليها سواء جعله بلفظه مثل أن يقول اختاري ما شئت أو اختاري
الطلقات الثلاث ان شئت فلها ان تختار ذلك فإن قال اختاري من الثلاث ما شئت فلها ان تختار
واحدة أو اثنتين وليس لها اختيار الثلاث بكمالها لأن من للتبعيض فقد جعل لها اختيار بعض الثلاث فلا
يكون لها اختيار الجميع أو جعله نيته وهو ان ينوي بقوله اختاري عددا فإنه يرجع إلى ما نواه لأن
قوله اختاري كناية خفية فيرجع في قدر ما يقع بها إلى نيته كسائر الكنايات الخفية فإن نوى ثلاثا
أو اثنتين أو واحدة فهو على ما نوى وان اطلق النية فهي واحدة وان نوى ثلاثا فطلقت أقل منها وقع
ما طلقته لأنه يعتبر قولهما جميعا فيقع ما اجتمعا عليه كالوكيلين إذا طلق واحد منهما واحدة والآخر ثلاثا
(فصل) وان خيرها فاختارت زوجها أو ردت الخيار أو الامر لم يقع شئ نص عليه احمد في
رواية الجماعة وروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وابن
شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وابن المنذر وعن الحسن تكون واحدة رجعية وروي ذلك
عن علي ورواه إسحاق بن منصور عن أحمد قال فإن اختارت زوجها فواحدة يملك الرجعة وان اختارت
نفسها فثلاث قال أبو بكر انفرد بهذا إسحاق بن منصور والعمل على ما رواه الجماعة. ووجه هذه الرواية
ان التخيير كناية نوي بها الطلاق فوقع بها بمجردها كسائر كناياته وكقوله انكحي من شئت
ولنا قول عائشة قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان طلاقا وقالت لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه
298

بدأ بي فقال (اني لمخبرك خبرا فلا عليك ان لا تعجلي حتى تستأمري أبويك - ثم قال - ان الله تعالى
قال (يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها - حتى بلغ - ان الله أعد للمحسنات
منكن أجرا عظيما) فقالت في أي هذا استأمر أبوي؟ فاني أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت ثم فعل
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت متفق عليهما قال مسروق ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو
ألفا بعد أن تختارتي ولأنها مخيرة اختارت النكاح فلم يقع بها الطلاق كالمعتقة تحت عبد، فأما ان قالت
اخترت نفسي فيفتقر إلى نيتها لأنه لفظ كناية منها فإن نوى أحدهما دون الآخر لم يقع لأن الزوج
إذا لم ينو فما فوض إليها الطلاق فلا يصح ان يوقعه وان نوى ولم تنو هي فقد فوض إليها الطلاق
فما أوقعته فلم يقع شئ كما لو وكل وكيلا في الطلاق فلم يطلق وان نويا جميعا وقع ما نوياه من العدد ان
اتفقا فيه، وان نوى أحدهما أقل من الآخر وقع لأقل لأن ما زاد انفرد به أحدهما فلم يقع
(فصل) وان قال أمرك بيدك أو اختاري فقالت قبلت لم يقع شئ لأن أمرك بيدك توكيل
فقولها في جوابه: قبلت، ينصرف إلى قبول الوكالة فلم يقع شئ كما لو قال لأجنبي أمر امرأتي بيدك
فقال قبلت وقوله اختاري في معناه، وكذلك أن قالت أخذت أمري نص عليهما أحمد في رواية
إبراهيم بن هانئ إذا قال لامرأته امرك بيدك فقالت قبلت ليس بشئ حتى تبين، وقال إذا قالت
أخذت أمري ليس بشئ قال وإذا قال لامرأته اختاري فقالت قبلت نفسي أو قالت اخترت نفسي
كان أبين. قال القاضي ولو قالت اخترت ولم تقل نفسي لم تطلق وان نوت ولو قال الزوج اختاري
ولم يقل نفسك ولم ينوه لم تطلق ما لم تذكر نفسها ما لم يكن في كلام الزوج أو جوابها ما يصرف الكلام
299

إليه لأن ذلك في حكم التفسير فإذا عرى عن ذلك لم يصح، وان قالت اخترت زوجي أو اخترت
البقاء على النكاح أو رددت الخيار أو رددت عليك سفهتك بطل الخيار، وان قالت اخترت أهلي أو أبوي
ونوت وقع الطلاق لأن هذا يصلح كناية من الزوج فيما إذا قال ألحقي بأهلك فكذلك منها، وان
قالت اخترت الأزواج فكذلك لأنهم لا يحلون الا بمفارقة هذا الزوج ولذلك كان كناية
منه في قوله: انكحي من شئت
(فصل) فإن كرر لفظة الخيار فقال اختاري اختاري اختاري فقال أحمد إن كان إنما يردد
عليها ليفهمها وليس نيته ثلاثا فهي واحدة وإن كان أراد بذلك ثلاثا فهي ثلاث، فرد الامر إلى
نيته في ذلك وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا قبلت وقع ثلاثا لأنه كرر ما يقع به
الطلاق فتكرر كما لو كرر الطلاق
ولنا انه يحتمل التأكيد فإذا قصده قبل منه كما لو قال أنت طالق الطلاق وان أطلق فقد روي
عن أحمد ما يدل على أنها واحدة يملك الرجعة وهذا اختيار القاضي ومذهب عطاء وأبي ثور لأن
تكرير التخيير لا يزيد به الخيار كشرط الخيار في البيع، وروي عن أحمد إذا قال لامرأته اختاري
فقالت اخترت نفسي هي واحدة الا أن يقول اختاري اختاري اختاري وهذا يدل على أنها
تطلق ثلاثا ونحوه قال الشعبي والنخعي وأصحاب الرأي ومالك لأن اللفظة الواحدة تقتضي طلقة فإذا
تكررت اقتضت ثلاثا كلفظة الطلاق
(فصل) فإن قال لزوجته طلقي نفسك ونوى عددا فهو على ما نوى وان أطلق من غير نية لم
300

يملك الا واحدة لأن الامر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم وكذلك الحكم لو وكل أجنبيا فقال
طلق زوجتي فالحكم على ما ذكرناه قال أحمد إذا قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت نفسها
ثلاثا فهي ثلاث وإن كان نوى واحدة فهي واحدة وذلك لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثا فأيهما
نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله وان لم ينو تناول اليقين وهو الواحدة فإن طلقت نفسها أو طلقها
الوكيل في المجلس أو بعده وقع الطلاق لأنه توكيل. وقال القاضي إذا قال لها طلقي نفسك تفيد بالمجلس
لأنه تفويض للطلاق إليها فتقيد بالمجلس كقوله اختاري
ولنا انه توكيل في الطلاق فكان على التراخي كتوكيل الأجنبي وكقوله أمرك بيدك. وفارق
اختاري فإنه تخيير، وما ذكروه ينتقض بقوله أمرك بيدك ولها أن توقع الطلاق بلفظ الصريح وبالكناية
مع النية وقال بعض أصحاب الشافعي ليس لها أن توقعه بالكناية لأنه فوضه إليها بلفظ الصريح فلا يصح
أن توقع غير ما فوض إليها
ولنا أنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعته فوقع كما لو أوقعته بلفظ الصريح وما ذكره غير صحيح
فإن التوكيل في شئ لا يقتضي أن يكون إيقاعه بلفظ الامر من جهته كما لو قال لوكيله بع داري جاز له
بيعها بلفظ التمليك وان قال لها طلقي ثلاثا فطلقت واحدة وقع نص عليه، وقال مالك لا يقع شئ
لأنها لم تمتثل أمره.
ولنا أنها ملكت إيقاع ثلاث فملكت إيقاع واحدة كالموكل ولأنه لو قال وهبتك هؤلاء العبيد
الثلاثة فقال قبلت واحدا منهم صح كذا ههنا وان قال طلقي واحدة فطلقت ثلاثا، وقعت واحدة
301

نص عليه أيضا، وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يقع شئ لأنها لم يأت بما يصلح قبولا
فلم يصح كما لو قال بعتك نصف هذا العبد فقال قبلت البيع في جميعه
ولنا أنها أوقعت طلاقا مأذونا فيه وغيره فوقع المأذون فيه دون غيره كما لو قال طلقي نفسك
فطلقت نفسها وضرائرها فإن قال طلقي نفسك فقالت أنا طالق ان قدم زيد لم يصح لأن اذنه انصرف
إلى المنجز فلم يتناول المعلق على شرط وحكم توكيل الأجنبي في الطلاق كحكمها في ما ذكرناه كله
(فصل) نقل عنه أبو الحارث إذا قال طلقي نفسك طلاق السنة قالت قد طلقت نفسي ثلاثا
هي واحدة وهو أحق برجعتها إنما كان كذلك لأن التوكيل بلفظ يتناول أقل ما يقع عليه اللفظ وهو
طلقة واحدة سيما وطلاق السنة في الصحيح طلقة واحدة في ظهر لم يصبها فيه
(فصل) ويجوز أن يجعل أمر امرأته بيدها بعوض وحكمه حكم ما لا عوض له في أن له الرجوع
فيما جعل لها وانه يبطل بالوطئ، قال أحمد إذا قالت امرأته اجعل أمري بيدي وأعطيك عبدي هذا
قبض العبد وجعل أمرها بيدها فلها أن تختار ما لم يطأها أو ينقضه وذلك لأنه توكيل والتوكيل لا يلزم
بدخول العوض فيه وكذلك التمليك بعوض لا يلزم ما لم يتصل به القبول كالبيع
(فصل) إذا اختلفا فقال الزوج لم أنو الطلاق بلفظ الاختيار وأمرك بيدك وقالت بل نويت
كان القول قوله لأنه أعلم بنيته ولا سبيل إلى معرفته الا من جهته ما لم يكن جواب سؤال أو معها
دلالة حال وان قال لم تنو الطلاق باختيار نفسك وقالت بل نويت فالقول قولها لما ذكرنا، وان قالت
302

قد اخترت نفسي وأنكر وجود الاختيار منها فالقول قوله لأنه منكر له وهو مما يمكنه علمه وتمكنها
إقامة البينة عليه فأشبه ما لو علق طلاقها على دخول الدار فادعته فأنكره
(فصل) إذا قال لزوجته أنت علي حرام وأطلق فهو ظهار وقال الشافعي لا شئ عليه وله قول
آخر عليه كفارة يمين وليس بيمين، وقال أبو حنيفة هو يمين وقد روي ذلك عن أبي بكر وعمر بن
الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهم، وقال سعيد حدثنا خالد بن عبد الله عن جويبر عن الضحاك ان
أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا في الحرام يمين وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير
وعن أحمد ما يدل على ذلك لأن الله تعالى قال (لم تحرم ما أحل الله لك) ثم قال (قد فرض الله
لكم تحلة أيمانكم) وقال ابن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولأنه تحريم للحلال
أشبه تحريم الأمة.
ولنا أنه تحريم للزوجة بغير طلاق فوجبت به كفارة الظهار كما لو قال أنت علي حرام كظهر أمي فأما
ان نوى غير الظهار فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة أنه ظهار نوي الطلاق أو لم ينوه وذكره
الخرقي في موضع غير هذا وممن قال إنه ظهار عثمان بن عفان وابن عباس وأبو قلابة وسعيد بن جبير
وميمون بن مهران والبتي روي الأثرم باسناده عن ابن عباس في الحرام أنه تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا ولأنه صريح في تحريمها فكان ظهارا وان نوى غيره كقوله
أنت علي كظهر أمي وعن أحمد أنه إذا نوى الطلاق كان طلاقا قال إذا قال ما أحل الله علي حرام يعني
به الطلاق أخاف أن يكون ثلاثا ولا أفتي به وهذا مثل قوله في الكنايات الظاهرة فكأنه جعله من
303

كنايات الطلاق يقع به الطلاق إذا نواه ونقل عنه البغوي في رجل قال لامرأته أمرك بيدك فقالت
أنا عليك حرام فقد حرمت عليه فجعله منها كناية في الطلاق فكذلك من الرجل، واختاره ابن عقيل
وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وروي ذلك عن ابن مسعود وممن روي عنه أنه طلاق ثلاث علي
وزيد بن ثابت وأبو هريرة والحسن البصري وابن أبي ليلى وهو مذهب مالك في المدخول بها لأن
الطلاق نوع تحريم فصح أن يكنى به عنه كقوله أنت بائن فاما ان لم ينو الطلاق فلا يكون طلاقا بحال
لأنه ليس بصريح في الطلاق فإذا لم ينو معه لم يقع به طلاق كسائر الكنايات، وان قلنا إنه كناية
في الطلاق ونوى به فحكمه حكم الكنايات الظاهرة على ما مضى من الاختلاف فيها وهو قول مالك
وأبي حنيفة والشافعي كل على أصله ويمكن حمله على الكنايات الخفية إذا قلنا إن الرجعة محرمة لأن
أقل ما تحرم به الزوجة طلقة رجعية فحمل على اليقين، وقد روي عن أحمد ما يدل عليه فإنه قال إذا قال إن
ت علي حرام أعني به طلاقا فهي واحدة وروي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والزهري وقد
روي عن مسروق وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي ليس بشئ لأنه قول هو كاذب فيه وهذا يبطل
بالظهار فإنه منكر من القول وزور وقد وجبت الكفارة ولان هذا ايقاع للطلاق فأشبه قوله أنت
بائن أو أنت طالق وروي عن أحمد انه إذا نوى اليمين كان يمينا فإنه قال في رواية مهنا انه إذا قال إن
ت علي حرام ونوى يمينا ثم تركها أربعة أشهر قال هو يمين وإنما الايلاء ان يحلف بالله ان لا يقرب
امرأته فظاهر هذا انه إذا نوى اليمين كانت يمينا وهذا مذهب بن مسعود وقال أبي حنيفة والشافعي
وممن روي عنه: عليه كفارة يمين أبو بكر الصديق وعمر وابن عباس وعائشة وسعيد بن المسيب
304

والحسن وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وقتادة والأوزاعي وفي المتفق عليه عن سعيد بن جبير انه
سمع ابن عباس يقول إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها وقال (لقد كان لكم في رسول
الله أسوة حسنة) ولان الله تعالى قال (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟ تبتغي مرضاة أزواجك والله
غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) فجعل الحرام يمينا ومعنى قوله نوى يمينا والله أعلم أنه
نوى بقوله أنت علي حرام ترك وطئها واجتنابها وأقام ذلك مقام قوله والله لا وطئتك
(فصل) وان قال أنت علي حرام أعني به الطلاق فهو طلاق رواه الجماعة عن أحمد وروي عنه أبو
عبد الله النيسابوري أنه قال إذا قال أنت علي حرام أريد به الطلاق كنت أقول إنها طالق يكفر كفارة
الظهار وهذا كأنه رجوع عن قوله انه طلاق، ووجهه انه صريح في الظهار فلم يصر طلاقا بقوله أريد به
الطلاق كما لو قال أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق قال القاضي ولكن جماعة أصحابنا على أنه
طلاق وهي الرواية المشهورة التي رواها عنه الجماعة لأنه صرح بلفظ الطلاق فكان طلاقا كما لو ضربها
وقال هذا طلاقك وليس هذا صريحا في الظهار إنما هو صريح في التحريم والتحريم يتنوع إلى تحريم
بالظهار وإلى تحريم بالطلاق فإذا بين بلفظه إرادة تحريم الطلاق وجب صرفه إليه، وفارق قوله أنت
علي كظهر أمي فإنه صريح في الظهار وهو تحريم لا يرتفع الا بالكفارة فلم يمكن جعل ذلك طلاقا
بخلاف مسئلتنا ثم إن قال أعني به الطلاق أو نوى به ثلاثا فهي ثلاث نص عليه أحمد لأنه أتى بالألف
305

واللام التي للاستغراق تفسيرا للتحريم فيدخل فيه الطلاق كله وإذا نوى الثلاث فقد نوى بلفظه
ما يحتمله من الطلاق فوقع كما لو قال أنت بائن وعنه لا يكون ثلاثا حتى ينويها سواء كانت فيه الألف
واللام أو لم تكن لأن الألف واللام تكون لغير الاستغراق في أكثر أسماء الأجناس، وان قال
أعني به طلاقا فهو واحدة لأنه ذكره منكرا فيكون طلاقا واحدا نص عليه أحمد وقال في رواية
حنبل إذا قال أعني طلاقا فهي واحدة أو اثنتان إذا لم تكن فيه الف ولام
(فصل) فإن قال أنت علي كظهر أمي ونوى به الطلاق لم يكن طلاقا لأنه صريح في الظهار فلم
يصلح كناية في الطلاق كما لا يكون الطلاق كناية في الظهار ولان الظهار تشبيه بمن هي محرمة على التأييد
والطلاق يفيد تحريما غير مؤبد فلم تصلح الكناية بأحدهما عن الآخر، ولو صرح به فقال أعني به
الطلاق لم يصر طلاقا لأنه لا يصلح الكناية به عنه
(فصل) وإن قال أنت علي كالميتة والدم ونوى به الطلاق كان طلاقا لأنه يصلح أن يكون
كناية فيه فإذا اقترنت به النية وقع به الطلاق ويقع به من عدد الطلاق ما نواه فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة
لأنه من الكنايات الخفية وهذا حكمها، وإن نوى به الظهار وهو أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها
احتمل أن يكون ظهارا كما قلنا في قوله أنت علي حرام، واحتمل أن لا يكون ظهارا كما لو قال أنت
علي كظهر البهيمة أو كظهر أمي، وإن نوى اليمين وهو أن يريد بذلك ترك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها
306

فهو يمين، وإن لو ينو شيئا لم يكن طلاقا لأنه ليس بصريح في الطلاق ولا نواه به وهل يكون ظهارا
أو يمينا على وجهين
(أحدهما) يكون ظهارا لأن معناه أنت حرام على كالميتة والدم فإن تشبيهها بهما يقتضي التشبيه بهما
في الامر الذي اشتهرا به وهو التحريم لقول الله تعالى فيهما (حرمت عليكم الميتة والدم)
(والثاني) يكون يمينا لأن الأصل براءة الذمة فإذا أتى بلفظ محتمل ثبت به أقل الحكمين لأنه
اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا نثبته بالشك ولا نزول عن الأصل الا بيقين، وعند الشافعي هو كقوله
أنت علي حرام سواء
(مسألة) قال (وإذا طلقها بلسانه واستثنى شيئا بقلبه وقع الطلاق ولم ينفعه الاستثناء)
وجملة ذلك أن ما يتصل باللفظ من قرينة أو استثناء على ثلاثة أضرب:
(أحدهما) ما لا يصح نطقا ولا نية وذلك نوعان (أحدهما) ما يرفع حكم اللفظ كله مثل أن يقول
أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا أو أنت طالق طلقة لا تلزمك أو لا تقع عليك فهذا لا يصح بلفظه ولا بنيته
لأنه يرفع حكم اللفظ كله فيصير الجميع لغوا فلا يصح هذا في اللغة بالاتفاق وإذا كان كذلك سقط
الاستثناء والصفة ووقع الطلاق
307

(الضرب الثاني) ما يقبل لفظا ولا يقبل نية لأبي الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو استثناء
الأقل فهذا يصح لفظا لأنه من لسان العرب ولا يصح بالنية مثل أن يقول أنت طالق ثلاثا ويستثني
بقلبه الا واحدة أو أكثر فهذا لا يصح لأن العدد نص فيما تناوله لا يحتمل غيره فلا يرتفع بالنية ما ثبت
بنص اللفظ فإن اللفظ أقوى من النية، ولو نوى بالثلاث اثنتين كان مستعملا للفظ في غير ما يصلح له
فوقع مقتضى اللفظ ولغت نيته
وحكي عن بعض الشافعية أنه يقبل فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال نسائي طوالق واستثنى
بقلبه الا فلانة والفرق بينهما أن نسائي اسم عام يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له وقد استعمل
العموم بإزاء الخصوص كثيرا فإذا أراد به البعض صح، وقوله ثلاثا اسم عدد للثلاث لا يجوز التعبير
به عن عدد غيرها ولا يحتمل سواها بوجه فإذا أراد بذلك اثنتين فقد أراد باللفظ ما لا يحتمله وإنما
تعمل النية في صرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته، فأما ما لا يحتمل فلا فانا لو عملنا فيما لا يحتمل
كان عملا بمجرد النية ومجرد النية لا تعمل في نكاح ولا طلاق ولا بيع، ولو قال نسائي الأربع طوالق
أو قال لهن أربعتكن طوالق واستثني بعضهن بالنية لم يقبل على قياس ما ذكرناه ولا يدين فيه لأنه
عنى باللفظ ما لا يحتمل
(الضرب الثالث) ما يصح نطقا وإذا نواه دين فيما بينه وبين الله تعالى وذلك مثل تخصيص
308

اللفظ العام أو استعمال اللفظ في مجازه مثل قوله نسائي طوالق يريد بعضهن أو ينوي بقوله طالق
أي من وثاق فهذا يقبل إذا كان لفظا وجها واحدا لأنه وصل كلامه بما بين مراده،
وإن كان بنيته قبل فيما بينه وبين الله تعالى لأنه أراد تخصيص اللفظ العام واستعماله في الخصوص وهذا
سائغ في اللغة شائع في الكلام فلا يمنع من استعماله والتكلم به ويكون اللفظ بنيته منصرفا إلى ما أراده
دون ما لم يرده، وهل يقبل ذلك في الحكم؟ يخرج على روايتين (إحداهما) يقبل لأنه فسر كلامه
بما يحتمله فصح كما لو قال أنت طالق أنت طالق وأراد بالثانية إفهامها (والثانية) لا يقبل لأنه خلاف
الظاهر وهو مذهب الشافعي، ومن شرط هذا أن تكون النية مقارنة للفظ وهو أن يقول نسائي طوالق
يقصد بهذا اللفظ بعضهن، فاما ان كانت النية متأخرة عن اللفظ فقال نسائي طوالق ثم بعد فراغه نوى
بقلبه بعضهن لم تنفعه النية ووقع الطلاق بجميعهن وكذلك لو طلق نساءه ونوى بعد طلاقهن أي من
وثق لزمه الطلاق لأنه مقتضى اللفظ والنية الأخيرة نية مجردة لا لفظ معها فلا تعمل. ومن هذا الضرب
تخصيص حال دون حال مثل أن يقول أنت طالق ثم يصله بشرط أو صفة مثل قوله ان دخلت الدار
أو بعد شهر أو قال إن دخلت الدار بعد شهر فهذا يصح إذا كان نطقا بغير خلاف، وان نواه ولم يلفظ
به دين، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين قال في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن حلف لا تدخل
الدار وقال نويت شهرا يقبل منه أو قال: إذا دخلت دار فلان فأنت طالق ونوى تلك الساعة
وذلك اليوم قبلت نيته
309

(والرواية الأخرى) لا تقبل فإنه قال إذا قال لامرأته أنت طالق وترى في نفسه إلى سنة تطلق
ليس ينظر إلى نيته، وقال إذا قال أنت طالق وقال نويت ان دخلت الدار لا يصدق، ويمكن الجمع
بين هاتين الروايتين بان يحمل قوله في القبول على أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى وقوله في عدم
القبول على الحكم فلا يكون بينهما اختلاف. والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها أن إرادة الخاص
بالعام شائع كثير، وإرادة الشرط من غير ذكره غير سائغ فهو قريب من الاستثناء، ويمكن أن
يقال هذا كله من جملة التخصيص
(فصل) وإذا قالت له امرأة من نسائه طلقني فقال نسائي طوالق ولا نية له طلقن كلهن بغير
خلاف لأن لفظه عام، وان قالت له طلق نساءك فقال نسائي طوالق فكذلك، وحكي عن مالك أن
السائلة لا تطلق في هذه الصورة لأن الخطاب العام يقصر على سببه الخاص وسببه سؤال طلاق من سواها
ولنا أن اللفظ عام فيها ولم يرد به غير مقتضاه فوجب العمل بعمومه كالصورة الأولى، والعمل
بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب لأن دليل الحكم هو اللفظ فيجب اتباعه والعمل بمقتضاه في
خصوصة وعمومه ولذلك لو كان أخص من السبب لوجب قصره على خصوصه واتباع صفة اللفظ دون
صفة السبب فإن أخرج السائلة بنيته دين فيما بينه وبين الله تعالى في الصورتين وقبل في الحكم في
الصورة الثانية لأن خصوص السبب دليل على نيته ولم يقبل في الصورة الأولى قاله ابن حامد لأن طلاقه
310

جواب لسؤالها الطلاق لنفسها فلا يصدق في صرفه عنها لأنه يخالف الظاهر من وجهين ولأنها سبب
الطلاق وسبب الحكم لا يجوز إخراجه من العموم بالتخصيص، وقال القاضي يحتمل أن لا تطق لأن
لفظه عام والعام يحتمل التخصيص
(فصل) فإن قال أنت طالق إن دخلت الدار. ثم قال إنما أردت الطلاق في الحال لكن
سبق لساني إلى الشرط طلقت في الحال لأنه أقر على نفسه بما يوجب الطلاق فلزمه كما لو قال قد
طلقتها فإن قال بعد ذلك كذبت وإنما أردت طلاقها عند الشرط دين في ذلك ولم يقبل في
الحكم لأنه رجوع عما أقربه
(فصل) وقول الخرقي: واستثنى شيئا بقلبه يدل بمفهومه على أنه إذا استثنى بلسانه صح ولم
يقع ما استثناه وهو قول جماعة أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن
الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا واحدة انها تطلق طلقتين منهم الثوري والشافعي وأصحاب
الرأي، وحكي عن أبي بكر ان الاستثناء لا يؤثر في عدد الطلقات ويجوز في المطلقات فلو قال أنت طالق ثلاثا
إلا واحدة وقع الثلاث ولو قال نسائي طوالق إلا فلانة لم تطلق لأن الطلاق لا يمكن رفعه بعد إيقاعه،
والاستثناء يرفعه لو صح، وما ذكره من التعليل باطل بما سلمه من الاستثناء في المطلقات، وليس
الاستثناء رفعا لما وقع إذ لو كان كذلك لما صح في المطلقات ولا الاعتاق ولا في الاقرار ولا
311

الاخبار وإنما هو مبين ان المستثنى غير مراد بالكلام فهو يمنع أن يدخل فيه ما لولاء لدخل فقوله
(فلبث فيهم الف سنة الا خمسين)
عاما عبارة عن تسعمائة وخمسين، وقوله (اني براء مما تعبدون *
إلا الذي فطرتي) تبرؤ من غير الله فكذلك قوله أنت طالق ثلاثا إلا واحدة عبارة عن اثنتين لا غير
وحرف الاستثناء المستولي عليه الا ويشبه به أسماء وأفعال وحروف فالأسماء غير وسوى والافعال ليس ولا
يكون وعدا والحروف حاشا وخلا فأي كلمة استثنى بها صح الاستثناء
(فصل) ولا يصح استثناء الأكثر نص عليه أحمد فلو قال أنت طالق ثلاثا لا اثنتين وقع ثلاث
والأكثرون على أن ذلك جائز وقد ذكرناه في الافرار وذكرنا أن أهل العربية إنما أجازوه في القليل
من الكثير وحكينا ذلك عن جماعة من أئمة أهل اللغة فإذا قال أنت طالق ثلاثا لا واحدة وقع اثنتان
وان قال الا اثنتين وقع ثلاث وان قال طلقتين الا طلقة ففيه وجهان (أحدهما) يقع طلقة (والثاني)
طلقتان بناء على استثناء النصف هل يصح أو لا؟ على وجهين. وان قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا
وقع ثلاث بغير خلاف لأن الاستثناء لرفع بعض المستثنى منه فلا يصح أن يرفع جميعه. وان قال أنت
طالق خمسا إلا ثلاثا وقع ثلاث لأن الاستثناء ان عاد إلى الخمس فقد استثنى الأكثر وان عاد إلى
الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلاهما لا يصح، وان قال خمسا الا طلقة ففيه وجهان (أحدهما)
يقع ثلاث لأن الكلام مع الاستثناء كأنه نطق بما عدا المستثنى فكأنه قال أنت طالق أربعا (والثاني)
312

يقع اثنتان ذكره القاضي لأن الاستثناء يرجع إلى ما ملكه من الطلقات وهي الثلاث وما زاد عليها
يلغو وقد استثنى واحدة من الثلاث فيصح ويقع طلقتان
وان قال أنت طالق أربعا الا اثنتين فعلى الوجه الأول يصح الاستثناء ويقع اثنتان، وعلى قول
القاضي ينبغي أن لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لأن الاستثناء يرجع إلى الثلاث فيكون استثناء الأكثر
(فصل) فإن قال أنت طالق اثنتين وواحدة الا واحدة ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الاستثناء
لأن الاستثناء يرفع الجملة الأخيرة بكمالها من غير زيادة عليها فيصير ذكرها واستثناؤها لغوا وكل
استثناء أفضى تصحيحه إلى الغاية وإلغاء المستثنى منه بطل كاستثناء الجميع ولان إلغاءه وحده أولى
من الغائه مع الغاء غيره ولان الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة في أحد الوجهين فيكون استثناء
للجميع (والوجه الثاني) يصح الاستثناء ويقع طلقتان لأن العطف بالواو يجعل الجملتين كالجملة الواحدة
فيصير مستثنيا لواحدة من ثلاث ولذلك لو قال له علي مائة وعشرون درهما الا خمسين صح والأول
أصح وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي
وان قال أنت طالق واحدة واثنتين الا واحدة فعلى الوجه الثاني يصح الاستثناء وعلى الوجه
الأول يخرج في صحته وجهان بناء على استثناء النصف وان قال أنت طالق وطالق وطالق الا طلقة
أو قال طالق طلقتين ونصفا الا طلقة فالحكم في ذلك كالحكم في المسألة الأولى سواء وإن كان العطف بغير
313

واو كقوله أنت طالق فطالق فطالق أو طالق ثم طالق ثم طالق الا طلقة لم يصح الاستثناء لأن هذا حرف
يقتضي الترتيب وكون الطلقة الأخيرة مفردة عما قبلها فيعود الاستثناء إليها وحدها فلا يصح، وان قال
أنت طالق اثنتين واثنتين الا اثنتين لم يصح الاستثناء لأنه ان عاد إلى الجملة التي تليه فهو رفع لجميعها وان عاد
إلى الثلاث التي يملكها فهو رفع لأكثرها وكلاهما لا يصح، ويحتمل أن يصح بناء على أن العطف
بالواو يجعل الجملتين جملة واحدة وان استثناء النصف يصح فكأنه قال أربعا إلا اثنتين وان قال أنت
طالق اثنتين واثنتين إلا واحدة احتمل أن يصح لأنه استثنى واحدة من ثلاث واحتمل أن لا يصح
لأنه ان عاد إلى الرابعة فقد بقي بعدها ثلاث وان عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين فهو استثناء الجميع
(فصل) وان قال أنت طالق ثلاثا إلا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان [أحدهما] يلغو الاستثناء
ويقع ثلاث لأن العطف يوجب اشترك المعطوف مع المعطوف عليه فيصير مستثنيا لثلاث من ثلاث
وهذا وجه لأصحاب الشافعي وقول أبي حنيفة (والثاني) يصح الاستثناء في طلقة لأن استثناء الأقل
جائز وإنما لا يصح استثناء الثانية والثالثة فيلغو وحده وقال أبو يوسف ومحمد يصح استثناء اثنتين
ويلغو في الثالثة بناء على أصلهم في أن استثناء الأكثر جائز وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي وإن
قال أنت طالق طلقتين إلا طلقة وطلقة ففيه الوجهان وان قال أنت طالق ثلاثة إلا طلقة ونصف احتمل
وجهين أيضا [أحدهما] يلغو الاستثناء لأن النصف يكمل فيكون مستثنيا للأكثر فيلغو (والثاني)
314

يصح في طلقة فتقع طلقتان لما ذكرنا في التي قبلها فإن قال أنت طالق ثلاثا الا واحدة والا واحدة
كان عطفا لاستثناء على استثناء فيصح الأول ويلغوا الثاني، لأننا لو صححناه لكان مستثنيا للأكثر
فيقع به طلقتان ويجئ على قول من أجاز استثناء الأكثر أن يصح فيهما فتقع طلقة واحدة وان قال أنت
طالق ثلاثا الا واحدة الا واحدة كان مستثنيا من الواحدة المستثناة واحدة فيحتمل أن يلغو الاستثناء
الثاني ويصح الأول فيقع به طلقتان، ويحتمل أن يقع به الثلاث لأن الاستثناء الثاني معناه اثبات طلقة
في حقها لكون الاستثناء من النفي اثباتا فيقبل ذلك في ايقاع طلاقه، وان لم يقبل في نفيه كما لو قال
أنت طالق طلقتين ونصفا وقع به ثلاث، ولو قال أنت طالق ثلاثا الا نصف طلقة وقع به ثلاث فكمل
النصف في الاثبات ولم يكمل في النفي.
(فصل) ويصح الاستثناء من الاستثناء ولا يصح منه في الطلاق الا مسألة واحدة على اختلاف
فيها وهي قوله أنت طالق ثلاثا الا اثنتين الا واحدة، فإنه يصح إذا أجزنا استثناء النصف فيقع به طلقتان
فإن قيل فكيف أجزتم استثناء الاثنتين من الثلاث وهي أكثرها؟ قلنا لأنه لم يسكت عليهما بل وصلهما
بأن استثنى منها طلقة فصار عبارة عن واحدة وان قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا اثنتين لم يصح
لأن استثناء الاثنتين من الثلاث لا يصح لأنهما أكثرها، واستثناء الثلاث من الثلاث لا يصح لأنها
جميعها وان قال ثلاثا الا ثلاثا الا واحدة لم يصح ووقع ثلاث لأنه إذا استثنى واحدة من ثلاث بقي
315

اثنتان لا يصح استثناؤهما من الثلاث الأولى فيقع الثلاث وذكر أبو الخطاب فيها وجها آخر أنه يصح
لأن الاستثناء الأول يلغو لكونه استثناء الجميع فيرجع قوله الا واحدة إلى الثلاث المثبتة فيقع منها
طلقتان والأول أولى لأن الاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي اثبات فإذا استثني من الثلاث المنفية
طلقة كان مثبتا لها فلا يجوز جعلها من الثلاث المثبتة لأنه يكون اثباتا من اثبات ولا يصح الاستثناء في
جميع ذلك الا متصلا بالكلام وقد ذكر في الاقرار والله أعلم
(مسألة) قال (وإذا قال لها أنت طالق في شهر كذا لم تطلق حتى تغيب شمس
اليوم الذي يلي الشهر المشترط)
وجملة ذلك أنه إذا قال أنت طالق في شهر عينه كشهر رمضان وقع الطلاق في أول جزء من
الليلة الأولى منه وذلك حين تغرب الشمس من آخر يوم من الشهر الذي قبله وهو شهر شعبان وبهذا قال
أبو حنيفة وقال أبو ثور يقع الطلاق في آخر رمضان لأن ذلك يحتمل وقوعه في أوله وآخره فلا يقع
الا بعد زوال الاحتمال.
ولنا انه جعل الشهر ظرفا للطلاق فإذا وجد ما يكون ظرفا له طلقت كما لو قال إذا دخلت الدار
فأنت طالق فإذا دخلت أول جزء منها طلقت فأما ان قال إن لم أقضك حقك في شهر رمضان
316

فامرأتي طالق لم تطلق حتى يخرج رمضان قبل قضائه لأنه إذا قضاه في آخره لم توجد الصفة وفي
الموضعين لا يمنع من وطئ زوجته قبل الحنث وقال مالك يمنع وكذلك كل يمين على فعل بفعله يمنع من
الوطئ قبل فعله لأن الظاهر أنه على حنث لأن الحنث بترك الفعل وليس بفاعله
ولنا أن طلاقه لم يقع فلا يمنع من الوطئ لأجل اليمين كما لو حلف لا فعلت كذا ولو صح ما ذكره
لوجب إيقاع الطلاق.
(فصل) ومتى جعل زمنا ظرفا للطلاق وقع الطلاق في أول جزء منه مثل أن يقول أنت طالق
اليوم أو غدا أو في سنة كذا أو شهر المحرم لما ذكرنا فإن قال في آخره أو أوسطه أو يوم كذا منه
أو في النهار دون الليل قبل منه فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين
وان قال أنت طالق في أول رمضان أو غرة رمضان أو في رأس شهر رمضان أو دخول شهر رمضان
أو استقبال رمضان أو مجئ شهر رمضان طلقت بأول جزء منه ولم يقبل قوله أردت أوسطه أو آخره
لا ظاهرا ولا باطنا لأنه لا يحتمله لفظه وان قال بانقضاء رمضان أو انسلاخه أو نفاده أو مضيه طلقت
في آخر جزء منه وان قال أنت طالق في أول نهار شهر رمضان أو في أول يوم منه طلقت بطلوع فجر
أول يوم منه لأن ذلك أول النهار واليوم ولهذا لو نذر اعتكاف يوم أو صيام يوم لزمه من طلوع الفجر
وان قال أنت طالق إذا كان رمضان أو إلى رمضان أو إلى هلال رمضان أو في هلال رمضان طلقت ساعة
317

يستسهل الا أن يكون نوى من الساعة إلى الهلال فتطلق في الحال وان قال أنت طالق في مجئ ثلاثة
أيام طلقت في أو اليوم الثالث
(فصل) وإذا أوقع الطلاق في زمن أو علقه بصفة تعلق بها ولم يقع حتى تأتي الصفة والزمن وهذا
قول ابن عباس وعطاء وجابر بن زيد والنخعي وأبي هاشم والثوري والشافعي وإسحاق وأبي عبيد
وأصحاب الرأي وقال سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتادة ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك
إذا علق الطلاق بصفة تأتي لا محالة كقوله أنت طالق إذا طلعت الشمس أو دخل رمضان طلقت في
الحال لأن النكاح لا يكون مؤقتا بزمان، ولذلك لا يجوز أن يتزوجها شهرا
ولنا أن ابن عباس كان يقول في الرجل يقول لامرأته أنت طالق إلى رأس السنة قال يطأ فيما
بينه وبين رأس السنة، ولأنه إزالة ملك يصح تعليقه بالصفات فمتى علقه بصفة لم يقع قبلها كالعتق فإنهم
سلموه، وقد احتج احمد بقول أبي ذر إن لي إبلا يرعاها عبد لي وهو عتيق إلى الحول، ولأنه تعليق
للطلاق بصفة لم توجد فلم يقع كما لو قال أنت طالق إذا قدم الحاج وليس هذا توقيتا للنكاح وإنما هو
توقيت للطلاق وهذا لا يمنع كما أن النكاح لا يجوز أن يكون معلقا بشرط والطلاق يجوز فيه التعليق
(فصل) ولو قال أنت طالق إلى شهر كذا أو سنة كذا فهو كما لو قال في شهر كذا أو سنة كذا
ولا يقع الطلاق إلا في أول ذلك الوقت وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يقع في الحال لأن قوله أنت
318

طالق إيقاع في الحال، وقوله إلى شهر كذا تأقيت له وغاية وهو لا يقبل التأقيت فبطل التأقيت ووقع الطلاق
ولنا قول ابن عباس وقول أبي ذر ولان هذا يحتمل أن يكون توقيتا لايقاعه كقول الرجل أنا خارج
إلى سنة أي بعد سنة، وإذا احتمل الامرين لم يقع الطلاق بالشك وقد ترجح ما ذكرناه من وجهين:
(أحدهما) أنه جعل للطلاق غاية ولا غاية لآخره وإنما الغاية لاوله
(والثاني) أن ما ذكرناه عمل باليقين وما ذكروه أخذ بالشك فإن قال أردت انها طالق في الحال
إلى سنة كذا وقع في الحال لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ ولفظه يحتمله، وإن قال أنت طالق من
اليوم إلى سنة طلقت في الحال لأن من لابتداء الغاية فيقتضي أن طلاقها من اليوم فإن قال أردت أن
عقد الصفة من اليوم ووقوعه بعد سنة لم يقع إلا بعدها، وإن قال أردت تكرير وقوع طلاقها من حين
لفظت به إلى سنة طلقت من ساعتها ثلاثا إذا كانت مدخولا بها، قال أحمد إذا قال لها أنت طالق
من اليوم إلى سنة يريد التوكيد وكثرة الطلاق فتلك طالق من ساعتها
(فصل) إذا قال أنت طالق في آخر أول الشهر طلقت في آخر أول يوم منه لأنه أوله، وإن قال
في أول آخره طلقت في أول آخر يوم منه لأنه آخره، وقال أبو بكر في الأولى تطلق بغروب الشمس
من اليوم الخامس عشر منه، وفي الثانية تطلق بدخول أول الليلة السادس عشر منه لأن الشهر نصفان
319

أول وآخر فآخر أوله يلي أول آخره وهذا قول أبي العباس بن شريح، وقال أكثرهم كقولنا وهو
أصح فإن ما عدا اليوم الأول لا يسمى أول الشهر ويصح نفيه عنه وكذلك لا يسمى أوسط الشهر آخره
ولا يفهم ذلك من اطلاق لفظه فوجب أن لا يصرف كلام الحالف إليه ولا يحمل كلامه عليه
(فصل) وإذا قال إذا مضت سنة فأنت طالق أو أنت طالق إلى سنة فإن ابتداء السنة من حين
حلف إلى تمام اثني عشر شهرا بالأهلة لقوله تعالى (يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)
فإن حلف في أول الشهر فإذا مضي اثنا عشر شهرا وقع طلاقه، وإن حلف في أثناء شهر عددت ما بقي
منه ثم حسبت بعد بالأهلة فإذا مضت أحد عشر شهرا نظرت ما بقي من الشهر الأول فكملته ثلاثين
يوما لأن الشهر اسم لما بين هلالين فإن تفرق كان ثلاثين يوما، وفيه وجه آخر أنه تعتبر الشهور كلها
بالعدد نص عليه احمد فيمن نذر صيام شهرين متتابعين فاعترض الأيام؟ قال يصوم ستين يوما وإن
ابتدأ من شهر فصام شهرين فكانا ثمانية وخمسين يوما أجزأه وذلك أنه لما صام نصف شهر وجب
تكميله من الذي يليه فكان ابتداء الثاني من نصفه أيضا فوجب أن يكمله بالعدد وهذا المعنى موجود
في السنة ووجه الأول أنه أمكن استيفاء أحد عشر بالأهلة فوجب الاعتبار بها كما لو كانت يمينه في
أول شهر ولا يلزم أن يتم الأول من الثاني بل يتمه من آخر الشهور، وإن قال أردت بقولي سنة إذا
انسلخ ذو الحجة قبل لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ، وإن قال إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت
320

بانسلاخ ذي الحجة لأنه لما عرفها بلام التعريف انصرفت إلى السنة المعروفة التي آخرها ذو الحجة،
فإن قال أردت بالسنة اثنى عشر شهرا قبل لأن السنة اسم لها حقيقة
(فصل) فإن قال أنت طالق في كل سنة طلقة فهذه صفة صحيحة لأنه يملك إيقاعه في كل سنة
فإذا جعل ذلك صفة جاز ويكون ابتداء المدة عقيب يمينه لأن كل أجل ثبت بمطلق العقد ثبت عقيبه
كقوله والله لا كلمتك سنة فيقع في الحال طلقة لأنه جعل السنة ظرفا للطلاق فتقع في أول جزء منها،
وتقع الثانية في أول الثانية والثالثة في أول الثالثة ان دخلتا عليها وهي في نكاحه لكونها لم تنقض
عدتها أو ارتجعها في عدة الطلقة الأولى وعدة الثانية أو جدد نكاحها بعد أن بانت، فإن انقضت عدتها
فبانت منه ودخلت السنة الثانية وهي بائن لم تطلق لكونها غير زوجة، فإن تزوجها في أثنائها اقتضى
قول أكثر أصحابنا وقوع الطلاق عقيب تزويجه لها لأنه جزء من السنة الثانية التي جعلها ظرفا للطلاق
ومحلا له وكان سبيله أن تقع في أولها فمنع منه كونها غير محل الطلاق لعدم نكاحه حينئذ فإذا عادت
الزوجية وقع في أولها، وقال القاضي تطلق بدخول السنة الثالثة، وعلى قول التميمي ومن وافقه تنحل
الصفة بوجودها في حال البينونة فلا تعود بحال، وان لم يتزوجها حتى دخلت السنة الثالثة ثم نكحها
طلقت عقيب تزويجها ثم طلقت الثالثة بدخول السنة الرابعة، وعلى قول القاضي لا تطلق الا بدخول
الرابعة ثم تطلق الثالثة بدخول الخامسة، وعلى قول التميمي قد انحلت الصفة، واختلف في مبدأ السنة
321

الثانية فظاهر ما ذكره القاضي ان أولها بعد انقضاء اثنى عشر شهرا من حين يمينه لأنه جعل ابتداء
المدة حين يمينه وكذلك قال أصحاب الشافعي، وقال أبو الخطاب ابتداء السنة الثانية أول المحرم لأنها
السنة المعروفة فإذا علق ما يتكرر على تكرر السنين انصرف إلى السنين المعروفة كقول الله تعالى (أولا يرون
أنهم يفتنون في كل عام) وان قال أردت بالسنة اثنى عشرا قبل لأنها سنة حقيقة، وان قال نويت أن
ابتداء السنين أول السنة الجديدة من المحرم دين قال القاضي ويقبل منه في الحكم لأنه خلاف الظاهر
والأولى أن يخرج على روايتين لأنه محتمل مخالف للظاهر
(فصل) إذا قال أنت طالق إذا رأيت هلال رمضان طلقت برؤية الناس له في أول الشهر،
وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تطلق إلا أن يراه لأنه علق الطلاق برؤية نفسه فأشبه
ما لو علقه على رؤية زيد
ولنا أن الرؤبة للهلال في عرف الشرع العلم به في أول الشهر بدليل قوله عليه السلام (إذا رأيتم
الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا) والمراد به رؤية البعض وحصول العلم فانصرف لفظ الحالف
إلى عرف الشرع كما لو قال إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الصلاة الشرعية لا إلى الدعاء
وفارق رؤية زيد فإنه لم يثبت له عرف شرعي يخالف الحقيقة وكذلك لو لم يره أحد لكن ثبت الشهر
بتمام العدد طلقت لأنه قد علم طلوعه بتمام العدد، وان قال أردت إذا رأيته بعيني قبل لأنها رؤية حقيقة
وتتعلق الرؤية برؤية الهلال بعد الغروب فإن رأى قبل ذلك لم تطلق لأن هلال الشهر ما كان في أوله
322

ولأننا جعلنا رؤية الهلال عبارة عن دخول أول الشهر ويحتمل أن تطلق برؤيته قبل الغروب لأنه يسمى رؤية
والحكم متعلق به في الشرع، فإن قال أردت إذا رأيته أنا بعيني فلم يره حتى أقمر لم تطلق لأنه ليس بهلال
واختلف فيما يصير به قمرا فقيل بعد ثالثة وقيل إذا استدار وقيل إذا بهر ضوؤه
(فصل) قال احمد إذا قال لها أنت طالق ليلة القدر يعتزلها إذا دخل العشر وقبل العشر أهل
المدينة يرونها في السبع عشرة إلا أن المثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر إنما أمره
باجتنابها في العشر
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتماس ليلة القدر في العشر الأواخر فيحتمل أن تكون أول ليلة منه ويمكن أن هذا
منه على سبيل الاحتياط ولا يتحقق حنثه إلى آخر ليلة من الشهر لاحتمال أن تكون هي تلك الليلة
(فصل) وإذا علق طلاقها على شرط مستقبل ثم قال عجلت لك تلك الطلقة لم تتعجل لأنها معلقة
بزمن مستقبل فلم يكن له إلى تغييرها سبيل، وإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة وقعت بها
طلقة فإذا جاء الزمن الذي علق الطلاق به وهي في حباله وقع بها الطلاق المعلق
(فصل) إذا قال أنت طالق غدا إذا قدم زيد لم تطلق حتى يقدم لأن إذا اسم زمن مستقبل
فمعناه أنت طالق عدا وقت قدوم زيد وإن لم يقدم زيد في غد لم تطلق، وإن قدم بعده لأنه قيد
طلاقها بقدوم مقيد بصفة فلا تطلق حتى توجد، وإن ماتت غدوة وقدم زيد بعد موتها لم تطلق لأن
الوقت الذي أوقع طلاقها فيه لم يأت وهي محل للطلاق فلم تطلق كما لو ماتت قبل دخول ذلك اليوم،
323

وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق لأنه لم يوجد الشرط إلا أن يريد باليوم الوقت
فتطلق وقت قدومه لأن الوقت يسمى يوما قال الله تعالى (ومن يولهم يومئذ دبره) وإن ماتت المرأة
غدوة وقدم زيد ظهرا ففيه وجهان:
(أحدهما) نتبين أن طلاقها وقع من أول اليوم لأنه لو قال أنت طالق يوم الجمعة طلقت من أوله
فكذا إذا قال أنت طالق يوم يقدم زيد ينبغي أن تطلق بطلوع فجره
(والثاني) لا يقع الطلاق لأن شرط قدوم زيد ولم يوجد إلا بعد موت المرأة فلم يقع بخلاف يوم
الجمعة فإن شرط الطلاق مجئ يوم الجمعة وقد وجد وههنا شرطان فلا يؤخذ بأحدهما والأول أولى
وليس هذا شرطا إنما هو بيان للوقت الذي يقع فيه الطلاق معرفا بفعل يقع فيه فيقع في أوله كقوله أنت
طالق اليوم الذي نصلي فيه الجمعة، ولو قال أنت طالق في اليوم الذي يقدم فيه زيد فكذلك، ولو مات
الرجل غدوة ثم قدم زيد أو مات الزوجان قبل قدوم زيد كان الحكم كما لو ماتت المرأة، ولو قال
أنت طالق في شهر رمضان إن قدم زيد فقدم فيه خرج فيه وجهان
(أحدهما) لا تطلق حتى يقدم زيد لأن قدومه شرط فلا يتقدمه المشروط بدليل ما لو قال أنت
طالق إن قدم زيد فإنها لا تطلق قبل قدومه بالاتفاق وكما لو قال إذا قدم زيد
(والثاني) أنه إن قدم زيد تبينا وقوع الطلاق من أول الشهر قياسا على المسألة التي قبل هذه
324

(فصل) إذا قال أنت طالق اليوم وطالق غدا طلقت واحدة لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا،
وإن قال أردت أن تطلق اليوم وتطلق غدا طلقت طلقتين في اليومين، وإن قال أردت أنها تطلق في
أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا لأنه جعل الزمان كله ظرفا لوقوع الطلاق فوقع في أوله، وإن
قال أردت نصف طلقة اليوم ونصفه طلقة غدا طلقت اليوم واحدة وأخرى غدا لأن النصف يكمل
فيصير طلقة تامة، وإن قال أردت نصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل ذلك أيضا واحتمل أن لا تطلق
إلا واحدة لأنه إذا قال نصفها كملت اليوم كلها فلم يبق لها بقية تقع غدا ولم يقع شئ غيرها لأنه
ما أوقعه، وذكر القاضي هذا الاحتمال أيضا في المسألة الأولى أيضا وهو مذهب الشافعي، ذكر
أصحابه فيها الوجهين
(فصل) إذا قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد فاختار القاضي ان الطلاق يقع في الحال لأنه علقه
بشرط محال فلغا الشرط ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لطلاقها ولا بدعة أنت طالق للسنة، وقال في المجرد لا يقع لأن شرطه لم يتحقق لأن مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء غد في اليوم ولا يأتي غد إلا
بعد فوات اليوم وذهاب محل الطلاق وهو قول أصحاب الشافعي
(فصل) إذا قال أنت طالق أمس ولا نية له فظاهر كلام احمد أن الطلاق لا يقع فروي عنه
فيمن قال لزوجته أنت طالق أمس وإنما تزوجها اليوم ليس بشئ وهذا قول أبي بكر، وقال القاضي
325

في بعض كتبه يقع الطلاق، وهو مذهب الشافعي لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع
الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لها ولا بدعة أنت طالق للسنة أو قال أنت طالق طلقة لا تلزمك، ووجه
الأول أن الطلاق رفع الاستباحة ولا يمكن رفعها في الزمن الماضي فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل
قدوم زيد بيومين فقدم اليوم فإن أصحابنا لم يختلفوا في أن الطلاق لا يقع وهو قول أكثر أصحاب
الشافعي وهذا طلاق في زمن ماض ولأنه علق الطلاق بمستحيل فلغا كما لو قال أنت طالق ان قلبت
الحجر ذهبا، وان قال أنت طالق قبل أن أتزوجك فالحكم فيه كما لو قال أنت طالق أمس، قال القاضي ورأيت
بخط أبي بكر في جزء مفرد أنه قال إذا قال أنت طالق قبل أن أتزوجك طلقت ولو قال أنت طالق أمس لم يقع
لأن أمس لا يمكن وقوع الطلاق فيه وقبل تزويجها متصور الوجود فإنه يمكن أن يتزوجها ثانيا وهذا الوقت
قبله فوقع في الحال كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد، وان قصد بقوله أنت طالق أمس أو قبل أن
أتزوجك ايقاع الطلاق في الحال مستندا إلى ذلك الزمان وقع في الحال، وان أراد الاخبار أنه كان قد
طلقها هو أو زوج قبله في ذلك الزمان الذي ذكره وكان قد وجد ذلك قبل منه وان لم يكن وجد
وقع طلاقه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي يقبل على ظاهر كلام أحمد لأنه فسره بما يحتمله ولم يشترط
الوجود، وان أراد أني كنت طلقتك أمس فكذبته لزمته الطلقة وعليها العدة من يومها لأنها اعترفت
أن أمس لم يكن من عدتها، وان مات ولم يبين مراده فعلى وجهين بناء على اختلاف القولين في المطلق
ان قلنا لا يقع به شئ لم يلزمه ههنا شئ وان قلنا بوقوعه ثم وقع ههنا
326

(فصل) وان قال لزوجته أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه
تبينا ان طلاقه وقع قبل الشهر لأنه ايقاع للطلاق بعد عقده، وبهذا قال الشافعي وزفر وقال أبو حنيفة
وصاحباه يقع الطلاق عند قدوم زيد لأنه جعل الشهر شرطا لوقوع الطلاق فلا يسبق الطلاق شرطه
ولنا أنه أوقع الطلاق في زمن على صفة فإذا حصلت الصفة وقع فيه كما لو قال أنت طالق قبل
رمضان بشهر أو قبل موتك بشهر فإن أبو حنيفة خاصة يسلم ذلك ولا يسلم أنه جعل الشهر شرطا وليس
فيه حرف شرط، وان قدم قبل مضي شهر لم يقع بغير اختلاف بين أصحابنا وهو قول أكثر أصحاب
الشافعي لأنه تعليق للطلاق على صفة كان وجودها ممكنا فوجب اعتبارها وان قدم زيد مع مضي الشهر
لم تطلق لأنه لابد من جزء يقع الطلاق فيه، فإن خالعها بعد تعليق طلاقها بيوم ثم قدم زيد بعد الخلع
بشهر وساعة تبينا أن الخلع وقع صحيحا ولم يقع الطلاق لأنه صادفها بائنا وان قدم بعد عقد الصفة
بشهر وساعة وقع الطلاق وبطل الخلع ولها الرجوع بالعوض الا أن يكون الطلاق رجعيا، لأن
الرجعية يصح خلعها، وان كانت بحالها فمات أحدهما بعد عقد الصفة بيوم ثم قدم زيد بعد شهر وساعة
من حين عقد الصفة لم يرث أحدهما الآخر لأنا تبينا أن الطلاق كان قد وقع قبل موت الميت منهما
فلم يرثه صاحبه إلا أن يكون الطلاق رجعيا فإنه لا يقطع التوارث ما دامت في العدة فإن قدم بعد الموت
بشهر وساعة تبينا أن الفرقة وقعت بالموت ولم يقع طلاق، فإن قال أنت طالق قبل موتي بشهر
327

فمات أحدهما قبل مضي شهر لم يقع طلاق لأن الطلاق لا يقع في الماضي وان مات بعد عقد اليمين بشهر
وساعة تبينا وقوع الطلاق في تلك الساعة ولم يتوارثا إلا أن يكون الطلاق رجعيا ويموت في عدتها
وان قال أنت طالق قبل موتي ولم يزد شيئا طلقت في الحال لأن ما قبل موته من حين عقد الصفة
محل للطلاق فوقع في أوله وان قال قبل موتك أو موت زيد فكذلك، وان قال أنت طالق قبل قدوم
زيد أو قبل دخولك الدار، فقال القاضي تطلق في الحال سواء قدم زيد أو لم يقدم بدليل قول الله
تعالى (يا أيها الذين أتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها
على أدبارها) ولم يوجد الطمس في المأمورين ولو قال لغلامه اسقني قبل أن أضربك فسقاه في الحال
عد ممتثلا وان لم يضربه، ولو قال أنت طالق قبيل موتي أو قبيل قدوم زيد لم يقع في الحال وإنما يقع
ذلك في الجزء الذي يلي الموت لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسير الذي يبقى، وان قال أنت طالق
قبل موت زيد وعمرو بشهر، فقال القاضي تتعلق الصفة بأولهما موتا لأن اعتباره بالثاني يفضي إلى
وقوعه بعد موت الأول واعتباره بالأول لا يفضي إلى ذلك فكان أولى
(مسألة) قال (وإذا قال لها إذا طلقتك فأنت طالق فإذا طلقها لزمه اثنتان إذا كانت
مدخولا بها وان كانت غير مدخول بها لزمته واحدة)
وجملة ذلك أنه إذا قال لمدخول بها إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق وقعت واحدة
328

بالمباشرة وأخرى بالصفة لأنه جعل تطليقها شرطا لوقوع طلاقها فإذا وجد الشرط وقع الطلاق، وان
كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم تقع الثانية لأنها لا عدة عليها ولا تمكن رجعتها فلا يقع طلاقها
إلا بائنا فلا يقع الطلاق ببائن
(فصل) فإن قال عنيت بقولي هذا انك تكونين طالقا بما أوقعته عليك ولم أرد إيقاع طلاق
سوى ما باشرتك به دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين (إحداهما) لا يقبل وهو مذهب
الشافعي لأنه خلاف الظاهر إذا الظاهر أن هذا تعليق للطلاق بشرط الطلاق ولان اخباره إياها
بوقوع طلاقه بها لا فائدة فيه (والوجه الثاني) يقبل قوله لأنه يحتمل ما قاله فقبل كما لو قال لها أنت طالق
أنت طالق وقال أردت بالثاني التأكيد أو إفهامها
(فصل) فإن قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم علق طلاقها بشرط مثل قوله ان خرجت فأنت
طالق فخرجت طلقت بخروجها ثم طلقت بالصفة أخرى لأنه قد طلقها بعد عقد الصفة ولو قال أولا
ان خرجت فأنت طالق ثم قال إن طلقتك فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج ولم تطلق بتعليق
الطلاق بطلاقها لأنه لم يطلقها بعد ذلك ولم يحدث عليها طلاقا لأن ايقاعه الطلاق بالخروج كان قبل
تعليقه الطلاق بتطليقها فلم توجد الصفة فلم يقع وان قال إن خرجت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك طلاقي
فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج ثم تطلق الثانية بوقوع الطلاق عليها إن كانت مدخولا بها
(فصل) وان قال لها كلما طلقت فأنت طالق فهذا حرف يقتضي التكرار فإذا قال لها بعد ذلك
329

أنت طالق وقع بها طلقتان إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة ولا تقع ثالثه لأن الثانية لم تقع بايقاعه
بعد عقد الصفة لأن قوله كلما طلقتك يقتضي كلما أوقعت عليك الطلاق وهذا يقتضي تجديد ايقاع
طلاق بعد هذا القول وإنما وقعت الثانية بهذا القول، وان قال لها بعد عقد الصفة ان خرجت
فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج طلقة وبالصفة أخرى لأنه قد طلقها ولم تقع الثالثة وان قال لها:
كلما أوقعت عليك طلاقا فأنت طالق فهو بمنزلة قوله كلما طلقتك فأنت طالق، وذكر القاضي في
هذه انه إذا وقع عليها طلاقه بصفة عقدها بعد قوله إذا أوقعت عليك طلاقا فأنت طالق لم تطلق
لأن ذلك ليس بايقاع منه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وفيه نظر فإنه قد أوقع الطلاق عليها بشرط
فإذا وجد الشرط فهو الموقع للطلاق عليها فلا فرق بين هذا وبين قوله إذا طلقتك فأنت طالق وان قال
كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقعت عليها طلقة بالمباشرة أو بصفة عقدها قبل ذلك أو بعده
طلقت ثلاثا، فلو قال لها ان خرجت فأنت طالق ثم قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق
ثم خرجت وقعت عليها طلقة بالخروج ثم وقعت الثانية بوقوع الأولى ثم وقعت الثالثة
بوقوع الثانية لأن كلما تقتضي التكرار وقد عقد الصفة بوقوع الطلاق فكيفما وقع يقتضي وقوع أخرى
ولو قال لها إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت
ثلاثا واحدة بالمباشرة واثنتين بالصفتين لأن تطليقه لها يشتمل على الصفتين هو تطليق منه وهو وقوع
330

طلاقه، ولأنه إذا قال أنت طالق طلقت بالمباشرة واحدة فتطلق الثانية بكونه طلقها وذلك طلاق منه
واقع عليها فتطلق به الثالثة وهذا كله في المدخول بها فأما غير المدخول بها فلا تطلق إلا واحدة في جميع
هذا وهذا كله مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا
(فصل) فإن قال كلما طلقتك طلاقا أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت
اثنتين (إحداهما) بالمباشرة (والأخرى) بالصفة إلا أن تكون الطلقة بعوض أو في غير مدخول بها
فلا تقع بها ثانية لأنها تبين بالطلقة التي باشرها بها فلا يملك رجعتها فإن طلقها اثنتين طلقت الثالثة،
وقال أبو بكر قيل تطلق وقيل لا تطلق واختياري أنها تطلق، وقال أصحاب الشافعي لا تطلق الثالثة
لأنا لو أوقعناها لم يملك الرجعة ولم يوجد شرط طلاقها فيفضي ذلك إلى الدور فبقطعه يمنع وقوعه
ولنا أنه طلاق لم يكمل به العدد بغير عوض في مدخول بها فيقع بها التي بعدها كالأولى فامتناع
الرجعة ههنا لعجزه عنها لا لعدم الملك كما لو طلقها واحدة وأغمي عليه عقيبها فإن الثانية تقع، وإن
امتنعت الرجعة لعجزه عنها، وإن كان الطلاق بعوض أو في غير مدخول بها لم يقع بها إلا الطلقة التي
باشرها بها لأنه لا يملك رجعتها، وإن قال كلما وقع عليك طلاق أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم
وقع عليها طلقة بمباشرة أو صفة طلقت ثلاثا وعندهم لا تطلق لما ذكرناه في التي قبلها، ولو قال لامرأته
إذا طلقتك طلاقا أملك فيه الرجعة فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها ثلاثا، وقال المزني لا نطلق وهو
قياس قول أصحاب الشافعي لما تقدم
331

(فصل) وإن قال لزوجته إذا طلقتك أو إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فلا نص
فيها، وقال القاضي تطلق ثلاثا واحدة بالمباشرة واثنتان من المعلق وهو قياس قول الشافعي وقول بعض
أصحابه، وقال ابن عقيل تطلق واحدة بالمباشرة ويلغو المعلق لأنه طلاق في زمن ماض فلا يتصور
وقوع الطلاق فيه وهو قياس نص احمد وأبي بكر في أن الطلاق لا يقع في زمن ماض وبه قال أبو العباس
بن القاضي من أصحاب الشافعي، وقال أبو العباس بن شريح وبعض الشافعية لا نطلق أبدا لأن
وقوع الواحدة يقتضي وقوع ثلاث قبلها وذلك يمنع وقوعها فاثباتها يؤدي إلى نفيها فلا تثبت، ولان
إيقاعها يفضي إلى الدور لأنها إذا وقعت وقع قبلها ثلاث فيمتنع وقوعها وما أفضى إلى الدور وجب قطعه من أصله
ولنا انه طلاق من مكلف مختار في محل لنكاح صحيح فيجب أن يقع كما لو لم يعقد هذه الصفة ولان
عمومات النصوص تقتضي عموم وقوع الطلاق مثل قوله سبحانه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح
زوجا غيره) وقوله سبحانه (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وكذلك سائر النصوص،
ولان الله تعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به وما ذكروه يمنعه بالكلية ويبطل شرعيته فتفوت
مصلحته فلا يجوز ذلك بمجرد الرأي والتحكم وما ذكروه غير مسلم فانا ان قلنا لا يقع الطلاق المعلن
فله وجه لأنه أوقعه في زمن ماض ولا يمكن وقوعه في الماضي فلم يقع كما لو قال أنت طالق
332

طالق قبل قدوم زيد بيوم فقدم في اليوم ولأنه جعل الطلقة والواقعة شرطا لوقوع الثلاث، ولا يوجد
المشروط قبل شرطه فعلى هذا لا يمتنع وقوع الطلقة المباشرة ولا يفضي إلى دور ولا غيره، وان قلنا
بوقوع الثلاث فوجهه أنه وصف الطلاق المعلق بما يستحيل وصفه به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما
لو قال أنت طالق طلقة لا تنقص عدد طلاقك أو لا تلزمك أو قال للآية أنت طالق للسنة أو قال
للبدعة وبيان استحالته أن تعليقه بالشرط يقتضي وقوعه بعده لأن الشرط يتقدم مشروطه ولذلك
لو أطلق لوقع بعده وتعقيبه بالفاء في قوله فأنت طالق يقتضي كونه عقيبه وكون الطلاق المعلق بعده
قبله محال فلا يصح الوصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال إذا طلقتك فأنت طالق ثلاثا
لا تلزمك ثم يبطل ما ذكروه بقوله إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد ما يفسخ نكاحها
من رضاع أو ردة أو وطئ أمها أو ابنتها بشبهة فإنه يرد عليه ما ذكروه ولا خلاف في انفساخ النكاح
قال القاضي ما ذكروه ذريعة إلى أن لا يقع عليها الطلاق جملة، وان قال أنت طالق ثلاثا قبيل وقوع
طلاقي بك واحدة أو قال أنت طالق اليوم ثلاثا ان طلقتك غدا واحدة فالكلام عليها من وجه آخر
وهو وارد على المسئلتين جميعا وذلك أن الطلقة الموقعة يقتضي وقوعها وقوع ما لا يتصور وقوعها معه
فيجب أن يقضي بوقوع الطلقة الموقعة دون ما تعلق بها لأن ما تعلق بها تابع ولا يجوز ابطال المتبوع
لامتناع حصول التبع فيبطل التابع وحده كما لو قال في مرضه إذا أعتقت سالما فغانم حر ولم يخرج من
333

ثلثه إلا أحدهما فإن سالما يعتق وحده ولا يقرع بينهما لأن ذلك ربما أدى إلى عتق المشروط دون
الشرط وذلك غير جائز ولا فرق بين أن يقول فغانم حر قبله أو معه أو بعده أو تطلق كذا ههنا
(فصل) اختلف أصحابنا في الحلف بالطلاق فقال القاضي في الجامع وأبو الخطاب هو تعليقه على شرط
أي شرط كان إلا قوله إذا شئت فأنت طالق ونحوه فإنه تمليك وإذا حضت فأنت طالق فإنه طلاق
بدعة، وإذا طهرت فأنت طالق فإنه طلاق سنة وهذا قول أبي حنيفة لأن ذلك يسمى حلفا عرفا
فيتعلق الحكم به كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ولان في الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة
غير مستقلة دون الجواب فأشبه قوله والله وبالله وتالله، وقال القاضي في المجرد هو تعليقه على شرط
يقصد به الحث على الفعل أو المنع منه كقوله ان دخلت الدار فأنت طالق، وان لم تدخلي فأنت طالق
أو على تصديق خبره مثل قوله أنت طالق لقد قدم زيد أو لم يقدم فأما التعلق على غير ذلك كقوله أنت
طالق ان طلعت الشمس أو قدم الحاج أو ان لم يقدم السلطان فهو شرط محض ليس بحلف لأن حقيقة
الحلف القسم وإنما سمي تعليق الطلاق على شرط حلفا تجوزا لمشاركته الحلف في المعنى المشهور وهو
الحث أو المنع أو تأكيد الخبر نحو قوله والله لأفعلن أو لا أفعل أو لقد فعلت أو لم أفعل وما لم يوجد
فيه هذا المعنى لا يصح تسميته حلفا وهذا مذهب الشافعي فإذا قال لزوجته إذا حلفت بطلاقك فأنت
طالق ثم قال إذا طلعت الشمس فأنت طالق لم تطلق في الحال على القول الثاني لأنه ليس بحلف،
334

وتطلق على الأول لأنه حلف، وان قال كلما كلمت أباك فأنت طالق طلقت على القولين جميعا لأنه
علق طلاقها على شرط يمكن فعله وتركه فكان حلفا كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق وان قال
إن حلف بطلاقك فأنت طالق ثم أعاد ذلك طلقت واحدة كلما أعاده مرة طلقت حتى تكمل
الثلاث لأن كل مرة يوجد بها شرط الطلاق وينعقد شرط طلقة أخرى، وبهذا قال الشافعي وأصحاب
الرأي، وقال أبو ثور ليس ذلك بحلف ولا يقع الطلاق بتكراره لأنه تكرار للكلام فيكون تأكيدا لا حلفا
ولنا انه تعليق للطلاق على شر يمكن فعله وتركه فكان حلفا كما لو قال إن دخلت الدار فأنت
طالق وقوله انه تكرار للكلام حجة عليه فإن تكرار الشئ عبارة عن وجوده مرة أخرى فإذا كان في
الأول حلفا فوجد مرة أخرى فقد وجد الحلف مرة أخرى وأما التأكيد فإنما يحمل عليه الكلام المكرر
إذا قصده وههنا ان قصد افهامها لم يقع بالثاني شئ كما لو قال أنت طالق أنت طالق يعني بالثانية إفهامها
فأما ان كرر ذلك لغير مدخول بها بانت بطلقة ولم يقع أكثر منها فإذا قال لها ذلك ثلاثا بانت بالمرة
الثانية ولم تطلق بالثالثة فإن جدد نكاحها ثم أعاد ذلك لها أو قال لها ان تكلمت فأنت طالق أو نحو
ذلك لم تطلق بذلك لأن شرط طلاقها إنما كان بعد بينونتها
(فصل) وان قال لامرأتيه كلما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم أعاد ذلك ثلاثا طلقت كل
واحدة منهما ثلاثا لما ذكرنا فإن كانت إحداهما غير مدخول بها بانت بالمرة الثانية فإذا أعاده مرة ثالثة
335

لم تطلق واحدة منهما لأن غير المدخول بها بائن فلم تكن إعادة هذا القول حلفا بطلاقها وهي غير زوجته
فلم يوجد الشرط فإن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما جميعا فإن جدد النكاح البائن ثم قال لها إن تكلمت
فأنت طالق فقد قيل يطلقان حينئذ لأنه صار بهذا حالفا بطلاقها وقد حلف بطلاق المدخول بها بإعادة
قوله في المرة الثالثة فطلقتا حينئذ ويقوى عندي أنه لا يقع الطلاق بهذه التي جدد نكاحها لأنها حين
أعادته المرة الثالثة بائن فلم تنعقد الصفة بالإضافة إليها كما لو قال لأجنبية ان حلفت بطلاقك فأنت طالق
ثم تزوجها وحلف بطلاقها ولكن تطلق المدخول بها حينئذ لأنه قد حلف بطلاقها في المرة الثالثة وحلف
بطلاق هذه حينئذ فكمل شرط طلاقها فطلقت وحدها
(فصل) فإن كانت له امرأتان حفصة وعمرة فقال إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق ثم أعاده لم
تطلق واحدة منهما لأن هذا حلف بطلاق عمرة وحدها فلم يوجد الحلف بطلاقهما وان قال بعد ذلك أن
حلف بطلاقكما فحفصة طالق طلقت عمرة لأنه حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقها على الحلف بطلاقهما
ولم تطلق حفصة لأنه ما حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقها عليه فإن قال بعد هذا ان حلفت بطلاقكما فعمرة
طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه لم يحلف بطلاقهما إنما حلف بطلاق عمرة وحدها فإن قال بعد هذا ان
حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت حفصة وعلى هذا القياس
(فصل) وان قال لإحداهما ان حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك
طلقت الثانية لأن اعادته للثانية هو حلف بطلاق الأولى وذلك شرط وقوع طلاق الثانية ثم إن أعاد
336

للأولى طلقت ثم كلما أعاده على هذا الوجه لامرأة طلقت حتى يكمل للثانية ثلاث ثم إذا أعاده للأولى
لم تطلق لأن الثانية قد بانت منه فلم يكن ذلك حلفا بطلاقها، ولو قال هذا القول لامرأة ثم أعاده لها
لم تطلق به واحدة منهما لأن ذلك ليس بحلف بطلاقها إنما هو حلف بطلاق ضرتها ولم
يعلق على ذلك طلاقا، وان قال للأولى ان حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال الأخرى مثل
ذلك طلقتك الأولى لأن قوله للثانية حلف بطلاقها وشرط لوقوع الطلاق بالأولى ثم إن أعاده الأولى
طلقت الثانية ثم كلما أعاده لامرأة منهما على هذا الوجه طلقت الأخرى، فإن كانت إحداهما غير
مدخول بها فطلقت مرة بانت ولم تطلق صاحبتها بإعادة ذلك لها لأنه ليس بحلف بطلاقها لكونها بائنا
فهي كسائر الأجنبيات، وان قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى
مثل ذلك لم تطلق واحدة منهما، ثم إن أعاد ذلك لإحداهما طلقت الأخرى ثم إن أعاده للأخرى
طلقت صاحبتها ثم كلما أعاده لامرأة طلقت الأخرى الا أن تكون إحداهما غير مدخول بها أو لم
يبق من طلاقها إلا دون الثلاث فإنها إذا بانت صارت كالأجنبية، ولو قال ذلك لامرأة ابتداء ثم
أعاده لها طلقت ضرتها بكل إعادة مرة حتى تكمل الثلاث، وان قال لامرأة إذا حلفت بطلاق
ضرتك فهي طالق ثم قال للأخرى إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق طلقت في الحال، ثم إن قال
للأولى مثل ما قال لها أو قال للثانية مثل ما قال لها طلقت الثانية وكذلك الثالثة ولا يقع بالأولى بهذا
طلاق لأن الحلف في الموضعين إنما هو بطلاق الثانية
337

ولو قال للأولى ان حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال للثانية ان حلفت بطلاق ضرتك فهي
طالق طلقت الأولى ثم متى أعاد أحد هذين الشرطين مرة أخرى طلقت الأولى مرة ثانية وكذلك
الثالثة ولا يقع بالثانية بهذا طلاق، ولو قال لإحداهما إذا حلفت بطلاقك فضرتك طالق ثم قال
للأخرى إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق لم تطلق واحدة منهما لأنه في الموضعين علق طلاق
الثانية على الحلف بطلاق الأولى ولم يحلف بطلاقها، ولو أعاد ذلك لهما لم يقع طلاق بواحدة منهما وسواء
تقدم القول للثانية على القول للأولى أو تأخر عنه
(فصل) وإن كان له ثلاث نسوة فقال إن حلفت بطلاق زينب فعمرة طالق ثم قال إن حلفت
بطلاق عمرة فحفصة طالق ثم قال إن حلفت بطلاق حفصة فزينب طالق طلقت عمرة، وان جعل
مكان زينب عمرة طلقت حفصة ثم متى أعاده بعد ذلك طلقت منهن واحدة على الوجه الذي ذكرناه
وان قال إن حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق ثم قال إن حلفت بطلاق عمرة فنسائي طوالق ثم قال إن
حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق طلقت كل واحدة منهن طلقتين لأنه لما قال إن حلفت
بطلاق عمرة فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق زينب بعد تعليقه طلاق نسائه على الحلف بطلاقها
فطلقت كل واحدة منهن طلقة، ولما قال إن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق فقد حلف بطلاق
عمرة وزينب فطلقت كل واحدة منهن طلقة بحلفه بطلاق عمرة ولم يقع بحلفه بطلاق زينب شئ
338

لأنه قد حنث به مرة فلا يحنث ثانية، ولو كان مكان قوله ان كلما طلقت كل واحدة منهن ثلاثا
لأن كلما تقتضي التكرار
ولو قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك مرة ثانية طلقن ثلاثا
ثلاثا لأنه بإعادته حالف بطلاق كل واحدة منهن وحلفه بطلاق كل واحدة شرط لطلاقهن جميعا،
وان قال إن حلفت بطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك طلقت كل واحدة منهن طلقة لأن
إن لا تقتضي التكرار وان قال بعد ذلك لإحداهن ان قمت فأنت طالق طلقت كل واحدة منهن طلقة
أخرى، ولو قال كلما حلفت بطلاقكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك طلقت كل واحدة طلقة، وان قال بعد ذلك
لإحداهن ان قمت فأنت طالق لم تطلق واحدة منهن وان قال ذلك للاثنتين الباقيتين طلق الجميع طلقة طلقة
(فصل) وإن قال لزوجته ان حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال إن حلفت بطلاقك فعبدي
حر طلقت ثم إن قال لعبده إن حلفت بعتقك فامرأتي طالق عتق العبد وان قال له إن حلفت بطلاق
امرأتي فأنت حر ثم قال لها إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق عتق العبد ولو قال لعبده ان حلفت بعتقك
فأنت حر ثم أعاد ذلك عتق العبد.
(فصل) وقد استعمل الطلاق والعتاق استعمال القسم جوابا له فإذا قال أنت طالق لأقومن وقام
لم تطلق زوجته فإن لم يقم في الوقت الذي عينه حنث، هذا قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن المسيب
339

والحسن وعطاء والزهري وسعيد بن جبير والشعبي والثوري وأصحاب الرأي وقال شريح يقع طلاقه
وان قام لأنه طلق طلاقا غير معلق بشرط فوقع كما لو لم يقم
ولنا أنه حلف بر فيه فلم يحنث كما لو حلف بالله تعالى وإن قال أنت طالق ان أخاك لعاقل وكان
أخوها عاقلا لم يحنث وان لم يكن عاقلا حنث كما لو قال والله إن أخاك لعاقل وان شك في عقله لم
يقع الطلاق لأن الأصل بقاء النكاح فلا يزول بالشك، وان قال أنت طالق لا أكلت هذا الرغيف
فأكله حنث والا فلا، وان قال أنت طالق ما أكلته وكان صادقا لم يحنث وإن كان كاذبا حنث كما لو
قال والله ما أكلته وان قال أنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقا لم تطلق وإن كان كاذبا طلقت
ولو قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق لأكرمنك طلقت في الحال، ولو قال إن
حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال عبدي حر لأقومن طلقت المرأة وان قال إن حلفت بطلاق
امرأتي فعبدي حر ثم قال أنت طالق لقد صمت أمس عتق العبد
(فصل) وان قال إن طلقت حفصة فعمرة طالق ثم قال إن طلقت عمرة فحفصة طالق ثم طلق حفصة
طلقتا معا حفصة بالمباشرة وعمرة بالصفة ولم تزد كل واحدة منهما على طلقة وان بدأ بطلاق عمرة
طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة لأنه إذا طلق حفصة طلقت عمرة بالصفة لكونه علق
طلاقها على طلاق حفصة ولم يعد على حفصة طلاق آخر لأنه ما أحدث في عمرة طلاقا إنما طلقت بالصفة
340

السابقة على تعليقه طلاقها، وان بدأ بطلاق عمرة طلقت حفصة لكون طلاقها معلقا على طلاق عمرة
ووقوع الطلاق بها تطليق منه لها لأنه أحدث فيها طلاقا بتعليقه طلاقها على تطليق عمرة بعد قوله ان
طلقت حفصة فعمرة طالق ومتى وجد التعليق والوقوع معا فهو تطليق، فإن وجدا معا بعد تعليق الطلاق
بطلاقها وقع الطلاق المعلق بطلاقها وطلاق عمرة ههنا معلق بطلاقها فوجب القول بوقوعه، ولو قال لعمرة
كما طلقت حفصة فأنت طالق ثم قال لحفصة كلما طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة أنت
طالق طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة، وان طلق حفصة ابتداء لم يقع بكل واحدة منهما
الا طلقة لأن هذه المسألة كالني قبلها سواء فإنه بدأ بتعليق طلاق عمرة على تطليق حفصة ثم ثنى بتعليق
طلاق حفصة على تطليق عمرة، ولو قال لعمرة ان طلقتك فحفصة طالق ثم قال لحفصة ان طلقتك فعمرة
طالق ثم طلق حفصة طلقت طلقتين وطلقت عمرة طلقة وان طلق عمرة طلقت كل واحدة منهما طلقة
لأنها عكس التي قبلها، ذكر هاتين المسئلتين القاضي في المجرد، ولو قال لاحدى زوجتيه كلما طلقت
ضرتك فأنت طالق ثم قال للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت طلقتين وطلقت الثانية طلقة،
وان طلق الثانية طلقت (1) طلقتين وطلقت الأولى طلقة، وان قال كلما طلقتك فضرتك طالق، ثم قال
للأخرى مثل ذلك ثم طلق الأولى طلقت كل واحدة منهما طلقة طلقة وان طلق الثانية طلقت طلقتين
وطلقت الأولى طلقة وتعليل ذلك على ما ذكرنا في المسألة الأولى

(1) في نسخة طلقت كل واحدة منهما طلقة
341

(فصل) وإن كان ثلاث نسوة، فقال إن طلقت زينب فعمرة طالق وان طلقت عمرة فحفصة
طالق وان طلقت حفصة فزينب طالق ثم طلق زينب طلقت عمرة ولم تطلق حفصة لأنه ما أحدث
في عمرة طلاقا بعد تعليق طلاق حفصة بتطليقها وإنما طلقت بالصفة السابقة على ذلك فيكون وقوعا
للطلاق وليس بتطليق وان طلق عمرة طلقت حفصة ولم تطلق زينب لذلك وان طلق حفصة طلقت
زينب ثم طلقت عمرة فيقع الطلاق بالثلاث لأنه أحدث في زينب طلاقا بعد تعليقه طلاق عمرة بطلاقها
فإنه علق طلاقها بعد ذلك على تطليق حفصة ثم طلق حفصة والتعليق مع تحقق شرطه تطليق وقد وجد
التعليق وشرطه معا بعد تعليقه طلاق عمرة بتطليقها فكان وقوع الطلاق بزينب تطليقا فطلقت به
عمرة بخلاف غيرها، وان قال لزينب ان طلقت عمرة فأنت طالق ثم قال لعمرة ان طلقت حفصة فأنت
طالق ثم قال لحفصة ان طلقت زينب فأنت طالق، ثم طلق زينب طلقت الثلاث زينب بالمباشرة وحفصة
بالصفة ووقوع الطلاق بحفصة تطليق لها وتطليقها شرط طلاق عمرة فتطلق به أيضا، والدليل على أنه
تطليق لحفصة أنه أحدث فيها طلاقا بتعليقه طلاقها على تطليق زينب بعد تعليق طلاق عمرة بتطليقها.
وتحقق شرطه والتعليق مع شرطه تطليق وقد وجدا معا بعد جعل تطليقها صفة لطلاق عمرة، وان طلق
عمرة طلقت هي وزينب ولم تطلق حفصة وان طلق حفصة طلقت هي وعمرة ولم تطلق زينب لما ذكرنا
في المسألة التي قبلها، وان قال لزينب ان طلقتك فضرتاك طالقتان ثم قال لعمرة مثل ذلك ثم قال لحفصة
342

مثل ذلك ثم طلق زينب طلقت كل واحدة منهن طلقة واحدة لأنه لم يحدث في غير زينب طلاقا إنما
طلقتا بالصفة السابقة على تعليق الطلاق بتطليقهما وان طلق عمرة طلقت زينب طلقة وطلقت عمرة
وحفصة كل واحدة منهما طلقتين لأن عمرة طلقت واحدة بالمباشرة وطلقت زينب وحفصة بطلاقها واحدة
واحدة وطلاق زينب تطليق لها لأنه وقع بها بصفة أحدثها بعد تعليق طلاقهما بتطليقها فعاد على عمرة
وحفصة بذلك طلقتان ولم يعد على زينب بطلاقهما طلاق لما تقدم، وان طلق حفصة طلقت ثلاثا لأنها
طلقت واحدة بالمباشرة فطلقت بها ضرتاها ووقوع الطلاق بكل واحدة منهما تطليق لأنه بصفة
أحدثها فيهما بعد تعليق طلاقها بطلاقهما فعاد عليها من طلاق كل واحدة منهما طلقة فكمل لها ثلاث
وطلقت عمرة طلقتين واحدة بتطليق حفصة وأخرى بوقوع الطلاق على زينب لأنه تطليق لزينب لما
ذكرناه، وطلقت زينب واحدة لأن طلاق ضرتيها بالصفة ليس بتطليق في حقها، وان قال لكل واحدة
منهن كلما طلقت إحدى ضرتيك فأنت طالق ثم طلق الأولى طلقت ثلاثا وطلقت الثانية طالقتين والثالثة
طلقة واحدة لأن تطليقه للأولى شرط لطلاق ضرتيها ووقوع الطلاق بهما تطليق بالنسبة إليهما لكونه
واقعا بصفة أحدثها بعد تعليق طلاقها بطلاقهما فعاد عليها من تطليق كل واحدة منهما طلقة فكمل لها
الثلاث وعاد على الثانية من طلاق الثالثة طلقة ثانية لذلك ولم يعد على الثالثة من طلاقهما لواقع بالصفة
شئ لأنه ليس بتطليق في حقها، وان طلق الثانية طلقت أيضا طلقتين وطلقت الأولى ثلاثا والثالثة طلقة
وان طلق الثالثة طلقت الأولى طلقتين وطلقت كل واحدة من الباقيتين طلقة طلقة
343

(فصل) ولو قال لامرأته ان طلقتك فعبدي حر ثم قال لعبده ان قمت فامرأتي طالق فقام طلقت
المرأة وعتق العبد، ولو قال لعبده ان قمت فامرأتي طالق ثم قال لامرأته ان طلقتك فعبدي حر فقام
العبد طلقت المرأة ولم يعتق العبد لأن وقوع الطلاق بالصفة إنما يكون تطليقا مع وجود الصفة ففي الصورة
الأولى وجدت الصفة والوقوع بعد قوله إن طلقتك فعبدي حر، وفي الصورة الأخرى لم يوجد بعد
ذلك إلا الوقوع وحده فكانت الصفة سابقة فلذلك لم يعتق العبد، ولو قال لعبده ان أعتقتك فامرأتي
طالق ثم قال لامرأته ان حلف بطلاقك فعبدي حر ثم قال لعبده ان لم أضربك فامرأتي طالق
عتق العبد وطلقت المرأة
(فصل) ومتى علق الطلاق على صفات فاجتمعن في شئ واحد وقع بكل صفة ما علق عليها كما
لو وجدت مفترقة وكذلك العتاق فلو قال لامرأته ان كلمت رجلا فأنت طالق وان كلمت طويلا
فأنت طالق وان كلمت أسود فأنت طالق فكلمت رجلا أسود طويلا طلقت ثلاثا، وان قال إن
ولدت بنتا فأنت طالق، وان ولدت سوداء فأنت طالق وان ولدت ولدا فأنت طالق فولدت بنتا
سوداء طلقت ثلاثا، وان قال إن أكلت رمانة فأنت طالق، وان أكلت نصف رمانة فأنت طالق
فأكلت رمانة طلقت اثنتين، وان قال كلما أكلت رمانة فأنت طالق وكلما أكلت نصف رمانة
فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثا لأن كلما تقتضي التكرار وفي الرمانة نصفان فتطلق
344

بأكلهما طلقتين وبأكل الرمانة طلقة فإن نوى بقوله نصف رمانة نصفا مفردا عن الرمانة المشروطة
أو كانت مع الكلام قرينة تقتضي ذلك لم يحنث حتى تأكل ما نوى تعليق الطلاق به لأن
مبني الايمان على النية
(فصل) فإن قال إن دخل الدار رجل فعبد من عبيدي حر وان دخلها طويل فعبدان حران، وإن دخلها أسود فثلاثة اعبد أحرار وان دخلها فقيه فأربعة أعبد أحرار فدخلها فقيه طويل أسود عتق من
عبيده عشرة، وإن كان له أربع نسوة فقال إن طلقت امرأة منكن فعبد من عبيدي حر، وان طلقت
اثنتين فعبدان حران، وان طلقت ثلاثة فثلاثة أحرار، وان طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلق الأربع
مجتمعات أو متفرقات عتق من عبيده عشرة بالواحدة واحد والاثنتين اثنان وبالثلاث ثلاثة وبالأربع
أربعة لاجتماع هذه الصفات الأربع فيهن ولو علق ذلك بلفظة كلما فقد قيل يعتق عشرة أيضا والصحيح
أنه يعتق خمسة عشر عبدا لأن فيهن أربعة صفات هن أربع فيعتق أربعة وهن أربعة آحاد فيعتق
بذلك أربعة وفيهن ثلاث فيعتق بهن ثلاثة وان شئت قلت يعتق بالواحدة واحد وبالثانية
ثلاثة لأن فيها صفتين هي واحدة وهي مع الأولى اثنتان ويعتق بالثالثة أربعة لأنها واحدة
وهي مع الأولى والثانية ثلاث، ويعتق بالرابعة سبعة لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة وهي مع الثالثة
اثنتان وهي مع الثلاث التي قبلها أربع وهذا أولى من الأول لأن قائله لا يعتبر صفة طلاق الواحدة
345

في غير الأولى ولا صفة التثنية في الثالثة والرابعة ولفظ كلما يقتضي التكرار فيجب تكرار الطلاق
بتكرار الصفات، وقيل يعتق سبعة عشر لأن صفة التثنية قد وجدت ثلاث مرات فإنها توجد بضم
الثانية إلى الثالثة، وقيل يعتق عشرون وهو قول أبي حنيفة لأن صفة الثلاث وجدت مرة ثانية بضم
الثانية والثالثة إلى الرابعة وكلا القولين غير سديد لأنهم عدوا الثانية مع الأولى في صفة التثنية مرة
ثم عدوها مع الثالثة مرة أخرى وعدو الثانية والثالثة في صفة التثليث مرتين مرة مع الأولى ومرة مع
الرابعة وما عد في صفة مرة لا يجور عده في تلك الصفة مرة أخرى ولذلك لو قال كلما أكلت نصف رمانة
فأنت طالق فأكلت رمانة لم تطلق الا اثنتين لأن الرمانة نصفان ولا يقال إنها تطلق ثالثة لأن بأن يضم
الربع الثاني إلى الربع الثالث فيصيران نصفا ثالثا وكذلك في مسئلتنا لم تضم الأولى إلى الرابعة
فيصيران اثنتين، وعلى سياق هذا القول ينبغي أن يعتق اثنان وثلاثون واحد بطلاق واحدة وثلاثة
بطلاق الثانية وثمانية بطلاق الثالثة لأنها واحدة مع ما قبلها ثلاثة وهي مع ضمها إلى الأولى اثنتان
ومع ضمها إلى الثانية اثنتان ففيها صفة التثنية مرتان ويعتق بطلاق الرابعة عشرون لأن فيها ثماني
صفات هي واحدة وهي مع ما قبلها أربع وفيها صفة التثليث ثلاث مرات هي مع الأولى والثانية ثلاث
ومع الثانية والثالثة ثلاث ومع الأولى والثالثة ثلاث فيعتق بذلك تسعة وفيها صفة التثنية ثلاث مرات
هي مع الأولى اثنتان وهي مع الثانية اثنتان وهي مع الثالثة اثنتان فيعتق بذلك ستة ويصير الجميع اثنين
وثلاثين وما نعلم بهذا قائلا وهذا مع الطلاق
346

فأما ان نوى بلفظه غير ما يقتضيه الاطلاق مثل أن ينوي بقوله اثنتين غير الواحدة فيمينه على
ما نواه، ومتى لم يعين العبيد المعتقين أخرجوا بالقرعة، ولو قال كلما أعتقت عبدا من عبيدي فامرأة
من نسائي طالق وكلما أعتقت اثنتين فامرأتان طلقتان ثم أعتق اثنين طلق الأربع على القول الصحيح
وعلى القول الأول يطلق ثلاث ويخرجن بالقرعة، ولو قال كلما أعتقت عبدا من عبيدي فجارية من
جواري حرة وكلما أعتقت اثنين فجاريتان حرتان وكلما أعتقت ثلاثة فثلاث أحرار وكلما أعتقت
أربعة فأربع أحرارا ثم أعتق أربعة عتق من جواريه بعدد ما طلق من النساء على ما ذكرنا، وان أعتق
خمسا فعلى القول الأول يعتق من جواريه ههنا خمس عشرة وعلى القول الثاني يعتق إحدى وعشرون
لأن عتق الخامس عتق به ست لكونه واحدا وهو مع ما قبله خمسة ولم يمكن عده في سائر الصفات لأن
ما قبله قد عد في ذلك مرة فلا يعد ثانية
(مسألة) قال (وإذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا ولم يطلقها حتى مات
أو ماتت وقع الطلاق بها في آخر أوقات الامكان
وجملة ذلك أن حرف ان موضوع للشرط لا يقتضي زمنا ولا يدل عليه إلا من حيث إن الفعل
المعلق به من ضرورته الزمان وما حصل ضرورة لا يتقيد بزمن معين ولا يقتضي تعجيلا فما علق عليه
347

كان على التراخي سواء في ذلك الاثبات والنفي فعلى هذا إذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو
وقتا ولم يطلقها كان ذلك على التراخي ولم يحنث بتأخيره لأن كل وقت يمكن أن يفعل ما حلف عليه
فلم يفت الوقت فإذا مات أحدهما علمنا حنثه حينئذ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما
فتبين انه وقع إذا لم يبق من حياته ما يتسع لتطليقها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه بين أهل
العلم خلافا، ولو قال إن لم أطلق عمرة فحفصة طالق فأي الثلاثة مات أولا وقع الطلاق قبل موته
لأن تطليقه لحفصة على وجه تنحل به يمينه إنما يكون في حياتهم جميعا وكذلك لو قال إن لم أعتق
عبدي أو ان لم أضربه فامرأتي طالق وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم موتا فأما ان عين وقتا
بلفظه أو بنيته تعين وتعلقت يمينه به
قال أحمد رحمه الله إذا قال إن لم أضرب فلانا فأنت طالق ثلاثا فهو على ما أراد من ذلك وذلك لأن
الزمان المحلوف على ترك الفعل فيه تعين بنيته وإرادته فصار كالمصرح به في لفظه فإن مبني الايمان على
النية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما لامرئ ما نوى)
(فصل) ولا يمنع من وطئ زوجته قبل فعل ما حلف عليه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال
سعيد بن المسيب والحسن والشعبي ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأبو عبيد لا يطأ حتى يفعل لأن الأصل
عدم الفعل ووقوع الطلاق، وروى الأثرم عن أحمد مثل ذلك، وقال الأنصاري وربيعة ومالك يضرب
له أجل المولي كما لو حلف أن لا يطأها
348

ولنا أنه نكاح صحيح لم يقع فيه طلاق ولا غيره من أسباب التحريم فحل له الوطئ فيه كما لو قال
إن طلقتك فأنت طالق وقولهم الأصل عدم الفعل ووقوع الطلاق قلنا هذا الأصل لم يقتض وقوع الطلاق
فلم يقتض حكمه ولو وقع الطلاق بعد وطئه لم يضر كما لو طلقها ناجزا وعلى أن الطلاق ههنا إنما يقع في زمن
لا يمكن الوطئ بعده بخلاف قوله إن وطئتك فأنت طالق
(فصل) إذا كان المعلق طلاقا بائنا فماتت لم يرثها لأن طلاقه أبانها منه فلم يرثها كما لو طلقها ناجزا
عند موتها، وإن مات ورثته نص على أحمد في رواية أبي طالب إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن
لم أتزوج عليك ومات ولم يتزوج عليها ورثته، وان ماتت لم يرثها وذلك لأنها تطلق في آخر حياته
فأشبه طلاقه لها في تلك الحال ونحو هذا قال عطاء ويحيى الأنصاري ويتخرج لنا أنها لا ترثه أيضا
وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي وأبي عبيد لأنه إنما طلقها في صحته وإنما تحقق شرط
وقوعه في المرض فلم ترثه كما لو علفه على فعلها ففعلته في مرضه
وقال أبو حنيفة إن حلف إن لم تأت البصرة فأنت طالق فلم تفعل فإنما لا يتوارثان، وإن قال
إن لم آت البصرة فأنت طالق فمات ورثته، وإن ماتت لم يرثها لأنه في الأولى علق الطلاق على فعلها
فإذا امتنعت منه فقد حققت شرط الطلاق فلم ترثه كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها،
وإذا علقه على فعل نفسه فامتنع كان الطلاق منه فأشبه ما لو نجزه في الحال ووجه الأول أنه طلاق في
349

مرض موته فمنعه ميراثه ولم يمنعها كما لو طلقها ابتداء ولان الزوج أخر الطلاق اختيارا منه حتى وقع
ما علق عليه في مرضه فصار كالمباشرة له، فأما ما ذكر عن أبي حنيفة فحسن إذا كان الفعل مما لا مشقة
عليها فيه لأن تركها له كفعلها لما حلف عليها لتتركه، وإن كان مما فيه مشقة فلا ينبغي أن يسقط ميراثها
بتركه كما لو حلف عليها لترك ما لابد لها من فعله ففعلته
(فصل) إذا حلف ليفعلن شيئا ولم يعين له وقتا بلفظه ولا بنيته فهو على التراخي أيضا فإن
لفظه مطلق بالنسبة إلى الزمان كله فلا يتقيد بدون تقييده ولذلك لما قال الله تعالى في الساعة (قل بلى
وربي لتأتينكم) وقال (قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم) ولما قال (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله
آمنين) كان ذلك على التراخي فإن الآية أنزلت في نوبة الحديبية في سنة ست وتأخر الفتح إلى سنة ثمان
ولذلك روي عن عمر أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أوليس كنت تحدثنا انا سنأتي البيت ونطوف به؟
قال بلى (فأخبرتك أنك آتيه العام؟) قلت لا قال (فإنك آتيه ومطوف به) وهذا مما لا خلاف فيه نعلمه
(فصل) إذا قال لامرأته أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم ولم يطلقها طلقت إذا بقي من
اليوم مالا يتسع لتطليقها فيه على مقتضى هذه المسألة وهذا اختيار أبي الخطاب وقول أصحاب الشافعي
وحكى القاضي فيها وجهين هذا ووجها آخر أن الطلاق لا يقع، وحكي ذلك عن أبي بكر وابن
شريح لأن محل الطلاق اليوم ولا يوجد شرط طلاقها إلا بخروجه فلا يبقى من محل طلاقها
ما يقع الطلاق فيه.
350

ولنا أن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الامكان كموت أحدهما
في اليوم وذلك لأن معنى يمينه ان فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه فإذا بقي من اليوم مالا يتسع
لتطليقها فقد فاته طلاقها فيه فوقع حينئذ كما يقع طلاقه في مسئلتنا في آخر حياة أولهما موتا وما ذكروه
باطل بما لو مات أحدهما في اليوم فإن محل طلاقها يفوت بموته ومع ذلك فإن الطلاق يقع قبيل موته كذا
ههنا، ولو قال لها أنت طالق اليوم إن لم أتزوج عليك اليوم أو ان لم اشتر لك اليوم ثوبا ففيه الوجهان
والصحيح منهما وقوع الطلاق بها إذا بقي من اليوم ما لا يتسع لفعل المحلوف عليه فيه، وإن قال لها
أنت طالق إن لم أطلقك اليوم طلقت بغير خلاف وفي محل وقوعه وجهان:
(أحدهما) في آخر اليوم (والثاني) بعد خروجه، وإن قال أنت طالق اليوم ان لم أطلقك فهو كقوله
أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم لأنه جعل عدم طلاقها شرطا لطلاقها اليوم والشرط يتقدم المشروط
(فصل) وان قال لعبده ان لم أبعك اليوم فامرأتي طالق اليوم ولم يبعه حتى خرج اليوم ففيه
الوجهان، وان أعتق العبد أو مات أو مات الحالف أو المرأة في اليوم طلقت زوجته حينئذ لأنه قد فات
بيعه وإن دبره أو كاتبه لم تطلق امرأته لأن بيعه جائز ومن منع بيعهما قال يقع الطلاق بذلك كما لو مات
وان وهب العبد لانسان لم يقع الطلاق لأنه يمكن عوده إليه فيبيعه فلم يفت بيعه، ولو قال إن لم أبع
عبدي فامرأتي طالق ولم يقيده باليوم فكاتب العبد لم يقع الطلاق لأنه يمكن عجزه فلم يعلم فوات البيع
فإن عتق بالكناية أو غيرها وقع الطلاق حينئذ لأنه فات بيعه
351

(مسألة) قال (وان قال كلما لم أطلقك فأنت طالق وقع بها الثلاث في الحال إذا
كان مدخولا بها)
إنما كان كذلك لأن كلما تقتضي التكرار قال الله تعالى (كلما جاء أمة رسولها كذبوه) وقال
(كلما دخلت أمة لعنت أختها) فيقتضي تكرار الطلاق تكرار الصفة والصفة عدم تطليقه لها فإذا مضى
بعد يمينه زمن يمكن أن يطلقها فيه فلم يطلقها فقد وجدت الصفة فيقع طلقة وتتبعها الثانية والثالثة إن كانت
مدخولا بها، وان لم تكن مدخولا بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها لأن البائن لا يلحقها طلاق فاما
إذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق أو متي لم أطلقك أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق فإنها تطلق
واحدة ولا يتكرر الا على قول أبي بكر في متى فإنه يراها للتكرار فيتكرر الطلاق بها مثل كلما الا أن
متى وأي وقت يقتضيان الطلاق على الفور فمتى مضى زمن يمكن أن يطلقها فيه ولم يطلقها طلقت في الحال وأما إذا
ففيها وجهان (أحدهما) هي علي الفور لأنها اسم وقت فهي كمتى (والثاني) انها على التراخي لأنها كثر استعمالها في
الشرط فهي كان فعلى هذا إذا قال إذا لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا لم تطلق الا في آخر جزء من حياة
أحدهما، وان قال متى لم أحلف بطلاقك فأنت طالق أو أي وقت لم أحلف بطلاقكما فأنت طالق وكروه
ثلاثا متواليات طلقت مرة واحدة لأنه لم يحنث في المرة الأولى ولا الثانية لكونه حلف عقيبهما وحنث
352

في الثالثة وان سكت بين كل يمينين سكوتا يمكنه الحلف فيه طلقت ثلاثا وان قال ذلك بلفظة إذا وقلنا هي
على الفور فهي كمتى والا لم تطلق إلا واحدة في آخر حياة أحدهما
(فصل) والحروف المستعملة للشرط وتعليق الطلاق بها ستة: إن وإذا ومتى ومن أي وكلما. فمتى
علق الطلاق بايجاد فعل بواحد منها كان على التراخي مثل قوله إن خرجت وإذا خرجت ومتى
خرجت وأي حين وأي زمان وأي وقت خرجت وكلما خرجت، ومن خرجت منكن وأيتكن
خرجت فهي طالق فمنى وجد الخروج طلقت، وان مات أحدهما سقطت اليمين. فاما ان علق
الطلاق بالنفي بواحد من هذه الحروف كانت ان على التراخي، ومتى وأي ومن وكلما على
الفور لأن قوله متى دخلت فأنت طالق يقتضي أي زمان دخلت فأنت طالق وذلك شائع
في الزمان كله فأي زمن دخلت وجدت الصفة، وإذا قال متى لم تدخلي فأنت طالق فإذا مضى عقيب
اليمين زمن لم يدخل فيه وجدت الصفة فإنها اسم لوقت الفعل فيقدر به ولهذا يصح السؤال به فيقال
متى دخلت أي أي وقت دخلت، وأما ان فلا تقتضي وقتا فقوله ان لم تدخلي لا يقتضي وقتا إلا ضرورة
أن الفعل لا يقع إلا في وقت فهي مطلقة في الزمان كله وأما إذا ففيها وجهان [أحدهما] هي على
التراخي وهو قول أبي حنيفة ونصره القاضي لأنها تستعمل شرطا بمعنى ان قال الشاعر:
استغن ما أغناك ربك بالمغني * وإذا تصبك خصاصة فتجمل
353

فجزم بها كما يجزم بان ولأنها تستعمل بمعنى متى وان، وإذا احتملت الامرين فاليقين بقاء النكاح
فلا يزول بالاحتمال، والوجه الآخر أنها على الفور وهو قول أبي يوسف ومحمد وهو المنصوص عن
الشافعي لأنها اسم لزمن مستقبل فتكون كمتى، وأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضوعها فإن متى يجازى
بها ألا ترى إلى قول الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد
ومن يجازى بها أيضا، وكذلك أي وسائر الحروف وليس في هذه الحروف ما يقتضي التكرار
إلا كلما، وذكر أبو بكر في متى انها تقتضي التكرار أيضا لأنها تستعمل للتكرار بدليل قوله
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد
أي في كل وقت ولأنها تستعمل في الشرط والجزاء ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه والصحيح
أنها لا تقتضيه لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت وبمعنى إذا فلا تقتضي ما لا يقتضيانه وكونها تستعمل
للتكرار في بعض أحيانها لا يمنع استعمالها في غيره مثل إذا وأي وقت فإنهما يستعملان في الامرين قال
الله تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم * وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل
سلام عليكم * وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها) وقال الشاعر:
قال إذا الشر أبدى ناجذيه لهم * ساروا إليه زرافات ووحدانا
354

وكذلك أي وقت وأي زمان فإنهما يستعملان للتكرار وسائر الحروف يجازى بها الا أنها لما كانت
تستعمل للتكرار وغيره لا تحمل على التكرار الا بدليل كذلك متى
(فصل) وهذه الحروف إذا تقدم جزاؤها عليها لم تحتج إلى حرف في الجزاء كقوله أنت طالق إن دخلت
الدار وإن تأخر جزاؤها احتاجت في الجزاء إلى حرف الفاء إذا كان جملة من مبتدأ وخبر كقوله إن
دخلت الدار فأنت طالق وإنما اختصت بالفاء لأنها للتعقيب فتربط بين الجزاء وشرطه وتدل على تعقيبه
به فإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق لم تطلق حتى تدخل، وبه قال بعض الشافعية وقال محمد بن
الحسن تطلق في الحال لأنه لم يعلقه بدخول الدار لأنه إنما يتعلق بالفاء وهذه لا فاء فيها فيكون كلاما
مستأنفا غير معلق بشرط فيثبت حكمه في الحال
ولنا أنه أتى بحرف الشرط فيدل ذلك على أنه أراد التعليق به وإنما حذف الفاء وهي مرادة كما
يحذف المبتدأ تارة ويحذف الخبر أخرى لدلالة باقي الكلام على المحذوف، ويجوز أن يكون حذف الفاء
على التقديم والتأخير فكأنه أراد أنت طالق إن دخلت الدار فقدم الشرط ومراده التأخير ومهما أمكن
حمل كلام العاقل على فائدة وتصحيحه عن الفساد وجب وفيما ذكرنا تصحيحه وفيما ذكروه الغاؤه، وإن
قال أردت الايقاع في الحال وقع لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ، وإن قال أنت طالق وإن دخلت
الدار وقع الطلاق في الحال لأن معناه أنت طالق في كل حال ولا يمنع من ذلك دخولك الدار كقول
355

النبي صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وان زنى وان سرق) وقال (صلهم وإن قطعوك وأعطهم
وإن حرموك) وإن قال أردت الشرط دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين، فإذا قال إن
دخلت الدار فأنت طالق وإن دخلت الأخرى فمتى دخلت الأولى طلقت سواء دخلت الأخرى أو
لم تدخل ولا تطلق بدخول الأخرى
وقال ابن الصباغ تطلق بدخول كل واحدة منهما وقد ذكرنا أن مقتضى اللغة ما قلناه، وإن قال
أردت جعل الثاني شرطا لطلاقها أيضا طلقت بكل واحد منهما لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ، وان
قال أردت أن دخول الثانية شرط لطلاق الثانية فهو على ما أراده، وان قال أنت طالق ان دخلت
الدار وان دخلت الأخرى طلقت بدخول إحداهما لأنه عطف شرطا على شرط، فإن قال أردت أن دخول
الثانية يمنع وقوع الطلاق قبل منه لأنه محتمل وطلقت بدخول الأولى وحدها، وان قال إن دخلت
الدار وان دخلت هذه الأخرى فأنت طالق فقد قيل لا تطلق إلا بدخولهما لأنه جعل طلاقها جزاء
لهذين الشرطين ويحتمل أن تطلق بأحدهما أيهما كان لأنه ذكر شرطين بحرفين فيقتضي كل واحد
منهما جزاء فترك ذكر جزاء الأول وكان الجزاء الآخر دالا عليه كما لو قال ضربت وضربني زيد
قال الفرزدق
ولكن نصفا لو سببت وسبني * بنو عبد شمس من قريش وهاشم
356

والتقدير سبني هؤلاء وسببتهم، وقال الله تعالى (عن اليمين وعن الشمال قعيد) أي عن اليمين
قعيد وعن الشمال قعيد، وان قال إن دخلت الدار وأنت طالق طلقت لأن الواو ليست للجزاء وقد
تكون للابتداء فإن قال أردت بها الجزاء أو قال أردت أن أجعل دخولها في حال كونها طالقا شرطا
لشئ ثم أمسكت دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين، وان جعل لهذا جزاء فقال إن دخلت
الدار وأنت طالق فعبدي حر صح ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار وهي طالق لأن الواو ههنا للحال
كقول الله تعالى (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم - وقوله - فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) ولو قال أنت طالق
ان دخلت الدار طالقا فدخلت وهي طالق طلقت أخرى، وان دخلتها غير طالق لم تطلق لأن
هذا حال فجرى مجرى قوله أنت طالق ان دخلت الدار راكبة، وان قال أنت طالق لو قمت كان
ذلك شرطا بمنزلة قوله ان قمت وهذا يحكى عن أبي يوسف، ولأنها لو لم تكن للشرط كانت لغوا والأصل
اعتبار كلام المكلف، وقيل يقع الطلاق في الحال وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنها بعد الاثبات
تستعمل لغير المنع كقوله تعالى (وانه لقسم لو تعلمون عظيم - ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) وان
قال أردت أن أجعل لها جوابا دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين
(فصل) فإن قال إن أكلت ولبست فأنت طالق لم تطلق إلا بوجودهما جميعا سواء تقدم
الاكل أو تأخر لأن الواو للعطف ولا تقتضي ترتيبا، وان قال إن أكلت أو ليست فأنت طالق
طلقت بوجود أحدهما لأن أو لاحد الشيئين وكذلك أن قال إن أكلت أو إن لبست أو لا أكلت
ولا لبست وان قال أنت طالق لا أكلت ولبست لم تطلق إلا بفعلهما إلا على الرواية التي تقول يحنث
بفعل بعض المحلوف عليه فإنه يحنث بأحدهما ههنا، وان قال أنت طالق ان أكلت فلبست أو ان
357

أكلت ثم لبست لم تطلق حتى تأكل ثم تلبس لأن الفاء وثم للترتيب، وان قال أنت طالق ان أكلت
إذا لبست أو ان أكلت متى لبست أو ان أكلت ان لبست لم تطلق حتى تلبس ثم تأكل لأن اللفظ
اقتضى تعليق الطلاق بالاكل بعد اللبس ويسميه النحويون اعتراض الشرط على الشرط فيقتضي تقديم
المتأخر وتأخير المتقدم لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطا الذي قبله، والشرط يتقدم المشروط قال الله
تعالى (ولا ينفعكم نصحي ان أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) فلو قال لامرأته ان
أعطيتك ان وعدتك ان سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى تسأله ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية
الوعد وفي الوعد السؤال فكأنه قال إن سألتني فوعدتك فأعطينك فأنت طالق وبهذا قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال القاضي إذا كان الشرط باذا كقولنا وفيما إذا كان بان مثل قوله ان شربت ان أكلت
انها تطلق بوجودهما كيفما وجدا لأن أهل العرف لا يعرفون ما يقوله أهل العربية في هذا فتعلقت اليمين
بما يعرفه أهل العرف بخلاف ما إذا كان الشرط بإذا، والصحيح الأول وليس لأهل العرف في هذا عرف
فإن هذا الكلام غير متداول بينهم ولا ينطقون به إلا نادرا فيجب الرجوع فيه إلى مقتضاه عند أهل
الشأن (1) كسائر مسائل هذا الفصل
(فصل) فإن قال أنت طالق أن قمت بفتح الهمزة فقال أبو بكر تطلق في الحال لأن أن المفتوحة

(1) في نسخة
عند أهل اللسان
358

ليست للشرط وإنما هي للتعليل فمعناه أنت طالق لأنك قمت أو لقيامك كقول الله تعالى (يمنون
عليك أن أسلموا - وتخر الجبال هذا أن دعوا للرحمن ولدا - وتخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا
بالله ربكم) وقال القاضي: قياس قول أحمد انه إن كان نحويا وقع طلاقه وان لم يكن نحويا فهي للشرط
لأن العامي لا يريد بذلك الا الشرط ولا يعرف ان مقتضاها التعليل فلا يريده فلا يثبت له حكم ما
لا يعرفه ولا يريده كما لو نطق بكلمة الطلاق بلسان لا يعرفه. وحكي عن ابن حامد أنه قال في النحوي
أيضا لا يقع طلاقه بذلك الا أن ينويه لأن الطلاق يحمل على العرف في حقهما جميعا
واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه (أحدها) يقع طلاقه في الحال (والثاني) يكون شرطا
في حق العامي وتعليلا في حق النحوي (والثالث) يقع الطلاق الا أن لا يكون من أهل الاعراب فيقول
أردت الشرط فيقبل لأنه لا يجوز صرف الكلام عما يقتضيه إلا بقصده
وان قال أنت طالق إذا دخلت الدار طلقت في الحال لأن إذا للماضي، ويحتمل أن لا يقع لأن
الطلاق لا يقع في زمن ماض فأشبه قوله أنت طالق أمس
(فصل) وإذا علق الطلاق بشرطين لم يقع قبل وجودهما جميعا في قول عامة أهل العلم. وخرج
القاضي وجها في وقوعه بوجود أحدهما بناء على أحدى الروايتين فيمن حلف أن لا يفعل شيئا ففعل
359

بعضه وهذا بعيد جدا يخالف الأصول، ومقتضى اللغة والعرف وعامة أهل العلم فإنه لا خلاف بينهم
في المسائل التي ذكرناها في الشرطين جميعا، وإذا اتفق العلماء على أنه لا يقع طلاقه لاخلاله بالترتيب
في الشرطين المرتبين في مثل قوله إن أكلت ثم لبست فلاخلاله بالشرط كله أولى. ثم يلزم على هذا
ما لو قال إن أعطيتني درهمين فأنت طالق وإذا مضى شهران فأنت طالق فإنه لا خلاف في أنها لا تطلق
قبل وجودهما جميعا وكان قوله يقتضي أن يقع الطلاق باعطائه بعض درهم ومضي بعض يوم، وأصول
الشرع تشهد بأن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما
وقد نص أحمد على أنه إذا قال إن حضت حيضة فأنت طالق وإذا قال إذا صمت يوما فأنت
طالق انها لا تطلق حتى تحيض حيضة كاملة وإذا غابت الشمس من اليوم الذي تصوم فيه طلقت،
وأما اليمين فإنه متى كان في لفظه أو نيته ما يقتضي جميع المحلوف عليه لم يحنث الا بفعل جميعه، وفي
مسئلتنا ما يقتضي تعليق الطلاق بالشرطين معا لتصريحه بهما وجعلهما شرطا للطلاق والحكم لا يثبت
بدون شرطه على أن اليمين مقتضاها المنع مما حلف عليه فيقتضي المنع من فعل جميعه لنهي الشارع
عن شئ يقتضي المنع من كل جزء منه كما يقتضي المنع من جملته، وما علق على شرط جعل جزاءا
وحكما له والجزاء لا يوجد بدون شرطه، والحكم لا يتحقق قبل تمام شرطه لغة وعرفا وشرعا.
360

* (فصول في تعليق الطلاق) *
إذا قال لامرأته ان حضت فأنت طالق فقالت قد حضت فصدقها طلقت وان كذبها ففيه روايتان
(إحداهما) يقبل قولها لأنها أمينة على نفسها وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وهو ظاهر المذهب لأن الله تعالى
قال (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قيل هو الحيض والحمل ولولا أن قولها فيه
مقبول لما حرم عليها كتمانه وصار هذا كما قال الله تعالى (ولا تكتموا الشهادة) لما حرم كتمانها دل على
قبولها كذا ههنا، ولأنه معنى فيها لا يعرف إلا من جهتها فوجب الرجوع إلى قولها فيه كقضاء عدتها
(والرواية الثانية) لا يقبل قولها ويختبرها النساء بادخال قطنة في الفرج في الزمان الذي ادعت
الحيض فيه فإن ظهر الدم فهي حائض والا فلا، قال احمد في رواية مهنا في رجل قال لامرأته إذا
حضت فأنت طالق وعبدي حر قالت قد حضت ينظر إليها النساء فتعطى قطنة وتخرجها فإن خرج الدم
فهي حائض تطلق ويعتق العبد، وقال أبو بكر وبهذا أقول وهذا لأن الحيض يمكن التوصل إلى
معرفته من غيرها فلم يقبل فيه مجرد قولها كدخول الدار والأول المذهب وأمل أحمد إنما اعتبر البينة
في هذه الرواية من أجل عتق العبد فإن قولها إنما يقبل في حق نفسها دون غيرها وهل يعتبر يمينها إذا
قلنا القول قولها؟ على وجهين بناء على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها فأنكرها ولا يقبل قولها إلا في حق
361

نفسها خاصة دون غيرها من طلاق أخرى أو عتق عبد نص عليه أحمد في رجل قال لامرأته إذا حضت
فأنت طالق وهذه معك لامرأته الأخرى قالت قد حضت من ساعتها أو بعد ساعة تطلق هي ولا
تطلق هذه حتى تعلم لأنها مؤتمنة على نفسها ولا يجعل طلاق هذه بيدها وهذا مذهب الشافعي وغيره
لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها فصارت كالمودع يقبل قوله في الرد على المودع دون غيره ولو
قال قد حضت فأنكرته طلقت باقراره، وإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت
فصدقها طلقتا باقراره، وإن كذبها طلقت وحدها، وإن ادعت الضرة أنها قد حاضت لم يقبل لأن
معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به وإنما ائتمنت على نفسها في حيضها، وان قال قد حضت فأنكرت
طلقتا باقراره، ولو قال لامرأتيه ان حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا وان كذبهما
لم تطلق واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضها وحيض ضرتها ولا يقبل
قول ضرتها عليها فلم يوجد الشرطان، وإن صدق إحداهما وكذب الأخرى طلقت المكذبة وحدها
لأن قولها مقبول في حقها وقد صدق الزوج ضرتها فوجد الشرطان في طلاقها ولم تطلق المصدقة لأن
قول ضرتها غير مقبول في حقها وما صدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها
(فصل) فإن قال لأربع إن حضتن فأنتن طوالق فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن وان كذبهن لم
تطلق واحدة منهن لأن شرط طلاقهن حيض الأربع ولم يوجد، وان صدق واحدة أو اثنتين لم تطلق
362

واحدة منهن لأنه لم يوجد الشرط، وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها لأن قولها مقبول في حيضها
وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت ولا يطلق المصدقات لأن قول المكذبة
غير مقبول في حقهن
(فصل) وان قال لهن كلما حاضت إحداكن أو أيتكن حاضت فضراتها طوالق فقلن قد حضنا
فصدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثا ثلاثا، وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن، وإن صدق واحدة
طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة ولم تطلق هي لأنه لم يثبت حيض ضرة لها وان صدق
اثنتين طلقت كل واحدة من المصدقين طلقة طلقة لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة وطلقت
كل واحدة من المكذبتين طلقتين طلقتين، وان صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا وطلقت كل واحدة
من المصدقات طلقتين طلقتين
(فصل) إذا قال لطاهر إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم في وقت يمكن أن يكون حيضا حكمنا
بوقوع الطلاق كما يحكم بكونه حيضا في المنع من الصلاة وغيرها مما يمنع من الحيض، وان بان أنه ليس
يحيض لانقطاعه لدون أقل الحيض بان أن الطلاق لم يقع وبهذا قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي
قال ابن المنذر لا نعلم أحدا قال غير ذلك إلا مالكا فإن ابن القاسم روى عنه أنه يحنث حين تكلم به
وقد سبق الكلام معه في هذا، وإن قال لحائض إذا حضت فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض
363

ولو قال لطاهر إذا تطهرت فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر وهذا يحكى عن أبي يوسف
وقال بعض أصحاب الشافعي الذي يقتضيه مذهب الشافعي أنها تطلق بما يتجدد من حيضها وطهرها
في المسئلتين لأنه قد وجد منها الحيض والطهر فوقع الطلاق لوجود صفته
ولنا أن إذا اسم زمن مستقبل يقتضي فعلا مستقبلا وهذا الحيض والطهر مستدام غير متجدد
ولا يفهم من اطلاق حاضت المرأة وطهرت إلا ابتداء ذلك فتعلقت الصفة به، ولو قال لطاهر إذا
حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر نص عليه أحمد لأنه لا توجد حيضة كاملة إلا
بذلك، ولو قال لحائض إذا طهرت فأنت طالق طلقت بأول الطهر وتطلق في الموضعين بانقطاع دم
الحيض قبل الغسل نص عليه أحمد في رواية إبراهيم الحربي، وذكر أبو بكر في التنبيه فيها قولا أنها
لا تطلق حتى تغتسل بناء على أن العدة لا تنقضي بانقطاع الدم حتى تغتسل
ولنا أن الله تعالى قال (ولا تقربوهن حتى يطهرن) أي ينقطع دمهن (فإذا تطهرن) أي اغتسلن
ولأنه قد ثبت لها أحكام الطاهرات في وجوب الصلاة وصحة الطهارة والصيام وإنما بقي بعض الأحكام
موقوفا على وجود الغسل ولأنها ليست حائضا فيلزم أن تكون طاهرا لأنهما ضدان على التعيين فيلزم
من انتفاء أحدهما وجود الآخر
(فصل) فإن قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت
364

حيضة طلقت واحدة فإذا حاضت الثانية طلقت الثانية عند طهرها منها، وان قال إذا حضت حيضة
فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة لأن ثم
للترتيب فتقتضي حيضتين بعد الطلقة الأولى لكونهما مرتبتين عليها
(فصل) فإن قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق طلقت إذا ذهب نصف الحيضة وينبغي
ان يحكم بوقوع الطلاق إذا حاضت نصف عادتها لأن الأحكام تعلقت بالعادة فيتعلق بها وقوع الطلاق
ويحتمل أنه لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي سبعة أيام ونصف لأننا لا نتيقن مضي نصف الحيضة إلا
بذلك إلا أن تطهر لأقل من ذلك ومتى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصف الحيضة وقيل يلغو قوله
نصف حيضة ويبقى طلاقها معلقا بوجود الحيض والأول أصح فإن الحيض له مدة أقلها يوم وليلة وله
نصف حقيقة والجهل بقدر ذلك لا يمنع وجوده وتعلق الحكم به كالحمل
(فصل) وإن قال لامرأتيه إذا حضتما حيضة واحدة فأنتما طالقتان لم تطلق واحدة منهما حتى
تحيض كل واحدة منهما حيضة واحدة ويكون التقدير إن حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما
طالقتان كقول الله تعالى (فاجلودهم ثمانين جلدة) أي اجلدوا كل واحد منهم ثمانين ويحتمل أن يتعلق
الطلاق بحيض إحداهما حيضة لأنه لما تعذر وجود الفعل منهما وجبت اضافته إلى إحداهما كقوله تعالى
(يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) وإنما يخرج من أحدهما، وقال القاضي يلغو قوله حيضة واحدة لأن
365

حيضة واحدة من امرأتين محال فيبقى كأنه قال إن حضتما فأنتما طالقتان وهذا أحد الوجهين لأصحاب
الشافعي، والوجه الآخر لا تنعقد هذه الصفة لأنها مستحيلة فتصير كتعليق الطلاق بالمستحيلات والوجه
الأول أولى لأن فيه تصحيح كلام المكلف بحمله على محمل سائغ وتبعيد لوقوع الطلاق واليقين بقاء
النكاح فلا يزول حتى يوجد ما يقع به الطلاق يقينا وغير هذا الوجه لا يحصل به اليقين فإن أراد بكلامه
أحد هذه الوجوه حمل عليه وإذا ادعي ذلك قبل منه، وإذا قال أردت أن تكون الحيضة الواحدة منهما
فهو تعليق الطلاق بمستحيل فيحتمل أن يلغو قوله حيصة ويحتمل أن لا يقع الطلاق لأن هذه الصفة لا توجد فلا
يوجد ما علق عليها ويحتمل أن يقع في الحال وبلغو الشرط بناء على ما ذكرناه في تعليق الطلاق على المستحيل
(فصل) وإذا كان له أربع نسوة فقال أيتكن لم أطأها فضرائرها طوالق وقيده بوقت فمضى
الوقت ولم يطأهن طلقن ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث ضرائر غير موطوءات، وان وطئ
ثلاثا وترك واحدة لم تطلق المتروكة لأنها ليست لها خبرة غير موطوءة وتطلق كل واحدة من الموطوءات
طلقة طلقة وان وطئ اثنتين طلقتا طلقتين طلقتين وطلقت المتروكتان طلقة طلقة، وان وطئ
واحدة طلقت ثلاثا وطلقت كل واحدة من المتروكات طلقتين طلقتين، وان لم يقيده بوقت كان
وقت الطلاق مقيدا بعمره وعمرهن فأيتهن ماتت طلقت كل واحدة من ضرائرها طلقة طلقة وإذا لحقت
أخرى فكذلك، وان مات هو طلقن كلهن في آخر جزء من حياته
366

(فصل) فإن قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق ولم تكن حاملا طلقت، وان أتت بولد لأقل
من ستة أشهر من حين اليمين أو لأقل من أربع سنين ولم يكن يطأها لم تطلق لأنا تبينا أنها كانت حاملا
بذلك الولد، وان مضت أربع سنين ولم تلد تبينا أنها طلقت حين عقد اليمين، وإن كان يطؤها وأتت
بولد لأكثر من ستة أشهر وأقل من أربع سنين نظرت فإن ظهرت علامات الحمل من انقطاع الحيض
ونحوه قبل وطئه أو قريبا منه بحيث لا يحتمل أن يكون من الوطئ الثاني لم تطلق، وان حاضت أو
وجد ما يدل على براءتها من الحمل طلقت، وان لم يظهر ذلك واحتمل أن يكون من الثاني ففيه وجهان
(أحدهما) تطلق لأن الأصل عدم الحمل قبل الوطئ (والثاني) لا تطلق لأن اليقين بقاء النكاح فلا
يزول بشك واحتمال ولا يجوز للزوج وطؤها قبل الاستبراء لأن الأصل عدم الحمل ووقوع الطلاق
والا استبرأها ههنا بحيضة فإن وجدت الحيضة على عادتها تبينا وقوع طلاقها، وان لم تأت في عادتها
كان ذلك دليلا على حملها وحل وطئها وان قال إن كنت حاملا فأنت طالق فهي عكس المسألة التي
قبلها ففي الموضع الذي يقع الطلاق ثم لا يقع ههنا وفي الموضع الذي لا يقع ثم يقع ههنا الا أنها إذا أتت
بولد لأكثر من ستة أشهر من حين وطئ الزوج بعد اليمين ولاقل من أربع سنين من حين عقد الصفة
لم تطلق لأن تعين النكاح باق، والظاهر حدوث الولد من الوطئ لأن الأصل عدمه قبله ولا يحل له
الوطئ حتى يستبرئها نص عليه احمد قال القاضي يحرم الوط سواء قلنا الرجعية مباحة أو محرمة لأنه
367

يمنع المعرفة بوقوع الطلاق وعدمه، وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى لا يحرم الوطئ لأن الأصل
بقاء النكاح وبراءة الرحم من الحمل، وإذا استبرأها حل وطؤها على الروايتين ويكون الاستبراء بحيضة
قال احمد في رواية أبي طالب إذا قال لامرأته متى حملت فأنت طالق لا يقربها حتى تحيض فإذا طهرت
وطئها فإن تأخر حيضها أريت النساء من أهل المعرفة فإن لم يوجدن أو خفي عليهن انتظر عليها تسعة
أشهر غالب مدة الحمل، وذكر القاضي فيها رواية أخرى أنها تستبرأ بثلاثة أقراء ولأنه استبراء الحرة
وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والصحيح ما ذكرناه لأن المقصود معرفة براءة رحمها وقد حصل
بحيضة ولهذا قال عليه السلام (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة) يعني تعلم براءتها
بحيضة ولان ما يعلم به البراءة في حق الأمة والحرة واحد لأنه أمر حقيقي لا يختلف بالحرية والرق،
وأما العدة ففيها نوع تعبد لا يجوز أن تعتدا بالقياس وهل تعتدا بالاستبراء قبل عقد اليمين أو بالحيضة
التي حلف فيها؟ على وجهين أصحهما الاعتداد به لأنه يحصل به ما يحصل بالاستبراء بعد اليمين (والثاني)
لا يعتد به لأن الاستبراء لا يتقدم على سببه ولأنه لا يعتد به في استبراء الأمة. قال احمد إذا قال لامرأته
إذا حبلت فأنت طالق يطؤها في كل طهر مرة يعني إذا حاضت ثم طهرت حل وطؤها لأن الحيض علم
على براءتها من الحمل ووطؤها سبب له فإذا وطئها اعتزلها لاحتمال أن تكون قد حملت من وطئه فطلقت به
(فصل) إذا قال إن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وان ولدت أنثى فأنت طالق
368

اثنتين فولدت غلاما كانت حاملا به وقت اليمين تبينا انها طلقت واحدة حين حلف وانقضت عدتها
بوضعه وان ولدت أثنى طلقت بولادتها طلقتين واعتدت بالقروء، وان ولدت غلاما وجارية وكان
الغلام أولهما ولادة تبينا انها طلقت واحدة وبانت بوضع الجارية ولم تطلق بها، وان كانت الجارية أولهما
ولادة طلقت ثلاثا واحدة بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية وانقضت عدتها بوضع الغلام، وان
قال لها ان كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وان كنت حاملا بجارية فأنت طالق اثنتين
فولدت غلاما وجارية طلقت ثلاثا
وإن قال إن كان حملك غلاما فأنت طالق واحدة وإن كان حملك جارية فأنت طالق اثنتين
فولدت غلاما وجارية لم تطلق لأن حملها كله ليس بغلام ولا هو جارية، وذكره القاضي في المجرد
وأبو الخطاب وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال القاضي في الجامع في وقوع الطلاق وجهان
بناء على الروايتين فيمن حلف لا لبست ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه من غزلها
(فصل) فإن قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثا دفعة واحدة طلقت ثلاثا لأن
صفة الثلاث وجدت وهي زوجة، وان ولدتهم في دفعات من حمل واحد طلقت بالأولين وبانت
بالثلاث ولم تطلق، ذكره أبو بكر وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي، وحكي عن ابن حامد انها
تطلق لأن زمان البينونة زمن الوقوع ولا تنافي بينهما
369

ولنا أن العدة انقضت بوضع الحمل فصادفها الطلاق بائنا فلم يقع كما لو قال إذا مت فأنت طالق
وقد نص أحمد فيمن قال أنت طالق مع مرتي انها لا تطلق فهذا أولى، وان قال إن ولدت ذكرا فأنت
طالق واحدة وان ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما دفعة واحدة طلقت ثلاثا، وان ولدتهما
في دفعتين وقع بالأول ما علق عليه وبانت بالثاني ولم يقع به شئ إلا على قول ابن حامد، فإن أشكل
الأول منها أو كيفية وضعهما طلقت واحدة بيقين ولا تلزمه الثانية، والورع أن يلتزمها وهذا قول
الشافعي وأصحاب الرأي، وقال القاضي قياس المذهب أن يقرع بينهما
وان قال إن كان أول ما تلدين ذكر فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فأنت طالق اثنتين فولدتهما
دفعة واحدة لم يقع بها شئ لأنه لا أول فيهما فلم توجد الصفة، وان ولدتهما في دفعتين وقع بالأول
ما علق عليه ولم يقع بالثاني شئ
(فصل) فإن كان له أربع نسوة فقال كلما ولدت واحدة منكن فضرائرها طوالق فولدن دفعة
واحدة طلقن كلهن ثلاثا ثلاثا وان ولدن في دفعات وقع بضرائر الأولى طلقة طلقة فإذا ولدت الثانية
بانت بوضعه ولم تطلق، وهل يطلق سائرهن؟ فيه احتمالان (أحدهما) لا يقع بهن طلاق لأنها لما
انقضت عدتها بانت فلم يبقين ضرائرها والزوج إنما علق على ولادتها طلاق ضرائرها
(والوجه الثاني) يقع بكل واحدة طلقة لأنهن ضرائرها في حال ولادتها، فعلى هذا يقع بكل
370

واحدة من اللتين لم يلدن طلقتان طلقتان وتبين هذه وتقع بالوالدة الأولى طلقة فإذا ولدت الثانية بانت،
وفي وقوع الطلاق بالباقيتين وجهان، فإذا قلنا يقع بهن طلقت الرابعة ثلاثا والأولى طلقتين وبانت
الثانية والثالثة وليس فيهن من له رجعتها إلا الأولى ما لم تنقض عدتها، وإذا ولدت الرابعة لم تطلق
واحدة منهن وتنقضي عدتها بذلك
وان قال كلما ولدت واحدة منكن فسائركن طوالق أو فباقيكن طوالق فكلما ولدت واحدة وقع
بباقيهن طلقة طلقة وتبين الوالدة بوضع ولدها الا الأولى، والفرق بين هذه وبين التي قبلها ان الثانية
والثالثة يقع الطلاق بباقيهن ولادتهما ههنا وفي الأولى لا يقع لأنهن لم يبقين ضرائرها وههنا لم
يعلقه بذلك، وان قال كلما ولدت واحدة منكن فأنتن طوالق فكذلك الا انه يقع على الأولى طلقة
بولادتها، فإن كانت الثانية حاملا باثنين فوضعت الأول منهما وقع بكل واحدة من ضرائرها طلقة
في المسائل كلها ووقع بها طلقة في المسألة الثالثة، وإذا وضعت الثالثة أو كانت حاملا باثنين فكذلك
فنطلق الرابعة ثلاثة ونطلق كل واحدة من الوالدات طلقتين طلقتين في المسئلتين الأوليين وثلاثا ثلاثا
في المسألة الثالثة فكلما وضعت واحدة منهن تمام حملها انقضت به عدتها. قال القاضي إذا كانت له
زوجتان فقال كلما ولدت واحدة منكما فأنتما طالقتان فولدت إحداهما يوم الخميس طلقتا جميعا ثم ولدت
الثانية يوم الجمعة بانت وانقضت عدتها ولم تطلق وطلقت الأولى ثانية، فإن كانت كل واحدة منهما حاملا
371

باثنين طلقتا بوضع الثانية طلقة طلقة أيضا، ثم إذا ولدت الأولى تمام حملها انقضت عدتها به وطلقت الثانية
ثلاثا فإذا ولدت الثانية تمام حملها انقضت عدتها به وطلقت الثانية ثلاثا
(فصل) وإذا قال لامرأته ان كلمتك فأنت طالق ثم أعاد ذلك ثانية طلقت واحدة لأن اعادته
تكليم لها وشرط لطلاقها فإن أعاده ثالثة طلقت ثانية إلا أن يكون غير مدخول بها فتبين بالأولى
ولا يلحقها طلاق ثان، وان أعاده رابعة طلقت الثالثة، وان قال إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي ذلك
أو فتحققي ذلك حنث لأنه كلمها بعد عقد اليمين إلا أن ينوي كلاما مبتدأ، وان زجرها فقال تنحي
أو اسكتي أو اذهبي حنث لأنه كلام، وان سمعها تذكر فقال الكاذب عليه لعنة الله حنث نص
عليه احمد لأنه كلمها، وان كلمها وهي نائمة أو مغلوبة على عقلها باغماء أو جنون لا تسمع أو بعيدة
لا تسمع كلامه أو صماء بحيث لا تفهم كلامه ولا تسمع أو حلف لا يكلم فلانا فكلمه ميتا لم يحنث وقال أبو بكر
يحنث في جميع ذلك لقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟
ولنا أن التكلم فعل يتعدى إلى المتكلم، وقد قيل إنه مأخوذ من الكلم وهو الجرح لأنه يؤثر فيه
كتأثير الجرح ولا يكون ذلك إلا باسماعه، فأما تكليم النبي صلى الله عليه وسلم الموتى فمن معجزاته فإنه قال (ما أنتم
بأسمع لما أقول منهم) ولم يثبت هذا لغيره وقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟
حجة لنا فإنهم قالوا ذلك استبعادا أو سؤالا عما خفي عنهم سببه وحكمته حتى كشف لهم النبي
372

صلى الله عليه وسلم حكمة ذلك بأمر مختص به فيبقى الامر في حق من سواه على النفي، وان حلف لا كلمت فلانا
فكلمته سكران حنث لأن السكران يكلم ويحنث وربما كان تكليمه في حال سكره أضر من تكليمه في
صحوه وان كلمته سكرانة حنث لأن حكمها حكم الصاحي وان كلمته وهو صبي أو مجنون يسمع ويعلم أنه مكلم
حنث وان جنت هي ثم كلمته لم يحنث لأن القلم مرفوع عنها ولم يبق لكلامها حكم
(فصل) فإن حلف لا يكلم انسانا فكلمه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث لأنه
كلمه وإنما لم يسمع لغفلته أو شغل قلبه، وان كلمه ولم يعرفه فإن كانت يمينه بالطلاق حنث قال احمد
في رجل حلف بالطلاق أن لا يكلم حماته فرآها بالليل فقال من هذا؟ حنث قد كلمها، وان كانت
يمينه بالله أو يمينا مكفرة فالصحيح أنه لا يحنث لأنه لم يقصد تكليمه فأشبه الناسي ولأنه ظن المحلوف
عليه غيره فأشبه لغير اليمين، وان سلم عليه حنث لأنه كلمه بالسلام، وان سلم على جماعة هو فيهم
وأراد جميعهم بالسلام حنث لأنه كلمهم كلهم، وان قصد بالسلام من عداه لم يحنث لأنه إنما كلم
غيره وهو يسمع وان لم يعلم أنه فيهم ففيه روايتان (إحداهما) يحنث لأنه كلمهم جميعهم وهو فيهم
(والثانية) لا يحنث لأنه لم يقصده ويمكن حمل قوله في الحنث على اليمين بالطلاق والعتاق لأنه لا يعذر فيها
بالنسيان والجهل في الصحيح من المذهب وعدم الحنث على اليمين المكفرة، فإن كان الحالف إماما والمحلوف عليه
مأموما لم يحنث بتسليم الصلاة لأنه للخروج منها الا أن ينوي بتسليمه المأمومين فيكون حكمه حكم ما لو سلم عليهم
في غير الصلاة ويحتمل أن لا يحنث بحال لأن هذا لا يعد تكليما ولا يريده الحالف، وان حلف
373

لا يكلم فلانا فكلم انسانا وفلانا يسمع يقصد بذلك اسماعه كما قال * إياك أعنى واسمعي يا جارة * حنث
نص عليه أحمد قال إذا حلف لا يكلم فلانا فكلم انسانا وفلان يسمع يريد بكلامه إياه المحلوف عليه
حنث لأنه قد أراد تكليمه
وروي عن أبي بكرة ما يدل على أنه لا يحنث فإنه كان حلف أن لا يكلم أخاه زيادا فعزم زياد
على الحج فجاء أبو بكرة فدخل قصره وأخذ ابنه في حجره فقال إن أباك يريد الحج والدخول على
زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا السبب وقد علم أنه غير صحيح ثم خرج ولم ير أنه كلمه والأول الصحيح لأنه
أسمعه كلامه يريده به فأشبه ما لو خاطبه به ولان به مقصود تكليمه قد حصل باسماعه كلامه
(فصل) فإن كتب إليه أو أرسل إليه رسولا حنث إلا أن يكون قصد أن لا يشافهه نص عليه أحمد
وذكره الخرقي في موضع آخر وذلك لقول الله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من
وراء حجاب أو يرسل رسولا) ولان القصد بالترك لكلامه هجرانه ولا يحصل مع مواصلته بالرسل
والكتب، ويحتمل أن لا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك لأن هذا ليس بتكليم حقيقة ولو حلف ليكلمنه
لم يبر بذلك الا أن ينويه فكذلك لا يحنث به، ولو حلف لا يكلمه فأرسل انسانا يسأل أهل العلم عن
مسألة أو حديث فجاء الرسول فسأل المحلوف عليه لم يحنث بذلك، وإن حلف لا يكلم امرأته فجامعها
لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها، قال أحمد في رجل قال لامرأته إن كلمتك خمسة أيام فأنت طالق
374

أله أن يجامعها ولا يكلمها؟ فقال أي شئ كان بدو هذا أيسوؤها أو يغيظها فإن لم يكن له نية فله أن
يجامعها ولا يكلمها، وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث لأن
هذا قراءة الكتب في عرف الناس فتنصرف يمينه إليه إلا أن ينوي حقيقة القراة، قال أحمد إذا
حلف لا قرأت لفلان كتابا ففتحه حتى استقصى آخره الا أنه لم يحرك شفتيه فإن أراد أن لا يعلم ما فيه
فقد علم ما فيه وقرأه
(فصل) فإن قال لامرأته ان بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت إن بدأتك بالكلام فعبدي حر
انحلت يمينه لأنه لما خاطبته بيمينها فاتته البداية بكلامها وبقيت يمينها معلقة فإن بدأها بكلام انحلت
يمينها أيضا، وإن بدأته هي عتق عبدها هكذا ذكره أصحابنا ويحتمل أنه ان بدأها بالكلام في وقت
آخر حنث لأن ذلك يسمى بداية فتناولته يمينه إلا أن ينوي ترك البداية في هذا الوقت أو هذا
المجلس فيتقيد به
(فصل) فإن قال لامرأتيه ان كلمتما هذين الرجلين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة
رجلا ففيه وجهان:
(أحدهما) يحنث لأن تكليمهما وجد منهما فحنث كما لو قال إن حضتما فأنتما طالقتان فحاضت كل
واحدة حيضة وكذلك لو قال إن ركبتما دابتيكما فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة دابتها
(والوجه الثاني) لا يحنث حتى تكلم كل واحدة منهما الرجلين معا لأنه علق طلاقهما بكلامهما
375

لهما فلا تطلق واحدة بكلام الأخرى وحدها وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي، وهكذا لو قال إن
دخلتما هاتين الدارين فالحكم فيها كالأولى وهذا فيما لم تجر العادة بانفراد الواحد به، فأما ما جرى
العرف فيه بانفراد الواحد فيه بالواحد كنحو ركبا دابتيهما ولبسا ثوبيهما وتقلدا سيفيهما واعتقلا رمحيهما
ودخلا بزوجيهما وأشباه هذا فإنه يحنث إذا وجه منهما منفردين، وما لم تجر العادة فيه بذلك فهو على
الوجهين، ولو قال إن أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفا يحنث لأنه يستحيل أن
تأكل كل واحدة منهما الرغيفين بخلاف الرجلين والدارين
(فصل) فإن قال أنت طالق ان كلمت زيدا ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال يكون فيها محمد
مع خالد، وذكر القاضي أنه يحنث بكلام زيد فقط لأن قوله محمد مع خالد استئناف كلام بدليل أنه مرفوع
والصحيح ما قلناه لأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى من قطعه والرفع لا ينفي كونه حالا فإن الجملة من المبتدأ
والخبر تكون حالا كقوله تعالى (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) وقال (الا استمعوه وهم يلعبون -
وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) وهذا كثير فلا يجوز قطعه عن الكلام الذي هو في سياقه
مع إمكان وصله به، ولو قال إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد فأنت طالق لم تطلق حتى تكلم زيدا في
حال كون محمد مع خالد فكذلك إذا تأخر قوله محمد مع خالد، ولو قال أنت طالق ان كلمت زيدا
وأنا غائب لم تطلق حتى تكلمه في حال غيبته، وكذلك لو قال أنت طالق ان كلمت زيدا وأنت
376

راكبة أو هو راكب أو ومحمد راكب لم تطلق حتى تكلمه في تلك الحال. ولو قال أنت طالق ان كلمت
زيدا ومحمد أخوه مريض لم تطلق حتى تكلمه وأخوه محمد مريض
(فصل) فإن قال إن كلمتني إلى أن يقدم زيد أو حتى يقدم زيد فأنت طالق فكلمته قبل
قدومه حنث لأنه مد المنع إلى غاية هي قدوم زيد فلا يحنث بعدها، فإن قال أردت ان استدمت
كلامي من الآن إلى أن يقدم زيد دين، وهل يقبل في الحكم؟ يحتمل وجهين
(فصل) فإن قال أنت طالق ان شئت أو إذا شئت أو متى شئت أو كلما شئت أو كيف
شئت أو حيث شئت أو أنى شئت لم تطلق حتى تشاء وتنطق بالمشيئة بلسانها فتقول قد شئت لأن
ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فتعلق الحكم بما يتعلق به دون ما في القلب فلو شاءت بقلبها
دون نطقها لم يقع طلاق. ولو قالت قد شئت بلسانها وهي كارهة لوقع الطلاق اعتبارا بالنطق،
وكذلك أن علق الطلاق بمشيئة غيرها ومتى وجدت المشيئة باللسان وقع الطلاق سواء كان على
الفور أو التراخي نص عليه أحمد في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وفيما إذا قال أنت طالق حيث شئت
أو أنى شئت ونحو هذا قال الزهري وقتادة، وقال أبو حنيفة دون صاحبيه إذا قال أنت طالق كيف
شئت تطلق في الحال طلقة رجعية لأن هذا ليس بشرط وإنما هو صفة للطلاق الواقع بمشيئتها
377

ولنا انه أضاف الطلاق إلى مشيئتها فأشبه ما لو قال حيث شئت، وقال الشافعي في جميع
الحروف ان شاءت في الحال والا فلا تطلق لأن هذا تمليك للطلاق فكان على الفور كقوله اختاري
وقال أصحاب الرأي في أن كقوله وفي سائر الحروف كقولنا لأن هذه الحروف صريحة في التراخي
فحملت على مقتضاها بخلاف ان فإنها لا تقتضي زمانا وإنما هي لمجرد الشرط فتقيد بالفور بقضية
التمليك. وقال الحسن وعطاء إذا قال أنت طالق ان شئت إنما ذلك لها ما داما في مجلسهما
ولنا انه تعليق للطلاق على شرط فكان على التراخي كسائر التعليق ولأنه إزالة ملك معلق على
المشيئة فكان على التراخي كالعتق وفارق اختاري فإنه ليس بشرط إنما هو تخيير فتقيد بالمجلس كخيار
المجلس وان مات من له المشيئة أو جن لم يقع الطلاق لأن شرط الطلاق لم يوجد، وحكي عن أبي بكر
انه يقع وليس بصحيح لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كما لو قال أنت طالق ان
دخلت الدار وان شاء وهو مجنون لم يقع طلاقه لأنه لا حكم لكلامه وان شاء وهو سكران فالصحيح
انه لا يقع لأنه زائل العقل فهو كالمجنون
وقال أصحابنا يخرج على الروايتين في طلاقه والفرق بينهما ان ايقاع طلاقه تغليظ عليه كيلا
تكون المعصية سببا للتخفيف عنه وههنا إنما يقع الطلاق بغيره فلا يصح منه في حال زوال عقله، وان
شاء وهو طفل لم يقع لأنه كالمجنون وإن كان يعقل الطلاق وقع لأن له مشيئة ولذلك صح اختياره
378

لاحد أبويه وإن كان أخرس فشاء بالإشارة وقع الطلاق لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق ولذلك
وقع طلاقه بها وإن كان ناطقا حال التعليق فخرس ففيه وجهان (أحدهما) يقع الطلاق بها لأن طلاقه
في نفسه يقع بها فكذلك طلاق من علقه بمشيئة (والثاني) لا يقع بها لأنه حال التعليق كأنه لا يقع إلا
بالنطق فلم يقع بغيره كما لو قال في التعليق ان نطق فلان بمشيئته فهي طالق
(فصل) فإن قيد المشيئة بوقت فقال أنت طالق ان شئت اليوم تقيد به فإن خرج اليوم قبل مشيئتها
لم تطلق وان علقه على مشيئة اثنين لم يقع حتى توجد مشيئتهما، وخرج القاضي وجها انه يقع بمشيئة
أحدهما كما يحنث بفعل بعض المحلوف عليه وقد بينا فساد هذا فإن قال أنت طالق ان شئت وشاء أبوك
فقالت قد شئت ان شاء أبي، فقال أبوها قد شئت لم تطلق لأنها لم تشأ فإن المشيئة أمر خفي
لا يصح تعليقها علي شرط وكذلك لو قال أنت طالق ان شئت فقالت قد شئت ان شئت فقال قد
شئت أو قالت قد شئت ان طلعت الشمس لم يقع، نص على أحمد على معنى هذا وهو قول سائر أهل
العلم منهم الشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي قال ابن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل
العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق ان شئت فقالت قد شئت ان شاء فلان أنها قد ردت
الامر ولا يلزمها الطلاق وان شاء فلان وذلك لأنه لم توجد منها مشيئة وإنما وجد منها تعليق مشيئتها
بشرط وليس تعليق المشيئة بشرط مشيئة، وان علق الطلاق على مشيئة اثنين فشاء أحدهما على الفور
والآخر على التراخي وقع الطلاق لأن المشيئة قد وجدت منهما جميعا
379

(فصل) فإن قال أنت طالق الا أن تشائي أو يشاء زيد فقالت قد شئت لم تطلق وان أخرا
ذلك طلقت وان جن من علق الطلاق بمشيئته طلقت في الحال لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بشرط لم
يوجد وكذلك أن مات فإن خرس فشاء بالإشارة خرج فيه وجهان بناء على وقوع الطلاق بإشارته
إذا علقه على مشيئته
(فصل) فإن قال أنت طالق واحدة الا أن تشائي ثلاثا فلم تشأ أو شاءت أقل من ثلاث طلقت
واحدة وان قالت قد شئت ثلاثا فقال أبو بكر تطلق ثلاثا، وقال أصحاب الشافعي وأبي حنيفة لا تطلق
إذا شاءت ثلاثا لأن الاستثناء من الاثبات نفي فتقديره أنت طالق واحدة الا أن تشائي ثلاثا فلا
تطلقي ولأنه لو لم يقل ثلاثا لما طلقت بمشيئتها ثلاثا فكذلك إذا قال ثلاثا لأنه إنما ذكر الثلاث صفة
لمشيئتها الرافعة لطلاق الواحدة فيصير كما لو قال أنت طالق الا أن تكرري بمشيئتك ثلاثا وقال
القاضي فيها وجهان. [أحدهما] لا تطلق لما ذكرنا (والثاني) تطلق ثلاثا لأن السابق إلى الفهم من هذا
الكلام ايقاع الثلاث إذا شاءتها كما لو قال له علي درهم الا أن يقيم البينة بثالثة وخذ درهما الا أن تريد أكثر
منه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا الا بيع الخيار) أي إن بيع الخيار ثبت الخيار فيه
بعد تفرقهما وان قال أنت طالق ثلاثا الا أن تشائي واحدة فقالت قد شئت واحدة طلقت واحدة على
قول أبي بكر وعلى قولهم لا تطلق شيئا.
380

(فصل) فإن قالت أنت طالق لمشيئة فلان أو لرضاه أو له طلقت في الحال لأن معناه أنت طالق
لكونه قد شاء ذلك أو رضيه أو ليرضى به كقوله هو حر لوجه الله أو لرضى الله، فإن قال أردت
به الشرط دين، قال القاضي يقبل في الحكم لأنه محتمل، فإن ذلك يستعمل للشرط كقوله أنت طالق
للسنة وهذا أظهر الوجهين لأصحاب الشافعي
(فصل) فإن قال أنت طالق ان أحببت أو ان أردت أو ان كرهت احتمل أن يتعلق الطلاق
بقولها بلسانها قد أحببت أو أردت أو كرهت لأن هذه المعاني في القلب لا يمكن الاطلاع عليها إلا
من قولها فتعلق الحكم بها كالمشيئة ويحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ويكون اللسان دليلا
عليه فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده وقع طلاقه وان لم يتلفظ به ولو قالت أنا أحب ذلك ثم قالت
كنت كاذبة لم تطلق وان قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق فقالت أنا أحب ذلك
فقد سئل أحمد عنها فلم يجب فيها بشئ وفيها احتمالان
[أحدهما] لا نطلق وهو قول أبي ثور لأن المحبة في القلب ولا توجد من أحد محبة ذلك وخبرها
محبتها له كذب معلوم فلم يصلح دليلا على ما في قلبها
(والاحتمال الثاني) أنها تطلق وهو قول
أصحاب الرأي لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من
لسانها فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به كاذبة كانت أو صادقة كالمشيئة ولا فرق بين قوله ان كنت
تحبين ذلك وبين قوله ان كنت تحبينه بقلبك لأن المحبة لا تكون إلا بالقلب
381

(فصل) فإن قال أنت طالق إن شاء الله تعالى طلقت وكذلك أن قال عبدي حر إن شاء الله تعالى
عتق نص عليه احمد في رواية جماعة وقال ليس هما من الايمان وبهذا قال سعيد بن المسيب والحسن ومكحول
وقتادة والزهري ومالك والليث والأوزاعي وأبو عبيد وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع وكذلك
العتاق وهو قول طاوس والحكم وأبي حنيفة والشافعي لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها فلم يقع
كما لو علقه على مشيئة زيد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث)
رواه الترمذي وقال حديث حسن
ولنا ما روى أبو جمرة قال سمعت ابن عباس يقول: إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله
فهي طالق ورواه أبو حفص باسناده وعن أبي بردة نحوه
وروى ابن عمر وأبو سعيد قال: كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزا
في كل شئ الا في العتاق والطلاق ذكره أبو الخطاب وهذا نقل للاجماع، وإن قدر أنه قول بعضهم
ولم يعلم له مخالف فهو اجماع، ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا
ولأنه استثناء حكما في محل فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح، ولأنه إزالة ملك فلم يصح تعليقه على
مشيئة الله كما لو قال أبرأتك إن شاء الله أو تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فأشبه تعليقه على المستحيلات
والحديث لا حجة لهم فيه فإن الطلاق والعتاق انشاء وليس بيمين حقيقة وان سمي بذلك فمجاز
382

لا تترك الحقيقة من أجله ثم إن الطلاق إنما سمي يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن تركه وفعله ومجرد
قوله أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا مجازا فلم يمكن الاستثناء بعد يمين، وقولهم علقه على مشيئة
لا تعلم قلنا قد علمت مشيئة الله للطلاق بمباشرة الآدمي سببه قال قتادة قد شاء الله حين أذن ان يطلق
ولو سلمنا أنها لم تعلم لكن قد علقه على شرط يستحيل علمه فيكون كتعليقه على المستحيلات يلغو
ويقع الطلاق في الحال
(فصل) فإن قال أنت طالق ان دخلت الدار إن شاء الله فعن أحمد فيه روايتان (إحداهما)
يقع الطلاق بدخول الدار ولا ينفعه الاستثناء لأن الطلاق والعتاق ليسا من الايمان ولما ذكرناه
في الفصل الأول.
(والثانية) لا تطلق وهو قول أبي عبيد لأنه إذا علق الطلاق بشرط صار يمينا وحلفا فصح
الاستثناء فيه لعموم قوله عليه السلام (من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث) وفارق ما إذا
لم يعلقه فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم
(فصل) فإن قال أنت طالق الا أن يشاء الله طلقت ووافق أصحاب الشافعي على هذا في
الصحيح من المذهب لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم، وان قال أنت طالق ان لم يشأ
الله أو لم يشأ الله وقع أيضا في الحال لأن وقع طلاقها إذا لم يشأ الله محال فلغت هذه الصفة ووقع
383

الطلاق ويحتمل أن لا يقع بناء على تعليق الطلاق على المحال مثل قوله أنت طالق ان جمعت بين الضدين
أو شربت الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه، وان قال أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم تطلق
دخلت أو لم تدخل لأنها ان دخلت فقد فعلت المحلوف عليه وان لم تدخل علمنا أن الله لم يشأه لأنه
لو شاءه لوجد فإن ما شاء الله كان وكذلك أن قال أنت طالق لا تدخلي الدار إن شاء الله لما ذكرنا،
وان أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق دون الدخول خرج فيه من الخلاف ما ذكرنا في المنجز
وان لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق
(فصل) فإن علق الطلاق على مستحيل فقال أنت طالق ان قتلت الميت أو شربت الماء الذي في الكوز
ولا ماء فيه أو جمعت بين الضدين أو كان الواحد أكثر من اثنين أو على ما يستحيل عادة كقوله ان
طرت أو صعدت إلى السماء أو قلبت الحجر ذهبا أو شربت هذا النهر كله أو حملت الجبل أو شاء الميت
ففيه وجهان: (أحدهما) يقع الطلاق في الحال لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ويمنع وقوعه في الحال
وفي الثاني فلم يصح كاستثناء الكل كما لو قالت أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو لا تنقص عدد طلاقك
(والثاني) لا يقع لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد ولان ما يقصد تبعيده يعلق على المحال كقوله:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب
384

أي لا آتيهم أبدا وقيل إن علقه على ما يستحيل عقلا وقع في الحال لأنه لا وجود له فلم تعلق به
الصفة وبقي مجرد الطلاق فوقع، وان علقه على مستحيل عادة كالطيران وصعود السماء لم يقع لأنه له
وجود وقد وجد جنس ذلك في معجزات الأنبياء عليهم السلام وكرامات الأولياء فجاز تعليق الطلاق
به ولم يقع قبل وجوده، فاما ان علق طلاقها على نفي فعل المستحيل فقال أنت طالق ان لم تقتلي الميت
أو تصعدي السماء طلقت في الحال لأنه علقه على عدم ذلك وعدمه معلوم في الحال وفي الثاني فوقع
الطلاق كما لو قال أنت طالق ان لم أبع عبدي فمات العبد وكذلك لو قال أنت طالق لأشربن الماء الذي
في الكوز ولا ماء فيه أو لأقتلن الميت وقع الطلاق في الحال لما ذكرناه، وحكى أبو الخطاب عن القاضي
أنه لا يقع طلاقه كما لو حلف ليصعدن السماء أو ليطيرن فإنه لا يحنث والصحيح أنه يحنث فإن الحالف على
فعل الممتنع كاذب حانث قال الله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا ببعث الله من يموت - إلى قوله -
وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ولو حلف على فعل متصور فصار ممتنعا حنث بذلك فلان يحنث
بكونه ممتنعا حال يمينه أولى
(فصل) وإذا حلف لا شربت من هذا النهر فاغترف منه وشرب حنث وان حلف لا شربت
من هذا الاناء فصب منه في إناء آخر وشرب وكان الاناء كبيرا لا يمكن الشرب به حنث أيضا، وإن كان
الشرب به ممكنا لم يحنث لأن الاناء الصغير آلة للشرب فتصرف يمينه إلى الشرب به بخلاف
385

النهر والاناء الكبير فإنه لا تتصرف يمينه إلا إلى الشرب من مائه ولو حلف لا يشرب من بردى فشرب
من نهر يأخذ منه لم يحنث وان حلف لا يشرب من ماء بردي فشرب من نهر يأخذ منه حنث، ذكر نحو
ذلك القاضي لأن بردى اسم لمكان خاص فإذا تجاوزه إلى مكان سواه فشرب منه فما شرب من بردي،
وإذا كانت يمينه على مائه فماؤه ماؤه حيث كان وأين نقل ولذلك لو حلف لا يأكل من تمر البصرة فأكله
في غيرها حنث وان اغترف من بردى باناء. ونقله إلى مكان آخر فشربه حنث في المسألتين جميعا
لأن اغتراف الماء من بردى، ولو حلف لا يشرب من ماء الفرات لم يحنث إلا بالشرب من ماء النهر
المعروف بالفرات، وان حلف لا يشرب من ماء فرات حنث بالشرب من كل ماء عذب لأنه إذا
عرفه بلام التعريف انصرف إلى النهر المعروف وإذا نكره صار للعموم فيتناول كل ما يسمى فراتا وكل
عذب فرات قال الله تعالى (وأسقيناكم ماء فراتا) وقال (وما يستوى البحران هذا عذب فرات وهذا ملح
أجاج) ومتى نوى يمينه المحتمل الآخر انصرف إليه ويقبل منه ذلك لأنه قريب لا تبعد إرادته
(فصل) ولو حلف لا يشتمه ولا يكلمه في المسجد ففعل ذلك في المسجد والمحلوف عليه في غيره
حنث وان فعله في غير المسجد والمحلوف عليه في المسجد لم يحنث ولو حلف لا يضر به ولا يشجه ولا
يقتله في المسجد ففعله والحالف في المسجد والمحلوف عليه في غيره لم يحنث، وإن كان الحالف في غير
المسجد والمحلوف عليه في المسجد حنث لأن الشتم والكلام قول يستقل به القائل فلا يعتبر فيه حضور
386

المشتوم فيوجد من الشاتم في المسجد وان لم يكن المشتوم فيه والكلام قول فهو كالشتم، وسائر الأفعال
المذكورة فعل متعد محله المضروب والمقتول والمشجوج فإذا كان محله في غير المسجد كان الفعل
في غيره فيعتبر محل المفعول به ولو حلف ليقتلنه يوم الجمعة فجرحه يوم الخميس ومات يوم الجمعة فقال
القاضي لا يحنث، وان جرحه يوم الجمعة فمات يوم السبت فقال يحنث لأنه لا يكون مقتولا حتى يموت
فاعتبر يوم موته لا يوم ضربه، ويتوجه أن يكون الحكم بالعكس في المسئلتين فيعتبر يوم جرحه لا يوم
موته لأن القتل فعل القاتل ولهذا يصح الامر به والنهي عنه، قال الله تعالى (اقتلوا المشركين - ولا
تقتلوا أولادكم) والأمر والنهي إنما يتوجه إلى فعل ممكن فعله وتركه وذلك فعل الآدمي من الجرح
ونحوه اما الزهوق ففعل الله لا يؤمر به ولا ينهى عنه، ولا سبيل للآدمي إلا إلى تعاطي سببه وهو شرط
في القتل فإذا وجد تبينا أن الفعل لتقضي إليه كان قتلا ولذلك جاز تقديم الكفارة بعد الجرح وقبل الزهوق
ولو حلف لأقتلنه فمات من جرح كان جرحه لم يبر، ولو حلف لا يقتله لم يحنث بذلك أيضا، ويحتمل
أن لا يبر حتى يوجد السبب والزهوق معا في يوم الجمعة لأن القتل لا يتم إلا بسببه وشرطه فاما بنسبته
إلى الشرط وحده دون السبب فبعيد
(فصل) إذا قال من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فبشرته إحداهن وهي صادقة طلقت
وان كانت كاذبة لم تطلق لأن التبشير خبر صدق يحصل به ما يغير البشرة من سرور أو غم، وان
387

أخبرته به أخرى لم نطلق لأن السرور إنما يحصل بالخبر الأول فإن كانت الأولى كاذبة والثانية صادقة
طلقت الثانية لأن السرور إنما يحصل بخبرها فكان هو البشارة، وان بشره بذلك اثنتان أو ثلاث
أو الأربع في دفعة واحدة طلقن كلهن لأن من تقع على الواحد فما زاد قال الله تعالى (فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل
صالحا نؤتها أجرها مرتين) ولو قال من أخبرتني بقدوم أخي فهي طالق فقال القاضي هو كالبشارة
لا تطلق الا المخبرة الأولى الصادقة دون غيرها لأن مراده خبر يحصل له به العلم بقدومه ولا يحصل
ذلك بكذب ولا بغير الأول
ويحتمل أن تطلق كل مخبرة صادقة كانت أو كاذبة أولا كان أو غيره لأن الخبر يكون صدقا
وكذبا وأولا ومكررا وهو اختيار أبي الخطاب والأول قول القاضي ومذهب الشافعي على نحو هذا التفصيل
(فصل) وان قال أول من تقوم منكن فهي طالق أو قال لعبيده أول من قام منكم فهو حر فقام
الكل دفعة واحدة لم يقع طلاق ولا عتق لأنه لا أول فيهم وان قام واحد أو واحدة ولم يقم بعده
أحد احتمل وجهين (أحدهما) يقع الطلاق والعتق لأن الأول ما لم يسبقه شئ وهذا كذلك (والثاني)
لا يقع طلاق ولا عتق لأن الأول ما كان بعده شئ ولم يوجد، فعلى هذا لا يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه
حتى يتبين من قيام أحد منهم بعده فتنحل يمينه وان قام اثنان أو ثلاثة دفعة واحدة وقام بعدهم آخر
388

وقع الطلاق والعتق بالجماعة الذين قاموا في الأول لأن الأول يقع على الكثير والقليل قال الله تعالى
(ولا تكونوا أول كافر به)
وحكي عن القاضي فيمن قال أول من يدخل من عبيدي فهو حر فدخل اثنان دفعة واحدة
ثم دخل بعدهما ثالث لم يعتق واحد منهم وهذا بعيد فإنهم قد دخل بعضهم بعد بعض ولا أول
فيهم وهذا لا يستقيم الا أن يكون قال أول من يدخل منكم وحده ولم يدخل بعد الثالث أحد فإنه
لو دخل بعد الثالث أحد عتق الثالث لكونه أول من دخل وحده وإذا لم يقل وحده فإن لفظة الأول
تتناول الجماعة كما ذكرنا وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أول من يدخل الجنة فقراء المهاجرين)
ولو قال: آخر من يدخل منكن الدار فهي طالق فدخل بعضهن لم يحكم بطلاق واحدة منهن
حتى يتبين من دخول غيرها بموته أو موتهن أو غير ذلك فنتبين وقوع الطلاق بآخرهن دخولا من
حين دخلت وكذلك الحكم في العتق
(فصل) وإذا حلف يمينا على فعل بلفظ عام وأراد به شيئا خاصا مثل ان حلف لا يغتسل الليلة
وأراد الجنابة أو لا قربت لي فراشا وأراد ترك جماعها أو قال إن تزوجت فعبدي حر وأراد امرأة
معينة أو قال إن دخل إلي رجل أو قال أحد فامرأتي طالق وأراد رجلا بعينه أو حلف لا يأكل خبزا
يريد خبز البر أو لا يدخل دار يريد دار فلان أو قال إن خرجت فأنت طالق يريد الخروج إلى
389

الحمام أو قال إن مشيت وأراد استطلاق البطن فإن ذلك يسمى مشيا قال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة (ثم
تستمشين) ويقال شربت مشيا ومشوا إذا شرب دواء يمشيه فإن يمينه في ذلك على ما نواه وبدين فيما
بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين، قال أحمد في الظهار فيمن قال لامرأته
ان قربت لي فراشا فأنت علي كظهر أمي فجاءت فقامت على فراشه فقال أردت الجماع لا يلزمه شئ
وقال الشافعي ومحمد بن الحسن لا يقبل قوله في الحكم في هذا كله لأنه خلاف الظاهر
ولنا انه فسر كلامه بما يحتمله فقبل كما لو قال أنت طالق أنت طالق وقال أردت بالثانية التوكيد
(فصل) وان حلف يمينا عامة لسبب خاص وله نية حمل عليها ويقبل قوله في الحكم لأن
السبب دليل على صدقه، وان لم ينو شيئا فقد روي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تختص بما وجد فيه
السبب، وذكره الخرقي فقال فإن لم يكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها فظاهر هذا ان يمينه
مقصورة على محل السبب، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة
وروي عن أحمد ما يدل على أن يمينه تحمل على العموم فإنه قال فيمن قال لله علي أن لا أصيد في هذا
النهر لظلم رآه فتغير حاله فقال النذر يوفى به وذلك لأن اللفظ دليل الحكم فيجب الاعتبار به في
الخصوص والعموم كما في لفظ الشارع
ووجه الأول ان السبب الخاص يدل على قصد الخصوص ويقوم مقام النية عند عدمها لدلالته
390

عليها فوجب أن يختص به اللفظ العام كالنية، وفارق لفظ الشارع فإنه يريد بيان الأحكام فلا يختص
بمحل السبب لكون الحاجة داعية إلى معرفة الحكم في غير محل السبب. فعلى هذا لو قامت امرأته
لتخرج فقال إن خرجت فأنت طالق فرجعت ثم خرجت بعد ذلك أو دعاه انسان إلى غدائه فقال
امرأتي طالق ان تغديت ثم رجع فتغدى في منزله لم يحنث على الأول ويحنث على الثاني، وان حلف
لعامل أن لا يخرج إلا باذنه أو حلف بذلك على امرأته أو مملوكه فعزل العامل وطلق المرأة وباع
المملوك أو حلف على وكيل فعزله خرج في ذلك كله وجهان
(فصل) وان قال إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لانسان إن دخل
دارك أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها فقال القاضي لا يحنث لأن قرينة حال المتكلم تدل على أنه إنما
يحلف على غيره ويمنع من سواه فيخرج هو من العموم بالقرينة ويخرج المخاطب من اليمين بها أيضا
ويحتمل أن يحنث أخذا بعموم اللفظ وإعراضا عن السبب كما في التي قبلها
(فصل) وإذا قال لامرأته إن وطئتك فأنت طالق انصرفت يمينه إلى جماعها، وقال محمد بن
الحسن يمينه على الوطئ بالقدم لأنه الحقيقة، وحكي عنه انه لو قال أردت به الجماع لم يقبل في الحكم
ولنا أن الوطئ إذا أضيف إلى المرأة كان في العرف عبارة عن الجماع ولهذا يفهم منه الجماع في
لفظ الشارع في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة)
391

فيجب حمله عند الاطلاق عليه كسائر الأسماء العرفية من الظعينة والرواية وأشباههما ولا يحنث حتى
تغيب الحشفة في الفرج، وان حلف ليجامعها أو لا يجامعها انصرف إلى الوطئ في الفرج ولم يحنث
بالجماع دون الفرج وان أنزل لأن مبنى الايمان على العرف والعرف ما قلناه
وان حلف لافتضضتك فاقتضها بإصبع لم يحنث لأن المعهود من إطلاق هذه اللفظة وطئ البكر
وان حلف على امرأة لا يملكها أن لا ينكحها فيمينه على العقد لأن إطلاق النكاح ينصرف إليه وإن كان
مالكا لها بنكاح أو ملك يمين فهو على وطئها لأن قرينة الحال صارفة عن العقد عليها لكونها معقودا عليها
(فصل) وان قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق ثم نهاها فخالفته فقال أبو بكر لا يحنث وهو
قول الشافعي لأنها خالفت نهيه لا أمره، وقال أبو الخطاب يحنث إذا قصد أن لا تخالفه أو لم يكن ممن
يعرف حقيقة الأمر والنهي لأنه إذا كان كذلك فإنما يريد نفي المخالفة، ويحتمل أن تطلق بكل حال لأن
الامر بالشئ نهي عن ضده والنهي عنه أمر بضده فقد خالفت أمره، وان قال لها إن نهيتني عن نفع
أمي فأنت طالق فقالت له لا تعطها من مالي شيئا لم يحنث لأن إعطاءها من مالها لا يجوز ولا يجوز النفع
به فيكون هذا النفع محرما فلا يتناوله يمينه. ويحتمل أن يحنث لأنه نفع ولفظه عام فيدخل المحرم فيه
(فصل) فإن قال لامرأته إن خرجت إلى غير الحمام فأنت طالق فخرجت إلى غير الحمام طلقت
سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل، وان خرجت إلى الحمام ثم عدلت إلى غيره فقياس المذهب أنه
392

يحنث لأن ظاهر هذه اليمين المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث كما لو خالفت لفظه،
ويحتمل أن لا يحنث وهو قول الشافعي لأنها لم تفعل ما حلف عليه ويتناوله لفظه، وان خرجت إلى
الحمام وغيره وجمعتهما في القصد ففيه وجهان (أحدهما) يحنث لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم
إليه غيره فحنث بما حلف عليه كما لو حلف لا يكلم زيدا فكلم زيدا وعمرا (الثاني) لا يحنث لأنها ما خرجت
إلى غير الحمام بل الخروج مشترك ونقل الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل إذا حلف بالطلاق أن
لا يخرج من بغداد إلا لنزهة فخرج إلى النزهة ثم مر إلى مكة فقال النزهة لا تكون إلى مكة فظاهر
هذا أنه أحنثه ووجهه ما تقدم، وقال في رجل حلف بالطلاق ان لا يأتي أرمينية إلا باذن امرأته فقالت
امرأته اذهب حيث شئت فقال لا حتى تقول إلى أرمينية والصحيح أنه متى أذنت له اذنا عاما لم يحنث قال
القاضي وهذا من كلام احمد محمول على أن هذا خرج مخرج الغضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قلبها
كان اذنا منها وله الخروج، وإن كان بلفظ عام
(فصل) فإن حلف ليرحلن من هذه الدار أو ليخرجن من هذه المدينة ففعل ثم عاد إليها لم
يحنث إلا أن تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي عدم الرجوع إليها لأن الحلف على الخروج والرحيل
وقد فعلهما وقد نقل عنه إسماعيل بن سعيد إذا حلف على رجل أن يخرج من بغداد فخرج ثم رجع قد
مضت يمينه لا شئ عليه ونقل عنه مثنى بن جامع فيمن قال لامرأته أنت طالق إن لم نرحل من هذه
393

الدار ان لم يدركه الموت ولم ينو شيئا هي إلى أن تموت فإن رحل لم يرجع ومعنى هذا أنه ان أدركه
الموت قبل امكان الرحيل لم يحنث، وان أمكنه الرحيل فلم يفعل لم يحنث حتى يموت أحدهما فيقع
بها لطلاق في آخر أوقات الامكان، وأما قوله ان رحل لم يرجع فمحمول على من كان ليمينه سبب
يقتضي هجران الدار على الدوام ونقل مهنا في رجل قال لامرأته ان وهبت كذا فأنت طالق فإذا
هي قد وهبت قال أخاف أن يكون قد حنث قال القاضي هذا محمول على أنه قال إن كنت وهبته والا
فلا يحنث حتى تبتدئ هبته لأن اليمين تقتضي فعلا مستقبلا يحنث به وما فعلت ما حلف عليه بعد يمينه
ونقل عنه أيضا في رجل قال لامرأته ان رأيتك تدخلين الدار فأنت طالق فهو على نيته ان أراد أن
لا تدخلها حنث، وإن كان نوى إذا رآها لم يحنث حتى يراها تدخل وهو كما قال فإن مبنى اليمين على
النيات سيما والرؤية تطلق على العلم كقول الله تعالى (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) ونحوه ومتى لم تكن
له نية ولا سبب هناك يدل على إرادته مع الدخول بمجرده لم يحنث حتى يراها تدخل الدار لأنه الذي
تناوله لفظه ونقل عنه المروزي في رجل أقرض رجلا دراهم فحلف أن لا يقبلها، وكان الرجل ميتا تعطى الورثة
يعني إذا مات الحالف يوفى الورثة ولا يبرأ بيمينه لأنها ليست إبراء فلا يسقط الحق بها
(فصل) ولو قال امرأتي طالق ان كنت أملك الا مائة وكان يملك أكثر من مائة أو أقل حنث فإن نوى
اني لا أملك أكثر من مائة لم لم يحنث بملك ما دونها وان قال إن كنت أملك أكثر من مائة فامرأتي طالق
وكان يملك أقل من المائة لم يحنث لأنه صادق
394

(فصل) فإن قال لامرأته يا طالق أنت طالق إن دخلت الدار طلقت واحدة بقوله يا طالق وبقيت
أخرى معلقة بدخول الدار، ولو قال أنت طالق ثلاثا يا طالق ان دخلت الدار فإن كانت له نية رجع
إليها وإلا وقعت واحدة بالنداء وبقيت الثلاث معلقة على دخول الدار وكذا لو قال أنت طالق يا زانية
ان دخلت الدار وعاد الشرط إلى الطلاق دون القذف، وقال محمد بن الحسن يرجع الشرط إليهما في
المسئلتين فلا يقع بها في الحال شئ، والأولى أن يرجع الشرط إلى الخبر الذي يصح فيه التصديق
والتكذيب وجرت العادة بتعليقه بالشرط بخلاف النداء والقذف الذي لا يوجد ذلك فيه
(فصل) فإن قال لامرأته أنت طالق مريضة بالنصب أو الرفع ونوى به وصفها بالمرض في الحال
طلقت في الحال، وإن نوى به أنت طالق في حال مرضك لم تطلق حتى تمرض لأن هذا حال والحال
مفعول فيه كالظرف ويكون الرفع لحنا لأن الحال منصوب وان أطلق ونصب انصرف إلى الحال لأن
مريضة اسم نكرة جاء بعد تمام الكلام وصفا لمعرفة فيكون حالا، وان رفع فالأولى وقوع الطلاق في
الحال ويكون ذلك وصفا لطالق الذي هو خبر المبتدا وان أسكن احتمل وجهين
(أحدهما) وقوع الطلاق في الحال لأن قوله أنت طالق يقتضي وقوع الطلاق في الحال فقد تيقنا
وجود المقتضي وشككنا فيما يمنع حكمه فلا نزول عن اليقين بالشك
395

(والثاني) لا يقع الا في حال مرضها لأن ذكره للمرض في سياق الطلاق يدل على تعليقه به وتأثيره
فيه ولا يؤثر فيه إلا إذا كان حالا
(مسألة) قال وإذا قال أنت طالق إذا قدم فلان فقدم به ميتا أو مكرها لم تطلق)
أما إذا قدم به ميتا أو مكرها محمولا فلا تطلق لأنه لم يقدم إنما قدم به وهذا قول الشافعي، ونقل
عن أبي بكر أنه يحنث لأن الفعل ينسب إليه ولذلك يقال دخل الطعام البلد إذا حمل إليه، ولو قال أنت
طالق إذا دخل الطعام البلد طلقت إذا حمل إليه
ولنا أن الفعل ليس منه والفعل لا ينسب إلى غير فاعله الا مجازا والكلام عند اطلاقه لحقيقته إذا
أمكن، وأما الطعام فلا يمكن وجود الفعل منه حقيقة فتعين حمل الدخول فيه على مجازه، وأما إن قدم
بنفسه لاكراه فعلى قول الخرقي لا يحنث وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وقال أبو بكر يحنث
وحكاه عن أحمد لأن الفعل منه حقيقة وينسب إليه قال الله تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم
زمرا حتى إذا جاءوها) ويصح أمر المكره بالفعل قال الله تعالى (أدخلوا أبواب جهنم) ولولا أن
الفعل يتحقق منه لما صح أمره ووجه الأول أنه بالاكراه زال اختياره فإذا وجدت الصفة منه كان
كوجود الطلاق منه مكرها وهذا فيما إذا أطلق وإن كانت له نية حمل عليها كلامه وتقيد بها
396

(فصل) وإن قدم مختارا حنث الحالف سواء علم القادم باليمين أو جهلها، قال أبو بكر الخلال
يقع الطلاق قولا واحدا، وقال أبو عبد الله بن حامد إن كان القادم ممن لا يمتنع من القدوم بيمينه
كالسلطان والحاج والرجل الأجنبي حنث الحالف ولا يعتبر علمه ولا جهله، وإن كان ممن يمتنع باليمين
من القدوم كقرابة لهما أو لأحدهما أو غلام لأحدهما فجهل اليمين أو نسيها فالحكم فيه كما لو حلف على
فعل نفسه ففعله ناسيا أو جاهلا وفي ذلك روايتان كذلك ههنا وذلك لأنه إذا لم يكن ممن تمنعه اليمين
كان تعليقا للطلاق على صفة ولم يكن يمينا فأشبه ما لو علقه على طلوع الشمس، وإن كان ممن يمتنع كان
يمينا فيعذر فيها بالنسيان والجهل وينبغي أن تعتبر على هذا القول نية الحالف وقرائن أحواله الدالة
على قصده فإن كان قصده بيمينه منع القادم من القدوم كان يمينا وإن كان قصده جعله صفة في طلاقها
مطلقة لم يكن يمينا ويستوي فيه علم القادم وجهله ونسيانه وجنونه وإفاقته مثل أن يقصد طلاقها إذا
حصل معها محرمها ولا يطلقها وحدها وتعتبر قرائن الأحوال فمتى علق اليمين على قدوم غائب بعيد يعلم
أنه لا يعلم اليمين ولا يمتنع بها أو على فعل صغير أو مجنون أو من لا يمتنع بها لم تكن يمينا، وإن علق
ذلك على فعل حاضر يعلم بيمينه ويمتنع لأجلها عن فعل ما علق الطلاق عليه كان يمينا ومتى أشكلت
الحال فينبغي أن يقع الطلاق لأن لفظه يقتضي وقوع الطلاق عند وجود هذه الصفة على العموم وإنما
ينصرف عن ذلك بدليل فمتى شككنا في الدليل المخصص وجب العمل بمقتضى العموم
397

(فصل) فإن قال إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فانفلت الصبي بغير اختيارها فخرج
فإن كان نوى أن لا يخرج فقد حنث وان نوى أن لا تدعه لم يحنث نص أحمد على معنى هذا وذلك
لأن اليمين إذا وقعت على فعلها فقد فعل الخروج عن غير اختيار منها فكانت كالمكره إذا لم يمكنها
حفظه ومنعه، وان نوى فعله فقد وجد وحنث وان لم تعلم نيته انصرفت يمينه إلى فعلها لأنه الذي
تناوله لفظه فلا يحنث الا إذا خرج بتفريطها في حفظه أو اختيارها
(فصل) فإن حلف لا تأخذ حقك مني فأكره على دفعه إليه وأخذه منه قهرا حنث لأن المحلوف
عليه فعل الاخذ وقد أخذه مختارا، وان أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الوجهين فيمن أكره
على القدوم، وان وضعه الحالف في حجره أو بين يديه أو إلى جنبه فلم يأخذه لم يحنث لأن الاخذ
ما وجد وان أخذه الحاكم أو السلطان من الغريم فدفعه إلى المستحق فأخذه فقال القاضي لا يحنث وهو
مذهب الشافعي لأنه ما أخذه منه، وان قال لا تأخذ حقك علي حنث لأنه قد أخذ حقه الذي عليه
والمنصوص عن أحمد أنه يحنث في الصورتين قاله أبو بكر وهو الذي يقتضيه مذهبه لأن الايمان عنده
على الأسباب لا على الأسماء، ولأنه لو وكل وكيلا فأخذه منه كان آخذ الحقه منه عرفا ويسمى آخذا
قال الله تعالى (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) وقال (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني
عشر نقيبا) وان كانت اليمين من صاحب الحق فحلف لا أخذت حقي منك فالتفريع فيها كالتي قبلها
398

فإن تركها الغريم في أثناء متاع في خرج ثم دفع الخرج إلى الحالف فأخذه ولم يعلم أنها فيه لم يحنث لأن
هذا ليس بمعدود أخذا ولا يبرأ به الغريم منها فإن كانت اليمين لا أعطيتك حقك فأخذه الحاكم منه
كرها فدفعه إلى الغريم لم يحنث، وان أكرهه على دفعه إليه فدفعه خرج على الوجهين في المكره، وان
أعطاه باختياره حنث، وان وضعه في حجره أو جيبه أو صندوقه وهو يعلم حنث لأنه أعطاه، وان
دفعه إلى الحاكم اختيارا ليدفعه إلى الغريم فدفعه أو أخذه من ماله باختياره فدفعه إلى الغريم حنث
وقال القاضي لا يحنث وقياس المذهب أنه يحنث لأنه أوصله إليه مختارا فأشبه ما لو دفعه إلى وكيله فأعطاه
إباه ولان الايمان على الأسباب لا على الأسماء على ما ذكرناه فيما مضى
(فصل) فإن قال إن رأيت أباك فأنت طالق فرأته ميتا أو نائما أو مغمى عليه أو رأته من خلف
زجاج أو جسم شفاف طلقت لأنها رأته وان رأت خياله في ماء أو مرآة أو صورته على حائط أو غيره
لم تطلق لأنها لم تره، وان أكرهت على رؤيته خرج على الوجهين
* (مسألة) * قال (وإذا قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق لزمه تطليقتان الا أن
يكون أراد بالثانية افهامها أن قد وقعت بها الأولى فتلزمه واحدة وان كانت غير مدخول
بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها لأنه ابتداء كلام)
وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته المدخول بها أنت طالق مرتين ونوى بالثانية ايقاع طلقة ثانية
399

وقعت بها طلقتان بلا خلاف، وان نوى بها افهامها أن الأولى قد وقعت بها أو التأكيد لم تطلق الا
واحدة وان لم تكن له نية رقع طلقتان وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو الصحيح من قولي الشافعي، وقال
في الآخر تطلق واحدة لأن التكرار يكون للتأكيد والافهام ويحتمل الايقاع فلا توقع طلقة بالشك
ولنا أن هذا اللفظ للايقاع ويقتضي الوقوع بدليل ما لو لم يتقدمه مثله وإنما ينصرف عن ذلك
بنية التأكيد والافهام فإذا لم يوجد ذلك وقع مقتضاه، كما يجل العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد
المخصص وبالاطلاق في المطلق إذا لم يوجد المفيد، فأما غير المدخول بها فلا تطلق الا طلقة واحدة
سواء نرى الايقاع أو غيره وسواء قال ذلك منفصلا أو متصلا وهذا قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
وعكرمة والنخعي وحماد بن أبي سليمان والحكم والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبي عبيد وابن المنذر
وذكره الحكم عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود، وقال مالك والأوزاعي والليث يقع بها تطليقتان،
وان قال ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا إذا كان متصلا لأنه طلق ثلاثا بكلام متصل أشبه قوله أنت طالق ثلاثا
ولنا انه طلاق مفرق في غير المدخول بها فلم تقع الأولى كما لو فرق كلامه ولان غير المدخول بها
تبين بطلقة لأنه لا عدة عليها فتصادفها الطلقة الثانية بائنا فلم يمكن وقوع الطلاق بها لأنها غير زوجة وإنما
تطلق الزوجة ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم فيكون اجماعا
(فصل) فإن قال أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية ولم يقبل
400

قوله نويت التوكيد لأن التوكيد تابع للكلام فشرطه أن يكون متصلا به كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل
(فصل) وكل طلاق يترتب في الوقوع ويأتي بعضه بعد بعض لا يقع بغير المدخول بها منه أكثر
من طلقة واحدة لما ذكرناه ويقع بالمدخول بها ثلاث إذا أوقعها مثل قوله أنت طالق فطالق فطالق
أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق أو أنت طالق ثم طالق وطالق أو فطالق وأشباه ذلك لأن هذه
حروف تقتضي الترتيب فتقع بها الأولى فتبينها فتأتي الثانية فتصادفها بائنا غير زوجة فلا تقع بها، وأما
المدخول بها فتأتي الثانية فتصادف محل النكاح فتقع وكذلك الثالثة، وكذلك لو قال أنت طالق بل
طالق وطالق ذكره أبو الخطاب
ولو قال أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعد طلقة أو بعدها طلقة أو طلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة
وقع بغير المدخول بها طلقة وبالمدخول بها طلقتان لما ذكرنا من أن هذا يقتضي طلقة بعد طلقة
(فصل) وان قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك ذكره القاضي وهذا ظاهر مذهب الشافعي
وقال بعضهم لا يقع بغير المدخول بها شئ بناء على قولهم في المسألة السريجية، وقال أبو بكر يقع طلقتان
وهو قول أبي حنيفة لأنه استحال وقوع الطلقة الأخرى قبل الطلقة الموقعة فوقعت معها لأنها لما
تأخرت عن الزمن الذي قصد إيقاعها فيه لكونه زمنا ماضيا وجب إيقاعها في أقرب الأزمنة إليه
401

وهو معها ولا يلزم تأخرها إلى ما بعدها لأن قبله زمن يمكن الوقوع فيه وهو زمن قريب فلا يؤخر
إلى البعيد مع إمكان القريب
ولنا ان هذا طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه كما لو قال طلقة بعد طلقة ولا
يمتنع أن يقع المتأخر في لفظه متقدما كما لو قال طلقة بعد طلقة أو قال أنت طالق طلقة غدا وطلقة اليوم
ولو قال جاء زيد بعد عمرو أو جاء زيد وقبله عمرو أو اعط زيدا بعد عمرو كان كلاما صحيحا يفيد
تأخير المتقدم لفظا عن المذكور بعده وليس هذا طلاقا في زمن ماض وإنما يقع إيقاعه في المستقبل
مرتبا على الوجه الذي رتبه ولو قدر ان إحداهما موقعة في زمن ماض لامتنع وقوعها وحدها ووقعت
الأخرى وحدها وهذا تعليل القاضي لكونه لا يقع الا واحدة والأول من التعليل أصح إن شاء الله تعالى
(فصل) فإن قال أنت طالق طلقة معها طلقة وقع بها طلقتان وان قال معها اثنتان وقع بها ثلاث
في قياس المذهب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي. وقال أبو يوسف يقع طلقة لأن الطلقة إذا
وقعت مفردة لم يمكن أن يكون معها شئ
ولنا انه أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهن معا فوقعن كلهن كما لو قال أنت طالق ثلاثا،
ولا نسلم ان الطلقة تقع مفردة فإن الطلاق لا يقع بمجرد التلفظ به إذ لو وقع بذلك لما صح تعليقه بشرط
ولا صح وصفه بالثلاث ولا بغيرها، وكذلك الحكم لو قال إذا طلقتك فأنت طالق معها طلقة ثم قال
أنت طالق فإنها تطلق طلقتين لما ذكرنا
402

(فصل) فإن قال أنت طالق طلقة بعدها طلقة ثم قال أردت اني أوقع بعدها طلقة دين وهل
يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين، وان قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقال أردت اني طلقتها
قبل هذا في نكاح آخر أو ان زوجا قبلي طلقها دين وهل يقبل في الحكم؟ على ثلاثة أوجه (أحدها)
يقبل (والآخر) لا يقبل (والثالث) يقبل إن كان وجد وان لم يكن وجد لم يقبل والصحيح انه إذا لم
يكن وجد لا يقبل لأنه لا يحتمل ما قاله
(فصل) فإن قال أنت طالق طالق طالق وقال أردت التوكيد قبل منه لأن الكلام يكرر للتوكيد
كقوله عليه السلام (فنكاحها باطل باطل باطل) وان قصد الايقاع وكرر الطلقات طلقت ثلاثا،
وان لم ينو شيئا لم يقع إلا واحدة لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة فلا يكن متغايرات، وان
قال أنت طالق وطالق وطالق وقال أردت بالثانية التأكيد لم يقبل لأنه غاير بينها وبين الأولى
بحرف يقتضي العطف والمغايرة وهذا يمنع التأكيد وأما الثالثة فهي كالثانية في لفظها، فإن قال أردت بها
التوكيد دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين (إحداهما) يقبل وهي مذهب الشافعي لأنه كرر
لفظ الطلاق مثل الأول فقبل تفسيره بالتأكيد كما لو قال أنت طالق أنت طالق
(والثانية) لا يقبل لأن حرف العطف للمغايرة فلا يقبل ما يخالف ذلك كما لا يقبل في الثانية ولو
قال أنت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو، وان
403

غاير بين الحروف فقال أنت طالق وطالق ثم طالق أو طالق ثم طالق وطالق أو طالق وطالق فطالق
ونحو ذلك لم يقبل في شئ منها إرادة التوكيد لأن كل كلمة مغايرة لما قبلها مخالفة لها في لفظها والتوكيد إنما
يكون بتكرير الأول بصورته
(فصل) ولو قال أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة وقال أردت التوكيد بالثانية والثالثة
قبل لأنه لم يغاير بينهما بالحروف الموضوعة المغايرة بين الألفاظ بل أعاد اللفظة بمعناها ومثل هذا
يعاد توكيدا وان قال أنت مطلقة ومسرحة ومفارقة وقال أردت التوكيد احتمل أن يقل منه لأن اللفظ
المختلف يعطف بعضه على بعض توكيدا كقوله * فألفى قولها كذبا ومينا * ويحتمل أن لا يقبل لأن
الواو تقتضي المغايرة فأشبه ما لو كان بلفظ واحد
(مسألة) قال (وإذا قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق وطالق لزمه الثلاث
لأنه نسق وهو مثل قوله أنت طالق ثلاثا)
وبهذا قال مالك والأوزاعي والليث وربيعة وابن أبي ليلى وحكي عن الشافعي في القديم ما يدل
عليه، وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور لا يقع إلا واحدة لأنه أوقع الأولى قبل الثانية
فلم يقع عليها شئ آخر كما لو فرقها
ولنا أن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها فتكون موقعا للثلاث جميعا فيقعن عليها كقوله أنت
404

طالق ثلاثا أو طلقة معها طلقتان، ويفارق ما إذا فرقها فإنها لا تقع جميعا وكذلك إذا عطف بعضها
على بعض بحرف يقتضي الترتيب فإن الأولى تقع قبل الثانية بمقتضى إيقاعه وههنا لا تقع الأولى حين
نطقه بها حتى يتم كلامه بدليل أنه ألحقه استثناء أو شرطا أو صفة لحق به ولم يقع الأول مطلقا ولو
كان يقع حين تلفظه لم يلحقه شئ من ذلك، وإذا ثبت أنه يقف وقوعه على تمام الكلام فإنه يقع
عند تمام كلامه على الوجه الذي اقتضاه لفظه، ولفظه يقتضي وقوع الطلقات الثلاث مجتمعان وهو
معنى قول الخرقي لأنه نسق أي غير مفترق، فإن قيل إنما وقف أول الكلام على آخره مع الشرط
والاستثناء لأنه مغير له، والعطف لا يغير فلا يقف عليه ونتبين أنه وقع أول ما لفظ به ولذلك لو قال
لها أنت طالق أنت طالق لم يقع إلا واحدة، قلنا ما لم يتم الكلام فهو عرضة للتغيير اما بما يخصه بزمن
أو يقيده بقيد كالشرط واما بما يمنع بعضه كالاستثناء واما بما يبين عدد الواقع كالصفة بالعدد وأشباه
هذا فيجب أن يكون واقعا ولولا ذلك لما وقع بغير المدخول بها ثلاث بحال لأنه لو قال لها أنت طالق
ثلاثا فوقعت بها طلقة قبل قوله ثلاثا لم يمكن أن يقع بها شئ آخر، وأما إذا قال أنت طالق أنت
طالق فهاتان جملتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى ولو تعقب إحداهما شرط أو استثناء أو صفة لم يتناول
الأخرى ولا وجه لوقوف إحداهما على الأخرى والمعطوف مع المعطوف عليه شئ واحد لو تعقبه شرط لعاد
إلى الجميع، ولان المعطوف لا يستقل بنفسه ولا يفيد بمفرده بخلاف قوله أنت طالق فإنها جملة مفيدة لا تعلق
لها بالأخرى فلا يصح قياسها عليها
405

(فصل) فإن قال أنت طالق طلقتين ونصفا فهي عندنا كالتي قبلها يقع الثلاث، وقال مخالفونا
يقع طلقتان، وان قال إن دخلت الدار فأنت طالق وكرر ذلك ثلاثا فدخلت طلقت ثلاثا في قول
الجميع لأن الصفة وجدت فاقتضى وقوع الثلاث دفعة واحدة، وان قال إن دخلت الدار فأنت طالق
وطالق وطالق فدخلت الدار طلقت ثلاثا وبه قال أبو يوسف ومحمد وأصحاب الشافعي في أحد الوجهين
وقال أبو حنيفة يقع واحدة لأن الطلاق المعلق إذا وجدت الصفة يكون كأنه أوقعه في تلك الحال على صفته
ولو أوقعه كذلك لم يقع إلا واحدة
ولنا انه وجد شرط وقوع ثلاث طلقات غير مرتبات فوقع الثلاث كالتي قبلها، وان قال إذا
دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقتان فدخلت طلقت ثلاثا وذكر مثل هذا بعض أصحاب الشافعي
ولم يحك عنهم فيه خلافا
(فصل) وان قال لغير مدخول بها أنت طالق ثم طالق ثم طالق ان دخلت الدار، أو ان دخلت
الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو ان دخلت فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت واحدة
فبانت بها ولم يقع غيرها وبهذا قال الشافعي، وذهب القاضي إلى أنها تطلق في الحال واحدة تبين بها
وهو قول أبي حنيفة في الصورة الأولى لأن ثم تقطع الأولى عما بعدها لأنها للمهلة فتكون الأولى موقعة
والثانية معلقة بالشرط، وقال أبو يوسف ومحمد لا يقع حتى تدخل الدار فيقع بها ثلاث لأن دخول الدار
شرط لثلاث فوقعت كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق
406

ولنا أن ثم للعطف وفيها ترتيب فتعلقت التطليقات كلها بالدخول لأن العطف لا يمنع تعليق الشرط
بالمعطوف عليه ويجب الترتيب فيها كما يجب لو لم يعلقه بالشرط وفي هذا انفصال عما ذكروه ولان
الأولى تلي الشرط فلم يجز وقوعها بدونه كما لو لم يعطف عليها، ولأنه جعل الأولى جزاء للشرط وعقبه
إياها بفاء التعقيب الموضوعة للجزاء فلم يجز تقديمها عليه كسائر نظائره، ولأنه لو قال إن دخل زيد
داري فأعطه درهما لم يجز أن يعطيه قبل دخوله فكذا ههنا وما ذكروه تحكم ليس له شاهد في اللغة
ولا أصل في الشرع
(فصل) وإن قال لمدخول بها ان دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق لم يقع بها شئ حتى
تدخل الدار فتقع بها الثلاث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وذهب القاضي إلى وقوع طلقتين
في الحال وتبقى الثالثة معلقة بالدخول وهو ظاهر الفساد فإنه يجعل الشرط المتقدم للمعطوف دون
المعطوف عليه ويعلق به ما يعد عنه دون ما يليه ويجعل جزاء ما لم توجد فيه الفاء التي يجازى بها دون
ما وجدت فيه تحكما لا يعرف عليه دليل ولا نعلم له نظيرا، وإن قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق
فطالق فطالق فدخلت طلقت ثلاثا في قولهم جميعا
* (مسألة) * قال (وإذا طلق ثلاثا وهو ينوي واحدة فهي ثلاث)
وجملة ذلك أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة لا نعلم فيه
407

خلافا لأن اللفظ صريح في الثلاث والنية لا تعارض الصريح لأنها أضعف من اللفظ ولذلك لا نعمل بمجردها
والصريح قوي يعمل بمجرده من غير نية فلا يعارض القوي بالضعيف كما لا يعارض النص بالقياس
ولان النية إنما تعمل في صرف اللفظ إلى بعض محتملاته والثلاث نص فيها لا يحتمل الواحدة بحال
فإذا نوى واحدة فقد نوى ما لا يحتمله فلا يصح كما لو قال له علي ثلاثة دراهم وقال أردت واحدا
(مسألة) قال (وان طلق واحدة وهو ينوي ثلاثا فهي واحدة)
أما إذا قال أنت طالق واحدة ونوى الثلاث لم يقع إلا واحدة لأن لفظه لا يحتمل أكثر منها،
فإذا نوى ثلاثا فقد نوى مالا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر من ذلك لوقع بمجرد النية ومجرد النية لا يقع
بها طلاق، وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين يقع ثلاث لأنه يحتمل واحدة معها اثنتان وهذا
فاسد فإن قوله معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة فلا تعمل كما لو نوى
الطلاق من غير لفظ، وأما إذا قال أنت طالق ونوى ثلاثا فهذا فيه روايتان
(أحدهما) لا يقع الا واحدة وهو قول الحسن وعمرو بن دينار والثوري والأوزاعي وأصحاب
الرأي لأن هذا اللفظ لا يتضمن عددا ولا بينونة فلم تقع به الثلاث كما لو قال أنت طالق واحدة، بيانه
أن قوله أنت طالق اخبار عن صفة هي عليها فلم يتضمن العدد كقوله قائمة وحائض وطاهر
408

(والرواية الثانية) إذا نوى ثلاثا وقع الثلاث وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد وابن المنذر
لأنه لفظ لو قرن به لفظ الثلاث كان ثلاثا فإذا نوى به الثلاث كانا ثلاثا كالكنايات ولأنه نوى بلفظه
ما يحتمله فوقع ذلك به كالكناية وبيان احتمال اللفظ للعدد انه يصح تفسيره به فيقول أنت طالق ثلاثا
ولان قوله طالق اسم فاعل واسم الفاعل يقتضي المصدر كما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل
والكثير، وفارق قوله أنت حائض وطاهر لأن الحيض والطهر لا يمكن تعدده في حقها والطلاق يمكن تعدده
(فصل) فإن قال أنت طالق طلاقا ونوى ثلاثا وقع لأنه صرح بالمصدر والمصدر يقع على
القليل والكثير فقد نوى بلفظه ما يحتمله وان نوى واحدة فهي واحدة وان أطلق فهي واحدة لأنه
اليقين، وان قال أنت طالق الطلاق وقع ما نواه وان لم ينو شيئا فحكى فيها القاضي روايتين (إحداهما)
يقع الثلاث نص عليها أحمد في رواية مهنا لأن الألف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهو
ثلاث (والثانية) انها واحدة لأنه يحتمل أن تعود الألف واللام إلى معهود يريد الطلاق الذي أوقعته
ولان اللام في أسماء الأجناس تستعمل لغير الاستغراق كثيرا كقوله ومن أكره علي الطلاق - وإذا
عقل الصبي الطلاق - واغتسلت بالماء - وتيممت بالتراب - وقرأت العلم والحديث والفقه - هذا
مما يراد به ذلك الجنس ولا يفهم منه الاستغراق فعند ذلك لا يحمل على التعميم إلا بنية صارفة إليه،
وهكذا لو قال لامرأته أنت الطلاق فإن أحمد قال إن أراد ثلاثا فهي ثلاث وان نوى واحدة فهي
409

واحدة وان لم ينو شيئا فكلام أحمد يقتضي أن تكون ثلاثا لأنه قال أنت الطلاق فهذا قد بين أي
شئ بقي هي ثلاث، وهذا اختيار أبي بكر ويخرج فيها انها واحدة بناء على المسألة قبلها ووجه القولين
ما تقدم، ومما يبين انه يراد بها الواحدة قول الشاعر
فأنت الطلاق وأنت الطلاق * وأنت الطلاق ثلاثا تماما
فجعل المكرر ثلاثا ولو كان للاستغراق لكان ذلك تسعا
(فصل) ولو قال الطلاق يلزمني أو الطلاق لي لازم فهو صريح فإنه يقال لمن وقع طلاق لزمه الطلاق
وقالوا إذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه. ولعلهم أردوا لزمه حكمه فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف
إليه مقامه ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية وانغمرت الحقيقة فيه ويقع به ما نواه من واحدة
أو اثنتين أو ثلاث وان أطلق ففيه روايتان وجههما ما تقدم، وان قال علي الطلاق فهو بمثابة قوله:
الطلاق يلزمني لأن من لزمه شئ فهو عليه كالدين، وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع الطلاق ويخرج
فيه في حالة الاطلاق الروايتان هل هو ثلاث أو واحدة؟ والأشبه في هذا جميعه أن يكون واحدة
لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق ولهذا ينكر أحدهم أن يكون
طلق ثلاثا ولا يعتقد انه طلق إلا واحدة فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة فلا يريدون الا ما يعتقدونه
مقتضى لفظهم فيصير كأنهم نووا الواحدة
410

(فصل) وان قال أنت طالق للسنة طلقت واحدة في وقت السنة، وذهب أبو حنيفة إلى أنها
تطلق ثلاثا في ثلاثة قروء بناء منه على أن هذا هو السنة وقد بينا ان طلاق السنة طلقة واحدة في طهر
لم يصبها فيه، وان قال أنت طالق طلاق السنة وقعت بها واحدة في طهر لم يصبها فيه أيضا الا أن ينوي
الثلاث فتكون ثلاثا لأنه ذكر المصدر والمصدر يقع على الكثير والقليل بخلاف التي قبلها
(فصل) وان قال العجمي بهشتم لبسيار طلقت امرأته ثلاثا نص عليه أحمد لأن معناه أنت طالق
كثيرا، وان قال بهشتم فجسبت طلقت واحدة إلا أن ينوي ثلاثا فتكون ثلاثا، نص عليه
أحمد في رواية ابن منصور، وقال القاضي: يتخرج فيه روايتان بناء على قوله: أنت طالق
لأن هذا صريح وذاك صريح فهما سواء. والصحيح انه يقع ما نواه لأن معناها خليتك، وخليتك
يقع بها ما نواه وكذا ههنا وإنما صارت صريحة لشهرة استعمالها في الطلاق وتعينها له وذلك لا ينفى معناها ولا
يمنع العمل به إذا أراده وان قال فارقتك أو سرحتك ونوى واحدة أو أطلق فهي واحدة وان نوى ثلاثا فهي
ثلاث لأنه فعل يمكن أن يعبر به عن القليل والكثير وكذلك لو قال طلقتك
(فصل) ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق إلا في موضعين (أحدهما) من لا يقدر على الكلام
كالأخرس إذا طلق بالإشارة طلقت زوجته وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن
غيرهم خلافهم وذلك لأنه لا طريق إلى الطلاق إلا بالإشارة فقامت إشارته مقام الكلام من غير نية
411

كالنكاح فأما القادر فلا يصح طلاقه بالإشارة كما لا يصح نكاحه بها فإن أشار الأخرس بأصابعه الثلاث
إلى الطلاق طلقت ثلاثا لأن إشارته جرت مجرى نطق غيره ولو قال الناطق أنت طالق وأشار بأصابعه
الثلاث لم يقع الا واحدة لأن إشارته لا تكفي، وان قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث
طلقت ثلاثا لأن قوله هكذا تصريح بالتشبيه بالأصابع في العدد وذلك يصلح بيانا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
(الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وأشار بيده مرة ثلاثين ومرة تسعا وعشرين وان قال أردت الإشارة
بالإصبعين المقبوضتين قبل منه لأنه يحتمل ما يدعيه (الموضع الثاني) إذا كتب الطلاق فإن نواه طلقت زوجته
وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري والحكم وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي، وذكر
بعض أصحابه أن له قولا آخر أنه لا يقع به طلاق، وان نواه لأنه فعل من قادر على التطليق
فلم يقع به الطلاق كالإشارة
ولنا أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق فإذا أتى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه وقع كاللفظ
ولان الكتابة تقوم مقام قول الكاتب بدلالة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته فحصل ذلك
في حق البعض بالقول وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف ولان كتاب القاضي يقوم مقام
لفظه في اثبات الديون والحقوق فاما ان كتب ذلك من غير نية فقال أبو الخطاب قد خرجها القاضي
الشريف في الارشاد على روايتين (إحداهما) يقع وهو قول الشعبي والنخعي والزهري والحكم لما
412

ذكرنا (والثانية) لا يقع الا بنية وهو قول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي لأن الكتابة محتملة
فإنه يقصد بها تجربة القلم وتجويد الخط وغم الأهل فلم يقع من غير نية ككنايات الطلاق فإن نوى
بذلك تجويد خطه أو تجربة قلمه لم يقع لأنه لو نوى باللفظ غير الايقاع لم يقع فالكتابة أولى وإذا ادعى
ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى ويقبل أيضا في الحكم في أصح الوجهين لأنه يقبل ذلك في اللفظ
الصريح في أحد الوجهين فهنا مع أنه ليس بلفظ أولى، وان قال نويت غم أهلي فقد قال في رواية
أبي طالب فيمن كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق وقع، وان أراد أن يغم أهله فقد عمل في ذلك
أيضا يعني أنه يؤاخذ به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله عفا لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو
تعمل به) فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق لأن غم أهله يحصل بالطلاق فيجتمع غم أهله، ووقوع
طلاقه كما لو قال أنت طالق يريد به غمها ويحتمل أن لا يقع لأنه أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون
حقيقته فلا يكون ناويا للطلاق والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به أو الكلام،
وهذا لم ينو طلاقا فلا يؤاخذ به
(فصل) وان كتبه بشئ لا يبين مثل ان كتبه بإصبعه على وسادة أو في الهواء فظاهر كلام
احمد أنه لا يقع، وقال أبو حفص العكبري يقع، ورواه الأثرم عن الشعبي لأنه كتب حروف
الطلاق فأشبه ما لو كتبه بشئ يبين، والأول أولى لأن الكتابة التي لا تبين كالهمس بالفم بما
لا يتبين وثم لا يقع فههنا أولى
413

(فصل) إذا كتب لزوجته أنت طالق ثم استمد فكتب إذا أتاك كتابي أو علقه بشرط أو استثناء
وكان في حال كتابته للطلاق مريدا للشرط لم يقع طلاقه في الحال لأنه لم ينو الطلاق في الحال بل نواه
في وقت آخر، وإن كان نوى الطلاق في الحال غير معلق بشرط طلقت للحال وان لم ينو شيئا وقلنا إن
المطلق يقع به الطلاق نظرنا فإن كان استمداد لحاجة أو عادة لم يقع طلاق قبل وجود الشرط لأنه
لو قال أنت طالق ثم أدركه النفس أو شئ يسكته فسكت لذلك ثم أتى بشرط تعلق به فالكتابة أولى
وإن استمد لغير حاجة ولا عادة وقع الطلاق كما لو سكت بعد قوله أنت طالق لغير حاجة ثم ذكر
شرطا، وإن قال إنني كتبته مريدا للشرط فقياس قول أصحابنا أنها لا تطلق قبل الشرط الا أنه يدين
وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين بناء على قولهم فيمن قال أنت طالق ثم قال أردت تعليقه على شرط وان
كتب إلى امرأته أما بعد فأنت طالق طلقت في الحال سواء وصل إليها الكتاب أو لم يصل وعدتها من
حين كتبه، وان كتب إليها إذا وصلك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت عند وصوله إليها، وان
ضاع ولم يصلها لم تطلق لأن الشرط وصوله، وان ذهبت كتابته بمحو أو غيره ووصل الكاغد لم تطلق
لأنه ليس بكتاب وكذلك أن انطمس ما فيه لعرق أو غيره لأن الكتاب عبارة عما فيه الكتابة، وان
ذهبت حواشيه أو تخرق منه شئ لا يخرجه عن كونه كتابا ووصل باقيه طلقت لأن الباقي كتاب وان
تخرق بعض ما فيه الكتابة سوى ما فيه ذكر الطلاق فوصل طلقت لأن الاسم باق فينصرف الاسم إليه
414

وان تخرق ما فيه ذكر الطلاق فذهب ووصل باقيه لم تطلق لأن المقصود ذاهب فإن قال لها إذا أتاك
طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين لوجود
الصفتين في مجئ الكتاب فإن قال أردت إذا أتاك كتابي فأنت طالق بذلك الطلاق الذي علقته دين
وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين
(فصل) ولا يثبت الكتاب بالطلاق الا بشاهدين عدلين أن هذا كتابه، قال أحمد في رواية
حرب في امرأة أتاها كتاب زوجها بخطه وخاتمه بالطلاق لا تتزوج حتى يشهد عندها شهود عدول قيل
له فإن شهد حامل الكتاب؟ قال لا الا شاهدان فلم يقبل قول حامل الكتاب وحده حتى يشهد معه
غيره لأن الكتب المثبتة للحقوق لا تثبت الا بشاهدين ككتاب القاضي وظاهر كلام احمد أن الكتاب
يثبت عندها بشهادتها بين يديها وان لم يشهدا به عند الحاكم لأن أثره في حقها في العدة وجواز التزويج
بعد انقضائها وهذا معني يختص به لا يثبت به حق على الغير فاكتفى فيه بسماعها للشهادة، ولو شهد
شاهدان أن هذا خط فلان لم يقبل لأن الخط يشته به ويزور ولهذا لم يقبله الحاكم، ولو اكتفى بمعرفة
الخط لاكتفى بمعرفتها له من غير شهادة
وذكر القاضي أنه لا يصح شهادة الشاهدين حتى يشاهداه يكتبه ثم لا يغيب عنهما حتى يؤديا الشهادة
وهذا مذهب الشافعي والصحيح أن هذا ليس بشرط فإن كتاب القاضي لا يشترط فيه ذلك فهذا أولى
415

وقد يكون صاحب الكتاب لا يعرف الكتابة وإنما يستنيب فيها وقد يستنيب فيها من يعرفها بل متى
أتاها بكتاب وقرأه عليها وقال هذا كتابي كان لهما أن يشهدا به
(باب الطلاق بالحساب)
(مسألة) قال (وإذا قال لها نصفك طالق أو يدك أو عضو من أعضائك طالق أو
قال لها أنت طالق نصف تطليقة أو ربع تطليقة وقعت بها واحدة)
الكلام في هذه المسألة في فصلين: (أحدهما) أنه إذا طلق جزء منها (والثاني) إذا طلق جزءا من طلقة
فأما الأول فإنه متى طلق من المرأة جزءا من أجزائها الثابتة طلقت كلها سواء كان جزءا شائعا كنصفها
أو سدسها أو جزءا من الف جزء منها أو جزءا معينا كيدها أو رأسها أو أصبعها وهذا قول الحسن ومذهب
الشافعي وأبي ثور وابن القاسم صاحب مالك ومذهب أصحاب الرأي الا أنه ان أضافه إلى جزء شائع أو
واحد من أعضاء خمسة: الرأس، والوجه، والرقبة، والظهر، والفرج طلقت، وإن أضافه إلى جزء
معين غير هذه الخمسة لم تطلق لأنه جزء تبقى الجملة منه بدونه أو جزء لا يعبر به عن الجملة فلم تطلق
المرأة بإضافة الطلاق إليه كالسن والظفر
416

ولنا أنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع والأعضاء الخمسة
ولأنهما جملة لا تتبعض في الحل والحرمة وجد فيها ما يقتضي التحريم والإباحة تغلب فيها حكم التحريم
كما لو اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد، وفارق ما قاسوا عليه فإنه ليس بثابت والشعر والظفر ليس
بثابت فإنهما يزولان ويخرج غيرهما ولان ينقض مسهما الطهارة
(الفصل الثاني) إذا طلقها نصف تطليقة أو جزءا منها، وان قل فإنه يقع بها طلقة كاملة في قول
عامة أهل العلم الا داود قال: لا تطلق بذلك قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على
أنها تطلق بذلك منهم الشعبي والحارث العكلي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد
قال أبو عبيد وهو قول مالك وأهل الحجاز والثوري وأهل العراق وذلك لأن ذكر بعض ما لا
يتبعض ذكر لجميعه كما لو قال نصفك طالق
(فصل) فإن قال أنت طالق نصفي طلقة وقعت طلقة لأن نصفي الشئ كله، وان قال ثلاثة
أنصاف طلقة طلقت طلقتين لأن ثلاثة أنصاف طلقة ونصف فكمل النصف فصار طلقتين، وهذا
وجه لأصحاب الشافعي ولهم رجا آخر انها لا تطلق إلا واحدة لأنه جعل الانصاف من طلقة واحدة
فيسقط ما ليس منها وتقع طلقة ولا يصح لأن إسقاط لطلاق الموقع من الأهل في المحل لا سبيل إليه
وإنما الإضافة لي الطلقة الواحدة غير صحيح فلغت لإضافة
417

وان قال أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة، وذكر أصحاب
الشافعي وجها اخر انه يقع طلقتان لأن اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل وما ذكرناه
أولى لأن التنصيف يتحقق به وفيه عمل باليقين وإلغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة فكان أولى
وان قال أنت طالق نصفي طلقتين وقعت طلقتان لأن نصفي الشئ جميعه فهو كما لو قال أنت
طالق طلقتين. وان قال أنت طالق نصف ثلاث طلقات طلقت طلقتين لأن نصفها طلقة ونصف
ثم يكمل النصف فتصير طلقتين
(فصل) وان قال أنت طالق نصف وثلث وسدس طلقة وقعت طلقة لأنه أجزاء الطلقة، ولو
قال: أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فقال أصحابنا يقع ثلاث لأنه عطف جزءا
من طلقة على جزء من طلقة فظاهره انها طلقات متغايرة ولأنها لو كانت الثانية هي الأولى لجابها بلام
التعريف فقال ثلث الطلقة وسدس الطلقة فإن أهل العربية قالوا إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكرا فالثاني
غير الأول وان أعيد معرفا بالألف واللام فالثاني هو الأول كقوله تعالى (ان مع العسر يسرا * ان مع
العسر يسرا) فالعسر الثاني هو الأول لإعادته معرفا واليسر الثاني غير الأول لإعادته منكرا ولهذا
قيل لن يغلب عسر يسرين، وقيل لو أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير لأنه الأولى
وان قال أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة طلقت طلقة لأنه لم يعطف بواو العطف
418

فيدل على أن هذه الاجزاء من طلقة غير متغايرة ولأنه يكون الثاني ههنا بدلا من الأول والثالث
من الثاني والبدل هو المبدل أو بعضه فلم يقتض المغايرة، وعلى التعليل لو قال أنت طالق طلقة
نصف طلقة أو طلقة طلقة لم تطلق الا طلقة، فإن قال أنت طالق نصفا وثلثا وسدسا لم يقع إلا طلقة لأن
هذه أجزاء الطلقة الا أن يريد من كل طلقة جزءا فتطلق ثلاثا
ولو قال أنت طالق نصفا وثلثا وربعا طلقت طلقتين لأنه يزيد على الطلقة نصف سدس ثم يكمل
وان أراد من كل طلقة جزءا طلقت ثلاثا، وان قال أنت طلقة أو أنت نصف طلقة أو أنت نصف
طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو أنت نصف طالق وقع بها طلقة بناء على قولنا في أنت الطلاق
أنه صريح في الطلاق وههنا مثله
(فصل) فإن قال لأربع نسوة له أوقعت بينكن طلقة طلقت كل واحدة منهن طلقة كذلك قال الحسن
والشافعي وابن القاسم وأبو عبيد وأصحاب الرأي لأن اللفظ اقتضى قسمها بينهن لكل واحدة ربعها ثم تكملت
وان قال بينكن طلقة فكذلك نص عليه احمد لأن معناه أوقعت بينكن طلقة، وان قال أوقعت بينكن
طلقتين وقع بكل واحدة طلقة ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وقال أبو بكر والقاضي
تطلق كل واحدة طلقتين، ويروى عن أحمد ما يدل عليه فإنه روي عنه في رجل قال أوقعت بينكن
419

ثلاث تطليقات ما أرى الا قد بن منه لأننا إذا قسمنا كل طلقة بينهن حصل لكل واحدة جرآن من
طلقتين ثم تكمل والأول أولى لأنه لو قال أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة ويكمل نصيبها من
الطلاق في واحدة فيكون لكل واحدة نصف ثم يكمل طلقة واحدة، وإنما يقسم بالاجزاء مع الاختلاف
كالدور ونحوها من المختلفات أما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فإنما تقسم برؤوسها ويكمل نصيب كل
واحد من واحد كاربعة لهم درهمان صحيحان فإنه يجعل لكل واحد نصف من درهم واحد والطلقات
لا اختلاف فيها ولان فيما ذكرناه أخذا باليقين فكان أولى من ايقاع طلقة زائدة بالشك، فإن أراد
قسمة كل طلقة بينهن فهو على ما قال أبو بكر، وان قال أوقعت بينكن ثلاث طلقات أو أربع طلقات
فعلى قولنا تطلق كل واحدة طلقة وعلى قولهما يطلقن ثلاثا ثلاثا، وان قال أوقعت بينكن خمس
طلقات وقع بكل واحدة طلقتان كذلك قال الحسن وقتادة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي
لأن نصيب كل واحدة طلقة وربع ثم تكمل، وكذلك أن قال ستا أو سبعا أو ثمانيا، وان قال أوقعت
بينكن تسعا طلقن ثلاثا ثلاثا
(فصل) فإن قال أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة وقع بكل واحدة منهن ثلاث لأنه لما عطف
وجب قسم كل طلقة على حدتها ويستوي في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب لأن الواو
لا تقتضي ترتيبا، وان قال أوقعت بينكن نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فكذلك لأن هذا
420

يقتضي وقوع ثلاث على ما قدمنا، وان قال أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة أو طالقة ثم طلقة ثم طلقة
أو أوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة طلقن ثلاثا الا التي لم يدخل بها فإنها لا تطلق
الا واحدة لأنها بانت بالأولى فلم يلحقها ما بعدها
(فصل) فإن قال لنسائه أنتن طوالق ثلاثا أو طلقتكن ثلاثا طلقن ثلاثا ثلاثا نص عليه احمد لأن
قوله طلقتكن يقتضي تطليق كل واحدة منهن وتعميمهن به ثم وصف ما عمهن به من الطلاق بأنه ثلاث فصار لكل
واحدة ثلاث بخلاف قوله أوقعت بينكن ثلاثا فإنه يقتضي قسمة الثلاث عليهن لكل واحدة منهن جزء منها
وجزء الواحدة من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة
(مسألة) قال (وان قال لها شعرك أو ظهرك طالق لم تطلق)
لأن الشعر والظفر يزولان ويخرج غيرهما فليس هما كالأعضاء الثابتة وبهذا قال أصحاب الرأي
وقال مالك والشافعي تطلق بذلك ونحوه عن الحسن لأنه جزء يستباح بنكاحها فتطلق به كالإصبع
ولنا انه جزء ينفصل عنها في حال السلامة فلم تطلق بطلاقه كالحمل والريق فإنه لا خلاف فيهما، وفارق الإصبع
فإنها لا تنفصل في حال السلامة ولان الشعر لا روح فيه ولا ينجس بموت الحيوان ولا ينقض الوضوء مسه فأشبه
العرق بالريق واللبن ولان الحمل متصل بها وإنما لم تطلق بطلاقه لأن مآله إلى الانفصال وهذه كذلك والسن في
معناهما لأنها تزول من الصغير ويخلف غيرها من الكبير
421

(فصل) وان اضافه إلى الريق والدمع والعرق والحمل له تطلق لا نعلم فيه خلافا لأن هذه ليست
من جسمها وإنما الريق والدمع والعرق فضلات تخرج من جسمها فهو كلبتها والحمل مودع فيها قال الله
تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) قيل مستودع في بطن الام وان أضافه
إلى الزوج فقال أبو بكر لا يختلف قول احمد في الطلاق والعتق والظهار والحرام ان هذه الأشياء لا تقع إذا ذكر
أربعة أشياء الشعر والسن والظفر والروح جرد القول عنه مهنا بن يحيى والفضل بن زياد القطان فبذلك أقول
ووجهه ان الروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به
(مسألة) (وإذا لم يدر أطلق أم لا فلا يزول يقين النكاح بشك الطلاق)
وجملة ذلك أن من شك في طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه احمد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي
لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بشك. والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة فقال (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد
ريحا) متفق عليه فأمره بالبناء على اليقين واطرح الشك، ولأنه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه
كما لو شك المتطهر في الحدث أو المحدث في الطهارة، والورع التزام الطلاق فإن كان المشكوك فيه طلاقا
رجعيا راجع امرأته ان كانت مدخولا بها أو جدد نكاحها ان كانت غير مدخول بها أو قد انقضت
عدتها، وان شك في طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق فلا تحل
422

لغيره. وحكي عن شريك أنه إذا شك في طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها لتكون الرجعة عن طلقة
فتكون صحيحة في الحكم وليس بشئ لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق ولا يفتقر إلى
ما تفتقر إليه العبادات من النية، ولأنه لو شك في طلقتين فطلق واحدة لصار شاكا في تحريمها عليه
فلا تفيده الرجعة
(مسألة) قال (وإذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا اعتزلها وعليه نفقتها ما دامت
في العدة، فإن راجعها في العدة لزمته النفقة ولم يطأها حتى بتيقن كم الطلاق لأنه متيقن للتحريم
شاك في التحليل)
وجملة ذلك أنه إذا طلق وشك في عدد الطلاق فإنه يبني على اليقين نص عليه احمد في رواية ابن
منصور في رجل لفظ بطلاق امرأته لا يدرى واحدة أم ثلاثا؟ قال أما الواحدة فقد وجبت عليه وهي
عنده حتى يستيقن وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأن ما زاد على القدر الذي تيقنه طلاق مشكوك فيه
فلم يلزمه كما لو شك في أصل الطلاق، وإذا ثبت هذا فإنه تبقى أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة
الرجعة، وإذا راجع وجبت النفقة وحقوق الزوجية قال الخرقي ويحرم وطؤها ونحوه قول مالك الا أنه
حكي عنه أنه يلزمه الأكثر من الطلاق المشكوك فيه وقولهما تيقن في التحريم لأنه تيقن وجوده بالطلاق
423

وشك في رفعه بالرجعة فلا يرتفع بالشك كما لو أصاب ثوبه نجاسة وشك في موضعها فإنه لا يزول حكم
النجاسة بغسل موضع من الثوب ولا يزول الا بغسل جميعه، وفارق لزوم النفقة فإنها لا تزول بالطلقة
الواحدة فهي باقية لأنها كانت باقية ولم يتيقن زوالها، وظاهر قول غير الخرقي من أصحابنا أنه إذا راجعها
حلت له وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو ظاهر كلام احمد في رواية ابن منصور لأن التحريم المتعلق
بما ينفيه يزول بالرجعة يقينا فإن التحريم أنواع تحريم تزيله الرجعة وتحريم يزيله نكاح جديد وتحريم
يزيله نكاح بعد زوج وإصابة ومن تيقن الأدنى لا يثبت فيه حكم الاعلى كمن تيقن الحدث الأصغر
لا يثبت فيه حكم الأكبر ويزول تحريم الصلاة بالطهارة الصغرى ويخالف الثوب فإن غسل بعضه لا يرفع
ما تيقنه من النجاسة، فنظير مسئلتنا أن يتيقن نجاسة كم الثوب ويشك في نجاسة سائره فإن حكم النجاسة
فيه يزول بغسل الكم وحدها كذا ههنا، ويمكن منع حصول التحريم ههنا ومنع يقينه فإن الرجعية مباحة
لزوجها في ظاهر المذهب فما هو إذا متيقن للتحريم بل شاك فيه متيقن للإباحة
(فصل) إذا رأى رجلان طائرا فحلف أحدهما بالطلاق انه غراب وحلف الآخر بالطلاق انه
حمام فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بحنث واحد منهما لأن يقين النكاح ثبت ووقوع الطلاق مشكوك فيه
فإن ادعت امرأة أحدهما حنثه فيها فالقول قوله لأن الأصل معه واليقين في جانبه ولو كان الحالف
واحدا فقال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن كان حماما فعبيده أحرار أن قال إن كان غرابا فزينب
424

طالق وإن كان حماما فهند طالق ولم يعلم ما هو لم يحكم بحنثه في شئ لأنه متيقن للنكاح شاك في الحنث
فلا يزول عن يقين النكاح والملك بالشك، فأما ان قال أحد الرجلين إن كان غرابا فامرأته طالق ثلاثا
وقال الآخر ان لم يكن غرابا فامرأته طالق ثلاثا فطار ولم يعلما حاله فقد حنث أحدهما لا بعينه ولا
يحكم به في حق واحد منهما بعينه بل تبقى في حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكنى لأن كل
واحد منهما يقين نكاحه باق ووقوع طلاقه مشكوك فيه، فأما الوطئ فذكر القاضي انه يحرم عليهما
لأن أحدهما حانث بيقين وامرأته محرمة عليه وقد أشكل فحرم عليهما جميعا كما لو حنث في إحدي
امرأتيه لا بعينها، وقال أصحاب الرأي والشافعي لا يحرم على واحد منهما وطئ امرأته لأنه محكوم ببقاء
نكاحه ولم يحكم بوقوع الطلاق عليه وفارق الحانث في إحدى امرأتيه لأنه معلوم زوال نكاحه عن
إحدى زوجتيه قلنا إنما تحقق حنثه في واحدة غير معينة وبالنظر إلى كل واحد مفردة فيقين نكاحها
باق وطلاقها مشكوك فيه لكن لما تحققنا ان إحداهما حرام ولم يكن تمييزها حرمتا عليه جميعا وكذلك
ههنا قد علمنا أن أحد هذين الرجلين قد طلقت امرأته وحرمت عليه وتعذر التمييز فيحرم الوطئ
عليهما ويصير كما لو تنجس أحد الإنائين لا بعينه فإنه يحرم استعمال كل واحد منهما سواء كانا لرجلين
أو لرجل واحد، وقال مكحول يحمل الطلاق عليهما جميعا ومال إليه أبو عبيد فإن ادعى كل واحد
منهما انه علم الحال وانه لم يحنث دين فيما بينه وبين الله تعالى ونحو هذا قال عطاء والشعبي والزهري
425

والحارث العكلي والثوري والشافعي لأن كل واحد منهما يكن صدقه فيما ادعاه، وان أقر كل واحد منهما
انه الحانث طلقت زوجتاهما باقرارهما على أنفسهما وان أقر أحدهما حنث وحده وان ادعت امرأة أحدهما
عليه الحنث فأنكر فالقول قوله وهل يحلف؟ يخرج على روايتين
(فصل) فإن قال أحدهما إن كان هذا غرابا فعبدي حر وقال الآخر ان لم يكن غرابا فعبدي
حر فطار ولم يعلما حاله لم نحكم بعتق واحد من العبدين فإن اشترى أحدهما عبد صاحبه بعد أن أنكر
حنث نفسه عتق الذي اشتراه لأن انكاره حنث نفسه اعتراف منه بحنث صاحبه وإقرار بعتق
الذي اشتراه وإذا اشتري من أقر بحريته عتق عليه، وان لم يكن منه إنكار ولا اعتراف فقد صار
العبدان في يده وأحدهما حر ولم يعلم بعينه ويرجع في تعيينه إلى القرعة، وهذا قول أبي الخطاب
وذهب القاضي إلى أنه يعتق الذي اشتراه في الموضعين لأن تمسكه بعبده اعتراف منه برقه وحرية
صاحبه، وهذا مذهب الشافعي
ولنا أنه لم يعترف لفظا ولا فعل ما يلزم منه الاعتراف فإن الشرع يسوغ له إمساك عبده مع
الجهل استنادا إلى الأصل فكيف يكون معترفا مع تصريحه بأنني لا أعلم الحر منهما وإنما؟ اكتفينا في
إبقاء رق عبده باحتمال الحنث في حق صاحبه فإذا صار العبدان له وأحدهما حر لا بعينه صار كأنهما
426

كانا له فحلف بعتق أحدهما وحده فيقرع بينهما حينئذ، ولو كان الحالف واحدا فقال إن كان غرابا
فعبدي حر وان لم يكن غرابا فأمتي حرة ولم يعلم حاله فإنه يقرع بينهما فيعتق أحدهما فإن ادعى أحدهما
انه الذي عتق أو ادعى كل واحدة منهما ذلك فالقول قول السيد مع يمينه
(فصل) وان قال إن كان غرابا فهذه طالق وان لم يكن غرابا فهذه الأخرى طالق فطار ولم يعلم
حاله فقد طلقت إحداهما فيحرم عليه قربانهما ويؤخذ بنفقتهما حتى تبين المطلقة منهما لأنهما محبوستان
عليه لحقه، وذهب أصحابنا إلى أنه يقرع بينهما فتخرج بالقرعة المطلقة منهما كقولنا في العبيد،
والصحيح ان القرعة لا مدخل لها ههنا لما سنذكره فيما إذا طلق واحدة وأنسبها وهو قول أكثر أهل العلم
فعلى هذا يبقى التحريم فيهما إلى أن يعلم المطلقة منهما ويؤخذ بنفقتهما، فإن قال هذه التي حنثت فبها
حرمت عليه ويقبل قوله في حل الأخرى، فإن ادعت التي لم يعترف بطلاقها انها المطلقة فالقول قوله
لأنه منكر وهل يحلف؟ يخرج على روايتين
(فصل) فإن قال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وان لم يكن غرابا فعبيده أحرار وطار ولم يعلم
حاله منع من التصرف في الملكين حتى يتبين وعليه نفقة الجميع فإن قال كان غرابا طلق نساؤه ورق
عبيده فإن ادعى أنه لم يكن غرابا ليعتقوا فالقول قوله وهل يحلف؟ يخرج على روايتين، وإن قال لم يكن
427

غرابا عتق عبيده ولم تطلق النساء فإن ادعين أنه كان غرابا ليطلقن فالقول قوله وفي تحليفه وجهان
وكل موضع قلنا يستحلف فنكل عن اليمين قضي عليه بنكوله، وان قال لا أعلم ما الطائر؟ فقياس المذهب
أن يقرع بينهما فإن وقعت القرعة على الغراب طلق النساء ورق العبيد وان وقعت على العبيد عتقوا
ولم تطلق النساء وهذا قول أبي ثور، وقال أصحاب الشافعي إن وقعت القرعة على العبيد عتقوا وإن
وقعت على النساء لم يطلقن ولم يعتق العبيد لأن القرعة لها مدخل في العتق لكون النبي صلى الله عليه وسلم أقرع
بين العبيد الستة ولا مدخل لها في الطلاق لأنه لم ينقل مثل ذلك فيه ولا يمكن قياسه على العتق لأن
الطلاق حل قيد النكاح والقرعة لا تدخل في النكاح والعتق حل الملك والقرعة تدخل في تمييز الاملاك
قالوا ولا يقرع بينهم الا بعد موته ويمكن أن يقال علي هذا أن ما لا يصلح للتعيين في حق الموروث
لا يصلح في حق الوارث كما لو كانت اليمين في زوجتين ولان الإماء محرمات على الموروث تحريما لا تزيله
القرعة فلم ينجز للوارث بها كما لو تعين العتق فبهن
(مسألة) قال (وإذا قال لزوجاته إحداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها أقرع بينهن
فأخرجت بالقرعة المطلقة منهن)
وجملته أنه إذا طلق امرأة من نسائه لا بعينها فإنها تخرج بالقرعة نص عليه في رواية جماعة، وبه
428

قال الحسن وأبو ثور وقال قتادة ومالك يطلقن جميعا، وقال حماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة
والشافعي له أن يختار أيتهن شاء فيوقع عليها الطلاق لأنه يملك إيقاعه ابتداء وتعيينه فإذا أوقعه ولم
يعينه ملك تعيينه لأنه استيفاء ما ملكه
ولنا أن ما ذكرناه مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما ولا مخالف لهما في الصاحبة، ولأنه
إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق، وقد ثبت الأصل يكون النبي صلى الله عليه وسلم
أقرع بين العبيد السنة ولان الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة كالحرية في العبيد إذا أعتقهم
في مرضه ولم يخرج جميعهم من الثلث وكالسفر بإحدى نسائه والبداية بإحداهن في القسم وكالشريكين
إذا اقتسما، ولأنه طلق واحدة من نسائه لا يعلم عينها فلم يملك تعيينها باختياره كالمنسية، وأما الدليل
على أنهن لا يطلقن جميعا أنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم يطلق الجميع كما لو عينها قولهم إنه كان يملك
الايقاع والتعيين قلنا ملكه للتعيين بالايقاع لا يلزم أن يملكه بعده كما لو طلق واحدة بعينها وأنسيها، وأما
إن نوي واحدة بعينها طلقت وحدها لأنه عينها بنيته فأشبه ما لو عينها بلفظه وان قال إنما أردت فلانة
قبل منه لأنه يحتمل ما قاله، وإن مات قبل القرعة والتعيين أقرع الورثة بينهن فمن وقعت عليها قرعة الطلاق
فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها بالتطليق
(فصل) وإذا قال لنسائه إحداكن طالق غدا فجاء غد طلقت واحدة منهن وأخرجت بالقرعة،
429

فإن مات قبل الغد ورثته كلهن، وإن ماتت إحداهن ورثها لأنها ماتت قبل وقوع الطلاق فإذا جاء
غد أقرع بين الميتة والاحياء فإن وقعت القرعة على الميتة لم يطلق شئ من من الاحياء وصارت كالمعينة
بقوله أنت طالق غدا، وقال القاضي قياس المذهب أن يتعين الطلاق في الاحياء فلو كانتا اثنتين فماتت
إحداهما طلقت الأخرى كما لو قال لامرأته وأجنبية أحدا كما طالق وهو قول أبي حنيفة والفرق بينهما
ظاهر فإن الأجنبية ليس محلا للطلاق وقت قوله فلا ينصرف قوله إليها وهذه قد كانت محلا للطلاق
وارادتها بالطلاق ممكنة وإرادتها بالطلاق كإرادة الأخرى وحدوث الموت بها لا يقتضي في حق
الأخرى طلاقا فتبقى على ما كانت عليه والقول في تعليق العتق كالقول في تعليق الطلاق وإذا جاء غد
وقد باع بعض العبيد أقرع بينه وبين العبيد الاخر، فإن وقعت على المبيع لم يعتق شئ منه، وعلى
قول القاضي ينبغي أن يتعين العتق في الباقين وكذلك ينبغي أن يكون مذهب أبي حنيفة والشافعي
لأن له تعيين العتق عندهم بقوله فبيع أحدهم صرف للعتق عنه فيتعين في الباقين، وان باع نصف العبد
أقرع بينه وبين الباقين، فإن وقعت قرعة العتق عليه عتق نصفه وسري إلى باقيه إن كان المعتق موسرا
وإن كان معسرا لم يعتق إلا نصفه
(فصل) وإذا قال امرأتي طالق وأمتي حرة وله نساء وإماء ونوى بذلك معينة انصرف إليها
وان نوى واحدة مبهمة فهي مبهمة فيهن، وان ينو شيئا فقال أبو الخطاب يطلق نساؤه كلهن ويعتق
430

إماؤه لأن الواحد المضاف يراد به الكل كقوله تعالى (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها - و - أحل لكم
ليلة الصيام) ولان ذلك يروى عن ابن عباس، وقال الجماعة يقع على واحدة مبهمة وحكمه حكم ما لو
قال إحداكن طالق وإحداكن حرة لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجمع الا مجازا والكلام لحقيقته
ما لم يصرفه عنها دليل ولو تساوى الاحتمالان لوجب قصره على الواحدة لأنها اليقين فلا يثبت الحكم فيما
زاد عليها بأمر مشكوك فيه وهذا أصح والله أعلم
(مسألة) قال (وإذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها أخرجت بالقرعة)
أكثر أصحابنا على أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة فيثبت حكم الطلاق
فيها ويحل له الباقيات، وقد روى إسماعيل بن سعيد عن أحمد ما يدل على أن القرعة لا تستعمل ههنا
لمعرفة الحل وإنما تستعمل لمعرفة الميراث فإنه قال سألت احمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا
يعلم أيتهن طلق؟ قال أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت أرأيت ان مات هذا؟ قال أقول بالقرعة
وذلك لأنه تصير القرعة على المال وجماعة من روى عنه القرعة في المطلقة المنسية إنما هو في التوريث
فاما في الحل فلا ينبغي أن يثبت بالقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم فالكلام إذا في المسألة في شيئين
(أحدهما) في استعمال القرعة في المنسية للتوريث (والثاني) في استعمالها فيها للحل، أما الأول فوجهه
431

ما روى عبد الله بن حميد قال: سألت أبا جعفر عن رجل قدم من خراسان وله أربع نسوة قدم البصرة
فطلق إحداهن ونكح ثم مات لا يدري الشهود أيتهن طلق؟ فقال قال علي رضي الله عنه أقرع بين الأربع وانذر منهن
واحدة وأقسم بينهن الميراث ولان الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة صح استعمالها
كالشركاء في القسمة والعبيد في الحرية، وأما القرعة في الحل في المنسية فلا يصح استعمالها لأنه اشتبهت
عليه زوجته بأجنبية فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت بأجنبية لم يكن له عليها عقد ولان القرعة
لا تزيل التحريم من المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه، ولا احتمال كون المطلقة غير من خرجت
عليها القرعة ولهذا لو ذكر أن المطلقة غيرها حرمت عليه، ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد
بالذكر فيجب بقاء التحريم بعد القرعة كما كان قبلها، وقد قال الخرقي فيمن طلق امرأته فلم يدرأ واحدة
طلق أم ثلاثا؟ ومن حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة: لا تحل له امرأته
حتى يعلم أنها ليست التي وقعت عليها اليمين فحرمها مع أن الأصل بقاء النكاح ولم يعارضه يقع التحريم
فههنا أولى وهكذا الحكم في كل موضع وقع الطلاق على امرأة بعينها ثم اشتبهت بغيرها مثل أن يرى
امرأة في روزنة أو مولية فيقول أنت طالق ولا يعلم عينها من نسائه وكذلك إذا وقع الطلاق على
إحدى نسائه في مسألة الطائر وشبهها فإنه يحرم جميع نسائه عليه حتى تتبين المطلقة ويؤخذ بنفقة الجميع
لأنهن محبوسات عليه وان أقرع بينهن لم تفد القرعة شيئا ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزوج لأنها
432

يجوز أن تكون غير المطلقة ولا يحل للزوج غيرها لاحتمال أن تكون المطلقة، وقال أصحابنا إذا أقرع
بينهن فخرجت القرعة على إحداهن ثبت حكم الطلاق فيها فحل لها النكاح بعد قضاء عدتها، وحل
للزوج من سواها كما لو كان الطلاق في واحدة غير معينة، واحتجوا بما ذكرنا من حديث علي ولأنها
مطلقة لم تعلم بعينها فأشبه ما لو قال إحداكن طالق، ولأنه إزالة أحد الملكين المبنيين على التغليب والسراية
أشبه العتق، والصحيح إن شاء الله أن القرعة لا تدخل ههنا لما قدمنا، وفارق ما قاسوا عليه فإن الحق لم
يثبت لواحد بعينه فجعل الشرع القرعة معينة فإنها تصلح للتعيين وفي مسئلتنا الطلاق واقع في معينة
لا محالة والقرعة لا ترفعه عنها ولا توقعه على غيرها ولا يؤمن وقوع القرعة على غيرها واحتمال وقوع
القرعة على غيرها كاحتمال وقوعها عليها بل هو أظهر في غيرها فإنهن إذا كن أربعا فاحتمال وقوعه في
واحدة منهن بعينها أندر من احتمال وقوعه في واحدة من ثلاث، ولذلك لو اشتبهت أخته بأجنبية أو
ميتة بمذكاة أو زوجته بأجنبية أو حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر وأشباه ذلك مما يطول
ذكره لا تدخله قرعة فكذا ههنا، وأما حديث علي فهو في الميراث لا في الحل وما نعلم بالقول بها في
الحل من الصحابة قائلا
(فصل) فعلى قول أصحابنا إذا ذكر أن المطلقة غير التي وقعت عليها القرعة فقد تبين أنها كانت
محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حين طلق لا من حين ذكر وقوله في مقبول لأنه يقر على نفسه
433

وترد إليه التي خرجت عليها القرعة لأننا تبينا أنها غير مطلقة والقرعة ليست بطلاق لا صريح ولا كناية
فإن لم تكن تزوجت ردت إليه وقبل قوله في هذا لأنه أمر من جهته لا يعرف إلا من قبله إلا أن تكون
قد تزوجت أن يكون بحكم حاكم لأنها إذا تزوجت تعلق بها حق لزوج الثاني فلا يقبل قوله في فسخ
نكاحه والقرعة من جهة الحاكم بالفرقة لا يمكن الزوج رفعها فتقع الفرقة بالزوجين
قال احمد في رواية الميموني إذا كان له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ولم يدر أيتهن طلق يقرع
بينهن فإن أقرع بينهن فوقعت القرعة على واحدة ثم ذكر التي طلق فقال هذه ترجع إليه والتي ذكر أنه
طلق يقع الطلاق عليها فإن تزوجت فهذا شئ قد مر فإن كان الحاكم أقرع بينهن فلا أحب أن ترجع
إليه لأن الحاكم في ذلك أكبر منه، وقال أبو بكر وابن حامد متى أقرع ثم قال بعد ذلك أن المطلقة
غيرها وقع الطلاق بهما جميعا ولا ترجع إليه واحدة منهما لا أن التي عينها بالطلاق تحرم بقوله وترثه
إن مات ولا يرثها ويجئ على قياس قولهما أن تلزمه نفقتها ولا يحل وطؤها
(فصل) فإن قال هذه المطلقة قبل منه وان قال هذه المطلقة بل هذه طلقتا لأنه أقر بطلاق الأولى
فقبل اقراره ثم قبل اقراره بطلاق الثانية ولم يقبل رجوعه عما أقر به من طلاق الأولى وكذلك لو
كن ثلاثا فقال هذه بل هذه طلقن كلهن، وان قال هذه أو هذه بل هذه طلقت الثانية وإحدى الأولين
وان قال طلقت هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى واحدى الأخريين وإن قال أنت طالق وهذه أو
هذه فقال القاضي هي كذلك وذكر انه قول الكسائي
434

وقال محمد بن الحسن تطلق الثانية ويبقى الشك في الأولى والثالثة، وجه الأول أنه عطف الثانية
على الأولى بغير شك ثم فصل بين الثانية والثالثة بحرف الشك فيكون الشك فيهما، ولو قال طلقت
هذه أو هذه وهذه طلقت الثالثة وكان الشك في الأوليين ويحتمل في هاتين المسئلتين أو يكون الشك
في الجميع لأنه في الأولي أتى بحرف الشك بعدهما فيعود إليهما وفي المسألة الثانية عطف الثالثة على الشك
فعلى هذا إذا قال طلقت هذه وهذه أو هذه طولب بالبيان، فإن قال هي الثالثة طلقت وحدها، وان قال
لم أطلقها طلقت الأولتان، وإن لم يبين أقرع بين الأولتين والثالثة، قال القاضي في المجرد وهذا أصح
وإن قال طلقت هذه أو هذه وهذه أخذ بالبيان، فإن قال هي الأولى طلقت وحدها، وان قال ليست
الأولى طلقت الآخريان كما لو قال طلقت هذه أو هاتين وليس له الوطئ قبل التعيين فإن وطئ لم
يكن تعيينا، وان ماتت إحداهما لم يتعين الطلاق في الأخرى، وقال أبو حنيفة يتعين الطلاق في الأخرى
لأنها ماتت قبل ثبوت طلاقها
ولنا أن موت أحداهما أو وطأها لا ينفي احتمال كونها مطلقة فلم يكن تعيينا لغيرها كمرضها، وان قال طلقت
هذه وهذه أو هذه وهذه فالظاهر أنه طلق اثنتين لا يدري أهما الأولتان أم الآخرتان كما لو قال طلقت
هاتين أو هاتين فإن قال هما الأولتان تعين الطلاق فيهما، وان قال لم أطلق الأولتين تعين الآخرتان
435

وإن قال إنما أشك في طلاق الثانية والآخرتين طلقت الأولى وبقي الشك في الثلاث ومتى فسر كلامه
بشئ محتمل قبل منه
(مسألة) قال (فإن مات قبل ذلك أقرع الورثة وكان الميراث للبواقي منهن)
نص أحمد على هذا. وقال أبو حنيفة يقسم الميراث بينهن كلهن لأنهن تساوين في احتمال استحقاقه
ولا يخرج الحق عنهن. وقال الشافعي يوقف الميراث المختص بهن حتى يصطلحن عليه لأنه لا يعلم
المستحق منهن. ووجه قول الخرقي قول علي رضي الله عنه ولأنهن قد تساوين ولا سبيل إلى التعيين
فوجب المصير إلى القرعة كمن أعتق عبيدا في مرضه لامال له سواهم، وقد ثبت الحكم فيهم بالنص. ولان
توريث الجميع توريث لمن لا يستحق يقينا والوقف لا لي غاية حرمان لمن يستحق يقينا والقرعة يسلم بها من
هذين المحذورين ولها نظير في الشرع
(فصل) فإن مات بعضهن أو جميعهن قرعنا بين الجميع فمن خرجت القرعة لها حرمناه ميراثها.
وان مات بعضهن قبله وبعضهن بعده وخرجت القرعة لميتة قبله حرمنا ميراثها وان خرجت لميتة بعده
حرمناها ميراثه والباقيات يرثهن ويرثنه. فإن قال الزوج بعد موتها هذه التي طلقتها أو قال في غير
المعينة هذه التي أردتها حرم ميراثها لأنه يقر على نفسه ويرث الباقيات سواء صدقه ورثتهن أو كذبوه
436

لأن علم ذلك أنما يعرف من جهته ولان الأصل بقاء النكاح بينهما وهم يدعون طلاقه لها ولاصل عدمه
وهل يستحلف على ذلك؟ فيه روايتان. فإن قلنا يستحلف فنكل حرمناه ميراثها لنكوله ولم يرث
الأخرى لاقراره بطلاقها فإن مات فقال ورثته لإحداهن هذه المطلقة فأقرت أو أقر ورثتها بعد
موتها حرمناها ميراثه وان أنكرت أو أنكر ورثتها فقياس ما ذكرناه ان القول قولها لأنها تدعي بقاء
نكاحها وهم يدعون زواله والأصل معها فلا يقبل قولهم عليها الا بينة، وان شهد اثنان من ورثته
انه طلقها قبلت شهادتهما إذا لم يكونا ممن يتوفر عليهما ميراثها ولا على من لا تقبل شهادتهما له كأمهما
وجدتهما لأن ميراث إحدى الزوجات لا يرجع إلى ورثة الزوج وان ما يتوفر على ضرائرها، وان ادعت
إحدى الزوجات انه طلقها طلاقا تبين به فأنكرها فالقول قوله وان مات لم ترثه لاقرارها بأنها لا تستحق
ميراثه فقبلنا قولها فيما عليها دون مالها وعليها العدة لأننا لم فقبل قولها فيما عليها وهذا التفريع فيما إذا كان
الطلاق يبينها، فأما إن كان وجعيا ومات في عدتها أو ماتت ورث كل واحد منهما صاحبه
(فصل) وإذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات
ولم يعلم أيتهن طلق فللتي تزوجها ربع ميراث النسوة نص عليه أحمد ولا خلاف فيه بين أهل العلم ثم
يقرع بين الأربع فأيتهن خرجت قرعتها خرجت وورث الباقيات نص عليه أحمد أيضا، وذهب الشعبي
والنخعي وعطاء الخراساني وأبو حنيفة إلى أن الباقي بين الأربع، وزعم أبو عبيد انه قول أهل الحجاز
437

وأهل العراق جميعا. وقال الشافعي يوقف الباقي بينهن حتى يصطلحن ووجه الأقوال ما تقدم
وقال أحمد في رواية ابن منصور في رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهن ثلاثا وواحدة اثنتين
وواحدة واحد ومات على اثر ذلك ولا يدر أيتهن طلق ثلاثا وأيتهن طلق اثنتين وأيتهن واحدة يقرع بينهن
فالتي أبانها تخرج ولا ميراث لها. هذا فيما إذا مات في عدتهن وكان طلاقه في صحته فإنه لا يحرم
الميراث الا المطلقة ثلاثا فالباقيتان رجعيتان يرثنه في العدة ويرثهن ومن انقضت عدتها منهن لم ترثه ولم
يرثها ولو كان طلاقه في مرضه الذي مات فيه لورثه الجميع في العدة وفيما بعدها قبل التزويج روايتان
(فصل) إذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها أو بعينها فأنسبها فانقضت عدة الجميع فله نكاح
خامسة قبل القرعة، وخرج ابن حامد وجها في أنه لا يصح نكاح الخامسة لأن المطلقة في حكم نسائه
بالنسبة إلى وجوب الانفاق عليها وحرمة النكاح في حقها ولا يصح لأننا علمنا أن منهن واحدة بائنا
منه ليست في نكاحه ولا في عدة من نكاحه فكيف تكون زوجته وإنما الانفاق عليها لأجل حبسها
ومنعها من التزويج بغيره لأجل اشتباهها، ومتى علمناها بعينها إما بتعيينه أو قرعة فعدتها من حين
طلقها لا من حين عينها. وذكره أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي ان عدتها من حين التعيين وهذا
فاسد فإن الطلاق وقع حين ايقاعه وثبت حكمه في تحريم الوطئ وحرمان الميراث من لزوج وحرمانه
منها قبل التعيين فكذلك العدة وإنما التعيين تبيين لما كان واقعا، وان مات الزوج قبل البيان فعلى
الجميع عدة الوفاة في قول الشعبي والنخعي وعطاء الخراساني
438

قال أبو عبيد وهو قول أهل الحجاز والعراق لأن كل واحدة منهن يحتمل انها باقية على النكاح
والأصل بقاؤه فتلزمها عدته، والصحيح انه يلزم كل واحدة أطول الأجلين من عدة الوفاة وعدة
الطلاق لكن عدة الطلاق من حين طلق وعدة الوفاة من حين موته لأن كل واحدة منهن يحتمل أن
يكون عليها عدة الوفاة ويحتمل انها المطلقة فعليها عدة الطلاق فلا تبرأ يقينا الا بأطولهما وهذا في الطلاق
البائن فأما الرجعي فعليها عدة الوفاة بكل حال لأن الرجعية زوجة
(فصل) إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله لأن الأصل بقاء النكاح وعدم
الطلاق إلا أن يكون لها بما ادعته بينة ولا يقبل فيه الا عدلان ونقل ابن منصور عن أحمد أنه سئل
أتجوز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق قال لا والله إنما كان كذلك لأن الطلاق ليس بمال ولا المقصود
منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يقبل فيه إلا عدلان كالحدود والقصاص فإن لم تكن
بينة فهل يستحلف؟ فيه روايتان نقل أبو الخطاب أنه يستحلف وهو الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن
اليمين على المدعي عليه وقوله (اليمين على من أنكر) ولأنه يصح من الزوج بذله فيستحلف فيه كالمهر ونقل
أبو طالب عنه لا يستحلف في الطلاق والنكاح لأنه لا يقضى فيه بالنكول فلا يستحلف فيه كالنكاح
إذا ادعى زوجيتها فأنكرته، وان اختلفا في عدد الطلاق فالقول قوله لما ذكرناه فإذا طلق ثلاثا
439

وسمعت ذلك وأنكر أو ثبت ذلك عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها وعليها أن تفر منه
ما استطاعت وتمتنع منه إذا أرادها، وتفتدي منه ان قدرت قال احمد لا يسعها أن تقيم معه، وقال أيضا
تفتدي منه بما تقدر عليه فإن أجبرت على ذلك فلا تزين له ولا تقربه وتهرب ان قدرت، وان شهد
عندها عدلان غير متهمين فلا تقيم معه، وهذا قول أكثر أهل العلم. قال جابر بن زيد وحماد بن أبي
سليمان وابن سيرين تفر منه ما استطاعت وتفتدي منه بكل ما يمكن، وقال الثوري وأبو حنيفة
وأبو يوسف وأبو عبيد تفر منه، وقال مالك لا تتزين له ولا تبدي له شيئا من شعرها ولا عريتها ولا
يصيبها إلا وهي مكرهة، وروي عن الحسن والزهري والنخعي يستحلف ثم يكون الاثم عليه، والصحيح
ما قاله الأولون لأن هذه تعلم أنها أجنبية منه محرمة عليه فوجب عليها الامتاع والفرار منه كسائر الأجنبيات
وهكذا لو ادعى نكاح امرأة كذبا وأقام بذلك شاهدي زور فحكم له الحاكم بالزوجية، ولو تزوجها تزويجا
باطلا وسلمت إليه بذلك فالحكم في هذا كله كالحكم في المطلقة ثلاثا
(فصل) ولو طلقها ثلاثا ثم جحد طلاقها لم ترثه نص عليه أحمد وقال قتادة وأبو حنيفة وأبو يوسف
والشافعي وابن المندر وقال الحسن ترثه لأنها في حكم لزوجات ظاهرا
ولنا أنها تعلم أنها أجنبية فلم ترثه كسائر الأجنبيات، وقال احمد في رواية أبي طالب تهرب منه
ولا تتزوج حتى يظهر طلاقها وتعلم ذلك يجئ فيدعيها فترد عليه وتعاقب، وان مات ولم يقر بطلاقها
440

لا ترثه لا تأخذ ما ليس لها تفر منه ولا تخرج من البلد ولكن تختفي في بلدها قيل له فإن بعض الناس
قال تقتله هي بمنزلة من يدفع عن نفسه فلم يعجبه ذلك فمنعها من التزويج قبل ثبوت طلاقها لأنها في
ظاهر الحكم زوجة هذا المطلق فإذا تزوجت غيره وجب عليها في ظاهر الشرع العقوبة والرد إلى
الأول ويجتمع عليها زوجان هذا بظاهر الامر وذلك بباطنه ولم يأذن لها في الخروج من البلد لأن
ذلك يقوي التهمة في نشوزها، ولان في قتله قصدا لأن الدافع عن نفسه لا يقتل قصدا فاما ان
قصدت الدفع عن نفسها فآل إلى نفسه فلا اثم عليها ولا ضمان في الباطن فاما في الظاهر فإنها تؤخذ
بحكم القتل ما لم يثبت صدقها
(فصل) قال احمد إذا طلقها ثلاثا فشهد عليه أربعة أنه وطئها أقيم عليه الحد إنما أوجبه لأنها صارت
بالطلاق أجنبية فهي كسائر الأجنبيات بل هي أشد تحريما لأنها محرمة وطئا ونكاحا فإن جحد طلاقها
ووطئها ثم قامت البينة بطلاقه فلا حد عليه، وبهذا قال الشعبي ومالك وأهل الحجاز والثوري والأوزاعي
وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لأن جحده لطلاقه يوهمنا أنه نسيه وذلك شبهة في درء الحد عنه ولا
سبيل لنا إلى؟ علم معرفته بالطلاق حالة وطئه إلا باقراره بذلك فإن قال وطئتها عالما بأنني كنت طلقتها ثلاثا
كان إقرارا منه بالزنا فيعتبر فيه ما يعتبر في الاقرار بالزنا
(مسألة) قال (وإذا طلق زوجته أقل من ثلاث فقضت العدة ثم تزوجت غيره ثم
أصابها ثم طلقها أو مات عنها وقضت العدة ثم تزوجها الأول فهي عنده على ما بقي من الثلاث)
441

وجملة ذلك أن المطلق إذا بانت زوجته منه ثم تزوجها لم يخل من ثلاثة أحوال (أحدها)
أن تنكح غيره ويصيبها ثم يتزوجها الأول فهذا ترجع إليه على طلاق ثلاث باجماع أهل العلم قاله ابن
المنذر (والثاني) أن يطلقها دون الثلاث ثم تعود إليه برجعة أو نكاح جديد قبل زوج ثان فهذه ترجع
إليه على ما بقي من طلاقها بغير خلاف نعلمه (والثالث) طلقها دون الثلاث فقضت عدتها ثم نكحت
غيره ثم تزوجها الأول فعن أحمد فيها روايتان (إحداهما) ترجع إليه على ما بقي من طلاقها وهذا قول
الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر وعلي وأبي ومعاذ وعمران بن حصين وأبي هريرة وروي
ذلك عن زيد وعبد الله بن عمرو بن العاص وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة والحسن ومالك والثوري
وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن المنذر
(والرواية الثانية) عن أحمد أنها ترجع إليه على طلاق ثلاث وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي
وشريح وأبي حنيفة وأبي يوسف لأن وطئ لزوج الثاني مثبت للحل فيثبت حلا يتسع لثلاث تطليقات كما بعد
الثلاث لأن الوطئ الثاني بهدم الطلقات فأولى أن يهدم ما دونها
ولنا أن وطئ الثاني لا يحتاج إليه في الاحلال للزوج الأول فلا يغير حكم الطلاق كوطئ السيد
ولأنه تزويج قبل استيفاء الثلاث فأشبه ما لو رجعت إليه قبل وطئ الثاني وقولهم ان وطئ الثاني يثبت
الحل لا يصح لوجهين (أحدهما) منع كونه مثبتا للحل أصلا وإنما هو في الطلاق الثلاث غاية للتحريم
442

بدليل قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وحتى للغاية وإنما سمي النبي صلى الله عليه وسلم
الزوج الذي قصد الحيلة محللا تجوزا بدليل أنه لعنه، ومن أثبت حلالا يستحق لعنا (والثاني) أن
الحل إنما يثبت في محل فيه تحريم وهي المطلقة ثلاثا وههنا هي حلال له فلا يثبت فيها حل وقولهم إنه
يهدم الطلاق قلنا بل هو غاية لتحريمه وما دون الثلاث لا تحريم فيها فلا يكون غاية له
(مسألة) قال (وإذا كان المطلق عبدا وكان طلاقه اثنتين لم تحل له زوجته حتى
تنكح زوجا غيره حرة كانت الزوجة أو مملوكة لأن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء)
وجملة ذلك أن الطلاق معتبر بالرجال فإن كان الزوج حرا فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة
أو أمة، وإن كان عبدا فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة فإذا طلق اثنتين حرمت عليه حتى
تنكح زوجا غيره روي ذلك عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب ومالك
والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال ابن عمر أيهما رق نقص الطلاق برقه فطلاق العبد اثنتان،
وإن كان تحته حرة وطلاق الأمة اثنتان وإن كان زوجها حرا وروي عن علي وابن مسعود أن الطلاق معتبر
بالنساء فطلاق الأمة اثنتان حرا كان الزوج أو عبدا وطلاق الحرة ثلاث حرا كان زوجها أو عبدا وبه قال
الحسن وابن سيرين وعكرمة وعبيدة ومسروق والزهري والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة لما روت
443

عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان) رواه أبو داود وابن
ماجة ولأن المرأة محل للطلاق فيعتبر بها كالعدة
ولنا أن الله تعالى خاطب الرجال بالطلاق فكان حكمه معتبرا بهم ولان الطلاق خالص حق
الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به كعدد المنكوحات، وحديث عائشة قال
أبو داود راويه مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث وقد أخرجه الدارقطني في سننه عن عائشة قالت قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقرء لامة حيضتان وتتزوج الحرة على الأمة
ولا تتزوج لامة على الحرة) وهذا نص ولان الحر يملك أن يتزوج أربعا فملك طلقات ثلاثا كما لو كان تحته
حرة ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاث وان العبد لذي تحته أمة طلاقه اثنتان وإنما الخلاف
فيما إذا كان أحد الزوجين حرا والآخر رقيقا
(فصل) قال أحمد المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وطلاقه وأحكامه كلها أحكام العبيد وهذا
صحيح فإنه جاء في الحديث (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) ولأنه يصح عتقه ولا ينكح الا اثنتين
ولا يتزوج ولا يتسرى الا باذن سيده وهذه أحكام العبيد فيكون طلاقه كطلاق سائر العبيد
وقد روى الأثرم في سننه عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتب أم سلمة طلق امرأة حرة تطليقتين
فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك فقالا حرمت عليك والمدبر كالعبد القن في نكاحه وطلاقه وكذلك
المعلق عتقه بصفة لأنه عبد فتثبت فيه أحكام العبيد
444

(فصل) قال أحمد في رواية محمد بن الحكم العبد إذا كان نصفه حرا ونصفه عبدا يتزوج ثلاثا
ويطلق ثلاث تطليقات وكذلك كلما تجزأ بالحساب إنما جعل له نكاح ثلاث لأن عدد المنكوحات
يتبعض فوجب أن يتبعض في حقه كالحد فلذلك كان له أن ينكح نصف ما ينكح الحر ونصف ما ينكح
العبد وذلك ثلاث، وأما الطلاق فلا يمكن قسمته في حقه لأن مقتضى حاله أن يكون له ثلاثة أرباع
الطلاق وليس له ثلاثة أرباع فكمل في حقه، ولان الأصل اثبات الطلقات الثلاث في حق كل مطلق
وإنما خولف فيمن كمل الرق في حقه ففي من عداه يبقى على الأصل
(فصل) إذا طلق العبد زوجته اثنين ثم عتق لم تحل له زوجته حتى تنكح زوجا غيره لأنها حرمت
عليه بالطلاق تحريما لا ينحل الا بزوج وإصابة ولم يوجد ذلك فلا يزول التحريم وهذا ظاهر المذهب،
وقد روي عن أحمد أنه يحل له أن يتزوجها وتبقى عنده على واحدة. وذكر حديث ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم في المملوكين إذا طلقها تطلقتين ثم عنقا فله أن يتزوجها وقال لا أرى شيئا يدفعه وغير واحد
يقول به أبو سلمة وجابر وسعيد بن المسيب، ورواه الإمام أحمد في المسند وأكثر الروايات عن أحمد
الأول وقال حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد وحديث ابن عباس يرويه عمرو بن مغيث ولا أعرفه
وقد قال ابن المبارك من أبو حسن هذا؟ لقد حمل صخرة عظيمة منكرا لهذا الحديث، قال أحمد
أما أبو حسن فهو عندي معروف ولكن لا أعرف عمرو بن مغيث، قال أبو بكر إن صح الحديث
445

فالعمل عليه، وان لم يصح فالعمل على حديث عثمان وزيد وبه أقول، قال احمد ولو طلق عبد زوجته
الأمة تطليقتين ثم عتق واشتراها لم تحل له، ولو تزوج وهو عبد فلم يطلقها أو طلقها واحدة ثم عتق فله
عليها ثلاث تطليقات أو طلقتان إن كان طلقها واحدة لأنه في حال الطلاق حر فاعتبر حاله حينئذ كما
يعتبر حال المرأة في العدة حين وجودها، ولو تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق ثم أسلما جميعا لم
يملك الاطلاق العبيد اعتبارا بحاله حين الطلاق ولو طلق في كفره واحدة وراجعها ثم سبي واسترق لم
يملك الا طلقة واحدة ولو طلقها في كفره طلقتين ثم استرق فأراد التزويج بها جاز وله طلقة واحدة لأن
الطلقتين وقعتا غير محرمتين فلا يعتبر حكمهما بما يطرأ بعدهما كما أن الطلقتين من العبد لما أن وقعتا محرمتين
لم يعتبر ذلك بالعتق بعدهما
(مسألة) قال (وإذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين طلقت بثلاث)
نص أحمد على هذا في رواية مهنا، وقال أبو عبد الله بن حامد تقع طلقتان لأن معناه ثلاثة أنصاف
من طلقتين وذلك طلقة ونصف تم تكمل فتصير طلقتين وقبل بل لأن النصف الثالث من طلقتين محال
ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين
ولنا أن نصف الطلقتين طلقة وقد أوقعه فيقع ثلاث كما لو قال أنت طالق ثلاث طلقات،
446

وقولهم معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين تأويل يخالفه ظاهر اللفظ فإنه على ما ذكره يكون ثلاثة أنصاف
طلقة وينبغي أن يكون ثلاثة أنصاف طلقتين مخالفة لثلاثة أنصاف طلقة، وقولهم انه محال قلنا وقوع نصف
الطلقتين عليها ثلاث مرات ليس بمحال فيجب أن يقع
(فصل) فإن قال أنت طالق ملء الدنيا ونوى الثلاث وقع الثلاث، وان لم ينو شيئا أن نوى
واحدة فهي واحدة، قال احمد فيمن قال لامرأته أنت طالق ملء البيت فإن أراد الغلظة عليها يعني
يريد ان تبين منه فهي ثلاث فاعتبر نيته فدل على أنه إذا لم ينو يقع واحدة وذلك لأن الوصف لا يقتضي
عددا وهذا لا نعلم فيه خلافا الا أن الواحدة إذا وقعت كانت رجعية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة
وأصحابه تكون بائنا لأنه وصف الطلاق بصفة زائدة نقتضي الزيادة عليها وذلك هو البينونة
ولنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير استيفاء عدد ولا عوض فكان رجعيا كقوله أنت
طالق وما ذكروه لا يصح لأن الطلاق حكم فإذا ثبت ثبت في الدنيا كلها فلا يقتضي ذلك زيادة، وان
قال أنت طالق أشد الطلاق وأغلظه أو أطول الطلاق أو أعرضه أو أقصره أو مثل الجبل أو مثل عظم
الجبل ولا نية له وقعت طلقة رجعية وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة في جميعها يقع بائنا، وقال صاحباه ان قال مثل الجبل كانت رجعية وان قال مثل
عظم الجبل كانت بائنا، ووجه القولين ما تقدم، ولأنه لا يملك إيقاع البينونة فإنها حكم وليس ذلك
إليه وإنما تثبت البينونة بأسباب معينة كالخلع والطلاق الثلاث والطلاق قبل الدخول فيملك مباشرة
447

سبها فيثبت، وان أراد اثباتها بدون ذلك لم يثبت، ويحتمل أن يكون أشد الطلاق عليه أو عليها
وأغلظ لتعجلهما أو لحب أحدهما صاحبه ومشقة فراقه عليه فلم يقع أمر زائد بالشك، وان قال أنت
طالق أقصى الطلاق أو أكبره فكذلك في قياس المذهب، ويحتمل أن يكون أقصى الطلاق ثلاثا لأن
أقصاه آخره وآخر الطلاق الثلاثة ومن ضرورة كونها ثالثة وقوع اثنتين، وان قال أتم الطلاق أو أكمله
فواحدة الا انها تكون سنية لأنها أكمل الطلاق وأتمه
(فصل) وان قال أنت طالق أكثر الطلاق أو كله أو جميعه أو منتهاه أو مثل عدد الحصى أو
الرمل أو القطر طلقت ثلاثا لأن هذا يقتضي عددا ولان الطلاق أقل وأكثر فأقله واحدة وأكثره
ثلاث، وان قال كعدد التراب والماء وقع ثلاث، وقال أبو حنيفة بقع واحدة بائنا لأن الماء والتراب
من أسماء الأجناس لا عدد له
ولنا ان الماء تتعدد أنواعه وقطراته والتراب تتعدد أنواعه وأجزاؤه فأشبه الحصى، وان قال
يا مائة طالق أو أنت مائة طالق طلقت ثلاثا وان قال أنت طالق كمائة أو الف فهي ثلاث. قال أحمد
فيمن قال أنت طالق كألف تطليقة فهي ثلاث وبه قال محمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: ان لم تكن له نية وقعت واحدة لأنه لم يصرح بالعدد وإنما شبهها
بالألف وليس الموقع للشبه به
ولنا ان قوله كألف تشيبه بالعدد خاصة لأنه لم يذكر الا ذلك فوقع العدد كقوله أنت طالق
448

كعدد الف وفي هذا انفصال عما قال. وان قال أردت أنها طلقة كألف في صعوبتها دين وهل
يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين
(فصل) وان قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث وقع طلقتان وبهذا قال أبو حنيفة لأن ما بعد
الغاية لا يدخل فيها كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وإنما يدخل إذا كانت بمعنى مع وذلك
خلاف موضوعها وقال زفر يقع طلقة لأن ابتداء الغاية ليس منها كقوله بعتك من هذا الحائط إلى هذا
الحائط. وقال أبو يوسف ومحمد يقع الثلاث لأنه نطق بها فلم يجز إلغاؤها
ولنا أن ابتداء الغاية يدخل كما لو قال خرجت من البصرة فإنه يدل على أنه كان فيها وأما انتهاء
الغاية فلا يدخل بمقتضى اللفظ ولو احتمل دخوله وعدم دخوله لم نجز الطلاق بالشك وان قال أنت طالق
ما بين واحدة وثلاث وقعت واحدة لأنها التي بينهما
449

(فصل) فإن قال أنت طالق طلقة في اثنتين أو واحدة في اثنتين ونوى به ثلاثا فهي ثلاث
لأنه يعبر بفي عن مع كقوله (أدخلي في عبادي) فتقدير الكلام أنت طالق طلقة مع طلقتين فإذا أقر
بذلك على نفسه قبل منه، وان قال أردت واحدة قبل أيضا حاسبا كان أو غير حاسب وقال القاضي إذا كان
عارفا بالحساب لم يقبل منه ووقع طلقتان لأنه خلاف ما اقتضاه اللفظ
ولنا أنه فسر كلامه بما يحتمله فإنه لا يبعد أن يريد بكلامه ما يريده العامي، وان لم تكن له نية
وكان عارفا بالحساب وقع طلقتان، وقال القاضي ان أطلق لم يقع إلا واحدة لأن لفظ الايقاع إنما هو
بلفظ الواحدة وما زاد عليها لم يحصل فيه لفظ الايقاع، وإنما يقع الزائد بالقصد فإذا خلا عن القصد لم يقع
إلا ما أوقعه، وقال بعض أصحابه كقولنا، وقال أبو حنيفة لا يقع إلا واحدة سواء قصد به الحساب أو لم
450

يقصد إذا لم يقصد به واحدة مع اثنتين لأن الضرب إنما يصح فيما له مساحة فأما ما لا مساحة له فلا حقيقة
فيه للحساب، وإنما حصل منه الايقاع في واحدة فوقعت دون غيرها
ولنا أن هذا اللفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنتين فإذا لفظ به وأطلق وقع كما لو قال أنت طالق
اثنتين وبهذا يحصل الانفصال عما قاله الشافعي فإن اللفظ الموضوع لا يحتاج معه إلى نية، فأما ما قاله
أبو حنيفة فإنما ذلك في وضع الحساب في الأصل ثم صار مستعملا في كل ما له عدد فصار حقيقة فيه،
فأما الجاهل بمقتضى ذلك في الحساب إذا أطلق وقعت طلقة واحدة لأن لفظ الايقاع إنما هو لفظة
واحدة وإنما صار مصروفا إلى الاثنتين بوضع أهل الحساب واصطلاحهم فمن لا يعرف اصطلاحهم
لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها، ولم يفرق أصحابنا في ذلك
451

بين أن يكون المتكلم بذلك ممن لهم عرف في هذا اللفظ أولا. والظاهر أنه إن كان المتكلم بذلك
ممن عرفهم ان في ههنا بمعنى مع وقع به ثلاث لأن كلامه يحمل على عرفهم والظاهر منه ارادته وهو
المتبادر إلى الفهم من كلامه، فإن نوى موجبه عند أهل الحساب فقال القاضي لا يلزمه مقتضاه كالعربي
ينطق بالطلاق بالعجمية ولا يعرف معناها وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي لأنه إذا لم يكن يعرف موجبه
فلم يقصد إيقاعه ولا يصح منه قصد ما لا يعرفه
(فصل) فإن قال أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان نص عليه أحمد، وقال أصحاب
الشافعي يقع ثلاث في أحد الوجهين لأن قوله أنت طالق ايقاع فلا يجوز ايقاع الواحدة مرتين فيدل على أنه
أوقعها ثم أراد رفعها وأوقع اثنتين آخرتين فتقع الثلاث
452

ولنا ان ما لفظ به قبل الاضراب بعض ما لفظ به بعده فلم يلزمه أكثر مما بعده كقوله علي درهم
بل درهمان. وقولهم لا يجوز إيقاع ما أوقعه قلنا يجوز أن يخبر بوقوعه مع وقوع غيره فلا يقع الزائد
بالشك. قال أحمد فإن قال أنت طالق لا بل أنت طالق هي واحدة وهذا اختيار أبي بكر واختار
القاضي انه يقع طلقتان لأنه أراد رفع الأولى وايقاع الثانية فلم ترتفع الأولى ووقعت الثانية
ووجه الأول انه لو قال له علي درهم بل درهم لزمه درهم واحد كذا ههنا، فعلى القول إن نوى
بقوله بل أنت طالق طلقة أخرى وقع اثنتان لأنه قصد ايقاع طلقتين بلفظين فوقع كما لو قال أنت
طالق أنت طالق. وذكر القاضي احتمالا آخر انه لا يقع إلا طلقة لأن اللفظ موضوع لواحدة فلا يصح
أن ينوي به اثنتين. قال احمد ولو كان له امرأتان فقال لإحداهما أنت طالق ثم قال للأخرى لا بل
أنت طالق طلقتا جميعا، ووجهه أنه أوقع طلاق الأولى ثم أضرب عنه وأوقع طلاق الأخرى فوقع بها
ولم يرتفع عن الأولى، وفارق ما إذا قال ذلك لواحدة لأن الطلقة يجوز أن تكون هي الثانية كرر
453

الاخبار بها، ولا يجوز في المرأتين أن يكون طلاق إحداهما هو طلاق الأخرى ونظيره في الاقرار ما لو
قال له علي درهم بل درهم لزمه درهم ولو قال له علي درهم بل دينار لزماه جميعا
ولو قال أنت طالق واحدة بل هذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثا ولو قال لامرأة
غير مدخول بها أنت طالق واحدة بل ثلاثا طلقت واحدة لأنها بانت الأولى فلم يقع بها ما بعدها، وان
قال أنت طالق واحدة بل ثلاثا ان دخلت الدار ونوى تعليق الجميع بدخول الدار تعلق وان نوى
تعليق الثلاث حسب وقعت الواحدة في الحال وان أطلق ففيه وجهان (أحدهما) يتعلق الجميع بالشرط
لأنه بعدهما فيعود إليهما (والثاني) تقع الواحدة في الحال وتبقى الثلاث معلقة بدخول الدار لأنه إنما
ذكر الشرط عقيبها فتختص به
وان قال أنت طالق ان دخلت الدار بل هذه فدخلت الأولى طلقتا وان دخلت الثانية لم تطلق
واحدة منهما، فإن قال أردت أن الثانية تطلق ان دخلت الدار قبل منه لأنه محتمل لما قاله، وان قال
أردت انك تطلقين إذا دخلت الثانية الدار قبل منه لأنه محتمل لما قاله وكل طلاق الأولى وحدها
معلقا على دخول كل واحدة منهما
454

(فصل) إذا قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو طالق لا أو طالق طلقة لا ينقص بها عدد
طلاقك أو طالق لا شئ أوليس بشئ طلقت واحدة لأن ذلك رفع لجميع ما أوقعه فلم يصح كاستثناء
الجميع وان قال ذلك خبرا فهو كذب لأن الواحدة إذا أوقعها وقعت وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم
فيه مخالفا، وان قال أنت طالق أولا لم يقع لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج من أن يكون لفظا
لايقاع، ويخالف ما قبل ذلك فإنه ايقاع ويحتمل أن يقع لأن لفظه لفظ الايقاع لا لفظ الاستفهام لكون
455

الاستفهام يكون بالهمزة أو نحوها فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكره بعده كالتي قبلها، وان قال أنت
طالق واحدة أولا فكذلك، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قياس قول الشافعي، وقال محمد
يقع واحدة لأن قوله أولا يرجع إلى ما يليه من اللفظ وهو واحدة دون لفظ الايقاع وليس بصحيح
لأن الواحدة صفة للطلقة الواقعة فما اتصل بها يرجع إليها فصار كقوله أنت طالق أو لا شئ
456

(فصل) فإن قال أنت طالق بعد موتي أو موتك أو مع موتي أو موتك لم تطلق نص عليه احمد
وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا لأنها تبين بموت أحدهما فلا يصادف الطلاق نكاحا يزيله، وان
تزوج أمة أبيه ثم قال إذا مات أبي فأنت طالق فمات أبوه لم يقع الطلاق اختاره القاضي لأنه بالموت
يملكها فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق فلم يقع كما لو قال أنت طالق مع موتي واختار أبو الخطاب
457

أنه يقع لأن الموت سبب ملكها وطلاقها وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك
السابق على الفسخ فيثبت حكمه، وان قال إن اشتريتك فأنت طالق ثم اشتراها خرج على الوجهين،
وان قال الأب إذا مت فأنت حرة وقال الابن إذا مات أبي فأنت طالق وكانت تخرج من الثلث
ثم مات الأب وقع العتق والطلاق معا وان لم تخرج من الثلث فإن بعضها ينتقل إلى الورثة فيملك
458

الابن جزءا منها ينفسخ به النكاح فيكون كملك جميعها في فسخ النكاح ومنع وقوع الطلاق فإن أجاز
الورثة عتقها فذكر بعض أهل العلم أن هذا ينبني على الإجازة هل هي تنفيذ أو عطية مبتدأة؟ فإن قلنا
هي عطية مبتدأة فقد انفسخ النكاح قبلها فلم يقع الطلاق وان قلنا هي تنفيذ لما فعل السيد وقع الطلاق
وهكذا ان أجاز الزوج وحده عتق أبيه فإن كان على الأب دين يستغرق تركته لم يعتق والصحيح
459

أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح، وإن كان الدين
لا يستغرق التركة وكانت تخرج من الثلث بعد أداء الدين عتقت وطلقت، وان لم يخرج من الثلث لم
تعتق كلها فيكون حكمها في فسخ النكاح ومنع الطلاق كما لو استغرق الدين التركة، وان أسقط الغريم
الدين بعد الموت لم يقع الطلاق لأن النكاح انفسخ قبل اسقاطه
460

(فصل) في مسائل تنبني على نية الحالف وتأويله إذا قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة
فأنت طالق أو أكل تمرا فقال إن لم تخبريني بعدد ما أكلت فأنت طالق ولم تعلم ذلك فإنها تعد له عددا
يعلم أنه قد أتى على عدد ذلك مثل أن يعلم عدد ذلك ما بين مائة إلى ألف فتعد ذلك كله ولا يحنث إذا
كانت نيته ذلك، وان نوى الاخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة لم يبرأ الا بذلك، وان أطلق فقياس
461

المذهب انه لا يبرأ الا بذلك أيضا لأن ظاهر حال الحالف ارادته فتنصرف يمينه إليه كالأسماء العرفية
التي تنصرف اليمين إلى مسماها عرفا دون مسماها حقيقة ولو أكل تمرا فقال إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى
ما أكلت فأنت طالق فأفردت كل نواة وحدها فالقول فيها كالتي قبلها، وان وقعت في ماء جار فحلف
عليها ان خرجت منه أو قمت فيه فأنت طالق فقال القاضي قياس المذهب أنه يحنث الا أن ينوي عين
الماء الذي هي فيه لأن اطلاق يمينه يقتضي خروجها من النهر أو اقامتها فيه
462

وقال أبو الخطاب لا يحنث لأن الماء المحلوف عليه جرى عنها وصارت في غيره فلم يحنث سواء
أقامت أو خرجت لأنها إنما نقف في غيره أو تخرج منه وكذلك قال القاضي في المجرد وهو مذهب
الشافعي لأن الايمان عندهم تنبني على اللفظ لا على القصد وكذلك قالوا لا يحنث في هذه الايمان
السابقة كلها، ولو قال إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر، وإن كان عبدي في السوق فامرأتي
463

طالق فكانا جميعا في السوق فقيل يعتق العبد ولا تطلق المرأة لأنه لما حنث في اليمين الأولى عتق العبد
فلم يبق له في السوق عبد ويحتمل أن يحنث بناء على قولنا فيمن حلف على معين تعلقت اليمين بعينه
دون صفته كمن قال إن كلمت عبدي سعدا فأنت طالق ثم أعتقه وكلمته طلقت فكذلك ههنا لأن
يمينه تعلقت بعبد معين وان لم يرد عبدا بعينه لم تطلق المرأة لأنه لم يبق له عبد في السوق ولو كان
464

في فيها تمرة فقال أنت طالق ان أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها لم يحنث
إلا على قول من قال إنه يحنث بفعل بعض المحلوف عليه، وإن نوى الجميع لم يحنث بحال ولو كانت
عنده وديعة لانسان فأحلفه ظالم أن ليس لفلان عندك وديعة فإنه يحلف ما لفلان عندي وديعة وينوي
465

بما الذي ويمر في يمينه، وكذلك لو سرقت امرأته منه شيئا فحلف عليها بالطلاق لتصدقني أسرقت
مني أم لا وخافت أن تصدقه فإنها تقول سرقت منك ما سرقت منك وتعني الذي سرقت منك، ولو
استحلفه ظالم هل رأيت فلانا أو لا؟ فإنه يعني برأيت أي ضربت رئته وذكرته أي قطع ذكره
وما طلبت منه حاجة أي الشجرة التي حبسها الحاج ولا أخذت منه فروجا يعني القباء ولا حصيرا وهو
الحبس وأشباه هذا فمتى لم يكن ظالما فحلف وعنى به هذا تعلقت يمينه بما عناه، ولو كانت له امرأة على
466

درجة فحلف عليها أن لا تنزل عنها ولا تصعد منها ولا تقف عليها فإنها تنتقل عنها إلى سلم آخر وتنزل
إن شات أو تصعد أو تقف عليه لأن نزولها إنما حصل من غيرها، وإن كان في يمينه ولا انتقلت
عنها فإنها تحمل مكرهة، ولو كان في سلم وله امرأتان إحداهما في الغرفة والأخرى في البيت السفلاني
فحلف لا صعدت إلى هذه ولا نزلت إلى الأخرى فإن السفلى تصعد وتنزل العليا ثم ينزل ان شاء أو يصعد
467

(فصل) قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن رجل قال لامرأته أنت طالق ان لم أجامعك اليوم
وأنت طالق ان اغتسلت منك اليوم قال يصلي العصر ثم يجامعها فإذا غابت الشمس اغتسل ان لم يكن
أراد بقوله اغتسلت المجامعة، وقال في رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أطأك في رمضان فسافر
468

مسيرة أربعة أيام أو ثلاثة ثم وطئها قال لا يعجبني لأنها حيلة ولا تعجبني الحيلة في هذا ولا في غيره
قال القاضي إنما كره أحمد هذا لأن السفر الذي يبيح الفطر أن يكون سفرا مقصودا مباحا، وهذا
لا يقصد به غير حل اليمين، والصحيح أن هذا تنحل به اليمين ويباح له الفطر فيه لأنه سفر بعيد
469

مباح لقصد صحيح وإرادة حل يمينه من المقاصد الصحيحة، وقد أبحنا لمن له طريقان قصيرة لا تقصر
فيها الصلاة وبعيدة أن يسلك البعيدة ليقصر فيها الصلاة ويفطر مع أنه لا قصد له سوى الترخص فههنا أولى
كتاب الرجعة
وهي ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقول الله سبحانه (والمطلقات يتربصن بأنفسهن
ثلاثة قروء - إلى قوله - وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أن أرادوا إصلاحا) والمراد به الرجعة عند جماعة
العلماء وأهل التفسير، وقال تعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف) أي بالرجعة
ومعناه إذا قاربن بلوغ أجلهن أي انقضاء عدتهن، وأما السنة فما روى ابن عمر قال طلقت امرأتي
وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال (مره فليراجعها) متفق عليه وروى أبو داود عن عمر قال إن النبي
صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها وأجمع أهل العلم أن الحر إذا طلق الحرة دون الثلاث أو العبد إذا طلق دون
الاثنتين أن لهما الرجعة في العدة ذكره ابن المنذر
(مسألة) قال (والزوجة إذا لم يدخل بها تبينها تطليقة وتحرمها الثلاث من الحر
والاثنتان من العبد)
أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق مطلقها رجعتها وذلك
470

لأن الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول لقول الله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن
سراحا جميلا) فبين الله سبحانه أنه لا عدة عليها فتبين بمجرد طلاقها وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء
عدتها لا رجعة عليها ولا نفقة لها، وان رغب مطلقها فيها فهو خاطب من الخطاب يتزوجها برضاها
بنكاح جديد وترجع إليه بطلقتين، وان طلقها اثنتين ثم تزوجها رجعت إليه بطلقة واحدة بغير خلاف
بين أهل العلم، وإن طلقها ثلاثا بلفظ واحد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره في قول أكثر أهل
العلم، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، ولا خلاف بينهم في أن المطلقة ثلاثا بعد الدخول لا تحل له حتى تنكح
زوجا غيره لقول الله سبحانه (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وروت عائشة
أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير فجاءت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالت إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير
وانه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها قالت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا
وقال (لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته) متفق عليه،
وفي إجماع أهل العلم على هذا غنية عن الإحالة فيه وجمهور أهل العلم على أنها لا تحل للأول حتى يطأها
الزوج الثاني وطأ يوجد فيه التقاء الختانين إلا أن سعيد بن المسيب من بينهم قال: إذا تزوجها
471

تزويجا صحيحا لا يرد به إحلالا فلا بأس أن يتزوجها الأول قال ابن المنذر لا نعلم أحدا من أهل العلم
قال بقول سعيد بن المسيب هذا إلا الخوارج أخذوا بظاهر قوله سبحانه (حتى تنكح زوجا غيره)
ومع تصريح النبي صلى الله عليه وسلم ببيان المراد من كتاب الله تعالى وانها لا تحل للأول حتى يذوق الثاني
عسيلتها وتذوق عسيلته لا يعرج على شئ سواه ولا يسوغ لاحد المصير إلى غيره مع ما عليه جملة
أهل العلم منهم علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وممن بعدهم
مسروق والزهري ومالك وأهل المدينة والثوري وأصحاب الرأي والأوزاعي وأهل الشام
والشافعي وأبو عبيدة وغيرهم
(فصل) ويشترط لحلها للأول ثلاثة شروط (أحدها) أن تنكح زوجا غيره فلو كانت أمة
فوطئها سيدها لم يحلها لقول الله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) وهذا ليس بزوج، ولو وطئت بشبهة
لم تبح لما ذكرنا، ولو كانت أمة فاستبرأها مطلقها لم يحل له وطؤها في قول أكثر أهل العلم، وقال بعض
أصحاب الشافعي تحل له لأن الطلاق يختص الزوجية فأثر في التحريم بها وقول الله تعالى (فلا تحل له
من بعد حتى تنكح زوجا غيره) صريح في تحريمها فلا يعول على ما خالفه، ولان الفرج لا يجوز أن
يكون محرما مباحا فسقط هذا
(الشرط الثاني) أن يكون النكاح صحيحا فإن كان فاسدا لم يحلها الوطئ فيه وبهذا قال الحسن
472

والشعبي وحماد ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد
وقال في القديم يحلها ذلك وهو قول الحكم وخرجه أبو الخطاب وجها في المذهب لأنه زوج فيدخل
في عموم النص، ولان النبي صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له فسماه محللا مع فساد نكاحه
ولنا قول الله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) واطلاق النكاح يقتضي الصحيح ولذلك لو حلف
لا يتزوج فتزوج تزويجا فاسدا لم يحنث، ولو حلف ليتزوجن لم يبر بالتزويج الفاسد ولان أكثر
أحكام الزوج غير ثابتة فيه من الاحصان واللعان والظهار والايلاء والنفقة وأشباه ذلك، وأما تسميته
محللا فلقصده التحليل فيما لا يحل ولو أحل حقيقة لما لعن ولا لعن المحال له وإنما هذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم
(ما آمن بالقرآن من استحل محارمه) وقال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) ولأنه وطئ في
غير نكاح صحيح أشبه وطئ الشبهة (الشرط الثالث) أن يطأها في الفرج فلو وطئها دونه أو في الدبر لم يحلها
لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحل على ذواق العسيلة منهما ولا يحصل الا بالوطئ في الفرج وأدناه تغييب
الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطئ تتعلق به ولو أولج الحشفة من غير انتشار لم تحل له لأن الحكم
يتعلق بذواق العسيلة ولا تحصل من غير انتشار، وإن كان الذكر مقطوعا فإن بقي منه قدر الحشفة
فأولجه أحلها والا فلا فإن كان خصيا أو مسلولا أو موجوعا حلت بوطئه لأنه يطأ كالفحل ولم يفقد
إلا إلانزال وهو غير معتبر في الاحلال وهذا قول الشافعي
473

قال أبو بكر: وقد روي عن أحمد في الخصي انه لا يحلها فإن أبا طالب سأله في المرأة تتزوج الخصي
تستحل به قال لا خصي يذوق العسيلة، قال أبو بكر والعمل على ما رواه مهنا انها تحل، ووجه الأول
ان الخصي لا يحصل منه الانزال فلا ينال لذة الوطئ فلا يذوق العسيلة، ويحتمل أن أحمد قال ذلك لأن
الخصي في الغالب لا يحصل منه الوطئ أوليس بمظة الانزال فلا يحصل الاحلال بوطئه كالوطئ من غير انتشار
(فصل) واشترط أصحابنا أن يكون الوطئ حلالا فإن وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام من
من أحدهما أو منهما أو وأحدهما صائم فرضا لم تحل وهذا قول مالك لأنه وطئ حرام لحق الله تعالى فلم
يحصل به الاحلال كوطئ المرتدة وظاهر النص حلها وهو قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) وهذه
قد نكحت زوجا غيره وأيضا قوله عليه السلام (حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) وهذا قد وجد
ولأنه وطئ في نكاح صحيح في محل الوطئ على سبيل التمام فأحلها كالوطئ الحلال وكما لو وطئها وقد
ضاق وقت الصلاة أو وطئها مريضة يضرها الوطئ وهذا أصح إن شاء الله تعالى وهو مذهب أبي حنيفة
والشافعي وأما وطئ المرتدة فلا يحلها سواء وطئها في حال ردتهما أو ردتها أو وطئ المرتد المسلمة
لأنه ان لم يعلم المرتد منهما إلى الاسلام تبين ان الوطئ في غير نكاح وان عاد إلى الاسلام في العدة فقد
كان الوطئ في نكاح غير تام لأن سبب البينونة حاصل فيه وهكذا لو أسلم أحد الزوجين فوطئها الزوج
قبل إسلام الآخر لم يحلها لذلك
474

(فصل) فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها وبذلك قال عطاء ومالك والشافعي وأصحاب الرأي
ولا نعلم لهم مخالفا ولأنه دخل في عموم النص ووطؤه كوطئ الحر، وان تزوجها مراهق فوطئها أحلها في
قولهم الا مالكا وأبا عبيد فإنهما قالا لا يحلها ويروى ذلك عن الحسن لأنه وطئ من غير بالغ فأشبه وطئ الصغير
ولنا ظاهر النص وانه وطئ من زوج في نكاح صحيح فأشبه البالغ ويخالف الصغير فإنه لا يمكن
الوطئ منه ولا تذاق عسيلته، قال القاضي ويشترط أن يكون له اثنا عشر سنة لأن من دون ذلك
لا يمكنه المجامعة ولا معنى لهذا فإن الخلاف في المجامع ومتى أمكنه الجامع فقد وجد منه المقصود فلا
معنى لاعتبار ما ورد الشرع باعتبارها وتقديره بمجرد الرأي والتحكم وان كانت ذمية فوطئها
زوجها الذي أحلها لطلقها المسلم، نص عليه أحمد وقال هو زوج وبه تجب الملاعنة والقسم وبه قال
الحسن والزهري والثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال ربيعة ومالك لا يحلها
ولنا ظاهر الآية ولأنه وطئ من زوج في نكاح صحيح تام أشبه وطئ المسلم، وان كانا مجنونين أو
أحدهما فوطئها أحلها، وقال أبو عبد الله بن حامد لا يحلها لأنه لا يذوق العسيلة
ولنا ظاهر الآية ولأنه وطئ مباح في نكاح صحيح أشبه العاقل، وقوله لا يذوق العسيلة لا يصح
فإن الجنون إنما هو تغطية العقل وليس العقل شرطا في الشهوة وحصول اللذة بدليل البهائم لكن إن كان
المجنون ذاهب الحس كالمصروع والمسمى عليه لم يحصل الحل بوطئه ولا بوطئ مجنونة في هذه
475

الحال لأنه لا يذوق العسيلة ولا تحصل له لذة، ولعل ابن حامد إنما أراد المجنون الذي هذه حاله فلا
يكون ههنا اختلاف، ولو وطئ مغمى عليها أو نائمة لا تحس بوطئه فينبغي أن لا تحل بهذا لما ذكرناه
وحكاه ابن المنذر، ويحتمل حصول الحل في ذلك كله أخذا من عموم النص والله أعلم
(فصل) ولو وجد على فراشه امرأة فظنها أجنبية أو ظنها جاريته فوطئها فإذا هي امرأته حلها لأنه
صادف نكاحا صحيحا ولو وطئها فأفضاها أو وطئها وهي مريضة تتضرر بوطئه أحلها لأن التحريم ههنا لحقها وان
استدخلت ذكره وهو نائم أو مغمى عليه لم تحل لأنه لا يذوق عسيلتها ويحتمل أن تحل لعموم الآية والله أعلم
(مسألة) قال (وإذا طلق الحر زوجته أقل من ثلاث فله عليها الرجعة ما كانت في العدة)
أجمع أهل العلم على أن الحر إن طلق الحرة بعد دخوله بها أقل من ثلاث بغير عوض ولا أمر يقتضي
بينونتها فله عليها الرجعة ما كانت في عدتها وعلى أنه لا رجعة له عليها بعد قضاء عدتها لما ذكرناه في أول الباب
وان طلق الحر امرأته الأمة فهو كطلاق الحرة لا أن فيه خلافا ذكرناه فيما مضى وذكرنا أن الطلاق معتبر
بالرجال فيكون له رجعتها ما لم يطلقها ثلاثا كالحرة
(فصل) ولا يعتبر في الرجعة رضى المرأة لقول الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن
أرادوا إصلاحا) فجعل الحق لهم وقال سبحانه (فامسكوهن بمعروف) فخاطب الأزواج بالامر ولم
476

يجعل لهن اختيارا، ولان الرجعة إمساك المرأة بحكم الزوجية فلم يعتبر رضاها في ذلك كالتي في
صلب نكاحه، وأجمع أهل العلم على هذا
(فصل) والرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وايلاؤه ولعانه ويرث أحدهما صاحبه بالاجماع
وان خالعها صح خلعه، وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح لأنه يراد للتحريم وهي محرمة
ولنا انها زوجة صح طلاقها فصح خلعها كما قبل الطلاق وليس مقصود الخلع التحريم بل الخلاص من
مضرة الزوج ونكاحه الذي هو سببها، والنكاح باق ولا نأمن رجعته وعلى أننا نمنع كونها محرمة
(فصل) وظاهر كلام الخرقي ان الرجعية محرمة لقوله وإذا لم يدرأ واحدة طلق أم ثلاثا؟ فهو متيقن للتحريم شاك
في التحليل، وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا وهو مذهب الشافعي وحكي ذلك عن عطاء ومالك، وقال القاضي
ظاهر المذهب انها مباحة قال أحمد في رواية أبي طالب لا تحتجب عنه وفي رواية الحارث تتشرف له ما كانت في
العقدة فظاهر هذا أنها مباحة له له أن يسافر بها ويخلو بها ويطؤها وهذا مذهب أبي حنيفة لأنها في حكم
الزوجات فأبيحت له كما قبل الطلاق ووجه الأولى أنها طلقة واقعة فأثبتت التحريم كالتي بعوض ولا
خلاف في أنه لاحد عليه بالوطئ ولا ينبغي أن يلزمه مهر سواء راجع أو لم يراجع لأنه وطئ زوجته
التي يلحقها طلاقه فلم يكن عليه مهر كسائر الزوجات، ويفارق ما لو وطئ الزوج بعد اسلام أحدهما
في العدة حيث يجب المهر إذا لم يسلم الآخر في العدة لأنه إذا لم يسلم تبينا أن الفرقة وقعت من حين
477

اسلام المسلم الأول منهما وهي فرقة فسخ تبين به من نكاحه فأشبهت التي أرضعت من ينفسخ نكاحها
برضاعه، وفي مسئلتنا لا تبين إلا بانقضاء العدة فافترقا، وقال أبو الخطاب إذا أكرهها على الوطئ
وجب عليه المهر عند من حرمها وهو المنصوص عن الشافعي لأنه وطئ حرمه الطلاق فوجب به
المهر كوطئ البائن والفرق ظاهر فإن البائن ليست زوجة له وهذه زوجته، وقياس الزوجة على
الأجنبية في الوطئ وأحكامه بعيد
(مسألة) قال (وللعبد بعد الواحدة ما للحر قبل الثلاث)
أجمع العلماء على أن للعبد رجعة امرأته بعد الطلقة الواحدة إذا وجدت شروطها فإن طلقها ثانية فلا
رجعة له سواء كانت امرأته حرة أو أمة لأن طلاق العبد اثنتان وفي هذا خلاف ذكرناه فيما مضي
(مسألة) قال (ولو كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما فله مراجعتها ما لم تضع الثاني)
هذا قول عامة العلماء إلا أنه حكى عن عكرمة أن العدة تنقضي بوضع الأول وما عليه سائر أهل
العلم أصح فإن العدة لا تنقضي إلا بوضع الحمل كله لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن
حملهن) واسم الحمل متناول لكل ما في البطن فتبقى العدة مستمرة إلى حين وضع في الحمل فنبقى
الرجعة ببقائها ولو أنقضت العدة بوضع بعض الحمل لحل لها التزويج وهي حامل من زوج آخر ولا
478

قائل به أظن أن قتادة ناظر عكرمة في هذا فقال عكرمة تنقضي عدتها بوضع أحد والوالدين فقال له قتادة
أيحل لها أن تتزوج؟ قال لا قال خصم العبد ولو خرج بعض الولد فارتجعها قبل أن تضع باقيه صح لأنها
لم تضع جميع حملها فصارت كمن ولدت أحد الولدين
(فصل) إذا انقطع حيض المرأة في المرة الثالثة ولما تغتسل فهل تقتضي عدتها بطهرها؟ فيه
روايتان ذكرهما ابن حامد (إحداهما) لا تنقضي عدتها حتى تغتسل ولزوجها رجعتها في ذلك، وهذا
ظاهر كلام الخرقي فإنه قال في العدة فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت للأزواج وهذا قول كثير
من أصحابنا، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وسعيد بن المسيب والثوري وأبي عبيد،
وروي نحوه عن أبي بكر الصديق وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء، وروي عن شريك له الرجعة
وان فرطت في الغسل عشرين سنة ووجه هذا قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في
عصرهم فيكون إجماعا، ولان أكثر أحكام الحيض لا تزول إلا بالغسل وكذلك هذا
(والرواية الثانية) أن العدة تنقضي بمجرد الطهر قبل الغسل وهو قول طاوس وسعيد بن جبير
والأوزاعي واختاره أبو الخطاب لقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) والقرء
الحيض وقد زالت فيزول التربص، وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (وقرء الأمة حيضتان -
وقال - دعي الصلاة أيام أقرائك) يعني أيام حيضك ولان انقضاء العدة تتعلق به بينونتها من الزوج
479

وحلها لغيره فلم يتعلق بفعل اختياري من جهة المرأة بغير تعليق الزوج كالطلاق وسائر العدد ولأنها
لو تركت الغسل اختيارا أو لجنون أو نحوه لم تحل إما أن يقال بقول شريك انها تبقى معتدة ولو
بقيت عشرين سنة وذلك خلاف قول الله (ثلاثة قروء) فإنها تصير عدتها أكثر من مائتي قرء أو
يقال تنقضي العدة قبل الغسل فيكون رجوعا عن قولهم، ويحمل قوله الصحابة في قولهم حتى
تغتسل أي يلزمها الغسل
(فصل) إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدتها من الأول بوطئ
الثاني وهل يملك الزوج رجعتها في عدة الحمل يحتمل وجهين
(أولاهما) أنه له رجعتها لأنها لم تفض عدتها فحكم نكاحه باق يلحقها طلاقه وظهاره، وإنما
انقطعت عدته لعارض فهو كما لو وطئت في صلب نكاحه فإنها تحرم عليه وتبقي سائر أحكام لزوجية ولأنه
يملك ارتجاعها إذا عادت إلى عدته فملكه قبل ذلك كما لو ارتفع حيضها في أثناء عدتها
(والوجه الثاني) ليس له رجعتها لأنها ليست في عدته فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الثاني
وبنت على ما مضى من عدة الأول وله ارتجاعها حينئذ وجها واحدا ولو كانت في نفاسها لأنها بعد الوضع
تعود إلى عدة الأول، وان لم تحتسب به فكان له الرجعة فيه كما لو طلق حائضا فإن له رجعتها في
حيضتها، وان كانت لا تعتد بها، وان حملت حملا يمكن أن يكون منهما فعلى الوجه الذي لا يملك
480

رجعتها في حملها من الثاني إذا رجعها في هذا الحمل ثم بان أنه من الثاني لم يصح، وان بان من الأول
احتمل أن يصح لأنه راجعها في عدتها منه واحتمل أن لا يصح لأنه راجعها مع الشك في إباحة الرجعة
والأول أصح فإن المرجعة ليست بعبادة يبطلها الشك في صحتها، وعلى أن العبادة تصح مع الشك فيما
إذا نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها فصلى خمس صلوات فإن كل صلاة يشك في أنها مل هي المنسية أو غيرهما
ولو شك في الحدث فتطهر ينوي رفع الحدث صحت طهارته وارتفع حدثه فههنا أولى، فإن راجعها بعد
الوضع وبان أن الحمل من الثاني صحت رجعته، وان بان من الأول لم تصح الرجعة لأن العدة انقضت بوضعه
(مسألة) قال (والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين اشهدا أني قد راجعت
امرأتي بلا ولي يحضره ولا صداق يزيده، وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى
أنه تجوز الرجعة بلا شهادة)
وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضى المرأة ولا علمها باجماع أهل العلم لما
ذكرنا من أن الرجعية في أحكام الزوجات والرجعة امساك لها واستبقاء لنكاحها ولهذا سمى الله
سبحانه وتعالى الرجعة امساكا وتركها قرانا وسراحا فقال (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو
481

فارقوهن بمعروف وفي آية أخرى (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وإنما تشعث النكاح بالطلقة
وانعقد بها سبب زواله فالرجعة تزيل شعثه وتقطع مضيه إلى البينونة فلم يحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه
ابتداء النكاح، فأما الشهادة ففيها روايتان
(إحداهما) تجب وهذا أحد قولي الشافعي لأن الله تعالى قال (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن
بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) وظاهر الامر الوجوب ولأنه استباحة يضع مقصود فوجبت
الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع
(والرواية الثانية) لا تجب الشهادة وهي اختيار أبي بكر وقول مالك وأبي حنيفة لأنها لا تفتقر
إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج، ولان ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الاشهاد
كالبيع وعند ذلك يحمل الامر على الاستحباب، ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الاشهاد فإن
قلنا هي شرط فإنه يعتبر وجودها حال الرجعة فإن ارتجع بغير شهادة لم يصح لأن المعتبر وجودها في
الرجعة دون الاقرار بها إلا أن يقصد بذلك الاقرار الارتجاع فيصح
(فصل) وظاهر كلام الخرقي أن الرجعة لا تحصل إلا بالقول بقوله المراجعة أن يقول وهذا
مذهب الشافعي لأنها استباحة يضع مقصود أمر بالاشهاد فيه فلم تحصل من القادر بغير قول كالنكاح
482

ولان غير القول فعل من قادر على القول فلم تحصل به الرجعة كالإشارة من الناطق وهذا إحدى
الروايتين عن أحمد
(والرواية الثانية) تحصل الرجعة بالوطئ سواء نوى به الرجعة أو لم ينو اختارها ابن حامد
والقاضي وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس الزهري والثوري والأوزاعي
وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي قال بعضهم وبشهد، وقال مالك وإسحاق تكون رجعة إذا أراد به
الرجعة لأن هذه مدة تفضي إلى بينونة فترتفع بالوطئ كمدة الايلاء ولان الطلاق سبب لزوال الملك
ومعه خيار فتصرف المالك بالوطئ يمنع عمله كوطئ البائع الأمة لمبيعة في مدة الخيار، وذكر أبو الخطاب
أننا إذا قلنا الوطئ مباح حصلت الرجعة به كما ينقطع به التوكيل في طلاقها، وإن قلنا هو محرم لم تحصل
الرجعة به لأنه فعل محرم فلا يكون سببا للحل كوطئ المحلل
(فصل) فاما ان قبلها أو لمسها لشهوة أو كشف فرجها ونظر إليه فالمنصوص عن أحمد أنه ليس
برجعة وقال ابن حامد فيه وجهان (أحدهما) هو رجعة وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لأنه استمتاع
يستباح بالزوجية فحصلت الرجعة به كالوطئ
(والثاني) أنه ليس برجعة لأنه أمر لا يتعلق به إيجاب عدة ولا مهر فلا تحصل به الرجعة كالنظر
483

فأما الخلوة بها فليس برجعة لأنه ليس باستمتاع وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن غيره من أصحابنا
أن الرجعة تحصل به لأنه معنى يحرم من الأجنبية ويحل من الزوجة فحصلت به الرجعة كالاستمتاع
والصحيح أنه لا تحصل الرجعة بها لأنها لا تبطل اختيار المشتري للأمة فلم تكن رجعة كاللمس لغير
شهوة، فأما اللمس لغير شهوة والنظر لذلك ونحوه فليس برجعة لأنه يجوز في غير الزوجة عند الحاجة
فأشبه الحديث معها.
(فصل) فأما القول فتحصل به الرجعة بغير خلاف وألفاظه راجعتك وارتجعتك ورددتك
وأمسكتك لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة فالرد والامساك ورد بهما الكتاب بقوله سبحانه
(وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) وقال (فأمسكوهن بمعروف) يعني الرجعة والرجعة وردت بها
السنة بقول النبي صلى الله عليه وسلم (مره فليراجعها) وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم
الطلاق فيه فإنهم يسمونها رجعة والمرأة رجعية، ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره
دون غيره كقولنا في صريح الطلاق، والاحتياط أن يقول راجعت امرأتي إلى نكاحي أو زوجتي
أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي، فإن قال نكحتها أو تزوجتها فهذا ليس بصريح فيها لأن الرجعة
ليست بنكاح وهل تحصل به الرجعة؟ فيه وجهان
(أحدهما) لا تحصل به الرجعة لأن هذا كناية والرجعة استباحة بضع مقصود ولا تحصل بالكناية
484

كالنكاح (والثاني) تحصل به الرجعة أومأ إليه احمد واختاره ابن حامد لأنه تباح به الأجنبية فالرجعية
أولى وعلى هذا يحتاج أن ينوي به الرجعة لأن ما كان كناية تعتبر له النية ككنايات الطلاق
(فصل) فإن قال راجعتك للمحبة أو قال للإهانة وقال أردت أنثى راجعتك لمحبتي إياك أو
إهانة لك صحت الرجعة لأنه أتى بالرجعة وبين سببها وان قال أردت أنني كنت أهنتك أو أحبك
وقد رددتك بفراقي إلى ذلك فليس برجعة، وان أطلق ولم ينو شيئا صحت الرجعة. ذكره القاضي
لأنه اتى بصريح الرجعة وضم إليه ما يحتمل أن يكون بيانا لسببها ويحتمل غيره فلا يزول اللفظ عن
مقتضاه بالشك وهذا مذهب الشافعي
(فصل) ولا يصح تعليق الرجعة على شرط لأنه استباحة فرج مقصود فأشبه النكاح، ولو قال
راجعتك ان شئت لم يصح كذلك، ولو قال كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح لذلك ولأنه راجعها
قبل أن يملك الرجعة فأشبه الطلاق قبل النكاح، وإن قال إن قدم أبوك فقد راجعتك لم يصح لأنه
تعليق على شرط
(فصل) فإن راجعها في الردة من أحدهما فذكر أبو الخطاب انه لا يصح وهو صحيح مذهب
الشافعي لأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح مع الردة كالنكاح ولان الرجعة تقرير للنكاح والردة تنافي
ذلك فلم يصح اجتماعهما، وقال القاضي ان قلنا تتعجل الفرقة بالردة لم تصح الرجعة لأنها قد بانت
485

بها وان قلنا لا نتعجل الفرقة فالرجعة موقوفة ان أسلم المرتد منهما في العدة صحت الرجعة لأننا تبينا
انه ارتجعها في نكاحه ولأنه نوع امساك فلم تمنع منه الردة كما لو لم يطلق، وان يسلم في العدة تبينا
أن الفرقة وقعت قبل الرجعة وهذا قول المزني واختيار أبي حامد وهكذا ينبغي أن يكون فيما إذا
راجعها بعد اسلام أحدهما
(مسألة) قال (وإذا قال قد ارتجعتك فقالت قد انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول
قولها ما ادعت من ذلك ممكنا)
وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها في مدة يمكن انقضاؤها فيها قبل قولها لقول الله
تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قيل في التفسير هو الحيض والحمل فلولا أن
قولهن مقبول لم يحرجن بكتمانه ولأنه أمر تختص بمعرفته فكان القول قولها فيه كالنية من الانسان فيما
تعتبر فيه النية أو أمر لا يعرف إلا من جهتها فقبل قولها فيه كما يجب على التابعي قبول خبر الصحابي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما ما تنقضي به العدة فلا يخلو من ثلاثة أقسام
(القسم الأول) أن تدعي انقضاء عدتها بالقروء وأقل ذلك ينبني على الخلاف في أقل الطهرين
الحيضتين وعلى الخلاف في القروء هل هي الحيض أو الأطهار؟ فإن قلنا هي الحيض وأقل الطهر ثلاثة
486

عشر يوما فأقل ما تنقضي به العدة تسعة وعشرون يوما ولحظة وذلك أن يطلقها مع آخر الطهر ثم
تحيض بعده يوما وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ثم تحيض
يوما وليلة ثم تطهر لحظة ليعرف بها انقطاع الحيض، وان لم تكن هذه اللحظة من عدتها فلابد منها لمعرفة
انقطاع حيضها ولو صادفتها رجعته لم تصح، ومن اعتبر الغسل في قضاء العدة فلابد من وقت يمكن
الغسل فيه بعد انقطاع الحيض، وان قلنا القرء الحيض والطهر خمسة عشر يوما، فأقل ما تنقضي به
العدة ثلاثة وثلاثون يوما ولحظة تزيد أربعة أيام في الطهرين. وان قلنا القروء الأطهار وأقل الطهر
ثلاثة عشر يوما فإن عدتها تنقضي بثمانية وعشرين يوما ولحظتين وهو أن يطلقها في آخر لحظة من
طهرها فتحتسب بها قرءا ثم تحتسب طهرين آخرين ستة وعشرين يوما وبينهما حيضتين يومين فإذا
طعنت في الحيضة الثالثة لحظة انقضت عدتها، وان قلنا الطهر خمسة عشر يوما زدنا على هذا أربعة
أيام في الطهرين فيكون اثنين وثلاثين يوما ولحظتين وهذا قول الشافعي، فإن كانت أمة انقضت
عدتها بخمسة عشر يوما ولحظة على الوجه الأول وتسعة عشر يوما ولحظة على الوجه الثاني وبأربعة
عشر يوما ولحظتين على الوجه الثالث وستة عشر يوما ولحظتين على الوجه الرابع فمتى ادعت انقضاء
عدتها بالقروء في أقل من هذا لم يقبل قولها عند أحد فيما أعلم لأنه لا يحتمل صدقها
وان ادعت انقضاء عدتها في أقل من شهر لم يقبل قولها إلا بينة لأن شريحا قال إذا ادعت
487

انها حاضت ثلاث حيض في شهر وجاءت ببينة من النساء العدول من بطانة أهلها ممن يرضى صدقه
وعدله انها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث وتغتسل عند كل قرء وتصلي فقد انقضت عدتها والا
فهي كاذبة، وقال له علي بن أبي طالب: قالون، ومعناه بالرومية أصبت أو أحسنت فأخذ أحمد بقول
علي في الشهر، فإن ادعت ذلك في أكثر من شهر صدقها على حديث (ان المرأة اؤتمنت على فرجها)
ولان حيضها في الشهر ثلاث حيض يندر جدا فرجح بينة ولا يندر فيما زاد على الشهر كندرته فيه
فقبل قولها من غير بينة، وقال الشافعي لا يقبل قولها في أقل من اثنين وثلاثين يوما ولحظتين ولا يقبل
في أقل من ذلك بحال لأنه لا يتصور عنده أقل من ذلك
وقال النعمان لا تصدق في أقل من ستين يوما، وقال صاحباه لا تصدق في أقل من تسعة وثلاثين
يوما لأن أقل الحيض عندهم ثلاثة أيام فثلاث حيض تسعة أيام وطهران ثلاثون يوما والخلاف في هذا
ينبني على الخلاف في أقل الحيض وأقل الطهر وفي القروء ما هي وقد سبق
ومما يدل عليه في الجملة قبول علي وشريح بينتها على انقضاء عدتها في شهر ولولا تصوره لما
قبلت عليه بينة ولا سمعت فيه دعوى ولا يتصور إلا بما قلناه، فأما ان ادعت انقضاء العدة في أقل
من ذلك لم تسمع دعواها ولا يصغى إلى بينتها لأننا نعلم كذبها، فإن بقيت على دعواها حتى أتى عليها
ما يمكن صدقها فيه نظرنا فإن بقيت على دعواها المردودة لم يسمع قولها لأنها تدعي محالا وان ادعت
488

انها انقضت عدتها في هذه المدة كلها أو في ما يمكن منها قبل قولها لأنه أمكن صدقها، ولا فرق في ذلك بين
الفاسقة والمرضية والمسلمة والكافرة لأن ما يقبل فيه قول الانسان على نفسه لا يختلف باختلاف حاله
كاخباره عن بينة فيما تعتبر فيه بينة
(القسم الثاني) أن تدعي انقضاء عدتها بوضع الحمل فلا يخلو إما أن تدعي وضع الحمل التام أو
انها أسقطته قبل كماله فإن ادعت وضعه لتمام فلا يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين إمكان الوطئ
بعد العقد لأنه لا يكمل في أقل من ذلك، وان ادعت انها أسقطته لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوما
من حين إمكان الوطئ بعد عقد النكاح لأن أقل سقط تنقضي به العدة ما أتى عليه ثمانون يوما لأنه يكون
نطفة أربعين يوما ثم يكون علقة أربعين يوما ثم يصير مضغة بعد الثمانين ولا تنقضي به العدة قبل أن
يصير مضغة بحال، وهذا ظاهر قول الشافعي
(القسم الثالث) أن تدعي انقضاء عدتها بالشهور فلا يقبل قولها فيه لأن الخلاف في ذلك ينبني
على الاختلاف في وقت الطلاق والقول قول لزوج فيه فيكون القول قوله فيما ينبني عليه الا أن
يدعي الزوج انقضاء عدتها ليسقط عن نفسه نفقتها مثل أن يقول طلقتك في شوال فتقول هي بل في
ذي الحجة فالقول قولها لأنه يدعي ما يسقط النفقة والأصل وجوبها فلا يقبل الا ببينة ولو ادعت ذلك
ولم يكن لها نفقة قبل قولها لأنها نقر على نفسها بما هو غلظ
489

ولو انعكست الدعوى فقال طلقتك في ذي الحجة فلي رجعتك فقالت بل طلقتني في شوال فلا
رجعة لك فالقول قوله لأن الأصل بقاء نكاحه ولان القول قوله في إثبات الطلاق ونفيه فكذلك في
وقته، إذا ثبت هذا فكل موضع قلنا القول قولها فأنكرها الزوج فقال الخرقي عليها اليمين وهو قول
الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب
وقال القاضي قياس المذهب أن لا يجب عليها يمين وقد أومأ إليه أحمد يقال لا يمين في نكاح ولا
طلاق وهو قول أبي حنيفة لأن الرجعة لا يصح بذلها فلا يستحلف فيها كالحدود والأول أولى لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليمين على المدعى عليه؟ ولأنه حق آدمي يمكن صدق مدعيه فيجب اليمين فيه
كالأموال، فإن نكلت عن اليمين فقال القاضي لأن يقضى بالنكول لأنه مما لا يصح بذله، ويحتمل أن
يستحلف لزوج وله رجعتها بناء على القول برد ليمين على المدعي وذلك لأنه لما وجد النكول منها ظهر
صدق لزوج وقوى جانبه واليمين تشرع في حق من قوي جانبه ولذلك شرعت في حق المدعى عليه لقوة
جانبه باليد في العين وبالأصل في براءة الذمة في الدين، وهذا مذهب الشافعي
(فصل) وإذا ادعى لزوج في عدتها انه كان راجعها أمس أو منذ شهر قبل قوله لأنه لمالك الرجعة ملك
الاقرار بها كالطلاق وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم، وان قال بعد انقضاء عدتها: كنت
راجعتك في عدتك فأنكرته فالقول قولها باجماعهم لأنه ادعاها في زمن لا يملكها والأصل عدمها وحصول
490

البينونة فإن كان اختلافهما في زمن يكن فيه انقضاء عدتها وبقاؤها فبدأت فقالت انقضت عدتي فقال قد
كنت راجعتك فأنكرته لم يقبل قوله لأن خبرها بانقضاء عدتها مقبول لامكانه فصارت دعواه للرجعة
بعد الحكم بانقضاء عدتها فلم تقبل فإن سبقها بالدعوى فقال قد كنت راجعتك أمس فقالت
قد انقضت عدتي قبل دعواك فالقول قوله لأن دعواه للرجعة قبل الحكم بانقضاء عدتها في زمن الظاهر
قبول قوله فيه فلا يقبل قولها بعد ذلك في ابطاله ولو سبق فقال قد راجعتك فقالت قد انقضت عدتي
قبل رجعتك فأنكرها فقال القاضي القول قوله لما ذكرنا وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي، وظاهر
كلام الخرقي أن قولها مقبول سواء سبقها بالدعوى أو سبقته وهو وجه ثان لأصحاب الشافعي لأن الظاهر
البينونة والأصل عدم الرجعة فكان الظاهر معها ولان من قبل قوله سابقا قبل قوله مسبوقا كسائر من
يقبل قوله ولهم وجه ثالث أن القول قول الزوج بكل حال لأن المرأة تدعي ما يرفع النكاح وهو
ينكره فكان القول قوله كما لو ادعى المولي والعنين إصابة امرأته فأنكرته وهذا لا يصح فإنه قد انعقد سبب
البينونة وهو مفص إليها ما لم يوجد ما يرفعه ويزيل حكمه والأصل عدمه فكان القول قول من ينكره بخلاف
ما قاسوا عليه وان وقع القول منهما جميعا فلا رجعة لأن خبرها بانقضاء عدتها يكون بعدها فيكون قوله بعد
العدة فلا يقبل قال أبو الخطاب ويحتمل أن يقرع بينهما فيكون القول قول من تقع له القرعة والصحيح الأول
491

(فصل) وان اختلفا في الإصابة فقال قد أصبتك فلي رجعتك فأنكرته أو قالت قد أصابني فلي
المهر كاملا فالقول قول المنكر منهما لأن الأصل معه فلا يزول الا بيقين وليس له رجعتها في المرضعين
لأنه أنكر الإصابة فهو يقر على نفسه ببنونتها وانه لا رجعة له عليها، وان أنكرتها هي فالقول قولها
ولا تستحق الا نصف المهر في الموضعين لأنها ان أنكرتها فهي مقرة انها لا تستحق إلا نصف المهر
وان أنكرها فالقول قوله هذا إن كان غير مقبوض فإن كان اختلافهما بعد قبضها له وادعى اصابتها
فأنكرته لم يرجع عليها بشئ لأنه يقر لها به ولا يدعيه، وإن كان هو المنكر رجع عليها بنصفه وبهذا
قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن قيل فلم قبلتم قول المولي والعنين في الإصابة ولم تقبلوه ههنا؟ قلنا لأن
المولي والعنين يدعيان ما يبقى النكاح على الصحة ويمنع فسخه، والأصل صحة العقد وسلامته فكان
قولهما موافقا للأصل فقبل، وفي مسئلتنا قد وقع ما يرفع النكاح ويزيله وهو مار إلى بينونة، وقد اختلفا
فيما يرفع حكم الطلاق ويثبت له الرجعة، والأصل عدم ذلك فكان قوله مخالفا للأصل فلم يقبل،
ولان المولي والعنين يدعيان الإصابة في موضع تحققت فيه الخلوة والتمكين من الوطئ لأنه لو لم يوجد
ذلك لما استحقتا الفسخ بعد الوطئ فكان الاختلاف فيما يختص به وفي مسئلتنا لم تتحقق خلوة ولا تمكين
لأنه لو تحقق ذلك لوجب المهر كاملا فكان الاختلاف في أمر ظاهر لا يختص به فلم يقبل فيه قول مدعيه
إلا ببينة وهل يشرع اليمين في حق من القول قوله ههنا؟ على وجهين
492

(فصل) والخلوة كالإصابة في اثبات الرجعة للزوج على المرأة التي خلا بها في
ظاهر قول الخرقي لقوله حكمها حكم الدخول في جميع أمورها وهذا قول الشافعي في القديم، وقال
أبو بكر لا رجعة له عليها الا أن يصيبها وبه قال النعمان وصاحباه والشافعي في الجديد لأنها غير مصابة
فلا تستحق رجعتها كغير التي خلا بها
ولنا قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في
أرحامهن - إلى قوله - وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ولأنها معتدة من طلاق لا عوض فيه ولم
تستوف عدده فثبت عليها الرجعة كالمصابة ولأنها معتدة يلحقها طلاقه فملك رجعتها كالتي أصابها
وفارق التي لم يخل بها فإنها بائن منه لا عدة لها، ولا يلحقها طلاقه وإنما تكون الرجعة
للمعتدة التي يلحقها طلاقه
(فصل) وان ادعى زوج الأمة بعد عدتها أنه كان راجعها في عدتها فكذبته وصدقه مولاها
فالقول قولها نص عليه احمد وبذلك قال أبو حنيفة ومالك، وقال أبو يوسف ومحمد القول قول الزوج
وهو أحق بها لأن اقرار مولاها مقبول في نكاحها فقبل قوله في رجعتها كالحرة إذا أقرت
ولنا أن قولها في انقضاء عدتها مقبول فقبل في انكارها للرجعة كالحرة ولأنه اختلاف منهما فيما
يثبت به النكاح فيكون المنازع هي دون سيدها كما لو اختلفا في الإصابة وإنما قبل قول السيد في النكاح
493

لأنه يملك انشاءه فملك الاقرار به بخلاف الرجعة، وان صدقته هي وكذبه مولاها لم يقبل اقرارها
لأن حق السيد يتعلق بها وحلت له بانقضاء عدتها فلم يقبل قولها في ابطال حقه كما لو تزوجت ثم أقرت
ان مطلقا كان راجعها ولا يلزم من قبول انكارها قبول تصديقها كالتي تزوجت فإنه يقبل انكارها
ولا يقبل تصديقها. إذا ثبت هذا فإن مولاها إذا علم صدق الزوج في رجعتها لم يحل له وطؤها
ولا تزويجها، وان علمت هي صدق الزوج في رجعتها فهي حرام علي سيدها ولا يحل لها تمكينه من
وطئها الا مكرهة كما قبل طلاقها
(فصل) ولو قالت انقضت عدتي ثم قالت ما انقضت يعد فله رجعتها لأنه أقرت بكذبها في
ما يثبت به حق عليها فقبل اقرارها ولو قال أخبرتني انقضاء عدتها ثم راجعتها ثم أقرت بكذبها في انقضاء
عدتها وأنكرت ما ذكر عنها وأقرت بأن عدتها لم تنقض فالرجعة صحيحة لأنه لم يقر بانقضاء عدتها وإنما
أخبر بخبرها عن ذلك وقد رجعت عن خبرها فقبل رجوعها لما ذكرناه
(مسألة) قال (وإذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على
ما مضى من العدة)
وبهذا قال أبو حنيفة وهو قول الشافعي وله قول ثان انها تستأنف العدة لأنها طلقة واقعة في حق
مدخول بها فاقتضت عدة كاملة كالأولى
494

ولنا أنهما طلاقان لم يتخلهما إصابة ولا خلوة فلم يجب بهما أكثر من عدة كما لو والي بينهما أو
كما لو أنقضت عدتها ثم نكحها وطلقها قبل دخوله بها، وهكذا الحكم لو طلقها ثم فسخ نكاحها
لعيب في أحدهما أو لعتقها تحت عبد أو غيره أو انفسخ نكاحها لرضاع أو اختلاف دين أو غير
ذلك لأن الفسخ في معنى الطلاق
(فصل) وان طلقها ثم راجعها ثم طلقها قبل دخوله بها ففيه روايتان (أحدهما) تبني على ما مضى
من العدة نقلها الميموني وهي اختيار أبي بكر وقول عطاء وأحد قولي الشافعي لأنهما طلاقان لم يتخللهما
دخول بها فكانت العدة من الأول منهما كما لو لم يرتجعها ولان الرجعة لم يتصل بها دخول فلم يجب
بالطلاق منها عدة كما لو نكحها ثم طلقها قبل الدخول
(والثانية) تستأنف العدة نقلها ابن منصور وهي أصح وهذا قول طاوس وأبي قلابة وعمرو بن
دينار وجابر وسعيد بن عبد العزيز واسحق وأبي ثور وأبي عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال
الثوري أجمع الفقهاء على هذا
وحكى أبو الخطاب عن مالك ان قصد الاضرار بها بنت ولا استأنفت لأن الله تعالى إنما جعل
الرجعة لمن أراد الاصلاح بقوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا اصلاحا والذي
قصد الاضرار لم يقصد الاصلاح
495

ولنا انه طلاق في نكاح مدخول بها فيه فأوجب عدة كاملة كما لو لم يتقدمه طلاق وهذا لأن
الطلقة الأولى شعثت النكاح والرجعة لمت شعثه وقطعت عمل الطلاق فصار الطلاق الثاني في نكاح غير
مشعث مدخول بها فيه فأوجب عدة كالأول وكما لو ارتدت ثم أسلمت ثم طلقها فإنها تستأنف عدة كذا
ههنا ويفارق الطلاق قبل الرجعة فإنه جاء بعد طلاق مفض إلى بينونة فإن راجعها ثم دخل بها ثم طلقها
فإنها تستأنف عدة بغير اختلاف بين أهل العلم لأنه بالوطئ بعد الرجعة صار كالناكح ابتداء إذا وطئ
(فصل) وان خالع زوجته أو فسخ النكاح ثم نكحها في عدتها ثم طلقها فإن كان دخل بها فعليها
العدة بلا خلاف لأنه طلاق في نكاح مدخول بها فيه لم يتقدمه طلاق سواه وان لم يكن دخل بها
بنت على العدة الأولى في الصحيح من المذهب، وعنه أنها تستأنف العدة وهو قول أبي حنيفة لأن
النكاح أقوى من الرجعة، ولو طلقها بعد الرجعة استأنفت العدة فههنا أولى
ولنا انه طلاق من نكاح لم يصبها فيه فلم تجب به عدة كما لو نكحها بعد انقضاء عدتها وفارق
الرجعة لأنها ردت المرأة إلى النكاح الأول فكان الطلاق الثاني في نكاح اتصل به الدخول وهذا
النكاح جديد بعد البينونة من الأولى ولم يوجد فيه دخول فأشبه التزويج بعد قضاء العدة، وأما بناؤها
على العدة الأولى فلأنها إنما قطع حكمها النكاح وقد زال فيعود إليها ولو أسلمت زوجته ثم أسلم في عدتها
أو أسلم هو ثم أسلمت في عدتها وطلقها قبل وطئه أو بعده أو ارتدت ثم أسلمت ثم طلقها فعليها عدة
مستأنفة بلا خلاف لأنه طلاق في نكاح وطئ فيه أشبه الطلاق في النكاح الأول
496

(فصل) ومتى وطئ الرجعية وقلنا إن الوطئ لا تحصل به الرجعة فعليها أن تستأنف العدة من الوطئ
ويدخل فيها بقية عدة الطلاق لأنهما عدتان من رجل واحدا فتداخلتا كما لو طلقها واحدة فلم تنقض
عدتها حتى طلقها وله ارتجاعها في بقية العدة الأولى لأنها عدة من الطلاق فإذا مضت البقية لم يكن
له ارتجاعها في بقية عدة الوطئ لأنها عدة من وطئ شبهة فإن حبلت من الوطئ صارت في عدة الوطئ
وتدخل فيها البقية الأولى ولأنهما عدتان لواحد فأشبه ما لو كانا بالأقراء، وتنقضي العدتان جميعا بوضع
الحمل لأنه لا يتبعض وله مراجعتها قبل وضعه لأنها في عدة من الطلاق، ويحتمل أن لا يتداخلا لأنهما
من جنسين، فعلى هذا تصير معتدة من الوطئ خاصة، وهل له رجعتها في مدة الحمل؟ على وجهين مضى
توجيههما فيما إذا حملت من وطئ زوج ثان فإذا وضعت أتمت عدة الطلاق وله ارتجاعها في هذه البقية
لأنها من عدة الطلاق، ولو طلقت حاملا ثم وطئها انقضت عدتها بوضع الحمل منهما جميعا، ويحتمل
أن تستأنف عدة الوطئ بعد وضع الحمل لما ذكرنا ولا رجعة له بعد وضع الحمل في هذه الصورة بكل
حال ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على ما ذكرنا سواء
497

(مسألة) قال (وإذا طلقها ثم أشهد على المراجعة من حيث لا تعلم فاعتدت ثم
نكحت من أصابها ردت إليه ولا يصيبها حتى تنقضي عدتها في إحدى الروايتين،
والأخرى هي زوجة الثاني) وجملة ذلك أن زوج الرجعية إذا راجعها وهي لا تعلم صحت المراجعة لأنها لا تفتقر إلى رضاها
فلم تفتقر إلى علمها كطلاقها فإذا راجعها ولم تعلم فانقضت عدتها ثم تزوجت ثم جاء وادعى انه كان راجعها
قبل انقضاء عدتها وأقام البينة على ذلك ثبت أنها زوجته وان نكاح الثاني فاسد لأنه تزوج امرأة
غيره وترد إلى الأول سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل بها. هذا هو الصحيح وهو مذهب أكثر الفقهاء
منهم الثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروي ذلك عن علي رضي الله عنه
وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية ثانية ان دخل بها الثاني فهي امرأته ويبطل نكاح الأول
روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول مالك وروي معناه عن سعيد بن المسيب
و عبد الرحمن بن القاسم ونافع لأن كل واحد منهما عقد عليها وهي ممن يجوز له العقد في الظاهر ومع
الثاني مزية الدخول فقدم بها
498

ولنا أن الرجعة قد صحت وتزوجت وهي زوجة الأول فلم يصح نكاحها كما لو لم يطلقها، فإذا ثبت
هذا فإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما وردت إلى الأول ولا شئ على الثاني وإن كان دخل بها
فلها عليه مهر المثل لأن هذا وطئ شبهة، وتعتد ولا تحل للأول حتى تنقضي عدتها منه، وان أقام البينة
قبل دخول الثاني بها ردت إلى الأول بغير خلاف في المذهب وهو إحدى الروايتين عن مالك، وأما
ان تزوجها مع علمهما بالرجعة أو علم أحدهما فالنكاح باطل بغير خلاف والوطئ محرم على من علم منهما
وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره لأنه وطئ امرأة غيره مع علمه، فأما ان لم يكن لمدعي الرجعة بينة
فأنكره أحدهما لم يقبل قوله ولكن ان أنكراه جميعا فالنكاح صحيح في حقهما وان اعترفا له بالرجعة
ثبتت والحكم فيه كما لو قامت به البينة سواء، وإن أقر له الزوج وحده فقد اعترف بفساد نكاحه فتبين
منه وعليه مهرها إن كان بعد الدخول أو نصفه إن كان قبله لأنه لا يصدق على المرأة في اسقاط حقها
عنه ولا تسلم المرأة إلى المدعي لأنه لا يقبل قول الزوج الثاني عليها وإنما يلزمه في حقه ويكون القول قولها
وهل هو مع يمينها أولا؟ على وجهين، والصحيح أنها لا تستحلف لأنها لو أقرت لم يقبل اقرارها فإذا
أنكرت لم تجب اليمين بانكارها، وإن اعترفت امرأة وأنكر الزوج لم يقبل اعترافها على الزوج في فسخ
النكاح لأن قولها إنما يقبل على نفسها في حقها وهل يستحلف؟ يحتمل وجهين
(أحدهما) لا يستحلف اختاره القاضي لأنه دعوى في النكاح فلم يستحلف كما لو ادعى
زوجية امرأة فأنكرته
499

(والثاني) يستحلف قال القاضي وهو قول الخرقي لعموم قوله عليه السلام (ولكن اليمين على المدعى
عليه) ولأنه دعوى في حق آدمي فيستحلف فيه كالمال فإن حلف فيمينه على نفي العلم لأنه على نفي فعل
الغير فإن زال نكاحه بطلاق أو فسخ أو موت ردت إلى الأول من غير عقد لأن المنع من ردها
إنما كان لحق الثاني فإذا زال زال المانع وحكم بأنها زوجة الأول كما لو شهد بحرية عبد ثم اشتراه عنق
عليه ولا يلزمها للأول مهر بحال وذكر القاضي أن عليها له مهرا وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأنها
أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها بغير حق فأشبه شهود الطلاق إذا رجعوا
ولنا أن ملكها استقر على المهر فلم يرجع به عليها كما لو ارتدت أو أسلمت أو قتلت نفسها فإن مات
الأول وهي في نكاح الثاني فينبغي أن ترثه لاقراره بزوجيتها أو اقرارها بذلك، وإن ماتت لم يرثها
لأنها لا تصدق في ابطال ميراث الزوج الثاني كما لم تصدق في ابطال نكاحه، ويرثها الزوج الثاني لذلك
وإن مات الزوج الثاني لم ترثه لأنها تنكر صحة نكاحه فتنكر ميراثه
(مسألة) قال (وإذا طلقها ثلاثا وانقضت عدتها منه ثم أتته فذكرت أنها نكحت من
أصابها ثم طلقها أو مات عنها وانقضت عدتها منه وكان ذلك ممكنا فله أن ينكحها إذا كان
يعرف منها الصدق والصلاح وان لم تكن عنده في هذه الحال لم ينكحها حتى يصح عنده قولها)
وجملة ذلك أن المطلقة المبتوتة إذا مضى زمن بعد طلاقها يمكن فيه انقضاء عدتين بينهما نكاح
500

ووطئ فأخبرته بذلك وغلب على ظنه صدقها إما لمعرفته بأمانتها أو بخبر غبرها ممن يعرف حالها فله أن
يتزوجها في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي
وذلك لأن المرأة مؤتمنة على نفسها وعلى ما أخبرت به عنها، ولا سبيل إلى معرفة هذا الحال على الحقيقة
إلا من جهتها فيجب الرجوع إلى قولها كما لو أخبرت بانقضاء عدتها، فأما إن لم يعرف ما يغلب على ظنه
صدقها لم يحل له نكاحها، وقال الشافعي له نكاحها لما ذكرنا أولا والورع أن لا ينكحها. ولنا أن الأصل
التحريم ولم يوجد غلبة ظن تنقل عنه فوجب البقاء عليه كما لو أخبره فاسق عنها
(فصل) وإذا أخبرت أن الزوج أصابها فأنكر فالقول قولها في حلها للأول والقول قول الزوج
في المهر ولا يلزمه إلا نصفه إذا لم يقر بالخلوة بها، فإن قال الزوج الأول أنا أعلم أنه ما أصابها لم يحل
له نكاحها لأنه يقر على نفسه بتحريمها، فإن عاد فاكذب نفسه وقال قد علمت صدقها دين فيما بينه وبين الله
تعالى لأن الحل والحرمة من حقوق الله تعالى فإذا علم حلها له لم تحرم بكذبه وهذا مذهب الشافعي
ولأنه قد يعلم ما لم يكن علمه، ولو قال ما أعلم أنه أصابها لم تحرم عليه بهذا لأن المعتبر في حلها له خبر
يغلب على ظنه صدقه لا حقيقة العلم
(فصل) وإذا طلقها طلاقا رجعيا وغاب وقضت عدتها وأرادت التزوج فقال وكيله توقفي كيلا
يكون راجعك لم يجب عليها التوقف لأن الأصل عدم الرجعة وحل النكاح فلا يجب الزوال عنه بأمر
501

مشكوك فيه، ولأنه أمر لو وجب عليها التوقف في هذه الحال لوجب عليها التوقف قبل قوله لأن احتمال
الرجعة موجود سواء قال أو لم يقل فيفضي إلى تحريم النكاح على كل رجعية غاب زوجها أبدا
(فصل) فإذا قالت قد تزوجت من أصابني ثم رجعت عن ذلك قبل أن يعقد عليها لم يجز العقد
لأن الخبر المبيح للعقد قد زال فزالت الإباحة وإن كان بعد ما عقد عليها لم يقبل لأن ذلك ابطال للعقد
الذي لزمها بقولها فلم يقبل كما لو ادعى زوجية امرأة فأقرت له بذلك ثم رجعت عن الاقرار
كتاب الايلاء
الايلاء في اللغة الحلف يقال آلى يولى إيلاء والية وجمع الالية ألايا. قال الشاعر:
قليل الألايا حافظ ليمينه * إذا صدرت منه الالية برت
ويقال تألى يتألى وفي الخبر (من يتأل على الله يكذبه) فأما الايلاء في الشرع فهو الحلف على ترك
وطئ المرأة والأصل فيه قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وكان أبي بن
كعب وابن عباس يقرآن يقسمون
(مسألة) قال (والمولي الذي يحلف بالله عز وجل أن لا يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهر)
وجملته أن شروط الايلاء أربعة: أحدها أن يحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته ولا خلاف
502

بين أهل العلم في أن الحلف بذلك إيلاء، فأما ان حلف على ترك الوطئ بغير هذا مثل أن حلف بطلاق
أو عتاق أو صدقة المال أو الحج أو الظهار ففيه روايتان إحداهما) لا يكون موليا وهو قول الشافعي القديم
(والرواية الثانية) هو مول، وروي عن ابن عباس أنه قال كل يمين منعت جماعها فهي إيلاء
وبذلك قال الشعبي والنخعي ومالك وأهل الحجاز والثوري وأبو حنيفة وأهل العراق والشافعي وأبو
ثور وأبو عبيد وغيرهم لأنها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء كالحلف بالله ولان تعليق الطلاق والعتاق
على وطئها حلف بدليل أنه لو قال متى حلف بطلاقك فأنت طالق ثم قال إن وطئتك فأنت طالق
طلقت في الحال، وقال أبو بكر كل يمين من حرام أو غيرها يجب بها كفارة يكون الحالف بها موليا
وأما الطلاق والعتاق فليس الحلف به إيلاء لأنه يتعلق به حق آدمي وما أوجب كفارة تعلق بها حق
الله تعالى، والرواية الأولى هي المشهورة لأن الايلاء المطلق إنما هو القسم ولهذا قرأ أبي وابن عباس
يقسمون مكان يولون، وروي عن ابن عباس في تفسير يولون قال يحلفون بالله هكذا ذكره الإمام أحمد
، والتعليق بشرط ليس بقسم ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ولا يجاب بجوابه ولا يذكره أهل
العربية في باب القسم فلا يكون إيلاء وإنما يسمى حلفا تجوزا لمشاركته القسم في المعنى المشهور في
القسم وهو الحث على الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر والكلام عند اطلاقه لحقيقته ويدل على هذا
503

قول الله تعالى (فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم) وإنما يدخل الغفران في اليمين بالله وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم
(من حلف بغير الله فقد أشرك) وقوله (ان الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) متفق عليه، وإن سلمنا أن غير القسم
حلف لكن الحلف باطلاقه إنما ينصرف إلى القسم وإنما يصرف إلى غير القسم بدليل، ولا خلاف في أن
القسم بغير الله تعالى وصفاته لا يكون إيلاء لأنه لا يوجب كفارة ولا شيئا يمنع من الوطئ فلا يكون
إيلاء كالخبر بغير القسم، وإذا قلنا بالرواية الثانية فلا يكون موليا إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه
حق كقوله إن وطئتك فعبدي حر أو فأنت طالق أو فأنت علي كظهر أمي أو فأنت علي حرام أو فلله
علي صوم سنة أو الحج أو صدقة فهذا يكون إيلاء لأنه يلزمه بوطئها حق يمنعه من وطئها خوفه من وجوبه
وإن قال إن وطئتك فأنت زانية لم يكن موليا لأنه لا يلزمه بالوطئ حق ولا يصير قاذفا بالوطئ لأن
القذف لا يتعلق بالشرط ولا يجوز أن تصير زانية بوطئه لها كما لا تصير زانية بطلوع الشمس، وان
قال إن وطئتك فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن موليا لأنه لو وطئها بعد مضيه لم يلزمه حق فإن صوم هذا
الشهر لا يتصور بعد مضيه فلا يلزم بالنذر كما لو قال إن وطئتك فلله علي صوم أمس وان قال إن وطئتك
فلله علي أن أصلي عشرين ركعة كان موليا
وقال أبو حنيفة لا يكون موليا لأن الصلاة لا يتعلق بها مال ولا تتعلق بمال فلا يكون الحالف بها
موليا كما لو قال إن وطئتك فلله علي أن أمشي في السوق
504

ولنا أن الصلاة تجب بالنذر فكان الحالف بها موليا كالصوم والحج وما ذكره لا يصح فإن
الصلاة تحتاج إلى الماء والسترة وأما المشي في السوق فقياس المذهب على هذه الرواية أنه يكون موليا
لأنه يلزمه بالحنث في هذا النذر أحد شيئين: إما الكفارة وإما المشي فقد صار الحنث موجبا لحق عليه
فعلى هذا يكون موليا بنذر فعل المباحات والمعاصي أيضا فإن نذر المعصية موجب للكفارة في ظاهر
المذهب، وان سلمنا فالفرق بينهما ان المشي لا يجب بالنذر بخلاف مسئلتنا، وإذا استثنى في يمينه
لم يكن موليا في قول الجميع لأنه لا يلزمه كفارة بالحنث فلم يكن الحنث موجبا لحق عليه وهذا إذا كانت اليمين
بالله تعالى أو كانت يمينا مكفرة، فأما الطلاق والعتاق فمن جعل الاستثناء فيهما غير مؤثر فوجوده كعدمه
ويكون موليا بهما سواء استثنى أو لم يستثن
(فصل) [الشرط الثاني] أن يحلف على ترك الوطئ أكثر من أربعة أشهر وهذا قول ابن عباس
وطاوس وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد، وقال عطاء والثوري
وأصحاب الرأي إذا حلف على أربعة أشهر فما زاد كان موليا وحكى ذلك القاضي أبو الحسين رواية
عن أحمد لأنه ممتنع من الوطئ باليمين أربعة أشهر فكان موليا كما لو حلف على ما زاد، وقال النخعي
وقتادة وحماد وابن أبي ليلى وإسحاق: من حلف على ترك الوطئ في قليل من الأوقات أو كثير
وتركها أربعة أشهر فهو مول لقول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وهذا مول
فإن الايلاء الحلف وهذا حالف
505

ولنا أنه لم يمنع نفسه من الوطئ باليمين أكثر من أربعة أشهر فلم يكن موليا كما لو حلف على ترك
قبلتها، والآية حجة لنا لأنه جعل له تربص أربعة أشهر فإذا حلف على أربعة أشهر أو ما دونها فلا
معنى للتربص لأن مدة الايلاء تنقضي قبل ذلك ومع انقضائه، وتقدير التربص بأربعة أشهر يقتضي
كونه في مدة تناولها الايلاء، ولان المطالبة إنما تكون بعد أربعة أشهر فإذا انقضت المدة بأربعة فما
دون لم تصح المطالبة من غير ايلاء وأبو حنيفة ومن وافقه بنوا ذلك على قولهم في الفيئة انها تكون في مدة
الأربعة أشهر وظاهر الآية خلافه فإن الله تعالى قال (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر
فإن فاءوا) فعقب الفيئ عقيب التربص بقاء التعقيب فيدل على تأخرها عنه
إذا ثبت هذا فحكي عن ابن عباس ان المولي من يحلف على ترك الوطئ أبدا أو مطلقا لأنه إذا حلف
على ما دون ذلك أمكنه التخلص بغير حنث لم يكن موليا كما لو حلف لأوطئها في مدينة بعينها
ولنا أنه لا يمكنه التخلص بعد التربص من يمينه بغير حنث فأشبه المطلقة بخلاف اليمين على
مدينة معينة فإنه يمكن التخلص بغير الحنث، ولان لأربعة الأشهر مدة تضرر المرأة بتأخير
الوطئ عنها فإذا حلف على أكثر منها كان موليا كالأبد. ودليل الوصف ما روي أن عمر رضي الله عنه
كان يطوف ليلة في المدينة فسمع امرأة تقول
506

تطاول هذا الليل وأزور جانبه * وليس إلى جنبي خليل ألاعبه
فوالله لولا الله لا شئ غيره * لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفني * وأكرم بعلي أن تنال مراكبه
فسأل عمر نساء: كم تصبر المرأة عن الزوج؟ فقلن شهرين وفي الثالث يقل الصبر وفي الرابع ينفذ
الصبر فكتب إلى أمراء الأجناد ان لا تحبسوا رجلا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر
(فصل) وإذا علق الايلاء بشرط مستحيل كقوله: والله لا وطئتك حتى تصعدي السماء أو
تقلبي الحجر ذهبا أو يثيب الغراب فهو مول لأن معنى ذلك ترك وطئها فإن ما يراد إحالة وجوده
يعلق عل المستحيلات قال الله تعالى في الكفار (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)
ومعناه لا يدخلون الجنة أبدا، وقال بعضهم
إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب
وان قال والله لا وطئتك حتى تحبلي فهو مول لأن حبلها بغير وطئ مستحيل عادة فهو كصعود
السماء، وقال القاضي وأبو الخطاب وأصحاب الشافعي ليس بمول الا أن تكون صغيرة يغلب على الظن
أنها لا تحمل في أربعة أشهر أو آيسة فأما ان كانت من ذوات الأقراء فلا يكون موليا لأنه يمكن حملها، قال
القاضي وإذا كانت الصغيرة بنت تسع سنين لم يكن موليا لأن حملها ممكن
507

ولنا أن الحمل بدون الوطئ مستحيل عادة فكان تعليق اليمين عليه إيلاء كصعود السماء ودليل
استحالته قول مريم (أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا؟) وقولهم (يا أخت هارون
ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) ولولا استحالته لما نسبوها إلى البغاء لوجود الولد وأيضا
قول عمر رضي الله عنه: الرجم حق على من زنا وقد أحصن إذا قامت به البينة أو كان الحبل أو الاعتراف
ولان العادة أن الحبل لا يوجد من غير وطئ فإن قالوا يمكن حبلها من وطئ الغير أو باستدخال منيه
قلنا أما الأول فلا يصح فإنه لو صرح به فقال لا وطئتك حتى تحبلي من غيري أو ما دمت في نكاحي
أو حتى تزني كان موليا، ولو صح ما ذكروه لم يكن موليا، وأما الثاني فهو من المستحيلات عادة ان
وجد كان من خوارق العادات بدليل ما ذكرناه وقد قال أهل الطب ان المني إذا برد لم يخلق منه ولد
وصحح قولهم قيام الأدلة التي ذكرنا بعضها وجريان العادة على وفق ما قالوه وإذا كان تعليقه على موته
أو موتها أو موت زيد إيلاء فتعليقه على حبلها بغير وطئ أولى، وإن قالت أردت بقولي حتى تحبلي
السببية ولم أرد الغاية ومعناه لا أطؤك لتحبلي قبل منه ولم يكن موليا لأنه ليس بحالف على ترك الوطئ
وإنما هو حلف على قصد ترك الحبل به فإن حتى تستعمل بمعنى السببية
(فصل) وان علقه على غير مستحيل فذلك على خمسة أضرب (أحدها) ما يعلم أنه لا يوجد قبل
أربعة أشهر كقيام الساعة فإن لها علامات تسبقها فلا يوجد ذلك في أربعة أشهر، وكذلك أن قال
حتى تأتي الهند أو نحوه فهذا مول لأن يمينه على أكثر من أربعة أشهر
508

(الثاني) ما الغالب أنه لا يوجد في أربعة أشهر كخروج الدجال والدابة وغيرهما من أشراط
الساعة أو يقول حتى أموت أو تموتي أو يموت ولدك أو زيد أو حتى يقدم زيد من مكة والعادة أنه
لا يقدم في أربعة أشهر فيكون موليا لأن الغالب أن ذلك لا يوجد في أربعة أشهر فأشبه ما لو قال والله
لا وطئتك في نكاحي هذا وكذلك لو علق الطلاق على مرضها أو مرض انسان بعينه
(الثالث) أن يعلقه على أمر يحتمل الوجود في أربعة أشهر ويحتمل أن لا يوجد احتمالا متساويا
كقدوم زيد من سفر قريب أو من سفر لا يعلم قدره فهذا ليس بايلاء لأنه لا يعلم حلفه على أكثر
من أربعة أشهر ولا يظن ذلك
(الرابع) أن يعلقه على ما يعلم أنه يوجد في أقل من أربعة أشهر أو يظن ذلك كذبول بقل
وجفاف ثوب ومجئ المطر في أوانه وقدوم الحاج في زمانه فهذا لا يكون موليا لها ذكرناه ولأنه لم يقصد
الاضرار بترك وطئها أكثر من أربعة أشهر فأشبه ما لو قال والله لا وطئتك شهرا
(الخامس) أن يعلقه على فعل منها هي قادرة عليه أو فعل من غيرها وذلك ينقسم أقساما ثلاثة
(أحدها) أن يعلقه على فعل مباح لا مشقة فيه كقوله والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار أو تلبسي هذا
الثوب أو حتى أتنفل بصوم يوم أو حتى أكسوك فهذا ليس بايلاء لأنه ممكن الوجود بغير ضرر عليها
فيه فأشبه الذي قبله (والثاني) أن يعلقه على محرم كقوله والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر أو تزني أو
509

تسقطي ولدك أو تتركي صلاة الفرض أو حتى أقتل زيدا أو نحوه فهذا ايلاء لأنه علقه بممتنع شرعا فأشبه
الممتنع حسا (الثالث) أن يعلقه على ما على فاعله فيه مضرة مثل أن يقول والله لا أطؤك حتى تسقطي
صداقك عني أو دينك أو حتى تكفلي ولدي أو تهيبني دارك أو حتى يبيعني أبوك داره أو نحو ذلك
فهذا ايلاء لأن أخذه لمالها أو مال غيرها عن غير رضا صاحبه محرم فجرى مجرى شرب الخمر، وان
قال والله لا أطؤك حتى أعطيك ما لا أو أفعل في حقك جميلا لم يكن ايلاء لأن فعله لذلك ليس بمحرم
ولا ممتنع فجرى مجرى قوله حتى أصوم يوما
(فصل) وان قال والله لا وطئتك إلا برضاك لم يكن موليا لأنه يمكنه وطؤها بغير حنث ولأنه
محسن في كونه لزم نفسه اجتناب سخطها، وعلى قياس ذلك كل حال يمكنه الوطئ فيها بغير حنث
كقوله والله لا وطئك مكرهة أو محزونة ونحو ذلك فإنه لا يكون موليا، وان قال والله لا وطئك
مريضة لم يكن موليا لذلك إلا أن يكون بها مرض لا يرجى برؤه أو لا يزول في أربعة أشهر فينبغي
أن يكون موليا لأنه حالف على ترك وطئها أربعة شهر فإن قال ذلك لها وهي صحيحة فمرضت مرضا
يمكن برؤه قبل أربعة أشهر لم يصر موليا وان لم يرج برؤه فيها صار موليا، وكذلك أن كان الغالب أنه
لا يزول في أربعة أشهر صار موليا لأن ذلك بمنزلة ما لا يرجى زواله، وان قال والله لا وطئتك
510

حائضا ولا نفساء ولا محرمة ولا صائمة ونحو هذا لم يكن موليا لأن ذلك محرم ممنوع منه شرعا فقد أكد
منع نفسه منه بيمينه وان قال والله لا وطئتك طاهرا أو لا وطئتك وطئا مباحا صار موليا لأنه حالف
على ترك الوطئ الذي يطالب به في الفينة فكان موليا كما لو قال والله لا وطئتك في قبلك، وان قال والله
لا وطئتك ليلا أو والله لا وطئتك نهارا لم يكن موليا لأن الوطئ يمكن بدون الحنث، وان قال والله
لا وطئتك في هذه البلدة أو في هذا البيت أو نحو ذلك من الأمكنة المعينة لم يكن موليا، وهذا قول الثوري
والأوزاعي والشافعي والنعمان وصاحبيه، وقال ابن أبي ليلى وإسحاق هو مول لأنه حالف على ترك وطئها
ولنا انه يمكن وطؤها بغير حنث فلم يكن موليا كما لو استثنى في يمينه
(فصل) وان حلف على ترك وطئها عاما ثم كفر عن يمينه أنحل الايلاء، قال الأثرم قيل لأبي عبد الله
: المولي يكفر عن يمينه قبل مضي الأربعة الأشهر؟ قال يذهب عنه الايلاء ولا يوقف بعد الأربعة
وذهب الايلاء حين ذهبت اليمين وذلك لأنه لم يبق ممنوعا من الوطئ بيمينه فأشبه من حلف واستثني
فإن كان تكفيره قبل بعد مضي الأربعة لأشهر انحل الايلاء حين التكفير وصار كالخالف على ترك الوطئ أقل
من أربعة أشهر، وإن كفر بعد الأربعة وقبل الوقوف صار كالحالف على أكثر منها إذا مضت مدة
يمينه قبل وقفه
511

(فصل) فإن قال والله لا وطئتك ان شاء فلان لم يصر موليا حتى يشاء فإذا شاء صار موليا وبهذا
قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنه يصير ممتنعا من الوطي حتى يشاء فلا يكون موليا حتى
يشاء، وإن قال والله لا وطئتك ان شئت فكذلك، وقال أصحاب الشافعي ان شاءت على الفور
جوابا لكلامه صار موليا، وإن أخرت المشيئة انحلت يمينه لأن ذلك تخيير لها فكان على الفور
كقوله اختاري في الطلاق
ولنا أنه علق اليمين على المشيئة بحرف إن فكان على التراخي كمشيئة غيرها فإن قيل فهلا قلتم لا يكون
موليا فإنه علق ذلك بإرادتها فأشبه ما لو قال لا وطئتك إلا برضاك؟ قلنا الفرق بينهما أنها إذا شاءت
انعقدت يمينه مانعة من وطئها بحيث لا يمكنه بعد ذلك الوطئ بغير حنث، وإذا قال والله لا وطئتك
إلا برضاك فما حلف إلا على ترك وطئها في بعض الأحوال وهو حال سخطها فيمكنه الوطئ في الحال
الأخرى بغير حنث وإذا طالبته بالفيئة فهو برضاها، ولو قال والله لا وطئتك حتى تشائي فهو كقوله
إلا برضاك ولا يكون موليا بذلك، وإن قال والله لا وطئتك إلا أن يشاء أبوك أو فلان لم يكن موليا
512

لأنه علفه بفعل منه يمكن وجوده في الأربعة أشهر إمكانا غير بعيد وليس بمحرم ولا فيه مضرة فأشبه
ما لو قال والله لا وطئتك إلا أن تدخلي الدار وان قال والله لا وطئتك إلا أن تشائي لم يكن موليا وكان
بمنزلة قوله الا برضاك أو حتى تشائي، وقال أبو الخطاب ان شاءت في المجلس لم يصر موليا وإلا صار
موليا، وقال أصحاب الشافعي ان شاءت على الفور عقيب كلامه لم يصير موليا والا صار موليا لأن
المشيئة عندهم على الفور وقد فاتت بتراخيها، وقال القاضي تنعقد يمينه فإن شاءت انحلت وإلا فهي منعقدة
ولنا أنه منع نفسه بيمينه من وطئها لا عند إرادتها فأشبه ما لو قال الا برضاك أو حتى تشائي
ولأنه علقه على وجود المشيئة أشبه ما لو علقه على مشيئة غيرها، فأما قول القاضي فإن أراد وجود المشيئة
على الفور فهو كقولهم، وإن أراد وجود المشيئة على التراخي تنحل به اليمين لم يكن ذلك إيلاءا لأن تعليق
اليمين على فعل يمكن وجوده في مدة الأربعة الأشهر امكانا غير بعيد ليس بايلاء والله أعلم
(فصل) فإن قال والله لا وطئتك فهو إيلاء لأنه قول يقتضي التأييد، وان قال والله لا وطئك
مدة أو ليطولن تركي لجماعك ونوى مدة تزيد على أكثر من أربعة أشهر فهو إيلاء لأن اللفظ يحتمله
فانصرف إليه بنيته، وان نوى مدة قصيرة لم يكن ايلاء لذلك وان لم ينو شيئا لم يكن ايلاء لأنه يقع على
القليل والكثير فلا يتعين للكثير، فإن قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئك أربعة أشهر
أو فإذا مضت فوالله لا وطئتك شهرين أو لا وطئتك شهرين فإذا مضيت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر ففيه وجهان
513

(أحدهما) ليس بمول لأنه حالف بكل يمين على مدة ناقصة عن مدة الايلاء فلم يكن موليا كما لو
لم ينو الا مدتهما ولأنه يمكنه الوطئ بالنسبة إلى كل يمين عقيب مدتها من غير حنث فيها فأشبه
ما لو اقتصر عليها.
(والثاني) يصير موليا لأنه منع نفسه من الوطئ بيمينه أكثر من أربعة أشهر متوالية فكان موليا
كما لو منعها بيمين واحدة، ولأنه لا يمكنه الوطئ بعد المدة إلا بحنث في يمينه فأشبه ما لو حلف على ذلك
بيمين واحدة ولو لم يكن هذا ايلاء أفضى إلى أن يمنع من الوطئ طول دهره باليمين فلا يكون موليا
وهكذا الحكم في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعها على أربعة كثلاثة أشهر وثلاثة أو ثلاثة وشهرين لما ذكرنا
من التعليلين والله أعلم
(فصل) فإن قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك لم يكن موليا في الحال لأنه لا يلزمه بالوطئ حق
لكن ان وطئها صار موليا لأنها تبقى يمينا تمنع الوطئ على التأييد وهذا الصحيح عن الشافعي وحكي
عنه قول قديم أنه يكون موليا من الأول لأنه لا يمكنه الوطئ الا بان يصير موليا فيلحقه بالوطئ ضرر
وكذلك على هذا القول إن قال وطئتك فوالله لا دخلت الدار لم يكن (1) موليا من الأول فإن وطئها انحل
الايلاء لأنه لم يبق ممتنعا من وطئها بيمين ولا غيرها وإنما بقي ممتنعا باليمين من دخول الدار
ولنا أن يمينه معلقة بشرط ففيما قبله ليس بحالف فلا يكون موليا ولأنه مكنه الوطئ من غير

(1) في نسخة يكون موليا
514

حنث فلم يكن موليا كما لو لم يقل شيئا وكونه يصبر موليا لا يلزمه به شئ وإنما يلزمه بالحنث ولو قال
والله لا وطئتك في السنة الا مرة لم يصر موليا في الحال لأنه يمكنه الوطئ متى شاء بغير حنث فلم يكن
ممنوعا من الوطئ بحكم يمينه فإذا وطئها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر صار موليا، وهذا
قول أبي ثور وأصحاب الرأي، وظاهر مذهب الشافعي في قوله القديم يكون موليا في الابتداء لما ذكرنا
في التي قبلها وقد أجبنا عنه، وان قال والله لا وطئتك سنة إلا يوما فكذلك وبهذا قال أبو حنيفة لأن
اليوم منكر فلم يختص يوما دون يوم ولذلك لو قال: صمت رمضان إلا يوما لم يختص اليوم الآخر ولو
قال لا أكلمك في السنة إلا يوما لم يختص يوما منها
وفيه وجه آخر انه يصير موليا في الحال وهو قول زفر لأن اليوم المستثنى يكون ما آخر المدة
كالتأجيل ومدة الخيار بخلاف قوله لا وطئتك في السنة إلا مرة فإن المرة لا تختص وقتا بعينه، ومن
نصر الأول فرق بين هذا وبين التأجيل ومدة الخيار من حيث أن التأجيل ومدة الخيار تجب الموالاة
فيهما ولا يجوز أن يتخللهما يوم لا أجل فيه ولا خيار لأنه لو جازت له المطالبة في أثناء الاجل لزم قضاء
الدين فيسقط التأجيل بالكلية ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز فتعين جعل اليوم
المستثنى من آخر المدة بخلاف ما نحن فيه فإن جواز الوطئ في يوم من أول السنة أو أوسطها لا يمنع ثبوت حكم
اليمين فيما بقي من المدة فصار ذلك كقوله لا وطئتك في السنة إلا مرة والله أعلم
515

(فصل) فإن قال والله لا وطئتك عاما ثم قال والله لا وطئتك عاما فهو إيلاء واحد حلف عليه بيمينين
إلا أن ينوي عاما آخر سواه، وان قال والله لا وطئتك عاما ثم قال والله لا وطئتك نصف عام أو قال
والله لا وطئتك نصف عام ثم قال والله لا وطئتك عاما دخلت المدة القصيرة في الطويلة لأنها بعضيا ولم
يجعل إحداهما بعد الأخرى فأشبه ما لو أقر بدرهم ثم أقر بنصف درهم أو أقر بنصف درهم ثم أقر
بدرهم فيكون ايلاء واحدا لها وقت واحد وكفارة واحدة، وان نوى بإحدى المدتين غير الأخرى
في هذه أو في التي قبلها أو قال والله لا وطئك عاما ثم والله لا وطئك عاما آخر أو نصف عام آخر أو قال
والله لا وطئتك عاما فإذا مضى فوالله لا وطئتك عاما فهما ايلاءان في زمانين لا يدخل حكم أحدهما
في الآخر أحدهما منجز والآخر متأخر فإذا مضى حكم أحدهما بقي حكم الآخر لأنه أفرد كل واحد
منهما بزمن غير زمن صاحبه فيكون له حكم ينفرد به
فإن قال في المحرم والله لا وطئتك هذا العام ثم قال والله لا وطئتك عاما من رجب إلى تمام اثنى
عشر شهرا أو قال في المحرم والله لا وطئتك عاما ثم قال في رجب والله لا وطئتك عاما فهما إيلاءان في
مدتين بعض إحداهما داخل في الأخرى فإن فاء في رجب أو فيما بعده من بقية العام الأول حنث في
اليمينين وتجزئه كفارة واحدة وينقطع حكم الايلاءين وان فاء قبل رجب أو بعد العام الأول حنث
في إحدى اليمينين دون الأخرى وان فاء في الموضعين حنث في اليمينين وعليه كفارتان
516

(فصل) فإن قال لأربع نسوة والله لا أقربكن انبنى ذلك على أصل وهو الحنث بفعل بعض
المحلوف عليه أولا، فإن قلنا يحنث فهو مول منهن كلهن في الحال لأنه لا يمكنه وطئ واحدة بغير حنث
فصار مانعا لنفسه من وطئ كل واحدة منهن في الحال، فإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه
وزال الايلاء من البواقي، وان طلق بعضهن أو مات لم ينحل الايلاء في البواقي
وان قلنا لا يحنث بفعل البعض لم يكن موليا منهن في الحال لأنه يمكنه وطئ كل واحدة منهن من
غير حنث فلم يمنع نفسه بيمينه من وطئها فلم يكن موليا منها، فإن وطئ ثلاثا صار موليا من الرابعة لأنه
لا يمكنه وطؤها من غير حنث في يمينه، وان مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال الايلاء لأنه
لا يحنث بوطئهن وإنما يحنث بوطئ الأربع فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه،
وذكر القاضي أنا إذا قلنا يحنث بفعل البعض فوطئ واحدة حنث ولم ينحل الايلاء في البواقي لأن
الايلاء من امرأة لا ينحل بوطئ غيرها
ولنا أنها يمين واحدة حنث فيها فوجب أن تنحل كسائر الايمان ولأنه إذا وطئ واحدة حنث
ولزمته الكفارة فلا يلزمه بوطئ الباقيات شئ فلم يبق ممتنعا من وطئهن بحكم يمينه فانحل الايلاء كما لو
كفرها، واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم لا يكون موليا منهن حتى يطأ ثلاثا فيصير موليا من
517

الرابعة، وحكى المزني عن الشافعي أنه يكون موليا منهن كلهن يوقف لكن واحدة منهن فإذا
أصاب بعضهن خرجت من حكم الايلاء ويوقف لمن بقي حتى بفئ أو يطلق ولا يحنث حتى يطأ الأربع
وقال أصحاب الرأي: يكون موليا منهن كلهن فإن تركهن أربعة أشهر بن منه جميعا بالايلاء، وان
وطئ بعضهن سقط الايلاء في حقها ولا يحنث إلا بوطئهن جميعا، ولنا ان من لا يحنث بوطئها لا يكون
موليا منها كالتي يحلف عليها
(فصل) فإن قال والله لا وطئت واحدة منكن ونوي واحدة بعينها تعلقت يمينه بها وحدها وصار
موليا منها دون غيرها وان نوى واحدة مبهمة منهن لم يصر موليا منهن في الحال فإذا وطئ ثلاثا كان
موليا من الرابعة ويحتمل أن تخرج المولى منهن بالقرعة كالطلاق إذا أوقعه في مبهمة من نسائه، وإن
أطلق صار موليا منهن كلهن في الحال لأنه لا يمكنه وطئ واحدة منهن الا بالحنث فإن طلق واحدة منهن
أو ماتت كان موليا من البواقي، وإن وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في
الباقيات لأنها يمين واحدة فإذا حنث فيها مرة لم يحنث مرة ثانية ولا يبقى حكم اليمين بعد حنثه فيها
بخلاف ما إذا طلق واحدة أو ماتت فإنه لم يحنث ثم فبقي حكم يمينه فيمن بقي منهن وهذا مذهب الشافعي
وذكر القاضي أنه إذا أطلق كان الايلاء في واحدة غير معينه وهو اختيار بعض أصحاب الشافعي لأن
لفظه تناول واحدة منكرة فلا يقتضي العموم
518

ولنا أن النكرة في سياق النفي تعم كقوله (ولم يتخذ صاحبة) وقوله (ولم يكن له كفوا أحد)
وقوله (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) ولو قال إنسان والله لا شربت ماء من إداوة حنث
بالشرب من أي إداوة كانت فيجب حمل اللفظ عند الاطلاق على مقتضاه في العموم، وان قال نويت
واحدة معينة أو واحدة مبهمة قبل منه لأن اللفظ يحتمله احتمالا غير بعيد وهذا مذهب الشافعي إلا أنه
إذا أبهم المحلوف عليها فله أن يعينها بقوله وأصل هذا مذكور في الطلاق
(فصل) فإن قال والله لا وطئت كل واحدة منكن صار موليا منهن كلهن في الحال ولا يقبل قوله
نوبت واحدة منهن معينة ولا مبهمة لأن لفظة كل أزالت احتمال الخصوص ومتى حنث في البعض انحل
الايلاء في الجميع كالتي قبلها، وقال القاضي وبعض أصحاب الشافعي لا تنحل في الباقيات
ولنا أنها يمين واحدة حنث فيها فسقط حكمها كما لو حلف على واحدة، ولان اليمين الواحدة إذا
حنث فيها مرة لم يمكن الحنث فيها مرة أخرى فلم يبق ممتنعا من وطئ الباقيات بحكم اليمين فلم يبق الايلاء
كسائر الايمان التي حنث فيها وفي هذه المواضع التي قلنا بكونه موليا منهن كلهن إذا طالبن كلهن بالفيئة
وقف لهن كلهن وإن طالبن في أوقات مختلفة ففيه روايتان
(إحداهما) يوقف للجمع وقت مطالبة أولاهن قال القاضي وهو ظاهر كلام احمد
(والثانية) يوقف لكل واحدة منهن عند مطالبتها اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي فإذا
519

وقف للأولى وطلقها ووقت للثانية فإن طلقها وقف للثالثة فإن طلقها وقف للرابعة، وكذلك من مات
منهن لم يمنع من وقفه للأخرى لأن يمينه لم تنحل وإيلاؤه باق لعدم حنثه فيهن، وان وطئ إحداهن
حين وقف لها أو قبله انحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات على ما قلناه وعلى قول القاضي ومن
وافقه يوقف الباقيات كما لو طلق التي وقف لها
(فصل) فإن قال كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها طوالق فإن قلنا ليس هذا بايلاء فلا كلام
وان قلنا هو ايلاء فهو مول منهن جميعا لأنه لا يمكنه وطئ واحدة منهن إلا بطلاق ضرائرها فيوقف
لهن فإن فاء إلى واحدة طلق ضرائرها فإن كان الطلاق بائنا انحل الايلاء لأنه لم يبق ممنوعا من وطئها
بحكم يمينه، وإن كان رجعيا فراجعهن بقي حكم الايلاء في حقهن لأنه لا يمكنه وطئ واحدة إلا بطلاق
ضرائرها، وكذلك إن راجع بعضهن لذلك إلا أن المدة تستأنف من حين الرجعة، ولو كان الطلاق بائنا
فعاد فتزوجهن أو تزوج بعضهن عاد حكم الايلاء واستؤنفت المدة من حين النكاح وسواء تزوجهن
في العدة أو بعدها أو بعد زوج آخر وإصابة لما سنذكره فيما بعد، وإن قال نويت واحدة بعينها قبل
منه وتعلقت يمينه بها فإذا وطئها طلق ضرائرها وان وطئ غيرها لم يطلق منهن شئ ويكون موليا
من المعينة دون غيرها لأنها التي يلزمه بوطئها الطلاق دون غيرها
520

(فصل) الشرط الثالث أن يحلف على ترك الوطئ في الفرج، ولو قال والله لا وطئتك في الدبر
لم يكن مؤليا لأنه لم يترك الوطئ الواجب عليه ولا تتضرر المرأة بتركه وإنما هو وطئ محرم وقد أكد
منع نفسه منه بيمينه، وان قال والله لا وطئتك دون الفرج لم يكن مؤليا لأنه لم يحلف على الوطئ الذي
يطالب به في الفيئة ولا ضرر على المرأة في تركه، وإن قال والله لا جامعتك الاجماع سوء سئل عما
أراد فإن قال أردت الجماع في الدبر فهو مؤل لأنه حلف على ترك الوطئ في الفرج وكذلك أن قال
أردت أن لا أطأها إلا دون الفرج، وإن قال أردت جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن
مؤليا لأنه يمكنه الوطئ الواجب عليه في الفيئة بغير حنث وان قال أردت وطئا لا يبلغ التقاء الختانين
فهو مول لأنه لا يمكنه الوطئ الواجب عليه في الفيئة بغير حنث وان لم تكن له نية فليس بمؤل لأنه محتمل
فلا يتعين ما يكون به مؤليا وان قال والله لا جامعتك جماع سوء لم يكن مؤليا بحال لأنه لم يحلف على
ترك الوطئ إنما حلف على ترك صفة المكروهة
(فصل) الشرط الرابع أن يكون المحلوف عليها امرأة لقول الله تعالى (الذين يؤلون من نسائهم
تربص أربعة أشهر) ولان غير الزوجة لاحق لها في وطئه فلا يكون مؤليا منها كالأجنبية فإن حلف على
ترك وطئ أمته لم يكن موليا لما ذكرنا
521

وان حلف على ترك وطئ أجنبية ثم نكحها لم يكن مؤليا لذلك وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو
ثور وابن المنذر وقال مالك يصير مؤليا إذا بقي من مدة يمينه أكثر من أربعة أشهر لأنه ممتنع من وطئ
امرأته بحكم يمينه مدة الايلاء فكان مؤليا كما لو حلف في الزوجية، وحكي عن أصحاب الرأي أنه ان
مرت به امرأة فحلف ان لا يقربها ثم تزوجها لم يكن موليا، وان قال إن تزوجت فلانة فوالله لا قربتها
صار موليا لأنه أضاف اليمين إلى حال الزوجية فأشبه ما لو حلف بعد تزويجها
ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) وهذه ليست من نسائه ولان الايلاء حكم من
أحكام النكاح فلم يتقدمه كالطلاق والقسم ولان المدة تضرب له لقصده الاضرار بها بيمينه وإذا كانت
اليمين قبل النكاح لم يكن قاصدا للاضرار فأشبه الممتنع بغير يمين، قال الشريف أبو جعفر وقد قال أحمد يصح
الظهار قبل النكاح لأنه يمين فعلى هذا التعليل يصح الايلاء قبل النكاح والمنصوص انه لا يصح لما ذكرناه
(فصل) فإن آلى من الرجعية صح ايلاؤه: وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي،
وذكر ابن حامد ان فيه رواية أخرى انه لا يصح ايلاؤه لأن الطلاق يقطع مدة الايلاء إذا طرأ
فلان يمنع صحته ابتداء أولى
ولنا أنها زوجة يلحقها طلاقه فصح ايلاؤه منها كغير المطلقة، وإذا آلى منها احتسب بالمدة من
حين آلى وان كانت في العدة، وذكره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة ويجئ على قول الخرقي أن
لا يحتسب عليه بالمدة إلا من حين راجعها لأن ظاهر كلامه الرجعية محرمة وهذا مذهب الشافعي لأنها
معتدة منه فأشبهت البائن، ولان الطلاق إذا طرأ قطع المدة ثم لا يحتسب عليه بشئ من المدة قبل
رجعتها فأولى أن لا يستأنف المدة في العدة
ووجه الأول ان من صح ايلاؤه احتسب عليه بالمدة من حين ايلائه كما لو لم تكن مطلقة ولأنها مباحة فأحتسب
عليه بالمدة فيها لو لم يطلقها، وفارق البائن فإنها ليست زوجة ولا يصح الايلاء منها بحال فهي كسائر الأجنبيات
522

(فصل) ويصح الايلاء من كل زوجة مسلمة كانت أو ذمية حرة كانت أو أمة لعموم قوله
سبحانه (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ولان كل واحدة منهن زوجة فصح الايلاء
منها كالحرة المسلمة ويصح الايلاء قبل الدخول وبعده وبهذا قال النخعي ومالك والأوزاعي والشافعي
وقال عطاء والزهري والثوري إنما يصح الايلاء بعد الدخول
ولنا عموم الآية والمعنى لأنه ممتنع من جماع زوجته بيمينه فأشبه ما بعد الدخول، ويصح
الايلاء من المجنونة والصغيرة الا أنه لا يطالب بالفيئة في الصغر والجنون لأنهما ليسا من أهل المطالبة
فاما الرتقاء والقرناء فلا يصح الايلاء منهما لأن الوطئ متعذر دائما فلم تنعقد اليمين على تركه كما لو حلف
لا يصعد السماء، ويحتمل أن يصح وتضرب له مدة لأن المنع بسبب من جهتها فهي كالمريضة، فعلى هذا
ينبغي أن يفئ فيئة المعذور لأن الفيئة بالوطئ في حقها متعذرة فلا تمكن المطالبة به فأشبه المجبوب
(فصل) ويصح الايلاء من كل زوج مكلف قادر على الوطئ وأما الصبي والمجنون فلا يصح
ايلاؤهما لأن القلم مرفوع عنهما ولأنه قول تجب بمخالفته كفارة أو حق فلم ينعقد منهما كالنذر، وأما
العاجز عن الوطئ فإن كان لعارض مرجو زواله كالمرض والحبس صح ايلاؤه لأنه يقدر على الوطئ فصح
منه الامتناع منه وإن كان غير مرجو الزوال كالجب والشلل لم يصح ايلاؤه لأنها يمين على ترك مستحيل
فلم تنعقد كما لو حلف أن لا يقلب الحجارة ذهبا ولان الايلاء: اليمين المانعة من الوطئ وهذا لا يمنعه
يمينه فإنه متعذر منه ولا تضر المرأة يمينه
قال أبو الخطاب ويحتمل أن يصح الايلاء منه قياسا على العاجز بمرض أو حبس وللشافعي في ذلك
قولان والأول أولى لما ذكرنا، فاما الخصي الذي سلت بيضتاه أو رضت فيمكن منه الوطئ وينزل ماء
رقيقا فيصح ايلاؤه وكذلك المجبوب الذي بقي من ذكره ما يمكن الجماع به
523

(فصل) ويصح ايلاء الذمي ويلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضوا إلينا وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي
وأبو ثور وان أسلم لم ينقطع حكم ايلائه، وقال مالك: إن أسلم سقط حكم يمينه، وقال أبو يوسف
ومحمد ان حلف بالله لم يكن موليا لأنه لا يحنث إذا جامع لكونه غير مكلف، وان كانت يمينه بطلاق أو
عتاق فهو مؤل لأنه يصح عتقه وطلاقه
ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ولأنه مانع نفسه باليمين
من جماعها فكان موليا كالمسلم ولان من صح طلاقه صح ايلاؤه كالمسلم، ومن صحت يمينه عند
الحاكم صح ايلاؤه كالمسلم
(فصل) ولا يشترط في الايلاء الغضب ولا قصد الاضرار روي ذلك عن ابن مسعود وبه قال
الثوري والشافعي وأهل العراق وابن المنذر وروي عن علي رضي الله عنه ليس في اصلاح إيلاء. وعن
ابن عباس قال: إنما الايلاء في الغضب ونحو ذلك عن الحسن والنخعي وقتادة وقال مالك والأوزاعي
وأبو عبيد من حلف لا يطأ زوجته حتى تفطم ولده لا يكون إيلاء إذا أراد الاصلاح لولده
ولنا عموم الآية ولأنه مانع نفسه من جماعها بيمينه فكان مؤليا كحال الغضب يحققه ان حكم
الايلاء بثبت لحق الزوجة فيجب أن يثبت سواء قصد الاضرار أو لم يقصد كاستيفاء ديونها واتلاف
مالها ولان الطلاق والظهار وسائر الايمان سواء في الغضب والرضى فكذلك الايلاء ولان حكم اليمين
في الكفارة وغيرها سواء في الغضب والرضا فكذلك في الايلاء، وأما إذا حلف ان لا يطأها حتى تفطم
ولده فإن أراد وقت الفطام وكانت مدته تزيد على أربعة أشهر فهو مؤل، وان أراد فعل الفطام لم يكن
مؤليا لأنه ممكن قبل الأربعة الأشهر وليس بمحرم ولا فيه تفويت حق لها فلم يكن مؤليا كما لو حلف
لا يطؤها حتى تدخل الدار
524

(فصل) في الألفاظ التي يكون بها مؤليا وهي ثلاثة أقسام (أحدها) ما هو صريح في الحكم والباطن
جميعا وهو ثلاثة ألفاظ قوله والله لا آتيك ولا أدخل ولا أغيب أو أولج ذكري في فرجك ولا افتضضتك
للبكر خاصة فهذه صريحة ولا يدين فيها لأنها لا تحتمل غير الايلاء
(القسم الثاني) صريح في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهي عشرة ألفاظ لا وطئتك ولا
جامعتك ولا أصبتك ولا باشرتك ولا مسستك ولا قربتك ولا أتيتك ولا باضعتك ولا باعلتك ولا
اغتسلت منك فهذه صريحة في الحكم لأنها تستعمل في العرف في الوطئ وقد ورد القرآن ببعضها فقال
الله سبحانه (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فائتوهن) وقال (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون
في المساجد) وقال تعالى (من قبل أن تمسوهن)
وأما الجماع والوطئ فهما أشهر الألفاظ في الاستعمال فلو قال أردت بالوطئ الوطئ بالقدم وبالجماع اجتماع
الأجسام، وبالإصابة الإصابة باليد دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يقبل في الحكم لأنه خلاف الظاهر
والعرف وقد اختلف قول الشافعي فيما عدا الوطئ والجماع من هذه الألفاظ فقال في موضع ليس بصريح
في الحكم لأنه حقيقة في غير الجماع، وقال في لا باضعتك ليس بصريح لأنه يحتمل أن يكون من التقاء
البضعتين البضعة من البدن بالبضعة منه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فاطمة بضعة مني "
ولنا انه مستعمل في الوطئ عرفا وقد ورد به القرآن والسنة فكان صريحا كلفظ الوطئ والجماع
وكونه حقيقة في غير الجماع يبطل بلفظة الوطئ والجماع، وكذلك قوله فارقتك وسرحتك في ألفاظ
الطلاق فإنهم قالوا هي صريحة في الطلاق مع كونها حقيقة في غيره، وأما قوله باضعتك فهو مشتق
من البضع ولا يستعمل هذا اللفظ في غير الوطئ فهو أولى أن يكون صريحا من سائر الألفاظ لأنها
تستعمل في غيره وبهذا قال أبو حنيفة
525

(القسم الثالث) مالا يكون إيلاء إلا بالنية وهو ما عدا هذه الألفاظ مما يحتمل الجماع كقوله والله
لا يجمع رأسي ورأسك شئ لا ساقف رأسي رأسك لأسوءنك لأغيظنك لتطولن غيبتي عنك لا مس
جلدي جلدك لا قربت فراشك لا أويت معك لا نمت عندك فهذه إن أراد بها الجماع واعترف بذلك
كان موليا وإلا فلا لأن هذه الألفاظ ليست ظاهرة في الجماع كظهور التي قبلها ولم يرد النص باستعمالها
فيه إلا أن هذه الألفاظ منقسمة إلى ما يفتقر فيه إلى نية الجماع والمدة معا وهي قوله لأسوأنك ولا
غيظنك ولتطولن غيبتي عنك فلا يكون مؤليا حتى ينوي ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة أشهر لأن
غيظها يكون بترك الجماع فيما دون ذلك وفي سائر هذه الألفاظ يكون مؤليا بنية الجماع فقط، وإن قال
والله ليطولن تركي لجماعك أو لوطئك أو لاصابتك فهذا صريح في ترك الجماع وتعتبر نية المدة دون
نية الوطئ لأنه صريح فيه، وإن قال والله لا جامعتك إلا جماعا ضعيفا لم يكن مؤليا إلا أن ينوي جماعا
لا يبلغ التقاء الختانين، وإن قال والله لا أدخلت جميع ذكري في فرجك لم يكن مؤليا لأن الوطئ الذي
يحصل به الفيئة يحصل بدون ايلاج جميع الذكر، وان قال والله لا أولجت حشفتي في فرجك كان موليا
لأن الفيئة لا تحصل بدون ذلك
(فصل) وان قال لاحدى زوجتيه والله لا وطئتك ثم قال للأخرى أشركتك معها لم يصر موليا
من الثانية لأن اليمين بالله لا يصح الا بلفظ صريح من اسم أو صفد والتشريك بينهما كناية فلم تصح به
اليمين وقال القاضي يكون موليا منهما وان قال إن وطئتك فأنت طالق ثم قال للأخرى أشركتك معها ونوى
فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها أيضا لأن الطلاق يصح بالكناية فإن قلنا إن ذلك إيلاء في الأولى صار
إيلاء في الثانية لأنها صارت في معناها والا فليس بايلاء في واحدة منهما وكذلك لو آلى رجل من زوجته
فقال آخر لامرأته أنت مثل فلانة لم يكن موليا، وقال أصحاب الرأي هو مول
ولنا أنه ليس بصريح في القسم فلا يكون موليا به كما لو لم يشبهها بها
526

(فصل) ويصح الايلاء بكل لغة من العجمية وغيرها ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها لأن اليمين
تنعقد بغير العربية وتجب بها الكفارة، والمؤلى هو الحالف بالله على ترك وطئ زوجته الممتنع من
ذلك بيمينه فإن آلى بالعجمية من لا يحسنها وهو لا يدري معناها لم يكن موليا، وان نوى موجبها
عند أهلها، وكذلك الحكم إذا آلى بالعربية من لا يحسنها لأنه لا يصح منه قصد الايلاء بلفظ
لا يدري معناه فإن اختلف الزوجان في معرفته بذلك فالقول قوله إذا كان متكلما بغير لسانه لأن
الأصل عدم معرفته بها فاما ان آلى العربي بالعربية ثم قال جرى على لساني من غير قصد أو قال ذلك
العجمي في إيلائه بالعجمية لم يقبل في الحكم لأنه خلاف الظاهر
(فصل) ومدة الايلاء في حق الأحرار والعبيد والمسلمين وأهل الذمة سواء، ولا فرق بين
الحرة والأمة والمسلمة والذمية والصغيرة والكبيرة في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وابن المنذر
وعن أحمد رواية أخرى ان مدة إيلاء العبيد شهران وهو اختيار أبي بكر، وقول عطاء والزهري
ومالك وإسحاق لأنهم على النصف في الطلاق وعدد المنكوحات فكذلك في مدة الايلاء، وقال
الحسن والشعبي إيلاؤه من الأمة شهران ومن الحرة أربعة وقال الشعبي إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة وهذا
قول أبي حنيفة لأن ذلك تتعلق به البينونة عنده واختلف بالرق والحرية كالطلاق ولأنها مدة يثبت ابتداؤها
بقول الزوج فوجب أن يختلف برق المرأة وحريتها كمدة العدة
ولنا عموم الآية ولأنها مدة ضربت للوطئ فاستوى فيها الرق والحرية كمدة العنة ولا نسلم أن
البينونة تتعلق بها ثم يبطل ذلك بمدة العنة ويختلف مدة العدة لأن العدة مبنية على الكمال بدليل أن
الاستبراء يحصل بقرء واحد، وأما مدة الايلاء فإن الاستمتاع بالحرة أكثر وكان ينبغي أن تتقدم مطالبتها
مطالبة الأمة والحق على الحر في الاستمتاع أكثر منه على العبد فلا تجوز الزيادة في مطالبة العبد عليه
527

(مسألة) قال (فإذا مضت أربعة أشهر ورافعته أمر بالفيئة والفيئة الجماع)
وجملة ذلك أن المولي يتربص أربعة أشهر كما أمر الله تعالى ولا يطالب فيهن فإذا مضت أربعة
أشهر ورافعته امرأته إلى الحاكم وقفه وأمره بالفيئة فإن أبى أمره بالطلاق ولا تطلق زوجته بنفس
مضي المدة قال احمد في الايلاء يوقف عن الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر شئ يدل على
ذلك، عن عثمان وعلي وجعل يثبت حديث علي وبه قال ابن عمر وعائشة، وروي ذلك عن أبي الدرداء
وقال سليمان بن يسار كان تسعة عشر رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوقفون في الايلاء، وقال سهيل
ابن أبي صالح سألت اثني عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلهم يقول ليس عليه شئ حتى يمضي
أربعة أشهر فيوقف فإن فاء والا طلق، وبهذا قال سعيد بن المسيب وعروة ومجاهد وطاوس ومالك
والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر، وقال ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وجابر
ابن زيد وعطاء والحسن ومسروق وقبيصة والنخعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي إذا
مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وروي ذلك عن عثمان وعلي وزيد وابن عمر وروي عن أبي بكر بن
عبد الرحمن ومكحول والزهري تطليقة رجعية ويحكى عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (فإن فاءوا فيهن فإن الله
غفور رحيم) ولأن هذه مدة ضربت لاستدعاء الفعل منه فكان ذلك في المدة كمدة العنة
ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) وظاهر
ذلك أن الفيئة بعد أربعة أشهر لذكره الفيئة بعدها بالفاء المقتضية للتعقيب ثم قال (وان عزموا الطلاق فإن الله
سميع عليم) ولو وقع بمضي المدة لم يحتج إلى عزم عليه (وقوله سميع عليم) يقتضي ان الطلاق مسموع ولا يكون
المسموع إلا كلاما ولأنها مدة ضربت له تأجيلا فلم يستحق المطالبة فيها كسائر الآجال، ولأن هذه مدة لم
528

يتقدمها إيقاع فلا يتقدمها وقوع كمدة العنة ومدة العنة حجة لنا فإن الطلاق لا يقع إلا بمضيها (1) ولان مدة
العنة ضربت له ليختبر فيها ويعرف عجزه عن الوطئ بتركه في مدتها وهذه ضربت تأخيرا له وتأجيلا ولا
يستحق المطالبة الا بعد مضي الاجل كالدين
(فصل) وابتداء المدة من حين اليمين ولا يفتقر إلى ضرب مدة لأنها ثبتت بالنص والاجماع
فلم تفتقر إلى ضرب كمدة العنة ولا يطالب بالوطئ فيها لما ذكرنا فإن وطئها فيها فقد عجلها حقها قبل
محله وخرج من الايلاء كمن عليه دين دفعه قبل الاجل وهكذا ان وطئ بعد المدة قبل المطالبة أو
بعدها خرج من الايلاء وسواء وطئها وهي غافلة أو مجنونة أو يقظانة أو نائمة لأنه فعل ما حلف عليه
فإن وطئها وهو مجنون لم يحنث ذكره ابن حامد وهو قول الشعبي
وقال أبو بكر يحنث وعليه الكفارة لأنه فعل ما حلف عليه والأول أصح لأنه غير مكلف والقلم
عنه مرفوع ويخرج بوطئه عن الايلاء لأنه قد وفاها حقها وحصل منه في حقها ما يحصل من العاقل وإنما
تسقط الكفارة عنه لرفع القلم عنه، ذكر هذا ابن حامد وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وذكر
القاضي ما يدل على أنه يبقى موليا فإنه قال إذا وطئ بعد إفاقته تجب عليه الكفارة لأن وطأه الأول
ما حنث به، وإذا بقيت يمينه بقي الايلاء كما لو لم يطأ وهذا قول المرني
وينبغي أن يستأنف له مدة الايلاء من حين وطئ لأنه لا ينبغي أن يطالب بالفيئة مع
وجودها منه ولا يطلق عليه لانتفائها وهي موجودة ولكن تضرب له مدة لبقاء حكم يمينه وقيل
تضرب له المدة إذا عقل لأنه حينئذ يمنع من الوطئ بحكم يمينه، ومن قال بالأول قال قد وفاها
حقها فلم يبق الايلاء كما لو حنث ولا يمتنع انتفاء الايلاء مع اليمين كما لو حلف لا يطأ أجنبية ثم تزوجها

(1) في نسخة لا يقع بمضيها
529

(فصل) وان وطئ العاقل ناسيا ليمينه فهل يحنث؟ على روايتين فإن قلنا يحنث انحل ايلاؤه
وذهبت يمينه وان قلنا لا يحنث فهل ينحل ايلاؤه؟ على وجهين قياسا على المجنون وكذلك يخرج فيما إذا
آلى من إحدى زوجتيه ثم وجدها على فراشه فظنها الأخرى فوطئها لأنه جاهل بها والجاهل كالناسي
في الحنث وكذلك أن ظنها أجنبية فبانت زوجته
وان استدخلت ذكره وهو نائم لم يحنث لأنه لم يفعل ما حلف عليه ولان القلم مرفوع عنه وهل
يخرج من حكم الايلاء يحتمل وجهين (أحدهما) يخرج لأن المرأة وصلت إلى حقها فأشبه ما لو وطئ
(والثاني) لا يخرج من حكم الايلاء لأنه ما وفاها حقها وهو باق على الامتناع من الوطئ بحكم اليمين
فكان موليا كما لو لم يفعل به ذلك والحكم فيما إذا وطئ وهو نائم كذلك لأنه لا يحنث به
(فصل) وان وطئها وطأ محرما مثل أن وطئها حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة صوم فرض
أو كان محرما أو صائما أو مظاهرا حنث وخرج من الايلاء وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو بكر
قياس المذهب أن لا يخرج من الايلاء لأنه وطئ لا يؤمر به في الفيئة فلم يخرج به من الايلاء كالوطئ في
الدبر، ولا يصح هذا لأن يمينه انحلت ولم يبق ممتنعا من الوطئ بحكم اليمين فلم يبق الايلاء كما لو كفر
يمينه أو كما لو وطئها مريضة
وقد نص أحمد فيمن حلف ثم كفر يمينه انه لا يبقى موليا لعدم حكم اليمين مع أنه ما وفاها حقها
فلان يزول بزوال اليمين يحنثه فيها أولى، وقد ذكر القاضي في المحرم والمظاهر انهما إذا وطئا فقد وفياها
حقها وفارق الوطئ في الدبر فإنه لا يحنث به وليس بمحل للوطئ بخلاف مسئلتنا
(فصل) وإذا آلى منها وثم عذر يمنع الوطئ من جهة الزوج كمرضه أو حبسه أو إحرامه أو
صيامه حسبت عليه المدة من حين ايلائه لأن المانع من جهته وقد وجد التمكين الذي عليها ولذلك لو
530

أمكنته من نفسها وكان ممتنعا لعذر وجبت لها النفقة، وان طرأ شئ من هذه الاعذار بعد الايلاء أو
جن لم تنقطع المدة للمعنى الذي ذكرناه، وإن كان المانع من جهتها نظرنا فإن كان حيضا لم يمنع
ضرب المدة لأنه لو منع لم يمكن ضرب المدة لأن الحيض في الغالب لا يخلو منه شهر فيؤدي ذلك إلى
إسقاط حكم الايلاء وان طرأ الحيض لم يقطع المدة لما ذكرنا وفي النفاس وجهان (أحدهما) هو كالحيض
لأن أحكامه أحكام الحيض (والثاني) هو كسائر الاعذار التي من جهتها لأنه نادر غير معتاد
فأشبه سائر الاعذار، وأما سائر الاعذار التي من جهتها كصغرها ومرضها وحبسها وإحرامها
وصيامها واعتكافها المفروضين ونشوزها وغيبتها فمتى وجد منها شئ حال الايلاء لم تضرب له
المدة حتى يزول لأن المدة تضرب لامتناعه من وطئها والمنع ههنا من قبلها، وان وجد شئ من
هذه الأسباب استؤنفت المدة ولم بين على ما مضى لأن قوله سبحانه (تربص أربعة أشهر) يقتضي
متوالية فإذا قطعتها وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة، وان حنث وهربت من يده
انقطعت المدة وان بقيت في يده وأمكنه وطؤها احتسب عليه بها، فإن قيل فهذه الأسباب منها ما
لا صنع لها فيه فلا ينبغي أن تقطع المدة كالحيض، قلنا إذا كان المنع لمعنى فيها فلا فرق بين كونه بفعلها
أو بغير فعلها كما أن البائع إذا تعذر عليه تسليم المعقود عليه لم يتوجه له المطالبة بعرضه سواء كان لعذر
أو غير عذر وإن آلى في الردة لم تضرب له المدة الا من حين رجوع المرتد منهما إلى الاسلام، وان
طرأت الردة في أثناء المدة انقطعت لأن النكاح قد تشعث وحرم الوطئ فإذا عاد إلى الاسلام استؤنفت
المدة سواء كانت الردة منهما أو من أحدهما وكذلك أن أسلم أحد الزوجين الكافرين أو خالعها ثم
تزوجها والله أعلم
531

(فصل) وإذا انقضت المدة فلها المطالبة بالفيئة إن لم يكن عذر فإن طالبته فطلب الامهال فإن لم
يكن له عذر لم يمهل لأنه حق توجه عليه لا عذر له فيه فلم يمهل به كالدين الحال ولان الله تعالى جعل المدة أربعة
أشهر فلا تجوز الزيادة عليها بغير عذر وإنما يؤخر قدر ما يتمكن من الجماع في حكم العادة فإنه لا يلزمه
الوطئ في مجلسه وليس ذلك بامهال، فإن قال أمهلوني حتى آكل فاني جائع أو ينهضم الطعام فاني كظيظ
أو أصلي الفرض أو أفطر من صومي أمهل بقدر ذلك فإنه يعتبر أن يصير إلى حال يجامع في مثلها في العادة
وكذلك يمهل حتى يرجع إلى بيته لأن العادة فعل ذلك في بيته، وإن كان لها عذر يمنع من وطئها لم
يكن لها المطالبة بالفيئة لأن الوطئ ممتنع من جهتها فلم يكن لها مطالبته بما يمنعه منه ولان المطالبة مع
الاستحقاق وهي لا تستحق الوطئ في هذه الأحوال وليس لها المطالبة بالطلاق لأنه إنما يستحق عند
امتناعه من الفيئة الواجبة ولم يجب عليه شئ ولكن تتأخر المطالبة إلى حال زوال العذر ان لم يكن
العذر قاطعا للمدة كالحيض أو كان العذر حدث بعد انقضاء المدة
(فصل) فإن عفت عن المطالبة بعد وجوبها فقال بعض أصحابنا يسقط حقها وليس لها المطالبة
بعده وقال القاضي هذا قياس المذهب لأنها رضيت باسقاط حقها من الفسخ لعدم الوطئ فسقط حقها
منه كامرأة العنين إذا رضيت بعنته، ويحتمل أن لا يسقط حقها ولها المطالبة متى شاءت وهذا مذهب
الشافعي لأنها تثبت لرفع الضرر بترك ما يتجدد مع الأحوال فكان لها الرجوع كما لو أعسر بالنفقة فعفت
عن المطالبة بالفسخ ثم طالبت، وفارق الفسخ للعنة فإنه فسخ لعيبه فمتى رضيت بالعيب سقط حقها كما
لو عفا المشتري عن عيب المبيع، وان سكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك لأن حقها يثبت
على التراخي فلم يسقط بتأخير المطالبة كاستحقاق النفقة
(فصل) والأمة كالحرة في استحقاق المطالبة سواء عفا السيد عن ذلك أو لم يعف لأن الحق
532

لها حيث كان الاستمتاع يحصل لها فإن تركت المطالبة لم يكن لمولاها الطلب لأنه لا حق له، فإن قيل
حقه في الولد ولهذا لم يجز العزل عنها الا باذنه، قلنا لا يستحق على الزوج استيلاد المرأة ولذلك لو حلف
ليعزلن عنها أو لا يستولدها لم يكن موليا، ولو أن المولي وطئ بحيث يوجد التقاء الختانين حصلت الفيئة
وزالت عنه المطالبة وان لم ينزل وإنما استؤذن السيد في العزل لأنه يضر بالأمة فربما نقض قيمتها
(فصل) فإن كانت المرأة صغيرة أو مجنونة فليس لهما المطالبة لأن قولهما غير معتبر وليس لوليهما
المطالبة لهما لأن هذا طريقه الشهوة فلا يقوم غيرهما مقامهما فيه، فإن كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب
عليه بالمدة لأن المنع من جهتهما، وإن كان وطؤهما ممكنا فإن أفاقت المجنونة أو بلغت الصغيرة قبل انقضاء
المدة تممت المدة ثم لها المطالبة، وإن كان ذلك بعد انقضاء المدة فلهما المطالبة يومئذ لأن الحق لهما
ثابت وإنما تأخر لعدم امكان المطالبة، وقال الشافعي لا تضرب المدة في الصغيرة حتى تبلغ، وقال أبو
حنيفة تضرب المدة سواء أمكن الوطئ أو لم يمكن الوطئ فإن لم يمكن فاء بلسانه والا بانت بانقضاء المدة
وكذلك الحكم عنده في الناشز والرتقاء والقرناء والتي غابت في المدة لأن هذا ايلاء صحيح فوجب
أن تتعقبه المدة كالتي يمكنه جماعها
ولنا ان حقها من الوطئ يسقط بتعذر جماعها فوجب أن تسقط المدة المضروبة له كما يسقط أجل
الدين بسقوطه، وأما التي أمكنه جماعها فتضرب له المدة في حقها لأنه ايلاء صحيح ممن يمكنه جماعها
فتضرب له المدة كالبالغة، ومتى قصد الاضرار بها بترك الوطئ أثم ويستحب أن يقال له اتق الله فاما
أن تفئ واما أن تطلق فإن الله تعالى قال (وعاشروهن بالمعروف) وقال تعالى (فامساك بمعروف أو
تسريح باحسان) وليس الاضرار من المعاشرة بالمعروف
533

(مسألة) قال (والفيئة الجماع)
ليس في هذا اختلاف بحمد الله قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الفئ
الجماع كذلك قال ابن عباس، وروي ذلك عن علي وابن مسعود وبه قال مسروق وعطاء والشعبي
والنخعي وسعيد بن جبير والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو عبيدة وأصحاب الرأي إذا لم يكن عذر
وأصل الفئ الرجوع ولذلك يسمى الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من المغرب إلى المشرق فسمي الجماع
من المولي فيئة لأنه رجع إلى فعل ما تركه، وأدنى الوطئ الذي تحصل به الفيئة أن تغيب الحشفة في
الفرج فإن أحكام الوطئ تتعلق به، ولو وطئ دون الفرج أو في الدبر لم يكن فيئة لأنه ليس بمحلوف
على تركه ولا يزول الضرر بفعله
(فصل) وإذا فاء لزمته الكفارة في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن زيد وابن عباس وبه
قال ابن سيرين والنخعي والثوري وقتادة ومالك وأهل المدينة وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر
وهو ظاهر مذهب الشافعي وله قول آخر لا كفارة عليه وهو قول الحسن، وقال النخعي كانوا يقولون
ذلك لأن الله تعالى قال (فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم) قال قتادة هذا خالف الناس يعني قول الحسن
ولنا قول الله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين
- الآية إلى قوله - ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم) وقال سبحانه (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك)
متفق عليه ولأنه حالف حانث في يمينه فلزمته الكفارة كما لو حلف على ترك فريضة ثم فعلها والمغفرة
لا تنافي الكفارة فإن الله تعالى قد غفر لرسوله صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقد كان يقول (اني والله
لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللنها) متفق عليه
534

(فصل) وإن كان الايلاء بتعليق عتق أو طلاق وقع بنفس الوطئ لأنه معلق بصفة وقد وجدت
وإن كان على نذر أو عتق أو صوم أو صلاة أو صدقة أو حج أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات
فهو مخير بين الوفاء به وبين كفارة يمين لأنه نذر لجاج وغضب فهذا حكمه، وان علق طلاقها الثلاث
بوطئها لم يؤمر بالفيئة وأمر بالطلاق لأن الوطئ غير ممكن لكونها تبين منه بايلاج الحشفة فيصير
مستمتعا بأجنبية وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وأكثرهم قالوا تجوز الفيئة لأن النزع ترك للوطئ
وترك الوطئ ليس بوطئ، وقد ذكر القاضي ان كلام احمد يقتضي روايتين كهذين الوجهين، واللائق
بمذهب احمد تحريمه لوجوه ثلاثة (أحدها) ان آخر الوطئ حصل في أجنبية كما ذكرنا فإن النزع يلتذ
به كما يلتذ بالايلاج فيكون في حكم الوطئ ولذلك فلما فيمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع انه يفطر
والتحريم ههنا أولى لأن الفطر بالوطئ ويمكن منع كون النزع وطئا، والمحرم ههنا الاستمتاع والنزع
استمتاع فكان محرما، ولان لمسها على وجه التلذذ بها محرم فلمس الفرج بالفرج أولى بالتحريم، فإن
قيل فهذا إنما يحصل ضرورة ترك الوطئ المحرم قلنا فإذا لم يمكن الوطئ الا بفعل محرم حرم ضرورة
ترك الحرام كما لو اخلط لحم الخنزير بلحم مباح لا يمكنه أكله الا بأكل لحم الخنزير حرم، ولو اشتبهت
ميتة بمذكاة أو امرأته بأجنبية حرم الكل.
(الوجه الثاني) انه بالوطئ يحصل الطلاق بعد الإصابة وهو طلاق بدعة، وكما يحرم إيقاعه بلسانه
يحرم تحقيق سببه (الثالث) أن يقع به طلاق البدعة من وجه آخر وهو جمع الثلاث فإن وطئ فعليه
أن ينزع حين يولج الحشفة ولا يزيد على ذلك ولا يلبث ولا يتحرك عند النزع لأنها أجنبية فإذا فعل
ذلك فلا حد ولا مهر لأنه تارك للوطئ، وان لبث أو تمم الايلاج فلا حد عليه لتمكن الشبهة منه
لكونه وطأ بعضه في زوجته، وفي المهر وجهان (أحدهما) يلزمه لأنه حصل منه وطئ محرم في
535

محل غير مملوك فأوجب المهر كما لو أولج بعد النزع (والثاني) لا يجب لأنه تابع الايلاج في محل
مملوك فكان تابعا له في سقوط المهر، وان نزع ثم أولج وكانا جاهلين بالتحريم فلا حد عليهما
وعليه المهر لها ويلحقه النسب، وان كانا عالمين بالتحريم فعليهما الحد لأنه إيلاج في أجنبية
بغير شبهة فأشبه ما لو طلقها ثلاثا ثم وطئها ولا مهر لها لأنها مطاوعة على الزنا ولا يلحقه النسب لأنه من
زنا لا شبهة فيه.
وذكر القاضي وجها انه لا حد عليهما لأن هذا مما يخفى على كثير من الناس وهو وجه لأصحاب
الشافعي، والصحيح الأول لأن الكلام في العالمين وليس هو في مظنة الخفاء فإن أكثر المسلمين يعلمون
ان الطلاق الثلاث محرم للمرأة، وإن كان أحدهما عالما والآخر جاهلا نظرت فإن كان هو العالم فعليه
الحد ولها المهر ولا يلحقه النسب لأنه زان محدود، وان كانت هي العالمة دونه فعليها الحد وحدها ولا
مهر لها والنسب لاحق بالزوج لأن وطأه وطئ شبهة
(فصل) وان قال إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي فقال احمد لا يقر بها حتى يكفر وهذا نص
في تحريمها قبل التكفير وهو دليل على تحريم الوطئ في المسألة التي قبلها بطريق التنبيه لأن المطلقة ثلاثا
أعظم تحريما من المظاهر منها وإذا وطئ ههنا فقد صار مظاهرا من زوجته وزال حكم الايلاء، ويحتمل
أن أحمد إنما أراد إذا وطئها مرة فلا يطؤها حتى يكفر لكونه صار بالوطئ مظاهرا إذ لا يصح تقديم
الكفارة على الظهار لأنه سببها ولا يجوز تقديم الحكم على سببه، ولو كفر قبل الظهار لم يجزئه، وقد
روى إسحاق قال قلت لأحمد فيمن قال لزوجته أنت علي كظهر أمي ان قربتك إلى سنة قال إن جاءت
تطلب فليس له أن يعضلها بعد مضي الأربعة الأشهر يقال له اما ان تفئ واما أن تطلق فإن وطئها فقد
وجب عليه كفارة وان أبى وأرادت مفارقته طلقها الحاكم عليه، فينبغي أن تحمل الرواية الأولى على
المنع من الوطئ بعد الوطئ الذي صار به مظاهرا لما ذكرناه فتكون الروايتان متفقتين والله تعالى أعلم
536

(مسألة) قال (أو يكون له عذر من مرض أو احرام أو شئ لا يمكن معه الجماع
فيقول متى قدرت جامعتها فيكون ذلك من قوله فيئة للعذر)
وجملة ذلك أنه إذا مضت المدة وبالمولى عذر يمنع الوطئ من مرض أو حبس بغير حق أو غيره
لزمه أن يفئ بلسانه فيقول متى قدرت جامعتها ونحو هذا وممن قال يفئ بلسانه إذا كان ذا عذر ابن
مسعود وجابر بن زيد والنخعي والحسن والزهري والثوري والأوزاعي وعكرمة وأبو عبيد وأصحاب
الرأي، وقال سعيد بن جبير لا يكون الفئ إلا الجماع في حال العذر وغيره وقال أبو ثور إذا لم
يقدر لم يوقف حتى يصح أو يصل إن كان غائبا ولا تلزمه الفيئة بلسانه لأن الضرر بترك الوطئ لا يزول
بالقول وقال بعض الشافعية يحتاج أن يقول قد ندمت على ما فعلت وان قدرت وطئت
ولنا أن القصد بالفيئة ترك ما قصده من الاضرار وقد ترك قصد الاضرار بما أتى به من الاعتذار
والقول مع العذر يقوم مقام فعل القادر بدليل أن اشهاد الشفيع على الطالب بالشفعة عند العجز عن
طلبها يقوم مقام طلبها في الحضور في اثباتها ولا يحتاج أن يقول ندمت لأن الغرض أن يظهر رجوعه
537

عن المقام على اليمين وقد حصل بظهور عزمه عليه وحكى أبو الخطاب عن القاضي أن فيئة المعذور أن
يقول فئت إليك وهو قول الثوري وأبي عبيد وأصحاب الرأي والذي ذكر القاضي في المجرد مثل
ما ذكر الخرقي وهو أحسن لأن وعده بالفعل عند القدرة عليه دليل على ترك قصد الاضرار وفيه
نوع من الاعتذار وخبار بإزالته للضرر عند امكانه ولا يحصل بقوله فئت إليك شئ من هذا فأما
العاجز لجب أو شلل ففيئته أن يقول لو قدرت لجامعتها لأن ذلك يزيل ما حصل بايلائه
(فصل) والاحرام كالمرض في ظاهر قول الخرقي وكذلك على قياسه الاعتكاف المنذور والظهار
وذكر أصحابنا أن المظاهر لا يمهل ويؤمر بالطلاق فيخرج من هذا أن كل عذر من فعله يمنعه الوطئ
لا يمهل من أجله وهو مذهب الشافعي لأن الامتناع بسبب منه فلا يسقط حكما واجبا عليه فعلى هذا
لا يؤمر بالوطئ لأنه محرم عليه ولكن يؤمر بالطلاق، ووجه القول الأول أنه عاجز عن الوطئ بأمر
لا يمكنه الخروج منه فأشبه المريض فأما المظاهر فيقال له إما أن تكفر وتفئ واما أن تطلق فإن قال أمهلوني حتى
أطلب رقبة أو أطعم فإن علم أنه قادر على التكفير في الحال وإنما يقصد المدافعة والتأخير لم يمهل لأن الحق حال عليه
وإنما يمهل للحاجة ولا حاجة وان لم يعلم ذلك أمهل ثلاثة أيام لأنها قريبة ولا يزاد على ذلك وإن كان فرضه الصيام
538

فطلب الامهال ليصوم شهرين متتابعين لم يمهل لأنه كثير، ويتخرج أن يفئ بلسانه فيئة المعذور ويمهل حتى
يصوم كقولنا في المحرم، فإن وطئها فقد عصى وانجل إيلاؤه ولها منعه منه لأن هذا الوطئ محرم عليهما
وقال القاضي: يلزمها التمكين وان امتنعت سقط حقها لأن حقها في الوطئ وقد بذله لها، ومتى
وطئها فقد وفاها حقها والتحريم عليه دونها
ولنا أنه وطئ حرام فلا يلزم التمكين منه كالوطئ في الحيض والنفاس وهذا ينقض دليلهم، ولا نسلم كون
التحريم عليه دونها فإن الوطئ متى حرم على أحدهما حرم على الآخر لكونه فعلا واحدا، ولو جاز اختصاص
أحدهما بالتحريم لاختصت المرأة بتحريم الوطئ في الحيض والنفاس وإحرامها وصيامها لاختصاصها بسببه
(فصل) وان انقضت المدة وهو محبوس بحق يمكن أداؤه طولب بالفيئة لأنه قادر عليها بأداء
ما عليه فإن لم يفعل أمر بالطلاق، وإن كان عاجزا عن أدائه أو حبس ظلما أمر بفيئة المعذور، وان
انقضت وهو غائب والطريق آمن فلها أن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو حملها إليه فإن لم يفعل أخذ
بالطلاق وإن كان الطريق مخوفا أو له عذر يمنعه فاء فيئة المعذور
(فصل) فإن كان مغلوبا على عقله بجنون أو إغماء لم يطالب لأنه لا يصلح للخطاب ولا يصح
539

منه الجواب وتتأخر المطالبة إلى حال القدرة وزوال العذر ثم يطالب حينئذ، وان مجبوبا وقلنا يصح
إيلاؤه فاء فيئة المعذور فيقول لو قدرت جامعتها
(فصل) وإذا انقضت المدة فادعى انه عاجز عن الوطئ فإذا كان قد وطئها مرة لم تسمع دعواه
العنة كما لا تسمع دعواها عليه ويؤخذ بالفيئة أو بالطلاق كغيره وان لم يكن وطئها ولم تكن حاله معروفة
فقال القاضي تسمع دعواه ويقبل قوله لأن التعنين من العيوب التي لا يقف عليها غيره، وهذا ظاهر
نص الشافعي، ولها أن تسأل الحاكم فيضرب له مدة العنة بعد أن يفئ فيئة أهل الاعذار
وفيه وجه آخر انه لا يقبل قوله لأنه متهم في دعوى ما يسقط عنه حقا توجه عليه الطلب به والأصل
سلامته منه، وان ادعت انه قد أصابها مرة وأنكر ذلك لم يكن لها المطالبة بضرب مدة العنة لاعترافها
بعدم عنته والقول قوله في عدم الإصابة
* (مسألة) * قال (فمتى قدر فلم يفعل أمر بالطلاق)
وجملة الامر ان المولي إذا وقف وطولب بالفيئة وهو قادر عليها فلم يفعل أمر بالطلاق، وهذا
540

قول كل من يقول يوقف المولي لأن الله تعالى قال (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) فإذا امتنع
من أداء الواجب لها عليه فقد امتنع من الامساك بالمعروف فيؤمر بالتسريح بالاحسان وإن كان معذورا
ففاء بلسانه ثم قدر على الوطئ أمر به فإن فعل والا أمر بالطلاق وبهذا قال الشافعي، وقال أبو بكر:
إذا فاء بلسانه لم يطالب بالفيئة مرة أخرى وخرج من الايلاء وهو قول الحسن وعكرمة والأوزاعي
لأنه فاء مرة فخرج من الايلاء ولم تلزمه فيئة ثانية كما لو فاء بالوطئ، وقال أبو حنيفة تستأنف له مدة الايلاء
لأنه وفاها حقها بما أمكنه من الفيئة فلا يطالب إلا بعد استئناف مدة الايلاء كما لو طلقها
ولنا انه أخر حقها لعجزه عنه فإذا قدر عليه لزمه أن يوفيها إياه كالدين على المعسر إذا قدر عليه وما
ذكروه فليس بحقها ولا يزول الضرر عنها به وإنما وعدها بالوفاء ولزمها الصبر عليه وإنكاره كالغريم المعسر
(فصل) وليس على من فاء بلسانه كفارة ولا حنث لأنه لم يفعل المحلوف عليه وإنما وعد بفعله فهو
كمن عليه دين حلف أن لا يوفيه ثم أعسر به فقال متى قدرت وفيته
(مسألة) قال (فإن لم يطلق طلق الحاكم عليه)
وجملة الامر ان المولي إذا امتنع من الفيئة بعد التربص أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه أو
امتنع من الوطئ بعد زوال عذره أمر بالطلاق فإن طلق وقع طلاقه الذي أوقعه واحدة كانت أو
541

أكثر، وليس للحاكم إجباره على أكثر من طلقة لأنه يحصل الوفاء بحقها بها فإنه يفضي إلى البينونة
والتخلص من ضرره، وان امتنع من الطلاق طلق الحاكم عليه وبهذا قال مالك، وعن أحمد رواية
أخرى ليس للحاكم الطلاق عليه لأن ما خير الزوج فيه بين أمرين لم يقم الحاكم مقامه فيه كالاختيار لبعض
الزوجات في حق من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أو أختان. فعلى هذا يحبسه ويضيق عليه حتى
يفئ أو يطلق وللشافعي قولان كالروايتين.
ولنا أن ما دخلته النيابة وتعين مستحقه وامتنع من هو عليه قام الحاكم مقامه فيه كقضاء الدين
وفارق الاختيار فإنه ما تعين مستحقه وهذا أصح في المذهب. وليس للحاكم أن يأمر بالطلاق ولا يطلق
إلا أن تطلب المرأة ذلك لأنه حق لها وإنما الحاكم يستوفي لها الحق فلا يكون إلا عند طلبها
(فصل) والطلاق الواجب على المولي رجعي سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم عليه وبهذا قال الشافعي
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله في المولي فإن طلقها قال تكون واحدة وهو أحق بها. وعن أحمد رواية
أخرى ان فرقة الحاكم تكون بائنا، ذكر أبو بكر الروايتين جميعا
542

وقال القاضي المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم أنها تكون بائنا فإن في رواية الأثرم وقد سئل
إذا طلق عليه السلطان أتكون واحدة؟ فقال إذا طلق فهي واحدة وهو أحق بها فأما تفريق السلطان
فليس فيه رجعة، وقال أبو ثور طلاق المولي بائن سواء طلق هو أو طلق عليه الحاكم لأنها فرقة لرفع
الضرر فكان بائنا كفرقة العنة، ولأنها لو كانت رجعية لم يندفع الضرر لأنه يرتجعها فيبقى الضرر،
وقال أبو حنيفة يقع الطلاق بانقضاء العدة بائنا ووجه الأول انه طلاق صادق مدخولا بها من غير
عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا كالطلاق في غير الايلاء ويفارق فرقة العنة لأنها فسخ لعيب
وهذه طلقة، ولأنه لو أبيح له ارتجاعها لم يندفع عنها الضرر وهذه يندفع عنها الضرر فإنه إذا ارتجعها
ضربت له مدة أخرى ولان العنين قد يئس من وطئه فلا فائدة في رجعته وهذا غير عاجز ورجعته
دليل على رغبته فيها واقلاعه عن الاضرار بها فافترقا والله أعلم
* (مسألة) * قال (فإن طلق عليه ثلاثا فهي ثلاث)
وجملة الامر أن المولي إذا امتنع من الفيئة والطلاق معا وقام الحاكم مقامه فإنه يملك من الطلاق
543

ما يملكه المولي واليه الخيرة فيه إن شاء طلق واحدة وإن شاء اثنتين وان شاء ثلاثا وإن شاء فسخ قال
القاضي هذا ظاهر كلام أحمد وقال الشافعي ليس له إلا واحدة لأن إيفاء الحق يحصل بها فلم يملك زيادة
عليها كما لم يملك الزيادة على وفاء الدين في حق الممتنع
ولنا أن الحاكم قائم مقامه فملك من الطلاق ما يملكه كما لو وكله في ذلك وليس ذلك زيادة على
حقها فإن حقها الفرقة غير أنها تتنوع وقد يرى الحاكم المصلحة في تحريمها عليه ومنعه رجعتها لعلمه بسوء
قصده وحصول المصلحة ببعده. قال أبو عبد الله إذا قال فرقت بينكما فإنما هو فسخ، وإذا قال طلقت
واحدة فهي واحدة وإذا قال ثلاثا فهي ثلاث
(مسألة) قال (وان طلق واحدة وراجع وقد بقي من مدة الايلاء أكثر من أربعة
أشهر كان الحكم كما حكمنا في الأول)
وجملة الامر أنه إذا طلق المولي أو طلق الحاكم عليه أقل من ثلاث فله رجعتها، وعن أبي عبد الله
رحمه الله رواية أخرى أن تفريق الحاكم ليس فيه رجعة فإنه قال وأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة
544

في العدة ولا بعدها، فعلى هذه الرواية يكون طلاق الحاكم بائنا ليس فيه رجعة، وقال أبو بكر في كل
فرقة فرقها الحاكم روايتان لعانا كانت أو غيره
(إحداهما) تحرم على التأييد واختارها (والثانية) له المراجعة فيها بعقد جديد وهذا الصحيح
وليس في كلام احمد ما يقتضي تحريمها عليه، وقوله ليس فيه رجعة في العدة ولا بعدها يمكن حمله على
أنه ليس له رجعتها بغير نكاح جديد لأنه قد صرح في سائر الروايات به، ولأنه لم يوجد سبب يقتضي
تحريمها عليه وتفريق الحاكم لا يقتضي سوى التفريق بينهما في هذا النكاح ولذلك لو فرق بينهما لأجل
لعنة لم تحرم عليه
وأما فرقة اللعان فإنها تحصل بدون تفريق الحاكم ولو حصلت بتفريق الحاكم غير أن المقتضي
للتفريق والتحريم اللعان بدليل أنه لا يجوز اقرارهما على النكاح وإن تراضوا به بخلاف مسئلتنا، وأما
على قول الخرقي فإن الطلاق إذا كان دون الثلاث فهو رجعي سواء أكان من المولي أو الحاكم وهذا
مذهب الشافعي لأن الحاكم نائبه فلا يقع طلاقه مفيدا كما لم يفده طلاقه المولي كالوكيل، فإن لم يراجع
حتى انقضت عدتها بانت ولم يلحقها طلاق ثان وهذا مذهب الشافعي، وروي عن علي إذا سبق حد
545

الايلاء حد الطلاق فهما تطليقتان، وإن سبق حد الطلاق حد الايلاء فهي واحدة ويقتضيه مذهب
الزهري وهذا مبني على أن الطلاق يقع بانقضاء مدة الايلاء من غير إيقاع وقد سبق ذكر ذلك. فأما
إن فسخ الحاكم النكاح فليس للمولي الرجوع عليها إلا بنكاح جديد سواء كان في العدة أو بعدها ولا
ينقص به عدد طلاقه لأنه ليس بطلاق فأشبه فسخ النكاح لعيبه أو عنته، وإن طلق المولي أو الحاكم
ثلاثا لم تحل له إلا بعد زوج ثان وإصابة ونكاح جديد. إذا ثبت هذا فإنه إذا طلق دون الثلاث
فراجعها في عدتها فإن مدة الايلاء تنقطع بالطلاق ولا يحتسب عليه بما قبل الرجعة من المدة لأنها صارت
ممنوعة منه بغير اليمين فانقطع المدة كما لو كان الطلاق بائنا فإن راجع استؤنفت المدة من حين رجعته
فإن كان الباقي منها أقل من أربعة أشهر سقط الايلاء وإن كان أكثر منها تربصنا به أربعة أشهر ثم
وقفناه ليفئ أو يطلق ثم يكون الحكم ههنا كالحكم في وقفه الأول فإن طلق أو طلق الحاكم عليه واحدة ثم راجع
وقد بقي من مدة الايلاء أكثر من أربعة أشهر انتظرناه أربعة أشهر ثم طولب بالفيئة أو الطلاق فإن طلق فقد كملت
الثلاث وحرمت عليه وهذا مذهب الشافعي ويقتضي مذهب أبي عبد الله بن حامد أنه إذا طلق استؤنفت
546

المدة الأخرى من حين طلق فلو تمت أربعة أشهر قبل انقضاء عدة الطلاق وقف ثانيا فإن فاء والا أمر
بالطلاق ونحو هذا مذهب مالك وأبي عبيد، وان انقضت العدة قبل مدة الايلاء بانت وانقطع الايلاء
فإن راجع في العدة قبل مدة الايلاء تربص به تمام أربعة أشهر من حين طلق، وعن ابن مسعود
وعطاء والحسن والنخعي وقتادة والأوزاعي ان الطلاق يهدم الايلاء وهذا يحتمل أن يكون معناه أنه
يقطع مدته فلا يحتسب بمدته قبل الرجعة فيكون قول الخرقي مثله ويحتمل انه يزيل حكمه بالكلية لأنه قد
وفاها حقها بالطلاق فسقط حكم الايلاء كما لو وطئها، والجواب عن هذا ان حكم اليمين باق في المنع من الوطئ
فيبقي الايلاء كما لو لم يطلق بخلاف الفيئة فإنها ترفع اليمين لحصول الحنث فيها
(مسألة) قال (ولو وقفناه بعد الأربعة أشهر فقال قد أصبتها فإن كانت ثيبا كان
القول قوله مع يمينه)
وهذا قول الشافعي لأن الأصل بقاء النكاح، والمرأة تدعي ما يلزمه به رفعه وهو يدعي ما يوافق
الأصل ويبقيه فكان القول قوله كما لو ادعى الوطئ في العنة ولان هذا أمر خفي ولا يعلم إلا من جهته
547

فقبل قوله فيه كقول المرأة في حيضها وتلزمه اليمين لأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين ونص
أحمد في رواية الأثرم على أنه لا يلزمه يمين لأنه لا يقضى فيه بالنكول وهذا اختيار أبي بكر، فاما ان
كانت بكرا واختلفا في الإصابة أريت النساء للثقات فإن شهدن بثيوبتها فالقول قوله، وان شهدن
ببكارتها فالقول قولها لأنه لو وطئها زالت بكارتها، وظاهر قول الخرقي أنه لا يمين ههنا لقوله في
باب العنين فإن شهدن بما قالت أجل سنة ولم يذكر يمينه وهذا قول أبي بكر لأن البينة تشهد
لها فلا تجب اليمين معها
(فصل) ولو كانت هذه المرأة غير مدخول بها فادعى أنه أصابها وكذبته ثم طلقها وأراد رجعتها
كان القول قولها فتقبل قوله في الإصابة في الايلاء ولا تقبله في اثبات الرجعة له، وقد سبق تعليل
ذلك في كتاب الرجعة
(مسألة) قال (ولو آلى منها فلم يصبها حتى طلقها وانقضت عدتها منه ثم نكحها
وقد بقي من مدة الايلاء أكثر من أربعة أشهر وقف لها كما وصفت)
وجملة الامر أن المولي إذا أبان زوجته انقطعت مدة الايلاء بغير خلاف علمناه سواء بانت بفسخ
548

أو طلاق ثلاث أو بخلع أو بانقضاء عدتها من حين الطلاق الرجعي لأنها صارت أجنبية منه ولم يبق
شئ من أحكام نكاحها فإن عاد فتزوجها عاد حكم الايلاء من حين تزوجها واستؤنفت المدة حينئذ
فإن كان الباقي من مدة يمينه أربعة أشهر فما دون لم يثبت حكم الايلاء لأن مدة التربص أربعة أشهر
وإن كان أكثر من أربعة أشهر تربص أربعة أشهر ثم وقف لها فاما أن يفئ أو يطلق، وان لم يطلق
طلق الحاكم عليه وهذا قول مالك، وقال أبو حنيفة إن كان الطلاق أقل من ثلاث ثم تركها حتى
انقضت عدتها ثم نكحها عاد الايلاء، وان استوفى عدد الطلاق لم يعد الايلاء لأن حكم النكاح الأول
زال بالكلية ولهذا يرجع إليه على طلاق ثلاث فصار إيلاؤه في النكاح الأول كايلائه من أجنبية
وقال أصحاب الشافعي يتحصل من أقواله ثلاثة أقاويل: قولان كالمذهبين، وقول ثالث لا يعود
حكم الايلاء بحال وهو قول ابن المنذر لأنها صارت بحال لو آلى منها لم يصح إيلاؤه فبطل حكم
الايلاء منها كالمطلقة ثلاثا
ولنا أنه ممتنع من وطئ امرأته بيمين في حال نكاحها فثبت له حكم الايلاء كما لو لم يطلق، وفارق
الايلاء من الأجنبية فإنه لا يقصد باليمين عليها الاضرار بها بخلاف مسئلتنا
549

(فصل) ولو آلى من امرأته الأمة ثم اشتراها ثم أعتقها وتزوجها عاد الايلاء، ولو كان المولي
عبدا فاشترته امرأته ثم أعتقته وتزوجته عاد الايلاء، ولو بانت الزوجة بردة أو اسلام من أحدهما
أو غيره ثم تزوجها تزويجا جديدا عاد الايلاء وتستأنف المدة في جميع ذلك، وسواء عادت إليه بعد
زوج ثان أو قبله لأن اليمين كانت منه في حال الزوجية فيبقى حكمها ما وجدت الزوجية وهكذا لو
قال لزوجته ان دخلت الدار فوالله لا جامعتك ثم طلقها ثم نكحت غيره ثم تزوجها الأول عاد حكم
الايلاء لأن الصفة المعقودة في حال الزوجية، لا تنحل بزوال الزوجية فإن دخلت الدار في حال البينونة
ثم عادت فتزوجها لم يثبت حكم الايلاء في حقه لأن الصفة وجدت في حال كونها أجنبية ولا ينعقد الايلاء
بالحلف على الأجنبية بخلاف ما إذا دخلت وهي امرأته
(مسألة) قال (ولو آلى منها واختلفا في مضي الأربعة أشهر كان القول قوله في أنها
لم تمض مع يمينه)
إنما كان كذلك لأن الاختلاف في مضي المدة ينبني على الخلاف في وقت يمينه فإنهما لو اتفقا على
550

وقت اليمين حسب من ذلك الوقت فعلم هل انقضت المدة أولا وزال الخلاف، أما إذا اختلفا في وقت
اليمين فقال حلفت في غرة رمضان وقالت بل حلفت في غرة شعبان فالقول قوله لأنه صدر من جهته
وهو أعلم به فكان القول قوله فيه كما لو اختلفا في أصل الايلاء ولان الأصل عدم الحلف في غرة شعبان
فكان قوله في نفيه موافقا للأصل، قال الخرقي ويكون ذلك مع يمينه وهو مذهب الشافعي وذهب
أبكر إلى أنه لا يمين عليه، قال القاضي وهو أصح لأنه اختلاف في أحكام النكاح فلم تشرع فيه
يمين كما لو ادعى زوجية امرأة فأنكرته، ووجه قول الخرقي قول النبي صلى الله عليه وسلم (اليمين على المدعى عليه)
ولأنه حق لآدمي يجوز بذله فيستحلف فيه كالديون
(فصل) فإن ترك الوطئ بغير يمين لم يكن موليا لأن الايلاء الحلف ولكن إن ترك ذلك لعذر
من مرض أو غيبة ونحوه لم تضرب له مدة وان تركه مضرا بها فهل تضرب له مدة؟ على روايتين
551

(إحداهما) تضرب له مدة أربعة أشهر فإن وطئها وإلا دعي بعدها إلى الوطئ فإن امتنع منه أمر بالطلاق
كما يفعل في الايلاء سواء، ولأنه أضر بها بترك الوطئ في مدة الايلاء فيلزم حكمه كما لو حلف ولان
ما وجب أداؤه إذا حلف على تركه وجب أداؤه إذا لم يحلف كالنفقة وسائر الواجبات، يحققه أن اليمين
لا تجعل غير الواجب واجبا إذا أقسم على تركه فوجوبه معها يدل على وجوبه قبلها، ولان وجوبه في
الايلاء إنما كان لدفع حاجة المرأة وإزالة الضرر عنها وضرها لا يختلف بالايلاء وعدمه فلا يختلف
الوجوب، فإن قيل فلا يبقى للايلاء أثر فلم أفردتم له بابا؟ قلنا بل له أثر فإنه يدل على قصد الاضرار
فيتعلق الحكم به وان لم يظهر منه قصد الاضرار اكتفي بدلالته وإذا لم توجد اليمين احتجنا إلى دليل
سواه يدل على المضارة فيعتبر الايلاء لدلالته على المقتضي لا لعينه (والثانية) لا تضرب له مدة وهو
مذهب أبي حنيفة والشافعي لأنه ليس بمول فلم تضرب له مدة كما لو لم يقصد الاضرار، ولان تعليق
الحكم بالايلاء يدل على انتفائه عند عدمه إذا لو ثبت هذا الحكم بدونه لم يكن له أثر والله أعلم
552

كتاب الظهار
الظهار مشتق من الظهر وإنما خصوا الظهر بذلك من بين سائر الأعضاء، ولان كل مركوب يسمى ظهرا
لحصول الركوب على ظهره في الأغلب فشبهوا الزوجة بذلك وهو محرم لقول الله تعالى (وانهم ليقولون
منكرا من القول وزورا) ومعناه أن الزوجة ليس كالأم في التحريم، قال الله تعالى (ما هن أمهاتهم)
وقال تعالى (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) والأصل في الظهار الكتاب والسنة
أما الكتاب فقوله تعالى (الذي يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم) والآية التي بعدها وأما
السنة فروى أبو داود باسناده عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة. قالت تظاهر مني أوس بن الصامت
فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه وبقول (اتقي الله فإنه ابن عمك) فما
برحت حتى نزل القرآن (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) فقال (يعتق رقبة) فقلت لا يجد
قال (فيصوم شهرين متتابعين) فقلت يا رسول الله انه شيخ كبير ما به من صيام قال (فليطعم ستين مسكينا)
قلت ما عنده من شئ يتصدق به قال (فاني سأعينه بفرق من تمر فقلت يا رسول الله فاني أعينه بعرق
آخر قال (قد أحسنت اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك) قال الأصمعي العرق
بفتح العين والراء هو ما سف من خوص كالزنبيل الكبير، وروي أيضا باسناده عن سليمان بن يسار
553

عن سلمة بن صخر البياضي قال كنت أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب
من امرأتي شيئا يتتايع حتى أصبح فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف
لي منها شئ فلم ألبث أن نزوت عليها فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر وقلت امشوا معي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا والله فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر فقال (أنت بذك يا سلمة؟)
فقلت أنا بذك يا رسول الله وأنا صابر لحكم الله فاحكم في ما أراك الله قال (حرر رقبة) قلت
والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال (صم شهرين متتابعين) قلت
وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال (فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا) قلت والذي
بعثك بالحق لقد بتنا وحشين مالنا طعام قال (فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك
- قال - فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها) فرجعت إلي قومي فقلت وجدت
عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمر لي بصدقكم
(فصل) وكل زوج صح طلاقه صح ظهاره وهو البالغ العاقل سواء كان مسلما أو كافرا حرا
أو عبدا قال أبو بكر وظهار السكران مبني على طلاقه. قال القاضي وكذلك ظهار الصبي مبني على
طلاقه، والصحيح أن ظهار الصبي غير صحيح لأنها يمين موجبة للكفارة فلم تنعقد منه كاليمين بالله
تعالى ولان الكفارة وجبت لما فيه من قول المنكر والزور وذلك مرفوع عن الصبي لكون القلم مرفوعا عنه
وقد قيل لا يصح ظهار العبد لأن الله تعالى قال (فتحرير رقبة) والعبد لا يملك الرقاب
ولنا عموم الآية ولأنه يصح طلاقه فصح ظهاره كالحر فأما إيجاب الرقبة فإنما هو على من يجدها
554

ولا يبقى الظهار في حق من لا يجدها كالمعسر فرضه الصيام ويصح ظهار الذمي وبه قال الشافعي، وقال
مالك وأبو حنيفة لا يصح منه لأن الكفارة لا تصح منه وهي الرافعة للتحريم فلا يصح منه التحريم ودليل
أن الكفارة لا تصح منه انها عبادة تفتقر إلى النية فلا تصح منه كسائر العبادات
ولنا أن من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم فاما ما ذكروه فيبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم
وكذلك الحد يقام عليه ولا نسلم أن التكفير لا يصح منه فإنه يصح منه العتق والاطعام، وإنما لا يصح
منه الصوم فلا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة كما في حق العبد، والنية إنما تعتبر
لتعيين الفعل للكفارة فلا يمتنع ذلك في حق الكافر كالنية في كنايات الطلاق ومن يخنق في الأحيان
يصح ظهاره في افاقته كما يصح طلاقه فيه
(فصل) ومن لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره كالطفل والزائل العقل بجنون أو اغماء أو نوم
أو غيره لا نعلم في هذا خلافا، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، ولا يصح ظهار المكره
وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وقال أبو يوسف يصح ظهاره والخلاف في ذلك مبني على
الخلاف في صحة طلاقه وقد مضى ذلك
(فصل) ويصح الظهار من كل زوجة كبيرة كانت أو صغيرة مسلمة كانت أو ذمية ممكنا وطؤها
555

أو غير ممكن، وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو ثور لا يصح الظهار من التي لا يمكن وطؤها لأنه
لا يمكن وطؤها والظهار لتحريم وطئها
ولنا عموم الآية ولأنها زوجة يصح طلاقها فصح الظهار منها كغيرها
(مسألة) قال (وإذا قال لزوجته أنت علي كظهر أمي أو كظهر امرأة أجنبية أو
أنت علي حرام أو حرم عضوا من أعضائها فلا يطؤها حتى يأتي بالكفارة)
في هذه المسألة فصول خمسة (أحدها) أنه متى شبه امرأته بمن تحرم عليه على التأبيد فقال أنت
علي كظهر أمي أو أختي أو غيرهما فهو مظاهر وهذا على ثلاثة أضرب (أحدها) أن يقول أنت علي
كظهر أمي فهذا ظهار إجماعا قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن تصريح الظهار أن يقول أنت علي
كظهر أمي، وفي حديث خويلة امرأة أوس بن الصامت أنه قال لها أنت علي كظهر أمي فذكر ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالكفارة
(الضرب الثاني) أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوي رحمه كجدته وعمته وخالته وأخته
فهذا ظهار في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري
والثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو جديد قولي الشافعي
556

وقال في القديم لا يكون الظهار إلا بأم أو جدة لأنها أم أيضا لأن اللفظ الذي ورد به القرآن مختص بالام
فإذا عدل عنه لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه
ولنا أنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الام فأما الآية فقد قال فيها وإنهم ليقولون منكرا من
القول وزورا) وهذا موجود في مسئلتنا فجرى مجراه وتعليق الحكم بالام لا يمنع ثبوت الحكم
في غيرها إذا كانت مثلها
(الضرب الثالث) أنى يشبهها بظهر من تحرم عليه على التأييد سوى الأقارب كالأمهات المرضعات
والأخوات من الرضاعة وحلائل الآباء والأبناء وأمهات النساء والربائب اللائي دخل بأمهن فهو
ظهار أيضا، والخلاف فيها كالتي قبلها ووجه المذهبين ما تقدم ويزيد في الأمهات المرضعات دخولها
في عموم الأمهات فتكون داخلة في النص وسائرهن في معناها فثبت فيهن حكمها (الفصل الثاني) إذا
شبهها بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأته وعمتها أو الأجنبية فعن أحمد فيه روايتان
(إحداهما) انه ظهار وهو اختيار الخرقي وقول أصحاب مالك (والثانية) ليس بظهار وهو مذهب
الشافعي لأنها غير محرمة على التأبيد فلا يكون التشبيه بها ظهارا كالحائض والمحرمة من نسائه، ووجه
الأول انه شبهها بمحرمة فأشبه ما لو شبهها بالام، ولان مجرد قوله أنت علي حرام ظهار إذا نوى به
557

الظهار والتشبيه بالمحرمة تحريم فكان ظهارا، فأما الحائض فيباح الاستمتاع بها في غير الفرج والمحرمة
يحل له النظر إليها ولمسها من غير شهوة، وليس في وطئ واحدة منهما حد بخلاف مسئلتنا، واختار
أبو بكر أن الظهار لا يكون إلا من ذوات المحارم من النساء قال فبهذا أقول
(فصل) وان شبهها بظهر أبيه أو بظهر غيره من الرجال أو قال أنت علي كظهر البهيمة أو أنت
علي كالميتة والدم ففي ذلك كله روايتان (إحداهما) انه ظهار، قال الميموني قلت لأحمد إن ظاهر من
ظهر الرجل قال فظهر الرجل حرام يكون ظهارا وبهذا قال ابن القاسم صاحب مالك فيما إذا قال أنت
علي كظهر أبي وروي ذلك عن جابر بن زيد
(والرواية الثانية) ليس بظهار وهو قول أكثر العلماء لأنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه
ما لو قال أنت علي كمال زيد، وهل فيه كفارة؟ على روايتين (إحداهما) فيه كفارة لأنه نوع تحريم
فأشبه ما لو حرم ماله (والثانية) ليس فيه شئ، نقل ابن القاسم عن أحمد فيمن شبه امرأته بظهر
الرجل لا يكون ظهارا ولم أره يلزمه فيه شئ وذلك لأنه تشبيه لامرأته بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه
التشبيه بمال غيره، وقال أبو الخطاب في قوله أنت علي كالميتة والدم إن نوى به الطلاق كان طلاقا
وان نوى الظهار كان ظهارا وان نوى اليمين كان يمينا وان لم ينو شيئا ففيه روايتان (إحداهما) هو ظهار
(والأخرى) هو يمين ولم يتحقق عندي معنى ارادته الظهار واليمين والله أعلم
(فصل) فإن قال أنت عندي أو مني أو معي كظهر أمي كان ظهارا بمنزلة علي لأن هذه الألفاظ
558

في معناه، وان قال جملتك أو بدنك أو جسمك أو ذاتك أو كلك علي كظهر أمي كان ظهارا لأنه
أشار إليها فهو كقوله أنت، وان قال أنت كظهر أمي كان ظهارا لأنه أتى بما يقتضي تحريمها عليه
فانصرف الحكم إليه كما لو قال أنت طالق، وقال بعض الشافعية ليس بظهار لأنه ليس فيه ما يدل على أن
ذلك في حقه وليس بصحيح فإنها إذا كانت كظهر أمه فظهر أمه محرم عليه
(فصل) وان قال أنت علي كأمي أو مثل أمي ونوى به الظهار فهو ظهار في قول عامة العلماء منهم
أبو حنيفة وصاحباه والشافعي وإسحاق، وان نوى به الكرامة والتوقير أو انها مثلها في الكبر أو
الصفة فليس بظهار والقول قوله في نيته وان أطلق فقال أبو بكر هو صريح في الظهار وهو قول مالك
ومحمد بن الحسن، وقال ابن أبي موسى فيه روايتان أظهرهما انه ليس بظهار حتى ينويه وهذا قول
أبي حنيفة والشافعي لأن هذا اللفظ يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم فلم ينصرف
إليه بغير نية ككنايات الطلاق
ووجه الأول انه شبه امرأته بجملة أمه فكان مشبها لها بظهرها فيثبت الظهار كما لو شبهها به
منفردا، والذي يصح عندي في قياس المذهب أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه
مخرج الحلف فيقول إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي أو قال ذلك حال الخصومة والغضب فهو ظهار
لأنه إذا خرج مخرج الحلف فالحلف يراد للامتناع من شئ أو الحث عليه وإنما يحصل ذلك بتحريمها
عليه، ولان كونها مثل أمه في صفتها أو كرامتها لا يتعلق على شرط فيدل على أنه إنما أراد الظهار
ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأذاها ويوجب اجتنابها وهو
559

الظهار وان عدم هذا فليس بظهار لأنه محتمل لغير الظهار احتمالا كثيرا فلا يتعين الظهار فيه بغير دليل
ونحو هذا قول أبي ثور وهكذا لو قال أنت علي كأمي أو مثل أمي أو قال أنت أمي أو امرأتي أمي مع
الدليل الصارف له إلى الظهار كان ظهارا إما بنية أو ما يقوم مقامها، وان قال أمي امرأتي أو مثل امرأتي
لم يكن ظهارا لأنه تشبيه لامه ووصف لها وليس بوصف لامرأته
(الفصل الثالث) أنه إذا قال أنت علي حرام فإن نوى به الظهار فهو ظهار في قول عامتهم وبه
يقول أبو حنيفة والشافعي، وان نوى به الطلاق فقد ذكرناه في باب الطلاق وان أطلق ففيه روايتان
(إحداهما) هو ظاهر ذكره الخرقي في موضع آخر ونص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه وذكره
إبراهيم الحربي عن عثمان وابن عباس وأبي قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي انهم قالوا:
الحرام ظهار، وروي عن أحمد ما يدل على أن التحريم يمين، وروي عن ابن عباس أنه قال إن التحريم
يمين في كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك - ثم قال - قد فرض الله
لك تحلة أيمانكم) وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينو به الظهار ليس بظهار وهو قول مالك
وأبي حنيفة والشافعي، ووجه ذلك الآية المذكورة وان التحريم يتنوع منه ما هو بظهار وبطلاق
وبحيض واحرام وصيام فلا يكون التحريم صريحا في واحد منهما ولا ينصرف إليه بغير نية كما لا ينصرف
إلى تحريم الطلاق، ووجه الأول انه تحريم أوقعه في امرأته فكان باطلاقه ظهارا كتشبيهها بظهر أمه،
وقولهم ان التحريم يتنوع قلنا الا ان تلك الأنواع منتفية ولا يحصل بقوله منها الا الطلاق وهذا أولى
560

منه لأن الطلاق تبين به المرأة وهذا يحرمها مع بقاء الزوجية فكان أدنى التحريمين فكان أولى، فأما ان قال
ذلك لمحرمة عليه بحيض أو نحوه وقصد الظهار فهو ظهار وان قصد انها محرمة عليه بذلك السبب فلا شئ فيه فإن
أطلق فليس بظهار لأنه يحتمل الخبر عن حالها، ويحتمل انشاء التحريم فيها بالظهار فلا يتعين أحدهما بغير تعيين
(فصل) فإن قال الحل علي حرام أو ما أحل الله علي حرام أو ما أنقلب إليه حرام وله امرأة فهو
مظاهر نص عليه أحمد في الصور الثلاث وذلك لأن لفظه يقتضي العموم فيتناول المرأة بعمومه وإن
صرح بتحريم المرأة أو نواها فهو آكد، قال أحمد فيمن قال ما أحل الله علي حرام من أهل ومال عليه
كفارة الظهار هو يمين تجزئة كفارة واحدة في ظاهر كلام احمد هذا، واختار ابن عقيل أنه يلزمه
كفارتان للظهار ولتحريم المال لأن التحريم تناولهما وكل واحد منهما لو أنفرد أوجب كفارة
فكذلك إذا اجتمعا
ولنا أنها يمين واحدة فلا توجب كفارتين كما لو تظاهر من امرأتين أو حرم من ماله شيئين وما
ذكره ينتقض بهذا، وفي قول أحمد هو يمين إشارة إلى التعليل بما ذكرناه لأن اليمين الواحدة لا توجب
أكثر من كفارة، وان نوى بقوله ما أحل الله علي حرام وغيره من لفظات العموم المال لم يلزمه إلا
561

كفارة يمين لأن اللفظ العام يجوز استعماله في الخاص وعلى الرواية الأخرى التي تقول إن الحرام باطلاقه
ليس بظهار لا يكون ههنا مظاهرا إلا أن ينوي الظهار
(فصل) وإن قال أنت علي كظهر أمي حرام فهو صريح في الظهار لا ينصرف إلى غيره سواء
نوى الطلاق أو لم ينوه وليس فيه اختلاف بحمد الله لأنه صرح بالظهار وبينه بقوله حرام، وإن قال
أنت علي حرام كظهر أمي أو كأمي فكذلك وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي (والقول الثاني)
إذا نوى الطلاق فهو طلاق وهو قول أبي يوسف ومحمد إلا أن أبا يوسف قال لا أقبل قوله في نفي الظهار
ووجه قولهم أن قوله أنت علي حرام إذا نوى به الطلاق فهو طلاق وزيادة قوله كظهر أمي بعد ذلك
لا ينفي الطلاق كما لو قال أنت طالق كظهر أمي
ولنا أنه أتى بصريح الظهار فلم يكن طلاقا كالتي قبلها وقولهم إن التحريم مع نية الطلاق طلاق
لا نسلمه وإن سلمناه لكنه فسر لفظه ههنا بصريح الظهار بقوله فكان العمل بصريح القول أولى
من العمل بالنية.
(فصل) وإن قال أنت طالق كظهر أمي طلقت وسقط كظهر أمي لأنه أتى بصريح الطلاق أولا
وجعل قوله كظهر أمي صفة له فإن نوى بقوله كظهر أمي تأكيد الطلاق لم يكن ظهارا كما لو أطلق وإن
562

نوى به الظهار وكان الطلاق بائنا فهو كالطهار من الأجنبية لأنه أتى به بعد بينونتها بالطلاق وإن كان
رجعيا كان ظهارا صحيحا ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه أتى بلفظ الظهار فيمن هي زوجة
وإن نوى بقوله أنت طالق الظهار لم يكن ظهارا لأنه نوى الظهار بصريح الطلاق، وإن قال أنت علي
كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معا سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا لأن الظهار سبق الطلاق
(فصل) فإن قال أنت علي حرام ونوى الطلاق والظهار معا كان ظهارا ولم يكن طلاقا لأن
اللفظ الواحد لا يكون ظهارا وطلاقا والظهار أولى بهذا اللفظ فينصرف إليه. وقال بعض أصحاب
الشافعي يقال له اختر أيهما شئت، وقال بعضهم إن قال أردت الطلاق والظهار كان طلاقا لأنه بدأ
به، وإن قال أردت الظهار والطلاق كان ظهارا لأنه بدأ به فيكون ذلك اختيارا له ويلزمه ما بدأ به
ولنا أنه أتى بلفظة الحرام ينوي بها الظهار فكانت ظهارا كما لو أنفرد الظهار بنيته ولا يكون طلاقا
لأنه زاحمت نيته نية الظهار وتعذر الجميع والظهار أولى بهذه اللفظة لأن معناهما واحد وهو التحريم
فيجب أن يغلب ما هو الأولى، أما الطلاق فإن معناه الاطلاق وهو حل قيد النكاح وإنما التحريم حكم
له في بعض أحواله وقد ينفك عنه فإن الرجعية مطلقة مباحة وأما التخيير فلا يصح لأن هذه اللفظة قد
563

ثبت حكمها حين لفظ بها لكونه أهلا والمحل قابلا ولهذا لو حكمنا بأنه طلاق لكانت عدتها من حين
أوقع الطلاق وليس إليه رفع حكم ثبت في المحل باختياره وابداله بإرادته، والقول الآخر مبني على أن
له الاختيار وهو فاسد على ما ذكرنا ثم إن الاعتبار بجميع لفظه لا بما بدأ به ولذلك لو قال طلقت هذه
أو هذه لم يلزمه طلاق الأولى
(الفصل الرابع) أنه إذا شبه عضوا من امرأته بظهر أمه أو عضو من أعضائها فهو مظاهر فلو قال
فرجك أو ظهرك أو رأسك أو جلدك علي كظهر أمي أو بدنها أو رأسها أو يدها فهو مظاهر وبهذا قال
مالك وهو نص الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى انه ليس بمظاهر حتى يشبه جملة امرأته لأنه لو حلف بالله
لا يمس عضوا منها لم يسر إلى غيره فكذلك المظاهرة ولان هذا ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص
لأن تشبيه جملتها تشبيه لمحل الاستمتاع بما يتأكد تحريمه وفيه تحريم لجملتها فيكون آكد، وقال أبو حنيفة إن
شبهها بما يحرم النظر إليه من الام كالفرج والفخذ ونحوهما فهو مظاهر وإن لم يحرم النظر إليه كالرأس والوجه
لم يكن مظاهرا لأنه شبهها بعضو لا يحرم النظر إليه فلم يكن مظاهرا كما لو شبهها بعضو زوجة له أخرى
564

ولنا انه شبهها بعضو من أمه فكان مظاهرا كما لو شبهها بظهرها، وفارق الزوجة فإنه لو شبهها بظهرها
لم يكن مظاهرا والنظر ان لم يحرم فإن التلذذ يحرم وهو المستفاد بعقد النكاح
(فصل) وان قال كشعر أمي أو سنها أو ظفرها أو شبه شيئا من ذلك من امرأته بأمه أو بعضو
من أعضائها الثلاثة لم يكن مظاهرا لأنه ليست من أعضاء الام الثابتة ولا يقع الطلاق بإضافته إليها
فكذلك الظهار وكذلك لو قال كزوج أمي فإن الزوج لا يوصف بالتحريم ولا هو محل للاستمتاع
وكذلك الريق والعرق والدمع، وإن قال وجهي من وجهك حرام فليس بظهار. نص عليه أحمد وقال
هذا شئ يقوله الناس ليس بشئ وذلك لأن هذا يستعمل كثيرا في غير الظهار ولا يؤدي معنى
الظهار فلم يكن ظهارا كما لو قال لا أكلمك
(فصل) فإن قال أنا مظاهر أو علي الظهار أو علي الحرام أو الحرام لي لازم ولا نية له لم يلزمه
شئ لأنه ليس بصريح في الظهار ولا نوى به الظهار وإن نوى به الظهار أو اقترنت به قرينة تدل
على ارادته الظهار مثل أن يعلقه على شرط فيقول علي الحرام ان كلمتك احتمل أن يكون ظهارا لأنه
565

أحد نوعي تحريم الزوجة فصح بالكناية مع النية كالطلاق، ويحتمل أن لا يثبت به الظهار لأن الشرع
إنما ورد به بصريح لفظه وهذا ليس بصريح فيه ولأنه يمين موجبة للكفارة فلم يثبت حكمه بغير الصريح
كاليمين بالله تعالى
(فصل) يكره أن يسمي الرجل امرأته الرجل امرأته بمن تحرم عليه كأمه أو أخته أو بنته لما روى أبو داود
باسناده عن أبي تميمة الهجيمي أن رجلا قال لامرأته يا أخية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أختك هي؟) فكره
ذلك ونهى عنه ولأنه لفظ يشبه لفظ الظهار، ولا تحرم بهذا ولا يثبت حكم الظهار فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل
له حرمت عليك، ولان هذا اللفظ ليس بصريح في الظهار ولا نواه به فلا يثبت التحريم. وفي الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم عليه السلام أرسل إليه جبار فسأله عنها يعني عن سارة فقال: انها أختي
ولم يعد ذلك ظهارا
(الفصل الخامس) أن المظاهر يحرم عليه وطئ امرأته قبل أن يكفر وليس في ذلك اختلاف
إذا كانت الكفارة عتقا أو صوما لقول الله تعالى (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) وقوله سبحانه (فمن
لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) وأكثر أهل العلم على أن التكفير بالاطعام مثل ذلك وأنه
566

يحرم وطؤها قبل التكفير، منهم عطاء والزهري والشافعي وأصحاب الرأي وذهب أبو ثور إلى إباحة
الجماع قبل التكفير بالاطعام وعن أحمد ما يقتضي ذلك لأن الله تعالى لم يمنع المسيس قبله كما في العتق والصيام
ولنا ما روى عكرمة عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اني تظاهرت من
امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر؟ فقال (ما حملك على ذلك يرحمك الله؟) قال رأيت خلخالها في
ضوء القمر، قال (فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
ولأنه مظاهر لم يكفر فحرم عليه جماعها كما لو كانت كفارته العتق أو الصيام وترك النص عليها لا يمنع
قياسها على المنصوص الذي في معناها
(فصل) فأما التلذذ بما دون الجماع من القبلة واللمس والمباشرة فيما دون الفرج ففيه روايتان
(أحداهما) يحرم وهو اختيار أبي بكر وهو قول الزهري ومالك والأوزاعي وأبي عبيد وأصحاب
الرأي، وروي ذلك عن النخعي وهو أحد قولي الشافعي لأن ما حرم الوطئ من القول حرم
دواعيه كالطلاق والاحرام
(والثانية) لا تحرم قال أحمد أرجو أن لا يكون به بأس وهو قول الثوري وإسحاق وأبي حنيفة
567

وحكي عن مالك وهو القول الثاني للشافعي لأنه وطئ يتعلق بتحريمه مال فلم يتجاوزه التحريم كوطئ الحائض
(فصل) ولا يصح الظهار من أمته ولا أم ولده. روي ذلك عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو
وسعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي وربيعة والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه، وروي عن
الحسن وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار وسليمان بين يسار والزهري وقتادة والحكم والثوري ومالك
في الظهار من الأمة كفارة تامة لأنها مباحة له فصح الظهار منها كالزوجة، وعن الحسن والأوزاعي إن
كان يطؤها فهو ظهار والا فلا لأنه إذا لم يطأها فهو كتحريم ماله وقال عطاء عليه نصف كفارة حرة لأن
الأمة على النصف من الحرة في كثير من أحكامها وهذا من أحكامها فتكون على النصف
ولنا قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) فخصهن به، ولأنه لفظ يتعلق به تحريم الزوجة
فلا تحرم به الأمة كالطلاق ولان الظهار كان طلاقا في الجاهلية فنقل حكمه وبقي محله، قال أحمد قال
أبو قلابة وقتادة ان الظهار كان طلاقا في الجاهلية، وروي عن أحمد أن على المظاهر من أمته كفارة
ظهار، وقال أبو بكر لا يتوجه هذا على مذهبه لأنه لو كانت عليه كفارة ظهار كان ظهارا ولكن عليه
كفارة يمين لأنه تحريم لمباح من ماله فكانت فيه كفارة يمين كتحريم سائر ماله. قال نافع حرم رسول
568

رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمره الله أن يكفر يمينه ويحتمل أن لا يلزمه شئ بناء على قوله في المرأة إذا
قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي لا يلزمها شئ، وإن قال لامته أنت علي حرام فعليه كفارة يمين
لقول الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟ - إلى قوله تعالى - قد فرض الله لكم تحلة
أيمانكم) نزلت في تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لجاريته في قول بعضهم ويخرج على الرواية الأخرى أن تلزمه كفارة
ظهار لأن التحريم ظهار والأول هو الصحيح إن شاء الله تعالى
(فصل) ويصح الظهار مؤقتا مثل أن يقول أنت علي كظهر أمي شهرا أو حتى ينسلخ شهر رمضان فإذا مضى
الوقت زال الظهار وحلت المرأة بلا كفارة ولا يكون عائدا بالوطئ في المدة وهذا قول ابن عباس وعطاء
وقتادة والثوري وإسحاق وأبي ثور وأحد قولي الشافعي وقوله الآخر لا يكون ظهارا وبه قال ابن
أبي ليلى والليث لأن الشرع ورد بلفظ الظهار مطلقا وهذا لم يطلق فأشبه ما لو شبهها بمن تحرم عليه في
وقت دون وقت وقال طاوس إذا ظاهر في وقت فعليه الكفارة وان بر وقال مالك يسقط التأفيت ويكون
ظهارا مطلقا لأن هذا لفظ يوجب تحريم الزوجة فإذا وقته لم يتوقف كالطلاق
569

ولنا حديث سلمة بن صخر وقوله تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان وأخبر النبي
صلى الله عليه وسلم أنه أصابها في الشهر فأمره بالكفارة ولم يعتبر عليه تقييده ولأنه منع نفسه منها بيمين لها كفارة
فصح موقتا كالايلاء وفارق الطلاق فإنه يزيل الملك وهو يوقع تحريما يرفعه التكفير فجاز تأقيته ولا
يصح قول من أوجب الكفارة وان بر لأن الله تعالى إنما أوجب الكفارة على الذين يعودون
لما قالوا ومن بر وترك العود في الوقت الذي ظاهر فلم يعد لما قال فلا تجب عليه كفارة وفارق التشبيه
بمن لا تحرم عليه على التأييد لأن تحريمها غير كامل وهذه حرمها في هذه المدة تحريما مشبها بتحريم
ظهر أمه على أننا نمنع الحكم فيها إذا ثبت هذا فإنه لا يكون عائدا إلا بالوطئ في المدة وهذا هو المنصوص
عن الشافعي، وقال بعض أصحابه ان لم يطلقها عقيب الظهار فهو عائد عليه الكفارة، وقال أبو عبيد
إذا أجمع على غشيانها في الوقت لزمته الكفارة وإلا فلا لأن العود العزم على الوطئ
ولنا حديث سلمة بن صخر وانه لم يوجب عليه الكفارة الا بالوطئ ولأنها يمين لم يحنث فيها فلا يلزمه
كفارتها كاليمين بالله تعالى ولان المظاهر في وقت عازم على امساك زوجته في ذلك الوقت فمن أوجب عليه
الكفارة بذلك كان قوله كقول طاوس فلا معنى لقوله يصح الظهار موقتا لعدم تأثير الوقت
570

(فصل) ويصح تعليق الظهار بالشروط نحو أن يقول إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي
وان شاء زيد فأنت علي كظهر أمي فمتى شاء زيد أو دخلت الدار صار مظاهرا والا فلا وبهذا قال
الشافعي وأصحاب الرأي لأنه يمين فجاز تعليقه على شرط كالايلاء ولان أصل الظهار أنه كان طلاقا
والطلاق يصح تعليقه بالشرط فكذلك الظهار ولأنه قول تحرم به الزوجة فصح تعليقه على شرط
كالطلاق ولو قال لامرأته ان تظاهرت من امرأتي الأخرى فأنت علي كظهر أمي ثم تظاهر من الأخرى
صار مظاهرا منهما جميعا، وان قال إن تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي ثم قال
للأجنبية أنت علي كظهر أمي صار مظاهرا من امرأته عند من يرى الظهار من الأجنبية، ومن لا فلا
وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى
(فصل) فإن قال أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم ينعقد ظهاره نص عليه احمد فقال إذا قال
لامرأته عليه كظهر أمه إن شاء الله فليس عليه شئ هي يمين، وإذا قال ما أحل الله علي حرام إن شاء
الله وله أهل هي يمين ليس عليه شئ وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم
خلافهم وذلك لأنها يمين مكفرة فصح الاستثناء فيها كاليمين بالله تعالى أو كتحريم ماله، وقد قال
571

النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه) رواه الترمذي وقال حديث حسن
غريب، وفي لفظ (من حلف فاستثنى فإن شاء فعل وان شاء رجع غير حنث) رواه الإمام أحمد
وأبو داود والنسائي، وان قال أنت علي حرام ووالله لا أكلمك إن شاء الله عاد الاستثناء إليهما
في أحد الوجهين لأن الاستثناء إذا تعقب جملا عاد إلى جميعها إلا أن ينوي الاستثناء في بعضها فيعود
إليه وحده، وان قال أنت علي حرام إذا شاء الله أو الا ما شاء الله أو إلى أن يشاء الله أو ما شاء الله
فكله استثناء يرفع حكم الظهار، وإن قال إن شاء الله فأنت حرام فهو استثناء يرفع حكم الظهار لأن
الشرط إذا تقدم يجاب بالفاء، وإن قال إن شاء الله أنت حرام فهو استثناء لأن الفاء مقدرة، وان
قال إن شاء الله فأنت حرام صح أيضا والفاء زائدة، وان قال أنت حرام إن شاء الله وشاء زيد فشاء زيد
لم يصر مظاهرا لأنه علقه على مشيئتين فلا يحصل بإحديهما
(مسألة) قال (فإن مات أو ماتت أو طلقها لم تلزمه الكفارة فإن عاد فتزوجها
لم يطأها حتى يكفر لأن الحنث بالعهود وهو الوطئ لأن الله عز وجل أوجب الكفارة
على المظاهر قبل الحنث)
الكلام في هذه المسألة في ثلاثة فصول (أحدها) أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار فلو مات
572

أحدهما أو فارقها قبل العود فلا كفارة عليه وهذا قول عطاء والنخعي والأوزاعي والحسن والثوري
ومالك وأبو عبيد وأصحاب الرأي، وقال طاوس ومجاهد والشعبي والزهري وقتادة عليه الكفارة
بمجرد الظهار لأنه سبب للكفارة، وقد وجد ولان الكفارة وجبت لقول المنكر والزور وهذا
يحصل بمجرد الظهار، وقال الشافعي متى أمسكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه فلم يطلقها فعليه
الكفارة لأن ذلك هو العود عنده
ولنا قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) فأوجب
الكفارة بأمرين ظهار وعود فلا تثبت بأحدهما ولان الكفارة في الظهار كفارة يمين فلا يحنث بغير
الحنث كسائر الايمان، والحنث فيها هو العود وذلك فعل ما حلف على تركه وهو الجماع وترك طلاقها ليس
بحنث فيها ولا فعل لما حلف على تركه فلا تجب به الكفارة ولأنه لو كان الامساك عودا لوجبت الكفارة
على المظاهر الموقت وان بر، وقد نص الشافعي على أنها لا تجب عليه
إذا ثبت هذا فإنه لا كفارة عليه إذا مات أحدهما قبل وطئها وكذلك أن فارقها سواء كان ذلك
573

متراخيا عن يمينه أو عقيبه وأيهما مات ورثه صاحبه في قول الجمهور وقال قتادة إن ماتت لم يرثها حتى يكفر
ولنا أن من ورثها إذا كفر ورثها وان لم يكفر كالمولي منها
(الفصل الثاني) انه إذا طلق من ظاهر منها ثم تزوجها لم يحل له وطؤها حتى يكفر سواء كان
الطلاق ثلاثا أو أقل منه وسواء رجعت إليه بعد زوج آخر أو قبله نص عليه أحمد وهو قول عطاء
والحسن والزهري والنخعي ومالك وأبي عبيد، وقال قتادة إذا بانت سقط الظهار فإذا عاد فنكحها
فلا كفارة عليه وللشافعي قولان كالمذهبين وقول ثالث ان كانت البينونة بالثلاث لم يعد الظهار والا
عاد وبناه على الأقاويل في عود صفة الطلاق في النكاح الثاني
ولنا عموم قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من
قبل أن يتماسا) وهذا قد ظاهر من امرأته فلا يحل أن يتماسا حتى يكفر، ولأنه ظاهر من امرأته فلا يحل
له مسها قبل التكفير كالتي لم يطلقها ولان الظهار يمين مكفرة فلم يبطل حكمها بالطلاق كالايلاء
(الفصل الثالث) أن العود هو الوطئ فمتى وطئ لزمته الكفارة ولا تجب قبل ذلك الا انها
شرط لحل الوطئ فيؤمر بها من أراده ليستحله بها كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حل المرأة. وحكي
574

نحو ذلك عن الحسن والزهري وهو قول أبي حنيفة الا أنه لا يوجب الكفارة على من وطئ وهي عنده
في حق من وطئ كمن لم يطأ
وقال القاضي وأصحابه: العوذ العزم على الوطئ الا انهم لم يوجبوا الكفارة على العازم على الوطئ
إذا مات أحدهما أو طلق قبل الوطئ الا أبا الخطاب فإنه قال إذا مات بعد العزم أو طلق فعليه الكفارة
وهذا قول مالك وأبي عبيد، وقد أنكر أحمد هذا فقال مالك يقول إذا أجمع لزمته الكفارة فكيف
يكون هذا لو طلقها بعد ما يجمع كان عليه كفارة؟ الا أن يكون يذهب إلى قول طاوس إذا تكلم بالظهار
لزمه مثل الطلاق ولم يعجب أحمد قول طاوس
وقال أحمد في قوله تعالى (ثم يعودون لما قالوا) قال العود الغشيان إذا أراد أن يغشي كفر، واحتج من
ذهب إلى هذا بقوله تعالى (ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) فأوجب الكفارة بعد
العود قبل التماس وما حرم قبل الكفارة لا يجوز كونه متقدما عليها ولأنه قصد بالظهار تحريمها فالعزم على
وطئها عود فيما قصده ولان الظهار تحريم فإذا أراد استباحتها فقد رجع في ذلك التحريم فكان عائدا،
575

وقال الشافعي العود امساكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه لأن ظهاره منها يقتضي ابانتها فامساكها
عود فيما قال، وقال داود العود تكرار الظهار مرة ثانية لأن العود في الشئ اعادته
ولنا أن العود فعل ضد قوله ومنه (العائد في هبته) هو الراجع في الموهوب والعائد في عدته
التارك للوفاء بما وعد والعائد فيما نهى عنه فاعل المنهي عنه قال الله تعالى (ثم يعودون لما نهوا عنه)
فالمظاهر محرم للوطئ على نفسه ومانع لها منه فالعود فعله، وقولهم ان العود يتقدم التكفير والوطئ
يتأخر عنه قلنا المراد بقوله (ثم يعودون) أي يريدون العود كقول الله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة)
أي أردتم ذلك وقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ) فإن قيل فهذا تأويل ثم هو رجوع إلى ايجاب
الكفارة بالعزم المجرد قلنا دليل التأويل ما ذكرنا
وأما الامر بالكفارة عند العزم فإنما أمر بها شرطا للحل كالأمر بالطهارة لمن أراد صلاة النافلة
والامر بالنية لمن أراد الصيام، فأما الامساك فليس بعود لأنه ليس بعود في الظهار المؤقت فكذلك
في المطلق ولان العود فعل ضد ما قاله والامساك ليس بضد له، وقولهم ان الظهار يقتضي ابانتها لا يصح
وإنما يقتضي تحريمها واجتنابها ولذلك صح توقيته ولأنه قال (ثم يعودون لما قالوا) وثم للتراخي
576

والامساك غير متراخ، وأما قول داود فلا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أوسا وسلمة بن صخر بالكفارة
من غير إعادة اللفظ، ولان العود إنما هو في مقوله دون قوله كالعود في الهبة والعدة والعود لما نهى عنه
ويدل على ابطال هذه الأقوال كلها أن الظهار يمين مكفرة فلا تجب الكفارة الا بالحنث فيها وهو فعل
ما حلف على تركه كسائر الايمان وتجب الكفارة بذلك كسائر الايمان، ولأنها يمين تقتضي ترك
الوطئ فلا تجب كفارتها الا به كالايلاء
(مسألة) قال (وإذا قال لامرأة أجنبية أنت علي كظهر أمي لم يطأها ان تزوجها
حتى يأتي بالكفارة)
وجملته ان الظهار من الأجنبية يصح سواء قال ذلك لامرأة بعينها أو قال كل النساء علي كظهر أمي
وسواء أوقعه مطلقا أو علقه على التزويج فقال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي، ومتى تزوج التي
ظاهر منها لم يطأها حتى يكفر يروى نحو هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال سعيد بن
المسيب وعروة وعطاء والحسن ومالك وإسحاق، ويحتمل أن لا يثبت حكم الظهار قبل التزويج وهو
577

قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي ويروى ذلك عن ابن عباس لقول الله تعالى (والذين يظاهرون
من نسائهم) والأجنبية ليست من نسائه ولان الظهار يمين ورد الشرع بحكمها مقيدا بنسائه فلم يثبت حكمها
في الأجنبية كالايلاء فإن الله تعالى قال (والذين يظاهرون من نسائهم) كما قال (للذين يؤلون من
نسائهم) ولأنها ليست بزوجة فلم يصح الظهار منها كأمته ولأنه حرم محرمة فلم يلزمه شئ كما لو قال
أنت حرام ولأنه نوع تحريم فلم يتقدم النكاح كالطلاق
ولنا ما روى الإمام أحمد باسناده عن عمر بن الخطاب أنه قال في رجل قال إن تزوجت فلانة
فهي علي كظهر أمي فتزوجها، قال عليه كفارة الظهار ولأنها يمين مكفرة فصح انعقادها قبل النكاح
كاليمين بالله تعالى، أما الآية فإن التخصيص خرج مخرج الغالب فإن الغالب أن الانسان إنما يظاهر
من نسائه فلا يوجب تخصيص الحكم بهن كما أن تخصيص الربيبة التي في حجره بالذكر لم يوجب
اختصاصها بالتحريم، وأما الايلاء فإنما اختص حكمه بنسائه لكونه يقصد الاضرار بهن دون غيرهن
والكفارة وجبت ههنا لقول المنكر والزور ولا يختص ذلك بنسائه، ويفارق الظهار الطلاق من وجهين
[أحدهما] أن الطلاق حل قيد النكاح ولا يمكن حله قبل عقده والظهار تحريم للوطئ فيجوز
تقديمه على العقد كالحيض.
578

(الثاني) أن الطلاق يرفع العقد فلم يجز أن يسبقه وهذا لا يرفعه وإنما تتعلق الإباحة على شرط
فجاز تقدمه وأما الظهار من الأمة فقد انعقد يمينا وجبت به الكفارة ولم تجب كفارة الظهار لأنها ليست
امرأة له حال التكفير بخلاف مسئلتنا
(فصل) وإذا قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي ثم تزوج نساء وأراد العود فعليه
كفارة واحدة سواء تزوجهن في عقد أو في عقود متفرقة، نص عليه أحمد وهو قول عروة وإسحاق
لأنها يمين واحدة فكفارتها واحدة كما لو ظاهر من أربع نساء بكلمة واحدة، وعنه أن لكل عقد
كفارة فلو تزوج اثنتين في عقد وأراد العود فعليه كفارة واحدة ثم إذا تزوج أخرى وأراد العود
فعليه كفارة أخرى، وروي ذلك عن إسحاق لأن المرأة الثالثة وجد العقد عليها الذي يثبت به الظهار
وأراد العود إليها بعد التكفير عن الأولتين فكانت عليه لها كفارة كما لو ظاهر منها ابتداء ولو قال لأجنبية
أنت علي كظهر أمي وقال أردت أنها مثلها في التحريم في الحال دين في ذلك وهل يقبل في الحكم؟
يحتمل وجهين [أحدهما] لا يقبل لأنه صريح للظهار فلا يقبل صرفه إلى غيره (والثاني) يقبل لأنها
حرام عليه كما أن أمه حرام عليه
579

(مسألة) قال (ولو قال أنت علي حرام وأراد في تلك الحال لم يكن عليه شئ
وان تزوجها لأنه صادق وان أراد في كل حال لم يطأها ان تزوجها حتى يأتي بكفارة الظهار)
أما إذا أراد بقوله لها أنت علي حرام الاخبار عن حرمتها في الحال فلا شئ عليه لأنه صادق
لكونه وصفها بصفتها ولم يقل منكرا ولا زورا وكذلك لو أطلق هذا القول ولم يكن له نية فلا شئ عليه
لذلك وان أراد تحريمها في كل حال فهو ظهار لأن لفظة الحرام إذا أريد بها الظهار ظهار في الزوجة فكذلك
في الأجنبية فصار كقوله أنت علي كظهر أمي
(مسألة) قال (ولو ظاهر من زوجته وهي أمة فلم يكفر حتى ملكها انفسخ
النكاح ولم يطأها حتى يكفر)
وجملته أن الظهار يصح من كل زوجة أمة كانت أو حرة فإذا ظاهر من زوجته الأمة ثم ملكها
انفسخ النكاح، واختلف أصحابنا في بقاء حكم الظهار فذكر الخرقي ههنا أنه باق ولا يحل له الوطئ
حتى يكفر وبه يقول مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي ونص عليه الشافعي، وقال القاضي المذهب
580

ما ذكر الخرقي وهو قول أبي عبد الله بن حامد لقول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم
يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) وهذا قد ظاهر من امرأته فلم يحل له مسها حتى
يكفر، ولان الظهار قد صح فيها وحكمه لا يسقط بالطلاق المزيل للملك والحل فيملك اليمين أولى ولأنها
يمين انعقدت موجبة لكفارة فوجبت دون غيرها كسائر الايمان، وقال أبو بكر عبد العزيز يسقط الظهار
بملكه لها وان وطئها حنث وعليه كفارة يمين كما لو تظاهر منها وهي أمته لأنها خرجت عن الزوجات
وصار وطؤه لها بملك اليمين فلم يكن موجبا لكفارة الظهار كما لو تظاهر منها وهي أمته، ويقتضي قول
أبي بكر هذا أن تباح قبل التكفير لأنه أسقط الظهار وجعله يمينا كتحريم أمته فإن أعتقها عن كفارته
صح على القولين فإن تزوجها بعد ذلك حلت له بغير كفارة لأنه كفر عن ظهاره باعتاقها ولا يمتنع
اجزاؤها عن الكفارة التي وجبت بسببها كما لو قال إن ملكت أمة فلله علي عتق رقبة فملك أمة
فأعتقها وان أعتقها عن غير الكفارة ثم تزوجها عاد حكم الظهار ولم تحل له حتى يكفر
(مسألة) قال (ولو تظاهر من أربع نسائه بكلمة واحدة لم يكن عليه أكثر من كفارة)
وجملته أنه إذا ظاهر من نسائه الأربع بلفظ واحد فقال أنتن علي كظهر أمي فليس عليه أكثر
581

من كفارة بغير خلاف في المذهب وقول علي وعمر وعروة وطاوس وعطاء وربيعة ومالك والأوزاعي
وإسحاق وأبي ثور والشافعي في القديم، وقال الحسن والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري والحكم والثوري
وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد عليه لكل امرأة كفارة لأنه وجد الظهار والعود في حق كل امرأة منهن
فوجب عليه عن كل واحدة كفارة كما لو أفردها به
ولنا عموم قول عمر وعلي رضي الله عنهما رواه عنهما الأثرم ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفا فكان
إجماعا، ولان الظهار كلمة تجب بمخالفتها الكفارة فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين
بالله تعالى، وفارق ما إذا ظاهر منها بكلمات فإن كل كلمة تقتضي كفارة ترفعها وتكفر اثمها وههنا الكلمة
واحدة فالكفارة الواحدة ترفع حكمها وتمحو اثمها فلا يبقى لها حكم
(فصل) ومفهوم كلام الخرقي أنه إذا ظاهر منهن بكلمات فقال لكل واحد أنت علي كظهر
أمي فإن لكل يمين كفارة وهذا قول عروة وعطاء قال أبو عبد الله بن حامد المذهب رواية
واحدة في هذا، قال القاضي المذهب عندي ما ذكر الشيخ أبو عبد الله، وقال أبو بكر فيه رواية أخرى
أنه يجزئه كفارة واحدة، واختار ذلك وقال هذا الذي قلناه اتباعا لعمر بن الخطاب والحسن
582

وعطاء وإبراهيم وربيعة وقبيصة وإسحاق لأن كفارة الظهار حق لله تعالى فلم تتكرر بتكرر سببها
كالحد وعليه يخرج الطلاق
ولنا أنها ايمان متكررة على أعيان متفرقة فكان لكل واحدة كفارة كما لو كفر ثم ظاهر،
ولأنها ايمان لا يحنث في إحداهما بالحنث في الأخرى فلا تكفرها كفارة واحدة كالأصل، ولان الظهار
معنى يوجب الكفارة فتتعدد الكفارة بتعدده في المحال المختلفة كالقتل، ويفارق الحد فإنه عقوبة
تدرأ بالشبهات فاما ان ظاهر من زوجته مرارا ولم يكفر فكفارة واحدة لأن الحنث واحد فوجبت
كفارة واحدة كما لو كانت اليمين واحدة
(فصل) إذا ظاهر من امرأة ثم قال لاخرى أشركتك معها أو أنت شريكتها أو كهي ونوى
المظاهرة من الثانية صار مظاهرا منها بغير خلاف علمناه وبه يقول مالك والشافعي وان أطلق صار
مظاهرا أيضا إذا كان عقيب مظاهرته من الأولى ذكره أبو بكر وبه قال مالك قال أبو الخطاب ويحتمل
أن لا يكون مظاهرا وبه قال الشافعي لأنه ليس بصريح في الظهار ولا نوى به الظهار فلم يكن ظهارا كما لو قال
ذلك قبل أن يظاهر من الأولى، ولأنه يحتمل أنها شريكتها في دينها أو في الخصومة أو في النكاح أو سوء
الخلق فلم تخصص بالظهار لا بالنية كسائر الكنايات
583

ولنا أن الشركة والتشبيه لابد أن يكون في شئ فوجب تعليقه بالمذكور معه كجواب السؤال فيما
إذا قيل له ألك امرأة فقال قد طلقها وكالعطف مع المعطوف عليه والصفة مع الموصوف، وقولهم انه كناية
لم ينو بها الظهار قلنا قد وجد دليل النية فيكتفى بها وقولهم انه يحتمل قلنا ما ذكرنا من القرينة يزيل الاحتمال
وان بقي احتمال ما كان مرجوحا فلا يلتفت إليه كالاحتمال في اللفظ الصريح
(مسألة) قال (والكفارة عتق رقبة مؤمنة سالمة من العيوب المضرة بالعمل)
في هذه المسألة ثلاث مسائل: الأولى أن كفارة المظاهر القادر على الاعتاق عتق رقبة لا تجزئه غير
ذلك بغير خلاف علمناه بين أهل العلم، والأصل في ذلك قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم ثم
يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا - إلى قوله - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل
أن يتماسا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأوس بن الصامت حين ظاهر من امرأته (يعتق رقبة) قلت لا يجد قال
(فيصوم) وقوله لسلمة بن صخر مثل ذلك فمن وجد رقبة يستغني عنها أو وجد ثمنها فاضلا عن حاجته
584

ووجدها به لم يجزئه الا الاعتاق لأن وجود المبدل إذا منع الانتقال إلى البدل كانت القدرة على ثمنه
تمنع الانتقال كالماء وثمنه يمنع الانتقال إلى التيمم
(المسألة الثانية) أنه لا يجزئه الا عتق رقبة مؤمنة في كفارة الظهار وسائر الكفارات هذا
ظاهر المذهب وهو قول الحسن ومالك والشافعي وإسحاق وأبي عبيد، وعن أحمد رواية ثانية أنه
يجزئ فيما عدا كفارة القتل من الظهار وغيره عتق رقبة ذمية وهو قول عطاء والنخعي والثوري
وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن الله تعالى أطلق الرقبة في هذه الكفارة فوجب أن
يجزئ ما تناوله الاطلاق
ولنا ما روى معاوية بن الحكم قال كانت لي جارية فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت علي رقبة أفأعتقها؟
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين الله؟) فقالت في السماء فقال (من أنا؟) فقالت أنت رسول الله فقال
صلى الله عليه وسلم (أعتقها فإنها مؤمنة) أخرجه مسلم والنسائي، فعلل جواز إعتاقها عن الرقبة التي عليه بأنها
585

مؤمنة فدل على أنه لا يجزئ عن الرقبة التي عليه الا مؤمنة، ولأنه تكفير بعتق فلم يجز الا مؤمنة ككفارة
القتل والمطلق يحمل على المقيد من جهة القياس إذا وجد المعنى فيه ولابد من تقييده فانا أجمعنا على أنه
لا يجزئ إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا فالتقييد بالسلامة من الكفر أولى
(المسألة الثالثة) انه لا يجزئه إلا رقبة سالمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا لأن المقصود
تمليك العبد منافعه ويمكنه من التصرف لنفسه ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا فلا يجزئ
الأعمى لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع ولا المقعد ولا المقطوع اليدين أو الرجلين لأن اليدين آلة
البطش فلا يمكنه العمل مع فقدهما والرجلان آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما والشلل
كالقطع في هذا ولا يجزئ المجنون جنونا مطبقا لأنه وجد فيه المعنيان ذهاب منفعة الجنس وحصول
الضرر بالعمل. وبهذا كله قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن داود أنه جوز
كل رقبة يقع عليها الاسم أخذا باطلاق اللفظ
ولنا أن هذا نوع كفارة فلم يجزئ ما يقع عليه الاسم كالاطعام فإنه لا يجزئ أن يطعم مسوسا
ولا عفنا وإن كان يسمى طعاما والآية مقيدة بما ذكرناه
586

(فصل) ولا يجرى مقطوع اليد أو الرجل ولا أشلها ولا مقطوع ابهام اليد أو سبابتها أو الوسطى
لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء ولا يجزى مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة لأن نفع اليدين
يزول أكثره بذلك وإن قطعت كل واحدة من يد جاز لأن نفع الكفين باق وقطع أنملة الابهام كقطع
جميعها فإن نفعها يذهب بذلك لكونها أنملتين، وإن كان من غير الابهام لم يمنع لأن منفعتها لا تذهب
فإنها تصير كالأصابع القصار حتى لو كانت أصابعه كلها غير الابهام قد قطعت من كل واحدة منها أنملة
لم يمنع وإن قطع من لا صبع أنملتان فهو كقطعها لأنه يذهب بمنفعتها وهذا جميعه مذهب الشافعي،
وقال أبو حنيفة يجزئ مقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين ولو قطعت يده ورجله جميعا من
خلاف أجزأت لأن منفعة الجنس باقية فأجزأت في الكفارة كالأعور فاما ان قطعتا من وفاق أي من جانب
واحد لم يجزى لأن منفعة المشي تذهب
ولنا أن هذا يؤثر في العمل ويضر ضررا بينا فوجب أن يمنع أجزاءها كما لو قطعتا من وفاق ويخالف العور فإنه لا يضر ضررا بينا والاعتبار بالضرر أولى من الاعتبار بمنفعة الجنس فإنه لو ذهب
587

شمه أو قطعت أذناه معا أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس ولا يجزئ الأعرج إذا كان عرجا كثيرا فاحشا
لأنه يضر بالعمل فهو كقطع الرجل، وإن كان عرجا كثيرا لا يمنع الأخرى لأنه قليل الضرر
(فصل) ويجزئ الأعور في قولهم جميعا، وقال أبو بكر فيه قول آخر لا يجزئ لأنه نقص يمنع
التضحية والاجزاء في الهدي فأشبه العمى والصحيح ما ذكرناه فإن المقصود تكميل الأحكام وتمليك
العبد المنافع والعور لا يمنع ذلك ولأنه لا يضر بالعمل فأشبه قطع إحدى الاذنين ويفارق العمى فإنه
يضر بالعمل ضررا بينا ويمنع كثيرا من الصنائع ويذهب بمنفعة الجنس ويفارق قطع إحدى اليدين
والرجلين فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما. وأما
الأضحية والهدي فإنه لا يمنع منهما مجرد العور وإنما يمنع انخساف العين وذهاب العضو المستطاب ولان
الأضحية يمنع فيها قطع الاذن والقرن والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل ويجزئ المقطوع الاذنين
وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك وزفر لا يجزئ لأنهما عضوان فيهما الدية أشبها اليدين
ولنا أن قطعهما لا يضر بالعمل الضرر البين فلم يمنع كنقص السمع بخلاف قطع اليدين ويجزئ
مقطوع الانف لذلك ويجزئ الأصم إذا فهم بالإشارة ويجزئ الأخرس إذا فهمت إشارته وفهم بالإشارة
588

وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور، وقال أصحاب الرأي لا يجزئ لأن منفعة الجنس ذاهبة فأشبه زائل
العقل وهذا المنصوص عليه عن أحمد لأن الخرس نقص كثير يمنع كثيرا من الأحكام مثل القضاء
والشهادة وأكثر الناس لا يفهم إشارته فيتضرر في ترك استعماله، وان اجتمع الخرس والصمم فقال
القاضي لا يجزئ وهو قول بعض الشافعية لاجتماع النقصين فيه وذهاب منفعتي الجنس ووجه الاجزاء
أن الإشارة تقوم مقام الكلام في الافهام ويثبت في حقه أكثر الأحكام فيجزئ في العتق كالذي ذهب
شمه فاما الذي ذهب شمه فيجزى لأنه لا يضر بالعمل ولا بغيره
فأما المريض فإن كان مرجو البرء كالحمى وما أشبهها أجزأ في الكفارة وإن كان غير مرجو الزوال
كالسل ونحوه لم يجزئ لأن زواله يندر ولا يتمكن من العمل مع بقائه، وأما نضو الخلق فإن كان يتمكن
معه من العمل أجزأ وإلا فلا ويجزئ الأحمق وهو الذي يخطئ على بصير ويصنع الأشياء لغير فائدة ويرى
الخطأ صوابا ومن يخنق في الأحيان والخصي والمجبوب والرتقاء والكبير الذي يقدر على العمل لأن
589

ما لا يضر لا يمنع تمليك العبد منافعه وتكميل أحكامه فيحصل الاجزاء به كالسالم من العيوب
(فصل) ويجزئ عتق الجاني والمرهون وعتق المفلس عبده إذا قلنا بصحة عتقهم وعتق المدبر
الخصي وولد الزنا لكمال العتق فيهم
(فصل) ولا يجزئ عتق المغضوب لأنه لا يقدر على تمكينه من منافعه ولا غائب غيبة منقطعة
لا يعلم خبره لأنه لا يعلم حياته فلا يعلم صحة عتقه وإن لم ينقطع خبره أجزأ عتقه لأنه عتق صحيح ولا يجزئ
عتق الحمل لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا ولذلك لم تجب فطرته ولا يتيقن أيضا وجوده وحياته ولا عتق
أم الولد لأن عتقها مستحق بسبب غير الكفارة والملك فيها غير كامل ولهذا لا يجوز بيعها، وقال
طاوس والبتي يجزئ عتقها لأنه عتق صحيح ولا يجزئ عتق مكاتب أدى من كتابته شيئا وسنذكر
هذا في الكفارات إن شاء الله تعالى
(مسألة) قال (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين)
أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد رقبة أن فرضه صيام شهرين متتابعين وذلك لقول الله تعالى
(فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) وحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر
590

وأجمعوا على أن من وجد رقبة فاضلة عن حاجته فليس له الانتقال إلى الصيام وان كانت له رقبة يحتاج
إلى خدمتها لزمن أو كبر أو مرض أو عظم خلق ونحوه مما يعجزه عن خدمة نفسه أو يكون ممن لا يخدم
نفسه في العادة ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته فليس عليه الاعتاق وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة
ومالك والأوزاعي متى وجد رقبة لزمه اعتاقها ولم يجز له الانتقال إلى الصيام سواء كان محتاجا إليها
أو لم يكن، لأن الله تعالى شرط في الانتقال إلى الصيام ان لا يجد رقبة بقوله فمن لم يجد) وهذا
واجد وان وجد ثمنها وهو محتاج إليه لم يلزمه شراؤها وبه قال أبو حنيفة وقال مالك يلزمه لأن
وجدان ثمنها كوجدانها.
ولنا أن ما استغرقته حاجة الانسان فهو كالمعدوم في جواز الانتقال إلى البدل كمن وجد ماء يحتاج
إليه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم وإن كان له خادم وهو ممن يخدم نفسه عادة لزمه اعتاقها لأنه
فاضل عن حاجته بخلاف من لم تجر عادته بخدمة نفسه فإن عليه مشقة في إعتاق خادمه وتضييعا لكثير
من حوائجه وإن كان له خادم يخدم امرأته وهي ممن عليه اخدامها أو كان له رقيق يتقوت بخراجهم
591

أو دار يسكنها أو عقار يحتاج إلى غلته لمؤنته أو عرض للتجارة لا يستغني عن ربحه في مؤنته لم يلزمه
العتق وان استغنى عن شئ من ذلك مما يمكنه ان يشتري به رقبة لزمه لأنه واجد للرقبة وان
كانت له رقبة تخدمه يمكنه بيعها وشراء رقبتين بثمنها يستغني بخدمة إحداهما ويعتق الأخرى لزمه
لأنه لا ضرر في ذلك وهكذا لو كانت له ثياب فاخرة تزيد على ملابس مثله يمكنه بيعها وشراء
ما يكفيه في لباسه ورقبة لزمه ذلك وان كانت له دار يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه لسكني مثله ورقبة أو ضيعة
يفضل منها عن كفايته ما يمكنه شراء رقبة لزمه ويراعي في ذلك الكفاية التي يحرم معها أخذ الزكاة فإذا
فضل عن ذلك شئ وجبت فيه الكفارة ومذهب الشافعي في هذا الفصل جميعه على نحو مما قلنا وان
كانت له سرية لم يلزمه اعتاقها لأنه يحتاج إليها وان أمكنه بيعها وشراء سرية أخرى ورقبة يعتقها لم
يلزمه ذلك لأن الفرض قد يتعلق بعينها فلا يقوم غيرها مقامها سيما إذا كان بدون ثمنها
(فصل) فإن كان موسرا حين وجوب الكفارة إلا أن ماله غائب فإن كان مرجو الحضور
قريبا لم يجز الانتقال إلى الصيام لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة وإن كان بعيدا لم يجز الانتقال
إلى الصيام في غير كفارة الظهار لأنه لا ضرر في الانتظار وهل يجوز ذلك في كفارة الظهار؟ فيه وجهان
592

[أحدهما] لا يجوز لوجود الأصل في ماله فأشبه سائر الكفارات (والثاني) يجوز لأنه يحرم
عليه المسيس فجاز له الانتقال لموضع الحاجة، فإن قيل فلو عدم الماء وثمنه جاز له الانتقال إلى التيمم
وإن كان قادرا عليهما في بلده قلنا الطهارة تجب لأجل الصلاة وليس له تأخيرها عن وقتها فدعت
الحاجة إلى الانتقال بخلاف مسئلتنا ولأننا لو منعناه من التيمم لوجود القدرة في بلده بطلت رخصة التيمم
فإن كل أحد يقدر على ذلك
(فصل) وان وجد ثمن الرقبة ولم يجد رقبة يشتريها فله الانتقال إلى الصيام كما لو وجد ثمن
الماء ولم يجد ما يشتريه، وان وجد رقبة تباع بزيادة على ثمن المثل تجحف بماله لم يلزمه شراؤها لأن
فيه ضررا وان كانت لا تجحف بماله احتمل وجهين
[أحدهما] يلزمه لأنه قادر على الرقبة بثمن يقدر عليه لا يجحف به فأشبه ما لو بيعت بثمن مثلها
(والثاني) لا يلزمه لأنه لم يجد رقبة بثمن مثلها أشبه العادم، وأصل الوجهين العادم للماء إذا وجده
بزيادة على ثمن مثله فإن وجد رقبة بثمن مثلها الا أنها رقبة رفيعة يمكن أن يشتري بثمنها رقابا من
593

غير جنسها لزمه شراؤها لأنها بثمن مثلها ولا يعد شراؤها بذلك الثمن ضررا وإنما الضرر في اعتاقها
وذلك لا يمنع الوجوب كما لو كان مالكا لها
(مسألة) قال (فإن أفطر فيها من عذر بنى وان أفطر من غير عذر ابتدأ)
أجمع أهل العلم على وجوب التتابع في الصيام في كفارة الظهار، وأجمعوا على أن من صام بعض
الشهر ثم قطعه لغير عذر وأفطر أن عليه استئناف الشهرين وإنما كان كذلك لورود لفظ الكتاب والسنة به
ومعنى التتابع الموالاة بين صيام أيامهما فلا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفارة، ولا يفتقر التتابع
إلى نية ويكفي فعله لأنه شرط وشرائط العبادات لا تحتاج إلى نية وإنما تجب النية لأفعالها وهذا
أحد الوجوه لأصحاب الشافعي، والوجه الآخر أنها واجبة لكل ليلة لأن ضم العبادة إلى العبادة إذا
كان شرطا وجبت النية فيه كالجمع بين الصلاتين والثالث تكفي نية التتابع في الليلة الأولى
ولنا أنه تتابع واجب في العبادة فلم يفتقر إلى نية كالمتابعة بين الركعات، ويفارق الجمع بين
الصلاتين فإن ذلك رخصة فافتقر إلى نية الترخص وما ذكروه ينتقض بالمتابعة بين الركعات، وأجمع
594

أهل العلم على أن الصائمة متتابعا إذا حاضت قبل اتمامه تقضي إذا طهرت وتبني ذلك لأن الحيض
لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس وفيه تغرير بالصوم لأنها ربما ماتت قبله والنفاس
كالحيض في أنه لا يقطع التتابع في أحد الوجهين لأنه بمنزلته في أحكامه ولان الفطر لا يحصل فيهما بفعلهما
وإنما ذلك الزمان كزمان الليل في حقهما (والوجه الثاني) أن النفاس يقطع التتابع لأنه فطر أمكن التحرز
منه لا يتكرر كل عام فقطع التتابع كالفطر لغير عذر ولا يصح قياسه على الحيض، لأنه أندر منه ويمكن
التحرز عنه وان أفطر لمرض مخوف لم ينقطع التتابع أيضا، وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال ابن
المسيب والحسن وعطاء والشعبي وطاوس ومجاهد ومالك وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر
والشافعي في القديم، وقال في الجديد ينقطع التتابع وهذا قول سعيد بن جبير والنخعي والحكم والثوري
وأصحاب الرأي، لأنه أفطر فعله فلزمه الاستئناف كما لو أفطر لسفر
ولنا أنه أفطر لسبب لا صنع له فيه فلم يقطع التتابع كافطار المرأة للحيض وما ذكروه من الأصل
ممنوع وإن كان المرض غير مخوف لكنه يبيح الفطر فقال أبو الخطاب فيه وجهان (أحدهما) لا يقطع
595

التتابع لأنه مرض أباح الفطر أشبه المخوف (والثاني) يقطع التتابع لأنه أفطر اختيارا فانقطع التتابع كما
لو أفطر لغير عذر، فأما الحامل والمرضع فإن أفطرتا خوفا على أنفسهما فهما كالمريض، وان أفطرتا
خوفا على ولديهما ففيهما وجهان (أحدهما) لا ينقطع التتابع اختاره أبو الخطاب لأنه فطر أبيح لهما
بسبب لا يتعلق باختيارهما فلم ينقطع التتابع كما لو أفطرتا خوفا على أنفسهما (والثاني) ينقطع لأن
الخوف على غيرهما ولذلك يلزمها الفدية مع القضاء، وان أفطر لجنون أو أغماء لم ينقطع التتابع
لأنه عذر لا صنع له فيه فهو كالحيض
(فصل) وان أفطر لسفر مبيح للفطر فكلام أحمد يحتمل الامرين وأظهرهما أنه لا يقطع التتابع
فإنه قال في رواية الأثرم: كان السفر غير المرض وما ينبغي أن يكون أوكد من رمضان، وظاهر هذا
انه لا يقطع التتابع وهذا قول الحسن، ويحتمل أن ينقطع به التتابع وهو قول مالك وأصحاب الرأي،
واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال فيه قولان كالمرض ومنهم من يقول ينقطع التتابع وجها واحدا
لأن السفر يحصل باختياره فقطع التتابع كما لو أفطر لغير عذر
ووجه الأول انه فطر لعذر مبيح للفطر فلم ينقطع به التتابع كافطار المرأة بالحيض، وفارق الفطر
لغير عذر فإنه لا يباح، وان أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد
596

غابت ولم تغب أفطر، ويتخرج في انقطاع التتابع وجهان (أحدهما) لا ينقطع لأنه فطر لعذر (والثاني)
يقطع التتابع لأنه بفعل أخطأ فيه فأشبه ما لو ظن أنه قد أتم الشهرين فبان خلافه، وان أفطر ناسيا
لوجوب التتابع أو جاهلا به أو ظنا منه أنه قد أتم الشهرين انقطع التتابع لأنه أفطر لجهله فقطع التتابع كما
لو ظن أن الواجب شهر واحد، وان أكره على الاكل أو الشرب بأن أوجر الطعام أو الشراب لم
يفطر وان أكل خوفا فقال القاضي لا يفطر ولم يذكر غير ذلك وفيه وجه آخر انه يفطر، فعلى ذلك هل
يقطع التتابع؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقطعه لأنه عذر مبيح للفطر فأشبه المرض (والثاني) ينقطع التتابع
وهو مذهب الشافعي لأنه أفطر بفعله لعذر نادر
(فصل) وان أفطر في أثناء الشهرين لغير عذر أو قطع التتابع بصوم نذر أو قضاء أو تطوع أو
كفارة أخرى لزمه استئناف الشهرين لأنه أخل بالتتابع المشروط ويقع صومه عما نواه لأن هذا الزمان
ليس بمستحق متعين للكفارة ولهذا يجوز صومها في غيره بخلاف شهر رمضان فإنه متعين لا يصلح لغيره،
وإذا كان عليه صوم نذر غير معين أخره إلى فراغه من الكفارة وإن كان متعينا في وقت بعينه أخر
الكفارة عنه أو قدمها عليه ان أمكن، وإن كان أياما من كل شهر كيوم الخميس أو أيام البيض قدم الكفارة
597

عليه وقضاه بعدها لأنه لو وفى بنذره لانقطع التتابع ولزمه الاستئناف فيفضي إلى أن لا يتمكن من
التكفير والنذر يمكن قضاؤه فيكون هذا عذرا في تأخيره كالمرض
(مسألة) قال (وان أصابها في ليالي الصوم أفسد ما مضى من صيامه وابتدأ الشهرين)
وبهذا قال مالك والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي لأن الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين
من قبل ان يتماسا) فأمر بهما خاليين عن وطئ ولم يأت بهما على ما أمر فلم يجزئه كما لو وطئ نهارا
ولأنه تحريم للوطئ لا يختص النهار فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف، وروى الأثرم عن أحمد ان
التتابع لا ينقطع بهذا ويبنى وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر لأنه وطئ لا يبطل الصوم فلا
يوجب الاستئناف كوطئ غيرها، ولان التتابع في الصيام عبارة عن اتباع صوم يوم للذي قبله من غير
فارق وهذا متحقق وان وطئ ليلا، وارتكاب النهي في الوطئ قبل اتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط
لا يمنع صحته وإجزاءه كما لو وطئ قبل الشهرين أو وطئ ليلة أول الشهرين وأصبح صائما والاتيان
بالصيام قبل التماس في حق هذا لا سبيل إليه سواء بنى أو استأنف
وان وطئها أو وطئ غيرها في نهار الشهرين عامدا أفطر وانقطع التتابع اجماعا إذا كان غير
598

معذور، وان وطئها أو وطئ غيرها نهارا ناسيا أفطر وانقطع التتابع في إحدى الروايتين لأن الوطئ
لا يعذر فيه بالنسيان، وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يفطر ولا ينقطع التتابع وهو قول الشافعي وأبي ثور
وابن المنذر لأنه فعل المفطر ناسيا أشبه ما لو أكل ناسيا وان أبيح له الفطر لعذر فوطئ غيرها نهارا لم
ينقطع التتابع لأن الوطئ لا اثر له في قطع التتابع وان وطئها كان كوطئها ليلا هل ينقطع التتابع؟ على
وجهين، وان وطئ غيرها ليلا لم ينقطع التتابع لأن ذلك ليس بمحرم عليه وهو مخل باتباع الصوم
الصوم فلم ينقطع التتابع كالأكل ليلا، وليس في هذا اختلاف نعلمه، وان لمس المظاهر منها أو باشرها
دون الفرج على وجه يفطر به قطع التتابع لاخلاله بموالاة الصيام والا فلا ينقطع والله أعلم
(مسألة) قال (فإن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا)
أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام أن فرضه إطعام ستين
مسكينا على ما أمر الله تعالى في كتابه وجاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم سواء عجز عن الصيام لكبر أو
مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو الزيادة فيه أو الشق فلا يصبر فيه عن الجماع فإن أوس بن الصامت
599

لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصيام قالت امرأته يا رسول الله انه شيخ كبير ما به من صيام، قال (فليطعم
ستين مسكينا)، ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال (وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟)
قال (فأطعم) فنقله إلى الاطعام لما أخبره أن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام وقسنا على
هذين ما يشبههما في معناهما، ويجوز أن ينتقل إلى الاطعام إذا عجز عن الصيام للمرض وإن كان
مرجو الزوال لدخوله في قوله سبحانه وتعالى (فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) ولأنه لا يعلم أن له
نهاية فأشبه الشبق ولا يجوز أن ينتقل لأجل السفر لأن السفر لا يعجزه عن الصيام، وله نهاية ينتهي
إليها وهو من أفعاله الاختيارية، والواجب في الاطعام اطعام ستين مسكينا لا يجزئه أقل من ذلك
وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لو أطعم مسكينا واحدا في ستين يوما أجزاه، وحكاه القاضي أبو
الحسين رواية عن أحمد، لأن هذا المسكين لم يستوف قوت يومه من هذه الكفارة، فجاز أن
يعطى منها كاليوم الأول.
ولنا قول الله تعالى (فاطعام ستين مسكينا) وهذا لم يطعم إلا واحدا فلم يمتثل الامر ولأنه
لم يطعم ستين مسكينا، فلم يجزئه كما لو دفعها إليه في يوم واحد ولأنه لو جاز الدفع إليه في أيام لجاز في يوم
600

واحد كالزكاة وصدقة الفطر يحقق هذا، وان الله تعالى أمر بعدد المساكين لا بعدد الأيام، وقائل
هذا يعتبر عدد الأيام دون عدد المساكين والمعنى في اليوم الأول أنه لم يستوف حقه من هذه الكفارة
وفي اليوم الثاني قد استوفى حقه منها وأخذ منها قوت يوم فلم يجز أن يدفع إليه في اليوم الثاني كما لو أوصى
انسان بشئ لستين مسكينا.
(مسألة) قال (لكل مسكين مد من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير)
وجملة الامر أن قدر الطعام في الكفارات كلها مد من بر لكل مسكين أو نصف صاع من تمر
أو شعير، وممن قال مدبر زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر، حكاه عنهم الإمام أحمد ورواه عنهم
الأثرم وعن عطاء وسليمان بن موسى وقال سليمان بن يسار أدركت الناس إذا أعطوا في الكفارة اليمين
مدا من حنطة بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو هريرة يطعم مدا من أي الأنواع كان وبهذا
قال عطاء والأوزاعي والشافعي لما روى أبو داود باسناده عن عطاء عن أوس بن أخي عبادة بن الصامت
601

أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه يعني المظاهر خمسة عشر صاعا من شعير اطعام ستين مسكينا، وروى الأثرم
باسناده عن أبي هريرة في حديث المجامع في رمضان أن النبي صلى الله عليه وسلم أني بعرق فيه خمسة عشر صاعا
فقال خذه وتصدق به وإذا ثبت في المجامع بالخبر ثبت في المظاهر بالقياس عليه ولأنه اطعام واجب
فلم يختلف باختلاف أنواع المخرج كالفطرة وفدية الأذى، وقال مالك لكل مسكين مدان من
جميع الأنواع وممن قال مدان من قمح مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي لأنها كفارة تشتمل على صيام
واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع كفدية الأذى، وقال الثوري وأصحاب الرأي من القمح
مدان ومن الثمر والشعير صاع لكل مسكين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن صخر (فأطعم
وسقا من تمر) رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود وغيرهما وروى الخلال باسناده عن يوسف بن
عبد الله بن سلام عن خويلة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر) وفي
رواية أبي داود والعرق ستون صاعا وروى ابن ماجة باسناده عن ابن عباس قال كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بصاع من تمر وأمر الناس (فمن لم يجد فنصف صاع من بر) وروى الأثرم بأسناده عن عمر رضي الله
عنه قال أطعم عني صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من بر ولأنه اطعام للمساكين فكان صاعا
من التمر والشعير أو نصف صاع من بر كصدقة القطر
602

ولنا ما روى الإمام أحمد ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن أبي يزيد المدني قال جاءت امرأة من بني
بياضة بنصف وسق شعير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر (أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مدبر)،
وهذا نص ويدل على أنه مدبر أنه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ولم نعرف لهم في الصحابة
مخالفا فكان اجماعا وعلى أنه نصف صاع من التمر والشعير ما روى عطاء بن يسار أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لخولة امرأة أوس بن الصامت (اذهبي إلى فلان الأنصاري فإن عنده شطر وسق من
تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به فلتأخذيه فليتصدق به على ستين مسكينا) وفي حديث أوس بن
الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اني سأعينه بعرق من تمر) قلت يا رسول الله فاني سأعينه بعرق آخر
قال (قد أحسنت اذهبي فاطعمي بها عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك) وروي أبو داود باسناده
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعا فعرقان يكونان ثلاثين صاعا
لكل مسكين نصف صاع ولأنها كفارة تشتمل على صيام واطعام فكان لكل مسكين نصف صاع من
التمر والشعير كفدية الأذى فأما رواية أبي داود أن العرق ستون صاعا فقد ضعفها وقال غيرها أصح منها
وفي الحديث ما يدل على الضعف لأن ذلك في سياق قوله (اني سأعينه بعرق فقالت امرأته إني سأعينه بعرق آخر
603

قال (فاطعمي بها عنه ستين مسكينا) فلو كان العرق ستين صاعا لكانت الكفارة مائة وعشرين صاعا
ولا قائل به.
وأما حديث المجامع الذي أعطاه خمسة عشر صاعا فقال تصدق به فيحتمل أنه اقتصر عليه إذا لم يجد
سواه ولذلك لما أخبره بحاجته إليه أمره بأكله. وفي الحديث المتفق عليه قريب من عشرين صاعا
وليس ذلك مذهبا لأحمد فيدل على أنه اقتصر على البعض الذي لم يجد سواه وحديث أوس بن أخي
عبادة مرسل يرويه عنه عطاء ولم يدركه على أنه حجة لنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عرقا وأعانته امرأته
بآخر فصارا جميعا ثلاثين صاعا وسائر الأخبار تجمع بينهما وبين أخبارنا بحملها على الجواز وأخبرنا
على الاجزاء وقد عضد هذا ان ابن عباس راوي بعضها ومذهبه أن المد من البر يجزئ وكذلك أبو
هريرة وسائر ما ذكرنا من الاخبار مع الاجماع الذي نقله سليمان بن يسار والله أعلم
(فصل) وبقي الكلام في الاطعام في أمور ثلاث: كيفيته، وجنس الطعام، ومستحقه. فأما
كيفيته فظاهر المذهب أن الواجب تمليك كل انسان من المساكين القدر الواجب له من الكفارة ولو
غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه سواء فعل ذلك بالقدر الواجب أو أقل أو أكثر ولو غدى كل واحد
604

بمد لم يجزئه إلا أن يملكه إياه وهذا مذهب الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أنه يجزئه إذا أطعمهم
القدر الواجب لهم وهو قول النخعي وأبي حنيفة وأطعم أنس في فدية الصيام، قال أحمد أطعم شيئا
كثيرا وصنع الجفان، وذكر حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وذلك لقول الله تعالى (فاطعام
ستين مسكينا) وهذا قد أطعمهم فينبغي أن يجزئه ولأنه أطعم المساكين فاجزأه كما لو ملكهم
ولنا أن المنقول عن الصحابة اعطاؤهم ففي قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة مد لكل
فقير، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب في فدية الأذى (أطعم ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين) ولأنه مال
وجب للفقراء شرعا فوجب تمليكهم إياه كالزكاة فإن قلنا يجزئ اشترط أن يغديهم بستين مدا فصاعدا
ليكون قد أطعمهم قدر الواجب، وإن قلنا لا يجزئه أن يغديهم فقدم إليهم ستين مدا وقال هذا بينكم
بالسوية فقبلوه أجزأ لأنه ملكهم التصرف فيه والانتفاع قبل القسمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي
وقال أبو عبد الله بن حامد يجزئه وإن لم يقل بالسوية لأن قوله خذوها عن كفارتي يقتضي التسوية
لأن ذلك حكمها، وقال القاضي ان علم أنه وصل إلى كل واحد قدر حقه أجزأ وان لم يعلم لم يجزئه
605

لأن الأصل شغل ذمته ما لم يعلم وصول الحق إلى مستحقه ووجه الأول أنه دفع الحق إلى مستحقه مشاعا
فقبلوه فبرئ منه كديون غرمائه
(فصل) ولا يجب التتابع في الاطعام نص عليه أحمد في رواية الأثرم، وقيل له تكون عليه كفارة
يمين فيطعم اليوم واحدا وآخر بعد أيام وآخر بعد حتى يستكمل عشرة؟ فلم ير بذلك بأسا وذلك لأن
الله تعالى لم يشترط التتابع فيه، ولو وطئ في أثناء الاطعام لم تلزمه إعادة ما مضى منه، وبه قال أبو
حنيفة والشافعي وقال مالك يستأنف لأنه وطئ في أثناء كفارة الظهار فوجب الاستئناف كالصيام
ولنا أنه وطئ في أثناء ما لا يشترط التتابع فيه فلم يوجب الاستئناف كوطئ غير المظاهر منها أو
كالوطئ في كفارة اليمين وبهذا فارق الصيام
(مسألة) قال (ولو أعطى مسكينا مدين من كفارتين في يوم واحد أجزأ في
إحدى الروايتين)
وهذا مذهب الشافعي لأنه دفع القدر الواجب إلى العدد الواجب فأجزأ كما لو دفع إليه المدين في
606

يومين (والأخرى) لا يجزئه وهو قول أبي حنيفة لأنه استوفى قوت يوم من كفارة فلم يجزئه الدفع
إليه ثانيا في يومه كما لو دفعهما إليه من كفارة واحدة فعلى هذه الرواية يجزئه عن إحدى الكفارتين
وهل له الرجوع في الأخرى؟ ينظر فإذا كان أعلمه أنها عن كفارة فله الرجوع والا فلا ويتخرج أن لا يرجع
بشئ على ما ذكرناه في الزكاة والرواية الأولى أقيس وأصح فإن اعتبار عدد المساكين أولى من اعتبار
عدد الأيام ولو دفع إليه ذلك في يومين أجزأ، ولأنه لو كان الدافع اثنين أجزأ عنهما فكذلك إذا كان
الدافع واحدا ولو دفع ستين مدا إلى ثلاثين فقيرا من كفارة واحدة أجزأ من ذلك ثلاثون يطعم
ثلاثين آخرين، وإن دفع الستين من كفارتين أجزأه ذلك على إحدى الروايتين ولا يجزئ في
الأخرى الا عن ثلاثين
(الأمر الثاني) أن المجزئ في الاطعام ما يجزئ في الفطرة وهو البر والشعير والتمر والزبيب سواء
كانت قوته أو لم تكن وما عداها فقال القاضي لا يجرئ اخراجه سواء كان قوت بلده أو لم يكن لأن
الخبر ورد باخراج هذه الأصناف على ما جاء في الأحاديث التي رويناها، ولأنه الجنس المخرج في الفطرة
607

فلم يجزئ غيره كما لو لم يكن قوت بلده، وقال أبو الخطاب عندي أنه يجزئه الاخراج من جميع الحبوب
التي هي قوت بلده كالذرة والدخن والأرز لأن الله تعالى قال (من أوسط ما تطعمون أهليكم) وهذا
ما يطعمه أهله فوجب أن يجزئه بظاهر النص وهذا مذهب الشافعي فإن أخرج غير قوت بلده أجود
منه فقد زاد خيرا، وإن كان أنقص لم يجزئه وهذا أجود
(فصل) والأفضل عند أبي عبد الله إخراج الحب لأنه يخرج به من الحلاف وهي حالة كما له لأنه
يدخر فيها ويتهيأ لمنافعه كلها بخلاف غيره فإن أخرج دقيقا جاز لكن يزيد على قدر المد قدرا يبلغ المد
حيا أو يخرجه بالوزن لأن للحب ريعا فيكون في مكيال الحب أكثر مما في مكيال الدقيق
قال الأثرم قيل لأبي عبد الله فيعطي البر والدقيق؟ فقال اما لذي جاء فالبر ولكن ان أعطاهم
الدقيق بالوزن جاز، وقال الشافعي: لا يجزئ لأنه ليس بحال الكمال لأجل ما يفوت به من وجوه
الانتفاع فلم يجز كالهريسة
ولنا قول الله تعالى (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) والدقيق
من أوسط ما يطعمه أهله ولان الدقيق أجزاء الحنطة وقد كفاهم مؤنته وطحنه وهيأه وقربه من الاكل
608

وفارق الهريسة فإنها تتلف على قرب ولا يمكن الانتفاع بها في غير الاكل في تلك الحال بخلاف مسئلتنا
وعن أحمد في إخراج الخبز روايتان (إحداهما) يجزي اختارها الخرقي ونص عليه أحمد في رواية
الأثرم فإنه قال قلت لأبي عبد الله رجل أخذ ثلاثة عشر رطلا وثلثا دقيقا وهو كفارة اليمين فخبزه
للمساكين وقسم الخبز على عشرة مساكين أيجزئه ذلك؟ قال ذلك أعجب إلي وهو الذي جاء فيه الحديث
أن يطعمهم مدبر وهذا ان فعل فأرجو أن يجزئه قلت إنما قال الله (فاطعام عشرة مساكين) فهذا
قد أطعم عشرة مساكين وأوفاهم المد، قال أرجو أن يجزئه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، ونقل
الأثرم في موضع آخر ان احمد سأله رجل عن الكفارة قال أطعمهم خبزا وتمرا قال ليس فيه تمر قال
فخبز؟ قال لا ولكن برا أو دقيقا بالوزن رطل وثلث لكل مسكين، فظاهر هذا انه لا يجزئه وهو مذهب
الشافعي لأنه خرج عن حالة الكمال والادخار فأشبه الهريسة، والأول أحسن لأن الله تعالى قال
(فاطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) وهذا من أوسط ما يطعم أهله وليس الادخار
مقصودا في الكفارة فإنها مقدرة بما يقوت المسكين في يومه فيدل ذلك على أن المقصود كفايته في يومه
وهذا قد هيأه للاكل المعتاد للاقتيات وكفاهم مؤنته فأشبه ما لو نقى الحنطة وغسلها
وأما الهريسة والكبولا ونحوهما فلا يجزئ لأنهما خرجا عن الاقتيات المعتاد إلى حيز الادام،
وأما السويق فالصحيح انه لا يجزئ لذلك، ويحتمل أن يجزئ لأنه يقتات في بعض البلدان ولا
يجزئه من الخنز والسويق أقل من شئ يعمل من مد فإن اخذ مد حنطه أو رطلا وثلثا من الدقيق وصنعه
خبزا أجزأه، وقال الخرقي يجزئه رطلان
609

قال القاضي المد يجئ منه رطلان وذلك لأن الغالب ان رطلين من الخبز لا تكون الا من مد
وذلك بالرطل الدمشقي خمس أواق وأقل من خمس أوقية وهذا في البر، فأما إن كان المخرج من الشعير
فلا يجزئه الا ضعف ذلك على ما قررناه
(فصل) ولا تجزئ القيمة في الكفارة نقلها الميموني والأثرم وهو مذهب الشافعي وخرج بعض
أصحابنا من كلام احمد رواية أخرى انه يجزئه وهو ما روى الأثرم أن رجلا سأل احمد قال أعطيت
في كفارة خمسة دوانيق فقال: لو استشرتني قبل ان تعطي لم أشر عليك ولكن اعط على ما بقي من
الأثمان على ما قلت لك وسكت عن الذي اعطى، وهذا ليس برواية وإنما سكت عن الذي اعطى
لأنه مختلف فيه فلم ير التضييق عليه فيه
(الأمر الثالث) ان مستحقي الكفارة هم المساكين الذين يعطون من الزكاة لقول الله تعالى
(فاطعام ستين مسكينا) والفقراء يدخلون فيهم لأن فيهم المسكنة وزيادة ولا خلاف في هذا، فأما
الأغنياء فلا حق لهم في الكفارة سواء كانوا من أصناف الزكاة كالغزاة والمؤلفة أو لم يكونوا لأن الله
تعالى خص بها المساكين، واختلف أصحابنا في المكاتب فقال القاضي في المجرد وأبو الخطاب في
الهداية: لا يجوز دفعها إليه وهو مذهب الشافعي، وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في مسائلهما يجوز
الدفع إليه وهو مذهب أبي حنيفة وأبي ثور لأنه يأخذ من الزكاة لحاجته فأشبه المسكين
610

ووجه الأول أن الله تعالى خص بها المساكين، والمكاتبون صنف آخر لم يجز الدفع إليهم كالغزاة المؤلفة ولان
الكفارة قدرت بقوت يوم لكل مسكين وصرفت إلى من يحتاج إليها للاقتيات، والمكاتب لا يأخذ لذلك فلا
يكون في معنى المسكين، ويفارق لزكاة فإن الأغنياء يأخذون منها وهم الغزاة والعاملون عليها والمؤلفة والغارمون،
ولأنه غني بكسبه أو بسيده فأشبه العامل، ولا خلاف بينهم في أنه لا يجوز دفعها إلى عبد لأن نفقته واجبة
على سيده وليس هو من أصناف الزكاة، ولا إلى أم ولد لأنها أمة نفقتها على سيدها وكسبها له، ولا إلى
من تلزمه نفقته وقد ذكرنا ذلك في الزكاة، وفي دفعها إلى الزوج وجهان بناء على دفع الزكاة إليه
ولا يجوز دفعها إلى كافر وبهذا قال الشافعي وخرج أبو الخطاب وجها في إعطائهم بناء على الرواية في إعتاقهم
وهو قول أبي ثور وأصحاب الرأي لأن الله تعالى قال (فاطعام عشرة مساكين) وأطلق فيدخلون في الاطلاق
ولنا أنه كافر فلم يجز الدفع إليه كمساكين أهل الحرب وقد سلمه أصحاب الرأي والآية مخصوصة
بأهل الحرب فقيس عليهم سائر الكفار، ويجوز صرفها إلى الصغير والكبير إن كان ممن يأكل الطعام وإذا
أراد صرفه إلى الصغير فإنه يدفعه إلى وليه يقبض له فإن الصغير لا يصح منه القبض، فأما من لا يأكل
الطعام فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز الدفع إليه لأنه لا يأكله فيكون بمنزلة دفع القيمة. وقال أبو الخطاب
يجزئ لأنه مسكين يدفع إليه من الزكاة فأشبه الكبير، وإذا قلنا يجوز الدفع إلى المكاتب جاز للسيد
الدفع من كفارته إلى مكاتبه لأنه يجوز أن يدفع إليه من زكاته
(فصل) ويجوز دفع الكفارة إلى من ظاهره الفقر فإن بان غنيا فهل تجزئه؟ فيه وجهان بناء على
الروايتين في الزكاة، وإن بان كافرا أو عبدا لم يجزئه وجها واحدا
611

(مسألة) قال (ومن ابتدأ صوم الظهار من أول شعبان أفطر يوم الفطر وبنى وكذلك أن
ابتدأ من أول ذي الحجة أفطر يوم النحر وأيام التشريق وبنى على ما مضى من صيامه)
وجملة ذلك أنه إذا تخلل صوم الظهار زمان لا يصح صومه عن الكفارة مثل أن يبتدئ الصوم من
أول شعبان فيتخلله رمضان ويوم الفطر أو يبتدئ من ذي الحجة فيتخلله يوم النحر وأيام التشريق فإن التتابع
لا ينقطع بهذا وينبنى على ما مضى من صيامه، وقال الشافعي ينقطع التتابع ويلزمه الاستئناف لأنه أفطر في أثناء
الشهرين بما كان يمكنه التحرز منه فأشبه إذا أفطر بغير ذلك أو صام عن نذر أو كفارة أخرى.
ولنا أنه زمن منعه الشرع عن صومه في الكفارة فلم يقطع التتابع كالحيض والنفاس، فإن قال والحيض والنفاس
غير ممكن التحرز منه قلنا قد يمكن التحرز من النفاس بأن لا تبتدي الصوم في حال الحمل ومن الحيض إذا كان
طهرها يزيد على الشهرين بأن تبتدئ الصوم عقيب طهرها من الحيضة ومع هذا فإنه لا ينقطع التتابع به ولا يجوز
للمأموم مفارقة إمامه لغير عذر ويجوز أن يدخل معه المسبوق في أثناء الصلاة مع علمه بلزوم مفارقته
قبل اتمامها، ويتخرج في أيام التشريق رواية أخرى أنه يصومها عن الكفارة ولا يفطر الا يوم النحر
وحده، فعلى هذا ان أفطرها استأنف لأنها أيام أمكنه صيامها في الكفارة ففطرها يقطع التتابع كغيرها
إذا ثبت هذا فإنه إن ابتدأ الصوم من أول شعبان أجزأه صوم شعبان عن شهر ناقصا كان أو تاما.
وأما شوال فلا يجوز أن يبدأ به من أوله لأن أوله يوم الفطر وصومه حرام فيشرع في صومه من اليوم
الثاني ويتمم شهرا بالعدد ثلاثين يوما، وإن بدأ من أول ذي الحجة إلى آخر المحرم قضى أربعة أيام
وأجزأه لأنه بدأ بالشهرين من أولهما، ولو ابتدأ صوم الشهرين من يوم الفطر لم يصح صوم يوم الفطر
612

وصح صوم بقية الشهر وصوم ذي القعدة ويحتسب له بذي القعدة ناقصا كان أو تاما لأنه بدأه من أوله
وأما شوال فإن كان تاما صام يوما من ذي الحجة مكان يوم الفطر وأجزأه، وإن كان ناقصا صام من
ذي الحجة يومين لأنه لم يبدأه من أوله، وان بدأ بالصيام من أول أيام التشريق وقلنا يصح صومها
عن الفرض فإنه يحتسب له بالمحرم ويكمل صوم ذي الحجة بتمام ثلاثين يوما من صفر، وان قلنا لا يصح
صومها عن الفرض صام مكانها من صفر
(فصل) ويجوز أن يبتدي صوم الشهرين من أول شهر ومن أثنائه لا نعلم في هذا خلافا لأن
الشهر اسم لما بين الهلالين ولثلاثين يوما فأيهما صام فقد أدى الواجب، فإن بدأ من أول شهر فصام
شهرين بالأهلة أجزأه ذلك تامين كانا أو ناقصين اجماعا وبهذا قال الثوري وأهل العراق ومالك في
أهل الحجاز والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وغيرهم لأن الله تعالى قال (فصيام شهرين متتابعين) وهذان
613

شهران متتابعان، وان بدأ من أثناء شهر فصام ستين يوما أجزأه بغير خلاف أيضا. قال ابن المنذر
أجمع على هذا من نحفظ عنه من أهل العلم، فأما ان صام شهرا بالهلال وشهرا بالعدد فصام خمسة عشر
يوما من المحرم وصفر جميعه وخمسة عشر يوما من ربيع فإنه يجزئه سواء كان صفر تاما أو ناقصا لأن الأصل
اعتبار الشهود بالأهلة لكن تركناه في الشهر الذي بدأ من وسطه لتعذره ففي الشهر الذي أمكن اعتباره
يجب أن يعتبر وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي ويتوجه أن يقال لا يجزئه الا شهران بالعدد لأننا
614

لما ضممنا إلى الخمسة عشر من المحرم خمسة عشر من صفر فصار ذلك شهرا صار ابتداء صوم الشهر
الثاني من أثناء شهر أيضا وهذا قول الزهري
(فصل) فإن نوى صوم شهر رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن رمضان ولا عن الكفارة وانقطع التتابع
حاضرا كان أو مسافرا لأنه تخلل صوم الكفارة فطر غير مشروع، وقال مجاهد وطاوس يجزئه عنهما وقال
أبو حنيفة إن كان حاضرا أجزأه عن رمضان دون الكفارة لأن تعيين النية غير مشترط لرمضان وإن كان
في سفر أجزأه عن الكفارة دون رمضان، وقال صاحباه يجزئ عن رمضان دون الكفارة سفرا وحضرا
ولنا أن رمضان متعين لصومه محرم صومه عن غيره فلم يجزئه عن غيره كيومي العيدين ولا يجزئ
عن رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى) وهذا ما نوى رمضان
فلا يجزئه ولا فرق بين الحضر والسفر، لأن الزمان متعين وإنما جاز فطره في السفر رخصة فإذا تكلف
وصام رجع إلى الأصل فإن سافر في رمضان المتخلل لصوم الكفارة وأفطر لم ينقطع التتابع لأنه زمن
لا يستحق صومه عن الكفارة فلم ينقطع التتابع بفطره كالليل
(مسألة) قال (وإذا كان المظاهر عبدا لم يكفر الا بالصيام وإذا صام فلا يجزئه الا شهران متتابعان)
قد ذكرنا ان ظهار العبد صحيح وكفارته بالصيام لأن الله تعالى قال (فمن لم يجد فصيام شهرين
615

متتابعين) والعبد لا يستطيع الاعتاق فهو كالحر المعسر وأسوأ منه حالا وظاهر كلام الخرقي انه لا يجزئه
غير الصيام سواء أذن له سيده في التكفير بالعتق أو لم يأذن وحكي هذا عن الحسن وأبي حنيفة والشافعي
وعن أحمد رواية أخرى إن أذن له سيده في التكفير بالمال جاز وهو مذهب الأوزاعي وأبي ثور لأنه
باذن سيده يصير قادرا على التكفير بالمال فجاز له ذلك كالحر وعلى هذه الرواية يجوز له التكفير بالاطعام
عند العجز عن الصيام وهل له العتق؟ على روايتين (إحداهما) لا يجوز وحكي هذا عن مالك وقال أرجو
أن يجزئه الاطعام وأنكر ذلك ابن القاسم صاحبه وقال لا يجزئه الا الصيام وذلك لأن العتق يقتضي
الولاء والولاية والإرث وليس ذلك للعبد
(والرواية الثانية) له العتق وهو قول الأوزاعي واختارها أبو بكر لأن من صح تكفيره
بالاطعام صح بالعتق ولا يمتنع صحة العتق مع انتفاء الإرث كما لو أعتق من يخالفه في دينه ولان
المقصود بالعتق اسقاط الملكية عن العبد وتمليكه نفع نفسه وخلوصه من ضرر الرق وما يحصل من
توابع ذلك ليس هو المقصود فلا يمنع من صحته ما يحصل منه المقصود لامتناع بعض توابعه
ووجه الأولى ان العبد مال لا يملك المال فيقع تكفيره بالمال بمال غيره فلم يجزئه كما لو أعتق
عبد غيره عن كفارته، وعلى كلتا الروايتين لا يلزمه التكفير بالمال وان أذن له سيده فيه لأن فرضه
الصيام فلم يلزمه غيره كما لو اذن موسر لحر معسر في التكفير من ماله وإن كان عاجزا عن الصيام فأذن
616

له سيده في التكفير بما شاء من العتق والاطعام فإن له التكفير بالاطعام لأن من لا يلزمه الاعتاق مع
قدرته على الصيام لا يلزمه مع عجزه عنه كالحر المعسر، ولان عليه ضررا في التزام المنة الكبيرة في قبول
الرقبة ولا يلزم مثل ذلك في الطعام لقلة المنة فيه، وهذا فيما إذا أذن له سيده في التكفير قبل العود فإن
عاد وجبت الكفارة في ذمته ثم أذن له سيده في التكفير انبنى مع ذلك على أصل آخر وهو أن التكفير
هل هو معتبر بحالة الوجوب أو بأغلظ الأحوال؟ وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى، وعلى كل حال فإذا صام
لا يجزئه إلا شهران متتابعان لدخوله في عموم قوله تعالى (فصيام شهرين متتابعين) ولأنه صوم في
كفارة فاستوى فيه الحر والعبد ككفارة اليمين، وبهذا قال الحسن والشعبي والنخعي والزهري والشافعي
وإسحاق ولا نعلم لهم مخالفا إلا ما روي عن عطاء انه لو صام شهرا أجزأه وقال النخعي ثم رجع عنه إلى قول الجماعة
(فصل) والاعتبار في الكفارة بحالة الوجوب في أظهر الروايتين وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه قال
إذا حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق فعليه الصوم لا يجزئه غيره وكذلك قال الأثرم سمعت أبا عبد الله
يسئل عن عبد حلف على يمين فحنث فيها وهو عبد فلم يكفر حتى عتق أيكفر كفارة حر أو كفارة عبد؟
قال يكفر كفارة عبد لأنه إنما يكفر ما وجب عليه يوم حنث لا يوم حلف، قلت له حلف وهو عبد وحنث
وهو حر قال يوم حنث واحتج فقال افترى وهو عبد أي ثم أعتق فإنما يجلد جلد العبد وهو أحد
أقوال الشافعي، فعلى هذه الرواية يعتبر يساره وإعساره حال وجوبها عليه فإن كان موسرا حال
الوجوب استقر وجوب الرقبة عليه فلم يسقط باعساره بعد ذلك، وإن كان معسرا ففرضه الصوم فإذا
أيسر بعد ذلك لم يلزمه الانتقال إلى الرقبة
617

(والرواية الثانية) الاعتبار بأغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين التكفير فمتى وجد رقبة فيما
بين الوجوب إلى حين التكفير لم يجزئه الا الاعتاق وهذا قول ثان للشافعي لأنه حق يجب في الذمة
بوجود مال فاعتبر فيه أغلظ الحالين كالحج، وله قول ثالث ان الاعتبار بحالة الأداء وهو قول
أبي حنيفة ومالك لأنه حق له بدل من غير جنسه فكان الاعتبار فيه بحالة الأداء كالوضوء
ولنا ان الكفارة تجب على وجه الطهرة فكان الاعتبار فيها بحالة الوجوب كالحد أو نقول من
وجب عليه الصيام في الكفارة لم يلزمه غيره كالعبد إذا أعتق ويفارق الوضوء فإنه لو تيمم ثم وجد الماء
بطل تيممه وههنا لو صام ثم قدر على الرقبة لم يبطل صومه وليس الاعتبار في الوضوء بحالة الأداء فإن
أداءه فعله وليس الاعتبار به وإنما الاعتبار بأداء الصلاة وهي غير الوضوء، وأما الحج فهو عبادة العمر
وجميعه وقت لها فمتى قدر عليه في جزء من وقته وجب بخلاف مسئلتنا ثم يبطل ما ذكروه بالعبد إذا
أعتق فإنه لا يلزمه الانتقال إلى العتق مع ما ذكروه، فإن قيل العبد لم يكن ممن تجب عليه الرقبة ولا
تجزئه فلما لم تجزئه الزيادة لم تلزمه بتغير الحال بخلاف مسئلتنا قلنا هذا لا اثر له
إذا ثبت هذا فإنه إذا أيسر فأحب أن ينتقل إلى الاعتاق جاز له في ظاهر كلام الخرقي فإنه قال
ومن دخل في الصوم ثم قدر على الهدي لم يكن عليه الخروج الا أن يشاء. وهذا يدل على أنه إذا شاء
فله الانتقال إليه ويجزئه الا أن يكون الحانث عبدا فليس له الا الصوم وان عتق، وهو قول الشافعي
على القول الذي توافقنا فيه وذلك لأن العتق هو الأصل فوجب أن يجزئه كسائر الأصول، فأما ان
استمر به العجز حتى شرع في الصيام لم يلزمه الانتقال إلى العتق بغير خلاف في المذهب وهو مذهب
618

الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وهو أحد قولي الحسن،
وذهب ابن سيرين وعطاء والنخعي والحكم وحماد والثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي إلى أنه يلزمه
العتق لأنه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل فلزمه العود إليه كالمتيمم يجد الماء قبل الصلاة أو في أثنائها
ولنا انه لم يقدر على العتق قبل تلبسه بالصيام فلم يسقط عنه كما لو استمر العجز إلى بعد الفراغ ولا
يشبه الوضوء فإنه لو وجد الماء بعد التيمم بطل وههنا بخلافه ولأنه وجد المبدل بعد الشروع في صوم البدل فلم
يلزمه الانتقال إليه كالمتمتع يجد الهدي بعد الشروع في صيام السبعة
(فصل) إذا قلنا الاعتبار بحالة الوجوب فوقته في الظهار زمن العود لا وقت المظاهرة لأن الكفارة
لا تجب حتى يعود وقته في اليمين زمن الحنث لا وقت اليمين وفي القتل زمن الزهوق لا زمن الحرج وتقديم
الكفارة قبل الوجوب تعجيل لها قيل وجوبها لوجود سببها كتعجيل الزكاة قبل الحول وبعد وجود النصاب
(فصل) فإذا كان المظاهر ذميا فتكفيره بالعتق أو الاطعام لأنه يصح منه في غير الكفارة فصح
منه فيها ولا يجوز بالصيام لأنه عبادة محضة والكافر ليس من أهلها ولأنه لا يصح منه في غير الكفارة
فلا يصح منه فيها، ولا يجزئه في العتق الا عتق رقبة مؤمنة فإن كانت في ملكه أو ورثها أجزأت عنه وان
لم يكن كذلك فلا سبيل له إلى شراء رقبة مؤمنة لأن الكافر لا يصح منه شراء المسلم ويتعين تكفيره
بالاطعام الا أن يقوم لمسلم أعتق عبدك عن كفارتي وعلي ثمنه فيصح في إحدى الروايتين، وان أسلم
الذمي قبل التكفير بالاطعام فحكمه حكم العبد يعتق قبل التكفير بالصيام على ما مضى لأنه في معناه،
وان ظاهر وهو مسلم ثم ارتد فصام في ردته عن كفارته لم يصح وان كفر بعتق أو اطعام فقد أطلق أحمد
619

القول انه لا يجزئه، وقال القاضي المذهب ان ذلك موقوف فإن أسلم تبينا انه أجزأه وان مات أو قتل
تبينا انه لم يصح منه كسائر تصرفاته
(مسألة) قال (ومن وطئ قبل أن يأتي بالكفارة كان عاصيا وعليه الكفارة المذكورة)
قد ذكرنا أن المظاهر يحرم عليه وطئ زوجته قبل التكفير لقول الله تعالى في العتق والصيام
(من قبل أن يتماسا)، فإن وطئ عصي ربه لمخالفة أمره وتستقر الكفارة في ذمته فلا تسقط بعد
ذلك بموت ولا طلاق ولا غيره وتحريم زوجته عليه باق بحاله حتى يكفر، هذا قول أكثر أهل العلم
روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس وجابر بن زيد ومورق العجلي وأبي مجلز والنخعي
وعبد الله بن أذينة ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وروى الخلال عن
الصلت بن دينار قالت: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفر، قالوا: ليس عليه
إلا كفارة واحدة الحسن وابن سيرين وبكر المزني ومورق العجلي وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة
وقتادة وقال وكيع وأظن العاشر نافعا، وحكي عن عمرو بن العاص أن عليه كفارتين وروي ذلك
عن قبيصة وسعيد بن جبير والزهري وقتادة لأن الوطئ يوجب كفارة والظهار موجب للأخرى،
وقال أبو حنيفة لا تثبت الكفارة في ذمته وإنما هي شرط للإباحة بعد الوطئ كما كانت قبله وحكي
عن بعض الناس أن الكفارة تسقط لأنه فات وقتها لكونها وجبت قبل المسيس
ولنا حديث سلمة بن صخر حين ظاهر ثم وطئ قبل التكفير، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة واحدة ولأنه
620

وجد الظهار والعود فيدخل في عموم قوله ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) فأما قولهم فات وقتها فيبطل بما
ذكرناه وبالصلاة وسائر العبادات يجب قضاؤها بعد فوات عتقها
* (مسألة) * قال (وإذا قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أمي لم تكن مظاهرة ولزمتها
كفارة الظهار لأنها قد أتت بالمنكر من القول والزور)
وجملة ذلك أن المرأة إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي أو قالت إن تزوجت فلانا فهو علي
كظهر أبي فليس ذلك بظهار، قال القاضي لا تكون مظاهرة رواية واحدة، وهذا قول أكثر أهل العلم
منهم مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الزهري والأوزاعي هو ظهار وروي
ذلك عن الحسن والنخعي إلا أن النخعي قال إذا قالت ذلك بعد ما تزوج فليس بشئ ولعلهم يحتجون
بأنها أحد الزوجين ظاهر من الآخر فكان مظاهرا كالرجل
ولنا قول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم فخصهم بذلك ولأنه قول يوجب تحريما في
الزوجة يملك الزوج رفعه فاختص به الرجل كالطلاق ولان الحل في المرأة حق للرجل فلم تملك المرأة إزالته
كسائر حقوقه إذا ثبت هذا فاختلف عن أحمد في الكفارة فنقل عنه جماعة عليها كفارة الظهار لما روى
الأثرم باسناده عن إبراهيم أن عائشة بنت طلحة قالت إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر
أبي فسألت أهل المدينة فرأوا أن عليها الكفارة وروى علي بن مسهر عن الشيباني قال كنت جالسا
في المسجد أنا وعبد الله بن مغفل المزني فجاء رجل حتى جلس إلينا فسألته من أنت فقال أنا مولى لعائشة
بنت طلحة التي أعتقتني عن ظهارها خطبها مصعب بن الزبير فقالت هو علي كظهر أبي ان تزوجته
621

ثم رغبت فيه فاستفتت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ كثير فأمروها أن تعتق رقبة وتزوجه
فاعتقتني وتزوجته، وروى سعيد هذين الخبرين مختصرين ولأنها زوج أتى بالمنكر من القول والزور
فلزمه كفارة الظهار كالآخر ولان الواجب كفارة يمين فاستوى فيها الزوجان كاليمين بالله تعالى
(والرواية الثانية) ليس عليها كفارة وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور لأنه قول منكر
وزور وليس بظهار فلم يوجب كفارة كالسب والقذف ولأنه قول ليس بظهار فلم يوجب كفارة الظهار
كسائر الأقوال أو تحريم مما لا يصح منه الظهار فأشبه الظهار من أمته (والرواية الثالثة) عليها كفارة
اليمين، قال أحمد قد ذهب عطاء مذهبا حسنا جعله بمنزلة من حرم على نفسه شيئا مثل الطعام وما
أشبهه وهذا أقيس على مذهب أحمد وأشبه بأصوله لأنه ليس بظهار ومجرد القول من المنكر والزور
لا يوجب كفارة الظهار بدليل سائر الكذب والظهار قبل العود والظهار من أمته وأم ولده ولأنه تحريم
لا يثبت التحريم في المحل فلم يوجب كفارة الظهار كتحريم سائر الحلال ولأنه ظهار من غير امرأته
فأشبه الظهار من أمته وما روي عن عائشة بنت طلحة في عتق الرقبة فيجوز أن يكون اعتاقها تكفيرا
ليمينها فإن عتق الرقبة أحد خصال كفارة اليمين ويتعين حمله على هذا لكون الموجود منها ليس بظهار
وكلام احمد في رواية الأثرم لا يقتضي وجوب كفارة الظهار إنما قال الأحوط ان تكفر وكذا حكاه
ابن المنذر ولا شك في أن الأحوط التكفير بأغلظ الكفارات ليخرج من الخلاف ولكن ليس ذلك
بواجب عليه لأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص وإنما هو تحريم للحلال من غير
ظهار فأشبه ما لو حرم أمته أو طعامه وهذا قول عطاء والله أعلم
(فصل) وإذا قلنا بوجوب الكفارة عليها فلا تجب عليها حتى يطأها وهي مطاوعة فإن طلقها أو مات
أحدهما قبل وطئها أو اكراهها على الوطئ فلا كفارة عليها لأنها يمين فلا تجب كفارتها قبل الحنث فيها
كسائر الايمان ولا يجب تقديمها قبل المسيس ككفارات سائر الايمان ويجوز تقديمها لذلك وعليها تمكين
زوجها من وطئها قبل التكفير لأنه حق له عليها فلا يسقط بيمينها ولأنه ليس بظهار وإنما هو تحريم
622

للحلال فلا يثبت تحريما كما لو حرم طعامه، وحكي ان ظاهر كلام أبي بكر انها لا تمكنه قبل التكفير
الحاقا بالرجل وليس ذلك بجيد لأن الرجل الظهار منه صحيح ولا يصح ظهار المرأة ولان الحل حق
الرجل فملك رفعه والحل حق عليها فلا تملك ازالته والله أعلم
(مسألة) (قال وإذا ظاهر من زوجته مرارا فلم يكفر فكفارة واحد)
هذا ظاهر المذهب سواء كان في مجلس أو مجالس ينوي بذلك التأكيد أو الاستئناف أو اطلق
نقله عن أحمد جماعة واختاره أبو بكر وابن حامد والقاضي وروى ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه
قال عطاء وجابر بن زيد وطاوس والشعبي والزهري ومالك وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وهو
قول الشافعي القديم ونقل عن أحمد فيمن حلف ايمانا كثيرة فإن أراد تأكيد اليمين فكفارة واحدة
فمفهومه ان نوى الاستئناف فكفارتان وبه قال الثوري والشافعي في الجديد وقال أصحاب
الرأي إن كان في مجلس واحد فكفارة واحدة وإن كان في مجالس فكفارات وروي ذلك عن علي وعمرو
ابن دينار وقتادة لأنه قول يوجب تحريم الزوجة فإذا نوى الاستئناف تعلق بكل مرة حكم حالها كالطلاق
ولنا أنه قول لم يؤثر تحريما في الزوجة فلم تجب به كفارة الظهار كاليمين بالله تعالى ولا يخفى أنه لم
يؤثر تحريما فإنها قد حرمت بالقول الأول ولم يزد تحريمها، ولان لفظ يتعلق به كفارة فإذا كرره كفاه
واحدة كاليمين بالله تعالى، وأما الطلاق فما زاد على ثلاث لا يثبت له حكم بالاجماع وبهذا ينتقض ما ذكروه
وأما الثالثة فإنها تثبت تحريما زائدا وهو التحريم قبل زوج وإصابة بخلاف الظهار الثاني فإنه لا يثبت
به تحريم فنظيره ما زاد على الطلقة الثالثة لا يثبت له حكم فكذلك الظهار الثاني، فأما ان كفر عن الأول
ثم ظاهر لزمته للثاني كفارة بلا خلاف لأن الظهار الثاني مثل الأول فإنه حرم الزوجة المحلة فأوجب
الكفارة كالأول بخلاف ما قبل التكفير
(فصل) والنية شرط في صحة الكفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ولان العتق
623

يقع متبرعا به وعن كفارة أخرى أو نذر فلم ينصرف إلى هذه الكفارة الا بنية وصفتها أن ينوي العتق
أو الصيام أو الاطعام عن الكفارة فإن زاد الواجبة كان تأكيدا وإلا أجزأت نيته الكفارة، وان نوى
وجوبها ولم ينو الكفارة لم يجزئه لأن الوجوب يتنوع عن كفارة ونذر فوجب تمييزه وموضع النية مع
التكفير أو قبله بيسير وهذا الذي نص عليه الشافعي، وقال به بعض أصحابه، وقال بعضهم لا يجزئ
حتى يستصحب النية وان كانت الكفارة صياما اشترط نية الصيام عن الكفارة في كل ليلة لقوله عليه
السلام (لا صيام لمن لم يثبت الصيام من الليل) وإن اجتمعت عليه كفارات من جنس واحد لم يجب
تعيين سببها وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا فعلى هذا لو كان مظاهرا من
أربع نساء فأعتق عبدا عن ظهاره أجزأه عن إحداهن وحلت له واحدة غير معينة لأنه واجب من
جنس واحد فأجزأته نية مطلقة كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان وقياس المذهب أن يقرع بينهن
فتخرج بالقرعة المحللة منهن وهذا قول أبي ثور، وقال الشافعي له أن يصرفها إلى أيتهن شاء فتحل وهذا
يقضي إلى أنه يتخير بين كون هذه المرأة محللة له أو محرمة عليه وإن كان الظهار من ثلاث نسوة فأعتق
عبدا عن إحداهن ثم صام شهرين متتابعين عن أخرى ثم مرض فأطعم ستين مسكينا عن أخرى أجزأه
وحل له الجميع من غير قرعة ولا تعيين وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور يقرع بينهن
فمن تقع لها القرعة فالعتق لها ثم يقرع بين الباقيتين فمن تقع لها القرعة فالصيام لها والاطعام عن الثالثة لأن
كل واحدة من هذه الخصال لو انفردت احتاجت إلى قرعة فكذلك إذا اجتمعت
ولنا أن التكفير قد حصل عن الثلاث وزالت حرمة الظهار فلم يحتج إلى قرعة كما لو أعتق ثلاثة
أعبد عن ظهارهن دفعة واحدة، فأما ان كانت الكفارة من أجناس كظهار وقتل وجماع في رمضان
624

ويمين فقال أبو الخطاب لا يفتقر إلى تعيين السبب وهذا مذهب الشافعي لأنها عبادة واجبة فلم تفتقر
صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كانت من جنس واحد، وقال القاضي يحتمل أن يشترط تعيين سببها
ولا تجزئ نية مطلقة، وحكاه أصحاب الشافعي عن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة لأنهما عبادتان من
جنسين فوجب تعيين النية لهما كما لو وجب عليه صوم من قضاء ونذر، فعلى هذا لو كانت عليه كفارة
واحدة لا يعلم سببها فكفر كفارة واحدة أجزأه على الوجه الأول قاله أبو بكر، وعلى الوجه الثاني ينبغي
أن يلزمه التكفير بعدد أسباب الكفارات كل واحدة عن سبب كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها
فإنه يلزمه خمس صلوات، ولو علم أن عليه صوم يوم لا يعلم أمن قضاء هو أو نذر لزمه صوم يومين فإن
كان عليه صوم ثلاثة أيام لا يدري أهي من كفارة يمين أو قضاء أو نذر لزمه صوم تسعة أيام كل ثلاثة
عن واحدة من الجهات الثلاث
(فصل) وإذا كانت على رجل كفارتان فأعتق عنهما عبدين لم يخل من أربعة أحوال (أحدها)
أن يقول أعتقت هذا عن هذه الكفارة وهذا عن هذه فيجزئه اجماعا
(الثاني) أن يقول أعتقت هذا عن إحدى الكفارتين وهذا عن الأخرى من غير تعيين فينظر
فإن كان من جنس واحد ككفارتي ظهار أو كفارتي قتل أجزأه، وإن كانتا من جنسين ككفارة ظهار
625

وكفارة قتل خرج على الوجهين في اشتراط تعيين السبب ان قلنا يشترط لم يجزئه واحد منهما، وان
قلنا لا يشترط أجزأه عنهما
(الثالث) أن يقول أعتقتهما عن الكفارتين فإن كانتا من جنس واحد أجزأ عنهما ويقع كل واحد
عن كفارة ولان عرف الشرع والاستعمال اعتاق الرقبة عن الكفارة فإذا أطلق ذلك وجب حمله عليه
وإن كانتا من جنسين خرج على الوجهين
(الرابع) أن يعتق كل واحد عنهما جميعا فيكون معتقا عن كل واحدة من الكفارتين نصف
العبدين فينبغي ذلك على أصل آخر وهو إذا أعتق نصف رقبتين عن كفارة هل يجزئه أولا؟ فعلى قول
الخرقي يجزئه لأن الأشقاص بمنزلة الاشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير بدليل الزكاة فإن من ملك
نصف ثمانين شاة كان بمنزلة من ملك أربعين ولا تلزم الأضحية فإنه يمنع منه العيب اليسير
وقال أبو بكر وابن حامد لا يجزئه وهو قول مالك وأبي حنيفة لأن ما أمر بصرفه إلى شخص في
الكفارة لم يجز تفريقه على اثنين كالمد في الاطعام ولأصحاب الشافعي كهذين الوجهين ولهم وجه ثالث
وهو أنه إن كان باقيهما حرا أجزأ وإلا فلا لأنه متى كان باقيهما حرا حصل تكميل الأحكام والتصرف،
وخرجه القاضي وجها لنا أيضا الا أن للمعترض عليه أن يقول إن تكميل الأحكام ما حصل بعتق هذا
وإنما حصل بانضمامه إلى عتق النصف الآخر فلم يجزئه فإذا قلنا لا يجزئ عتق النصفين لم يجزئ في
626

هذه المسألة عن شئ من الكفارتين، وان قلنا يجزئ وكانت الكفارتان من جنس أجزأ العتق عنهما
وان كانتا من جنسين فقد قيل يخرج على الوجهين، والصحيح أنه يجزى وجها واحدا لأن عتق النصفين
عنهما كعتق عبدين عنهما
(فصل) ولا يجوز تقديم كفارة الظهار قبله لأن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه فلو قال لعبده
أنت حر الساعة عن ظهاري ان تظهرت عتق ولم يجزئه عن ظهاره ان تظاهر لأنه قدم الكفارة على سببها
المختص فلم يجز كما لو قدم كفارة اليمين عليها أو كفارة القتل على الجرح، ولو قال لامرأته إن دخلت
الدار فأنت علي كظهر أمي لم يجز التكفير قبل دخول الدار لأنه تقديم للكفارة قبل الظهار فإن أعتق
عبدا عن ظهاره ثم دخلت الدار عتق العبد وصار مظاهرا ولم يجزئه لأن الظهار معلق على شرط فلا
يوجد قبل وجود شرطه، وإن قال لعبده إن تظاهرت فأنت حر عن ظهاري ثم قال لامرأته أنت علي
كظهر أمي عتق العبد لوجود الشرط وهل يجزئه عن الظهار؟ فيه وجهان
(أحدهما) يجزئه لأنه عتق بعد الظهار وقد نوى اعتاقه عن الكفارة
(والثاني) لا يجزئه لأن عتقه مستحق بسبب آخر وهو الشرط، ولان النية لم توجد عند العتق
والنية عند التعليق لا تجزئ لأنه تقديم لها على سببها، وإن قال لعبده إن تظاهرت فأنت حر عن ظهاري
فالحكم فيه كذلك لأنه تعليق لعتقه على المظاهرة
(تم بحمد الله وعونه الجزء الثامن..)
627