الكتاب: الفوائد العلية
المؤلف: السيد علي البهبهاني
الجزء: ١
الوفاة: ن١٣٨٠
المجموعة: مصطلحات ومفردات فقهية
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ٤ شعبان المعظم ١٤٠٥
المطبعة: العلمية - قم
الناشر: مكتبة دار العلم - أهواز
ردمك:
ملاحظات:

الفوائد العلية
1

القواعد الكلية
مما يبتنى عليه كثير من معضلات
مسائل الفقه والأصول
تأليف
حضرة العلامة المحقق الفقيه مولانا
الحاج السيد علي البهبهاني
قدس سره
الطبعة الثانية
المطبعة العلمية - قم
3

المؤلف: المحقق الفقيه الحاج السيد علي البهبهاني
الناشر: مكتبة دار العلم في الأهواز
العدد: 2000
المطبعة العلمية - قم
التاريخ: 4 شعبان المعظم 1405
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
اما بعد فيقول العبد المفتقر إلى الله الغنى علي بن محمد بن علي الموسوي
البهبهاني - حشرهم الله تعالى مع آبائهم الطاهرين -: ان هذه فوائد مهمة نفيسة متفرقة
حررتها وجمعتها في هذه الأوراق إجابة لالتماس بعض إخواني المؤمنين -
شملهم الله تعالى بفضله ووفقهم وإيانا لمرضاته -.
5

فائدة - 1 "
(في جواب سؤال بعض الفضلاء وصورته هكذا)
مسألة - مولانا ما المراد من قاعدة المقتضى والمانع وما النسبة بينها وبين
استصحاب الحال وما الدليل على اعتبارها. بينوا لنا حقيقتها بحيث تتبين كمال
التبين ووجه اعتبارها عقلا أو شرعا.
ج - أقول مستمدا برب الأرباب وامنائه الأطياب عليهم صلوات الله الملك
الوهاب ليس المراد من المقتضى في المقام العلة وما يقتضى الوجود ذاتا أو جعلا
ولا استعداد البقاء - كما قد يترائى من بعض الكلمات - لجريان القاعدة الشريفة في
البراءة العقلية وسائر العدميات مع أن اقتضاء الوجود فيهما غير متصور بل مجرد
الاقتضاء بمعنى التأثير فيهما غير معقول لاستحالة أن يكون العدم مؤثرا ومتأثرا.
وما يقال من أن عدم المعلول يستند إلى عدم علته ليس المقصود منه تأثير العدم
للعدم بل المقصود منه بيان دوران وجود المعلول مدار وجود علته الموجب لانتفائه
عند انتفائها بل الاقتضاء بمعنى التأثير غير متصور في الحدوث بالنسبة إلى البقاء أيضا
لأنهما طرفان لوجود واحد فلا يعقل ان يؤثر أحدهما في الاخر والا لزم تأثير الشئ
في نفسه.
واما استعداد البقاء فإن كان الغرض منه صلوح البقاء:
ففيه أولا انه ليس قيدا زائدا لأن الشك في البقاء إنما هو فيما يصلح له.
6

وثانيا ان الصلوح للبقاء كما يجامع مع الشك في المانع بجامع مع الشك
في المقتضى لان الصلوح للبقاء معتبر في كليهما.
وثالثا انه لا تختص قاعدة الاقتضاء بصورة الشك في البقاء حتى يعتبر الصلوح
له إذ قد يكون الشك في الحدوث مع العلم بتحقق مقتضيه كما إذا شك في وقوع
عقد البيع على وجه اللزوم أو الجواز من جهة احتمال الغبن فيه فإنه يحكم فيه
باللزوم لأجل تحقق مقتضيه وهو عقد البيع.
وان أريد منه ما يرجع إلى ما سنبينه فهو صحيح وإن كان التعبير قاصرا موهما
للخلاف. إذا اتضح لك ذلك فاعلم:
ان المراد من الاقتضاء في المقام هو كون المشكوك فيه بحيث يكون ثابتا في
حد نفسه لو خلى وطبعه مع قطع النظر عن المانع والمزيل والرافع والدافع سواء
كان المشكوك فيه بقاءا أو حدوثا وسواء كان الباقي أو الحادث وجودا أم عدما.
ويعتبر في القسم الثالث انى إذا كان الشك في الحدوث وكان الحادث
وجودا ان لا يكون مستقلا في الوجود بل يكون متحدا في الخارج مع المقتضى
المعلوم اتحاد الامر المنتزع مع منشأ انتزاعه ومعدودا من أحكامه عقلا أو شرعا
فتجرى القاعدة في البراءة الأصلية وساير العدميات عند الشك في طرو سبب
الوجود فيحكم ببقائها على حالتها الأولية من العدم وعدم الخروج إلى عامل الوجود
اخذا بالمقتضى المعلوم هو العدم الأصلي والغاءا للمانع المحتمل وهو طرو علة
الوجود.
وفى الوجوديات الثابتة على وجه الاطلاق مع الشك في طرو الرافع أو
رافعية الطاري فيحكم ببقائها على حالتها الأولية من الوجود سواء كان الاطلاق
من جهة عدم تطرق التقييد فيه كملك العين والحدث والخبث والطهارة عن
أحدهما وهكذا أو من جهة ثبوت اطلاقه مع تطرق التقييد فيه كالعقد الدائم
7

والأحكام المؤبدة المجعولة القابلة للتقييد.
وفيما علم مقتضى حدوثه مع الشك في المانع والدافع عنه كما إذا علم
انعقاد عقد البيع وشك في لزومه وجوازه للشك في اقترانه بغبن في البيع أو عيب
في المبيع وهكذا من أسباب الخيار المانعة من اللزوم فيحكم بلزوم العقد اخذا
بالمقتضى المعلوم والغاءا للمانع المحتمل
وفيما علم مقتضى رفعه مع الشك في اقترانه بالدافع عن تأثيره كما إذا
اغتسل عن الجنابة مثلا وشك في حدوث الحدث في أثنائه فيحكم برفع حدث
الجنابة اخذا بالمقتضى المعلوم والغاءا للمانع والدافع المحتمل.
وبما بيناه تبين ان ما ذكره بعضهم من أن المراد بالمقتضى والمانع في قاعدة
المقتضى والمانع لا يخلوا من أحد وجوه ثلاثة:
الأول أن يكون المراد من المقتضى ما يقتضى وجود الأثر التكويني في عالم
التكوين ومن المانع ما يمنع عن تأثير المقتضى.
الثاني أن يكون المراد من المقتضى ما يقتضى الأثر الشرعي بحسب جعل
الشارع ومن المانع ما يمنع عن ترتب الأثر الشرعي بجعل من الشارع فيكون كل
من المقتضى والمانع شرعيا.
الثالث أن يكون المراد من المقتضى ما يقتضى تشريع الحكم من الملاكات
التي يبتنى عليها الأحكام كما يقال إن العلم مقتض لوجوب الاكرام ومن المانع
ما يمنع عن تأثير المقتضى في الجعل كالفسق مثلا في غير محله.
لما عرفت من أن المراد بالمقتضى معنى آخر غير الوجوه الثلاثة المذكورة
وإنما يكون المعنى الثاني من مصاديق المعنى الذي ذكرناه وهكذا المعنى
الأول إذا لم يكن الأثر التكويني مستقلا في الوجود ويكون متحدا مع منشأه اتحاد
الامر المنتزع مع منشأ انتزاعه.
ثم زيف الوجه الثاني بوجوه ثلاثة
8

الأول امتناع جعل السببية.
والثاني عدم السبيل إلى احراز المقتضى بهذا المعنى الا بالوحي.
والثالث عدم الدليل على اعتباره على فرض احرازه.
والوجه الثالث بالوجهين الآخرين.
والوجه الأول بالوجه الأخير فقال بعض مقرر بحثه ان احراز المقتضى
بالنسبة إلى الأحكام الشرعية أو الجزئية مما لا سبيل إليه إذ لا طريق إلى العلم
بالمصالح المقتضية لجعل الأحكام الشرعية بالضرورة الا لمن نزل عليه الوحي
ثم قال ما محصله وان قيل إن المراد من المقتضى هي السببية المطلقة المحرزة من
الأدلة الشرعية كسببية البيع أو النكاح أو ملاقاة النجاسة مثلا للملكية أو الزوجية
أو النجاسة بنحو الاطلاق فحيثما شك في بقاء المسببات فإنما يكون الشك في
المانع والرافع من انشاء فسخ أو طلاق أو ايجاد غسل مزيل للنجاسة وهكذا.
قلت مضافا إلى أن ذلك فرع جعل السببية وهو ممتنع ان احراز بقاء المقتضى
بهذا المعنى كاحراز بقاء الملاك في عدم امكانه لغير من نزل عليه الوحي ضرورة
ان كل ما يحتمل رافعيته للحكم الشرعي يحتمل دخل عدمه في موضوعه فكما يحتمل
أن يكون العقد سببا للملكية بنحو الاطلاق حتى يكون الشك في ارتفاعها بالفسخ
من قبيل الشك في الرافع كذلك يحتمل أن يكون سببيته للملكية مقيدة بعدم الفسخ
ومع وجوده تكون السببية مشكوكة لا محالة وليس في البين ما يعين أحد الاحتمالين
انتهى.
أقول اما ما ذكره من امتناع جعل السببية فهو باطل لما بيناه في محله من
امكانه ووقوعه في الشرع فان الوضوء والغسل سببان للطهارة جعلا لا ذاتا بالضرورة
كما أن سببية أسباب الحدث للحدث كذلك مع أن احراز السببية المطلقة من
الأدلة الشرعية لا يتوقف على الجعل بل يجتمع مع كون السببية ذاتية اقتضائية قد
قررها الشارع والأمثلة المزبورة كلها أو أكثرها من هذا القبيل.
9

واما ما ذكره من احتمال دخل عدم ما يحتمل رافعيته في موضوع الحكم في
الأمثلة المزبورة ونحوها فهو باطل من وجوه
الأول استحالة دخل عدم شئ في السببية والاقتضاء ضرورة استحالة أن يكون
العدم مؤثرا أو متأثرا ولو كان مضافا
وتوهم ان العدم المضاف له حظ من الوجود من الأغلاط.
وما يترائى في بعض الموارد من استناد شئ إلى عدم شئ آخر مرجعه إلى
منافاة وجوده لوجود الاخر لا إلى تأثير العدم في الوجود
والثاني ان التقييد بعدم ما يحتمل رافعيته باطل في الأمثلة المزبورة ونحوها
مع قطع النظر عما بيناه لأنه ان أريد من تقيد السببية بعدم التعقب بما يحتمل كونه
فسخا أو طلاقا أو حدثا أو مزيلا للخبث ونحو ذلك تأثيره في أصل السببية بحيث
لو تعقب السبب بأحد هذه الأمور انكشف عدم تأثيره من أول الأمر فهو بديهي
البطلان ولا يلتزم به أحد.
وان أريد منه ان التعقب بأحد هذه الأمور يكشف عن تحديد دائرة السببية وعدم
اطلاقها فهو كك أيضا لان ملك العين والحدث والخبث والطهارة عن أحدهما لا يقبل
التحديد والتزويج الدائم بقيد كونه دائما لا يتطرق فيه التحديد وإن كان أصل التزويج
قابلا له
لا يقال تأثير عدم التعقب بما يحتمل كونه رافعا في السببية لا يتوقف على تحديد
المسبب حتى يحكم ببطلانه إذ مقتضى كون الوضوء الغير المتعقب بالحدث موجبا
للطهارة دورانها مداره حدوثا وبقاءا كما هو مقتضى العلية والمعلولية فإذا انقلب عدم
التعقب بالتعقب تنتفى العلة بانتفاء أحد جزئيها فينتفى المعلول بانتفاء علته لا لأجل
كونه محدودا.
لأنا نقول إنما يصح ذلك إذا كان وجود المسبب معلولا عن وجود السبب
دائرا مداره حدونا وبقاءا واما إذا كان حدوثه معلولا عن حدوث السبب ولا يستند
10

إليه بقائه كما في المقام فلا مجال لما ذكرت ضرورة ان الطهارة وملك العين وعلقة
الزوجية ونحوها إنما تحدث بحدوث أسبابها ولا يدور بقائها مدار الأسباب والا لزم
ان لا تبقى أصلا إذ لا بقاء لأسبابها وهي الوضوء والصيغة
والثالث ان مفهوم الفسخ والطلاق والانتقاض بالحدث وارتفاع الخبث
بالغسل مثلا يتوقف على ثبوت مقتضى الدوام والا لا يتحقق فسخ ولا طلاق ولا نقض
ولا إزالة ترى ان انقضاء أمد الإجارة أو التزويج فسخ أو طلاق كلا ثم كلا فاحتمال تحقق
أحد هذه الأمور عقيب السبب لا يجامع الا مع اطلاقه وعدم تحديده.
وبالجملة اطلاق السبب في هذه الموارد وأمثالها في غاية الوضوح فكيف
يقال إنه لا طريق لاستكشافه الا بالوحي وهل هذا الا وسوسة في البديهيات.
ثم إنه بعد ما زعم أن احراز المقتضى بالنسبة إلى الأحكام الشرعية مما
لا سبيل إليه فسر المقتضى اللازم احرازه ففي باب الاستصحاب على مختار شيخنا
العلامة الأنصاري قده بالمقتضى بالنسبة إلى نفس الاستصحاب لا مقتضى
المستصحب وقال إن اليقين اما يتعلق بأمر مرسل في عمود الزمان أو مهمل أو مقيد
بزمان معين فإن كان مقيدا فلا اشكال في عدم جريان الاستصحاب بعد انقضاء الزمان
الذي اخذ قيدا فيه وإن كان مهملا كخيار الغبن المردد بين كونه فوريا أو استمراريا
فكذلك لان متعلق اليقين مردد بين أن يكون مرسلا أو مقيدا فيقتصر فيه على القدر
المتيقن واما الأول فيجرى الاستصحاب فيه لارسال متعلقه من حيث عمود الزمان
والشك إنما هو في ارتفاعه برافع زماني لا بانقضاء زمانه انتهى
أقول مجرد ارسال متعلق اليقين بحسب الزمان مفارقا من اطلاق وجوده كما
هو صريح كلامه حيث صرح بان كل ما يحتمل كونه مانعا ورافعا يحتمل دخل
عدمه في موضوع الحكم فلا يتحقق معه الاطلاق لا يكفي في اجراء الاستصحاب
لان الموضوع مردد حينئذ بين أن يكون مطلقا ومحدودا فيجب الاقتصار حينئذ على
ما لم يتعقب بما يحتمل كون وجوده مانعا أو عدمه قيد العدم تعلق اليقين حينئذ الا بالمحدود
11

فيلحق المرسل حينئذ بالمهمل.
توضيح ذلك أنه قال أيضا حالما ذكره ان المراد من احراز المقتضى في المقام
هو احراز المتيقن في نفسه قابل للبقاء في عمود الزمان مع قطع النظر عن حدوث
زماني كالملكية والطهارة ونحوهما إلى آخر كلامه.
فأقول ان أريد من قبول البقاء في حد نفسه ثبوته بحيث لا يرتفع الا برافع فهو
عين الاطلاق الذي نفاه وحكم بأنه لا سبيل إلى العلم به.
وان أريد منه قبول الاطلاق مع قبوله التحديد كالتزويج القابل للدوام
والانقطاع.
ففيه انه اما ان يحرز حينئذ ثبوته على وجه الاطلاق أو لا فان أحرز الاطلاق فهو
مناف لما ذكره وأصر على نفيه وعدم السبيل إليه وان لم يحرز الاطلاق حينئذ فهو مهمل
لا مرسل ويجب الاقتصار فيه على القدر المتيقن.
ثم إنه يظهر من كلام بعض مقرري بحثه ان الارسال بحسب الزمان يكفي في
اجراء الاستصحاب ولو مع الشك في الموضوع
وعدم احراز المقتضى بالنسبة إلى
المستصحب حيث مثل لثبوت المقتضى بالنسبة إلى الاستصحاب دون المستصحب
بالمتيمم الواجد للماء في أثناء الصلاة قال مقتضى
الاستصحاب فيه موجود لارسال
المتعلق زمانا وان لم يكن المقتضى بالنسبة إلى المستصحب موجودا لتبدل حال
الفقدان بالوجدان المحتمل دخله في موضوع تأثير التيمم.
ومما بيناه ظهر لك ان المراد بالمانع في هذا الباب مطلق الرافع سواء كان
الرافع على وجه المنع المصطلح كالخيار المجعول في العقد المانع من لزومه
أو على وجه المزاحمة بالأقوى كابتلاء المهم بالأهم الموجب لعدم تنجز المهم
أولا على أحد الوجهين كطرو علة وجود الشئ الرافع لعدمه الأصلي ضرورة
12

ان سبب الوجود لا يكون مانعا للعدم ولا مزاحما له ومن هذا القبيل جعل كل من
اليوم والليل رافعا للاخر ودخول الشهر الآتي رافعا لما حل فيه وانقضاء اجل الشئ
رافعا له حيث يستصحب الزمان الذي حل فيه في جميع هذه الموارد مع الشك في
انقضاء الأجل ودخول ما يقابله اخذا بالمقتضى المعلوم وهو الوقت الذي حل فيه
حيث إنه ثابت في حد نفسه ولا يزول الا بطرو مقابله فلا يحكم بزواله الا بعد العلم
بطرو ما يقابله.
وإذ قد اتضحت لك حقيقة قاعدة الاقتضاء والمنع فقد اتضح لك ان النسبة
بينها وبين استصحاب الحال هي العموم من وجه فقد يجتمعان وقد يفترقان.
اما اجتماعهما ففي صورة العلم بالمقتضى ووقوع الشك في البقاء من جهة احتمال المانع.
واما افتراقها عنه ففي صورة العلم بالمقتضى والشك في ترتب المقتضى عليه من جهة احتمال اقترانه بالمانع كما إذا شك في انعقاد البيع لازما أم جائزا بواسطة الشك في اقترانه بغبن فيه أو بعيب في المبيع مثلا.
واما افتراقه عنها ففي صورة الشك في المقتضى كما إذا شك في البقاء مع
الشك في بقاء الإجارة بالنسبة إلى السنة الثانية من جهة الشك في وقوع عقد الإجارة
على سنة واحدة أو سنتين.
واما اعتبارها فهو عقلي ثابت بحكم العقل يعنى انه جهة واقعية مدركة به ويظهر ذلك
من بناء العقلاء على العمل بها في كل باب فان بنائهم على امر وركونهم إليه ليس
الا بما هم عقلاء فبنائهم على العمل بها يكشف عن تصديق العقل وادراكه إياها وثبوتها
عنده ولو على وجه الارتكاز ولا ينافي ذلك عجز بعضهم أو أغلبهم عن تقرير وجهه وكشفه
كما هو الحال في أكثر الارتكازيات الثابتة عندهم بالضرورة بل الركون إليه والاعتماد
عليه من الضروريات التي جبلت عليه طبائع الحيوانات.
وحيث التبس الامر في المقام على بعضهم وزعم أن بناء العقلاء إنما هو
13

على الركون إلى استصحاب الحال مع العلم بالمقتضى والشك في المانع فالاعتماد
على مجموع الامرين لا على مجرد احراز المقتضى ولو كان الشك في الحدوث
فلا بد لنا من ذكر موارد يكون الاعتماد فيها على القاعدة الشريفة مفارقة عن
استصحاب الحال فأقول مستمدا برب الأرباب وامنائه الأطياب عليهم صلوات الله
الملك الوهاب.
ان أصالة الحقيقة والعموم والاطلاق من الأصول المسلمة التي عليها بناء
العقلاء ولا يرتاب فيها أحد منهم ولا يتم الامر بها الا بالاعتماد على قاعدة الاقتضاء
والمنع.
توضيح الحال ان اللفظ بمقتضى وضعه للمعنى الحقيقي مناسب له ابتداءا
وللمعنى المجازي ثانيا لأجل مناسبة بينه وبين المعنى الحقيقي فهو صالح لان يراد به معناه
الحقيقي المناسب له ابتداءا بمقتضى وضعه له وان يراد به معناه المجازي المناسب له
بتبع المعنى الحقيقي ولكن إرادة الأول منه لا تحتاج إلى مؤنة زائدة لمناسبته له ابتداءا
بخلاف إرادة المعنى الثاني منه فإنها تحتاج إلى قرينة صارفة تصرفه عن مقتضاه الأولى
وما يناسبه ابتداءا وهو المعنى الحقيقي فحيث صدر اللفظ من المتكلم العارف بالوضع
في مقام الإفادة والاستفادة مع عدم نصب قرينة صارفة من المعنى الحقيقي المناسب
له أو لا يحمل عليه ولا يعتد باحتمال وجود المانع والصارف واختفائه على السامع أو
غفلة المتكلم عنه ومن المعلوم ان الحمل على المعنى الحقيقي دون المجازي مع التردد
في مراد المتكلم وعدم ثبوت القرينة الصارفة ليس الا لأجل الاعتداد على الاقتضاء
الثابت بينه وبين اللفظ بمعونة الوضع وعدم الاعتماد باحتمال المانع والصارف
وباعتبار هذا الاقتضاء يكون اللفظ ظاهرا في المعنى الحقيقي دون المجازي وحيث إن
اعتبار هذا الاقتضاء لا يدور مدار إفادة العلم أو الظن الفعلي بالمراد عبر عنه بالسببية
المطلقة والتعبد العقلائي فان الركون إلى الأصل والحكم بشئ من غير علم
مقتضاه يشبه التعبد فكان العقلاء متعبدون بحمل اللفظ على الأصلي مع عدم العلم
14

بالمراد والتردد فيه لا ان هناك تعبدا منهم حقيقة ضرورة ان التعبد من شؤون المولى
لا العقلاء.
والى ما بيناه أيضا يرجع كون اعتبار الظواهر من باب الظن النوعي
فان المقصود منه الظهور الأصلي المستند إلى ما يقتضيه نوع اللفظ مع قطع النظر
عن المانع لا الظن المقابل للعلم والشك لان اللفظ الملقى في مقام الإفادة والاستفادة
لو خلى وطبعه مع قطع النظر عن المانع يفيد العلم بالمراد لا الظن به ومع
احتمال المانع لا يفيد العلم ولا الظن وإنما يعامل معه معاملة العلم بالمراد اعتمادا
على وجود المقتضى والغاءا للمانع المحتمل فأصالة الحقيقة إنما ترجع إلى أن
المعنى الحقيقي مقتضى اللفظ المجرد عن القرينة الصارفة الملقى في مقام الإفادة
والاستفادة فيؤخذ به دون المعنى المجازي واحتمال القرينة مندفع بالأصل فلا يمنع عن
تأثير المقتضى.
والعجب أن شيخ مشائخنا العلامة الأنصاري قده زعم أن اعتبار أصالة
الحقيقة يمكن أن يكون من حيث أصالة عدم القرينة ومن جهة الظن النوعي وقال إن تقدم
الامارة المعتبرة الظنية القائمة على القرينة الصارفة عليها من باب الحكومة على الأول
ومن باب الورود على الثاني فان القرينة الصارفة مانعة عن تأثير المقتضى ولا يترتب
المقتضى على مجرد عدم المانع بل يتوقف على احراز المقتضى فالاثر إنما يترتب
عليه وأصالة عدم القرينة إنما تدفع المانع عن التأثير فمرجع الامرين إلى امر واحد
وهو الاعتماد على المقتضى المعلوم وعدم الاعتداد بالمانع المحتمل
وبما بيناه يظهر الحال في أصالة العموم والاطلاق فإنهما وان لم يستندا إلى
وضع اللفظ لأنهما كيفيتان للحكم المتأخر عن وضع اللفظ الا انهما مقتضى تعلق
الحكم بالموضوع من غير تخصيص ولا تقييد فإذا علم بعد مهما يعلم العموم والاطلاق
ومع الشك فيها يؤخذ بالمقتضى المعلوم فيحكم بالعموم والاطلاق ولا يعتد باحتمال
المانع لاندفاعه بالأصل.
15

فان قلت بناء العقلاء على الاخذ بأصالة الحقيقة والعموم والاطلاق لا يكشف
عن اعتبار قاعدة الاقتضاء والمنع في جميع الموارد.
قلت لا تعبد في بناء العقلاء حتى يجوز اختصاصه بمورد دون مورد وإنما
بنائهم على ما بنوا عليه في بعض الموارد لأجل جهة واقعية عقلية ثابتة عندهم ومن
المعلوم اطراد القواعد العقلية وعدم تطرق التقييد والتخصيص فيها في حد أنفسها
نعم للشارع قصر اعتبارها على بعض الموارد فما لم يعلم من الشارع التصرف
فيها بقصرها على بعض الموارد يحكم باطرادها والظاهر من الاخبار بل صريحها
تقريرها كما سننبه عليه انشاء الله تعالى.
فان قلت لو كان الامر كذلك لزم أن تكون الأصول المثبتة معتبرة عندهم
بل عند الشارع لتقريره القاعدة كما ذكرت مع أن عدم اعتبارها واضح بالغ حد
الضرورة.
قلت إن أريد من المثبت ما يترتب عليه اثر غير شرعي كما شاع تفسيره به في
هذه الاعصار القريبة نلتزم به ولا مانع له.
وتوهم ان عدم اعتباره بهذا المعنى ضروري في غير محله إذ المترتب عليه حتى
في الموارد الشرعية إنما هو الحكم الظاهري الذي مرجعه إلى التنجيز والعذر الثابتين
للعلم والجهل ذاتا بل إلى التنجيز أو دفعه الذي هو من آثار العلم بالوجود أو العدم كما
فصلنا الكلام فيه في محله ولعلنا نشير إليه في المقام أيضا انشاء الله تعالى.
وان أريد منه ما يثبت اللوازم العقلية مطلقا سواء كانت من الأحكام والآثار
المتحدة مع المقتضى في الخارج أم لا بزعم ان اعتبارها عند العقلاء يكشف عن كونها
امارة عندهم فلا يختص الاعتبار حينئذ بالنسبة إلى خصوص الأحكام والآثار المتحدة
مع المقتضى في الخارج فالملازمة ممنوعة لأن الاعتبار العقلي كالاعتبار الشرعي
فكما ان الشارع قد ينزل شيئا منزلة الدليل العلمي فيجعله طريقا مثبتا للواقع كالبينة
مثلا فيكون امارة يثبت بها اللوازم العقلية والعادية قد يجعل وظيفة للجاهل كأصالة
16

البراءة أو الاحتياط أو الاستصحاب من دون ان يجعله كاشفا عن الواقع فيكون أصلا
لا يترتب عليه ثبوت اللوازم العقلية والعادية
فكذلك العقلاء قد يرون اعتبار شئ من جهة كشفه عن الواقع في نظرهم
كالخبر الموثوق به الموجب للاطمينان وسكون النفس بحيث يضمحل احتمال
الخلاف في نظرهم ويرونه موجبا للعلم العادي فيعتمدون عليه ويرونه مثبتا للواقع
ما لم يمنع عنه الشارع وقد يرون اعتبار شئ بعنوان انه وظيفة للجاهل في مقام العمل
كاعتبار البراءة الأصلية عندهم فإنها أصل على كل تقدير سواء قلنا إن اعتبارها شرعي
أم عقلي.
والحاصل ان الاعتبار العقلي لا ينحصر في كون المعتبر في نظره امارة كاشفة
عن الواقع فلا مجال لتوهم ان القاعدة حينئذ تكون امارة مثبة للوازم العقلية
والعادية مطلقا.
ومن الموارد التي لا تنطبق الا عليها حكمهم بلزوم البيع إذا شك في انعقاده
لازما أو جائزا من جهة احتمال غبن في البيع أو عيب في المبيع وهكذا استنادا
إلى أصالة اللزوم إذ ليس للزوم حالة سابقة حتى يستصحب بقائه فالحكم به ليس
الا من جهة الاخذ بقاعدة الاقتضاء لان المقتضى للزوم وهو البيع معلوم والمانع
مشكوك فيدفع بالأصل.
فان قلت يمكن أن يكون الحكم باللزوم مستندا إلى استصحاب الحالة
السابقة لان تملك البائع للثمن ثابت بالبيع فمع الشك في زوالهما بالفسخ
يستصحب الحالة السابقة.
قلت أولا استناد الحكم إلى أصالة اللزوم يأبى عما ذكرت لان ما ذكرت
لا يتفرع على كون العقد لازما.
وثانيا انه لو صح ما ذكرت لزم الحكم باللزوم أيضا في العقود الجائزة بالذات
عند الشك في وقوعها لازمة أو جائزة كما إذا شككنا في وقوع الهبة لازمة أم
17

جائزة من جهة الشك في وقوعها معوضة أم لا أو في كون المتهب ذا رحم أم لا مع أنهم
يحكمون فيها مع الشك في لزومها بجواز الرجوع استنادا إلى أصالة الجواز
والحاصل انه لو كان الحكم بعدم جواز الفسخ ونفوذه حينئذ مستندا إلى
استصحاب بقاء ملك كل من المثمن على حالته السابقة لزم عدم التفكيك بين
العقود اللازمة والجائزة بالذات في الحكم وعدم استناد الحكم باللزوم استنادا إلى
أصالة اللزوم وبطلان اللازم بين.
ومنها حكمهم بعدم كون المرأة محرما عند الشك في المحرمية نسبا المانعة
من انعقاد التزويج فإنه لا يتم الا على جعل المحرمية مانعة والمرأة محلا للتزويج
على الاطلاق اقتضاءا فيحكم بصحة التزويج اخذا بالمقتضى المعلوم والغاءا للمانع
المحتمل ولا يتوهم ان عدم المحرمية معلوم قبل وجود المرأة فيستصحب لأنها قبل
وجودها لا تكون محرما ولا أجنبية واستصحاب عدم إحديهما معارض باستصحاب
عدم الأخرى واستصحاب عدمهما معا منقطع بالعلم بوجود إحديهما بعد وجودها
مع أن استصحاب المحرمية قبل وجود المرأة لا ينفع في اتصافها بعدم المحرمية بعد
وجودها لاختلاف الموضوع فلا يتم الأصل الا على ما بيناه من وجود مقتضى الصحة
وعدم العلم بالمانع
ومنها الحكم بالاتمام مع الشك في السفر إذا كانت الشبهة حكمية فان كون
أربعة فراسخ مثلا مسافة شرعية ليس مما علم عدمه في زمان حتى يستصحب ويحكم
بالبقاء على ما كان بل من هذا الباب جميع موارد الشك في قدح العارض
لا يقال يمكن ارجاع ما ذكر ونحوه إلى استصحاب الحالة السابقة باعتبار انه
لم يكن مسافرا قبل طيه أربعة فراسخ وبعد الأربعة يشك في زوال الحالة السابقة
فيحكم ببقائه على ما كان.
لأنا نقول مع الشك في أن الأربعة مسافة شرعية لا يكون المقتضى للاتمام
وهو الحضور محرزا حتى يستصحب ومجرد الحالة السابقة لا يكفي في الاستصحاب
18

فان قلت موضوع القصر هو المسافر واما الاتمام فلم يؤخذ في موضوعه
الحضور بل يكفي فيه عدم السفر.
قلت مرجع ذلك إلى الاخذ بالمقتضى وعدم الاعتداد باحتمال المانع لا إلى
استصحاب الحالة السابقة لان الاتمام ليس له حالة سابقة في هذا الحال وكذا عدم
السفر لان طي الأربعة ليس له حالة سابقة من السفر وعدمه حتى يستصحب والاخذ
بالعدم الأزلي راجع إلى الاخذ بالمقتضى وتحقق عدم السفر قبل طي الأربعة لا يكفي
في الاستصحاب مع الشك في الموضوع ضرورة عدم اعتبار بقاء الموضوع في حجية
الاستصحاب بناء على عدم اعتباره الا مع احراز المقتضى كما هو المختار وعليه
الأكثر بل الامامية قاطبة بل عند المحققين من العامة.
وبالجملة موارد انفكاك القاعدة الشريفة عن استصحاب الحال كثيرة في
أبواب الفقه كما لا يخفى على المتتبع مع أنه لم يتأمل أحد منهم في العمل بها
والركون إليها وإنما حدثت الشبهة لبعض من تأخر.
هذا شطر من الموارد التي لا تنطبق الا على القاعدة الشريفة.
واما وجه بناء العقلاء على الاخذ بالمقتضى المعلوم وعدم الاعتداد باحتمال
وجود المانع أو منع الموجود فتقدم العلم على الجهل وترجحه عليه ذاتا.
توضيحه ان المقتضى لاتحاده مع المقتضى في الخارج وعدم اختلافهما
الا اعتبارا كما هو المفروض معلوم من جهة ثبوت مقتضيه ومجهول من جهة احتمال
وجود المانع عن ترتبه عليه فهو معلوم من وجه ومجهول من وجه فيدور الامر بين
الاخذ بأحدهما وعدم الاعتداد بالاخر ومن المعلوم ان العلم امر وجودي والجهل
عدمي محض ولا يعقل تقدم العدم على الوجود فالاثر عند الاجتماع والتزاحم إنما
هو للعلم فيؤخذ به ويترك الجهل.
فان العلم والجهل متناقضان فلا يجتمعان في محل واحد حتى يقع التزاحم
بينهما ويحكم بتقدم أحدهما على الاخر.
19

قلت أحدهما وهو العلم اقتضائي والاخر وهو الجهل فعلى فلا يتناقضان.
فان قلت التقدم حينئذ للفعلي لا الاقتضائي ضرورة ان الاقتضائي لا يزاحم الفعلي
في تأثيره.
قلت الجهل ليس صفة وجودية فعلية حتى يتقدم على الصفة الموجودة اقتضاءا
وليس هنا اجتماع صفتين تحقيقا بل الثابت حينئذ إنما هو العلم الاقتضائي فقط وحيث إن
العلم الاقتضائي لم يبلغ حد الفعلية حتى يكون علة تامة للتنجيز ودفع العذر يدور الامر
بين الاخذ به وترتيب الأثر عليه وعدم الاعتداد بنقصه وبين تركه والاعتداد بنقصه وضعفه
وحيث إن ترتيب الأثر على النقص اخذ بالجهل كما أن ترتيب الأثر على العلم الاقتضائي
اخذ بالعلم عبر عن دوران الامر بينهما بالتزاحم بين العلم والجهل والعقلاء لما رأوا
ان الذي له مدخلية في الوجود وهو المقتضى معلوم وإنما الشك في ما ليس له مدخلية
في الوجود أصلا وهو المانع لان المانع إنما يمنع عن ترتب المقتضى لا ان لعدمه دخلا
في التأثير حكموا برجحان الوجود لتمامية السبب وعدم الاعتداد باحتمال المانع لاندفاعه
بالأصل وقد قرر هذا المعنى الروايات الشريفة فان قولهم (ع) " لا تنقض اليقين بالشك "
(ولا تنقض اليقين الا بيقين مثله) (وإياك ان تنقض اليقين بالشك) (ومن كان على يقين فشك
فليمض على يقينه) وهكذا من الروايات صريح في الركون إلى اليقين وعدم الاعتداد
بالشك عند الاجتماع والمعارضة بل التحذير عن نقض اليقين بالشك يكشف عن أن
النقض به مما لا يرتكبه العاقل.
توضيح ذلك ان المتصور في بدو النظر من الروايات الشريفة أحد معان ثلاثة
الأول ما بيناه والثاني اعتبار استصحاب الحالة السابقة.
والثالث الاخذ باليقين مع سريان الشك فيه المسمى بقاعدة اليقين في مصطلحهم
ولا شبهة ان عدم نقض اليقين بالشك لا يصدق الا مع بقاء اليقين واما مع زواله وسريان
الشك فيه فلا مجال للنقض وعدمه فلا مجال لإرادة المعنى الثالث منها واما بقاء الحالة
السابقة فمع عدم احراز الموضوع والمقتضى لا يكون مورد اليقين بوجه حتى يصدق
20

عدم نقض اليقين بالشك ضرورة ان اليقين بالحدوث لا يوجب تعلقه بالبقاء مع عدم
اتحاد الموضوع وعدم ثبوت المقتضى لعدم الارتباط حينئذ بين الحدوث والبقاء بوجه
حتى يقال إن تعلق اليقين بأحدهما يوجب تعلقه وتشبثه بالاخر فالحكم بالبقاء (ح)
لا يستند إلى العلم بوجه حتى يكون تركه نقضا له فلا يصدق النقض الا مع تشبث
اليقين وهو يتوقف على بقاء الموضوع وثبوت المقتضى فلا مناص من حمل الروايات
الا على ما بيناه.
فان قلت توقف صدق عدم نقض اليقين بالشك على بقاء الموضوع وثبوت
المقتضى مسلم ولكن القدر المحقق من مدلول الروايات ولو بشهادة المورد إنما
هو الركون إلى اليقين في مورد العلم بالحدوث وثبوت الحالة السابقة فلا تعم صورة
الشك في الحدوث وعدم ثبوت الحالة السابقة.
قلت إن مجرد تعلق العلم بالحدوث لا يوجب تشبثه بالبقاء ولو مع عدم بقاء
الموضوع وعدم ثبوت المقتضى حتى بكون البقاء معلوما من وجه ومشكوكا من
وجه ويتقدم العلم على الجهل ولا ينقض اليقين بالشك كما اعترفت به فتعلق العلم
بالبقاء وتشبث اليقين به إنما يكون إذا كان المقتضى للبقاء ثابتا.
ومن المعلوم ان الحكم يدور مدار العلم واليقين ولا يختلف الحكم باختلاف
المعلوم والمتيقن فكلما تشبث به العلم واليقين يحكم بثبوته بمقتضى تعلق اليقين به
ولا ينقضه الشك سواء كان حدوثا أو بقاءا ولا يعقل التفصيل بينهما فلا مجال لتنزيل
الروايات على مورد العلم بالحدوث مع اطلاقها وابائها عن التقيد لان المستفاد
منها كما يفصح عنه التعبير بالنقض ان لليقين ابراما في حد نفسه لا ينقض الا بيقين مثله
ومن المعلوم ان ابرام اليقين لا يتفاوت باختلاف متعلقه فمع تعلق اليقين بالحدوث
لثبوت مقتضيه لا يرفع اليد عنه لأجل الشك في المانع والا لزم نقض اليقين بالشك
والحاصل ان لليقين ابراما في حد ذاته لا يصلح ان تنقضه الشك والعلم بالحدوث
لا يوجب زيادة في ابرام العلم بمقتضى البقاء كما أن الجهل به لا يوجب ضعفا في
21

العلم بمقتضيه وتشبث العلم بالمقتضى ثابت في الموردين وضم
الحالة السابقة إليه من قبيل الحجر الموضوع في جنب الانسان فلا مجال للتفصيل
والتفكيك بينهما مع أن جميع الروايات ليست واردة في مورد العلم بالحدوث
كما لا يخفى على من تتبعها على أن المورد لو كان صالحا للتخصيص والتقييد لزم
الاقتصار على مورد الروايات ووجب ان لا يتعدى عنها إلى غيرها من الموارد إذ ليس
العلم بالحدوث الا كسائر خصوصيات الموارد نعم سبق الأذهان إلى استصحاب
الحالة السابقة والغفلة عن القاعدة الشريفة أوجب الشبهة لكثير من الناظرين حتى
زعموا ان التعدي عن العلم بالحدوث من المنكرات مع أنه لا مناص لهم عن
العمل بالقاعدة الشريفة في كثير من الموارد.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول ان الشرط لابد من احرازه في مقام لدخله في ترتب المقتضى فالمراد
بالمقتضى هنا ماله دخل في ترتب المقتضى عليه فيعم الشرط والمقتضى المصطلح
عليه في غير هذا المقام.
كما أن المراد بالمانع مطلق الرافع سواء كان مانعا اصطلاحيا أو مزاحما
أقوى أو على وجه آخر كما عرفت فلو تردد امر بين كونه مانعا أو ضده شرطا عرفا
أو شرعا ولم يظهر من الدليل أحد الامرين ولم يكن في البين أصل يقتضى الحكم
بالمانعية يتوقف الحكم بثبوت المقتضى على احراز ما يحتمل شرطيته.
نعم التردد في شرطية شئ من قبل الشارع في المعاملات المحكومة بالصحة في
نظر العرف لا يضر بالاقتضاء لان مرجع اشتراط الشارع حينئذ إلى تضييق دائرة سلطنة
الشخص على نفسه وجهاته ومنعه عماله السلطنة عليه اقتضاءا فمع التردد في جعل
الشرطية تردد في ثبوت وعدمه فيؤخذ بالمقتضى المعلوم ويدفع المانع بالأصل
وتوهم انه بناء على هذا لا تجرى القاعدة الا في أقل قليل
من الموارد إذ ما من مورد من موارد الشك في وجود المانع الا ويحتمل أن يكون عدمه شرطا فيتردد الامر
22

بين الشرطية والمانعية حينئذ فلا يكون المقتضى حال الشك فيهما محرزا حينئذ حتى
تجرى القاعدة في غاية السخافة إذ العدم لا يكون مؤثرا ولا متأثرا فلا يعقل ان يصير
شرطا ولو كان مضافا.
وتوهم ان العدم المضاف له حظ من الوجود فيجوز أن يكون شرطا من الأغلاط
من أن عدم المانع شرط غلط أو توسع في التعبير وكيف كان التردد بين الشرطية
والمانعية بالنسبة إلى الوجود والعدم غلط محض وإنما يتطرق التردد بينهما في
الضدين
والثاني: انه يعتبر في جريان القاعدة الشريفة احراز بقاء الموضوع والمراد
منه موضوع الحكم الشرعي لا معروض المحمولات مطلقا لعدم اعتبار العلم ببقاء
المعروض لا في القاعدة الشريفة ولا في استصحاب الحالة السابقة إذا لم يكون موضوعا
للحكم الشرعي لأن الشك في بقاء المعروض إذا لم يكن موضوعا للحكم الشرعي
لا يمنع من جريان القاعدتين غاية الأمر انه يستصحب بقاء المعروض كما يؤخذ
بقاعدة الاقتضاء فيه ويكتفى به إن كان الشك في بقاء المحمول مسببا عن الشك في
بقائه والا فيجرى في المحمول أيضا مثلا إذا شككنا في بقاء زوجية هند لزيد فإن كان
الشك فيه مسببا عن الشك في بقاء زيد تستصحب حياته ويكتفى به والا يكن كذلك
بان احتمل الطلاق على فرض بقائه فيجرى الأصل في زيد أولا وفى الزوجية ثانيا
فيحكم ببقائهما معا فهنا أصلان مرتبان حينئذ فالذي يعتبر فيه احراز الموضوع ويعتبر
العلم ببقائه إنما هو الاخذ بالقاعدة الشريفة إذا كان الشك بالحكم الشرعي.
توضيح ذلك ان موضوع الأحكام الشرعية إنما هي العناوين الكلية كالحاضر
والمسافر والواجد والفاقد وهكذا لا المصاديق الخارجية والمصاديق إنما يتعلق الحكم
بها بواسطة انطباق العناوين الكلية عليها فهي معروضات لها فإذا وقعت الشبهة الحكمية
في بقاء الحكم الشرعي بالنسبة إلى مصداق كان معروضا لموضوع الحكم من جهة
23

زوال عرض عنه ووقوع التردد في كونه موضوعا للحكم حتى يزول بزواله أم لا
لا تجرى القاعدة حينئذ لعدم احراز المقتضى مع تردد الموضوع بين كونه هو العرض
الباقي أم الزائل
مثلا إذا شككنا في بقاء حرمة الوقاع بعد النقاء وقبل الغسل من جهة التردد
استنادا إلى قاعدة الاقتضاء لان الموضوع مردد حينئذ بين أن يكون هو الحيض
بمعنى قذف الدم الزائل بالنقاء الذي هو الطهر أو بمعنى الحدث الذي لا يزول
الا بالغسل فلا يكون مقتضى التحريم حينئذ محرزا حتى يؤخذ به ولا يعتد باحتمال
المانع وان كانت الحالة السابقة هي التحريم.
وقد اختلط الامر في المقام على شيخنا العلامة الأنصاري (قده) فاعتبر في
استصحاب الحالة السابقة بقاء الموضوع وفسره بمطلق المعروض وتكلف فيما
إذا كان الشك في بقاء وجود الموجودات الخارجية يجعل وجودها الخارجي
عارضا للموجود المتقرر في الذهن وهو باطل جدا لان الوجود الذهني لا أصل له
أولا كما بيناه في محله وعلى تسليم ثبوته لا ينفع ثانيا لان الموجود في الذهن
لا يعقل ان يعرضه الوجود الخارجي كما هو ظاهر ثم اضطرب كلماته (قده) في
تشخيص موضوع الحكم ولا يسع المقام للتعرض لها ولما يرد عليها.
والثالث ان القاعدة الشريفة المعبر عنها في لسان الفقهاء والأصوليين باستصحاب
حكم النص والعموم والاطلاق سواء قلنا باعتبارها عقلا أو تعبدا أصل لا امارة كما
عرفت لا يثبت شيئا وإنما يدفع المانع عما ثبت.
وهذا معنى كلام بعضهم ان الاستصحاب حجة في النفي دون الاثبات فهو عبارة
عن الاعتماد على اليقين الحاصل بما يقتضيه الشئ وعدم الاعتداد باحتمال المانع
فلا يترتب عليه الا ما هو من مقتضياته.
واما ما يستقل بالاقتضاء فمقتضى هذا الأصل التعويل على اقتضائه لا ترتيبه
24

على اقتضاء آخر فإذا شك في بقاء حياة زيد بعد العلم بثبوته يجب البناء على عدم
المزيل وهذا إنما يترتب عليه ما هو من مقتضياته يعنى مالا يستقل بالاقتضاء كبقاء
أمواله على ملكه وعدم خروج زوجته عن زوجيته واما اثبات اللحية مثلا فلا لأنها
مباينة في الوجود للشخص كالثمرة بالنسبة إلى الشجر والحمل بالنسبة إلى الحامل
ومن المعلوم ان اليقين بأحد المتلازمين مغاير لليقين بالاخر.
والى ما حققناه ينظر ما أفاده كاشف الغطاء قده من الاستدلال على نفى
الأصل المثبت بتعارض الأصل جانب الثابت والمثبت فكما ان الأصل بقاء الأول
كذلك الأصل عدم الثاني فان مرجعه إلى أن المثبت ليس من شؤون الثابت حتى
يكون البناء على بقاء الثابت عبارة عن الالتزام بالمثبت.
توضيح ذلك ان الأصل المثبت عندنا عبارة عما يترتب عليه ما يستقل بالوجود
أو كان منتزعا من غير ما استصحب وعلم وجوده لا ما ترتب عليه اثر غير شرعي
كما شاع في السنة الأواخر فإنه على ما بيناه أصل عقلي قرره الشارع بل لو كان
أصلا شرعيا لم يكن وجه لاختصاص الأثر الشرعي بالترتب إليه عدا ما يتخيل من أن
الحكم بثبوت مالا يرجع إلى الشارع في مرحلة الظاهر لا معنى له لان تنزيل
شئ مقام شئ آخر إنما يتصور بالنسبة إلى ما يرجع إلى الشارع وهو وهم.
لأنه ان أريد منه ان الثابت بالتعبد الشرعي يجب أن يكون من الآثار الشرعية
ابتداءا فهو مناقض لاعتبار البينة والامارات لان الثابت بهما لا يجب أن يكون امرا
شرعيا ابتداءا بل لا يثبت بالبينة ابتداءا الا الموضوعات وكذلك الأصول الموضوعية
وان أريد ان اثر الاعتبار لا يكون الا بالنسب إلى الآثار الشرعية فهو كذلك
ولا ينافي في اثبات اللوازم بالأصول في مرحلة الظاهر حينئذ كما هو الحال بالنسبة
إلى البينة والامارات.
والحاصل ان مجرد التعبد الشرعي لا ينافي اثبات اللوازم في مرحلة الظن والا لنافاه
في البينة والأمارات الشرعية مع أن اثبات اللوازم بهما مسلم بل أقول إن الثابت
25

بالأصل دائما إنما هو الأثر العقلي لا الشرعي لان الثابت بالأصول إنما هو الحكم
الظاهري الراجع إلى التنجيز والعذر المترتبين على العلم والجهل ذاتا
فان قلت كيف يمكن ان يترتب على جعل الشارع الأثر العقلي مع أنه
لا يكون الا ذاتيا غير مجعول فهل هذا الا تناقض
قلت الغرض انه يترتب على الأصل بالجعل ما كان مترتبا على العلم والجهل
ذاتا من التنجيز والعذر فالاثر في حد نفسه من الآثار العقلية التي للشارع التصرف
فيها تقريرا وردا فيجعل الشرع ما لم يكن سببا للتنجيز أو العذر ذاتا سببا له تعبدا و
جعلا ترتب عليه ما ترتب على الأصل بمقتضى التنزيل.
والحاصل ان المدار في الاثبات المنافى للأصل اثبات ما استقل بالوجود من
الجواهر والاعراض لان الاثبات بهذا المعنى شان الدليل ولا يترتب على الأصل
سواء كان عقليا أم شرعيا لا الأحكام لأنه وظيفة للمتحير فلا يثبت شيئا وإنما يدفع
المانع عما ثبت فيترتب عليه أحكامه سواء كان حكما عقليا أم شرعيا
وما اشتهر من أن المثبت ما ترتب عليه اثر شرعي وان بعض المتقدمين ذهب
إلى حجية الأصل المثبت بزعم ان المثبت ما ترتب عليه اثر غير شرعي في غير محله
وقد اضطربت كلمات الأواخر في موارد كثير يترتب على الأصل فيها غير
الآثار الشرعية ابتداءا ولا شبهة في الركون إليها فزعموا أنه لأجل خفاء الواسطة في نظر
العرف مع أنه لا معنى لخفاء الواسطة أو لا ولا ضابطة له ثانيا وتوضيح المرام غاية
الايضاح يحتاج إلى بسط في الكلام لا يسعه المقام فاكتفيت بالتنبيه عليه بهذا المقدار
والرابع ان الأصل في جميع الموارد لفظية أو عملية إنما هو الركون إلى العلم
بالمقتضى وعدم الاعتداد باحتمال المانع ولا أصل سواه واختلاف الأسامي باختلاف
الموارد لا ينافي مع اتحاد الحقيقة كما أنه لا ينافيه تقدم بعض على بعض لأجل تقدم
بعض المقتضيات على بعض آخر اما الأصول اللفظية فقد ظهر الحال فيها بما بيناه
واما الأصول العملية وهي أصالة الاحتياط والتخيير والبراءة واستصحاب
26

المقتضى المعبر عنه باستصحاب حكم النص والعموم والاطلاق فالامر في الأخير منها
ظاهر
واما الأولى فمرجعها إلى الاخذ بالعلم باشتغال الذمة بالتكليف المقتضى
للاحتياط ووجوب الموافقة القطعية وعدم الاعتداد باحتمال منع تردد المأمور به بين
أمرين أو أمور عن ايجاب الموافقة القطعية كما هو ظاهر.
واما التخيير فكونه اثر الركون إلى العلم باشتغال الذمة بالتكليف المقتضى
لوجوب الموافق القطعي امر ظاهر غاية الأمر انه اكتفى فيه بالموافقة الاحتمالية لأجل؟؟
العجز عن تحصيل الموافقة القطعية عقلا أو شرعا:
واما أصالة البراءة فالأخذ بها إنما هو لأجل الركون إلى العلم بالعدم الأزلي
المقتضى للعذر وعدم الاعتداد باحتمال حدوث التكليف الموجب لارتفاع العذر
فيقبح العقاب حينئذ للعلم بمقتضى العذر وعدم العلم بوجود المنجز وهو اشتغال الذمة
بالتكليف.
واما ما قيل من أن البراءة حينئذ مترتبة على الشك فقط ويكفى في الحكم بالعدم
مجرد الشك في ثبوت التكليف استنادا إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ففي غير محله لان
نسبة الشك وموافقة العدم للأصل حينئذ إنما هو باعتبار كونه معلوما والمانع مجهولا
ولذا ينقلب الأصل بانقلاب العلم فيصير الوجود موافقا له دون العدم إذا علم بحدوث
التكليف وشك في البقاء والزوال من جهة احتمال وجود المزيل من النسخ وغيره
فقبح العقاب بلا بيان إنما هو من آثار العلم بالعدم والجهل بحدوث التكليف المقتضى
لثبوت العذر الذي يقبح معه العقاب لا انه منشأ للأصل مع أنه لو قلنا بترتب اثر على
الشك ذاتا وفى حد نفسه لا يجوز التعويل عليه واستناد الأصل إليه إذ ما من شك في الحكم
الا وهو مجامع اما مع العلم بالعدم الأزلي واما مع العلم بحدوث التكليف وفى كلا
الصورتين يتقدم العلم على الجهل ويمنع من تأثيره والا لزم نقص اليقين بالشك المنهى
27

عنه عقلا ونقلا فلا يبقى مجال لتأثير الجهل؟؟ وترتيب اثر عليه.
واما استصحاب الحال المعبر عنه باستصحاب حال الاجماع وحال الشرع
فلم يعمل به أحد من أصحابنا (قدهم) وقالوا انه اسراء حكم من موضوع إلى موضوع
بل لم يعمل به الا شاذ من العامة وإذا اجتمع مع العلم بالمقتضى فإنما يؤخذ به اعتمادا
على العلم بالمقتضى.
فتبين بحمد الله تعالى انه لا أصل في البين الا قاعدة الاقتضاء والمنع وان
الركون والاعتماد إنما هو على العلم واليقين لا على الجهل والشك فافهم واغتنم.
28

" فائدة - 2 "
في صحيحة بريد بن معاوية العجلي عن مولانا الصادق سلام الله عليه قال: سئلته
عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات قبل ان يعتق فانطلق ابنه فابتاع رجلا من كسبه
فاعتقه عن أبيه وان المعتق أصاب بعد ذلك مالا ثم مات وتركه لمن يكون تركته
فقال إن كانت الرقبة على أبيه في ظهار أو شكر واجب عليه فان المعتق سائبة لا ولاء
لاحد عليه قال وان كانت الرقبة على أبيه تطوعا وقد كان أبوه امره ان يعتق عنه
نسمة فان ولاء المعتق ميراث لجميع ولد الميت من الرجال ويكون الذي اشتراه
وأعتقه عن أبيه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتق قرابة من المسلمين أحرار
يرثونه قال وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه
تطوعا من غير أن يكون أبوه امره بذلك فان ولائه وميراثه للذي اشتراه من ماله
وأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتق وارث من قرابته
ويستفاد من هذه الرواية الشريفة الساطعة منه أنوار العصمة والإمامة أمور
ستة.
الأول: عدم توقف وقوع العتق عن غيره على دخول المعتق أولا في ملكه ثم
خروجه عن ملكه بالعتق.
والثاني: نفوذ وقوع العتق عن غيره إذا كان واجبا عليه في ظهار أو غيره امر
به المعتق عنه أم لا.
29

والثالث: كون الرقبة سائبة مع وجوب العتق.
والرابع: عدم تأثير التبرع بالعتق الواجب على غيره في ثبوت الولاء
للمتبرع به
والخامس: توقف وقوع العتق التبرعي عن غيره على الامر به ومع عدم
الامر به إنما يقع عنه على وجه اهداء ثوابه إليه.
والسادس: ثبوت ولاء العتق للذكور من أولاد المعتق عنه إذا نفذ وقوع
العتق عنه بأمره.
توضيح المرام ان انتقال الملك عن شخص إلى آخر يتوقف على أمرين
وجود السبب الناقل وأهلية المنتقل إليه للتملك وكلا الامرين منتف في الصورة
الأولى وهو نفوذ العتق الواجب عن الميت مطلقا.
اما السبب الناقل فلانه على قسمين قهري كالوراثة و اختياري كالعقود الناقلة
وانتفائهما في هذه الصورة واضح.
واما انتفاء أهلية الميت للتملك فمسلم عندهم بل واضح أيضا في الجملة وان
جاز بقاء المال في ملكه كما إذا أوصى بثلث ماله لنفسه.
ويشاركها الصورة الثانية وهو نفوذ العتق التبرعي عن الميت بأمره بالعتق عنه
في انتفاء الأمر الثاني بل الأول أيضا لان مجرد الامر في حال الحياة بالعتق عنه بعد
موته لا يوجب انتقال الرقبة إليه.
وتنظيره بالشبكة المنصوبة في حياته ووقوع الصيد فيها بعد موته في غير
محله لان نصب الشبكة من أسباب الحيازة ولكن الامر بالعتق عنه بعد موته ليس من
أسباب الانتقال كما هو ظاهر وجعل الامر بالاعتاق عنه بعد موته من قبيل أعتق
عبدك عنى حيث حكموا بصحته ووقوع العتق عن الامر وجعلوا الامر بالاعتاق عنه
بمنزلة التوكيل في قبول التملك من قبله بعد ايجاب التمليك ثم العتق عنه والاعتاق
عنه بمنزلة ايجاب التمليك وقبوله أولا والعتق عنه ثانيا في غير محله لان التوكيل
إنما هو بالنسبة إلى حال الحياة ولا تطرق له بالنسبة إلى بعد الموت ولا مجال لجعله
30

بمنزلة الوصية لان الوصية إنما تؤثر فيما يرجع إليه من ثلث ماله وولايته على
صغاره.
واما مالا يرجع إليه ولا يملكه بوجه فلا اثر لها فيه مع أن حصول التمليك
والتملك باعتاقه عنه امر غير معقول إذ بعد ما فرض من تفرع وقوع العتق عنه على
تملكه لا يعقل حصوله به والا لدار ولذا تحير القائلون بانتقال الملك إلى المعتق عنه
بالعتق عنه في وقت الانتقال ورأوا انه على كل تقدير لا يخلو من محذور فحكموا
بالانتقال اجمالا من دون تعين لوقته مع أن المحذور لا يندفع بذلك.
والذي حملهم على هذا التكلف البارد بل الفساد ما روى من قوله عليه السلام لا عتق
الا في ملك وهو إنما يدل على أن المعتق لا بد أن يكون مالكا للرقبة واما عدم وقوع
عتق المالك عن غيره فمسكوت عنه.
والتحقيق انه لا يتوقف وقوع العتق عن غيره على دخول الرقبة في ملكه
أولا ثم العتق عنه ثانيا لا عقلا ولا شرعا فإنه بمنزلة أداء المالك بماله دين غيره فكما
لا يتوقف أداء دين المديون على دخول المال في ملكه أولا ثم الأداء عنه ثانيا
فكذلك العتق عنه.
والحاصل ان العتق عمل يمكن وقوعه عن العامل وعن غيره والتعين باختيار
العامل فان الشخص كما له السلطنة على ماله فيعينه فيما أراد من كونه صدقة أو وفاء
دين عن نفسه أو عن غيره أو قرضا وهكذا فكذلك له السلطنة على عمله فله ان يجعل
الحيازة والاحياء والكتابة والصياغة عن نفسه وعن غيره ومن جملة اعماله العتق
نعم يبقى الشأن في بيان وجه الفرق بين العتق الواجب والعتق التبرعي في وقوع
الأول عمن وجب عليه باعتاق المعتق عنه مطلقا وعدم وقوع الثاني عمن نوى العتق
عنه الا بأمره بالعتق عنه.
فأقول وبالله التوفيق ان العتق الواجب دين على الشخص فينفذ عتق غيره
31

عنه ويبرء ذمته بذلك ولا يتوقف وقوعه عنه على رضاه وأمره به كما لا يتوقف أداء
دين المديون على رضاه واذنه بل كما يبرء ذمته بوفائه بنفسه كذلك تبرء ذمته
بابراء الدائن وبوفاء غيره عنه رضى به أم لا ولذا يكون الابراء ايقاعا لا عقدا متوقفا
على قبول المديون
والسر فيه ظاهر لان حبل الدين بيد الدائن وذمة المديون مشدودة به والاختيار
في اسقاط الحبل وعدمه إنما هو لمن الحبل بيده ولا اختيار لمن ذمته مغفولة به
فكذلك العتق الواجب وسائر ما وجب على المكلف من عبادات وغيرها ما لم يكن
الامتثال مقيدا بمباشرته بنفسه
واما العتق المندوب فلا يكون دينا فايقاعه عن غيره بمنزلة هبة له فكما يتوقف
تحقق الهبة على قبول المتهب ورضاه بذلك ولا تتحقق قهرا وبدون قبوله فكذلك
العتق المندوب لا يقع عن غيره ولا يتصل به الا بقبوله ورضاه.
والحاصل انه كما يكون العامل مختارا في ايقاع العمل عن نفسه وعن غيره
ولا يكون مقهورا في أحدهما في حد نفسه فكذلك من أوقع العمل عنه مختار في
قبوله ورده فلا يتصل العمل به الا بقبوله ورضاه والامر بالعتق عنه بعد موته رضى
بذلك وقبول له فيتصل به العمل حينئذ ويلزمه حكمه عن ثبوت الولاء له ولورثته
واما مع عدم امره به فلا يتصل العمل به ولا يكون العتق عنه الا اهداءا لثوابه
إليه فيرجع الولاء حينئذ إلى نفس العامل وهو المعتق.
وهكذا الامر في سائر الأعمال الغير الواجبة مندوبة أو مباحة فلا تقع عن غير
العامل الا بأمره ورضاه.
وقد تبين مما بيناه انه لا فرق في وقوع العتق الواجب عمن نوى عنه المعتق
بين أن يكون المعتق وارثا للمعتق عنه أم لا وبين أن يكون المعتق عنه حيا أم ميتا كما أنه
لا فرق بينهما في عدم وقوع العتق المندوب عمن نوى عنه الا بأمره
فما حكى عن الشيخ قده في الخلاف من أنه لو تبرع بالعتق عنه نفذ العتق
32

عن المعتق دون من أعتق عنه سواء كان المعتق عنه حيا أو ميتا نعم لو أعتق الوارث
عن الميت من ماله لا من مال الميت يصح في غير محله لان العتق الواجب يقع
عمن نوى عنه مطلقا حيا كان المعتق عنه أم ميتا وارثا كان المعتق أم لا والعتق المندوب
لا يقع عنه مطلقا الا بأمره من دون فرق بين أن يكون المعتق وارثا وأجنبيا وبين أن يكون
المعتق عنه حيا وميتا
و اعلم أنه ليس من آثار اتصال العمل بالآمر استحقاق العامل اجرة عمله
على الامر إذا كان عمله مما له اجرة في المتعارف ولا ضمان الامر ما أدى عنه العامل
بل هما من آثار استيفاء عمل العامل بالامر ولذا يدوران مداره ولا يختلف الامر
باختلاف الواجب والمندوب فما تبرع به العامل عن غيره لم يستحق اجرة عمله
ولا قيمة ما أدى عنه أو مثله واجبا كان المتبرع به أم مندوبا.
ثم اعلم أن العمل ينصرف ذاتا إلى العامل إذا كان صالحا لرجوعه إليه ويحتاج
في وقوعه عن غيره إلى نية ايقاعه عنه ولا يحتاج في وقوعه عن نفسه إلى نية ايقاعه
عن نفسه
ومن هنا تبين لك انه لو نوى العتق المندوب عن غيره من دون امره به وقع
عن نفسه ولم يقع باطلا فما ذكره في الجواهر من أنه لولا رواية بريد العجلي لكان
المتجه بطلان العتق من أصله لقاعدة ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد في غير محله
لان البطلان إنما يتجه إذا كان نسبة العتق إلى وقوعه عن نفسه ووقوعه غيره
على حد واحد و يحتاج كل منهما إلى القصد.
واما إذا اختلفا وكان أحدهما ذاتيا لا يحتاج إلى قصد زائد على قصد العتق
ولم يتم الصارف عن مقتضاه الأصلي وقع العتق على وجهه الأصلي.
فان قلت مقتضى وقوع العمل على وجهه الأصلي من وقوعه عن العامل لولا
الصارف صحة العتق المجرد عن القيدين ووقوعه على وجهه الأصلي لا صحة العتق
المنوي وقوعه عن الغير مع عدم وقوعه عنه لان نية الوقوع عن الغير تصرفه عن
33

وجهه الأصلي فلا مجال لوقوعه على وجهه الأصلي حينئذ
قلت الصارف عن وجهه الأصلي إنما هي نية وقوعه عن غيره مع امره به
فمجرد النية كذلك لا تصرفه عن وجهه الأصلي ولا تقتضي بطلانه لان انشاء العتق
يقتضى وجوده في الخارج ووقوعه على وجهه الأصلي الا ان يمنع عنه مانع والمانع
لم يتحقق ونية المانع لا توجب الغاء المقتضى عن التأثير ما لم تقترن بوجود المانع
ثم اعلم أنه كما يتصل العمل الغير الواجب بمن نوى عنه العمل بأمره
السابق كذلك يتصل به بالإجازة اللاحقة به لان من جملة أسباب اتصال العمل بغير
العامل اجازته اللاحقة فكل عمل يقبل الاتصال بغير العامل بأمره به أو توكيله فيه
يقبل الاتصال بالإجازة بل الإجازة والوكالة في الحقيقة حقيقة واحدة وإنما يختلفان
باعتبار التقدم والتأخر فالإجازة وكالة متأخر كما أن الوكالة إجازة متقدمة ولا ينافي
ذلك عدم جريان الفضولي في العتق والطلاق مع جريان الوكالة فيهما لان
المنع إنما هو للدليل والا فمقتضى القاعدة جريانه فيهما كجريانه في العقود ولم
يدل دليل على المنع في سواهما وان قيل بعدم جريانه في مطلق الايقاعات ولعله
لأجل توهم ان مقتضى القاعدة بطلان الفضولي مطلقا فكل مورد لم يدل دليل على
صحته بالإجازة يحكم ببطلانه ولم يدل دليل على صحته في غير العقود وهو باطل
كما أوضحنا في محله وبينا ان تأثير الإجازة في العمل الفضولي بمقتضى القواعد
الأولية ولا تعبد فيه فيجرى مطلقا الا ان يدل دليل على خلافه
وكيف كان فقد تبين بما بيناه سر عدم تأثير التبرع بالعتق عمن وجب عليه
في ثبوت الولاء وصيرورته سائبة لان وقوع العتق عمن وجب عليه موجب لوقوعه
على وجه الوجوب وان وقع التبرع في ايجاده ولا تنافى بينهما والملاك في صيرورة
الرقبة سائبة وجوب العتق
ومن هنا ظهر انه لو نذرنا ذر عتق رقبة عمن امره بالعتق عنه مع عدم وجوبه
عليه فاعتق عنه ثبت الولاء على المعتق للمعتق عنه لوقوعه على وجه الندب وان وجب
34

الاعتاق على المعتق
وإذ قد اتضح لك ما حققناه فقد اتضح لك ان الأحكام المستفادة من الرواية
الشريفة منطبقة على القواعد الأولية وان كانت في غاية الدقة بحيث لم نهتد إليها
الا ببيانهم عليهم السلام والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
بقي الكلام في أمرين:
الأول ان مقتضى ثبوت الولاء للمعتق عنه بعد موته عدم رجوعه إلى ورثته
لان ما رجع إلى الميت بعد موته إنما يصرف في وجوه البر للميت ولذا يصرف
دية قطع رأس الميت وشق بطنه في الحج والصدقة عنه وسائر خيراته ولا يكون
للوارث حق فيها
قلت أولا انه يمكن ان يقال إن ورثة المعتق عنه إنما يرثون بولائه لا انهم
يرثون الولاء إذ الظاهر أنه من الأحكام لا الحقوق
وثانيا لا نسلم ان كل ما رجع إلى الميت بعد موته لا يرجع إلى الورثة والا لزم
عدم رجوع دية المقتول إلى ورثته لان الدية إنما تثبت بالقتل فلا ترجع إليه الا
بعد موته
والثاني ان الصحيحة تدل على أن الإرث بالولاء للذكور من الأولاد وفى
جملة من الروايات ان الولاء للعصبة
منها انه قضى أمير المؤمنين عليه السلام على امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولائه
ولها ابن فالحق ولائه لعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها
ومنها صحيح يعقوب ابن شعيب سئل الصادق عليه السلام عن امرأة أعتقت مملوكا
ثم ماتت قال يرجع الولاء إلى بنى أبيها ومنها صحيح أبى ولاد: سئله عن رجل أعتق
جارية صغيرة لم تدرك وكانت أمه قبل ان تموت سئلته ان يعتق عنها رقبة من ماله
فاشتراها فأعتقها بعد ما ماتت أمه لمن يكون ولاء العتق قال يكون ولائها لأقرباء أمه
من قبل أبيها ويكون نفقتها عليهم حتى تدرك وتستغني قال ولا يكون للذي أعتقها عن
35

أمه من ولائها شئ
وقد حمل الشيخ (قده) في النهاية وتبعه جماعة صحيحة بريد العجلي وما في
معناها على ما إذا كان المعتق رجلا والصحاح المخالفة على ما إذا كان المعتق امرأة
أقول يستفاد من مجموع الروايات ان الإرث بالولاء لا يكون كالإرث بالنسب
يشترك فيه كل مناسب ويكون الأقرب منهم مقدما على الا بعد والا لزم عدم اختصاصه
بذكور العصبة والأولاد مع أن مجموع الروايات تدل على اختصاصه بالذكور
فمنه يعلم أن الإرث يدور مدار العقل المختص بالذكور كما يستفاد من
توصيف العصبة بأنهم يعقلون عنها فإنه في مقام التعليل كما هو واضح ولا فرق بين
عاقلة الرجل والمرأة حتى يختلف امر الولاء باختلافهما.
فالأولى ان يقال إنه يستفاد من هذه الروايات الدالة على دوران الولاء مدار
العقل دخول الذكور من الأولاد في العاقلة وترتبهم على العصبة فمع وجود العصبة
يختص بهم الولاء كما يختص بهم العقل سواء كان المعتق رجلا أم امرأة ومع فقدهم
يرجع الولاء إلى الذكور من الأولاد كما يعقلون حينئذ
فان قلت الروايات الدالة على ثبوت الولاء للذكور من الأولاد مطلقة ولا شاهد
لحملها على صورة فقد العصبة
قلت الشاهد على التقييد هي الروايات الواردة في المرأة المعتقة الدالة على
تقدم العصبة على الذكور من الأولاد
توضيح ذلك ان الروايات الدالة على ثبوت الولاء للذكور من الأولاد حينئذ
اما ناظرة إلى عدم دوران الإرث بالولاء مدار العقل إذا كان المعتق رجلا أو إلى
اختلاف عاقلة الرجل والمرأة أو إلى ما بيناه من التقييد لا سبيل إلى الأول والا لم يختص
الإرث بالولاء حينئذ بالذكور ولا إلى الثاني للاتفاق على عدم اختلاف العاقلة باختلاف
الرجل والمرأة فتعين الثالث.
36

فائدة - 3
(مسألة) لو علم المتطهر بحدوث حدث ولم يعلم بأنه أصغر أم أكبر لا يجوز
له الدخول في الصلاة ولا مس كتابة المصحف لاشتراطهما بالطهارة ويجوز له المكث
في المساجد والعبور من المسجدين الأعظمين وقراءة العزائم لعدم العلم بحدوث
الأكبر المانع منها والأصل عدم وجود المانع.
لا يقال لا يجرى الأصل في أطراف العلم الاجمالي اما لعدم موضوعه باعتبار
وجود العلم الاجمالي كما هو التحقيق واما للتعارض والتساقط كما يظهر من بعضهم
فلا مجال لأصالة عدم المانع حينئذ
لأنا نقول نعم لا يجرى الأصل في كل من الحدثين ومع ذلك لا مانع من جريان
أصالة عدم المانع لاستباحة كل من المكث والعبور وقراءة العزائم عليه قبل علمه
بحدوث أحد الحدثين وبعد العلم الاجمالي بحدوث أحدهما لا يحصل له العلم بارتفاع
الاستباحة فتستصحب للعلم بمقتضيها وعدم العلم بالمانع ثم إنه لا يجوز له الدخول في
الصلاة الا بالوضوء والغسل عند من لا يجتزى بمطلق الغسل عن الوضوء كما هو المشهور
واما من قال باجزاء مطلق الغسل عنه كما اخترنا فيكتفى بالغسل فقط هذا
إذا كان التردد بين الحدث الأصغر والأكبر مطلقا
واما إذا تردد بين الأصغر وما عدى الجنابة من الاحداث الكبرى
فهل يكتفى بالوضوء فقط بناءا على المشهور من وجوب الغسل والوضوء
37

معا لما عدا الجنابة من الاحداث من جهة انه يعلم باشتغال ذمته حينئذ بالوضوء
على كل حال ويشك في وجوب الغسل فينحل العلم الاجمالي حينئذ ويصير الشك
في الغسل شكا بدويا.
والتحقيق انه لا يكتفى بالوضوء فقط للعلم بالحدث والشك في ارتفاعه
بالوضوء فان الحدث المعلوم لا يعلم ارتفاعه الا بالجمع بينهما على المشهور أو
بالغسل فقط عند من قال باجزائه عن الوضوء واما الوضوء المجرد فهو غير كاف
مطلقا
لا يقال المعلوم من الحدث حينئذ إنما هو ما يوجب الوضوء والزائد عليه
مشكوك الحدوث فيندفع بالأصل.
لأنا نقول لو كان الشك في التكليف فقط كما إذا علم بفوت واجب غير
ركني من صلاته وشك في أنه يوجب القضاء مع سجدتي السهو أو يوجب سجدتي
السهو فقط لكان ما ذكر موجها لعدم العلم باشتغال ذمته بالزائد عن سجدتي السهو حينئذ
واما إذا كان الشك في التكليف مسببا عن حكم وضعي كما في المقام فمع
جريان الأصل فيه وهو استصحاب الحدث مع الشك في ارتفاعه لا مجال لاجراء الأصل
بالنسبة إلى التكليف بل لا تكليف في المقام على التحقيق
لا يقال الحدث حقيقة واحدة والاختلاف إنما هو في المرتبة شدة وضعفا
والمعلوم من الحدث إنما هي المرتبة الضعيفة وهي ترتفع بالوضوء فالشك حينئذ
يرجع إلى الشك في حدوث الحدث الأكبر والأصل عدمه.
والحاصل ان الحدث الأصغر والأكبر لا يكونان متباينين حتى لا يجرى الأصل
في واحد منهما وتباينها في السبب لا يمنع من جريان الأصل في المسبب فيجرى
الأصل بالنسبة إلى المرتبة الشديدة للشك في حدوثها
لأنا نقول اتحاد الحقيقة والاختلاف في المرتبة إنما ينفع إذا ترتب على
المزيل ارتفاع المرتبة الضعيفة على كل تقدير كما إذا علم اجمالا بان زيدا جنى
38

على عمرو مثلا وتردد جنايته بين ديتين أحدهما أقل من الاخر فإذا أدى الأقل علم ببراءة
ذمته بالنسبة إلى الأقل ولو كان في ضمن الأكثر. اما إذا لم يحصل الارتفاع على كل
تقدير كما في المقام فلا فان المرتبة الضعيفة من الحدث إنما ترتفع بالوضوء إذا
لم يكن في ضمن المرتبة الشديدة واما إذا كان في ضمن المرتبة الشديدة فلا يرتفع
الحدث أصلا بالوضوء فقط ضرورة عدم تطرق التبعيض في الحدث بان يرتفع
مرتبة منه ويبقى مرتبة أخرى.
ومن هنا تبين انه لو تنجس شئ اما بالبول أو بغيره يجب غسله مرتين
ولا يكتفى بغسل واحد لأن النجاسة معلومة وارتفاعها بالمرة غير معلوم فيستصحب
وليس الشك في التكليف فقط حتى يقتصر على القدر المتيقن منه فلو احتمل نجاسته
بولوغ الكلب يجب التعفير أيضا لعدم العلم برفع النجاسة حينئذ ضرورة عدم
ارتفاع النجاسة بالمرة ولو في مرتبة ضعيفة منها إذا فرض ان المطهر هو الغسل مرتين
ومما بيناه تبين انه لو استبرء عن البول وتطهر فرأى بللا مرددا بين كونه
بولا أو منيا وجب عليه الجمع بين الوضوء والغسل بناء على المشهور من عدم
اجزاء مطلق الغسل عن الوضوء وما توهمه بعض من أن أحد طرفي العلم الاجمالي
وهو البول محكوم بعدمه حينئذ لان الاستبراء امارة عدم كونه بولا فينحل العلم
الاجمالي ويرجع إلى الشك البدوي في كونه منيا والأصل عدمه فلا يجب عليه
شئ من الوضوء والغسل فاسد جدا للعلم بحدوث الحدث وارتفاع الطهارة قطعا.
والحكم بعدم كونه بولا إنما هو مع التردد بين كونه بولا أو وذيا مثلا واما مع
الحكم بكون البلل حدثا وتردده بين أن يكون أصغرا وأكبرا فلا مجال للحكم بعدم
كونه بولا بعدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي اما لعدم المجرى
أو للتعارض والتساقط والحكم بعدم كون البلل بعد الاستبراء بولا إن كان لموافقته
للأصل حينئذ كما هو التحقيق فلا يجرى في المقام للعلم الاجمالي بحدوث الحدث
وإن كان من جهة ان الاستبراء امارة على عدم كونه بولا يلزم الحكم
39

بكونه منيا إذ بعد العلم بانحصار البلل في كونه بولا أو منيا وقيام الامارة على عدم
كونه بولا يثبت كونه منيا لثبوت اللوازم العقلية والعادية بالامارة
وكيف كان ففساد التوهم المذكور في غاية الوضوح نعم لو كان العلم
الاجمالي قبل التطهر سواء كان قبل الاستبراء أو بعده لا يجب به شئ بعدم العلم
بحدوث حدث جديد فلا يجب عليه الا الوضوء إن كان محدثا بالأصغر أو الغسل
إن كان محدثا بالأكبر.
40

فائدة - 4
لو علم المكلف بأنه فاتت منه فريضة ولم يعلمها بعينها فصلى خمسا أو ثلثا صبحا
ومغربا ورباعية مرددة بين الظهر والعصر والعشاء ثم علم ببطلان واحدة منها فهل
يجوز الاكتفاء بها لقاعدة الفراغ
قيل نعم لانحلال العلم ورجوعه إلى الشك البدوي من حيث إن الواجب في
الواقع واحدة منها لا الجميع فلا يعلم حينئذ بوقوع الخلل في الفريضة الواجبة
فيحكم بصحتها وعدم وقوع الخلل فيها بقاعدة الفراغ إذ لا تأثير لوقوع الخلل في
غير الفريضة حتى يحكم بتنجز العلم الاجمالي وعدم جريان قاعدة الفراغ.
والتحقيق خلافه لان وجوب إعادة الصلاة خمسا أو ثلثا إنما كان لأجل
وجوب تحصيل البراءة اليقينية ومع العلم بوقوع الخلل في واحدة منها لا يحصل
البراءة اليقينية ولا مجال لجريان قاعدة الفراغ لعدم انحلال العلم الاجمالي إذ المفروض
ان الجميع واجب بحسب الحكم الظاهري وهو وجوب تحصيل البراءة اليقينية
بالاتيان بالخمس أو الثلث فالعلم الاجمالي بوقوع الخلل في إحديهما مؤثر على
كل حال لوقوع الخلل حينئذ في احدى الصلوات الواجبة في الظاهر فلا تحصل
البراءة اليقينية التي وجب عليه تحصيلها بحكم العقل الا بإعادتها خمسا أو ثلثا.
هذا مع أن قاعدة الفراغ إنما يختص موردها بما إذا كان الشك لأجل
احتمال الغفلة وعدمها كما دل عليه قوله عليه السلام هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك
41

فبقاعدة الفراغ يحكم بعدم الغفلة
واما مع العلم بوقوع الغفلة كما في المقام فلا مجرى لها أصلا.
والحاصل ان قاعدة الفراغ إنما تحكم بعدم وقوع الغفلة من العامل في عمله
لا في أن الغفلة الواقعة منه وقعت في محل دون محل آخر
فان قلت لو كان الامر كذلك لزم ان لا يحكم بصحة الفريضة إذا علم المصلى
بوقوع خلل اما في فريضة الصبح أو نافلته مثلا لا للعلم الاجمالي إذ لا يوجب
التكليف بالإعادة على فرض وقوعه في النافلة فلا تأثير له حينئذ بل للشك في وقوع
الخلل في الفريضة وعدم جريان قاعدة الفراغ فيها للعلم بوقوع الغفلة اجمالا
قلت العلم الاجمالي إنما يمنع من جريان قاعدة الفراغ إذا كان مؤثرا على
كل تقدير واما إذا لم يؤثر الا على أحد التقديرين فحاله حال الشك البدوي فلا فرق
بينه وبين الشك في الفريضة فقط من حيث احتمال الخلل للغفلة المندفع بقاعدة الفراغ
ومن هنا ذهب العلامة قدس سره في المنتهى إلى أن المجدد لوضوئه إذا ذكر انه
أخل بعضو من احدى الطهارتين لا يلتفت إلى هذا الشك مطلقا لاندراجه تحت الشك
في الوضوء بعد الفراغ ونقله الشهيد في (ن) عن السيد جمال الدين بن طاوس (ره)
واستوجهه وبما بيناه يندفع ما ذكره في (ك) بأنه يمكن الفرق بين الصورتين بان
اليقين هنا حاصل بالترك وإنما حصل الشك في موضعه بخلاف الشك بعد الفراغ فإنه
لا يقين فيه بوجه.
42

فائدة - 5
لو كان مجنبا عن حلال ثم أجنب عن حرام فهل يكون عرقه نجسا بناءا على
نجاسة عرق الجنب عن حرام قيل لا لان الجنابة لا تتكرر والا لزم اجتماع المثلين في
محل واحد فكما لا يصير المتطهر متطهرا ثانيا باغتساله ثانيا فكذلك الجنب لا يصير جنبا
ثانيا بالوطي أو الانزال ثانيا عن حلال أو حرام حتى يصير عرقه نجسا إذا كانت الجنابة
الثانية عن حرام.
والتحقيق ان العرض على قسمين منها بسيط لا مراتب له شدة وضعفا كالعقود
والايقاعات فلا يترتب حينئذ على انشاءات المتكررة اثر أصلا وإنما يتحقق بواحد منها
العلقة الحاصلة ولا يترتب على المكرر منها عقد أو ايقاع جديد أو شدة وقوة فيه
لعدم اشتداد العلقة بتكرر أسبابها.
ومنها ماله مراتب شدة وضعفا كالحدث والخبث والطهارة عن أحدهما
فيترتب على المتكرر من أسباب الحدث والخبث والطهارة القوة والشدة ولذا ترى
انه قد يكتفى في إزالة خبث بغسلة ولا يكفي في إزالة خبث آخر الا بغسلتين وليس
هذا الا لكون بعض الأخباث أقوى من آخر فما تنجس بما يكتفى في إزالة خبثه
بغسلة لو لاقى خبثا رطبا لا يكتفى في ازالته الا بغسلتين لا يطهر الا بهما ولو لم يتنجس
المتنجس ثانيا بملاقاته للنجاسة ولو على وجه الاشتداد لزم ان يكتفى فيه بغسله مرة
واحدة مع أن توقف طهارته على الغسلتين حينئذ في غاية الوضوح.
43

وهكذا الحال في الاحداث فان تقسيمه إلى الأصغر والأكبر واختلاف الاحداث
الكبرى في بعض الأحكام واختلاف الجنابة عن حرام مع الجنابة عن حلال في الحكم
المذكور دليل قاطع على اختلاف مراتبه شدة وضعفا وهكذا الحال في الطهارتين
فان انقسام الطهارة عن الحدث إلى صغرى وكبرى واستحباب تجديد الوضوء وكونه
نورا على نور شاهد قاطع على اختلاف مراتبها كما أن استحباب الغسل سبع مرات
في بعض الموارد يشهد بان الطهارة عن الخبث كالنظافة عن الكثافات والأقذار تقبل
المراتب شدة وضعفا
وإذا اتضح لك ان الحدث يقبل الشدة والضعف فقد اتضح لك انه لا مانع من أن
يصير الجنب عن حلال جنبا عن حرام ويترتب عليه اثر الجنابة عن حرام من
نجاسة عرقه أو عدم جواز الصلاة في الثوب الذي عرق فيه.
44

فائدة - 6
إذا علم بثبوت حق معلوم العين والمقدار اشتبه من له الحق بين اثنين فصاعدا
واستوى نسبة كل واحد إليه وتطرق الإشاعة فيه يشترك الكل فيه طبق نسبته إليه
ويكون استواء النسبة إليه في مرحلة الظاهر كاستواء النسبة إليه واقعا في الآثار غاية الأمر
ان الأول حكم ظاهري والثاني واقعي وهذه القاعدة أي قاعدة ترتيب الأثر على كل
واحد من الأطراف المشتبهة لاستواء النسبة بعد العلم بثبوت الحق لواحد منها تسمى
بقاعدة العدل والانصاف وقد ورد به النص في مواضع كثيرة.
منها ما لو أودعه واحد دينارين والاخر دينارا فضاع دينار واشتبه فان لصاحب
الدينار نصفا وللآخر الباقي كما في رواية السكوني وعمل به الأصحاب قدس سرهم
وتقييد المحقق قدس سره موضوع المسألة بما إذا امتزج الجميع حتى يدخل في
باب الشركة استخراج من عنده فان الروايات مطلقة مع أن تحصيل الشركة بالامتزاج
متفرع على هذه القاعدة ضرورة عدم حصول الإشاعة الواقعية بمجرد الامتزاج
الموجب للاشتباه وعدم التميز
وإنما الحكم بالإشاعة والاشتراك من جهة استواء النسبة في مرحلة الظاهر
وعدم سبيل للعلم بتعيين كل جزء من الاجزاء الممتزجة لواحد من الملاك على أنه
لو حصل الامتزاج الموجب للشركة لزم أن تكون الشركة أثلاثا لا أرباعا فيلزم
حينئذ أن يكون لصاحب الدينار ثلثا دينار والباقي لصاحب الدينارين فالتقييد المزبور
45

مخالف للحكم المنصوص.
ومنها ما لو طلق من كان عنده أربع زوجات واحدة منها وتزوج خامسة
ثم مات واشتبهت المطلقة في الأول فإنه تعطى الخامسة ربع الفريضة والباقي
للأول بالسوية كما في صحيح أبي بصير وعمل به الأصحاب قدس سرهم ولم يخالف
فيه أحد منهم الا ابن إدريس فإنه حكم فيه بالقرعة.
ومنها حصول الشركة بامتزاج أحد المالين بالاخر بحيث لا يتميز أحدهما
من الاخر اختيارا كان المزج أو اتفاقا الذي اتفق عليه الأصحاب قدس سرهم وادعوا
دلالة الاخبار عليه فان الامتزاج الرافع للتميز إنما يوجب تساوى النسبة في مرحلة
الظاهر الموجب للشركة الظاهرية لا التحقيقية كما هو ظاهر.
وممن تنبه لذلك صاحب الحدائق قدس سرهم بل استظهره من كلامهم حيث
قال في الحدائق: ثم لا يخفى أيضا ان الظاهر من كلامهم ان المراد بالشركة ما امتزج
من المالين واشتبه فيه التميز بين الحقوق بحسب الظاهر لا ما كان كذلك بحسب
الواقع ونفس الامر بمعنى ان يصير كل جزء جزء من ذلك المال المشترك كذلك
في نفس الامر فان الغالب من أسبابها المزج إلى أن قال نعم قد يتحقق الاشتراك
النفس الامرى في الميراث وشراء شئ بالاشتراك ونحو ذلك انتهى
وفصل صاحب الجواهر قدس سره ففرق بين المزج الاختياري والاتفاقي
فحكم بان الشركة في الأول تحقيقي دون الثاني
والتحقيق ان الشركة في الصورتين ظاهرية ضرورة ان الاشتباه وعدم التميز
لا يوجب انقلاب الواقع حتى تحصل الإشاعة تحقيقا
هذه جملة من الموارد المنصوصة التي وقفت عليه عاجلا وقد حكم الأصحاب
في كثير من المواضع بمقتضى القاعدة المزبورة كما لا يخفى على المتتبع في
أبواب الفقه.
منها ما إذا ادعى اثنان عينا عند آخر واعترف ذو اليد بأنها من أحدهما وليس
46

لهما بينة وتحالفا فإنه يحكم فيه بالتنصيف بينهما كما اختاره صاحب الجواهر قده
واستظهره من الأدلة والحكم بالتنصيف فيه ليس الا لأجل تساوى نسبة كل منهما
إليه في الظاهر وليس من هذا الباب ما إذا كانت العين في يدهما وادعياها أو ادعاها
أحدهما والاخر نصفها وليس لهما بينة أو تعارضت بينتها وتساقطتا وتحالفا فان الحكم
بالتنصيف في الصورة الأولى وبالربع لمدعي النصف وبالباقي لمدعي الكل من
باب الاخذ بمقتضى اليدين لأجل عدم البينة أو سقوطهما لتعارضهما وعدم المرجح
وسقوط الدعويين بالتحالف ولذا لا يعتبر حينئذ العلم بصدق دعوى أحدهما بل
يحكم فيه بذلك ولو احتمل كذب دعواهما معا.
والحاصل ان تساوى نسبة كل واحد منهما إلى عين في مرحلة الظاهر مع
العلم باستحقاق أحدهما يوجب الحكم بالاشتراك تنزيلا للتساوي في الظاهر منزلة
التساوي واقعا وهذا مورد قاعدة العدل والانصاف واما مع اجتماع سببي الاستحقاق
وتساويهما فهو مشارك مع القاعدة في الحكم بالاشتراك الا انه خارج عن تحت القاعدة
وإن كان الحكم بالاشتراك فيه ظاهريا أيضا لان سببية اليد للاستحقاق إنما هو من
جهة انه أصل كما هو التحقيق أو من جهة انه امارة عليه كما يظهر من بعضهم وعلى
كل تقدير لا يكون موجبا للعلم بالواقع
وان اشتبه من عليه الحق بغيره وتردد الامر بين اثنين فصاعدا ينحل العلم
بالنسبة إلى كل واحد ويجرى أصل العدم في حقه ولا يلتزم بشئ حتى يصير موردا
لقاعدة العدل والانصاف أو القرعة لان كلا منهما لا يكلف الا بأداء ما في ذمته فعلم
كل واحد بثبوت حق في ذمته أو ذمة صاحبه لا يؤثر في التزامه بشئ وليس لمن له
الحق ان يلزمهما أو أحدهما معينا أو مخيرا بأداء الحق لما ظهر لك من انتفاء موجب
للالتزام بالنسبة إليهما.
وأيضا الامر دائر بين فوت حقه لعدم العلم بمن عليه الحق حتى يستوفيه منه
وبين جعل ذمة البرئ مشغولة بحقه مقدمة لاستيفاء حقه ومن الواضح انه لا ترجيح
47

للثاني على الأول بل لا وجه له فينحصر الامر في الأول وان اشتبه من عليه الحق
بمن له الحق وتردد الامر بينهما فهو مورد للقرعة كما ورد به النص
في الفقيه عن الحماد عن الحسين ابن مختار قال قال أبو عبد الله عليه السلام لأبي
حنيفة يا أبا حنيفة ما تقول في بيت سقط على قوم وبقى منهم صبيان أحدهما حر والاخر
مملوك لصاحبه فلم يعرف الحر من المملوك فقال أبو حنيفة يعتق نصف هذا ويعتق
نصف هذا ويقسم المال بينهما فقال أبو عبد الله عليه السلام ليس كذلك ولكنه يقرع بينهما
فمن اصابته القرعة فهو حر ويعتق هذا فيجعل مولى له
وعن حماد بن حريز عن أحدهما (ع) قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام باليمن في قوم
انهدمت عليهم دار لهم فبقي منهم صبيان أحدهما مملوك والاخر حر فأسهم بينهما فخرج
السهم على أحدهما فجعل المال له واعتق الاخر
" وعن ابن سماعة عن الحسن ابن أيوب عن العلا عن محمد عن أحدهما عليهما السلام
قال قلت له أمة وحرة وقع عليهما بيت وقد ولدتا فماتت الأمان وبقى الابنان كيف
يورثان قال فقال أسهم عليهما ثلثا ولاءا يعنى ثلث مرات فأيهما اصابه السهم ورث "
وقد روى هذا الخبر في التهذيب بطرق آخر أيضا
وبالجملة الروايات متطابقة في الحكم بالقرعة حينئذ ولا شبهة فيه وإنما الكلام
في أن الخبر الثالث المروى بطريقين ساكت عن عتق الاخر وإنما حكم فيه بأنه
يرثه من اصابته القرعة والخبران الأولان يدلان على أنه يعتق وهل يكون الاعتاق حينئذ
واجبا أم مندوبا فيه وجهان.
وجه الوجوب انه لو لم يكن واجبا لما أعتقه الامام مع صغر المولى.
ووجه الندب سكوته عن العتق في الرواية الأخيرة والحكم بثبوت ولاء
المعتق للاخر في الرواية الأولى لان الولاء إنما يثبت للمعتق إذا كان العتق تبرعيا
ولعل الوجه في الحكم بالعتق حينئذ ملاحظة مصلحة الوارث الصغير من حيث
سقوط نفقة العبد حينئذ عنه ثم إن ما توهمه أبو حنيفة من جريان قاعدة العدل.
48

والانصاف حينئذ حيث حكم برقية النصف من كل منهما وحرية النصف كذلك
فهو باطل جدا إذ مع التردد في من عليه الحق لا مجال لجعل الحق في ذمتهما
لمصلحة المستحق حتى يتمكن من استيفاء حقه بل جعل النصف من كل منهما
رقيقا في المقام نقض للغرض ومناف لها لأنها إنما تجرى في موارده لأجل ايصال
الحق إلى مستحقه وعدم حرمانه عن حقه ولو عن بعضه وفى المقام لا يعود إلى المولى
شئ بهذا الحكم لان الحكم برقية نصف العبد له مع الحكم برقية نصفه لعبده
متكافئان فلم يصل إلى المولى شئ بل رقية نصف عبده له لا تعادل رقية نصفه لعبده
ويكون الضرر عليه أشد حينئذ كما هو ظاهر.
مع أن التبعيض في الحرية والرقية لم يعهد من الشارع الا في عقد الكتابة
فلا مجال فيه الا للقرعة ولا ينافي الحكم بالقرعة في المقام مع الحكم بحرية كل
من المتداعيين رقية الاخر بعد التحالف مع عدم البينة أو تساقطهما لعدم العلم برقية
أحدهما للاخر بمجرد التداعي لاحتمال كذب كل منهما نعم لو علم الحاكم برقية
أحدهما للاخر فهو حينئذ من هذا الباب.
ثم إن الحكم بالقرعة حينئذ هل يختص بصورة اشتباه الحر بالمملوك أو يعم
جميع موارد اشتباه من له الحق بمن عليه الحق ولو كان دينا - كما إذا علم كل
منهما بان أحدهما مديون للاخر -
وعلى فرض الاختصاص بالصورة الأولى هل يعم جميع موارد التباس الحر
بالمملوك ولو كانا بالغين عاقلين أو يختص بالصغيرين الظاهر أنه لا يعم الحكم لجميع
موارد التردد بينهما لعدم تأثير العلم الاجمالي بثبوت حق في ذمة أحدهما للاخر
في اشتغال ذمة كل منهما تعيينا أو تخييرا أو أحدهما بعينه.
كما هو ظاهر فيجرى أصالة العدم بالنسبة إلى كل منهما فيجب الاقتصار
على مورد النص وهو اشتباه الحر بالمملوك إذا كانا صغيرين ولعل الحكم بالقرعة
حينئذ من جهة رجوع ولاية أمرهما إلى الإمام عليه السلام فيصير تشخيص أمرهما
49

من وظائفه عليه السلام فيجب عليه القرعة بينهما.
والتحقيق انه لا مناص من القرعة في المقام ولا مجال لغيرها لان الامر دائر
في كل من الصبيين بين كونه ولد المولى وولد العبد فلا مجال لقاعدة العدل
والانصاف لعدم تطرق الإشاعة والاشتراك في الولادة كما أنه لا مجال لأصالة عدم كونه
ولد العبد للعلم الاجمالي بكونه ولد العبد أو ولد المولى وعدم جريان الأصل في
أطرافه اما لعدم المجرى له حينئذ أو للتعارض والتساقط.
فان قلت أحد طرفي العلم الاجمالي وهو كونه ولدا للمولى لا يؤثر منعا
فيسقط العلم الاجمالي حينئذ عن التأثير ويرجع إلى الشك البدوي فلا مانع حينئذ
من جريان الأصل.
قلت الأثر ثابت على كل تقدير لان مقتضى كونه ولدا للمولى انتسابه إلى
المولى المستتبع لانتسابه إلى أطرافه رجالا ونساء وثبوت الإرث له ومقتضى كونه ولد
العبد انتسابه إلى العبد وأطرافه وصيرورته ميراثا وثبوت النسبة والقرابة بالنسبة
إلى قبيلة وانقطاعه عن قبيلة أخرى المستتبع لأحكام كثيرة من المحرمية وحرمة
النكاح وثبوت الوراثة وهكذا في غاية الأهمية في نظر الشارع فلا بد من تشخيصها
وتعيينها ولا سبيل إليه الا بالقرعة.
وان علم بثبوت حق واشتبه عينه وتردد بين عينين فصاعدا وتساوت نسبة كل
من العينين إلى كل واحد من المالكين ولا مرجح في البين فهو مورد لقاعدة العدل
والانصاف لان تساويهما في النسبة موجب للحكم بالاشتراك في مرحلة الظاهر حسب
نسبتهما إليهما وقد ورد به النص في بعض مواضعه.
روى المشايخ الثلاثة (قدس سرهم) عن إسحاق ابن عمار: " عن أبي عبد الله عليه السلام في
الرجل يبضعه الرجل ثلثين درهما في ثوب وآخر عشرين درهما في ثوب فبعث بالثوبين
ولم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه قال يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلثين ثلاثة أخماس
الثمن والاخر خمسي الثمن قلت فان صاحب العشرين قال لصاحب الثلثين اختر أيهما
50

شئت قال قد انصفه وعمل به أكثر الأصحاب (قدس سرهم) وخالفهم ابن إدريس
فحكم فيه بالقرعة لأنها لكل امر ملتبس وهذا من ذاك.
وفيه ان موضوع القرعة هو الاشكال لا مجرد الالتباس ولا اشكال مع
وجود النص بل يمكن ان يقال هذه الصورة راجعة إلى الصورة الأولى التي ورد
فيها النصوص المتعدد على أنها مجرى لقاعدة العدل والانصاف إذ كل عين من
العينين حينئذ يتردد امره بين اثنين أو أكثر فالنصوص السابقة الدالة على ترتيب آثار
الإشاعة والاشتراك في الصورة الأولى دالة على ثبوته في هذه الصورة أيضا لرجوع
الصورتين إلى صورة واحدة فلا وجه للعدول عنها إلى القرعة.
وبما بيناه تبين انه لا يختص هذا الحكم بخصوص الثوبين ولا بصورة الاشتباه
بين عينين بل يجرى في غير الثوبين وفى أكثر من عينين إذا وقع الاشتباه ولا مرجح
في البين فالاقتصار على خصوص الثوبين المشتبهين والحكم بالقرعة في سائر
الصور كما ذهب إليه جماعة من الأجلة لا وجه له.
فان قلت ورود النصوص المتعددة على الحكم بالاشتراك في العين المرددة
بين اثنين أو أكثر لا يدل على جريانه في المقام إذ لعل الحكم بالاشتراك مع وحدة
العين من جهة دوران الامر بين تخصيصها بأحدهما ولو بالقرعة المحتمل حرمان
المستحق به رأسا والحكم باشتراكهما فيها الموجب لوصول بعض الحق إلى
مستحقه قطعا وتقدم الثاني على الأول وهذا الوجه لا يجرى في المقام لاشتراك القرعة
مع الحكم بالاشتراك في عدم حرمان ذي الحق عن بعض حقه
قلت تساوى النسبة في مرحلة الظاهر يقتضى ترتيب آثار الاشتراك ذاتا
والنصوص الواردة مقررة للقاعدة العقلية ولا تعبد فيها وهذا الوجه موجود بعينه في
المقام ولا مانع من الاخذ به ومجرد اشتراك القرعة معه حينئذ في وصول كل من
ذوي الحقوق إلى بعض حقه لا يوجب العدول عنه إلى القرعة.
ثم اعلم أنه نقل عن العلامة (قدس سره) في " التذكرة " انه فصل في هذا الفرع
51

فقال " ان أمكن بيعهما منفردين وجب ثم إن تساويا فلكل واحد ثمن ثوب ولا اشكال
وان اختلفا فالأكثر لصاحبه وكذا الأقل بناءا على الغالب وان أمكن خلافه الا انه نادر
لا اثر له شرعا وان لم يمكن صارا كالمال المشترك شركة اختيارية كما لو امتزج
الطعامان فيقسم الثمن على رأس المال وعليه تنزل الرواية
أقول الحكم بالشركة الظاهرية ثابت على كل حال والتشريك إنما هو في
الثوبين لا في الثمن الذي اشتريا به فمع تساويهما في الثمن الذي بيعا به فلكل واحد
نصف المجموع ومع اختلافهما فإن كان ثمن الأقل أزيد من خمسين فللأقل ذلك
إذ يعلم حينئذ بان قيمة ثوبه لا يكون أقل منه والا فله خمسان من المجموع بيعا
منفردين أو منضمين
والحاصل ان الحكم بالاشتراك أخماسا حكم ظاهري يؤخذ به مع الجهل
بنسبة قيمة أحدهما من قيمة الاخر
واما مع العلم بتساوي النسبة كالصورة الأولى فالحكم هو التنصيف لا محالة
وكذا مع العلم بان قيمة أدون الثوبين أزيد من خمسين نعلم بان لصاحب العشرين
أزيد من خمسين فيعطى ذلك فالحكم بالاشتراك أخماسا إنما هو مع الجهل بالنسبة
رأسا أو مع العلم بالنسبة في الجملة وعدم العلم بان سهم الأقل أزيد من خمسين
فما حكم به (قده) من الحكم بالتنصيف في صورة تساوى ثمني الثوبين صحيح
ولكن لا يتم حكمه بان لصاحب الأقل أقل الثمنين مطلقا.
وان علم الحق في الجملة وتردد في مقداره سواء كان ذلك ممن له الحق
أو ممن عليه الحق يحكم بالأقل وينفى الزائد بالأصل الا إذا استند جهل من عليه الحق
إلى تقصيره فيجب عليه الاحتياط حينئذ كما إذا استدان رجل من آخر غير مرة وتساهل
في قيده وضبطه مع جريان العادة بثبت المديون في دفتره مثلا ثم شك في مقدار دينه
يجب عليه حينئذ الاحتياط بأداء ما يعلم ببراءة ذمته.
ومن هذا القبيل من فاتته صلوات كثيرة وتساهل في قضائها وضبطها حتى شك
52

في مقدارها وينبغي ان ينزل على هذه الصورة فتوى أكثر الأصحاب بوجوب
تحصيل البراءة اليقينية عند الشك في مقدار الفوائت والا فعدم وجوب تحصيل
العلم بالبراءة مع الشك في الأقل والأكثر الغير الارتباطيين مسلم عند الجميع لعدم
العلم بالاشتغال حينئذ حتى يجب عليه تحصيل البراءة اليقينية.
وان علم باشتراك جماعة في عين واشتبه سهم كل واحد فاما ان يعلم بثبوت مقدار
معين لكل واحد بعينه ويشك في الزائد أو لا يعلم به كذلك فان علم به كذلك أعطى
كل واحد ما علم بثبوته له ويقسم الزائد بينهم بالسوية مع تساوى نسبة الكل إليه
في الظاهر وعدم المرجح عقلا أو شرعا
وان لم يعلم به كذلك حكم بإشاعة العين بينهم بالسوية مطلقا سواء علم بالتفاوت
في الجملة ولم يعلم مقداره ولا من له الزيادة أو علم مقداره واشتبه من له الزائد
بمن له الأقل أو لم يعلم بالتفاوت أصلا.
توضيح ذلك أنه مع العلم بمقدار معين لكل واحد منهما بعينه كما إذا اجتمع
ذكر مع الخنثى المشكل يستحق الذكر نصف التركة قطعا والخنثى ثلثها ويتردد
الامر في السدس الباقي ويستوى نسبة كل منهما إليه مع عدم العلائم المشخصة
الشرعية والعرفية فيحتمل كونه للذكر لاحتمال كون الخنثى أنثى وللخنثى لاحتمال
كونه ذكرا فيقسم بينهما بالسوية فيثبت للخنثى حينئذ سهم بين السهمين وتوهم ان
الأصل عدم استحقاق الخنثى ما زاد عن سهم الأنثى في غير محله لمعارضته بان الأصل
عدم استحقاق الذكر ما زاد عن سهم ذكر مجامع للذكر
والحاصل ان منشأ التردد هو ان الذكر في المورد هل هو مجامع مع ذكر
حتى يستحق نصف التركة أو أنثى حتى يستحق ثلثيها وكل منهما امر وجودي
مخالف للأصل فلا مجال لجريان الأصل في أحدهما ولا فرق فيما بيناه من تقسيم
الزائد بينهما بالسوية بمقتضى قاعدة العدل والانصاف بين استحقاق كل منهما
الجميع اقتضاءا مع الشك في مقدار التزاحم كما في المثال فان كلا منهما
53

يستحق جميع التركة لو انفرد وبين عدم استحقاقهما الجميع كذلك كما إذا علم
باشتراك عين بين زيد وعمرو وعلم بان لزيد نصفها ولعمرو ثلثها قطعا وشك في
السدس هل هو لزيد أم لعمرو.
واما مع عدم العلم بمقدار معين لكل واحد منهما بعينه فإن لم يعلم بالتفاوت
أصلا واحتمل كونهما متساويين فالامر ظاهر لاستواء نسبة كل منهما إليه في الظاهر
والأصل عدم زيادة حق كل واحد منهما على الاخر فيشتركان فيه بالسوية.
وان علم بالتفاوت في الجملة ولم يعلم مقداره ولا من له الزيادة فكذلك إذ نسبة
منهما إلى هذه الزيادة المعلومة اجمالا على حد سواء فيشتركان فيها فيتساويان
وان علم بمقدار التفاوت كان علم بان لأحدهما ثلثا وللآخر الثلثين واشتبها
في العين فلكل واحد منهما ثلث قطعا ويتردد الثلث الاخر بينهما فمع عدم المرجح
وتساوى نسبة الثلث إلى كل منهما يشتركان فيه بمقتضى قاعدة العدل والانصاف
فيتساويان في العين
فاتضح بحمد الله تعالى مما بيناه مجرى القاعدة الشريفة المسماة بقاعدة العدل
والانصاف وانه هو ما إذا تردد من له الحق المعلوم بين اثنين فصاعدا مع تطرق الإشاعة
في الحق وتساوى النسبة في الظاهر وعدم المرجح عقلا أو شرعا.
ثم لا يخفى عليك انه لا فرق في هذا الحكم بين أن يكون متعلق الحق عينا
خارجيا أو ما في الذمة كان علم زيد بثبوت دين معلوم المقدار في ذمته واشتبه في أن
الدين لعمرو أو لبكر مثلا لان تساوى النسبة إلى كل منهما كما يقتضى الإشاعة بالنسبة
إلى العين الخارجي كذلك يقتضى الإشاعة بالنسبة إلى ما في الذمة وهو كالعين
الخارجي قابل للإشاعة والاشتراك ذاتا ولا مانع من تطرقها فيه عرضا؟؟ فلا مجال
للتفصيل بينهما
فإذا تحققت الإشاعة بالنسبة إلى ما في ذمته في مرحلة الظاهر يلزمه تحقق الوفاء
وبرائة الذمة برد المقدار المعلوم إليهما بالسوية ان ادعاه كل واحد منهما وتحالفا
54

أو نكلا والا يختص به الحالف أو لم يدعه وعلم بأنه لأحدهما واستويا في نظره
وان ادعاه أحدهما وحلف اختص به فيدفعه إليه.
وان علم بثبوت دين في ذمته ولم يعلم بالدائن لا اجمالا ولا تفصيلا فهو من
قبيل المظالم ولا يجب عليه الاحتياط في صورة اشتباه من له الحق في عدد محصور
يدفع المقدار المعلوم إلى كل واحد منهم لان الاحتياط إنما يجب لأجل تردد المأمور به
بين أمور مع عدم تطرق الإشاعة فينحصر طريق الامتثال في الاتيان بجميع الأطراف
المحتملة حينئذ بخلاف المقام المتحقق فيه الإشاعة الظاهرية لوجود المقتضى لها وهو
تردد من له الحق بين اثنين فصاعدا وفقد المانع وقبول المحل لها فيجب عليه حينئذ دفع
الحق المعلوم اجمالا إلى مستحقيه في الظاهر ويبرء ذمته بهذا الدفع ولو لم يبرء ذمته
في الظاهر بالدفع إليهم لكان مناقضا مع حصول الإشاعة الظاهرية ومع حصول البراءة
في الظاهر لأجل العمل بالوظيفة لا يبقى مجال لوجوب الاحتياط.
ومن هنا تبين انه لا يجب المصالحة معهم حينئذ نعم لو صالح مع كل واحد
منهم لكان أحوط
وبما بيناه تبين ان الحكم بالسهم بين السهمين في الخنثى المشكل الذي له
ما للرجال وما للنساء إذا تساوى الفرجان في البول سبقا وانقطاعا كما ورد به النص
منطبق على القواعد الأولية الجارية في سائر الموارد ولكن الحكم بالقرعة في من
ليس له ما للرجال والنساء تعبدي ثبت بالنص الخاص.
ومنه يعلم أنه لو جهل ذكورة الوارث وأنوثته مع عدم التمكن من الفحص
عن حاله كما لو ولد حيا في سفينة وغرق في البحر قبل العلم بحاله فمقتضى الميزان
الحكم فيه بالسهم بين السهمين لعدم ورود نص فيه على خلافه وتوهم الاقتصار فيه على
سهم الأنثى للأصل باطل جدا لما عرفت من عدم جريان الأصل في أحد من الطرفين
ثم اعلم أن الحكم بالسهم بين السهمين في القسم الأول من الخنثى يمكن أن يكون
حكما واقعيا من جهة اجتماع الذكورة والأنوثة فيه تحقيقا وعدم غلبة احدى
55

الجهتين على الأخرى فهو ذكر وأنثى تحقيقا لا انه اما ذكر أو أنثى ولا ينافي ذلك من
كون أصل الحكم واقعيا ما ورد في النص من الحكم به في صورة موت الولد قبل
ان يبول لأنه إنما يصير حكما ظاهريا حينئذ باعتباره أصالة عدم غلبة احدى الجهتين
على الأخرى.
ويظهر من النصوص الواردة في المقام ان الأصل لا يجرى قبل الفحص من
حال الواقع في المقام مع التمكن منه مع أن الشبهة موضوعية ومن شانها عدم وجوب
الفحص فيها والسر في وجوب الفحص هنا شدة اهتمام الشارع بحكم الموضوع
في المقام من جهة انه من حقوق الناس
وكيف كان فقد ظهر لك ان مجرى قاعدة العدل والانصاف هو العلم بثبوت
الحق وتردد من له الحق بين اثنين فصاعدا مع تطرق الإشاعة في الحق وتساوى
النسبة في الظاهر وعدم المرجح من دون فرق بين أن يكون متعلق الحق عينا خارجيا
أو ما في الذمة وثبوت القرعة في بعض الموارد الذي هو مجرى للقاعدة المزبورة
كالخنثى الذي ليس له ما للرجال وما للنساء إنما هو بالنص الخاص كما أن الحكم
بجريان القاعدة في دية الجنين الذي لم يعلم اذكر أم أنثى والحكم بالدية بين الديتين
أيضا بالنص الخاص والا فمقتضى الميزان الحكم فيه بدية الأنثى لان الزائد عنها
مشكوك فيه والأصل عدمه.
ولعل الوجه فيه اهتمام الشارع بالحقوق المتعلقة بالدماء فجعل الدية فيه متوسطة
بين الديتين رعاية للجانبين
لا يقال قد تجرى القاعدة مع تردد الحق بين أعيان متعددة والعلم بمن له الحق
كما إذا علم زيد ان لعمرو عنده مالا ولم يعلم أنه ثوب أو كتاب أو بساط مخصوص
مثلا فان الظاهر أنه يحكم بتقويم المجموع ورد ثلث قيمته إلى عمرو.
لأنا نقول تردد الحق بين أعيان متعددة يرجع إلى تردد من له الحق في كل
عين من الأعيان بين زيد وعمرو فيحكم فيه بالإشاعة الظاهرية ويجرى فيه قاعدة
56

العدل والانصاف وحيث إن لعمرو واحدا منها وتردد الامر بين أعيان ثلاثة متباينة فلا بد
من تقويم المجموع ورد ثلث قيمته إليه وان تردد العين بين أعيان أربعة فله ربع قيمة
المجموع وهكذا
فان قلت الحكم بالإشاعة على خلاف الواقع قطعا إذ المفروض ان العين يختص
بأحدهما في الواقع ولا إشاعة فيه والحكم الظاهري وظيفة للجاهل بالواقع واما مع
العلم بعدم الإشاعة فلا يعقل أن تكون الوظيفة هي الحكم بالإشاعة.
قلت يتساوى نسبة الشخصين إلى العين في الظاهر حينئذ فيدور الامر بين
تخصيص العين بأحدهما والحكم بالإشاعة والأول اعمال لإحدى النسبتين والغاء للأخرى
مع عدم المرجح وبطلانه ظاهر واما الإشاعة فهي مقتضى اعمال النسبتين ولا ينافي
الحكم بها مع العلم بعدمها واقعا كما لا ينافي الحكم بالتخيير في الظاهر مع العلم
بعدمه واقعا.
والحاصل ان العجز عن تحصيل الموافقة القطعية كما أوجب الاكتفاء بالموافقة
الاحتمالية والحكم بالتخيير فكذلك العجز عن ايصال تمام الحق إلى مستحقه أوجب
الاكتفاء بايصال بعض الحق إلى مستحقه والحكم بالإشاعة لعدم السبيل إلى غيره
هذا تمام الكلام في قاعدة العدل والانصاف.
واما القرعة فمجريها الامر بالمشكل لا المشتبه والا جرت في جميع موارد الأصول
لثبوت الاشتباه فيها والاشكال لا يتحقق الا بعدم المجرى لسائر الأصول والقواعد
أو بوجود المانع عن جريانها مع ثبوت المجرى اقتضاءا فهي متأخرة عن جميع الأصول
والقواعد.
ومالا يكون مجرى لشئ من الأصول مثل ما إذا وطئ جماعة الأمة المشتركة
بينهم في طهر واحد شبهة فحملت وجائت بولد وتداعوه فإنه لا يجرى فيه سائر الأصول
اما قاعدة العدل والانصاف فلأنها إنما تجرى فيما يتطرق فيه الإشاعة ولا إشاعة
في النسب واما سائر الأصول فعدم جريانها فيه أوضح فينحصر الامر في القرعة
والامر في مثله واضح.
57

فان قلت لا مانع من اجراء أصالة عدم النسب في المقام لان علم كل واحد
من الشركاء بان الولد اما منه أو من شريكه لا يوجب الزامه بشئ
قلت لا يجرى أصل العدم في المقام لا لوجود العلم الاجمالي حتى يرد عليه
ما ذكرت من عدم تأثيره الالزام حينئذ باعتبار خروج أحد طرفيه عن محل الابتلاء
بل لأجل وجود مقتضى لحوق الولد بكل منهم لاشتراكهم في الفراش إذ الأمة
الموطوئة شبهة تصير فراشا لكل منهم فلا مجال لاجراء أصالة عدم لحقوق الولد
حينئذ مع وجود ما يقتضى اللحوق في كل منهم ولو اعتبرنا مع ذلك الحالة السابقة
في مجرى الأصل لكان الامر أوضح إذ لا حالة سابقة للحوق وعدمه حتى يستصحب (1)
واما الموارد التي تجرى القرعة فيها لأجل وجود مانع من جريان سائر الأصول
مع ثبوت المجرى لها فقد يشتبه الامر فيها ويحتاج إلى تأمل تام في تحقيق وجود
المانع وعدمه عقلا أو شرعا
هذا إذا كان القرعة لاستخراج امر مجهول واما إذا كان القرعة لتعيين سهام
الشركاء فالامر فيه واضح أيضا.

(1) لا يقال ثبوت مقتضى لحوق الولد في كل منهم مع عدم تطرق الاشتراك
يوجب التعارض والتساقط كما هو الشأن في تعارض المقتضيات مع عدم وجود
المرجح.
لأنا نقول لحوق الولد بواحد منهم معلوم فلا مجال للحكم ببطلان اللحوق
أصلا وإنما التعارض بين الأسباب في تعين المحق به فإذا لم يتطرق فيه الاشتراك ولا
ترجيح في البين يتعين الحكم بالقرعة (منه).
58

" فائدة - 7 "
الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن عبد الله ابن المغيرة عن غير
واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجلين كان معهما درهمان فقال
أحدهما الدرهمان لي وقال الآخر هما بيني وبينك قال فقال أبو عبد الله (ع) اما الذي
قال هما بيني وبينك فقد أقر بان أحد الدرهمين ليس له فيه شئ وانه لصاحبه يقسم
الدرهم الثاني بينهما نصفين ".
وعن العلامة قدس سره في التذكرة " لو كان في يد شخصين درهمان فادعاهما
أحدهما وادعى الاخر واحدا منها أعطى مدعيهما معا درهما وكان الاخر بينهما
نصفين لان مدعى أحدهما غير منازع في الدرهم الاخر فيحكم به لمدعيهما وقد
تساويا في دعوى أحدهما يدا ودعوى فيحكم به لهما هذا إذا لم يوجد بينة والأقرب
انه لابد من اليمين فيحلف كل واحد منهما على استحقاق النصف الآخر الذي
تصادمت دعواهما فيه فمن نكل منهما قضى به للاخر ولو نكلا معا أو حلفا معا
قسم بينهما نصفين لما رواه عبد الله ابن المغيرة " انتهى.
وما استظهره من تنزيل الرواية على صورة عدم البينة أو تعارض البينتين
وتحالفهما أو نكولهما عن اليمين في محله فان الظاهر أن الرواية ناظرة إلى تساوى
اليدين بالنسبة إلى أحد الدرهمين المقتضى للتقسيم بينهما مع عدم ما يوجب
اختصاص أحدهما به من البينة أو حلف أحدهما ونكول الاخر.
59

وقال الشهيد قدس سره في الدروس " لو كان معهما درهمان فادعاهما أحدهما
والاخر اشتراكهما ففي الرواية المشهورة للثاني نصف درهم وللأول الباقي ويشكل
إذا ادعى الثاني النصف مشاعا فإنه يقوى القسمة نصفين ويحلف الثاني للأول وكذا
كل مشاع " انتهى وكأنه قدس سره زعم أن يد كل منهما متعلق بالنصف المشاع
فيصير مدعي الكل مدعيا على صاحبه واما مدعي النصف فلأجل موافقة ادعائه ليده
لا يكون مدعيا على صاحبه شيئا وإنما ينكر ادعائه عليه فعليه ان يحلف ويترك له
ما في يده وهو النصف مشاعا.
وما زعمه في غير محله لان يد كل منهما متعلق بالكل والإشاعة في العين إنما
تتحقق من قبل اجتماع اليدين على محل واحد فمرجع الإشاعة والاشتراك إلى
عدم تمامية كل من اليدين في تأثير الاستحقاق والتملك من جهة التزاحم بينهما
لا إلى تعلق كل منهما بكسر مشاع والتعبير بملك النصف أو الثلث وهكذا تنبيه على
نقصان الاستحقاق وتقدير مرتبة ضعفه وان تتميمه إنما هو بتقسيمه بهذه النسبة.
وهكذا الامر في سائر الأسباب الموجبة للإشاعة والاشتراك في العين ضرورة
ان تعلق اليد والاستحقاق بالكسر المشاع غير متصور لان مرجع الكسر المشاع
إشاعة واقعية حينئذ إلى كسر غير معين واقعا وما لم يتعين واقعا مبهم لا يقبل الوجود
حتى يصير موردا للاستحقاق وأسبابه من اليد وغيرها ضرورة ان الشئ ما لم
يتشخص لم يوجد كما أنه ما لم يوجد لم يتشخص ومن هنا يبطل نكاح احدى البنتين
وطلاق احدى المرأتين.
فان قلت نعم كل من اليدين متعلق بنفس العين لا بكسر منها الا ان مقتضى
اجتماع اليدين على عين تنصيفها بينهما لأنهما متكافئان ولا ترجيح لإحديهما على
الأخرى فاقرار مدعي النصف بالنصف لمدعي الكل اقرار بمقتضى اجتماع اليدين
وتقرير له فلا يعقل ان يؤثر في انقلابه عما هو عليه من التنصيف إلى التربيع.
قلت استحقاق كل منهما نصف العين قبل الاقرار إنما هو مقتضى اجتماع
60

اليدين عليها وعدم ترجيح إحديهما على الأخرى ورجوع النصف إلى مدعي الكل
بعد اقرار صاحبه له بالنصف إنما هو بالاقرار النافذ عليه لا باعتبار اجتماع اليدين
على الكل ولذا ينفذ الاقرار بالنصف سواء اجتمعت أيديهما على العين أم انفردت
يد المقر بها فتأثير الاقرار في النصف ليس تقريرا بمقتضى اجتماع اليدين واثر
اجتماعهما حينئذ إنما يكون في النصف الآخر فيقتسمانه بالسوية فيثبت لمدعي النصف
الربع ولمدعي الكل الباقي.
فتبين بما بيناه غاية التبين انه لافرق في استحقاق مدعي النصف الربع حينئذ
بين ادعائه نصفا مشاعا أو معينا بل الرواية الشريفة الحاكمة بالتربيع ظاهرة في ادعائه
النصف مشاعا.
ومما حققنا يظهر لك ان ما ذكروه في كتاب القضاء من الاقتسام نصفين إذا ادعى
نصفا مشاعا و أرباعا إذا ادعى نصفا معينا في غير محله.
في اللمعة في كتاب القضاء " لو تشبثا وادعى أحدهما الجميع والاخر النصف
اقتسماها بعد يمين مدعي النصف للاخر وقيده الشهيد الثاني (قدس سره) في الشرح
بعد تفسير الاقتسام بالتنصيف بما إذا كان المدعى به نصفا مشاعا قال " ولو كان النصف
المتنازع معينا اقتسماه بالسوية بعد التحالف فيثبت لمدعيه الربع والفرق ان كل
جزء من العين على تقدير الإشاعة يدعى كل منهما تعلق حقه به ولا ترجيح بخلاف
المعين إذ لا نزاع في غيره ولم يذكروا في هذا الحكم خلافا والا فلا يخلو من نظر "
وقال ابنه الشيخ على (ره) في الحاشية أفاد والدي في وجه النظران الغرض
وضع يدهما على العين المتنازع فيها مع التعيين ان كانت يد مدعيه عليه وحده
حلف لمدعي الكل واخذها لا انه يأخذ الربع وان كانت اليد على المجموع لكن
الدعوى على النصف المعين ساوى المشاع في استحقاق النصف ".
وفى قواعد العلامة (قدس سره) " لو كان في أيديهما عين فادعاها أحدهما
وادعى الاخر منهما نصفها ولا بينة فهي بينهما بالسوية وعلى مدعي النصف اليمين
61

لصاحبه ولا يمين على صاحبه " (انتهى).
أقول اما ما ذكره من وجه الفرق بين المشاع والمعين بأنه في صورة دعوى
النصف مشاعا كل جزء من اجزاء العين مورد لتعلق حق كل منهما بحسب دعواه
فلا مزية لأحدهما على الاخر دعوى ويدا فتنتصف بينهما ففيه ان اقراره بالنصف
مشاعا لمدعي الكل يوجب اخراجه عن محل التعارض فلا يتعارضان الا في النصف الآخر
فيقتسمانه بالسوية فيحصل لمدعي النصف الربع ولمدعي الكل الباقي.
وتوهم عدم خروج النصف عن مورد التعارض إذا كان المدعى به النصف
مشاعا باطل جدا لان مقتضى نفوذ الاقرار خروج المقر به عن مورد التعارض
مشاعا كان أو معينا.
فان قلت شيوع المقر به فيما بيده وبيد صاحبه موجب لتساوي كل منهما في كلا
النصفين وعدم ترجيح أحدهما على الاخر فيعمل اليدان حينئذ بالنسبة إلى المجموع.
قلت شيوع النصف المقر به في العين لا يوجب الغاء الاقرار وعدم نفوذه كما
هو ظاهر.
فان أردت من تساوى كل منهما في كلا النصفين وعدم ترجيح أحدهما
على الاخر التساوي في الاستحقاق فهو باطل بالضرورة لاستحقاق مدعي الكل
النصف باقرار صاحبه ونصف النصف الآخر باعتبار اشتراك يده.
وان أردت من تساويهما في كلا النصفين عدم تميز المقر به عن غيره في
الخارج وعدم تعينه فهو مسلم ولكن لا يوجب اعمال اليدين في المجموع المقتضى
لاستحقاق كل منهما نصفا من العين كما هو ظاهر فاتضح بما بيناه غاية الاتضاح
ان ما ذكر من وجه الفرق غير فارق فيما نحن فيه ولا يجدي أصلا وان مقتضى
القواعد العامة الحكم بالتربيع مطلقا سواء كان المدعى به النصف مشاعا أو معينا
فما يظهر من كلماتهم ان مقتضى القواعد دعوى النصف المشاع التنصيف
وان الرواية المشهورة على خلاف القاعدة فيجب الاقتصار عليها في مورد
62

النص وهو الدرهمان في غير محله مع أن عمومات القواعد غير قابلة للتخصيص نعم
قد تقدم جهة على جهة فيتخيل انه من باب التخصيص ومن المعلوم انتفائه في المقام.
ومن غرائب الأوهام ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) في المقام فقال
ما محصله ان كلا من اليدين يقتضى تملك تمام العين فإذا اجتمعتا على الدرهمين
تعارضتا وتساقطتا كتساقط البينتين المتعارضتين المتساويتين فيصير كل منهما كمن
لا يد له عليهما فلا يكون أحدهما مدعيا والاخر منكرا حتى يرد عليه ان مدعي الكل
مدع للدرهم الذي هو تحت يد مدعي النصف ومقتضاه ثبوت النصف لمدعيه بعد
حلفه لا الربع وإنما حكم فيه بتنصيف أحد الدرهمين من جهة استواء نسبتهما إليه
قطعا للخصومة بينهما بالعدل والانصاف فهو كالصلح القهري ولعله لذا ذكر الأصحاب
هذه المسألة وما شابهها في هذا الكتاب.
وهو في غاية الغرابة إذ لا معارضة بين الأيدي بوجه ضرورة ان المراد من
اليد هو الاستيلاء والإحاطة وله مراتب فالاستيلاء التام موجب للحكم بالاستحقاق
التام كما أن الاستيلاء الضعيف بواسطة مجامعة يد أخرى معه موجب للحكم
باستحقاق ضعيف حسب مرتبة ضعفه باختلاف تعدد الأيدي ولا يكون كل من اليدين
المجتمعتين على عين واحدة موجبا للحكم بالتملك التام حتى تتعارضا وتتساقطا
ولا ينافي ذلك كون اليد موجبة للحكم بالتملك التام إذا انفردت لان
الاستيلاء مع الانفراد تام فيوجب الحكم بالاستحقاق التام وهذا بخلاف البينة
فإنها تدل على ثبوت ما قامت عليه البينة على حد واحد اجتمعت مع بينة أخرى أم لا
ولا تختلف دلالتها عليه باختلاف انفرادها واجتماعها مع بينة أخرى ولذا تتعارضان
عند اجتماع المتنافيتين منها ويقدم الأقوى منهما لو كان والا تساقطتا على أنه لو صح
ما ذكره لزم فيما إذا اجتمعت اليدان على عين وادعياها كل منهما وادعاها ثالث أيضا
أن يكون حكم الثالث حكمهما لخروج العين حينئذ عن تحت يد كل واحد منهم
لبطلان اليدين وتساقطهما وهو خلاف ضرورة الفقه.
63

(فائدة - 8):
قال شيخ مشائخنا العلامة الأنصاري في المتاجر.
(مسألة) لو باع من له نصف الدار نصف ملك الدار فان علم أنه أراد نصفه
أو نصف الغير عمل به والا فان علم أنه لم يقصد بقوله بعتك نصف الدار الا مفهوم
هذا اللفظ ففيه احتمالان حمله على نصفه المملوك له وحمله على النصف المشاع
بينه وبين الأجنبي.
ومنشأ الاحتمالين اما تعارض ظاهر النصف أعني الحصة المشاعة في مجموع
النصفين مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرف إلى نصفه المختص
وان لم يكن له هذا الظهور في غير المقام ولذا يحمل الاقرار على الإشاعة كما
سيجئ أو مع ظهور انشاء البيع في البيع لنفسه لان بيع مال الغير لابد فيه اما
من نية الغير أو اعتقاد كون المال لنفسه واما من بنائه على تملكه للمال عدوانا كما
في بيع الغاصب والكل خلاف المفروض هنا
ومما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين قول البائع بعت غانما مع كون
الاسم مشتركا بين عبده وعبد غيره حيث ادعى فخر الدين الاجماع على انصرافه
إلى عبده فقاس عليه ما نحن فيه إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير فبقي
ظهور البيع في وقوعه لنفس البايع وانصراف لفظ المبيع في مقام التصرف إلى مال المتصرف
64

سليمين عن المعارض فيفسر بها اجمال لفظ المبيع " (انتهى).
أقول وفيما ذكره نظر من وجوه:
الأول ان المقصود بالبحث هو ما إذا لم يقصد البايع الا مفهوم النصف من
دون تعيين في نظره وضميره من حصته أو حصة شريكه أو الحصة المشاعة بينهما
كما ذكره (قدس سره) لا ما إذا قصد المعين واشتبه علينا فحينئذ لا وجه للتمسك
بالظهور وترجيح أحد الظاهرين على الاخر أو تعديلهما لان اعمال الظهور إنما
هو لكشف مراد المتكلم والمفروض ان المتكلم في المقام لم يقصد الا مفهوم
النصف من دون نظر إلى التعيين أصلا.
فالصواب في وجه الاحتمالين ان يقال عدم ظهور النصف في النصف المختص
به أو بشريكه وعمومه لهما يقتضى حمله على النصف المشاع بينهما وانصراف البيع
الصادر عن البايع مع قطع النظر عن الصارف إلى وقوعه عن نفسه مع صلوح
المبيع له يقتضى حمل النصف على النصف المختص به.
والثاني انه لا ظهور للنصف مع قطع النظر عما بيناه من انصراف البيع
الصادر عن الشخص في حد نفسه إلى وقوعه عن نفسه المقتضى تعلقه بحصته المختصة
به الا في النصف المشاع المنطبق على حصته وحصة شريكه والحصة المشاعة
بينهما على حد واحد لان الجميع مصاديق للنصف المشاع فلا ظهور له في فرد منها
غاية الأمر ان تخصيصه بحصته أو حصة شريكه يحتاج إلى ما يخصصه به وهو
غير ظهوره في الحصة المشاعة بينهما حتى يعارض انصراف البيع في حد نفسه
إلى وقوعه عن البايع.
والثالث ان انصراف النصف إلى حصة المتصرف إنما هو من جهة انصراف
البيع والصلح وهكذا من التصرفات العقدية والايقاعية إلى التصرف عن نفسه
ولنفسه فالترديد لا وجه له.
ومما بيناه ظهران ايراده على فخر الدين (قدس سره) بعدم ظهور المبيع في مثاله
65

لعبد الغير دون ما نحن فيه في غير محله فان المبيع في المقامين لا ظهور له في شئ
وان افترقا من وجوه أخر وإنما الظهور والانصراف إنما هو من قبل المحمول وهو البيع
فيشتركان في هذه الجهة.
والرابع ان ما ذكره في وجه ظهور البيع في البيع لنفسه من أن بيع مال الغير
يتوقف على أحد أمور ثلاثة في غير محله لان بيع مال الغير يقع عن الغير سواء نواه
عن الغير أم لا بل ولو نواه عن نفسه ولا حاجة إلى نية ايقاعه عن غيره أو اعتقاده كون
المال لنفسه أو بنائه على تملكه للمال عدوانا وإنما يحتاج إلى النية عن الغير إذا كان
المبيع مشتركا صالحا للوقوع عن نفسه وعن غيره كما في المقام.
فتبين مما بيناه ان انصراف البيع إلى وقوع البيع لنفس البايع المقتضى لحمل
النصف على حصته المختصة به لا يعارضه ظهور النصف في المشاع لان حصته أيضا
مشاعة غير مفروزة ولا ظهور للنصف المشاع في فرد خاص من المشاع وهو المشاع
بين الطرفين بمعنى الموزع على السهمين حتى يعارض الانصراف المذكور ولذا
تكون المسألة من المسلمات كما في الجواهر وعن غصب جامع المقاصد والمسالك
وانه مما لا ينبغي التأمل والتوقف فيها.
وإنما الشأن في بيان افتراق الاقرار عن البيع وأمثاله في هذا الحكم.
فأقول بعون الله تعالى ومشيته ان التصرفات الانشائية عقدا كانت أو ايقاعا إذا
تعلقت بما يصلح لوقوعها عن نفس المتصرف وعن غيره بقصد الفاعل ايقاعها عن
غيره لا تكون نسبتها إلى الطرفين على حد واحد بحيث يكون الفعل مبهما مع
عدم نية المتصرف ايقاعه عن نفسه أو عن غيره ويصير بالطلا من جهة عدم تعينه في
أحد وجهيه.
ضرورة ان صدور الفعل عن الفاعل يقتضى وقوعه عن نفسه في حد نفسه لان
ارتباطه بنفسه مقتضى ذاته ولا ينصرف عنه إلى غيره الا بوجود صارف يصرفه عنه فمع
عدم وجود الصارف كما هو المفروض لابد من وقوع البيع عن نفسه المقتضى
66

لحمل النصف المشاع على حصته لا حصة شريكه.
اما الاقرار فلما كان اخبارا عن ثبوت حق الغير فيما بيده ويد الغير من دون
تصرف من المقر فلا انصراف فيه بوجه فينطبق متعلق الاقرار على الحصة المشاعة
في المال من دون اختصاص بحصته أو حصة صاحبه فيوزع عليهما لعدم وجود مرجح
في أحد الطرفين ولا صارف عنه.
وقد تبين مما بيناه أمور:
الأول ان النصف كما يحمل على حصته المختصة به في مورد الاشتراك مع
الأجنبي كذلك يحمل عليها في مورد اشتراكه مع المولى عليه والموكل لان المناط
انصراف الفعل إلى وقوعه عن نفس الفاعل في حد نفسه ما لم يصرفه عنه بصارف
وهو موجود في المقامين.
والثاني فساد ما ذكره بعضهم من أن حمل النصف على النصف المختص
بالبايع إنما هو فيما إذا قصد البايع نصفا معينا واشتبه علينا مقصوده وما إذا قصد
مفهوم النصف من دون تعيين في ضميره فهو محمول على المشاع بينهما كصورة
الاقرار لما أوضحناه لك من أن منشأ الانصراف إلى حصة البايع هو انصراف
البيع الذي هو فعل من أفعاله إلى وقوعه عن نفسه والا فلا انصراف في لفظ النصف
إلى حصة معينة بل الحمل على حصة البايع في صورة قصد البايع نصفا معينا
واشتباهه علينا إنما هو أيضا لأجل انصراف الفعل إلى وقوعه عن نفسه ما لم يصرفه
عنه صارف.
فإذا علمنا أنه أراد نصفا معينا ولم نعلم بأنه أراد ما هو مقتضاه في حد نفسه
ولو خلى وطبعه أم أراد غير منصرفه الأولى ومقتضاه الذاتي فمع الشك في تحقق
الصارف عن وجهته الأولية نأخذ بمقتضاه الذاتي اعتدادا بوجود المقتضى والغاءا
للمانع المشكوك ولولا ذلك لم يكن وجه لحمله على الحصة المختصة بالبايع
فحمله على الحصة المختصة به حينئذ ظاهري من جهة العلم بوجود المقتضى
67

والشك في وجود المانع.
واما الحمل على الحصة المختصة به في صورة عدم تعيين النصف في ضميره
فحكم واقعي تحقيقي للعلم بوجود المقتضى وعدم المانع والصارف معا فلو عكس
الامر لكان أولى.
والثالث ان انصراف البيع إلى البيع الواقع عن نفس البايع إنما هو لأجل
كونه فعلا له ومقتضى كونه فعله ارتباطه به ابتداءا وصرفه عنه إلى غيره مع صلوحه
له يحتاج إلى صارف يصرفه عنه وهو مطرد في كل فعل.
ومن هنا يكفي في وقوع الصلاة والصوم عن نفسه مجرد نية الصلاة والصوم
ولا يحتاج إلى نية كونه لنفسه كما يحتاج وقوعه عن غيره إلى نية النيابة عنه
ومقتضاه في المقام حمل النصف على حصته المختصة به لا ان للفظ النصف في هذا
المقام ظهورا في الحصة المختصة به كما يظهر من كلام شيخنا (قدس سره).
ثم إنه (قدس سره) بعد ما زعم أن ما ذكره جماعة من أنه لو أصدق المرأة
عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي لا نصف
الباقي وقيمة نصف الموهوب لا يخلو عن منافاة لهذا المقام.
قال: " ونظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح من أنه إذا أقر
من بيده المال لاحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالإرث فصالحه المقر له
على ذلك النصف كان النصف مشاعا في نصيبهما فان أجاز شريكه نفذ في المجموع
والا نفذ في الربع فان مقتضى ما ذكروه هنا اختصاص المصالح بنصف المقر له
لأنه ان أوقع الصلح على نصفه الذي أقر له به فهو كما لو صالح نصفه قبل الاقرار
مع غير المقر أو معه وان أوقعه على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلى حصته
فلا وجه لاشتراكه بينه وبين شريكه.
ولذا اختار سيد مشائخنا (قدس سره) اختصاصه بالمقر له و فصل في المسالك
بين ما لو وقع الصلح على نصفه أو مطلق النصف وبين ما إذا وقع على النصف
68

الذي أقر به ذو اليد فاختار مذهب المشهور في الثالث لان الاقرار منزل على الإشاعة
وحكم بالاختصاص في الأولين لاختصاص النصف وضعا في الأول وانصرافا في
الثاني إلى النصف المختص واعترضه في مجمع الفائدة بان هذا ليس تفصيلا بل
مورد كلام المشهور هو الثالث لان غرضهم المصالحة على ذلك النصف المقر به
وتمام الكلام في محله انتهى.
أقول لا منافاة بوجه بين صدق نصف المهر على النصف الباقي وبين حمل
النصف على الحصة المختصة بالبايع في مقام البيع عند الاطلاق كما هو ظاهر
وكذلك لا ينافيه ما ذكروه في باب الصلح.
توضيح الحال ان اعتراف ذي اليد لاحد المتداعيين بالنصف بسبب موجب
للشركة بينهما كالإرث يوجب اشتراكهما في النصف واستحقاق كل منهما الربع
فإذا صالحه المقر له على النصف فلا ينفذ في النصف الكامل الا بإجازة شريكه
لا لان النصف حينئذ يحمل على المشاع ولا يحمل على الحصة المختصة بالمصالح
بل لأنه لا يملك بالاقرار المزبور الا الربع فمصالحته على النصف حينئذ مصالحة
على ما يملكه ومالا يملكه فلا ينفذ أصالة الا في الربع ويحتاج نفوذه في الربع الاخر
على إجازة مالكه وهو شريكه.
ومن الغريب ان صاحب المسالك بعد تقريره كلام الأصحاب.
قال وفيه بحث لان هذا لا يتم الا على القول بتنزيل البيع والصلح على الإشاعة
كالاقرار وهم لا يقولون به بل يحملون اطلاقه على ملك البايع والمصالح إلى أن
قال: فاللازم هنا ان ينصرف الصلح إلى نصيب المقر له خاصة فيصح في جميع
الحصة بجميع العوض وتبقى المنازعة بين الاخر والمتشبث هذا ان وقع الصلح
على النصف مطلقا أو النصف الذي هو ملك المقر له.
اما لو وقع على النصف الذي أقر به المتشبث توجه قول الجماعة لان الاقرار
منزل على الإشاعة والصلح وقع على المقر به فيكون تابعا له فيها وعلى هذا ينبغي
69

حمل كلامهم لئلا ينافي ما ذكروه من القاعدة التي ذكرناها وهذا توجيه حسن
لم ينبهوا عليه " (انتهى) وهو من الغرابة منه بمكان.
لما تبين لك من أن نصيب المقر له حينئذ إنما هو الربع والنصف إنما هو
للمتداعيين حينئذ بالإشاعة فلا مجال لنفوذ صلح المقر له في النصف الكامل حينئذ
الا بإجازة شريكه سواء تعلق الصلح بالنصف المقر به أو النصف مطلقا أو النصف
الذي هو ملكه فالتفصيل بين الصور باطل كما أن القول بنفوذه في النصف مطلقا كذلك
ثم إن عدم نفوذه في النصف في صورة تعلقه بالنصف المقر به إنما هو لما
بيناه لا لأجل تعلق الاقرار بالمشاع وتعلق الصلح حينئذ بالمشاع أيضا بقرينة تعلقه
بالمقر به كما يظهر من كلامه فما ذكره من أن هذا توجيه حسن لم ينبهوا عليه في غير
محله لعدم ارتباطه بما ذكروه حتى يكون حسنا.
ثم قال شيخنا (قدس سره) وعلى كل حال فلا اشكال في أن لفظ النصف المقر به
إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع مجردا عن حال أو مقال يقتضى صرفه إلى
نصفه يحمل على المشاع في نصيبه ونصيب شريكه.
ولهذا أفتوا ظاهرا على أنه لو أقر أحد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما
على نصف العين بان ثلث العين لفلان حمل على الثلث المشاع في النصيبين فلو
كذبه الشريك الاخر دفع المقر إلى المقر له نصف ما في يده لان المنكر بزعم المقر
ظالم للسدس بتصرفه في النصف لأنه باعتقاده إنما يستحق الثلث فالسدس الفاضل
في يد المنكر نسبته إلى المقر و المقر له على حد سواء فإنه قدر تالف من العين
المشتركة فوزع على الاستحقاق إلى أن قال:
نعم يمكن ان يقال في هذا المقام بان التلف في هذا المقام حاصل بإذن الشارع
للمنكر الغاصب لحق المقر له باعتقاد المقر والشارع إنما اذن له في اخذ ما يأخذه على أنه
من مال المقر له فالشارع له إنما حسب السدس في يد المنكر على المقر له فلا يحسب
منه على المقر شئ وليس هذا كاخذ الغاصب جزء معينا من المال عدوانا بدون
70

اذن الشارع حتى يحسب على كلا الشريكين
والحاصل ان اخذ الجزء لما كان بإذن الشارع وإنما اذن له على أن يكون
من مال المقر ولعله لذا ذكر الأكثر بل نسبه في الايضاح إلى الأصحاب في مسألة
الاقرار بالنسب ان أحد الأخوين إذا أقر بثالث دفع إليه الزائد عما يستحقه باعتقاده
وهو الثلث ولا يدفع إليه نصف ما في يده نظرا إلى أنه أقر بتساويهما في مال المورث
فكل ما حصل كان لهما وكلما توى كان كذلك هذا.
ولكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال من جهة ان الشارع الزم بمقتضى الاقرار
معاملة المقر مع المقر له بما يقتضيه الواقع الذي أقر به ومن المعلوم ان مقتضى
الواقع لو فرض العلم بصدق المقر هو كون ما في يده على حسب اقراره بالمناصفة
واما المنكر ظالما فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل منه الا ما قابل حقه
عما في يدهما والزائد حق لهما عليه.
واما مسألة الاقرار بالنسب فالمشهور وان صاروا إلى ما ذكر وحكاه الكليني
عن الفضل ابن شاذان على وجه الاعتماد بل ظاهره جعل فتواه كرواية الا انه صرح
جماعة ممن تأخر عنهم بمخالفته للقاعدة حتى قوى في المسالك الحمل على الإشاعة
وتبعه سبطه وسيد الرياض في شرحي النافع.
والظاهر أن مستند المشهور بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب
الحديث كالفضل والكليني بل وغيرهما.
فروى الصدوق مرسلا والشيخ مسندا عن وهب بن وهب أبى البختري
عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل مات وترك
ورثة فاقر أحد الورثة بدين على أبيه انه يلزم ذلك في حقه بقدر ما ورث ولا يكون
ذلك في ماله كله وان أقر اثنان من الورثة وكانا عدلين أجيز ذلك على الورثة وان
لم يكونا عدلين الزما في حقهما وكذلك ان أقر أحد الورثة بأخ أو أخت يلزمه
ذلك في حصته.
71

وبالاسناد قال علي عليه السلام: " من أقر لأخيه فهو شريك في المال ولا يثبت نسبه
فان أقر اثنان فكذلك الا ان يكونا عدلين فيثبت نسبه ويضرب في الميراث معهم "
وعن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي ابن محمد وتمام الكلام في محله
من كتاب الاقرار والميراث انشاء الله تعالى انتهى.
أقول التحقيق ان مقتضى القواعد العامة والضوابط الأولية ما دلت عليه الروايات
في باب الاقرار بالنسب وعمل به أكثر الأصحاب (قدس سرهم)
توضيح الحال انه باقرار أحد الشريكين لثالث بثلث العين مع انكار الاخر
لا يثبت للمقر له الا سدس العين فحقه ينحصر في السدس في الظاهر فلو استحق
تنصيف ما في يد المقر لزم ان يستحق الربع وهو خلاف الفرض.
والحاصل ان اقرار أحد الشريكين بثلث العين مع انكار الاخر إنما يوجب
استحقاق المقر له سدس العين لا أزيد لان كلا من الاقرار والانكار مسموع ونافذ
في المقام ومقتضى سماعهما ثبوت السدس للمقر له وورود النقص واحتساب
التالف عليه لا عليه وعلى المقر معا ولو حكمنا بثبوت الربع له لزم نقض الحكم
الظاهري الآتي من قبل اقرار أحد الشريكين وانكار الاخر.
فان قلت الحكم الظاهري إنما يؤخذ به مع عدم ثبوت الواقع والواقع
ثابت في المقام على المقر حسب اقراره فلا مجال لا عمال الحكم الظاهري بالنسبة إليه
قلت ثبوت الثلث للمقر له عند المقر إنما يمنع من اشتراء النصف الآخر
من المنكر وهكذا من التقلبات لأجل اقراره بان سدسه للمقر له واما احتساب
التالف عليه مع وجود المانع الشرعي من ثبوته له فلا.
فان قلت مقتضى ثبوت الإشاعة في العين حسب اقرار المقر احتساب التالف
عليهما وتوزيع الباقي عليهما.
قلت مقتضى الإشاعة في العين احتساب التالف عليهما ما لم يكن في البين ما
يقتضى اختصاصه بأحدهما واما مع وجود ما يقتضى اختصاصه بأحدهما كما في
72

المقام فلا يحتسب التالف عليهما وتوهم ان احتساب التالف على المقر له واختصاصه
به يتوقف على خروج العين عن الإشاعة فاسد إذ الاختصاص قد يكون بسبب عدم
الإشاعة وقد يكون لوجود المرجح مع بقاء الإشاعة
والمقام من هذا القبيل ضرورة ان اقرار أحد الشريكين بالثلث وانكار
الاخر يوجبان ثبوت السدس له فيحتسب التالف عليه لعدم ثبوت الثلث له بحسب الظاهر.
وبما بيناه تبين اندفاع ما ذكره شيخنا (قدس سره) من أن مقتضى نفوذ الاقرار
على المقر معاملته مع المقر له بما يقتضيه الواقع الذي أقر به من الإشاعة أثلاثا المقتضى
لاحتساب التالف عليهما لما عرفت من أن الإشاعة الحقيقية لا تنافي مع احتساب التالف
على أحدهما لوجود مرجح عقلي أو شرعي والمرجح في المقام موجود وهو سماع
انكار أحد الشريكين مع عدم قيام البينة عليه فلا يثبت للمقر له حينئذ الا السدس فالنقص
إنما رجع إليه وهذا معنى احتساب التالف عليه.
فاتضح بما بيناه غاية الاتضاح ان مقتضى اقرار أحد الشريكين بسهم لثالث
وانكار الاخر احتساب التالف على المقر له سواء تعلق الاقرار بالنسب ابتداءا أو بعين
خارجي أو منفعة وان الروايات الشريفة الواردة في باب الاقرار بالنسب على مقتضى
القواعد الأولية ولا تعبد فيها حتى يقتصر فيها على ما إذا تعلق الاقرار بالنسب على مقتضى
القاعدة دون المقام من جهة ان التلف في المقام مستند إلى وقوع يد المنكر على
النصف الذي ثلثه مشترك بين المقر والمقر له فيجب ان يحتسب عليهما واما في باب
الإرث فلا يد لاحد على التركة وإنما يستند تلف جزء من سهم المقر له إلى مجرد انكار
واحد من الورثة.
وفيه ان التركة مشاعة بين الورثة قبل القبض والاقرار فإذا أقر واحد من الورثة
لثالث بالنسب والإرث وانكره الاخر وتصرف نصف التركة جرى فيها ما جرى في
سائر الأعيان المشاعة فالتفصيل بينهما مما لا وجه له.
73

(فائدة - 9)
في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم والروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام مستفيضة
بل متواترة على أن الحكم فيها التوارث وإنما الكلام في أنه مقتضى القواعد الأولية
والضوابط العامة حتى يتعدى عنهما إلى سائر موارد الاشتباه أم حكم تعبدي ورد في
مورد خاص فيجب الاقتصار عليه.
توضيح الكلام في المقام يحتاج إلى تمهيد مقدمة يذكر فيها أمور:
الأول ان الحكم على قسمين واقعي ثابت للوقايع من دون مدخلية لعلم المكلف
وجهله فيها وظاهري ثابت باعتبار علم المكلف وجهله ولذا يختلف باختلاف صور
العلم وجهله وهو في الحقيقية وظيفة ثابتة للمكلف بالنسبة إلى الأحكام الواقعية وليس
حكما للوقايع في عرض الأحكام الواقعية بل هو راجع إلى المرحلة الثالثة من
مراحل الحكم الراجعة إلى تنجيز الحكم أو العذر عنه والوظائف المعلولة عنه.
والثاني ان الأحكام الواقعية تعبدية لا مسرح للعقل فيها.
واما الأحكام الظاهرية فالعقل مستقل فيها وهي راجعة إليه لأنها وظائف واقعية
مدركة بالعقل ولا يتوقف على جعل المولى ذاتا والا لزم التسلسل في الأحكام الظاهرية
ضرورة انه حينئذ حكم مولوي تختلف الوظيفة فيها باختلاف العلم والجهل وهكذا إلى
غير النهاية نعم للمولى التصرف فيها في الجملة بايجاب الاحتياط في مورد العذر
74

أو الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية في مورد العلم بالحكم المقتضى لوجوب الموافقة
القطعية.
والثالث ان موت الشخص موجب لتخلية مكانه ورجوع تركته إلى مناسبه
أو مساببه ووراثته عنه فلو تقارن موتهما لم يرث أحدهما من الاخر لان كلا منهما يخلى
مكانه حينئذ ويترك تركته لمناسبه أو مساببه فلا يعقل ان يرث كل منهما عن الاخر ولو
تقدم موت أحدهما على الاخر فالمتأخر يرث المتقدم ولا يعقل ان يرث المتقدم عن
المتأخر وهذا امر واضح لا ريب فيه ولكن يقع الكلام في أن حياة الوارث بعد موت
المورث شرط لوراثته عنه أو اقتران موتهما أو تقدم موت الوارث مانع عن الإرث
الظاهر من كلماتهم ان حياة الوارث بعد موت المورث شرط للوراثة ولذا
حكموا بأن الحكم بالتوارث على خلاف الأصل إذ مقتضى الشك في الشرط الشك
في المشروط والحكم بعدم تحققه.
والتحقيق انه لم ينهض على ذلك دليل من العقل أو النقل ومجرد عدم وراثة
من تقدم موته عن الاخر وعدم وراثة كل من المتقارنين عن الاخر لا يكشف عن
كون حياة الوارث بعد موت المورث شرطا لأنه كما يجامع مع كون حياة الوارث
بعد موت مورثه شرطا كذلك يجامع مع كون تقارن موتهما أو تقدم موت الوارث
مانعا ومع التردد بينهما يترتب اثر المنع دون الاشتراط.
توضيح الحال ان كلا من المانعية والشرطية خلاف الأصل فلا مجال لاثبات
أحدهما بالأصل موضوعا ولكن لما كان اثر الشرط زائدا على اثر المانع واثره ثابت
على كلا التقديرين دون اثر الشرط يحكم بثبوت حكم المانع دون الشرط فان عدم
وراثة كل منهما عن الاخر في صورة العلم بتقارن موتهما وعدم وراثة من علم بتقدم
موته اثر الشرط والمانع معا.
واما عدم وراثة أحدهما عن الاخر في صورة عدم العلم بالتقارن والتقدم والتأخر
واشتباه الحال فمبنى على شرطية حياة الوارث بعد موت مورثه واما على مانعية التقارن
75

والتقدم فالأصل وراثة كل منهما عن الاخر للعلم بوجود المقتضى في كل منهما وعدم
العلم بوجود المانع.
فان قلت احراز المقتضى في باب قاعدة الاقتضاء والمنع يتوقف على احراز
الشرط لان كل ماله دخل في وجود الشئ جزء للمقتضى في هذا المقام فمع احتمال
كون حياة الوارث بعد موت مورثه شرطا للوراثة أو ضده من التقارن والتقدم مانعا
لا يكون المقتضى محرزا لعدم احراز ما يحتمل شرطيته.
قلت إذا تحقق موجب الإرث من النسب أو السبب وتحقق موت المورث تم
المقتضى في نظر العقل والعرف لعدم مدخلية قيد الحياة في وراثة الوارث عندهما
وإنما يرى العقل والعرف مقارنة موتهما أو تقدم موت الوارث على موت مورثه حاجزا
مانعا فالترديد والاحتمال إنما هو من حيث تصرف الشارع في جعل حياة الوارث بعد
موت مورثه شرطا ومن المعلوم ان الأصل عدمه ما لم يدل عليه بل الحكم بالتوارث
دليل على تقرير الشارع حكم العقل.
وأيضا لو كانت حياة الوارث بعد موت مورثه شرطا لا ضده من تقارن موتهما
أو تقدم موت الوارث مانعا لزم أن يكون الحكم بالتوارث تعبدية محضة واعمالا
للولاية الشرعية في تقديم غير مستحق الإرث على مستحقه وجعل غير المستحق
مستحقا وهذا مما لم يعهد من الشارع سيما في حقوق الناس نعم في مقام الالجاء
والاضطرار وردت الرخصة في تصرف مال الغير مع التضمين لا مجانا.
إذا اتضحت لك هذه الأمور، اتضح لك انه إذا اشتبه الحال ولم يعلم أنه تقارن
موتهما أو ترتب موت أحدهما ولم يعلم المتقدم والمتأخر منهما بعينه وكان لكل
منهما مال وكان كل منهما وارثا عن الاخر بنسب أو سبب يتوارثان سواء كان الموت
مستندا إلى سبب من غرق أو هدم أو غيره أم لم يكن مستندا إلى سبب وكان الموت
حتف الانف لما عرفت من أن الحكم بالتوارث مقتضى الأصل الأولى ولا يكون
تعبديا حتى يقتصر فيه على مورد النص بل الظاهر من الروايات طرد الحكم في
76

جميع موارد الاشتباه.
وذكر الغرق والهدم في كلام السائل إنما هو لأجل بيان سبب الاشتباه لا سبب
الموت فالسؤال في الحقيقة عن حكم المشتبه ولو تنزلنا وقلنا إن السؤال عن
الاشتباه المسبب عن الغرق والهدم لا يضرنا لان الجواب عام والمورد لا يكون مخصصا
فان قلت الموت امر عدمي لأنه عبارة عن عدم الحياة والعدم لا يكون مؤثرا
ولا متأثرا فلا يصلح أن يكون تقارنه أو تقدمه مانعا:
قلت تقابل الموت مع الحياة ليس من قبيل تقابل التناقض بل من قبيل
تقابل التضاد فإنه عبارة عن زهوق الروح فهما أمران وجوديان متضادان يجوز ارتفاعهما
فان الجنين قبل ولوج الروح فيه لا يكون حيا ولا ميتا ولذا لا يجب غسله لو سقط حينئذ
ولا ينافي ذلك اشتراط كونه وارثا بولوج الروح فيه وتولده حيا واما بعد استقرار
الصلوح بتولده حيا فكما يحتمل ان يجعل حياة الوارث بعد موت مورثه شرطا
فكذلك يحتمل ان يجعل تقدم موته على موت مورثه أو تقارن موتهما مانعا.
فان قلت لو كان الموت عبارة عن زهوق الروح لا مجرد عدم الحياة لزم
ان لا يكون السقط قبل ولوج الروح فيه نجسا لعدم ميتة حينئذ بل يلزم ان لا يكون
حراما أيضا لو كان مما يؤكل لحمه.
قلت اما حرمته فلأجل انتفاء شرط الحلية وهي التذكية واما النجاسة فان
ثبتت كما حكى عن بعض انه لا خلاف فيها فهي اما لأجل صدق كونه عضوا مبانا
من حي كما قال به بعض واما لأجل تنزله منزلة الميت في النجاسة لا لكونه ميتا تحقيقا.
فان قلت التقارن مقتضى الأصل لان الأصل عدم تقدم موت أحدهما على موت
الاخر فثبت المانع من الإرث بالأصل حينئذ.
قلت التقارن كالتقدم والتأخر امر وجودي مندفع بالأصل ولا ينافي ذلك
الحكم بتساوي الحقين عند اجتماعهما والواجبين عند تزاحمهما مع الشك في زيادة
أحد الحقين وأهمية أحد الواجبين من الاخر لان مرجع التساوي حينئذ إلى عدم
77

زيادة أحد الحقين وأهمية أحد الواجبين لا إلى امر وجودي فيثبت بالأصل.
فان قلت لعل جعل التقارن أو التقدم مانعا يختص بمورد الغرق والهدم.
قلت أولا انك قد عرفت ان حكم الشارع بكونه مانعا تقرير لحكم العقل
لا امر مجعول حتى يقتصر على مورد النص مع عدم الدليل وحكم العقل يطرد في
جميع موارد الاشتباه.
وثانيا ان الروايات الشريفة ناظرة إلى بيان حكم المشتبه والسؤال عن خصوص
الغرق والهدم لا يوجب تخصيص الحكم ضرورة ان المورد لا يكون مخصصا.
فان قلت أي دليل دل على اعتبار قاعدة المقتضى والمانع حتى يحكم بالتوارث
في جميع موارد الاشتباه.
قلت قد أثبتنا لك وجه اعتبار هذه القاعدة في الفائدة الأولى وانها قاعدة
عقلية قد اعتمد عليها كافة العقلاء في جميع الموارد وقد عمل بها الأصحاب (قدس سرهم)
في كثير من أبواب الفقه والأخبار المستفيضة بل المتواترة مقررة لهذه القاعدة الشريفة
المسماة باستصحاب حكم النص.
نعم قد خفيت حقيقة هذه القاعدة ووجه اعتبارها على جمع من متأخري
المتأخرين حتى بالغ بعضهم فقال إنه لا سبيل إلى العلم بالمقتضى واحرازه الا لمن
نزل عليه الوحي على ما ذكره بعض مقرري بحثه وقد أوضحنا هناك غاية الايضاح
بطلان ما زعمه.
فان قلت الحكم بوراثة أحدهما يستلزم عدم وراثة الاخر عنه فكيف تجرى
القاعدة في كل منهما ويحكم بالتوارث المعلوم بطلانه في الواقع.
قلت تفكيك المتلازمين في الأحكام الظاهرية التي هي مؤدى الأصول شايع
الا ترى انه يحكم في المتوضى بمايع مردد بين كونه بولا أو ماء باستصحاب
حدثه وطهارة أعضائه مع جواز اجتماعهما في الواقع بل الامر في المقام
أوضح لان كلا منهما موظف بوظيفة نفسه ولا يمنع من اجراء الوظيفتين في حق كل
78

منهما علمه بعدم مطابقة وظيفته أو وظيفة صاحبه للواقع لان وظيفة صاحبه خارج عن
محل ابتلائه والعلم الاجمالي إنما يؤثر إذا كان كل من طرفيه محلا لابتلائه.
وإذ قد اتضح لك مما حققناه ان حياة الوارث بعد موت مورثه لا تكون شرطا
وان تقارن موتهما أو تقدم موت الوارث مانع عن الإرث اتضح لك غاية الاتضاح
ان الصواب هو الحكم بالتوارث في مورد الاشتباه مطلقا فتخصيص الحكم بمورد
الغرق والهدم على ما اختاره جماعة في غير محله كما أن طرد الحكم في الموت
المستند إلى سبب دون الموت حتف الانف بزعم استناد الحكم إلى الموت المستند
إلى السبب وان ذكر الغرق والهدم من باب المثال في غير محله لأن الظاهر من
ذكر الغرق والهدم في الروايات بيان سبب الاشتباه لا بيان سبب الموت فإنه بعيد
عن مساق الروايات جدا.
وبالجملة بعد ما اتضح لك ان الحكم بالتوارث موافق للأصل اتضح لك
انه لا وجه للاقتصار على مورد الغرق والهدم أو على خصوص الموت بسبب من
حرق أو قتل وهكذا أو على خصوص الغرق في الماء المطلق وهدم البيت والتأمل
في الغرق في الماء المضاف أو القير أو الطين أو النفط وهكذا وفى هدم جبل وانكسار
شجرة ووقوع بيت شعر وخيمة ونحوها وفيما علم ترتب الغرق أو الهدم ولم يعلم
المتقدم من المتأخر وفيما علم ترتب موت بعضهم على بعض مع تحقق الغرق
أو الهدم دفعة واشتباه المتقدم منهم بالمتأخر.
فان التأمل والاضطراب في حكم هذه الفروع إنما نشأ من البناء على أن حياة
الوارث بعد موت المورث شرط للإرث وان ما حكم به في الروايات الشريفة من
التوارث تعبد محض مخالف للأصل فاضطربت كلماتهم في جواز التعدي عن مورد
النصوص مع أن الظاهر من الروايات ان الحكم بالتوارث إنما هو للمشتبه من دون
تقييد بصورة مخصوصة.
ولا يعارض هذه الروايات الصحيحة المستفيضة بل المتواترة الا خبر القداح
79

عن مولينا الباقر عليه السلام ماتت أم كلثوم بنت علي عليه السلام وابنها زيد ابن عمر ابن الخطاب
في ساعة واحدة لا يدرى أيهما هلك قبل فلم يورث أحدهما من الاخر وصلى عليهما
جميعا وهو على فرض عدم القدح في سنده لا يصلح لمعارضة مع سائر النصوص
إذ لا دلالة فيه على أنه حكم الواقعة.
وإنما اخبر (ع) بأنه لم يورث أحدهما من الاخر ولعله كان ذلك برأي الثاني
ونظره فلا دلالة فيه على أن حكم الموت حتف الانف يغاير حكم الموت بسبب.
وقد تبين بما بيناه أمور:
الأول انه يتوارث كل منهما عن الاخر فيما تركه لا فيما ورثه عن الاخر إذ
تلقى كل منهما تركة الاخر إنما هو اثر خلافة كل منهما عن الاخر في الظاهر
لأجل وجود المقتضى وعدم العلم بالمانع فلا يعقل ان يعود إلى الأصل بعد تلقيه
منه بالخلافة عنه الا بفرض موت آخر وخلافة جديدة لكل منهما عن الاخر وهو
منتف قطعا فلا مجال لفرضه.
وهذا الحكم مع وضوحه قد ورد به النص ففي مرسل حمران ابن أعين عن
أمير المؤمنين عليه السلام: " في قوم غرقوا جميعا أهل بيت واحد قال يورث هؤلاء من هؤلاء
وهؤلاء من هؤلاء ولا يرث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء ولا يرث مما ورثوا من
هؤلاء شيئا ".
والثاني انه لو كان لأحدهما مال دون الاخر يكون الإرث لمن لا مال له
لان التوارث من الجانبين إنما كان لأجل وجود المقتضى في كل منهما للوراثة
مع ثبوت المحل وعدم العلم بالمانع وإذا لم يخلف أحدهما تركة ينتفى وراثة من
له تركة ممن لا تركة له لأجل انتفاء المحل وعدم ترتب الوراثة على أحد المقتضيين
باعتبار انتفاء المحل لا يوجب سقوط المقتضى الاخر عن التأثير مع وجود المحل له كما
هو ظاهر.
وقد ورد به النص عن البجلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سئلته عن بيت وقع على
80

قوم مجتمعين فلا يدرى أيهم مات قبل فقال يورث بعضهم من بعض قلت فان أبا حنيفة
ادخل فيها شيئا قال وما ادخل قلت رجلين أخوين أحدهما مولاي والاخر مولى لرجل
لأحدهما مأة ألف درهم والاخر ليس له شئ ركبا في السفينة فغرقا فلم يدر أيهما مات
أولا كان المال لورثة الذي ليس له شئ ولم يكن لورثة الذي له المال شئ قال فقال
أبو عبد الله عليه السلام لقد سمعها وهو هكذا.
والثالث انه لا ترتيب في التوارث لان كلا منهما يستحق تركة الاخر بسبب وجود
المقتضى فيه وعدم العلم باقترانه بوجود مانع فلا مجال لتقدم أحد الاستحقاقين على
الاخر وما وقع في النصوص من أنه يورث المرأة من الرجل ثم يورث الرجل من المرأة
لا ينافي ما بيناه فإنه امر باعطاء ارث المرأة أولا اهتماما بشأنها كي لا يضيع حقها فان
غالب الناس لاستيناسهم بعادة أهل الجاهلية لم يهتموا بشأن المرأة ولم يروا لها حقا
كما استمرت هذه القاعدة في الاعراب والعشائر إلى زماننا هذا.
وقد خفى هذا المعنى على أكثر الأصحاب " قدس سرهم " فتحيروا في وجه التقديم
مع عدم ترتب ثمرة علية الا على قول المفيد (قدس سره) من أن الثاني يرث مما ورثه
الأول الذي حكموا بفساده فمنهم من أوجبه تعبدا ومنهم من قال بأنه ندب وطردوا
الحكم وجوبا أو ندبا إلى كل من كان أضعف في التوريث فحكموا فيما لو غرق أب
وابن بأنه يورث الابن زعما منهم ان موضوع الحكم هو الأضعف في التوريث والعجب
انهم تعدوا هنا عن مورد النص مع اعترافهم بعدم ظهور وجه الحكم.
تنبيهان الأول ان الحكم بالتوارث إنما هو فيما إذا لم يعلم تاريخ موت أحدهما
بعينه سواء علم تاريخ موت أحدهما لا بعينه أولم يعلم تاريخ الموت أصلا واما إذا علم
تاريخ موت أحدهما بعينه فالإرث إنما هو لمجهول التاريخ لجريان استصحاب حياته
إلى زمان موت المعلوم تاريخ موته بعينه فلا يرث من مجهول التاريخ حينئذ لانتفاء
شرط توريثه وهو موته في هذا الزمان ولا نظر لروايات الباب إلى مثل هذه الصورة
حتى يؤخذ باطلاقها لان الغالب في صورة الغرق والهدم عدم العلم بتاريخ موت أحدهما
بعينه مع أنك قد عرفت ان الحكم في الروايات ليس تعبديا بل منطبقا على الأصول
81

والموازين الأولية فلا وجه لتعدية الحكم حينئذ إلى مثل هذه الصورة.
فان قلت نعم إذا علم تاريخ موت أحدهما بعينه يجرى استصحاب الحياة في
مجهول التاريخ إلى زمان موت معلوم التاريخ لعدم معارضته باستصحاب الحياة في
الاخر ولكن جريان استصحاب الحياة فيه إنما يوجب الحكم بوراثته من معلوم التاريخ
واما المنع من وراثة معلوم التاريخ منه فلا الا بالملازمة التي قد عرفت
عدم تأثيرها في المقام وانه يجوز التفكيك بين المتلازمين في الأصول فيحكم
بوراثته معلوم التاريخ منه لوجود مقتضى الوراثة فيه وعدم العلم بوجود المانع
وهو تقدم موته على موت مجهول التاريخ أو تقارنهما.
قلت المانع هنا في حكم المعلوم إذ مقتضى جريان استصحاب الحياة في
مجهول التاريخ إلى زمان موت من علم بتاريخ موته الحكم بحيوته في هذا الزمان
فلا مجال حينئذ للحكم بتوريثه ووراثة من مات في هذا التاريخ عنه.
الثاني زعم بعض الأجلة من مشائخنا (قدس سره) " لان تقارن موتهما مستبعد فهو في حكم
العدم فيحكم بتقدم موت أحدهما على موت الاخر فنعلم حينئذ ان أحدهما يرث من
الاخر ولا نعلم أن أيهما الوارث من الاخر ولا سبيل إلى ايصال سهم الوارث إليه
الا بالتوارث إذ لا مجال لنفى الإرث عنهما معا للعلم بوراثة أحدهما من الاخر ولا للحكم
بإرث أحدهما بعينه من الاخر لعدم المرجح فينحصر السبيل في الحكم بالتوارث "
وهو فاسد من وجوه:
الأول ان مجرد استبعاد تقارن موتهما لا يوجب الحكم بعدمه.
والثاني انه لو سلمنا جريان قاعدة العدل في المقام لزم ان يحكم بتنصيف
التركتين بينهما لا التوارث لان نسبة كل من التركتين إلى كل منهما على حد سواء
فيلزم حينئذ ان يحكم باشتراك كل منهما في مجموع التركتين.
والثالث انه يلزم حينئذ ان لا يحكم بوراثة من لا تركة له ممن له تركة لعدم
العلم بوراثة أحدهما من الاخر حينئذ وهو مخالف للنص كما رأيت.
82

(فائدة - 10)
إذا ترافع المجوس إلى حكام الاسلام في إرثهم فهل للحاكم ان يحكم
بالإرث بالنسب والسبب الصحيحين في دين الاسلام أو بالنسب مطلقا والسبب
الصحيح أو بهما مطلقا فيه أقوال وقد نسب الأول إلى يونس بن عبد الرحمن والثاني
إلى الفضل بن شاذان والثالث إلى الشيخ أبى جعفر قدس الله أرواحهم.
أقول مقتضى الأصل هو الثاني ولكن روايات أهل بيت العصمة سلام الله
عليهم تدل على الثالث.
اما الأول وهو ثبوت الإرث مع النسب مطلقا ولو كان فاسدا عندنا فلانه
مترتب على النسب والقرابة وهو منتزع من التوليد مطلقا بحسب اللغة والعرف
ولو كان ناشئا من زنا الأبوين أو أحدهما فولد الزنا ولد للزاني حقيقة عند أهل العرف.
وإنما جعله الشارع لغية في الوراثة والقيمومة ووجوب النفقة لا في حرمة النكاح
فتحرم العناوين السبع النسبية ولو من الزنا وجعله لغية في الوراثة وما يتبعها ليس باعتبار
جعل السبب المحلل للنكاح من الازدواج وملك اليمين شرطا في انتزاع النسب من
التوليد بل باعتبار جعل الزنا مانعا من الانتزاع ولذا تترتب آثار النسب من الوراثة
والقيمومة ووجوب النفقة.
وهكذا مع الشبهة إذ لو اعتبر وجود السبب المحلل شرطا عند الشارع في انتزاع
النسب وتحققه لزم عدم ترتب اثره على الشبهة كما لا يترتب على الزنا إذا تبين لك
83

ذلك وقد تبين لك ان النسب مع عدم الزنا متحقق حقيقة سواء جامع السبب المحلل
أم لا لوجود المقتضى وفقد المانع فالتولد الحاصل بين المجوس بازدواجهم الفاسد
عندنا موجب لتحقق النسب تحقيقا لعدم الزنا المانع من النسب لوجود الشبهة وهي
اعتقادهم بصحة ازدواجهم.
فمقتضى الأصل حينئذ ترتب الوراثة على نسب المجوس وإن كان فاسدا عندنا
بل لا فساد في نسبهم حينئذ لتحققه حقيقة عند الشارع باعتبار عدم المانع وإنما يسمى فاسدا
باعتبار عدم مجامعته مع السبب المحلل للنكاح فالحكم بالوراثة من طرف النسب
حكم بما أنزله الله تعالى وقسط وعدل فلا ينافيه الآيات والروايات الدالة على أنه
لا يجوز للحاكم ان يحكم الا بما أنزله الله تعالى:
واما الثاني وهو عدم ترتب الأثر على السبب الفاسد بمقتضى الأصل فلعدم
تحقق علقة الازدواج مع المحارم النسبية ولو مع الجهل لها أو بحكمها والاعتقاد
بحلية الازدواج معها إنما يوجب الشبهة لا تحقق الازدواج معها حقيقة فلا يترتب على
السبب الفاسد الازدواج ولا اثاره من حلية الاستمتاع ووجوب التمكين على المرأة
ووجوب النفقة على الرجل وإنما يعذر الشخص مع الجهل بالموضوع أو الحكم
إذا كان قاصرا فمقتضى الأصل فيه حينئذ عدم الوراثة من قبل السبب الفاسد لانتفاء
المقتضى وهي الزوجية ولكن الروايات تدل على ترتب الآثار على ما التزم به كل قوم
بحسب معتقدهم.
منها خبر محمد بن مسلم " سئلت أبا جعفر عليه السلام عن الأحكام قال يجوز على أهل
كل ذي دين بما يستحلون ".
ومنها ما رواه الشيخ مرسلا أنه قال عليه السلام " ان كل قوم دانوا بشئ يلزمهم
حكمه ".
ومنها خبر علي بن حمزة عن أبي الحسن عليه السلام " الزموهم بما الزموا به أنفسهم "
وفى الموثق " كل قوم يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز " فهذه الروايات
84

ونظائرها تدل على أنهم يقرون بمعتقدهم ويحكم عليهم بما التزموا به ومما التزموا به
الوراثة بالزوجية الثابتة على طريقتهم.
وتدل أيضا على ما ذكرناه بالخصوص رواية السكوني عن الصادق عليه السلام عن
أبيه عن علي عليه السلام انه كان يورث المجوسي إذا تزوج بأمه من وجهين من وجه
انها أمه ومن وجه انها زوجته وتضعيف رواية السكوني لا وجه له على ما اخترناه
من صحة روايات الكتب الأربعة المأخوذة من الأصول الأربعمأة التي هل محل
اعتماد الأصحاب كما بيناه في محله.
فان قلت السبب الفاسد لا يؤثر الزوجية كما قررت وترتيب الآثار مع انتفاء
الموضوع مستحيل ولو تعبدا لان التعبد إنما يجرى في الأمور المعقولة.
قلت نمنع انحصار الموضوع في الزوجية التحقيقية لان الزواج الصحيح
في دينهم وباعتقادهم منزل منزلة الزواج الواقعي فيترتب عليه الآثار فالموضوع
للآثار أمران الزواج الواقعي والزواج الصحيح عند قوم ملتزمين به في دينهم فالموضوع
امر واحد باعتبار ان الثاني إنما نزل منزلة الأول وامر ان باعتبار انهما مختلفان ولذا
ينفذ طلاق المخالفين ويترتب آثار الطلاق مع بطلانه عندنا.
ففي خبر علي بن حمزة انه سأل أبا الحسن عليه السلام عن المطلقة على غير السنة
أيتزوجها الرجل قال الزموهم من ذلك ما الزموا أنفسهم وتزوجوهن فلا باس بذلك
وفى الكافي عن جعفر عن محمد ابن عبد الله عن أبيه قال: سمعت أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن تزويج المطلقات ثلثا فقال لي ان طلاقكم لا يحل لغيركم وطلاقهم
يحل لكم لأنكم لا ترون الثلث شيئا وهم يوجبونها وبمضمونها روايات كثيرة
فالطلاق الصحيح عندهم منزل منزلة الطلاق الصحيح واقعا وإن كان باطلا عندنا
كما أن الطلاق الرجعي واقعا البائن عندهم ينزل منزلة البائن واقعا وقد ورد في باب
الميراث ما يدل على ذلك أيضا.
ففي الحدائق: روى عبد الله بن محرز عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له رجل
85

ترك ابنته وأخته لأبيه وأمه قال المال كله لابنته وليس للأخت من الأب والام شئ
قلت فانا قد احتجنا إلى هذا والرجل الميت من هؤلاء الناس وأخته مؤمنة
قال فخذ لها النصف خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنتهم وقضائهم وأحكامهم قال
فذكرت ذلك لزرارة فقال إن على ما جاء به لنور اخذهم بحقك في أحكامهم وسنتهم
كما يأخذون منكم فيه.
والحاصل انه قد وردت الرخصة منهم عليه السلام في المعاملة مع الناس بما يدينون
به ويلتزمون به في دينهم طابق الواقع أم لا.
تنبيهان: الأول انه يظهر من الروايات انه لا اختصاص لهذه القاعدة بما إذا كان
الاختلاف في موضوع الحكم بان يراه المخالف والخارج عن دين الاسلام ثابتا
والحال انه غير ثابت في مذهب الحق كالزواج والطلاق وأمثالهما لان توريث
الأخت مع البنت مخالفة في الحكم فقط وهو عدم استحقاق البنت للرد وعدم حجب
الطبقة الأولى الثانية في بعض الصور فلا تنزيل في المقام أصلا فالزام الناس بما
الزموا به أنفسهم قاعدة جارية في الموضوعات والأحكام نعم يختص بما إذا كان
الالزام من دينهم وفى دينهم.
والثاني انه هل تختص هذه القاعدة بالمخالف أو الخارج عن دين الاسلام
أو تعم أهل الحق إذا اختلفت عقيدتهم باعتبار اختلاف فتواهم أو فتوى مقلديهم.
فإذا وهب المريض في مرض موته جميع ما يملكه معتقدا نفوذ تصرفاته من
الأصل مطلقا لمن يعتقد عدم نفوذ تصرفاته المحاباتية والمجانية فيما زاد عن الثلث
الا بامضاء الورثة فهل يجوز للمتهب حينئذ اخذ الجميع مع عدم امضاء الورثة الزاما
للواهب بما الزم به نفسه وان أمكن ان يناقش في الأمثال بان الهبة لا تتم الا بالقبض
ولا يجوز للمتهب حينئذ قبض الجميع واثبات يده عليه الا بعد امضاء الورثة بل
القبول الذي هو فعل له وركن للعقد لا يؤثر تملك الجميع عنده بدون إجازة الورثة
فلا مجال لجريان القاعدة فيه.
86

نعم إذا تمت الهبة بان يتوافق اعتقادهما فيه فهل يجوز اشتراء الموهوبة من
المتهب لمن لا يرى نفوذها من الأصل الزاما لهما بما الزما به أنفسهما.
والظاهر أن القاعدة عامة ولا اختصاص لها باهل الخلاف أو الخارج عن دين
الاسلام.
ويمكن ان يقال إن قوله عليه السلام: " ان كل قوم دانوا بشئ يلزمهم حكمه " كما
رواه الشيخ مرسلا شامل بعمومه لأهل الحق فتأمل.
87

(فائدة - 11)
قال المحقق قدس سره في الشرايع في باب الزكاة: " وفى الغنم خمسة نصب
أربعون وفيها شاة ثم مأة واحدى وعشرون وفيها شاتان ثم مأتان وواحدة وفيها ثلث
شياة ثم ثلاثمائة وواحدة فإذا بلغت ذلك قيل يؤخذ من كل مأة شاة وقيل بل يجب أربع
شياة حتى تبلغ أربعمأة فيؤخذ من كل مأة شاة بالغا ما بلغ وهو الأشهر وتظهر الفائدة
في الوجوب والضمان ".
وفى المدارك هذا جواب عن سؤال أورده المصنف (ره) في درسه على
ما نقل عنه وتقريره انه إذا كان يجب في أربعمأة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأي فائدة
في الزائد.
وتقرير الجواب ان الفائدة تظهر في الوجوب والضمان اما الوجوب فلان
محله في الأربعمأة مجموعها وفيما نقص عنها الثلثمائة وواحدة خاصة والزائد عفو
واما الضمان فمتفرع على ذلك فإذا تلفت من أربعمأة واحدة بعد الحول بغير تفريط
سقط من الفريضة جزء من مأة جزء من شاة ولو كانت ناقصة عن الأربعمأة ولو واحدة
وتلف منها شئ لم يسقط من الفريضة شئ ما دامت ثلاثمائة وواحدة لما عرفت من أن
الزائد عن ذلك ليس محلا للفريضة وإنما هو عفو ولو تلفت الشاة من ثلاثمائة وواحدة
سقط من الفريضة جزء من خمسة وسبعين جزء من شاة ان لم تجعل الشاة الواحدة
جزء من النصاب والا كان الساقط جزء من خمسة وسبعين جزء وربع جزء فظهرت
88

الفائدة في كثرة الفريضة للفقير في قلة الفائت وللمتصدق في العكس.
وذلك كله واضح لكن يمكن المناقشة في عدم سقوط شئ من الفريضة في
صورة النقص عن الأربعمأة لان مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقين وإن كان
الزائد عن النصاب عفوا إذ لا منافاة بينهما كما لا يخفى على المتأمل انتهى.
وتبعه عليه في الذخيرة وقال في الجواهر وهو جيد جدا اللهم الا ان يقوم اجماع
أو نحوه مما يصلح به الخروج عن مقتضى الضوابط في ملك الكلى الخارجي الذي
ليس هو كصفة الوجوب ونحوه مما لا يقدح فيه عدم تعيين المحل لكن إلى الان لم
أتحققه وان أرسله جماعة ارسال المسلمات بل ربما وقع من الفاضل نسبته الينا
مشعرا بدعوى الاجماع عليه بل ربما فسر العفو بذلك.
أقول إن كان تعلق الزكاة بعين النصاب عبارة عن كون مقدار الزكاة من
النصاب ملكا لأرباب الزكاة على وجه الإشاعة بحيث يكون النصاب مشتركا بين
المالك وأرباب الزكاة اتجه ما ذكره صاحب المدارك لعدم تميز النصاب في الخارج
عن العفو فيشيع مقدار الزكاة حينئذ في النصاب والعفو معا فيتجه حينئذ احتساب
التالف من المجموع.
ولكن التحقيق ان تعلق الزكاة بعين النصاب ليس على وجه الملكية حتى
يصير النصاب مشتركا بين المالك وأرباب الزكاة ومقدار الزكاة مشاعا ضرورة
ان الزكاة إنما يتملكها أربابها بعد قبضها مع صلوحها للتملك كالفقراء والمساكين
ونحوهما.
واما قبل القبض فالنصاب باق على ملك المالك إذ لو فرض صيرورة مقدار
الزكاة قبل القبض ملكا لأربابها فلا يخلو من أن يكون ملكا للكلى أو الافراد لا يجوز
جعلها ملكا للافراد والا لوجب البسط عليها ولجاز تقلبها فيها بيعا وشراءا وهبة وصداقا
وهكذا قبل القبض وبطلان كلا اللازمين في غاية الوضوح ولا يجوز جعلها ملكا
للكلى إذا الكلى قبل تشخصه وصيرورته جزئيا لا وجود له في الخارج فلا يعقل ان
يصير مالكا.
89

بداهة ان المعدوم لا يقبل التملك توان قلنا بأنه يقبل المملوكية بل التحقيق انه
لا يقبل المملوكية أيضا ومرجع ملك الكلى إلى ملك الذمة واستحقاق شخص على
ذمة آخر استيفاء عين أو عمل منها ولذا لا يتصور تحقق ملك الكلى من دون ذمة
وأيضا لو كان الكلى مالكا لها لزم جواز التقلب فيها قبل القبض وبطلانه واضح
بل يلزم البسط أيضا لان كل فرد من افراد الكلى حينئذ مالك للزكاة باعتبار صدق
الكلى وانطباقه عليه فلا يجوز تخصيصها بعض لاشتراكها بينهم وقياس ذلك بملك
الكلى في الذمة الذي يقتصر فيه على فرد واحد في غير محله لان الذمة إنما تشتغل بالكلي
لا بالفرد وبوجوده في الخارج تصير الذمة فارغة فلا يتصور حينئذ لما في الذمة افراد
حتى يجب الوفاء بها وتشتغل الذمة لها.
فمرجع تعلق الزكاة بالنصاب إلى وضع حق شرعي على مال المالك إذا
بلغ حد النصاب لا جعل النصاب مشتركا بين المالك وأرباب الزكاة فالنصاب موضوع
للحق ومتعلق له مع بقائه على ملك مالكه.
وقوله عزمن قائل (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان
صلاتك سكن لهم) ناطقة بان الصدقة التي هي الزكاة موضوعة على أموالهم لا جعل
أموالهم مشاعة بينهم وبين أرباب الزكاة ولذا لا يجب على المالك اخراج الصدقة
من عين النصاب بل يكفي دفع المقدار الذي وجب اخراجه من غير النصاب بل
لا يعتبر فيها أن يكون المقدار المخرج من جنس النصاب فان الموضوع على كل خمس
من الإبل إلى خمسة وعشرين إبلا شاة بل يجوز للمالك دفع النقدين عوضا عن المقدار
المخرج لان نظر الشارع في جعل الحق على النصب إنما هو إلى ماليته لا عينه
بخصوصها ولا يرجع ما بيناه إلى تعلق ملك أرباب الزكاة بالكلي الخارجي كما هو
الحال في بيع صاع من صبرة والا لزم تعين الوفاء من عين النصاب وعدم سقوط
شئ من الفريضة ما بقي المال بمقدار الفريضة.
بل مرجع ما بيناه إلى جعل النصاب موضوعا لحق معين وفريضة مخصوصة
90

فان تلف من الموضوع شئ بغير تفريط يسقط من الفريضة بنسبة التالف من الموضوع
والا فلا يسقط من الفريضة شئ.
فاتضح بما حققناه أمور: الأول ان ما ذكره الأصحاب (قدس سرهم) من عدم توزيع
التالف على الفريضة ومال المالك ما دام العفو موجودا في غاية المتانة وكمال الجودة
لما عرفت من عدم شيوع الفريضة في المال حتى يحتسب التالف منها ومن بقية المال
بنسبته إليهما وانها حق موضوع على النصاب فان انكسر النصاب بغير تفريط سقط
من الفريضة بنسبة التالف من النصاب حتى سقط من الفريضة شئ بنسبة كسره.
والثاني انه لو كان للمالك أعيان زكوية وأراد تخليص بعضها عن حق الزكاة
المتعلقة بها فأخرج الزكاة بنية عين معينة صح ما نوى وزكيت العين وخلصت
للمالك. وما يتوهم من أن الفريضة مشاعة في جميع الأعيان لان الأعيان المتعددة
بمنزلة عين واحدة والفريضة المتعلقة لها فريضة واحدة فما لم يؤد الفريضة المتعلقة
بجميع الأعيان لم يخلص للمالك شئ منها وبقيت الأعيان على الإشاعة في غير
محله لما عرفت من أن تعلق الزكاة بالعين ليس على وجه الملكية والإشاعة.
والثالث فساد ما ذكره الطباطبائي (ره) من أن الأقوى ان الزكاة متعلقة بالعين
لا على وجه الإشاعة بل على وجه الكلى في المعين وحينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة
بعض النصاب صح إذا كان مقدار الزكاة باقيا بخلاف ما إذا باع الكل فإنه بالنسبة
إلى مقدار الزكاة يكون فضوليا محتاجا إلى إجازة الحاكم على ما مر ولا يكفي عزمه
على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط لان مرجع الكلى في المعين المعبر
عنه بالكلي الخارجي إلى التزام الذمة بوفاء الحق من العين المعين ومقتضاه حينئذ
تعين الوفاء من المعين وعدم سقوط شئ من الفريضة بتلف بعض النصاب ما بقي
مقدار الفريضة وكلاهما ممنوع بل بديهي البطلان.
فما فرع عليه من كون العقد فضوليا إذا باع الكل على وجه الاطلاق في غير
91

محله أيضا وحيث كان العقد فضوليا واجازه الحاكم فالثمن كله يرجع إلى البايع
وعليه ايصال الزكاة إلى أربابها لان الحاجة إلى الإجازة حينئذ لا تكون من جهة
ان مطابق الفريضة خارج عن ملك البايع بل من جهة ان النصاب مورد لتعلق
حق أرباب الزكاة فاحتياج نفوذ العقد حينئذ إلى إجازة الحاكم نظير احتياج نفوذ
بيع الراهن العين المرهونة إلى إجازة المرتهن.
ومنها انه لو اشترك شخص مع آخر وأراد اعطاء زكاة سهمه فله ذلك لان
اخراج حق سهمه يرجع إلى نفسه ولا تكون الزكاة سهما مشاعا في المال حتى
لا يحتسب المخرج الا من المجموع لامن خصوص سهمه فإذا أدى زكاة سهمه
فله افراز سهمه عن سهم شريكه ولا يتوقف نفوذ الافراز على دفع شريكه زكاة
سهمه أو على اذن الحاكم أو امضائه إذ ليس حق الزكاة في العين على سبيل الإشاعة
حتى يتوقف نفوذ الافراز على أحد الأمور المتقدمة.
ومنها انه يجوز للمالك بيع النصاب كلا مع نية الوفاء والعزم على الأداء
فان وفى فهو والا فللحاكم التخيير بين رد البيع بمقدار الفريض وامضائه والزام
المالك بأدائها وكذا إذا باع مع عدم العزم على الأداء فان أدى فهو والا فللحاكم
التخيير.
وهكذا الامر في الخمس فإنه من الحقوق المتعلقة بالعين ولا يكون مشاعا
فيها فيجرى فيه ما جرى فيها.
92

(فائدة - 12)
قال المحقق (قدس سره) في الشرايع: " ولو مات المرتهن ولم يعلم الرهن
كان كسبيل ماله حتى يعلم بعينه " وفى المسالك: " المراد ان الرهن لم يعلم كونه
موجودا في التركة ولا معدوما فحينئذ يكون كسبيل مال المرتهن أي بحكم ماله
بمعنى انه لا يحكم للراهن في التركة شئ عملا بظاهر حاله من كون ما تركه
لورثته وأصالة براءة ذمته من حق الراهن إذ الرهن لم يتعلق بذمته لأنه أمانة ولا بماله
لأصالة بقاء ماله على ما كان من عدم استحقاق أحد فيه شيئا هذا بحسب الظاهر "
ثم قال واعلم أن المصنف وغيره ذكروا هذه المسألة جازمين بحكمها على
الوجه المذكور بعبارة متقاربة أو متحدة وذكروا نظيرها في باب الوديعة وباب
القراض واستشكلوا حكمها والامر فيه كذلك فان أصالة براءة ذمة المرتهن معارضة
بأصالة بقاء المال والحال انه في يد المرتهن.
وقال (ص): " على اليد ما اخذت حتى تؤدى " فان مات ولم يعلم بعينه فأصالة
بقائه وثبوت يده يقتضى كونه في يده فإذا لم يعلم عينه كان كالمعلوم بقائه وان
لم يتحقق كونه من جملة التركة لاحتمال كونه في محل آخر الا ان على المرتهن
التخلص منه وحيث لم يتعين يكون مضمونا خصوصا إذا أمكنه الوصية والاشهاد
فلم يفعل.
وعلى هذا فيحتمل كون حق الراهن كالمال الموجود فيقدم بقدره على غيره
93

من الديان لأنه بمنزلة الشريك حيث حكم ببقاء ماله ويحتمل كونه بمنزلة الديان
لعدم العلم ببقاء عين المال وأصالة بقائه بحسب الظاهر فيكون بمنزلة الدين.
ويمكن ان يقال على أصل هذا الاشكال لا تعارض بين الأصلين السابقين فان
أصالة بقاء المال يمكن ان يجامع أصالة البراءة لان المال بيد المرتهن غير مضمون.
بل هو أمانة ثم يمكن تلفه بغير تفريط فلا يكون مضمونا وحديث " على اليد ما اخذت
حتى تؤدى لابد من تخصيصه بالأمانات ولم يعلم هنا ما يزيل الأمانة فيبقى أصالة
براءة الذمة رافعة لاستحقاق الراهن عن المال والذمة لعدم التعارض فيتم ما أطلقوه
حيث يشتبه الحال وهذا البحث جار في كل أمانة يمكن تلفها قبل الموت بغير
تفريط انتهى.
وفى الجواهر ضعفه وقال: " ان أصالة بقاء المال وعدم التلف واصل عدم تركة
له غير الموجود يقتضى كونه في التركة الموجودة فيجب على الورثة رده من
التركة ".
أقول وما ذكره واضح الضعف لان الأصل لا يثبت به اللوازم العقلية والعادية
فلا يثبت بأصالة بقاء المال وعدم تركة غير الموجود كون الرهن في التركة الموجودة
فتوهم ان مقتضاهما كون الرهن في المال الموجود فيترتب عليه حكم رد
الأمانة أو الضمان في غير محله وتنظير الأصل بالبينة في ثبوت اللوازم بها كما
وقع في كلامه لا وجه له ضرورة ان البينة قائمة مقام الدليل العقلي كاشفة عن الواقع
تنزيلا فيثبت بها اللوازم بخلاف الأصل فإنه وظيفة للجاهل في مقام العمل ولا نظر له
إلى الواقع فلا يثبت به اللوازم العقلية والعادية وإنما يؤخذ بمؤداه فقط ويترتب عليه
حكمه فما ذكره المحقق وسائر الأصحاب (قدس سرهم) في غاية المتانة وكمال
الجودة.
فان قلت الأصل بقاء الرهن في المال الذي كان في زمان الحياة ملكا ورهنا
فلا قضاء لليد بالملك بعد العلم بأنها كانت أعم فنسبة المال الموجود حينئذ إلى
94

الرهن والملك سواء ومقتضى استواء نسبتهما إليه توزيعه عليهما واخراج الرهن من
المال الموجود.
قلت اليد تقتضي الملكية ما لم يعلم خلافها ومجرد ثبوت اليد على الرهن
وأصالة بقاء الرهن لا توجب الغاء اليد عن اقتضاء الملكية بالنسبة إلى المال الموجود
وتوزيعه عليهما كما هو ظاهر.
وبما بيناه تبين ان ما ذكره في الجواهر من أن الصور ستة:
الأولى علم الرهن في جملة التركة.
الثانية ان يعلم أنه كان عند الميت ولم يعلم كونه في التركة أولا تلف بغير
تفريط أولا.
الثالثة ان يعلم كونه عنده (كذلك) ولكن ليس في التركة قطعا.
الرابعة ان يعلم تلفه في يده ولم يعلم بتفريط أولا.
الخامسة ان يعلم كونه عنده إلى أن مات وانه لم يتلف منه الا انه لم يوجد
في التركة.
السادسة (كذلك) الا انها مع احتمال التلف بعد الموت كل ذلك مع عدم
التقصير منه بترك الوصية والاشهاد وان حكم الأولى واضح كحكم ما لو علم الرهن
بعينه وانه يقوى الضمان في غير الرابعة مع احتماله فيها وإن كان الأقوى خلافه في
غير محله لما عرفت من أنه لا وجه للحكم بالضمان في الصور الخمسة فلا مجال
للتفصيل بين الرابعة وغيرها وإن كان الحكم في الرابعة اظهر.
والعجب أنه قال بعد ذلك: " ويمكن حمل عبارة المصنف وغيره على ما إذا
لم يعلم بأصل الرهانة ". فإنه بعيد عن مساق عباراتهم غاية البعد بل لا يقبل الحمل
عليه أصلا.
95

(فائدة - 13)
قال المحقق (قدس سره) في الشرايع: " والمرتهن أحق باستيفاء دينه من غيره
من الغرماء سواء كان الراهن حيا أو ميتا على الأشهر ".
وفى المسالك: " يتحقق التعارض في الحي إذا كان مفلسا محجورا عليه إذ بدونه
يتخير في الوفاء والخلاف في تقديم المرتهن على غرماء الميت فقد روى أنه وغيره
حينئذ سواء والأقوى تقديمه مطلقا لسبق تعلق حقه بالعين انتهى.
أقول إن كان الرهن عبارة عن جعل الدين متعلقا بالعين المرهونة وجعلها
محلا لاستيفائه منها من أول الأمر غاية الأمر ان زمان الاستيفاء مؤخر عنه ومشروط
بحلول الأجل وامتناع المديون من الأداء أو تعذره منه فحق المرتهن حينئذ سابق على
حق سائر الغرماء بالنسبة إلى العين المرهونة لسبق تعلقه. وإن كان عبارة عن جعل
العين المرهونة وثيقة للدين و محبوسة على الراهن بحيث إذا حل الأجل وامتنع
من الأداء أو تعذر منه ثبت للمرتهن حق الاستيفاء من العين المرهونة فلا يكون
تعلق حقه سابقا على تعلق حقوق سائر الغرماء إذ بموت الراهن حلت الديون
المؤجلة عليه كلها وتعلق حقوق جميع الديان بتركته سواء فيها العين المرهونة
وغيرها.
والحاصل انه ان قلنا حق الاستيفاء يترتب على الرهن بعد حلول الأجل
وامتناع المديون من الأداء أو تعذره منه فالمرتهن وسائر الغرماء حينئذ سواء لان
96

تعلق الدين بالتركة بمعنى ثبوت حق الاستيفاء لديان منها حينئذ حصل بموت
المديون وحلول الدين سواء فيه المرتهن وسائر الغرماء.
وان قلنا إن تعلق الدين بالعين بمعنى ثبوت حق استيفائه منها ثبت بالرهن
ابتداءا غاية الأمر ان زمان الاستيفاء مؤخر عن الرهن ومشروط بحلول الأجل وامتناع
الأداء فحق المرتهن سابق على حق سائر الغرماء ولم يدل دليل على تعلق الدين
ابتداءا بالعين المرهونة حتى يحكم بتقدم حق المرتهن في العين المرهونة على
حقوق سائر الغرماء بل الظاهر أن الرهن وثيقة للدين بمعنى جعله محبوسا على
الراهن بملاحظة دين المرتهن بحيث إذا حل الأجل وامتنع الراهن من الأداء
ثبت له حق الاستيفاء فحينئذ لا تقدم له على سائر الغرماء لان دين المرتهن وسائر
الغرماء إنما تعلق في زمان واحد أي بعد موت الراهن الذي حل به الأجل وتعذر
أداء الدين منه فلا مجال حينئذ لطرح الرواية الدالة على مساواة المرتهن مع سائر
الغرماء وتوهم ان الاجماع قائم على تقدم المرتهن على سائر الغماء حينئذ في غير
محله لان المحصل منه غير حاصل والمنقول منه ليس بحجة مع أن المخالف موجود
وهو الصدوق (قدس سره) ومن تبعه.
لا يقال مقتضى ما ذكرت مساواة المرتهن مع سائر الغرماء في صورة
الحجر على المديون بالفلس مع أن الاجماع قائم فيه على تقدم المرتهن على سائر
الغرماء.
لأنا نقول الفرق بين موت المديون والحجر عليه بالفلس واختلافهما في
الآثار والأحكام واضح فان الديون المؤجلة تحل بالموت دون الحج عليه بالفلس
ويختص الغريم بعين ماله في صورة الحجر على المديون بالفلس دون موته فلا مجال
حينئذ لجعل موت المديون مع الحجر عليه سواء في الحكم.
97

(فائدة - 14)
قال الشهيد (قدس سره) في اللمعة في كتاب البيع: " لو اختلف مولى مأذون في
عبد أعتقه المأذون عن الغير ولا بينة حلف المولى ولا فرق بين كونه أبا للمأذون أولا
ولا بين دعوى مولى الأب شرائه من ماله وعدمه ولا بين استجاره على حج وعدمه ".
قال الشهيد الثاني قدس سره في الشرح: " والأصل في هذه المسألة رواية على
ابن اشيم عن الباقر عليه السلام فيمن دفع إلى مأذون ألفا ليعتق عنه نسمة ويحج عنه بالباقي
فاعتق أباه واحجه بعد موت الدافع فادعى وارثه ذلك وزعم كل من مولى المأذون
ومولى الأب انه اشتراه بماله فقال إن الحجة تمضى ويرد رقا لمولاه حتى يقيم الباقون
بينة وعمل بمضمونها الشيخ، ومن تبعه ومال إليه في (س)
والمصنف هنا وجماعة اطرحوا الرواية لضعف سندها ولمخالفتها لأصول
المذهب في رد العبد إلى مولاه مع اعترافه ببيعه ودعواه فساده ومدعى الصحة مقدم
وهي مشتركة بين الآخرين الا ان مولى المأذون أقوى يدا فيقدم واعتذر في (س) عن
ذلك بان المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره وبتصادم الدعاوى المتكافئة يرجع
إلى أصالة بقاء الملك على مالكه قال ولا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد
لأنها مشتركة بين متقابلين متكافئين فتساقطا وفيهما نظر لمنع تكافئها مع كون من
عدا مولاه خارجا والداخل مقدم فسقطا دونه ولم يتم الأصل.
ومنه يظهر عدم تكافؤ الدعويين الأخريين لخروج الامر وورثته عما في يد المأذون
98

التي هي بمنزله يد سيده والخارجة لا تكافؤ الداخلة فتقدم واقرار المأذون بما في يده
لغير المولى غير مسموع فلزم اطراح الرواية ولاشتمالها على مضى الحج مع أن
ظاهر الامر حجة بنفسه ولم يفعل ومجامعة صحة الحج لعوده رقا وقد حج بغير اذن
سيده فما اختاره هنا واضح.
ونبه بقوله ولا بين دعوى مولى الأب شرائه من ماله وعدمه على خلاف الشيخ
ومن تبعه حيث حكموا بما ذكر مع اعترافهم بدعوى مولى الأب فساد البيع وعلى
خلاف العلامة حيث حملها على انكار مولى الأب لافساده هربا من تقديم مدعى الفساد
والتجأ إلى تقديم منكر بيع عبده وقد عرفت ضعف تقديم مدعى الفساد ويضعف الثاني
بمنافاته لمنطوق الرواية الدالة على دعوى كونه اشترى بماله هذا كله مع عدم البينة
ومعها تقدم ان كانت لواحد وان كانت للاثنين أو للجميع بنى على تقديم بينة الداخل
والخارج عند التعارض فعلى الأول الحكم كما ذكر وعلى الثاني يتعارض الخارجان
ويقوى تقديم ورثة الامر بمرجح الصحة انتهى.
ويستفاد من كلامه ان الوجوه التي زعموا مخالفتها لأصول المذهب أربعة
الأول تقديم قول مدعى الفساد وهو مولى الأب على مدعى الصحة مع أن تقديم
قول مدعى الصحة مطلقا أو في خصوص المعاملات مما لا ينكر.
والثاني تقديم قول الخارج على قول ذي اليد لان يد العبد بمنزلة يد سيده فتقديم
قول مولى الأب عليه تقديم لقول الخارج على قول ذي اليد من دون بينة وهو مخالف
لضرورة الفقه.
والثالث ان ظاهر الامر حج المأذون بنفسه ولم يفعل فلا معنى لمضى الحجة
حينئذ.
والرابع الحكم بصحة العبد المحكوم بكونه رقا مع عدم الإذن من سيده
وهما متنافيان فان الرق لا يصح حجه الا بإذن مولاه.
والتحقيق عدم مخالفتها لأصول المذهب لوجه.
99

اما الأول فلان الصحة إنما تكون أصلا في المعاملات ويقدم دعويها على
دعوى الفساد إذا تحقق مقتضى الصحة فيها وشك في وجود المانع الموجب لفسادها
واما إذا لم يحرز مقتضى الصحة فالأصل عدم تحققه ويقدم " ح " دعوى الفساد على
دعوى الصحة.
وممن نبه على ما بيناه المحقق الثاني قده في جامع المقاصد قال في باب
الإجارة لاشك في أنه إذا حصل الاتفاق على حصول جميع الأمور المعتبرة في
العقد من الايجاب والقبول من الكاملين وجريانهما على العوضين المعتبرين ووقع
الاختلاف في شرط مفسد فالقول قول مدعى الصحة بيمينه لأنه الموافق للأصل
لان الأصل عدم ذلك المفسد والأصل في فعل المسلم الصحة.
واما إذا حصل الشك في الصحة والفساد في بعض الأمور المعتبرة وعدمه فان
الأصل لا يثمر هنا فان الأصل عدم السبب الناقل ومن ذلك ما لو ادعى انى اشتريت العبد
فقال بعتك الحر.
وقال في باب الضمان فيما لو اختلف الضامن والمضمون له فقال الضامن
ضمنت وانا صبي بعد ما رجح تقديم قول الضامن.
" فان قلت إن للمضمون له أصالة الصحة في العقود وظاهر حال المسلم انه
لا يتصرف باطلا.
قلنا إن الأصل في العقود الصحة بعد استكمال أركانها لتحقق وجود العقد
اما قبله فلا وجود له فلو اختلفا في كون المعقود عليه هو الحر أو العبد حلف منكر
وقوع العقد على العبد وكذا الظاهر إنما يتم مع الاستكمال المذكور لا مطلقا ".
وقال في باب الإجارة في ذيل قول المصنف وكذا الاشكال في تقديم قول
المستأجر لو ادعى اجرة معلومة أو عوضا معينا وانكر المالك التعيين فيهما بعد
توضيح مراده يمكن ان يرد عليه أمران الثاني ان تقديم قول مدعى الصحة إنما
يتحقق على ما بيناه حيث يتفقان على حصول أركان العقد ويختلفان في وقوع المفسد
100

فان التمسك لنفيه بالأصل هو المحقق لكون مدعى الصحة منكرا دون
ما إذا اختلفا في شئ من أركان العقد فإنه لا وجه للتقديم حينئذ وبهذا تبين ان مدعى
الصحة لا يقدم قوله على حال من الأحوال لان الاختلاف وقع في ركن العقد وهو
تعيين الأجرة فيكون ادعائه كادعاء أصل العقد انتهى.
إذا تحقق لك ما حققناه فقد تحقق لك ان الصحة في المقام لا تكون موافقة
للأصل لان الاختلاف إنما هو في ركن العقد فان مولى الأب إنما يدعى فساد العقد
من جهة فقد ما يتقوم به البيع وهو مغايرة مالك الثمن.
والحاصل ان أصالة الصحة لا تكون أصلا مستقلا ولا دليل على اعتباره كذلك
وإنما هي راجعة إلى قاعدة الاقتضاء والمنع والاخذ بالمقتضى مع الشك في وجود
المانع دفعا أو رفعا أو قطعا فان مرجع الجميع إلى المنع من تأثير المقتضى اثره
فلا تكون الرواية الشريفة من هذه الجهة مخالفة لأصل المذهب.
واما الثاني فلان يد مولى المأذون على أبيه الذي اشتراه هو من سيده بادعائه
مسبوقة بيد مولى الأب ومقر بسبق يده لادعائه ان عبده المأذون اشتراه بماله من
مولاه وقد اتفق الأصحاب " قدس سرهم " على تقديم اليد السابقة على اللاحقة مع اقرارها
بسبق اليد السابقة عليها بل التحقيق عندي انه تتقدم اليد السابقة على اللاحقة مطلقا
سواء ثبت السبق بالبينة أو باقرار ذي اليد اللاحقة وقد أوضحنا الكلام فيه في رسالة
مستقلة.
فاتضح بما بيناه ان الرواية الشريفة من هذه الجهة أيضا لا تكون مخالفة لأصل
المذهب:
واما الثالث فلان الامر بالحج وإن كان ظاهرا في مباشرة المأذون بنفسه الا
ان القرينة قائمة على إرادة الأعم وهي عدم دعوى ورثة الامر خلافه مع أن المراد
بمضي الحجة إن كان وقوعها عن الامر ولو مع عدم استحقاق الأجرة عليها فهو
لا يتوقف على تحقق الامر لان الحج وغيره من العبادات يقع عمن نوى عنه العامل
امر به أم لا إن كان واجبا فيبرء ذمته به وإن كان مندوبا يقع عمن نوى عنه هو مع الامر
101

به والا فيرجع إليه ثوابه كما أوضحناه لك في الفائدة الثانية فلا ترد الحجة على كل حال
واما الرابع وهو الحكم بصحة الحجة لا ينافي مع الحكم بعود العبد رقا لان
كلا منهما حكم ظاهري مطابق للأصل والتفكيك بين المتلازمين شايع في مؤدى
الأصول فباعتبار الشك في تحقق السبب الناقل يعود العبد رقا وباعتبار وقوع الشك
في صحة الحجة بعد الفراغ عنها يحكم بصحته بمقتضى (1) قاعدة الفراغ بل لا حاجة
في المقام إلى اعمال قاعدة الفراغ لان العبد إذا اتى بالحج لنفسه أو لغيره بزعم
حريته واستكماله في نفسه صحت حجته ولو ظهر انه رق واقعا.
وهذا الوجه هو الظاهر من الرواية حيث حكم فيها بمضي الحجة مطلقا ولم
يستثن صورة قيام البينة على رقيته.
فان قلت هذان الوجهان إنما تدلان على صحة الحجة واما استحقاق الوجه
الذي صرفه في الحج عن الامر فلا.
قلت نعم والرواية لا تدل على أزيد من مضى الحجة وصحتها فاتضح بحمد الله
تعالى ان الرواية الشريفة لا تخالف شيئا من أصول المذهب وانها منطبقة على الضوابط
العامة فلا مجال لطرحها.
وقد تبين بما بيناه ان ما ذكره الشهيد الثاني قدس سره من أنه لو أقام البينة
الجميع وقلنا بتقديم بينة الخارج يقوى تقديم ورثة الامر بمرجح الصحة في غير
محله لما عرفت من أن أصالة الصحة لا تكون أصلا مستقلا وإنما ترجع إلى الاخذ
بالمقتضى المعلوم وعدم الاعتداد بالمانع المشكوك ولا مجرى له في المقام حتى
يترجح به أحد الوجهين.
وقد تبين بما بيناه أيضا انه لو اختلف مولى المأذون مع ورثة الامر فالقول

(1) والتحقيق انه لا مجرى لقاعدة الفراغ في المقام لما نبهنا عليه سابقا من أن
قاعدة الفراغ إنما تنظر إلى صحة العمل إذا كان احتمال الخلل لأجل احتمال
الغفلة لا مطلقا - منه.
102

قول المولى حينئذ لسماع قوله بالنسبة إلى ما تحت يده فما ذكره الشهيد قدس سره
من أنه لا فرق في سماع قول المولى بين دعوى مولى الأب شرائه من ماله وعدمه
في غير محله لأنه مع دعوى مولى الأب شرائه من ماله لا يعلم تحقق البيع فيعود
رقا لمولاه.
واما مع عدم دعوى مولى الأب شرائه من ماله فالبيع محقق وينحصر التعارض
بين قول المولى وورثة الامر فيقدم قول المولى حينئذ لان العبد وما في يده تحت
يده فيسمع قوله فيه فما اعاده الشيخ ومن تبعه (قدس سرهم) من الفرق بين الصورتين
في غاية المتانة وكمال الجودة.
ومما بيناه ظهر انه لو انحصر النزاع بين مولى المأذون ومولى الأب يقدم
قول مولى الأب حينئذ لان الأصل معه وعلى مولى المأذون إقامة البينة على طبق
دعواه.
تنبيه هل لورثة الدافع الرجوع بمطابق اجرة الحجة من الألف على الأب
حينئذ فان قلنا بان لهم الرجوع عليه ورجعوا عليه فهو يرجع على المأذون لأنه الذي
غره والمغرور يرجع على من غره وان رجعوا على المأذون فهو لا يرجع على أحد
ثم إن الرجوع على المأذون أو أبيه إنما هو بعد فك رقبتهما بالعتق أو الانعتاق.
103

(فائدة - 15)
اتفق الأصحاب " قدس سرهم " على عدم ثبوت النسب بالاقرار الا في الاقرار
بالولد من صلبه بلا واسطة بقيود ثلاثة.
الأول كون البنوة ممكنة.
والثاني كون المقربه مجهولا.
والثالث ان لا ينازعه فيه منازع ولا يعتبر تصديق الولد إن كان صغيرا اتفاقا
وهل يعتبر تصديقه إن كان كبيرا ظاهر كلام الشيخ في النهاية العدم وفى المبسوط
يعتبر ولا يثبت النسب في غير الولد الا بتصديق المقر به وإذا أقر بغير الولد للصلب
ولا ورثة له وصدقه المقر به توارثا بينهما ولا يتعدى التوارث إلى غيرهما وهل يثبت
نسب الولد باقرار الام أم يختص باقرار الأب فيه خلاف فالأكثر حكموا بالأول واقتصر
جماعة على اقرار الأب استنادا إلى أنه خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع اليقين.
تحقيق الامر يتوقف على بيان وجه الفرق بين الاقرار بالولد ووجه نفوذه
والتعدي عنهما إلى الحواشى والأطراف وبين الاقرار بغيره من الأرحام ووجه عدم
نفوذه الا مع تصادقهما وعدم التعدي عنهما إلى غيرهما الا مع التصادق.
فأقول مستعينا بالله تعالى ان الاقرار بالولد الاقرار بالولادة ولها أطراف ثلاثة
الوالد والوالدة والولد ومن المعلوم اختلافها في الطرفية فان الأولين منشأ للولادة
وهي صادرة منهما صدور الفعل من فاعله دون الأخير فإنه متعلق للولادة وهي واقعة عليه
104

وقوع الفعل على المفعول فهي فعل للوالد والوالدة دون الولد فيسمع قولهما فيه
وينفذ اقرارهما به ضرورة ان الشخص مرجع في فعله وينفذ اقراره به فان الفعل مما
لا يستعلم الا من قبل فاعله.
واما اقرار الولد بأبوة رجل وأمومة امرأة مما لا يسمع بدون تصديقهما لان
مرجع اقراره بهما إلى ادعاء صدور فعل الولادة منهما ومن المعلوم ان المدعى به
لا يثبت بادعاء المدعى بل يحتاج ثبوته إلى قيام البينة عليه أو اقرار المدعى عليه به
وبما بيناه تبين ان ثبوت النسب بالاقرار بالولد منطبق على الموازين الأولية
والضوابط العامة وانه لا فرق بين الأب والام في هذه الجهة إذ الولادة كما تكون
فعلا للأب تكون فعلا للام ولذا يكون الأب والدا والام والدة فلا مجال للفرق بينهما
مع أن النصوص مطلقة كما تبين سر عدم نفوذ الاقرار الا في الولد من صلبه بلا واسطة
إذ الاقرار بالولد بالواسطة ادعاء على صدور الولادة من ولده فلا يثبت الا بالبينة
أو تصديق المدعى عليه.
ومنه تبين سر عدم نفوذ الاقرار بغير الولد من الأرحام الا مع تصديق المقر به
فان مرجع اقرار الشخص بأخ له أو عم أو خال مثلا إلى صدور ولادة المقر به من أبيه
أو أمه أو جده أو جدته فاقراره بذلك ادعاء على صدور الفعل من غيره فلا يسمع الا مع
تصادقهما عليه.
كما تبين انه حينئذ لا يتعدى عن المتصادقين إلى غيرهما من الفروع والأصول
والحواشي لان تصادقهما عليه يوجب ترتيب آثار النسب على أنفسهما بمقتضى اقرارهما
لا ثبوت النسب واقعا أو ظاهرا بخلاف اقراره بالولد من صلبه بلا واسطة فإنه اقرار
بصدور الفعل من نفسه فيسمع قوله فيه وتثبت الولادة بمجرد اقراره من دون حاجة
إلى تصديق المقر به ضرورة نفوذ اقرار الشخص فيما هو مرجع فيه ويتبعه ثبوت النسب
بالنسبة إلى الأطراف من الأصول والفروع والحواشي.
فان قلت الولادة جهة قائمة بطرفيها ومن شانها عدم ثبوتها باقرار أحد الطرفين
105

الا بالنسبة إلى المقر ولذا لا يسمع اقرار أحد المتزاوجين مع انكار الاخر الا بالنسبة
إلى المقر.
قلت التوليد فعل الوالد فقط وإن كان له تعلق بالولد بخلاف التزويج فإنه
مركب من فعلى المتزاوجين فلا ينفذ اقرار أحدهما الا بالنسب إلى نفسه إذ لا وجه لنفوذ
اقرار أحدهما بالنسبة إلى الاخر واما مجرد التعلق بالاخر مع صدور الفعل من أحدهما
فلا يوجب توقف نفوذ اقرار الفاعل على تصديق الاخر فان العتق والاطلاق والابراء
وهكذا من الايقاعات مع تعلقها بالطرف الاخر لا يتوقف نفوذ اقرار المولى والزوج
والدائن بالعتق والطلاق والابراء على تصديق العبد والزوجة والمدين.
فان قلت ثبوت النسب بالاقرار حكم ظاهري لا واقعي ومقتضاه ان لا يثبت به
اللوازم العقلية والعادية فكيف يثبت بالاقرار بالولد الانتساب بالنسبة إلى الأطراف
والتوابع من الأصول والفروع والحواشي.
قلت الانتساب بالنسبة إلى الأطراف ليس امرا زائدا على ثبوت نسبة الولد
بالنسبة إلى والده فان الجدودة والعمومة والخئولة والاخوة وهكذا منتزعة من أمرين
ثبوت الولادة بين المقر والمقر به وثبوت نسبة الأطراف إلى أحدهما والأولى ثابتة باقرار
الوالد بالولد كما هو المفروض والثانية ثابتة تحقيقا فلا مجال لنفيها مع ثبوت منشأ
انتزاعها كما أنه لا مجال لتوقيفها على تصديق الأطراف.
ومن هذا القبيل ثبوت المصاهرة بالتزويج الثابت بين المتزاوجين وعدم اعتبار
تصديق والد الزوج وبنت الزوجة وولد الزوج في ثبوتها لان التزويج إنما يرجع
إلى المتزاوجين ولا يرجع إلى غيرهما حتى ينفذ اقراره فيه مع أن الاقرار ليس أصلا
محضا بل فيه جنبة الكشف أيضا فهو برزخ بين الأصل والامارة بل يغلب عليه جهة
الكشف ولذا يكون قائما مقام البينة غالبا ويثبت به اللوازم.
فان قلت يلزم حينئذ التعدي إلى الأطراف في صورة التصادق أيضا.
قلت لا يثبت النسب بتصادقهما حتى يتعدى عنهما إلى سائر الأطراف وإنما يلزمان
حينئذ بترتيب آثار النسب بالنسبة إلى أنفسهما حسب اقرارهما.
106

والسر فيه ان اقرار الشخص إنما ينفذ فيما هو مرجع فيه ولا مرجعية لاحد
الأطراف في صدور الولادة لعدم كونها فعلا له ولا في طرفية سائر الأطراف أصالة
ولا تبعا لان كلا منهما في عرض الاخر من حيث الطرفية فلا ينفذ اقرار المتصادقين الا
في حق أنفسهما لعدم ثبوت الولاة باقرارهما حتى يتبعه ثبوت النسب النسبة إلى سائر
الأطراف وعدم ثبوت طرفية الأطراف غير المتصادقين به لان كلا منهما في عرض
الاخر فلا ينفذ باقرار أحد الأطراف طرفية سائر الأطراف أصالة كما هو ظاهر ولا تبعا
لعدم تبعية طرفية بعضها على طرفية الاخر.
وإذ قد اتضح لك ما حققناه فقد اتضح لك وجه الفرق بين الاقرار بالولد من صلبه
بلا واسطة وبين الاقرار بسائر الأرحام وسر ثبوت التعدي إلى الأطراف والتوابع
في الصورة الأولى وعدم التعدي في سائر الصور.
بقي الكلام في وجه اعتبار القيود الثلاثة.
اما الأول فوجه اعتباره واضح.
واما الثاني فلان الولد إذا لم يكن مجهول النسب وكان نسبه معلوما لم يبق محل
لتأثير الاقرار بولادته.
واما الثالث فلانه مع المنازعة فيه مع صغره يكون نسبة الولد إلى كل من
المتنازعين سواء فلا يترجح أحدهما على الاخر الا بالبينة ان كانت والا فبالقرعة
وقد تبين مما بيناه انه لا يعتبر تصديق الولد وإن كان كبيرا نعم لا يبعد أن يكون
تكذيبه حينئذ قادحا لأنه مستقل في نفسه فينفذ انكاره ولا ينافي سماع انكاره مع
نفوذ اقرار شخص بولادته منه لان مسماع اقرار المقر مقتض للحوق الولد به فيترتب
عليه الأثر ما لم يوجد مانع من طرف الولد وهو انكاره بالغا رشيدا.
ولذا اتفقوا على ثبوت النسب باقراره بالولد بعد موته مطلقا وحال صغره
وجنونه ويمكن أن يكون مراد الأكثر من اعتبار تصديق الولد البالغ العاقل حينئذ
عدم تكذيبه.
107

وبهذا البيان تبين انه لا ينافي اعتبار تصديق الولد حينئذ مع حكمهم بتعدي
التوارث إلى الأطراف فبان بهذا البيان وجه الفرق بين حكمهم بتعدي التوارث في
المقام مع اعتبارهم التصادق وحكمهم بعدم تعدى التوارث في المتصادقين على نسب
غير التولد.
والحاصل ان مرجع اعتبار التصادق في المقام إلى عدم التكذيب فقط فيتعدى
التوارث عنهما إلى الأطراف بخلاف اعتبار التصادق في غير التولد فان اعتباره
إنما هو بحسب نفسه لا باعتبار أوله إلى عدم التكذيب والانكار.
فاندفع بما بيناه ما أورده قدس سره في الروضة من أن الفرق بينه وبين غيره
من الأنساب مع اشتراكهما في اعتبار التصادق غير بين مع أنه لو قلنا باعتبار التصادق
في المقام تحقيقا فوجه الفرق ظاهر أيضا لان تصادقهما على التولد موجب لثبوت الولادة
إذ لا مرجع لها غيرهما فيتعدى عنهما إلى الأطراف واما التصادق في غير التولد
فلا يوجب ثبوت النسبة لعدم مرجعيتهما الا في الطرفية الثابتة لأنفسهما كما أوضحناه
لك فلا يتعدى عنهما إلى سائر الأطراف التي كل منهما في عرض الاخر ولا يتبع
بعضها بعضا.
ثم اعلم أنهم قالوا إذا أقر بغير الولد للصلب وصدقه المقر به صح وتوارثا
إذا لم يكن لهما ورثة مشهورون وهو كذلك لان نفوذ اقرارهما على أنفسهما إنما
يقتضى توارث كل منهما عن الاخر بالنسبة إلى حقوق أنفسهما دون حقوق ورثتهما
فلا يؤثر تصادقهما في التوارث الا مع عدم ورثة لهما.
108

(فائدة - 16)
القطع قد يكون طريقا أي لا مدخلية له في حكم متعلقه كما هو شانه الذاتي.
وقد يؤخذ قيدا للموضوع بحيث لا يترتب الحكم على متعلقه الا بعد القطع
به كما إذا فرض ان الخمر المقطوع بخمريته حرام ولا شبهة في جوازه كما أنه يجوز
اخذ العلم بالحكم في موضوع حكم آخر كوجوب الحد على شارب الخمر العالم
بأنه حرام.
واما اخذه موضوعا بالنسبة إلى نفس الحكم الذي تعلق العلم به فهو محال
مستلزم للدور الموجب لتقدم الشئ على نفسه بمرتبتين وتأخره عن نفسه كذلك.
وقد يتوهم انه مما يمكن بنتيجة التقييد قال مقرر بحثه بعد ما حكم بجوازه:
" وتوضيح ذلك هو ان العلم بالحكم لما كان من الانقسامات اللاحقة للحكم
فلا يمكن فيه الاطلاق والتقييد اللحاظي لاستلزامه الدور كما أوضحناه في مبحث
التعبدي والتوصلي وقلنا إن اخذ العلم قيدا جزئا أو شرطا أو مانعا مما لا يمكن في مرتبة
الجعل والتشريع كما هو الشأن في الانقسامات اللاحقة للمتعلق باعتبار تعلق الحكم
به كقصد التقرب في العبادات وإذا امتنع التقييد امتنع الاطلاق أيضا لان التقابل
بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة.
ولكن الاهمال الثبوتي أيضا لا يعقل بل لابد اما من نتيجة الاطلاق أو من
نتيجة التقييد فان الملاك الذي اقتضى تشريع الحكم اما أن يكون محفوظا في
109

كلتا حالتي الجهل العلم فلا بد من نتيجة الاطلاق واما أن يكون محفوظا في حالة
العلم فقط فلا بد من نتيجة التقييد وحيث لم يمكن أن يكون الجعل الأول متكفلا
لبيان ذلك فلا بد من جعل آخر يستفاد منه نتيجة الاطلاق والتقييد وهو المصطلح
عليه بمتمم الجعل فاستكشاف كل من نتيجة الاطلاق والتقييد يكون من دليل آخر ".
انتهى وهو فاسد من وجوه:
الأول ان اخذ العلم بالحكم شرطا في تحقق هذا الحكم مستحيل ذاتا لاستلزامه
تقدم العلم على الحكم المتقدم عليه تقدم المعلوم على العلم فلا يختص استحالته بالجعل
الأول حتى تندفع بأخذه شرطا له بالجعل الثاني.
والثاني ان اختصاص مصلحة الحكم بحالة العلم به فقط موجب لتأثير العلم
بالحكم في مصلحة الحكم وهو مستلزم للدور المحال أيضا لان الحكم منبعث عن
المصلحة ومعلول عنها فلا يعقل أن تكون مصلحة الحكم منبعثة عن العلم به المتأخرة عنه
والثالث انه يلزمه الاهمال الثبوتي في جعل الحكم وان زعم أنه تخلص منه
بعدم تطرق الاطلاق والتقييد اللحاظي في الجعل الأول لان الحاكم ان لاحظ الخمر
في حد نفسها مثلا وأثبت الحرمة لها من حيث هي يلزمه اطلاق الحكم بالنسبة إلى
الحالات الطارية والا فان قيدها بقيد فالحكم مقيد به حينئذ والحاكم لا يخلو من أحد
اللحاظين حتى يحتاج إلى الجعل الثاني والاحتياج إليه إنما يتم إذا كان الحاكم
في حال الجعل الأول معرى عن اللحاظين وهو الاهمال الذي فر منه.
والرابع ان الدليل إن كان كاشفا عن اخذ العلم بالحكم شرطا في تحققه فهو
مأخوذ في موضوع الحكم بالجعل الأول ويستحيل حينئذ ان لا يعقل اخذه في الموضوع
بالجعل الأول وان دل الدليل على اخذه كذلك في جعل اخر مترتب عليه فهو مأخوذ
في موضوع حكم آخر يترتب على الأول.
وكيف كان فما ذكره امر مستحيل من وجوه عديدة وما زعمه من أن وجوب
الجهر والاخفات في مواضعهما ووجوب القصر على المسافر من هذا الباب لاشتراطهما
110

بالعلم بهما في غير محله إذ صحة الصلاة جهرا في موضع الاخفات وبالعكس وصحة
الاتمام في موضع القصر جاهلا بالحكم لا يتوقف على اخذ العلم بالحكم قيدا في
موضوعه بل يصلح بجعل العلم بالحكم كالبلوغ والعقل شرطا في تعلق الحكم كما
عليه المصوبة في جميع الأحكام فلا يكشف عن اخذ العلم بالحكم شرطا في تحققه
مع أن الاتمام في موضع القصر إنما يصح إذا كان الجاهل قاصرا لا مطلقا وهو مبنى
على أصل اخر كما بيناه في محله.
واما كون المأمور به عبادة فهو سابق على الامر ولذا قد تكون العبادة مأمورا بها
وقد تكون منهيا عنها كصلاة الحائض وصومها ولو سلمنا عدم تحقق التعبد بدون
الامر فهو مأخوذ في نفس الامر بالجعل الأول لان الغرض من الامر قد يكون التعبد
بالمأمور به وقد يكون التوصل به.
توضيح ذلك ان قيود القضية خبرية أم انشائية اما معتبرة في الموضوع أو المحمول
أو النسبة ولا رابع لها كما هو ظاهر فإن كان عروض الحكم على المعروض متوقفا
على اعتبار قيد في المعروض فهو قيد في المعروض فهو قيد للموضوع كتوقف
استحقاق الزكاة على الفقر مثلا وقبول الشهادة على العدالة وإن كان ثبوت الحكم
للموضوع مقيدا بخصوصية مرتبطة بالمحمول كقولك زيد عالم بالفقه أو بالنحو
وهكذا فهو قيد للمحمول وإن كان ثبوت النسبة موقوفا على اعتبار خصوصية فيها فهي
قيد لها كقولك ان قدم زيد من السفر فتصدق درهما فان اعتبار قدوم زيد في وجوب
تصدق درهم ليس تقييدا للموضوع ولا للمحمول وإنما هو تقييد للنسبة.
ومن هذا الباب كل ما اعتبر في القضية ولا يكون صفة للموضوع ولا للمحمول
فان قدوم زيد ليس صفة للمتصدق ولا للصدقة واعتبار قصد التعبد في الامر من
هذا القبيل فان مطلوبية المأمور به قد تكون مقيدة بايجاده بعنوان التعبد لله تعالى
شأنه كاغتسل وصل مثلا فيكون الامر تعبديا وقد تكون بايجاده كيف اتفق
كاغتسل ثوبك وبدنك عن الخبث فيكون الامر توصليا فانقسام الامر إلى التعبدي
111

والتوصلي إنما هو باختلاف غرض الامر وإذا انحصر غرض الامر في التعبد بالمأمور به
لا يصلح الامتثال الا بقصد التقرب به ولا يصلح اخذ العلم بالحكم أو جهله به معتبرا
فيه لا موضوعا ولا محمولا ولا نسبة كما هو واضح وإنما يتصور اعتباره في مرحلة تعلق
الحكم التي هي المرحلة الثانية من مراحل الحكم بالجعل الأول وإن كان باطلا
مستلزما للتصويب.
واغرب منه ما ذكره من تصور جعل العلم بالحكم من سبب خاص مانعا مزيلا
للحكم ورافعا له وهو في غاية الغرابة وكيف يتصور أن يكون طريق العلم بالحكم
واثباته رافعا مزيلا له.
112

(فائدة - 17)
لا شبهة في أن الخيار في عقد البيع من الحقوق لا الأحكام لأنه سلطنة لاحد
المتعاقدين على الاخر وقد بينا في محله ان كل سلطنة على الغير من قبيل الحقوق
وسلطنة الشخص على نفسه وجهاته من قبيل الأحكام.
توضيح الحال ان عقد البيع ينحل إلى بدليتين بدلية الثمن عن المثمن وبدلية
المثمن عن الثمن فهو مركب من ايجابين في مرحلة تكوين العلقة فهو مبايعة في
هذه المرحلة وكل من المتعاقدين موجب للبيع ويكون في عرض الاخر من حيث
ايجاد العلقة القائمة بالمالين فهما متبايعان ولكن باعتبار ان المثمن أصل في مرحلة
قصد البدلية والثمن تابع له صار أحد العملين ايجابا والاخر قبولا واحد المتبايعين
بايعا والاخر مبتاعا فظهر بهذا البيان ان عقد البيع لازم ذاتا ولا يستقل أحدهما في
حله كما لا يستقل في عقده واثباته نعم لهما الاجتماع على حله كما لهما الاجتماع
على عقده واثباته فالسلطنة على الإقالة كالسلطنة على ايجاد العقد من شؤون سلطنة
الشخص على نفسه وجهاته فهي حكم لاحق ولذا لا تقبل الاسقاط.
واما الخيار المجعول شرعا أو بجعل المتعاقدين فهو سلطنة جديدة ثبتت
لأحدهما أو لكل منهما على الاخر في حل عمله بجعل الشرع أو بجعل المتعاقدين
فهو حق ولذا يقبل الاسقاط باتفاق الأصحاب بخلاف السلطنة على رد العقد
الفضولي وامضائه وجواز الرجوع في الهبة وسائر العقود الجائزة بالذات المسماة
113

بالعقود الإذنية فإنها كالإقالة أحكام غير قابلة للاسقاط لان مرجع السلطنة في الجميع
إلى سلطنة الشخص على نفسه وجهاته.
إذا اتضح لك ذلك فاعلم أن الخيار في عقد البيع كما يقبل الاسقاط يقبل
الانتقال إلى الورثة لان موضوعه وهو عقد البيع لا يتقوم بالمورث بل ينتقل اثر البيع
إلى الوارث فلا مانع حينئذ من انتقال الخيار الثابت فيه إلى الوارث أيضا وهذا
بخلاف الخيار الثابت في عقد التزويج بسب أحد العيوب المجوزة لفسخه فإنه
لا ينتقل إلى الوارث لتقوم موضوعه وهو عقد التزويج بالمورث وقد ظهر بما بيناه
من أن الحق إنما هو سلطنة على الغير ان حق الجلوس في السوق والمسجد وحق
التولية والنظارة لا تكون حقا اصطلاحا وان عبر عنها بالحق لغة إذ لا يكون شئ
منها سلطنة على الغير فان مرجع الأولين إلى ملك الانتفاع بسبب سبق الجلوس
ومرجع الأخيرين إلى ولاية على العين الموقوفة واستصواب امر القيم لا ولاية
وسلطنة على الغير.
واما الخيار المجعول للأجنبي فلا يكون حقا للأجنبي لعدم عود فائدة الخيار
إليه وإنما حكمه حكم الوكيل فهو منصوب من قبل المتعاقدين في اعمال الخيار
فسخا والزاما فعدم انتقال هذه الأمور المعبر عنها بالحق ليس لأجل تقومها بموضوعها
كما ذكره شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) في متاجره بل من اجل عدم كونها حقا
بقي الكلام في أمرين الأول في أن ارث الخيار هل يتبع ارث المال قال
شيخ مشائخنا العلامة الأنصاري قدس سره: " ارث الخيار ليس تابعا لإرث المال فعلا
فلو فرض استغراق دين الميت لتركته لم يمنع انتقال الخيار إلى الوارث " إلى أن
قال: " ولو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي كالزوجة بالنسبة إلى العقار وغير الأكبر
من الأولاد بالنسبة إلى الحبوة ففي حرمانه من الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا أو
عدم حرمانه كذلك وجوه بل أقوال:
ثالثها التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلى الميت أو عنه فيرث
114

في الأول صرح به فخر الدين في الايضاح وفسر به عبارة والده كالسيد العميد وشيخنا
الشهيد في الحواشى ورابعها عدم الجواز في تلك الصورة والاشكال في غيرها
صرح به في جامع المقاصد انتهى ".
وفيه ان استغراق دين الميت لتركته لا يكون مانعا من ارث المال أيضا إذ
أعيان التركة حينئذ منتقلة إلى الورثة ولا ينافيه تأخر الإرث عن الدين لان المراد
منه انه ما لم يؤدوا الورثة ديون الميت لا يرجع إليهم التركة طلقا لا انهم لا يرثونها
أصلا ما لم يؤدوا الدين.
والتحقيق ان ارث الخيار تابع لإرث المال لان الخيار إنما ثبت للمورث
باعتبار انه حقه ويعود فائدته إليه فلو ثبت للوارث من دون ان يرث المال لزم عدم
عود فائدته إليه وأن يكون رجوع الخيار إليه حينئذ من قبيل رجوع الخيار إلى الأجنبي
المجعول له الخيار حيث يكون مرجعا في اعمال الخيار فسخا والزاما للغير من دون
أن يكون له حق فيه وهذا مناف لكونه وارثا لحق الخيار الثابت لمورثه ولكن تبعيته
لإرث المال إنما يقتضى منعه من ارث الخيار إذا كان ما انتقل إلى الميت مما يحرم
عنه الزوجة كما إذا ترك أرضا مشتراة بخيار فان الزوجة محرومة عن ارث الأرض
وثمنها.
اما الثاني فلخروجه عن ملك الميت فلا يكون تركة له.
واما الأول فلحرمان الزوجة عنه فلا مجال لإرث الخيار حينئذ بالنسبة إلى الزوجة
إذ لو قلنا بان لها الخيار حينئذ لزم أن يكون لها اعمال الخيار لسائر الورثة لا نفسها
إذ لاحق لها في الثمن بعد الفسخ أيضا إذ الفسخ حل للعقد من حين الفسخ لامن حين
العقد فلا يرجع الثمن حينئذ بالفسخ إلى الميت حتى يصير تركة له وترث منها
الزوجة وإنما يرجع بالفسخ كل من الثمن والمثمن مكان الاخر فيقوم الثمن مقام
الأرض التي صارت ملكا لغير الزوجة من الورثة فلا سهم للزوجة فيه كما لا سهم لها
في الأرض.
115

واما إذا كان ما انتقل عن الميت مما يحرم عنه الوارث كما إذا باع أرضا بخيار
وترك ثمنها فالزوجة حينئذ كسائر الورثة ترث منه ولها خيار الفسخ وإذا اختارت
الفسخ تنتقل إليها من الأرض في مقابل سهمها من الثمن لان الفسخ حل للعقد من
حين الفسخ فتملك قسطا من الأرض بالفسخ ولا يكون ابطالا للعقد من رأس حتى
ترجع إلى الميت وتنتقل عنه إلى الورثة إرثا فتحرم عنها الزوجة وما يظهر من كلماتهم
انه لو قلنا بثبوت الخيار للزوجة في الصورتين واختارت الفسخ فلا ترث في الصورة
الأولى من الأرض وترث من الثمن في الصورة الثانية في غير محله إذ لا محال لهذا
الحكم بعد الالتزام بان الفسخ حل للعقد من حين الفسخ لا ابطال له من رأس.
فان قلت مقتضى ما ذكرت حرمان الزوجين عن الدية في قتل العمد لان الحكم
حينئذ ابتداءا هو القصاص المحروم عنه الزوجان والدية تثبت بدلا عنه مع أن الاجماع
قائم على أنهما يرثان من الدية سواء ثبتت أصالة أو صلحا.
قلت الدية بدل عن دم المقتول عمدا أو خطا غاية الأمر ان له في الصورة
الأولى بدلين القصاص والدية مع تقدم الأول على الثاني ولذا إذا هرب قاتل العمد
إلى أن مات يؤخذ الدية من ماله فلا تكون الدية بدلا عن القصاص حتى يحرم عنها
الزوجان وإنما تكون بدلا عن دم المقتول فيرثها من يرث المال ومنهم الزوجان.
والثاني في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع أنه حق واحد غير قابل
للتجزية والتقسيم وقد ذكر شيخ مشائخنا الأنصاري قدس سره في متاجره فيه
وجوها فقال:
الأول ما اختاره بعضهم من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا كمورثه بحيث
يكون له الفسخ في الكل وان أجاز الباقون نظير حد القذف الذي لا يسقط بعفو بعض
المستحقين وكذلك حق الشفعة على المشهور واستند في ذلك إلى أن ظاهر النبوي
المتقدم وغيره ثبوت الحق لكل وارث لتعقل تعدد من لهم الخيار بخلاف المال
الذي لا بد من تنزيل مثل ذلك على إرادة الاشتراك لعدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد
116

بخلاف محل البحث.
الثاني استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه فله الفسخ فيه دون باقي
الحصص غاية الأمر مع اختلاف الورثة في الفسخ والامضاء تبعض الصفقة على من
عليه الخيار فيثبت له الخيار ووجه ذلك ان الخيار لما لم يكن قابلا للتجزية وكان
مقتضى أدلة الإرث كما سيجئ اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم تعين تبعضه بحسب
متعلقه فيكون نظير المشتريين لصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت الخيار لكل منهما.
الثالث استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار فيشتركون فيه من دون
ارتكاب تعدده بالنسبة إلى جميع المال لا بالنسبة إلى حصة كل منهم لان مقتضى أدلة
الإرث في الحقوق الغير القابلة للتجزية والأموال القابلة لها امر واحد وهو ثبوت
مجموع ما ترك لمجموع الورثة الا ان لتقسيم في الأموال لما كان امرا ممكنا كان مرجع
اشتراك المجموع في المجموع إلى اختصاص كل منهم بحصة مشاعة بخلاف الحقوق
فإنها تبقى على حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها فلا يجوز لأحدهم الاستقلال
بالفسخ لا في الكل ولا في حصته فافهم.
وهنا معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع وهو ان يقوم بالمجموع من حيث
تحقق الطبيعة في ضمنه لامن حيث كونه مجموعا فيجوز لكل منهم الاستقلال
بالفسخ ما لم يجز الاخر لتحقق الطبيعة في الواحد وليس له الإجازة بعد ذلك كما أنه
لو أجاز الاخر لم يجز الفسخ بعده لان الخيار الواحد إذا قام بماهية الوارث واحدا
كان أو متعددا كان امضاء الواحد كفسخه ماضيا فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الاخر لان
الأول قد استوفيه ولو اتحدا زمانا كان ذلك كالفسخ والامضاء من ذي الخيار
بتصرف واحد لا ان الفاسخ مقدم كما سيجئ في أحكام التصرف " انتهى.
أقول اما ما ذكر مستندا للوجه الأول فلا ريب في فساده لعدم تعقل رجوع
الحق الواحد إلى متعدد على أن يكون كل منهم مستقلا فيه والا لزم أول الحق
الواحد إلى حقوق متعددة وهو خلف للفرض
117

والحاصل ان الحق الواحد مع بقائه على وحدته يستحيل رجوعه إلى متعدد
على سبيل الاستقلال فلا مناص حينئذ الا عن الالتزام بالإشاعة والاشتراك وما توهمه
بعض من أن الاشتراك إنما يتطرق فيما يقبل التجزى والانقسام لان مرجع اشتراك
اشخاص متعددة في عين إلى اختصاص كل منهم بحصة مشاعة منها فعند اجتماع
أسباب متعددة على حق واحد واعمال كل منها يدور الامر بين أمرين استقلال كل
منها في التأثير واشتراك الجميع في الأثر والثاني باطل لعدم تطرق الاشتراك فيه
لعدم تجزيه فتعين الأول في غير محله.
لما بيناه مرارا في الفوائد السابقة من أن مرجع الاشتراك إلى ضعف تعلق حقوق
الشركاء وعدم استحقاق كل منهم العين المشاعة على وجه التمام لا إلى تعلق حق
كل منهم بكسر مشاع حتى لا يتطرق فيما لا يقبل التجزى والانقسام مع أنه لو سلم
عدم تطرق الاشتراك فيه لزم سقوط الأسباب المتعددة المجتمعة على محل واحد
حينئذ ان تساووا في التأثير أو تقدم الأقوى منها إن كان لا استقلال كل منها
في التأثير.
ضرورة ان الأسباب المتعددة إذا اجتمعت على محل واحد تشترك في التأثير
إن كان المحل قابلا للاشتراك والا تتعارض وتتساقط مع تكافؤها والا يتقدم الأقوى
منها وكيف كان فلا وجه لاستقلال كل منها في التأثير على كل حال.
ومن غرائب الأوهام ما ذكره السيد الطباطبائي في تعليقته على متاجر شيخنا
الأنصاري (قدس سرهما) من تعقل تعدد الملاك لمال واحد على سبيل الاستقلال فقال
في ذيل قوله بخلاف المال.
" أقول قد عرفت ان في المال أيضا يعقل تعدد الملاك والوجه في التنزيل على
الإشاعة ليس عدم معقولية التعدد على وجه الاستقلال بل ظهور الأدلة فيه بمساعدة
حكم العرف وفهمهم وهذا الوجه موجود في الحق أيضا كما سيأتي بيانه " انتهى
وأشار بذلك إلى ما ذكره في أول المسألة فقال في ذيل كلام المصنف
118

في كيفية استحقاق كل من الورثة (الخ) انه لا باس هنا بالإشارة إلى أمور فذكر
الأول ثم قال: " الثاني يجوز اشتراك جماعة في حق واحد على نحو الاستقلال بان
يكون لكل منهم استيفائه مستقلا " وذكر له أمثلة منها حق القذف ومنها حق القصاص
ومنها الخيار المجعول لاثنين مستقلا ومنها الوليين والوصيين والمتوليين المستقلين
إلى أن قال: " ثم الاشتراك على الوجه المذكور قد يكون بحيث يجوز لكل واحد
اعمال الحق اسقاطا واستيفاءا بمعنى انه لو اسقط يسقط عن الجميع ولو استوفى لا يبقى
حق للبقية كما في حق الخيار المجعول لاثنين والموكل والوكيل والوليين للصبي
أو المجنون بالنسبة إلى خياره ونحو ذلك وقد يكون بحيث يجوز لكل واحد
الاستيفاء لكن لا يسقط باسقاطه الا بالنسبة إلى نفسه كما في حق القصاص والقذف
والرهن ونحوها.
وهذا المعنى الذي ذكرنا يمكن تعقله في المال أيضا بان يكون مال واحد
لشخصين بحيث يكون لكل واحد منهما التصرف في كله باي نحو أراد من غير حاجة
إلى اذن الاخر أو اجازته إذ لا مانع منه عقلا ولا نقلا ولذا قلنا بجواز اجتماع يدين
لشخصين على مال واحد على وجه الاستقلال بحيث يعد كل منهما صاحب يد على
تمام العين فيكون نظير تعارض الامارتين في الدلالة على الملكية ويجوز تضمين
كل منهما لتمام المال إذا كانتا على وجه الغصب.
والحاصل ان هذا المعنى معقول في المال أيضا الا انه لا مورد له في
الفقه " انتهى.
أقول إن أراد من تعقل تعدد الملاك لمال واحد على سبيل الاستقلال جواز
تعدد ملك رقبة المال لكل منهم على سبيل الاستقلال فهو بديهي البطلان لاستحالته
عقلا بالضرورة وان أراد منه جواز تعدد ملك التقلب لمال واحد فهو معقول واقع
في الفقه فان كلا من الأب والجد للأب يملك التقلب في مال الصغير ولا ينافي مع
ما ذكر من عدم تعقل تعدد الملاك لمال واحد فان غرضه من الملك ملك الرقبة أو
119

المنفعة لا ملك التقلب والوجه في جواز تعدده استقلالا دون ملك الرقبة واضح لان
ملك التقلب عبارة عن الولاية ويجوز ان يتعدد الولي بالنسبة إلى شئ واحد
وشخص واحد ولا تكون الولاية حينئذ ولاية واحدة قائمة بكل واحد من الوليين
على سبيل الاستقلال حتى يعود المحذور بل الولاية حينئذ متعددة قائم كل ولاية
منها بولي ولذا قد تكون احدى الولايتين أقوى من الأخرى كولاية الجد بالنسبة
إلى عقد الصغيرة بل وهكذا بالنسبة إلى تصرف في المال على الأقوى.
وبما بيناه ظهر ان ما ذكره من جواز اجتماع يدين على سبيل الاستقلال على
مال واحد امر غير معقول وتنظيره بالامارتين المتعارضتين في غير محله بل لو سلم
ما ذكره لزم الحكم بثبوت الملك لكل منهما على سبيل الاستقلال لعدم التعارض
بينهما حينئذ فلا وجه لتنظيره بالامارتين المتعارضتين حينئذ كما أنه ظهر بما بيناه الحال
في كثير من الأمثلة التي ذكرها فان الوصيين والمتوليين المستقلين والأجنبيين المجعول
لهما الخيار مستقلا من هذا القبيل ومقتضى استقلال كل منهما نفوذ امره حلا والزاما
واسقاطا.
واما وجه عدم سقوط حق القصاص فليس من اجل استقلال كل من الورثة
في حق القصاص بل إنما هو لأجل انه مشترك بين الورثة ولا يسقط بعفو بعضهم الا
سهمه منه وللباقين استيفاء سهمهم من القصاص وحيث لم يتطرق التبعيض في قصاص
النفس رخص الشارع لولى الدم الاخذ بالقصاص مع غرامته من الدية مقدار الفاضل
عن سهمه من القصاص اهتماما به ولذا لو اشترك جماعة في قتل واحد عمدا جاز لولى
الدم قتل الجميع قصاصا بعد رد الفاضل عن دية المقتول إليهم كما جاز له قتل بعضهم
مع رد الباقين دية جنايتهم.
والحاصل ان جواز الاخذ بالقصاص حينئذ ليس باعتبار عدم سقوطه بعفو
البعض رأسا بل باعتبار بقاء سهم الاخذ منه فيأخذ به بعد غرامة ما زاد عن سهمه من الدية
جمعا بين الحقين واهتماما بأمر القصاص.
120

واما حق القذف فعلى فرض تسليم عدم سقوط بعض الحد بعفو بعضهم كما
ادعى عليه الاجماع فلعله لأجل ان حد القذف لا يورث بل يبقى للميت وإنما يكون
لكل من الورثة الولاية في اعماله واستيفائه فالعافي منهم إنما يعفو عن حقه من المباشرة
لا عن نفس الحد لأنه لم يكن حقا له حينئذ
والحاصل ان عدم سقوط بعض حد القذف حينئذ تعبد محض والا فمقتضى
القاعدة سقوط سهمه من الحد لو قلنا بأنه من الحقوق الموروثة.
وكيف كان فلا مجال للقول باستقلال كل من الورثة في حق الخيار ثم إنه
لو سلمنا ذلك لم يكن للقول بثبوت خيار الفسخ لكل منهم مع إجازة الباقين وجه وتنظيره
بحد القذف الذي لا يسقط بعفو بعض المستحقين في غير محله إذ فرق بين الإجازة
والعفو فان عدم السقوط بالعفو إنما هو لأجل ان العفو يرجع إلى اسقاط حقه على
اعمال الحد فلا ينافي مع بقاء حق الاخر على اجرائه واما الإجازة فهي الزام وتثبيت
للعقد فلا مجال لبقاء التزلزل في العقد حينئذ حتى يتطرق فيه الفسخ والحل.
والحاصل ان الإجازة اعمال للحق لا اسقاط له فان ذا الخيار يملك حل العقد
والزامه فبالإجازة يلزم العقد كما أنه بالفسخ يحله فكما يؤثر فسخ كل واحد من الورثة
في تمام العقد على هذا التقدير بحيث لا يبقى مجال لامضاء العقد واجازته بعده فكذلك
يؤثر إجازة كل واحد منهم لزوم العقد وخروجه عن التزلزل بحيث لا يبقى مجال
لفسخ العقد وحله بعده.
وإذ قد تبين مما بيناه انه لا مجال للقول باستقلال كل من الورثة في الخيار بحيث
ينفذ فسخ كل منهم وان أجاز الباقون.
تبين لك بطلان الوجه الرابع أيضا لان المقتضى في كل من الوراثة وإن كان
تاما بحيث لو انفرد لرجع إليه تمام التركة عينا كان أو حقا الا ان مقتضى
اجتماعها على محل واحد مع صلوح المحل للاشتراك اشتراكها في الأثر مطلقا
فلا مجال للتفصيل بين المال والحق حينئذ كما أنه لا مجال للقول باستقلال كل من
121

الورثة في مطلق التركة عينا كان أو حقا فلم يبق من الوجهين الا الثاني والثالث.
والظاهر حينئذ إنما هو الوجه الثاني لان البيع باعتبار اشتراك الورثة في
الثمن أو المثمن ينحل إلى بيوع متعددة حسب تعدد سهام الورثة فينحل الخيار
المتعلق به إلى خيارات متعددة حسب تعدد البيع فيستقل حينئذ كل واحد من الورثة
بالنسبة إلى سهمه من المال في حل البيع والزامه.
ولا يخفى ان التعدد التحليلي لا ينافي مع بقائه على وحدته تحقيقا ولذا يجرى
فيه خيار تبعض الصفقة مع عدم اتفاق الورثة على الفسخ أو الامضاء فالبيع حينئذ
واحد تحقيقا متعدد تحليلا وكذا الخيار ويترتب اثر كل منهما عليه.
122

(فائدة - 18)
قال المحقق (قدس سره): " ولا تصح الوصية لمملوك الأجنبي ولا لمدبره ولا
لام ولده ولا لمكاتبه المشروط والذي لم يؤد من مكاتبه شيئا ولو لجاز مولاه وتصح
لعبد الموصى ولمدبره ومكاتبه وأم ولده ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه
من الثلث فإن كان بقدر قيمته أعتق وكان الموصى به للورثة ان كانت قيمته أقل
أعطى الفاضل وان كانت أكثر سعى للورثة فيما بقي ما لم تبلغ قيمته ضعف ما أوصى
له به فان بلغت ذلك بطلت الوصية وقيل تصح ويسعى في الباقي كيف كان وهو حسن.
وإذا أوصى بعتق مملوكه وعليه دين فان كانت قيمة العبد بقدر الدين مرتين
أعتق المملوك ويسعى في خمسة أسداس قيمته وان كانت قيمته أقل الوصية بعتقه
والوجه ان الدين يقدم على الوصية فيبدء به ويعتق منه الثلث مما فضل عن الدين اما
لو نجز عتقه عند موته كان الامر كما ذكرنا أولا عملا برواية عبد الرحمن عن أبي
عبد الله عليه السلام ".
أقول لا تصح الوصية للمملوك الأجنبي سواء قلنا بأنه لا يملك أو يملك ولا
استقلال له في ملكه كما لا استقلال له في نفسه.
اما على الأول فواضح.
واما على الثاني فلان للمولى حينئذ ان يتملك الموصى به لان العبد وما في
يده لمولاه فيصير العبد حينئذ قنطرة إلى رجوع الموصى به إلى مولاه وهو خلاف
123

مقصود الموصى ولا مجال لان يقال بصحة الوصية حينئذ وصيرورة الموصى به
متمحضا في ثمن رقبته فيصير العبد حينئذ عتقا على مولاه من قبل الوصي والا لزم
أن يكون للموصى ولاية (1) على المولى بجعل عبده معتقا بالوصية له واللازم
باطل بالضرورة فلا سبيل إلى صحة الوصية على كل تقدير فتبطل.
واما الوصية لعبده فهي جائزة لأنه كما يجوز للمولى عتق عبده فكذلك
يجوز له اختيار ما هو وسيلة إلى عتقه بان يوصى له بشئ مشاعا أو معينا فيتمحض
في ثمن رقبته فتصح الوصية وتعتق رقبة العبد من قبل الوصية فان ساوى الموصى به
ثمن الرقبة فهو وان زاد عليه تعتق من معادل ثمنها من الموصى به وتعطى الفاضل
وإنما الكلام فيما إذا لم يف الموصى به بثمن رقبته فقيل تصح مطلقا ويعتق العبد
ويسعى في الباقي وقيل تصح إذا كان الموصى به أكثر من سهم الورثة في العبد وان
تعادلا أو زاد سهم الورثة على الموصى به بطلت الوصية
والتحقيق انه إذا بلغ الموصى به ثلاثة أرباع قيمة العبد تصح الوصية فيعتق
العبد من قبل الوصية ويسعى في الربع الباقي للورثة لرواية الحسن ابن صالح عن
أبي عبد الله عليه السلام: " في رجل أوصى لمملوكه بثلث ماله قال فقال يقوم المملوك بقيمة
عادلة ثم ينظر ما ثلث الميت فإن كان الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة
استسعى العبد في ربع القيمة وإن كان الثلث أكثر من قيمة العبد أعتق العبد ودفع
إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة فإنها تدل على أن الحد الذي تصح معه الوصية
ويصير سببا لعتق العبد وسعيه في الباقي للورثة هو بلوغ الموصى به ثلاثة أرباع
قيمة العبد.
وحمل الحد المزبور على سبيل المثال لما زاد عن النصف حتى ينطبق على

(1) فان قلت هذا إذا لم يكن الوصية للعبد بإجازة المولى.
قلت مجرد إجازة المولى في الوصية لعبده لا تستلزم الاذن في عتقه حتى
يكون عتقه بسبب الوصية التي بإجازة المولى مستندا إليه (منه)
124

مختار الشيخين (قدس سرهما) أو على سبيل المثال لما زاد عن الموصى به مطلقا
حتى ينطبق على مختار من أطلق القول بصحة الوصية له والسعي في البقية من دون
تحديد لا وجه له مع ظهور الرواية في التحديد بحد معين.
والحاصل ان المتصور في المقام في بادي النظر صور:
الأولى نفوذ الوصية وصحتها مطلقا مع بقاء العبد على رقيته.
والثانية بطلان الوصية مطلقا
والثالثة نفوذ الوصية مطلقا وصيرورة العبد معتقا بمقدار ما وفى الموصى به
بقيمته مبعضا في الحرية والرقية مشتركا بينه وبين الورثة.
والرابعة نفوذ الوصية مطلقا وصيرورة العبد معتقا بكله من قبل الوصية مع وجوب
السعي عليه للورقة بمقدار سهمهم منه.
والخامسة نفوذ الوصية إذا بلغ الموصى به حدا محدودا من قيمة العبد
وصيرورته معتقا حينئذ مع وجوب السعي عليه للورثة بمقدار ما يبقى من حقهم
عليه رعاية للحقين مع تزاحمهما وتواردهما على محل واحد وقد استفيد من الروايات
بطلان الصور الثلث الأول واتفقت كلمات الأصحاب (قدس سرهم) عليه أيضا.
اما الأولى فلرجوعها إلى صيرورة العبد قنطرة لرجوع الموصى به إلى الورثة
وهو خلاف مقصود الموصى فيبطل.
واما الثانية فلوجود مقتضى الصحة وانتفاء المزاحم الا في بعض صوره
فلا مجال للحكم ببطلانها مطلقا.
واما الثالثة فلبطلان التبعيض في الحرية والرقية الا في المكاتب فيدور امر
العبد مع عدم بلوغ الموصى به قيمة رقبته بين أمرين تقديم حق الموصى على حق
الورثة المقتضى لعتق العبد وسعيه بالنسبة إلى سهم الورثة وتقديم حق الورثة المقتضى
لبطلان الوصي فجعل الشارع لذلك حدا محدودا فإذا بلغ الموصى به مقدار ثلاثة
أرباع قيمة العبد قدم حق الموصى فيعتق العبد حينئذ ويسعى في سهم الورثة وان
125

لم يبلغ ذلك تقدم حق الورثة فتبطل الوصية حينئذ.
وبهذا البيان تبين ان حق الورثة مع حق الموصى يتزاحمان في العبد الموصى
له ولا أصل في البين يقتضى تقدم أحدهما على الاخر فلا بد من الحكم بتقديم أحدهما
على الاخر من المراجعة إلى كلمات أهل العصمة سلام الله عليهم أجمعين فيجب
الاقتصار في الحكم بصحة الوصي ونفوذها وتقديمها على حق الورثة على الحد
الذي ذكر في الروايات وعدم التجاوز عنه.
وقد تبين أيضا مما بيناه عدم الفرق بين كون الموصى به جزء مشاعا من التركة
أو جزء معينا لان الموصى به يتمحض في ثمن رقية العبد حينئذ فرجوع الموصى به
مشاعا أو معينا إلى الورثة حينئذ ليس تبديلا للوصي حتى يحكم ببطلانه بل انفاذ لها لان
مقتضى تمحضه في ثمن رقبة العبد به عتق العبد ورجوعه إلى الورثة بدلا عن رقبة العبد.
فما حكى عن العلامة قدس سره في المختلف من الحكم ببطلان الوصية فيما
لو كانت بجزء معين كدار أو بستان أو جزء مشاع ملك العبد والتخطي إلى رقبة العبد يقتضى
تبديل الوصية في غير محله لان عموم الخبر لو سلم فهو مخصص ولا امتناع في ملك
العبد وإنما يمتنع استقلاله فيه بل يستقل فيه في بعض الموارد ولو سلم فهو مشترك
بين المشاع والمعين فلا وجه للتفصيل بينهما والتخطي إلى رقبة العبد ليس تبديلا
للوصية بل انفاذ لها لما عرفت من أنه مقتضى رجوع الموصى به إلى العبد وتمحضه
في ثمن رقبته فالموصى به يرجع أولا إلى العبد فيملكه ثم يعتق به رقبته لتمحضه
في ثمن رقبته حينئذ.
ومن هنا ظهران العتق في المقام قهري ولا يحتاج إلى انشاء عتق كما قد يترائى
من التعبير باعتق.
هذا إذا أوصى بثلث ماله أو بما دونه لعبده ولم يكن عليه دين.
وإن كان عليه دين فالحد الذي ينفذ معه الوصية ويزاحم به الدين وحق الورثة
126

هو بلوغ الموصى به سدس قيمة العبد.
يدل على ذلك صحيح عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال سئلني
أبو عبد الله عليه السلام هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة فقلت بلغني انه مات مولى
لعيسى ابن موسى وترك عليه دينا كثيرا وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم
عند الموت فسئلهما عيسى ابن موسى عن ذلك فقال ابن شبرمة أرى ان يستسعيهم في
قيمتهم فيدفعها إلى الغرماء فإنه قد أعتقهم عند موته.
وقال ابن أبي ليلى أرى ان أبيعهم وادفع أثمانهم إلى الغرماء فإنه ليس له ان
يعتقهم عند موته وعليه دين يحيط بهم وهذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده وعليه
دين كثير فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء
فقال سبحان الله يا بن أبي ليلى متى قلت هذا القول والله ما قلته الا طلب خلافي فقال
أبو عبد الله عليه السلام عن رأى أيهما صدر قال قلت بلغني انه اخذ برأي ابن أبي ليلى وكان
له في ذلك هوى فباعهم وقضى دينه قال فمع أيهما من قبلكم قلت له مع ابن شبرمة
وقد رجع ابن أبي ليلى إلى رأى ابن شبرمة بعد ذلك فقال اما والله ان الحق لفي
الذي قال ابن أبي ليلى وإن كان قد رجع عنه فقلت له هذا ينكر عندهم في القياس
فقال هات قايسني فقلت انا أقايسك فقال لتقولن بأشد ما يدخل فيه من القياس فقلت له
رجل ترك عبد ألم يترك مالا غيره وقيمة العبد ستمأة درهم ودينه خمسمأة درهم فاعتقه
عند الموت كيف يصنع قال يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمأة درهم ويأخذ الورثة
مأة درهم قلت أليس قد بقي من قيمة العبد مأة درهم من دينه فقال بلى.
قل أليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء قال بلى قلت أليس قد أوصى للعبد
بالثلث من المأة حين أعتقه فقال إن العبد لا وصية له إنما أمواله لمواليه فقلت له فإن كان
قيمة العبد ستمأة درهم ودينه أربعمأة قال كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمأة درهم
ويأخذ الورثة مأتين ولا يكون للعبد شئ قلت له فإن كان قيمة العبد ستمأة درهم
ودينه ثلاثمائة درهم فضحك وقال من ههينا اتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئا واحدا
127

ولم يعلموا السنة إذ استوى مال الغرماء ومال الورثة أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء
ولم يتهم الرجل على وصيته أجيزت وصيته على وجهها فالآن يوقف هذا فيكون نصفه
للغرماء ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس. "
وصحيح زرارة عن أحدهما (ع): " في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين
قال إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه والا لم يجز " وفى صحيح: " آخر إذا
ملك المملوك سدسه استسعى ".
وجه الدلالة ان الروايات الشريفة وان وردت في مورد العتق المنجز عند موته
الا انها تدل على حكم الوصية بالطريق الأولى لأن عدم نفوذ المنجزات التبرعية
في مرض الموت الامن الثلث كما يدل عليه صحيح عبد الرحمن إنما هو من جهة انها
في حكم الوصية بل يستفاد من الصحيحة ان كونها في حكم الوصي وبمنزلتها امر واضح
عند الأصحاب فان تعبيره بقوله أليس قد أوصى للعبد بالثلث من المأة حين أعتقه.
وتقريره الإمام (ع) عليه ينادى بذلك بأعلى صوت فالتأمل في حكم اجتماع
الوصية مع الدين مع تسليم الحكم في اجتماع الدين مع العتق المنجز في مرض
الموت مما لا ينبغي فان المنجزات التبرعية في مرض الموت عنوانها الوصية عند
الأصحاب ولا تكون موضوعا آخر كما صرحت به الصحيحة المذكورة.
وقد تبين لك مما بيناه غاية التبين.
ان الحد الذي يصح معه الوصي مع المزاحمة بين الموصى والورثة هو
بلوغ الموصى به ثلاثة أرباع قيمة العبد ومع المزاحمة بين الديان والموصى والورثة
هو بلوغ الموصى به سدس قيمة العبد وهذا التحديد في الحقيقة إنما هو بلحاظ
المزاحمة بين الديان والموصى والورثة حينئذ تابعة للديان والا فمع مزاحمتها استقلالا
مع الموصى إنما كان التحديد ببلوغ الموصى به ثلاثة أرباع قيمة العبد وقد استنبط
شيخ مشائخنا العلامة الطهراني (قدس سره) من التحديد في هذا الباب ان الامر في الإرث
كذلك فذكر انه مع وفاء التركة بثلاثة أرباع قيمة العبد يعتق العبد قهرا على مولاه في
128

في معادل التركة ويسعى في الربع الباقي لمولاه.
وهو محل نظر لان المزاحمة في مسألة الوصية إنما هي بين مولى العبد الذي
أوصى بعتقه المقتضى لنفوذ ما أوصى به بحق مولويته وورثة المولى التي لا تنفذ
الوصية في ثلثي التركة الا بإجازتهم وامضائهم والمزاحمة في باب الإرث غير متحققة
إذ لم يعلم من الروايات ان العبد يستحق على مولاه الانعتاق عليه قهرا مع عدم وفاء
التركة بثمن رقبته حتى يزاحم حق المولوية المتعلق برقبته.
والحاصل ان لكل من المولى ووارثه حقا في صورة الوصية فيتزاحمان ويتقدم
حق الأول على الثاني إذا بلغ حقه ثلاثة أرباع قيمة العبد ولا يتقدم حق الثاني
واما في مورد الإرث فلم يعلم استحقاق العبد انعتاقه على المولى مع عدم وفاء
التركة بثمن رقبته حتى يزاحم حق المولى إذ الرقية مانعة عن رجوع التركة إليه
وارتفاع المانع في غير صورة وفاء التركة بثمن رقبته غير معلوم.
ومن غرائب الأوهام ما ذكره بعض الأفاضل من المعاصرين (قدس سره) من
رجوع الحدين إلى حد واحد فقال في تقريب ما ذكره ما محصله ان الميزان في
نفوذ الوصية وسرايتها إلى ما زاد عن الثلث هو السدس فان زاحمت الورثة في
سدس حقهم صحت الوصية ونفذت وان زاحمت الزائد عن سدس حقهم بطلت فان
كانت المزاحمة مع الورثة فقط لا تصح الوصية الا إذا بلغ الثلث الموصى به ثلاثة
أرباع قيمة العبد لان الربع الباقي حينئذ مطابق لسدس سهم الورثة وان شئت
توضيح ذلك فافرض قيمة العبد اثنى عشر درهما فإذا بلغ ثلث التركة تسعة دراهم
وهو ثلاثة أرباع قيمة العبد يكون ثلثاها ثمانية عشر درهما ونسبة ربع قيمة العبد وهو ثلاثة
دراهم إلى ثمانية عشر نسبة السدس فتصح الوصية حينئذ وان لم يبلغ الثلث ثلاثة أرباع
قيمة العبد لا تصح الوصي لثبوت المزاحمة حينئذ في الزائد عن سدس سهم الورثة.
هذا إذا لم يكن على الموصى دين.
واما إذا كان عليه دين فإن كان الثلث الموصى به بالغا سدس قيمة العبد تصح
الوصية حينئذ لأجل ان المزاحمة حينئذ إنما تقع في السدس أيضا وان شئت
129

توضيحه بمثال لا يوجد فيه كسر في الأنصاب فافرض قيمة العبد اثنين وتسعين درهما
فثلث العبد كله مطابق لأربعة وعشرين درهما ولا تنفذ الوصية الا في نصفه وهو سدس
العبد لوجود الدين المحيط بنصف قيمة العبد فيبقى نصف الثلث المطابق لاثنى
عشر درهما غير نافذ فيه الوصية ونسبته إلى سهم الغرماء البالغ ستة وثلثين في
المثال نسبة الثلث كما أن نسبته إلى سهم الورثة لولا الوصية كذلك فينتصف بينهما
وتصح الوصية فيه لان مزاحمة الموصى حينئذ مع كل من الغرماء والورثة بمقدار
سدس حقهم انتهى ملخص ما أفاده.
وهو واضح الفساد من وجوه عديدة.
الأول انه إن كان المقصود من السدس الذي أدار صحة الوصية وانعتاق العبد
مداره وجودا وعدما هو الزائد عن الثلث الذي صار بتبع الثلث معتقا على الورثة
فهو إنما يتم في الصورة الأولى.
واما الصورة الثانية فالذي اصار بتبع الثلث فيها معتقا هو تام حق الغرماء
وسهم الورثة لا السدس من حقهما وتوهم ان الذي صار معتقا بتبع الثلث إنما هو سدس
حق كل منهما ثم يسرى العتق إلى البقية في غاية الغرابة لان العتق التبعي إنما
هو العتق بالسراية ولا معنى لجعلهما مختلفين مترتبا أحدهما على الاخر بل ما ذكره
مناف لصريح الروايات من استسعاء العبد في خمسة أسداسه إذا ملك سدسه بالوصية
والثاني ان الزائد عن الثلث في الصورة الأولى إنما يكون سدسا للثلثين
اللذين هما سهم الورثة وفى الصورة الثانية لا يكون سدسا للثلثين بل ربعا لهما وإنما
يكون سدسا بالنسبة إلى تمام التركة الذي هو سهم الورثة لولا الوصية فلا يلتئمان
والثالث ان السدس في الصورة الأولى هو ما زاد عن الثلث وفى الصورة
الثانية هو خصوص ما انحط عن ثلث الأصل بواسطة الدين فكيف يلتئمان.
وبالجملة فما ذكره في غاية الضعف وان زعم أنه اتى بتحقيق المقام قد غفل
عنه غيره.
130

(فائدة - 19)
قال المحقق (قدس سره) " لو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فلم يجدبه لم يجب
شرائها وتوقع وجودها بما عين له ولو وجدها بأقل اشتراها وأعتقها ودفع إليها
ما بقي " انتهى
والظاهر أن مستند الحكم موثق سماعة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
أوصى ان يعتق عنه نسمة من ثلثه بخمسمائة درهم فاشترى الوصي بأقل من خمسمأة
درهم وفضلت فضلة فما ترى في الفضلة قال تدفع إلى النسمة من قبل ان تعتق ثم تعتق
عن الميت ".
وفى الجواهر بعد ذكر الرواية قال: " وهي محمولة على صورة تعذر الموصى به
ولو بقرينة حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح فلا يكون ترك الاستفصال فيه دليلا
على العموم ومع التسليم يخص بظاهر اتفاق الأصحاب على عدم الجواز الا مع
التعذر ترجيحا لعموم من بدله عليه وسماعة وإن كان واقفيا الا انه ثقة فيكون الخبر
من الموثق الذي قد فرغنا من اثبات حجيته في الأصول على أنه منجبر بالشهرة أو
عدم الخلاف.
ولعل في قوله (ع) من قبل ان تعتق إشارة إلى ما ذكرناه من قرب ذلك
إلى الموصى به باعتبار صيرورة دفع بقية المال إليها بمنزلة شرائها بالثمن المعين
فتأمل جيدا.
131

أقول موثق سماعة صريح في تقديم دفع ما بقي على العتق ومجرد احتمال أن يكون
دفعه إلى المعتق من باب صرفه في وجه البر ولا يتفاوت الامر حينئذ بتقديم
الدفع أو العتق لا يجوز القول بجواز تأخير الدفع عن العتق والا لجاز دفعه إلى غيره
من المستحقين إذ لا ينحصر وجه البر فيه.
والتحقيق انه يجب تقديم دفع الباقي على العتق لصدق صرف الموصى به في
العتق حينئذ دون ما إذا تقدم العتق عليه.
وتوضيح ذلك يتوقف على تقديم مقدمة وهي ان الانسان في حد نفسه قابل
للتملك والرقية لا توجب الا الحجر وعدم الاستقلال بل لا تمنع من حصول الاستقلال
في بعض الأموال وفى بعض الصور كما سيظهر لك انشاء الله تعالى وهذا المعنى
مع وضوحه في حد نفسه قد دلت عليه روايات أهل بيت العصمة سلام الله عليهم
أجمعين ومن جملتها الروايات الواردة في عتق العبد وبيعه.
ففي صحيح زرارة عن مولانا الباقر (ع) في طريق وعنه وعن مولانا الصادق
عليهما السلام في طريق آخر وعن أحدهما في طريق ثالث: " سئله عن رجل أعتق عبد الله
وللعبد مال لمن المال فقال إن كان يعلم أن له مالا تبعه ماله والا فهو للعتق ". وموثقة
الاخر عن أبي عبد الله (ع) إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه وهو يعلم أن له مالا ولم يكن
السيد استثنى المال حين أعتقه فهو للعبد ". ونحوه الموثق الاخر.
وفى حسنة زرارة قلت: " لأبي عبد الله الرجل يشترى المملوك وله مال لمن ماله
قال إن كان علم البايع ان له مالا فهو للمشترى وان لم يكن علم فهو للبايع " فان التفصيل
بين علم المولى بان للعبد مالا وجهله به كاشف عما بيناه من ثبوت الملك للعبد وعدم
استقلاله فيه إذ لو كان مال العبد مالكا للمولى كسائر املاكه لرجع المال إلى
المولى في صورة العلم وجهله به سواء استثناه أم لا ولو استقل العبد فيه ولم يكن
للمولى حق فيه لرجع ماله إلى نفسه علم المولى به أم لا فالتفصيل دليل على أنه مالك
لماله غير مستقل فيه يعنى ان المولى كما يملك رقبة العبد يملك جهاته وشؤونه فهو
132

غير مستقل في ماله حينئذ و محجور عليه لا كحجر الصغير.
فان الولي إنما يتصرف في مال الصغير لمصلحته فهو كالوكيل من قبله.
واما المولى فله التصرف في مال العبد لنفسه لا لمصلحة العبد.
وهذا معنى: " العبد وما في يده لمولاه " فان علم المولى بان للعبد مالا و أعتقه ولم
يستثنه تبعه ماله واستقل فيه وان لم يعلم بان له مالا وأعتقه فللمولى ان يجعل ماله
لنفسه لان اختيار ماله كان بيده ولم يتحقق حينئذ ما يوجب سلب اختياره عنه لان
مباشرة عتقه مع عدم العلم بان تحت يده مالا لا يوجب ان يتبعه ماله حتى يستقل فيه
وهذا معنى ان ماله لمولاه حينئذ.
ومن هنا تبين وجه التفصيل في البيع أيضا فان علم المولى بان له مالا
ولم يستثنه إذا باعه تبعه ماله فيثبت الاختيار الذي كان لبايعه لمشتريه بمقتضى عبوديته له
وان لم يعلم بان له مالا إذا باعه لم يتبعه ماله ولم ينقطع اختيار بايعه عن ماله حينئذ
و يكون اختيار ماله بيد البايع حينئذ وهذا معنى ان ماله للبايع حينئذ.
وبما بيناه تبين اندفاع ما ذكر من أن التفصيل بين العلم والجهل لا يوافق
قواعد الملك ولا قواعد عدمه إذ على القول بعدم مالكية العبد لا وجه لانتقال المال
إليه بالعتق ولا إلى المشترى بالبيع وعلى القول بالمالكية لا وجه لانتقال ماله إلى
مولاه بالعتق أو البيع لما اتضح لك من أن الملك لا يكون منفيا عن العبد رأسا
حتى يكون ماله لمولاه ابتداءا ولا يتطرق فيه الانتقال بالعتق أو البيع إلى المعتق
أو المشترى مع العلم بان للعبد مالا وعدم استثنائه ولا يكون ثابتا له على وجه
الاستقلال حتى لا يتطرق رجوعه إلى المولى بالعتق أو البيع مع الجهل بان للعبد
مالا بل يكون ثابتا له على وجه يكون للمولى تملكه لنفسه فعند العتق والبيع مع
العلم بان للعبد مالا وعدم استثنائه يتبعه ماله فيرجع إلى المعتق أو المشترى ومع
الجهل به لا يتبع العتق والبيع فيرجع إلى مولاه يعنى له ان يتملكه حينئذ كما كان له
ذلك قبل العتق والبيع.
133

وقد تبين بما بيناه سر وجوب تقديم دفع الباقي على العتق حينئذ إذ بعد ما
تعذر صرف الموصى به تماما في ثمن العبد فلا وجه أقرب إليه من صرف الباقي
في عتقه ولا سبيل إليه الا بدفعه أولا إلى العبد المشترى أولا ثم عتقه إذ يستقل العبد
فيه حينئذ يتبع العتق.
واما إذا أعتقه ثم دفع إليه الباقي فلا يكون الباقي حينئذ مصروفا في العتق بل
ايصالا له إلى مصرف البر. وبهذا البيان ظهر انه لا حاجة إلى ما ذكره صاحب الجواهر
(قدس سره) من أن تقديم الدفع على العتق فلعله باعتبار صيرورة دفع بقية المال
إليها بمنزلة شرائها بالثمن المعين بل لا وجه له ضرورة ان مجرد دفع مال إلى العبد
لا يوجب تنزيله بمنزلة ثمنه أو بعض ثمنه.
تنبيه مال العبد مع قطع النظر عن العوارض يكون بهذه المثابة ولذا ورد: " ان
العبد وما في يده لمولاه " وقد يستقل فيه مع تمحضه في ثمن رقبته كالأموال التي
اكتسبها مدة كتابته فإنها متمحضة في وفاء ثمن رقبته وليس للمولى اخذها منه من
غير احتسابها من أقساطه وليس للمكاتب صرفها في وجه آخر وكالمال الموصى به
من قبل مولاه إذا بلغ ثلاثة أرباع قيمة العبد أو سدسه كما عرفت وكالمال الراجع
إليه إرثا مع انحصار الوارث فيه ووفائه بثمن رقبته فإنه يعتق على مولاه قهرا في
معادل قيمته من تركته ثم يعطى الفاضل منها إن كان.
وقد يستقل فيه مع بقائه على رقيته كأرش الجناية وفاضل الضريبة في موثق
إسحاق ابن عمار: " قلت لأبي عبد الله (ع) ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو
أكثر فيقول حللني من ضربي إياك ومن كل ما كان منى إليك ومما أخفتك وأرهبتك
ويحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه ثم إن المولى بعد ان أصاب الدراهم التي
أعطاه في موضع وضعها فيه العبد فاخذها السيد حلال هي له قال فقال لا تحل له لأنه
افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيمة قال فقلت له فعلى العبد
ان يزكيها إذا حال عليها الحول قال لا الا ان يعمل له فيها ولا يعطى من الزكاة شيئا ".
134

وفى صحيح عمر بن يزيد: " سئلت أبا عبد الله عن رجل أراد ان يعتق مملوكا
له وقد كان مولاه يأخذ ضريبة ضربها عليه في كل سنة ورضى بذلك المولى فأصاب
المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يأخذ مولاه من ضريبة قال فقال إذا أدى إلى
سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك.
ثم قال أبو عبد الله (ع) أليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض فإذا أدوها
إليه لم يسألهم عما سواها قلت فللمملوك ان يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة
التي كان يؤديها إلى سيده قال نعم واجر ذلك له قلت فان أعتق مملوكا مما اكتسب
سوى الفريضة لمن يكون ولاء العتق قال فقال يذهب فيتولى إلى من أحب فإذا
ضمن جريرته وعقله كان مولاه ووارثه قلت أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله
الولاء لمن أعتق قال فقال هذا سائبة لا يكون ولائه لعبد مثله قلت فان ضمن العبد
الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه قال فقال لا يجوز ذلك
ولا يرث عبد حرا ".
135

(فائدة - 20)
قال المحقق (قدس سره) في الشرايع في كتاب القصاص:
الخامسة " لو شهد اثنان انه قتل واخر ان على غيره انه قتله سقط القصاص
ووجبت الدية عليهما نصفين ولو كان خطاءا كانت الدية على عاقلتهما ولعله احتياط
في عصمة الدم لما عرض من الشبهة بتصادم البينتين ويحتمل هذا وجها آخر وهو
تخير الولي في تصديق أيهما شاء كما لو أقر اثنان كل واحد منهما بقتله منفردا
والأول أولى ".
وفي المسالك: " القول بسقوط القود في العمد وثبوت الدية عليهما في العمد
وشبهه وعلى العاقلة في الخطاء للشيخين وجماعة منهم العلامة محتجا على الأول
بأنها بينتان تصادما وليس قبول إحديهما في نظر الشارع أولى من قبول الأخرى ولا
يمكن العمل بهما لاستلزامه وجوب قتل الشخصين معا وهو باطل اجماعا ولا العمل
بإحديهما دون الأخرى فلعدم الأولوية فلم يبق الا سقوطهما بالنسبة إلى القود لأنه
تهجم على الدماء المحقونة في نظر الشارع بغير سبب معلوم ولا مظنون إذ كل من
الشهادتين يكذب الأخرى ولان القتل حد يسقط بالشبهة.
واما الثاني وهو ثبوت الدية عليهما فلئلا يطل دم امرء مسلم وقد ثبت ان قاتله
أحدهما وجهل عينه فيجب عليهما لانتفاء المرجح والوجه الاخر الذي ذكره المصنف
مذهب ابن إدريس محتجا عليه بقوله تعالى فقد جعلنا لوليه سلطانا ونفى القتل عنهما
136

ينافي اثبات السلطان وان البينة ناهضة على كل منهما بوجوب القود فلا وجه
لسقوطه وبانا قد اجمعنا على أنه لو شهد اثنان على واحد بأنه القاتل فاقر آخر بالقتل
يتخير الولي في التصديق والاقرار كالبينة في حق الادمى.
وأجيب بان الآية تدل على اثبات السلطان للولي مع علم القاتل لا مطلقا
وهو منتف هنا والبينة إنما تنهض مع عدم المعارض وهو موجود والاجماع على
المسألة المبنى عليها ممنوع ". إلى أن قال: " وللمصنف في النكت تفصيل حسن وهو ان
الأولياء اما ان يدعوا القتل على أحدهما أو يقولوا لا نعلم فإن كان الأول قتلوه لقيام
البينة بالدعوى وتهدر الأخرى وإن كان الثاني فالبينتان متعارضتان على الانفراد
لا على مجرد القتل فيثبت القتل من أحدهما ولا يتعين والقصاص يتوقف على تعيين
القاتل فيسقط وتجب الدية لعدم أولوية نسبة القتل إلى أحدهما دون الاخر.
واعلم أن مقتضى عبارة الشيخين في الكتابين يدل على أن بالحكم الأول
رواية وبه صرح العلامة في النهاية ولم نقف عليها فوجب الرجوع إلى القواعد
الكلية في الباب " انتهى.
أقول مقتضى الرجوع إلى القواعد الكلية المطردة في جميع الأبواب
سقوط القصاص والدية معا لأنهما فرع ثبوت القتل والبينتان إذا تعارضتا وتكافئتا
تساقطتا عن التأثير لان تأثيرهما معا اجتماع للضدين وتأثير إحديهما بعينها ترجيح
بلا مرجح وتأثير إحديهما لا بعينها تأثير للشيئ قبل وجوده لان الشئ قبل تعينه
واقعا مبهم والشئ ما لم يتشخص لم يوجد كما أنه ما لم يوجد لم يتشخص فبطل
القولان معا.
اما الأول فلرجوعه إلى ثبوت القتل بالبينتين وعدم ثبوته بهما وهو اجتماع
للنقيضين وتعليل ثبوت الدية حينئذ بثبوت القتل على أحدهما وجهالته بعينه فيجب
الدية عليهما لئلا يطل دم امرء مسلم في غير محله.
لأنه ان أريد بثبوت القتل على أحدهما مجهول العين ثبوته بالبينتين فقد عرفت
137

ما فيه من لزوم الترجيح بلا مرجح أو تأثير الشئ قبل وجوده.
وان أريد بثبوت القتل على أحدهما ثبوته بالعلم الاجمالي المتولد من اجتماع
البينتين المتعارضتين على واحد.
ففيه أولا ان تولد العلم الاجمالي من اجتماعهما ممنوع إذ كما علم عدم صدقهما
معا يحتمل كذبهما معا.
وثانيا انه لا يوجب الزامهما بالدية ضرورة ان مجرد علم صاحب الحق
باشتغال ذمة زيد أو صاحبه بالحق لا يجوز استيفاء حقه منهما أو من أحدهما كما هو
ظاهر بل لو فرض ان كلا منهما يعلم بصدور القتل اما منه أو من صاحبه فكذلك لان
أحد طرفي العلم الاجمالي إذا خرج عن محل ابتلاء العالم به لا يؤثر العلم شيئا
وعدم طل دم امرء مسلم لا يوجب الحكم بأخذ الدية ممن لا يثبت عليه القتل فيؤخذ
الدية حينئذ من بيت المال الا ان يدل دليل شرعي على خلافه.
واما الثاني فلان الحكم بتخير الولي في تصديق أيهما شاء فرع ثبوت تأثير
البينتين وقد عرفت عدم تطرق التأثير فيهما أو في أحدهما حينئذ وتنظيره بالاقرارين
المتعارضين في غير محله لان الاقرار فيه جنبتان جنبة السببية و الموضوعية وجنبة
الطريقية والعمدة فيه الجنبة الأولى ولذا ينفذ اقرار العقلاء على أنفسهم مطلقا ولا يعتبر
في نفوذه الوثوق بصدق المقر فإذا أقر شخصان كل واحد بالقتل منفردا عن الاخر
يلزمان بحكم القتل فيتخير الولي في التصديق.
ومن هنا ظهر سر تخير الولي في التصديق إذا أقر واحد بالقتل منفردا وقامت
البينة على صدوره من آخر كذلك كما وردت به الرواية إذا البينة إنما تعارضها بينة
أخرى واما الاقرار الذي ينفذ على المقر ويلزم به من جهة الموضوعية والسببية لا من
جهة الطريقية فلا يعارض البينة التي هي طريق محض فيتخير الولي في تصديق أيهما شاء
فان قلت لا نسلم ان الاقرار سبب وموضوع لأنه اخبار عن نفسه والخبر مطلقا
يكون طريقا محضا سواء كان اخبارا عما يرجع إلى غيره أو إلى نفسه لنفسه أو على
138

نفسه ولو سلمنا فمجرد كونه موضوعا لا طريقا لا يوجب تطرق التخيير فيه لان المقتضيين
إذا اجتمعا على محل واحد سواء كانا موضوعين أم طريقين ان لم يتنافيا وتطرق
تعدد الأثر في المحل اثر كل واحد منهما اثره والا فان تقارنا اشتركا في التأثير وان
تعاقبا فالاثر للمتقدم الا ان يقبل المحل اشتداد الأثر فيؤثران وان تنافيا وتقارنا تعارضا
وتساقطا ان لم يكن أحدهما أقوى والا فالاثر للأقوى وان تعاقبا فالاثر للمتقدم وعلى
كل تقدير لا مجال لتطرق التخيير فيهما.
قلت نعم الاقرار اخبار على نفسه والخبر طريق إلى المخبر به وكاشف عنه
ولكن الأثر في المقام وهو نفوذه عليه والتزامه بما أقر به إنما هو من اثار اخباره على
نفسه لا المخبر به بخلاف البينة فان الأثر إنما يترتب على ثبوت مضمونها بها فيكون
طريقا محضا فبالاقرار يلتزم المقر بما أقر به فيلزم به وبالبينة يثبت المشهود به فيلزم
المشهود عليه به ولا يعقل ثبوت القتل انفراد الكل منهما فتتعارض البينتان حينئذ
وتتساقطان مع تكافئوهما.
واما الالتزام الذي هو اثر الاقرار فلا ينافي تعدده مع وحدة الملتزم به كما لا ينافي
تعدد الضمان مع وحدة المضمون في تعاقب الأيدي المغصوبة على عين واحدة
فلا يتعارض الاقراران حينئذ وكما أن اثر تعدد الضمان مع وحدة المضمون تخير
المضمون له في الرجوع على كل واحد فكذلك في المقام (1).
فان قلت مقتضى ما ذكرت عدم تطرق التخيير في المتعارضين مطلقا ومع
تكافؤهما يتساقطان مع انا نرى ان اثر التعارض في بعض الموارد هو التخيير كالخبرين
المتعارضين والواجبين المتزاحمين والمجتهدين المتساويين فان الحكم في جميع
الصور المذكورة هو التخيير.

(1) ولا ينافي ما بيناه ان ترتب الضمان على اليد وتعدده بتعدد الأيدي حكم
واقعي وترتب الالتزام على الاقرار وتعدده بتعدد الاقرار حكم ظاهري كما هو ظاهر
(منه).
139

قلت اما الخبران المتعارضان فمقتضى القاعدة هو سقوطهما كما هو الشأن في
سائر الموارد والتخيير الذي ورد فيهما إن كان المراد به التخيير الظاهري فهو خارج
عن مقتضى القاعدة بالدليل الشرعي. وإن كان المراد منه التخيير الواقعي كما احتمله
بعض الأساطين (قدس سره) فهو خارج عن الموضوع لعدم التعارض بين الخبرين
حينئذ لثبوت مدلوليهما حينئذ على سبيل التخيير لا التعيين فلا يتناقضان حتى يصير
الخبران متعارضين.
واما الواجبان المتزاحمان لضيق الوقت عن امتثالهما فهما خارجان عن الموضوع
أيضا لان التعارض إنما هو بين الأسباب لتنافي مسبباتها والمسببان وهما الواجبان
ثابتان حينئذ في مرحلتي التحقق والتعلق وإنما يتزاحمان في المرحلة الثالثة وهي
مرحلة تنجز الحكم فلا يتنجز أحدهما بعينه مع عدم أهمية أحدهما فيتخير المكلف
في مرحلة الامتثال إذ العذر إنما هو عن الجمع بينهما فلا عذر له في تركهما
وهكذا الحال في المجتهدين المتساويين إذ يجب التقليد على العامي ولو على
سبيل التخيير بينه وبين الاحتياط مع تمكنه منه فان اتحد المجتهد فهو وان تعدد
ولم يترجح أحدهما على الاخر بأحد الوجوه المرجحة لا يتعين عليه الرجوع إلى أحدهما
بعينه لعدم المرجح كما أنه لا يمكنه ترك التقليد رأسا لوجوبه عليه ولا تقليدهما معا
للتنافي بين أقوالهما فيتعين عليه الرجوع إلى أحدهما على سبيل التخيير.
والحاصل ان الحكم في هاتين الصورتين ثابت وإنما وقع التزاحم بين
الحكمين في الأثر المترتب عليهما وحيث لا يمكن الجمع بينهما يتخير في الامتثال
بخلاف المتعارضين فإنهما لتعارضهما وتكافؤهما يسقطان عن التأثير فلا يثبت الحكم
رأسا كما عرفت.
140

(فائدة - 21)
لو كان المصلى في صلاة العصر مثلا وعلم بنقص ركعة من احدى صلاتيه
فشك في أنه هل سلم الظهر على أربع فيكون في ثالثة العصر أو على ثلث فيكون في
رابعة العصر فهل له سبيل إلى تصحيحهما أو تصحيح إحديهما.
التحقيق انه لا سبيل إلى تصحيحهما معا لان العلم بنقص ركعة من احدى صلاتيه
يوجب اشتغال ذمته باتيان هذه الركعة المرددة بين كونها من الظهر أو من العصر ولا سبيل
إلى اتيانها موصولة ولا مفصولة إذ لو اتى بها موصولة لم تحتسب من الظهر فلا تكون
جابرة لما فات عنها ولاحتمل زيادتها خامسة في العصر فتكون مخلة لا جابرة إذ الاتيان
بركعة يحتمل زيادتها في الصلاة مخلة عند الشارع والا لم يكن حاجة إلى البناء على
الأكثر والتحلل بالتسليم والجبر بصلاة الاحتياط في مواضعه ولو اتى بها مفصولة
بعد التحلل بالتسليم لم يعلم احتسابها من الظهر ولا من العصر اما من الظهر فللفصل
بالعصر واما من العصر فلعدم الامر بالتحلل بالتسليم حينئذ حتى يصح عصره ويجبر
منها بصلاة الاحتياط لأن جواز التحلل إنما هو في مورد الشك الخالص.
واما مع العلم الاجمالي باشتغال ذمته بركعة مرددة فلم يرد جواز التسليم على
ما بيده وصحة صلاته حينئذ نعم له سبيل إلى تصحيح صلاة الظهر بعدوله من العصر إليها
والتسليم على ما بيده فتصح له صلاة ظهر تامة اما السابقة واما اللاحقة وعلمه بنقص
141

إحديهما لا يؤثر؟؟ في شئ لان الامر إنما هو بظهر واحدة وقد صحت له ظهر واحدة
فان قلت إنما يصح العدول من صلاة صحيحة إلى فائتة قبلها واما إذا لم تكن
صحيحة مع قطع النظر عن العدول وأريد تصحيحها بالعدول فلا يعقل الاجتزاء بها
عن المعدول إليها لان صحة الصلاة حينئذ فرع العدول المتوقف على صحتها.
قلت إنما لا يجوز العدول عن صلاة مستقرة في البطلان لوقوع خلل فيها اما
بزيادة ركن أو نقصه بحيث لا سبيل له إلى تداركه.
واما إذا لم تستقر في البطلان ويكون الحكم به حينئذ من جهة عدم سبيل له
إلى الاتيان بما يجب عليه في هذه الحالة مع بقائه على النية الأولى فلا مانع حينئذ
من تحصيل طريق للصحة ولو بالعدول بل هذا احتيال من المصلى لصحة صلاته
المعدود من فقهه وقد حكم السيد الطباطبائي (قدس سره) ببطلان الصلاتين ووجوب
استينافهما معللا بعدم امكان اعمال قاعدة الفراغ مع قاعدة البناء على الأكثر حينئذ
لان مقتضى قاعدة الفراغ كون الظهر تامة وما بيده ثالثة ومقتضى البناء على الأكثر
كون ما بيده رابعة وكون الظهر ناقصة فيجب إعادة الصلاتين لعدم الترجيح في
اعمال احدى القاعدتين فتسقطان.
أقول وهذا التعليل عليل جدا إذ لو قلنا بان الأصول لا تجرى في أطراف
العلم من جهة ان مقتضى تنجيز العلم الاجمالي كون أطرافها محكومة بحكم العلم
فيجب فيها الاحتياط كما هو التحقيق وأوضحنا الكلام فيه في محله بما لا مزيد عليه
فلا مجال لتعارض القاعدتين وتساقطهما ضرورة ان تعارضهما فرع جريانهما وان
قلنا بجريان الأصول في أطرافها وتساقطها عن الأثر لمعارضتها بمثلها فاللازم حينئذ
الحكم بجريانهما في المقام وترتيب الأثر عليهما لعدم التعارض بينهما.
وما ذكره من وقوع التعارض بينهما باعتبار استلزام كل منهما نفى الاخر فاسد
من وجهين.
142

الأول ان اللوازم العقلية والعادية لا تثبت بالأصول حتى يتعارض القاعدتان
باعتبار لازمهما وتفكيك المتلازمين شايع في الأصول فان مؤداها إنما هي وظائف
المكلف في مرحلة العمل لا ثبوت الواقع ولو تنزيلا حتى تثبت بها اللوازم فيقتصر
في العمل على نفس مؤداها وقد نبه عليه الأصحاب (قدس سرهم) في مواضع كثيرة.
منها ما لو شك المصلى بعد صلاة الظهر مثلا في أنه تطهر لصلوته أم غفل عنها
فحكموا بأنه متطهر بالنسبة إلى صلاة الظهر لقاعدة الفراغ ومحدث يجب عليه
التطهير بالنسبة إلى صلاة العصر لاستصحاب الحدث مع أن الجمع بين الحكمين
مع عدم تخلل الحدث جمع بين الضدين بالنظر إلى الواقع.
ومنها ما لو شك بعد الفراغ عن الوضوء في تطهير أعضائه فحكموا بصحة
الوضوء ونجاسة الأعضاء عملا بقاعدة الفراغ في الأولى وبالاستصحاب في الثانية
مع استحالة اجتماعهما في الواقع.
ومنها ما لو تطهر بمايع مردد بين كونه بولا أو ماء فحكموا ببقاء الحدث
وطهارة الأعضاء عملا بالاستصحاب في كل منهما مع استحالة اجتماعهما واقعا إلى
غير ذلك من الموارد التي لا تخفى على المتتبع.
والثاني انه لا تنافى بين القاعدتين حتى باعتبار لازمهما إذ مرجع البناء على
الأكثر إلى المعاملة مع المشكوك معاملة الأكثر في جواز التسليم عليه والاتيان
بالمحلل لا المعاملة معاملة التمام والاجتزاء به والا لم يجب الاحتياط بما هو جابر
للفائت فمرجع البناء على الأكثر مع وجوب الاحتياط إلى البناء على الأقل
والتسليم عليه والاتيان بالركعة الأخرى مفصولة لا موصولة دفعا لتطرق الزيادة في
الصلاة محسوبة مع فصلها مقام الموصولة حينئذ والا لم تكن احتياط فبناء العصر
على الأكثر الراجع إلى البناء على الأقل لا ينافي مع بناء الظهر على التمام المجتزى
به كما هو ظاهر.
143

والحاصل انه لا مانع من اعمال القاعدتين من جهة التعارض والتدافع بعد
فرض تحقق المجرى لهما هذا مع أنه لو سلمنا التعارض لا نسلم تساقطهما في المقام
لوجود المرجح فان قاعدة الفراغ أصل برزخي فيه جهة كشف في الجملة حتى
توهم انه امارة واما البناء على الأكثر فهو أصل سازج لا كشف فيه أصلا كما
هو ظاهر فيتقدم عليه قاعدة الفراغ.
144

(فائدة - 22)
لو شك المصل قبل السلام من العصر بعد العلم بأنه صلى الظهرين ثماني
ركعات في أنه صلى الظهر أربع فالتي بيده رابعة العصر أو صلاها خمسا فالتي بيده
ثالثة العصر فقد حكم السيد الطباطبائي قدس سره أيضا ببطلانهما معللا بأنه لا وجه
لاعمال قاعدة الشك بين الثلاث والأربع في العصر لأنه ان صلى الظهر أربعا فعصره
أيضا أربعة فلا محل لصلاة الاحتياط وان صلى الظهر خمسا فلا مجال للبناء على
الأربع في العصر وصلاة الاحتياط فيتدافع القاعدتان أي قاعدة الفراغ وقاعدة
البناء على الأكثر فتتساقطان فيجب على المصلى اعادتهما نعم لو عدل بالعصر
إلى الظهر ويأتي بركعة أخرى وأتمها يحصل له العلم بتحقق ظهر صحيحة مرددة بين
الأولى والثانية.
والتحقيق انه تصح الصلوتان حينئذ لعدم العلم بزيادة ركعة أو نقصها حينئذ
فلا مانع من اعمال القاعدتين فيحكم بصحة الظهر لقاعدة الفراغ وبالبناء على الأكثر
والاتيان بركعة الاحتياط جبرا للفائت المحتمل.
وما ذكره من أن الحكم بصحة الظهر لقاعدة الفراغ يستلزم الحكم بكون
العصر أربعا من دون حاجة إلى الجابر وهو مناف لقاعدة البناء على الأكثر قد اندفع
بما بيناه آنفا من جواز تفكيك الملازمين في الوظائف العملية المعبر عنها بالأحكام
الظاهرية ثم لو سلم ما ذكره من تدافع القاعدتين والحكم ببطلان الصلاتين فلا وجه
للتفصيل بين المسئلتين من جواز العدول في هذه المسألة والحكم بصحة الظهر
فيها دون الأولى.
145

(فائدة - 23)
اعلم أن من شأن شرايط الوجوب تعلقا أو تنجزا عدم وجوب تحصيلها ابتداءا
ولا استدامة ولذا لا يجب على مسافر شهر رمضان الحضور ولا على حاضره استدامة
بل يجوز له انشاء السفر بعد دخوله في الصوم والافطار بعد خروجه عن حد الترخص.
ومن المعلوم انه حكم مطلق شرايط الوجوب ولا يعقل فيه الاختصاص ومقتضاه
جواز السفر بعد الزوال يوم الجمعة قبل ادراك صلاتها من المكلف بها لان الحضور
من شرائط وجوبها لا صحتها ولذا لا يجب على المسافر الحضور فيها وتنعقد منه
كذلك فالقول بحرمة السفر حينئذ وتعليلها باستقرار الوجوب بحصول الشرط عليل
لان مقتضى شرطية الحضور للوجوب عدم وجوب استدامته وعدم استقرار الوجوب
بمجرد حصوله.
فان قلت يمكن ان يقال حدوث الحضور شرط لا وجوده فيستقر الوجوب
بمجرد حصوله ويجب عليه استدامته.
قلت أولا لا دليل على ما ذكرت.
وثانيا انه لا يوجب وجوب الاستدامة بل يحرم السفر حينئذ لمن لم يتمكن
من اقامتها فيه مع أن الأكثر حكموا باطلاق التحريم اطلاقا ونصا. وببيان أوضح
إن كان السفر مانعا عن وجوبها دفعا ورفعا كما هو الحال فيه بالنسبة إلى صوم شهر
رمضان فاللازم جواز السفر بعد الزوال مطلقا لعدم حرمة ايجاد الرافع كالدافع وان
146

كان مانعا عنه دفعا لا رفعا فاللازم جوازه في صورة التمكن من اقامتها فيه مع أن
مرجع التحريم في صورة عدم التمكن منها إلى تحريم تفويت الواجب الراجع
إلى تنجزه وتحتم امتثاله فلا تحريم في البين أصلا وتوهم ان تجويز السفر على
تقدير تمكنه من اقامتها فيه دورى يتأدى وجوده إلى عدمه حيث إن جواز السفر
سبب لسقوط وجوب الجمعة عنه في غير محله لان تعليق الجواز على تقدير التمكن
مبنى على عدم كونه رافعا فلا يوجب سقوط الجمعة حينئذ حتى يتأدى وجوده إلى
عدمه.
ويرد ما ذكرناه فيما حكموا به من تعين صرف ما يستطاع به في نفقة الحج
عند سير الوفد وحرمة بذله في نفقة النكاح وغيرها من الوجوه المحللة له لولا
الحج.
ويمكن دفعه بجعل حدوث الاستطاعة شرطا لوجوب الحج ولكن يلزم
حينئذ استقرار وجوبه مع زوالها قبل ادراك المناسك في العام الأول.
والتحقيق في حل الاشكال ان يقال إن الاستطاعة لا تزول بصرف المال في
غير نفقة الحج اختيارا توضيحه ان الاستطاعة هي المرتبة التامة من القدرة المتقابلة
مع العجز تقابل التناقض ومن المعلوم ان ارتفاع أحد النقيضين لا يكون الا بوجود
الاخر فارتفاع القدرة التامة إنما يكون بتحقق خلافها وهو المرتبة الخاصة من العجز
المنافى للاختيار ضرورة عدم مجامعة أحدهما مع الاخر ولا يزول الاختيار بالامتناع
المستند إليه.
وقد اشتهر اشتهار الضروريات ان " الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار " فكما
لا يزول أصل القدرة بالعجز المستند إلى اختياره فكذلك المرتبة الخاصة منها لا تزول
بالمرتبة الخاصة من العجز المستند إلى اختياره فصرف المستطيع ماله في غير نفقة
الحج باختياره لا يوجب زوال استطاعته وقدرته عليه حتى يوجب عدم التنجز أو عدم
التعلق بخلاف السفر فإنه فعل اختياري وهو بوصف انه اختياري مانع عن تنجز
147

وجوب الصوم وموجب لقصر الصلاة فلا يكون وقوعه عن اختيار قادحا في جواز
الافطار بل يتقوم حقيقة السفر بالاختيار وقصد المسافة فلا يعقل تقييده بعدم الاختيار.
فان قلت كما أن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة فكذلك مشروط بدخول
وقته أيضا إذ لا يعقل وجوب الشئ قبل دخول وقته ووجوب تحصيل مقدمات الوجود
ابتداءا واستدامة فرع وجوب ذيها فلا يعقل وجوبها قبل وجوبه ومقتضاه جواز
بذل ما يستطاع به في سائر النفقات قبل دخول وقت الحج ولو عند سير الوفد.
قلت إنما يمتنع ايجاد الشئ قبل وقته.
واما ايجابه قبله فلا فان الوقت كما يصلح ان يجعل سببا للوجوب فقط كذلك
يصلح ان يجعل ظرفا للعمل كذلك بل هذا شأنه الأولى وقد يجتمع فيه الاعتبار ان
وإذا اعتبر ظرفا فقد تعتبر ظرفيته على وجه بحيث لا يكون مجال للعمل الا فيه
وقد تعتبر على وجه بحيث يمكن قضاء العمل في غيره لعذر أو مطلقا فالظرفية قد تكون
تامة وقد تكون ناقصة وأوقات الصلوات المكتوبة مما اجتمع فيها الاعتبار ان السببية
والظرفية الناقصة ولذا لا تجب قبل دخول أوقاتها ويصح قضائها بعد خروج أوقاتها.
واما أوقات المناسك فإنما اعتبرت ظرفا لها على وجه التمام ولم تعتبر سببا
لوجوبها ولذا يجب الحج على المستطيع قبل دخول وقته ولا يصح ايقاعه الا في
وقته.
فان قلت الاستطاعة والقدرة على ايجاد الواجب لا تتحقق الا بعد دخول وقته
فلا يعقل وجوب الشئ على الشخص تعلقا أو تنجزا قبل دخول وقته من جهة فقد
القدرة التي هي من شرائط الوجوب.
قلت ايجاد العمل في الوقت يتوقف على دخول الوقت واما القدرة على
ايجاده فيه فلا إذ كما لا يتوقف قدرة الشخص على ايجاد العمل في مكان مخصوص
على كونه فيه فكذلك لا تتوقف قدرته على ايجاده في وقت مخصوص على دخوله
وحلوله نعم لا مجال لاعمال قدرته قبل كونه في الوقت والمكان اللذين ضربا
148

ظرفين للعمل لا انه غير قادر على ايجاد العمل فيهما قبل دخولهما.
فان قلت دخول الوقت لا يكون فعلا للمكلف وخارج عن تحت اختياره
وجودا وعدما فلا يقدر على تحصيله فلا يكون ايجاد العمل فيه مقدورا الا بعد حصوله
بخلاف كونه في مكان مخصوص فإنه تحت اختياره وقدرته فهو قادر على ايجاد
العمل فيه بتحصيل الكون فيه.
قلت خروجه عن اختياره مع وجوب حصوله في حكم وقوعه تحت اختياره
وقدرته فلا يمنع تعلق القدرة بايجاد العمل العمل المقيد به قبل حصوله نعم لو جاز
حصوله وعدمه لم يكن ايجاد العمل فيه مقدورا الا بعد حصوله.
فان قلت لو تحققت الاستطاعة إلى الحج سبيلا قبل دخول وقته ووجب قبله
لكونه ظرفا له فقط لزم استقرار وجوبه مع زوال الاستطاعة قبل ادراك وقته ووجوب
القضاء عمن مات في العام الأول قبل حلول وقته.
قلت استقرار الوجوب إنما هو ببقاء الاستطاعة واستقرارها إلى الوقت
المضروب للمناسك فلو زالت قبله يزول الوجوب ولا مجال لاستقراره
فان قلت سبق الوجوب على الوقت غير مستقر الا بادراكه باقيا على استطاعته
لو كان مانعا من بذل مؤنة الحج في سائر النفقات لكان مانعا منه في طول عام
الاستطاعة لعدم اختصاصه بزمان سير الوفد مع أن جوازه قبل سيرها واضح لا ريب فيه
قلت يمكن ان يقال الاستطاعة على العمل لا تتحقق في نظر العرف الا عند
وقت العمل أو وقت ايجاد مقدماته واما قبله فلا تعد استطاعة في نظرهم وان أبيت عن
ذلك نقول إن جواز بذل المال في غير نفقة الحج من الوجوه المحللة في عام
الاستطاعة قبل سير الوفد توسعة من الشارع على المكلف كما أن اعتبار الاستطاعة التي
هي المرتبة التامة من القدرة في مرحلة التنجيز أو التعلق كذلك والا فيقتضى الميزان
الاكتفاء بالقدرة المطلقة.
فان قلت لو لم تزل الاستطاعة مع صرف مؤنة الحج في سائر النفقات لعدم
149

ارتفاعها بالامتناع المستند إلى الاختيار لزم حصولها لمن تمكن من تحصيلها واهمل
ضرورة ان الامتناع بالاختيار كما لا يرفعها فكذلك لا يدفعها.
قلت المقصود من بقائها حينئذ بقائها حكما لا تحقيقا بمعنى ان العجز الطاري
المستند إلى اختياره في حكم العدم فلا يؤثر زوال اثرها لا انها باقية تحقيقا فهي بعد
حصولها لا تزول الا بالعجز المستند إلى اختياره واما مع عدم حصولها وامكان
تحصيلها فهي غير متحققة لا تحقيقا ولا حكما وإنما الثابت حينئذ القدرة المطلقة
التي لا يترتب عليها اثر في المقام.
فان قلت لو لم تزل القدرة حكما بالامتناع المستند إلى اختياره لزم عدم
الاكتفاء بالتيمم في صحة صلاته لمن اهراق ماء وضوئه أو غسله في الوقت باختياره
ولم يتمكن من تحصيل الماء لان بدلية التيمم عنهما إنما هي بعد العجز عنهما
وهو في هذا الحال في حكم المتمكن.
قلت حكم القدرة والتمكن من التنجز وعدم العذر باق في المقام فإنه
لا يكون معذورا في ترك الطهارة المائية حينئذ والاكتفاء بالتيمم حينئذ إنما هو لترتبه
على نفس العجز عن الطهارة المائية لا على حكمه من العذر عنها والعجز في حكم
العدم بالنسبة إلى حكمه من العذر لا مطلقا فلا ينافي جواز الاكتفاء بالتيمم المترتب
على مجرد العجز عنهما والوجه في بدلية التيمم عن الطهارة المائية عند الشارع
فلو لم يجز التيمم حينئذ لمكان عدم عذره عن إراقة الماء لزم تقديم رعاية الطهارة
المائية على ادراك الصلاة في الوقت.
والحاصل انه مع عدم وجود الماء في الوقت يدور الامر بين فوت الوقت
وفوت الطهارة المائية فإن كان رعاية الطهارة المائية أهم عند الشارع من الوقت
لزم عدم شرع التيمم والامر بقضاء الصلاة في خارج الوقت بالطهارة المائية فشرع
التيمم كاشف عن أهمية الوقت عنده من الطهارة المائية فحينئذ يجب التيمم
بدلا عنها مع العجز عنها ولو مع عدم العذر والا لزم خلف الفرض.
150

(فائدة - 24)
(سؤال) قد ضرب الله الحق والباطل في سورة الرعد بالماء المنزل من
السماء والزبد الرابى عليه وبالفلز الموقد عليه في النار وزبده فقال عز من قائل (انزل
من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه
في النار ابتغاء حيلة أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فاما الزبد
فيذهب جفاء. واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال).
ولابد في المثال من الشباهة التامة الموجبة لبلاغته وكلما ازداد شباهة ازداد
بلاغة.
وقد سمعت ان بعض مدعى العلم من النصارى أورد بأنه لا بلاغة في
المثالين لفقد الشباهة التامة وان المثال البليغ هو النور والظلمة والمسؤول منكم ان
توضحوا لنا وجه بلاغة المثالين كمال الايضاح بحيث لم يبق مجال الريب للمرتابين
هكذا صورة السؤال.
أقول بعون الله تعالى ومشيته انه قد شبه في الآية الكريمة كلمة الحق بالماء
المنزل من السماء وكلمة الباطل بالزبد والقلوب بالأرض وفى هذه المرحلة التشبيه
بالماء والزبد أبلغ من النور والظلمة من جهات عديدة وهو يتوقف على بيان صفات
الماء وشان الزبد وموازنتهما بصفات كلمة الحق وشان كلمة الباطل.
فاعلم أن من صفات الماء التي يمتاز بها عن سائر الموجودات ان حياة كل
151

حيوان بالماء بل حياة كل ما فيه الروح النباتي من الأشجار والنباتات به بل حياة
الأرض التي هي جماد أيضا به قال عز من قائل (وأحيينا به بلدة ميتا) وكلمة الحق
حياة للقلوب وإنما تحيى باستيلاء كلمة الحق عليها كما أنه تموت باستيلاء كلمة
الباطل عليها وهذا من اظهر صفات كلمة الحق ويكفى في بلاغة التشبيه بل كمال
بلاغته وجود هذه الصفة في الماء وكونها من اظهر صفاته.
وهذا هو الوجه الأول من الوجوه الموجبة لبلاغة المثال بلاغة تامة.
والثاني ان من صفات الماء التي يمتاز بها عن سائر الموجودات أيضا كونه
موجبا للطهارة والنظافة من الأقذار والأدناس وهذا أيضا من اظهر صفات كلمة
الحق الموجبة لكمال البلاغة فان استيلاء كلمة الحق على القلب يطهره من أرجاس
الشبهات وأقذار العقائد الباطلة كما أن استيلاء كلمة الباطل عليه تدنسه بالأرجاس
والأقذار.
والثالث ان الماء المنزل من السماء الذي ضرب به المثل لا يكون الا عذبا
والماء العذب أكمل من ساير المياه في الاحياء والتطهير.
والرابع ان الماء المنزل من السماء يختص بكمال النفع والتركة من بين
المياه العذبة كما لا يخفى فيؤكد بهما البلاغة ويشتد بهما الشباهة حتى يصح ان
يقال كأنه هو.
والخامس ان الماء المنزل من السماء انزاله بمشية الحق تعالى شانه من جميع
الوجوه انزالا وزمانا ومكانا ومقدارا ولا يكون للخلق دخل فيه بوجه واكد تعالى
شأنه هذا الوجه باتيان الفعل بصيغة المعلوم فنسب انزاله إلى نفسه جلت آلائه
وهذا أيضا من اظهر شباهات كلمة الحق به فان الدين أصوله وفروعه مما لا تناله يد
الخلق فليس لهم تحليل حلال ولا تحريم حرام ولا ترخيص من عند أنفسهم كما أنه
لا سبيل ولا حيلة لهم في انزال الماء من السماء.
وبهذا البيان تبين ان الآية الكريمة تدل على ابطال نصب الخلق خليفة لله تعالى
152

والرسول صلى الله عليه وآله ببيعتهم معه بالخلافة والإمامة فكما لا ينزل الماء من السماء بمشية
الخلق واختيارهم فكذلك لا يصير شخص خليفة عن الرسول بانتخاب الأمة بل خليفة
الرسول صلى الله عليه وآله من نصبه الله تعالى وانتخبه واختاره وانزل خلافته من سماء الوحي
كيف وهو من أهم الأمور الدينية.
والسادس انه تعالى شأنه اتى بماء منكرا لا معرفا بلام الجنس تنبيها على أن
المقصود فرد منه وهو النافع المبارك كما دل عليه قوله عز من قائل (واما ما ينفع
الناس) معبرا عنه واتى بالنفع بصيغة المضارع مع أن مقتضى السياق الاتيان به بصيغة
الماضي تنبيها على استمراره وعدم انقطاعه كما دل عليه الجزاء وهو قوله عزو جل (فيمكث
في الأرض) صريحا فدل على أن كلمة الحق لا انقطاع لها ابدا ولو استتر في الظاهر
وغاب مركز دائرتها عن الانظار وهذا أيضا من أقوى وجوه الشباهة والبلاغة
والسابع ان الماء المنزل من السماء انزاله على جميع صنوف الأرض
من الجبال والأودية والبر وهكذا سواء فكذلك انزال كلمة الحق على قلوب الناس
سعيدهم وشقيهم سواء وهداية الحق تعالى شانه تعم جميع الخلق فمن تكبر وصار
جبلا كأبي جهلا واضرابه ينحدر عنه الماء إلى الأودية التي تعيه فتسيل كل بقدره
كسلمان وأبي ذر ومقداد وعمار رضي الله عنهم وأضرابهم وهذا أيضا من أقوى
وجوه البلاغة.
والثامن ان الماء المنزل من السماء مع كمال لطافته في حد نفسه إذا ورد على
الأرض تكدر بواسطة اختلاط الاجزاء الأرضية معه فكذلك كلمة الحق مع كمال
نورانيتها وظهورها تتكدر في انظار السفهاء من الناس بواسطة رسوخ العقائد الجاهلية
الناشئة من هوى نفوسهم حتى أنهم تعجبوا من اظهر كلمات الحق وهي كلمة
التوحيد فقالوا: (اجعل الآلهة إلها واحدا ان هذا لشئ عجاب). وهذا أيضا من أقوى
وجوه البلاغة.
التاسع ان انزال الماء من السماء على سبيل التدريج قطرة فقطرة كما يكون
153

على وفق الحكمة ويكون التربية به أكمل وأتم من نزول الماء دفعة على الأرض بل
ربما يكون في نزوله دفعة ضرر فكذلك أنزلت كلمات الحق من سماء الوحي تدريجا
حتى يكون نفعها أكمل وأثبت في القلوب وهذا أيضا من أقوى وجوه الشباهة.
والعاشر انه كما يكون الماء المنزل من السماء أكمل نفعا وابرك من مياه
الأنهار والعيون والقنوات التي استخرجها الخلق حيث لا ينتفع بها الا أصول الأشجار
والنبات واما الماء المنزل من السماء فينتفع به من جميع الوجوه فيصفى به الهواء
ويرفع به الغبار عن الأوراق وينتفع به أصول النبات كما ينتفع الرضيع باللبن من
ثدي أمه فكذلك كلمة الحق بمنزلته لا بمنزلة ماء النهر والعين والقناة فهي نافعة للناس
من جميع الوجوه ولا يمتص بوجه واحد فهو تنبيه على أن كلمة الحق المنزلة من
السماء تحتوي على كمال الحكمة فهي من القرن إلى القدم نافعة فوجب على العاقل
ان يتبعها ويعرض عما استخرجه الخلق بأنظارهم القاصرة.
والحادي عشر انه كما جاء الزبد من قبل السيل ولولاه لم يظهر زبد فكذلك
ظهرت الدعاوى الباطلة بعد كلمة الحق ولولا طلوع كلمة الحق لم يعارض أهل الباطل
مع أهل الحق إذ بعد بعث الأنبياء سلام الله عليهم لدعوة الخلق إلى الحق وأمرهم بعبادة
الخالق تعالى شانه وتصديق الرسل والاعتراف بولاية أولي الأمر من قبله تعالى شانه
وإطاعتهم ظهرت سائر الأشقياء من الناس فاستكبوا عن أن يتذللوا وينقادوا
للحق فمنهم من ادعى الألوهية كنمرود وفرعون واضرابهما ومنهم من ادعى الرسالة
كسجاح ومسيلمة وأمثالهما ومنهم من ادعى ولاية الامر والخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله
من غير استحقاق كأبي بكر وعمر وعثمان واضرابهم.
وهكذا إلى آخر طبقات أهل الضلال وكما أن الزبد يذهب جفاء ولا يبقى
فكذلك كلمة الباطل لا تدوم وتذهب هباء ولعله لذا صيغ كلامه تعالى شانه على وجه
اللف والنشر المشوش تنبيها على أن الابتداء من كلمة الحق والعود إليها واما الباطل
فيظهر في البين ويذهب وقد ورد ان للحق دولة وللباطل جولة.
154

والثاني عشر ان الزبد كما يربى فوق الماء بواسطة خفته فكذلك كلمة الباطل
لموافقة هوى الناس معها يكون فوق كلمة الحق في الظاهر ويكون اتباع كلمة
الباطل أكثر من اتباع كلمة الحق فان الحق ثقيل والباطل خفيف ولذا يكون أهل الحق
أقل قال عز من قائل (وقليل من عبادي الشكور).
والثالث عشر انه كما يكون للزبد جلوة في الظاهر بحيث يزعم الجاهل الغافل
انه أحسن وأنفع من الماء فكذلك كلمة الباطل له جلوة في الظاهر عند السفهاء من
الناس الذين لا يتدبرون الآيات المحكمات
والرابع عشر انه كما يكون الزبد شبيها بالماء بحيث يشتبه امره على الغافل
ويزعم أنه ماء حقيقة فكذلك كلمة الباطل غالبا تشبه كلمة الحق بحيث تشتبه أمرها
على الغافل فلا بد للعاقل من التدبر التام في هذا المقام حتى يتميز الحق من الباطل
والخامس عشر ان الزبد كما جاء من قبل السيل واتصل به بحيث يزعم الجاهل
الغافل باتصالها بكلمة الحق فيحسبها حقا وتعجبه فان الأول والثاني لو لم يكونا
من قريش ومن المهاجرين لم يمكنهما ادعاء الخلافة فاشتبه أمرهما على الغفلة من
جهة اتصالهما في الظاهر بالرسول صلى الله عليه وآله فهو تنبيه على أن الناس لابد ان يلجئوا إلى
ركن وثيق ولا يغتروا بأمثال هذه الأمور كما اغتر به أكثرهم.
والسادس عشر انه كما يكون تكدر الماء المنزل من السماء بواسطة اختلاط الاجزاء
الأرضية موافقا للحكمة ومقويا للمزارع التي يجرى عليها فكذلك انزال كلمة الحق
بواسطة الأنبياء الذين لا يكونون من الأغنياء ولا من السلاطين بحيث يشق على أبناء
الدنيا متابعتهم وتتكدر كلمة الحق في نظرهم لمخالفتها مع هواهم موافق للحكمة
وصلاح لهم إذ مع هذه الحالة يمهلهم الله تعالى شانه حتى يتدبروا آياته ويستأنسوا
بالحق ويرجع إليه من كان اهلا له ويتم الحجة على أهل الشقاء ولو نزلت كلمة الحق
في كمال الظهور والبهاء بحيث لا تكون في الظاهر متكدرة واستكبروا عنها وجب
155

في الحكمة ان يؤاخذهم الله تعالى من دون امهال قال تعالى شانه: (ولو أنزلنا ملكا
لقضى الامر).
والسابع عشر انه كما لا يختص نفع الماء المنزل من السماء بمحل نزوله بل
ينتفع به أيضا غير محل النزول من الأقطار التي يسيل الماء إليها فكذلك نزول كلمة
الحق في مكة المعظمة والمدينة المنورة زادهما الله عظمة ونورا لا يختص نفعها
باهاليهما بل ينتفع بها كل من بلغت إليه.
والثامن عشر انه كما لا ينافي احتمال الزبد الرابى على الماء المنزل من السماء
بواسطة السيل وشدته الذي يذهب جفاء مع حكمة انزال الماء الذي نفعه عام ولا يزاحمها
بوجه فكذلك ظهور كلمة الباطل من الأشقياء بواسطة خبث سريرتهم واستنكافهم عن
متابعة أهل الحق عند قيامهم بحقهم وشدتهم في الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
لا يكون مانعا عن حكمة قيام أهل الحق بحقهم وشدتهم في اجرائه فان مصلحة الشئ
إذا كانت عامة توجب في الحكمة ايجاد ذيها ولا يخل بها عروض مثل هذه الأمور
بل ظهور الزبد المستتر في سرائر الأشقياء من جهة اختيارهم الشقاء موافق للحكمة
في حد نفسه حتى يتميزوا عن السعداء ويتم الحجة عليهم في يوم الجزاء فيعطى كل
ذي حق حقه: (ففريق في الجنة وفريق في السعير).
والتاسع عشر انه كما قد يتفق ان محل نزول الماء لا ينتفع به أصلا أولا ينتفع
به على وجه الكمال ويجرى الماء منه إلى المواضع المستعدة فتنتفع به على وجه
الكمال فكذلك كلمة الحق قد لا ينتفع بها حاملها على وجه الكمال أو أصلا وينتفع بها
من بلغت إليه من قبل الحامل ولذا أوصى النبي صلى الله عليه وآله بضبط كلماته الشريفة كما هي
فقال صلى الله عليه وآله: " رحم الله امرء سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها فرب حامل فقه ليس
بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ".
والعشرون ان الماء المنزل من السماء مع لطافته في حد نفسه ونزوله من سحاب
الرحمة كما يترتب عليه باختلاف المحل اثران مختلفان متضادان نظم:
156

باران كه در لطافة طبعش خلاف نيست * در باغ لاله رويد در شوره زار خس
كذلك الكلمات الحقة " هدى للمتقين " وموجب لفوزهم وفلاحهم وفتنة
للظالمين الذين اختاروا الشقاء على السعادة " واستحبوا العمى على الهدى ".
والحادي والعشرون ان ماء المطر كما ذكره أهل الزراعة يدفع مكروب الأرض
وموذياتها دون غيره من المياه وهذا امر زائد على التطهير المشترك فيه جميع المياه
وكذلك الكلمات الحقة تدفع أمراض القلوب الناشئة من ممارستها الأباطيل التي
استحكمت عليها شبه الملكة.
هذه الوجوه التي قد ظهرت لي بحمد الله تعالى في بلاغة المثالين وربما يكون
في المثل المضروب اسرار اخر مودعة وإذا وقفت على ما بيناه عرفت انه لا مثل أبلغ
من المثالين كيف وقال تعالى شانه كذلك يضرب الله الحق والباطل فهو مثل إلهي
لا يقدر البشر على الاتيان بمثله بل على الإحاطة بتمام اسراره والغافل المعترض قد رأى
تشبيه الحق بالنور في آية النور وانه تشبيه تام فوق التمام فزعم أنه يجرى في هذا
المورد ولم يلتفت إلى أن النور أبلغ من الماء في مرحلة تشبيه حججه وخلفائه في
ارضه كما ضرب به المثل في آية النور والماء أبلغ من النور في مرحلة تشبيه كلمة
الحق المنزلة من سماء الوحي على ارض القلوب.
قل للذي يدعى في العلم فلسفة * حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
بل أشياء وأشياء والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
157

(فائدة - 25)
قال عز من قائل في سورة المؤمنون (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين
ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة
عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم انكم
بعد ذلك لميتون ثم انكم يوم القيمة تبعثون.
اسئولة الأول انه من المعلوم انه تعالى شأنه في مقام الاستدلال بخلقة الأطوار
المختلفة للانسان على وجود الصانع تبارك وتعالى شانه وان الانسان لم يترك سدى
وانه مبعوث بعد الموت ولعل الطبيعي يقول الاستدلال بالأطوار المختلفة على وجود
الصانع شبه مصادرة على المطلوب لان الطبيعي يقول اختلاف الأطوار ثابت بالطبيعة
والموحد يقول لا يحصل الا بتدبير الصانع وتصويره وخلقته والمسؤول منكم ان
تشرحوا لنا وجه دلالة الأطوار المختلفة على الخلقة وبطلان الطبيعة.
والثاني وجه العدول عن خلقنا إلى جعلنا في خصوص الفقرة الثانية مع
التعبير بالخلقة في صدر الآية وفى جميع الفقرات الاخر سواها.
والثالث وجه التعبير بكلمة ثم في مواضع ثلاثة والتعبير بالفاء في ثلاثة آخر
مع أن الظاهران الجملة الثالثة مثل الجمل التالية المعطوفة بالفاء
والرابع وجه التعبير بصيغة الجمع في قوله عز من قائل: (فتبارك الله أحسن الخالقين)
مع أنه لا خالق غير الله بينوا لنا مشروحا ما يرتفع به الحجاب عن وجه المطلوب توجروا.
158

أقول مستمدا برب الأرباب وامنائه الأطياب عليهم صلوات الله الملك
الوهاب الظاهر أن ضمير جعلناه راجع إلى مبدء خلق الانسان المدلول عليه في
الجملة الأولى والمعنى هكذا ولقد خلقنا الانسان أولا وهو أبو البشر عليه السلام من
سلالة من طين فكان مبدئه الطين في الخلق الأول ثم قدرنا مبدء خلقته من نطفة في
قرار مكين فعدل تعالى شانه عن التعبير بالخلقة إلى التعبير بالجعل باعتبار ان المقصود
منه التقدير والتعبير المناسب له هو الجعل لا الخلقة.
واما وجه التعبير كلمة ثم في الفقرة الأولى والأخيرة فواضح وإنما الشأن
في وجه التعبير بها في الفقرة الثانية مع أنها في الظاهر مثل الفقرات التالية لها.
فأقول لعل وجه التعبير فيها بثم دون الفقرات التالية ان ترتب الفقرات التالية كل
تالية منها على سابقتها واضح وكل صورة سابقة منها ينتظر منها تاليها لان كل مرتبة منها
مستعدة للمرتبة التالية فناسب التعبير عن ترتبها بالفاء واما ترتب العلقة على النطفة
فلا تكون كذلك لان النطفة بالنسبة إلى صورة العلقية وسائر الصور بمنزلة الهيولي
التي لم تتصور بصورة نوعية وإنما لها صلاحية التصور بالصور فقط فلا تكون
مستعدة للصور كاستعداد الصور التالية بعضها لبعض والحاصل ان مبدء ظهور نشوء
الانسان إنما هو من العلقة واما في مرحلة النطفة فلا يظهر انه مبدء نشوء انسان ولعله من
هذا الوجه جعل تعالى شانه مبدء الانسان العلقة في سورة اقرأ فقال عز من قائل
(خلق الانسان من علق) فناسب التعبير حينئذ بثم لعدم انتظار صورة العلقية من النطفة
كانتظار صورة المضغية من العلقة.
واما وجه التعبير بصيغة الجمع فيظهر بتقديم مقدمة وهي ان الخلقة على
قسمين خلق انشاء وخلق تصوير وتركيب. والقسم الأول يختص بالباري تعالى شانه فإنه
منشئ الأشياء لا من شئ والقسم الثاني يشترك فيه الخالق والمخلوق قال تعالى
شأنه حكاية عن عيسى (ع): (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير) ولما اجتمع في خلق
الانسان القسمان عبر تعالى شانه بالخالق بصيغة الجمع تنبيها على أن خلق تصوير
159

الانسان بالصور المتطورة في قرار مكين وخلق الانشاء المتعلق بنفخ الروح في
جسده بعد تمام تصويره من صنع الحق لا يقدر غيره عليه فتبارك الله أحسن الخالقين.
واما وجه دلالة الآية الكريمة على أن الانسان مدبر مصنوع وكل صورة منها
يشهد بان لها خالقا منزها عنها ولم يكن وجوده بالطبيعة فمن وجوه:
الأول انه لو كان الانسان موجودا بالطبيعة لاستمر تكوينه من سلالة من طين
ولم يتغير مبدئه إلى النطفة لان ما كان طبيعيا يدوم ولا يعقل فيه الزوال والتبدل إلى
غيره فتغيير التقدير والجعل فيه كاشف قطعي عن وجود خالق مقدر للانسان خلقه أولا
من سلالة من طين ثم قدر مبدء تكوينه من نطفة في قرار مكين.
والثاني ان الطبيعي ان أراد من أن تكون الانسان من النطفة بالطبيعة ان قبول
النطفة للصور المختلفة التي تتطور بها إلى أن يكمل خلق الانسان طبيعي أي جرت
عادة الطبيعة به فهذا المعنى في الجملة مسلم ولكن مجرد وجود المادة القابلة
لا يكفي في إفاضة الصور أترى ان وجود التراب يكفي في صيرورته خزفا وآجرا
وهكذا ومجرد وجود الخشب يكفي في تصوره بصورة السرير والشباك وهكذا
ومجرد وجود الحبر يكفي في تحقق الكتابة ونقوشها البديعة وهكذا كلا ثم كلا
فإفاضة الصور على المواد القابلة يدل دلالة واضحة قطعية على وجود مصور صورها
بهذه الأطوار وان لها خالقا خلقها على هذه الصور البديعة وان أراد ان النطفة فيها
مثلا قوتان قابلة وفاعلة فبطلانه اظهر لان كل مرتبة سابقة أدون واضعف وأمهن من
المرتبة التالية ولا يعقل أن يكون الضعيف معطيا كمال نفسه فتبدل كل مرتبة منها من
حضيض نقص إلى ذروة كمال دليل على أن كمالها من كامل مكمل لها ومدبر دبر
أمرها حسب مشيته وارادته.
والثالث ان لبس كل صورة منها إنما هو بعد خلع أخرى فهذه الطبيعة الثابتة
في النطفة بزعم الطبيعي تتبدل بتطور كل صورة إلى طبيعة أخرى فالصور والطبائع
المتجددة من قبيل المعدات لا يثبت شئ منها الا بعد زوال الأخرى فلا يعقل ان
160

تكون موجدة للصور أترى ان الاقدام المتتابعة التي لا يثبت التالي منها الا بزوال
المقدم منها يكون بعضها موجدا لبعض اخر كلا ثم كلا ضرورة ان الفعل يتوقف على
وجود فاعله فلا يعقل توقف ثبوته على انعدام فاعله فلا تكون الصور المرتبة الا من
قبيل المعدات ويكون الكل كاشفا عن فاعل موجد لها وصانع صنعها أتقن صنعة
ومصور صورها أحسن تصوير.
والرابع ان طبيعة المنوية مثلا لو كانت موجدة للصورة العلقية مثلا لما جاز
خلعها منها ابدا ولاستمر عليها إذ لا يعقل انتفاء وجود العلة من قبل وجود معلولها
ضرورة ان العلة والمعلول متناسبان متلازمان فلا يعقل ان يوجب المعلول انتفاء علته
وصيرورته علة لحدوث طبيعة منافرة له موجبة لانقلابه إلى طور آخر فاختلاف الصور
والأطوار كاشف قطعي عن عدم علية صورة منع لصورة أخرى وان الكل إنما يكون
من آثار تدبير المدبر الذي دبرها بمشيته.
والخامس انه لو كانت النطفة علة لارتقائها عن حضيض النقص إلى أوج
الكمال تدريجا حتى صار حيا سويا وكان ذلك بالطبيعة الذاتية كما يزعمه الطبيعي
لكان ابدا في العروج إلى الكمال حتى يصل إلى أعلى مرتبته ويثبت ويدوم عليها
ولاستحال عليه الموت والعود إلى النقصان والضعف بالشيب وغيره فعوده إلى النكس
والضعف بعد الصعود على أوج الكمال دليل على أن شروعها في الارتقاء من حضيض
النقص إلى أوج الكمال إنما يكون بمشية خالقها تعالى شانه وان الطبايع المتجددة
فيه طبايع مودعة أودعها فيه باريها تعالى شأنه حسب تدبيره ومشيته.
والسادس ان نفخ الروح فيه الذي هو خلق اخر أنشاه باريه تعالى شانه
لا يرتبط بوجه من الوجوه بمبدء تكوينه فكيف يعقل استناده إلى النطفة القذرة
المهينة. وهذه الوجوه كلها ضرورية تشهد بها كل فطرة سليمة غير سقيمة فتبا للطبيعي
كيف يتوهم البراهين الساطعة مصادرة ولا يتدبر فيها حتى يتضح له الحق كمال
الاتضاح فهل بيان أبين من بيان الباري تعالى شأنه نعوذ بالله تعالى من الغواية والعمى
161

(ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) والحمد لله الذي هدانا إلى توحيده وتصديق
رسله وسفرائه عليهم السلام (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) ثم إن عروج الانسان في أطوار
خلقته إلى مرتبة قال تعالى شانه عقيب كمال خلقته (فتبارك الله أحسن الخالقين) دليل
على أنه مخلوق لغرض مهم وامر خطير فلو لم يكن له بعث ولا نشور بعد موته حتى
يثاب على طاعته ويعاقب على معصيته مع كونه مختارا في دار الدنيا في الطاعة
والعصيان لكان خلقه على هذا الوجه من الكمال لغوا عبثا (تعالى الله عن ذلك علوا)
كبيرا.
وقد أشار إلى ذلك جل ذكره بقوله عز من قائل (ثم انكم يوم القيمة تبعثون).
162

(فائدة - 26)
(سؤال) قد حصر العلماء سبيل التصديق بالمجهولات النظرية لغير الأنبياء والأئمة
المعصومين سلام الله عليهم أجمعين في انتهائها إلى المعلومات البديهية التي لا يتطرق
الخطاء فيها وقد بينوا طريق انتهاء النظريات إلى الضروريات في علم المنطق وحصروها
في الاشكال الأربعة المعروفة وذكروا ان الضروري منها إنما هو الشكل الأول
وسائر الاشكال إنما تنتج بسبب رجوعها إليه وفيما ذكروه اشكال من وجهين.
الأول ما ذكره الأسترآبادي من أن علم المنطق إنما يتكفل ما يتميز به بالنظر
الصحيح من سقيمه من حيث ترتيب الاشكال وهيئته واما الخطاء في المادة فلم
يتكفل له قانون يتميز به صحيح النظر من خطاه فيها فلا يحصل حينئذ من صحة
ترتيب الاشكال العلم بصحة النتيجة مع عدم السبيل إلى تشخيص المواد الصحيحة
من غيرها.
والثاني ما ذكره أبو سعيد الخير من أن الاستدلال بالشكل الأول الراجع
إليه سائر الاشكال دورى من جهة اشتراط كلية الكبرى فيه والعلم بالكلية الكبرى
فرع العلم بالنتيجة التي هي من جزئياتها ضرورة عدم العلم بكلية ما لم يعلم جزئياتها
وما ذكره الشيخ الرئيس في دفعه من أن العلم بكلية الكبرى يتوقف على العلم
بالنتيجة اجمالا والعلم بالنتيجة تفصيلا متوقف على العلم بكلية الكبرى التي هي
احدى المقدمتين فيختلف طرفا التوقف فيندفع الدور لا محصل له لان التفصيل
163

لا يحصل من الاجمال الا بعد زواله ورجوعه إلى التفصيل فينحصر طريق العلم
بالمجهولات النظرية في الكشف والشهود الذي ادعته الصوفية قال شاعرهم:
پاى استدلاليان چو بين بود * پاى چو بين سخت بي تمكين بود
بينوا لنا ما ينحل به الاشكال عن الاشكال توجروا.
أقول بعون الله تعالى ومشيته الجواب عن الاشكالين في غاية الوضوح.
اما عن الأول فبان علم المنطق كما يتكفل ميزان الخطاء في النظر من حيث
ترتيب الاشكال كذلك يتكفل ميزان الخطا في المواد إذ قد بين فيه ان المقدمتين
الصغرى والكبرى لا بد ان تكونا ضروريتين أو منتهيتين إليهما وان الضروريات تنحصر
في ست الأوليات والمشاهدات والتجربيات والحدسيات والمتواترات والفطريات
وبهذا البيان يحصل التحرز عن الخطأ في المواد بالضرورة مع رعايتها وإنما اشتبه
الامر على الأسترآبادي.
واما عن الثاني فبان العلم بكلية الكبرى لا يتوقف على العلم بالنتيجة أصلا لا اجمالا
ولا تفصيلا وإنما يتوقف على العلم بالملازمة بين الوسط والمحمول الناشئة من كون
الوسط علة للمحمول أو معلولا عنه أو اشتراكهما في العلة ولذا انحصر الدليل في الآني
واللمي ومن المعلوم ان العلم بالملازمة لا يتوقف على العلم بالنتيجة بأحد الوجهين
مثلا إذا علمت بان الفقر سبب لاستحقاق الزكاة والعلم بالأحكام الشرعية من أدلتها
التفصيلية سبب للمرجعية وجواز التقليد تحكم بان كل فقير يستحق الزكاة وكل
فقيه ينفذ حكمه ويجوز تقليده سواء علمت بوجود فقير وفقيه اجمالا أو تفصيلا أم لم
تعلم به كذلك بل مع العلم بعدمه في الدنيا فعلا تحكم بالقضية الكلية.
ولا يتوقف صدق القضية الكلية على وجود افرادها في الخارج ويسمى القضية
حينئذ بالحقيقة وأبو سعيد زعم أن العلم بالقضية الكلية إنما يحصل من استقراء
جزئياتها وافرادها وهو خطأ منه بل استقراء الجزئيات لا يكفي في الحكم بالقضية
الكلية العامة للافراد الموجودة ولما لم توجد بعد مع قطع النظر عن العلم بالملازمة
164

نعم قد حصل العلم بالملازمة من قبل استقراء أكثر الافراد بل كثير منها مثل انا إذا
رجعنا إلى استعمالات أهل اللسان ورأينا كلمات متعددة واقعة في التركيب على
وجه الفاعلية مرفوعة في لسانهم بحيث علمنا عدم اختصاصه بكلمات معدودة نعلم
من استقراء هذه الموارد ان استعمال اللفظ على وجه الفاعلية عندهم سبب لاستحقاق
الرفع ونحكم بان كل فاعل مرفوع.
فتبين بما بيناه غاية التبين انه لا حاجة لنا في دفع الدور إلى ما ذكره الشيخ
الرئيس بل لا محصل لما ذكره الا ان يرجع إلى ما بيناه بتقريب ان يقال العلم
بكلية الكبرى على وجه الحقيقة (1) متفرع على العلم بالجزئيات اجمالا بمعنى ان
معنى القضية الحقيقية يرجع إلى أن كل ما لو وجد في الخارج متصفا بالوسط فهو
متصف بالمحمول لا محالة فالجزئيات معلومة حينئذ على وجه الاجمال بهذا المعنى.
وكيف كان فقد ظهر لك بما بيناه ان مرجع الشكل الأول إلى الاستدلال
بوجود العلة على ثبوت المعلول أو العكس أو بأحد معلولي علة واحدة على الاخر
وحجيته ذاتية عقلية وهو مسلك العقلاء في استكشاف المجهولات بالنظر ولا دليل
سواه فان ما بالغير لا بد ان ينتهى إلى ما بالذات فالمطالب المجهولة لا يحصل العلم
بها الا بانتهائها إلى الأمور المعلومة بالذات وهي الضروريات وطريق الانتهاء
إليها ليس الا بأحد الاشكال الأربعة فما توهمه أبو سعيد في غاية السخافة فإنه
غفلة عن أوائل البديهيات واعتراض على العقل والعقلاء حتى على نفسه حيث
استدل على بطلان الشكل الأول بطريق الاستدلال المركب من صغرى وكبرى فان
محصل كلامه ان الاستدلال بالشكل الأول مستلزم للدور المحال وكل مستلزم للمحال
باطل فالاستدلال بالشكل الأول باطل بل اعتراض على الله تعالى شأنه وعلى أنبيائه
وسفرائه عليهم السلام من حيث لا يشعر حيث إن الكتاب المجيد مشحون بالاستدلال

(1) والتحقيق ان العلم بكلية الكبرى حينئذ ملازم للعلم بالجزئيات متفرع
عليه (منه).
165

بالحجج والبراهين كما أن مسلك الأنبياء عليهم السلام في مقام ارشاد الأمم وهدايتهم إلى حقائق
الدين الحنيف ليس الا الاستدلال بالحجج والبراهين الساطعة.
فان قلت لو تم طريق الاستدلال كما ذكرت لزم ان لا يختلف العقلاء في المسائل
النظرية مع أنه ما من مسألة نظرية الا وقد اختلف انظارهم فيه وكل منهم يتمسك بقياس
برهاني في نظره فمنهم من قال بحدوث العالم وتمسك بما اشتهر من القياس وهو
ان " العالم متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث " ومنهم من قال بقدمه وتمسك
بقياس آخر وهو ان العالم مستغن عن المؤثر وكل مستغن عن المؤثر قديم " فالعالم
قديم.
قلت اختلافهم في الانظار ليس من جهة عدم تمامية ميزان القياس بل من جهة
عدم مراعاة المخطئ منهم الميزان فان القائل بالقدم لم يراع الميزان فجعل صغرى
قياسه عين مدعاه الذي هو مجهول ولذا يكون قياسه باطلا والنتيجة فاسدة وقد عرفوا
المنطق بأنه " آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر ".
ثم إن ما ادعته الصوفية من الكشف و الشهود لا دليل على اعتباره في حد نفسه
عقلا ولا شرعا إذا الكشف والشهود المدعى كما يمكن أن يكون من قبل الرحمن
كذلك يمكن أن يكون من قبل الشيطان فان للشياطين وحيا وشهودا قال عز من قال:
" ان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم " على أن المدعين للكشف والشهود يختلفون غاية
الاختلاف وأكثرهم من العامة العمياء اتباع أئمة الضلال فلا يكون تمام مكاشفاتهم
حقا للمناقضة فلا بد من ميزان يوزن به مكاشفاتهم لتمييز صحيحها عن باطلها
ولا ميزان في البين الا طريق الاستدلال فتوازن بما ثبت في الشرع بالدليل فما وافقه
الدليل فهو صحيح والا فباطل فالمكاشفة لا تتم الا بالدليل فحينئذ ينبغي ان يقال في
جواب شاعرهم.
پاى استدلاليان زرين بود * پاى زرين سخت باتمكين بود
166

پاى استكشافيان چوبين بود * پاى چوبين سخت بي تمكين بود
والعجب أن أبا سعيد مع أنه من أهل الكشف والشهود خفى عليه امر الشكل
الأول الذي هو مدار استدلال جميع العقلاء فزعم أنه دورى ولم يهده كشفه وشهوده
إلى ما هو الصواب فيه مع وضوحه وظهوره فإذا كان حكم الكشف في هذه المسألة
التي هي ضرورية خطأ فكيف يطمئن بحكمه في النظريات.
167

(فائدة - 27)
قال المحقق قد سره في الشرايع في مبحث الخلل.
الثاني أي ما يتدارك من غير سجود: " من نسي قراءة الحمد حتى قرء سورة استأنف
الحمد وسورة وكذا لو نسي الركوع وذكر قبل ان يسجد قام فركع ".
وفى الجواهر " والمراد بالقيام في المتن وغيره الانتصاب لكن قيده بعضهم
بما إذا حصل النسيان حاله فهوى إلى السجود فإنه يجب حينئذ ان يركع محافظة
على الهوى للركوع إذ ذلك كان للسجود فلا يكتفى به اما إذا حصل النسيان بعد
الوصول إلى حد الراكع فلا يقوم منتصبا بل يقوم منحنيا إلى حد الراكع والمراد
على الظاهر أنه وصل إلى حد بحيث لو تجاوزه صدق عليه اسم الراكع لا انه وصل
إلى حد الراكع حقيقة إذ لا يتصور حينئذ نسيان الركوع بل هو نسيان الرفع والطمأنينة
مثلا ولعل ما ذكره المصنف وغيره من وجوب القيام والركوع بعده مطلقا أولا محافظته
على القيام الذي يكون عنه الركوع.
واما الانحناء الأول فهو وإن كان للركوع الا انه لم يتحقق معه مسمى الركوع
فلا يكتفى به اللهم الا ان يقال إن القيام كاف وما وقع في الأثناء إنما وقع سهوا فلا تكون
قادحا بل هو بمنزلة ما لم يقع فيحصل القيام المتصل بالركوع وان قام منحنيا وهو
لا يخلو من نظر وتأمل " انتهى.
والتحقيق انه يجب القيام منتصبا مطلقا لان الركوع لا يتحقق الا عن قيام لأنه
168

لغة عبارة عن الانتقال من مرتبة عليا إلى دنيا قال الشاعر:
لا تهين الفقير علك ان تركع * يوما والدهر قد رفعه
والشارع إنما تصرف فيه بقصره على مصداق مخصوص منه لا انه أخرجه
عن معناه اللغوي أصلا وما ذكره بعض من أنه يصدق الراكع عرفا على من كان
منحنيا سواء انحنى عن قيام أو نهض عن قعود في غير محله لان العرف إنما يريه
ركوعا بالنسبة إلى حال القيام واما بالنسبة إلى حال القعود فيريه نوعا من القيام
فلا يتحقق الركوع لغة وشرعا الا عن قيام والقيام السابق قد زال بتبدله بالقعود
المقابل له فلا يعقل الاكتفاء به في تحقق الركوع عنه ولا يتفاوت ذلك بالعمد والسهو
إذ لا يعقل بقاء القيام المتخلل بالقعود المضاد له سهوا حتى يتحقق الركوع عنه.
فان قلت القيام المتصل بالركوع من جملة أركان الصلاة وقد تحقق في هذه
الصورة فلو قام ثم ركع لزم زيادة القيام المتصل بالركوع فتبطل الصلاة حينئذ.
قلت أولا ان القيام المتصل بالركوع لم يتحقق في هذه الصورة على ما ذكره
صاحب الجواهر (قدس سره) من أن المراد الوصول إلى حد لو تجاوز عنه لوصل
حد الراكع.
وثانيا لو وصل حد الركوع ولم يستقر في الجملة بحيث يتميز عن الهوى
للسجود لم يتحقق القيام المتصل بالركوع أيضا لعدم تحقق الركوع حينئذ إذ يتقوم
صدق الركوع باستقرار وطمأنينة في الجملة.
وثالثا انه لم يدل دليل على كونه ركنا مستقلا في الصلاة وإنما حكموا
ببطلان الصلاة بزيادته ونقصه من حيث إن زيادته ونقصه يدوران مدار زيادة الركوع
ونقصه كما صرح به الشهيد الثاني (قدس سره) في الروضة فقال: " واما القيام فهو ركن
في الجملة اجماعا على ما نقله العلامة (ره) ولولاه لأمكن القدح في ركنيته لان زيادته
ونقصانه لا يبطلان الا مع اقترانه بالركوع ومعه يستغنى عن القيام لان الركوع
كاف في البطلان وحينئذ فالركن منه اما ما اتصل بالركوع ويكون اسناد الابطال
169

إليه لسبب كونه أحد المعرفين له " انتهى ما أردناه.
ورابعا لو سلمنا ذلك لزم الحكم ببطلان الصلاة في هذه الصورة لا الحكم
برجوعه منحنيا إذ مع رجوعه منحنيا لا يتحقق الركوع ومع قيامه منتصبا يلزم زيادة
الركن في الصلاة حينئذ فتبطل الصلاة فالتفصيل على كل حال باطل.
والصواب انه يجب القيام منتصبا حينئذ لعدم تحقق الركوع الا عنه وعدم
قدح زيادة الانحناء عن القيام مع عدم الاتصال بالركوع بحيث لا يزيد معه الركوع
فتقييد اطلاق المتن وغيره من عبارات الأصحاب (قدس سرهم) بما إذا حصل النسيان
حال القيام في غير محله.
170

(فائدة - 28)
قال الشهيد الثاني (قدس سره) في الروضة في ذيل قول المصنف (ره):
" ولا ينعقد الجمعتان في أقل من فرسخ ولو وصلوا أزيد من جمعة فيما دون الفرسخ
صحت السابقة خاصة ويعيد اللاحقة ظهرا وكذا المشتبهة مع العلم به في الجملة
اما لو اشتبه السبق والاقتران وجب إعادة الجمعة مع بقاء وقتها خاصة على الأصح
مجتمعين أو متفرقين بالمعتبر والظهر مع خروجه ".
وقال في الشرايع: " فان اتفقتا بطلتا وان سبقت إحديهما ولو بتكبيرة الاحرام
بطلت المتأخرة ولو لم تتحقق السابقة اعادا ظهرا "
أقول وفى الجميع نظر فان مقتضى القواعد عدم الإعادة ظهرا ولا جمعة الا في
مورد العلم بالمتأخرة لان تقارن الجمعتين في أقل من فرسخ مانع عن صحتهما كما أن
تأخر إحديهما عن الأخرى مانع عن صحة المتأخرة فعند اشتباه السبق والاقتران
أو العلم بسبق إحديهما واشتباه السابقة باللاحقة لا يعلم كل من الطائفتين بفساد صلاتهم
ووجود المانع فيها فيحكمون بصحة صلاتهم في مرحلة الظاهر اخذا بمقتضى
الصحة المعلوم والغاءا للمانع المحتمل.
فان قلت كل من الطائفتين يعلمون اجمالا اما ببطلان الجمعتين أو إحديهما
في الصورة الأولى وببطلان إحديهما في الصورة الثانية ومقتضى تنجز العلم الاجمالي
عدم الاكتفاء بكل منهما في مرحلة الامتثال.
171

قلت لا اثر للعلم الاجمالي في المقام لخروج أحد طرفيه عن محل الابتلاء
فان علم كل من الطائفتين اما تبطلان صلاتهم أو صلاة الطائفة الأخرى لا يوجب
اشتغال ذمة كل منهما بشئ لان بطلان صلاة أحد الفريقين لا يوجب تكليفا في حق
الفريق الاخر فيحكم بصحة كل من الصلاتين في الظاهر الا ترى انهم يحكمون بعدم
وجوب الغسل على واجدي المنى في الثوب المشترك مع علم كل منهما بجنابة أحدهما
فان قلت نعم لا اثر للعلم الاجمالي في المقام لما ذكرت ولكن مجرد الشك
في صحة الصلاة كاف في الحكم بالبطلان لعدم العلم بالحالة السابقة في كل منها الطهارة
فتستصحب.
قلت قد بينا في الفائدة الأولى ان الأصل إنما هو الاخذ بالمقتضى المعلوم
مع الشك في وجود المانع سواء علم بالحالة السابقة أم لا ولا اعتبار للحالة السابقة
أصلا لا منفردة عن المقتضى ولا مجتمعة معه.
فان قلت نمنع كون التقارن أو التأخر مانعا بل نقول إن تقدم احدى
الجمعتين على الأخرى شرط لصحة المتقدمة فما لم يحرز التقدم في إحديهما بعينها
يحكم ببطلانهما.
قلت من الواضح ان التقدم ليس شرطا والا لزم الحكم ببطلان صلاة الجمعة
إذا لم تجتمع مع جمعة أخرى لعدم التقدم حينئذ.
لا يقال التقدم شرط في مورد اجتماعها مع جمعة أخرى.
لأنا نقول مرجع ذلك إلى مانعية التقارن والتأخر مع أن مضمون النص إنما
هو النهى عن الجمع بين جمعتين في أقل من فرسخ وهو صريح أو كالصريح في كون
الاجتماع مانعا لافى كون التقدم معتبرا.
ثم انا لو تنزلنا عما بيناه وحكمنا ببطلان الجمعتين في الصورتين لعدم احراز
المتقدمة منهما لزم الحكم بإعادة الجمعة في الصورتين مع بقاء الوقت إذ المفروض
172

ان الجمعة وجبت على الفريقين وبطلت صلاة كل منهما في الظاهر فيجب عليهما
الاجتماع في جمعة واحدة أو بالتفريق على الوجه المعتبر فلا وجه للحكم بإعادتهما
ظهرا مطلقا كما حكم به المحقق قدس سره ولا للتفصيل بين صورة العلم بسبق إحديهما
واشتباهه باللاحقة واشتباه السبق والاقتران كما حكم به الشهيد الثاني قدس سره
لا يقال في صورة العلم بسبق إحديهما واشتباهه باللاحقة نعلم بوقوع جمعة
صحيحة فلا مجال لايقاع جمعة أخرى.
لأنا نقول وقوع جمعة صحيحة من إحديهما لا بعينهما لا يكفي في فراغ ذمة كل
منهما ولا إحديهما من الامر بصلاة الجمعة فيجب عليهما ان يعيدا الجمعة تحصيلا
لفراغ ذمتهما عما علم اشتغالها به
غاية ما يمكن ان يقال إنه يجب عليهما الاحتياط بالاتيان بالجمعة بالتفريق على
الوجه المعتبر وعدم اجتماعهما في جمعة واحدة لئلا يجتمع في جمعة واحدة من كان
مأمورا بها واقعا ومن سقطت عنه كذلك لتحققها منه صحيحة وأحوط منه ان يقيم الجمعة
كل من الفريقين على رأس فرسخ الذي صلوا فيه مع حفظ مسافة الفرسخ بين الجمعتين
المتجددتين فإن لم يمكنهما ذلك اعادا ظهرا لا ان وظيفتهما ابتداءا ان يعيدا ظهرا
173

(فائدة - 29)
قد اشتهر القياس المعروف وهو قولهم العالم متغير وكل متغير حادث فالعالم
حادث.
وهنا سؤال وهو انه ما المراد من التغير فإن كان المراد منه اختلاف الأحوال
وتبدلها فهو دليل على حدوث الأحوال لا على حدوث ذيها لجواز حدوث الأحوال
الطارية مع قدم ذيها وإن كان المراد منه امر آخر فمن علينا ببيانه مع وجه دلالته على
الحدوث بينوا توجروا.
فأقول بعون الله تعالى ومشيته التغير من باب التفعل ومفاده مطاوعة التفعيل
كما يشهد به موارد الاستعمالات وصرح به أهل العربية فمعنى التغير مطاوعة التغير
وهو على قسمين حسي وتحليلي وينقسم كل منهما إلى قسمين أيضا.
اما الحسى فاحد قسميه عبارة عن تركب كل جسم من الأجسام جمادها ونباتها
وحيوانها من اجزاء متغايرة فكل جزء منها متغير عما هو عليه من عدم التركب
والانضمام.
وثانيهما عبارة عن اختلاف الأحوال الطارية فكل واحد منها متغير عن حال
إلى حال.
واما التحليلي فاحد قسميه عبارة عن تركب كل موجود من موجودات العالم
مجردها وماديها من الوجود والماهية فكل ممكن زوج تركيبي كما أن كل زوج
174

تركيبي ممكن فكل من الوجود والماهية متغير عما هو عليه من عدم تركبه مع الاخر
وثانيهما عبارة عن تركب كل ماهية وحقيقة نوعية من جنس وفصل فكل
منهما متغير عما هو عليه من عدم تركبه مع صاحبه.
توضيح الحال انه لا شبهة في أن التغير في القسمين الأولين حسي ضروري ضرورة
ان تركب كل جسم من الأجسام من اجزاء متعددة امر محسوس وسبق التركيب بالعدم
أيضا ضروري قريب إلى الحس لقبوله الزوال والانحلال كما أن تبدل حالات الأجسام
بعضها إلى بعض امر محسوس مشهود فهذان القسمان من التغير حسيان لا يحتاج اثباتهما
إلى مقدمة وترتيب قياس.
واما التغير التحليلي فهو وان لم يكن محسوسا ابتداءا من جهة ان الجزئين
التحليلين متحدان لا يتمايز أحدهما عن الاخر في الخارج ولا يكون كل منهما موردا
للإشارة الحسية الا انه ينكشف عند العقل بواسطة انتهائه إلى الحس فان اختلاف
كل موجود من موجودات العالم ومغايرته مع الاخر مع اشتراكها في الوجود والخروج
عن كتم العدم امر محسوس وليس ذلك الا باعتبار جهة أخرى غير الوجود ضرورة
استحالة حصول الاختلاف من قبل القدر الجامع والجهة المشتركة ولا تكون تلك
الجهة الا الماهية والحقيقة النوعية من الشجرية والانسانية والفرسية والبقرية وهكذا.
فكل موجود من موجودات العالم زوج تركيبي مشتمل على انية ومائية
والا لم يعقل اختلافها وهكذا الامر في انحلال الحقيقة النوعية إلى جنس وفصل فإنه
مستنبط من الاختلاف الحسى الثابت في أنواع الموجودات مع اتحادها في الجنس
واشتراكها فيه فان الأنواع المندرجة تحت الحيوان من الانسان والفرس والبقر والغنم
والحمار وهكذا لها اتحاد سوى اتحادها مع الأشجار والنباتات والجمادات وليس ذلك
الا باعتبار اشتراكها في الجنس القريب ومع ذلك يتميز بعضها عن بعض وتكون أنواعا
متقابلة وليس ذلك الا باعتبار المائز الذاتي المعبر عنه بالفصل فكل حقيقة نوعية تنحل
175

إلى جامع ومائز ذاتيين فكل من قسمي التغير التحليلي راجع إلى التغير الحسى
ومأخوذ منه.
إذا اتضح لك ما حققناه فاعلم أن كل قسم من الأقسام الأربعة دليل على الحدوث
والافتقار اما التغير الحسى الأحوالي فلان الانتقال عن حال إلى حال لا يكون الا مع
حدوث الأحوال وعدم وجوبها ضرورة ان الزوال والتجدد لا يجامع الوجوب والقدم
مع أن الأحوال عوارض لذيها وتابعة لمعروضاتها فلا يتعقل الوجوب والاستغناء
فيها مع قطع النظر عن تطرق التغير فيها وحدوث الأحوال لا ينفك عن حدوث
ذيها فان المشتمل على الأحوال المتبادلة وما يتطرق فيه الاعراض لا ينفك وجوده
عن حال من الأحوال وعرض من الاعراض ضرورة انه مع قطع النظر عنها يكون
منهما والشئ ما لم يتشخص لم يوجد كما أنه ما لم يوجد لم يتشخص فلا يعقل وجوب
وجود الشئ مع حدوث أحواله التي لا يعقل وجوده الا معها وبها ولا فرق في ذلك
من دلالة تغير الأحوال على حدوث المتغير بها وافتقاره بين الانتقال عن الضعف
إلى الكمال وبالعكس نعم الانتقال عن الكمال إلى الضعف اظهر دلالة على افتقار
المتغير وتطرق الزوال فيه وبطلان الأزلية وتنزله عن مقام الوجوب والقدم.
ومن هنا استدل خليل الرحمن صلى الله على نبينا وآله كما صلى الله عليه وآله في مقام
الاحتجاج على حدوث الكواكب وتنزلها عن مقام الربوبية بافولها وغروبها الذي
هو نقص فيها والا فالطلوع والظهور كالا فول والغروب في الدلالة على الحدوث
والامكان كما أن الترقي عن مرتبة النقص إلى درجة الكمال الذي هو وجود جديد
أقوى دلالة على وجود المدبر والصانع ولعله إلى هذا ينظر استدلال الباري جل شانه
في كلامه المجيد بالأطوار الست في خلق الانسان على وجود المدبر والصانع.
فان كل طور من الأطوار خلق جديد وتصوير حادث وتدبير آخر يدل على
وجود الصانع والمصور والمدبر فان الضعيف وإن كان قابلا للبس الكمال الا انه
ليس فاعلا له ضرورة ان القوة والكمال لا يحصلان من قبل الضعف والنقصان
176

فخلع مرتبة الضعف والصعود على درجة الكمال ليس الا بتدبير مدبر قادر على
اعطاء الكمال.
وما توهمته الزنادقة من اقتضاء الطبيعة ذلك فإنما هي راجعة إلى القابلية
لا الفاعلية ضرورة استحالة عطاء الكمال من الضعف مع أن المنوية والعلقية
والمضغية والعظيمة مراتب اعدادية لا يحصل طور منها الا بعد زوال الطور الأول
فلا يمكن أن يكون المرتبة السابقة علية للاحقة والا لزم حصول المعلول من دون علة.
ومما بيناه ظهر الامر في التغير الحسى الحاصل من تركب الجسم من اجزاء
متكاثرة فان كل جزء منها فاقد للجزء الاخر في حد نفسه والا لم يكن التركب قابلا
للانحلال والزوال فقبوله الزوال والانحلال دليل على حدوث التركب والانضمام
وحدوثه لا ينفك عن حدوث نفس الاجزاء التي هي معروضة له ويتبادل عليها حال
التركب وعدمه كما تبين.
ومنه يظهر الامر في التغير التحليلي بقسميه فان كلا من طرفي التركيب
التحليلي فاقد للاخر في حد ذاته كما هو ظاهر وحدوثه لا يجامع مع قدم الجزئين
كما بيناه بل الامر هنا اظهر فان الجزء التحليلي لا يكون شيئا مع قطع النظر عن
التركيب حتى يكون حادثا أو قديما ويكون نسبته إلى الاخر على وجه الوجوب
أو الحدوث وإنما الحادث هو مجموع الجزئين ضرورة ان الوجود المحدود مع
قطع النظر عن الماهية مفهوم محض كما أن الماهية مع قطع النظر عن الوجود
كذلك فان الوجود وجود الماهية والماهية ماهية الوجود ولا يعقل استقلال أحدهما
مع انفكاكه عن الاخر كما أن الجنس مع قطع النظر عن الفصل والفصل مع قطع
النظر عن الجنس كذلك فالوجود لا يتم الا بالماهية والماهية لا تتم الا بالجنس والفصل
بخلاف اجزاء المركب الخارجي الحسى فان وجودها لا يتقوم بالتركب والانضمام
وان تقوم بأحد النقيضين من الاتصال أو الانفصال.
إذا انكشف لك ما حققناه ظهر لك ان القياس المعروف يدل على حدوث
177

العالم من وجوه أربعة دلالة انية كما يدل على حدوثه من واجب غنى بالذات
لا يتطرق فيه باقسامه وأنحائه ضرورة ان ما بالغير لابد ان ينتهى إلى
ما بالذات ولا حاجة لنا في اثبات الصانع إلى ابطال الدور والتسلسل فهو تعالى
شأنه اجل من أن يحيط به الأوهام وأن يكون له حد محدود ونعت موجود فصفاته تعالى
ليست كصفات المخلوقين مغايرة للموصوف زائدة على الذات بل عين الذات
لا بمعنى العينية الخارجية المجامعة للمغايرة التحليلية والا عاد المحذور من تطرق
التغيير الملازم للحدوث وعدم القدم بل بمعنى نفى الصفات عنه تعالى كما هو
منصوص كلمات أهل العصمة سلام الله عليهم أجمعين
فاثبات صفات الكمال له تعالى من العلم والقدرة والحياة كناية عن سلب
نقائضها وترتب غاياتها من انكشاف الأشياء عليه وتمكينها من ارادته تعالى من دون
وساطة صفة قائمة بالذات فهو جل شانه عالم قبل العلم بغير علم وقادر قبل القدرة
بغير قدرة ولعله إلى هذا يشير قول بعضهم: " خذ الغايات واترك المبادئ ".
ومنه ظهر ان صفاته تعالى لا تكون متغايرة متفاوتة والا لزم التغير في
الذات الذي هو آية الحدوث فعلمه تعالى عين قدرته وقدرته عين حياته
وحياته عين سمعه وسمعه عين بصره. مرجعه إلى نفى الصفات عنه تعالى واثبات
الكمال له بذاته فلا يوجب نفى الصفات عنه تعالى التعطيل في الذات كما زعمه
بعض من لا بضاعة له بل نفى الصفات عنه تعالى بالمعنى الذي بيناه تنزيه عن أن يكون
ناقصا بذاته مستكملا بصفاته.
وبما بيناه تبين ان وحدته تعالى لا تكون من قبيل الوحدة الجنسية والنوعية
والشخصية والا لزم التغير الملازم للحدوث وعدم القدم بل بمعنى آخر وهو تفرده
تعالى عن الأشباه والنظائر فهو تعالى واحد لا بتأويل عدد
وبالجملة كلما يوجد في الخلق من الجوهر والاعراض لا يوجد في خالقه
والا عاد الخالق مخلوقا والصانع مصنوعا وهو تعالى خالق الجواهر والاعراض وهو
178

منزه عن أن يكون جوهرا أو عرضا وبتجهيزه الجواهر عرف ان لا جوهر له وبتشعيره
المشاعر عرف ان لا مشعر له وهو مذوت الذوات ومحقق الحقائق فهو ارفع واجل
من أن يكون له حقيقة وذات.
وما ذكره بعض من أنه تعالى لم يجعل المشمشة مشمشة بل أوجدها ان أريد به ان
المشمشة وسائر الحقائق أعيان ثابتة تظهر بالوجود في الخارج فهو غلط فاحش ضرورة
ان الحقائق والماهيات حدود للوجود وتعينات له ولا يتصور ثبوتها قبل الوجود كما
لا يتصور تحقق الوجود المحدود من دون حدوده وتعيناته بداهة ان الشئ ما لم
يتشخص لم يوجد كما أن انه ما لم يوجد لم يتشخص فهو تعالى ممشمش المشمشة
مشمشة وان أريد به ان الحقائق والذوات لم تجعل بجعل تأليفي بل مجعولة بجعل
بسيط فهو في محله.
وكيف كان فقد تبين مما بيناه ان القياس المعروف مثبت لحدوث العالم
ومبين لأساس التوحيد كله فهو مأخوذ من كلمات أهل بيت النبوة وامناء الوحي
ومعادن التنزيل سلام الله عليهم أجمعين.
ولا بأس ان نذيل الكلام بنقل مناظرة وقعت بين بعض الطبيعيين وبعض علماء
الاسلام وملخص كلام الطبيعي انه قد استقر رأينا على أن للعالم أصلين قديمين
الذرات وحركاتها وان أول موجود برز إلى الوجود بواسطة الحركات الموجبة
لاجتماع الذرات وتركبها كرة الشمس ثم تحركت الكرة بحركات كثيرة حتى
انفصل منها شبه الزبد المنفصل من الحديد المحماة في الكورة وهو كرة الأرض
فحدث فيها أنواع المعادن وبذور النباتات ومواد الحيوانات بواسطة حرارتها إلى أن
قال والانسان احدث الحيوانات إذ لم نجد له مادة في الطبقات السافلة ونظن انه
بالانتخاب الطبيعي مأخوذ من القردة وعين في كل دور مبدء الحركات ومنتهاها
بمدة طويلة.
وقد أبطل العالم المناظر رأيه السخيف بوجهين.
179

الأول ان تعيين المدة للحركات الموجبة لاجتماع الذرات وتشكلها بشكل
كرة الشمس مناقض للقول بقدم الذرات وحركاتها إذ القديم لا ينتهى إلى أمد
فتحديد الحركات مبدءا ومنتهى كاشف عن حدوثها.
والثاني ان كل ذرة من الذرات لابد من أن تكون متشكلة بشكل مخصوص
إذ الجسم الموجود في الخارج صغيرا كان أو كبيرا لا بد له من ذلك ولو كانت
الذرات قديمة لكانت الاشكال قديمة فزوال الاشكال الأولية وتشكلها بشكل كرة
الشمس دليل على حدوثها وحدوث الذرات فافحم الطبيعي
أقول يرد عليه مضافا إلى ما ذكره العالم المناظر وجوه أخر.
الأول ان الحركات دائما في الزوال والتجدد فلا يتصور فيها القدم والوجوب
مع أنها محتاجة في وجودها إلى محل تقوم به ولا يعقل مع الحاجة الا الحدوث.
والثاني ان الحركات الاضطرارية الطبيعية القديمة الثابتة للذرات بزعمه اما
متماثلة أو متخالفة فان كانت متخالفة لم يعقل اجتماعها على كرة واحدة وهي كرة
الشمس وان كانت متماثلة لم يعقل تبدل بعضها بكرة أخرى وهي كرة الأرض الا
بعد زوال الحركات الأولية وتجددها بحركات أخرى مناسبة للكرة الجديدة
وتجدد الحركات الجديدة وزوال الحركات الأولية دليل على حدوثها بل هو عين
الحدوث.
والثالث انه على فرض تحدد حركات جديدة يلزم ان يتبدل تمام كرة الشمس
إذ لا يعقل اجتماع حركتين مختلفتين في كرة واحدة يتعلق كل حركة منهما ببعض
منها وبالجملة فهذه التبدلات التي اعترف بها مناقض للقول بالقدم واعترف بالحدوث
من حيث لا يشعر.
ثم إن ما ذكره من اخذ الانسان من القردة بالانتخاب الطبيعي مستحيل
بالضرورة إذ لا يعقل الانتخاب من الطبيعة المضطرة التي لا شعور لها وليت شعري
أي داع دعاه إلى نسج هذه المخيلات الواهمية وأي مانع منعه عن التدبر في
آياته الواضحة المنيرة نعوذ بالله تعالى من الغواية والعمى.
180

(فائدة - 30)
الطهارة الشرعية ضربان طهارة عن حدث وعن خبث وقد يتوهم انها حقيقة
شرعا أوفقها في القسم الأول استنادا إلى تعريفهم الطهارة باستعمال طهور مشروط
بالنية وما في معناه وهو في غير محله لان اقتصارهم على تعريف الطهارة عن الحدث
من جهة انهم في مقام بيان العبادات لأنهم إنما ابتدئوا بكتب العبادات فعرفوا
الطهارة عن الحدث التي هي من العبادات وبحثوا عنها قصدا وبالذات وذكروا
الطهارة عن الخبث في الكتاب تبعا واستطرادا:
وكيف كان فالطهارة عن الخبت امر عدمي ويكون تقابلهما من قبيل تقابل
التناقض ولذا لا يتصور لهما ثالث وتكون مطابقة للأصل عند الشك ولو كانا وجوديين
لتصور لهما ثالث وهو عدمهما ولكانا مخالفين للأصل.
فان قلت يمكن ان يكونا من قبيل الضدين اللذين لا ثالث لهما كالحركة
والسكون.
قلت مرجع الضدين اللذين لا ثالث لهما إلى النقيضين.
واما الطهارة عن الحدث فهي كالحدث امر وجودي ويكون تقابلهما من قبيل
تقابل التضاد ويدل عليه أمور.
الأول تسببها من أسباب مخصوصة وجودية كالحدث إذ لو كانت عدمية لم
ينحصر حصولها في أسباب وجودية وكفى في انتزاعها عدم وجود سبب الحدث
والثاني تقسيمها إلى صغرى وكبرى مستفادتين من الاخبار.
181

والثالث التعبير عنها في الاخبار بالنور وعن الوضوء على الوضوء بنور
على نور إذ لو كانت عدميا لم يتصور لها مراتب شدة وضعفا ولم يكن للتعبير عنها بالنور
ونور على نور الكاشف عن كونها وجوديا مجال
والرابع مخالفتها للأصل كالحدث الا ترى ان الشاك في أنه متطهر أو مجنب
مع عدم علمه بحالته السابقة لا يجوز له الدخول في الصلاة إذ الأصل عدم الطهارة
ويجوز له المكث في المساجد وقراءة العزائم إذ الأصل عدم الجنابة.
لا يقال الطهارة لها مفهوم واحد وهو اما وجودي واما عدمي ولا يعقل ان يختلف
باختلاف مقابلها وجودا وعدما.
لأنا نقول أولا لا مانع من أن يكون للطهارة مفهوم واحد وهي النظافة والنزاهة
مترتبة على مراتب ينتزع بعضها من عدم القذارة كالطهارة عن الخبث وينتزع بعضها من
وجود جهة نورية موجبة لرفع ما يقابلها كالطهارة عن الحدث.
وثانيا لو سلمنا امتناعه وقلنا بان الطهارة تتحقق بعدم القذارة حسية كانت أو
معنوية فلا ينافي ذلك مع اعتبار الشارع في بعض منها مع التخلي عنها التحلي بأمر
وجودي نوري مسبب عن سبب وجودي وترتيب الآثار الشرعية عليه كما أنه لا ينافي
ملازمتها في بعض الموارد لأمر وجودي ذاتا كما هو الشأن في الطهارة عن الذنب
والخطأ والسهو والنسيان الملازمة لقوة قدسية ملكوتية وهي العصمة
وإذ قد تبين لك ذلك فاعلم أن الطهارة عن الحدث هي الأثر المترتب على
الوضوء والغسل والتيمم كما أن الطهارة عن الخبث هي زوال الخبث المترتب على
الغسل فتعريف الطهارة بالوضوء أو الغسل أو التيمم أو بما في معناه إنما هو لأجل اتحادها
معها اتحاد الامر المنتزع مع منشأ انتزاعه في مرحلة الحدوث.
وما توهم من اشتراك الطهارة بين المسبب والسبب أو كونه حقيقة في المسبب
مجازا في السبب أو العكس في غير محله ضرورة ان آثار الطهارة من الشرطية الكمال
إنما تدور مدار الأثر المترتب على الأسباب المنتزع من حدوثها واطلاقها على الأسباب
182

إنما هو لأجل اتحادها معها في الخارج فلم تستعمل الا في معناها الأصلي غاية الأمر
انه قد أطلق المفهوم الأصلي على منشأ انتزاعه من جهة صدقه عليه واتحاده معه خارجا
فلا يكون مجازا مرسلا من قبيل استعمال المسبب في السبب كما توهم بل لا حقيقة
لهذا التجوز وكل ما توهم من هذا القبيل فهو من هذا الباب والا فعدم صحة استعمال
المسبب في السبب وبالعكس مع عدم انتزاع المسبب من السبب وجودا أو حدوثا
وعدم اتحادهما في الخارج من الواضحات.
وإذا اتضح لك ما بيناه فاعلم أن الطهارة عن الحدث إنما تنتزع في الشرع
عن افعال تعبدية وهي الوضوء والغسل والتيمم ومقدمتها للصلاة وغيرها من الغايات
إباحة أو كمالا إنما هي باعتبار الطهارة المتحصلة منها ولذا تدور الآثار مدارها حدوثا
وبقاءا فما دامت باقية ولم تنتقض بالحدث يترتب عليها الآثار ولو دارت الآثار مدار
الأسباب حدوثا لزم ترتبها عليها مطلقا إذ الحدوث لا ينقلب إلى اللاحدوث ولا ينتقض
بالحدث لعدم بقائه حتى ينتقض ولو دارت مدار وجودها لزم عدم ترتب اثر عليها
مطلقا لأنها تنعدم بمجرد؟؟ وجودها ولا بقاء له حتى يترتب عليه اثر فالشرط في
الحقيقة الطهارة لا أسبابها والامر التبعي الايجابي أو الندبي الحاصل من طرف الغايات
إنما يتعلق بالعمل التعبدي لان المقدمة للطهارة عن الحدث التي هي مقدمة للصلاة
إنما هو العمل التعبدي من الوضوء أو الغسل أو التيمم لا الغسلات والمسحات كيف
اتفقت ولا يعقل أن يكون اعتبار التعبدية فيها من قبل الامر التبعي والا لزم الدور المحال
ضرورة ان المعتبر في الصلاة وغيرها من الغايات إنما هي الطهارة عن الحدث
وهي لا تتحصل الا من الغسلات والمسحات التعبدية فالامر التبعي متفرع عليها فلو
جاءت التعبدية من قبله لزم تأخر الموضوع عن المحمول مع أن الامر التبعي توصلي
دائما فلا يعقل تأثيره في اعتبار التعبد.
ولا يتوهم ان الامر التبعي الحاصل من قبل الامر النفسي التعبدي لا يكون
الا تعبديا والا لزم اعتبار التعبد في جميع مقدمات الصلاة مع أن سائر مقدماتها من
183

إزالة الخبث عن البدن واللباس وهكذا لا يكون الا توصلية بالضرورة
فان قلت التعبد فرع الأمر المولوي ولا يعقل التعبد بشئ من دون امر ولا امر
بها الا الامر التبعي المقدمي فوجب القول بكونه تعبديا
قلت أو لا نمنع تفرع التعبدية على الامر إذ قد يكون بعض الاعمال عبادة ذاتا
كالصلاة أو جعلا كالهرولة مثلا قبل تعلق الامر بها بل لا ينافي كونه عبادة مع تعلق
النهى بها كصلاة الحائض وصومها نعم يجوز ان يصير المأمور به تعبديا من قبل
الامر أيضا كما حققناه في محله لا انه ينحصر السبيل فيه.
وثانيا لو سلم ذلك وجب القول بأنها مندوبة بالامر النفسي التعبدي فرارا عن
المحذورين المزبورين بل يظهر ذلك من الاخبار.
لا يقال لا يجتمع الوجوب والندب لاستحالة اجتماعهما على محل واحد فإذا
وجب الفعل ولو تبعا يزول الندب الأصلي فلا يبقى التعبدية التي هي من شؤونه.
لأنا نقول أولا ان الامر الندبي الأصلي متعلق بنفس الماهية والوجوب
الطاري متعلق بايجادها فلا يجتمعان على محل واحد حتى يتنافيا.
وثانيا ان الامر التبعي ليس امرا تكليفيا مولويا عندنا حتى يستحيل اجتماعه
مع الامر الندبي الأصلي.
فاتضح بما بيناه غاية الاتضاح ان ترتب الطهارة ورفع الحدث على الأسباب
المعهودة لا يدور مدار الامر التبعي ولا يعقل تأثيره فيه واختلاف الحال باختلاف
الأوامر التبعية وترتب رفع الحدث عليها بالاتيان بها لأجل بعض الغايات دون بعض
فما عن بعض من التفصيل في الوضوءات المندوبة بين اتيانه لما لا يستباح بدونه
واتيانه لما يستباح بدونه بالقول برفع الحدث في الأول دون الثاني أو التفصيل بين
أن يكون استحبابه لأجل الحدث كالوضوء لقرائة القرآن وأن يكون مستحبا لا لأجله
كالتجديد بالقول بالرفع في الأول دون الثاني وهكذا من التفاصيل في غاية الوضوح
من الفساد لما عرفت من أن سببية الاعمال التعبدية للطهارة ورفع الحدث سابقة
184

على الأوامر التبعية فلا يعقل تأثيرها في حصول الطهارة وعدمه وحقيقة الوضوء
لا تختلف باختلاف الأوامر حتى تختلف الآثار باختلافها والاخبار صريحة في أن الوضوء
طهور مطلقا من دون تقييد بمورد دون مورد.
ثم إن ترتب الطهارة على أسبابها لا يحتاج إلى قصدها أو قصد رفع الحدث
أو الإباحة منها ضرورة انه مع الاتيان بأحد الأسباب متقربا به يترتب عليه الطهارة
قهرا ولا تأثير لنية الشخص في حصولها وعدمه ولا دليل على توقف تأثيرها للطهارة
على قصد أحد الأمور المذكورة بل الدليل قائم على خلافه فما يظهر من بعضهم من
توقف ترتب الطهارة عليه على قصد أحد هذه الأمور في غير محله.
وإذا اتضح لك ما بيناه فقد اتضح لك أمور:
الأول: انه لو توضأ قبل دخول وقت الصلاة لأجلها صح وضوئه لما عرفت
من أن اتيانه على وجه التعبد لا يدور مدار الامر التبعي وكون الداعي على التوضؤ
متقربا به استباحة صلاة الفريضة التي لم يدخل وقتها لا ينافي مع التعبد بالامر النفسي
كما هو ظاهر.
وتوهم ان مرجع اتيان الوضوء لأجل الصلاة إلى تقييد التعبد به بالامر
التبعي المقدمي الذي لم يكن حاصلا قبل الوقت فيبطل لعدم وقوع المقيد والمطلق
غير منوي في غير محله إذ قصر النظر على غاية مخصوصة لا ينافي مع اطلاق
العمل ضرورة ان تقييد الفعل بقيد امر مباين مع تخصيص غرض الفعل بغاية مخصوصة
ولذا اشتهر انه لا يقدح تخلف الداعي ولا يؤثر بطلان العمل بخلاف تخلف
القيد بل التحقيق ان تقييد الوضوء بالنسبة إلى غاياته غير معقول لعدم اختلاف
حقيقته باختلاف غاياته وعدم تأثيرها في تنويعه أو تقييده وإنما يختلف المنوي
باختلاف الخصوصيات المنظورة إذا كانت منوعة كالظهرية والعصرية بالنسبة إلى
الصلاة مثلا مع أن الروايات ناطقة بصحة الوضوء قبل الوقت تأهبا للصلاة
والتأهب ليس غاية مخصوصة في قبال سائر الغايات بل مرجعه إلى تقديم الوضوء
185

على الوقت لأجل الصلاة
والثاني: انه لو توضأ لأجل صلاة الأداء بزعم بقاء الوقت فظهر خروج
الوقت صح وضوئه ويصح له الدخول به في القضاء وما توهم من عدم صحة وضوئه
حينئذ مطلقا وإذا كان مقيدا به لا إذا كان داعيا عليه وهم لما عرفت من عدم دوران
تعبدية الوضوء مدار الامر التبعي وعدم تطرق التقييد في المقام فلا مجال للتفصيل
أو القول بالبطلان مطلقا.
والثالث: انه لو توضأ بزعم اتساع الوقت له فظهر ضيق الوقت صح وضوئه
وما يتوهم من أنه مأمور بالتيمم حينئذ لا الوضوء فلا يكون مشروعا ومجرد
ظنه باتساع الوقت لا يوجب الامر به بل يوجب العذر في غير محله لما عرفت من
عدم دوران تعبدية أسباب الطهارة ومشروعيتها مدار الامر التبعي حتى تنتفى بانتفائه
بل لو توضأ مع العلم بعدم اتساع الوقت صح وضوئه أيضا وإن كان آثما في ترك
التيمم وتفويت الوقت.
وتوهم ان الامر بالتيمم حينئذ موجب للنهي عن الوضوء لمضادته له باطل
لعدم اقتضاء الامر بالشئ النهى عن ضده الخاص بل العام بل التحقيق ان الامر
التبعي ليس امرا تكليفيا مولويا حتى يقتضى النهى عن ضده على القول باقتضائه
إياه كما حققناه في محله.
والرابع: ان الاضطرار ليس شرطا لصحة التيمم بل شرط لجواز الاكتفاء
بالطهارة الضعيفة المتحصلة منه لان الاضطرار إنما يوجب تعلق الامر التبعي بالتيمم
المترتب على مشروعيته وتعبديته في حد نفسه أو بالامر الندبي النفسي فلا تدور صحته
مدار الامر التبعي.
ويؤيد ما بيناه الروايات المجوزة للتيمم لصلاة الميت والنوم مع وجود
الماء لعدم اختلاف حقيقة التيمم باختلاف حكمه وجوبا أو ندبا أو الغايات المترتبة
عليه إباحة أو كمالا فتأثيره الطهارة في الموردين يدل على أن سببيته لها لا تختص
186

بحال الاضطرار وحيث إن الطهارة في الموردين لا تعتبر في اباحتهما بل في كمالهما
اكتفى بالطهارة الضعيفة لتحصيل أدنى مرتبة الكمال.
ولكن ينافي ذلك ما يظهر من بعض الروايات من انتقاض التيمم بوجدان الماء
ووجوب اعادته لمن تمكن التطهر بالماء ولم يتطهر به ثم تعذر عليه وإن كان الاخذ
بظاهر هذه الروايات مشكل لأنه يوجب الحكم بكون وجدان الماء حدثا إذ لا ينقض
الطهارة الا الحدث وهو مناف للاجماع بل الضرورة على عدم كونه حدثا ويمكن
حملها على استحباب إعادة التيمم وحدوث ضعف في التيمم بوجدان الماء مصحح
للتعبير بالنقض.
ولا يتوهم انه يمكن ان يحكم بانتقاض التيمم بوجدان الماء تحقيقا من دون
الحكم بكونه حدثا المنافى للاجماع والضرورة من جهة ان تأثير التيمم إنما هو في
موضوعه وهو المضطر الفاقد للماء فإذا انقلب الموضوع وارتفع الاضطرار بسبب
وجدان الماء ارتفع الأثر ولا يعود بعود الاضطرار لأنه موضوع جديد.
لأنا نقول إن الاضطرار موضوع للاستباحة المترتبة على الطهارة الضعيفة
المتحصلة من التيمم وهي باقية مع الوجدان وإنما تنتفى الإباحة حينئذ لانتفاء شرط تأثير
الطهارة لها والمحل لتأثيرها إياها لا لانتفاء مقتضيها حتى يصدق النقض حقيقة نعم
قد ادعى الاجماع على النقض فان تم فهو والا فللكلام فيه مجال.
وكيف كان لا ينبغي التأمل في عدم النقض إذا أصاب الماء وتلف قبل مضى
زمان يتمكن من فعل الطهارة المائية فيه لان الاخبار الظاهرة في النقض إنما تدل عليه
في صورة القدرة على التطهر به والاجماع لو تم فهو في صورة القدرة عليه أيضا.
والخامس انه يجوز التيمم في سعة الوقت مطلقا وان لم يكتف به الا في ضيق
الوقت أو مع اليأس بوجود الماء في الوقت لما ظهر لك من أن التيمم في نفسه مشروع
وان الاضطرار إنما يوجب الامر التبعي المقدمي به الذي لا يدور مداره التعبد به وكونه
عبادة فالضيق أو اليأس بوجود الماء في الوقت إنما يعتبر في استباحة الصلاة بالطهارة
187

الضعيفة المتحصلة منه.
وبما بيناه تبين ان ما اختاره الشيخ والمرتضى (قدهما) من عدم صحة التيمم
الا عند ضيق الوقت مطلقا وما اختاره جماعة من التفصيل بين الياس بوجود الماء
في الوقت وعدمه وجوازه مع الياس في السعة وعدم جوازه مع الرجاء الا عند الضيق
في غير محله كما أن ما اختاره بعضهم من جوازه في السعة مطلقا وجواز الاكتفاء
به كذلك في غير محله.
ومن هنا تبين ان ما ذكره في الروضة تبعا للشيخ قدس سرهما من أن هذا في
التيمم المبتدأ اما المستدام كما لو تيمم لعبادة عند ضيق وقتها ولو بنذر ركعتين في
وقت معين يتعذر فيه الماء أو عبادة راجحة بالطهارة ولو ذكر أجاز فعل غيرها به مع
السعة في غير محله لما عرفت من أن الموجب للاكتفاء بالتيمم إنما هو الاضطرار
ولا اضطرار مع السعة وما استدل به من الاخبار بجواز الصلوات الكثيرة بتيمم واحد
لا دلالة فيها على جواز الاكتفاء به في السعة كما لا يخفى.
وينبغي التنبيه على أمور
الأول ان الاضطرار المجوز للتيمم أو الموجب للاكتفاء به هل يتحقق بمجرد
فقدان الماء فيستباح به جميع ما يستباح بالطهارة المائية مما يكون الحدث مانعا عنه
أو الطهارة شرطا له أولا يتحقق الا به وبوجوب ما يعتبر فيه الطهارة.
المشهور الأول قال في الحدائق: " المشهور بين الأصحاب رضي الله عنهم من
غير خلاف يعرف ان التيمم مبيح لما تبيحه الطهارة المائية من الصلاة ومن الطواف
ومس كتابة القرآن ونحو ذلك مما الطهارة شرط لحصوله أو كماله.
ويدل عليه عموم الاخبار من قوله صلى الله عليه وآله لأبي ذر رضي الله عنه: " يكفيك الصعيد
عشر سنين " وقول الصادق (ع) في صحيحة حماد " هو بمنزلة الماء " وفى صحيحة جميل
ان الله جعل التراب طورا كما جعل الماء " طهورا وفى صحيحة محمد بن مسلم وغيرها:
" ان رب الماء رب الصعيد " كما في بعض أو " رب الأرض " كما في آخر ثم قال " وقع
188

الخلاف هنا في موضعين:
الأول ما نقل من فخر المحققين ابن العلامة طاب ثراهما من أنه منع من استباحة
اللبث بالتيمم في المساجد لقوله تعالى (الا عابري سبيل حتى تغتسلوا) حيث جعل نهاية
التحريم الغسل فلا يستباح بغيره والا لم تكن الغاية غاية والحق به مس كتابة القرآن
لعدم فرق الأمة بينهما " ثم شرع في الرد عليه إلى أن قال:
" الثاني ما ذكره في (ك) حيث أورد على ما ذكره الأصحاب بما ظاهرهم الاتفاق
عليه من أن التيمم يبيح كلما تبيحه الطهارة المائية وبعبارة أخرى ان التيمم يجب لما
تجب له الطهارتان بان ذلك مشكل لانتفاء الدليل عليه قال والا ظهران التيمم يبيح
كلما تبيحه الطهارة المائية لقوله (ع) في صحيحة جميل: " ان الله تعالى جعل التراب
طهورا كما جعل الماء طهورا وفى صحيح حماد " هو بمنزلة الماء ".
وفى صحيحة محمد بن مسلم " قد فعل أحد الطهورين فما ثبت توقفه على مطلق
الطهارة من العبادات يجب له التيمم وما ثبت توقفه على نوع خاص منها كالغسل في صوم
الجنب فالأظهر عدم وجوب التيمم له مع تعذره إذ لا ملازمة بينهما فتأمل انتهى
أقول مقتضى تنزل التيمم منزلة الطهارة المائية من دون تقييد بمورد دون مورد
ايجاده الطهارة في جميع الموارد.
واما جواز الاكتفاء به مطلقا فلا.
لا يقال إفادته الطهارة مطلقا ملازمة لجواز الاكتفاء به كذلك.
لأنا نقول إنما ملازمته كذلك ان كانت طهارة تحقيقية اختيارية واما إذا كانت
طهارة تنزيلة اضطرارية غير رافعة للحدث فإنما تلازمه مع تحقق الاضطرار
ولا اضطرار الا مع وجوب العمل الذي لا مناص عن اتيانه.
فان قلت الاضطرار إلى البدل إنما يتحقق مع العجز عن المبدل.
قلت هذا إذا كان المبدل واجبا واما إذا لم يكن كذلك فلا. ويدل على ما بيناه
الروايات الدالة على اعتبار ضيق الوقت في الفريضة إذ لو جاز الاكتفاء به في المندوبات
189

مع العجز عن الطهارة المائية لجاز الاكتفاء به للمحافظة على ادراك فضيلة الوقت
التي هي من أهم المندوبات حتى مع العلم بوجدان الماء في الوقت.
واما ما أجاب به في الحدائق منانه استدلال بطريق الأولوية وهي غير معتبرة
عندنا في الأحكام الشرعي الا في نادر الصور ففيه ان عدم اعتبار الأولوية إنما هو مع
عدم وضوح المناط واما مع وضوحه كما في المقام فهي معتبرة.
والحاصل ان الروايات إنما تدل على أن التيمم سبب للطهارة وانه بدل عن
الغسل أو الوضوء في ايجاد الطهارة واما ثبوت الاضطرار بمجرد فقدان الماء أو جواز
الاكتفاء به مع الفقدان في جميع الموارد حتى في المندوبات فلا نظر لها إليه فلا وجه
للتمسك بعموم الاخبار عليه.
نعم يجوز الاكتفاء به فيما يعتبر فيه الطهارة على وجه الكمال لتحصيل مرتبة
منه كقرائة القران لما عرفت من أن ايجاده الطهارة لا يتقيد بحال الاضطرار بل يمكن
القول بجواز الاكتفاء به حينئذ لتحصيل أدنى مرتبة الكمال حتى مع التمكن من
تحصيل الطهارة المائية كما ورد به النص في صلاة الميت والنوم وليست التعدية
عنهما إلى سائر الموارد قياسا بعد ما عرفت من انطباقه على القاعدة
ثم اعلم انا لو قلنا بان الاخبار ناظرة إلى أنه يستباح بالتيمم كل ما يستباح بالطهارة
المائية فلا مجال للمنع من استباحة اللبث في المساجد به كما نقل عن فخر المحققين
قدس سره إذ لا منافاة بين تحديد المنع بالغسل مع استباحته بالتيمم بدلا عنه عند فقدان
الماء وليس هذا تخصيصا لعموم الآية كما يظهر من بعض بل تقديم مفاد الروايات
على العموم من باب الحكومة لأنها شارحة للآية وتبين ان عمومها يختص بحال
وجدان الماء.
بل التحقيق ان بدلية التيمم من الغسل في التأثير لا ينافي عموم الآية بوجه
حتى يكون التقديم تخصيصا أو تحكيما إذ اثبات التأثير للتيمم بعنوان البدلية عن
الغسل عند العجز عنه يحقق العموم ويؤكده إذ لو لم يكن الغسل ثابتا حتى عند فقدان
190

الماء لم يكن لبدلية التيمم عنه مجال.
ويمكن ان يقال غرضه (قدس سره) ان تحديد حرمة اللبث إلى الاغتسال
ثابت بنص الآية الكريمة وبدلية التيمم عنه غير معلومة لعدم ثبوت عموم البدلية
من الروايات فيرد عليه حينئذ انه يلزمه الحكم بعدم استباحة مطلق المندوبات به
لعدم استفادة العموم بالنسبة إليها كما بيناه.
نعم في بعض الروايات دلالة على جواز الاكتفاء بتيمم واحد لفريضة واحدة
ونافلتها ولعل الحكم يختص بها من جهة كمال الاهتمام بها في الشرع وانها مكملة
للفريضة فلا يتعدى عنها إلى سائر النوافل مع أن تمام مدلول الرواية مما لا يجوز
العمل به لمنافاته لسائر الروايات المعتبرة بل ضرورة المذهب فان الرواية هكذا:
" لا يتمتع بالتيمم الا صلاة واحدة ونافلتها " هذا.
واما ما ذكره صاحب المدارك (قدس سره) فان أراد ان التيمم لا يوجب الطهارة
في الصورة المزبورة ان ايجاده الطهارة التنزيلية القائمة مقام الطهارة المائية لا يتقيد
في الاخبار بمورد دون مورد ولا اهمال في الأدلة من جهة التنزيل.
وان أراد ان اشتراط صحة الصوم بخصوص الغسل لا يدل على اشتراط صحته
بالتيمم عند العجز عنه حتى يجب تحصيله ففيه انه بعد ثبوت بدلية التيمم لكل من
نوعي الطهارة المائية لا مجال للتأمل في وجوب تحصيله عند العجز عنها سواء كانت
اعتبارها في العمل من حيث هي أو من حيث نوع مخصوص منها.
والثاني ان بدلية التيمم عن الطهارة المائية وجواز الاكتفاء به عنها فيما
يعتبر فيه الطهارة إنما ثبتت بالأدلة الشرعية للعذر المستند إلى القدرة والعجز عن
تحصيلها عقلا أو شرعا لا لمطلق العذر ولو كان لنسيان الماء أو الحكم به أو للجهل به عن
قصور فلو نسي الماء في رحله وتيمم وصلى ثم ذكر ان معه ماء قبل ان يخرج الوقت فعليه
ان يتوضأ ويعيد كما تدل عليه رواية أبي بصير بل يجب عليه إعادة الصلاة متيمما لو تذكر
191

في ضيق الوقت وكذا يجب عليه القضاء لو لم يتذكر الا خارج الوقت فما عن علم
الهدى والمحقق (قدس سرهما) من الاجتزاء به مطلقا لعموم حديث الرفع ولأنه
صلى بتيمم مشروع فلم يلزمه الإعادة ولان النسيان لا طريق إلى ازالته فصار كعدم
الوصلة وما عن الشيخ (قدس سره) من أنه ان اجتهد وطلب لم يعد والا أعاد وما في
الحدائق من الاجتزاء به لو تذكر في ضيق الوقت في غير محله لان حديث الرفع
إنما يثبت العذر لا البدلية وكون التيمم مشروعا بمعنى الاجتزاء به حينئذ أول الكلام
ومجرد عدم السبيل إلى إزالة النسيان لا يصحح العجز تحقيقا والتفصيل بين الطلب
وعدمه إنما يصح مع عدم النسيان والاجتزاء بالصلاة مع التذكر في ضيق الوقت
لا وجه له بعد ان لم تقع صحيحة
واما تضعيف الرواية بان في سندها عمار بن موسى فإنما هو على اصطلاح
المتأخرين (ره) واما على اصطلاح المتقدمين (ره) من أن الصحيح ما يصح الاعتماد
عليه ولو من جهة القرائن فهي صحيحة لوجودها في الكتب الأربعة المأخوذة من
الأصول الأربعمأة المعتمد عليها مع أن ضعفها على فرض تسليمه منجبر بالشهرة على أن
مدلولها موافق للقواعد الأولية لما عرفت من أن الأدلة إنما تدل على بدلية التيمم عن
الطهارة المائية في صورة العجز لا مطلق العذر ولو للنسيان أو الجهل بالحكم
فلا وجه لردها.
والثالث ان المشهور بين الأصحاب قدس سرهم انه لو ضاق الوقت عن
تحصيل الماء مع وجوده أو عن طلبه مع احتماله أو عن استعماله في الغسل أو الوضوء
يتيمم ويصلى ويكون صلاته مجزية وقد وقع الخلاف في مواضع:
الأول لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت:
ففي الشرايع: " أخطأ وصح تيممه وصلاته على الأظهر " وفى المدارك: " قال
الشيخ في (ط) و (ف) لو أخل بالطلب لم يصح تيممه ويلزم على قوله لو تيمم و
192

صلى ان يعيد الصلاة وبه قطع الشهيد في س ون واستشكله المصنف في المعتبر
بأنه مع ضيق الوقت يسقط الطلب ويتحتم التيمم فيكون مجزيا وان أخل بالطلب
وقت السعة لأنه يكون مؤديا فرضه بطهارة صحيحة وصلاة مأمور بها وهو حسن
انتهى.
الثاني عن المنتهى: " انه لو كان بقرب المكلف ماء وتمكن من استعماله واهمل
حتى ضاق الوقت فصار لو مشى إليه خرج الوقت فإنه يتيمم وفى الإعادة وجهان
أقربهما الوجوب ".
الثالث لو كان الماء موجودا عنده فأخل باستعماله حتى ضاق الوقت من
الطهارة المائية والأداء فهل يتطهر ويقضى أو يتيمم ويؤدى قال في المدارك: " فيه قولان
أظهرهما الأول وهو خيرة المصنف في المعتبر لان الصلاة واجب مشروط بالطهارة
والتيمم إنما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء والحال ان المكلف واجد للماء
متمكن من استعماله غاية الأمر ان الوقت لا يتسع لذلك ولم يثبت كون ذلك
مسوغا للتيمم.
وقال العلامة في المنتهى يجب التيمم والأداء لقوله (ع) في صحيحة
حماد بن عثمان: " هو بمنزلة الماء " وإنما يكون بمنزلته لو ساواه في أحكامه ولا ريب
في أنه لو وجد الماء وتمكن من استعماله وجب عليه الأداء فكذا لو وجد ما ساواه
قلت ويدل عليه فحوى قول الصادق (ع) في صحيحة الحلبي: " ان رب الماء
هو رب الأرض " وفى صحيحة جميل ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء
طهورا وهذا القول لا يخلوا من رجحان ولا ريب ان التيمم والأداء ثم القضاء بالطهارة
المائية أحوط.
الرابع لو أخل بالطلب وضاق الوقت فتيمم وصلى ثم وجد الماء في محل
الطلب ففي المدارك " قيل بوجوب الإعادة هنا تعويلا على رواية أبي بصير قال " سألته
عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه وتيمم وصلى ثم ذكر ان معه ماء قبل ان
193

يخرج الوقت قال عليه يتوضأ ويعيد الصلاة.
أقول بعون الله تعالى ومشيته انه مع ضيق الوقت عن الطهارة المائية والأداء
يدور الامر بين أحد أمرين ادراك الوقت أو الطهارة المائية ولا يخلو الامر حينئذ عن
احدى صور ثلث.
كون الوقت أهم عند الشارع من الطهارة المائية أو العكس أو كونهما
متساويين.
فان قلنا بالأخير لزم الحكم بالتخيير بين الطهارة المائية والترابية والاتيان
بالصلاة أداء أو قضاءا وبطلانه واضح ضرورة ان التيمم بدل طولى عن الطهارة المائية
لا عرضي كما أن القضاء بدل عن الأداء كذلك
وان قلنا بالثاني لزم الحكم بوجوب الطهارة المائية ابدا وعدم تشريع التيمم إذ
مع فقد الماء والضرر باستعماله في الوقت حينئذ بتعين عليه الاتيان بالصلاة قضاءا
مع الطهارة المائية عند وجدان الماء وعدم الضرر باستعماله وهو باطل بالضرورة
فلم يبق الا الصورة الأولى وهي أهمية رعاية الوقت في نظره وإنما شرعت التيمم
لأجل عدم فوت الوقت.
وإذ قد تبين لك ما بيناه فقد تبين لك انه عند ضيق الوقت عن الطهارة المائية
والأداء يتعين الأداء متيمما محافظة على الوقت سواء كان معذورا في ترك الطهارة
المائية أم لم يكن معذورا اما بواسطة اخلال في الطلب أو اهمال في الاستعمال مع
الالتفات بصيرورة الوقت مضيقا.
فما عن المحقق في المعتبر من عدم جواز التيمم مع وجود الماء عنده
واخلاله باستعماله حتى ضاق الوقت في غاية الغرابة من مثله فان ايجاب الطهارة
المائية عليه حينئذ محافظة على المقدمة وتفويت لذي المقدمة وهو أداء الصلاة في
وقتها. وما يتوهم من أن وجوب طلب الماء أو استعماله كان ثابتا قبل ضيق الوقت
ونشك في سقوطه عنه مع اخلاله واهماله فيستصحب وهم فاحش لعدم الشك حينئذ
194

لان طلب الماء أو استعماله إنما وجب مقدمة لأداء الصلاة فلا مجال لاستصحاب وجوبه
إذا كان الاتيان به مفوتا لذي المقدمة ضرورة ان المقدمة إنما تجب لتوقف وجود
ذي المقدمة عليها واما إذا كانت سببا لفوته فلا يعقل ايجابها عليه بل ينقلب الحكم
حينئذ فيحرم ايجادها من جهة انه سبب لفوت الواجب.
وبهذا البيان تبين فساد ما ذكره الشيخ في ط وف من عدم صحة
تيمم المخل بالطلب عند ضيق الوقت وما قطع به الشهيد (قدس سره) في س
ون من وجوب إعادة صلاته حينئذ وكذا مما قربه في هي من وجوب إعادة
الصلاة مع الاهمال في الاستعمال حتى ضاق الوقت وكذا ما حكاه صاحب
المدارك عن بعضهم من وجوب إعادة المخل بالطلب حتى ضاق الوقت ثم وجد
الماء في محل الطلب تمسكا برواية أبي بصير فان الرواية إنما هي في صورة النسيان
لا الاخلال بالطلب ووقوع التيمم والصلاة في سعة الوقت بل الظهر ان تذكره
بوجود الماء في رحله أيضا في سعة الوقت فلا ترتبط الرواية على كل حال بما ذكره
من صورة الاخلال بالطلب.
والرابع انهم حكموا بوجوب تحصيل الماء مقدمة للغسل أو الوضوء
ولو بالشراء باضعاف ثمنه مع القدرة عليه وعدم التضرر ببذله وبوجوب التيمم عند
الخوف على ضياع ماله المحترم ولو كان قليلا لا يتضرر به.
وقد أشكل الفرق بينهما حسب القاعدة حتى قال الشهيد الثاني (قدس سره)
بان الفارق بينهما إنما هو النص يعنى انه لا فرق بينهما حسب القاعدة ويكون الفرق
بينهما تعبديا مخالفا للقاعدة.
والتحقيق ان وجه الفرق بينهما ظاهر لان بذل المال مجانا أو بعوض امر
مباح في حد نفسه فيجب مقدمة للواجب الا ان يمنع عنه الاجحاف المضر بحاله
واما تعريضه معرض الضياع والتلف فمحرم في حد نفسه فلا يجب مقدمة للواجب
الا إذا كان أهم من المحرم في نظر الشارع وأهمية الواجب غير معلومة وإن كان
195

العكس كذلك أيضا ومقتضى الأصل التعادل والاجتزاء بالتيمم وتعينه في خصوص
المقام إذ لا مجال للتخيير في المقام لان بدلية التيمم عن الطهارة المائية طولية لا عرضية
مع أن الحرمة ثابتة في حد نفسها فتستصحب عند الشك في أهمية الطاري من
صيرورته مقدمة للواجب على أن الواجب وهو الغسل أو الوضوء لما كان متداركا
بالبدل ترجح المحرم عليه فيجب التيمم تعيينا.
لا يقال التعادل امر وجودي والأصل عدمه فيجب الاحتياط بالجمع بين الوضوء
أو الغسل والتيمم.
لأنا نقول إنما ينتزع التعادل من عدم أهمية أحدهما من الاخر فهو عدمي وإن كان
التعبير وجوديا ولذا لا يتصور لهما ثالث وهكذا الامر في كل ضدين لا ثالث
لهما فان مرجعهما إلى النقيضين والا لتصور لهما ثالث وهو عدمهما مع أن الجمع
بينهما لا وجه له في المقام إذ الوضوء محصل للطهارة حينئذ ومجرد احتمال أهمية
حفظ ماله من الوضوء لا يوجب بطلانه وان أوجب الاثم بواسطة ترك الأهم فلا
مجال لضم التيمم إليه.
196

(فائدة - 31)
إذا احدث المغتسل عن الجنابة مرتبا في أثنائه بالحدث الأصغر فهل ينتقض
الغسل به فيجب عليه الاستيناف أولا ينتقض به فيتمه. وعلى الثاني فهل يكون غسله حينئذ
مجزيا عن الوضوء أم لا فقد ذهب إلى كل من الوجوه قائل والأقوى الأول وتحقيق
الحق يتوقف على تقديم أمور:
الأول ان الطهارة عن الحدث مقابلة للحدث كما أن الطهارة عن الخبث
مقابلة للخبث فلا يعقل اجتماعهما في محل واحد كما هو شأن المتقابلين.
الثاني ان الطهارة عن الحدث صغرى كانت أم كبرى هي الأثر المترتب على
الوضوء والغسل والتيمم كما أن الحدث أصغر كان أو أكبر هو الأثر المترتب على
ما خرج عن السبيلين والدخول والانزال وهكذا ولا يكونان عين الأسباب المذكورة
تحقيقا والا لزم انعدامهما بانعدامها وان يكونا من الأمور الغير القارة ولا عن حدوثها
والا لزم ان لا يرتفعا ابدا لان الحدوث لا ينقلب إلى اللاحدوث.
وتوهم ان حقيقتها هي الأسباب المعهودة فيزولان ولا يكون لهما قرار ولكن
يبقى حكم كل منهما إلى حدوث الاخر المقابل له في غاية البشاعة والا لزم ان لا يكون
المتطهر عن الحدث متطهرا واقعا ولا المحدث بالحدث محدثا كذلك وان يترتب
حكم كل منهما من دون تحقق موضوعه وان لا يكون الحدث ناقضا للطهارة ولا الطهارة
رافعة للحدث وبطلان اللوازم بين كما أن توهم ان حقيقتهما هي حدوث الأسباب
197

فلا يرتفعان ابدا وإنما يرتفع حكم كل منهما بحدوث الاخر المقابل له في غاية
الشناعة والا لزم أن يكون
من اغتسل عن الجنابة مجنبا تحقيقا لحدوث الدخول أو
الانزال منه متطهرا عنها كذلك لحدوث الغسل منه فيلزم اجتماع الضدين في محل
واحد وبطلانه غنى عن البيان فلا تكون الطهارة والحدث الا الاثرين المترتبين على
أسبابهما المنتزع حدوثهما من حدوث أسبابهما فيبقى كل منهما إلى أن ينتقض
ويرتفع بحدوث الاخر.
الثالث ان كلا منهما مقول بالتشكيك ولكل منهما مرتبتان عليا ودنيا يعبر
عنهما في لسان الفقهاء (قدس سرهم) بالكبرى والصغرى والأكبر والأصغر ولكل من
المرتبتين مراتب كمالا وضعفا وينبه على ذلك ما ورد من أن: " الوضوء على الوضوء
نور على نور " والاختلاف في المرتبة لا يوجب الاختلاف في الحقيقة ضرورة ان
اختلاف المراتب اختلاف في وجود الشئ شدة وضعفا لافى حقيقته وماهيته بل
متوقف على اتحاد الحقيقة.
ولا ينافي ما بيناه انتزاع كل من المرتبتين من سبب خاص واختلاف الأسباب
في الحقيقة لان اختلافها لا يوجب اختلاف المسبب بالضرورة الا ترى ان القتل له
حقيقة واحدة ويتولد من أسباب مختلفة الحقيقة كالضرب بالسيف وشرب السم
ونحوهما.
فتبين بما بيناه فساد ما يتوهم من أنه يختلف حقيقة كل من الطهارتين
مع حقيقة الأخرى باعتبار اختلاف مقابلها من الحدث الأصغر والأكبر كما تختلف
حقيقة الطهارة عن الحدث مع حقيقة الطهارة عن الخبث باعتبار اختلاف مقابليها
لما ظهر لك من أن اختلاف الحدثين إنما هو في المرتبة لا في الحقيقة فلا يختلف
مقابلاهما حينئذ الا في المرتبة ولو كان اختلاف كل من الحدثين مع الاخر في
الحقيقة كاختلافه مع الخبث لجاز اجتماع كل منهما مع الطهارة عن الاخر كما
جاز اجتماعه مع الطهارة عن الخبث والملازمة واضحة وبطلان اللازم بين ضرورة
198

انه لا يجوز أن يكون المحدث بالأكبر متطهرا عن الحدث الأصغر وقد اتفقوا على
انتقاض الوضوء بالحدث الأكبر كانتقاضه بالأصغر بل وكذا انتقاض الطهارة
الكبرى بالحدث الأصغر مما لا ريب فيه ولذا لا يترتب حينئذ الا اثر الحدث
وما يتوهم من ترتب اثر الطهارة والحدث معا حينئذ من جهة ان الجنب كان
ممنوعا من الدخول في الصلاة ومس المصحف وقراءة العزائم واللبث في المساجد
والجواز في المسجدين الأعظمين وإذا اغتسل وتطهر بالطهارة الكبرى أبيح له جميع
هذه الأمور وان احدث بعد ذلك بالحدث الأصغر منع منه الدخول في الصلاة ومس
المصحف وبقى الباقي على الإباحة وليس ذلك الا من اثر بقاء الطهارة الكبرى وعدم
انتقاضها بالحدث الأصغر فهو حينئذ متطهر بالطهارة الكبرى محدث بالحدث الأصغر
فاجتمعت الطهارة الكبرى حينئذ مع الحدث الأصغر في غير محله ضرورة ان حرمة
قراءة العزائم واللبث في المساجد والجواز في المسجدين الأعظمين كانت من
أحكام الجنابة وأبيحت بعد الغسل من جهة ارتفاع حدث الجنابة لامن جهة حصول
الطهارة إذ لا يعتبر في اباحتها الطهارة بالضرورة وبعد ان احدث بالحدث الأصغر ارتفعت
الكبرى وانتقضت به ولكن لم تعد الجنابة فلم تعد آثارها.
واما الدخول في الصلاة ومس المصحف فهما يترتبان على الطهارة دائران
مدارها ولذا لا يجوزان من المحدث مطلقا فإذا اغتسل الجنب أبيح له الامر ان باعتبار
انه متطهر وإذا انتقضت طهارته بالأصغر عاد المنع منهما باعتبار انه غير متطهر فاتضح
غاية الاتضاح عدم اجتماع الطهارة الكبرى مع الحدث الأصغر.
الرابع ان تقابلهما من قبيل تقابل التضاد لا التناقض لان كلا منهما إنما تنتزع
من أسباب وجودية محصورة عند الشارع ولو كان أحدهما عدميا لانتزع من عدم سبب
الاخر ولم يتصور لهما ثالث ولكان أحدهما موافقا للأصل مع أن الأصل عدمهما فمن شك في أنه جنب أم متطهر مع عدم العلم بحالته السابقة يجوز له المكث في
المساجد وقراءة العزائم والجواز في المسجدين الأعظمين لان الأصل عدم الجنابة
199

ولا يجوز له الدخول في الصلاة لان الأصل عدم الطهارة ويدل على ذلك أيضا
اشتمال كل منهما على مرتبتين صغرى وكبرى وأصغر وأكبر إذ العدم لا يقبل الشدة
والضعف والتعبير بالأصغر والأكبر موجود في الروايات وبالصغرى والكبرى
مقتبس منها.
فان قولهم عليهم السلام: " أي وضوء أطهر من الغسل " أو " انقى " أو " أبلغ " يدل على أن الغسل
منشأ لانتزاع المرتبة الكاملة من الطهارة كما يدل على اتحاد الحقيقة إذ لو كانت
الطهارة الحاصلة من كل منهما مباينة للأخرى في الحقيقة لم يكن للتعبير بصيغة التفضيل
مجال ويدل أيضا على أن الطهارة امر وجودي التعبير عنها في الاخبار بأنها نور الكاشف
عن انها امر وجودي بل التعبير عن زوالها بالحدث بالانتقاض يدل عليه أيضا لان النقض
مقابل للابرام فلا يتحقق الانتقاض الا بالنسبة إلى الموجود المبرم وبالجملة كونهما
أمرين وجوديين من الواضحات التي لا ينبغي الارتياب فيها.
الخامس ان الطهارة والحدث أمران بسيطان غير قابلين للتوزيع والانقسام
ذاتا كما هو ظاهر ولا باعتبار المحل لأنهما صفتان قائمتان بالنفس لا بالجوارح
وهي امر بسيط لا انقسام فيه حتى يجرى التوزيع والانقسام في العرض القائم بها
فلا يجوز أن يكون الشخص متطهرا أو محدثا في حال واحد والا لزم اجتماع
المتقابلين في محل واحد.
ولا ينافي ما بيناه انتزاع الطهارة من الغسلات الثلاثة أو الغسلتين والمسحتين
أو الضرب على الأرض والمسحتين التي هي افعال مركبة عارضة على الجوارح
ضرورة جواز انتزاع الصفة القائمة بالنفس من فعل الجارحة والبسيط من المركب
الا ترى ان التعظيم والتأديب مع قيامهما بالنفس ينتزعان من فعل الجارحة والعلقة
الوحدانية البسيطة منتزعة من الايجاب والقبول ولا ينافي اتحاد الامر المنتزع مع
منشأ انتزاعه في الخارج اختلاف موضوعهما لمغايرتهما اعتبارا واتحادهما خارجا
فهما متغايران من وجه ومتحدان من وجه.
200

ولذا يختلف باختلافهما الآثار ومن جملة آثار المغايرة بقاء المنتزع واستمراره
إلى أن يزول بطرو مقابله مع عدم تصور البقاء في المنشأ وهو حدوث السبب. إذا
اتضح لك ما بيناه فقد اتضح لك ان مقتضى المقابلة بين الحدث والطهارة وعدم
تطرق التوزيع والانقسام فيهما ولا في محلهما واتحاد حقيقة كل منهما وعدم اختلاف
الحقيقة باختلاف المراتب بطلان الغسل بحدوث الحدث في أثنائه مطلقا كما يبطل
بحدوث الحدث بعده مطلقا
توضيح الحال ان الطهارة الكبرى منتزعة ومتولدة من مجموع الغسلات الثلاثة
فمع حدوث الحدث في أثنائها ان أوجبت الطهارة الرافعة للجنابة المتقدمة والحدث
الطاري في الأثناء لزم ارتفاع الحدث بالغسل المتقدم بعض اجزائه عليه وهو غير
معقول لان اللاحق منهما إنما يرفع السابق فلا يعقل ارتفاع اللاحق بالسابق مع أن
بطلان الغسل وانتقاضه بعد كماله بالحدث الطاري عليه لا يجامع القول بعدم انتقاضه
بحدوثه في الأثناء لان الرفع والدفع والقطع من آثار كون الشئ مانعا ومنافيا
فلا يعقل التفكيك بينها.
أترى ان شرب القابض في ضمن شرب المسهل لا يمنع من تأثيره ولا يبطله
كلا ثم كلا الا ان يفرض استقلال المشروب بعد القابض في التأثير.
والحاصل انه لا فرق بين الأسباب الشرعية والعادية في بطلانها بطرو المنافى
في الأثناء أو بعده فالقول بايجابه الطهارة حينئذ يرجع إلى أحد أمرين اما عدم
انتقاض الغسل بالحدث الطاري في أثنائه أو استقلال الباقي منه في التأثير و
كلاهما باطل.
اما الأول فلما عرفت.
واما الثاني فلان المفروض ان المنشأ لانتزاع الطهارة إنما هي الغسلات الثلاثة
بتمامها وان أوجبت الطهارة الرافعة للجنابة فقط مع ثبوت الحدث الطاري في الأثناء
لزم مع بعض ما تقدم ان يجتمع المتقابلان في محل واحد في حال واحد ولا يدفع
201

ذلك اختلافهما في المرتبة لأن الطهارة في حد نفسها سواء كانت كبرى أم صغرى
مقابلة للحدث سواء كان أكبر أم أصغر فلا يجتمع كل مرتبة مع الطهارة مع كل
مرتبة من الحدث.
لا يقال إن الغسل إنما يوجب الطهارة عن الجنابة وهي مقابلة لها فتجتمع مع
الحدث الأصغر كما تجتمع مع الطهارة الصغرى.
لأنا نقول إن أريد ان الطهارة عن الجنابة ليست الا عدم الجنابة فتجتمع
مع الحالين.
ففيه انك قد عرفت ان الطهارة المتحصلة من الغسل أو الوضوء امر وجودي
ملازم لرفع الحدث لاعينه حتى لا ينافي اجتماع رفع مرتبة خاصة منه مع تحقق
مرتبة أخرى منه مع أن الحدث حقيقة واحدة لا يتعدد باجتماع الأسباب المختلفة
على محل واحد حتى يصح ارتفاع بعضه دون بعض لان الموضوع مشخص للعرض
فلا يعقل تعدده مع وحدة الموضوع وان أريد ان الطهارة الكبرى مباينة مع الصغرى
في الحقيقة والماهية لا في المرتبة والدرجة فقط فتقابل الحدث الأكبر لا مطلق الحدث
لاختلافهما في الحقيقة والماهية أيضا.
ففيه انك قد عرفت ان الاختلاف إنما هو في الدرجة لا في الحقيقة مع أنه
يلزم حينئذ ان يجوز مجامعة الحدث الأكبر مع الصغرى لعدم المقابلة بينهما حينئذ
فيلزم عدم انتقاض الوضوء بالحدث الأكبر مع أن الانتقاض به ضروري عندهم.
فاتضح بما بيناه ان القول باكمال الغسل مع الحاجة إلى الوضوء لرفع الحدث
الطاري في الأثناء يؤول إلى الحكم باجتماع المتقابلين كما أن الحكم باكماله
والاجتزاء به موجب للحكم بارتفاع الحدث اللاحق بالغسل المتقدم بعض اجزائه
عليه أو استقلال الباقي في التأثير وكلاهما واضح البطلان فتعين القول الأول لعدم
تصور وجه رابع.
والى ما ذكرناه من استلزام انتقاض الطهارة بطرو المنفى بعد كمالها وحصولها
202

لانتقاضها بطرو المنافى في أثنائها وان التفكيك بينهما غير متصور في الأسباب العادية
والشرعية ينظر ما استدل به العلامة (قدس سره) على ما اختاره واخترناه بان الحدث
الأصغر ناقض للطهارة بكمالها فلابعاضها أولى ووجه الأولوية ان الدفع أهون من
الرفع ولعله إلى هذا يشير كلام الشهيد (قدس سره) في كرى محتجا عليه بامتناع
خلو الحدث عن اثره مع تأثيره بعد الكمال ويؤيد ما بيناه ما في الفقه الرضوي:
" ولا باس بتبعيض الغسل تغسل يدك وفرجك ورأسك وتأخر غسل جسدك إلى
وقت الصلاة ثم تغسل ان أردت ذلك فان أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعد
ما غسلت رأسك من قبل ان تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله " بل قيل إنه مروى عن
الصادق عليه السلام في عرض المجالس للصدوق وان قيل إنه لم تكن موجودة في الكتاب
المذكور.
وكيف كان لا ينبغي التأمل في انتقاض الغسل ووجوب الاستيناف بعدما حققناه
وبما بيناه ظهر ان ما في ك من أن: " القول بالإعادة للشيخ ره في يه وط
وابن بابويه وجماعة ولا وجه له من حيث الاعتبار وما استدل به عليه من أن الحدث
الأصغر ناقض للطهارة بتمامها فلابعاضها أولى فان الحدث المتخلل قد أبطل تأثير
ذلك البعض في الرفع والباقي من الغسل غير صالح للتأثير ففساده ظاهر لمنع كونه
ناقضا ومبطلا.
وإنما المتحقق وجوب الوضوء خاصة " (انتهى) واضح الفساد إذ لو لم ينتقض
الغسل بالحدث الأصغر لزم كونه حينئذ متطهرا بالطهارة الكبرى ومحدثا بالحدث
الأصغر في حالة واحدة مع أن الانتقاض به مجمع عليه بين الأصحاب (قدس سرهم)
كما ذكره صاحب الحدائق (قدس سره) بل يمكن عده من ضروريات الفقه وبما
بيناه من اتحاد حقيقة كل من الطهارة والحدث وعدم اختلاف حقيقتهما باختلاف
مراتب الأسباب تبين لك انه لا فرق بين غسل الجنابة وسائر الأغسال الواجبة في
الانتقاض بحدوث الحدث في الأثناء وبعدها سواء كان الحدث مماثلا للسابق أم لا
203

وسواء كان الحدث أكبر أم أصغر لان الأغسال الواجبة أسباب للطهارة بالاجماع
بل بالضرورة إذ لو لم تكن كذلك لما ارتفع حدث الحيض والاستحاضة والنفاس
وهكذا بها ومقتضى كونها أسبابا للطهارة انتقاضها بحدوث الحدث في أثنائها من
دون فرق بينها وبين الاحداث
فما ذكره السيد الطباطبائي في رسالته من أنه إذا احدث بالأكبر في أثناء الغسل
فإن كان مماثلا للحدث السابق كالجنابة في أثناء غسلها أو المس في أثناء غسله
فلا اشكال في وجوب الاستيناف وإن كان مخالفا له فالأقوى عدم بطلانه فيتمه ويأتي بالاخر
ويجوز الاستيناف بغسل واحد لهما ويجب الوضوء بعده ان كانا غير الجنابة أو كان
السابق هو الجنابة حتى لو استأنف وجمعهما بنية واحدة على الأحوط وإن كان
اللاحق جنابة فلا حاجة إلى الوضوء سواء أتمه واتى للجنابة بعده أو استأنف وجمعهما
بنية واحدة بمكان من البطلان فلا مجال للتفصيل بين طرو الحدث المماثل للحدث السابق
وعدمه في الانتقاض وعدمه الحكم بحصول الطهارة الرافعة لحدث دون حدث آخر
والا لزم اجتماع المتقابلين في محل واحد.
ثم إن الحكم بوجوب الوضوء بعد الغسل إن كان السبق جنابة في غاية الغرابة
لان غسل الجنابة بزعمه صحيح تام فلا يعقل معه الحاجة إلى الوضوء ومجرد ايجاب
غسل آخر غير مجز للوضوء عليه للحدث اللاحق لا يوجب الغاء غسل الجنابة عن
الأثر الا ان يقال إن الحدث اللاحق لا يرتفع الا بالغسل والوضوء معا وهو في غاية
البشاعة إذ لا مجال لتوقيف ارتفاع الحدث الأكبر على الطهارة الصغرى واغرب منه
حكمه بايجاب الوضوء إذا استأنف غسلا واحدا لهما ضرورة عدم الفرق في الاجتزاء
بالغسل عن الوضوء مع التداخل بين تقدم الجنابة وتأخرها.
فان قلت أي مانع من زوال حدث وبقاء حدث آخر إذا لم يكونا متماثلين
كحدث الجنابة وحدث الحيض مثلا واختصاص كل منهما بمزيل ومجرد كون الغسل
موجبا للطهارة لا يوجب عدم جواز التفكيك بين الحدثين في الرفع وعدمه إذ الطهارة
204

عن الحدث كالطهارة عن الخبث فكما يجوز زوال خبث دون آخر إذا لم يتماثلا
واختلفا في الأثر مثل ان يجب لأحدهما الغسل ثلاث مرات وللآخر مرتين فيطهر
بالمرتين عن أحد الخبثين دون الخبث الاخر فكذلك يجوز التفكيك بالنسبة إلى الاحداث
المتخالفة.
قلت بعد ما عرفت اتحاد حقيقة كل من الطهارة والحدث وعدم اختلافهما
باختلاف المراتب والأسباب لا مجال لما ذكرت لان الحدث لا يصير متعددا باجتماع
أسبابه المختلفة على محل واحد حتى يجوز زوال بعضه دون بعض ولذا تتداخل
الاحداث في صورة اجتماع الأسباب ولا يجب الا غسل واحد فهو حكم واقعي
منطبق على القواعد الأولية لا انه تعبدي فمع حصول الطهارة لا مجال لبقاء حدث
كما أنه مع حدوث الحدث لا مجال لبقاء الطهارة. وهكذا الامر في الخبث فإذا
تنجس المحل بأسباب متعددة مختلفة الأثر لا يعقل زوال خبث منه دون خبث آخر
لان الخبث العارض على محل واحد خبث واحد وان تعدد أسبابه فلا يعقل التفكيك
فيه فالمحل في المثال المزبور لا يطهر الا بالغسلات الثلاثة مع أن تنظير الطهارة عن
الحدث بالطهارة عن الخبث في غير محله لما عرفت من أن الأولى امر وجودي والثانية
امر عدمي.
وقد اتضح بما بيناه فساد ما ذكر صاحب المدارك حيث قال: " لو تخلل الحدث
لغير غسل الجنابة من الأغسال الواجبة والمندوبة فان قلنا باجزائه عن الوضوء اطرد
الخلاف والا تعين اتمامه والوضوء لما ظهر لك من أن سائر الأغسال الواجبة أسباب
للطهارة بالاتفاق بل الضرورة فلا يعقل بقائها على الصحة وعدم انتقاضها مع حدوث
الحدث في أثنائها وإن كان الحكم بعدم اجزائها عن الوضوء حينئذ مناقضة منهم
إذ لازم القول بكونها طهارات اجزائها عن الوضوء وإنما يتم ما ذكره في الأغسال
المندوبة حيث إنها لا تكون أسبابا للطهارة عند الأكثر القائلين بعدم اجزائها عن
الوضوء.
205

وإذا انجر الكلام إلى هذا المقام فلا بأس بالتنبيه على ما هو المختار عندي
في هذه المسألة.
فأقول بعون الله تعالى ومشيته ان المستفاد من اخبار أهل بيت العصمة والطهارة
سلام الله عليهم أجمعين اجزاء جميع الأغسال عن الوضوء واجبة كانت أو مندوبة
من وجوه:
الأول ان جميع الأغسال عند الشارع أسباب للطهارة ولا يختص ذلك بغسل
الجنابة اما سببية سائر الأغسال الواجبة لها ففي غاية الوضوح ضرورة ان كلا منها
إنما يجب بملاحظة رفع حدث أكبر به فلو لم يوجب الطهارة لم يرتفع به حدث
أصلا واما كون الأغسال المندوبة كذلك فيظهر من الروايات الدالة على انتقاض
غسل الاحرام والطواف والزيارة بل مطلق الغسل المندوب للفعل بالحدث الأصغر
إذ لو لم تكن من موجبات الطهارة لم يكن وجه لانتقاضها به.
فان قلت إنما يتم هذا الوجه في بعض الأغسال المندوبة وهو المندوب
للفعل واما المندوب للوقت أو المكان فلا مع أن في روايات الأغسال المندوبة للوقت
ما ينافي ذلك فان الاجتزاء بالغسل الليلي لليل وباليومي لليوم كما هو صريح الاخبار
لا يجامع مع انتقاضها بالحدث الأصغر.
قلت يتم ما ذكرناه بعدم القول بالفصل إذ لا قائل بايجاب بعضها الطهارة دون
بعض مع رجوع الغسل المكاني إلى المندوب للفعل لان المغيا بالغسل الدخول
في المكان واما ما ذكرت من أن الاجتزاء بالغسل الليلي لليل وباليومي لليوم مناف
لما ذكرناه ففي غير محله لان وظيفة كل من اليوم والليل تتأدى بالغسل الواحد
فلا دلالة للرواية على بقائه إلى اخر الليل حتى ينافي ما بيناه.
والحاصل ان كلا من اليوم والليل ملحوظ بلحاظ وحدته وبساطته فيكفي له
غسل واحد لا انه باق ببقاء الوقت ومن هنا ذكر بعض الفقهاء (قدس سرهم) ان
الأفضل الاتيان بغسل الجمعة قريب الزوال ليكون صلاته مع الغسل إذ لو لم ينتقض
206

بالحدث مع بقاء الوقت لم يكن لما ذكره مجال. وإذا اتضح ان جميع الأغسال
عند الشارع موجبة للطهارة فلا مجال للقول بايجاب الوضوء معها لاستحالة بقاء
الحدث الأصغر مع حصول الطهارة والا لزم اجتماع المتقابلين في محل واحد في
حالة واحدة.
لا يقال الأغسال إنما توجب الطهارة الكبرى والصلاة ونحوها مشروطة
بالصغرى فلا يجتزى بها فيما يشترط بالصغرى الا في غسل الجنابة لثبوت الاجتزاء به
بالنص.
لأنا نقول إن شرط الصلاة ونحوها إنما هي نفس الطهارة الجمعة بين الصغرى
والكبرى لا خصوص الكبرى بل لا معنى لاشتراط الطهارة
الصغرى الا جواز الاجتزاء بها وعدم وجوب تحصيل الكبرى إذ لا مجال لجعل خصوص
المرتبة الضعيفة شرطا الا إذا كانت المرتبة الكاملة قادحة ومن الواضح البين عدم
قدح المرتبة الكاملة في الصلاة ونحوها مما يجتزى فيه بالصغرى فلا مجال حينئذ
لعدم الاكتفاء بالكبرى لأنها الفرد الأكمل من الشرط حينئذ والى ذلك يشير الرواية
" أي وضوء أطهر من الغسل " أو " أنقى وأبلغ ".
والثاني الاخبار الصريحة في أن مطلق الغسل واجبا أم مندوبا مجز عن الوضوء.
منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
" الغسل يجزى عن الوضوء وأي وضوء أطهر من الغسل " واللام فيه للجنس لعدم
العهد ويؤكده التعليل المذكور إذ لا مدخلية لخصوص غسل الجنابة في هذا الوصف.
وقد ورد هذا التعليل بعينه في غسل الجمعة في مرسلة حماد ابن عثمان عن أبي
عبد الله (ع) " في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك أيجزيه عن الوضوء فقال (ع)
وأي وضوء أطهر من الغسل ".
وفى الصحيح عن حكم ابن حكيم قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن غسل الجنابة
ثم وصفه قال قلت إن الناس يقولون نتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل فضحك (ع)
207

وقال أي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ ".
وتقريب الاستدلال ما بيناه فإنه وإن كان في خصوص غسل الجنابة الا انه
بملاحظة الأخبار المتقدمة وانه لا مدخلية لخصوص غسل الجنابة في هذا الوصف
يعلم أن المراد منه العام.
وروى الشيخ في عدة اخبار: " ان الوضوء بعد الغسل بدعة ".
وروى في الموثق عن عمار الساباطي قال: " سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل إذا
اغتسل عن جنابة أو في يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده فقال
لا ليس عليه قبل ولا بعد قد أجزاه الغسل والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير
ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد قد أجزئها الغسل ".
ولا يعارض هذه الروايات ولا يقاومها ما رواه ابن أبي عمير عن رجل عن أبي
عبد الله (ع) " كل غسل قبله وضوء الا غسل الجنابة " لتعين حملها على التقية بعد
موافقته لمذهب العامة ومخالفة الروايات المتقدمة لمذهبهم بل لا تصريح في الرواية
على وجوب الوضوء قبل وإنما تثبت الجواز فلا تنافى الروايات النافي المتقدمة مع أنه
لو وجب الوضوء فيما عدا غسل الجنابة بملاحظة عدم ارتفاع الحدث الأصغر
به لم يكن وجه للفرق بين تقديمه وتأخيره عن الغسل.
والثالث تداخل الأغسال الواجبة والمندوبة المصرح به في الروايات
إذ لو اختلفت حقيقة الأغسال باختلاف الاحداث أو الغايات ولم يكن عنوان الجميع
الطهارة لم تتداخل بعضها في بعض فثبوت التداخل فيها علم أن الغسل كالوضوء
ليس له الا حقيقة واحدة وان الاختلاف إنما هو في موجباته وغاياته.
والرابع ان اختلاف الأغسال في الآثار اما من جهة اختلاف الحقيقة النوعية
وعدم اندراج الجميع تحت نوع واحد موجب للطهارة واما من جهة اختلاف مراتب
الطهارة فيها مع اندراج الجميع تحت عنوان الطهارة إذ مع اتحاد الحقيقة النوعية
208

وعدم الاختلاف في المرتبة لا يعقل التفصيل بينها في الآثار ولا سبيل لشئ منهما في
المقام.
اما اختلاف الحقيقة فإن كان باعتبار اختلاف الاحداث فهو غير معقول لان
الغسل مزيل لها فلا يعقل ان يتنوع بها لان التنوع إنما هو بالفصل المجامع مع الجنس
في الوجود المتحد معه في الخارج المغاير معه في مرحلة التحليل والمزال لا يجتمع
مع المزيل حتى يتحد معه في الخارج وإن كان باعتبار الغايات فذلك لأنها مترتب
على وجود الغسل لا متحددة معه وليس في المقام امر آخر صالح لتنويعه إلى أنواع
مختلفة.
واما الاختلاف في المرتبة مع الالتزام بحصول الطهارة بمطلق الغسل فالامر
فيه أوضح لأن الطهارة عن الحدث ليس لها في الشرع الا مرتبتان صغرى وكبرى
وإن كان كل منهما يقبل النقص والكمال أيضا فمع تسليم حصول الطهارة منها لابد
من اندراجها تحت احدى المرتبتين وعلى كل تقدير يوجب الاجتزاء بمطلق الغسل
عن الوضوء.
فاتضح بما بيناه غاية الاتضاح ان الغسل كالوضوء له حقيقة واحدة توجب الطهارة
الكبرى سواء كان مسبوقا بحدث أكبر أو أصغر أم لا ومجز عن الوضوء مطلقا فينتقض
بحدوث الحدث في أثنائه مطلقا أصغر كان أم أكبر مماثلا للحدث السابق أم مخالفا له
ومن الغريب ما فصله السيد الطباطبائي في المقام فقال: " إذا احدث بالأصغر
في أثناء غسل الجنابة الأقوى عدم بطلانه نعم يجب عليه الوضوء بعده " ثم قال: " وكذا
إذا احدث في سائر الأغسال " ثم قال:
" مسألة الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبة أيضا لا يكون مبطلا لها نعم
في الأغسال المستحبة لاتيان فعل كغسل الزيارة والاحرام لا يبعد البطلان كما أن حدوثه
بعده وقبل الاتيان بذلك الفعل كذلك كما سيأتي " انتهى فان البطلان بحدوث الحدث
بعد الغسل لو أوجب البطلان في الأثناء لم يكن وجه للتفصيل بين الواجب والمندوب
209

ثم التزامه بالانتقاض في خصوص الأغسال المندوبة للفعل لا وجه له مع أن الأغسال
المندوبة للمكان ترجع إلى المندوبة للفعل لأنها إنما تستحب لأجل الدخول في
الأمكنة الشريفة.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول ان المقصود بالذات من الغسل والوضوء والتيمم هي الطهارة المتحصلة
منها المتحدة معها اتحاد الامر المنتزع مع منشأ انتزاعه فمرجع اعتبارها شرطا أو
كما لا إلى اعتبار الطهارة المتولدة كذلك لا إلى اعتبارها بنفسها كذلك فالأوامر المتعلقة
بها إنما تتعلق في الحقيقة بايجاد الطهارة عن الحدث وحيث إن وسيلة تحصيلها في
الخارج لا تكون الا بالأسباب المذكورة بعث عليها مقدمة لتحصيل ما يتسبب عنها وبهذا
البيان يتبين لك أمور:
الأول وجه تداخل الأغسال والوضوءات لأن الطهارة عن الحدث كالحدث
لا تقبل التعدد بان يتطهر الشخص عن الحدث ثم يتطهر مرة أخرى من دون تخلل
حدث حتى يستقل كل سبب منها في ايجاب طهارة منفردة عن الأخرى فإذا اجتمعت
أسباب متعددة موجبة للغسل أو الوضوء يجزى عنها غسل أو وضوء واحد كما هو الحال
في الطهارة عن الخبث فإنه إذا اجتمعت أسباب متعددة لحصول الخبث في محل واحد
يكفي عن الجميع غسل واحد مزيل لخبث مطهر عنه ولا يجب ان يغسل المحل متعددا
حسب تعدد سبب الخبث.
فظهر بما بيناه ان تداخل الأغسال منطبق على القواعد الأولية ولا يكون مخالفا
للأصل تعبديا ثابتا بالنصوص كما قد يتوهم ومنه ظهر أيضا ان تداخل الأغسال
والوضوءات قهري لا رخصة كما احتمله بعض وانه لا حاجة في حصول التداخل إلى
نية الجميع كما أنه لا يقدح فيه نية بعضها دون بعض وانه لا فرق فيه بين أن يكون
الكل واجبا أو مندوبا أو مختلفا كما أنه لا فرق في صورة الاختلاف ونية البعض بين
ان ينوى الواجب أو الندب كما أنه لا فرق بين أن يكون الوجب غسل الجنابة أو
210

غيره لما ظهر لك من أن الغسل كالوضوء له حقيقة واحدة فلا يتفاوت الامر حينئذ
بعد نية الغسل على وجه القربة بين نية جميع الأسباب الموجبة له أو بعضها وبين نية
السبب الموجب له ايجابا أو ندبا فما قيل من أنه إذا نوى غسل الجنابة أجزء عن غيره
ولو نوى غيره لم يجز عنه في غاية السخافة.
الثاني انه لو اغتسل قبل الوقت وبقيت طهارته حتى دخل الوقت فالظاهر اجزائه
عن الغسل المندوب للوقت لان المقصود من الغسل للوقت صيرورته متطهرا بالطهارة
الكبرى في الوقت ولو آنا ما وقد حصلت الطهارة في الوقت حينئذ وما اشتهر بينهم
من أن الأغسال المندوبة للوقت لا تتأدى الوظيفة الا باتيانها في الوقت مما لم يقم عليه
دليل بعدما عرفت ان المقصود منه الطهارة لا مجرد ايجاد السبب.
الثالث ان الطهارة المتحققة في كل من مرتبتيها صغرى وكبرى قد اعتبرت
في الشرع على وجهين.
الأول اشتراط جواز العمل وصحته بها كالصلاة ومس المصحف فإنهما
لا يباحان الا بالطهارة صغرى كانت أو كبرى
والثاني اشتراط كمال العمل بها كما في غيرهما من المواضع التي اعتبرت
فيها على وجه الكمال كتلاوة القران ونحوها.
واما الطهارة الكبرى فلم تعتبر في الشرع الا على وجه الكمال كالأغسال
المندوبة للفعل والوقت والمكان.
واما الأغسال الواجبة فإنما تجب لأجل رفع الحدث الأكبر لها حيث كانت
مسبوقة به لا لأجل اعتبار الطهارة الكبرى في حد نفسها في صحة عمل من الاعمال كما
هو ظاهر ولذا لا يقدح في صحة الاعمال المباحة بعد الغسل انتقاضه بالحدث الأصغر
واما الصلاة ومس المصحف فعدم اباحتهما عليه بعد انتقاض غسله بالحدث الأصغر
فإنما هو لأجل اشتراطهما بنفس الطهارة لا بالطهارة الكبرى.
211

(فائدة - 32)
قد اشتهر بين الأصحاب قدس سرهم ان الجنب إذا تيمم بدلا عن الغسل ثم احدث
أعاد التيمم بدلا عن الغسل ما دام العذر باقيا سواء كان حدثه أصغر أم أكبر. واحتجوا
عليه بان التيمم لا يرفع الحدث وإنما يستباح به الدخول في الصلاة فإذا انتقض بالحدث
رجع إلى الحالة الأولى فيجب عليه التيمم حينئذ كما وجب عليه أولا.
وقد نسب إلى علم الهدى قدس سره في شرح الرسالة ان المجنب إذا تيمم ثم احدث
حدثا أصغر ووجد ماء يكفيه للوضوء توضأ به لان حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب
الصغرى وقد وجد من الماء ما يكفيه لها فيجب عليه استعماله وقد اختار بعض المتأخرين
وجوب الوضوء عليه حينئذ مع التمكن منه والتيمم بدلا عنه مع عدم التمكن منه
سواء قلنا بكون التيمم رافعا أو مبيحا.
واستدل عليه بان التيمم الذي هو بدل عن الغسل لا ينتقض بالحدث الأصغر
فقال ما محصله والأظهر عدم انتقاضه بالحدث الأصغر الا بالنسبة إلى ما يعتبر فيه
الطهارة الصغرى كالصلاة ونحوها خلافا للمشهور من أنه ينتقض به فيجب عليه
اعادته مستدلا عليه بأنه مقتضى قاعدة بدلية التيمم عن الغسل المستفادة من الاخبار
زاعما ان عدم انتقاض المبدل وهو الغسل الا بالنسبة إلى ما يعتبر فيه الطهارة الصغرى
مسلم لا ريب فيه محتجا عليه ببقاء إباحة المكث في المساجد وقراءة العزائم والاجتياز
من المسجدين الأعظمين التي هي من آثار الغسل بعد تعقبه بالحدث الأصغر.
212

ثم قال لا فرق فيما بيناه بين القول بكون التيمم رافعا أو مبيحا فلا وجه لما
قيل من أن قول السيد مبتنى على القول بكونه رافعا وهو باطل ان يلزمه كون وجدان
الماء حدثا أو حصول الجنابة من دون سبب وكلاهما خلاف الاجماع وذلك لأنا نمنع
الابتناء أولا لما عرفت من امكان بقاء الاستباحة بالنسبة إلى آثاره وان انتقضت
بالنسبة إلى كفايته عن الوضوء وثانيا الاشكال إنما يرد إذا قيل بالرفع مطلقا والى
الأبد.
واما إذا قيل بكونه رافعا ما داميا فلا يرد إذ بعد حصول الغاية يظهر اثر المقتضى
الأول فلا يلزم كون وجدان الماء حدثا ولا حصول الغاية من غير سبب إذ هي مستندة
إلى السبب الأول والتيمم رفع اثرها رفعا إلى زمان وجدان الماء.
والحاصل ان الابتناء المذكور ممنوع كما أن ابتناء مذهب المشهور على
القول بالاستباحة أيضا ممنوع إذ يمكن اختيار كونه رافعا ما داميا مع اختيار كون
الحدث الأصغر مبطلا له وناقضا بدعوى ان الناقض له مطلق الحدث ولذا ترى ان
صاحب المدارك مع اختياره الناقضية يظهر منه اختيار مذهب السيد في تلك المسألة
أعني كونه رافعا ومحصلا للطهارة انتهى.
وفيه ان انتقاض الغسل بالحدث الأصغر امر ظاهر عند الأصحاب (قدس سرهم)
وما زعمه من أن جواز المكث في المساجد وقراءة العزائم والاجتياز من المسجدين
الأعظمين يدل على بقاء الطهارة بالنسبة إليها باطل لان الافعال المزبورة إنما تحرم
على الجنب فلا يكون جوازها مشروطا بالطهارة حتى يدل بقائه على بقائها وارتفاعها
بالحدث الأصغر لا يوجب عود الجنابة حتى يوجب عود أحكامها فمقتضى قاعدة
البدلية حينئذ انتقاض التيمم به كانتقاض الغسل به مع أن توهم عدم انتقاض الغسل
بالحدث الأصغر الا في بعض الآثار باطل من وجوه:
الأول ان الطهارة الكبرى والصغرى حقيقة واحدة وان اختلفتا في المرتبة شدة
وضعفا كما أن الحدث الأكبر والأصغر كذلك والاختلاف في السبب لا ينافي مع
213

اتحاد المسبب في الحقيقة كما هو ظاهر فالطهارة والحدث أمران متقابلان في حد
أنفسهما فيستحيل اجتماع الطهارة في أي مرتبة كانت مع الحدث مطلقا
ولا يتوهم ان التقابل إنما هو بين الكبرى والأكبر والصغرى مع الأصغر
إذ لو لم يتقابل الطهارة والحدث في حد أنفسهما لم يعقل التقابل بين المراتب وجاز
اجتماع الكبرى مع الأكبر أيضا.
وتوهم اختلاف مرتبتي الطهارة والحدث في الحقيقة مع وضوح فساده
ومنافاته مع التعبير بالكبرى والصغرى والأكبر والأصغر الصريح في الاختلاف
في المرتبة دون الحقيقة موجب لعدم انتقاض الطهارة الكبرى بالحدث الأصغر
رأسا لعدم المقابلة بينهما مع التزامه بالانتقاض به في الجملة كما أنه يوجب حينئذ
عدم انتقاض الطهارة الصغرى بحدث الحيض والاستحاضة والنفاس ومس الميت
وجواز الدخول في الصلاة لمن كان متطهرا بالصغرى قبل الاحداث المذكورة
بالغسل عنها عند من لا يرى الاجتزاء بغسل غير الجنابة عن الوضوء وهو بديهي
البطلان.
والثاني ان الطهارة عن الحدث كالحدث امر بسيط قائم بالنفس لا يتطرق
فيه التوزيع والتبعيض في الرفع وعدمه وشدة الطهارة وكبرويتها إنما هي عين
الطهارة في الخارج لامن أحكامها فلا تستقل بالارتفاع.
والثالث انه لو سلمنا جواز استقلالها في الانتقاض والزوال لزم انقلابها إلى
الصغرى حينئذ لأنها كالحدث لها مرتبتان ولا ثالث لهما شرعا فيلزم حينئذ جواز
الاكتفاء بها للدخول في الصلاة وانقلابها إلى مرتبة ثالثة خلف للفرض.
فان قلت لو كان الحدث والطهارة متقابلان في حد أنفسهما لزم ارتفاع
الحدث الأكبر بالطهارة الصغرى كما ترفع الطهارة الكبرى بالحدث الأصغر.
قلت تحصيل الطهارة الصغرى مع الحدث الأكبر غير متصور لان تشريع
الوضوء إنما هو لمن لم يكن محدثا بالحدث الأكبر.
214

توضيحه ان الوضوء مقتض للطهارة الصغرى ومحلها شرعا هو غير المحدث
بالحدث الأكبر فلا يؤثر اثره الا مع وجود المحل له واما سبب الحدث فعلة تامة
له ولا يختص تأثير بمحل خاص فيؤثر اثره في جميع الموارد.
فان قلت لو انتقض الغسل بالحدث الأصغر رأسا لزم عود الحالة الأولى
وهو الحدث الأكبر لأنهما متقابلان ومقتضى ارتفاع أحد المتقابلين ثبوت الاخر
فعدم عوده كاشف عن عدم انتقاض الغسل رأسا.
قلت هذا شأن الضدين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون فإذا ارتفع
أحدهما ثبت الاخر لا محالة واما إذا كان لهما ثالث فلا والمقام من هذا القبيل لان
المكلف له حالات أربعة في الشرع كونه محدثا بالحدث الأكبر وكونه متطهرا
بالطهارة الكبرى وكونه محدثا بالحدث الأصغر وكونه متطهرا بالطهارة الصغرى
فإذا ارتفعت الطهارة الكبرى بالحدث الأصغر ثبت الحدث الأصغر ولا مجال لعود
الحدث الأكبر كما أنه إذا انتقضت الطهارة الصغرى بالحدث الأكبر ثبت الحدث
الأكبر ولا مجال لعود الحدث الأصغر.
فان قلت لا نقول بالتبعض والتوزيع في انتقاض الطهارة حتى يرد بعدم
تطرقه فيها بل نقول بان الطهارة الكبرى تقتضي الاجزاء عن الوضوء والحدث
الأصغر مانع عنه.
قلت إن اثر السبب اثره وحدث الحدث الأصغر بحدوث سببه فلا مجال لبقاء
الطهارة حينئذ لاستحالة اجتماع المتقابلين وان الغى السبب ولم يؤثر اثره لم يكن
للمنع عن الاجزاء مجال لوجود المقتضى وعدم المانع حينئذ مع أنه بديهي البطلان
ضرورة ان سبب الحدث علة تامة لحدوثه.
فتبين مما بيناه ان مختار السيد (قدس سره) مبنى على القول بكون التيمم
رافعا كما ذكر في شرح الرسالة حيث علل حكمه بايجاب الوضوء بان حدثه الأول
قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى واما ما ذكره هذا المتأخر من أنه لا ينتقض التيمم
215

البدل عن الغسل بالحدث الأصغر كما لا ينتقض مبدله وهو الغسل به فلم يحتمله أحد
لوضوح فساده.
وإذ قد عرفت ذلك فاعلم أن التحقيق ما ذكره أكثر الأصحاب (قدس سرهم)
من وجوب إعادة التيمم بدلا عن الغسل ما دام العذر عن الغسل باقيا لتفرع الحكم
بالوضوء على القول بالرفع المستلزم لاحد أمرين باطلين من عود الجنابة بلا سبب
أو كون وجدان الماء حدثا.
واما ما ذكره من دفع المحذور بالقول بكون الرفع ما داميا وهو امر معقول
فهو فاسد أيضا لما سنبين لك من عدم تطرق الرفع المادامى في المقام ولا باس بنقل
بقية كلامه والتنبيه على مواقع الانظار فيه.
قال: " ثم لا يخفى ان القول بكون التيمم رافعا للحدث وموجبا للطهارة كما
اختاره السيد المرتضى وتبعه صاحب المدارك ليس بعيدا من الصواب بل هو ظاهر
اخبار التنزيل منزل الوضوء والغسل خصوصا مثل قوله عليه السلام " التراب طهور المؤمن
عشر سنين " وقوله عليه السلام " التيمم أحد الطهورين وقوله صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا بل يدل عليه في تعريف الفقهاء قولهم الطهارة اسم للوضوء والغسل والتيمم.
ودعوى انه مستلزم لكون وجدان الماء حدثا مع أنه خلاف الاجماع
مدفوعة بأنه إنما يلزم إذا قلنا بكونه رافعا مطلقا واما إذا قلنا بكونه موجبا للطهارة
ما دام عدم وجدان الماء فلا مانع منه. وما قد يتخيل من أن هذا راجع إلى القول
بكونه مبيحا إذ على هذا يكون المرفوع مانعية الجنابة لا نفسها إذ مع رفع نفس الجنابة
لا معنى لكونه مغيا بغاية وهذا عين القول بالمبيحية إذ عليه أيضا يكون المرفوع مانعي
الحدث مدفوع بان القائل بالرفع يقول إن الحالة الحدثية وهي الكثافة المعنوية زائلة
حقيقة غاية الأمر مع بقاء مقتضيها فبعد مجئ الغاية يؤثر المقتضى اثره والقائل
بالاستباحة يقول إن الحالة باقية والكثافة المعنوية حاصلة بعينها الا ان الشارع رفع
216

مانعيتها وحكم بصحة العمل معها والحاصل ان خروج المنى يوجب حالة حدثية
وكثافة نفسانية الغسل يرفعها بالمرة بحيث لا يبقى لها اثر ولا مقتضى والتيمم على
القول بالرفع المادامى يرفعها لكن مع بقاء مقتضيها وعلى القول بالإباحة لا يرفعها
ولكن يرفع حكمها الشرعي وهو المنع من الدخول فيما يشترط فيه الطهارة
هذا كله إذا قلنا إن الطهارة والحدث حالتان معنويتان.
واما إذا منعنا ذلك وقلنا ليست الطهارة الا حكم الشرع بجواز الصلاة وليس
الحدث الا حكمه بعدم الجواز فالامر أوضح والله العالم " انتهى.
أقول بعون الله تعالى ومشيته كون التيمم أحد أسباب الطهارة امر واضح
اظهر من أن يستدل عليه وإنما الكلام في أنه سبب للطهارة التنزيلية المجامعة مع
الحدث المانعة من ترتب اثاره في حال الاضطرار وعدم التمكن من تحصيل الطهارة
المائية كما حكم به أكثر الأصحاب فإنه المراد من كونه مبيحا لا رافعا أو للطهارة
التحقيقية الرافعة للحدث كما اختاره علم الهدى (قدس سره).
والاخبار لا تدل على أزيد من التنزيل ولو سلمنا ظهورها فيه يجب صرفها
عنه بما ذكره الأصحاب من استلزام الرفع أحد أمرين باطلين فان المتصور
منه في مورد الحدث إنما هو الرفع المطلق وحصوله بالتيمم مستلزم للمحذور
المذكور وما ذكره من تصور الأقسام الثلاثة في مورد الحدث الرفع مطلقا
وماداميا.
وتفسير الأول برفع الحدث مع مقتضيه.
والثاني برفعه مع بقاء مقتضيه
الثالث بارتفاع مانعيته مع بقائه في غير محله لان موجب الحدث ليس
الا الدخول أو الانزال ولا بقاء لهما والحدث إنما ينتزع من حدوث أحدهما فلا يتطرق
فيه البقاء حتى يرفع مع الحدث مرة ويبقى تارة فالرفع المطلق عبارة عن رفع
217

الحدث فقط فالمتصور في المقام قسمان الرفع المطلق والإباحة والرفع لا يتحقق
الا بالغسل إذ لو فرض حصوله بالتيمم لزم المحذور المذكور فتعين القول بالإباحة.
توضيح الامر فيه ان الأمور الانتزاعية على قسمين.
أحدهما ما ينتزع من وجود منشاها بحيث يدور المنتزع مدار منشأه حدوثا
وبقاءا كالفوقية والتحتية المنتزعتين من محاذاة الجسمين بحيث لو وقع أحدهما
لوقع على الاخر.
وثانيهما ما ينتزع من حدوث منشاها بحيث يبقى المنتزع بعد زوال منشأه
كالفسق المنتزع من ارتكاب المعصية الكبيرة ورفع المنتزع موقتا لوجود المانع
وعوده بعد زواله استنادا إلى وجود مقتضيه إنما يتصور في القسم الأول.
ومن هذا القبيل ارتفاع اللزوم في مدة الخيار العائد بعد انقضائها استنادا
إلى بقاء مقتضيها وهو البيع مثلا مقرونا بعدم المانع وارتفاع استحقاق النفقة أيام
نشوز الزوجة العائد بعد تمكينها استنادا إلى بقاء مقتضيها وهو الازدواج الدائم
مقرونا بعدم المانع أو بوجود الشرط.
واما القسم الثاني فلا يتصور فيه ذلك ضرورة استحالة تأثير السبب الزائل في
حصول مسببه ولذا لا يعقل حل العقود المنتزعة من الايجاب والقبول موقتا إذ بعد
تحقق الحل يستحيل انعقادها بالصيغ الزائلة وما نحن فيه من هذا القبيل فان الجنابة
كالطهارة إنما تنتزع من حدوث سببها فكما لا يعقل ارتفاع الطهارة موقتا وعودها
بالسبب الزائل فكذا لا يعقل ارتفاع الجنابة كذلك وعودها بالسبب الزائل.
فان قلت منشأ الانتزاع حينئذ هو حدوث الانزال أو الدخول مثلا والحدوث
لا ينقلب إلى اللا حدوث فهو باق فلا مانع حينئذ من عود الامر المنتزع مستند إليه.
قلت نعم منشأ الانتزاع حينئذ هو الحدوث كما أن الامر المنتزع حينئذ هو
الحدوث أيضا ولكنه لا يعقل ان يصير حدوث شئ منشأ لانتزاع حدوث شئ آخر
الا حين حدوثه فلا يجوز ان يستند إليه الحدوث المتأخر عنه كما هو ظاهر.
218

فاتضح غاية الاتضاح ان المتصور في المقام إنما هو الرفع المطلق أو
الإباحة ولا مجال لاحتمال الرفع الموقت.
و يوضح ما بيناه أيضا ان الوجه في ارتفاع الحدث بالغسل بالمرة بحيث
لا يبقى له اثر ولا مقتضى، ايجابه الطهارة التحقيقية المضادة للحدث الملازم وجودها
لارتفاعه فلو فرض ايجاب التيمم الطهارة التحقيقية أيضا لزم ارتفاع الحدث به بالمرة
فالتفكيك بينهما مع القول بكونه طهارة تحقيقية كالغسل غير معقول مع أن مقتضى
الحدث وهو حدوث الانزال أو الدخول لا يقبل الانقلاب والارتفاع حتى يقال
بارتفاعه بالغسل دون التيمم.
واغرب منه قوله واما إذ منعنا ذلك الخ إذ من الواضح بطلان تفسير
الطهارة بجواز الدخول في الصلاة وتفسير الحدث بعدمه والا لزم بطلان شرطية
الطهارة للصلاة لان المشروط بها إنما هي صحة الصلاة وجواز الدخول فيها
فتفسيرها به يستلزم اتحاد الشرط والمشروط وهو غير معقول وأيضا يلزم على ذلك
أن يكون الحدث امرا عدميا مع أنه امر وجودي بالضرورة والتقابل بينه وبين الطهارة
من قبيل تقابل التضاد وأيضا لا يستقيم على ذلك تقسيم الطهارة إلى صغرى وكبرى
وتقسيم الحدث إلى أصغر وأكبر مع أن ترتب رجحان بعض العبادات وكماله
عليها من دون توقف جواز الدخول فيه عليها ينافي التفسير المزبور.
وأيضا مطلوبية الطهارة نفسا مع قطع النظر عن الغايات المرتبة عليها كمالا
أو جوازا توجب القطع بفساده وأيضا الأسباب المانعة عن الدخول في الصلاة
لا تنحصر في أسباب الحدث فان منها نجاسة بدن المصلى أو لباسه ومنها كون مكانه
أو لباسه مغصوبا ومنها كون لباسه من غير مأكول اللحم أو حريرا إذا كان رجلا
فلو كان الحدث عبارة عن عدم جواز الدخول في الصلاة لا الحالة المنتزعة من
الأسباب المعهودة المترتب عليها عدم جواز الدخول في الصلاة لزم أن يكون كل
219

مانع عن الدخول في الصلاة من موجبات الحدث ونواقض الطهارة هذا.
وقد نسب إلى بعض المتأخرين اختيار كون التيمم رافعا للحدث مطلقا لكن
مع تقييد الموضوع بالاضطرار.
فقال على ما حكى عنه: " ان التيمم طهور للمضطر ورافع للحدث بالنسبة إلى
خصوص المضطر فرفعه للحدث في مورد الاضطرار على وجه الاطلاق والتقييد إنما
هو للموضوع فيتبدل الموضوع وصيرورة المضطر متمكنا من الغسل يرتفع حكم
الموضوع السابق وينقلب إلى حكم الموضوع الجديد فلا يلزم القول بعود الجنابة
بلا سبب أو الحكم بكون وجدان الماء حدثا ".
أقول وفيه ان الطهارة الحاصل بالتيمم ان كانت طهارة تحقيقية رافعة لحدث
الجنابة في حال الجنابة لا يلزم من تقيد موضوعه بحال الاضطرار ثبوت الجنابة لمن زال
اضطراره وتمكن من استعمال الماء بل اللازم حينئذ ارتفاع حدث الجنابة والطهارة
معا لان الحدث ارتفع بطرو الطهارة التحقيقية كما هو المفروض وانتفت الطهارة
الطارية بانتفاع موضوعها فيصير المتمكن من استعمال الماء حينئذ غير محدث ولا
متطهر فلا وجه لعود الجنابة ووجوب الغسل.
فان قلت الحدث الحاصل بالجنابة حصل مطلقا غير مقيد بحال الاضطرار والتيمم
إنما رفع حدثها في مورد الاضطرار فلم يرتفع بالنسبة إلى المتمكن من أول الأمر
فلا يلزم عود الجنابة حتى يقال إن عودها بلا سبب مستحيل.
قلت عدم تقيد حدث الجنابة بحال الاضطرار لا يوجب صيرورة المتمكن جنبا
بعد زوال حدث الجنابة في حال اضراره تحقيقا نعم مقتضى عدم تقيده بحال الاضطرار
استمراره إلى حال التمكن ما لم يرتفع في حال الاضطرار تحقيقا كيف والحدث
حدث واحد فكيف يتصور ثبوته بعد ارتفاعه والا لزم تخلل العدم بين الحدث الواحد
مع أن تقيد الطهارة التحقيقية بحال الاضطرار غير معقول لأنها تقابل الحدث والمتقابلان
إنما يردان على محل واحد والا لم يتقابلا فكما ان الحدث لا يتقيد بحال الاضطرار
220

فكذلك الطهارة التحقيقية المقابلة له فالمقيد بحال الاضطرار إنما هي الطهارة التنزيلية
المجامعة للحدث الراجعة إلى الإباحة كما عرفت.
فاتضح بحمد الله تعالى غاية الاتضاح ان القول بالرفع غير متصور وان الحق
ما ذهب إليه أكثر الأصحاب قدس سرهم من وجود إعادة التيمم بدلا عن الغسل
ما لم يمكنه الغسل.
221

(فائدة - 33)
مسألة هل تصح الصلاة في اللباس المشكوك كونه من مأكول اللحم
أقول اختلفت فيه كلمات الأصحاب قدس سرهم فقد نسب إلى الأكثر الحكم
ببطلان الصلاة حينئذ معللا بان مقتضى بطلان الصلاة في اجزاء مالا يؤكل لحمه
اشتراط صحتها بوقوعها فيما يؤكل لحمه ومقتضى الشك فيه الشك في المشروط المقتضى
لعدم الاجزاء والحكم بالبطلان.
والأقوى عندي عدم البطلان حينئذ كما اختاره جماعة من المحققين إذ التحقيق
ان حرمة اكل اللحم مانعة عن صحة الصلاة لا ان حليته شرط في صحتها فلا يجب
احرازها بل يكفي في الحكم بالصحة عدم العلم بوجود المانع وهي حرمة الاكل
لان الأصل عدمه عند الجهل به.
توضيح الحال ان كون اللباس من مأكول اللحم ليس شرطا لصحة الصلاة
ضرورة صحة الصلاة مع عدم كون اللباس من اجزاء الحيوان وتوهم شرطية كون
اللباس مما يؤكل لحمه إذا كان من اجزاء الحيوان في غير محله لان مرجع اعتبار
حلية اكل اللحم حينئذ إلى مانعية الضد وهي حرمة اكل اللحم.
إذ بعد ما تبين انه لا يعتبر في مطلوبية الصلاة وصحتها كون اللباس من اجزاء
الحيوان.
تبين عدم تأثير صفته حينئذ في المطلوبية والصحة
222

فمرجع اعتبار حلية الاكل حينئذ إلى كون ضدها مانعا وهو كونه مما لا يؤكل.
فان قلت يمكن ان يقال الشرط في صحة الصلاة عدم كون اللباس مما لا يؤكل
لحمه فيكون الشرط عدميا.
قلت لا يعقل جعل العدم شرطا لان العدم لا يؤثر ولا يتأثر ولو كان مضافا وتوهم
ان العدم المضاف له حظ من الوجود فيقبل التأثير وكونه شرطا من هذه الجهة وهم
إذ لا يعقل اتصاف الشئ بنقيضه والا لزم اجتماع النقيضين كما أن توهم امكان ارجاعه
إلى الوجودي يجعل الشرط كونه من غير مالا يؤكل لحمه كذلك إذ الكون حينئذ
ربطي مجامع مع السلب والايجاب لا أصيل نفسي فلا فرق حينئذ بين عدم كونه مما
لا يؤكل لحمه وكونه من غير ما لا يؤكل لحمه الا في التعبير فلا فرق بينهما في الواقع
ونفس الامر.
فان قلت علل الشرع معرفات لا مؤثرات فلا مانع من جعل الشرط عدميا إذ لا يستحيل
كون عدم شئ علامة لوجود شئ آخر أو عدمه.
قلت إن أريد بذلك انها معرفات وعلائم لأسباب ذاتية تكوينية من جهة عدم
تصور جعل السببية.
ففيه ان الأحكام الوضعية كالأحكام التكليفية أحكام مولوية قابلة للجعل ضرورة
انه يجوز للمولى ان يجعل مجيئي زيد عنده سببا لاستحقاق اكرامه واحسانه فيأمر عبده
بذلك ويقول إن جائني زيد فأكرمه مع أن الكشف عن السبب الواقعي الذاتي لا يتصور
فيما إذا كان المسبب من المجعولات الشرعية كالحدث والخبث والطهارة عنهما
وهكذا إذ السبب الذاتي إنما يتصور بالنسبة إلى ما يكون امرا واقعيا غير مجعول.
ثم إنه ان أريد بكونها معرفات انها كاشفة عن سبق وجود المسببات عليها كما
يظهر مما ذكره بعضهم في مسألة إجازة العقد الفصولى حيث علل كونها كاشفة عن
صحة العقد من حينه لا مؤثرة من حينها بان علل الشرع معرفات فاظهر فسادا والا لزم
أن تكون أسباب الطهارة من الغسل والوضوء والتيمم كاشفة عن طهارة متقدمة عليها
223

وأسباب الحدث الأكبر والأصغر كاشفة عن ثبوت الحدث قبلها وهكذا وهو مع أنه
خلاف الضرورة مستلزم لاجتماع الحدث والطهارة في آن واحد. وان أريد من كونها
معرفات انها راجعة إلى أحكام تكليفية ومعرفات لها لانتزاعها عنها فلا حقيقة لها سوى
الحكم التكليفي ففي غير محله أيضا.
ضرورة استقلال الأحكام الوضعية في كثير من المقامات وعدم تصور رجوعها
إلى الأحكام التكليفية فهل يمكن ارجاع سببية النسب والسبب للوراثة وسببية الزوجية
لاستحقاق تمتع الزوج من زوجته وثبوت نفقتها عليه مع التمكين وسببية الوضوء
والغسل للطهارة عن الحدث والغسل بالماء لإزالة الخبث وهكذا إلى مجرد التكليف
كلا ثم كلا.
وقد أشبعنا الكلام في محله في بطلان انتزاع الأحكام الوضعية من الأحكام التكليفية
. وان أريد من كونها معرفات لا مؤثرات انه يجوزان يكون بعض ما هو علة
في ظاهر الدليل معرفا لا علة فلا كلام فيه ولا يختص به العلل الشرعية بل يجرى ذلك
في الأسباب العرفية أيضا فإنه يجوز أن يكون العلة في قول المولى لعبده ان اتاك زيد
فاعطه دينارا أو درهمان ثبوت دين له عليه ولكن الحكم به موقوف على قيام الدليل
عليه ولا يحكم به بمجرد الاحتمال مع ظهور الدليل في خالفه مع أن ظاهر قولهم
العلل الشرعية معرفات عدم اختصاصها ببعض العلل الشرعية وجريانها في جميع الموارد
على أنه لا يصلح بذلك ما نحن فيه لان الكلام في المقام ليس في جواز جعل عدم
كون اللباس مما لا يؤكل لحمه شرطا في ظاهر الدليل بل في كونه شرطا في الواقع
فان قلت كون شئ شرطا لشئ امر اعتباري يجوز قيامه بالامر العدمي:
قلت مجرد كونها امر اعتباريا لا يجوز قيامها بالامر العدمي إذ الشرطية ذاتية أم
جعلية عبارة عن تأثير ما هو شرط في وقوع المشروط ودخله فيه ولا يعقل ثبوت التأثير
للعدم مطلقا.
إذا اتضح لك ما بيناه فقد اتضح لك غاية الاتضاح انه لا سبيل إلى جعل عدم
224

كون لباس المصلي مما لا يؤكل لحمه أو كونه من غير مالا يؤكل لحمه أو كونه مما
لا يؤكل لحمه شرطا في صحة الصلاة فلم يبق في البين الا جعل كونه مما لا يؤكل
لحمه مانعا وليس في الروايات ما يدل بظاهره على خلافه بل هي ظاهرة فيه كما لا يخفى
والعجب من بعض الأفاضل أنه قال قدس سره في رسالته المعمولة في هذا
الباب: " ربما يستظهر من الأخبار المتقدمة من حيث تعلق المنع وعدم الجواز بالصلاة
في غير المأكول أو الأرانب كون حرمة الاكل مانعة من حيث انطباق مفهوم المانع
عليها الا ان التأمل الصادق يشهد بان المنع فيما لا يؤكل من جهة انتفاء حل الاكل
لان غير المأكول عنوان انتفاء حل الاكل حقيقة.
ويشهد لما ذكرنا موثقة عبد الله ابن بكير فإنه مع تعلق الحكم في صدرها على
مالا يؤكل من حيث إن الأمثلة في السؤال كانت مصاديق العنوان المذكور تعلق قبول
الصلاة بعده على عنوان حل الاكل بقوله: " لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلى في غيره
مما أحل الله اكله " ودعوى كون تعلق الحكم عليه من حيث كونه مصداقا لعدم المانع
لا كونه مقصودا بعنوانه كما ترى " انتهى.
فان جعل غير المأكول عنوان انتفاء حل الاكل كجعل المأكول عنوان انتفاء
حرمة الاكل ولا ترجيح لأحدهما على الاخر ولا شهادة في موثقة ابن بكير على
ما زعمه ضرورة ان تعلق قبول الصلاة بعده على حل الاكل من باب المثال بداهة
صحة الصلاة فيما لم يكن مما لا يؤكل لحمه سواء كان من اجزاء الحيوان الذي حل
اكله أم لا.
ثم إن الفاضل المذكور زعم أنه لا يجدي القول بكون حرمة اللحم مانعة في
جريان الأصل والحكم بصحة الصلاة فقال بعد ان حكى عن بعض مشائخ معاصريه
التفصيل بين جعل حل اللحم شرطا وضده مانعا والحكم بالصحة على الثاني دون
الأول استنادا إلى أصالة عدم المانع:
" وأنت خبير بما فيه فان مجرى الأصل لا يخلوا ما ان يجعل عنوان المانع ومفهومه
225

أو مصداقه أعني اللباس فان تجعل الأول يتوجه عليه ان اثبات مفهوم عدم المانع بالأصل
لا يجدي في اثبات كون اللباس من المأكول ومتصفا بعدم المانع الاعلى القول باعتبار
الأصول المثبتة وهذا نظير اثبات كرية ماء الحوض باستصحاب وجود الكر لا باستصحاب
كرية الماء.
وبالجملة الأصل في المتصف لا يثبت اتصاف المحل بالوصف المشكوك
والمقصود في المقام اثبات كون اللباس من المأكول ضرورة كون الحكم مترتبا
عليه وان نجعل الثاني يتوجه عليه عدم الحالة السابقة للباس بالفرض فالفرق بين الشرط
والمانع في أمثال المقام لا معنى له أصلا نعم من قال بالأصول المثبتة كما حكى
عن الشيخ المعاصر لزمه الفرق بين الامرين لكنه في كمال الضعف والسقوط والتحقيق
في مسألة الاستصحاب " انتهى.
وما ذكره في غاية الضعف وكمال السقوط لان جريان الأصل في مفهوم المانع
كاف في الحكم بصحة الصلاة من دون حاجة إلى اثبات كون اللباس من المأكول
أو متصفا بعدم المانع لان الصحة حينئذ مترتبة على عدم المانع ولا يحتاج معه إلى
امر آخر لأن المفروض حينئذ كون اللباس من غير المأكول مانعا لا كونه من المأكول
شرطا فلا يلزم كون الأصل مثبتا فما ذكره من أن المقصود اثبات كون اللباس من
المأكول في غير محله نعم ما ذكره إنما يتم بناءا على جعل اللباس من المأكول شرطا
وهو خلاف المفروض.
ثم إنه يمكن ان يقال بجريان أصالة عدم المانع على الوجه الثاني أيضا باعتبار
تحقق المقتضى لان وجود كل حادث مسبوق بالعدم ذاتا فيستصحب العدم الأزلي
عند الشك في وجود المانع ولا يضره انتفاء الحالة السابقة لان المدار على وجود المقتضى
لا على الحالة السابقة.
فان قلت حدوث احدى الخصوصيتين من حلية اللحم أو حرمته معلومة اجمالا
ولا مجال لجريان الأصل في إحديهما دون الأخرى كما أنه لا مجال لجريان أصالة العدم
226

في كليهما فلا مجال للحكم بنفي إحديهما دون أخرى كما أنه لا مجال للحكم بنفيهما
معا لمنافاته للعلم الاجمالي.
قلت إذا كان الامر مرددا بين خصوصيتين يترتب على إحديهما اثر دون الأخرى
يكون الخصوصية التي لم يترتب عليها اثر في حكم العدم فكان الامر حينئذ دائر بين
حدوث ما ترتب عليه اثر وعدمه فينفي بالأصل لان حدوثه مشكوك والمقام من هذا القبيل
لان الأثر وهو المنع من صحة الصلاة إنما يترتب على حرمة اللحم واما حليته فلا
اثر لها بوجه في المقام فهو في حكم العدم.
واما إذا علم اجمالا بحدوث أحد أمرين يترتب على كل منهما اثر فإن كان
بينهما جامع ذو اثر يترتب اثره دون اثر كل منهما بخصوصه لأنه مشكوك فيه كما
إذا علم بحدوث الحدث اجمالا ولم يعلم أنه أصغر أم أكبر فيمنع من الدخول في الصلاة
لترتبه عليه على كل تقدير.
ولا يمنع من قراءة العزائم واللبث في المساجد لعدم العلم بكونه أكبر ولا يرتفع
حدثه بالوضوء فقط لعدم العلم بكونه أصغر ولا بالغسل فقط لعدم العلم بكونه أكبر
فيجب عليه الغسل والوضوء معا بناءا على عدم اجزاء مطلق الغسل عن الوضوء
وان علم بحدوث أحد أمرين يترتب على كل منهما اثر ولم يكن بينهما جامع
ذو اثر فان ثبت التكليف على كل تقدير يجب الاحتياط مع التمكن منه والتخيير مع
عدمه والا ينحل العلم الاجمالي ويرجع إلى الشك البدوي.
فان قلت حجية قاعدة الاقتضاء والركون إلى المقتضى وترتيب الأثر عليه عند
الشك في وجود المانع ما لم تجامع مع الحالة السابقة ممنوعة وأي دليل دل على
اعتباره بل ذكر بعض الأواخر انه لا يعلم المراد من المقتضى ما هو أولا ولا سبيل إلى
احرازه ثانيا ولا دليل على اعتباره ثالثا قال بعض مقرر بحثه ان المراد من المقتضى
لا يخلو من أحد أمور ثلث ولا رابع.
العلة التكوينية
227

والمصالح المقتضية للحكم الشرعي.
والسببية المطلقة المحرزة من الأدلة الشرعية كسببية البيع أو النكاح أو ملاقاة
النجاسة مصلا للملكية أو الزوجية أو النجاسة بنحو الاطلاق فحيثما شك في بقاء المسببات
فإنما يكون الشك في المانع والرافع من انشاء فسخ أو طلاق أو ايجاد غسل مزيل
للنجاسة وهكذا ثم قال ما محصله:
ان المعنى الأول لا يجرى في الأحكام الشرعية التي هي محل البحث والنظر.
واما المعنى الثاني فلا سبيل إلى احرازه لغير من نزل عليه الوحي.
واما المعنى الثالث ففيه مضافا إلى أن ذلك فرع جعل السببية وهو ممتنع ان
احراز بقاء المقتضى بهذا المعنى كاحراز بقاء الملاك والمصلحة المقتضية في عدم
امكانه لغير من نزل عليه الوحي ضرورة ان كل ما يحتمل رافعيته للحكم الشرعي
يحتمل دخل عدمه في موضوعه فكما يحتمل أن يكون العقد مثلا سببا للملكية بنحو
الاطلاق حتى يكون الشك في ارتفاعها بالفسخ من قبيل الشك في الرافع كذلك
يحتمل أن يكون سببيته للملكية مقيدة بعدم الفسخ ومع وجوده تكون السببية مشكوكة
لا محالة.
وليس في البين ما يعين أحد الاحتمالين وهكذا الامر في سائر الموارد التي
زعموا فيها السببية المطلقة
قلت قد بينا لك في الفائدة الأولى ان هذه القاعدة الشريفة حجة عند العقلاء
يعتمدون عليها في جميع الموارد وقد قررها الشارع وأطبق الفقهاء قدس سرهم على
العمل بها في أبواب الفقه بل لا أصل يركن إليه عندهم سوى هذا الأصل وإنما يختلف
أساميها باختلاف الموارد فيشتبه الامر على من لا اطلاع له على حقيقة الامر.
وما توهمه بعض الأواخر قد أوضحنا لك فساده ونشير إليه في هذا المقام على
وجه الايجاز.
فأقول المراد من المقتضى في المقام هو كون المشكوك فيه ثابتا في حد نفسه
228

لو خلى وطبعه مع قطع النظر عن المانع سواء كان المنع على وجه الدفع أو
القطع أو الرفع وسواء كان المشكوك فيه وجودا أم عدما فهو رواء الا مور الثلاثة
التي تخيلها نعم السببية المطلقة ذاتا أو جعلا من جملة مصاديقه وما ذكره من امتناع
جعل السببية أولا وعدم السبيل إلى احراز المطلقة منها ثانيا في غير محله.
اما الأول فلما أشرنا إليه آنفا من امكانه ووقوعه في الشرع فان الوضوء
والغسل والتيمم أسباب للطهارة جعلا لا ذاتا كما أن أسباب الحدث الأصغر والأكبر
أسباب لهما كذلك مع أن احراز السببية من الأدلة الشرعية لا يتوقف على الجعل بل
يجتمع مع كون السببية ذاتية اقتضائية قد قررها الشارع كما هو الحال في سببية
العقود والايقاعات بالنسبة إلى مسبباتها فإنها جهات عرفية قد قررها الشارع الا ما حكم
بابطالها.
واما الثاني وهو احراز السببية المطلقة من الأدلة الشرعية فالسبيل إليه في غاية
الوضوح والظهور وما توهمه من انسداده الاعلى من نزل عليه الوحي لاحتمال
دخل عدم ما يحتمل رافعيته في موضوع الحكم وعدم قيام دليل يعين أحد الاحتمالين
في غاية البطلان من وجوه.
الأول عدم احتمال اخذ عدم شئ في موضوع الحكم لاستحالة أن يكون
العدم مؤثرا ومتأثرا ولو كان مضافا وتوهم ان العدم المضاف له حفظ من الوجود
من الأغلاط لا يقال اخذ عدم شئ في موضوع الحكم على وجه الجزئية مستحيل
لما ذكر واما اخذه قيدا في الموضوع فلا مانع له لان التأثير والتأثر حينئذ إنما هو
للموجود المقيد بعدم شئ آخر لا للموجود والعدم حتى يلزم المحذور لأنا نقول
كما يستحيل تأثير العدم وتأثره يستحيل دخل تقيده فيهما.
والثاني ان التقييد بعدم ما يحتمل رافعيته في الأمثلة المزبورة ونحوها باطل
مع قطع النظر عما بيناه لأنه ان أريد من تقيد السببية بعدم التعقيب بما يحتمل كونه
فسخا أو طلاقا أو حدثا أو مزيلا للخبث ونحو ذلك تأثيره في أصل السببية بحيث
229

لو تعقب السبب بأحد هذه الأمور انكشف عدم تأثيره من أول الأمر فهو بديهي
البطلان.
ولا يلتزم به من له أدنى دربه. وان أريد منه ان التعقيب بأحد هذه الأمور
يكشف عن تحديد دائرة السببية وعدم اطلاقها فكذلك لان ملك العين والطهارة عن
الحدث والخبث كالحدث والخبث لا يقبلان التحديد والتزويج وإن كان قابلا للتحديد
الا ان المفروض وقوع الدائم منه فلا مجال لتوهم رجوعه إلى الانقطاع عند تعقبه
بالطلاق أو بما يحتمل كونه طلاقا.
فان قلت عدم بقاء المقتضى عند التعقب بما تحتمل رافعيته لا يتوقف على
تحديد المسبب حتى يقال إنه غير معقول في بعض الموارد ومخالف للمفروض في
بعض آخر بل المقصود ان العلة مركبة من امر وجودي وعدمي وهو عدم ما يحتمل
رافعيته فإذا انقلب العدم إلى الوجود انتفت العلة بانتفاء بعض اجزائه فينتفى المقتضى.
قلت التركيب في المقام غير معقول لان العلة في المقام علة للحدوث لا الوجود
وتركب العلة من الامر الوجودي والعدمي مع بطلانه في نفسه إنما يتصور إذا
كانت العلة علة للوجود بحيث يدور المعلول مداره حدوثا وبقاءا.
والثالث ان مفهوم الفسخ والطلاق والانتقاض بالحدث وإزالة الخبث بالغسل
مثلا يتوقف على ثبوت مقتضى الدوام والا لا يتحقق فسخ ولا طلاق ولا نقض ولا إزالة
أترى ان انقضاء أمد الإجارة أو التزويج فسخ أو طلاق كلا ثم كلا فطرو هذه المفاهيم
ونحوها على الأسباب المذكورة وأمثالها لا يجامع الا مع اطلاقها والحاصل ان
اطلاق السبب في هذه الموارد وأمثالها في غاية الوضوح فكيف يقال بأنه لا طريق
لاستكشافه الا بالوحي وهل هذا الا وسوسة في البديهيات الأولية
وإذ قد اتضح لك ما حققناه فقد اتضح لك انه لا مانع من جريان أصالة عدم
المانع بالنسبة إلى اللباس المشكوك مفهوما ومصداقا وانه يترتب على كل منهما
الحكم بصحة الصلاة هذا. وقد استدل لما اخترناه من صحة الصلاة في اللباس
230

المشكوك بوجوه مدخولة.
منها أصالة البراءة والحالية وفيه ان الشك في المقام إنما هو في الصحة
والبطلان وتحقق الامتثال وعدمه وأصالة البراءة والحل إنما هو في الشك في التكليف
والأصل الجاري في المقام إنما هو بقاء الاشتغال لو أغمضنا عما بيناه.
ومنها ان اعتبار الشرط المذكور إنما هو مع العلم بالموضوع اما لأجل
وضع الألفاظ للمعاني المعلومة أو لأجل انصرافها إليها ولو في مقام التكليف أو لأجل
دعوى صراحة اخبار الباب في ذلك أو لأجل قبح توجيه التكليف إلى الجاهل
والكل باطل.
اما الأول فلوضوح وضع الألفاظ للمعاني النفس الامرية.
واما الثاني فلانتفاء ما يوجب الانصراف كما هو ظاهر.
واما الثالث فاظهر فسادا كما لا يخفى على من راجع اخبار الباب.
واما الرابع ففيه أولا ان الشك ليس في التكليف حتى يقال إن توجيهه إلى
الجاهل قبيح لما عرفت من أن الشك إنما هو في الصحة والبطلان.
وثانيا انه لا يقبح توجيه الامر أو النهى إلى الجاهل الملتفت ولو على وجه
التنجيز بان يوجب الشارع عليه الاحتياط حينئذ.
وثالثا لو تنزلنا فإنما يقبح تنجيز التكليف عليه لا تعلقه به والفساد يدور مدار
التعلق لا التنجز كما هو ظاهر.
ومنها اطلاق أو امر الصلاة وفيه انه لا نظر للأوامر إلى مرحلة الامتثال حتى
يؤخذ باطلاقها مع أن الترديد إنما هو في المصداق من جهة صدق المطلق عليه أو
المقيد واندراجه تحت الأول أو الثاني ومن المعلوم ان العام أو المطلق لا ظهور له
أصلا عند الشك في المصداق من حيث كونه داخلا في موضوع الحكم أو خارجا
عنه من جهة الشبهة الموضوعية والمصداقية بحيث لا ترجع إلى الشك في المراد
من اللفظ أصلا.
231

نعم يتم ما ذكر بضميمة ما بيناه من أن الشك إنما هو في المانع فيندفع
بالأصل فيندرج المصداق المشكوك تحت العام والمطلق من جهة ان شمول
العمومات والمطلقات للافراد إنما هو على وجه الاقتضاء والمقتضى ثابت في المقام
حينئذ وإنما الشك في وجود المانع المندفع بالأصل.
ومنها الآيات الدالة بعمومها واطلاقها على تحليل العنوانات العامة مثل
ما خلق والزينة واللباس إلى غير ذلك وكذا الأخبار الواردة بمساقها فإنها تقتضي
جواز لبس المشكوك في الصلاة.
وفيه ما قد عرفت ان الشك ليس في التحليل والتحريم بل في الصحة والبطلان
بل التمسك بها أوهن من التمسك باخبار الحل وأصالة البراءة فإنها عمومات أو
اطلاقات اجتهادية ناظرة إلى الواقع لا تعرض لها لحكم الشبهة الموضوعية أصلا
بخلاف عمومات اخبار الحلية وأصالة البراءة فإنها ناظرة إلى بيان الحكم الظاهري
في المشتبهات وان توجه على كل منهما بان الشك في المقام إنما هو في الوضع لافى
التكليف.
ومنها الأخبار الواردة في باب اليد وسوق المسلمين وفيه ان اليد والسوق
دليلان على التذكية لا كونه من مأكول اللحم فلا مجال للاستدلال بهما عليه.
ومنها حصر المحرمات وفيه أولا ان الترديد ليس في التحليل والتحريم حتى
يستدل بحصر المحرمات على تحليله وخروجه عن المحرمات بل في الصحة والبطلان
وثانيا ان الحصر إنما ينفع لو تم إذا كانت الشبهة في الحكم من جهة الترديد
في أنه من العناوين المحرمة فيستدل بحصر المحرمات وعدم انطباق أحد العناوين
المحرمة عليه وعدم تحريمه.
واما المصداق المشتبه فلا دلالة لحصر أنواع المحرمات على أنه من غير
المحصور أو المحصور.
ومنها الحرج الشديد والسيرة والاجماع العملي وفسادهما بمكان من الوضوح
232

وينبغي التنبيه على أمور: الأول انه قد يتوهم ان استصحاب العدم الأزلي لا ينفع
بالنسبة إلى المصداق لان استصحابه لا يوجب جعل المصداق متصفا بعدم الحرمة
لان الاتصاف بعدم الحرمة كالاتصاف بها امر حادث والأصل عدمه فلا يثبت بأصالة
العدم الأزلي بالحرمة حال المصداق فلا يجرى فيه وإنما ينفع هذا الأصل بالنسبة إلى
مفهوم المانع.
وهذا التوهم في غير محله فإنه على تقدير مانعية حرمة اللحم لا يتوقف الحكم
بالصحة على ثبوت الاتصاف بعدم الحرمة بل يكفي في الحكم بالصحة عدم ثبوت
الاتصاف بالحرمة اخذا بالمقتضى المعلوم والغاءا للمانع المحتمل
بل التحقيق ان مرجع الاتصاف بعدم الحرمة إلى عدم الاتصاف بالحرمة وإنما
يختلفان في التعبير.
لا يقال العلم الاجمالي بثبوت الاتصاف اما بالحرمة أو الحلية ينافي مع الحكم
بعدم الاتصاف بأحدهما.
لأنا نقول لا اثر للعلم الاجمالي في المقام لعدم ترتب اثر على الاتصاف بالحلية
فينحل العلم الاجمالي ويرجع إلى الشك البدوي حينئذ هذا كله بناءا على اعتبار
قاعدة المقتضى والمانع كما هو التحقيق.
واما بناءا على عدم اعتباره مفارقا عن الحالة السابقة وان المدار على احراز
الحالة السابقة فلا ينفع الاستصحاب المزبور بالنسبة إلى المصداق إذ لا حالة سابقة له
حينئذ حتى يستصحب وعدم الاتصاف الثابت قبل وجوده بمعنى انتفائه بانتفاء موضوعه
مغاير لعدم اتصاف المصداق الموجود الخارجي فلا يكون الحكم به استصحابا
واستمرارا للحالة السابقة قبل وجوده كما هو واضح.
والثاني ان المانع من صحة المأمور به ووقوع الامتثال على وجهه كما يجوز
أن يكون فعلا اختياريا كذلك يجوز أن يكون امرا غير اختياري لان المانعية من
الأحكام الوضعية لا التكليفية فلا تدور مدار افعال الاختيارية. وما يتوهم من أن المانع
233

لو كان امرا غير اختياري لكان مانعا عن الوجوب لا مانعا عن صحة الوجب في غير
محله إذ لا ينافي كون المانع امرا خارجا عن الاختيار مورد للفعل الاختياري لكون اللباس
مما لا يؤكل لحمه فان كون الحيوان من مأكول اللحم أو مما لا يؤكل لحمه خارج
عن الاختيار مورد للفعل الاختياري وهو لبس اجزائه في الصلاة فلا داعى على
جعل المانع وقوع الصلاة في مالا يؤكل لحمه.
والثالث ان ما ذكرنا من الحكم بصحة الصلاة في للباس المشكوك كونه من
غير مأكول اللحم يجرى في اللباس المشكوك كونه حريرا خالصا فان كون اللباس
حريرا مانع عن صحة صلاة الرجل فيه فمع الشك في كونه حريرا خالصا يؤخذ
بمقتضى الصحة ولا يعتد باحتمال المانع.
وتوهم اشتراط صحة صلاة الرجل بكون لباسه من غير الحرير أو بعدم
كونه من الحرير قد اندفع بما بيناه مع أن الروايات الواردة في الحرير إنما تدل
على المانعية لا الاشتراط.
والرابع ان المستفاد من الروايات كراهة الصلاة في اجزاء مالا يؤكل لحمه
ولولا الاجماع المدعى على بطلان الصلاة فيها لكان للمنع منه مجال فان تم الاجماع
فهو المعتمد والا فالأوجه القول بالكراهة.
234

(فائدة - 34)
اعلم أنه لا اشكال في اعتبار اليد ونفوذ قول ذي اليد في ادعاه الملكية وإنما
الاشكال في أن اليد امارة منصوبة عليها ان أصل من الأصول وعلى التقديرين هل
هي مقدمة على الاستصحاب في مورد المعارض مطلقا أو الاستصحاب مقدم عليها
كذلك مطلقا أو يفصل بين ثبوت الملك السابق أو اليد السابق باقرار ذي اليد
وبالبينة فيحكم لتقدم الاستصحاب عليه في الأول دون الثاني.
ففي الشرائع: " لو ادعى دارا مثلا في يد انسان وأقام بينة انها كانت في يده
أمس أو منذ شهر قيل لا تسمع هذه البينة وكذا لو شهدت له بالملك أمس لان ظاهر
اليد الان الملك فلا يدفع بالمحتمل وفيه اشكال ولعل الأقرب القبول ".
وعن الفاضل (قدس سره) في القواعد: " ولو شهد انه كانت في يد المدعى
بالأمس قبل وجعل المدعى صاحب يد وقيل لا يقبل لان ظاهر اليد الان الملك
فلا تدفع بالمحتمل ".
وفى القواعد أيضا: " ولو شهد البينة بان الملك له بالأمس ولم يتعرض للحال
لم تسمع الا ان يقول وهو ملكه في الحال ولا نعلم له مزيلا ولو قال اعتقد انه ملكه
بالاستصحاب ففي قبوله اشكال اما لو شهد بأنه أقر له بالأمس ثبت الاقرار واستصحب
موجبه وان لم يتعرض الشاهد للملك الحالي ولو قال المدعى عليه كان ملكك بالأمس
انتزع من يده فيستصحب بخلاف الشاهد فإنه عن تخمين وكذا يسمع من الشاهد
235

لو قال هو ملكه بالأمس اشتراه من المدعى عليه أو أقر به المدعى عليه بالأمس لأنه
استند إلى تحقيق ". ويوافقه ما في الارشاد.
وقد صرح في المختلف بما اختاره المحقق (قدس سرهما) من دون تردد
على ما نقل عنه.
وفى تمهيد القواعد: " ومنها ما إذا ادعى عينا فشهدت له بينة بالملك في وقت
سابق أو انه كان ملكه ففي قبوله وجهان من أن ثبوت الملك سابقا يوجب استصحاب
حكمه فيحصل الغرض منها ومن عدم منافاة الشهادة لملك غير له إذ يصدق ما ذكره
الشاهد وإن كان الان ملكا لغيره مع علم الشاهد به وعدمه.
فمن ثم احتاط المتأخرون وأوجبوا ضميمة انه باق إلى الان ولا نعلم له مزيلا
لينتفي احتمال علمها بملك غير المشهود له ظاهرا وعلى القاعدة يجوز للشاهد ان يشهد
باستمرار الملك إلى الان حيث لا يعلم له مزيلا عملا بالاستصحاب كما له ان يشهد
بأنه لا يعلم له مزيلا وقد حكموا بأنه لو قال لا ادرى زال أم لا لا يقبل وينبغي عدم
الفرق بينه وبين السابق لانتفاء المانع المذكور مع الحكم بالاستصحاب
واما الفرق بين الصيغتين بان الثاني يشتمل على تردد مع اشتراط الجزم في
الشهادة بخلاف الاقرار فمما لا يجدى لتحقق الجزم فيهما بأصل الملك الشك في
استمراره ولا يزول بكونه لا يعلم المزيل والاستصحاب يجرى فيهما.
ويتفرع عليه أيضا ما لو قال المدعى عليه كان ملك بالأمس أو قال المقر بذلك
ابتداءا فقيل لا تؤخذ به كما لو قامت بينة بأنه كان ملكه بالأمس والأقوى انه يؤخذ كما
لو شهدت البينة انه أقر أمس والفرق على هذا بين ان يقول كان ملكه بالأمس وبين
ان يقوم البينة بذلك ان الاقرار لا يكون الا عن تحقيق والشاهد قد يخمن حتى لو
استندت الشهادة إلى تحقيق بان قال هو ملكه بالأمس اشتراه منه قبلت ". انتهى.
وفى الجواهر مستدلا لمختار المحقق (قدس سرهما) قال: " لان اليد الحاضرة
وان كانت دليل الملك لكن السابقة المستصحبة والملك السابق أولى لمشاركتهما
236

لها في الدلالة على الملك الان وانفرادهما بالزمن السابق فيكونان أرجح والحكم
باستصحابها أوجب المطابقة بين الدعوى والشهادة لان الثابت من اقتضاء اليد
الملكية فعلا حال عدم ما يعارضها ولو استصحاب يدعيه الخصم.
ولذا صرح غير واحد بانتزاع العين من يد من أقر بأنها ملك المدعى أمس
بل في الكفاية: " وفى كلامهم القطع بان صاحب اليد لو أقر أمس ان الملك له أو شهدت
البينة باقرار له أمس أو أقر بان هذا له أمس قضى به " وان استشكل هو في اطلاق ذلك
ودعوى ظهور الفرق بين ثبوت الملك بالاقرار وبين ثبوته بالبينة كما سمعته سابقا
من كشف اللثام كما ترى.
ثم نقل كلمات الفاضل (قدس سره) في الكتب الثلاثة وشطر من كلام الشهيد
الثاني في المسالك ومع ذلك اختار تقديم اليد الحالية وقال: " واما ما سمعته من الفرق
بين الاقرار وغيره فالمسلم منه ان لم يكن اجماعا ما إذا بقيت العين في يد المقر
ولم يعلم تجديد أخرى له فان الظاهر حينئذ اخذه باقراره الرافع لحكمها استدامة
يده السابقة مع فرض عدم العلم بتجديد غيرها والأصل عدمها.
اما لو كان قد أقر بها ودفعها إلى المقر له ثم وجدت في يده المقتضية كونه مالكا
لها فان انتزاعها من يده لاستصحاب الاقرار السابق محل اشكال بل محل منع ضرورة
عدم الفرق بينه وبين انتزاعها باستصحاب الملك السابق الثابت بالبينة الذي قد
عرفت عدمه ولذلك يظهر لك الوجه بانتزاعها منها باقراره الغصبى أو الاستيجار
أو نحوهما لأصالة عدم يد أخرى غير التي صادفت اقراره " انتهى.
أقول بعون الله تعالى ومشيته لا ينبغي الاختلاف بل لا خلاف في تقدم قول المالك
السابق إذا شهدت البينة على أن حدوث اليد اللاحقة كان على العدوان أو الايتمان
وان لم تشهد باستمرارها إلى زمان أداء الشهادة بل مع التصريح بعدم العلم بحال
اليد زمان الشهادة واحتماله حدوث سبب ناقل أو تجديد أخرى إذ الأصل حينئذ بقاء
اليد الأولى واستمرار حالتها الأولى وهكذا الامر لو شهدت له بالملك أمس مع كون
237

العين تحت اليد اللاحقة حينئذ إذ مرجع شهادته حينئذ إلى أن وقوع اليد اللاحقة
على المتنازع فيه لم يكن عن استحقاق.
والحاصل ان تقدم اليد على الاستصحاب من جهة انها امارة أو أصل مقدم عليه
إنما هو بالنسبة إلى استصحاب الملكية السابقة واما الاستصحاب الراجع إلى نفس
اليد اللاحقة فلا يعقل معارضتها له وتقدمها عليه ضرورة انه إذا ثبت ابتناء اليد على عدم
الاستحقاق ولم يعلم تجديد أخرى أو زوالها عن الحالة الأولى يستصحب بقائها
على حالها الأولى ولا معنى لالغاء الاستصحاب حينئذ بهذه اليد المستصحبة
ولا يعقل التفصيل في الركون إلى الاستصحاب وعدمه بين ثبوت ابتناء اليد بالاقرار
وثبوته بالبينة
ومن هنا ظهر لك ضعف ما في الجواهر حيث قال: " واما ما سمعته من الفرق بين
الاقرار وغيره فالمسلم منه ان لم يكن اجماعا ما إذا بقيت العين في يد المقر ولم يعلم
تجدد يد أخرى له فان الظاهر حينئذ اخذه باقراره الرافع لحكمها استدامة يده السابقة
مع فرض عدم العلم بتجدد يد غيرها " انتهى لما عرفت من أنه مع ثبوت ابتناء اليد
على عدم الاستحقاق سواء كان بالاقرار أو البينة يوجب استدامتها ما لم يعلم خلافها
فلا وجه لما ذكره من أن المسلم ثبوت الفرق بين الاقرار وغيره في هذه الصورة.
والعجب أنه صريح بعد ذلك بعدم الفرق فقال في شرح كلام المصنف: " ما
لو شهدت بينة المدعى بان صاحب اليد غصبه أو استأجره منه حكم بها لأنها شهدت
بالملك وسبب يد الثاني والأصل عدم تجدد يد أخرى غير الأولى كما أن الأصل عدم
تجدد سبب غير حكم الاستدامة للابتداء وهو واضح " انتهى فإنه تصريح بما بيناه
من عدم الفرق.
وقد اتضح لك مما نقلنا من كلماتهم ان المشهور بينهم تقدم قول المالك
السابق مع اقرار ذي اليد بسبق ملكه أو قيام البينة على اقراره بل يظهر من الكفاية
عدم الخلاف فيه وان حكى الشهيد الثاني قدس سره الخلاف فيه في تمهيد القواعد
238

وكيف كان فالمهم بيان وجه الفرق بين ثبوت الملك السابق بالبينة وثبوته
بالاقرار والمستفاد من كلام العلامة والشهيد الثاني قدس سرهما كما رأيت أن وجه
الفرق صراحة الاقرار في الملك دون البينة ولذا الحقاها به في الحكم إذا استندت
إلى تحقيق.
وقال المحقق القمي قدس سره في جامع شتاته بعد اختياره تقديم اليد الحالية
على الملك السابق الثابت بالبينة: " واما ترجيح البينة على اليد في صورة الشهادة على
اقراره بالأمس فلانه شهادة على ما يتفق بانقطاع يد ذي اليد عنه على فرض صدقه
فيصير استصحابه أقوى من استصحاب الشهادة على الملك لأنه لا يحصل معه الا الظن
بانقطاع اليد.
واما في صورة اقرار المدعى عليه فالامر أوضح لكون الاستصحاب حينئذ
ناشئا من امر موجب لقطع جزما ومفيد لانقطاع يده عنه ومالكية خصمه يقينا بل
يوجب ذلك اعتراف ذي اليد بكونه مدعيا وظيفته الاثبات بخلاف شهادة الشاهد
فإنه لما كان غالبا مبنيا على الظن مثل اليد والاشتراء من ذي اليد ونحو ذلك
انتهى ما أردناه.
ويقرب منه ما ذكره المحقق الأنصاري قدس سره في فرائده فقال: " واما حكم
المشهور بأنه لو اعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدعى انتزع منه العين الا ان يقيم
البينة على انتقالها إليه فليس من تقديم الاستصحاب بل لأجل ان دعويه الملكية في
الحال إذا انضمت إلى اقراره بكونه قبل ذلك للمدعى ترجع إلى دعوى انتقالها
إليه فينقلب مدعيا والمدعى منكرا ولذا لو لم يكن في مقابله مدع لم يقدح هذه
الدعوى منه في الحكم بملكيته أو كان في مقابله مدع ولكن أسند الملك السابق
إلى غيره كما لو قال في جواب زيد المدعى اشتريته من عمرو.
بل يظهر مما ورد في محاجة علي (ع) مع أبي بكر في امر فدك المروية في
239

الاحتجاج انه لم يقدح ثشبث فاطمة سلام الله عليها دعويها (ع) تلقى الملك من
رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه قد يقال إنها عليها السلام حينئذ صارت مدعية لا تنفعها اليد وكيف كان
فاليد على تقدير كونها من الأصول التعبدية أيضا مقدمة على الاستصحاب وان جعلناه
من الامارات الظني لان الشارع نصبها في مورد الاستصحاب " انتهى.
والجميع في غير محله.
اما ما ذكره العلامة والشهيد (قدس سرهما) من صراحة الاقرار دون الشهادة
فلان المعارضة إنما هي بين الاستصحاب واليد لا بينها وبين الشهادة والاقرار
والا وجب تقديمهما عليها من غير خلاف ضرورة تقدم البينة على اليد كتقدم الاقرار
عليها واستناد الاستصحاب إلى الاقرار الذي هو أقوى من الشهادة لا يوجب تقدمه
على اليد بعد فرض تقدمها عليه من جهة انها امارة كاشفة عن الملكية أو أصل مقدم عليه
واما ما ذكره المحقق القمي (قدس سره) من أن الشهادة على الاقرار شهادة
على ما يتفق بانقطاع يد ذي اليد عنه على فرض صدقه فان أراد منه الشهادة على اقراره
الراجع إلى زمان وقوع يده عليه فهو كذلك الا انه لا يوجب الفرق بينها وبين
الشهادة على الملك لما عرفت من أن الشهادة على الملك السابق المستمر إلى
زمان وقوع يد ذي اليد عليه ترجع إلى الشهادة على ابتناء اليد على عدم الاستحقاق
الموجب لاستصحاب بقاء اليد وبقائها على حالها الأولى ما لم يعلم خلافها وان أراد
منه الشهادة على اقراره الراجع إلى ما قبل يده عليه فلا توجب انقطاع يد ذي اليد
عنه على فرض صدقه كما هو ظاهر ضرورة عدم تأثير الاقرار المتعلق بما قبل يده فيها.
ومن هنا ظهر ضعف ما ذكره من أن اعتراف ذي اليد بسبق ملك المدعى
يوجب صيرورته مدعيا وظيفته الاثبات لأنه ان أراد الشق الأول فهو كذلك الا انه
تشاركه الشهادة بالملك فالتفصيل بينهما في غير محله. وان أراد الثاني فلا وجه له
بعد فرض تقدم اليد على الاستصحاب.
وببيان آخر ان صيرورة ذي اليد حينئذ مدعيا إن كان باعتبار مخالفة دعويه
240

لاستصحاب الملك السابق فهو جار في الشهادة بالملك والاقرار معا وإن كان باعتبار
مخالفة دعويه للاستصحاب الجاري في اليد فهما مشتركان فيه أيضا فالتفصيل بينهما
لا وجه له على كل حال.
واما ما ذكره المحقق الأنصاري من أن دعويه الملكية في الحال إذا انضمت
إلى اقراره بكونه قبل ذلك للمدعى ترجع إلى دعوى انتقالها إليه فينقلب مدعيا
والمدعى منكرا فغير تام أيضا إذ غاية ما ذكره بعضهم في تقريره ان اقراره بسبق
الملك للمدعى باعتبار رجوعه إلى دعوى انتقاله من المقر له اليد مبطل لحكم
يده مناف للتشبث به وإذ بطل حكم اليد يصير ذو اليد مدعيا للانتقال الذي هو مخالف
للأصل فلا بد حينئذ من اثباته بالبينة.
واما مع قيام البينة على سبق الملك له من دون اقرار ذي اليد به فلا مبطل
لليد في حد نفسها ولا يكون في البين ما يتقدم عليها اما بالبينة فلعدم معارضتها معها من
جهة عدم تعرضها للملك الحالي المتعرض له اليد واما الاستصحاب فلعدم صلوحه
للتقدم عليها بعد ان كانت امارة أو أصلا مقدما عليه فيؤخذ باليد حينئذ.
وهو باطل من وجهين.
الأول ان بطلان حكم اليد لا يكون الا بثبوت ما ينافيه بسبب الاقرار أو البينة
ومجرد اقرار ذي اليد بسبق الملك للمدعى ودعويه الانتقال منه إليه لا يكون منافيا
لليد ولا للتشبث بها حتى يوجب بطلان حكمها.
توضيح ذلك ان لليد شأنين:
الأول سببيتها لحصول الملك وتحققه واقعا ومن هذه الحيثية تكون في عرض
سائر الأسباب المملكة من البيع والصلح والوراثة وهكذا.
والثاني سببيتها للحكم به في مرحلة الظاهر امارة كانت أو أصلا سواء كان
حصوله من اليد أو سائر الأسباب وهي باعتبار شانها الأول تختص بالمباحات
الأصلية وما في حكمها من الأموال المعرض عنها وباعتبار شأنها الثاني تعم ما علم
241

بسبق ملكه لغيره وما اشتبه حاله سبقا وابتداءا والاقرار بسبق الملك للمدعى إنما ينافي
الحيثية الأولى لا الثانية التي كلامنا فيها.
ضرورة ان تشبث ذي اليد بيده على الملكية من الحيثية الثانية من قبيل
تشبث المستدل بالدليل على ثبوت مدلوله فلا ينافيه استناد ملكه من حيث التسبب
إلى الشراء ونحو من الأسباب المملكة وإنما ينافيه التشبث بها من الحيثية الأولى
من جهة مقابلتها حينئذ مع سائر الأسباب.
والحاصل ان منزلة اليد من الملك باعتبار الحيثية الثانية منزلة البينة منه فكما
ان البينة تكشف عن الملك وتجامع مع دعوى الملك ابتداءا وانتقالا فكذلك اليد
سبب للحكم به ومجامعة معهما فالتشبث باليد من هذه الحيثية لا ينافي دعوى الانتقال
بل تشبث بما يصدقه ويحققه لان اعتبارها امارة أو أصلا لا يختص بما لم يعلم حاله من
حيث سبق الملك لغيره عدمه كما هو ظاهر فلا يختص اعتبارها وكشفها عن
الاستحقاق والملك ابتداءا بل يعم الملك ابتداءا وانتقالا بمعنى ان اليد سبب للحكم
بتحقق الملك لذي اليد في الظاهر سواء علم بسبق الملك لغيره أم لا.
فإذا اتضح ان اليد كما تكشف عن الملك ابتداءا فكذلك تكشف عنه انتقالا
فدعوى ذي اليد انتقال الملك من المدعى حينئذ دعوى بما تشهد به يده وتصدقه ومن
المستحيل بطلان حكم اليد بادعاء ما توافقه وتساعده هي بل لا تكون دعوى الانتقال
حينئذ دعوى بناءا على كون اليد أصلا لان موافقة قوله للأصل الذي هو اليد يكفي
في خروجه عن الدعوى ولا يضر مخالفته للاستصحاب الملغى اثره باعتبار تقدم
اليد عليه وكيف كان فلا وجه لالغاء يد المقر بسبق الملك للمدعى والزامه بإقامة
البينة على الانتقال إليه لان اليد ان كانت أصلا فاقراره بسبق الملك للمدعى لا يوجب
رفع اليد عن يده وصيرورته مدعيا كما عرفت.
وان كانت امارة فاقراره به وإن كان مستلزما لادعاء الانتقال المخالف للأصل
الا انه لا يتوجه عليه إقامة البينة لاقتران دعويه بالامارة المصدقة لها.
242

والثاني ان دعوى ذي اليد انتقال الملك إليه لو كانت مبطلة لحكم يده
ومنافية للتشبث لها لزم الغاء يده في صورة دعويه انتقال الملك إليه من غير المدعى
ووجوب الاثبات عليه وانتزاع الحاكم المال من يده حتى يقيم البينة فيلزم حينئذ
أن يكون المدعى به في حكم الخارج عن يد المتنازعين ويكون الباب من باب
التداعي ومجرد عدم معارضة من أسند إليه الملك السابق لا يوجب عدم صيرورته
مدعيا لان تحقق الدعوى من الشخص لا يكون فرع معارضة آخر معه.
ضرورة ان الدعوى على قسمين دعوى بلا معارض ودعوى مع المعارضة
وسماع دعويه بالنسبة إلى من أسند إليه الملك السابق لعدم معارضته معه لا يوجب
تصديق دعواه بالنسبة إلى من عارضه.
وبما بيناه تبين ان ما استشهد به من عدم قدح دعوى الانتقال من غيره في
الحكم بملكيته في غير محله إذ لو كان اقتران اليد بدعوى الانتقال موجبا لصيرورته
مدعيا ساقطة يده عن الأثر لزم استواء الصورتين في الحكم لأن عدم الغاء اليد حينئذ
إن كان باعتبار عدم انقلاب ذي اليد مدعيا لعدم معارضة من أسند إليه الملك السابق
معه فقد عرفت ان الدعوى لا يتقوم بالمعارضة.
وإن كان باعتبار سماع دعويه بالنسبة إلى من أسند إليه الملك السابق فقد
تبين لك انه لا يوجب تصديقه بالنسبة إلى المعارض.
والحاصل ان اليد لو سقطت عن التأثير باعتبار اقترانها بالدعوى وصيرورة
ذي اليد حينئذ مدعيا لم يعقل التفصيل بينهما.
ومن الغريب ما اضرب به كلامه في محاجة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله
وسلامه عليه وعلى أبنائه الطاهرين مع أبي بكر في امر فدك بزعم ان يستنبط منها
نفوذ قول ذي اليد مع صيرورته مدعيا بسبب وجود المعارضة فإنها من قبيل الصورة
الثانية التي حكم فيها بعدم كون ذي اليد مدعيا حينئذ فان المسلمين بزعم أبى بكر
مصارف لما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله صدقة لا انهم ورثته صلى الله عليه وآله دون قرابته وأهل بيته
243

واستيلاء الصديقة الطاهرة سلام الله عليها كان في زمانه صلى الله عليه وآله لابعده.
وأبو بكر بزعمه الفاسد كان ولى المسلمين وليس لولى المسلمين التفتيش
عما وقع في زمان من قبله وعن التصرف الذي وقع في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله
بتسليطه صلى الله عليه وآله من دون وجود مدع لان المسلمين لم يكونوا مدعين للمال وراثة
وإنما ادعوا بزعمهم الفاسد انهم مصارف الصدقة ومجرد المصرفية لا توجب الولاية
وولى المسلمين وهو أبو بكر بزعمهم الفاسد لم يدع العلم بفساد التصرف بل كان عالما
بأنه بتسليط رسول الله صلى اله عليه واله فالصديقة الطاهرة سلام الله عليها كانت مدعية للانتقال عن
رسول الله صلى الله عليه وآله ومتصرفة ولم يكن لها عليها السلام معارض من الورثة ومجرد استصحاب
بقاء المال على ملك رسول الله صلى الله عليه وآله لا يوجب انتزاعه من المتصرف الذي تصرفه
في زمانه صلى الله عليه وآله بلا معارض حين حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وآله ومعارضة المسلمين لها
بزعمهم انهم مصارف الصدقة لا توجب المعارضة للفرق الواضح بين مصرف المال
ومرجعه وعدم جواز معارضة المصرف للمرجع المتصرف فلو كان لرسول الله صلى الله عليه وآله
وارث غيرها (ع) وعارضها لكان لما ذكره وجه.
فاتضح ان القضية الواقعة من قبيل الصورة الثانية وسماع الدعوى فيها أوضح
من أن يبين فان تقدم اليد على الاستصحاب مع عدم معارضة المالك السابق من
أوضح الواضحات نتيجة وان خفى وجهه على الأكثر وسيظهر لك وجهه انشاء الله تعالى
فتبين ان من توهم ان الصديقة الطاهرة سلام الله عليها حينئذ صارت مدعية
لا تنفعها اليد فقد كذب امامه عليه السلام من حيث لا يشعر جهلا منه بالقواعد الواضحة
ضرورة ان صاحب اليد لا يكون مدعيا قبل معارضة المالك السابق وإنما
يصير مدعيا بعد معارضته ولم يكن لها سلام الله عليها معارض ولكن الغاصب الجاهل
فعل ما فعل بعد اتمام الحجة عليه من خليفة الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى أبنائه
الطاهرين كفرا وعنادا.
لا يقال لعل وجه الغاء اليد حينئذ هو ان ذا اليد إذا أقر بسبق الملك للمدعى
244

وادعى انتقاله منه بسبب خاص كلف بإقامة البينة عليه لان باليد لا تفيد السبب
الخاص والأصل عدمه فمع عدم قيام البينة على السبب الخاص يبطل تملكه لحصره
باقراره في السبب الخاص فتلغى يده حينئذ.
لأنا نقول أولا ان هذا الوجه إنما يجرى فيما إذا أسند تملكه إلى سبب خاص.
وثانيان ان عدم ثبوت السبب الخاص باليد لا توجب الغائها بالنسبة إلى أصل
الملك وحصر المقر إياه في السبب الخاص إنما يوجب بطلانه إذا انكشف بطلان
السبب لا إذا لم يثبت السبب فيحكم حينئذ بالملك المطلق المجامع مع جميع
الأسباب من دون الحكم بسبب خاص فحال اليد حينئذ بالنسبة إلى مدعى السبب
الخاص حال البينة القائمة على الملك المطلق بالنسبة إلى مدعى التملك من سبب
خاص فكما لا تبطل البينة بسبب عدم ثبوت السبب المدعى فكذلك اليد.
فقد اتضح بما ذكرناه ضعف جميع ما ذكروه في وجه الفرق بين ثبوت
الملك السابق بالبينة وثبوته بالاقرار.
والتحقيق انه ينفذ قول المالك السابق مطلقا.
توضيح الامر يتوقف على تحقيق حقيقة اليد وبيان وجه اعتبارها.
فأقول بعون الله تعالى ومشيته ان حقيقتها هي الإحاطة والاستيلاء وهو متقوم
بالطرفين المستولي والمستولى عليه فإن كان المستولي سلطان نفسه وولى امره
والمستولى عليه قابلا لنفوذ الاستيلاء عليه ولم يكن تحت سلطان غيره ينتزع من
الاستيلاء والإحاطة اختصاص المستولي عليه بالمستولى ومرجعيته فيه بالرجوع
التام المساوق للملك التام ولذا يملك الانسان المباحات الأصلية والأموال المعرض
عنها الراجعة إلى الإباحة الأصلية بالاعراض المزيل لمنشأ انتزاع اختصاص المالك
الأول بالحيازة.
ومن خواص الملك التام رجوع غنم المملوك وغرمه إلى المالك فهو مرجع
للغنم والغرم بحسب الاقتضاء الأولى ولذا يستدل بأحدهما على الاخر.
245

كما استدل في الرواية على رجوع منافع المبيعة في البيع بالخيار إلى
المشترى بأنها لو احترقت لكان منه واليه ينظر النبوي الخراج بالضمان فان الضمان
هي العهدة والمراد ان خراج المال تابع لعهدته وغنمه يرجع إلى من يرجع إليه
غرمه لا ان الخراج تابع لتعهد المال للغير الذي هو الضمان المصطلح وإن كان
المستولي عليه قابل لنفوذ الاستيلاء فيه بوجه كالانسان فلا تأثير لليد فيه بوجه
ولذا لا يملك الانسان الحر باستيلائه عليه ولا يضمن نفسه ولا منافعه الا إذا استوفاها
نعم إذا كان كافرا أو تابعا له يصح استرقاقه ويملكه بالاستيلاء عليه لتنزله
منزلة سائر الحيوانات وإن كان مشغولا باستحقاق الغير يمنع عن تأثير اليد اثرها
الأولى من الملك التام المقتضى لمرجعية ذي اليد في الغنم والغرم معا ولكن حيث
لا يمنع من تأثيرها المرجعية في الغرم المعبر عنها بالضمان اثر المقتضى اثره وأوجبت
اليد الضمان.
وحيث خفى معنى النبوي على أبي حنيفة وزعم أن المراد بالضمان الضمان
المصطلح وهو تعهد للغير حكم بعدم ضمان الغاصب منفعة البغلة بعد ان كانت
مضمونة عليه.
وبما بيناه ينكشف سر كون المبيع مضمونا على البايع قبل قبضه وعدم انتقال
الضمان إلى المشترى الا بالاقباض مع تملكه له بالعقد الموجب لرجوع غنمه إليه
من زمان وقوع العقد.
توضيحه ان البايع قبل ايجاده البيع كان مالكا للمبيع ومرجعا في غنمه
وغرمه بعد ايجاده البيع الموجب لانتقاله عنه استحقه المشترى فترتب عليه رجوع
غنمه إليه ولكن حيث إن المقصود من عقد البيع ليس مجرد الاستحقاق بل التسلط
عليه فعلا الذي لا يتحقق الا باقباض المبيع لا يخرج البايع من ضمانه وعهدته
ما لم يقبضه المشترى ولا ينتقل الضمان إليه الا بعد قبضه.
وهكذا الحال في الإجارة بالنسبة إلى المنفعة فلا يستحق الأجرة الا بالاقباض
246

فان رجوع المال إلى الشخص إنما هو بكونه تحت يده وسلطانه فالملك والاستحقاق
يتحقق بالعقد ولكن لا يرجع امر المال إليه الا بالاستيلاء.
فتحصل لك مما بيناه ان الاستقلال باثبات اليد في الأموال يوجب مرجعيته
في الغنم والغرم معا أو في الغرم خاصة واليد التابعة لعدم استقلالها ليست إحاطة
واستيلاء بل المستولي والمحيط إنما هو المتبوع ولذا لا يترتب عليها المرجعية
فيهما ولا في أحدهما.
واما الأمين فيده يد المالك و رجوع المال إليه عين الرجوع إلى المالك وهذا
هو السر في منافاة الايتمان للضمان وبطلان اشتراطه في الوديعة والوكالة وأمثالهما
واما العارية فباشتراط الضمان فيها يخرج عن كونها ايتمانا لأنه مقتضى اطلاقها
لاذاتها والتفصيل موكول إلى محله.
وبما بيناه ظهر سر نفوذ قول ذي اليد في تعيين كيفية يده من الملكية والولاية
والوكالة وهكذا فان الرجوع على انحاء يتعين بتعيين المرجع فان من ملك شيئا ملك
الاقرار به وأيضا مقتضى سلطنة الشخص على نفسه المنتزعة من كونه نفسه استقلاله
في أموره وجهاته ونفوذ تقلباته وتصرفاته وأقاريره فيها فكما ان نفوذ اقرار الشخص
بالرقية والدين راجع إلى نفسه ابتداءا والاقرار المتعلق بما في يده راجع إليها ثانيا.
فقد اتضح مما حققناه ان اليد مقتضية لاختصاص ما وقعت عليه من الأموال بذى
اليد واستحقاق الغير مانع عن التأثير في الملكية المقتضية للمرجعية في الغنم والغرم معا.
فان علم بانتفاء المانع يحصل العالم بالملك واقعا وتكون اليد حينئذ موجبة له وان
شك في وجود المانع يحكم العالم بالملك ظاهرا اعتمادا على المقتضى المعلوم والغاءا
للمانع المحتمل فايجابها للملك واقعا وللحكم به في الظاهر مستند إلى امر واحد
وهو تحقق المقتضى غاية الأمر ان اثره يختلف باختلاف العلم بعدم المانع والشك
في وجوده فاختلاف شان اليد إنما هو باختلاف الحالين فالشأن الثاني إنما هو
من شؤون الشأن الأول المترتب على المقتضى المعلوم مع العلم بعدم المانع.
247

فان قلت فعلى هذا يلزم عدم اعتبار اليد فيما علم سبق استحقاق الغير لاستصحاب
المانع المعلوم حدوثه وتقدمه على المقتضى فيلزم حينئذ عدم الحكم باستحقاقه الا
مع احراز رضى المالك السابق إن كان الانتقال اختياريا وموته إن كان الانتقال
قهريا مع أن حجية اليد ضرورية سواء علم بسبق استحقاق الغير أم لا.
قلت لا شبهة في عدم الحكم بوقوع الانتقال ببيع أو هبة أو ارث وهكذا لأن الشك
فيه شك في المقتضى والأصل عدمه وكذا إذا احتمل اعراض المالك السابق
فالأصل بقاء ملكه وعدم تأثير اليد اللاحقة الا ان الحكم بالملكية لذي اليد من جهة
أخرى لا تنافى ذلك في مرحلة ترتيب الآثار ولا تقدح المنافاة الواقعية في جريان
الأصول فان الأصول كثيرا ما توجب التفكيك بين اللازم والملزوم.
فنقول ان اليد تقتضي مرجعية ذي اليد واستحقاقه لما وقع تحت يده واستيلائه
فحيث شككنا في أن رجوع المال إليه هل هو بارجاع المالك الأول ووقوع أحد
الأسباب الناقلة حتى يكون من شؤونه وفى طوله أو انه ينافيه لاستقلاله باثبات اليد
عليه فيكون عاديا فالأصل يقتضى الحكم بعدم العدوان وعدم منافاته للملك السابق
كما أن الأصل عدم موافقته له وعدم وقوعه في طوله ومقتضى أصالة عدم الموافقة
والمخالفة الاخذ بظاهر اليد ومقتضاه حتى يعلم خلافه.
ان قلت الاخذ بمقتضى اليد وهو اختصاص ذي اليد بالمال عبارة أخرى عن
انه لا مالك له سواه وهذا عين الحكم بزوال الملك عن المالك السابق.
قلت فرق بين اثبات الاختصاص بالمقتضى وأصالة عدم المانع وبين اثباته
بزوال الملك عن المالك السابق وانتقاله منه إلى ذي اليد والاشتراك في الأثر لا ينافي
التغاير بحسب الذات فالركون إلى اليد وتقديمها على الاستصحاب إنما هو لتأخرها
عنه فهي في الحقيقة مقتضى متأخر عن آخر يتقدم عليه لتأخره عنه ما لم يعلم المنافاة
وأمكن كونه مترتبا عليه ولهذا يقدم قول المالك السابق في مقام التعارض لان الاخذ
248

بمقتضى اليد إنما يكون مع عدم العلم بوجود المانع والمنافي وقد ثبت بقول المالك
السابق فان من ملك شيئا ملك الاقرار به.
والحاصل انا لا نحكم بزوال الملك عن المالك السابق وانتقاله إلى ذي اليد
وإنما حكمنا بكونه مالكا له لوجود المقتضى وعدم العلم بالمانع وان لم ينفك هذا
في الواقع عن زوال الملك عن غيره واثبات اللازم بحسب الأصل ينفك عن ثبوت
الملزوم لما عرفت من جواز التفكيك بينهما في مرحلة العمل واعطاء الوظيفة التي
هي مؤداة الأصول.
فاستصحاب الملك لا اثر له ما لم تسقط اليد عن التأثير وبانكار التسليط والارجاع
تبطل اليد لان انكار المالك السابق التسليط والارجاع حيث إنه من شؤون سلطنته
على ملكه نافذ مسموع فبقاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به يثبت المانع والمنافي
لتأثير اليد فتصير ملغاة فهي قبل ظهور المعارضة والمخاصمة أصل يركن إليه ويعتمد
عليه للعلم بتحقق المقتضى وعدم العلم بوجود المانع المندفع بالأصل وبعد ظهور
المعارضة والمخاصمة تسقط عن الأثر للعلم بتحقق المانع فقبل العلم بالمخاصمة
ذو اليد منكر من حيث موافقة قوله للأصل وبعده ينقلب مدعيا لمخالفة قوله لاستصحاب
بقاء الملك السابق مع عدم العلم بالمزيل والناقل واستصحاب بقاء الملك وإن كان
جاريا قبل ظهور المخاصمة الا انه لم يترتب عليه اثر للعلم بالمقتضى المتأخر وهي
اليد المتممة بأصالة عدم المخاصمة والمنافاة.
فاتضح بما بيناه ان اعتبار اليد من جهة ان حقيقتها هي الإحاطة المقتضية لاختصاص
المحاط بالمحيط لو لم يمنع عنه مانع فهي إنما تنظر إلى اختصاص المحاط بالمحيط
ولا نظر إلى نفى الملك وزواله عن غيره بوجه من الوجوه.
وإنما يترتب عليها الاختصاص الفعلي المتحد مع الملكية في مورد العلم
بسبق الملك لغيره بأصالة عدم المنافاة لا بسبب كشفها عن زوال الملك السابق وانتقاله
من المالك السابق إلى ذي اليد فهي استصحاب المقتضى لا امارة ولا أصل آخر وتقدمها
249

على استصحاب الملك السابق من جهة انه مقتضى متأخر عن آخر فيؤخذ به ما لم يعلم
منافاته للأول من جهة انها امارة كاشفة عن زوال الملك السابق وقاطعة للاستصحاب
والا لزم تقدمها على الاستصحاب مطلقا عارضها المالك السابق أم لا ثبت سبق الملك
باقراره أم بالبينة مع أن سماع قول المالك السابق في صورة اقرار ذي اليد بل البينة
المستندة إلى تحقيق في حدود المسلمات عند الأصحاب قدس سرهم بل لزم بناءا
على كونها امارة عدم توجه اليمين على ذي اليد كما لا يتوجه في مورد قيام البينة بل يلزم
ان تعارض البينة وملاحظة وجود المرجح في تقديم إحديهما على الأخرى مع أن
تقدمها على اليد من الضروريات
قال المحقق الأنصاري قدس سره بعد شطر من كلامه الذي قد عرفت ضعفه
هذا مع أن الظاهر من الفتوى والنص الوارد في اليد مثل رواية حفص ابن غياث
ان اعتبار اليد امر كان مبنى عمل الناس في أمورهم وقد أمضاه الشارع ولا يخفى
ان عمل العرف عليها من باب الامارة لا من باب الأصل بالتعبدي واما تقديم البينة
وعدم ملاحظة التعارض بينهما أصلا فلا يكشف عن كونها من الأصول لان اليد إنما
جعلت امارة على الملك عند الجهل بسببها والبينة مبينة لسببها والسر في ذلك ان مستند
الكشف في اليد هي الغلبة والغلبة إنما توجب الحاق المشكوك بالأعم الأغلب فإذا
كان مورد الشك امارة معتبرة تزيل الشك فلا يبقى مورد للالحاق وحال اليد مع
البينة حال أصالة الحقيقة في الاستعمال على مذهب السيد مع امارات المجاز بل
حال مطلق الظاهر والنص فافهم انتهى.
وفيه ان عدم كون اعتبار اليد من باب التعبد في غاية الوضوح ولكن ذاتية
اعتبارها لا يستلزم كونها امارة كما هو ظاهر وكيف يمكن سقوط الامارة عن الاعتبار
بأصالة عدم الانتقال المسلم عنده وعند الأكثر بل الجميع في صورة اقرار ذي اليد
بسبق الملك للمدعى مع أنها لو كانت امارة لم يكن وجه لتقدم البينة عليها مطلقا
ويلزم أن تكون معارضة لها وما أجاب به عن هذا الاشكال في غاية الغرابة لان اليد
250

بناءا على كونها امارة قاطعة للاستصحاب لا معنى له الا كونها دالة على وجود المزيل
والمزيل إنما هو السبب الرافع للملك السابق فمع قيام البينة على خلافها الدالة
على بقاء الملك السابق وعدم تحقق المزيل يتعارضان لان كلا منهما ناظر إلى الواقع
وكاشف عنه ومزيل للشك تنزيلا ولا يكون أحدهما في طول الاخر.
فما ذكره من أن اليد امارة على المسبب والبينة على السبب وان اليد دليل
للجاهل بالواقع دون البينة لأنها مزيلة له في غير محله لان كلا منهما دليل للجاهل
بالواقع مزيل له تنزيلا وما ذكره سرا لما زعمه مناف لما بنى عليه من كون اليد
امارة كاشفة لان الغلبة بناءا على أنها مستند الكشف في اليد توجب الظن بلحوق
الفرد المردد بالأغلب وزوال الشك تنزيلا فكما ان البينة تزيل الشك تنزيلا فكذلك
الغلبة بناءا على أنها امارة فمع التنافي يتعارضان لا محالة ولا وجه لتقدم جميع الامارات
على الغلبة حينئذ.
نعم ما ذكره من بقاء الشك مع الغلبة وعدم زواله تنزيلا إنما يتم بناءا على كونها
أصلا لا امارة.
وكيف كان فقد اتضح بما بيناه ان المقدم على اليد قاعدة من ملك المتحققة
في مورد معارضة المالك السابق لذي اليد لا مجرد الاستصحاب وان المشهور عند
الأصحاب تقدمها على اليد فان تقدم قول المالك السابق على ذي اليد في صورة
اقراره بسبق الملك له أو قيام البينة المستندة إلى تحقيق مما لم يخالف فيه أحد ممن
يعتد به.
وإنما وقع الاشتباه في صورة قيام البينة على سبق الملك من دون استناد إلى
تحقيق لاحتمال استناد شهادتها حينئذ إلى مجرد اليد واليد السابقة الزائلة لا تكون أقوى
من اليد اللاحقة الحالية وهو ليس كذلك لان اليد السابقة كاليد اللاحقة مقتضية للملكية
ومقتضى سبقها على اليد الفعلية سماع قولها بقاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به ما لم
يعلم زوالها وانتقال الملك عنه إلى الثاني
251

فما زعمه بعض من أن المشهور عند الأصحاب تقدم قول ذي اليد ما لم تشهد
البينة على استمرار ملك المالك السابق إلى زمان تصرف ذي اليد في غير محله.
ومن الغريب ما توهمه بعض طلبة العصر من عدم سماع قول المالك السابق ما لم تشهد
البينة على استمرار ملكه إلى زمان المعاوضة والمخاصمة وان شهدت على استمرار
ملكه إلى زمان وقوع يد المتصرف عليه فإنك قد عرفت ان تقدم اليد على الاستصحاب
حينئذ مستحيل لجريان الاستصحاب في نفس اليد ولا يعقل الغاء الاستصحاب الجاري
في اليد بهذه اليد المستصحبة.
تنبيهان - الأول لو علم بان ما في يد زيد كان وقفا واحتمل انتقاله إليه بأحد
الأسباب المجوزة لبيع الوقف لا يكتفى باليد حينئذ لترتيب اثار الملكية لان الوقفية
تقتضي تحبيس الأصل وعدم تطرق الانتقال فيه بأحد الأسباب الناقلة ومجرد احتمال
طرو جهة مقدمة على الوقف في التأثير موجبة لجواز النقل والانتقال لا يكفي لان
الأصل عدمه فتلغى اليد حينئذ عن الاعتبار لتحقق المانع المعلوم عن تأثيرها والشك
في زواله فيؤخذ به.
والثاني ان مجرد بيع المال أو الصلح عليه أو اجارته وهكذا من التصرفات
العقدية ما لم يعلم وقوعه تحت يده واستيلائه ليس من التصرف الذي توهم تقدمه
على استصحاب الملك السابق.
252

(فائدة - 35)
الضمان عبارة عن صيرورة الشخص في وثاق دين أو عين ولازم كونه نفى
وثاق عين كون دركها على عهدته لا ان حقيقة الضمان عبارة عن ثبوت الدرك على
الضامن ضرورة ان للضمان حقيقة واحدة لا تختلف باختلاف الموارد ولا يجرى هذا
المعنى في ضمان الدين فتفسير الضمان بكون درك العين على عهدته تفسير باللازم
وهل يتوقف تحقق الضمان في الدين على اشتغال ذمته به وصيرورته مديونا
الأقوى العدم فان الأيدي المتعاقبة يضمن كل منها العين ولا يختص به من تلفت
في يده وإنما يستقر الضمان عليه ولا معنى لاستقرار الضمان عليه لا صيرورته مديونا
لمثل التالف أو قيمته ولذا لا يرجع على سائر الأيدي لو رجع المالك عليه وترجع
سائر الأيدي عليه لو رجع المالك عليها.
والحاصل ان استقلال كل منها في الضمان بحيث يتخير المالك في الرجوع
على كل منها لا يجامع مع ملازمة الضمان لاشتغال ذمة الضامن بالدين إذ لا يعقل استقلال
كل منها في اشتغال ذمته بدين واحد فصيرورة الشخص في وثاق الدين كما يجامع
مع كون الدين في ذمته يجامع مع كون الدين في ذمة آخر وفى هذه الصورة
إنما يفي بما في ذمة الاخر لو رجع المالك على غير من استقر عليه التلف لا بما في ذمته
والا لم يكن له الرجوع على الاخر حينئذ بل قد ينفك الدين عن الضمان فان عقد
الضمان إنما يؤثر انتقال الضمان إلى الضامن مع بقاء الدين في ذمة المضمون عنه.
253

وما اشتهر من أن عقد الضمان يوجب انتقال الدين عن ذمة المضمون عنه
إلى ذمة الضامن استنادا إلى عدم استحقاق الدائن الرجوع على المضمون عنه في
غير محله لان استحقاق المطالبة من فروع الضمان لا الدين وعقد الضمان إنما ينتقل
الضمان عن ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن فلا يستحق المطالبة الا عن الضامن.
ويدل أيضا على بقاء الدين في ذمة المضمون عنه وعدم انتقاله إلى ذمة
الضامن عدم استحقاق المطالبة عن المضمون عنه إذا لم يتبرع بالضمان عنه الا بما
أدى فلو أبرئه الدائن لا يرجع على المضمون عنه بشئ.
وجه الدلالة انه لو أوجب الضمان انتقال الدين عن ذمة المضمون عنه فمع
عدم التبرع بالضمان اما يوجب اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن في مقابل اشتغال
ذمته للدائن أولا يوجبه كصورة التبرع.
فان قلنا بالأول لزم جواز رجوع الضامن عليه مطلقا سواء أدى الدين أم أبرئه
الدائن.
وان قلنا بالثاني لزم عدم جواز رجوع الضامن عليه مطلقا كصورة التبرع
بالضمان فاستحقاق الرجوع عليه بما أدى وعدم استحقاقه الرجوع بما أبرئه الدائن
يكشف عن بقاء الدين في ذمة المضمون عنه فان أداه الضامن فله الرجوع عليه إذا
كان الضمان باذنه وقبوله وان ابرء الدائن الدين أو كان الضمان تبرعا فلا رجوع له
على المضمون عنه لعدم المقتضى للرجوع عليه في الصورتين.
فظهر بهذا البيان ان النسبة بين الضمان والدين هي العموم والخصوص من وجه
فقد يجتمعان وقد يفترقان. وإذ قد اتضح ما حققناه اتضح لك ان المديون من الأيدي
المتعاقبة هو من استقر عليه الضمان سواء كان استقرار الضمان عليه بسبب تلف المال
في يده أو بسبب الغرور أو الاكراه.
وهل تكون سائر الأيدي حينئذ مكلفة بأداء بدل التالف مثلا أو قيمة قبل
مطالبة المالك منها أو لا يجب عليهم الأداء الا بعد رجوع المالك عليها.
254

الأقرب انه لا يجب عليه المبادرة بالأداء الا بعد تخير المالك الرجوع عليها
بل لو بادر بعض الأيدي بالأداء قبل تخير المالك الرجوع عليها يشكل جواز رجوعها
على من استقر عليه الضمان لأنه حينئذ كالمتبرع بأداء دين غيره.
لا يقال لو كان مجرد الضمان لا يوجب وجوب مبادرة الضامن بالأداء قبل تخير
الدائن الرجوع عليه لزم ان لا يجب على الضامن في عقد الضمان المبادرة قبل رجوع
الدائن عليه والمطالبة منه.
لأنا نقول قبول الدائن ضمان الضامن الموجب لسقوط الضمان عن ذمة المديون
بمنزلة تخيره الرجوع عليه بل هو عينه فلا يتوقف وجوب مبادرة الضامن بالأداء
حينئذ على امر آخر نعم يجب المبادرة على من استقر عليه الضمان لأنه ضامن
ومديون وليس ضمان سائر الأيدي مسقطا لضمانه فالمقتضى للمبادرة فيه موجود
والمانع مفقود.
ثم اعلم أن الضامن في عقد الضمان إنما يضمن عن المديون فيجعل نفسه في
وثاق دينه بدلا عنه وليس في البين الا عهدة واحدة فتقول هذه العهدة بالضامن وتسقط
عن المضمون عنه لأنه مقتضى نفوذ عقد الضمان فلا مجال لاستقلال كل منها في الضمان
حينئذ وهذا بخلاف الأيدي المتعاقبة حيث إن كلا منها تستقل بالضمان لان كلا
منها في عرض الأخرى ولا تكون اليد اللاحقة ضامنة عن اليد السابقة ضرورة ان
تأثير اليد اللاحقة لا يتوقف على تأثير اليد السابقة حتى تكون بدلا عنها وقد خفى
هذا المعنى على العامة وجعلوهما من باب واحد وحكموا بان الضمان في عقد
الضمان ضم ذمة إلى ذمة أخرى نظير الأيدي المتعاقبة ولم يقتبسوا العلم من أهله
ولم يأتوا المدينة من بابها وهم أهل بيت النبوة سلام الله عليهم فافهم واغتنم والحمد لله
الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
255

(فائدة - 36)
قد ذكرنا في الفائدة الأولى ان من موارد انفكاك قاعدة المقتضى والمانع من
استصحاب الحالة السابقة حكم الأصحاب (قدس سرهم) بأصالة عدم النسب في المرأة
المشكوكة تفي كونها من المحارم النسبية وجواز تزويجها ولا مدرك لهذا الحكم
الا الاعتماد على المقتضى المعلوم وعدم الاعتداد باحتمال المانع إذ لا حالة سابقة
لها حتى تستصحب.
وقد يتوهم ان حكمهم بصحة التزويج وترتيب آثار عدم النسب المحرم إنما
هو باعتبار اطلاق أدلة جواز التزويج وعدم اعتبار قيد الأجنبي فيها وإنما المقيد هو
أدلة تحريم التزويج فينفي بالأصل عند الشك في تحققه فمدرك الحكم حينئذ هو
الرجوع إلى المطلقات لا الاعتماد على القاعدة المزبورة فوجب علينا دفع هذا
التوهم وإزاحة الشبهة تشييدا لما بيناه.
فأقول بعون الله تعالى ومشيته إن كان المراد من اطلاق الأدلة المجوزة
للتزويج اطلاق موضوعها و سريان حكم الجواز اقتضاءا حتى في مورد النسب
ولا ينافيها طرو عدم الجواز باعتبار وجود المانع إذ لا منافاة بين وجود المقتضى
مع وجود المانع فالأخذ بالاطلاق حينئذ اخذ بالمقتضى المعلوم مع الشك في وجود
المانع. وإن كان المراد الاطلاق اللفظي فهو غير كاف في تعيين حال المصداق لان
256

التقييد ثابت حينئذ والشك إنما هو في المصداق من جهة اندراجه تحت المطلق
أو المقيد ومن المعلوم ان اطلاق اللفظ لا يكفي في تعيين حال المصداق
فان قلت نعم مجرد اطلاق اللفظ لا يوجب درج المصداق المشتبه تحت
المطلق ولكن لا مانع من درجه تحته بمعونة استصحاب عدم المحرمية أزلا فاستصحاب
العدم الأزلي يعين حال المصداق فيندرج تحت المطلق.
قلت إن كان المراد من استصحاب العدم الأزلي استصحاب الحالة السابقة
فهو باطل لان الحالة السابقة هي انتفاء الموضوع لا انتفاء المحمول عن الموضوع
والحالة اللاحقة المشكوكة هي اتصاف الموضوع الموجود في الخارج بالمحرمية
وعدمها وليس له حالة سابقة حتى تستصحب.
وما توهم من أنه ان اخذ عدم المحرمية من قبيل العدم النعتي لا يجرى فيه
الاستصحاب لانتفاء الحالة السابقة وان اخذ من قبيل العدم المحمولي يجرى فيه
الاستصحاب وهم لان سلب المحرمية عن المصداق سواء اخذ على وجه التقييد
أو على وجه الحمل لم يكن له حالة سابقة وإن كان الغرض منه الاخذ بمقتضى العدم
الأزلي من حيث اقتضائه البقاء على حاله ما لم يثبت علة الوجود فهو عين ما بيناه من
الركون إلى المقتضى المعلوم وعدم الاعتداد باحتمال المانع.
والحاصل ان ارجاع هذا الفرع ونحوه إلى استصحاب الحالة السابقة غير
معقول وما ذكر في ارجاعه إلى استصحاب الحالة السابقة لا يرجع إلى محصل مع أنه
ان قلنا بان مرجع التقييد حينئذ إلى أن القيد مانع ويكون المطلق باقيا على اطلاقه
في مرحلة الاقتضاء لعدم المنافاة بين سريان حكم المطلق في جميع افراده اقتضاءا
وعدم ترتب اثر عليه فعلا لوجود المانع فهو اعتراف بما بيناه واخترناه. وان قلنا
بان المقيد موضوع لحكم التحريم ابتداءا ولا يسرى فيه حكم المطلق حتى على وجه
الاقتضاء كما هو مختاره و زعمه فالمطلق حينئذ لا يكون باقيا على اطلاقه والا لزم
اجتماع حكمين متضادين على موضوع واحد فلا محالة يكون المطلق مقيدا بغير مورد
257

القيد فيكون عدم القيد حينئذ قيدا للموضوع فيكون العدم حينئذ نعتيا لا محموليا فالفرق
بين العدم النعتي والمحمولي لو تم لا ينفعه في المقام وأمثاله.
فان قلت ذات الموضوع و خصوصيته من المحرمية وهكذا أمران كانا منتفيين
سابقا وبانقلاب عدم ذات الموضوع إلى الوجود لا نعلم بانقلاب عدم خصوصيته إلى
الوجود فنستصحبه.
قلت إن أريد منه استصحاب عدم المحرمية من دون إضافة إلى الموضوع الموجود
في الخارج فهو صحيح ويترتب عليه اثره إن كان له اثر وان أريد استصحاب عدم
محرمية هذا الموجود الخارجي فلا سابقة له حتى يستصحب نعم عدم محرمية هذا الموجود
من اللوازم العقلية لعدم المحرمية المستصحب من دون إضافة ولا يثبت بالاستصحاب
اللوازم العقلية بالضرورة.
وما يتوهم من أن الشخص قبل وجوده في الخارج متشخص بخصوصياته
المشخصة من المحرمية أو الأجنبية وهكذا ثم يعرضه الوجود استنادا إلى صحة
قولك وجد أخت لزيد أو لم توجد له مثلا وهم فاحش لاستحالة ثبوت التشخص
قبل الوجود وقد اشتهر اشتهار الضروريات الأزلية ان: " الشئ ما لم يتشخص لم يوجد "
كما أنه ما لم يوجد لم يتشخص فالتشخص مساوق للوجود ومن لوازمه واسناد
الوجود إلى الشخص في القضية اللفظية إنما هو باعتبار مقارنة الوجود مع التشخص
لا باعتبار عروضه على المشخص والا لزم أن تكون المشخصات من الأجنبية والمحرمية
من عوارض الماهية لا الوجود ولزم اتصاف المرأة قبل وجودها في الخارج بإحديهما
إذ لا يجوز ارتفاع الضدين اللذين لا ثالث لهما عن محلهما مع أن عدم اتصافها قبل
وجودها في الخارج بأنها مناسبة أو أجنبية من البديهيات الأولية وليس هذا الا لأنهما
من عوارض الوجود لا الماهية وهكذا الامر في نظائرهما من المشخصات.
فان قلت لا حاجة إلى استصحاب عدم المحرمية في الحكم بجواز تزويج
المرأة المشكوكة إذ مع اطلاق أدلة جواز التزويج والشك في المحرمية نشك في
258

ثبوت التقييد فنحكم بمقتضى الاطلاق ما لم نعلم المحرمية
قلت الشك ليس في أصل التقييد حتى نحكم باطلاق الدليل بل الشك في
المصداق مع ثبوت أصل التقييد فلا مجال للرجوع إلى اطلاق الدليل مع أن الحكم
بالاطلاق في صورة الشك في أصل التقييد إذا كان الشك في التقييد من أول الأمر
لا يتم الا على قاعدة الاقتضاء والمنع كما أوضحنا الكلام فيه في الفائدة الأولى.
فتلخص مما بيناه ان اطباق الأصحاب قدس سرهم على الاخذ بالعدم الأصلي
في الفرع المزبور وأمثاله لا يتم الا على قاعدة الاقتضاء والمنع وكاشف عن أن هذه
القاعدة الشريفة من المسلمات المركوزة في الأذهان بل المجبول عليها الطبايع
وإنما حدثت الشبهة لبعض الأواخر فزعم أنه لا دليل على اعتبارها بل لا سبيل إلى
احراز المقتضى والمانع وقد تقدم كلامه وأوضحنا فساد ما زعمه
تم الجزء الأول من كتاب الفوائد العلية مع اشتغال البال وضيق المجال
ثالث عشر ذي الحجة الحرام سنة احدى وسبعين بعد الألف وثلثمأة على يد مؤلفه
العبد المفتقر إلى عفو ربه الغنى علي بن محمد بن علي الموسوي البهبهاني حامدا
مصليا مسلما.
259

(فائدة)
سؤال در بستان السياحه در حرف راء در ذيل ذكر رشت وحالات شيخ زاهد
گيلانى كه از حمله صوفيه است ذكر مينمايد وكلماتي راجع بمشرب عرفان از أو
نقل ميكند وميگويد روزى ميفرمود كه مردم روزگار توهم نموده اند كه أين مراتب
عليه ومناصب سنيه وقف قومي است كه در أزمنة ماضيه بوده اند بلكه نه چنين است.
بيت:
فيض روح القدس ارباز مدد فرمايد * ديگران هم بكنند آنچه مسيحا ميكرد
ونوبتى بيان نمود كه دانستن أصول وصول وقواعد عقائد يا بطريق فكر است
وآن مسلك متكلمين وحكماء مشائين ناست يا بطريق رياضت نو آن مسلك صوفيه وحكماء
اشراقيين است كه ايشانرا رواقيين هم گويند (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير
والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) در طريق أول خار شبهه بسيار است وقدم عقل
از رهگذر أفكار أفكار بيت.
پاى استدلاليان چوبين بود * پاى چوبين سخت بي تمكين بود
گر كسى از عقل باتمكين بدى * فخر رازي راز دان دين بدى
غاية دليل مناقشه وخلاف است وأساس بر ظن وقياس وبر تخمين وگزاف
(وما يتبع أكثرهم الا ظنا لا يغنى من الحق شيئا) بعضي در مدرسه ميان أهل
وسوسه بسيار جان كنده اند وكمندى چند از تقليد در گردن عقل افكنده اند نه در ميخانه
260

تحقيق باده عرفان نوشند ونه در قدم پير مغان بتهذيب كوشند أرباب عرفان مدعى
علم ومشاهده اند وعلماء ظاهر مدعى ظن وگمان وقياس واستحسانند زير كان دانند
كه مرتبه مدعى علم ودانش فوق مرتبه مدعى ظن وگمان است.
وآية (هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب)
ترجمه اش أين تاست آيا مساويند آنها كه ميدانند وانها كه نميدانند بتحقيق كه ياد آورى
ميكنند صاحبان لب وأهل تحقيق أين آية را بشنو (لاتتبع أهواء الذين لا يعلمون)
يعنى تابع مشو البتة رأى آنها را كه علم ندارند (وماذا بعد الحق الا الضلال) يعنى
غير از علم گمراهى است وكسى كه بدون علم حكم كند بدبخت وشقي است
بمصداق (وان تقولوا على الله مالا تعلمون) وصلى الله على محمد وآله.
شيخ مذكور در تنقيد طريق فكر واستدلال وتشييد طريق كشف وشهود كلام
خود را بنهاية رسانيده است بنحويكه موجب حيرت وشبهه جمعى گرديده لذا
مستدعى جواب شافي از جضرتعالى هستم كه كاملا رف شبهه نمائيد.
جواب بسم الله تعالى شانه وله الحمد بسيار شگفت وتعجب است از كسيكه
ادعاء فضل وكمال نمايد وخود را از أهل وجد وحال داند وگمان نمايد كه پايه فكر
واستدلال برظن وگمان وتخمين وجزاف است چه واضح وروشن است كه مرجع
استدلال وفكر بكشف مجهولات نظريه از معلومات بديهية است وبديهى است كه
كشف مجهولي از معلومى صورت نگيرد مگر اينكه وجود هريك ملازم وجود
ديگرى باشد وملازمه ميان وجود هريك باديگرى بيكى از دو وجه است ياباينكه
أحدهما علت ديگرى باشد خواه معلوم معلول باشد كه از أو پى بوجود علت برد
مثل پى بردن از وجود مصنوعات بوجود صانع حكيم وخواه معلوم علت باشد كه
از أو پى بوجود معلول برد مثل پى بردن از حكمت حكيم على الاطلاق باينكه
افعال أو همه بر طبق حكمت وصواب است اگر چه عارف فعلى أو نباشد
يا باينكه هر دو معلول يك علت باشد مثل پى بردن از ديدن دود بحرارت هواء
261

مجاور آن ولذا منحصر نموده اند أهل نظر دليل را درانى يعنى از معلول پى بردن
بعلت ولمى يعنى از علت پى بردن بسوى معلول وپى بردن از أحد معلولي علت
واحده بمعلول ديگر مركب از ان ولم است وخالى از هر دو نيست وبديهى است
كه از علت پى بردن بسوى معلول وبالعكس موجب علم ويقين است نه ظن وتخمين
وهرگاه پايه فكر واستدلال برظن وتخمين بود خداوند عزو جل مدح تفكر وتدبر
را در كلام مجيد خود نميفرمود وحال اينكه در آيات بسيار امر بتفكر نموده است
ومدح فرموده است أهل تفكر وتدبر را وذم نموده است كساني را كه تفكر وتدبر
نمينمايند ونهايت عجب وشگفتى أين است كه باكثرت آيات كريمه واخبار شريفه
در مدح تفكر هيچكدام بنظر شريف ايشان نرسيده با ادعاء مرتبه جليله ازكشف
وشهود وترنم بشعر حافظ ودعوى برابرى با حضرت مسيح عليه السلام.
پس از أين بيانات منكشف گرديد كه مثل أهل فكر واستدلال مثل بصير
وسميع است نزد خداوند متعال والا مدح آنها را نمى فرمود واعمى واصم مثل
تاركين تفكر وتدبر است وايات ديگرى را كه در أين باب استشهاد نموده است
بهيچوجه ارتباط باهل استدلال ندارد بلى آيات مزبوره صادق بر أهل قياس واستحسان
ميباشد واحدى از علماء امامية عامل بآنها نيست.
شايد كسى از طرف شيخ زاهد گيلانى اعتراض نمايد وبگويد هرگاه پايه
استدلال بر علم ويقين است نه ظن وتخمين أين اختلافات در ميان مردم از كجا پيدا
شده بعضي قائل بجبر وبعضي قائل بتفويض وبعضي قائل باختيار وامر بين الامرين
بعضي مجسمه اندو بعضي حلوليه إلى غير ذلك از اختلافات ميانه فرق مسلمين وغيرهم
از أهل كتاب ومشركين وطبيعيين.
ميگويم در جواب معترض:
أولا - اختلاف مشارب ومسالك اختصاص باهل استدلال ندارد بلكه أهل
استدلال ومدعين كشف وشهود هر دو در اختلافات مذكوره شريكند بسيارى از
262

گويند گان أقاويل باطله از جبر وتفويض وتجسم وحلول ووحدة وجود مدعى كشف
وشهودند.
وثانيا - اختلاف مذاهب ومسالك ناشى از عدم رعاية قاعده استدلال است
نه از فساد فكر واستدلال چه قاعده استدلال بطوريكه مبين گرديد آنفا وسابقا مبنى
بر أساس متين وپايه رزين است واختلاف وتخلف در أو رآه ندارد چه بديهي است
كه وجود علت تامه كاشف از وجود معلول است كما اينكه وجود معلول كاشف از
وجود علت است پس ناچار اختلاف ناشى از عدم رعايت قاعده استدلال است. مثل
قاعده استدلال مثل قواعد حساب است از ضرب وجمع وتفريق وجبر. مقابله وهكذا
كما اينكه قواعد مزبوره در غايت متانت واستحكام است واشتباه محاسب أحيانا
كاشف از فساد قاعده نيست بلكه ناشى از عدم رعايت قاعده است همچنين راجع
بقاعده استدلال.
وچنانچه معترض اعتراض از وجه ديگر نمايد وبگويد علماء ظاهر ادعاء
فوق ظن وگمان در مسائل ندارند ومعترفند كه علم قطعي بمسائل ندارند واعتراف
آنها بعدم علم قطعي بمسائل كاشف از أين است كه پايه استدلال آنها بر ظن وگمان
است.
ميگويم راجع بأصول دين وأصول مذهب وقواعد عقائد كه مورد بحث
ونظر است جميع علما ادعاء علم در انها مينمايند وسواى علم ويقين را كافى
نيمدانند وتحصيل علم ويقين را واجب ميدانند واحدى اكتفا بظن در أصول ننموده
بلى راجع بفروع أحكام بما دون علم قطعي اكتفا مينمايند در صورتيكه اعتبار آن
بعلم قطعي ثابت شده باشد مثل بينه وسائر امارات وأصول معتبره وبديهى است
كه اخذ بأمور بعلم قطعي اتباع علم وركون بيقين است نه ركون بظن
وتخمين.
باز هرگاه معترض نمايد از وجه ديگر وبگويد خبر شريف: " العلم
263

ليس بكثرة التعليم والتعلم بل نور يقذفه الله في قلب من يشاء ". دليل بر أين است كه
علم از مقدمات استدلال حاصل نمى شود وقذفي واشراقى وموهوبى است از جانب
حضرت حق پس معلوم ميشود كه علم حاصل نميشود مگر بكشف وشهود.
ميگويم معنى حديث شريف أين است كه عطاء علم كه طعام ورزق روحاني
روح است مثل رزق جسم است كه عطاء آن بمشية وتقدير حضرت حق است وتكثير
مقدمات موجب ازدياد نتيجة نيست بلكه كافى است در حصول آن ترتيب مقدمات
بمقدار متعارف وعمده چيزيكه موجب ازدياد نتيجة است اخلاص وتوجه بمبدأ
فياض على الاطلاق است.
پس حديث شريف ناظر است باينكه طالب علم بايد توفيق وتأييد را از
پروردگار عالم طلب نمايد نه اينكه پايه استدلال بر ظن وگمان است واز أين بيانات
متبين گرديد كه پايه استدلال بحكم صريح عقل بر أساس محكم ومستحكم استوار
است وبهيچوجه خلل پذير نيست ومير داماد (قدس سره) در جواب ملاى رومى
بنظم در آورده. بيت:
أي كه گفتى پاى چوبين شد دليل * ورنة بودى فخر رازي بي بديل
فرق ناكرده ميان عقل ووهم * طعنه بر برهان مزن أي كج بفهم
هست در تحقيق برهان أو ستاد * داده خاك خرمن شبهه بباد
در كتاب حق أولوا الألباب بين * وان تدبر را كه كرده است آفرين
زاهن تثبيت فياض مبين * پاى استدلال كردم آهنين
پاى برهان آهنين خواهى براه * از صراط المستقيم ما بخواه
وكمال تعجب وشگفتى از سيد قطب الدين نيريزى است كه بعضي أو را از
أكابر عرفاء وأقطاب سلسله ذهبية شمرده اند ومع ذلك متنبه بكلام مير داماد نشده
وپاسخ داده أو را وبنظم آورده. بيت:
أي كه طعنه ميزنى برمولوى * أي كه محرومي زفيض مثنوى
264

گر تو فهم مثنوى ميداشتى * كي زيان طعنه مى افراشتى
گر چه سستيهاى استدلال عقل * مولوى در مثنوى كرده است نقل
ليك مقصودش نبوده عقل كل * زانكه أو هادي است در كل سبل
بلكه قصدش عقل جزئي فلسفي است * زانكه أو بي نور حسن يوسفى است
وجواب قطب أولا مربوط بمطلب نيست چون كلام در پايه استدلال است كه
بر يقين استوار است يا بر ظن نه در صحت حكم عقل وادراك أو است كه فرق
گذاشته شود ميانه عقل كلى وجزئي.
وثانيا حكم عقل مطلقا مطابق با واقع است وصحيح است خواه جزئي
وخواه كلى وآنچه باطل است حكم وهم است وميزان مائز ميان حكم عقل ووهم
نيست مگر قانون استدلال پس هر ادراك وحكميكه عرضه شد برقانون استدلال
ومطابق در آمد صحيح است وحكم عقل است والا حكم وهم است وباطل پس
اسناد وملاك صحت وبطلان نيست مگر برهان كما اينكه مير (قدس سره) تنبيه بر آن
فرموده أين تمام كلام است در رفع تنقيد از طريق استدلال بر گرديم ببيان حال كشف
وشهودي كه شيخ زاهدى گيلانى مدح فائقي از آن نموده، ميگويم:
بعون الله تعالى ومشيته هرگاه پايه كشف وشهود بر علم ويقين باشد بايد تمام
مكاشفات أهل كشف بصواب وبر حق باشد وحال اينكه ادعا كنندگان كشف وشهود
در كشف وشهود خود مختلفند مثل اختلاف أهل استدلال پس ناچار بايد ميزاني
در بين باشد كه صواب را از خطا امتياز دهد بديهي است كه نفس كشف ميزان
صحت وبطلان نخواهد بود چون هريك بمصداق آية كريمه (كل حزب بما لديهم
فرحون) از كشف خود خوشنود ميباشند پس بايد طرفين مراجعه نمايند بحكمي
كه معتمد طرفين باشد.
وبديهى است كه حكمي كه مورد تصديق واعتماد طرفين باشد نيست مگر عقل
كه حجت در أو بين است وحكومت وفيصله عقل نيست مگر بتطبيق بر برهان ودليل
265

پس هر كشفي مطابق با دليل آمد حكم بصحت آن مينمايد والا فلا پس ظاهر شد
بحمد الله تعالى كه امر كشف استقامت پيدا نخواهد نمود مگر بمراجعه بطريق استدلال
فعلى هذا سزاوار است كه گفته شود.
پاى استكشافيان چوبين بود * پاى چوبين سخت بي تمكين بود
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
266

(فائدة - 38)
طبيعي - تصديق بوجود غير محسوسات نداريم وموجودات را منحصر
ميدانيم در محسوسات.
موحد - عقلا وحكما طبق حكم عقل ميزاني مقرر نموده اند از برأي تشخيص
قول صحيح وفكر صائب از قول باطل وفكر خطا وعلم متكفل شرح أين ميزانرا
علم منطق وعلم ميزان ناميده اند آيا جماعت طبيعيين أين ميزانرا تصديق دارند
يا عقيدة آنها أين است كه ميزان صواب وخطائى نيست.
طبيعي - ساكت ماند:
موحد - هر طرفرا بگيريد وملتزم شويد منافى بانظر شما است هرگاه بگوئيد
ميزاني از برأي تشخيص صواب وخطاء أفكار وأقوال نيست بايد توقف در جميع
مسائل نظريه نمائيد واختيار رأى واظهار نظر در آنها ننمائيد واز جمله آنها ظهور
موجودات از طبيعت يا از تدبير مدبر حكيم است وحصر موجودات در محسوسات
فعلى هذا بايد در مرحله اعتقاد توقف نمائيد وانكار اعتقاد موحد ننمائيد وعملا تابع
عقيدة موحد باشيد چه وجوب تحرز از ضرر وخطر محتمل از جمله مستقلات عقلية
بل مجبول طباع است.
وهر گاه ميزان صواب وخطاء أفكار وانظار را تصديق داريد وهر عاقلي ناچار
267

است از تصدبق آن چه مرجع آن بملازمه ميان علت ومعلول وعدم جواز انفكاك
احدهمااز ديگرى است وبديهى هر صاحب فطرتي است ثبوت ملازمه بلكه مرجع
ثبوت ملازمه بثبوت علية. معلولية است وخلاف فرض است.
فعلى هذا بايد تصديق نمائيد وجود صانع حكيم را چون وجود عالم معلول
از مشية وجود صانع حكيم است وروا نيست كه بگوئيد ما بنا گذاشته أيم براينكه
تصديق نكنيم وجود غير محسوس را چه عقل مجبور مينايد بواسطة وجود معلول
باينكه تصديق نمايد بوجود علت خواه محسوس باشد وخواه غير محسوس وغلط
است بنا گذاشتن بر خلاف حكم عقل وأيضا قول بطبيعت واستناد وجود أشياء بطبيعت
مناقض است با التزام بحصر موجود در محسوس زيرا كه طبيعت هم مثل مدبر حكيم
محسوس نيست بنفسهاو محسوس آثاري است در خارج كه طبيعي أو را مستند
بطبيعت ميدانند وموحد بتدبير مدير حكيم. وأيضا مقصود از محسوس خصوص مبصرات
است يا مطللق محسوس بحواس خمس ظاهره.
هر گاه خصوص مبصرات مقصود باشد لازم ميايد كه انكار وجود أصوات
وطعوم وروائح وحرارت وبرودت نمايد زيرا كه هيچكدام محسوس بحس بصر نيست
وهرگاه مطلق محسوس بحواس خمس ظاهره مقصود باد لازم ميايد كه
صفات نفسية از قبيل علم وعدالت وشجاعت وامانت واضداد آنها را انكار نمايد زيرا كه
هيچكدام محسوس بحواس خمس ظاهره نيست وانكار هر يك انكار أوائل بديهيات
است بلكه فطرة مجبول است بر تصديق وجود صفات نفسية بسبب وجود آثار آنها
در خارج.
طبيعي - حكم عقل مارا مجبور مينمايد براينكه ميزان صواب وخطا را تصديق
نمائيم ووجود غير محسوس رآهم تصديق نمائيم در صورت وجود آثار آن در خارج
لكن ناچار نيستيم از اينكه تصديق نمائيم وجود مدبر حكيم را از برأي عالم چه
جائز است كه بروز وجود أشياء از طبيعت باشد كما اينكه جائز است از مشية خالق
حكيم باشد.
268

موحد - أولا پس از تسليم احتمال أمرين عقل وفطرت حكم مينمايد بوجوب
تحرز از ضرر وخطر محتمل ومقتضاي تحرز از ضرر محتمل أين است كه انكار
صانع عالم ننمايد وعملا تابع موحد باشد ودر طلب تحصيل علم ويقين باشد وتكبر
نورزد از ملاقاة موحدين واستماع براهين آنها وتدبر وتفكر در كلام آنها ومسلم
است كه در اينصورت هدايت خواهد يافت وهر كدام كه ترك وظائف مذكوره نمايد
وبر الحاد خود باقي باشد معذور نيست.
وثانيا بطلان بروز وجود أشياء از طبيعت در كمال وضوح است
زيرا كه طبيعت قائم بمواد اشيااست ووجود أو تابع وجود أشياء است ومعقول
نيست طبيعت كه وجود أو فرع وجود أشياء است موجد آنها باشد والا دور صريح
لازم ميآيد وبطلان دور از أبده بديهيات وأوضح واضحات است.
طبيعي - ما نميگوئيم طبيعت مواد أشياء را وجود ميدهد تا دور لازم آيد بلكه
ميگوئيم مواد أشياء كه عبارت از ذرات باشد قديم است ووجود آنها ذاتي است
ومستند بغير نيست واز برأي أين عالم دو أصل قديم قائل شده أيم ذرات وطبايع
آنها وصور مختلفه ذرات حادثند واز طرف طبيعت پيدا خواهند شد.
مثلا ميگوئيم ذرات منى قديم است وصورت منويه از طرف طبيعت پيدا ميشود
أو لا وپس از آن بسبب طبيعت منويه صورت علقيه وپس از آن بسبب طبيعت علقيه
صورت مضغيه وپس از آن بسبب طبيعت مضغيه متبدل بعظام ميگردد وگوشت
بر آنها پوشيده ميشود وهكذا تا بحد كمال خود برسد پس از آن باز بتصرف طبيعت
بر ميگردد بحالت نكس وضعف.
موحد - عقيدة شما از چند وجه فاسد است.
أول اينكه تغير واختلاف صور ذرات علامت حدوث ذرات وپيدايش آنها
از كتم عدم است چه واضح است كه هر جسمي چه صغير وچه كبير وجود ندارد
مگر با خصوصيات مشخصه از حيث صورت وشكل وسائر خصوصيات چه بديهي
269

است كه " الشئ ما لم يتشخص لم يوجد " كما أنه ما لم يوجد لم يتشخص فعلى هذا
هرگاه ذرات قديم باشد بايد خصوصيات مشخصه هم قديم باشد وتغير وتبدل
واختلاف در أو رآه نداشته باشد وهرگاه خصوصيات مشخصه حادث باشد ذرات
هم كه وجود آنها بوجود مشخصات بسته است حادث است وتفكيك بين ذرات
وصور آنها در قدم وحدوث تصور ندارد پس حدوث صور بسبب تغير آنها دليل
بر حدوث ذرات است.
پس از اينكه واضح گرديد حدوث ذرات مجالي نمى ماند از برأي قدم
طبايع قائمه بأنها چه واضح وظاهر است كه ممكن نيست قيام قديم بحادث واحتياج
أو بوجود حادث بلكه احتياج وجود شئ بوجود ديگرى باقدم وذاتي بودن وجود
أو جمع نميشود خواه محتاج إليه حادث باشد يا قديم چه واضح است كه وجود
محتاج تابع وفرع وجود محتاج إليه ميباشد وقديم وجود أو از خود است وتابع
وجود غير نيست.
دوم - اختلاف طبائع ذرات باختلاف صورت منويه وعلقيه ومضغيه وهكذا
منافى با قدم طبيعت است چه ذاتي وقديم اختلاف وتخلف در أو رآه ندارد وفارق
ميان حادث وواجب وممكن وقديم همين است كه اختلاف وتخلف از خواص
حادث وممكن است ودر واجب وقديم رآه ندارد.
اگر گفته شود كه ذرات بر طبيعت أصلية خود باقي است ولكن باختلاف
صور مختلفه آثار أو مختلف ميگردد.
ميگويم اختلاف صور در أين صورت تصور ندارد مثلا هرگاه طبيعت أولية
ذرات كه اقتضاء منويه دارد باقي باشد محال است تبدل صورت منويه بصورت علقيه
زيرا كه معقول نيست كه طبيعت واحده مقتضى حدوث صورت منويه وزوال وتبدل
آن بصورت علقيه باشد.
سوم - اينكه جائز نيست كه طبيعت منويه را علت صورت علقيه وطبيعة علقيه
270

را علت صورت مضغيه وهكذا قرار دهيم چون لبس هر صورتي پى از خلع صورت
سابقه است ومحال است حدوث معلول پس از انعدام علت پس توهم عليت ميان صور
متعاقبه باطل است وصور متعاقبه كه لبس هر صورتي پس از خلع صورت ديگرى
است از قبيل معدات است نظير اقدام متتابعه كه وجود تالي آن موقوف بر انعدام
سابق آن است ولا حق آن معلول از سابق نيست بلكه وجود جميع مستند بمؤثر
ديگرى است.
چهارم اينكه قطع نظر از محذور سابق باز معقول نيست كه طبيعت منويه مثلا
علت موجده صورت علقيه وطبيعت علقيه علت موجده صورت مضغيه وهكذا باشد
چون هر مرتبه لاحقه كمالي است نسبة بمرتبه سابقه ومعقول نيست كه مرتبه ضعيفه كه فاقد
كمال مرتبه لاحقه است معطى مرتبه لاحقه باشد.
ذات نا يافته هستى بخش * كي تواند كه شود هستى بخش
بلى مرتبه ضعيفه قبول لبس كمال را دارد ومجرد قبول لبس كمال موجب
حدوث كمال نخواهد بود مثلا فلز طلا كه قابل صور زيودهاى گوناگون است
وفلز آهن كه قابل صور آلات متعددة است جائز است كه بگوئيم مجرد صلاحيت
وقابليت آنها لبس صور مختلفه را موجب حدوث صورتي از صور زيور وآلات شده
است بدون عمل زرگر وآهنگر كلاثم كلا حاشا ثم حاشا پس لبس كمال پس
از نقص وضعف مستند بكامل بالذاتي است كه عطا مينمايد كمال أشياء را حسب
حكمت ومشيت واراده خود.
پنجم عروج انسان وحيوانات ونباتات وسائر موجودات از حضيض نقص
باوج كمال متدرجا وهبوط آنها از ذروه كمال بحضيض نقص متدرجا أيضا منافى
باقدم طبيعت وذاتي بودن آن است زيرا كه هرگاه طبيعت قديم باشد زوال در أو رآه
ندارد وبابقاء طبيعت وعدم زوال آن عود بضعف ونقص تصور ندارد زيرا طبيعتي كه
مقتضى كمال است محال است كه موجب ضد آن گردد.
271

پس عروج باوج كمال وهبوط بحضيض ضعف ونقصان دليل بر أين است
كه طبائع متعددة متدرجا در موجودات پيدا ميشود وودائعى است از طرف حضرت
بارى جل جلاله كه بحسب حكمت طبيعتي را ايجاد ميفرمايد پس از طبيعتي ودائما
موجودات در خلع ولبس ميباشند وخلع طبيعتي ولبس طبيعتي شاهد است روشن
بر اينكه پيدايش أين عالم مسبوق به نيستى است وبمشية صانع حكيم وجود يافته
ومسخر تدبير حضرت حق است جلت آلائه.
ششم اينكه دميدن روح وروان در انسان وحيوانات مربوط بذرات واختلاف
صور آنها بهيچوجه نيست بلكه خلق أخرى است كه انشاء فرموده آنرا خداوند
متعال پس از تكميل جسد انسان وحيوان وتاثيرى ندارد در أو طبع ذرات ومواد
فتبارك الله أحسن الخالقين.
272

(فائدة - 39)
مناظره باشخص هندي در نبوت خاصه سيد أنبياء صلى الله عليهم وآله قبل ازملاقات أو شخصي
كه از طرف أو آمده بود بجهة اجازه گرفتن ملاقاة اظهار داشت كه منظور أو أين
است كه نبوت خاصه را بدليل عقلي اثبات نمائيد وبدليل نقلي قناعت نمينمايد وكافى
نميداند.
لذا در وقت ملاقاة بجهت رفع أين شبهه قبل از اينكه أو سئوالى نمايد اظهار
داشتم كه درك أشياء نسبت بحواس خمس ظاهره مختلف است درك بعضي اختصاص
بحس باصره دارد وبعضي بحس سامعه وبعضي بحس ذائقه وبعضي بقوة شامه وبعضي
بقوة لامسه هرگاه بنائي در حسن تركيب وكمال زيبائى است مثلا وشخصي فاقد
بصر است يا انكه چشم خود رامى بندد وميگويد حسن تركيب أين بنيان بقوة سامعه
يا ذائقه يا شامه بمن برسانيد وتصديق حسن بناء نمى نمايم مگر اينكه بيكى از حواس
سه گانه درك نمايم ايا مورد ايراد بيوجه گرفته يا طرف عجز از اثبات آن دارد گفت
مورد ابرام بيمورد گرفته.
وهمچنين گفتم صدائى بلحن خوش شنوده ميشود وطرف فاقد قوه سامعه است
يا پنبه در گوش ميگذارد وميگويد صدا را ميخواهم بقوة باصره يا ذائقه يالامسه برسانيد
آيا ايراد أو بيجا است يا اينكه طرف عجز از اثبات دارد گفت أو ايراد بيجا گرفته
همچنين مثلهاى ديگر بجهة توضيح ذكر نمودم در همگى اعتراف نمود كه ايراد
273

بيجا از طرف مورد است سپس گفتم بعض أشياء كه بهيچكدام از حواس خمس
ظاهره درك ميشود مثل علم وعدالت وشجاعت وأمثال آن از صفات نفسية ودرك آنها
بتوسط آثاري است كه بيكى از حواس پنجگانه محسوس ميشود مثل علم زيد بفقه
يا بصنعتي مثلا كه درك نميشود مگر بقوة باصره باعتبار ديدن مؤلفات أو يا صنعت أو
يا بقوة سامعه باعتبار شنيدن جواب أو از مسائل معضله وهمچنين راجع بسائر صفات
نفسية.
پس هرگاه بگوئيم كه زيد عالم بعلم فقه است يا فلان صنعت وعمر وبگويد
كه من تصديق نميكنم مگر اينكه علم اورا بحس بصر يا سمع يا ذوق ياشم يا لمس
درك كنم وبتوسط آثار تصديق نميكنم آيا أو ازاد بيمورد گرفته وعجز در طرف
است كه نميتواند اورا بحواس ظاهره أو برساند گفت أو ايراد بيوجه گرفته وعجز
در طرف نيست گفتم همچنين نبوت خاصه كه مرتبه رفيعه وشان الهى است كه
خداوند عزو جل اورا مرحمت فرموده بكسيكه اورا لايق أين شان وأين مرتبه ديده
ومثل أو مثل علم است كه بهيچ يك از حواس خمس ظاهره درك نميشود ولكن درك
ميشود بتوسط قوه باصره بسبب ديدن معجزات صادره از أو يابتوسط قوه سامعه باعتبار
شنيدن اخبار متواتره راجعه بصدور معجزات وخوارق عادات ازاو.
وهرگاه كسى بگويد كه نبوت خاصه را تصديق نيمكنم مگر اينكه عقل تصديق
نمايد بدون توسط معجزات محسوسه بحس بصريا بحس سمع آيا ايراد بيموردى
گرفته يا ما عجز از اثبات آن داريم.
گفت نه أو ايراد بيموردى گرفته گفتم پس چرا شما ايراد گرفته أيد كه نبوت
خاصه را ميخواهم بدليل عقلي ثابت نمائيد با اينكه دليل نقلي هم راجع بدليل عقلي
است ومقابله دليل نقلي با دليل عقلي نه باعتبار أين است كه عقل دليل نقلي را تصديق
ندارد بلكه باعتبار أين است كه دليل نقلي محتاج بمقدمات نقليه است در مقابل دليلي
كه محتاج بمقدمات نقليه ندارد والا هر دو مورد تصديق عقل است خلاصه اينكه عقل
274

درك ميكند كليات را بدون توسط مقدمان ولذا حكم مينمايد بوجوب نبوت مطلقه
بر خداوند حكيم بمقتضاى حكمت ولكن شخص نبي را نميتواند معين نمايد مگر
بتوسط آثار مشهوره از معجزات وخوارق عادات وسائر شواهد نبوة.
گفت من همچه ايرادي نگرفته أم ولكن گفته أم فصاحت وبلاغت وقران مجيد
را كه حجت نبوت قرار داده اند كافى نيست گفتم چرا كافى نيست گفت بجهت
اينكه اعراب يا معرفت فصاحت وبلاغت قران مجيد را داشتند كه تصديق نمودند
يا نداشتند هرگاه معرفت انرا داشتند چگونه عاجز شدند از اتيان بمثل آن چون عارف
بصنعت عاجز نيست از اظهار صنعت خود وهرگاه عارف نبودند تصديق بدون تصور
ومعرفت حجت نيست.
گفتم جواب از أين شبهه خيلى سهل واسان است تصديق آنها با معرفت بوده
ولكن با معرفت اجمالي نه تفصيلي لذا قادر بر اتيان بمثل قران مجيد نبودند وهنچنين
است تصديق در سائر صنايع وعلوم هرگاه شخصي دو بنا را مشاهده نمايد كه
يك بناء آن در كمال حسن وزيبائى است وبناء ديگر مطابق آن نيست بالضرورة
ترجيح ميدهد بناء أحسن را برديگرى با اينكه خود بنا نيست وهمچنين دو منسوج
را مى بيند كه نسج يكى در كمال است ونسج ديگرى ضعيف است بالبداهة منسوج
كامل را ترجيح ميدهد با اينكه ترجيح دهنده نساج نيست وقدرت برنسج ندارد.
وهمچنين شعر فردوسي وسعدى وحافظ را كه موازنه نمائي با شعر فلان
كه شعريت أو ناقص است بالفطرة درك ميكنى كه شعر فردوسي يا سعدى يا حافظ
رديف شعر فلان نيست ومع ذلك أهل شعر نيستى كه قدرت بر انشاء شعر مثل
شعر فلان داشته باشى.
وأين شبهه بسيار شبهه واهية است ودر زمان سيد مرتضى علم الهدى أعلى
الله مقامه أين شبهه عرضه برسيد (قدس سره) شده است وجواب از آن بنحويكه
عرض كرديم داده است وعجب است از شما كه أين شبهه واهية را بزرك شمرده أيد
275

سپس گفتم با اينكه معجزه بودن فصاحت وبلاغت قران مجيد در كمال وضوح وظهور
است وشبهه مذكوره در كمال وهن وضعف است بنحويكه قابل توجه نيست
ثبوت نبوت خاتم أنبياء (ص) موقوف بر آن نيست وطرق اثبات نبوت بسيار است
وفصاحت وباغت قران مجيد يكى از آن طرق است
واز جمله طرق دستورات دين اسلام در أبواب عبادات. معاملات از عقود
وايقاعات وأحكام وسياسات از مواريث وحدود وديات وهكذا ميباشد كه هر عاقلي
نظر در آن نمايد تصديق ميكند كه در كمال اتقان وأحكام است وچيزى در أو
فروگذار نشده وبديهى است كه تأسيس همچه دستور كاملى از شخص أمي كه
از احدى فرا نگرفته علمي راونشو ونماء أو در مشركين مكة بوده كه عارى از
علم وأدب بوده اند حجة واضحه ودليل روشنى است بر اينكه نيست أين مگر از
خداوند متعال والا بشر عادى أمي چگونه ميتواند تأسيس دستوراتى در هر باب نمايد
بطوريكه حكماء اعصار اعتراف بكمال حكمت اتقان آن دستورات نمايند واظهار
عجز از احاطه بتمام حكم آن نمايند.
گفت أمي بودن پيغمبر (ص) را ثابت نمائيد از غير تواريخ مسلمين وتواريخ
مسلمين را در أين باب قبول ندارم.
گفتم أولا أمي بودن آن جناب كالشمس في رابعة النهار است از برأي كسيكه
بسير وتواريخ حالات آن جناب از زمان تولد تا زمان بعثت رجوع نمايد وهرگاه
اختلافي در أمي بودن پيغمبر (ص) بود هر آينه كسانيكه در مقام معارضه بودند از
مشركين وأهل كتاب خلاف آنرا اظهار ميكردند وحال آنكه نقل خلاف از احدى
از آنها نشده.
وثانيا اثبات مينمايم أمي بودن آنجناب را از كلام اعدا عدو آن جناب
كه مشركين مكة باشند آية كريمه (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان
الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) كه جزء سوره نحل است وسوره
276

نحل مكيه است دلالت ميكند بر اينكه مشركين مكة گفتند ديگرى تعليم ميدهد
پيغمبر را واز طرف پروردگار نيست هرگاه پيغمبر أمي نبود نزد آنها وتحصيل
از علماء كرده بود نسبت تأليف قرانرا بخودش ميداند ومحتاج نبودند كه
نسبت بديگرى بدهند ونيست أين مگر بجهت علم واطلاع آنها براينكه پيغمبر (ص)
أمي است واز احدى تحصيل نكرده است وخداوند عز وجل رد گفته آنها فرمود
باينكه لسان ان كسى كه تعليم قرآنرا باو نسبت ميدهند عجمي است وقران عربي
آشكار است در كمال فصاحت وبلاغت وهرگاه أين نسبت را نداده بودند خلاف
انرا اظهار ميكردند قطعا.
وأيضا دليل ديگر بر ثبوت نبوت آن جناب اخبار متواتره بر ظهور معجزات
بسيار از آن جناب از قبيل تسبيح سنگريزه در كف مبارك آن جناب وتكلم
حيوانات با آن جناب واحياء موتى وسائر معجزات مشهوره كه فوق حد احصاء
است وعلاوة بر اخبار متواتره شاهد وحجت قاطعه بر ظهور معجزات بسيار
از آن جناب ذكر قصص أنبياء سلف در كتاب مجيد واثبات معجزات از برأي
آنها بل معجزات متعددة از برأي بعضي آنها مثل حضرت موسى وعيسى سلام الله
عليهما.
توضيح أين مطلب اينكه شبهه نيست كه آن جناب دعوى نبوت ورسالت
نمود وادعا نمود كه قران مجيد كلام پروردگار است كه بتوسط امين وحى بر أو
نازل شده ودر كتاب مجيد قصص جمعى از آن ها را مشروحا بيان فرموده با
معجزات ظاهره باهره از آنها وبديهى است كه هرگاه صاحب معجزات باهره
نبود وقدرت بر اظهار آنها نداشت وبكذب ادعاء نبوت نموده بود تصديق معجزات
أنبياء سلف را در كتاب مجيد خود نمى نمود كه موجب افتضاح أو شود كما اينكه
طائفه بابيه خذلهم الله بادعاء نبوت انكار صدور معجزه از أنبيا نموده اند.
خلاصه اينكه تصديق معجزات أنبياء سلف على نبينا وآله وعليهم السلام در
277

كتاب مجيد كه معجزه خود قرار داد كاشف قطعي است از قدرت آن جناب
بر اظهار معجزات وصدور آنها از آن جناب وفى الحقيقة ذكر حالات وأوصاف
أنبياء سلف در كلام مجيد معرف شان پيغمبر خاتم (ص) است كما اينكه ذكر
أوصاف أوصياء أنبياء سلف در قران مجيد معرف شان أوصياء آن جناب است بيت
خوشتر آن باشد كه وصف دلبران * گفته آيد در حديث ديگران
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
278

(فائدة - 40)
سؤال - مولانا أهل عرفان وأصحاب سير وسلوك ميگويند كه اگر انسان
از رآه خرد وفكر بواقع برسد تازه دانش است نه بينش وعمده آن است كه انسان
بمقام بينش برسد وبينش حاصل نميشود مگر بطريق رياضت وتصفيه نفس كه
طريقه صوفيه است پس طريق صوفيه در تحقيقي حقائق وتكميل نفوس أكمل وأتم
وارفع واعلى از طريق أهل استدلال است مثنوى
هر كه در خلوت به بينش يافت رآه * شحنه بيچاره در كنجى خزيد
عشق آمد عقل أو آواره شد * صبح آمد شمع أو بيچاه شد
وحاصل نميشود مقام عشق وجذب در شخص مگر بتوسط رياضت وتصفيه
نفس بنحويكه اشتباه در أو رآه نداشته باشد مثل بينش حس بصر كه در أو اشتباه
رآه ندارد ادعائي است جزاف چه واضح وروشن است كه أهل رياضت وادعاء
كنندگان كشف در هر مذهبي وملتى هست وهر يك دعوى بينش مينمايند بر طبق
279

مرام خود وممكن نيست كه همه بصواب ديده باشند.
پس بينش كشفي مثل بينش فكرى است كه خطا واشتباه در أو رآه دارد كما
اينكه دستگاه علم ووهم در أفكار رآه دارد همچنين در كشف كشف رحماني وشيطاني
وخيالات نفساني رآه دارد وناچار است از اينكه ميزان صواب وخطائى در بين باشد
كه صواب را از خطا وصحيح را از باطل تمييز دهد وأين ميزان نيست مگر برهان
ودليل كما اينكه توضيح أو را در جواب سؤال سابق داده أيم فعلى هذا ماداميكه بينش
أهل كشف عرضه بر برهان داده نشده ومطابقت آن بار برهان معلوم نشده حكم بصحت
آن نميشود.
پس معلوم شد كه عمده علم حاصل از برهان ناست كه ميزان حق وقسطاس
مسقيم است نه درك حاصل از رياضت كه مثل أو مثل خواب است كه گاهى خواب
رحماني است وصدق است وگاهى خيالي وخيال محض است وگاهى شيطاني وكذب
است پس اعتمادي بر كشف نيست مگر آنچه راست ومطابق با برهان ودليل آيد
واما مقام عشق پس آنچه بر خلاف ميزان عقل است جهل است وباطل وآنچه
وفق عقل است مرتبه فعليت وكمال عقل است نه اينكه مقابل با عقل است وفوق اواست
تا مزاحم عقل گردد وگفته شود كه حاصل نمى شود أين مرتبه مگر از رياضت وتصفيه
نفس بلى اخلاص در عمل كه أشد مراتب عبوديت وأكمل درجات بندگى است
تأثير تامى رد مقام جذب دارد كه تعبير از أو در لسان صوفيه بمقام عشق شده است
عصمنا الله وإياكم من الزلل في القول والعمل وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
حرره الأحقر علي الموسوي البهبهاني
280