الكتاب: إعلام الخائض
المؤلف: السقاف
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: مصادر فقهية مستقلة
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: مكتبة الإمام النووي - عمان - أردن
ردمك:
ملاحظات:

إعلام الخائض
بتحريم القرآن
على الجنب والحائض
تأليف
حسن بن علي السقاف
القرشي الهاشمي الحسيني الشافعي
مكتبة الامام النووي
عمان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍ = 1990 م
مكتبة الامام النووي
عمان - الأردن - ص. ب 925393 هاتف 672011
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرف كتابه على كل كتاب، وخصه بأن أمر
قارئه وحامله بالطهارة تعظيما له بإيجاب، وجعله أجل الكتب قدرا
وأغزرها علما وأفصحها في الخطاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له الذي ذلت أمام كلماته سائر الرقاب، وأشهد أن سيدنا
محمدا عبده ورسوله سيد العرب وأشرفهم حسبا وانتسابا، صلى الله
وسلم عليه وعلى آله الانجاب، ورضي عن صحابته الكرام إلى يوم
العرض والحساب.
أما بعد:
فقد بلغني أن الشيخ الألباني يقول بإباحة قراءة ومس الحائض
والجنب للقرآن، وأن بعض من انغر بكلامه (*) انتهض لنصرة قوله
هذا، ثم رأيت أحد مقلديه طبع كتابا ذكر فيه ذلك القول الشاذ،
ثم أردف ذلك بطبع رسالة صغيرة بعد ذلك دندن فيها لنصرة هذا
القول، لكني لم أر فيها دليلا يعول عليه، سوى زخرفة مقالته
بالانشائيات التي لا طائل من ورائها،
فأحببت أن أبين زيف هذا القول الباطل، وأن أجمع

* هو محمد إبراهيم شقرة في كتابه الشاذ (ارشاد الساري).
3

استدلالاتهم التي يذكرونها سواء في كلامهم الذي يتناقلونه أو في ما
يكتبون، وأزيفها أمام أعينهم وهم ينظرون، وقصدي في ذلك تعظيم
كتاب الله تعالى، والغيرة له، وبيان جلالته وما تميز به عن سائر
الكتب للخواص والعوام، وأسأل الله تعالى أن يدخر لي ثواب السبق
في تصنيف هذه الرسالة المستقلة في ذلك، المفصلة المستوفية لأدلة
هذا الامر، كما أسأل أهل العلم وطلابه من المشايخ والاخوان
أصحاب الغيرة أن يقرظوها لي إذا وقفوا عليها، واطلعوا على ما فيها،
نصيحة للعوام، والله عز وجل يوفق ويسدد.
4

مقدمة
إعلم أنه يحرم القرآن على الجنب والحائض سواء مسه وقراءته،
وذلك بمقتضى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والآثار عن
السلف، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة رضي الله عن الجميع
ولنفصل ذلك ولندلل عليه فنقول:
اعلم يرحمك الله تعالى أن الحائض أغلظ حدثا من الجنابة، فما
ينطبق على الجنب ينطبق عليها، وما ينطبق عليها قد لا ينطبق على
الجنب لأنها أغلظ حدثا منه، فمثلا الجنب لا يحل له المكث في
المسجد وكذا هي لان حدثها أشد وقد جاء ذلك في قوله عليه الصلاة
والسلام: " إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " صحيح (1)، وروي

(1) قلت: قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1 / 139 - 140): رواه أبو داود
من حديث جسرة عن عائشة وفيه قصة، وابن ماجة والطبراني من حديث جسرة
عن أم سلمة، وحديث الطبراني أتم، وقال أبو زرعة: الصحيح حديث جسرة
عن عائشة.. وقد صححه ابن خزيمة، وحسنه ابن القطان. ا ه‍.
قلت: ومن الغريب العجيب أن يضعف الألباني هذا الحديث في إرواء الغليل
(1 / 120) بجسرة ناقلا قول البخاري: (وعن جسرة عجائب) وجوابه: أن هذا
تضعيف مردود، لان المعمول به عند الحفاظ توثيقها، وقول البخاري أن عندها
العجائب لا يضعف حديثها فان عند كثير من رواة الصحيح عجائب، تجنب
الحفاظ تلك العجائب وأخذوا بالباقي ولو أن الألباني نقل تمام ما قيل في جسرة
لانكشف بطلان كلامه، فلنتم كلام الحفاظ فيها فنقول: قال الحافظ ابن حجر
في تهذيب التهذيب (12 / 435 دار الفكر):
روت عن أبي ذر وعلي وعائشة وأم سلمة، وعنها قدامة وافلت ابن خليفة
ومحدوج الذهلي وعمر بن عمير بن محدوج، قال العجلي: ثقة تابعية وذكرها ابن
حبان في الثقات قلت: وذكرها أبو نعيم في الصحابة وقال البخاري عن جسرة
عجائب. قال أبو الحسن ابن القطان هذا القول لا يكفي لمن يسقط ما روت،
كأنه يعرض بابن حزم لأنه زعم أن حديثها باطل، ا ه‍ كلام ابن حجر رحمه الله
تعالى.
وقال الحافظ في تقريب التهذيب (8551): مقبولة من الثالثة، ويقال أن لها
ادراكا، ا ه‍ وقال الحافظ الذهبي في الكاشف (3 / 466 برقم 22 / 2): (وثقت).
ا ه‍.
فلا أدري لم كتم الألباني كل ذلك ولم يذكر إلا قول الجارح وهو غير معمول
به بل لا يفيده هنا شيئا، وقد ذكر الألباني في نفس الصحيفة من الارواء (1 / 210)
أن البيهقي روى في تأييد حديث جسرة أيضا عن ابن عباس قال: " لا تدخل
المسجد وأنت جنب إلا أن يكون طريقك فيه، ولا تجلس " في تفسير قول الله
تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا). ثم قال الألباني: لكن فيه
أبو جعفر الرازي وهو ضعيف، ومع ضعفه فإنه مخالف لسبب نزول الآية، فقد
قال علي رضي الله عنه: " أنزلت هذه الآية في المسافر: (ولا جنبا إلا عابري سبيل
حتى تغتسلوا) قال: إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم وصلى حتى يدرك الماء، فإذا
أدرك الماء اغتسل " ا ه‍.
وأجيب الألباني فأقول له:
كلامك غير صحيح من أوجه:
(الأول):
قولك (لكن فيه أبو جعفر الرازي وهو ضعيف) ليس صحيحا، وذلك لان
أبا جعفر الرازي ثقة، وضعف حديثه في روايته عن مغيرة فقط، (وكلمة نحوه
بعدها من تحريف النساخ لا قيمة له) كما ذكر ذلك الحفاظ وعلى رأسهم علي المديني
ويحيى بن معين، ففي تهذيب التهذيب (12 / 59 دار الفكر:
وقال حنبل عن أحمد: صالح الحديث، وعن ابن معين: كان ثقة خراسانيا،
وقال الدوري عن ابن معين: ثقة وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة، وعن علي بن
المديني: يخلط فيما روى عن مغيرة وقال علي: كان عندنا ثقة. ا ه‍ ملخصا.
فرجل يوثقه: يحيى بن معين وعلي بن المديني ويبينا جهة الضعف في حديثه
لا يقال عنه ضعيف، وخصوصا ان الإمام أحمد يقول في رواية: صالح الحديث،
ووثقه أيضا: أبو حاتم فقال: ثقة صدوق صالح الحديث، ووثقه أيضا ابن سعد
والحاكم وابن عبد البر، كما في تهذيب التهذيب، وكلام من جرحه لا شك انه
منصب في روايته عن مغيرة كما وضح ذلك أئمة الفن يحيى ين معين وعلي المديني
فتدبر.
وهذا الأثر لم يروه أبو جعفر عن مغيرة وإنما رواه عن زيد ابن أسلم كما في
سنن الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى (2 / 443) فتأمل.
وبه يسقط تضعيف الألباني للأثر. والألباني متى أراد أن يوثق رجلا لكون
حديثه يؤيد ما يهوى ويتمنى وثقه، فعبد الله بن محمد بن عقيل الذي قال عنه في
تعليقه على سنة ابن أبي عاصم ص (225) حسن الحديث، مع أن أكثر من عشرة
أئمة من أكابر علماء الجرح والتعديل ضعفوه جدا ومنهم من وصفه بأنه متروك انظر
تهذيب التهذيب (6 / 13 دار الفكر) والألباني يقول: حسن الحديث. ا ه‍.
(ا لثاني):
قوله (ومع ضعفه فإنه مخالف لسبب نزول الآية) قول مردود، لأنه غفل عن
القاعدة الأصولية الناصة بأن: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) فابن
عباس رضي الله عنهما استنبط من الآية ما ذكر، فلا تعارض بين الاثرين.
وخصوصا أن الحافظ قال في التخليص (1 / 138): وصح عن عمر: " أنه كان
يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب " وساقه عنه في الخلافيات: بإسناد صحيح ا ه‍.
5

أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " (2)،
والذي يؤكد ذلك أيضا أمور: منها: أن صيام الجنب صحيح
بخلاف الحائض لأنها أغلظ منه حدثا. قال الحافظ ابن حجر في
فتح الباري شرح البخاري (1 / 401):
وألحق عروة الجنابة بالحيض قياسا، وهو جلي لان الاستقزاز
بالحائض أكثر من الجنب. ا ه‍ قلت:
والظاهر لي أن هذا سبق قلم منه رحمه الله وأصل الكلام:
وألحق عروة الحيض بالجنابة قياسا... الخ. والله أعلم.
فإذا علمت ذلك فلا بد أن نعقد فصلا في أدلة تحريم قراءة
القرآن للجنب والحائض ثم فصلا في تحريم مسه لهما ثم نعرض أدلة
من أجاز ونفندها فنقول:

(2) رواه الترمذي برقم (131) من حديث ابن عمر وفي سنده لين وقال بعده:
وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان
الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد واسحق، قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب
من القرآن شيئا، إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك، ورخصوا للجنب والحائض
في التسبيح والتهليل، ا ه‍ انظر الترمذي (1 / 236) ورواه ابن ماجة برقم (596)
والخطيب البغدادي في تاريخه (2 / 145) والدارقطني (1 / 117) وأبو نعيم في الحلية
(4 / 22
قلت.: وإليك إسناد رواية الدارقطني هذه: حدثنا محمد بن حمدويه المروزي
نا عبد الله بن حماد الآملي ثنا عبد الملك بن مسلمة حدثني المغيرة بن عبد الرحمن،
عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " لا يقرأ الجنب شيئا من القرآن ".
وقال الدارقطني عقبه: عبد الملك هذا كان بمصر، وهذا غريب عن مغيرة
بن عبد الرحمن وهو ثقة، ا ه‍.
قلت: ضعف عبد الملك هذا ابن حبان وابن يونس كما في لسان الميزان وسير
أعلام النبلاء فيعتبر حديثه متابعا أو شاهدا لحديث الترمذي الذي فيه إسماعيل
بن عياش فيصير الحديث حسنا لغيره، ومحاولة الألباني توهين رواية الدارقطني في
إرواء الغليل (1 / 209) لا تلغي كون الحديث شاهدا أو متابعا ومنه يتبين غلطه.
وخصوصا أن أهل العلم تلقوه بالقبول وعملوا به كما نقل ذلك الترمذي في
سننه وغيره، والقاعدة أن الحديث الضعيف إذا تلقاه العلماء بالقبول صار
صحيحا، قال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في تدريب الراوي (1 / 67):
وكذا ما اعتضد بتلقي العلماء له بالقبول، قال بعضهم: يحكم للحديث
بالصحة إذا تلقاه الناس بالقبول وإن لم يكن له إسناد صحيح.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: لما حكى عن الترمذي أن البخاري صحح
حديث البحر: " هو الطهور ماؤه " وأهل الحديث لا يصححون مثل إسناده، لكن
الحديث عندي صحيح، لان العلماء تلقوه بالقبول، وقال في التمهيد: روى جابر
عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الدينار أربعة وعشرون قيراطا " قال: وفي قوله جماعة العلماء وإجماع
الناس على معناه غني عن الاسناد فيه. ا ه‍ من تدريب الراوي فأين ذهب عقل
الألباني عن هذه القواعد.
8

(فصل): في عرض أدلة تحريم
قراءة القرآن للجنب والحائض
(أولا): ثبت عن سيدنا علي رضي الله عنه قال:
9

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنبا ". حديث
صحيح رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة وصححه أمير
المؤمنين في الحديث شعبة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في
صحاحهم (3).

(3) رواه أحمد (1 / 83 و 84 و 107 و 134) والترمذي في سننه (1 / 274
بتحقيق شاكر) وقال عقبه: وبه قال غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم والتابعين. ا ه‍ وأبو داود (1 / 59 / رقم 229) والنسائي (1 / 52)
وابن ماجة (1 / 195 حديث 594) وابن خزيمة (1 / 104) وابن حبان (2 / 85
بتحقيق الحوت) والحاكم في المستدرك (4 / 107) وصححه وأقره الذهبي، وابن
الجارود في المنتقى برقم (94) وابن أبي شيبة (1 / 102) وأبو داود الطيالسي (101)
والبيهقي (1 / 89). وروى ابن خزيمة في صحيحه (1 / 104) بإسناده عن أمير
المؤمنين في الحديث شعبة أنه قال: هذا الحديث ثلث رأس مالي ا ه‍ وقال
الدارقطني في سننه (1 / 119) بعدما رواه: قال سفيان: قال لي شعبة: ما أحدث
بحديث أحسن منه ا ه‍ وقال الحافظ في الفتح (1 / 408 سلفية دار المعرفة):
والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة. اه‍ وقال في التلخيص الحبير
(1 / 139) وصححه الترمذي وابن السكن وعبد الحق والبغوي في شرح السنة.
ا ه‍ انظر شرح السنة (2 / 42 بتحقيق الشيخ شعيب الارنأووط).
أقول: قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (2 / 629 / حديث
27 6): إسناده صحيح، ا ه‍ وقال في تعليقه على حديث الترمذي (1 / 274)
الذي رواه من طريق الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي
رضي الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا على كل حال ما لم
يكن جنبا " ما نصه:
و عبد الله بن سلمة هذا قال العجلي: " تابعي ثقة " وقال يعقوب بن شيبة:
" ثقة، يعد في الطبقة الأولى من فقهاء الكوفة بعد الصحابة " وقد توبع عبد الله
بن سلمة في معنى حديثه هذا عن علي، فارتفعت شبهة الخطأ عن روايته، إذ
كان سئ الحفظ في كبره كما قالوا.
فقد روى أحمد في المسند (رقم 872 ج 1 ص 110): " حدثنا عائذ بن حبيب
حدثني عامر بن السمط عن أبي الغريف قال: أتى علي رضي الله عنه بوضوء،
فمضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وغسل يديه وذراعيه ثلاثا ثلاثا،
ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم توضأ، ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: " وهذا لمن ليس بجنب فأما الجنب
فلا، ولا آية ".
وهذا اسناد صحيح جيد، عائذ بن حبيب أبو أحمد العبسي شيخ الإمام أحمد:
ثقة. ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الأثرم: " سمعت أحمد ذكره فأحسن الثناء
عليه وقال: كان شيخا جليلا عاقلا ". ورماه ابن معين بالزندقة. ورد عليه أبو زرعة
بأنه صدوق في الحديث. وعامر بن السمط - بكسر السين المهملة وإسكان الميم
-: وثقه يحيى بن سعيد والنسائي وغيرهما. وأبو الغريف - بفتح الغين المعجمة
وكسر الراء وآخره فاء -: اسمه " عبيد الله بن خليفة الهمداني المرادي " ذكره ابن
حبان في الثقات، وكان على شرطة علي، وأقل أحواله أن يكون حسن الحديث،
تقبل متابعته لغيره. انتهى كلام الشيخ شاكر.
وقد رد على الشيخ شاكر الألباني في إرواء الغليل (2 / 243) بكلام مردود
لا بد من ذكره وبيان بطلانه، قال الألباني هناك:
وأما ما ادعاه بعض العلماء المعاصرين أنه قد توبع في معنى حديثه هذا عن
علي فارتفعت شبهة الخطأ، ثم ذكر ما رواه أحمد (1 / 110) حدثنا عائذ بن حبيب:
حدثني عامر بن السمط عن أبي الغريف قال: " أتي علي..... " ثم قال: (هذا
اسناد صحيح جيد) ثم تكلم على رجاله بما خلاصته أنهم ثقات، فالجواب عليه
من وجوه:
الأول: إننا لا نسلم بصحة إسناده لان أبا الغريف هذا لم يوثقه غير ابن حبان
وعليه اعتمد المشار إليه في تصحيح اسناده، وقد ذكرنا مرارا أن ابن حبان متساهل
في التوثيق فلا يعتمد عليه، لا سيما إذا عارضه غيره من الأئمة، فقد قال أبو حاتم
الرازي: " ليس بالمشهور. قيل: هو أحب إليك أو الحارث الأعور؟ قال: الحارث
أشهر، وهذا قد تكلموا فيه، وهو شيخ من نظراء أصبغ بن نباتة ".
قلت: وأصبغ هذا لين الحديث عند أبي حاتم، ومتروك عند غيره، فمثل هذا
لا يحسن حديثه فضلا عن أن يصحح! ا ه‍ كلام الألباني.
ولنجيب. الألباني على وجهه الفاسد هذا فنقول:
دعك من أصبغ ولا تشطح بعيدا وعد إلى الرجل - أبا غريف - فان الحافظ
ابن البرقي - كما يقول الحافظ ابن حجر في التهذيب (7 / 10) - قد ذكره فيمن
احتملت روايته وقد تكلم فيه ا ه‍ وكلامهم فيه لأجل ما رموه به من التشيع،
وفي كتاب " العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل " للسيد محمد بن عقيل تجلية
أمر التشيع هذا الذي كانوا يرمون به كثيرا من الرواة، وفي الكتاب المذكور شفاء
للألباني من عناده بإذن الله تعالى.
والحافظ ابن حجر يقول في ترجمة أبي غريف في التقريب: صدوق رمي
بالتشيع من الثالثة ا ه‍.
وقد أخفى ذلك الألباني فلم يذكره، وأبو غريف أيضا روى عنه الثقات وقد
ذكر منهم الحافظ في التهذيب (7 / 10) أبا روق عطية بن الحارث وعامر بن السمط
والأعمش، قلت: ولم يجعله الخليفة الراشد سيدنا علي رضي الله عنه على شرطته
إلا وهو ثقة عنده بلا شك، وجرح من جرحه وهو أبو حاتم بقوله تكلموا فيه جرح
مبهم وهو مردود لا قيمة له، وقد قال الحافظ الذهبي في كتابه: " معرفة الرواة
المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد ":
وأما التابعون فيكاد يعدم فيهم من يكذب عمدا، ولكن لهم غلط وأوهام فمن
ندر غلطه في جنب ما قد حمل احتمل، ومن تعدد غلطه وكان من أوعية العلم
اغتفر له أيضا، ونقل حديثه وعمل به.. ومن فحش خطؤه، وكثر تفرده لم يحتج
بحديثه، ولا يكاد يقع ذلك في التابعين الأولين. ا ه‍.
فليستيقظ الألباني وليرجع عن شطحه إلى أصبغ، وقوله: وقد ذكرنا مرارا أن
ابن حبان متساهل في التوثيق فلا يعتمد عليه ا ه‍ مغالطة لا معنى لها، لان تساهل
ابن حبان محصور في المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا واحد، وأما من روى عنه
الثقات فلا يكون ابن حبان متساهل فيه، والألباني متناقض يصحح بالتشهي
والهوى كما بينت في رسالتي (رد التصحيح الواهن لحديث العاجن " فقد قبل رواية
10



الهيثم بن عمران ولم يوثقه الا ابن حبان، وروايته معارضة لرواية الثقات الاثبات،
ثم هنا يضعف أبا غريف مع قول الحافظ فيه صدوق، فسبحان الله (!). وأعوذ
بالله من هذا التشهي (!)
ولقد أضحكني صنيع الألباني حيث قال في الارواء (2 / 242) مضعفا
حديث: " لا يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة ": وما قاله هؤلاء المحققون - أي
في تضعيفه هو الراجح عندنا ا ه‍.
قلت: ومن هم المحققون إذا كان الذين صححوه فيهم: شعبة والترمذي وابن
خزيمة وابن حبان والحافظ ابن حجر وابن السكن، والحافظ عبد الحق الإشبيلي
الامام في العلل، والبغوي؟!.
ثم إن من ضعفه كالنووي لا يقول بما يقول به الألباني، بل يقول بتحريم
مس القرآن وقراءته للجنب والحائض وكذا الإمام الشافعي والإمام أحمد.
واحتجاج الألباني أو تدليسه على البسطاء بان البخاري حكى كل عن عمرو بن
مرة: كان عبد الله بن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر، وكان قد كبر، لا يتابع على
حديثه ا ه‍ فجوابه: أن هذا مما عرفوه ولم ينكروه بل وتابعوه عليه بدليل قول
الترمذي في سننه (1 / 275): وبه قال غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم والتابعين.. وبه يقول سفيان الثوري، والشافعي، واحمد
واسحق، ا ه‍ فتأمل في تهافت استنباط الألباني وعدم استيعاب عقله لدقة
الاستنباطات الفقهية!.
ثم قال الألباني في الارواء (2 / 243):
الثاني: أنه لو صح فليس صريحا في الرفع أعني الشاهد منه وهو قوله: " ثم
قرأ شيئا من القران.... " ا ه‍.
ونجيب الألباني فنقول:
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1 / 139): قال الشافعي في سنن
حرملة: " إن كان هذا الحديث ثابتا، ففيه دلالة على تحريم القرآن على الجنب "
ثم: يرد قول الألباني الذي يطلق الكلام دون أن يستقري أيضا صريح قول النبي
صلى الله عليه وسلم في حديث سيدنا علي لما قال: " رأيت رسول الله توضأ ثم
قرأ شيئا من القرآن قال: هكذا لمن ليس بجنب فاما الجنب فلا ولا آية " رواه أبو
يعلى، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 276) رجاله موثقون. ا ه‍.
فكيف يقول ليس صريحا في الرفع؟!
ثم قال الألباني في الارواء (2 / 243):
الثالث: لو كان صريحا في الرفع فهو شاذ أو منكر لان عائذ بن حبيب وإن
كان ثقة فقد قال فيه ابن عدي: " روى أحاديث أنكرت عليه ".. قلت: ولعل
هذا منها، فقد رواه من هو أوثق منه وأحفظ موقوفا على علي... ا ه‍.
ونجيب الألباني فنقول:
ما بالك تقبل رواية الهيثم بن عمران في (العجن في الصلاة) وهو غير ثقة
باعترافك وقد خالف الثقات، ولا تقبل رواية عائذ بن حبيب الثقة باعترافك هنا
فتحكم عليها بالشذوذ والنكارة فتتناقض؟!.
وهذا مما ينبغي أن يسمى رد الألباني على الألباني!.
وقولك يا ألباني (قال ابن عدي: روى أحاديث أنكرت عليه، ولعل هذا منها)
رجم بالغيب لا معنى له، وهو مغالطة، لان هذا مما لم ينكر عليه، ولم ينص أحد
أنه مما أنكر عليه، فلماذا المغالطة؟!.
وقد دلس الألباني تدليسا صريحا حيث قال: (قال ابن عدي: روى أحاديث
أنكرت عليه) قلت: ابن عدي لم يقل ذلك، وإنما قال: روى عن هشام بن عروة
أحاديث أنكرت عليه وسائر أحاديثه مستقيمة. ا ه‍ انظر الكامل (5 / 1993)
فلماذا الكذب والتزوير؟! فإن هذا الحديث الذي نحن والألباني بصدده لم يروه
عائذ عن هشام بن عروة، بل عن عامر بن السمط! فيكون ابن عدي الحافظ
الناقد ممن صحح الحديث أيضا.
وهكذا يستعمل الألباني أساليب خداعة لينصر هواه، وقد ثبت أنه قال
ليضعف حديث إباحة تحلي النساء بالذهب المحلق عن رجل في سنده اسمه:
" محمد بن عمارة " قال أبو حاتم: ليس بذاك القوي، ا ه‍ وأبو حاتم قال: صالح
ليس بذاك القوي، فحذف الألباني لفظة (صالح ا لينصر هواه، فتأملوا يا أولي
الألباب، انظر كتاب: (المؤنق في إباحة تحلي النساء بالذهب المحلق وغير المحلق
لمصطفى بن العدوي ص 21).
(تنبيه): قال الألباني في الارواء (2 / 244) ما نصه:
(فائدة): قال الحافظ في التلخيص ص 51:
قال ابن خزيمة: لا حجة في هذا الحديث لمن منع الجنب من القراءة، لأنه
ليس فيه نهي، وإنما حكاية فعل،.. وذكر البخاري عن ابن عباس أنه لم ير
بالقراءة للجنب بأسا، وذكر في الترجمة قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه
وسلم يذكر الله على كل أحيانه. ا ه‍.
وأجيب الألباني ومن قد ينغر بكلامه فأقول:
أما قول ابن خزيمة فتبين أنه مردود قبل قليل برواية أبي يعلى من حديث علي
مرفوعا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فأما الجنب فلا ولا آية " ورجالها
موثقون كما قال الحافظ الهيثمي.
وأما ما نقله البخاري عن ابن عباس فلا حجة فيه لان مذهب الصحابي ليس
بحجة كما هو مقرر في علم الأصول، وإن الحديث ثبت على خلاف مذهبه، وأما
قول السيدة عائشة فليس فيه حجة وسيأتي الجواب عليه مفصلا إن شاء الله تعالى
في فصل تفنيد أدلة الخصوم.
وبهذا انهدم ما ذكره الألباني من تحقيق فاشل في إرواء غليله وتبين أن ما ذهب
إليه الشيخ شاكر من تصحيح الحديث هو الصحيح الموافق لقواعد علم المصطلح
ولكلام الحفاظ النقاد من أهل الفن.
وقد تبين أيضا سقم فقه الألباني. وأعجبني قول صاحب (المؤنق) الذي رد
على الألباني فقال عن فقهه ص 32: فهذا شئ عجيب وفقه سقيم. اه‍.
وأما قول الألباني: (أن الدارقطني روى الحديث موقوفا على علي). فلا ينفعه
البتة لأنها ثبتت سند أبي يعلى مرفوعة، ولان الحديث إذا رواه بعض الثقات مرفوعا
وبعضهم موقوفا كان حكمه الرفع كما هو مقرر في عله من قواعد المصطلح.
قال الامام النووي رحمه الله تعالى في كتابه: (ما تمس إليه حاجة القاري
لصحيح الامام البخاري) في فصل تعارض الوصل والارسال ما نصه:
إذا روى بعض الثقات الحديث متصلا، وبعضهم مرسلا، أو بعضهم مرفوعا
وبعضهم موقوفا.. فالصحيح الذي عليه الفقهاء وأهل الأصول ومحققو المحدثين
أنه يحكم بالوصل والرفع، لأنه زيادة ثقة ا ه‍ فتأمل.
10

(ثانيا): عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن لما. رواه الترمذي
وابن ماجة والبيهقي والدارقطني بسند حسن (4).

(4) رواه الترمذي برقم (131) وابن ماجة (595) والدارقطني (1 / 118)
والبيهقي 14 / 89) وفي سنده إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة
وهذا منها وله طريقان آخران عند الدارقطني، الأولى: عن عبد الملك بن مسلمة
حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا
به. والثانية: عن محمد بن إسماعيل الحساني، عن رجل عن أبي معشر عن موسى
بن عقبة به، قال الحافظ الزيلعي: وهذا مع أن فيه رجلا مجهولا. فأبو معشر رجل
مستضعف إلا أنه يتابع عليه.
قلت: فيكون الحديث بذلك صحيحا أو حسنا بهذه المتابعات، وقد صحح
الحديث الحافظ ابن سيد الناس وقال الحافظ ابن حجر في الدراية (1 / 85) لكن
أخرجه الدارقطني من وجه آخر عن موسى بن عقبة، ظاهره الصحة، ومن وجه
آخر عنه فيه مجهول، ا ه‍ تقدم أن الحافظ الزيلعي قال: وهذا مع أن فيه رجلا
مجهولا، فأبو معشر رجل مستضعف إلا أنه يتابع عليه ا ه‍ قلت: ومنه يتبين خطأ
الألباني في تضعيف الحديث في اروائه (1 / 286).
ومن عجيب تخبطاته وتمحلاته في إروائه هناك قوله عن الحديث ص (207):
أخرجه الدارقطني وقال: " عبد الملك هذا كان بمصر وهذا غريب عن مغيرة
بن عبد الرحمن وهو ثقة " يعني المغيرة هذا، وأنه تفرد به عنه عبد الملك هذا، هذا
هو المتبادر لنا من عبارة الدارقطني هذه، وفهم الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه
على الترمذي من قوله: " وهو ثقة " بأنه يعني عبد الله بن مسلمة وبناء على ذلك
ذهب إلى أن الاسناد صحيح! ولعله اغتر بقول الحافظ في الدراية ص (45):
" ظاهره الصحة " هذا من العجائب.. ا ه‍.
قلت: بل قولك من العجائب، فإن عبد الملك بن مسلمة هو المعني بقول
الدارقطني وهو ثقة لان سياق الكلام يدل على ذلك، ولان موسى بن عقبة ثقة
من رجال الستة فلا حاجة لان ينص الدارقطني على ثقته هنا فاتضح أن المراد بذلك
عبد الملك بن مسلمة.
وأما قول الألباني: (فلو سلمنا بان الدارقطني أراده بقوله: " وهو ثقة " لوجب
عدم الاعتداد به لما تقرر في المصطلح أن الجرج مقدم على التعديل لا سيما إذا
كان مقرونا ببيان السبب كما هو الواقع هنا) فتهرب وتملص من أن حديث عبد
الملك هنا يقبل متابعا لحديث إسماعيل بن عياش وكم أخذ في سلسلته من متابعات
واهية لكذابين أو وضاعين لينصر هواه وطريق " عبد الملك " هنا لا شك أنها تكون
متابعة لحديث " إسماعيل " فيصح حديثه بها، فقول الألباني بعد ذلك: (ومن ذلك
يتبين ان هذا الاسناد ضعيف لا تقوم به حجة) مغالطة لإضاعة الحق عن لب
المسألة، فلو فرضنا جدلا أن الاسناد ضعيف فإنه صالح للمتابعة.
وما نقله الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (1 / 237 - 238) كاف
في اثبات صحة حديث: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ".
قال ابن تيمية في منهاج السنة:
فان كثرة الشهادات والاخبار قد توجب العلم وإن لم يكن كل من المخبرين
ثقة حفاظا حتى يحصل العلم لمخبر الأخبار المتواترة وإن كان المخبرون من أهل
الفسوق. ا ه‍. وهذه العبارة أتيت بها للألباني ليرجع عن خطأه ويصغي لشيخه
ابن تيمية.
16

(ثالثا): روى البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها
قالت:
" إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ
القرآن " قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه في الفتح
(1 / 402):
قولها (ثم يقرأ القرآن) وللمصنف في التوحيد " كان يقرأ القرآن
ورأسه في حجري وأنا حائض ". فعلى هذا فالمراد بالاتكاء وضع
رأسه في حجرها. قال ابن دقيق العيد: في هذا الفعل إشارة إلى
18

أن الحائض لا تقرأ القران، لان قراءتها لو كانت جائزة لما توهم
امتناع القراءة في حجرها حتى احتيج إلى التنصيص عليها. ا ه‍.
(رابعا): عن عبد الله بن رواحة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى أن
يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب " رواه الدارقطني (1 / 120) وقال
إسناده صالح. ا ه‍ أي صحيح أو حسن.
(خامسا): عن المهاجر بن قنفذ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ
فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله صلى الله وعليه وسلم حتى توضأ، ثم اعتذر إليه
فقال: " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر " أو قال: " على
طهارة ".
رواه ابن خزيمة في صحيحه (1 / 130) وأبو داود رقم (17)
وابن ماجة (27) في الطهارة وغيرهم وهو حديث صحيح، فيه
القياس من باب أولى فإذا كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: " وعليكم
السلام " على غير وضوء فما بالك بقراءة القرآن على جنابة أو
حيض؟!
مذاهب جمهور العلماء على تحريم مس القرآن وقراءته للجنب
والحائض:
قال الامام النووي رحمه الله تعالى في شرح المهذب (2 / 162):
19

يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءة شئ من القرآن وإن قل
حتى بعض آية، ولو كان يقرأ في كتاب فقه أو غيره فيه احتجاج
بآية حرم عليه قراءتها. اه‍.
وقال الامام النووي في المجموع أيضا (2 / 158):
مذهبنا أنه يحرم على الجنب والحائض قراءة القرآن قليلها
وكثيرها حتى بعض آية وبهذا قال أكثر العلماء كذا حكاه الخطابي
وغيره عن الأكثرية، وحكاه أصحابنا عن عمر بن الخطاب وعلي
وجابر رضي الله عنهم والحسن والزهري والنخعي وقتادة وأحمد
وإسحاق. وقال مالك يقرأ الجنب الآيات اليسيرة للتعوذ وفي الحائض
روايتان عنه إحداهما تقرأ والثاني لا تقرأ وقال أبو حنيفة يقرأ الجنب
بعض آية ولا يقرأ آية وله رواية كمذهبنا. ا ه‍ مختصرا.
وقال الامام النووي أيضا في المجموع (2 / 357):
(فرع) في مذاهب العلماء في قراءة الحائض القرآن: قد ذكرنا
أن مذهبنا المشهور تحريمها وهو مروي عن عمر وعلي وجابر رضي
الله عنهم، وبه قال الحسن البصري وقتادة وعطاء وأبو العالية
والنخعي وسعيد بن جبير والزهري واسحق وأبو ثور وعن مالك وأبي
حنيفة وأحمد روايتان. ا ه‍.
أقول: ومن لم يقتنع بهذه النصوص التي قدمناها الدالة على
20

التحريم يكفيه أن يقتنع بان الأحوط والأورع عدم جواز قراءة الجنب
والحائض للقرآن، فكيف يفتي بعض المتحذلقين الناس بالجواز؟! ولا
يدلهم على الأفضل ويأخذ بأيديهم إلى الأحوط والأحسن! ولا أرى
لذلك سببا إلا كما قيل: (خالف تعرف).
وخالفن تذكر قديما قيلا عند الرعاع إن ترد تبجيلا
وبهذا نكون قد أنهينا فصل أدلة تحريم قراءة الجنب والحائض
للقرآن، وهدمنا ما ذكره الألباني وبينا تدليسه وتلاعبه في تضيف
الأحاديث في الحاشية، وهو في مسألتنا هذه مقلد لابن حزم الظاهري
في تجويزه قراءة القرآن للجنب والحائض، مع أنه يصف ابن حزم
بأنه جهمي جلد، لأنه يخالفه في عقيدة التجسيم.
21

فصل في أدلة تحريم مس الجنب والحائض للقرآن
(أولا): قول الله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون، تنزيل من رب
العالمين) " سورة الواقعة ".
فهذا نص صريح في أن غير الطاهر وهو المحدث والجنب
والحائض لا يحل له أن يمس القرآن الا أن يتطهر.
فان قال قائل المراد في قوله تعالى: (إلا المطهرون) الملائكة،
قلنا في جوابه:
هذا خطأ، والصحيح الذي ذكره الامام النووي رحمه الله تعالى
في شرخ المهذب (2 / 72) هو قوله:
أن الله تعالى وصفه بالتنزيل وهذا ظاهر في المصحف الذي
عندنا الذي قال الله في وصفه: (تنزيل من رب العالمين) وقال في
موضع آخر: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا)، وقوله سبحانه (نزل به
الروح الأمين)، فإن قالوا: المراد اللوح المحفوظ لا يمسه إلا
الملائكة المطهرون ولهذا قال: يمسه بضم السين على الخبر، ولو كان
المصحف لقال يمسه بفتح السين التي فيها.
فالجواب: أن قوله تعالى (تنزيل) ظاهر في إرادة المصحف فلا
يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح، وأما رفع السين فهو نهي
بلفظ الخبر كقوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها) على قراءة من
رفع، وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يبيع أحدكم على بيع أخيه "
22

بإثبات الياء، فان قالوا لو أريد ما قلتم لقال: (لا يمسه إلا
المتطهرون)، فالجواب: أنه يقال في المتوضئ مطهر ومتطهر.
وبان تحريم مس الجنب والحائض والمحدث للقرآن هو قول
سيدنا علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم ولم يعرف
لهم مخالف في الصحابة.
هذا كلام الامام النووي في شرح المهذب باختصار وتصرف.
قلت: وإذا كان هؤلاء الصحابة قد انتشر قولهم بالتحريم ولم
يعلم لهم مخالف صار إجماعا وهو حجة قطعية.
قال الامام النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم
(1 / 31):
(فصل) إذا قال الصحابي قولا أو فعل فعلا فقد قدمنا أنه
يسمى موقوفا، وهل يحتج به فيه تفصيل واختلاف، قال أصحابنا
ان لم ينتشر فليس هو إجماعا... وإن انتشر ولم يخالف فظاهر كلام
جماهير أصحابنا أن حكمه حكم قول الصحابي المنتشر من غير
مخالفة.. قال صاحب الشامل - من أصحابنا - الصحيح أنه يكون
إجماعا وهذا هو الأفقه. ا ه‍.
أقول: واحتجاج بعضهم بان تفسير قوله تعالى: (لا يمسه الا
المطهرون) أن المراد بذلك الملائكة تمس اللوح المحفوظ في تفسير
ابن كثير، احتجاج غير صحيح، وتقييد غير نجيح، وذلك لان
تفسير ابن كثير ليس قرآنا، ولا سنة بل هو مجرد رأي إن وافقه الدليل
23

فهو صحيح وإلا فلا، وهنا لم يحالفه الحظ ولم يوافقه الدليل وآثار
الصحابة التي ستأتي بخلافه، وابن كثير يعرض في تفسيره الغث
والسمين، ففيه الأقوال الراجحة والأقوال المرجوحة وما ذكره في هذه
المسألة قول ضعيف مرجوح.
(ثانيا): عن حكيم بن حزام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
له:
" لا تمس القرآن إلا وأنت على طهر " (صحيح) رواه الدارقطني
(1 / 122) والحاكم بلفظ: " إلا وأنت طاهر " وصححه (3 / 485)
وأقره الذهبي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 276) رواه
الطبراني في الكبير والأوسط وفيه سويد أبو حاتم ضعفه النسائي وابن
معين في رواية ووثقه في رواية، وقال أبو زرعة ليس بالقوي حديثه
حديث أهل الصدق، ا ه‍ قلت: معناه أن حديثه حسن (5). ترقى
للصحيح بشواهده.

(5) قلت: سويد بن إبراهيم أبو حاتم حديثه عن قتادة ضعيف وعن غيره حسن
الا ما نصوا على ضعفه، ولذلك قال الحافظ ابن عدي في الكامل (3 / 1257)
في صدر ترجمته: حديثه عن قتادة ليس بذاك. ا ه‍.
وأورد له عن قتادة أحاديث وقال في آخر ترجمته: وهو إلى الضعف أقرب ا ه‍
أي في روايته عن قتادة، وخصوصا أن ابن معين قال عنه في رواية: ليس به بأس،
وذكره الحافظ ابن شاهين في الثقات (526)، فحديثه حسن وخصوصا إذا كانت
له شواهد أو متابعات وهو في هذا الحديث كذلك، فمن شواهده:
أ - ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (9 / 33) من حديث عثمان بن أبي
العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (.. ولا تمس القرآن إلا وأنت
طاهر. قال الهيثمي في المجمع (3 / 74) رواه الطبراني في الكبير وفيه هشام بن
سليمان وقد ضعفه جماعة من الأئمة ووثقه البخاري اه‍.
قلت: هشام بن سليمان من رجال البخاري ومسلم، والصحيح أن كلام
الحافظ الهيثمي في إسماعيل بن رافع شيخه فهو الذي وثقه البخاري وضعفه جماعة
من الأئمة، وقال عنه الساجي: مدوق يهم في الحديث.
ب - ومما يؤيده ويشهد له أثر سيدنا سلمان رضي الله عنه الذي رواه البيهقي
في السنن (1 / 88): عن أبي يزيد عن سلمان: " أنه قضى حاجته فخرج ثم جاء
فقلت له: لو توضأت لعلنا نسألك عن آيات. قال: إني لست أمسه، لا يمسه
إلا المطهرون، فقرأ علينا ما شئنا " ا ه‍ قال الحافظ ابن حجر في الدراية (1 / 88)
أخرجه الدارقطني وصححه. 1 ه‍.
أقول: انظر سنن الدارقطني (1 / 123 - 124):
ج - كذا يشهد له ويؤيده أثر سيدنا سعد بن أبي وقاص في منع المحدث من
مس القرآن، وهو عند البيهقي (1 / 88) وفي موطأ الامام مالك (1 / 42 برقم 59)
وسنده صحيح وسيأتي في آثار الصحابة.
د - ويشهد له أيضا ما رواه البيهقي في سننه (1 / 88) بسند صحيح عن عبد
الله بن أبي بكر عن أبيه قال: " كان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو
بن حزم: (أن لا تمس القرآن الا على طهر.
وادعى ابن التركماني (المشاغب) في تعليقه على البيهقي أن السند منقطع،
وأبهم محل الانقطاع وليس كذلك، فمعمر الذي رواه عن عبد الله بن أبي بكر توفي
سنة (153) عن ثمان وخمسين سنة ولم يعرف بتدليس انظر تهذيب التهذيب
(10 / 220 دار الفكر) و عبد الله بن أبي بكر بن حزم توفي سنة (135) عن سبعين
سنة كما في تهذيب الكمال (14 / 351) فالمعاصرة حاصلة فتأمل.
وقال الشيخ ابن دقيق العيد في الامام: وقوله فيه عن جده يحتمل أن يراد
به جده الأدنى وهو محمد بن عمرو بن حزم، يحتمل أن يراد به جده الاعلى وهو
عمرو بن حزم، لان ما يكون متصلا إذا أريد الاعلى، لكن قوله كان فيما أخذ عليه
رسول الله صلى الله وعليه يقتضي انه عمرو بن حزم، لأنه الذي كتب له الكتاب. ا ه‍.
24

(ثالثا): عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم أن في الكتاب
الذي كتبه، رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم:
" أن لا يمس القرآن الا طاهر ". (حديث صحيح الاسناد) رواه
مالك في الموطأ (1 / 199 في كتاب القرآن حديث رقم " 1 ") قال
الحافظ ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث،
وقد روي مسندا من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل
السير، معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الاسناد، ا ه‍ قلت تقدم
عن السيوطي في التدريب (1 / 67) أنه قال ناقلا: يحكم للحديث
بالصحة إذا تلقاه الناس بالقبول وان لم يكن له إسناد صحيح. ا ه‍
ورواه عبد الرزاق في المصنف (1 / 342) والبيهقي (1 / 87)
والدارقطني (1 / 122) وابن حبان انظر موارد الظمآن ص (203)
حديث رقم (793) وأورده الحافظ ابن حجر في كتابه: (المطالب
العالية بزوائد المسانيد الثمانية) (1 / 28 برقم 91) وقال رواه اسحق.
ا ه‍ قال العلامة المحدث حبيب الرحمن الأعظمي محدث الهند في
التعليق عليه: قال الحافظ البوصيري رجاله ثقات. 1 ه‍ وقال
(تنبيه): حكيم بن حزام بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لليمن، وعمرو
بن حزم ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على نجران، وكل منهما قال له: " لا
تمس القرآن إلا وأنت طاهر ".
26

الحافظ في التلخيص (1 / 131) ذكر الأثرم أن أحمد احتج به. ا ه‍.
أقول: كلمة طاهر تطلق على المتوضئ، ومن قال أن المراد
بالطاهر هنا المسلم وغير الطاهر هو الكافر، قلنا له: هذا خطأ
محض، لان رواية حديث حكيم بن حزام في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا
تمس القران إلا وأنت طاهر " وسيدنا حكيم كان مسلما يثبت ما قلنا،
ويبطل كلام الخصم، وآثار الصحابة تثبت ذلك وستأتي إثباتات
وإيضاحات أخرى في فصل تفنيد أدلة الخصوم.
(رابعا): آثار الصحابة والسلف والأئمة الأربعة:
أ - قال الحافظ ابن حجر في الدراية (1 / 87 - 88):
وعن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان رضي الله عنه: " أنه قضى
حاجته فخرج ثم جاء، فقلت: لو توضأت لعلنا نسألك عن آيات؟
قال: إني لست أمسه، لا يمسه إلا المطهرون (6)، فقرأ علينا ما
شئنا (7) " أخرجه الدارقطني وصححه. ا ه‍.

(6) تنبه إلى أن الصحابي رضي الله عنه فسر قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون)
وحمله على المحدث، وليس كما يقول بعض المتنطعين اليوم المراد بذلك الملائكة
يمسون اللوح المحفوظ، والامام الباجي يقول أيضا: وقد وجد من يمسه غير
طاهر، فثبت أن المراد به النهي. ا ه‍ انظر حاشية (1) شرح السنة للبغوي
(2 / 47).
(7) وتنبه أيضا إلى أن المحدث (وهو غير المتوضئ) يجوز له أن يقرأ القرآن دون
أن يمسه، وأما الجنب والحائض فيحرم عليهما المس والقراءة.
27

قلت: انظر سنن الدارقطني (1 / 123 - 124) ورواه البيهقي
(1 / 88).
ب - وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال:
" كنت امسك المصحف على سعد بن أبي وقاص (8) فاحتككت
فقال سعد: لعلك مسست ذكرك؟ فقلت: نعم، فقال: قم فتوضأ،
فقمت فتوضأت ثم رجعت ". قلت رواه البيهقي (1 / 88) والامام
مالك في الموطأ (1 / 42 برقم 59) بسند صحيح.
وقوله (لعلك مسست ذكرك) معناه: لعلك مسست ذكرك
فانتقض وضوءك بمسه؟.
ج‍ - وفي مصنف عبد الرزاق (2 / 343): عن عبد الرزاق عن
الثوري عن جابر عن الشعبي وطاووس والقاسم بن محمد: " كرهوا
أن يمس المصحف وهو على غير وضوء قلت: كان كثير من السلف
يطلقون المكروه عن الحرام.
د - وفي المصنف لعبد الرزاق أيضا (4 / 344 برقم 1339): عبد
الرزاق عن الثوري عن حماد عن إبراهيم قال: " لا يمس الدراهم
غير متوضئ ".
ه‍ - ومذهب الأئمة الأربعة رضي الله عنهم تحريم مس القرآن
للمحدث. قال الامام النووي رحمه الله تعالى في المجموع
(2 / 72):

(8) أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهم.
28

(فرع) في مذاهب العلماء في مس المصحف وحمله، مذهبنا
تحريمهما وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وجمهور العلماء. ا ه‍.
ثم قال: وهو قول علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي
الله عنهم ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة. اه‍.
و - قال اسحق المروزي في " مسائل الإمام أحمد " ص (5):
" قلت - لأحمد -: هل يقرأ الرجل على غير وضوء؟ قال: نعم،
ولكن لا يقرأ في المصحف ما لم يتوضأ.. قال إسحق - بن راهويه
-: كما قال، لما صح قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يمس
القرآن إلا طاهر، وكذلك فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
والتابعون " فتأمل، ونحوه في " مسائل الإمام أحمد " رواية ابنه عبد
الله ص (33).
29

(فصل) في ذكر أدلة من أباح القرآن للجنب والحائض مع
الرد عليها
1 - احتجوا بقول السيدة عائشة: " كان صلى الله عليه وسلم يذكر
الله على كل أحيانه " رواه مسلم.
والجواب عليه: أنه ليس في هذا الحديث دلالة على أنه كان
يقرأ القرآن وهو جنب، بعد أن ثبت الحديث بأنه: " لم يكن يحجبه
عن القرآن شئ ليس الجنابة " أي: إلا الجنابة، فالحديث يثبت أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان في جميع أحيانه يذكر الله إما
بالتسبيح أو بالتهليل أو بالاستغفار أو بالتكبير أو بالقرآن أو بغير
ذلك، وإذا كان جنبا لم يكن يقرأ القران بل كان يذكر الله بباقي
كلمات الذكر التي يجوز للجنب أن يذكرها، فما احتجوا به ليس فيه
دلالة أصلا لما ادعوه.
وإذا احتمل أنه التسبيح مثلا أو قراءة القرآن فإنه قد تقرر في
الأصول بأنه: إذا طرأ الاحتمال سقط الاستدلال، ومنه يتبين ضعف
الاستدلال الذي جاءوا به.
2 - واحتجوا بأنه قد ثبت في الصحيح بأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال للسيدة عائشة في الحج وكانت حائضا:
" افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي " والحاج قد يقرأ القرآن.
وجوابه:
أن هذا استدلال مضحك جدا، لان السيدة عائشة سألته صلى
30

الله عليه وسلم عن مناسك الحج المشهورة، ما يحل لها من تلك
المناسك كالوقوف بعرفة والسعي والرمي والطواف وأمثالها وما لا يحل
لها أن تأتيه، وهي تعرف أن الحائض مما لا يجوز لها الصوم والصلاة
وقراءة القرآن.
وعلى هذا الاستدلال السخيف يمكن للمجيز أن يقول يجوز
للحاجة الحائض خاصة أن تصلي لان النبي صلى الله عليه وسلم
قال للسيدة عائشة " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي " ومن
أفعال الحج الصلاة. والصحيح ليس كذلك ومنه يتبين بطلان هذا
الاستدلال مع سخافته.
3 - وقالوا محتجين لجواز مس القرآن للجنب والحائض: إن المراد
بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر
المراد لا يجوز مسه للكافر ولا يمسه إلا المؤمن.
وجوابه:
أن هذا غلط فاحش، لان رواية: (لا تمس القران - بالتاء في
تمس - إلا وأنت طاهر لحكيم بن حزام الصحابي المسلم تبطل هذا
التأويل الفاشل، ورواية " نهى رسول الله أن يقرأ أحدنا القرآن وهو
جنب " التي رواها الدارقطني وقال إسنادها صالح يبطل ذلك التأويل
أيضا مع آثار الصحابة سيدنا سلمان وسيدنا سعد ابن أبي وقاص
رضي الله عنهما.
وأيضا: لفظة طاهر تستعمل للمتطهر، قال الامام النووي في
31

المجموع (2 / 72): يقال في المتوضئ مطهر ومتطهر. ا ه‍.
وقد استعمل الصحابة رضي الله عنهم لفظة طاهر فيمن ارتفع
حدثه روى الإمام أحمد في مسنده (5 / 522) وأبو داود في سننه
(1 / 12 / حديث 46) عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال:
" أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهرا كان أو غير
طاهر (9) عمن هو؟ فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن
عبد الله ابن حنظلة حدثها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا وغير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر
بالسواك لكل صلاة ".. الحديث. ورواه الدارمي (1 / 168)
والترمذي (1 / 86) قال ابن كثير في تفسير آية الوضوء من تفسيره:
اسناده صحيح، وفي كتاب الجنائز باب (56) من صحيح
البخاري: (وكان ابن عمر لا يصلي إلا طاهرا) أي: على الجنازة،
قال الحافظ في شرحه في الفتح (3 / 190): وصله مالك في الموطأ
عن نافع بلفظ: " إن ابن عمر كان يقول: لا يصلي الرجل على
الجنازة إلا وهو طاهر ".
قلت: ومما قدمناه يتبين بطلان ادعائهم أن المراد بالطاهر:
المسلم، وبطلان قولهم أن المراد لا يمس القرآن المشرك وإنما يمسه
المؤمن المسلم.
4 - واحتجوا بقصة هرقل وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث

(9) أي متوضئ كان أو غير متوضئ كما هو ظاهر.
32

له كتابا وهو مشرك يدعوه إلى الاسلام وفيه آية.
وجوابه:
هو ما قاله الامام النووي في المجموع (2 / 72): حيث قال:
والجواب عن قصة هرقل أن ذلك الكتاب كان فيه آية ولا يسمى
مصحفا. اه‍.
وقال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح (1 / 39):
على أن في الاستدلال بذلك - أي في قراءة الجنب للقرآن -
من هذه القصة نظرا، فإنها واقعة عين لا عموم فيها، فيقيد الجواز
على ما إذا وقع احتياج إلى ذلك كالابلاغ والانذار - أي بالآية
وبالآيتين كما تقدم قوله - كما في هذه القصة، وأما الجواز مطلقا حيث
لا ضرورة فلا يتجه. ا ه‍، وقال في الفتح (1 / 408): ونص أحمد
أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ. ا ه‍.
قلت: والذين أباحوا القرآن للجنب والحائض إن استدلوا بهذه
القصة تناقضوا، لأنهم يقولون: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:
(لا يمس القرآن إلا طاهر) أي لا يمسه إلا مسلم، وهرقل غير
مسلم.
(وأقول أيضا): أن قصة هرقل فيها فعل، ونهيه صلى الله عليه وسلم أمته عن
مس القران قول، وقد تقرر في علم الأصول أن القول والفعل إذا
تعارضا قدم القول. فينتج سقوط الاحتجاج بقصة هرقل، كما قال
الحافظ: في الاستدلال بها نظر.
33

5 - واحتجوا بأن أبا وائل أحد التابعين أرسل خادمه وهي حائض
إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته، وقد علقه
البخاري في كتاب الحيض (3) ووصله ابن أبي شيبة بإسناد
صحيح كما في الفتح (1 / 42).
وجوابه:
أن هذا الأثر عن التابعي ليس دليلا باتفاق، وقد نص العلماء
على أن مذهب الصحابي ليس بحجة كما ذكره النووي في شرح مسلم
(1 / 31) فكيف بفعل تابعي؟!.
وهذا لو كان حجة، فهو حجة على الخصم المبيح، لان إمساكها
بعلاقته، دون مباشرتها له، دليل على تحريم مسه عنده وعندها وجواز
حمله بعلاقته، فالاثر لو كان دليلا فهو عليهم لا لهم.
34

(فصل): في مسائل تتعلق بالقرآن
(الأولى):
يحرم على المسلم البالغ سواء كان ذكرا أو أنثى إذا لم يكن
متوضئا أن يمس القرآن، ويجوز له أن يقرأه دون مس إذا لم يكن
جنبا أو لم تكن حائضا.
(ا لثانية):
يحرم على المعلمة الحائض قراءة القرآن ومسه وحمله، ويجوز لها
أن تأمر طالبة بقراءته وهي تسمع، لان الجنب يجوز له أن يستمع
للقرآن، وكذا الحائض، بدليل قول السيدة عائشة: " كان صلى الله
عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن ".
(الثالثة):
يجب على الطلاب البالغين في المدارس وغيرها أن يتوضأوا قبل
درس القرآن، وينبغي للمسلم أن يحافظ على الوضوء سواء كان في
درس القرآن أم لا، فإذا كانت حصة القران أثناء الحصص الثلاثة
الأولى توضأ قبلها، أو أثناء الثلاثة الأخيرة توضأ في (الفرصة)
الاستراحة التي بعد الحصص الثلاثة الأولى، ولا ينبغي أن يضاع
الوقت في حصة القرآن فيخرج الجميع للوضوء أول تلك الحصة،
وكثير منهم لا يخشون الله تعالى لأنهم يريدون اللعب وإضاعة
الوقت.
35

(الرابعة):
لا يجوز أن تفتى المعلمة الحائض بأنه يجوز لها أن تدرس القرآن
وهي كذلك، لأننا ينبغي لنا أن نقود الناس إلى أحكام الشريعة،
لا أن نقود أحكام الشريعة ونميلها إلى أهواء الناس.
وبعض المفتين يخافون من العامة فيحاولون إرضائهم بالفتوى
التي يرضونها ولو كانت باطلة شرعا، وبعضهم يقول في المسألة
قولان: وأقول عبارة (في المسالة قولان) مرض خطير مآله الانحلال
من الدين، ولنا رسالة خاصة أوضحنا فيها فساد " هذه العبارة " يسر
الله نشرها، فالعالم والمفتي إذا سئل عن أمر فإنه يجب عليه أن يجيب
بما يدين الله هو به في هذه المسالة، فإن أعجب السائل أخذ وإن
لم يعجبه فشأنه وهو آثم إن تركه وهو يعلم في قرارة نفسه إنه هو
الحق، ولا يجوز للعالم أن يتخول عن ما يدين الله به إلى قول آخر
لا يعتقد صحته ولا يسعفه الدليل ليرضي السائل.
(الخامسة):
يحرم على الجنب والحائض أن يقرأ كل منهما القرآن أو أن
يمساه، ويجوز لهما أن يمراه على القلب، أو ينظرا فيه إذا فتحه لهما
متطهر وأن يطالعاه دون تحريك اللسان، ويجوز لهما سماع القرآن كما
مر.
(السادسة):
ينبغي لمن أراد أن يقرأ القرآن أن يعظمه فلا يضعه على رجليه،
36

ولا يمد رجليه إليه، ولا يضعه على الأرض، بل يرفعه إما على
(طاولة) شئ مرتفع أو يحمله بيده رافعا له، فإنه كتاب الله تعالى
فيجب احترامه (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ".
(السابعة):
ينبغي لمن أراد أن يقلب صفحات القرآن الكريم أن لا يستعمل
ريقه (بصاقه) ليستعين به على التقليب فإننا قد رأينا بعض الناس
يفعل ذلك وهو إن لم يكن حراما فهو مكروه.
قال صاحب نظم النوازل العلامة سيدي عبد الله العلوي
الشنقيطي:
ولا يكفر بتقليب الورق
من مصحف بالريق من عليه شق
كما به أبو علي قد قضى
وفيه بحث برقه قد أغمضا
قال الشارخ:
يعني أن ترييق الأصابع لتقليب ورق المصحف لمن شق عليه
وإن كان حراما لا يصل لرتبة الكفر لأنه لم يصحبه استخفاف ولا
قذارة كبيرة، كما قضى بذلك أبو علي المسناوي، قوله وفيه بحث
أغمض برقه إشارة لشدة الخطر فيه.
(الثامنة):
يجوز للصبي الذي لم يبلغ أن يمكن من حمل المصحف والقراءة
37

فيه وتعلمه، وعلى الولي كالأب والام ونحوهما أن يأمراه بالوضوء
ليتعلم ويتعود ويتدرب.
ومن أراد معرفة آداب القرآن وحملته فعليه بكتاب الامام النووي
رحمه الله تعالى (التبيان) فإن فيه ما يشفي الغليل.
وهذا ما أردت بيانه وإيضاحه والتدليل عليه قاصدا تعظيم
القرآن العظيم، وتنزيه الكتاب الكريم وأسال الله الاخلاص في النية
والقول والعمل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين فرغت منها ليلة السبت 5 /
رمضان / 1410 والحمد لله على توفيقه.
38

صدر للمؤلف
الشيخ حسن بن علي السقاف
القرشي الهاشمي الحسيني الشافعي
- الإغاثة بأدلة الاستغاثة.
- إلقام الحجر للمتطاول على الأشاعرة من البشر.
- إعلام الخائض بتحريم القرآن على الجنب والحائض.
- احتجاج الخائب بعبارة من ادعى الاجماع فهو كاذب.
- القول المبتوت في صحة حديث صلاة الصبح بالقنوت.
* * *
- فتح المعين بنقد كتاب الأربعين ويليه بيني وبين الشيخ بكر.
للامام المحدث عبد الله بن الصديق الغماري.
تقديم وتعليق وتحقيق الشيخ حسن بن علي السقاف.
مكتبة الامام النووي / عمان - الأردن
39