الكتاب: القواعد والفوائد
المؤلف: الشهيد الأول
الجزء: ١
الوفاة: ٧٨٦
المجموعة: مصطلحات ومفردات فقهية
تحقيق: السيد عبد الهادي الحكيم
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات مكتبة المفيد - قم - ايران
ردمك:
ملاحظات:

منشورات مكتبة المفيد - قم إيران
القواعد والفوائد
" في الفقه والأصول والعربية "
تأليف
الامام أبي عبد الله محمد بن مكي العاملي
المعروف
ب‍ الشهيد الأول
المتوفي عام 786 ه‍.
1

القسم الأول
تحقيق
الدكتور السيد عبد الهادي الحكيم
2

بين يدي الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد وآله
الطيبين الطاهرين.
إن من ضروريات المتبحر في الفقه الاسلامي الذي يروم البلوغ إلى
رتبة الاجتهاد الشرعي الإحاطة بنوعين من القواعد:
الأولى: أصولية، ويرتكز عليها قياس استنباط الفقهاء للأحكام الشرعية
الفرعية الكلية (1).
الثانية: قواعد فقهية، وهي: أحكام كلية يندرج تحت كل منها
مجموعة من المسائل الشرعية المتشابهة من أبواب شتى.
وبالإحاطة بهذه القواعد - إضافة إلى بعض المعدات الأخرى للاجتهاد - (2)
تحصل للفقيه ملكة الاجتهاد الشرعي.
وبقدر الإحاطة بتلكم القواعد يعظم قدر الفقيه، وتتضح مناهج
الاستنباط لديه.

(1) الأستاذ الحكيم / الأصول العامة للفقه المقارن: 41.
(2) انظرها في المصدر السابق: 572 - 576.
3

تدوين القواعد الفقهية
والقواعد الفقهية بوشر بصياغتها - على ما يبدو - بعد أن دون
الفقه، وأخذت تدرس مطولاته وفروعه، وتظافر على التأليف والتنقيح
فيه رجال التخريج والترجيح (1).
وبلغ من عناية قسم كبير من الفقهاء بالقواعد صياغتها على وجه
التركيز حتى أن أبا طاهر الدباس - من فقهاء الحنفية في القرن الثالث
الهجري - در جميع مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة. كما رد
القاضي حسين - الفقيه الشافعي - جميع المذهب إلى أربع قواعد، هي:
الأولى: اليقين لا يزال بالشك.
الثانية: المشقة تجلب التيسير.
الثالثة: الضرر يزال.
الرابعة: العادة محكمة.
وقد ضم بعضهم إلى هذه الأربع قاعدة خامسة، وهي: الأمور
بمقاصدها (2).
وأرجع الشيخ عز الدين بن عبد السلام السلمي الشافعي المتوفى سنة
660 ه‍ الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد (3). وأرجع تاج الدين
السبكي الفقه كله على نحو الاجمال إلى اعتبار المصالح، فان درء المفاسد
من جملتها (4).

(1) محمد شفيق العاني / الفقه الاسلامي: 104.
(2) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 8.
(3) قواعد الأحكام: 1 / 11.
(4) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 8.
4

وقال بعضهم - وهو يعقب على من أرجع الفقه كله إلى القواعد
الأربع السابقة -: " في كون هذه الأربع دعائم الفقه كله نظر، فان
غالبه لا يرجع إليها إلا بواسطة وتكلف " (1). وإضافة القاعدة الخامسة
إليها لا يعطيها استيعاب تمام الفقه. كما أن ارجاع الفقه كله إلى قاعدة
واحدة أوضح في التمحل والتكلف، كما هو لا يخفى.
المؤلفون في القواعد الفقهية
وقد اشتهر جمع من الفقهاء بتدوين القواعد (2)، منهم:
1 - عبد الله بن حسين بن دلال الكرخي الحنفي، المتوفى سنة 340 ه‍
صاحب كتاب (الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية). مطبوع.
2 - أبو زيد عبيد بن عمر الدبوسي القاضي الحنفي، المتوفى سنة 430 ه‍
له كتاب (تأسيس النظر). مطبوع.
3 - محمد بن مكي بن الحسن العاملي المعروف بابن دوست المتوفى
سنة 507 ه‍.
4 - معين الدين أبو حامد محمد بن إبراهيم الجاجرمي الشافعي،
المتوفى سنة 613 ه‍، له كتاب (القواعد في فروع الشافعية).
5 - أبو محمد عز الدين بن عبد السلام الشافعي المتوفى سنة 660 ه‍
صاحب كتاب (قواعد الأحكام في مصالح الأنام). مطبوع.
6 - شهاب الدين أبو العباس أحمد بن العلاء الصنهاجي المشهور

(1) نفس المصدر السابق.
(2) انظر: حاجي خليفة / كشف الظنون: 2 / 1358 - 1359،
وإسماعيل باشا / ايضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون: 2 / 243،
والعاني / الفقه الاسلامي: 105 - 106.
5

ب‍ (القرافي)، المتوفى سنة 684 ه‍، صاحب كتاب (الفروق)،
مطبوع.
7 - نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي، المتوفى سنة
710 ه‍، صنف كتابا في (القواعد الكبرى في فروع الحنابلة).
8 - صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي الدمشقي الشافعي الشهير بابن العلاء، المتوفى سنة 761 ه‍، له كتاب (المجموع المذهب
في قواعد المذهب) و (الأشباه والنظائر في فروع فقه الشافعي).
9 - تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي الشافعي، المتوفى سنة 771 ه‍.
10 - أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي الشهير بالشهيد الأول،
المتوفى سنة 786 ه‍ مؤلف هذا الكتاب (القواعد والفوائد).
11 - بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، المتوفى سنة 794 ه‍.
12 - أبو الفرج عبد الرحمان بن رجب الحنبلي، المتوفى سنة 795 ه‍
صاحب كتاب (القواعد في الفقه الاسلامي)، مطبوع.
13 - شرف الدين علي بن عثمان الغزي، المتوفى سنة 799 ه‍.
14 - المقداد بن عبد الله السيوري الحلي الشهير بالفاضل السيوري،
المتوفى سنة 826 ه‍، له كتاب (نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية
).
15 - جلال الدين عبد الرحمان السيوطي الشافعي، المتوفى سنة 911 ه‍
صاحب كتاب (الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية). مطبوع.
16 - زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي الشهير بالشهيد الثاني
المتوفى سنة 965 ه‍، صاحب كتاب (تمهيد القواعد الأصولية والعربية
لتفريع فوائد الأحكام الشرعية)، مطبوع.
6

17 - عمر بن إبراهيم بن محمد المصري المعروف بابن نجيم الحنفي،
المتوفى سنة 1005 ه‍، صنف كتاب (الأشباه والنظائر)، مطبوع.
18 - أبو سعيد محمد بن مصطفى الخادمي المتوفى سنة 1176 ه‍،
صاحب كتاب (مجامع الحقائق).
19 - أحمد بن محمد أبي ذر النراقي الامامي، المتوفى سنة 1244 ه‍
صاحب كتاب (عوائد الأيام في مهمات أدلة الأحكام)، مطبوع.
20 - السيد عبد الفتاح بن علي الحسيني المراغي الامامي، المتوفى
سنة 1250 ه‍ صنف كتاب (عناوين الأصول)، مطبوع.
21 - الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، المتوفى سنة 1373 ه‍،
صاحب كتاب (تحرير المجلة)، مطبوع.
22 - السيد ميرزا حسن الموسوي البجنوردي، المتوفى سنة 1395 ه‍
صاحب كتاب (القواعد الفقهية)، مطبوع.
كتاب (القواعد والفوائد)
ومن خلال هذا العدد الكثير ممن شاركوا في الكتابة عن القواعد
الفقهية لم نجد لدى فقهاء الإمامية قبل الشهيد الأول كتابا في هذا المضمار.
ومن هنا فان كتاب (القواعد والفوائد) يعتبر أول مصنف يصل الينا
في قواعد وفروع الامامية، وقد قال عنه مصنفه في اجازته لابن الخازن:
انه (لم يعمل الأصحاب مثله) (1). وهذا من أبرز الأسباب التي
دفعتني لتحقيق هذا السفر الجليل.
وقد احتوى الكتاب على ما يقرب من ثلاثمائة وثلاثين قاعدة. إضافة
إلى فوائد تقرب من مائة فائدة، عدا التنبيهات والفروع، وهي جميعا

(1) المجلسي / البحار: مجلد 26 / ج 1 / 38.
7

قد استوعبت أكثر المسائل الشرعية.
وهذه القواعد والفوائد التي احتواها الكتاب ليست فقهية خالصة
وإنما فيها بعض القواعد والفوائد الأصولية والعربية، ولكن الطابع الفقهي
هو الغالب عليها.
منهجه:
ومنهج المصنف في هذا الكتاب هو: أنه يورد القاعدة أو الفائدة
ثم يبين ما يندرج تحتها من فروع فقهية، وما قد يرد عليها من استثناءات
إن كان هناك استثناء منها.
وهو لم يقتصر على بيان رأي الامامية فيما يذكره من المسائل،
وإنما اتخذ المقارنة في أغلب الفروع الفقهية، فيعرض ما قيل من الوجوه
سواء كان القائل إماميا أم غيره. كما أنه قد يذكر قولا نادرا تفرد به
بعض الامامية أو غيرهم، مما يدل على سعة اطلاعه واحاطته بآراء
الفقهاء على اختلاف مذاهبهم. ولا غرو في ذلك وهو القائل في اجازته
لابن الخازن الحائري: (وأما مصنفات العامة ومروياتهم فاني أروي عن
نحو أربعين شيخا من علمائهم بمكة، والمدينة، ودار السلام بغداد، ومصر
ودمشق، وبيت المقدس، ومقام الخليل إبراهيم عليه السلام) (1).
كما أنه لا يكتفي بنقل تلكم الأقوال والوجوه في المسألة الفقهية بل
هو غالبا ما يذكر أدلتها وحججها، ويناقش ما لا يرتضيه منها مناقشات
جليلة.
ويلاحظ أن المصنف لم يتبع في الغالب منهجا معينا في ترتيب ما
أورده من قواعد وفوائد، فهو لم يفصل القواعد الفقهية عن الأصولية

(1) المجلسي / البحار: مجلد 26 / ج 1 / ص: 39.
8

أو العربية كما أنه لم يرتب القواعد الفقهية منها على أبواب الفقه
المشهورة، فهو وإن كان قد جمع بعض قواعد الاجتهاد، والمناكحات،
والجنايات، ثم قسما من قواعد العبادات والعقود والإرث، إلا أن
الطابع العام له عدم الترتيب، إذ هو في الوقت الذي يجمع قواعد
المناكحات نراه يذكر في مكان آخر بعض القواعد التي تتعلق بالنكاح.
وهكذا القول في قواعد الجنايات، وباقي أبواب الفقه التي جمع
قواعدها.
بالإضافة إلى كل ذلك فإنه أحيانا يكرر القاعدة في أكثر من موضع
كالكثير من قواعد السبب، وبعض قواعد المناكحات، وقواعد الوسائل
إلى المصالح.
ومن ثم قام تلميذه المقداد بن عبد الله السيوري الحلي بترتيب تلكم
القواعد وتهذيبها، ووضع في ذلك كتابا سماه (نضد القواعد الفقهية)
الذي تقدمت الإشارة إليه. كما أن الشهيد الثاني زين الدين العاملي قام
هو الآخر بفصل القواعد الأصولية عن العربية مع فهرس كامل للمطالب
والمسائل الفرعية التي تندرج تحت تلكم القواعد، فصنف كتاب (تمهيد
القواعد الأصولية والعربية) الذي تقدمت الإشارة إليه أيضا.
مصادره
ونظرا لان المصنف أخذ بمنهج المقارنة بين مختلف المذاهب الاسلامية
فيما يعرضه من مسائل فرعية فقد اعتمد على العديد من المراجع المختلفة
وان لم يسم الغالب منها بالاسم صريحا.
ومن أهم مصادره في الفقه الإمامي:
1 المقنعة للشيخ المفيد
2 - الانتصار للسيد المرتضى
9

3 - المقنع للشيخ الصدوق
4 - الخلاف للشيخ الطوسي
5 - المبسوط للشيخ الطوسي
6 - النهاية للشيخ الطوسي
7 - السرائر لابن إدريس
8 - الكافي لأبي الصلاح الحلبي
9 - الجامع للشرائع لابن سعيد الحلي الهذلي
10 - شرائع الاسلام للمحقق الحلي
11 - المعتبر للمحقق الحلي
12 - تحرير الأحكام للعلامة الحلي
13 - قواعد الأحكام للعلامة الحلي
14 - مختلف الشيعة للعلامة الحلي
15 - منتهى المطلب للعلامة الحلي
16 - إيضاح الفوائد لفخر المحققين
أما مصادره في الفقه السني فأهمها:
1 - المهذب للشيرازي
2 - المجموع شرح المهذب للنووي
3 - الوجيز للغزالي
4 - فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي
5 - قواعد الأحكام لابن عبد السلام
6 - الفروق للقرافي
ويبدو أن المصدرين الأخيرين - القواعد، والفروق - اعتمد عليهما
المصنف كثيرا في تدوين آراء أهل السنة.
10

كما أني وجدت من خلال مراجعتي للكتاب أنه يذكر قواعد وفروعا
موجودة في الأشباه والنظائر للسيوطي المتوفى سنة 911 ه‍، وغالبا ما يكون
السيوطي قد نقلها عن آخرين ممن سبقوه من فقهاء الشافعية كالعلائي والسبكي
وهذا مما يؤيد أن المصنف كان قد اطلع على بعض مصادر الشافعية - غير
ما ذكرناه - التي عنيت بهذا النوع من البحث.
وقد ذكر الخوانساري في روضات الجنات (1): أن الشهيد الأول
كان معاصرا لشمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الخليلي
الملقب ب‍ (العلاء) صاحب كتاب القواعد المشهور (وقد عاشره قليلا
أو كان قد طالع مصنفاته كثيرا لما يوجد في مصنفاتهما من المشابهة وضعا
والمشاركة سبكا، بحيث قيل: إن غالب مطالب قواعد الشهيد مأخوذة
من قواعد ذلك العلم الفريد).
والذي يبدو أن وجود التشابه بينه وبين العلاء لا يدل على أخذه
من العلاء، لجواز أخذ العلاء منه، أو أن يكون العلاء نفسه قد اعتمد
على المصادر المتقدمة التي اعتمد عليها المصنف. فهذا القول ليس عليه
دليل قوي يستند إليه.
تأريخ تصنيفه
لم أعثر - في حدود تتبعي - على من يحدد تأريخ ابتداء تأليف كتاب
(القواعد والفوائد) أو الفراغ منه، ولكن الشئ الثابت أنه كان قبل
(12 رمضان سنة 784 ه‍) بدليل أن المصنف ذكره من جملة الكتب
التي صنفها في إجازته لابن الخازن بهذا التأريخ، وأجاز له روايته،
فقد جاء فيها: (... وأجاز له جميع ما يجوز عنه وله روايته من
مصنف ومؤلف ومنثور ومنظوم... فمما صنفته: كتاب القواعد

(1) 4 / 205. (الطبعة الحجرية بإيران سنة 1306 ه‍).
11

والفوائد، في الفقه، مختصر مشتمل على ضوابط كلية أصولية وفرعية
تستنبط منها أحكام شرعية لم يعمل الأصحاب مثله..) (1). ويبدو
من بعض فقرات الإجازة أنه كان تاما في ذلك الوقت، فقد جاء فيها:
(.. وغير ذلك من الرسائل وكتب شرع فيها يرجى إتمامها في الفقه
والكلام والعربية إن شاء الله) (2). فما ذكره ناسخ النسخة الخطية
المحفوظة بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف تحت رقم: 2136، من أن
القضاء قد عاجل المصنف قبل إتمامه (3)، لا دليل عليه.
شروحه وحواشيه
لقد تناول العلماء والمحققون هذا الكتاب بالشرح والتعليق ويبدو أنه
كان من الكتب الدراسية (4) فممن شرحه:
1 - الميرزا أبو تراب، المعروف بميرزا أقا القزويني الحائري،
المتوفى بعد سنة 1292 ه‍.
2 - الشيخ علي بن علي رضا الخوئي، المتوفى سنة 1350 ه‍ (5). وأما حواشيه فكثيرة، منها:
1 - حاشية الشيخ أبي القاسم علي بن طي العاملي المتوفى سنة 855 ه‍.
2 - حاشية الشيخ البهائي محمد بن الحسين بن عبد الصمد الجبعي
العاملي، المتوفى سنة 1031 ه‍. طبعت بهامش النسخة المطبوعة بإيران
سنة 1308 ه‍.

(1) المجلسي / البحار: مجلد 26 / ج 1 ص: 38.
(2) نفس المصدر.
(3) انظر الصفحة الأخيرة من النسخة الخطية.
(4) انظر: آغا بزرك / الذريعة: 14 / 16.
(5) المصدر السابق: 14 / 16 - 17.
12

3 - حاشية الشيخ محمد بن علي الحرفوشي، المتوفى سنة 1059 ه‍
طبعت أيضا بهامش النسخة المطبوعة سنة 1308 ه‍.
4 - حاشية السيد محمد بن محمود الحسيني اللواساني الطهراني المعروف
ب‍ (عصار) المتوفى سنة 1356 ه‍، وهي طبعت أيضا بهامش النسخة
المطبوعة.
5 - حاشية المولى حسن علي بن عبد الله التستري المتوفى سنة 1075 ه‍
6 - حاشية ميرزا قاضي بن كاشف الدين محمد اليزدي المتوفى سنة
1056 ه‍، وهي حاشية على قاعدة واحدة من قواعد الشهيد.
7 - حاشية السيد إسماعيل بن نجف المرندي، المتوفى سنة 1318 ه‍
فرغ منها سنة 1286 ه‍.
8 - حاشية الشيخ محمد بن محمد باقر الشهير بالفاضل الإيرواني، المتوفى
سنة 1306 ه‍، وهي بهامش النسخة الخطية الخاصة بالأستاذ الشيخ محمد
تقي الإيرواني التي اعتمدتها في التحقيق.
9 - حاشية ميرزا محمد بن سليمان التنكابني (1).
الشهيد الأول (مؤلف الكتاب)
نسبه ونشأته
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ
شمس الدين محمد بن حامد بن أحمد النبطي العاملي الجزيني (2) الشهير
ب‍ (الشهيد الأول) أو ب‍ (الشهيد) (3).

(1) المصدر السابق: 6 / 173.
(2) نسبة إلى جزين من قرى جبل عامل جنوب لبنان.
(3) الخوانساري / روضات الجنات: 4 / 78.
13

ولد في جزين سنة 734 ه‍، ونشأ وترعرع في بيت من بيوت العلم
والدين، فقد كان والده الشيخ جمال الدين عالما جليلا، وعلى يده تلقى
مبادئ العلوم العربية والفقه. وكان يجد من والده الشيخ دافعا قويا على
الدراسة والتفكير فيما يعرض من مسائل وما يطرح من أفكار. كما كان
يجد في المجالس والندوات العلمية التي كانت تعقد هناك بكثرة مجالا
خصبا للمناقشة وابداء الرأي. فأصبح وهو لم يتجاوز بعد المراحل الأولى
من دراسته يشار إليه بالفضل والعلم (1).
أسفاره
لقد أراد الشهيد الأول التزود بالمعرفة من مختلف مصادرها، ولم
يقتصر على ما يتلقاه من الثقافة في جزين أو جبل عامل، فشد الرحال
إلى مراكز العلم والفكر الاسلامي الرئيسة في ذلك العهد. وكانت الهجرة
الأولى له سنة 750 ه‍ قاصدا الحلة - التي كانت مركزا من مراكز الفقه
الشيعي في العراق - وعمره ست عشرة سنة، وبقي فيها خمس سنين يتزود
بالمعرفة ويتلقى العلم على يد شيوخ كبار من تلامذة العلامة الحلي في الفقه
والحديث والأصول وغيرها من مجالات المعرفة. ثم رجع إلى بلاده وهو
ابن احدى وعشرين سنة (2).
ثم تتابعت رحلاته إلى الحلة، وكربلاء، وبغداد، ومكة المكرمة
والمدينة المنورة، وبيت المقدس، ومدينة الخليل، ودمشق، ومصر.
وقد أتيح له عن طريق هذه الرحلات مخالطة الكثير من علماء
المذاهب الاسلامية المختلفة، والتعرف على آرائهم وأفكارهم. كما كان
على صلة وثيقة بمشيخة الرواية من علمائهم، وفي إجازته لابن الخازن

(1) الآصفي / مقدمة الروضة البهية للشهيد الثاني: 80 - 82.
(2) الأمين / أعيان الشيعة: ج 47 / 37.
14

المتقدمة خير دليل على ذلك.
شيوخه
تلقى الشهيد الأول العلوم المختلفة، النقلية منها والعقلية، على العديد
من اعلام الفكر، وكان لهم الأثر في تكوين شخصيته العلمية، وقد
عدد الكثير منهم في إجازتيه لابن الخازن (1) وابن نجدة (2)، وفيما يلي
ذكر لقسم منهم فيما عثرنا عليه، سواء من إجازته لتلامذته، أم من
إجازات شيوخه له: 1 - فخر الدين أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر
الحلي، المعروف ب‍ (فخر المحققين)، والمتوفى سنة 771 ه‍. اتصل به
بعد أن هاجر الهجرة الأولى إلى الحلة ولازمه. وقيل (3): إن معظم اشتغاله
العلمي كان عليه.
وقد أجازه أكثر من مرة، الأولى كانت سنة 751 ه‍ بداره في الحلة
يستفاد ذلك من كتابه (الأربعون) حيث يقول: (الحديث الثاني:
ما أخبرني به ذلك الشيخ الامام شيخ الشيعة ورئيسهم فخر الدين أبو طالب
محمد بن الحسن بن المطهر في آخر نهار عشرين شعبان بداره سنة إحدى
وخمسين وسبعمائة بالحلة عن والده الامام الأعظم..) ولفظ (أخبرني)
وإن كان قد يستعمل في تحمل الحديث بالسماع أو بالقراءة، إلا أنه مما
يكثر استعماله في التحمل بالإجازة (4). ومن هنا فان النوري (5) يراه

(1) انظر: المجلسي / البحار: مجلد 26 / ج 1: 38.
(2) المصدر السابق: 40.
(3) الخوانساري / روضات الجنات: 4 / 78.
(4) انظر: الشهيد الثاني / الدراية: 86. (طبعة النجف 1379 ه‍).
(5) مستدرك الوسائل: 3 / 437.
15

من الألفاظ الصريحة في ذلك. وأجازه ثانية في 6 شوال سنة 756 ه‍ بالحلة
وهي إجازة عامة كتبها على ظهر الجزء الأول من مصنفه (إيضاح الفوائد
في شرح اشكالات القواعد) عند قراءته عليه (1). وإجازة ثالثة - على
ما قيل (2) - سنة 757 ه‍.
2 - عميد الدين أبو عبد الله عبد المطلب بن مجد الدين أبي الفوارس
محمد بن علي بن الأعرج الحلي الحسيني، الشهير ب‍ (العميدي) المتوفى
سنة 754 ه‍، قرأ عليه كتاب (تذكرة الفقهاء) للعلامة الحلي، وإجازة
سنة 752 ه‍ (3). وله إجارة منه في الرواية في 19 رمضان سنة 751 ه‍
في الحضرة الحائرية، كما يستفاد من مقدمة كتابه (الأربعون).
3 - الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن طراد المطار آبادي
المتوفى سنة 762 ه‍. أجازه بالحلة في 6 ربيع الثاني سنة 754 ه‍ (4).
4 جلال الدين أبو محمد الحسن بن الشيخ نظام الدين أحمد بن نماء
الحلي، كان من أكابر علماء الحلة وفقهائها. أجازه بالحلة في ربيع
الثاني سنة 752 ه‍ (5).
5 - السيد تاج الدين أبو عبد الله محمد بن السيد جلال الدين بن
القاسم الحسيني الديباجي، المعروف بابن معية، المتوفى سنة 776 ه‍.
وكان جليل القدر واسع الرواية. إجارة بالحلة في منتصف شوال

(1) المجلسي / البحار: مجلد 26 / ج 1: 36.
(2) انظر: البحراني / لؤلؤة البحرين: 143 (هامش) نقلا
عن السيد حسن الصدر في تكملة أمل الآمل، المخطوط.
(3) انظر: النوري / مستدرك الوسائل: 3 / 459.
(4) الشهيد الأول / الأربعون: حديث: 4، 32.
(5) المصدر السابق: حديث: 3.
16

سنة 753 ه‍ (1). وله إجازة أخرى في 11 شوال سنة 754 ه‍، أجازه
فيها برواية جميع مروياته ومصنفاته (2).
6 - الشيخ قطب الدين أبو جعفر محمد بن محمد الرازي البويهي الحكيم
المتأله الفقيه، من تلامذة العلامة الحلي، المتوفى في 12 ذي القعدة سنة
776 ه‍. يقول عنه الشهيد الأول في إجازته لابن الخازن: (فاني حضرت
في خدمته قدس الله لطيفه بدمشق عام ثمانية وستين وسبعمائة واستفدت من
أنفاسه، وأجاز لي جميع مصنفاته ومؤلفاته في المعقول والمنقول أن أرويها
عنه، وجميع مروياته) (3). واجتمع به مرة أخرى بدمشق في أواخر
شعبان سنة 776 ه‍، وأجازه ثانية (4).
7 - قاضي قضاة مصر برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد
ابن سعد بن جماعة. قرأ عليه الشاطبية.
8 - شمس الدين محمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي، قرأ عليه
الشاطبية أيضا، وروى عنه كتاب (الجامع الصحيح) للبخاري (5).
9 - شمس الأئمة محمد بن يوسف القرشي الكرماني الشافعي، وقد أجازه
بإجازة عامة في أوائل جمادى الأولى سنة 758 ه‍ ببغداد، وجاء فيها:
(وبعد فقد استجاز المولى الأعظم إمام الأئمة صاحب الفضلين مجمع المناقب
والكمالات الفاخرة جامع علوم الدنيا والآخرة شمس الملة والدين محمد بن
الشيخ العالم جمال الدين بن مكي بن شمس الدين محمد الدمشقي رزقه الله من

(1) المصدر السابق: حديث: 5.
(2) المجلسي / البحار: مجلد 26 / ج 1 ص: 37.
(3) المصدر السابق: ص 39.
(4) النوري / مستدرك الوسائل: 3 / 447.
(5) المجلسي / البحار: مجلد 26 / ج 1 ص 39.
17

أولاه وأخراه ما هو أولاه وأحراه رواية مالي فيه حق الرواية لا سيما
كتب الثلاثة التي صنفها أستاذ الكل في الكل عضد الملة والدين عبد الرحمن المولى
السعيد زين الدين أحمد بن عماد الدين عبد الغفار اللائجي...) (1).
10 - الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الحسن الحنفي، فقيه
بيت المقدس، قرأ عليه الخلاصة المالكية، وأجازه.
11 - الشيخ برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري الفقيه بمقام الخليل
إبراهيم عليه السلام. قرأ عليه الخلاصة المالكية أيضا (2).
12 - السيد جمال الدين عبد الله محمد الحسني العريضي الخراساني.
قرأ عليه في المعاني والبيان كتاب (الفوائد الغياثية وشرحها) و (المفتاح)
للسكاكي (3).
تلامذته
تتلمذ على يده جماعة من الاعلام أثناء تدريسه في الحلة، وفي مدرسته
الخاصة التي أنشأها بجزين، وفي رحلاته التي كان يقوم بها في الأقطار
الاسلامية.
وقد عرف في الحلة بتدريس كتاب (تهذيب الأحكام) للشيخ
الطوسي، و (علل الشرائع) للصدوق، و (قواعد الأحكام) للعلامة
الحلي. وكتب أخرى في الفقه والحديث والأصول (4).
ومن تلامذته:
1 - الشيخ شمس الدين أبو جعفر محمد بن تاج الدين أبي محمد عبد علي

(1) المصدر السابق: ص 37.
(2) المصدر السابق: ص 42.
(3) المصدر السابق: ص 40.
(4) الآصفي / مقدمة الروضة البهية: 111.
18

الشهير ب‍ (ابن نجدة) المتوفى سنة 808 ه‍. جاء في إجازته له، المؤرخة
في 10 رمضان سنة 770 ه‍، أنه قرأ عليه كتاب (قواعد الأحكام)
للعلامة الحلي، وكتاب (اللمع في النحو) لابن جني، و (خلاصة المنظوم)
لابن مالك. وسمع كتبا كثيرة بقراءة غيره في فنون مختلفة، مثل كتاب
(تحرير الأحكام) و (إرشاد الأذهان) في الفقه، و (المناهج)
و (شرح النظم) و (شرح الياقوت) في علم الكلام، وكتاب (نهج
المسترشدين)، وكلها من مصنفات العلامة الحلي، و (عيون أخبار
الرضا) للشيخ الصدوق، وغيرها (1).
2 - الشيخ أبو عبد الله المقداد بن عبد الله السيوري الحلي الشهير ب‍ (الفاضل السيوري)، المتوفى سنة 826 ه‍، وهو الذي هذب كتاب
أستاذه (القواعد والفوائد) كما تقدمت الإشارة إليه. وله كتاب (شرح
نهج المسترشدين في أصول الدين)، و (كنز العرفان في فقه القرآن)
وغيرهما.
3 - شمس الدين محمد بن علي بن موسى الضحاك الشامي المتوفى سنة
791 ه‍. كان رفيق شيخه الشهيد في أول اشتغاله بالحلة على يد فخر
المحققين ثم تتلمذ على يده ولازمه إلى حين مقتله (2).
4 - الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن عز الدين بن الخازن بالحضرة
الحائرية، كان من كبار تلامذته، وكتب له الإجازة المعروفة والمؤرخة في
12 رمضان سنة 784 ه‍ (3).
5 - السيد بدر الدين الحسن بن أيوب الشهير ب‍ (ابن نجم الدين

(1) انظر: المجلسي / البحار: مجلد 26 / ج 1 ص 40.
(2) المصدر السابق: ص 44.
(3) انظر نص الإجازة في المصدر السابق ص 38 - 40.
19

الأعرج) الحسيني الاطراوي العاملي (1).
6 - الشيخ حسن بن سليمان بن خالد الحلي. كان فقيها فاضلا له كتاب
منتخب بصائر الدرجات (2).
7 - الشيخ شمس الدين محمد بن عبد العالي الكركي العاملي شيخ رواية
الحسن بن العشرة (3).
8، 9، 10 - أولاده الثلاثة: رضي الدين أبو طالب محمد،
وضياء الدين أبو القاسم علي، وجمال الدين أبو منصور الحسن، وقد أجازهم
برواية جميع ما صنفه وألفه ورواه (4).
آثاره
خلف لنا الشهيد الأول مؤلفات قيمة أحصاها بعض الباحثين باثنين
وثلاثين كتابا (5). نذكر منها:
1 - اللمعة الدمشقية، وهي رسالة فقهية مختصرة جمع فيها أبواب
الفقه، صنفها إجابة لالتماس شمس الدين محمد الآوي من أصحاب السلطان
علي بن مؤيد ملك خراسان وتوابعها. وقد استغرق في تأليفها سبعة أيام
فقط بداره بدمشق سنة 782 ه‍ على ما نقله عنه ولده أبو طالب محمد (6) (7).

(1) الخوانساري / روضات الجنات: 1 / 178، و 4، 79.
(2) نفس المصدر.
(3) انظر: الأمين / أعيان الشيعة: ج 47 ص 44، والخوانساري
روضات الجنات: 4 / 79.
(4) انظر نص الإجازة في / مستدرك الوسائل: 3 / 438 - 439.
(5) الآصفي / مقدمة الروضة البهية: 99.
(6) ذكر الحر العاملي في / أمل الآمل /: 1 / 183، والقمي في
الكنى والألقاب: 2 / 347 أن الشهيد ألف اللمعة وهو في الحبس،
ولم يكن يحضره من المراجع غير المختصر النافع للمحقق الحلي.
وهذا على ما يبدو غير صحيح، ذلك لان الشهيد نفسه قد ذكر
كتاب اللمعة من جملة مصنفاته التي أجاز لابن الخازن روايتها، حيث
يقول فيها: (ومن ذلك كتاب الدمشقية مختصر لطيف في الفقه)
وتأريخ الإجازة كما تقدم سنة 784 ه‍. وهو رحمه الله قد حبس سنة قبل
مقتله الذي كان في سنة 786 ه‍. هذا أولا. وثانيا: أن هذا يتنافى
مع ما نقله الشهيد الثاني في الروضة البهية عند شرحه لمقدمة المصنف
عن ولده أبي طالب.
(7) انظر: الشهيد الثاني / الروضة البهية: 1 / 23 - 24.
20

وقد طبعت عدة طبعات مع شرحها الروضة البهية للشهيد الثاني.
2 - الدروس الشرعية في فقه الامامية، وهو يشتمل على الكثير
من أبواب الفقه، خرج منه إلى كتاب الرهن فأدركته الشهادة قبل
إتمامه، شرع فيه سنة 780 ه‍ وفرغ من جزئه الأول في 12 ربيع الأول
سنة 784 ه‍ (1).
وقد نهض لاتمامه العالم السيد جعفر الملحوس وفرغ منه في 26
رجب سنة 836 ه‍ (2).
وطبع كتاب الدروس بإيران سنة 1269 ه‍، وله شروح عدة
ذكرها صاحب الذريعة (3).
3 - الألفية، وهي رسالة فقهية تشتمل على ألف واجب من
واجبات الصلاة مرتبة على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، فرغ منها قبل

(1) آغا بزرك / الذريعة: 8 / 145.
(2) انظر: النوري / مستدرك الوسائل: 3 / 439.
(3) الذريعة: 8 / 145.
21

رمضان سنة 784 ه‍، وعليها حواش وشروح كثيرة، وطبعت مكررا (1):
4 - النفلية، وهي رسالة ألفها بعد الألفية تشتمل على ثلاثة آلاف
نافلة حصر فيها نوافل الصلاة. ذكرها في إجازته لابن الخازن.
5 - غاية المراد في شرح نكت الارشاد: في الفقه، والمتن للعلامة الحلي،
فرغ منه سنة 757 ه‍ وقد أشار إليه في إجازته لابن الخازن الحائري،
وطبع بإيران مكررا منها في سنة 1302 ه‍ (2).
6 - شرح التهذيب الجمالي في أصول الفقه، والتهذيب من مصنفات
العلامة الحلي، وقد أشار إليه أيضا في إجازته لابن الخازن.
7 - رسالة في التكليف وفروعه.
8 - خلاصة الاعتبار في الحج والاعتمار: وهي رسالة مختصرة جدا
في مناسك الحج والعمرة وجمعت فروعا وفذلكات كثيرة (3). ذكرها
أيضا في إجازته لابن الخازن.
9 - البيان، كتاب في الفقه لم يتمه، خرج منه الطهارة والصلاة
والزكاة والخمس وقسم من الصوم، طبع بإيران سنة 1319 ه‍ (4).
10 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: في الفقه، خرج منه
الطهارة والصلاة بعد مقدمة فيها سبع إشارات في المباحث الأصولية،
وفرغ منه في 21 صفر سنة 784 ه‍ (5)، وعليه عدة حواش، طبع

(1) انظر: آغا بزرك / الذريعة: 2 / 296 - 297، و 13 /
107 - 114.
(2) الآصفي / مقدمة الروضة البهية: 105.
(3) الأمين / أعيان الشيعة: ج 47 ص 45.
(4) الآصفي / مقدمة الروضة البهية: 105.
(5) في مقدمة الآصفي للروضة: فرغ منه سنة 786 ه‍، ولعله
خطأ مطبعي، لان مصدره في ذلك على ما يبدو الذريعة، وما أثبتناه نصها.
22

على الحجر بإيران سنة 1271 ه‍ (1).
11 - الأربعون حديثا: أكثرها في العبادات فرغ منه في 18
ذي الحجة سنة 782 ه‍، طبع بإيران مع غيبة النعماني سنة 1318 ه‍ (2).
12 - المقالة التكليفية: رسالة في العقيدة فرغ الشهيد من تأليفها
سنة 769 ه‍، وشرحها الشيخ زين الدين يونس البياضي (3).
13 - القواعد والفوائد: وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
14 - مزار الشهيد: ويسمى ب‍ (منتخب الزيارات) ويضم جملة
من الزيارات. وترجم إلى الفارسية (4).
15 - شرح قصيدة الشهفيني: والقصيدة في مدح الامام أمير المؤمنين
علي عليه السلام، وقد اطلع الناظم على الشرح فأعجب به (5).
وفاته
استشهد رحمه الله يوم الخميس التاسع من جمادى الأولى سنة 786 ه‍
بعد أن لفق بعض حساده ضده أقاويل شنيعة نسبها إليه، فقتل بالسيف
ثم صلب ثم رجم ثم أحرق بدمشق في دولة بيد مرو، وسلطنة برقوق،
بعد أن حبس سنة كاملة في قلعة الشام (6).

(1) آغا بزرك / الذريعة: 6 / 86 - 87، و 10 / 40.
(2) الآصفي / مقدمة الروضة البهية: 106.
(3) المصدر السابق: 110.
(4) المصدر السابق: 109.
(5) المصدر السابق: 110.
(6) الحر العاملي / أمل الآمل: 1 / 182 - 183. وللتوسع
انظر: المجلسي / البحار: مجلد 26 ج 1 ص 38، والخوانساري /
روضات الجنات: 4 / 80 - 81.
23

مخطوطات الكتاب المعتمدة
لقد اعتمدت في تحقيق (القواعد والفوائد) على أربع نسخ خطية
إضافة إلى النسخة المطبوعة بالحجر في إيران سنة 1308 ه‍.
والنسخ الخطية هي: الأولى: نسخة مكتبة الامام كاشف الغطاء العامة في النجف الأشرف
المحفوظة تحت رقم (254).
وتقع في (208) أوراق، بمقياس (5 / x 21 12) سم. ناقصة
الصفحة الأخيرة وقد أكملت بخط حديث، وهي مصححة على عدة نسخ
وعليها بعض التعليقات، وفي أولها فهرس كامل للقواعد مع ترقيم لها،
وقد ختمت بعض أوراقها بختم مربع كتب فيه: (لا إله إلا الله محمد
رسول الله) وبتأريخ 1133 ه‍، وعليها تملك مؤرخ سنة 1143 ه‍ باسم
(ناصر بن الحسن المنامي البحراني) مجهولة الناسخ وتأريخ النسخ.
وقد رمزت إليها بالحرف (ك).
الثانية: نسخة مكتبة الإمام الحكيم العامة في النجف الأشرف،
المحفوظة تحت رقم (2136).
تقع في (176) ورقة، بمقاس (8 / x 23 5 / 12) سم. وقد
ثم نسخها على يد (حسين بن حمدان الحوارزي) في اليوم الثامن عشر
من ذي الحجة من السنة الحادية والستين بعد الألف (1061) من
الهجرة، وهي مقروءة ومصححة، وإن كانت لا تخلو من أخطاء وسقط.
وقد رمزت إليها بالحرف (ح).
24

الثالثة: النسخة المحفوظة بمكتبة الحجة الشيخ نوري مشكور الخاصة
في النجف الأشرف.
وتقع في (281) ورقة، بمقاس (x 17 5 / 11). ناقصة الأول
والوسط وقد أكمل بعض النقص بخط حديث، والبعض الآخر لم يكمل.
تم نسخها على يد (خليل الدين إبراهيم الجيلاني سنة خمس وثلاثون... (1)
وألف). وقد أتلفت الرطوبة أطراف بعض الأوراق الأخيرة منها،
ويكثر فيها الخطأ والسقط، وعليها تملكان، أحدهما: باسم الشيخ (مشكور
محمد جواد) والثاني باسم الشيخ (عبد النبي بن الحاج علي الكاظمي).
وقد رمزت إليها بالحرف (م).
الرابعة: النسخة المحفوظة بمكتبة الحجة الأستاذ الشيخ محمد تقي الإيرواني
الخاصة في النجف الأشرف.
وتقع في (279) ورقة، بمقاس (5 / x 19 11) سم. وقد كتبت
بخطوط مختلفة إلا أنها مصححة على عدة نسخ وعليها تعليقات للشيخ محمد
الإيرواني الشهير بالفاضل الإيرواني، المتوفى سنة 1306 ه‍. مجهولة الناسخ
وتأريخ النسخ. وقد رمزت إليها بالحرف (أ).
منهج التحقيق
نظرا لان نسخة مكتبة الامام كاشف الغطاء تمتاز على بقية النسخ
بقلة الأخطاء والسقط، ووضوح الخط، فقد اتخذت منها أصلا أعتمد
عليه في عملي، وأن أضع القراءات المختلفة في الهوامش، إلا إذا كان
الموجود في الأصل أقل ملاءمة في تقويم النص والقراءة الأخرى أقرب
- فيما اعتقده - إلى الصحة، ففي هذه الحالة أدخل القراءة الصحيحة في

(1) غير واضح في النسخة.
25

الأصل مع الإشارة في الهامش إلى ما كان موجودا فيه. متوخيا من ذلك
أن أقدم للقارئ نصا هو أقرب فيما اعتقده إلى الصحة.
وقد شمل عملي في التحقيق - إضافة إلى ضبط النص - ما يلي:
1 - تخريج الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة المروية عن النبي
صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام.
2 - إرجاع أكثر ما ذكره المصنف من الأقوال وما أورده من
الأدلة والاعتراضات إلى أصحابها في حدود ما توفر لدي من مصادر.
أما القسم الباقي فلم أوفق للعثور عليه. وقد أخذ مني الفحص عن كل
ذلك في كتب المذاهب المختلفة الشئ الكثير من الجهد والوقت.
3 - أن المصنف عندما أورد القواعد أوردها خالية من الترقيم إلا
القليل منها، كالقواعد الخمس التي يمكن رد الأحكام إليها، وقواعد
المناكحات والجنايات. وتسهيلا على القارئ عند الارجاع إلى بعضها
فقد وضعت لكل من القواعد غير المرقمة رقما خاصا مبتدئا من الرقم (1)
واضعا له بين قوسين معقوفتين [].
4 - تخريج الأبيات الشعرية - وهي قليلة - وإرجاعها إلى قائلها،
في حدود ما استطعت العثور عليه.
5 - شرح بعض المفردات اللغوية، وبعض العبارات الغامضة التي
في الكتاب.
6 - تصحيح الأخطاء اللغوية أو الاملائية التي وقع فيها النساخ.
7 - تغيير رسم بعض الكلمات التي جرت عادة القدامى على كتابتها
على خلاف لغة العصر، كتحويل الهمزة إلى ياء في مثل (وطي) و (فوايد)
و (مشية) و (بايع)، وما شاكل ذلك.
8 الإشارة إلى الزيادات التي تنفرد بها نسخة أو نسختان من النسخ
26

المعتمدة. أما ما حدث فيها من سقط - وهو كثير وخاصة في النسخة
المرموز إليها بحرف (م) - فلم أشر إليه إلا نادرا حتى لا أثقل الهوامش
بما لا ضرورة إليه.
شكر وتقدير
ولا يفوتني هنا أن أقدم خالص شكري وتقديري لسماحة الشيخ نوري
مشكور ولسماحة الأستاذ الشيخ محمد تقي الإيرواني، والأخ الفاضل الشيخ
شريف كاشف الغطاء لإعارتي النسخ الخطية التي تحت أيديهم. كما وأقدم
جزيل شكري إلى إدارة مكتبة الإمام الحكيم العامة وأخص بالذكر مديرها
الفاضل الشيخ محمد مهدي نجف الذي وفر لي بكل جهده ما احتاجه من
مراجع.
وأخيرا لا أنسى أن أتقدم بالشكر إلى جمعية منتدى النشر في النجف
الأشرف لتفضلها بنشر هذا الكتاب على نفقتها فأسدت بذلك خدمة
للمكتبة الاسلامية.
والله أسأل أن يأخذ بأيدينا جميعا إلى ما فيه خيرنا وصلاحنا في ديننا
ودنيانا إنه ولي التوفيق والسداد.
النجف الأشرف في 3 / 4 / 1399 ه‍
2 / 3 / 1979 م
المحقق
د. عبد الهادي السيد محسن الحكيم
27

صفحات المخطوطات
28

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
اللهم إني أحمدك والحمد من نعمائك، وأشكرك والشكر من عطائك
وأصلي على خير أنبيائك، وسيد أصفيائك، وخاتم رسلك، أبي القاسم
محمد بن عبد الله وعترته الطاهرين.
وأسألك أن تصلي عليهم وعلى جميع أنبيائك، وأن تيسر لنا طاعتك
لننتظم في سلك أوليائك، ونعد في زمرة أحبائك وأن ترزقنا عونك على
جميع مقاصدنا التي لا تخرج عن مرضاتك (1) في أرضك وسمائك، وتجعل
ما عزمنا عليه من تأليف هذه " القواعد والفوائد " عدة وذخرا ليوم
لقائك. فإليك توجهنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، فجازنا بأحسن
جزائك وأفض علينا سوابغ نعمائك..

(1) في (أ): رضاك.
29

قاعدة [1]
الفقه لغة (1): الفهم. وشرعا: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية
عن أدلتها التفصيلية.
فخرج: العلم بالذوات، والعلم بالأحكام العقلية، وعلم أصول
الفقه، وعلم المقلد إذا استند إلى دليل إجمالي، فإنه يقول في كل مسألة:
هذا ما أفتاني به المفتي، وكل ما يفتي (2) به المفتي فهو حكم الله تعالى
في حقي. فإنه ينتج: هذا حكم الله تعالى في حقي.
قاعدة (3) [2]
الحكم الشرعي ينقسم إلى الخمسة المشهورة (4)، وربما جعل السبب
والمانع، والشرط، مغايرا لها، كالدلوك الموجب للصلاة، والنجاسة
المانعة منها، والطهارة المصححة لها.
وكل ذلك ينحصر في أربعة أقسام: العبادات، والعقود، والايقاعات
والأحكام.
ووجه الحصر: أن الحكم الشرعي إما أن تكون غايته الآخرة، أو
الغرض الأهم منه الدنيا، والأول: العبادات. والثاني: إما أن يحتاج
إلى عبارة، أو لا، والثاني: الأحكام. والأول: إما أن تكون العبارة

(1) انظر: ابن منظور / لسان العرب: 13 / 522، فصل الفاء
حرف الهاء، مادة (فقه).
(2) في (ح): ما أفتى.
(3) في (ح) و (أ): فائدة.
(4) وهي: الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة، والإباحة.
30

من اثنين - تحقيقا أو تقديرا - أو لا، والأول: العقود، والثاني:
الايقاعات.
قاعدة (1) [3]
العبادات (2) تنظيم ما عدا المباح، فتوصف العبادة بالوجوب،
والاستحباب والتحريم، والكراهة.
كالصلاة المنقسمة إلى الواجبة والمستحبة، وإلى صلاة الحائض، وإلى
الصلاة في الأماكن المكروهة، والأوقات المكروهة.
والصوم المنقسم إلى الأربعة، كصوم رمضان، وشعبان، والعيد (3)
والسفر.
وأما العقود فهي أسباب تترتب عليها الأحكام الشرعية من الوجوب
والندب، والكراهة، والتحريم، والإباحة.
فان عقد البيع - مثلا - يوصف بالإباحة. ويترتب على البيع
الصحيح وجوب التسليم إلى المشتري والبائع في العوضين، وتحريم المنع
منه، وإباحة الانتفاع، وكراهة الاستحطاط بعد الصفقة، واستحباب
إقالة النادم.
وتلحق أيضا (4) الأحكام الخمسة نفس العقد وإن كان سببا، فيجب
البيع عند توقف الواجب عليه، كايفاء الدين، ونفقة الواجبي النفقة،
والحج به، وصرفه في الجهاد.

(1) في (ح) و (أ): فائدة، وهي زيادة ليست في (م).
(2) في (م) زيادة: وهذه.
(3) في (أ): والعيدين.
(4) زيادة من (م).
31

ويستحب البيع عند الربح إذا كانت السلعة مقصودا بها الاسترباح
وقصد بذلك التوسعة على عياله، ونفع المحتاج.
ويحرم البيع إذا اشتمل على ربا، أو جهالة، أو منع حق واجب
كبيع راحلة الحاج إذا علم عدم إمكان الاستبدال، وبيع المكلف ماء
الطهارة إذا علم فقده بعده.
ويكره البيع إذا استلزم تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة
ويباح حيث لا رجحان ولا مرجوحية.
وتلحق أيضا الأحكام الخمسة بمقدمات العقد، فالوجوب: كوجوب
العلم (في العوضين) (1).
والتحريم: كالاحتكار، والتلقي، والنجش عند من حرمهما (2) (3).
والكراهة: كالزيادة وقت النداء (4) والدخول في سوم المؤمن.
والمستحب: التساهل (5) في البيع، واحضاره إلى (6) موضع
يطلب فيه.
والمباح: ما خلا عن هذه الوجوه.

(1) في (ح): بالعوضين.
(2) في (ح): حرمها.
(3) انظر: ابن إدريس / السرائر: 209 - 210، وابن سعيد /
الجامع: 112 (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم برقم 476)، والعلامة الحلي / مختلف الشيعة: 2 / 168، والشيرازي / المهذب: 1 / 291 - 292.
(4) أي الزيادة في الثمن حال نداء المنادي على السلعة، بل يصبر
حتى يسكت ثم يزيد إن أراد.
(5) في (ح) و (م): كالشاهد، وفي (أ): الشاهد.
(6) في (ح) و (م) و (أ): في.
32

والايقاعات يترتب عليها ما قلناه في العقود.
وأما المسماة بالأحكام فالغرض منها إما بيان الإباحة، كالصيد،
والأطعمة، والإرث، والاخذ بالشفعة.
وأما بيان التحريم، كموجبات الحدود والجنايات، وغصب الأموال.
واما بيان الوجوب، كنصب القاضي، ونفوذ حكمه، ووجوب
إقامة الشهادة عند التعين، ووجوب الحكم على القاضي عند الوضوح.
وأما بيان الاستحباب، كالطعمة في الميراث، وآداب الأطعمة
والأشربة والذبائح، والعفو في حدود الآدميين وقصاصهم ودياتهم.
وأما بيان الكراهة، كما في كثير من الأطعمة والأشربة، وآداب
القاضي.
قاعدة [4]
لما ثبت في علم الكلام (1) أن أفعال الله تعالى معللة بالاغراض،
وأن الغرض يستحيل كونه قبيحا، وأنه يستحيل عوده إليه تعالى، ثبت
كونه لغرض يعود إلى المكلف، وذلك الغرض إما جلب نفع إلى المكلف
أو دفع ضرر عنه، وكلاهما قد ينسبان إلى الدنيا، وقد ينسبان إلى الآخرة،
فالأحكام الشرعية لا تخلو (عن أحد) (2) هذه الأربعة. وربما اجتمع
في الحكم أكثر من غرض واحد، فان المتكسب لقوته وقوت عياله
الواجبي النفقة (3) أو المستحبي النفقة إذا انحصر وجهه في التكسب،

(1) انظر: العلامة الحلي / كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد:
169 (الطبعة الحجرية بإيران 1310 ه‍).
(2) في (ح): من أمر واحد من.
(3) زيادة من (م) و (أ).
33

وقصد به التقرب، فان الاغراض الأربعة تحصل من (1) تكسبه. أما
النفع الدنيوي (فلحفظ النفس عن) (2) التلف. وأما الأخروي فلأداء
الفريضة المقصود بها القربة. وأما دفع الضرر الأخروي فهو اللاحق
بسبب ترك الواجب. وأما دفع الضرر الدنيوي فهو الحاصل للنفس
بترك القوت.
قاعدة [5] كل حكم شرعي يكون الغرض الأهم منه الآخرة، إما لجلب النفع
فيها، أو لدفع الضرر فيها، يسمى عبادة أو كفارة.
وبين العبادة والكفارة عموم وخصوص مطلق، فكل كفارة عبادة
وليس كل عبادة كفارة. وما جاء في الحديث: (الصلوات الخمس
كفارة لما بينهن) (3)، و (ان غسل الجمعة كفارة من الجمعة إلى
الجمعة) (4)، (أن الحج والعمرة ينفيان الذنوب) (5)، و (أن
العمرة كفارة كل ذنب) (6)، لا ينافي ذلك، فان الصلاة والحج

(1) في (ح): في.
(2) في (م): فيحفظ النفس من.
(3) انظر: السيوطي / الجامع الصغير بشرح المناوي: 2 / 82.
(4) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 2 / 945، باب 6 من
أبواب الأغسال المسنونة، حديث: 14.
(5) انظر المصدر السابق: 8 / 87، باب 45 من أبواب وجوب الحج
حديث: 1.
(6) انظر: المصدر السابق: 10 / 240، باب 3 من أبواب العمرة،
حديث: 7.
34

يتصور فيهما الوقوع ممن لا ذنب له، كالمعصوم.
قاعدة [6]
وكل حكم شرعي يكون الغرض الأهم منه الدنيا، سواء كان لجلب
النفع، أو دفع الضرر، يسمى معاملة، سواء كان جلب النفع ودفع
الضرر مقصودين بالأصالة أو بالتبعية.
فالأول: هو ما يدرك بالحواس الخمس، فلكل حاسة حظ من
الأحكام الشرعية.
فللسمع: الوجوب، كما في القراءة الجهرية. والتحريم، كما في سماع
الغناء وآلات اللهو.
وللبصر: الوجوب، كما في الاطلاع على العيوب، وإرادة التقويم.
والتحريم، كما في تحريم النظر إلى المحرمات.
وللمس: أحكام الوطئ ومقدماته، والمناكحات، ثبوتا وزوالا
إذ الغرض الأهم منها اللمس. ومما يتعلق باللمس: اللباس، والأواني،
وإزالة النجاسات، وتحصيل الطهارات.
ويتعلق بالذوق: أحكام الأطعمة والأشربة، والصيد، والذبائح.
وهذا في جلب النفع، وإما دفع الضرر المقصود بالأصالة فهو
حفظ المقاصد الخمس، كما سيأتي إن شاء الله.
والثاني (1): هو ما تكون المصلحة مقصودة بالتبع (2)، فهو:
كل وسيلة إلى المدرك بالحواس أو إلى حفظ المقاصد.

(1) في (أ): وأما.
(2) في (ح): بالتبعية.
35

قاعدة [7]
الوسائل خمس:
أحدها: أسباب تفيد الملك، وهي ستة:
الأول: ما يفيد الملك للعين بعقد معارضة، كالبيع، والصلح،
والمزارعة، والمساقاة، والمضاربة.
الثاني: ما يفيد ملك العين بعقد لا معاوضة فيه، كالهبة، والصدقة،
والوقف، والوصية بالعين، وقبض الزكاة والخمس، والنذر.
الثالث: ما يفيد ملك العين لا بعقد، كالحيازة، والإرث، وإحياء
الموات، والاغتنام، والالتقاط.
الرابع: ما يفيد ملك المنفعة بعقد معاوضة، كالإجارة.
الخامس: ما يفيد ملك المنفعة بعقد غير معاوضة، كالوصية بالمنفعة،
والعمرى عند الشيخ (*) (1)، وابن إدريس (*) (2).

* هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي شيخ الامامية
ورئيسها ولد في رمضان سنة 385 ه‍ وقدم العراق من طوس سنة 408 ه‍. أعطي
له كرسي الكلام في بغداد. هاجر إلى النجف وبقي هناك إلى أن توفي في
شهر محرم الحرام سنة 460 ه‍. صنف في أكثر علوم الاسلام وفنونه.
(القمي / الكنى والألقاب: 2 / 362).
(1) انظر: / الشيخ الطوسي / المبسوط: 3 / 316، والخلاف:
2 / 6 مسألة: 5.
* هو محمد بن أحمد بن إدريس الحلي شيخ فقهاء الحلة توفي
فيها سنة 598 وهو ابن خمس وخمسين سنة صاحب كتاب السرائر ومختصر
تبيان الشيخ الطوسي. (القمي / الكنى والألقاب: 1 / 205).
(2) انظر: السرائر: 376.
36

السادس: ما يفيد ملك المنفعة لا بعقد، كإرث المنافع.
الوسيلة الثانية: أسباب تسلط (1) على ملك الغير، وهي أقسام
خمسة:
الأول: ما يسلط عليه بالتملك قهرا، كالشفعة، والمقاصة للمماطل
وبيع مال الممتنع عن الحق الواجب، ورجوع البائع في عين ماله للتفليس
مطلقا، وللموت إن كان في المال وفاء، وفسخ البائع بخياره، إن قلنا
بانتقال المبيع بالعقد، وهو الأصح.
الثاني: ما يسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة المتصرف خاصة
كالعارية.
الثالث: ما يسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة المالك خاصة،
كالوديعة المأذون في نقلها وإخراجها، والوكالة المتبرع بها.
الرابع: ما يسلط لمصلحتهما، كالشركة، والقراض، والوكالة يجعل.
الخامس: ما يسلط على ملك الغير بمجرد وضع اليد، كالوديعة
غير المأذون له (2) فيها إذا لم يحتج إلى النقل.
الوسيلة الثالثة: أسباب تقتضي منع المالك من التصرف في ماله، وهي:
أسباب الحجر الستة (3) وما يضاهيها، كحجر الزوج على المرأة
فيما يتعلق بالاستمتاع، وحجر البائع والمشتري لتسليم الثمن والمثمن،
والحجر على سيد أم الولد فيما يتعلق باخراجها عن ملكه، إلا في

(1) في (ح) و (أ): التسلط.
(2) زيادة من (أ).
(3) وهي: الجنون، والصغر، والرق، والفلس، والمرض
المتصل بالموت، والسفه.
37

مواضع معدودة (1).
الوسيلة الرابعة: ما هو وصلة إلى حفظ المقاصد الخمسة، وهي:
النفس، والدين، والعقل، والنسب، والمال، التي لم يأت تشريع
إلا بحفظها، وهي (الضروريات الخمس).
فحفظ النفس بالقصاص، أو الدية، أو الدفاع.
وحفظ الدين بالجهاد، وقتل المرتد.
وحفظ العقل بتحريم المسكرات والحد عليها.
وحفظ النسب بتحريم الزنا، وإتيان الذكران، والبهائم، وتحريم
القذف والحد على ذلك.
وحفظ المال بتحريم الغصب، والسرقة، والخيانة، وقطع الطريق
والحد والتعزير عليها.
الوسيلة الخامسة: ما كان مقويا لجلب المصلحة ودفع (2) المفسدة
وهو القضاء والدعاوى، والبينات، وذلك لان الاجتماع من ضروريات.
المكلفين، وهو مظنة النزاع، فلابد من حاسم لذلك وهو الشريعة.
ولابد لها من سائس وهو الامام ونوابه، والسياسة بالقضاء وما يتعلق به.

(1) وهي ثمانية مواضع: (أ) في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها
(ب) إذا جنت على غير مولاها. (ج) إذا عجز مولاها عن نفقتها.
(د) إذا مات قريبها ولا وارث له سواها. (ه‍) إذا كان علوقها
بعد الافلاس. (و) إذا مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين
مستغرق. (ز) إذا كان علوقها بعد الارتهان. (ح) بيعها على من
تنعتق عليه. انظر: الشهيد الأول / اللمعة الدمشقية، طبعت مع شرحها
الروضة البهية للشهيد الثاني: 1 / 246 - 247 (الطبعة الحجرية).
(2) في (ح) و (أ): وذب، وفي (م): دون.
38

وبهذه المقاصد والوسائل تنتظم كتب الفقه.
قاعدة [8]
الحكم: خطاب الشرع المتعلق بأفعال (2) المكلفين بالاقتضاء أو
التخيير. وزاد بعضهم (2): أو الوضع.
والوضع: هو الحكم على الشئ بكونه سببا، أو شرطا، أو مانعا.
فلنذكر أحكام هذه الثلاثة في قواعد.
قاعدة [9]
السبب لغة (3): ما يتوصل به إلى آخر.
واصطلاحا: كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل على كونه معرفا
لاثبات حكم شرعي بحيث يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم،
ويمتنع وجود الحكم بدونه، (وتخلف الحكم عنه يكون إما لوجود
مانع أو فقد) (4) شرط (5).

(1) في (م): باحكام.
(2) انظر: العلامة الحلي / تهذيب الوصول: 2 (الطبعة الحجرية)
وابن الحاجب / مختصر المنتهى الأصولي: 34.
(3) انظر: الجوهري / الصحاح: 1 / 61، فصل السين من باب
الباء، مادة (سبب).
(4) في (م): ويتخلف الحكم عنه لكونه سببا إما بوجود
مانع أو فقدان.
(2) في (ح) زيادة: (ووجود الحكم بدونه محال، لان المراد به
نوع السبب فإذا عدم بعض أصنافه ووجد الحكم عند صنف آخر فهو
تابع لذلك الآخر. أو نقول: الحكم الخاص المستند إلى سبب خاص
يمتنع وجوده بدونه).
39

قاعدة [10]
السبب إما معنوي أو وقتي:
فالأول: أن يكون الوصف مستلزما لحكمة باعثة على شرعية الحكم
المسبب، كالملك، فإنه سبب الانتفاع والاتلاف والمباشرة. واليد،
فإنها سبب الضمان. والزنا، فإنه سبب الحد.
والثاني: أن يكون الوقت مقتضيا لثبوت حكم شرعي، كمواقيت
الصلاة.
قاعدة [11]
من الأسباب ما لا تظهر فيه المناسبة وإن كان مناسبا في نفس الامر
كالدلوك وباقي أوقات الصلاة الموجبة للصلاة، والحدث الموجب للوضوء
والغسل، والاعتداد مع عدم الدخول، واستئناف العدة في المسترابة
بعد التربص. وعد منه: الهرولة في السعي، ورمي الجمرات، وتقديم
الأضعف على الأقوى في ميراث الغرقى، على القول الأصح من عدم
التوريث مما ورث منه.
والحكمة الظاهرة في ذلك مجرد الاذعان والانقياد، ومن ثم قيل:
بأن الثواب فيه أعظم، لما فيه من الانقياد المحض.
ومنها ما تظهر فيه المناسبة، ويختص باسم (العلة)، كالنجاسة
الموجبة للغسل، والزنا الموجب للحد، والقتل الموجب للقصاص، والقذف
الموجب للحد، والكبيرة الموجبة للفسق.
40

قاعدة [12]
السبب قد يكون قولا، كالعقد والايقاع. ومنه تكبيرة الاحرام،
والتلبية. وقد يكون فعلا، كالالتقاط، والاحتياز (1)، وإحياء الموات
والكفر، والزنا، وقتل النفس المعصومة، والوطئ المقرر لكمال المهر.
وربما كان السبب الفعلي أقوى من القولي، فان السفيه لو وطئ
أمته فأحبلها صارت أم ولد وتنعتق بموته. ولو باشر عتقها لم يصح.
والعبد لو التقط تملك السيد إن شاء، ولو وهب لم يملك السيد
ولا يتملك.
قاعدة [13]
أقسام السبب والمسبب باعتبار الزمان ثلاثة:
الأول: ما يقارن المسبب، كالشرب، والزنا، والسرقة، والمحاربة
المقارنة لاستحقاق الحد. وقتل الكافر يقارنه استحقاق السلب مع
الشرط، لا بدونه في الأصح. ومثله تقارن الملك وأسبابه الفعلية،
كالحيازة، والاصطياد، والاخذ من المعدن، وإحياء الموات.
القسم الثاني، ما يتقدم فيه المسبب (2)، كتقديم غسل الجمعة
في الخميس، وغسل الاحرام على الميقات، وأذان الفجر ليلا، وزكاة
الفطر في شهر رمضان على قول مشهور (3)، إلا أن يجعل السبب دخول

(1) في (م): والاحتطاب.
(2) في (أ) زيادة على السبب
(3) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 2 / 29.
41

الشهر فيكون من قسم المقارن. وتقديم الزكاة قبل الحول على قول (1)
وعد منه (2): توريث الوارث الدية، مع أنها لا تجب إلا بعد موت
القتيل، ويمتنع عليه الملك حينئذ، وإنما (قدر تقدم ملكه) (3) قبل موته
لينتقل إلى وارثه. وربما التزم بجواز ملك الميت في هذه الصورة، ولهذا
تقضى منها (4) ديونه، وتنفذ وصاياه.
ولا يجوز - على ما تقدم - جزاء الصيد قبل موته، وجزاء اللبس (5)
والحلق، الطيب، قبل فعلها (6)، ولا كفارة الظهار قبل العود،
ولا كفارة القتل قبل الزهوق، ولا كفارة اليمين قبل (7) الحنث.
القسم الثالث: ما فيه شك، وهو صيغ العقود والايقاعات، فإنه
يمكن أن يقال: بمقارنة الحكم للجزء الأخير من الصيغة (8)، أو يقع

(1) انظر: سلار الديلمي / المراسم: 6 (طبع ضمن الجوامع
الفقهية)، والعلامة الحلي / مختلف الشيعة: 2 / 17 (نقلا عن ابن أبي
عقيل العماني بما يشعر جواز التعجيل).
(2) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 72، 3 / 223.
(3) في (م) و (أ): قدم بقدر تملكه، وما أثبتناه مطابق
لما في الفروق.
(4) في (م): من هذا.
(5) في (ح) زيادة: قبل لبسه.
(6) في (ح): فعلهما.
(7) في (ك) و (م): على.
(8) وهو مذهب أبي الحسن الأشعري وأبي إسحاق الأسفرايني.
انظر: القرافي / الفروق: 3 / 218، 224.
42

عقيبه بغير فصل (1).
وتظهر الفائدة في مواضع:
منها: لو أسلم أبو الزوج الصغير وزوجته البالغة معا، فعلى المقارنة
الجزء الأخير فالنكاح باق، وعلى الوقوع عقيبه ينفسخ، لان اسلام الطفل
مسبب عن إسلام أبيه، فيكون واقعا عقيبه، وإسلام المرأة معه.
ومنها: لو باع المفلس ماله من غرمائه بالدين، فان قلنا ارتفاع
الحجر يقارن الجزء الأخير من البيع صح، وإن قلنا بتعقبه بطل، لان
صحة البيع موقوفة على رفع الحجر، الموقوف على سقوط الدين، الموقوف
على صحة البيع، فيدور.
وربما جزم بصحة البيع هنا، لان هذا الحجر لحق الغريم، والغرض
منه عدم نزول الضرر به، وهو منفي هنا. فجرى مجرى بيع (الراهن
من المرتهن) (2) الرهن. أو نقول: مجرد ايقاع القبول معه رضاء برفع الحجر.
قاعدة [14]
قد تتداخل الأسباب مع الاجتماع، كالأحداث الموجبة للطهارة،
فإذا نوى رفع واحد منها ارتفع الجميع، إلا أن ينوي عدم رفع غيره،
فتبطل الطهارة.
وإنما حكم بالتداخل لان الاحداث لا يمكن الحكم عليها بالارتفاع
بل المرتفع القدر المشترك بينها، وهو المنع من العبادة، وخصوصيات
الاحداث ملغاة.

(1) نسبه القرافي إلى جماعه من الفقهاء. انظر نفس المصدر السابق.
(2) في (ك): الرهن من الراهن، وفي (ح): الرهن
من المرتهن.
43

ويجرى للأصحاب (1) خلاف في تداخل الأغسال المسنونة عند
انضمام الواجب إليها (2)، والمروي التداخل (3).
وأما الأغسال الواجبة فالأقرب تداخل أسبابها على الاطلاق، لكن
إن نوى خصوصية توجب الوضوء والغسل وجبا، وإلا اكتفي بالغسل
وحده، كما لو نوى الجنابة.
وأما الاجتزاء بغسل الميت لمن (4) مات جنبا، أو حائضا بعد
طهرها، فليس من هذا الباب، لان (الموت يرفع) (5) التكليف،
فلا يبقى للأسباب المتقدمة أثر. وما روى، من أنه يغسل غسل الجنابة
بعد موته (6)، يوجب عدم التداخل في الغسلين المنسوبين إلى الولي المباشر
لغسله أو نائبه. وأما الميت فلم يبق له هنا مدخل إلا في قبول التغسيل
إذا كان مسلما.
ومن التداخل: موجبات الافطار في يوم واحد على قول (7).

(1) في (م): لبعض الأصحاب.
(2) ذهب العلامة الحلي إلى عدم التداخل، وقال الشيخ الطوسي
وابن أبي عقيل بالتداخل. انظر: المبسوط: 1 / 40، ومنتهى المطلب:
1 / 133.
(3) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة، 2 / 963، باب 31 من
أبواب الأغسال المسنونة، حديث: 1.
(4) في (أ) و (م): إن.
(5) في (أ): بالموت يرتفع.
(6) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 2 / 722، باب 31 من
أبواب غسل الميت، حديث: 7.
(7) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 1 / 274، وابن حمزة
الوسيلة: 23، والمحقق الحلي / شرائع الاسلام: 1 / 194، والعلامة
الحلي / منتهى المطلب: 2 / 580.
44

ويتداخل ما عدا الوطئ في قول (1). ويتداخل مع عدم تخلل التكفير
في آخر (2). وعدم التداخل مع اختلاف الجنس لا مع اتحاده (3).
ومنه تداخل مرات الزنا في وجوب حد واحد، وكذا السرقات
المتكررة ولم يظفر به، والوطئ المتعدد في شبهة واحدة (4).
ولا تتداخل مرات الوطئ بالاستكراه على الأقوى
قاعدة [15]
قد يتعدد السبب ويختلف الحكم المترتب عليه، وهو أقسام:
الأول: ما لا يمكن فيه الجمع، كقتل الواحد جماعة، إما دفعة -
كأن يسقيهم سما، أو يهدم عليهم جدارا، أو يغرقهم، أو يحرقهم،
أو يجرحهم فيسري إلى الجميع - أو على التعاقب ففي الأول يقتل بالجميع،

(1) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 1 / 146 (نقلا عن السيد المرتضى).
(2) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 2 / 57، وتذكرة
الفقهاء: 1 / 265 (نقلا عن ابن الجنيد) واختاره هو أيضا. كما ذهب
إليه المالكية. انظر: ابن جزي / قوانين الأحكام الشرعية: 142.
(3) انظر العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 2 / 57، وقواعد
الأحكام: 25.
(4) فإنه لا يوجب إلا صداق مثل واحد. انظر: القرافي /
الفروق: 2 / 30.
45

وفي وجه لبعض الأصحاب (1) يقتل بواحد - إما بالقرعة، أو بتعيين
الامام - ويأخذ الباقون الدية.
وفي الثاني يقتل بالأول، فان عفي عنه أو صولح بما قتل بالثاني..
وعلى هذا، ويكون (2) لمن بعده الدية. وقيل (3): يقتل بالجميع
كالدفعي، ويكون لهم ديات مكملة لحقوقهم، على احتمال مخرج مما (4)
إذا هرب القاتل أو مات وقلنا تؤخذ الدية من تركته.
الثاني: ما يتصور فيه الجمع، كالفريضة يصليها داخل المسجد،
فإنه تتأدى بها التحية على احتمال (5)، وتكبيرة المأموم (6) يدرك بها
الامام راكعا، ينأدى بها التحريم والتكبير عند الشيخ (7) رحمه الله.
الثالث: ما يمكن فيه إعمال السببين، كما في توريث عم هو خال،
وجدة هي أخت، على نكاح المجوس، أو في الشبهة للمسلمين.
الرابع: ما يتنافيان (8) فيه فيقدم الأقوى منهما، كتوريث الأخ
الذين هو ابن عم.
الخامس: ما يتساقطان فيه، كتعارض البينتين على القول بالتساقط.
وتعارض الدعاوى لا تساقط فيه، لوجوب اليمين على كل من

(1) انظر العلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 256.
(2) في (ح): يكون.
(3) قاله عثمان البتي. انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 2 / 141.
(4) في (ح) و (م): كما.
(5) ذهب إليه المالكية. انظر: القرافي / الفروق: 2 / 29.
(6) في (أ) زيادة: الذي.
(7) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 1 / 44.
(8) في (أ): ما يتباينان.
46

المتداعيين فيه.
قاعدة [16]
وقد يكون السبب الواحد موجبا لأمور، وهو أقسام (1):
الأول ما يندرج فيه بعضها في بعض، كالزنا، فإنه سبب واحد
ومن ضرورته الملامسة، وهي توجب التعزير، والزنا يوجب الحد،
فيدخل الأضعف تحت الأقوى.
وكقطع الأطراف، فإنه بالسراية إلى النفس تدخل دية الطرف في
دية النفس.
وأما القصاص فثالث الأقوال (2) تداخله إن كان بضربة واحدة،
وإلا فلا.
وزنا المحصن سبب واحد له عقوبتان: الجلد، والرجم، فيجتمعان
على الشيخ والشيخة، وفي الشاب والشابة قولان: أصحهما الاجتماع (3)
وقيل (4): لا، لان ما يوجب أعظم الامرين بخصوصه لا يوجب

(1) في (أ): أنواع.
(2) في المسألة أقوال ثلاثة: قول بالتداخل مطلقا، وهو رأي الشيخ
الطوسي في المبسوط: 7 / 22. وقول بعدم التداخل مطلقا، وهو مذهبه
في الخلاف: 2 / 146. وابن إدريس في السرائر: 433. وأما التفصيل
فرأي الشيخ الطوسي في النهاية، 771. وبه قال ابن الجنيد. انظر:
العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 5 / 257.
(3) ذهب إليه كذلك ابن إدريس في السرائر: 440.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / النهاية: 693 (طبعة لبنان)،
وابن حمزة / الوسيلة: 181، وابن زهرة / الغنية: 74.
47

أخفهما بعمومه.
الثاني: ما لا اندراج فيه، كالحيض، والنفاس، وكثير الاستحاضة
سبب في الوضوء والغسل، ولا يدخل أحدهما تحت الآخر.
وكالقتل يوجب الفسق والقود والكفارة جمعا إن كان عمدا، ويوجب
الدية والكفارة إن كان خطا أو شبيها.
واستهلاك مال الغير عمدا يوجب الضمان والتعزير (1).
وقذف المحصنة أو المحصن يوجب الجلد والفسق.
وزنا البكر يوجب الجلد والجز والتغريب (2).
والحدث الأصغر سبب لتحريم الصلاة، والطواف، وسجود السهو
وسجود العزيمة على قول (3)، ومس خط القرآن.
والحدث الأكبر يزيد على ذلك: قراءة العزائم، ودخول المساجد،
والاجتياز في المسجدين الشريفين، وتحريم الصوم، والوطئ في الحيض
والنفاس، والطلاق فيه غالبا.. إلى أحكام كثيرة.
وأكثر الأسباب مسبباتا النكاح، عقدا ووطئا، فإنه تترتب عليه
أحكام كثيرة تأتي في الفوائد إن شاء الله تعالى (4).

(1) في (ح) زيادة: والفسق،
(2) التغريب: النفي عن البلد لمدة عام واحد.
(3) انظر: النووي / المجموع شرح المهذب: 2 / 67، وابن عابدين /
رد المحتار: 21 / 802، وابن جزي / القوانين الفقهية: 39 (طبعة
لبنان).
(4) انظر في هذه القاعدة: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام: 2 / 100
- 103.
48

قاعدة [17]
قد يكون السبب فعليا منصوبا (1) ابتداء، كما ذكرنا من القتل
والزنا، واللواط (2).
وقد يكون فعليا غير منصوب (3) من الشارع بالأصالة ولكن دل
عليه القرائن الحالية والمقالية، كتقديم الطعام إلى الضيف، فإنه مبيح
للاكل وإن لم يأذن بالقول، على الأصح. وتسليم الهدية إلى المهدى إليه
وإن لم يحصل الايجاب القولي، لظاهر فعل الخلف والسلف. وكذلك
صدقة التطوع، وكسوة (4) القريب والصاحب (5)، وجوائز الملوك
من كسوة ومركوب وغيرهما. وعلامة الهدي، كغمس النعل في دمه
وجعله عليه، أو كتابة رقعة عنده. وشد المال على اللقيط وإركابه الدابة
ووضعه في الخيمة أو الفسطاط. والوطئ في مدة الخيار من البائع أو

(1) في (ح) و (م) و (أ): منصوصا. وما أثبتناه مطابق
لما سيأتي منه في قاعدة 47.
(2) في (ح) و (م): والوطئ.
(3) في (ح) و (م) و (أ): منصوص، وما أثبتناه مطابق
لما سيأتي منه في قاعدة 47.
(4) في (ح) و (م) و (أ): وزكاة، ولعل ما أثبتناه
أصح، لأنه سيأتي منه في قاعدة 47 عد كسوة القريب والصاحب من
الأسباب الفعلية غير المنصوبة ابتداء، مع اتفاق النسخ هناك على ذلك.
(5) الصاحب: هو الذي كثرت ملازمته، والمعاشر عشرة
طويلة. انظر: الراغب الأصفهاني / المفردات: 275، كتاب الصاد
مادة (صحب).
49

المشتري. والوطئ في الرجعية قطعا، وفي الاختيار إذا أسلم أكثر من
الأربع مع الزوج. وكذا التقبيل في الرجعية قطعا، وفي الاختيار على
قول (1) والمعاطاة في السلعة (2) تفيد إباحة التصرف، لا الملك،
وإن كان في الحقير، عندنا.
قاعدة [18]
لا يكفي تسليم العوض في الخلع عن بذلها لفظا، أو قبولها بعد
ايجابه، ولا تسليم الدية في سقوط القصاص، بل لابد من التلفظ بالصلح
وشبهه (3).
ولو خص الامام بعض الغانمين بأمة، وقلنا بتوقف الملك على
اختيار التملك، فوطئ أمكن كونه اختيارا، لان الوطئ لا يقع إلا
في الملك.
قاعدة [19]
ومن الأسباب الفعلية ما يفعل بالقلب، كنيات الزكاة والخمس
في التملك، ونيات العبادات في ترتب أحكامها عليها.
ومنها: الإرادة، والكراهة، والمحبة، والبغضاء، فلو علق
ظهارها بإرادتها أو كراهتها أو محبتها أو بغضها، فالظاهر وقوعه ويقبل
قولها لو ادعته، كدعوى الحيض. فلو اتهمها، فالأقرب أنه يحلفها.

(1) انظر: العلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 20.
(2) في و (م): البيع.
(3) في (أ) زيادة: كالعفو.
50

ولو علقه بما يشهد الحس (1) بعدم محبته، كمحبة دخول النار
وأكل السم، أو الشرع، كمحبة الكفر وعبدة الأوثان لكونهم كذلك،
فادعته، احتمل القبول لأنه (نصبه سببا) (2) ولا يعلم إلا منها،
وعدمه، للقطع بكذبه. ويحتمل الفرق بين الامرين، لان الطبع معين
على الأول دون الثاني، فيقبل منها في الثاني، ولا يقبل منها (3) في
الأول، وخصوصا مع عدم التقوى.
وكذا لو علقه ببغضه ما يخالف الحس، أو العقل، أو الشرع.
قاعدة [20]
التعليق بالمشيئة يقتضي التلفظ، فلا تكفي الإرادة المجردة، لان
الخطاب بذلك يستدعي جوابا استدعاء عرفيا، فلو أرادت بالقلب ولما
تتلفظ لم يقع الظهار. ولو تلفظت مع كراهتها بالقلب، وقع الظهار
ظاهرا، وفي وقوعه باطنا بالنسبة إليها إشكال، من حيث أن التعليق
بلفظ المشيئة، وقد وقع، ومن أن اللفظ دال على ما في الباطن، فهو
كما لو علق بحيضها فادعته كاذبة، فإنه لا يقع باطنا.
قاعدة [21]
كل تعليق على لفظ مجرد أو فعل مجرد فإنه تتصور صحته من الصبي
فلو علق اظهار على تكلم الصبي، أو على دخوله الدار، صح. ولو

(1) في (أ): العقل.
(2) في (ح): عين شيئا، ويبدو أن الصواب ما أثبتناه، فإنه
سيأتي منه في قاعدة 47 نفس العبارة مع اتفاق النسخ عليها هناك.
(3) زيادة من (ح).
51

علقه على إرادته أو على مشيئته، صح إن كان مميزا، ويقبل قوله وتلفظه
بالمشيئة. فلو اتهمها وكانت مميزة فليس له إحلافها، لعدم بلوغها.
ويحتمل عدم اعتبار نية الصبي، لأنها كما لا تؤثر في العبادات صحته
ولا مشيئته كذا لا (1) تؤثر في العقود صحته.
ولو علق على فعل غير المرأة، أو قوله، صح، فلو كان مما
يتوقف على الإرادة، أو نفس الإرادة وشبهها من أفعال القلوب، قبل
قوله على الأقرب في حق الزوج. ويحتمل عدمه، لأصالة الحل، وقول
الأجنبي لا يكون حجة على غيره. وهو ضعيف، وإلا لم يكن
للتعليق فائدة.
ولو اتهمه فليس له إحلافه، لان اليمين لا تكون من انسان لاثبات
حق لغيره، ولا لنفيه عن غيره.
قاعدة [22]
قد سلف (2) أن الوقت قد يكون سببا لحكم شرعي، كأوقات
الصلوات، وهو أيضا ظرف للمكلف به. ولا تتخصص السببية بأوله،
كالدلوك - مثلا - وإلا لم يجب على من بلغ بعد دخول الوقت بلحظة،
بل كل جزء من الوقت سبب للوجوب وظرف لايقاعها فيه (3).

(1) في (أ) و (م): لم.
(2) راجع ص 40، قاعدة: 10.
(3) في (أ) زيادة: ومن ثم وجب على الصبي عند بلوغه في أثناء الوقت
وعلى الكافر عند اسلامه وعلى المجنون عند إفاقته. (وسيتعرض المصنف
إلى هذه المسألة في قاعدة 48 من غير ذكر لهذه الزيادة).
52

وكذا أجزاء (1) أيام الأضاحي سبب للامر بالأضحية، وظرف
لايقاعها فيها (2)، ومن ثم استحب على من تجدد بلوغه أو إسلامه
أو يساره في أثنائها.
وأما شهر رمضان فكل يوم منه سبب للوجوب على جامع الشرائط
وليست أجزاؤه أسبابا، ومن ثم لم يجب على المسلم في أثنائه، أو البالغ
أو الطاهر من الحيض والنفاس (3) (4).
قاعدة [23]
إذا كان المانع مختصا بالحكم. كما في المريض والمسافر بالنسبة إلى الصوم
فأجزاء النصف الأول من النهار سبب في الوجوب، كما أن مجموع النهار
سبب في الوجوب. بخلاف مانع السبب، لان السببية باقية فيهما، وإنما
حصل فيهما (5) منع الحكم بالوجوب، فإذا زال، ظهر أثر السبب.
فان قلت: فهلا ساوى آخر النهار أوله في السببية، كما في ثبوت
كونه من الشهر فإنه يجب الصوم ولو بقي من النهار لحظة؟

(1) زيادة ليست في (ح) و (م).
(2) في (أ) زيادة: ومن الوقت ما ليس بسبب، كزكاة الفطرة،
بل مجرد الهلال سبب تام في وجوبها، وليس الوقت بعده سببا ولا جزء
سبب. (وسيتعرض المصنف لهذه المسألة كذلك في قاعدة 48 من دون
ذكر لهذه الزيادة).
(3) انظر: ابن إدريس / السرائر: 87، والنووي / المجموع:
6 / 255.
(4) انظر في هذه القاعدة: القرافي / الفروق: 1 / 220 - 221.
(5) في (ح): منهما.
53

قلت: معظم الشئ يقوم مقام ذلك الشئ في مواضع، منها:
الصوم، ولهذا أجزء تجديد النية في النصف الأول لبقاء المعظم. بخلاف
ما إذا زالت الشمس، لزوال المعظم. فأما في اليوم الذي يظهر وجوب
الصوم فيه فالسببية حاصلة في نفس الامر، وإنما جهل وجودها، فإذا
علم ذلك، تبعه الحكم. بخلاف المريض والمسافر، فان الوجوب ليس حاصلا
فيهما في نفس الامر، وإنما تجدد بزوال العذر.
قاعدة [24]
قد يعرى الوقت عن السببية، وإن كان لا يعرى عن الظرفية،
كالمنذورات المعلقة على أسباب مغايرة للأوقات، فوقتها جميع العمر.
وكالسنة بكمالها في قضاء شهر رمضان، فإنها ظرف للايقاع،
وليست سببا بل السبب هو فوات الصوم، لتأثير السبب الموجب للأداء.
وكذلك شهور العدة أو الأقراء ظروف للعدة، وليست أسبابا فيها
وإنما السبب الطلاق أو الفسخ أو الوفاة.
وسبب الفطرة دخول شوال على الأصح، ومجموع الليلة ونصف
النهار المستقبل ظرف للأداء، فلو بلغ في أثنائه أو أسلم لم يجب، وكذا
لو استغنى أو عقل، أو ملك عبدا، أو تزوج امرأة ممكنة.
قاعدة [25]
كل حكم تعلق على سبب لا اختلاف فيه فإنه يحصل حين حصول
السبب. وإن اختلف بحسب وقت التعليق ووقت الوقوع، ففي اعتبار
أيهما؟ وجهان. وله صور:
منها: أن يوصي إلى فاسق، فيصير عدلا عند الوفاة، أو إلى (*)
54

صبي (1)، فيبلغ، أو كافر، فيسلم.
ومنها: لو نذر المريض الصدقة (بثلث ماله). (2) عند برء
مرضه، فهل يعتبر ثلثه حالة البرء، أو حالة النذر؟. أما لو كان
النذر منجزا فإنه يعتبر حالة النذر قطعا.
ولو أوصى بثلث ماله فالمشهور عندنا (3) اعتبار حالة الوفاة.
ومنها: لو أوصى العبد بمال ثم أعتق ومات. أو نذر العتق أو
الصدقة، فتحرر. ومنها: أن يعلق الظهار على مشيئة زيد وكان ناطقا، فخرس،
فهل تعتبر الإشارة، اعتبارا بحال مشيئته، أو النطق، اعتبارا بحال تعليقه؟
فيه الوجهان.
ومنها: لو نذر الصحيح عتق عبد عند شرط، فوقع في المرض
فان اعتبرنا حالة النذر، فهو من الأصل، وإلا فمن الثلث.
قاعدة [26]
كلما شك في سبب الحكم بني على الأصل، فهنا صورتان:
إحداهما: أصالة الحل، والشك في السبب المحرم، فإن كان هناك
إمارة عول عليها، كالطائر المقصوص والظبي المقرط (4)، فإنه يحرم
وإن كان الأصل الحل، لقوة الامارة. وكذا لو بال الكلب في الكر

(1) في (ك) و (م): الصبي.
(2) في (ك) و (م): الصدقة بماله.
(3) انظر الشيخ الطوسي / الخلاف: 3 / 43، والعلامة الحلي /
تحرير الأحكام: 1 / 294.
(4) القرط: الذي يعلق في شحمة الأذن.
55

ثم وجده متغيرا.
وإن فقدت الامارة بني على الحل، كما لو مر طائر فقال رجل:
إن كان هذا غرابا فزوجتي علي كظهر أمي. وقال الآخر: إن لم يكن
غرابا فزوجتي علي كظهر أمي. ثم غاب، وتحقق اليأس من معرفته،
(فان الأقرب) (1) الحل في المرأتين.
أما لو جعله في إحدى (2) زوجتيه اجتنبهما، لوجوب اجتناب
إحداهما، ولا يتم إلا باجتناب الجميع.
ومن ذلك: طين الطريق، وثياب (مدمن الخمر) (3) والنجاسة
والميتة مع المذكى غير المحصور، والمرأة المحرمة مع نساء لا ينحصرن، فإنه
يحكم بالطهارة والحل، وإن كان الاجتناب أحوط إذا وجد ما لا شبهة فيه.
ومن ذلك: وقوع التمرة المحلوف عليها في تمر كثير، فإنه
يأكل ما عدا واحدة.
ومن ذلك: وجدان المال في أيدي الظلمة والسراق، وإن كان
الورع تركه، بل من الورع ترك ما لا يتيقن حله (4)، كما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال: (إني لأجد التمرة ساقطة على
فراشي فلو لا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها) (5).

(1) في (أ): فالأقرب.
(2) زيادة ليست في (ك).
(3) زيادة ليست في (ك).
(4) في (أ): حاله.
(5) رواه المتقي الهندي بلفظ: (أني لانقلب إلى أهلي فأجد التمرة
ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)
كنز العمال: 3 / 285، حديث: 4705.
56

ومنه: لو غلب في بلد الحرام على الحلال بحيث يكون الحلال
نادرا، فللورع أيضا تركه، وهو آكد من الأول إلا مع الضرورة،
فيأكل (1) من غير تبسط.
الصورة الثانية: أن يكون الأصل الحرمة، ويشك في الإباحة،
فيبني على الحرمة، كالصيد المرمي، فيغيب، فيوجد ميتا، حرام إلا
أن يقضي أن الضربة قاتلة، إما لكونها في محل قاتل، وإما لغلبة الظن
بعدم عروض سبب آخر. وكذا اللحم المطروح، والجلد الموضوع،
إلا مع الظن الغالب بتذكيته.
قاعدة [27]
كل عبادة علم سببها وشك في فعلها وجب فعلها إن كانت واجبة،
واستحب إن كانت مستحبة، كمن شك في الطهارة بعد تيقن الحدث،
وفي فعل الصلاة ووقتها باق، وفي أداء الزكاة، (2) باقي العبادات.
ويجزم الناوي بالوجوب، لاستصحاب الوجوب المعلوم.
وكذا لو توقف الخروج عن العهدة على فعل زيادة على الواجب نوى
الوجوب في الجميع، كالصلاة المنسية غير المعلوم عينها، وتكون النية
جازمة.
ومنه: الصلاة في الثياب الكثيرة المشتبهة بالنجس. وطعن فيه بعض
الأفاضل (3): بأن الناوي غير جازم، وصار إلى الصلاة عاريا.
وعلى ما قلناه فالصلاة في الجميع بنية الوجوب الجازم. وظن

(1) في (ح): فإنه يأكل.
(2) في (م): وفي.
(3) انظر: ابن إدريس / السرائر: 33.
57

بعض العامة (1): أن الشك في هذه الصورة سبب في الوجوب. وليس
الامر كما ظن، بل السبب هو ما قبل الشك من المقتضيات للحكم، لكن
لما توقف الخروج عن العهدة بالزائد على الواجب وجب، ولو كان
الشك سببا في الوجوب لا طرد (2)، فيلزم تحريم الزوجة لو شك في طلاقها
ووجوب اجتنابها، ويلزم وجوب مقتضي السهو لو شك هل عرض له في
صلاته سهو؟ وليس كذلك قطعا.
قاعدة [28]
قد يكون الشك سببا في حكم شرعي، كوجوب سجدتي السهو عند
الشك بين الأربع والخمس، ووجوب صلاة الاحتياط عند الشك في
الاعداد، كما هو مشهور (3).
فان قلت: صلاة الاحتياط خارجة من (4) ذلك، لأنها بدل من
جزء الأصل عدم فعله.
قلت: الجزئية (5) وإن كانت ملحوظة إلا أن هناك أشياء مضافة
إليها وجبت بالشك، كتعين الحمد، ووجوب التشهد والتسليم، وانتقالها
إلى التخيير بين الجلوس والقيام.

(1) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 131، 226 - 227.
(2) في (م) زيادة: فيه.
(3) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 132 - 135.
(4) في (م) و (أ): عن.
(5) في (ك): الجهة.
58

قاعدة [29]
لو صلى ما عدا العشاء (1) بطهارة، ثم أحدث، وصلى العشاء
بطهارة، ثم ذكر فساد إحدى الطهارتين، احتمل وجوب الخمس بعد
الطهارة، ليحصل اليقين. واحتمل وجوب صبح ورباعية يطلق فيها بين
الظهر والعصر، ثم مغرب، ثم رباعية يطلق فيها بين العصر والعشاء،
ويردد بين الأداء والقضاء في هذه الرباعية مع بقاء وقت العشاء، ومع
خروجه ينوي القضاء.
فلو سها عن الوضوء الذي كلف به الآن ثم صلى الصلوات الخمس
أو الأربع، ثم ذكر أنه لم يتوضأ الوضوء المخاطب به، فعلى الاحتمال
الأول ليس عليه إلا إعادة العشاء لا غير، لان الاخلال إن كان من
طهارته (2) الأولى فهو الآن متطهر، وقد صلى بطهارة صحيحة ما فاته
وزائدا عليه، وإن كان من طهارته الثانية فلم يضره هذا التكرار، ووجب
عليه صلاة العشاء إن كان لم يصل الخمس بل اقتصر على الأربع. وعلى
الاحتمال الثاني يحتمل هذا أيضا. ويحتمل أن يعيد ما عدا الصبح (3)،
لأنه إذا كانت طهارته الأولى فاسدة وجب عليه الصلاة بنية جازمة، وهنا
قد وقع الترديد (4).

(1) في (ك) زيادة: الآخرة له.
(2) في (ك): الطهارة.
(3) في (ح) زيادة: والمغرب.
(4) انظر هذه المسألة في الفروق للقرافي: 1 / 227 - 228.
59

قاعدة [30]
متعلقات الأحكام (1) قسمان:
أحدهما: ما هو مقصود بالذات، وهو المتضمن للمصالح والمفاسد.
في نفسه.
والثاني: ما هو وسيلة وطريق إلى المصلحة والمفسدة.
وحكم الوسائل في الأحكام الخمسة حكم المقاصد، وتتفاوت في
الفضائل بحسب المقاصد، فكلما كان أفضل كانت الوسيلة إليه أفضل.
وقد مدح الله تعالى على الوسائل كما مدح على المقاصد بالذات، قال
الله تعالى: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ، ولا نصب، ولا مخمصة في
سبيل الله، ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلا،
إلا كتب لهم به عمل صالح) (2). فمدح على الظمأ والمخمصة كما مدح
على النيل من العدو، وإن لم يكن الظمأ والمخمصة بقصد المكلف، لأنه
إنما حصل بحسب وسيلته إلى الجهاد الذي هو وسيلة إلى إعزاز الدين،
وإعلاء كلمة الله تعالى، اللذين هما وسيلتان إلى رضوان الرب تبارك
وتعالى (3).

(1) في (ك): الحكم
(2) التوبة: 120.
(3) انظر في هذه القاعدة: القرافي / الفروق: 2 / 23، وابن
عبد السلام / قواعد الأحكام: 1 / 124 - 125.
60

قاعدة [31]
الوسائل أقسام (1):
الأول: ما اجتمعت الأمة على تحريمه، كحفر الآبار في طرق (2)
المسلمين، وطرح المعاثر، لأنه وسيلة إلى ضررهم، وهو حرام بالاجماع.
ومنه: إلقاء السم في مياههم. ومنه: سب الأصنام، وما يدعى من
دون الله عند من يعلم منه أنه يسب الله تعالى أو أحدا من أوليائه، وإليه
الإشارة بقوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله
عدوا بغير علم) (3).
الثاني: ما اجتمعت الأمة على عدم منعه، وهو ما كان المتوسل
إليه بعيدا عن قصد فاعله، كغرس العنب وإن أمكن اعتصاره خمرا،
وعمل السيف وإن أمكن أن يكون آلة في قتل محقون الدم، ووضع
الشبهة وحلها، وإن كان قد يظفر بالشبهة من تتمكن في قلبه ويعجز
عن الحل. ومع ذلك لو قصد هذه الغايات كان الفعل حراما.
الثالث: ما اختلف فيه، كالبيع بشرط الاقراض والنظرة، وبيع
العنب على الخمار، والخشب على نجار الأصنام من غير شرط، وبيع السلعة
على ولده أو خادمه ليخبر بالزائد، وشراء ما باعه بأقل من ثمنه، سواء
كان قد باعه نسيئه أو حالا، وسواء اشتراه قبل حلول الأجل أو بعده،
لأنه يؤول إلى بيع الأكثر بالأقل، فإنه إذا باعه السلعة بمائة ثم اشتراها
بخمسين، فكأنه عاوض عن مائة بخمسين.

(1) ذكر هذه الاقسام القرافي في / الفروق: 2 / 32.
(2) في (ك) و (ح): طريق.
(3) الانعام: 108.
61

ومنه عند بعض الأصحاب (1). تضمين الصناع وشبههم العين
المستأجر على عملها، إلا أن يقيم البينة بتلفها، محافظه على حفظ أموال
المستضعفين، لئلا يدعي التلف.
ومنه: منع القضاء بالعلم في حقوق الله تعالى عند بعض الأصحاب (2)
لئلا يتسلط بعض قضاة السوء (3) على قضاء باطل.
الرابع: ما كانت الوسيلة فيه مباحة بالنسبة إلى أحد المتعاطيين
حراما بالنسبة إلى الآخر، كدفع المال إلى المحارب ليكف، (أو الحربي
للعجز عن) (4) المقاومة، أو إلى صاد الحاج ليرجع، أو إلى الكفار
في فك أسرى المسلمين، فإنها مباحة بالنسبة إلى الدافع حرام بالنسبة
إلى القابض.
ومنه: الرشوة إذا توسل (5) بها إلى الحاكم بالحق، فإنها حرام
بالنسبة إلى القاضي.
الخامس: الوسيلة إلى المعصية حرام (6) كالمتوسل إليه، كرشوة

(1) انظر: الشيخ المفيد / المقنعة: 100، والسيد المرتضى /
الانتصار: 225
(2) انظر: ابن حمزة الطوسي / الوسيلة: 39.
(3) في (م): الجور.
(4) في (ك): الحربي عن، وفي (أ): عن الحرب للعجز
عن، وسيأتي من المصنف ذكر هذه المسألة بما يشابه هذا التعبير.
(5) في (ك) و (م) و (أ): توصل.
(6) في (ح) زيادة: فإنها.
62

القاضي ليحكم (1) بالباطل، وترخص العاصي بسفره، لان ترتب الرخصة
على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية.
ولا اعتبار بمقارنة المعصية للرخصة، كالعاصي في سفره المباح،
فإنه يقصر الصلاة والصيام، لان السبب في القصر هو السفر المباح، وهو
ليس بمعصية، وإنما المعصية مقارنة السبب.
ومنه: جواز التيمم للفاسق العاصي إذا عدم الماء، والافطار له
إذا مرض أو سافر، أو كان شيخا كبيرا أو ذا عطاش، والقعود في
الصلاة إذا عجز عن القيام، لان السبب، وهو العجز عن الماء وعن
العبادة، ليس بمعصية، ولكنها مقارنة للمعصية.
فان قلت: مساق (2) هذا الكلام يقتضي (3) أن العاصي بسفره
يباح له الميتة، لان سبب أكله خوفه على نفسه، فالمعصية مقارنة لسبب
الرخصة، لا أنها هي السبب (4).
قلت: هذا متجه، ولا يجعل (5) هذا من باب الباغي والعادي (6)
اللذين تحرم عليهما الميتة.

(1) في (م) و (أ): للحكم.
(2) في (ح): سياق.
(3) زيادة من (ح).
(4) ذكر هذا القول القرافي في / الفروق: 2 / 34.
(5) في (م): وليس.
(6) الباغي: قيل: هو الخارج عن الإمام العادل. وقيل: هو
الذي يبغي الميتة. والعادي: قيل: هو قاطع الطريق. وقيل: الذي
يعدو شبعه. انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 207.
63

قاعدة [32]
الشرط لغة (1): العلامة.
وعرفا: ما يتوقف عليه تأثير المؤثر في تأثيره لا في وجوده.
ومن خاصيته: أنه يلزم من عدمه العدم، لا من وجوده الوجود،
كالطهارة للصلاة، والحول الزكاة.
قاعدة [33] شرط السبب: ما يخل عدمه بحكمة السبب، كالقدرة على التسليم
بالنظر إلى صحة البيع، الذي هو سبب ثبوت الملك، المشتمل على مصلحة
وهي الانتفاع بالمبيع، وهي متوقفة على التسليم، الموقوف على القدرة
عليه، فعدم القدرة يخل بحكمة المصلحة.
قاعدة [34]
شرط الحكم: كل ما اشتمل على حكمة تقتضي عدمه نقيض حكمة
السبب، مع بقاء حكم السبب، كالطهارة للصلاة، فان عدم الطهارة مع
الاتيان بالصلاة يقتضي نقيض حكمة شرعية الصلاة، لان شرعيتها للثواب
وفعلها بغير طهارة سبب في استحقاق العقاب.
قاعدة [35]
التكاليف الشرعية بالنسبة إلى قبول الشرط والتعليق أربعة أقسام (2):

(1) الشرط - بالتحريك - العلامة، وأشراط الساعة: علاماتها.
انظر: الجوهري / الصحاح: 3 / 1136، مادة (شرط).
(2) ذكر هذه الاقسام الفرافي في / الفروق: 1 / 228 - 229.
64

الأول: ما لا يقبل شرطا ولا تعليقا، كالايمان بالله ورسوله
والأئمة (1) عليهم السلام، واعتقاد وجوب الواجبات، وتحريم المحرمات
ونيات العبادات غالبا. واحترزنا (بالغالب) عن مثل قول المزكي: إن
كان مالي الغائب باقيا فهذه زكاة (2)، وإن كان تالفا (فهي نافلة) (3).
والطلاق، والرجعة، على الأصح.
الثاني: ما يقبل الشرط والتعليق على الشرط، كالعتق فإنه يقبل
الشرط مثل: أنت حر وعليك كذا. ويقبل التعليق على الشرط في صورة
التدبير، والنذر وشبهه. والاعتكاف، كقوله: اعتكفت ثلاثة ولي
الرجوع متى شئت. فهذا شرط. وأما تعليقه على الشرط فبالنذر أو
العهد أو اليمين.
الثالث: ما يقبل الشرط دون التعليق على الشرط، كالبيع، والصلح
والإجارة، والرهن، لان الانتقال بحكم الرضا، ولا رضا مع التعليق،
إذ الرضا يعتمد الجزم، والجزم ينافي التعليق، لأنه يعرضه عدم الحصول
ولو قدر علم حصوله كالمعلق على الوصف، لأن الاعتبار لجنس الشرط
دون أنواعه وأفراده، فاعتبر المعنى العام دون خصوصيات الافراد.
فان قلت: فعلى هذا يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل (4):
إن كان لي فقد بعته منه (5) بكذا.
قلت: هذا تعليق على واقع لا على متوقع الحصول، فهو علة للوقوع

(1) في (ح) و (م): وحججه.
(2) في (أ) و (م) و (ح): زكاته.
(3) في (م): فنافلة.
(4) في (ح): التوكيل.
(5) في (ح): منك.
65

أو مصاحب له، لا معلق عليه الوقوع.
وكذا القول لو قال في صورة إنكار وكالة التزويج، أو انكار
التزويج وتدعيه الزوجة، فإنه يصح أن كانت زوجتي فهي طالق.
الرابع: ما يقبل التعليق، على الشرط ولا يقبل الشرط، كالعبادات
المنذورة عند حصول الشرط، كبرء المريض، وقدوم المسافر. وليست
قابلة للشرط، لامتناع صحة: أصلي على أن لي ترك سجدة، أو على أن
لا يلزمني احتياط عند الشك. وكذا: أصلي إلا أن يدخل فلان، أو:
أصلي إن بقيت على الطهارة، وهو شاك في البقاء.
فان قلت: مساق هذا يقتضي أن لا تصح نية من نوى: أصلي
إن بقيت عل صفة التكليف، أو (1) بقيت متطهر، وهو يبقى عادة.
قلت: هذا من ضروريات التكليف، فهو مقدر وإن لم ينوه
المكلف، ولا تضر نيته. ويحتمل أن يقال: لا يلزم من تقديره جعله.
مقصودا، فإذا جعل مقصودا فقد أخل بالجزم الذي هو شرط في النية.
ومن هذا الباب تعليق النيات بالمشيئة (2)، إلا أن يقصد التبرك
فلا بحث في جوازه.
قاعدة [36]
مانع السبب: كل وصف وجودي ظاهر منضبط يخل وجوده بحكمة
السبب. كالأبوة المانعة من القصاص في موضعه، لان الحكمة التي اشتملت
الأبوة عليها هي كون الوالد سببا لوجود الولد، وذلك يقتضي عدم القصاص، لئلا يصير الولد سببا لعدمه.

(1) في (أ) وإن.
(2) أي بمشيئة الله تعالى كأن يقول: أصلي إن شاء الله تعالى.
66

قاعدة [37]
مانع الحكم: هو (1) كل وصف ظاهر منضبط مستلزم لحكمة
مقتضاها نقيض حكم السبب مع بقاء حكمة السبب. كالدين المانع من
وجوب الخمس في المكاسب، فان الحكمة في الخمس نفع أهل البيت
عليهم السلام وتعويضهم عن الزكاة التي هي أوساخ الناس، لكن
الوجوب في المكاسب، إنما هو فيما فضل عن قوت المكلف وقوت عياله.
وظاهر أن وفاء دينه أهم منه، ولهذا قدم الدين على ما زاد عن قوت يوم
وليلة ودست من الثياب (2)، فكان ذلك مانعا من وجوب الخمس لهذه
الحكمة، وإن كانت الحكمة باقية في الخمس.
قاعدة [38]
المانع ثلاثة (3):
الأول: ما يمنع ابتداء واستدامة، كالرضاع المانع من ابتداء
النكاح المبطل له لو وقع بعده.
الثاني: ما يمنع في الابتداء لا في الاستدامة، كالعدة فإنها مانعة من
ابتداء النكاح (إلا من صاحبها) (4)، ولا تمنع من الاستدامة، كما

(1) زيادة من (ك).
(2) الدست من الثياب: ما يلبسه الانسان ويكفيه لتردده في حوائجه،
وقيل: كل ما يلبس من العمامة إلى النعل. وليست الكلمة عربية.
انظر: الطريحي / مجمع البحرين: 2 / 200، مادة (دست).
(3) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 110.
(4) زيادة ليست في (ك).
67

لو وطئت الحليلة بشبهة، فإنها لا تقطع النكاح وإن حرم وطؤها،
لمكان العدة.
الثالث: ما اختلف فيه (1)، كالاحرام بالنسبة إلى ملك الصيد
النائي عنه لو عرض سببه في حال الاحرام. بل قيل (2): يملك وإن
لم يكن نائيا عنه عند عروض السبب، كالإرث، ثم يجب عليه (3)
إرساله. مع أنه لو أحرم ومعه صيد زال ملكه عنه.
فهذه مباحث السبب، والشرط، والمانع، المفسر بها الوضع.
فائدة (4)
زاد بعضهم (5) في خطاب الوضع: الصحة، والبطلان، والعزيمة
والرخصة. وهي مفسرة في كتب الأصول (6).
وزاد آخرون: التقدير (7)، والحجة (8).

(1) فهل يلحق بالأول فيمتنع فيهما، أو بالثاني فلا يمنع في
الاستدامة ويمنع في الابتداء؟
(2) قاله بعض الشافعية. انظر: النووي / المجموع: 7 / 390 - 310.
(3) زيادة من (أ) و (م).
(4) في (أ) و (م) و (ح): قاعدة.
(5) انظر: الآمدي / الأحكام في أصول الأحكام: 1 / 186 - 187.
(6) انظر: العلامة الحلي / تهذيب الأصول: 6، والآمدي /
الأحكام في أصول الأحكام: 1 / 186 - 187.
(7) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 161.
(8) لم أعثر على من أضاف الحجة. ومعناها: مستند قضاء الحاكم
كالاقرار والبينة واليمين والنكول.
68

مثال التقدير: الماء في الطهارة بالنسبة إلى مريض يتضرر باستعماله،
فيقدر الموجود كالمعدوم وإن كان موجودا. وكذا لو كان في بئر ولا
آلة معه، أو بثمن ليس عنده.
وقد يقدر المعدوم موجودا في صور:
منها: دخول الدية في ملك المقتول قبل موته بآن لتورث عنه،
وتقضى منها ديونه، وتنفذ وصاياه، فانا نقطع بعدم ملكه الدية في حياته
لاستحالة تقدم المسبب على سببه، ولكن يقدر الملك المعدوم موجودا.
ومنها: إذا قال لغيره: أعتق عبدك عني، أو: أد من مالك
ديني. فإنه يقدر الملك قبل العتق بآن ليتحقق العتق في الملك.
وكذا يقدر ملك مديون قبل تملك الدين بآن حتى يكون الدين قد
قضي من مال المديون. مع أن القطع واقع بعدم ملكه إلى زمان العتق،
وقضاء الدين. ويسمى هذا (الملك الضمني).
وحمل عليه بعضهم (1) ملك الضيف عند تقديم الطعام إليه بالاكل
أو بالمضغ أو بالتناول.
وهو ضعيف، لأنه لا ضرورة إلى التقدير هنا.
ومنها عند بعضهم (2): ما لو وطئ الأمة ثم ظهرت حاملا،
وقلنا: بأن الفسخ للعيب يرفع العقد من أصله، فإنه يكون الحكم بارتفاع
الملك تقديرا لا تحقيقا، لان الوطئ وقع مباحا فلا ينقلب حراما.
ويشكل هذا: بأن المشتري يرد عوض البضع فلا يكون الوطئ
مباحا إلا ظاهرا (فلا ينقلب حراما) (3).

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 250 (نقلا عن ابن السبكي).
(2) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 71.
(3) زيادة من (ك) و (ح).
69

والتحقيق في هذه المسألة: أن الحمل من الأمة إنما يرد معه الواطئ
إذا كان ولدا للبائع، فإنها تكون أم ولد، فيمنع بيعها. فليس الرد
هنا اختياريا بل قهريا. وإنما يجئ المثال على قول أكثر الأصحاب (1)
بأن مجرد الحمل عيب، وأن الرد على سبيل الاختيار، ويستثنون هذا من
التصرف الذي لا (2) يمنع الرد.
ومنها: أن الناسي لنية الصوم إذا جددها قبل الزوال، فإنه يقدر
كون النية واقعة من الليل فينعطف في التقدير إلى قبل الفجر، مع أن
الواقع عدم النية.
فان قلت: لم لا يكون هذا من باب الكشف، بمعنى إنا نتبين
بموت المقتول تقدم ملكه، وبوقوع العتق تقدم ملك المعتق عنه..
إلى آخرها؟
قلت: لا سبب متقدم هنا تستند إليه هذه الأمور حتى تكون هذه
الأشياء (3) كاشفة عنه، إذ التقدير عدم السبب بالكلية.
قاعدة [39]
الأحكام بالنسبة إلى خطاب التكليف والوضع تنقسم إلى (4) أربعة
أقسام:
أحدها: ما اجتمع فيه الأمران، وهو كثير:

(1) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 526.
(2) الظاهر أن (لا) زائدة، لان المثال المذكور مستثنى من
التصرف الذي يمنع الرد. انظر العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 526.
(3) في (م) و (أ): الأسباب.
(4) زيادة من (ح) و (أ).
70

فمنه: أسباب الحدث التي هي فعل العبد، كالبول والغائط والجماع،
انها توصف بالإباحة في بعض الأحيان، وهي سبب في وجوب الطهارة،
وتوصف بالتحريم كما في حالة الصلاة، والسببية قائمة.
ومنها: غسل الميت فإنه (1) واجب، وشرط في صحة الصلاة
عليه. وكذا باقي أحكام الميت واجب، وسبب في سقوط التكليف عن
الباقين. وكذا جميع فروض الكفايات.
ومنها: الصلاة والصوم والزكاة والحج، فإنها واجبة، وسبب
(في عدم عصمة دم الممتنع عنها) (2).
ومنها: الاعتكاف ندب، وسبب في تحريم محرماته.
والصوم المستحب ندب، وسبب في كراهية المفطرات. والصوم
الواجب واجب، وسبب في تحريم المفطرات.
ومنها: النكاح، فإنه مستحب تارة، وواجب أخرى، ومباح
آونة، ومكروه طورا، وهو سبب لحل الاستمتاع، وتحريم الام عينا
مطلقا، والبنت كذلك مع الدخول وإلا حرمت جمعا، والأخت جمعا،
وابنة الأخ مع عمتها، وابنة الأخت على خالتها إلا باذنهما. وسبب في
وجوب الانفاق، والقسمة ووجوب الرجم بسبب الاحصان، وسبب في
استحباب التسوية بين الزوجات في الانفاق وإطلاق الوجه، وقسمة النهار.
وفي كراهية الاتيان في غير المأتي (3)، على القول المشهور (4) (5)،

(1) زيادة من (ك).
(2) في (م) و (أ): في عصمة دم غير الممتنع عنها.
(3) أي في الدبر.
(4) في (ح) و (م): الأشهر.
(5) انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 155، ومختلف
الشيعة: 4 / 86.
71

وفي إباحة الاستمتاع بما شاء.
ومنها: الرضاع، فإنه مستحب أو واجب أو مباح، كما في الرضاع
بعد الحولين إلى شهرين، وسبب في التحريم.
ومنها: الطلاق، فإنه واجب ومستحب ومكروه وهو سبب في
التحريم.
ومنها: أسباب الحدود والجنايات، فإنها محرمة، وموجبة لتلك
العقوبات من الحد والتعزير والقود والكفارة.
ومنها: العتق، فإنه مستحب، وهو سبب في الحرية وفي الأحكام
اللاحقة بها.
ومنها: الظهار، فإنه محرم، وسبب في تحريم المظاهرة، ووجوب
الكفارة بشرط نية العود.
ومنها: الايلاء، فإنه مباح، وسبب في التحريم، والالزام بالفئة
بشرط التماس الزوجة.
ومنها: النذر والعهد، فإنه مستحب، وسبب في الوجوب والتحريم
بحسب الفعل والترك.
ومنها: الصيد والالتقاط والاحتطاب، فإنه مباح، وسبب في
التملك، ووجوب التعريف.
القسم الثاني: ما كان خطاب التكليف ولا وضع فيه. ومثل
بجميع التطوعات (1)، فإنها تكليف محض، ولا سببية فيها ولا شرطية
ولا مانعية. وعلى ما قلناه يتصور كونها أسبابا، كما ذكرناه (2) في
الصيام والاعتكاف.

(1) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 163.
(2) راجع ص 71.
72

وعد منها: الالتقاط بنية الحفظ على المالك، فإنه لا يجب عليه
التعريف، ولا يفيد سبب التمليك.
وللنفقة والحضانة والجهاد اعتباران: فمن حيث أنها تكليف محض،
من هذا القسم. وإن اعتبرنا كون النفقة سببا لملك الزوجة، والحضانة
سببا لحفظ الطفل، والجهاد سببا في إعلاء كلمة الله.
وكذا يحصل الاعتبار ان في استيفاء الحدود، وفي القضاء، فان
استيفاء الحدود سبب للزجر عن المعصية، والقضاء سبب في تسلط
المقضى له.
ويمكن سقوط هذا القسم من البين، لان جميع التكليفات أسباب
في براءة الذمة وسقوط العقاب (1)، واستحقاق الثواب.
القسم الثالث: ما كان خطاب وضع ولا تكليف فيه، كالأحداث
التي ليست من فعل العبد، مثل: الحيض، والنوم، والاحتلام.
وكأوقات الصلوات (2)، ورؤية الهلال في الصوم والفطر، فإنها
أسباب محضة.
وكحؤول (3) الحول في الزكاة، فإنه شرط محض لوجوب الزكاة.
وكالحيض، فإنه مانع محض من الصوم والصلاة واللبث في المساجد.
وكالإرث، فإنه تملك محض (4) بعد وقوع السبب.
وربما جعل ضابط خطاب الوضع: ما لا فعل فيه للمكلف. فيخرج
القسم الأول عن خطاب الوضع. وليس كذلك.

(1) في (م) و (أ): الخطاب.
(2) في (ح) و (أ): الصلاة.
(3) في (ك): وكجزء أول.
(4) في (ح) و (م) و (أ): شخص.
73

القسم الرابع: ما كان من (1) خطاب الوضع بعد وقوعه، ومن
خطاب التكليف قبله، كسائر العقود الشرعية مثل: البيع والصلح والقرض
والضمان والمزارعة والمساقاة والوكالة والجعالة والوصية والهبة والسبق،
فإنها توصف بالإباحة تارة، وبالاستحباب والوجوب أخرى، بل ربما
وصفت بالتحريم، كالبيع وقت النداء، ويترتب عليها أحكامها بعد وقوعها.
فائدة (2) مدارك الأحكام عندنا أربعة: الكتاب، والسنة، والاجماع، ودليل
العقل.
وهنا قواعد خمس مستنبطة منها يمكن رد الأحكام إليها، وتعليلها
بها، فلنشر إليها في قواعد خمس:
القاعدة (3) الأولى: تبعية العمل للنية
ومأخذها من قول النبي صلى الله عليه وآله: (إنما الأعمال بالنيات،
وإنما لكل امرئ ما نوى) (4). أي صحة الاعمال واعتبارها بحسب

(1) في (ك) و (أ): فيه.
(2) في (أ): قاعدة.
(3) زيادة من (ح).
(4) انظر: ابن قدامة / المحرر في الحديث: 204، والغزالي /
إحياء علوم الدين: 2 / 15، والقرافي / الفروق: 1 / 37. وانظر أيضا:
سنن ابن ماجة: 2 / 1413، حديث: 4227، وسنن أبي داود: 1 / 510
والحر العاملي / وسائل الشيعة: 1 / 34 - 35، باب 5 من أبواب مقدمة
العبادات، حديث: 10 (باختلاف بسيط).
74

النية. ويعلم منه أن من لم ينو، لم يصح عمله، ولم يكن معتبرا في نظر
الشرع. ويدل عليه - مع دلالة الحصر - الجملة الثانية فإنها صريحة في
ذلك أيضا.
وفي هذه القاعدة فوائد:
الفائدة الأولى
يعتبر في النية التقرب إلى الله تعالى، ودل عليه الكتاب والسنة.
أما الكتاب: فقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين
له الدين) (1). أي: وما أمر أهل الكتابين بما فيهما ألا لأجل أن
يعبدوا الله على هذه الصفة، فيجب علينا ذلك، لقوله تعالى: (وذلك
دين القيمة) (2).
وقال تعالى: (وما لاحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه
الاعلى) (3). أي: لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه، إذ هو منصوب
على الاستثناء المنفصل وكلاهما يعطيان أن ذلك معتبر في العبادة، لأنه
تعالى مدح فاعله عليه.
وأما السنة: ففيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في الحديث
القدسي: (من عمل لي عملا أشرك فيه غيري تركته لشريكي) (4)

(1، 2) البينة: 5.
(3) الليل: 19 - 20. (4) رواه أحمد بلفظ: (أنا خير الشركاء من عمل لي عملا فاشرك
فيه غيري فانا منه برئ وهو للذي أشرك) مسند أحمد: 2 / 301، 432
وانظر أيضا: القرافي / الفروق: 3 / 22 (باختلاف بسيط).
75

الفائدة الثانية (1)
معنى الاخلاص: فعل الطاعة خالصة لله وحده
وهنا غايات ثمان:
الأولى: الرياء، ولا ريب في (2) أنه يخل بالاخلاص. ويتحقق
الرياء بقصد مدح الرائي، أو الانتفاع به، أو دفع ضرره.
فان قلت: فما تقول في العبادات المشوبة بالتقية؟
قلت: أصل العبادة واقع على وجه الاخلاص، وما فعل منها تقية
فان له اعتبارين: بالنظر إلى أصله: وهو قربة، وبالنظر إلى ما طرأ
من استدفاع الضرر، وهو لازم لذلك، فلا يقدح في اعتباره. أما لو
فرض إحداثه صلاة - مثلا - تقية فإنها من باب الرياء.
الثانية: قصد الثواب، أو الخلاص من العقاب، أو قصدهما معا.
الثالثة: فعلها شكرا لنعم الله واستجلابا لمزيده.
الرابعة: فعلها حياء من الله تعالى.
الخامسة: فعلها حبا لله تعالى.
السادسة: فعلها تعظيما لله تعالى ومهابة وانقيادا وإجابة.
السابعة: فعلها موافقة لإرادته، وطاعة لامره.
الثامنة: فعلها لكونه أهلا للعبادة. وهذه الغاية مجمع على كون

(1) في (ك) و (م) و (أ): فائدة (من غير رقم)
ولعل ما أثبتناه هو الصواب، لأنه يوافق عدد الفوائد المذكورة في هذه
القاعدة، كما أنه يوافق الترقيم الوارد في (ك) من الفائدة العشرين
وما بعدها.
(2) زيادة من (ك) و (م).
76

العبادة تقع بها معتبرة، وهي أكمل مراتب الاخلاص، وإليه أشار
الإمام الحق أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بقوله: (ما عبدتك طمعا
في جنتك، ولا خوفا من نارك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك) (1).
وأما غاية الثواب والعقاب فقد قطع الأصحاب (2) بكون العبادة
فاسدة بقصدها. وكذا ينبغي أن تكون غاية الحياء والشكر وباقي الغايات.
والظاهر أن قصدها مجز، لان الغرض بها في الجملة، ولا يقدح
كون تلك الغايات باعثا على العبادة، أعني: الطمع، والرجاء، والشكر
والحياء، لان الكتاب والسنة مشتملتان على المرهبات: من الحدود،
والتعزيرات، والذم، والايعاد بالعقوبات، وعلى المرغبات: من المدح
والثناء في العاجل، والجنة ونعيمها في الآجل.
وأما الحياء فغرض مقصود، وقد جاء في الخبر عن النبي صلى الله
عليه وآله: (استحيوا من الله حق الحياء) (3) و (ا عبد الله كأنك
تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (4). فإنه إذا تخيل الرؤية انبعث
على الحياء والتعظيم والمهابة.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام - وقد قال له ذعلب اليماني - بالذال

(1) لم أعثر على هذا في المراجع المتقدمة عن عصر المؤلف، وإنما
رواه مرسلا كل من الفيض الكاشاني في / الوافي: 3 / 70، والمجلسي
في / مرآة العقول: 2 / 101 (بتقديم وتأخير بين بعض فقراته).
(2) انظر: العلامة الحلي / المسائل المهنائية: ورقة 29 ب،
و 32 - 23 (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة في النجف، ضمن
مجموع برقم 1107).
(3) انظر: صحيح الترمذي: 9 / 281.
(4) انظر: المتقي الهندي / كنز العمال: 2 / 6، حديث: 124.
77

المعجمة المكسورة، والعين المهملة الساكنة، واللام المكسورة -: (هل
رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال: عليه السلام: أفأعبد ما لا أرى؟؟
فقال: وكيف تراه؟ فقال: لا تدركه العيون بشاهدة الأعيان،
ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان، قريب من الأشياء غير ملامس (1)
بعيد منها غير مباين، متكلم بلا روية (2)، مريد لا بهمة، صانع
لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء بصير
لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته،
وتوجل القلوب من مخافته) (3).
وقد اشتمل هذا الكلام الشريف على أصول صفات الجلال والاكرام
التي عليه مدار علم الكلام، وأفاد أن العبادة تابعة للرؤية، وتفسير معنى
الرؤية، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن وإن لم يكن
تمام الغاية. وكذلك الخوف منه تعالى.
الفائدة الثالثة
لما كان الركن الأعظم في النية هو الاخلاص، وكان انضمام تلك
الأربعة (4) غير قادح فيه، فحقيق (5) أن نذكر ضمائم أخرى، وهي
أقسام:

(1) في (ك): ملابس، وفي (م): ملاق، وما أثبتناه
مطابق لما في نهج البلاغة.
(2) في (ك): رؤية، وما أثبتناه مطابق لما في النهج.
(3) انظر: نهج البلاغة: 2 / 120 - 121 (شرح محمد عبده)
مطبعة الاستقامة بمصر
(4) وهي: الطمع، والشكر، والحياء، والرجاء.
(5) في (ك): فخليق.
78

الأول: (ما يكون منافيا) (1) له، كضم الرياء، وتوصف
بسببه العبادة بالبطلان، بمعنى عدم استحقاق الثواب.
وهل يقع مجزئا بمعنى سقوط التعبد به، والخلاص من العقاب؟
الأصح أنه لا يقع مجزئا، ولم أعلم فيه خلافا إلا من السيد الإمام
المرتضى (*) قدس الله سره، فان ظاهره الحكم بالاجزاء في العبادة
المنوي بها الرياء (2).
الثاني: ما يكون من الضمائم لازما للفعل، كضم التبرد أو (التسخن
أو التنظف) (3) إلى نية القربة. وفيه وجهان ينظران: إلى عدم تحقق
معنى الاخلاص، فلا يكون الفعل مجزئا، وإلى أنه حاصل لا محالة،
فنيته كتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه. وهذا الوجه ظاهر (4) أكثر
الأصحاب (5). والأول أشبه، ولا يلزم من (حصوله نية) (6) حصوله.

(1) في (م) و (أ): ما تكون منافية.
* هو علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى الشهير بالسيد
المرتضى ولد سنة 355 ه‍ تقلد نقابة الشرفاء وإمارة الحج والحرمين والنظر
في المظالم وقضاء القضاة توفي سنة 436 ه‍. خلف بعد وفاته ثمانين ألف
مجلد من مقروءاته ومصنفاته ومحفوظاته. (القمي / الكنى والألقاب: 2 / 445).
(2) انظر: السيد المرتضى / الانتصار: 17 (طبعة النجف).
(3) في (ح): التسخين أو التنظيف، وفي (م) و (أ):
التسخين والتنظيف.
(4) في (ح) و (م) زيادة: عند.
(5) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 1 / 19، والعلامة الحلي /
منتهى المطلب: 1 / 56.
(6) في (ك): حصول نيته.
79

ويحتمل أن يقال: إن كان الباعث الأصلي هو القربة ثم طرأ التبرد
عند الابتداء في الفعل، لم يضر، وإن كان الباعث الأصلي هو التبرد
فلما أراده ضم القربة، لم يجز. وكذا إذا كان الباعث مجموع الامرين،
لأنه لا أولوية حينئذ فتدافعا، فتساقطا، فكأنه غير ناو.
ومن هذا الباب ضم نية الحمية إلى نية (1) القربة في الصوم،
وضم ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف والسعي والوقوف بالمشعرين.
الثالث: ضم ما ليس بمناف ولا لازم، كما لو ضم إرادة دخول
السوق مع نية التقرب في الطهارة، أو إرادة الاكل، ولم يرد بذلك
الكون على طهارة في هذه الأشياء، فإنه لو أراد الكون على طهارة كان
مؤكدا غير مناف، وهذه الأشياء إن لم يستحب لها الطهارة بخصوصها
إلا أنها داخلة فيما يستحب بعمومه. وفى هذه الضميمة وجهان مرتبان
على القسم الثاني، وأولى بالبطلان، لان ذلك تشاغل عما يحتاج إليه بما
لا يحتاج إليه (2).
الفائدة الرابعة
يجب في النية التعرض لمشخصات الفعل من غيره، فيجب نية جنس
الفعل، ثم فصوله وخواصه المميزة التي لا يشاركه فيها غيره، كالوجوب
والندب، والرفع، والاستباحة في الطهارة حيث يمكن، أو الاستباحة
وحدها حيث لا يمكن، فلو ضم نية الوجوب (2) والندب في فعل واحد،
كما لو نرى بالغسل الجنابة والجمعة، بطل، لتنافي الوجهين. ويحتمل

(1) زيادة من (م) و (أ).
(2) انظر هذه الفائدة في الأشباه والنظائر / للسيوطي: 23.
(3) في (ح) و (م) و (أ): الواجب.
80

الاجزاء، لان نية الوجوب هي المقصودة، فتلغو نية الندب. أو نقول:
يقعان له، فان غاية غسل الجنابة رفع الحدث، وغاية غسل الجمعة
النظافة، فهو كضم التبرد إلى التقرب.
ومن هذا الباب: لو جمع في الصلاة على الجنازة الوجوب والندب
إذا اجتمع من تجب عليه الصلاة ومن لا تجب. ولو اقتصر على نية
الوجوب أجزأ في الموضعين.
ويجوز اجتماع نية الندب مع الواجب في مواضع:
منها: نية الصلاة، فإنها تشتمل على الواجب منها والمستحب،
ولا يجب التعرض لنية المستحب بخصوصه، ولا إلى نية أفعال (1) الواجب
لوجوبه، والمندوب (2) لندبة، وإن كان ذلك هو المقصود، لان
المندوب في حكم التابع للواجب، ونية المتبوع تغني عن نية التابع،
ومنها: إذا صلى الفريضة جماعة، فإنه ينوى الوجوب في الصلاة
من حيث هي صلاة، وينوي الندب في الصلاة من حيث هي جماعة،
سواء كان أماما أو مؤتما، وإن كان قد اختلف في استحباب نية الامام
للإمامة (3). ومنها: إذا أدرك المأموم تكبيرة الركوع مع الامام فكبر ناويا
(

(1) في (م) و (أ): فعل.
(2) في (م) و (أ): والندب.
(3) فقد ذهب الأوزاعي وجماعة إلى اشتراط نية الامام لامامة.
انظر: العلامة الحلي / منتهى المطلب: 367.
81

للركوع، فقد حكم الشيخ (1) بالاجزاء، وهو مروي (2).
الفائدة الخامسة
إذا اجتمع أسباب الوجوب في مادة واحدة، كما لو نذر الصلاة
اليومية وقلنا بالانعقاد، كما هو مذهب المتأخرين (3). كذا لو نذر الصوم الواجب، أو الحج الواجب، أو استؤجر عن الصلاة الواجبة عن
الغير، أو صلى عن أبيه بالتحمل، ففي كل هذه الصور تكفي نية الوجوب
ولا يجب التعرض للخصوصيات، لان الغرض إبراز الفعل على وجهه،
وقد حصل، فلا حاجة إلى أن ينوي النائب: لوجوبه علي وعليه، يعني
المنوب عنه، فان الوجوب عليه إنما هو الوجوب على المنوب، وقد
صار متحملا له
ولو اشتمل النذر على هيئة زائدة. فان كانت زمانا، كما لو نذر
الصلاة في أول وقتها، أو أداء الزكاة عند رأس الحول، أو قضاء شهر
رمضان في رجب، أمكن أن يجب التعرض لنية تعينه في ذلك الزمان،
لأنه أمر لم يجب بالسبب الأول. والأقرب عدم الوجوب، لان الوجوب
الأصلي صار متشخصا بذلك المشخص الزماني فنيته منصبة عليه.
وإن كانت هيئة زائدة، كما لو نذر قراءة سورة معينة في الصلاة

(1) حكم الشيخ الطوسي بالاجزاء فيما إذا نوى بالتكبيرة الاستفتاح
خاصة. انظر: المبسوط: 1 / 158، والخلاف: 1 / 39.
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 4 / 719، باب 4 من
أبواب تكبيرة الاحرام. حديث: 1، و ج 5 / 442، باب 45 من
أبواب الجماعة، حديث: 4.
(3) انظر: العلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 105.
82

ففي التعرض لها: الوجهان، والأقرب عدم الوجوب.
ولو نذر قراءة القرآن في صومه فهما أمران متغايران يجب أن يفرد
لكل منهما نية
الفائدة السادسة
الأصل أن كلا من الواجب والندب لا يجزي عن صاحبه، لتغاير
الجهتين، وقد يتخلف (1) هذا الأصل في مواضع:
منها: إجزاء الواجب عن الندب في صلاة الاحتياط الذي يظهر
الغناء عنه. وكذا لو صام يوما بنية القضاء عن رمضان فتبين أنه كان
قد صامه، فإنه يستحق على ذلك ثواب الندب.
وأما إجزاء الندب عن الواجب ففي مواضع:
منها: صوم يوم الشك.
ومنها: صدقة الحاج بالتمر ما دام الاشتباه باقيا، فلو ظهر أن
عليه واجبا فالظاهر الاجزاء عنه، إذا كان من جنس المؤدى، كما يجزي
الصوم عن رمضان لو ظهر أنه منه.
ومنها: الوضوء المجدد لو بان أنه محدث، ففيه الوجهان،
والاجزاء قوي (2).
ومنها: لو جلس للاستراحة فلما قام تبين أنه نسي سجدة، فالأقرب
قيامها مقام جلسة الفصل، فيجب السجود، ولا يجب الجلوس قبله.
ومنها: هذه الجلسة لو قام عقيبها إلى الخامسة سهوا وأتى بها،

(1) في (ح) و (م) و (أ): يختلف.
(2) في (ح): أقوى.
83

وكانت الجلسة (1) بقدر التشهد، فان الظاهر إجزاؤه عن جلسة التشهد
وصحة الصلاة، لسبق نية الصلاة المشتملة عليها. بخلاف من توضأ احتياطا
ندبا، فظهر الحدث، فان النية هنا لم تشتمل على الواجب في نفس الامر
ولو جلس بنية التشهد، ثم ذكر ترك سجدة أجزأت هذه الجلسة عن
جلسة الفصل قطعا، لان التغاير هنا في القصد إلى تعيين الواجب، لا
بالوجوب والندب
ومنها: لو أغفل لمعة (2) في الغسلة الأولى فغسلها في الثانية بنية
الاستحباب. وفيها الوجهان: من حيث مخالفة الوجه، ومن اشتمال نية
الاستباحة (3) عليها.
ومنها: لو نوى الفريضة فظن أنه في نافلة، فأتى بالافعال ناويا
للندب أو ببعضها، فان الأصح الاجزاء، للرواية (4)، وقد أوضحناه
في الذكرى (5).
أما لو ظن أنه سلم فنوى فريضة أخرى، ثم ذكر نقص الأولى
فالمروي عن صاحب الامر عليه السلام الاجزاء عن الفريضة الأولى (6).

(1) زيادة من (أ).
(2) اللمعة: الموضع الذي لا يصيبه الماء في الغسل والوضوء.
انظر: ابن منظور / لسان العرب: 8 / 326، مادة (لمع).
(3) في (ح) و (م): الطهارة.
(4) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 4 / 711 - 712، باب
12 من أبواب النية، حديث 1.
(5) انظر: الذكرى - في أفعال الصلاة وتوابعها - النية ومعناها.
المسألة الثامنة.
(6) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 5 / 325، باب 12
من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، حديث: 1.
84

والسر فيه: أن صحة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من
الأولى في موضعه أو الخروج منها، ولم يحصلا، فجرت التحريمة مجرى
الأذكار المطلقة التي لا تخل بصحة الصلاة، ونية الوجوب في الثانية
لغو، لعدم مصادفته محلا. وحينئذ هل تجب نية العدول إلى الأولى؟
الأقرب عدمه، لعدم انعقاد الثانية، فهو بعد (1) في الأولى. نعم
يجب القصد إلى أنه في الأولى من حين الذكر.
الفائدة السابعة
يجب الجزم في مشخصات النية من: التعيين، والأداء، والقضاء
والوجوب، والندب، مع إمكانه، ولا يجزي الترديد حيث يمكن الجزم
لان القصد إلى الفعل إنما يتحقق مع الجزم.
وقد جاء الترديد في مواضع:
منها: الصلاة المنسية المشتبهة بين الثلاث الرباعيات، أو المشتبهة
بين (2) الأداء والقضاء.
ومنها: الزكاة المرددة بين الوجوب والندب، على تقديري بقاء
المال وعدم بقائه.
ومنها: نية صوم آخر شعبان المرددة بين الوجوب والندب، فاته
غير واجب هنا، وإن وجب في الأولين. ولو فعل ففي إجزائه نظر،
أقربه الاجزاء، لمصادفته الواقع.
ولو ردد ليلة الشك في العيد بين الصوم وعدمه، ففيه وجهان،

(1) في (ك): يعد.
(2) في (ك) و (م) و (ح): في.
85

وأولى بالمنع، لأنه تردد لا في محل الحاجة، إذ يجب عليه الصوم من
غير تردد.
ومنها: لو شك في تعيين الطواف المنسي فإنه يردد.
ولو شك في تعيين النسك المنذور من. التمتع، أو القران، أو
الافراد، أو العمرة المفردة، أو عمرة التمتع، فان الترديد يجزي في
الأول، وفي إجزائه في العمرتين تردد، من حيث اختلافهما في الافعال،
وترتب الحج على إحداهما دون الأخرى.
وليس الصلاة في الثياب المتعددة عند الاشتباه بالنجاسة، والطهارة
بالماء المطلق والمضاف عند اشتباههما من هذا القبيل، لان الجمع هنا
واجب، لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به.
ومنها: لو نسي تعيين الكفارة مع علمه بوجوبها، فإنه يردد بين
الاقسام المحتملة لها.
ومنها: لو شهد عدل، أو جماعة من الصبيان (1) أو الفساق، أو
النساء، برؤية الهلال، فنوى الوجوب، فصادف رمضان، ففي الاجزاء
وجهان، وظاهر الأكثر عدمه.
ومنها: لو توهمت الحائض انقطاع الحيض فنوت، فصادف انقطاعه
أو كان سائلا فنوت (2)، ثم انقطع قبل الفجر ففي الاجزاء الوجهان.
ويقوى الاجزاء عند قوة الامارة ككونه على رأس عادتها، أو قريبا منها.
ومنها: لو ظن المسافر القدوم عادة قبل الزوال، فنوى ليلا،
ففي أجزائه لو وافق، الوجهان. وكذا الجنب لو نوى الصوم (3) بعد

(1) زيادة من (أ).
(2) في (ح) زيادة: الصلاة.
(3) زيادة من (ح).
86

الجنابة ثم اغتسل.
ومنها: لو نذر يوم قدوم زيد، فظنه في الغد، فنوى ليلا، ففي
وجوب الصوم هنا وجهان. وكذا في إجزاء هذه النية إن قلنا بالوجوب.
ومنها، لو ظن دخول الوقت، فتطهر بنية الوجوب، فظهر
مطابقته، فإن كان لا يمكنه العلم أجزأ، قولا واحدا، وإن كان متمكنا
من العلم ففيه الوجهان.
ومنها: لو ظن ضيق الوقت، فتيمم فرضا، فان صادف الضيق
أجزأ، وإن صادف السعة أجزأ مع عدم التمكن من العلم، ومع التمكن
الوجهان. وكذا لو ظن ضيق الوقت إلا عن العصر فصلاها، ثم تبين
السعة، فالأقرب الاجزاء إذا وقعت في المشترك بينها وبين الظهر، أو
دخل (1) المشترك وهو فيها. ولو دخل المختص بالعصر وهو فيها،
ففيه الوجهان. ولو وقعت العصر في الأربع المختصة بالظهر بحيث يكون قد
بقي بعد العصر مقدار أربع ركعات لا أزيد، فالأقرب أنها لا تجزي،
ويعيد العصر الآن، ويقضي الظهر. ويحتمل الاجزاء، أما بناء على اشتراك
الوقتين دائما، وإما لتعاوضهما، فكان العصر قد اقترضت من الظهر
وقتها وعوضتها بوقت نفسها. وهو ضعيف، وإلا لكان ينوي في الظهر
الأداء في هذه الأربع، وظاهرهم عدمه، وإنما ينوي القضاء لو قلنا
باجزاء العصر.
ومنها: لو ترك الطلب فتيمم، ثم ظهر عدم الماء.
ومنها: لو صلى إلى جهة يشك أنها القبلة، فصادفت، أو شك
في دخول الوقت، فصلى، فصادف، والأقرب عدم الاجزاء إلا مع
الظن، حيث لا طريق إلى العلم.

(1) في (ح) زيادة: وقت.
87

ومنها: لو صلى خلف الخنثى، فظهر أنه رجل، وفيه التفصيل
المذكور.
ومنها: لو صلى على ميت يشك أنه من أهل الصلاة، فصادف.
أو تيمم للصلاة على الميت شاكا في تغسيله، وقلنا لا يشرع (1) التيمم
قبل الغسل، فصادف كونه قد غسل.
ومنها: إذا كان في مطمورة فتحرى (شهرا للصيام) (2)،
فصادف. وهذا (3) قد نص الأصحاب على إجزائه ما لم يتقدم على
شهر رمضان (4). ولو أوجبنا الاجتهاد هنا، فصام من غير اجتهاد،
فصادف، ففيه الوجهان.
ومنها: لو صام من عليه كفارة مرتبة قبل علمه بعجزه عن العتق
فصادف عجزه.
ومنها: إذا شك في دخول شوال، فأحرم بالحج أو بعمرة التمتع،
فصادف دخول شوال.
ومنها: أحرم بالعمرة المفردة ناسيا للتحلل من الاحرام بالحج،
أو أحرم بحج التمتع ناسيا للاحلال من العمرة، فصادف التحلل (5).

(1) في (أ): لا يسوغ.
(2) في (ح) و (م) و (أ): شهر الصيام.
(3) في (ح): وهاهنا. وفي (م): هنا.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 1 / 268، والعلامة الحلي /
تحرير الأحكام: 1 / 82.
(5) انظر في هذه الفائدة أيضا: السيوطي / الأشباه والنظائر:
44 - 45.
88

الفائدة الثامنة
تعتبر النية في جميع العبادات إذا أمكن فعلها على وجهين، إلا النظر
المعرف، لوجوب معرفة الله تعالى، فإنه عبادة ولا تعتبر فيه النية، لعدم
تحصيل المعرفة قبله.
وإلا إرادة الطاعة، أعني: النية، فإنها عبادة ولا تحتاج إلى نية
وإلا لتسلسل.
وما لا يمكن فيه اختلاف الوجه، كرد الوديعة وقضاء الدين، لا يحتاج إلى نية مميزة، وإن احتاج في استحقاق الثواب إلى قصد التقرب
إلى الله تعالى (1).
الفائدة التاسعة
للنية غايتان:
إحداهما: التمييز.
والثانية: استحقاق الثواب.
وإن كان الفعل واجبا، فإنه يستفيد المكلف بالفعل الخلاص من
الذم والعقاب، وبالترك يتعرض لاستحقاقهما. وهذه غاية ثالثة.
ثم ينقسم الواجب إلى قسمين:
أحدهما ما الغرض الأهم منه بروزه إلى الوجود، كالجهاد،
والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقضاء الدين، وشكر النعمة،
ورد الوديعة. وهذا القسم يكفي مجرد فعله عن الخلاص من تبعة الذم
والعقاب، ولا يستتبع الثواب إلا إذا أريد به (2) التقرب إلى الله تعالى.

(1) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 129 - 131.
(2) (ك): نية.
89

الثاني: ما الغرض الأهم منه تكميل النفس، وارتفاع الدرجة في
المعرفة، والاقبال على الله تعالى، واستحقاق الرضا من الله تعالى وتوابعه (1)
من المنافع الدنيوية والأخروية كالتعظيم في الدنيا، والثواب في الآخرة.
وهذا القسم لا يقع مجزيا في نظر الشرع إلا بنية القربة (2).
الفائدة العاشرة
يجب ترك المحرمات، ويستحب ترك المكروهات، ومع ذلك لا تجب
فيه النية، بمعنى أن الامتثال حاصل بدونها. وإن كان استحقاق الثواب
بالترك يتوقف على نية القربة.
وهذه التروك يمكن استناد عدم وجوب النية فيها إلى كونها لا تقع
إلا على وجه واحد، فان الترك لا تعدد فيه. ويمكن استناد عدم الوجوب
إلى كون الغرض الأهم منها هجران هذه الأشياء ليستعد بواسطتها للعمل
الصالح.
ومن هذا الباب: الافعال الجارية مجرى التروك، كغسل النجاسة عن
الثوب والبدن، فإنه لما كان الغرض منها (3) هجران النجاسة وإماطتها
جرت مجرى الترك.
الفائدة الحادية عشرة
التميز الحاصل بالنية (تارة) يكون لتميز العبادة عن العادة،
كالوضوء والغسل، فإنه كما يقع كل منهما عبادة يقع عادة، كالتنظيف،

(1) في (ك): وثوابه.
(2) في (ح): التقرب.
(3) في (م): بها.
90

والتبرد، والتداوي.
و (تارة) لتميز أفراد العبادة، كالفرض عن النفل، والأداء
عن القضاء، والقربة عن الرياء.
وربما جعل التميز الحاصل بالقربة من قبيل امتياز العبادة عن العادة
لان الرياء المقصود في العبادة يخرجها عن حقيقة العبادة، فهو كالفعل
المعتاد.
ولابد من استيعاب المميزات في النية - وإن. كثرت - تحصيلا
للغرض منها.
الفائدة الثانية عشرة
كل ما يعتبر في صحة العبادة لا يخرج عن الشرطية، والجزئية،
وإزالة الموانع من قبيل الشروط
وقد اختلف في النية هل هي من قبيل الشروط، باعتبار تقدمها
على العبادة، ومصاحبتها مجموع الصلاة - مثلا - وهذا هو حقيقة الشرط
ويقابله الجزء، وهو ما يقارن العبادة أو لا يصاحب المجموع (1)؟
ويحتمل الفرق بين نية الصوم، وباقي العبادات، فيجعل شرطا
في نية الصوم، وركنا في باقي العبادات (2)، لان تقدم نية الصوم على
وجه لا يشتبه بالمقارنة. نعم لو قارن بها الصوم فإنه جائز، على الأصح

(1) للتوسع في أن النية شرط أو جزء انظر: الشهيد الأول / الذكرى:
الركن الأول في افعال الصلاة - في النية ومعناها - المسألة الأولى،
(غير مرقم).
(2) هذا قول لبعض الشافعية على ما يبدو من السيوطي في /
الأشباه والنظائر: 47.
91

وانسحب فيها الخلاف
وربما قيل: إن جعلنا اسم العبادة يطلق عليها من حين النية فهي
جزء على الاطلاق، وإلا فهي شرط.
وقيل أيضا (1): كل ما اعتبرت النية في صحته فهي ركن فيه،
كالصلاة، وكل ما اعتبرت في استحقاق الثواب به فهي شرط فيه، كالجهاد
والكف عن المعاصي، وفعل المباح، أو تركه إذا قصد به وجه
راجح شرعا.
ولا ثمرة مهمة في تحقيق هذا، فان الاجماع واقع على أن النية معتبرة
في العبادة (2)، ومقارنة لها غالبا، وأن فواتها يخل بصحتها. فيبقى
النزاع في مجرد التسمية، وإن كان قد يترتب على ذلك أحكام نادرة
ذكرناها في (الذكرى) (3)، كصحة صلاة من تقدمت نيته على الوقت
ونية الوضوء المنوي به الوجوب.
فان قلت: ما تقول في التيمم فإنه غير معتاد فلم افتقر إلى
النية المميزة؟
قلت: ليس التميز بين العبادة والعادة مما يمحض شرعية النية
لأجلها، بل الركن الأعظم فيها التقرب، فلابد من قصده في التيمم،
كغيره. ولان التميز حاصل منه بالنسبة إلى الفرض والنفل، والبدل
عن الأصغر والأكبر.

(1) قاله العلائي من الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 48.
(2) (ح): العبادات.
(3) انظر: كتاب الطهارة - في نية قطع الطهارة - المسألة العاشرة،
والركن الأول - في أفعال الصلاة وتوابعها - المسألة الأولى.
92

الفائدة الثالثة عشرة
قضية الأصل: وجوب استحضار النية فعلا في كل جزء من
أجزاء العبادة، لقيام دليل الكل في الاجزاء، فإنها عبادة أيضا، ولكن
لما تعذر ذلك في العبادة البعيدة المسافة، أو تعسر في القريبة المسافة، اكتفي
بالاستمرار الحكمي. وفسر: بتجديد العزم كلما ذكر. ومنهم من فسره:
بعدم الاتيان بالمنافي (1). وقد بيناه (2) في رسالة الحج.
فلو نوى القطع، فإن كان المنوي إحراما، لم يفسد إجماعا، لان
محللاته معلومة. ولأنه لا يبطل بفعل المفسد فلان لا يبطل بنية القطع أحرى.
وإن كان صوما، ففيه وجهان: من تغليب شبه (3) الفعل،
أو شبه (4) الترك عليه (5).
وإن كان صلاة، فوجهان مرتبان، وأولى بالبطلان، لأنها أفعال
محضة كان من حقها استصحاب النية فعلا في كل منها، فلا أقل من
الاستصحاب الحكمي، وظاهر أن نية القطع تنافي الاستصحاب الحكمي.
ووجه عدم التأثير: النظر إلى قوله صلى الله عليه وآله: (تحريمها
التكبير وتحليلها التسليم) (6) ومقتضاهما الحصر. ولان الصلاة عبادة واحدة

(1) انظر: النووي / المجموع: 3 / 278.
(2) في (م) و (أ): فسرناه.
(3، 4) في (ح): نية.
(5) بمعنى: أنه لو غلب في الصوم جانب الفعل يبطل لو نوى
القطع، لاحتياج الفعل إلى النية، ولو غلب جانب الترك لا يبطل، لان
المتروك لا يحتاج إلى النية، فلا تؤثر فيه نية القطع. (عن بعض الحواشي).
(6) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 4 / 715، باب 1
من أبواب تكبيرة الاحرام، حديث: 10، و ج 4 / 1003، باب 1
من أبواب التسليم، حديث: 1، وسنن ابن ماجة: 1 / 101، باب 3
من كتاب الطهارة، حديث: 275، 276.
93

وكل جزء منها العبادة فيه إنما هو بالنظر إلى المجموع، فإذا تحقق
انعقادها بالتكبير بعد النية لم تؤثر القصود اللاحقة لذلك، لأنها لم تصادف
ما يجب فيه النية فعلا.
أما الوضوء والغسل، فان نية القطع تبطل بالنسبة إلى ما بقي لا إلى
ما مضى، لأنه أفعال منفصلة، وخصوصا الغسل. نعم لو خرج الوضوء
عن الموالاة أثر ذلك، باعتبار فوات الشرط، لا باعتبار تأثير النية في
الماضي.
الفائدة الرابعة عشرة
التردد في قطع العبادة فيه وجهان مبنيان: على تأثير نية الخروج، أو نية
فعل المنافي. وأولى بالصحة، لان المنافاة غير متحققة، بالنظر إلى كون
التردد ليس على طرف النقيض بالنسبة إلى النية المصححة للعبادة.
والوجه: أنهما سواء، لان أقل أحوال الاستصحاب الحكمي الجزم
بالبقاء على ما مضى، والشك ينافي الجزم.
وأما نية فعل المنافي فهي كنية الخروج من العبادة تؤثر حيث تؤثر،
وينتفي حيث ينتفي التأثير. فلو نوى الصائم الافطار فهو كنية القطع.
ويقوى عدم تأثير النية في الصوم، لأن الصوم لا تبطل حقيقته بنفس فعل
المنافي، ولهذا وجبت الكفارة لو أفطر ثانيا، فلان لا يبطل بنيته أولى.
فان منع وجوب الكفارة الثانية قلنا أن نستدل: بأن نية المنافي لو
أبطلت لما وجبت كفارة أصلا. لان الاكل والجماع مسبوقان بنية فعلهما،
94

فإذا أفسدت (1) النية صادفا صوما فاسدا، فلا يتحقق به كفارة.
والاجماع على خلافه، إلا أن يقال بقول الشيخ أبي الصلاح الحلبي (*)
رحمه الله (2)، وقول شيخنا الامام فخر الدين (*) بن المطهر (3)
رحمه الله: من أن ترك النية في الصوم موجب للكفارة، إما بمجردهما،
أو بشرط انضمام المنافي إليهما. إلا أنه يلزم من الأول ارتكاب وجوب
كفارتين بالجماع: إحداهما على نيته، والأخرى على فعله، ولم يقل به
أحد من العلماء.

(1) في (ح) و (م) و (ك): فسدت.
* هو الشيخ تقي بن النجم الحلبي من كبار علماء الإمامية كان
معاصرا للشيخ أبي جعفر الطوسي المتوفى سنة 460 ه‍ له كتاب الكافي
في الفقه، والبرهان على ثبوت الايمان. (القمي / الكنى والألقاب:
1 / 97).
(2) لم أعثر في كتابه (الكافي) على هذا القول، ولعله موجود
في غيره من مصنفاته.
* هو أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي من
كبار علماء الإمامية ولد سنة 682 ه‍ فاز بدرجة الاجتهاد في السنة العاشرة
من عمره الشريف وكان والده العلامة الحلي يثني عليه ويعظمه توفي سنة
771 ه‍. ألف في الفقه والكلام والأصول. (القمي / الكنى والألقاب: 3 / 13).
(3) جاء في إيضاح الفوائد لفخر المحققين: 1 / 223 - 234: (وقال
المرتضى في الموصليات: إن نذر صوم يوم معين فأفطر كان عليه كفارة
رمضان، وإن كان غير صوم أو ترك صومه بترك النية لا يفعل المفطر
ووجب كفارة يمين) وظاهره أن هذا قول للسيد المرتضى لا لفخر الدين.
ولعل له هذا الرأي في غير هذا الكتاب، أو فيه ولم أعثر عليه.
95

الفائدة الخامسة عشرة
يمكن اجتماع نية عبادة في أثناء أخرى، كنية الزكاة والصيام في
أثناء الصلاة، وقد تضمن القرآن العزيز إيتاء (1) الزكاة في حال الركوع (2)
على ما دل عليه النقل من تصدق علي عليه السلام بخاتمه في ركوعه،
فأنزلت فيه الآية (3).
أما لو كانت العبادة الثانية منافية للأولى، كما لو نوى في أثناء
الصلاة طوافا، فهو كنية القطع.
ولو نوى المسافر في أثناء الصلاة المقام وجب الاتمام، ولا يكون
ذلك تغيرا مفسدا.
والسر فيه: أن النية السابقة اشتملت على أبعاض الصلاة، (والباقي
كالمكرر فلا يقدح عدم تقدم نيته) (4).
على أن للملتزم (5) أن يلتزم بوجوب النية لما زاد على المقدار المنوي
أولا. ولا استبعاد فيه، وإن لم تصاحبه تكبيرة الاحرام، لانعقاد أصل
الصلاة بها.
ولو نوى المقيم في أثناء الصلاة السفر قبل أن يصلي على التمام،
ففي جواز رجوعه إلى القصر ثلاثة أوجه. ثالثها: الفرق بين من تجاوز

(1) في (ك) و (ا): اتيان
(2) وهو قوله تعالى في سورة المائدة، 55 (إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).
(3) انظر: الشيخ الطوسي / تفسير التبيان: 3 / 549.
(4) في (ك): والثاني كالمكرر فلا يقع عدم تعلق نيته.
(5) في (أ): للمانع.
96

التقصير وبين من لم يتجاوز. وهنا لا قادح، لعدم زيادة شئ على
العبادة، وإنما هو حذف شئ منها. نعم وجه الاتمام قوي (لقولهم
عليهم السلام) (1): (الصلاة على ما افتتحت عليه) (2). ولوجوب.
إتمام العبادة الواجبة بالشروع فيها.
الفائدة السادسة عشرة
العدول من الصلاة المعينة إلى صلاة أخرى، أو من الصوم فريضة
إلى الصوم نافلة أو بالعكس، ليس من باب نية فعل المنافي، إذا لا تغير
فاحشا فيه. وكذا في العدول من نسك إلى آخر، ومن نسك التمتع إلى
قسيميه، وبالعكس.
ويجب في هذه المواضع أحداث نية العدول إليه، ويحرم التلفظ بها
في أثناء الصلاة، فلو فعله بطلت. بخلاف باقي العبادات أو التلفظ بها
في أول الصلاة، فإنه جائز، ولكن الأول تركه، لان مسمى النية هو:
الإرادة القلبية، وهو حاصل، فلا معنى للتلفظ. ولان السلف لم يؤثر
عنهم ذلك.
ومن زعم استحباب التلفظ (3)، ليجمع بين التعبد بالقلب واللسان،
فقد أبعد، لأنا نمنع كون التلفظ (4) باللسان عبادة، وليس النزاع إلا فيه.

(1) في (م) و (ك) و (ح): لقوله صلى الله عليه وآله.
(2) انظر: العلامة الحلي / المختلف: 1 / 157. وقد ورد بمضمونه
عن الإمام الصادق عليه السلام. انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة:
4 / 712، باب 2 من أبواب النية، حديث، 2.
(3) قاله بعض الشافعية. انظر الشيرازي / المهذب: 1 / 70.
(4) في (ك) و (م) و (أ): اللفظ.
97

الفائدة السابعة عشرة
اقتران عبادتين في نية واحدة جائز إذا لم يتنافيا، (فتارة) تكون
إحداهما منفكة عن الأخرى، كنية دفع الزكاة والخمس، و (تارة)
مصاحبة لها، كنية الصوم والاعتكاف، أو (تابعة لها). وتتحقق التبعية
في أمور:
منها: لو نوى النظافة في الأغسال المسنونة، فان النظافة تابعة للغسل
على وجه التقرب، بل (1) هي المقصودة من شرعية الغسل.
ومنها: نية تحسين القراءة في الصلاة، ونية (2) تحسين الركوع
والسجود، ليقتدي به، لا لاستجلاب نفع، ولا لدفع ضرر.
ومنها: أن يزيد الامام في ركوعه انتظارا للمسبوق، ليفيده ثواب
الجماعة، ويستفيد الامام بزيادة عدد الجماعة المقتضي لزيادة الثواب، فإنه
إعانة للمأموم على الطاعة، والإعانة على الطاعة طاعة، لان وسيلة الشئ
يلحق بها حكمه.
وتوهم بعض العامة (3) منعه، لأنه شرك في العبادة.
وهو مدفوع بما قررناه. ولأنه لو كان ذلك شركا في العبادة لكان
لاحقا بالاذان والإقامة، والامر بالمعروف، بل بتعليم العلوم. ليس
كذلك بالاجماع.
ومنها: رفع الامام صوته بالقراءة في الجهرية، ليسمعه المأمومون،
ورفع الخطيب صوته في الخطبة، ورفع القارئ صوته بالقراءة وتحسينه

(1) في (م) و (أ): و.
(2) زيادة من (ح).
(3) قاله بعض الشافعية. انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 96.
98

لاستجلاب الاستماع المستتبع للطف، لا لاستجلاب التعظيم، ودفع الضرر.
ومنها: أنه إذا وجد منفردا يصلي استحب له أن يؤمه، أو يأتم به،
لقوله صلى الله عليه وآله - وقد رأى رجلا يصلي منفردا -: (من
يتصدق على هذا؟) فقام رجل فصلى خلفه (1).
الفائدة الثامنة عشرة
لا يجب عندنا النفل (2) بالشروع فيه، إلا الحج والاعتمار. وفي
الاعتكاف للأصحاب ثلاثة أوجه: الوجوب بالشروع، والوجوب بمضي
يومين، وعدم الوجوب. وأوسطها وسطها.
نعم يكره قطع العبادة المندوبة بالشروع، فيها، وتتأكد الكراهية في
الصلاة، وفي الصوم بعد الزوال.
الفائدة التاسعة عشرة
جوز بعض الأصحاب (3) الابهام في نية الزكاة بالنسبة إلى
خصوصيات الأموال. فلو وجب عليه شاة في الغنم وشاة في الإبل،
ونوى إخراج شاة، برئت الذمة وإن لم يعين إحداهما. نعم يشترط قصد
الزكاة المالية.
ولا يخلو من إشكال، لان البراءة إن نسبت إلى أحد المالين بعينه
فهو تحكم بغير دليل، وإن نسبت إليهما، بمعنى التوزيع، فهو غير منوي

(1) انظر مسند أحمد بن حنبل: 3 / 5، 5 / 269 (باختلاف بسيط).
(2) في (ك): الفعل.
(3) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 143.
99

(وإنما لكل امرئ ما نوى) (1).
وتظهر الفائدة: فيما لو تلف أحد النصابين قبل التمكن من الدفع
بعد أن دفع عن الأول.
فان قلت: كيف يتصور عدم التمكن وقد كان يمكنه دفع الشاتين
إلى من دفع إليه إحداهما
قلت: يتصور ذلك في ابن السبيل لا يعوزه إلا شاة، وشبهه.
وأما الابهام في العتق عن الكفارة، ففيه خلاف مشهور (2).
والأقرب المنع، سواء اتحدت الكفارة جنسا أو اختلفت.
وأما الابهام في النسك، فقد صرح الأصحاب بمنعه (3) حيث
يكون الكلف مخاطبا بأحدهما، كالحج أو العمرة. ولو لم يجب عليه
أحدهما، والزمان غير صالح للحج، وجبت العمرة، وإن صلح لهما،
كأشهر الحج، ففيه وجهان: التخيير، والبطلان، لعدم للتميز الذي
هو ركن في النية.
الفائدة العشرون
تجري النية في غير العبادات، ولها موارد: منها: قصد زكاة التجارة أو القنية. ويتفرع عليها: لو لم يستمر
على قصد التجارة، إما بأن نوى القينة، أو نوى رفض التجارة، فإنه

(1) انظر: ابن قدامة / المحرر في الحديث: 204، والغزالي /
احياء علوم الدين: 2 / 15.
(2) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 5 / 114، 115.
(3) انظر: العلامة الحلي / تحرير الأحكام: 1 / 95، وقواعد
الأحكام: 31.
100

تنقطع نية التجارة. فلو عاد إلى نية التجارة بنى على صيرورة المال تجارة
بالنية، وإن لم تقارن التكسب، وعدمه، فان قلنا به، عادت التجارة
وإلا فلا.
ومنها: قصد المسافر المسافة، وهو معتبر في القصر، فلو رفض
القصد، انقطع الترخص. فلو عاد اشترطت المسافة من حيث ضرب في
الأرض بعد عود النية.
ومنها: لو نوى الأمين الخيانة، فإن كان سبب أمانته الشارع،
كالملتقط، صار ضامنا بنية الخيانة، وإن كان سبب أمانته المالك، كالوديعة
والعارية والإجارة، لا يضمن بمجرد النية.
ومنها: نية الحائز للمباح، وهي مملكة مع الحيازة. ولو نوى ولم
يحز لم يملك، قولا واحدا. ولو حاز ولم (1) ينو ففيه وجهان، الأقرب انتفاء الملك.
ومنها: لو أحيا أرضا بنية جعلها مسجدا، أو رباطا أو مقبرة،
فيحتمل صيرورتها بالنية إلى تلك الغايات، لأنه نوى شيئا فيحصل له
والأقرب افتقاره إلى التلفظ.
وحينئذ هل يملك بتلك النية؟ فيه وجهان مبنيان على أن الملك
الضمني هل هو كالحقيقي أم لا؟ فعل الأول يملك، وعلى الثاني لا يملك.
والأول قريب.
ومنها: أن سائر صيغ العقود والايقاعات يعتبر القصد إلى الانشاء
فيها، سواء كانت بالصريح، أو بالكناية عندنا في موضع جواز الكناية،
كما في العقود الجائزة كالوديعة والعارية.
والنية هنا هي: القصد إلى التلفظ بالصيغة مريدا غايتها. فلو قصد

(1) في (ك) و (ح): ولما.
101

اللفظ لا لإرادة غايته، كما في المكره، لم يقع العقد ولا الايقاع، سواء
قصد ضد غايته، كما لو قال: بعتك، وقصد الاخبار، أو قال: يا طالق
وقصد النداء، أو لم يقصد شيئا.
ولو انتفى قصد اللفظ، كما في الساهي والنائم والغافل، بطل
بطريق الأولى.
ولا يكفي القصد (1) في أركان العقد إذا لم يتلفظ به، كما لو قال:
بعتك بمائة، ونوى الدراهم، أو: خالعتك بمائة درهم، وأراد نقدا
مخصوصا. وظاهر الشيخ أبي جعفر (2) [الطوسي] ومن تبعه الصحة
ويتبع الإرادة. ويمكن القول به هنا وفي البيع إذا كانا قد تواطيا على
ذلك، لأنه كالملفوظ. والبطلان قوي، للاخلال بركن العقد.
ومنها: تأثير النية في تعيين الزوجة والمعتق فيما لو قال: زوجتي
طالق، ونوى زينب، أو عبدي حر، ونوى تغلب. ولو تجردا عن
النية ففي وقوعهما وجهان، فان قلنا به أنشأ التعيين من بعد.
ومنها: جريان النية في الايمان والنذور والعهود، بالنسبة إلى
مخصصات نوع، من جنس وشبهه، كما لو حلف أن لا يأكل، ونوى
اللحم، أو: لا يأكل اللحم، ونوى لحم الإبل، فيؤثر ذلك في
القصر (3) على ما نواه.
وكما يجوز تقييد المطلق بالنية، كما ذكرنا، يجوز تخصيص العام بها،
فلو قال: لا دخلت الدار، ونوى دخولا خاصا أو مؤقتا، صح.
ولو قال، لا سلمت على زيد، وسلم على جماعة هو فيهم، ونوى

(1) زيادة من (ح).
(2) انظر: المبسوط: 4 / 349.
(3) في (ح): القصد.
102

خروجه، أو التسليم على من عداه، لم يحنث.
أما الفعل، فالأقرب عدم جواز الاستثناء فيه، كما لو قال:
لا دخلت على زيد، فدخل على جماعة هو فيهم ونوى الدخول على غيره
والشيخ جوزه (1)، كالاستثناء في القول، إذ النية مؤثرة في الافعال،
لاعتبارها في العبادات، ومعظمها أفعال، فتكون مؤثرة هنا. وليس
ذلك ببعيد.
فان (2) قيل: لا ينتظم: دخل على العلماء إلا على قوم منهم،
وينتظم: سلم عليهم إلا على قوم منهم.
قلت لم لا يكون الباعث على الدخول مشخصا له، فان الباعث
على الدخول يصور تخصيصه بقوم دون قوم، ويكون ذلك صالحا لتخصيص
الدخول، ويمنع عدم انتظامه على هذا التقدير.
ولو أخبر عن إرادة خلاف الظاهر في اليمين المتعلقة بحق الآدمي
(فإنه لا يقبل) (3) ظاهرا، ولكنه يدين به باطنا، كما لو قال:
لا وطئتها، ثم قال: قصدت في غير المأتي، أو شهرا، أو في السوق
ويحتمل القبول، لأنه أخبر عما يحتمل لفظه، وهو أعرف بقصده. ولو
كان هناك قرينة تدل على التخصيص قبل قطعا.
وإذا قد علم جواز إطلاق العام وإرادة الخاص، فلو قال: لا كلمت
أحدا ونوى زيدا، فان قصد مع ذلك إخراج من عدا زيدا من نسبة
عدم التكلم، قصر اللفظ على زيد، وجاز تكليم غيره. وإن لم ينو

انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 6 / 226 - 227. ولكنه
لم يجوزه في الخلاف. انظر: 2 / 222.
(2) زيادة من (ك). (3) في (م) و (أ): فلا يقبل.
103

إخراج من عداه، فالظاهر أنه خارج، إما على القول بمفهوم اللقب
فظاهر، وإما على القول بعدمه، فلان من عدا زيدا على أصل حكمه
قبل اليمين، فلا يخرج عنه إلا بمخرج. واللفظ المنوي به الخصوص
كالناص على الخصوص، فهو في قوة: لا كلمت زيدا، وبالاجماع أنه
لا يحرم تكليم غيره في هذه الصورة، فكذا ما هو في معناها.
وقال بعض المعجبين برأيه من أهل الرأي: إن هذا اللفظ صالح
لمن عدا زيدا بالقصد الثاني، كما أنه يتناول زيدا بالقصد الأول، وذكر
زيد كذكر فرد من أفراد العام الذي ثبت في الأصول (1): أنه غير
مخصص، كخبر شاة ميمونة (2)، مع خبر العموم في الإهاب (3).
ولان انضمام غير المستقل بنفسه إلى المستقل يصير الأول في حكم غير المستقل
كما في الاستثناء والشرط، والصفة والغاية، مثل: لا لبست ثوبا إلا
القطن، أو إن كان غير القطن، أو قطنا، أو إلى شهر، ولم يثبت

(1) انظر: العلامة الحلي / نهاية الأحكام الأصولية - مبحث
التخصيص - في بيان التخصيص بذكر البعض (مخطوطة بمكتبة السيد
الحكيم العامة في النجف برقم 878).
(2) في صحيح مسلم: 1 / 276، باب 27 من كتاب الحيض،
حديث 100، عن ابن عباس قال: (تصدق على مولاة لميمونة بشاة،
فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هلا أخذتم إهابها فدبغتموه،
فانتفعتم به. فقالوا: إنها ميتة: فقال: إنما حرم أكلها).
(3) في مسند أحمد: 4 / 310 عن عبد الله بن عكيم قال: (كتب
رسول صلى الله عليه وآله قبل وفاته بشهر ألا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب)
وانظر أيضا صحيح الترمزي بشرح ابن العربي: 7 / 234، باب 7 من
أبواب اللباس.
104

مثله في النية حتى يصير اللفظ بها غير مستقل في الإفادة، بل النية جارية
مجرى انضمام المستقل إلى المستقل، وظاهر أنه لا يغير حكمه، كما لو قال:
له علي عشرة تنقص تسعة، أو قال: له علي عشرة خمسة منها لي.
ولو قال: لا كلمت أحدا، ولا كلمت زيدا، كان مقتضيا لتحريم
كلام زيد بالعموم تارة، وبالخصوص أخرى، ومقتضيا لتحريم كلام غير
زيد بالعموم.
فان عورض بأن قوله: لا لبست ثوبا قطنا، بتخصص به، مع عدم
المنافاة بين الثوب المطلق وبين القطن.
أجيب: بما ذكرناه من الاستقلال وعدمه، فان قطنا غير مستقل،
فلما انضم إلى المستقل صيره غير مستقل بدونه، ومخصص بالقطن،
بخلاف النية فإنه لم يثبت لها حكم اللفظ في الانضمام.
قلت: وهذا لا تحقيق له، لان صلاحية اللفظ لمن عدا زيدا مع
نية زيد به ممنوع. ولا يلزم من صلاحيته مع الاطلاق صلاحيته مع التقييد،
لان التقييد ينافي الاطلاق من حيث أنه (1) إطلاق.
وأما خبر الشاة، وخبر العموم، فهما خبران مستقلان، فلذلك جمع
بينهما، لعدم التنافي.
وأما صورة النزاع فإنه كلام واحد يتبع مدلوله، ولا يعلم ذلك
إلا من قصد اللافظ، وإن كان يحكم عليه من حيث الظاهر باجراء اللفظ
على ظاهره، والتقدير أن اللافظ إنما قصد بالعام جزئيا من جزئياته، فكيف
تكون جميع الجزئيات مقصودة؟؟
وأما كون النية لم يثبت لها حكم اللفظ في الانضمام، فهي جارية
مجرى المستقل في أنه لا يغير الحكم في الأول.

(1) في (ح): هو.
105

فجوابه: انضمام الاستثناء والشرط والصفة والغاية إلى اللفظ إنما اقتضى
قصره باعتبار اقتران ذلك بنية الخصوص، إذ لو صدرت هذه المخصصات
من الغافل والساهي لم يكن لها أثر. نعم لا يثبت حكم ذلك ظاهرا إلا
باللفظ، ولما كان حكم الايمان إنما يستفاد من المكلف، لان غالبها تدين
له، استغني فيه عن اللفظ، ولهذا لو استثنى في يمينه، أو اشترط، أو
قيدها بغاية، كان ذلك مقبولا بالنسبة إلى الحالف. وإذا قبلت هذه
النسبة بالنسبة إليه فالمؤثر في الحقيقة إنما هو النية، فكما يحمل اللفظ على
مقتضاه مع تلك الألفاظ، فكذا مع النية التي هي أصل اعتبار تلك
الألفاظ، وجعلها مخصصة.
على أنا نقول: لا نسلم دلالة العام على أفراده حال نية الخصوص،
فليست النية هنا منضمة إلى اللفظ الدال على العموم، بل النية جاعلة اللفظ
العام في معنى اللفظ الخاص، فلا ينتظم قوله: إن انضمام النية كانضمام
المستقل إلى (1) المستقل، إذ لا استقلال هنا في اللفظ العام، لعدم نيته،
وإنما صار مدلول اللفظ بالنية إلى ذلك الخاص.
ومنها: تأثير النية في الدفع عن الدين المرهون به، ولو خالفه (2)
المرتهن حلف الدافع، لأنه أعرف بقصده.
ولو لم ينو حالة الدفع، ففي التقسيط، أو مطالبته بانشاء النية
الآن، وجهان.

(1) في (ح) و (م) و (أ) زيادة: غير، والصواب ما
أثبتناه كما يتضح من مراجعة عبارة القائل المتقدمة.
(2) في (ك): حالفه، وفي (م): حلفه.
106

الفائدة الحادية والعشرون
لا تؤثر نية المعصية عقابا ولا ذما، ما لم يتلبس بها، وهو ما ثبت
في الاخبار العفو عنه (1).
ولو نوى المعصية وتلبس بما يراه (2) معصية، فظهر بخلافها،
في تأثير هذه النية نظر، من أنها لما (3) لم تصادف المعصي فيه صارت
كنية مجردة، وهو غير مؤاخذ بها، ومن دلالتها على انتهاكه الحرمة
وجرأته على المعاصي.
وقد ذكر بعض الأصحاب (4): أنه لو شرب المباح متشبها بشارب
المسكر فعل حراما. ولعله ليس بمجرد النية، بل بانضمام فعل الجوارح إليها.
ويتصور محل النظر في صور:
منها: ما (5) لو وجد امرأة في منزل غيره فظنها أجنبية، فأصابها
فتبين (6) أنها زوجته، أو أمته.

(1) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 1 / 36 وما بعدها،
باب 6 من أبواب مقدمة العبادات حديث 6 - 8، 10، 20، 21،
ومسند أحمد: 2 / 255، 293، وصحيح مسلم: 1 / 116، حديث 201،
207 من كتاب الايمان.
(2) في (ك): نواه.
(3) زيادة من (ك) و (ح).
(4) انظر: أبا الصلاح الحلبي / الكافي: 117 (مخطوط بمكتبة
السيد الحكيم العامة في النجف برقم 641).
(5) زيادة ليست في (ح) و (م).
(6) في (ح): فظهر، وفي (م): فثبت، وفي (أ): فظهرت.
107

ومنها: لو وطئ زوجته لظنها حائضا، فبانت طاهرا.
ومنها: لو هجم على طعام بيد غيره فأكل منه، فتبين أنه ملك
الآكل.
ومنها: لو ذبح شاة بظنها للغير بقصد العدوان، فظهرت ملكه.
ومنها: ما إذا قتل نفسا بظنها معصومة، فبانت مهدورة.
وقد قال بعض العامة (1): يحكم بفسق متعاطي ذلك، لدلالته على
عدم المبالاة بالمعاصي، ويعاقب في الآخرة - ما لم يتب - عقابا متوسطا
بين عقاب الكبيرة والصغيرة.
وكلاهما تحكم وتخرص على الغيب.
الفائدة الثانية والعشرون
روي عن النبي صلى الله عليه وآله: (أن نية المؤمن خير من
عمله) (2). وربما روي: (أن نية الكافر شر من عمله) (3)، فورد
عليه (4) سؤالان:
أحدهما: أنه روي: (أن أفضل العبادة أحمزها) (5). ولا ريب

(1) انظر: عز الدين بن عبد السلام / قواعد الأحكام في مصالح
الأنام: 1 / 25 - 26.
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة، 1 / 35، باب 6 من
أبواب مقدمة العبادات، حديث: 3.
(3) انظر نفس المصدر السابق.
(4) زيادة ليست في (ك) و (م)
(5) القرافي / الفروق: 2 / 3. ورواه المحقق الحلي بلفظ: (أفضل
العبادات أحمزها). معارج الأصول: ورقة: 35 / أ (مخطوط بمكتبة
السيد الحكيم العامة برقم: 371). وفي حديث ابن عباس: (سئل
رسول الله صلى الله عليه وآله: أي الاعمال أفضل؟ فقال أحمزها). انظر:
الزمخشري / الفائق: 1 / 297، الحاء مع الميم، مادة (حمز)، وابن
الأثير / النهاية: 1 / 258، باب الحاء مع الميم، مادة (حمز).
108

أن العمل أحمز من النية فكيف يكون مفضولا؟؟ وروي أيضا: (أن
المؤمن إذا هم بحسنة كتبت بواحدة فإذا فعلها كتبت عشرا) (1)
وهذا صريح في أن العمل أفضل من النية وخير.
السؤال الثاني: أنه روي: أن النية المجردة لا عقاب فيها (2)،
فكيف تكون شرا من العمل؟
أجيب بأجوبة:
منها: أن المراد، أن نية المؤمن بغير عمل خير من عمله بغير نية.
حكاه السيد المرتضى رحمه الله (3).
وأجاب عنه: بأن (أفعل) التفضيل يقتضي المشاركة، والعمل
بغير نية لا خير فيه، فكيف يكون داخلا في باب التفضيل؟؟ ولهذا
لا يقال: العسل أحلى من الخل (4).
ومنها: أنه عام مخصوص، أو مطلق مقيد، أي (5): نية بعض
الاعمال الكبار، كنية الجهاد، خير من بعض الاعمال الخفيفة، كتسبيحة

(1) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 1 / 36، باب 6 من
أبواب مقدمة العبادات، حديث: 6 - 8
(2) انظر: المصدر السابق: حديث: 6 - 8، 10، 20، 21.
(3، 4) أمالي المرتضى: 2 / 315. وانظر أيضا: ابن عبد السلام /
قواعد الأحكام: 1 / 225، الغزالي / احياء علوم الدين: 4 / 366.
(5) في (أ): إذ.
109

أو تحميدة، أو قراءة آية، لما في تلك النية من تحمل النفس المشقة
الشديدة، والتعرض للغم والهم الذي لا توازيه (1) تلك الأفعال. وبمعناه
قال المرتضى (2) بيض الله وجهه، قال: (وأتى بذلك لئلا يظن أن
ثواب النية لا يجوز أن يساوي أو يزيد على ثواب بعض الاعمال).
ثم أجاب: بأنه خلاف الظاهر، لان فيه إدخال زيادة ليست في
الظاهر (3).
قلت: المصير إلى خلاف الظاهر متعين عند وجود ما يصرف اللفظ
إليه، وهو هنا حاصل، معارضة الخبرين السالفين، فيجعل ذلك
جمعا بين هذا الخبر وبينه.
ومنها: أن خلود المؤمن في الجنة إنما هو بنيته أنه لو عاش أبدا
لأطاع الله أبدا، وخلود الكافر في النار بنيته أنه لو بقي أبدا لكفر أبدا.
قاله بعض العلماء (4).
ومنها: أن النية (5) يمكن فيها الدوام، بخلاف العمل فإنه يتعطل
عنه المكلف أحيانا وإذا نسبت هذه النية الدائمة إلى العمل المنقطع كانت
خيرا منه. وكذا نقول في نية الكافر.
ومنها: أن النية لا يكاد يدخلها الرياء ولا العجب، لأنا نتكلم

(1) في (ك): توازنه.
(2) أمالي المرتضى: 2 / 316.
(3) المصدر السابق: 2 / 218.
(4) قاله الحسن البصري. انظر الغزالي / الاحياء: 4 / 364.
وقد ورد بمضمونه رواية عن الصادق عليه السلام. انظر: الحر العاملي /
الوسائل: 1 / 36: باب 6 من أبواب مقدمة العبادات، حديث: 4.
(5) من هنا وإلى أواخر هذه الفائدة سقط من (أ).
110

على تقدير النية المعتبرة شرعا، بخلاف العمل فإنه يعرضه ذينك.
ويرد عليه: أن العمل وإن كان معرضا لهما إلا أن المراد به العمل
الخالي عنهما، وإلا لم يقع تفضيل.
ومنها: أن المؤمن يراد به: المؤمن الخاص (1) كالمؤمن المغمور
بمعاشرة أهل الخلاف، فان غالب أفعاله جارية على التقية ومداراة أهل
الباطل. وهذه الاعمال المفعولة تقية منها ما يقطع فيه بالثواب، كالعبادات
الواجبة، ومنها ما لا ثواب فيه ولا عقاب كالباقي. وأما نيته فإنها
خالية عن التقية، وهو وإن أظهر موافقتهم بأركانه، ونطق بها بلسانه،
إلا أنه غير معتقد بجنابة، بل آب عنه أو نافر منها. وإلى هذا الإشارة
بقول أبي عبد الله الصادق عليه السلام - وقد سأله أبو عمرو الشامي (2) -
عن الغزو مع غير الإمام العادل -: (إن الله يحشر الناس على نياتهم
يوم القيامة). (3) وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله (4).
وهذه الأجوبة الثلاثة من السوانح.

(1) في (ك): الخالص.
(2) في الوسائل: 1 / 34: أبو عروة السلمي، وفي 11 / 31،
نقلا عن الشيخ الطوسي في التهذيب: أبو عمرو الشامي، والذي وجدته
في التهذيب المطبوع بالنجف: أبو عمرة السلمي، انظر: ج 6 / 135،
وفي النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة السيد الحكيم بالنجف برقم 161،
ورقة 294: أبو عمرو الشامي.
(3) انظر: الحر العاملي / الوسائل: 1 / 34، باب 5 من
أبواب مقدمة العبادات، حديث: 5، و ج 11 / 30 - 31، باب 10
من أبواب جهاد العدو، حديث: 2.
(4) انظر: مسند أحمد: 2 / 392.
111

وأجاب المرتضى أيضا بأجوبة (1):
منها: أن النية لا يراد بها التي مع العمل، والمفضل عليه هو
العمل الخالي من النية.
وهذا الجواب يرد عليه النقض السالف. مع أنه قد ذكره، كما
حكيناه عنه.
ومنها: أن لفظة (خير) ليست التي بمعنى (أفعل) التفضيل،
بل هي الموضوعة لما فيه منفعة، ويكون معنى الكلام: أن نية المؤمن
خير من جملة الخير من أعماله، حتى لا يقدر مقدر: أن النية لا يدخلها
الخير والشر كما يدخل ذلك في الاعمال. وحكى عن بعض الوزراء
استحسانه، لأنه لا يرد عليه شئ من الاعتراضات.
ومنها: أن لفظة (أفعل) التفضيل قد يكون مجردة عن الترجيح
كما في قوله تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل
سبيلا) (2). وقول المتنبي (3):
أبعد بعدت بياضا لا بياض له * لانت أسود في عيني من الظلم
قال ابن جني (4): أراد أنك أسود من جملة الظلم، كما يقال:
حر من أحرار، ولئيم من لئام، فيكون الكلام قد تم عند قوله (لانت
أسود). ومثله قول الآخر:
وأبيض من ماء الحديد كأنه * شهاب بدا والليل داج عساكره (5)

(1) انظر: أمالي المرتضى: 2 / 315 - 318.
(2) الاسراء: 72.
(3) ديوانه بشرح البرقوقي: 4 / 195.
(4) انظر: أمالي المرتضى: 2 / 317 (نقلا عنه).
(5) البيت في أمالي المرتضى، وفي شرح العكبري لبيت المتنبي
أورد من غير عزو. انظر: أمالي المرتضى: 1 / 93 (المتن والهامش).
112

وقول الآخر:
يا ليتني مثلك في البياض * أبيض من أخت بني أباض (1)
أي: أبيض من جملة أخت بني أباض ومن عشيرتها.
فان قلت: قضية هذا الكلام أن يكون في قوة قوله (2): النية
من جملة عمله. والنية من أفعال القلوب فكيف تكون عملا، لأنه يختص
بالعلاج.
قلت: جاز أن تسمى عملا، كما جاز أن تسمى فعلا. أو يكون
إطلاق العمل عليها مجازا.
قلت: وقد أجيب أيضا: بأن المؤمن ينوي الأشياء من أبواب
الخير نحو الصدقة، والصوم، والحج، ولعله يعجز عنها أو عن بعضها
فيؤجر على ذلك، لأنه معقود النية عليه. وهذا الجواب منسوب إلى
ابن دريد (*) (3).

(1) هذا البيت منسوب لرؤبة بن العجاج. انظر: وليم البروسي /
مجموع أشعار العرب: 176. (2) في (م): قولنا.
* هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري الامامي.
شاعر، نحوي، لغوي. كان واسع الرواية لم ير أحفظ منه. توفي
ببغداد سنة 321 ه‍. (القمي / الكنى والألقاب: 1 / 279).
(3) انظر: ابن دريد / المجتنى: 23. كما جاء بمضمونه رواية
عن أبي جعفر الباقر عليه السلام. انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة:
1 / 39، باب 6 من أبواب مقدمة العبادات، حديث: 17.
113

وأجاب الغزالي (*) (1): بأن النية سر لا يطلع عليه إلا الله تعالى،
وعمل السر أفضل من عمل الظاهر.
وأجيب: بأن وجه تفضيل النية على العمل أنها تدوم إلى آخره،
حقيقة أو حكما، وأجزاء العمل لا يتصور فيها الدوام، إنما تتصرم (2)
شيئا فشيئا (3).
الفائدة الثالثة والعشرون
تعتبر مقارنة النية لأول العمل، فما سبق منه لا يعتد به، وإن
سبقت سميت (عزما)، وهو غير معتد به أيضا على الاطلاق، إلا على
القول بجواز تقديم نية شهر رمضان عليه (4).
وقد اغتفرت المقارنة في الصيام فجاز تقدمها وتوسطها، كما جاز
مقارنتها، وإن كان فعلها في النهار إنما جاز في مواضع الضرورة،
كنسيان النية، أو عدم العلم بتعلق التكليف بذلك اليوم، أو عدم حصول

* هو أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الملقب بحجة الاسلام
الطوسي الفقيه الشافعي. قيل لم يكن للشافعية في آخر عصره مثله. وكتبه
معروفة، منها: البسيط، والوسيط، والوجيز، والخلاصة في الفقه،
وإحياء علوم الدين. توفي سنة 505 ه‍. (القمي / الكنى والألقاب: 2 / 456).
(1) أورد الغزالي هذا الجواب ولكنه لم يرتضه. انظر: إحياء
علوم الدين: 4 / 366.
(2) في (م) و (أ) تتصور.
(3) انظر الغزالي / إحياء علوم الدين: 4 / 366.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 1 / 142، والعلامة الحلي /
منتهى المطلب: 2 / 560.
114

شرط الكمال عند طلوع فجره.
ثم إذا وقعت النية (1) مؤثرة في صحة الصوم استفاد ثوابه بأجمعه،
سواء فعلها بعد الزوال، إذا جوزناه في الندب، أو قبله.
وإن وقعت على سبيل التمرين، كنية الصبي المميز، استحق آمره
الثواب، واستحق هو العوض.
وإن وقعت على طريق التأديب، كنية الكافر والمجنون والمغمى عليه
والصبي، بزوال أعذارهم في أثناء النهار، استحق ثوابا على ذلك العمل
وإن لم يسم صوما.
الفائدة الرابعة والعشرون
ينبغي المحافظة على النية في كبير الاعمال وصغيرها، وتجب إذا كانت
واجبة. فينوي عند قراءة القرآن العزيز قراءته، وتدبره، وسماعه، وإسماعه
وحفظه، وتجويده، وغير ذلك من الغايات المجتمعة فيه.
وينوي السعي إلى مجلس العلم، والحضور فيه، ودخول المسجد،
والاستماع، السؤال، والتفهم، والتفهيم، والتعلم، والتعليم، والتسبيح
والفكر والصلاة على النبي وآله صلى الله عليهم، والرضا عن الصحابة
والتابعين، والترحم على العلماء والمؤمنين، وعيادة المريض، والجلوس
عنده، والدعاء له، وزيارة الاخوان، والسلام عليهم، ورد السلام،
وحضور الجنائز، وزيارة المقابر، والسعي في حاجة أخيه، وفي حاجة
عياله، والنفقة عليهم، والدخول إليهم.
وينوي عند الضيافة، وإجابة السؤال في الضيافة. بل ينوي عند
الإباحات، كالأكل والشرب والنوم، قاصدا حفظ نفسه إلى الحد الذي

(1) زيادة من (أ).
115

ضمن له الأجل، وقاصدا التقوي على عبادة الله عز وجل.
والمؤمن المتقي خليق بأن يصرف جميع أعماله (1) إلى الطاعة، فان
الوسيلة إلى الطاعة طاعة. وكل ذلك يحصل بالنية.
وينوي عند المباضعة والمقدمات التحصن والتحصين، وتحصيل الألفة
المقتضية للمودة والرحمة، والتعرض للنسل.
والضابط في ذلك كله: إرادة الطاعة الواجبة أو المستحبة تقربا
إلى الله تعالى. وعن بعض العلماء: لو قال في أول نهاره: (اللهم ما
عملت في يومي هذا من خير فهو لابتغاء وجهك، وما تركت فيه من
شر فتركته لنهيك)، عد ناويا وإن ذهل عن النية في بعض الاعمال أو
التروك. وكذا يقول في أول ليله.
ويجزئ نية أعمال متصلة في أولها ولا يحتاج إلى تجديد نية لافرادها
وإن كان كل واحد منها مبائنا لصاحبه، كالتعقيب الواقع بعد الصلاة (2).
الفائدة الخامسة والعشرون
ينبغي للثاقب البصير (3) في الخيرات أن يستحضر الوجوه الحاصلة
في العمل الواحد، ويقصد قصدها بأجمعها، لينفرد كل واحد منها بنفسه
ويصير حسنة مستقلة أجرها عشرة إلى أضعاف كثيرة (وبحسب التوفيق
تتكثر) (4) تلك الوجوه.
مثاله: الجلوس في المسجد، فإنه يمكن اشتماله على نحو من عشرين

(1) في (ح): أحواله.
(2) في (ح) و (أ): الفرض.
(3) في (ح) و (أ): البصيرة، وفي (ك): البصرات.
(4) في (ك): ويحسب التوفيق بتكثير.
116

وجها، لأنه في نفسه طاعة، وهو بيت الله، وداخله زائر الله، ومنتظر
للصلاة، مشغول بالذكر والتلاوة واستماع العلم، ومشغول عن المعاصي
والمباحات والمكروهات بكونه فيه، والتاهب بكف السمع والبصر والأعضاء
عن الحركات في غير طاعة الله، وعكوف الهمة (1) على الله، ولزوم
الفكر في أمر الآخرة حيث يسكت عن الذكر، وإفادة العلم واستفادته،
والمجالسة لأهله، والاستماع له، ومحبته، ومحبة أهله، والامر بالمعروف
والنهي عن المنكر، أو المكروه. وقد نبه على ذلك كلام أمير المؤمنين
عليه السلام: (من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا
في الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو يسمع
كلمة تدله على هدى، أو كلمة تردعه عن ردى، أو يترك ذنبا خشية
أو حياء) (2).
فإذا استحضر العارف هذه الأمور إجمالا أو تفصيلا، وقصدها،
تعدد بذلك عمله، وتضاعف جزاؤه، فبلغ بذلك أعمال المتقين وتصاعد
في درجات المقربين. وعلى ذلك تحمل أشباهه من الطاعات.
الفائدة السادسة والعشرون
ينبغي أن ينوي في الأشياء المحتملة للوجوب الوجوب، كتلاوة
القرآن، إذ حفظه واجب على الكفاية، وربما تعين على الحافظ له حذرا
من النسيان. وكطلب العلم، فإنه فريضة على كل مسلم (3). وكالامر

(1) في (ك): الهم، وهو خطأ على ما يبدو، لان الهم - بكسر
الهاء - الشيخ الفاني، وبفتحها: الحزن، وكلاهما لا يلتئم مع السياق.
(2) انظر: الشيخ الصدوق / ثواب الأعمال: 27.
(3) في (ح) زيادة: ومسلمة.
117

بالمعروف وإن قام غيره مقامه. وبالجملة فروض الكفايات كلها.
وتجب نية الوجوب حيث يتعين. وفي ترك الحرام ينوي الوجوب (1)
وفي فعل المستحب وترك المكروه ينوي الندب. والله الموفق.
الفائدة السابعة والعشرون
لما كانت الافعال تقع على وجوه واعتبارات أمكن أن يكون الفعل
الواحد واجبا وندبا وحراما ومباحا على البدل، وإنما يختص ذلك بالنية،
كضربة اليتيم، فإنها تجب في تعزيره، وتستحب في تأديبه، وتحرم
لاهانته. وكالاكل، فإنه مباح بالنظر إلى ماهيته، ومستحب أو واجب
أحيانا. وكالتطيب والجماع، فإنهما من حظوظ النفس، وقد ورد في
فضائل الاعمال لهما ثواب كثير (2) وما ذلك إلا بحسب النية، فلا يقصد
المباضع والمتطيب بذلك إبقاء حظ نفسه بل حق الله في ذلك. ولا فرق
في حظ النفس أن يقصد بذلك مجرد (اللذة والتنعم) (3)، أو إظهار
التجمل بالطيب واللباس للتفاخر، والرياء، واستجلاب المعاملين، بل
إذا تطيبت المرأة لغير الزوج فعلت حراما فاحشا. وكذا إذا خرجت
متطيبة للتعرض للفجور أو مقدماته، أو قصد الرجل بذينك (4) التودد
إلى النساء المحرمات. فكل ما فيه حظ النفس تتصور فيه الأحكام الخمسة

(1) في (ح) زيادة: وفي فعل الواجب ينوي الوجوب.
(2) انظر: الطبرسي / مكارم الأخلاق: 42 - 45، والشيخ
الصدوق / ثواب الأعمال: 40، والحر العاملي / وسائل الشيعة: 14 / 75
باب 49 من أبواب مقدمات النكاح، حديث: 1، 4.
(3) في (ح): اللذات والنعم.
(4) أي باللباس الفاخر والتطيب. وفي (أ): بذلك.
118

غالبا، ولا ينصرف إلى أحدها إلا بالنية. ومن الخسران المبين أن يجعل
المباح حراما فكيف الواجب والمستحب؟؟ بل معدود من الخسران إن
صرف الزمان في المباح وإن قل، لأنه ينقص من الثواب، ويخفض من
الدرجات، وناهيك خسرانا بأن يتعجل ما يفنى، ويخسر زيادة نعيم يبقى.
فمن حق المتطيب يوم الجمعة أن يقصد أمورا:
منها: التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله، وأهل بيته.
ومنها: إكرام الملائكة الكاتبين.
ومنها: تعظيم المسجد واحترام ملائكته.
ومنها: ترويح مجاوريه في الجلوس في المسجد.
ومنها: دفع ما عساه يعرض من رائحة كريهة عن نفسه وغيره.
ومنها: حسم باب (1) الغيبة عن المغتابين أو نسبوه إلى الرائحة
الكريهة، فالمتعرض للغيبة كالشريك فيها، قال الله تعالى: (ولا تسبوا
الذين يدعون يدعون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) (2).
ومنها: زيادة العقل بالتطيب (3) كما جاء في الاخبار: (من
تطيب في أول نهاره صائما لم يفقد (4) عقله) (5).
ولا يظن: أن النية هي التلفظ بقولك: أجلس في المسجد، أو

(1) في (م) و (أ): مادة.
(2) الانعام: 108.
(3) في (ك) و (ح): بالطيب.
(4) في (أ): يفسد، وما أثبتناه مطابق لما في ثواب الأعمال:
53.
(5) رواه الصدوق بسنده عن الصادق عليه لسلام بلفظ: (من
تطيب بطيب أول النهار وهو صائم لم يفقد عقله). ثواب الأعمال: 53.
119

استمع العلم، أو أدرسه أو أدرسه (1) تقربا إلى الله تعالى، فان ذلك
لا عبرة به، بل المراد جمع الهمة على ذلك وبعث النفس وتوجهها وميلها
إلى تحصيل ما فيه ثواب عاجل أو آجل، تلفظ بذلك أو لا، ولو قدر
تلفظه بذلك والهمة غيره فهو لغو.
الفائدة الثامنة والعشرون
يجب التحرز من الرياء في الاعمال، فإنه يلحقها بالمعاصي. وهو
قسمان: جلي، وخفي. فالجلي ظاهر. والخفي إنما يطلع عليه أولوا
المكاشفة والمعاملة لله، كما يروى عن بعضهم: أنه طلب الغزو وتاقت
نفسه إليه، فتفقدها فإذا هو يحب المدح بقولهم: فلان غاز، فتركه،
فتاقت نفسه إليه، فأقبل يعرض نفسه (2) على ذلك الرياء حتى أزاله،
ولم يزل يتفقدها شيئا بعد شئ حتى وجد الاخلاص مع بقاء الانبعاث،
فاتهم نفسه وتفقد أحوالها فإذا هو يحب أن يقال: فلان مات شهيدا،
لتحسن سمعته في الناس بعد موته.
وقد يكون ابتداء النية إخلاصا وفي الأثناء يحصل الرياء، فيجب،
التحرز منه فإنه مفسد للعمل. نعم لا يكلف بضبط هواجس النفس
وخواطرها بعد ايقاع النية في الابتداء خالصة، فان ذلك معفو عنه، كما جاء في الحديث (3).

(1) زيادة ليست في (م) و (أ).
(2) زيادة من (أ).
(3) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 1 / 80 باب 24 من
أبواب مقدمة العبادات، حديث: 3، وصحيح مسلم: 1 / 116 وما بعدها
باب 58، 59 من كتاب الايمان، حديث: 201 - 207.
120

الفائدة التاسعة والعشرون
اعتبر بعض الأصحاب (1) النية في الاعتداد، استخراجا من أن
مبدء العدة في الوفاة من حين علم الزوجة لا من حين موته. وبعضهم (2)
جعل العلة (3) في ذلك الاحداد.
وربما رجح الأول: بأن المرأة قد توجد صورة الاحداد في هذه
المدة، مع أنه غير كاف. مع أن باقي العدد لا يشترط فيها القصد،
فان المطلقة تعتد من حين الطلاق وإن تأخر الخبر. وكذلك المنكوحة
بالفاسد إذا لحقه الوطئ، أو وطئت لشبهة. وقد قيل (4): إن مبدء عدة
الشبهة لا من حين آخر وطئ بل من حين انجلائها (5). وهذا يمكن
استناده إلى اعتبار النية. وإلى أنها في الظاهر في عصمة النكاح،
فلا يجامع العدة.

(1) انظر: أبا الصلاح الحلبي / الكافي: 130 (مخطوط بمكتبة
السيد الحكيم العامة في النجف برقم 641)، وابن زهرة / الغنية: 68.
(2) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 4 / 63، وقواعد
الأحكام: 175.
(3) في (ك): العدة.
(4) انظر: السمرقندي / تحفة الفقهاء: 2 / 368، والعلامة الحلي /
قواعد الأحكام: 173
(5) في (ك) و (أ): الخلاء بها، وما أثبتناه هو الصواب.
121

الفائدة الموفية للثلاثين
ذهب بعض العامة (1) إلى أن كل عبادة لا تلتبس بعبادة أخرى (2)
لا تفتقر إلى النية، كالايمان بالله ورسله، واليوم الآخر، والتعظيم
والاجلال لله، والخوف، والرجاء، والتوكل، والحياء، والمهابة،
فإنها متميزة في أنفسها بصورها التي لا يشاركها فيها غيرها. وألحق بذلك
الأذكار كلها، والثناء على الله عز وجل بما لا يشارك فيه، والاذان،
وتلاوة القرآن.
وهذا بالاعراض عنه حقيق، فان أكثر هذه يمكن صدورها على وجه
الرياء، والعبث، السهو، والنسيان، فلا تتخصص للعبادة إلا بالنية.
أما الايمان المذكور فإنه لا يقع إلا على وجه واحد فلم تجب فيه النية.
على أن استحضار أدلة الايمان في كل وقت يمكن أن تتصور فيه النية.
وكذا في عقد القلب على ذلك والاستدامة عليه، وقد جاء في الحديث:
(جددوا اسلامكم بقول لا إله إلا الله) (3).
الفائدة الحادية والثلاثون
الأصل أن النية فعل المكلف، ولا أثر لنية غيره. وتجوز النية من
غير المباشر في الصبي غير المميز، والمجنون، إذا حج بهما الولي.

(1) انظر: عز الدين بن عبد السلام / قواعد الحكام: 1 / 209
- 210.
(2) زيادة من (ح).
(3) لم أعثر على هذا النص. نعم أورد المتقي الهندي حديثا بلفظ:
(جددوا إيمانكم أكثروا من قول لا إله إلا الله). كنز العمال: 1 / 106
حديث: 1770.
122

وقد تؤثر نية الانسان في فعل المكلف، وله صور:
منها أن يأخذ الامام الزكاة قهرا من الممتنع، فيمتنع أن تعرى عن
النية، فيمكن أن يقال: تجب النية من الامام وإن كان الدافع المكلف.
ومنها: إذا أخذ (1) من المماطل قهرا فإنه يملك ما أخذه إذا نوى
المقاصة. وحينئذ لو كان له على المماطل دينان فالتعيين مفوض إلى الآخذ
فلو أخبر المقهور أنه نوى، فالأقرب سماعه وترجحه (2) على نيه القابض.
ومنها: إذا استحلف الغير وكان الحالف مبطلا فان النية نية المدعى
فلا يخرج الحالف بالتورية عن إثم الكذب، ووبال اليمين الكاذبة.
القاعدة الثانية: المشقة موجبة لليسر
لقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (3)، (يريد
الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (4). وقول النبي صلى الله عليه وآله:
(بعثت بالحنفية السمحة السهلة) (5) وقوله صلى الله عليه وآله: (لا ضرر
ولا ضرار) (6)، بكسر الضاد وحذف الهمزة.

(1) أي صاحب الحق.
(2) في (م): ترجيحه.
(3) الحج: 78. (4) البقرة: 185.
(5) أورده بهذا النص المحقق الحلي في / معارج الأصول: ورقة:
53 / أ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة في النجف برقم 371)،
ورواه أحمد مجردا عن لفظه (السهلة). انظر: مسند أحمد: 5 / 266.
(6) انظر: سنن ابن ماجة: 2 / 784، باب 17 من أبواب
الأحكام، حديث: 2341.
123

وهذه القاعدة تعود إليها جميع رخص الشرع كأكل الميتة قي المخمصة،
ومخالفة الحق للتقية قولا وفعلا، لا اعتقادا، عند الخوف على النفس
أو البضع، أو المال، أو القريب، أو بعض المؤمنين، كما قال الله تعالى:
(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك
فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) (1). بل يجوز إظهار
كلمة الكفر عند التقية. والأقرب أنه غير واجب هنا لما في قتله من
اعزاز الاسلام، وتوطئة عقائد (2) العوام.
ومن هذه (3) القاعدة: شرعية التيمم عند خوف التلف من
استعمال الماء، أو الشين، أو تلف حيوانه أو ماله.
ومنها: إبدال القيام عند التعذر في الفريضة، ومطلقا في النافلة،
وصلاة الاحتياط غالبا.
ومنها: قصر الصلاة والصوم، وإن كان فرض السفر مستقلا
في نفسه.
ومنها: المسح على الرأس والرجلين بأقل مسماه. ومن ثم أبيع
الفطر جميع الليل بعد أن كان حراما بعد النوم (4). وكل ذلك للترغيب
في العبادات وتحبيبها (5) إلى النفس.
ومن الرخص ما يخص، كرخص السفر، والمرض، والاكراه،
والتقية. ومنها ما يعم، كالقعود في النافلة. وإباحة الميتة عند المخمصة

(1) آل عمران: 28
(2) في (ك): قواعد.
(3) زيادة من (أ).
(4) انظر: القرافي / الفروق: 2 / 187.
(5) في (أ) و (م): وتحسينها.
124

تعم عندنا (1) الحضر والسفر.
ومن رخص السفر: ترك الجمعة، والقصر، وسقوط القسم بين
الزوجات لو تركهن، بمعنى عدم القضاء بعد عوده، وسقوط القضاء
للمتخلفات لو استصحب بعضهن. والظاهر أن سقوط القسم تابع لمطلق
السفر وإن لم تقصر فيه الصلاة.
ومن الرخص: إباحة كثير من محظورات الاحرام مع الفدية،
وإباحة الفطر للحامل، والمرضع، والشيخ، والشيخة، وذي العطاش،
والتداوي بالنجاسات والمحرمات عند الاضطرار، وشرب الخمر لإساغة
اللقمة، وإباحة الفطر عند الاكراه عليه مع عدم القضاء، سواء وجر
في حلقه أو خوف حتى أفطر في الأصح. ولو أكره على الكلام في
الصلاة فوجهان، مع القطع بعدم الاثم. والقطع بالبطلان لو أكره على
الحدث. اما الاستدبار وترك الستارة استعمال النجاسة فكالكلام.
ومنه (2): الاستنابة في الحج للمعضوب والمريض المأيوس من
برئه، وخائف العدو، والجمع بين الصلاتين في السفر، والمرض، والمطر،
والوحل، والاعذار، بغير كراهية.
ومنه: إباحة نظر المخطوبة المجيبة للنكاح، وإباحة أكل مال الغير
مع بذل القيمة مع الامكان، ولا معها مع عدمه، عند الاشراف على الهلاك.
ومنه: العفو عما لا تتم الصلاة فيه منفردا مع نجاسته، وعن دم
القروح والجروح التي لا ترقا. وعد منه الشيخ (3): دم البراغيث

(1) في (ح) و (م) و (أ) زيادة: في.
(2) أي من التخفيف. وفي (م) هنا وما يأتي بعد ذلك: منها،
فالضمير على هذا يرجع إلى القاعدة أو الرخص.
(3) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط، 1 / 35.
125

- بناء على نجاسته - وما لا يدركه الطرف من الدم في الماء القليل. وطرده
بعض الأصحاب (1) في كل نجاسة غير مرئية.
ومنه: قصر الصلاة في الخوف، كمية وكيفية، وفعلها مع الحركات
الكثيرة المبطلة مع الاختيار، وقصر المريض الكيفية.
ثم التخفيف قد يكون لا إلى بدل كقصر الصلاة، وان استحب
الجبر بالتسبيح، وترك الجمعة والظهر فرض قائم بنفسه، وصلاة المريض
وقد يكون إلى بدل كفدية الصائم وبعض الناسكين في بعض المناسك
كبدنة عرفة، وشاة المزدلفة، وشاة مبيت منى.
وعد الشيخ من التخفيف: تعجيل الزكاة المالية قبل الحول، والبدنية
قبل الهلال (2).
والرخصة قد تجب، كتناول الميتة عند خوف الهلاك، والخمر
عند الاضطرار إلى الإساغة به، وقصر الصلاة في السفر والخوف، وقصر
الصيام في السفر عندنا. وقد تستحب، كنظر المخطوبة. وقد تباح،
كالقصر في الأماكن الأربعة (3). والابراد (4) بالظهر في شدة الحر

(1) انظر: المصدر السابق: 1 / 7.
(2) ذهب الشيخ الطوسي إلى عدم جواز تقديم الزكاة المالية قبل
حلول وقتها إلا على سبيل القرض، وجوز ذلك في البدنية. انظر:
النهاية: 183، 191.
(3) وهي: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، ومسجد الكوفة،
والحائر الحسيني. انظر: الشهيد الأول: اللمعة الدمشقية / طبعت مع
الروضة البهية للشهيد الثاني: 1 / 375.
(4) الابراد لغة: انكسار الوهج والحر. انظر: ابن الأثير / النهاية،
1 / 71 باب الباء مع الراء، مادة (برد).
126

(محتمل للاستحباب) (1) والإباحة.
وهنا فوائد: الأولى: المشقة الموجبة للتخفيف هي: ما تنفك عنه العبادة غالبا،
أما ما لا تنفك عنه فلا، كمشقة الوضوء والغسل في السبرات (2)،
وإقامة الصلاة في الظهيرات، والصوم في شدة الحر وطول النهار،
وسفر الحج، ومباشرة الجهاد، إذ مبنى التكليف على المشقة، إذ هو
مشتق من الكلفة، فلو انتفت انتفى التكليف، فتنتفي المصالح المنوطة به،
وقد رد الله على القائلين: (لا تنفروا في الحر) (3) بقوله (قل نار
جهنم أشد حرا) (4).
ومنه: المشاق التي تكون على جهة العقوبة على الجرم (5) وإن
أدت إلى تلف النفس، كالقصاص والحدود بالنسبة إلى المحل والفاعل وإن
كان قريبا يعظم ألمه باستيفاء ذلك من قريبه، لقوله تعالى: (ولا تأخذكم
بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) (6).
والضابط في المشقة ما قدره الشارع. وقد أباح الشرع حلق المحرم

(1) في (م) و (أ): يحتمل الاستحباب.
(2) في (ك): اليسيرات، وفي (م): الشتوات. والسبرات:
جمع سبرة - بسكون الباء - وهي شدة البرد، ومنه حديث زواج فاطمة
عليها السلام (... فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله في غداة سبرة).
انظر ابن الأثير / النهاية: 2 / 142، باب السين مع الباء، مادة (سبر).
(3، 4) التوبة: 81.
(5) في (أ): الحرام.
(6) النور: 2.
127

للقمل، كما في قصة كعب بن عجرة (1) سبب نزول الآية (2). وأقر
النبي صلى الله عليه وآله عمرا (*) على التيمم لخوف البرد (3)،
فلتقاربهما (4) المشاق في باقي محظورات الاحرام، وباقي مسوغات
التيمم. وليس ذلك مضبوطا بالعجز الكلي بما فيه تضييق على النفس،
ومن ثم قصرت الصلاة، وأبيح الفطر في السفر ولا كثير مشقة فيه
ولا عجز غالبا. فحينئذ يجوز الجلوس في الصلاة مع مشفة القيام وإن
أمكن تحمله على عسر شديد، وكذا باقي مراتبه. ومن ثم تحلل المصدود
والمحصور (5) وإن أمكنهما المصابرة لما في ذلك من العسر.
الثانية: يقع التخفيف في العقود كما يقع في العبادات. ومراتب
الغرر فيها ثلاث (6):

(1) جاء في صحيح مسلم: 2 / 860 - 861، باب 10 من كتاب
الحج، حديث: 82، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة:
(أن رسول الله صلى الله عليه وآله وقف عليه ورأسه يتهافت قملا فقال: أيؤذيك
هوامك؟ قلت: نعم. قال: فاحلق رأسك..).
(2) وهو قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه
ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) البقرة: 196.
* هو أبو محمد عمرو بن العاص القرشي. كان واليا على مصر في
خلافة عمر. مات سنة 43 ه‍.
(3) انظر: الحاكم النيسابوري / المستدرك على الصحيحين:
1 / 177، والبيهقي / السنن الكبرى: 1 / 225.
(4) في (ح) و (م) و (أ): فلتقارنها.
(5) في (ك): المحصر.
(6) ذكرها ابن عبد السلام في / قواعد الأحكام: 2 / 11.
128

إحداها: ما يسهل اجتنابه، كبيع الملاقيح والمضامين (1)، وغير
المقدور على تسليمه، وهذا لا تخفيف فيه، لأنه أكل مال بالباطل.
وثانيها: ما يعسر اجتنابه وإن أمكن تحمله بمشقة، كبيع البيض
في قشره، والبطيخ والرمان قبل الاختبار، وبيع الجدار وفيه الاس (2)
وهذا يعفي عنه تخفيفا.
وثالثها: ما توسط بينهما، كبيع الجوز واللوز في القشر الاعلى،
وبيع الأعيان الغائبة بالوصف، والظاهر صحته لمشاركته في المشقة.
ومنه: الاكتفاء بظاهر الصبرة المتماثلة، وبظهور مبادئ النضج
في بدو الصلاح وإن لم ينته.
ومن التخفيف: شرعية خيار المجلس لما كان العقد قد وقع بغتة
فيتعقبه الندم، فشرع ذلك ليتروى. ثم لما كان مدة التروي قد تزيد على
ذلك جوز خيار الشرط بحسبه وأن زاد على ثلاثة أيام، ليتدارك فيه ما عساه
يحصل فيه من غبن يشق تحمله.
ومنه: شرعية المزارعة والمساقاة والقراض وإن كانت معاملة على
معدوم، لكثرة الحاجة إليها.
ومنه: إجارة الأعيان، فان المنافع معدومة حال العقد.
ومنه: جواز تزويج المرأة من غير نظر ولا وصف، دفعا للمشقة

(1) المضامين: ما في أصلاب الفحول، وهي جمع مضمون.
والملاقيح: جمع ملقوح، وهو ما في بطن الناقة، وهي الأجنة. وفسرهما
مالك بالعكس. انظر: ابن الأثير / النهاية: 3 / 26، مادة (ضمن)،
ومالك / الموطأ: 2 / 70.
(2) في (ح): الآجر.
129

اللاحقة للأقارب بذلك، (وإيثار الحياء) (1)، وسد باب التبرج على
النساء، بخلاف المبيع وإن كان أمة، لعدم المشقة فيه.
ومن ذلك: شرعية الطلاق والخلع، دفعا لمشقة المقام على الشقاق،
وسوء الأخلاق. وشرعية الرجعة في العدة غالبا، ليتروى كما قال الله
تعالى: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) (2). ولم يشرع في الزيادة
على المرتين، دفعا للمشقة عن الزوجات.
ومنه: شرعية الكفارة في الظهار، والحنث، تيسيرا من الالزام بالمشقة،
لاستعقابه الندم غالبا.
ومنه: التخفيف عن الرقيق بسقوط كثير من العبادات (3)، لئلا
يجتمع عليه مع شغل العبودية أمر (4). ومنه: شرعية الدية بدلا عن القصاص مع التراضي كما قال الله تعالى:
(ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) (5). فقد ورد: أن القصاص كان
حتما في شرع موسى على نبينا وعليه السلام، كما أن الدية كانت حتما في
شرع عيسى على نبينا وعليه السلام (6)، فجاءت الحنيفية بتسويغ الامرين،

(1) في (ح) و (م) و (أ): وايثارا للحياء.
(2) الطلاق: 1.
(3) كالجهاد، وصلاة الجمعة، والزكاة، والحج. انظر: الشهيد
الأول / اللمعة الدمشقية طبعت مع الروضة البهية للشهيد الثاني: 1 / 302،
2 / 12، 962، 382.
(4) في (ح): إصر.
(5) البقرة: 178. (6) انظر: الشيخ الطوسي / تفسير التبيان: 2 / 103.
130

طلبا للتخفيف، ووضعا للآصار (1)، وصيانة للدماء عن أيدي الموسرين
الفجار.
الثالثة: التخفيف على المجتهدين إما اجتهادا جزئيا كما في الوقت،
والقبلة، والتوخي في الأشهر (2) عند الصوم، واجتهاد الحجيج في
الوقوف (3) فيخطئون بالتأخير، دفعا للحرج في ذلك. قيل: بالقضاء (4).
أما لو غلطوا بالتقديم، فالفضاء، لندوره، إذ يندر فيه الشهادة زورا
في هلال رمضان. وهلال شوال، وذلك قليل الوقوع.
وإما اجتهادا كليا، كالعلماء في الأحكام الشرعية، فلا إثم على غير
المقصر وإن أخطأ، ويكفيهم الظن الغالب المستند إلى إمارة معتبرة شرعا،
وذلك تسهيل.
ومنه: اكتفاء الحكام بالظنون في العدالة والأمانة.
الرابعة: الحاجة قد تقوم سببا مبيحا في المحرم لولاها، كالمشقة
- كما قلنا - في نظر المخطوبة، ومحله: الوجه، والكفان، والجسد من
وراء الثياب. ونظر المستامة من الإماء فينظر إلى ما يرى من العبيد.
وقيل (5): ينظر إلى ما يبدو حال المهنة. وقيل (6): يقتصر على

(1) الآصار: جمع إصر، وهو الثقل والذنب. انظر: ابن منظور /
لسان العرب: 4 / 23، حرف الراء، فصل الألف، مادة (أصر).
(2) في (ك) و (م): الأسير.
(3) في (ك): الوقت.
(4) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 373.
(5) انظر: ابن قدامة / المغني: 6 / 560، وشمس الدين الرملي /
نهاية المحتاج: 6 / 185.
(6) هو قول للشافعية ذكره الغزالي في / الوجيز: 2 / 2.
131

الوجه والكفين، كالحرة. ويجوز النظر إلى المرأة للشهادة عليها، أو
المعاملة إذا احتاج إلى معرفتها، ويقتصر على الوجه. والفرق بينه وبين النظر المباح على الاطلاق من وجهين:
أحدهما: تحريم التكرار في ذلك بخلافه هنا، فإنه ينظر حتى يستثبت
ويحرم الزائد.
والثاني: أن ذلك قد يصدر من غير قصد حتى قيل (1): بتحريمه
مع القصد، بخلافه هنا. ولو خاف الفتنة حرم مطلقا.
ومنه: نظر الطبيب والفاصد إلى ما يحتاج إليه بحيث لا يعد المتكشف
فيه هتكا للمرأة (2)، ويعذر فيه لأجل هذا السبب عادة، وهو مطرد
في جميع الأعضاء. نعم في السوءتين مزيد تأكيد في مراعاة الضرورة.
والظاهر جواز نظر الشهود إلى العورتين ليتحملوا الشهادة على الزنا، وإلى
فرج المرأة لتحمل الولادة، وإلى الثدي لتحمل الارضاع.
القاعدة الثالثة: قاعدة اليقين
وهي: البناء على الأصل، أعني (3) استصحاب ما سبق. وهو
أربعة أقسام:
أحدها: استصحاب النفي في الحكم الشرعي إلى أن يرد دليل، وهو
المعبر عنه (بالبراءة الأصلية).

(1) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 34، والنووي / منهاج
الطالبين: 78، وابن قدامة / المغني: 6 / 558 - 559.
(2) في (ك): للمروة.
(3) في (ك) و (م) و (أ): فهو.
132

وثانيها: استصحاب حكم العموم إلى ورود مخصص، وحكم النص
إلى ورود ناسخ، وهو إنما يتم بعد استقصاء البحث عن المخصص والناسخ.
وثالثها: استصحاب حكم ثبت شرعا، كالملك عند وجود سببه،
وشغل الذمة عند اتلاف مال (1) أو التزام إلى أن يثبت رافعه.
ورابعها: استصحاب حكم الاجماع في موضع النزاع، كما نقول:
الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، للاجماع على أنه متطهر قبل
هذا الخارج، فيستصحب، إذ الأصل في كل متحقق دوامه حتى يثبت
معارض، والأصل عدمه. وكما نقول في المتيمم: إذا وجد الماء في أثناء
الصلاة لا ينقض تيممه، للاجماع على صحة صلاته قبل وجوده فيستصحب
حتى يثبت دليل يخرجه عن التمسك به.
ومن فروعها: طهارة الماء لو شك في نجاسته، ونجاسته لو وقعت
فيه نجاسة وشك في بلوغه الكرية، لان الأصل عدم بلوغها. وقيل (2):
هو من باب تعارض الأصلين، لان الأصل طهارة الماء، والشك في
تأثره بالنجاسة.
ويضعف: بأن ملاقاة النجاسة المعلوم رفع حكم الأصل السابق فيحتاج
إلى المانع.
أما لو كان كرا فوجده متغيرا وشك في تغيره بالنجاسة، أو
بالأجون (3) فالبناء على الطهارة، لأنها الأصل الذي لا يعارضه أصل آخر.

(1) زيادة من (ح).
(2) انظر: النووي / المجموع شرع المهذب: 1 / 124 - 125.
(3) الأجون، مصدر أجن الماء يأجن: إذا تغير طعمه ولونه
لفساده. انظر: ابن منظور / لسان العرب: 13 / 8، حرف النون،
فصل الألف، مادة (أجن).
133

ومنها: عدم الالتفات لو تيقن الطهارة وشك في الحدث. وقال
بعض العامة (1): يتطهر، لان الصلاة ثابتة في ذمته يقينا فلا يزول إلا
بيقين الطهارة.
ويرد عليه: الحد (2) السالف في هذه القاعدة.
والإعادة لو انعكس (3)
وإعادة الصلاة بالشك في الركعتين الأوليتين أو في الثنائية أو في
الثلاثية، لأنه مخاطب بالصلاة يقينا، ولا يقين بالبراءة هنا إلا بإعادتها.
ولزوم الاحتياط لو شك في غير ذلك، فان فيه مراعاة البناء على الأصل
من عدم الاتيان بالزائد. ووجوب أداء الزكاة والخمس لو شك في أدائهما
وسقوط الوجوب لو شك في بلوغ النصاب. وصحة الصوم لو شك في
عروض المفطر. وصحة الاعتكاف لو شك في عروض المبطل. وكذا
الشك في افعال الحج بعد الفراغ منها. وعدم قتل (4) الصبي الذي
ممكن بلوغه. ودعوى المشترى العيب، أو تقدمه. ودعوى الغارم
في القيمة.
وقد يتعارض الأصلان، كدخول المأموم في صلاة وشك هل كان
الامام راكعا أو رافعا؟ ولكن يتأيد الثاني بالاحتياط.
وكالشك في بقاء العبد الغائب فتجب فطرته أو لا، ويجوز عتقه

(1) هو مالك بن انس. انظر: المدونة الكبرى: 1 / 13،
والقرافي / الفروق: 1 / 111.
(2) في (م) و (أ): الخبر، وما أثبتنا هو الصواب، لأنه
لم يتقدم خبر هنا.
(3) أي يعيد لو تيقن الحدث وشك في الطهارة.
(4) في (ح): قبول، وفي (م): فداء.
134

في الكفارة أو لا. والأصح ترجيح البقاء على أصل البراءة.
وكاختلاف الراهن والمرتهن في تخمير العصير عند الرهن أو بعده
لإرادة المرتهن فسخ البيع المشروط به، فالأصل صحة البيع، والأصل
عدم القبض الصحيح، لكن (1) الأول أقوى، لتأييده بالظاهر من
صحة القبض. وكذا لو كان المبيع عصيرا (2).
وكذا لو اختلف البائع والمشتري في تغير المبيع وهو مما يحتمل تغيره
فالأصل عدم التغير وصحة البيع، والأصل عدم معرفة المشتري بهذه
الصفة التي هو عليها الآن، فان حاصل دعوى البائع: أن المشتري علمه
على هذه الصفة الآن. ويتأيد هذا بأصالة عدم وجوب الثمن على المشتري
إلا بما يوافق علمه (3). ويقوى إذا كان دعوى المشتري حدوث عيب
في المبيع بعد الرؤية، لان الأصل عدم تقدم العيب على الزمان الذي
يدعي المشتري حدوثه فيه.
أما لو ادعى المشتري اشتماله على صفة كمال حال الرؤية، كالسمن
والصنعة، وهو مفقود الآن، وأنكر البائع اشتماله عليها، فإنه يرجح
قول البائع، لأصالة عدم تلك الصفة.
ولو سلم (4) المستأجر العين وادعى على المؤجر أنه غصبها من يده
وأنكر المؤجر، فهنا أصلان: عدم الغصب، وعدم الانتفاع. ويؤيد

(1) في (م)؟ الا أن.
(2) انظر في هذه المسألة / السيوطي / الأشباه والنظائر: 77 - 78.
(3) في (ك) و (ح): عليه، وقد ذكر السيوطي في / الأشباه والنظائر
: 78 هذه المسألة بمثل ما أثبتناه.
(4) في (ك): تسلم. وقد ذكر السيوطي هذه المسألة في /
الأشباه والنظائر: 78 بمثل ما أثبتناه.
135

الأول: أن الأجرة مستحقة بالعقد، والأصل بقاؤها.
ولو شك في وقوع الرضاع بعد الحولين أو قبله، تعارضا.
ورجح الفاضل (1): الحل.
ويشكل: بأغلبية الحرام على الحلال عند الاجتماع.
(ويندفع الاشكال: بعدم تيقن التحريم هنا) (2). ولو شك في حياة المقدود بنصفين، تعارضا، وتقديم أصل
الحياة قوي.
وربما فرق بعضهم (3) بين كونه في كفن وشبهه، وبين ثياب
الاحياء.
وهو خيال ضعيف، لان الميت قد يصاحب ثياب الاحياء، والحي
قد يلبس ثياب الموتى، وخصوصا المحرم.
ومنه: اختلاف الزوجين في التمكين، والنشوز، أو تقدم وضع
الحمل على الطلاق في صور منتشرة.
وهنا فوائد ثلاث (4):

(1) انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 139. كما أنه الأصح
عند الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 77.
(2) زيادة من (م) ليست في (ك) و (ح). وفي (أ)
وردت الزيادة بلفظ: ويندفع بعدم تيقن الحرام هنا.
(3) قاله بعض الشافعية. انظر: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام
2 / 55.
(4) في (ك): سبع، وما أثبتناه هو الصواب لمطابقته لعدد
الفوائد المذكورة هنا.
136

الأول: قد يستثنى من تغليب اليقين على الشك مسائل (1):
منها: المتحيرة، تغتسل عند أوقات الاحتمال، والأصل عدم الانقطاع.
ونحن قد بينا في (الذكرى) (2) ضعف هذا.
(ولو ارتمى الصيد ميتا حرم) (3)، مع أصالة عدم حدوث
سبب آخر.
ويجب غسل جميع الثوب والبدن لو علم إصابة (النجاسة موضعا) (4)
وجهل تعيينها، مع أصالة الطهارة في غير ذلك الموضع.
ولا يلتفت الشاك بعد الفراغ من العبادة، مع أن الأصل عدم الفعل.
ومن فاتته صلاة واحدة يجب ثلاث، مع أصالة البراءة.
الثانية: قد يعارض الأصل الظاهر ففي ترجيح أحدهما وجهان.
وصوره كثيرة أيضا:
كغسالة الحمام، ورجح فيه الأصحاب الظاهر.

(1) انظر هذه المسائل في الأشباه والنظائر للسيوطي: 80 - 82.
(2) انظر: مباحث أحكام الحائض، الفرع الحادي عشر، الصورة
الثالثة من صور فاقدة التمييز. (3) في (ك): لو رمى الصيد حرم، وفي نسخة أخرى في (ك):
ولو وجد الصيد ميتا، وفي ثالثة: لو رمى الصيد ميتا، وفي (أ)
و (م): لو ارتمى الصيد حرم. والمراد من كل ذلك: أنه لو رمى
صيدا فجرحه وغاب عنه ثم وجده ميتا وشك هل أصابته رمية أخرى من
حجر أو غيره، حرم أكله، لجواز استناد موته إلى ذلك السبب، تغليبا
لجانب التحريم على التحليل. وقد ذكر السيوطي هذه المسألة في / الأشباه والنظائر
: 80. كما أن المصنف ذكرها في قاعدة 26، فراجع.
(4) في (ك) و (م) و (أ): موضع.
137

وثياب مدمن الخمر وشبهه، وطين الطريق، ورجح فيهما الأصحاب
الطهارة.
وربما فرق (بين طريق الدور) (1) والطريق في الصحارى.
ولو تنازع الراكب والمالك في الإجارة والعارية مدة [لمثلها أجرة] (2)
ففيه الوجهان. وترجيح قول المالك أولى، لأن الظاهر يقتضي الاعتماد
على قوله في الاذن، فكذا في صفته (3).
ولو تنازع القاذف والمقذوف في الحرية والرقية، فالأقرب ترجيح
الظاهر، لأنه الأغلب في بني آدم. مع إمكان أن يجعل معتضدا بأصالة
الحرية (4).
ولو تنازع الزوجان بعد ردتهما (5) في وقت الاسلام، فالظاهر:
ترجيحها. (6)، فتجب النفقة. ويحتمل: ترجيح دعوى الزوج، لأصالة
البراءة من النفقة بعد الردة، وأصالة عدم تقدم الاسلام، والظاهر: بقاء ما كان على ما كان.
والاختلاف في شرط مفسد للعقد، فيرجح فيه جانب الظاهر على أصالة عدم صحة العقد، وعدم لزوم الثمن (7). وكذا في فوات

(1) في (م): بين طين طريق الدور وبين طين...
(2) زيادة توضيحية.
(3) ذكر هذه المسألة السيوطي في / الأشباه والنظائر: 75.
(4) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 72.
(5) في (ح) و (أ): ردتها.
(6) أي ترجيح دعواها.
(7) في (م): التمكن، وفي (أ): اليمين، والظاهر أن
ما أثبتناه هو الصواب.
138

الشرط في الصحة.
وربما جعل حيض الحامل من هذا الباب (1)، لأن الظاهر أنه دم
علة، والأصل السلامة والظاهر الغالب عدم حيض الحبلى، فيكون
لعلة (2). وهو ضعيف.
ومنه: إذا تمعط (3) شعر الفأرة في البئر، فنزحت حتى غلب
الظن على خروجه، فإنه يحكم بطهارة الماء، وإن كان الغالب أنه يبقى شئ،
ترجيحا للأصل.
و [منه]: قطع لسان الصغير (4). وعد العامة منها: قضية (5) ذي اليدين (*) (6)، فإنه أعمل

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 72.
(2) ذهب ابن إدريس وجماعة إلى أن الدم الذي تراه الحامل دم
علة. انظر: السرائر: 25.
(3) تمعط: تساقط.
(4) يقول الشيخ الطوسي في المبسوط: 7 / 135: (.. وإذا
كان طفلا لانطق له يحال - كمن له شهر وشهران - فكان يحرك لسانه لبكاء
أو لغيره، فما تغير باللسان ففيه الدية، لأن الظاهر أنه لسان ناطق، فان
إمارته لا تخفى). (5) في (م) و (أ): قصة.
* هو عمير بن عبد عمرو حليف بني. زهرة. استشهد في بدر.
وسمي بذي اليدين لطول كان في يده. انظر: ابن دقيق العبد / شرح العمدة 101
(مخطوطة مصورة بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم 408)،
والقمي / الكني والألقاب: 2 / 238.
(6) روى مسلم في صحيحة: 1 / 403، باب 19 من كتاب المساجد
حديث: 97، بسنده عن أبي هريرة، يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله
إحدى صلاتي العشي - أما الظهر وإما العصر - فسلم في ركعتين...
وخرج سرعان الناس [يقولون] قصرت الصلاة. فقام ذو اليدين فقال:
يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر يمينا وشمالا فقال: ما يقول
ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين. فصلى ركعتين وسلم..).
139

الأصل من استصحاب بقاء الصلاة تماما، وسرعان (1) الصحابة الذين
خرجوا أعلموا الظاهر من عدم السهو على النبي صلى الله عليه وآله،
والزمان قابل للنسخ، فجوزوا أن يكون تشريعا، والساكتون تعارض
عندهم الأصل والظاهر. وابن بابويه (*) (2) قائل بهذه، ولم يثبت
عند باقي الأصحاب.
الثالثة: موضع الخلاف في تعارض الأصل والظاهر ليس عاما،
إذ الاجماع على تقديم الأصل على الظاهر: في صورة دعوى بيع أو شراء،
أو دين، أو غصب، وإن كان المدعي في غاية العدالة مع فقد العصمة،
وكان المدعي عليه معهودا بالتغلب والظلم.
كما أجمعوا على تقديم الظاهر على الأصل: في البينة الشاهدة بالحق،

(1) سرعان الناس - بالتحريك - أوائلهم.
* هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه
القمي الشهير بالشيخ الصدوق من كبار علماء الإمامية وأجلائهم. كان
بصيرا بالرجال ناقدا للاخبار. ورد بغداد سنة 355 ه‍ وسمع منه شيوخ
الامامية
وهو حدث السن. مات بالري سنة 381 ه‍ صنف نحوا من
ثلاثمائة مصنف. (القمي / الكنى والألقاب: 1 / 216).
(2) انظر: من لا يحضره الفقيه: 1 / 234.
140

فان الظاهر الغالب صدقها، وإن كان الأصل براءة ذمة المشهود عليه.
ولهذا نظائر (1).
القاعدة الرابعة: الضرر المنفي
وحاصلها: أنها ترجع إلى تحصيل المنافع، أو تقريرها لدفع المفاسد،
أو احتمال أخف المفسدتين.
وفروعها كثيرة حتى أن القاعدة الثانية (2) تكاد تداخل هذه القاعدة.
فمنها: وجوب تمكين الامام لينتفي به الظلم، ويقاتل المشركين
وأعداء الدين.
ومنها: صلح المشركين مع ضعف المسلمين، ورد مهاجريهم
دون مهاجرينا، وجواز رد المعيب، أو أخذ أرشه، ورد ما خالف
الصفة أو الشرط، وفسخ البائع عند عدم سلامة شرطه من الضمين أو
الرهن. وكذا فسخ النكاح بالعيوب.
ومنها: الحجر على المفلس، والرجوع في عين المال، والحجر
على الصغير، والسفيه، والمجنون، لدفع الضرر عن أنفسهم اللاحق
بنقص مالهم.
ومنها: شرعية الشفعة، والتغلظ على الغاصب بوجوب أرفع القيم،
وتحمل مؤنة الرد، وضمان المنفعة بالفوات، وشرعية القصاص والحدود،
وقطع [يد] السارق في ربع دينار، مع أنها تضمن بيد مثلها أو خمسمائة

(1) ذكرها السيوطي في / الأشباه والنظائر: 71.
(2) في (ك) و (أ): الأولى، وما أثبتناه أصح، كما هو
واضح من مراجعة القاعدة الثانية.
141

دينار، صيانة للدم والمال وقد نسب إلى المعري (*).
يد بخمس مئين عسجد فديت * ما بالها قطعت في ربع دينار (1)
فأجابه السيد المرتضى رحمه الله:
حراسة الدم أغلاها وأرخصها * حراسة المال فانظر حكمة الباري (2)
وقلت: خيانتها أهانتها وكانت * ثمينا عندما كانت أمينا
نظما لقول بعض العلماء (3): (لما كانت ثمينة كانت أمينة فلما (4) خانت
هانت).
وتذكير: (الثمين، والأمين) باعتبار موصوف مذكر، أي:
شيئا.
ومن احتمال أخف المفسدتين: صلح المشركين، لان فيه إدخال
ضرر على المسلمين، وإعطاء الدنية في الدين، لكن في تركه قتل المؤمنين
والمؤمنات الذين كانوا خاملين بمكة لا يعرفهم أكثر الصحابة، كما قال

* هو أحمد بن عبد الله بن سليمان المعروف بابن العلاء المعري.
الشاعر الأديب الشهير. له كتب كثيرة وكان أعمى ذا فطانة. توفي
بمعرة النعمان من قرى الشام سنة 449 ه‍. (القمي / الكنى والألقاب:
3 / 168).
(1) اختلفت النسخ في ضبط هذا البيت، وقد ضبطته على ما جاء
في اللزوميات / للمعري: 149 (الطبعة الثانية بتحقيق عمر أبو النصر).
(2) لم أعثر على مصدر لهذا البيت، وقد رواه السيد عبد الرزاق
كمونة في كتابه / موارد الاتحاف: 1 / 57 على النحو التالي:
عز الأمانة أغلاها وأرخصها * ذل الخيانة فانظر حكمة الباري
(3) هو القاضي عبد الوهاب المالكي 14 - انظر: تفسير ابن كثير: 2 / 56.
(4) في تفسير ابن كثير: 2 / 56: ولما.
142

الله تعالى: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات..) (1) الآية.
وفي ذلك مفسدة عظيمة، ومضر؟ (2) على المسلمين، وهي أشد من الأولى.
ومنه. الإساغة بالخمر، لان شرب الخمر مفسدة، إلا أن فوات
النفس أعظم منه، نظرا إلى عقوبتهما. وكذا فوات النفس أشد من أكل
الميتة، ومال الغير.
ومنه، إذا أكره على قتل مسلم محقون الدم بحيث يقتل لو امتنع
من قتله، فإنه يصبر على القتل ولا يقتله، لان صبره أخف من الاقدام
على قتل مسلم، لان الاجماع على تحريم القتل (3) بغير حق، والاختلاف
في جواز الاستسلام للقتل (4). ولا كذا لو أكره على أخذ المال، لان
اتلاف نفسه أشد من اتلاف المال، فالفساد فيه أكثر. وكذا لو أكره
على شرب حرام، شربه، لكثرة الفساد في القتل.
فصل
قد يقع (5) التخيير باعتبار تساوي الضرر، كمن أكره على أخذ
درهم زيد أو عمرو، أو وجد في المخمصة (6) ميتين (7) أو حربيين

(1) الفتح: 25.
(2) في (ك) و (ح) و (أ): ومعرة.
(3) في (أ): قتل المؤمن.
(4) الأظهر عند الشافعية استحباب الاستسلام للصائل المسلم. انظر:
شمس الدين الرملي / نهاية المحتاج: 8 / 22 - 23.
(5) في (ح): يعتبر.
(6) المخمصة: المجاعة.
(7) في (ك) و (م): ذميين، والصواب ما أثبتناه.
143

متساويين. ولو كان أحدهما قريبه قدم الأجنبي. كما يكره قتل قريبه
في الجهاد.
ومنه: تخيير الامام في قتال أحد العدوين من جهتين مع تساويهما من
كل وجه.
ويمكن التوقف في الواقع على (1) أطفال المسلمين، إن أقام على
واحد قتله، وإن انتقل إلى آخر قتله.
وكذا لو هاج البحر واحتيج إلى إلقاء بعض المسلمين فلا أولوية.
ولو كان في السفينة مال أو حيوان ألقي قطعا. ولو كان في الأطفال من
أبواه حربيان قدم.
ولو تقابلت المصلحة والمفسدة، فان غلبت المفسدة درئت، كالحدود
فإنها مفسدة بالنظر إلى الألم، وفي تركها مفسدة أعظم، فتدرأ المفسدة
العظمى باستيفائها، لان في ذلك مراعاة للأصلح، وإليه الإشارة بقوله
تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر..) (2) الآية.
وإن غلبت المصلحة قدمت، كالصلاة مع النجاسة أو كشف العورة
فان فيه مفسدة، لما فيه من الاخلال بتعظيم الله تعالى في أن لا يناجى على
تلك الأحوال، إلا أن تحصيل الصلاة أهم.
ومنه: نكاح الحر الأمة، وقتل نساء الكفار وصبيانهم، ونبش
القبور عند الضرورة، وتقرير الكتابي على دينه، والنظر إلى العورة
عند الضرورة.

(1) في (م) و (أ) زيادة: أحد.
(2) البقرة: 219. وتكملة الآية: (.. قل فيهما أثم كبير
ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما).
144

وقد قيل (1): منه: قطع فلذة من الفخذ لدفع الموت عن نفسه.
أما لدفع الموت عن غيره، فلا خلاف في عدم جوازه.
ومن انغمار المصلحة في جنب المفسدة فيسقط اعتبار المصلحة: رد
شهادة المتهم، وحكمه كالشاهد لنفسه والحاكم لها، لان قوة الداعي الطبيعي
قادحة في الظن المستفاد من الوازع الشرعي قدحا ظاهرا لا يبقى معه إلا
ظن ضعيف لا يصلح للاعتماد عليه. فالمصلحة الحاصلة بالشهادة والحكم
مغمورة في جنب هذه المفسدة. أما شهادته لصديقه أو قريبه (2) أو
معرفيه فبالعكس، فإنه لو منع لأدى إلى فوات المصلحة العامة من
الشهادة للناس، فانغمرت هذه التهمة في جنب هذه المصلحة (3) العامة
إذ لا يشهد الانسان إلا لمن يعرفه غالبا.
ومنه: اشتمال العقد على مفسدة تترتب عليه ترتيبا قريبا، كبيع المصحف
أو العبد المسلم من الكافر، وبيع السلاح لأعداء الدين، ويحتمل أيضا:
قطاع الطريق، وبيع الخشب ليعمل صنما، والعنب ليعمل (4) خمرا.
وقد يدخل المسلم في ملك الكافر فيزال، كالإرث، والرجوع
بالعيب، وإفلاس المشتري، والملك الضمني كقوله: إعتق عبدك عني.
وفيما لو كاتب الكافر عبده، وملك عبدا (5) فأسلم، فعجز

(1) قاله بعض الشافعية. انظر: النووي / المجموع: 9 / 41، 45.
(2) زيادة من (ك) و (ح).
(3) في (ك) و (م) و (أ): المفسدة، والظاهر أن ما أثبتناه
هو الصواب. (4) في (م) و (أ): ليصنع.
(5) أي أن العبد المكاتب ملك عبدا.
145

المكاتب فعجزه سيده الكافر (1)، فإنه يدخل ذلك العبد المسلم في ملك
السيد الكافر ثم يزال.
وفي شراء من ينعتق عليه، إما باطنا كقريبه، أو ظاهرا كما إذا أقر
بحرية عبد ثم اشتراه، فيكون شراء من جهة البائع، وفداء من جهة
المشتري.
وفيما إذا أسلم العبد المجعول صداقا، في يد الذمية زوجه الذمي،
ثم فسخ نكاحها، لعيب، أو ردتها قبل الدخول، أو طلاق، أو إسلامها
قبل الدخول.
وفي تقويم العبد المسلم على الشريك الكافر إذا أعتق نصيبه. وفي
وطئ الذمي الأمة المسلمة لشبهة فإنه يقوم الولد عليه، إن قلنا بانعقاده
رقا، مع أنه مسلم.
ولو تزوج المسلم أمة الكافر الذمية - في موضع الجواز - وشرط عليه
رق الولد - وقلنا بجوازه في الحر المسلم - ففي جوازه هنا تردد، فان
جوزناه دخل في ملك الكافر ثم أزيل.
وفيما لو وهبه الكافر من مسلم واقتصه، وقلنا بجواز رجوعه في
موضع جواز الرجوع.
ولا يبطل بيع العبد باسلامه قبل قبض المشتري الكافر، بل يزال
ملكه عنه ويتولى (2) مسلم قبضه بإذن الحاكم.

(1) بمعنى أنه رده إلى الرق ولم يصبر عليه فيما فاته من النجم.
(2) في (ح) زيادة: مؤمن.
146

القاعدة الخامسة: العادة
كاعتبار المكيال، والميزان، والعدد، وترجيح العادة على التمييز
في القول الأقوى، وفي قدر زمان قطع الصلاة، فان الكثرة ترجع إلى
العادة، وكذا كثرة الافعال فيها. وكذا تباعد المأموم أو علو الامام،
وفي كيفية القبض، وتسمية الحرز، ورق الزوجة بالنسبة إلى استخدام
السيد نهارا، وفتح الباب (1)، وقبول الهدية وإن كان المخبر امرأة أو
صبيا مميزا، والاستحمام، والصلاة في الصحارى، والشرب من الجداول
والأنهار المملوكة حيث لا ضرر، وإباحة الثمار بعد الاعراض عنها،
وهبة الاعلى للأدنى في عدم استعقاب؟؟؟ الثواب، وفي العكس في تعقبه عند
بعض الأصحاب (2)، وفي قدر الثواب عند بعض (3)، وفي ظروف
الهدايا التي لم تجر العادة بردها كالقوصرة (4) فيها التمر، وفي عدم
وجوب رد الرقاع إلى المكاتب، وفي تنزيل البيع (5) المأذون فيه على ثمن
المثل بنقد البلد الغالب، وكذا عقود المعاوضات، وتزويج الكفؤ في الوكالة

(1) أي أن فتح باب البيت للطارق إذن للدخول فيه عادة.
(2) انظر: أبا الصلاح الحلبي / الكافي: 135 (مخطوط بمكتبة
السيد الحكيم العامة بالنجف برقم 641).
(3) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 2 / 8، والعلامة الحلي /
مختلف الشيعة: 4 / 28.
(4) القوصرة: وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البواري.
انظر: ابن منظور / لسان العرب: 5 / 14، حرف الراء، فصل القاف
مادة (قصر).
(5) في (ك) و (ح): المبيع.
147

ومراعاة مهر المثل، والتسمية (1) (2)، وفي تسمية المال في الوكالة في
الخلع من الجانبين، وابقاء الثمرة إلى أوان الصرام (3) وحمل الوديعة
على (4) حرز المثل، وسقي الدابة في غير المنزل إذا جرت العادة به،
وفي الركوب أو الحمل في الاستعارة التزام بما يحمل مثلها مثله غالبا،
وفي إحراز الودائع بحسب العادة، فيفرق بين الجواهر والحطب والحيوان
وفي أجرة المثل لمن أمر بعمل له أجرة عادة، وفي الصنائع فيخيط الرفيع
غير خياطة الكرباس (5)، وفي ألفاظ الوقف والوصية، كما لو أوصى
لمسجد فإنه ينصرف (6) إلى عمارته، والوصية للعلماء والقراء (7)، وفي
ألفاظ الايمان، وفي أكل الضيف عند إحضار الطعام وأن لم يأذن المضيف
وفي حل الهدي المعلم.

(1) في (م): والقسمة.
(2) أي وكذا العادة بتسمية المهر، فليس للوكيل تفويض المهر.
(3) الصرام: قطع الثمرة واجتناؤها من النخلة. يقال: هذا وقت
الصرام والجذاذ. انظر: ابن منظور / لسان العرب: 12 / 336،
حرف الميم، فصل الصاد، مادة (صرم).
(4) في (م) و (أ): إلى.
(5) الكرباس: فارسي معرب، والجمع: الكرابيس، وهي ثياب
خشنة. انظر: الجوهري / الصحاح: 1 / 473، مادة (كربس).
(6) في (ك) و (ح): يصرف.
(7) في (م): الفقراء.
148

فائدة
يعتبر التكرار في عادة الحيض مرتين، عندنا، عملا بالنص (1)،
والاشتقاق (2). وكذا في عيب البول في الفراش. مع احتمال رجوعه
إلى الكثرة العرفية.
أما المرض والإباق فيكفي المرة.
وفي اعتبار (3) العرف الخاص تردد، كاعتياد قوم قطع الثمرة قبل
الانتهاء، واعتياد قوم بحفظ زرعهم نهارا، وتسريح مواشيهم ليلا،
وقسمة البزار والحارس، ووجوب إرسال الأمة إليه نهارا (4).
أما ما ندر، كاعتياد النساء الحفاء في القرى، فلا عبرة به بل
يجب النعلان.
وفي عطلة المدارس في أوقات العادة تردد، وخصوصا من واقف
لا يعلم العادة. وحكم بعض العامة (5) بجوازها من نصف شعبان إلى
عيد الفطر.

(1) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 2 / 545 - 546، باب
7 من أبواب الحيض، حديث: 1 - 2.
(2) فان العادة مشتقة من العود، وهو لا يحصل إلا بالتكرار.
انظر: ابن منظور / لسان العرب: 3 / 316، مادة (عود).
(3) في (ك): اعتياد.
(4) اي ارسال الأمة إلى كل من البزار والحارس نهارا لو تزوج
أحدهما أمة الآخر.
(5) هو ابن الصلاح من فقهاء الشافعية على ما يبدو من السيوطي.
انظر: الأشباه والنظائر: 102.
149

والظاهر أنه لا فرق بين العادة القولية - كاستعمال لفظ الدابة في
الفرس - والفعلية كاعتياد قوم أكل طعام خاص لو أوصى رجل بالصدقة
بالطعام.
وقطع بعض العامة: بأن العادة الفعلية لا تعارض الوضع اللغوي،
وأنه لم يجد أحدا حكى فيه خلافا إلا الآمدي (*) في الأحكام (1).
وبدل عليه أن كثيرا من العامة (2) حمل قوله عليه السلام في
الرقيق: (أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون) (3) على
ما اعتيد في زمن صاحب الشرع من مآكل العرب المتقاربة الواقعة
بحسب ضيق معائشهم، وهذه عادة فعلية، وحملوه على الاستحباب فيمن
ترفع عن ذلك المأكل.
فائدتان
الأولى: ما ذكر أدلة شرعية الأحكام، وها هنا أدلة أخر لوقوع
الأحكام، ولتصرف الحكام.
فأدلة الوقوع منتشرة جدا، فان الدلوك سبب لوجوب صلاة الظهر
ودليل حصول الدلوك ووقوعه في العالم متكثر كالأسطرلاب (4)،

* هو أبو الحسن علي بن محمد بن سالم التغلبي سيف الدين الآمدي
الحنبلي الشافعي البغدادي له مصنفات في الفقه والأصول والمنطق توفي
بدمشق سنة 631 ه‍. (القمي / الكنى والألقاب: 2 / 6).
(1) انظر: 2 / 486.
(2) انظر: الشافعي / الام: 5 / 90 - 91 /
(3) صحيح مسلم: 4 / 2303، حديث: 3007 من كتاب الزهد.
(4) وهي آلة معروفة يستعلم منها استخراج المواقيت ونحوها.
150

والميزان، وربع الدائرة، والأشخاص المماثلة، والمشاهدة بالبصر، واعتباره
بالأوراد في بعض الأحوال، وصياح الديكة، على ما روي (1).
وكذا جميع الأسباب، والشروط، والموانع، لا يتوقف معرفة
شئ منها على نصب دليل يدل على وقوعه من جهة الشرع، بل كون
السبب سببا، والشرط شرطا، والمانع مانعا. فأما وقوعه في الوجود
فموكول إلى المكلفين به بحسب ما عرفوه موصلا إلى ذلك.
وأما أدلة تصرف الحكام فمحصورة، كالعلم، وشهادة العدلين أو
الأربعة، أو العدل مع اليمين، وإخبار المرأة عن حيضها وطهرها،
واستمرار اليد على الملك، والاستطراق من أهل المحلة فيما يستطرقون فيه
والاستطراق العام، واليمين على المنكر، واليمين مع النكول، شهادة
أربع نسوة في بعض الصور، وأقل في مثل الوصية والاستهلال، فيثبت
الربع بالواحدة، وشهادة الصبيان في الجراح بشروطه، ووصف اللقطة
بالأوصاف الخفية فإنه يبيح الاعطاء (2)، والاستفاضة في الملك المطلق،
والنسب والنكاح. وهذا كله فقد سمي (الحجاج) وهو مختص بالحكام،
كاختصاص الأدلة الشرعية بالمجتهدين (3).
الثانية: يجوز تغير الأحكام بتغير العادات، كما في النقود المتعاورة (4)

(1) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 2 / 124، باب 14
من أبواب المواقيت، حديث: 1، 2، 5.
(2) في (ح) زيادة: ولا يوجبه، فلا يزول الضمان مع قيام
البينة بخلافه.
(3) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 128 129.
(4) التعاور: التداول، يقال: اعتوروا الشئ، أي تداولوه
فيما بينهم.
151

والأوزان المتداولة، ونفقات الزوجات والأقارب فإنها تتبع عادة ذلك
الزمان الذي وقعت فيه، وكذا تقدير العواري بالعوائد (1).
ومنه: الاختلاف بعد الدخول في قبض الصداق، فالمروي (2)
تقديم قول الزوج، عملا بما كان عليه السلف من تقديم المهر على الدخول،
ومنه: إذا قدم شيئا قبل الدخول كان مهرا إذا لم يسم غيره، تبعا
لتلك العادة. فالآن ينبغي تقديم قول الزوجة، واحتساب ذلك من مهر المثل.
ومنه: اعتبار الشبر في الكر، والذراع في المسافة، فإنه معتبر بما
تقدم، لا بما هو الآن، إن ثبت اختلاف المقادير، كما هو الظاهر.
قاعدة [40]
الأصل في اللفظ: الحمل على الحقيقة الواحدة، فالمجاز والمشترك،
لدليل من خارج.
والحقيقة ثلاثة: لغوية، وعرفية، وشرعية. وكذا المجاز. ولا
مجاز في الحروف، بل الكلام فيها في أصل الوضع.
وأما الأسماء فمنها: الماهيات الجعلية، كأسماء العبادات الخمس،
وهي حقائق شرعية.
ومن الأسماء: المتصلة بالافعال كالمصدر، واسم الفاعل، واسم
المفعول.
فاسم الفاعل معتبر في الطلاق عندنا، ولا يجزي غيره في الأصح،

(1) في (ح): بالفوائد.
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 15 / 15 - 16، باب
8 من أبواب المهور، حديث: 6، 8.
152

ولا يجزي في البيع والصلح، والإجارة - على الظاهر - والنكاح، كأنا
بائعك، أو مصالحك، أو مؤجرك، أو بائع منك، أو منكح (1).
ويكفي في الضمان، والوديعة، والعارية، والرهن، وكذا اسم المفعول،
كأنا ضامن، أو هذا مودع عندك. وفي العتق، كعتيق ومعتق. ويقرب
منه: أنت حر، وأنت كظهر أمي.
ويكفي المصدر في الوديعة، والعارية، والرهن، والوصية.
وأما الافعال، فالماضي منها منقول إلى الانشاء في العقود، والفسوخ
والايقاعات في بعض مواردها.
ويتعين في اللعان والشهادة صيغة المستقبل، فلو قال: شهدت بكذا
لم يقبل. ولو قال: أنا شاهد عندك (2) بكذا، فالظاهر القبول،
لصراحته.
ولا يجزي في البيع والنكاح المستقبل على الأصح، ولا في الطلاق والخلع.
ويجزي في اليمين صيغة الماضي والآتي.
وأما الامر فجائز في العقود الجائزة كالوديعة، والعارية، وفي النكاح
على قول ضعيف (3)، وفي المزارعة والمساقاة في وجه (4) وفي بذل
الخلع. والمأخذ في صراحة هذه مجيئها في خطاب الشارع لذلك وشيوعها

(1) في (أ): منكحك.
(2) في (م): عليك.
(3) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 4 / 85 (نقلا
عن بعضهم).
(4) انظر: الرافعي / فتح العزيز، بهامش تكملة المجموع 12 / 144،
وابن قدامة / المغني: 5 / 368.
153

بين (حملة الفقه) (1).
قاعدة [41]
لا يستعمل اللفظ الصريح في غير بابه إلا بقرينة، فان أطلق حمل
على موضوعه، كاستعمال (السلف) في البيع، بقرينة التعيين، فلو لم يعين
نفذ في موضوعه (2)، واشترط شروط السلف، لان الأصل في الاطلاق
الحقيقة، فلو قال. بعتك، وقبل الآخر (3) بالشراء أو بمعناه، ثم
ادعى أحدهما قصد الإجارة، حلف الآخر.
وقد تردد الأصحاب في إرادة الحوالة من الوكالة وبالعكس، إما
لعدم استقرار اللفظ في أحدهما، فتقدم دعوى المخالفة من اللافظ، لأنه
أبصر بنيته، وإما لأنه وإن استقر فيعضده أصل آخر (4). ولو قدمنا
قول مدعي حقيقة اللفظ زال الاشكال.
ولو باع المشتري من البائع بعد قبضه، واتفقا على إرادة الإقالة،
لم يصر إقالة، لعدم استعماله فيه. وفي انعقاده بيعا نظر، لعدم القصد
إليه. مع احتمال جعله إقالة، إذ لا صيغة لها مخصوصة، بل المراد ما دل
على ذلك المعنى. وتظهر الفائدة في الشفعة والخيار. ولو تقايلا ونويا البيع،
فالاشكال أقوى.
ولو قال: بعتك بلا ثمن، فمعناه الهبة، واللفظ يأباه. ولو قال:

(1) في (ح): جملة الفقهاء.
(2) في (م) و (أ): موضعه.
(2) زيادة من (ح).
(4) انظر: المحقق الحلي / شرائع الاسلام: 2 / 114.
154

وهبتكه بألف، فهل يكون هبة بعوض، أو بيعا؟ الظاهر الأول (1)
ولو عقد السلم بلفظ الشراء صح عندنا، وتجري عليه أحكام السلم
إن كان المورد غير عام الوجود عند العقد، ولو كان موجودا فالأقرب
انعقاده بيعا.
وحينئذ هل يجب قبض أحد العوضين في المجلس؟ الأقرب نعم،
ليخرج عن بيع الدين بالدين. ولو قلنا هو سلم، وجب قبض الثمن فيه.
أما لو كان الثمن معينا في العقد لم يجب قبضه في المجلس، إن جعلناه
بيعا، وإلا وجب. وهل يكفي تعيينه لو كان في الذمة عن قبضه في
المجلس إن جعلناه بيعا؟ احتمال.
ولا يشترط في الإجارة على عمل في الذمة القبض في المجلس،
لمباينتها (2) البيع عندنا. ولو عبر عن الإجارة بالبيع أو العارية، ففي
الانعقاد قولان، أقربهما عدم الانعقاد (3).
ومن هذا الباب: قارضتك والربح لي، أو لك، ففي انعقاده
بمعناه فيكون بضاعة، أو قرضا، أو بطلان العقد فيكون مضاربة فاسدة،
وجهان، أقربهما الثاني. فالربح للمالك في الصورتين، وعليه أجرة العامل.
ويحتمل سقوط الأجرة في الأول، لرضاه بالسعي لا بعوض.
ومنه: تعليق البيع على الواقع، أو على ما هو شرط فيه، والأصح

(1) والأصح عند الشافعية أنه يكون بيعا. انظر: السيوطي /
الأشباه والنظائر: 184.
(2) في (ك): مناسبتها، والصواب ما أثبتناه.
(3) ذهب إلى هذا القول العلامة الحلي، وهو الأصح عند الشافعية.
انظر: تذكرة الفقهاء: 2 / 291، وقواعد الأحكام: 89، والسيوطي /
الأشباه والنظائر: 185.
155

انعقاده، مثل: بعتك إن كان لي، أو بعتك إن قبلت. ويحتمل البطلان،
نظرا إلى صيغة الشرط المحترز عنها في البيع، وفي قوله: إن قبلت،
زيادة الشك، فان الايجاب لا يكون إلا بعد المواطاة على القبول، وهو
يمنع الشك.
ومنه: بيع العبد من نفسه ففي انعقاده كتابة، أو بيعا منجزا،
أو يبطل، وجوه.
ولو وقف على غير المنحصر، كالعلويين، صح عندنا، لان المقصود
الجهة لا الاستيعاب. ومن منع (1) نظر إلى أنه تمليك لمجهول، إذ
الوقف تمليك.
ولو راجع بلفظ النكاح أو التزويج، ففي صحة الرجعة وجهان.
وتقوى الصحة إذا قصد الرجعة به، ولو قصد حقيقة النكاح والتزويج
ضعفت.
قاعدة [42]
لا يحمل اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه، فلو وقف أو أوصى
لأولاده، لم تدخل الحفدة، ولو جعلناهم حقيقة دخلوا. ولا فرق بين
أولاد البنين وأولاد البنات، لقول النبي صلى الله عليه وآله:
(الحسن والحسين ولداي) (2) وقوله عليه السلام: (إن ابني هذا

(1) قال بالمنع بعض الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر:
186.
(2) انظر: المجلسي / البحار: 9 / 180 (الطبعة الحجرية).
156

سيد) (1) مشيرا إلى الحسن عليه السلام.
ولو حلف السلطان على الضرب أو تركه حمل على الأمر والنهي،
فلو باشره بنفسه، فعلى القاعدة لا يحنث، والظاهر الحنث، ويجعل الضرب
للقدر المشترك بين صدور الفعل عن رضاه (أو مباشرته إياه) (2).
ومن جوز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه (3) فلا إشكال عنده.
ومنه: (أو لامستم النساء) (4) في الحمل على الجماع، واللمس باليد.
ومنه: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) (5) في الحمل على القصاص
أو الدية، فان السلطان حقيقة في القصاص. وهذا ضعيف. والظاهر
أنه للقدر المشترك بين القصاص والدية، وهو المطالبة بحقه.
فائدة
من فروع حمل المشترك على معانيه: العتق، أو الوصية، أو الوقف
على الموالي، وتعليق الظهار على العين مثلا، مثل: إن رأيت عينا،
فان قلنا بالحمل على الجميع لم يقع الظهار حتى يرى جميع مسميات العين.

(1) انظر: المتقي الهندي / منتخب كنز العمال، بهامش مسند
أحمد: 5 / 102، 104
(2) في (ح): وبين اقدامه بنفسه.
(3) قد نسب هذا القول إلى الشافعي وعامة الصحابة، وعامة أهل
الحديث، وإلى أبي علي الجبائي و عبد الجبار القاضي من المتكلمين. انظر:
عبد العزيز البخاري / كشف الاسرار: 2 / 45، والغزالي / المستصفى: 2 / 24.
(4) النساء: 23، والمائدة: 6. (5) الاسراء: 33.
157

وقال بعض العامة: يقع برؤية أي فرد كان، لان الصفة في التعليق
تتعلق بأول أفرادها كما لو قال: إن دخلت الدار، فإنها تقع مظاهرة
بدخولها شيئا من الدار وان لم تدخل جميع الدار. وهو قياس فاسد
فان الدخول متواط.
فائدة (1)
من فروع الحقيقة اللغوية والعرفية: لو علق الظهار على تمييزها نوى
ما أكلت عما أكل، أو على اخبارها بعدد ما في الرمانة من الحب، أو
ما في البيت من الجوز، ففي الحمل على الوضع، أو العرف، تردد،
فعلى الأول: لو فرقت النوى كل واحدة على حدتها، أو عدت عددا
يتحقق فيه أنه لا ينقص عنه ولا يزيد عليه، تخلصت من الظهار،
وعلى الثاني لابد من التعيين والتعريف الحقيقي.
فائدة (2)
الماهيات الجعلية، كالصلاة، والصوم، وسائر العقود، لا تطلق
على الفاسد إلا الحج، لوجوب المضي فيه، فلو حلف على ترك الصلاة
أو الصوم اكتفى بمسمى الصحة، وهو الدخول فيهما، فلو أفسدهما بعد
ذلك لم يزل الحنث. ويحتمل عدمه، لأنها لا تسمى صلاة شرعا ولا صوما
مع الفساد. أما لو تحرم في (3) الصلاة، أو دخل في الصوم مع مانع

(1) في (أ): قاعدة.
(2) في (أ): قاعدة.
(3) في (م) و (أ) زيادة: أثناء.
158

من الدخول، لم يحنث قطعا.
ومن فروع الحقيقة: حمل (اللام) على الملك، فلو قال: هذا
لزيد، فقد أقر له بملكه، فلو قال: أردت أنه بيده عارية أو إجارة
أو سكنى، لم يسمع، لأنه خلاف الحقيقة. وكذا الإضافة بمعنى (اللام)
مثل: دار زيد، فلو حلف أن لا يدخل دار زيد، فهي المملوكة ولو
بالوقف. وعلى هذا لا يحنث بالحلف على دابة العبد أصلا، لعدم تصور
الملك فيه على الأقوى، إلا أن يقصد ما عرف به وشبهه. وقال بعض
العامة: لا يحنث ولو قلنا بملكه، لنقصه باعتبار أنه في معرض الانتزاع
منه في (1) كل آن.
ويرد عليه: أن الملك ينقسم إلى التام والناقص حقيقة. إلا أن
يمنع القسمة المعنوية.
فصل
مما يشبه تعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح كالنكاح، فإنه
حقيقة في العقد مجاز في الوطئ، أو بالعكس، مع أنه إطلاقه عليهما في
حين التساوي أمور:
منها: لو تعارض في الإمامة الأفقه الأقرأ مع الأورع الأتقى، ففي
كل منهما وجه رجحان مقصود للآخر. والأقرب: ترجيح الأفقه الأقرأ
لان ما فيه من الورع يحجزه عن نقص الصلاة، ويبقى علمه زائدا مرجحا.
وكذا في المجتهدين المختلفين.
ومنها: تعارض الحر غير الفقيه والعبد الفقيه في صلاة الجنازة،

(1) زيادة من (م) و (أ).
159

قدم الفاضل (*) (1) الفقيه، لان فضيلته اكتسابية، بخلاف الحرية.
ومنها: تعارض الصلاة جماعة في آخر الوقت وفرادى في أوله،
أو جماعة في تقديم الثانية عن وقت فضيلتها، وفرادى في تأخيرها إلى
وقت الفضيلة، كما في تأخير العصر إلى المثل، والعشاء إلى ذهاب الشفق
ولعل مراعاة الجماعة أشبه، للحث عليها (2).
ومنها: أصحاب الاعذار، كالمتيمم الراجي للماء أو غير الراجي
والعاري، والأولى أن التأخير أفضل. وأوجبه المرتضى (3) رحمه الله.
ومنها: لو كان في الوضوء وأقيمت (4) الجماعة فيتعارض اسباغه (5)
وفوات الجماعة في البعض أو في الكل والأولى ترجيح الجماعة، لان
المتوسل إليه أولى بالمراعاة من الوسيلة.

* هو الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف
ابن علي بن المطهر الشهير بالعلامة الحلي. من أكابر علماء الإمامية انتهت
إليه رئاستهم في المعقول والمنقول والفروع والأصول. كان مولده سنة
648 ه‍ وتوفي سنة 726 ه‍ ودفن بجوار أمير المؤمنين علي عليه السلام.
(القمي / الكنى والألقاب: 2 / 442).
(1) انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 8، وتذكرة الفقهاء
1 / 47. لكنه قدم في التحرير: 1 / 19، الحر على العبد الفقيه.
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 5 / 371 - 375،
باب 1 من أبواب صلاة الجماعة، حديث: 1 - 19.
(3) انظر: الانتصار: 31.
(4) في (ك): اجتمعت.
(5) اسباغ الوضوء: المبالغة فيه وإتمامه على الوجه الأكمل. انظر:
ابن منظور / لسان العرب: 8 / 433، مادة (سبغ).
160

ولو كان مدافعا للأخبثين أو الريح فوجهان، لاشتماله على صفة
الكراهية المغلظة باعتبار سلبه الخشوع الذي هو روح الصلاة.
ومنها: تعارض الصف الأول وفوات ركعة، ففي إيثار الصف
الأخير لتحصيل الركعة الزائدة فصاعدا، وجهان. أما لو كان وصوله
إلى الصف الأول يفوت جميع القدوة فإنه يصلي في الصف الأخير قطعا.
ومنها: تعارض الخطاب (1) في النكاح، كعبد عفيف عدل عالم،
وحر فاسق، أو حر فقير عالم، وغني جاهل، أو معيب عالم ورع،
وصحيح فاسق جاهل، إذا كان العيب موجبا للفسخ.
قاعدة [43]
المجاز لا يدخل في النصوص كأسماء العدد إنما يدخل في الظواهر،
فمن أطلق العشرة وقال: أردت تسعة، لم يقبل منه، ويعد مخطئا لغة.
ومن أطلق العموم وأراد الخصوص فهو مصيب لغة.
وكل لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن
موضوعه، فلو أخبر عن طلاق زوجته ثلاثا، وقال: أردت اثنتين،
لم يسمع منه. ولو حلف على الاكل، وقال: أردت الخبز، سمع منه.
قاعدة [44]
الصفة ترد للتوضيح تارة، وللتخصيص أخرى. ولها فروع:
منها: الاختلاف في ملك والعبد وعدمه، فإنه يمكن استناده إلى

(1) في (م): الخصال، والصواب ما أثبتناه.
161

قوله تعالى: (لا يقدر على شئ) (1) فان ذلك صفة لقوله (عبدا)
فان قلنا: إنها للتوضيح دلت على عدم ملكه مطلقا، وإن جعلناها
للتخصيص فمفهومه الملك، لان التخصيص بالوصف لا يدل على نفيه
عن غيره.
ومنها: الاختلاف في العارية، فإنها عندنا لا تضمن إلا بالشرط.
وعند بعض العامة (2) تضمن من غير شرط، لان النبي صلى الله عليه
وآله استعار من صفوان بن أمية درعا، فقال له: أغصبا؟ فقال النبي
صلى الله عليه وآله: (بل عارية مضمونة) (3) فالوصف للتوضيح (4).
قلت (5): لم لا يكون للتخصيص، أو يكون ذلك شرطا لضمانها؟
ومنها: لو قال لوكيله استوف ديني الذي على فلان، فمات،
استوفاه من وارثه، لان الصفة للتوضيح والتعريف. وقال بعضهم:
بالمنع، بناء على أنها للتخصيص.
ومنها: لو قال لزوجته: إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت
كظهر أمي، فان جعلنا الأجنبية للتوضيح، وظاهر منها بعد تزويجها،
وقع الظهاران، وإن جعلناها للتخصيص لم يقع، لان التزويج يخرجها

(1) النحل: 75.
(2) ذهب إليه الشافعي وأحمد، ونسب إلى أبي هريرة وابن عباس
وعطاء، وإسحاق بن راهويه. انظر: الشافعي / الام: 3 / 218،
وابن قدامة / المغني: 5 / 204، والمرداوي / الانصاف: 6 / 112.
(3) وردت عدة أحاديث بهذا المضمون. انظر: البيهقي / السنن
الكبرى: 6 / 89 - 90.
(4) انظر: الشافعي / الام: 3 / 218.
(5) في (م) و (ح) و (أ): قلنا.
162

عن كونها أجنبية، وهو الذي قواه الأصحاب (1).
ومنها: لو حلف: أن لا يكلم هذا الصبي، فصار شيخا، أو:
لا آكل من لحم هذا الحمل، فصار كبشا، أو: لا أركب دابة هذا العبد،
فعتق وملك دابة فركبها، فعلى التوضيح يحنث، وعلى التخصيص لا حنث.
ويقرب منه: ما يعبر عنه الفقهاء باجتماع الإضافة والإشارة كقوله:
لا كلمت هذا عبد زيد، أو هذه زوجته، أو زوجته هذه، أو عبده
هذا، فان الإضافة في معنى الصفة، فان جعلناها للتوضيح فزال الملك،
والزوجية، فاليمين باقية، وإن جعلناها للتخصيص انحلت. وكذا لو
قال: لأعطين فاطمة زوجة زيد، أو سعيدا عبده.
ومنه: لو أوصى لحمل فلانة من زيد، فظهر من عمرو، أو نفاه
زيد باللعان، فان قلنا الصفة للتوضيح فالوصية باقية، وإن قلنا للتخصيص
بطلت لو ظهر من عمرو. وفي صورة اللعان نظر، يبنى على قاعدة
اعتبار مدلول اللفظ في الحال، أو اعتبار مدلوله المستقر، فعلى الأول
يأخذ الوصية، وعلى الثاني لا.
قاعدة [45]
الاقرار في موضع يصلح للانشاء هل يكون انشاء؟
النص عن أهل البيت عليهم السلام: في المطلق لي غير السنة يؤتى
بشاهدين، ثم يقال له: هل طلقت فلانة؟ فإذا قال: نعم، تعتد حينئذ (2).

(1) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 5 / 153 - 154، والعلامة
الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 61.
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 15 / 323، باب
163

وفي خبر السكوني عن الصادق عليه السلام: في الرجل يقال له: هل طلقت
امرأتك؟ فيقول: نعم. قال: قد طلقها حينئذ (1). وهذا فيه احتمال:
أن يقصد به الانشاء. وكثير من الأصحاب (2) جرى على الأول،
وآخرون (3) قيدوه بقصد الانشاء وإلا جرى على الاقرار، لان الاقرار
والانشاء يتنافيان، إذ الاقرار إخبار عن ماض، والانشاء إحداث. ولان
الاقرار يحتمل الصدق والكذب، بخلاف الانشاء.
وقد قطع بعض الأصحاب (4) بأنهما أو اختلفا في الرجعة وهما (5)
في العدة، فادعاها الزوج، قدم قوله، ولا يجعل إقراره انشاء.
ويقرب منه: زوجت بنتك من فلان؟ فقال: نعم، فقبل الزوج.
فحمله كثير من الأصحاب (6) على قصد الانشاء. وهو محتمل لان
يراد جعله انشاء. والسر فيه: أن الانشاء المراد به إحداث حل أو

- 31 من أبواب مقدمات الصلاة، حديث: 2.
(1) انظر: المصدر السابق: 15 / 296، باب 16 من أبواب
مقدمات الطلاق، حديث: 6.
(2) انظر: ابن حمزة / الوسيلة: 62، وابن إدريس / السرائر:
321، وابن البراج القاضي / جواهر الفقه: 40.
(3) استظهره العلامة الحلي في / المختلف: 5 / 34، من كلام
الشيخ الطوسي في النهاية: 98 (الطبعة الحجرية).
(4) انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 172.
(5) في (ح): وجاء، والصواب ما أثبتناه.
(6) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 4 / 193. وتردد فيه المحقق
الحلي في / الشرائع: 2 / 273 بعد أن صححه، وتنظر فيه العلامة الحلي في /
تحرير: 2 / 4، ولم يذكر فيه غير الشيخ الطوسي انه ذهب إلى هذا الرأي.
164

حرمة لإرادة المنشئ ذلك، والمخبر عن الوقوع في قوة الراضي بمضمون
الخبر، والعمدة في العقود هو الرضا الباطني، والانشاء وسيلة إلى معرفته،
فإذا حصل بالخبر أمكن جعله إنشاء.
وفي مسألة الطلاق نكتتان أخريان: إحداهما: عدم استعمال الصيغة
المخصوصة. والثانية: أن المطلق قد يعرض فيه عدم إرادة الطلاق لو
علم فساد الأول.
أما المخبر بوجود ما يعلم عدمه، يحمل كلامه على الانشاء صونا له
عن الكذب. وحينئذ يتجه أن يقال: كل إقرار لم يسبق مضمونه يجعل
انشاء. وكذا كل إقرار سبق مضمونه للعالم بفساده. وكل إقرار سبق
من معتقد صحته لا يكون إنشاء. وعلى هذا يمكن حمل مسألة المطلق على
غير السنة، إلا أن في هذا طرحا للصيغة (1) الشرعية بالكلية. نعم يمكن
نفوذ هذه القاعدة في العقود الجائزة، إذ لا صيغ لها خاصة.
قاعدة [46]
السبب والمسبب قد يتحدان، وقد يتعددان. ومع تعدد الأسباب
قد نقع دفعة، وقد تترتب. ثم قد تتداخل الأسباب أو المسببات وقد تتباين. فهنا مباحث:
الأول: اتحادهما، كالقذف والحد.
الثاني: أن تتعدد الأسباب والمسبب واحد، كأسباب الوضوء الموجبة
له فيجزئ عنها وضوء واحد، إذا نوى رفع الحديث وأطلق، وإن نوى
رفع واحد منها، فالأصح ارتفاع الجميع، إلا أن ينوي عدم رفع غيره فيبطل.

(1) في (ح): للصيغ.
165

وإن تعددت أسباب الغسل، فالأقرب أنه كذلك. وفصل بعض
الأصحاب (1) نيته الجنابة المجزئة، وعدم إجزاء غيرها عنها. وهو بعيد.
والأصل فيه: أن المرتفع ليس نفس الحدث بل المنع من العبادة
المشروطة به، وهو قدر مشترك بين الجميع، والخصوصيات ملغاة. وهذا
يسمى (تداخل الأسباب).
واختلفوا في تداخل أسباب الأغسال المسنونة إذا انضم إليها واجب.
وظاهر الروايات التداخل (2).
ومنه: تداخل مرات الوطئ بالشبهة بالنسبة إلى وجوب مهر واحد،
وتداخل مرات الزنا بوجوب حد واحد.
الثالث: أن يتعدد السبب ولكن يختلف الحكم المترتب عليها، فان
أمكن الجمع بينهما، بأن يندرج أحدهما في الآخر، تداخلت، كما إذا نوى
داخل المسجد فريضة أو نافلة راتبة، فالظاهر إجزاؤها عن صلاة التحية.
وقد قيل (3): باجزاء تكبيرة الاحرام عنه وعن تكبيرة الركوع
إذا نواهما.

(1) انظر: العلامة الحلي / منتهى المطلب: 1 / 91، ونهاية الأحكام
الفقهية: غسل الجنابة - المطلب الرابع في اللواحق. (مخطوطة بمكتبة
السيد الحكيم العامة بالنجف برقم 668).
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 2 / 963، باب 31 من
أبواب الأغسال المسنونة، حديث: 1.
(3) قاله بعض الحنابلة. انظر: ابن رجب / القواعد: 24. وقد
نسب المصنف في الفائدة الرابعة المتقدمة ص 82 إلى الشيخ الطوسي ذلك،
ولكن قلنا هناك أنه حكم بالاجزاء فيما إذا نوى بالتكبيرة الاستفتاح خاصة.
انظر: المبسوط: 1 / 102، 158، والخلاف: 1 / 39.
166

أما إذا لم يمكن الجمع، كما لو قتل واحد جماعة، فان رتب، قتل
بالأول وكان للباقين الدية على الأقرب، ولو عفى عنه الأول أو صولح
على مال، قتل بالثاني.. وعلى هذا. ولو قتلهم دفعة - بأن ألقاهم في
نار، أو هدم عليهم جدارا، أو جرحهم فماتوا جميعا - قتل بالجميع.
ويحتمل قتله بواحد، تخرجه القرعة أو يعينه الامام، ويأخذ الباقون
الدية (1). ويحتمل في الترتيب المساواة للدفعي، وهو ظاهر بعض
الأصحاب (2).
ولو اجتمع سببا إرث ولم يتنافيا، أعملا، كعم هو خال. وإن تنافيا
قدم الأقوى كأخ هو ابن عم. وكذا في ميراث المجوس. وقد يحكم
بالتساقط عند اجتماع الأسباب، كتعارض البينتين على قول (3).
الرابع: أن يتحد السبب ويتعدد المسبب لكن يندرج أحدهما في
الآخر، كالزنا يوجب الحد، وتحصل معه الملامسة وهي موجبة للتعزير،
فيغني الحد عنه. وكقطع الأطراف فإنه بالسراية إلى النفس تدخل دية
الطرف في دية النفس. وأما القصاص فثالث الأقوال التداخل إن كان
بضربة واحدة وعدمه إن تعددت (4) وأما الزاني المحصن فيجب الرجم
عليه، وإن كان شيخا جمع بين الجلد والرجم، وإن كان شابا فقيل (5):

(1) انظر: العلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 256.
(2) انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 261.
(3) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 311، والقرافي / الفروق: 2 / 31.
(4) قال به الشيخ الطوسي في / النهاية 771، وابن الجنيد على
ما نقل عنه العلامة الحلي في / مختلف الشيعة: 5 / 257. وقد تقدمت
هذه المسألة في القاعدة السادسة عشرة ص 47.
(5) انظر: الشيخ الطوسي / النهاية: 693، وابن حمزة / -
167

بالتداخل، لان ما يوجب أعظم الامرين بخصوصه لا يوجب أخفهما (1)
بعمومه: والجمع أقرب لفعل علي عليه السلام حيث قال: (جلدتها
بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله) (2).
ومن اتحاد السبب وتعدد المسبب ولا تداخل (3): الحيض، والنفاس
ومس الأموات، والاستحاضة مع كثرة الدم فإنها توجب الوضوء
والغسل عندنا.
ومنها: القتل، يوجب الدية أو القود والكفارة والفسق مع العمد.
وإتلاف مال الغير عمدا يوجب الضمان والتعزير. وقذف المحصنة يوجب
الجلد والفسق. وزنا البكر يوجب الجلد والجز والتغريب. وسائر
الحدود وتجامع الفسق، والسبب واحد.
والحدث الأصغر سبب لتحريم: الصلاة، والطواف، وسجود
السهو، وسجود العزيمة على قول (4)، ومس المصحف.

- الوسيلة: 181، وابن زهرة / الغنية: 74.
(1) في (ك) و (م): أحدهما، وما أثبتناه أصوب. وما
ذكره المصنف دليلا لهذا القول جعله السيوطي في / الأشباه والنظائر:
165 قاعدة مستقلة.
(2) أنظر: سنن الدارقطني: 3 / 124، حديث: 138 من كتاب
لحدود، والنوري / مستدرك الوسائل: 3 / 222، باب 1 من أبواب
حدود الزنا، حديث: 12.
(3) في (م): مسببات.
(4) أنظر: النووي / المجموع: 2 / 67، وابن عابدين / رد
المحتار: 1 / 802، وابن جزي / القوانين الفقهية: 39 (طبعة
لبنان).
168

والحدث الأكبر يزيد على ذلك: قراءة العزائم (1)، واللبث في
المساجد على الاطلاق، والجواز في المسجدين، وتحريم الصوم والوطئ
والطلاق في الحيض، إلى أحكام كثيرة (2).
فائدة
النكاح (قد يكون سببا) (3) في أشياء كثيرة، فيتعلق بالوطئ:
استقرار المهر المسمى بكماله. ووجوب مهر المثل إذا لم يسم أصلا.
ووجوب الفرض المحكوم به إذا كانت مفوضة المهر. ووجوب مهر المثل
حيث لا يصح التفويض، وحيث تكون التسمية فاسدة، وفي الشبهة وزنا
الاكراه. ووجوب النفقة ما دامت ممكنة في الدائم. وتوزيع المسمى
بحسب الأيام في المنقطع. ووجوب الكسوة والمسكن في الدائم والخادم
إذا كانت من أهله. ووجوب نفقة الخادم وكسوتها وقد يكتفى في
هذا الباب (4) بالتمكين. وثبوت التحصن لكل منهما في الدائم وملك
اليمين. ولحوق الولد بشروطه. وتحريم العزل في الدائم بغير الاذن.
ووجوب عدة الطلاق والفسخ عليها. وتحريم ابنتها عليه. ووجوب
القسم إما ابتداء أو إذا قسم لضرتها والظاهر أن هذا لا يتبع الوطئ بل
التمكين -. ووجوب القضاء لها في القسم إذا ظلمها. وهذا كالأول.

(1) في (أ) و (م) و (ح): العزيمة.
(2) تقدم الكلام عن هذه القاعدة في ضمن قواعد ثلاث هي:
14 - 16، ص 43 - 47.
(3) في (ك): سبب.
(4) زيادة من (ك).
169

وتقرير صحة العقد في نكاح المريض إلا أن يبرء فيكفي العقد في التقرير
. ونشر الحرمة في الرضاع. وصيرورة البنت (1) محرما وفي حكمها
بنت ابنها وبنت بنتها فنازلا -. وامتناع فسخها بالعنة الطارئة.
وتحقق الفئة به في الايلاء والظهار.. ووجوب الكفارة فيهما، ففي
الظهار يتعدد.
وأما منعها من أكل الثوم، وكل ما يتأذى برائحته، واجبارها على
الاستحداد (2)، وإزالة الوسخ، وكل منفر، فيكفي فيه بذل المهر لها.
ووجوب النفقة عليه إذا طلق رجعيا، ووجوب ذلك للبائن إذا
كانت حاملا.
وأما وجوب الفراش، وآلة التنظيف، وكل ما تزال به الرائحة
الكريهة، ووجوب آلات الطبخ والأكل والشرب، والالزام بالغسل لو
كانت ذمية إن وقفنا الاستمتاع عليه، ووجوب أجرة الحمام مع الحاجة،
وكذا وجوب ثمن ماء الغسل على قول (3)، ومنعها من الخروج، والبروز
والعبادات المتطوع بها، والأسفار غير الواجبة، ومجاورة النجاسة والمسكر (4)
إذا كانت ذمية، فيمكن ترتيبه على التمكين، وبعضه على مجرد العقد.
كما يترتب عليه: بر اليمين إذا حلف ليتزوجن، والحنث لو حلف
على تركه. والخروج عن العزوبة المنهي عنها. وجواز الاستمتاع

في (ك): النسب
(2) الاستحداد: حلق شعر العانة. انظر: الجوهري / الصحاح:
1 / 222، مادة (حدد).
(3) ذهب إليه بعض الحنفية والحنابلة. انظر: ابن عابدين / رد
المحتار: 1 / 176، والحجاوي المقدسي / الاقناع: 4 / 138.
(4) في (م) و (أ): والسكر.
170

بالمرأة، والنظر إلى جميع بدنها حتى العورة، وبالعكس. واستقرار المهر
بموت أحدهما، ولو كان في مفوضة المهر وجبت المتعة. وقيل (1):
مهر المثل. ووجوب النصف إذا طلق أو فسخت لعنتة قبل الدخول،
وكذا إذا أسلم قبلها قبل الدخول، أو ارتد عن غير فطرة. أما عنها،
فالأقرب الجميع. وجوب المتعة في مفوضة البضع إذا طلق قبل الدخول
والفرض.. وتحريم الام والجمع بين الأختين، والعمة والخالة وبنت الأخ
أو الأخت إلا برضاهما.. وتحريمها (2) على أبيه فصاعدا، وعلى ولده
فنازلا.. وتحريم العقد على غيرها إن كانت رابعة بالدائم، أو ثالثة حرة
والزوج عبد، أو ثالثة أمة والزوج حر. وملك طلاقها وخلعها،
وظهارها، والايلاء منها، ولعانها. وثبوت الفسخ بظهور عيب فيه،
أو فيها.. ووجوب نفقتها بالتمكين. وجواز السفر بها. وتحريم
العقد على الأمة إلا باذن الحرة. وعلى أمة ثانية إن شرطنا خوف العنت
وعدم الطول أما العبد فله أن يتزوج الأمة على الحرة عند بعض العامة (3)،
والأقرب المنع -. وثبوت العدة بموته. والتوارث إذا لم يكن الدخول
شرطا في صحة العقد، ولا الأجل مانعا منه. وجواز غسلها. ووجوب
تكفينها إذا كانت دائما. واستحقاق الصلاة عليها. والنزول معها في
قبرها. وجواز ذلك لها إذا مات هو - وإن كان الرجال أولى -..
ويصير والده وابنه وإن علا أو سفل محرما لها.. وتصير أمها وأن
علت محرما له. ويملك نصف الصداق لو كان عينا وطلق قبل الدخول..

(1) انظر: الشافعي / الام: 5 / 61، وابن قدامة / المغني: 6 / 716.
(2) في (ك) و (م): تحريمهما.
(3) انظر: الشافعي / الام: 5 / 38، وابن قدامة / المغني:
6 / 600، ومالك / المدونة الكبرى: 4 / 56.
171

وبعث الحكم (1) عند الشقاق. وإلزامها بالغسل من الحيض عند
الدخول إن حرمنا الوطئ قبله، وكذا لو كانت ذمية. وإلزامها
بالاستحداد وما يتوقف عليه كما الاستمتاع للتهيئة للدخول، كما يجب في
دوام النكاح. وتقديم قول الزوج في قدر الصداق، وقولها في عدم
دفعه. والتحالف لو اختلفا في تعيينه، ولا ينفسخ العقد. وتحريمها
على غيره.. ومنعها من اليمين، والنذر، والعهد، والارضاع، إذا
اشتمل على منع حقه.
فائدة
ينقسم الوطئ بانقسام الأحكام الخمسة بالنسبة إلى الزوجة، فيجب
بعد كل (2) أربعة أشهر، فلها الاستعداء عليه وان لم يكن موليا، إلا
أن المولي يجبر عليه أو على الطلاق، وهنا يحتمل ذلك، ويحتمل اجباره
على الطلاق عينا (3)، ويحتمل إجباره على الوطئ عينا. ولو طلق أساء
وسقط الوطئ إذا كان بائنا، ولو كان رجعيا ففيه إشكال، من حيث
أنه واجب يمكن استدراكه، ومن زوال حقيقة العصمة. فان قلنا باجباره
عليه ووطئها فهو رجعة قطعا. والأصح عدم الاجبار. نعم لو راجعها
أمكن الاجبار، لزوال المانع، بل يمكن لو تزوجها بعد البينونة. كما
تقضى لها ليالي الجور.
وكذا يجب الوطئ بعد المرافعة في الايلاء، وبعد المرافعة بعد ثلاثة

(1) في (ح) و (أ): الحاكم.
(2) زيادة من (ح).
(3) زيادة من (ك).
172

أشهر في الظهار.
وقد يستحب الوطئ، وهو مع الامكان، ولا ضرر ولا مانع.
وقد يكره في الأوقات والأحوال المخصوصة.
وقد يحرم، كالحيض، والنفاس، واشتباه الحيض قبلا.. وفي
الاحرام منه أو منها.. والصوم الواجب كذلك.. وعند تضيق وقت
الصلاة. وفي الاعتكاف الواجب.. وفي المساجد.. وفي الظهار
حتى يكفر.. وفي العدة عن وطئ الشبهة من الغير.. وبعد الافضاء
إلا أن تصلح وتلتئم فيحل (1) على قول (2).. وإذا لم تحتمل الوطئ
لعبالته وصغرها أو ضعفها، أو مرض يضر الوطئ بها. قيل (3): وفي
ليلة غيرها.. وإذا امتنعت قبل توفية الصداق. قيل (4): وفي عدة
الطلاق الرجعي. ويشكل: بما أنه رجعة بنفسه (5).
وما عدا ذلك مباح.

(1) زيادة من (ح) و (أ).
(2) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 4 / 318، وابن البراج /
جواهر الفقه: 39، والسيوطي / الأشباه والنظائر: 297 (نقلا عن
العلائي).
(3) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 297 (نقلا عن العلائي).
(4) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 102، وشمس الدين الرملي /
نهاية المحتاج: 7 / 59، والسيوطي / الأشباه والنظائر: 297 (نقلا عن
العلائي).
(5) سيأتي في القاعدة الرابعة من قواعد النكاح بيان الموارد التي
يحرم وطئ الزوجة فيها.
173

فائدة
يتعلق بغيبوبة الحشفة في الفرج أو قدرها من مقطوعها: نقض
الطهارة إلا أن يكون ملفوفا على قول ضعيف (1).. ووجوب الغسل
على الفاعل والقابل. ووجوب التيمم إن عجز عن الماء.. وتحريم
الصلاة والطواف.. وسجود السهو. قيل (2): وسجود التلاوة..
وقراءة العزائم وابعاضها.. والمكث في المسجد.. والدخول إلى
المسجدين.. وإفساد الصلاة والصوم إن وقع عمدا.. وإفساد التتابع
إن كان الصوم مشروطا فيه ذلك.. ووجوب قضاء الصوم إن كان
واجبا.. ووجوب الكفارة في المتعين.. وإفساد الاعتكاف، ووجوب
قضائه إن وجب.. ووجوب إتمامه إن كان قد شرط فيه التتابع..
وإفساد الحج والعمرة. ووجوب المضي في فاسدهما.. ووجوب
قضائهما.. ووجوب البدنة أو بدلها مع العجز وهي بقرة فإن لم يجد
فسبع شياه إن جعلنا الكفارة كالنذر.. ونفقة المرأة التي جامعها في
القضاء.. والتحمل للبدنة عنها، سواء كان في موضع الفساد أو لا.
وهل يتعلق بالوطئ منع انعقاد احرامهما أو ينعقدا فاسدين؟ نظر.. ووجوب
التفريق بين الزوجين إذا وصلا موضع الخطيئة إلى أن يقضيا المناسك..
وثبوت الفسق إذا جامع في الاحرام أو الصوم الواجب أو الاعتكاف
عالما بالتحريم.. وترتب التعزير على ذلك.. واستحباب الوضوء

(1) ذهب إليه بعض الشافعية. انظر النووي / المجموع: 2 / 134،
والسيوطي / الأشباه والنظائر: 295.
(2) انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 86، وابن جزي / قوانين
الأحكام الشرعية: 44، وابن عبد السلام / قواعد الأحكام: 2 / 102.
174

إذا أراد النوم ولما يغتسل، فان تعذر فالتيمم.. وكفارة الحيض
وجوبا أو استحبابا.. وجعل البكر ثيبا، فيعتبر نطقها في النكاح..
ووجوب العدة بالشبهة إذا كانت ممن لها عدة. وزوال التحصين في
القذف إذا كان الوطئ زنا، لا مكرهة.. ووجوب الجلد والرجم
والجز والتغريب.. وتحريم أم الموطوء وأخته وبنته والمشهور (1)
أنه يكفي هنا ايلاج البعض -.. والخروج عن حكم العنة.. والتحليل
للمطلقة ثلاثا حرة، أو اثنتين أمة.. وإلحاق الولد في الشبهة بالملك
أو بالزوجية، إذا كانت الموطوءة خالية.. وتحريم نفي الولد إلا مع
القطع بكونه ليس منه، ولا يكفي الظن الغالب.. والتمكن من الرجعة
في العدة الرجعية.. والتمكن من اللعان عند نفي الولد - أما القذف
بالزنا فلا -.. ووجوب التعزير لو كانت الموطوءة زوجة بعد الموت..
ووجوب القتل في اللواط إذا كانا بالغين عاقلين.. والتعزير في إتيان
البهيمة.. وتحريم وطئ الأخت إذا وطئ أختها بملك اليمين حتى تخرج
التي وطئها أولا.. ونشر الحرمة بالشبهة والزنا على القول به.. وفي
إباحة بنت الأخ المملوكة مع العمة المملوكة من غير اذن العمة إشكال
للفاضل (2) رحمه الله.. وسقوط الامتناع من التمكين، لأجل الصداق
بعده.. وسقوط عفو الولي بالطلاق بعده.. وثبوت السنة والبدعة في
الطلاق.. وثبوت المهر بوطئ المكاتبة.. وثبوت بعضه بوطئ المشتركة
بينه وبين غيره.. وصيرورة الأمة فراشا على رواية (3).. وقطع

(1) أنظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 151، وتحرير
الأحكام: 2 / 13، وتذكرة الفقهاء: 2 / 633.
(2) انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 152.
(3) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 15 / 119 - 120،
باب 19 من أبواب أحكام الأولاد، حديث: 1.
175

العدة إذا حملت من الشبهة.. والفسخ بوطئ البائع، والإجازة بوطئ
المشتري. وفسخ الهبة في الأمة الموهوبة في موضع جواز الرجوع.
وفسخ البيع فيما لو وجد البائع بالثمن عيبا بوطئ الأمة.. وفي كون
وطئ البائع الأمة (1) مع افلاس المشتري استردادا للأمة وجه ضعيف (2)..
ورجوع الموصي به إذا لم يعزل (3).. وكونه بيانا في حق من أسلم
على أكثر من أربع. وكذا في الطلاق المبهم، والعتق المبهم على احتمال..
وتوقف الفسخ على انقضاء العدة فيما لو ارتدت الزوجة مطلقا، أو الزوج
عن غير فطرة، أو أسلمت الزوجة مطلقا، أو الزوج وكانت الزوجة
وثنية.. والمنع من الرد بالعيب، إلا في عيب الحبل، ويرد معها
نصف عشر قيمتها. وسقوط خيار الأمة إذا أعتقت تحت عبد أو حر
- على الخلاف (4) - ومكنت منه عالمة - ويمكن أن يكون هذا لأجل
إخلالها بالفور، لا لخصوصية التمكين من الوطئ -.. وتحقق الرجعة

(1) زيادة من (ح).
(2) وجه للشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 294.
(3) بمعنى أنه لو أوصى بجارية لشخص ثم وطئها ولم يعزل عنها
كان ذلك رجوعا عن الوصية.
(4) ذكر العلامة الحلي في / المختلف: 5 / 14، الخلاف في خيار
الأمد إذا أعتقت تحت عبد أو حر، فذهب كثير من علمائنا إلى أن لها
الخيار مطلقا، وقوى الشيخ الطوسي في المبسوط 4 / 258 ثبوت الخيار
لها إذا كانت تحت عبد دون الحر. انظر: الشيخ المفيد / المقنعة: 78،
وابن إدريس / السرائر: 303، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام:
2 / 24.
176

به في الرجعية. ومنعه من الترويج بخامسة إذا أسلم على أربع وثنيات
حتى تنقضي العدة وهن على كفرهن، وكذا الأخت حتى تنقضي العدة
مع بقاء الأخت على الكفر.. ومنعه من اختيار الأمة لو أسلمت (1)
مع الحرة حتى تنقضي العدة مع بقاء الحرة على الكفر.. ووجوب
مهر ثان لو وطئ المرتد وبقي على الردة، إذا كان عن فطرة، وفي
غيرها خلاف.. ووقوع الظهار المعلق به أو العتق المنذور عنده..
وذبح البهيمة الموطوءة المأكولة اللحم وإحراقها، وتغريم قيمتها، وبيع
غيرها (2) وتغريمه القيمة.. وأبطال خيار الزوجين لو تجدد العيب
بعده، إلا الجنون من الرجل.. ووجوب استبراء الأمة إذا وطئها
السيد، وأراد تزويجها أو بيعها.
فائدة
كل هذه الأحكام يتساوى فيها القبل والدبر إلا: التحليل، والخروج
من الايلاء والاحصان، والاستنطاق في النكاح، فتستنطق بالوطئ في
القبل لا في الدبر، وخروج المني من الدبر بعد الغسل فإنه لا يوجب
الغسل عليها، بخلاف القبل (3) فان فيه كلاما ذكرناه في كتاب الذكرى (4).
ويتعلق بالدبر: إبطال حصانة الموطوءة بالنسبة إلى القذف، كما يحصل

(1) أي الأمة.
(2) أي غير مأكولة اللحم.
(3) انظر في هذه المواضع أيضا: السيوطي / الأشباه والنظائر: 296.
(4) انظر: كتاب الطهارة - في أحكام غسل الجنابة - مسألة: 9.
177

للواطئ بالنسبة إلى ذلك.
ولو لم يبق للمقطوع بقدر الحشفة فغيبه، فالظاهر عدم تعلق الأحكام
به، إلا تحريم أم المفعول به وأخته وبنته.
قاعدة [47]
قد يقوم السبب الفعلي غير المنصوب ابتداء مقام الفعلي المنصوب
ابتداء، كتقديم الطعام إلى الضيف فإنه مغن عن الاذن في الأصح، وتسليم
الهدية إلى المهدى إليه وإن لم يحصل القبول القولي في الظاهر من فعل
السلف والخلف، وكذلك صدقة التطوع، وكسوة القريب والصاحب،
وجائزة الملك من كسوة وغيرها، وعلامة الهدي كغمس النعل في دمه
وجعله عليه أو كتابة رقعة (1) عنده، والوطئ في الرجعية، وفي مدة
الخيار من ذي الخيار، والتقبيل كذلك، وكذا اللمس بشهوة. أما المعاطاة
في المبايعات فتفيد إباحة التصرف لا الملك، وإن كان في الحقير، عندنا.
ولا يكفي تسليم العوض في الخلع عن بذلها، أو قبولها بعد ايجابه،
ولا تسليم الدية في سقوط القصاص، بل لابد من التلفظ بالعفو أو بمعناه
ولو خص الامام بعض الغانمين بأمة، وقلنا بتوقف الملك على اختيار
التملك، فلو وطئ أمكن كونه اختيارا، لان الوطئ دليل الملك، إذ
لا يقع هنا إلا في الملك.
ومن الأسباب الفعلية القلبية: الإرادة والكراهة، والمحبة. فلو علق
ظهارها باضمارها بغضه، فادعته، صدقت، كدعوى الحيض، فان اتهمها
أحلفها إن قلنا بيمين التهمة (2). ولو عقله بحبها دخول النار، أو السم،

(1) زيادة من (م).
(2) تقدم في قاعدة 19 ص 50 انه استقرب تحليفها.
178

أو الأطعمة الممرضة، فادعته، أمكن القبول لأنه قد نصبه سببا ولا يعلم
إلا منها، وعدمه، للقطع بكذب مدعي ذلك.
ولو علق بمشيئتها، فالظاهر الاحتياج إلى اللفظ، لان كلامه
يستدعي جوابا على العادة، فلا تكفي الإرادة القلبية. وتظهر الفائدة: لو
أرادت بالقلب ولما تتلفظ.
ولو تلفظت مع كونها كارهة بالقلب وقع الظهار ظاهرا، وفي وقوعه باطنا
بالنسبة إليها احتمالان: نعم، لان التعليق بلفظ المشيئة لا بما في الباطن،
ولا، كما لو علق بحيضها وكانت كاذبة في الاخبار عن الحيض، فإنه
لا يقع باطنا.
ولو كانت صبية فعلق على مشيئتها أو علق على مشيئة صبي، فالأقرب
الصحة مع التمييز، لأنه اقتضى لفظه، وقد وقع. ويحتمل المنع، كما ليس
للفظه اعتبار في الطلاق ولا في باقي العقود الأزمة.
ولو علق ظهارها على حيض ضرتها، فادعته، وأنكر الزوج،
حلف، لأصالة العدم، ولأنه تصديق في حق الضرة. ويحتمل قبول
قولها، لأنه لا يعرف إلا منها. فحينئذ لا يحلف، لان الانسان لا يحلف
ليحكم لغيره.
قاعدة [48]
الوقت قد يكون سببا للحكم الشرعي، كأوقات الصلوات، وهو أيضا
ظرف للمكلف به، فليس السبب الدلوك مثلا وإلا لم تجب الظهر على
من أسلم، أو بلغ في أثناء النهار بعد الدلوك بلحظة، بل كل جزء من
الوقت سبب للوجوب وظرف للايقاع. وكذا أجزاء أيام الأضاحي، (*)
179

سبب للامر بالأضحية وظرف لايقاعها فيه، ومن ثم استحب على من
تجدد إسلامه، وبلوغه. أما شهر رمضان فان كل يوم من أيامه سبب
التكليف لمن استقبله جامعا للشرائط، وليس أجزاء اليوم سببا للوجوب،
ومن ثم لم يجب على البالغ أو المسلم في الأثناء الصوم (1).
فان قلت: فينبغي في المريض والمسافر ألا يجب الصوم وقد زال
العذر.
قلت: المرض والسفر ليسا مانعين لسببية السبب، وإنما منعا الحكم
بالوجوب، فإذا زال المانع ظهر أثر السبب.
واعلم: إن الوقت قد يعرى عن السببية وإن كان لا يعرى عن
الظرفية، وهو واقع في كثير، كالمنذورات (2) المعلقة على أسباب مغايرة
للأوقات. وكالسنة بكمالها في قضاء شهر رمضان، فإنها ظرف للايقاع
وليست سببا، إنما السبب هو الفوات لما كان قد أثر فيه السبب الموجب
للأداء، فان موجب إداء شهر رمضان رؤية الهلال، وموجب القضاء
هو فوات الأداء. وكذا جميع العمر ظرف للواجبات الموسعة بالنذر أو
الكفارة وإن كانت أسبابها مغايرة للزمان. وكذلك شهور العدد أو
الأقراء ظروف للعدة، والسبب الطلاق مثلا. وسبب الفطرة دخول هلال
شوال على الأصح، ومجموع الليلة ونصف النهار ظرف لاسبب، فلا بحب
على من كمل بعد دخول شوال (3).

(1) تقدمت هذه المسائل في قاعدة: 22.
(2) في (م): كالمندوبات.
(3) تقدم الحديث عن هذه المسائل في قاعدة: 24.
180

قاعدة [49]
لو علق حكما على سبب متوقع، وكان ذلك الحكم يختلف بحسب
وقت التعليق ووقت الوقوع، ففي اعتبار أيهما؟ وجهان، مأخذهما من
الموصي بثلث ماله هل يعتبر يوم الوصية أو يوم الوفاة؟ والمشهور عندنا (1):
الثاني، لان بالموت يملك الموصى له. وكذا الصفات المعتبرة في الوصي (2).
ومن قال: باعتبار يوم الوصية (3)، أجراه مجرى (النذر، كما) (4)
لو نذر الصدقة بثلث ماله، فإنه معتبر عند النذر إذا كان منجزا. ولو
كان معلقا على شرط ففيه الوجهان. وكذا لو أطلق العبد الوصية فتحرر
ومات، أو نذر العتق أو الصدقة فتحرر، أو علق الظهار على مشيئة
زيد وكان ناطقا فخرس، فهل تعتبر الإشارة حينئذ كما لو كان أخرس
ابتداء؟ أو نذر عتق عبده عند شرط متوقع فوقع حال المرض، ففيه الوجهان.
قاعدة [50] لو شك في سبب الحكم بنى على الأصل، فهنا صورتان:
إحداهما: أن يكون الأصل الحرمة ويشك في سبب الحل، كالصيد

(1) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 2 / 43، والعلامة الحلي /
تحرير الأحكام: 1 / 294.
(2) في (ح) و (م): الموصي.
(3) ذهب إليه بعض الشافعية. انظر: الشيرازي / المهذب:
1 / 451، والسيوطي / الأشباه والنظائر: 197.
(4) زيادة من (ح) و (م).
181

المتردي بعد رميه، وكالجلد المطروح أو اللحم مع عدم قيام قرينة معينة.
ولو ظن تأثير السبب ظنا غالبا خرج عن الأصل، كما لو كانت الضربة
قاتلة، أو لم يعرض له سبب آخر.
الثانية: أصالة الحل والشك في السبب المحرم، كالطائر المقصوص،
والظبي المقرط (1) وقوى (2) الأصحاب التحريم (3).
أما لو علق أحد رجلين ظهار زوجته بكون الطائر غرابا، وعلقه
الآخر بكونه غير غراب، فالأولى عدم وقوع الظهارين، إذا امتنع استعلام
حاله، عملا بالأصل، وإن كان الاجتناب أحوط. ولو كان في زوجتين
لواحد، اجتنبهما، لأنه قد علم تحريم إحداهما في حقه لا بعينها.
ولو غلب الظن على تأثير السبب بنى على التحريم، كما لو بال كلب
في الماء فوجده متغيرا. أما لو كان بعيدا فلا أثر له، كتوهم الحرمة فيما
في يد الغير، وإن كان الورع ترك ما في يد من لا يجتنب المحارم، وقد
روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (اني لأجد التمرة ساقطة على
فراشي فلولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها) (4)
ولو تساوى الاحتمالان، كطين الطريق، وثياب مدمن الخمر (5)
والنجاسة، والميتة مع المذكى غير المحصور، والأخت مع نساء غير محصورات

(1) القرط: الذي يعلق في شحمة الأذن.
(2) في (م) و (أ): فظاهر.
(3) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 6 / 75، وابن إدريس /
السرائر: 360، والعلامة الحلي / التحرير. 2 / 158.
(4) انظر: المتقي الهندي / كنز العمال: 3 / 285، حديث: 4705
(باختلاف بسيط). وقد تقدم في قاعدة 26.
(5) زيادة من (أ).
182

فالأقرب البناء على الحل، وإن كان تركه أحوط مع وجود غيره مما
لا شبهة فيه. أما لو انحصرا، فالأولى الحرمة، لأنه من باب ما لا يتم
الواجب إلا به.
ولو عم في بلدة (1) الحرام وندر فيها الحلال، فالأولى التجنب
مع الامكان، ولو لم يمكن، تناول ما لابد منه من غير تبسط. هذا إذا
علم المالك، ولو جهل فعندنا الفرض الخمس، فيمكن أن يقال: من
تناول منه خمسه. وعند العامة (2) كل مال، جهل مالكه ولا يتوقع
معرفته فهو لبيت المال. وقد نظم بعضهم (3) وجوه بيت المال فقال:
جهات أموال بيت المال سبعتها * في بيت شعر حواها فيه لافظه (4) -
خمس، خراج، وفئ، جزية عشر * وإرث فرد، ومال ضل حافظه (5)
وظاهر كلام أصحابنا (6) انحصار وجوه بيت المال في المأخوذ من
الأرض المفتوحة عنوة، خراجا أو مقاسمة. ويمكن إلحاق سهم سبيل
الله في الزكاة به على القول بعمومه (7). وقد ذكر (8)

(1) زيادة من (أ).
(2) انظر: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام: 1 / 84.
(3) هو القاضي بدر الدين بن جماعة. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر
: 564.
(4) في الأشباه والنظائر: كاتبه.
(5) في الأشباه والنظائر: صاحبه.
(6) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 427.
(7) قيل: إن مصرف سبيل لله القرب كلها، وهو اختيار المصنف
في اللمعة. وقيل: يختص بالجهاد. انظر: الشهيد الثاني / الروضة البهية: 1 / 109.
(8) في (ح) زيادة: بعض.
183

الأصحاب (1) أن مصرف الجزية عسكر الاسلام. والعشر لا أصل له
عندنا (2). وإرث من لا وارث له للامام. والمال المأيوس من صاحبه
يتصدق به. نعم قد يشكل (3) المرتضى (4) رحمه الله في دية الجناية
على الميت أنها لبيت المال. ويجري في كلام بعض أصحابنا (5) أن ميراث
من لا وارث له لبيت المال. وأما الخمس فمصرفه معروف عندنا.
قاعدة [51]
الشرط إذا دخل على السبب منع تنجيز حكمه لا سببيته، كتعليق
الظاهر على دخول الدار، فإنه لولا التعليق وقع الظهار في الحال.
وعند الحنفية (6)، ويظهر من كلام الشيخ (7)، منع سببية السبب

(1) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 2 / 51، والعلامة الحلي /
تذكرة الفقهاء: 1 / 442.
(2) ذكر الشيخ الطوسي والعلامة الحلي أن الأعشار التي تؤخذ من
المشركين للمقاتلة المجاهدين، كالجزية. أنظر: الخلاف: 2 / 51،
وتذكرة الفقهاء: 1 / 442.
(3) في (ك): استشكل.
(4) أنظر: الانتصار: 272، وأجوبة المسائل الموصليات الثانية:
68 (مخطوطة بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم 438).
(5) أنظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 214 - 215.
(6) أنظر أصول السرخسي: 2 / 35، و عبد العزيز البخاري / كشف
الاسرار: 4 / 173، والزنجاني / تخريج الفروع على الأصول: 64 - 65.
(7) أنظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 5 / 154.
184

لأنه داخل على ذات السبب.
قلنا: بل دخل على حكم السبب، وهو التنجيز، فأخره (1).
وتظهر الفائدة في مسائل:
منها: أن البيع بشرط الخيار ينعقد سببا لنقل الملك في الحال،
وإنما أثر الشرط في تأخير حكم السبب، وهو اللزوم.
ومنها: أن الخيار يورث، لان الملك انتقل إلى الوارث، والثابت
له بالخيار حق الفسخ والامضاء، وهما راجعان إلى نفس العقد.
ومنها: بطلان تعليق الطلاق والظهار على النكاح، وتعليق العتق
على الملك، لان الصيغة المعلقة سبب لوقوع الطلاق عندهم (2)، والظهار
عندنا، ولابد من كون المحل صالحا لاتصال الصيغة به حتى يمكن تأخيره
وقبل النكاح ليس صالحا.
قاعدة [52] المانع ثلاثة أقسام (3):
أحدها: ما يكون مانعا ابتداء واستدامة، كالمعصية في السفر،
وكالردة تمنع صحة النكاح ابتداء وتبطله استدامة، إما في الحال كقبل

(1) في (ح) زيادة: ابتداء.
(2) أي عند غير الامامية. انظر في ذلك: الشيرازي / المهذب:
2 / 88، وابن جزي / قوانين الأحكام الشرعية: 256.
(3) انظر في هذه القاعدة: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام:
2 / 103 - 104.
185

الدخول أو كون الزوج عن فطرة، أو بعد انقضاء العدة في غيرها (1).
والرضاع كذلك. وفي الزنا ووطئ الشبهة خلاف (2).
ومنه: أن الملك يمنع من العقد، ولو طرأ بعد النكاح أبطله.
وفي منع الكر من النجاسة استدامة كالابتداء، قولان (3)، يعبر
عنهما (باتمام النجس كرا).
(ومنه: العنة في العنين) (4) والجنون في الرجل ابتداء يمنع
لزوم العقد، وكذا يمنع استدامة النكاح.
الثاني: ما يكون مانعا ابتداء لا استدامة، كالاحرام، يمنع من
ابتداء النكاح، وطريانه لا يبطله. والاسلام، يمنع من ابتداء السبي ولا يمنع
من (5) استدامته. والتمكن من استعمال الماء، مانع من ابتداء الصلاة،
ولا يبطل استدامتها في الأصح. والدين، لا يصح ابتداء الرهن فيه،
ويصح بالاستدامة، كما لو اتلف متلف الرهن، فعوضه رهن، وقد صار
دينا، لأنه ثبت في ذمة المتلف.
ولو سبي الذمي لم يحكم باسلام المسبي، ولو طرأ تملك ما سباه
المسلم لم يخرج عن حكم الاسلام. وكذا ما عدا العنة والجنة (6) من العيوب.

(1) في (ك) و (م) و (ح): غيرهما. والظاهر أن ما أثبتناه
هو الصواب، لان الضمير يعود إلى (الفطرة) أي أن الارتداد إن كان
عن غير فطرة يبطل النكاح بعد انقضاء العدة.
(2) انظر: العلامة الحلي / المختلف: 4 / 47 - 77.
(3) انظر: المصدر السابق: 1 / 3.
(4) في (ك): وفيه القنية في العين.
(5) زيادة من (م) و (أ).
(6) أي الجنون.
186

وعصف الريح يوجب الضمان لو كان ابتداء، لا استدامة.
والاسلام يمنع من تملك الذمي إياه، ولو طرأ الاسلام لم يزل
ملك الذمي.
والارتداد يمنع من ابتداء الاحرام، وفي منعه استدامة وجه ضعيف (1).
فلو أسلم بعد الردة بنى (2)، على الأقوى، كالمعصية في السفر، والمأخذ:
أن المؤمن لا يمكن كفره، وقد تبين فساده في علم الكلام (3). ولو
سلم (4) لم يكن مما نحن فيه، لان ذلك يكشف عن سبق الكفر.
والاحرام، يمنع التوكيل في عقد النكاح، ولو كان له وكيل
لم ينعزل، إلا أنه لا يباشر إلا بعد تحلل الموكل. ولا فرق بين الحاكم
وغيره في أن إحرامه يمنع من عقد النكاح، وهل يمنع إحرامه نوابه (5)
المحلين من عقد النكاح؟ نظر. والامام الأعظم أقوى في عدم المنع،
لأدائه إلى تعطيل حكام الأرض من التصرف.
والعدد في الجمعة شرط في الابتداء، لا الدوام.
ولو جنى المرهون على سيده الراهن خطأ لم يثبت له الفك، ولو
جنى على مورث السيد فالأقرب أن له الفك، لان الفك وقع أولا
للمورث.
الثالث: ما يكون مانعا استدامة لا ابتداء، كابتداء الرهن (فان

(1) ذهب إليه بعض الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 203.
(2) أي بنى على الاحرام.
(3) انظر: العلامة الحلي / المسائل المهنائية: ورقة: 3 (مخطوطة
بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف، ضمن مجموع برقم: 1107).
(4) في (ك): أسلم، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(5) في (م): تولية، وفي (أ): نيابة.
187

أمانته ترفع) (1) ضمان الغاصب، على احتمال، مع أنه لو تعدى في
الاستدامة ضمن.
فائدة
من فروع المجاز: أن المشرف على الزوال هل له حكم الزائل،
أو حكم نفسه؟
ويترتب عليه:
دخول المكاتب في عتق عبيده إذا كان مطلقا أو مشروطا، ولو
أدى المطلق اتجه الكلام في الباقي. وكذا إقامة الحد عليه هل هي
للسيد أو للحاكم؟
وجواز وطئ المشتري الجارية بعد التنازع (2) في الثمن قبل التحالف.
وتغريم الغاصب إذا بل الحنطة وتمكن منها العفن بحيث لا يرجى
عودها، وكذا لو جعل منها هريسة، أو غصب تمرا ودقيقا وسمنا واتخذ
منه عصيدة، فان مصيره إلى الهلاك لمن لا يريده.
وبيع العبد الجاني بما يوجب القصاص في النفس، وبيع المرتد
خصوصا عن فطرة، ورهن ما يتسارع إليه الفساد قبل الأجل، ولم
يشترط بيعه، ورهن ثمنه، والحجر بظهور إمارة الفلس، كأن تكون
الديون مساوية لماله إلا أن كسبه لا يفي بمؤنته فإنه مشرف على قصور
ماله عن ديونه. وينعكس فيما لو كانت أمواله أقل لكن كسبه يزيد عن
مؤنته، فهو مشرف على الغنى.

(1) في (ح): فإنه أمانة يرفع.
(2) في (م) و (أ): النزاع.
188

قاعدة [53]
الواجب: ما يذم تاركه شرعا لا إلى بدل.
ويطلق على ما لابد منه وإن لم يتعقبه الذم. ويبنى عليه:
نية الصبي في تمرينه (1) الوجوب. وإن استعمله (2) في الطهارة
الكبرى هل يلحقه حكم الاستعمال؟ وأن طهارته الواقعة في الصبي مجزية
حتى لو بلغ لم يجب إعادتها. وأن صلاته في أول الوقت صحيحة، فلو
بلغ لم يعدها. والأصح وجوب الإعادة في الموضعين (3). وأنه لو
غسل ميتا أو صلى عليه هل يعتد به؟ والأصح عدم الاعتداد (4).
فصل
الواجب على الكفاية له شبه بالنفل من حيث يسقط عن البعض بفعل
الباقين. وقد يسقط بالتعرض له فرض العين، كمن له مريض يقطعه
تمريضه عن الجمعة، وإن كان غيره من الأقارب قد يقوم مقامه، ومن
ثم ظن بعض الناس (5): أن الاتيان بفرض الكفاية أفضل من فرض
العين (6)، من حيث إنه يسقط بفعله الحرج عن نفسه وعن غيره.

(1) في (ح) و (أ) زيادة: نية.
(2) أي استعمل الماء.
(3) وللشافعية قول بالاجزاء انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر:
241، 246.
(4) وهو قول للشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 241.
(5) في (م) و (أ): المتأخرين.
(6) ذهب إليه أبو إسحاق الأسفرائيني والجويني ووالده. انظر:
السيوطي / الأشباه والنظائر: 160، 439، وعلاء الدين البعلي /
القواعد والفوائد الأصولية: 188.
189

ويشكل: بجواز استناد الأفضلية إلى زيادة الثواب والمدح، لا إلى
إسقاط الذم.
اما الشروع فيه، فإنه يلزم إتمامه غالبا، كالجهاد وصلاة الجنازة.
ومن أن فيه شبها بالندب جاز الاستئجار عليه، كالاستئجار على
الجهاد وربما جاز أخذ الأجرة على فرض العين، كاللبأ (1) من الام،
وإطعام المضطر إذا كان له مال، فإنه يطعمه ويأخذ العوض.
قاعدة (2) [54]
يصح الامر تخييرا (بين أمور) (3)، ويتعلق بالقدر المشترك وهو
مفهوم أحدها (4)، ولا تخيير فيه. ومتعلق التخيير الخصوصيات، لأنه
لا يجب عليه عين أحدها، كما لا يجوز له الاخلال بجميعها.
وهل يصح النهي تخييرا؟
منع منه بعضهم (5)، لان متعلقه هو مفهوم أحدها، الذي هو
مشترك بينها، فيحرم جميع الافراد، لأنه لو دخل فرد إلى الوجود لدخل

(1) اللبأ: على فعل بكسر الفاء وفتح العين: أول الألبان عند
الولادة. انظر: ابن منظور / لسان العرب: 1 / 150، مادة (لبأ).
(2) في (أ): فائدة.
(3) زيادة من (ك) و (ح).
(4) في (ك): واحد.
(5) وهم المعتزلة. انظر: القرافي / الفروق: 2 / 5، 8.
190

في ضمنه المشترك، وقد حرم بالنهي.
لا يقال: ينتقض بالأختين، والام، والبنت، فإنه منهي عن
التزويج بأيتهما شاء (1).
فنقول: التحريم هنا ليس على التخيير، لأنه إنما يتعلق بالمجموع
عينا لا بالمشترك بين الافراد، ولما كان المطلوب أن لا تدخل ماهية المجموع
في الوجود، وعدم الماهية يتحقق بعدم جزء من اجزائها، أي الاجزاء
كان، فأي أخت تركها خرج عن عهدة النهي عن المجموع، لا لأنه
نهي عن القدر المشترك، بل لان الخروج عن عهدة المجموع يكفي فيه
فرد من أفراد ذلك المجموع، ويخرج عن العهدة بواحدة لا بعينها.
وكذا نقول في خصال الكفارة لما وجب (2) المشترك حرم ترك الجميع،
لاستلزامه ترك المشترك، فالمحرم ترك الجميع لا واحدة بعينها من الخصال.
فلا يوجد نهي على هذه الصورة إلا وهو متعلق بالمجموع لا بالمشترك،
وكيف لا يكون كذلك، ومن (3) المحال العقلي أن يفعل فرد من نوع،
أو جزئي من كلي مشترك، ولا يفعل ذلك المشترك المنهي عنه؟؟ لاشتمال
الجزئي على الكلي بالضرورة، وفاعل الأخص فاعل الأعم، فلا يخرج
عن العهدة في النهي إلا بترك كل فرد.
فرعان: أحدهما: يمكن التخيير بين الواجب والندب إذا كان
التخيير بين جزء وكل، لابين أمور متبائنة، وذلك كتخيير النبي صلى
الله عليه وآله في قيام الليل بين الثلث، والنصف، والثلثين (4). وتخيير

(1) أورد هذا الاشكال وأجاب عنه القرافي في / الفروق 2 / 6 - 7.
(2) في (أ) زيادة: القدر.
(3) في (أ): لأنه من.
(4) قال تعالى في سورة المزمل: 1 - 4: (يا أيها المزمل قم
الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن
ترتيلا). قال بعض العلماء: خيره الله تعالى بين الثلث والنصف والثلثين.
انظر: القرافي / الفروق: 2 / 9.
191

المسافر في الأماكن الأربعة (1) بين القصر والاتمام، وتخيير المدين في
إنظار المعسر والصدقة (2)، وفي هذا يقال: المندوب أفضل من الواجب.
ثانيهما: قد يقع التخيير بين ما يخاف سوء عاقبته وبين ما لا خوف
فيه، كخبر الاسراء، وأنه عليه السلام خير بين اللبن والخمر، فاختار
اللبن. فقال له جبرئيل عليه السلام: (اخترت الفطرة ولو اخترت
الخمر لغوت أمتك) (3). وليس هذا تخييرا بين المباح والحرام، لان
سوء العاقبة يرجع إلى اختيار الفاعلين.
فائدة
من المبني على أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب: وجوب غسل
الثوب كله عند اشتباه النجاسة في اجزائه، وغسل الثياب المحصورة عند
اشتباه النجس منها، ووجوب إعادة ثلاث صلوات أو الخمس عند
اشتباه الفائتة، ووجوب أجرة الكيال والوزان على البائع في المبيع وعلى

(1) وهي: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والحائر الحسيني،
ومسجد الكوفة.
(2) في الفروق: 2 / 10: والابراء، بدلا من: الصدقة.
(3) انظر: القرافي / الفروق: 2 / 12. ورواه مسلم مجردا عن
الفقرة الأخيرة وهي (ولو اخترت....) انظر: صحيح مسلم:
1 / 145، باب 74 من كتاب الايمان، حديث: 259.
192

المشتري في الثمن. ووجوب الاكاف (1)، والحزام، والزمام (2)،
والقتب (3)، على المؤجر.
فائدة
روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: (إن الله تجاوز لي عن أمتي: الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا
عليه) رواه ابن ماجة (4)، والدار قطني (5) باسناد حسن، وصححه
الحاكم في المستدرك (6)، ورويناه نحن عن أهل البيت (7) عليهم السلام.

(1) الاكاف والاكاف من المراكب شبه الرحال والأقتاب توضع
على ظهرها. انظر: ابن منظور / لسان العرب: 9 / 80، مادة (أكف).
(2) الزمام: الخيط الذي يشد في البرة أو في الخشاش ثم يشد في طرفه
مقود الحيوان. انظر: الجوهري / الصحاح: 1 / 295، مادة (زمم).
(3) القتب رحل صغير على قدر سنام البعير. انظر: المصدر
السابق: 1 / 290، مادة (قتب).
(4) روى هذا النص ابن ماجة عن أبي ذر الغفاري (رض).
وروى عن ابن عباس: (إن الله وضع...) سنن ابن ماجة:
1 / 659، باب 16 من كتاب الطلاق، حديث: 2043، 2045.
(5) سنن الدارقطني: 4 / 170 - 171، حديث: 33 من كتاب
النذور، بلفظ: (ان الله عز وجل تجاوز لامتي...).
(6) انظر: 2 / 198، بلفظ: (تجاوز الله عن أمتي...).
(7) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 16 / 173، باب 16
من أبواب الايمان، حديث: 4 و 5 (باختلاف بسيط). كما ورد
بمضمونه عدة أحاديث. انظر نفس المصدر، حديث: 3، 6،
و ج 11 / 295، باب 56 من أبواب جهاد النفس، حديث: 1 - 3.
193

وفي حكم الخطأ الجهل.
ولابد فيه من تقدير، ويعبر عنه (بالمقتضى)، إما حكم، أو إثم،
أو لازم، أو الجميع، على خلاف بين الأصوليين (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: (لعن الله اليهود حرمت عليهم
الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها) رواه مسلم (2). وفيه دلالة على إضمار
جميع التصرفات المتعلقة بالشحوم في التحريم، وإلا لما توجه الذم على البيع.
وقد وقع في الأحكام ارتفاع الحكم، كمن نسي صلاة الجمعة، أو
تكلم في الصلاة ناسيا، أو فعل المفطر في الصوم المتعين ناسيا، أو أخطأ
فصلى بغير طهارة صحيحة، أو ظن طهارة الماء فتطهر، أو أكره على
أخذ مال الغير.
وورد فيها ارتفاع الاثم، كمن نسي صلاة الظهر، أو ظن جهة
القبلة فأخطأ، فإنه لا يرتفع الحكم، إذ يجب القضاة، وإنما ترتفع المؤاخذة
به، والاثم عليه. ووجوب التدارك هنا من أمر جديد، كقوله صلى الله عليه وآله:

(1) انظر: العلامة الحلي / نهاية الأصول: بحث المجمل - في
بيان أن رفع الخطأ ليس مجملا (مخطوطة بمكتبة السيد الحكيم العامة
بالنجف برقم: 878).
(2) روى مسلم عدة أحاديث بهذا المضمون، وليس بالنص الذي
أورده المصنف. انظر: صحيح مسلم: 3 / 1207، 1208، باب 13
من أبواب المساقاة، حديث: 71 - 74. نعم أورده بهذا النص القرافي
في / الفروق: 3 / 239 - 240.
194

(من نام عن صلاة، أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها) (1).
وقد يقع النسيان والخطأ في المنهيات عنها لذواتها، وهو ثلاثة أقسام:
الأول: ما لا يتعلق بالغير، كمن نسي فأكل طعاما نجسا، أو جهل
كون هذا خمرا فشربه. وهذا أيضا يرتفع فيه الحكم والاثم، لان الحد
- مثلا - للزجر، وذلك إنما يكون مع الذكر.
الثاني: ما يتعلق بالغير، كمن أكل ما أودعه نسيانا أو مخطئا،
فالمرفوع هنا الاثم والمؤاخذة بالتعزير، وإن كان عليه الضمان.
الثالث: ما يتعلق بحق الله وحق العباد، كالقتل خطأ أو نسيانا،
أو الافطار في الصوم المتعين، وهذا كالثاني فتجب الكفارة والدية.
وربما جعل هذا من (2) خطاب الوضع، كوجوب القيمة على النائم
المتلف، والصبي والمجنون، وإن لم يتصور فيهم تكليف. ومثله الوطئ
بالشبهة، ويمين الناسي. وفي حنث الجاهل نظر، كما لو حلف على ترك
شئ في وقت معين، ففعله جاهلا به والأقرب العدم، للحديث (3).

(1) أورده بهذا اللفظ الغزالي في / المستصفى: 2 / 5 (الطبعة الأولى)
وانظر: سنن ابن ماجة: 1 / 228، باب 10 من أبواب الصلاة، حديث:
698، وسنن النسائي: 1 / 294، باب 53 من أبواب المواقيت، وصحيح
الترمذي: 1 / 289، باب 15 من أبواب الصلاة، حديث: 1 (باختلاف
في اللفظ).
(2) في (ح) زيادة: باب.
(3) لعله يقصد به حديث الرفع عما لا يعلم، فقد قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: (رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا
عليه، وما لا يعلمون...). انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة:
11 / 295، باب 56 من أبواب جهاد النفس، حديث: 1، 3.
195

ولو علق الظهار على فعل، ففعله جاهلا به، فالاشكال أقوى
في وقوع الظهار.
واتفق الأصحاب (1) على أن الجاهل والناسي لا يعذران في قتل
الصيد في الاحرام، ولا في ترك شرط أو فعل من أفعال العبادات (2)
المأمور بها، إلا ما ذكروه من الجهر والاخفات، والقصر والتمام.
وبعضهم (3) جعل ما هو من قبيل الاتلاف في محرمات الاحرام
لاحقا بالصيد، كحلق الشعر، وقلم الظفر، وقلع الحشيش والشجر في الحرم.
وقالوا: يعذر المخطئ في دفع الزكاة إلى من ظهر غناه أو فسقه
إذا اجتهد (4)، وفي بقاء الليل مع المراعاة فيظهر خلافه، وفي دخول
الليل فيكذب ظنه.
ومن ذلك: الصلاة خلف من يظنه أهلا فبان غير ذلك.
ويشكل في الجمعة، لان من شرط صحتها الامام فينبغي البطلان لو
ظهر عدم الأهلية. وكذا في العيد مع الوجوب.
ولو أخطأ جميع الحاج فوقفوا العاشر، فالأقرب الاجزاء، للمشقة
العامة، وكثرة وقوعه، بخلاف الثامن، لندور شهادة الزور مرتين في
شهرين، بخلاف ما إذا أخطأ شرذمة قليلة فوقفوا العاشر، فان التفريط

(1) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 1 / 167، وابن إدريس /
السرائر: 124 - 125، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام: 1 / 115.
(2) في (أ) و (م): العبادة.
(3) انظر: الشافعي / الام: 2 / 175، والنووي / المجموع: 7 / 342.
(4) هو قول للشافعية والأصح عند الحنابلة، انظر: الشيرازي /
المهذب: 1 / 175، والسيوطي / الأشباه والنظائر: 207، وابن رجب /
القواعد: 236.
196

منهم، حيث لم يبحثوا.
قاعدة [55]
الاكراه يسقط أثر التصرف، إلا في مواضع:
الأول: اسلام الحربي، والمرتد عن ملة، والمرأة مطلقا، لا (1)
الذمي.
الثاني: الارضاع، فينشر الحرمة لارتباطه بصورة وصول اللبن إلى
الجوف لا بالقصد.
الثالث: الاكراه على القتل.
الرابع: الاكراه على الحدث بالنسبة إلى الصلاة، والطواف.
الخامس: طلاق المظاهر والمولي، ومع الاشتباه بين الزوجين،
حيث حكمنا بصحة الاكراه.
السادس: بيع المال في الحقوق الواجبة ولا سبيل إلا به.
السابع: قبض الزكاة والخمس، فإنه معتبر مع الاكراه.
الثامن: اختيار من أسلم على أكثر من النصاب لو أدى الامر إلى
إكراهه عليه.
التاسع: تولي الحد والقصاص لو لم يباشره أحد إلا بالاكراه.
واختلف في الاكراه على فعل المنافي في الصلاة (2) عدا الحدث.

(1) في (ك): إلا. وفي وجه للشافعية أنه لا أثر لاكراهه.
انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 224.
(2) ذهب الشافعية إلى أنه لا أثر للاكراه في فعل المنافي للصلاة،
فإنه يبطلها. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 223.
197

وفي تحقق الاكراه على زنا الرجل (1)، والأظهر تحققه، لان الانتشار
طبيعي، والاكراه إنما هو على الايلاج، وهو متصور (2).
قاعدة [56]
الأمر والنهي متعلقهما إما أن يكون معينا أو مطلقا. والمعين إما أن
يتجزأ، أو لا.
والأول: يشترط في الامر الاستيعاب، كمن حلف على الصدقة بعشرة،
فلا يكفي البعض.
وفي النهي يكفي الانتهاء عن البعض، فلو حلف على أن لا يأكل
رغيفا، أو علق الظهار به، فلابد من استيعابه في تحقق الحنث، فلا يحنث
بالبعض، لان الماهية المركبة تعدم بعدم جزء منها.
وقال بعض العامة (3): يحنث في النهي بمباشرة البعض، فلو أكل
بعض الرغيف المحلوف على تركه حنث، لأنه إذا أكل منه شيئا فقد
أخرجه عن مسمى الرغيف، لان الحقيقة المركبة تعدم بعدم بعض أجزائها.
قلنا: توجه النهي إنما هو على المجموع.
واما ما لا يتجزأ فلا فرق بين الأمر والنهي، كالقتل، لو حلف

(1) ذهب بعض الشافعية إلى أن الاكراه لا يتصور في زنا الرجل،
فلا أثر له. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 228.
(2) في (م) و (أ): مقصود، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(3) ذهب إليه بعض الحنفية والمالكية. انظر: القرافي / الفروق:
3 / 74، 76، وقاضي خان / الفتاوى الخانية: 2 / 45، وابن عابدين /
رد المحتار: 3 / 96 - 97.
198

على فعله أو تركه.
واما المطلق: ففي الامر يخرج عن العهدة بجزئي من جزئياته، وفي النهي لابد من الامتناع عن جميع جزئياته، فلو حلف على أكل رمان،
بر بواحدة، ولو حلف على تركه، لم يبر إلا بترك الجميع، لأن المطلق
في جانب النهي كالنكرة المنفية في العموم مثل: لا رجل عندنا.
قاعدة [57]
النهي في العبادات مفسد وإن كان بوصف خارج، كالطهارة بالماء
المغصوب، والصلاة في المكان المغصوب.
وفي غيرها مفسد إذا كان عن نفس الماهية، لا لأمر خارج، فالبيع
المشتمل على الربا فاسد لا يملك المساوي ولا الزائد، والبيع وقت النداء
صحيح، لان النهي في الأول لنفس ماهية البيع، وفي الثاني لوصف خارج.
وفي ذبح الأضحية والهدي بآلة مغصوبة، نظر.
فائدة (1)
مما يشبه الامر الوارد بعد الحظر: النظر إلى المخطوبة هل هو مجرد
الإباحة أم مستحب؟ والابراد في شدة الحر كذلك. ورجوع المأموم إذا
سبق الامام بركن، ظاهر الأصحاب وجوبه. وكقتل الأسودين (2)،
الحية والعقرب، في الصلاة، وقد وقع (3) الامر به (4)، مع أن

(1) في (ح) و (م): قاعدة.
(2) في (ح): الأسود من.
(3) في (ح) و (م): ورد.
(4) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 4، 1269 - 1270،
باب 19 من أبواب قواطع الصلاة، حديث: 1 - 5.
199

الأفعال الكثيرة في الصلاة محرمة، والقليلة مكروهة، فهل هذا مع القلة
مستحب أم مباح؟
قاعدة [58]
مما يجب على الفور من الأوامر بدليل من خارج: دفع الزكاة،
والخمس، والدين عند المطالبة، لان المقصود من شرعية الزكاة والخمس
سد خلة الفقراء ومعونة الهاشميين، ففي تأخيرهما إضرار بهم لا سيما مع
تعلق أطماعهم به. والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لان تأخيرهما
كالتقرير على المعصية. والحكم بين الخصوم، لان المعتدي (1) منهما ظالم
فيجب كفه عن ظلمه، كالأمر بالمعروف، ولان ظلمه مفسدة ناجزة،
وتأخر الحكم يحققها. وإقامة الحدود والتعزيرات، لان في تأخيرها تقليل
الزجر عن المفاسد المترتبة عليها، إلا أن يعرض ما يوجب التأخير،
كخوف الهلاك، والسراية حيث لا يكون القصد اتلاف النفس.
ومنها: الجهاد، وقتال البغاة، لئلا تكثر المفسدة.
ومنها: الحج عندنا، لدلالة الاخبار عليه (2). ولان تأخيره
كالتفويت، لجواز عروض العارض، إذ قد يتمادى تأخيره سنة إلى سنة،
والسلامة فيها من العوارض، مشكوك فيه.
ومنها: الكفارات، لأنها كالتوبة الواجبة على الفور من المعاصي.
ورد السلام، لفاء التعقيب في قوله تعالى: (فحيوا بأحسن منها) (3).

(1) في (أ) و (م) و (ح): المتعدي
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 8 / 16 - 21، باب
6 من أبواب وجوب الحج، حديث: 1 - 12.
(3) النساء: 86.
200

ولان المسلم يتوقعه في الحال فتأخيره إضرار به.
قاعدة [59]
في العام والخاص
حكم ما يتصرف من (جميع) في العموم حكم (جميع)، (كأجمع)
و (جمعاء)، و (أجمعين)، وتوابعها المشهورة (كأكتع) وأخواته.
(وسائر) شاملة إما لجميع ما بقي، أو للجميع على الاطلاق، على
اختلاف تفسيرها (1). وكذا: (معشر)، و (معاشر)، و (عامة)
و (كافة)، و (قاطبة)، و (من) الشرطية والاستفهامية، وفي
الموصولة خلاف (2).
وقال بعضهم (3): (ما) الزمانية للعموم، وإن كانت حرفا،
مثل: (إلا ما دمت عليه قائما) (4). وكذا المصدرية إذا وصلت بفعل
مستقبل مثل: يعجبني ما تصنع. و (أي) في الشرط والاستفهام،
وإن اتصل بها (ما) مثل (إيما امرأة نكحت). و (متى) و (حيث)

(1) انظر: ابن منظور / لسان العرب: 4 / 390، مادة (سير):
(2) انظر: التفتازاني / شرح التلويح على التوضيح: 1 / 59،
وشرح المحلى على جمع الجوامع، طبع مع حاشية البناني على الشرح المذكور:
1 / 409 - 410.
(3) هو القرافي. انظر: الفروق: 1 / 100، وحاشية العطار على
جمع الجوامع: 2 / 3.
(4) آل عمران: 75.
201

و (أين) و (كيف) و (إذا) الشرطية إذا اتصلت بواحد منها (ما).
و (مهما) و (أنى) و (أيان) و (إذ ما)، إذا قلنا باسميتها، كما
قاله المبرد (1)، وعلى قول سيبويه أنها حرف (2) ليست من هذا (3) الباب.
قيل (4): و (كم) الاستفهامية.
وحكم اسم الجمع كالجمع، كالناس، والقوم، والرهط. والأسماء
الموصولة كالذي والتي، إذا كان تعريفهما للجنس، وتثنيتهما وجمعهما.
وأسماء الإشارة المجموعة مثل قوله تعالى: (أولئك هم الفائزون) (5)،
(ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم) (6). وكذا مثل (لا يغادر صغيرة
ولا كبيرة إلا أحصاها) (7)، (ولا تدع مع الله إلها آخر) (8):
وكذا الواقع في سياق الشرط مثل: (ليس له ولد) (9) بعد قوله:
(إن امرؤ هلك) (10).
وقال الجويني في البرهان: (أحد) للعموم في قوله تعالى: (وإن

(1) وذهب إليه أيضا ابن السراج والفارسي. انظر: ابن هشام /
مغني اللبيب: 1 / 87.
(2) انظر: ابن هشام / مغني اللبيب: 1 / 87.
(3) زيادة من (م) و (أ).
(4) انظر: ابن فارس / الصاحبي: 158.
(5) التوبة: 20.
(6) البقرة: 85.
(7) الكهف: 49.
(8) القصص: 88.
(9، 10) النساء: 176.
202

أحد من المشركين استجارك) (1).
وكذا قيل (2): النكرة في سياق الاستفهام الذي هو للانكار،
مثل قوله تعالى: (هل تعلم له سميا) (3)، (هل تحس منهم من
أحد) (4).
قيل: وإذا أكد الكلام بالابد، أو الدوام، أو الاستمرار، أو
السرمد، أو دهر الداهرين، أو عوض وقط في النفي، أفاد العموم في
الزمان. وهو بين الإفادة لذلك.
قيل: وأسماء القبائل بالنسبة إلى القبيلة مثل: ربيعة، ومضر،
والأوس، والخزرج، وغسان، وإن كان التسمية لأجل ماء معين (5).
فائدة
اشتهر: أن العام لا يستلزم الخاص المعين (6). ويعنون به في الامر
والخبر، ومن ثم قالوا (7): إذا وكله في بيع شئ، فلا إشعار في

(1) التوبة: 6.
(2) انظر: العطار / حاشية العطار على جمع الجوامع: 2 / 9.
(3) مريم: 65.
(4) مريم: 98.
(5) يقول الجوهري: (وغسان اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد
فنسبوا إليه). الصحاح: 6 / 2174، مادة (غسن).
(6) انظر: القرافي / الفروق: 2 / 13.
(7) قاله أبو حنيفة. انظر: ابن قدامة / المغني: 5 / 125،
وابن عابدين / رد المحتار: 4 / 628.
203

اللفظ بثمن معين، وإنما جاء التعيين من جهة العرف، فان العرف ثمن
المثل، لا الغبن ولا النقصان.
واعترض عليهم (1): بأن مطلق الفعل أعم من المرة والمرات،
ووجوده يستلزم المرة قطعا، لان المرة إن وجدت فظاهر، وإن وجدت
المرات وجدت المرة بالضرورة.
فالحاصل: أن الحقيقة العامة (تارة) تقع في رتب (2) مرتبة بالأقل
والأكثر، والجزء والكل. (وتارة) تقع في رتب (3) متباينة. فالقسم
الأول يستلزم فيه العام الخاص. والقسم الثاني لا يستلزم، كالحيوان.
وحينئذ مسألة الوكالة تستلزم الامر بالبيع بأقل ثمن يمكن، الذي هو مطلق
الثمن، وهو لازم للعمل بمقتضى اللفظ ضرورة، فاللفظ دال عليه بالالتزام.
فان قيل. لا نسلم أن هذا من قبيل العام، بل من قبيل الكل
والجزء، ولا ريب أن وجود الكل مستلزم لوجود الجزء، فالامر بالكل
أمر بالجزء.
فالجواب: أن الأقل مع الأكثر لهما ماهية كلية مشتركة بينهما، وذلك
معنى العموم، كقولنا: تصدق بمال، فإنه مشترك بين الأقل والأكثر،
فيكون أعم منهما، إذ يحمل على الأقل والأكثر، كما يحمل الحيوان على
الانسان والفرس.

(1) انظر: القرافي / القروق: 2 / 13 - 14.
(2 - 3) في (ك) ترتيب، وفي (أ) ترتب، مراتب..
وما أثبتناه مطابق لما في الفروق: 2 / 13.
204

فائدة
قسم بعض الأصوليين ترك الاستفصال في حكاية الحال إلى أقسام:
الأول: أن يعلم اطلاع النبي صلى الله عليه وآله على خصوص الواقعة،
فلا ريب أن حكمه لا يقتضي العموم في كل الأحوال.
الثاني: أن يثبت بطريق ما استفهام (1) كيفيتها، وهي تنقسم إلى
حالات يختلف بسببها الحكم، فينزل إطلاق الجواب عنها منزلة اللفظ الذي
يعم تلك الأحوال كلها.
الثالث: أن يسأل عن الواقعة باعتبار دخولها في الوجود لا باعتبار
أنها وقعت، فهذا أيضا يقتضي الاسترسال على جميع الاقسام التي تنقسم
عليها، إذ لو كان الحكم خاصا ببعضها لاستفصل، كما فعل النبي صلى الله
عليه وآله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر: (أينقص الرطب إذا يبس؟
قالوا: نعم. قال: فلا إذن) (2).
الرابع: أن تكون الواقعة المسؤول عنها قد وقعت في الوجود، والسؤال
عنها مطلق، فالالتفات إلى القصد الوجودي يمنع القضاء على الأحوال
كلها، والالتفات إلى إطلاق السؤال وإرسال الحكم من غير تفصيل يقتضي
استواء الأحوال في غرض المجيب، فمن قال بالعموم لأجل ترك الاستفصال (3)

(1) في (ح) و (أ): استبهام.
(2) انظر: سنن أبي داود: 2 / 225، باب 18 من كتاب البيوع،
ومالك / الموطأ: 2 / 54، وسنن ابن ماجة: 4 / 261، باب 53 من
كتاب التجارات، حديث: 2164 (باختلاف بسيط).
(3) قاله الشافعي وأصحابه. انظر: القرافي / الفروق: 2 / 87، وشرح
المحلى على جمع الجوامع، طبع مع حاشية البناني على الشرح المذكور: 1 / 426.
205

التفت إلى هذا الوجه، وهو أقرب إلى مقصود الارشاد، وإزالة الاشكال.
والفرق بين ترك الاستفصال وقضايا الأحوال: أن الأول ما كان
فيه لفظ وحكم من النبي صلى الله عليه وآله بعد السؤال عن قضية يحتمل
وقوعها على وجوه متعددة، فيرسل الحكم من غير استفصال عن كيفية
تلك القضية كيف وقعت، فان جوابه يكون شاملا لتلك الوجوه، إذ
لو كان مختصا ببعضها والحكم يختلف لبينه النبي صلى الله عليه وآله.
وأما قضايا الأعيان، فهي الوقائع التي حكاها الصحابي ليس فيها
سوى مجرد فعله صلى الله عليه وآله، أو فعل الذي يترتب الحكم عليه،
ويحتمل ذلك الفعل وقوعه على وجوه متعددة، فلا عموم له في جميعها،
فيكفي حمله على صورة منها.
فمن ترك الاستفصال وقائع:
من أسلم على أكثر من أربع وخيره النبي صلى الله عليه وآله،
كغيلان بن سلمة (1)، وقيس بن الحارث (2)، وعروة بن مسعود
الثقفي (3)، ونوفل بن معاوية (4).
ومنه: حديث فاطمة بنت أبي حبيش (5): أن النبي صلى الله عليه
وآله قال لها - وقد ذكرت أنها تستحاض: (إن دم الحيض أسود
يعرف، فإذا كان ذلك فامسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فاغتسلي
وصلي) (6) ولم يستفصل هل لها عادة قبل ذلك أم لا؟ وبه احتج من

(1، 2) انظر: سنن ابن ماجة: 1 / 628، باب 40 من كتاب
النكاح، حديث: 1952، 1953.
(3، 4) انظر: البيهقي / السنن الكبرى: 7 / 184.
(5) في (ك) و (ح): خنيس، وما أثبتناه مطابق لما في الروايات.
(6) لم أعثر على هذا النص وإنما الموجود بمضمونه. انظر:
الحر العاملي / وسائل الشيعة: 2 / 538: باب 3 من أبواب الحيض،
حديث: 4، وصحيح مسلم: 1 / 262: باب 14 من كتاب الحيض،
حديث: 62.
206

قدم من الأصحاب (1) التمييز على العادة.
ومنه: سؤال كثير من الحاج النبي صلى الله عليه وآله عند الجمرة
في التقديم والتأخير فيجيب: (لا حرج) (2)، ولم يستفصل بين العمد
والسهو، والجهل والعلم.
ومنه: جوابه (بنعم) للمرأة التي سألت عن الحج عن أمها بعد
موتها (3)، ولم يستفصل هل أوصت أم لا؟
ومن قضايا الأعيان: ترديد النبي صلى الله عليه وآل ماعزا أربع
مرات في أربعة مجالس (4). فيحتمل أن يكون (قد وقع) (5) ذلك
اتفاقا، لا أنه شرط، فيكفي فيه حمله على أقل مراتبه.

(1) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 1 / 29.
(2) انظر: صحيح مسلم: 2 / 948 - 950، باب 57 من كتاب
الحج، حديث: 327 - 334، والحر العاملي / وسائل الشيعة: 10 / 181،
باب 2 من أبواب الحلق والتقصير، حديث: 2.
(3) انظر: البيهقي / السنن الكبرى: 4 / 335، باب الحج عن
الميت، حديث: 1، 2.
(4) انظر: صحيح مسلم: 3 / 1321 - 1322، باب 4 من كتاب
الحدود، حديث 22.
(5) زيادة من (أ).
207

وحديث أبي بكرة (*) (1) لما ركع ومشى إلى الصف حتى دخل
فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: (زادك الله حرصا فلا تعد) (2)
إذ يحتمل كون المشي غير كثير عادة، كما يحتمل الكثرة، فيحمل على
ما لم يكثر، فلا يبقى في الحديث حجة على جواز المشي في الصلاة مطلقا.
ومنها: صلاة النبي صلى الله عليه وآله على النجاشي (3)، إن
حملت على غير الدعاء. فقيل (4): يحتمل أن يكون قد رفع له سريره
حتى شاهده، كما رفع له بيت المقدس حتى وصفه (5).
ورد: ببعد هذا الاحتمال. ولو وقع لأخبرهم به، لان فيه خرق

* هو نفيع بن الحرث أو مسروح الصحابي. تدلى يوم الطائف من
الحصن ببكرة فكناه رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكرة. كان من فضلاء
الصحابة وصالحيهم، كثير العبادة. توفي بالبصرة سنة 51 أو 52 ه‍ (القمي /
الكنى والألقاب: 1 / 26).
(1) في (ك) و (أ): أبي بكر، والصواب ما أثبتناه طبقا للرواية.
(2) انظر: مسند أحمد: 5 / 39، وسنن أبي داود: 1 / 157،
باب الرجل يركع دون الصف، من كتاب الصلاة.
(3) انظر: صحيح مسلم: 2 / 656 - 658، باب 22 من كتاب
الجنائز، حديث: 62 - 67.
(4) انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل: 2 / 143، وابن عابدين /
رد المحتار: 1 / 908.
(5) انظر: صحيح مسلم: 1 / 156، باب 75 من كتاب الايمان،
حديث: 276، وصحيح البخاري: 2 / 326، باب حديث الاسراء، حديث: 1.
208

عادة، فيكون معجزة، كما أخبرهم بقصة بيت المقدس (1).
وحمله بعضهم (2) على أن النجاشي لم يصل عليه، لأنه كان يكتم
إيمانه، فلم يصل قومه عليه الصلاة الشرعية، فمن ثم قالوا: لا يصلى على
الغائب الذي صلى عليه. ولك أن تقول: لعل هذه خصوصية للنجاشي
رحمه الله،
قاعدة [60]
في المطلق والمقيد
الأجود حمل المطلق على المقيد، لان فيه إعمال الدليلين. وليس
منه: (في كل أربعين شاة شاة) (3) مع قوله عليه السلام: (في الغنم
السائمة الزكاة) (4) حتى يحمل الأول على السوم، لان الحمل هنا يوجب

(1) انظر: ابن قدامة / المغني: 2 / 513، والنووي / المجموع:
5 / 253.
(2) انظر: ابن قدامة / المغني: 2 / 513.
(3) روي هذا النص عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الباقر والصادق والكاظم
عليهم السلام. انظر: سنن أبي داود: 1 / 360، والحر العاملي / وسائل
الشيعة: 6 / 78 - 79، باب 6 من أبواب زكاة الأنعام، حديث: 1، 3.
(4) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 185، 191، ج 2 / 40.
وأورد النوري عن الصادق عليه السلام بمضمونه حديثا، وهو قوله عليه
السلام: (الزكاة في الإبل والبقر والغنم السائمة). انظر: مستدرك الوسائل:
1 / 515، باب 6 من أبواب زكاة الأنعام، حديث: 1.
209

تخصيص العام، فلا يكون جمعا بين الدليلين، بل هذا راجع إلى أن
العام هل يخص بالمفهوم أم لا؟
وكذا ليس منه: (لا تعتقوا رقبة) و (لا تعتقوا رقبة كافرة)
قضية للعموم، فهو تخصيص أيضا، ولا دليل عليه بخلاف النكرة في
سياق الامر، فإنها مطلقة لا عامة. وكذا في النفي.
فالحاصل: إن حمل المطلق على المقيد إنما هو في الكلي، كرقبة،
لا في الكل كما مثلنا به.
فرع:
لو قيد بقيدين متضادين تساقطا، وبقي المطلق على إطلاقه، إلا أن
يدل دليل على أحد للقيدين، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله:
(إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب) (1).
وبهذا عمل ابن الجنيد (*) (2). وروينا (ثلاثا) (3). وروى العامة:

(1) انظر: المتقي الهندي / كنز العمال: 5 / 89، حديث: 1890.
(باختلاف بسيط).
* هو محمد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الإسكافي من أكابر
علماء الإمامية ومتكلميهم. صنف في الفقه والكلام والأدب والأصول
وغيرها من علوم الاسلام، تبلغ مصنفاته نحوا من خمسين كتابا. مات
بالري سنة 381 ه‍. (القمي / الكنى والألقاب: 2 / 22).
(2) انظر العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 1 / 63.
(3) انظر: النوري / مستدرك الوسائل: 1 / 30، باب 1 من
أبواب الأسئار، حديث: 1.
210

(أخراهن (1) بالتراب) (2). وروينا، ورووا: (أولاهن) (3).
فيبقى المطلق على إطلاقه، لكن رواية (أولاهن) أشهر، فترجحت
بهذا الاعتبار.
قاعدة [61]
أفعال النبي صلى الله عليه وآله حجة، كما أن أقواله حجة. ولو
تردد الفعل بين الجبلي (4) والشرعي فهل يحمل على الجبلي، لأصالة عدم
التشريع أو على الشرعي (5)، لأنه صلى الله عليه وآله بعث لبيان
الشرعيات؟
وقد وقع ذلك في مواضع:
منها: جلسة الاستراحة، وهي ثابتة من فعله صلى الله عليه وآله (6).
وبعض العامة (7) زعم أنه إنما فعلها بعد أن بدن وحمل اللحم، فتوهم

(1) في (ك): إحداهن.
(2) انظر: البيهقي / السنن الكبرى: 1 / 241، باب إدخال
التراب في احدى غسلاته.
(3) انظر: الشيخ الطوسي / تهذيب الأحكام: 1 / 225، باب
10، حديث: 29 (عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام)، وصحيح
مسلم: 1 / 234، باب 27 من كتاب الطهارة، حديث: 91.
(4) في (ك): الحل. وما أثبتناه هو الصواب.
(5) في (ك): التشريع.
(6) انظر: البيهقي / السنن الكبرى: 2 / 123.
(7) انظر: ابن قدامة / المغني: 1 / 529، والبابرتي / شرح
العناية على الهداية، بهامش فتح القدير لابن الهمام: 1 / 217.
211

أنه للجبلة.
ومنها: دخوله من ثنية كداء (1): وخروجه من ثنية كدى (2)،
فهل ذلك لأنه صادف طريقه، أو لأنه سنة؟ وتظهر الفائدة في استحبابه
لكل داخل.
ومنها: نزوله بالمحصب (3) لما نفر في الأخير (4)، وتعريسه لما
بلغ ذا الحليفة (5) (6). وذهابه بطريق في العيد، ورجوعه بآخر:
والصحيح حمل ذلك كله على الشرعي.

(1) كداء - بالفتح والمد - الثنية العليا بمكة مما يلي المقابر، وهو
المعلى. انظر: ابن الأثير / النهاية: 4 / 12، مادة (كدا).
(2) كدى - بالضم والقصر - الثنية السفلى مما يلي باب العمرة.
انظر نفس المصدر السابق.
(3) المحصب هو: الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى.
انظر: المصدر السابق: 1 / 232، مادة (حصب).
(4) انظر: صحيح مسلم: 2 / 951، باب 59 من كتاب الحج،
حديث: 337 - 338.
(5) ذو الحليفة: موضع على مقدار ستة أميال من المدينة مما يلي
مكة، وهو ماء لبني جشم. انظر: الفيروزآبادي / القاموس المحيط:
3 / 129، مادة (حلف).
(6) انظر: صحيح مسلم: 2 / 981، باب 77 من كتاب الحج،
حديث: 430 - 434.
212

قاعدة [62]
ما فعله عليه السلام ويمكن فيه مشاركة الامام دون غيره فالظاهر
أنه على الامام، كما كان عليه السلام يقضي الديون عن الموتى، لكونه
(أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (1) وهذا حاصل في الامام، والمروي عن
أهل البيت عليهم السلام: أن على الامام أن يقضي عنه (2).
ولما أقر النبي صلى الله عليه وآله أهل خيبر على الذمة قال: (أقركم
ما أقركم الله) (3) فيجوز ذلك أيضا للامام.
وقيل (4): بالمنع، لان المعنى الذي فعله النبي صلى الله عليه وآله
لأجله هو انتظار الوحي، وهو لا يمكن في حق الامام.
مسألة
كل فعل ظهر فيه قصد القربة، ولم يعلم وجوبه، اختلف فيه هل هو
على الوجوب في حقنا أم الندب؟ خلاف (5). وذلك في مواضع:

(1) الأحزاب: 6.
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 13 / 91، باب 9 من
أبواب الدين والقرض، حديث: 1 - 2.
(3) انظر: مالك بن انس / الموطأ: 2 / 97، حديث: 1،
من كتاب المساقاة، وصحيح البخاري: 3 / 119، حديث: 14 من
كتاب الشروط (باختلاف بسيط).
(4) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 260.
(5) انظر: العلامة الحلي / نهاية الأصول: مبحث التأسي
- في الفعل - في بيان أن فعله هل يدل على حكم في حقنا أم لا؟ (مخطوط
بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم 887)، والبيضاوي / منهاج
الأصول: 61، والأسنوي / نهاية السئول: 2 / 172،، والسيد المرتضى /
الذريعة في أصول الشريعة: 263 (مخلوط بمكتبة السيد الحكيم العامة
بالنجف برقم 943).
213

منها: الموالاة في الوضوء والتيمم، بل وفي الغسل، وفي الطواف
والسعي، وخطبة الجمعة وصلاتها، وكذلك العيد. وعندنا يراعى ذلك
حسبما يأتي في الأحكام.
ومنها: القيام في الخطبة، والحمد، والثناء، والمبيت بمزدلفة. وكل
ذلك صح عندنا وجوبه.
مسألة
لو تعارض الفعل والقول، كما نقل عنه صلى الله عليه وآله وأنه
أمر بالقيام للجنازة (1)، وقام لها ثم قعد (2)، فالظاهر أن الثاني
ناسخ للأول.
فائدة
تصرف النبي صلى الله عليه وآله (تارة) بالتبليغ، وهو الفتوى.

(1) انظر: صحيح مسلم: 2 / 659 - 660، باب 24 من كتاب
الجنائز، حديث: 73 - 77.
(2) انظر المصدر السابق: 2 / 661 - 662، باب 25 من كتاب
الجنائز، حديث: 82 - 84.
214

(وتارة) بالإمامة، كالجهاد، والتصرف في بيت المال. (وتارة)
بالقضاء، كفصل الخصومة بين المتداعيين بالبينة أو اليمين أو الاقرار:
وكل تصرف في العبادة فإنه من باب التبليغ.
وقد يقع التردد في بعض الموارد بين القضاء والتبليغ:
فمنه: قوله عليه السلام: (من أحيا أرضا ميتة (1) فهي له) (2).
فقيل (3): تبليغ وافتاء، فيجوز الاحياء لكل أحد، أذن الامام فيه أم لا.
وهو اختيار بعض الأصحاب (4). وقيل: تصرف بالإمامة، فلا يجوز
الاحياء إلا باذن الامام، وهو قول الأكثر (5).

(1) في (ح): ميتا.
(2) سنن أبي داود: 2 / 158، ومالك / الموطأ: 2 / 121، والحر
العاملي / وسائل الشيعة: 17 / 228، باب 2 من أبواب إحياء الموات،
حديث: 1.
(3) ذهب إليه الشافعية، وأبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن من
الحنفية، ومالك بن انس. انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 423،
والسمرقندي / تحفة الفقهاء: 3 / 553، وأبا يوسف / الخراج: 63 - 64،
وابن قدامه / المقنع: 2 / 286، ومالك / الموطأ: 2 / 121، والقرافي /
الفروق: 1 / 207.
(4) انظر: ابن سعيد الحلي / الجامع: 168 (مخطوط بمكتبة
السيد الحكيم العامة في النجف برقم: 476).
(5) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 3 / 270، وابن إدريس /
السرائر: 245، وابن زهرة / الغنية: 54، والمحقق الحلي / شرائع الاسلام:
3 / 271، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 130، وتذكرة الفقهاء: 2 / 400.
وهو مذهب أبي حنيفة. انظر: السمرقندي / تحفة الفقهاء: 3 / 553.
215

ومنه: قوله عليه السلام لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين قالت
له: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني. فقال لها.
(خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف) (1). فقيل (2): افتاء،
فتجوز المقاصة للمسلط، بإذن الحاكم وبغير اذنه. وقيل (3): تصرف
بالقضاء، فلا يجوز الاخذ إلا بقضاء قاض.
ولا ريب أن حمله على الافتاء أولى، لان تصرفه عليه السلام بالتبليغ
أغلب، والحمل على الغالب أولى من النادر.
فان قيل: فلا يشترط إذن الإمام في الاحياء حينئذ.
قلنا: اشتراطه يعلم من دليل خارج لا من هذا الدليل.
ومنه: قوله عليه السلام: (من قتل قتيلا فله سلبه) (4).

(1) القرافي / الفروق: 1 / 208. ورواه البيهقي بلفظ: (خذي
ما يكفيك وولدك بالمعروف). السنن الكبرى: 7 / 466.
(2) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 6 / 3، والعلامة الحلي /
تحرير الأحكام: 2 / 48، وابن قدامة / المغني: 7 / 570، وابن حزم /
المحلى: 10 / 92، والقرافي / الفروق: 1 / 208 (نقلا عن الشافعي).
(3) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 317، والقرافي / الفروق:
1 / 208 (نقلا عن مالك)، وابن المرتضى / البحر الزخار: 3 / 396
(نقلا عن القاسمية من الزيدية).
(4) مالك / الموطأ: 1 / 303.
216

فقيل، فتوى فيعم، وهو قول ابن الجنيد (1). وقيل: (2) تصرف
بالإمامة، فيتوقف على إذن الإمام، وهو أقوى هنا، لان القضية في بعض
الحروب، فهي مختصة بها. ولان الأصل في الغنيمة أن تكون للغانمين
لقوله تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شئ...) (3) الآية.
فخروج السلب منه ينافي ظاهرها. ولأنه كان يؤدي إلى حرصهم على قتل ذي السلب دون غيره، فيختل نظام المجاهدة، ولأنه ربما أفسد الاخلاص
المقصود من الجهاد. ولا يعارض بالاشتراط (باذن الامام) (4)، لان
ذلك إنما يكون عند مصلحة غالبة على هذه العوارض.
قاعدة [63]
الاجماع، وهو حجة، والمعتبر فيه قول المعصوم عندنا.
وإنما تظهر الفائدة في إجماع الطائفة مع عدم تمييز المعصوم بعينه.
فعلى هذا لو قدر خلاف واحد أو ألف معروفو النسب فلا عبرة بهم،
ولو كانوا غير معروفين قدح ذلك في الاجماع.

(1) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 431 (نقلا عنه).
وهو مذهب الشافعية والحنابلة. انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 237،
وابن قدامة / المقنع: 1 / 491، والمرداوي / الانصاف: 4 / 148.
(2) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 2 / 66، ومالك بن انس /
الموطأ: 1 / 303، والعلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 431، والمرداوي /
الانصاف: 4 / 148.
(3) الأنفال: 41.
(4) زيادة من (ح) و (أ).
217

وعند العامة خلاف في اعتبار النادر، هل يلحق بجنسه أو بنفسه (1)؟
ويتفرع على ذلك: طول مجلس المتعاقدين بما يخرج به عن العادة،
فعندنا يبقى الخيار، إلحاقا له بجنسه (2).
ولو أنت بولد لستة أشهر التحق به، وإن ندر. وكذا السنة في
الأصح.
ومن الاجماع: المسمى بالسكوتي، ولا أثر له عندنا، ولا لما يترتب
عليه من حضور المالك عقد الفضولي وسكوته، ومن سكوت البائع على
وطئ المشتري في مدة الخيار. أما حلق المحل رأس المحرم فالسكوت فيه
موجب للكفارة. وكذا سكوت المحمول عن المجلس عن الفسخ مع تمكنه
من الكلام. واعتبر الشيخ (3) السكوت فيمن قال لرجل: هذا أبني.
وألحق به نسبه.
قاعدة [64]
الشرع معلل بالمصالح، فهي إما في محل الضرورة. أو محل الحاجة،
أو التتمة، أو مستغنى عنها، إما لقيام غيرها مقامها، وإما لعدم ظهور
اعتبارها (4).

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر، 202، والقرافي /
الفروق: 3 / 203.
(2) وهو الأصح عند الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر:
202. (3) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 8 / 181.
(4) انظر: القرافي / الفروق: 4 / 34، والسيوطي / الأشباه
والنظائر: 415 (نقلا عن العلائي).
218

فاشتراط عدالة المفتي في محل الضرورة، لصون الأحكام، وحفظ
دماء الناس، وأموالهم، وأبضاعهم، وأعراضهم. وأبلغ منه الامام.
وكذا يشترط عدالة القاضي، وأمين الحكم (1)، والوصي، وناظر الوقف،
والساعي، للضرر العظيم بالاعتماد على الفاسق فيها. وكذا في الشهادة
والرواية، لان الضرورة تدعو إلى حفظ الشرع وصونه عن الكذب.
وكل موضع تشترط فيه العدالة فهي معتبرة في نفس الامر، وفي
الطلاق وجه أنه يكتفى بالظاهر، إذ يقع غالبا في العوام والبوادي والقرى
فاشتراط العدالة في نفس الامر (حرج وتعطيل) (2).
ودوام العدالة شرط في القاضي والمفتي، لأنا محتاجون إلى دوام
الاعتماد على قولهما، وإنما يتم بالعدالة.
وأما ما هو في محل الحاجة، فكعدالة الأب والجد في الولاية على
الولد. والمؤذن، لاعتماد أصحاب الاعذار على قوله في الأوقات. وإمام (3)
الجماعة أبلغ، لقوله عليه السلام: (الأئمة ضمناء) (4).
وأما ما هو في محل التتمة، فكالولاية في عقد النكاح، لان طبع
الولي (يدفعه عن الخيانة) (5) والتقصير في حق المولى عليه، إلا أنه

(1) في (أ) و (م): الحاكم، وما أثبتناه مطابق لما في الفروق:
4 / 34، والأشباه والنظائر: 415.
(2) في (ح): موجب الحرج والتعطيل، وفي (أ): يوجب
حصول الحرج والتعطيل.
(3) في (ك) و (أ): إمامة.
(4) انظر: المتقي الهندي / كنز العمال: 4 / 146، حديث: 3231.
(5) في (ح): يردعه عن الجناية.
219

لما كان بعض الفساق لا يبالي بذلك جعلت العدالة من المكملات، إذ
ينعقد عندنا نكاح الفاسق من الأولياء، وفيه للشافعية اثنا عشر وجها (1).
ومنه: ولاية تجهيز الموتى، لان فرط شفقة القريب يبعثه على
الاحتياط في ذلك، ولكن مع العدالة يكون أبلغ (2) فلهذا كانت
العدالة هنا يستحب اعتبارها.
وأما المستغنى عنه لعدم ظهور اعتبار الحاجة إليه، فكالاقرار، لان
قضية الطبع حفظ النفس والمال عن الاتلاف، فلا يقر بما يضره. ومن
اعتبر عدالة المقر في المرض، فلان المال قد صار في قوة ملك الغير،
فصار الاقرار كالشهادة التي تعتبر فيها العدالة في محل الضرورة (3).
واما المستغنى عنه لقيام غيره مقامه، فكالتوكيل، والايداع، إذا
صدرا من المالك، فإنه يجوز له توكيل الفاسق وإيداعه إذا وثق به،
إذ طبع المالك يرغبه عن اتلاف ماله، فيكفي ظنه في جوازهما. فلو كان
المالك سفيها قاصر النظر، لم يجز له التصرف.
ولو كان المودع غير المالك لضرورة، اعتبر في الودعي العدالة،
لوجوب الاحتياط عليه في مال غيره بالوازع الشرعي. وكذا التوكيل
فيما يحتاج إلى الأمانة، كامساك السلعة، والتصرف فيها. أما في مجرد
العقد فلا.

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 416.
(2) في (ح): أحوط.
(3) انظر أكثر هذه الفروع في / قواعد الأحكام، لابن عبد السلام:
1 / 76 - 79.
220

قاعدة [65]
ضبط كثير من الأصحاب (1) الاستفاضة: بما يتاخم العلم.
وبعضهم (2): بمحصل العلم. وهذه مأخوذة من الخبر المستفيض عند
الأصوليين (3)، وهو المشهور، بحيث يزيد نقلته عن ثلاثة.
وقال بعضهم (4): يثبت بالاستفاضة اثنان وعشرون (5): النسب
إلى الأبوين، والموت، والنكاح، والولاية، والعزل، والولاء،
والرضاع، وتضرر الزوجة، والوقوف، والصدقات، والملك المطلق،
والتعديل، والجرح، والاسلام، والكفر، والرشد، والسفه، والحمل،
والولادة، والوصاية، والحرية، واللوث قيل: والغصب (6)، والدين
والعتق، والاعسار.

(1) انظر: المحقق الحلي / شرائع الاسلام: 4 / 133، والعلامة
الحلي / قواعد الأحكام: 239.
(2) انظر: العلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 211، والشيرازي /
المهذب: 2 / 335 (نقلا عن الماوردي).
(3) انظر: النسفي / كشف الاسرار: 2 / 6 - 7، والمحلى / شرح
جمع الجوامع، طبع مع حاشية البناني على الشرح المذكور: 2 / 129.
(4) نقل السيوطي عن الصدر موهوب الجزري هذه الموارد إلا في
اثنتين منها، وهما: الولاء والملك المطلق، فقد نقل عنه بدلهما: ولاية
الولي، والأشربة القديمة. انظر: الأشباه والنظائر / 520.
(5) عد القرافي خمسة وعشرين موضعا يثبت بالاستفاضة. انظر:
الفروق: 4 / 55.
(6) أضافه الماوردي انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 520.
221

تنبيه
كل ما جاز الشهادة به جاز الحلف عليه، ومالا فلا. وخرج عن
ذلك: الحلف على تملك ما اشتراه من ذي اليد إذا قلنا لا يشهد له
بالملك، وإن جوزناه فلا خروج.
تنبيه آخر
إن اعتبرنا في الاستفاضة العلم جاز للحاكم أن يحكم بعلمه المستفاد منها،
وإلا فقيه نظر. وقد نصوا على أن الحاكم يحكم بعلمه في التعديل والجرح (1)
مع أنه من الاستفاضة.
وقد يفرق: بأن التعديل كالرواية العامة لجميع الناس، لان نصبه
عدلا يعم كل مشهود عليه، فهو كالرواية التي لا يشترط في قبولها العلم،
بخلاف باقي الأحكام الثابتة بالاستفاضة فإنها أحكام على أشخاص بعينهم،
فاعتبر فيها العلم القطعي.
قاعدة [66]
يجوز الاعتماد على القرائن في مواضع.
وهذه مأخوذة من إفادة الخبر المحتف بالقرائن للعلم، إما بمجرد
القرائن، أو بها وبالاخبار. ولكن معظم هذه المواضع فيها ظن غالب
لاغير، كالقبول من المميز في الهدية، وفتح الباب، واللوث، وجواز

(1) انظر: القرافي / الفروق: 4 / 44.
222

أكل الضيف بتقديم الطعام من غير إذن، والتصرف في الهدية من غير
لفظ، والشهادة بالاعسار عند صبره على الجوع، والعري في الخلوة،
وشبهه.
قاعدة [67]
كل شرط في الرواي والشاهد فإنه معتبر عند الأداء لا عند التحمل،
إلا: في الطلاق قطعا، وفي البراءة من ضمان الجريرة على قول ولا تعتبر
روايته قبل البلوغ وإن صح تحمله ومن العامة (1) من اعتبرها، وفرعوا
عليه: جواز تدبيره، ووصيته، وأمانه كافرا، واسلامه مميزا (2).
فائدة (3)
عمد الصبي في الدماء خطأ، مع نص الأصحاب (4) على حل ذبيحته
واصطياده، مع أن ذينك مشروطان بالقصد، فكيف اعتبر القصد هنا
ولم يعتبر في الدماء؟!

(1) انظر: السخاوي / فتح المغيث: 1 / 271 (نقلا عن بعض
الشافعية). (2) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 7، والغزالي / الوجيز:
1 / 162، والسيوطي / الأشباه والنظائر: 242 - 243.
(3) في (ك) و (م): فوائد.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / النهاية: 582، والعلامة الحلي /
تحرير الأحكام: 2 / 156، 158.
223

وقد بنى الشيخ (1) مباشرته لمحظور الاحرام على أن عمده عمد أو
خطأ. وأجمعنا على أنه لو تعمد الكلام في الصلاة، والافطار في الصيام،
لبطلا.
ويترتب على ذلك: تحريم المصاهرة بوطئه إما عن عقد أو شبهة،
أو إيقاب ذكر.
والمجنون أبعد في اعتبار عمده. واعتبره بعض الأصحاب (2) في
الزنا، محصنا أو غير محصن.
قاعدة [68]
كل ما توعد الشرع عليه بخصوصه فإنه كبيرة. وقد ضبط ذلك
بعضهم (3) فقال: هي:
الشرك بالله، والقتل بغير حق، واللواط، والزنا، والفرار من
الزحف، والسحر، والربا، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم،
والغيبة بغير حق، واليمين الغموس، وشهادة الزور، وشرب الخمر،
واستحلال الكعبة، والسرقة، ونكث الصفقة (4)، والتعرب بعد الهجرة،

(1) الشيخ الطوسي / المبسوط: 1 / 329.
(2) انظر: الشيخ المفيد / المقنعة: 124. وفيه رواية عن أبي
عبد الله الصادق (ع). انظر: الشيخ الطوسي / تهذيب الأحكام:
10 / 19، حديث: 56.
(3) لعله يقصد به شيخ الاسلام العلائي فقد ضبطها بذلك إلا أنه
لم يذكر اللواط. انظر: ابن حجر / الزواجر: 1 / 8.
(4) نكث الصفقة كما فسرها رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله هي:
(أن تبايع رجلا بيمينك ثم تخالف إليه فتقاتله بسيفك). انظر:
ابن حجر / الزواجر: 81.
224

واليأس من روح الله، والامن من مكر الله، وعقوق الوالدين.
وكل هذا ورد في الحديث (1) منصوصا عليه بأنه كبيرة.
وورد أيضا (2): النميمة (3)، وترك السنة، ومنع ابن السبيل
فضل الماء (4) وعدم التنزه في البول، والتسبب إلى شتم الوالدين،
والاضرار في الوصية.
وهناك عبارات أخر في حد الكبيرة:
منها: كل معصية توجب الحد (5).
ومنها: التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بكتاب أو سنة (6).

(1) انظر: المتقي الهندي / كنز العمال: 2 / 110، والحر
العاملي / وسائل الشيعة: 11 / 252 - 263 باب 46 من أبواب جهاد
النفس، وابن حجر / الزواجر: 1 / 9 - 10 (متنا وهامشا):
(2) انظر: ابن حجر / الزواجر: 1 / - 10، والمتقي الهندي /
كنز العمال: 2 / 110، حديث: 2671، 2684.
(3) في (ك) و (ح) و (م): التهمة. وما أثبتناه لعله
هو الصواب، فإني لم أعثر على رواية تنص على عد التهمة من الكبائر،
أما النميمة فقد ورد ذكرها في أحاديث كثيرة، كما أن المصنف
سيذكرها بعد قليل في تقسيمه للكبائر، ولم يذكر التهمة منها.
(4) في (ك): المال. والصواب ما أثبتناه لمطابقته الروايات.
(5) قاله البغوي من الشافعية. انظر: ابن حجر / الزواجر: 1 / 4. (6) انظر: شرح رمضان أفندي على شرح العقائد: 238.
225

ومنها: كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث فاعلها بالدين (1).
ومنها: كل معصية توجب في جنسها حدا (2).
وهذا الكبائر المعدودة عند التأمل ترجع إلى ما يتعلق بالضروريات
الخمس التي هي مصلحة: الأديان، والنفوس، والعقول، والأنساب،
والأموال.
فمصلحة الدين (منها) ما يتعلق بالاعتقاد، وهو إما كفر،
وهو الشرك بالله، أوليس بكفر، وهو ترك السنة، إذا لم ينته
إلى الكفر، وتدخل فيه مقالات المبتدعة من الأمة كالمرجئة، والخوارج،
والمجسمة. وقد يكون الاعتقاد في نفسه خطأ وإن لم يسم كفرا
ولا بدعة، كالامن من مكر الله، واليأس من روح الله. ويدخل
فيه كل ما أشبهه كالسخط بقضاء الله، والاعتراض في قدره.
وقد يكون من أفعال القلوب المتعدية، كالكبر، والمكر، والحسد،
والغل للمؤمنين.
ومن مصالح الدين ما يتعلق بالبدن، إما قاصرا، كالالحاد في
الحرم، فيدخل فيه شبهه كإخافة المدينة الشريفة، والالحاد فيها،
والكذب على النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
وإما متعديا، وقد نص منها على النميمة، والسحر، والفرار (3)
من الزحف، ونكث الصفقة، لان ضرره متعد.
وأما مصلحة النفس، فكالقتل بغير حق. وتدخل فيه جناية
الطرف.

(1) انظر: الجويني / الارشاد: 392.
(2) ذكره ابن حجر في / الزواجر: 1 / 5.
(3) في (م) و (أ): والتولي.
226

وأما العقل، فشرب الخمر. ويدخل فيه كل مسكر. وأكل
الميتة، وسائر النجاسات في معناه، لاشتمال الخمر على النجاسة.
وأما الأنساب، فالزنا، واللواط، وتدخل فيها القيادة. ومن
النسب: عقوق الوالدين، والاضرار في الوصية.
تنبيه (1)
جاء في الحديث: (لا صغيرة مع الاصرار) (2). والاصرار:
إما فعلي، وهو المداومة على نوع واحد من الصغائر بلا توبة، أو
الاكثار من جنس الصغائر بلا توبة. وإما حكمي، وهو العزم على
فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها.
أما من فعل الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها
فالظاهر أنه غير مصر، ولعله مما تكفره الأعمال الصالحة من الوضوء
والصلاة والصيام، كما جاء في الاخبار (3).

(1) في (أ): قاعدة
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 11 / 268، باب
48 من أبواب جهاد النفس، حديث: 3، والسيوطي / الجامع
الصغير (بشرح المناوي): 2 / 365.
(3) انظر: الشيخ الطوسي / تهذيب الأحكام: 2 / 237،
باب 12 من كتاب الصلاة، حديث: 7، والحر العاملي / وسائل
الشيعة: 1 / 262، باب 8 من أبواب الوضوء، حديث: 1، 2، 4،
و ج 2 / 945، باب 6 من أبواب الأغسال المسنونة، حديث:
4، و ج 8 / 87، باب 45 من أبواب وجوب الحج، حديث: 1
227

فائدة
التوبة بشروطها تزيل الكبائر والصغائر.
وهل يشترط الاستبراء مدة تظهر فيها توبته وصلاح سريرته، كما
قال الله تعالى: (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) (1)؟
الظاهر ذلك، لأنا لا نتحقق التوبة بدونه.
ولا تقدير لتلك المدة. وقدرها بعض العامة (2) بسنة، أو نصفها.
وهو تحكم، إذ المعتبر ظن صدقه في توبته، وهو يختلف بحسب
الأشخاص والأحوال المستفادة من القرائن.
على أن بعض الذنوب يكفي في التوبة منها تركها بمجرده من غير
استبراء، كمن عرض عليه للقضاء مع وجوبه فامتنع ثم عاد، أو
أوصي إليه وعلم بعد الموت فامتنع وعاد، أو تعينت عليه الشهادة
فامتنع وعاد، أو عضل (3) المرأة عن التزويج ثم عاد.
ويظهر من كلام الشيخ (4) رحمه الله عدم الاستبراء بالكلية،

(1) آل عمران: 89.
(2) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 331، وقاضي خان /
الفتاوي الخانية: 2 / 491.
(3) في (ح): أو منع.
(4) صريح الشيخ الطوسي في المبسوط والخلاف الاستبراء مدة
سنة في التوبة من بعض المعاصي. نعم ظاهره في المبسوط عم الاستبراء
في التوبة من قذف الشهادة. انظر: المبسوط: 8 / 178 - 179،
والخلاف: 2 / 238 - 239.
228

لأنه قال في المشهور بالفسق: (يقول له الحاكم: تب أقبل شهادتك) (1)
قاعدة (2) [69]
كل مسلم أخبر عن أمر ديني يفعله فالظاهر قبوله.
وهذه مخرجة من قبول قول الصحابي: أمرنا بكذا، أو أمر
النبي بكذا، أو نهى عن كذا، لأن الظاهر من حال الصحابي تثبته
ومعرفته باللغة، فلا يطلق ذلك إلا بعد تيقن ما هو أمر أو نهي.
وفي هذه القاعدة مسائل: كإخبار المسلم بوكالته في بيع أو وصية،
أو بأن ما في يده طاهر أو نجس، أو بأنه طهر الثواب المأمور بتطهيره.
تنبيه
يشترط في بعض الأمور هنا ذكر السبب عند اختلاف الأسباب،
كما لو أخبر بنجاسة الماء، فإنه يمكن أن يتوهم ما ليس بسبب سببا،
وإن كانا عدلين. اللهم إلا أن يكون المخبر فقيها يوافق اعتقاده
اعتقاد المخبر.
ومنه: عدم قبول شهادة الشاهد باستحقاق الشفعة، أو بأن بينهما
رضاعا محرما، لتحقق الخلاف في ذلك، أو بأولية شهر، أو بإرث
زيد من عمرو، أو بكفر. والصور كثيرة.

(1) الظاهر أن هذا النص راجع إلى التوبة من قذف الشهادة.
انظر: المبسوط: 8 / 179. (2) في (م): فائدة.
229

ويشكل منها: لو شهدا بانتقال الملك عن زيد إلى عمرو ولم يبينا (1)
سبب الانتقال، أو بأن حاكما جائز الحكم حكم بهذا ولم يبيناه (2)،
أو شهدا على من باع عبدا من زيد أنه عاد إليه من زيد ولم يبينا (3)
إقالة أو بيعا، مثلا.
وبالجملة: لا ينبغي للشاهد أن يرتب الأحكام على أسبابها، بل
وظيفته أن ينقل ما سمعه منها من إقرار أو عقد بيع أو غيره، أو
ينقل ما رآه، وإنما ترتيب المسببات وظيفة الحاكم. فالشاهد سفير
والحاكم متصرف.
قاعدة [70]
كلما كان هناك دليل من خارج على وجوب جزئي معين في الماهية
الكلية (4) اتبع، ولو قلنا بأن المطلق لا يتناول الجزئي المعين،
كوجوب اخراج الزكاة عند الحول، والخمس، وكالبيع بثمن المثل
نقدا بنقد البلد.
ويقرب من هذه القاعدة: أن الاذن في الشئ إذن في لوازمه،
كالتوكيل في التصرفات التي لا تضبطها اليد الواحدة فيوكل في الزائد
عن الممكن له، وكالاذن في أداء الدين فان من لوازمه إثباته.

(1) في (أ): يثبتا.
(2) في (أ): يثبتاه.
(3) في (أ): يثبتا.
(4) زيادة من (ح).
230

قاعدة [71]
النهي في غير العبادات قد يقتضي الفساد، بأن يكون النهي عن
الشئ لعينه، أو لوصفه اللازم له.
فالأول: كبيع الميتة، والخمر، ونكاح المحرمات.
والثاني: كبيع الملامسة والمنابذة والحصاة، والربا، ونكاح
الشغار.
ومنه: عدم جواز ترخص العاصي بسفره، كقاطع الطريق،
والآبق عن مولاه، لان تحريم السفر عليه لوصفه الذي أنشأه لأجله،
ففي إباحة الترخص له بالقصر وشبهه من رخص السفر إعانة له على
المعصية.
فإن قلت: ذبح الغاصب للشاة منهي عنه، لوصف لازم، وهو
كونها ملك الغير، مع وقوع للذكاة عليها.
قلت: الوصف اللازم هنا خارج عن الذبح، إذ الذبح مستوف
شرائطه، والشاة باقية على ملك مالكها. وهذا بخلاف النهي عن ذبح
الذمي فإنه يحرم الذبيحة، أو بالظفر والسن، أو بغير الحديد مع
إمكانه، فإن هذا النهي يرجع إلى وصف لازم للذكاة من حيث هي
ذكاة.
فائدة (1)
نهي الانسان عن جرح نفسه واتلافها. ويكفي في التحريم عدم

(1) في (أ): قاعدة.
231

علم إباحة الجرح واشكال جوازه، فمن ثم قيل (1): لا يختن
الخنثى، لأنه جرح مع الاشكال، فلا يكون مباحا.
ووجه وجوبه: (2) عملا بصورة الغلفة. ولا يجوز له حلق لحيته،
لجواز رجوليته. ويجب عليه الستر في الصلاة كالمرأة، فلو ترك احتمل
عدم البطلان (3)، للشك في كونه امرأة. ويحرم عليه النظر إلى
النساء والرجال: كما يحرم على القبيلين النظر إليه. وهو في الشهادة
كالمرأة، وكذا في الحجب.
قاعدة [72]
الألف واللام يستعمل من معانيها عند الفقهاء والأصوليين ثلاثة،
لأنه إما أن ينظر إلى متعلقها من حيث هو هو، وهو الحقيقة، كقوله،
اشتر الخبز، أو اللحم، ولا يريد شيئا بعينه أو من حيث هو مستغرق
لتمام ما يندرج تحته، وهو الجنس. أو من حيث هو خاص جزئي،
وهو العهد. فمتى كان في الكلام معهود يمكن عود التعريف إليه تعين
له، وإن لم يكن معهودا ولا قرينة عهد، فالأصل أنها لاستغراق
الجنس، لان الأعم أكثر فائدة، فالحمل عليه أولى، فان تعذر

(1) قاله البغوي، واختاره النووي، وهو الأصح عند الشافعية.
انظر: النووي / المجموع: 10 / 304، والسيوطي / الأشباه والنظائر
: 267.
(2) في (ح): عدم وجوبه.
(3) وهذا الاحتمال هو الأصح عند الشافعية. انظر: السيوطي /
الأشباه والنظائر: 266.
232

الجنس حمل على الحقيقة، كقوله: لا آكل الخبز، ولا أشرب الماء.
ومنه قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: (وأخاف أن يأكله
الذئب) (1).
ومن قال: اسم الجنس لا يعم (2)، قال: لاشتباهه بتعريف
الحقيقة.
ويرد على العامة الاشكال في قولهم: الطلاق يلزمني، لم لا يقع
الثلاث، وإن لم ينوها (3)؟ لان التعريف الجنسي يقتضي العموم،
وتعميم جميع عدد الطلاق متعذر، والحمل على الثلاث ممكن، فيحمل
عليه.
وأجاب بعضهم (4): بأن الايمان تتبع المنقولات العرفية غالبا دون
الأوضاع اللغوية، وتقدم عليها عند التعارض. وقد انتقل الكلام في
الحلف بالطلاق إلى حقيقة الجنس دون استغراقه، فلذلك كان الحالف
لا يلزمه إلا الماهية المشتركة، فلا يزاد على الواحدة.
ووجهه: أنه لما امتنع حمله على جميع الجنس من أعداد الطلاق
انصرف إلى تعريف حقيقة الجنس فكأنه قال: أنت طالق بعضا من

(1) يوسف: 13.
(2) قال به إمام الحرمين الجويني وأكثر اتباعه، وأبو هاشم
الجبائي. انظر الأسنوي / نهاية السئول: 2 / 60، 66،
والبصري / المعتمد: 1 / 244.
(3) انظر: الأسنوي / نهاية السئول: 2 / 60 - 61، والقرافي /
الفروق: 2 / 94.
(4) انظر: الأسنوي / نهاية السئول: 2 / 60 (نقلا عن
عز الدين بن عبد السلام)، والقرافي / الفروق: 2 / 95.
233

الطلاق. وذلك البعض مجهول، والواحد فيه متيقن، فينصرف
اللفظ إليه.
قاعدة [73]
الموالاة معتبرة في العقد ونحوه. وهو مأخوذ من اعتبار الاتصال
بين الاستثناء والمستثنى منه.
وقال بعض العامة (1) لا يضر قول الزوج بعد الايجاب: الحمد
لله والصلاة على رسول الله، قبلت نكاحها.
ومنه: الفورية في استتابة المرتد فتعتبر في الحال. وقيل (2):
إلى ثلاثة أيام.
ومنه: السكوك في أثناء الاذان إن كان كثيرا أبطله، وكذا
الكلام عند طول الفصل.
ومنه: السكوت الطويل في أثناء القراءة، أو قراءة غيرها خلالها.
وكذا التشهد.
ومنه: تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع، فلو تعمدوا أو
نسوا حتى ركع فلا جمعة. واعتبر بعض العامة (3) تحريمهم معه قبل الفاتحة.

(1) قاله من الشافعية أبو حامد الأسفرائيني. انظر: الشيرازي /
المهذب: 2 / 41.
(2) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 222، وابن قدامة / المغني:
8 / 124، وابن جزي / قوانين الأحكام الشرعية: 394.
(3) اعتبره إما الحرمين الجويني، وصححه الغزالي على ما يبدو من
النووي في / المجموع: 4 / 506.
234

ومنه: الموالاة في التعريف بحيث لا ينسى أنه تكرار، والموالاة
في سنة التعريف، فلو رجع في أثناء المدة استؤنف، ليتوالى الانجاش (1)،
وقيل: (2) يبني.
قاعدة [74]
الاستثناء المستغرق باطل إجماعا. واختلف فيما لو عطف بعض
العدد على بعض، إما في المستثنى أو المستثنى منه، هل يجمع بينهما حتى يكونا
كالكلام الواحد، كقوله: علي درهم ودرهم إلا درهما؟
وقال ابن الحداد (*) من العامة: لا يجمع، لان الجملتين المعطوفتين
تفردان بالحكم.
وإن لم تكن (الواو) للترتيب، كما إذا قال لغير المدخول بها:
أنت طالق وطالق، لا يقع إلا واحدة. بخلاف: طالق اثنتين،

(1) في (م): الأنجاس، وفي (أ): الايحاش. ولعل الأنسب
بالمعنى ما أثبتناه، لان الانجاش لغة: الإذاعة والاعلان. قال ابن
منظور: (نجش الحديث ينجشه: أذاعه). لسان العرب: 6 / 351،
مادة (نجش).
(2) انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 430، والشيخ الطوسي /
المبسوط: 3 / 322، والعلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 2 / 258.
* هو أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد الكناني المصري الفقيه الشافعي.
صاحب كتاب الفروع في المذهب الذي شرحه جماعة منهم القفال المروزي.
تولى القضاء والتدريس بمصر وتوفي فيها سنة 345 ه‍. (القمي / الكنى
والألقاب: 1 / 259).
235

عندهم (1).
ويتفرع على ذلك: له علي ثلاثة إلا درهمين ودرهما، وكذا:
له علي درهمان ودرهم إلا درهما، وله علي ثلاثة إلا درهما ودرهما
ودرهما.
قاعدة [75]
الاستثناء من (الاثبات نفي، ومن) (2) النفي اثبات.
ويشكل عليه: والله لا أجامعك في السنة إلا مرة، فمضت السنة
ولم يجامع أصلا، فان قضية القاعدة أنه يحنث، لأنه يقتضي اثبات
المرة، فيجب الجماع مرة (3).
ووجه عدم الحنث: أن المقصود باليمين أن لا يزيد على الواحدة،
فيرجع ذلك إلى أن العرف يجعل (إلا) بمعنى (غير) (4).
ومنه: لو قال: لا لبست ثوبا إلا الكتان، فقعد عاريا. فعند
العامة (5) لا تلزمه الكفارة.
ويشكل عليهم: بما ذكرناه.
وجوابه: أن (إلا) في الحلف انتقلت عرفا إلى معنى الصفة

(1) أي عند العامة.
(2) زيادة من (ح).
(3، 4) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 407 (نقلا عن
بن كج).
(5) انظر: القرافي / الفروق: 2 / 93، والسيوطي / الأشباه
النظائر: 406.
236

مثل (سوى، وغير) فكأنه قال: لا لبست ثوبا غير الكتان، فلا
يكون الكتان محلوفا عليه، فلا يضر تركه ولا لبسه (1).
ومنه: لو قال: ليس له علي عشرة إلا خمسة. فإنه قيل: (2)
لا يلزمه شئ، لأن النفي الأول توجه إلى مجموع المستثنى والمستثنى
منه، وذلك عشرة إلا خمسة، وهي خمسة، فكأنه قال: ليس له
علي خمسة.
ووجه اللزوم: أن النفي ب‍ (ليس) لم يتوجه إلا في العشرة،
ثم الاستثناء بعد ذلك من المنفي ب‍ (ليس) فكان إثباتا للخمسة.
والتحقيق: أنه إن نصب (خمسة) فلا شئ، وإن رفع فخمسة.
قاعدة [76]
الاستثناء المجهول باطل، فيبطل في المبيعات وسائر العقود،
كقوله: بعتك الصبرة إلا جزء منها، وفي صحيح مسلم (3) عن
جابر: (أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الثنيا).
وربما جاءت في الايقاعات، كقوله: عبيدي أحرار إلا واحدا،
أو: أعطوه نخلي إلا نخلة.
ولو قال: بعتك الصبرة إلا صاعا منها، وهي متفرقة، وأراد

(1) هذا الجواب منسوب إلى عز الدين بن عبد السلام. انظر: السيوطي /
الأشباه والنظائر: 407.
(2) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 2 / 164، وشمس
الدين الرملي / نهاية المحتاج: 5 / 105.
(3) 3 / 1174، باب 16 من كتاب البيوع، حديث: 85.
237

واحدا من المتفرقة، ولم يعينه، بطل البيع. وكذا لو قال: بعتك صاعا
من الصبرة متفرقة، لأنه غرر يسهل اجتنابه. أو لأن العقد لم يجد
موردا يحمل عليه. وإن كانت الصبرة مجتمعة وقال: بعتكها إلا صاعا
منها، فان كانت مجهولة الصيعان بطل البيع، لعدم معرفة قدر
المبيع. وكذا لو قال: بعتك صاعا منها، إن نزلناه على الإشاعة،
وإلا صح إذا ظن اشتمالها عليه. وإن كانت معلومة فاستثنى منها عددا
معينا صح قطعا. واختلف في تنزيله، فقيل (1): هو بمثابة جزء
من الجملة كالربع، والعشر، فلو (2) كانت الصبرة أربعة أصواع
فالربع. وعلى هذا، حتى إذا تلف منها شئ يقسط (3) بالحساب.
وقيل (4): بل المبيع جزء مشاع (5) منها مقدر، فلو لم يبق إلا
صاع بقي المبيع فيه. وعليه دل خبر بريد بن معاوية عن الصادق
عليه السلام (6). والأول اختيار أكثر العامة.

(1) انظر: النووي / المجموع: 9 / 311، والرافعي / فتح
العزيز، بهامش المجموع: 8 / 136 - 137.
(2) في (م): وإن.
(3) في (ح): سقط.
(4) وجه للشافعية، واحتمال للعلامة الحلي. انظر: النووي /
المجموع: 9 / 311، والعلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 471.
(5) في التذكرة: 1 / 471، والمجموع: 9 / 311، غير
مشاع.
(6) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 12 / 272، باب 19
من أبواب عقد المبيع، حديث: 1.
238

قاعدة [77]
للمطلق والمقيد أربعة (1) أقسام:
الأول: اختلاف الحكم والسبب. ولا حمل فيه اتفاقا، مثل:
(فاطعام ستين مسكينا) (2) مع قوله: (وأشهدوا ذوي عدل
منكم) (3) فإنه لا يقتضي تقييد المساكين بالعدالة.
الثاني: أن يتحد السبب والحكم، فيحمل المطلق على المقيد قطعا،
مثل: (ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله) (4) مع قوله: (ومن
يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) (5)، وقوله تعالى: (وأشهدوا
إذا تبايعتم) (6) مع قوله: (ممن ترضون من الشهداء) (7).
وقول النبي صلى الله عليه وآله: (الحمى من فيح جهنم فأبردوها
بالماء) (8)، وفي حديث آخر، (فأبردوها من ماء زمزم) (9).

(1) زيادة من (أ).
(2) المجادلة: 4
(3) للطلاق: 2.
(4) المائدة: 5.
(5) البقرة: 217.
(6، 7) البقرة: 282.
(8) انظر: صحيح مسلم: 4 / 1731، باب 26 من كتاب
السلام، حديث: 78، 81، وسنن ابن ماجة: 2 / 1148، باب
19 من كتاب الطب، حديث: 3471، 3473.
(9) انظر: ابن الأثير / جامع الأصول: 8 / 381، حديث:
5646، والمتقي الهندي / كنز العمال: 5 / 177، حديث: 3619
بلفظ (بماء زمزم).
239

ومثل: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم..) (1) وذكر
الغراب منها. وفي حديث آخر: تقييد الغراب بالأبقع (2).
ومن أمثلة اتحادهما وهما نفيان، قوله صلى الله عليه وآله:
(لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل) (3) مع قوله في الحديث
الآخر: (إلا يدا بيد ولا تبيعوا شيئا منها غائبا بناجز) (4).
الثالث: أن يختلف السبب ويتحد الحكم، كتحرير رقبة في الظهار
مطلقة، مع تقييدها في القتل بالايمان.
الرابع: أن يتحد السبب ويختلف الحكم، ففي الثبوت مثل:
(فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) (5) مع قوله تعالى في آية الوضوء:
(وأيديكم إلى المرافق) (6) فان السبب فيهما واحد، وهو التطهير
للصلاة بعد الحدث، والحكم مختلف بالغسل في أحدهما والمسح في
الآخر.

(1) انظر: مسند أحمد: 6 / 122، من حديث عائشة.
(2) انظر: سنن ابن ماجة: 2 / 1031، باب 91 من كتاب
المناسك، حديث: 3087، ومسند أحمد: 6 / 97 من حديث
عائشة.
(3) صحيح مسلم: 3 / 1208، باب 14 من كتاب المساقاة،
حديث: 75.
(4) رواه مسلم بلفظ: (ولا تبيعوا شيئا غائبا منه بناجز إلا يدا
بيد). صحيح مسلم: 3 / 1209، باب 14 من كتاب المساقاة،
حديث: 76.
(5) النساء: 43.
(6) المائدة: 6.
240

قاعدة [78]
المطالبة بتفسير المبهم على الفور مأخوذ من امتناع تأخير البيان عن
وقت الحاجة، كمن أقر بمبهم إما ابتداء أو عقيب دعوى. وفيه
أوجه إذا امتنع من الفور: يحبس حتى يجيب (1)، وجعله ناكلا
فيرد اليمين، وأنه إن أقر بغصب مبهم وامتنع من بيانه حبس، وإن أقر
بدين مبهم جعل ناكلا.
وكذا اختيار ما زاد على أربع، أو طلق مبهمة، أو ادعى القاضي
دينا لميت لا ولي له.
قاعدة [79]
التأويل إنما يكون في الظواهر دون النصوص.
ولا يقال تأويل لبيان المجمل، كالمشترك إذا حمل على أحد معنييه
بقرينة.
وللتأويل مراتب:
أعلاها: ما كان اللفظ محتملا له، ويكثر دخوله في الكلام.
ويليه: ما يكون احتماله فيه بعد، لكن تقوم قرينة تقتضي ذلك:
فان زاد البعد أشكل القبول والرد، من جهة القرينة قوة وضعفا.
وأبعده: ما لا يحتمله اللفظ ولا نقوم عليه قرينة، فيرد.
وهذا وارد في الأدلة ويجيئ مثله في ألفاظ المكلفين مثل: طلقتك،

(1) في (ك): يحنث، والصواب ما أثبتناه على ما يبدو.
241

للرجعية، يحتمل الانشاء والاخبار، فإذا ادعى الاخبار قبل منه.
وهذا في الحقيقة تبين لاحد محتملي اللفظ المشترك وليس تأويلا.
ولو كان اسمها (طالق) أو (حرة) فناداهما بذلك، فان قصد
النداء فلا بحث، وإن قصد الايقاع، احتمل الوقوع. وإن أطلق،
فالأقرب الحمل على النداء للقرينة.
ومنه: تخصيص العام وتقييد المطلق بالنية (1)، كما يقع في الايمان.
ومنه: طلقتك، أو أنت طالق، وادعى سبق لسانه من غير
قصد، وأنه أراد أن يقول طلبتك.
ومنه: لو صدقت الزوج في عدم الرجعة ثم رجعت إلى تصديقه
هل يقبل اقرارها، لامكان اخبارها عن ظنها ثم تبين لها خلافه؟
ويشكل: بالاقرار بالمحرمية والرضاع ثم يرجع، فإنه لا يقبل،
مع قيام الاحتمال فيه.
وفرق بينهما: بأن المحرمية والرضاع أمران ثبوتيان وعدم الرجعة
نفي، والإحاطة في الثبوت أقرب من النفي. ومن ثم لو ادعت عليه
الطلاق البائن فرد اليمين عليها، فحلفت، ثم رجعت لم يقبل منها،
لاستنادها إلى الاثبات.
ولو زوجت وقالت: لم أرض، ثم رجعت قبل، لرجوعه إلى
النفي، لأنها أنكرت حق الزوج فرجعت إلى التصديق، فيقبل، لحقه.
وقيل: (2) لا يقبل في جميع هذه المواضع، لأن النفي في فعلها
كالاثبات، ولهذا يحلف على القطع.

(1) في (ك): بالبينة، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 495 (في المسألة
الأخيرة).
242

وكالتأويل في الرجوع عن الاقرار بقدر الثمن بشراء وكيله وشبهه،
فتسمع دعواه.
ولو قال: له علي شئ، ففسره بحبة حنطة قيل: (1) يقبل
لأنه شئ يحرم أخذه ويجب رده. ولو فسره بوديعة قبل، لان عليه
ردها، ويضمنها لو فرط وتلفت. ولو فسره بالعيادة ورد السلام لم
يقبل، لبعد التأويل.
ولو قال: له علي حق، احتمل فيه (2) قبول رد السلام.
ويشكل: بأن الحق أخص، ويبعد قبول الأخص بتأويل لا يقبله
الأعم. ولو قيل: بأن العرف يأبى تأويله في الوجهين أمكن.
ومنه: دعوى إقامة القبالة في الدين، والرهن.
قاعدة [80]
قد يثبت ضمنا ما لا يثبت أصلا.
وهو مأخوذ من قاعدة المقتضي (3) في أصول الفقه، وهي: ما
إذا كان المدلول مضمرا، لضرورة صدق المتكلم، كرفع الخطا،
أو لتوقف صحة اللفظ عليه (كاسأل القرية)، أو لاقتضاء الشرع
ذلك مثل: (أعتق عبدك عني) فإنه يقتضي تقدير سبق انتقال
الملك إليه.
كما لو حكمنا بثبوت أول الصوم بشهادة الواحد، فإنهم يفطرون
عند كمال الثلاثين ضمنا، وإن كان هلال شوال لا يثبت به.

(1) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 2 / 151.
(2) زيادة من (أ).
(3) المعبر عنها بدلالة الاقتضاء.
243

وقيل: (1) لا إفطار.
ويتفرع عليه (2): حلول الدين، تعليق الظهار، وغير ذلك.
أما لو شهد النساء على الولادة قبل، ويثبت النسب، وإن كان
لا يثبت النسب بشهادتهن.
ولو وقف على الفقراء ثم صار فقيرا، فهنا دخل في الوقف،
وإن كان لو وقف على نفسه بطل.
وكبيع الثمرة مع الأصل، لا يشترط فيها مع الظهور بدو الصلاح،
لأنها في ضمن الشجر.
ولو تجددت اللقطة الثانية قبل أخذ الأولى وترك البائع للمشتري،
وقلنا لاخيار له، لحصول التمليك ضمنا في الترك.
وكذا لو رد مشتري العبد المسلم من الكافر، للعيب، فإنه يدخل
المسلم في ملك الكفار ضمنا، أو وجد البائع في الثمن المعين عيبا.
والضمني في هذا أظهر.
ولو باع المريض محاباة فالزائد هبة، ولا يشترط فيها القبض،
لأنه في ضمن البيع.
ولو قال: أعتق عبدك المستأجر عني، صح، وإن قلنا بمنع بيع
العين المستأجرة، لان الملك ضمني.
وكذا لو أعتق العبد المغصوب عنه ولا يقدر الآذن على انتزاعه،

(1) هو وجه للشافعية اختاره أبو بكر بن الحداد. وذهب إليه
أبو حنيفة، وهو الأشهر عند الحنابلة. انظر: الشيرازي / المهذب:
1 / 179، والنووي / المجموع: 6 / 279، والكاساني / بدائع
الصنائع: 2 / 82، وابن رجب / القواعد: 322.
(2) زيادة من (ح).
244

فإنه يصح وإن لم يصح بيعه، لان الملك في ضمن العتق.
وكذا حب الزوان (1) في الحنطة بمثلها. وكذلك اللبن في الشاة
إذا باعها بحالبه (2).
ولو قلنا بمذهب الشيخ (3): أن الغسل عن الجنابة إذا كان على البدن نجاسة فغسلها بنية رفع الحدث، وزالت، فإنه يكون قد تضمن
إزالة الحدث إزالة الخبث.
وكذا تدخل الأشجار في بيع الأرض ضمنا، وكإرث الخيار تبعا
للمال، وإن كان الخيار وحده لا يورث.
قاعدة [81]
يستفاد من دلالة الإشارة إحكام، كقوله تعالى: (وحمله وفصاله
ثلاثون شهرا) (4) مع قوله: (وفصاله في عامين) (5) فإنه يشير
إلى أن أقل الحمل ستة أشهر.
ومنها: قول المصلي: (أدخلوها بسلام آمنين) (6) وقصد

(1) الزوان: ما يخرج من الطعام فيرمى به، وهو الردئ منه.
وفي الصحاح: هو حب يخالط البر. انظر: ابن منظور / لسان العرب
(مادة زون).
(2) في (ح) و (م): بحالته.
(3) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 1 / 29.
(4) الأحقاف: 15.
(5) لقمان: 14.
(6) الحجر: 46.
245

التلاوة والامر، فان صلاته لا تبطل، لما روي أن النبي صلى الله عليه
وآله أمر أبيا بفتح القراءة على من يرتج عليه (1).
وهل تقوم الإشارة منه مقام اللفظ على الاطلاق؟ تظهر الفائدة
في إبطال إشارة الأخرس لصلاته.
قاعدة [82]
إذا تعارضت الإشارة والعبارة ففي ترجيح أيهما؟ وجهان. ويتفرع
عليها مسائل:
مثل: أصلي خلف هذا زيد، وكان عمرا، (أو على هذا زيد
وكان عمرا) (2)، أو على هذه المرأة، وكان رجلا، أو زوجتك
هذه العربية، وهي عجمية.
وقوى العامة تغليب الإشارة في الكل (3).
ومنه: بعتك هذا الفرس، فإذا هو حمار، وخلعتك على هذا
الثواب الصوف، فبان قطنا.
وفي الايمان مسائل من هذا، ومنه: لله علي أن اشتريت هذه
الشاة جعلتها أضحية، فإنه قيل (4): بالمنع، لان التعليق على ملك

(1) لم أعثر على هذه الرواية في حدود تتبعي.
(2) في (ح): أو على هذا عمرو وكان زيدا.
(3) هذا ينطبق على الشافعية فقد غلبوا في هذه المسائل الإشارة
على العبارة. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 340. وفصل
الحنفية في هذه الوجوه فغلبوا تارة الإشارة وأخرى العبارة. انظر:
ابن نجيم / الأشباه والنظائر: 344 - 346.
(4) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 342.
246

معين لا يجوز، بخلاف ما لو قال: إن اشتريت شاة. والأصح الصحة
في الموضعين.
فائدة (1)
الشهادة والرواية تشتركان في الجزم، وتنفردان: في أن المخبر
عنه إن كان أمرا عاما لا يختص بمعين فهو الرواية، كقوله عليه
السلام: (الشفعة فيما لا يقسم) (2) فإنه شامل لجميع الخلق إلى يوم
القيامة. وإن كان بمعين فهو الشهادة، كقوله عند الحاكم: أشهد
بكذا لفلان.
وقد يقع لبس بينهما في صور:
الأولى: رؤية الهلال، فان الصوم مثلا لا يختص بمعين، فهو
رواية، ومن اختصاصه بهذا العام دون ما قبله وما بعده، بل بهذا
الشهر، فهو كالشهادة، ومن ثم اختلف في التعدد.
الثانية: المترجم عند الحاكم من حيث نصب (3) عاما للترجمة،

(1) في (ح) و (م): قاعدة.
(2) انظر: المتقي الهندي / كنز العمال: 4 / 2، حديث،
23، والنوري / مستدرك الوسائل: 3 / 147، باب 3 من أبواب
الشفعة، حديث: 7.
(3) في (ك) و (ح) و (أ): يصير، وما أثبتناه مطابق
لما في الفروق: 1 / 9. ويبدو أن المصنف اعتمد في هذه الفائدة
. النظر: 1 / 5 - 14.
247

ومن إخباره عن كلام معين. والأقوى التعدد في الموضعين.
الثالثة: المقوم من حيث أنه منصوب لتقويمات لا نهاية لها، فهو
رواية، ومن أنه إلزام لمعين (فلا يتعداه) (1).
الرابعة: القاسم من حيث نصبه لكل قسمة، ومن حيث التعين
في كل قضية.
الخامسة: المخبر عن عدد الركعات أو الأشواط، من أنه لا يخبر
عن الزام حكم لمخلوق بل للخالق سبحانه وتعالى، فهو كالرواية، ومن أنه الزام لمعين لا يتعداه.
السادسة: المخبر بالطهارة أو النجاسة، يرد فيه الشبهان (2).
ويمكن الفرق بين قوله: طهرته، ونجسته، لاستناده إلى الأصل
هناك، وخلافه في الاخبار بالنجاسة. أما لو كان في ملكه فلا شك
في القبول.
السابعة: المخبر عن دخول الوقت.
الثامنة: المخبر عن القبلة.
التاسعة: الخارص.
والأقرب في هذه الخمسة الاكتفاء بالواحد إلا في الاخبار بالنجاسة،
لو (كان ملكه) (3)، إلا أن تكون يده ثابتة عليه بإذن المالك:
أما المفتي فلا خلاف في أنه لا يعتبر فيه التعدد، وكذا الحاكم،
لأنه ناقل عن الله عز وجل إلى الخلق فهو كالراوي. ولأنه وارث

(1) زيادة من (ح).
(2) في (ح): الشهادة، وفي (م): الشبهات، والصواب
ما أثبتناه، والمعنى: أنه يرد فيه شبه الرواية وشبه الشهادة.
(3) زيادة من (ك).
248

النبي، والامام، الذي هو واحد.
وأما قبول الواحد في الهدية، والاذن في دخول دار الغير، فليس
برواية، إذ هو حكم خاص لمحكوم عليه خاص، بل هو شهادة، لكن
اكتفى فيها بالواحد عملا بالقرائن المفيدة للقطع، ولهذا قبل وإن كان
صبيا. ومنه: اخبار المرأة في إهداء العروس إلى زوجها.
ولو قيل: بأن هذه الأمور قسم ثالث خارج عن الشهادة والرواية
وإن كان مشبها للرواية كان قويا (1)، وليس إخبارا، ولهذا لا يسمى
الأمين (2) المخبر عن فعله شاهدا ولا راويا، مع قبول قوله وحده،
كقوله: هذا مذكي، أو ميتة، لما في يده. وقول الوكيل: بعت،
أو: أنا وكيل، أو هذا ملكي.
ولا يرد على الفرق (3): أن من الشهادات ما يتضمن العموم،
كالوقف العام، والنسب المتصل إلى يوم القيامة، وكون الأرض
عنوة أو صلحا. ومن الروايات ما يتضمن حكما خاصا، كتوقيت
الصلوات بأوقاتها المخصوصة. لان العموم هناك عارض، وفي الحقيقة
التعيين هو المقصود بالذات فإنها شهادة على الواقف، وهو شخص
واحد، وليس العموم من لوازم الوقف. وكذا النسب المشهود عليه
إلحاق معين بمعين، والعموم طرأ عليه. وأما أوقات الصلوات وإن
كانت متحدة بحسب صلاة صلاة إلا أنها شرع عام على جميع المكلفين.

(1) في (ك) و (م): قولا.
(2) في (أ): المرء.
(3) أورد هذا الايراد القرافي، وأجاب عنه بما ذكره المصنف.
انظر: الفروق 1 / 15 - 16.
249

فروع:
الأول، لو روى أحد المتنازعين رواية تقتضي الحكم له، أو
العبد رواية تقتضي عتقه، فالأقرب السماع، لان العموم مع وازع
العدالة يمنع التهمة في الخصوص.
الثاني: معنى (شهد): حضر، ومنه: (فمن شهد منكم الشهر
فليصمه) (1). وأخبر، ومنه: الشهادة عند الحاكم. ومعنى:
علم، نحو (2) (على كل شئ شهيد) (3) أي: عليم.
وقوله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة) (4)
يحتمل الاخبار، والعلم.
ومعنى (روى) تحمل، فراوي الحديث يحمله عن شيخه، ومن
ثم سمي البعير راوية، لحمله الماء، وأطلق على المزادة (5) للمجاورة،
وليس هذا من باب (أروى، وروى) وإلا لقيل: مروية،
ومروية.

(1) البقرة: 185.
(2) في (ح) و (أ): ومنه.
(3) المائدة: 117، والحج: 17، وسبأ: 47، وفصلت:
53، والمجادلة: 6، والبروج: 9.
(4) آل عمران: 18.
(5) المزادة: هو الظرف الذي يحمل فيه الماء كالراوية والقربة.
انظر: ابن الأثير / النهاية: 4 / 91، مادة (مزد).
250

الثالث: رجح (1) الأصحاب (2) في بعض صور الشهادة بالأعدل،
فالأكثر، كما في الرواية.
ومنع بعضهم (3): الامرين.
وآخرون (4): الترجيح بالعدد، لان الحاكم نصب لدرء (5)
الخصومة وقطع المنازعة، فلو فتح باب الكثرة أمكن طلب الخصم
الامهال ليحضر شهودا أكثر، ولو زورا فإذا أحضر أمكن خصمه
طلب مثله، فيتمادى النزاع. بخلاف العدالة، فان العدالة لا تستفاد
إلا من الحاكم فلا يمكن السعي في زيادتها (6).
وهذا خيال واه، لأنا نمنع الامهال أولا، بل يحكم الحاكم بحسب

(1) في (ك) و (ح) زيادة: بعض. والظاهر أن الصواب
ما أثبتناه، لان نصوص الأصحاب كلها متفقة على هذا الترجيح كما
يبدو من العلامة الحلي في / المختلف: 5 / 139 - 142.
(2) انظر: الشيخ المفيد / المقنعة: 114، والشيخ الطوسي /
النهاية: 343 - 344، وابن إدريس / السرائر: 192 - 193،
والعلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 195، ومختلف الشيعة:
5 / 139 - 142.
(3) ذهب بعض الشافعية والحنابلة إلى هذا الرأي. انظر: الشيرازي /
المهذب: 2 / 311، وابن قدامة / المغني: 9 / 282، والمرداوي /
الانصاف: 11 / 387. (4) انظر: النووي / منهاج الطالبين: 133، والقرافي /
الفروق: 1 / 17.
(5) في (ح): لرد.
(6) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 17.
251

الحال الحاضر لما كان الامهال يؤدي إلى هذا الاخلال.
سلمنا، لكن المراد بالأعدل ظاهرا، وقد يسعى في تحصيل الاعدل
أيضا ظاهرا، ولو زورا، فان العصمة إذا ارتفعت اتسع المجال.
فالمحذور لازم. ولان من القضايا ما يمكن فيها تكثير الشهود وتبديلهم،
كالشهادة على بيع معين، فإنه يمكن أن يحضر جماعة (فيأتي ببعضهم) (1)
ثم يسعى لاكمال الباقي. أو على إقرار، فيسعى لسماع الاقرار ثانيا
وثالثا، وذلك ممكن في الكثرة والأعدلية.
قاعدة [83]
الانشاء هو: القول الذي يوجد به مدلوله في نفس الامر (2).
فقولنا: (يوجد به مدلوله)، احتراز من الخبر، فإنه تقرير
لا إيجاد. وقولنا: (يوجد) المراد به الصلاحية للايجاد، فلو
صدر الانشاء من سفيه أو ناقص الأهلية لم يخرج عن كونه إنشاء،
لصلاحية اللفظ لذلك، وإنما امتنع تأثيره لأمر خارج. وقولنا: (في
نفس الامر) ليخرج به العقد المكرر، فإنه قول صالح لايجاد مدلوله
ظاهرا ولا يسمى انشاء، لعدم الايجاد في نفس الامر.
ومن قال بالكلام النفسي، (3) قال: إن إنشاء السبية،
والشرطية، والمانعية، بل الأحكام الخمسة، قائمة بذات الله تعالى،
ثم أنه تعالى لما انزل الكتاب دالا على ما قام بذاته زيد في الحد

(1) في (ك): فيأبى بعضهم.
(2) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 21.
(3) انظر المصدر السابق: 1 / 49.
252

(أو متعلقه) لان الكلام النفسي لا دلالة فيه ولا مدلول، واضافته
متعلق ومعلق.
ولكن الظاهر أن النيات إنشاء وهي من افعال القلوب، وقد قال
كثير منا بوقوع النذر والعهد بالنية (1).
فالأولى أن يقال: الانشاء هو: قول أو عقد يوجد به مدلوله.
ولا حاجة إلى (نفس الامر)، لان الصيغة الثانية لا تسمى انشاء
إلا مجاز ا مستعارا.
والفرق بينه وبين الخبر من أربعة أوجه (2). الأول: أن الانشاء سبب لمدلوله، والخبر ليس سببا.
الثاني: أن الانشاء يتبعه مدلوله، والخبر يتبع مدلوله. والمراد
بتبعية الخبر لمدلوله: أنه تابع لتقريره في زمانه، ماضيا كان أو حاضرا
أو مستقبلا، لا إنه تابع لمخبره في وجوده، وإلا لم يصدق إلا في
الماضي، فان الحاضر مقارن، فهو مساو في الوجود، والمستقبل وجوده
بعد الخبر، فكان متبوعا لا تابعا.
الثالث: قبول الخبر للتصديق ومقابله، بخلاف الانشاء.
الرابع: أن الخبر يكفي فيه الوضع الأصلي، والانشاء قد يكون
منقولا عن أصل أو ضع في صيغ العقود والايقاعات وقد يقع
انشاء بالوضع الأصلي، كالأمر والنهي، فإنهما ينشئان الطلب بالوضع
الأول.

(1) انظر: الشيخ المفيد / المقنعة: 88، والشيخ الطوسي /
النهاية: 562 - 563، وابن حمزة / الوسيلة: 69، والعلامة
الحلي / مختلف الشيعة: 5 / 108 (نقلا عن ابن البراج القاضي).
(2) ذكر هذه الأوجه القرافي في / الفروق: 1 / 23.
253

فائدة
الانشاء أقسام:
القسم، والامر، والنهي، والترجي، والتمني (1)، والعرض،
والنداء.
قيل (2): وهذه متفق على كونها إنشاء في الاسلام والجاهلية.
وأما صيغ العقود فالصحيح أنها إنشاء. وقال بعض العامة (3):
بل هي إخبار على الوضع اللغوي، والشرع قدم مدلولاتها قبل النطق
بها بآن لضرورة تصديق المتكلم بها، والاضمار أولى من النقل.
وهو تكلف.
قاعدة (4) [84]
مكملة لما سبق في الوضع
السبب: هو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم
لذاته (5) فالتلازم في الوجود، يخرج الشرط، فإنه لا يلزم من وجوده الوجود

(1) زيادة من (ح)، وهي مطابقة لما في الفروق: 1 / 27.
(2) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 27.
(3) انظر: المصدر السابق: 1 / 28، 29 (نقلا عن الحنفية).
(4) في (م): فائدة.
(5) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 61.
254

وأنما يلزم من عدمه العدم. وبالتلازم في العدم، يخرج المانع، لأنه
لا يلزم من عدمه عدم شئ، إنما يؤثر وجوده في العدم.
وقولنا: لذاته، احتراز من مقارنة وجود السبب عدم الشرط،
أو وجود المانع، فلا يلزم الوجود، أو قيام سبب آخر حالة عدم
الأول مقامه، فلا يلزم العدم.
وأما الشرط فهو: الذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من
وجوده وجود ولا عدم لذاته، ولا يشتمل على شئ من المناسبة في
ذاته بل في غيره (1).
فبالأول: يخرج المانع. وبالثاني: السبب. وبالثالث: يحترز
من مقارنة وجوده لوجود السبب فيلزم الوجود، ولكن ليس لذاته
بل لأجل السبب. أو قيام المانع، فيلزم العدم لأجل المانع لا لذات
الشرط.
والقيد الرابع: احتراز من جزء العلة، فإنه يلزم من عدمه العدم
ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، إلا أنه يشتمل على جزء
المناسبة، فان جزء المناسب مناسب (2).
وأما المانع فهو: الذي يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من
عدمه وجود ولا عدم لذاته (3).
فبالأول: خرج السبب.
وبالثاني: الشرط.
والثالث: احتراز من مقارنة عدمه لعدم الشرط، فيلزم العدم،

(1) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 62.
(2) انظر: نفس المصدر.
(3) انظر: نفس المصدر.
255

أو وجود السبب فيلزم الوجود. بل بالنظر إلى ذاته لا يلزم شئ
من ذلك.
فظهر أن المعتبر من (المانع) وجوده، ومن (الشرط) عدمه،
ومن (السبب) وجوده وعدمه. وقد اجتمعت في الزكاة، فالنصاب
سبب، والحول شرط والمنع من التصرف مانع (1). وفي الصلاة،
فان الدلوك سبب في الوجوب، والبلوغ شرط، والحيض مانع.
والشرط قد يكون لغويا، وقد يكون عرفيا، وقد يكون شرعيا،
وقد يكون عقليا.
فالشروط اللغوية هي التعاليق مثل: تعليق الظهار على الدخول،
وهي متلازمة مع المشروط في الوجود والعدم، فهي أسباب في المعنى.
والعرفية: كالسلم مع صعود السطح.
والشرعية: كالطهارة مع الصلاة.
والعقلية: كالحياة مع العلم.
فاطلاق اسم الشرط عليها إما بطريق الاشتراك، أو بطريق الحقيقة
والمجاز، بناء على أن المجاز خير من الاشتراك، أو بطريق التواطي
والقدر المشترك بينها توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما
عدا ذلك (2).
فائدة دقيقة
من قبيل الشرط اللغوي دائرة على ألسنة الأفاضل فلنذكرها حسبما

(1) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 62.
(2) انظر المصدر السابق: 1 / 62 - 63.
256

قرروها وهي ما أنشد بعضهم: ما يقول الفقيه أيده الله * ولا زال عنده إحسان -
في فتى علق الطلاق بشهر * قبل ما قبل قبله رمضان (1)
وليمثل عندنا في الظهار. أو في النذر وشبهه.
ويمكن انشاد هذا البيت على ثمانية: بالتقديم، والتأخير: بشرط
استعمال الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع بقاء الوزن. ولو طرحنا
اعتبار الحقيقة والوزن وطولنا البيت بمثله اشتمل على، سبعمائة وعشرين
مسألة فقهية. وهلم جرا. ولا تتعجب من ذلك فان هنا بيتا يتفق
فيه بحسب التغيير أربعون ألف بيت وثلاثمائة وعشرون بيتا، وهو:
علي إمام جليل عظيم * فريد شجاع كريم عليم
قلته محاذاة لقول بعض العلماء (2): لقلبي (3) حبيب مليح ظريف * بديع جميل رشيق لطيف
وهو من بحر المتقارب، لان اللفظين الأولين لهما صورتان، فإذا
ضربتا في مخرج الثالث صارت ستة، فإذا ضربت في مخرج الرابع
صارت أربعة وعشرين، فإذا ضربت في مخرج الخامس صارت مائة
وعشرين، فإذا ضربت في الستة، فسبعمائة وعشرون، فإذا ضربت في

(1) ذكر هذين البيتين القرافي وعزاهما إلى بعض الفضلاء من دون
التصريح باسم قائلهما. وقد وقع هذا السؤال للشيخ جمال الدين أبي
عمرو بن الحاجب بأرض الشام وأفتى فيه، وسئل عنه أيضا بدمشق. انظر:
الفروق: 1 / 63 - 64، والأمالي النحوية لابن الحاجب: ورقة. 129
(مخطوطة مصور بمكتبة السيد الحكيم في النجف برقم 94)
(2) نسبه القرافي إلى الفقيه زين الدين المغربي. (الفروق:
1 / 68).
(3) في الفروق: 1 / 68: بقلبي.
257

السبعة فخمسة آلاف وأربعون، ثم في مخرج الثامن تبلغ ما قلناه.
ومن هذا يعلم أن صور النكس في الوضوء مائة وعشرون. ولو
اعتبرنا الترتيب بين الرجلين كانت سبعمائة وعشرين (1).
ومنه يعلم الترتيب في قضاء الفوائت على القول بالوجوب أو
الاستحباب.
فإذا أردنا في بيت السؤال تكثيره فمعنا في البيت ثلاثة من لفظ
(قبل) وثلاثة من لفظ (بعد) فيجمع بين الستة، فيخرج البيت
عن الوزن فنقول:
قبل ما قبل قبل بعدما بعد بعده رمضان
ثم لنا أن ننوي بكل (قبل) وبكل (بعد) شهرا من شهور
السنة، أي شهر كان، من غير مجاورة (2) ولا التفات إلى ما بينهما
من عدة الشهور ويكون بالمجاز، فان أي شهر أخذته فبينه وبين الشهر
الذي نسبته إليه بالقبلية والبعدية علاقة، من جهة أنه من شهور السنة
معه أو هو قبله من حيث الجملة أو بعده من حيث الجملة أو هو
شبيه بما يليه (3) من جهة أنه شهر موصوف بالقبلية (4)، إلى
غير ذلك من علائق المجاز.
ثم إنا نعمد إلى هذه الألفاظ الستة (5) فتظهر نسبتها إلى رمضان،

(1) انظر: القرافي / الفروق: 1 / 69، فقد ذكر صور الوضوء.
(2) في (ك) و (م): مجاوزة، وما أثبتناه مطابق لما في
الفروق: 1 / 69.
(3) في الفروق: 1 / 69: قبله
(4) في (ح) زيادة: وبالبعدية، وليست في الفروق.
(5) في الفروق 1 / 69 زيادة: فنأخذ منها اثنين فتحدث منها
صورتان ونعتبرهما شهرين من شهور السنة.
258

ويظهر من ذلك الشهر المسؤول عنه. ثم نورد عليها لفظة أخرى من
لفظ (قبل) و (بعد) إلى آخر السنة. ومتى أفضى الامر إلى
التداخل بين صورتين في شهر نوبنا به آخر من شهور السنة حتى
تحصل المغايرة، فيحصل من الألفاظ الستة ما ذكرناه. وإن زدت
عليها لفظة (قبل) أو (بعد) تراقى الامر إلى ما لا نهاية له.
وقال ابن الحاجب (*) في أماليه (1): هذا البيت ينشد على
ثمانية أوجه: لان ما بعد قبل الأولى قد يكون قبلين، وقد يكون
بعدين، وقد يكونان مختلفين، فهذه أربعة أوجه كل منها قد يكون
قبله (قبل)، وقد يكون قبله (بعد) صارت ثمانية. فأذكر
قاعدة يبنى عليها تفسير الجميع، وهو: إن كل ما اجتمع فيه منها
(قبل) و (بعد) فالقهما، لان كل شهر حاصل بعد ما هو قبله،
وحاصل قبل ما هو بعده، فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان، فيكون
شعبان، أو قبله رمضان، فيكون شوالا، فلم يبق إلا ما جميعه قبل،
أو جميعه بعد، فالأول هو الشهر الرابع من رمضان، لان معنى

* هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الأسنوي
المالكي النحوي الأصولي. كان مولده في أواخر سنة 570 ه‍ وكان
من أذكياء العالم مات بالإسكندرية سنة 646 ه‍. له كتب كثيرة
ممتعة. (القمي / الكنى والألقاب: 1 / 250).
(1) الأمالي النحوية / ورقة: 126 / أ (مخطوطة مصورة على الميكرو فيلم بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم 94). وأورد
القرافي هذا النص المنقول عن ابن الحاجب للفقيه الشيخ جمال الدين
أبي عمرو. انظر: الفروق: 1 / 64.
259

قبل ما قبل قبله رمضان: شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله، وذلك
ذو الحجة. والثاني هو الرابع أيضا ولكن على العكس، لان معنى
بعد ما بعد بعده رمضان: شهر تأخر رمضان عنه بعد شهرين
بعده، وذلك جمادى الآخرة. فإذا تقرر ذلك: فقبل ما قبل قبله
رمضان ذو الحجة، لان ما قبل قبله شوال، وقبله رمضان، فهو
ذو الحجة. وقبل ما بعد بعده رمضان شعبان، لان المعنى بعده رمضان
وذلك شعبان. وقبل ما قبل بعده رمضان شوال، لان المعنى أيضا
قبله رمضان، وذلك شوال. وقبل ما بعد قبله رمضان شوال، لان
المعنى أيضا قبله وذلك شوال. فهذه الأربعة الأول. ثم نأخذ
الأربعة (1) الاخر على ما تقدم، فان بعد ما قبل قبله رمضان شوال،
لان المعنى قبله رمضان، وذلك شوال. وبعد ما بعد بعده رمضان
جمادى الآخرة، لان ما بعد بعده شعبان، وبعده رمضان فهو جمادى
الآخرة. وبعد ما قبل بعده رمضان شعبان، لان المعنى بعده رمضان
وذلك شعبان. وبعد ما بعد قبله رمضان، شعبان، لان المعنى بعده
رمضان، وذلك شعبان.
وقال بعض البصريين: هنا مباحث (2):
الأول: يصح في (ما) ثلاثة أوجه: أن تكون زائدة، وموصولة،
ونكرة موصوفة. ولا تختلف الأحكام مع شئ من ذلك.

(1) زيادة من (ح)، وهي مطابقة لما في الأمالي.
(2) أورد القرافي هذه المباحث باختلاف بسيط في اللفظ. انظر:
الفروق: 1 / 65 - 67.
ولم أعثر - في حدود ما اطلعت عليه من مصادر - على هذا القائل
من البصريين.
260

فالزائدة، نحو قولنا: قبل قبل قبله رمضان والموصولة تقديرها: الذي
استقر قبل قبله رمضان، ويكون الاستقرار في (قبل) الذي بعد ما هو
قبلها (1). وتقدير التكرة الموصوفة: قبل شئ استقر قبل قبله رمضان،
فيكون الاستقرار العامل في الظرف الكائن بعدها (2) صفة لها.
الثاني: أن هذه القبلات والبعدات ظروف زمان، مظروفاتها
الشهور ها هنا، ففي كل قبل) أو (بعد) شهر هو المستقر فيه. مع
أن اللغة تقبل غير هذه المظروفات، لان القاعدة أنا إذا قلنا: قبله
رمضان، احتمل أن يكون شوالا، فان رمضان قبله، واحتمل
أن يكون يوما واحدا من شوال، فان رمضان قبله، لصدق قولنا:
رمضان قبل العيد حقيقة، لكن يجب هنا كون المظروف شهرا،
للسياق، ولضرورة الضمير في (قبله) العائد إلى الشهر المسؤول
عنه. إلا أن يتجوز في الشهر ببعضه، تسمية للجزء باسم الكل. إلا
أن الفتوى هنا مبنية على الحقيقة.
هذا تقرير (قبله) الأخير المصحوب بالضمير. وأما (قبل)
المتوسط فليس معه ضمير يضطرنا إلى ذلك، بل علمنا أن مظروفه
شهر بالدليل العقلي، لان رمضان إذا كان قبل قبل الشهر المسؤول
عنه وتعين أن أحد القبلين - وهو الذي أضيف إلى الضمير - مظروفه
شهر، تعين أن مظروف القبل المتوسط شهر أيضا، لأنه ليس بين
شهرين من جميع الشهور أقل من شهر، فيصدق عليه أنه قبل شهر
وبعد شهر، بل لا يوجد بين شهرين عربيين إلا شهر، فلذلك تعين
أن مظروف هذه الظروف شهور تامة. وأما شهور القبط فان أيام

(1) في الفروق: 1 / 65: صلتها.
(2) في الفروق: 1 / 65: بعد ما.
261

النسئ (1) متوسطة بين مشترى (2) وتوت.
الثالث: أن الإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة كقوله تعالى: (ولا
نكتم شهادة الله) (3) أضيفت الشهادة إليه، لأنه شرعها، لا لأنه
شاهد أو مشهود عليه. وكذلك (دين الله) (4) و (فنفخنا فيه
من روحنا) (5)، (ولله على الناس حج البيت) (6).
ومنه: قول أحد حاملي الخشبة: خذ طرفك. وقال الشاعر:
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة (7)
لأنها كانت تقوم إلى عملها وقت طلوعه. فالقدر المشترك بين
هذه الإضافات المختلفة المعاني هو أدنى ملابسة، كما قاله صاحب
المفصل (8).
إذا تقرر ذلك: فهذه القبلات أو البعدات المضاف بعضها إلى

(1) في (ك): البتي، وفي (ح): الشتاء. وما أثبتناه
مطابق لما في الفروق: 1 / 65.
(2) في الفروق: 1 / 65: مسرى.
(3) المائدة: 106.
(4) آل عمران: 83، والنور: 2.
(5) التحريم: 12.
(6) آل عمران: 97.
(7) هذا البيت أورده الزمخشري في كتابه / المفصل: 90.
وقال النعساني في / المفضل شرح أبيات المفصل، المطبوع بهامش
المفصل: لم أر من ذكر قائله، وتمامه:
سهيل أذاعت غزلها في القرائب
(8) انظر: الزمخشري / المفصل: 90.
262

بعض تحتمل لغة أن يكون كل ظرف أضيف إلى مجاوره أو إلى مجاور
مجاوره فصاعدا، فيكون الشهر الذي قبل رمضان هو ربيع، فان
ربيعا قبل رمضان بالضرورة، بل يومنا هذا قبل يوم القيامة.
وهذا كله حقيقة غير أن الظروف التي في البيت حملت على المجاور
الأول، لأنه الأسبق إلى الفهم مع أن غيره حقيقة أيضا.
الرابع: إنك تعلم إنك إذا قلت: قبل ما قبل قبله رمضان،
فالقبل الأول هو عين (1) رمضان، لأنه مستقر في ذلك الظرف.
وكذلك: بعدما بعد بعده رمضان، فالبعد الأخير (2) هو رمضان،
لأنه مستقر فيه، ومتى كان القبل الأول هو رمضان، فالقبلان الكائنان
بعده شهران آخران متقدمان على الشهر المسؤول عنه. وكذلك في: بعد ما
بعد بعده رمضان، البعدان الأخيران شهران آخران متأخران عن
الشهر المسؤول عنه، فالترتيب (3) دائما في الشهر (4) أربع،
الشهر المسؤول عنه وثلاث ظروف لغيره.
الخامس: إنا إذا قلنا: قبل ما بعد بعده رمضان، فهل نجعل هذه
الظروف متجاورة على ما نطق بها في اللفظ؟ فيتعين أن يكون الشهر
المسؤول عنه هو رمضان: فان كل شئ فرض له أبعاد كثيرة متأخرة
عنه فهو قبل جميعها، فرمضان قبل بعده، وبعد بعده، وجميع ما
يفرض من ذلك إلى الأبد هو قبل تلك الظروف كلها الموصوفة

(1) في (ك) و (ح) و (م): غير، وما أثبتناه مطابق
لما في الفروق: 1 / 66.
(29 في الفروق: 1 / 66: الأول.
(3) في الفروق: 1 / 66: فالرتب.
(4) في الفروق: 1 / 66: البيت.
263

ب‍ (بعد)، وإن كانت غير متناهية. وكذلك يصدق أيضا أنه بعد
قبله، وقبل قبله، إلى الأزل، فيكون رمضان أيضا.
قال (1): ويبطل ما قاله ابن الحاجب (2)، فإنه عين في الأول
شوالا وفي الثاني شعبان. ويقتضي ما ذكرناه، أن يكون الشهر
المسؤول عنه هو رمضان في المسألتين.
أو نقول: مقتضى اللغة خلاف هذا التقدير (3)، وأن لا تكون
هذه الظروف المنطوق بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ، بل قولنا:
قبل ما بعد بعده، فبعد الأولى المتوسطة بين قبل وبعد متأخرة في
المعنى، وقبل المتقدمة متوسطة بين البعدين منطبقة على بعد الأخيرة،
وتكون بعد الأخيرة بعدا وقبلا معا، وليس ذلك محالا، لأنه بالنسبة
إلى شهرين واعتبارين. وتقدير (4) ذلك: أن العرب إذا قالت:
(غلام غلام غلامي)، فهؤلاء الأرقاء منعكسون في المعنى، فالغلام
الأول هو الغلام الأخير الذي ملكه عبد (5) عبد عبدك، والغلام
الأخير هو عبدك الذي ملكته، وهو ملك عبد الأخير، فملك ذلك
العبد الأخير العبد المقدم ذكره. وكذلك إذا قلت: (صاحب صاحب
صاحبي) فالمبدوء به هو أبعد الثلاثة عنك والأقرب إليك هو الأخير،
والمتوسط متوسط.

(1) أي بعض البصريين الذي نقل عنه هذه المباحث.
(2) وفي الفروق: 1 / 66: ويبطل ما قاله الشيخ، أي جمال
الدين أبو عمرو.
(3) في الفروق: 1 / 66: التقرير.
(4) في الفروق: 1 / 66 وتقرير.
(5) زيادة من (م) وهي مطابقة لما في الفروق: 1 / 66.
264

إذا عرفت هذا فنقول: قولنا: قبل ما بعد بعده رمضان هو
شعبان، كما قاله ابن الحاجب، لان شعبان بعده رمضان، وبعد
قبل (1) بعده شوال، فقولنا قبل مجاور لبعده الأخيرة، لأنه لم
يقل: قبل بعده، بل قبل بعد بعده، فجعله مضافا في المعنى إلى
بعد، متأخر عن بعد، وهو البعد الثاني، فيكون رمضان قبل البعد
الثاني [و] هو شوال، فالواقع قبله رمضان. وليس لنا شهر بعده
بعدان رمضان قبل البعد الأخير إلا شعبان.
فان قلت: رمضان حينئذ هو قبل البعد الأخير وهو بعد شوال،
باعتبار البعد الأول كما بينه، فيلزم أن يكون قبل بعد، وهو محال،
لان القبل والبعد ضدان لا يجتمعان في الشئ الواحد (2).
قلت: مسلم أنهما ضدان، وأنهما اجتمعا في شئ واحد وهو رمضان،
لكن باعتبار إضافتين، فيكون رمضان قبل باعتبار شوال، وبعد
باعتبار شعبان، كما يكون المؤمن صديقا للمؤمن عدوا للكافر، فتجتمع
فيه الصداقة والعداوة باعتبار فريقين.
إذا عرفت هذا فيتعين إنا لو زدنا في لفظ (بعد) لفظة أخرى
منه فقلنا: قبل ما بعد بعد بعده [رمضان] (3)، تعين أن يكون
الشهر المسؤول عنه رجبا، وإن جعلنا (بعد) أربعة، كان جمادى الآخرة،
أو خمسة كان جمادى الأولى، أو ستة كان (4) ربيع الثاني، أو سبعة

(1) زيادة ليست في الفروق: 1 / 66. والظاهر أنه لا محل لها.
(2) في (ح) زيادة: في الوجود. وهي غير موجودة في
الفروق: 1 / 67.
(3) زيادة من الفروق: 1 / 67. (4) في (ح) زيادة: شهر
265

كان شهر ربيع الأول. وكذلك كلما زاد (بعد) زاد شهر قبل، فان
هذه الشهور ظروف، كما تقدم:
فيحصل على هذا الضابط مسائل غير متناهية، وإذا وصلت إلى
أكثر من اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة معك فربما عدت إلى غير
الشهر الذي كنت قلته في المسألة، ولكن من سنة أخرى. وكذا
في السنتين إذا كثرت.
مسألة:
فإن عكسنا وقيل: بعد ما قبل قبله رمضان، فمقتضى جعلنا الظروف
متجاورة على ما هي في اللفظ يكون الشهر المسؤول عنه رمضان،
فان كل شئ بعد جميع ما هو قبله وبعد قبلاته، وإن كثرت.
وقال ابن الحاجب: إنه شوال، بناء على ما تقدم (1)، وهو
أن [القبل] (2) الأول متقدم على البعد الأول [والبعد الأول] (3)
متوسط مضاف إلى البعد الأخير المضاف إلى الضمير العائد على
الشهر المسؤول عنه، فنفرض شهرا هو شوال، فقبله رمضان، وقبل
رمضان شعبان. والسائل قد قال: إن رمضان بعد أحد القبلين،
والقبل الاخر بعده، وليس لنا شهر قبله شهران الثاني منهما رمضان
إلا شوال، فتعين. فيكون رمضان موصوفا بأنه بعد، باعتبار شعبان،
وبأنه قبل، باعتبار شوال، ولا تضاد كما تقدم (4).

(1) راجع ص: 260.
(2، 3) زيادة من الفروق: 1 / 67.
(4) راجع: 264.
266

وإن زدنا في لفظة (قبل) لفظة أخرى فقلنا: بعد ما قبل
قبل قبله رمضان، كان ذا القعدة، فان رمضان أضيف إلى قبل قبل
قبلين، وهما شوال وذو القعدة. فان جعلنا لفظ (قبل) أربعا كان
ذا الحجة، أو خمسا كان المحرم. وعلى هذا.
مسألة:
فإذا قلنا: بعد ما بعد بعده رمضان، فهو جمادى الآخرة، لان
السائل قد نطق بثلاث بعدات غير الشهر المسؤول عنه، فرجب البعد
الأول، وشعبان البعد الثاني، ورمضان البعد الثالث، والرابع هو الشهر
المسؤول عنه المتقدم عليها، وذلك جمادى الآخرة.
مسألة:
وإذا قلنا: قبل ما قبل قبله رمضان، تعين ذو الحجة، لان
السائل قد نطق بثلاث من لفظ قبل، فقبل ذي الحجة ذو القعدة، وقبل
ذي القعدة شوال، وقبل شوال رمضان، وهو ما قاله السائل.
وأما قبل ما قبل بعده، أو بعدما بعد قبله، فقد تقدم (1) أن
كل شئ هو قبل ما هو بعده، وبعد ما هو قبله، وإذا اتحدت العين
صار معنى الكلام: بعده رمضان أو قبله رمضان. فيكون المسؤول عنه
شعبان في الأول، وشوال في الثاني.

(1) راجع ص: 263 - 264.
267

فائدة
جميع أجوبة البيت منحصرة في أربعة أشهر: طرفان وواسطة،
فالطرفان: جمادى الآخرة وذو الحجة، والواسطة: شوال وشعبان.
وتقريب ضبطها: أن جميعها إن كانت قبلا فالجواب بذي الحجة،
أو بعدا فالجواب بجمادى الآخرة، أو مركبا من قبل وبعد، فمتى
وجدت في الأخير قبل بعده، أو بعد قبله، فالشهر مجاور لرمضان،
فان كل شئ هو قبل بعده، وبعد قبله فالكلمة الأولى إن كانت
حينئذ قبلا فهو شوال، لان المعنى: قبله رمضان، أو بعدا فهو
شعبان، لان التقدير: بعده رمضان.
هذا إن اجتمع آخر البيت قبل، وبعد، فان اجتمع قبلان، أو
بعدان، وقبلهما مخالف لهما ففي البعدين شعبان، وفي القبلين شوال،
فشوال ثلاثة، وشعبان ثلاثة. هذه الستة هي المتوسطة بين جمادى
وذي الحجة.
هذا كله على تقدير البيت على التزام الحقيقة والوزن، وأما على
خلافهما من التزام المجاز وعدم النظم، بل يكون الكلام، نثرا فتصير
المسائل سبعمائة وعشرين مسألة.
قاعدة [85]
طريان الرافع للشئ هل هو مبطل له، أو بيان لنهايته؟
وهي مأخوذة من أن النسخ هل هو رفع أو بيان؟
ويتفرع على ذلك مسائل: كالرد بالعيب، والغين، وفسخ الخيار، (*)
268

ورد المسلم إليه العين بالعيب.
وقد يعبر عنها: بأن الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل، أو
كالذي لم يعد (1)؟ فان القائل بأنها كالذي لم يزل، يجعل العود
بيانا لاستمرار الحكم الأول، والقائل بأنها كالذي لم يعد، يقول يرفع
الحكم الأول بالزوال فلا يرجع حكمه بالعود.
ومنه (2): لو انقطع دم المستحاضة (3) بعد الطهارة ولما يعلم أهو
للبرء أم لا؟ فإنها تعيد الطهارة. فلو تركت ودام الانقطاع، قضت
ما صلت بالطهارة التي يعقبها الانقطاع، فان عاد الدم ففي القضاء
وجهان مبنيان على أن هذا العائد كشف عن أن الدم لم يزل، فهو
بمثابة الواقع (4)، أو أنه كالذي لم يعد، فيجب القضاء. وهذا
يتم إذا دخلت في الصلاة ذاهلة عن وجوب الطهارة، أما مع علمها
بأنها مكلفة بإعادة الطهارة فإنها تعتقد فساد صلاتها، فلا تكون
صحيحة.
ولو تعجل الفقير الزكاة، ثم ارتد في أثناء الحول، فسق،
وقلنا أنها زكاة معجلة، وعاد إلى الاسلام أو تاب (5)، فان قلنا:
إن الزائل العائد كأنه لم يزل، أجزأت، وإن قلنا: كالذي لم يعد
لم تجز. والأول أقرب. ومنه: ما لو عاد الملك بعد زواله إلى يد المفلس، فهل لغريمه

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر 194.
(2) أي: ومن الزائل العائد.
(3) في (ح): الاستحاضة.
(4) في (ك): الرافع.
(5) زيادة من (م).
269

الرجوع؟ وكذا لو عاد الملك إلى الموهوب بعد زواله، وقلنا: إن
التصرف غير مانع.
ومنها: (1) لو زال ملك المرأة عن المهر، ثم عاد، وطلقها
قبل الدخول. ولو أصدقها عصيرا، ثم تخمر في يدها، ثم عاد
خلا، فهل يرجع الزوج المطلق بنصفه، لكون عينه باقية وإنما تغيرت
صفتها، أو لا يرجع بشئ، لان حق الرجوع إنما يثبت إذا كان
المقبوض مالا، والمالية هنا حدثت في يدها؟ والأقرب الرجوع.
ومنها: لو دبر عبدا، ثم ارتد، ثم عاد إلى الاسلام، فهل يعود
إلى (2) التدبير؟
ولو جار في القسمة وطلقها، ثم تزوجها، فهل يجب عليه
القضاء؟
ولو فسق الحاكم، أو جن، أو أغمي عليه، ثم زالت الأسباب
هل تعود ولاية القاضي؟
أو جرحه مسلم ثم ارتد المجروح، ثم عاد بعد حدوث سرايته
في زمان الردة، أو قبله.
قاعدة [86]
في جريان الأحكام قبل العلم احتمالان، لعلهما مأخوذان من قاعدة:

(1) في (ح): ومنه. وعلى ما أثبتناه يكون الضمير عائدا إلى
المسائل المتفرعة على هذه القاعدة، وعلى النسخة الأخرى يكون مرجع
الضمير إلى الزائل العائد.
(2) زيادة من (ح).
270

جواز النسخ قبل الفعل.
وفروعه: كرجوع الموكل قبل علم الوكيل. وعزل القاضي ولما
يعلم. ورجوع السيد عن إذن الاحرام لعبده ولما يعلم حتى أحرم.
ورجوع واهبة الليلة ولما يعلم الزوج.. وصلاة الأمة مكشوفة الرأس
ولما تعلم بعتقها قبل.. أو أباحه ثماره فأكل بعد رجوعه (1) ولما
يعلم. أو رجع المعبر فاستعملها المستعير جاهلا. والأصح أنه لا أثر
لهذا كله، بل تمضي الأحكام قبل العلم، لامتناع التكليف بالمحال (2).
قاعدة [87]
قد يثبت الحكم على خلاف الدليل لمعارضة دليل أقوى منه.
كرد الصاع عوضا عن لبن المصرات. وقبول قول ذي اليد في
شراء ما في يده من العين المريحة للمضاربة.. والجعالة.. والعارية..
وغرامة مهر زوجة المهادن.. والكتابة.. ومنع سيده للتصرف في ماله
لغير لاستيفاء.. وجعل جارية من القلعة للدال عليها مع أنها غير معلومة
ولا مقدور على تسليمها. (وكذا يقبل قول الزوجة: إن زوجي
طلقني، وقول الأمة بالعتق إذا لم يعلم لهما منازع، وإن خالف
الأصل) (3).

(1) في (أ): رجوع المبيع.
(2) انظر في فروع هذه القاعدة. السيوطي / الأشباه والنظائر:
221 - 222.
(3) زيادة ليست في (م) و (ح).
271

قاعدة [88]
كلما وقع الانفاق على أصل أجريت فروعه عليه. وقد يختلف فيها
لعارض.
ثم قد يكون الاختلاف بعد تعيين العلة، كالاتفاق على أن العلة
في طهورية الماء (1) هي إطلاقه، ثم خالف العامة في المتغير بالتراب
المطروح قصدا، أو بالملح المائي (2). وهذا عجيب، لان العلة إذا كانت قائمة كيف يتخلف عنها
المعلول؟؟
قالوا: هذا يسلب اسم الماء، لان طهوريته إما تعبد لا يعقل
معناه، وإما لاختصاصه بمزيد لطافة ورقة ونفوذ لا يشاركه فيها سائر
المائعات (3). وعلى التقديرين المناط الاسم.
قلنا: مسلم، لكن التقدير أنه لم يزل الاسم بهذا النوع من التغير.
ولو زال فلا إشكال في زوال الطهورية.

(1) في (م) و (أ) زيادة: إنما.
(2) الصحيح من مذهب الشافعية أن هذا التغير لا يؤثر في سلب
اسم الاطلاق عنه. ولهم وجه آخر: أنه يسلب الاسم عنه. كما أن
مذهب الحنابلة هو عدم التأثير. ولهم قول بأنه يتأثر بالتغير بالتراب
أو بالملح المائي. كما أن التأثر بأحدهما قول لبعض المالكية. انظر:
النووي / المجموع. 1 / 102، وابن قدامة / المغني: 1 / 13،
والمرداوي / الانصاف: 1 / 23 - 24، والحطاب / مواهب الجليل:
1 / 57 - 58، وابن جزي / قوانين الأحكام الشرعية: 44.
(3) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 435.
272

وقد يكون الاختلاف بعد تعيين العلة، والمرجع فيه إلى العرف،
كالغرر في البيع فإنه نهي عنه (1)، مع الاختلاف في صحة بيع سمك
الآجام مع ضم القصب، وشبهها من الأحكام، فمن أبطله (2) يقول:
لا تغني الضميمة عن معرفة المنضم (3) إليه مع كونه مقصودا، فالغرر
بحاله. ومن صححه (4) يقول: الضميمة معلومة، والباقي في
ضمنها كالحمل في بيع الدابة إذا شرطه، أو مطلقا، عند الشيخ (5)
وابن البراج (*) (6).
وليس من هذا بيع الغائب، لان الوصف الشارح يزيل الغرر
عرفا، وما فات عن اللفظ يتدارك بخيار الرؤية، فمثله لا يسمى

(1) انظر: صحيح مسلم: 3 / 1152، باب 2 من أبواب
البيوع، حديث: 4.
(2) انظر: ابن إدريس / السرائر: 231، والعلامة الحلي /
مختلف الشيعة: 2 / 209.
(3) في (ك): المتضمن.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / النهاية: 401، وابن حمزة / الوسيلة:
45، والعلامة الحلي / مختلف الشيعة: 2 / 209 (نقلا عن ابن
البراج القاضي)
(5) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 2 / 156.
* هو الشيخ أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن
البراج القاضي. من وجوه علماء الإمامية. تولى القضاء في طرابلس
مدة عشرين أو ثلاثين سنة. توفي سنة 481 ه‍. (القمي / الكنى
والألقاب: 1 / 219).
(6) انظر: جواهر الفقه: 14.
273

غررا عرفا.
وقد يكون الاختلاف بعد تعيين العلة. والمرجع فيه إلى الحس،
كزوال تغير الماء بالتراب عند من قال من الأصحاب (1) بطهارة
الماء بزوال التغير كيف اتفق، فمن قال (2) التراب مزيل فهو كالماء
في التطهير، ومن قال (3) ساتر فهو كالمسك والزعفران في عدم
التطهير. فحاصل الاختلاف راجع إلى أمر حسي.
ومنه ما يكون قبل تعيين العلة والنزاع إنما هو في العلة، كالقول
بعدم طهورية الماء المستعمل، والاختلاف في التعليل، أما بأداء الفرض،
أو أداء العبادة.
قاعدة [89]
الحكم المعلق على اسم الجنس قد يعقل فيه معنى العلة (4)، وقد

(1) انظر: ابن سعيد / الجامع للشرائع: 2 (مخطوط بمكتبة
السيد الحكيم العامة بالنجف برقم 476)، والعلامة الحلي / نهاية الأحكام
الفقهية / المطلب الثاني - الفصل التاسع في تطهير الكثير - مسألة: فيما
لو تغير بعض الكثير. (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف
برقم: 668).
(2) كابن سعيد الحلي. انظر: الجامع: 2.
(3) لم أعثر على قائل به من الامامية. نعم هو قول للشافعية.
انظر: النووي / المجموع: 1 / 133 - 134، والعلامة الحلي /
تذكرة الفقهاء: 1 / 3.
(4) زيادة من (ك) و (أ).
274

يكون تعبدا. وتظهر الفائدة: في تعدية الحكم عند من قال بالقياس من العامة (1)،
ونحن نذكره إلزاما لهم، وذلك مثل: اختصاص الماء بالطهورية هل
هو تعبد أو لعلة كما مر (2)؟ واختصاص التراب بذلك تعبد، أو
استعماله في الولوغ، للجمع بين الطهورين، أو تعبدا، أو استظهارا (3)؟
وتظهر الفائدة: في الأشنان والدقيق، فعلى الأولين لا يجزيان دون
الثالث.
ونحن نقول: التعدية غير ممكنة، لأنه إذا دار الامر بين احتمالين
لا يمكن القطع بأحدهما تعيينا، فبقي عدم التعدية بحاله.
وأما عدم تعين الحجر في الاستجمار فمأخذه عندنا النصوص
الصريحة (4). وعند العامة قد يؤخذ من نهي النبي صلى الله عليه وآله:
(أن يستنجي بروث أو عظم) (5) فإنه يعلم منه أنه لا يتعين الحجر
وإلا لما كان لاستثناء هذين فائدة، وإنما ذكرت الأحجار لتيسرها غالبا
في كل موضع. وأما الأحجار في رمي الجمار فلا بحث في عدم التعدي.

(1) قال بالقياس الشرعي الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء
والمتكلمين. انظر: الشوكاني / إرشاد الفحول: 199.
(2) راجع ص: 272.
(3) انظر هذه الفروع وغيرها في / الأشباه والنظائر للسيوطي: 435.
(4) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 1 / 252، باب
35 من أبواب أحكام الخلوة، حديث: 2، 3.
(5) انظر: سنن أبي داود: 1 / 9، باب 20 من أبواب الطهارة،
حديث: 1، 4، وسنن ابن ماجة: 1 / 114، باب 16 من
أبواب الطهارة، حديث: 313، 316.
275

قاعدة [90]
الاستجمار رخصة.
إذ هو أمر خارج عن إزالة النجاسة المعتادة، ولكن اكتفى الشارع
به تخفيفا، لعموم البلوى، فلابد فيه من النقاء وعدد الأحجار،
جمعا بين النص (1) والمعنى. والعامة اضطربوا هنا، فمنهم (2) من
رأي هذا دالا على العفو، فجوز ترك الاستجمار، ثم عداه إلى كل
نجاسة بقدر الدرهم، إذ هو مقدار المسربة (3) غالبا.
ومنهم (4) عن اعتبر النقاء ولو بواحد، نظرا إلى المعنى ولم يعد
الحكم إلى غيره.
ومنه (5) من حمله على النص، واعتبر التعدد لا النقاء.
وإذا اعتبرنا النص فالمراد بالحجر المسحة، فيجزئ ذو الوجوه.

(1) انظر: سنن أبي داود: 1 / 10، باب 21 من أبواب
الطهارة، حديث: 1، 2، وسنن ابن ماجة: 1 / 114، باب
16، من أبواب الطهارة، حديث: 315، 316، والحر العاملي /
وسائل الشيعة: 1 / 222، باب 9 من أبواب أحكام الخلوة،
حديث: 1، وباب 30 من أبواب أحكام الخلوة، حديث: 1، 4.
(2) انظر: الكاساني / بدائع الصنائع: 1 / 18.
(3) المسربة بفتح الراء وضمها مجرى الحدث من الدبر. انظر:
ابن منظور / لسان العرب: 1 / 465 مادة (سرب).
(4) انظر: ابن جزي / قوانين الأحكام الشرعية: 51، والنووي /
المجموع: 1 / 103، والكاساني / بدائع الصنائع: 1 / 19.
(5) لم أعثر على قائل منهم بهذا القول.
276

والمأخذ ما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله حمل إليه حجران
وروثة، فألقى الروثة واستعمل الحجرين) (1). فان الظاهر أنه
استعمل وجهي أحدهما.
قاعدة [91]
ألحق بعض العامة (2) إزالة النجاسة بالماء بالرخص، قال: لأن الماء
إن كان قليلا فالجزء الذي يلاقي النجاسة ينجس، ثم ينجس
المجاور له، ثم المجاور حتى ينجس جميع ما في الآنية التي يصب منها،
بل كل جزء من الماء الكثير ولو كان ماء (البحر، فإنه منفصل) (3)
في الحقيقة، وإن كان متصلا في الحس، فإذا لاقته نجاسة ينجس ذلك
الجزء، فينجس ما يجاوره. وهلم جرا. وحينئذ إزالة النجاسة من
باب الرخص، والغرض بها إنما هو زوال الأعيان عن الحس.
وهذا الالحاق بالطل، لأن الطهارة والنجاسة حكمان شرعيان، وقد
جعل الشارع للنجاسة علامات خاصة كالتغير في الكثير، أو استواء
السطح، أو علو النجاسة في القليل، فلا يحكم بالنجاسة بدون ما نصبه
الشارع إمارة لها (4).

انظر: سنن ابن ماجة: 1 / 114، باب 16 من أبواب
الطهارة، حديث: 314.
(2) انظر: القرافي / الفروق: 2 / 113 (نقلا عن جماعة
من العلماء).
(3) في (ك) و (م): البحر منفصلا.
(4) انظر: القرافي / الفروق: 2 / 113 - 114.
277

قاعدة [92]
الأمور الخفية جرت عادة الشارع أن يجعل لها ضوابط ظاهرة.
ومنه: الاستنجاء لما كانت المسربة تخفى عن العيان، وكانت
الثلاثة مما تزيل النجاسة عنها غالبا، ضبطها بالثلاثة.
والقصر، لما كان للمشقة، وهي مضطربة مختلفة باختلاف
المسافرين والأوقات ضبطت بالمسافة التي هي مظنة المشقة غالبا.
والعقل الذي هو مناط التكليف، لا يكاد يعلم، ضبط بالأمور
(المعرفة للبلوغ) (1).
وضبط التراضي في العقود، بصيغها الخاصة. والاسلام، بالشهادتين
لان التصديق القلبي لا يطلع عليه. وضبطت العدة الاستبرائية (2):
بالوطئ. والوطئ، بغيبوبة الحشفة.
فرعان:
الأول: لو علق الظهار بمشيئتها فقالت: شئت: وهي كارهة
لذلك هل يقع؟
على هذه القاعدة ينبغي أن يقع، لأن الأمور منوطة بالظاهر.
الثاني: لو أوقع بيعا أو شراء قاصدا إلى خلاف مدلوله أو غير
مريد له فهل ينفذ ظاهرا وباطنا؟
يحتمل النفوذ، لان الشرع وضع ذلك سببا.

(1) في (ك): المعروفة.
(2) في (ك) زيادة: منه.
278

قاعدة [93]
إذا دار الوصف بين الحسي والمعنوي فالظاهر أن الحسي أولى لكونه
اضبط، ويتفرع عليه:
تحريم انهزام مائة ضعيف من المسلمين من مائة بطل (من
الكافرين) (1)، وثبات مائة بطل من المسلمين لمأتي ضعيف وواحد.
وحل التقسيط (2) في أطعمة الغنيمة وأن كان هناك سوق. ولا
تجزئ المكسورة، وإن كان غير مؤثر في الهزال كعند (3) الذبح.
ولا يمنع الذمي من ركوب البغل وإن كان أنفس من الفرس.
قاعدة [94]
كلما كانت العلة مركبة توقف الحكم على اجتماع اجزائها.
كالقتل عمدا عدوانا في ثبوت القود، و كالسكوت لا بنية القطع،
والقطع لا بنية السكوت في القراءة لا يبطل، واجتماعهما يبطل. وكل
من نية التعدي والنقل في الوديعة لا يضمن، وكلاهما يضمن.
فرع: لو راج نقدان متساويان جاز بيع الوكيل بأيهما شاء. وفي جواز
بيعه بهما وجهان.

(1) زيادة من (ح).
(2) في (أ): التبسط. (3) في (ح): عند.
279

فائدة (1) كل حكم شرط فيه شروط متعددة، كالجمعة، ووجوب الحد،
والقصر في المسافة، فإنه ينعدم بفوات واحد منها.
قاعدة [95]
المعارضة بنقيض المقصود واقعة في مواضع (2):
كحرمان القاتل من الإرث، واثبات الشفعة للشريك. ومن ثم
قال ابن أبي عقيل (*): (3) بمنع قتل الخطأ الإرث مطلقا، لئلا

(1) في (م): قاعدة.
(2) عنون السيوطي هذه القاعدة بعنوان: (من استعجل شيئا
قبل أوانه عوقب بحرمانه) انظر: الأشباه والنظائر: 169. وبنحو
ذلك عبر ابن رجب في / قواعده: 247.
هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني الحذاء من
أكابر علماء الإمامية وفقهائهم في القرن الرابع الهجري وهو أول من
هذب الفقه واستعمل النظر في الأدلة وطريق الجمع بين مدارك الأحكام
بالاجتهاد الصحيح في ابتداء الغيبة الكبرى. له كتب في الفقه والكلام.
(القمي / الكنى والألقاب: 1 / 194، والأمين / أعيان الشيعة:
22 / 193).
(3) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة. 5 / 190 (نقلا عنه).
280

يتوصل مدعي الخطأ إلى استعجال الإرث بالقتل.
وتوغل العامة (1) في الامام لو قتل مورئه حدا بالرجم أو بالمحاربة،
فذكروا فيه أوجها ثلاثة، يفرق في الثالث بين ثبوته بالبينة أو الاقرار،
ففي الأول: يمنع، وفي الثاني: لا منع (2)، لعدم التهمة. وفي
قبله قصاصا خلاف مرتب، وأولى بالحرمان عندهم (3).
وكذا في الميت بالتسبيب، كنصب الميزاب، ووضع الحجر،
والشهادة على مورثه بما يوجب رجما أو قصاصا، واخراج الجناح
والروشن (4) فيقع على مورثه.
ومنه: ما إذا شرب مسكرا، أو مرقدا، أو ألقى نفسه من
شاهق فجن، فإنه يجب عليه قضاء تلك الأيام. وفي الجنون نظر.
وفي قتل أم الولد سيدها، والمدبر مدبره، ورب الدين المؤجل مديونه،
وجه بالمقابلة بعيد.
ويورث المطلق في مرض موته بائنا، والمتزوج في العدة عالما، فإنه

(1) انظر: الشيرازي / المعذب: 2 / 24، وابن قدامة / المغني:
6 / 292.
(2) في (ح): لا يمنع.
(3) الصحيح عند الشافعية أن القاتل لا يرث بحال. انظر: الشيرازي /
المهذب: 2 / 24. وشمس الدين الرملي / نهاية المحتاج: 6 / 27.
وظاهر مذهب الحنابلة والحنفية والمالكية انه يرث هنا. انظر: ابن
قدامة / المغني: 6 / 292، والمرداوي / الانصاف: 7 / 369،
والعبادي / الجوهرة النيرة: 2 / 304، والحطاب / مواهب الجليل:
6 / 422. (4): الروشن: الكوة.
281

استعجل الحل قبل وقته فعورض بنقيض مقصوده. وألحق به الجاهل
مع الدخول (1)، لتوغله في الاستعجال في مظنة البقاء.
ولو جنت (2) الزوج، وقلنا بأن الحادث يفسخ به ففيه وجه
بمنعها الفسخ.
أما هدم المستأجر الدار، فالأصح أنه لا فسخ فيه، للمعارضة،
ولأنه سبب إدخال النقص على نفسه.
ولو أوصى للقاتل قبل الجرح أو بعده، ففيه وجه، والفرق،
فيرث إذا تقدمت الجراحة الوصية دون العكس.
ولو قتلت نفسها قبل الدخول لم يسقط المهر، بخلاف ما لو قتلها
سيدها.
قاعدة [96]
قد وقع التعبد المحض في مواضع لا يكاد يهتدى فيها إلى العلة.
كالبداءة بظاهر الذراع وباطنه في الوضوء، وكالجريدتين إن لم
تعلل بدفع العذاب ما دامت خضراء، وكرمي الجمرات، والنهي
عن بيع الطعام حتى يكال أو يوزن، فكونه لا يكتفى به في المكيال
لو قلنا به تعبد، وإذن الواهب في قبض ما بيد الموهوب ومضي زمان

(1) انظر: السيد المرتضى / الانتصار: 107، والعلامة الحلي /
تحرير الأحكام: 2 / 14.
(2) في (ك) حنث. ويحتمل: جبت، أي جبت ذكر الزوج،
وهي مسألة ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر من فروع هذه القاعدة.
وفيه قول للشافعية بمنعها من الفسخ. انظر: الأشباه والنظائر: 170.
282

عند الشيخ (1)، والسرف في استعمال الماء على شاطئ نهر أو بحر
فإنه مكروه، ووجوب طلب المتيمم وإن علم عدم الماء، ووجوب
إمرار الموسى على رأس الأقرع أو استحبابه - ولا تدخل هذه الصورة
تحت قوله: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (2) إذ لم
يأت بشئ من المأمور به - ووجوب العدة على المتوفى عنها مع عدم
الدخول، ووجوبها على الصغيرة واليائسة عند المرتضى (3) رحمه الله
ومن تبعه (4)، وعدم وجوب إخراج القيمة في الكفارة وفي الانعام
الزكوية عند بعض الأصحاب (5)، مع أن مشروعية الزكاة لسد خلة
الفقراء وهو حاصل بالقيمة، وتحريم الربا، ومع اشتماله على المخلصات
المخصوصة يخرج عن التحريم، والتفاضل حاصل (6).
قاعدة [97]
ما ثبت على خلاف الدليل لحاجة قد يتقدر بقدرها وقد يصير أصلا
مستقلا ومن ثم وقع الخلاف في مواضع:

(1) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 3 / 305.
(2) انظر: صحيح البخاري: 2 / 258، كتاب الاعتصام.
(3) الانتصار: 146.
(4) انظر: ابن زهرة / الغنية: 68.
(5) انظر: الشيخ المفيد / المقنعة: 41 (في الانعام الزكوية)،
والعلامة الحلي / المختلف: 2 / 15 (نقلا عن ابن الجنيد).
(6) انظر في فروع هذه القاعدة أيضا: السيوطي / الأشباه والنظائر
: 435، 436.
283

منها: الماسح على الخف أو الجبيرة، أو غاسل موضع المسح ثم
يزول السبب.
ومما صار أصلا مستقلا: الإجارة، فإنها معاوضة على المنافع
المعدومة، وشرعيتها للحاجة، ثم صارت أصلا، لعموم البلوى.
والجعالة، شرعت للتوصل إلى تحصيل المجهول، فلو كان معلوما
ففي الجواز كلام للعامة (1). و الأصح أنها صارت أصلا مستقلا،
فتجوز مع العلم.
وجواز اقتداء الأجنبي المرأة (2)، وإن كان شرعيته لحاجة
المرأة.
وصلاة الخوف شرعت مقصورة بنص القرآن (3)، لأجل الخوف
في السفر، ثم عم في جميع الاسفار المباحة.
وتجويز المسابقة بعوض مع جهالة العمل، وبيع العرايا (4)،
والمزارعة، والمساقاة.

ذهب إلى الجوز كل من الحنابلة والمالكية والشافعية على الصحيح.
وللشافعية وجه بعدم الجواز. انظر: ابن قدامة / المغني: 5 / 657 - 658،
وابن جزي / قوانين الأحكام: 302، والغزالي / الوجيز: 1 / 144.
(2) في (ح): للمرأة.
(3) وهو قوله تعالى في سورة النساء: 100: (وإذا ضربتم في
الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم
الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا).
(4) العرية: النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا له ثمرها عاما
فيعروها، أي يأتيها. انظر: الجوهري / الصحاح: 6 / 2423،
مادة (عرا).
284

ولو تمكن من إقامة البينة على زنا زوجته ففي جواز ترك ذلك
اعتمادا على اللعان، لان ذلك عار وخزي، أو لا، لعموم قوله تعالى:
(ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) (1)، وهذا متمكن من
الاشهاد.
قاعدة [98]
إذا دل الدليل على حكم ولم يرد فيه بيان من النبي صلى الله عليه
وآله مع عموم الحاجة إليه، (في زمانه) (2) هل يكون ذلك قدحا
في ذلك الدليل؟
فيه كلام في الأصول، ويعبر عنه العامة: بالقياس الجزئي مما
لم يرد من النبي صلى الله عليه وآله فيه بيان مع عموم الحاجة إليه في
زمانه، أو عموم الحاجة إلى خلافه. وله أمثلة:
منها: إذا غمس المجنب يده في ماء قليل، فنوى رفع الحدث هل
يصير الماء مستعملا؟ فمستند هذا أنه ماء استعمل في رفع الحدث الأكبر
فلا يرفع ثانيا. ويعارضه أن النبي صلى الله عليه وآله لم يبين ذلك
لسكان البوادي مع تكرار حاجتهم إلى ذلك. ولو غمسها لا بنية
الاستعمال، فلا اشكال. ولو غمسها لا بنية أصلا، فالظاهر أنه لا يحصل
الغسل. ويحتمل حصوله اعتمادا على النية الأولى.
ومنها: ما ذهب إليه بعض الأصحاب من بسط النية على التكبير
بحيث تقع بين الهمزة والراء، فان دليل المقارنة قد يدل عليه، مع

(1) النور: 6.
(2) زيادة من المطبوعة.
285

أن النبي صلى الله عليه وآله لم يبينه مع احتياج كل إلى بيانه.
ومنها: ما ذهب إليه بعض العامة (1) من جواز الصلاة على كل
ميت غائب بالنية في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يبينه النبي صلى
الله عليه وآله بقول ولا فعل (2). ومنعهم ولاية الفاسق عقد النكاح (3)، ولم يبينه للبوادي وغيرهم
ممن يغلب عليهم الفسق.
ومنها: ضمان الدرك، فإنه ضمان ما لم يجب، وسوغه مسيس
الحاجة إليه، ولم يبينه النبي صلى الله عليه وآله.
وجواز شراء عين أقر قابضها بشرائها من الغير، فان قضية الدليل
عدم الجواز لأنه أقر بالملك لغيره، وادعى حصوله لنفسه، ولكن
شرع لما قاله الأئمة عليهم السلام: (لولا هذا لما قامت للمسلمين
سوق) (4) ولم ينقل في هذا بيان عن النبي صلى الله عليه وآله،

انظر: ابن قدامة / المغني: 2 / 512، والنووي / المجموع:
5 / 253.
(2) استدل القائلون بالصلاة على الغائب: بصلاة النبي صلى الله عليه وآله
على النجاشي ملك الحبشة. انظر: نفس المصدرين السابقين. فيكون
فعله صلى الله عليه وآله بيانا.
(3) للشافعية في ولاية الفاسق عقد النكاح ثلاثة عشر وجها.
وللحنابلة روايتان: إحداهما: اشتراط العدالة، والأخرى: عدم
اشتراطها. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 416، وابن قدامة /
المغني: 6 / 466. وقد تقدم من المصنف ان ذكر أن للشافعية في
ولاية الفاسق اثني عشر وجها. راجع: ص: 220.
(4) روى ابن بابويه القمي، والشيخ الطوسي عن الإمام (ع)
هذا النص بالنحو التالي: (ولو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين
سوق). انظر: من لا يحضره الفقيه: 3 / 31، باب 18 من
أبواب القضاء، حديث: 27، وتهذيب الأحكام: 6 / 262، باب
90، حديث: 100.
286

مع عموم الحاجة إليه.
قاعدة [99]
الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة.
كجواز قتل الترس من النساء والصبيان من الكفار، بل ومن
المسلمين عند الحاجة.
وكجواز النظر لحاجة العلاج إلى الأجنبية، هل هو ملحق بالتيمم
في قدر المرض الذي يبيحه هل هو المضر أو يكفي مطلق المرض وإن
لم يخش عاقبته؟
وفرق بينهما: بأن الحاجة إلى التيمم عامة بخلاف الحاجة إلى الطبيب
في هذا المقام فإنها خاصة نادرة.
وقد يعبر عن هذه القاعدة: بتنزيل ما يعم وإن خف منزلة ما
يثقل إذا خص.
قاعدة [100]
العدول عن الأصل المنتقل إليه إلى الأصل المهجور هل هو جائز؟
الظاهر المنع. وله صور:
287

منها: إذا كثر سهوه فحكمه عدم لالتفات، فلو شك كثير السهو
في سجدة أو تسبيحة، أو قراءة وهو في محلها فإنه لا يلتفت، لان
كثرة السهو جوزت الباء على الفعل مع أن الأصل عدمه. فلو فعل
ذلك هل تبطل صلاته؟ فيه أوجه، ثالثها: الفرق بين الركن
وغيره.
وكما لو غسل موضع المسح تقية فإنه صار أصلا مستقلا، فلو
مسح حينئذ ففي الاجزاء احتمال.
وزعم بعض العامة (1): أن الشاة في الإبل بدل عن الإبل،
إذ الأصل كون المخرج من جنس المخرج عنه، وجوزوا أن يكون
أصلا. ورتبوا عليه إجزاء البعير عن خمس شياه، أو عن شاة (2).
قاعدة [101]
إذا تردد الفرع بين أصلين وقع الاشتباه.
وهو مناط الاشكال في مواضع:
منها: ما هو داخل في القياس فذكره إلزام.
ومنها: غيره. مثاله: حجر السفيه متردد بين كونه لنقص فيه
كالصبي، أولا لنقص، بل لحفظ المال كحجر العبد. ويتفرع عليه:
لو أذن الولي للسفيه في البيع فهل يبطل، كالصبي، أو يصح، كالعبد؟
وكذا في عقد النكاح والوصية.

(1) وجه للشافعية. انظر: النووي / المجموع: 5 / 397،
والرافعي / فتح العزيز، بهامش المجموع: 5 / 347 - 348.
(2) انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 146.
288

ومنه (1): الحيوانية بالنسبة إلى الآدمية وغيرها، تارة يفرق
بالضرورة، وتارة بالتحسين، فالأول منه: ما إذا ألقاه في البحر
فالتقمه الحوت قبل وصوله الماء، فمن منع الضمان (2) قال: لان
الحيوان يقطع مباشرة السبب. والأصح الضمان، لأنه متلف على كل
حال.
وإذا فتح عن طائر قفصا، فطار، اعتبر بعضهم (3) مباشرة
الطائر. وهو خطأ، بل يضمنه، سواء طار عقيب الفتح أو بعد
مكث. فلو كسر الطائر في خروجه قارورة آخر ضمنها الفاتح أيضا.
ولو فتح جراب شعير لغيره فلما فتحه أكلته دابة، فالأقرب الضمان
على الفاتح، ولكن يرجع على صاحب الدابة إن فرط.
وأما التحسين (فكشبه العبد الحر) (4)، فإنه لا فرق بينهما في
الآدمية، ولكن المملوكية تلحقه بشبه غير الآدمي من الحيوان، ولهذا
يلحق بالحر فيما فيه مقدر، بالحيوانات المملوكة فيما لا مقدر فيه.
وبنى بعضهم حل العبد الآبق على ذلك فيما لو أبق (5): وفصل

(1) أي من تردد الفرع بين أصلين. وفي (أ) و (ح):
منها، أي ومن المواضع،
(2) كبعض الشافعية. انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 176.
(3) رأي لأبي حنيفة وأبي يوسف، وقول للشافعية. انظر:
ابن نجيم / الأشباه والنظائر: 163، والشيرازي / المهذب: 1 / 374
- 375، والرافعي / فتح العزيز، بهامش المجموع للنووي: 11 / 245.
(4) في (ح): فكتشبيه العبد إلى الحر، وفي (أ): فكتشبيه
العبد الحر.
(5) فعند الحنفية وبعض الشافعية لا ضمان عليه. انظر: ابن
نجيم / الأشباه والنظائر: 163، والرفعي / فتح العزيز، بهامش
المجموع للنووي: 11 / 246 - 247.
289

الأصحاب (1) بعقله وجنونه، لقوة اختيار العاقل.
ومنه: اللعان متردد بين الايمان والشهادات، وشبه الايمان أقوى،
فيجوز من الذمي.
وحد القذف متردد بين حق الله تعالى وحق الآدمي، من جهة
انه يتشطر بالرق، وأن استيفاءه باذن الامام فيشبه حق الله، ومن
توقفه على مطالبة المستحق وسقوطه بعفوه، وأنه لا يسقط بالرجوع
من المقر به، وأنه يورث. ويتفرع عليه ثبوته بالشهادة على الشهادة.
والعدة مترددة بين حق الله تعالى وحق الآدمي، ويغلب فيها حق
الله تعالى لوجوبها مع الوفاة وإن لم يدخل. ولذلك كان الأقرب عدم
تداخل العدتين.
وجنين الأمة هل يعتبر بنفسه، أو بكونه عضوا من أعضاء أمه،
لعسر اعتباره بنفسه، ولهذا يدخل عند الشيخ (2): في البيع والعتق
والتدبير والوصية. فمن ثم وجب فيه عشر قيمة الام.
وهذا كله إظهار للحكمة، وإلا فالاستناد إلى المنصوص منها
واجب (3).
قاعدة [102]
قد يتردد الشئ بين أصلين فيختلف الحكم فيه بحسب دليل الأصلين.

(1) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 2 / 375.
(2) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 2 / 156، و ج 4 /
15 - 16، 55، والنهاية: 552.
(3) في (ك) و (م): وجوب.
290

فمنه: الإقالة في كونها فسخا أو بيعا، والأقوى أنها فسخ، وإلا
لصحت من (1) غير المتعاقدين، وبغير الثمن الأول.
ويتفرع على ذلك فروع كثيرة.
كالإقالة في العبد بعد اسلامه والبائع كافر، فعلى الفسخ يمكن
الصحة. وثبوت خيار المجلس والشرط والحيوان. والشفعة.
وجوازها بعد التلف. وجوازها قبل القبض في المكيل والموزون.
وغرم أرش المبيع لو تعيب في يد المشتري بعد الإقالة على قول
الفسخ، وعلى قول البيع يتخير البائع بين إجازة الإقالة والأرش وبين
الفسخ. وقبل (2): لا أرش، وهو قضية قول من قال من الأصحاب
بأن العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض. أرش فيه (3). ولو
اطلع البائع على عيب حدث في يد المشتري قبل الإقالة فلا رد له على
الفسخ وعلى البيع. والأقرب الرد على القولين (4).
ومن المتردد بين أصلين الابراء، هل هو اسقاط أو تمليك؟
ويتفرع عليه:
احتياجه إلى القبول وعدمه، فان اعتبرنا القبول ارتد برده،
وتولي المبرأ العقد عن المبرئ بوكالته جائز على الاسقاط، وعلى
التمليك يبنى على جواز تولي الطرفين.

(1) في (ح) و (م) و (أ): مع.
(2) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 190.
(3) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 1 / 211، وابن إدريس /
السرائر: 224.
(4) انظر في فروع الإقالة: السيوطي / الأشباه والنظائر: 190،
وابن رجب / القواعد: 410 - 414.
291

والابراء عن المجهول يصح على الاسقاط، ويبطل على التمليك.
ولو قال لمن اغتابه: قد اغتبتك، ولم يبين الغيبة، فأبرأه يمكن
القول بالصحة، لأنه هنا إسقاط محض. والأقرب المنع، للاختلاف
في الاغراض، والرضا بالمجهول لا يمكن.
ولو كان له على جماعة دين فقال: أبرأت أحدكم، فعلى التمليك
لا يصح قطعا، وعلى الاسقاط يمكن الصحة ويطالب بالبيان (1).
ومنه: الحوالة هل هي استيفاء وإقراضه المحال عليه، أو هي
اعتياض عما كان في ذمة المحيل بما في ذمة المحال عليه؟ وله فروع
كثيرة مشهورة (2).
ومنه: ما هو متردد بين القرض والهبة، كقوله: أعتق عبدك
عني، ولم يذكر العوض، أو: اقضي ديني، ولم يذكر الرجوع،
فهل يرجع في الموضعين بالعوض، كالقرض أو لا، كالهبة؟
ولو دفع إليه مالا وقال: انجر في حانوتي لنفسك، أو بذرا
وقال: أزرعه في أرضي لك، فهو معير للحانوت والأرض، وهل
المال قرض أو هبة؟
ولو دفع إلى فقير دراهم وقال: اشتر بها قميصا لك، فهل يكون
هبة أو قرضا؟ يقوى الهبة هنا، عملا بالقرينة، وليس له العدول
إلى شراء غير (3) القميص بها قطعا، إلا أن يكون قوله على سبيل
التبسط (4)، فيتصرف كيف شاء.

(1) انظر في فروع الابراء: السيوطي / الأشباه والنظائر: 189.
(2) انظر هذه الفروع في الأشباه والنظائر للسيوطي: 187 - 189.
(3) في (ك): عين، وما أثبتناه هو الأنسب بمقتضى السياق.
(4) أي على سبيل التوسعة والترفيه.
292

ولو دفع إلى شاهد في موضع تلحقه المشقة بحضوره أجرة دابة
ليركبها، فهل هي (1) قرض أو هبة؟
ومنه: تردد العين المستعارة للرهن بين العارية والضمان، فكان
المعير ضامنا للمال في عين ماله، والمستعير مضمون عنه.
ويتفرع عليه: معرفة الجنس والقدر والصفة على قول الضمان،
بل ومعرفة المرهون عنده.
ولو تلف في يد المرتهن فعلى قول الضمان لا شئ عليه ولا على
الراهن، وعلى قول العارية على الراهن الضمان: ولو تلف في يد
الراهن ضمن على القولين (2).
فرع:
لو قال مالك العبد: ضمنت ما لفلان عليك في رقبة هذا العبد،
قيل (3): يصح على قول الضمان، ويكون كالإعارة للرهن.
ويشكل: بعدم قبول المضمون له، إلا أن يقال: قبوله غير
شرط، بل يكفي الرضا.
ومنه: أن الصداق قبل الدخول هل هو مضمون على الزوج ضمان
عقد أو ضمان يد؟ فيه وجهان:

(1) في (ح): هو، فيكون مرجع الضمير إلى المال المدفوع.
(2) انظر في فروع العين المستعارة للرهن: السيوطي / الأشباه والنظائر
: 186 - 187.
(3) قاله القاضي حسين من الشافعية انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر
: 187.
293

ووجه الأول: أنه مملوك بعقد معاوضة، فهو كالمبيع.
ووجه الثاني، أن النكاح لا ينفسخ بتلفه، وما لا ينفسخ العقد
بتلفه يكون مضمونا ضمان اليد، كما لو غصب البائع المبيع بعد قبضه
فإنه مضمون عليه ضمان اليد.
والأصل فيه: أن في الصداق مشابهة العوض، ومشابهة النحلة،
والنحلة هي العطية من غير عوض فلا يكون مضمونا عليه ضمان
العقود.
وحجة المعاوضة: أن للزوجة رده بالعيب، وحبس نفسها إلى
القبض، والنحلة لا تتعين للعطية، بل قيل (1): هي للندين والشريعة.
سلمنا أنها عطية، لكن هي عطية من الله للزوجات.
وأما عدم انفساخ النكاح بتلفه، فلان المهر ليس ركنا في عقد
النكاح، لصحته مع تجرده عنه، فالزوجان هما الركنان في النكاح،
كالعوضين في البيع، ومن ثم وجب تسمية الزوجين في العقد لو
باشره الوكيل، كما تجب تسمية العوضين في البيع.
وفروع ذلك كثيرة (2)، منها: إذا تلف الصداق في يده فان
قلنا ضمان عقد انفسخ عقد الصداق وتعذر عود الملك إليه قبل التلف،
ويكون لها مهر المثل، لان النكاح مستمر، والبضع كالتالف فيرجع
إلى عوضه، وإن قلنا ضمان اليد لم ينفسخ العقد في الصداق بل يتلف
على ملك الزوجة، حتى لو كان عبدا وجب عليها مؤنة تجهيزه ويضمن
الزوج بدله مثلا أو قيمة.

انظر: الشيخ الطوسي / تفسير التبيان: 3 / 109 (نقلا
عن بعضهم، وذكره الزجاج وابن خالويه).
(2) انظر هذه الفروع في / الأشباه والنظائر للسيوطي: 191.
294

ومنه: الظهار يشبه الطلاق من حيث اشتراط الشاهدين، والطهر،
والاستبراء، ويشبه اليمين من حيث بقاء حقيقة الزوجية واحتياج
البينونة إلى الطلاق.
وفرع العامة (1) عليه: توقيت الظهار، فعلى الطلاق لا يجوز،
وعلى اليمين يجوز.
ولو قال لأربع: أنتن على كظهر أمي، فعلى الطلاق لكل واحدة
كفارة، وعلى اليمين كفارة واحدة، كما لو حلف: لا كلمت جماعة
فكلمهم.
ومنها: جواز التوكيل في الظهار، فعلى اليمين لا يجوز، وعلى
الطلاق يصح.
ولو كرر الظهار من واحدة فعلى اليمين يلزمه بكل مرة كفارة،
قالوا: إن قصد التأسيس، وعلى الطلاق كفارة واحدة إذ لا يصح
طلاق المطلقة ثانيا قبل الرجعة عندنا.
ومنه: المطلقة البائن مع الحمل تجب نفقتها بالنص (2)، وهل
هي للحامل، أو للحمل؟
وفروعه كثيرة: كوجوبها على العبد، وسقوط قضائها أولا،
ووجوبها لو كانت ناشزا حال الطلاق أو إن (3) نشزت بعده، أو
ارتدت بعد الطلاق، وصحة ضمان الماضي منها، وإذا كان الزوج
حرا والزوجة أمة، ومنعها المولى من الليل، وكذا لو كان رقيقا مع

(1) انظر المصدر السابق: 193.
(2) وهو قوله تعالى في سورة الطلاق: 6: (وإن كن أولات
حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن).
(3) زيادة من (ك).
295

الشرط، وإذا مات وهي حامل، لان نفقة القريب تسقط بالموت،
وإن قلنا للحامل وجبت. وروى الأصحاب (1): أن نفقة الحامل (2)
من نصيب الحمل. وفي أخرى (3): لا نفقة لها. وهي تؤيد أن
النفقة للحامل، وبالبينونة زالت توابع الزوجية. ولو مات الزوج
مقدما (4) فلا نفقة إن قلنا للحامل قطعا، وإن قلنا للحمل وجبت
في ماله.
ولو خلف أبا فان قلنا لها، فلا نفقة، وإلا وجبت على الجد.
ويحتمل أن لا نفقة على القولين.
ولو أبرأته عن النفقة الحاضرة، كما بعد طلوع الفجر من نفقة
اليوم، لم تسقط على الحمل.
ولو أعتق أم ولده الحامل منه وجبت النفقة (5) إن جعلناها
للحمل.
وتقبض من الزكاة والخمس مع فقرها إن جعلناها للحمل، وإن
قلنا لها فلا (6)، لأنها في نفقة الزوج. وهذا الفرع مشكل، لان
الزوج أبو الحمل، فالنفقة واجبة عليه على التقديرين، فإن كان

(1) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 15 / 236، باب
10 من أبواب النفقات، حديث: 1.
(2) أي الحامل المتوفى عنها زوجها.
(3) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 15 / 234 235،
باب 9 من أبواب النفقات، حديث: 1، 2.
(4) في (م): بعدها.
(5) زيادة من (ك).
(6) في (م) زيادة: تقبض من الواجب.
296

موسرا أداها، وإن كان معسرا كان هو القابض. نعم لو مات أو
كان كافرا والام (1) مسلمة، فان كانت فقيرة قبضت على التقديرين،
لان المصروف إنما هو إليها، وإلا فلا، لوجوب نفقة الحمل عليها.
ولو (2) سافرت بغير إذنه، فان قلنا للحمل، وجبت، وإلا فلا.
ويصح الاعتياض عنها إن كانت لها.
ولو أسلم وهي كافرة وجبت، إن قلنا للحمل، وإلا فلا.
ولو سلم إليها نفقة ليومه: فخرج الولد ميتا في أوله لم يسترد،
إن قلنا لها، وإلا استردت.
ووجوب الفطرة إن قلنا للحامل دون الحمل (3). ويشكل: بما
أنها منفق عليها حقيقة فكيف لا تجب فطرتها؟؟
ولو أتلفها متلف بعد قبضها وجب بدلها إذا قلنا للحمل، ولم
يفرط.
ولو نشزت في النكاح وهي حامل، أمكن وجوب النفقة، إن
قلنا إنها للحمل (4). ويشكل: بأنها غير مطلقة ولا معتدة.
ولو حملت الأمة من رقيق، فان قلنا للحمل، وجبت على السيد
وإن قلنا للحامل فعلى العبد إذا انفرد السيد بالولد.

(1) في (ك) و (ح): الأمة، وما أثبتناه هو الصواب.
(2) في (ك): وإن.
(3) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 510، وابن رجب /
القواعد: 440.
(4) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 511، وابن رجب /
القواعد: 439.
297

تنبيه:
لو كانت معتدة من غير الطلاق، فمنهم (1) من بناها على الحمل
والحامل، فتجب إن قلنا للحمل، وإلا فلا، كالمعتدة عن النكاح
الفاسد، أو الشبهة أو المفسوخ نكاحها لعيبها.
ومنهم (2) من قال: إن نفقة الحامل إنما تجب، لكونها كالحاضنة،
ومؤنة الحاضنة على الأب، فلا يفترق الحال بين المطلقة والمفسوخ
نكاحها، فتجب النفقة عليها، على التقديرين.
فهذه نيف وثلاثون فرعا (3).
ومنه: إذا نذر عبادة كصلاة - مثلا - وأطلقها، فهل تصير
كالصلاة الواجبة فتنزل على أقل الواجب، أو تنزل على أقل ما يصح
من الصلاة شرعا؟
الأقرب الأول.
ويتفرع: جوازها على الراحلة، وصلاتها قاعدا، ووجوب السورة
بعد الحمد، وتعلق الاحتياط بها، وسجود السهو فيها، وجواز

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 509، وابن رجب /
القواعد: 441، وابن قدامة / المغني: 7 / 610، والعلامة الحلي /
مختلف الشيعة: 5 / 30.
(2) قال بوجوب النفقة لها على التقديرين: الشيخ الطوسي في /
المبسوط: 6 / 24.
(3) خرج السيوطي اثنين وثلاثين فرعا. انظر: الأشباه والنظائر:
509 - 511. كما أن ابن رجب / خرج فروعا كثيرة. انظر: القواعد:
439 - 442.
298

الائتمام بها، وفيها، وجواز ركعة، ووجوب التشهد بين كل ركعتين
لو نذر أربع ركعات بتسليمة.
وكما لو نذر ركعتين فصلى أربعا إما بتشهد واحد أو اثنين، فان
قلنا كالجائز شرعا صح، وإلا فلا، كما لو صلى (1) الصبح أربعا.
ولو نذر الخطبة في الاستسقاء، فان نزلناه على الواجب من
جنسه، وجب القيام، وإن نزلناه على الجائز شرعا في الخطبة المطلقة،
لم يجب.
ووجوب تبييت النية مبني على ذلك، فان جعلناه كأقل المجزئ
شرعا، فهو كالصوم المندوب (2)، فيجزئ فيه عدم التبييت.
ولو نذر المعضوب (3) حجا، وقلنا بجواز نيابة المميز في حج
التطوع، وهو الظاهر، فان نزلناه على الواجب من جنسه لم يجز
استنابته، وإن قلنا ينزل على الجائز من جنسه، أجزأ.
ولو نذر عتق رقبة، فهل تجزئ الكافرة؟ فان قلنا بجواز عتق
الكافر ابتداء، يبنى على التنزيل على العتق الواجب، أو على العتق
الجائز.
ولو نذر أن يهدي بعيرا أو شاة، فهل ينزل على الهدي الواجب،
فيشترط فيه شروطه، أو على الهدي الجائز شرعا؟
ولو نذر كسوة فقير أو يتيم، فان نزلناه على الكسوة الواجبة لم
يجز غير المسلم، وإلا أجزأ الذمي.
وقد ذكر الأصحاب جواز الأكل بل استحبابه في الأضحية

(1) في (ك): نذر.
(2) في (ك): المنذور.
(3) المعضوب: هو الضعيف، أو الزمن الذي لا حراك فيه.
299

المنذورة (1)، وفيه إشارة إلى تنزيله منزلة الأضحية المستحبة، لا
الهدي الواجب.
ولو نذر اتيان المسجد الحرام، فان نزلنا النذر على الواجب بالشرع
لزم اتيانه بنسك، وإن نزلنا على الجائز شرعا، وكان ممن يجوز له
دخول مكة بغير إحرام، لم يجب (2).
ومنه: أن قاطع الطريق إذا قتل فإنه يقتل، ففي هذا القتل معنى
القصاص، لأنه قتل في مقابلة قتل، وفيه معنى الحد، لأنه لا يصح
العفو عنه، بل لو عفا الولي (3) قتل حدا، سواء قلنا بالترتيب أو
بالتخيير، فهل يغلب حق الله أو جانب الآدمي؟ فيه وجهان.
وتظهر الفائدة في مواضع:
منها: إذا قتل من لا يقاد به كالأب ولده، والحر العبد، والمسلم
يقتل (4) الكافر، إن غلبنا حق الله تعالى قتل به، وإن غلبنا حق
الادمي قتل لا به.
ولو قتل جماعة، فان غلبنا معنى القصاص قتل بواحد منهم وللباقين
الدية، في وجه ذكره الأصحاب (5). وهو الأولى، إن ترتبوا،
وبواحد بالقرعة إن لم يترتبوا. وإن غلبنا حق الله تعالى قتل بهم،

(1) ذكر هذا الرأي الشيخ الطوسي في / الخلاف: 2 / 209،
ولكنه في المبسوط: 1 / 393 ذهب إلى عدم جواز الأكل منها.
(2) انظر في فروع النذر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 181 -
183، وابن رجب / القواعد: 244 - 245.
(3) زيادة من (أ).
(4) زيادة من (م) و (أ).
(5) انظر: العلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 256.
300

ولا دية.
ولو مات قبل القود، فان غلبنا حق الله فلا شئ لورثة المقتول،
وإلا أخذت من تركته على القول به في غير المحاربة.
ولو عفا الولي على مال، فان غلبنا حق الآدمي فلا قصاص،
وتجب الدية، ويقتل حدا، كمرتد استوجب القصاص فعفي عنه،
وإن غلبنا حق الله تعالى لغا العفو.
وإن (1) قتل المحارب أجنبي، كمن تولى (قتل من غير) (2)
إذن الإمام، فان غلبنا القصاص فعليه الدية لوارثه. والأقرب عدم
الاقتصاص منه، لان قتله متحتم. ويحتمل القصاص، لأنه معصوم
بالنسبة إليه. وإن غلبنا حق الله عزر فقط.
ولو كان مستحق القصاص صبيا أو مجنونا فينبغي أن يخرج عفو
الولي على هذا الاختلاف، فان غلبنا حق الآدمي لم يقتص حتى يبلغ،
أو يفيق إن أوجبنا التربص في مثله، لئلا يفوت عليه المال لو أراده،
وإن غلبنا حق الله تعالى فعفوه لاغ، فيقتل في الحال.
ولو تاب قبل الظفر به، فان غلبنا حق الآدمي لم يسقط القصاص،
ويسقط التحتم (3)، وإن غلبنا حق الله سقط.
ومنه: اليمين المردودة على المدعي والواجبة بالنكول عليه هل
هي كاقرار المدعى عليه، أو كالبينة؟
يحتمل الأول، لان المدعي عليه بنكوله توصل إلى إثبات حق
المدعي فأشبه إقراره.

(1) في (ح): ولو.
(2) في (ك) و (أ) و (م): للمقتول بغير.
(3) أي تحتم القصاص.
301

ووجه الثاني: أنها حجة صادرة من المدعي مع جحد (1) المدعي
عليه.
وفيها فوائد:
الأولى: لو أقام المدعى عليه بعد يمين المدعي بينة أن العين ملكه،
أو أنه أدى الدين، أو أبرئ منه، فان قلنا كالاقرار لم تسمع، وإن
قلنا كالبينة سمعت.
الثانية: افتقار الثبوت إلى الحكم على البينة دون الاقرار.
الثالثة: هل للبائع مرابحة إحلاف المشتري على نفي علمه بزيادة
الثمن عما أخبر به؟ إن قلنا كالاقرار، فله ذلك رجاء النكول ورد
اليمين، فيكون كالتصديق له، وإن قلنا كالبينة فلا، لعدم سماع
بينة على هذا الثمن الزائد.
الرابعة: لو أنكر الأصيل دفع الضامن فهل له إحلافه؟ إن قلنا
لو صدقه رجع عليه فله ذلك، فيحلف على نفي العلم بالدفع، وإن
قلنا لا يرجع عليه لو صدقة لعدم انتفاعه بالدفع إذ الفرض إنكار
المستحق. فان قلنا اليمين كالاقرار لم يلزم بالحلف، لان غايته
النكول، فيحلف المدعي فهو كالاقرار، وإن قلنا كالبينة طالبه بالحلف
طمعا في نكوله فيحلف، فيرجع، كما لو أقام بينة.
الخامسة: لو ادعى كل من اثنين على واحد رهن عبده عنده
وإقباضه إياه، فصدق أحدهما، قضى به للمصدق، وهل للمكذب
إحلافه؟ الظاهر: نعم، لأنه لو صدقه غرم له. ولو قلنا: لا يغرم
بالتصديق، فهل له المطالبة باليمين؟ إن قلنا: كالاقرار، فلا،

(1) في (ك) و (أ): حجب، وفي (م): حجة.
302

وإن قلنا: كالبينة، أحلف (1)، ويستفيد به الغرم، لا انتزاعه من
الأول، لان البينة هنا حجة على المتداعيين، لا على غيرهما.
السادسة: هل يطالب السفيه باليمين على نفي القتل (2) الموجب
للمال؟ إن قلنا. كالاقرار، فلا، لان غايته النكول فيحلف المدعي،
فيكون كاقرار السفيه، وهو غير مسموع، وإن قلنا: كالبينة،
طولب. ويحتمل مطالبته باليمين ولو قلنا كالاقرار، لأنه قد يحلف
فتنقطع الخصومة، وهو أولى من بقائها.
السابعة: لو ادعى على المفلس فأنكر، وحلف المدعي، إن
قلنا: كالبينة، شارك الغرماء، وإن قلنا كالاقرار، بني على المشاركة
بالاقرار. وعلى القول بأن البينة إنما تتعلق بالمتداعيين، لا يشارك على
التقديرين.
الثامنة: لو ادعى عليه رجل (3) بقتل الخطأ، وثبت باليمين
المردودة، وجبت الدية على العاقلة إن جعلناها كالبينة، وإلا فعلى
المدعى عليه. ولا فرق هنا بين المفلس وغيره إلا في مشاركة الغرماء
وعدمه. ويجيئ الكلام السالف (4).
إلا أن يقال: العاقلة ليست أجنبية هنا، إذ هي قائمة مقام الجاني
في الخطأ. وهو بعيد.
التاسعة: لو تداعى كل من الأختين زوجيته، فصدق إحداهما،

(1) في (ح) و (م) و (أ): أجيب.
(2) في (ك)، العلم.
(3) زيادة من (ح).
(4) وهو الوارد في الفائدة السابعة من أنه على القول بأن البينة
تتعلق بالمتداعيين فلا يلزم العاقلة حينئذ شئ.
303

فهل للأخرى إحلافه؟ الأقرب: نعم، لان المقصود المهر. وأما
النكاح فمدفوع بانكاره، فان نكل حلفت ويبطل نكاح أختها، إن
قلنا كالبينة، ويرد الكلام الأول.
العاشرة: لو قال في عين بيده: هي لاحد هذين، ثم عين زيدا،
فهل لعمرو إحلافه؟ فيه ما سبق.
الحادية عشرة: لو ادعى عليه عينا في يده، فقال: هي لفلان،
فصدقه فلان، أخذها، وهل للمدعي إحلاف المصدق؟ إن قلنا
بالعزم، فنعم، وإلا ففيه ما سبق.
الثانية عشرة: لو زوجها أحد الوكيلين (1) برجل، والآخر بآخر،
أو ادعى زوجيتها اثنان، فصدقت في الصورتين أحدهما، ثبت نكاحه،
وهل يحلف (2) للآخر؟ إن قلنا بالغرم حلف (3)، وإلا يبنى (4)
على الوجهين. وأما انتزاعها من الأول للثاني عند يمينه ففيه ما تقدم.
وكذا انتزاع العين من المصدق أولا في المسألة السابقة.
الثالثة عشرة: إذا باع أحد الشريكين سلعة بينهما وهو وكيل في
القبض، فادعاه المشترى عليه، وصدقه الشريك، وأنكر البائع، حلف
لهما، فلو نكل البائع عن باليمين للشريك، فحلف الشريك، استحق نصيبه،
وللبائع المطالبة بنصيبه للمشتري بعد يمينه على عدم القبض. ولو قلنا: اليمين
المردودة كالبينة وأنها حجة على الخارج، لم يكن له مطالبة المشتري.

(1) في (م) و (أ): الوليين.
(2) (أ): تحلف.
(3) في (ح) و (أ): حلفت.
(4) في (ح) و (أ) و (م): بني.
304

قاعدة [103]
اليمين لنفي شئ لا تكون لاثبات غيره.
ولها صور كثيرة:
منها: إذا اختلف البائع والمشتري في تقدم (1) العيب، حلف
البائع مع عدم البينة والقرينة، ويحلف على القطع.
فلو اختلف (2) بعد ذلك في الثمن وقلنا بالتحالف: أو كان الاختلاف
في تعيين الثمن، فان التحالف فيه هو الأقرب، ففسخ البيع إما
بالحلف أو بغيره، على اختلاف فيه، فطلب البائع من المشتري أرش
العيب الذي اختلفا فيه أولا، بناء على أنه استقر أنه حادث بيمين
البائع، لم يكن له ذلك، لان يمينه كانت لنفي الغرم عنه أو الرد،
فلا يصلح لشغل ذمة المشتري، بل يحلف الآن المشتري على أن هذا
العيب ليس بحادث، فان حلف برئ، ولا يثبت تقدمه بحيث
يطالبه (3) المشتري بالأرش، فان رد اليمين أو نكل حلف البائع
الآن على حدوثه واستحق أرشه، سواء قلنا يمين الرد كالاقرار أو
كالبينة.
ومنها: لو قذفه بالزنا، فلما دعاه للحد طلب منه يمينا على نفي
الزنا وقلنا بقول الشيخ (4): بثبوت اليمين هنا، فنكل أو ردها على
القاذف، فحلف القاذف أنه زنى، سقط حد القذف عنه، ولا

(1) في (ك): عدم و
(2) في (ك): اختلفا.
(3) في (ك) و (ح): يطالب.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 8 / 215 - 216.
305

يجب على المقذوف حد الزنا سواء قلنا: كالاقرار أو لا، لأن هذه
اليمين كانت لدفع (1) حد القذف عنه لا لاثبات الزنا على المقذوف.
وليس هذا كاللعان في أن نكول الزوجة عنه يوجب عليها الحد.
ومنها: لو أقر الوكيل في البيع وقبض الثمن بهما، وانكر الموكل
القبض، قيل (2): حلف الوكيل، لاستيمانه. فلو خرج المبيع
مستحقا: ورجع المشتري على الوكيل بالثمن، لجهله بالوكالة، لم
يكن للوكيل أن يرجع على الموكل ببدل الثمن بناء على تلك اليمين،
لان يمينه كانت لنفي الغرم عنه، لا لشغل ذمة الموكل، بل القول
الآن قول الموكل في عدم القبض مع يمينه، فلو ردها على الوكيل،
أمكن القول بحلفه وبراءته حينئذ، سواء قلنا يمين الرد كالاقرار
أو كالبينة.
قاعدة [104]
لها تعلق بما قبلها
ظاهر الأصحاب (3) أن التدبير وصية بالعتق، وليس تعليقا للعتق
على صفة الموت.

(1) في (م) و (أ): لرفع.
(2) انظر: الرافعي / فتح العزيز، بهامش المجموع للنووي:
11 / 81. (3) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 6 / 171، وابن إدريس
/ السرائر: 347، والمحقق الحلي / شرائع الاسلام: 3 / 120.
306

وربما تخيل ذلك في بعض المواضع.
وله عند العامة (1) فروع على هذين المأخذين: من جواز الرجوع
فيه وعدمه، والبيع بخيار، فعلى الصفة لا يصح، وعلى الوصية يحتمل
بطلان التدبير قبل لزوم البيع، فلا يعود إلى التدبير لو فسخ البيع،
واحتمل المراعاة.
ولو رهنه أمكن الرجوع، لأنه عرضه للبيع، وعدمه، لأنه ليس
بمزيل للملك، وعلى الصفة لا بحث (2). والعرض على البيع كالبيع.
ويمكن العدم، لأنه لم يخرج عن الملك. أما الوطئ فليس برجوع
قطعا على الوجهين، لأنه مع الحمل يؤكد التدبير. وفي المكاتبة
وجهان. ويحتمل أنه إن قصد بالمكاتبة الرجوع عن التدبير كان
رجوعا على القول بالوصية، وإلا (3) فهو مدبر مكاتب.
ولو ادعى العبد أنه دبر ففي سماع الدعوى تردد، من توهم أن
الانكار رجوع.
ولو حملت، تبعها الولد، أما على العتق فظاهر، وأما على الوصية
فمشكل من حيث أن الوصية بالجارية لا يدخل فيها الحمل المتجدد
قبل الوفاة. وهذا يوهم أنه عتق بصفة، لفتوى الأصحاب بأن الولد
مدبر (4). وبالغوا في ذلك حتى منعوا من الرجوع في تدبيره ولو

(1) انظر: ابن رجب / القواعد: 437 - 438.
(2) في (م): لا يجب.
(3) في (م) و (أ) زيادة: فلا.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / النهاية: 552، والمبسوط: 6 /
175، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 82، وابن إدريس /
السرائر: 347، وابن حمزة / الوسيلة: 68.
307

رجع في تدبير أمه (1)، وهو يؤكد الصفة.
قاعدة [105]
العمل بالأصلين المتنافيين واقع في كثير من المسائل (2).
وأصله: الاخذ بالاحتياط غالبا، وما روى عن النبي صلى الله
عليه وآله في قضية عبد بن زمعة: (هو لك يا عبد بن زمعة، الولد
للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة) (3). قيل (4):
قال ذلك لما رأى فيه شبها بعتبة بن أبي وقاص فأتبعه للفراش بأخي
سودة أم المؤمنين، وأمرها بالاحتجاب منه، للشك الطارئ على
الفراش.
ولما روي عنهم عليهم السلام: في الذي وطئ أمته ووطئها
أجنبي فجورا وحصلت إمارة على كون الولد ليس منه، فإنه لا يبيعه
ولا يورثه ميراث الأولاد (5).

(1) ذهب إليه الشيخ الطوسي. انظر: النهاية: 553، والمبسوط:
6 / 175.
(2) انظر بعض هذه المسائل في / الأشباه والنظائر للسيوطي:
565 - 566.
(3) انظر: صحيح مسلم: 2 / 1080، باب 10 من أبواب
الرضاع، حديث: 36.
(4) قالته عائشة. انظر نفس المصدر السابق، وسنن ابن ماجة:
1 / 646، باب 59 من كتاب النكاح، حديث: 2004.
(5) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 14 / 563 - 564،
باب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1، 2، 4.
308

فمنها: المتحيرة إذا قلنا بالاحتياط فهي تفرض بالنسبة إلى وجوب
العبادة طاهرا، وبالنسبة إلى وجوب القضاء وتحريم الوطئ وغيرهما
حائضا.
ومنها: حيض الحامل، مع عدم انقضاء العدة به من صاحب
الحمل ومن غيره. الأقرب الانقضاء.
واشتباه موت الصيد بالجرح، أو الماء القليل في أحد الوجهين.
ونفي إحصان من اعترف بالولد من زوجته، ونفي وطئها، فإنه
يلحق به الولد ولا يثبت إحصانه، إلا أن يتصور علوقها من مائة
بغير وطئها قبلا.
ولو ادعى المطلق انقضاء عدتها وأنكرت، حلفت، ويجب عليه
الانفاق وله التزويج بالأخت، أو الخامسة في وجه.
واللقيط في دار الاسلام لو أقر بالرقية إن (1) اعملنا فيه الأصلين
المنافيين (2)، على ما اختاره بعض الأصحاب.
قاعدة [106]
التعليل بانتفاء المقتضي ووجود المانع مختلف فيه:
ويرجح الأول: اعتضاده بالأصل، والثاني (3): على خلاف

(1) زيادة من (ك) و (م).
(2) يقول السيوطي في نحو هذه المسألة: (اللقيطة التي أقرت
بالرق بعد النكاح، لها حكم الأحرار في الطلاق، وحكم الإماء في
عدة الوفاة). الأشباه والنظائر: 566.
(3) في (أ) زيادة: كونه.
309

الأصل.
وله فروع:
منها: أن الحكم ببطلان البيع الصادر من المميز وشبهه كالإجارة
هل هو لانتفاء المقتضي، وهي الأهلية المقتضية لصحة التصرف، وهي
التكليف، أو لوجود المانع، وهو انفراده عن الولي:
وتظهر الفائدة: لو أذن له الولي، فعلى الأول البطلان بحاله،
وعلى الثاني يصح.
قاعدة [107]
في الاحتياط لاجتلاب المصالح ودفع المفاسد.
وقد ظهر أثره، في الشاك في فعل من أفعال الصلاة وهو في
محله، فإنه يأتي به. والشاك في فعل الصلاة وهو في الوقت يأتي بها.
والشاك في العدد يبطل في الثنائية والثلاثية، وهو احتياط، إذ الأصل
عدم فعل المشكوك فيه، وفي الرباعية يبني على الأكثر، وهو ضد
الاحتياط لكنه يجبر بالتدارك. والشاك في عين الفائتة يصلي خمسا احتياطا.
وآخر يوم من شعبان يصام احتياطا. والصلاة على جميع القتلى ودفنهم
احتياطا عند اشتباه المسلمين بالكفار. وترك التزويج بالمشتبهة بالمحرمة
في عدد محصور.
وأصل هذا أحاديث خاصة في بعضه، وعموم. قول النبي صلى الله عليه وآله: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (1).

(1) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 18 / 124، باب
12 من أبواب صفات القاضي، حديث: 47، والسيوطي / الجامع
الصغير بشرح المناوي: 2 / 23 - 24.
310

أما إعادة الصلاة لو شك بعد الانتقال في ركن أو فعل، أو إعادة
الصوم لو شك في نيته أو غسله، وإعادة الزكاة لو شك في استحقاق
القابض، وإعادة الحج لو شك في تمام أركانه، بل إعادة جميع
العبادات عند زيادة الفقه بعد فعلها، فلم نظفر فيه بنص على خصوصه،
ولا بلغنا فيه نقل عن السلف، وإن كان متأخرو الأصحاب أولو الورع
يصنعونه كثيرا. وقد حققنا هذه القاعدة في كتاب الذكرى (1).
ويطرد ذلك: لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة. أو في دخول
الوقت قبل الطهارة، أو في اشتغال ذمته بصلاة واجبة لينوي واجب
الطهارة، أو في كون الخارج منيا، أو في تعيين المني من صاحبي
الثوب المشترك، فطريق الاحتياط لا يحص بمجرد الفعل في مسائل
الاحداث أو الشك في الطهارات، بل ينبغي ايجاد السبب اليقيني ثم
الفعل، لان الفعل مع النية المشكوك فيها كلا فعل عند بعض
الأصحاب (2).
ويتوغل في ذلك: إلى استحباب طلاق الزوجة مع الشك في
وقوعه، وإلى إبانتها بطلقة جديدة لو شك. ومن شك بماذا أحرم
يتمتع احتياطا. ومن شك في تمليك شئ توصل إلى اليقين.. (3).
إلى غير ذلك مما لا ضابط له. وقد اعتبره بعض العامة (4) ما لم يؤد إلى كثرة الشك، فإنه

(1) انظر - مثلا - الركن الثاني من كتاب الصلاة، في الخلل
الواقع في الصلاة - المطلب الثالث في الشك.
(2) انظر: ابن إدريس / السرائر: 34.
(3) في (م): المقر.
(4) انظر: عز الدين بن عبد السلام / قواعد الأحكام: 2 / 17 - 24.
311

مغتفر.
أما ستارة الخنثى كالمرأة، وجمعه بين إحرام (1) الرجل والمرأة،
فالأقرب وجوبه، لتساوي الاحتمالين.
ومن هذا الباب الجمع بين المذاهب مهما أمكن في صحة العبادة، والمعاملة.

(1) في (ح) و (م): احرامي.
312

وها هنا قواعد
في
الاجتهاد وتوابعه
313

قاعدة (1) [108]
إذا لم يظفر (2) المجتهد على وجه مرجح لاحد المحتملات ففيه
صور:
إحداها: أن يكون ذلك في الامارات ففيه وجهان: التوقف،
والتخيير.
وقيل (3): بل الدليلان يتساقطان ويرجع إلى البراءة الأصلية.
وثانيها: أن يكون ذلك في الأواني فيطرحها ويستعمل غيرها،
وإلا تيمم.
وثالثها: أن يكون في الثياب فيصلي في كل واحد مرة ويزيد
على عدد النجس بواحد.
وقيل (4): يصلي عاريا. ولا إعادة عندنا.
ورابعها: أن يشك في الوقت، فعليه الصبر حتى يتحقق دخوله.
وخامسها: الشك في جهة القبلة فيصلي إلى أربع جهات:
وقيل (5): يتخير. ولا إعادة عندنا على كل حال.

(1) زيادة من (ك).
(2) في (ح) و (م) و (أ): يعثر.
(3) انظر: الأسنوي / نهاية السئول: 3 / 133، والعلامة
الحلي / نهاية الأصول - مبحث التعادل. (مخلوط بمكتبة السيد
الحكيم العامة بالنجف برقم 878).
(4) انظر: ابن إدريس / السرائر: 33.
(5) انظر: ابن قدامة / المغني: 10 / 444، 449 - 451،
والعلامة الحلي / مختلف الشيعة: 1 / 77 (نقلا عن ابن أبي عقيل
العماني). وفي قول للشافعية يتخير وعليه الإعادة. انظر الشيرازي /
المهذب: 1 / 68.
315

وسادسها: تحري (1) الأسير والمحبوس في شهر رمضان، فإنه
يتوخى، فان صادف أو تأخر أجزء، (وإلا أعاد) (2).
قاعدة [109]
القادر على اليقين لا يعمل بالظن إلا نادرا.
كالمتوضئ من ماء قليل على شاطئ بحر أو نهر عظيم.
وهذه القاعدة مأخوذة من اختلاف الأصوليين في جواز الاجتهاد
بحضرة الرسول صلى الله عليه وآله ووقوعه (3).
ومن قال من الأصحاب (4) بجواز تقليد المؤذن للقادر على (العلم
بالوقت) (5)، فهو من النادر.

(1) في (ح): تحير.
(2) في (ح): ولا إعادة
(3) انظر: الأسنوي / نهاية السئول: 3 / 173، وابن الهمام /
التحرير في أصول الفقه: 528، والآمدي / الأحكام: 4 / 235 - 238،
والعلامة الحلي / نهاية الأصول / مبحث الاجتهاد - في الاجتهاد في
زمانه صلى الله عليه وآله (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم:
878).
(4) انظر: المحقق الحلي / المعتبر: 143.
(5) في (ك) و (م): الوقت.
316

وعد بعض العامة (1) مواضع مدخولة عندنا، كالاجتهاد في
الثوبين مع وجود ثوب طاهر يقينا، وفي دخول الوقت للقادر على
العلم به، وفي استقبال الحجر مع قدرته على الكعبة، بناء منهم على
كون الحجر من الكعبة غير معلوم، إذ رووا: أنه من البيت (2).
ورووا: أنه سبع أذرع منه، أو ست، أو خمس (3). ووجوب
الطواف به يدرء هذه الخيالات.
إلا أن يقال: الطواف يجب به تأسيا وإن لم يكن من البيت.
وهو بعيد (4). قاعدة [110]
هل يتكرر الاجتهاد بتكرر الواقعة؟
فيه خلاف أصولي (5). وفي الفروع مسائل: كطلب المتيمم عند
دخول وقت الثانية، أو عند تضيقه، والاجتهاد في القبلة للصلاة
الثانية والثالثة.

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 203.
(2) انظر: صحيح مسلم: 2 / 973، باب 70 من كتاب الحج،
حديث: 405.
(3) انظر: المصدر السابق: 2 / 969 - 972، باب 69 من
كتاب الحج، حديث: 401 - 403.
(4) في (ح): تعبد.
(5) انظر: الأسنوي / نهاية السئول: 3 / 189، وابن الحاجب /
مختصر المنتهى: 233.
317

وليس منه: طلب التزكية فيمن زكي أولا، وإن طالت المدة.
قاعدة [111]
كل مجتهدين اختلفا فيما يرجع إلى الحس كالقبلة، وطهارة الاناء،
والثوب، لا يأتم أحدهما بصاحبه (1). وإن اختلفا في فروع شرعية
لاحقة بالصلاة، كترك الوضوء من بعض جزئيات النوم، ومن مس
الفرج، والتحريم (بأكبر) معرفا (2)، واسقاط السورة، والاجتزاء
بالذكر المطلق، ووجوب القنوت، وتكبيرات الركوع والسجود،
لم يصح اقتداء المعتقد بطلان صلاة نفسه لو فعل ما يفعله إمامه.
وربما قيل (3): بالصحة. وفرق بينهما: بأن الأول يعتقد
المأموم بطلان صلاته بسبب إن كان واقعا فهو اجماعي في البطلان،
بخلاف الثاني فان الواقع ليس باجماعي، بل يجوز كون صلاته هي
الفاسدة في بعض الصور.
ويشكل: بأن الظن واقع في الطريق فبطلان الصلاة بالاجماع ليس
بحاصل إلا بعد صدق ظنه وكذب ظن صاحبه.
وقيل (4) في الفرق: إن ذلك يؤدي إلى تعطيل الائتمام، لكثرة
المخالفة في الفروع، بخلاف مسألة الأواني، والقبلة، فإنها نادرة.

(1) في (ح): بالآخر.
(2) في (م): مفردا.
(3) انظر: القرافي / الفروق: 2 / 101 - 102.
(4) قاله عز الدين بن عبد السلام. انظر: القرافي / الفروق:
2 / 100.
318

قاعدة [112]
لا يجوز التقليد في العقليات، ولا في الأصول الضرورية من
السمعيات، ويجوز التقليد في غيرها للعاجز عن إدراك الدليل إذا تعلق
به عمل. وكل ما لا يتعلق به عمل، فإن كان المطلوب فيه العلم لا يجوز
التقليد فيه، كالتفاضل بين الأنبياء السالفة، وإلا جاز، كسير الأنبياء
التي لا يتعلق بها العمل، كتقدم غزوة على غزوة، وتأمير (1) زيد
أو عمرو.
قاعدة [113]
لو تعارضت الامارتان عند المجتهد فالحكم إما التخيير أو الوقف.
وقد ذكر مواضع يقع فيها التخيير عند التعارض: وقد يكون
التخيير مجزوما به، تحصيلا لمصلحة لا تتم إلا به، كتخيير المصلي داخل
الكعبة أي جدرانها شاء، وكتخيير من ملك مائتين بين الحقاق وبنات
اللبون.
فرع لطيف (2):
لو ابتلع خيطا قبل الفجر وأصبح صائما صوما (3)

(1) في (ح) و (أ): وتأمر.
(2) زيادة من (أ).
(3) زيادة من (ح) و (أ):
319

متعينا، وطرفه خارج من فيه والآخر ملاصق (1) لنجاسة المعدة
واعتبرنا وجوب اجتناب مثله، فهو متردد بين أن يبقيه فيلزمه بطلان
ثلاث صلوات، وهي النهارية، وبين أن يبتلعه فيفسد صومه، أو
يقتلعه فكذلك، إذ هو كالمتعمد للقئ، فيحتمل التخيير، ويحتمل
مراعاة الصلاة، لتأكدها وأفضليتها على الصوم، ومراعاة الصوم،
لشروعه فيه قبل الصلاة (2).
قاعدة [114]
الفرق بين الفتوى والحكم مع أن كلا منهما إخبار عن حكم الله
تعالى يلزم المكلف اعتقاده من حيث الجملة: أن (الفتوى) مجرد
إخبار عن الله تعالى بأن حكمه في هذه القضية كذا. (والحكم) انشاء
إطلاق أو إلزام في المسائل الاجتهادية وغيرها مع تقارب المدارك فيها
مما يتنازع فيه الخصمان لمصالح المعاش (3).
فبالانشاء: تخرج الفتوى، لأنها اخبار (4). والاطلاق والالزام،
(نوعا الحكم) (5)، وغالب الأحكام إلزام.
وبيان الاطلاق فيها: الحكم باطلاق مسجون، لعدم ثبوت الحق
عليه، ورجوع أرض حجرها شخص ثم أعرض عنها وعطلها،

(1) في (أ): ملاق.
(2) ذكر هذا الفرع السيوطي في / الأشباه والنظائر: 231.
(3) انظر: القرافي / الفروق: 4 / 49، 53.
(4) في (ح) زيادة: عن حكم الله.
(5) (ح) و (أ): نوعان للحكم.
320

وباطلاق حر من يد من ادعى رقه ولم يكن له بينة.
وبتقارب المدارك في المسائل الاجتهادية: يخرج ما ضعف مدركه
جدا كالعول، والتعصيب، وقتل المسلم بالكافر، فإنه لو حكم به
حاكم وجب نقضه.
وبمصالح المعاش: تخرج العبادات، فإنه لا مدخل للحكم فيها،
فلو حكم الحاكم بصحة صلاة زيد لم يلزم صحتها، بل إن كانت صحيحة
في نفس الامر فذاك، وإلا فهي فاسدة. وكذا الحكم بأن مال التجارة
لا زكاة فيه، أو أن الميراث لا خمس فيه، فان الحكم به لا يرفع الخلاف
بل لحاكم غيره أن يخالفه في ذلك. نعم لو اتصل بها أخذ الحاكم ممن
حكم عليه بالوجوب - مثلا - لم يجز نقضه. فالحكم المجرد عن اتصال
الاخذ إخبار، كالفتوى، وأخذه للفقراء حكم باستحقاقهم، فلا ينقض
إذا كان في محل الاجتهاد.
ولو اشتملت الواقعة على أمرين: أحدهما من مصالح المعاد (1)،
والآخر من مصالح المعاش، كما لو حكم بصحة حج من أدرك اضطراري
المشعر وكان نائبا، فإنه لا أثر له في براءة ذمة النائب في نفس
الامر، ولكن يؤثر في عدم رجوعهم عليه بالأجرة.
وبالجملة: فالفتوى ليس فيها منع للغير عن مخالفة مقتضاها من
المفتي (2) ولا من المستفتي (3)، أما من المفتي (4) فظاهر، وأما
من المستفتي (5) فلان المستفتي له أن يستفتي آخر، وإذا اختلفا عمل
بقول الأعلم، ثم الأورع، ثم يتخير مع التساوي.

(1) في (ك): العباد.
(2، 4) في (ك): المفتين.
(3، 5) في (ك): المستفتين.
321

والحكم لما كان انشاء خاصا في واقعة خاصة رفع (1) الخلاف في
تلك الواقعة بحيث لا يجوز لغيره نقضها، كما لو حكم حاكم بتوريث
ابن العم، ومنع العم للأب، وفي المسألة خال، فإنه يقتضي بخصوصه
منع حاكم آخر بتوريث العم والخال في هذه المسألة، لأنه لو جاز له
نقضها لجاز لآخر نقض الثانية.. وهلم جرا، فيؤدي إلى عدم استقرار
الأحكام، وهو مناف للمصلحة التي لأجلها شرع نصب الحكام من
نظم أمور أهل الاسلام، ولا يكون ذلك رفعا للخلاف في سائر
الوقائع المشتملة على مثل هذه الواقعة (2).
قاعدة [115]
مما يستثنى من الأمور الكلية من الفروع الجزئية للضرورة أو
لمس الحاجة: صحة صلاة المستحاضة، ودائم الحدث، للضرورة،
وعدم الحكم يكون الماء مستعملا ما دام على عضو الجنب، وإلا لم
يرتفع حدث أصلا. وكالحكم بأن ملاقاة النجاسة (3) للماء لا تنجسه
إذا كان كرا فصاعدا، وإلا لعسرت الطهارة. وطهارة الميتة من
غير ذي النفس السائلة، والمني منه، والعفو عن ماء الاستنجاء،
وعما لا يدركه الطرف من الدم عند كثير من الأصحاب (4)، والعفو

(1) في (ك) و (م) و (أ): وقع.
(2) انظر في هذه القاعدة: القرافي / الفروق: 4 / 48 - 54.
(3) في (ح) و (م) و (أ): النجس.
(4) لم أعثر لقائل به من المتقدمين غير الشيخ الطوسي في / المبسوط:
1 / 7، والاستبصار: 1 / 3. انظر: العلامة الحلي / مختلف
الشيعة: 1 / 3، ومنتهى المطلب: 1 / 9، والعاملي / مفتاح
الكرامة: 1 / 74.
322

عن سؤر الهرة وشبهها، وقد نجس فوها، بزوال العين، غابت
أولا.. والعفو عن محل الاستجمار، وعن زيادة ركن مع القدوة،
للحاجة إلى الاقتداء وعسر المتابعة في بعض الأحوال (1) لتباعد المأموم.
وتغيير الكيفية في صلاة الخائف لمصلحة الجماعة، والحاجة إليها، وإلى
حراسة المجاهدين، ولبس الحرير لدفع القمل، وللمحارب، وكاختصاص
النسكين (2) بعدم الخروج منهما بالمفسد، وشرط العتق (في البيع) (3)
لما فيه من تحصيل الحرية وتشوق الشرع إليها، بدليل السراية إلى نصيب
الشريك. وهل يصح اشتراط (4) الوقف في البيع؟ نظر، لقربه من
العتق، ومن قصوره عنه، لعدم التغليب فيه والسراية.
قاعدة [116]
الأصل يقتضي قصر الحكم على مدلول اللفظ وأنه لا يسري إلى غير
مدلوله إلا في مواضع:
منها: العتق في الأشقاص لا في الأشخاص، إلا على مذهب الشيخ (5)
في السراية إلى الحمل، والعفو عن بعض الشقص في الشفعة على

(1) في (م) و (أ) و (ح): الأحيان.
(2) النسكين: الحج والعمرة.
(3) زيادة من (ح).
(4) في (ك): اسقاط.
(5) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 4 / 55.
323

احتمال (1)، وعن بعض القصاص في النفس على وجه (2)، والسراية
في نية الصوم إلى أول النهار.
ويحتمل سراية ثواب الوضوء إلى المضمضة والاستنشاق إذا نوى
عند غسل الوجه، لأنه يعد وضوء واحدا.
ويمكن الفرق بينه وبين الصوم: أن بعض اليوم مرتبط ببعضه،
بخلاف الوضوء فإنه لا يرتبط بالمقدمات.
ومن السراية: تسمية الآكل في الأثناء إذا قال: على وله وآخره،
بعد نسيان التسمية، وسراية الظهر (3) إلى تحريم غيره. وهذا من
الغرائب: أن الشقص يسري إلى الكل من غير عكس، كما لو قال:
أنت كأمي. ومثله في الايلاء، يختص بالجماع قبلا، ويسري (4)
على احتمال.
قاعدة [117]
في ازدحام الحقوق (5)

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 178، وابن عبد السلام /
قواعد الأحكام: 2 / 91.
(2) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 178، وابن عبد السلام /
قواعد الأحكام: 2 / 90.
(3) عند قوله في اظهار: أنت علي كظهر أمي.
(4) أي ويسري إلى الجماع في الدبر.
(5) انظر في هذه القاعدة: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام:
1 / 62 - 77، 168 177.
324

وهو من وجوه ثلاثة:
أحدها: حقوق الله تعالى، فتقدم الصلاة عند ضيق (1) الوقت
على الراتبة، وعلى القضاء وعلى النوافل المطلقة مع اتساع الوقت.
وتقدم الوتر وسنة الفجر على صلاة الليل عند الضيق. والصوم والنسك الواجبين
على نفلهما والظاهر أنه لا ترتيب بين الصدقة الواجبة والمندوبة، وتقديم الغسل
الواجب على المستحب، وتقديم المتبرع بالماء للجنب على الميت والمحدث،
وقيل (2): الميت أولى، وتقديم الجنب على الحائض، وتقديم غسل
النجاسة على رفع الحدث والأقرب تقديم غسل الجمعة على الأغسال
المندوبة لو جامعته ولم يسع الماء الجميع، أو وسع ليفوز بفضيلة
السبق إلى المسجد مغتسلا.
وقد يتعارض أمران مهمان فيقدم الأهم، كما أن (الصلاة
جماعة) (3) مستحبة، وفي المسجد مستحبة، فلو تعارضا، فالأقرب
أن الجماعة أولى وإن كانت في البيت، وصلاة النفل في المنزل أفضل،
وإن كان المسجد أفضل من المنزل، لأنه أبعد من الرياء والاعجاب
وأدعى إلى الخشوع والاخلاص.
ولو قلنا باستحباب الرمل في أوائل الطواف، ولم يمكن إلا بالبعد
من البيت، فالأقرب أن البعد أفضل لتحصيل الرمل، وإن كان
الدنو في أصله أفضل، وكذا لو أدى الدنو إلى مزاحمة تعرض لضرره (4)

(1) في (ح) و (أ): تضيق.
(2) انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 35، وابن عبد السلام /
قواعد الأحكام: 1 / 169.
(3) في (م) و (أ): صلاة الجماعة.
(4) في (ك) و (أ): لضرورة.
325

أو غيره.
وقد تتساوى حقوق الله تعالى فيتخير المكلف حينئذ، لعدم المرجح،
كمن عليه صوم فائت من رمضانين. ويحتمل تقديم الثاني. أما الفدية
عن رمضان فالأقرب أن لا ترجيح بين الرمضانين.
ومن عليه نذران دفعة يقدم ما شاء. ولو نذر شاتين لسببين (1)
ولم يكن عنده إلا واحدة خصها بما شاء. ولو نذر حجا وعمرة دفعة
قدم ما شاء.
وقد اختلف في مواضع: كالصلاة في الثوب النجس وعاريا،
وتخصيص القبل بالستر عند عدم ما يستر العورتين جميعا، وتقديم التيمم
أو تأخيره مع اليأس من الماء آخر الوقت أو مع الطمع، وتقديم الفائتة على
الحاضرة، وتقديم جميع أصحاب الاعذار في أول الوقت أو تأخيره
- والخلاف هنا في الاستحقاق والاستحباب - (2) والتأخير لأجل
الجماعة مع تيقنها أو مع ترجيها، وتقدمه في الصف الأول لو استلزم
فوت ركعة، فهل الصف الأخير حينئذ أفضل لفوزه بالركعة، أو
الأول؟ فيه نظر، وأقوى في النظر ما لو سعى إلى الأول لادراك
الركوع، وإن تحرم عنده أدرك الركعة من أولها. ولعل الأقرب السعي،
ولا اشكال أن الصف الأخير أولى لو استلزم السعي فوات الركعة
الأخيرة، والاقتصار على ادراك السجود أو التشهد، لان ادراك
فضيلة الجماعة بهذين غير معلوم، بخلاف الركعة.
ولو وجد العاري، المضطر أو المختار ثوبي حرير ونجس ففي
ترجيح أيهما؟ احتمال.

(1) في (ك) و (م): لسنتين.
(2) بمعنى أن الخلاف في أن أولي الأعذار هل يجب عليهم المبادرة
في أول الوقت أم يستحب؟
326

ولو تزاحم إدارك عرفة وصلاة العصر ففي التقديم أوجه:
الأول: تقديم الصلاة والاجتزاء بالاضطراري، فيشكل لو (1)
تردد الحال في الاضطراري وصلاة العشاء على القول بامتدادها إلى
الفجر.
والثاني: تقديم الوقوف، لان فوات الحج يستلزم مشقة كثيرة
ولا يستدرك إلا في السنة القابلة وقد يدركه الموت: ويتحقق هذا في
وقوف المشعر بينا (2) إذا كان قد فاته عرفات بالكلية، ولم نقل
بالاجتزاء باضطراري المشعر، وكان المعارض له صلاة الصبح.
والثالث: أن يصلي ماشيا إليه، وهذا أقوى، لان فيه جمعا بين
الامرين، وقد شرعت الصلاة مع المشي لما هو أسهل من هذا
كالخائف وغيره.
وثانيها: حقوق العباد، فقد تكون متساوية، كتسوية الحاكم بين
الخصوم، والزوج بين النسوة في القسم والنفقة، والقريب في نفقة
المتساويين في الدرجة، وتخيير المرأة في توكيل الأخوين المتساويين في
السن، واستواء الشركاء في قسمة ما لا ضرر فيه، والبائع والمشتري
في القبض معا، والشركاء في شقص مشفوع إما ابتداء على القول
بثبوتها مع الكثرة، أو استدامة كما لو ورثوا شفيعا، وتسوية الغرماء
في التركة، ومال المفلس مع القصور.
وقد يترجح بعضها: كتقديم نفقته على نفقة الزوجة، ثم

(1) في (ح) زيادة: كان.
(2) في (ح): بمنى، هذا، وفي (أ): مبيتا، وفي
(م): هذا.
327

الزوجة، ثم الأقارب (1)، وتقديم نفقته على الغرماء في أيام الحجر،
ويوم القسمة، وتقديم ذي العين بها في المفلس مطلقا والميت مع
الوفاء، وتقديم المضطر في المخمصة على مالك الطعام المستغني عنه،
وتقديم الرجل على المرأة في الصلاة في المكان الضيق وفي الجنائز والدفن
في لحد واحد عند الضرورة، وتقديم الأقرأ، فالأفقه في الجماعة،
وتقديم السابق في الجناية في القصاص على احتمال، أما تقديم صاحب
الطرف المقدم (2) فلا ريب فيه، والتقديم في السبق إلى المساجد
والمباحات، وتقديم الفاسخ على المجيز في اجتماع الخيارين في البيع
والنكاح، وتقديم الشفيع على المشتري في المفلس (3)، والتقديم في
الإرث بالقرب، أو بقوة السبب باجتماع السببين، والتقديم في الحضانة.
ومنه: تقديم البر على الفاجر في الاعتاق، والأرفع قيمة على
الأخس، والأنقى على التقي، لان العتق إحسان فكلما صادف الاحسان
الأفضل كان أفضل، وكذا تقديم القريب على غيره، لاجتماع العتق
والصلة، ومن هو في شدة على غيره، لأنه يدفع عنه مع ذل الرق ايذاء
الجهد، بل شراؤه لترفيهه فيه ثواب عظيم.
ومنه: في الدفاع (يقدم عن النفس) (4)، ثم العضو، ثم البضع، ثم
المال، إذا لم يمكن الجمع، والدفع عن الانسان على الدفع عن باقي
الحيوان، إما للأشرفية والأهمية، وإما لان تحمل أخف المفسدتين أولى

(1) في (م): الأقرب.
(2) أي تقديم صاحب الطرف الموجب للدية إذا كان مقدما في
الجناية على صاحبه. (عن بعض الحواشي).
(3) في (م): المجلس، والصواب ما أثبتناه.
(4) في (ح): تقديم النفس.
328

من تحمل الأعظم، إذ مفسدة فوات النفس والعضو أعظم من مفسدة
فوات البضع، ومفسدة فوات البضع أعظم من مفسدة فوات المال (1).
وثالثها: اجتماع حق الله وحق العباد، ولا ريب في تقديم العبادات
كلها على راحة البدن والترفه (2) والانتفاع بالمال، تحصيلا لمصلحة
العبد في الفوز بثواب الله تعالى ورضوانه. ودفع الغرر في البيع ولا
يسقط برضا المتبايعين. ووجوب حد الزنا بالاكراه وإن أسقطته المزني
بها أو عصباتها (3) وإن كان في ذلك دفع العار عنهم. وتحريم وطئ
الزوجة المتحيرة في الحيض، وتضعيف الغسل عليها مرارا، والصيام
مرتين عند من قال به من الأصحاب (4).
وتقديم حق العبد في مثل الاعذار المجوزة للتيمم مع وجود الماء
كخوف المرض والشين (5) وزيادة (6) المرض. وكالاعذار المبيحة
لترك الجمعة والجهاد والجماعة. وفي التلفظ بكلمة الكفر عند الاكراه..
وكتقديم قتل القصاص على القتل بالردة. ورخص السفر من القصر
والفطر. ولبس الحرير للحرب والحكة.. والتداوي بالنجاسات حتى
بالخمر شربا على قول (7)، وجواز التحلل بالصد والاحصار.

(1) انظر: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام: 1 / 73 - 74.
(2) في (ح): بالترفيه، وفي (م) و (أ): بالترفه. (3) في (ح): عصابتها.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 1 / 58، والعلامة
الحلي / منتهى المطلب: 1 / 102، وقواعد الأحكام: 7.
(5) الشين: خلاف الزين.
(6) في (ح): في زيادة.
(7) انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 251.
329

ويقع الشك في مواضع:
كاجتماع حق سراية العتق والدين. ووجدان المضطر ميته وطعام
الغير. والمحرم إذا كان مستودعا صيدا فهل يرسله، لحق الله، أو
يبقيه، لحق الآدمي، أو يرسله ويضمن للآدمي؟
ولو أصدقها صيدا وطلق وهو محرم، فإنه قيل (1): بدخول
مثل هذا في ملكه لما كان قهرا، على الصحيح. فحينئذ هل يرسله
ويضمن لها نصيبها، تغليبا لحق الله تعالى، أو يبقيه ويضمن نصف
الجزاء إن تلف عندها، أو يكون مخيرا؟
ولو مات وعليه دين وزكاة أو خمس، أو هما مع الدين فالأقرب
التوزيع. ونقل بعض الأصحاب (2) تقديم الزكاة، لقول النبي صلى
الله عليه وآله: (فدين الله أحق أن يقضى) (3)، وتقديم الدين،
لان حق العباد مبني على التضييق وحق الله تعالى على المسامحة.
ويشكل: بما أن في الزكاة حقا للعباد فهي مشتملة على الحقين،
وكذلك الخمس.
هذا إذا كانت الزكاة مرسلة في المال بأن يكون قد فرط في النصاب
حتى تلف وصارت في ذمته، أو كانت زكاة الفطرة، أو كان الخمس
من المكاسب إن قلنا بثبوته في الذمة. أما لو كان متعلق الزكاة
والخمس باقيا، فالأقرب تقديمهما على الدين، لسبق تعلقهما على

(1) انظر: الغزالي / الوجيز: 2 / 21.
(2) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 203. وهو
قول للشافعية. انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 175.
(3) انظر: صحيح مسلم: 2 / 804، باب 27 من أبواب
الصيام، حديث: 155.
330

تعلق الدين.
مسألة:
لو ترافع الذميان الينا فالأقرب تخير الحاكم بين الحكم والرد،
سواء، كان حق الله تعالى أو حق العبد، لعموم الآية (1). هذا إذا
كان عندهم يستوفى، ولو كان الحق عندهم مهدورا، كنكاح الام
في المجوس إذا تظاهر به، لم يرد قطعا.
قاعدة [118]
مما يسري إلى الولد المتجدد: التدبير، والرهن في الأصح،
والضمان في الغاصب، والأمانة في الودعي، والكتابة والوقف في
وجه قوي (2)، والأضحية المنذورة بعينها، والحرية إلا مع شرط
المولى رقية ولد الحرة على قول (3)، والرقية إذا كان الواطئ عالما

(1) وهي قوله تعالى في سورة المائدة: 42: (فإن جاءوك
فاحكم بينهم أو اعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا،
وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين).
(2) هو قول للشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر:
293.
(3) انظر: ابن رجب / القواعد: 186، والعلامة الحلي / تذكرة
الفقهاء: 2 / 644، والمحقق الحلي / شرائع الاسلام: 2 / 309،
وابن المرتضى / البحر الزخار: 4 / 196 (نقلا عن الحسن بن
صالح والأوزاعي).
331

بالتحريم، وولد الأمة المنذور عتقها لو تجدد بعد حصول الشرط،
وقبله تردد، وملك المشتري وإن كان في زمن خيار البائع لو حملت
به فيه. وفي ولد الأمة الموصى بها وجه (1) بعيد، ويقوى لو تجدد
بعد الوفاة قبل القبول على القول بالكشف.
قاعدة [119]
في الاعتداد بالأبوين أو أحدهما بالنسبة إلى الولد
وهو أقسام:
أحدها: ما يعتد فيه بالأبوين، ولا يكفي أحدهما، كالاسهام
في الجهاد للفرس لا للبغل، وفي الحل والحرمة في الظاهر، وفيما
يجزئ في الأضحية والهدي والعقيقة كذلك، والزكاة. ويمكن مراعاة
الاسم هنا.
ومنه: الخلاف في المتولد من (2) وحشي وإنسي، أو ما يحل
ويحرم بالنسبة إلى المحرم.
وثانيها: ما يعتد فيه بالأب، وهو النسب، خلافا للمرتضى (3)،
ويتبعه استحقاق الخمس والوقف والوصية. ومهر المثل معتبر بأقرباء
الأب. والولاء يغلب فيه جانب الأب.
ولو ضرب الامام على أفراد قبيل جزية وعلى أفراد قبيل آخر

(1) هو وجه للشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر:
293.
(2) في (م) و (أ): بين.
(3) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 2 / 34 (نقلا عنه).
332

جزية مخالفة للأخرى، ثم تولد ولد بين رجل وامرأة من القبيلين (1)،
أمكن اعتبار جانب الأب (2).
ولو تولد بين وثني وكتابي، فالظاهر أن ديته ثابتة على قاتله،
لاقراره (3) بالجزية إن كان الأب كتابيا. ويمكن إقراره (4) بالأم أيضا.
أما حجب الاخوة فالمعتبر فيه جانب الأب، سواء كانت الام
واحدة أو لا.
وثالثها: ما يعتد فيه بالأم وحدها، وهو الجنين المملوك يعتبر
بعشر قيمة أمه على رواية (5)، والمشهور اعتباره بالأب (6)،
والعامة (7) يعتبرونه (8) في صورتين:

(1) في (ك) و (م): القبيلتين.
(2) انظر في ذلك / السيوطي / الأشباه والنظائر: 291.
(3) في (ك) و (م): لافراده.
(4) في (ك) و (م): إفراده.
(5) انظر: الشيخ الطوسي / تهذيب الأحكام: 10 / 288،
باب 25 من كتاب الحدود، حديث: 18.
(6) المشهور عند الإمامية اعتباره بالأم، طبقا للرواية، لا بالأب.
انظر: الشيخ المفيد / المقنعة: 121، والشيخ الطوسي / الاخلاف:
2 / 142، والمبسوط: 7 / 205، وسلار / المراسم: 32،
والمحقق الحلي / شرائع الاسلام: 4 / 280، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام
: 3 / 277، وقواعد الأحكام: 276، والعاملي / مفتاح
الكرامة: 10 / 506، والنجفي / جواهر الكلام: 6 / 743.
(7) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 291 - 292.
(8) في (ح): يعتدونه.
333

أحدهما: الحرية، فمتى كانت حرة كان ولدها حرا. وهي
عندنا معتبرة لاحد الأبوين.
وثانيتهما: الرقية، فمتى كانت الام رقا كان الولد رقا عندهم
إلا في مواضع فإنه حر، كوطئ الحر أمة لظنها زوجته الحرة،
ووطئ المولى الحر مملوكته. ووطئ الحر الأمة التي عين نكاحها، ووطئ
الأب جارية ابنه، ونكاح المسلم حربية للشبهة ثم استرقت بعد الحمل
فإن ولدها لا يسترق، لأنه مسلم في الحكم.
ورابعها: ما يعتد فيه بأيهما كان، كالاسلام، وحرمة الاكل
بحرمة أي الأبوين كان، والنجاسة بنجاسة أيهما كان، مع احتمال
اعتبار الاسم، وضرب الجزية في وجه (1)، والمناكحة متعة أو بملك
اليمين لو كانت امرأة، وحقن الدم إذا أسلم أحد الأبوين الحربي
قبل الظفر به، ورد المبتدئة الفاقدة للتميز إلى عادة نسائها، يعتبر بهن
من أية جهة كانت.
قاعدة [120]
الأغلب استواء الأب والجد في الأحكام
كما في وجوب النفقة عليهما، ولهما، واشتراكهما في الولاية في
المال والنكاح على طريقة الاجبار، وانعتاقهما بالملك، وبيع مال الطفل
من نفسه، وبيع ماله على الطفل، وسقوط قودهما بالابن، وتبعيتهما
في تجدد إسلام أحدهما، حيا كان الآخر أو ميتا، والولد صغير،
ومنعهما من تبعية السابي في الاسلام إذا كان الصغير مع أحدهما،

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 293.
334

واستئذانهما في سفر الجهاد وسائر الاسفار إذا لم تجب. وكذا
الأجداد (1).
ويختلفان في صور، منها:
أن الأب يحجب الإخوة، والجد يشاركهم. والتفرقة بين
الولد والام أشد منها بين الأب وبينه، إذ لا نص في جانب الأب
إلا ما ذكره ابن الجنيد (2) من إجرائه مجرى الام، وطرد الحكم في
الأجداد والاخوة والأخوات.
ولو أسلم الكافر قبل الاستيلاء (3) أحرز ولده الأصاغر (4)،
والظاهر أنه يحرز أولاد ابنه الصغار. ويمكن اشتراط وكون الأوسط
ميتا، فلو كان حيا التحق الولد به.
فائدة (5)
هل للأبوين المنع من سفر طلب العلم؟
الأقرب: لا، إلا أن يكون متمكنا من فعله عندهما على حد
يمكنه مع السفر. نعم يستحب الاستئذان. ولو كان واجب التعلم وتعذر
إلا بالسفر فلا حجر. أما لو كان طالبا درجة الفتوى وهو مترشح

(1) أي تساوي أجداد الأب في ذلك وإن علوا.
(2) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 2 / 161 (نقلا
عنه).
(3) في (م): الاستيلاد.
(4) في (م): الأصغر.
(5) في (م): قاعدة.
335

لذلك، فإن لم يكن في البلد مستقل بها فهو ملحق بالواجب، وإن
كان فهو ملحق بالمستحب.
ولو خرج لطلب الفتوى وليس في البلد مستقل، فخرج معه جماعة
فهل للأبوين المنع؟ يمكن القول به إن قلنا لهم منعه من المستحب،
لان كل واحد منهم قد يقوم مقامه. والأولى عدمه، إذ الخارجون
معه قد لا يحصل منهم الغرض التام.
ويجوز أيضا سفر التجارة إذا لم يكن متمكنا من تحصيلها في بلده،
وكذا لو كان في سفره توقع زيادة ربح، أو إرفاق، أو زيادة
فراغ، أو حذق أستاذ بالنسبة إلى طالب العلم. ولهما منعه من سفر
التجارة مع الخوف الظاهر كالسير في البوادي المخطرة (1)،
وركوب البحر.
قاعدة [121]
يتبع النسب أحكام: كولاية أحكام الميت، والحضانة، والإرث،
وانتقال الولاء، واستحباب الوصية، والعقل، وولاية النكاح،
والمال، والمطالبة بالحد والقصاص، وسقوط القصاص في بعض
صورة (3) (4).

(1) في (ح): الخطيرة.
(2) أي صيرورة أقرباء القاتل خطأ عاقلة عنه يحملون عنه الدية.
(3) كما إذا قتل الوالد ولده، فإنه لا يقتص منه.
(4) ذكر السيوطي اثني عشر حكما يترتب على النسب. انظر:
الأشباه والنظائر: 291.
336

ويترتب على الإرث: استحقاق القصاص، والشفعة والخيار.
ويتبع النسب: وجوب النفقة، والعتق، وعدم قبول الشهادة في
صورة شهادة الابن على أبيه، وعدم الدفع من الزكاة إلا في مثل
الغرم (1)، وتحريم الموطوءة أو المعقود عليها بالنسبة إلى الأب وولده،
وثبوت المحرمية (2).
قاعدة [122]
للبدل والمبدل أحوال أربعة:
أحدها: تعيين المبدل للابتداء، وهو الأكثر، كالطهارة المائية
والترابية، وخصال المرتبة.
وثانيها: تعيين البدل، كالجمعة إن جعلناها بدلا من الظهر،
وإن قلنا فرض مستقل، فلا.
وثالثها: تعيين الجمع بينهما، كما عند اشتباه المطلق بالمضاف ثم
يراق (3) أحدهما، فإنه يتطهر بالباقي ويتيمم.
ورابعها: التخيير بينهما، كخصال الكفارة المخيرة إن جعلنا أحدها
بدلا من الآخر، والماء والأحجار في الاستنجاء إن قلنا بالبدلية، وإن
جعلنا كلا (4) أصلا مستقلا، فلا. وقد يكون منه: التخيير بين
الصلاة عاريا وفي الثوب النجس (5).

(1) في (ك): الغريم.
(2) انظر في هذا: السيوطي / الأشباه والنظائر: 287 - 288.
(3) في (ح): يهرق: وفي (أ): يهراق.
(4) في (ح) زيادة: منهما.
(5) انظر في هذه القاعدة / الأشباه والنظائر للسيوطي: 567.
337

قاعدة [123]
في الجبر والزجر (1)
وثمرتهما: تكميل المصلحة والدرء عن المفسدة.
وموضوع الجبر أعم، بدليل تعلقه بالعامد والناسي والمخطئ،
بخلاف الزجر فإنه للعامد. فهنا أقسام:
الأول: جبر العبادة بالعمل البدني، كالجبر بسجدتي السهو
والاحتياط.
الثاني: جبرها بالمال، كالفدية في الصيام، والبدنة في الحج الفاسد
والصحيح على الوطئ (2) وشبهه، كالمفيض من عرفات قبل الغروب،
وكالشاتين والدراهم في الزكاة.
الثالث: ما يتعاقب عليه الأمران، كهدي التمتع والصوم عنه،
إن جعلنا الهدي جبرا، كما يلوح من كلام الشيخ في المبسوط (3)
حيث أسقط الدم عن المحرم من غير مكة مع تعذر عوده إليها، وككفارة
الصيد إن قلنا بالترتيب، وكقضاء الصوم عن الولي فإنه (جابر
لصوم) (4) المولى عليه، مع أن الصوم قد يجبر بالمال، كالفدية
في الشيخين، والمستمر مرضه إلى رمضان آخر.

(1) انظر في هذه القاعدة: القرافي / الفروق: 1 / 213 - 215،
وابن عبد السلام / قواعد الأحكام: 1 / 178 - 195.
(2) في (أ): الواطئ.
(3) انظر: 1 / 365.
(4) في (ك): جائز كصوم، وما أثبتناه أنسب بالمعنى على
ما يبدو.
338

الرابع: ما يتخير بين (الجبر بالمال) (1) والبدن، كالكفارة
المخيرة في الاحرام. ويحتمل في شهر رمضان.
الخامس: ما يجمع فيه بين البدن والمال، كمن مات وعليه شهران
متتابعان فإنه يصوم الولي شهرا، وقد يتصدق عن شهر. وكذا
الحامل والموضع وذو العطاش إذا برئ (2) فإنهم يقضون ويفدون.
تنبيه:
قد تكون الصلاة عن الميت جبرا بدنيا لما فاته من الصلاة، كما
قلناه في الصوم.
والحق فيهما: أنهما ليسا من قبيل الجبر، لان العمل (3) يقع
للميت لا للحي، ولهذا لا يسمى قضاء الصلاة والصيام في الحياة من
المكلف جبرا.
وأما الزجر فقسمان:
أحدهما: ما يكون زاجرا للفاعل عن العود، ولغيره عن الفعل،
كالحدود، والتعزيرات، والقصاص، والديات.
ويجب على المكلف إعلام المستحق في القصاص والدية وحد القذف
وتعزيره. أما حقوق الله تعالى فالأولى لمتعاطيها سترها والتوبة، لقول
النبي صلى الله عليه وآله: (من أتى شيئا من هذه القاذورات فليسترها
بستر الله..) (4) الحديث. والسارق يجب عليه إيصال المال،

(1) في (ح): جبر المال.
(2) في (أ): برؤوا.
(3) في (ح) زيادة: قد.
(4) رواه مالك في / الموطأ: 2 / 169، بلفظ: (من أصاب
من هذه القاذورات فليستتر بستر الله..) ورواه البيهقي في / السنن
الكبرى: 8 / 330، بلفظ: (من أصاب منكم من هذه القاذورة
شيئا فليستتر بستر الله..).
339

لا الاقرار بالسرقة.
وثانيهما: ما يكون زاجرا عن الاصرار على القبيح، كقتل المرتد
والمحارب، وقتال الكفار والبغاة والممتنع عن الزكاة، وقتال الممتنعين
عن إقامة شعائر الاسلام الظاهرة، كالاذان وزيارة النبي والأئمة عليهم
الصلاة والسلام.
ومنه: زجر الدفع، والمتطلع إلى حريم الغير، وضرب الناشز،
وتأديب الصبي والمجنون وإن لم يأثما، وحبس الممتنع عن الحق.
ومنه تحريم المطلقة ثلاثا، والملاعنة، زجرا عن ارتكاب مثله.
فائدة
هذه الزواجر منها ما تجب على متعاطي أسبابها: كالكفارات
الواجبة في الظهار، والافطار، وقتل العمد، والخطأ إن جعلناها
زاجرة، ولا إثم فيه.
ومنها ما تجب على غيره: إما على الحكام، كحد الزنا، والسرقة،
والمحاربة، والشرب، والتعزير لحق الله تعالى، أو (الحد للآدمي) (1)
والتعزير له إذا طلبهما من الحاكم.
ومنها ما يتخير مستحقه بين فعله وتركه: كالقصاص. وقولهم:
وجب عليه القصاص أو الحد أو التعزير، مجاز عن وجوب إقامة ذلك

(1) في (أ) و (م) و (ح): لحق الآدمي.
340

عليه، أو عن وجوب تمكينه من إقامة ذلك عليه، لا أنه يجب عليه
فعله بنفسه.
تنبيه:
قد يكون الشئ جابرا زاجرا، كما يقال في سجود السهو، فإنه
مع جبره لنقص الصلاة يزجر الشيطان عن الوسوسة، لقول النبي صلى
الله عليه وآله: (كانت السجدتان ترغيما للشيطان) (1). وكذا
كفارة الظهار والصوم، والافساد، وقتل العمد. أما كفارة الخطأ
فإنها جبر محض.
قاعدة [124]
الأمانة نسبة إلى يد غير المالك تقتضي عدم الضمان.
وهي: قد تكون من المالك، كالوديعة والعارية، وقد تكون من
الشرع وهي المسماة: بالأمانة الشرعية، والواجب فيها المبادرة إلى إعلام
المالك فان تمكن وأهمل ضمن، وإلا فالظاهر عدم الضمان، ولها

(1) رواه ابن ماجة في سننه: 1 / 382، باب 132 من كتاب
إقامة الصلاة، حديث: 1210، بلفظ: (وكانت السجدتان زغم
أنف الشيطان) وفي رواية أوردها البيهقي في / السنن الكبرى:
2 / 331، بلفظ (فالسجدتان ترغم الشيطان) وفي حديث أوردة
المتقي الهندي في / كنز العمال: 4 / 101، برقم 2138، بلفظ:
(والسجدتان يرغمان الشيطان).
341

صور سبع:
الأولى: لو أطارت الريح ثوبا إلى داره فيجب الاعلام، أو أخذه
ورده إلى مالكه. الثانية: لو انتزع الصيد من يد (1) المحرم، أو من محل أخذه
من الحرم (2).
الثالثة: لو انتزع المغصوب من الغاصب بطريق الحسبة.
الرابعة: لو أخذ الوديعة من صبي أو مجنون خوف إتلافها.
الخامسة: لو خاص الصيد من جارح ليداويه، أو من شبكة
في الحرم.
السادسة: لو تلاعب الصبيان بالجوز، فصار في يد أحدهما جوز
الآخر، وعلم به الولي، فإنه يجب عليه رده على (3) ولي الآخر.
ولو تلف في يد الصبي قبل علم الولي ضمنه في ماله. ولا عبرة بعلم
غير الولي من أم أو أخ، لأنه ليس قيما عليه، فلو أخذه أحدهما
بنية الرد على المالك أمكن إلحاقه بالأمانة. وكذا الكلام في البيض.
ولو كان أحد المتلاعبين بالغا ضمن ما أخذه من الصبي، وهل يضمن
الصبي المأخوذ من البالغ؟ نظر، أقربه عدم الضمان، لتسليطه على
إتلافه.
السابعة: لو ظفر المقاص بغير جنس حقه فهل هو أمانة شرعية
حتى يباع؟ قوى بعض الأصحاب (4): الضمان.

(1) زيادة من (ح) و (أ).
(2) في (ح) و (م) و (أ): المحرم.
(3) في (أ): إلى.
(4) انظر: المحقق الحلي / شرائع الاسلام: 4 / 109.
342

ويضعف ضمان الزائد عن قدر حقه إذا لم يمكن التوصل إلى حقه
إلا به، كمن كان له مائة قلم يجد إلا دابة تساوي مائتين.
قاعدة [125]
منافع الأموال تضمن بالفوات والتفويت، ومنفعة البضع بالتفويت
لا غير، وفي ضمان منفعة الحر إذا حبسه مدة وجه بالضمان (1)،
وضعفوه (2)، من حيث عدم دخوله تحت اليد. ويقوى الضمان فيما
لو استأجره ثم حبسه، وخصوصا مع كون الأجير خاصا، لان المنافع
بعقد الإجارة قدرت موجودة شرعا فاستقرت الأجرة في مقابلها.
والذي يدل على ملكها: اقتضاء العقد ذلك، ومن ثم جاز أن يؤجره
غيره.
قاعدة [126]
المعتبر في الضمان بيوم التلف مطلقا. وفي قول (3) يفرق بين
الغاصب وغيره، فيضمن الغاصب الا رفع من حين القبض إلى حين
التلف، وغيره يوم التلف. وفي قول (4) الكل كذلك. وفي

(1) انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 374.
(2) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 138.
(3) هو وجه للشافعية. انظر: الرافعي / فتح العزيز، بهامش
المجموع للنووي: 8 / 213. (4) انظر: العلامة / تذكرة الفقهاء: 2 / 385، 398،
وتحرير الأحكام: 2 / 141، والشيرازي / المهذب: 1 / 373.
343

وجه (1) يمتد إلى حين الرد، وهو ضعيف. نعم في المثلي تتوجه
احتمالات لو تلف عند الغاصب، والمثل (2) موجود، ثم لم يدفعه
حتى تلف. والأقرب: أن المعتبر القيمة يوم الدفع.
وقد خرج من الضمان يوم التلف: ضمان ولد الأمة إذا انعقد حرا
ووجبت قيمته على الأب، فإنها تعتبر عند الولادة لا حين الاحبال،
وإن كان قضية الأصل: أن الاتلاف إنما هو حين إلقاء النطفة،
فإنه لولا هذا العارض كانت رقا لمولى الأمة، فانتقلت إلى الوالد
حينئذ. قيل (3): والسر فيه: أن النطفة حينئذ لا قيمة لها،
لكنه لما كانت مكملة بدم أمه، وكان تكونه حيوانا بالقوى التي أودعها
الله تعالى في الرحم، صار كالثمرة المخلوقة من الشجرة، فهو من
كسب أمه (4)، فلذلك قدر الاتلاف متأخرا إلى حين الوضع،
فكأنه رقيق إلى حين الوضع، ومن ثم تبع الولد أمه في أحكام
كثيرة.
فان قلت: لم لا يقال: إن الوجه في ذلك: أن الولد كالجزء
من الام، فهو ملك لمالكها حتى ينفصل فهنالك ينتقل إلى ملك
الوالد؟
قلت: يأبى ذلك الحكم بانعقاده حرا. نعم ذكر في بعض الموارد
أنه رقيق، وأنه يجب على الأب فكه عند الولادة. وعلى هذا لا يكون

(1) انظر: المحقق الحلي / شرائع الاسلام: 3 / 240، فقد
تردد في عدم اعتبار زيادة القيمة أو نقصانها بعد يوم التلف.
(2) في (م): والمشتري، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(3) انظر: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام: 2 / 154.
(4) في (أ): أمته.
344

التلف إلا حين الولادة. وفيه تنبيه على اعتبار أرفع القيم، فإنه
من المعلوم أن قيمته عند الولادة أرفع غالبا. ولك أ ن تقول: الحمل
على انعقاده رقيقا أولى. ويحمل قولهم: انعقد حرا، على أدائه (1)
إلى ذلك لا محالة. وهو مجاز مشهور، وفيه توفيق بين الكلامين،
وجري على قاعدة الضمان يوم التلف.
قاعدة [127]
ضباط العمد وقسيميه (2): أن الفاعل إما أن يقصد الفعل (3)
أو لا، والثاني الخطأ، والأول إما أن يقصد القتل أو لا، والثاني
الشبيه، والأول العمد.
وهذا الضابط لا التفات فيه إلى الآلة بحيث تقتل غالبا أو لا تقتل
غالبا، ولم يعتبر فيه قصد المجني عليه. والظاهر أنه لابد منه.
وقيل: إما أن لا يقصد أصل الفعل، أو يقصده، والأول
الخطا (4)، كمن زلق فقتل غيره، والثاني إما أن لا يقصد المجني
عليه أو يقصده، فإن لم يقصده فهو أيضا خطأ، كمن رمي صيدا
فأصاب إنسانا، أو رمى إنسانا فأصاب غيره. وإن قصد المجني عليه

(1) في (ح): أنه يؤول، وفي (م) و (أ): أنه
يؤول أوله.
(2) أي الخطأ، والشبيه بالعمد.
(3) في (أ): القتل، والصواب ما أثبتناه على ما يبدو.
(4) في (م) زيادة: من الجاني.
345

والفعل، فاما أن يكون بما يقتله غالبا أو لا، والأول هو العمد،
والثاني هو الشبيه.
وهذا لم يعتبر فيه قصد القتل ولا عدمه، بل الآلة. اللهم إلا
أن (1) يقصد بالفعل قصد القتل، فحينئذ يختل (2) التقسيم، لان
الضرب للتأديب فيتفق له (3) الموت، خارج منه.
وقيل: إن الضرب إما أن يكون بما يقتل غالبا أولا، والأول:
العمد سواء، كان جارحا أو مثقلا، كالسيف والعصا. والثاني: إما
أن يقتل كثيرا أو نادرا، والثاني: لا قصاص فيه، والأول: إما
أن يكون جارحا أو مثقلا، فإن كان جارحا، كالسكين الصغير،
فهو عمد، وإن كان مثقلا، كالسوط والعصا، فشبيه.
والفرق بين الجارح والمثقل: أن الجراحات لها تأثيرات خفية يعسر
الوقوف عليها، وقد يهلك الجرح الصغير ولا يهلك الكبير. ولان
الجرح يفعله من يقصد القتل غالبا فيناط به القصاص. وأما المثقل
فليس طريقا غالبا، فيعتبر أن يتحقق في مثله كونه مهلكا لمثل هذا
الشخص غالبا، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.
وهذا ليس فيه إلا بيان العمد على أن الفرق بين الجارح وغيره
غير واضح فيه (4).
وقيل: كل ما ظن الموت بفعله فهو عمد، سواء قصد التلف،
أولا، وسواء كان متلفا غالبا، أولا، كقطع الأنملة، وكل ما شك

(1) في (أ) زيادة: يقال.
(2) في (ك): يحتمل. وما أثبتناه أنسب بالمعنى.
(3) زيادة من (أ) و (ح).
(4) زيادة من (ح) و (أ).
346

في حصول الموت به فهو شبيه.
وفي هذا ضعف، إذ القضاء بالدية مع الشك بعيد.
وكثير من العامة (1) يجعلون ضابط العمد هو: القصد إلى الفعل
بما يقتل غالبا، سواء قصد إزهاق الروح، أو لا.
قاعدة [128]
كلما ضمن الطرف من المجني عليه ضمنت النفس، إلا في صورة
واحدة، وهو (2): ما إذا جنى السيد على نفس المكاتب المشروط
أو المطلق الخالي عن الأداء، فإنه لا يضمنه، لان الكتابة بطلت بموته،
فيموت على ملك السيد. ولو جنى على طرفه ضمنه، لبقاء الكتابة
والأرش، ككسب المكاتب.
قاعدة [129]
الضمان قد يكون بالقوة وقد يكون بالفعل:
فالأول: هو الحكم بضمان ما يجب ضمانه عند تلفه. وأثره استعداد
الذمة لذلك، والعود إليه عند التلف لو كانت القيمة العليا قبله.
والضمان الفعلي (تارة) بعد تلف العين، ولا ريب أنه مبرئ

(1) أنظر: النووي / منهاج الطالبين: 102، والغزالي / الوجيز: 2 / 74، وابن قدامة / الكافي: 3 / 3، وابن حجر الهيتمي / فتح
الجواد: 2 / 197.
(2) كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: وهي.
347

لذمة الضامن، ويكون من باب المعاملة على ما في الذمم بالأعيان،
وهو نوع من الصلح.
و (تارة) مع بقاء العين، لتعذر ردها، وهو ضمان في مقابلة
فوات اليد والتصرف، والملك باق على مالكه. وفي وجه للأصحاب (1)
أن الضمان في مقابلة العين المغصوبة، لأنها التي يجب ردها، فالضمان
بدل عنها.
قلنا: العين باقية، والفائت إنما هو اليد والتصرف، والضمان الفعلي
إنما هو عن التالف بالفعل.
وتظهر الفائدة في الظفر به فيما بعد، فعلى الأول يترادان، وعلى
الثاني لا، حتى قال بعض العامة (2): لو كان المغصوب قريب
الغاصب عتق عليه. وتوغلوا في ذلك حتى ملكوا الغاصب ما غير
صفته، كالطحن والخياطة والذبح (3). وأنه لو جنى على العبد بما
فيه قيمته ملكه، مع قولهم: بأنه لو نقص عن القيمة لا يملك
النقص (4).
قاعدة [130]
الملك قد يكون للرقبة، وقد يكون للمنفعة، وقد يكون للانتفاع،

(1) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 3 / 277.
(2) قاله أبو حنيفة. انظر: الدبوسي / تأسيس النظر: 21.
(3) هو مذهب الحنيفة. انظر: المرغيناني / الهداية: 4 / 11 - 12،
والكاساني / بدائع الصنائع: 7 / 148 - 149.
(4) انظر: الكاساني / بدائع الصنائع: 7 / 313.
348

وقد يكون للملك، وهو المعبر عنه بقولهم: ملك أن يملك (1).
والأولان ظاهران. وأما ملك الانتفاع، فكالوقف على الجهات
العامة عند من قال ينتقل إلى الله تعالى (2)، فان الموقوف عليه
(يملك انتفاعه به) (3)، كالمدارس و الربط، فله السكنى بنفسه
والارتفاق، وليس له الإجارة.
ومنه: ملك الزوج للبضع، فإنه إنما يملك الانتفاع به، فلهذا
لو وطئت بالشبهة كان مهر المثل لها إن كانت حرة، وللسيد إن
كانت أمة، وليس للزوج منه (4) شئ.
ومنه: ملك الضيف الانتفاع بالاكل لا المأكول، فليس له
التصرف في الطعام بغير الاكل.
وأما الوقوف (5) الخاصة، فإنه يملك المنفعة قطعا، فله الإجارة،
والإعارة، ويملك الثمرة والصوف واللبن.
وأما الاقطاع، فالخبر يدل على أنه مملك، كأرض الزبير (6)،

(1) انظر: القرافي / الفروق: 3 / 20.
(2) هو الأصح عند الشافعية ومذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن
من الحنفية. وقول للحنابلة. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر:
347، والقهستاني / جامع الرموز: 2 / 160، وابن رجب / القواعد: 426.
(3) في (ك): ملك انتفاعه.
(4) في (ح) و (م): فيه.
(5) في (أ) و (م): الموقوف عليه.
(6) عن أسماء بنت أبي بكر: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله أقطع
الزبير أرضا بخيبر فيها شجر ونخل). انظر: ابن سلام / الأموال: 273.
349

وعقيق بلال بن الحارث (1). نعم لو اعتيد الاعمار فيه لم يملك
الرقبة. وكذا لو صرح الامام بالعمرى أو الرقبى. وحينئذ ليس
للمقطع إجارة الأرض المقطعة، كما ليس للمعمر أن يؤجر إلا مع
تصريح الامام له بذلك، أو تعميم وجه الانتفاع. ولو عم عرف
(بلد ذلك) (2)، صار كأنه المقصود.
وجوز بعض متأخري العامة (3): الإجارة مطلقا. وعارضه
متأخر منهم (4) بالمنع، إلا مع العرف.
وملك الملك جار في المواضع المعروفة (5). وخاصيته! زواله
بالاعراض، وتوقفه على نية التملك، إذا أراد ملكه الحقيقي.
قاعدة [131]
الغالب في التمليكات تراضي اثنين، وقد يكفي الواحد في
مواضع: كالاخذ بالشفعة، والمقاصة، والمضطر في المخمصة إلى طعام الغير،

(1) عن بلال بن الحارث المزني: (ان رسول الله صلى الله عليه وآله أقطعه
العقيق أجمع). انظر: ابن سلام / الأموال: 273، وسنن أبي
داود: 2 / 154 - 155.
(2) في (أ) و (م): بلده ذلك.
(3) وهو النووي. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 353.
(4) وهو العلائي انظر نفس المصدر السابق.
(5) انظر هذه المواضع في / الفروق للقرافي: 3 / 20 - 21.
350

واللقطة، والفاسخ بطريقه (1)، والوالي باسترقاق رجال الكفار إذا
أخذوا بعد تقضي الحرب، والغنيمة، والسرقة من دار الحرب،
وإحياء الموات، والاحتياز في المباحات، وتبسط الغانمين في المأكل
والعلف، وعفو بالمجني عليه أو وارثه على مال، إن قلنا بقول
ابن الجنيد (2): من أن الواجب في قتل العمد أحد الامرين.
أما الأب والجد المتوليان لطرفي العقد فان الاستقلال في الحقيقة قائم
مقام اثنين (3).
قاعدة [132]
لا يقع العقد على الأعيان والمنافع إلا من مالك أو حكمه.
وحكم المالك: الأب، والجد، والوكيل، والوصي، والحاكم،
والأمين، والمقاص، وناظر الوقف، والملتقط إذا خاف هلاك اللقطة
وتعذر الحاكم، والودعي كذلك، وبعض المؤمنين في مال الطفل عند
تعذر الولي، وواجد البدنة هدية ويتعذر إيصالها أو نحرها وتفريقها،
على احتمال جواز البيع.

(1) أي استقلال كل فاسخ باسترداد ما بذله وبتمليك ما استبدله،
كما في قواعد الأحكام لابن عبد السلام: 2 / 176.
(2) انظر: العلامة الحلي / مختلف الشيعة: 5 / 231 (نقلا عنه)
(3) انظر في هذه القاعدة أيضا: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام:
2 / 175 - 176.
351

قاعدة [133]
هل يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال المولى عليه، أو يكتفى
بنفي المفسدة؟
يحتمل الأول، لأنه منصوب لها. ولأصالة بقاء الملك على حاله.
ولان النقل والانتقال لابد لهما من غاية، والعدميات لا تكاد تقع غاية.
وعلى هذا هل يتحرى الأصلح، أو يكتفى بمطلق المصلحة؟ فيه وجهان:
نعم، لمثل ما قلناه، ولا، لان ذلك لا يتناهى.
وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة لم يجز العدول
عن الأصلح. ويترتب على ذلك: أخذ الولي بالشفعة للمولى عليه
حيث لا مصلحة ولا مفسدة، وتزويج المجنون حيث لا مفسدة،
وغير ذلك.
قاعدة [134]
لا يجوز البناء على فعل الغير في العبادات إلا في بعض أفعال
الحج القابلة للنيابة:
كالاستنابة في الطواف، والرمي، والذبح. إلا أن نقول: هذه
عبادات مستقلة. نعم يبني النائب على ما سعى المنوب من الطريق،
ولكن السعي ليس عبادة مقصودة، وإنما هو وسيلة إلى المقصود.
وفي الاقتداء، إن جوزنا للامام الثاني البناء على قراءة الأول.
وتحمله (1) في الخطبة، والاذان والإقامة.

(1) في (ك) و (م): ويحتمله.
352

وأما العقود، فلا بناء فيها، فلو مات البائع قبل القبول فليس
للمشتري القبول بحضرة الوارث. ولكن الخيار لما ورث أشبه بناء
الوارث على خيار الميت، لأنه خليفته.
قاعدة [135]
الأصل عدم تحمل الانسان عن غيره ما لم يأذن له فيه، إلا في مواضع:
تحمل الولي عن الميت قضاء الصلاة، والصيام، والاعتكاف،
وتحمل الامام القراءة عن المأموم مطلقا، وعند بعض العامة (1)
إذا أدركه راكعا، وتحمله سجود السهو عن المأمومين في وجه (2)،
وتحمل الغارم (3) لاصلاح ذات البين - ولهذا (4) تصرف الزكاة
إليه - والتحمل في زكاة الفطرة عن الزوجة وواجب النفقة والمملوك،
بناء على ملاقاة الوجوب لهؤلاء أولا والتحمل عنهم بعده (5).

(1) انظر: النووي / المجموع: 4 / 213، والسيوطي / الأشباه والنظائر
: 434 (نقلا عن ابن القاص).
(2) قاله ابن القاص من الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر
: 434.
(3) في (أ) العازم، وفي (ح): القادم. والظاهر أن كليهما
غير صحيح واستثناء هذا الموضع بالشكل الذي أثبتناه أورده السيوطي
في / الأشباه والنظائر: 433 نقلا عن إمام الحرمين الجويني.
(4) في (ح): ولذا. وفي (م): وكذا. وفي (أ):
ولذلك.
(5) وهو أصح القولين عند الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر
: 434.
353

ويبعد في العبد، والقريب، والزوجة المعسرة، لأنهم لو تجردوا
عن المنفق لما وجب عليهم شئ، فكيف يتحمل ما لم يجب؟؟
ويمكن نفي التحمل مطلقا، لان المخاطب بها المنفق، والأصل
عدم التقدير. فإذا قلنا بالتحمل، فهو كالضمان الناقل لا يطالب فيه
المتحمل عنه بحال. ويتفرع على ذلك:
لو أعسر الزوج والزوجة موسرة، أو سيد الأمة المتزوجة موسر،
فعلى التحمل يجب على الزوج والسيد.
وفيما لو أخرج الذي وجب لأجله عن نفسه. وفي الكافر إذا
عال مسلمين. وفيما إذا أيسر القريب بعد الهلال وقبل الاخراج.
وفيما إذا أسلمت دونه وأهل الهلال، فعلي التحمل يؤمر بالاخراج.
عنها.
وتحمل المكرة زوجته أو الأجنبية على القول به على الجماع في الصوم
المتعين الكفارة. وفيه الوجه السالف (1)، والأصح القطع بعدم
التحمل هنا، وفي إكراهها على الوطئ في الاحرام، لأنه إنما يتحمل
ما يمكن فيه الوجوب على المتحمل عنه، وهو غير ممكن هنا، وإطلاق
التحمل على هذا مجاز. على أن الأقرب في جميع هذه المواضع عدم
حقيقة التحمل.
وتحمل الأب المزوج ولده الصغير المهر في ماله، فان قلنا بملاقاة
الابن، فلها مطالبة أيهما شاءت. وهذا إنما يتم على القول بأنه ضمان،
وأن الضمان غير ناقل، أما لو قلنا حكمه حكم الحوالة، أو قلنا بأن

(1) وهو ما أشار إليه قبل قليل من أنه لا يتحمل ما لم يجب.
354

الضمان ناقل، كما هو مذهب الأصحاب (1)، فليس لها مطالبة الابن
على التقديرين.
والمتحمل في تزويجه عبده أضعف، لان العبد ليس أهلا لملاقاة
الوجوب، إلا أن نقول: يتعلق برقبته، أو يتبع (2) به بعد عتقه.
وتحمل العاقلة عن أنفسها. وعلى قول الشيخ المفيد (*) (3)
رحمه الله بضمان العاقلة، ثم لهم الرجوع على الجاني، يكون الوجوب
قد لاقى الجاني، قضية لالزام كل متلف بجنايته. وتزول شناعة الشيخ
ابن إدريس (4) رحمه الله على الشيخ الأعظم المفيد رحمه الله، ونسبته
إلى خلاف الأمة، فإن كثيرا من علماء العامة (5) يجعلون الوجوب
ملاقيا للجاني أولا، ثم تتحمله العاقلة. ويفرعون عليه: إنه إذا

(1) انظر: الشيخ الطوسي / النهاية: 314، والمحقق الحلي /
شرائع الاسلام: 2 / 108، والعلامة الحلي / قواعد الأحكام: 68.
(2) في (في): يتعلق.
* أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي
الشهير بالشيخ المفيد. شيخ مشايخ الامامية ورئيسهم في الكلام والفقه
والجدل عاش ستا وسبعين سنة كان مولده سنة 336 ه‍ له أكثر من
مائتي مصنف في مختلف العلوم الاسلامية توفي في شهر رمضان سنة
413 ه‍ ودفن في البقعة الكاظمية الشريفة. (القمي / الكنى والألقاب:
3 / 171).
(3) انظر: المقنعة: 116.
(4) انظر: السرائر: 413.
(5) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 213، وابن قدامة /
المغني: 7 / 793، والسيوطي / الأشباه والنظائر: 434.
355

انتهى التحمل إلى بيت المال وهو خال يؤخذ من الجاني (1). وأنه
لو أقر بجناية الخطا ولم تصدقه العاقلة، وحلفوا على نفي العلم، يحتمل
أن لا يؤاخذ باقراره، بناء على أن الجناية في الخطأ تجب على العاقلة
ابتداء، فكأنه مقر على غيره، فلا يلزمه شئ. وان قلنا بملاقاته
الوجوب، نفذ (2) إقراره على نفسه. وأنه لو غرم الجاني ثم اعترفت
العاقلة، فإن قلنا بملاقاته الوجوب، رجع على العاقلة ولا يرد الولي
ما قبض، وإن قلنا بعدمه رد الولي ما قبض ثم يرجع على العاقلة.
قاعدة [136]
الأصل أن كل أحد (3) لا يملك إجبار غيره، إلا في مواضع:
إجبار السيد رقيقه على النكاح، وليس لرقيقه إجباره عندنا (4).
والأب والجد الصغيرة والمجنونة، والصغير مطلقا، والمجنون الكبير
إذا كان النكاح صلاحا له بظهور إمارة التوقان، أو برجاء الشفاء
المستند إلى الأطباء.
ولو طلبت البالغة البكر النكاح أجبر الأب والجد على تزويجها،
إن قلنا لا ولاية لها، أو بالاشتراك.

(1) انظر: النووي / منهاج الطالبين: 109، والشيرازي /
المهذب: 2 / 213، وابن قدامة / المغني: 7 / 792 - 793.
(2) في (ك) و (ح): بعد.
(3) في (ح): واحد.
(4) وهو قول للشافعية أيضا. انظر: الشيرازي / المهذب:
2 / 40.
356

وهل يجبر الولي على تزويج الصغيرين عند ظهور الغبطة لهما؟ نظر.
وكذا يجبر الولي على تزويج السفيه. والأقرب أن له إجبار السفيه
مع الغبطة.
والمضطر يجبر صاحب الطعام، (وصاحب الطعام) (1) يجبره
إذا امتنع من الاكل وأشرف على التلف.
قاعدة [137]
ولاية النكاح: بالقرابة، والملك، والحكم، والوصاية. وكل
منهم يزوج بالولاية إلا المالك، فإنه يزوج بالملك، لأنه مالك للبضع
فله نقله إلى غيره بطريقه. وربما احتمل كونه بالولاية، لما ورد:
في تزويج أمة المرأة نفسها متعة (2)، فإنه مشعر بذلك. ولأنه لا يجوز
أن تزوج الأمة بمجنون إلا برضاها عند بعض العامة (3)، فلها حق (4)
في نفسها. ويتفرع على ذلك عندهم: اشتراط عدالة المولى على الولاية
دون الملك (5).

(1) في (أ) و (م): وهو.
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 14 / 463، باب
14 من أبواب المتعة، حديث: 1، 2.
(3) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 48.
(4) في (ح) زيادة: حتى.
(5) اشتراط عدالة الولي هو الصحيح المنصوص عليه عند الشافعية.
انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 36. وقد ذكر السيوطي في /
الأشباه والنظائر: 416 ثلاثة عشر طريقا في ولاية الفاسق للنكاح.
357

وتزويج المكاتب أمته إن قلنا بالملك، وتزويج الكافر أمته المسلمة
إذا كانت أم ولد، وقلنا بعدم البيع، جائز على الملك، وعلى الولاية
لا يجوز.
قاعدة [138]
التوقيت بالألفاظ المشتركة ولا قرينه تعين المراد باطل. ومع (1)
القرينة، كربيع، وجمادى، والنفر، وأول الشهر وآخره، والخميس،
والعيد، فان قرينة الحال تحمله على الأول فيلزمه. وقيل: بالبطلان،
استضعافا للقرينة.
ويقرب منه: التعليق على ما هو في حيز الامتناع ظاهرا، ويضرب
من التأويل يصير ممكنا، كما لو علق الظهار على حيضهما حيضة، فظاهره
يقتضي صدور (2) الحيضة منهما، وهو ممتنع، فيكون تعليقا على الممتنع
فلا يقع. وتأويلها: إن حاضت كل منهما (3) حيضة، مثل قولهم:
كسانا الأمير جبة، أي كل واحد واحدة (4).
قاعدة [139]
الأحكام التابعة لمسميات الأصل أن تناط بحصول تمام المسمى:
كالحمل، فإنه علق على وضعه العدة، فيشترط خروجه بتمامه،

(1) في (م): لا مع.
(2) في (ح): ظهور، وفي (م): صدق.
(3) في (ح): منكما.
(4) في (م) و (أ): واحد.
358

والإرث المعلق على وضعه حيا، وكذلك الوصية، فيشترط خروجه
بأجمعه حيا، فلا يكفي بعضه. وكذلك دية الجنين (1)، إما الغرة
أو المقدر (2) المشهور أو الدية، إلا أن يعلم عدم قبوله الحياة بعد
ذلك، فهو كالخارج.
ولو (3) ماتت الام بعد خروج بعضه، وجبت ديته، لعلمنا
بوجوده.
أما إلحاق الولد بالناكح فالتمام شرطة الستة أشهر، ولا يلحق
الولد التام الحي الذي يمكن أن يعيش بدونها. أما الولد الناقص فيلحق
بالواطئ في الزمان الممكن.
وتظهر الفائدة في أخذ ديته لو جني عليه، وفي وجوب مؤنة
تجهيزه، وإن نقص عن ستة أشهر. فحينئذ إطلاق أن الولد لا يلحق
بأبيه إذا نقص عن الستة مقيد بالتام (4).
ومما علق بالتام: أجزاء الحج إذا مات المحرم بعد دخوله الحرم،
بشرط دخول جميعه، والطواف خارج البيت بشرط خروجه بجميع
بدنه.
قاعدة [140]
في التعليقات بالأعيان

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 294.
(2) في (أ): القدر.
(3) في (م): وأما لو.
(4) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 293 - 294 (نقلا
عن ابن الوكيل).
359

وهي كثيرة، وإن كان بعضها يشترك في قدر مشترك، فالخصوصية
تكفي في المباينة.
فمنها: تعلق الدين بالرهن. وتعلق الزكاة بالنصاب، والخلاف
فيه مشهور (1). وتعلق الأرش بالجاني خطأ وعمدا. وتعلق حق
البائع في المبيع فيحبسه حتى يستوفي الثمن. وتعلق الدين بالتركة.
وتعلق المال المضمون بالأعيان المشروطة. وتعلق الضمان بما يجب إحضاره
من الأعيان.
ويشبهه الاستيثاق، وهو في مواضع (2).
توثق المرأة للصداق بمنع تسليمها نفسها حتى تقبض، والمفوضة
حتى يسمي لها مهرا. وبالاشهاد على أداء الدين والقرض والعقود
بأسرها، وإن لم يكن الاشهاد واجبا. والتوثق بحبس الجاني حتى يبلغ
اليتيم أو يفيق المجنون، على القول به (3). ومثله التوثق للغائب حتى
يقدم. والتوثق بالحبس في موضعه على الحقوق، وبالحيلولة بين المدعي
عليه وبين العين بعد شهادة شاهدين مستورين حتى يزكيا، في وجه (4).
ومثله حبس المدعى عليه إذا شهد عليه مستوران بدين أو بحد أو
قصاص، على احتمال (5).
،

(1) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 224.
(2) انظر هذه المواضع في / قواعد الأحكام لابن عبد السلام:
2 / 183.
(3) قال به ابن عبد السلام. انظر: قواعد الأحكام 2 / 183. (4) انظر: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام: 2 / 183،
والسيوطي / الأشباه والنظائر: 487.
(5) انظر: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام: 2 / 183،
والسيوطي / الأشباه والنظائر: 488.
360

ومنه: التوثق بعزل نصيب الحمل إذا أريد قسمة التركة، وبعزل
قدر الدين لو مات المضمون عنه قبل الأجل.
قاعدة [141]
الغالب في المقدرات الشرعية التحقيق:
كأقل الحيض وأكثره، واعتبار المرة في الوضوء، والمرتين في
غسل النجاسة، ونصاب الزوجات. إلى صور كثيرة (1).
ولا ريب أن المسلم فيه إذا ذكر سنة، أو الوكيل إذا وكل في
شراء عبد أو حيوان بسن مخصوص، لا يشترط عدم زيادته عن تلك
السن بقليل، حتى لو شرط في التسليم التحقيق عسر وجوده مضافا
إلى تلك الصفات (2). وفي جواز نقصه باليوم والأسبوع احتمال،
لصدق الاسم، وعدم الالتفات إلى هذا النقص اليسير. وكذلك سن
مفارقة الولد لامه في السبع.
والأصح اعتبار التحقيق في أرطال الكر، ومسافة القصر، وسن
البلوغ. قاعدة [142]
قد تترتب أحكام على أسباب يمكن اعتبارها في الحال والمال،

(1) انظر بعض هذه الصور في / الأشباه والنظائر / السيوطي: 422.
(2) انظر: نفس المصدر السابق.
361

فيقع لذلك إشكال. وصورها كثيرة (1):
الأولى: لو حلف على أكل هذا الطعام في الغد، فأتلفه في الحال،
فهل تلزم الكفارة معجلا؟ إن اعتبرنا المآل، وهو الأصح، فلا حنث،
وإلا حنث. وتظهر الفائدة: في التكفير الآن، هل هو مجز أم لا؟
حتى لو كفر بالصوم أمكن إجزاء الغد من الصوم إذا نواه.
الثانية: لو تبين انقطاع المسلم فيه قبل المحل، ففي تنجيز الخيار
وتأخيره الوجهان، والأقرب المنع.
الثالثة: لو كان دين الغارم مؤجلا، ففي أخذه من الزكاة قبل
الأجل الوجهان، والأقرب الجواز.
وقد نص الأصحاب (2) على أن المعذور لو حج عنه، ثم زال
عذره، وجب فعله بنفسه. وهو يعطي أن الحال مراعي بالمآل.
الرابعة: لو انقطع دم المستحاضة وظنت عوده قبل وقت يسع
الطهارة والصلاة، فتطهرت وصلت، فاتفق أنه لم يعد، ففيه
الوجهان.
الخامسة: لو قلنا بعدم انعقاد نذر التضحية بالمعيب، فنذر، ثم
زال العيب، فان اعتبرنا الحال، بطل النذر، وإن اعتبرنا المآل،
صح. ولكن الظاهر انعقاد النذر وإن كان معيبا حال النذر، لعموم
وجوب الوفاء بالنذر. نعم لو نذر أضحية مطلقة، اشترط فيها السلامة

(1) أورد السيوطي جملة من هذه الصور. انظر: الأشباه والنظائر:
196 - 198.
(2) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 1 / 229، والمحقق
الحلي / شرائع الاسلام: 1 / 227، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام:
1 / 92.
362

من العيب، فلو عينها في معيب ثم زال العيب، جاء الوجهان:
السادسة: لو اشترى معيبا، فلم يعلم بالعيب حتى زال العيب،
فيه الوجهان. وكذا كتابة الكافر عبده المسلم كتابة مطلقة، لأنها تؤول
إلى العتق. والأقرب عدم الاكتفاء بها، نظرا إلى الحال.
السابعة: لو عين للسلم (1) موضعا، فخرب (2)، أو أطلق
العقد، فخرب موضعه، وارتحل المتبايعان منه، ففيه الوجهان.
وتعينه قوي، نظرا إلى الحال.
الثامنة: لو أسلم ثم وطئ في زمان التربص، ثم أسلمت، فالظاهر
عدم وجوب المهر. وعلى اعتبار الحال يمكن وجوبه. وهو بعيد،
لأنها في حكم الزوجة. أما المعتدة رجعية لو وطئها لشبهة ثم رجع،
فهل يجب المهر؟ نظر. والفرق: أن الحل العائد بالرجعة غير الحل
الأول، والعائد بالاسلام هو الأول.
التاسعة: لو ارتد الزوج لا عن فطرة ثم وطئها ورجع في العدة،
احتمل ما ذكر. ولو لم يرجع، وجب المهر عند الشيخ (3)، لأنا
تبينا البينونة حين الوطئ. وحينئذ لو لم تسلم الزوجة، ولم يرجع في
المطلقة، أمكن البناء على الحال والمال، ويقال: هما في حكم الزوجة
ما دامت العدة فلا مهر، وأن بقاء المطلق على طلاقه، وبقاؤها على
كفرها، كشف عن البينونة. وهو ضعيف.
العاشرة: الموسر في الكفارة حال الوجوب لا يستقر عليه العتق
بل المعتبر حال الأداء.

(1) (ح) و (أ) و (م): المسلم.
(2) في (ح) زيادة: موضعه.
(3) انظر: المبسوط: 4 / 238.
363

الحادية عشرة: طريان العتق في العدة تنتقل إلى عدة الحرة، إن
كان الطلاق رجعيا لا بائنا، وفي عدة الوفاة تنتقل. ويحتمل في الطلاق
البائن ذلك، تغليبا للاحتياط، ولعدم تعقل الفرق بينه وبين عدة
الوفاة.
الثانية عشرة: المعتبر في التقاط المهايأ (1) بيوم الالتقاط، لا
بيوم التملك.
الثالثة عشرة: سيد الملتقط أولى باللقطة لو أعتقه، اعتبارا بيوم
اللقطة.
الرابعة عشرة: لو أعتقت تحب عبد ولم تعلم حتى عتق، ففي
ثبوت الخيار وجهان. ولو قلنا بالفسخ تحت الحر فلا بحث.
الخامسة عشرة: في جواز بيع الدهن النجس الوجهان، إن قلنا
بقبوله الطهارة، أما الماء فقابل لها. وتوهم بعضهم (2): أن تطهير
الماء لا يقع بالمكاثرة بل باستحالته من صفة النجاسة إلى صفة الطهارة.
فعلى هذا لا يصح بيعه قبل تطهيره، كما لا يصح بيع الخمر وإن رجي
انقلابها، نظرا إلى الحال.
السادسة عشرة: بيع السباع جائز، تبعا للانتفاع بجلدها، وهو
نظر إلى المآل. السابعة عشرة: بيع آلات الملاهي ذات الرصاص المنقوم في
صحته الوجهان، إذ لا منفعة لها في الحال. ويحتمل الجواز، إن

(1) المهايأة في كسب العبد: أنهما يقتسمان الزمان بحسب ما
يتفقان عليه، ويكون كسبه في كل وقت لمن ظهر له بالقسمة. انظر:
الطريحي / مجمع البحرين: 1 / 485، مادة (رهيا).
(2) قاله بعض الشافعية. انظر: النووي / المجموع: 9 / 236.
364

اتخذت من جوهر نفيس، لأنها مقصودة في نفسها، بخلاف الخسيس (1)،
فان قصده بعيد.
الثامنة عشرة: بيع الآبق بنظر فيه إلى الحال، فلا يصح بدون
الضميمة، وكذا الضال. ولو قدر المشتري على تحصيله اعتبرنا المآل
في الصحة. وكذا بيع ما يتعذر تسليمه إلا بعد مدة، كالسمك في
المياه المحصورة المشاهد الذي (2) لا يمكن تحصيلها إلا بعد تعب،
والحمام الكثير في البرج كذلك. ولو خرج واعتيد عوده صح.
والنحل مع خروجه.
التاسعة عشرة: يصح بيع المرتد، والجاني عمدا، وقاطع الطريق،
على اعتبار الحال. ولو كان الارتداد عن غير فطرة فأقوى في الصحة.
أما البيضة المذرة (3)، والعناقيد التي استحال خمرا باطنها، ففي صحة
بيعها نظرا إلى مآل الفرخ والتخليل، بعد.
العشرون: لو اشترى حبا فزرعه، أو بيضا فأفرخ عنده، ثم
فلس، فاعتبار المآل هنا أقوى، فلا يرجع البائع.
الحادية والعشرون: لو نوى المسافر أو الحائض الصوم ليلا لظن
القدوم والانقطاع، فصادف، ففي صحة النية الوجهان.
الثانية والعشرون: لو قلنا بأن الاقرار للوارث في المرض من
الثلث فهل المعتبر لمن هو وارث في الحال أو المآل حالة الموت؟

(1) في (ك) و (ح): الخشب.
(2) في (ح) و (أ) و (م): إذ.
(3) المذر: الفساد. وقد مذرت تمذر فهي مذرة. ومنه:
مذرت البيضة: أي فسدت. انظر: ابن منظور / لسان العرب:
5 / 164، مادة (مذر).
365

الوجهان. أما اعتبار الثلث فقد نص الأصحاب (1) على اعتباره
عند الوفاة.
الثالثة والعشرون: اختلاف الحال بين الجناية والتلف بطريان
الاسلام أو الردة من هذا الباب. وكذا الحربية حال الجناية إذا أسلمت
ثم ألقت جنينا.
قاعدة [143]
وقف الحكم قد يكون وقف انتقال، وقد يكون وقف انكشاف.
وعقد الفضولي محتمل للامرين.
ومما يقوى فيه الكشف: قبول الوصية، وزوال ملك المرتد عن
غير فطرة، إذا مات مرتدا أو قتل، تبينا زواله بالردة، وعتق
الحصة الساري إليها العتق.
وأظهر منه في الكشف: بيع مال مورثه لظنه حيا فبان ميتا،
وبيع مال الغير لظنه فضوليا فظهر توكيله، إن قلنا لا تتوقف الوكالة
على القبول ولا على العلم. وكذا لو زوج أمة أبيه (2)، فظهر
موته. وكذا لو عامل العبد فظهر الاذن له. وكذا لو سأله عن
الاذن، (أو سأل) (3) الوكيل عن الوكالة، فأنكراه، وظهر
صحة الاذن والوكالة. وهو مشكل: بما أن العقد موقوف بزعمه.

(1) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 2 / 43، والعلامة
الحلي / تحرير الأحكام: 1 / 294.
(2) في (م): ابنه.
(3) في (ح): وسأله.
366

وكذا في أكثر ما مضى، فإنه لم يقصد بالعقد قطع الملك.
وكذا لو تزوج امرأة المفقود، فظهر ميتا، إذا كانت قد اعتدت
باخبار ضعيف ثم تزوجت به، أو أعتق رقيق مورثه ثم بان ملكه،
أو أبرأه ولا يعلم أن عليه مالا، فظهر اشتغال ذمته، أو أبرأه من
مال أبيه عنده، ثم ظهر موت أبيه، وكذا لو قال: أبرأتك من
مال مورثي، ويكون ذكر الأبوة والمورثية وصف تعريف، لا اشتراط.
ولو جعلناه للاشتراط بطل الابراء. وكذا لو باع مال أبيه بعبارة الأب
أو المورث، أما لو قال: بعتك هذه الدار، ثم ظهر موت أبيه،
فإنه أظهر في الصحة.
ولو طلق بحضور خنثيين فظهرا رجلين، أمكن الصحة، أو
بحضور من يظنه (1) فاسقا فظهر عدلا. ويشكلان في العالم بالحكم،
لعدم قصده إلى طلاق صحيح.
وطلاق العبد زوجته المعتقة يحتمل فيه الوقف. وكذا اختيار المسلمات
للفسخ وقد تخلف النصاب كافرات.
ولو أجازت المعتقة بعد طلاقها العقد احتمل الوقف.
ولو أسلمت أمة تحت عبد، فعتقت واختارت الفسخ، ثم أسلم،
أمكن نفوذ الفسخ.
ولو اختلعت مرتدة ثم عادت، تبينا الصحة، وإلا تبين البطلان،
لأنا تبينا زوال ملكها عن العين المبذولة.
ولو قذف زوجته مرتدا بعد الدخول ولا عن، فان أصر ظهر
بطلانه، وإن أسلم تبينا صحته.
ولو أوصى بالعبد المكاتب فاسدا، أو باعه ولا يعلم بفسادها،

(1) في (أ): يظن.
367

ففيه الوجهان.
والصور كثيرة جدا موجودة في تضاعيف أبواب الفقه.
وهذا وقف الكشف، وقد يجري في الطلاق، كما مر في طلاق
المعتقة، وكما لو طلق الوثني المسلمة في العدة وأسلم بعده، وكذا
الظهار (1) والايلاء، مع أن الطلاق عندنا لا يقبل التعليق، وذلك
لكون هذا تعليقا مقدرا لا محققا، وقد يعبر عنه بأنه تعليق كشف
لا تعليق انعقاد.
أما لو خالع وكيل الزوج بدون مهر المثل فلا وجه عندنا
لاعتبار رضا الزوج في صحة الطلاق، بل ينعقد باطلا.
وربما قيل: إذا قلنا: بأن الإجارة كاشفة لم (2) لا تصح؟!
قلنا: ذلك فيما يقبل الإجارة كالعقود، أما الايقاعات فلا، وإلا
لصح طلاق الفضولي مع الإجازة، وليس كذلك. مع أن الذي
نص عليه الأصحاب (3) أن الطلاق لا يكون معلقا على شرط، ولا
يلزم منه بطلان طلاق الفضولي إذا قيل بالكشف.
فان احتج بقولهم عليهم السلام: (لا طلاق إلا فيما يملك) (4).

(1) في (ك): الطهارة. والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.
(2) زيادة من (ح) و (أ).
(3) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 5 / 14، وسلار / المراسم:
20، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 54.
(4) أورد هذا النص عن النبي صلى الله عليه وآله الشيخ الطوسي في /
الخلاف: 1 / 222. وأورده المتقي الهندي في / كنز العمال:
5 / 155، حديث: 3160، بلفظ: (لاطلاق إلا فيما تملك).
وكل ما جاء عن أئمة أهل البيت عليهم السلام جاء بغير هذا اللفظ.
انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 15 / 286 - 289، باب 12
من أبواب الطلاق، حديث: 1 - 13، والنوري / مستدرك الوسائل:
3 / 5، باب 12 من أبواب الطلاق، حديث: 1 - 5.
368

قلنا: تضمن اللزوم، لأنه قد جاء: (لا تبع ما ليس عندك) (1)
مع أنا قائلون بوقوفه على الإجازة، ويؤول: النهي عن البيع اللازم، أي:
لا يقع البيع لازما لما ليس عندك. إلا أنا لا نعلم قائلا من الأصحاب
بصحة الطلاق مع الإجازة.
وحينئذ يمكن أن يستنبط منه: أن الإجازة في موضعها سبب ناقل
لا كاشف، استدلالا بانتفاء العلة، لأنا استدللنا على بطلان الكشف
ببطلان الطلاق المجاز، والاستدلال الأول على صحة الطلاق المجاز
بكون الإجازة كاشفة في العقود.
فائدة
لو قال واحد من ركبان السفينة لآخر عند الحاجة إلى الالقاء:
إلق متاعك وأهل السفينة ضمناء، فألقاه، فأجازوا، احتمل كونه
من باب العقود الموقوفة، إذ هو من باب الضمان إلا أنه ضمان ما لم
يجب. أو هو معارضة على الملقى ببدله، وكلاهما قابل للوقف.
واحتمل البطلان، لأنه معاملة مخالفة للأصل شرعت للضرورة،
فيقتصر فيها على قدر الضرورة، وكان من حقه سؤالهم قبل الالقاء.

(1) انظر: صحيح الترمذي بشرح ابن العربي: 5 / 241،
باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، حديث: 1.
369

فائدة (1)
كل فعل يأتي به في حال الشك احتياطا فيظهر الاحتياج إليه،
فإنه من هذا الباب، حتى في العبادات، كالطهارات والصلوات. وقد
ظهر أثر هذا في صائم (2) آخر شعبان، والمتردد في نية الزكاة،
بل والمتردد في آخر شعبان، وحكم باجزائه.
قاعدة [144]
ذكر الشاهد السبب في الشهادة قد يكون معتبرا (3)، كما في
صورة الترجيح، وقد يكون فعله وتركه سواء، كما في صور كثيرة.
وقيل (4): قد يكون ذكر السبب قادحا في الشهادة، كما لو
قال: أعتقد أن هذا ملكه للاستصحاب، وإن كان في الحقيقة مستندا
إلى الاستصحاب. وكذا لو صرح؟؟؟ هذا ملكه علمته بالاستفاضة.
وهذا ضعيف، لان الشرع جعل الاستفاضة من أسباب التحمل
فكيف يضر ذكرها؟! وإنما ضر ذكر الاستصحاب، إن قلنا به،
لأنه يؤذن بشكه في البقاء.
ولو أهمل ذكره وأتى بصورة الجزم زال الوهم. ولو قيل: بعدم

(1) في (أ): قاعدة.
(2) في (ك): صيام.
(3) في (ك) و (ح) و (أ): سببا.
(4) قاله بعض الشافعية. انظر: الغزالي / الوجيز: 2 / 162،
والقرافي / الفروق: 4 / 73.
370

الضرر أيضا كان قويا (1). وكذا الكلام لو قال: هو ملكه لأني رأيت يده عليه، أو رأيته
يتصرف فيه بغير مانع.
وغاية ما يقال: إن الشاهد ليس له وظيفة ترتيب المسببات على
الأسباب إنما يشهد بما يعلم، وإنما ذلك وظيفة الحكام.
قلنا: إذا كان الترتيب شرعيا وحكاه الشاهد فقد حكى صورة
الواقعة، فكيف ترد الشهادة بما هو مستندها في الحقيقة؟!
مسألة:
لو شاهد ماء الغير يجري على سطح آخر، أو في ساحته، مدة
طويلة بغير منازعة، فهل للشاهد الشهادة بالاستحقاق؟
الظاهر: لا، صرح بذلك أولا. وقال بعض العامة: يجوز كونه
سببا للتحمل، ولو صرح به ردت شهادته، وهو من النمط الأول:
وربما رجحوا هذا المأخذ: بأن شاهد الرضاع لا يكفي قوله:
شاهدته ممتصا للثدي يحرك شفتيه ثم حلقومه، وإن كان مستند الشهادة
بالرضاع ذلك. قلنا: وما المانع من صحة هذه الشهادة على هذا الوجه، وليس
النزاع إلا فيها؟؟
والحق الصريح: أن الشاهد إذا ذكر السبب واقتصر عليه، لم
تسمع شهادته، لأن هذه الأسباب إنما تصح الشهادة بها إذا أفادت
الشاهد القطع، ولم يتعرض الشاهد له هنا، وإن ذكر السبب، وقال:

(1) في (ك): قولا.
371

وأنا أشهد، بصورة القطع لم يضر ذكر السبب: وكذا لو صرح
وقال: مستند شهادتي السبب المعين الذي حصل منه (1) القطع،
أو الذي تجوز الشهادة به، وكان من أهل المعرفة، فإنه تسمع الشهادة
في الصورتين.
قاعدة (2) [145]
لو قال لزوجاته: أيتكن حاضت فصواحباتها علي كظهر أمي،
فقالت إحداهن: حضت، وصدقها، وقع الظهار بالنسبة إليه.
ويشكل: بأن قولها لا يقبل في حقهن، وإحلافها غير ممكن، وقطع
الزوج بذلك نادر، ولهذا لو صرح بالمستند وقال: لم أعلم حيضها
إلا بقولها، عد مخطئا إلا مع قرينة الحال المفيدة للعلم.
ولعل الأقرب: أنه إن أخبر بعلم (3) صدقها بالقرائن، وقع الظهار،
وإن أطلق أمكن ذلك أيضا، لأصالة الصدق في إخبار المسلم. ولأنه
قادر على إنشاء الظهار الآن فيقبل إقراره.
قاعدة [146]
لا نظر في باب الدعاوى إلى حال المدعي أو المنكر، ولا في
الأمور الشرعية كلها إلا إلى الممكن، وإن كان الظاهر بخلافه.

(1) في (م): لي به.
(2) في (ح) و (م) و (أ): فائدة.
(3) في (م) و (أ): بعلمه.
372

فاستبعاد بعض العامة (1) صحة الدعوى على القاضي المرتفع من
الكناس: أنه استأجر القاضي لكنس مرحاضه (2)، بعيد، لامكانه.
وحمله على دعوى الغاصب: قيمة العبد درهما، أو قيمة الفرس حبة،
ممنوع. ولو فتحنا باب العرف لسمع دعوى القاضي على الكناس
استئجاره على الكنس بغير بينة، لأنه معتاد غالبا، ولسمعنا دعوى
البر التقي على المشهور بالغصب وأخذ الأموال وإنكاره أنه غصب منه
شيئا ولم يخلف المنكر، ولرددنا دعوى الفاجر الشقي على التقي المشهور بالأمانة
والصدق، وكل ذلك لم يثبت، بل يحسم التنازع (3) بطرد قاعدة
الباب في الدعاوى، حذرا من الاضطراب، إذ لكل أحد أن يدعي
الأمانة في نفسه، والفجور على خصمه.
ولو أتت بولد لستة أشهر، لحق، وإن كان نادرا. وكذا السنة
على الأقرب، لأصالة عدم الزنا والوطئ بالشبهة، وتشوق الشارع
إلى الستر، ودرء الحدود، فغلب الأصل على الظاهر.
ومنه: تفسير المال العظيم وشبهه بأقل ما يتمول (4)، وإن كان
خلاف الظاهر، لان العظمة والجلالة وأمثالهما من الأمور الإضافية تختلف
باختلاف الإضافات بالنسبة إلى اليسار والفقر والزهد والرغبة ونحو

(1) انظر: القرافي / الفروق: 4 / 82، وابن عبد السلام /
قواعد الأحكام: 2 / 125.
(2) في (أ) و (م): ميضاته. وما أثبتناه مطابق لما في
الفروق: 4 / 82.
(3) في (أ): الشارع.
(4) في (ك) و (م) و (ح): متمول، وما أثبتناه
مطابق لما في قواعد الأحكام لابن عبد السلام: 2 / 123.
373

ذلك، فلما تعذر الضبط عرفا حمل على ما يقتضيه لغة، وهو: أقل
محتملاته بالنسبة إلى ما دونه، أو حمل العظيم على المعنى، أي: أنه
حلال أو خالص من شبهة، وإن كان ذلك مخالفا للظاهر (1).
فائدة
لو قال له: أنت أزنى الناس، أو: أزنى من فلان، فلا حد على
القائل حتى يقول: في الناس زناة وأنت أزنى زناتهم، أو فلان زان
وأنت أزنى منه. وهذا أيضا خلاف الظاهر، لأن الظاهر من قولهم: هو أعلم
الناس، أنه أعلم علمائهم، وأشجع الناس، أنه أشجع شجعانهم. ولكن هذا
مجاز عرفي لا يعارض مقتضي الحقيقة اللغوية، وهي لا تستدعي تحقق
المشاركة بين المفضل والمفضل عليه. وبتقدير التعارض يتساويان،
فيصير اللفظ به كالمجمل، ولا دلالة في الألفاظ المجملة على شئ
بعينه (2)

(1) انظر في فروع هذه القاعدة: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام:
2 / 122 - 126.
(2) انظر هذه الفائدة في المصدر السابق: 2 / 124.
374

وهاهنا قواعد متعلقة
بالمناكحات
وهي أربع عشرة
375

الأولى
الشبهة: أمارة تفيد ظنا يترتب عليه الاقدام على ما يخالف في نفس
الامر.
والكلام هنا في وطئ الشبهة، وهي تتنوع ثلاثة أنواع:
الأول (1): بالنسبة إلى الفاعل، كما لو وجد امرأة في فراشه
فظنها زوجته أو أمته، أو تزوج امرأة فظهرت محرمة عليه.
والثاني (2): بالنسبة إلى القابل، بأن يكون للواطئ فيها ملك
أو شبهة ملك كالأمة المشتركة، وأمة مكاتبه، أو ولده.
والثالث (3): بالنسبة إلى مأخذ الحكم بأن يكون مختلفا فيه،
كالمخلوقة من الزنا. وزاد بعضهم (4): أن يكون الخلاف فيه (5)
معتبرا، فقول عطاء (*) بإباحة إعارة الإماء للوطئ ويمكن أن لا يكون
شبهة. والحق: أنه شبهة لمن يمكن في حقه توهم ذلك ويترتب على الشبهة أحكام خمسة:
الأول: سقوط الحد عمن اشتبه عليه منهما دون الآخر، وشبهة

(1، 2، 3) زيادة من (ح).
(4) انظر: ابن عبد السلام / قواعد الأحكام: 2 / 161،
والسيوطي / الأشباه والنظائر: 137.
(5) زيادة من (أ).
* هو أبو محمد عطاء بن يسار المدني الهلالي، الفقيه القاضي،
مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله. كان قاضيا واعظا جليل القدر.
ولد سنة 19 للهجرة ومات بالإسكندرية سنة 97، أو 103، أو 104
للهجرة. (السخاوي / التحفة اللطيفة: 3 / 426).
377

الملك يشترط فيها توهم الحل، وإلا حد بقدر نصيب صاحبه.
الثاني: النسب، ويلحق بالجاهل منهما دون العالم، وإن جهلا
ألحق بهما.
الثالث: العدة، وهي واجبة مع جهل الواطئ، صيانة لمائه عن
الاختلاط، ومع علمهما (1) فلا عدة، ومع جهلها خاصة، نظر:
وقطع العامة (2): بأن لا عدة إلا مع الشبهة على الواطئ.
الرابع: المهر، وهو معتبر بالشبهة على المرأة، فلو لم يشتبه عليها
فلا مهر ولو كان الزوج مشتبها عليه.
الخامس: حرمة المصاهرة. وهي ثابتة لكل واحد من الرجل
والمرأة مع اتصافهما بالشبهة بالنسبة إلى قرابة الآخر. وقد توقف فيه
بعض الأصحاب (3). ولو اختصت الشبهة بأحدهما، فقضية الدليل
ثبوت الحرمة بالنسبة إليه، فتحرم عليه أمها وبنتها، وتحرم على أبيه
وابنه لو كان الرجل (4) ذا شبهة، ولا يحرم حينئذ أبوه ولا ابنه

(1) في (ك) و (ح): علمها. والظاهر أن ما أثبتناه هو
الصواب.
(2) هذا هو الصحيح عند الشافعية. انظر: العلامة الحلي / تذكرة
الفقهاء: 2 / 633، والغزالي / الوجيز: 2 / 7، والسيد البكري /
حاشية إعانة الطالبين: 3 / 292 - 293. ولكن عند الحنابلة تثبت
العدة حتى من الزنا. انظر: ابن قدامة / المغني: 7 / 450،
والمرداوي / الانصاف: 9 / 285.
(3) انظر: ابن إدريس / السرائر: 287، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام
: 2 / 13.
(4) زيادة من (م).
378

بالنسبة إليها. ولو انعكس انعكس. ويمكن عموم التحريم من
الجانبين.
فرع: وطئ الشبهة وإن نشر الحرمة فلا يفيد المحرمية، لترتبها على النكاح
الصحيح، لمسيس الحاجة إلى الاختلاط والمداخلة، وذلك منتف في
وطئ الشبهة، فليس له الخلوة بأم الموطوءة للشبهة ولا ابنتها.
الثانية
كل عضو يحرم النظر إليه يحرم مسه، ولا ينعكس، فان وجه
الأجنبية يجوز النظر إليه مرة ويحرم مسه.
وقد يجوز اللمس إجماعا ويكره النظر، وهو الفرج من الزوجة أو
المملوكة. وحرم النظر هنا بعض العامة (1).
أما النظر إلى المحارم فلا شك فيه، وكذا يجوز اللمس عندنا بغير
شهوة. قاله بعض الأفاضل (2). وحرمه بعض العامة (3) إلا في
مثل الرأس وغيره مما ليس بعورة، فيحرم عندهم مس بطن الام

(1) هو وجه للشافعية: انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 35،
والسيوطي / الأشباه والنظائر: 503.
(2) انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 2 / 575.
(3) هو قول لبعض الشافعية. انظر: شمس الدين الرملي / نهاية
المحتاج: 6 / 192.
379

وساقها وقدمها، وتقبيل وجهها.
الثالثة
ينقسم النكاح بحسب الناكح بانقسام الأحكام الخمسة:
فالواجب: عند التوقان، وخوف الوقوع في الحرام.
والمستحب: إذا فقد الشرط الثاني مع القدرة على النفقة والمهر،
أو مع العجز وتوقان النفس.
ومكروه: وهو عند عدم التوقان والطول. ربما قيل (1): لا يكره. والزيادة على الواحدة عند الشيخ (2).
وحرام: وهو الزيادة على الأربع وشبهه بالنسبة إلى الحرائر والإماء،
والأحرار والعبيد.
ومباح: وهو ما عداه.
وكذا ينقسم بحسب المنكوحة إلى الخمسة:
الأول: حرام، وأقسامه خمسة:
حرام عينا: وهي الأربع عشرة المذكورة في الكتاب (3)، وهي

(1) انظر: ابن حمزة / الوسيلة: 54، وابن قدامة / المغني:
6 / 448.
(2) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 6 / 4.
(3) وهو قوله تعالى في سورة النساء: 22 - 24: (ولا تنكحوا
ما نكح آباؤكم من النساء) و (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم
وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من
نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم،
وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم...) (والمحصنات من النساء..).
380

ترجع إلى التحريم بالنسب، والمصاهرة، والرضاع.
وحرام جمعا مطلقا: وهو بين الأختين.
وحرام جمعا إلا مع الاذن: كبين العمة والخالة، وبنت الأخ
وبنت (1) الأخت، وبين الحرة والأمة.
وحرام بحسب العارض: كالشغار، ونكاح المعتدة، والمحرمة،
والوثنية، والمرتدة، والملاعنة، والكتابية بالدوام وشبهه.
وحرام بالاشتباه: كاختلاط محرم له بنساء محصورات.
الثاني: مكروه، وهو نكاح العقيم، وفي الأوقات المكروهة،
ونكاح المحلل، والخطبة على خطبة المجاب.
الثالث: مستحب، وهو النكاح في الأقارب، لما فيه من الجمع
بين الصلة وفضيلة النكاح. وقيل (2): يستحب التباعد، للخبر (3).
الرابع: واجب، وهو متصور في الوطئ في أماكن، كوطئ
المظاهر والمولي، وبعد أربعة أشهر مطلقا. وقد يكون في الأمة،
والزوجة، إذا غلب ظنه على وقوع الفاحشة لولاه.

(1) زيادة من (ك) و (م).
(2) انظر: النووي / منهاج الطالبين: 78، والغزالي / الوجيز:
2 / 2، وابن قدامة / الكافي: 2 / 660.
(3) وهو إما قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تنكحوا القرابة
القريبة فان الولد يخرج ضاويا). انظر: ابن حجر العسقلاني / تلخيص
الحبير: 3 / 146. أو قوله صلى الله عليه وآله: (اغتربوا لا تضووا).
انظر: الشريف الرضي / المجازات النبوية: 78، حديث: 59.
381

وأما في العقد بحسب المحل فتصوره بعيد، إلا أن يعلم وقوع الزنا
من أجنبية ويعلم أنه لو تزوجها متعة منعها ولا ضرر فيه، فيمكن
وجوبه كفاية عند قيام غيره مقامه، وعينا عند عدم غيره.
الخامس: مباح، وهو ما عدا ذلك.
الرابعة
يحرم وطئ الزوجة مع بقاء الزوجية بأمور:
الحيض، والنفاس، والصوم الواجب، إما المتعين، أو مطلقا
على احتمال (1)، والاحرام، والاعتكاف الواجب، والايلاء، والظهار
قبل التكفير، والعدة عن وطئ الشبهة، والمفضاة قبل التسع، وقيل (2):
تخرج من حباله. ولو برئت قيل (3): حلت. والعاجزة عن احتمال
الوطئ لمرض أو صغر أو عبالة، وعند تضيق وقت الصلاة الواجبة،
وبعد الاشتغال بها (قبل الفراغ) (4). قيل (5): وفي ليلة غيرها،

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 297 (نقلا عن
العلائي).
(2) انظر: ابن حمزة / الوسيلة: 55، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام
: 2 / 14.
(3) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 4 / 318، وابن البراج /
جواهر الفقه: 39، والسيوطي / الأشباه والنظائر: 297 (نقلا عن
العلائي).
(4) زيادة من (أ).
(5) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 297 (نقلا عن العلائي).
382

وفيما إذا امتنعت من تسليم نفسها لأجل الصداق، وفي المساجد،
وبحضور الناس.
ولقائل أن يقول: قد عد في الواجب وطئ المولي والمظاهر فكيف
عد في الحرام؟
قلت: أما في المظاهر فالامر ظاهر، لاختلاف الاعتبار، فإنه
حرام قبل التكفير واجب بعده. وأما في المولي، فيوصف بالحرمة
من حيث اليمين المقتضية لتحريمه، ويوصف بالوجوب من حيث حق
الزوجة. وتنجبر الحرمة بالكفارة، واليه الإشارة بقوله تعالى: (فان
فاؤا فان الله غفور رحيم) (1). الخامسة
تترتب على البكارة والثيبوبة أحكام:
كالولاية، وكاستحباب تزويج البكر، والاكتفاء منها بالسكوت
عند عرض النكاح عليها، والوصية بجارية بكر، والوكالة في شراء
بكر، والتفرقة في تخصيص القسم بثلاث وسبع، واشتراط البكارة
أو الثيبوبة في العقد.
ونطلق الثيبوبة أيضا على الاحصان المعتبر في الرجم.
وتزول البكارة أو تحصل الثيبوبة: بالوطئ، والجنابة، والطفرة،
والوثبة، والمرض، وقد تزول بالتعنيس (2).

(1) البقرة: 226.
(2) عنست الجارية تعنس: إذا طال مكثها في منزل أهلها بعد
إدراكها حتى خرجت من عداد الابكار. انظر: الجوهري / الصحاح
2 / 950، مادة (عنس). (الطبعة المحققة، طبع دار الكتاب
العربي بمصر).
383

ولا ريب في ترتب زوال أكثر أحكام البكارة على مطلق الثيبوبة.
ونص الأصحاب (1) على أن العبرة في الصغيرة بالصغر لا بالبكارة،
سواء زالت بجماع أو غيره.
وهل يزول الضمان بزوالها بغير الجماع، وكذا قصرها على ثلاث
في ابتداء الدخول بها؟ احتمال. وبعض العامة يرى أن الذاهبة
بكارتها بغير الجماع لا تدخل تحت البكر ولا الثيب.
السادسة
يتنصف المهر: بالفرقة قبل الدخول من الزوج، بطلاق أو
ارتداد أو إسلام، مع التسمية. ولا ينتصف بالفسخ من قبل المرأة
إلا: في العنة، وفي إسلامها قبله على رواية (2)، لان الاسلام لم
يزدها إلا عزا، وهي محسنة بتعجيل الاسلام، والإساءة منسوبة إليه،
إذ كان من حقه سبقها إلى ذلك. وهو قول من قولي بعض
العامة (3).
وقضية الأصل تقتضي عدم المهر بالفسخ قبل بالدخول مطلقا،

(1) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 4 / 162، 164، والعلامة
الحلي / تذكرة الفقهاء: 2 / 587.
(2) انظر: الحر العاملي / وسائل الشيعة: 14 / 422، باب 9
من أبواب النكاح، حديث: 7.
(3) رواية عن ابن حنبل. انظر: ابن رجب / القواعد: 360.
384

لان فيه تراد العوضين سليمين، فكما يرجع بضعها إليها سالما، فليرجع
إليه صداقه سالما. ولكن (خولف في هذا) (1) بالطلاق، جبرا
لما حصل لها من الكسر بما لا مدخل لها فيه، وأجري مجراه ما
عددناه. وأما العنة فلان غالب الفسخ يكون بعد اطلاعه على ظاهرها
وباطنها، واختلاطه بها اختلاط الأزواج، فجبر ذلك بالنصف.
وقد قال الشيخ علي بن بابويه (*) (2) رحمه الله في الخصي إذا دلس
نفسه: يفرق بينهما ويوجع ظهره، وعليه نصف الصداق، ولا عدة.
وتبعه ابنه في المقنع (3).
ولو اشترى أحد الزوجين الآخر فالظاهر عدم التنصيف، إما إذا
اشترته فلصدور (4) الفسخ منها، وإما إذا اشترها فلمساعدة المالك
الذي هو مستحق للمهر. وللفاضل (5) رحمه الله احتمال في ثبوت
نصف المهر في شرائها له، ويلزمه بطريق أولى ثبوته في شرائه لها.

(1) في (ح): خلف هذا.
* هو أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الامامي.
كان شيخ القميين في عصره وفقيههم وثقتهم. ويعد العلماء فتاويه من
الاخبار. توفي سنة 329 ه‍. (القمي / الكنى والألقاب: 1 / 217).
(2) انظر: ابن سعيد الحلي / نزهة الناظر في الأشباه والنظائر:
103 (نقلا عن الرسالة لابن بابويه).
(3) انظر: ص 104 (طبع المطبعة الاسلامية بطهران).
(4) في (ح): فلصدق.
(5) انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 156، وهو قول
للشافعية والحنابلة. انظر: الغزالي / الوجيز: 2 / 15، وابن رجب /
القواعد: 362.
385

ولو زوج الكتابي بنته الصغيرة من كتابي، وأسلم أحد أبويها قبل
الدخول، فالأقرب السقوط، تنزيلا لفعل الولي منزلة فعلها. ويحتمل
التنصيف، إذ لا صنع لها. وعلى الرواية السالفة لا إشكال في التنصيف.
السابعة
يجب المهر المسمى بدخول الزوج في القبل أو الدبر، وإن كان خصيا،
إذا كان النكاح صحيحا.
ومهر المثل يجب في مواضع (1):
في مفوضة البضع أو المهر مع الدخول وموت الحاكم، ولو كان
قد حكم أو فرض في مفوضة البضع وجب. وفي مفوضة المهر إذا
مات الحاكم قبل الدخول على قول (2). وفي اختلافهما في تعيين المهر
إذا تحالفا (3). وفي ظهور الصداق معيبا فيفسخ للعيب. ويحتمل
وجوب مثله أو قيمته صحيحا، ولو أخذت الأرش جاز. وفي تلف
الصداق المعين قبل القبض ولا يعلم قدره. وفي الصداق الفاسد،
وله أسباب:
الأول: الجهالة، كعبد مبهم أو ثوب.
الثاني: عدم قبوله الملك، كالحر والخمر والخنزير.
الثالث: أن يكون مغصوبا مع العلم بالغصب، ولو جهلا فمثله
أو قيمته. ويحتمل مهر المثل أيضا.

(1) انظر هذه المواضع: السيوطي / الأشباه والنظائر: 395 - 396.
(2) انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 162.
(3) في (ح) و (أ): تخالفا.
386

الرابع: أن يشترط شروطا غير مشروعة، فان ذلك يؤثر في فسخ
الصداق والرجوع إلى مهر المثل.
الخامس: أن يتضمن ثبوته نفيه، كما إذا (1) أولد أمة في غير
ملكه بنكاح أو شبهة ولدا، ثم اشتراها، ثم تزوج ابنه منها امرأة
وأصدقها أمه، فيفسد المهر، لأنه يتضمن دخول أمه في ملكه،
فتعتق عليه (2)، فلا تكون صداقا.
السادس: العقد على المولية بدون مهر المثل.
السابع: أن يعقد لابنه الصغير بزيادة على مهر المثل. إلا أن نقول
بضمان الأب الزائد. ويشكل أيضا: بأنه يدخل في ملك الابن فليس
للأب التبرع به.
الثامن: مخالفة الامر، فيزيد عما أذن له الزوج أو ينقص عما
أذنت له الزوجة. ويحتمل في الأول ثبوت الخيار للزوج في الفسخ،
لا بمعنى خيار من عقد له الفضولي.
وتظهر الفائدة: لو سكت، فإنه يبطل خياره ويلزم العقد، بخلاف
عقد الفضولي فإنه يشترط في اللزوم تلفظه بالإجازة.
التاسع: أن يأذن الولي للسفيه، فيزيد على مهر المثل ويدخل بها،
فإنه يجب مهر المثل، سواء قلنا بصحة النكاح أو فساده.
العاشر: مخالفة الشرط في الصداق، كالعقد على ثوب على أنه
يساوي مائة فظهر يساوي خمسين. ويحتمل الرجوع إلى ما ظن.
الحادي عشر: شرط الخيار في الصداق، فيتخير الفسخ فيه.
وهذا يمكن أن لا يعد صداقا فاسدا.

(1) في (أ): لو.
(2) زيادة من (ح).
387

الثاني عشر: لو عقد الذميان على فاسد، وترافعا بعد الاسلام
وقبل التقابض، فإنه قيل (1): بوجوب القيمة عندهم. ويحتمل
مهر المثل (2). وكذا لو ترافعا ذميين قبل القبض.
الثالث عشر: لو قال: زوجتك أمتي على أن تزوجني ابنتك،
وتكون رقبة الأمة صداقا للبنت، فإنه يصح العقدان، إذ لا تشريك
فيما يرد عليه العقد، ويثبت مهر المثل.
الرابع عشر: لو زوج عبده بامرأة وجعل رقبته صداقا لها، وقلنا
بصحة النكاح، فإنه يفسد المسمى، ويجب مهر المثل أيضا (3).
ويثبت أيضا مهر المثل بوطئ الشبهة، كما تقدم ذكر أنواعه (4).
ومنها: وطئ المرتهن بظن الإباحة، وبوطئ الاكراه. وقيل (5):
وبوطئ الأمة البغي، وبوطئ الأمة المشتراة فاسدا.
ويثبت فيما إذا أرضعت الكبيرة ضرتها الصغيرة، فان النكاح ينفسخ،
وتغرم الكبيرة للزوج ما غرمه للصغيرة من المهر كله أو نصفه، ولو
لم يكن سمى شيئا فمهر المثل، فيرجع بمهر المثل على المرضعة ويحتمل
ضمان المرضعة لها مهر المثل ابتداء.

(1) انظر: الشيخ الطوسي / الخلاف: 2 / 77، والغزالي /
الوجيز: 2 / 17.
(2) وهو قول للشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر:
395.
(3) زيادة من (ح).
(4) راجع ص 377.
(5) قول للشافعية. انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 62،
والسيوطي / الأشباه والنظائر: 395.
388

وكذا لو شهدا عليه بطلاق زوجته، ثم رجعا قبل الدخول، احتمل
ضمانهما مهر المثل، بل وبعد الدخول. وكذا لو شهدا برضاع محرم
ثم رجعا. وكذا بغيره من الأسباب المحرمة، ويرجعان.
وهنا صور مشكلة:
الأولى: إذا تداعى زوجيتها اثنان، فصدقت أحدهما، فللآخر
إحلافها، فلو نكلت وحلف قيل (1): يغرمها مهر المثل.
الثانية: لو ادعى عليها بعد تزويجها بغيره أنه راجع في العدة،
فأقرت، لم يقبل منها، وغرمت على احتمال (2).
الثالثة: لو ادعت تسمية قدر، وقال الزوج: لا أعلم، وكان
قد زوجه وكيله، أو قال: أنسيت، حلف على نفي العلم، ويثبت
مهر المثل. ويحتمل ما ادعته، إذ لا معارض لها. وكذا لو ادعت
على الوارث وأجاب بنفي العلم.
الرابعة: لو تنازعا في قدره، قيل (3): يقدم قول الزوج،
وهو المشهور. وقيل (4): يتحالفان، فمهر المثل. ولو كان دعواهما
أزيد من مهر المثل أمكن تقديم قوله. ويحتمل ثبوت مهر المثل.
وكذا لو نقصت (5) دعواهما عنه احتمل تقديم قولها، واحتمل
مهر المثل.

(1) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 39 - 40، والسيوطي /
الأشباه والنظائر: 396.
(2) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 396.
(3) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 4 / 300.
(4) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 61.
(5) في (ك): نقضت.
389

وهذه الاقسام ذكرها بعض الأصحاب (1)، والأصح فيها تقديم
قول الزوج.
فائدة
الذي بيده عقدة النكاح عندنا (2) هو الأب والجد، ويكون
أيضا السيد في مهر أمته، وليس والزوج، لان العفو حقيقة في
الاسقاط لا التزام ما سقط بالطلاق، إذ لا يسمى ذلك عفوا. ولان إقامة
الظاهر مقام المضمر مع الاستغناء بالمضمر خلاف الأصل، ولو أريد
الزوج لقيل: أو يعفو عما استحق لكم. ولان المفهوم من قولنا:
بيده كذا، تصرفه، والزوج لا يتصرف في عقد النكاح أنما كان تصرفه
في الوطئ، وإنما يتصرف في العقد الآن الولي.
فان قلت: الزوج كان بيده عقدة النكاح حال العقد.
قلت: هذا (3) معارض بالولي فإنه كان له ذلك، فتهاترا، وبقيت
ولاية الولي الآن وثبوت يده خالية عن المعارض.
ولان المستند إليهن العفو أولا الرشيدات، فيجب ذكر غير الرشيدات،
ليستوفي القسمة. ولان قوله تعالى: (إلا أن يعفون) (4) استثناء
من الاثبات فيكون نفيا، وحمله على الولي يقتضي ذلك، ففيه طرد

(1) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 4 / 300.
(2) وذهب إليه أيضا مالك بن أنس، خلافا لأبي حنيفة والشافعي
وابن حنبل. انظر: القرافي / الفروق: 3 / 138.
(3) زيادة من (ح) و (أ).
(4) البقرة: 237.
390

لقاعدة الاستثناء، ولو حمل على الزوج لكان إثباتا، فيستثنى من
الاثبات إثبات، وهو خلاف القاعدة. ولان قضية العطف التشريك،
وعلى ما قلناه يشترك المعطوف والمعطوف عليه في النفي، ولو أريد
الزوج لكان إثباتا، فلا يقع الاشتراك (1).
فان قلت: يعارض بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله
في ذلك بالتصريح (2) (3). وبأن قضية الأصل عدم تسلط الانسان
على مال غيره (4). قلت: الرواية لا تنهض حجة، لعدم كونها من الصحاح، مع
إمكان الحمل: على أن للزوج أن يفعل ذلك، لا أنه يكون تفسيرا
للآية. والمال هنا وإن دخل على الزوجة بفواته نقص إلا أنه معرض
لترغيب الزوج أو غيره في تزويجها، فيجبر ذلك النقص ويزيد
عليه (5).
الثامنة
لا يمكن (6) عراء وطئ مباح عن مهر إلا: في تزويج عبده بأمته،

(1) انظر هذه الأدلة في / الفروق، للقرافي: 3 / 139.
(2) في (أ) و (م): بالصريح.
(3) روى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ولي عقدة النكاح هو الزوج) سنن
الدارقطني: 3 / 279، باب المهر، حديث: 128.
(4) احتج بهذين الدليلين القائلون بأن الذي بيده عقدة النكاح هو
الزوج. انظر: القرافي / الفروق: 3 / 138.
(5) انظر هذا الجواب في / الفروق: 3 / 138.
(6) في (ح) و (م) زيادة: هنا.
391

فلو أعتقها فوجهان إن كان قبل الدخول، وإن كان بعده فقد وجب
المهر بالعتق.
قيل (1): وفيما إذا فوضت بضعها وهما حربيان ويعتقدان ذلك
نكاحا، ثم أسلما بعد المسيس أو قبله، لأنه قد سبق استحقاق وطئ
بلا مهر.
ولو تزوجت السفيه بغير إذن وليه جاهلة ودخل بها فإنه قيل (2):
لا مهر لها. والأصح الوجوب. نعم لو كانت عالمة سقط على الأقرب.
وحينئذ يتصور أن يكون مباحا بالنسبة إليه إذا كان جاهلا.
ويطرد هذا في كل موضع تكون الشبهة من جانب الواطئ مع
علمها: ويحتمل في السفيه وجوب مهر مثلها، لاستناده إلى العقد،
ويؤخذ منه إما في الحال، أو بعد فك الحجر، لأنه كالجناية. ويحتمل وجوب أقل متمول (3).
تنبيه (4):
هل يسقط المهر بعد وجوبه في تزويج رقيقي مالك، أو لم يمسه
الوجوب؟ الأقرب الثاني، لامتناع أن يستحق على ماله مالا. ولو

(1) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 297.
(2) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 4 / 293، والسيوطي /
الأشباه والنظائر: 297.
(3) ذكر السيوطي عشرة مواضع تخلو عن مهر، ذكر أكثرها
المصنف. انظر: الأشباه والنظائر: 297.
(4) في (أ): نكتة.
392

صرح السيد بتفويض بضع أمته صح العقد. فلو أعتق قبل الدخول
ثم دخل بها، فعلى الأقرب لا شئ عليه، وعلى الآخر يجب، إذ
يجب مهر المثل بالوطئ في المفوضة لا بالعقد، وهو حينئذ حر.
ويحتمل أن لا شئ، لان التصريح بالتفويض كلا تصريح، إذ تزويج
الأمة هنا لا يكون إلا خاليا عن مهر. وإذا (1) قلنا أن العقد إباحة (2).
سقط هذا البحث.
فرع:
لو زوج رقيقه ثم باع الأمة قبل المسيس، فأجاز المشتري العقد،
ففي وجوب مهر المثل هنا نظر، من استناده إلى العقد الذي لم يوجب
مهرا، وقد استحق الوطئ بلا مهر، والأصل بقاء ما كان، ومن
أن الإجازة كالعقد المستأنف. ويمكن بناؤه على أن الإجازة كاشفة أو
جزء من السبب، فعلى الأول لا يجب شئ، وعلى الثاني يجب.
التاسعة
لا يجب بالوطئ الواحد إلا مهر واحد. وربما فرض أزيد في
صور:
الأولى: لو وطئ أمة بشبهة، وفي أثناء الوطئ باعها المولى،
فكان تمام الوطئ في ملك المشتري الثاني، فيحتمل وجوب مهر واحد
يقسم بينهما أو يختص به الأول. ويحتمل وجوب مهرين، لان الوطئ

(1) في (ح): وإن.
(2) بمعنى أن التزويج في رقيقي مالك ليس على حقيقة التزويج
بل هو إباحة صرفة. (عن بعض الحواشي).
393

صادف الملكين، ولو انفرد ذلك القدر لأوجب مهرا كاملا. أما لو
وطئ في ملك أحدهما فنزع في ملك الآخر فالظاهر أنه لا شئ للثاني،
لأنه لا يسمى وطئا. وعلى هذا يتصور تعدد المهور (1) بتعدد الملاك
مع دوام الوطئ.
الثانية: إذا قلنا بضمان منفعة البضع بالفوات، لو وطئ الأب
زوجة ابنه لشبهة فعليه مهر لها، ومهر لابنه، لانفساخ النكاح (2).
الثالثة: إذا تزوج الأب بامرأة وابنه بابنتها، فسيقت امرأة كل
منهما إلى الآخر خطأ ووطئها، انفسخ النكاحان، وعلى البادئ منهما
مهر الموطوءة بالشبهة ونصف مهر لزوجته، لانفساخ عقدها قبل
المسيس بسبب من جهته، وعلى الآخر مهر للموطوءة. وهل يجب
عليه شئ لزوجته التي سبق وطؤها من غير زوجها؟ يحتمل وجوب
نصفه، لان الفرقة ليست من جهتها في الجملة. فحينئذ يرجع به
على البادئ، فيغرم البادئ على هذا بوطئ واحد مهرا ونصفي مهر.
الرابعة: لو تزوج امرأتين في عقدين ووطئ إحداهما، ثم ظهر
أن إحداهما أم الأخرى، وكان الوطئ للمتأخرة في العقد، فإنه يجب
لها مهر الشبهة، ويجب (3) للمتقدمة نصف المسمى، لان الفسخ
بسببه. ولو سبق وطئ السابقة في العقد فلا أشكال، لبطلان عقد
الأخرى.
الخامسة: لو وطئ الصغيرة أو اليائسة في حال الزوجية، وطلق
حال الوطئ ولم يعقب بالنزع، وجب بوطئ واحد لامرأة واحدة

(1) في (ح) و (م): المهر.
(2) انظر هذه المسألة في / الأشباه والنظائر للسيوطي: 397.
(3) في (ح): ويثبت.
394

مهران: الأول المسمى، والثاني مهر المثل. ولو قدر أنه عقد عقدا
جديدا وجب مسميان. وهكذا.
وقد ينازع في تسمية هذا الوطئ واحدا، وفي صحة الطلاق على
هذه الحالة.
العاشرة
لا يسمع من المرأة دعوى عنة الزوج في صور:
الأولى: أن يكون صغيرا: إذ لا حكم لكلامه، ولا قطع ببقاء
عنته بعد بلوغه.
الثانية: أن لا يكون مجنونا، لمثل ما قلناه. ولأنه قد يدعي بعد
الإفاقة الإصابة.
الثالثة: الأمة لو تزوج بها حر، لأنها لو سمعت لبطل النكاح،
إذ من شرط صحته خوف العنت على قول (1).
الحادية عشرة
الام أولى بالحضانة مدة الرضاع في الذكر والأنثى. وقيل (2):
سبع سنين في الأنثى (3). وقد يترجح غير الام عليها في

(1) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 4 / 214، والشيرازي /
المهذب: 2 / 45، والغزالي / الوجيز: 2 / 8، وابن قدامة /
المغني: 6 / 596 - 597.
(2) زيادة من (ح).
(3) انظر: الشيخ الطوسي / النهاية: 504، والعلامة الحلي /
تحرير الأحكام: 2 / 43، ومختلف الشيعة: 5 / 26، وابن قدامة
المغني: 7 / 616.
395

صور (1):
الأولى: أن تكون ناقصة بكفر، ولو ردة، أو وقية ولو؟؟؟؟؟
بسببها أو إقرارها، وكذا لو كانت مبعضة، فالأب أولى.
الثانية: أن تكون غير مأمونة مع كون الأب مأمونا.
الثالثة: إذا تزوجت.
الرابعة: لو امتنعت الام من الحضانة صار الأب أولى، ولو امتنعا معا، فالظاهر إجبار الأب.
الخامسة: لو سافر الأب قيل (2): له استصحاب الولد، وتسقط
حضانة الام.
فرع (3): لو كان بها جذام، أو برص، وحيف العدوي أمكن كون الأب
أولى (4)، لقوله صلى الله عليه وآله: (فر من المجذوم فرارك من

(1) انظر هذه الصور وغيرها في / الأشباه والنظائر، للسيوطي:
511.
(2) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 172، والغزالي / الوجيز:
2 / 71.
(3) في (ح): فائدة.
(4) وهو ما أفتى به جماعة من الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر
: 511.
396

الأسد) (1) وقوله صلى الله عليه وآله: (لا يورد ممرض على مصح) (2).
ويحتمل بقاء حضانتها، لقوله صلى الله عليه وآله: (لا عدوى
ولا طيرة) (3).
ووجه الجمع بين الاخبار: الحمل على أن ذلك لا يحصل بالطبع،
كاعتقاد المعطلة والجاهلية، وإن جاز أن الله تعالى يخلق ذلك المرض
عند المخالطة.
الثانية عشرة
أسباب الفرقة في النكاح كثيرة (4): كالطلاق، والخلع، والمباراة،
والفسخ لعيب أو تجدد إسلام أو كفر، أو تجدد عتق الأمة، والرضاع
والمصاهرة، والوطئ لشبهة، وسبي الزوجين أو الزوج الصغير، واسترقاق
الزوج الكبير، والاسلام على أكثر من أربع، أو على الأختين،
وملك أحد الزوجين صاحبة، واللعان، وجهل سبق أحد العقدين في

(1) انظر: مسند أحمد: 2 / 443. (عن أبي هريرة).
(2) انظر: صحيح مسلم: 4 / 1743: باب 33 من كتاب
السلام، حديث: 104، 105.
(3) انظر: صحيح البخاري: 4 / 12، باب المجذوم من
كتاب الطب، و ج 4 / 19، باب الطيرة من كتاب الطب، وصحيح
مسلم: 4 / 1744، باب 33 من كتاب السلام، حديث: 107،
111 - 113.
(4) ذكر السيوطي أكثر ما ذكر هنا من الأسباب. انظر: الأشباه والنظائر
: 315.
397

وجه (1) - ويحتمل القرعة - وتوثن النصرانية تحت مسلم أو تهودها،
أو تنصر الوثنية أو تهودها، والتدليس، وفقد الزوج بعد البحث
عنه (2)، وإعساره بالنفقة في قول (3)، والموت، والافضاء على
قول (4). وكثير من هذه يستبد بها الزوجان. وفي اللعان يحتاج إلى الحضور
عند الحاكم أو المتحكم.
والظهار والايلاء (5) ليسا فرقة، وإنما يؤديان إلى الطلاق بعد
مرافعة الحاكم. وكذا في الاعسار بالنفقة يحتاج إلى الحاكم.
تنبيه:
لا تلاقي بين الزوجين بعد بعض هذه الأسباب، كاللعان، والرضاع،
ووطئ الشبهة (6)، وطلاق العدة إذا نكحها رجلان، والافضاء،

(1) انظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 39، والغزالي / الوجيز:
2 / 6، وابن قدامة / المغني: 6 / 511 - 512.
(2) زيادة من (أ) و (ح).
(3) انظر: القرافي / الفروق: 3 / 145، وابن قدامة / المغني:
7 / 533، والغزالي / الوجيز: 2 / 69، والشيرازي / المهذب:
2 / 163.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / النهاية: 481، وابن حمزة / الوسيلة:
55، والعلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 14.
(5) ذكر السيوطي أن الايلاء فرقة. انظر: الأشباه والنظائر: 315.
(6) في (ح) زيادة: بالمحصنة.
398

وقد يتوقف على تزويج بغيره، كفي التحليل.
الثالثة عشرة
ينقسم الطلاق إلى ما عدا المباح من الخمسة (1):
فالواجب: طلاق المولي، والمظاهر، وإن كان الوجوب تخييريا.
ومنه: طلاق الحكمين باذن الزوجين إذا تعذر الصلح.
والمحرم: الطلاق البدعي.
والمستحب: طلاق من خاف إن لا يقيما حدود الله، أو مع الريبة
الظاهرة.
والمكروه: ما سوى ذلك.
ولا مباح فيه، لقول النبي صلى الله عليه وآله: (أبغض الحلال
إلى الله الطلاق) (2).
فرع: لو قسم بين الزوجات، فلما جاءت نوبة طلق صاحبتها، قيل (3):
بالتحريم، لان فيه اسقاط حقها.

(1) انظر هذه الاقسام في / الأشباه والنظائر، للسيوطي: 447
(نقلا عن النووي).
(2) انظر: سنن أبي داود: 1 / 503، باب في كراهية الطلاق،
والمتقي الهندي / كنز العمال: 5 / 159، حديث: 3253.
(3) انظر: ابن قدامة / المغني: 7 / 37، والسيوطي / الأشباه والنظائر
: 447 (نقلا عن النووي).
399

الرابعة عشرة
ينقسم الطلاق إلى: بائن، ورجعي. والبائن ستة، والرجعي
ما عداه.
وضبطه بعضهم (1)، فقال: كل من طلق طلاقا مستعقبا للعدة،
ولم يكن بعوض، ولم يستوف عدد الطلاق، تثبت له الرجعة.
وهو يتم على وجوب العدة على الصغيرة واليائسة، وعلى عدمه،
لأنا إن قلنا بوجوبها، فهو رجعي، وإلا فهو بائن، فلا يكون
مستعقبا للعدة.
وأورد عليه: من طلق مخالعة، ثم تزوجها في العدة، ثم طلق
قبل المسيس، فإنها تعود إلى العدة الأولى، أو تستأنف، مع أنه غير
رجعي. وكذا لو وطئها بشبهة، فاعتدت، ثم تزوجها في العدة،
وفعل ما قلناه.
وأجيب: بأن الطلاق في الموضعين لم يستعقب عدة بل ترجع إلى
عدتها الأولى
وهذا يتم إن لم نقل بالاستئناف، وإن قلنا به - مع بعده -
فيجاب: بأن استعقابه العدة ليس بسبب الطلاق بل هو (2) مسبب
عن الوطئ السابق على هذا العقد.
وأورد أيضا: من طلق الزوجة رجعية. ثم عاشرها في العدة
معاشرة الأزواج، فإنه لا تنقضي عدتها عند كثير من العامة (3)،

(1) قيل هو الغزالي في الوسيط، كما في بعض حواشي الكتاب.
(2) زيادة من (أ).
(3) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 505 (نقلا عن
البلقيني).
400

ومع ذلك لا رجعة له، ولو طلقها لحقها الطلاق.
وهذا الحكم ضعيف، لأنه إن حصل منه في هذه المدة لمس أو
تقبيل أو وطئ فهو رجعة، وإلا فلا عبرة بالمعاشرة.
وأورد على عكسه: إذا تزوج امرأة وطلقها بعد المسيس، فأتت
بولد لأقل من ستة أشهر من حين العقد، لم تنقض عدتها به، وله
رجعتها بعد وضع الحمل. وهو واه، لان الرجعة هنا ليست بعد العدة في طلاق رجعي،
إذ وضع الحمل لا تنقضي به العدة هنا، لعدم تكونه منه. فالرجعة
واقعة في العدة. وأورد أيضا: إذا وطئ امرأة بشبهة، فحملت، ثم تزوجها
وأصابها، ثم طلقها، فوضعت حمل الشبهة، فان عدة الشبهة قد انقضت
وله الرجعة. كذا لو وطئ أمته بالملك فحملت، ثم أعتقها وتزوجها
ثم وطئها، فطلقها، فوضعت حمل ملك اليمين ممن له العدة وله
الرجعة بعد (1) الوضع في الموضعين.
وأجيب: بمنع الرجعة هنا، كيف، وهما داخلتان تحت قوله
تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (2)؟

(1) في (ك): عند.
(2) الطلاق: 4.
401

وهذه قواعد تتعلق
بالقضاء
403

قاعدة [147]
في ضبط ما يحتاج إلى الحاكم: كل قضية يقع (1) النزاع فيها
بين اثنين فصاعدا في إثبات شئ لأحدهم أو نفيه، أو كيفيته. وكل
أمر مجمع على ثبوته وتعين الحق فيه، ولا يؤدي النزاعه إلى فتنة،
يجوز انتزاعه من دون الحاكم. ولو لم يتعين جاز في صورة المقاصة.
ومن المرفوع إلى الحاكم: كل أمر فيه اختلاف بين العلماء،
كثبوت الشفعة مع الكثرة. أو احتيج فيه إلى التقويم، كالأرش،
وتقدير النفقات. أو إلى ضرب المدة، كالايلاء والظهار. أو إلى
الالقاء، كاللعان والقصاص، نفسا أو طرفا، والحدود والتعزيرات
مطلقا - وقد يقيد القصاص بخوف فتنة أو فساد - وحفظ مال الغياب،
كالودائع واللقطات.
فائدة
يجوز عزل الحاكم في مواضع (2):
الأول: إذا ارتاب به الامام فإنه يعزله، لحصول خشية المفسدة
مع بقائه.
الثاني: إذا وجد من هو أكمل منه، تقديما للأصلح على المصلحة (3).
قال النبي صلى الله عليه وآله: (من ولي من أمور المسلمين شيئا ثم

(1) في (ح) و (م): وقع
(2) انظر هذه المواضع في قواعد الأحكام لابن عبد السلام:
1 / 80 - 81.
(3) ذكر هذين الموضعين القرافي في / الفروق: 4 / 39.
405

لم يجتهد لهم وينصح لم يدخل الجنة معهم) (1).
الثالث: مع كراهية الرعية له وانقيادهم إلى غيره، وإن لم يكن
أكمل إذا كان أهلا، لان نصبه لمصلحتهم، فكلما كان الصلاح أتم
كان أولى.
ولا يجوز عزله لتولية الأنقص، لمنافاته للمصلحة. وفي جوازه
بالمساوي وجهان: نعم، كما يتخير بينهما ابتداء، ولا، وهو
الأقرب، لما فيه من إدخال الغضاضة عليه بغير سبب. ولا يعارض:
بأن فيه نفعا للمولى، لان دفع الضرر أقدم من جلب النفع، وحفظ
الموجود أولى من تحصيل المفقود. وأولى بالمنع جواز عزله اقتراحا مع
قطع النظر عن البدل، لان ولايته ثبتت شرعا فلا تزول تشهيا.
قاعدة [148]
يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية أحاد التصرفات الحكمية على
الأصح (2)، كدفع ضرورة اليتيم، لعموم: (وتعاونوا على البر

(1) رواه مسلم بلفظ: (ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد
لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة). صحيح مسلم: 1 / 126،
باب 65 من أبواب الايمان، حديث: 229. وقد رواه ابن عبد السلام
بنحو ما ذكره المصنف باختلاف بسيط، فقد جاء في قواعد الأحكام:
1 / 81: (من ولي من أمر المسلمين شيئا ثم لم يجهد لهم وينصح لم
يدخل الجنة معهم).
(2) انظر في هذا / ابن عبد السلام / قواعد الأحكام:
1 / 82.
406

والتقوى) (1). وقوله عليه السلام: (والله في عون العبد ما كان (2)
العبد في عون أخيه) (3)، وقوله صلى اله عليه وآله: (كل معروف
صدقة) (4).
وهل يجوز قبض الزكوات والأخماس من الممتنع وصرفها (5) في
أربابها، وكذا بقية وظائف الحكام غير ما يتعلق بالدعاوي؟ فيه
وجهان. ووجه الجواز ما ذكرناه. ولأنه لو منع ذلك لفاتت مصالح
صرف تلك الأموال، وهي مطلوبة لله سبحانه.
قال بعض متأخري العامة (6): لا شك أن القيام بهذه المصالح
أتم (7) من ترك هذه الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها،
ويصرفونها إلى غير مستحقها، فان توقع إمام يصرف ذلك في وجهه
حفظ المتمكن تلك الأموال إلى حين تمكنه من صرفها إليه، وإن يئس
من ذلك - كما في هذا الزمان - تعين صرفه على الفور في مصارفه،

(1) المائدة: 2.
(2) في (م) و (أ): ما دام، وما أثبتناه مطابق لما في سنن
ابن ماجة.
(3) انظر: سنن ابن ماجة: 1 / 82، باب 17 من أبواب
المقدمة، حديث: 225.
(4) انظر: صحيح مسلم: 2 / 697، باب 16 من أبواب
الزكاة، حديث: 52، والحر العاملي / وسائل الشيعة: 6 / 321،
باب 4 من أبواب الصداقة، حديث: 1 - 2.
(5) في (أ) و (م) و (ك): وتفرقها.
(6) هو عز الدين بن عبد السلام في / قواعد الأحكام: 1 / 82.
(7) في (أ): أهم، وما أثبتناه مطابق لما في قواعد الأحكام.
407

لما في إبقائه من التغرير، وحرمان مستحقه من تعجيل أخذه مع
مسيس حاجتهم إليه.
ولو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتى يصل إليهم، ومع
اليأس يتصدق بها عنهم ويضمن. وعند العامة (1) تصرف في
المصالح العامة.
قاعدة [149]
في تحقيق المدعي والمنكر
وفيه (2) عبارات ملخصها يرجع إلى أن المدعي: من يدعي خلاف
الظاهر، أو الذي يخلى وسكوته (3). والمنكر: بإزائه.
وقد يتفق في صور كثيرة اجتماع الدعوى والانكار في كل من
المتداعيين. وتتفق العبارتان في كثير من الصور، كمن ادعى على زيد
دينا أو عينا. وقد يختلفان (4) في صور:
منها: قول الزوج: أسلمنا معا قبل المسيس، وقالت المرأة:
على التعاقب، فلا نكاح بيننا، فعلى الظاهر الزوج هو المدعي، لأنه
يخالفه (5)، وإلا فهي المدعية، لأنها لو سكتت تركت واستمر
النكاح، بخلاف الزوج فإنه لو سكت لم يترك، لأنه يحاول بسكوته

(1) انظر: المصدر السابق: 1 / 82 - 83.
(2) في (ك) و (أ) و (م): فيها.
(3) انظر: الغزالي / الوجيز: 2 / 157.
(4) في (ح): يتخالفان.
(5) أي يخالف قوله الظاهر.
408

استيفاء النكاح، والنزاع واقع في الانفساخ.
ولو قال الزوج هنا: أسلمت قبلي، فلا نكاح ولا مهر، وقالت:
أسلمنا معا، أخذ الزوج بقوله في الفرقة. وأما المهر، فان فسرنا
بالظاهر فهي المدعية، فيحلف الزوج، وإلا فهو المدعي، فتحلف هي.
واعترض: بتصديق الودعي في الرد والتلف، مع أنه مخالف
للظاهر.
وأجيب (1): بأن هنا أصلا وهو بقاء الأمانة، فان المودع
ائتمنه ثم ادعى عليه الخيانة، فيصير الودعي منكرا، فيقدم قوله.
ورتب الإصطخري (*) من العامة على الظهور والخفاء: عدم
سماع دعوى رجل من السفلة على عظيم القدر ما يبعد وقوعه، كما
إذا ادعى الخسيس أنه أقرض ملكا مالا، أو نكح ابنته، أو استأجره
لسياسة دوابه.
ورده الأكثر: بأن فيه تشويش القواعد، فلا تعويل عليه. وقد
مر مثله (2).

(1) انظر: الغزالي / الوجيز: 2 / 157.
* هو أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري كان من
شيوخ فقهاء الشافعية. له مصنفات في الفقه منها: كتاب الأقضية.
كان قاضي قم، وتولى حسبة بغداد. توفي سنة 328 ه‍. (القمي /
الكنى والألقاب: 2 / 31).
(2) راجع قاعدة (146).
409

قاعدة [150]
في تقسيم الدعوى
وهي تنقسم إلى: الصحيحة، والفاسدة، والكاذبة، والمجملة،
والزائدة، والناقصة (1).
والصحيحة: إما دعوى استحقاق عين أو منفعة، أو شئ في
الذمة، وإما دعوى معارضة بما يضر بالمدعي ويبطل دعواه. ويدخل
في دعوى الاستحقاق دعوى القصاص، والحد، والنكاح، والرد
بالعيب.
والفاسدة: قد يعود الفساد إلى المدعي، كما إذا ادعى الكافر
ابتداء نكاح مسلمة، أو المسلم نكاح وثنية. وقد يعود الفساد إلى
المدعى به، كدعوى الخمر والميتة وما لا يتمول. والأقرب قبول دعوى
الكافر الخمر المحرمة. وقد يعود الفساد إلى سبب الدعوى، كدعوى
الكافر شراء عبد مسلم أو مصحف.
وأما الكاذبة: فكدعوى معاملة ميت أو جنايته بعد موته، أو
ادعى وهو بمكة أنه تزوج فلانة أمس بالكوفة.
وأما الدعوى المجملة: فكقوله: لي عليه شئ، وإن سمعنا الاقرار
بالمجمل، لان المدعي مقصر في حق نفسه، والمقر مقصر في حق
غيره، فيطالب بالبيان. وقد تسمع الدعوى المجهولة: في الوصية،
والاقرار له، وفرض المهر في المفوضة، وثواب الهبة المطلقة، لان

(1) قسم الدعوى إلى هذه الأقسام الستة الماوردي في الحاوي.
انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 527.
410

ذلك يمكن تقديره، والمطلوب تقديره (1).
وأما الزائدة: فقد تكون الزيادة مفسدة، كقوله: لي عليه
مائة درهم من ثمن خمر. وقد تكون لاغية، كقوله. اشتريت منه
على أن له أن يقيلني إذا استقلته. وقد تكون مؤكدة، كقوله: لي
عليه مائة درهم من ثمن مبيع صفته كذا وكذا. وقد تسمى التي
قبلها أيضا مؤكدة، وتكون اللاغية مثل قوله: اشتريت منه في الدكان
الفلاني، أو وعليه ثوب أبيض.
وأما الناقصة: فاما في الصفة، كقوله: لي عنده دابة، ولم
يصفها، فيسأله الحاكم عن الصفة. ولو قال: لي عليه ألف درهم،
لم يحمل على غالب نقد البلد، كالبيع، لان أسباب المعاملات لا تنحصر
في ذلك البلد. وإما ناقصة في الشرط، فكدعوى عقد النكاح من
غير أن يذكر بلوغ الناكح ورشده أو صدوره عن وليه، فيستفصله الحاكم. ويكفي في دعوى المهر أو استحقاق إجراء الماء على سطح
الغير أو في ساحته تحديد ما منه وما فيه (2). ويحتمل تقديره بالذراع
أو الحد المعين. والشهادة به تابعة، وبل أولى، لان الشهادة أعلى
شأنا من الدعوى.
قاعدة [151]
كلما كان المدعى به حقا فلا ريب في سماعه. وإن كان ينفع في

(1) انظر هذه الموارد وغيرها في سماع الدعوى المجهولة:
السيوطي / الأشباه والنظائر: 532.
(2) وهو رأي للشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر:
527 - 528.
411

الحق ففيه صور:
الأولى: دعوى فسق الشهود أو كذبهم وعلم المدعي بذلك،
والأقرب الحلف، فان نكل حلف الخصم وبطلت الشهادة. أما دعوى
فسق الحاكم فأبعد، لأنه يثير فسادا.
الثانية: دعوى الاقرار بالمدعى به، والحلف قوي.
الثالثة: دعوى إحلاف المدعي قبل هذه الدعوى، فان قلنا به
وقال المدعي: قد أحلفني إني لم أحلفه، لم تسمع، لأدائه إلى عدم
التناهي، وتضيع مجالس الحكام.
الرابعة: دعوى القاذف زنا المقذوف (1).
الخامسة: قيل: لو قال للقاضي: حكمت لي، فأنكر، لم تسمع
الدعوى. ولو توقف، انتظر ريثما (2) يتذكر، وليس له أن يأمره
بالحكم. فلو قال للخصم: إحلف على أنك لا تعلم أنه حكم لي،
ففي السماع وجهان. ولا ريب في عدم سماع الدعوى على القاضي والشاهد
بالكذب، لاباء منصبهما عن ذلك، وأدائه إلى الفساد.
قاعدة [152]
لا يحكم بالنكول على الأقوى إلا في عشرة مواضع (3):
الأول: دعوى المالك إبدال النصاب أو الاخراج (أو عدم) (4)
الحول، الأصح أنه مسموع بغير يمين. ولو قلنا باليمين، فنكل

(1) في (أ): المقذوفة.
(2) في (م) و (أ): ربما.
(3) ذكر المصنف هنا أحد عشر موضعا.
(4) في (ح): أو على عدم.
412

أخذ منه الحق، فهو إما قضاء بالنكول، وإما قضاء عند النكول، لان
قضية ملك النصاب أداء الزكاة، فإذا لم يأت بحجة أخذت منه (1).
وقال بعضهم: إذا كان المستحقون محصورين، وقلنا بتحريم
النقل، حلفوا وأخذت منه. وهو بعيد.
وقيل (2): عند نكوله يحبس حتى يقر أو يحلف.
وقيل: بل يخلى.
وقيل: إن كان بصورة المدعي كقوله: أخرجت، أو بادلت،
أخذت منه عند النكول، وإن كان بصورة المنكر كقوله: لم يحل
الحول، أو ما في يدي لمكاتبي، ترك.
الثاني: إذا وجد القاضي في تذكرة ميت لا وارث له: لي على
فلان كذا، فادعى به، فأنكر ونكل عن اليمين، ففيه: الحكم،
والحبس، والاعراض. وربما ضعف الاعراض هنا، لان اليمين هنا
واجبة قطعا.
ورجح بعضهم (3): للقضاء بالنكول، أو عنده في الأولى (4)
دون هذه، لان هناك وجوبا محققا ولم يظهر مسقط.
ومثل هذا: لو ادعى الوصي أن الميت أوصى للفقراء، فأنكر

(1) نقل الشيخ الطوسي هذا الرأي عن بعض الفقهاء. انظر:
المبسوط: 8 / 212 - 213.
(2) وجه للشافعية. وانظر: الغزالي / الوجيز: 2 / 160،
والسيوطي / الأشباه والنظائر: 533.
(3) بعض الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 533.
(4) أي في دعوى المالك إبدال نصاب الزكاة أو الاخراج أو عدم
الحول.
413

الوارث ونكل (1).
الثالث: الذمي إذا ادعى الاسلام قبل الحول واتهمه العامل، أو
قال: أسلمت بعد الحول، على القول بأن الجزية لا تسقط هنا، فإنه
يحلف، فلو نكل، فالأوجه (2).
الرابع: إذا ادعى الأسير استعجال الشعر بالدواء، وقلنا: الانبات
إمارة على البلوغ لا عينه، قيل (3): يحلف، فلو نكل لم يقتل،
بل إما ان يحبس أو يطلق. الحلف هنا مشكل، لعدم ثبوت بلوغه،
وهو الذي ذكره الأصحاب (4). الخامس: لو ادعى ناظر الوقف أو المسجد، ونكل المدعى عليه،
فيه الأوجه (5). وقيل (6): ترد اليمين عليه. وليس بشئ، إذ
لا يحلف لاثبات مال غيره. وقيل (7): إن كان ذلك بسبب باشره (8)

(1) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 8 / 214 (نسبه إلى
قوم من الفقهاء).
(2) أي الأوجه الثلاثة وهي: الحكم بالنكول، أو الحبس إلى
أن يقر أو يحلف، أو الاعراض عنه وتخليته. وقد ذكرها الغزالي
في / الوجيز: 2 / 160.
(3) انظر: الغزالي / الوجيز: 2 / 160، والسيوطي / الأشباه والنظائر
: 533.
(4) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 8 / 213.
(5) أي: الأوجه الثلاثة المتقدمة وهي: الحكم بالنكول، أو
الحبس إلى أن يقر أو يحلف، أو الاعراض عنه وتخليته.
(6) قول لبعض الشافعية. انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 533.
(7) رجحه الرافعي من الشافعية. انظر نفس المصدر السابق.
(8) في (أ) و (م): مباشرته.
414

بنفسه، ردت، وإن كان باتلاف المدعى عليه لم ترد. وهما ضعيفان.
السادس: إذا ادعى ولد المرتزق الاحتلام، وطلب الرزق،
فالأقرب تصديقه من غير يمين، وإلا دار. ولأنه إن كان كاذبا
فكيف يحلف وهو صبي؟؟ وقيل (1): يحلف عند التهمة، فان
نكل لم يثبت في المرتزقة. وهذا الموضع ليس من القضاء بالنكول،
وإنما هو ترك الحكم لعدم قيام حجة.
السابع: إذا نكل الزوج عن يمين الإصابة بعد العنة، ففي حلف
المرأة وجه، لامكان علمها بالقرائن. فإن لم نقل به، قضي بالنكول.
الثامن: لو قتل من لا وراث له، وهناك لوث (2) أو لبس،
أحلف المنكر، فان نكل، فيه ما تقدم.
التاسع: لو ادعت تقدم الطلاق على الوضع، وقال: لا أدري،
لم يقنع منه بذلك بل إما أن يحلف يمينا جازمة، أو ينكل فتحلف
هي، فان نكلت فعليها العدة. وليس قضاء بالنكول عند بعضهم،
بل لان الأصل بقاء النكاح وآثاره فيعمل به حتى يثبت رافع.
العاشر: لو نكل المقذوف عن اليمين على عدم الزنا، قيل:
يقضى عليه بالنكول. وقيل: بل ترد اليمين. وهو وجه إن سمعنا
الدعوى في الأصل، إذ النص: (أن لا يمين في حد) (3).

(1) انظر: الغزالي / الوجيز: 2 / 160.
(2) اللوث: إمارة يظن بها صدق المدعي فيما ادعاه من القتل،
كوجود ذي سلاح ملطخ بالدم عند قتيل في دار. انظر: الطريحي /
مجمع البحرين: 2 / 263، مادة (لوث).
(3) انظر: النوري / مستدرك الوسائل: 3 / 257، باب 30
من أبواب كيفية الحكم، حديث: 6.
415

الحادي عشر: إذا ادعى الولي مالا للمولى عليه، فأنكر المدعى
عليه ونكل عن اليمين، احتمل القضاء بالنكول، [أ] وانتظار أهلية
المدعى له (1).
قاعدة [153]
البينة حجة شرعية. والبحث فيها في مواضع:
الأول: إقامتها على تملك ما في يده للتسجيل، والأقرب جوازه.
الثاني: إقامتها بعد دعوى الخارج لدفع اليمين، يحتمل القبول،
لان اليمين مخوفة وفيها تهمة. وكإقامة الودعي البينة على الرد والتلف،
وإن قبل قوله فيهما. ويحتمل عدمه، لقوله عليه الصلاة والسلام:
(البينة على المدعي واليمين على من أنكر) (2) والتفصيل قاطع
للشركة.
الثالث: إقامتها بعد إقامة الخارج ببنته وقبل تعديلها.
الرابع: إقامتها بعد تعديلها وقبل الحكم.
وهذان مبنيان على تقديم الداخل على الخارج أو بالعكس.
وقيل (3): بتعارض البينتين ويحكم للداخل بيده، فعلى هذا يحلف.
ويحتمل وجوب الحلف وإن قضينا بالبينة، لتأكيدها.
الخامس: إقامتها بعد القضاء للخارج وقبل التسليم، فالظاهر أنها
من باب بينة ذي اليد، لأنها باقية حسا.

(1) انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط: 8 / 212. وقد اختار
هو الاحتمال الثاني.
(2) انظر: البيهقي / السنن الكبرى: 10 / 252.
(3) انظر: الغزالي / الوجيز: 2 / 161.
416

السادس: إقامتها بعد الحكم والتسليم إلى الخارج، فيحتمل السماع،
لان اليد إنما أزيلت لعدم الحجة، وهي قائمة الآن. ويحتمل عدمه،
لان القضاء لا ينقض إلا بقطعي. ولان الأول صار خارجا. هذا
إذا صرحت بينته بالملكية قبل القضاء واعتذر بغيبتها أو غفلته عنها
وشبهه. ولو شهدت مطلقة فهي بينة خارجة، فلو رجحنا بالخروج
احتمل الترجيح بها، لان البينة لا توجب زوال الملك عما قبل الشهادة.
واحتمل التصريح بالخروج، لاحتمال استنادها إلى اليد السابقة (1).
فتحصلنا (2) منها على ثلاثة أوجه: إن صرحت بالتقدم فهي
داخلة، وإن صرحت بالتأخر فهي خارجة، وإن أطلقت وقف
الحكم.
قاعدة [154]
اليمين إما على النفي، وهي وظيفة المنكر المشار إليها في الحديث (3)،
وإما على الاثبات، وهي: في اللعان، إن جعلناه يمينا، والقسامة
من المدعي، ومع الشاهد الواحد في موضعه، واليمين المردودة على
المدعي بالرد أو بالنكول، ويمين الاستظهار، ولها موارد: الميت
والصبي، والمجنون، والغائب مع البينة.
ومن صور الغيبة: ان يدعي المشتري: أن غائبا معينا باعه هذا
وأقبضه الثمن، ثم ظهر به عيب وأنه فسخ البيع، ويقيم البينة على

(1) في (أ): السالفة.
(2) في (ك) و (أ): فتخلصنا.
(3) أي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (.. واليمين على من أنكر).
417

ذلك. ومن منع الحكم على الغائب، ينصب الحاكم له وكيلا ثم يحلفه
بعد قيام البينة.
والمعسر يحلف مع بينته، احتياطا للمال الخفي عن (1) البينة.
والأقرب توقفها على استدعاء الخصم، كغيرها من الايمان.
ولو ادعى العنين الوطئ قبلا، فأقامت بينة على البكارة،
فقال: لم أبالغ فعادت البكارة، حلفت على أنها بالبكارة الأصلية.
أو على عدم الإصابة وفسخت، فان نكلت حلف، وإن نكل قيل:
لها الفسخ، ويكون نكوله كحلفها. ويحتمل عدم الفسخ، لأنه
يضرب (2) نكولها بنكوله، والأصل بقاء العصمة.
ويمين دعوى المواطاة على القبالة.
وقيل: لو ادعى الجاني شلل العضو، وأقام الآخر البينة على
سلامته، حلف معها أيضا إذا كان باطنا، دفعا لاحتمال خفي.
قاعدة [155]
ليس بين شرعية الاحلاف وبين قبول الاقرار تلازم، وإن كان
غالبا:
إذ يقبل إقرار الصبي بالبلوغ ولا يقبل يمينه، لأنه يؤدي إلى
نفيه. ويقبل يمين المستحر (3) في نفي العبودية، ولا يقبل إقراره
بها بعد دعواه الحرية.

(1)
في (م): على.
(2) في (ح): يصون.
(3) في (أ) و (ك): المخبر، وفي (ح): المسخر.
والمستحر: مدعي الحرية، كما في بعض الحواشي.
418

فان قلت: طلب الاحلاف لتوقع الاقرار، فإذا انتفى، انتفى
الاحلاف، لعدم فائدته.
قلت: الغاية في الاحلاف أعم من ذلك، لأنه قد ينكل فيحلف
المدعى على رقيته، فيغرم القيمة إن قلنا اليمين المردودة كالاقرار، وإن
قلنا كالبينة ثبت رقه.
والأصل فيه: أن من فوت مالا أو غيره على آخر ثم رجع،
فإن كان مما لا يستدرك، كالعتق والقتل والطلاق، غرم، وإن كان
مما يستدرك، كالاقرار بالعين والشهادة بالملك، فالأقرب الغرم
أيضا، للحيلولة.
قاعدة [156]
الحلف دائما على القطع
وهو ينقسم إلى: إثبات ونفي، وكلاهما إما من فعله أو فعل غيره.
فالأقسام أربعة، يحلف على نفي العلم في واحدة منها، وهي: الحلف
على نفي فعل غيره، والباقي على البت (1).
وهنا سؤال وهو: أن النفي المحصور تجوز الشهادة به، كما لو
شهد أنه باع فلانا في ساعة كذا، وشهد آخران بأن المشتري في
تلك الساعة كان ساكتا. أو شهد (2) أنه قتل فلانا في وقت كذا،

(1) أنظر في هذا: السيوطي / الأشباه والنظائر: 534، والشيخ
الطوسي / المبسوط: 8 / 206.
(2) في (ح) و (أ): شهدا.
419

فشهد آخران أنه كان في تلك الحالة ساكن الأعضاء جميعها، أو أنه
لم يكن عند المقتول في تلك الساعة. وصوره كثيرة، والشهادة إن
لم تكن أبلغ من اليمين فلا أقل من المساواة.
وجوابه: إذا قدر أن النفي محصور يمكن العلم به، التزمنا بحلف
النافي لفعل غيره على البت أيضا.
وهنا مسائل:
الأولى: لو ادعى عليه جناية بهيمة وأنكر، حلف على البت،
لان البهيمة لا ذمة لها، وضمان المالك لها ليس لمجرد فعلها، بل لتقصيره
في حفظها، وهو من أفعال نفسه.
الثانية: لو أنكر جناية عبده، قيل (1): يحلف على نفي العلم،
جريا على القاعدة. وربما بني هذا على أن جناية العبد هل تتعلق بمحض
الرقبة، أو بها وبالذمة جميعا، بمعنى أنه يتبع بها بعد العتق؟ فعلى
الأول يحلف المولى على البت، كالبهيمة، لأنه يخاصم عن نفسه.
وعلى الثاني، وهو ظاهر الأصحاب (2)، يحلف على نفي العلم، لان
للعبد ذمة تتعلق بها الحقوق، والرقبة كالمرتهنة بها.
الثالثة: لو ادعى عليه موت مورثه، سمعت في موضع السماع،
فلو أنكر، حلف على نفي العلم إن ادعاه عليه، كما يحلف على نفي
غصبه وإتلافه. ويحتمل الحلف على البت، لكثرة اطلاع الوارث على
ذلك. ويحتمل الفرق بين حضوره وغيبته عند الموت المدعى به.

(1) انظر: العلامة الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 192، والغزالي /
الوجيز: 2 / 159.
(2) انظر: المحقق الحلي / شرائع الاسلام: 4 / 206، والعلامة
الحلي / تحرير الأحكام: 2 / 246.
420

والأصحاب على الأول (1).
الرابعة: لو قال المشتري من الوكيل: أنت تعلم (أن المالك) (2)
أذن لك في تسليم المبيع قبل قبض الثمن، فالظاهر أنه يحلف على نفي
العلم. ويحتمل حلفه على البت، لأنه يثبت لنفسه استحقاق ثبوت اليد
على المبيع حتى يقبض الثمن. ويضعف: بأن ذلك ثابت له بحكم
اليد (3) فلا يحتاج إلى اثباته.
الخامسة: لو ادعى البائع حدوث عجز عن تسليم المبيع وعلم
المشتري به، قيل: يحلف المشتري على البت، لأنه بيمينه يستبقي
وجوب تسليم المبيع إليه.
السادسة: لو مات عن ابن، فادعى آخر للبنوة وعلم أخيه،
فأنكر، حلف على نفي العلم. وقيل: على البت، لان الاخوة رابطة
تجمع بينهما، فهو حالف على نفي (4) فعل نفسه.
السابعة: لو أنكر أحد الزوجين الرضاع المدعى به، حلف على
نفي العلم، فان نكل، حلف الآخر على البت، لأنها يمين مثبتة.
وقيل: يحلف الزوج على البت بخلاف الزوجة. والفرق: أن في
يمين الزوج تصحيح العقد في الماضي وإثبات استباحته في المستقبل،
فكانت على البت تغليظا، ويمين الزوجة لبقاء حق ثبت بالعقد ظاهرا،
فيقنع فيه بنفي العلم.
وهذا فرق ضعيف. ويمكن فيهما اعتبار البت، لأنه ينفي حرمة

(1) انظر: العلامة الحلي / قواعد الأحكام: 228.
(2) في (أ): أن البائع المالك، وفي (م): أن البائع.
(3) في (ك): البدل.
(4) زيادة من (م) و (أ).
421

يدعيها المدعي، فيحلف على البت.
قاعدة [157]
كل ما جازت الشهادة به جاز الحلف عليه، وما لا فلا، لعموم
قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) (1).
وزعم بعضهم (2): أن مجال اليمين أوسع: لأنها في الغالب
مستنده إلى النفي، للأصل، فتعتضد به. فيجوز له الحلف على ما
يراه بخط أبيه في دفتره إذا غلب على ظنه، وكذا لو أخبره ثقة بقتل
فلان أباه، أو غصبه منه، وإن لم تجز له الشهادة به.
وهو مردود عندنا.
قاعدة [158]
لا يجوز الحلف لاثبات مال الغير
واختلف في مواضع: الأول: لو امتنع المفلس من الحلف مع (شهادة شاهد) (3)
بدين له، قيل (4): يحلف الغرماء.

(1) الاسراء: 36.
(2) انظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 533 (نقلا عن الروياني
في فروقه).
(3) في (ح) و (أ): شاهده.
(4) قول للشافعية. انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 321 - 322.
422

الثاني: لو مات مديون، فقام له شاهد بدين، فللورثة الحلف،
فلو امتنعوا، قيل (1): يحلف الغريم.
ومنهم من فرق: بأن نكول المفلس عن اليمين يورث ريبة ظاهرة،
لأنه المستحق بالأصالة، وأما ورثة الميت فقد يخفى عليهم أحواله ويكون
الغرماء مطلعين عليها. وأيضا: فغريم الميت في محل اليأس من حلف
الميت، بخلاف غريم المفلس فإنه في مقام الرجاء.
الثالث: الصورتان بحالهما ولكن لا شاهد هناك بل نكون الغريم:
ولو لم يدع المفلس ولا الوارث، فالأقرب أن للغرماء الدعوى، وإن
لم يكن لهم الحلف.
الرابع: لو أحبل الراهن الجارية وادعى إذن المرتهن، فنكل،
حلف الراهن، فإن نكل توجه إحلاف الأمة، لان لها حقا في الجملة.
الخامس: لو أوصى لام ولده بعبد، فوجد مقتولا بعد الوفاة
وهناك لوث، حلف الورثة (2)، فإن نكلوا ففي حلفها وجهان.

(1) قول للشافعية. انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 321،
والغزالي / الوجيز: 2 / 154.
(2) في (ح): الوارث.
423

محتويات الكتاب
بين يدي الكتاب 3 - 27
أهمية القواعد الفقهية 3
تدوين القواعد الفقهية 4
المؤلفون في القواعد الفقهية 5
كتاب في القواعد والفوائد 7
منهجه 8
مصادره 9 تأريخ تصنيفه 11
شروحه وحواشيه 12
الشهيد الأول (مؤلف الكتاب) 13
نسبه ونشأته 13
أسفاره 14
شيوخه 15
تلامذته 18
آثاره 20
وفاته 23
425

مخطوطات الكتاب المعتمدة 24
منهج التحقيق 25
شكر وتقدير 27
بعض نماذج مخطوطات الكتاب المعتمدة..
خطبة الكتاب 29
قاعدة (1): تعريف الفقه لغة واصطلاحا 30
قاعدة (2): أقسام الحكم الشرعي 30
قاعدة (3): توصف العبادات بما عدا المباح من الأحكام، ترتب
الأحكام الخمسة على العقود والايقاعات والأحكام 31
قاعدة (4): أفعال الله تعالى معللة بالاغراض. أقسام الغرض 33
قاعدة (5): كل حكم شرعي يكون الغرض الأهم منه الآخرة
يسمى عبادة أو كفارة، بين العبادة والكفارة عموم
وخصوص مطلق 34
قاعدة (6): كل حكم شرعي يكون الغرض الأهم منه الدنيا يسمى
معاملة 35
قاعدة (7): الوسائل خمس، الأسباب التي تفيد الملك. أسباب
التسلط على ملك الغير وأقسامها. أسباب تقتضي منع
المالك من التصرف في ماله. ما هو وسيلة إلى حفظ
المقاصد الخمسة. ما كان مقويا لجلب المصلحة ودفع
المفسدة 36
قاعدة (8): تعريف الحكم الشرعي والحكم والوضعي 39
426

قاعدة (9): تعريف السبب لغة واصطلاحا 39
قاعدة (10): السبب إما معنوي أو وقتي 40
قاعدة (11): من الأسباب ما لا تظهر فيه المناسبة وإن كان
مناسبا في نفس الامر. ومنها ما تظهر فيه المناسبة 40
قاعدة (12): السبب قد يكون قولا وقد يكون فعلا 41
قاعدة (13): اقسام السبب والمسبب باعتبار الزمان. الخلاف
في أن الحكم هل يقارن الجزء الأخير من صيغة
العقد أو الايقاع أو يقع عقيبه بغير فصل؟ وتظهر
الفائدة في مواضع 41
قاعدة (14): فد تتداخل الأسباب مع الاجتماع 43
قاعدة (15): قد يتعدد السبب ويختلف الحكم المترتب عليه،
وهو أقسام 45
قاعدة (16): قد يكون السبب الواحد موجبا لأمور، وهو
أقسام 47
قاعدة (17): قد يكون السبب فعليا منصوبا ابتداء، وقد يكون
غير منصوب ولكن دلت عليه القرائن 49
قاعدة (18): لا يكفي تسليم العوض في الخلع عن بذل المرأة
لفظا 50
قاعدة (19): من الأسباب الفعلية ما يفعل بالقلب 50
قاعدة (20): التعليق بالمشيئة يقتضي التلفظ 51
قاعدة (21): كل تعليق على لفظ أو فعل مجرد تتصور صحته
من الصبي 51
427

قاعدة (22): إن الوقت يكون سببا لحكم شرعي ولا تتخصص
السببية بأوله 52
قاعدة (23): الفرق بين مانع الحكم ومانع السبب 53
قاعدة (24): قد يعرى الوقت عن السببية 54
قاعدة (25): حصول الحكم المعلق على سبب لا اختلاف فيه
حين حصول السبب. الحكم المعلق على سبب اختلف
بحسب وقت التعليق ووقت الوقوع فأيهما يعتبر؟
وله صور 54
قاعدة (26): كلما شك في سبب الحكم بني على الأصل 55
قاعدة (27): كل عبادة علم سببها وشك في فعلها وجب فعلها
أو استحب 57
قاعدة (28): قد يكون الشك سببا في حكم شرعي 58
قاعدة (29): لو صلى ما عدا العشاء بطهارة ثم أحدث وصلى
العشاء بطهارة ثم ذكر فساد إحدى الطهارتين،
هناك احتمالان 59
قاعدة (30): متعلقات الأحكام منها ما هو مقصود بالذات
ومنها ما هو وسيلة 60
قاعدة (31): أقسام الوسائل 61
قاعدة (32): تعريف الشرط لغة واصطلاحا 64
قاعدة (33) تعريف شرط السبب 64
قاعدة (34): تعريف شرط الحكم 64
قاعدة (35) أقسام التكاليف الشرعية بالنسبة إلى قبول
428

الشرط والتعليق 64
قاعدة (36): تعريف مانع السبب 66
قاعدة (37): تعريف مانع الحكم 67
قاعدة (38): أقسام المانع 67
فائدة: في بعض أقسام الحكم الوضعي. مثال التقدير وأقسامه 68
قاعدة (39): أقسام الأحكام بالنسبة إلى خطاب التكليف والوضع 70
فائدة: في مدارك الأحكام. قواعد خمس يمكن رد الأحكام
إليها 74
القاعدة الأولى: تبعية العمل للنية. وفيها فوائد 74
الفائدة الأولى: يعتبر في النية التقرب إلى الله تعالى 75
الفائدة الثانية: معنى الاخلاص. غايات ثمان تقع العبادة لأجلها 76
الفائدة الثالثة: أقسام الضمائم إلى النية، وأي منها ينافي
الاخلاص؟ 78
الفائدة الرابعة: يجب في النية التعرض لمشخصات الفعل 80
الفائدة الخامسة: إذا اجتمعت أسباب الوجوب في مادة
واحدة تكفي نية الوجوب، ولا يجب التعرض
للخصوصيات 82
الفائدة السادسة: الأصل أن كلا من الواجب والندب لا يكفي
عن صاحبه إلا في مواضع 83
الفائدة السابعة: يجب الجزم في مشخصات النية، وقد جاء
الترديد في مواضع 85
الفائدة الثامنة: تعتبر النية في جميع العبادات إذا أمكن
429

فعلها على وجهين، إلا في مواضع 89
الفائدة التاسعة: الغاية من النية 89
الفائدة العاسرة: لا تجب النية في ترك المحرمات والمكروهات 90
الفائدة الحادية عشرة: صور التميز الحاصل بالنية 90
الفائدة الثانية عشرة: هل النية شرط أو جزء؟ 91
الفائدة الثالثة عشرة: الأصل وجوب استحضار النية فعلا في
كل جزء من أجزاء العبادة. إلا في مواضع.
معنى الاستمرار الحكمي. نية القطع في العبادة 93 الفائدة الرابعة عشرة: حكم التردد في قطع العبادة. نية فعل
المنافي 94
الفائدة الخامسة عشرة: يمكن اجتماع نية عبادة في أثناء أخرى
إذا لم تكن منافية 96
الفائدة السادسة عشرة: العدول من صلاة إلى أخرى أو من
صوم إلى آخر ليس من باب نية فعل المنافي 97
الفائدة السابعة عشرة: يجوز اقتران عبادتين في نية واحدة إذا
لم يتنافيا 98
الفائدة الثامنة عشرة: لا يجب النفل بالشروع فيه إلا في موارد 99
الفائدة التاسعة عشرة: هل يجوز الابهام في النية؟ 99
الفائدة العشرون: موارد جريان النية في غير العبادات 100
الفائدة الحادية والعشرون: لا تؤثر نية المعصية عقابا ولا ذما 107
الفائدة الثانية والعشرون: في معنى قوله صلى الله عليه وآله: نية المؤمن
خير من عمله 108
430

الفائدة الثالثة والعشرون: اعتبار مقارنة النية لأول العمل إلا
في الصوم 114
الفائدة الرابعة والعشرون: لزوم المحافظة على النية في كبير
الاعمال وصغيرها 115
الفائدة الخامسة والعشرون: ينبغي استحضار الوجوه الحاصلة في
العمل الواحد وقصدها بأجمعها 116
الفائدة السادسة والعشرون: تجب نية الوجوب في الأشياء المحتملة
للوجوب 117
الفائدة السابعة والعشرون: تعدد النية لأجل تعدد وجوه شئ
واحد 118
الفائدة الثامنة والعشرون: يجب التحرز من الرياء في الافعال،
مع بيان أقسامه 120
الفائدة التاسعة والعشرون: اعتبار بعض الامامية النية في اعتداد
المرأة 121
الفائدة الثلاثون: هل تحتاج العبادة التي لا تلتبس بعبادة أخرى
إلى نية؟ 122
الفائدة الحادية والثلاثون: لا أثر لنية غير المكلف إلا في موارد 122
القاعدة الثانية: المشقة موجبة لليسر مصدر القاعدة. مواردها.
وفيها فوائد 123
الفائدة الأولى: المشقة الموجبة للتخفيف هي ما تنفك عنه العبادة
غالبا 127
الفائدة الثانية: وقوع التخفيف في العقود. مراتب الغرر 128
431

الفائدة الثالثة: صور التخفيف عن المجتهدين 131
الفائدة الرابعة: الحاجة قد تكون سببا في إباحة المحرم 131
القاعدة الثالثة: قاعدة اليقين، وهي البناء على الأصل: أقسام
الاستصحاب. وفيها فوائد 132
الفائدة الأولى: الموارد المستثناة من تغليب اليقين على الشك 137
الفائدة الثانية: صور تعارض الأصل والظاهر 137
الفائدة الثالثة: الموارد التي يقدم فيها الأصل على الظاهر،
والظاهر على الأصل 140
القاعدة الرابعة: الضرر المنفي. وفروعها. بعض صور احتمال
أخف المفسدتين 141
فصل: قد يقع التخير باعتبار تساوي الضرر. لو تقابلت
المصلحة والمفسدة فأيهما يقدم؟ 143
القاعدة الخامسة: العادة. موارد اعتبارها 147
فائدة: من الأمور ما يعتبر فيه التكرار لحصول العادة،
ومنها مالا يعتبر فيه ذلك. لافرق بين العادة
القولية والفعلية 149
فائدتان: الأولى: أدلة وقوع الأحكام وأدلة تصرف الحكام 150
الثانية: يجوز تغير الأحكام بتغير العادات 151
قاعدة (40): الأصل في اللفظ الحمل على الحقيقة الواحدة.
اقسام الحقيقة. موارد إجزاء المصدر واسم الفاعل
واسم المفعول والافعال الثلاثة في العقود وعدمه 152
قاعدة (41): لا يستعمل اللفظ الصريح في غير بابه إلا بقرينة 154
432

قاعدة (42): لا يحمل اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه 156
فائدة: بعض فروع حمل المشترك على معانيه 157
فائدة: بعض فروع الحقيقة اللغوية والعرفية 158
فائدة: الماهيات الجعلية لا تطلق على الفاسد إلا الحج. من
فروع الحقيقة حمل (اللام) على الملك 159
فصل: مما يشبه تعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح
أمور 159
قاعدة (43): المجاز لا يدخل في النصوص إنما يدخل في
الظواهر 161
قاعدة (44): الصفة ترد للتوضيح تارة وللتخصيص أخرى 161
قاعدة (45): الاقرار في موضع يصلح للانشاء هل يكون
انشاء؟ 163
قاعدة (46): السبب والمسبب قد يتحدان، وقد يتعددان.
ومع التعدد قد تقع دفعة وقد تترتب 165
فائدة: النكاح قد يكون سببا في أشياء كثيرة 169
فائدة: أقسام الوطئ بالنسبة إلى الزوجة 172
فائدة: الأحكام التي تترتب على غيبوبة الحشفة في الفرج
أو الدبر 174
الأحكام التي يختلف فيها الوطئ في الدبر عن القبل 177
قاعدة (47): قد يقوم السبب الفعلي غير المنصوب ابتداء مقام
الفعلي المنصوب ابتداء. بعض الأسباب
الفعلية القلبية 178
433

قاعدة (48): الوقت قد يكون سببا للحكم الشرعي وظرفا
للمكلف به 179
قاعدة (49): لو اختلف الحكم بحسب وقت التعليق ووقت
الوقوع فأيهما يعتبر؟ 181
قاعدة (50): لو شك في سبب الحكم بنى على الأصل. مع
بيان صوره 181
قاعدة (51): الاختلاف في دخول الشرط على السبب هل يمنع
تنجيز حكمه أو سببيته؟ 184
قاعدة (52): أقسام المانع من حيث الابتداء والاستدامة 185
فائدة: المشرف على الزوال هل له حكم الزائل أو حكم
نفسه؟ 188
قاعدة (53): معنى الواجب 189
فصل: الواجب على الكفاية له شبه بالنفل. هل أن الاتيان
بفرض الكفاية أفضل من فرض العين؟ 189
قاعدة (54): يصح الامر تخييرا بين أمور، وهل يصح النهي
تخييرا؟ 190
فرعان: أحدهما: يمكن التخيير بين الواجب والندب إذا
كان التخيير بين جزء وكل 191
ثانيهما: قد يقع التخيير بين ما يخاف سوء عاقبته
وبين ما لا خوف فيه 192
فائدة: من المبني على أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب أمور 192
فائدة: في حديث رفع الخطأ والنسيان والاكراه، والموارد
434

التي وقع فيها ارتفاع الحكم، وارتفاع الاثم 193
قاعدة (55): الاكراه يسقط أثر التصرف إلا في مواضع 197
قاعدة (56): أقسام متعلق الأمر والنهي 198
قاعدة (57): النهي في العبادات مفسد، وفي غيرها كذلك
إذا كان عن نفس الماهية 199
فائدة: مما يشبه الامر الوارد بعد الحظر أمور 199
قاعدة (58): الأوامر التي تجب على الفور بدليل من خارج 200
قاعدة (59): بيان ألفاظ العموم 201
فائدة: العام لا يستلزم الخاص المعين 203
فائدة: أقسام ترك الاستفصال في حكاية الحال وأمثلتها. الفرق
بين ترك الاستفصال وقضايا الأحوال 205
قاعدة (60): الأجود حمل المطلق على المقيد 209
فرع: لو قيد المطلق بقيدين متضادين تساقطا إلا أن يدل دليل
على أحدهما 210
قاعدة (61): إذا تردد فعل النبي صلى الله عليه وآله بين الجبلي والشرعي
فعلى أيهما يحمل؟ مع بيان بعض الموارد 211
قاعدة (62): ما فعله النبي صلى الله عليه وآله ويمكن فيه مشاركة الامام
دون غيره فهو على الامام 213
مسألة: هل أن فعله صلى الله عليه وآله الذي لم يعلم وجوبه، وظهر فيه
قصد القربة، يدل على الوجوب أم الندب؟ 213
مسألة: لو تعارض فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله فأيهما يقدم؟ 214
فائدة: أقسام تصرفات النبي صلى الله عليه وآله. الموارد التي يقع فيها
435

التردد بين القضاء والتبليغ 214
قاعدة (63): في الاجماع النادر هل يلحق بجنسه أم بنفسه؟ 217
قاعدة (64): أنواع المصالح المعللة بها الأحكام الشرعية 218
قاعدة (65): معنى الاستفاضة، وما يثبت بها 221
تنبيه: كل ما جاز الشهادة به جاز الحلف عليه 222
تنبيه آخر هل يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه المستفاد من
الاستفاضة؟ 222
قاعدة (66): يجوز الاعتماد على القرائن في مواضع 222
قاعدة (67): كل شرط في الراوي والشاهد فإنه معتبر عند
الأداء، إلا في موارد 223
فائدة: عمد الصبي في الدماء خطأ 223 قاعدة (68): معنى المعصية الكبيرة، وتعداد الكبائر،
والاختلاف فيها 224
تنبيه: معنى الاصرار على الصغائر وأقسامه 227
فائدة: التوبة وشروطها 228
قاعدة (69): قبول خبر المسلم المخبر عن أمر ديني يفعله 229
تنبيه: الموارد التي يشترط فيها السبب عند اختلاف
الأسباب 229
قاعدة (70): اتباع كل ما كان وجوبه ثابتا من الدليل خارج:
الاذن في الشئ إذن في لوازمه 230
قاعدة (71): النهي في غير العبادات قد يقتضي الفساد 231
فائدة: نهي الانسان عن جرح نفسه واتلافها. بعض أحكام
436

الخنثى 231
قاعدة (72): معاني (الألف واللام) عند الفقهاء والأصوليين 232
قاعدة (73) الموالاة وموارد اعتبارها 234
قاعدة (74): الاستثناء المستغرق باطل. لو عطف بعض
العدد على بعض هل يجمع بينهما؟ 235
قاعدة (75): الاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي إثبات 236
قاعدة (76): الاستثناء المجهول باطل 237
قاعدة (77): أقسام المطلق والمقيد 239
قاعدة (78): المطالبة بتفسير المبهم على الفور 241
قاعدة (79): التأويل إنما يكون في الظواهر دون النصوص.
مراتب التأويل 241
قاعدة (80): قد يثبت ضمنا ما لا يثبت أصلا 243
قاعدة (81): يستفاد من دلالة الإشارة أحكام 245
قاعدة (82): إذا تعارضت الإشارة والعبارة فأيهما يرجح؟ 246
فائدة: موارد الاشتراك والافتراق بين الشهادة والرواية.
الصور التي يقع فيها ليس بينهما 247
فروع: الأول: قبول رواية أحد المتنازعين التي تقتضي
الحكم له 250
الثاني: معاني (شهد) و (روى) 250
الثالث: مرجحات الشهادة 251
قاعدة (83): تعريف الانشاء، والفرق بينه وبين الخبر 252
فائدة: أقسام الانشاء 254
437

قاعدة (84): تعريف السبب والشرط والمانع، والفرق بينها،
وأقسام الشرط 254
فائدة دقيقة: لغز شعري من قبيل الشرط اللغوي 256
قاعدة (85): طريان الرافع للشئ هل هو مبطل له، أو بيان
لنهايته؟ أو: أن الزائل العائد هل هو كالذي
لم يزل أو كالذي لم يعد؟ 268
قاعدة (86): في جريان الأحكام قبل العلم احتمالان 270
قاعدة (87): قد يثبت الحكم على خلاف الدليل لمعارضة دليل
أقوى منه 271
قاعدة (88): كلما وقع الاتفاق على أصل أجريت فروعه عليه.
وقد يختلف فيها لعارض، مع بيان أنواع
الاختلاف 272
قاعدة (89): الحكم المعلق على اسم الجنس قد يعقل فيه معنى
العلة، وقد يكون تعبدا، وتظهر الفائدة في أمور 274
قاعدة (90): الاستجمار رخصة. الخلاف في الجمع بين النقاء
وعدد الأحجار 276
قاعدة (91): هل أن إزالة النجاسة بالماء ملحقة بالرخص؟ 277
قاعدة (92): الأمور الخفية التي جعل الشارع لها ضوابط
ظاهرة 278
قاعدة (93): إذا دار الوصف بين الحسي والمعنوي فالحسي
أولى 279
قاعدة (94): كلما كانت العلة مركبة توقف الحكم على اجتماع
438

أجزائها 279
فروع: لو راج نقدان متساويان جاز بيع الوكيل بأيهما شاء 279
فائدة: كل حكم شرط فيه شروط متعددة ينعدم بفوات
واحد منها 280
قاعدة (95): المعارضة بنقيض المقصود واقعة في مواضع 280
قاعدة (96): قد وقع التعبد المحض في مواضع لا يكاد يهتدى
فيها إلى العلة 282
قاعدة (97): ما ثبت على خلاف الدليل لحاجة قد يتقدر
بقدرها وقد يصير أصلا مستقلا، وقد وقع
الخلاف في مواضع 283
قاعدة (98): إذا دل الدليل على حكم ولم يرد فيه بيان من
النبي صلى الله عليه وآله مع عموم الحاجة إليه هل يكون
ذلك قدحا في الدليل؟ 285
قاعدة (99): الحاجة تنزل منزلة الضرورة الخاصة 287
قاعدة (100): هل يجوز العدول عن الأصل المنتقل إليه إلى
الأصل المهجور؟ 287
قاعدة (101): إذا تردد الشئ بين أصلين وقع الاشتباه 288
قاعدة (102): قد يتردد الشئ بين أصلين فيختلف الحكم
فيه بحسب دليل الأصلين. هل الإقالة فسخ
أو بيع؟. الابراء هل هو اسقاط أو تمليك؟
الحوالة هل هي استيفاء أو اعتياض؟ الصداق
قبل الدخول هل هو مضمون على الزوج
439

ضمان عقد أو ضمان يد؟ الظهار متردد بين
الطلاق واليمين. نفقة المطلقة البائن هل هي
للحامل أو الحمل؟ العبادة المنذورة المطلقة
هل تصير كالعبادة الواجبة أو تنزل على أقل
ما يصح منها شرعا؟ قاطع الطريق إذا قتل
يقتل، متردد بين القصاص والحد. اليمين
المردودة هل هي كاقرار المدعى عليه أو كالبينة؟
مع بيان ثلاث عشرة فائدة مترتبة على ذلك 291
قاعدة (103): اليمين لنفي شئ لا تكون لاثبات غيره،
ولها صور كثيرة 305
قاعدة (104): التدبير وصية بالعتق وليس تعليقا للعتق
على صفة الموت 306
قاعدة (105): العمل بالأصلين المتنافين واقع في كثير من
المسائل 308
قاعدة (106): التعليل بانتفاء المقتضي ووجود المانع مختلف
فيه 309
قاعدة (107): في الاحتياط لاجتلاب المصالح ودفع المفاسد 310
وهاهنا قواعد في
الاجتهاد وتوابعه
قاعدة (108): إذا لم يظفر المجتهد على وجه مرجح لاحد
المحتملات ففيه صور 315
قاعدة (109): القادر على اليقين لا يعمل بالظن إلا نادرا 316
440

قاعدة (110): هل يتكرر الاجتهاد بتكرر الواقعة؟ 317
قاعدة (111): كل مجتهدين اختلفا فيما يرجع إلى الحس
لا يأتم أحدهما بصاحبه، ووقع الاختلاف فيما
لو اختلفا في فروع شرعية 318
قاعدة (112): الموارد التي يجوز فيها التقليد والتي لا يجوز 319
قاعدة (113): حكم تعارض الامارتان عند المجتهد 319
فرع لطيف: فيما لو ابتلع خيطا قبل الفجر وأصبح صائما 319
قاعدة (114): الفرق بين الفتوى والحكم 320
قاعدة (115): مما يستثنى من الأمور الكلية من الفروع الجزئية
للضرورة أو لمس الحاجة أمور 322
قاعدة (116): الأصل يقتضي قصر الحكم على مدلوله ولا
يسري إلى غيره إلا في مواضع 323
قاعدة (117): في ازدحام حقوق الله تعالى وحقوق العباد،
وهو على ثلاثة وجوه. المواضع التي وقع
الشك فيها 324
مسألة: لو ترافع ذميان الينا فالحاكم مخير بين الحكم والرد 331
قاعدة (118): بعض الموارد التي يسري الحكم فيها إلى الولد
المتجدد 331
قاعدة (119): في الاعتداد بالأبوين معا أو بأحدهما بالنسبة
إلى الولد، وهو على أقسام أربعة 332
قاعدة (120): الأحكام التي يستوي فيها الأب والجد والتي
يختلفان فيها 334
441

فائدة: هل للأبوين المنع من سفر طلب العلم؟ 335
قاعدة (121): الأحكام التي تتبع النسب 336
قاعدة (122): للبدل والمبدل أحكام أربعة 337
قاعدة (123): في الجبر والزجر، وأقسامهما 338
فائدة: الزواجر منها ما تجب على متعاطي أسبابها، ومنها
ما تجب على غيره، ومنها ما يتخير مستحقه
بين فعله وتركه 340
تنبيه: قد يكون الشئ جابرا زاجرا 341
قاعدة (124): الأمانة نسبة إلى يد غير المالك تقتضي عدم
الضمان، أقسامها وصورها 341
قاعدة (125): ضمان المنافع بعضها بالفوات والتفويت وبعضها
بالتفويت لا غير 343
قاعدة (126): هل المعتبر في الضمان بيوم التلف أم لا؟ 343
قاعدة (127): ضابط القتل العمد والخطأ والشبيه بالعمد 345
قاعدة (128): كلما ضمن الطرف من المجني عليه ضمنت
النفس إلا في صورة واحدة 347
قاعدة (129): الضمان قد يكون بالقوة وقد يكون بالفعل 347
قاعدة (130): أقسام الملك من حيث العين والمنفعة والانتفاع 348
قاعدة (131): الغالب في التمليكات تراضي اثنين، وقد
يكفي الواحد في مواضع 350
قاعدة (132): لا يقع العقد على الأعيان والمنافع إلا من المالك
أو من هو بحكمه. بيان الأشخاص الذين هم
442

بحكم المالك 351
قاعدة (133): هل يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال
المولى عليه أو يكتفى بنفي المفسدة؟ 352
قاعدة (134): لا يجوز البناء على فعل الغير في العبادات إلا
في بعض أفعال الحج القابلة للنيابة، وموارد
أخرى 352
قاعدة (135): الأصل عدم تحمل الانسان عن غيره ما لم
يأذن له فيه إلا في مواضع 353
قاعدة (136): الأصل أن كل أحد لا يملك إجبار غيره إلا
في مواضع 356
قاعدة (137): من له ولاية النكاح؟ 357
قاعدة (138): حكم التوقيت بالألفاظ المشتركة مع القرينة
وبدونها. حكم التعليق على ما هو ممتنع ظاهرا 358
قاعدة (139): الأصل في الأحكام التابعة لمسميات أن تناط
بحصول تمام المسمى 358
قاعدة (140): في التعليقات بالأعيان. مواضع الاستيثاق 359
قاعدة (141): الغالب في المقدرات الشرعية التحقيق 361
قاعدة (142): قد تترتب أحكام على أسباب يمكن اعتبارها
في الحال والمال، ولها صور كثيرة 361
قاعدة (143): وقف الحكم قد يكون وقف انتقال وقد
يكون وقف انكشاف 366
فائدة: لو قال واحد من ركاب السفينة لآخر: إلق متاعك
443

وأهل السفينة ضمناء، فألقاه أ فهل هو من
باب العقود الموقوفة؟ 369
فائدة: الفعل الذي يؤتي به في حال الشك احتياطا ويظهر
الاحتياج إليه هو من باب التوقف الكشفي 370
قاعدة (144): ذكر السبب في الشهادة قد يكون سببا
لقبولها وقد يكون قادحا فيها 370
مسألة: لو شاهد ماء الغير يجري على سطح لآخر مدة
طويلة فهل له الشهادة بالاستحقاق؟ 371
قاعدة (145): لو قال لزوجاته: أيتكن حاضت فصواحباتها
علي كظهر أمي، فقالت إحداهن: حضت،
فهل يقع الظهار؟ 372
قاعدة (146): لا نظر في باب الدعاوى إلى حال المنكر
أو المدعي إلا إلى الممكن، وإن كان على
خلاف الظاهر 372
فائدة: لو قالت: أنت ازنى الناس، وما أشبه ذلك، فهل
عليه الحد؟ 374
وهاهنا قواعد
متعلقة بالمناكحات
الأولى: تعريف الشبهة، وأنواعها، وما يترتب عليها من
أحكام 377
فرع: وطئ الشبهة لا يفيد المحرمية 379
الثانية: كل عضو يحرم النظر إليه يحرم مسه، ولا عكس.
444

حكم النظر إلى المحارم ولمسهم 379
الثالثة: أقسام النكاح بحسب الناكح والمنكوحة 380
الرابعة: يحرم وطئ الزوجة بأمور 382
الخامسة: الأحكام المترتبة على البكارة والثيبوبة 383
السادسة: الموارد التي يثبت فيها نصف المهر 384
السابعة: يجب المهر المسمى بدخول الزوج في القبل أو
الدبر. ومهر المثل يجب في مواضع. أسباب
فساد الصداق. 386
فائدة: من الذي بيده عقدة النكاح، الأب والجد، وأم
الزوج؟ 390
الثامنة: لا يمكن عراء وطئ مباح عن مهر إلا في موارد 391
تنبيه: هل يسقط المهر بعد وجوبه في تزويج رقيقي مالك؟ 392
فرع: هل يجب مهر المثل لو زوج رقيقه ثم باع الأمة
قبل المسيس فأجاز المشتري العقد؟ 393
التاسعة: لا يجب بالوطئ الواحد إلا مهر واحد، وربما
فرض أزيد في صور 393
العاشرة: لا يسمع من المرأة دعوى عنة الزوج في صور 395
الحادية عشرة: الام أولى بالحضانة مدة الرضاع في الذكر
والأنثى، وقد يترجح غيرها عليها في صور 395
فرع: لو كان بالأم جذام أو برص وخيف العدوي أمكن
كون الأب أولى 396
الثانية عشرة: أسباب الفرقة في النكاح 397
445

تنبيه: لا تلاقي بين الزوجين بعد بعض أسباب الفرقة 398
الثالثة عشرة: أقسام الطلاق من حيث الأحكام الخمسة 399
فرع: قيل بالتحريم: لو طلق إحدى زوجاته عند مجئ
نوبتها 399
الرابعة عشرة: أقسام الطلاق من حيث البينونة والرجعة،
وما ضبط به بعضهم الرجعي 400
وهذه قواعد
تتعلق بالقضاء
قاعدة (147): في ضبط ما يحتاج إلى الحاكم، وما لا يحتاج
إليه 405
فائدة: يجوز عزل الحاكم في مواضع 405
قاعدة (148): هل يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية آحاد
التصرفات الحكمية؟ وهل يجوز قبض الزكاة
والخمس من الممتنع وصرفها؟ 406
قاعدة (149): في تحقيق المدعى والمنكر 408
قاعدة (150): في تقسيم الدعوى 410
قاعدة (151): كلما كان المدعى به حقا، فلا ريب فيه
سماعه، وإن كان ينفع في الحق، ففيه صور 411
قاعدة (152): لا يحكم بالنكول إلا في مواضع 412
قاعدة (153): البينة حجة شرعية، والبحث فيها في مواضع 416
قاعدة (154): اليمين إما على النفي، وإما على الاثبات 417
قاعدة (155): ليس بين شرعية الاحلاف وبين قبول الاقرار
446

تلازم، وإن كان غالبا 418
قاعدة (156): الحلف دائما على القطع،
أقسامه، وبعض مسائله 419
قاعدة (157): كل ما جازت الشهادة به جاز الحلف عليه،
وما لا فلا 422
قاعدة (158): لا يجوز الحلف لاثبات مال الغير، واختلف
في مواضع 422
محتويات الكتاب 425
447