الكتاب: المغني
المؤلف: عبد الله بن قدامه
الجزء: ٧
الوفاة: ٦٢٠
المجموعة: فقه المذهب الحنبلي
تحقيق:
الطبعة: جديدة بالأوفست
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: بعناية جماعة من العلماء

المغني
تأليف الشيخ الإمام العلامة موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة المتوفى سنة 630 ه‍
على مختصر الإمام أبي القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي المتوفى سنة 334 ه‍
الجزء السابع
دار الكتاب العربي
للنشر والتوزيع
1

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الفرائض
روى أبو داود باسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (العلم ثلاثة
وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة) وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شئ ينتزع من أمتي)
أخرجه ابن ماجة. ويروى عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تعلموا الفرائض وعلموها الناس فاني
امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض حتى يختلف الرجلان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما)
وروى سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن إبراهيم قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله
2

عنه: تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وعن جرير عن عاصم الأحول عن مورق العجلي قال قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلمون القرآن. وقال حدثنا أبو الأحوص أخبرنا
أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: من تعلم القرآن فليتعلم الفرائض
وروى جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد
فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وان عمهما أخذ مالهما
ولا ينكحان الا ولهما مال قال فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال (اعط
ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك) رواه أحمد في مسنده
(مسألة) قال أبو القاسم رحمه الله (ولا يرث أخ ولا أخت لأب وأم أو لأب مع
ابن ولا مع ابن ابن وان سفل ولا مع أب)
أجمع أهل العلم على هذا بحمد الله وذكر ذلك ابن المنذر وغيره، والأصل في هذا قول الله تعالى
(يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو
يرثها ان لم يكن لها ولد) الآية. والمراد بذلك الاخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب بلا خلاف
بين أهل العلم، ولأنه قال وهو يرثها ان لم يكن لها ولد وهذا حكم العصبة واقتضت الآية أنهم لا يرثون
مع الولد والوالد لأن الكلالة من لا ولد له ولا والد، خرج من ذلك البنات والام لقيام الدليل على
ميراثهم معهما بقي ما عداهما على ظاهره، فيسقط ولد الأبوين ذكرهم وأنثاهم بثلاثة بالابن وابن الابن
3

وان سفل وبالأب، ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة وبالأخ من الأبوين لما روي عن علي عليه السلام
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ولان أعيان بني الام يتوارثون دون بني العلات يرث الرجل
أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. أخرجه الترمذي
(مسألة) قال (ولا يرث أخ ولا أخت لأم مع ولد ذكرا كان الولد أو أنثى ولا مع
ولد الابن ولا مع أب ولا مع جد)
وجملة ذلك أن ولد الام ذكرهم وأنثاهم يسقطون بأربعة بالولد وولد الابن والأب والجد أب الأب
وان علا، أجمع على هذا أهل العلم فلا نعلم أحدا منهم خالف هذا الا رواية شذت عن ابن عباس في
أبوين وأخوين لام للأم الثلث وللأخوين الثلث، وقيل عنه لهما ثلث الباقي وهذا بعيد جدا قال ابن
عباس يسقط الاخوة كلهم بالجد فكيف يورث ولد الام مع الأب؟ ولا خلاف بين أهل العلم في أن ولد
الام يسقطون بالجد فكيف يرثون مع الأب؟ والأصل في هذه الجملة قول الله تعالى (وإن كان رجل
يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم
شركاء في الثلث) والمراد بهذه الآية الأخ والأخت من الام باجماع أهل العلم، وفي قراءة سعد بن أبي
وقاص وله أخ أو أخت من أم، والكلالة في قول الجمهور من ليس له ولد ولا والد فشرط في توريثهم
عدم الولد والوالد، والولد يشمل الذكر والأنثى والوالد يشمل الأب والجد
4

(فصل) اختلف أهل العلم في الكلالة فقبل: الكلالة اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين
نص احمد على هذا، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: الكلالة من عدا الولد والوالد
واحتج من ذهب إلى هذا بقول الفرزدق في بني أمية
ورثتم قناة المجد لا عن كلالة * عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
واشتقاقه من الإكليل الذي يحيط بالرأس ولا يعلو عليه فكأن الورثة ما عدا الولد والوالد قد
أحاطوا بالميت من حوله لا من طرفيه أعلاه وأسفله كإحاطة الإكليل بالرأس فأما الوالد والولد فهما
طرفا الرجل فإذا ذهبا كان بقية النسب كلالة قال الشاعر
فيكف بأطرافي إذا ما شتمتني * وما بعد شتم الوالدين صلوح
وقالت طائفة الكلالة اسم للميت نفسه الذي لا ولد له ولا والد يروى ذلك عن عمر وعلي وابن
مسعود، وقيل الكلالة قرابة الام واحتجوا بقول الفرزدق الذي أنشدناه عنى انكم ورثتم الملك عن
آبائكم لا عن أمهاتكم، ويروى عن الزهري أنه قال الميت الذي لا ولد له ولا والد كلالة ويسمى وارثه
كلالة والآيتان في سورة النساء والمراد بالكلالة فيهما الميت ولا خلاف في أن اسم الكلالة يقع على
الاخوة من الجهات كلها، وقد دل على صحة ذلك قول جابر يا رسول الله كيف الميراث؟ إنما يرثني
كلالة فجعل الوارث هو الكلالة ولم يكن لجابر يومئذ ولد ولا والد، وممن ذهب إلى أنه يشترط في
الكلالة عدم الولد والوالد زيد وابن عباس وجابر بن زيد والحسن وقتادة والنخعي وأهل المدينة
5

والبصرة والكوفة، ويروى عن ابن عباس أنه قال الكلالة من لا ولد له، ويروى ذلك عن عمر
والصحيح عنهما كقول الجماعة
(مسألة) قال (والأخوات مع البنات عصبة لهن ما فضل وليست لهن معهن فريضة مسماة)
العصبة هو الوارث بغير تقدير وإذا كان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه قل أو كثر وان انفرد
أخذ الكل، وان استغرقت الفروض المال سقط، والمراد بالأخوات ههنا الأخوات من الأبوين أو
من الأب لأنه قد ذكر أن ولد الام لا ميراث لهم مع الولد وهذا قول عامة أهل العلم يروى ذلك عن
عمر وعلي وزيد وابن مسعود ومعاذ وعائشة رضي الله عنهم واليه ذهب عامة الفقهاء الا ابن عباس
ومن تابعه فإنه يروى عنه أنه كان لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة فقال في بنت وأخت: للبنت
النصف ولا شئ للأخت فقيل له ان عمر قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف فقال ابن عباس
أنتم أعلم أم الله؟ يريد قول الله سبحانه (ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فإنما
جعل لها الميراث بشرط عدم الولد، والحق فيما ذهب إليه الجمهور فإن ابن مسعود قال في بنت وبنت ابن
وأخت لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت رواه
6

البخاري وغيره واحتجاج ابن عباس لا يدل على ما ذهب إليه بل يدل على أن الأخت لا يفرض لها
النصف مع الولد ونحن نقول به فإن ما تأخذه مع البنت ليس بفرض وإنما هو بالتعصيب كميراث الأخ
وقد وافق ابن عباس على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قول الله تعالى (وهو يرثها ان لم يكن لها
ولد، وعلى قياس قوله ينبغي أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه منها عدم ولدها وهو خلاف الاجماع
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المبين لكلام الله تعالى قد جعل للأخت مع البنت وبنت الابن الباقي عن
فرضهما وهو الثلث ولو كانت ابنتان وبنت ابن لسقطت بنت الابن وكان للأخت الباقي وهو الثلث
فإن كان معهم أم فلها السدس ويبقى للأخت السدس فإن كان بدل الام زوج فالمسألة من اثني عشر
للزوج الربع وللابنتين الثلثان ويبقى للأخت نصف السدس فإن كان معهم أم عالت المسألة وسقطت الأخت
(مسألة) قال (وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات)
أجمع أهل العلم على أن بنات الابن بمنزلة البنات عند عدمهن في إرثهن وحجبهن لمن يحجبه
البنات وفي جعل الأخوات معهن عصبات وفي أنهن إذا استكملن الثلثين سقط من أسفل منهن من بنات
الابن وغير ذلك، والأصل في ذلك قول الله عز وجل (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين
فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) وولد البنين أولاد قال الله تعالى (يا بني آدم) يخاطب
7

بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقال (يا بني إسرائيل) يخاطب بذلك من في عصر النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وقال الشاعر
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد
(مسألة) قال (فإن كن بنات وبنات ابن فللبنات الثلثان وليس لبنات الابن شئ الا
أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين)
أجمع أهل العلم على أن فرض الابنتين الثلثان الا رواية شاذة عن ابن عباس ان فرضهما النصف
لقول الله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) فمفهومه ان ما دون الثلاث ليس لهما
الثلثان، والصحيح قول الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخي سعد بن الربيع (أعط ابنتي سعد الثلثين)
وقال الله تعالى في الأخوات (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) وهذا تنبيه على أن للبنتين الثلثين
لأنهما أقرب ولان كل من يرث الواحد منهم النصف فللاثنتين منهم الثلثان كالأخوات من الأبوين
والأخوات من الأب وكل عدد يختلف فرض واحدهم وجماعتهم فللاثنين منهم مثل فرض الجماعة
كولد الام والأخوات من الأبوين أو من الأب فأما الثلاث من البنات فما زاد فلا خلاف في أن فرضهن
الثلثان وانه ثابت بقول الله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك)
8

واختلف فيما ثبت به فرض الابنتين فقيل ثبت بهذه الآية والتقدير: فإن كن نساء اثنتين وفوق
صلة كقوله (فاضربوا فوق الأعناق) أي اضربوا الأعناق، وقد دل على هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم حين
نزلت هذه الآية أرسل إلى أخي سعد بن الربيع (اعط ابنتي سعد الثلثين) وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم تفسير
للآية وبيان لمعناها واللفظ إذا فسر كان الحكم ثابتا بالمفسر لا بالتفسير ويدل على ذلك أيضا ان سبب
نزول الآية قصة بنتي سعد بن الربيع وسؤال أمهما عن شأنهما في ميراث أبيهما، وقيل بل ثبت بهذه
السنة الثابتة وقيل بل ثبت بالتنبيه الذي ذكرناه وقيل بل ثبت بالاجماع وقيل بالقياس، وفي الجملة
فهذا حكم قد أجمع عليه وتواردت عليه الأدلة التي ذكرناها كلها فلا يضرنا أبها أثبته، وأجمع أهل العلم
على أن بنات الصلب متى استكملن الثلثين سقط بنات الابن ما لم يكن بإزائهن أو أسفل منهن ذكر
يعصبهن وذلك لأن الله تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء الا الثلثين قليلات كن أو كثيرات
وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد وقد ذهب الثلثان لولد الصلب فلم يبق لهن شئ ولا
يمكن أن يشاركن بنات الصلب لأنهن دون درجتهن فإن كان مع بنات الابن ابن في درجتهن كأخيهن
أو ابن عمهن أو أنزل منهن كابن أخيهن أو ابن ابن عمهن أو ابن ابن ابن عمهن عصبهن في الباقي فجعل بينهم
للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا قول عامة العلماء: يروى ذلك عن علي وزيد وعائشة رضي الله عنهم وبه
قال مالك والثوري والشافعي رضي الله عنهم وإسحاق وأصحاب الرأي وبه قال سائر الفقهاء الا ابن
9

مسعود ومن اتبعه فإنه خالف الصحابة في ست مسائل من الفرائض هذه إحداهن فجعل الباقي للذكر دون
إخوانه وهو قول أبي ثور لأن النساء من الأولاد لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو انفردن وتوريثهن
ههنا يفضي إلى توريثهن أكثر من ذلك
ولنا قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وهؤلاء يدخلون في عموم
هذا اللفظ بدليل تناوله لهم لو لم يكن بنات، وعدم البنات لا يوجب لهم هذا الاسم، ولان كل ذكر
وأنثى يقتسمون المال إذا لم يكن معهم ذو فرض فيجب أن يقتسما الفاضل عنه كأولاد الصلب والاخوة مع
الأخوات، وما ذكروه فهو في الاستحقاق للفرض، فأما في مسئلتنا فإنما يستحقون بالتعصيب فكان
معتبرا بأولاد الصلب والاخوة والأخوات ثم ويبطل ما ذكروه بما إذا خلف ابنا وست بنات فإنهن يأخذن
ثلاثة أرباع المال، وان كن ثمانيا أخذن أربعة أخماسه وان كن عشرا أخذن خمسة أسداسه وكلما
زدن في العدد زاد استحقاقهن
(فصل) وابن ابن الابن يعصب من في درجته من أخواته وبنات عمه وبنات ابن عم أبيه على
كل حال، ويعصب من هو أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه ومن فوقهن بشرط أن لا يكون ذوات فرض
ويسقط من هو أنزل منه كبناته وبنات أخيه وبنات ابن عمه. فلو خلف الميت خمس بنات ابن بعضهن
انزل من بعض لاذكر معهن وعصبة كان للعليا النصف وللثانية السدس وسقط سائرهن والباقي العصبة
10

فإن كان مع العليا أخوها أو ابن عمها فالمال بينهما على ثلاثة وسقط سائرهن، فإن كان مع الثانية عصبها
وكان للعليا النصف والباقي بينه وبين الثانية على ثلاثة، فإن كان مع الثالثة فللعليا النصف وللثانية السدس
والباقي بينه وبين الثالثة على ثلاثة، فإن كان مع الرابعة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه
وبين الثالثة والرابعة على أربعة، فإن كان مع الخامسة فالباقي بعد فرض الأولى والثانية بينه وبين الثالثة
والرابعة والخامسة على خمسة وتصح من ثلاثين، وإن كان أنزل من الخامسة فكذلك ولا أعلم في هذا
خلافا بين القائلين بثبوت تعصيب بنات الابن مع بني الابن بعد استكمال الثلثين
(مسألة) قال (فإن كانت ابنة واحدة وبنات ابن فلابنة الصلب النصف، ولبنات
الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين الا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن
فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين)
في هذه المسألة ثلاثة أحكام (أحدها) ان للبنت الواحدة النصف ولا خلاف في هذا بين علماء
المسلمين لقول الله تعالى (وان كانت واحدة فلها النصف) ولان النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن
وأخت ان للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت
11

(الثاني) أنه إذا كان مع البنت الواحدة بنت ا بن أو بنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن
واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين وهذا أيضا مجمع عليه بين العلماء. والأصل فيه
قول الله تعالى (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وان كانت واحدة فلها النصف) ففرض للبنات
كلهن الثلثين وبنات الصلب وبنات الابن كلهن نساء من الأولاد فكان لهن الثلثان بفرض الكتاب
لا يزدن عليه، واختصت بنت الصلب بالنصف لأنه مفروض لها والاسم متناول لها حقيقة فيبقى للبقية
تمام الثلثين، ولهذا قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين، وقد روى هزيل بن شرحبيل الأودي قال:
سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال: للبنت النصف وما بقي فللأخت فأتى ابن مسعود
وأخبره بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ولكن أقضي فيها بقضاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول
ابن مسعود فقال لا تسألوني عن شئ ما دام الحبر فيكم متفق عليه بنحو من هذا المعني
(الحكم الثالث) إذا كان مع بنات الابن ذكر في درجتهن فإنه يعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين
في قول جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم الا ابن مسعود فيمن تابعه فإنه خالف الصحابة فيها
وهذه المسألة الثانية التي انفرد فيها عن الصحابة فقال لبنات الابن الاضر بهن من المقاسمة أو السدس
فإن كان السدس أقل مما يحصل لهن بالمقاسمة فرضه لهن وأعطى الباقي للذكر، وإن كان الحاصل لهن
12

بالمقاسمة أقل قاسم بهن، وبنى ذلك على أصله في أن بنت الابن لا يعصبها أخوها إذا استكمل البنات
الثلثين الا أنه ناقص في المقاسمة إذا كان اضربهن وكان ينبغي ان يعطيهن السدس على كل حال
ولنا قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولأنه يقاسمها لو لم يكن غيرهما
فقاسمها مع بنت الصلب كما لو كانت المقاسمة أضربهن وأصله الذي بنى عليه فاسد كما قدمنا
(فصل) وحكم بنات ابن الابن مع بنات الابن حكم بنات الابن مع بنات الصلب في جميع ما
ذكرنا في هاتين المسئلتين وفي أنه متى استكمل من فوق السفلى الثلثين سقطت إذا لم يكن لها من يعصبها
سواء كمل الثلثان لمن في درجة واحدة أو للعليا أو التي تليها وكذلك كل من نزلت درجته مع من هو
أعلى منه وقد مثلنا ذلك في المسألة التي ذكرنا في آخر المسألة التي قبل هذه
(مسألة) قال (والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والام إذا لم
يكن أخوات لأب وأم فإن كان أخوات لأب وأم وأخوات لأب فللأخوات من الأب
والام الثلثان وليس للأخوات من الأب شئ الا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما ما بقي
للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كانت أخت واحدة لأب وأم وأخوات لأب فللأخت للأب
والام النصف وللأخوات من الأب واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين
الا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين
13

وهذه الجملة كلها مجمع عليها بين علماء الأمصار الا ما كان من خلاف ابن مسعود ومن تبعه لسائر
الصحابة والفقهاء في ولد الأب إذا استكمل الأخوات من الأبوين الثلثين فإنه جعل الباقي للذكر
من ولد الأب دون الإناث، فإن كانت أخت واحدة من أبوين واخوة وأخوات من أب جعل للإناث
من ولد الأب الاضر بهن من المقاسمة أو السدس وجعل الباقي للذكور كفعله في ولد الابن مع البنات
على ما مر تفصيله وشرحه وقد سبق ذكر حجته وجوابها بما يغني عن اعادته. فاما فرض الثلثين
للأختين فصاعدا والنصف للواحدة المفردة فثابت بقول الله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة
ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين
فلهما الثلثان مما ترك) والمراد بهذه الآية ولد الأبوين وولد الأب باجماع أهل العلم، وروى جابر قال
قلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي ولي أخوات؟ قال فنزلت آية الميراث (يستفتونك قل الله يفتيكم
في الكلالة ان امرؤ هلك) رواه أبو داود وروى أن جابرا اشتكى وعنده سبع أخوات فقال النبي صلى الله عليه وسلم
(قد أنزل الله في أخواتك) فبين لهن الثلثين وما زاد على الأختين في حكمهما لأنه إذا كان للأختين
الثلثان فالثلاث أختان فصاعدا، واما سقوط الأخوات من الأب باستكمال ولد الأبوين الثلثين فلان الله
تعالى إنما فرض للأخوات الثلثين فإذا أخذه ولد الأبوين لم يبق مما فرضه الله تعالى للأخوات شئ
14

يستحقه ولد الأب فإن كانت واحدة من الأبوين فلها النصف بنص الكتاب وبقي من الثلثين
المفروضة للأخوات سدس يكمل به الثلثان فيكون للأخوات للأب ولذلك قال الفقهاء لهن
السدس تكملة الثلثين فإن كان ولد الأب ذكورا وإناثا فالباقي بينهم لقول الله تعالى (وان
كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يفارق ولد الأب مع ولد الأبوين ولد
الابن مع ولد الصلب إلا في أن بنت الابن يعصبها ابن أخيها ومن هو أنزل منها، والأخت من الأب
لا يعصبها إلا أخوها، فلو استكمل الأخوات من الأبوين الثلثين وثم أخوات من أب وابن أخ لهن لم يكن
للأخوات للأب شئ وكان الباقي لابن الأخ لأن ابن الابن وان نزل ابن وابن الأخ ليس بأخ
(فصل) أربعة من الذكور يعصبون أخواتهم فيمنعونهن الفرض ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل
حظ الأنثيين وهم الابن وابن الابن وان نزل والأخ من الأبوين والأخ من الأب وسائر العصبات
ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث وهم بنو الأخ والأعمام وبنوهم وذلك لقول الله تعالى (يوصيكم
الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فهذه الآية تناولت الأولاد وأولاد الابن وقال تعالى (فإن
كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) فتناولت ولد الأبوين وولد الأب وإنما اشتركوا
لأن الرجال والنساء كلهم وراث فلو فرض للنساء فرض أفضى إلى تفضيل الأنثى على الذكر أو مساواتها
إياه أو إسقاطه بالكلية فكانت المقاسمة أعدل وأولى، وسائر العصبات ليس أخواتهم من أهل الميراث
فإنهن لسن بذوات فرض ولا يرثن منفردات فلا يرثن مع إخوتهن شيئا وهذا لا خلاف فيه بحمد الله ومنته
15

(مسألة) قال (وللأم الثلث إذا لم يكن الا أخ واحد أو أخت واحدة ولم يكن ولد ولا
ولد ابن فإن كان له ولد أو اخوان أو أختان فليس لها إلا السدس)
وجملة ذلك أن للام ثلاثة أحوال: حال ترث فيها الثلث بشرطين (أحدهما) عدم الولد وولد الابن من
الذكور والإناث. (والثاني) عدم الابنين فصاعدا من الاخوة والأخوات من أي الجهات كانوا ذكورا أو إناثا أو
ذكورا وإناثا فلها في هذه الحال الثلث بلا خلاف نعلمه بين أهل العلم (الحال الثاني) لها السدس إذا لم يجتمع
الشرطان بل كان للميت ولد أو ولد ابن أو اثنان من الاخوة والأخوات في قول جمهور الفقهاء،
وقال ابن عباس لا يحجب الام عن الثلث إلى السدس من الاخوة والأخوات الا ثلاثة وحكي ذلك عن
معاذ لأن الله تعالى قال (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) وأقل الجمع ثلاثة، وروي أن ابن عباس قال
لعثمان رضي الله عنه: ليس الاخوان اخوة في لسان قومك فلم تحجب بهما الام؟ فقال لا أستطيع
ان أرد شيئا كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به
ولنا قول عثمان هذا فإنه يدل على أنه اجماع ثم قبل مخالفة ابن عباس ولان كل حجب يتعلق بعدد
كان أوله اثنين كحجب البنات بنات الابن والأخوات من الأبوين الأخوات من الأب، والاخوة
تستعمل في الاثنين قال الله تعالى (فإن كانوا اخوة رجالا ونساءا فللذكر مثل حظ الأنثيين) وهذا
الحكم ثابت في أخ وأخت، ومن أهل اللغة من يجعل الاثنين جمعا حقيقة ومنهم من يستعمله مجازا
16

فيصرف إليه بالدليل، ولا فرق في حجبها بين الذكر والأنثى لقوله تعالى (اخوة) وهذا يقع على الجميع
بدليل قوله (فإن كانوا اخوة رجالا ونساء) ففسرهم بالرجال والنساء
(الحال الثالث) إذا كان زوج وأبوان أو امرأة وأبوان فللام ثلث الباقي بعد فرض الزوجين،
وهذه يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى
(مسألة) قال (وليس للأب مع الولد الذكر أو ولد الابن الا السدس فإن كن
بنات كان له ما فضل)
يعني والله أعلم كان له ما فضل بعد أن يفرض له السدس فيكون له ثلاثة أحوال: (حال) يرث فيها
بالفرض وهي مع الابن أو ابن الابن وان سفل فليس له الا السدس والباقي للابن ومن معه لا نعلم في هذا
خلافا وذلك لقول الله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد)
(الحال الثانية) يرث فيها بالتعصيب المجرد وهي مع غير الولد فيأخذ المال ان انفرد،
وإن كان معه ذو فرض غير الولد كزوج أو أم أو جدة فلذي الفرض فرضه وباقي المال له
لقول الله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) فأضاف الميراث إليهما ثم
جعل للأم الثلث فكان الباقي للأب ثم قال (فإن كان له اخوة فلأمه السدس فجعل للام مع
17

الاخوة السدس ولم يقطع إضافة الميراث إلى الأبوين ولا ذكر للاخوة ميراثا فكان الباقي كله للأب
(الحال الثالثة) يجتمع له الأمران الفرض والتعصيب وهي مع إناث الولد أو ولد الابن فله السدس لقوله
تعالى (فلكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) ولهذا كان للأب السدس مع البنت بالاجماع
ثم يأخذ ما بقي بالتعصيب لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألحقوا الفرائض بأهلها
فما بقي فهو لاولى رجل ذكر) متفق عليه والأب أولى رجل بعد الابن وابنه وأجمع أهل العلم على هذا
كله فليس فيه بحمد الله اختلاف نعلمه
(فصل) والجد كالأب في أحواله الثلاث وله حال رابع مع الاخوة يذكر في بابه ويسقط بالأب
لأنه يدلي به فيسقط به كالاخوة وكذلك كل جد يسقط بابنه لكونه يدلي به وينقص الجد عن رتبة
الأب في زوج وأبوين أو امرأة وأبوين فيفرض للام فيهما ثلث جميع المال وباقيه للجد بخلاف الأب
(مسألة) (قال وللزوج النصف إذا لم يكن ولد فإن كان لها ولد فله الربع وللمرأة
الربع واحدة كانت أو أربعا إذا لم يكن ولد فإن كان له ولد فلهن الثمن)
وجملة ذلك أن الزوج والزوجة ذوا فرض لا يرثان بغيره وفرض الزوج النصف مع عدم ولد
الميتة وولد ابنها والربع مع الولد أو ولد الابن وفرض الزوجة والزوجات الربع مع عدم ولد الزوج
18

وولد ابنه والثمن مع الولد أو ولد الابن الواحد والأربع سواء باجماع أهل العلم، والأصل فيه قول
الله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن
من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن
الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين) وإنما جعل للجماعة مثل ما للواحدة لأنه لو جعل
لكل واحدة الربع وهن أربع لأخذن جميع المال وزاد فرضهن على فرض الزوج ومثل هذا في
الجدات للجماعة مثل ما للواحدة لأن الجدات لو أخذت كل واحدة منهن السدس لأخذن النصف
فزدن على ميراث الجد فأما سائر أصحاب الفروض كالبنات وبنات الابن والأخوات المفترقات كلهن
فإن لكل جماعة منهن مثل ما للاثنتين على ما ذكر في موضعه، وزدن على فرض الواحدة لأن
الذكر الذي يرث في درجتهن لا فرض له إلا ولد الام فإن ذكرهم وأنثاهم سواء لأنهم يرثون
بالرحم وقرابة الام المجردة
(مسألة) قال (وابن الأخ للأب والام أولى من ابن الأخ للأب وابن الأخ
للأب أولى من ابن ابن الأخ للأب والام وابن الأخ وان سفل إذا كان الأب أولى من
العم وابن العم للأب أولى من ابن ابن العم للأب والام وابن العم وان سفل أولى من عم الأب)
هذا في ميراث العصبة وهم الذكور من ولد الميت وآبائه وأولادهم وليس ميراثهم مقدارا بل
يأخذون المال كله إذا لم يكن معهم ذو فرض فإن كان معهم ذو فرض لا يسقط بهم أخذوا الفاضل
19

عن ميراثه كله وأولاهم بالميراث أقربهم ويسقط به من يعد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحقوا الفرائض
بأهلها فما بقي فهو لاولى رجل ذكر) وأقربهم البنون ثم بنوهم وان سفلوا يسقط قريبهم ببعيدهم ثم
الأب ثم آباؤه وان علو الأقرب منهم فالأقرب ثم بنو الأب وهم الإخوة للأبوين أو للأب ثم بنوهم
وان سفلوا الأقرب منهم فالأقرب ويسقط البعيد بالقريب سواء كان القريب من ولد الأبوين أو من
ولد الا ب وحده فإن اجتمعوا في درجة واحدة فولد الأبوين أولى لقوة قرابته بالام فلهذا قال ابن
الأخ للأب والام أولى من ابن الأخ للأب لأنهما في درجة واحدة وابن الأخ للأب أولى من ابن ابن الأخ للأب
والام لأن ابن الأخ للأب أعلى درجة من ابن ابن الأخ للأب والام وعلى هذا أبدا ومهما بقي من
بني الأخ أحد وإن سفل فهو أولى من العم لأنه من ولد الأب والعم من ولد الجد فإذا انقرض الاخوة
وبنوهم فالميراث للأعمام ثم بنيهم على هذا النسق أن استوت درجتهم قدم من هو لأبوين، فإن اختلفت
قدم الاعلى وإن كان لأب ومهما بقي منهم أحد، وان سفل فهو أولى من عم الأب لأن الأعمام من
ولد الجد وأعمام الأب من ولد أب الجد فإذا انقرضوا فالميراث لأعمام الأب على هذا النسق ثم لأعمام
الجد ثم بنيهم وعلى هذا أبدا لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم لما مر في
الحديث وهذا كله مجمع عليه بحمد الله ومنه
(مسألة) قال (وإذا كان زوج وأبوان أعطي الزوج النصف والام ثلث ما بقي وما
بقي فللأب وإذا كانت زوجة وأبوان أعطيت الزوجة الربع والام ثلث ما بقي وما بقي فللأب)
هاتان المسئلتان يسميان العمريتين لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بهذا القضاء فأتبعه على ذلك
عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وروي ذلك عن علي وبه قال الحسن والثوري ومالك والشافعي
20

رضي الله عنهم وأصحاب الرأي، وجعل ابن عباس ثلث المال كله للام في المسئلتين لأن الله تعالى
فرض لها الثلث عند عدم الولد والاخوة وليس ههنا ولد وأخوة ويروى ذلك عن علي وروي ذلك
عن شريح في زوج وأبوين وقال ابن سيرين كقول الجماعة في زوج وأبوين وكقول ابن عباس في امرأة
وأبوين وبه قال أبو ثور لأننا لو فرضنا للام ثلث المال في زوج وأبوين لفضلناها على الأب ولا يجوز
ذلك وفى مسألة المرأة لا يؤدي إلى ذلك واحتج ابن عباس بعموم قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد
وورثه أبواه فلأمه الثلث) وبقوله عليه السلام (الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لاولى رجل ذكر
والأب ههنا عصبة فيكون له ما فضل عن ذوي الفروض كما لو كان مكانه جد والحجة معه لولا انعقاد
الاجماع من الصحابة على مخالفته ولان الفريضة إذا جمعت أبوين وذا فرض كان للام ثلث الباقي كما
لو كان معهم بنت ويخالف الأب الجد لأن الأب في درجتها والجد أعلى منها وما ذهب إليه ابن سيرين
تفريق في موضع أجمع الصحابة على التسوية فيه ثم إنه مع الزوج يأخذ مثلي ما أخذت الام كذلك مع
المرأة قياسا عليه
(مسألة) قال (وإذا كان زوج وأم وإخوة لأم واخوة لأب وأم فللزوج النصف
وللأم السدس وللاخوة من الام الثلث وسقط الاخوة من الأب والام)
هذه المسألة تسمى المشركة وكذلك كل مسألة اجتمع فيها زوج وأم أو جدة واثنان فصاعدا من
ولد الام وعصبة من ولد الأبوين وإنما سميت المشركة لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبوين
21

وولد الام في فرض ولد الام فقسمه بينهم بالسوية وتسمى الحمارية لأنه يروى أن عمر رضي الله عنه
أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم يا أمير المؤمنين هب ان أبانا كان حمارا أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم
ويقال إن بعض الصحابة قال ذلك فسميت الحمارية لذلك واختلف أهل العلم فيها قديما وحديثا فذهب
أحمد رضي الله عنه فيها إلى أن للزوج النصف وللأم السدس وللاخوة من الام الثلث وسقط الاخوة من
الأبوين لأنهم عصبة وقد تم المال بالفروض. ويروى هذا القول عن علي وابن مسعود وأبي بن كعب
وابن عباس وأبي موسى رضي الله عنهم، وبه قال الشعبي والعنبري وشريك وأبو حنيفة وأصحابه
رضي الله عنهم ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد وأبو ثور وابن المنذر
وروي عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الام
في الثلث فقسموه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ الأنثيين وبه قال مالك والشافعي رضي الله عنهما وإسحاق
لأنهم ساووا ولد الام في القرابة التي يرثون بها فوجب أن يساووهم في الميراث فإنهم جميعا من ولد
الام وقرابتهم من جهة الأب ان لم تزدهم قربا واستحقاقا فلا ينبغي أن تسقطهم ولهذا قال بعض الصحابة
وبعض ولد الأبوين لعمر وقد أسقطهم: هب أن أباهم كان حمارا فما زادهم ذلك الا قربا فشرك بينهم
وحرر بعض أصحاب الشافعي فيها قياسا فقال فريضته جمعت ولد الأب والام وولد الام وهم من أهل
الميراث فإذا ورث ولد الام وجب أن يرث ولد الأب والام كما لو لم يكن فيها زوج
ولنا قول الله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما
السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) ولا خلاف في أن المراد بهذه الآية ولد الام
22

على الخصوص فمن شرك بينهم فلم يعط كل واحد منهما السدس فهو مخالفة لظاهر القرآن ويلزم منه
مخالفة ظاهر الآية الأخرى وهي قوله (وان كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) يراد بهذه
الآية سائر الاخوة والأخوات وهم يسوون بين ذكرهم وأنثاهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألحقوا الفرائض
باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر) ومن شرك فلم يلحق الفرائض باهلها ومن جهة المعنى أن ولد الأبوين
عصبة لا فرض لهم وقد تم المال بالفروض فوجب أن يسقطوا كما لو كان مكان ولد الام ابنتان وقد
انعقد الاجماع على أنه لو كان في هذه المسألة واحد من ولد الام ومائة من ولد الأبوين لكان للواحد
السدس وللمائة السدس الباقي لكل واحد عشر عشره وإذا جاز ان يفضلهم الواحد هذا الفضل كله لم
لا يجوز لاثنين اسقاطهم؟ وقولهم تساووا في قرابة الام قلنا فلم لم يساووهم في الميراث في هذه المسألة؟
وعلى أنا نقول إن ساووهم في قرابة الام فقد فارقوهم في كونهم عصبة من غير ذوي الفروض وهذا
الذي افترقوا فيه هو المقتضي لتقديم ولد الام وتأخير ولد الأبوين فإن الشرع ورد بتقديم ذوي الفروض
وتأخير العصبة ولذلك يقدم ولد الام على ولد الأبوين في القدر في المسألة المذكورة وشبهها فكذلك يقدم
وان سقط ولد الأبوين كغيره ويلزمهم ان يقولوا في زوج وأخت من أبوين وأخت من أب معها أخوها
أن الأخ يسقط وحده فترث أخته السبع لأن قرابتها مع وجوده كقرابتها مع عدمه وهو لم يحجبها فهلا
عدوه حمارا وورثوها مع وجوده كميراثها مع عدمه؟ وما ذكروه من القياس طردي لا معنى تحته قال
العنبري القياس ما قال علي والاستحسان ما قال عمر قال الخبري وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة
وهو كما قال الا أن الاستحسان المجرد ليس بحجة في الشرع فإنه وضع للشرع بالرأي من غير دليل
23

ولا يجوز الحكم به لو انفرد عن المعارض فكيف وهو وفي مسئلتنا يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس؟
ومن العجب ذهاب الشافعي إليه ههنا مع تخطئته الذاهبين إليه في غير هذا الموضع وقوله من استحسن
فقد شرع وموافقة الكتاب والسنة أولى.
(فصل) ولو كان مكان ولد الأبوين عصبة من ولد الأب سقط قولا واحدا ولم يورثهم أحد من
أهل العلم فيما علمنا لأنهم لم يساووا ولد الام في قرابة الام ولو كان مكانهم أخوات من أبوين أو من
أب فرض لهن الثلثان وعالت المسألة إلى عشرة في قول الجميع الا في قول ابن عباس ومن تابعه ممن
لا يرى العول فإنهم يردون النقص على الأخوات غير ولد الام فمقتضى قوله سقوط الأخوات من ولد
الأبوين كما لو كانوا أخوة وسنبين أن الصواب خلاف ذلك أن شاء الله تعالى.
(فصل) إذ قيل امرأة خلفت أما وابني عم أحدهما زوج والاخر أخ من أم وثلاثة أخوة مفترقين
فقل هذه المشركة للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الام الثلث وسقط الأخوات من الأبوين
والأب ومن شرك جعل للأخ من الأبوين يتسع ولكل واحد من الأخوين من الام تسعا
(مسألة) قال وإذا كان زوج وأم وأخوة وأخوات لأم وأخت لأب وأم وأخوات
لأب فللزوج النصف وللأم السدس وللاخوة والأخوات من الام الثلث بينهم بالتسوية
وللأخت من الأب والام النصف وللأخوات من الأب السدس
أما التسوية بين ولد الام فلا نعلم فيه خلافا الا رواية شذت عن ابن عباس أنه فضل الذكر على
الأنثى لقول الله تعالى (فهم شركاء في الثلث) وقال في آية أخرى (وان كانوا اخوة رجالا ونساء
فللذكر مثل حظ الأنثيين)
24

ولنا قول الله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) فسوى بين الذكر والأنثى
وقوله (فهم شركاء في الثلث) من غير تفضيل لبعضهم على بعض يقتضي التسوية بينهم كما لو وصى لهم
بشئ أو أقر لهم به. وأما الآية الأخرى فالمراد بها ولد الأبوين وولد الأب بدليل أنه جعل للواحدة
النصف وللاثنتين الثلثين وجعل الأخ يرث أخته الكل ثم هذا مجمع عليه ولا عبرة بقول شاذ وتوريث
ولد الام ههنا الثلث والام السدس والزوج النصف تسمية لا خلاف فيها أيضا
وقد اجتمع في هذه المسألة فروض يضيق المال عنها فإن النصف للزوج والنصف للأخت من
الأبوين يكمل المال بهما ويزيد ثلث ولد الام وسدس الام وسدس الأخت من الأب فتعول المسألة
بثلثيها وأصلها من ستة أسهم فتعول إلى عشرة وتسمى أم الفروخ لكثرة عولها شبهوا أصلها بالام
وعولها بفروخها وليس في الفرائض مسألة نقول بثلثها سوى هذه وشبهها ولا بد في أم الفروخ من
زوج واثنين فصاعدا من ولد الام وأم أو جدة واثنين من ولد الأبوين أو الأب أو إحداهما من ولد
الأبوين والأخرى من ولد الأب فمتى اجتمع فيها هذا عالت إلى عشرة ومعنى العول أن تزدحم
فروض لا يتسع المال لها كهذه المسألة فيدخل النقص عليهم كلهم ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم
كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص لضيق ماله عن وفائهم ومال الميت بين أرباب الديون إذا
لم يفها والثلث بين أرباب الوصايا إذا عجز عنها وهذا قول عامة الصحابة ومن تبعهم من العلماء رضي
الله عنهم يروى ذلك عن عمر وعلي والعباس وابن مسعود وزيد، وبه قال مالك في أهل المدينة
والثوري وأهل العراق والشافعي وأصحابه وإسحاق ونعيم بن حماد وأبو ثور وسائر أهل العلم الا
ابن عباس وطائفة شذت يقل عددها. نقل ذلك عن محمد بن الحنفية ومحمد بن علي بن الحسين وعطاء
وداود فإنهم قالوا لا تعول المسائل
25

روي عن ابن عباس أنه قال في زوج وأخت وأم: من شاء باهلته أن المسائل لا تعول، إن الذي
أحصى رمل عالج عددا أعدل من أن يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا هذان نصفان ذهبا بالمال فأين
موضع الثلث؟ فسميت هذه المسألة مسألة المباهلة لذلك وهي أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي
الله عنه فجمع الصحابة للمشورة فيها فقال العباس أرى أن تقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به
عمر رضي الله عنه واتبعه الناس على ذلك حتى خالفهم ابن عباس فروى الزهري عن عبد الله بن عبد الله
ابن عتبة قال لقيت زفر بن أوس البصري فقال تمضي إلى عبد الله بن عباس نتحدث عنده فأتيناه
فتحدثنا عنده فكان من حديثه أنه قال سبحان الذي أحصى رمل عالج عددا ثم يجعل في مال نصفا
ونصفا وثلثا ذهب النصفان بالمال فأين موضع الثلث؟ وأيم الله لو قدموا من قدم الله وأخروا من أخر
الله ما عالت فريضة أبدا فقال زفر فمن الذي قدمه الله ومن الذي أخره الله؟ فقال الذي أهبطه من
فرض إلى فرض فذلك الذي قدمه والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي فذلك الذي أخره الله فقال زفر فمن
أول من أعال الفرائض؟ قال عمر بن الخطاب فقلت الا أشرت عليه؟ فقال هبته وكان أمرا مهيبا قوله
من أهبطه من فريضة إلى فريضة فذاك الذي قدمه الله يريد ان الزوجين والام لكل واحد منهم
فرض ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه وأما من أهبطه من فرض إلى ما بقي يريد البنات والأخوات
فإنهن يفرض لهن فإذا كان معهن اخوتهن ورثوا بالتعصيب فكان لهم ما بقي قل أو كثر فكان مذهبه
ان الفروض إذا ازدحمت رد النقص على البنات والأخوات
ولنا ان كل واحد من هؤلاء لو انفرد أخذ فرضه فإذا ازدحموا وجب أن يقتسموا على قدر
الحقوق كأصحاب الديون والوصيا، ولان الله تعالى فرض للأخت النصف كما فرض للزوج النصف
وفرض للأختين الثلثين كما فرض الثلث للأختين من الام فلا يجوز إسقاط فرض بعضهم مع نص الله
26

تعالى عليه بالرأي والتحكم ولم يمكن الوفاء بها فوجب أن يتساووا في النقص على قدر الحقوق كالوصايا
والديون. وقد يلزم ابن عباس على قوله مسألة فيها زوج وأم وأخوان من أم فإن حجب الام إلى السدس
خالف مذهبه في حجب الام بأقل من ثلاثة من الاخوة وان نقص الأخوين من الام رد النقص على من
لم يهبطه الله من فرض إلى ما بقي. وان أعال المسألة رجع إلى قول الجماعة وترك مذهبه ولا نعلم اليوم قائلا
بمذهب ابن عباس ولا نعلم خلافا بين فقهاء الأمصار في القول بالعول بحمد الله ومنه
(فصل) حصل خلاف ابن عباس للصحابة في خمس مسائل اشتهر قوله فيها (أحدها) زوج
وأبوان (والثانية) امرأة وأبوان للام ثلث الباقي عندهم وجعل هو لها ثلث المال فيها (والثالثة) انه
لا يحجب الام الا بثلاثة من الاخوة (الرابعة) لم يجعل الأخوات مع البنات عصبة (الخامسة) انه
لا يعيل المسائل، فهذه الخمس صحت الرواية عنه فيها، واشتهر عنه القول بها، وشذت روايات سوى
هذه ذكرنا بعضها فيما مضى
(مسألة) قال (وإذا كانا ابنا عم أحدهما أخ لام فللأخ للأم السدس وما بقي بينهما نصفين)
هذا قول جمهور الفقهاء يروى عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك ويروي ذلك عن علي رضي
الله عنه وزيد وابن عباس وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم. وقال ابن مسعود: المال للذي
هو أخ من أم وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وعطاء والنخعي وأبو ثور لأنهما استويا في قرابة لأب
وفضله هذا بأم فصار كأخوين أو عمين أحدهما لأبوين والآخر لأب ولأنه لو كان ابن عم أخوين
وابن عم لأب كان ابن العم للأبوين أولى فإذا كان قربه لكونه من ولد الجدة قدمه فكونه من ولد
الام أولى، ولنا ان الاخوة من الام يفرض له بها إذا لم يرث بالتعصيب وهو إذا كان معه أخ من
27

أبوين أو من أب أو عم وما يفرض له به لا يرجح به كما لو كان أحدهما زوجا، ويفارق الأخ من
الأبوين والعم وابن العم إذا كانا من أبوين فإنه لا يفرض له بقرابة أمه شئ فرجح به ولا يجتمع في
إحدى القرابتين ترجيح وفرض
(فصل) فإن كان معهما أخ لأب فللأب من الام السدس والباقي للأب من الأب فإن كان معهما أب
من أبوين فكذلك وإن كان ابن عم لأبوين وابن عم هو أخ لام فعلى قول الجمهور للأخ السدس والباقي
للآخر وعلى قول ابن مسعود المال كله لابن العم الذي هو أخ لام
(فصل) فإن كان ابنا عم أحدهما أخ من أم وبنت أو بنت ابن فللبنت أو بنت الابن النصف
والباقي بينهما نصفين وسقطت الاخوة من الام بالبنت ولو كان الذي ليس بأخ ابن عم من أبوين
اخذ الباقي كله كذلك وعلى قول ابن مسعود الباقي للأخ في المسئلتين بدليل أن الأخ من الأبوين
يتقدم عل الأخ من الأب بقرابة الام فإن كان في الفريضة بنت تحجب قرابة الام، وحكي عن سعيد
ابن جبير أن الباقي لابن العم الذي ليس بأخ، وإن كان من أب لأنه يرث بالقرابتين ميراثا واحدا
فإذا كان في الفريضة من يحجب إحداهما سقط ميراثه كما لو استغرقت الفروض المال سقط الأخ من
الأبوين ولم يرث بقرابة الام بدليل مسألة المشركة
ولنا علي بن مسعود أن البنت تسقط الميراث بقرابة الام فبقي التعصيب منفردا فيرث به وفارق
ولد الأبوين فإن قرابة الام ثم يرجح بها ولا يفرض لها فلا يؤثر فيها ما يحجها، وفي مسئلتنا يفرض
له بها فإذا كان في الفريضة من يحجبها سقطت ولأنه لو كان مع ابن العم الذي هو أخ أخ من أب وبنت
لحجبت البنت قرابة الام ولم ترث بها شيئا فكان للبنت النصف والباقي للأخ من الأب ولولا البنت
لورث لكونه أخا من أم السدس فإذا حجبته البنت مع الأخ من الأب وجب أن تحجبه في كل حال
28

لأن الحجب بها لا بالأخ من الأب وما ذكره سعيد بن جبير ينتقض بالأخ من الأبوين مع البنت
وبابن العم إذا كان زوجا ومعه من يحجب بني العم ولا نسلم أنه يرث ميراثا واحد بل يرث بقرابته
ميراثين كشخصين فصار كابن العم الذي هو زوج، وفارق الأخ من الأبوين فإنه لا يرث الا ميراثا
واحدا فإن قرابة الام لا ترث بها مفردة
(فصل) فحصل خلاف ابن مسعود في مسائل ست هذه إحداهن (والثانية) في بنت وبنات ابن
وابن ابن الباقي عنده للابن دون أخواته (الثالثة) في أخوات الأبوين وأخوات لأب الباقي عنده للأخ
دون أخواته (الرابعة) بنت وابن ابن وبنات ابن عنده لبنات الابن الاضر بهن من السدس أو
المقاسمة (الخامسة) أخت لأبوين وأخ وأخوات لأب للأخوات عنده الاضر بهن من ذلك (السادسة)
كان يحجب الزوجين والام بالكفار والعبيد والقاتلين ولا يورثهم
(فصل) ابن ابن عم هو أخ لام وابن ابن عم آخر للأخ السدس والباقي بينهما وعند ابن مسعود
الكل للأخ وسقط الآخر وإن كان أحدهما ابن أخ لام فلا شئ له بقرابة الاخوة لأن ابن الأخ للام
من ذوي الأرحام، وإن كان عمان (أحدهما) خال لام لم يرجح بخؤولته وقيل على قياس قول ابن مسعود
وجهان (أحدهما) لا يرجح بها (والثاني) يرجح بها على العم الذي هو من أب فيأخذ المال لأنه ابن
الجد والجدة والآخر ابن الجد لاغير، وإن كان العم الآخر من أبوين فالمال بينهما لأن كل واحد منهما
يدلي بجدة وهما ابنا الجد وهكذا القول في ابني عم أحدهما خال أو ابني ابني عم أحدهما خال فأما على
قول عامة الصحابة فلا أثر لهذا عندهم
(فصل) ابنا عم أحدهما زوج فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين عند الجميع فإن كان الآخر
أخا من أم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما أصلها من ستة للزوج أربعة وللأم اثنان،
29

وترجع بالاختصار إلى ثلاثة وعند ابن مسعود الباقي للأخ فتكون من اثنين لكل واحد منهما سهم.
ثلاثة بني عم أحدهم زوج والاخر أخ من أم فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما على ثلاثة
أصلها من ستة يضرب فيها الثلاثة تكن ثمانية عشر للزوج النصف تسعة وللأخ ثلاثة يبقى ستة بينهم
على ثلاثة فيحصل للزوج أحد عشر وهي النصف والتسع وللأخ خمسة وهي السدس والتسع،
ولثالث التسع سهمان فإن كان الزوج ابن عم لأبوين فالباقي كله له وإن كان هو والثالث من أبوين
فالثلث الباقي بينهما وتصح من ستة للزوج الثلثان ولكل واحد من الآخرين سدس، وابن مسعود في
جميع ذلك يجعل الباقي بعد فرض الزوج للذي هو أخ من أم
(فصل) أخوان من أم أحدهما ابن عم فالثلث بينهما والباقي لابن العم وتصح من سته لابن العم
خمسة وللآخر سهم ولا خلاف في هذه المسألة فإن كانوا ثلاثة أخوة أحدهم ابن عم فالثلث بينهم
على ثلاثة والباقي لابن العم وتصح من تسعة وإن كان اثنان منهم ابني عم فالباقي بعد الثلث
بينهما وتصح من تسعة.
(فصل) ثلاثة إخوة لام أحدهم ابن عم وثلاثة بني عم أحدهم أخ لام فاضمم واحدا من كل عدد
إلى العدد الآخر يصير معك أربعة بني عم وأربعة أخوة فهم سته في العدد وفي الأحوال ثمانية ثم اجعل
الثلث للاخوة على أربعة والثلثين على بني العم على أربعة فتصح من اثني عشر لكل أخ مفرد سهم
ولكل ابن عم مفرد سهمان ولكل ابن عم هو أخ ثلاثة فيحصل لهما النصف وللأربعة الباقين النصف
وعلى قول عبد الله للاخوة الثلث والباقي لابني العم الذين هما أخوات والله أعلم
30

(باب أصول سهام الفرائض التي تعول)
معنى أصول المسائل المخارج التي تخرج منها فروضها وأصول المسائل كلها سبعة لأن الفروض
المحدودة في كتاب الله تعالى ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس، ومخارج هذه
الفروض مفردة خمسة لأن الثلث والثلثين مخرجهما واحد والنصف من اثنين والثلث والثلثان من ثلاثة
والربع من أربعة والسدس منه ستة والثمن من ثمانية والربع مع السدس أو الثلث أو الثلثين من اثني عشر
والثمن مع السدس أو الثلثين من أربعة وعشرين فصارت سبعة. وهذه الفروض نوعان (أحدهما)
النصف ونصفه ونصف نصفه (والثاني) الثلثان ونصفهما ونصف نصفهما. وكل مسألة فيها فرض مفرد
فأصلها من مخرجه وإن كان فيها فرضان يؤخذ أحدهما من مخرج الآخر فأصلها من مخرج أقلهما، وإن كان
فيها فرضان من نوعين لا يؤخذ أحدهما من مخرج الآخر فاضرب أحد المخرجين في الآخر أو
وفقه فما بلغ فهو أصل المسألة وفيها يكون العول لأن العول إنما يكون في مسألة تزدحم فيها الفروض ولا
يتسع المال لها فكل مسألة فيها نصف وفرض من النوع الآخر فأصلها من ستة لأن مخرج النصف اثنان
ومخرج الثلث والثلثين ثلاثة فتضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة وهكذا سائرها
والمسائل على ثلاثة أضرب: عادلة وعائلة ورد، فالعادلة التي يستوي مالها وفروضها،
والعائلة التي تزيد فروضها عن مالها، والرد التي يفضل مالها عن فروضها ولا عصبة فيها وسنذكر أمثلة
هذه الأضرب في هذا الباب بعون الله
31

(مسألة) قال (وما فيه نصف وسدس أو نصف وثلث أو نصف وثلثان فأصلها من
ستة وتعول إلى سبعة والى ثمانية والى تسعة والى عشرة ولا تعول أكثر من ذلك)
أما إذا كان نصف وسدس فإن مخرج النصف اثنان ويوجد ذلك في مخرج السدس وهو الستة
فكان أصلهما جميعا ستة وهكذا لو كان سدس وثلث أو ثلثان فأصلهما من مخرج السدس لا يزيد عليه
وان اجتمع النصف والثلثان أو الثلث فإن مخرج النصف اثنان ومخرج الثلث والثلثين ثلاثة ولا وفق
بينهما فاضرب أحد المخرجين في الآخر تكن ستة ويصير كل كسر بعدد مخرج الآخر ويدخل العول
هذا الأصل لازدحام الفروض فيه وهو أكثرها عولا والعول زيادة في السهام ونقصان في أنصباء
الورثة وأمثلة ذلك: زوج وأم وأخ من أم أصلها من ستة ومنها تصح زوج وأم وأخوان من أم، بنت
وأم وعم أو عصبة ثلاث أخوات متفرقات وأخ من أم أو أم أو جدة، أبوان وبنتان بنت وأبوان، بنت
وبنت ابن وأبوان أو جد وجدة، العول زوج وأختان من أبوين أو من أب أو أحدهما من أبوين والأخرى
من أب أو أم أو أخت من أب وأخت من أم أصلها من ستة وتعول إلى سبعة زوج وأخت وجدة
أو أخ لام، ست أخوات مفترقات وأم أخت لأب وأم وأخت لأب وأم وأخوان لام، عول
ثمانية زوج وأخت وأم للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث سهمان تعول إلى
32

ثمانية وهي مسألة المباهلة فإن كان معهم أخت أخرى من أي جهة كانت أو أخ من أم فهي من ثمانية أيضا
(عول تسعة) زوج وست أخوات مفترقات تعول إلى تسعة وتسمى الغراء زوج أم وثلاث أخوات مفترقات
تعول إلى عشرة وتسمى أم الفروخ لكثرة عولها لأنها عالت بثلثيها فشبهوا الأصل بالام والعول بالفروخ.
ويروى أن رجلا جاء إلى شريح فقال إن امرأتي ماتت ولم تترك ولدا فكم لي من ميراثها؟ قال لك النصف فمن
خلفت؟ قال خلفت أمها وأختيها من أبيها وأختيها من أمها وأبا قال لك ثلاثة أسهم من عشرة فخرج الرجل فقال
ألا تعجبون من قاضيكم؟ قال لي النصف فوالله ما أعطاني نصفا ولا ثلثا، فقال له شريح الا انك تراني قاضيا
ظالما وانا أراك رجلا فاجرا تكتم القصة وتذيع الفاحشة، ومتى عالت المسألة إلى تسعة أو إلى عشرة لم يكن الميت
امرأة لأنها لابد فيها من زوج ولا يمكن أن تعول المسألة إلى أكثر من هذا ولا يمكن أن يجتمع فروض
أكثر من هذا. وطريق العمل في العول ان تأخذ الفروض من أصل المسألة وتضم بعضها إلى بعض فما
بلغت السهام فإليه ينتهي فنقول في زوج وأم وست أخوات مفترقات للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس
سهم وللأختين الثلثان أربعة وللأختين من الام الثلث سهمان صارت عشرة
33

(مسألة) قال (وما فيه ربع وسدس أو ربع وثلث أو ربع وثلثان فأصلها من اثنى
عشر وتعول إلى ثلاثة عشر والى خمسة عشر والى سبعة عشر ولا تعول إلى أكثر من ذلك)
إنما كان أصلها من اثنى عشر لأن مخرج الربع أربعة ومخرج الثلث ثلاثة ولا وفق بينهما فإذا ضربت
أحدهما في الآخر كان اثنى عشر فإن كان مع الربع سدس فبين الستة والأربعة موافقة وإذا ضربت
وفق أحدهما في الآخر صار اثني عشر، ولا بد في هذا الأصل من أحد الزوجين لأنه لابد فيها من ربع
ولا يكون فرضا لغيرهما. وأمثلة ذلك: زوج وأبوان وخمسة بنين للزوج الربع ثلاثة وللأبوين السدسان
يبقى خمسة لكل ابن سهم: زوج وابنتان وأخت وعصبة: امرأة وأختان للأبوين أو لأب أو
أختان لام وعصبة: امرأة واخوان لام وسبعة اخوة لأب. العول زوج وابنتان وأم تعول إلى ثلاثة عشر
امرأة وثلاث أخوات مفترقات: زوج وأبوان وابنتان تعول إلى خمسة عشر: امرأة وأختان من أب وأختان
من أم: امرأة وأم وست أخوات مفترقات تعول إلى سبعة عشر: ثلاث نسوة وجدتان وأربع أخوات
لأم وثمان لأب تعول إلى سبعة عشر ويصح لكل واحدة منهن سهم وتسمى أم الأرامل ويعايا بها
فيقال سبع عشرة امرأة من جهات مختلفة اقتسمن مال ميت بالسوية لكل امرأة سهم وهي هذه ولا
يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذا ولا يمكن أن يكمل هذا الأصل بفروض من غير عصبة ولا عول
34

ولا يمكن ان تعول الا على الافراد لأن فيها فرضا يباين سائر فروضها وهو الربع فإنه ثلاثة وهي فرد
وسائر فروضها يكون زوجا فالسدس اثنان والثلث أربعة والثلثان ثمانية والنصف ستة ومتى عالت إلى
سبعة عشر لم يكن الميت فيها إلا رجلا
(مسألة) قال (وما كان فيه ثمن وسدس أو ثمن وسدسان أو ثمن وثلثان فأصلها من أربعة
وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين ولا تعول إلى أكثر من ذلك)
إنما كان كذلك لأنك تضرب مخرج الثمن في مخرج الثلثين أو في وفق مخرج السدس فيكون
أربعة وعشرين ولم نقل ثمن وثلث لأن الثلث لا يجتمع مع الثمن فإنه لا يكون إلا للزوجة مع الولد ولا
يكون الثلث في مسألة فيها ولد لأنه لا يكون الا لولد الام والولد يسقطهم أو الام بشرط عدم الولد
ومسائل ذلك: امرأة وأبوان وابن أو ابنان أو بنون وبنات: امرأة وابنتان وأم وعصبة: ثلاث نسوة
وأربع جدات وستة عشر بنتا وأخت: امرأة وبنت ابن وجدة وعصبة: العول امرأة وأبوان وابنتان
تعول إلى سبعة وعشرين وتسمى البخيلة لأنها أقل الأصول عولا لم تعل الا بثمنها وتسمى المنبرية لأن
عليا رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال صار ثمنها تسعا ومضى في خطبته. يعني ان المرأة كان لها
الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين صار لها بالعول ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التسع ولا يكون الميت
35

في هذا الأصل إلا رجلا لأن فيها ثمنا ولا يكون الا للمرأة مع الولد ولا يمكن أن يعول هذا الأصل
إلى أكثر من هذا إلا على قول ابن مسعود بأنه يحجب الزوجين والام بالولد والكافر والقاتل والرقيق
ولا يورثه، فعلى قوله إذا كانت امرأة وأم وست أخوات مفترقات وولد كافر فللأخوات الثلث
والثلثان أربعة وعشرون وللأم والمرأة السدس والثمن سبعة فتعول إلى أحد وثلاثين
(فصول في تصحيح المسائل)
وإذا لم تنقسم سهام فريق من الورثة عليهم قسمة صحيحة فاضرب عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة
إلا أن يوافق عددهم سهامهم بنصف أو ثلث أو غير ذلك من الاجزاء فيجزئك ضرب وفق عددهم في أصل
المسألة وعولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح فإذا أردت القسمة فكل من له شئ من أصل المسألة مضروب
في العدد الذي ضربته في المسألة وهو الذي يسمى جزء السهم فما بلغ فهو له إن كان واحدا وان كانوا
جماعة قسمته عليهم، وان شئت قلت إذا كان الكسر على فريق واحد فلو أحدهم بعد التصحيح مثل
ما كان لجماعتهم قبل التصحيح أو وفقه إن كان وافق، مثال ذلك: زوج وأم وثلاثة اخوة أصلها من
ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم بقي للاخوة سهمان لا تنقسم عليهم ولا توافقهم فاضرب
عددهم وهو ثلاثة في أصل المسألة تكن ثمانية عشر سهما: للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم سهم في
ثلاثة ثلاثة وللاخوة سهمان في ثلاثة تكن ستة لكل واحد منهم سهمان، ولو كان الاخوة ستة وافقتهم
36

سهامهم بالنصف فردهم إلى نصفهم ثلاثة وتعمل فيها كعملك في الأولى سواء ولكل واحد من الاخوة
سهم وهو فوق سهام جماعتهم
(فصل) وإن كان الكسر على فريقين لم تخل من أربعة أقسام [أحدها] أن يكون العددان
متماثلين فيجزئك ضرب أحدهما في المسألة ومثال ذلك: زوج وثلاث جدات وثلاثة اخوة أصلها
من ستة للزوج ثلاثة وللجدات سهم وللاخوة سهمان فتضرب أحد العددين في المسألة تكن ثمانية
عشر، وطريق القسمة فيها مثل طريقها إذا كان الكسر على فريق واحد سواء ولو كان الاخوة ستة
وافقوا سهمهم بالنصف رجعوا إلى ثلاثة وكان العمل فيها كما ذكرنا سواء
(القسم الثاني) أن يكون العددان متناسبين وهو أن يكون أحدهما ينتسب إلى الآخر بجزء من
أجزائه كنصفه وثلثه أو غير ذلك من الاجزاء فيجزئك ضرب العدد الأكثر منهما في المسألة،
ومثاله ما لو كان الجدات في هذه المسألة ستا فإن عدد الأخوات نصف عدد الجدات فاجتزئ بعددهن
واضربه في أصل المسألة تكن ستة وثلاثين ومنها تصح، ولو كان عدد الاخوة ستة وافقتهم سهامهم
بالنصف ورجعوا إلى ثلاثة وعملت على ما ذكرنا
(القسم الثالث) أن يكون العددان متباينين لا يماثل أحدهما الآخر ولا يناسبه ولا يوافقه
مثل أن يكون عدد الجدات أربعا والاخوة ثلاثة فإنك تضرب عدد أحدهما في جميع الأجزاء فما بلغ
37

ضربته في المسألة ومتى ضربته ههنا كان اثني عشر فإذا ضربته في المسألة كانت اثنين وسبعين، وان
وافق أحد العددين سهامه دون الآخر أخذت وفق الموافق وضربته فيما لم يوافق وعملت على ما ذكرنا
وان وافقا جميعا سهامهما رددتهما إلى وفقهما وعملت في الوفقين عملك في العددين الأصلين
(القسم الرابع) أن يكون العددان متفقين بنصف أو ثلث أو ربع أو غيره ذلك من الاجزاء
فإنك ترد أحد العددين إلى وفقه ثم تضربه في جميع الآخر فما بلغ ضربته في المسألة ومثاله أن تكون
الاخوة تسعة والجدات ستا فيتفقان بالثلث فترد الجدات إلى ثلثهن اثنين وتضربهما في عدد الاخوة
تكن ثمانية عشر تم تضرب ذلك في أصل المسألة تكن مائة وثمانية ومنها تصح
(فصل) وإن كان الكسر على ثلاثة أحياز نظرت فإن كانت متماثلة كثلاث جدات وثلاث
بنات وثلاثة أعمام ضربت أحدها في المسألة فما بلغ فمنه تصح المسألة، ولكل واحد منهم بعد التصحيح
مثل ما كان لجماعتهم، وان كانت متناسبة كجدتين وخمس بنات وعشرة أعمام اجتزأت بأكثرها وهي
العشرة فضربتها في المسألة تكن ستين ومنها تصح، وان كانت متباينة مثل أن يكون الأعمام في هذه
المسألة ثلاثة ضربت بعضها في بعض تكن ثلاثين ثم ضربتها في المسألة تكن مائة وثمانين، وان كانت
متوافقة كست جدات وتسع بنات وخمسة عشر عما ضربت وفق عدد منها في جميع الآخر فما بلغ
وافقت بينه وبين الثالث وضربت وفقه في جميع الثالث ثم اضرب ما معك في أصل المسألة فما بلغ
38

فمنه تصح، وان تماثل اثنان منها وباينهما الثالث أو وافقهما ضربت أحد المتماثلين في جميع الثالث
أو في وفقه وإن كان موافقا فما بلغ ضربته في المسألة، وان تناسب اثنان وباينهما الثالث ضربت أكثرهما
في جميع الثالث أو في وفقه إن كان موافقا ثم في المسألة وان توافق اثنان وباينهما الثالث ضربت وفق
أحدهما في جميع الآخر ثم في الثالث، وان تباين اثنان ووافقهما الثالث كأربعة أعمام وست جدات
وتسع بنات أجزأك ضرب أحد المتباينين في الآخر ثم تضربه في المسألة ويسمى هذا الموقوف المقيد
لأنك إذا أردت وقف أحدهما لم يقف إلا الستة ولو وقفت غيرها مثل أن تقف التسعة وترد الستة
إلى الاثنين أدخلا في الأربعة وأجزأك ضرب الأربعة في التسعة، ولو وقفت الأربعة رددت الستة
إلى ثلاثة ودخلت في التسعة وأجزأك ضرب الأربعة في التسعة. فاما إن كانت الاعداد الثلاثة متوافقة
فإنه يسمى الموقوف المطلق وفي عملها طريقان (أحدهما) ما ذكرناه من قبل وهو طريق الكوفيين
(والثاني) طريق البصريين وهو أن تقف أحد الثلاثة وتوافق بينه وبين الآخرين وتردهما إلى
وفقهما ثم تنظر في الوفقين فإن كانا متماثلين ضربت أحدهما في الموقوف، وإن كانا متناسبين ضربت
أكثرهما، وإن كانا متباينين ضربت أحدهما في الآخر ثم في الموقوف، وإن كانا متوافقين ضربت
وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الموقوف فما بلغ ضربته في المسألة، ومثال ذلك عشر جدات واثنا
عشر عما وخمس عشرة بنتا فقف العشرة توافقها الاثنا عشر بالنصف فترجع إلى ستة وتوافقها الخمس
39

عشرة بالأخماس فترجع إلى ثلاثة وهي داخلة في الستة فتضرب الستة في العشرة تكن ستين ثم في المسألة
تكن ثلاثمائة وستين وان وقفت الاثنا عشر رجعت العشرة إلى نصفها خمسة والخمس عشرة إلى ثلثها
خمسة وهما متماثلان فتضرب خمسة في اثني عشر تكن ستين، وإن وقفت الخمس عشرة رجعت
العشرة إلى اثنين والاثنا عشر إلى أربعة، ودخل الاثنان في الأربعة فتضربها في الخمس عشرة
تكن ستين ثم في المسألة
(فصل) في معرفة الموافقة والمناسبة والمباينة: الطريق في ذلك أن تلقي أقل العددين من أكثرهما
مرة بعد أخرى فإن فني به فالعددان متناسبان وان لم يفن به ولكن بقيت منه بقية ألقيتها من العدد
الأقل فإن بقيت منه بقية ألقيتها من البقية الأولى ولا تزال كذلك تلقي كل بقية من التي قبلها حتى يصل
إلى عدد يفني الملقى منه غير الواحد فأي بقية فنى بها غير الواحد فالموافقة بين العددين بجزء وتلك
البقية ان كانت اثنين فبالأنصاف وان كانت ثلاثة فبالأثلاث فإن كانت أربعة فبالأرباع فإن كانت
أحد عشر أو اثنى عشر أو ثلاثة عشر فبجزء ذلك وان بقي واحد فالعددان متباينان، ومما يدلك على
تناسب العددين انك متى زدت على الأقل مثله أبدا ساوى الأكثر ومتى قسمت الأكثر على الأقل انقسم
قسمة صحيحة ومتى نسبت الأقل إلى الأكثر انتسب إليه بجزء واحد ولا يكون ذلك الا في النصف فما دونه
(فصل) في مسائل المناسخات ومعناها أن يموت من ورثة الميت انسان قبل قسم تركة الأول
40

فإذا وجد ذلك نظرت فإن كان ورثة الأول يرثون الثاني على حسب ميراثهم من الأول مثل أن
يكونوا عصبة لهما جميعا وقد يتفق ذلك في أصحاب الفروض في مسائل يسيرة كرجل مات عن امرأة
وثلاثة بنين وبنت ثم ما ت أحد البنين قبل قسمة التركة فإن للمرأة من الأول سهما مثل سهم البنت
وكنصف سهم ابن وكذلك لها من الثانية فإذا كان كذلك فاقسم المسألة على ورثة الثاني ولا تنظر
إلى الأول، فلو خلف رجل خمسة بنين وخمس بنات فمات منهم ابن ثم بنت ثم ابن ثم بنت ثم ابن
ثم بنت قسمت الميراث على الابنين الباقيين والبنتين للذكر مثل حظ الأنثيين ولم ينظر في بقية المسائل
فإن كان معهم من يرث من الأولى دون ما بقي كما لو كان مع هؤلاء امرأة للميت ليست أما لهم فإنك
تفرز لها الثمن وتقسم الباقي على ما ذكرنا وان كانت أما لهم الا أنها ماتت قبلهم أو بعد بعضهم ولم
تخلف وارثا غيرهم قسمت الميراث كله على الباقين للذكر مثل حظ الأنثيين ولم ينظر في ميراثها لأنه
قد صار إليهم فإن لم يكونوا كذلك فإنك تقسم مسألة الأول ثم تنظر ما صار للميت الثاني فيها فإن
انقسم على مسئلته فقد صحت المسئلتان مما صحت منه الأولى ومثال ذلك امرأة وبنت من غيرها وأخ
ماتت البنت وخلفت زوجا وبنتا وعما فالمسألة الأولى من ثمانية للمرأة سهم وللبنت أربعة ويبقي للأخ ثلاثة
ومسألة الميتة الثانية من أربعة لزوجها سهم ولابنتها سهمان ويبقى سهم للأخ الأول فصار له من المسئلتين
41

أربعة أسهم وصحت المسئلتان من ثمانية وان لم تنقسم سهام الميت الثاني على مسئلته وافقت بين سهامه
ومسئلته فإن اتفقا رددت مسئلته إلى وفقها ثم ضربته في المسألة الأولى فما بلغ فمنه تصح المسئلتان
ثم كل من له شئ من المسألة الأولى مضروب في وفق المسألة الثانية وكل من له شئ من المسألة
الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني مثال ذلك إذا خلفت البنت زوجا وابنتين فمسئلتها
من اثنى عشر توافقها سهامها بالربع فترجع إلى ثلاثة تضرب في ثمانية تكن أربعة وعشرين للمرأة سهم
من الأولى في ثلاثة وللأخ ثلاثة في ثلاثة بتسعة وله من الثانية سهم في سهم تكن عشرة وللزوج
ثلاثة في سهم وللابنتين ثمانية وان لم يوافق سهامه مسئلته ضربت المسألة الثانية في الأولى ثم كل
من له شئ من المسألة الأولى مضروب في الثانية ومن له شئ من الثانية مضروب في سهام الميت
الثاني فإن مات ثالث عملت مسئلته ونظرت سهامه مما صحت منه المسئلتان فإن انقسم على مسئلته
صحت مما صحت منه الأوليان وان لم تصح وافقت بين مسئلته وسهامه وضربت وفق سهام مسئلته
ان وافقت أو جميعها ان لم توافق فيما صحت منه الأوليان وعملت على ما ذكرنا وكذلك تصنع في
الرابع والخامس وما بعده
(فصل) وان أردت قسمة المسألة على قراريط الدينار فإنها في عرف أهل بلدنا أربعة وعشرون قيراطا
فإن كانت السهام كثيرة فلك في قسمها طريقان (أحدهما) أن ينظر ما تركب منه العدد
42

فإنه لابد أن يتركب من ضرب عدد في عدد فانسب أحد العددين إلى أربعة وعشرين إن كان أقل
منها وخذ من العدد الآخر مثل تلك النسبة فما كان فهو لكل قيراط، وإن كان أكثر من أربعة
وعشرين قسمه عليها فما خرج بالقسم فاضربه في العدد الآخر فما بلغ فهو نصيبه ومثال ذلك ستمائة
أردت قسمتها فإنك تعلم أنها متركبة من ضرب عشرين في ثلاثين فانسب العشرين إلى أربعة وعشرين
تكن نصفها وثلثها فخذ نصف الثلثين وثلثها خمسة وعشرون فهو سهم القيراط وإن قسمت الثلثين على
أربعة وعشرين خرج بالقسم سهم وربع فاضربها تكن خمسة وعشرين كما قلنا
(والثاني) أن تنظر عددا إذا ضربته في الأربعة والعشرين ساوى المقسوم أو قاربه فإذا بقيت
منه بقية ضربتها في عدد آخر حتى يبقى أقل من المقسوم عليه ثم تجمع العدد الذي ضربته إليه وتنسب
تلك البقية من المقسوم عليه فتضمها إلى العدد فيكون ذلك سهم القيراط مثاله في مسئلتا أن تضرب
عشرين في أربعة وعشرين تكن أربعمائة وثمانين ثم تضرب خمسة في أربعة وعشرين تكن مائة وعشرين
وتضم الخمسة إلى العشرين فيكون ذلك سهام القيراط فإذا عرفت سهام القيراط فانظر كل من له أسهم
فاعطه بكل سهام من سهم القيراط قيراطا، فإن بقي له من السهام مالا يبلغ قيراطا فانسبه إلى سهام القيراط
واعطه منه مثل تلك النسبة، فإن كان في سهام القيراط كسر بسطتها من جنس الكسر ثم كل من له
43

سهام بعدد مبلغ السهام فله بعدد مخرج الكسر قراريط وتضرب بقية سهامه في مخرج الكسر وتنسبها
منها، مثال ذلك زوج وأبوان وابنتان ماتت الام وخلفت أما وزوجا وأختا من أبوين وأختين من
أب وأختين من أم فالأولى من خمسة عشر والثانية من عشرين فتضرب وفق إحداهما في الأخرى
تكن مائة وخمسين وسهم القيراط ستة وربع فابسطها أرباعا تكن خمسة وعشرين فهذه سهام القيراط
فللبنت من الأولى أربعة في عشرة تكن أربعين فلها بخمسة وعشرين أربعة تبقى خمسة عشر اضربها
في مخرج الكسر تكن ستين واقسمها على خمسة وعشرين تكن اثنين وخمسين فصار لها ستة وخمسان
وللأب من الأولى والثانية ستة وعشرون فله بخمسة وعشرين أربعة قراريط وابسط السهم الباقي أرباعا
تكن أربعة أخماس خمس ولزوج الأولى ثلاثون فله بخمسة وعشرين منها أربعة قراريط وابسط
الخمسة الباقية تكن عشرين وهي أربعة أخماس قيراط ولام الثانية سهمان ابسطهما أرباعا تكن خمس
قيراط وثلاثة أخماس خمس قيراط وكذلك لكل أخت من أم وللأختين من الأب مثل ذلك وللأخت
من الأبوين ستة ابسطها أرباعا تكن أربعة أخماس قيراط وأربعة أخماس خمس
(فصل) في قسمة التركات ان أمكن أن تنسب سهام كل وارث من المسألة ثم تعطيه من التركة
مثل تلك النسبة فحسن ومثال ذلك زوج وأبوان وابنتان والتركة أربعون دينارا فللزوج ثلاثة وهي
خمس المسألة فله خمس التركة وهي ثمانية دنانير ولكل واحد من الأبوين ثلثا خمس المسألة فله
ثلثا الثمانية ولكل واحد من البنين مثل ما للأبوين كليهما وإن شئت ضربت سهام كل وارث في التركة
44

وقسمت ذلك على المسألة فما خرج فهو نصيبه، وان شئت قسمت التركة على المسألة ثم ضربت الخارج
بالقسم في سهام كل وارث فما بلغ فهو له، وإذا كانت المسألة عددا أصما عملت بإحدى هاتين الطريقتين
وإن كان في السهام كسر بسطتها من جنسه على ما ذكرنا في القسم على قراريط الدينار ولك في قسم
التركة في مسائل المناسخات أن تقسم التركة أو القراريط على المسألة الأولى فما حصل للميت الثاني
قسمته على مسئلته ثم تفعل بالثالث والرابع وما بعدهما كذلك، وإذا كان بين المسألة والتركة
موافقة فخذ وفقيهما واعمل بهما ما ذكرنا
(فصل) وإذا كانت التركة سهاما من عقار فاضرب أصل سهام العقار فيما صحت منه المسألة
فما بلغ فهو سهام العقار واضرب سهام كل وارث من أصل المسألة في السهام الموروثة من العقار واضرب
سهام الشركاء في أصل مسألة الورثة ومثال ذلك زوج وأم وأخت والتركة ربع وسدس دار المسألة
من ثمانية وأصل سهام العقار اثنا عشر فاضربها في الثمانية تكن ستة وتسعين فللزوج ثلاثة من مسألة
مضروبة في السهام الموروثة وهي خمسة تكن خمسة عشر وللأخت كذلك فانسبها من الدار تكن ثمنها
وربع ثمنها وللأم سهمان في خمسة تكن عشرة وهي نصف سدس الدار وثمن سدسها، وان شئت
قلت هي نصف ثمنها وثلث ثمنها وإن شئت بسطت الربع والسدس من قراريط الدينار وهي عشرة
وقسمتها على المسألة فللام ربعها وهي قيراطان ونصف وللأخت ثلاثة أثمانها وهي ثلاثة قراريط وثلاثة
أرباع قيراط وكذلك الزوج
45

(مسألة) قال (ويرد على كل أهل الفرائض على قدر ميراثهم الا الزوج والزوجة)
وجملة ذلك أن الميت إذا لم يخلف وارثا إلا ذوي فروض ولا يستوعب المال كالبنات والأخوات
والجدات فإن الفاضل عن ذوي الفروض يرد عليهم على قدر فروضهم إلا الزوج والزوجة روي ذلك
عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وحكي ذلك عن الحسن وابن سيرين وشريح
وعطاء ومجاهد والثوري وأبي حنيفة وأصحابه قال ابن سراقة وعليه العمل اليوم في الأمصار إلا أنه
يروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرد على بنت ابن مع بنت ولا على أخت من أب مع أخت من أبوين
ولا على جدة مع ذي سهم، وروى ابن منصور عن أحمد أنه لا يرد على ولد الام مع الام ولا على الجد
مع ذي سهم والذي ذكر الخرقي أظهر في المذهب وأصح وهو قول عامة أهل الرد لأنهم تساووا في
السهام فيجب أن يتساووا فيما يتفرع عليها ولان الفريضة لو عالت لدخل النقص على الجميع بالرد ينبغي
أن ينالهم أيضا فأما الزوجان فلا يرد عليهما باتفاق من أهل العلم إلا أنه روي عن عثمان رضي الله عنه
أنه رد على زوج ولعله كان عصبة أو ذا رحم فأعطاه لذلك أو أعطاه من مال بيت المال لا على سبيل
الميراث وسبب ذلك إن شاء الله ان أهل الرد كلهم من ذوي الأرحام فيدخلون في عموم قول الله
تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) والزوجان خارجان من ذلك وذهب زيد
46

ابن ثابت إلى أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال ولا يرد على أحد فوق فرضه وبه قال مالك والأوزاعي
والشافعي رضي الله عنهم لأن الله تعالى قال في الأخت (فلها نصف ما ترك) ومن رد عليها جعل لها الكل
ولأنها ذات فرض مسمى فلا يرد عليها كالزوج
ولنا قول الله تعالى (وأدلوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وهؤلاء من ذوي
الأرحام وقد ترجحوا بالقرب إلى الميت فيكونون أولى من بيت المال لأنه لسائر المسلمين وذو الرحم
أحق من الأجانب عملا بالنص، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فالي)
وفي لفظ (من ترك دينا فالي ومن ترك مالا فللوارث) متفق عليه وهذا عام في جميع المال، وروي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (تحرز المرأة ثلاثة مواريث لقبطها وعتيقها والولد الذي لاعنت عليه)
أخرجه ابن ماجة فجعل لها ميراث ولدها المنفي باللعان كله خرج من ذلك ميراث غيرها من ذوي
الفروض بالاجماع بقي الباقي على مقتضى العموم ولأنها من وراثه بالرحم فكانت أحق بالمال من بيت المال
كعصباته فاما قوله تعالى (فلها نصف ما ترك) فلا ينفي أن يكون لها زيادة عليه بسبب آخر كقوله تعالى
(ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) لا ينفي أن يكون للأب السدس وما فضل
عن البنت بجهة التعصيب وقوله (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) لم ينف أن يكون للزوج ما فضل إذا كان
ابن عم أو مولى وكذلك الأخ من الام إذا كان ابن عم والبنت وغيرها من ذوي الفروض إذا كانت
معتقة كذا ههنا تستحق النصف بالفرض والباقي بالرد وأما الزوجان فليسا من ذوي الأرحام
47

(مسألة) قال (وإذا كانت أخت لأب وأم وأخت لأب وأخت لأم فللأخت للأب
والام النصف وللأخت للأب السدس وللأخت للأم السدس وما بقي يرد عليهن
على قدر سهامهن)
فصار المال بينهن على خمسة أسهم للأخت للأب والام ثلاثة أخماس المال وللأخت للأب الخمس
وللأخت للام الخمس طريق العمل في الرد أن تأخذ سهام أهل الرد من أصل مسئلتهم وهي أبدا تخرج
من ستة إذ ليس في الفروض كلها ما لا يؤخذ في الستة الا الربع والثمن وليس لغير الزوجين وليسا من
أهل الرد ثم تجعل عدد سهامهم أصل مسئلتهم كما صارت السهام في المسألة العائلة هي المسألة التي تضرب
فيها العدد الذي انكسرت عليه سهامه فكذا ههنا إذا انكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم لأن
ذلك صار أصل مسئلتهم وينحصر في ذلك أربعة أصول أولها أصل اثنين كجدة وأخ من أم لكل واحد
منهما السدس أصلها اثنان ثم تقسم المال عليهما فيصير لكل واحد منهما نصف المال فإن كان الجدات
ثلاثا فلهن سهم لا ينقسم عليهن اضرب عددهن في أصل المسألة وهو اثنان تصير ستة للأخ من الام
النصف ثلاثة ولكل واحد منهم سهم أصل ثلاثة أم واخ من أم وأم واخوان لام فإن كانوا ثلاثة ضربت
عددهم في أصل مسئلتهم وهو ثلاثة صارت تسعة ومنها تصح ثلاثة جدات وأربعة اخوة من أم للاخوة
48

سهمان يوافقهم بالنصف يرجع عددهم إلى اثنين تضربهما في عدد الجدات ثم في أصل المسألة صارت
ثمانية عشر ومنها تصح، أصل أربعة أخت لأبوين وأخت لأب أو أم أو أخ لام أو جدة، بنت وأم أو جدة
بنت وبنت ابن، فإن كان بنات الابن أربعا ضربتهن في أصل المسألة وهي أربعة صارت ستة عشر
ومنها تصح، أصل خمسة ثلاث أخوات مفترقات للأخت من الأب والام النصف وللأخت من الأب
السدس وللأخت من الام السدس وهذه مسألة الخرقي أم وأخت لأبوين أو لأب أم وأخت لأبوين
وأخت لأب أو لام ولا تزيد مسائل الرد ابدا على هذا لأنها لو زادت سهما لكمل المال ولم يبق
شئ منه يرد، ثلاث جدات وبنت وأربع بنات ابن أصلها من خمسة وتصح من ستين ومتى كان
الرد على جز واحد فله جميع المال بالفرض والرد كأنه عصبة فإن كان شخصا واحدا فالمال له، وإن كان
جماعة قسمته عليهم على عددهم كالبنين والاخوة
(فصل) فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه من أصل مسئلته وقسمت الباقي من مسئلته
على فريضة أهل الرد فإن انقسم صحت المسئلتان ولا يتفق هذا الا أن يكون للزوج امرأة لها الربع
ومسألة أهل الرد من ثلاثة كامرأة وأم واخ لام أو أم وأخوين لام أو جدة وأخوين لام فللمرأة الربع
من أربعة يبقى ثلاثة على فريضة أهل الرد وهي ثلاثة فتصح عليها ويصح الجميع من أربعة فإن انكسر
على عدد منه ضربته في أربعة كأربع زوجات وأم واخ لام تصح من ستة عشر وان لم ينقسم
49

فاصل مسألة الزوج على فريضة أهل الرد لم يمكن ان يوافقها أيضا فاضرب فريضة الرد في فريضة
الزوج فما بلغ فإليه تنتقل المسألة فإذا أردت القسمة فلاحد الزوجين فريضة الرد ولكل واحد
من أهل الرد سهامه من مسئلته مضروبة في فاضل فريضة الزوج فما بلغ فهو له إن كان واحدا
وان كانوا جماعة قسمته عليهم فإن لم ينقسم ضربته أو وفقه فيما انتقلت إليه المسئلة وتصح على
ما مضى في باب التصحيح وهذا ينحصر في أصول خمسة [أحدها] زوج وجدة وأخ لام، للزوج
النصف وأصل مسألته من اثنين له سهم يبقى سهم على مسألة الرد وهي اثنان فتضرب اثنين في اثنين
يكن أربعة ولا يقع الكسر في هذا الأصل إلا على فريق واحد وهو الجدات فإذا كان أكثر من جدة
واحدة فاضرب عددهن في أربعة فما بلغ فمنه تصح
(الأصل الثاني) زوجة وجدة وأخ لام مسألة الزوجة من أربعة ثم تنتقل إلى ثمانية ولا يكون
الكسر إلا على الجدات أيضا (الأصل الثالث) زوج وبنت وبنت ابن مسألة الزوج من أربعة ثم
تنتقل إلى ستة عشر وكذلك زوجة وأخت لأبوين وأخت لأب أو أخت لأم أو جد أو جدة ومثلها
زوجة وأخت لأب وأخت لأم أو جدة
50

(الأصل الرابع) زوجة وبنت وبنت ابن ابن أو أم أو جدة مسألة الزوجة من ثمانية ثم تنتقل إلى
اثنين وثلاثين [الأصل الخامس] زوجة وبنتان وأم مسألة الزوجة من ثمانية ثم تنتقل إلى أربعين
وكذلك زوجة وبنت وبنت ابن وأم أو جدة، وأخت من أبوين وأخت أو أخوات من أب وأخت
من أم أو أم أو جدة، أختان من أبوين أو من أب وأم أو جدة وأخ من أم وفي جميع ذلك إذا انكسرت سهام
فريق منهم عليهم ضربته فيما انتقلت إليه المسألة ومثال ذلك أربع زوجات وإحدى وعشرون بنتا
وأربع عشرة جدة مسألة الزوجات من ثمانية فتضرب فيها فريضة الرد وهي خمسة تكن أربعين:
للزوجات فريضة أهل الرد خمسة على أربعة لا تصح ولا توافق ويبقى خمسة وثلاثون للجدات خمسها
سبعة على أربعة عشرة توافق بالأسباع فيرجعن إلى اثنين ويبقى للبنات ثمانية وعشرون توافقهن بالأسباع
فيرجعن إلى ثلاث والاثنتان ثم تدخلان في عدد الزوجات فتضرب ثلاثا في أربع تكن اثني عشر ثم في
أربعين تكن أربعمائة وثمانين ومتى كان مع أحد الزوجين واحد من أهل الرد أخذ الفاضل كله كأنه
عصبة ولا تنتقل المسألة وإن كان معهم فريق واحد من أهل الرد كالبنات أو الأخوات قسمت الفاضل
عليهم كأنهم عصبة فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة لزوج
51

(باب الجدات)
(مسألة) قال أبو القاسم رحمه الله (وللجدة إذا لم تكن أم السدس)
قال أبو بكر بن المنذر أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم، وحكى غيره
رواية شاذة عن ابن عباس انها بمنزلة الام لأنها تدلي بها فقامت مقامها كالجد يقوم مقام الأب
ولنا ما روى قبيصة بن ذئيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب ميراثها فقال مالك في كتاب
الله عز وجل شئ وما أعلم لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ولكن ارجعي حتى أسأل الناس، فقال
المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال هل معك غيرك؟ فشهد له محمد بن
مسلمه فأمضاه لها أبو بكر، فلما كان عمر جاءت الجدة الأخرى فقال مالك في كتاب الله شئ فما كان
القضاء الذي قضي به إلا في غيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعتما
فهو لكما وأيكما خلت به فهو لها، رواه مالك في موطئه وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن
صحيح. وأما الجد فلا يقوم مقام الأب في جميع أحواله على ما ذكرناه، وأجمع أهل العلم على أن الام
تحجب الجدات من جميع الجهات
52

وقد روى ابن بريدة عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم، رواه
أبو داود، وهذا يدل على أنها لا ترث معها شيئا، ولان الجدة تدلي بالام فسقطت بها كسقوط الجد
بالأب وابن الابن به، فأما أم الأب فإنها أيضا إنما ترث ميراث أم لأنها أم ولذلك ترث وابنها حي،
ولو كان ميراثها من جهته ما ورثت مع وجوده
(مسألة) قال (وكذلك أن كثرن لم يزدن على السدس فرضا)
أجمع أهل العلم على أن ميراث الجدات السدس وان كثرن وذلك لما روينا من الخبر وان عمر
شرك بينهما وقد روي نحو ذلك عن أبي بكر رضي الله عنه فروى سعيد ثنا سفيان وهشيم عن يحيى بن
سعيد عن القاسم بن محمد قال جاءت الجدتان إلى أبي بكر رضي الله عنه فأعطى أم الام الميراث دون
أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهيل بن حارثة وكان شهد بدرا: يا خليفة رسول الله أعطيت
التي ان ماتت لم يرثها ومنعت التي لو ماتت ورثها فجعل أبو بكر السدس بينهما ولأنهن ذوات
عدد لا يشركهن ذكر فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات، وقول الخرقي لم يزدن على السدس
فرضا يريد به التحرز من زيادتهن بالرد فإنهن يأخذن في الرد زيادة على السدس على ما قد مضى ذكره
53

(فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين أم الام وأم الأب وكذلك أن علتا
وكانتا في القرب سواء كأم أم أم وأم أم أب الا ما حكي عن داود أنه لا يورث أم أم الأب شيئا لأنه
لا يرثها فلا ترثه ولأنها غير مذكورة في الخبر
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ثلاث جدات ومن ضرورته أن يكون فيهن أم أم الأب أو من هي
أعلى منها وما ذكره داود فهو قياس وهو لا يقول بالقياس ثم هو باطل بأم الام فإنها ترثه ولا يرثها،
وقوله ليست مذكورة في الخبر قلنا وكذلك أم أم الام واختلفوا في توريث ما زاد عليهما فذهب أبو
عبد الله إلى توريث ثلاث جدات من غير زيادة عليهن وروي ذلك عن علي وزيد بن ثابت وابن
مسعود رضي الله عنهم. وروي نحوه عن مسروق والحسن وقتادة، وبه قال الأوزاعي وإسحاق،
وروي عن سعد بن أبي وقاص ما يدل على أنه لا يورث أكثر من جدتين. وحكى ذلك عن أبي بكر
ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسليمان بن يسار وطلحة بن عبد الله بن عوف وربيعة وابن
هرمز ومالك وابن أبي ذئب وأبي ثور وداود وقاله الشافعي في القديم، وحكي عن الزهري أنه قال
لا نعلم ورث في الاسلام إلا جدتين. وحكي عن سعد بن أبي وقاص أنه أوتر بركعة فعابه ابن مسعود
فقال سعد أتعيبني وأنت تورث ثلاث جدات؟
وروي عن ابن عباس أنه ورث الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة الا من أدلت باب
غير وارث كأم أب الام، قال ابن سراقة وبهذا قال عامة الصحابة إلا شاذا واليه ذهب الحسن وابن
54

سيرين والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وهو رواية المزني عن الشافعي رضي الله عنه وهو ظاهر كلام
الخرقي فإنه سمى ثلاث جدات متحاذيات ثم قال وإن كثرن فعلى ذلك واحتجوا بأن الزائدة جدة
أدلت بوارث فوجب أن ترث كأحد الثلاث
ولنا ما روى سعيد عن ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين
من قبل الأب وواحدة من قبل الام. وأخرجه أبو عبيد والدارقطني
وروى سعيد أيضا عن إبراهيم أنه قال كانوا يرثون من الجدات ثلاثا ثنتين من قبل الأب
وواحدة من قبل الام وهذا يدل على التحديد بثلاث وأنه لا يرث أكثر منهن: وإذا ثبت هذا فإن
الوارثات هي أم الام وإن علت درجتها وأم الأب وأمهاتها وإن علت درجتهن وأم الجد وأمهاتها
ولا ترث أم أب الجد ولا كل جدة أدلت بأكثر من ثلاثة آباء وهؤلاء الجدات المختلف فيهن وأجمع
أهل العلم على أن الجدة المدلية بأب غير وارث لا ترث وهي كل جدة أدلت باب بين أمين كأم أبي
الام الا ما حكي عن ابن عباس وجابر بن زيد ومجاهد وابن سيرين أنهم قالوا ترث وهو قول شاذ لا نعلم
اليوم به قائلا وليس بصحيح فإنها تدلي بغير وارث فلم ترث كالأجانب وأمثلة ذلك، أم أم وأم أب
السدس بينهما اجماعا، أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب وأم أبي أم السدس للثلاث الأول إلا عند مالك
وموافقيه فإنه للأوليين وعند داود هو للأولى وحدها ولا ترث الرابعة إلا في قول شاذ عن ابن عباس
55

وموافقيه أم أم أم أم وأم أم أم أب وأم أم أبي أب، وأم أبي أبي أب وأم أم أبي أم وأم أبي أم أم وأم
أبي أبي أم وأم أبي أم أب السدس للأولى عند داود وللأوليين عند مالك وموافقيه وللثلاث الأول عند أحمد
وموافقيه وللأربع الأول عند أبي حنيفة وموافقيه وتسقط الأربع الباقيات إلا في الرواية الشاذة، وفي
الجملة لا يرث من قبل الام إلا واحدة ولا من قبل الأب الا اثنتان وهما اللتان جاء ذكرهما في الخبر
إلا عند أبي حنيفة وموافقيه فإنه كلما علون درجة زاد في عددهن من قبل الأب واحدة
(مسألة) قال (وإن كان بعضهن أقرب من بعض كان الميراث لأقربهن)
أما إذا كانت إحدى الجدتين أم الأخرى فأجمع أهل العلم على أن الميراث للقربى وتسقط البعدى
بها، وإن كانتا من جهتين والقربى من جهة الام فالميراث لها وتحجب البعدى في قول عامتهم
الا ما روي عن ابن مسعود ويحيى بن آدم وشريك أن الميراث بينهما، وعن ابن مسعود ان كانتا
من جهتين فهما سواء وإن كانتا من جهة واحدة فهو للقربى يعني به أن الجدتين من قبل الأب إذا كانت
إحداهما أم الأب والأخرى أم الجد سقطت أم الجد بأم الأب وسائر أهل العلم على أن القربى من
جهة الام تحجب البعدى من جهة الأب فأما القربى من جهة الأب فهل تحجب البعدى من جهة الام؟
فعن أحمد فيها روايتان (إحداهما) أنها تحجبها ويكون الميراث للقربى وهذا قول علي عليه السلام وإحدى
56

الروايتين عن زيد وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأهل العراق وهو قول الشافعي، والرواية الثانية عن
أحمد هو بينهما وهي الرواية الثابتة عن زيد وبه قال مالك والأوزاعي وهو قول الثاني للشافعي رضي
الله عنه لأن الأب الذي تدلي به الجدة لا يحجب الجدة من قبل الام فالتي تدلي به أولى أن لا يحجبها
وبهذا فارقتها القربى من قبل الام فإنها تدلي بالام وهي تحجب جميع الجدات
ولنا أنها جدة قربى فتحجب البعدى كالتي من قبل الام ولان الجدات أمهات يرثن ميراثا واحدا
من جهة واحدة فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن كالآباء والأبناء والاخوة والبنات وكل قبيل إذا
اجتمعوا فالميراث لأقربهم، وقولهم ان الأب لا يسقطها قلنا لأنهن لا يرثن ميراثه إنما يرثن ميراث
الأمهات لكونهن أمهات ولذلك أسقطتهن الام والله أعلم.
(مسائل) من ذلك أم أم وأم أم أب المال للأولى إلا في قول ابن مسعود هو بينهما: أم أب وأم
أم أم المال للأولى في قول الخرقي، وفي الرواية الأخرى هو بينهما أم أب وأم أم وأم جد المال
للأوليين في قول الجميع إلا في قول شريك وموافقيه هو بينهن: أم أب وأم أم وأم أم أم وأم أبي أ ب
هو للأوليين في قول الجميع
(فصل) إذا اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى فقياس قول أبي عبد الله أن السدس بينهما
أثلاثا لذات القرابتين ثلثاه وللأخرى ثلثه كذلك قال أبو الحسن التميمي وأبو عبد الله العرني ولعلهما
57

أخذا ذلك من قوله في توريث المجوس بجميع قراباتهم وهذا قول يحيى بن آدم والحسن بن صالح ومحمد
ابن الحسن والحسن بن زياد وزفر وشريك، وقال الثوري والشافعي رضي الله عنه وأبو يوسف
السدس بينهما نصفان وهو قياس قول مالك لأن القرابتين إذا كانتا من جهة واحدة لم يرث بهما
جميعا كالأخ من الأب والام
ولنا أنها شخص ذو قرابتين ترث بكل واحدة منهما منفردة ولا يرجح بها على غيره فوجب أن
يرث بكل واحدة منهما كابن العم إذا كان أخا أو زوجا، وفارق الأخ من الأبوين فإنه رجح بقرابتيه
على الأخ من الأب ولا يجمع بين الترجيح بالقرابة الزائدة والتوريث بها فإذا وجد أحدهما انتفى الآخر
وههنا قد انتفى الترجيح فيثبت التوريث. وصورة ذلك أن يتزوج ابن ابن المرأة بنت بنتها فيولد لهما
ولد فتكون المرأة أم أم أمه وهي له أم أبي أبيه وان تزوج ابن بنتها بنت بنتها فهي أم أم أمه وأم أم أبيه وان أدلت
الجدة بثلاث جهات ترث بهن لم يمكن أن يجتمع معها جدة أخرى وارثة عند من لا يورث أكثر من ثلاث
(مسألة) قال (والجدة ترث وابنها حي)
وجملته ان الجدة من قبل الأب إذا كان ابنها حيا ورثا فإن عمر وابن مسعود وأبا موسى وعمران
58

ابن الحصين وأبا الطفيل رضي الله عنهم ورثوها مع ابنها، وبه قال شريح والحسن وابن سيرين
وجابر بن زيد والعنبري وإسحاق وابن المنذر وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه وقال
زيد بن ثابت لا ترث وروي ذلك عن عثمان وعلي رضي الله عنهما وبه قال مالك والثوري والأوزاعي
وسعيد بن عبد العزيز والشافعي وابن جابر وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو رواية عن أحمد رواه عنه
جماعة من أصحابه ولا خلاف في توريثها مع ابنها إذا كان عما أو عم أب لأنها لا تدلي به، واحتج من
أسقطها بأبيها بأنها تدلي به فلا ترث معه كالجد مع الأب وأم الام مع الام
ولنا ما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم أب
مع ابنها وابنها حي، أخرجه الترمذي ورواه سعيد بن منصور إلا أن لفظه أول جدة أطعمت السدس
أم أب مع ابنها. وقال ابن سيرين أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم أب مع ابنها،
ولان الجدات أمهات يرثن ميراث الام لا ميراث الأب فلا يحجبن به كأمهات الام (مسائل ذلك)
أم أب وأب لها السدس والباقي له وعلى القول الآخر الكل له دونها. أم أم وأم أب وأب السدس
بينهما على القول الأول، وعلى الثاني السد س لام الام والباقي للأب وقيل لام الام نصف السدس
والباقي للأب لأن الأب لو عدم لمن يكن لام الام الا نصف السدس فلا يكون لها مع وجوده الا ما كان
لها مع عدمه، والأول أصح لأن الاخوة مع الأبوين يحجبون الام عن نصف ميراثها ولا يأخذون
59

ما حجبوها عنه بل يتوفر ذلك على الأب كذا ههنا: ثلاث جدات متحاذيات وأب السدس بينهن على
القول الأول ولام الام على القول الثاني وعلى الثالث لام الام ثلث السدس والباقي للأب وإن كان مع
المتحاذيات جدات لم يحجب الا أمه (1) أ ب وأم أب وأم أم أم على قول الخرقي السدس لام الأب ومن
حجب الجدة بابنها أسقط أم الأب، ثم اختلف القائلون بذلك فقيل السدس كله لام أم الام لأن التي
تحجبها أو تزاحمها قد سقط حكمها فصارت كالمعدومة وقيل بل لها نصف السدس على قول زيد لأنه يورث
البعدى من جهة الام مع القربى من جهة الأب فكان لها نصف السدس وقيل لا شئ لها لأنها انحجبت بأم
الأب ثم انحجبت أم الأب بالأب فصار المال كله للأب
(مسألة) قال (والجدات المتحاذيات أن تكون أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب وان كثرن فعلى ذلك)
يعني بالمتحاذيات المتساويات في الدرجة بحيث لا تكون واحدة أعلى من الأخرى، ولا أنزل منها
لأن الجدات إنما يرثن كلهن إذا كن في درجة واحدة ومتى كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث
لأقربهن، فإذا قيل ترك جدتين وارثتين على أقرب المنازل فهما أم أمه وأم أبيه وان قيل تر ك ثلاثا
فهن كما قال الخرقي أم أم أم وأم أم أب وأم أبي أب، واحدة من قبل الام واثنتان من قبل الأب وهما
أم أمه وأم أبيه كما جاء الحديث، وفي درجتهن أخرى من قبل الام غير وارثة وهي أم أبي الام ولا يرث

(1) وفي نسخة جد لم يرثه إلا أمه
60

أبدا من قبل الام الا واحدة وهي التي كل نسبها أمهات لا أب فيهن فاحفظ ذلك، فإن قيل ترك أربعا
فهن أم أم أم أم وأم أم أم أب وأم أم أبي أب وأم أبي أبي أب وفي درجتهن أربع غير وارثات، وقد ذكرناهن
فيما تقدم الا أن مذهب احمد لا يورث أكثر من ثلاث جدات وهن الثلاث الأول. ويحتمل قول
الخرقي توريثهن وان كثرن، فعلى هذا القول كلما زاد درجة زادت حدة ويرث في الدرجة الخامسة
خمس وفي السادسة ست وفي السابعة سبع وعلى هذا أبدا، وقول الخرقي: وان كثرن فعلى ذلك،
يحتمل انه ذهب إلى توريث الجدات على هذا الوجه وان كثرن. ويحتمل انه أراد وان كثرن فلا
يرث إلا هؤلاء الثلاث، فعلى هذا القول لا يرث أكثر من ثلاث: واحدة من قبل الام واثنتان من
قبل الأب وهما أم أمه وأم أبيه وأمهاتهما ولا يرث جدة في نسبها أب بين امين ولا ثلاثة آباء، وان
أردت تنزيل الجدات الوارثات وغيرهن فاعلم أن للميت في الدرجة الأولى جدتين أم أمه وأم أبيه
وفي الثانية أربع لأن لكل واحد من أبويه وجدتين فهما أربع بالنسبة إليه. وفي الثالثة ثمان لأن لكل
واحد من أبويه أربعا على هذا الوجه فيكون لولدهما ثمان وعلى هذا كلما علون درجة تضاعف عددهن
ولا يرث منهن إلا ثلاث والله أعلم
61

(باب من يرث من الرجال والنساء)
(مسألة) قال (ويرث من الرجال الابن ثم ابن الابن وان سفل والأب ثم الجد وان
علا والأخ ثم ابن الأخ والعم ثم ابن العم والزوج ومولى النعمة. ومن النساء البنت وبنت
الابن والام والجدة والأخت والزوجة ومولاة النعمة)
فهؤلاء مجمع على توريثهم وأكثرهم ثبت توريثه بالكتاب والسنة فالابن ثبت ميراثه بقوله تعالى
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وابن الابن والأبوان ثبت ميراثهما بقوله
تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس) والجد يحتمل أن يتناوله قوله تعالى (ولأبويه) كما دخل
ابن الابن في عموم أولادكم. والأخ والأخت من الام ثبت ميراثهما بقوله تعالى (وله أخ أو أخت
فلكل واحد منهما السدس) وولد الأبوين والأب ثبت ارثه بقوله تعالى وهو يرثها إن لم يكن لها
ولد) وأما ابن الأخ للأبوين أو للأب والعم وابنه وعم الأب وابنه فثبت ميراثهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أبقت الفروض فلاولى رجل ذكر) ولم يدخل فيهم ولد الام ولا العم للام ولا ابنه ولا الخال ولا
أبو الام لأنهم ليسوا من العصبات وأما المولى المعتق والمولاة فثبت ارثهما بقوله عليه السلام (الولاء
62

لمن أعتق والجدة أطعمها النبي صلى الله عليه وسلم السدس والزوج ثبت ارثه بقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم)
والزوجة ثبت بقوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم)
(فصل) وجميعهم ضربان ذو فرض وعصبة فالذكور كلهم عصبات إلا الزوج والأخ من الام
وإلا الأب والجد مع الابن. والإناث كلهن إذا انفردن عن اخوتهن ذوات فرض الا المولاة المعتقة
ولا الأخوات مع البنات. وعدد العصبات الابن وابنه وان نزل والأب وأبوه وإن علا والأخ من
الأبوين والأخ من الأب وابناهما وان نزلا والعمان كذلك وابناهما وان نزلا وعما الأب وابناهما
كذلك أبدا ومولى النعمة. وعدد الإناث البنات وبنات الابن والام والجدة من الجهتين وان علت،
والأخوات من الجهات الثلاث والأخ من الام والزوج والزوجة. ومن لا يسقط بحال خمسة: الزوجان
والأبوان وولد الصلب لأنهم يمتون بأنفسهم من غير واسطة بينهم وبين الميت يحجبهم، ومن سواهم من
الوراث إنما يمت بواسطة سواه فيسقط بمن هو أولى بالميت منه
(باب ميراث الجد)
روى أبو داود باسناده عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن ابن ابني مات فمالي من ميراثه؟ قال (لك السدس) فلما أدبر دعاه فقال (إن لك سدسا آخر) فلما
63

أدبر دعاه فقال (إن لك السدس الآخر طعمة) قال قتادة فلا ندري أي شئ ورثه قال قتادة أقل شئ ورث الجد
السدس، وري عن الحسن أيضا أن عمر رضي الله عنه قال: أيكم يعلم ما ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجد؟ فقال معقل
ابن بسار أنا، ورثه رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس قال مع من؟ قال لا أدري قال لا دريت قال فما يغني إذا؟ رواه سعيد
في سننه قال أبو بكر بن المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الجد أبا الأب
لا يحجبه عن الميراث غير الأب وأنزلوا الجد في الحجب والميراث منزلة الأب في جميع المواضع الا
في ثلاثة أشياء (أحدها) زوج وأبوان (والثانية) زوجة وأبوان للام ثلث الباقي فيهما مع
الأب وثلث جميع المال لو كان مكان الأب جد (والثالثة) اختلفوا في الجد مع الاخوة والأخوات
للأبوين أو للابن ولا خلاف بينهم في إسقاطه بني الاخوة وولد الام ذكرهم وأنثاهم. وذهب الصديق
رضي الله عنه إلى أن الجد يسقط جميع الاخوة والأخوات من جميع الجهات كما يسقطهم الأب وبذلك
قال عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير، وروي ذلك عن عثمان وعائشة وأبي بن كعب وأبي الدرداء
ومعاذ بن جبل وأبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهم، وحكي أيضا عن عمران بن الحصين وجابر بن
عبد الله وأبي الطفيل وعبادة بن الصامت وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وبه قال قتادة وإسحاق وأبو ثور
ونعيم بن حماد وأبو حنيفة والمزني وابن شريح وابن اللبان وداود وابن المنذر وكان علي بن أبي طالب
وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم يورثونهم معه ولا يحجبونهم به وبه قال مالك والأوزاعي
64

والشافعي وأبو يوسف ومحمد لأن الأخ ذكر يعصب أخته فلم يسقطه الجد كالابن ولان ميراثهم ثبت
بالكتاب فلا يحجبون الا بنص أو اجماع أو قياس وما وجد شئ من ذلك فلا يحجبون، ولأنهم
تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون فيه فإن الأخ والجد يدليان بالأب الجد أبوه والأخ ابنه
وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة بل ربما كانت أقوى فإن الابن يسقط تعصيب الأب ولذلك
مثله علي رضي الله عنه بشجرة أنبتت غصنا فانفرق منه غصنان كل واحد منهما إلى الآخر أقرب منه
إلى أصل الشجرة. ومثله زيد بواد خرج منه نهر انفرق منه جدولان كل واحد منهما إلى الآخر أقرب
منه إلى الوادي. واحتج من ذهب مذهب أبي بكر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحقوا الفرائض
بأهلها وما بقي فلاولى عصبة ذكر) والجد أولى من الأخ بدليل المعنى والحكم أما المعنى فإنه له قرابة
ايلاد وبعضية كالأب وأما الحكم فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ دونه ولا يسقطه أحد الا
الأب، والاخوة والأخوات يسقطون بثلاثة، ويجمع له بين الفرض والتعصيب كالأب وهم ينفردون
بواحد منهما، ويسقط ولد الام، وولد الأب يسقطون بهم بالاجماع إذا استغرقت الفروض المال وكانوا
عصبة وكذلك ولد الأبوين في المشركة عند الأكثرين، ولأنه لا يقتل بقتل ابن ابنه ولا يحد بقذفه
ولا يقطع بسرقة ماله ويجب عليه نفقته ويمنع من دفع زكاته إليه كالأب سواء فدل ذلك على قوته، فإن
قيل فالحديث حجة في تقديم الأخوات لأن فروضهن في كتاب الله فيجب أن تلحق بهن فروضهن
65

ويكون للجد ما بقي، فالجواب ان هذا الخبر حجة في الذكور المنفردين وفي الذكور مع الإناث أو نقول
هو حجة في الجميع ولا فرض لولد الأب مع الجد لأنهم كلالة والكلالة أسم للوارث مع عدم الولد
والوالد فلا يكون لهم معه إذا فرض. حجة أخرى قالوا الجد أب فيحجب ولد الأب كالأب الحقيقي
ودليل كونه أبا قوله تعالى (ملة أبيكم إبراهيم) وقول يوسف (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق
ويعقوب) وقوله (كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ارموا بنى إسماعيل
فإن أباكم كان راميا) وقال (سام أبو العرب حام أبو الحبش) وقال (نحن بني النضر بن كنانة لا نقفوا
امنا ولا ننفي من أبينا) وقال الشاعر
إنا بني نهشل لا ندعي لأب عنه * ولا هو بالأبناء يشربنا
فوجب أن يحجب الإخوة كالأب الحقيقي، يحقق هذا ان ابن الابن وإن سفل يقوم مقام أبيه
في الحجب كذلك أبو الأب يقوم مقام ابنه ولذلك قال ابن عباس الا يتقي الله زيد؟ يجعل ابن الابن
ابنا ولا يجعل أبا الأب أبا، ولان بينهما إيلادا وبعضية وجزئية وهو يساوي الأب في أكثر أحكامه
فيساويه في هذا الحجب يحققه ان أبا الأب وان علا يسقط بني الاخوة ولو كانت قرابة الجد
والأخ واحدة لوجب أن يكون أبو الجد مساويا لبني الأخ لتساوي درجة من أدليا به والله أعلم
ولا تفريع على هذا القول لوضوحه
66

(فصل) اختلف القائلون بتوريثهم معه في كيفية توريثهم فكان علي رضي الله عنه يفرض
للأخوات فروضهن والباقي للجد إلا أن ينقصه ذلك من السدس فيفرضه له فإن كانت أخت لأبوين
وأخوة لأب فرض للأخت النصف وقاسم الجد الاخوة فيما بقي الا أن تنقصه المقاسمة من السدس
فنفرضه له، فإن كان الاخوة كلهم عصبة قاسمهم الجد إلى السدس، فإن اجتمع ولد الأب وولد
الأبوين مع الجد سقط ولد الأب ولم يدخلوا في المقاسمة ولا يعتد بهم، وان انفرد ولد الأب قاموا
مقام ولد الأبوين مع الجد، وصنع ابن مسعود في الجد مع الأخوات كصنع علي عليه السلام وقاسم به
الاخوة إلى الثلث فإن كان معهم أصحاب فرائض أعطي أصحاب الفرائض فرائضهم ثم صنع صنيع زيد
في إعطاء الجد الاحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال، وعلي يقاسم به بعد أصحاب
الفرائض إلا أن يكون أصحاب الفرائض بنتا أو بنات فلا يزيد الجد على الثلث ولا يقاسم به، وقال
بقول علي الشعبي والنخعي والمغيرة بن المقسم وابن أبي ليلى والحسن بن صالح، وذهب إلى قول ابن
مسعود مسروق وعلقمة وشريح، وأما مذهب زيد فهو الذي ذكره الخرقي وسنشرحه إن شاء الله،
واليه ذهب أحمد وبه قال أهل المدينة وأهل الشام والثوري والأوزاعي والنخعي والحجاج بن أرطاة
ومالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو عبيد وأكثر أهل العلم
67

(مسألة) قال أبو القاسم (ومذهب أبي عبد الله رحمه الله في الجد قول زيد بن ثابت
رضي الله عنه وإذا كان اخوة وأخوات وجد قاسم الجد بمنزلة أخ حتى يكون الثلث خيرا
فإذا كان الثلث خيرا له أعطي ثلث جميع المال)
وجملة ذلك أن مذهب زيد في الجد مع الاخوة والأخوات للأبوين أو للأب انه يعطيه الاحظ
من شيئين اما المقاسمة كأنه أخ واما ثلث جميع المال. فعلى هذا إن كان الاخوة اثنين أو أربع أخوات
أو أخا وأختين فالثلث والمقاسمة سواء فاعطه ما شئت منهما وان نقصوا عن ذلك فالمقاسمة أحظ له
فقاسم به لا غير وان زادوا فالثلث خير له فاعطه إياه وسواء كانوا من أب أو من أبوين، وان اجتمع
ولد الأبوين وولد الأب فإن ولد الأبوين يعادون الجد بولد الأب ويحتسبون بهم عليه ثم ما حصل
لهم أخذه منهم ولد الأبوين إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ منهم تمام نصف المال ثم
ما فضل فهو لهم ولا يمكن أن يفضل عنهم أكثر من السدس لأن أدني ما للجد الثلث وللأخت النصف
والباقي بعدهما هو السدس
68

(مسألة) قال (فإن كان مع الجد والاخوة والأخوات أصحاب فرائض أعطي أصحاب
الفرائض فرائضهم، ثم ينظر فيما بقي فإن كانت المقاسمة خيرا للجد من ثلث ما بقي ومن سدس
جميع المال أعطي المقاسمة، وإن كان ثلث ما بقي خيرا له من المقاسمة ومن سدس جميع المال اعطى
ثلث ما بقي، فإن كان سدس جميع المال أحظ له من المقاسمة ومن ثلث ما بقي أعطي سدس جميع المال
أما كونه لا ينقص عن سدس جميع المال فلانه لا ينقص عن ذلك مع الولد الذي هو أقوى
فمع غيرهم أولى، وأما إعطاؤه ثلث الباقي إذا كان أحظ له فلان له الثلث مع عدم الفروض فما أخذ بالفرض
فكأنه ذهب من المال فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال، وأما المقاسمة فهي له مع عدم الفروض
فكذلك مع وجودها. فعلى هذا متى زاد الاخوة عن اثنين أو من يعدلهم من الإناث فلا حظ له في
المقاسمة ومتى نقصوا عن ذلك فلا حظ له في ثلث الباقي ومتى زادت الفروض على النصف فلا حظ له في
69

ثلث ما بقي، وان نقصت عن النصف فلا حظ له في السدس وإن كان الفرض النصف فحسب استوى السدس
وثلث الباقي وإن كان الاخوة اثنين استوى ثلث الباقي والمقاسمة
(مسألة) قال (ولا ينقص الجد أبدا من سدس جميع المال أو تسميته إذا زادت السهام)
هذا قول عامة أهل العلم إلا أنه روي عن الشعبي أنه قال إن ابن عباس كتب إلى علي في ستة إخوة
وجد فكتب إليه اجعل الجد سابعهم وامح كتابي هذا، وروي عنه في سبعة إخوة وجد أن الجد ثامنهم وحكى
عن عمران بن حصين والشعبي المقاسمة إلى نصف سدس المال
ولنا أن الجد لا ينقص عن السدس مع البنين وهم أقوى ميراثا من الاخوة فإنهم يسقطونهم
فلان لا ينقص عنه مع الاخوة أولى، ولان النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجد السدس فلا ينبغي أن ينقص منه
،
وأما قوله أو تسميته إذا زادت السهام فإنه يعني إذا عالت المسألة فإنه يسمى له السدس وهو ناقص عن
السدس. ألا ترى أنا نقول في زوج وأم وابنتين وجد له السدس ونعطيه سهمين من خمسة عشر سهما
وهما ثلثا الخمس. ومتى أفضت المسألة إلى العول سقط الاخوة والأخوات إلا في الأكدرية ولا ينقص
الجد عن السدس الكامل في مسألة يرث فيها أحد من الاخوة والأخوات
(مسألة) قال (وإذا كان أخ لأب وأم وأخ لأب وجد قاسم الجد الأخ للأب والام
70

والأخ للأب على ثلاثة أسهم، ثم رجع الأخ للأب والام على ما في يد أخيه لأبيه فاخذه)
قد ذكرنا أن الجد يقاسم الاخوة كأخ ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث وأن ولد الأبوين يعادون
الجد بولد الأب ثم يأخذون ما حصل لهم وانه متى كان اثنان من الاخوة وجد استوى الثلث والمقاسمة
ففي هذه المسألة قد استوى الثلث والمقاسمة ولذلك اقتسما على ثلاثة لكل واحد سهم ثم أخذ الأخ
للأبوين ما حصل لأخيه من أبيه، وان شئت فرضت للجد الثلث والباقي لولد الأبوين وان زاد عدد
الاخوة على اثنين أو من يعدلهما من الأخوات فافرض للجد الثلث والباقي لولد الأبوين. هذا مذهب
زيد وأما علي وابن مسعود فإنهما يقاسمان به ولد الأبوين ويسقطان ولد الأب ولا يعتدان به لأنه
محجوب بولد الأبوين فلا يعتد به كولد الام وقسما هذه المسألة بين الجد والأخ من الأبوين
نصفين وأسقطا الأخ من الأب
ولنا أن الجد والد فإذا حجبه أخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث وأخ غير وارث كالأم
ولان ولد الأب يحجبونه إذا انفردوا فيحجبونه مع غيرهم كالأم، ويفارق ولد الام لأن الجد يحجبهم
فلا ينبغي أن يحجبوه بخلاف ولد الأب فإن الجد لا يحجبهم فجاز أن يحجبوه إذا حجبهم غيره كما يحجبون
71

الام وان كانوا محجوبين بالأب. وأما الأخ من الأبوين فهو أقوى تعصيبا من الأخ من الأب فلا يرث
معه شيئا كما لو انفردا عن الجد فيأخذ ميراثه كما لو اجتمع ابن وابن ابن حجبه وأخذ ميراثه، فإن
قيل: فالجد يحجب ولد الام ولا يأخذ ميراثه والاخوة يحجبون الام وان لم يأخذوا ميراثها. قلنا
الجد وولد الام يختلف سبب استحقاقهما للميراث وكذلك سائر من يحجب ولا يأخذ ميراث
المحجوب وههنا سبب استحقاق الاخوة الميراث الاخوة والعصوبة فأيهما قوي حجب الآخر
وأخذ ميراثه، وقد مثلت هذه المسألة بمسألة في الوصايا وهي إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة
ولآخر بتمام الثلث على المائة وكان ثلث المال مائتين فإن الموصى له بالمائة يزاحم صاحب الثلث بصاحب
التمام فيقاسمه الثلث نصفين ثم يختص صاحب المائة بها ولا يحصل لصحاب التمام شئ
(فصل) أخ لأبوين وأختان لأب وجد: للجد الثلث والباقي للأخ وفي قول علي وابن مسعود
المال بينه وبين الجد نصفين. أخ وأخت من أبوين وأخت من أب وجد فللجد الثلث والباقي بين
ولد الأبوين على ثلاثة وتصح من تسعة، وفي قول علي وابن مسعود المال بين ولد الأبوين والجد
على خمسة: أخ لأبوين وأخت لأب وجد المال بينهم على خمسة: للجد سهمان والباقي للأخ،
وعندهما المال بينهما نصفين
(فصل) أخوان لأبوين وأخ لأب وجد، للجد الثلث والباقي للأخوين للأبوين عند الجميع،
72

وإن كان ولد الأبوين ثلاثة فللجد الثلث أيضا عند زيد وعند علي وابن مسعود له الربع لأنهما يقاسمان
به إلى السدس، أخ وأخت من أبوين وأخ من أب أو أكثر من ذلك فللجد الثلث وعندهما للجد الخمسان
وللأخ للأبوين الخمسان وللأخت الخمس
(مسألة) قال (وإذا كان أخ وأخت لأب وأم أو لأب وجد كان المال بين الجد والأخ
والأخت على خمسة أسهم للجد سهمان وللأخ سهمان وللأخت سهم)
المقاسمة ههنا خير للجد من الثلث لأنه يحصل له بها خمسا المال وذلك خير له من الثلث وكذلك
كلما نقص الاخوة عن اثنين أو من يعدلهم من الإناث كثلاث أخوات أو أختين أو أخ واحد أو
أخت واحدة فليس فيها الا المقاسمة به كأخ وهذا قول زيد وعلي وعبد الله إذا كانوا عصبة فأما ان
كن أخوات منفردات فإن عليا وابن مسعود يفرضان لهن فروضهن ثم يعطيان الجد ما بقي
(مسألة) قال (وإذا كانت أخت لأب وأم وأخت لأب وجد كانت الفريضة للجد
والأختين على أربعة أسهم للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم رجعت الأخت للأم والأب
فأخذت مما في يد أختها لتستكمل النصف
73

المقاسمة ههنا أحظ للجد وتعتد الأخت للأبوين على الجد بأختها من أبيها فيصير له النصف ولهما
النصف بينهما على اثنين لكل واحدة سهم ثم تأخذ الأخت من الأبوين ما بقي في يد أختها لتستكمل
تمام فرضها وهو جميع ما في يدها فلا يبقى لها شئ وتصير كما لو كان معهما بنت فأخذت البنت النصف
وبقي النصف فإن الأخت من الأبوين تأخذه جميعه فلا يبقى للأخت من الأب شئ
(فصل) فإن كان مع الأخت من الأبوين أختان من أب كان المال بينهن وبين الجد على خمسة
أسهم، للجد اثنان ولهن ثلاثة ثم تأخذ الأخت من الأبوين من أختها تمام النصف وهو سهم ونصف
يبقى لهما نصف سهم بينهما لكل واحدة ربع سهم فتضرب مخرج الربع وهو أربعة في خمسة تكن
عشرين للجد ثمانية وللأخت للأبوين عشرة ولكل واحدة من أختيها سهم فإن كان معها ثلاث أخوات
أو أكثر من ذلك فليس للجد الا الثلث ولها النصف ويبقى السدس بين الأخوات من الأب وان
كثرن، وإن كان من ولد الأبوين أختان أو أكثر فليس للأخوات من الأب شئ وان كثرن
لأن فرض الأختين الثلثان والجد لا ينقص عن الثلث فلا يبقى من المال شئ ولان الأخوات من
الأبوين يسقطن الأخوات من الأب باستكمال الثلثين ولو لم يكن معهن جد فمع الجد أولى وليس في
هذه المسألة اختلاف، فأما مسألة الخرقي فإن عليا وعبد الله يفرضان للأخت من الأبوين النصف
وللأخت من الأب السدس والباقي للجد وكذلك أن كان معها أختان أو أخوات من أب
74

(مسألة) قال (فإن كان مع التي من قبل الأب أخوها كان المال بين الجد والأخ
والأختين على ستة أسهم للجد سهمان وللأخ سهمان ولكل أخت سهم ثم رجعت الأخت
من الأب والام على الأخ والأخت من الأب فأخذت مما في أيديهما لتستكمل النصف
فتصح الفريضة من ثمانية عشر سهما للجد ستة أسهم وللأخت من الأب والام تسعة أسهم
وللأخ سهمان وللأخت سهم)
المقاسمة ههنا والثلث سواء فإن قاسمت به كان المال بينهم على ستة أسهم يأخذ الجد سهمين ثم يكمل
للأخت تمام النصف مما في أيديهما ثلاثة أسهم يبقى لها سهم على ثلاثة لا يصح فتضرب ثلاثة في أصل
المسألة تكن ثمانية عشر كما قال الخرقي وان زاد ولد الأب على هذا لم يزادوا على السدس شيئا لأن
الجد لا ينقص عن الثلث والأخت لا تنقص عن النصف فلا يبقى الا السدس
(مسألة الأكدرية) قال (وإذا كان زوج وأم وأخت وجد فللزوج النصف وللأم
الثلث وللأخت النصف وللجد السدس)
ثم يقسم سدس الجد ونصف الأخت بينهما على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم فتصح
الفريضة من سبعة وعشرين سهما للزوج تسعة أسهم وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة وتسمى
هذه المسألة الأكدرية ولا يفرض للجد مع الأخوات في غير هذه المسألة
75

قيل إنما سميت هذه المسألة الأكدرية لتكديرها لأصول زيد في الجد فإنه أعالها ولا عول عنده
في مسائل الجد وفرض للأخت معه ولا يفرض لأخت مع جد وجمع سهامه وسهامها فقسمها بينهما ولا
نظير لذلك. وقيل سميت الأكدرية لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا اسمه الاكدر فأفتى
فيها على مذهب زيد وأخطأ فيها فنسبت إليه. واختلف أهل العلم فيها فمذهب أبي بكر الصديق وموافقيه
إسقاط الأخت ويجعل للأم الثلث وما بقي للجد
وقال عمر وابن مسعود للزوج النصف وللأخت النصف وللأم السدس وللجد السدس وعالت
إلى ثمانية وجعلوا للأم السدس كي لا يفضلوها على الجد. وقال علي وزيد للزوج النصف وللأخت
النصف وللأم الثلث وللجد السدس وعولاها إلى تسعة ولم يحجبا الام عن الثلث لأن الله تعالى إنما
حجبها بالولد والاخوة وليس ههنا ولد ولا اخوة ثم إن عمر وعليا وابن مسعود أبقوا النصف للأخت
والسدس للجد وأما زيد فإنه ضم نصفها إلى سدس الجد فقسمه بينهما لأنها لا تستحق معه إلا بحكم
المقاسمة، وإنما حمل زيد على إعالة المسألة ههنا لأنه لو لم يفرض للأخت لسقطت وليس في الفريضة
من يسقطها، وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال، ما قال ذلك زيد وإنما قاس أصحابه على أصوله
ولم يبين هو شيئا، فإن قبل فالأخت مع الجد عصبة والعصبة تسقط باستكمال الفروض قلنا إنما يعصبها
الجد وليس بعصبة مع هؤلاء بل يفرض له ولو كان مكان الأخت أخ لسقط لأنه عصبة في نفسه ولو
76

كان مع الأخت أخرى أو أخ أو أكثر من ذلك لانحجبت الام إلى السدس وبقي لهما السدس
فأخذوه ولم تعل المسألة وأصل المسألة في الأكدرية ستة وعالت إلى تسعة وسهام الأخت والجد أربعة
بينهما على ثلاثة لا تصح فتضرب ثلاثة في تسعة تكن سبعة وعشرين ثم كل من له شئ في أصل المسألة
مضروب في الثلاثة التي ضربتها في المسألة للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم اثنان في ثلاثة ستة ويبقى
اثنا عشر بين الجد والأخت على ثلاثة له ثمانية ولها أربعة ويعايا بها فيقال أربعة ورثوا مال ميت
فأخذ أحدهم ثلثه والثاني ثلث ما بقي والثالث ثلث ما بقي والرابع ما بقي، ويقال امرأة جاءت قوما
فقالت أني حامل فإن ولدت ذكرا فلا شئ له وان ولدت أنثى فلها تسع المال وثلث تسعه وان
ولدت
ولدين فلهما السدس ويقال أيضا ان ولدت ذكرا فلي ثلث المال وان ولدت أنثى فلي تسعاه وان
ولدت ولدين فلي سدسه
(فصل) زوجة وأم وأخت وجد: للزوجة الربع وللأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على
ثلاثة أصلها من اثني عشر وتصح من ستة وثلاثين فإن كان مكان الأخت أخ فالباقي بينهما نصفين
وتصح من أربعة وعشرين وان كانتا أختين قاسمها وصحت من ثمانية وأربعين فإن كان أخ وأخت
أو ثلاث أخوات حجبوا الام إلى السدس وقسموا الباقي بينهم على خمسة وصحت من ستين فإن
77

زادوا على ذلك استوى ثلث الباقي والمقاسمة فافرض له ثلث الباقي واضرب المسألة في ثلاثة تصير
ستة وثلاثين ويبقى له ولهم أحد وعشرون يأخذ ثلثها سبعة والباقي لهم فإن لم تصح عليهم ضربتهم أو
وفقهم في ستة وثلاثين فما بلغ فمنه تصح فإن كانوا من الجهتين لم يبق لولد الأب شئ واستأثر به ولد الأبوين دونهم
(فصل) زوجة وأخت وجد وجدة فهي كالتي قبلها في فروعها الا في أن للجدة السدس مع
الأخت الواحدة والأخ الواحد. ومتى كانوا أكثر من واحد كان حكم الجدة والام واحدا،
وان لم يكن معهم جدة فهي من أربعة للزوجة الربع ويبقى ثلاثة للجد سهمان وللأخت سهم فإن كان
معها أخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وتصح من ستة عشر، وإن كان مكانهما أخ صحت من ثمانية
فإن كان أخ وأخت وثلاث أخوات فالباقي بينهم على خمسة وتصح من عشرين، وإن زادوا على هذا
فاعطه ثلث الباقي بينهما وأقسم الباقي على الباقين فإن كانوا من الجهتين فلا شئ لولد الأب لأن الباقي
بعد نصيب الجد لا يزيد على النصف وهو أقل فرض لولد الأبوين
(مسألة) قال (وإذا كانت أم وأخت وجد فللأم الثلث وما بقي فبين الجد والأخت
على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم
وهذه المسألة تسمى الخرقاء إنما سميت خرقاء لكثرة اختلاف الصحابة فيها فكأن الأقوال خرقتها
78

قيل فبها سبعة أقوال قول الصديق وموافقيه للام ثلث والباقي للجد، وقول زيد وموافقيه للأم الثلث
أصلها من ثلاثة ويبقى سهمان بين الأخت والجد على ثلاثة وتصح من تسعة، وقول علي للأخت
النصف وللأم الثلث وللجد السدس: وعن عمر وعبد الله للأخت النصف وللأم ثلث ما بقي وما بقي
فللجد، وعن ابن مسعود للأم السدس والباقي للجد وهي مثل القول الأول في المعنى، وعن ابن مسعود
أيضا للأخت النصف والباقي بين الجد والام نصفين فتكون من أربعة وهي أحدي مربعات ابن مسعود
وقال عثمان المال بينهم أثلاث لكل واحد منهم ثلاث وهي مثلثة عثمان وتسمى المسبعة لأن فيها سبعة
أقوال والمسدسة لأن معنى الأقوال يرجع إلى ستة. وسأل الحجاج عنها الشعبي فقال اختلف فيها
خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر له عثمان وعليا وابن مسعود وزيدا وابن عباس
(فصل) أم أو جدة وأختان وجد المقاسمة خير للجد ويبقى خمسة على أربعة فتصح من أربعة
وعشرين، أم وأخ وأخت أو ثلاث أخوات وجد تصح من ستة، أم وأخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات
وجد ثلث الباقي والمقاسمة سواء فإن زادوا على ذلك فرض للجد ثلث الباقي، وانتقلت المسألة إلى
ثمانية عشر للام ثلاثة وللجد خمسة يبقى عشرة للاخوة والأخوات فتصح المسألة عليهم فإن كان الاخوة
والأخوات من الجهتين فالباقي كله لولد الأبوين إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فلها قدر
فرضها والباقي، أم وأخت لأبوين وأخ وأخت لأب وجد للأم السدس وللجد ثلث الباقي ينتقل
79

إلى ثمانية عشر فللام ثلاثة وللجد خمسة وللأخت للأبوين النصف تسعة يبقى سهم على ثلاثة فتصح
من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد لأنه لو قاسم بالجد لانتقلت إلى ستة وثلاثين ثم يبقى سهمان
على ثلاثة فتصح من مائة وثمانية ثم ترجع بالاختصار إلى أربعة وخمسين فلذلك سميت المختصرة، أم
وأخت لأبوين واخوان وأخت لأب وجد أصلها من ستة ثم تنتقل إلى ثمانية عشر ويفضل لولد الأب
سهم على خمسة تضربها في ثمانية عشر تكن تسعين وتسمى تسعينية زيد، وفي هذا الفصل كله الجدة
كالأم لأن لكل واحدة منهما السدس
(مسألة) قال (وإذا كانت بنت وأخت وجد فللبنت النصف وما بقي فبين الجد
والأخت على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم)
إنما كان كذلك لأن المقاسمة ههنا أحظ للجد، وقال علي رضي الله عنه للبنت النصف وللجد السدس
والباقي للأخت. وعند ابن مسعود الباقي بعد فرض البنت بين الجد والأخت نصفين لأن كل واحد
منهما لو انفرد أخذ المال بالتعصيب فإذا اجتمعا اقتسما كما لو كان مكانها أخ، فأما علي فبنى على أصله في
أن الأخوات لا يقاسمن الجد وإنما يفرض لهن فلم يفرض لها ههنا لأن الأخت مع البنت عصبة وأعطى
الجد السدس كما لو انفرد معها وجعل لها الباقي
80

ولنا أن الجد يقاسم الأخت فيأخذ مثلها إذا كان معها أخ فكذلك إذا انفردت وهذه
إحدى مربعات ابن مسعود
(فصل) بنت وأخ وجد الباقي بعد فرض البنت بينهما نصفين وإن كان معه أخته فالباقي بينهم
على خمسة، وإن كان أخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات استوى ثلث الباقي والسدس والمقاسمة
فإن زادوا فلا حظ له في المقاسمة ويأخذ السدس والباقي لهم فإن كانوا من الجهتين فليس لولد الأب
شئ ويأخذ ولد الأبوين جميع الباقي بنت وأختان وجد الباقي بين الجد والأختين على أربعة وتصح
من ثمانية فإن كن ثلاث أخوات فالباقي بينهم على خمسة فإن كن أكثر من أربع فله السدس
أو ثلث الباقي والباقي لهن
(فصل) بنتان أو أكثر أو بنت ابن وأخت وجد للبنتين الثلثان والباقي بين الجد والأخت
على ثلاثة وتصح من تسعة وإن كان مكانها أخ فالباقي بينهما على اثنين وتصح من ستة وإن كان مكانه
أختان صحت من اثني عشر ويستوي في هاتين المسئلتين السدس والمقاسمة فإن زادوا عن أخ أو
عن أختين فرضت للجد السدس وكان الباقي لهم فإن كان معهم أم أو جدة فللجد السدس ولا
شئ للاخوة والأخوات.
(فصل) زوج وأخت وجد للزوج النصف والباقي بينهما على ثلاثة وعند علي وابن مسعود للأخت
81

النصف وللجد السدس وعالت إلى سبعة وإن كان مع الأخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وعندهما
لهما الثلثان وتعول إلى ثمانية وإن كان مكانهما أخ فالباقي بينهما نصفين وإن كان أخ وأخت أو ثلاث
أخوات قاسمهم الجد وإن كان اخوان أو من يعدلهما استوى السدس وثلث الباقي والمقاسمة فإن
زادوا فرضت له السدس والباقي لهم وإن كان زوج وبنت وأخت وجد فللزوج الربع وللبنت النصف والباقي
بينهما على ثلاثة ويستوى السدس ههنا والمقاسمة فإن زادوا على أخت واحدة فرضت للجد السدس
والباقي لهم وإن كان مع الزوج ابنتان أو بنت وبنت ابن أو بنت وأم أو جدة سقطت الاخوة والأخوات
وفرضت للجد السدس وعالت المسألة إلي ثلاثة عشر
(فصل) زوجة وبنت وأخت وجد الباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من ثمانية فإن كان
مكان الأخت أخ أو أختان فالباقي بينهم وتصح مع الأخ من ستة عشر ومع الأختين من اثنين وثلاثين
وان زادوا فرضت للجد السدس وانتقلت المسألة إلى أربعة وعشرين ثم تصحح على المنكسر عليهم
وإن كان مع الزوجة ابنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن وبنت وأم أو جدة فرضت للجد السدس ويبقى
للاخوة والأخوات سهم من أربعة وعشرين
(باب ذوي الأرحام)
وهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب وهم أحد عشر حيزا ولد البنات وولد الأخوات
وبنات الاخوة وولد الاخوة من الام والعمات من جميع الجهات والعم من الام والأخوال والخالات
82

وبنات الأعمام والجد أبو الام وكل جدة أدلت باب بين أمين أو باب أعلى من الجد فهؤلاء ومن
أدلى بهم يسمون ذوي الأرحام وكان أبو عبد الله يورثهم إذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة ولا أحد
من الوراث الا الزوج والزوجة، روي هذا القول عن عمر وعلي وعبد الله وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ
ابن جبل وأبي الدرداء رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وعلقمة
ومسروق وأهل الكوفة وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي لبيت المال، وبه قال مالك والأوزاعي
والشافعي رضي الله عنهم وأبو ثور وداود وابن جرير لأن عطاء بن يسار روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ركب إلى قباء يستخير الله تعالى في العمة والخالة فأنزل عليه ان لا ميراث لهما رواه سعيد في سننه لأن
العمة وابنة الأخ لا ترثان مع أخويهما فلا ترثان منفردتين كالأجنبيات وذلك لأن انضمام الأخ إليهما
يؤكدهما ويقويهما بدليل أن بنات الابن والأخوات من الأب يعصبهن أخوهن فيما بقي بعد ميراث
البنات والأخوات من الأبوين ولا يرثن منفردات فإذا لم يرث هاتان مع أخيهما فمع عدمه أولى ولان
المواريث إنما تثبت نصا ولا نص في هؤلاء
ولنا قول الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أي أحق بالتوارث في
حكم الله تعالى قال أهل العلم كان التوارث في ابتداء الاسلام بالحلف وكان الرجل يقول للرجل دمى
83

دمك ومالي مالك تنصرني وأنصرك وترثني وأرثك فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك فيتوارثان به
دون القرابة وذلك قول الله عز وجل (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) ثم نسخ ذلك وصار
التوارث بالاسلام والهجرة فإذا كان له ولد ولم يهاجر ورثه المهاجرون دونه، وذلك قوله عز
وجل (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) ثم نسخ ذلك بقول
الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وروي الإمام أحمد باسناده عن سهل بن حنيف
ان رجلا رمى رجلا بسهم فقتله ولم يترك الا خالا فكتب فيه أبو عبيدة إلى عمر فكتب إليه عمر اني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الخال وارث من لا وارث له) قال الترمذي هذا حديث حسن،
وروى المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه) أخرجه
أبو داود وفي لفظ (مولى من لا مولى له يعقل عنه ويفك عانيه) فإن قيل المراد به ان من ليس له الا
خال فلا وارث له كما يقال الجوع زاد من لا زاد له والماء طيب من لا طيب له والصبر حيلة من لا حيلة له
أو انه أراد بالخال السلطان قلنا هذا فاسد لوجوه ثلاثة (أحدها) أنه قال يرث ماله وفي لفظ قال يرثه
(والثاني) ان الصحابة فهموا ذلك فكتب عمر بهذا جوابا لأبي عبيدة حين سأله عن ميراث الخال وهم
أحق بالفهم والصواب من غيرهم
(الثالث) انه سماه وارثا والأصل الحقيقة وقولهم ان هذا يستعمل للنفي قلنا والاثبات كقولهم
يا عماد من لا عماد له يا سند من لا سند له يا ذخر من لا ذخر له
84

وقال سعيد حدثنا أبو شهاب عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حيان عن عمه واسع بن
حيان قال توفي ثابت بن الدحداحة ولم يدع وارثا ولا عصبة فرفع شانه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر، ورواه أبو عبيد في الأموال الا أنه قال:
ولم يخلف الا ابنة أخ له فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بميراثه لابنة أخيه ولأنه ذو قرابة فيرث كذوي الفروض
وذلك لأنه ساوى الناس في الاسلام وزاد عليهم بالقرابة فكان أولى بماله منهم ولهذا كان أحق في الحياة
بصدقته وصلته وبعد الموت بوصيته فأشبه ذوي الفروض والعصبات المحجوبين إذا لم يكن من يحجبهم
وحديثهم مرسل ثم يحتمل انه لا ميراث لهما مع ذوي الفروض والعصبات ولذلك سمى الخال وارث
من لا وارث له أي لا يرث إلا عند عدم الوارث، وقولهم لا يرثان مع اخوتهما قلنا لأنهما أقوى منهما،
وقولهم ان الميراث إنما ثبت نصا قلنا قد ذكرنا نصوصا ثم التعليل واجب مهما أمكن وقد أمكن ههنا
فلا يصار إلى التعبد المحض
(مسألة) قال (ويورث ذووا الأرحام فيجعل من لم يسم له فريضة على منزلة من
سميت له ممن هو نحوه فيجعل الخال بمنزلة الام والعمة بمنزلة الأب وعن أبي عبد الله
85

رحمه الله رواية أخرى انه جعلها بمنزلة العم وبنت الأخ بمنزلة الأخ وكل ذي رحم لم
يسم له فريضة فهو على هذا النحو)
مذهب أبي عبد الله في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل واحد منهم
منزلة من يمت به من الورثة فيجعل له نصيبه فإن بعدوا نزلوا درجة درجة إلى أن يصلوا من يمتون به
فيأخذون ميراثه فإن كان واحدا أخذ المال كله وان كانوا جماعة قسمت المال بين من يمتون به فما
حصل لكل وارث جعل لمن يمت به فإن بقي من سهام المسألة شئ رد عليهم على قدر سهامهم وهذا
قول علقمة ومسروق والشعبي والنخعي وحماد ونعيم وشريك وابن أبي ليلى والثوري. وسائر من
ورثهم غير أهل القرابة
وقد روي عن علي وعبد الله رضي الله عنهما انهما نزلا بنت البنت منزلة البنت وبنت الأخ منزلة
الأخ وبنت الأخت منزلة الأخت والعمة منزلة الأب والخالة منزلة الام. وروي ذلك عن عمر رضي
الله عنه في العمة والخالة وعن علي أيضا انه نزل العمة بمنزلة العم وروي ذلك عن علقمة ومسروق وهي
الرواية الثانية عن أحمد رضي الله عنه، وعن الثوري وأبي عبيد انهما نزلاها منزلة الجد مع ولد الاخوة والأخوات
ونزلها آخرون منزلة الجدة، وإنما صار هذا الخلاف في العمة لأنها أدلت بأربعة جهات وارثات فالأب والعم
أخواها والجد والجدة أبواها، ونزل قوم الخالة جدة لأن الجدة أمها والصحيح من ذلك تنزيل العمة أبا والخالة أما
86

لوجوه ثلاثة أحدها) ما روى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما
أب والخالة بمنزلة الام إذا لمن يكن بينهما أم) رواه الإمام أحمد (الثاني) أنه قول عمر وعلي وعبد الله في
الصحيح عنهم ولا مخالف لهم في الصحابة (الثالث) أن الأب أقوى جهات العمة والام أقوى جهات
الخالة فتعين تنزيلهما بهما دون غيرهما كبنت الأخ وبنت العم فإنهما ينزلان منزلة أبويهما دون أخويهما
ولأنه إذا اجتمع لهما قرابات ولم يكن توريثهما بجميعهما ورثتا بأقواهما كالمجوس عند من لم يورثهم بجميع
قراباتهم وكالأخ من الأبوين فانا تورثه بالتعصيب وهي جهة أبيه دون قرابة أمه فاما أبو حنيفة وأصحابه
فإنهم ورثوهم على ترتيب العصبات فجعلوا أولادهم من كان من ولد الميت وان سفلوا ثم ولد أبويه أو
أحدهما وان سفلوا ثم ولد أبوى أبويه وان سفلوا كذلك أبدا لا يرث بنوا أب أعلى وهناك بنوا أب
أقرب منه وان نزلت درجتهم وعن أبي حنيفة أنه جعل أبا الام وإن على أولى من ولد البنات ويسمى
مذهبهم مذهب أهل القرابة.
ولنا انهم فرع في الميراث على غيرهم فوجب الحاقهم بمن هم فرع له وقد ثبت أن ولد الميت من
الإناث لا يسقط ولد أبيه فأولى أن لا يسقطهم ولده.
(مسائل) من ذلك بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما على أربعة فإن كان معهما بنت أخ
فالباقي لها وتصح من ستة فإن كان معهما خالة فلبنت البنت النصف ولبنت بنت الابن السدس تكملة
87

الثلثين وللخالة السدس والباقي لبنت الأخ فإن كان مكان الخالة عمة حجبت بنت الأخ واخذت الباقي
لأن العمة كالأب فتسقط من هو بمنزلة الأخ ومن نزلها عما جعل الباقي لبنت الأخ وأسقط العمة ومن
نزلها جدا قاسم بنت الأخ الثلث الباقي بينهما نصفين ومن نزلها جدة جعل لها السدس ولبنت الأخ
الباقي وفي قول أهل القرابة أنه لا ترث بنت الأخ مع بنت البنت ولا مع بنت بنت الابن شيئا
(فصل) إذا انفرد أحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله في قول جميع من ورثهم وان كانوا جماعة
لم يخل اما أن يدلوا بشخص واحد أو بجماعة فإن أدلوا بشخص واحد وكانوا في درجة واحدة فالمال
بينهم على حسب مواريثهم منه فإن أسقط بعضهم بعضا كأب الام والأخوال فاسقط الأخوال لأن
الأب يسقط الاخوة والأخوات فإن كان بعضهم أقرب من بعض فالميراث لأقربهم كخالة وأم أبي
أم أو ابن خال فالميراث للخالة لأنها تلقى الام بأول درجة، وهذا قول عامة المنزلين الا أنه حكى عن
النخعي وشريك ويحيى بن آدم في قرابة الام خاصة أنهم أماتوا الام وجعلوا نصيبها لورثتها ويسمى
قولهم قول من أمات السبب واستعمله بعض الفرضيين في جميع ذوي الأرحام فعلى قولهم يكون للخالة
نصف ميراث الام لأنها أخت ولام أبي الام السدس لأنها جدة والباقي لابن الخال لأنه ابن أخ
ولنا أن الميراث من الميت لا من سببه ولذلك ورثنا أم أم لام دون ابن عم الام بغير خلاف
88

أيضا في أبي أم أم وابن عم أبي أم ان المال للجد لأنه أقرب ولو كانت الام الميتة كان وارثها ابن عم
أبيها دون أبي أمها، خالة وأم أبي أم وعم أم المال للخالة وعندهم للخالة النصف وللجدة السدس والباقي
للعم فإن لم يكن فيها عم أم فالمال بين الخالة وأم أبي الام على أربعة فإن لم يكن فيها جدة فالمال بين الخالة
وعمها نصفين، ابن خالة وابن عم أم المال لابن الخالة وعندهم لابن عم الام. فأما أن أدلى جماعة بجماعة
جعلت المال للمدلى بهم كأنهم أحيا فقسمت المال بينهم على ما نوجبه الفريضة فما صار لكل واحد منهم
فهو لمن أدلى به إذا لم يسبق بعضهم بعضا فإن سبق بعضهم بعضا وكانوا من جهة واحدة فالسابق إلى
الوارث أولى وان كانوا من وجهتين نزل البعيد حتى يلحق بمن أدلى به فيأخذ نصيبه سواء سقط به
القريب أو لم يسقط هذا ظاهر كلام احمد رضي الله عنه نقل عنه جماعة من أصحابه في خالة وبنت
خالة وبنت ابن عم للخالة الثلث ولابنة ابن العم الثلثان ولا تعطي بنت الخالة شيئا ونقل حنبل عنه
أنه قال: قال سفيان قولا حسنا إذا كانت خالة وبنت ابن العم تعطي الخالة الثلث وتعطي بنت ابن العم
الثلثين وظاهر هذا يدل على ما قلناه وهو قول الثوري ومحمد بن سالم والحسن بن صالح، وقال ضرار
ابن صرد إن كان البعيد إذا أسقط القريب فالقريب أولى وان لم يكن يسقطه نزل البعيد حتى
يلحق بالوارث، وقال سائر المنزلين الأسبق إلى الوارث أولى بكل حال ولم يختلفوا فيما علمت في
89

تقديم الأسبق إذا كان من جهة واحدة الا نعيما ومحمد بن سالم فإنهما قالا في عمة وبنت عمة
المال بينهما نصفين ولم اعلم أحدا من أصحابنا ولا من غيرهم عد الجهات وبينهما إلا أبا الخطاب
فإنه عدها خمس جهات الأبوة والأمومة والبنوة والاخوة والعمومة، وهذا يفضي إلى
إلى أن ابنة العم من الام أو بنت العمة من الام مسقطة لبنت العم من الأبوين ولا أعلم أحدا قال به.
وقد ذكر الخرقي هذا في ثلاث بنات عمومة مفترقين ان المال لبنت العم من الأبوين وبيان
افضائه إلى ذلك أن بنت العم من الام أبوها يدلي بالأب وبنت العم من الأبوين تدلي بأبيها والأب
يسقط العم وكذلك بنت العمة من جهة الأب وبنت العم من جهة العم فالصواب إذا أن تكون الجهات
أربعا الأبوة والبنوة والاخوة والأمومة
(مسائل في هذا الباب) بنت بنت بنت وبنت بنت بنت بنت وبنت أخ المال بين الأولى
والثالثة وسقطت الثانية إلا عند محمد بن سالم ونعيم فإنها تشاركها ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ
لأنها أسبق وقول أهل القرابة هو للأولى وحدها لأنها من ولد الميت وهي أقرب من الثانية، ابن خال
وبنت عم ثلث وثلثان ومن ورث الأسبق جعله لبنت العم، وإن كان معها بنت عمة فلا شئ لها
لأن بنت العم أسبق إلى الوارث منهما وهما من جهة واحدة، وإن كان معهم عمة سقطت بنت العم
لأن العمة بمنزلة الأب وبنت العم بمنزلة العم بنت بنت بنت وبنت بنت ابن المال لبنت بنت الابن عند الجميع
90

إلا عند ابن سالم ونعيم، بنت بنت بنت وابن أخ من أم المال للأولى ومن ورث الأقرب جعله لابن
الأخ وهو قول ضرار لأن البعيد إذا نزل أسقط القريب بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما
على أربعة عند جميع المنزلين وعند أهل القرابة هو لبنت البنت لأنها أقرب ابن بنت بنت وبنت أخ
هو بينهما ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ وعند أهل القرابة هو لابن بنت البنت ابن بنت وابن
ابن ابن أخت لأبوين المال بينهما وعند من ورث الأقرب وأهل القرابة هو للأول بنت أخ وبنت
عم أو بنت عمة المال لبنت الأخ وقياس قول أحمد رضي الله عنه في توريث البعيد من القريب إن كان
من جهتين أن يكون لبنت العم والعمة لأنهما من جهة الأب وذلك قول ضرار أيضا ابن أخت وابن
عم لام المال بينهما، ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخت وهو قول أهل القرابة أيضا لأنها من ولد
أبوي الميت وابن العم للام من ولد أبوي أبويه بنت عم وبنت عم أب هو للأولى عند الجميع إلا
عند ابن سالم ونعيم بنت بنت بنت وأم أب أم المال بينهما على أربعة بنت بنت بنت وأبو أم أب مثلها
عندنا وعند من ورث لأقرب جعله للثاني بنت بنت بنت ابن وعمة أو خالة للأولى النصف في الأولى
ومع الخالة لها ثلاثة أرباع المال وعند من ورث الأقرب الكل للعمة وللخالة، ويحتمل أن تكون الجهات
ثلاثا الأبوة والبنوة والأمومة لأن جعل لأمومة جهة خامسة يفضي إلى اسقاط بنت العم ببنت العمة كما ذكرنا،
وإن جعلنا الاخوة جهة رابعة مع نفي جهة العمومة أفضى إلى اسقاط ولد الاخوة والأخوات ببنات الأعمام
والعمات وإذا جعلنا جميعهم جهة واحدة وورثنا أسبقهم إلى الوارث كان أولى والله أعلم
91

(مسألة) قال (وإذا كان وارث غير الزوج والزوجة أو مولى نعمة فهو أحق بالمال
من ذوي الأرحام)
في هذه المسألة فصول ثلاثة: (أحدها) ان الرد يقدم على ميراث ذوي الأرحام فمتى خلف
الميت عصبة أو ذا فرض من أقاربه أخذ المال كله ولا شئ لذوي الأرحام وهذا قول عامة من ورث
ذوي الأرحام. وقال الخبري لم يختلفوا أن الرد أولى منهم إلا ما روى عن سعيد بن المسيب وعمر
ابن عبد العزيز انهما ورثا الخال مع البنت فيحتمل أنهما ورثاه لكونه عصبة أو مولى لئلا يخالف الاجماع
وقول النبي صلى الله عليه وسلم (الخال وارث من لا وارث له) ومن مسائل هذا الفصل أبو أم وجدة المال للجدة بنت
ابن وبنت بنت ابن ابن ابن وابن أخت عم وعمة ثلاثة بني إخوة مفترقين لا شئ لذي الرحم في جميع ذلك
(الفصل الثاني) أن المولى المعتق وعصبانه أحق من ذوي الأرحام وهو قول عامة من ورثهم
من الصحابة وغيرهم وقول من لا يرى توريثهم أيضا. وروي عن ابن مسعود تقديمهم على المولى، وبه
قال ابنه أبو عبيدة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعلقمة والأسود وعبيدة ومسروق وجابر بن زيد
والشعبي والنخعي والقاسم بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز وميمون ومهران والأول أصح لقوله
92

عليه السلام (الخال وارث من لا وارث له) والمولى وارث ولان المولى يعقل وينصر فأشبه
العصبة من النسب.
(الفصل الثالث) في توريثهم مع الزوج والزوجة لا أعلم خلافا بين من ورثهم انهم يرثون مع
أحد الزوجين ما فضل عن ميراثه من غير حجب له ولا معلولة، واختلف في كيفية توريثهم معه فروى
عن إمامنا أنهم يرثون ما فضل كما يرثون المال إذا انفردوا وهذا قول أبي عبيد ومحمد بن الحسن واللؤلؤي
وعامة من ورثهم، وقال يحيى بن آدم وضرار يقسم المال الباقي بينهم على قدر سهام من يدلون به
مع أحد الزوجين على الحجب والعول ثم نفرض للزوج فرضه كاملا من غير حجب ولا عول ثم يقسم
الباقي بينهم على قدر سهامهم فإنما يقع الخلاف في مسألة فيها من يدلي بذي فرض ومن يدلي بعصبة
فاما ان أدلى جميعهم بذى فرض أو عصبة فلا خلاف فيه، ومن مسائل ذلك زوج وبنت بنت وبنت
أخت أو ابن أخت أو أولاد أخت أو بنت أخ أو بنات أخ فللزوج النصف الباقي بين بنت البنت
ومن معها نصفين، وقال يحيى وضرار المسألة من أربعة للزوج الربع وللبنت النصف سهمان يبقى
سهم لمن معها ثم يفرض للزوج النصف والنصف الآخر بينهم على ثلاثة لبنت البنت سهمان ولمن
معها سهم فإن كان مكان الزوج زوجة فرضت المسألة من ثمانية للمرأة سهم وللبنت أربعة ويبقى ثلاثة
لمن بقي ثم يفرض للمرأة الربع ويقسم الباقي بينهم على سبعة تضربها في أربعة تكن ثمانية وعشرين،
93

ومنها تصح للمرأة الربع سبعة ولبنت البنت أربعة أسباع الباقي اثنا عشر ويبقى تسعة لمن معها زوج
وبنت بنت وخالة وبنت عم للزوج النصف والباقي بين ذوي الأرحام على ستة لبنت البنت ثلاثة
وللخالة سهم ويبقى لبنت العم سهمان وتصح من اثني عشر سهما، وفي قول يحيى وضرار تفرض
المسألة من اثني عشر للزوج ثلاثة وللبنت ستة وللأم سهمان ويبقى للعم سهم ثم يعطى الزوج النصف
وتجمع سهام الباقين وهي تسعة فيقسم النصف الباقي على تسعة فلا تصح فتضربها في اثنين تكن ثمانية
عشر، وإن كان مكان الزوج امرأة فعلى قول الجمهور للمرأة الربع والباقي بين ذوي الأرحام على
ستة وهي توافق باقي مسألة الزوجة بالاثلاث فردها إلى اثنين وتضربها في أربعة تكن ثمانية عشر للمرأة
سهمان ولبنت البنت نصف الباقي ثلاثة وللخالة سهم ولبنت العم سهمان، وعلى قول يحيى تفرضها من
من أربعة وعشرين لذوي الأرحام منها أحد وعشرون ثم تفرض للمرأة الربع من أربعة لها سهم ولهم
ثلاثة توافق سهامهم بالثلث فتضرب ثلثها في أربعة تكن ثمانية وعشرين ومنها تصح، امرأة وثلاث بنات ثلاثة
إخوة متفرقين امرأة وبنت بنت وثلاث اخوة مفترقين امرأة وبنت بنت وثلاث خالات متفرقات
وثلاث عمات متفرقات
(فصل) ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام الا مسألة واحدة وشبهها وهي خالة أو غيرها ممن
يقوم مقام الام أو الجدة وست بنات ست أخوات مفترقات أو من يقوم مقامهن ممن يأخذ
94

المال بالفروض فإن للخالة السدس ولولد الام الثلث ولبنات الأختين من الأبوين الثلثان أصلها من
ستة وعالت إلى سبعة
(مسألة) قال (ويورث الذكور والإناث من ذوي الأرحام بالسوية إذا كان أبوهم
واحدا وأمهم واحدة الا الخال والخالة فللخال الثلثين وللخالة الثلث)
اختلفت الرواية عن أحمد في توريث الذكور والإناث من ذوي الأرحام إذا كانوا من أب
واحد وأم واحدة فنقل الأثرم وحنبل وإبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية
فظاهر هذا التسوية في جميع ذوي الأرحام وهو اختيار أبي بكر، ومذهب أبي عبيد وإسحاق
ونعيم بن حماد لأنهم يرثون بالرحم المجرد فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الام، ونقل يعقوب بن
بختان إذا ترك ولد خاله وخاله اجعله بمنزلة الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين
وكذلك ولد العم والعمة. ونقل عنه المروذي فيمن ترك خاله وخالته: للخال الثلثان وللخالة الثلث،
فظاهر هذا التفضيل وهو قول أهل العراق وعامة المنزلين لأن ميراثهم معتبر بغيرهم فلا يجوز حملهم
على ذوي الفروض لأنهم يأخذون المال كله ولا على العصبة البعيد لأن ذكرهم ينفرد بالميراث دون
الإناث فوجب اعتبارهم بالقرب من العصبات والاخوة والأخوات. ويجاب عن هذا بأنهم معتبرون
95

بولد الام وإنما يأخذون كل المال بالفرض والرد واتفق الجميع على التسوية بين ولد الام لأن أباهم
يستوي ذكرهم وأنثاهم الا في قياس قول من أمات السبب فإن للذكر مثل حظ الأنثيين. والذي
نقل الخرقي التسوية بين الجميع إلا في الخال والخالة ولم أعلم له موافقا على هذا القول ولا علمت وجهه.
وأما قوله إذا كان أبوهم واحدا وأمهم واحدة فلان الخلاف إنما هو في ذكر وأنثى أبوهما وأمهما
واحد فاما إذا اختلف آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المتفرقين والعمات المفترقات أو إذا
أدلى كل واحد منهم بغير من أدلى به الآخر كابن بنت وبنت بنت أخرى فلذلك موضع آخر
يذكر فيه غير هذا إن شاء الله تعالى
ومن مسائل ذلك ابن أخت معه أخته أو ابن بنت معه أخته: المال بينهما نصفين عند من سوى
وعند أهل القرابة وسائر المنزلين المال بينهما على ثلاثة ابنان وابنتان أخت لأبوين وثلاثة بنين
وثلاث بنات أخت لأب وأربعة بني ولد وأربع بنات أخت لأم أصل المسألة من خمسة للأخت من
الأبوين ثلاثة بين ولدها على أربعة وللأخت من الأب سهم بين ولدها على ستة وللأخت من الام سهم بين
ولدها على ثمانية والأربعة داخلة فيها والستة توافقها بالنصف فتضرب نصفها في ثمانية تكن أربعة وعشرين،
ثم في خمسة تكن ثمانية وعشرين ومن فضل أبقى ولد الام بحالهم وجعل ولد الأخت من الأبوين ستة
توافقهم سهامهم بالثلث فيرجعون إلى اثنين فيدخلان في الثمانية وولد الأخت من الأب تسعة تضربها في ثمانية
96

تكن اثنين وسبعين ثم في خمسة تكن ثلاثمائة وستين وان كانوا أولاد عمات أو خالات مفترقات
فكذلك، وإن كانوا أولاد بنات أو أولاد أخوات من أبوين أو من أب فهي من اثنين وسبعين عند
من سوى ومن مائة وثمانية عند من فضل. وقول أهل العراق هي من سبعة وعشرين كأولاد البنين
(فصل) وإن كان معك أولاد بنات أو أخوات قسمت المال بين أمهاتهم على عددهن فما
أصاب كل واحدة منهن فهو لولدها بالسوية عند من سوى، وعند من فضل جعله بينهم على حسب
ميراثهم. واختلف أصحاب أبي حنيفة فذهب أبو يوسف إلى قسم المال بينهم على عددهم دون مراعاة
أمهاتهم إذا استووا وممن يدلون به من الآباء والأمهات إلى بنات الميت للذكر مثل حظ الأنثيين كأولاد
البنين، وجعل محمد بن الحسن من أدلى بابن ابنا وإن كان أنثى، ومن أدلى بالأنثى أنثى وإن كان
ذكرا وجعل المدلى بهم بعدد المدلين ثم قسم بينهم على عددهم فما أصاب ولد الابن قسمه بينهم للذكر
مثل حظ الأنثيين وما أصاب ولد الأنثى قسمه بينهم كذلك
(مسائل) من ذلك بنت ابن بنت وابن بنت بنت، قول من سوى المال بينهما نصفين وقول من
فضل ان كانا من ولد بنين فكذلك وان كانا من ولد بنت واحدة فالمال بين ابنها وبنتها لابنها ثلثاه
ولبنتها ثلثه فما أصاب ابنها فهو لبنته وما أصاب بنتها فهو لابنها فيصير للبنت سهمان وللابن سهم،
وقول محمد كذلك وقول أبي يوسف للابن سهمان وللبنت سهم كابن الميت وبنته: ابنا وبنت بنت
وابن ابن بنت قول من سوى لابن ابن البنت النصف والباقي بين الباقين على ثلاثة سواء كانوا من
97

ولد بنت أو من ولد بنين، وقول المفضلين ان كانوا من ولد بنين فلابن ابن البنت النصف والنصف
الآخر بين الباقين على خمسة، وان كانوا من ولد بنت فلابن ابن البنت الثلثان والثلث الباقي للباقين على
خمسة لأن المال كان للبنت الأولى فقسم بين ابنها وبنتها أثلاثا للابن سهمان فهما لابنه وللبنت سهمان فهو
لولدها قول محمد يقسم بينهم على خمسة لابن الابن سهمان لأنه يدلي بابن وللباقين ثلاثة لأنهم يدلون بأنثى
قول أبي يوسف يقسم بينهم على سبعة لكل ابن سهمان وللبنت سهم ابنا بنت بنت وبنتا ابن بنت
قول من سوى المال بينهم على أربعة بكل حال قول المفضلين ان كانوا من ولد بنين لكذلك وان كانوا
من ولد واحدة فلابنها الثلثان بين ابنتيه ولابنتها الثلث بين ابنيها قول أبي يوسف المال بينهم على ستة
لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم قول محمد لكل ذكر سهم ولكل أنثى سهمان ابنا وابنتا
ابن أخت وثلاثة بنين وثلاث بنات بنت أخت قول من سوى النصف بين الأولين على أربعة والنصف
الباقي بين الآخرين على ستة وتصح من أربعة، وعشرين قول من فضل ان كانوا من ولد واحدة
فللأولين الثلثان بينهم على ستة وللآخرين الثلث بينهم على تسعة وتصح من أربعة وخمسين، وان
كانوا من ولد اثنتين صحت من ستة وثلاثين قول أبي يوسف للذكر مثل حظ الأنثيين وتصح من
خمسة عشر، وقول محمد ولد ابن الأخت بمنزلة أربع ذكور وولد بنت الأخت كبنت إناث فيقسم
المال بينهم على أربعة عشر ولولد أخ لأخت منها ثمانية أسهم بينهم على ستة وللآخرين ستة بينهم
98

على سبعة وتصح من اثنين وأربعين وترجع بالاختصار إلى أحد وعشرين، ابنتا أخ وابن وابنة أخت
لبنتي الأخ الثلثان في قول المنز ابن جميعهم، وقول محمد الثلث لولدي الأخت بينهما بالسوية عند
من سوى ومن فضل جعله بينهما أثلاثا وهذا قول محمد، وقال أبو يوسف لابن الأخت سهمان ولكل
واحد من الباقين سهم وتصح من خمسة
(فصل) بنت بنت وبنت بنت ابن هي من أربعة عند المنزلين جميعهم وعند أهل القرابة هو
لبنت البنت لأنها أقرب فإن كان معهما بنتا بنت ابن أخري فكأنهم بنت وبنتا ابن فمسئلتهم من
ثمانية وتصح من ستة عشر ابن بنت ابن وبنت ابن بنت المال للابن لأنه أقرب إلى الوارث وهذا قول
عامة من ورثهم الا ما حكي عن ابن سالم في أنه ينزل البعيد حتى يلحق بوراثة فيكون المال بينهما على
أربعة للبنت ثلاثة وللابن سهم كبنت وبنت ابن بنت بنت ابن وبنت بنت ابن ابن وابنتا بنت ابن
آخر للأولى ثلاثة أرباع المال والربع الباقي بين الباقيات على أربعة فتضربها في أصل المسألة تكن من
ستة عشر، ابن وبنت بنت وثلاث بنات، وبنت وابنا بنت ابن لا شئ لهذين في قول الجميع لأن أمهما
تسقط باستكمال البنات الثلثين ويكون النصف بين الابن وأخته على اثنين والنصف الآخر على ثلاث
وتصح من اثني عشر عند من سوى، ومن فضل جعلها بينهم على ستة وهو قول أهل القرابة أيضا،
بنت بنت بنت وبنت ابن بنت أخرى وبنت بنت ابن ابن المال لهذه إلا في قول أهل القرابة فإنه
99

للأوليين وقول من أمات السبب وورث البعيد مع القريب: المال بين بنت ابن بنت وبنت بنت ابن ابن علي
أربعة وتسقط الأخرى لأن هذه وارثة البنت في أول درجة، بنت بنت وبنت بنت بنت أخرى
وبنت بنت ابن المال بين الأولى والأخيرة على المنزلين، وقال أهل القرابة هو للأولى قول ابن سالم
هو للأوليين وتسقط الثالثة
(مسألة) قال (وإذا كان ابن أخت وبنت أخت أخرى أعطي ابن الأخت حق أمه النصف
وبنت الأخت الأخرى حق أمها النصف، وإن كان ابن وبنت أخت وبنت أخت أخرى فللابن
وبنت الأخت النصف بينهما نصفين ولبنت الأخت الأخرى النصف)
أما المسألة الأولى فلا خلاف فيها بين المنزلين لأن كل واحد منهما له ميراث من أدلى به وهو
قول محمد بن الحسن أيضا، وقال أبو يوسف يعتبرون بأنفسهم فيكون لابن الأخت الثلثان ولبنت
الأخت الثلث. وأما المسألة الثانية فلا خلاف بين المنزلين في أن لولد كل أخت ميراثها وهو النصف
ومن سوى جعل النصف بين ابن الأخت وأخته نصفين والنصف الآخر لبنت الأخت الأخرى
فتصح من أربعة ومن فضل جعل النصف بينهما على ثلاثة وتصح من ستة، وقال أبو يوسف للابن
100

النصف ولكل بنت الربع وتصح من أربعة، وقال محمد لولد الأخت الأولى الثلثان بينهما على
ثلاثة وللأخرى الثلث، وتصح من تسعة، وإذا انفرد ولد كل أخ أو أخت فالعمل فيه على ما ذكرنا في
في أولاد البنات ومتى كان الأخوات أو الاخوة من ولد الام فاتفق الجميع على التسوية بين ذكرهم
وأنثاهم الا الثوري ومن أمات السبب، ثلاث بنات أخ وثلاث بني أخت ان كانا من أم فالمال بينهم
على عددهم وان كانا من أب أو من أبوين فلبنات الأخ الثلثان ولبني الأخت الثلث وتصح من تسعة عند
المنزلين وعند محمد مثله وفي قول أبي يوسف يجعل لبني الأخت الثلثين ولبنات الأخ الثلث، ابن وبنت
أخت لأبوين وابن أخت لأم هي من أربعة عند من فضل وعند من سوى تصح من ثمانية قول محمد كأنهما
أختان من أبوين وأخت من أم فتصح من خمسة عشر فإن كان ولد الام أيضا ابنا وابنة صحت
عند جميعهم من ثمانية الا الثوري فإنه يجعل للذكر من ولد الام مثل حظ الأنثيين فتصح عنده من
اثني عشر وعند محمد هي من ثمانية عشر ابنا أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا أخت أخرى
لأب في قول عامتهم من ثمانية وتصح من اثنين وثلاثين عند من سوى وعند من فضل من ثمانية
وأربعين وقول محمد يسقط ولد الأب ويتفق قوله مع قول أبي يوسف في أن المال لولد الأخت من
الأبوين، ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأم وابنا وابنتا أخت أخرى لام قول المنزلين من عشرين
الثوري من ثلاثين محمد من ستين
101

(مسألة) قال (فإن كن ثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات فلبنت الأخت
من الأب والام ثلاثة أخماس المال ولبنت الأخت من الأب الخمس ولبنت الأخت
من الام الخمس)
جعلهن مكان أمهاتهن وكذلك أن كن ثلاث عمات مفترقات مذهب احمد وسائر المنزلين في
ولد الأخوات ان المال يقسم بين الأخوات على قدر سهامهن فما أصاب كل أخت فهو لولدها
والمال في مسئلتنا بين الأخوات على خمسة فيكون بين أولادهن كذلك وكذلك إن كن ثلاث عمات
متفرقات لأنهن أخوات الأب فميراثه بينهن كميراث الأخوات المتفرقات من أخيهن وكذلك الحكم
في ثلاث خالات متفرقات لأنهن أخوات الام فميراثها بينهن كذلك وقدم أهل القرابة من كان لأب
وأم من جميعهم ثم من كان لأب ثم من كان لام الا محمد بن الحسن فإنه قسم ميراث أولاد الأخوات
على أعدادهم وأقامهم مقام أمهاتهم كأنهم أخوات
ومن مسائل ذلك ستة بنات ثلاث أخوات متفرقات المال بين الأخوات على خمسة فما أصاب
كل واحدة فهو لبنتيها وتصح من عشرة قول أبي يوسف المال كله لولد الأبوين قول محمد لهما الثلثان
102

ولولد الام الثلث وتصح من ستة ست بنات ست أخوات متفرقات لبنتي الأختين من الأبوين الثلثان
ولولد الام الثلث وتصح من ستة وهذا قول محمد بن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا
وابنتا أخت أخرى لأب وثلاثة بنين وثلاثة بنات أخت لأم هي من مائة وعشرين عند من سوى
ومن ستين عند من فضل ومن أربعة وخمسين عند محمد فإن كان معهم أربعة بنين وأربع بنات
أخرى لام صحت من مائة وأربعة وأربعين عند المنزلين كلهم قول محمد كأنهم أخت لأبوين وست أخوات
لأب وأربع عشرة أختا لأم وسهم ولد الأب بينهم على تسعة فتصح من ثلاثمائة وثمانية وسبعين فإن
كان ولد الأخت للأبوين ابنا وبنتا صحت كذلك عند المنزلين وعند محمد كأنهما ختان لأبوين
فيسقط ولد الأب وتصح من مائة وستة وعشرين والقول في العمات المتفرقات والخالات المتفرقات
وأولادهن كالقول في ولد الأخوات المتفرقات
(مسألة) قال (إذا كن ثلاث بنات ثلاثة اخوة متفرقين فلبنت الأخ من الام السدس
والباقي لبنت الأخ من الأب والام)
هذا قول جميع المنزلين لأن الاخوة المفترقين يسقط ولد الأب منهم بولد الأبوين وللأخ للأم السدس
والباقي كله للأخ للأبوين ثم ما صار لكل أخ فهو لولده وكذلك الحكم في الأخوال المتفرقين
وأولادهم لأن الأخوال أخوة الام، مسائل من ذلك ست بنات ستة اخوة مفترقين لولد الام الثلث
والباقي لولد الأبوين ست بنات ثلاثة اخوة مفترقين لولد الام السدس والباقي لولد الأبوين قول
محمد لولد الام الثلث، بنت أخ لأبوين وابن أخ لام وبنت أخ آخر لام ابن وبنت بنت أخ لأب وابنا
وابنتا ابن أخ لام ثلاثة بنين وثلاث بنات بنت أخت لأم تصح من اثنين وسبعين عند المنزلين فإن كان مكان
103

الأخ من الأب أخت كانت من ستين فإن كان معهم ابن بنت أخت من أبوين عادت إلى اثنين وسبعين
(فصل) بنت أخ لام وبنت ابن أخ لأب للأولى السدس والباقي للثانية عند المنزلين، وفي
القرابة هو للأولى لأنها أقرب إلى الميت بنت بنت أخ لأبوين وبنت ابن أخ لأبوين المال لهذه في قولهم
جميعا بنت ابن أخ لام وبنت بنت أخ لأبوين وابن بنت أخ لأب للأولى السدس والباقي للثانية وقال
أبو يوسف الكل للثانية بنت أخ لام وبنت بنت أخ لأب المال للأولى الا في قول الثوري وابن سالم وضرار
للأولى السدس والباقي للثانية لأنهم يورثون البعيد مع القريب وان كانا من جهة واحدة
(فصل) ابن وبنت أخت لأبوين وبنتا أخ لأب وثلاثة بني أخت لأب وخمسة بني أخت لأم
وعشر بنات أخ لام أصلها من ثمانية عشر تصح من خمسمائة وأربعين في قول المنزلين النصف من ذلك
بين ولدي الأخت للأبوين بالسوية عند من سوى وأثلاثا عند من فضل ولولد الام الثلث وهو مائة وثمانون
ولولد الأخ تسعون ولولد الأخت تسعون ولولد الأب تسعون ولولد الأخ ستون ولولد الأخت ثلاثون،
ثلاث بنات اخوة مفترقين وثلاث بنات أخوات مفترقات لولدي الام الثلث بينهما بالسوية والباقي لولدي الابن
لبنت الأخ ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه وإن كان معهم ثلاثة بني أخوال مفترقين فلهم السدس لابن الخال من
الام سدسه وباقيه لابن الخال من الأبوين ويبقى النصف لبنت الأخ من الأبوين ثلثاه ولبنت الأخت
ثلثه وتصح من ستة وثلاثين والحكم في ثلاثة أخوال مفترقين في قسمة ميراث الام بينهم كالحكم في ثلاثة
104

اخوة مفترقين في قسم ميراثهم بينهم وكذلك ثلاثة أخوال مفترقين مع ثلاث خالات متفرقات كثلاث
بنات اخوة مفترقين مع ثلاث بنات أخوات مفترقات على ما ذكرنا.
(مسألة) قال (وإذ كان ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأب والام
لأنهن أقمن مقام آبائهن)
أكثر أهل التنزيل على هذا وهو قول أهل القرابة وقال الثوري المال بين بنت العم من الأبوين
وبنت العم من الام على أربعة وقال أبو عبيد لبنت العم من الام السدس والباقي لبنت العم من الأبوين
كبنات الاخوة، ولا يصح شئ من هذا لأنهن بمنزلة آبائهن ولو كان آباؤهن أحياء لكان المال للعم
من الأبوين، وفارق بنات الاخوة لأن آباءهن يكون المال بينهم على ستة ويرث الأخ من الام مع
الأخ من الأبوين بخلا ف العمومة وقيل على قياس قول محمد بن سالم المال لبنت العم من الام لأنها بعد
درجتين بمنزلة الأب فيسقط به العم قال الخبري وليس بشئ وقد ذكر أبو الخطاب في كتاب الهداية قولا من
رأيه يفضي إلى هذا فإنه ذكر أن الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى وأن البعيد والقريب من ذوي
الأرحام إذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لم يسقط فيلزم
على هذا أن تنزل بنت العم من الام حتى تلحق بالأب فيسقط بها بنتا العمين الآخرين، وأظن أبا
105

الخطاب لو علم افضاء هذا القول إلى هذا لم يقله ولم يذهب إليه لما فيه من مخالفة الاجماع ومقتضى
الدليل واسقاط القوي بالضعيف والقريب بالبعيد ولا يختلف المذهب في أن الحكم في هذه المسألة
على ما قال الخرقي.
ومن مسائل ذلك بنت عم لأبوين وبنت عم لأب المال للأولى: بنت عم لأب وبنت عم لام
كذلك. بنت عم لأب وبنت ابن عم لأبوين كذلك. بنت ابن عم لأب وبنت عم لام المال للأولى عند
المنزلين وهو للثانية عند أهل القرابة لأنها أقرب. بنت عم لام وبنت بنت عم لأبوين المال للأولى في قولهم
جميعا. بنت عم وابن عمة المال لبنت العم عند الجمهور وحكى عن الثوري أن لبنت العم سهمين ولابن العمة سهم،
بنت بنت عم وبنت ابن عم المال لهذه عند الجمهور وقول ابن سالم هو للأولى. بنت عمة من أبوين وبنت عم
من أم لبنت العم السدس ولبنت العمة النصف ثم يرد عليهما الباقي فيكون بينهما على أربعة. ثلاث بنات عمات
مفترقات وبنت عم من أم المال بينهن على ستة فإن كان معهن بنت عم من أبوين أو أب ورثت المال دونهن
(مسألة) قال (فإن كن ثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين
الثلاث خالات على خمسة أسهم والثلثان بين الثلاث عمات على خمسة أسهم)
فتصح من خمسة عشر سهما للخالة التي من قبل الأب والام ثلاثة أسهم وللخالة التي من قبل
106

الأب سهم وللخالة التي من قبل الام سهم وللعمة التي من قبل الأب والام ستة أسهم وللعمة التي من
قبل الأب سهمان وللعمة التي قبل الام سهمان، إنما كان كذلك لأن الخالات بمنزلة الام والعمات بمنزلة
الأب فكأن الميت خلف أباه وأمه فلأمه الثلث والباقي لأبيه ثم ما صار للام بين أخواتها على خمسة
لأنهن أخوات لها متفرقات فيقسم نصيبها بينهن بالفرض والرد على خمسة كما يقسم مال الميت بين أخواته
المفترقات وما صار للأب قسم بين أخواته على خمسة فصار الكسر في الموضعين على خمسة وإحداهما
تجزئ عن الأخرى لأنهما عددان متماثلان فتضرب خمسة في أصل المسألة وهو ثلاثة فصارت خمسة عشر
كما ذكر للخالات سهم في خمسة مقسومة بينهن كما ذكر وللعمات سهمان في خمسة تكن عشرة بينهن
على خمسة كما ذكر أيضا وهذا قول عامة المنزلين، وعند أهل القرابة للعمة من الأبوين الثلثان وللخالة
من الأبوين الثلث وسقط سائرهن، وقال نعيم وإسحاق الخالات كلهن سواء فيكون نصيبهن بينهن على
ثلاثة وكذلك نصيب العمات بينهن على ثلاثة يتساوين فيه فتكون هذه المسألة عندهما من تسعة، فإن
كان مع الخالات خال من أم ومع العمات عم من أم فسهم كل واحد من الفريقين بينهم على ستة،
وتصح من ثمانية عشر سهما عند المنزلين. ثلاثة أخوال مفترقين معهم أخواتهم وعم وعمة من أم الثلث
بين الأخوال والخالات على ستة، للخال والخالة من الام ثلاثة بينهما بالسوية وثلثاه للخال والخالة من
الأبوين بينهما على ثلاثة عند من فضل وهو قول أكثر المنزلين وإحدى الروايتين عن أحمد وذكرها
107

الخرقي في الخال والخالة خاصة دون سائر ذوي الأرحام، والرواية الأخرى هو بينهما على السوية
والثلثان بين العم والعمة بالسوية. ثلاث عمات وثلاث بنات عم وثلاث خالات وثلاثة بني خال الميراث
للعمات والخالات ويسقط الباقون فيكون للخالات الثلث والباقي للعمات، فإن كان معهم ثلاث بنات اخوة
فللخالات السدس والباقي للعمات لأنهن بمنزلة الأب فيسقط بهن بنات الاخوة لأنهن بمنزلة الاخوة،
ويحتمل أن يجعل أولاد الإخوة والأخوات من جهة الأبوة فيقدم ولد الأبوين وولد الأب على العمات لأنهم
أولاد بنيه والعمات أخواته، ووجه هذا الاحتمال اننا إذا جعلنا الاخوة جهة والأبوة جهة أخرى مع
ما تقرر من أصلنا أن البعيد والقريب إذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به
القريب أو لم يسقط لزم منه سقوط ولد الاخوة ببنات العم من الام لأنهن من جهة الأب ويلزم من
هذا أن يسقطن ببنات العمات وبنات الأعمام كلهم، فاما إن كان مكان العمات والخالات بناتهن فللخالات
السدس بين بناتهن على خمسة والباقي لبنات الاخوة، ولبنت الأخ من الام السدس والباقي لبنت
الأخ من الأبوين، وتصح المسألة من ثلاثين فإن لم يكن بنات اخوة من أبوين ولا من أب
فالباقي لبنت العم من الأبوين
(فصل) خالة وابن عمة للخالة الثلث والباقي لابن العمة وهذا قول الثوري ومن ورث البعيد مع
القريب، وفي قول أكثر المنزلين وأهل القرابة المال للخالة لأنها أقرب، وكذلك أن كان مكان
108

الخالة خال: عمة وابن خال معه أخته الثلث بين ابن الخال وأخته بالسوية إن كان أبوهما خالا من
أم، وإن كان من أب أو من أبوين ففيه روايتان (إحداهما) هو بينهما بالسوية أيضا (والثانية)
على ثلاثة والباقي للعمة وعند أكثر الفرضين المال للعمة: بنت عم وابن عمة وبنت خال وابن خالة
الثلث بين بنت الخال وابن الخالة بالسوية ان كانا من أم. وان كانا من أبوين أو من أب فهل هو
بينهما بالسوية أو على ثلاثة؟ فيه روايتان، وإن كان ابن الخالة من أم والخال من أب فلابن الخالة
سدس الثلث والباقي لبنت الخال، وإن كانت بنت الخال من أم وابن الخالة من أب فالثلث بينهما على
أربعة والباقي لابن العم. وعند أكثر المنزلين المال كله لبنت العم لأنها أسبق إلى الوارث: خالة وبنت
عم ثلث وثلثان وعند أهل القرابة هو للخالة: عمة وبنت عم من نزل العمة أبا جعل المال لها ومن نزلها
عما جعل المال بينهما نصفين وكذلك من أمات السبب. بنت ابن عم لأب وبنت عمة لأبوين المال
لبنت ابن العم: ابن خالة من أم وبنت خالة من أب وبنت عم من أم وابن عم من أب الثلث من أربعة والثلثان
من أربعة أيضا وتصح من اثني عشر، وفي القرابة الثلث لبنت الخالة والثلثان لابن العمة وتصح من ثلاثة
(فصل) خال وخالة وأبو أم المال لأبي الام فإن كان معهم ابنة عم أو عمة فالثلث لأبي الام
والباقي لابنة العم أو العمة وإن كان مكان أبي الام أمه فلا شئ لها لأن الخالة أسبق إلى الوارث والجهة
واحدة: خالة وأبو أم المال للخالة لأنها بمنزلة لام وهي تسقط أم الام: ابن خال وابن أخ من أم
109

المال بينهما على ثلاثة كأنهما أم وأخ من أم وعند المنزلين هو لابن الأخ، فإن كان معهما ابن أخت
من أب فالمال بينهم على خمسة لابن الأخت ثلاثة أخماسه ولكل واحد منهما الخمس وإن كان معهم
بنت أخ من أبوين فلها النصف ولكل واحد من الباقين السدس وعند المنزلين لا شئ لابن الخال
والمال بين الباقين على خمسة: خال وابن ابن أخت لأم المال بينهما على ثلاثة وعند المنزلين هو للخال.
بنت بنت أخت لأبوين وابن ابن أخ لام وبنت ابن أخ لأب وبنت خالة لهذه السدس والباقي لبنت
ابن الأخ وعند المنزلين المال كله له
(فصل) عمة وابنة أخ المال للعمة عند من نزلها أبا ولابن الأخ عند من نزلها عما وبينهما عند
من نزلها جدا: بنت عم وبنت عمة وبنت أخ من أم وبنت أخ من أب لبنت الأخ من الام السدس
والباقي لبنت الأخ من الأب فإن لم يكن بنت أخ من أب فالباقي لبنت العم، ويجئ على قول من نزل
البعيد حتى يلحقه بوارثه وجعل الأبوة جهة والاخوة جهة أن يسقط أولاد الإخوة، فإن جعل الأبوة
جهة والعمومة جهة أخرى أسقط بنت العم بنت العمة وقيل إن هذا قول ابن سالم وهو بعيد: بنت عم
وبنت خال وبنت أخ من أب: لبنت الخال الثلث والباقي لبنت الأخ وعند أكثر المنزلين الكل
لبنت الأخ: ثلاث بنات أخوات مفترقات وثلاث بنات عمات مفترقات السدس الباقي بين بنات
110

العمات على خمسة وتصح من ثلاثين فإن كان معهم خال أو خالة أو أحد من أولادهما فله السدس ولا
شئ لولد العمات إلا على قول ابن سالم وأصحابه فإنه يورثهم ويسقط ولد الأخوات، ويقتضيه قول
أبي الخطاب: خالة وعمة وثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات للخالة السدس والباقي للعمة ومن
نزلها عما فلبنتي الأخت من الأبوين النصف ولبنتي الأخت من الأب السدس ولبنتي الأخت من الام
السدس فإن كن بنات ستة أخوات مفترقات عالت على هذا إلى سبعة
(فصل في عمات الأبوين وأخوالهما وخالاتهما) مذهبنا ما تقدم من تقديم الأسبق إلى الوارث
إن كانا من جهة واحدة وتنزيل البعيد حتى يلحق بوارثه إن كانا من جهتين ثم يجعل لمن يدلي به ما كان
له وأكثر المنزلين يعطون الميراث للأسبق بكل حال. والمشهور عن أهل العراق ان نصيب الام بين
خالها وخالتها وعمها وعمتها على ثلاثة ونصيب لأب بين عماته وخالاته كذلك. ومن مسائل ذلك ثلاث خالات
أم مفترقات وثلاثة أعمام أم مفترقين وثلاث خالات أب مفترقات فحالات الام بمنزلة أم الام وخالات الأب
بمنزلة أم الأب فيكون المال بين هاتين الجدتين نصفين ونصيب كل واحدة منهما بين أخواتها على خمسة
وتسقط عمات الام لأنهن بمنزلة أب الام وهو غير وارث، فإن كان معهم عمات أب فلخالات الأب
والام السدس بينهما والباقي لعمات الأب لأنهن بمنزلة الجد: عمة أب وعمة أم لعمة الام الثلث والباقي
لعمة الأب، هذا قياس المذهب وهو قول أهل العراق، وقال القاضي المال لعمة الأب لأنها أسبق
111

لأنها أخت الجد وهو وارث وهذا قول أكثر المنزلين لأنهم يورثون الأسبق بكل حال. خالة أم وعمة
أب للخالة السدس والباقي للعمة لأنهما كجدة وجدة وكذلك القول في خالة أب وعمته: خالة أم وخالة
أم أب المال للخالة لأنهما بمنزلة أم أم وأم أم أب: خال أب وعم أم المال للخال لأنه بمنزلة جدة
والجدات بمنزلة الأمهات: بنت خال أم وبنت عم أب لبنت الخال السدس ولبنت العم ما بقي ومن
ورث لاسبق جعل الكل لبنت العم. أبو أبي أم وأبو أم أب المال لأبي أم الأب فإن كان معهما أبو
أم أم فهو بينهما نصفين لأنهما بمنزلة جدتين متحاذيتين. أبو أم أبي أم واو أبي أم أم المال لهذه لأنه
أسبق فإن كان معهما أبو أم أبي أب فالمال له لأنه بأول درجة يلقى الوارث. أب وأم أبى أم لام أبي الام الثلث
والباقي للأب فإن كان معهما أبوام أم فالمال له لأنه يدلي بوارث فإن كان معهم أبوام أب فالمال
بين هذا والذي قبله نصفين
(فصل) وإذا كان لذي الرحم قرابتان ورث بهما باجماع من المورثين لهم إلا شيئا يحكى عن أبي
يوسف أنهم لا يرثون إلا بقرابة واحدة وليس بصحيح عنه ولا صحيح في نفسه لأنه شخص له جهتان
لا يرجح بهما فورث بهما كالزوج إذا كان ابن عم وابن العم إذا كان أخا من أم، وحساب ذلك أن تجعل
ذا القرابتين كشخص فتقول في ابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى وبنت بنت بنت أخرى
للابن الثلثان وللبنت الثلث فإن كانت أمهما واحدة فله ثلاثة أرباع المال عند من سوى ولأخته الربع ومن
112

فضل جعل له النصف والثلث ولأخته السدس وهذا قول أكثر المنزلين وقول أبي حنيفة ومحمد وقياس
قول أبي يوسف له أربعة أخماس المال ولأخته الخمس: بنتا أخت من أم إحداهما بنت أخ من أب
وبنت أخت من أبوين هي من اثني عشر ستة لبنت الأخت من الأبوين وأربعة لذات القرابتين من
جهة ابنها ولها سهم من جهة أمها وللأخرى سهم: عمتان من أب إحداهما خالة من أم وخالة من أبوين
هي من اثنى عشر أيضا لذات القرابتين خمسة وللعمة الأخرى أربعة وللخالة من الأبوين ثلاثة فإن
كان معهما عم من أم هو خال من أب صحت من تسعين: ابن وبنت ابن عمة من أم البنت هي بنت
عم من أم والعم هو خال من أب: ابن وبنت ابن خال من أب الابن هو ابن بنت خال آخر من
أب والخالان عمان من أم هي من ثمانية عشر
(مسائل شتى) يعني متفرقة فإنها مسائل من أبواب متفرقة يقال شتى وشتان وقال الله تعالى
(تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) وقال تعالى (ان سعيكم لشتى) وقال الشاعر:
قد عشت في الناس أطوارا على طرق * شتى وقاسيت فيها اللين والفظعا
(مسألة) قال (والخنثى المشكل يرث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى فإن بال
من حيث يبول الرجل فليس بمشكل وحكمه في الميراث وغيره حكم رجل وإن بال من
حيث تبول المرأة فله حكم امرأة)
113

الخنثى هو الذي له ذكر وفرج امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول وينقسم إلى مشكل
وغير مشكل فالذي يتبين فيه علامات الذكورية أو الأنوثية فيعلم أنه رجل أو امرأة فليس بمشكل
وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة وحكمه في ارثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت
علاماته فيه ويعتبر بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه
من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول ان بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وان بال
من حيث تبول المرأة فهو امرأة، وممن روي عنه ذلك علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد
وأهل الكوفة وسائر أهل العلم.
قال ابن اللبان روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مولود
له قبل وذكر من أين يورث؟ قال من حيث يبول وروي أنه عليه السلام أتي بخنثى من الأنصار فقال
(ورثوه من أول ما يبول منه) ولان خروج البول أعم العلامات لوجودها من الصغير والكبير وسائر
العلامات إنما يوجد بعد الكبر مثل نبات اللحية وتفلك الثدي وخروج المني والحيض والحبل وان
بال منهما جميعا اعتبرنا أسبقهما نص عليه أحمد وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وبه قال الجمهور فإن
خرجا معا ولم يسبق أحدهما فقال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم يرث من المكان الذي ينزل
منه أكثر وحكي هذا عن الأوزاعي وصاحبي أبي حنيفة ووقف في ذلك أبو حنيفة ولم يعتبره أصحاب
الشافعي رضي الله عنه في أحد الوجهين
114

ولنا انها مزية لاحدى العلامتين فيعتبر بها كالسبق فإن استويا فهو حينئذ مشكل فإن مات له من يرثه
فقال الجمهور يوقف الامر حتى يبلغ فيتبين فيه علامات الرجل من نبات اللحية وخروج المني من
ذكره وكونه مني رجل، أو علامات النساء من الحيض والحبل وتفلك الثديين نص عليه أحمد في رواية
الميموني وحكي عن علي والحسن أنهما قالا تعد أضلاعه فإن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل
بضلع، قال ابن اللبان فلو صح هذا لما أشكل حاله ولما احتيج إلى مراعاة المبال، وقال جابر بن زيد
يوقف إلى جنب حائط فإن بال عليه فهو رجل وان شلشل بين فخذيه فهو امرأة وليس على هذا تعويل
والصحيح ما ذكرناه إن شاء الله تعالى وان يوقف أمره ما دام صغيرا فإن احتيج إلى قسم الميراث
اعطى هو ومن معه اليقين ووقف الباقي
إلى حين بلوغه فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى وتدفع
إلى كل وارث أقل النصيبين ونقف الباقي حتى يبلغ، فإن مات قبل بلوغه أو بلغ مشكلا فلم تظهر فيه علامة
ورث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى نص عليه أحمد وهذا قول ابن عباس والشعبي وابن أبي
ليلى وأهل المدينة ومكة والثوري واللؤلؤي وشريك والحسن بن صالح وأبي يوسف ويحيى بن آدم
وضرار ابن صرد ونعيم بن حماد وورثه أبو حنيفة بأسوأ حالاته وأعطى الباقي لسائر الورثة وأعطاه
الشافعي ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يتبين الامر أو يصطلحوا، وبه قال أبو ثور وداود وابن جرير
وورثه بعض أهل البصرة على الدعوى فيما بقي بعد اليقين وبعضهم بالدعوى من أصل المال وفيه
أقوال شاذة سوى هذه.
115

ولنا قول ابن عباس ولم نعرف له في الصحابة منكرا ولان حالتيه تساوتا فوجبت التسوية بين
حكميهما كما لو تداعى نفسان دارا بأيديهما ولا بينة لهما، وليس توريثه بأسوأ أحواله بأولى من توريث
من معه بذلك فتخصيصه بهذا تحكم لا دليل عليه ولا سبيل إلى الوقف لأنه لا غاية له تنتظر وفيه تضييع
المال مع يقين استحقاقهم له
(فصل) واختلف من ورثه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى في كيفية توريثهم فذهب
أكثرهم إلى أن يجعلوا مرة ذكورا ومرة إناثا وتعمل المسألة على هذا مرة وعلى هذا مرة ثم تضرب
إحداهما في الأخرى ان تباينتا أو في وفقها ان اتفقتا وتجتزئ بإحداهما ان تماثلتا أو بأكثرهما ان
تناسبتا فتضربهما في اثنين ثم تجمع ما لكل واحد منهما ان تماثلتا وتضرب ما لكل واحد منهما في
الأخرى ان تباينتا أو في وفقها ان اتفقتا فتدفعه إليه ويسمى هذا مذهب المنزلين وهو اختيار أصحابنا
وذهب الثوري واللؤلؤي في الولد إذا كان فيهم خنثى إلى أن يجعل للأنثى سهمين وللخنثى ثلاثة
وللذكر أربعة وذلك لأننا نجعل للأنثى أقل عدد له نصف وهو اثنان وللذكر ضعف ذلك أربعة وللخنثى
نصفهما وهو ثلاثة فيكون معه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وهذا قول لا بأس به وهذا القول
يوافق الذي قبله في بعض المواضع ويخالفه في بعضها وبيان اختلافهما اننا لو قدرنا ابنا وبنتا وولدا
خنثى لكانت المسألة على هذا القول من تسعة للخنثى الثلث وهو ثلاثة وعلى القول الأول
116

مسألة الذكورية من خمسة والأنوثية من أربعة تضرب إحداهما في الأخرى تكن عشرين ثم في اثنين
تكن أربعين للبنت سهم في خمسة وسهم في أربعة يكن لها تسعة، وللذكر ثمانية عشر وللخنثى سهم في
خمسة وسهمان في أربعة يكن له ثلاثة عشر وهي دون ثلث الأربعين، وقول من ورثة بالدعوى فيما بقي
بعد اليقين يوافق قول المنزلين في أكثر المواضع فإنه يقول في هذه المسألة للذكر الخمسان بيقين وهي
ستة عشر من أربعين وهو يدعي النصف من عشرين وللبنت الخمس بيقين وهي تدعي الربع وللخنثى
الربع بيقين وهو يدعي الخمسين ستة عشر، والمختلف فيه ستة أسهم يدعيها الخنثى كلها فتعطيه نصفها
ثلاثة مع العشرة التي معه صارت له ثلاثة عشر، والابن يدعى أربعة فتعطيه نصفها سهمين صار له ثمانية
عشر والبنت تدعى سهمين فتدفع إليها سهما صار لها تسعة، وقد ورثه قوم بالدعوى من أصل المال
فعلى قولهم يكون الميراث في هذه المسألة من ثلاثة وعشرين لأن المدعى ههنا نصف وربع وخمسان
ومخرجها عشرون يعطى الابن النصف عشرة وللبنت خمسة والخنثى ثمانية تكن ثلاثة وعشرين، فإن
لم يكن في المسألة بنت ففي قول الثوري هي من سبعة وكذلك قول من ورثهما بالدعوى من أصل المال
وفي التنزيل من اثني عشر للابن سبعة وللخنثى خمسة وهو قول من ورثه بالدعوى فيما عدا اليقين
وان كانت بنت وولد خنثى ولا عصبة معهما فهي من خمسة في قول الثوري ومن اثنى عشر في التنزيل
وإن كان معهما عصبة فهي من ستة للخنثى ثلاثة وللنبت سهمان وللعصبة سهم في الأقوال الثلاثة، فإن
117

كان معهما أم وعصبة فهي في التنزيل من ستة وثلاثين للام ستة وللخنثى ستة عشر وللبنت أحد عشر
وللعصبة ثلاثة، وقياس قول الثوري أن يكون للخنثى والبنت ثلاثة أرباع المال بينهما على خمسة (1) وللأم السدس
ويبقى نصف السدس للعصبة وتصح من ستين (2) وإن كان ولد خنثى وعصبة فللخنثى ثلاثة
أرباع المال والباقي للعصبة إلا في قول من ورثهما بالدعوى من أصل المال فإنه يجعل المال بينهما أثلاثه
لأن الخنثى تدعي المال كله، والعصبة تدعي نصفه فتضيف النصف إلى الكل فيكون ثلاثة أنصاف
لكل نصف ثلث: بنت وولد ابن خنثى وعم هي في التنزيل من اثنى عشر، وترجع بالاختصار إلى
ستة للبنت النصف وللخنثى الثلث وللعم السدس
(فصل) وإن كان الخنثى يرث في حال دون حال كزوج وأخت وولد أب خنثى فمقتضى قول
الثوري أن يجعل للخنثى نصف ما يرثه في حال إرثه وهو نصف سهم فتضمه إلى سهام الباقين وهي
ستة ثم تبسطها أنصافا ليزول الكسر فتصير ثلاثة عشر له منها سهم والباقي بين الزوج والأخت
نصفين، وقد عمل أبو الخطاب هذه المسألة على هذا في كتاب الهداية، وأما في التنزيل فتصح من
ثمانية وعشرين للخنثى سهمان وهي نصف سبع ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر، وإن كان
زوج وأم وأخوان من أم وولد أب خنثى فله في حال الأنوثية ثلاثة من تسعة فاجعل له نصفها مضموما
إلى سهام باقي المسألة ثم ابسطها تكن خمسة عشر له منها ثلاثة وهي الخمس وفي التنزيل له ستة من ستة

(1) في نسخة ثلاثة
(2) في نسخة من اثني عشر
118

وثلاثين وهي السدس، وان كانت بنت وبنت ابن وولد أخ خنثى وعم فهي من ستة للبنت النصف ولبنت
الابن السدس وللخنثى السدس وللعم ما بقي على القولين جميعا.
(فصل) وان خلف خنثيين فصاعدا نزلتهم بعدد أحوالهم في أحد الوجهين فتجعل للاثنين
أربعة أحوال وللثلاثة ثمانية وللأربعة ستة عشر وللخمسة اثنين وثلاثين حالا ثم تجعل مالهم في
الأحوال كلها فنقسمه على عدد أحوالهم فما خرج القسم فهو لهم ان كانوا من جهة واحدة وان كانوا من
جهات جمعت ما لكل واحد منهم في الأحوال وقسمته على عدد الأحوال كلها فالخارج بالقسم هو
نصيبه وهذا قول ابن أبي ليلى وضرار ويحيى بن آدم، وقول محمد بن الحسن على قياس قول الشعبي
(والوجه الآخر) أنهم ينزلون حالين مرة ذكورا ومرة إناثا كما تصنع في لواحد وهذا قول أبي يوسف والأول
أصح لأنه يعطي كل واحد بحسب ما فيه من الاحتمال فيعدل بينهم، وفي الوجه الآخر يعطى بعض
الاحتمالات دون بعض وهذا تحكم لا دليل عليه وبيان هذا في ولد خنثى وولد أخ خنثى وعم إن كان
ذكرين فالمال للولد، وإن كانا أنثيين فللولد النصف والباقي للعم فهي من أربعة عند من نزلهم حالين
للولد ثلاثة أرباع المال وللعم ربعه ومن نزلهم أحوالا زاد حالين آخرين وهو أن يكون الولد وحده
ذكرا وأن يكون ولد الأخ وحده ذكرا فتكون المسألة من ثمانية للولد المال في حالين والنصف في
حالين فله ربع ذلك وهو ثلاثة أرباع المال ولولد الأخ نصف المال في حال فله ربعه وهو الثمن وللعم
119

مثل ذلك وهذا أعدل، ومن قال بالدعوى فيما زاد على اليقين قال للأخ النصف يقينا والنصف الآخر
يتداعونه فيكون بينهم أثلاثا وتصح من ستة، وكذلك الحكم في أخ خنثى وولد أخ وفي كل عصبتين
يحجب أحدهما الآخر ولا يرث المحجوب شيئا إذا كان أنثى، ولو خلف بنتا وولدا خنثى وولد ابن خنثى
وعصبة فمن نزلهما حالين جعلهما من ستة للولد الخنثى ثلاثة وللبنت سهمان والباقي للعم، ومن نزلهما
أربعة أحوال جعلها من اثنى عشر وجعل لولد الابن نصف السدس وللعم سدسه وهذا أعدل الطريقين
لما في الطريق الآخر من اسقاط ولد الابن مع أن احتمال توريثه كاحتمال توريث العم وهكذا تصنع
في الثلاثة وما كان أكثر منها، ويكفي هذا القدر من هذا الباب فإنه نادر قل ما يحتاج إليه واجتماع خنثيين
وأكثر نادر النادر ولم يسمع بوجوده فلا حاجة إلى التطويل فيه
(فصل) وقد وجدنا في عصرنا شيئا شبيها بهذا لم يذكره الفرضيون ولم يسمعوا به فانا وجدنا
شخصين ليس لهما في قبلهما مخرج لا ذكر ولا فرج أما أحدهما فذكر وانه ليس له في قبله الا لحمة ناتئة
كالربوة يرشح البول منها رشحا على الدوام وأرسل إلينا يسألنا عن حكمه في الصلاة والتحرز من النجاسة
في هذه السنة وهي ستة عشر وستمائة، والثاني شخص ليس له الا مخرج واحد فيما بين المخرجين
منه يتغوط ومنه يبول. وسألت من أخبرني عنه عن زيه فأخبرني أنه أنما يلبس لباس النساء ويخالطهن
ويغزل معهن ويعد نفسه امرأة. وحدثت أن في بعض بلا العجم شخصا ليس له مخرج أصلا لا قبل
120

ولا دبر وإنما يتقايأ ما يأكله وما يشربه فهذا وما أشبهه في معنى الخنثى إلا أنه لا يمكن اعتباره بمباله،
فإن لم يكن له علامه أخرى فهو مشكل ينبغي أن يثبت له حكم الخنثى المشكل في ميراثه وأحكامه
كلها والله تعالى أعلم
(مسألة) قال (وابن الملاعنة ترثه أمه وعصبتها فإن خلف أما وخالا فلأمه الثلث
وما بقي فللخال)
وجملته أن الرجل إذا لاعن امرأته ونفى ولدها وفرق الحاكم بينهما انتفى ولدها عنه وانقطع تعصيبه
من جهة الملاعن فلم يرثه هو ولا أحد من عصباته وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم ويقطع التوارث
بين الزوجين، لا نعم بين أهل العلم في هذه الجملة خلافا، وأما إن مات أحدهم قبل تمام اللعان من
الزوجين ورثه الآخران في قول الجمهور، وقال الشافعي رضي الله عنه إذا كمل لزوج لعانه لم يتوارثا
وقال مالك إن مات لزوج بعد لعانه فإن لاعنت المرأة لم ترث ولم تحد، وإن لم تلاعن ورثت وحدت
وان ماتت هي بعد لعان لزوج ورثها في قول جميعهم إلا الشافعي رضي الله عنه، وإن ثم اللعان بينهما
فمات أحدهما قبل تفريق الحاكم بينهما ففيه روايتان
(إحداهما) لا يتوارثان وهو قول مالك وزفر، وروي نحو ذلك عن الزهري وربيعة والأوزاعي
وداود لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد فلم يعتبر في حصول الفرقة به التفريق بينهما كالرضاع
121

(والرواية الثانية) يتوارثان ما لم يفرق الحاكم بينهما وهو قول أبي حنيفة وصاحبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم
فرق بين المتلاعنين ولو حصل التفريق باللعان لم يحتج إلى تفريقه، وإن فرق الحاكم بينهما قبل تمام اللعان
لم تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث في قول الجمهور. وقال أبو حنيفة وصاحباه ان فرق بينهما بعد أن
تلاعنا ثلاثا وقعت الفرقة وانقطع التوارث لأنه وجد منهما معظم اللعان، وإن فرق بينهما قبل ذلك لم
تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث
ولنا أنه تفريق قبل تمام اللعان فأشبه التفريق قبل الثلاث وهذا خلاف في توارث لزوجين فأما
الولد فالصحيح أنه ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم لأن انتفاء بنفيه
لا يقول الحاكم فرقت بينكما فإن لم يذكره في اللعان لم ينتف عن الملاعن ولم ينقطع التوارث بينهما
وقال أبو بكر: ينتفي بزوال الفراش وان لم يذكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولد عن الملاعن وألحقه
بأمه ولم يذكره الرجل في لعانه، ويحقق ذلك أن الولد كان حملا في البطن فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنظروها
فإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة حمش الساقين فلا أراه إلا قد كذب عليهما، وان جاءت به جعدا جماليا
خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به) فأتت به على النعت لنكروه
إذ ثبت هذا عدنا إلى مسألة الكتاب فنقول: اختلف أهل العلم في ميراث الولد المنفي باللعان
فروي عن أحمد فيه روايتان (إحداهما) ان عصبته عصبة أمه. نقلها الأثرم وحنبل يروى ذلك عن
122

علي وابن عباس وابن عمر وبه قال الحسن وابن سيرين وجابر بن زيد وعطا والشعبي والنخعي والحكم
وحماد والثوري والحسن بن صالح إلا أن عليا يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له،
وقدم الرد على غيره (والرواية الثانية) ان أمه عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبة نقله أبو الحارث
ومهنا وهذا قول ابن مسعود وروي نحو عن علي ومكحول والشعبي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل ميراث ابن الملاعنة لامه ولورثتها من بعدها. ورواه أيضا مكحول عن
النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تحوز المرأة ثلاثة مواريث: عتيقها
ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه)
وعن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد
الملاعنة لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلى أني سألت فأخبرت انه قضى به لامه، هي بمنزلة
أبيه وأمه. رواهن أبو داود، ولأنها قامت مقام أمه وأبيه في انتسابه إليها فقامت مقامهما في حيازة
ميراثه، ولان عصبات الام أدلوا بها فلم يرثوا معها كأقارب الأب معه وكان زيد بن ثابت يورث
من ابن الملاعنة كما يورث من غير ابن الملاعنة ولا يجعلها عصبة ابنها ولا عصبتها عصبته فإن كانت
أمه مولاة لقوم جعل الباقي من ميراثها لمولاها فإن لم تكن مولاة جعله لبيت المال، وعن ابن عباس نحوه
وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والزهري وربيعة وأبو الزناد
123

ومالك وأهل المدينة والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه وأهل البصرة الا أن أبا حنيفة وأهل البصرة جعلوا
الرد وذوي الأرحام أحق من بيت المال لأن الميراث إنما ثبت بالنص ولا نص في توريث الام أكثر
من الثلث ولا في توريث الأخ من الام أكثر من السدس ولا في توريث أبي الام وأشباهه من عصبات
الام ولا قياس أيضا فلا وجه لا ثباته
ووجه قول الخرقي قول النبي صلى الله عليه وسلم (الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لاولى رجل ذكر)
وأولى الرجل به أقارب أمه، وعن عمر رضي الله عنه انه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن علي رضي
الله عنه انه لما رجم المرأة دعا أولياءها فقال هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم، وان جنى جناية فعليكم.
حكاه الإمام أحمد عنه. ولان الام لو كانت عصبة كأبيه لحجبت اخوته، ولان مولاها مولى أولادها
فيجب أن تكون عصبتها عصبة كالأب فإذا خلف ابن الملاعنة أما وخالا فلأمه الثلث بلا خلاف
والباقي لخاله لأنه عصبة أمه. وعلى الرواية الأخرى هو لها كله وهذا قول علي وابن مسعود وأبي حنيفة
وموافقيه إلا أن ابن مسعود يعطيها إياه لكونها عصبة والباقون بالرد، وعند زيد الباقي لبيت المال فإن
كان معهما مولى أم فلا شئ له عندنا
وقال زيد ومن وافقه وأبو حنيفة الباقي له وان لم يكن لامه عصبة الا مولاها فالباقي له على
الرواية التي اختارها الخرقي وعلى الأخرى هو للام وهو قول ابن مسعود لأنها عصبة ابنها فإن لم
يخلف إلا أمه فلها الثلث بالفرض والباقي بالرد وهو قول علي وسائر من يرى الرد، وفي الرواية
124

الأخرى لها الباقي بالتعصيب وإن كان مع الام عصبة لها فهل يكون الباقي لها أوله؟ على روايتين وإن كان
لها عصبات فهو لأقربهم منها على رواية الخرقي فإذا كان معها أبوها وأخوها فهو لأبيها وإن كان
مكان أبيها جدها فهو بين أخيها وجدها نصفين، وإن كان معهم ابنها وهو أخوه لامه فلا شئ لأخيها
ويكون لامه الثلث ولأخيه السدس والباقي لأخيه أو ابن أخيه، وان خلف أمه وأخاه وأخته فلكل
واحد منهم السدس والباقي لأخيه دون أخته وإن خلف ابن أخته وبنت أخته أو خاله وخالته
فالباقي للذكر وإن خلف أخته وابن أخته فللأخت السدس والباقي لابن أخته وعلى الرواية الأخرى
الباقي للام في هذه المواضع.
(فصل) ابن ملاعنة مات وترك بنتا وبنت ابن ومولى أمه الباقي لمولى الام في قول الجمهور وقال
ابن مسعود الرد أولى من المولى فإن كان معهم أم فلها السدس وفى الباقي روايتان (إحداهما) للمولى
وهو قول الأكثرين (والثانية) للام وهو قول ابن مسعود، فإن لم يكن معهم مولى فالباقي مردود عليهم
في إحدى الروايتين والأخرى هو للام، فإن كان معهم أخ فلا شئ له بالفرض وله الباقي في رواية
والأخرى هو للام: بنت وأخ أو ابن أخ أو خال أو أبو أم أو غيرهم من العصبات للبنت النصف والباقي
للعصبة في قول العبادلة، وإن كان معها أخ وأخت أو ابن أخ وأخته أو خال أو خالة فالباقي للذكر
وحده في قولهم. وقال أبو حنيفة وأصحابه المال للبنت بالفرض والرد. وروي عن علي عليه
125

السلام أنه جعل ذا السهم أحق ممن لا سهم له، وأنه ورث من ابن الملاعنة ذوي أرحامه كما لا يرثون
من غيره. قال ابن اللبان وليس هذا محفوظا عن علي وإنما المشهور عنه قوله لأولياء المرجومة عن
ابنها هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم، وإن جنى جناية فعليكم، وفسر القاضي قول أحمد إن لم تكن أم
فعصبتها عصبته بتقديم الرد على عصبة الام كقوله في أخت وابن أخ المال كله للأخت وهذا تفسير
للكلام بضد ما يقتضيه وحمل اللفظ على خلاف ظاهره وإنما هذه الرواية كمذهب ابن مسعود ورواية
الشعبي عن علي وعبد الله أنهما قالا عصبة ابن الملاعنة أمه ترث ماله أجمع فإن لم تكن أم فعصبتها عصبته:
امرأة وجدة وأختان وابن أخ للمرأة الربع وللجدة السدس وللأختين الثلث والباقي لابن الأخ في
الروايتين جميعا. وقال أبو حنيفة الباقي يرد على الأختين والجدة وهو قول القاضي في الرواية الثانية:
أبو أم وبنت وابن أخ وبنت أخ الباقي لابن الأخ وحده ويحتمل أن يكون لأب الام سدس
باقي المال وخمسة أسداسه لابن الأخ، وقال أبو حنيفة المال بين أم الام والبنت على أربعة بالفرض والرد
(فصل) فإن لم يترك ابن الملاعنة ذا سهم فالمال لعصبة أمه في قول الجماعة. وقد روي ذلك عن علي
، وقال أبو حنيفة وأصحابه هو بين ذوي الأرحام كميراث غيره ورووه عن علي عليه السلام
وذلك مثل خال وخالة وابن أخ وأخته المال للذكر، وفي قول أبي حنيفة هو بينهما في المسئلتين نصفين:
خالة لأب وأم وخال لأب المال للخال. وقال أبو حنيفة هو للخالة: خالة وبنت بنت المال بينهما
126

على أربعة، وإذا لم يخلف ابن الملاعنة إلا ذا رحم كحكمهم في ميراث غيره
على ما تقدم شرحه
(فصل) وإذا قسم ميراث الملاعنة ثم أكذب الملاعن نفسه لحقه الولد ونقضت القسمة وقال أبو
حنيفة لا يلحق النسب بعد موته إلا أن يكونا توأمين مات أحدهما وأكذب نفسه والآخر باق فيلحقه
نسب الباقي والميت معا وقد مضى الكلام معه في غير هذا الموضع
(فصل) ولو كان المنفي باللعان توأمين ولهما ابن آخر من الزوج لم ينفه فمات أحد التوأمين فميراث
توأمه منه كميراث الآخر في قول الجمهور، وقال مالك يرثه توأمه ميراث ابن لأبوين لأنه اخوه لأبويه
بدليل ان الزوج لو أقر بأحدهما لحقه الآخر وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي رضي الله عنه
ولنا انهما توأمان لم يثبت لهما أب ينتسبان إليه فأشبها توأمي الزانية ولا خلاف في توأمي الزانية
وفارق هذا ما إذا استلحق أحدهما لأنه يثبت باستلحاقه انه أبوه
(فصل) قولهم ان الام عصبة ولدها أو ان عصبتها عصبة إنما هو في الميراث خاصة كقولنا في
الأخوات مع البنات فعلى هذا لا يعقلون عنه ولا يثبت لهم ولاية التزويج ولا غيره وهذا قول الأكثرين
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال لأولياء المرجومة في ولدها هذا ابنكم يرثكم ولا ترثونه، وان
جنى فعليكم، وروي هذا عن عبد الله وإبراهيم
127

ولنا أنهم إنما ينتسبون إليه بقرابة الام فلم يعقلوا عنه ولم يثبت لهم ولاية التزويج كما لو علم أبوه ولا
يلزم من التعصيب في الميراث التعصيب في العقل والتزويج بدليل الأخوات مع النبات، فاما ان أعتق
ابن الملاعنة عبدا ثم مات المولى وخلف أم مولاه وأخا مولاه احتمل أن يثبت لهما الإرث بالولاء لأن
التعصيب ثابت، وحكي ذلك عن أبي يوسف وهل يكون للام أو للأخ؟ على الروايتين، ويحتمل أن
لا يثبت لهما ميراث لأن النساء لا يرثن من الولاء الا من أعتقن أو أعتق من أعتقن فكذلك من يدلي بهن
وما ذكرناه للاحتمال الأول يبطل بالأخوات مع النبات وبمن عصبهن أخوهن من الإناث
(فصل) في ميراث ابن ابن الملاعنة إذا خلف أمه وأم أبيه وهي الملاعنة فلأمه الثلث والباقي
لها بالرد وهذا قول علي، وعلى الرواية الأخرى الباقي لام أبيه لأنها عصبة أبيه وهذا قول ابن مسعود.
ويعايا بها فيقال جدة ورثت مع أم أكبر منها، وان خلف جدتيه فالمال بينهما بالفرض والرد على
قول علي، وفي قول ابن مسعود السدس بينهما فرضا وباقي المال لام أبيه: أم أم وخال أب لام الام
السدس، وفي الباقي القولان (أحدهما) انه لها بالرد (والثاني) لخال الأب، وفي قول علي الكل للجدة:
خال وعم وخال أب وأبو أم أب المال للعم لأنه أبو الملاعنة فإن لم يكن عم فلأبي أم الأب لأنه أبوها
فإن لم يكن فلخال الأب فإن لم يكن فللخال لأنه ذو رحمه: بنت وعم للبنت النصف والباقي للعم، وفي
قول علي الكل للبنت لأنه يقدم الرد على توريث عصبة أمه: بنت وأم وخال المال بين البنت والام
128

على أربعة بالفرض والرد ولا شئ للخال لأنه ليس بعصبة الملاعنة، ولو كان بدل الخال خال أب كان
الباقي له لأنه عصبة الملاعنة، فأما ابن ابن ابن الملاعنة فإذا خلف عمه وعم أبيه فالمال لعمه لأنه عصبته
وهذا ينبغي أن يكون إجماعا، وقد قال بعض الناس يحتمل أن يكون عم الأب أولى لأنه ابن الملاعنة
وهذا غلظ بين لأن العصبات إنما يعتبر أقربهم من الميت لا من آبائه، وان خلف ثلاث جدات
متحاذيات فالسدس بينهن والباقي رد عليهن في إحدى الروايتين وهو قول علي. وفي الثانية لام أبي
أبيه وهو قول ابن مسعود، وان خلف أمه وجدته وجدة أبيه فلأمه الثلث ولا شئ لجدته، وفي الباقي
روايتان (إحداهما) يرد على الام (والثانية) لجدة أبيه، وان خلف خاله وخال أبيه وخال جده فالمال لخال
جده فإن لم يكن فلخاله ولا شئ لخال أبيه، فأما ولد بنت الملاعنة فليست الملاعنة عصبة لهم في قول
الجميع لأن لهم نسبا معروفا من جهة أبيهم وهو زوج بنت الملاعنة، ولو أعتقت بنت الملاعنة عبدا
ثم ماتت ثم مات المولى وخلف أم مولاته ورثت مال المولى لأنها عصبة لبنتها والبنت عصبة لمولاها
في أحد الوجهين وقد ذكرناهما في ابن الملاعنة
(فصل) والحكم في ميراث ولد الزنا في جميع ما ذكرنا كالحكم في ولد الملاعنة على ما ذكرنا من
الأقوال والاختلاف الا أن الحسن بن صالح قال: عصبة ولد الزنا سائر المسلمين لأنه أمه ليست
فراشا بخلاف ولد الملاعنة والجمهور على التسوية بينهما لانقطاع نسب كل واحد منهما من أبيه الا أن
ولد الملاعنة يحلق اللاعن إذا استلحقه وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور، وقال الحسن وابن سيرين
يلحق الواطئ إذا قيم عليه الحد ويرثه، وقال إبراهيم يلحقه إذا جلد الحد أو ملك الموطوءة، وقال
إسحاق يلحقه، وذكر عن عروة وسليمان بن يسار نحوه وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال لا أرى
129

بأسا إذا زنا الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولد له وأجمعوا على أنه إذا
ولد على فراش رجل فادعاه آخر أنه لا يلحقه وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ولأنه لا يلحق به إذا لم يستلحقه فلم يلحق
به بحال كما لو كانت أمه فراشا أو كما لو لم يجلد الحد عند من اعتبره
(مسألة) قال (والعبد لا يرث ولا مال له فيورث عنه)
لا نعلم خلافا في أن العبد لا يرث الا ما روي عن ابن مسعود في رجل مات وترك أبا مملوكا
يشترى من ماله ثم يعتق فيرث وقاله الحسن وحكي عن طاوس أن العبد يرث ويكون ما ورثه لسيده ككسبه
وكما لو وصى له ولأنه تصح الوصية له فيرث كالحمل
ولنا أن فيه نقصا منع كونه موروثا فمنع كونه وارثا كالمرتد ويفارق الوصية فإنها تصح لمولاه
ولا ميراث له وقياسهم ينتقض بمختلفي الدين. وقول ابن مسعود لا يصح لأن الأب رقيق حين موت
ابنه فلم يرثه كسائر الأقارب وذلك لأن الميراث صار لأهله بالموت فلم ينتقل عنهم إلى غيرهم. وأجمعوا
على أن المملوك لا يورث وذلك لأنه لا مال له فيورث فإنه لا يملك، ومن قال إنه يملك بالتمليك فملكه
ناقص غير مستقر يزول إلى سيده بزوال ملكه عن رقبته بدليل قوله عليه السلام (من باع عبدا وله
130

مال فماله للبائع الا أن يشترطه المبتاع) ولان السيد أحق بمنافعه وأكسابه في حياته فكذلك بعد مماته
وممن روي عنه ان العبد لا يرث ولا يورث ولا يحجب علي وزيد وبه قال الثوري ومالك والشافعي
وإسحاق رضي الله عنه وأصحاب الرأي
(فصل) ويرث الأسير الذي مع الكفار إذا علمت حياته في قول عامة الفقهاء إلا سعيد بن
المسيب فإنه قال: لا يرث لأنه عبد، وليس بصحيح لأن الكفار لا يملكون الأحرار بالقهر فهو باق
على حريته فيرث كالمطلق
(فصل) والمدبر وأم الولد كالقن لأنهم رقيق بدليل ان النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا. وأم الولد
مملوكة يجوز لسيدها وطؤها بحكم الملك وتزويجها واجارتها، وحكمها حكم الأمة في جميع أحكامها الا فيما
ينقل الملك فيها أو يراد له كالرهن
(فصل) فأما المكاتب فإن لم يملك قدر ما عليه فهو عبد لا يرث ولا يورث. وان ملك قدر ما يؤدي
ففيه روايتان (إحداهما) انه عبد ما بقي عليه درهم لا يرث ولا يورث يروى ذلك عن عمر وزيد بن
ثابت وابن عمر وعائشة وأم سلمة وعمر بن عبد العزيز والشافعي رضي الله عنه وأبي ثور، وعن ابن
المسيب وشريح والزهري ونحوه لما روى أبو داود باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وفي لفظ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما عبد كاتب
على مائة أوقية فأداها الا عشر أواق فهو عبد، وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها الا عشرة دنانير
131

فهو عبد) وعن محمد بن المنكدر وعمر بن عبد الله مولى غفرة وعبد الله بن عبدة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
لعتاب بن أسيد (من كاتب مكاتبا فهو أحق به حتى يقضي كتابته)
وقال القاضي وأبو الخطاب: إذا أدى المكاتب ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأن
ذلك يجب ايفاؤه للمكاتب فلا يجوز إبقاؤه على الرق لعجزه عما يجب رده إليه (والرواية الثانية)
انه إذا ملك ما يؤدى فقد صار حرا يرث ويورث فإذا مات له من يرثه ورث وان مات فلسيده
بقية كتابته والباقي لورثته لما روى أبو داود باسناده عن أم سلمة قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا
كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه)
وروى الحكم عن علي وابن مسعود وشريح يعطى سيده من تركته ما بقي من كتابته، فإن فضل
شئ كان لورثة المكاتب، وروي نحوه عن الزهري وبه قال ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن
والنخعي والشعبي والحسن ومنصور ومالك وأبو حنيفة غير أن مالكا جعل من كان معه في كتابته
أحق ممن لم يكن معه. قال في مكاتب هلك وله أخ معه في الكتابة وله ابن قال ما فضل من كتابته
لأخيه دون ابنه. وجعله أبو حنيفة عبدا ما دام حيا فإذا مات أدى من تركته باقي كتابته والباقي
لورثته وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر انكم مكاتبون مكاتبين فأيهم أدى النصف
فلا رق عليه. وعن علي عليه السلام إذا أدى النصف فهو حر وعن عروة نحوه. وعن الحسن إذ
132

أدى الشطر فهو غريم وعن ابن مسعود وشريح نحوه، وعن ابن مسعود إذا أدى ثلثا أو ربعا فهو غريم
وعن ابن عباس إذا كتب الصحيفة فهو غريم
وعن علي رضي الله عنه قال تجري العتاقة في المكاتب في أول نجم. يعني يعتق منه بقدر ما أدى
وعنه أنه قال يرث ويحجب ويعتق منه بقدر ما أدى. وقد روى حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما أعتق منه وأقيم
عليه الحد بحساب ما عتق منه) وفي رواية (يودى المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وقدر ما رق
منه دية العبد) قال يحيى بن أبي كثير وكان علي ومروان بن الحكم يقولان ذلك. وقد روي حديث
ابن عباس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
مرسلا والحديث الذي رويناه لقولنا أصح منه ولا أعلم أحدا
من الفقهاء قال بهذا وما ذكرناه أولا أولى والله أعلم
(مسألة) قال (ومن بعضه حر يرث ويورث ويحجب على مقدار ما فيه من الحرية)
وجملته ان المعتق بعضه إذا كسب مالا ثم مات وخلفه نظر فيه فإن كان كسبه بجزئه الحر مثل
إن كان قد هايأ سيده على منفعته فاكتسب في أيامه أو ورث شيئا فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه الحر
أو كان قد قاسم سيده في حياته فتركته كلها لورثته لا حق لمالك باقيه فيها وقال قوم جميع ما خلفه بينه
133

وبين سيده قال ابن اللبان هذا غلط لأن الشريك إذا استوفى حقه من كسبه مرة لم يبق له حق في
الباقي ولا سبيل له على ما كسبه بنصفه الحر كما لو كان بين شريكين فاقتسما كسبه لم يكن لأحدهما حق
في حصة الآخر والعبد يخلف أحد الشريكين فيما عتق منه، فاما ان لم يكن كسبه بجزئه الحر خاصة ولا
اقتسما كسبه فللمالك باقيه من تركته بقدر ملكه فيه والباقي لورثته، وان مات له من يرثه فإنه يرث ويورث ويحجب
على قدر ما فيه من الحرية وهذا قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال عثمان البتي وحمزة
الزيات وابن المبارك والمزني وأهل الظاهر وقال زيد بن ثابت لا يرث ولا يورث وأحكامه أحكام
العبد، وبه قال مالك والشافعي رضي الله عنهما في القديم جعلا ماله لمالك باقيه قال ابن اللبان هذا
غلط لأنه ليس لمالك باقيه على ما عتق منه ملك ولا ولاء ولا هو ذو رحم قال ابن شريح يحتمل على قول
الشافعي رضي الله عنه القديم أن يجعل في بيت المال لأنه لا حق له فيما كسبه بجزئه الحر وقال الشافعي في
الجديد ما كسبه يجزئه الحر لورثته ولا يرث هو ممن مات شيئا وبه قال طاوس وعمرو بن دينار وأبو ثور وقال
ابن عباس هو كالحر في جميع أحكامه في توريثه والإرث منه وغيرهما وبه قال الحسن وجابر بن زيد
والشعبي والنخعي والحكم وحماد وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد واللؤلؤي ويحيى بن آدم
وداود، وقال أبو حنيفة إن كان الذي لم يعتق استسعى العبد فله من تركته سعايته وله نصف ولائه وإن كان
أغرم الشريك فولاؤه كله للذي أعتق بعضه
134

ولنا ما روى عبد الله بن أحمد حدثنا الرملي عن يزيد بن هارون عن عكرمة عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال في العبد يعتق بعضه (يرث ويورث على قدر ما عتق منه) ولأنه يجب ان يثبت لكل بعض
حكمه كما لو كان الآخر مثله وقياسا لأحدهما على الآخر. إذا ثبت هذا فالتفريع على قولنا لأن العمل
على غيره واضح. وكيفية توريثه أن يعطى من له فرض بقدر ما فيه من الحرية من فرضه، وإن كان
عصبة نظر ماله مع الحرية الكاملة فأعطى بقدر ما فيه منها، وان كانا عصبتين لا يحجب أحدهما الآخر
كابنين نصفهما حر ففيه وجهان (أحدهما) تكمل الحرية فيهما بأن تضم الحرية من أحدهما إلى ما في الآخر
منها فإن كمل منهما واحد ورثا جميعا ميراث ابن حر لأن نصفي شئ شئ كامل، ثم يقسم ما ورثاه بينهما
على قدر مالي كل واحد منهما فإذا كان ثلثا أحدهما حرا وثلث الآخر حرا كان ما ورثاه بينهما أثلاثا
وان نقص ما فيهما من الحرية عن حر كامل ورثا بقدر ما فيهما، وان زاد على حر واحد وكان الجزء ان
فيهما سواء قسم ما يرثانه بينهما بالسوية، وان اختلفا أعطى كل واحد منهما بقدر ما فيه قال الخبري
قال الأكثرون هذا قياس قول علي رضي الله عنه، والوجه الآخر لا تكمل الحرية فيهما لأنهما لو
كملت لم يظهر للرق أثر وكانا في ميراثهما كالحرين، وإن كان أحدهما يحجب الآخر فقد قيل فيهما
وجهان أيضا والصحيح أن الحرية لا تكمل ههنا لأن الشئ لا يكمل بما يسقطه ولا يجمع بينه وبين ما ينافيه
وورثة بعضهم بالخطاب وتنزيل الأحوال وحجب بعضهم ببعض على مثال تنزيل الخطاب وقال أبو يوسف
135

بمعناه، ومسائل ذلك ابن نصفه حر له نصف المال فإن كان معه ابن آخر نصفه حر فلهما المال في أحد
الوجهين وفي الآخر لهما نصفه والباقي للعصبة أو لبيت المال ان لم تكن عصبة ويحتمل أن يكون لكل
واحد منهما ثلاثة أثمان المال لأنهما لو كانا حرين لكان لكل واحد منهما النصف ولو كانا رقيقين لم
يكن لهما شئ ولو كان الأكبر وحده حرا كان له المال ولا شئ للأصغر ولو كان الأصغر وحده حرا
كان له كذلك ولكل واحد منهما في الأربعة أحوال مال ونصف فله ربع ذلك وهو ثلاثة أثمان فإن
كان معهما ابن آخر ثلثه حر فعلى الوجه الأول ينقسم المال بينهم على ثمانية كما تقسم
مسألة المباهلة وعلى الثاني يقسم النصف بينهم على ثمانية
وفيه وجه آخر يقسم الثلث بينهم أثلاثا ثم يقسم السدس بين صاحبي النصفين نصفين، وعلى تنزيل
الأحوال يحتمل أن يكون لكل واحد ممن نصفه حر سدس المال وثمنه ولمن ثلثه حر ثلثا ذلك وهو
تسع المال ونصف سدسه لأن لكل واحد المال في حال ونصفه في حالين وثلثه في حال فيكون له مالان
وثلث في ثمانية أحوال فنعطيه ثمن ذلك وهو سدس وثمن ويعطى من ثلثه حر ثلثيه وهو تسع ونصف
سدس: ابن حر وابن نصفه حر المال بينهما على ثلاثة على الوجه الأول وعلى الثاني النصف بينهما نصفان
والباقي للحر فيكون للحر ثلاثة أرباع وللآخر الربع، ولو نزلتهما بالأحوال أفضى إلى هذا لأن للحر المال في حال
ونصفه في حال فله نصفهما وهو ثلاثة أرباع وللآخر نصفه في حال فله نصف ذلك وهو الربع، ولو
136

خاطبتهما لقلت للحر لك المال لو كان أخوك رقيقا ونصفه لو كان حرا فقد حجبك بحريته عن النصف
فنصفها يحجبك عن الربع يبقى لك ثلاثة أرباع ويقال للآخر لك النصف لو كنت حرا فإذا كان نصفك
حرا فلك نصفه وهو الربع، ابن ثلثاه حر وابن ثلثه حر على الأول المال بينهما أثلاثا وعلى الثاني الثلث
بينهما وللآخر ثلث فيكون له النصف وللآخر السدس وقيل الثلثان بينهما أثلاثا وبالخطاب تقول
لمن ثلثاه حر لو كنت وحدك حرا كان المال لك ولو كنتما حرين كان لك النصف فقد حجبك بحريته
عن النصف فبثلثها يحجبك عن السدس يبقى لك خمسة أسداس لو كنت حرا فلك بتلقي حريته
خمسة استاع، ويقال للآخر يحجبك أخوك بثلثي حريته عن ثلثي النصف وهو الثلث يبقى لك
الثلثان فلك بثلث حريتهم ثلث ذلك وهو التسعان ويبقى التسعان للعصبة إن كان أوذي رحم فإن لم
يكن ففي بيت المال: ابن حر وبنت نصفها حر للابن خمسة أسداس المال وللبنت سدسه في الخطاب
والتنزيل جميعا ومن جمع الحرية أفضى قوله إلى أن له أربعة أخماس المال ولها الخمس فإن كانت بنت حرة
وابن نصفه حر وعصبة فللابن الثلث ولها ربع وسدس ومن جمع الحرية فيهما جعل المال بينهما نصفين
ابن وبنت نصفهما حر وعصبة فمن جمع الحرية فثلاثة أرباع المال بينهما على ثلاثة. وقال بعض البصريين
النصف بينهما على ثلاثة ومن ورث بالتنزيل والأحوال قال للابن المال في حال وثلثاه في حال فله ربع
ذلك ربع وسدس وللبنت نصف ذلك ثمن ونصف سدس والباقي للعصبة وان شئت قلت إن قدرناهما
137

حرين فهي من ثلاثة وان قدرنا البنت وحدها حرة فهي من اثنين وان قدرنا الابن وحده حرا
فالمال له وان قدرناهما رقيقين فالمال للعصبة فتضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة ثم في أربعة أحول تكن
أربعة وعشرين فللابن المال في حال ستة وثلثاه في حال أربعة صار له عشرة وللبنت النصف في حال
والثلث في حال خمسة وللعصبة المال في حال ونصفه في حال تسعة فإن لم تكن عصبة جعلت للبنت
في حال حريتها المال كله بالفرض والرد فيكون لها مال وثلث فتجعل لها ربع ذلك وهو الثلث، فإن
كان معهما امرأة وأم حرتان كملت الحرية فيهما فحجبا الام إلى السدس والمرأة إلى الثمن لأن كل
واحد منهما لو انفرد لحجب نصف الحجب فإذا اجتمعا اجتمع الحجب، ومن ورث بالأحوال والتنزيل
قال للأم السدس في ثلاثة أحوال والثلث في حال فلها ربع ذلك وهو سدس وثلث وثمن وللمرأة الثمن
في ثلاثة أحوال والربع في حال فلها ربع ذلك وهو الثمن وربع الثمن وللابن الباقي في حال وثلثاه
في حال فله ربعه وللبنت ثلث الباقي في حال والنصف في حال فلها ربعه، وان لم يكن في المسألة عصبة
فللبنت بالفرض والرد أحد وعشرون من اثنين وثلاثين مكان النصف وللأم سبعة مكان السدس
وتصح المسألة إذا لم يكن فيها رد بالبسط من مائتين وثمانية وثمانين سهما للام منها ستون وللمرأة
خمسة وأربعون وللابن خمسة وثمانون وللبنت ثلاثة وخمسون والباقي للعصبة، وقياس قول من
جمع الحرية في الحجب أن يجمع الحرية في التوريث فيجعل لهما ثلاثة أرباع الباقي
138

وقال أبي اللبان لهما ستة عشر من ثمانية وأربعين لأنهما لو كانا حرين لكان لهما سبعة عشر من أربعة
وعشرين فيكون لهما بنصف حريتهم نصف ذلك وهذا غلط لأنه جعل حجب كل واحد منهما لصاحبه بنصف
حريته كحجبه إياه بجميعها ولو ساغ هذا لكان لهم حال انفرادهما النصف بينهم من غير زيادة: ابن وأبوان
نصف كل واحد منهم حر ان قدرناهم أحرارا فللابن الثلثان وان قدرناه حرا وحده فله المال وان قدرنا معه
أحد الأبوين حرا فله خمسة أسداس فتجمع ذلك تجده ثلاثة أموال وثلثان فله ثمنها وهو ربع سدس وللأب
المال في حال وثلثاه في حال وسدساه في حالين فله ثمن ذلك ربع وللأم الثلث في حالين والسدس في حالين
فلها الثمن والباقي للعصبة، وان عملتها بالبسط قلت إن قدرناهم أحرارا فهي من ستة وان قدرنا الابن
واحده حرا فهي من سهم فكذلك الأب وإن قدرنا الام وحدها حرة أو قدرناها مع حرية الأب
فهي من ثلاثة وإن قدرنا الابن مع الأب أو مع الام فهي من ستة وان قدرناهم رقيقا فالمال للعصبة
وجميع المسائل تدخل في ستة فتضربها في الأحوال وهي ثمانية تكن ثمانية وأربعين وللابن المال في حال ستة
وثلثا في حال أربعة وخمسة أسداسه في حالين عشرة فذلك عشرون سهما من ثمانية وأربعين وللأب المال في
حال ستة وثلثاه في حال وسدساه في حالين وذلك اثنا عشر وللأم الثلث في حالين والسدس في
حالين وذلك ستة وهي الثمن وإن كان ثلث كل واحد منهم حرا زدت على الستة نصفها تصير تسعة
وتضربها في الثمانية تكن اثنين وسبعين فللابن عشرون من اثنين وسبعين وهي السدس والتسع وللأب
139

اثنا عشر وهي السدس وللأم ستة وهي نصف السدس ولا تتغير سهامهم وإنما صارت منسوبة إلى
اثنين وسبعين وإن كان ربع كل واحد منهم حرا زدت على الستة مثلها وقيل فيما إذا كان نصف كل
واحد منهم حرا للام الثمن وللأب الربع وللابن النصف، ابن نصفه حر وأم حرة للام الربع وللابن
النصف وقيل له ثلاثة أثمان وهو نصف ما يبقى فإن كان بدل الام أختا حرة فلها النصف وقيل لها
نصف الباقي لأن الابن يحجبها بنصفه عن نصف فرضها فإن كان نصفها حرا فلها الثمن على هذا القول
وعلى الأول لها الربع وإن كان مع الابن أخت من أم أو أخ من أم فلكل واحد منهما نصف السدس
وإن كان معه عصبة حر فله الباقي كله.
(فصل) ابن نصفه حر وابن ابن حر المال بينهما في قول الجميع الا الثوري قال لابن الابن الربع
لأنه محجوب بنصف الابن عن الربع فإن كان نصف الثاني حرا فله الربع فإن كان معهما ابن ابن ابن
نصفه حر فله الثمن وقيل للأعلى النصف وللثاني النصف ولان فيهما حرية ابن وهذا قول أبي بكر وقال
سفيان لا شئ للثاني والثالث لأن ما فيهما من الحرية محجوب بحرية الابن فإن كان معهم أخ حرا
أو غيره من العصبات فله الباقي وإن كان نصفه حرا فله نصف ما بقي إلا على القولين الآخرين ابن نصفه حر
وابن ابن ثلثه حر وأخ ثلاثة أرباعه حر للأعلى النصف والثاني ثلث الباقي وهو السدس وللأخ ثلاثة أرباع
الباقي وهو الربع وعلى القول الآخر للابن النصف ولابن الابن الثلث والباقي للأخ ثلاثة اخوة
140

مفترقين نصف كل واحد حر للأخ من الام نصف السدس وللأخ من الأبوين نصف الباقي وللأخ من
الأب نصف الباقي وتصح من ثمانية وأربعين للأخ من الام أربعة وللأخ من الأبوين اثنان وعشرون
وللأخ من الأب أحد عشر وعلى القول الآخر للأخ من الام نصف السدس وللأخ من الأبوين النصف وللأخ
من الأب ما بقي فإن كان معهم بنت حرة فلها النصف ولا شئ للأخ من الام وللأخ من الأبوين الربع وللأخ من
الأب الثمن والباقي للعصبة وعلى القول الآخر الباقي للأخ من الأبوين وحده فإن كان نصف البنت حرا
فلها الربع وللأخ من الام ربع السدس وللأخ من الأبوين نصف الباقي وللأخ من الأب نصف الباقي
(فصل) بنت نصفها حر لها الربع والباقي للعصبة فإن لم يكن عصبة فلها النصف بالفرض والرد
والباقي لذوي الرحم فإن لم يكن فلبيت المال فإن كان معها أم حرة فلها الربع لأن البنت الحرة تحجبها
عن السدس فنصفها يحجبها عن نصفه وإن كان معها امرأة فلها الثمن ونصف الثمن وإن كان معها أخ
من أم فله نصف السدس وإن كان معها بنت ابن فلها الثلث لأنها لو كانت كلها أمه لكان لبنت الابن
النصف ولو كانت حرة لكان لها السدس فقد حجبتها حريتها عن الثلث فنصفها بحجبها عن السدس وكل من
ذكرنا إذا كان نصفه حرا فله نصف ماله في الحرية وإن كان ثلثه حرا فله ثلثه وإن كان معها بنت
أخرى حرة فلما ربع المال وثلثه بينهما على ثلاثة عند من جمع الحرية فيهما لأن لهما بحرية نصفا وبنصف
حرية نصف كمال الثلثين وفي الخطاب والتنزيل للحرة ربع وسدس وللأخرى سدس لأن نصف
141

إحداهما يحجب الحرة عن نصف السدس فيبقى لها ربع وسدس والحرة تحجبها عن سدس كامل فيبقى
لها سدس فإن كان نصفهما رقيقا ومعهما عصبة فلهما ربع المال وسدسه بينهما لأنهما لو كانتا حرتين
كان لهما الثلثان ولو كانت الكبرى وحدها حرة كان لها النصف وكذلك الصغرى ولو كانتا
أمتين كان المال للعصبة فقد كان لهما مال وثلثان فلهما ربع ذلك وهو ربع وسدس وطريقها بالبسط
ان تقول ولو كانتا حرتين فالمسألة من ثلاثة وان كانت الكبرى وحدها حرة فهي من اثنين
وكذلك إذا كانت الصغرى وحدها حرة، وإن كانتا أمتين فهي من سهم فتضرب اثنين في ثلاثة
تكن ستة ثم للكبرى نصف المال في حال ثلاثة وثلثه في حال سهمان في الأحوال الأربعة تكن أربعة
وعشرين صار لها خمسة من أربعة وعشرين وللأخرى مثل ذلك وللعصبة المال في حال والنصف في
حالين والثلث في حال ذلك أربعة عشر سهما من أربعة وعشرين ومن جمع الحرية فيهما جعل لهما
النصف والباقي للعصبة وإذا لم يكن عصبة نزلتهما على تقدير الرد فيكون حكمهما حكم اثنين نصف كل
واحد منهما حر على ما قلناه ثلاث بنات ابن متنازلات نصف كل واحدة حر وعصبة للأولى الربع
وللثانية السدس لأنها لو كانت حرة كان لها الثلث وللثالثة نصف السدس على قول البصريين لأنك
تقول للسفلى لو كانتا أمتين كان لك النصف ولو كانت إحداهما حرة كان لك السدس فبينهما ثلث
فتحجبك العلياء عن ربع والثانية عن نصف سد س فيبقى لك سدس لو كنت حرة فإذا كان نصفك
حرا كان لك نصفه، وفي التنزيل للثالثة نصف الثمن وثلثه وذلك لأننا لو نزلنا كل واحدة حرة وحدها كان
142

لها النصف فهذه ثلاثة أحوال من ابنين اثنين ولو كن إماء كان المال للعصبة ولو كن أحرارا كان للأولى
النصف وللثانية السدس والثلث للعصبة ولو كانت الأولى والثانية حرتين فكذلك ولو كانت الثانية
والثالثة حرتين فللثانية النصف وللثالثة السدس والثلث للعصبة فهذا أربعة أحوال من ستة سنة والمسائل
كلها تدخل فيها فتضربها في ثمانية أحوال تكن ثمانية وأربعين للعليا النصف في أربعة أحول اثنا عشر
وهي الربع والثانية النصف في حالين والسدس في حالين وهي ثمانية وذلك هو السدس وللثالثة
النصف في حال والسدس في حالين وهو خمسة وهي نصف الثمن وثلثه، وقال قوم تجمع الحرية فيهن
فيكون فيهن حرية ونصف لهن بها ثلث وربع للأولى وللثانية ربعان وللثالثة نصف سدس فإن كان
معهن رابعة كان لها سدس ونصف آخر، ثلاث أخوات مفترقات نصف كل واحدة حر وأم حرة وعم
للتي من قبل الأبوين الربع وللتي من قبل الأب السدس وللتي من قبل الام نصف السدس، وللأم
الثلث لأنها لا تحجب الا باثنين من الاخوة والأخوات ولم تكمل الحرية في اثنين وللعم ما بقي وهكذا
لو كانت أخت حرة وأخرى نصفها حر وأم حرة فللأم الثلث لما ذكرناه، وقال الخبري للام الربع
وحجبها بالجزء كما تحجب بنصف البنت والفرق بينهما أن الحجب بالولد غير مقدر بل هو مطلق في
الولد والجزء من الولد، وفي الاخوة مقدر باثنين فلا يثبت بأقل منهما ولذلك لم تحجب بالواحد عن
شئ أصلا وهذا قول ابن اللبان وحكى القول الأول عن الشعبي وقال هذا غلط وفي الباب اختلاف كثير
وفروع قل ما تنفق وقل ما تجئ مسألة الا ويمكن عملها بقياس ما ذكرناه
143

(مسألة) (قال (وإذا مات وخلف ابنين فأقر أحدهما بأخ فله ثلت ما في يده وان أقر
بأخت فلها خمس ما في يده)
قد ذكرنا في باب الاقرار من يثبت النسب بقوله ومن لا يثبت ونذكر ههنا ما يستحق المقربه من
الميراث إذا لم يثبت نسبه فنقول إذا أقر بعض الورثة لمشارك في الميراث فلم يثبت نسبه لزم المقر أن
يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه وهذا قول مالك والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن
صالح وشريك ويحيى بن آدم ووكيع وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وأهل البصرة، وقال النخعي
وحماد وأبو حنيفة وأصحابه يقاسمه ما في يده لأنه يقول أنا وأنت سواء في ميراث أبينا وكان ما أخذه
المنكر تلف أو أخذته يد عادية فيستوي في ما بقي، وقال الشافعي رضي الله عنه وداود لا يلزمه في
الظاهر دفع شئ إليه وهل يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى؟ على قولين أصحهما لا يلزمه لأنه لا يرث من
لا يثبت نسبه وعلى قول الذي يلزمه دفع شئ إليه ففي قدره وجهان كالمذهبين المتقدمين
ولنا على الشافعي رضي الله عنه أنه أقر بحق لمدعيه يمكن صدقه فيه وبد المقر عليه وهو متمكن
من دفعه إليه فيلزمه ذلك كما لو أقر بمعين ولأنه إذا علم أن هذا اخوه فله ثلث التركة ويتعين استحقاقه
لها وفي يده بعضه وصاحبه يطلبه فلزمه دفعه إليه وحرم عليه منعه منه كما في سائر المواضع وعدم ثبوت نسبه في
144

الظاهر لا يمنع وجوب دفعه إليه كما لو غصبه شيئا ولم تقم البينة بنصبه
ولنا على أبي حنيفة أنه أقر له بالفاضل عن ميراثه فلم يلزمه أكثر مما أقربه به كما لو أقر له بشئ
معين ولأنه حق يتعلق بمحل مشترك باقرار أحد الشريكين فلم يلزمه أكثر من قسطه كما لو أقر أحد
الشريكين على العبد بجناية فعلى هذا إذا خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ فللمقر له ثلث ما في يد المقر وهو
سدس المال لأنه يقول نحن ثلاثة لكل واحد منا الثلث وفي يدي النصف ففضل في يدي لك السدس
فيدفعه إليه وهو ثلث ما في يده، وفي قول أبي حنيفة يدفع إليه نصف ما في يده وهو الربع، وان أقر
بأخت دفع إليها خمس ما في يده لأنه يقول نحن اخوان وأخت فلك الخمس من جميع المال وهو خمس ما في
يدي وخمس ما في يد أخي فيدفع إليها خمس ما في يده وفي قولهم يدفع إليها ثلث ما في يده
(فصل) وان أقر جميع الورثة بوارث أو أقر به الميت ليثبت نسبه منه ثبت نسبه سواء كان
الورثة واحدا أو جماعة وبهذا قال النخعي والشافعي رضي الله عنه، وقال أبو حنيفة ومالك وابن أبي
ليلى والحسن بن صالح لا يثبت نسبه، والمشهور عن أبي يوسف انه لا يثبت النسب الا باقرار ابنين
ذكر بن كانا أو أنثيين عدلين أو غير عدلين ونحوه عن مالك، وروى ابن اللبان قال أشعث بن
سوار عن رجل من أهل المدينة قال جاء رجل وأخته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعهما صبي
فقالا هذا أخونا فقال لا ألحق بأبيكما من لم يقر به
145

ولنا ان عبد الله بن زمعة ادعى نسب ولد وليدة أبيه وقال هذا أخي ولد على فراش أبي، فقبل
النبي صلى الله عليه وسلم قوله وأثبت النسب به، ولان الوارث يقوم مقام موروثه بدليل انه يثبت باعترافه
ما يثبت باعتراف الموروث على نفسه من الدين وغيره كذا النسب، ولان الوارث يخلف الموروث
في حقوقه وهذا منها، ولا خلاف بينهم في وجوب دفع ميراثه إليه الا أن يكون المقر به يسقط المقر
كأخ يقر بابن أو ابن ابن أو أخ من أب يقر بأخ من أبوين فإن الشافعي في ظاهر مذهبه أثبت النسب
ولم يورثه لئلا يكون إقرارا من غير وارث فثبوت ميراثه يفضي إلى سقوط نسبه وميراثه
ولنا انه اقرار من كل الورثة يثبت به النسب بمن يرث لو ثبت نسبه بغير إقراره فيجب ان يرث
كما لو لم يسقطه، ولأنه ابن ثابت النسب لم يمنع ارثه مانع متفق عليه أشبه ما لو ثبت ببينة والاعتبار
بكونه وارثا حالة الاقرار أو بكونه وارثا لولا الاقرار بدليل انه لو اعتبر الحال الثاني لم يثبت النسب
إذا أقر بمشارك في الميراث لأنه يكون إقرارا من بعض الورثة، فإن قالوا إنما ثبت لأن المقربه
أيضا مقر بنفسه مدع لنسبه، قلنا وههنا مثله فاستويا
(فصل) إذا خلف ابنا واحدا فأقر بأخ من أبيه دفع إليه نصف ما في يده في قول الجميع فإن أقر بعد بآخر فاتفقا
عليه دفعا إليه ثلث ما في أيديهما في قول الجميع فإن أنكر المقر به ثانيا المقر به الأول لم يثبت نسبه، قال القاضي هذا
مثل للعامة تقول أدخلني أخرجك، وليس له أ ن يأخذ أكثر من ثلث ما في أيديهما لأنه لم يقر له بأكثر منه
وقال الشافعي رضي الله عنه يلزم المقر ان يغرم له نصف التركة لأنه أتلفه عليه باقراره الأول،
ويحتمل أن لا يبطل نسب الأول لأنه ثبت بقول من هو كل الورثة حال الاقرار فإن لم يصدق به
146

الأول بالثاني لم يثبت نسبه ويدفع إليه المقر ثلث ما بقي في يده لأنه الفضل الذي في يده ويحتمل أن
يلزمه دفع ثلث جميع المال لأنه فوته عليه بدفع النصف إلى الأول وهو ويقر انه لا يستحق إلا الثلث
وسواء دفعه إليه بحكم الحاكم أو بغير حكمه لأن إقراره علة حكم الحاكم وسواء علم بالحال عند إقراره
الأول أو لم يعلم لأن العمد والخطأ واحد في ضمان ما يتلف وحكي نحو هذا عن شريك، ويحتمل انه إن
علم بالثاني حين أقر بالأول وعلم أنه إذا أقر به بعد الأول لا يقبل ضمن لتفويته حق غيره بتفريطه،
وان لم يعلم لم يضمن لأنه لم يجب عليه الاقرار بالأول إذا علمه ولا يحوجه إلى حاكم ومن فعل الواجب
فقد أحسن وليس بخائن فلا يضمن، وقيل هذا قياس قول الشافعي
وقال أبو حنيفة ان كن الدفع بحكم حاكم دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده لأن حكم الحاكم
كالاخذ منه كرها، وان دفعه بغير حاكم دفع إلى الثاني ثلث جميع المال لأنه دفع إلى الأول ما ليس
له تبرعا، ولنا على الأول انه أقر بما يجب عليه الاقرار به فلم يضمن ما تلف به كما لو قطع الإمام يد
السارق فسرى إلى نفسه، وان أقر بعدهما بثالث فصدقاه ثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد كل واحد
منهم إذا كان مع كل واحد ثلث المال، وان كذباه لم يثبت نسبه وأخذه ربع ما في يد المقر به وفي ضمانه
له ما زاد التفصيل في التي قبلها، وعلى مثل قولنا قال ابن أبي ليلى وأهل المدينة وبعض أهل البصرة
(فصل) ومتى أردت معرفة الفضل فاضرب مسألة الاقرار في مسألة الانكار ثم تضرب ما للمقر
147

من مسألة الاقرار في مسألة الانكار إذا كانتا متباينتين وتضرب ما للمنكر في مسألة الانكار في مسألة
الاقرار فما كان بينهما فهو الفضل، فإن لم يكن في يده فضل فلا شئ للمقر له كثلاثة أخوة
مفترقين أقر الأخ من الام بأخ أو أخت فلا شئ للمقر له لأنه يقر على غيره وسواء أقر بأخ
من أم أو غيره، وعند أبي حنيفة ان أقر بأخ من أم فله نصف ما في يده وان أقر بأخ من
أبوين فللمقر به خمسة أسباع ما في يده، وان كن ثلاث أخوات مفترقات فأقرت الأخت من
الام بأخ فإن كان في المسألة عصبة فلا شئ له، فإن لم يكن فيها عصبة فله سدس ما بقي في يدها
لأن مسألة الانكار من خمسة والاقرار من ستة إذا ضربت إحداهما في الأخرى كانت ثلاثين لها سهم من
مسألة الانكار في مسألة الاقرار ستة ولها في الاقرار خمسة يفضل في يدها سهم فهو للأخ من اي جهة كان وان أقرت
الأخت من الأب بأخ لها صحت من تسعين لها عشرة ويفضل لأخيها ثمانية، وإن أقرت بأخ من أبوين
دفعت إليه جميع ما في يدها، وإن أقرت بأخ من أم أو بأم للميت أو جدة أو بعصبة فله سدس ما في
يدها، وان خلف أربع أخوات من أب وعما فأقر الأخوات بأخ لهن فلا شئ له، وإن أقررن بأخت
من أبوين دفعن إليها ثلاثة أرباع ما في أيديهن وان أقررن بأخت من أب فلها خمس ما في أيديهن وأيتهن
أقرت وحدها دفعت إليها مما في يدها بقدر ذلك، وإن أقرت إحداهن بأخ وأخت فمسألة الاقرار من سبعة
والانكار من ستة تضرب إحداهما في الأخرى تكن اثنين وأربعين لها سهم في ستة وفي يدها سبعة
148

يفضل في يدها سهم لهما، وإن أقر الأربع بهما فضل لهما أربعة أسهم، فإن كان المقر بهما يتصادقان
اقتسماها بينهم أثلاثا فإن تجاحدا فلا شئ للأخ لأنه يقر انه لا حق له في الثلثين ويكون المقر به للأخت
لأنها تدعي خمس الثلثين، وإن جحدته ولم يجحدها لم يلتفت إلى جحدها لاقرار الأخوات المعروفات
وإن جحدها ولم تجحده احتمل أن يكون المقر به لها لاقراره بأنه لا يستحق شيئا من الثلثين وكونها
تدعي من الثلثين مثل هذه الفضلة ويحتمل أن لا تستحق إلا ثلث أربعة أسهم لاقرارها بها للأخ
والأول أولى إن شاء الله تعالى
وإن أقر العم بأخت أو أخوات من أب أو أبوين فلا شئ لهم، وإن أقر بأخ أو أخت من أم
أو بأم أو جدة فللمقر له السدس، وإن أقر بأخ من أبوين أو من أب أو بابنين من ولد لام فلهم جميع
ما في يده، وإن خلف أما وأخا من أبوين فأقرت الام بأخ من أم أو من أبوين فله السدس وهو نصف
ما في يدها وإن أقرت بأخ من أب فصدقها الأخ من الأبوين فله السدس وهو نصف ما في يدها ولا
شئ للمقر له وإن لم يصدقها فقد أقرت له بما لا يدعيه فيحتمل أن يقر في يدها ولا يصح اقرارها ويحتمل
أن يصطلحا عليه لأنه لا يخرج عنهما وقد أشكل أمره ويحتمل أن يكون لبيت المال لأنه مال لم يثبت
له مستحق ولا يدعيه أحد، فإن أقر الأخ بأخ له من أبوين فله ثلاثة أثمان ما في يده لأن مسألة الاقرار
من اثني عشر له منها خمسة وفي يده ثمانية فالفاضل في يده ثلاثة
(فصل) إذا خلف ابنين فأقر الأكبر بأخوين فصدقه الأصغر في أحدهما ثبت نسب المتفق عليه
149

فصاروا ثلاثة ومسألة الاقرار إذا من ثلاثة ومسألة الانكار من أربعة فتضرب مسألة الاقرار في مسألة
الانكار تكن اثني عشر للأصغر سهم من مسألة الانكار في مسألة الاقرار أربعة وللأكبر سهم في
مسألة الانكار ثلاثة وللمتفق عليه إن أقر بصاحبه مثل سهم الأكبر وإن أنكر مثل سهم الأصغر. وذكر
أبو الخطاب أن المتفق عليه إن صدق بصاحبه لم يأخذ من المنكر إلا ربع ما في يده لأنه لا يدعي أكثر
منه ويأخذ هو والمختلف فيه من الأكبر نصف ما بيده فتصح من ثمانية للمنكر ثلاثة أثمان وللمقر سهمان
وللمتفق عليه سهمان وللآخر سهم
وذكر ابن اللبان أن هذا قياس قول مالك والشافعي رضي الله عنه وفي هذا نظر لأن المنكر يقر
أنه لا يستحق إلا الثلث وقد حضر من يدعي الزيادة فوجب دفعها إليه ونظير هذا ما لو ادعى انسان
دارا في يد رجل فأقر بها لغيره فقال المقر له إنما هي لهذا المدعي فإنها تدفع إليه
وقد رد الخبري على ابن اللبان هذا القول وقال على هذا يبقى مع المنكر ثلاثة أثمان وهو لا يدعي
إلا الثلث وقد حضر من يدعي هذه الزيادة ولا منازع له فيها فيجب دفعها إليه قال والصحيح أن يضم
المتفق عليه السدس الذي يأخذه من المقر به فيضمه إلى النصف الذي بيد المقر بهما فيقسمانه أثلاثا
وتصح من تسعة للمنكر ثلاثة ولكل واحد من الآخرين سهمان وهذا قول أبي يوسف إذا تصادقا
ولا يستقيم هذا على قول من لم يلزم المقر أكثر من الفضل عن ميراثه لأن المقر بهما والمتفق عليه
150

لا ينقص ميراثه عن الربع ولم يحصل له على هذا القول إلا التسعان، وقيل يدفع الأكبر إليهما نصف
ما في يده ويأخذ المتفق عليه من الأصغر ثلث ما في يده فيحصل للأصغر الثلث وللأكبر الربع وللمتفق
عليه السدس والثمن
وللمختلف فيه الثمن وتصح من أربعة وعشرين للأصغر ثمانية وللمتفق عليه سبعة
وللأكبر ستة وللمختلف فيه ثلاثة وفيها أقوال كثيرة سوى هذا
(فصل) إذا خلف ابنا فأقر بأخوين دفعة واحدة فتصادقا ثبت نسبهما وإن تجاحدا فكذلك في
أحد الوجهين لأنه نسبهما ثبت باقرار من هو كل الورثة قبلهما، وفي الآخر لا يثبت لأن الاقرار بكل
واحد منهما لم يصدر من كل الورثة ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده، وإن صدق أحدهما
بصاحبه وجحده الآخر ثبت نسب المتفق عليه: وفي الآخر وجهان ويدفع إلى كل واحد
منهما ثلث ما بقي في يده
(فصل) ولو خلف ثلاثة بنين فأقر أحدهم بأخ وأخت فصدقه أحد أخويه في الأخ والآخر
في الأخت لم يثبت نسبهما ويدفع المقر بهما إليهما ثلث ما في يده ويدفع المقر بالأخ إليه ربع ما في يده
ويدفع المقر بالأخت إليها سبع ما في يده فأصل المسألة ثلاثة أسهم سهم المقر يقسم بينه وبينهما
على تسعة فله ستة ولهما ثلاثة وسهم المقر بالأخ بينهما على أربعة له ثلاثة ولأخيه سهم وسهم
المقر بالأخت بينه وبينهما على سنة له خمسة ولها سهم وكلها متباينة فاضرب أربعة في سبعة في تسعة
151

في أصل المسألة تكن سبعمائة وستة وخمسين للمقر بهما سنة في أربعة في سبعة مائة وثمانية وستون
وللمقر بالأخت ستة في أربعة في تسعة مائتان وستة عشر وللمقر بالأخ ثلاثة في سبعة في تسعة مائة
وتسعة وثمانون وللأخ المقر به سهمان في أربعة في سبعة ستة وخمسون وسهم في ستة في تسعة ثلاثة
وستون فيجتمع له مائة وتسعة عشر وللأخت سهم في أربعة في سبعة ثمانية وعشرون وسهم في أربعة في
تسعة ستة وثلاثون يجتمع لها أربعة وستون ولا فرق بين تصادقهما وتجاحدهما لأنه لا فضل في يد
أحدهما عن ميراثه ولو كان في هذه المسألة ابن رابع لم يصدقه في واحد منهما كان أصل المسألة
من أسهم على أحد عشر وسهم على تسعة وسهم على خمسة وسهم ينفرد به الجاحد فتصح المسألة من الف
وتسعمائة وثمانين سهما وطريق العمل فيها كالتي قبلها
(فصل) إذا خلف بنتا وأختا فأقرتا لصغيرة فقالت البنت هي أخت وقالت الأخت هي بنت فلها
ثلث ما في يد الأخت لا غير، وهذا قول ابن أبي ليلى ولمحمد بن الحسن واللؤلؤي ويحيى بن آدم
تخبيط كثير يطول ذكره، وان خلف امرأة وبنتا وأختا فأقررن بصغيرة فقالت المرأة هي امرأة وقالت
البنت هي بنت وقالت الأخت هي أخت فقال الخبري تعطى ثلث المال لأنه أكثر ما يمكن أن يكون لها
ويؤخذ من المقرات على حسب إقرارهن وقد أقرت لها البنت بأربعة أسهم من أربعة وعشرين وأقرت لها
الأخت بأربعة ونصف وأقرت المرأة بسهم ونصف وذلك عشرة أسهم منها ثمانية وهي أربعة أخماسها
فخذ لها من كل واحدة أربعة أخماس ما أقرت لها به واضرب المسألة في خمسة تكن مائة وعشرين
152

ومنها تصح فإذا بلغت الصغيرة فصدقت إحداهن أخذت منها تمام ما أقرت لها به وردت على الباقيتين
ما أخذته مما لا تستحقه وهذا قول أبي حنيفة وقال ابن أبي ليلى يؤخذ لها من كل واحدة ما أقرت لها
به وإذا بلغت فصدقت إحداهن أمسكت ما اخذ لها منها وردت على الباقيتين الفضل الذي لا تستحقه
عليها، وهذا القول أصوب إن شاء الله تعالى لأن فيه احتياطا على حقها. ثلاثة اخوة لأب ادعت امرأة
انها أخت الميت لأبيه وأمه فصدقها الأكبر وقال الأوسط هي أخت لأم وقال الأصغر هي أخت لأب
فإن الأكبر يدفع إليها نصف ما في يده ويدفع إليها الأوسط سدس ما في يده ويدفع إليها الأصغر سبع
ما في يده، وتصح من مائة وستة وعشرين لأن أصل مسئلتهم ثلاثة فمسألة الأكبر من اثنين والثاني من
ستة والثالث من سبعة والاثنان تدخل في الستة فتضرب ستة في سبعة تكن اثنين وأربعين فهذا ما في
يد كل واحد منهم فتأخذ من الأكبر نصفه أحدا وعشرين ومن الأوسط سدسه سبعة ومن الأصغر
سبعه ستة صار لها أربعة وثلاثون، وهذا قياس قول ابن ليلى وفي قول أبي حنيفة تأخذ سبع ما في
يد الأصغر فيضم نصفه إلى ما بيد أحدهما ونصفه إلى ما بيد الآخر ويقاسم الأوسط على ثلاثة عشر
له عشرة ولها ثلاثة فيضم الثلاثة إلى ما بيد الأكبر ويقاسمه ما بيده على أربعة لها ثلاثة وله سهم فاجعل
في يد الأصغر أربعة عشر ليكون لسبعه نصف صحيح واضربها في ثلاثة عشر تكن مائة واثنين
153

وثمانين فهذا ما بيد كل واحد منهم تأخذ من الأصغر سبعه وهو ستة وعشرون تضم إلى ما بيد كل
واحد من اخوته ثلاثة عشر فيصير معهم مائة وخمسة وتسعون وتأخذ من الأوسط منها ثلاثة من
ثلاثة عشر وهي خمسة وأربعون تضمها إلى ما بيد الأكبر يصير معه مائتان وأربعون فتأخذ ثلاثة
أرباعها وهي مائة وثمانون ويبقى له ستون ويبقى للأوسط مائة وخمسون وللأصغر مائة وستة وخمسون
وترجع بالاختصار إلى سدسها وهو أحد وتسعون
(فصل) وإذا خلف ابنا فأقر بأخ ثم جحده لم يقبل جحده ولزمه أن يدفع إليه نصف ما بيده
فإن أقر بعد جحده بآخر احتمل ان لا يلزمه له شئ لأنه لا فضل في يده عن ميراثه، وهذا قول ابن
أبي ليلى، فإن كان لم يدفع إلى الأول شيئا لزمه ان يدفع إليه نصف ما بيده ولا يلزمه للآخر شئ ويحتمل
أن يلزمه دفع النصف الباقي كله إلى الثاني لأنه فوته عليه وهذا قول زفر وبعض البصريين ويحتمل
ان يلزمه ثلث ما في يده للثاني لأنه الفضل الذي في يده على تقدير كونهم ثلاثة فيصير كما لو أقر من غير جحد
الأول وهذا أحد الوجوه لأصحاب الشافعي رضي الله عنه وقال أهل العراق إن كان دفع إلى الأول بقضاء دفع إلى
الثاني نصف ما بقي في يده وإن كان دفعه بغير قضاء دفع إلى الثاني ثلث جميع المال وان خلف ابنين فاقر أحدهما
بأخ ثم جحده ثم أقر بآخر لم يلزمه للثاني شئ لأنه لا فضل في يده، وعلى الاحتمال الثاني يدفع إليه نصف
ما بقي في يده وعلى الثالث يلزمه ربع ما بقي في يده ولا يثبت نسب واحد منهما في هذه الصورة ويثبت
نسب المقر به الأول في المسألة الأولى دون الثاني
(فصل) إذا مات رجل وخلف ابنين فمات أحدهما وترك بنتا فأقر الباقي بأخ له من أبيه نفي يده
154

ثلاثة أرباع المال وهو يزعم أن له ربعا وسدسا فيفضل في يده ثلث يرده على المقر به، وان أقرت به
البنت وحدها ففي يدها الربع وهي تزعم أن لها السدس يفضل في يدها نصف السدس تدفعه إلى
المقر له وهذا قول ابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة ان أقر الأخ دفع إليه نصف ما في يده، وإن أقرت
البنت دفعت إليه خمسة أسباع ما في يدها لأنها تزعم أن له ربعا وسدسا وهو خمسة من اثنى عشر
ولها السدس وهو سهمان فيصير الجميع سبعة لها منهما سهمان وله خمسة. بنتان وعم ماتت إحداهما
وخلفت ابنا وبنتا فأقرت البنت بخالة ففريضة الانكار من تسعة وفريضة الاقرار من سبعة وعشرين
ولها منها سهمان وفي يدها ثلاثة فتدفع إليها سهما، وإن أقر بها الابن دفع إليها سهمين وان أقرت بها
البنت الباقية دفعت إليها التسع وان أقر بها العم لم يدفع إليها شيئا، وان أقر الابن بخال له فمسألة الاقرار
من اثنى عشر له منها سهمان وهما السدس يفضل في يده نصف تسع وان أقرت به أخته دفعت إليه
ربع تسع فإن أقرت به البنت الباقية فلها الربع وفي يدها الثلث فتدفع إليه نصف السدس وان أقر به
العم دفع إليه جميع ما في يده. ابنان مات أحدهما عن بنت ثم أقر الباقي منهما بأم لأبيه ففريضة الانكار
من أربعة للمقر منها ثلاثة أرباعها وفريضة الاقرار من اثنين وسبعين للمقر منها أربعون يفضل في يده
أربعة عشر سهما يدفعها إلى المرأة التي أقر لها، وترجع بالاختصار إلى ستة وثلاثين للمقر منها عشرون
وللبنت تسعة وللمقر لها سبعة، ومذهب أبي حنيفة تعمل كذلك إلا أنه يجمع سهام الام وهي سبعة
155

عشر إلى سهام المقر وهي أربعون فتقسم عليها ثلاثة أرباع المال فما أصاب كل واحد فهو له فتضرب
سبعة وخمسين في أربعة تكن مائتين وثمانية وعشرين فللبنت سهم في سبعة وخمسين وللمقر أربعون
في ثلاثة تكن مائة وعشرين وللأم سبعة عشر في ثلاثة أحد وخمسون، وان أقرت بها البنت فلها من
فريضة الاقرار خمسة عشر سهما وفي يدها الربع وهو ثمانية عشر يفضل في يدها ثلاثة تدفعها إلى المقر
لها، وان أقر الابن بزوجة لأبيه وهي أم الميت الثاني فمسألة الاقرار من ستة وتسعين لها منها ستة
وخمسون وفي يده ثلاثة أرباع يفضل معه ستة عشر سهما يدفعها إلى المقر لها ويكون له ستة وخمسون
ولها ستة عشر وللبنت أربعة وعشرون وترجع بالاختصار إلى اثنى عشر لأن سهامهم كلها تتفق بالأثمان
فيكون للمقر سبعة وللمقر لها سهمان وللبنت ثلاثة، وفي قول أبي حنيفة يضم سهام المقر لها وهي تسعة
عشر إلى سهام المقر فتكون خمسة وسبعين وتقسم عليها ثلاثة الأرباع وهما يتفقان بالاثلاث فترجع
السهام إلى ثلثها خمسة وعشرين تضربها في أربعة تكن مائة للبنت سهم في خمسة وعشرين وللمرأة
تسعة عشر في سهم وللمقر ستة وخمسون، وما جاء من هذا الباب فهذا طريق له. أبوان وابنتان
اقتسموا التركة ثم أقروا ببنت للميت فقالت قد استوفيت نصيبي من تركة أبي فالفريضة في الاقرار
من ثمانية عشر للأبوين ستة ولكل بنت أربعة فأسقط منها نصيب البنت المقر بها يبقى أربعة عشر
للأبوين منها ستة وإنما اخذا ثلث الأربعة عشر وذلك أربعة أسهم وثلثا سهم فيبقى لهما في يد البنتين
156

سهم وثلث يأخذانها منهما فاضرب ثلاثة في أربعة عشر تكن اثنين وأربعين فقد اخذ الأبوان أربعة عشر
وهما يستحقان ثمانية عشر يبقى لهما أربعة يأخذانها منهما ويبقى للابنتين أربعة وعشرون وان قالت
قد استوفيت نصف نصيبي فاسقط سهمين من ثمانية عشر يبقى ستة عشر قد اخذا ثلثها خمسة وثلثا
ويبقى لهما ثلثا سهم فإذا ضربتها في ثلاثة كانت ثمانية وأربعين قد اخذا منها ستة عشر يبقى لهما سهمان
(فصل) إذا أقر بعض الورثة ممن أعيلت له المسألة بمن يعصبه فيذهب العول مثل مسألة فيها
زوج وأختان أقر ت إحداهما بأخ لها فاضرب مسألة الاقرار وهي ثمانية في مسألة الانكار وهي سبعة
تكن ستة وخمسين للمنكرة سهمان في مسألة الاقرار ستة عشر وللمقرة سهم في مسألة الانكار سبعة
يفضل في يدها تسعة أسهم فيسئل الزوج فإن أنكر أعطي ثلاثة في ثمانية أربعة وعشرون ودفعت المقرة
إلى المقر له ما فضل في يدها كله وإن أقر الزوج به فهو يدعي أربعة والأخ يدعي أربعة عشر فتجمعها
تكن ثمانية عشر وتقسم عليها التسعة فتدفع إلى الزوج سهمين والى الأخ سبعة، فإن أقرت الأختان
به وأنكر الزوج دفع إلى كل أخت سبعة وإلى الأخ أربعة عشر ويبقى أربعة يقران بها للزوج وهو
ينكرها ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) ان تقر في يد من هي في يده لأن اقراره بطل لعدم تصديق المقر له
157

(والثاني) يصطلح عليها الزوج والأختان له نصفها ولهما نصفها لأنها لا تخرج عنهم ولا شئ فيها
للأخ لأنه لا يحتمل أن يكون له فيها شئ بحال
(الثالث) يؤخذ إلى بيت المال لأنه مال لم يثبت له مالك ومذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في
الصورة الأولى ان أنكر الزوج أخذت المقرة سهميها من سبعة فتقسمها بينها وبين أختها على ثلاثة
فتضرب ثلاثة في سبعة تكن أحدا وعشرين لهما منها ستة لها سهمان ولأختها أربعة، وان أقر الزوج ضم
سهامه إلى سهميهما تكن خمسة واقتسماها بينهم على سبعة للزوج أربعة وللأخ سهمان وللأخت سهم ثم
تضرب سبعة في سبعة تكن تسعة وأربعين ومنها تصح للمنكرة سهمان في سبعة أربعة عشر وللزوج
أربعة في خمسة وللأخ سهمان في خمسة وللمقرة سهم في خمسة، فإن خلفت اما زوجا وأختا من أب
فأقرت الأخت بأخ لها فمسألة الانكار من ثمانية ومسألة الاقرار من ثمانية عشر ويتفقان بالانصاف
فاضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن اثنين وسبعين للام ثمانية عشر وفي يد المقر سبعة وعشرون
ولها من مسألة الاقرار ثمانية يفضل في يدها تسعة عشر فيسئل الزوج فإن أنكر أخذ الأخ ستة عشر
وبقيت ثلاثة أسهم فيها الأوجه الثلاثة، وان أقر فهو يدعي تسعة لأنه يدعي تمام النصف والأخ
يدعي ستة عشر فتضم التسعة إلى الستة عشر تكن خمسة وعشرين والتسعة عشر لا توافقها فتضرب
158

خمسة وعشرين في اثنين وسبعين تكن ألفا وثمانمائة ثم كل من له شئ من اثنين وسبعين مضروب
في خمسة وعشرين ومن له شئ من خمسة وعشرين مضروب في تسعة عشر. وسئل المغيرة الضبي عن
هذه المسألة فأجاب بهذا وذكر أنه قول النخعي، قال يحيى بن آدم وهي في قول حماد وأبي حنيفة من
عشرين سهما يعنى للام ربعها خمسة والباقي بين الزوج والأخ والأخت على قدر سهامهم من فريضة
الاقرار للزوج تسعة وللأخ أربعة وللأخت سهمان، وان صدقتها الام وحدها دون الزوج أعطيت
الام السدس والأخ والأخت الثلث بينهما على ثلاثة وللزوج ثلاثة أثمان ويبقى الثمن فيه الأوجه الثلاثة
(فصل) وان أقر وارث بمن لا يرث ويسقط به ميراثه كأخت من أب أقرت بأخ لها في مسألة
فيها زوج وأخت من أبوين أو أقرت بأخ من أبوين سقط ميراثها ويقسم المال بين الزوج والأخت
نصفين ان صدقاها في الصورة الأولى وفي الثانية للزوج النصف والباقي بين الأخ والأخت على ثلاثة
وان كذباها فالمقر به هو السبع ففيه الأوجه الثلاثة في الصورة الأولى ويدفع إلى الأبوين في الصورة
الثانية، وان خفت زوجا وأما وأختين لام وأختين لأب فأقرت إحداهما بأخ لها سقط ميراثها ولا
شئ للأخ وللأخرى خمس المال والباقي بين سائر الورثة على ستة ان أقروا فاضرب ستة في خمسة
159

تكن ثلاثين، وان أنكرت الام فلها العشر أيضا والباقي بين الزوج والأختين من الام على خمسة وإن
أنكرته الأختان من الام فلهما الخمس أيضا والباقي كله للزوج وتصح من عشرة وان أنكره الزوج فله
خمس وعشر فيبقى خمس المال لا يدعيه أحد يقرون به للأخت المقرة وهي تقر به لهم ففيه الأوجه الثلاثة
الا أننا إذا قلنا يقسم بينهم فلا شئ فيه للأخت المنكرة ولا للمقر به بحال لأنه لا يحتمل أن يكون لهما شئ بحال
(فصل) امرأة وعم ووصى لرجل بثلث ماله فأقرت المرأة والعم انه أخو الميت وصدقهما ثبت
نسبه وأخذ ميراثه، وان أقرت به المرأة وحدها فلم يصدقها المقر به لم يؤثر اقرارها شيئا وان صدقها
الأخ وحده فللمرأة الربع بكماله إلا أن يجيز الوصية وللعم النصف ويبقى الربع يدفع إلى الوصي، وان
صدقها العم ولم يصدقها الوصي فله الثلث وللمرأة الربع والباقي يقر به العم لمن لا يدعيه ففيه الأوجه
الثلاثة، وان أقر به العم وحده فصدقه الموصى له أخذ ميراثه وهو ثلاثة أرباع المال وللمرأة السدس
ويبقى نصف السدس فيحتمل أن يكون لها لأن الموصى له يعترف ببطلان الوصية أو وقوفها على إجازة
المرأة ولم تجزها، ويحتمل أن يكون فيه الأوجه الثلاثة وان لم يصدقه اخذ الثلث بالوصية والمرأة السدس
بالميراث ويبقى النصف فيه الأوجه الثلاثة
160

(مسألة) قال (والقاتل لا يرث المقتول عمدا كان القتل أو خطأ)
أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئا إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب
وابن جبير انهما ورثاه وهو رأى الخوارج لأن آية الميراث تتناوله بعمومها فيجب العمل بها فيه ولا
تعويل على هذا القول لشذوذه وقيام الدليل على خلافه فإن عمر رضي الله عنه أعطى دية ابن قتادة
المذحجي لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيفه فقتله واشتهرت هذه القصة بين الصحابة رضي الله عنهم
فلم تنكر فكنت إجماعا، وقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ليس للقاتل شئ) رواه
مالك في موطئه والإمام أحمد باسناده، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم
نحوه رواه ابن اللبان باسناده ورواهما ابن عبد البر في كتابه
وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا فإنه لا يرثه وان لم
يكن له وارث غيره وإن كان والده أو ولده فليس لقاتل ميراث) رواه الإمام أحمد باسناده ولان
توريث القاتل يفضي إلى تكثير القتل لأن الوارث ربما استعجل موت موروثه ليأخذ ماله كما فعل
الإسرائيلي الذي قتل عمه فأنزل الله تعالى فيه قصة البقرة، وقيل ما ورث قاتل بعد عاميل وهو اسم
161

القتيل، فأما القتل خطأ فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يرث أيضا نص عليه أحمد ويروى ذلك
عن عمر وعلي وزيد وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وروي نحوه عن أبي بكر رضي الله عنهم وبه
قال شريح وعروة وطاوس وجابر بن زيد والنخعي والشعبي والثوري وشريك والحسن بن صالح
ووكيع والشافعي ويحيى بن آدم وأصحاب الرأي، وورثه قوم من المال دون الدية وروي ذلك عن
سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب وعطاء والحسن ومجاهد والزهري ومكحول والأوزاعي وابن
أبي ذئب وأبي ثور وابن المنذر وداود وروي نحوه عن علي لأن ميراثه ثابت بالكتاب والسنة تخصص
قاتل العمد بالاجماع فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه
ولنا الأحاديث المذكورة ولان من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها كقاتل العمد والمخالف
في الدين والعمومات مخصصة بما ذكرناه
(فصل) والقتل المانع من الإرث هو القتل بغير حق وهو المضمون يقود أو دية أو كفارة
كالعمد وشبه العمد والخطأ وما جرى مجرى الخطأ كالقتل بالسبب وقتل الصبي والمجنون والنائم وما
ليس بمضمون بشئ مما ذكرنا لم يمنع الميراث كالقتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن نفسه وقتل العادل
الباغي أو من قصد مصلحة. وليه بماله فعله من سقي دواء أو بط جراح فمات ومن أمره إنسان عاقل
كبير ببط خراجه أو قطع سلعة منه فتلف بذلك ورثه في ظاهر المذهب
162

قال أحمد إذا قتل العادل الباغي في الحرب يرثه، ونقل محمد بن الحكم عن أحمد في أربعة شهدوا على
أختهم بالزنا فرجعت فرجموا مع الناس يرثونها هم غير قتلة، وعند أحمد رواية أخرى تدل على أن
القتل يمنع الميراث بكل حال فإنه قال في رواية ابنيه صالح وعبد الله لا يرث العادل الباغي ولا
يرث الباغي العادل، وهذا يدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال، وهذا ظاهر مذهب
الشافعي أخذا بظاهر لفظ الحديث ولأنه قاتل فأشبه الصبي والمجنون
وقال أبو حنيفة وصاحباه كل قتل لا مأثم فيه لا يمنع الميراث كقتل الصبي والمجنون والنائم والساقط
على انسان من غير اختيار منه وسائق الدابة وقائدها وراكبها إذا قتلت بيدها أو فيها فإنه يرثه لأنه
قتل غير متهم فيه ولا مأثم فيه فأشبه القتل في الحد
ولنا على أبي حنيفة وأصحابه عموم الاخبار خصصنا منها القتل الذي لا يضمن ففيما عداه يبقى على
مقتضاها، ولأنه قتل مضمون فيمنع الميراث كالخطأ
ولنا على الشافعي أنه فعل مأذون فيه فلم يمنع الميراث كما لو أطعمه أو سقاه باختياره فأفضى إلى
تلفه، ولأنه حرم الميراث في محل الوفاق كيلا يفضي إلى إيجاد القتل المحرم وزجرا عن اعدام النفس
المعصومة وفي مسألتنا حرمان الميراث يمنع إقامة الحدود الواجبة واستيفاء الحقوق المشروعة ولا يفضي
163

إلى إيجاد قتل محرم فهو ضد ما ثبت في الأصل ولا يصح القياس على قتل الصبي والمجنون لأنه قتل محرم
وتفويت نفس معصومة والتوريث يفضي إليه بخلاف مسئلتنا. إذا ثبت هذا فالمشارك في القتل في
الميراث كالمنفرد به لأنه يلزمه من الضمان بحسبه فلو شهد على موروثه مع جماعة ظلما فقتل لم يرثه وإن
شهد بحق ورثه لأنه غير مضمون
(فصل) أربعة اخوة قتل أكبرهم الثاني ثم قتل الثالث الأصغر سقط القصاص عن الأكبر لأن
ميراث الثاني صار للثالث والأصغر نصفين فلما قتل الثالث الأصغر لم يرثه وورثه الأكبر فرجع إليه
نصف دم نفسه وميراث الأصغر جميعه فسقط عنه القصاص لميراثه بعض دم نفسه وله القصاص على
الأصغر ويرثه في ظاهر المذهب فإن اقتص منه ورثه ويرث أخوته الثلاثة، ولو أن ابنين قتل أحدهما
أحد أبويهما وهما زوجان ثم قتل الآخر أباه الآخر سقط القصاص عن القاتل الأول ووجب على
القاتل الثاني لأن الأول لما قتل أباه ورث ماله ودمه أخوه وأمه، فلما قتل الثاني أمه ورثها قاتل الأب
صار له من دم نفسه ثمنه فسقط القصاص عنه لذلك وله القصاص على الآخر فإن قتله ورثه في ظاهر
المذهب، وإن جرح أحدهما أباه والآخر أمه وماتا في حال واحدة ولا وارث لهما سواهما فلكل
164

واحد منهما مال الذي لم يقتله ولكل واحد منهما القصاص على صحابه وكذلك لو قتل كل واحد منهما
أحد الأبوين ولم يكونا زوجين فلكل واحد منهما القصاص على أخيه إلا أنه لا يمكن أحدهما الاستيفاء
إلا بابطال حق الآخر فيسقطان، وإن عفا أحدهما عن الآخر فللآخر قتل العافي ويرثه في الظاهر
وإن بادر أحدهما فقتل أخاه سقط القصاص عنه وورثه في الظاهر عنه، ويحتمل أن لا يرثه ويجب
القصاص عليه بقتله لأن القصاصين لما تساويا وتعذر الجمع بين استيفائهما سقطا فلم يبق لهما حكم فيكون
المستوفي منها معتديا باستيفائه فلا يرث أخاه ويجب القصاص عليه بقتله، وإن أشكل كيفية موت
الأبوين وادعى كل واحد منهما أن قتيله أولهما موتا خرج في توريثهما ما ذكرناه في الغرقى من توريث
كل واحد من الميتين من الآخر ثم يرث كل واحد منهما بعض دم نفسه فيسقط القصاص عنهما ومن
لا يرى ذلك فالجواب فيها كالتي قبلها ويحتمل أن يسقط القصاص بكل حال للشبهة وأن يكون لكل
واحد دية الآخر وماله.
(مسألة) قال (ولا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما الا أن يكون معتقا فيأخذ ماله بالولاء)
أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم، وقال جمهور الصحابة والفقهاء لا يرث المسلم الكافر
يروى هذا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم وبه قال
165

عمر وبن عثمان وعروة والزهري وعطاء وطاوس والحسن وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار والثوري
وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل
وروي عن عمرو معاذ ومعاوية رضي الله عنهم أنهم ورثوا المسلم من الكافر ولم يورثوا الكافر
من المسلم. وحكي ذلك عن محمد بن الحنيفية وعلي بن الحسين وسعيد بن المسيب ومسروق وعبد الله
ابن معقل والشعبي والنخعي ويحيى بن يعمر وإسحاق وليس بموثوق به عنهم فإن أحمد قال ليس بين
الناس اختلاف في أن المسلم لا يرث الكافر وروي أن يحيى بن يعمر احتج لقوله فقال حدثني أبو الأسود
أن معاذا حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الاسلام يزيد ولا ينقص) ولأننا ننكح نساءهم ولا ينكحون
نساءنا فكذلك نرثهم ولا يرثوننا
ولنا ما روى أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر)
متفق عليه. وروى أبو داود باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يتوارث أهل ملتين شتى) ولان الولاية منقطعة بين المسلم والكافر فلم يرثه
كما لا يرث الكافر المسلم فأما حديثهم فيحتمل أنه أراد أن الاسلام يزيد بمن يسلم وبما يفتح من البلاد
لأهل الاسلام ولا ينقص بمن يرتد لقلة من يرتد وكثرة من يسلم، وعلى أن حديثهم مجمل وحديثنا
مفسر وحديثهم لم يتفق على صحته وحديثا متفق عليه فتعين تقديمه والصحيح عن عمر أنه قال (لا ترث
أهل الملل ولا يرثوننا) وقال في عمة الأشعث: يرثها أهل دينها، فأما المعتق إذا خالف دينه دين معتقه
فنذكره في باب الولاء إن شاء الله تعالى
166

(فصل) فأما الكفار فيتوارثون إذا كان دينهم واحدا لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا، وقول
النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر) دليل على أن بعضهم يرث بعضا، وقوله (لا يتوارث أهل ملتين
شتى) دليل على أن أهل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (وهل ترك لنا عقيل من
دار) دليل على أن عقيلا ورث أبا طالب دون جعفر وعلي لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل على دين
أبيه مقيما بمكة فباع رباعة بمكة فلذلك لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أين تنزل غدا؟ قال: وهل ترك لنا عقيل
من رباع وقال عمر في عمة الأشعث بن قيس يرثها أهل دينها فإن اختلفت أديانهم فاختلف عن أحمد
فروي عنه أن الكفر كله ملة واحدة يرث بعضهم بعضا. رواه عنه عن حرب واختاره الخلال، وبه
قال حماد وابن شبرمة وأبو حنيفة والشافعي وداود لأن توريث الآباء من الأبناء والأبناء من الآباء
مذكور في كتاب الله تعالى ذكرا عاما فلا يترك الا فيما استثناه الشرع وما لم يستثنيه الشرع يبقى على
العموم ولان قول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) عام في جميعهم
وروي عن أحمد أن الكفر ملل مختلفة لا يرث بعضهم بعضا اختاره أبو بكر وهو قول كثير من
أهل العلم لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يتوارث أهل ملتين شتى) ينفي توارثهما ويخص عموم الكتاب ولم نسمع
عن أحمد تصريحا بذكر أقسام الملل وقال القاضي أبو يعلى الكفر ثلاث ملل اليهودية والنصرانية ودين من
عداهم لأن من عداهم يجمعهم أنهم لا كتاب لهم وهذا قول شريح وعطاء وعمر بن عبد العزيز والضحاك والحكم
167

والثوري والليث وشريك ومغيرة والضبي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح ووكيع، وروي ذلك عن
مالك. وروي عن النخعي والثوري القولان معا، ويحتمل كلام أحمد رضي الله عنه أن يكون الكفر
مللا كثيرة فتكون المجوسية ملة وعبادة الأوثان ملة أخرى وعبادة الشمس ملة فلا يرث بعضهم بعضا
روي ذلك عن علي وبه قال الزهري وربيعة وطائفة من أهل المدينة وأهل البصرة وإسحاق وهو أصح
الأقوال إن شاء الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يتوارث أهل ملتين شتى) ولان كل فريقين منهم
لا موالاة بينهم ولا اتفاق في دين فلم يرث بعضهم بعضا كالمسلمين والكفار والعمومات في التوريث
مخصوصة فيخص منها محل النزاع بالخبر والقياس ولان مخالفينا قطعوا التوارث بين أهل الحرب وأهل
دار الاسلام مع اتفاقهم في الملة لانقطاع الموالاة فمع اختلاف الملة أولى وقول من حصر الملة بعدم
الكتاب غير صحيح فإن هذا وصف عدمي لا يقتضي حكما ولا جمعا ثم لابد لهذا الضابط من دليل يدل
على اعتباره ثم قد افترق حكمهم فإن المجوس يقرون بالجزية وغيرهم لا يقر بها وهم مختلفون في معبوداتهم
ومعتقداتهم وآرائهم يستحل بعضهم دماء بعض ويكفر بعضهم بعضا فكانوا مللا كاليهود والنصارى.
وقد روي ذلك عن علي رضي الله عنه فإن إسماعيل بن أبي خالد روى عن الشعبي عن علي عليه السلام
أنه جعل الكفر مللا مختلفة ولم يعرف له مخالف في الصحابة فيكون اجماعا
(فصل) وقياس المذهب عندي أن الملة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم لأن العمومات
من النصوص تقتضي توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص ولا اجماع ولا يصح فيهم قياس فيجب العمل
168

بعمومها ومفهوم قوله عليه السلام (لا يتوارث أهل ملتين شتى) ان أهل الملة الواحدة يتوارثون وضبطه
بتوارث أهل ملتين شتى ان أهل الملة الواحدة يتوارثون وضبطه التوريث بالملة والكفر والاسلام دليل
على أن الاعتبار به دون غيره، ولان مقتضى التوريث موجود فيجب العمل به ما لم يقم دليل على تحقق
المنافع. وقد نص أحمد في رواية الأثرم في من دخل إلينا بأمان فقتل أنه يبعث بديته إلى ملكهم
حتى يدفعها إلى الورثة
وقد روي أن عمرو بن أمية كان مع أهل بئر معونة فسلم ورجع إلى المدينة فوجد رجلين في طريقه
من الحي الذي قتلوهم وكانا أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في أمان ولم يعلم عمرو فقتلها فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولا
شك في أنه بعث بديتهما إلى أهلهما
وقال القاضي قياس المذهب عندي انه لا يرث حربي ذميا ولا ذمي حربيا لأن المولاة بينهما
منقطعة، فأما المستأمن فيرثه أهل الحرب وأهل دار الاسلام وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه، وبه
قال أبو حنيفة إلا أن المستأمن لا يرثه الذمي لأن دارهما مختلفة
قال القاضي ويرث أهل الحرب بعضهم بعضا سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت وهذا قول الشافعي
169

رضي الله عنه، وقال أبو حنيفة إذا اختلفت ديارهم بحيث كان لكل طائفة ملك ويرى بعضهم قتل
بعض لم يتوارثا لأنهم لا موالاة بينهم أشبه أهل دار الحرب
فجعلوا اتفاق الدار واختلافها ضابطا
للتوريث وعدمه ولا نعلم في هذا كله حجة من كتاب ولا سنة مع مخالفته لعموم النص المقتضي للتوريث
ولم يعتبروا الدين في اتفاقه ولا اختلافه مع ورود الخبر فيه وصحة العبرة فيها فإن المسلمين يرث بعضهم
بعضا وان اختلفت الدار بهم فكذلك الكفار ولا يرث المسلم كافرا ولا الكافر مسلما لاختلاف الدين
بهم وكذلك لا يرث مختلفا الدين أحدهما من صاحبه شيئا
(مسألة) قال (والمرتد لا يرث أحدا الا أن يرجع قبل قسمة الميراث)
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن المرتد لا يرث أحدا وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي
ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وذلك لأنه لا يرث مسلما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث كافر مسلما)
ولا يرث كافرا لأنه يخالفه في حكم الدين لأنه لا يقر على كفره فلم يثبت له حكم أهل الدين الذي
انتقل إليه ولهذا لا تحل ذبيحته ولا نكاح نسائهم وان انتقلوا إلى دين أهل الكتاب، ولان المرتد
170

تزول أملاكه الثابتة له واستقرارها فلان لا يثبت له ملك أولى. ولو ارتد متوارثان فمات أحدهما لم يرثه
الآخر فإن المرتد لا يرث ولا يورث وان رجع المرتد إلى الاسلام قبل قسم الميراث قسم له على ما سنذكره
في المسألة التي بعدها إن شاء الله تعالى
(فصل) والزنديق كالمرتد فيما ذكرنا، والزنديق هو الذي يظهر الاسلام ويستسر بالكفر وهو
المنافق كان يسمى في عصر النبي صلى الله عليه وسلم منافقا ويسمى اليوم زنديقا، قال أحمد مال الزنديق في بيت المال
(فصل) إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ولم يرث أحدهما الآخر
وان كانت ردته بعد الدخول ففيه روايتان (إحداهما) يتعجل الفرقة (والاخري) يقف على انقضاء
العدة وأيهما مات لم يرثه الآخر
(مسألة) قال (وكذلك من أسلم على ميراث قبل أن يقسم قسم له)
اختلفت الرواية فيمن أسلم قبل فقسم ميراث موروثه المسلم فنقل الأثرم ومحمد بن الحكم انه يرث
وروي نحو هذا عن عمرو عثمان والحسن بن علي وابن مسعود وبه قال جابر بن زيد والحسن ومكحول
171

وقتادة وحميد وإياس بن معاوية وإسحاق، فعلى هذا ان أسلم قبل قسم بعض المال ورث مما بقي،
وبه قال الحسن، ونقل أبو طالب فيمن أسلم بعد الموت لا يرث قد وجبت المواريث لأهلها، وهذا
المشهور عن علي رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والزهري وسليمان بن يسار
والنخعي والحكم وأبو الزناد وأبو حنيفة ومالك والشافعي رضي الله عنه وعامة الفقهاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(لا يرث الكافر المسلم) ولان الملك قد انتقل بالموت إلى المسلمين فلم يشاركهم من أسلم كما لو اقتسموا
ولان المانع من الإرث متحقق حال وجود الموت فلم يرث كما لو كان رقيقا فأعتق أو كما لو بقي على كفره
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم على شئ فهو له) رواه سعيد من طريقين عن عروة وابن أبي
مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم: وروى أبو داود باسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل قسم
قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الاسلام فهو على قسم الاسلام)
وروى ابن عبد البر باسناده في التمهيد عن زيد بن قتادة العنبري ان انسانا من أهله مات على غير دين
الاسلام فورثته أختي دوني وكانت على دينه ثم إن جدي أسلم وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا فتوفي فلبثت سنة وكان
ترك ميراثا ثم إن أختي أسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان رضي الله عنه فحدثه عبد الله بن أرقم ان عمر قضى انه
172

من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه فقضى به عثمان فذهبت بذلك لأول وشاركتني في هذا وهذه
قضية انتشرت فلم تنكر فكانت اجماعا ولأنه لو تجدد له صيد بعد موته وقع في شبكته التي نصبها في
حياته لثبت له الملك فيه، ولو وقع انسان في بئر حفرها لتعلق ضمانه بتركته بعد موته فجاز أن يتجدد
حق من أسلم من ورثته بتركته ترغيبا في الاسلام وحثا عليه، فأما إذا قسمت التركة وتعين حق كل
وارث ثم أسلم فلا شئ له وإن كان الوارث واحدا فإذا تصرف في التركة واحتازها كان بمنزلة قسمتها
(فصل) ومن كان رقيقا حين موت موروثه فأعتق قبل القسمة لم يرث: نص عليه أحمد رضي
الله عنه في رواية محمد بن الحكم وفرق بين الاسلام والعتق وعلى هذا جمهور الفقهاء من الصحابة ومن
بعدهم. وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل مات وترك أباه عبدا فأعتق قبل أن يقسم ميراثه
فقال له ميراثه.
وحكي عن مكحول وقتادة أنهما ورثا من أعتق قبل القسمة لأن المانع من الميراث زال قبل
القسمة فأشبه ما لو أسلم، قال أبو الحسن التميمي يخرج على قول من ورث المسلم أن يورث العبد إذا
أعتق وليس بصحيح فإن الاسلام قربة وهو أعظم الطاعات، والقرب ورد الشرع بالتأليف عليها
173

فورد الشرع بتوريثه ترغيبا له في الاسلام وحثا عليه والعتق لا صنع له فيه ولا يحمد عليه فلم يصح قياسه
عليه ولولا ما ورد من الأثر من توريث من أسلم لكان النظر يقتضي أن لا يرث من لم يكن من أهل
الميراث حين الموت لأن الملك ينتقل به إلى الورثة فيستحقونه فلا يبقى لمن حدث شئ، لكن
خالفناه في الاسلام للأثر، وليس في العتق أثر يجب التسليم له ولا هو في معنى ما فيه الأثر فيبقى
على موجب القياس.
(مسألة) قال (ومتى قتل المرتد على ردته فماله فئ)
اختلفت الرواية عن أحمد في مال المرتد إذا مات أو قتل على ردته فروي عنه أن يكون فيئا في
بيت مال المسلمين، قال القاضي هو صحيح في المذهب وهو قول ابن عباس وربيعة ومالك وابن أبي
ليلى والشافعي رضي الله عنه وأبي ثور وابن المنذر، وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته من المسلمين، وروي
ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال ابن المسيب وجابر بن
زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء والشعبي والحكم والأوزاعي والثوري وابن شبرمة وأهل
174

العراق وإسحاق لأن الثوري وأبا حنيفة واللؤلؤي وإسحاق قالوا ما اكتسبه في ردته يكون فيئا ولم
يفرق أصحابنا بين تلاد ماله وطارفه ووجه هذا القول أنه قول الخليفتين الراشدين فإنه يروى عن
زيد بن ثابت قال بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين،
ولان درته ينتقل بها ماله فوجب أن ينتقل إلى ورثته المسلمين كما لو انتقل بالموت
وروي عن أحمد رواية أن ماله لأهل دينه الذي اختاره إن كان منه من يرثه وإلا فهو فئ، وبه
قال داود، وروي عن علقمة وسعيد بن أبي عروة لأنه كافر فورثه أهل دينه كالحربي وسائر الكفار
والمشهور الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) وقوله (لا يتوارث أهل
ملتين شتى) ولأنه كافر فلا يرثه المسلم كالكافر الأصلي، ولان ماله مال مرتد فأشبه الذي كسبه في
ردته، ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من أهل الأديان، ولأنه يخالفهم في
حكمهم فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولا تؤكل له ذبيحة ولا يحل نكاحه إن كان امرأة فأشبه الحربي مع
الذمي، فإن قيل إذا جعلتموه فيئا فقد ورثتموه للمسلمين قلنا لا يأخذونه ميراثا بل يأخذونه فيئا كما
يؤخذ مال الذمي إذا لم يخلف وارثا وكالعشور
175

(فصل) والزنديق كالمرتد لا يرث ولا يورث، وقال مالك في الزنديق الذي يتهم بزي ورثته
عند موته ماله لورثته من المسلمين مثل من يرتد إذا حضره الموت قال وترثه زوجته سواء انقضت
عدتها أو لم تنقض كالتي يطلقها زوجها في مرض موته ليحرمها الميراث لأنه فار من ميراث من أنعقد سبب
ميراثه فورثه كالمطلقة في مرض الموت
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر) وقياس المذهب أن أحد الزوجين إذا ارتد في
مرض موته يرثه الآخر لأنه فعل ما يفسخ النكاح في مرض موته فأشبه الطلاق وفعل المرأة ما يفسخ
نكاحها ويخرج في ميراث سائر الورثة مثل الزوجين فيكون مثل مذهب مالك، وقال أبو يوسف إذا
ارتدت المريضة فماتت في عدتها أو لحقت بدار الحرب ورثها زوجها
وروى اللؤلؤي عن أبي حنيفة إذا ارتد الرجل فقتل على ردته ألحق بدار الحرب بانت منه امرأته
فإن كانت مدخولا بها ورثته إذا كان ذلك قبل انقضاء عدتها، وإن كانت غير مدخول بها بانت ولم
ترثه، وإن ارتدت المرأة من غير مرض فماتت لم يرثها زوجها لأنها عندهم لا نقتل فلم تكن فارة من
ميراثه بخلاف الرجل
176

(فصل) وارتداد الزوجين معا كارتداد أحدهما في فسخ نكاحهما وعدم ميراث أحدهما من
الآخر سواء لحقا بدار الحرب أو أقاما بدار الاسلام، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال
أبو حنيفة إذا ارتدا معا لم ينفسخ النكاح ولم يتوارثا لأن المرتد لا يرث المرتد ما داما في دار
الاسلام فإن لحقا بدار الحرب توارثا
ولنا أنهما مرتدان فلم يتوارثا كما لو كانا في دار الاسلام. ولو ارتدا جميعا ولهما أولاد صغار لم
يتبعوهم في ردتهم ولم يرثوا منهم شيئا ولم يجز استرقاقهم سواء لحقوهم بدار الحرب أو لم يلحقوهم، وبهذا
قال الشافعي رحمه الله وقال أبو حنيفة وأصحابه من ألحقوه بدار الحرب منهم يصير مرتدا يجوز سبيه
ومن لم يلحقوه بدار الحرب فهو في حكم الاسلام، فأما من ولد بعد الردة بستة أشهر فذكر الخرقي
رضي الله عنه ما يدل على أنه يجوز استرقاقه، وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي والقول الثاني
لا يسبون وهو منصوص الشافعي.
(فصل) فإذا لحق المرتد بدار الحرب وقف ماله فإن أسلم دفع إليه وان مات صار فيئها، وبهذا قال
مالك والشافعي رضي الله عنهما وجعل أهل العراق لحاقه بدار الحرب كموته في زوال ملكه وصرف
177

ماله إلى من يصرف إليه إذا مات فإن عاد إلى الاسلام فله ما وجد من ماله ولا يرجع على ورثته بشئ
مما أتلفوه الا أن يكونوا اقتسموه بغير حكم حاكم ولم يختلفوا فيما اكتسبوه في دار الحرب أو أخرجه من
ماله إلى دار الحرب أنه فئ، وقال أبو بكر عبد العزيز إذا ارتد المسلم زال ملكه عن ماله ولم يصح
تصرفه فيه بشئ من التصرفات فإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا، وقال أبو يوسف إنما أحكم بموته
يوم يختصمون في ماله لا يوم لحاقه بدار الحرب
ولنا أنه حر من أهل التصرف ويبقى ملكه بعد اسلامه فلم يحكم بزوال ملكه كما لو لم يرتد ويجب
رد ما أخذ من ماله أو أتلف عليه كغيره
(فصل) ومتى مات الذمي ولا وارث له كان ماله فيأ، وكذلك ما فضل من ماله عن وارثه
كمن ليس له وارث الا أحد الزوجين فإن الفاضل عن ميراثه يكون فيأ لأنه مال ليس له مستحق معين
فكان فيأ كمال الميت المسلم الذي لا وارث له
(فصل) في ميراث المجوس ومن جرى مجراهم ممن ينكح ذوات المحارم إذا أسلموا وتحاكموا إلينا،
لا نعلم بين علماء المسلمين خلافا في أنهم لا يرثون بنكاح ذوات المحارم، فاما غيره من الأنكحة فكل
178

نكاح اعتقدوا صحته وأقروا عليه بعد اسلامهم توارثوا به سواء وجد بشروطه المعتبرة في نكاح
المسلمين أو لم يوجد وما لا يقرون عليه بعد اسلامهم لا يتوارثون به، والمجوس وغيرهم في هذا سواء
فلو طلق الكافر امرأته ثلاثا ثم نكحها ثم أسلما ومات أحدهما لم يقرا عليه ولم يتوارثا به وكذلك أن
مات أحدهما قبل اسلامهما لم يتوارثا في قول الجميع، وإن تزوجها بغير شهود ثم مات أحدهما ورثه
الآخر وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم، وقال زفر واللؤلؤي لا يتوارثان، وان تزوج
امرأة في عدتها توارثا في ظاهر مذهب أحمد رضي الله عنه فإنه قال إذا أسلما وقد نكحها في العدة
أقرا عليه، وهذا قول أبي حنيفة وقال القاضي ان أسلما بعد انقضاء العدة أقرا وإن أسلما قبل لم يقرا
فعلى هذا إن مات أحدهما قبل انقضاء العدة لم يتوارثا وإن مات بعده توارثا، وهذا قول الشافعي
رضي الله عنه وتأول القاضي رواية أحمد على من أسلم بعد انقضاء العدة، وإن تزوجها وهي حبلى من
زوج أو زنا فالحكم فيه كالتي قبلها سواء لأن الزنا موجب للعدة، وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه في
الحامل من زوج، وقال أبو حنيفة وأصحابه في الحامل من زوج لا يتوارثان، وقال أبو حنيفة والشافعي في
الحامل من الزنا يتوارثان وقال أبو يوسف وزفر واللؤلؤي لا يتوارثان، وأصل الخلاف في الميراث
الاختلاف فيما يقران عليه إذا أسلما أو تحاكما إلينا ونذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى
179

(فصل) فأما القرابة فيرثون بجميعها إذا أمكن ذلك نص عليه أحمد وهو قول عمر وعلي وابن
مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه وبه قال النخعي والثوري وقتادة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة
وأصحابه ويحيى بن آدم وإسحاق وداود والشافعي رضي الله عنهم في أحد قوليه واختاره ابن اللبان
وعن زيد أنه ورثه بأقوى القرابتين وهي التي لا تسقط بحال، وبه قال الحسن والزهري والأوزاعي
ومالك والليث وحماد وهو الصحيح عن الشافعي، وعن عمر بن عبد العزيز ومكحول والشعبي القولان
جميعا، واحتجوا بأنهما قرابتان لا يورث بهما في الاسلام فلا يورث بهما في غيره كما لو أسقطت إحداهما الأخرى
ولنا أن الله تعالى فرض للأم الثلث وللأخت النصف فإذا كانت الام أختا وجب إعطاؤها ما
فرض الله لهما في الآيتين كالشخصين ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب
إحداهما الأخرى ولا ترجح بها فترث بهما مجتمعين كزوج هو ابن عم أو ابن عم هو أخ من أم وكذوي
الأرحام المدلين بقرابتين، وقياسهم فاسد لأن القرابتين في الأصل تسقط إحداهما الأخرى إذا كانا في شخصين
فكذلك إذا كانا في شخص، وقولهم لا يورث بهما في الاسلام ممنوع فإنه إذا وجد ذلك من وطئ شبهة في الاسلام
180

ورث بهما ثم إن امتناع الإرث بهما في الاسلام لعدم وجودهما، ولو تصور وجودهما لورث بهما بدليل
انه قد ورث بنظيرهما في ابن عم هو زوج أو أخ من أم
قال ابن اللبان: واعتبارهم عندي فاسد من قبل إن الجدة تكون أختا لأب، فإن ورثوها بكونها
جدة لكون الابن يسقط الأخت دونها لزمهم توريثها بكونها أختا لكون الام تسقط الجدة دونها
وخالفوا نص الكتاب في فرض الأخت وورثوا الجدة التي لا نص للكتاب في فرضها، وهو مختلف فيه
فمنهم من قال هو طعمة وليس بفرض مستحق (1) ويلزمهم ان الميت إذا خلف أمه وأم أم هي أخت ان لا يورثوها
شيئا لأن الجدودة محجوبة وهي أقوى القرابتين، وان قالوا نورثها مع الام بكونها أختا نقضوا اعتبارهم
بكونها أقوى القرابتين وجعلوا الاخوة تارة أقوى وتارة أضعف، وإن قالوا أقوى القرابتين الاخوة
لأن ميراثها أوفر لزمهم في أم هي أخت جعل الاخوة أقوى من جهة الأمومة، ويلزمهم في إسقاط ميراثها
مع الابن والأخ من الأبوين ما لزم القائلين بتقديم الجدودة مع الام. فإن قالوا توريثها بالقرابتين يفضي
إلى حجب الام بنفسها إذا كانت أختا وللميت أخت أخرى قلنا وما المانع من هذا؟ فإن الله تعالى حجب
الام بالأختين بقوله (فإن كان له اخوة فلأمه السدس) من غير تقييد بغيرها ثم هم قد حجبوها عن ميراث

(1) في نسخة مسمى
181

الأخت بنفسها فقد دخلوا فيما أنكروه بل هو أعظم لأنهم فروا من حجب التنقيص إلى حجب الاسقاط
وأسقطوا الفرض الذي هو أوفر بالكلية محافظة على بعض الفرض الأدنى وخالفوا مدلول أربعة
نصوص من كتاب الله تعالى لأنهم أعطوا الام الثلث وإنما فرض الله لها مع الأختين السدس (والثاني)
ان الله تعالى إنما فرض لكل واحدة من الأختين ثلثا فأعطوا إحداهما النصف كاملا (والثالث)
ان الله تعالى فرض للأختين الثلثين وهاتان أختان فلم يجعلوا لهما الثلثين (الرابع) ان مقتضى
الآية أن يكون لكل واحدة من الأختين الثلث وهذه أخت فلم يعطوها بكونها أختا شيئا،
وهذا كله معنى كلام ابن اللبان
(فصل) والمسائل التي تجتمع فيها قرابتان يصح الإرث بهما ست (إحداهن) في الذكور وهي عم
هو أخ لام (وخمس) في الإناث وهي بنت هي أخت أو بنت ابن وأم هي أخت وأم أم هي أخت لأب
وأم أب هي أخت لأم، فمن ورثهم بأقوى القرابتين ورثهم بالبنوة والأمومة دون الاخوة وبنوة الابن.
واختلفوا في الجدة إذا كانت أختا فمنهم من قال الجدودة أقوى لأنها جهة ولادة لا تسقط بالولد، ومنهم
من قال الاخوة أقوى لأنها أكثر ميراثا. قال ابن شريح وغيره هو الصحيح، ومن ورث بأقوى
182

القرابتين لم يحجب الام باخوة نفسها إلا ما حكاه سحنون عن مالك انه حجبها بذلك والصحيح عنه الأول
ومن ورث بالقرابتين حجبها بذلك، ومتى كانت البنت أختا والميت رجل فهي أخت لأم وإن كان
امرأة فهي أخت لأب، وان قيل أم هي أخت لأم أو أم أم هي أخت لأم أو أم أب هي أخت فهو محال
(مسائل) من ذلك مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما ابنتان ولا ترث
الكبرى بالزوجية شيئا في قولهم جميعا فإن ماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتا هي أخت لأب فلها
النصف بالبنوة والباقي بالاخوة، وان ماتت الصغرى قبل الكبرى فقد تركت أما هي أخت لأب
فلها النصف والثلث بالقرابتين، ومن ورث بأقوى القرابتين لم يورثها بالاخوة شيئا في المسئلتين
وقال ابن شريح يحتمل قول الشافعي رضي الله عنه توريثها بالقرابتين في المسئلتين لأنه لم يمنع
توريث الشخص بفرض وتعصيب لتوريثه ابن العم إذا كان زوجا أو أخا لام وإنما منع الإرث
بفرضين، فإن كان المجوسي أولدها بنتين ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتين هما أختان
لأب وان لم تمت الكبرى بل ماتت إحدى الصغيرتين فقد تركت أختا لأبوين وأما هي أخت لأب
183

فلأمها السدس بكونها أما والسدس بكونها أختا لأب وانحجبت بنفسها وأختها عن السدس وللأخت
النصف، وعلى القول الآخر لها الثلث بالأمومة ولا شئ لها بالاخوة ولا تنحجب بها وللأخت النصف
فقد استوى الحكم في القولين، وان اختلف طريقهما، وعلى ما حكاه سحنون لها السدس وتنحجب بنفسها وأختها،
وان أولدها المجوسي ابنا وبنتا ثم مات وماتت الصغرى بعده فقد خلفت أما هي أخت لأب وأخا لام وأب فلأمها
السدس والباقي للأخ ولا شئ للام بالاخوة لأن الأخ للأبوين يحجبها وعلى القول الآخر للأم الثلث كاملا، وان
تزوج المجوسي أمه فأولدها بنتا ثم ماتت فلأمه السدس ولابنته النصف ولا ترث أمه بالزوجية شيئا ولا
ابنته بكونها أختا لأم شيئا، وان ماتت الكبرى بعده فقد خلفت بنتا هي بنت ابن فلها الثلثان بالقرابتين
وعلى القول الآخر لها النصف، وإن ماتت الصغرى بعده فقد تركت أما هي أم أب فلها الثلث بالأمومة
لا غير على القولين جميعا، وإن تزوج ابنته فأولدها ابنة ثم تزوج الصغرى فأولدها بنتا ثم مات وماتت
الكبرى بعده فقد تركت أختيها لأبيها إحداهما بنتها وبنت أبيها، والأخرى بنت بنتها فلبنتها النصف
والباقي بينهما، وعلى القول الآخر لبنتها النصف والباقي للصغرى، وإن ماتت الوسطى بعده فقد تركت
أختيها إحداهما أمها والأخرى بنتها فلأمها السدس ولبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر
الباقي للعصبة، وإن ماتت الصغرى بعده فقد خلفت أختيها إحداهما أمها والأخرى جدتها فلأمها
184

السدس والباقي بينهما وقد انحجبت الام بنفسها وبأمها عن السدس، وعلى القول الآخر من جعل الاخوة
أقوى فللكبرى النصف وللوسطى الثلث والباقي للعصبة، ومن جعل الجدودة أقوى لم يورث الكبرى
شيئا لأنها لا ترث بالاخوة لكونها ضعيفة ولا بالجدودة لكونها محجوبة بالأمومة، وإن ماتت الصغرى
بعد الوسطى فقد خلفت جدة هي أخت لأب فلها الثلث بالقرابتين ومن ورث بإحداهما فلها السدس
عند قوم وعند ابن شريح ومن وافقه لها النصف وهو اختيار الخبري، مجوسي تزوج أمه فأولدها بنتا
ثم تزوج بنته فأولدها ابنا ثم تزوج الابن جدته فأولدها بنتا ثم مات المجوسي ثم ماتت أمه فقد خلفت
بنتا هي بنت ابن وبنتا أخرى هي بنت ابن ابن وخلفت ابن ابن هو زوجها فلابنتها الثلثان والباقي بين
الكبرى وابنها على ثلاثة وتصح من تسعة للكبرى أربعة وللصغرى ثلاثة وللذكر سهمان وعلى القول
الآخر الباقي للذكر وحده فإن ماتت بعده بنته فإن الكبرى جدتها أم أبيها وهي أختها من أمها فلها
السدسان بالقرابتين، وفي الثاني لها السدس بإحداهما
(فصل) وإن وطئ مسلم بعض محارمه بشبهة أو اشتراها وهو لا يعرفها فوطئها فولدت له واتفق
مثل هذه لانسان فالحكم فيها مثل هذا سواء
185

(مسألة) قال (وإذا غرق المتوارثان أو ماتا تحت هدم فجهل أولهما موتا ورث
بعضهم من بعض)
وجملة ذلك أن المتوارثين إذا ماتا فجهل أولهما موتا فإن أحمد قال أذهب إلى قول عمر وعلي وشريح
وإبراهيم والشعبي يرث بعضهم من بعض يعني من تلاد ماله دون طارفه وهو ما ورثه من ميت معه.
وهذا قول من ذكره الإمام أحمد وهو قول اياس بن عبد الله المزني وعطاء والحسن وحميد الأعرج وعبد الله
ابن عتبة وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم وإسحاق وحكي ذلك عن ابن مسعود
قال الشعبي وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون من آخرهم فكتب في ذلك إلى
عمر رضي الله عنه فكتب عمر ان ورثوا بعضهم من بعض
وروي عن أبي بكر الصديق وزيد وابن عباس ومعاذ والحسن بن علي رضي الله عنهم أنهم لم
يورثوا بعضهم من بعض وجعلوا ما لكل واحد للاحياء من ورثته، وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو
الزناد والزهري والأوزاعي ومالك والشافعي رضي الله عنهم وأبو حنيفة وأصحابه، ويروى ذلك عن
عمر والحسن البصري وراشد بن سعد وحكيم بن عمير وعبد الرحمن بن عوف
186

وروي عن أحمد ما يدل عليه فإنه قال في امرأة وابنها ماتا فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات
ابني فورثته، وقال أخوها مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها حلف كل واحد منهما على ابطال دعوى
صاحبه وكان ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين فجعل ميراث كل واحد منهما
للاحياء من ورثته فيحتمل أن يجعل هذا رواية عن أحمد في جميع مسائل الباب ويحتمل أن يكون
هذا قوله فيما إذا ادعى وارث كل ميت أن موروثه كان آخرهما موتا ويرث كل واحد منهما من الآخر
إذا اتفق وراثهم على الجهل بكيفية موتهم لأن مع التداعي تتوجه اليمين على المدعى عليه فيحلف على ابطال
دعوى صاحبه ويتوفر الميراث له كما في سائر الحقوق بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل فلا تتوجه يمين لأن
اليمين لا يشرع في موضع اتفقوا على الجهل به واحتج من قال بعدم توريث بعضهم من بعض بما روى
سعيد حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد أن قتلى اليمامة وقتلى صفين والحرة لم يورثوا بعضهم
من بعض وورثوا عصبتهم الاحياء
وقال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أم كلثوم بنت علي توفيت هي
وابنها زيد بن عمر فالتقت الصيحتان في الطريق فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه فلم ترثه ولم يرثها وان
187

أهل صفين وأهل الحرة لم يتوارثوا ولان شرط التوريث حياة الوارث بعد موت الموروث وهو
غير معلوم ولا يثبت التوريث مع الشك في شرطه، ولأنه لم تعلم حياته حين موت موروثه فلم يرثه
كالحمل إذا وضعته ميتا، ولان الأصل عدم التوريث فلا نثبته بالشك ولان توريث كل واحد منهما
خطأ يقينا لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معا أو سبق أحدهما به وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ
يقينا مخالف للاجماع فكيف يعمل به؟
فإن قيل ففي قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت وهو خطأ أيضا قلنا هذا غير متيقن
لأنه يحتمل موتهما جميعا فلا يكون فيهما مسبوق، وقد احتج بعض أصحابنا بما روى اياس بن عبد الله
المزني أن ا لنبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال (يرث بعضهم بعضا) والصحيح ان هذا
إنما هو عن اياس نفسه وانه هو المسؤول وليس بروايه عن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا رواه سعيد في سننه
وحكاه الإمام أحمد عنه. وقال أبو ثور وابن شريح وطائفة من البصريين: يعطى كل وارث اليقين
ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الامر أو يصطلحوا. وقال الخبري هذا هو الحكم فيما إذا علم موت أحدهما
قبل صاحبه ولم يذكر فيه خلافا
188

(ومن مسائل ذلك) أخوان غرقا أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو: من ورث كل واحد
منها من صاحبه جعل ميراث كل واحد منهما لمولى أخيه ومن لم يورث أحدهما من صاحبه جعل
ميراث كل واحد منهما لمولاه. ومن قال بالوقف وقف مالهما فإن ادعى كل واحد من الموليين ان
مولاه آخرهما موتا حلف كل واحد منهما على ابطال دعوى صاحبه وأخذ مال مولاه على مسألة الخرقي
وإن كانت لهما أخت فلها الثلثان من مال كل واحد منهما على القول الأول والنصف على القول الثاني
وان خلف كل واحد منهما بنتا وزوجة فمن لم يورث بعضهم من بعض صححها من ثمانية لامرأته
الثمن ولابنته النصف والباقي لمولاه، ومن ورثهم جعل الباقي لأخيه ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ثم ضربهم
في الثمانية الأولى فصحت من أربعة لامرأته ثمانية ولابنته اثنان وثلاثون ولامرأة أخيه ثمن الباقي ثلاثة ولابنته
اثنا عشر ولمولاه الباقي تسعة: أخ وأخت غرقا ولهما أم وعم وزوجان فمن ورث كل واحد من صاحبه جعل ميراث
الأخ بين امرأته وأمه وأخته على ثلاثة عشر فما أصاب الأخت منها فهو بين زوجها وأمها وعمها على ستة فصحت
المسئلتان من ثلاثة عشر لامرأة الأخ ثلاثة ولزوج الأخت ثلاثة وللأم أربعة بميراثها من الأخ واثنان بميراثها
من الأخت وللعم سهم وميراث الأخت بين زوجها وأمها وأخيها على ستة: لأخيها سهم بين أمه وامرأته
189

وعمه على اثني عشر تضربها في الأولى تكن من اثنين وسبعين والضرر في هذا القول على من يرث
من أحد الميتين دون الآخر وينتفع به من يرث منهما، ثلاثة اخوة من أبوين غرقوا ولهم أم أو عصبة
فقدر موت أحدهم أولا فلأمه السدس والباقي لأخويه فتصح من اثني عشر لكل واحد من أخويه خمسة
بين أمه وعصبته على ثلاثة فتضربها في الأولى تكن ستة وثلاثين للام من ميراث الأول السدس ستة
ومما ورثه كل واحد من الأخوين خمسة فصار لها ستة عشر والباقي للعصبة ولها من ميراث كل واحد من
الأخوين مثل ذلك. ذكر هذه المسألة أبو بكر: ثلاثة اخوة مفترقين غرقوا وخلف كل واحد منهم أخته
لأبويه فقدر موت الأخ من الأبوين أولا عن أخته من أبويه وأخويه من أبيه وأخويه من أمه فصحت
مسئلته من ثمانية عشر لأخيه من أمه منها ثلاثة بين أخته من أبويه وأخته من أمه على أربعة وأصاب الأخ
من الا ب منها اثنين بين أخيه من أبويه وأخته من أبيه على أربعة فتجتزئ بإحديهما وتضربها في الأولى
تكن اثنين وسبعين ثم قدر موت الأخ من الام عن أخت لأبوين وأخ وأخت لأم فمسئلته من
خمسة أيضا تضربها في الأولى تكن خمسة وعشرين ثم قدر موت الأخ من الأب عن أخت لأبويه
وأخ وأخت لأبيه فهي من ستة ثم مات الأخ من الأب عن ثلاث أخوات مفترقات فهي من خمسة
190

تضربها في الأولى تكن ثلاثين فإن خلف بنتا وأخوين فلم يقتسموا التركة حتى غرق الاخوان وخلف
أحدهما امرأة وبنتا وعما وخلف الآخر ابنين وبنتين الأولى من أربعة مات أحدهم عن سهم ومسئلته
من ثمانية لأخيه منها ثلاثة بين أولاده على ستة رجعوا إلى اثنين تضربها في ثمانية تكن ستة عشر،
وفريضة الآخر من ستة يتفقان بالنصف فاضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن ثمانية وأربعين ثم في
أربعة تكن مائة واثنين وتسعين للبنت نصفها ولأولاد الأخ عن أبيهم ربعها وعن عمهم ثمانية عشر صار
لهم ستة وستون ولامرأة الأخ ستة ولبنته أربعة وعشرون
(فصل) وان علم خروج روحها معا في حال واحدة لم يرث أحدهما صاحبه وورث كل واحد
الاحياء من ورثته لأن توريثه مشروط بحياته بعده وقد علم انتفاء ذلك وأن علم إحداهما مات
قبل صاحبه بعينه ثم أشكل أعطي كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يتبين الامر أو يصطلحوا
قال القاضي وقياس المذهب أن
يقسم على سبيل ميراث الغرقى الذين جهل حالهم وان ادعى ورثة
كل ميت أنه أخرهما موتا فهي مسألة الخرقي رضي الله عنه وقد نص فيها الإمام أحمد رحمة الله عليه أن
ورثة كل ميت يحلفون ويختصمون بميراثه فيحتمل ان يقاس على هذه الصورة سائر الصور فيتخرج في
191

الجميع روايتان ويحتمل أن يختص هذا الحكم بهذه الصورة دون غيرها لأن هذه الصور فيها مدع ومنكر
واليمين على من أنكر بخلاف بقية الصور والله أعلم
(مسألة) قال (ومن لم يرث لم يحجب)
يعني من لم يرث لمعنى فيه كالمخالف في الدين والرقيق والقاتل فهذا لا يحجب غيره في قول عامة
أهل العلم من الصحابة والتابعين إلا ابن مسعود ومن وافقه فإنهم يحجبون الام والزوجين بالولد الكافر
والقاتل والرقيق ويحجبون الام بالاخوة الذين هم كذلك، وبه قال أبو ثور وداود وتابعه الحسن في
القاتل دون غيره ولعلهم تمسكوا بعموم قوله تعالى (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن - وإن كان
لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) وقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد)
وقوله (فإن كان له اخوة فلأمه السدس) وهؤلاء أولاد واخوة وعدم ارثهم لا يمنع حجبهم كالاخوة
مع الأبوين يحجبون الام ولا يرثون
ولنا أنه ولد لا يحجب الإخوة من الام ولا يحجب ولده ولا الأب إلى السدس فلم يحجب غيرهم
192

كالميت ولأنه لا يؤثر في حجب غير الام والزوجين فلم يؤثر في حجبهم كالميت والآية أريد بها ولد
من أهل الميراث بدليل أنه لما قال (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) أراد به الوارث
ولم يدخل هذا فيهم ولما قال (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت) لم يدخل هذا فيهم، وأما
الاخوة مع الأب فهم من أهل الميراث بدليل أنه لولا الأب لورثوا وإنما قدم عليهم غيرهم ومنعوا مع
أهليتهم لأن غيرهم أولى منهم فامتناع ارثهم لمانع لا لانتفاء المقتضي
(فصل) فأما من لا يرث لحجب غيره له فإنه يحجب وإن لم يرث، كالاخوة يحجبون الام وهم
محجوبون بالأب لأن عدم ارثهم لم يكن لمعنى فيهم ولا لانتفاء أهليتهم بل لتقديم غيرهم عليهم والمعنى
الذي حجبوا به في حال ارثهم موجود مع حجبهم عن الميراث بخلاف مسئلتنا. فعلى هذا إذا اجتمع أبوان
وأخوان أو أختان فللأم السدس والباقي للأب ويحجب الاخوان الام عن السدس ولا يرثون شيئا،
ولو مات رجل وخلف أباه وأم أبيه وأم أم أمه لحجب الأب أمه عن الميراث وحجبت أمه أم أم الام
على قول من يحجب الجدة بابنها والبعدى من الجدات بمن هي أقرب منها ويكون المال جميعه للأب
193

(فصل) في ميراث الحمل إذا مات الانسان عن حمل يرثه وقف الامر حتى يتبين فإن طالب الورثة
بالقسمة لم يعطوا كل المال بغير خلاف إلا ما حكي عن داود، والصحيح عنه مثل قول الجماعة ولكن
يدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه وإلى من ينقصه أقل ما يصيبه ولا يدفع إلى من يسقطه شئ،
فأما من يشاركه فأكثر أهل العلم قالوا يوقف للحمل شئ ويدفع إلى شركائه الباقي وبهذا قال أبو حنيفة
وأصحابه والليث وشريك ويحيى بن آدم وهو رواية الربيع عن الشافعي والمشهور عنه أنه لا يدفع إلى
شركائه شئ لأن الحمل لا حد له ولا نعلم كم يترك له
وقد حكى الماوردي قال: أخبرني رجل من أهل اليمن ورد طالبا للعلم وكان من أهل الدين والفضل
أن المرأة ولدت باليمن شيئا كالكرش فظن أن لا ولد فيه فألقي على قارعة الطريق فلما طلعت الشمس
وحمى بها تحرك فأخذ وشق فخرج منه سبعة أولاد ذكور وعاشوا جميعا وكانوا خلقا سويا إلا أنه كان
في أعضادهم قصر قال وصارعني أحدهم فصرعني فكنت أعير به فيقال صرعك سبع رجل
وقد أخبرني من أثق به سنة ثمان وستمائة أو سنة تسع عن ضرير بدمشق أنه قال ولدت امرأتي
في هذه الأيام سبعة في بطن واحد ذكورا وإناثا وكان بدمشق أم ولد لبعض كبرائها وتزوجت بعده
194

من كان يقرأ علي وكانت تلد ثلاثة في كل بطن، وقال غيره هذا نادر ولا يعول عليه فلا يجوز منع
الميراث من أجله كما لو لم يظهر بالمرأة حمل. واختلف القائلون بالوقف فيما يوقف فروي عن أحمد أنه يوقف
نصيب ذكرين إن كان ميراثهما أكثر أو ابنتين إن كان نصيبهما أكثر وهذا قول محمد بن الحسن واللؤلؤي
وقال شريك يوقف نصيب أربعة فاني رأيت بنى إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد محمد وعمر وعلي
قال يحيى بن آدم وأظن الرابع إسماعيل وروى ابن المبارك هذا القول عن أبي حنيفة ورواه الربيع عن الشافعي
رضي الله عنه وقال الليث وأبو يوسف يوقف نصيب غلام ويؤخذ ضمين من الورثة
ولنا ان ولادة التوأمين كثير معتاد فلا يجوز قسم نصيبهما كالواحد وما زاد عليهما نادر فلم يوقف
له شئ كالخامس والسادس ومتى ولدت المرأة من يرث الموقوف كله أخذه وان بقي منه شئ رد إلى
أهله وان أعوز شيئا رجع على من هو في يده
(مسائل) من ذلك امرأة حامل وبنت للمرأة الثمن وللبنت خمس الباقي وفي قول شريك تسعه
وفي قول أبي يوسف ثلثه بضمين ولا يدفع إليها شئ في المشهور عن الشافعي رضي الله عنه وإن كان
مكان البنت ابن دفع إليه ثلث الباقي أو خمسه أو نصفه على اختلاف الأقوال ومتى زادت الفروض
195

على ثلث المال فميراث الإناث أكثر فإذا خلف أبوين وامرأة حاملا فللمرأة ثلاثة من سبعة وعشرين
وللأبوين ثمانية منها ويوقف ستة عشر، ويستوى ههنا قول من وقف نصيب أربعة وقال أبو يوسف
تعطى المرأة ثمنا كاملا والأبوان ثلثا كاملا ويؤخذ منهم ضمين، فإن كان معهم بنت دفع إليها ثلاثة عشر
من مائة وعشرين وفي قول شريك ثلاثة عشر من مائتين وستة عشر وفي قول أبي يوسف ثلاثة عشر من
اثنين وسبعين ويؤخذ من الكل ضمناء من البنت لاحتمال أن يولد أكثر من واحد ومن الباقين لاحتمال
أن تعول المسألة، وعلى قولنا يوافق بين سبعة وعشرين ومائة وعشرين بالاثلاث وتضرب ثلث إحداهما
في جميع الأخرى تكن ألفا وثمانين وتعطى البنت ثلاثة عشر في تسعة تكن مائة وسبعة عشر وللأبوين
والمرأة أحد عشر في أربعين وما بقي فهو موقوف. زوج وأم حامل من الأب المسألة من ثمانية للزوج
ثلاثة وللأم سهم ويوقف أربعة وقال أبو يوسف هي من ثمانية يدفع إلى الزوج ثلاثة وإلى الام سهمان
وتقف ثلاثة وتأخذ منها ضمينا هكذا حكى الخبري عنه، فإن كان في المسألة من يسقط بولد الأبوين
كعصبة أو أحد من ولد الأب لم يعط شيئا، ولو كان في هذه المسألة جد فللزوج الثلث وللأم السدس
وللجد السدس والباقي موقوف، وقال أبو حنيفة للزوج النصف وللأم السدس وللجد السدس ويوقف
196

السدس بين الجد والام ولا شئ للحمل لأن الجد يسقطه وأبو يوسف يجعلها من سبعة وعشرين
ويقف أربعة أسهم وحكى عن شريك أنه كان يقول بقول علي في الجد فيقف ههنا نصيب الإناث فيكون
عنده من تسعة وتقف منها أربعة، ولو لم يكن فيها زوج كان للأم السدس وللجد ثلث الباقي وتقف عشرة من
ثمانية عشر وعند أبي حنيفة للجد الثلثان وللأم السدس ويوقف (1) السدس بينهما، قول أبي يوسف يقف
الثلث ويعطي كل واحد منهما ثلثا ويؤخذ منهما ضمين، ومتى خلف ورثة واما تحت الزوج فينبغي للزوج
الامساك عن وطئها ليعلم أحامل هي أم لا كذا روي عن علي وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي
وقتادة في آخرين، وان وطئها قبل استبرائها فأتت بولد لأقل من ستة أشهر ورث لأننا نعلم أنها كانت
حاملا به، وان ولدته لأكثر من ذلك لم ترث الا أن يقر الورثة أنها كانت حاملا به يوم موت ولدها
(فصل) ولا يرث الحمل الا بشرطين (أحدهما) أن يعلم أنه كان موجودا حال الموت ويعلم
ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر فإن أتت به لأكثر من ذلك نظرنا فإن كان لها زوج أو سيد
يطؤها لم يرث إلا أن يقر الورثة أنه كان موجودا حال الموت، وإن كانت لا توطأ اما لعدم الزوج
أو السيد واما لغيبتهما أو اجتنابهما الوطئ عجزا أو قصدا أو غيره ورث ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل

(1) في نسخة ويورث
197

وذلك أربع سنين في أصح الروايتين، وفي الأخرى سنتان (والثاني) أن تضعه حيا فإن وضعته ميتا
لم يرث في قولهم جميعا، واختلف فيما يثبت به الميراث من الحياة واتفقوا على أنه إذا استهل صارخا
ورث وورث، وقد روى أبو داود باسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا استهل
المولود ورث) وروى ابن ماجة باسناده عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، واختلفوا فيما سوى الاستهلال
فقالت طائفة لا يرث حتى يستهل ولا يقوم غيره مقامه، ثم اختلفوا في الاستهلال ما هو فقالت طائفة
لا يرث حتى يستهل صارخا فالمشهور عن أحمد رضي الله عنه أنه لا يرث حتى يستهل، وروي ذلك عن
ابن عباس والحسن بن علي وأبي هريرة وجابر وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح والحسن وابن
سيرين والنخعي والشعبي وربيعة ويحيى بن سعيد وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبي عبيد وإسحاق
لأن مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا استهل المولود ورث) انه لا يرث بغير الاستهلال وفي لفظ ذكره ابن
سراقة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصبي المنفوس (إذا وقع صارخا فاستهل ورث وتمت ديته وسمى
وصلي عليه وان وقع حيا ولم يستهل صارخا لم تتم ديته وفيه غرة عبد أو أمة على العاقلة) ولان الاستهلال
لا يكون إلا من حي والحركة تكون من غير حي فإن اللحم يختلج سيما إذا خرج من مكان ضيق فتضامت
198

أجزاؤه ثم خرج إلى مكان فسيح فإنه يتحرك من غير حياة فيه ثم إن كانت في حياة فلا نعلم كونها مستقرة لاحتمال
أن تكون كحركة المذبوح فإن الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة شديدة وهي في حكم الميت، واختلف
في الاستهلال ما هو فقيل الصراخ خاصة وهذا قول من ذكرنا في هذه المسألة. رواه أبو طالب عن أحمد
فقال لا يرث الا من استهل صارخا، وإنما سمي الصراخ من الصبي الاستهلال تجوزا والأصل فيه أن
الناس إذا رأوا الهلال صاحوا عند رؤيته واجتمعوا وأراه بعضهم بعضا فسمى الصوت عند استهلال
الهلال استهلالا ثم سمي الصوت من الصبي المولود استهلالا لأنه صوت عند وجود شئ يجتمع له ويفرح
به. وروى يوسف بن موسى عن أحمد أنه قال يرث السقط ويورث إذا استهل فقيل له ما استهلاله؟
قال إذا صاح أو عطس أو بكى. فعلى هذا كل صوت يوجد منه تعلم به حياته فهو استهلال وهذا قول الزهري
والقاسم بن محمد لأنه صوت علمت به حياته فأشبه الصراخ
وعن أحمد رواية ثالثة إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره ورث وثبت له أحكام
المستهل لأنه حي فتثبت له أحكام الحياة كالمستهل وبهذا قال الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة
وأصحابه وداود، وإن خرج بعضه حيا فاستهل ثم انفصل باقيه ميتا لم يرث وبهذا قال الشافعي رضي
199

الله عنه وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا خرج أكثره فاستهل ثم مات ورث لقوله عليه السلام (إذا استهل
المولود ورث) ولنا أنه لم يخرج جميعه فأشبه ما لو مات قبل خروج أكثره
(فصل) وإن ولدت توأمين فاستهل أحدهما ولم يعلم بعينه فإن كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكرا
وأنثى لا يختلف ميراثهما فلا فرق بينهما، وإن كانا ذكرا وأنثى يختلف ميراثهما فقال القاضي: من
أصحابنا من قال يقرع بينهما فمن أخرجته القرعة جعل المستهل كما لو طلق إحدى نسائه فلم تعلم بعينها ثم مات
أخرجت بالقرعة. وقال الخبري ليس في هذا عن السلف نص وقال الفرضيون تعمل المسألة على الحالين
ويعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي حتى يصطلحوا عليه، ويحتمل أن يقسم بينهم على حسب الاحتمال.
(ومن مسائل ذلك) رجل خلف أمه وأخاه وأم ولد حاملا منه فولدت توأمين ذكرا وأنثى
فاستهل أحدهما ولم يعلم بعينه فقيل إن كان الابن المستهل فللأم السدس والباقي له ترث أمه ثلثه
والباقي لعمه فاضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشر لام الميت ثلاثة ولام الولد خمسة وللعم عشرة،
وإن كانت البنت المستهلة فالمسألة من ستة فتموت البنت عن ثلاثة لامها سهم ولعمها سهمان والستة
200

تدخل في ثمانية عشر فمن له شئ من الثمانية عشر مضروب في واحد ومن له شئ من الستة مضروب في
ثلاثة فسدس الام لا يتغير وللعم من الستة أربعة في ثلاثة اثنا عشر وله من الثمانية عشر عشرة في
واحد فهذا اليقين فيأخذه ولام الولد خمسة في سهم وسهم في ثلاثة فيأخذها ويقف سهمين بين الأخ
وأم الولد حتى يصطلحا عليها ويحتمل أن يقتسماها بينهما. امرأة حامل وعم ولدت المرأة ابنا وبنتا
واستهل أحدهما ولم يعلم فالمسألتان من أربعة وعشرين إذا أعطيت كل واحد أقل من نصيبه بقيت ثلاثة
موقوفة، فإن كان معهما بنت فكل واحدة من المسئلتين من اثنين وسبعين والموقوف اثنا عشر.
امرأة وعم وأم حامل من الأب ولدت ابنا وبنتا فاستهل أحدهما فإن كان المستهل الأخ فهي من ستة
وثلاثين، وإن كانت الأخت المستهلة فهي من ثلاثة عشر فالمسألتان متباينتان فاضرب إحداهما في
الأخرى تكن أربعمائة وثمانية وستين وكل من له شئ من إحدى المسئلتين مضروب في الأخرى
فيدفع لكل واحد أقل النصيبين يبقى أربعة عشر منها تسعة بين المرأة والعم وخمسة بين الام والعم،
فإن كانت المرأة والام حاملين فوضعتا معا فاستهل أحدهما فكل واحدة منهما ترجع إلى ستة
201

وثلاثين فيعطى كل وارث أقل النصيبين ويبقى أحد عشر منها أربعة موقوفة بين الزوجة والام وسبعة
بين الام والعم
(فصل) وإذا ولدت الحامل توأمين فسمع الاستهلال من أحدهما ثم سمع مرة أخرى فلم يدر
أهو من الأول أو من الثاني فيحتمل أن يثبت الميراث لمن علم استهلاله دون من شككنا فيه لأن الأصل
عدم استهلاله. فعلى هذا الاحتمال إن علم المستهل بعينه فهو الوارث وحده وإن جهل عينه كان كما لو
استهل واحد منهما لا بعينه. وقال الفرضيون يعمل على الأحوال فيعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي
(ومن مسائل ذلك) أم حامل وأخت لأب وعم ولدت الام بنتين فاستهلت إحداهما ثم سمع الاستهلال
مرة أخرى فلم يدر هل استهلت الأخرى أو تكرر من واحدة فقيل إن كان منهما جميعا فقد ماتتا
عن أربعة من ستة ولا يعلم أولهما موتا فحكمهما حكم الغرقى فمن ذهب إلى أنه لا تورث إحداهما من
الأخرى قال قد خلفا أما وأختا وعما فتصح من ثمانية عشر وإن كان الاستهلال من واحدة فقد ماتت
عن ثلاثة من سنة فتصح من اثنى عشر وبينهما موافقة بالسدس فتصير ستة وثلاثين للام اثنا عشر
وللأخت كذلك وللعم تسعة ونقف ثلاثة تدعي الام منها سهمين والعم سهما وتدعيها الأخت كلها
فيكون سهمان بينهما وبين الام وسهم بينها وبين العم. زوج وجد وأم حامل ولدت ابنا وبنتا فاستهل
202

أحدهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى فلم يدر ممن هو فإن كان الاستهلال تكرر من البنت فهي الأكدرية
وماتت عن أربعة بين أمها وجدها فتصح من أحد وثمانين، وإن تكرر من الأخ لم يرث شيئا والمسألة
من ستة للجد منها سهم وإن كان منهما فللأم السدس وللزوج النصف وللجد السدس ولهما السدس على
ثلاثة فتصح من ثمانية عشر والثلاثة التي لهما بين الجد والام على ثلاثة فصار للام أربعة وللجد خمسة
وثمانية عشر توافق أحدا وثمانين بالاتساع فتصير مائة واثنين وستين للزوج حقه من الأكدرية
أربعة وخمسون وللأم تسعا المال من مسألة استهلالهما معا ستة وثلاثون وللجد السدس من مسألة
استهلال الأخ وحده سبعة وعشرون يبقى خمسة وأربعون يدعى الزوج منها سبعة وعشرين والام
ثمانية عشر ويدعي منها الجد سبعة وثلاثين وتعول الثمانية الفاضلة للام فيحتمل أن تدفع إليها لأن
الزوج والجد يقران لها بها
(فصل) وإذا ضرب بطن حامل فأسقطت فعلى الضارب؟؟ موروثة عن الجنين كأنه سقط
حيا وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وسائر الفقهاء الا شيئا يحكى عن ربيعة والليث وهو شذوذ
لا يعرج عليه، فإن قيل فكيف تورثون منه وهو لا يرث؟ قلنا نورث منه لأن الواجب بدل عنه فورثته ورثته
203

كدية غير الجنين، وأما توريثه فمن شروطه كونه حيا حين موت موروثه ولا يتحقق ذلك فلا نورثه
مع الشك في حياته.
(فصل) ودية المقتول مورثة عنه كسائر أمواله إلا أنه اختلف فيه عن علي فروي عنه مثل قول
الجماعة وعنه لا يرثها إلا عصباته الذين يعقلون عنه وكان عمر يذهب إلى هذا ثم رجع عنه لما بلغه عن
النبي صلى الله عليه وسلم توريث المرأة من دية زوجها قال سعيد حدثنا سفيان حدثنا الزهري سمع سعيد بن المسيب
يقول كان عمر بن الخطا ب رضي الله عنه يقول الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا
فقال له الضحاك الكلابي كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أورث امرأة اشيم الضبابي من دية زوجها
اشيم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وروى الإمام أحمد باسناده عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى ان العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم، وباسناده عن ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المرأة ترث من مال زوجها وعقله ويرث هو من مالها وعقلها ما لم يقتل
واحد منهما صاحبه) إلا أن في اسناده رجلا مجهولا وقال إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدية على
الميراث والعقل على العصبة) وقال أبو ثور هي على الميراث ولا تقضى منها ديونه ولا تنفذ منها وصاياه
204

وعن أحمد نحو من هذا وقد ذكر الخرقي فيمن أوصى بثلث ماله لرجل فقتل وأخذت ديته فللموصى
له بالثلث ثلث الدية في إحدى الروايتين والأخرى ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شئ، ومبنى هذا على
أن الدية ملك الميت أو على ملك الورثة ابتداء وفيه روايتان: إحداهما أنها تحدث على ملك الميت لأنها
بدل نفسه فيكون بدلها له كدية أطرافه المقطوعة منه في الحياة ولأنه لو اسقطها عن القاتل بعد جرحه إياه كان صحيحا
وليس له اسقاط حق الورثة ولأنها مال موروث فأشبهت سائر أمواله والأخرى انها تحدث على ملك الورثة
ابتداء لأنها إنما تستحق بعد الموت وبالموت تزول أملاك الميت الثابتة له ويخرج عن أن يكون أهلا للملك
وإنما يثبت الملك لورثته ابتداء، ولا أعلم خلافا في أن الميت يجهز منها إن كان قبل تجهيزه لأنه لو لم يكن له شئ
لوجب تجهيزه على من عليه نفقته لو كان فقيرا فأولى أن يجب ذلك في ديته
(فصل) في ميراث المفقود وهو نوعان [أحدهما] الغالب من حاله الهلاك وهو من يفقد في
مهلكة كالذي يفقد بين الصفين وقد هلك جماعة أو في مركب انكسر فغرق بعض أهله أو في مفازة
يهلك فيها الناس أو يفقد من بين أهله أو يخرج لصلاة العشاء أو غيرها من الصلوات أو لحاجة قريبة
فلا يرجع ولا يعلم خبره فهذا ينتظر به أربع سنين فإن لم يظهر له خبر قسم ماله واعتدت امرأته عدة
205

الوفاة وحلت للأزواج نص عليه الإمام أحمد وهذا اختيار أبي بكر، وذكر القاضي انه لا يقسم ماله حتى
تمضي عدة الوفاة بعد الأربع سنين لأنه الوقت الذي يباح لامرأة التزويج فيه والأول أصح لأن العدة
إنما تكون بعد الوفاة فإذا حكم بوفاته فلا وجه للوقوف عن قسم ماله، وان مات للمفقود من يرثه قبل
الحكم بوفاته وقف للمفقود نصيبه من ميراثه وما يشك في مستحقه وقسم باقيه، فإن بان حيا أخذه ورد
الفضل إلى أهله، وان علم أنه مات بعد موت موروثه دفع نصيبه مع ماله إلى ورثته، وان علم أنه كان ميتا
حين موت موروثه رد الموقوف إلى ورثة الأول، وان مضت المدة ولم يعلم خبره رد أيضا إلى ورثة
الأول لأنه مشكوك في حياته حين موت موروثه فلا نورثه مع الشك كالجنين الذي يسقط ميتا،
وكذلك إن علمنا أنه مات ولم يدر متى مات. ولم يفرق سائر أهل العلم بين هذه الصورة وبين سائر
صور الفقدان فيما علمنا إلا أن مالكا والشافعي رضي الله عنهما في القديم وافقا في الزوجة انها تتزوج خاصة
والأظهر من مذهبه مثل قول الباقين، فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها
على ما سنذكره في الصورة الأخرى إن شاء الله تعالى، لأنه مفقود لا يتحقق موته فأشبه التاجر والسائح
ولنا اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على تزويج امرأته على ما ذكرناه في العدد، وإذا ثبت ذلك في
206

النكاح مع الاحتياط للابضاع ففي المال أولى. ولان الظاهر هلاكه فأشبه ما لو مضت مدة لا يعيش في
مثلها [النوع الثاني] من ليس الغالب هلاكه كالمسافر لتجارة أو طلب علم أو سياحة ونحو ذلك ولم
يعلم خبره ففيه روايتان (إحداهما) لا يقسم ماله ولا تتزوج امرأته حتى يتيقن موته أو يمضي عليه
مدة لا يعيش في مثلها وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم، وهذا قول الشافعي رضي الله عنه ومحمد بن
الحسن وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف لأن الأصل حياته والتقدير لا يصار إليه الا
بتوقيف ولا توقيف ههنا فوجب التوقف عنه
(والرواية الثانية) انه ينتظر به تمام تسعين سنة مع سنه يوم فقد وهذا قول عبد الملك بن
الماجشون لأن الغالب انه لا يعيش أكثر من هذا، وقال عبد الله بن عبد الحكم ينتظر به إلى تمام سبعين
سنة مع سنه يوم فقد ولعله يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعمار أمتي ما بين السبعين والستين) أو كما قال،
ولان الغالب انه لا يعيش أكثر من هذا فأشبه التسعين
وقال الحسن بن زياد ينتظر به تمام مائة وعشرين سنة. قال ولو فقد وهو ابن ستين سنة وله
مال لم يقسم ماله حتى يمضي عليه ستون سنة أخرى فيكون له مع سنه يوم فقد مائة وعشرون سنة فيقسم
207

ماله حينئذ بين ورثته ان كانوا أحياء، وان مات بعض ورثته قبل مضي مائة وعشرين وخلف ورثة
لم يكن لهم شئ من مال المفقود وكان ماله للاحياء من ورثته ويوقف للمفقود حصته من مال موروثه
الذي مات في مدة الانتظار، فإن مضت المدة ولم يعلم خبر المفقود رد الموقوف إلى ورثة موروث
المفقود ولم يكن لورثة المفقود، قال اللؤلؤي: وهذا قول أبي يوسف، وحكى الخبري عن اللؤلؤي أنه قال
: ان الموقوف للمفقود، وان لم يعلم خبره يكون لورثته. قال وهو الصحيح عندي، والذي
ذكرناه هو الذي حكاه ابن اللبان عن اللؤلؤي فقال لو ماتت امرأة المفقود قبل تمام مائة وعشرين سنة
بيوم أو بعد فقده بيوم وتمت مائة وعشرون سنة لم تورث منه شيئا ولم نورثه منها لأننا لا نعلم أيهما
مات أولا وهذا قياس قول من قال في الغرقى انه لا يورث أحدهم من صاحبه ويرث كل واحد
الاحياء من ورثته، قال القاضي هذا قياس قول احمد واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود الا الاحياء
من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك ولو بيوم، واختلفوا فيمن مات وفي ورثته مفقود فمذهب
أحمد وأكثر الفقهاء على أنه يعطى كل وارث من ورثته اليقين ويوقف الباقي حتى يتبين أمره أو تمضي
مدة الانتظار فتعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت وتضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو
208

في وفقهما ان اتفقتا وتجتزئ بإحداهما ان تماثلتا أو بأكثرهما ان تناسبتا وتعطى كل واحد أقل النصيبين
ومن لا يرث الا من أحدهما لا تعطيه شيئا وتقف الباقي ولهم ان يصطلحوا على ما زاد على نصيب
المفقود واختاره ابن اللبان لأنه لا يخرج عنهم وأنكر ذلك الوني وقال لا فائدة في أن ينقص بعض
الورثة عما يستحقه في مسألة الحياة وهي منتفية ثم يقال له لك أن تصالح على بعضه بل إن
جاز ذلك فالأولى أن نقسم المسألة على تقدير الحياة ونقف نصيب المفقود لا غير، والأول أصح إن شاء الله
فإن الزائد عن نصيب المفقود من الموقوف مشكوك في مستحقه ويقين الحياة معارض بظهور
الموت فينبغي ان يوقف كالزائد عن اليقين في مسائل الحمل والاستهلال، ويجوز للورثة الموجودين
الصلح عليه لأنه حقهم لا يخرج عنهم وإباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب وقفه كما تقدم في نظائره ووجوب
وقته لا يمنع الصلح عليه لذلك ولان تجويز أخذ الانسان حق غيره برضاه وصلحه لا يلزم منه جواز
أخذه بغير اذنه، وظاهر قول الوني هذا أن تقسم المسألة على أنه حي ويقف نصيبه لا غير، وقال بعض
أصحاب الشافعي رضي الله عنه يقسم المال على الموجودين لأنهم متحققون والمفقود مشكوك فيه فلا
يورث مع الشك، وقال محمد بن الحسن القول قول من المال في يده فلو مات رجل وخلف ابنتيه
209

وابن ابن أبوه مفقود والمال في يد الابنتين فاختصموا إلى القاضي فإنه لا ينبغي للقاضي أن يحول
المال عن موضعه ولا يقف منه شيئا سواء اعترفت الابنتان بفقده أو ادعتا موته وإن كان المال في يد
ابن المفقود لم يعط الابنتان الا النصف أقل ما يكون لهما وإن كان المال في يد أجنبي فأقر بان الابن
مفقود وقف له النصف في يديه وان قال الأجنبي قد مات المفقود لزمه دفع الثلثين إلى البنتين ويوقف
الثلث الا أن يقر ابن الابن بموت أبيه فيدفع إليه الباقي والجمهور على القول الأول
(ومن مسائل ذلك) زوج وأم وأخت وجد وأخ مفقود مسألة الموت من سبعة وعشرين لأنها
مسألة الأكدرية ومسألة الحياة من ثمانية عشر وهما يتفقان بالاتساع فتضرب تسع إحداهما في الأخرى
تكن أربعة وخمسين، للزوج النصف من مسألة الحياة والثلث من مسألة الموت فيعطى الثلث، وللأم
التسعان من مسألة الموت والسدس من مسألة الحياة فتعطى السدس، وللجد ستة عشر سهما من مسألة
الموت وتسعة من مسألة الحياة فيأخذ التسعة، وللأخت ثمانية من مسألة الموت وثلاثة من مسألة الحياة
فتأخذ ثلاثة ويبقى خمسة عشر موقوفة إن بان أن الأخ حي أخذ ستة وأخذ الزوج تسعة وإن بان
ميتا أو مضت المدة قبل قدومه أخذت الام ثلاثة والأخت خمسة والجد سبعة، واختار الخبري أن المدة
210

إذا مضت ولم يتبين أمره أن يقسم نصيبه من الموقوف على ورثته فإنه كان محكوما بحياته لأنها اليقين
وإنما حكمنا بموته بمضي المدة
ولنا أنه مال موقوف لمن ينتظر ممن لا يعلم حاله فإذا لم تتبين حياته لم يكن لورثته كالموقوف للحمل، وللورثة
أن يصطلحوا على التسعة قبل مضي المدة. زوج وأبوان وابنتان مفقودتان مسألة حياتهما من خمسة عشر وفي
حياة أحدهما من ثلاثة عشر وفي موتهما من ستة فتضرب ثلث الستة في خمسة عشر ثم في ثلاثة عشر تكن ثلاثمائة
وتسعين ثم تعطي الزوج والأبوين حقوقهم من مسألة الحياة مضروبا في اثنين ثم في ثلاثة عشر وتقف
الباقي، وإن كان في المسألة ثلاثة مفقودون عملت لهم أربع مسائل، وإن كانوا أربعة عملت لهم خمس
مسائل وعلى هذا. وإن كان المفقود يحجب ولا يرث كزوج وأخت من أبوين وأخت من أب وأخ لها
مفقود وقفت السبع بينهما وبين الزوج والأخت من الأبوين وقيل لا يوقف ههنا شئ وتعطى الأخت من
الأب السبع لأنها لا تحجب بالشك كما لا ترث بالشك والأول أصح لأن دفع السبع إليها توريث بالشك
وليس في الوقف حجب يقينا إنما هو توقف عن صرف المال إلى إحدى الجهتين المشكوك فيها ويعارض
قول هذا القائل قول من قال إن اليقين حياته فيعمل على أنه حي ويدفع المال إلى الزوج والأخت من
الأبوين والتوسط بما ذكرناه أولى والله أعلم
211

(فصل) والأسير كالمفقود إذا انقطع خبره وإن علمت حياته ورث في قول الجمهور، وحكي عن
سعيد بن المسيب أنه لا يرث لأنه عبد، وحكي ذلك عن النخعي وقتادة والصحيح الأول والكفار
لا يملكون الأحرار والله أعلم
(فصل) في التزويج في المرض والصحة، حكم النكاح في المرض والصحة سواء في صحة العقد
وتوريث كل واحد منهما من صاحبه في قول الجمهور، وبه قال أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنه وقال
مالك أي الزوجين كان مريضا مرضا مخوفا حال عقد النكاح فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن يصيبها
فيكون لها المسمى في ثلاثة مقدما على الوصية، وعن الزهري ويحيى بن سعيد مثله واختلف أصحاب مالك
في نكاح من لم ير ث كالأمة والذمية فقال بعضهم يصح لأن لا يتهم بقصد توريثها ومنهم من أبطله لجواز
أن تكون وارثة، وقال ربيعة وابن أبي ليلى الصداق والميراث من الثلث، وقال الأوزاعي النكاح
صحيح ولا ميراث بينهما وعن القاسم بن محمد والحسن إن قصد الاضرار بورثته فالنكاح باطل
وإلا فهو صحيح
ولنا انه عقد معاوضة يصح في الصحة
فيصح في المرض كالبيع ولأنه نكاح صدر من أهله في محله
212

بشرطه فيصح كحال الصحة، وقد روينا أن عبد الرحمن بن أم الحكم تزوج في مرضه ثلاث نسوة أصدق
كل واحدة ألفا ليضيق بهن على امرأته ويشركنها في ميراثها فأجيز ذلك. وإذا ثبت صحة النكاح
ثبت الميراث بعموم الآية
(فصل) ولا فرق في ميراث الزوجين بين ما قبل الدخول وبعده لعموم الآية، ولان النبي
صلى الله عليه وسلم قضى لبروع بنت أو شق بالميراث وكان زوجها مات عنها قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها
صداقا، ولان النكاح صحيح ثابت فيورث به كما بعد الدخول
(فصل) فأما النكاح الفاسد فلا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي وإذا
اشتبه من نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فالمنقول عن أحمد أنه قال فيمن تزوج أختين لا يدري أيتهما
تزوج أول فإنه يفرق بينهما وتوقف عن أن يقول في الصداق شيئا، قال أبو بكر يتوجه على قوله أن
يقرع بينهما، فعلى هذا الوجه يقرع بينهما في الميراث إذا مات عنهما وعن النخعي والشعبي ما يدل على
أن المهر والميراث يقسم بينهن على حسب الدعاوى والتنزيل كميراث الخناثى وهو قول أبي حنيفة
وأصحابه وقال الشافعي رضي الله عنه يوقف المشكوك فيه من ذلك حتى يصطلحن عليه أو يتبين الامر فلو تزوج
213

امرأة في عقد وأربعا في عقد ثم مات وخلف أخا ولم يعلم أي العقدين سبق ففي قول أبي حنيفة كل واحدة
تدعي مهرا كاملا ينكره الأخ فتعطى كل واحدة نصف مهر ويؤخذ ربع الباقي تدعيه الواحدة والأربع فيقسم
للواحدة نصفه وللأربع نصفه، وعند الشافعي رضي الله عنه أكثر ما يجب عليه أربعة مهور فيأخذ ذلك يوقف
منها مهر بين النساء الخمس ويبقى ثلاثة تدعي الواحدة ربعها ميراثا ويدعي الأخ ثلاثة أرباعها فيوقف منها
ثلاثة أرباع مهر بين النساء الخمس وباقيها وهو مهران وربع بين الأربع وبين الأخ ثم يؤخذ ربع ما بقي فيوقف
بين النساء الخمس والباقي للأخ، وأن تزوج امرأة في عقد واثنتين في عقد وثلاثا في عقد ولم يعلم السابق
فالواحدة نكاحها صحيح فلها مهرها ويبقى الشك في الخمس. فعلى قول أهل العراق لهن مهران بيقين
والثالث لهن في حال دون حال فيكون لهن نصفه ثم يقسم ذلك بينهن لكل واحدة نصف مهر ثم
يؤخذ ربع الباقي لهن ميراثا فللواحدة ربعه يقينا وتدعي نصف سدسه فتعطى نصفه فيصير لها من الربع
سدسه وثمنه وذلك سبعة من أربعة وعشرين والاثنتان يدعيان ثلثيه وهو ستة عشر سهما فيعطين نصفه وهو
ثمانية أسهم، والثلاث يدعين ثلاثة أرباعه وهو ثمانية عشر سهما فيعطين تسعه هذا قول محمد بن الحسن
214

وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف تقسم السبعة عشر بين الثلاث والاثنتين نصفين فيصير الربع
من ثمانية وأربعين سهما ثم تضرب الاثنين في الثلاث ثم في الثمانية وأربعين تكن مائتين وثمانية
وثمانين فهذا ربع المال، وعند الشافعي رضي الله عنه تعطى الواحدة مهرها ويوقف ثلاثة مهور:
مهران منها بين الخمس ومهر تدعيه الواحدة والاثنتان ربعه ميراثا وتدعيه الثلاث مهرا وثلاثة أرباعه
تدعيه الأخرى ميراثا وتدعيه الثلاث مهرا، ويؤخذ ربع ما بقي فيدفع ربعه إلى الواحدة ونصف
سدسه بين الواحدة والثلاث موقوف وثلثاه بين الثلاث والاثنتين موقوف، فإن طلبت واحدة من الخمس
شيئا من الميراث الموقوف لم يدفع إليها شئ وكذلك إن طلبه أحد الفريقين لم يدفع إليه شئ،
وإن طلبت واحدة من الثلاث وواحدة من الاثنتين دفع إليهما ربع الميراث وان طلبه واحدة من الاثنتين
واثنتان من الثلاث أو الثلاث كلهن دفع إليهن ثلثه، وان عين الزوج المنكوحات أولا قبل تعيينه وثبت،
وان وطئ واحدة منهن لم يكن ذلك تعيينا لها وهذا قول الشافعي رضي الله عنه، وللموطوءة الأقل
من المسمى أو مهر المثل فيكون الفضل بينهما موقوفا، وعلى قول أهل العراق يكون تعيينا، فإن كانت
الموطوءة من الاثنتين صح نكاحها وبطل نكاح الثلاث، وان كانت من الثلاث بطل نكاح الاثنتين،
215

وان وطئ واحدة من الاثنتين وواحدة من الثلاث صح نكاح الفريق المبدوء بوطئ واحدة منه وللموطوءة
التي لم يصح نكاحها مهر مثلها، فإن أشكل أيضا أخذ منه اليقين وهو مهران مسميان ومهر مثل ويبقى مهر
مسمى تدعيه النسوة وينكره الأخ فيقسم بينهما فيحصل للنسوة مهر مثل ومسميان ونصف منها مهر مسمى
ومهر مثل يقسم بين الموطوءتين نصفين ويبقى مسمى ونصف بين الثلاث الباقيات لكل واحدة نصف
مسمى والميراث على ما تقدم وعند الشافعي لا حكم للوطئ في التعيين، وهل يقوم تعيين الوارث مقام تعيين
الزوج؟ فيه قولان، فعلى قوله يؤخذ مسمى ومهر مثل للموطوءتين تعطى كل واحدة الأقل من المسمى
أو مهر المثل ويقف الفضل بينهما ويبقى مسميان ونصف يقف أحدهما بين الثلاث اللاتي لم يوطأن
وآخر بين الثلاث والاثنتين والميراث على ما تقدم
وحكي عن الشعبي والنخعي فيمن له أربع نسوة أبت طلاق إحداهن ثم نكح خامسة ومات ولم
يدر أيتهن طلق فللخامسة ربع الميراث وللأربع ثلاثة أرباعه بينهن وهذا مذهب أبي حنيفة إذا كان نكاح
الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة، ولو أنه قال بعد نكاح الخامسة إحدى نسائي طالق ثم نكح سادسة
ثم مات قبل أن يبين فللسادسة ربع الميراث وللخامسة ربع ثلاثة لأرباع الباقي وما بقي بين الأربع الأول
أرباعا وفي قول الشافعي رضي الله عنه ما أشكل من ذلك موقوف على ما تقدم
216

(فصل في الطلاق)
إذا طلاق الرجل امرأته طلاقا يملك رجعتها في عدتها لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة
سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن
مسعود رضي الله عنهم وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وايلاؤه ويملك امساكها بالرجعة
بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد، وان طلقها في الصحة طلاقا بائنا أو رجعيا
فبانت بانقضاء عدتها لم يتوارثا اجماعا، وإن كان الطلاق في المرض المخوف ثم مات من مرضه ذلك
في عدتها ورثته ولم يرثها ان ماتت، يروى هذا عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال عروة وشريح
والحسن والشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة في أهل العراق ومالك في أهل المدينة وابن أبي
ليلى وهو قول الشافعي رضي الله عنه القديم
وروي عن عتبة بن عبد الله بن الزبير لا ترث مبتوتة وروي ذلك عن علي وعبد الرحمن بن عوف
وهو قول الشافعي الجديد لأنها بائن فلا ترث كالبائن في الصحة أو كما لو كان الطلاق باختيارها ولان أسباب
الميراث محصورة في رحم ونكاح وولاء وليس لها شئ من هذه الأسباب
217

ولنا أن عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف
وكان طلقها في مرضة فبتها واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان اجماعا ولم يثبت عن علي ولا
عبد الرحمن خلاف في هذا بل قد روى عروة عن عثمان أنه قال لعبد الرحمن لأن مت لأورثنها منك
قال قد علمت ذلك وما روي عن ابن الزبير ان صح فهو مسبوق بالاجماع ولان هذا قصد قصدا
فاسدا في الميراث فعورض بنقيض قصده كالقاتل القاصد استعجال الميراث يعاقب بحرمانه، إذا ثبت
هذا فالمشهور عن أحمد أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج قال أبو بكر لا يختلف قول أبي عبد الله
في المدخول بها إذا طلقها المريض أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج روي ذلك عن الحسن وهو
قول البتي وحميد وابن أبي ليلى وبعض البصريين وأصحاب الحسن ومالك في أهل المدينة وذكر عن
أبي بن كعب لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أباه طلق أمه وهو مريض فمات فورثته بعد انقضاء
العدة ولان سبب توريثها فراره من ميراثها وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة، وروي عن أحمد ما
يدل على أنها لا ترث بعد العدة فإنه قال في رواية الأثرم يلزم من قال له أن يتزوج أربعا قبل انقضاء
عدة مطلقاته أنه لو طلق أربعا نسوة في مرضه ثم تزوج أربعا ثم مات من مرضه ذلك أن الثمان يرثنه
218

كلهن فيكون مسلما يرثه ثمان نسوة وهذا القول يلزم منه توريث ثمان وتوريثها بعد العدة يلزم منه
ذلك ولأنه قال في المطلقة قبل الدخول لا ترث لأنها لا عدة لها وهذه كذلك فلا ترث وهذا قول
عروة وأبي حنيفة وأصحابه وقول الشافعي القديم لأنها تباح لزوج آخر فلم ترثه كما لو كان في الصحة
ولان توريثها بعد العدة يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة فلم يجز ذلك كما لو تزوجت وان
تزوجت المبتوتة لم ترثه سواء كانت في الزوجية أو بانت من الزوج الثاني هذا قول أكثر أهل العلم
وقال مالك في أهل المدينة ترثه لما ذكرنا للرواية الأولى ولأنها شخص يرث مع انتفاء الزوجية فورث
معها كسائر الوارثين.
ولنا أن هذه وارثة من زوج فلا ترث زوجا سواه كسائر الزوجات ولان التوارث من حكم النكاح
فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر كالعدة ولأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول لها فأشبه ما لو كان
فسخ النكاح من قبلها.
(فصل) ولو صح من مرضه ذلك ثم مات بعده لم ترثه في قول الجمهور وروي عن النخعي والشعبي
والثوري وزفر انها ترثه لأنه طلاق مرض قصد به الفرار من الميراث فلم يمنعه كما لو لم يصح.
219

ولنا أن هذه بائن بطلاق في غير مرض الموت فلم ترثه كالمطلقة في الصحة ولان حكم هذا
المرض حكم الصحة في العطايا والاعتاق والاقرار فكذلك في الطلاق وما ذكروه يبطل بما إذا قصد
الفرار بالطلاق في صحته
(فصل) ولو طلق امرأته ثلاثا في مرضه قبل الدخول بها فقال أبو بكر فيها أربع روايات (إحداهن)
لها الصداق كاملا والميراث وعليها العدة اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وعطاء وأبي عبيد لأن الميراث
ثبت للمدخول بها لفراره منه وهذا فار وإذا ثبت الميراث ثبت وجوب تكميل الصداق وينبغي أن تكون
العدة عدة الوفاء لأنا جعلناها في حكم من توفي عنها وهي زوجة ولان الطلاق لا يوجب عدة على
غير مدخول بها (الثانية) لها الميراث والصداق ولا عدة عليها، وهو وقول عطاء لأن العدة حق عليها فلا
يجب بفراره (والثالثة) لها الميراث ونصف الصداق وعليها العدة وهذا قول مالك في رواية أبي عبيد
عنه لأن من ترث يجب أن تعتد ولا يكمل الصداق لأن الله تعالى نص على تنصيفه بالطلاق قبل المسيس
ولا تجوز مخالفته والرابعة لا ميراث لها ولا عدة عليها ولها نصف الصداق وهو قول جابر بن زيد والنخعي
وأبي حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم. قال احمد قال جابر بن زيد لا ميراث لها ولا عدة
220

عليها. قال الحسن ترث قال احمد اذهب إلى قول جابر وذلك لأن الله تعالى نص على تنصيف
الصداق ونفى العدة عن المطلقة قبل الدخول بقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد
فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن
من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) ولا يجوز مخالفة نص الكتاب بالرأي والتحكم.
وأما الميراث فإنها ليست بزوجة ولا معتدة من نكاح فأشبهت المطلقة في الصحة والله أعلم. ولو خلا بها
وقال لما أطأها وصدقته فلها الميراث وعليها العدة للوفاة ويكمل لها الصداق لأن الخلوة تكفي في ثبوت
هذه الأحكام وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه
(فصل) ولو طلق المدخول بها طلاقا رجعيا ثم مرض في عدتها ومات بعد انقضائها لم ترثه لأنه
طلاق صحة، وإن طلقها واحدة في صحته وأبانها في مرضه ثم مات بعد انقضاء عدتها فحكمها حكم
ما لو ابتدأ طلاقها في مرضه لأنه فر من ميراثها فإن طلقها واحدة في صحته وأخرى في مرضه ولم يبنها
حتى بانت بانقضاء عدتها لم ترث لأن طلاق المرض لم يقطع ميراثها ولم يؤثر في بينونتها
221

(فصل) وإن طلقها ثلاثا في مرضه فارتدت ثم أسلمت ثم مات في عدتها ففيه وجهان (أحدهما)
ترثه وهو قول مالك لأنها مطلقة في المرض أشبه ما لو لم ترتد (والثاني) لا ترثه وهو قول أبي حنيفة
والشافعي لأنها فعلت ما ينافي النكاح أشبه ما لو تزوجت ولو كان هو المرتد ثم أسلم ومات ورثته، وبه
قال أبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي رضي الله عنهم لا ترثه
ولنا أنها مطلقة في المرض لم تفعل ما ينافي نكاحها مات زوجها في عدتها فأشبه ما لو لم ترتد،
ولو ارتد أحد الزوجين بعد الدخول من غير طلاق ثم عاد إلى الاسلام قبل انقضاء العدة ورثه الآخر
لأن النكاح باق فإن انقضت العدة قبل رجوعه انفسخ النكاح ولم يرث أحدهما الآخر، وإن قلنا إن
الفرقة تتعجل عند اختلاف الدين لم يرث أحدهما الآخر ويتخرج أن يرثه الآخر إذا كان ذلك
في مرض موته لأنه تحصل به البينونة فأشبه الطلاق وهو قول مالك، وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا
ارتدت المرأة ثم ماتت في عدتها ورثها الزوج
(فصل) إذا طلق المسلم المريض زوجته الأمة والذمية طلاقا بائنا ثم أسلمت الذمية وعتقت الأمة
222

ثم مات في عدتهما لم ترثاه لأنه لم يكن عند الطلاق فارا، وإن قال لهما في المرض إذا عتقت أنت أو
أسلمت أنت فأنتما طالقتان فعتقت الأمة وأسلمت الذمية ومات ورثتاه لأنه فار فإن قال لهما أنتما طالقتان
غدا فعتقت الأمة وأسلمت الذمية لم ترثاه لأنه غير فار، وان قال سيد الأمة أنت حرة غدا، وقال
الزوج أنت طالق غدا وهو ويعلم بقول السيد ورثته لأنه فار، وإن لم يعلم لم ترثه لعدم الفرار، وبهذا
قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي رضي الله عنه ولم أعلم لهم مخالفا
(فصل) وإذا قال لامرأته في صحته إذا مرضت فأنت طالق فحكمه حكم طلاق المرض سواء،
فإن أقر في مرضه أنه كان طلقها في صحته ثلاثا لم يقبل اقراره عليها وكان حكمه حكم طلاقه في مرضه
وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وقال الشافعي رضي الله عنه يقبل اقراره. ولنا أنه اقرار بما يبطل به
حق غيره فلم يقبل كما لو أقر بمالها
(فصل) وإن سألته الطلاق في مرضه فأجابها فقال القاضي فيه روايتان (إحداهما) لا ترثه لأنه
ليس بنار (والثانية) ترثه لأنه طلقها في مرضه وهو قول مالك وكذلك الحكم إن خالعها أو علق
الطلاق على مشيئتها فشاءت أو على فعل من جهتها لها منه يد ففعلته أو خبرها فاختارت نفسها والصحيح
في هذا كله أنها لا ترثه لأنه لا فرار منه وهذا قول أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنه، وإن لم تعلم
223

بتعليق طلاقها ففعلت ما علق عليه ورثته لأنها معذورة فيه، ولو سألته طلقة فطلقها ثلاثا ورثته لأنه أبانها
بما لم تطلبه منه، وإن علق طلاقها على فعل لابد لها منه كالصلاة مكتوبة وصيام واجب في وقت ففعلته
فحكمه حكم طلاقها ابتداء في قولهم جميعا، وكذلك إن علقه على كلامها لأبويها أو لأحدهما، وإن
قال في مرضه أنت طالق إن قدم زيد ونحوه مما ليس من فعلها ولا فعله فوجد الشرط فطلقت به ورثته
(فصل) فإن علق طلاقها في الصحة على شرط وجد في المرض كقدوم زيد ومجئ غد وصلاتها
الفرض بانت ولم ترث لأن اليمين كانت في الصحة
وذكر القاضي رواية أخرى انها ترث وهو قول مالك لأن الطلاق وقع في المرض والأول أصح
وإن علقه على فعل نفسه ففعله في المرض ورثته لأنه أوقع الطلاق بها في المرض فأشبه ما لو كان التعليق
في المرض. ولو قال في الصحة أنت طالق ان لم أضرب غلامي فلم يضربه حتى مات ورثته وان ماتت
لم يرثها. وان مات الغلام والزوج مريض طلقت وكان كتعليقه على مجئ زيد أيضا، وكذلك أن
قال إن لم أوفك مهرك فأنت طالق، وان ادعى الزوج انه وفاها مهرها فأنكرته صدق الزوج في توريثه
منها لأن لأصل بقاء النكاح ولم تصدق في براءته منه لأن الأصل بقاؤه في ذمته، ولو قال لها في
224

الصحة أنت طالق ان لم أتزوج عليك فكذلك، نص عليه أحمد وهو قول الحسن، ولو قذف المريض
امرأته ثم لاعنها في مرضه فبانت منه ثم مات في مرضه ورثته وان ماتت لم يرثها، وان قذفها في صحته
ولاعنها في مرضه ومات فيه لم ترثه نص عليه أحمد وهو قول الشافعي واللؤلؤي، وذكر القاضي رواية
أخرى انها ترث وهو قول أبي يوسف وان آلى منها في مرضه ثم صح ثم نكس في مرضه فبانت بالايلاء لم ترثه
(فصل) وإذا استكره الابن امرأة أبيه على ما ينفسخ به نكاحها من وطئ أو غيره في مرض أبيه
فمات أبوه من مرضه ذلك ورثته ولم يرثها ان ماتت، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، فإن طاوعته
على ذلك لم ترث لأنها مشاركة فيما ينفسخ به نكاحها فأشبه ما لو خالعته وسواء كان للميت بنون سوى
هذا الابن أو لم يكن، فإذا انتفت التهمة عنه بأن يكون غير وارث كالكافر والقاتل والرقيق أو كان ابنا من
الرضاعة أو ابن ابن محجوب بابن للميت أو بأبوين أو ابنين أو كان للميت امرأة أخرى تحوز ميراث الزوجات لم
ترث لانتفاء التهمة ولو صار ابن الابن وارثا بعد ذلك لم يرث لانتفاء التهمة حال الوطئ، ولو كان حال الوطئ وارثا
فعاد محجوبا عن الميراث لورثت لوجود التهمة حين الوطئ، ولو كان للمريض امرأتان فاستكره ابنه إحداهما لم
ترثه لانتفاء التهمة عنه لكون ميراثها لا يرجع إليه، ولو استكره الثانية بعدها لورثت الثالثة لأنه متهم
في حقها، ولو استكرههما معا دفعة واحدة ورثتا جميعا، وهذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه، فأما
225

الشافعي رضي الله عنه فإنه لا يرى فسخ النكاح بالوطئ الحرام، وكذلك الحكم فيما إذا وطئ المريض
من ينفسخ نكاحه بوطئها كأم امرأته أو بنتها فإن امرأته تبين منه وترثه إذا مات في مرضه ولا يرثها
وسواء طاوعته الموطوءة أو أكرهها فإن مطاوعتها ليس للمرأة فيه فعل فيسقط به ميراثها، فإن كان زائل
العقل حين الوط لم ترث امرأته منه شيئا لأنه ليس له قصد صحيح فلا يكون فارا من ميراثها وكذلك
لو وطئ ابنه امرأته مستكرها لها وهو زائل العقل لم تر ث لذلك، فإن كان صبيا عاقلا ورثت لأن
له قصدا صحيحا. وقال أبو حنيفة هو كالمجنون لأن قوله لا عبرة به، وكذلك الحكم فيما إذا وطئ
بنت امرأته أو أمها. وللشافعي في وطئ الصبي ابنة امرأته أو أمها قولان (أحدهما) لا ينفسخ به نكاح
امرأته لأنه لا يحرم (والثاني) ان امرأته تبين بذلك ولا ترثه ولا يرثها، وفي القبلة والمباشرة دون
الفرج روايتان (إحداهما) تنشر الحرمة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه لأنها مباشرة تحرم في غير
النكاح والملك فأشبه الوطئ (والثانية) لا ينشره لأنه ليس بسبب للبضعية فلا ينشر الحرمة كالنظر
والخلوة. وخرج أصحابنا في النظر إلى الفرج والخلوة لشهوة وجها انه ينشر الحرمة
226

(فصل) وان فعلت المريضة ما يفسخ نكاحها كرضاع امرأة صغيرة لزوجها أو رضاع زوجها
الصغير أو ارتدت أو نحو ذلك فماتت في مرضها ورثها الزوج ولم ترثه وبهذا قال أبو حنيفة، وقال
الشافعي رضي الله عنه: لا يرثها
ولنا انها أحد الزوجين فر من ميراث الآخر فأشبه الرجل، وان أعتقت فاختارت نفسها أو كان
الزوج عنينا فأجل سنة ولم يصبها حتى مرضت في آخر الحول فاختارت فرقته وفرق بينهما لم يتوارثا في
قولهم أجمعين، ذكره ابن اللبان في كتابه، وذكر القاضي في المعتقة إذا اختارت نفسها في مرضها لم
يرثها، وذلك لأن فسخ النكاح في هذين الموضعين لدفع الضرر لا للفرار من الميراث، وان قبلت
ابن زوجها لشهوة خرج فيه وجهان
(أحدهما) ينفسخ نكاحها ويرثها إذا كانت مريضة وماتت في عدتها، وهذا قول أبي حنيفة
وأصحابه (والثاني) لا ينفسخ النكاح به وهو قول الشافعي رضي الله عنه ولو أن رجلا زوج ابنه أخيه
وهي صغيرة ثم بلغت ففسخت النكاح في مرضها لم يرثها الزوج بغير خلاف نعلمه لأن النكاح من أصله
غير صحيح في صحيح المذهب وهو قول الشافعي رضي الله عنه، وروي عن أحمد ما يدل على صحته
227

ولها الخيار وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه الا أن الفسخ لإزالة الضرر لا من اجل الفرار فلم يرثها
كما لو فسخت المعتقة نكاحها والله أعلم
(فصل) إذا طلق المريض امرأته ثم نكح أخرى ومات من مرضه في عدة المطلقة ورثتاه جميعا هذا
قول أبي حنيفة وأهل العراق وأحد قولي الشافعي رضي الله عنه والقول الآخر لا ترث المبتوتة فيكون
الميراث كله للثانية وقال مالك الميراث كله للمطلقة لأن نكاح المريض عنده غير صحيح وجعل بعض
أصحابنا فيها وجها أن الميراث كله للمطلقة لأنها ترث منه ما كانت ترث قبل طلاقها وهو جميع الميراث
فكذلك بعده وليس هذا بصحيح فإنها إنما ترث ما كانت ترث لو لم يطلقها ولو لم يطلقها وتزوج عليها
لم ترث الا نصف ميراث الزوجات فكذلك إذا طلقها فعلى هذا لو تزوج ثلاثا في مرضه فليس للمطلقة
الأربع ميراث الزوجات ولكل واحدة من الزوجات ربعه وإن مات بعد انقضاء عدة المطلقة فالميراث
للزوجات في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي رضي الله عنه وأبي حنيفة وأصحابه والرواية الأخرى
أن الميراث للأربع وعند مالك الميراث كله للمطلقة وإن كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا في
مرضه ثم نكح أخرى في عدة المطلقة أو طلق امرأة واحدة ونكح أختها في عدتها ومات في عدتها فالنكاح
228

باطل والميراث بين المطلقة وباقي الزوجات الأوائل وهذا قول أبي حنيفة ومالك، وقال الشافعي رضي
الله عنه النكاح صحيح والميراث للجديدة مع باقي المنكوحات دون المطلقة ويجئ على قوله القديم
وجهان (أحدهما) أن يكون الميراث بين المطلقة وباقي الزوجات كقول الجمهور ولا شئ للمنكوحة (والثاني)
أن يكون بينهن على خمسة لكل واحدة منهن خمسة فإن مات بعد انقضاء عدة المطلقة ففي ميراثها
روايتان (إحداهما) لا ميراث لها فيكون الميراث لباقي الزوجات وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق
(والثانية) ترث معهن ولا شئ للمنكوحة وقال الشافعي رضي الله عنه الميراث للمنكوحات كلهن ولا
شئ للمطلقة وإن تزوج الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة صح نكاحها وهل ترث المطلقة على روايتين
(إحداهما) لا ترث وهو ظاهر كلام احمد لأنه قال يلزم من قال يصح النكاح في العدة ان يرث ثمان
نسوة وان يرثه أختان فيكون مسلم يرثه ثمان نسوة أو أختان وتوريث المطلقات بعد العدة يلزم منه هذا أو
حرمان الزوجات المنصوص على ميراثهن فيكون منكرا له غير قائل به فعلى هذا يكون الميراث للزوجات
دون المطلقة والرواية الثانية ترث المطلقة فيخرج فيه وجهان (أحدهما) يكون الميراث بين الخمس
(والثاني) يكون للمطلقة والمنكوحات الأوائل دون الجديدة لأن المريض ممنوع من أن يحرمهن ميراثهن
229

بالطلاق فكذلك يمنع من تنقيصهن منه وكلا الوجهين يعيد اما أحدهما فيرده نص الكتاب على توريث
الزوجات فلا يجوز مخالفته بغير نص ولا اجماع ولا قياس على صورة مخصوصة من النص في معناه
وأما الآخر فلان الله تعالى لم يبح نكاح أكثر من أربع ولا الجمع بين الأختين فلا يجوز أن يجتمعن في
في ميراثه بالزوجية وعلى هذا لو طلق أربعا في مرضه وانقضت عدتهن ونكح أربعا سواهن ثم مات
من مرضه فعلى الأول ترثه المنكوحات دون المطلقات وعلى الثاني يكون فيه وجهان (أحدهما) أن
الميراث كله للمطلقات وعلى الثاني هو بين الثمان وقال مالك الميراث للمطلقات ولا شئ للمنكوحات
لأن نكاحهن غير صحيح عنده وان صح من مرضه فتزوج أربعا في صحته ثم مات فالميراث لهن في
قول الجمهور ولا شئ للمطلقات في قول مالك ومن وافقه وكذلك أن تزوجت المطلقات لم يرثن شيئا الا في قوله
وقول من وافقه ولو طلق أربعا بعد دخوله بهن ثلاثا في مرضه وقال قد أخبرنني بانقضاء عدتهن فكذبنه فله ان ينكح
أربعا سواهن إذا كان ذلك في مدة يمكن انقضاء العدة فيها ولا يقبل قوله عليهن في حرمان الميراث وهذا قول أبي
حنيفة وأبي يوسف واللؤلؤي إذا كان بعد أربعة أشهر، وقال زفر لا يجوز له التزويج أيضا والأول أصح
لأن هذا حكم فيما بينه وبين الله تعالى لا حق لهن فيه فقبل قوله فيه فعلى هذا ان تزوج أربعا في عقد
واحد ثم مات ورثه المطلقات دون المنكوحات الا أن يمتن قبله فيكون الميراث للمنكوحات، وان
أقررن بانقضاء عدتهن وقلنا لا ميراث لهن بعد انقضاء العدة فالميراث للمنكوحات أيضا، وان مات
230

منهن ثلاث فالميراث للباقية، وان مات منهن واحدة ومن المنكوحات واحدة أو اثنتان أو مات من
المطلقات اثنتان ومن المنكوحات واحدة فالميراث لباقي المطلقات وان مات من المطلقات واحدة ومن
المنكوحات ثلاثا أو من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات اثنتان أو من المطلقات ثلاث ومن المنكوحات
واحدة فالميراث بين البواقي من المطلقات والمنكوحات معا لأنه لو استأنف العقد على الباقيات من
الجميع جاز فكان صحيحا، وان تزوج المنكوحات في أربع عقود فمات من المطلقات واحدة ورثت
مكانها الأولى من المنكوحات، وان مات اثنتان ورثت الأولى والثانية وان مات ثلاث ورثت
الأولى والثانية والثالثة من المنكوحات مع من بقي من المطلقات وهذا على قياس قول أبي حنيفة وأبي
يوسف واللؤلؤي. وأما زفر فلا يرى صحة نكاح المنكوحات حتى يصدقه المطلقات. وأما الشافعي
رضي الله عنه فيباح عنده التزويج في عدة المطلقات، فعلى قوله إذا طلق أربعا ونكح أربعا في عقد
وعقود ثم مات من مرضه فالميراث للمنكوحات وعلى قوله القديم يخرج فيه وجهان:
(أحدهما) ان الميراث بين الثمان (والثاني) أن الميراث للمطلقات دون المنكوحات فإن مات
بعض المطلقات أو انقضت عدتهن فللمنكوحات ميراث الميتات، وان ماتت واحدة فللزوجات ربع
ميراث النساء، وان ماتت اثنتان فللزوجات نصف الميراث، فإن مات ثلاث فلهن ثلاثة أرباع الميراث
ذا كان نكاحهن في عقد واحد، وإن كان في عقود متفرقة فإذا ماتت واحدة من المطلقات فميراثها
الأولى من المنكوحات وميراث الثانية للثانية، وميراث الثالثة للثالثة
231

(فصل) إذا قال الرجل لنسائه إحداكن طالق يعني واحدة بعينها طلقت وحدها ويرجع إلى
تعيينه ويؤخذ بنفقتهن كلهن إلى أن تعين، وإن كان الطلاق بائنا منع منهن إلى أن يعين فإن قال أردت
هذه طلقت وحدها وان قال لم أرد هؤلاء الثلاث طلقت الرابعة، وان عاد فقال أخطأت إنما أردت
هذه طلقت الأخرى وان متن أو إحداهن قبل أن يبين رجع إلى قوله فمن أقر بطلاقها حرمناه ميراثها
وأحلفناه لورثة من لم يعينها وهذا قول الشافعي رضي الله عنه، وان لم نعني بذلك واحدة بعينها
أو مات قبل التعيين أخرجت بالقرعة، وكذلك أن طلق واحدة من نسائه بعينها فأنسيها فمات
أخرجت بالقرعة فمن تقع عليها القرعة فلا ميراث لها. روي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول
أبي ثور، وروى عطاء عن ابن عباس أن رجلا سأله فقال إن لي ثلاث نسوة واني طلقت إحداهن
فثبتت طلاقها فقال ابن عباس رضي الله عنه إن كنت نويت واحدة منهن بعينها ثم أنسيتها فقد اشتركن
في الطلاق، وإن لم تكن نويت واحدة بعينها فطلق أيتهن شئت
وقال الشافعي رضي الله عنه وأهل العراق يرجع إلى تعيينه في المسائل كلها فإن وطئ إحداهن كان
تعيينا لها بالنكاح في قول أهل العراق وبعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه، وقال الشافعي لا يكون
تعيينا فإن مات قبل أن يبين فالميراث بينهن كلهن في قول أهل العراق، وقال مالك يطلقهن كلهن ولا
ميراث لهن، وقال الشافعي رضي الله عنه يوقف ميراثهن، وإن كان الطلاق قبل الدخول دفع إلى
232

كل واحدة نصف مهر ووقف الباقي في مهورهن، وقال داود يبطل حكم طلاقهن لموضع الجهالة ولكل
واحدة مهر كامل والميراث بينهن، وإن متن قبله طلقت الآخرة في قول أهل العراق، وقال الشافعي
رضي الله عنه يرجع إلى تعيينه على ما ذكرناه
ولنا قول علي رضي الله عنه ولا يعارضه قول ابن عباس لأن ابن عباس يعترف لعلي بتقديم قوله
فإنه قال إذا ثبت لنا عن علي قول لم نعده إلى غيره، وقال ما علمي إلى علم علي إلا كالقرارة إلى المثعنجر
ولأنه إزالة ملك عن الآدمي فتستعمل فيه القرعة عند الاشتباه كالعتق وقد بينت ذلك في العتق بخبر
عمران بن الحصين ولان الحقوق تساوت
على وجه تعذر تعيين المستحق فيه من غير قرعة فينبغي أن
تستعمل فيه القرعة، كالقسمة في السفر بين النساء، فأما قسم الميراث بين الجميع ففيه دفع إلى إحداهن
ما لا تستحقه وتنقيص بعضهن حقها يقينا والوقف إلى غير غاية تضييع لحقوقهن وحرمان الجميع منع الحق عن
صاحبه يقينا، ولو كان له امرأتان فطلق إحداهما ثم ماتت إحداهما ثم مات أقرع بينهما فمن وقعت
عليها قرعة الطلاق لم يرثها إن كانت الميتة ولم ترثه ان كانت الأخرى، وفي قول أهل العراق يرث
الأولى ولا ترثه الأخرى وللشافعي قولان (أحدهما) يرجع إلى تعيين الوارث، فإن قال طلق الميتة
لم يرثها وورثته الحية وان قال طلق الحية حلف على ذلك وأخذ ميراث الميتة ولم تورث الحية (والقول
الثاني) يوقف من مال الميتة ميراث الزوج ومن مال الزوج ميراث الحية. وإن كان له امرأتان قد
دخل بإحداهما دون الأخرى وطلق إحداهما لا بعينها فمن خرجت لها القرعة فلها حكم الطلاق وللأخرى
حكم الزوجية وقال أهل العراق للمدخول بها ثلاثة أرباع الميراث ان مات في عدتها وللأخرى ربعه لأن
للمدخول بها نصفه بيقين والنصف الآخر يتداعيانه فيكون بينهما، وفي قول الشافعي النصف للمدخول
بها والثاني موقوف وان كانتا مدخولا بهما فقال في مرضه أردت هذه ثم مات في عدتها لم يقبل قوله
لأن الاقرار بالطلاق في المرض كالطلاق فيه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال زفر يقبل
قوله والميراث للأخرى وهو قياس قول الشافعي، ولو كان للمريض امرأة أخوى سوى هاتين فلها
نصف الميراث وللاثنتين نصفه وفى قول الشافعي نصفه موقوف
(فصل) ولو كان له أربع نسوة فطلق إحداهن غير معينة ثم نكح خامسة بعد انقضاء عدتها ثم
مات ولم يبين فللخامسة ربع الميراث والمهر ويقرع بين الأربع، وقال أهل العراق لهن ثلاثة أرباع الميراث بينهن
233

وان كن غير مدخول بهن فلهن ثلاثة مهور ونصف، وفي قول الشافعي يوقف ثلاثة أرباع الميراث
ومهر ونصف بين الأربع، فإن جاءت واحدة تطلب ميراثها لم تعط شيئا، وان طلبه اثنتان دفع إليهما
ربع الميراث، وان طلبه ثلاث دفع إليهن نصفه وان طلبه الأربع دفع إليهن، ولو قال بعد نكاح الخامسة
إحداكن طالق فعلى قولهم للخامسة ربع الميراث لأنها شريكة ثلاث وباقيه بين الأربع كالأولى وللخامسة
سبعة أثمان مهر لأن الطلاق نقصها وثلاثا معها نصف مهر ويبقى للأربع ثلاثة وثمن بينهن
في قول أهل العراق، فإن تزوج بعد ذلك سادسة فلها ربع الميراث ومهر كامل وللخامسة ربع ما بقي
وسبعة أثمان مهر وللأربع ما بقي وثلاثة مهور وثمن ويكون الربع مقسوما على أربعة وستين، فإن
قال بعد ذلك إحداكن طالق لم يختلف الميراث ولكن تختلف المهور فللسادسة سبعة أثمان مهر وللخامسة
خمسة وعشرون جزءا من اثنين وثلاثين من مهر ويبقى للأربع مهران وسبعة وعشرون جزءا من مهر
وعند الشافعي يوقف ربع الميراث بين الست وربع آخر بين الخمس وباقيه بين الأربع ويوقف نصف مهر
بين الست ونصف بين الخمس ونصف بين الأربع ويدفع إلى كل واحدة نصف (1)
(باب الاشتراك في الطهر)
إذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد وطأ يلحق النسب من مثله فأتت بولد يمكن أن يكون
منهما مثل أن يطأ الشريكان جاريتهما المشتركة أو يطأ الانسان جاريته ثم يبيعها قبل أن يستبرئها
فيطؤها المشتري قبل استبرائها أو يطؤها رجلان بشبهة، أو يطلق رجل امرأته فيتزوجها غيره في عدتها
ويطؤها، أو يطأ انسان جارية آخر أو امرأته بشبهة في الطهر الذي وطئها فيه سيدها أو زوجها ثم تأتي
بولد يمكن أن يكون منهما فإنه يرى القافة معهما وهذا قول عطاء ومالك والليث والأوزاعي والشافعي
وأبى ثور فإن ألحقته بأحدهما لحق به وان نفته عن أحدهما لحق الآخر وسواء ادعياه أو لم يدعياه أو ادعاه
أحدهما وأنكره الآخر، وان ألحقته القافة بهما لحقهما وكان ابنهما وهذا قول الأوزاعي والثوري وأبى ثور ورواه
بعض أصحاب مالك عنه وقال مالك لا يرى ولد الحرة للقافة بل يكون لصاحب الفراش الصحيح دون الوطئ
بشبهة وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد فإن ألحقته القافة بأكثر من واحد كان بمنزلة أن لا يوجد قافة ومتى

(1) في نسخة نصيب
234

لم يوجد قافة أو أشكل عليها أو اختلف القائفان في نسبه فقال أبو بكر يضيع نسبه ولا حكم لاختياره ويبقى على الجهالة
أبدا وهو قول مالك وقال ابن حامد يترك حتى يباع فينتسب إلى أحدهما وهو قول الشافعي الجديد وقال في القديم
يترك حتى يميز وذلك لسبع أو ثمان فينتسب إلى أحدهما ونفقته عليهما إلى أن ينتسب إلى أحدهما فيرجع الآخر
عليه بما أنفق، وإذا ادعى اللقيط اثنان أري القافة معهما، وإن مات الولد المدعى في هذه المواضع قبل أن يرى
القافة وله ولد أري ولده القافة مع المدعين، ولو مات الرجلان أري القافة مع عصبتهما، وإن ادعاه
أكثر من اثنين فألحقته القافة بهم لحق وقد نص أحمد على أنه يلحق بثلاثة ومقتضى هذا أنه يلحق بهم
وإن كثروا، وقال القاضي لا يلحق أكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن وروي عن أبي يوسف
وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين. وروي أيضا عن أبي يوسف، وقال الثوري وأبو حنيفة
وأصحابه وشريك ويحيى بن آدم لا حكم للقافة بل إذا سبق أحدهما بالدعوى فهو ابنه فإن ادعياه معا
فهو ابنهما، وكذلك إن كثر الواطئون وادعوه معا فإنه يكون لهم جميعا
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قضى في ذلك بالقرعة واليمين، وبه قال ابن أبي ليلى وإسحاق
وعن أحمد نحوه إذا عدمت القافة وقد ذكرنا أكثر هذه المسائل مشروحة مدلولا عليها في مواضعها
والغرض ههنا ذكر ميراث المدعى والتوريث منه وبيان مسائله
(مسألة) إذا ألحق باثنين فمات وترك أمه حرة فلها الثلث والباقي لهما، فإن كان لكل واحد
منهما ابن سواه أولا أحدهما ابنان فلأمه السدس، فإن مات أحد الأبوين وله ابن آخر فماله بينهما
نصفين، فإن مات الغلام بعد ذلك فلأمه السدس والباقي للباقي من أبويه ولا شئ لاخوته لأنهما
محجوبان بالأب الباقي، فإن كان الغلام ترك ابنا فللباقي من الأبوين السدس والباقي لابنه، وإن مات
قبل أبويه وترك ابنا فلهما جميعا السدس والباقي لابنه، فإن كان لكل واحد منهما أبوان ثم ماتا ثم مات
الغلام وله جدة أم أم وابن فلام أمه نصف السدس ولأمي المدعيين نصفه كأنهما جدة واحدة وللجدين
السدس والباقي للابن فإن لم يكن ابن فللجدين الثلث لأنهما بمنزلة جد واحد والباقي للأخوين وعند
أبي حنيفة الباقي كله للجدين لأن الجد يسقط الاخوة، وإن كان المدعيان أخوين والمدعى جارية فماتا
وخلفا أباهما فلهما من مال كل واحد نصفه والباقي للأب فإن مات الأب بعد ذلك فلها النصف
لأنها بنت ابن.
235

وحكى الخبري عن أحمد وزفر وابن أبي زائدة أن لها الثلثين لأنها بنت ابنته فلها ميراث بنتي ابن
وإن كان المدعي ابنا فمات أبواه ولأحدهما بنت ثم مات أبوهما فميراثه بين الغلام والبنت على ثلاثة
وعلى القول الآخر على خمسة لأن الغلام يضرب بنصيب ابني ابن، وإن كان لكل واحد منهما بنت
فللغلام من مال كل واحد منهما ثلثاه وله من مال جده نصفه، وعلى القول الآخر له ثلثاه ولهما سدساه
وإن كان المدعيان رجلا وعمة والمدعى جارية فماتا وخلفا أبويهما ثم مات أبو الأصغر فلها النصف والباقي
لأبي العم لأنه أبوه، وإذا مات أبو العم فلها النصف من ماله أيضا وعلى القول الآخر لها الثلثان لأنها
بنت ابن وبنت ابن ابن، وإن كان المدعى رجلا وابنه فمات الابن فلها نصف ماله، وإذا مات الأب
فلها النصف أيضا وعلى القول الآخر لها الثلثان، وقال أبو حنيفة إذا تداعى الأب وابنه قدم الأب ولم
يكن للابن شئ، وإن مات الأب أولا فما بين ابنه وبينهما على ثلاثة ثم تأخذ نصف مال الأصغر لكونها
بنته وباقيه لأنها أخته، وفي كل ذلك إذا لم يثبت نسب المدعى وقف نصيبه ودفع إلى كل وارث اليقين ووقف
الباقي حتى يثبت نسبه أو يصطلحوا. فلو كان المدعون ثلاثة فمات أحدهم وترك ابنا وألفا ثم مات الثاني وترك ابنا
والفين ثم مات الثالث وترك ابنا وعشرين ألفا وترك أربعة آلاف وأما حرة وقد ألحقته القافة بهم فقد ترك خمسة
عشر ألفا وخمسمائة فلامه سدسها والباقي بين اخوته الثلاثة أثلاثا، وإن كان موتهم قبل ثبوت نسبه دفع إلى الإمام
ثلث تركته وهو ألف وخمسمائة لأن أدنى الأحوال أن يكون ابن صاحب الألف فيرث منه خمسمائة، وقد كان
وقف له من مال كل واحد من المدعين نصف ماله فيرد إلى ابن صاحب الألف وابن صاحب الألفين ما وقف من
مال أبويهما لأنه لم يكن أخا لهما فذلك لهما من أبويهما، وإن كان أخا أحدهما فهو يستحق ذلك وأكثر
منه بإرثه ويرد على ابن الثالث تسعة آلاف وثلث الف ويبقى ثلثا الف موقوفة بينه وبين الام
لأنه يحتمل أن يكون أخاه فيكون قد مات عن أربعة عشر ألفا لامه ثلثها ويبقى من مال الابن الفان
وخمسمائة موقوفة يدعيها ابن صاحب الألف كلها ويدعي منها ابن صاحب الألفين الفين وثلثا فيكون
ذلك موقوفا بينهما وبين الام وسدس الألف بين الام وابن صاحب الألف، فإن ادعى اخوان ابنا
ولهما أب فمات أحدهما وخلف بنتا ثم مات الآخر قبل ثبوت نسب المدعى وقف من مال الأول
خمسة أتساعه منها تسعان بين الغلام والبنت وثلاثة أتساع بينه وبين الأب ويوقف من مال الثاني
236

خمسة أسداس بينه وبين الأب، فإن مات الأب بعدهما وخلف بنتا فلها نصف ماله ونصف ما ورثه
عن ابنته والباقي بين الغلام وبنت الابن لأنه ابن ابنه بيقين ويدفع إلى كل واحد منهم من الموقوف
اليقين ويوقف الباقي فنقدره مرة ابن صاحب البنت ومرة ابن الآخر وتنظر ماله من كل واحد منهم
في الحالين فتعطيه أقلهما، فللغلام في حال الموقوف من مال الثاني وخمس الموقوف من مال الأول وفي
حال كل الموقوف من مال الأول وثلث الموقوف من الثاني فله أقلهما، ولبنت الميت الأول في حال
النصف من مال أبيها، وفي حال السدس من مال عمها، ولبنت الأب في حال نصف الموقوف من مال
الثاني وفي حال ثلاثة أعشاره من مال الأول فتدفع إليها أقلهما ويبقى باقي التركة موقوفا بينهم حتى
يصطلحوا عليه، ومن الناس من يقسمه بينهم على حسب الدعاوى، ومتى اختلف أجناس التركة ولم
يصر بعضهم قصاصا عن بعض قومت وعمل في قيمتها على ما بينا في الدراهم ان تراضوا على ذلك أو يبيع
الحاكم عليهم ليصير الحق كله من جنس واحد لما فيه من الصلاح لهم ويوقف الفضل المشكوك فيه بينهم
على الصلح، ولو ادعى اثنان غلاما فألحقته القافة بهما ثم مات أحدهما وترك اما وبنتا وعما ثم مات الآخر
وترك الفين وابن ابن ثم مات الغلام وترك ثلاثة آلاف وأما كان للبنت من تركة أبيها ثلثها وللغلام
ثلثاها وتركة الثاني كلها له لأنه ابنه فهو أحق من ابن الابن ثم مات الغلام عن خمسة آلاف وثلثي
الف فلامه ثلث ذلك ولأخته نصفه وباقيه لابن الابن لأنه ابن أخيه ولا شئ للعم وان لم يثبت نسبه
فلابنة الأول ثلث الألف ويوقف ثلثاها وجميع تركة الثاني فإذا مات الغلام فلامه من تركته الف
وتسعا الف لأن أقل أحواله أن يكون ابن الأول فيكون قد مات عن ثلاثة آلاف وثلثي الف ويرد
الموقوف من مال أبي البنت على البنت والعم فيصطلحان عليه لأنه لهما اما عن صاحبهما أو الغلام ويرد
الموقوف من مال الثاني إلى ابن ابنه لأنه له اما عن جده واما عن عمه وتعطى الام من تركة الغلام ألفا
وتسعا الف لأنه أقل مالها ويبقى الف وسبعة اتساع الف تدعي الام منها أربعة اتساع الف تمام ثلث
خمسة آلاف ويدعى منها ابن الابن ألفا وثلثا تمام ثلثي خمسة آلاف وتدعي البنت والعم جميع الباقي
فيكون ذلك موقوفا بينهم حتى يصطلحوا، ولو كان المولود في يدي امرأتين فادعياه معا اري القافة معهما
237

فإن ألحقته بإحداهما لحق بها وورثها وورثته في إحدى الروايات، وان ألحقته بهما أو نفته عنهما لم يلحق
بواحدة منهما، وان قامت لكل واحدة منهما بينة تعارضتا ولم تسمع بينتهما وبهذا قال أبو يوسف
واللؤلؤي وقال أبو حنيفة يثبت نسبه منهما ويرثانه ميراث أم واحدة كما يلحق برجلين
لو لنا أن إحدى البنتين كاذبة يقينا فلم تسمع كما لو علمت ومن ضرورة ردها ردهما لعدم العلم بعينها
ولان هذا محال فلم يثبت ببينة ولا غيرها كما لو كان الولد أكبر منهما، ولو أن امرأة معها صبي ادعاه
رجلان كل واحد يزعم أنه ابنه منها وهي زوجته فكذبتهما لم يلحقهما، وان صدقت أحدهما لحقه
كما لو كان بالغا فادعياه فصدق أحدهما، ولو أن صبيا مع امرأة فقال زوجها هو ابني من غيرك
فقالت بل هو ابني منك لحقهما جميعا
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الولاء
قال الله تعالى (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين مواليكم) يعنى الأدعياء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم
(الولاء لمن أعتق) وقال سعيد ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته. متفق عليهما، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله من تولى غير مواليه)
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال (مولى القوم منهم) حديث صحيح. وروى الخلال
238

باسناده عن إسماعيل بن خالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء لحمة كلحمة
النسب لا يباع ولا يوهب)
(مسألة) قال (والولاء لمن أعتق وإن اختلف ديناهما)
أجمع أهل العلم على أن من أعتق عبدا أو عتق عليه ولم يعتقه سائبة أن له عليه الولاء، والأصل في
هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء لمن أعتق) وأجمعوا أيضا على أن السيد يرث عتيقه إذا مات جميع ماله
إذا اتفق ديناهما ولم يخلف وارثا سواه وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء لحمة كلحمة النسب) والنسب
يورث به ولا يورث كذلك الولاء
وروى سعيد عن عبد الرحمن بن زياد ثنا شعبة عن الحكم عن عبد الله بن شداد قال: كانت
لبنت حمزة مولى أعتقه فمات وترك ابنته ومولاته فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف وأعطى مولاته بنت
حمزة النصف. قال وثنا خالد بن عبد الله عن يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الميراث
للعصبة فإن لم يكن عصبة فللمولى) وعنه أن رجلا أعتق عبدا فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما ترى في ماله؟ قال
(إن مات ولم يدع وارثا فهو لك)
(فصل) ويقدم المولى في الميراث على الرد وذوي الأرحام في قول جمهور العلماء من الصحابة
239

والتابعين ومن بعدهم فإذا مات رجل وخلف بنته ومولاه فلبنته النصف والباقي لمولاه، وإن خلف ذا رحم
ومولاه فالمال لمولاه دون ذي رحمه. وعن عمر وعلي يقدم الرد على المولى وعنهما وعن ابن مسعود تقديم
ذي الأرحام على المولى ولعلهم يحتجون بقول الله تعالى (وأو لو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله) ولنا حديث عبد الله بن شداد وحديث الحسن ولأنه عصبة يعقل عن مولاه فيقدم على الرد
وذوي الرحم كابن العم
(فصل) وإن كان للمعتق عصبة من نسبه أو ذوو فرض تستغرق فروضهم المال فلا شئ للمولى
لا نعلم في هذا خلافا لما تقدم من الحديث ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت
الفروض فلاولى رجل ذكر) وفي لفظ (فلاولى عصبة ذكر) والعصبة من القرابة أولى من ذي
الولاء لأنه مشبه بالقرابة والمشبه به أقوى من المشبه ولان النسب أقوى من الولاء بدليل أنه يتعلق
به التحريم والنفقة وسقوط القصاص ورد الشهادة ولا يتعلق ذلك بالولاء
(فصل) وإن اختلف دين السيد وعتيقه فالولاء ثابت لا نعلم فيه خلافا لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم
(الولاء لمن أعتق) ولقوله: الولاء لحمة كلحمة النسب ولحمة النسب تثبت مع اختلاف الدين وكذلك
الولاء) ولان الولاء إنما يثبت له عليه لانعامه باعتاقه وهذا المعنى ثابت مع اختلاف دينهما، ويثبت
الولاء للذكر على الأنثى والأنثى على الذكر ولكل معتق لعموم الخبر والمعنى، ولحديث عبد الله بن
شداد، وهل يرث السيد مولاه مع اختلاف الدين؟ فيه روايتان
240

(إحداهما) يرثه روي ذلك عن علي وعمر بن عبد العزيز، وبه قال أهل الظاهر واحتج أحمد
بقول علي: الولاء شعبة من الرق، وقال مالك يرث المسلم مولاه النصراني لأنه يصلح له تملكه ولا
يرث النصراني مولاه المسلم لأنه لا يصلح له تملكه، وجمهور العلماء على أنه لا يرثه مع اختلاف دينهما
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولأنه ميراث فيمنعه اختلاف الدين كميراث
النسب. ولان اختلاف الدين مانع من الميراث فمنع الميراث بالولاء كالقتل والرق، يحققه أن الميراث
بالنسب أقوى فإذا منع الأقوى فالأضعف أولى، ولان النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الولاء بالنسب بقوله (الولاء
لحمة كلحمة النسب) وكما يمنع اختلاف الدين التوارث مع صحة النسب وثبوته كذلك يمنعه مع صحة
الولاء وثبوته فإذا اجتمعا على الاسلام توارثا كالمتناسبين وهذا أصح في الأثر والنظر إن شاء الله تعالى فإن
كان للسيد عصبة على دين العبد ورثه دون سيده وقال داود لا يرث عصبته مع حياته
ولنا أنه بمنزلة ما لو كان الأقرب من العصبة مخالفا لدين الميت والابعد على دينه ورث دون القريب
(فصل) وإن أعتق حربي حربيا فله عليه الولاء لأن الولاء مشبه بالنسب والنسب ثابت بين
أهل الحرب فكذلك الولاء. وهذا قول عامة أهل العلم إلا أهل العراق فإنهم قالوا العتق في دار
الحرب والكتابة والتدبير لا يصح ولو استولد أمته لم تصر أم ولد مسلما كان السيد أو ذميا أو حربيا
241

ولنا أن ملكهم ثابت بدليل قول الله تعالى (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) فنسبها إليهم فصح
عتقهم كأهل الاسلام وإذا صح عتقهم ثبت الولاء لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء لمن أعتق) فإن
جاءنا المعتق مسلما فالولاء بحاله، فإن سبي مولى النعمة لم يرث ما دام عبدا، فإن أعتق فعليه الولاء
لمعتقه وله الولاء على معتقه. وهل يثبت لمعتق السيد ولاء على معتقه؟ يحتمل أن يثبت لأنه مولى
مولاه. ويحتمل أن لا يثبت لأنه ما حصل منه إنعام عليه ولا سبب لذلك، فإن كان الذي اشتراه
مولاه فأعتقه فكل واحد منهما مولى صاحبه يرثه بالولاء، وان أسره مولاه فأعتقه فكذلك، وان
أسره مولاه وأجنبي فأعتقاه فولاؤه بينهما نصفين، فإن مات بعده المعتق الأول فلشريكه نصف ماله
لأنه مولى نصف مولاه على أحد الاحتمالين والآخر لا شئ له لأنه لم ينعم عليه، وان سبي المعتق
فاشتراه رجل فأعتقه بطل ولاء الأول وصار الولاء للثاني وبهذا قال مالك والشافعي، وقيل الولاء بينهما
واختاره ابن المنذر لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر، وقيل الولاء للأول لأنه أسبق
ولنا أن السبي يبطل ملك الأول الحربي فالولاء التابع له أولى ولان الولاء بطل باسترقاقه فلم
يعد باعتاقه، وان أعتق ذمي عبدا كافرا فهرب إلى دار الحرب فاسترق فالحكم فيه كالحكم فيما إذا
أعتقه الحربي سواء، وإن أعتق مسلم كافرا فهرب إلى دار الحرب ثم سباه المسلمون فذكر أبو بكر
والقاضي انه لا يجوز استرقاقه وهو قول الشافعي لأن في استرقاقه إبطال ولاء المسلم المعصوم. قال
242

ابن اللبان ولان له أمانا بعتق المسلم إياه. والصحيح إن شاء الله جواز استرقاقه لأنه كافر أصلي كتابي
فجاز استرقاقه كمعتق الحربي وكغير المعتق. وقولهم في استرقاقه إبطال ولاء المسلم. قلنا لا نسلم بل
متى أعتق عاد الولاء للأول وإنما امتنع عمله في حال رقه لمانع وان سلمنا ان فيه إبطال ولائه فكذلك
في قتله وقد جاز إبطال ولائه بالقتل فكذلك بالاسترقاق، ولان القرابة يبطل عملها بالاسترقاق
فكذلك الولاء. وقول ابن اللبان له أمان لا يصح فإنه لو كان له أمان لم يجز قتله ولا سبيه. فعلى هذا
ان استرق ثم أعتق احتمل أن يكون الولاء للثاني لأن الحكمين إذا تنافيا كان الثابت هو الآخر
منهما كالناسخ والمنسوخ. واحتمل انه للأول لأن ولاءه ثبت وهو معصوم فلا يزول بالاستيلاء
كحقيقة الملك. ويحتمل انه بينهما وأيهما مات كان للثاني. وان أعتق مسلم مسلما أو أعتقه ذمي فارتد
ولحق بدار الحرب فسبي لم يجز استرقاقه وان اشتري فالشراء باطل ولا يقبل منه الا التوبة أو القتل
(فصل) ولا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا أن يأذن لمولاه فيوالي من شاء. روي ذلك عن
عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وطاوس وإياس
ابن معاوية والزهري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، وكره جابر بن عبد الله بيع الولاء. قال
سعيد حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال قال عبد الله إنما الولاء كالنسب فيبيع الرجل نسبه؟
وقال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار ان ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان
243

مكاتبا وروي أن ميمونة وهبت ولاء مواليها للعباس وولاؤهم اليوم لهم وان عروة ابتاع ولاء طهمان
لورثة مصعب بن الزبير. وقال ابن جريج قلت لعطاء أذنت لولاي أن يوالي من شاء فيجوز؟ قال نعم
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته وقال (الولاء لحمة كلحمة النسب) وقال
(لعن الله من تولى غير مواليه) ولأنه معنى يورث به فلا ينتقل كالقرابة. وفعل هؤلاء شاذ يخالف
قول الجمهور وترده السنة فلا يعول عليه
(فصل) ولا ينتقل الولاء عن المعتق بموته ولا يرثه ورثته وإنما يرثون المال به مع بقائه للمعتق
هذا قول الجمهور وروي نحو ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عمر وأبي
مسعود البدري وأسامة بن زيد وبه قال عطاء وطاوس وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي
والزهري والنخعي وقتادة وأبو الزناد وابن نشيط ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور
وأصحاب الرأي وداود وشذ شريح وقال: الولاء كالمال يورث عن المعتق فمن ملك شيئا حياته فهو
لورثته. ورواه حنبل ومحمد بن الحكم عن أحمد وغلطهما أبو بكر وهو كما قال فإن رواية الجماعة عن أحمد
مثل قول الجماعة وذلك لقوله عليه السلام (الولاء للمعتق) وقوله (الولاء لحمة كلحمة النسب) والنسب
لا يورث وإنما يورث به ولأنه معنى يورث به فلا ينتقل كسائر الأسباب والله تعالى أعلم
244

(مسألة) قال (ومن أعتق سائبة لم يكن له الولاء فإن أخذ من ميراثه شيئا رده في مثله)
قال أحمد في رواية عبد الله: الرجل يعتق عبده سائبة هو الرجل يقول لعبده قد أعتقتك سائبة كأنه
يجعله لله ولا يكون ولاؤه لمولاه قد جعله لله وسلمه عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود السائبة
يضع ماله حيث شاء. وقال أحمد قال عمر: السائبة والصدقة ليومهما. ومتى قال الرجل لعبده
أعتقتك سائبة أو أعتقتك ولا ولاء لي عليك لم يكن له عليه ولاء. فإن مات وخلف مالا ولم
يدع وارثا اشتري بماله رقاب فأعتقوا في المنصوص عن أحمد وأعتق ابن عمر عبدا سائبة
فمات فاشترى ابن عمر بماله رقابا فاعتقهم، وقال عمر بن عبد العزيز والزهري ومكحول وأبو العالية
ومالك يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين وعن عطاء أنه قال كنا نعلم أنه إذا قال أنت حر سائبة فهو يوالي
من شاء ولعل أحمد رحمه الله ذهب إلى شراء الرقاب استحبابا لفعل ابن عمر والولاء للمعتق وهذا
قول النخعي والشعبي وابن سيرين وراشد بن سعيد وضمرة بن حبيب والشافعي وأهل العراق لقوله
عليه السلام الولاء لمن أعتق وجعله لحمة كلحمة النسب فكما لا يزول نسب إنسان ولا ولد عن فراش
بشرط لا يزول ولاء عن معتق، ولذلك لما أراد أهل بريرة اشتراط ولائها على عائشة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم
(اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) يعني أن اشتراطهم تحويل الولاء عن المعتق
245

لا يفيد شيئا ولا يزيل الولاء عن المعتق، وروى مسلم باسناده عن هزيل بن شرحبيل قال جاء رجل
إلى عبد الله فقال إني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله
إن أهل الاسلام لا يسيبون وان أهل الجاهلية كانوا يسيبون وأنت ولي نعمته فإن تأثمت وتحرجت من
شئ فنحن نقبله ونجعله في بيت المال، وقال سعيد ثنا هشيم ثنا بشر عن عطاء أن طارق بن المرقع
أعتق سوائب فماتوا فكتب إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر: ان ادفع مال الرجل إلى مولاه فإن قبله
والا فاشتر به رقابا فأعتقهم عنه، وقال ثنا هشيم عن منصور أن عمر وابن مسعود قالا في ميراث السائبة
هو للذي أعتقه وهذا القول أصح في الأثر والنظر، وفي المواضع التي جعل الصحابة ميراثه لبيت المال
أو في مثله كان لتبرع المعتق وتورعه عن ميراثه كفعل ابن عمر في ميراث معتقه وفعل عمر وابن مسعود
في ميراث الذي تورع سيده عن أخذ ماله، وقد روي أن سالما مولى أبي حنيفة أعتقته لبنى بنت
يعار سائبة فقتل وترك ابنة فأعطاها عمر نصف ماله وجعل النصف في بيت المال وعلى القول المنصوص
عن أحمد ان خلف السائبة مالا اشتري به رقاب فأعتقوا فإن رجع من ميراثهم شئ اشترى به أيضا
رقاب فأعتقوا، وإن خلف السائبة ذا فرض لا يستغرق ماله أخذ فرضه واشتري بباقيه رقاب فأعتقوا
ولا يرد على ذي الفرض
(فصل) وان عتق عبدا عن كفارته أو نذره أو من زكاته فقال أحمد في الذي يعتق من زكاته
ان ورث منه شيئا جعله في مثله قال وهذا قول الحسن وبه قال إسحاق، وعلى قياس ذلك العتق من
246

الكفارة والنذر لأنه واجب عليه، وقد روى عن أحمد رحمه الله أنه قال في الذي يعتق في الزكاة ولاؤه
للذي جرى عتقه على يديه، وقال مالك والعنبري ولاؤه لسائر المسلمين ويجعل في بيت المال وقال
أبو عبيد ولاؤه لصاحب الصدقة وهو قول الجمهور في العتق في النذر والكفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(الولاء لمن أعتق) ولان عائشة اشترت بريرة بشرط العتق فاعتقتها فكان ولاؤها لها وشرط العتق
يوجب ولأنه معتق عن نفسه فكان الولاء له كما لو اشترط عليه العتق فأعتق
ولنا أن الذي أعتق من الزكاة معتق من غير ماله فلم يكن له الولاء كما لو دفعها إلى الساعي فاشترى
بها واعتق وكما لو دفع إلى المكاتب مالا فأداه في كتابته، وفارق من اشترط عليه العتق فإنه إنما أعتق
ماله والعتق في الكفارة والنذر واجب عليه فأشبه العتق من الزكاة، وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه
لا يعتق من الزكاة وعلل بعضهم المنع من ذلك بأنه يجر الولاء إلى نفسه فينتفع بزكاته وهذا قول لأحمد
رواه عن جماعة وهو قول النخعي والشافعي
(مسألة) قال (ومن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وكان ولاؤه له)
ذو الرحم المحرم القريب الذي يحرم نكاحه عليه لو كان أحدهما رجلا والآخر امرأة وهم الوالدان
وان علوا من قبل الأب والام جميعا والولد وان سفل من ولد البنين والبنات والاخوة والأخوات وأولادهم
247

وأن سفلوا والأعمام والعمات والأخوال والخالات دون أولادهم فمتى ملك أحدا منهم عتق عليه روي
ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال الحسن وجابر بن زيد وعطاء والحكم وحماد وابن
أبي ليلى والثوري والليث وأبو حنيفة والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم، وأعتق مالك
الوالدين والمولودين وان بعدوا والاخوة والأخوات دون أولادهم، ولم يعتق الشافعي الا عمودي
النسب وعن أحمد رواية كذلك ذكرها أبو الخطاب ولم يعتق داود وأهل الظاهر أحدا حتى يعتقه
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجزئ ولد والده الا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم
ولنا ما روى الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ملك ذا رحم محر، فهو حر) رواه
أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولأنه ذو رحم محرم فيعتق عليه بالملك كعمودي النسب
وكالاخوة والأخوات عند مالك، فأما قوله حتى يشتريه فيعتقه فيحتمل أنه أراد يشتريه فيعتقه بشرائه
له كما يقال ضربه فقتله والضرب هو القتل وذلك لأن الشراء لما كان يحصل به العتق تارة دون أخرى
جاز عطف صفته عليه كما يقال ضربه فأطار رأسه، ومتى عتق عليه فولاؤه له
لأنه يعتق من ماله
بسبب فعله فكان ولاؤه له كما لو باشر عتقه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو غنيمة أو ارث أو غيره
لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا
(فصل) ولا خلاف في أن المحارم من غير ذوي الأرحام لا يعتقون على سيدهم كالأم والأخ من
248

الرضاعة والربيبة وأم الزوجة وابنتها الا أنه حكي عن الحسن وابن سيرين وشريك أنه لا يجوز بيع
الأخ من الرضاعة، وروي عن ابن مسعود أنه كرهه والأول أصح قال الزهري جرت السنة بأن يباع
الأخ والأخت من الرضاع ولأنه لا نص في عتقهم ولا هم في معنى المنصوص عليه فيبقون على الأصل ولأنهما
لا رحم بينهما ولا توارث ولا تلزمه نفقته فأشبه الربيبة وأم الزوجة
(فصل) وان ملك ولده من الزنا لم يعتق عليه على ظاهر كلام أحمد لأن أحكام الولد غير ثابتة
فيه وهي الميراث والحجب والمحرمية ووجوب الانفاق وثبوت الولاية له عليه، ويحتمل أن يعتق
لأنه جزؤه حقيقة وقد ثبت فيه حكم تحريم التزويج، ولهذا لو ملك ولده المخالف له في الدين عتق
عليه مع انتفاء هذه الأحكام
(مسألة) قال (وولاء المكاتب والمدبر لسيدهما إذا أعتقا)
هذا قول عامة الفقهاء وبه يقول الشافعي وأهل العراق وحكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار
وأبي ثور أنه لا ولاء على المكاتب لأنه اشترى نفسه من سيده فلم يكن له عليه ولاء كما لو اشتراه أجنبي
فاعتقه وكان قتادة يقول من لم يشترط ولاء المكاتب فلمكاتبه أن يوالي من شاء وقال مكحول أما المكاتب
إذا اشترط ولاءه مع رقبته فجائز
249

ولنا أن السيد هو المعتق للمكاتب لأنه يتبعه بماله وماله وكسبه لسيده فجعل ذلك له ثم باعه به
حتى عتق فكان هو المعتق وهو المعتق للمدبر بلا اشكال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء لمن أعتق)
ويدل على ذلك أن المكاتبين يدعون موالي مكاتبيهم فيقال أبو سعيد مولى ابن أسيد وسيرين مولى
انس وسليمان بن يسار مولى ميمونة، وقد وهبت ولاءه لابن عباس وكانوا مكاتبين وكذلك
أشباههم ويدل على ذلك أن في حديث بريرة أنها جاءت عائشة فقالت يا أم المؤمنين اني كاتبت أهلي
على تسع أواق فأعينيني فقالت عائشة إن شاؤوا عددت لهم عدة واحدة ويكون ولاؤك لي فعلت فأبوا
أن يبيعوها إلا أن يكون الولاء لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اشتريها واشترطي لهم الولاء)) وهذا يدل على
أن الولاء كان لهم لو لم تشترها منهم عائشة
(فصل) وان اشترى العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق والولاء لسيده لأنه يبيع ماله بماله فهو
مثل المكاتب سواء والسيد هو المعتق لهما فالولاء له عليهما
(مسألة) قال (وولاء أم الولد لسيدها إذا ماتت)
يعنى إذا عتقت بموت سيدها فولاؤها له يرثها قرب عصبته وهذا قول عمر وعثمان وبه قال
عامة الفقهاء، وقال ابن مسعود: تعتق من نصيب ابنها فيكون ولاؤها له وعن ابن عباس نحوه وعن
250

علي لا تعتق ما لم يعتقها وله بيعها وبه قال جابر بن زيد وأهل الظاهر، وعن ابن عباس نحوه ولذكر
الدليل على عتقها موضع غير هذا ولا خلاف بين القائلين بعتقها ان ولاءها لمن عتقت عليه ومذهب
الجمهور أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال فيكون ولاؤها له لأنها عتقت بفعله من ماله فكان ولاؤها
له كما لو عتقت بقوله ويختص ميراثها بالولاء بالذكور من عصبة السيد كالمدبر والمكاتب
(مسألة) قال (ومن أعتق عبده عن رجل حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق)
هذا قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف وداود، وروي عن ابن
عباس ان ولاءه للمعتق عنه، وبه قال الحسن ومالك وأبو عبيد لأنه أعتقه عن غيره فكان الولاء
للمعتق عنه كما لو أذن له
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولاء للمعتق) ولأنه أعتق عبده من غير إذن غيره له فكان الولاء له كما لو لم يقصد شيئا
(مسألة) قال (وان أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه بأمره)
وبهذا قال جميع من حكينا قوله في المسألة الأولى الا أبا حنيفة ووافقه أبو يوسف ومحمد بن الحسن
وداود فقالوا الولاء للمعتق إلا أن يعتقه عنه على عوض فيكون له الولاء ويلزم العوض ويصير كأنه
251

اشتراه ثم وكله في اعتاقه أما إذا كان عن غير عوض فلا يصح تقدير البيع فيكون الولاء للمعتق لعموم
قوله عليه السلام (الولاء للمعتق) وعن أحمد مثل ذلك
ولنا أنه وكيل في الاعتاق فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أخذ عوضا فإنه كما يجوز تقدير البيع
فيما إذا أخذ عوضا يجوز تقدير الهبة إذا لم يأخذ عوضا فإن الهبة جائزة في العبد كما يجوز البيع والخبر
مخصوص بما إذا أخذ عوضا وكسائر الوكلاء فنقيس عليه محل النزاع
(مسألة) قال (ومن قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه فالثمن عليه والوطئ للمعتق عنه)
لا نعلم في هذه المسألة خلافا وان الولاء للمعتق عنه لكونه أعتقه عنه بعوض ويلزمه الثمن لأنه
أعتقه عنه بشرط العوض فيقدر ابتياعه منه ثم توكيله في عتقه ليصح عتقه عنه فيكون الثمن عليه والولاء
له كما لو ابتاعه منه ثم وكله في عتقه
(مسألة) قال (ولو قال أعتقه والثمن علي كان الثمن عليه والولاء للمعتق)
إنما كان الثمن عليه لأنه جعل له جعلا على اعتاق عبده فلزمه ذلك بالعمل كما لو قال من بني لي هذا
الحائط فله دينار فبناه انسان استحق الدينار والولاء للمعتق لأنه لم يأمره باعتاقه عنه ولا قصد به المعتق ذلك
252

فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه فيبقى للمعتق عملا بقوله عليه السلام (الولاء للمعتق)
(فصل) ومن أوصى أن يعتق عبده بعد موته فأعتق فالولاء له، وكذلك لو وصى بعتق عبده
ولم يقل عني فأعتق كان الولاء له لأن الاعتاق من ماله، وان أعتق عنه ما يجب اعتاقه ككفارة
ونحوها فقد مضى ذكرها فيما تقدم
(مسألة) قال (ومن أعتق عبدا له أولاد من مولاة لقوم جر معتق العبد ولاء أولاده)
وجملة ذلك أن الرجل إذا أعتق أمته فتزوجت عبدا فأولدها فولدها منه أحرار وعليهم الولاء
لمولى أمهم يعقل عنهم ويرثهم إذا ماتوا لكونه سبب الانعام عليهم بعتق أمهم فصاروا لذلك أحرارا فإن أعتق
العبد سيده ثبت له عليه الولاء وجر إليه ولاء أولاده عن مولى أمهم لأن الأب لما كان مملوكا لم يكن يصلح
وارثا ولا وليا في نكاح فكان ابنه كولد الملاعنة ينقطع نسبه عن ابنه فثبت الولاء لمولى أمه وانتسب إليها فإذا
عتق العبد صلح الانتساب إليه وعاد وارثا عاقلا وليا فعادت النسبة إليه وإلى مواليه بمنزلة ما لو استلحق الملاعن
ولده هذا قول جمهور الصحابة والفقهاء يروى هذا عن عمر وعثمان وعلي والزبير وعبد الله وزيد بن ثابت ومروان
وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز والنخعي وبه قال مالك والثوري
والأوزاعي والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وإسحاق وأبو ثور. ويروى عن رافع بن خديج ان
253

الولاء لا ينجر عن موالي الام وبه قال مالك بن أوس بن الحدثان والزهري وميمون بن مهران وحميد
ابن عبد الرحمن وداود لأن الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يزول عمن ثبت له فكذلك الولاء
وقد روي عن عثمان نحو هذا وعن زيد وأنكرهما ابن اللبان وقال: مشهور عن عثمان انه قضى
الولاء للزبير على رافع بن خديج
ولنا ان الانتساب إلى الأب فكذلك الولاء ولذلك لو كانا حرين كان ولاء ولدهما لمولى أبيه
فلما كان مملوكا كان الولاء لمولى الام ضرورة فإذا أعتق العبد الأب زالت الضرورة فعادت النسبة
إليه والولاء إلي مواليه. وروى عبد الرحمن عن الزبير انه لما قدم خيبر رأى فتية لعسا فأعجبه
ظرفهم وجمالهم فسأل عنهم فقيل له موالي رافع بن خديج وأبوهم مملوك لآل الحرقة فاشترى الزبير
أباهم فأعتقه وقال لأولاده انتسبوا إلي فإن ولاءكم لي فقال رافع بن خديج الولاء لي فإنهم عتقوا بعتقي
أمهم فاحتكموا إلى عثمان فقضى بالولاء للزبير فاجتمعت الصحابة عليه. اللعس سواد في الشفتين تستحسنه
العرب ومثله اللمى قال ذو الرمة:
لمياء في شفتيها حوة لعس * وفي اللثات وفي أنيابها شنب
(فصل) وحكم المكاتب يتزوج في كتابته فيأتي له أولاد ثم يعتق حكم العبد القن في جر الولاء
وكذلك المدبر والمعلق عتقه بصفة لأنهم عبيد فإن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم
254

(فصل) إذا انجر الولاء إلى موالي الأب ثم انقرضوا عاد الولاء إلى بيت المال ولم يرجع إلى
موالي الام بحال في قول أكثر أهل العلم. وحكي عن ابن عباس انه يعودا إلى موالي الام والأول أصح
لأن الولاء جرى مجرى الانتساب. ولو انقرض الأب وآباؤه لم تعد النسبة إلى الام كذلك الولاء
فإذا ثبت هذا فولدت بعد عتق الأب كان ولاء ولدها لموالي أبيه بلا خلاف فإن نفاه باللعان عاد
ولاؤه إلى موالي الام لأنا نتبين انه لم يكن له أب ينتسب إليه فإن عاد فاستلحقه عاد الولاء إلى موالي الأب
(فصل) ولا ينجر الولاء الا بشروط ثلاثة [أحدها] أن يكون الأب عبدا حين الولادة فإن
كان حرا وزوجته مولاة لم يخل اما أن يكون حر الأصل فلا ولاء عليه ولا على ولده بحال وإن كان مولى ثبت
الولاء على ولده لمواليه ابتداء ولا جر فيه (الثاني) أن تكون الام مولاة فإن لم تكن كذلك لم تخل
إما أن تكون حرة الأصل فلا ولاء على ولدها بحال وهم أحرار بحريتها أو تكون أمة فولدها رقيق لسيدها
فإن أعتقهم فولاؤهم له لا ينجر عنه بحال سواء أعتقهم بعد ولادتهم أو أعتق أمهم جاملا فعتقوا
بعتقها لأن الولاء يثبت بالعتق مباشرة فلا ينجر عن المعتق لقوله عليه السلام (الولاء لمن أعتق)
وان أعتقها المولى فأتت بولد لدون ستة أشهر فقد مسه الرق وعنق بالمباشرة فلا ينجر ولاؤه.
وان أتت به لأكثر من ستة أشهر مع بقاء الزوجية لم يحكم بمس الرق له وانجر ولاؤه لأنه يحتمل أن
يكون حادثا بعد العتق فلم يمسه الرق ولم يحكم برقه بالشك، وان كانت المرأة بائنا وأتت بولد
255

لأربع سنين من حين الفرقة لم يلحق بالأب وكان ولاؤه لمولى أنه وان أتت به لأقل من ذلك لحقه
الولد وانجر ولاؤه وولد الأمة مملوك سواء كان من نكاح أو من سفاح عربيا كان الزوج أو أعجميا،
وهذا قول عامة الفقهاء. وعن عمر إن كان زوجها عربيا فولده حر وعليه قيمته ولا ولاء عليه وعن
أحمد مثله وبه قال ابن المسيب والثوري والأوزاعي وأبو ثور، وبه قال الشافعي في القديم ثم رجع عنه،
والأول أولى لأن أمهم أمة فكانوا عبيدا كما لو كان أبوهم أعجميا
[الثالث] أن يعتق العبد سيده فإن مات على الرق لم ينجر الولاء بحال وهذا لا خلاف فيه فإن
اختلف سيد العبد ومولى الام في الأب بعد موته فقال سيده مات حرا بعد جر الولاء وأنكر ذلك
مولى الام فالقول قول مولى الام، ذكره أبو بكر لأن الأصل بقاء الرق، وهذا مذهب الشافعي
(فصل) فإن لم يعتق الأب ولكن عتق الجد فقال أحمد لا يجر الولاء ليس هو كالأب وبهذا
قال أبو حنيفة وصاحباه. وعن أحمد انه يجره وبه قال شريح والشعبي والنخعي وأهل المدينة وابن
أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المبارك وأبو ثور وضرار بن صرد والشافعي في أحد قوليه فإن أعتق
الأب بعد ذلك جره عن موالي الجد إليه لأن الجد يقوم مقام الأب في التعصيب وأحكام النسب فكذلك
في جر الولاء. وقال زفر إن كان الأب حيا لم يجر الجد الولاء وإن كان ميتا جره وهو القول الثاني للشافعي
ولنا ان الأصل بقاء الولاء لمستحقه وإنما خولف هذا الأصل للاتفاق على أنه ينجر
256

يعتق الأب، والجد لا يساويه بدليل انه لو عتق الأب بعد الجد جره عن موالي الجد إليه
ولو أسلم الجد لم يتبعه ولد ولده ولان الجد يدلي بغيره ولا يستقر الولاء عليه فلم يجر الولاء كالأخ
وكونه يقوم مقام الأب لا يلزم أن ينجر الولاء إليه كالأخ وعلى القول الآخر لا فرق بين الجد القريب
والبعيد لأن البعيد يقوم مقام الأب كقيام القريب ويقتضي هذا أنه متى عتق البعيد فجر الولاء ثم عتق
من هو أقرب منه جر الولاء إليه ثم إن عتق الأب جر الولاء لأن كل واحد يحجب من فوقه ويسقط
تعصيبه وارثه وولايته ولو لم يعتق الجد لكن كان حرا وولده مملوك فتزوج مولاة قوم فأولدها أولادا
فولاؤهم لمولى أمهم وعند من يقول يجر الجد الولاء يكون لمولى الجد وان لم يكن الجد مولى بل كان حر
الأصل فلا ولاء على ولد أبيه فإن أعتق أبوه بعد ذلك لم يعد على ولده ولاء لأن الحرية ثبتت له من غير
ولاء فلم يتجدد عليه ولاء كالحر الأصلي
(فصل) وإذا كان أحد الزوجين الحرين حر الأصل فلا ولاء على ولدهما سواء كان الآخر عربيا
أو مولى لأن الام ان كانت حرة الصل فالولد يتبعها فيما إذا كان الأب رقيقا في ابقاء المرق والولاء
فلان يتبعها في نفي الولاء وحده أولى وإن كان الأب حر الأصل فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه ولاء
بحيث يصير الولاء عليه لمولى أبيه فلان يتبعه في سقوط الولاء عنه أولى، وهذا قول أكثر أهل العلم
وسواء كان لأب عربيا أو أعجميا وقال أبو حنيفة إن كان أعجميا والام مولاة ثبت الولاء على ولده
257

وليس بصحيح لأنه حر الأصل فلم يثبت الولاء على ولده كما لو كان عربيا وسواء كان مسلما أو ذميا
أو حربيا أو مجهول النسب أو معلومه وهذا قول أبي يوسف ومالك وابن شريح وقال القاضي إن كان
مجهول النسب ثبت الولاء على ولده لمولى الام إن كانت مولاة قال ابن اللبان وهذا ظاهر مذهب
الشافعي وقال الخبري وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وأحمد لأن مقتضى ثبوته لمولى الام موجود وإنما
امتنع في محل الوفاق بحرية الأب فإذا لم يكن معلومه فقد وقع الشك في المنافع فيبقى على الأصل ولا
يزول عن اليقين بالشك ولا يترك العمل بالمقتضي مع الشكك في المانع
ولنا أن الأب حر محكوم بحريته فأشبه معروف النسب ولان الأصل في الآدميين الحرية وعدم
الولاء فلا يترك هذا الأصل بالوهم في حق الولد كما لم يترك في حق الأب وقولهم مقتضى ثبوته لمولى
الام موجود ممنوع فإنه إنما ثبت لمولى الام بشرط رق الأب وهذا الشرط منتف حكما وظاهرا وان
سلمنا وجود المقتضي فقد ثبت المانع حكما فإن الأب حريته ثابتة حكما فلا تعويل على ما قالوه وإن كان
الأب مولى والام مجهولة النسب فلا ولاء عليه في قولنا وقياس قول القاضي والشافعي أن يثبت الولاء
عليه لمولى ابنه لأنا شككنا في المانع من ثبوته
ولنا ما ذكرنا في التي قبلها ولان الام لا تخلوا من أن تكون حرة الأصل فلا ولاء على ولدها أو
أمة فيكون ولدها عبدا أو مولاة فيكون على ولدها ولا لمولى أبيه والاحتمال الأول راجح لوجهين
258

(أحدهما) انه محكوم به في الام فيجب الحكم به في ولدها (الثاني) أنه معتضد بالأصل فإن الأصل
الحرية ثم لو لم يترجح هذا الاحتمال لكان الاحتمال الذي صاروا إليه معارضا باحتمالين كل واحد منهما
مساو له فترجيحه عليهما تحكم لا يجوز المصير إليه بغير دليل وهذا وارد عليهم في المسألة الأولى أيضا.
(فصل) إذا تزوج معتق بمعتقة فأولدها ولدين فولاؤهما لمولى أبيهما فإن نفاهما باللعان عاد ولاؤهما
إلى مولى أمهما فإن مات أحدهما فميراثه لامه ومواليهما فإن اكذب أبوهما نفسه لحقه نسبهما واسترجع
الميراث من موالي الام ولو كان أبوهما عبدا ولم ينفهما وورث موالي الام الميت منهما ثم أعتق
الأب انجر الولاء إلى موالي الأب ولم يكن لهم ولاء وللأب استرجاع الميراث لأن الولاء إنما ثبت
لهم عند اعتاق الأب ويفارق الأب إذا أكذب نفسه لأن النسب ثبت من حين خلق الولد
(فصل) وإذا تزوج عبد معتقة فاستولدها أولادا فهم أحرار وولاؤهم لموالي أمهم فإن اشترى
أحدهم أباه عتق عليه وله ولاؤه ويجر إليه ولاء أولاده كلهم ويبقى ولاء المشتري لمولى أمه لأنه لا يكون
مولى نفسه، وهذا قول جمهور الفقهاء مالك في أهل المدينة وأبو حنيفة في أهل العراق والشافعي
وشذ عمر بن دينار المدني فقال يجر ولاء نفسه فيصير حرا لا ولاء عليه قال ابن شريح ويحتمله قول الشافعي
ولا يعول على هذا القول لشذوذه ولأنه يؤدي إلى أن يكون الولاء ثابتا على أبويه دونه مع كونه
259

مولودا لهما في حال رقهما أو في حال ثبوت الولاء عليهما وليس لنا مثل هذا في الأصول ولا يمكن أن يكون
مولى نفسه يعقل عنها ويرثها ويزوجها لكن لو اشترى هذا الولد عبدا فأعتقه ثم اشترى العبد أبا معتقه
فأعتقه فإنه ينجر إليه ولاء سيده فيكون لهذا الولد على معتقه الولاء باعتاقه إياه وللعتيق ولاء معتقه بولائه
على أبيه وجوه ولاءه باعتاقه إياه ولا يمتنع مثل هذا كما لو أعتق الحربي عبدا فأسلم ثم أسر سيده وأعتقه
صار كل واحد منهما مولى الآخر من فوق ومن أسفل ويرث كل واحد منهما الآخر بالولاء وكما
جاز أن يشتركا في النسب فيرث كل واحد منهما صاحبه به كذلك الولاء، وإن تزوج ولد المعتقة معتقة
فأولدها ولد فاشترى جده عتق عليه وله ولاؤه ويجر إليه ولاء أبيه وسائر أولاد جده وهم عمومته
وعماته وولاء جميع معتقيهم ويبقى ولاء المشتري لمولى أم أبيه، وعلى قول عمرو بن دينار يبقى
حرا لا ولاء عليه.
(فصل) إذا تزوج عبد معتقة فأولدها ولدا فتزوج الولد بمعتقة رجل فأولدها ولدا فولاء هذا
الولد الآخر لمولى أم أبيه في أحد الوجهين لأن له الولاء على أبيه فكان الولاء له عليه كما لو كان مولى
جده ولان الولاء الثابت على الأب يمنع ثبوت الولاء لمولى الام
(والوجه الثاني) ولاؤه لمولى أمه لأن الولاء الثابت على ابنه من جهة أمه ومثل ذلك ثابت في
260

حق نفسه وما ثبت في حقه أولى مما ثبت في حق أبيه ألا ترى أنه لو كان له مولى ولأبيه مولى كان
مولاه أحق به من مولى أبيه فإن كان له مولى أم ومولى أم أب ومولى أم جد وجدة مملوك فعلى الوجه
الأول يكون لمولى أم الجد وعلى الثاني يكون لمولى الام
(فصل) وإن تزوج معتق بمعتقة فأولدها بنتا وتزوج عبد بمعتقة فأولدها ابنا فتزوج هذا الابن
بنت المعتقين فأولدها ولدا فولاء هذا الولد لمولى أم أبيه لأن له الولاء على أبيه، وإن تزوجت بنت
بمملوك فولاء ولدها لمولى أبيها لأن ولاءها له فإن كان أبوها ابن مملوك ومعتقة فالولاء لمولى
أم أبي الام على الوجه الأول لأن مولى أبي الام يثبت له الولاء على أبي الام فكان مقدما على المعتقين
أمها ويثبت له الولاء عليها
(فصل في دور الولاء)
إذا تزوج عبد معتقة فأولدها بنتين فاشترتا أباهما عتق عليهما ولهما عليه الولاء وتجر كل واحدة
منهما نصف ولاء أختها إليها لأنها أعتقت نصف الأب ولا ينجر الولاء الذي عليها ويبقى نصف ولاء
كل واحدة منهما لمولى أمها فإن مات الأب فماله لهما ثلثاه بالبنوة وباقيه بالولاء فإن ماتت إحداهما بعد
ذلك فلأختيها النصف بالنسب ونصف الباقي بأنها مولاة نصفها فصار لها ثلاثة أرباع مالها والربع الباقي
لمولى أمها فإن كانت إحداهما ماتت قبل أبيها فمالها لأبيها ثم إذا مات الأب فللباقية نصف ميراث
261

أبيها فمالها لأبيها، ثم إذا مات الأب فللباقية نصف ميراث أبيها لكونها بنته ونصف الباقي وهو الربع
لكونها مولاة نصفه يبقى الربع لموالي البنت التي ماتت قبله فنصفه لهذه البنت لأنها مولاة نصف أختها
صار لها سبعة أثمان ميراثه ولمولى أم الميتة الثمن فإن ماتت البنت الباقية بعدهما فمالها لمواليها نصفه لمولى
أمها ونصفه لمولى أختها الميتة وهم أختها وموالي أمها فنصفه لمولى أمها وهو الربع والربع الباقي يرجع إلى
هذه الميتة فهذا الجزء دائر لأنه خرج من هذه الميتة ثم دار إليها فقال القاضي يجعل في بيت المال لأنه
لا مستحق له نعلمه وهذا قول محمد بن الحسن وقياس قول مالك والشافعي
وقال بعض الشافعية وبعض المدنيين هو لمولى أم الميتة وهذا قول الجمهور وهاتان المسئلتان أصل
في دور الولاء وفيها أقوال شاذة سوى ما ذكرناه وهذا أصح ما قيل فيها إن شاء الله فإن مات الابنتان
قبل الأب ورث مالهما بالنسب فإن مات بعدهما فماله يقسم على ثمانية أسهم لكل واحدة من ابنتيه أربعه
أسهم سهمان لمولى أمها وسهمان لمولى أختها يقسمان أيضا لموالي أمها سهم وسهم دائر يرجع إلى بيت المال
فيحصل لبيت المال الربع ولمولى أمها ثلاثة أرباع فإن كن ثلاثا ماتت إحداهن قبل الأب والآخري بعده فمال
الأب على سبعة وعشرين لابنتيه ثلثاها بالنسب وثلثا الباقي بولائهما عليه وثلثا الباقي بولائهما على أختهما
ويبقى لمولى الام سهم، ومال الثانية على ثمانية عشر للحية تسعة بالنسب وثلاثة بولائها عليها ولمولى أمها ثلاثة
ويبقى ثلاثة لموالي الميتة الأولى للحية سهم ولمولى أمها سهم ويبقى سهم دائر فمن جعله لبيت المال دفعه إليه
262

ومن جعله لمولى الام فهو له ومن لم يدفعه قسمه بين الحية ومولى الام نصفين وترجع بالاختصار إلى
أربعة فإن كانت أمهاتهن شتى فمن اثنى عشر فإن اشترى الابنتان أباهما ثم اشترى أبوهما هو والكبرى
جدهما ثم مات الأب فماله بينهم أثلاثا ثم إذا مات الجد وخلف ابنتي ابنه فلهما الثلثان وللكبرى نصف
الباقي لكونها مولاة نصفه يبقى السدس لموالي الأب لأنه مولي نصف الجد وهم ابنتاه فيحصل للكبرى
ثلث المال وربعه، وللصغرى ربعه وسدسه فإن كانت بحالها فاشترت الكبرى وأبوها أخاهما لأبيهما
فالجواب فيها كالتي قبلها
باب ميراث الولاء
يعني والله أعلم الميراث بالولاء وأضاف الميراث إليه لأنه سببه فإن الشئ يضاق إلى سببه كما يقال دية
الخطأ ودية العمد وإنما قلنا ذلك لأن الولاء لا يورث وإنما يورث به وهذا قول الجمهور روي نحو ذلك
عن عمر وعثمان وعلى وزيد بن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وابن مسعود البدري وأبي بن كعب وبه قال
عطاء وطاووس وسالم والزهري والحسن وابن سيرين وقتادة والشعبي وإبراهيم ومالك والشافعي وأهل العراق
وداود وجعل شريح الولاء موروثا كالمال ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن أعتق وقوله الولاء لحمة كلحمة
النسب والنسب يورث به ولا يورث فكذلك الولاء ولان الولاء إنما يحصل بانعام السيد على المعتق وهذا
263

المعنى لا ينتقل عن المعتق فكذلك الولاء (مسألة) قال ولا يرث النساء من الولاء الا ما أعتقن أو أعتق
من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله في بنت المعتق خاصة انها ترث
لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه ورث بنت حمزة من الذي أعتقه حمزة قوله ولا يرث النساء من الولاء لما قدمنا
من أن الولاء لا يورث ولهذا قال الا ما أعتقن ومعتقهن ولاؤه لهن فكيف يرثنه؟ والظاهر من المذهب
ان النساء لا يرثن بالولاء الا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن وجر الولاء إليهن من أعتقن والكتابة كذلك فإنها
اعتاق قال القاضي هذا ظاهر كلام احمد والرواية التي ذكرها الخرقي في ابنة المعتق ما وجدتها منصوصة عنه
وقد قال في رواية ابن القاسم وقد سأله هل كان لمولى حمزة أو لابنته؟ فقال فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت
بولاء نفسها لأنها هي المعتقة وهذا قول الجمهور وهو قول من سمينا في أول الباب من الصحابة والتابعين
ومن بعدهم غير شريح والصحيح الأول لاجماع الصحابة ومن بعدهم عليه ولان الولاء لحمة كلحمة النسب
والمولى كالنسيب من الأخ والعم ونحوهما فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه وعمه ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة
فأما رواية الخرقي في بنت المعتق فوجهها ما روى إبراهيم النخعي أن مولى لحمزة مات وخلف بنتا فورث النبي
صلى الله عليه وسلم بنته النصف وجعل لبنت حمزة النصف والصحيح أن المولى كان لبنت حمزة قال عبد الله بن شداد كان
لبنت حمزة مولى أعتقته فمات وترك ابنته ومولاته بنت حمزة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأعطى ابنته النصف وأعطى مولاته بنت حمزة النصف قال عبد الله بن شداد أنا أعلم بها لأنها أختي
264

من أمي امنا سلمى، رواه ابن اللبان باسناده وقال هذا أصح مما روى إبراهيم، ولان البنت من النساء فلا
ترث بالولاء كسائر النساء، فأما توريث المرأة من معتقها ومعتق معتقها ومن جر ولاء معتقها فليس فيه
اختلاف بين أهل العلم، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فإن عائشة أرادت شراء بريرة لتعتقها
ويكون ولاؤها لها فأراد أهلها اشتراط ولائها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اشتريها واشترطي لهم الولاء
فإنما الولاء لمن أعتق) متفق عليه وقال عليه السلام (تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي
لاعنت عليه) قال الترمذي هذا حديث حسن ولان المعتقة منعمة بالاعتاق كالرجل فوجب أن تساويه في
الميراث وفي حديث مولى بنت حمزة الذي ذكرناه تنصيص على توريث المعتقة، وأما معتق أبيها فهو بمنزلة
عمها أو عم أبيها فلا ترثه ويرثه أخوها كالنسب
(ومن مسائل ذلك) رجل مات وخلف ابن معتقه وبنت معتقه فالميراث لابن معتقه خاصة وعلى
الرواية الأخرى يكون الميراث بينهما أثلاثا فإن لم يخلف إلا بنت معتقه فلا شئ لها وماله لبيت المال
الا على الرواية الأخرى فإن الميراث لها، وإن خلف أخت معتقه فلا شئ لها رواية واحدة وكذلك أن
خلف أم معتقه أو جدة معتقه أو غيرهما، وإن خلف أخا معتقه وأخت معتقه فالميراث للأخ، ولو خلف
بنت معتقه وابن عم معتقه أو معتق معتقه أو ابن معتق معتقه فالمال له دون البنت الا على الرواية الأخرى
فإن لها النصف والباقي للعصبة، وإن خلف بنته ومعتقه فلبنته النصف والباقي لمعتقه كما في قصة مولى
265

بنت حمزة فإنه مات وخلف بنته وبنت حمزة التي أعتقته فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم بنته النصف والباقي
لمولاته، وإن خلف ذا فرض سوى البنت كالأم أو الجدة أو الأخت أو الأخ من الام أو الزوج أو الزوجة
أو من لا يستغرق فرضه المال أو مولاه أو مولاته فإن لذي الفرض فرضه والباقي لمولاه أو مولاته في
قول جمهور العلماء وقد سبق ذكر ذلك. رجل وابنته أعتقا عبدا ثم مات الأب وخلف ابنه وبنته فماله
بينهما أثلاثا ثم مات العبد فللبنت النصف لأنها مولاة نصفه والباقي لابن المعتق خاصة الا على الرواية
الضعيفة فإن الباقي يكون بينهما على ثلاثة فيكون للبنت الثلثان ولأخيها الثلث، وإن ماتت البنت قبل العبد
وخلفت ابنا ثم مات العبد فلابنها النصف والباقي لأخيها، ولو لم تخلف البنت إلا بنتا كان الولاء كله لأخيها
دون بنتها إلا على الرواية الأخرى فإن لبنتها النصف والباقي لأخيها وإن مات الابن قبل العبد وخلف
بنتا ثم مات العبد وخلف معتقة وبنت (1) أخيها فللمعتقة نصف ماله وباقيه لبيت المال وعلى الرواية
الأخرى لها النصف باعتاقها ونصف الباقي لأنها بنت معتق النصف والباقي لعصبة ابنها، ولو كانت البنت
ماتت أيضا قبل العبد وخلفت ابنها ثم مات العبد فلابنها النصف ولا شئ لبنت أخيها. امرأة أعتقت أباها
ثم أعتق أبوها عبدا ثم مات الأب ثم العبد فمالهما لها، فإن كان أبوها خلف بنتا أخرى معها فلهما ثلثا مال
الأب بالنسب والباقي للمعتقة بالولاء ومال العبد جميعه للمعتقة دون أخيها ويتخرج على الرواية الأخرى
أن يكون لهما ثلثا مال العبد أيضا وباقيه للمعتقة، ولو كان الأب خلف مع المعتقة ابنا فمال الأب بينهما

(1) في نسخة معتقة نصفه ونصف أخيها
266

أثلاثا بالبنوة ومال العبد كله للابن دون أخته المعتقة لأنه يرث بالنسب والنسب مقدم على الولاء
ولو خلف الأب أخا أو عما أو ابن عم مع البنت فللبنت نصف ميراث أبيها وباقيه لعصبته ومال العبد
لعصبته ولا شئ لبنته فيه لأن العصبة من النسب مقدم على المعتق في الميراث الا على رواية الخرقي فإن
للبنت نصف ميراث العبد لكونها بنت المعتق وباقيه لعصبته. امرأة وأخوها أعتقا أباهما ثم أعتق أبوهما
عبدا ثم مات الأب فماله بينهما أثلاثا ثم إذا مات العبد فميراثه للابن دون أخته لأنه ابن المعتق يرثه
بالنسب وهي مولاة المعتق ولان المعتق يقدم على مولاه، فإن مات أخوها قبل أبيه وخلف بنتا فماله بين
ابنته وابنه نصفين ثم إذا مات الأب فقد خلف بنته وبنت ابنه وبنته مولاة نصفه فلبنته النصف ولبنت ابنه
السدس ويبقى الثلث لبنته نصفه وهو السدس لأنها مولاة نصفه يبقى السدس لموالي الأخ إن كان ابن
معتقه وهم أخته وموالى أمه فلأخته نصف السدس والنصف الباقي لمولى أمه فحصل لأخيه النصف والربع
والسدس، وإن لم يكن ابن معتقه بل كانت أمه حرة الأصل فلا ولاء عليه وتأخذ أخته الباقي كله بالرد
إن لم يخلف الأب عصبة فإن خلف الأب عصبة من نسبه كأخ أو عم أو ابن عم أو عم أب فلبنته النصف
والباقي لعصبته، ولو اشترى رجل وأخته أخاهما ثم اشترى
أخوهما عبدا فاعتقه ثم مات أخوهما
فماله بينهما أثلاثا ثم إذا مات عتيقه فميراثه لأخيه دون أخته، ولو مات الأخ المعتق قبل موت العبد وخلف
ابنه ثم مات العبد فميراثه لابن أخيها دونها لأنه ابن أخي المعتق، وان لم يخلف الأخ الا بنته فنصف مال
العبد للأخت لأنها معتقة نصف معتقه ولا شئ لبنت الأخ رواية واحدة والباقي لبيت المال
267

(فصل) إذا خلف الميت بنت مولاه ومولى أبيه فماله لبيت المال لأنه إذا ثبت عليه الولاء من جهة مباشرته
بالعتق لم يثبت عليه باعتاق أبيه وإذا لم يكن لمولاه الا ابنة لم ترث لأنها ليست عصبة وإنما يرث عصبات
المولى فإذا لم يكن له عصبة لم يرجع إلى معتق أبيه وكذلك أن كان له معتق أب أو معتق جد ولم يكن
هو معتقا فميراثه لمعتق أبيه إن كان ابن معتقه ثم لعصبة معتق أبيه ثم لمعتق معتق أبيه فإن لم يكن له أحد
منهم فلبيت المال ولا يرجع إلى معتق جده، وان كانت أمه حرة الأصل فلا ولاء عليه وليس
لمعتق أبيه شئ ء
(فصل) امرأة حرة لا ولاء عليها وأبواها رقيقان أعتق انسان أباها ويتصور هذا في موضعين
(أحدهما) أن يكون جميعهم كفارا فتسلم هي ويسبي أبواها فيسترقان (الثاني) أن يكون أبوها عبدا تزوج
أمة على أنها حرة فولدتها ثم ماتت وخلفت معتق أبيها لم يرثها لأنه إنما يرث بالولاء وهذه لا ولاء عليها
وهكذا الحكم فيما إذا تزوج عبد حرة الأصل فأولدها ولدا ثم أعتق العبد ومات ثم ما ت الولد فلا
ميراث لمعتق أبيه لأنه لا ولاء عليه، ولو كان ابنتان على هذه الصفة اشترت إحداهما أباها فعتق عليها فلها
ولاؤه وليس لها ولاء على أختها، فإذا ما ت أبوهما فلهما الثلثان بالنسب ولها الباقي بالولاء فإذا ماتت أختها فلها نصف
ميراثه بالنسب وباقيه لعصبتها فإن لم يكن لها عصبة فالباقي لأختها بالرد ولا ميراث لها منها بالولاء لأنها لا ولاء عليها
(فصل) ولا يرث من أقارب المعتق ذو فرض منفرد كالأخ من الام والزوج لأن الولاء للعصبات
268

وليس هؤلاء عصبات فحكمهم حكم النساء وقد روى عن أحمد أنه قال لا يرث النساء من الولاء الا ما أعتقن
أو أعتق من أعتقن الا ان الملاعنة ترث من أعتق ابنها وهذا يخرج على الرواية التي تقول ان الملاعنة
عصبة ابنها وهي أحق بالميراث من عصبتها فترث لكونها عصبة قائمة مقام أبيه فأما على الرواية الأخرى
فإن الولاء يكون لعصبتها
(مسألة) قال (والولاء لأقرب عصبة المعتق)
وجملة ذلك أن المولى العتيق إذا لم يخلف من نسبه من يرث ماله كان ماله لمولاه على ما أسلفناه
فإن كان مولاه ميتا فهو لأقرب عصبته سواء كان ولدا أو أبا أو أخا أو عما أو ابن عم أو عم أب، وسواء
كان المعتق ذكرا أو أنثى، فإن لم يكن له عصبة من نسبه كان الميراث لمولاه ثم لعصباته الأقرب فالأقرب
ثم لمولاه وكذلك ابدا روي هذا عن عمر رضي الله عنه وبه قال الشعبي والزهري وقتادة ومالك والثوري
والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه، وقد روي عن علي ما يدل على أن مذهبه في امرأة ماتت
وخلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها ان ميراث مواليها لأخيها وابن أخيها دون ابنها وروي عنه الرجوع
إلى مثل قول الجماعة فروي عن إبراهيم أنه قال اختصم على والزبير في موالي صفية بنت عبد المطلب فقال
علي أنا أحق بهم انا ارثهم واعقل عنهم وقال الزبير هم موالي أمي وانا ارثهم فقضى عمر للزبير بالميراث
269

والعقل على علي رواه سعيد قال حدثنا أبو معاوية ثنا عبيدة الضبي عن إبراهيم
وقال حدثنا هشيم ثنا الشيباني عن الشعبي قال قضى بولاء موالي صفية للزبير دون العباس
وقضى عمر في موالي أم هانئ بنت أبي طالب لأبيها جعدة بن هبيرة دون على، وروى الإمام أحمد
باسناده عن زياد بن أبي مريم ان امرأة أعتقت عبدا لها ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها ثم توفي مولاها
من بعدها فاتى أخو المرأة وابنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام (ميراثه لابن المرأة)
فقال أخوها يا رسول الله لو جر جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا؟ قال نعم وروى باسناده عن سعيد بن
المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (المولى أخ في الدين ومولى النعمة يرثه أولى الناس بالمعتق) إذا ثبت
هذا فإن المعتقة إذا ماتت وخلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها ثم مات مولاها فميراثه لابنها وان مات ابنها
بعدها وقبل مولاها وتركت عصبة كأعمامه وبنى أعمامه ثم مات العبد وترك أخا مولاته وعصبة
ابنها فميراثه لاخى مولاته لأنه أقرب عصبة المعتق فإن المرأة لو كانت هي الميتة لورثها أخوها وعصبتها
فإن انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة أبيها يروى نحو هذا عن علي وبه قال أبان بن
عثمان وقبيصة بن ذؤيب وعطاء وطاوس والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأهل العراق وروى عن علي
رواية أخرى انه لعصبة الابن وروي نحو ذلك عن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وبه قال شريح
وهذا يرجع إلى أن الولاء لا يورث كما يورث المال وقد روي عن أحمد نحو هذا واحتجوا بان عمرو بن
270

شعيب روى عن أبيه عن جده أن رئاب بن حذيفة تزوج امرأة فولدت له ثلاثة غلمة فماتت أمهم
فورثوا عنها ولاء مواليها وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها فأخرجهم إلى الشام فماتوا فقدم عمرو بن
العاص ومات مولاها وترك مالا فخاصمه اخوتها إلى عمر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحرز
الوالد
والولد فهو لعصبته من كان) قال وكتب له كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت ورجل
آخر قال فنحن فيه إلى السامة رواه أبو داود وابن ماجة في سننهما، والصحيح الأول فإن الولاء لا
يورث على ما ذكرنا من قبل وإنما يورث به وهو باق للمعتق يرث به أقرب عصباته ومن لم يكن
من عصباته لم يرث شيئا وعصبات الابن غير عصبات أمه فلا يرث الأجانب منها بولائها دون عصباتها
وحديث عمرو بن شعيب غلط قال حميد الناس يغلطون عمرو بن شعيب في هذا الحديث، فعلى هذا
لا يرث المولى العتيق من أقارب معتقه إلا عصباته الأقرب منهم فالأقرب على ما ذكرنا في ترتيب
العصبات، ولا يرث ذو فرض بفرضه ولا ذو رحم، فإن اجتمع لرجل منهم فرض وتعصيب كالأب
والجد والزوج والأخ من الام إذا كانا ابني عم ورث بما فيه من التعصيب ولم يرث بفرضه شيئا
وإن كان عصبات في درجة واحدة كالبنين وبنيهم والاخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم اقتسموا الميراث بينهم
بالسوية وهذا كله لا خلاف فيه سوى ما ذكرنا من الأقوال الشاذة والله أعلم
271

(مسألة) قال (وإذا مات المعتق وخلف أبا معتقه وابن معتقه فلأب معتقه السدس
وما بقي فللابن)
نص أحمد على هذا في رواية جماعة من أصحابه وكذلك قال في جد المعتق وابنه وقال ليس
الجد والأخ والابن من الكبر في شئ يجزيهم على الميراث وهذا قول شريح والنخعي والأوزاعي
والعنبري وإسحاق وأبي يوسف ويروى عن زيد أن المال للابن وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي
والحسن والحكم وقتادة وحماد والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد والشافعي وأكثر الفقهاء
لأن الابن أقرب العصبة والأب والجد يرثان معه بالفرض ولا يرث بالولاء ذو فرض بحال
ولنا أنه عصبة وارث فاستحق من الولاء كالأخوين ولا نسلم أن الابن أقرب من الأب بل هما
في القرب سواء وكلاهما عصبة لا يسقط أحدهما صاحبه وإنما هما يتفاضلان في الميراث فكذلك في
الإرث بالولاء ولذلك يقدم الأب على الابن في الولاية والصلاة على الميت وغيرهما وحكم الأب
مع ابن الابن وان سفل حكم الجد وان على مع الابن وابنه سواء
(مسألة) قال (وان خلف أخا معتقه وجد معتقه فالولاء بينهما نصفين)
وبهذا قال عطاء والليث ويحيى الأنصاري ومال إليه الأوزاعي وهو قول الشافعي وقول الثوري
272

وأبي يوسف ومحمد والذين نزلوا الجد أبا جعلوا الجد أولى وورثوه وحده وروي عن زيد أن المال
للأخ وهو قول مالك والشافعي لأن الأخ ابن الأب والجد أبوه والابن أحق من الأب
ولنا أنهما عصبتان يرثان المال نصفين فكان الولاء بينهما نصفين كالأخوين وإن ترك جد مولاه
وابني أخي مولاه فالمال لجده في قولهم جميعا إلا مالك جعل الميراث لابن الأخ وان سفل، وقاله
الشافعي أيضا لأن ابن الابن وإن سفل يقدم على الأب وليس هذا بصواب فإن ابن الأخ محجوب
عن الميراث بالجد فكيف يقدم عليه ولان الجد أولى بالمعتق من ابن الأخ فيرث مولاه لقول النبي
صلى الله عليه وسلم (المولى أخ في الدين وولي نعمة يرثه أحق الناس بالمعتق) والدليل على أن الجد أولى أنه يرث
ابن ابنه دون ابن الأخ فيكون أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألحقوا الفرائض بأهلها وما أبقت الفروض
فلاولى رجل ذكر) وفي لفظ (فلاولى عصبة ذكر) ولان الجد أ ب فيقدم على ابن الأخ كالأب الحقيقي
ولأنه يقدم في ميراث المال فقدم في الميراث بالولاء كسائر العصبات
(فصل) فإن اجتمع اخوة وجد فميراث المولى بينهم كمال سيده، وان اجتمع اخوة من أبوين
واخوة من أب عاد الاخوة من الأبوين الجد بالاخوة من الأب ثم ما حصل لهم أخذه ولد الأبوين، وقال
ابن شريح يحتمل أنه بينهم على عددهم ولا يعاد ولد الأبوين الجد بولد الأب
ولنا أنه ميراث من الجد والاخوة فأشبه الميراث بالنسب، فإن كان مع الاخوة أخوات لم
273

يعتد بهن لأنهن لا يرثن منفردات فلا يعتد بهن كالاخوة من الام، وإن انفرد الاخوة من الأب مع
الجد فحكمهم حكم الاخوة من الأبوين
(فصل) وان ترك جد مولاه وعم مولاه فهو للجد وكذلك أن ترك جد أبي مولاه وبه يقول الثوري
والأوزاعي وأهل العراق، وقال الشافعي هو للعم وبنيه وان سفلوا دون جد الأب وهو قياس قول مالك
قال الشافعي ومن جعل الجد والأخ سواء فجد الأب والعم سواء وهو أولى من ابن العم
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم يرثه أولى الناس بالمعتق والجد أولى بالمعتق بدليل أنه أولى الناس بماله
وولايته ويقدم في تزويجه والصلاة عليه وغير ذلك، والعجب أن الشافعي رحمة الله عليه نزل الجد أبا
في ولاية المال وولاية الاجبار على النكاح ووافق غيره في وجوب الانفاق عليه وله وعتقه على ابن
ابنه وعتق ابن ابنه عليه وانتفاء القصاص عنه بقتل ابن ابنه والحد بقذفه وغير ذلك من أحكام الأب
ثم جعل أبعد العصبات أولى منه بالولاء
(مسألة) قال (وإذا هلك رجل عن ابنين ومولى فمات أحد الابنين بعده عن ابن
ثم مات المولى فالولاء لابن معتقه لأن الولاء للكبر، ولو هلك الابنان بعده وقبل المولى
وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة كان الولاء بينهم على عددهم لكل واحد منهم عشره)
هذا قول أكثر أهل العلم قال الإمام أحمد روي هذا عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود،
274

وروى سعيد ثنا هشيم ثنا أشعث بن سوار عن الشعبي أن عمر وعليا وابن مسعود وزيدا كانوا يجعلون
الولاء للكبر، وروي ذلك عن ابن عمر وأبي بن كعب وأبي مسعود البدري وأسامة بن زيد وبه
قال عطاء وطاوس وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي والزهري وقتادة وابن
قسيط (1) ومالك الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وداود كلهم قالوا الولاء للكبر
وتفسيره أنه يرث المولى المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه وأولاهم بميراثه يوم موت العبد. قال
ابن سيرين إذا مات المعتق نظر إلى أقرب الناس إلا الذي أعتقه فيجعل ميراثه له، وإذا مات السيد
قبل مولاه لم ينتقل الولاء إلى عصبته لأن الولاء كالنسب لا ينتقل ولا يورث وإنما يورث به فهو باق
للمعتق أبدا لا يزول عنه بدليل قوله عليه السلام (إنما الولاء لمن أعتق) وقوله (الولاء لحمة كلحمة النسب)
وإنما يرث عصبة السيد مال مولاه بولاء معتقه لا نفس الولاء، ويتضح معني هذا القول بمسئلتي الخرقي
اللتين ذكرناهما ههنا وهما إذا مات رجل عن ابنين ومولى فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات
المولى ورثه ابن معتقه دون ابن ابن معتقه لأن ابن ابن المعتق أقرب عصبة سيده، ولو مات السيد وخلف
ابنه وابن ابنه لكان ميراثه لابنه دون ابن ابنه فكذلك إذا مات المولى، والمسألة الأخرى إذا هلك الابنان
بعده وقبل مولاه وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة ثم مات المولى كان ميراثه بينهم على عددهم لكل واحد منهم
عشره لأن السيد لو مات كان ميراثه بينهم كذلك فكذلك ميراث مولاه، ولو كان الولاء موروثا لانعكس الحكم
في المسئلتين وكان الميراث في المسألة الأولى بين الابن وابن الابن كأن الابنين ورثا الولاء عن أبيهما ثم ما صار
للابن الذي مات انتقل إلى ابنه فصار ميراث الولي بينه وبين عمه نصفين، وفي المسألة الثانية يصير
لابن الابن المنفرد نصف الولاء بميراثه ذلك عن ابنه ولبني الابن الآخر النصف بينهم على عددهم وشذ شريح
فقال الولاء بمنزلة المال يورث عن المعتق فمن ملك شيئا حياته فهو لورثته
وقد حكي عن عمر وعلي وابن عباس وابن المسيب نحو هذا. وروي عن حنبل ومحمد بن الحكم

(1) في نسخة نشيط
275

عن أحمد نحوه وغلطهما أبو بكر في روايتهما فإن الجماعة رووا عن أحمد مثل قول الجمهور. قال أبو
الحارث سألت أبا عبد الله عن الولاء للكبر فقال كذا روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود
أنهم قالوا الولاء للكبر، إلى هذا القول أذهب، وتفسير ذلك أن يعتق الرجل عبدا ثم يموت ويخلف ابنين
فيموت أحد الابنين ويخلف ابنا فولاء هذا العبد المعتق لابن المعتق وليس لابن الابن شئ مع الابن
وحجة شريح حديث عمرو بن شعيب الذي ذكرناه والقياس على المال
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (المولى أخ في الدين وولي نعمة وأولى الناس به أقربهم من المعتق) وقوله
عليه السلام (الولاء لمن أعتق) وقوله (الولاء لحمة كلحمة النسب) ولأنه من أسباب التوارث فلم يورث كالقرابة والنكاح، ولأنه اجماع من الصحابة ولم يظهر عنهم خلافة فلا يجوز مخالفته، وحديث
عمرو بن شعيب قد غلطه العلماء فيه ولم يصح عن أحد من الصحابة خلاف هذا القول وحكاه الشعبي
والأئمة عن عمر ومن ذكرنا قولهم، ولا يصح اعتبار الولاء بالمال لأن الولاء لا يورث بدليل أنه لا يرث
منه ذوو الفروض وإنما يورث به فينظر أقرب الناس إلى سيده من عصباته يوم موت العبد والمعتق
فيكون هو الوارث المولى دون غيره كما أن السيد لو مات في تلك الحال ورثه وحده فإذا خلف ابن
مولاه وابن ابن مولاه فماله لابن مولاه، إن خلف ابن ابن مولاه وتسعة بني ابن آخر لمولاه فماله بينهم
على عددهم لكل واحد عشرة لأنهم يرثون جدهم كذلك، ولو خلف السيد ابنه وابن ابنه فمات ابنه
بعده عن ابن ثم مات عتيقه فميراثه بين ابني الابن نصفين، وفي قول شريح هو لابن الابن الذي
كان حيا عند موت ابنه، وإن مات السيد عن أخ من أب وابن أخ من أبوين فمات الأخ من الأب
عن ابن ثم مات العتيق فماله لابن الأخ من الأبوين وفي قول شريح هو لابن الأخ من الأب وإن لم
يخلف عصبة من نسب مولاه فماله لمولى مولاه ثم لأقرب عصباته ثم لمولى مولاه فإذا انقرض عصباته
وموالي الموالي وعصباتهم فماله لبيت المال
(مسألة) قال (ومن أعتق عبدا فولاؤه لابنه وعقله على عصبته)
هذه المسألة محمولة على أن المعتق لم يخلف عصبة من نسبه ولا وارثا منهم إذ لو خلف وارثا من
276

نسبه أو عصبته كانوا أحق بميراثه وعقله من عصبات مولاه وولده فليس في ذلك اشكال، وإذا لم يخلف
الا ابن مولاه وعصبة مولاه فماله لابن مولاه لأنه أقرب عصبات المعتق، وعقله ان جنبي جناية على عصبة
مولاه إن كان المعتق امرأة لما روى إبراهيم قال: اختصم علي والزبير في مولى صفية فقال علي مولى
عمتي وأنا أعقل عنه، وقال الزبير مولى أمي وأنا أرثه فقضى عمر للزبير بالميراث وقضى على علي بالعقل.
ذكر هذا الإمام أحمد ورواه سعيد في السنن وغيره وهي قضية مشهورة، وعن الشعبي قال قضى بولاء
صفية للزبير دون العباس وقضي بولاء أم هانئ لجعدة بن هبيرة دون علي، ولا يمتنع كون العقل على
العصبة والميراث لغيره كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم بميراث التي قتلت هي وجنينها لبنيها وعقلها على العصبة.
وقد روى زياد بن أبي مريم أن امرأة أعتقت عبدا لها ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها ثم توفي
مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام (ميراثه لابن
المرأة) فقال أخوها لو جر جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا قال نعم، وإنما حملنا مسألة الخرقي على
ما إذا كان المعتق امرأة لأن الاخبار التي رويناها إنما وردت فيها ولأن المرأة لا تعقل وابنها ليس من
عشيرتها فلا تعقل عن معتقها وعقل عنها عصباتها من عشيرتها، أما الرجل المعتق فإنه يعقل عن معتقه
لأنه عصبة من أهل العقل ويعقل ابنه وأبوه لأنهما من عصباته وعشيرته فلا يلحق ابنه في نفي العقل
عنه بابن المرأة والله أعلم
(فصل) فإن كان المولى حيا وهو رجل عاقل موسر فعليه من العقل وله الميراث لأنه عصبة
معتقه، وإن كان صبيا أو امرأة أو معتوها فالعقل على عصباته والميراث له لأنه ليس من أهل العقل فأشبه
ما لو جنوا جناية خطأ كان العقل على عصباتهم ولو جني عليهم كان الأرش لهم
(فصل) ولا يرث المولى من أسفل (1) معتقه في قول عامة أهل العلم وحكي عن شريح وطاوس أنهما
ورثاه لما روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفي على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له وارث الا غلام له هو أعتقه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه قال الترمذي
هذا حديث حسن وروي عن عمر نحو هذا
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق) ولأنه لم ينعم عليه فلم يرثه كالأجنبي واعطاء النبي

(1) في نسخة من أصل معتقه
277

صلى الله عليه وسلم له قضية في عين يحتمل أن يكون وارثا بجهة غير الاعتاق وتكون فائدة الحديث أن اعتاقه له
لم يمنعه ميراثه ويحتمل أنه أعطاه وصلة وتفضلا، إذا ثبت أنه لا يرثه فلا يعقل عنه وقال الشافعي في القديم
يعقل عنه لأن سيده أنعم عليه فجاز ان يغرم عنه
ولنا أن العقل على العصبات وليس هذا منهم وما ذكره لا أصل له وينعكس كسائر العاقلة فإنه لم
ينعم عليه ويعقلون عنه وينتقض بما إذا قضى انسان دين آخر فقد غرم عنه ولا يعقل
(فصل) فإن أسلم الرجل على يدي الرجل لم يرثه بذلك في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والشعبي
ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقد روي عن أحمد رحمه الله رواية أخرى أنه يرثه وهو قول
إسحاق وحكي عن إبراهيم أن له ولاؤه ويعقل عنه وعن ابن المسيب ان عقل عنه ورثه وان لم يعقل
عنه لم يرثه وعن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما أنه يرثه وان لم يواله لما روى
راشد بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أسلم على يديه رجل فهو مولاه يرثه ويدي عنه) رواه
سعيد وقال أيضا حدثناه عيسى بن يونس ثنا معاوية بن يحيى الصدفي عن القاسم السامي عن أبي أمامة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أسلم على يديه رجل فله ولاؤه) وروى باسناده عن تميم الداري أنه
قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين فقال (هو أولى الناس بمحياه ومماته)
رواه أبو داود والترمذي وقال لا أظنه متصلا
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق) ولان أسباب التوارث غير موجودة فيه وحديث
راشد مرسل وحديث معاوية فيه أمامة بن يحيى الصدفي وهو ضعيف وحديث تميم تكلم الترمذي فيه
(فصل) وان عاقد رجل رجلا فقال عاقدتك على أن ترثني وأرثك وتعقل عني واعقل عنك
فلا حكم لهذا العقد ولا يتعلق به ارث ولا عقل، وبه قال الشافعي وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة هو
عقد صحيح ولكل واحد منهما أن يرجع عنه ما لم يعقل واحد عن الآخر فإذا عقل عنه لزم ويرثه
إذا لم يخلف ذا رحم لقوله تعالى (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) ولان هذا كالوصية ووصية
الذي لا وارث له بجميع ماله جائزة.
278

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق) ولان أسباب التوارث محصورة في رحم ونكاح
وولاء وليس هذا منها والآية منسوخة بآية الميراث ولذلك لا يرث مع ذي رحم شيئا قال الحسن نسختها
(وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقال مجاهد فآتوهم نصيبهم من العقل والنصرة والرفادة
وليس هذا بوصلة لأن الوصي لا يعقل فله الرجوع وهذا عندهم بخلافه
(فصل) واللقيط حر لا ولاء عليه في قول الجمهور وفقهاء الأمصار، وروي عن عمر أن ولاءه
لملتقطه وبه قال الليث وإسحاق وعن إبراهيم ان نوى أن يرث منه فذلك وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
(المرأة تحوز ثلاثة مواريث لقيطها وعتيقها وولدها الذي لاعنت عليه)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق) ولأنه ليس بقرابة ولا عتيق ولا ذي نكاح فلا يرث
كالأجنبي والحديث فيه كلام:
279

كتاب الوديعة
والأصل فيها الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقول الله تعالى (ان الله يأمركم ان تؤدوا
الأمانات إلى أهلها) وقوله تعالى (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤدي الذي اؤتمن أمانته) وأما السنة فقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) وروي عنه عليه السلام أنه كانت
عنده ودائع فلما أراد الهجرة أودعها عند أم أيمن وأمر عليا أن يردها على أهلها، وأما الاجماع فاجمع
علماء كل عصر على جواز الايداع والاستيداع والعبرة تقتضيها فإن بالناس إليها حاجة فإنه يتعذر
على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم ويحتاجون إلى من يحفظ لهم، والوديعة فعيلة من يدع الشئ إذا
تركه أي هي متروكة عند المودع، واشتقاقها من السكون يقال ودع يدع فكأنها ساكنة
عند المودع مستقرة، وقيل هي مشتقة من الخفض والدعة فكأنها في دعة عند المودع
وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة لأن فيه قضاء حاجة أخيه المؤمن ومعاونته، وهي عقد جائز
من الطرفين متى أراد المودع أخذ وديعته لزم المستودع ردها لقوله تعالى (ان الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها) فإن أراد المستودع ردها على صاحبها لزمه قبوله لأن المستودع متبرع بامساكها
فلا يلزمه التبرع في المستقبل
(مسألة) قال (وليس على مودع ضمان إذا لم يتعد)
وجملته ان الوديعة أمانة فإذا تلفت بغير تفريط من المودع فليس عليه ضمان سواء ذهب معها
شئ من مال المودع أو لم يذهب. هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي بكر وعلي وابن مسعود
رضي الله عنهم وبه قال شريح والنخعي ومالك وأبو الزناد والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب
الرأي. وعن أحمد رواية أخرى: إن ذهبت الوديعة من بين ماله غرمها لما روي عن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه انه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله، قال القاضي والأولى أصح لأن الله
280

تعالى سماها أمانة والضمان ينافي الأمانة، ويروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال (ليس على المستودع ضمان) ويروى عن الصحابة الذين ذكرناهم ولان المستودع مؤتمن فلا يضمن
ما تلف من غير تعديه وتفريطه كالذي ذهب مع ماله ولان المستودع إنما يحفظها لصاحبها متبرعا من
غير نفع يرجع عليه فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من قبول الودائع وذلك مضر لما بيناه من الحاجة
إليها وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا ينافي ما ذكرنا، فأما إن تعدى المستودع
فيها أو فرط في حفظها فتلفت ضمن بغير خلاف نعلمه لأنه متلف لمال غيره فضمنه كما لو أتلفه من غير استيداع
(فصل) إذا شرط رب الوديعة على المستودع ضمان الوديعة فقبله أو قال أنا ضامن لها لم يضمن
قال أحمد في المودع إذا قال أنا ضامن لها فسرقت فلا شئ عليه وكذلك كل ما أصله الأمانة كالمضاربة
ومال الشركة والرهن والوكالة وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وذلك لأنه شرط
ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو شرط ضمان ما يتلف في يد مالكه
(مسألة) قال (فإن خلطها بماله وهي لا تتميز أو لم يحفظها كما يحفظ ماله أو أودعها
غيره فهو ضامن)
في هذه المسألة ثلاث مسائل (إحداهن) ان المستودع إذا خلط الوديعة بما لم تتميز منه من ماله
أو مال غيره ضمنها سواء خلطها بمثلها أو دونها أو أجود من جنسها أو غير جنسها مثل أن يخلط دراهم
بدراهم أو دهنا بدهن كالزيت بالزيت أو السمن أو بغيره وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي
وقال ابن القاسم ان خلط دراهم بدراهم على وجه الحرز لم يضمن، وحكي عن مالك لا يضمن الا
أن يكون دونها لأنه لا يمكنه ردها إلا ناقصة
ولنا انه خلطها بماله خلطا لا يتميز فوجب أن يضمنها كما لو خلطها بدونها ولأنه إذا خلطها بما
لا يتميز فقد فوت على نفسه امكان ردها فلزمه ضمانها كما لو ألقاها في لجة بحر، وان أمره صاحبها
281

بخلطها بماله أو بغيره ففعل ذلك فلا ضمان عليه لأنه فعل ما أمر به فكان نائبا عن المالك فيه، وقد
نقل مهنا عن أحمد في رجل استودع عشرة دراهم واستودعه آخر عشرة وأمراه أن يخلطها فخلطها
فضاعت الدراهم فلا شئ عليه فإن امره أحدهما بخلط دراهمه ولم يأمره الآخر فعليه ضمان دراهم من
لم يأمره دون الأخرى، وان اختلطت هي بغير تفريط منه فلا ضمان عليه لأنها لو تلفت بذلك لم
يضمن فخلطها أولى وان خلطها غيره فالضمان على من خلطها لأن العدوان منه فالضمان عليه كما لو أتلفها
(المسألة الثانية) إذا لم يحفظها كما يحفظ ماله وهو أن يحرزها بحرز مثلها فإنه يضمنها، وحرز مثلها
يذكر في باب القطع في السرقة وهذا إذا لم يعين له المودع ما يحفظها فيه فإن عين له لزمه حفظها فيما
امره به سواء كان حرز مثلها أو لم يكن، وان أحرزها بمثله أعلى منه لم يضمنها، ويتخرج أن
يضمنها إذا فعل ذلك من غير حاجة
(المسألة الثالثة) إذا أودعها غيره ولها صورتان (إحداهما) أن يودعها غيره لغير عذر فعليه
الضمان بغير خلاف في المذهب وهو قول شريح ومالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق، وقال
ابن أبي ليلى لا ضمان عليه لأن عليه حفظها واحرازها وقد أحرزها عند غيره وحفظها به ولأنه يحفظ
ماله بايداعه فإذا أودعها فقد حفظها بما يحفظ به ماله فلم يضمنها كما لو حفظها في حرزه
ولنا انه خالف المودع فضمنها كما لو نهاه عن ايداعها وهذا صحيح فإنه أمره بحفظها بنفسه ولم يرض لها غيره،
فإذا ثبت هذا فإن له تضمين الأول وليس للأول الرجوع على الثاني لأنه دخل معه في العقد على أنه أمين له لا ضمان
عليه، وان أحب المالك تضمين الثاني فذكر القاضي انه ليس له تضمينه في ظاهر كلام أحمد لأنه ذكر الضمان على
الأول فقط وهذا مذهب أبي حنيفة لأنه قبض قبضا موجبا للضمان على الأول فلم يوجب ضمانا آخر وفارق القبض
من الغاصب فإنه لم يوجب الضمان على الغاصب إنما لزمه الضمان بالغصب، ويحتمل انه له تضمين الثاني أيضا
لأنه قبض مال غيره على وجه لم يكن له قبضه ولم يأذن له مالكه فضمنه كالقابض من الغاصب، وهذا
مذهب الشافعي، وذكر أحمد الضمان على الأول لا ينفي الضمان عن الثاني كما أن الضمان يلزم الغاصب
282

ولا ينفي وجوبه على القابض منه فعلى هذا يستقر الضمان على الأول فإن ضمنه لم يرجع على أحد وإن
ضمن الثاني يرجع على الأول وهذا القول أشبه بالصواب وما ذكرنا للقول الأول لا أصل له ثم هو منتقض
بما إذا دفع الوديعة إلى انسان عارية، أو هبة، أو وديعة لنفسه، فأما إن دفع الوديعة إلى من جرت
عادته بحفظها له من أهله كامرأته وغلامه لم يضمن نص عليه احمد، وهو قول أبي حنيفة، وقال
الشافعي يضمن لأنه سلم الوديعة إلى من لم يرض به صاحبها فضمنها كما لو سلمها إلى أجنبي
ولنا أنه حفظها بما يحفظ به ماله فأشبه ما لو حفظها بنفسه وكما لو دفع الماشية إلى الراعي أو دفع البهيمة
إلى غلامه ليسقيها ويفارق الأجنبي فإن دفعها إليه لا يعد حفظا منه
(الصورة الثانية) إذا كان له عذر مثل ان أراد سفرا أو خاف عليها عند نفسه من حرق أو غرق
أو غيره فهذا إن
قدر على ردها على صاحبها أو وكيله في قبضها لم يجز له دفعها إلى غيره فإن فعل
ضمنها لأنه دفعها إلى غير مالكها بغير اذن منه من غير عذر فضمنها كما لو أودعها في الصورة الأولى
وان لم يقدر على صاحبها ولا وكيله فله دفعها إلى الحاكم سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن
لأنه متبرع بامساكها فلا يلزمه استدامته، والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته، وان أودعها مع
قدرته على الحاكم ضمنها لأن غير الحاكم لا ولاية له ويحتمل أن يجوز له ايداعها لأنه قد يكون أحفظ لها
وأحب إلى صاحبها وان لم يقدر على الحاكم فأودعها ثقة لم يضمنها لأنه موضع حاجة. وذكر
القاضي أن ظاهر كلام احمد أنه يضمنها ثم تأول كلامه على أنه أودعها من غير حاجة أو مع قدرته على
الحاكم وان دفنها في موضع وأعلم بها ثقة يده على الموضع وكانت مما لا يضرها الدفن فهو كايداعها
عنده وان لم يعلم بها أحدا ضمنها لأنه فرط في حفظها فإنه لا يأمن أن يموت في سفره فلا تصل إلى
صاحبها وربما نسي مكانها أو أصابه آفة من هدم أو حرق أو غرق فتضيع وان اعلم بها غير ثقة
ضمنها لأنه ربما أخذها وان أعلم بها ثقة لا يدله على المكان فقد فرط لأنه لم يودعها إياه ولا يقدر
على الاحتفاظ بها.
283

(فصل) وان أراد السفر بها وقد نهاه المالك عن ذلك ضمنها لأنه مخالف لصاحبها وان لم يكن
نهاه لكن الطريق مخوف أو البلد الذي يسافر إليه مخوف ضمنها لأنه فرط في حفظها وان لم يكن
كذلك فله السفر بها
نص عليه أحمد سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي
ان سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو أمين ضمنها لأنه يسافر بها من غير ضرورة
أشبه ما لو كان السفر مخوفا.
ولنا أنه نقلها إلى موضع مأمون فلم يضمنها كما لو نقلها في البلد ولأنه سافر بها سفرا غير مخوف
أشبه ما لو لم يجد أحدا يتركها عنده ويقوى عندي أنه متى سافر بها مع القدرة على مالكها أو نائبه بغير
اذنه فهو مفرط عليه الضمان لأنه يفوت على صاحبها امكان استرجاعها ويخاطر بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (ان المسافر وماله لعلى قلت الا ما وقى الله) أي على هلاك ولا يلزم من الاذن في امساكها
على وجه لا يتضمن هذا الخطر ولا يفوت امكان ردها على صاحبها الاذن فيما يتضمن ذلك فاما مع
غيبة المالك ووكيله فله السفر بها إذا كان أحفظ لها لأنه موضع حاجته فيختار فعل ما فيه الحظ
(فصل) وان حضره الموت فحكمه حكم السفر على ما مضى من أحكامه الا في أخذها معه لأن
كل واحد منهما سبب لخروج الوديعة عن يده.
(مسألة) قال (وان كانت غلة فخلطها في صحاح أو صحاحا فخلطها في غلة فلا ضمان عليه)
يعني بالغلة المكسرة إذا خلطها بصحاح من ماله أو خلط الصحاح بالمكسرة لم يضمنها لأنها
تتميز منها فلا يعجز بذلك عن ردها على صاحبها فلم يضمنها كما لو تركها في صندوق وفيه أكياس
له. وبهذا قال الشافعي ومالك ولا نعلم فيه اختلافا، وكذلك الحكم إذا خلط دراهم بدنانير، وبيضا
بسود، وقد حكي عن أحمد فيمن خلط دراهم بيضا بسود يضمنها ولعله قال ذلك لكونها تكتسب
منها سوادا أو يتغير لونها فتنقص قيمتها فإن لم يكن فيها ضرر فلا ضمان عليه والله تعالى أعلم
284

(مسألة) قال ولو أمره ان يجعلها في منزل فاخرجها عن المنزل لغشيان نار أو سيل
أو شئ الغالب منه البوار فلا ضمان عليه)
وجملة ذلك أن رب الوديعة إذا أمر المستودع بحفظها في مكان عينه فحفظ فيه ولم يخش عليها
فلا ضمان عليه بغير خلاف لأنه ممتثل لامره غير مفرط في ماله وان خاف عليها سيلا وتوى، يعنى
هلاكا، فأخرجها منه إلى حرزها فتلفت فلا ضمان عليه بغير خلاف أيضا لأن نقلها في هذه الحال
تعين حفظا لها وهو مأمور بحفظها وان تركها مع الخوف فتلفت ضمنها سواء تلفت بالامر المخوف أو
بغيره لأنه فرط في حفظها لأن حفظها نقلها وتركها تضييع لها وان لم يخف عليها فنقلها عن الحرز
إلى دونه ضمنها لأنه خالفه في الحفظ المأمور به وان نقلها إلى دونه عند الخوف عليها نظرنا فإن أمكنه
احرازها بمثله أو أعلى منه ضمنها أيضا لتفريطه وان لم يمكنه احرازها الا بما دونه لم يضمنها لأن
احرازها بذلك أحفظ لها من تركه وليس في وسعه سواه وان نقلها إلى مثل ذلك الحرز لغير عذر فقال القاضي
لا يضمنها وهو مذهب الشافعي لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله كمن اكترى أرضا لزرع حنطة فله زرعها
وزرع مثلها في الضرر ويحتمل كلام الخرقي لزوم الضمان لأن الامر بشئ يقتضي تعيينه فلا يعدل عنه الا بدليل
وان نقلها إلى أحرز منه كان حكمه حكم ما لو أخرجها إلى مثله فإن نهاه عن إخراجها من ذلك المكان
فالحكم فيه كما لو أمره بتركها فيه ولم ينهه عن اخراجها منه إلا في أنه إذا خاف عليها فلم يخرجها حتى
تلفت ففيه وجهان أحدهما يضمن لما ذكرنا في التي قبلها والثاني لا يضمن لأنه ممتثل لقول صاحبها وفي أنه إذا
أخرجها لغير عذر ضمنها سواء أخرجها إلى مثله أو دونه أو فوقه لأنه خالف صاحبها لغير فائدة وهذا ظاهر
كلام الشافعي وقال أبو حنيفة ان نهاه عن نقلها من بيت فنقلها إلى بيت آخر من الدار لم يضمن لأن البيتين من
دار واحدة حرز واحد وطريق أحدهما طريق الآخر فأشبه ما لو نقلها من زاوية إلى زاوية وان نقلها
من دار إلى دار أخرى ضمن
285

ولنا أنه خالف أمر صاحبها بما لا مصلحة فيه فيضمن كما لو نقلها من دار إلى دار وليس ما فرق
به صحيحا لأن ثبوت الدار يختلف فمنها ما هو أقرب إلى الطريق أو إلى موضع الوقود أو إلى الانهدام
أو أسهل فتحا أو بابه أسهل كسرا أو أضعف حائطا أو أسهل نقبا أو لكون المالك يسكن به أو يسكن
في غيره وأشباه هذا مما يؤثر في الحفظ أو في عدمه فلا يجوز تفويت غرض رب الوديعة من تعيينه
من غير ضرورة، وإن خاف عليها في موضعها فعليه نقلها فإن تركها فتلفت ضمنها لأن فهي صاحبها
عن إخراجها إنما كان لحفظها وحفظها ههنا في إخراجها فأشبه ما لو لم ينهه عن إخراجها فإن قال لا تخرجها
وان خفت عليها فاخرجها من غير خوف ضمنها وان أخرجها عند خوفه عليها أو تركها فتلفت لم يضمنها لأن نهيه
مع خوف الهلاك نص فيه وتصريح به فيكون مأذونا في تركها في تلك الحال فلم يضمنها لامتثاله أمر صاحبها
كما لو قال له أتلفها فأتلفها ولا يضمن إذا أخرجها لأنه زيادة خير وحفظ فلم يضمن به كما لو قال له أتلفها
فلم يتلفها حتى تلفت
(فصل) وان أودعه وديعة ولم يعين له موضع احرازها فإن المودع يحفظها في حرز مثلها أي
موضع شاء فإن وضعها في حرز ثم نقلها عنه إلى حرز مثلها لم يضمنها سواء نقلها إلى مثل الأول أو
دونه لأن ربها رد حفظها إلى رأيه واجتهاده وأذن له في احرازها بما شاء من إحراز مثلها ولهذا لو
تركها في هذا الثاني أولا لم يضمنها فكذلك إذا نقلها إليه، ولو كانت العين في بيت صاحبها فقال
لرجل احفظها في موضعها فنقلها عنه من غير خوف ضمنها لأنه ليس بمودع إنما هو وكيل في حفظها وليس
له إخراجها من ملك صاحبها ولا من موضع استأجره لها إلا أن يخاف عليها فعليه اخراجها لأنه مأمور
بحفظها وقد تعين حفظها في إخراجها ويعلم أن صاحبها لو حضر في هذه الأحوال لأخرجها ولأنه مأمور
بحفها على صفة فإذا تعذرت الصفة لزمه حفظها بدونها كالمستودع إذا خاف عليها
(فصل) إذا أخرج الوديعة المنهى عن إخراجها فتلفت وادعى أنه أخرجها لغشيان نار أو سيل
أو شئ ظاهر فأنكر صاحبها وجوده فعلى المستودع البينة أنه كان في ذلك الموضع ما ادعاه لأن هذا
286

مما لا تتعذر إقامة البينة عليه لأنه أمر ظاهر فإذا ثبت ذلك كان القول قوله في التلف مع يمينه ولا يحتاج إلي
بينة لأنه تتعذر إقامة البينة فلم يطالب بها كما لو ادعى التلف بأمر خفي وهذا قول الشافعي والحكم في إخراجها من
الخريطة والصندوق حكم اخراجها من البيت على ما مضى من التفصيل فيه
(فصل) ولو أمره أن يجعلها في منزله فتركها في ثيابه وخرج بها ضمنها لأن البيت أحرز لها،
وان جاءه بها في السوق فقال احفظها في بيتك فقام بها في الحال فتلفت فلا ضمان عليه، وان تركها في
دكانه أو ثيابه ولم يحملها إلى بيته مع إمكانه فتلفت ضمنها لأن بيته أحرز لها هكذا قال أصحابنا،
ويحتمل أنه متى تركها عنده إلى وقت مضيه إلى منزله في العادة فتلفت لم يضمنها لأن العادة أن الانسان
إذا أودع شيئا وهو في دكانه أمسكه في دكانه أو في ثيابه إلى وقت مضيه إلى منزله فيستصحبه معه والمودع
عالم بهذه الحالة راض بها ولو لم يرض بها لشرط عليه خلافها وأمره بتعجيل حملها فاما أن يقبلها بهذا الشرط أو
يردها وان قال اجعلها في كمك فجعلها في جيبه لم يضمنها لأن الجيب أحرز لها لأنه إنما ربما نسي فيسقط الشئ من
كمه بخلاف الجيب وان قال اجعلها في جيبك فتركها في كمه ضمنها لذلك وان جعلها في يده ضمن أيضا كذلك
وان قال اجعلها في كمك فتركها في يده ففيه وجهان أحدهما يضمن لأن سقوط الشئ من اليد مع النسيان أكثر من
سقوطه من الكم والثاني لا يضمن لأن اليد لا يتسلط عليها الطرار بالبط والحكم بخلافه ولان كل واحد منهما
أحرز من وجه فيتساويان ولمن نصر الوجه الأول أن يقول متى كان كل واحد منهما أحرز من وجه
وجب أن يضمن لأنه فوت الوجه المأمور بالحفظ به وأتى بما لم يؤمر به فضمن لمخالفته وعلى هذا لو
أمر بتركها في يده فجعلها في كمه ضمن لذلك، وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة فعلى هذا إن أمر
بتركها في يده فشدها في كمه عند غير المغالبة فلا ضمان عليه، وإن فعل ذلك عند المغالبة ضمن وإن
أمره بشدها في كمه فأمسكها في يده عند المغالبة لم يضمن وان فعل ذلك عند غير المطالبة ضمن وإن
أمره بحفظها مطلقا فتركها في جيبه أو شدها في كمه لم يضمنها وان تركها في كمه غير مشدودة وكانت
خفيفة لا يشعر بها إذا سقطت ضمنها لأنه مفرط وان كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمنها لأن هذا عادة
287

الناس في حفظ أموالهم فإن شدها على عضده لم يضمنها لأن ذلك أحفظ لها، وقال القاضي ان شدها
من جانب الجيب لم يضمن وإن شدها من الجانب الآخر ضمنها لأن الطرار يقدر على بطها بخلاف
ما إذا شدها مما بلي الجيب وهذا يبطل بما إذا تركها في جيبه أو شدها في كمه فإن الطرار يقدر على بطها
ولا يضمن وليس امكان احرازها بأحفظ الحرزين مانعا من احرازها بما دونه إذا كان حرزا بمثلها
وشدها على العضد حرز لها كيفما كان لأن الناس يحرزون به أموالهم فأشبه شدها في الكم وتركها
في الجيب ولكن لو أمره بشدها مما يلي الجيب فشدها من الجانب الآخر ضمن وان أمره بشدها
مما يلي الجانب الآخر فشدها مما يلي الجيب لم يضمن لأنه أحرز وان أمره بشدها على عضده مطلقا
أو امره بحفظها معه فشدها من أي الجانبين كان لم يضمن لأنه ممتثل أمر مالكها محرز لها بحرز مثلها وان
شدها على وسطه فهو أحرز لها وكذلك أن تركها في بيته في حرزها.
(فصل) وان أمره أن يجعلها في صندوق وقال لا تقفل عليها ولا تنم فوقها فخالفه في ذلك أو قال
لا تقفل عليها الا قفلا واحدا فجعل عليها قفلين فلا ضمان عليه ذكره القاضي وهو ظاهر مذهب الشافعي
وحكي عن مالك أنه يضمن لأنه خالف ربها في شئ له فيه غرض يتعلق بحفظها فأشبه ما لو نهاه
عن اخراجها عن منزله فأخرجها لغير حاجة وذلك لأن النوم عليها وترك قفلين عليها وزيادة الاحتفاظ بها ينبه اللص عليها ويحثه على الجد في سرقتها والاحتيال لاخذها
ولنا أن ذلك أحرز لها فلا يضمن بفعله كما لو أمره بتركها في صحن الدار فتركها في البيت
بهذا ينتقض ما ذكروه.
(فصل) إذا قال اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فأدخل إليه قوما فسرقها أحدهم ضمنها
لأنها ذهبت بتعديه ومخالفته وسواء سرقها حال إدخالهم أو بعده لأنه ربما شاهد الوديعة في دخوله البيت وعلم موضعها وطريق الوصول إليها وان سرقها من لم يدخل البيت فقال القاضي لا يضمن لأن
فعله لم يكن سببا لاتلافها ويحتمل ان يلزمه الضمان لأن الداخل ربما دل عليها من لم يدخل ولأنها
288

مخالفة فوجب الضمان إذا كانت سببا لاتلافها فأوجبته وان لم تكن سببا كما لو نهاه عن إخراجها
فأخرجها لغير حاجة.
(فصل) إذا قال ضع هذا الخاتم في الخنصر فوضعه في البنصر لم يضمنه لأنها أغلظ وأحفظ له إلا أن لا
يدخل فيها فيضعه في أنملتها العليا فيضمنه أو ينكسر بها لغلظها عليه فيضمنه أيضا لأن مخالفته سبب لتلفه.
(مسألة) قال (وإذا أودعه شيئا ثم سأله دفعه إليه في وقت أمكنه ذلك فلم يفعل حتى تلف فهو ضامن)
لا خلاف في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها فأمكن أداؤها إليه بغير ضرورة وقد أمر
الله تعالى بذلك فقال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وامر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) يعني عند طلبها ولأنها حق لمالكها لم يتعلق بها
حق غيره فلزم أداؤها إليه كالمغصوب والدين الحال فإن امتنع من دفعها في هذه الحال فتلفت ضمنها
لأنه صار غاصبا لكونه أمسك مال غيره بغير إذنه بفعل محرم فأشبه الغاصب فأما ان طلبها في وقت
لم يمكن دفعها إليه لبعدها أو لمخافة في طريقها أو للعجز عن حملها أو غير ذلك لم يكن متعديا بترك تسليمها لأن الله
تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها وإن تلفت لم يضمنها لعدم عدوانه وان قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي
أو آكل فاني جائع أو أنام فأني ناعس أو ينهضم عني الطعام فاني ممتل أمهل بقدر ذلك.
(فصل) وليس على المستودع مؤنة الرد وحملها إلى ربها إذا كانت مما لحمله مؤنة قلت المؤنة أو كثرت
لأنه قبض العين لمنفعة مالكها على الخصوص فلم تلزمه الغرامة عليها كما لو وكله في حفظها في ملك
صاحبها وإنما عليه التمكين من أخذها وان سافر بها تغير إذن ربها فعليه ردها إلى بلدها لأنه بعدها بغير
اذن ربها فلزمه ردها كالغصب
(مسألة) قال (وإذا مات وعنده وديعة لا تتميز من ماله فصاحبها غريم بها)
وجملته أن الرجل إذا مات وثبت أن عنده وديعة لم توجد بعينها فهي دين عليه يغرم من تركته
فإن كان عليه دين سواها فهي والدين سواء فإن وفت تركته بهما وإلا اقتسماها بالحصص وبهذا قال
289

الشعبي والنخعي وداود بن أبي هند ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وروى ذلك عن
شريح ومسروق وعطاء وطاوس والزهري وأبي جعفر محمد بن علي، وروي عن النخعي الأمانة قبل الدين
وقال الحارث العكلي: الدين قبل الأمانة
ولنا أنهما حقان وجبا في ذمته فتساويا كالدينين وسواء وجد في تركته من جنس الوديعة أو لم
يوجد وهذا إذا أقر المودع ان عندي وديعة أو علي وديعة لفلان أو ثبت بينة أنه مات وعنده وديعة
فأما إن كانت عنده وديعة في حياته ولم توجد بعينها ولم يعلم هل هي باقية عنده أو تلفت؟ ففيه وجهان
(أحدهما) وجوب ضمانها لأن الوديعة يجب ردها الا أن يثبت سقوط الرد بالتلف من غير تعد ولم يثبت
ذلك ولان الجهل بعينها كالجهل بها وذلك لا يسقط الرد (والثاني) لا ضمان عليه لأن الوديعة أمانة
والأصل عدم اتلافها والتعدي فيها فلم يحب ضمانها وهذا قول ابن أبي ليلى واحد الوجهين لأصحاب
الشافعي وظاهر المذهب الأول لأن الأصل وجوب الرد فيبقى عليه ما لم يوجد ما يزيله
(فصل) وان مات وعنده وديعة معلومة بعينها فعلى ورثته تمكين صاحبها من أخذها فإن لم يعلم
بموت صاحبها من أخذها وجب عليهم إعلامه بها وليس لهم إمساكها قبل أن يعلم بها ربها لأنه لم يأتمنهم عليها
وإنما حصل مال غيرهم في أيديهم بمنزلة من أطار ت الريح إلى داره ثوبا وعلم به فعليه اعلام صاحبه
به فإن أخر ذلك مع الامكان ضمن كذا هاهنا ولا تثبت الوديعة إلا باقرار من الميت أو ورثته أو
ببينة تشهد بها وان وجد عليها مكتوب وديعة لم يكن حجة عليهم لجواز أن يكون الظرف كانت فيه
وديعة قبل هذا أو كان وديعة لموروثهم عند غيره أو كانت وديعة فابتاعها وكذلك لو وجد في
رزمانج أبيه ان لفلان عندي وديعة لم يلزمه بذلك لجواز أن يكون قد ردها ونسي الضرب
على ما كتب أو غير ذلك.
(مسألة) قال (وإذا طالبه بالوديعة فقال ما أودعتني ثم قال ضاعت من حرز كان
ضامنا لأنه خرج من حال الأمانة ولو قال مالك عندي شئ ثم قال ضاعت من حرز كان
القول قوله ولا ضمان عليه
وجملة ذلك أنه إذا ادعى على رجل وديعة فقال ما أودعتني ثم ثبت أنه أودعه فقل أودعتني
وهلكت من حرزي لم يقل قوله ولزمه ضمانها وبهذا قال مالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق
وأصحاب الرأي لأنه مكذب لانكاره الأول ومعترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة وان
أقر له بتلفها من حرزه قبل جحده فلا ضمان عليه وان أقر أنها تلفت بعد جحوده لم يسقط عنه
290

الضمان لأنه خرج بالجحود عن الأمانة فصار ضامنا كمن طولب بالوديعة فامتنع من ردها وان أقام
البينة بتلفها بعد الجحود لم يسقط عنه الضمان لذلك وان شهدت بتلفها قبل الجحود من الحرز فهل
تسمع بينته؟ ففيه وجهان (أحدهما) لا تسمع لأنه مكذب لها بانكاره الايداع (والثاني) تسمع بينته
لأن المودع لو اعترف بذلك سقط حقه فتسمع البينة به فإن شهدت بالتلف من الحرز ولم تعين قبل
الجحود ولا بعده واحتمل الامرين لم يسقط الضمان لأن الأصل وجوبه فلا ينتفي بأمر متردد وأما
إذا ادعى الوديعة فقال مالك عندي شئ أولا تستحق علي شيئا فقالت البينة بالايداع أو أقر به المودع
ثم قال ضاعت من حرز كان القول قوله
مع يمينه ولا ضمان عليه لأن قوله لا ينافي ما شهدت به البينة
ولا يكذبها فإن من تلفت الوديعة من حرزه بغير تفريطه فلا شئ لمالكها عنده ولا يستحق عليه
شيئا لكن ان ادعى تلفها بعد جحوده أو قامت بينة بتلفها بعد الجحود وانها كانت عنده حال جحوده
فعليه ضمانها لأن جحوده أوجب الضمان عليه فصار كالغاصب
(فصل) إذا نوى الخيانة في الوديعة بالجحود أو الاستعمال ولم يفعل لم يصر ضامنا لأنه لم يحدث
في الوديعة قولا ولا فعلا فلم يضمن كما لو لم ينو وقال ابن شريح يضمنها لأنه أمسكها بينة الخيانة
فيضمها كالملتقط بقصد التمليك
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل
به) ولأنه لم يخن فيها بقول ولا فعل فلم يضمنها كالذي لم ينو وفارق الملتقط بقصد التملك فإنه عمل فيها
بأخذها ناويا للخيانة فيها فوجب الضمان بفعله المنوي لا بمجرد النية ولو التقطها قاصدا لتعريفها ثم نوى
بعد ذلك امساكها لنفسه كانت كمسئلتنا ولو أخرجها بنية الاستعمال ولم يستعملها ضمنها وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة لا يضمنها الا بالاستعمال لأنه لو أخرجها لنقلها لم يضمنها
ولنا انه تعدى باخراجها أشبه ما لو استعملها بخلاف ما إذا نقلها
(فصل) والمودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف الوديعة بغير خلاف قال بن المنذر أجمع
291

كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر انها ضاعت أن القول قوله
وقال أكثرهم مع يمينه وان ادعى ردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه أيضا وبه قال الثوري والشافعي
وإسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك إن كان دفعها إليه بغير بينة وإن كان أودعه إياها ببينة لم يقبل
قوله في الرد إلا ببينة.
ولنا أنه أمين لا منفعة له في قبضها فقبل قوله في الرد بغير بينة كما لو أودع بغير بينة وان قال
دفعتها إلى فلان بأمرك فأنكر مالكها الاذن في دفعها فالقول قول المودع نص عليه أحمد في رواية
ابن منصور وهو قول بن أبي ليلى وقال مالك والثوري والعنبري والشافعي وأصحاب الرأي القول قول
المالك لأن الأصل عدم الإذن وله تضمينه
ولنا أنه ادعى دفعا يبرأ به من الوديعة فكان القول قوله كما لو ادعى ردها على مالكها ولو
اعترف المالك بالاذن ولكن قال لم يدفعها فالقول قول المستودع أيضا ثم ننظر في المدفوع إليه فإن
أقر أنه قبضه وكان الدفع في دين فقد برئ الكل وان أنكر فالقول قوله مع يمينه
وقد ذكر أصحابنا أن الدافع يضمن لكونه قضى الدين بغير بينة ولا يجب اليمين على صاحب
الوديعة لأن المودع مفرط لكونه أذن في قضاء يبرئه من الحق ولم يبرأ بدفعه فكان ضامنا سوا صدقه
أو كذبه، وإن أمره بدفعه وديعة لم يحتج إلى بينة لأن المودع يقبل قوله في التلف والرد فلا فائدة في
الاشهاد عليه فعلى هذا يحلف المودع ويبرأ ويحلف الآخر ويبرأ أيضا ويكون ذهابها من مالكها
(فصل) وإذا أودع بهيمة فأمره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك لوجهين (أحدهما) لحرمة صاحبها
لأنه أخذها منه على ذلك (والثاني) لحرمة البهيمة فإن الحيوان يجب احياؤه بالعلف والسقي ويحتمل أن
لا يلزمه علفها إلا أن يقبل ذلك لأن هذا تبرع منه فلا يلزمه بمجرد أمر صاحبها كغير الوديعة، وإن
أطلق ولم يأمره بعلفها لزمه ذلك أيضا وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن لا يلزمه ذلك، وبه قال أبو حنيفة لأنه استحفظه إياها ولم يأمره بعلفها والعلف على مالكها فإذا لم يعلفها كان هو المفرط في ماله
ولنا أنه لا يجوز اتلافها ولا التفريط فيها فإذا أمره بحفظها تضمن ذلك علفها وسقيها ثم ننظر فإن
292

قدر المستودع على صاحبها أو وكيله طالبه بالانفاق عليها أو بردها عليه أو يأذن له في الانفاق عليها
ليرجع به، فإذا عجز عن صاحبها أو وكيله رفع الامر إلى الحاكم فإن وجد لصاحبها مالا أنفق عليها منه
وإن لم يجد مالا فعل ما يرى لصاحبها الحظ فيه من بيعها أو بيع بعضها وانفاقه عليها أو اجارتها أو الاستدانة
على صاحبها من بيت المال أو من غيره ويدفع ذلك إلى المودع إن أراد ذلك لينفقه عليها وإن رأى دفعه
إلى غيره ليتولى الانفاق عليها جاز، وإن استدان من المودع جاز أن يدفعه إليه ليتولى الانفاق عليها لأنه
أمين عليها ويجوز أن يأذن له الحاكم في أن ينفق عليها من ماله ويكون قابضا لنفسه من نفسه ويكل ذلك إلى
اجتهاده في قدر ما ينفق ويرجع به على صاحبها فإن اختلفا في قدر النفقة فالقول قول المودع إذا ادعى النفقة
بالمعروف، وإن ادعى أكثر من ذلك لم يثبت له، وإن اختلفا في قدر المدة التي أنفق فيها فالقول قول
صاحبها لأن الأصل عدم ذلك فإن لم يقدر على الحاكم فأنفق عليها محتسبا بالرجوع على صاحبها وأشهد على
الرجوع رجع بما أنفق رواية واحدة لأنه مأذون فيه عرفا ولا تفريط منه إذا لم يجد حاكما، وإن فعل ذلك
مع امكان استئذان الحاكم من غير اذنه فهل له الرجوع؟ يخرج على روايتين نص عليهما فيما إذا أنفق
على البهيمة المرهونة من غير اذن الراهن وفي الضامن إذا ضمن وأذن بغير اذن المضمون عنه
هل يرجع به؟ على روايتين (إحداهما) يرجع به لأنه مأذون فيه عرفا (والثانية) لا يرجع لأنه مفرط
بترك استئذان الحاكم، وإن أنفق من غير اشهاد مع العجز عن استئذان الحاكم أو مع امكانه ففي
الرجوع وجهان أيضا كذلك ومتى علف البهيمة أو سقاها في داره أو غيرها بنفسه أو أمر غلامه أو
صاحبه ففعل ذلك كما يفعل في بهائمه على ما جرت به العادة فلا ضمان عليه لأن هذا مأذون فيه عرفا
لجريان العادة به فأشبه المصرح به
(فصل) وإن أودعه البهيمة وقال لا تعلفها ولا تسقها لم يجز له ترك علفها لأن للحيوان حرمة في
نفسه يجب احياؤه لحق الله تعالى، فإن علفها وسقاها كان كالقسم الذي قبله، وإن تركها حتى تلفت
لم يضمنها وهذا قول عامة أصحاب الشافعي، وقال بعضهم يضمن لأنه تعدى بترك علفها أشبه إذا لم
293

ينهه وهذا قول ابن المنذر لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فيصير أمر مالكها وسكوته سواء
ولنا أنه ممتثل لأمر صاحبها فلم يضمنها كما لو قال اقتلها فقتلها وكما لو قال لا تخرج الوديعة وإن خفت
عليها فخاف عليها ولم يخرجها أو أمره صاحبها بالقائها في نار أو بحر وبهذا ينتقض ما ذكروه ومنع ابن
المنذر الحكم فيما إذا أمره باتلافها وأتلفها لما تقدم ولا يصح لأنه ثابت لصاحبها فلم يغرم له شيئا كما لو
استنابه في مباح والتحريم أثره في بقاء حق الله تعالى وهو التأثيم أما حق الآدمي فلا يبقى مع اذنه في
تفويته ولأنها لم تتلف بفعله وإنما تلفت بترك العلف المأذون فيه أشبه ما لو قال له لا تخرجها إذا خفت
عليها فلم يخرجها.
(مسألة) قال رحمه الله (ولو كان في يده وديعة فادعاها نفسان فقال أودعني أحدهما
ولا أعرفه عينا أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنها له وسلمت إليه)
وجملته أن من كانت عنده وديعة فادعاها نفسان فأقر بها لأحدهما سلمت إليه لأن يده دليل
ملكه فلو ادعاها لنفسه كان القول قوله فإذا أقر بها لغيره وجب أن يقبل ويلزمه أن يحلف للآخر
لأنه منكر لحقه فإن حلف برئ وإن نكل لزمه أن يغرم له قيمتها لأنه فوتها عليه وكذلك لو أقر للثاني بها
بعد أن أقر بها للأول سلمت إلى الأول لأنه استحقها باقراره وغرم قيمتها للثاني نص على هذا أحمد
وإن أقر بها لهما جميعا فهي بينهما ويلزمه اليمين لكل واحد منهما في نصفها وإن قال هي لأحدهما لا أعرفه
عينا فاعترفا له بجهله تعين المستحق لها فلا يمين عليه، وان ادعيا معرفته فعليه يمين واحدة أنه لا يعلم
ذلك، وقال أبو حنيفة يحلف يمينين كما لو أنكر أنها لهما
ولنا أن الذي يدعي عليه أمر واحد وهو العلم بعين المالك فكفاه يمين واحدة كما لو ادعياها
فأقر بها لأحدهما ويفارق ما إذا أنكرهما لأن كل واحد منهما يدعي عليه انها له فهما دعويان فإن
حلف أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه
294

وقال الشافعي يتحالفان ويوقف الشئ بينهما حتى يصطلحا وهو قول ابن أبي ليلى لأنه لا يعلم
المالك منهما، وللشافعي قول آخر أنها تقسم بينهما كما لو أقر بها لهما وهذا الذي حكاه ابن المنذر
عن ابن أبي ليلى وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه فيما حكي عنهم قالوا ويضمن المستودع نصفها لكل واحد
منهما لأنه فوت ما استودع بجهله
ولنا أنهما تساويا في الحق فيما ليس بأيديهما فوجب أن يقرع بينهما كالعبدين إذا أعتقهما في
مرضه فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما أو كما لو أراد السفر بإحدى نسائه، وقول أبي حنيفة ليس
بصحيح فإن العين لم تتلف. ولو تلفت بغير تفريط منه فلا ضمان عليه وليس في جهله تفريط إذ
ليس في وسعه أن لا ينسى ولا يجهل
(مسألة) قال (ومن أودع شيئا فأخذ بعضه ثم رده أو مثله فضاع الكل لزمه مقدار ما أخذ)
وجملته ان من أودع شيئا فأخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذ فإن رده أو مثله لم يزل الضمان عنه،
وبهذا قال الشافعي وقال مالك لا ضمان عليه إذا رده أو مثله وقال أصحاب الرأي ان لم ينفق ما أخذه ورد لم
يضمن وإن أنفقه ثم رده أو مثله ضمن
ولنا أن الضمان تعلق بذمته بالأخذ بدليل انه لو تلف في يده قبل رده ضمنه فلا يزول إلا برده
إلى صاحبه كالمغصوب، فأما سائر الوديعة فينظر فيه فإن كان في كيس مختوم أو مشدود فكسر
الختم أو حل الشد ضمن سواء أخرج منه أو لم يخرج لأنه هتك الحرز بفعل تعدى به، وان خرق الكيس
فوق الشد فعليه ضمان ما خرق خاصة لأنه ما هتك الحرز، وان لم تكن الدراهم في كيس أو كانت في كيس
غير مشدود أو كانت ثيابا فأخذ منها واحدا ثم رده بعينه لم يضمن غيره لأنه لم يتعد في غيره وان رد بدله
وكان متميزا لم يضمن غيره لذلك وان لم يكن متميزا فظاهر كلام الخرقي ههنا أنه لا يضمن غيره لأن التعدي
اختص به فيختص الضمان به وخلط المردود بغيره لا يقتضي الضمان لأنه يجب رده معها فلم يفوت على
نفسه إمكان ردها بخلاف ما إذا خلطه بغيره ولو أذن له صاحب الوديعة في الاخذ منها ولم يأمره برد
295

بدله فأخذ ثم رد بدل ما أخذ فهو كرد بدل ما لم يؤذن في أخذه وقال القاضي يضمن الكل وهو قول الشافعي لأنه
خلط الوديعة بما لا يتميز منها فضمن الكل كما لو خلطها بغير البدل وقد ذكرنا فرقا بين البدل وغيره فلا يصح
القياس وقال أبو حنيفة إذا كسر ختم الكيس لم يلزمه ضمان الوديعة لأنه لم يتعد في غيره
ولنا أنه هتك حرزها فضمنها إذا تلفت كما لو أودعه إياها في صندوق مقفل ففتحه وتركه مفتوحا
ولا نسلم أنه يتعد
في غير الختم
(فصل) وإذا ضمن الوديعة بالاستعمال أو بالجحد ثم ردها إلى صاحبها زال عنه الضمان، فإن
ردها صاحبها إليه كان ابتداء استئمان وان لم يردها إليه ولكن جدد له الاستئمان أو أبرأه من
الضمان برئ من الضمان في ظاهر المذهب لأن الضمان حقه فإذا أبرأه منه برئ كما لو أبرأه من دين
في ذمته، وإذا جدد له استئمانا فقد انتهى القبض المضمون به فزال الضمان، وقد قال أصحابنا إذا
رهن المغصوب عند الغاصب أو أودعه عنده زال عنه ضمان الغصب فههنا أولى
(فصل) ولو تعدى فلبس الثوب وركب الدابة أو أخذ الوديعة ليستعملها أو ليخزن فيها ثم ردها
إلى موضعها بنية الأمانة لم يبرأ من الضمان، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يبرأ لأنه ممسك لها
باذن مالكها فأشبه ما قبل التعدي
ولنا انه ضمنها بعد وان فبطل الاستئمان كما لو جحدها ثم أقربها وبهذا يبطل ما ذكروه
(فصل) ولا يصح الايداع ألا من جائر التصرف فإن أودع طفل أو معتوه إنسانا وديعة ضمنها
بقبضها ولا يزول الضمان عنه بردها إليه وإنما يزول بدفعها إلى وليه الناظر له في ماله أو الحاكم، فإن كان
الصبي مميزا صح إيداعه لما أذن له في التصرف فيه لأنه كالبالغ بالنسبة إلى ذلك فإن أودع رجل عند
صبي أو معتوه وديعة فتلفت لم يضمنها سواء حفظها أو فرط في حفظها، فإن أتلفها أو أكلها ضمنها في قول
القاضي وظاهر مذهب الشافعي، ومن أصحابنا من قال لا ضمان عليه وهو قول أبي حنيفة لأنه سلطه على
إتلافها بدفعها إليه فلا يلزمه ضمانها، ألا ترى انه لو دفع إلى صغير سكينا فوقع عليها كان ضمانه على عاقلته
296

ولنا ان ما ضمنه باتلافه قبل الايداع ضمنه بعد الايداع كالبالغ. ولا يصح قولهم انه سلطه على
اتلافها وإنما استحفظه إياها، وفارق دفع السكين فإنه سبب للاتلاف ودفع الوديعة بخلافه
(فصل) وان أودع عبدا وديعة خرج على الوجهين في الصغير ان قلنا لا يضمن الصبي فأتلفها
العبد كانت في ذمته وان قلنا يضمن كانت في رقبته
(فصل) وان غصبت الوديعة من المودع قهرا فلا ضمان عليه سواء أخذت من يده أو أكره على تسليمها
فسلمها بنفسه لأن الاكراه عذر لها يبيح له دفعها فلم يضمنها كما لو أخذت من يده قهرا
(باب قسمة الفئ والغنيمة والصدقة)
الفئ هو الراجع إلى المسلمين من مال الكفار بغير قتال، يقال فاء الفئ إذا رجع نحو المشرق. والغنيمة
ما أخذ منهم قهرا بالقتال واشتقاقها من الغنم وهو الفائدة وكل واحد منهما في الحقيقة فئ وغنيمة وإنما خص
كل واحد منهما باسم ميز به عن الآخر، والأصل فيهما قول الله تعالى (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) الآية
وقوله سبحانه (واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) الآية
(مسألة) قال (والأموال ثلاثة فئ وغنيمة وصدقة)
يعني والله أعلم أن الأموال التي تليها الولاة من أموال المسلمين فإنها ثلاثة أقسام: قسمان يؤخذان
من مال المشركين (أحدهما) الفئ وهو ما أخذ من مال مشرك لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب
كالذي تركوه فزعا من المسلمين وهربوا. والجزية عشر أموال أهل دار الحرب إذا دخلوا إلينا تجارا
ونصف عشر تجارات أهل الذمة وخراج الأرضين ومال من مات من المشركين ولا وارث له. والغنيمة
ما أخذ بالقهر والقتال من الكفار، والقسم الثالث الصدقة وهو ما أخذ من مال مسلم تطهيرا له وهو
الزكاة وقد ذكرناها، يروى أن عمر رضي الله عنه قرأ قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين
297

- حتى بلغ - عليم حكيم) ثم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ (واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه - حتى بلغ
وابن السبيل) ثم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى - حتى بلغ - والذين جاءوا
من بعدهم) ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة ولئن عشت ليأتين الراعي وهو بسر وحمير نصيبه
منها لم يعرق به جبينه
(فصل) ولم تكن الغنائم تحل لمن مضى من الأمم وإنما علم الله ضعفنا فطيبها لنا رحمة لنا ورأفة
بنا وكرامة لنبينا صلى الله عليه وسلم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي
- فذكر فيها - أحلت لي الغنائم) متفق عليه وقال سعيد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس غيركم، كانت تنزل نار من
السماء فتأكلها) ثم كانت في أول الاسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قول الله تعالى (يسئلونك عن الأنفال
قل الأنفال لله والرسول) ثم صار أربعة أخماسها للغانمين والخمس لغيرهم بدليل قول تعالى (واعلموا
إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) فأضاف الغنيمة إليهم وجعل الخمس لغيرهم فيدل ذلك على أن سائرها
لهم وجرى ذلك مجرى قوله تعالى (وورثه أبواه فلأمه الثلث) أضاف ميراثه إليهما ثم جعل للام منه الثلث
فدل على أن الباقي للأب وقال تعالى (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) فأحلها لهم
(مسألة) قال (فالفئ ما أخذ من مال مشرك بحال ولم يوجف عليه بخيل ولا
ركاب والغنيمة ما أوجف عليها)
الركاب الإبل خاصة والايجاف أصله التحريك والمراد ههنا الحركة في السير إليه. قال قتادة
فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ما قطعتم واديا ولا سيرتم إليها دابة إنما كانت حوائط بني النضير
أطعمها الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عبيد الايجاف الايضاع يعني الاسراع، وقال الزجاج الوجيف
دون التقريب من السير يقال وجف الفرس وأوجفت أنا قال الله تعالى (ما أفاء الله على رسوله منهم
298

فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) فكل ما أخذ من مال مشرك بغير إيجاف مثل الأموال التي
يتركونها فزعا من المسلمين ونحو ذلك هو فئ وما أجلب عليه المسلمون وساروا إليه وقاتلوهم عليه
فهو غنيمة سواء أخذ عنوة أو استنزلوا أهله بأمان فإن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح حصون خيبر بعضها عنوة وبعضها
استنزل أهله بالأمان فكانت غنيمة كلها
(مسألة) قال (فخمس الفئ والغنيمة مقسوم على خمسة أسهم)
في هذه المسألة فصول أربعة (أحدها) أن الفئ مخموس كما تخمس الغنيمة في إحدى الروايتين
وهو مذهب الشافعي (والرواية الثانية) لا يخمس نقلها أبو طالب فقال: إنما تخمس الغنيمة قال القاضي
لم أجد بما قال الخرقي من أن الفئ مخموس نصا فأحكيه وإنما نص على أنه غير مخموس وهذا قول عامة
أهل العلم قال ابن المنذر ولا نحفظ عن أحد قبل الشافعي في الفئ خمس كخمس الغنيمة، وأخبار عمر
تدل على ما قاله الشافعي ولان الله تعالى قال (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى - إلى قوله - والذين
جاءوا من بعدهم) الآية فجعله كله لهم ولم يذكر خمسا، ولما قرأ عمر هذا الآية قال: هذه استوعبت
المسلمين، ووجه الأول قول الله تعالى (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) فظاهر هذا أن جميعه لهؤلاء
وهم أهل الخمس: وجاءت الاخبار عن عمر دالة على اشتراك جميع المسلمين فيه فوجب الجمع بينهما كيلا
تتناقض الآية والاخبار وتتعارض، وفي إيجاب الخمس فيه جمع بينهما وتوفيق فإن خمسه للذي سمي
في الآية وسائره ينصرف إلى من في الخبر كالغنيمة ولأنه مال مشترك مظهور عليه فوجب أن يخمس كالغنيمة
والركاز وروى البراء بن عازب قال لقيت خالي ومعه الراية قلت إلى أين؟ فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
رجل عرس بامرأة أبيه ان أضرب عنقه وأخمس ماله
(الفصل الثاني) ان الغنيمة مخموسة ولا اختلاف في هذا بين أهل العلم بحمد الله، وقد نطق به
299

الكتاب العزيز فقال الله تعالى (واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) لكن اختلف في أشياء: منها سلب
القاتل وأكثر أهل العلم على أنه لا يخمس فإن عمر رضي الله عنه قال كنا لا نخمس السلب وقول النبي صلى الله عليه وسلم
(من قتل قتيلا فله سلبه) يقتضي أنه له كله ولو خمس لم يكن جميعه له وعن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله
سلب رجل قتله يوم حنين ولم يخمس. رواه سعيد في سننه. ومنها إذا قال الإمام من جاء بعشرة رؤوس فله
رأس ومن طلع الحصن فله كذا من النفل فالظاهر أن هذا غير مخموس لأنه في معنى السلب. ومنها إذا
قال الإمام من أخذ شيئا فهو له وقلنا يجوز ذلك فقد قيل لا خمس فيه لأنه في معنى الذي قبله. والصحيح
أن الخمس لا يسقط لأنه يدخل في عموم الآية ولا يدخل في معنى السلب والنفل لأن ترك تخميسهما
لا يسقط خمس الغنيمة بالكلية وهذا يسقطه فلا يكون تخصيصا بل نسخا لحكمها ونسخها بالقياس
غير جائز اتفاقا. ومنها إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير اذن الإمام فقد قيل إنما غنموه لهم من غير
أن يخمس، والصحيح انه يخمس ويدفع إليهم أربعة أخماسه لدخوله في عموم الآية وعدم دليل يوجب تخصيصه
(الفصل الثالث) ان الخمس مما يحب خمسه من الفئ والغنيمة شئ واحد في مصرفهما وحكمهما
ولا اختلاف في هذا بين القائلين بوجوب الخمس فيهما فإن القائل بوجوب الخمس في الفئ غير من
قاله من أصحابنا الشافعي وقد وافق على هذا فإنه قال في الفئ والغنيمة يجتمعان في أن فيهما الخمس لمن
سماه الله تعالى يعني في سورة الأنفال في قوله سبحانه وتعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه
) الآية. وفي سورة الحشر في قوله تعالى (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) الآية.
والمسمون في الآيتين شئ واحد
(الفصل الرابع) ان الخمس يقسم على خمسة أسهم وبهذا قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي
وقتادة وابن جريج والشافعي وقيل يقسم على ستة: سهم لله وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى (واعلموا
أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فعد ستة
وجعل الله تعالى لنفسه سهما سادسا وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة، وقال أبو العالية سهم الله
300

عز وجل هو انه إذا عزل الخمس ضرب بيده فما قبض عليه من شئ جعله للكعبة فهو الذي سمي لله
لا تجعلوا له نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم، وروي
عن الحسن وقتادة في سهم ذي القربى كانت طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فلما توفي حمل عليه
أبو بكر وعمر في سبيل الله، وروى ابن عباس ان أبا بكر وعمر قسما الخمس على ثلاثة أسهم ونحوه حكى
عن الحسن بن محمد بن الحنيفة وهو قول أصحاب الرأي قالوا يقسم الخمس على ثلاثة: اليتامى والمساكين
وابن السبيل وأسقطوا سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته وسهم قرابته أيضا، وقال مالك الفئ والخمس
واحد يجعلان في بيت المال، قال ابن القاسم وبلغني عمن أثق به ان مالكا قال يعطي الإمام أقرباء
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى، وقال الثوري والحسن يضعه الإمام حيث أراه الله عز وجل
ولنا قول الله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل) وسهم الله والرسول واحد كذا قال عطاء والشعبي، وقال الحسن بن محمد
ابن الحنيفة وغيره قوله (فأن لله خمسه) افتتاح كلام يعني ان ذكر الله تعالى لافتتاح الكلام باسمه
تبركا به لا لافراده بسهم فإن لله تعالى الدنيا والآخرة، وقد روي عن ابن عمر وابن عمر وابن عباس قالا كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الخمس على خمسة وما ذكره أبو العالية فشئ لا يدل عليه رأي ولا يقتضيه
قياس ولا يصار إليه إلا بنص صحيح يجب التسليم له ولا نعلم في ذلك أثرا صحيحا سوى قوله، فلا
يترك ظاهر النص وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله من أجل قول أبي العالية وما قاله أبو حنيفة فمخالف
لظاهر الآية فإن الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئا وجعل لهما في الخمس حقا كما سمى للثلاثة الأصناف
الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب، وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على سهم
ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه ورأي أن قول ابن عباس
ومن وافقه أولى لموافقته كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ابن عباس لما سئل عن سهم ذي القربى
فقال إنا كنا نزعم انه لنا فأبى ذلك علينا قومنا، ولعله أراد بقوله أبى ذلك علينا قومنا فعل أبي بكر
وعمر رضي الله عنهما في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك، ومتى اختلف الصحابة وكان
301

قول بعضهم يوافق الكتاب والسنة كان أولى وقول ابن عباس موافق للكتاب والسنة فإن جبير بن
مطعم روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقسم لبنى عبد شمس ولا بني نوفل من الخمس شيئا كما كان يقسم
لبني هاشم ولبنى المطلب، وان أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن
يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يعطيهم وكان عمر يعطيهم وعثمان من بعده رواه أحمد في مسنده
وقد تكلم في رواية ابن عباس عن أبي بكر وعمر أنهما حملا على سهم ذي القربى في سبيل الله
فقيل إنه يرويه محمد بن مروان وهو ضعيف عن الكلبي وهو ضعيف أيضا ولا يصح عند أهل النقل
فإن قالوا فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بباق فكيف يبقى سهمه؟ قلنا جهة صرفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة المسلمين
والمصالح باقية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس وهو مردود
عليكم) رواه سعيد
(مسألة) قال (وسهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف في الكراع والسلاح ومصالح المسلمين)
وهذا قول الشافعي فإنه قال اختار أن يضعه الإمام في كل أمر خص به الاسلام وأهله من سد ثغر
واعداد كراع أو سلاح أو اعطائه أهل البلاء في الاسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب وهذا نحو
ما قال الخرقي وهذا السهم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنيمة حضر أو لم يحضر كما أن سهم بقية أصحاب
الخمس لهم حضروا أو لم يحضروا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء فلما توفى وليه أبو بكر ولم يسقط
بموته، وقد فيل إنما أضافه الله تعالى إلى نفسه والى رسوله ليعلم أن جهته جهة المصلحة وأنه ليس
بمختص بالنبي صلى الله عليه وسلم فيسقط بموته
وزعم قوم أنه سقط بموته ويرد على أنصباء الباقين من أهل الخمس لأنهم شركاؤه، وقال آخرون
بل يرد على الغانمين لأنهم استحلوها بقتالهم وخرجت منها سهام منها سهم النبي صلى الله عليه وسلم ما دام حيا فإذا
مات وجب رده إلى من وحد سبب الاستحقاق فيه كما أن تركة الميت إذا خرج منها سهم بوصية ثم
302

بطلت الوصية رد إلى التركة وقالت طائفة هو للخليفة بعده لأن أبا بكر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(إذا أطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه فهو للذي يقوم بها من بعده وقد رأيت أن أرده على المسلمين)
والصحيح أنه باق وأنه يصرف في مصالح المسلمين لكن الإمام يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في صرفه فيما
يرى فإن أبا بكر قال: لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعة. متفق عليه، وروي
عن الحسن بن محمد بن الحنيفة أنه قال اختلفوا في هذين السهمين يعنى سهم الرسول صلى الله عليه وسلم وسهم
ذي القربى فأجمع رأيهم على أن يجعلوهما في الخيل والعدة في سبيل الله فكانا في خلافة أبي بكر وعمر
في الخيل والعدة في سبيل الله
(فصل) وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المغنم الصفي وهو شئ يختاره من المغنم قبل القسمة كالجارية
والعبد والثوب والسيف ونحوه وهذا قول محمد بن سيرين والشعبي وقتادة وغيرهم من أهل العلم وقال
أكثرهم ان ذلك أنقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد الصفي أنما كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة لم يبق بعده
ولا نعلم مخالفا لهذا إلا أبا ثور فإنه قال إن كان الصفي ثابتا للنبي صلى الله عليه وسلم فللإمام أن يأخذه على نحو ما كان
يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ويجعله مجعل سهم
النبي من خمس الخمس فجمع بين الشك فيه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
ومخالفة الاجماع في ابقائه بعد موته، قال ابن المنذر لا أعلم أحدا سبق أبا ثور إلى هذا القول، وقد أنكر
قوم كون الصفي للنبي صلى الله عليه وسلم واحتجوا بما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم رفع وبرة من ظهر بعيره فقال (ما يحل لي مما أفاء الله عليكم ولامثل هذه الا الخمس وهو
مردود عليكم) رواه سعيد. ورواه أبو داود باسناده عن أبي إمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولان الله تعالى قال (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) فمفهومه أن باقيها للغانمين
ولنا ما روى أبو داود باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى بنى زهير بن أقيش (إنكم ان شهدتم أن
لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وأديتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم الصفي أنكم آمنون بأمان
الله ورسوله) وفي حديث وفد عبد القيس الذي رواه ابن عباس وان يعطوا سهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي
303

وقالت عائشة كانت صفية من الصفي. رواه أبو داود، وأما انقطاعه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فثابت باجماع
الأمة قبل أبي ثور وبعده عليه وكون أبي بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم لم يأخذوه ولا ذكره أحد منهم
ولا يجمعون على ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم
(مسألة) قال (وخمس مقسوم في صليبة بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف حيث
كانوا للذكر مثل حظ الأنثيين)
يعني بقوله في صليبة بني هاشم وأولاده دون من يعد معهم من مواليهم وحلفائهم. وفي هذه
المسألة فصول خمسة (أحدها) أن سهم ذي القربى ثابت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى ذكر ذلك
والخلاف فيه وقد ذكرهم الله تعالى في كتابه من ذوي السهام، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم فروي
جبير بن مطعم قال وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني
نوفل وبنى عبد شمس وذكر الحديث رواه أبو داود ولم يأت لذلك نسخ ولا تغيير فوجب القول
به والعمل بحكمه قال أحمد ثنا وكيع ثنا أبو معشر عن المقبري قال كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن
سهم ذي القربى فكتب ابن عباس إنا كنا نزعم أنه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قال أحمد أنا أذهب
إلى أنه لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم على ما قال ابن عبا س هو لنا
(الفصل الثاني) أن ذا القربى هم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف دون غيرهم بدليل
ما روى جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني
المطلب أتيت أنا وعثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم
لمكانك الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم
منك بمنزلة واحدة فقال (إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ
304

واحد وشبك بين أصابعه وفي رواية (انهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام) رواه أحمد والبخاري
فرعى لهم النبي صلى الله عليه وسلم نصرتهم وموافقتهم بني هاشم ومن كانت أمه منهم وأبوه من غيرهم لم يستحق
شيئا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفع إلى أقارب أمه وهم بنو زهرة شيئا وإنما دفع إلى أقارب أبيه ولو دفع
إلى أقارب أمه لدفع إلى بني زهرة، وخبر جبير يدل على أنه لم يعطهم شيئا ولم يدفع أيضا إلى بني عماته
وهم الزبير بن العوام وعبد الله والمهاجر ابنا أبي أمية وبنو جحش
(الفصل الثالث) أنه يشترك فيه الذكر والأنثى لدخولهم في اسم القرابة واختلفت الرواية في
قسمته بينهم فعن أحمد أنه يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وهو اختيار الخرقي ومذهب الشافعي
لأنه سهم استحق بقرابة الأب شرعا ففضل فيه الذكر على الأنثى كالميراث، ويفارق الوصية وميراث
ولد الام فإن الوصية استحقت بقول الموصي وميراث ولد الام استحق بقرابة الام والرواية الثانية
يسوى بين الذكر والأنثى وهو قول أبي ثور والمزني وابن المنذر لأنهم أعطوا باسم القرابة والذكر
والأنثى فيها سواء فأشبه ما لو أوصى لقرابة فلان أو وقف عليهم، ألا ترى أن الجد يأخذ مع الأب
وابن الابن يأخذ مع الابن؟ وهذا يدل على مخالفة المواريث ولأنه سهم من خمس الخمس لجماعة فيستوي
فيه الذكر والأنثى كسائر سهامه ويسوى بين الصغير والكبير على الروايتين لاستوائهم في
القرابة فأشبه الميراث.
(الفصل الرابع) أنه يفرق بينهم حيث كانوا من الأمصار ويجب تعميمهم به حسب الامكان
وهذا قول الشافعي، وقال بعضهم يخص أهل كل ناحية بخمس مغزاها الذي ليس لهم مغزى سواه فما
يؤخذ من مغزى الروم لأهل الشام والعراق وما يؤخذ من مغزى الترك لمن في خراسان من ذوي
القربى لما يلحق من المشقة في نقله من المشرق إلى المغرب ولأنه يتعذر تعميمهم به فلم يجب كسائر أهل
السهم، ووجه الأول أنه سهم مستحق بقرابة الأب فوجب دفعه إلى جميع المستحقين كالميراث، فعلى
305

هذا يبعث الإمام إلى عماله في الأقاليم وينظر كم حصل من ذلك فإن استوت فيه فرق كل خمس
فيمن قاربه وان اختلفت أمر بحمل الفضل ليدفع إلى مستحقه كالميراث، وفارق الصدقة حيث لا تنقل
لأن كل بلد لا يكاد يخلو من صدقة تفرق على فقراء أهله والخمس يؤخذ في بعض الأقاليم فلو لم ينقل
لأدى إلى اعطاء البعض وحرمان البعض، والصحيح إن شاء الله أنه لا يجب التعميم لأنه يتعذر فلم
يجب كتعميم المساكين وما ذكر من بعث الإمام عماله وسعاته فهو متعذر في زماننا لأن الإمام لم
يبق له حكم إلا في قليل من بلاد الاسلام ولم يبق له جبة في الغزو ولا له فيه أمر ولان هذا سهم من
سهام الخمس فلم يجب تعميمه كسائر سهامه، فعلى هذا يفرقه كل سلطان فيما أمكن من بلاده.
(الفصل الخامس) أن غنيهم وفقيرهم فيه سواء وهذا قول الشافعي وأبي ثور وقيل لا حق فيه
لغني قياسا له على بقية السهام
ولنا عموم قوله تعالى (ولذي القربى) وهذا عام لا يجوز تخصيصه بغير دليل، ولان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يعطي أقاربه كلهم وفيهم الأغنياء كالعباس وغيره ولم ينقل تخصيص الفقراء منهم. وقد روى
الإمام أحمد في مسنده ان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير سهما وأمه سهما وفرسه سهمين، وإنما أعطى أمه
من سهم ذي القربى وقد كانت موسرة ولها موال ومال، ولأنه مال مستحق بالقرابة فاستوى فيه
الغنى والفقير كالميراث والوصية للأقارب، ولان عثمان وجبيرا طلبا حقهما منه وسألا عن علة منعهما ومنع
قرابتهما وهما موسران فعلله النبي صلى الله عليه وسلم بنصرة بني المطلب دونهم وكونهم مع بني هاشم كالشئ الواحد
ولو كان اليسار مانعا والفقر شرطا لم يطلبا مع عدمه ولعل النبي صلى الله عليه وسلم منعهما بيسارهما وانتفاء فقرهما
(مسألة) قال (والخمس الثالث لليتامى)
وهم الذين لا آباء لهم ولم يبلغوا الحلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يتم بعد احتلام) قال بعض
أصحابنا لا يستحقون الا مع الفقر وهو المشهور من مذهب الشافعي لأن ذا الأب لا يستحق والمال
أنفع من وجود الأب ولأنه صرف إليهم لحاجتهم فإن اسم اليتم يطلق عليهم في العرف للرحمة ومن
306

كان اعطاؤه لذلك اعتبرت الحاجة فيه، وفارق ذوي القربى فإنهم استحقوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم
تكرمة لهم، والغني والفقير في القرب سواء فاستويا في الاستحقاق ولم أعلم هذا نصا عن أحمد وعموم الآية
يقتضي تعميمهم. وقال بعض أصحاب الشافعي له قال آخر انه للغني والفقير لعموم النص في كل
يتيم وقياسا له على سهم ذي القربى، ولأنه لو خص به الفقير لكان داخلا في جملة المساكين الذين هم
أصحاب السهم الرابع فكان يتغنى عن ذكرهم وتسميتهم
قال أصحابنا ويفرق على الأيتام في جميع الأقطار ولا يخص به أهل ذلك المغزى والقول فيه
كالقول في سهم ذي القربى وقد تقدم القول فيه
(مسألة) قال (والخمس الرابع للمساكين)
وهم أهل الحاجة ويدخل فيهم الفقراء، والفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد
ههنا وفي سائر الأحكام وإنما يقع التمييز بينهما إذا جمع بينهما بلفظين ولم يرد ذلك الا في الزكاة،
وسنذكرهم في أصنافها، قال أصحابنا: ويعم بها جميعهم في جميع البلاد كقولهم في سهم ذي القربى
واليتامى وقد تقدم قولنا في ذلك
(مسألة) قال (والخمس الخامس لابن السبيل)
وسنذكره أيضا في أصناف الصدقة ويعطى كل واحد منهم قدر ما يوصله إلى بلده لأن دفعنا إليه
لاحل الحاجة فأعطي بقدرها، فإن اجتمع في واحد أسباب كالمسكين إذا كان يتيما وابن سبيل استحق
بكل واحد منهما لأنها أسباب لأحكام فوجب أن نثبت أحكامها كما لو انفردت فإن أعطاه ليتمه
فزال فقره لم يعط لفقره شيئا
(مسألة) قال (وأربعة أخماس الفئ لجميع المسلمين غنيهم وفقيرهم فيه سواء الا العبيد)
لا نعلم خلافا بين أهل العلم اليوم في أن العبد لا حق لهم في الفئ وظاهر كلام أحمد والخرقي ان سائر الناس
307

لهم حق في الفئ غنيهم وفقيرهم ذكر أحمد الفئ فقال فيه حق لكل المسلمين وهو بين الغني والفقير
وقال عمر رضي الله عنه ما من أحد من المسلمين الا له في هذا المال نصيب الا العبيد فليس لهم فيه شئ
وقرأ عمر (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى - حتى بلغ - والذين جاءوا من بعدهم) ثم قال هذه
استوعبت المسلمين عامة ولئن عشت ليأتين الراعي بسر وحمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه،
ولأنه مال مخموس فلم يختص به من فيه منفعة كأربعة أخماس الغنيمة
وذكر القاضي ان أهل الفئ هم أهل الجهاد من المرابطين في الثغور وجند المسلمين ومن يقوم
بمصالحهم لأن ذلك كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته لحصول النصرة والمصلحة به فلما مات صارت للجند
ومن يحتاج إليه المسلمون فصار ذلك لهم دون غيرهم، وأما الاعراب ونحوهم ممن لا يعد نفسه للجهاد
فلا حق لهم فيه والذين يغزون إذا نشطوا يعطون من سهم سبيل الله من الصدقة، قال ومعنى كلام
أحمد انه بين الغني والفقير يعني الغني الذي فيه مصلحة المسلمين من المجاهدين والقضاة
والفقهاء، ويحتمل أن يكون معنى كلامه ان لجميع المسلمين الانتفاع بذلك المال لكونه يصرف إلى من
يعود نفعه على جميع المسلمين وكذلك ينتفعون بالعبور على القناطر والجسور المعقودة بذلك المال
وبالأنهار والطرقات التي أصلحت به
وسياق كلامه يدل على أنه ليس مختصا بالجند وإنما هو مصروف في مصالح المسلمين لكن يبدأ
بجند المسلمين لأنهم أهم المصالح لكونهم يحفظون المسلمين فيعطون كفاياتهم فما فضل قدم الأهم فالأهم
من عمارة الثغور وكفايتها فالأسلحة والكراع وما يحتاج إليه ثم الأهم فالأهم من عمارة المساجد والقناطر
واصلاح الطرق وكراء الأنهار وسد بثوقها وأرزاق القضاة والأئمة والمؤذنين والفقهاء ونحو ذلك مما
للمسلمين فيه نفع، وللشافعي قولان كنحو مما ذكرناه واحتجوا على أن أربعة أخماس الفئ كان لرسول
الله صلى الله عليه وسلم في حياته بما روى مالك بن أوس بن الحدثان قال: سمعت عمر بن الخطاب والعباس وعلي
يختصمان إليه في أموال النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم
308

يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينفق منها على أهله نفقة سنته فما فضل جعله في الكراع والسلاح ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر بمثل ما وليها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليتها بمثل ما وليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر متفق عليه الا ان فيه يجعل ما بقي أسوة المال
وظاهر اخبار عمر تدل على أن لجميع المسلمين في الفئ حقا فإنه لما قرأ الآية التي في سورة الحشر قال هذه الآية
استوعبت المسلمين وجعل للراعي بسر وحمير
منه نصيبا وقال ما أحد الا له في هذا المال نصيب، وأما
أموال بني النضير فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفق منه على أهله لأن ذلك من أهم المصالح فبدأ بهم ثم جعل
باقيه أسوة المال ويحتمل أن تكون أموال بني النضير اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم من الفئ وترك سائره لمن سمي في
الآية وهذا مبين في قول عمر وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين
(فصل) واختلف الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم في قسم الفئ بين أهله فذهب أبو بكر الصديق
رضي الله عنه إلى التسوية بينهم فيه وهو المشهور عن علي رضي الله عنه فروي أن أبا بكر رضي الله
عنه سوى بين الناس في العطاء وأدخل فيه العبيد فقال له عمر يا خليفة رسول الله أتجعل الذين جاهدوا
في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم له كمن أنما دخلوا في الاسلام كرها؟ فقال أبو بكر إنما
عملوا لله وإنما أجورهم على الله وإنما الدنيا بلاغ، فلما ولي عمر رضي الله عنه فاضل بينهم وأخرج العبيد
فلما ولي علي سوى بينهم وأخرج العبيد وذكر عن عثمان أنه فضل بينهم في القسمة، فعلى هذا يكون
مذهب اثنين منهم أبي بكر وعلي التسوية ومذهب اثنين عمر وعثمان التفضيل، وروي عن أحمد رحمة
الله عليه انه أجاز الامرين جميعا على ما يراه الإمام ويؤدي اجتهاده إليه فروي عن الحسن بن علي بن
الحسن أنه قال للإمام ان يفضل قوما على قوم، وقال أبو بكر اختيار أبي عبد الله أن لا يفضلوا وهذا
اختيار الشافعي، وقال أبي رأيت قسم الله المواريث على العدد بكون الاخوة متفاضلين في الغناء عن
الميت والصلة في الحياة والحفظ بعد الموت فلا يفضلون، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأربعة الأخماس
على العدد ومنهم من يعطى غاية الغناء ويكون الفتح على يديه ومنهم من يكون محضره اما غير نافع
309

واما ضرر بالجبن والهزيمة وذلك أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو انتصابهم للجهاد فصاروا
كالغانمين، والصحيح إن شاء الله ان ذلك مفوض إلى اجتهاد الإمام يفعل ما يراه من تسوية وتفضيل
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي الأنفال فيفضل قوما على قوم على قدر غنائهم وهذا في معناه، والمشهور عن
عمر رضي الله عنه انه حين كثر عنده المال فرض للمسلمين أعطياتهم ففرض للمهاجرين من أهل بدر
خمسة آلاف خمسة آلاف وللأنصار من أهل بدر أربعة آلاف أربعة آلاف وفرض لأهل الحديبية
ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف ولأهل الفتح الفين وقال بمن أبدأ؟ قيل له بنفسك قال لا ولكن أبدأ بقرابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ ببني هاشم ثم ببني المطلب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد)
ثم ببني عبد شمس لأنه أخو هاشم لأبويه ثم ببني نوفل لأنه أخوهما لأبيهما ثم الأقرب فالأقرب، قال أصحابنا ينبغي
أن يتخذ الإمام ديوانا وهو دفتر فيه أسماء أهل الديوان وذكر أعطياتهم ويجعل لكل قبيلة عريفا
فقد روى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف عام حنين على كل عشرة عريفا وإذا أراد إعطاءهم بدأ
بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روي عن عمر رضي الله عنه، ويقدم الأقرب فالأقرب ويقدم بني
عبد العزى على بني عبد الدار لأن فيهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان خديجة منهم حتى تنقضي
قريش وهم بنو النضرين كنانة ثم من بعد قريش الأنصار ثم سائر العرب ثم العجم والموالي ثم تفرض
الأرزاق لمن يحتاج المسلمون إليهم من القضاة والمؤذنين والأئمة والفقهاء والقراء والبرد والعيون،
ومن لا غنى للمسلمين عنه، ثم في إصلاح الحصون والكراع والسلاح ثم بمصالح المسلمين من بناء
القناطر والجسور واصلاح الطرق وكرى الأنهار وسد بثوقها وعمارة المساجد ثم ما فضل قسمه على
سائر المسلمين ويخص ذا الحاجة
(فصل) قال القاضي ويعرف قدر حاجتهم يعني أهل العطاء وكفايتهم ويزداد ذو الولد من أجل
ولده، وذو الفرس من أجل فرسه، وإن كان له عبيد لمصالح الحرب حسب مؤونتهم في كفايته،
وإن كانوا لزينة أو تجارة لم يدخلوا في مؤونته، وينظر في أسعارهم في بلدانهم لأن اسعار البلدان تختلف
310

والغرض الكفاية، ولهذا تعتبر الذرية والولد فيختلف عطاؤهم لاختلاف ذلك وإن كانوا سواء في
الكفاية لا يفضل بعضهم على بعض وإنما تتفاضل كفايتهم ويعطون قدر كفايتهم في كل عام مرة،
وهذا والله أعلم على قول من رأى التسوية، فأما من يرى التفضيل فإنه يفضل أهل السوابق والغنى في
الاسلام على غيرهم بحسب ما يراه كما أن عمر فضل أهل السوابق فقسم لقوم خمسة آلاف ولآخرين أربعة
آلاف ولآخرين ثلاثة آلاف ولآخرين ألفين ألفين ولم يقدر ذلك بالكفاية
(فصل) والعطاء الواجب لا يكون إلا لبالغ يطبق مثله القتال، ويكون عاقلا حرا بصيرا
صحيحا ليس به مرض يمنعه القتال فإن مرض الصحيح مرضا غير مرجو الزوال كالزمانة ونحوها
خرج من المقاتلة وسقط سهمه، وإن كان مرضا مرجو الزوال كالحمى والصداع والبرسام لم يسقط
عطاؤه لأنه في حكم الصحيح الا ترى أنه لا يستنيب في الحج؟ كالصحيح وإن مات بعد حلول وقت
العطاء دفع حقه إلى ورثته، ومن مات من أجناد المسلمين دفع إلى زوجته وأولاده الصغار قدر كفايتهم
لأنه لو لم تعط ذريته بعده لم يجرد نفسه للقتال لأنه يخاف على ذريته الضياع فإذا علم أنهم يكفون بعد
موته سهل عليه ذلك ولهذا قال أبو خالد الهنائي.
لقد زاد الحياة إلي حبا * بناتي انهن من الضعاف
مخافة أن يرين الفقر بعدي * وأن يشربن رنقا بعد صاف
وأن يعرين ان كسي الجواري * فيثنوا العين عن كرم عجاف
ولولا ذاك قد سومت مهري * وفي الرحمن للضعفاء كاف
وإذا بلغ ذكور أولادهم واختاروا أن يكونوا في المقاتلة فرض لهم وإن لم يختاروا تركوا ومن خرج
من المقاتلة سقط حقه من العطاء
311

(مسألة) قال (وأربعة أخماس الغنيمة لمن شهد الوقعة للراجل سهم وللفارس ثلاثة
أسهم الا أن يكون الفارس على هجين فيكون له سهمان، سهم له وسهم لهجينه)
أجمع أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وقوله تعالى (واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن
لله خمسه) يفهم منه أن أربعة أخماسها لهم لأنه أضافها إليهم ثم أخذ منها سهما لغيرهم فبقي سائرها لهم
كقوله تعالى (وورثه أبواه فلأمه الثلث) وقال عمر رضي الله عنه: الغنيمة لمن شهد الوقعة. وذهب
جمهور أهل العلم إلى أن للراجل سهما، وللفارس ثلاثة أسهم، وقال أبو حنيفة للفارس سهمان وخالفه
أصحابه فوافقوا سائر العلماء، وقد ثبت عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للفارس ثلاثة أسهم: سهم له
وسهمان لفرسه متفق عليه، وقال خالد الحذاء انه لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم للفرس سهمين
ولصاحبه سهما وللراجل سهما، والهجين من الخيل هو الذي أبوه عربي وأمه غير عربية، والمقرف عكس
ذلك وهو الذي أبوه غير عربي وأمه عربية، ومنه قول هند بنت النعمان بن بشير:
وما هند الا مهرة عربية * سليلة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت مهرا كريما فبالحري * وان يك اقراف فما أنجب الفحل
وأراد الخرقي بالهجين ههنا ما عدا العربي من الخيل من البراذين وغيرها، وقد روي عن أحمد
رحمه الله رواية أخرى أن البراذين إذ أدركت مثل العراب فلها مثل سهمها وذكر القاضي رواية أخرى
فيما عدا العراب من الخيل لا يسهم لها وفي هذه المسألة اختلاف كثير وأدلة على كل قول آخرنا ذكرها
إلى باب الجهاد فإن المسألة مذكورة فيه وهو أليق بها إن شاء الله تعالى
(مسألة) قال (والصدقة لا يجاوز بها الثمانية الأصناف التي سمى الله عز وجل)
يعني قول الله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) وروي أن رجلا قال يا رسول
312

الله أعطني من هذه الصدقات فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في
الصدقات حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك) والمراد
بالصدقة ههنا الزكاة المفروضة دون غيرها من صدقة التطوع والكفارات والنذور والوصايا ولا نعلم
خلافا بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى غير هذه الأصناف الا ما روي عن عطاء والحسن أنهما
قالا ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية والأول أصح وذلك لأن الله تعالى قال (إنما
الصدقات) وإنما للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه لأنها مركبة من حرفي نفي واثبات فجرى
مجرى قوله تعالى (إنما الله إله واحد) أي لا إله الا الله، وقوله تعالى (إنما أنت منذر (أي ما أنت
إلا نذير، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الولاء لمن أعتق)
(مسألة) قال (الفقراء وهم الزمنى والمكافيف الذين لا حرفة لهم والحرفة الصناعة
ولا يملكون خمسين درهما ولا قيمتها من الذهب والمساكين وهم السؤال وغير السؤال ومن
لهم الحرفة الا انهم لا يملكون خمسين درهما ولا قيمتها من الذهب)
الفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد في سائر الأحكام لأن كل واحد من الاسمين ينطلق
عليهما، فأما إذا جمع بين الاسمين وميز بين المسميين تميزا وكلاهما بعشر بالحاجة والفاقة وعدم الغنى
إلا أن الفقير أشد حاجة من المسكين من قبل إن الله تعالى بدأ به وإنما يبدأ بالأهم فالأهم وبهذا قال الشافعي
والأصمعي وذهب أبو حنيفة إلى أن المسكين أشد حاجة وبه قال الفراء وثعلب وابن قتيبة لقول الله
تعالى (أو مسكينا ذا متربة) وهو المطروح على التراب لشدة حاجته وأنشدوا
أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد
فأخبر أن الفقير حلوبته وفق عياله
313

ولنا أن الله تعالى بدأ بالفقراء فيدل على أنهم أهم، وقال تعالى (أما السفينة فكانت لمساكين
يعلمون في البحر) فأخبر أن المساكين لهم سفينة يعملون بها، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال (اللهم أحيني
مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) وكان يستعيذ من الفقر ولا يجوز أن يسأل الله تعالى
شدة الحاجة ويستعيذ من حالة أصلح منها ولان الفقر مشتق من فقر الظهر فعيل بمعنى مفعول أي مفقور
وهو الذي يرعب فقره ظهره فانقطع صاحبه قال الشاعر:
لما رأى لبد النسور تطايرت * رفع القوادم كالفقير الأعزل
أي لم يطق الطيران كالذي انقطع صلبه والمسكين مفعيل من السكون وهو الذي أسكنته الحاجة
ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن، فأما الآية فهي حجة لنا فإن نعت الله تعالى للمسكين بكونه
ذا متربة يدل على أن هذا النعت لا يستحقه باطلاق اسم المسكنة كما يقال ثوب ذو علم ويجوز التعبير
بالمسكين عن الفقير بقرينة وبغير قرينة والشعر أيضا حجة لنا فإنه أخبر أن الذي كانت حلوبته وفق
العيال لم يترك لهم سبد فصار فقيرا لا شي ء له إذا تقرر هذا فالفقير الذي لا يقدر على كسب ما يقع
موقعا من كفايته ولا له من الأجرة أو من المال الدائم ما يقع موقعا من كفايته ولا له خمسون درهما
ولا قيمتها من الذهب مثل الزمنى والمكافيف وهم العميان سموا بذلك لكف أبصارهم لأن هؤلاء في
الغالب لا يقدرون على اكتساب ما يقع موقعا من كفايتهم وربما لا يقدرون على شئ أصلا قال الله تعالى
(للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف
تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا) ومعنى قولهم يقع موقعا من كفايتهم أنه يحصل به معظم الكفاية
أو نصف الكفاية مثل من يكفيه عشرة فيحصل له من مكسبه أو غير خمسة فما زاد، والذي لا يحصل له الا ما لا يقع
موقعا من كفايته كالذي لا يحصل له إلا ثلاثة أو دونها فهذا هو الفقير والأول هو المسكين فيعطي كل واحد منهما
ما يتم به كفايته وتنسد به حاجته لأن المقصود دفعها واغناء صاحبها ولا يحصل إلا بذلك والذي
314

يسأل ويحصل الكفاية أو معظمها من مسئلته فهو من المساكين لكنه يعطى جميع كفايته ويغنى
عن السؤال فإن قبل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ولكن
المسكين الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه) قلنا هذا تجوز وإنما نفي المسكنة عنه
مع وجودها فيه حقيقة مبالغة في اثباتها في الذي لا يسأل الناس كما قال عليه السلام (ليس الشديد
بالصرعة وإنما الشديد الذي يغلب نفسه عند الغضب) وقال (ما تعدون الرقوب فيكم؟) قالوا الذي
لا يعيش له ولد قال (لا ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا) وقال (ما تعدون المفلس فيكم؟)
قالوا الذي لا درهم له ولا متاع قال (لا ولكن المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال
ويأتي وقد ظلم هذا ولطم هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى
إذا نفدت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم يصك له صك إلى النار)
(فضل) ومكان ذا مكسب يغني به نفسه وعياله إن كان له عيال أو كان له قدر كفايته في
كل يوم من أجر عقار أو غلة مملوك أو سائمة فهو غني لا حق له في الزكاة وبهذا قال ابن عمر والشافعي
وقال أبو حنيفة ان لم يملك نصابا فله الاخذ منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ
من أغنيائهم فترد في فقرائهم) فجعل الغني من تؤخذ منه الصدقة ولا تؤخذ إلا من النصاب ولان هذا
لا يملك نصابا ولا قيمته فجاز له الاخذ كالذي لا كفاية له
ولنا ما روي عبد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الصدقة
فسألاه شيئا منها فصعد بصره فيهما وقال لهما (ان شئتما أعطيتكما منها ولاحظ فيها لغني ولاقوي مكتسب)
رواه أبو داود ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله وقال
هذا أجودهما إسنادا ما أجوده من حديث ما أعلم روي في هذا أجود من هذا قيل له فالحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي. قال لا أعلم فيه شيئا يصح قيل له يرويه سالم بن أبي الجعد
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سالم لم يسمع من أبي هريرة. والغنى يختلف فمنه غنى يوجب
315

الزكاة وغنى يمنع أخذها وغنى يمنع المسألة ويخالف ما قاسوا عليه هذا فإنه محتاج إليها والصدقة
أوساخ الناس فلا تباح الا عند الحاجة إليها وهذا المختلف فيه لا حاجة به إليها فلا تباح له
(فصل) وإن كان الرجل صحيحا جلدا وذكر أنه لا كسب له أعطي منها وقبل قوله بغير يمين
إذا لم يعلم يقين كذبه ولا يحلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين اللذين سألاه ولم يحلفهما، وفي بعض
رواياته أنه قال أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه من الصدقة فصعد فينا البصر وصوبه فرآنا جلدين فقال
(ان شئتما أعطيتكما) وذكر الحديث
(فصل) فإن ادعى ان له عيالا فقال القاضي وأبو الخطاب يقلد ويعطي لهم كما يقلد في دعوى
حاجته، قال ابن عقيل عندي لا يقبل قوله إلا ببينة لأن الأصل عدم العيال ولا تتعذر إقامة البينة عليه
وفارق ما إذا ادعى انه لا كسب له فإنه يدعي ما يوافق الأصل لأن الأصل عدم الكسب والمال وتعذر
عليه إقامة البينة عليه. ولو ادعى الفقر من عرف بالغنى لم يقبل قوله الا ببينة تشهد بأن ماله تلف أو
نفذ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تحل المسألة إلا لثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي
الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو - سدادا من
عيش) وهل يعتبر في البينة على الفقر ثلاثة أو يكتفى باثنين؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يكفي الا
ثلاثة لظاهر الخبر (والثاني) يقبل قول اثنين لأن قولهما يقبل في الفقر بالنسبة إلى حقوق الآدميين
المبنية على الشح والضيق ففي حق الله تعالى أولى والخبر إنما ورد في حل المسألة فيقتصر عليه وان لم يعرف
له مال قبل قوله ولم يستحلف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستحلف الرجلين اللذين رآهما جلدين، فإن رآه
متجملا قبل قوله أيضا لأنه لا يلزم من ذلك الغنى بدليل قول الله تعالى (يحسبهم الجاهل أغنياء من
التعفف) لكن ينبغي أن يخبره أن ما يعطيه من الزكاة لئلا يكون ممن لا تحل له الزكاة. وان رآه ظاهر
المسكنة أعطاه منها ولم يحتج أن يبين له شرط جواز الاخذ ولا أن ما يدفعه إليه زكاة
316

قال أحمد رحمه الله وقد سئل عن الرجل يدفع زكاته إلى رجل هل يقول له هذه زكاة؟ فقال
يعطيه ويسكت ولا يقرعه فاكتفى بظاهر حاله عن سؤاله وتعريفه
(فصل) وإذا كان للرجل بضاعة يتجر بها أو ضيعة يستغلها تكفيه غلتها له ولعياله فهو غني لا يعطى
من الصدقة شيئا وان لم تكفه جاز له الاخذ منها قدر ما يتم به الكفاية وان كثرت قيمة ذلك
وقد تقدم ذكر ذلك في الزكاة
(مسألة) قال (والعاملين على الزكاة وهم الجباة لها والحافظون لها)
يعني العاملين على الزكاة وهم الصنف الثالث من أصناف الزكاة وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام
لأخذهها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها وكذلك الحاسب
والكاتب والكيال والوزان والعداد وكل من يحتاج إليه فيها فإنه يعطى أجرته منها لأن ذلك من
مؤنتها فهو كعلفها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم فبعث عمر ومعاذا
وأبا موسى ورجلا من بني مخزوم وابن اللتيبة وغيرهم وطلب منه ابنا عمه الفضل بن العباس
وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أن يبعثهما فقالا يا رسول الله لو بعثتنا على هذه الصدقة فنصيب
ما يصيب الناس ونؤدي إليك ما يؤدي الناس؟ فأبى أن يبعثهما وقال (إن هذه الصدقة أوساخ الناس)
وهذه قصص اشتهرت فصارت كالمتواتر وليس فيه اختلاف مع ما ورد من نص الكتاب فيه
فأغنى عن التطويل.
(فصل) ومن شرط العامل أن يكون بالغا عاقلا أمينا لأن ذلك ضرب من الولاية والولاية تشترط
فيها هذه الخصال ولان الصبي والمجنون لا قبض لهما والخائن يذهب بمال الزكاة ويضيعه على أربابه
ويشترط اسلامه واختار هذا القاضي وذكر أبو الخطاب وغيره انه لا يشترط اسلامه لأنه إجارة على
عمل فجاز أن يتولاه الكافر كجباية الخراج. وقيل عن أحمد في ذلك روايتان
317

ولنا أنه يشترط له الأمانة فاشترط له الاسلام كالشهادة، ولأنه ولاية على المسلمين فلم يجز أن
يتولاها الكافر كسائر الولايات ولان من ليس من أهل الزكاة لا يجوز أن يتولى العمالة كالحربي ولان
الكافر ليس بأمين ولهذا قال عمر لا تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى وقد أنكر عمر على أبي موسى توليته
الكتابة نصرانيا فالزكاة التي هي ركن الاسلام أولى، ويشترط كونه من غير ذوي القربى الا أن يدفع
إليه أجرته من غير الزكاة، وقال أصحابنا يجوز له الاخذ منها لأنها أجرة على عمل تجوز للغني فجازت
لذوي القربى كأجرة النقال والحافظ وهذ أحد الوجهين لأصحاب الشافعي
ولنا حديث الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحار ث حين سألا النبي صلى الله عليه وسلم أن
يبعثهما على الصدقة فأبى أن يبعثهما وقال (إنما هذه الصدقة أوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل
محمد) وحديث أبي رافع أيضا وهذا ظاهر في تحريم أخذهم العمالة فلا تجوز مخالفته، ويفارق النقال
والحمال والراعي فإنه يأخذه أجرة لحمله لا لعمالته، ولا يشترط كونه حرا لأن العبد يحصل منه المقصود
كالحر فجاز أن يكون عاملا كالحر، ولا كونه فقيها إذا كتب له ما يأخذه وحد له كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم
لعماله فرائض الصدقة وكما كتب أبو بكر لعماله أو بعث معه من يعرفه ذلك، ولا كونه فقيرا لأن الله
تعالى جعل العامل صنفا غير الفقراء والمساكين فلا يشترط وجود معناهما فيه كما لا يشترط معناه فيهما
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو
لرجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني)
رواه أبو داود. وذكر أصحاب الشافعي انه تشترط الحرية لأن العمالة ولاية فنافاهما الرق كالقضاء،
ويشترط الفقه ليعلم قدر الواجب وصفته
ولنا ما ذكرناه ولا نسلم منافاة الرق للولايات الدينية فإنه يجوز أن يكون إماما في الصلاة ومفتيا
وراويا للحديث وشاهدا، وهذه من الولايات الدينية. وأما الفقه فإنما يحتاج إليه لمعرفة ما يأخذه
ويتركه ويحصل ذلك بالكتاب له كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله عنهما
318

(فصل) والإمام مخير بين أن يستأجر العامل إجارة صحيحة بأجر معلوم اما على مدة معلومة
واما على عمل معلوم وبين أن يجعل له جعلا معلوما على عمله فإذا عمله استحق المشروط وان شاء بعثه
من غير تسمية ثم أعطاه فإن عمر رضي الله عنه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فلما رجعت عملني
فقلت اعطه من هو أحوج مني وذكر الحديث فإن تلفت الصدقة في يده قبل وصولها إلى أربابها من
غير تفريط فلا ضمان عليه ويستحق أجرة من بيت المال وان لم تتلف أعطي أجر عمله منها وإن كان أكثر
من ثمنها أو أقل ثم قسم الباقي على أربابه لأن ذلك من مؤنتها فجرى مجرى علفها ومداواتها. وان رأى الإمام
أعطاه أجرة من بيت المال أو يجعل له رزقا في بيت المال ولا يعطيه منها شيئا فعل وان تولى الإمام أو
الوالي من قبله أخذ الصدقة وقسمتها لم يستحق منها شيئا لأنه يأخذ رزقه من بيت المال)
(فصل) ويجوز للإمام أن يولي الساعي جبايتها دون تفرقتها ويجوز أن يوليه جبايتها وتفريقها
فإن النبي صلى الله عليه وسلم ولى ابن اللتيبة فقدم بصدقته على النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا لكم وهذا أهدي إلي وقال
لقبيصة (أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) وأمر معاذا أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها
في فقرائهم. ويروى أن زيادا ولى عمران بن حصين الصدقة فلما جاء قيل له أين المال؟ قال أو للمال
بعثتني أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود، وعن أبي جحيفة قال أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ الصدقة من أغنيائنا
فوضعها في فقرائنا وكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا. أخرجه الترمذي
(مسألة) قال (وللمؤلفة قلوبهم وهم المشركون المتألفون على الاسلام)
هذا الصنف الرابع من أصناف الزكاة والمستحقون لها، وقال أبو حنيفة انقطع سهمهم وهو أحد
أقوال الشافعي لما روي أن مشركا جاء يلتمس من عمر مالا فلم يعطه وقال (من شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر) ولم ينقل عن عمر ولا عثمان ولا علي أنهم أعطوا شيئا من ذلك، ولان الله تعالى أظهر الاسلام
319

وقمع المشركين فلا حاجة بنا إلى التأليف. وحكى حنبل عن أحمد أنه قال المؤلفة قد انقطع حكمهم
اليوم والمذهب على خلاف ما حكاه حنبل ولعل معنى قول احمد انقطع حكمهم أي لا يحتاج إليهم في
الغالب أو أراد أن الأئمة لا يعطونهم اليوم شيئا، فأما ان احتاج إليهم جاز الدفع إليهم فلا يجوز الدفع
إليهم إلا مع الحاجة
ولنا على جواز الدفع إليهم قول الله تعالى (والمؤلفة قلوبهم) وهذه الآية في سورة براءة وهي آخر
ما نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة من المشركين
والمسلمين وأعطى أبو بكر عدي بن حاتم وقد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة ثلاثين بعيرا
ومخالفة كتاب الله وسنة رسوله واطراحها بلا حجه لا يجوز ولا يثبت النسخ بترك عمر وعثمان اعطاء
المؤلفة ولعلهم لم يحتاجوا إلى اعطائهم فتركوا ذلك لعدم الحاجة إليه لا لسقوطه
(فصل) والمؤلفة قلوبهم ضربان: كفار ومسلمون وهم جمعيا السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم
فالكفار ضربان (أحدهما) من يرجى اسلامه فيعطى لتقوى نيته في الاسلام وتميل نفسه إليه فيسلم
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أعطى صفوان بن أمية الأمان واستنظره صفوان أربعة أشهر لينظر في
أمره وخرج معه إلى حنين فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم العطايا قال صفوان مالي؟ فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى واد
فيه إبل محملة فقال (هذا لك) فقال صفوان ان هذا عطاء من لا يخشى الفقر
(والضرب الثاني) من يخشى شره ويرجى بعطيته كف شره وكف غيره معه، وروي عن ابن
عباس ان قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الاسلام وقالوا هذا دين حسن وإن منعهم
ذموا وعابوا، واما المسلمون فأربعة اضرب (قوم) من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار ومن
المسلمين الذين لهم نية حسنة في الاسلام فإذا أعطوا رجي اسلام نظرائهم وحسن نياتهم فيجوز اعطاؤهم
لأن أبا بكر اعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نياتهما واسلامهما
(الضرب الثاني) سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم ومناصحتهم في الجهاد
320

فإنهم يعطون لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وعلقمة بن علاثة والطلقاء
من أهل مكة وقال للأنصار (يا معشر الأنصار علام تأسون على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما
لا إيمان لهم ووكلتكم إلى إيمانكم؟)
وروى البخاري باسناده عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى ناسا وترك ناسا فبلغه
عن الذين ترك أنهم عتبوا فصعد المنبر فحمد الله وأنثى عليه ثم قال (اني أعطي ناسا وأدع ناسا والذي
أدع أحب إلي من الذي أعطي، أعطي ناسا لما في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل ناسا إلى ما في قلوبهم
من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب؟ وعن أنس قال حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن طفق
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش مائة من الإبل فقال ناس من الأنصار يغفر الله لرسول الله
صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويمنعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اني أعطي رجالا حدثاء
عهد بكفر أتألفهم) متفق عليه
(الضرب الثالث) قوم في طرف بلاد الاسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين
(الضرب الرابع) قوم إذا أعطوا أجبوا لزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف وكل هؤلاء يحرز الدفع
إليهم من الزكاة لأنهم من المؤلفة قلوبهم فيدخلون في عموم الآية
مسألة قال (وفي الرقاب وهم المكاتبون)
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ثبوت سهم الرقاب ولا يختلف المذهب في أن المكاتبين من
الرقاب يجوز صرف الزكاة إليهم، وهو قول الجمهور وخالفهم مالك فقال: إنما يصرف سهم الرقاب
في اعتاق العبيد ولا يعجبني ان يعان منها مكاتب وخالف أيضا ظاهر الآية لأن المكاتب من الرقاب
لأنه عبد واللفظ عام فيدخل في عمومه إذا ثبت هذا فإنه يدفع إلى المكاتب جميع ما يحتاج إليه
لوفاء كتابته فإن لم يكن معه شئ جاز أن يدفع إليه جميعها وإن كان معه شئ له يتم ما يتخلص به لأن
حاجته لا تندفع إلا بذلك ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شئ لأنه مستغن عنه في وفاء الكتابة
قيل ولا يدفع إليه بحكم الفقر شئ لأنه عبد ويجوز أن يدفع إليه في كتابته قبل حلول النجم لئلا يحل
النجم ولا شئ معه فتنفسخ الكتابة ولا يدفع إلى مكاتب كافر شئ لأنه ليس من مصارف الزكاة
ولا يقبل قول المكاتب إنه مكاتب إلا ببينة لأن الأصل عدمها فإن صدقه السيد ففيه وجهان:
321

(أحدهما): يقبل لأن الحق في العبد لسيده فإذا أقر بانتقال حقه عنه قبل. و (الثاني): لا يقبل
لأنه متهم في أنه يواطئه ليأخذ به المال.
(فصل) ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه لأنه قد صار معه في باب المعاملة كالأجنبي حتى
يجري بينهما الربا فصار كالغريم يدفع زكاته إلى غريمه ويجوز للمكاتب ردها إلى سيده بحكم الوفاء
لأنها رجعت إليه بحكم الايفاء أشبه ايفاء الغريم دينه بها قال ابن عقيل ويجوز دفع الزكاة إلى سيد
المكاتب وفاء عن الكتابة وهو الأولى لأنه
أعجل لعتقه وأوصل إلى المقصود الذي كان الدفع من
أجله فإنه إذا أخذه المكاتب قد يدفعه وقد لا يدفعه.
ونقل حنبل إنه قال قال سفيان لا تعطي مكاتبا لك من الزكاة قال وسمعت أبا عبد الله يقول:
وأنا أرى مثل ذلك.
وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل: أيعطى المكاتب من الزكاة؟ قال: المكاتب بمنزلة العبد
فيكف يعطى؟ ومعناه والله أعلم لا يعطي مكاتبه من الزكاة لأنه عبده وماله يرجع إليه ان عجز وان عتق
فله ولاؤه ولا تقبل شهادته لمكاتبه ولا شهادة مكاتبه له
(مسألة) قال (وقد روي عن عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه يعتق منها)
اختلف الرواية عن أحمد رحمه الله في جواز الاعتاق من الزكاة فروي عنه جواز ذلك، وهو
قول ابن عباس والحسن والزهري ومالك وإسحاق وأبي عبيد والعنبري وأبي ثور لعموم قول الله
تعالى (وفي الرقاب) وهو متناول للقن بل هو ظاهر فيه فإن الرقبة إذا أطلقت انصرفت إليه كقوله تعالى
(فتحرير رقبة) وتقدير الآية وفي اعتاق الرقاب ولأنه اعتاق للرقبة فجاز صرف الزكاة فيه كدفعه في
في الكتابة والرواية الأخرى لا يجوز وهو قول إبراهيم والشافعي لأن الآية تقتضي صرف الزكاة
إلي الرقاب كقوله (في سبيل الله) يريد الدفع إلى المجاهدين كذلك ههنا والعبد القن لا يدفع إليه شئ
قال احمد في رواية أبي طالب قد كنت أقول يعتق من زكاته، ولكن اهابه اليوم ولأنه يجر الولاء
وفي موضع آخر قيل له فما يعجبك من ذلك؟ قال: يعين من ثمنها فهو أسلم
وقد روي نحو هذا عن النخعي وسعيد بن جبير فإنهما قالا: لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة،
لكن يعطي منها في رقبة ويعين مكاتبا، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه لأنه إذا أعتق من زكاته انتفع بولاء
من أعتقه فكأنه صرف الزكاة إلي نفسه
322

وأخذ ابن عقيل من هذه الرواية أن أحمد رجع عن القول بالاعتاق من الزكاة وهذا والله أعلم
من احمد إنما كان على سبيل الورع فلا يقتضي رجوعا لأن العلة التي تملك بها جر الولاء ومذهبه أن
ما رجع من الولاء رد في مثله فلا ينتفع إذا باعتاقه من الزكاة
(فصل) ولا يجوز أن يشتري من زكاته من يعتق عليه بالرحم وهو كل ذي رحم محرم فإن فعل
عتق عليه ولم تسقط عنه الزكاة.
وقال الحسن لا بأس أن يعتق أباه من الزكاة لأن دفع الزكاة لم يحصل إلى أبيه وإنما دفع الثمن إلى بائعه
ولنا أن نفع زكاته عاد إلى أبيه فلم يجز كما لو دفعها إليه ولان عتقه حصل بنفس الشراء مجازاة
وصلة للرحم فلم يجز أن يحتسب له به عن الزكاة كنفقة أقاربه، ولو أعتق عبده المملوك له عن زكاته
لم يجز لأن أداء الزكاة عن كل مال من جنسه والعبد ليس من جنس ما تجب الزكاة فيه ولو أعتق
عبدا من عبيده للتجارة لم يجز لأن الواجب في قيمتهم لا في عينهم
(فصل) ويجوز أن يشتري من زكاته أسيرا مسلما من أيدي المشركين لأنه فك رقبة من الاصر
فهو كفك رقبة العبد من الرق ولان فيه اعزازا للدين فهو كصرفه إلى المؤتلفة قلوبهم ولأنه يدفعه
إلى الأسير لفك رقته فأشبه ما يدفعه إلي الغارم لفك رقبته من الدين.
(مسألة) (قال فما رجع من الولاء رد في مثله)
يعنى يعتق به أيضا، وبهذا قال الحسن وإسحاق وقال أبو عبيد الولاء للمعتق لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(إنما الولاء لمن أعتق) وقال مالك ولاؤه لسائر المسلمين لأنه مال لا مستحق له أشبه مال من لا وارث
له، وقال العنبري يجعله في بيت المال للصدقات لأن عتقه من الصدقة فولاؤه يرجع إليها، ولان عتقه
بمال هو الله والمعتق نائب عن الله تعالى في الشراء والاعتاق فلم يكن الولاء له كما لو توكل في الاعتاق
وكالساعي إذا اشترى من الزكاة رقبة وأعتقها، ولان الولاء أثر الرق، وفائدة من المعتق فلم
يجز أن يرجع إلى المزكي لا فضائه إلى أن ينتفع بزكاته، وقد روي عن أحمد ما يدل على أن الولاء له
وقد سبق ذلك في باب الولاء.
(فصل) ويعقل عنه اختاره الخلال وعن أحمد رواية أخرى أنه يعقل عنه اختارها أبو بكر لأنه
معتق فيعقل عنه كالذي أعتقه من ماله وإنما لم يأخذ ميراثه بالولاء لئلا ينتفع بزكاته والعقل عنه ليس
بانتفاع فيبقى على الأصل
323

ولنا أنه لا ولاء عليه فلم بعقل عنه كما لو كان وكيلا في العتق ولأنه لا يرثه فلم يعقل عنه كما لو اختلف دينهما
وما ذكره يبطل بالوكيل والساعي إذا أعتق من الزكاة
(مسألة) قال (والغارمين)
وهم المدينون العاجزون عن وفاء ديونهم هذا الصنف السادس من أصناف الزكاة ولا خلاف في
استحقاقهم وثبوت سهمهم وان المدينين العاجزين عن وفاء ديونهم منهم لكن ان غرم في معصية مثل
أن يشترى خمرا أو يصرفه في زناء أو قمار أو غناء ونحوه لم يدفع إليه قبل التوبة شئ لأنه أعانه على
المعصية وان تاب فقال القاضي يدفع إليه واختاره ابن عقيل لأن ابقاء الدين الذي في الذمة ليس من
المعصية بل يجب تفريعها والإعانة على الواجب قربة لا معصية فأشبه من أتلف ماله في المعاصي حتى
افتقر فإنه يدفع الهى من سهم الفقراء، وفيه وجه آخر لا يدفع إليه لأنه استدانة للمعصية فلم يدفع إليه
كما لو لم يتب ولأنه لا يؤمن أن يعود إلى الاستدانة للمعاصي ثقة منه بان دينه يقضى بخلاف من أتلف
ماله في المعاصي فإنه يعطى لفقره لا لمعصيته
(فصل) ولا يدفع إلى غارم كافر لأنه ليس من أهل الزكاة ولذلك لا يدفع إلى فقيرهم ولا مكاتبهم
وإن كان من ذوي القربى فقال أصحابنا يجوز الدفع إليه لأن علة منعه من الاخذ منها لفقره صيانة عن
أكلها لكونها أوساخ الناس وإذا اخذها لغرمه صرفها إلى الغرماء فلا يناله دناءة وسخها، ويحتمل
أن لا يجوز لعموم النصوص في منعهم من أخذها وكونها لا تحل لهم، ولان دناة أخذها تحصل
سواء أكلها أو لم يأكلها ولا يدفع منها إلى غارم له ما يقضي به غرمه لأن الدفع إليه لحاجته وهو مستغن عنها
(فصل) ومن الغارمين صنف يعطون مع الغني وهو غرم لاصلاح ذات البين وهو أن يقع بين الحيين
وأهل القريتين عداوة وضغائن يتلف فيها نفس أو مال ويتوقف صلحهم على من يحتمل ذلك فيسعى
انسان في الاصلاح بينهم ويتحمل الدماء التي بينهم والأموال فيسمى ذلك حمالة بفتح الحاء وكانت
العرب تعرف ذلك وكان الرجل منهم يتمل الحمالة ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها فورد الشرع
بإباحة المسألة فيها وجعل له نصيبا من الصدقة فروى قبيصة بن المخارق قال تحملت حمالة فأتيت النبي
صلى الله عليه وسلم وسألته فيها فقال (أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها - ثم قال - يا قبيصة ان المسألة لا تحل
إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله
فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش - أو - قواما من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة
324

من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش - أو - قواما من عيش وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتا يوم القيامة) أخرجه مسلم، وروى أبو سعيد
الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تحل الصدقة لغني إلا لخمسة) ذكر منها الغارم ولأنه إنما يقبل ضمانه
وتحمله إذا كان مليا وبه حاجة إلى ذلك مع الغنى، وان أدى ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ لأنه
قد سقط الغرم، وان استدان وأدها جاز له الاخذ لأن الغرم باق والمطالبة قائمة والفرق بين هذا الغرم
والغرم لمصلحة نفسه ان هذا الغرم يأخذ لحاجتنا إليه لاطفاء الثائرة واخماد الفتنة فجاز له الاخذ مع الغنى كالغازي
والمؤلف والعامل والغارم لمصلحة نفسه يأخذ لحاجة نفسه فاعتبرت حاجته وعجزه كالفقير والمسكين والمكاتب
وابن السبيل وإذا كان الرجل غنيا وعليه دين لمصلحة لا يطيق قضاءه جاز أن يدفع إليه ما يتم به
قضاءه مع ما زاد عن حد الغنى فإذا قلنا الغنى يحصل بخمسين درهما وله مائة وعليه مائة جاز أن يدفع
له خمسون ليتم قضاء المائة من غير أن ينقص غناء قال أحمد لا يعطى من عنده خمسون درهما أو
حسابها من الذهب إلا مدينا فيعطى دينه وإن كان يمكنه قضاء الدين من غير نقص من الغناء
لم يعط شيئا
(فصل) وإذا أراد الرجل دفع زكاته إلى الغارم فله أن يسلمها إليه ليدفعها إلى غريمه وان أحب
أن يدفعها إلى غريمة قضاء عن دينه فعن أحمد فيه روايتان (إحداهما) يجوز ذلك نقل أبو الحارث
قال قلت لأحمد رجل عليه الف وكان على رجل زكاة ماله الف فأذاها عن هذا الذي عليه الدين يجوز
هذا من زكاته؟ قال نعم ما أرى بذلك بأسا وذلك لأنه دفع الزكاة في قضاء دينه فأشبه ما لو دفعها
إليه يقضي بها دينه والثانية لا يجوز دفعها إلى الغريم قال أحمد أحب إلي أن يدفعه إليه حتى يقضي
هو عن نفسه قيل هو محتاج بخاف أن يدفعه إليه فيأكله ولا يقضي دينه قال فقل له يوكله حتى يقضيه
فظاهر هذا انه لا يدفع الزكاة إلى الغريم إلا بوكالة الغارم لأن الدين إنما هو على العارم فلا يصح
قضاؤه إلا بتوكيله يحتمل أن يحمل هذا على الاستحباب ويكون قضاؤه عنه جائزا وإن كان دافع
الزكاة الإمام جاز أن يقضي بها دينه من غير توكيله لأن الإمام ولاية عليه في ابقاء الدين ولهذا يجبره
عليه إذا امتنع منه وإذا ادعى الرجل أن عليه دينا فإن كان يدعيه من جهة إصلاح ذات البين فالامر
فيه ظاهر لا يكاد يخفى فإن خفي ذلك لم يقبل منه إلا ببينة وان غرم لمصلحة نفسه لم يدفع إليه إلا ببينة
أيضا لأن الأصل عدم الغرم وبراءة الذمة فإن صدقه الغريم فعلى وجهين كالمكاتب إذا صدقه سبده
325

مسألة قال (وسهم في سبيل الله وهم الغزاة يعطون ما يشترون به الدواب والسلاح
وما ينفقون به على العدو وإن كانوا أغنياء)
هذا الصنف السابع من أهل الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم ولا خلاف في أنهم الغزاة
في سيل الله لأن سبيل الله عند الاطلاق هو الغزو قال الله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله) وقال
(ويجاهدون في سبيله) وقال (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيل صفا) وذكر ذلك في غير
موضع من كتابه فإذا تقرر هذا فإنهم يعطون وان كانوا أغنياء وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق
وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر وقال أبو حنيفة وصاحباه لا تدفع الا إلى فقير وكذلك قالوا في
الغارم لا صلاح ذات البين لأن من تجب عليه الزكاة لا تحل له كسائر أصحاب السهمان ولان النبي
صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) فظاهر هذا أنها كلها ترد
في الفقراء والفقير عندهم من لا يملك نصابا
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحل الصدقة لغني الا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لغارم) وذكر بقيتهم
ولان الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعدهما ستة أصناف فلا يلزم وجود صفة الصنفين
في بقية الأصناف كما لا يلزم وجود صفة الأصناف فيها ولان هذا يأخذ لحاجته إليها دون من يأخذ
لحاجتنا إليه فأشبه العامل والمؤلف فأما أهل سائر السهمان فإنما يعتبر فقر من يأخذ لحاجته إليها دون
من يأخذ لحاجتنا إليه فإذا تقرر هذا فمن قال إنه يريد الغزو قبل قوله لأنه لا يمكن إقامة البينة على بينته
ويدفع إليه قدر كفايته لمؤنته وشراء السلاح والفرس إن كان فارسا وحمولته ودرعه وثلثه وسائر ما يحتاج
إليه لغزوه وان كثر ذلك ويدفع إليه دفعا مراعى فإن لم يغز رده لأنه أخذه كذلك وان غرا وعاد
فقد ملك ما أخذه لأننا دفعنا إليه قدر الكفاية وإنما ضيق على نفسه وان مضى إلى الغزو فرجع من
الطريق أو لم يتم الغز والذي دفع إليه من أجله رد ما فضل معه لأن الذي أخذ لأجله لم يفعله كله
(فصل) وإنما يستحق هذا السهم الغزاة الذين لاحق لهم في الدايوان وإنما يتطوعون بالغزو إذا
نشطوا قال احمد ويعطى ثمن الفرس ولا يتولى مخرج الزكاة شراء الفرس بنفسه لأن الوجب إيتاء
الزكاة فإذا اشتراها بنفسه فما أعطى الا فرسا وكذلك الحكم في شراء السلاح والمؤنة، وقال في موضع
آخر ان دفع الفرس وثمن السيف فهو أعجب إلي، وان اشتراه هو رجوت أن يجزئه، وقال أيضا
326

يشتري الرجل من زكاته الفرس ويحمل عليه والقناة ويجهز الرجل وذلك لأنه قد صرف الزكاة في
سبيل الله فجاز كما لو دفعها إلى الغازي فاشترى بها قال ولا يشتري من الزكاة فرسا يصير حبيسا في
سبيل الله ولا دارا ولا ضيعة يصيرها في سبيل الله للرباط ولا يقفها على المجاهدين لأنه لم يؤت الزكاة لاحد وهو
مأمور باتيانها قال ولا يغزو الرجل على الفرس الذي أخرجه من زكاته ماله لأنه لا يجوز أن يجعل نفسه
مصرفا لزكاته كما لو يجوز أن يقضي بها دينه، ومتى أخذ الفرس التي اشتريت بماله صار مصرفا لزكاته
(مسألة) قال (ويعطى أيضا في الحج وهو من سبيل الله)
يروى هذا عن ابن عباس وعن ابن عمر الحج في سبيل الله وهو قول إسحاق لما ري أن رجلا جعل
ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (اركبيها فإن الحج في سبيل الله) وعن
أحمد رحمه الله رواية أخرى لا يصرف منها في الحج وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي
وأبو ثور وابن المنذر وهذا أصح لأن سبيل الله عند الاطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد فإن كل ما في
القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد لا اليسير فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك
لأن الظاهر ارادته به ولان الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي
الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لاصلاح
ذات البين والحج من الفقير لانفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم إليه ولا حاجة به أيضا إليه لأن الفقير
لا فرض عليه فيسقطه ولا مصلحة له في ايجابه عليه وتكليفه مشقة قد رفهه الله منها وخفف عنه إيجابها
وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة م سائر الأصناف أو دفعه في مصالح المسلمين أولى وأما الخبر
فلا يمنع أن يكون الحج من سبيل الله والمراد بالآية غيره لما ذكرنا، وقال الشافعي يجوز الدفع إلى من
أراد الحج لكونه ابن سبيل ولا يصح لأن ابن السبيل المسافر المنقطع به أو من هو محتاج إلى السفر
ولا حاجة بهذا إلى هذا السفر فإن قلنا يدفع في الحج منها فلا يعطى الا بشرطين (أحدهما) أن يكون
ممن ليس له ما يحج به سواها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي - وقال - لا تحل
الصدقة لغني الا لخمسة) ولم يذكر الحاج منهم ولأنه يأخذ لحاجته لا لحاجة المسلمين إليه فاعتبرت فيه
الحاجة كم يأخذ لفقره (والثاني) أن يأخذه لحجه الفرض ذكره أبو الخطاب لأنه يحتاج إلى اسقاط
فرضه وابراء ذمته اما التطوع فله مندوحة عنه، وقال القاضي ظاهر كلام احمد جواز ذلك في الغرض
والتطوع معا وهو ظاهر قول الخرقي لأن الكل من سبيل الله ولان الفقير لا فرض عليه فالحجة منه
327

كالتطوع فعلى هذا يجوز أن يدفع إليه ما يحج به حجة كاملة وما يغنيه في حجة ولا يجوز أن يحج من
زكاة نفسه كما لا يجوز أن يغزو بها
(مسألة) قال (وابن السبيل وهو المنقطع به وله اليسار في بلده فيعطى من
الصدقة ما يبلغه)
ابن السبيل هو الصنف الثامن من أهل الزكاة ولا خلاف في استحقاقه وبقاء سهمه وابن السبيل هو
المسافر الذي ليس له ما يرجع به إلى بلده وله اليسار في بلده فيعطى ما يرجع به، وهذا قول قتادة ونحوه
قال مالك وأصحاب الرأي، وقال الشافعي هو المختار ومن يريد إنشاء السفر إلى بلد أيضا فيدفع إليهما
ما يحتاجان إليه لذهابهما وعودهما لأنه يريد السفر لغير معصية فأشبه المجتاز
ولنا أن ابن السبيل هو الملازم للطريق الكائن فيها كما يقال ولد الليل للذي يكثر الخروج فيه
والقاطن في بلده ليس في طريق ولا يثبت له حكم الكائن فيها ولهذا لا يثبت له حكم السفر بهمه به
دون فعله ولأنه لا يفهم من ابن السبيل إلا الغريب دون من هو في وطنه ومنزله، وان انتهت به الحاجة
منتهاها، فوجب أن يحمل المذكور في الآية على الغريب دون غيره وإنما يعطى وله اليسار في بلده لأنه
عاجز عن الوصول إليه والانتفاع به فهو كالمعدوم في حقه، فإن كان ابن السبيل فقيرا في بلده أعطي لفقره
وكونه ابن السبيل لوجود الامرين فيه ويعطى لكونه ابن سبيل قدر ما يوصله إلى بلده لأن الدفع إليه
للحاجة إلى ذلك فتقدر بقدره، وتدفع إليه وإن كان موسرا في بلده إذا كان محتاجا في الحال لأنه عاجز
عن الوصول إلى ماله فصار كالمعدوم، وان فضل معه شئ بعد رجوعه إلى بلده رده لأنه أخذه
للحاجة وقد حصل الغنى بدونه فأشبه ما لو أخذه لغزو فلم يغز وإن كان فقيرا أو اتصل بسفره الفقر
أخذ الفضل لفقره لأنه ان فات الاستحقاق بكونه ابن سبيل حصل الاستحقاق بجهة أخري، وإن كان
غارما أخذ الفضل لغرمه
(فصل) وإن كان ابن السبيل مجتازا يريد بلدا غير بلده فقال أصحابنا يجوز أن يدفع إليه ما يكفيه
في مضبه إلى مقصده ورجوعه إلى بلده لأن فيه إعانة على السفر المباح وبلوغ الغرض الصحيح لكن يشترط
كون السفر مباحا اما قربة كالحج والجهاد وزيارة الوالدين أو مباحا كطلب المعاش والتجارات، فأما
المعصية فلا يجوز الدفع إليه فيها لأنه إعانة عليها وتسبب إليها فهو كفعلها فإن وسيلة الشئ جارية
328

مجراه، وإن كان السفر للنزهة ففيه وجهان (أحدهما) يدفع إليه لأنه غير معصية (والثاني) لا يدفع إليه
لأنه لا حاجة به إلى هذا السفر ويقوى عندي انه لا يجوز الدفع للسفر إلى غير بلده لأنه لو جاز ذلك
لجاز للمنشئ للسفر من بلده ولان هذا السفر إن كان لجهاد فهو يأخذ له من سهم سبيل الله وإن كان
حجا فغيره أهم منه، وإذا لم يجز الدفع في هذين ففي غيرهما أولى وإنما ورد الشرع بالدفع إليه للرجوع
إلى بلده لأنه أمر تدعو حاجته إليه ولاغنى به عنه فلا يجوز الحاق غيره به لأنه ليس في معناه فلا يجوز
قياسه عليه ولا نص فيه فلا يثبت جوازه لعدم النص والقياس
(فصل) وإذا ادعى الرجل انه ابن سبيل ولم يعرف ذلك لم يقبل الا ببينة، وان ادعى الحاجة
ولم يكن عرف له مال في مكانه الذي هو به قبل قوله من غير بينة لأن الأصل عدمه معه وان عرف له
مال في مكانه لم تقبل دعواه للفقر الا ببينة كما لو ادعى إنسان المسكنة
(فصل) وجملة من يأخذ مع الغنى خمسة: العامل والمؤلف قلبه والغازي والغارم لا صلاح ذات
البين وابن السبيل الذي له اليسار في بلده. وخمسة لا يعطون الا مع الحاجة: الفقير والمسكين والمكاتب
والغارم لمصلحة نفسه في مباح وابن السبيل. وأربعة يأخذون أخذا مستقرا لا يلزمهم رد شئ بحال: الفقير
والمسكين والعامل والمؤلف، وأربعة يأخذون أخذا غير مستقر: المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل
(فصل) ومن سافر لمعصية فأراد الرجوع إلى بلده لم يدفع إليه ما لم يتب فإن تاب احتمل جواز
الدفع إليه لأن رجوعه ليس بمعصية فأشبه رجوع غيره بل ربما كان رجوعه إلى بلده تركا للمعصية
واقلاعا عنها كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه والفار من غريمه أو امرأته يريد الرجوع إليهما ويحتمل
أن لا يدفع إليه لأن سبب ذلك المعصية فأشبه الغارم في المعصية
(مسألة) قال (وليس عليه أن يعطي لكل هؤلاء الأصناف وان كانوا موجودين
إنما عليه أن لا يجاوزهم)
وذلك لأن الآية إنما سيقت لبيان من يجوز الصرف إليه لا لايجاب الصرف إلى الجميع بدليل
أنه لا يجب تعميم كل صنف بها. وقد ذكر الله تعالى في آية أخرى صرفها إلى صنف واحد فقال
سبحانه (ان تبدوا الصدقات فنعما هي، وان تتخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) وقال النبي
صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمين (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) متفق عليه
فلم يتذكر في الآية ولا في الخبر إلا صنفا واحدا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لقبيصة حين تحمل حمالة (أقم
329

يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فتأمر لك بها) فذكر دفعها إلى صنف وهو من الغارمين وأمر بني زريق
بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وهو شخص واحد رواه أبو داود، وبعث إليه علي رضي الله عنه
بذهيبة في تربتها فقسمها بين المؤلفة قلوبهم وهم صنف واحد، والآثار في هذا كثيرة تدل على أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعتقد في كل صدقة ثابتة دفعها إلى جميع الأصناف ولا تعميمهم بها بل كان يدفعها
إلى من تيسر من أهلها وهذا هو اللائق بحكمة الشرع وحسنه إذ غير جائز أن يكلف الله سبحانه من
وجبت عليه شاة أو صاع من البر أو نصف مثقال أو خمسة دراهم دفعها إلى ثمانية عشر نفسا أو أحد
وعشرين أو أربعة وعشرين نفسا من ثمانية أصناف لكل ثلاثة منهم ثمنها، والغالب تعذر وجودهم في
الإقليم العظيم وعجز السلطان عن ايصال مال بيت المال مع كثرته إليهم على هذا الوجه فكيف يكلف
الله تعالى كل من وجبت عليه زكاة جمعهم واعطاءهم وهو سبحانه القائل (وما جعل عليكم في الدين
من حرج) وقال (يريد الله بكم اليسر ولا بريد بكم العسر) وقال (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)
وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه ولا يقدر على فعله وما بلغنا أن النبي
صلى الله عليه وسلم فعل هذا في صدقة من الصدقات ولا أحدا من خلفائه ولامن صحابته ولا غير هم ولو كان هذا
هو الواجب في الشريعة المطهرة لما أغفلوه، ولو فعلوه مع مشقته تنقل وما أهمل إذا لا يجوز على أهل
التواتر إهمال نقل ما ندعو الحاجة إلى نقله سيما مع كثرة من تجب عليه الزكاة ووجود ذلك في كل زمان
وفي كل مصر وبلد وهذا أمر ظاهر وقد سبقت هذه المسألة والكلام فيها فيما تقدم
(فصل) ويستحب تقديمها على ما أمكن من الأصناف ليخرج من الخلاف وتعميم من أمكن
من كل صنف فإن كان المتولي لتفريقها الساعي استحب إحصاء أهل السهمان من عمله حتى يكون
فراغه من قبض الصدقات بعد تناهي أسمائهم وأنسابهم وحاجاتهم وقدر كفاياتهم لتكون تفرقته عقيب
جمع الصدقة، ويبدأ أبا عطاء العامل لأنه يأخذه على طريق المعاوضة فكان استحقاقه أقوى ولذلك
إذا عجزت الصدقة عن أجره تمم له من بيت المال ولان ما يأخذه أجرا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أعطوا
الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) ثم بلاهم فالأهم وأهمهم أشد حاجة، فإن كانت الصدقة تفي بحاجة
جميعهم أعطي كل إنسان منهم قدر ما يدفع به حاجته، فيعطى الفقير ما يغنيه وهو ما تحصل له به الكفاية
في عامه ذلك له ولعياله، ويعطى المسكن ما تتم به الكفاية إلا أن يعطيه من الذهب أو الورق ففيه روايتان إحداهما
يعطيه ما تتم به الكفاية والثانية لا يزيد على خمسين درهما أو قيمتها من الذهب إلا أن يكون له عيال فيدفع إليه
لكل واحد منهم خمسين درهما ويدفع إلى العامل قدر أجره وإلى الغارم ما يقضي به غرمه وإلى المكاتب
ما يوفي به كتابته والغازي يعطى ما يحتاج إليه لمؤنة غزوه، وابن السبيل ما يبلغه إلى بلده وان نقصت
330

الصدقة عن كفايتهم فرق فيهم على حسب ما يرى، ويستحب أن لا ينقص من كل صنف عن أقل من
ثلاثة لأنهم أقل الجمع الا العامل فإنه يكون واحدا، وان فضلت الصدقة عن كفايتهم نقل الفاضل
إلى أقرب البلاد إليه وإن كان المتولي لتفريقها ربها فيستحب أن يبدأ بأهلها من أهله ويفرقها في الأهم
فالأهم وهو من اشتدت حاجته وقرب منه نسبه ويعطي من أمكنه
(فصل) وإن اجتمع في واحد سببان يجوز الاخذ بكل واحد منهما منفردا كالفقير الغارم أعطي
بهما جميعا فيعطي ما يقضي غرمه ثم يعطى ما يغنيه لأن الشخص الذي فيه المعنيان كشخصين وجد في
كل واحد منهما أحد المعنيين فيستحق بهما كالميراث لابن عم هو زوج أو أخ من أم ولو أوصى لقرابته
وللفقراء استحق القريب الفقير سهمين
(مسألة) قال (ولا يعطي من الصدقة لبني هاشم)
ولا لمواليهم ولا للوالدين وان علوا ولا للود وإن سفل ولا للزوج ولا للزوجة ولا لمن تلزمه مؤنته
ولا لكافر ولا لمملوك الا أن يكونوا من العاملين عليها فيعطون بحق ما عملوا ولا لغني وهو الذي يملك
خمسين درهما أو قيمتها من الذهب. هذه المسائل قد تكررت وذكرنا شرحها في باب الزكاة بما
أغني عن اعادته ههنا
(مسألة) قال (وإذا تولى الرجل اخراج زكاته سقط العاملون)
وذلك لأن العامل إنما يأخذ أجر عمالته فإذا أخرج الرجل زكاة نفسه لم يكن ثم عامل عليها ولا
من يستحق أجرا فيسقط سهمه والله أعلم
(فصل في جوائز السلطان)
كان الإمام أبو عبد الله رحمة الله عليه يتورع عنها ويمنع بنيه وعمه من أخذها وهجرهم حين قبلوها
وسد الأبواب بينه وبينهم حين أخذوها ولم يكن يأكل من بيوتهم شيئا ولا ينتفع بشئ يصنع عندهم
وأمرهم بالصدقة بما أخذوه، وإنما فعل ذلك لأن أموالهم تختلط بما يأخذوا من الحرام من الظلم وغيره
فيصير شبهة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين) وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمها
كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن واقع الشبهات أوشك أن يقع في الحرام
331

كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى مالا يربيك) واحتج
أحمد بأن جماعة من الصحابة تنزهوا عن مال السلطان، منهم حذيفة وأبو عبيدة ومعاذ وأبو هريرة
وابن عمر، ولم ير أبو عبد الله ذلك حراما فإنه سئل فقيل له مال السلطان حرام؟ فقال لا، وأحب إلي
أن يتنزه عنه، وفي رواية قال ليس أحد من المسلمين الا وله في هذه الدراهم حق فكيف أقول إنها
سحت وقد كان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكثير من الصحابة يقبلون جوائز معاوية
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال لا بأس بجوائز السلطان ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم
من الحرام، وقال لا نسأل السلطان شيئا فإن أعطاك فخذ فإن ما في بيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام
وروى عمر بن شيبة البحتري في كتاب القضاء أن الحسن وابن سيرين والشعبي دخلوا على عمر
ابن هبيرة فأمر لكل واحد منهم بألف درهم ألف درهم وأمر للحسن بألفي درهم فقبض الحسن
جائزته وأبى ابن سيرين أن يقبض فقال لابن سيرين مالك لا تقبض؟ قال حتى يعم الناس فقال الحسن
الله لو عرض لك ولي لص فأخذ ردائي ورداءك ثم بدا له أن يرد علي ردائي كنت أقول لا أقبل
ردائي حتى ترد على ابن سيرين رداءه؟ كنت أحب أن تكون أفقه مما أنت يا ابن سيرين ولان جوائز
السلطان لها وجه في الإباحة والتحليل فإن له جهات كثيرة من الفئ والصدقة وغيرهما
(فصل) قال أحمد جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة يعني أن الصدقة أوساخ الناس صين
عنها النبي صلى الله عليه وسلم لدناءتها ولم يصانوا عن جوائز السلطان، وسئل أحمد عمن عامل السلطان فربح
ألفا وآخر اجازه السلطان بألف أيهما أحب إليك؟ قال الجائزة وذلك لأن الذي يربح عليه ألفا
لا يربحها في الغالب الا بنوع من التدليس والغبن الفاحش والجائزة عطاء من الإمام برضاه لا تدليس
فيها ولا غبن، وقال أحمد إذا كان بينك وبين السلطان رجل يعني فهو أحب إلي من أخذه منه وذلك
لأن الوسائط كلما كثرت قربت إلى الحل لأنها مع البعد تتبدل وتحصل فيها أسباب مبيحة والله أعلم
332

بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
(كتاب النكاح)
النكاح في الشرع هو عقد التزويج فعند اطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل، وقال
القاضي الأشبه بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطئ جميعا لقولنا بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج
لدخوله في قوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقيل بل هو حقيقة في الوطئ مجاز في
العقد تقول العرب أنكحنا الفرى فسترى أي اضر بنا فحل حمر الوحش أمه فسترى ما يتولد منهما يضرب
مثلا للامر يجتمعون عليه ثم يتفرقون عنه. وقال الشاعر
ومن أيم قد أنكحتنا رماحنا * وأخرى على خال وعم تلهف
والصحيح ما قلنا لأن الأشهر استعمال لفظة النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنة ولسان أهل
العرف، وقد قيل ليس في الكتاب لفظ نكاح بمعنى الوطئ الا قوله (
حتى تنكح زوجا غيره) ولأنه
يصح نفيه عن الوطئ فيقال هذا سفاح وليس بنكاح ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ولدت من
نكاح لا من سفاح) ويقال عن السرية ليست بزوجة ولا منكوحة، ولان النكاح أحد اللفظين اللذين
ينعقد بهما عقد النكاح فكان حقيقة فيه كاللفظ الآخر وما ذكره القاضي يفضي إلى كون اللفظ مشتركا
وهو على خلاف الأصل وما ذكره الآخرون يدل على الاستعمال في الجملة والاستعمال فيما قلنا أكثر
وأشهر، ثم لو قدر كونه مجازا في العقد لكان اسما عرفيا يجب صرف اللفظ عند الاطلاق إليه
لشهرته كسائر الأسماء العرفية
333

(فصل) والأصل في مشروعية النكاح الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقول الله تعالى
(فانكحوا) ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) الآية وقوله (وأنكحوا الأيامى منكم
والصالحين من عبادكم وإمائكم) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم
الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء) متفق
عليه في آي وأخبار سوى ذلك كثيرة، وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع، واختلف أصحابنا
في وجوبه فالمشهور في المذهب أنه ليس بواجب الا أن يخاف أحد على نفسه الوقوع في محظور بتركه
فيلزمه اعفاف نفسه، وهذا قول عامة الفقهاء، وقال أبو بكر بن عبد العزيز هو واجب وحكاه عن
أحمد وحكى عن داود أنه يجب في العمر مرة واحدة للآية والخبر
ولنا أن الله تعالى حين أمر به علقه على الاستطابة بقوله (فانكحوا ما طاب لكم من النساء)
والواجب لا يقف على الاستطابة وقال (مثنى وثلاث ورباع) ولا يجب ذلك بالاتفاق فيدل على أن
المراد بالامر الندب وكذلك الخبر يحمل على الندب أو على من يخشى على نفسه الوقوع في المحذور بترك
النكاح قال القاضي وعلى هذا يحمل كلام احمد وأبي بكر في إيجاب النكاح
(فصل) والناس في النكاح على ثلاثة أضرب: منهم من يخاف على نفسه الوقوع في المحظور ان
ترك النكاح فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء لأنه يلزمه اعفاف نفسه وصونها عن الحرام
وطريقه النكاح (الثاني) من يستحب له وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور فهذا الاشتغال
به أولى من التخلي لنوافل العبادة وهو قول أصحاب الرأي وهو ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم
334

وفعلهم. قال ابن مسعود لو لم يبق من أجلي الا عشرة أيام وأعلم اني أموت في آخرها يوما ولي طول
النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة.
وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء. وقال إبراهيم بن ميسرة قال لي طاوس لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد ما يمنعك عن النكاح الا عجز أو فجور.
قال أحمد في رواية المروذي ليست العزبة من أمر الاسلام في شئ وقال من دعاك إلى غير التزويج فقد
دعاك إلى غير الاسلام ولو تزوج بشر كان قد تم أمره
وقال الشافعي التخلي لعبادة الله تعالى أفضل لأن الله تعالى مدح يحيى عليه السلام بقوله
(وسيدا وحصورا) والحصور الذي لا يأتي النساء فلو كان النكاح أفضل لما مدح بتركه. وقال تعالى
(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) وهذا في معرض الذم. ولأنه عقد معاوضة فكان
الاشتغال بالعبادة أفضل منه كالبيع
ولنا ما تقدم من أمر الله تعالى به ورسوله وحثهما عليه، وقال صلى الله عليه وسلم (ولكني أصوم وأفطر
وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) وقال سعد لقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على
عثمان بن مظعون التبتل ولو أحله له لاختصينا. متفق عليهما. وعن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا
بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول (تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأمم يوم
القيامة) رواه سعيد. وهذا حث على النكاح شديد ووعيد على تركه يقربه إلى الوجوب والتخلي منه إلى
التحريم، ولو كان التخلي أفضل لانعكس الامر: ولان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك
335

أصحابه ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال
بالأدنى. ومن العجب أن من يفضل التخلي لم يفعله فكيف اجتمعوا على النكاح في فعله وخالفوه
في فضله فما كان فيهم من يتبع الأفضل عنده ويعمل بالأدنى، ولان مصالح النكاح أكثر فإنه يشتمل
على تحصين الدين وإحرازه وتحصين المرأة وحفظها والقيام بها وإيجاد النسل وتكثير الأمة وتحقيق
مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نفل العبادة بمجموعها أولى
وقد روينا في أخبار المتقدمين ان قوما ذكروا لنبي لهم فضل عابد لهم فقال أما انه لتارك لشئ
من السنة فبلغ العابد فأتى النبي فسأله عن ذلك فقال إنك تركت التزويج فقال يا نبي الله وما هو إلا هذا
فلما رأى النبي احتقاره لذلك قال أرأيت لو ترك الناس كلهم التزويج من كان يقوم بالجهاد وينفي العدو
ويقوم بفرائض الله وحدوده؟ وأما ما ذكر عن يحيى فهو شرعه وشرعنا وارد بخلافه فهو أولى. والبيع
لا يشتمل على مصالح النكاح ولا يقاربها
(القسم الثالث) من لا شهوة له إما لأنه لم يخلق له شهوة كالعنين أو كانت له شهوة فذهبت بكبر
أو مر ض ونحوه ففيه وجهان (أحدهما) يستحب له النكاح لعموم ما ذكرنا (والثاني) التخلي له أفضل
لأنه لا يحصل مصالح النكاح وبمنع زوجته من التحصين بغيره ويضربها بحبسها على نفسه ويعرض
نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يتمكن من القيام بها ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه. والاخبار
تحمل على من له شهوة لما فيها من القرائن الدلة عليها. وظاهر كلام أحمد أنه لافرق بين القادر على
الانفاق والعاجز عنه وقال وينبغي للرجل أن يتزوج فإن كان عنده ما ينفق أنفق وان لم يكن عنده صبر
336

ولو تزوج بشر كان قد ثم أمره واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح وما عنده شئ ويمسى وما عنده
شئ وان النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا لم يقدر الا على خاتم حديد ولا وجد الا ازاره ولم يكن له رداء.
أخرجه البخاري: قال أحمد في رجل قليل الكسب يضعف قلبه عن العيال: الله يرزقهم، التزويج أحصن
له ربما أتى عليه وقت لا يملك قلبه فيه. وهذا في حق من يمكنه التزويج فأما من لا يمكنه فقد قال الله
تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)
(مسألة) قال (ولا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين)
في هذه المسألة أربعة فصول (أحدها) ان النكاح لا يصح إلا بولي ولا تملك المرأة تزويج نفسها
ولا غيرها ولا توكيل غير وليها في تزويجها فإن فعلت لم يصح النكاح روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود
وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم واليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن
عبد العزيز وجابر بن زيد والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري والشافعي
وإسحاق وأبو عبيد. وروي عن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبي صالح وأبي يوسف
لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فإن فعلت كان موقوفا على اجازته
وقال أبو حنيفة لها أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في النكاح لأن الله تعالى قال [ولا تعضلوهن
أن ينكحن أزواجهن] أضاف النكاح إليهن ونهى عن منعهن منه ولأنه خالص حقها وهي من أهل
337

المباشرة فصح منها كبيع أمتها ولأنها إذا ملكت بيع أمتها وهو تصرف في رقبتها وسائر منافعها ففي النكاح
الذي هو عقد على بعض منافعها أولى
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا نكاح إلا بولي) روته عائشة وأبو موسى وابن عباس، قال المروذي
سألت احمد ويحيى عن حديث (لا نكاح إلا بولي) فقالا صحيح
وروي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أيما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها
باطل باطل باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لاولي له)
رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما فإن قيل فإن الزهري رواه وقد أنكره، قال ابن خديج سألت
الزهري عنه فلم يعرفه قلنا له لم يقل هذا عن ابن خديج غير ابن علية كذلك قال الإمام أحمد ويحيى ولو
ثبت هذا لم يكن حجة لأنه قد نقله ثقات عنه فلو نسيه الزهري لم يضره لأن النسيان لم يعصم منه
انسان. قال النبي صلى الله عليه وسلم (نسي آدم فنسيت ذريته) ولأنها مولى عليها في النكاح فلا تليه كالصغيرة
وأما الآية فإن عضلها الامتناع من تزويجها وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي ويدل عليه انها نزلت
في شأن معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها وأضافه إليها لأنها
محل
له. إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز لها تزويج أحد، وعن أحمد لها تزويج أختها وهذا يدل على صحة عبارتها
في النكاح فيخرج منه أن لها تزويج نفسها باذن وليها وتزويج غيرها بالوكالة وهو مذهب محمد بن الحسن
وينبغي أن يكون قولا لابن سيرين ومن معه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة زوجت نفسها بغير اذن
338

وليها فنكاحها باطل) فمفهومه صحته باذنه، ولأن المرأة إنما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها
فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها والصحيح الأول
لعموم قوله (لا نكاح إلا بولي) وهذا يقدم على دليل الخطاب والتخصيص ههنا خرج مخرج الغالب
فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها الا بغير اذن وليها والعلة في منعها صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها
ورعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي حال أهل الصيانة والمروءة والله أعلم
(فصل) فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه وكذلك سائر
الأنكحة الفاسدة، وخرج القاضي في هذا وجها خاصة أنه ينقض، وهو قول الإصطخري من أصحاب
الشافعي لأنه خالف نصا والأول أولى، لأنها مسألة مختلف فيها ويسوغ فيها الاجتهاد فلم يجز نقض
الحكم كما لو حكم بالشفعة للجار وهذا النص متأول وفي صحته كلام وقد عارضه ظواهر (الفصل الثاني)
أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين، هذا المشهور عن أحمد، وروي ذلك عن عمر وعلي وهو قول
ابن عباس وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن والنخعي وقتادة والثوري والأوزاعي والشافعي
وأصحاب الرأي. وعن أحمد أنه يصح بغير شهود وفعله ابن عمر والحسن بن علي وابن الزبير وسالم
وحمزة ابنا ابن عمر، وبه قال عبد الله بن إدريس وعبد الرحمن به مهدي ويزيد بن هارون والعنبري
وأبو ثور وابن المنذر وهو قول الزهري ومالك إذا أعلنوه.
قال ابن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر، وقال ابن عبد البر قد روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم (لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين) من حديث بن عباس وأبي هريرة وابن عمر إلا أن
في نقله ذلك ضعيفا فلم أذكره
339

قال ابن المنذر: وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم صفية ابنة حي فتزوجها بغير شهود. قال أنس ابن
مالك رضي الله عنه: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بسبعة قروش، فقال الناس ما ندري أتزوجها
رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جعلها أم ولد؟ فلما أن أراد أن يركب حجبها فعلموا أنه تزوجها متفق عليه، قال
فاستدلوا على تزويجها بالحجاب: وقال يزيد بن هارون: أمر الله تعالى بالاشهاد في البيع دون
النكاح فاشترط أصحاب الرأي الشهادة للنكاح ولم يشترطوها للبيع، ووجه الأولى أنه قد روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) رواه الخلال باسناده
وروى الدارقطني عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابد في النكاح من أربعة: الولي والزوج
والشاهدان ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه
فيضيع نسبه بخلاف البيع فأما نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بغير ولي وغير شهود فمن خصائصه في النكاح
فلا يلحق به غيره.
(الفصل الثالث) أنه لا ينعقد إلا بشهادة مسلمين سواء كان الزوجان مسلمين أو الزوج
وحده نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة إذا كانت المرأة ذمية صح بشهادة ذميين قال
أبو الخطاب ويتخرج لنا مثل ذلك مبنيا على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على
بعض ولنا قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة
ذميين كنكاح المسلمين.
340

(فصل) فأما الفاسقان ففي انعقاد النكاح بشهادتهما روايتان [إحداهما] لا ينعقد وهو مذهب
الشافعي للخبر ولان النكاح لا يثبت بشهادتهما فلم ينعقد بحضورهما كالمجنونين (والثانية) ينعقد بشهادتهما
وهو قول أبي حنيفة لأنها تحمل فصحت من الفاسق كسائر التحملات وعلى كلتا الروايتين لا يعتبر
حقيقة العدالة بل ينعقد بشهادة مستوري الحال لأن النكاح يكون في القرى والبادية وبين عامة الناس
ممن لا يعرف حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق فاكتفى بظاهر الحال وكون الشاهد مستورا لم يطر
فسقه فإن تبين بعد العقد أنه كان فاسقا لم يؤثر ذلك في العقد لأن الشرط العدالة ظاهرا وهو أن لا
يكون ظاهر الفسق وقد تحقق ذلك وقيل نتبين أن النكاح كان فاسدا لعدم الشرط وليس بصحيح
لأنه لو كانت العدالة في الباطن شرطا لوجب الكشف عنها لأنه مع الشك فيها يكون مشكوكا في
شرط النكاح فلا ينعقد ولا تحل المرأة مع الشك في صحة نكاحها وان حدث الفسق فيهما لم يؤثر في
صحة النكاح لأن الشرط إنما يعتبر حالة العقد ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولي وشاهدي عدل
قبل قولهما وثبت النكاح باقرارهما
(فصل) ولا ينعقد بشهادة رجل وامرأتين وهذا قول النخعي والأوزاعي والشافعي وعن أحمد
أنه قال إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز وإن كان معهن رجل فهو أهون فيحتمل أن هذا رواية أخرى
في انعقاده بذلك وهو قول أصحاب الرأي ويروى عن الشعبي لأنه عقد معاوضة فانعقد بشهادتهن
مع الرجال كالبيع
ولنا أن الزهري قال مضت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجوز شهادة النساء في الحدود
341

ولا في النكاح ولا في الطلاق رواه أبو عبيد في الأموال وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه
عقد ليس بمال ولا المقصود منه المال ويحضره الرجال في غالب الأحوال فلا يثبت بشهادتهن كالحدود
وبهذا فارق اليسع ويحتمل أن أحمد إنما قال هو أهون لوقوع الخلاف فيه فلا يكون رواية
(فصل) ولا ينعقد بشهادة صبيين لأنهما ليسا من أهل الشهادة ويحتمل أن ينعقد بشهادة
مراهقين عاقلين ولا ينعقد بشهادة مجنونين ولا سائر من لا شهادة له لأن وجوده كالمعدم ولا ينعقد
بشهادة أصمين لأنهما لا يسمعان ولا أخرسين لعدم امكان الأداء منهما وفي انعقاده بحضور أهل
الصنائع الزوية كالحجام ونحوه وجهان بناء على قبول شهادتهم وفي انعقاده بشهادة عدوين أو ابني الزوجين
أو أحدهما وجهان (أحدهما) ينعقد اختاره أبو عبد الله بن بطة لعموم قوله (إلا بولي وشاهدي عدل) ولأنه
ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول (والثاني) لا ينعقد بشهادتهما لأن
العدو لا تقبل شهادته على عدوه والابن لا تقبل شهادته لوالده
(فصل) وينعقد بشهادة عبدين، وقال أبو حنيفة والشافعي لا ينعقد، ومبنى الخلاف على قبول
شهادتهما في سائر الحقوق ونذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، وينعقد بشهادة ضريرين وللشافعية
وجهان في ذلك.
ولنا أنها شهادة على قول فصحت من الأعمى كالشهادة بالاستفاضة وإنما ينعقد بشهادتهما إذا
تيقن الصوت وعلم صوت المتعاقدين على وجه لا يشك فيهما كما يعلم ذلك من يراهما وإلا فلا
(فصل) وإذا تزوجت المرأة تزويجا فاسدا لم يجز تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو يفسخ
342

نكاحها وإذا امتنع من طلاقها فسخ الحاكم نكاحه، نص عليه أحمد، وقال الشافعي: لا حاجة إلى
فسخ ولا طلاق لأنه نكاح غير منعقد أشبه النكاح في العدة.
ولنا أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتيج في التفريق فيه إلى ايقاع فرقة كالصحيح المختلف
فيه ولان تزويجها من غير تفريق يفضي إلى تسليط زوجين عليها، كل واحد منهما يعتقد أن نكاحه
الصحيح ونكاح الآخر الفاسد ويفارق النكاح الباطل من هذين الوجهين وإذا زوجت بآخر قبل
التفريق لم يصح الثاني أيضا ولم يجز تزويجها الثالث حتى يطلق الا ولان أو يفسخ نكاحهما، ومتى
فرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها لأنه عقد فاسد لم يتصل به قبض فلم يجب به عوض كالبيع الفاسد
وإن كان التفريق بعد الدخول فلها المهر بدليل قوله عليه السلام (فلها المهر بما استحل من فرجها وان
تكرر الوطئ فالمهر واحد للحديث ولأنه إصابة في عقد فاسد أشبه الإصابة في عقد صحيح.
(فصل) والواجب لها مهر مثلها، أو ما إليه أحمد فإنه قال في العبد: يتزوج بغير اذن سيده
يعطي شيئا. قال القاضي يعني مهر المثل وهو ظاهر قول الخرقي لقوله: إذا زوج الوليان فالنكاح
للأول منهما فإن دخل بها الثاني فلها مهر مثلها وهذا مذهب الشافعي. والمنصور عن أحمد أن لها
المسمى لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة (ولها الذي أعطاها بما أصاب منها)
قال القاضي حدثناه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال باسناديهما وقال أبو حنيفة الواجب
لأقل من المسمى أو مهر المثل لأنها ان رضيت بدون مهر مثلها فليس لها أكثر منه كالعقد الصحيح
وإن كان المسمى أكثر لم يجب الزائد لأنه بغير عقد صحيح
343

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (فلها المهر بما استحل من فرجها) فجعل لها المهر المميز بالإصابة
والإصابة إنما توجب مهر المثل ولان العقد ليس بموجب بدليل الخبر وانه لو طلقها قبل مسها لم يكن
لها شئ وإذا لم يكن موجبا كان وجوده كعدمه وبقي الوطئ موجبا بمفرده فأوجب مهر المثل كوطئ
الشبهة ولان التسمية لو فسدت لوجب مهر المثل فإذا فسد العقد من أصله كان أولى وقول أبي حنيفة
انها رضيت بدون صداقها إنما يصح إذا كان العقد هو الموجب وقد بينا أنه إنما يجب بالإصابة فيجب
مهر المثل كاملا كوطئ الشبهة
(فصل) ولا يجب لها بالخلوة شئ في قول أكثر أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها المهر
بما استحل من فرجها يعني أصاب ولم يصبها، والمنصوص عن أحمد أن المهر يستقر بالخلوة قياسا على
العقد الصحيح وبناء على أن الواجب المسمى بالعقد وقد ذكرنا ذلك
(فصل) ولاحد في الوطئ النكاح الفاسد سواء اعتقد حله أو حرمته، وعن أحمد
ما يدل على أنه يجب الحد بالوطئ في النكاح بلا ولي إذا اعتقد حرمته، وهو اختيار
السمرقندي من أصحاب الشافعي لما روي الدارقطني باسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها ان الزانية هي التي تزوج نفسها) وباسناده عن الشافعي
قال: ما كان أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أشد في النكاح بغير ولي من علي رضي الله عنه كان يضرب
فيه. وروى الشاليحي باسناده عن عكرمة بن خالد أن الطريق جمعت ركبا فيه امرأة ثيب فخطبها
344

رجل فأنكحها رجل وهو غير ولي بصداق وشهود فلما قدموا على عمر رضي الله عنه رفع إليه أمرهما
ففرق بينهما وجلد الناكح والمنكح
ولنا أن هذا مختلف في اباحته فلم يجب به الحد كالنكاح بغير شهود، ولان الحد يدرأ بالشبهات
والاختلاف فيه أقوى الشبهات وتسميتها زانية يجوز بدليل أنه سماها بذلك بمجرد العقد وعمر جلدهما
أدبا وتعزيرا ولذلك جلد المنكح ولم يجلد المرأة وجلدهما بمجرد العقد مع اعتقادهما حله وكذلك حديث
علي على أن حديث علي حجة على من أ وجب الحد فيه فإن عليا أشد الناس فيه وقد انتهي الامر
إلى الجلد فدل على أن سائر الناس والصحابة لم يروا فيه جلدا، فإن قيل فقد أوجبتم الحد على شارب النبيذ
مع الاختلاف فيه قلنا هو مفارق لمسئلتنا بدليل انا نحد من اعتقد حله ولان يسير النبيذ يدعو إلى كثيره
المتفق على تحريمه وهذا المختلف فيه يغني عن الزنا المجمع على تحريمه فافترقا. فإذا ثبت هذا فإن من
اعتقد حله ليس عليه اثم ولا أدب لأنه من مسائل الفروع المختلف فيها ومن اعتقد حرمته ثم وأدب وإن
أنت بولد منه لحقه نسبه في الحالين
(فصل) فأما الأنكحة الباطلة كنكاح المرأة المزوجة أو المعتدة أو شبهه فإذا علما الحل والتحريم
فهما زانيان وعليهما الحد ولا يلحق النسب فيه
(فصل) ويساوي الفاسد الصحيح في اللعان إذا كان بينهما ولد يريد نفيه عنه لكون النسب لاحقا
به فإن لم يكن ولد فلا لعان بينهما لعدم الحاجة إليه وتجب العدة بالخلوة فيه وعدة الوفاة بالموت فيه
والاحداد وكل ذلك احتياطا لها. ويفارق الصحيح في أنه لا يثبت التوارث ولا تحصل به الإباحة للمتزوج
ولا تحل للزوج المطلق ثلاثا بالوطئ فيه ولا يحصل الاحصان بالوطئ فيه ولا يثبت حكم الايلاء باليمين
فيه ولا يحرم الطلاق فيه في زمن الحيض
345

(مسألة) قال (وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها)
إنما قيد المرأة بالحرة ههنا لأن الأمة لا ولاية لأبيها عليها وإنما وليها سيدها بغير خلاف علمناه،
وأما المرأة الحرة فأولى الناس بتزويجها أبوها ولا ولاية لاحد معه وبهذا قال الشافعي وهو المشهور عن
أبي حنيفة، وقال مالك والعنبري وأبو يوسف وإسحاق وابن المنذر الابن أولى وهو رواية عن أبي حنيفة
لأنه أولى منه بالميراث وأقوي تعصيا ولهذا يرث بولاء أبيه دون جده
ولنا أن الولد موهوب لأبيه قال الله تعالى (ووهبنا له يحيى) وقال زكريا (رب هب لي من لدنك
ذرية طيبة) وقال (فهب لي من لدنك وليا) وقال إبراهيم (الحمد الله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل
وإسحاق) وقال صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) واثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس
ولان الأب أكمل نظرا وأشد شفقة فوجب تقديمه في الولاية كتقديمه على الجد ولان الأب يلي ولده
في صغره وسفهه وجنونه فيليه في سائر ما ثبتت الولاية عليه فيه بخلاف ولاية الابن ولذلك اختص
بولاية المال وجاز له أن يشتري لها من ماله وله من مالها إذا كانت صغيرة بخلاف غيره، ولان الولاية
احتكام واحتكام الأصل على فرعه أولى من العكس، وفارق الميراث فإنه لا يعتبر له النظر ولهذا يرث الصبي
والمجنون وليس فيه احتكام ولا ولاية على الموروث بخلاف ما نحن فيه
(مسألة) قال (تم أبوه وان علا)
يعنى أن الجد أب الأب وإن علت درجته فهو أحق بالولاية من الابن وسائر الأولياء وهو قول
الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى أن الابن مقدم على الجد وهو قول مالك ومن وافقه لما تقدم
346

وعن أحمد رواية ثالثة ان الأخ يقدم على الجد وهو قول مالك لأن الجد يدلي بأبوة الأب
والأخ يدلي بنوة والبنوة مقدمة، وعن أحمد ان الجد والأخ سواء لاستوائهما في الميراث بالتعصيب
فاستويا في القرابة فوجب أن يستويا في الولاية كالأخوين ولأنهما عصبتان لا يسقط أحدهما بالآخر
فاستويا في الولاية كالأخوين
ولنا أن الجد لا ايلاد وتعصيب فيقدم عليهما كالأب ولان الابن والأخ يقادان بها ويقطعان
بسرقة مالها والجد بخلافه لا يسقط في الميراث إلا بالأب والأخ يسقط به وبالابن وابنه، وإذا ضاق
المال وفي المسألة جد وأخ سقط الأخ وحده فوجب تقديمه عليهما كالأب ولتقدمه على العم وسائر
العصبات. إذا ثبت هذا فالجد وان علا أولى من جميع العصبات غير الأب وأولى الأجداد أقربهم
وأحقهم في الميراث.
(مسألة) قال (ثم ابنها وابنه وان سفل)
وجملته أنه متى عدم الأب وآباؤه فأولى الناس بتزويج المرأة ابنها ثم ابنه بعده وان نزلت درجته الأقرب
فالأقرب منهم وبه قال أصحاب الرأي وقال الشافعي لا ولاية للابن إلا أن يكون ابن عم أو مولى أو حاكما
فيلي بذلك لا بالنبوة لأنه ليس بمناسب لها فلا يلي نكاحها كخالها ولان طبعه ينفر من تزويجها فلا ينظر لها
ولنا ما روت أم سلمة رضي الله عنها أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فقالت
يا رسول الله ليس أحد من أوليائي شاهدا قال (ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك) فقالت
347

قم يا عمرو فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه رواه النسائي قال الأثرم قلت لأبي عبد الله فحديث عمرو بن
أبي سلمة حين تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة أليس كان صغيرا قال ومن يقول كان صغيرا ليس فيه
بيان ولأنه عدل من عصبتها فثبت له ولاية تزويجها كأخيها، وقولهم ليس بمناسب لها يبطل بالحاكم والمولى
وقولهم ان طبعه ينفر من تزويجها قلنا هذا معارض في الفرع ليس له أصل، ثم يبطل بما إذا كان ابن
عم أو مولى أو حاكما. إذا ثبت هذا فإنه يقدم على الأخ ومن بعده بغير خلاف نعلمه عند من يقول
بولايته لأنه أقوى منه تعصيبا وقد استويا في عدم الايلاد
(مسألة) قال (ثم أخوها لأبيها وأمها)
لا خلاف بين أهل العلم في تقديم الأخ بعد عمودي النسب لكونه أقرب العصبات بعدهم فإنه
ابن الأب وأقواهم تعصيبا وأحقهم بالميراث
(مسألة) قال (والأخ للأب مثله)
اختلفت الرواية عن أحمد في الأخ للأبوين والأخ للأب إذا اجتمعا فالمشهور عنه أنهما سواء
في الولاية وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم لأنهما استويا في الادلاء بالجهة التي تستفاد منها العصوبة
وهي جهة الأب فاستويا في الولاية كما لو كانا من أب إنما يرجح الأخ في الميراث بجهة الام ولا مدخل
لها في الولاية فلم يرجح بها كالعمين أحدهما خال وابنى عم أحدهما أخ من أم، والرواية الثانية
الأخ من الأبوين أولى واختارها أبو بكر وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي في الجديد وهو
348

الصحيح إن شاء الله ولأنه حق يستفاد بالتعصيب فقدم فيه الأخ من الأبوين كالميراث وكاستحقاق
الميراث بالولاء فإنه لا مدخل للنساء فيه وقد قدم الأخ من الأبوين فيه وبهذا يبطل ما ذكرناه للرواية
الأولى وهكذا الخلاف في بني الاخوة والأعمام وبنيهم، فأما إذا كان ابنا عم لأب أحدهما أخ
لام فهما سواء لأنهما استويا في التعصيب والإرث به وقال القاضي فيهما من الخلاف مثل ما في ابن
عم من أبوين وابن عم من أب لأنه يرجح بجهة أمه وليس كذلك لأن جهة أمه يرث بها منفردة
وما ورث به منفردا لم يرجح به ولذلك لم يرجح به في الميراث بالولاء ولا في غيره. فعلى هذا إذا اجتمع
ابن عم من أبوين وابن عم من أب هو أخ من أم فالولاية لابن العم من الأبوين عند من يرى
تقديم ولد الأبوين
(مسألة) قال (ثم أولادهم وان سفلوا ثم العمومة ثم أولادهم وان سفوا ثم عمومة الأب)
وجملته أن الولاية بعد ما ذكرنا تترتب على ترتيب الإرث بالتعصيب فأحقهم بالميراث أحقهم
بالولاية فأولاهم بعد الآباء بنو المرأة ثم بنوهم وان سفلوا ثم بنو أبيها وهم الاخوة ثم بنوهم وان سفلوا
ثم بنو جدها وهم الأعمام ثم بنوهم وان سفلوا ثم بنو جد الأب وهم أعمام الأب ثم بنوهم وان سفلوا
ثم بنو جد الجد ثم بنوهم وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلى مع بنى أب أقرب منه وان نزلت درجتهم، وأولى
ولد كل أب أقربهم إليه لأن مبنى الولاية على النظر والشفقة وذلك معتبر بمظنته وهي القرابة فأقربهم
أشفقهم. ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم
349

(فصل) ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الام والخال وعم الام والجد أب الام
ونحوهم نص عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي واحدى الروايتين عن أبي حنيفة (والثانية) ان كل
من يرث بفرض أو تعصيب بلي لأنه من أهل ميراثها فوليها كعصباتها
ولنا ما روي عن علي أنه قال إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى إذا أدركن. رواه أبو عبيد
في الغريب. ولأنه ليس من عصباتها فأشبه الأجنبي
(مسألة) قال (ثم المولى المنعم ثم أقرب عصبته به)
لا خلاف نعلمه في أن المرأة إذا لم يكن لها عصبة من نسبها أن مولاها بزوجها، ولا في أن عصبة
المناسب أولى منه وذلك لأنه عصبة مولاته يرثها ويعقل عنها عند عدم عصباتها فلذلك يزوجها وقدم
عليه المناسبون كما قدموا عليه في الإرث والعقل فإن عدم المولى أو لم يكن من أهل الولاية كالمرأة
والطفل والكافر
فعصباته الأقرب منهم فالأقرب على ترتيب الميراث ثم مولى المولى ثم عصباته من
بعده كالميراث سواء فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه فالابن أولى لأنه أحق بالميراث وأقوى في
التعصيب وإنما قدم الأب المناسب على الابن المناسب لزيادة شفقته وفضيلة ولادته وهذا معدوم في
أبي المعتق فرجع به إلى الأصل
(مسألة) قال (ثم السلطان)
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم وبه
350

يقول مالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي، والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (فالسلطان
ولي من لاولي له) وروى أبو داود باسناده عن أم حبيبة أن النجاشي زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
عنده ولان للسلطان ولاية عامة بدليل انه بلي المال وبحفظ الضوال فكانت له الولاية في النكاح كالأب
(فصل) والسلطان ههنا هو الإمام أو الحاكم أو من فرضا إليه ذلك. واختلفت الرواية عن
أحمد في والي البلد فقال في موضع يزوج والي البلد وقال في الرستاق يكون فيه الوالي وليس فيه قاض
يزوج إذا احتاط لها في المهر والكف ء أرجو أن يكون به بأس لأنه ذو سلطان فيدخل في عموم الحديث
وقال في موضع آخر في المرأة إذا لم يكن لها ولي فالسلطان المسلط على الشئ القاضي يقضي في الفروج
والحدود والرجم وصاحب الشرطة إنما هو مسلط في الأدب والجناية. وقال ما للوالي ولاية إنما هو
القاضي. وتأول القاضي الرواية الأولى على أن الوالي أذن له في التزويج: ويحتمل انه جعل له ذلك إذا لم
يكن في موضع ولايته قاض فكأنه قد فوض إليه النظر فيما يحتاج إليه في ولايته وهذا منها
(فصل) وإذا استولى أهل البغي في بلد جرى حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك مجرى الإمام
وقاضيه لأنه أجري مجراه في قبض الصدقات والجزية والخراج والأحكام فكذلك في هذا
(فصل) واختلفت الرواية في المرأة تسلم على يد رجل فقال في موضع لا يكون وليا لها ولا يزوج
يأتي السلطان لأنه ليس من عصباتها ولا يعقل عنها ولا يرثها فأشبه الأجنبي، وقال في رواية أخرى في
امرأة أسلمت على يد رجل يزوجها هو وهو قول إسحاق، وروي عن ابن مسعود أنه لا يفعل ذلك
حتى يأتي السلطان، وعن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يزوجها نفسه، ولما روى أبو داود باسناده
351

عن تميم الداري أنه قال: يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يد الرجل من المسلمين؟ قال (هو
أولى الناس بمحياه ومماته) إلا أن هذا الحديث ضعفه احمد وقال رواية عبد العزيز يعني ابن عمر بن
عبد العزيز وليس هو من أهل الحفظ والاتقان
(فصل) فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا ذو سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل
باذنها فإنه قال في دهقان قربة بزوج من ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر إذا لم يكن في الرستاق
قاض، قال ابن عقيل أخذ قوم من أصحابنا من هذه الرواية أن النكاح لا يقف على ولي قال وقال
القاضي منصوص احمد يمنع من ذلك، والصحيح أن هذا القول مختص بحال عدم الولي والسلطان لأنه
شرط أن لا يكون في الرستاق قاض، ووجه ذلك أن اشتراط الولي ههنا يمنع النكاح بالكلية فلم يجز
كاشتراط المناسب في حق من لا مناسب لها، وروي أنه لا يجوز النكاح إلا بولي لعموم الاخبار فيه
(مسألة) قال (ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا)
وجملة ذلك أنه يجوز التوكيل في النكاح سواء كان الولي حاضرا أو غائبا مجبرا أو غير مجبر لأنه
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة ووكل عمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة ولأنه
عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه كالبيع ولأصحاب الشافعي في توكيل غير الأب والجد وجهان (أحدهما)
لا يجوز لأنه بلي بالاذن فلم يجز التوكيل له كالوكيل
ولنا انه بلي شرعا فكان له التوكيل كالأب ولا يصح قولهم انه يلي بالاذن فإن ولايته ثابتة قبل
352

اذنها وإنما اذنها شرط لصحة تصرفه فأشبه ولاية الحاكم عليها ولا خلاف في أن للحاكم أن يستنيب في التزويج
من غير اذن المرأة ولأن المرأة لا ولاية لها على نفسها فكيف لنائبها من قبلها؟
(فصل) ويجوز التوكيل مطلقا ومقيدا فالمقيد التوكيل في تزويج رجل بعينه والمطلق التوكيل في تزويج
من يرضاه أو من يشاء، وقال احمد رحمه الله في رواية عبد الله في الرجل يولى على أخته وابنته يقول إذا وجدت
من ترضاه فزوجها فتزويجه جائز، ومنع بعض الشافعية التوكيل المطلق ولا يصح فإنه روي أن رجلا
من العرب ترك ابنته عند عمر وقال إذا وجدت لها كفؤا فزوجه إياها ولو بشراك نعله فزوجها عمر
من عثمان بن عفان رضي الله عنه فهي أم عمرو بن عثمان واشتهر ذلك فلم ينكر ولأنه إذن في النكاح فجاز
مطلقا كاذن المرأة أو عقد فجاز التوكيل فيه مطلقا والله أعلم
(فصل) ولا يعتبر في صحة الوكالة اذن المرأة في التوكيل سواء كان الموكل أبا أو غيره ولا
يفتقر إلى حضور شاهدين وقال بعض الشافعية لا يجوز لغير المجبر التوكيل الا باذن المرأة وخرجه القاضي
على الروايتين في توكيل الوكيل من غير اذن الموكل وحكى عن الحسن بن صالح أنه لا يصح الا
يحضره شاهدين لأنه يراد لحل الوطئ فافتقر إلى الشهادة كالنكاح
ولنا انه إذن من الولي في التزويج فلم يفتقر إلى اذن المرأة ولا إلى اشهاد كاذن الحاكم وقد بينا
أن الولي ليس بوكيل للمرأة وهذا التوكيل لا يملك به البضع فلم يفتقر إلى اشهاد بخلاف النكاح ويبطل
ما ذكره الحسن بن صالح بالتسري
353

(فصل) ويثبت للوكيل ما يثبت للموكل وإن كان للولي الاجبار ثبت ذلك لوكيله وان كانت
ولايته ولاية مراجعة احتاج الوكيل إلى اذنها ومراجعتها لأنه نائب فيثبت له مثل ما ثبت لمن ينوب
عنه وكذلك الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج فيكون المأذون له قائما مقامه
(فصل) واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله هل تستفاد الولاية في النكاح بالوصية؟ فروى أنها
تستفاد بها وهو اختيار الخرقي لقوله أو وصى ناظرا له في التزويج وهو قول الحسن وحماد بن أبي سلمان
ومالك وعنه لا تستفاد بالوصية وبه قال الثوري والشعبي والنخعي والحارث العكلي وأبو حنيفة والشافعي
وابن المنذر لأنها ولاية تنتقل إلى غيره شرعا فلم يجز ان يوصى بها كالحضانة ولأنه لا ضرر على
الوصي في تضييعها ووضعها عند من لا يكافئها فلم تثبت له الولاية كالأجنبي ولأنها ولاية نكاح فلم تجز
الوصية بها كولاية الحاكم وقال أبو عبد الله بن حامد إن كان لها عصبة لم تجز الوصية بنكاحها لأنه يسقط
حقهم بوصيته وإن لم يكن عصبة جاز لعدم ذلك.
ولنا أنها ولاية ثابتة للأب فجازت وصيته بها كولاية المال ولأنه يجوز أن يتسبب فيها في حياته
فيكون نائبه قائما مقامه بعد موته فجاز أن يتسبب فيها كولاية المال وما ذكروه يبطل بولاية المال، فعلى
هذا لا يصير وصيا في النكاح بالوصية إليه في المال لأنها إحدى الولايتين فلم يملكها بالوصية كالوصية
الأخرى قياسا على وصية المال لا تملك بالوصية في ا لنكاح.
(فصل) فعلى هذا تجوز الوصية بالنكاح من كل ذي ولاية سواء كان مجبرا كالأب أو غير مجبر
كغيره ووصي كل ولي يقوم مقامه فإن كان الولي له الاجبار فكذلك وصيه وإن كان يحتاج إلى اذنها
354

فوصيه كذلك لأنه يقوم مقامه فهو كالوكيل. وقال مالك ان عين الأب الزوج ملك الوصي إجبارها
صغيرة كانت أو كبيرة، وان لم يعين الزوج وكانت بنته كبيرة صحت الوصية واعتبر اذنها وان
كانت صغيرة انتظرنا بلوغها فإذا أذنت جاز أن يزوجها باذنها
ولنا أن من ملك التزويج إذا عين له الزوج ملك مع الاطلاق كالوكيل ومتى زوج وكيل الأب
الصغيرة فبلغت فلا خيار لها لأن الوصي قائم مقام الموصي فلم يثبت في تزويجه خيار كالوكيل
(مسألة) قال (وإذا كان الأقرب من عصبتها طفلا أو كافرا أو عبدا زوجها
الابعد من عصبتها).
وجملة ذلك أن الولاية لا تثبت لطفل ولا عبد ولا كافر على مسلمة بحال فعند ذلك يكون وجودهم
كالعدم فثبتت الولاية لمن هو أبعد منهم كما لو ماتوا وتعتبر لثبوت الولاية لمن سمينا ستة شروط:
العقل والحرية والاسلام والذكورية والبلوغ والعدالة على اختلاف نذكره فأما العقل فلا خلاف في
اعتباره لأن الولاية إنما تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه
النظر ولا يلي نفسه فغيره أولى وسواء في هذا من لا عقل له لصغره كطفل. ومن ذهب عقله بجنون
أو كبر كالشيخ إذا أفند.
قال القاضي والشيخ الذي قد ضعف لكبره فلا يعرف موضع الحظ لها لا ولاية له فأما الاغماء
فلا يزيل الولاية لأنه يزول عن قرب فهو كالنوم ولذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الأنبياء
355

عليهم السلام ومن كان يجن في الأحيان لم تزل ولايته لأنه لا يستديم زوال عقله فهو كالاغماء
(الشرط الثاني) الحرية، فلا ولاية لعبد في قول جماعة أهل العلم فإن العبد لا ولاية له على نفسه
فعلى غيره أولى. وقال أصحاب الرأي يجوز أن يزوجها العبد باذنها بناء على أن المرأة تزوج نفسها
قد مضى الكلام في هذه المسألة
(الشرط الثالث) الاسلام ولا يثبت لكافر ولاية على مسلمة وهو قول عامة أهل العلم أيضا،
قال ابن المنذر أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا قال أحمد بلغنا أن عليا أجاز نكاح الأخ
ورد نكاح الأب وكان نصرانيا
(الشرط الرابع) الذكورية شرط للولاية في قول الجميع لأنه يعتبر فيها الكمال والمرأة ناقصة
قاصرة تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها فلا تثبت لها ولاية على غيرها أولى
(الشرط الخامس) البلوغ شرط في ظاهر المذهب قال احمد لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له
أمر وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأبو ثور، وعن أحمد
رواية أخرى انه إذا بلغ عشرا زوج وتزوج وطلق وأجيزت وكالته في الطلاق وهذا يحتمله كلام
الخرقي لتخصيصه المسلوب الولاية بكونه طفلا ووجه ذلك أنه يصح بيعه ووصيته في طلاقه فثبت له الولاية
كالبالغ والأول اختيار أبي بكر وهو الصحيح لأنه الولاية يصير لها كمال الحال لأنها تتقيد بالتصرف
في حق غيره اعتبرت نظرا له والصبي مولى عليه لقصوره فلا تثبت له الولاية كالمرأة
(الشرط السادس) العدالة في كونها شرطا روايتان (إحداهما) هي شرط قال احمد إذا كان
356

القاضي مثل ابن الحلبي وابن الجعدي استقبل النكاح فظاهر هذا انه أفسد النكاح لانتفاء عدالة المولى
له وهذا قول الشافعي وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لا نكاح إلا بولي مرشد
وشاهدي عدل، قال ابن عباس قال احمد أصح شئ في هذا قول ابن عباس وقد روي عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وأيما امرأة أنكحها ولى مسخوط
عليه فنكاحها باطل) وروي عن أبي بكر البرقاني باسناده عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) ولأنها ولاية نظرية فلا يستبدئها الفاسق كولاية المال،
والرواية الأخرى ليست بشرط.
نقل مثنى بن جامع أنه سأل أحمد إذا تزوج بولي فاسق وشهود عدول فلم ير أنه يفسد من النكاح
شئ وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه ذكر الطفل والعبد والكافر ولم يذكر الفاسق وهو قول مالك وأبي
حنيفة وأحد قولي الشافعي لأنه يلي نكاح نفسه فتثبت له الولاية على غيره كالعدل ولان سبب الولاية
القرابة وشرطها النظر وهذا قريب ناظر فيلي كالعدل
(فصل) ولا يشترط أن يكون بصيرا لأن شعيبا عليه السلام زوج ابنته وهو أعمى ولان المقصود
في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة فلا يفتقر إلى النظر ولا يشترط كونه ناطقا بل يجوز أن يلي
الأخرس إذا كان مفهوم الإشارة لأن إشارته تقوم مقام نطقه في سائر العقود والأحكام
فكذلك في النكاح
(فصل) ومن لا نثبت له الولاية لم يصح توكيله لأن وكيله نائب عنه وقائم مقامه، وإن وكله
357

الوالي في تزويج موليته لم يجز لأنها ولاية وليس هو من أهلها، ولأنه لما لم يملك تزويج مناسبته بولاية النسب
فلان لا يملك تزويج مناسبة غيره بالتوكيل أولى، ويحتمل أن يصح توكيل العبد والفاسق والصبي المميز
في العقد لأنهم من أهل اللفظ بالعقد وعبارتهم فيه صحيحة ولذلك صح قبولهم النكاح لأنفسهم وإنما سلبوا
الولاية نفسها لأنه يعتبر لها الكمال ولا حاجة إليه في اللفظ به، فأما إن وكله الزوج في قبول النكاح
له أو وكله الأب في قبول النكاح لابنه الصغير فقال أصحابنا لا يصح لأنه أحد طرفي العقد فلم يجز توكيله فيه
كالايجاب ويحتمل جواز توكيل من ذكرنا فيه لأنهم من أهله ويصح قبولهم النكاح لأنفسهم فجاز أن ينوبوا فيه
عن غيرهم كالبيع وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي في العدة
(مسألة) قال (ويزوج أمة المرأة باذنها من يزوجها)
اختلف الرواية عن أحمد فيمن يزوج أمة المرأة فروي عنه أنه بلي نكاحها والي سيادتها قال القاضي
هذا هو الصحيح وهو مذهب الشافعي لأن مقتضى الدليل كون الولاية لها فامتنعت في حقها لقصورها
فتثبت لأوليائها كولاية نفسها ولأنهم يلونها لو عتقت ففي حال رقها أولى ثم إن كانت سيدتها رشيدة
لم يجز تزويج أمتها الا باذنها لأنها مالها ولا يجوز التصرف في مال رشيد بغير إذنه ويعتبر نطقها بذلك
وان كانت بكرا لأن صماتها إنما اكتفى به في تزويج نفسها لحيائها ولا تستحيي من تزويج أمتها، وان
كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة ولوليها ولاية على مالها فله تزويج أمتها إن كان الحظ في تزويجها وإلا
فلا يملك تزويجها وكذلك الحكم في أمة ابنه الصغير وقال بعض الشافعية ليس له تزويجها بحال لأن
فيه تغريرا بمال الصغيرة لأنها ربما حملت فتلفت
ولنا أن له التصرف بما فيه الحظ والتزويج هاهنا فيه الحظ لأن الكلام فيه فجاز كسائر التصرفات
358

الجائزة واحتمال الحظ مرجوع لما فيه من تحصيل مهرها وولدهما وكفاية مؤنتها وصيانتها عن الزنا الموجب
للحد في حقها وبعض قيمتها والمرجوح كالمعدوم وإن كان وليها في مالها غير ولي في تزويجها فولاية
تزويجها للولي في المال دون ولى التزويج لأنه هو المتصرف في المال وهي مال (الرواية الثانية) أن للمرأة
أن تولي أمر أمتها رجلا يزوجها نقلها عن أحمد جماعة لأن سبب الولاية الملك وقد تحقق في المرأة
وامتنعت المناشزة لنقص الأنوثة فملكت التوكيل كالرجل المريض والغائب ونقل عن أحمد كلام
يحتمل رواية ثالثة وهو أن سيدتها تزوجها فإنه قيل له تزوج أمتها؟ قال قد قيل ذلك هي مالها، وهذا
يحتمل أنه ذهب إليه وهو قول أبي حنيفة لأنها مالكة لها وولايتها تامة عليها فملكت تزويجها كالسيد
ولأنها تملك بيعها وإجارتها فملكت تزويجها كسيدها ولان الولاية إنما تثبت على المرأة لتحصيل الكفاية
وصيانة لحظ الأولياء في تحصيلها فلا تثبت عليها الولاية في أمتها لعدم اعتبار الكفاية وعدم الحق
للأولياء فيها ويحتمل أن أحمد قال هذا حكاية لمذهب غيره فإنه قال في سياقها أحب إلى أن تأمر
زجها لأن النساء لا يعقدن وقد ذكرنا في خبر أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تنكح المرأة
المرأة) وقالت عائشة رضي الله عنها زوجوا فإن النساء لا يزوجن واعقدوا فإن النساء لا يعقدن ولان المراة
لا تملك أن تزوج نفسها بغيرها أولى.
(مسألة) قال (ويزوج مولاتها من يزوج أمتها)
يعني عتيقتها وهذه فيها الروايتان (أحديهما) أن لمولاتها التوكيل في تزويجها رجلا لأنها عصبتها
359

وترثها بالتعصيب فأشبهت العتق (والثانية) ولي سيدتها وليها وهي الأصح لأن هذه ولاية لنكاح حرة
والمرأة ليست من أهل ذلك فيكون إلى عصبتها لأنهم الذين يعقلون عنها ويرثونها بالتعصيب عند
عدم سيدتها فكانوا أوليائها كما لو تعذر على المعتق تزويج معتقته لموت أو جنون وقد ذكرنا أنه إذا
انقرض العصبة من النسب ولي المولى المعتق ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب كذا هاهنا الا
أن ظاهر كلام الخرقي ههنا تقديم أبي حنيفة المعتقة على ابنها لأنه الذي يزوجها وذكرنا ثم
خلاف هذا ويعتبر في ولائه شرطان (أحدهما) عدم العصبة من النسب لأن المناسب أقرب من المعتق
وأولى منه (الثاني) إذن الزوجة لأنها حرة وليست له ولاية اجبار فإنه أبعد العصبات ولا يفتقر إلى
اذن مولاتها لأنها لا ولاية لها ولا ملك فأشبهت قريب الطفل إذا زوج البعيد
(فصل) وإذا كان للأمة مولى فهو وليها وإن كان لها موليان فالولاية لهما وليس لواحد منهما
الاستقلال بالولاية بغير اذن صاحبه لأنه لا يملك الا نصفها وان اشتجرا لم يكن للسلطان أن ينوب
عنهما لأن تزويجها تصرف في المال بخلاف الحرة فإن نكاحها حق لها ونفعه عائد إليها ونكاح الأمة
حق لسيدها ونفعه عائد إليه فلم يثبت للسلطان عنه فيه فإن أعتقها ولها عصبة مناسب فهو أولى منهما وان
لم يكن لها عصبة فهما ولياها ولا يستقل أحدهما بالتزويج لأن ولايته على نصفها فإن اشتجرا أمام الحاكم أقام
الحاكم مقام الممتنع منهما لأنها صارت حرة وصار نكاحها حقا لها وإن كان المعتق أو المعتقة واحدا وله
عصبات في درجة واحدة كالابنين أو الأخوين فلاحدهما الاستقلال بتزويجها كما يملك تزويج سيدتها
(مسألة) قال (من أراد أن يتزوج امرأة هو وليها جعل أمرها إلى رجل يزوجها منه باذنها)
360

وجملته ان ولي المرأة التي يحل له نكاحها وهو ابن العم أو المولى أو الحاكم أو السلطان إذا أذنت له أن يتزوجها
فله ذلك. وهل له أن يتولى طرفي العقد بنفسه؟ فيه روايتان [إحداهما] له ذلك وهو قول الحسن وابن
سيرين وربيعة ومالك والثوري وأبي حنيفة وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر لما روى البخاري قال: قال
عبد الرحمن بن عوف لام حكيم ابنة فارط أتجعلين أمرك إلي؟ قالت نعم. قال قد تزوجتك ولأنه يملك الايجاب
والقبول فجاز ان يتولاهما كما لو زوج أمته عبده الصغير ولأنه عقد وجد فيه الايجاب من ولي ثابت
الولاية والقبول من زوج هو أهل للقبول فصح كما لو وجدا من رجلين. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعتق
صفية وجعل عتقها صداقها. فإن قيل قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح:
زوج وولي وشاهدان) قلنا هذا لا نعلم صحته وان صح فهو مخصوص بمن زوج أمته عبده الصغير فيخص
منه محل النزاع أيضا، وهل يفتقر إلى ذكر الايجاب والقبول أم يكتفى بمجرد الايجاب؟ فيه وجهان
(أحدهما) يحتاج أن يقول زوجت نفسي فلانة وقبلت هذا النكاح لأن ما يفتقر إلى الايجاب يفتقر إلى
القبول كسائر العقود (والثاني) يكفيه أن يقول زوجت نفسي فلانة أو تزوجت فلانة وهو قول مالك
وأبي حنيفة لحديث عبد الرحمن بن عوف ولان ايجابه يتضمن القبول فأشبه إذا تقدم الاستدعاء ولهذا
قلنا إذا قال لامته قد أعتقتك وجعلت عنقك صداقك ينعقد النكاح بمجرد هذا القول
[والرواية الثانية] لا يجوز أن يتولى طرفي العقد ولكن يوكل رجلا يزوجه إياها باذنها. قال أحمد رحمه الله
في رواية ابن منصور لا يزوج نفسه حتى يولي رجلا على حديث المغيرة بن شعبة وهو ما روى أبو داود
باسناده عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أمر رجلا زوجه امرأة المغيرة أولى بها منه ولأنه عقد
361

ملكه بالاذن فلم يجز أن يتولى طرفيه كالبيع. وبهذا فارق ما إذا زوج أمته عبده الصغير، وعلى هذه الرواية
ان وكل من يقبل له العقد وتولى هو الايجاب جاز
وقال الشافعي في ابن العم والمولى لا يزوجها الا الحاكم ولا يجوز أن يتولى طرفيه كالبيع ولا أن يوكل
من يزوجه لأن وكيله بمنزلته وهذا عقد ملكه بالاذن فلا يتولى طرفيه كالبيع ولا يجوز أن يزوجه من هو
أبعد منه من الأولياء لأنه لا ولاية لهم مع وجوده
ولنا ما ذكرناه من فعل الصحابة ولم يظهر خلافه ولان وكيله يجوز أن يلي العقد عليها لغيره فصح أن يليه
عليها له إذا كانت تحل له كالإمام إذا أراد أن يزوج موليته، ولأن هذه امرأة ولها ولي حاضر غير عاضل فلم يلها
الحاكم كما لو أراد أن يزوجها غيره ومفهوم قوله عليه السلام (السلطان ولي من لا ولي له) انه لا ولاية له
على هذه
(فصل) وإذا أذنت له في تزويجها ولم تعين الزوج لم يجز أن يزوجها نفسه لأن اطلاق الاذن
يقتضي تزويجها غيره ويجوز تزويجها لولده لأنه غيره، فإن زوجها لابنه الكبير قبل لنفسه، وان زوجها
لابنه الصغير ففيه الروايتان في تولي طرفي العقد فإن قلنا لا يتولاه فوكل رجلا يزوجها لولده وقبل هو
النكاح له افتقر إلى اذنها للوكيل على ما قدمنا من أن الوكيل لا يزوجها إلا باذنها وان وكل رجلا يقبل
لولده النكاح وأوجب هو لم يحتج إلى اذنها لأنها قد أذنت له
(فصل) وإذا زوج أمته عبده الصغير جاز له أن يتولى طرفي العقد لأنه مالك ذلك بحكم الملك
لا بحكم الاذن في قولهم جميعا، وإن كان مالكا لاحد طرفي العقد فوكله مالك الطرف الآخر فيه
362

أو وكله الولي في الايجاب والزوج في القبول خرج فيه وجهان بناء على الروايتين لأنه ملك ذلك
بالاذن وان زوج بنته الكبيرة (1) عبده الكبير لم يجز ذلك الا برضاها لأنه لا يكاد يكافئها فيخرج
فيه أيضا وجهان، وان زوجه ابنته الصغيرة لم يجز لأنه لا يجوز له تزويجها ممن لا يكافئها وعنه يجوز
وسنذكر ذلك أن شاء الله تعالى
(مسألة) قال (ولا يزوج كافر مسلمة بحال، ولا مسلم كافرة إلا أن يكون المسلم
سلطانا أو سيد أمة)
أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال باجماع أهل العلم منهم مالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب
الرأي وقال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم وقال أبو الخطاب في الذمي إذا
أسلمت أم ولده هل يلي نكاحها؟ على وجهين (أحدهما) يليه لأنها مملوكته فيلي نكاحها كالمسلم ولأنه
عقد عليها فيليه كاجارتها (والثاني) لا يليه لقول الله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)
ولأنها مسلمة فلا يلي نكاحها كابنته، فعلى هذا يزوجها الحاكم وهذا أولى لما ذكرنا من الاجماع وأما
المسلم فلا ولاية له على الكافرة في غير السيد والسلطان وولي سيد الأمة الكافرة وذلك لقول الله تعالى
(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولان مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر ولا يعقل عنه فلم يل
عليه كما لو كان أحدهما رقيقا وأما سيد الأمة الكافرة فله تزويجها لكافر لكونها لا تحل للمسلمين وكذلك
ولي سيد الأمة الكافرة يلي تزويجها لكافر لأنها ولاية بالمال فلم يمنعها كون سيد الأمة الكافرة مسلما

(1) في نسخة الصغيرة
363

كسائر الولايات ولأن هذه تحتاج إلى التزويج ولا ولي لها غير سيدها، فأما السلطان فله الولاية على من لا
ولي لها من أهل الذمة لأن ولايته عامة على أهل دار الاسلام وهذه من أهل الدار فتثبت له الولاية عليها
كالمسلمة، وأما الكافر فتثبت له الولاية على أهل دينه على حسب ما ذكرناه في المسلمين، ويعتبر فيهم الشروط
المعتبرة في المسلمين ويخرج في اعتبار عدالته في دينه وجهان بناء على الروايتين في اعتبارها في المسلمين
(فصل) إذا تزوج المسلم ذمية فوليها الكافر يزوجها إياه ذكرها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة
والشافعي رضي الله عنه لأنه وليها فصح تزيجه لها كما لو زوجها كافرا، ولأن هذه امرأة ولها ولي مناسب
فلم يجز أن يليها غيره كما لو تزوجها ذمي، وقال القاضي لا يزوجها الا الحاكم لأن أحمد قال لا يعقد يهودي
ولا نصراني عقد نكاح لمسلم ولا مسلمة، ووجهه أنه عقد يفتقر إلى شهادة مسلمين فلم يصح بولاية كافر كنكاح
المسلمين والأول أصح والشهود يرادون لاثبات النكاح عند الحاكم بخلاف الولاية
(مسألة) قال (وإذا زوجها من غيره أولى منه وهو حاضر ولم يعضلها فالنكاح فاسد)
هذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة (أحدها) أنه إذا زوجها الولي الابعد مع حضور الولي
الأقرب فأجابته إلى تزويجها من غير اذنه لم يصح وبهذا قال الشافعي وقال مالك يصح لأن هذا ولى
له أن يزوجها باذنها كالأقرب
ولنا أن هذا مستحق بالتعصيب فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث، وبهذا
فارق القريب البعيد.
364

(الحكم الثاني) ان هذا العقد بيع فاسد لا يقف على الإجازة ولا يصير بالإجازة صحيحا وكذلك
الحكم إذا زوج الأجنبي أو زوجت المرأة المعتبر اذنها بغير اذنها أو تزوج العبد بغير اذن سيده فالنكاح
في هذا كله باطل في أصح الروايتين نص احمد عليه في مواضع وهو قول الشافعي وأبي عبيد وأبي ثور
وعن أحمد رواية أخرى انه يقف على الإجازة فإن أجازه جاز وإن لم يجزه فسد. قال احمد في صغير
زوجه عمه فإن رضي به في وقت من الأوقات جاز وإن لم يرض فسخ، وإذا زوجت اليتيمة فلها الخيار
إذا بلغت، وقال إذا زوج العبد بغير اذن سيده ثم علم السيد فإن شاء أن يطلق عليه فالطلاق بيد
السيد، فإن أذن في التزويج فالطلاق بيد العبد وهذا قول أصحاب الرأي في كل مسألة يعتبر فيها
الاذن وروي ذلك في النكاح بغير ولي عن علي بن أبي طالب وعن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن
ابن صالح وإسحاق وأبي يوسف ومحمد لما روي أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها
زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وابن ماجة
وروي أن فتاة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسه قال فجعل
الامر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكني أردت أن أعلم أن للنساء من الامر شيئا، رواه ابن
ماجة والنسائي، وفي رواية ابن ماجة أردت ان يعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الامر شئ. ولأنه
عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل) وقال (إذا
نكح العبد بغير اذن سيده فنكاحه باطل) رواه أبو داود وابن ماجة الا أن أبا داود قال إنه موقوف
365

على ابن عمر ولأنه عقد لا تثبت فيه أحكامه من الطلاق والخلع واللعان والتوارث وغيرها فلم ينعقد
كنكاح المعتدة. فأما حديث المرأة التي خيرها النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرسل عن عكرمة رواه الناس كذلك
ولم يذكروا ابن عباس قاله أبو داود. ثم يحتمل ان هذه المرأة هي التي قالت زوجني من ابن أخيه ليرفع
بي خسيسه فتخييرها لتزويجها من غير كفئها وهذا يثبت الخيار ولا يبطل النكاح. والوصية يتراخى
فيها القبول وتجوز بعد الموت فهي معدول بها عن سائر التصرفات ولا تفريع على هذه الرواية لوضوحها.
فأما على الرواية الأخرى فإن الشهادة تعتبر في العقد لأنها شرط له فيعتبر وجودها معه كالقبول ولا
تعتبر في الإجازة لأنها ليست بعقد ولأنها إذا وجدت استند الملك إلى حالة العقد حتى لو كان في العقد
نماء ملك من حين العقد لامن حين الإجازة، وان مات أحدهما قبل الإجازة لم يرثه الآخر لأنه مات
قبل تمام العقد وصحته. وفيه وجه آخر إن كان مما لو رفع إلى الحاكم أجازه ورثه الآخر لأنه عقد يلزمه
اجازته فهو كالصحيح وإن كان مما يفسخه لم يرثه
(فصل) ومتى تزوجت المرأة بغير إذن وليها أو الأمة بغير إذن سيدها فقد ذكره أصحابنا من
جملة الصور التي فيها الروايتان، والصحيح عندي انه لا يدخل فيها لتصريح النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالبطلان
ولان الإجازة إنما تكون لعقد صدر من أهله في محله فإن المرأة ليست أهلا له بدليل انه لو أذن لها فيه لم يصح
منها، وإذا لم يصح مع الاذن المقارن فلان لا يصح بالإجازة المتأخرة أولى ولا تفريع على هذا، فأما على
القول الآخر فمتى تزوجت المرأة بغير اذن الولي فرفع إلى الحاكم لم يملك اجازته والامر فيه إلى الولي
366

فمتى رده بطل لأن من وقف الحكم على اجازته بطل برده كالمرأة إذا زوجت بغير اذنها
وفيه وجه آخر انه إذا كان الزوج كفؤا أمر الحاكم الولي بإجازته فإن لم يفعل أجازه الحاكم لأنه
لما امتنع من الإجازة صار عاضلا فانتقلت الولاية عنه إلى الحاكم كما في ابتداء العقد، ومتى حصلت
الإصابة قبل الإجازة ثم أجيز فالمهر واحد اما المسمى واما مهر المثل ان لم يكن مسمى لأن الإجازة
مستندة إلى حالة العقد فيثبت الحل والملك من حين العقد كما ذكرنا في البيع، ولذلك لم يجب الحد،
ومتى تزوجت الأمة بغير اذن سيدها ثم خرجت من ملكه قبل
الإجازة إلى من تحل له انفسخ النكاح
لأنه قد طرأت استباحة صحيحة على موقوفة فأبطلتها ولأنها أقوى فأزالت الأضعف كما لو طرأ ملك
يمينه على ملك نكاحه، وان خرجت إلى من لا تحل له كالمرأة أو اثنين فكذلك أيضا لأن العقد إذا
وقف على إجازة شخص لم يجز بإجازة غيره كما لو باع أمة غيره ثم باعها المالك فأجاز المشتري الثاني بيع الأجنبي
وفيه وجه آخر انه يجوز بإجازة المالك الثاني لأنه يملك ابتداء العقد فملك اجازته كالأول.
ولا فرق بين أن يخرج ببيع أو إرث أو هبة أو غيره فأما ان أعتقها السيد احتمل أن يجوز النكاح لأنه
إنما وقف لحق المولي فإذا أعتق سقط حقه فصح العقد، واحتمل أن لا يجوز لأن إبطال حق المولى ليس
بإجازة ولان حق المولى ان بطل من الملك فلم يبطل من ولاية التزويج فإنه يليها بالولاء
(فصل) وإذا زوجت التي يعتبر اذنها بغير إذنها وقلنا يقف على اجازتها فإجازتها بالنطق أو ما يدل على
الرضى من التمكين من الوطئ أو المطالبة بالمهر والنفقة، ولا فرق في ذلك بن البكر والثيب لأن أدلة
الرضى تقوم مقام النطق به ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لبريرة (ان وطئك زوجك فلا خيار لك) جعل
367

تمكينها دليلا على اسقاط حقها والمطالبة بالمهر والنفقة والتمكين من الوطئ دليل على الرضى لأن ذلك من
خصائص العقد الصحيح فوجوده من المرأة دليل رضاها به
(الحكم الثالث) إذا عضلها الولي الأقرب انتقلت الولاية إلى الابعد نص عليه أحمد وعنه
رواية أخرى تنتقل إلى السلطان وهو اختيار أبي بكر وذكر ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وشريح
وبه قال الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لاولي له) ولان ذلك حق عليه
امتنع من أدائه فقام الحاكم مقامه كما لو كان عليه دين وامتنع من قضائه
ولنا أنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فملكه الابعد كما لو جن ولأنه يفسق بالعضل فتنتقل
الولاية عنه كما لو شرب الخمر فإن عضل الأولياء كلهم زوج الحاكم، والحديث حجة لنا لقوله (السلطان
ولي من لاولي له) وهذه لها ولي ويمكن حمله على ما إذا عضل الكل لأن قوله (فإن اشتجروا) ضمير
جمع يتناول الكل، والولاية تخالف الدين من وجوه ثلاثة (أحدها) أنها حق للولي والدين حق عليه
(الثاني) أن الدين لا ينتقل عنه والولاية تنتقل لعارض من جنون الولي وفسقه وموته
(الثالث) ان الدين لا يعتبر في بقائه العدالة، والولاية يعتبر لها ذلك وقد زالت العدالة بما ذكرنا
فإن قيل فلو زالت ولايته لما صح منه التزويج إذا أجاب إليه قلنا فسقه بامتناعه فإذا أجاب فقد نزع
عن المعصية وراجع الحق فزال فسقه فلذلك صح تزويجه والله أعلم
(فصل) ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد
منهما في صاحبه قال معقل بن يسار زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء
368

تخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا وكان
رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية (ولا تعضلوهن)
فقلت الان افعل يا رسول الله قال فزوجها إياه رواه البخاري وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه
وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لهم منعها من التزويج بدون مهر مثلها لأن
عليهم في ذلك عارا وفيه ضرارا على نسائها لنقص مهر مثلهن
ولنا أن المهر خالص حقها وعوض يختص بها فلم يكن لهم الاعتراض عليها فيه كثمن عبدها
وأجرة دارها ولأنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كله فبعضه أولى ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أراد
أن يزوجه (التمس ولو خاتما من حديد) وقال لامرأة زوجت بنعلين (أرضيت بنعلين من نفسك؟)
قالت نعم فاجازه النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم فيه عار عليهم ليس كذلك فإن عمر قال لو كان مكرمة في الدنيا
أو تقوى عند الله كان الله كان أولا كم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني غلو الصداق فإن رغبت في كف ء بعينه وأراد
تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها فأما ان طلبت التزويج
بغير كفئها فله منعها من ذلك ولا يكون عاضلا لها بهذا لأنها لو زوجت من غير كفئها كان له فسخ النكاح
فلان تمتنع منه ابتداء أولى.
(مسألة) قال وإذا كان وليها غائبا في موضع لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب
عنه زوجها من هو أبعد منه من عصبتها فإن لم يكن فالسلطان)
الكلام في هذه المسألة في فصلين
(أولهما) ان الأقرب إذا غاب غيبة متقطعة فللأبعد من عصبتها تزويجها دون الحاكم وبهذا قال
369

أبو حنيفة وقال الشافعي يزوجها الحاكم لأنه تعذر الوصول إلى النكاح من الأقرب مع بقاء ولايته
فيقوم الحاكم مقامه كما لو عضلها ولان الابعد محجوب بولاية الأقرب فلا يجوز له التزويج كما لو كان
حاضرا ودليل بقاء ولايته انه لو زوج من حيث هو أو وكل صح
ولنا قوله عليه السلام (السلطان ولي من لاولي له) وهذه لها ولي فلا يكون السلطان وليها،
ولان الأقرب تعذر حصول التزويج منه فثبت الولاية لمن يليه من العصبات كما لو جن أو مات ولأنها
حالة يجوز فيها التزويج لغير الأقرب فكان ذلك للأبعد كالأصل وإذا عضلها الأقرب فهو كمسئلتنا
(والفصل الثاني) في الغيبة المتقطعة التي يجوز للأبعد التزويج في مثلها ففي قول الخرقي هي من لا يصل
إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه لأن مثل هذا تتعذر مراجعته بالكلية فتكون منقطعة أي ينقطع من
امكان تزويجها، وقال القاضي يجب أن يكون حد المسافة أن لا تردد القوافل فيه في السنة إلا مرة
لأن الكفء ينتظر سنة ولا ينتظر أكثر منها فيلحق الضرر بترك تزويجها
وقد قال احمد في موضع: إذا كان الأب بعيد السفر يزوج الأخ، قال أبو الخطاب فيحتمل انه أراد بالسفر
البعيد ما تقصر فيه الصلاة لأن ذلك هو السفر الذي علقت عليه الأحكام، وذهب أبو بكر لي أن حدها ما لا يقع إلا
بكلفة ومشقة، لأن احمد قال إذا لم يكن ولي حاضر من عصبتها كتب إليهم حتى يأذنوا إلا أن تكون غيبة متقطعة
لا تدرك إلا بكلفة ومشقة فالسلطان ولي من لاولي له وهذا القول إن شاء الله تعالى أقربها إلى الصواب فإن
التحديدات بابها التوقيف ولا توقيف في هذه المسألة فترد إلى ما يتعارفه الناس بينهم مما لا تجر العادة بالانتظار
370

فيه ويلحق المرأة الضرر بمنعها من التزويج في مثله فإنه يتعذر في ذلك الوصول إلى المصلحة من نظر
الأقرب فيكون كالمعدوم والتحديد بالعام كبير فإن الضرر يلحق بالانتظار في مثل ذلك ويذهب الخاطب
ومن لا يصل الكتاب منه أبعد ومن هو على مسافة القصر لا تلحق المشقة في مكاتبته والتوسط أولى والله أعلم
واختلف أصحاب أبي حنيفة في الغيبة المتقطعة فقال بعضهم كقول القاضي وبعضهم قال من الري
إلى بغداد وبعضهم قال من البصرة إلى الرقة وهذان القولان يشبهان قول أبى بكر واختلف أصحاب
الشافعي في الغيبة التي يزوج فيها الحاكم فقال بعضهم مسافة القصر، وقال بعضهم يزوجها الحاكم، وإن
كان الولي قريبا وهو ظاهر نص الشافعي وظاهر كلام احمد انه إذا كانت الغيبة متقطعة انه ينتظر
ويراسل حتى يقدم أو يوكل
(فصل) وإن كان القريب محبوسا أو أسيرا في مسافة قريبة لا تمكن مراجعته فهو كالبعيد
فإن البعد لم يعتبر لعينه بل لتعذر الوصول إلى التزويج بنظره وهذا موجود ههنا ولذلك أن كان غائبا
لا يعلم قريب أم بعيد أو يعلم أنه قريب ولم يعلم مكانه فهو كالبعيد
(مسألة) قال (وإذا زوجت من غير كف ء فالنكاح باطل)
اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الكفاءة لصحة النكح فروي عنه أنها شرط له قال
إذا تزوج المولى العربية فرق بينهما وهذا قول سفيان وقال أحمد في الرجل يشرب الشراب ما هو
371

بكفء لها يفرق بينهما وقال لو كان المتزوج حائكا فرقت بينهما لقول عمر رضي الله عنه لأمنعن فروج
ذوات الأحساب إلا من الأكفاء رواه الخلال بأسناده
وعن أبي إسحاق الهمداني قال خرج سلمان وجرير في سفر فأقيمت الصلاة فقال جرير لسلمان
تقدم أنت قال سلمان بل أنت تقدم فإنكم معشر العرب لا يتقدم عليكم في صلاتكم، ولا تنكح نساؤكم، إن
الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله فيكم ولان التزويج مع فقد الكفاءة تصرف في حق من
يحدث من الأولياء بغير اذنه فلم يصح كما لو زوجها بغير اذنها
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكحوا النساء إلا من الأكفاء ولا تزوجوهن إلا الأولياء)
رواه الدارقطني الا أن ابن عبد البر قال: هذا ضعيف لا أصل له ولا يحتج بمثله
والرواية الثانية عن أحمد أنها ليست شرطا في النكاح وهذا قول أكثر أهل العلم، روى
نحو هذا عن عمر وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن عمير وحماد بن أبي سلمان وابن سيرين
وابن عون ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لقوله تعالى (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) وقالت عائشة
رضي الله عنها إن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند ابنة الوليد بن عتبة
وهو مولى لامرأة من الأنصار أخرجه البخاري وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن
زيد مولاه فنكحها بأمره متفق عليه وزوج أباه زيد بن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية وقال
ابن مسعود لأخته أنشدك الله أن تتزوجي الا مسلما وإن كان أحمر روميا أو اسود حبشيا ولان الكفاءة
لا تخرج عن كونها حقا للمرأة أو الأولياء أو لهما فلم يشترط وجودها كالسلامة من العيوب
372

وقد روي أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا بني نياضة أنكحوا
أبا هند وأنكحوا إليه) رواه أبو داود إلا أن أحمد ضعفه وأنكره انكارا شديدا والصحيح أنها غير
مشترطة وما روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة ولا يلزم منه اشتراطها وذلك لأن الزوجة وكل
واحد من الأولياء له فيها حق ومن لم يرض منهم فله الفسخ ولذلك لما زوج رجل ابنته من ابن أخيه
ليرفع بها خسيسته جعل لها النبي صلى الله عليه وسلم الخيار فأجازت ما صنع أبوها ولو فقد الشرط لم يكن لها خيار
فإذا قلنا باشتراطها فإنما نعتبر وجودها حال العقد فإن عدمت بعده لم يبطل النكاح لأن شروط النكاح
إنما تعتبر لدى العقد وان كانت معدومة حال العقد فالنكاح فاسد حكمه حكم العقود الفاسدة على ما مضى
فإن قلنا ليس شرطا فرضيت المرأة والأولياء كلهم صح النكاح وإن لم يرض بعضهم فهل يقع العقد
باطلا من أصله أو صحيحا؟ فيه روايتان عن أحمد وقولان للشافعي.
(أحدهما) أنه باطل، لأن الكفاءة حق لجميعهم والعاقل متصرف فيها بغير رضاهم فلم يصح
كتصرف الفضولي.
(والثانية) هو الصحيح بدليل أن المراة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أباها زوجها من غير
كفئها خبرها ولم يبطل النكاح من أصله ولان العقد وقع بالاذن والنقص الموجود فيه لا يمنع صحته وإنما
يثبت الخيار كالعيب من العنة وغيرها فعلى هذه الرواية لمن لم يرض الفسخ، وبهذا قال الشافعي ومالك
وقال أبو حنيفة إذا رضيت المرأة وبعض الأولياء لم يكن لباقي الأولياء فسخ لأن هذا الحق لا يتجزأ
وقد أسقط بعض الشركاء حقه فسقط جميعه كالقصاص
373

ولنا أن كل واحد من الأولياء يعتبر رضاء فلم بسقط برضى غيره كالمرأة مع الولي فأما القصاص
فلا يثبت لكل واحد كاملا فإذا سقط بعضه تعذر استيفاؤه وههنا بخلافه ولأنه لو زوجها بدون
مهر مثلها ملك الباقون عندهم الاعتراض مع أنه خالص حقها فههنا مع أنه حق لهم أولى وسواء كانوا
متساوين في الدرجة أو متفاوتين فزوج الأقرب مثل أن يزوج الأب بغير كفاء فإن للأبوة الفسخ
وقال مالك والشافعي ليس لهم الفسخ إذا زوج الأقرب لأنه لا حق للأبعد معه فرضاؤه لا يعتبر
ولنا أنه ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاة فملك الفسخ كالمتساويين
(مسألة) قال (والكف ء والدين والمنصب)
يعني بالمنصب الحسب وهو النسب، واختلفت الرواية عن أحمد في شروط الكفاءة فعنه هما شرطان
الدين والمنصب، وعنه أنها خمسة هذان والحرية والصناعة واليسار
وذكر القاضي في المجرد ان فقد هذه الثلاثة لا يبطل النكاح رواية واحدة وإنما الروايتان في
الشرطين الأولين قال ويتوجه ان المبطل عدم الكفاءة في النسب لا غير لأنه نقص لازم وما عداه غير لازم
ولا يتعدى نقصه إلى الولد. وذكر في الجامع الروايتين في جميع الشروط. وذكره أبو الخطاب أيضا،
وقال مالك: الكفاءة في الدين لا غير. قال ابن عبد البر هذا جملة مذهب مالك وأصحابه وعن الشافعي كقول
مالك وقول آخر انها الخمسة التي ذكرناها والسلامة من العيوب الأربعة فتكون ستة وكذلك قول أبي حنيفة
والثوري والحسن بن حي إلا في الصنعة والسلامة من العيوب الأربعة ولم يعتبر محمد بن الحسن الدين الا أن يكون
ممن يسكر ويخرج ويسخر معه الصبيان فلا يكون كفؤا لأن الغالب على الجند الفسق ويعد ذلك نقصا
374

والدليل على اعتبار الدين قوله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) ولان الفاسق مرذول
مردود الشهادة والرواية غير مأمون على النفس والمال مسلوب الولاية ناقص عند الله وعند خلقه قليل
الحظ في الدنيا والآخرة فلا يجوز أن يكون كفؤا لعفيفة ولا مساويا لها لكن يكون كفؤا لمثله.
فأما الفاسق من الجند فهو ناقص عند أهل الدين والمروءات
والدليل على اعتبار النسب في الكفاءة قول عمر لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء.
قال قلت وما الأكفاء؟ قال في الأحساب. رواه أبو بكر عبد العزيز باسناده، ولان العرب يعدون
الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك نقصا وعارا فإذا أطلقت الكفاءة وجب حملها على
المتعارف ولان في فقد ذلك عارا ونقصا فوجب أن يعتبر في الكفاءة الدين
(فصل) واختلفت الرواية عن أحمد فروي عنه ان غير قريش من العرب لا يكافئها وغير بني هاشم
لا يكافئهم وهذا قول عن بعض أصحاب الشافعي لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ان الله اصطفى
كناية من ولد إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني
هاشم ولان العرب فضلت على الأمم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش أخص به من سائر العرب وبنو هاشم
أخص به من قريش وكذلك قال عثمان وجبير بن مطعم ان إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم علينا
لمكانك الذي وضعك الله به منهم
وقال أبو حنيفة لا تكافي العجم العرب ولا العرب قريشا، وقريش كلهم أكفاء لأن ابن عباس
قال قريش بعضهم أكفاء بعض (والرواية الثانية) عن أحمد ان العرب بعضهم لبعض أكفاء والعجم
375

بعضهم لبعض أكفاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه عثمان وزوج أبا العاصي بن الربيع زينب وهما من
بنى عبد شمس، وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين
ابن علي وتزوج المصعب بن الزبير أختها سكينة وتزوجها أيضا عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام وتزوج
المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج أبو بكر أخته أم
فروة الأشعث بن قيس وهما كنديان وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس وهي من قريش ولان العجم
والموالي بعضهم لبعض أكفاء وان تفاضلوا وشرف بعضهم على بعض وكذلك العرب
(فصل) فاما الحرية فالصحيح انها من شروط الكفاءة فلا يكون العبد كفؤا لحرة لأن النبي
صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين عتقت تحت عبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الظاهرية فبالحرية المقارنة أولى لأن
نقص الرق كبير وضرره بين فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده ولا ينفق نفقة الموسرين ولا ينفق
على ولده وهو كالمعدوم بالنسبة إلى نفسه، ولا يمنع صحة النكاح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة (لو
راجعتيه) قالت يا رسول الله أتأمرني؟ قال (إنما أنا شفيع) قالت فلا حاجة لي فيه، رواه البخاري،
ومراجعتها له ابتداء النكاح فإنه قد انفسخ نكاحها باختيارها ولا يشفع إليها النبي صلى الله عليه وسلم في أن
تنكح عبدا إلا والنكاح صحيح
(فصل) فأما اليسار ففيه روايتان [إحداهما] هو شرط في الكفاءة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحسب
المال) وقال (ان أحساب الناس بينهم في هذه الدنيا هذا المال) وقال لفاطمة بنت قيس حين أخبرته
ان معاوية خطبها (أما معاوية فصعلوك لا مال له) ولان على الموسرة ضررا في إعسار زوجها لاخلاله
بنفقتها ومؤنة أولادها ولهذا ملكت الفسخ باخلاله بالنفقة فكذلك إذا كان مقارنا ولان ذلك معدود
376

نقصا في عرف الناس يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب وأبلغ، قال نبيه بن الحجاج السهمي
سالتاني الطلاق ان رأتاني * قل مالي قد جئتماني بنكر.
ويكأن من له نشب يحبب * ومن يفتقر يعش عيش ضر
فكان من شروط الكفاءة كالنسب (والرواية الثانية) ليس بشرط لأن الفقر شرف في الدين
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا) وليس هو أمرا لازما فأشبه العافية من
المرض، واليسار المعتبر ما يقدر به على الانفاق عليها حسب ما يجب لها ويمكنه أداء مهرها
(فصل) فأما الصناعة ففيها روايتان أيضا (إحداهما) انها شرط فمن كان من أهل الصنائع الدنيئة
كالحائك والحجام والحارس والكساح والدباغ والقيم والحمامي والزبال فليس بكفء لبنات ذوي
المروءات أو أصحاب الصنائع الجليلة كالتجارة والبناية لأن ذلك نقص في عرف الناس فأشبه نقص النسب
وقد جاء في الحديث (العرب بعضهم لبعض أكفاء الا حائكا أو حجاما) قيل لأحمد رحمه الله:
وكيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال العمل عليه، يعنى انه ورد موافقا لأهل العرف، وروي أن ذلك
ليس بنقص ويروى نحو ذلك عن أبي حنيفة لأن ذلك ليس بنقص في الدين ولا هو لازم فأشبه
الضعف والمرض، قال بعضهم
ألا إنما التقوى هي العز والكرم * وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد نقي نقيصة * إذا حقق التقوى وان حاك أو حجم
وأما السلامة من العيوب فليس من شروط الكفاءة فإنه لا خلاف في أنه لا يبطل النكاح بعدمها
377

ولكنها تثبت الخيار للمرأة دون الأولياء لأن ضرره مختص بها، ولوليها منعها من نكاح المجذوم
والأبرص والمجنون وما عدا هذا فليس بمعتبر في الكفاءة
(فصل) من أسلم أو عتق من العبيد فهو كفؤ لمن له أبوان في الاسلام والحرية، وقال أبو حنيفة
ليس بكفء وليس بصحيح فإن الصحابة رضي الله عنهم أكثرهم أسلموا وكانوا أفضل الأمة فلا يجوز
أن يقال إنهم غير أكفاء للتابعين
(فصل) فأما ولد الزنا فيحتمل أن لا يكون كفؤا لذات نسب فإن أحمد رحمه الله ذكر له أنه
ينكح وينكح إليه فكأنه لم يجب ذلك لأن المرأة تعير به هي ووليها ويتعدى ذلك إلى ولدها، وأما كونه
ليس بكفء لعربية فلا إشكال فيه لأنه أدنى حالا من المولى
(فصل) والموالي بعضهم لبعض أكفاء وكذلك العجم، قال أحمد رحمه الله في رجل من بني
هاشم له مولاة يزوجها الخراساني وقول النبي صلى الله عليه وسلم (موالي القوم من أنفسهم) هو في الصدقة فأما
النكاح فلينكح، وذكر القاضي رواية عن أحمد ان مولى القوم لكافئهم لهذا الخبر ولأن النبي
صلى الله عليه وسلم زوج زيدا وأسامة عربيتين ولان موالي بني هاشم ساووهم في حرمان الصدقة فيساووهم في الكفاءة
وليس هذا بصحيح فإنه يوجب أن يكون الموالي أكفاء العرب فإن المولى إذا كان كف ء سيده كان
كفؤا لمن يكافئه سيده فيبطل اعتبار المنصب، وقد قال أحمد هذا الحديث في الصدقة لافي النكاح،
ولهذا لا يساووهم في استحقاق الخمس ولا في الإمامة ولا في الشرف، وأما زيد وأسامة فقد استدل
378

بنكاحهما عربيتين على أن فقد الكفاءة لا يبطل النكاح واعتذر أحمد عن تزويجهما بأنهما عربيان فإنهما من كلب
وإنما طرأ عليهما رق، فعلى هذا يكون هذا حكم كل عربي الأصل
(فصل) فأما أهل البدع فإن أحمد قال في الرجل يزوج الجهمي يفرق بينهما وكذلك إذا زوج
الواقفي إذا كان يخاصم ويدعو وإذا زوج أخته من هؤلاء اللقطة وقد كتب الحديث فهذا شر من
جهمي يفرق بينهما، وقال لا يزوج بنته من حروري مرق من الدين ولا من الرافضي ولا من القدري
فإذا كان لا يدعو فلا بأس، وقال من لم يربع بعلى في الخلافة فلا تناكحوه ولا تكلموه، قال القاضي
والمقلد منهم يصح تزويجه ومن كان داعية منهم فلا يصح تزويجه
(فصل) والكفاءة معتبرة في الرجل دون المرأة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا مكافئ له وقد تزوج من
أحياء العرب وتزوج صفية بنت حيي وتسرى بالإماء وقال من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها
وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران) متفق عليه ولان الولد يشرف بشرف أبيه لا بأمه فلم
يعتبر ذلك في الام.
(مسألة) قال (وإذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وان
كرهت كبيرة كانت أو صغيرة)
أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح
الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذ زوجها من كفؤ ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها وقد دل على
379

جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة
أشهر واللائي لم يحضن) فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من الطلاق
في نكاح أو فسخ فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق ولا اذن لها فيعتبر وقالت عائشة (رض) تزوجني
النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست وبنى بي وأنا ابنة تسع. متفق عليه ومعلوم انها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر اذنها
وروى الأثرم أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له فقال ابنة الزبير إن
مت ورثتني وإن عشت كانت امرأتي وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله
عنهما. وأما البكر البالغة العاقلة فعن أحمد روايتان إحداهما) له اجبارها على النكاح وتزويجها بغير اذنها
كالصغيرة وهذا مذهب مالك وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق.
(والثانية) ليس له ذلك واختارها أبو بكر وهو مذهب الأوزاعي والثوري وأبي عبيد وأبي ثور
وأصحاب الرأي وابن المنذر لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تنكح الأيم حتى تستأمر،
ولا تنكح البكر حتى تستأذن) فقالوا يا رسول الله فكيف اذنها؟ قال (أن تسكت) متفق عليه
وروي أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها
زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها جائزة التصرف في مالها فلم يجز اجبارها كالثيب والرجل
ووجه الرواية الأولى ما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأيم أحق بنفسها
من وليها، والبكر تستأذن واذنها صماتها. رواه مسلم وأبو داود فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق
380

لأحدهما دل على نفيه عن الآخر وهي البكر فيكون وليها أحق منها بها ودل الحديث على الاستئمار
ههنا والاستئذان مستحب في حديثهم ليس بواجب كما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(آمروا النساء في بناتهن) رواه أبو داود، وحديث التي خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل ويحتمل أنها
التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسه فتخييرها لذلك، ولان مالا يشترط في نكاح الصغيرة
لا يشترط في نكاح الكبيرة كالنطق، وقول الخرقي فوضعها في كفاءة يدل على أنه إذا زوجها من غير
كف ء فنكاحها باطل وهو إحدى الروايتين عن أحمد واحد قولي الشافعي لأنه لا يجوز له تزويجها من غير
كف ء فلم يصح كسائر الأنكحة المحرمة ولأنه عقد لموليته عقدا لاحظ لها فيه بغير اذنها فلم يصح كبيعه عقارها
من غير غبطة ولا حاجة أو بيعه بدون ثمن مثله، ولأنه نائب عنها شرعا فلم يصح تصرفه لها شرعا بما
لاحظ لها فيه كالوكيل
(والثانية) يصح لأنه عيب في المعقود عليه فلم يمنع الصحة كشراء المعيب الذي لا يعلم عيبه
ويحتمل أن لا يصح النكاح إذا علم أن الزوج ليس بكفء ويصح إذا لم يعلم ولان إذا علم حرم عليه
العقد فبطل لتحريمه بخلاف ما لم يعلمه كما لو اشترى لها معيبا يعلم عيبه ويحتمل أن يصح نكاح الكبيرة
لأنه يمكن استدراك الضرر باثبات الخيار لها فتفسخ ان كرهت وإن لم تفسخ كان كاجازتها واذنها
بخلاف نكاح الصغيرة على القول بصحته فإن كانت كبيرة فلها الخيار ولا خيار لأبيها إذا كان عالما
لأنه أسقط حقه برضاه وإن كانت صغيرة فعليه الفسخ ولا يسقط برضاه لأنه بفسخ لحظها وحقها
لا يسقط برضاه ويحتمل أن لا يكون له الفسخ ولكن يمنع الدخول عليها حتى تبلغ وتختار فإن كان لها
381

ولي غير الأب فلها الفسخ على ما مضى وعلى كلتا الروايتين فلا يحل له تزويجها من غير كف ء ولا من
معيب لأن الله تعالى أقامه مقامها ناظرا لها فيما فيه الحظ ومتصرفا لها لعجزها عن التصرف في نفسها فلا يجوز
له فعل مالا حظ لها فيه كما في مالها ولأنه إذا حرم عليه التصرف في مالها بما لاحظ فيه ففي نفسها أولى
(مسألة) قال (وليس هذا لغير الأب)
يعني ليس لغير الأب اجبار كبيرة ولا تزويج صغيرة جدا كان أو غيره وبهذا قال مالك وأبو عبيد
والثوري وابن أبي ليلى وبه قال الشافعي إلا في الجد فإنه جعله كالأب لأن ولايته ولاية ايلاد فملك
إجبارها كالأب، وقال الحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وقتادة وابن شبرمة والأوزاعي وأبو
حنيفة لغير الأب تزويج الصغيرة ولها الخيار إذا بلغت وقال هؤلاء غير أبي حنيفة إذا زوج الصغيرين
غير الأب فلهما الخيار إذا بلغا. قال أبو الخطاب وقد نقل عبد الله عن أبيه كقول أبي حنيفة لأن
الله تعالى قال (وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) مفهومه انه
إذا لم يخف فله تزويج اليتيمة، واليتيم من لم يبلغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يتم بعد احتلام) قال عروة
سألت عائشة عن قول الله تعالى (وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى) فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة
تكون في حجر وليها ويشركها في مالها ويعجبه مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها بغير ان يقسط في
صداقها فيعطيها مثلما يعطيها غيره فنهوا عن نكاحهن الا أن يقسطوا فيهن ويلغوا أعلى سنتهن في
الصداق متفق عليه ولأنه ولى في النكاح فملك التزويج كالأب.
382

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (تستأمر اليتيمة في نفسها وان سكتت فهو اذنها وان أبت فلا جواز عليها)
رواه أبو داود والنسائي وروي عن ابن عمر ان قدامة بن مظعون زوج ابن عمر ابنة أخيه عثمان فرفع
ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (انها يتيمة ولا تنكح الا باذنها) واليتيمة الصغيرة التي مات أبوها
ولان غير الأب قاصر الشفقة فلا يلي نكاح الصغيرة كالأجنبي وغير الجد لا يلي مالها فلا يستبد
بنكاحها كالأجنبي ولان الجد يلي بولاية غيره فأشبه سائر العصبات، وفارق الأب فإنه يدلي بغير
واسطة ويسقط الاخوة والجد ويحجب الام عن ثلث المال إلى ثلث الباقي في زوج وأبوين أو زوجة
وأبوين، والآية محمولة على البالغة بدليل قول الله تعالى (تؤتونهن ما كتب لهن) وإنما يدفع إلى
الكبيرة أو نحملها على بنت تسع
(فصل) وإذا بلغت الجارية تسع سنين ففيها روايتان (إحداهما) انها كمن لم تبلغ تسعا نص عليه
في رواية الأثرم وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر الفقهاء قالوا حكم بنت تسع سنين حكم
بنت ثمان لأنها غير بالغة ولان اذنها لا يعتبر في سائر التصرفات فكذلك في النكاح
(والرواية الثانية) حكمها حكم البالغة نص عليه في رواية ابن منصور لمفهوم الآية ودلالة الخبر
بعمومها على أن اليتيمة تنكح باذنها وإن أبت فلا جواز عليها وقد انتفى به الاذن فيمن دونها فيجب حمله
على من بلغت تسعا
وقد روى الإمام أحمد باسناده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت إذا بلغت
الجارية تسع سنين
فهي امرأة. ورواه القاضي باسناده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه في حكم المرأة ولأنها بلغت
سنا يمكن فيه حيضها ويحدث لها حاجة إلى النكاح فيباح تزويجها كالبالغة، فعلى هذا إذا زوجت ثم
383

بلغت لم يكن لها خيار كالبالغة إذا زوجت. وقد خطب عمر أم كلثوم ابنة أبي بكر بعد موته إلى عائشة
فأجابته وهي لدون عشر لأنها إنما ولدت بعد موت أبيها، وإنما كانت ولاية عمر عشرا فكرهته الجارية
فتزوجها طلحة بن عبيد الله ولم ينكره منكر فدل ذلك على اتفاقهم على صحة تزويجها قبل بلوغها بولاية
غير أبيها والله أعلم.
(مسألة) قال (ولو استأذن البكر البالغة والدها كان حسنا)
لا نعلم خلافا في استحباب استئذانها فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر به ونهى عن النكاح بدونه وأقل أحوال
ذلك الاستحباب ولان فيه تطيب قلبها وخروجا من الخلاف. وقالت عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم تستأمر) وقال (استأمروا
النساء في أبضاعهن فإن البكر تستحيي فتسكت فهو اذنها) متفق عليهما
وروي عن عطاء قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر بناته إذا أنكحهن قال كان يجلس عند خدر المخطوبة
فيقول ان فلانا يذكر فلانة فإن حركت الخدر لم يزوجها وإن سكتت زوجها
(فصل) ويستحب استئذان المرأة في تزويج ابنتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (آمروا النساء في بناتهن)
لأنها تشاركه في النظر لابنتها وتحصيل المصلحة لها بشفقتها عليها وفي استئذانها تطيب قلبها وارضاء
لها فتكون أولى.
384

(مسألة) قال (وإذا زوج ابنته الثيب بغير اذنها فالنكاح باطل وان رضيت بعد)
وجملة ذلك أن البنت تقسم قسمين: كبيرة وصغيرة، فأما الكبيرة فلا يجوز للأب ولا لغيره
تزويجها الا باذنها في قول عامة أهل العلم إلا الحسن قال له تزويجها وإن كرهت، والنخعي قال يزوج
بنته إذا كانت في عياله فإن كانت بائنة في بيتها مع عيالها استأمرها. قال إسماعيل بن إسحاق لا أعلم
أحدا قال في البنت بقول الحسن وهو قول شاذ خالف فيه أهل العلم والسنة فإن الخنساء ابنة حذام الأنصارية
روت أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه. رواه البخاري
والأئمة كلهم، قال ابن عبد البر هذا الحديث مجمع على صحته والقول به لا نعلم مخالفا له الا الحسن
وكانت الخنساء من أهل قباء وكانت تحت أنيس بن قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلا من
بني عمرو بن عوف فكرهته وشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر.
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تنكح الأيم حتى تستأمر) متفق عليه. وقال (الأيم
أحق بنفسها من وليها) وروى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس للولي مع الثيب أمر)
رواهما النسائي وأبو داود ولأنها رشيدة عالمة بالمقصود من النكاح مختبرة فلم يجز اجبارها عليه كالرجل
(القسم الثاني) الثيب الصغيرة وفيها وجهان (أحدهما) لا يجوز تزويجها وهو ظاهر قول الخرقي واختاره
ابن حامد وابن بطة والقاضي ومذهب الشافعي لعموم الاخبار ولان الاجبار يختلف بالبكارة والثيوبة
لا بالصغر والكبر وهذه ثيب ولان في تأخيرها فائدة وهو أن تبلغ فتختار لنفسها ويعتبر اذنها فوجب
التأخير بخلاف البكر
(الوجه الثاني) أن لأبيها تزويجها ولا يستأمرها اختاره أبو بكر وعبد العزيز وهو قول مالك وأبي
385

حنيفة لأنها صغيرة فجاز اجبارها كالبكر، والغلام يحقق ذلك أنها لا تزيد بالثيوبة على ما حصل للغلام
بالذكورية ثم الغلام يجبر إذا كان صغيرا فكذا هذه والاخبار محمولة على الكبيرة فإنه جعلها أحق بنفسها
من وليها والصغيرة لا حق لها.
ويتخرج وجه ثالث وهو أن ابنة تسع سنين يزوجها وليها باذنها ومن دون ذلك على ما ذكرنا من
الخلاف لما ذكرنا في البكر والله أعلم
(مسألة) قال (واذن الثيب الكلام واذن البكر الصمات)
أما الثيب فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن اذنها الكلام للخبر ولان اللسان هو المعبر عما
في القلب وهو المعتبر في كل موضع يعتبر فيه الاذن غير أشياء يسيرة أقيم فيها الصمت مقامه لعارض
فأما البكر فاذنها صماتها في قول عامة أهل العلم منهم شريح والشعبي وإسحاق والنخعي والثوري
والأوزاعي وابن شبرمة وأبو حنيفة ولا فرق بين كون الولي أبا أو غيره وقال أصحاب الشافعي في صمتها
في حق غير الأب وجهان (أحدهما) لا يكون اذنا لأن الصمات عدم الإذن فلا يكون اذنا ولأنه محتمل
الرضى والحياء وغيرهما فلا يكون اذنا كما في حق الثيب وانا اكتفي به في حق الأب لأن رضاءها غير
معتبر وهذا شذوذ عن أهل العلم وترك للسنة الصحيحة الصريحة يصان الشافعي عن اضافته إليه،
وجعله مذهبا له مع كونه من اتباع الناس لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرج منصف على هذا القول وقد
386

تقدمت روايتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى
تستأذن) فقالوا يا رسول الله فكيف اذنها؟ قال أن تسكت.
وفي رواية عن عائشة أنها قالت يا رسول الله ان البكر تستحيي قال (رضاها صماتها) متفق
عليه. وفي رواية (واليتيمة تستأمر فصمتها اقرارها) رواه النسائي. وفي رواية (تستأمر اليتيمة في نفسها
فإن سكتت فهو اذنها) وهذا صريح في غير ذات الأب
وروى الأثرم عن عدي الكندي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (الثيب تعرب عن نفسها والبكر
رضاها صماتها) والاخبار في هذا كثيرة، ولان الحياء عقلة على لسانها يمنعها النطق بالاذن ولا تستحي
من إبائها وامتناعها فإذا سكتت غلب على الظن أنه لرضاها فاكتفي به وما ذكروه يفضي إلى أن لا يكون
صماتها اذنا في حق الأب أيضا لأنهم جعلوا وجوده كعدمه فيكون إذا ردا على النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية
واطراحا للاخبار الصريحة الجلية وخرقا لاجماع الأمة المرضية
(فصل) فإن نطقت بالاذن فهو أبلغ وأتم في الاذن من صمتها وإن بكت أو ضحكت فهو بمنزلة
سكوتها، وقال أبو يوسف ومحمد ان بكت فليس باذن لأنه يدل على الكراهية وليس بصمت
فيدخل في عموم الحديث
ولنا ما روى أبو بكر باسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تستأمر اليتيمة فإن
بكت أو سكتت فهو رضاها وإن أبت فلا جواز عليها) ولأنها ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان
فكان اذنا منها كالصمات والضحك، والبكاء يدل على فرط الحياء لا على الكراهة ولو كرهت لامتنعت
387

فإنها لا تستحي من الامتناع، والحديث يدل بصريحه على أن الصمت إذن وبمعناه على ما في معناه من
الضحك والبكاء وكذلك أقمنا الضحك مقامه
(فصل) والثيب المعتبر نطقها هي الموطوءة في القبل سواء كان الوطئ حلالا أو حراما وهذا مذهب
الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة في المصابة بالفجور حكمها حكم البكر في إذنها وتزويجها لأن علة الاكتفاء
بصمات البكر الحياء والحياء من الشئ لا يزول إلا بمباشرته وهذه لم تباشر بالاذن في النكاح فيبقى حياؤها منه بحاله
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم الثيب تعرب عن نفسها) ولان قوله صلى الله عليه وسلم (لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح
البكر حتى تستأذن وإذنها أن تسكت) يدل على أنه لابد من نطق الثيب لأنه قسم النساء قسمين فجعل
السكوت إذنا لأحدهما فوجب أن يكون الآخر بحاله وهذه ثيب فإن الثيب هي الموطوءة في القبل
وهذه كذلك. ولأنه لو أوصى لثيب النساء دخلت في الوصية ولو أوصى للأبكار لم تدخل، ولو
اشترطها في التزويج أو الشراء بكرا فوجدها مصابة بالزنا ملك الفسخ ولأنها موطوءة في القبل فأشبهت
الموطوءة بشبهة والتعليل بالحياء غير صحيح فإنه أمر خفي لا يمكن اعتباره بنفسه وإنما يعتبر بمظنته وهي
البكارة ثم هذا التعليل يفضي إلى إبطال منطوق الحديث فيكون باطلا في نفسه. ولا فرق بين المكرهة
والمطاوعة وعلى هذا ليس لنا إجبارها إذا كانت بالغة وفي تزويجها ان كانت صغيرة وجهان وقولهم انها
لم تباشر الاذن قلنا يبطل بالموطوءة بشبهة أو في ملك يمين والمزوجة وهي صغيرة
(فصل) وان ذهبت عذرتها بغير جماع كالوثبة أو شدة حيضة أو بأصبع أو عود ونحوه فحكمها
حكم الابكار، ذكره ابن حامد لأنها لم تختبر المقصود ولا وجد وطؤها في القبل فأشبهت من لم تزل عذرتها
ولو وطئت في الدبر لم تصر ثيبا ولا حكمها حكمهن لأنها غير موطوءة في القبل
388

(فصل) إذا اختلف الزوج والمرأة في اذنها في تزويجها قبل الدخول فالقول قولها في قول أكثر
الفقهاء، وقال زفر في الثيب كقول أهل العلم وفي البكر القول قول الزوج لأن الأصل السكوت والكلام
حادث فالزوج يدعي الأصل فالقول قوله
ولنا انها منكرة الاذن والقول قول المنكر ولأنه يدعي انها استؤذنت وسمعت فصمتت والأصل
عدم ذلك وهذا جواب عن قوله وإن اختلفا بعد الدخول فقال القاضي القول قول الزوج ولان التمكين من الوطئ
دليل على الاذن وصحة النكاح وكان الظاهر معه، وهل تستحلف المرأة إذا قلنا القول قولها؟ قال القاضي قياس
المذهب انه لا يمين عليها كما لو ادعى أنه زوجها فأنكرته وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد
تستحلف فإن نكلت فقال أبو يوسف ومحمد يثبت النكاح وقال الشافعي يستحلف الزوج ويثبت النكاح
ولنا انه اختلاف في زوجية فلا يثبت بالنكول ولا يحلف المدعي معه كما لو ادعى الزوج أصل التزويج فأنكرته فإن كانت المرأة ادعت انها أذنت فأنكر ورثة الزوج فالقول قولها لأنه اختلاف
في أمر يختص بها صادر من جهتها فالقول قولها فيه كما لو اختلفوا في نيتها فيما تعتبر فيه نيتها، ولأنها تدعي
صحة العقد وهم يدعون فساده فالظاهر معها
(فصل في المجنونة) ان كانت ممن تجبر لو كانت عاقلة جاز تزويجها لمن يملك إجبارها لأنه إذا
ملك إجبارها مع عقلها وامتناعها فمع عدمه أولى. وان كانت ممن لا يجبر انقسمت ثلاثة أقسام [أحدها] أن يكون وليها الأب أو وصيه كالثيب الكبيرة فهذه يجوز لوليها تزويجها ذكره القاضي وهو ظاهر كلام
الخرقي لأنه جعل للأب تزويج المعتوه فالمرأة أولى. وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة ومنع منه أبو بكر
لأنها ولاية اجبار وليس على الثيب ولاية إجبار والأول أصح فإن ولاية الاجبار إنما انتفت عن العاقلة
لرأيها لحصول المباشرة منها والخبرة وهذه بخلاف ذلك، وكذلك الحكم في الثيب الصغيرة إذا قلنا
بعدم الاجبار في حقها إذا كانت عاقلة
389

[القسم الثاني] أن يكون وليها الحاكم ففيها وجهان (أحدهما) ليس له تزويجها بحال لأن هذه
ولاية إجبار فلا تثبت لغير الأب كحال عقلها (والثاني) له تزويجها إذا ظهر منها شهوة الرجال كبيرة
كانت أو صغيرة وهو اختيار ابن حامد وأبي الخطاب وقول أبي حنيفة لأن بها حاجة إليه لدفع ضرر
الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل المهر والنفقة والعفاف وصيانة العرض ولا سبيل إلى إذنها
فأبيح تزويجها كالثيب مع أبيها وكذلك ينبغي أن يملك تزويجها. إن قال أهل الطب ان علتها تزول بتزوجها
لأن ذلك من أعظم مصالحها، وقال الشافعي لا يملك تزويج صغيرة بحال ويملك تزويج الكبيرة إذا قال
أهل الطب ان علتها تزول بتزوجها
ولنا ان المعنى المبيح للتزويج وجد في حق الصغيرة فأبيح تزويجها كالكبيرة إذا ظهرت منها شهوة
الرجال ففي تزويجها مصلحتها ودفع حاجتها فأشبه ما لو قال أهل الطب انه يزيل علتها، وتعرف شهوتها
من كلامها وقرائن أحوالها كتتبعها الرجال وميلها إليهم وأشباه ذلك [القسم الثالث] من وليها غير
الأب والحاكم فقال القاضي لا يزوجها غير الحاكم فيكون حكمها حكم القسم الثاني على ما بيناه
وقال أبو الخطاب لهم تزويجها في الحال التي يملك الحاكم تزويج موليته فيها وهذا قول أبي حنيفة
لأن ولايتهم مقدمة على ولاية الحاكم فقدموا عليه في التزويج كما لو كانت عاقلة، ووجه قول القاضي ان
الحاكم هو الناظر لها في مالها دونهم فيكون واليا دونهم كتزويج أمتها، ولان هذا دفع حاجة ظاهرة
فكانت إلى الحاكم كدفع حاجة الجوع والعري، فإن كان لها وصي في مالها لم يتملك تزويجها لأنه لا ولاية له
في نكاحها والحكم في تزويجها حكم من وليها غير الأب والحاكم على ما ذكرنا
390

(مسألة) قال (وإذا زوج ابنته بدون صداق مثلها ثبت النكاح بالمسمى وإن فعل
ذلك غير الأب ثبت النكاح وكان لها مهر مثلها)
وجملة ذلك أن للأب تزويج ابنته بدون صداق مثلها، بكرا كانت أو ثيبا، صغيرة كانت
أو كبيرة، وبهذا قال أبو الخطاب ومالك، وقال الشافعي ليس له ذلك فإن فعل فلها مهر مثلها لأنه
عقد معاوضة فلم يجز أن ينقص فيه عن قيمة المعوض كالبيع ولأنه تفريط في مالها وليس له ذلك
ولنا أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال ألا لا تغالوا في صداق النساء فما أصدق رسول الله
صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه ولا أحدا من بناته أكثر من اثنتي عشر أوقية وكان ذلك بمحضر من الصحابة
ولم ينكروه فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون صداق المثل، وزوج سعيد
ابن المسيب ابنته بدرهمين وهو من سادات قريش شرفا وعلما ودينا، ومن المعلوم أنه لم يكن مهر
مثلها ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض وإنما المقصود السكن والازدواج ووضع المرأة عند
من يكفيها في منصب ويصونها ويحسن عشرتها والظاهر من الأب مع تمام شفقته وبلوغ نظره أنه
لا ينقصها من صداقها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح فلا ينبغي أن يمنع من تحصيل المقصود
بتفويت غيره ويفارق سائر عقود المعاوضات فإن المقصود فيها العوض فلم يجز تفويته فأما غير الأب
فليس له أن ينقصها من مهر مثلها فإن زوج بدون ذلك صح النكاح لأن فساد التسيمية وعدمها لا يؤثر
في النكاح ويكون لها مهر مثلها لأنه قيمة بضعها وليس للولي نقصها منه فرجعت إلى مهر مثلها والله أعلم.
391

(فصل) وتمام المهر على الزوج لأن التسمية ههنا فاسدة لكونها غير مأذون فيها شرعا فوجب
على الزوج مهر المثل كما لو زوجها بمحرم وعلى الولي ضمانه لأنه المفرط فكان عليه الضمان كما لو باع مالها
بدون ثمن مثله.
قال أحمد أخاف أن يكون ضامنا وليس الأب مثل الولي ولا تملك المرأة الفسخ لأنه قد حصل لها
وجوب مهر مثلها والله أعلم.
(مسألة) قال (ومن زوج غلاما غير بالغ أو معتوها لم يجز الا أن يزوجه والده
أو وصي ناظر له في التزويج)
الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة:
(أحدها) أنه ليس لغير الأب أو وصيه تزويج الغلام قبل بلوغه، وقال القاضي في المجرد
للحاكم تزويجه لأنه يلي ماله، وقال الشافعي يملك ولي الصبي تزويجه ليألف حفظ فرجه عند بلوغه
وليس بسديد فإن غير الأب لا يملك تزويج الجارية الصغيرة فالغلام أولى وفارق الأب ووصيه فإن لهما
تزويج الصغيرة وولاية الاجبار وسواء أذن الغلام في تزويجه أو لم يأذن فإنه لا إذن له
(الفصل الثاني) في المعتوه وهو الزائل العقل بجنون مطبق ليس لغير الأب ووصيه تزويجه،
وهذا قول مالك وقال أبو عبد الله بن حامد للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة النساء بأن يتبعهن
392

ويريدهن وهذا مذهب الشافعي لأن ذلك من مصالحه وليس له حال ينتظر فيها اذنه وقد ذكرنا توجيه
الوجهين في تزويج المجنونة وينبغي على هذا القول أن يجوز تزويجه إذا قال أهل الطب ان في تزويجه
ذهاب علته لأنه من أعظم مصالحه والله أعلم
(الفصل الثالث) أن للأب أو وصيه تزويجهما سواء كان الغلام عاقلا أو مجنونا وسواء كان
الجنون مستداما أو طارئا فأما الغلام السليم من الجنون فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن لأبيه تزويجه
كذلك قال ابن المنذر وممن هذا مذهبه الحسن والزهري وقتادة ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق
والشافعي وأصحاب الرأي لما روي أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصما إلى زيد فأجازه جميعا رواه
الأثرم باسناده فأما الغلام المعتوه فلأبيه تزويجه وقال الشافعي لا يجوز لأنه يلزمه التزويج حقوقا من المهر
والنفقة مع عدم حاجته فلم يجز له ذلك كغيره من الأولياء
ولنا أنه غير بالغ فملك أبوه تزويجه كالعاقل ولأنه إذا ملك تزويج العاقل مع أن له نفع احتياجه
إلى التزويج رأيا ونظرا لنفسه فلان يجوز تزويج من لا يتوقع فيه ذلك أولى، وفارق غير الأب فإنه لا يملك
تزويج العاقل، وأما البالغ المعتوه فظاهر كلام أحمد والخرقي أن للأب تزويجه مع ظهور أمارات الشهوة
وعدمها وقال القاضي إنما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه وهو مذهب
الشافعي لأن في تزويجه مع عدم حاجته اضرارا به بالزامه حقوقا لا مصلحة له في التزامها وقال أبو بكر
ليس للأب تزويجه بحال لأنه رجل فلم يجز إجباره على النكاح كالعاقل وقال زفر ان طرأ عليه الجنون
بعد البلوغ لم يجز تزويجه وإن كان مستداما جاز
ولنا أنه غير مكلف فجاز لأبيه تزويجه كالصغير فإنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته في الحال
وتوقع نظره عند الحاجة فههنا أولى
393

ولنا على التسوية بين الطارئ والمستدام أنه معنى يثبت الولاية فاستوى طارئه ومستدامه كالرق
ولأنه جنون يثبت الولاية على ماله فأثبتها عليه في النكاح كالمستدام، فأما اعتبار الحاجة فلا بد منها
فإنه لا يجوز لوليه تزويجه إلا إذا رأى المصلحة فيه غير أن الحاجة لا تنحصر في قضاء الشهوة فقد تكون
حاجته إلى الايواء والحفظ وربما كان دواء له ويترجى به شفاؤه فجاز التزويج له كقضاء الشهوة والله أعلم.
(فصل) ومن يفيق في الأحيان لا يجوز تزويجه إلا باذنه لأن ذلك ممكن ومن أمكن أن يتزوج
لنفسه لم تثبت الولاية عليه كالعاقل ولو زال عقله ببرسام أو مرض مرجو الزوال فهو كالعاقل فإن ذلك
لا يثبت الولاية على ماله فعلى نفسه أولى وان لم يرج زواله فهو داخل فيما ذكرناه
(الفصل الرابع) أن وصي الأب في النكاح بمنزلته على ما ذكرنا في ثبوت الولاية للوصي على
المرأة وفي هذا من الخلاف مثل ما فيه وإنما يثبت ذلك لوصي الأب في التزويج خاصة فإن كان وصيا في
المال لم تكن له ولاية في التزويج لأنه إنما يستفيد بالتصرف بالوصية فلا يملك ما لم يوص به إليه ووصي
غير الأب لا ولاية له على صبي أو مجنون لأن الموصي لا يملك ذلك فوصيه أولى
(فصل) وان تزوج لصغير أو مجنون فإنه يقبل لهما النكاح ولا يجوز أن يأذن لهما في قبوله لأنهما
ليسا من أهل التصرف وإن كان الغلام ابن عشر وهو مميز فقياس المذهب جواز تفويض القبول إليه حتى
يتولاه لنفسه كما يفوض أمر البيع إليه ولأنه يملك إيقاع الطلاق بنفسه، وان تزوج له الولي جاز كما يجوز
394

أن يبتاع له وهذا على الرواية التي تقول بصحة بيعه ووقوع طلاقه وان قلنا لا يصح ذلك منه فهذا أولى.
(فصل) وذكر القاضي أنه لا يجوز أن يتزوج لهما بزيادة على مهر المثل لأنه معاوضة في حق
الغير فلم تجز الزيادة فيها على عوض المثل كبيع ماله وهذا مذهب الشافعي، وقد ذكرنا أن للأب
تزويج ابنته بدون صداق مثلها فهذا مثله فإنه قد يرى المصلحة في ذلك فجاز له بذل المال فيه كما يجوز
في مداواته بل الجواز ههنا أولى فإن الغالب أن المرأة لا ترضى بتزويج مجنون الا أن ترغب بزيادة
على مهر مثلها فيتعذر الوصول إليه بدون ذلك بخلاف المرأة وذكر القاضي في المجرد أن قياس المذهب
أنه لا يزوجه بأكثر من امرأة واحدة لعدم حاجته إلى زيادة عليها فيكون بذلا لماله فيما لا حاجة به إليه
وذكر في الجامع أن له تزويج ابنه الصغير بأربع لأنه قد يرى المصلحة فيه وليس له تزويجه بمعيبة
عيبا يرد به في النكاح لأن فيه ضررا به وتفويتا لما له فيما لا مصلحة له فيه فإن فعل خرج في صحة النكاح
وجهان فإن قلنا يصح فهل للولي الفسخ في الحال؟ على وجهين مضى توجيهها في تزويج الصغيرة بمعيب
ومتى لم يفسخ حتى بلغ الصبي أو عقل المجنون فلهما الفسخ وليس له تزويجه بأمة لأن إباحتها مشروطة
بخوف العنت وهو معدوم في حق الصبي غير معدوم في المجنون
(فصل) وإذا زوج ابنه تعلق الصداق بذمة الابن موسرا كان أو معسرا لأنه عقد للابن
فكان عليه بذله كثمن المبيع وهل يضمنه الأب؟ فيه روايتان (إحداهما) يضمنه نص عليه فقال تزويج الأب
لابنه الطفل جائز ويضمن الأب المهر لأنه التزم العوض عنه فضمنه كما لو نطق بالضمان (والأخرى)
لا يضمنه لأنه عقد معاوضة ناب فيه عن غيره فلم يضمن عوضه كثمن مبيعه أو كالوكيل قال القاضي هذا
395

أصح وقال إنما الروايتان فيما إذا كان معسرا أما الموسر فلا يضمن الأب عنه رواية واحدة فإن طلق
قبل الدخول سقط نصف الصداق، فإن كان ذلك بعد دفع الأب الصداق عنه رجع نصفه إلى الابن وليس
للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع في الهبة لأن الابن ملكه بالطلاق عن غير أبيه فأشبه ما لو وهبه الأب
أجنبيا ثم وهبه الأجنبي للابن، ويحتمل أن يرجع فيه لأنه تبرع عن ابنه فلم يستقر الملك حتى استرجعه
الابن وكذلك الحكم فيما لو قضى الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول وان ارتدت قبل
الدخول فالحكم في الرجوع في جميعه كالحكم في الرجوع في النصف بالطلاق
(فصل) في المحجور عليه للسفه والكلام في نكاحه في ثلاثة أحوال (أحدها) أن لوليه تزويجه
إذا علم حاجته إلى النكاح لأنه نصب لمصالحه وهذا من مصالحه لأنه يصون به دينه وعرضه ونفسه فإنه
ربما تعرض بترك التزويج للإثم بالزنا والحد وهتك العرض وسواء علم بحاجته بقوله أو بغير قوله،
وسواء كانت حاجته بالاستمتاع أو إلى الخدمة فيزوجه امرأة لتحل له لأنه يحتاج إلى الخلوة بها وإن لم
يكن به حاجة إليه لم يجز تزويجه لأنه يلزمه بالنكاح حقوقا من المهر والنفقة والعشرة والمبيت والسكنى
فيكون تضييعا لماله ونفسه في غير فائدة فلم يجز كتبذير ماله وإذا أراد تزويجه استأذنه في تزويجه، فإن
زوجه بغير اذنه فقال أصحابنا يصح لأنه عقد معاوضة فملكه الولي في حق المولى عليه كالبيع، ولأنه
محجورا عليه أشبه الصغير والمجنون، ويحتمل أن لا يملك تزويجه بغير اذنه لأنه يملك الطلاق فلم يجبر
على النكاح كالرشيد والعبد الكبير، وذلك لأن اجباره على النكاح مع الملك الطلاق مجرد اضرار فإنه
يطلق فيلزمه الصداق مع فوات النكاح، ولأنه قد يكون له غرض في امرأة ولا يكون له في أخرى
396

فإذا أجبر على من يكرهها لم تحصل له المصلحة منها وفات عليه غرضه من الأخرى فيحصل مجرد ضرر
مستغنى عنه، وإنما جاز ذلك في حق المجنون والطفل لعدم امكان الوصول إلى ذلك من قولهما ولم يتعذر
ذلك ههنا فوجب أن لا يفوت ذلك عليه كالرشيد
(الحال الثاني) أن للولي أن يأذن له في التزويج في الحال التي للولي تزويجه فيها وهي حالة الحاجة
لأنه من أهل النكاح فإنه عاقل مكلف ولذلك يملك الطلاق والخلع فجاز أن يفوض إليه ذلك ثم هو
مخير بين أن يعين له المرأة أو يأذن له مطلقا. وقال بعض الشافعية يحتاج إلى التعيين لئلا يتزوج
شريفة يكثر مهرها ونفقتها فيتضرر بذلك
ولنا انه أذن في النكاح فجاز من غير تعيين كالاذن للعبد وبهذا يبطل ما ذكروه ولا يتزوج إلا
بمهر المثل فإن زاد على مهر المثل بطلت الزيادة لأنها محاباة بماله ولا يملكها، وإن نقص عن مهر المثل
جاز لأنه ربح من غير خسران
(الحال الثالث) إذا تزوج بغير اذن فقال أبو بكر يصح النكاح أو ما إليه احمد، قال القاضي يعنى إذا
كان محتاجا فإن عدمت الحاجة لم يجز لأنه اتلاف لماله في غير فائدة، وقال أصحاب الشافعي إن أمكنه
استئذان وليه لم يصح إلا باذنه لأنه محجور عليه فلم يصح منه التصرف بغير اذن كالعبد، وإن طلب منه
النكاح فأبى أن يزوجه ففيه وجهان
ولنا أنه إذا احتاج إلى النكاح فحقه متعين فيه فصح استيفاؤه بنفسه كما لو استوفى دينه الحال عند
امتناع وليه من استيفائه، فاما أن تزوج من غير حاجة لم يصح فإن وطئ الزوجة فعليه مهر المثل لأنه
أتلف بضعها بشبهة فلزمه عوض ما أتلف كما لو أتلف مالها
397

(فصل) وليس لغير الأب تطليق امرأة المولي عليه سواء كان ممن يملك التزويج كوصي الأب
والحاكم على قول ابن حامد أو لا يملكه لا نعلم في هذا خلافا، فاما الأب إذا زوج ابنه الصغير أو المجنون
فقد قال احمد في رجلين زوج أحدهما ابنه بابنة الآخر وهما صغيران ثم إن الأبوين كرها هل لهما أن
يفسخا فقال قد اختلف في ذلك وكأنه رآه قال أبو بكر لم يبلغني عن أبي عبد الله في هذه المسألة إلا
هذه الرواية فتتخرج على قولين
(أحدهما) يملك ذلك وهو قول عطاء وقتادة لأنها ولاية يستفيد بها تمليك البضع فجاز أن يملك
بها إزالته إذا لم يكن متهما كالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون بالاعتبار (والقول الثاني)
لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الطلاق لمن أخذ
بالساق ولأنه لا يملك البضع فلا يملك الطلاق بنفسه كوصي الأب والحاكم وكالسيد يزوج عبده الصغير،
وبهذه الأصول يبطل دليل القول الأول
(فصل) وإذا ادعت امرأة المجنون عنته لم تضرب له مدة لأنها لا تثبت إلا باقرار الزوج
ولا حكم لاقراره وان أقر بالعنة وهو صحيح فضربت له المدة ثم جن وانقضت المدة وطالبت المرأة
بالفسخ لم يفسخ لأنها إن كانت ثيبا فالقول قوله، وإن كانت بكرا فادعى منعها إياه نفسها وانه وطئها
فعادت عذرتها فله استحلافها فإذا كان لا يعبر عن نفسه لم يستحلف ولا يثبت ما قالته فلم يفسخ عليه
(مسألة) قال (وإذا زوج أمته بغير اذنها فقد لزمها النكاح كبيرة كانت أو صغيرة)
398

لا نعلم في هذا خلاف وذلك لأن منافعها مملوكة له والنكاح عقد على منفعتها فأشبه عقد الإجارة
ولذلك ملك الاستمتاع بها وبهذا فارقت العبد ولأنه ينتفع بتزويجها لما حصل له من مهرها وولدها
ويسقط عنه من نفقتها وكسوتها بخلاف العبد
(فصل) والمدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد كالأمة القن في اجبارها على النكاح، وقال
مالك اخر أمره ليس له تزويج أم ولده بغير اذنها وكرهه ربيعة، وللشافعي فيه قولان لأنه لا يملك
التصرف في رقبتها فكذلك لا يملك تزويجها بغير اذنها كأخته
ولنا أنها مملوكته يملك الاستمتاع بها واجارتها فملك تزويجها كالقن ولأنها إحدى منفعتيها فملك أحد
عوضيها كسائر منافعها، وما ذكروه يبطل بابنته الصغيرة لا يملك رقبتها ويملك تزويجها، وإذا ملك
أخته من الرضاع أو مجوسية فله تزويجهما، وان كانتا محرمتين عليه لأن منافعهما ملكه وإنما حرمتا
عليه لعارض، فأما التي بعضها حر فلا يملك سيدها إجبارها لأنه لا يملك جميعها ولا يملك إجبار المكاتبة
لأنها بمنزلة الخارجة عن ملكه ولذلك لا يملك وطأها ولا إجارتها ولا تلزمه نفقتها ولا يصل إليه مهرها فهي كالعبد
(فصل) فإن طلبت الأمة من سيدها تزويجها فإن كان يطؤها لم يجبر على تزويجها لأن عليه
ضررا في تزويجها ووطؤه لها يدفع حاجتها فإن كان لا يطؤها لكونها محرمة عليه كالمجوسية وأخته من
الرضاع أو محللة له لكن لا يرغب في وطئها أجبر على تزويجها أو وطئها ان كانت محللة له وإزالة
ملكه عنها لأنه وليها فأجبر على تزويجها كالحرة، ولان حاجتها قد تشتد إلى ذلك فأجبر على دفعها
كالاطعام والكسوة وإذا امتنع أجبره الحاكم، وان طلبت منه من نصفها حر أو المكاتبة أو أم الولد
التزويج أجبر عليه لأنه وليهن فأجبر على تزويجهن كالحرائر
399

(فصل) وإذا اشترى عبده المأذون أمة وركبته ديون ملك سيده تزويجها وبيعها واعتاقها نص عليه
أحمد وذكره أبو بكر وقال للسيد وطؤها، وقال الشافعي ليس له شئ من ذلك لما فيه من الاضرار
بالغرماء، وأصل الخلاف يبنى على دين المأذون له في التجارة فعندنا يلزم السيد فلا يلحق الغرماء
ضرر بتصرف السيد في الأمة فإن الدين ما تعلق بها وعنده أن الدين
يتعلق بالعبد وبما في يده فيلحقهم
الضرر والكلام على هذا يذكر في موضعه
(فصل) وليس للسيد اكراه أمته على التزويج بمعيب عيبا يرد به في النكاح لأنه يؤثر في
الاستمتاع وذلك حق لها ولذلك ملكت الفسخ بالجب والعنة والامتناع من العبد دون السيد وفارق
بيعها من معيب لأنه لا يراد للاستمتاع ولهذا ملك شراء الأمة المحرمة ولم تملك الأمة الفسخ لعيبه
ولاعنته ولا إيلائه، وان زوجها من معيب فهل يصح؟ على وجهين فإن قلنا يصح فلها الفسخ وان كانت
صغيرة فهل له الفسخ في الحال أو ينتظر بلوغها؟ على وجهين، ومذهب الشافعي هكذا في هذا الفصل كله
(مسألة) قال (ومن زوج عبده وهو كاره لم يجز الا أن يكون صغيرا)
الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) أن السيد لا يملك اجبار عبده البالغ العاقل على
النكاح وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه وقال مالك وأبو حنيفة له ذلك لقول الله تعالى (وانكحوا
الأيامى منكم والصالحين من عبادكم) ولأنه يملك رقبته فملك اجباره على النكاح كالأمة ولأنه
يملك اجارته فأشبه الأمة.
400

ولنا أنه مكلف يملك الطلاق فلا يجبر على النكاح كالحر ولان النكاح خالص حقه ونفعه له
فأشبه الحر والامر بانكاحه مختص بحال طلبه بدليل عطفه على الأيامى وإنما يزوجن عند الطلب
ومقتضى الامر الوجوب وإنما يجب تزويجه عند طلبه، وأما الأمة فإنه يملك منافع بضعها والاستمتاع بها
بخلاف العبد، ويفارق النكاح الإجارة لأنها عقد على منافع بدنه وهو يملك استيفاءها.
(الفصل الثاني) في العبد الصغير الذي لم يبلغ فللسيد تزويجه في قول أكثر أهل العلم الا أن
بعض الشافعية قال فيه قولان وقال أبو الخطاب يحتمل أن لا يملك تزويجه
ولنا أنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير فعبده مع ملكه له وتمام ولايته عليه أولى وكذلك
الحكم في عبده المجنون.
(فصل) والمهر والنفقة على السيد سواء ضمنهما أو لم يضمنهما وسواء باشر العقد أو اذن لعبده
فعقده وسواء كان مأذونا له في التجارة أو محجورا عليه نص عليه أحمد وعنه ما يدل على أن ذلك
يتعلق بكسبه فإنه قال نفقته من ضريبته وقال إن كان بقيمة ضريبته أنفق عليها ولا يعطى المولى
وان لم يكن عنده ما ينفق يفرق بينهما وهذا قول الشافعي، وفائدة الخلاف أن من الزم السيد المهر والنفقة
أوجبهما عليه وان لم يكن للعبد كسب وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه من
الاكتساب ومن علقه بكسبه فلم يكن له كسب فللمرأة الفسخ وليس للسيد منعه من الكسب
ولنا أنه حق تعلق بالعبد برضا سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو رهنه بدين. فعلى هذا
لو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه لأنه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه
401

كأرش جنايته فأما النفقة فإنها تتجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري أو علي العبد إذا أعتق
(فصل) ويجوز أن يتزوج السيد لعبده باذنه ويجوز أن يأذن للعبد فيتزوج لنفسه لأنه مكلف
يصح طلاقه فكان من أهل مباشرة النكاح كالحر ويجوز أن يأذن له مطلقا ومقيدا، فإن عين له امرأة
أو نساء بلد أو قبيلة أو حرة أو أمة فتزوج غيرها لم يصح لأنه متصرف بالاذن فقيد تصرفه بما أذن
له فيه كالوكيل وان أذن له مطلقا فله أن يتزوج من شاء لكن إن تزوج امرأة من بلدة أخرى فللسيد
منعه من الخروج إليها وان كانت في البلد فعلى السيد ارساله ليلا للاستمتاع وان أحب سيده أن
يسكنها في مسكن من داره فله ذلك إذا كان مسكن مثلها ولا يلزمه ارساله نهارا لأنه يحتاج إلى استخدامه
وليس النهار محلا للاستمتاع ولسيده المسافرة به فإن حق امرأة العبد عليه لا يزيد على حق امرأة الحر
والحر يملك المسافرة وان كرهت امرأته كذا ههنا
(فصل) وللسيد أن يعين له المهر وله أن يطلق فإن تزوج بما عينه أو دونه أو بمهر المثل عند الاطلاق
أو دونه لزم المسمى وان تزوج بأكثر من ذلك لم يلزم السيد الزيادة، وهل تتعلق برقبة العبد أو بذمته يتبع
بها بعد العتق؟ على روايتين بناء على استدانة العبد المحجور عليه وقد ذكر في باب المضراة
(فصل) وان تزوج أمة ثم اشتراها باذن سيده لسيده لم يؤثر ذلك في نكاحه وان اشتراها
لنفسه وقلنا إن العبد لا يملك بالتمليك فكذلك وان قلنا يملك بالتمليك انفسخ نكاحه كما لو اشترى الحر
امرأته وله وطؤها يملك اليمين إذا اذن له السيد فإن كان نصفه حرا فاشتراها في ذمته أو بما يختص
بملكه انفسخ نكاحه لأنه ملكها وحلت له بملك يمينه وان ملك بعضها انفسخ نكاحه ولم تحل له لأنه
لا يملك جميعها وان اشتراها بعين مال مشترك بينه وبين سيده بغير إذنه وقلنا لا تفرق الصفقة لم
يصح البيع والنكاح بحاله وان قلنا بتفريقها صح في قدر ماله وانفسخ النكاح لملكه بعضها
(فصل) وإن اشترت الحرة زوجها أو ملكته بهبة أو غيرها انفسخ النكاح لأن ملك النكاح
402

واليمين يتنافيان لاستحالة كون الشخص مالكا لمالكه ولأن المرأة تقول أنفق علي لأنني امرأتك وأنا
أسافر بك لأنك عبدي ويقول هو أنفقي علي لأنني عبدك وأنا أسافر بك لأنك امرأتي فيتنافى ذلك
فيثبت أقواهما وهو ملك اليمين وينفسخ النكاح لأنه أضعف ولها على سيده المهر إن كان بعد الدخول
وله عليها الثمن فإن كان دينين من جنس تقاصا وتساقطا وإن كان متساويين وإن تفاضلا سقط الأقل
منهما بمثله وبقي الفاضل، وإن اختلف جنسهما لم يتساقطا وعلى كل واحد منهما تسليم ما عليه إلى
صاحبه. وقال الشافعي في أحد قوليه يسقط مهرها لأنه دين في ذمة العبد فإذا ملكته لم يجز أن يثبت
لها دين في ذمة عبدها كما لو أتلف لها مالا، وهذا بناء منه على أن المهر يتعلق بذمة العبد وقد بينا أنه
يتعلق بذمة سيده فلا يؤثر ملك العبد في اسقاطه
وذكر القاضي فيه وجها أنه يسقط لأن ثبوت الدين في ذمة السيد تبع لثبوته في ذمة العبد فإذا سقط
من ذمة العبد سقط من ذمة السيد تبعا كالدين الذي على الضامن إذا سقط من ذمة المضمون عنه ولا
يعرف هذا في المذهب، ولأنه ثبت في الذمتين جميعا إحداهما تبعا للأخرى بل المذهب على أنه لا يسقط
بعد الدخول بحال، فأما إن كان الشراء قبل الدخول سقط نصفه كما لو طلقها قبل دخوله بها وفي
سقوط باقيه وجهان (أحدهما) لا يسقط لأن زوال الملك إنما هو بفعل البائع فالفسخ إذا من جهته
فلم يسقط جميع المهر كالخلع (والثاني) يسقط لأن الفسخ إنما تم بشراء المرأة فأشبه الفسخ بالعيب في
أحدهما وفسخها لاعساره وشراء الرجل لامرأته
(فصل) فإن ابتاعته بصداقها صح نص عليه احمد وذكره أبو بكر والقاضي ويرجع عليها بنصفه
إن قلنا يسقط نصفه أو بجميعه إن قلنا يسقط جميعه، ويحتمل أن لا يصح البيع وهو قول أصحاب الشافعي
403

لأن ثبوته يقتضي نفيه فإن صحة البيع تقضي فسخ النكاح وسقوط المهر يقتضي بطلان البيع لأنه
عوض ولا يصح بغير عوض
ولنا انه يجوز أن يكون ثمنا لغير هذا العبد فجاز أن يكون ثمنا له كغيره من الديون وما سقط
منه يرجع عليه به.
(مسألة) قال (فإذا زوج الوليان فالنكاح للأول منهما)
وجملة ذلك أنه إن كان للمرأة وليان فاذنت لكل واحد منهما في تزويجها جاز سواء أذنت في
رجل معين أو مطلقا فقالت قد أذنت لكل واحد من أوليائي في تزويجي من أراد فإذا زوجها الوليان
لرجلين وعلم السابق منهما فالنكاح له دخل بها الثاني أو لم يدخل وهذا قول الحسن والزهري وقتادة
وابن سيرين والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي، وبه قال عطاء ومالك ما لم يدخل
بها الثاني فإن دخل بها الثاني صار أولى لقول عمر إذا أنكح الوليان فالأول أحق ما لم يدخل بها الثاني
ولان الثاني اتصل بعقده القبض فكان أحق
ولنا ما روى سمرة وعقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول) أخرج
حديث سمرة أبو داود والترمذي وأخرجه النسائي عنه وعن عقبة. وروي نحو ذلك عن علي
وشريح ولان الثاني تزوج امرأة في عصمة زوج فكان باطلا كما لو علم أن لها زوجا، ولأنه نكاح
باطل لو عرى عن الدخول فكان باطلا وإن دخل كنكاح المعتدة والمرتد وكما لو علم، فأما حديث
عمر رضي الله عنه فلم يصححه أصحاب الحديث وقد خالفه قول علي رضي الله عنه وجاء على خلاف حديث
النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكروه من القبض لا معنى له فإن النكاح يصح بغير قبض على أنه لا أصل له فيقاس
عليه ثم يبطل بسائر الأنكحة الفاسدة
404

(فصل) إذا استوى الأولياء في الدرجة كالاخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم فالأولى تقديم أكبرهم
وأفضلهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم إليه محيصة وحويصة وعبد الرحمن بن سهل فتكلم عبد الرحمن بن
سهل وكان أصغرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كبر كبر) أي قدم الأكبر قدم الأكبر فتكلم حويصة، وان
تشاحوا ولم يقدموا الأكبر أقرع بينهم لأن حقهم استوى في القرابة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر
أقرع بين نسائه لتساوي حقوقهن كذا ههنا، فإن بدر واحد منهم فزوج كفؤا بأذن المرأة صح وإن كان
هو الأصغر المفضول الذي وقعت القرعة لغيرة لأنه تزويج صدر من ولي كامل الولاية باذن موليته
فصح كما لو انفرد وإنما القرعة لإزالة المشاحة
(مسألة) قال (فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما وكان لها عليه
مهر مثلها ولم يصبها زوجها حتى تحيض ثلاث حيض بعد آخر وقت وطئها الثاني)
أما إذا علم الحال قبل وطئ الثاني لها فإنها تدفع إلى الأول ولا شئ على الثاني لأن عقده عقد
فاسد لا يوجب شيئا، وان وطئها الثاني وهو لا يعلم فهو وطئ شبهة يجب لها به المهر وترد إلى الأول ولا
يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها بثلاث حيض ان كانت من ذوات الأقراء ولم تحمل، نص عليه أحمد
وهو قول قتادة والشافعي وابن المنذر وقال أحمد رحمه الله لها صداق بالمسيس وصداق من هذا ولا يرد
الصداق الذي يؤخذ من الداخل بها على الذي دفعت إليه وذلك لأن الصداق في مقابلة الاستمتاع بها
فكان لها دون زوجها كما لو وطئت بشبهة أو مكرهة، ولا يحتاج هذا النكاح الثاني إلى فسخ لأنه
405

باطل ولا يجب لها المهر الا بالوطئ دون مجرد الدخول والوطئ دون الفرج لأنه نكاح باطل لاحكم له،
ويجب مهر المثل لأنه يجب بالإصابة لا بالتسمية، وذكر أبو بكر ان الواجب المسمى، قال القاضي هو
قياس المذهب والأول أصح لما قلناه والله أعلم
(مسألة) قال (فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان)
وجملة ذلك أنه إذا جهل الأول منهما فلا فرق بين أن لا يعلم كيفية وقوعهما أو يعلم أن أحدهما قبل
الآخر لا بعينه أو يعلم بعينه ثم يشك فالحكم في جميعها واحد وهو أن يفسخ الحاكم النكاحين جميعا
نص عليه احمد في رواية الجماعة ثم تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما، وهذا قول أبي حنيفة ومالك
وعن أحمد رواية أخرى انه يقرع بينهما فمن تقع له القرعة أمر صاحبه بالطلاق ثم يجدد القارع
نكاحه، فإن كانت زوجته لم يضره تجديد النكاح شيئا وان كانت زوجة الآخر بانت منه بطلاقه
وصارت زوجة هذا بعقده الثاني لأن القرعة تدخل التمييز بالحقوق عند التساوي كالسفر بإحدى نسائه
والبداءة بالميت عند إحداهن وتعيين الانصباء في القسمة
وقال الثوري وأبو ثور يجبرهما السلطان على أن يطلق كل واحد منهما طلقة فإن أبيا فرق بينهما،
وهذا قريب من قولنا الأول لأنه تعذر إمضاء العقد الصحيح فوجب إزالة الضرر بالتفريق، وقال
الشافعي وابن المنذر: النكاح مفسوخ لأنه تعذر امضاؤه، وهذا لا يصح فإن العقد الصحيح لا يبطل
بمجرد إشكاله كما لو اختلف المتبايعان في قدر الثمن فإن العقد لا يزول إلا بفسخه كذا ههنا. وقد
406

روي عن شريح وعمر بن عبد العزيز وحماد بن أبي سلمان انها تخير فأيهما اختارته فهو زوجها وهذا غير
صحيح فإن أحدهما ليس بزوج لها فلم تخير بينهما كما لو لم يعقد الا أحدهما كما لو أشكل على الرجل
امرأته في النساء أو على المرأة زوجها، إلا أن يريدوا بقولهم انها إذا اختارت أحدهما فرق بينهما وبين
الآخر ثم عقد المختار نكاحها فهذا حسن فإنه يستغنى بالتفريق بينهما وبين أحدهما عن التفريق بينها وبينهما
جميعا وبفسخ أحد النكاحين عن فسخهما، فإن أبت ان تختار لم تجبر وكذلك ينبغي انه إذا أقرع
بينهما فوقعت القرعة لأحدهما لم تجبر على نكاحه لأنه لا يعلم أنه زوجها فيتعين إذا فسخ النكاحين ولها
أن تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما في الحال إن كان قبل الدخول وإن كان أحدهما دخل بها لم
تنكح حتى تنقضي عدتها من وطئه
(فصل) فإن ادعى كل واحد منهما انني السابق بالعقد ولا بينة لهما لم يقبل قوليهما وإن أقرت
المرأة لأحدهما لم يقبل اقرارها نص عليه احمد وقال أصحاب الشافعي يقبل كما لو أقرت ابتداء
ولنا أن الخصم في ذلك هو الزوج الأخير فلم يقبل اقرارها في ابطال حقه كما لو أقرت عليه بطلاق
وإن ادعى الزوجان على المرأة أنها تعلم السابق منهما فأنكرت لم تستحلف لذلك، وقال أصحاب الشافعي
تستحلف بناء منهم على أن اقرارها مقبول، فإن فرق بينها وبين أحدهما لاختيارها لصاحبه أو لوقوع
القرعة له وأقرت له أن عقده سابق فينبغي أن يقبل اقرارها لأنهما اتفقا على ذلك من غير خصم منازع
فأشبه ما لو لم يكن صاحب عقد آخر
(فصل) وإن علم أن العقدين وقعا معا لم يسبق أحدهما الآخر فهما باطلان لا حاجة إلى فسخهما
407

لأنهما باطلان من أصلهما ولا مهر لها على واحد منهما ولا ميراث لها منهما ولا يرثها واحد منهما كذلك
وإن لم يعلم ذلك فسخ نكاحهما فروي عن أحمد انه يجب لها نصف المهر ويقترعان عليه لأن عقد أحدهما
صحيح وقد انفسخ نكاحه قبل الدخول، فوجب عليه نصف مهرها كما لو خالعها، وقال أبو بكر لامهر
لها لأنهما مجبران على الطلاق فلم يلزمهما مهر كما لو فسخ الحاكم نكاح رجل لعسره أو عنته، وإن ماتت
قبل الفسخ والطلاق فلاحدهما نصف ميراثها فيوقف الامر حتى يصطلحا عليه ويحتمل أن يقرع بينهما
فمن خرجت له القرعة حلف أنه المستحق وورث، وإن مات لزوجان فلها ربع ميراث أحدهما، فإن
كانت قد أقرت أن أحدهما سابق بالعقد فلا ميراث لها من الآخر وهي تدعي ربع ميراث من أقرت
له، فإن كان قد ادعى ذلك أيضا دفع إليها ربع ميراثه، وإن لم يكن ادعى ذلك وأنكر الورثة فالقول قولهم مع
ايمانهم فإن نكلوا قضي عليهم، إن لم تكن المرأة أقرت بسبق أحدهما احتمل أن يحلف ورثة كل
واحد منهما ويبرأ، واحتمل أن يقرع بينهما فمن خرجت قرعته فلها ربع ميراثه وقد روى حنبل عن أحمد
في رجل له ثلاث بنات زوج إحداهن من رجل ثم مات الأب ولم يعلم أيتهن زوج يقرع بينهن فأيتهن
أصابتها القرعة فهي زوجته، وإن مات الزوج فهي التي ترثه والله أعلم
(فصل) وإن ادعى كل واحد منهما أنه السابق فأقرت لأحدهما ثم فرق بينهما وقلنا بوجوب
المهر وجب على المقر له دون صاحبه لاقراره لها به واقرارها ببراءة صاحبه وإن ماتا ورثت المقر له
دون صاحبه كذلك، وإن ماتت هي قبلهما احتمل أن يرثها المقر له كما ترثه واحتمل أن لا يقبل اقرارها
له كما لم تقبله في نفسها، وإن لم تقر لأحدهما إلا بعد موته فهو كما لو أقرت في حياته، وليس لورثة
408

كل واحد منهما الانكار لاستحقاقها لأن موروثه قد أقر لها بدعواه صحة نكاحها وسبقه بالعقد عليها
وإن لم يقر لواحد منهما أقرع بينهما وكان لها ميراث من تقع عليه القرعة وإن كان أحدهما قد أصابها فإن
كان هو المقر له أو كانت لم تقر لواحد منهما فلها المسمى لأنه مقر لها به وهي لا تدعي سواه، وإن
كانت مقرة للآخر فهي تدعي مهر المثل وهو يقر لها بالمسمى أو اصطلحا فلا كلام وإن كان مهر المثل أكثر
حلف على الزائد وسقط فإن كان المسمى أكثر فهو مقر لها بالزيادة وهي تنكرها فلا تستحقها والله أعلم
(فصل) وإن ادعى زوجية امرأة ابتداء فأقرت له بذلك ثبت النكاح وتوارثا، وقال أبو الخطاب
في ذلك روايتان والصحيح أنه مقبول لأنها رشيدة أقرت بعقد يلزمها حكمه فقبل اقرارها كما لو أقرت
أن وليها باع أمتها قبل بلوغها فأنكر أبوها تزويجها لم يقبل إنكاره لأن الحق على غيره وقد أقر به
وكذلك لو ادعى أنه تزوج امرأة بولي وشاهدين عينهما فأقرت المرأة بذلك وأنكر الشاهد ان لم يلتفت
إلى انكارهما لأن الشهادة إنما يحتاج إليها مع الانكار ويحتمل أن لا يقبل اقرارها مع انكار أبيها
لأن تزويجها إليه دونها فإن ادعى نكاحها فلم تصدقه حتى ماتت لم يرثها وان مات قبلها فاعترفت بما قال
ورثته لكمال الاقرار منهما بتصديقها وكذلك لو أقرت المرأة دونه فمات قبل أن يصدقها لم ترثه، وإن
ماتت فصدقها ورثها لما ذكرنا.
(مسألة) قال (وإذا تزوج العبد بغير اذن سيده فنكاحه باطل)
أجمع أهل العلم على أنه ليس للعبد أن ينكح بغير إذن سيده فإن نكح لم ينعقد نكاحه في قولهم
409

جميعا، وقال ابن المنذر أجمعوا على أن نكاحه باطل والصواب ما قلنا إن شاء الله فإنهم اختلفوا في صحته فعن
أحمد في ذلك روايتان أظهرهما أنه باطل وهو قول عثمان وابن عمر وبه قال شريح وهو مذهب الشافعي
وعن أحمد أنه موقوف على إجازة السيد فإن أجازه جاز وان رده بطل وهو قول أصحاب الرأي لأنه
عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية
ولنا ما روي جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر)
رواه الأثرم وابن ماجة، وروي الخلال باسناده عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو زان) قال حنبل ذكرت هذا الحديث
لأبي عبد الله قال هذا حديث منكر ورواه أيضا عن ابن عمر موقوفا عليه من قوله ولأنه نكاح فقد شرطه
فلم يصح كما لو تزوجها بغير شهود
(مسألة) قال (فإن دخل بها فعلى سيده خمسا المهر كما قال عثمان رضي الله عنه الا
أن يجاوز الخمسان قيمته فلا يلزم سيده أكثر من قيمته أو يسلمه)
في هذه المسألة خمسة فصول. (الأول) في وجوب المهر وله حالان (أحدهما) أن لا يدخل
بها فلا مهر لها لأنه عقد باطل فلا نوجب بمجرده شيئا كالبيع الباطل وهكذا سائر الأنكحة الفاسدة
لا نوجب بمجردها شيئا (الحال الثاني) أن يصيبها فالصحيح من المذهب ان المهر يجب رواه عنه جماعة
وروي عنه حنبل إنه لامهر لها إذا تزوج العبد بغير اذن سيده وهذا يمكن حمله على ما قبل الدخول فيكون
410

موافقا لرواية الجماعة ويمكن حمله على عمومه في عدم الصداق وهو قول ابن عمر رواه الأثرم عن نافع قال
كان إذا تزوج مملوك لابن عمر بغير إذنه جلده الحد وقال للمرأة انك أبحت فرجك وأبطل صداقها
ووجهه انه وطئ امرأة مطاوعة في غير نكاح صحيح فلم يجب به مهر كالمطلوعة على الزنا قال القاضي
هذا إذا كانا عالمين بالتحريم فاما ان جهلت المرأة ذلك فلها المهر لأنه لا ينقص عن وطئ الشبهة ويمكن
حمل هذه الرواية على أنه لامهر لها في الحال بل يجب في ذمة العبد تنتفع به بعد العتق وهو قول الشافعي
الجديد لأن هذا حق لزمه برضى من له الحق فكان محله الذمة كالدين والصحيح أن المهر واجب لقوله
عليه السلام (أيما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها المهر بما استحل
من فرجها) هذا قد استحل فرجها فيكون مهرها عليه ولأنه استوفى منافع البضع باسم النكاح فكان
المهر واجبا كسائر الأنكحة الفاسدة
(الفصل الثاني) أن المهر يتعلق برقبته يباع فيه الا بفدية السيد، وقد ذكرنا احتمالا آخر أنه
يتعلق بذمة العبد والأول أظهر الا أن الوطئ أجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير اذن المولى ولذلك
وجب المهر ههنا وفي سائر الأنكحة الفاسدة ولو لم تجر مجراها ما وجب شئ لأنه يرضى المستحق والله أعلم
(الفصل الثالث) أن الواجب من المهر خمساه وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه وعمل به
أبو موسى، وعن أحمد أنها ان علمت أنه عبد فلها خمسا المهر وإذا لم تعلم فلها المهر في رقبة العبد وعنه
أن الواجب مهر المثل وهو قول أكثر الفقهاء لأنه وطئ يوجب المهر فأوجب مهر المثل بكماله كالوطئ
في النكاح بلا ولي وفي سائر الأنكحة الفاسدة ووجه الأولى ما روى الإمام أحمد باسناده عن حلاس
411

أن غلاما لأبي موسى تزوج بمولاة تيجان التيمي بغير إذن أبي موسى فكتب في ذلك إلى عثمان فكتب إليه
عثمان ان فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة ولان المهر أحد موجبي الوطئ
فجاز أن ينقص العبد فيه عن الحر كالحد فيه أو أحد العوضين في النكاح فينقص العبد كعدد المنكوحات
(الفصل الرابع) أنه يجب خمسا المسمى لأنه صار فيه إلى قصة عثمان رضي الله عنه وظاهرها أنه
أوجب خمسي المسمى ولهذا قال وكان صداقها خمسة أبعرة ولأنه لو اعتبر مهر المثل أوجب جميعه
كسائر قيم المتلفات ولا وجب القيمة وهي الأثمان دون الأبعرة ويحتمل أنه يجب خمسا مهر المثل لأنه
عوض عن جناية فكان المرجع فيه إلى قيمة المحل كسائر أروش الجنايات وقيمة المحل مهر المثل
(الفصل الخامس) أن الواجب إن كان زائدا على قيمة العبد لم تلزم السيد الزيادة لأن الواجب
عليه ما يقابل قيمة العبد بدليل أنه لو سلم العبد لم يلزمه شئ فإذا أعطى القيمة فقد أعطى ما يقابل الرقبة
فلم تلزمه زيادة عليه وإن كان الواجب أقل من قيمة العبد لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه أرش الجناية فلا
يجب عليه أكثر منها والخيرة في تسليم العبد وفدائه إلى السيد، وهذا قد ذكرناه في غير هذا الموضع
بابين من هذا.
(فصل) إذا أذن السيد لعبده في تزويجه بمعينة، أو من بلد معين، أو من جنس معين، فنكح
غير ذلك فنكاحه فاسد والحكم فيه كما ذكرنا وان أذن له في تزويج صحيح فنكح نكاحا فاسدا
فكذلك لأنه غير مأذون له فيه وان أذن له في النكاح وأطلق فنكح نكاحا فاسدا احتمل أن يكون
كذلك لأن الاذن في النكاح لا يتناول الفاسد، واحتمل أن يتناوله اذنه لأن اللفظ باطلاقه يتناوله
وان أذن له في نكاح فاسد وحصلت الإصابة فيه فعلى سيده جميع المهر لأنه باذنه والله أعلم.
412

(مسألة) قال وإذا تزوج الأمة على أنها حرة فأصابها وولدت منه فالولد حر وعليه
ان يفديهم والمهر المسمى ويرجع به على من غره ويفرق بينهما ان لم يكن ممن يجوز له
أن ينكح الإماء، وإن كان ممن يجوز له أن ينكح فرضى بالمقام فما ولدت بعد الرضي فهو رقيق)
في هذه المسألة فصول ستة (أحدها) أن النكاح لا يفسد بالغرور، وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي
في أحد قوليه يفسد لأنه عقد على حرة ولم يوجد فأشبه ما لو قال بعتك هذا الفرس فإذا هو حمار.
ولنا أن المعقود عليه في النكاح الشخص دون الصفات فلا يؤثر عدمها في صحته كما لو قال زوجتك
هذه البيضاء فإذا هي سوداء أو هذه الحسناء فإذا هي شوهاء وكذا يقول في الأصل الذي ذكره ان
العقد الذي ذكروه صحيح لأن المعقود عليه العين المشار إليها وان سلمناه فالفرق بينهما من وجهين
(أحدهما) أن ثم فاتت الذات فإن ذات الفرس غير ذات الحمار وههنا اختلفا في الصفات. و (الثاني)
أن البيع يؤثر فيه فوات الصفات بدليل أنه يرد بفوات أي شئ كان فيه نفع منها والنكاح بخلافه.
(الفصل الثاني) ان أولاده أحرار منها بغير خلاف نعلمه لأنه اعتقد حريتها فكان أولاده
أحرار لاعتقاده ما يقتضي حريتهم كما لو اشترى أمة يعتقدها ملكا لبائعها فبانت مغصوبة بعد أن أولدها
(الفصل الثالث) أن على الزوج فداء أولاده كذلك قضى عمر رضي الله عنه وعلي وابن عباس
رضي الله عنهما، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي. وعن أحمد رواية أخرى ليس
413

عليه فداؤهم لأن الولد ينعقد حر الأصل فلم يضمنه لسيد الأمة لأنه لم يملكه وعنه أنه يقال له أفد
أولادك والا فهم يتبعون أمهم فظاهر هذا أنه خيره بين فدائهم وبين تركهم رقيقا لأنهم رقيق بحكم
الأصل فلم يلزمه فداؤهم كما لو وطئها وهو يعلم رقها. وقال الخلال اتفق عن أبي عبد الله أنه يفدي
ولده وقال إسحاق عنه في موضع إن الولد له وليس عليه أن يفديهم وأحسبه قولا أول لأبي عبد الله
والصحيح أن عليه فداءهم لقضاء الصحابة به ولأنه نماء الأمة المملوكة فسبيله أن يكون مملوكا لمالكها
وقد فوت رقه باعتقاد الحرية فلزمه ضمانهم كما لو فوق رقهم بفعله وفي فدائهم ثلاث مسائل
(الأولى) في وقته وذلك حين وضع الولد، وقضى بذلك عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم
وهو قول الشافعي وقال أبو ثور والثوري وأصحاب الرأي يضمنهم بقيمتهم يوم الخصومة لأنه إنما
يضمنهم بالمنع ولم يمنعهم الا حال الخصومة
ولنا أنه محكوم بحريته عند الوضع فوجب أن يضمنه لأنه فات رقه من حينئذ ولان القيمة التي
تزيد بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الأمة فلم يضمنها كما بعد الخصومة فإن قيل فقد كان محكوما بحريته
وهو حين قلنا إلا أنه لم يمكن تضمينه حينئذ لعدم قيمته والاطلاع عليه فأوجبنا ضمانه في أول حال
يمكن تضمينه وهو حال الوضع
(المسألة الثانية) في صفة الفداء وفيها ثلاث روايات إحداهن بقيمتهم وهو قول أكثر الفقهاء
لقول النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصا من عبد قوم عليه نصيب شريكه ولان الحيوان من المتقومات
لامن ذوات الأمثال فيجب ضمانه بقيمته كما لو أتلفه
414

(والثانية) يضمنهم بمثلهم عبيد الذكر بذكر والأنثى بأنثى لما روى سعيد بن المسيب قال
أبقت جارية لرجل من العرب وانتمت إلى بعض العرب فتزوجها رجل من بني عذرة ثم إن سيدها دب
فاستاقها واستاق ولدها فاختصموا إلى عمر رضي الله عنه فقضى للعذري بفداء ولده بغرة غرة مكان كل
غلام ومكان كل جارية بجارية وكان عمر يقوم الغرة على أهل القرى ومن لم يجد غرة ستين دينارا ولان
ولد المغرور حر فلا يضمن بقيمته كسائر الأحرار فعلى هذه الرواية ينبغي أن ينظر إلى مثلهم في الصفات
تقريبا لأن الحيوان ليس من ذوات الأمثال ويحتمل أن يجب مثله في القيمة وهو قول أبي بكر
(الثالثة) هو مخبرين فدائهم بمثلهم أو قيمتهم قال أحمد في رواية الميموني إما القيمة أو رأس برأس
لأنهما جميعا يروينا عن عمر ولكن لا أدرى أي الاسنادين أقوى وهذا اختيار أبي بكر وقال في المقنع
الفدية غرة بغرة بقدر القيمة أو القيمة وأيها أعطى أجزأه ووجه ذلك أنه تردد بين الجنين الذي يضمن
بغرة وبين الحاقة بغيره من المضمونات فاقتضي التخيير بينهما والصحيح أنه يضمن بالقيمة كسائر
المضمونات المتقومات وقول عمر قد اختلف عنه فيه قال أحمد في رواية أبي طالب وعليه قيمتهم مثل
قول عمر وإذا تعارضت الروايات عنه وجب الرجوع إلى القياس
(المسألة الثالثة) فيمن يضمن منهم وهو من ولد حيا لوقت يعيش لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك
وقال مالك والثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي لا ضمان على الأب لمن مات منهم قبل الخصومة وهذا
مبنى على وقت المضان وقد ذكرناه فأما السقط ومن ولد لوقت لا يعيش في مثله وهو دون ستة أشهر فلا
ضمان لأنه لا قيمة له.
415

(الفصل الرابع) في المهر ولا يخلو أن يكون ممن يجوز له نكاح الإماء أولا فإن كان ممن يجوز
له نكاح الإماء وقد نكحها نكاحا صحيحا فلها المسمى وان لم يدخل بها واختار الفسخ فلا مهر لها
لأن الفسخ تعذر من جهتها فهي كالمعيبة يفسخ نكاحها وإن كان ممن لا يجوز له نكاح الإماء فالعقد
فاسد من أصله ولا مهر فيه قبل الدخول فإن دخل بها فعليه مهرها وهل يجب المسمي أو مهر المثل؟
على روايتين ذكرناهما فيما مضى وكذلك أن كان ممن يجوز له نكاح الإماء لكن تزوجها بغير إذن
سيدها أو نحو ذلك مما يفسد به النكاح
(الفصل الخامس) أنه يرجع بما غرمه على من غره في المهر وقيمة الأولاد وهذا اختاره الخرقي ورواية
عن أحمد قال ابن المنذر كذلك قضى عمر وعلي وابن عباس وبه قال الشافعي في القديم والرواية
الأخرى لا يرجع بالمهر وهو
اختيار أبي بكر قال وهو قول علي وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب
الرأي والشافعي في الجديد لأنه وجب عليه في مقابلة نفع وصل إليه وهو الوطئ فلم يرجع به كما لو اشترى مغصوبا
فأكله بخلاف قيمة الولد فإنها لم تحصل في مقابلة عوض لأنها وجبت بحرية الولد وحرية الولد للولد لا
لأبيه قال القاضي والمذهب أنه يرجع بالمهر لأن أحمد قال كنت أذهب إلى حديث علي ثم كأني هبته
وكأني أميل إلى حديث عمر يعني في الرجوع ولان العاقد ضمن له سلامة الوطئ كما ضمن له سلامة الولد
فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يرجع بالمهر قال وعلى هذا الأصل يرجع بأجرة الخدمة إذا غرمها كما يرجع
بالمهر ولا أعرف عن أصحابنا بينهما فرقا وقال إذا ثبت هذا فإن كان الغرور من السيد فقال هي حرة عتقت
وإن كان بلفظ غير هذا لم تثبت به الحرية فلا شئ له لأنه لا فائدة في أن يجب له ما يرجع به عليه، وإن كان
416

الغرور من وكيله رجع عليه في الحال، وإن كان من أجنبي رجع عليه أيضا، وإن كان منها فليس لها
في الحال مال فيتخرج فيها وجهان بناء على دين العبد بغير اذن سيده هل يتعلق برقبته أو بذمته يتبع
به بعد العتق؟ قال القاضي قياس قول الخرقي أنه يتعلق بذمتها لأنه قال في الأمة إذا خالعت زوجها
بغير اذن سيدها يتبعها به إذا عتقت كذا ههنا ويتبعها بجميعه
وظاهر كلام أحمد أن الغرور إذا كان من الأمة لم يرجع على أحد فإنه قال إذا جاءت الأمة
فقالت إني حرة فولت أمرها رجلا فزوجها من رجل ثم ظهر عليها مولاها قال فكاك ولده على الأب
لأنه لم يغره أحد، وأما إذا غره رجل فزوجها على أنها حرة فالفداء على من غره. يروى هذا عن علي
وإبراهيم وحماد وكذلك قال الشعبي، وإن قلنا يتعلق برقبتها فالسيد مخير بين فدائها بقيمتها إن كانت
أقل مما يرجع به عليها أو يسلمها فإن اختار فداءها بقيمتها سقط قدر ذلك عن الزوج فإنه لا فائدة في أن
نوجبه عليه ثم ترده إليه، وإن اختار تسليمها سلمها وأخذ ما وجب له وذكر القاضي أن الغرور الموجب
للرجوع أن يكون اشتراط الحرية مقارنا للعقد فيقول زوجتكها على أنها حرة فإن لم تكن كذلك لم تملك
الفسخ وهذا مذهب الشافعي والصحيح خلاف هذا قال لأن الصحابة الذين قضوا بالرجوع لم يفرقوا
بين أنواع الغرور ولم يستفصلوا والظاهر أن العقد لم يقع هكذا ولم تجر العادة به في العقود فلا يجوز
حمل قضائهم المطلق على صورة نادرة لم تنقل ولان الغرور قد يكون من المرأة ولا لفظ لها في العقد
ولأنه متى أخبره بحريتها أو أوهمه ذلك بقرائن تغلب على ظنه حريتها فنكحها على ذلك ورغب فيها بناء
عليه وأصدقها صداق الحرائر ثم لزمه الغرم فقد استضر بناء على قول المخبر له والغار فتجب إزالة الضرر
417

عنه باثبات الرجوع على من غره وأضربه فعلى هذا إن كان الغرور من اثنين أو أكثر فالرجوع على
جميعهم وإن كان الغرر منها ومن الوكيل فعلى كل واحد منهما نصفه والله أعلم
(الفصل السادس) ان الزوج إن كان ممن يحرم عليه نكاح الإماء وهو ممن يجد الطول أو
لا يخشى العنت فإنه يفرق بينهما لأننا بينا أن النكاح فاسد من أصله لعدم شرطه وهكذا لو كان تزويجها
بغير اذن سيدها أو أختل شرط من شروط النكاح فهو فاسد يفرق بينهما والحكم في الرجوع على
ما ذكرنا، وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء وكانت شرائط النكاح مجتمعة فالعقد صحيح وللزوج
الخيار بين الفسخ والمقام على النكاح وهذا معنى قول الخرقي فرضي بالمقام معها وهذا الظاهر من مذهب
الشافعي وقال أبو حنيفة لاخيار له لأن الكفاءة غير معتبرة في جانب المرأة لأنه يملك الطلاق
ولنا أنه عقد غر فيه أحد الزوجين بحرية الآخر فثبت له الخيار كالاخر فإن الكفاءة وإن لم تعتبر
فإن عليه ضررا في استرقاق ولده ورق امرأته وذلك أعظم من فقد الكفاءة، فأما الطلاق فلا يندفع به
الضرر فإنه سقط نصف المسمى والفسخ يسقط جميعه فإذا فسخ قبل الدخول فلا مهر لها، وإن رضي
بالمقام معها فله ذلك لأنه يحل له نكاح الإماء وما ولدت بعد ذلك فهو رقيق لسيدها لأن المانع من
رقهم في الغرور اعتقاد الزوج حريتها وقد زال ذلك بالعلم، ولو وطئها قبل علمه فعلقت منه ثم علم قبل
الوضع فهو حر لأنه وطئها يعتقد حريتها
(فصل) والحكم في المدبرة وأم الولد والمعتقة بصفة كالأمة القن لأنها ناقصة بالرق إلا أن ولد
أم الولد والمدبرة يقوم كأنه عبد له حكم أمه وكذلك من أعتق بعضها إلا أنه إذا فدى الولد لم يلزمه إلا
فداء ما فيه من الرق لأن بقيته حر بحرية أمه لا باعتقاد الوطئ فإن كانت مكاتبة فكذلك إلا أن
418

مهرها لها لأنه من كسبها وكسبها لها وتجب قيمة ولدها على الرواية المشهورة، قال أبو بكر ويكون ذلك
لها تستعين به في كتابتها، فإن كان الغرور منها فلا شئ لها إذ لا فائدة في ايجاب شئ لها يرجع به
عليها وإن كان الغرور من غيرها غرمه لها ويرجع به على من غره
(فصل) ولا يثبت انها أمة بمجرد الدعوى فإن قام بذلك بينة ثبت، وان أقرت أنها أمة
فقال احمد في رواية أبي الحارث لا يستحقها باقرارها وذلك لأن اقرارها يزيل النكاح عنها ويثبت حقا
على غيرها فلم يقبل كاقرارها بمال على غيرها، وقال في رواية حنبل لا شئ له حتى يثبت أو تقر
هي أنها أمة فظاهر هذا أنه يقبل إقرارها لأنها مقرة على نفسها بالرق أشبه غير الزوجة والأول أولى
ولا نسلم أنه يقبل من غير ذات الزوج اقرارها بالرق بعد إقرارها بالحرية لأنها أقرت بما يتعلق به حق الله تعالى
(فصل) إذا حملت المغرور بها فضرب بطنها ضارب فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة لأن
هذا الجنين محكوم بحريته ويرثها ورثته من كانوا، وعلى الضارب كفارة القتل وإن كان الضارب أباه لم يرثه
وورثه أقاربه ولا يجب بذل هذا الولد للسيد لأنه إنما يستحق بذل حي وهذا ميت، ويحتمل أن
يجب له عشر قيمة أمه لأن الواطئ فوت ذلك عليه باعتقاد الحرية ولولاه لوجب له ذلك
(فصل) إذا تزوجت المرأة عبدا على أنه حر فالنكاح صحيح وهذا قول أبي حنيفة وأحد قولي
الشافعي لأن اختلاف الصفة لا يمنع صحة العقد كما لو تزوج أمة على أنها حرة وهذا إذا كملت شروط
النكاح وكان ذلك باذن سيده، وان كانت المرأة حرة وقلنا الحرية ليست من شروط الكفاءة أو
ان فقد الكفاءة لا يبطل النكاح فهو صحيح وللمرأة الخيار بين الفسخ والامضاء فإن اختارت امضاءه
فلأوليائها الاعتراض عليها لعدم الكفاءة، وان كانت أمة فينبغي أن يكون لها الخيار أيضا لأنه لما ثبت
419

الخيار للعبد إذا غر من أمة ثبت للأمة إذا غرت بعبد وكل موضع حكمنا بفساد العقد ففرق بينهما قبل
الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فلها مهر المثل أو المسمى على ما قدمنا من الاختلاف، وكل موضع
فسخ النكاح مع القول بصحته قبل الدخول فلا شئ لها، وإن كان بعده فلها المسمى لأنه فسخ
طرأ على نكاح فأشبه الطلاق
(فصل) فإن غرها بنسب فبان دونه وكان ذلك مخلا بالكفاءة وقلنا بصحة النكاح فلها الخيار
فإن اختارت الامضاء فلأوليائها الاعتراض عليها وان لم يخل بالكفاءة فلا خيار لها لأن ذلك ليس
بمعتبر في النكاح فأشبه ما لو شرطه فقيها فبان بخلافه وكذلك إن شرطت غير النسب فإن كان مما
يعتبر في الكفاءة فهو كما لو تبين أنه غير مكافئ لها في النسب، وان لم يعتبر في الكفاءة كالفقه والجمال
وأشباه ذلك فلا خيار لها لأن ذلك مما لا يعتبر في النكاح فلا يؤثر اشتراطه، وذكر فيما إذا بان نسبه
دون ما ذكر وجه في ثبوت الخيار لها ان لم يخل بالكفاءة والاولي ما ذكرناه والله أعلم
(مسألة) قال (وإذا كان المغرور عبدا فولده أحرار ويفديهم إذا عتق ويرجع به
على من غره)
وجملة ذلك أن المغرور إذا كان عبدا فولده أحرار، وقال أبو حنيفة يكون رقيقا لأن أبويه رقيق
وليس ذلك بصحيح فإنه وطئها معتقدا حريتها فكان ولده حرا كولد الحر فإن هذا هو العلة المقتضية
420

للحرية في محل الوفاق ولولا ذلك لكان رقيقا فإن علة رق الولد رق الام خاصة ولا عبرة بحال الأب
بدليل ولد الحر من الأمة وولد الحر من العبد وعلى العبد فداؤهم لأنه فوت رقهم باعتقاده وفعله
ولا مال له في الحال فيخرج في ذلك وجهان
[أحدهما] يتعلق برقبته بمنزلة جنايته (والثاني) بذمته يتبع به بعد العتق بمنزلة عوض الخلع من
الأمة إذا بذلته بغير إذن سيدها ويفارق الاستدانة والجناية لأنه إذا استدان أتلف مال الغريم فكان
جناية منه وههنا لم يجن في الأولاد جناية وإنما عتقوا من طريق الحكم وما حصل له منهم عوض فيكون
ذلك في ذمته يتبع به بعد العتق ويرجع به حين يغرمه فإنه لا ينبغي أن يجب له بذل ما لم يفت عليه. وأما
الحرية فتتعجل في الحال، وان قلنا إن الفداء يتعلق برقبته وجب في الحال ويرجع به سيده في الحال ويثبت
للعبد الخيار إذا علم كما ثبت للحر لمن يحل له نكاح الإماء لأن عليه ضررا في رق ولده ونقصا في استمتاعه
فإنها لا تبيت معه ليلا ونهارا ولم يرض به. ويحتمل أن لا يثبت له خيار لأنه فقد صفة لا ينقص بها
عن رتبته فأشبه ما لو شرط نسب امرأة فبانت بخلافه لأنها مساوية لنسبه بخلاف تغرير الحر
وقال بعض الشافعية لاخيار له قولا واحدا. وقال بعضهم فيه قولان والأولى ما ذكرناه. وإذا
اختار الإقامة فالمهر واجب لا يرجع به على أحد، وان اختار الفسخ قبل الدخول فلا مهر وإن كان بعده
والنكاح باذن سيده فالمهر واجب عليه وفي الرجوع به خلاف ذكرناه فيما مضى وإن كان بغير إذنه
فالنكاح فاسد فإن دخل بها ففي قدر ما يجب عليه وجهان [أحدهما] مهر المثل (والثاني) الخمسان،
وهل يرجع به؟ على وجهين
(فصل) فإن شرط انها مسلمة فبانت كافرة فله الخيار لأنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد فأشبه
ما لو شرطها حرة فبانت أمة
421

(فصل) فإن شرطها بكرا فبانت ثيبا فعن أحمد كلام يحتمل أمرين (أحدهما) لاخيار له لأن
النكاح لا يرد فيه بعيب سوى ثمانية عيوب فلا يرد منه، بمخالفة الشرط (والثاني) له الخيار لأنه شرط صفة
مقصودة فبان خلافها فيثبت له الخيار كما لو شرط الحرية وعلى هذا لو شرطها ذات نسب فبانت دونه
أو شرطها بيضاء فبانت سوداء أو شرطها طويلة فبانت قصيرة أو حسناء فبانت شوهاء خرج في ذلك
كله وجهان ونحو هذا مذهب الشافعي
وقال أبو ثور: القياس ان له الرد إن كان فيه اختلاف وإن كان اجماعا فالاجماع أولى من النظر
قال ابن المنذر لا أعلم أحدا وافق أبا ثور على مقالته، وممن ألزم الزوج من هذه صفتها الثوري والشافعي
وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. وروى الزهري أن رجلا تزوج امرأة فلم يجدها عذراء كانت
الحيضة خرقت عذرتها فأرسلت إليه عائشة ان الحيضة تذهب العذرة يقينا. وعن الحسن والشعبي
وإبراهيم في الرجل إذا لم يجد امرأته عذرا ليس عليه شئ العذرة تذهبها الوثبة وكثرة الحيض
والتعيش والحمل الثقيل والله أعلم
(فصل) وإذا تزوج امرأة يظنها حرة فبانت أمة أو يظنها مسلمة فبانت كافرة أو تزوجت عبدا
تظنه حرا فلهم الخيار كما لو شرط ذلك نص عليه أحمد في امرأة تزوجت عبدا تظنه حرا فلها الخيار،
وقال الشافعي في الأمة لاخيار له وفي الكافرة له الخيار، وقال بعضهم فيهما جميعا قولان
ولنا أن بعض الرق أعظم ضررا فإنه يؤثر في رق ولده ويمنع كمال استمتاعه فكان له الخيار كما لو كانت كافرة،
(فصل) وان شرطها أمة فبانت حرة أو ذات نسب فبانت أشرف منه أو على صفة دنيئة فبانت
خيرا من شرطه أو كافرة فبانت مسلمة فلا خيار له في ذلك لأنه زيادة، وقال أبو بكر له الخيار إذا بانت
مسلمة لأنه قد يكون له غرض في عدم وجوب العبادات والأول أولى
422

(فصل) وكل موضع ثبت له الخيار ففسخ قبل الدخول فلا مهر عليه وان فسخ بعده وكان التغرير
ممن له المهر فلا شئ عليه أيضا، وإن كان من غيره فعليه المهر يدفعه ثم يرجع به على الغار فإن كان
التغرير من أوليائها رجع عليهم وان علم بعضهم احتمل أن يرجع عليه وحده لأنه الغار واحتمل أن يرجع
على جميعهم لأن حقوق الآدمين في العمد والسهو سواء
(مسألة) قال (وإذا قال قد جعلت عتق أمتي صداقها بحضرة شاهدين فقد ثبت العتق والنكاح وإذا
قال أشهد أني قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها كان العتق والنكاح أيضا ثابتين سواء تقدم القول
العتق أو تأخر إذا لم يكن بينهما فصل فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها، في هذه
المسألة خمس فصول.
(الأول) أن ظاهر المذهب أن الرجل إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها فهو نكاح صحيح نص عليه أحمد
في رواية جماعة وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وفعله أنس بن مالك وبه قال سعيد بن المسيب وأبو
سلمة بن عبد الرحمن والحسن والزهري وإسحاق وقال الأوزاعي يلزمها أن تتزوجه وروي المرذوي عن أحمد
إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها يوكل رجلا يزوجه وظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة النكاح وقال
أبو الخطاب هي الصحيحة واختارها القاضي وابن عقيل وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لأنه لم
يوجد إيجاب وقبول فلم يصح لعدم أركانه كما لو قال أعتقتك وسكت ولأنها بالعتق تملك نفسها فيجب
أن يعتبر رضاها كما لو فصل بينهما ولان العتق يزيل ملكه عن الاستمتاع بحق الملك فلا يجوز أن
يستبيح الوطئ بالمسمى فإنه لو قال بعتك هذه الأمة على أن تزوجنيها بالثمن لم يصح
ولنا ما روي أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها متفق عليه وفي لفظ أعتقها وتزوجها
فقلت يا أبا حمزة ما أصدقها؟ قال نفسها عتقها وروي الأثرم باسناده عن صفية قالت أعتقني رسول الله
صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي وباسناده عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول إذا أعتق الرجل أم ولده
فجعل عتقها صداقها فلا بأس بذلك ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح لأن الصداق لا يتقدم
423

النكاح ولو تأخر العتق عن النكاح لم يجز فدل على أنه انعقد بهذا اللفظ ولأنه لم ينقل عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه استأنف عقدا ولو استأنفه لظهر ونقل كما نقل غيره ولان من جاز له تزويج امرأة لغيره
من غير قرابة جاز له أن يتزوجها كالإمام وقولهم لم يوجد ايجاب ولا قبول عديم التأثير فإنه لو وجد
لم يحكموا بصحته وعلى أنه ان لم يوجد فقد وجد ما يدل عليه وهو جعل العتق صداقا فأشبه ما لو تزوج
امرأة هو وليها وكما لو قال الخاطب للولي أزوجت؟ فقال نعم وقال المزوج أقبلت؟ قال نعم عند
أصحابنا وكما لو أتى بالكنايات عند أبي حنيفة ومن وافقه
(الفصل الثاني) أن النكاح ينعقد بقوله أعتقتك وجعلت عتقك صداقك وتزوجتك، وبذلك
خاليا عن قوله: وتزوجتك وهذا لفظ الخرقي وهو الذي جاء في حديث أنس، وبقوله جعلت عتقك
صداقك وجعلت صداقك عتقك وهذا معنى قول الخرقي سواء تقدم العتق أو تأخر ونص أحمد على
هذا في رواية صالح إذا قال جعلت عتقك صداقك أو صداقك عتقك كل ذلك جائز
(الفصل الثالث) أن لا يكون بينهما فصل ولو قال أعتقتك وسكت سكوتا يمكنه الكلام فيه
أو تكلم بكلام أجنبي ثم قال جعلت عتقك صداقك لم يصح النكاح لأنها صارت بالعتق حرة فيحتاج
إلى تزويجها برضاها بصداق جديد
(الفصل الرابع) أنه لابد من شاهدين إذا قلنا باشتراط الشهادة في النكاح نص عليه أحمد في
رواية الجماعة وذلك لقوله (لا نكاح إلا بولي وشاهدين)
(الفصل الخامس) أنه إذا طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها لأن الطلاق قبل الدخول
يوجب الرجوع في نصف ما فرض لها وقد فرض لها نفسها ولا سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله
فرجع بنصف قيمة نفسها وبهذا قال الحسن والحكم وقال الأوزاعي يرجع بربع قيمتها
ولنا أنه طلاق قبل الدخول فأوجب الرجوع النصف كسائر الطلاق وتعتبر القيمة حالة الاعتاق لأنها
حالة الاتلاف فإن لم تكن قادرة على نصف القيمة فهل تستسعى فيها أو تكون دينا تنظر به إلى حال القدرة؟
على روايتين وإن قلنا إن النكاح لا ينعقد بهذا القول فعليها قيمة نفسها لأنه أزال ملكه بعوض لم
يسلم له فرجع إلى قيمة المفوت كالبيع الفاسد وكذلك أن قلنا إن النكاح انعقد به فارتدت قبل
424

الدخول أو فعلت ما ينفسخ به نكاحها مثل أن أرضعت زوجة له صغيرة ونحو ذلك انفسخ نكاحها
وعليها قيمة نفسها.
(فصل) وإن قال لامته أعتقتك على أن تزوجيني نفسك ويكون عتقك صداقك أو لم يقل
ويكون عتقك صداقك فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تزوجه نفسها لأنه سلف في نكاح فلم يلزمها كما لو
كان أسلف حرة ألفا على أن يتزوجها ولأنها أسقطت حقها من الخيار قبل وجود سببه فلم يسقط كالشفيع
يسقط شفعته قبل البيع ويلزمها قيمة نفسها أومأ إليه أحمد في رواية عبد الله وهو مذهب الشافعي لأنه
أزال ملكه منها بشرط عوض لم يسلم له فاستحق الرجوع بقيمته كالبيع الفاسد إذا تلفت السلعة في
يد المشتري والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول، ويحتمل أن لا يلزمها شئ بناء على ما إذا قال لعبده
أعتقتك على أن تعطيني ألفا وهذا قول مالك وزفر لأن هذا ليس بلفظ شرط فأشبه ما لو قال أعتقتك
وزوجيني نفسك وتعتبر القيمة حالة العتق ويطالبها بها في الحال إن كانت قادرة عليها، وإن كانت
معسرة فهل تنظر إلى الميسرة أو تجبر على الكسب؟ على روايتين أصلهما في المفلس هل يجبر على
الكسب؟ على روايتين
(فصل) وإن اتفق السيد وأمته على أن يعتقها وتزوجه نفسها فتزوجها على ذلك صح ولا مهر
لها غير ما شرط من العتق وبه قال أبو يوسف وقال أبو حنيفة والشافعي لا يكون العتق صداقا لكن إن
تزوجها على القيمة التي له في ذمتها وهما يعلمان القيمة صح الصداق
425

ولنا أن العتق صلح صداقا في حق النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز في حق أمته كالدراهم ولأنه يصلح عوضا
في البيع فإنه لو قال أعتق عبدك على ألف جاز فلان يكون عوضا في النكاح أولى فإن النكاح لا يقصد
فيه العوض وعلى هذا لو تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد في رواية عبد الله. إذا ثبت
هذا فإن العتق يصير صداقا كما لو دفع إليها مالا ثم تزوجها عليه فإن بذلت له نفسها ليتزوجها فامتنع لم
يجبر وكانت له القيمة لأنها إذا لم تجبر على تزويجه نفسها لم يجبر هو على قبولها، وحكم المدبرة والمعتقة بصفة
وأم الولد حكم الأمة القن في جميع ما ذكرناه
(فصل) فإن أعتقت امرأة عبدها بشرط أن يتزوجها عتق ولا شئ عليه لأن النكاح يحصل به
الملك للزوج وليس بمملوك به فإذا اشترطت عليه اثبات الملك له لم يلزمه ذلك كما لو اشترطت عليه أن
تملكه دارا، ولو أراد العبد تزوجها لم تجبر لأن الشرط لها فلا يوجب عليها كما لو شرط السيد على أمته
أن تزوجه نفسها لم يلزمه ذلك
(فصل) ولا بأس أن يعتق الرجل الأمة ثم يتزوجها سواء أعتقها لوجه الله تعالى أو أعتقها
ليتزوجها، وكره أنس تزويج من أعتقها لله تعالى قال الأثرم قلت لأبي عبد الله روى شعبة عن قتادة
عن أنس أنه كره أن يعتق الأمة ثم يتزوجها فقال نعم قال إذا أعتقها لله كره أن يرجع في شئ منها
ولنا ما روى أبو موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن إليها
426

ثم أعتقها وتزوجها فذلك له أجران) متفق عليه، ولأنه إذا تزوجها فقد أحسن إليها باعفافها وصيانتها
فلم يكره كما لو زوجها غيره وليس في هذا رجوع فيما جعل الله فإنه إنما يتزوجها بصداقها فهو بمنزلة من
اشترى منها شيئا.
(فصل) وإذا أراد أن يتزوجها بعد عتقها لم يحتج إلى أن استبراء سوا كان يطؤها أو لم يكن لأن
الاستبراء لصيانة الماء ولا يصان ذلك عنه فإن اشترى أمة فأعتقها قبل أن يستبرئها لم يحل له أن
يتزوجها ولا يزوجها حتى يستبرئها لأنه كان واجبا فلا يسقط باعتاقه لها، قال أحمد في الرجل تكون له
الأمة لا يطؤها فيعتقها: لا يتزوجها من يومها حتى يستبرئها فإن كان يطؤها فأعتقها تزوجها من يومه ومتى شاء
لأنها في مائه، قال القاضي معنى قوله إن كان يطؤها أن يحل له وطؤها وهي التي قد استبرأها
وقول إن كان لا يطؤها أي لا يحل له وطؤها وهي التي لم يمض عليها زمان الاستبراء فلا يحل له
تزوجها حتى يستبرئها، وإذا مضى لها بعض الاستبراء قبل عتقها أتمته بعده ولا يلزمها استئناف الاستبراء
لأن الاستبراء وجب بالشراء لا بالعتق فيحسب ابتداؤه من حين وجد سببه
(فصل) وان قال أعتق عبدك على أن أزوجك ابنتي فأعتقه لم يلزمه أن يزوجه ابنته لأنه سلف
في النكاح وعليه قيمة العبد، وقال الشافعي في أحد قوليه لا يلزمه شئ لأنه لا فائدة له في العتق
ولنا أنه أزال ملكه عن عبده بعوض شرطه فلزمه عوضه كما لو قال أعتق عبدك عنى وعلي ثمنه
وكما لو قال طلق زوجتك وعلي الف فطلقها أو قال القي متاعك في البحر وعلي ثمنه وبهذه الأصول يبطل
قولهم انه لا فائدة له في العتق
427

(مسألة) قال (وإذا قال الخاطب للولي أزوجت فقال نعم وقال للزوج أقبلت قال نعم فقد
انعقد النكاح إذا حضره شاهدان)
وقال الشافعي لا ينعقد حتى يقول معه زوجتك ابنتي ويقول الزوج قبلت هذا التزويج لأن
هذين ركنا العقد ولا ينعقد بدونهما.
ولنا أن نعم جواب لقوله أزوجت وقبلت والسؤال يكون مضمرا في الجواب معادا فيه فيكون معنى
نعم من الولي زوجته ابنتي ومعنى نعم من المتزوج قبلت هذا التزويج ولا احتمال فيه فيجب أن ينعقد به
ولذلك لما قال الله تعالى (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا نعم) كان اقرارا منهم بوجد ان ذلك أنهم وجدوا
ما وعدهم ربهم، حقا ولو قيل لرجل لي عليك ألف درهم قال نعم كان اقرار صحيحا لا يفتقر إلى نية ولا
يرجع في ذلك إلى تفسيره وبمثله تقطع اليد في السرقة فوجب أن ينعقد به التزويج كما لو لفظ بذلك
(فصل) ولو قال زوجتك ابنتي فقال قبلت انعقد النكاح، وقال الشافعي في أحد قوليه
لا ينعقد حتى يقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج لأنه كناية في النكاح يفتقر إلى النية، والاضمار
فلم ينعقد به كلفظ الهبة والبيع
ولنا أن القبول صريح في الجواب فانعقد به كما ينعقد به البيع وسائر العقود وقولهم يفتقر إلى النية ممنوع
فإنه جواب فلا ينصرف الا إلى المذكور
(فصل) وينعقد النكاح بلفظ الانكاح والتزويج، والجواب عنهما إجماعا وهما اللذان ورد بهما
نص الكتاب في قوله سبحانه (زوجناكها) وقوله سبحانه (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)
وسواء اتفقا من الجانبين أو اختلفا مثل أن يقول زوجتك بنتي هذه فيقول قبلت هذا النكاح أو هذا
428

التزوج، ولا ينعقد بغير لفظ الانكاح والتزويج وبهذا قال سعيد بن المسيب وعطاء والزهري وربيعة
والشافعي، وقال الثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأبو عبيد وداود ينعقد بلفظ
الهبة والصدقة والبيع والتمليك، وفي لفظ الإجارة عن أبي حنيفة روايتان، وقال مالك ينعقد بذلك
إذا ذكر المهر، واحتجوا بان النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة فقال (قد ملكتكها بما معك من القرآن)
رواه البخاري ولأنه لفظ ينعقد به تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فانعقد به نكاح أمته كلفظ الانكاح والتزويج
ولأنه أمكن تصحيحه بمجازه فوجب تصحيحه كايقاع الطلاق بالكنايات
ولنا قوله تعالى (وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك
من دون المؤمنين) فذكر ذلك خالصا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به
النكاح كلفظ الإجازة والإباحة والاحلال، ولأنه ليس بصريح في النكاح فلا ينعقد به كالذي ذكرنا
وهذا لأن الشهادة شرط في النكاح، والكناية إنما تعلم بالنية ولا يمكن الشهادة على النية لعدم اطلاعهم عليها
فيجب أن لا ينعقد، وبهذا فارق بقية العقود والطلاق، وأما الخبر فقد روي زوجتكها وأنكحتكها وزوجناكها
من طرق صحيحة، والقصة واحدة والظاهر أن الراوي روى بالمعنى ظنا منه أن معناها واحد فلا
تكون حجة وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الألفاظ فلا حجة لهم فيه لأن النكاح انعقد بأحدها والباقي فضلة
(فصل) ومن قدر على لفظ النكاح بالعربية لم يصح بغيرها وهذا أحد قولي الشافعي وعند أبي حنيفة
ينعقد لأنه اتى بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بلفظ العربية
429

ولنا انه عدل عن لفظ الانكاح والتزويج مع القدرة فلم يصح كلفظ الاحلال، فأما من لا يحسن
العربية فيصح منه عقد النكاح بلسانه لأنه عاجز عما سواء فسقط عنه كالأخرس ويحتاج أن يأتي بمعناهما
الخاص بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي، وليس على من لا يحسن العربية تعلم ألفاظ الانكاح بها،
وقال أبو الخطاب عليه أن يتعلم لأن ما كانت العربية شرطا فيه لزمه أن يتعلمها مع القدرة كالتكبير
ووجه الأول ان النكاح غير وأحب فلم يجب تعلم أركانه بالعربية كالبيع بخلاف التكبير، فإن كان أحد المتعاقدين
يحسن العربية دون الآخر أتى الذي يحسن العربية بها والآخر يأتي بلسانه، فإن كان أحدهما لا يحسن
لسان الآخر احتاج أن يعلم أن اللفظة التي اتى بها صاحبه لفظة الانكاح أن يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعا
(فصل) فأما الأخرس فإن فهمت إشارته صح نكاحه بها لأنه معنى لا يستفاد إلا من جهة واحدة
فصح بإشارته كبيعه وطلاقه ولعانه، وان لم تفهم إشارته لم يصح منه كما لم يصح غيره من التصرفات
القولية، ولان النكاح عقد بين شخصين ولابد من فهم كل واحد منهما ما يصدر من صاحبه، ولو فهم
ذلك صاحبه العاقد معه لم يصح حتى يفهم الشهود أيضا لأن الشهادة شرط ولا يصح على ما لا يفهم،
قال أحمد لا يزوجه وليه يعني إذا كان بالغا لأن الخرس لا يوجب الحجر فهو كالصم
(فصل) إذا تقدم القبول على الايجاب لم يصح رواية واحدة سواء كان بلفظ الماضي مثل أن
يقول تزوجت ابنتك فيقول زوجتك أو بلفظ الطلب كقوله زوجني ابنتك فيقول زوجتكها. وقال
أبو حنيفة ومالك والشافعي يصح فيهما جمعيا لأنه قد وجد الايجاب والقبول فيصح كما لو تقدم الايجاب
ولنا أن القبول إنما يكون للايجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولا لعدم معناه فلم يصح كما لو تقدم
430

بلفظ الاستفهام، ولأنه لو تأخر عن الايجاب بلفظ الطلب لم يصح فإذا تقدم كان أولى كصيغة الاستفهام
ولأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك ابنتي لم يصح
فلان لا يصح إذا أتى بغيرها أولى، وأما البيع فلا يشترط فيه صيغه الايجاب والقبل بل
يصح بالمعاطاة. ولأنه لا يتعين فيه لفظ بل يصح بأي لفظ كان مما يؤدي المعنى ولا يلزم الخلع
لأنه يصح تعليقه على الشروط
(فصل) وإذا عقد النكاح هازلا أو تلجئة صح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاث هزلهن جد وجدهن
جد: الطلاق والنكاح والرجعة) رواه الترمذي. وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نكح
لاعبا أو طلاق لاعبا أو أعتق لاعبا جاز) قال عمر أربع جائزات إذا تكلم بهن الطلاق والنكاح
والعتاق والنذر وقال علي أربع لا لعب فيهن: الطلاق والعتاق والنكاح والنذر
(فصل) إذا تراخى القبول عن الايجاب صح ماداما في المجلس ولم يتشاغلا عنه بغيره لأن حكم
المجلس حكم حالة العقد بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه وثبوت الخيار في عقود المعاوضات فإن
تفرقا قبل القبول بطل الايجاب فإنه لا يوجد معناه فإن الاعراض قد وجد من جهته بالتفرق فلا
يكون قبولا وكذلك أن تشاغلا عنه بما يقطعه لأنه معرض عن العقد أيضا بالاشتغال عن قبوله. وقد
نقل أبو طالب عن أحمد في رجل مشى إليه قوم فقالوا له زوج فلانا قال قد زوجته على الف فرجعوا
إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت هل يكون هذا نكاحا؟ قال نعم، قال القاضي هذا محمول على أنه
وكل من قبل العقد في المجلس. وقال أبو بكر مسألة أبي طالب فتوجه على قولين واختار انه لابد من
القبول في المجلس وهو الصحيح إن شاء الله تعالى
431

(فصل) فإن أوجب النكاح ثم زال عقله بجنون أو اغماء بطل حكم الايجاب ولم ينعقد بالقبول
بعده ما لم يضامه القبول لم يكن عقدا فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون وهذا
مذهب الشافعي وان زال عقله بنوم لم يبطل حكم الايجاب لأنه لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هذا
(فصل) ولا يثبت في النكاح خيار وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط ولا نعلم أحدا
خالف في هذا وذلك لأن الحاجة غير داعية إليه فإنه لا يقع في الغالب إلا بعد ترو وفكر ومسألة كل
واحد من الزوجين عن صاحبه والمعرفة بحاله بخلاف البيع الواقع في الأسواق من غير فكر ولا روية
ولان النكاح ليس بمعاوضة محضة ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا صفة ويصح من غير تسمية
العوض ومع فساده ولان ثبوت الخيار فيه يفضي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة فإن في فسخه بعد العقد
ضررا بالمرأة ولذلك أوجب الطلاق قبل الدخول نصف الصداق
(فصل) ويستحب أن يخطب العاقد أو غيره قبل التواجب ثم يكون العقد بعده لقول النبي
صلى الله عليه وسلم (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع) وقال (كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد
الجذماء) رواهما ابن المنذر ويجرئ من ذلك أن يحمد الله ويتشهد ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمستحب
أن يخطب بخطبة عبد الله بن مسعود التي قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة قال
التشهد في الحاجة ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات
(اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله
432

كان عليكم رقيبا - اتقوا الله وقولوا قلا سديدا يصلح لكم أعمالكم) الآية رواه أبو داود
والترمذي وقال حديث حسن قال الخلال ثنا أبو سليمان إمام طرسوس قال كان الإمام أحمد بن حنبل
إذا حضر عقد نكاح فلم يخطب فيه بخطبة عبد الله بن مسعود قام وتركهم وهذا كان من أبي عبد الله من
المبالغة في استحبابها لا على الايجاب فإن حرب بن إسماعيل قال قلت لأحمد فيجب أن تكون خطبة النكاح
مثل قول ابن مسعود فوسع في ذلك وقد روي عن عمر أنه كان إذا دعي ليزوج قال لا تغصفوا علينا
الناس الحمد لله وصل الله على محمد إن فلانا يخطب إليكم فإن أنكحتموه فالحمد لله وان رددتموه فسبحان الله
والمستحب خطبة واحدة يخطبها الولي أو الزوج أو غيرهما وقال الشافعي المسنون خطبتان هذه التي ذكرناها
في أوله وخطبة من لزوج قبل قبوله والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف خطبة
واحدة وهو أولى ما اتبع.
(فصل) والخطبة غير واجبة عند أحد من أهل العلم علمناه الا داود فإنه أوجبها لما ذكرناه
ولنا أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله زوجنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (زوجتها بما معك
من القرآن) متفق عليه ولم يذكر خطبة وخطب إلى عمر مولاة له فما زاد على أنه قال أنكحناك على
ما أمر الله على امساك بمعروف أو تسريح باحسان وقال جعفر بن محمد عن أبيه إن كان الحسين
ليزوج بعض بنات الحسن وهو يتعرق العرق رواهما ابن المنذر وروي أبو داود باسناده عن رجل
من بني سليم قال خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد
433

ولأنه عقد معاوضة فلم تجب فيه الخطبة كالبيع وما استدلوا به يدل على عدم الكمال بدون
الخطبة لا على الوجوب
(فصل) ويستحب اعلان النكاح والضرب فيه بالدف قال أحمد يستحب أن يظهر النكاح
ويضر ب فيه بالدف حتى يشتهر ويعرف وقيل له ما الدف؟ قال هذا الدف قال لا بأس
بالغزل في العرس بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار (أتيناكم أتيناكم فحيونا نحيكم لولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السوداء ما سرت عذاريكم) لاعلى ما يصنع الناس اليوم ومن غير هذا الوجه (ولولا الحنطة
الحمراء ما سمنت عذاريكم.
وقال أحمد أيضا يستحب ضرب الدف والضرب في الاملاك فقيل له ما الصوت؟ قال يتكلم ويتحدث
ويظهر والأصل في هذا ما روى محمد بن حاطب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فصل ما بين الحلال والحرام الصوت
والدف في النكاح؟ رواه النسائي وقال عليه السلام (أعلنوا النكاح - وفي لفظ - أظهر والنكاح)
وكان يحب أن يضرب عليها بالدف، وفي لفظ (واضربوا عليه بالغربال)
وعن عائشة أنها زوجت يتيمة رجلا من الأنصار وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها قالت
فلما رجعنا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما قلتم يا عائشة؟ - قالت سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا فقال - ان الأنصار
قوم فيهم غزل الا قلتم يا عائشة آتيناكم آتيناكم فحيانا وحياكم؟) روى هذا كله أبو عبد الله بن ماجة في سننه،
وقال أحمد رحمه الله لا بأس بالدف في العرس الختان وأكره الطبل وهو المنكر وهو الكوبة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم
(فصل) فإن عقده بولي وشاهدين فأسروه أو تواصوا بكتمانه كره ذلك وصح النكاح وبه يقول
434

أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر وممن كره نكاح السر عمر رضي الله عنه وعروة وعبد الله بن عبيد الله
ابن عتبة والشعبي ونافع مولى ابن عمر. وقال أبو بكر عبد العزيز النكاح باطل لأن أحمد قال إذا تزوج لولي
وشاهدين: لا حتى يعلنه وهذا مذهب مالك والحجة لهما ما تقدمك في الفصل الذي قبل هذا
ولنا قوله (لا نكاح إلا بولي) مفهومه انعقاده بذلك وإن لم يوجد الاظهار، ولأنه عقد معاوضة فلم
يشترط اظهاره كالبيع وأخبار الاعلان يراد بها الاستحباب بدليل أمره فيها بالضرب بالدف والصوت
وليس ذلك بواجب فكذلك ما عطف عليه، وقول أحمد: لا، نهي كراهة فإنه قد صرح فيما حكينا عنه
قبل هذا باستحباب ذلك ولان اعلان النكاح والضرب فيه بالدف إنما يكون في الغالب بعد عقده ولو
كان شرطا لاعتبر حالة العقد كسائر الشروط
(فصل) ويستحب عقد النكاح يوم الجمعة لأن جماعة من السلف استحبوا ذلك منهم سمرة بن
حبيب وراشد بن سعيد وحبيب بن عتبة ولأنه يوم شريف ويوم عيد فيه خلق الله آدم عليه السلام
والمساية أولى بأن أبا حفص روى باسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(مسوا بالاملاك فإنه أعظم للبركة) ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل لانتظاره
(فصل) ويستحب أن يقال للمتزوج بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير وعافية
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن أثر صفرة فقال (ما هذا؟) فقال إني
تزوجت امرأة على وزن نواة بن ذهب قال (بارك الله لك أو لم ولو بشاة) متفق عليه قال بعض
أهل العلم وزن النواة خمسة دراهم وذلك ثلاثة مثا قيل ونصف من الذهب وقال المبرد الصواب عند
435

أهل العم بالعربية أن يقال على نواة فحسب فإن النواة عندهم اسم خمسة دراهم كما أن الأوقية أربعون
درهما والنش عشرون والله أعلم
(فصل) ويستحب أن يقول إذا زفت إليه ما روى صالح بن أحمد في مسائلة عن أبيه حدثنا داود
عن أبي نضرة عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال تزوج فحضره عبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة
وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فقدموه وهو مملوك فصلى بهم ثم قالوا له إذا
دخلت على أهلك فصل ركعتين ثم خذ برأس أهلك فقل اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في وارزقهم
مني وارزقني منهم ثم شأنك وشأن أهلك وروى أبو داود باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا تزوج أحدكم امرأة واشترى خادما فليقل اللهم إني
أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ
بذروة سنامه وليقل مثل ذلك)
(مسألة) قال (وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات)
أجمع أهل العلم على هذا ولا نعلم أحدا خالفه الا شيئا يحكى عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعا
لقول الله تعالى [فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع] والواو للجمع ولان النبي
صلى الله عليه وسلم مات عن تسعل وهذا ليس بشئ لأنه خرق للاجماع وترك للسنة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لغيلان بين سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) وقال نوفل بن معاوية
436

أسلمت وتحتي خمس نسوة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (فارق واحدة منهن) رواهما الشافعي في مسنده
وإذا منع من استدامة زيادة عن أربع فالابتداء أولى فالآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع
كما قال (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) ولم يرد أن لكل ملك تسعة أجنحة ولو أراد ذلك لقال
تسعة ولم يكن للتطويل معنى ومن قال غير هذا فقد جهل اللغة العربية، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمخصوص
بذلك ألا ترى أنه جمع بين أربعة عشر
(مسألة) قال (وليس للعبد أن يجمع إلا اثنتين)
أجمع أهل العلم على أن للعبد أن ينكح اثنتين واختلفوا في إباحة الأربع فمذهب احمد أنه لا يباح
له إلا اثنتان وهذا قول عمر رضي الله عنه وعلي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وبه قال عطاء
والحسن والشعبي وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله
وطاوس ومجاهد والزهري وربيعة ومالك وأبو ثور وداود له نكاح أربع لعموم الآية ولأن هذه
طريقة اللذة والشهوة فساوي العبد الحر فيه كالمأكول
ولنا قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا، وقد روى
ليث بن بني سليم عن الحكم بن قتيبة قال. أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا ينكح
أكثر من اثنتين ويقوي هذا ما روى الإمام أحمد باسناده عن محمد بن سيرين أن عمر رضي الله عنه سأل
الناس: كم يتزوج العبد؟ فقال عبد الرحمن بن عوف باثنتين وطلاقه باثنتين فدل هذا على أن ذلك
437

كان بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر وهذا يخص عموم الآية على أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار
وهو قوله (أو ما ملكت أيمانكم) ويفارق النكاح المأكول فإنه مبني على التفضل ولهذا فارق النبي صلى الله عليه وسلم
فيه أمته ولان فيه ملكا والعبد ينقص في الملك عن الحر
(مسألة) قال (وله أن يتسرى باذن سيده)
هذا هو المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والشعبي والنخعي
والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبي ثور وكره ذلك ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان والثوري
وأصحاب الرأي، وللشافعي قولان مبنيان على أن العبد هل يملك بتمليك سيده أولى؟ وقال القاضي
أبو يعلى يجب أن يكون في مذهب احمد في تسري العبد وجهان مبنيان على الروايتين في ثبوت الملك
له بتمليك سيده واحتج من منع ذلك بان العبد لا يملك المال ولا يجوز الوطئ إلا في نكاح أو ملك
يمين لقول الله تعالى (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء
ذلك فأولئك هم العادون
ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفا وروي الأثرم باسناده عن ابن
عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يتسرى العبد ونحوه عن ابن عباس ولان العبد يملك في النكاح فملك
التسري كالحر وقولهم إن العبد لا يملك المال ممنوع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اشترى عبدا وله مال)
فجعل المال له ولأنه آدمي فملك المال كالحر وذلك لأنه بآدميته يتمهد لأهلية الملك إذ كان الله تعالى
438

خلق الأموال للآدميين ليستعينوا بها على القيام بوظائف التكاليف وأداء العبادات قال الله تعالى
(هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) والعبد داخل في العموم ومن أهل التكليف والعبادات فيكون أهلا
للملك ولذلك ملك في النكاح وإذا ثبت الملك للجنين مع كونه نطفة لا حياة فيها باعتبار مآله إلى
الآدمية فالعبد الذي هو آدمي مكلف أولى
إذا ثبت هذا فلا يجوز له التمري الا باذن سيده ولو ملكه سيده جارية لم يبح له وطؤها حتى
يأذن له فيه لأن ملكه ناقص ولسيده نزعه منه متى شاء من غير فسخ عقد فلم يكن له التصرف فيه الا
باذن سيده فإن أذن له فقال تسريها أو أذنت لك في وطئها أو ما دل عليه أبيح له وما ولد له من
التسري فحكمه حكم ملكه لأن الجارية مملوكة له فكذلك ولدها، وان تسرى بغير اذن سيده فالولد ملك سيده
(فصل) وله التسري بما شاء إذا أذن له السيد في ذلك نص عليه أحمد لأن من جاز له التسري
جاز من غير حصر كالحر فإن أذن له وأطلق التسري تسرى بواحدة وكذلك إذا أذن له في التزويج
لم يجز أن يتزوج أكثر من واحدة وبهذا قال أصحاب الرأي وأبو ثور، وإذا أذن له في التزويج فعقد
على اثنتين في عقد جاز. ولنا أن الاذن المطلق يتناول أقل ما يقع عليه لاسم يقينا وما زاد مشكوك
فيه فيبقي في عقد جاز. ولنا أن الاذن المطلق يتناول أقل ما يقع عليه لاسم يقينا وما زاد مشكوك
فيه فيبقي على الأصل كما لو أذن له في طلاق امرأته لم يكن له أن يطلق أكثر من واحدة، ولان الزائد على
الواحدة يحتمل أن يكون غير مراد فيبقى على أصل التحريم كما لو شك هل أذن له أولا؟
(فصل) والمكاتب كالعبد القن لا يتزوج ولا يتسرى إلا باذن سيده لأن في ذلك إتلافا للمال
الذي فيه يديه وقد قال عليه السلام (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وأما المعتق بعضه فإذا ملك
439

يجزئه الحر جارية فملكه تام وله الوطئ بغير اذن سيده لقوله سبحانه (أو ما ملكت أيمانكم) ولان
ملكه عليها تام له التصرف فيها بما شاء بغير اذن سيده فكذلك الوطئ وما فيه من الرق لا يمنعه من استيفاء
ما يملكه كما له ان يتصرف ويأكل ما ملكه بنصفه الحر. وقال القاضي حكمه حكم القن وهو منصوص
الشافعي، وقال بعض أصحابه كقولنا، واحتج من منع ذلك بأنه لا يمكنه الوطئ بنصفه الحر وحده
وكذلك منعناه التزويج حتى يأذن له سيده
ولنا انه لا حق لسيد فيها ولا يلحقه ضرر باستمتاعه منها فلم يعتبر اذنه فيها كاستخدامها
وأما التزويج فإنه يلزمه به حقوق تتعلق بجملته فاعتبر رضى السيد ليكون راضيا بتعلق الحق بملكه بخلاف
مسئلتنا فإن الحق له لا عليه فأما ان اذن له سيده فيه جاز الا عند من متع العبد التسري لأنه كالقن في قولهم
(فصل) نقل محمد بن ماهان عن أحمد لا بأس للعبد أن يتسرى إذا أدن له سيده فإن رجع
السيد فليس له أن يرجع إذا أذن له امرة وتسرى وكذلك نقل عنه إبراهيم بن هاني ويعقوب بن
بختان ولم أر عنه خلاف هذا، فظاهر هذا انه إذا تسرى باذن السيد لم يملك السيد الرجوع لأنه يملك
به البضع فلم يملك سيده فسخه قياسا على النكاح
وقال القاضي يحتمل انه أراد بالتسري ههنا التزويج وسماء تسريا مجازا ويكون للسيد الرجوع
فيما ملك عبده وظاهر كلام أحمد خلاف هذا وذلك لأنه ملكه بضعا أبيح له وطؤها فلم يملك رجوعه فيه كما لو زوجه
440

(مسألة) قال (ومتى طلق الحر أو العبد طلاقا يملك الرجعة أو لا يملك لم يكن له
أن يتزوج أختها حتى تنقضي عدتها وكذلك إذ ا طلق واحدة من أربع لم يتزوج حتى تنقضي
عدتها وكذلك العبد إذا طلق إحدى زوجتيه)
وجملة ذلك أن الرجل إذا تزوج امرأة حرمت عليه أنها على التأبيد وتحرم عليه أختها وعمتها
وخالتها وبنت أخيها وبنت أختها تحريم جمع وكذلك أن تزوج الحر أربعا حرمت الخامسة تحريم جمع
وان تزوج العبد اثنين حرمت الثالثة تحريم جمع فإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا فالتحريم باق بحاله في
قولهم جميعا. وإن كان الطلاق بائنا أو فسخا فكذلك عند اما سنا حتى تنقضي عدتها، وروي ذلك عن
علي وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد والنخعي والثوري وأصحاب الرأي.
وقال القاسم بن محمد وعروة وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر: له نكاح
جميع من سمينا في تحريم الجمع روي ذلك عن زيد بن ثابت لأن المحرم الجمع بينهما في النكاح
بدليل قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم) أي نكاحهن ثم قال (وان تجمعوا بين الأختين الا ما
قد سلف) معطوفا عليه والبائن ليست في نكاحه ولأنها بائن فأشبهت المطلقة قبل الدخول
ولنا قول علي وابن عباس وروي عن عبيدة السلماني أنه قال ما أجمعت الصحابة على شئ كاجماعهم
441

على أربع قبل الظهر وأن لا تنكح امرأة في عدة أختها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين) وروي عن أبي الزناد قال كان للوليد بن عبد الملك
أربع نسوة فطلق واحدة البتة وتزوج قبل أن تحل فعاب ذلك عليه كثير من الفقهاء وليس كلهم
عابه قال سعيد بن منصور إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأي شئ بقي؟ ولأنها محبوسة عن النكاح
لحقه أشبه ما لو كان الطلاق رجعيا ولأنها معتدة في حقه أشبهت الرجعية وفارق المطلقة
قبل الدخول بها.
(فصل) ولو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية أو انفسخ النكاح بين الزوجين بخلع أو رضاع أو
فسخ بعيب أو إعسار أو غيره لم يكن له أن يتزوج أحدا ممن يحرم الجمع بينه وبين زوجته حتى تنقضي
عدتها سواء قلنا بتعجيل الفرقة أو لم نقل وان أسلمت زوجته فتزوج أختها في عدتها ثم أسلما في عدة
الأولى اختار منهما واحدة كما لو تزوجهما معا وان أسلم بعد انقضاء عدة الأولى بانت وثبت نكاح الثانية
(فصل) إذا أعتق أم الولد أو أمة كان يصيبها فليس له أن يتزوج أختها حتى ينقضي استبراؤها
نص عليه أحمد في أم الولد وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن يجوز لأنها ليست زوجة ولا في عدة من نكاح
ولنا أن ها معتدة منه فلم يجز له نكاح أختها كالمعتدة من نكاح أو وطئ بشبهة ولأنه لا يأمن أن
يكون ماؤه في رحمها فيكون داخلا في عموم من جمع ماءه في رحم أختين ولا يمنع من نكاح أربع سواها
442

ومنعه زفر وهو غلط لأن ذلك جائز قبل اعتاقها فبعده أولى
(فصل) ولا يمنع من نكاح أمة في عدة حرة بائن ومنعه أبو حنيفة كما يحرم عليه أن يتزوجها
في صلب نكاحها.
ولنا أنه عادم للطول خائف للعنت فأبيح له نكاحها لقوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا)
الآية ولا نسلم أنه لا يجوز في صلب نكاح الحرة بل يجوز إذا تحقق الشرطان.
(فصل) وان زنا بامرأة فليس له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها وحكم العدة من الزنا
والعدة من وطئ الشبهة كحكم العدة من النكاح فإن زنا بأخت امرأته فقال احمد يمسك عن وطئ
امرأته حتى تحيض ثلاث حيض وقد ذكر عنه في المزني بها أنها تستبري بحيضة لأنه وطئ من غير
نكاح ولا أحكامه أحكام النكاح ويحتمل أن لا تحرم بذلك أختها ولا أربع سواها لأنها ليست منكوحة
ومجرد الوطئ لا يمنع بدليل الوطئ في ملك اليمين لا يمنع أربعا سواها
(فصل) وإذا ادعى الزوج أن امرأته أخبرته بانقضاء عدتها في مدة يجوز انقضاؤها فيها
وكذبته أبيح له نكاح أختها وأربع سواها في الظاهر فأما في الباطن فيبنى على صدقه في ذلك
لأنه حق فيما بينه وبين الله تعالى فيقبل قوله فيه ولا يصدق في نفي نفقتها وسكناها ونفي النسب لأنه
حق لها ولولدها فلا يقبل قوله فيه وبه قال الشافعي وغيره وقال زفر لا يصدق في شئ لأنه قول
443

واحد لا يصدق في بعض حكمه فلا يصدق في البعض الآخر قياسا لأحدهما على الآخر وذلك لأنه
لا يمكن أن يكون القول الواحد صدقا كذبا
ولنا أنه قول يتضمن إبطال حق لغيره وحقا له لا ضرر على غيره فيه فوجب أن يصدق في أحدهما
دون الآخر كما لو اشترى عبدا ثم أقر أن البائع كان أعتقه صدق في حريته ولم يصدق في الرجوع
بثمنه وكما لو أقر أن امرأته أخته من الرضاع قبل الدخول صدق في بينونتها وتحريمها عليه ولم يصدق
في سقوط مهرها.
(مسألة) قال (ومن خطب امرأة فزوج بغيرها لم ينعقد النكاح)
معنى ذلك أن يخطب الرجل امرأة بعينها فيجاب إلى ذلك ثم يوجب له النكاح في غيرها وهو
يعتقد أنها التي خطبها فيقبل فلا ينعقد النكاح لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الايجاب فيه
فلم يصح كما لو ساومه بثوب وأوجب العقد في غيره بغير علم المشتري فول علم الحال بعد ذلك فرضي لم
يصح، قال احمد في رجل خطب جارية فزوجوه أختها ثم علم بعد يفرق بينهما ويكون الصداق على وليها
لأنه غره ويجهز إليه أختها التي خطبها بالصداق الأول فإن كانت تلك قد ولدت منه يحلق به الولد
وقوله يجهز إليه أختها يعني والله أعلم بعقد جديد بعد انقضاء عدة هذه إن كان أصابها لأن العقد الذي
444

عقده لم يصح في واحدة منهما لأن الايجاب صدر في إحداهما والقبول في أخرى فلم ينعقد في هذه ولا
في تلك فإن اتفقوا على تجديد عقد في إحداهما أيتهما كان جاز،
وقال أحمد في رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه أختها لها المهر بما أصاب منها ولأختها المهر قيل
يلزمه مهران؟ قال نعم ويرجع على وليها هذه مثل التي بها برص أو جذام علي يقول ليس عليه غرم
وهذا ينبغي أن يكون في امرأة جاهلة بالحال أو بالتحريم، أما إذا علمت أنها ليست زوجة وانها
محرمة عليه وأمكنته من نفسها فلا ينبغي أن يجب لها صداق لأنها زانية تطاوعه، فأما إن جهلت الحال
فلها المهر ويرجع به على من غره. وروي عن علي رضي الله عنه في رجلين تزوجا امرأتين فزفت كل
امرأة إلى زوج الأخرى لهما الصداق ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها وبه قال
النخعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي
(فصل) من شرط صحة النكاح تعيين الزوجين لأن كل عاقد ومعقود عليه يجب تعيينهما كالمشتري
والمبيع ثم ينظر فإن كانت المرأة حاضرة فقال زوجتك هذه صح فإن الإشارة تكفي في التعيين، فإن
زاد على ذلك فقال بنتي هذه أو هذه فلانة كان تأكيدا وإن كانت غائبة فقال زوجتك بنتي وليس
له سواها جاز فإن سماعا باسمها مع ذلك كان تأكيدا فإن كان له ابنتان أو أكثر فقال زوجتك ابنتي
لم يصح حتى يضم إلى ذلك ما تتميز به من اسم أو صفة فيقول زوجتك ابنتي الكبرى أو الوسطى
445

أو الصغرى فإن سماها مع ذلك كان تأكيدا، وإن قال زوجتك ابنتي عائشة أو فاطمة صح، وإن
كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فقال زوجتك فاطمة لم يصح لأن هذا الاسم مشترك بينها وبين
سائر الفواطم حتى يقول مع ذلك ابنتي
وقال بعض الشافعية يصح إذ نوياها جميعا وليس بصحيح لأن النكاح تعتبر فيه الشهادة على
وجه يمكن أداؤها إذا ثبت به العقد وهذا متعذر في النية فلذلك لو قال زوجتك ابنتي وله بنات لم
يصح حتى يميزها بلفظه، وإن قال زوجتك فاطمة ابنة فلان احتاج أن يرفع في نسبها حتى يبلغ
ما تتميز به عن النساء
(فصل) فإن كان له ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال زوجتك ابنتي عائشة
وقبل الزوج ذلك وهما ينويان الصغرى لم يصح ذكره أبو حفص، وقال القاضي يصح في التي نوياها
وهذا غير صحيح لوجهين:
(أحدهما) أنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه فأشبه ما لو قال زوجتك عائشة فقط أو
ما لو قال زوجتك ابنتي ولم يسمها، وإذا لم يصح فيما إذا لم يسمها ففيما إذا سماها بغير اسمها
أولى أن لا يصح.
(والثاني) أنه لا يصح النكاح حتى تذكر المرأة بما تتميز به ولم يوجد ذلك فإن اسم أختها
446

لا يميزها بل يصرف العقد عنها، وإن كان الولي يريد الكبرى والزوج يقصد الصغرى لم يصح كمسألة
الخرقي فيما إذا خطب امرأة وزوج غيرها لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الايجاب فيه ويحتمل
أن يصح إذا لم يتقدم ذلك ما يصرف القبول إلى الصغرى من خطبة ونحوها فإن العقد بلفظه
متناول للكبرى ولم يوجد ما يصرفه عنها فصح كما لو نوياها ولو نوى الولي الصغرى والزوج الكبرى
أو نوى الولي الكبرى ولم يدر الزوج أيتهما هي فعلى الأول لا يصح التزويج لعدم النية منهما في التي
يتناولها لفظهما وعلى الاحتمال الذي ذكرناه يصح في المعينة باللفظ لما ذكرنا ه
(فصل) فإن كان له ابنة واحدة فقال لرجل زوجتك ابنتي وسماها بغير اسمها فقال القاضي يصح وهو
قول أصحاب الشافعي لأن قوله بنتي آكد من التسمية لأنها لا مشاركة فيها والاسم مشترك ولو قال زوجتك
هذه وأشار إليها وسماها بغير اسمها يجب أن يصح على هذا التعليل
(فصل) ولو قال زوجتك حمل هذه المرأة لم يصح لأنه لم يثبت له حكم البنات قبل الظهور في غير
الإرث والوصية ولأنه لم يتحقق أن في البطن بنتا فأشبه ما لو قال زوجتك من في هذه الدار وهما لا يعلمان
ما فيها ولو قال إذا ولدت امرأتي بنتا زوجتكها لم يصح لأنه تعليق للنكاح على شرط والنكاح لا يتعلق على
شرط ولان هذا مجرد وعد لا ينعقد به عقد
447

(مسألة) قال (وإذا تزوجها وشرط لها ان لا يخرجها من دارها وبلدها فلها شرطها
لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) وان
تزوجها وشرط لها ان لا يتزوج عليها فلها فراقه إذا تزوج عليها)
وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة (أحدها) ما يلزم الوفاء به وهود ما يعود
إليها نفعه وفائدته مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أولا يسافر بها أولا يتزوج عليها
ولا يتسرى عليها فهذا يلزمه الوفاء لها به فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح يروى هذا عن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر
ابن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاوس والأوزاعي وإسحاق، وأبطل هذه الشروط الزهري وقتادة
وهشام بن عروة ومالك والليث والثوري والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي قال أبو حنيفة
والشافعي ويفسد المهر دون العقد ولها مهر المثل واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب
الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) وهذا ليس في كتاب الله لأن الشرع لا يقتضيه وقال النبي صلى الله عليه وسلم
(المسلمون على شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) وهذا يحرم الحلال وهو التزويج
والتسري والسفر ولان هذا شرط ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه ولم بين على التغليب والسراية
فكان فاسدا كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ان أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) رواه سعيد وفي
448

(ان أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج) متفق عليه وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون
على شروطهم ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم فكان اجماعا وروى
الأثرم باسناده أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال لها شرطها
فقال الرجل إذا تطلقينا فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط لها فيه منفعة ومقصود لا يمنع
المقصود من النكاح فكان لازما كما لو شرطت عليه زيادة في المهر أو غير نقد البلد وقوله عليه السلام
(كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أي ليس في حكم الله وشرعه وهذا مشروع، وقد ذكرنا
ما دل على مشروعيته على أن الخلاف في مشروعيته وعلى من نفى ذلك الدليل، وقولهم ان هذا يحرم
الحلال قلنا لا يحرم حلالا وإنما يثبت المرأة خيار الفسخ إن لم يف لها، وقولهم ليس من مصلحته قلنا لا نسلم ذلك
فإنه من مصلحة المرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده كاشتراط الرهن والضمين في البيع
ثم يبطل بالزيادة على مهر المثل وشرط غير نقد البلد
إذا ثبت انه شرط لازم فلم يف لها به فلها الفسخ ولهذا قال الذي قضى عليه عمر بلزوم الشرط
إذ تطلقينا فلم يلتفت عمر إلى ذلك وقال مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط لازم في عقد فيثبت
حق الفسخ بترك الوفاء به كالرهن والضمين في البيع
(فصل) فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط لما روى أبو هريرة قال نهي النبي
صلى الله عليه وسلم أن تشترط المرأة طلاق أختها وفي لفظ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا نسأل المرأة طلاق أختها
لتنكح
449

والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ولأنها شرطت عليه فسخ عقده وإبطال حقه وحق امرأته فلم يصح كما
لو شرطت عليه فسخ بيعه. وقال أبو الخطاب هو شرط لازم لأنه لا ينافي العقد ولها فيه فائدة فأشبه ما لو
شرطت عليه أن لا يتزوج عليها ولم أر هذا لغيره، وقد ذكرنا ما يدل على فساده، وعلى قياس
هذا لو شرطت عليه بيع أمته
(القسم الثاني) ما يبطل الشرط ويصح العقد مثل أن يشترط أن لا مهر لها أو أن لا ينفق عليها أو ان
أصدقها رجع عليها، أو تشترط عليه أن لا يطالها أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قسم صاحبتها أو
أكثر أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة أو شرط لها النهار دون الليل أو شرط على المراة أن تنفق عليه
أو تعطيه شيئا، فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها لأنها تنافي مقتضي العقد، ولأنها تتضمن اسقاط
حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، فأما العقد في نفسه
فصحيح لأن هذه الشروط تعود إلى معني زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطل
كما لو شرط في العقد صداقا محرما، ولان النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط
الفاسد كالعتاق فقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة ثم
رجعت وقالت لا أرضى إلا ليلة وليلة فقال: لها أن تنزل بطيب نفس منها فإن ذلك جائز وان قالت
لا أرضى الا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه ان شاءت
ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط فإن
شاءت رجعت. وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم:
450

النكاح جائز ولها أن ترجع في هذا الشرط. وقد نقل عن أحمد كلام في بعض هذه الشروط يحتمل
إبطال العقد نقل عنه المروذي في النهاريات والليليات: ليس هذا من نكاح أهل الاسلام، وممن كره
تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن شبرمة
وقال الثوري: الشرط باطل وقال أصحاب الرأي إذا سألته أن يعدل لها عدل، وكان الحسن
وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأسا. وكان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها على أن يجعل لها في الشهر
أياما معلومة، ولعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط وإجازة من أجازه راجع إلى أصل
النكاح فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط كما قلنا والله أعلم
وقال القاضي إنما كره أحمد هذا النكاح لأنه يقع على وجه السر ونكاح السر منهي عنه فإن
شرط عليه ترك الوطئ احتمل أن يفسد العقد لأنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهذا مذهب الشافعي
وكذلك أن شرط عليه أن لا تسلم إليه فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا على أن لا يقبضه. وان شرط عليها أن
لا يطأها لم يفسد لأن الوطئ حقه عليها وهي لا تملكه عليه ويحتمل أن يفسد لأن لها فيه حقا ولذلك تملك
مطالبته به إذا آلى والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة
(القسم الثالث) ما يبطل النكاح من أصله مثل أن يشترطا تأقيت النكاح وهو نكاح المتعة أو أن
يطلقها في وقت بعينه أو يعلقه على شرط مثل أن يقول زوجتك إن رضيت أمها أو فلان أو يشترط
الخيار في النكاح لهما أو لأحدهما فهذه شروط باطلة في نفسها ويبطل بها النكاح وكذلك إن جعل صداقها
تزويج امرأة أخرى وهو نكاح الشغار ونذكر ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى
451

وذكر أبو الخطاب فيما إذا شرط الخيار ان رضيت أمها أو ان جاءها بالمهر في وقت كذا وإلا
فلا نكاح بينهما روايتين (أحدهما) النكاح صحيح والشرط باطل وبه قال أبو ثور فيما إذا شرط
الخيار، وحكاه عن أبي حنيفة وزعم أنه لا خلاف فيها: وقال ابن المنذر قال احمد وإسحاق إذا تزوجها
على أنه ان جاء بالمهر في وقت كذا وكذا ولا فلا نكاح بينهما الشرط باطل والعقد جائز وهو قول
عطاء والثوري وأبي حنيفة والأوزاعي وروى ذلك عن الزهري، وروى ابن منصور عن أحمد في هذا أن
العقد والشرط جائز ان لقوله عليه السلام (المسلمون على شروطهم)
(والرواية الأخرى) يبطل العقد من أصله في هذا كله لأن النكاح لا يكون إلا لازما وهذا
يوجب جوازه، ولأنه إذا قال إن رضيت أمها أو إن جئتني في وقت كذا فقد وقف النكاح على شرط
ولا يجوز وقفه على شرط وهذا قول للشافعي ونحوه عن مالك وأبي عبيد
(فصل) وإن شرط الخيار في الصداق خاصة لم يفسد النكاح لأن النكاح ينفرد عن ذكر الصداق
ولو كان الصداق حراما أو فاسدا لم يفسد النكاح فلان لا يفسد بشرط الخيار فيه أولى ويخالف البيع
فإنه إذا فسد أحد العوضين فيه فسد لآخر. فإذا ثبت هذا ففي الصداق ثلاثة أوجه
(أحدها) يصح الصداق ويبطل شرط الخيار كما يفسد الشرط في النكاح ويصح النكاح (والثاني)
يصح ويثبت الخيار فيه لأن عقد الصداق عقد منفرد يجرى مجرى الأثمان فثبت فيه الخيار كالبياعات
(والثالث) يبطل الصداق لأنها لم ترض به فلم يلزمها كما لو لم يوافقه على شئ
452

(مسألة) قال (ومن أراد أن يتزوج امرأة فله ان ينظهر إليها من غير أن يخلو بها)
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها وقد روى جابر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا خطب أحدكم المراة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)
قال فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها. رواه أبو داود وفي
هذا أحاديث كثيرة سوى هذا، ولان النكاح عقد يقتضي التمليك فإن للعاقد النظر إلى المعقود عليه
كالنظر إلى الأمة المستامة ولا بأس بالنظر إليها باذنها وغير اذنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالنظر وأطلق
وفي حديث جابر فكنت أتخبأ لها، وفي حديث عن المغيرة بن شعبة أنه استأذن أبويها في النظر إليها
فكرهاه فأذنت له المرأة رواه سعيد. ولا يجوز له الخلوة بها لأنها محرمة ولم يرد الشرع بغير النظر
فبقيت على التحريم ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يخلون رجل
بامرأة فإن ثالثهما الشيطان) ولا ينظر إليها نظرة تلذذ وشهوة ولا لريبة قال أحمد في رواية صالح
ينظر إلى الوجه ولا يكون عن طريق لذة وله أن يردد النظر الهيا ويتأمل محاسنها لأن المقصود
لا يحصل إلا بذلك
(فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها وذلك لأنه ليس بعورة وهو مجمع
المحاسن وموضع النظر ولا يباح له النظر إلى ما يظهر عادة، وحكى عن الأوزاعي أنه ينظر إلى مواضع
اللحم، وعن داود أنه ينظر إلى جميعها لظاهر قوله عليه السلام (انظر إليها)
453

ولنا قول الله (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) وروي عن ابن عباس أنه قال الوجه
وبطن الكف ولان النظر محرم أبيح للحاجة فيختص بما تدعو الحاجة إليه وهو ما ذكرنا والحديث مطلق
ومن ينظر إلى وجه إنسان سمي ناظرا إليه ومن رآه وعليه أثوابه سمي رائيا له كما قال الله تعالى (وإذا
رأيتهم تعجبك أجسامهم * وإذا رآك الذين كفروا) فأما ما يظهر غالبا سوى الوجه كالكفين والقدمين
ونحو ذلك مما تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان
[إحداهما] لا يباح النظر إليه لأنه عورة فلم يبح النظر إليه كالذي لا يظهر فإن عبد الله روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال (المرأة عورة) حديث حسن ولان الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه فبقي ما عداه على التحريم
[والثانية] له النظر إلى ذلك قال أحمد في رواية حنبل لا بأس أن ينظر إليها وإلى ما يدعوه
إلى نكاحها من يد أو جسم ونحو ذلك قال أبو بكر لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة وقال
الشافعي ينظر إلى الوجه والكفين ووجه جواز النظر ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر
إليها من غير علمها علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة إذ لا يمكن افراد الوجه بالنظر مع مشاركة
غيره له في الظهور ولأنه يظهر غالبا فأبيح النظر إليه كالوجه ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر
الشارع فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم وقد روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن
أبي جعفر قال خطب عمر بن الخطاب ابنة علي فذكر منها صغرا فقالوا له إنما ردك فعاوده فقال نرسل
بها إليك تنظر إليها فرضيها فكشف عن ساقيها فقالت ارسل لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك
(فصل) ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبا كالرقبة والرأس والكفين
454

والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى ما يستتر غالبا كالصدر والظهر ونحوهما قال الأثرم سألت أبا
عبد الله عن الرجل ينظر إلى شعر امرأة أبيه أو امرأة ابنه فقال هذا في القرآن (ولا يبدين زينتهن)
إلا لكذا وكذا قلت ينظر إلى ساق امرأة أبيه وصدرها قال لا يعجبني ثم قال أنا أكره أن ينظر من
أمه وأخته إلى مثل هذا والى كل شئ لشهوة وذكر القاضي أن حكم الرجل مع ذوات محارمه حكم
الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة وقال أبو بكر كراهية أحمد النظر إلى ساق أمه وصدرها على التوقي
لأن ذلك يدعو إلى الشهوة يعني أنه يكره ولا يحرم ومنع الحسن والشعبي والضحاك النظر إلى شعر ذوات
المحارم فروي عن هند ابنة المهلب قالت قلت للحسن ينظر الرجل إلى قرط أخته وإلى عنقها؟ قال
لا ولا كرامة وقال الضحاك لو دخلت على أمي لقلت أيتها العجوز غطي شعرك. والصحيح أنه يباح
النظر إلى ما يظهر غالبا لقول الله تعالى (ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن) الآية وقالت سهلة بنت
سهيل يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني
فضلا وقد أنزل فيهم ما علمت فيكف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (أرضعيه) فأرضعته خمس رضعات
فكان بمنزلة ولدها رواه أبو داود وغيره وهذا دليل على أنه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالبا فإنها
قالت يراني فضلا ومعناه في ثياب البذلة التي لا تستر أطرافها
وقال امرؤ القيس
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها * ولم يبق الا لبسة المتفضل
ومثل هذا يظهر منه الأطراف والشعر فكان براها كذلك إذا اعتقدته ولدا ثم دلهم النبي
455

صلى الله عليه وسلم على ما يستديمون به ما كانوا يعتقدونه ويفعلونه
وروى الشافعي في مسنده عن زينب بنت أبي سلمة انها ارتضعت من أسماء امرأة الزبير قالت
فكنت أراه أبا وكان يدخل علي وأنا أمشط رأسي فيأخذ ببعض قرون رأسي ويقول اقبلي علي، ولان
التحرز من هذا لا يمكن فأبيح كالوجه وما لا يظهر غالبا لا يباح لأن الحاجة لا تدعو إلى نظره ولا تؤمن
معه الشهوة ومواقعة المحظور فحرم النظر إليه كما تحت السرة.
(فصل) وذوات محارمه كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو تحريم المصاهرة بسبب
مباح لما ذكرنا من حديث سالم وزينب، وعن عائشة أن أفلح أخا أبى القعيس استأذن عليها بعد ما
أنزل الحجاب فأبت أن تأذن له فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ايذني له فإنه عمك تربت يمينك) وقد ذكر الله
تعالى آباء بعولتهن وأبناء بعولتهن كما ذكر آباءهن وأبناءهن في إبداء الزينة لهم، وتوقف أحمد عن النظر إلى شعر
أم امرأته وبنتها لأنهما غير مذكورتين في الآية، قال القاضي إنما حكى قول سعيد بن جبير ولم يأخذ به،
وقد صرح في رواية المروذي انه محرم يجوز له المسافرة بها، وقال في رواية أبي طالب: ساعة يعقد عقدة
النكاح تحرم عليه أم امرأته فله أن يرى شعرها ومحاسنها ليست مثل التي بزني بها لا يحل له أبدا أن ينظر
إلى شعرها ولا إلى شئ من جسدها وهي حرام عليه
(فصل) فأما أم المزني بها وابنتها فلا يحل له النظر إليهن وان حرم نكاحهن لأن تحريمهن بسبب
محرم فلم يفد إباحة النظر كالمحرمة باللعان وكذلك بنت الموطوءة بشبهة وأمها ليست من ذوات محارمه
وكذلك الكافر ليس بمحرم لقرابته المسلمة، قال أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت بنته لا يسافر بها
456

ليس هو محرما لها، والظاهر أنه أراد ليس محرما لها في السفر أما النظر فلا يجب عليها الحجاب منه
لأن أبا سفيان أتي المدينة وهو مشرك فدخل على ابنته أم حبيبة فطرت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا
يجلس عليه ولم تحتجب منه ولا أمرها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم
(فصل) وعبد المرأة له النظر إلى وجهها وكفيها لقول الله تعالى (أو ما ملكت ايمانهن) وروت
أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه، قال
الترمذي هذا حديث حسن صحيح وعن أبي قلابة قال كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من مكاتب
ما بقي عليه دينار، ورواه سعيد في سننه، وعن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة
ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال (انه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك) رواه أبو داود، وكره أبو عبد الله
له أن ينظر إلى شعر مولاته وهو قول سعيد بن المسيب وطاوس ومجاهد والحسن وأباح له ذلك ابن
عباس لما ذكرنا من الآيتين والحديثين ولان الله تعالى قال (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين
لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات - إلى قوله - ليس عليكم ولا عليهم جناح) ولأنه يشق التحرز منه فأبيح
له ذلك كذوي المحارم، وقال أصحاب الشافعي هو محرم حكمه حكم المحارم من الأقارب في أحد الوجهين
لما ذكرنا من الدليل، ولأنه محرم عليها فكان محرما كالأقارب
ولنا ما روى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سفر المرأة مع عبدها ضيعة) رواه سعيد
ولأنها لا تحرم عليه على التأبيد ولا يحل له استمتاعها فلم يكن محرما كزوج أختها ولأنه غير مأمون عليها
457

إذا ليست بينهما نفرة المحرمية والملك لا يقتضي النفرة الطبيعية بدليل السيد مع أمته وإنما أبيح له من
النظر ما تدعو الحاجة إليه كالشاهد والمبتاع ونحوهما وجعله بعض أصحابنا كالأجنبي لما ذكرناه،
والصحيح ما قلنا إن شاء الله تعالى.
(فصل) فأما الغلام فما دام طفلا غير مميز لا يجب الاستتار منه في شئ، وان عقل ففيه روايتان
(إحداهما) حكمه حكم ذي المحرم في النظر (الثانية) له النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة لأن الله
تعالى قال (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم - إلى قوله - ليس عليكم ولا
عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض - إلى قوله - وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم
فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) فدل على التفريق بين البالغ وغيره، قال أبو عبد الله: أبو طيبة
حجم نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام (ووجه الرواية الأولى) قوله أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات
النساء وقبل لأبي عبد الله متى تغطي المراة رأسها من الغلام؟ قال إذا بلغ عشر سنين
(فصل) ومباح لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسه حتى الفرج لما روى
بهز بن حكم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما تأني منها وما نذر؟ فقال لي (احفظ
عورتك الا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) رواه الترمذي وقال حديث حسن ولان الفرج يحل له الاستمتاع
به فجاز النظر إليه ولمسه كبقية البدن، ويكره النظر إلى الفرج فإن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت
فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رواه ابن ماجة، وفي لفظ قالت ما رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رآه
458

متي وقال احمد في رواية جعفر بن محمد في المرأة تقعد بين يدي زوجها وفي بيتها مكشوفة في ثياب رقاق لا بأس به
قلت تخرج من الدار إلى بيت مكشوفة الرأس وليس في الدار إلا هي وزوجها فرخص في ذلك
(فصل) ويباح للسيد النظر إلى جميع بدن أمته حتى فرجها لما ذكرنا في الزوجين وسواء في ذلك
سريته وغيرها لأنه مباح له الاستمتاع من جميع بدنها فأبيح له النظر إليه فإن زوج أمته حرم عليه
الاستمتاع والنظر منها إلى ما بين السرة والركبة لأن عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق
الركبة فإنه عورة) رواه أبو داود ومفهومه إباحة النظر إلى ما عداه، وأما تحريم الاستمتاع بها فلاشك
فيه ولا اختلاف فإنها قد صارت مباحة للزوج، ولا تحل امرأة لرجلين فإن وطئها لزمه الاثم والتعزير وان
ولدت فقال احمد لا يلحقه الولد لأنها فراش لغيره فلا يلحقه ولدها كالأجنبية
(فصل) فيمن يباح له النظر من الأجانب، يباح للطيب النظر إلى ما تدعوا إليه الحاجة من بدنها
من العورة وغيرها فإنه موضع حاجة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعد في بني قريظة كان يكشف عن
مؤتزرهم وعن عثمان انه أتى بغلام قد سرق فقال انظروا إلى مؤتزره فلم يجدوه أثبت الشعر فلم يقطعه
وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها، قال احمد لا يشهد على امرأة إلا
أن يكون قد عرفها بعينها وان عامل امرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها ليعلمها بعينها فيرجع
عليها بالدرك وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ولعله كرهه لمن يخاف الفتنة أو يستغنى
عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس
459

(فصل) فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فإنه محرم إلى جميعها في ظاهر كلام احمد
قال أحمد لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها كيف يأكل معها ينظر إلى كفها لا يحل
له ذلك، وقال القاضي يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لأنه عورة، ويباح له النظر إليها
مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر لغير شهوة وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى (ولا يبدين
زينتهن إلا ما ظهر منها) قال ابن عباس الوجه والكفين وروت عائشة أن أسماء بنت أبي بكر دخلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت
المحيص لم يصلح
أن يرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه رواه أبو بكر وغيره ولأنه ليس بعودة فلم يحرم النظر
إليه بغير ريبة كوجه الرجل
ولنا قول الله تعالى (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا
كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه) وعن أم سلمة قالت كنت قاعدة عند النبي
صلى الله عليه وسلم أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (احتجبن منه) رواه أبو داود وكان
الفضل ابن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته الخثعمية تستفتيه فجعل الفصل ينظر إليها وتنظر إليه
فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه عنها، وعن جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة
فأمرني أن أصرف بصري حديث صحيح وعن علي رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) رواهما أبو داود وفي إباحة لنظر إلى المرأة
إذا أراد تزويجها دليل على التحريم عند عدم ذلك إذ لو كان مباحا على الاطلاق فما وجه التخصيص
460

لهذه وأما حديث أسماء ان صح فيحتمل أنه كان قبل نزول الحجاب فنحمله عليه
(فصل) والعجوز التي لا يشتهى مثلها لا بأس بالنظر منها إلى ما يظهر غالبا لقول الله تعالى (والقواعد
من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) الآية قال ابن عباس في قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) الآية قال فنسخ واستثنى من ذلك القواعد من
النساء اللاتي لا يرجون نكاح الآية وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى
(فصل) والأمة يباح النظر منها إلى ما يظهر غالبا كالوجه والرأس واليدين والساقين لأن عمر
رضي الله عنه رأى امرأة متلثمة فضربها بالدرة وقال يا لكاع تشتبهين بالحرائر وروى أبو حفص
باسناده أن عمر كان لا يدع أمة تقنع في خلافته وقال إنما القناع للحرائر ولو كان نظر ذلك منها
محرما لم يمنع من ستره بل أمر به، وقد روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية قال الناس لا ندري
أجعلها أم المؤمنين أم أم ولد فقالوا إن حجبها فهي أم المؤمنين وان لم يحجبها فهي أم ولد فلما ركب
وطأ لها خلفه ومد الحجاب بينه وبين الناس متفق عليه، وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان
مستفيضا بينهم مشهورا وأن الحجب لغيرهن كان معلوما، وقال أصحاب الشافعي يباح النظر منها إلى
ما ليس بعورة وهو ما فوق السرة وتحت الركبة، سوى بعض أصحابنا بين الحرة والأمة لقوله تعالى
(ولا يبدين زينتهن) الآية ولان العلة في تحريم النظر الخوف من الفتنة والفتنة المخوفة تستوى فيها الحرة
والأمة فإن الحرية حكم لا يؤثر في الامر الطبيعي وقد ذكرنا ما يدل على التخصيص ويوجب الفرق
بينهما وان لم يفترقا فيما ذكروه افترقا في الحرمة وفي مشقة الستر لكن ان كانت الأمة جميلة يخاف
461

الفتنة بها حرم النظر إليها كما يحرم النظر إلى الغلام الذي تخشى الفتنة بالنظر إليه قال أحمد في الأمة
إذا كانت جميلة تنقب ولا ينظر إلى المملوكة كم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل
(فصل) فأما الطفلة التي لا تصلح للنكاح فلا بأس بالنظر إليها قال أحمد في رواية الأثرم في
رجل يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره ويقبلها فإن كان يجد شهوة فلا وإن كان لغير شهوة فلا بأس
وقد روى أبو بكر باسناده عن عمر بن حفص المديني أن الزبير بن العوام أرسل بابنة له إلى
عمر بن الخطاب مع مولاة له فأخذها عمر بيده وقال ابنة أبي عبد الله فتحركت الأجراس من رجلها
فأخذها عمر فقطعها وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مع كل جرس شيطان) فاما إذا بلغت حدا تصلح للنكاح
كابنة تسع فإن عورتها مخالفة لعورة البالغة بدليل قوله عليه السلام (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار
فدل على صحة الصلاة ممن لم تضح مكشوفة الرأس فيحتمل أن يكون حكمها حكم ذوات المحارم كقولنا
في الغلام المراهق مع النساء وقد روى أبو بكر عن ابن جريج قال قالت عائشة دخلت علي ابنة أخي
مزينة فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فاعرض فقلت يا رسول الله انها ابنة أخي وجارية فقال (إذا عركت المراة
لم يجز لها أن تنظر إلا وجهها وإلا ما دون هذا) وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته وبين الكف
مثل قبضة أخرى أو نحوها وذكر حديث أسماء (إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا
وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه واحتج أحمد بهذا الحديث وتخصيص الحائض بهذا التحديد دليل
على إباحة أكثر من ذلك في حق غيرها
(فصل) ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر أو عنة أو مرض لا يرجى برؤه والخصي والشيخ
462

والمخنث الذي لا شهوة له فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر لقول الله تعالى (أو التابيعن غير أولي الإربة)
أي غير أولي الحاجة إلى النساء، وقال ابن عباس هو الذي لا نستحي منه النساء، وعنه هو المخنث
الذي لا يقوم زبه. وعن مجاهد وقتادة الذي لا إرب له في النساء فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر
النساء فحكمه حكم غيره لأن عائشة قالت: دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير
أولي الإربة من الرجال فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا
أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا) فحجبوه رواه
أبو داود وغيره، قال ابن عبد البر ليس المخنث الذي تعرف فيه الفاحشة خاصة وإنما التخنيث بشدة
التأنيث في الخلفة حتى يشبه المراة في اللين والكلام والنظر والنغمة والعقل فإذا كان كذلك لم يكن له في
النساء إرب وكان لا يفطن لأمور النساء وهو من غير أولى الإربة الذين أبيح لهم الدخول على النساء، ألا ترى
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع ذلك المخنث من الدخول على نسائه فلما سمعه يصف ابنة غيلان وفهم أمر النساء أمر بحجبه
(فصل) فأما الرجل مع الرجل فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة وفي حدها
روايتان (إحداهما) ما بين السرة والركبة والأخرى الفرجان وقد ذكرناهما في كتاب الصلاة ولا
فرق بين الأمرد وذي اللحية إلا أن الأمرد إن كان جميلا يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر
إليه. وقد روي عن الشعبي قال: قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة
فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وراء ظهره رواه أبو حفص. قال المروذي سمعت أبا بكر الأعين يقول قدم علينا
انسان من خراسان صديق لأبي عبد الله ومعه غلام ابن أخت له وكان جميلا فمضى إلى أبي عبد الله
463

فحدثه فلما قمنا خلا بالرجل وقال له من هذا الغلام منك؟ قال ابن أختي قال إذا جئتني لا يكون معك
والذي أرى لك أن لا يمشي معك في طريق، أما الغلام الذي لم يبلغ تسعا فلا عوة له يحرم النظر
إليها وقد روي عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال فجاء الحسن فجعل
يتمرغ عليه فوقع مقدم قميصه أراه قال فقبل زبيبته. رواه أبو حفص
(فصل) وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل سواء ولا فرق بين المسلمتين وبين المسلمة والذمية
كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر قال أحمد ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع
خمارها عند اليهودية والنصرانية، وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ولا تقبلها حين تلد
وعن أحمد رواية أخرى أن المسلمة لا تكشف قناعها عن الذمية ولا تدخل معها الحمام وهو قول
مكحول وسليمان بن موسى لقوله تعالى (أو نسائهن) والأول أولى لأن النساء الكوافر من اليهوديات
وغيرهن قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يحتجبن ولا أمرن بحجاب. وقد قالت عائشة
جاءت يهودية تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث
وقالت أسماء قدمت علي أمي وهي راغبة يعني عن الاسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلها؟ قال (نعم)
ولان الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما
كالمسلم مع الذمي ولان الحجاب إنما يجب بنص أو قياس ولم يوجد واحد منهما، فأما قوله (أو نسائهن)
فيحتمل أن يكون المراد جملة النساء
464

(فصل) فأما نظر المرأة إلى الرجل ففيه روايتان (إحداهما) لها النظر إلى ما ليس بعورة
(والأخرى) لا يجوز لها النظر من الرجل الا إلى مثل ما ينظر إليه منها اختاره أبو بكر وهذ أحد قولي
الشافعي لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت: كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا وحفصة
فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (احتجبن منه) فقلت يا رسول الله انه ضرير لا يبصر قال
(أفعمياوان أنتما لا تبصرانه؟) رواه أبو داود وغيره، ولان الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن
كما أمر الرجال به، ولأن النساء أحدث نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على
الرجال يحققه أن المعنى المحرم للنظر خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ فإنها أشد شهوة وأقل عقلا
فتسارع الفتنة إليها أكثر
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين
ثيابك فلا يراك) متفق عليه، وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائة وانا أنظر إلى الحبشة
يلعبون في المسجد متفق عليه، ويوم فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة العيد مضي إلى النساء فذكرهن ومعه
بلال فأمرهن بالصدقة، ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب علي النساء لئلا
ينظرن إليهم، فأما حديث نبهان فقال أحمد نبهان روى حديثين عجيبين يعني هذا الحديث، وحديث
(إذا كان لا حدا كن مكاتب
فلتحتجب منه) وكأنه أشار إلى ضعف حديثه إذا لم يرو الا هذين الحديثين
465

المخالفين للأصول، وقال ابن عبد البر نبهان مجهول لا يعرف الا برواية الزهري عنه هذا الحديث،
وحديث فاطمة صحيح فالحجة به لازمة ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم
كذلك قال احمد وأبو داود قال الأثرم قلت لأبي عبد الله كان حديث نبهان لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة
وحديث فاطمة لسائر الناس؟ قال نعم: وان قدر التعارض فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الاخذ
بحديث مفرد في إسناده مقال
(مسألة) قال (وإذا زوج أمة وشرط عليه أن تكون عندهم بالنهار ويبعث بها إليه بالليل
فالعقد والشرط جائزان وعلى الزوج النفقة مدة مقامها عنده)
أما الشرط فصحيح لأنه لا يخل بمقصود النكاح فإن الاستمتاع إنما يكون ليلا، وإذا كان الشرط
صحيحا لم يمنع صحة العقد فيكونان صحيحين، وعلى الزوج النفقة في الليل لأنها سلمت إليه فيه وليس
عليه نفقة النهار لأنها في مقابلة الاستمتاع وهو لا يتمكن من الاستمتاع بها في تلك الحال وإذا لم تجب
نفقة النهار على لزوج وجبت على السيد لأنها في خدمته حينئذ ولأنها باقية على الأصل في وجوبها على
السيد فتكون نفقتها بينهما نصفين وكذلك الكسوة، وقال بعض أصحاب الشافعي ليس على الزوج
شئ من النفقة لأنها لا تجب إلا بالتمكين التام ولم يوجد فلم يجب منها شئ كالحرة إذا بذلت التسليم
في بعض الزمان دون بعض
466

ولنا أن النفقة عوض في مقابلة المنفعة فوجب منها بقدر ما يستوفيه كالأجرة في الإجارة وفارقت
الحرة لأن التسليم عليها واجب في جميع الزمان فإذا امتنعت في البعض فلم تسلم ما وجب عليها تسليمه
وههنا قد سلم السيد جميع ما وجب عليه
(فصل) فإن زوجها من غير شرط فقال القاضي الحكم فيه كما لو شرط وله استخدامها نهارا
وعليه ارسالها ليلا للاستمتاع بها لأنه زمانه وذلك لأن السيد يملك من أمته منفعتين منفعة الاستخدام
والاستمتاع فإذا عقد على إحداهما لم يلزمه تسليمها إلا في زمن استيفائها كما لو أجرها للخدمة لم يلزمه
تسليمها الا في زمنها وهو النهار والنفقة بينهما على قدر إقامتها عندهما، وان تبرع السيد بارسالها ليلا
ونهارا فالنفقة كالها على الزوج وان تبرع الزوج بتركها عند السيد ليلا ونهارا لم تسقط نفقتها عنه ولو تبرع
كل واحد منهما بتركها عند الآخر وتدافعاها كانت نفقتها كلها على الزوج لأن الزوجية تقتضي وجوبها ما لم
يمنع من استمتاعها عدوانا أو بشرط أو نحوه ولذلك تجب نفقتها مع تعذر استمتاعها بمرض أو حيض أو نحوهما
فإذا لم يكن من السيد ههنا منع فالنفقة على الزوج لوجود الزوجية المقتضية لها وعدم المانع منها
(فصل) فإن أراد الزوج السفر بها لم يملك ذلك لأنه يفوت خدمتها المستحقة لسيدها وان أراد السيد
السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك وقال ما أدري فيحتمل المنع منه لأنه يفوت حق الزوج منها فمنع
منه قياسا على ما لو منعه منه مع الإقامة ولأنه مالك لاحدى منفعتيها فلم يملك منع الاخر من السفر بها
467

كالسيد وكما لو أجرها ثم أراد السفر بها. ويحتمل ان له السفر بها لأنه مالك رقبتها كسيد العبد إذا
زوجه، وان شرط الزوج أن تسلم إليه الأمة ليلا ونهارا جاز وعليه نفقتها كلها وليس للسيد السفر
بها لأنه لا حق له في بضعها
(فصل) ويستحب لمن أراد التزوج أن يختار ذات الدين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تنكح المرأة لما لها
ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه، ويختار البكر لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم (أتزوجت يا جابر؟) قال قلت نعم قال (بكرا أم ثيبا؟) قال قلت بل ثيبا قال (فهلا
بكرا تلاعبها وتلاعبك؟) متفق عليه، وعن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (عليكم بالابكار فإنهن
أعذب أفواها وأنقى أرحاما) رواه الإمام وأحمد في رواية (وأنتق أرحاما وأرضى باليسير) ويستحب
أن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة لما روي عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالبارة
وينهي عن التبتل نهيا شديدا ويقول (تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) رواه
سعيد، وروى معقل بن يسار قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (اني أصبت امرأة ذات
حسب ومنصب الا انها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال (تزوجوا
الودود الولود فاني مكاثر بكم) رواه النسائي
وعن علي بن الحسين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (يا بني هاشم عليكم بنساء الأعاجم فالتمسوا أولادهن
فإن في أرحامهن البركة) ويختار الجميلة لأنها أمكن لنفسه وأغض لبصره وأكمل لمودته ولذاك شرع
468

النظر قبل النكاح. وقد روي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
(إنما النساء لعب فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها)
وعن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله أي النساء خير؟ قال (التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر
ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره) رواه النسائي. وعن يحيى بن جعدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة جميلة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه
في غيبته في ماله ونفسها) رواه سعيد
ويختار ذات العقل ويجتنب الحمقاء لأن النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا
يطيب العيش معها وربما تعدى ذلك إلى ولدها. وقد قبل اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها
بلاء، ويختار الحسيبة ليكون ولدها نجيبا فإنه ربما أشبه أهلها ونزع إليهم. وكان يقال: إذا أردت أن
تتزوج امرأة فانظر إلى أبيها وأخيها. وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم
وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم)
ويختار الأجنبية فإن ولدها أنجب ولهذا يقال اغتربوا لا تضووا، يعنى انكحوا الغرائب كيلا
تضعف أولادكم. وقال بعضهم: الغرائب أنجب وبنات العم أصبر. ولأنه لا تؤمن العداوة في النكاح
وإفضاؤه إلى الطلاق فإذا كان في قرابته أفضى إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها والله أعلم
469

(باب ما يرحم نكاحه والجمع بينه وغير ذلك)
التحريم للنكاح ضربان: تحريم عين وتحريم جمع، ويتنوع أيضا نوعين تحريم نسب وتحريم سبب
والأصل في ذلك الكتاب والسنة والاجماع، فأما الكتاب فقول الله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم
والآية التي قبلها والتي بعدها، وأما السنة فروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يجمع
الرجل بين المرأة وعمتها ولا بينها وبين خالتها) متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (ان الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة أخرجه مسلم، وأجمعت الأمة على تحريم
ما نص الله تعالى على تحريمه
(مسألة) قال (والمحرمات نكاحهن بالأنساب: الأمهات والبنات والأخوات
والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، والمحرمات بالأسباب: الأمهات المرضعات
والأخوات من الرضاعة وأمهات النساء وبنات النساء اللاتي دخل بهن وحلائل الأبناء
وزوجات الأب والجمع بين الأختين)
وجملة ذلك أن المنصوص على تحريمهن في الكتاب أربع عشرة: سبع بالنسب واثنتان بالرضاع
وأربع بالمصاهرة وواحدة بالجمع، فأما اللواتي بالنسب فأولاهن الأمهات وهن كل من انتسبت إليها بولادة
سواء وقع عليها اسم الام حقيقة وهي التي ولدتك أو مجازا وهي التي ولدت من ولدك وإن علت من
470

ذلك جدتاك أم أمك وأم أبيك وجدتا أمك وجدتا أبيك وجدات جداتك وجدات أجدادك وإن
علوا وارثات كن أو غير وارثات كلهن أمهات محرمات
ذكر أبو هريرة هاجر أم إسماعيل فقال تلك أمكم يا بنى ماء السماء. وفي الدعاء اللهم صل على أبينا
آدم وأمنا حوا. والبنات وهن كل أنثى انتسبت إليك بولادتك كابنة الصلب وبنات البنين والبنات
وإن نزلت درجتهن وارثات أو غير وارثات كلهن بنات محرمات لقوله تعالى (وبناتكم) فإن كل
امرأة بنت آدم كما أن كل رجل ابن آدم قال الله تعالى (يا بني آدم) والأخوات من الجهات الثلاث
من الأبوين أو من الأب أو من الام لقوله تعالى (وأخواتكم) ولا تفريع عليهن. والعمات أخوات الأب
من الجهات الثلاث وأخوات الأجداد من قبل الأب ومن قبل الام قريبا كان الجد أو بعيدا وارثا أو غير وارث
لقوله تعالى (وعماتكم) والخالات أخوات الام من الجهات الثلاث وأخوات الجدات وإن علون وقد
ذكرنا أن كل جدة أم فكذلك كل أخت لجدة خالة محرمة لقوله (وخالاتكم) وبنات الأخ كل امرأة
انتسبت إلى أخ بولادة فهي بنت أخ محرمة من أي جهة كان الأخ لقوله تعالى (وبنات الأخ) وبنات
الأخت كذلك أيضا محرمات لقوله سبحانه (وبنات الأخت) فهؤلاء المحرمات بالأنساب
(النوع الثاني) المحرمات تحريم السبب وهو قسمان: رضاع ومصاهرة، فأما الرضاع فالمنصوص على
التحريم فيه اثنتان الأمهات المرضعات وهن اللاتي أرضعنك وأمهاتهن وجداتهن وإن علت درجتهن على حسب
471

ما ذكرنا في النسب محرمات بقوله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) كل امرأة
أرضعتك أمها أو أرضعتها أمك أو أرضعتك وإياها امرأة واحدة أو ارتضعت أنت وهي من لبن رجل
واحد كرجل له امرأتان لهما منه لبن أرضعتك إحداهما وأرضعتها الأخرى فهي أختك محرمة عليك
لقوله سبحانه (وأخواتكم من الرضاعة)
(القسم الثاني) تحريم المصاهرة والمنصوص عليه أربع: أمهات النساء فمن تزوج امرأة حرم عليه
كل أم لها من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة بمجرد العقد نص عليه احمد وهو قول أكثر أهل العلم
منهم ابن مسعود وابن عمر وجابر وعمران بن حصين وكثير من التابعين، وبه يقول مالك والشافعي
وأصحاب الرأي، وحكي عن علي رضي الله عنه أنها لا تحرم إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم
ابنتها إلا بالدخول
ولنا قول الله تعالى (وأمهات نسائكم) والمعقود عليها من نسائه فتدخل أمها في عموم الآية.
قال ابن عباس أبهموا ما أبهم القرآن يعنى عمموا حكمها في كل حال ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين
غيرها، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من تزوج امرأة فطلقها قبل
أن دخل بها لا بأس أن يتزوج ربيبته ولا يحل له ان يتزوج أمها) رواه أبو حفص باسناده، وقال زيد
تحرم بالدخول أو بالموت لأنه يقوم مقام الدخول وقد ذكرنا ما يوجب التحريم مطلقا سواء وجد الدخول
472

أو الموت أولا ولأنها حرمت بالمصاهرة بقول مبهم فحرمت بنفس العقد كحليلة الابن والأب
(الثانية) بنات النساء اللاتي دخل بهن وهن الربائب فلا يحرمن إلا بالدخول بأمهاتهن وهن
كل بنت للزوجة من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة وارثة أو غير وارثة على حسب ما ذكرنا في البنات
إذا دخل بالام حرمت عليه سواء كانت في حجره أو لم تكن في قول عامة الفقهاء إلا أنه روي عن عمر
وعلي رضي الله عنهما أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجره وهو قول داود لقول الله تعالى (وربائبكم
اللاتي في حجوركم) قال ابن المنذر وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول
وقد ذكرنا حديث عبد الله بن عمر وفي هذا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لام حبيبة (لا تعرضن علي بناتكن
ولا أخواتكن) ولان التربية لا تأثير لها في التحريم كسائر المحرمات، فأما الآية فلم تخرج مخرج الشرط
وإنما وصفها بذلك تعريفا لها بغالب حالها وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه. وان لم
يدخل بالمرأة لم تحرم عليه بناتها في قول عامة علماء الأمصار إذا بانت من نكاحه الا أن يموت قبل
الدخول ففيه روايتان [إحداهما] تحرم ابنتها وبه قال زيد بن ثابت وهي اختيار أبي بكر لأن الموت
أقيم مقام الدخول في تكميل العدة والصداق فيقوم مقامه في تحريم الربيبة (والثانية) لا تحرم وهو قول
علي ومذهب عامة العلماء قال ابن المنذر وأجمع عوام علماء الأمصار أن الرجل إذا تزوج المراة ثم
طلقها أو ماتت قبل الدخول بها جاز له أن يتزوج ابنتها كذلك قال مالك والثوري والأوزاعي
473

والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ومن تبعهم لأن الله تعالى قال (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن
فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وهذا نص لا يترك لقياس ضعيف وحديث عبد الله
ابن عمر وقد ذكرناه، ولأنها فرقة قبل الدخول فلم تحرم الربيبة كفرقة الطلاق والموت لا يجري مجرى
الدخول في الاحصان والاحلال وعدة الأقراء، وقيامه مقامه من وجه ليس بأولى من مفارقته إياه
من وجه آخر ولو قام مقامه من كل وجه فلا يترك صريح نص الله تعالى ونص رسوله لقياس ولا
غيره. إذا ثبت هذا فإن الدخول بها هو وطؤها كنى عنه بالدخول فإن خلا بها ولم يطأها لم تحرم
ابنتها لأنها غير مدخول بها، وظاهر قول الخرقي تحريمها لقوله فإن خلابها وقال لم أطأها وصدقته لم
يلتفت إلى قولها وكا ن حكمها حكم الدخول في جميع أمورها إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا وفي
الزنا فإنهما يجلدان ولا يرجمان وسنذكره فيما بعد إن شاء الله (الثالثة) حلائل الأبناء يعني أزواجهم
سميت امرأة الرجل حليلة لأنها محل إزار زوجها وهي محللة له، فيحرم على الرجل أزواج أبنائه
وأبناء بنانه من نسب أو رضاع قريب كان أو بعيدا بمجرد العقد لقوله تعالى (وحلائل أبنائكم)
ولا نعلم في هذا خلافا (الرابعة) زوجات الأب فتحرم على الرجل امرأة أبيه قريبا كان أو بعيدا
وارثا كان أو غير وارث من نسب أو رضاع لقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤهم من النساء
إلا ما قد سلف) وقال البراء بن عازب لقيت خالي ومعه الراية فقلت أين تريد؟ قال أرسلني
474

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده ان اضرب عنقه أو أقتله رواه النسائي وفي رواية قال لقيت عمي الحارث بن عمرو ومعه الراية فذكر الخبر كذلك رواه سعيد وغيره
وسواء في هذا امرأة أبيه أو امرأة جده لأبيه وجده لامه قرب أم بعد، وليس في هذا بين أهل العلم
خلافا علمناه والحمد لله، ويحرم عليه من وطئها أبوه أو ابنه يملك يمين أو شبهة كما يحرم عليه من وطئها
في عقد نكاح قال ابن المنذر الملك في هذا والرضاع بمنزلة النسب، ومن حفظنا ذلك عنه عطاء وطاوس
والحسن وابن سيرين ومكحول وقتادة والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب
الرأي ولا نحفظ عن أحد خلافهم (الضرب الثاني) تحريم الجمع والمذكور في الكتاب الجمع بين
الأختين سواء كانتا من نسب أو رضاع حرتين كانتا أو أمتين أو حرة وأمة من أبوين كانتا أو من
أب أو أم وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده لعموم الآية فإن تزوجهما في عقد واحد فسد لأنه
لا مزية لإحداهما على الآخرة وسواء علم بذلك حال العقد أو بعده فإن تزوج إحداهما بعد الأخرى
فنكاح الأولى صحيح لأنه لم يحصل فيه جمع ونكاح الثانية باطل لأن به يصحل الجمع وليس في هذا
بحمد الله اختلاف وليس عليه تفريع
(مسألة) (ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)
كل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها من الرضاع وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات
475

والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت على الوجه الذي شرحناه في النسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب) متفق عليه وفي رواية مسلم (الرضاع يحرم ما تحرم الولادة) وقال
النبي صلى الله عليه وسلم في درة بنت أبي سلمة (انها لو لم تك ربيبتي في حجري ما حلت لي، انها ابنة أخي من
الرضاعة أرضعتني وإياها ثويبة) متفق عليه، لأن الأمهات والأخوات منصوص عليهن والباقيات يدخلن
في عموم لفظ سائر المحرمات ولا نعلم في هذا خلافا
(مسألة) قال (ولين الفحل محرم)
معناه ان المرأة إذا أرضعت طفلا بلبن ثاب (1) من وطئ رجل حرم الطفل على الرجل وأقاربه كما
يحرم ولده من النسب لأن اللبن من الرجل كما هو من المرأة فيصير الطفل ولد الرجل والرجل أباه،
وأولاد الرجل إخوته سواء كانوا من تلك المرأة أو من غيرها، واخوة الرجل وأخواته أعمام الطفل
وعماته، وآباؤه وأمهاته أجداده وجداته، قال احمد لبن الفحل أن يكون للرجل امرأتان فترضع هذه
صبية وهذه صبيا لا يزوج هذا من هذا. وسئل ابن عباس عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما
جارية والأخرى غلاما فقال لا، اللافح واحد قال الترمذي هذا تفسير لبن الفحل وممن قال بتحريمه
علي وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن والشعبي والقاسم وعروة ومالك والثوري والأوزاعي
476

والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي قال ابن عبد البر واليه ذهب
فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام وجماعة أهل الحديث، ورخص في لبن الفحل سعيد بن
المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والنخعي وأبو قلابة ويروى ذلك
عن ابن الزبير وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مسمين لأن الرضاع من المرأة لامن الرجل
ويروى عن زينب بنت أبي سلمة أنها أرضعتها أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير قالت وكان الزبير يدخل
على وأنا امتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول اقبلي علي فحدثيني أراه والدا وما ولد فهم إخوتي
ثم إن عبد الله بن الزبير أرسل يخطب إلى أم كلثوم ابنتي على حمزة بن الزبير وكان حمزة للكلبية فقلت
لرسوله وهل تحل له وإنما هي ابنة أخيه فقال عبد الله إنما أردت بهذا المنع لما قبلك أما ما ولدت أسماء
فهم إخوتك وما كان من غير أسماء فليسوا لك باخوة فارسلي فسلي عن هذا فأرسلت فسألت وأصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فقالوا لها ان الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل
عنده حتى هلك عنها
ولنا ما روت عائشة رضي الله عنها ان أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعد ما أنزل الحجاب
فقلت والله لا آذن له حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ولكن
أرضعتني امرأة أبي القيس فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني
477

ولكن أرضعتني امرأته قال (ائذني له فإنه عمك تربت يمينك) قال عروة فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول
(حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب) متفق عليه وهذا نص قاطع في محل النزاع فلا يعول على ما خالفه
فأما حديث زينب فإن صح فهو حجة لنا فإن الزبير كان يعتقد أنها ابنته وتعتقده أباها والظاهر أن هذا كان
مشهورا عندهم وقوله مع اقرار أهل عصره أولى من قول ابنه وقول قوم لا يعرفون
(مسألة) قال (والجمع بين المرأة وبين عمتها وبينها وبين خالتها)
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على القول به وليس فيه بحمد الله اختلاف إلا أن بعض أهل
البدع ممن لا تعد مخالفته خلافا وهم الرافضة والخوارج لم يحرموا ذلك ولم يقولوا بالسنة الثابتة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا
بين المرأة وخالتها متفق عليه وفي رواية أبي داود (لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها
ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها، لا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على
الكبرى) ولان العلة في تحريم الجمع بين الأختين إيقاع العداوة بين الأقارب وإفضاؤه إلى قطيعة الرحم
المحرم وهذا موجود فيما ذكرنا، فإن احتجوا بعموم قوله سبحانه (وأحل لكم ما وراء ذلكم)
خصصناه بما رويناه، وبلغنا أن رجلين من الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز فكان مما أنكرا عليه رحم
478

الزاني وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها وقالا ليس هذا في كتاب الله تعالى فقال
لها: كم فرض الله عليكم من الصلاة؟ قالا خمس صلوات في اليوم والليلة وسألهما عن عدد ركعاتها
فأخبراه بذلك وسألهما عن مقدار الزكاة ونصبها فأخبراه فقل فهل تجدان ذلك في كتاب الله؟ قالا
لا نجده في كتاب الله قال فمن أين صرتما إلى ذلك؟ قالا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده قال
فكذلك هذا. ثم لا فرق بين الخالة والعمه حقيقة أو مجازا كعمات آبائها وخالاتهم وعمات أمهاتها
وخالاتهن وان علت درجتهن من نسب كان ذلك أو من رضاع، فكل شخصين لا يجوز لأحدهما أن يتزوج
الآخر لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لأجل القرابة لا يجوز الجمع بينهما لتأدية ذلك إلى قطيعة
الرحم القريبة لما في الطباع من التنافس والغيرة بين الضرائر، ولا يجوز الجمع بين المرأة وأمها في العقد
لما ذكرناه ولان الام إلى ابنتها أقرب من الأختين فإذا لم يجمع بين الأختين فالمراة وابنتها أولى
(فصل) ولا يرحم الجمع بين ابنتي العم وابنتي الخال في قول عامة أهل العلم لعدم النص فيهما
بالتحريم ودخولهما في عموم قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولان إحداهما تحل لها الأخرى
لو كانت ذكرا، وفي كراهة ذلك روايتان (إحداهما) يكره روي ذلك عن ابن مسعود وبه قال جابر بن
زيد وعطاء والسحن وسعيد بن عبد العزيز وروى أبو حفص باسناده عن عيسى بن طلحة قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن تزوج المرأة على ذي قرابتها كراهية القطيعة، ولأنه مفض إلى قطيعة الرحم
479

المأمور بصلتها فأقل أحواله الكراهة (والأخرى) لا يكره وهو قول سليمان بن يسار والشعبي وحسين
بن حسن والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي عبيد لأنه ليست بينهما قرابة تحرم الجمع فلا يقتضي
كراهته كسائر الأقارب.
(مسألة) قال (وإذا عقد على المرأة ولم يدخل بها فقد حرمت على ابنه وأبيه وحرمت عليه
أمها، والجد وان علا فيما قلت بمنزلة الأب وابن الابن فيه وان سفل بمنزلة الابن)
وجملة ذلك أن المرأة إذا عقد الرجل عقد النكاح عليها حرمت على أبيه بمجرد العقد عليها لقول الله
تعالى (وحلائل أبنائكم) وهذه من حلائل أبنائه وتحرم على أبيه لقول سبحانه (ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم) وهذه قد نكحها أبوه، وتحرم أمها عليه لقول سبحانه (وأمهات نسائكم) وهذه منهن وليس
في هذا اختلاف بحمد الله الا شئ ذكرناه فيما تقدم، والجد كالأب في هذا وابن الابن كالابن فيه
لأنهم يدخلون في اسم الآباء والأبناء وسواء في هذا القريب والبعد والوارث وغيره من قبل الأب
والام ومن ولد البنين أو ولد البنات وقد تقدم ذلك
480

(مسألة) قال (وكل من ذكرنا من المحرمات من النسب والرضاع فبناتهن في
التحريم كهن إلا بنات العمات والخالات وبنات من نكحهن الآباء والأبناء فإنهن محللات
وكذلك بنات الزوجة التي لم يدخل بها)
وجملة ذلك أن كل محرمة تحرم ابنتها لتناول التحريم لها فالأمهات تحرم بناتهن لأنهن أخوات أو عمات
أو خالات والبنات يحرم بناتهن لأنهن بنات ويرحم بنات الأخوات وبناتهن لأنهن بنات الأخت وكذلك
بنات بنات الأخ الا بنات العمات والخالات فلا يحرمن بالاجماع لقول الله تعالى (وبنات عمك وبنات
عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك) فأحلهن الله لنبيه عليه السلام، ولأنهن لم يذكرن في التحريم
فيدخلن في قول الله تعالى (وأحل لم ما وراء ذلكم) وكذلك لا يحرم بنات زوجات الآباء والأبناء
لأنهن حرمن لكونهن حلائل الآباء والأبناء ولم يوجد ذلك في بناتهن ولا وجدت فيهن علة أخرى
تقتضي تحريمهن فدخلن في قوله سبحانه (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وكذلك بنت الزوجة التي لم
يدخل بها محللات لقوله سبحانه (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وهن الربائب وليس
هؤلاء ممن حرمت أمهن وإنما ذكرها لأنها محللة فيشتبه حكمها، فإن قيل: فلم حرمت ابنة الربيبة ولم
تحرم ابنة حليلة الابن؟ قلنا لأن ابنة الربيبة ربيبة وابنة الحليلة ليست حليلة. ولأن علة تحريم الربيبة
481

انه يشق التحرز من النظر إليها والخلوة بها بكونها في حجره في بيته، وهذا المعنى يوجد في بنتها وان
سفلت والحليلة حرمت بنكاح الأب والابن لها ولا يوجد ذلك في ابنتها
(مسألة) قال (ووطئ الحرام محرم كما يحرم وطئ الحلال والشبهة)
يعني انه يثبت به تحريم المصاهرة فإذا زنا بامرأة حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وابنتها
كما لو وطئها بشبهة أو حلالا، ولو وطئ أم امرأته أو بنتها حرمت عليه امرأته نص أحمد على هذا
في رواية جماعة، وروي نحو ذلك عن عمران بن حصين وبه قال الحسن وعطاء وطاوس ومجاهد
والشعبي والنخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي
وروي عن ابن عباس ان وطئ الحرام لا يحرم وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وعروة
والزهري ومالك الشافعي وأبو ثور وابن المنذر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحرم الحرام
الحلال) ولأنه وطئ لا تصير به الموطوءة فراشا فلا يحرم كوطئ الصغيرة
ولنا قوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) والوطئ يسمى نكاحا، قال الشاعر
* إذا زنيت فأجد نكاحا * فحمل في عموم الآية وفي الآية قرينة تصرفه إلى الوطئ وهو قوله
سبحانه وتعالى (انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) وهذا التغليظ إنما يكون في الوطئ، وروي عن
482

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) وروى الجوزجاني باسناده
عن وهب بن منبه قال (ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها) فذكرته لسعيد بن المسيب فأعجبه. ولان
ما تعلق من التحريم بالوطئ المباح تعلق بالمحظور كوطء الحائض ولان النكاح عقد يفسده الوطئ بالشبهة
فأفسده الوطئ الحرام كالاحرام، وحديثهم لا نعرف صحته وإنما هو من كلام ابن أسوع بعض قضاة
العراق كذلك قال الإمام أحمد وقيل إنه من قول ابن عباس ووطئ الصغيرة ممنوع ثم يبطل بوطئ ا لشبهة
(فصل) والوطئ على ثلاثة أضرب: مباح وهو الوطئ في نكاح صحيح أو ملك يمين فيتعلق
به تحريم المصاهرة بالاجماع ويعتبر محرما لمن حرمت عليه لأنها حرمت عليه على التأبيد بسبب مباح
أشبه النسب (الثاني) الوطئ بالشبهة وهو الوطئ في نكاح فاسد أو شراء فاسد أو وطئ امرأة ظنها
امرأته أو أمته أو وطئ الأمة المشتركة بينه وبين غيره وأشباه هذا فهذا يتعلق به التحريم كتعلقه بالوطئ
المباح إجماعا، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار على أن الرجل إذا وطئ
امرأة بنكاح فاسد أو بشراء فاسد انها تحرم على أبيه وابنه وأجداده وولد ولده وهذا مذهب مالك
والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي، ولأنه وطئ يلحق به
النسب فأثبت التحريم كالوطئ المباح ولا يصير الرجل محرما لمن حرمت عليه ولا يباح له به النظر إليها لأن
الوطئ ليس بمباح ولان المحرمية تتعلق بكمال حرمة الوطئ لأنها إباحة ولان الموطوءة لم يستبح النظر
إليها فلان لا يستبيح النظر إلى غيرها أولى
483

(الثالث) الحرام المحض وهو الزنا فيثبت به التحريم على الخلاف المذكور ولا تثبت به المحرمية
ولا إباحة النظر لأنه إذا لم يثبت بوطئ الشبهة فالحرام المحض أولى ولا يثبت به نسب ولا يجب به
المهر إذا طاوعته فيه.
(فصل) ولا فرق فيما ذكرنا بين الزنا في القبل والدبر لأنه يتعلق به التحريم فيما إذا وجد في
الزوجة والأمة فكذلك في الزنا فإن تلوط بغلام فقال بعض أصحابنا يتعلق به التحريم أيضا فيحرم على
اللائط أم الغلام وابنته وعلى الغلام أم اللائط وابنته قال ونص عليه أحمد وهو قول الأوزاعي لأنه
وطئ في الفرج فنشر الحرمة كوطئ المرأة ولأنها بنت من وطئه وأمه فحرمتا عليه كما لو كانت الموطوءة
أنثى. وقال أبو الخطاب يكون ذلك كالمباشرة دون الفرج يكون فيه روايتان والصحيح أن هذا لا ينشر
الحرمة فإن هؤلاء غير منصوص
عليهن في التحريم فيدخلن في عموم قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء
ذلكم) ولأنهن غير منصوص عليهن ولا في معنى المنصوص عليه فوجب أن لا يثبت حكم التحريم فيهن
فإن المنصوص عليهن في هذا حلائل الأبناء ومن نكحهن الاباء وأمهات النساء وبناتهن وليس هؤلاء
منهن ولا في معناهن لأن الوطئ في المرأة يكون سببا للبضعية ويوجب المهر ويلحق به النسب وتصير
به المرأة فراشا ويثبت أحكاما لا يثبتها اللواط فلا يجوز إلحاقه بهن لعدم العلة وانقطاع الشبه ولذلك
لو أرضع الرجل طفلا لم يثبت به حكم التحريم فههنا أولى، وإن قدر بينهما شبه من وجه ضعيف فلا
يجوز تخصيص عموم الكتاب به واطراح النص بمثله
484

(فصل) ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا وأخته وبنت ابنه وبنت بنته وبنت أخيه وأخته
من الزنا وهو قول عامة الفقهاء، وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه يجوز ذلك كله لأنها أجنبية
منه ولا تنسب إليه شرعا ولا يجري التوارث بينهما ولا تعتق عليه إذا ملكها ولا تلزمه نفقتها فلم تحرم
عليه كسائر الأجانب
ولنا قول الله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) وهذه بنته فإنها أنثى مخلوقة من مائه هذه
حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة هلال بن أمية (أنظروه يعني ولدها
فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء) يعني الزاني ولأنها مخلوقة من مائه وهذه حقيقة لا تختلف
بالحل والحرمة فأشبهت المخلوقة من وطئ بشبهة ولأنها بضعة منه فلم تحل له كبنته من النكاح وتخلف بعض
الأحكام
لا ينفى كونها بنتا كما لو نخلف لرق أو اختلاف دين. إذا ثبت هذا فلا فرق بين علمه
بكونها منه مثل أن يطأ امرأة في طهر لم يصبها فيه غيره ثم يحفظها حتى تضع أو مثل أن يشترك جماعة
في وطئ امرأة فتأتي بولد لا يعلم هل هو منه أو منه غيره؟ فإنها نحرم على جميعهم لوجهين
(أحدهما) انها بنت موطوءتهم (والثاني) أننا نعلم أنها بنت بعضهم فتحرم على الجميع كما لو زوج
الوليان ولم يعلم السابق منهما وتحرم على أولادهم لأنها أخت بعضهم غير معلوم فإن ألحقتها القافة بأحدهم
حلت لأولاد الباقين ولم تحل لاحد ممن وطئ أمها لأنها في معنى ربيبته
485

(فصل) ووطئ الميتة يحتمل وجهين (أحدها) ينشر الحرمة لأنه معنى ينشر الحرمة المؤبدة فلم يختص
بالحياة كالرضاع (والثاني) لا ينشرها وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه ليس بسبب للبضعية ولان
التحريم يتعلق باستيفاء منفعة الوطئ والموت يبطل المنافع، وأما الرضاع فيحرم لما يحصل به من أنبات
اللحم وانشاز العظم وهذا يحصل من لبن الميتة وفي وطئ الصغيرة أيضا وجهان (أحدهما) ينشرها
وهو قول أبي يوسف لأنه وطئ لآدمية حية في القبل أشبه وطئ الكبيرة (والثاني) لا ينشرها وهو
قول أبي حنيفة لأنه ليس بسبب للبضعية أشبه وطئ الميتة
(فصل) فأما المباشرة فيما دون الفرج فإن كانت لغير شهوة لم تنشر الحرمة بغير خلاف نعلمه،
وان كانت لشهوة وكانت في أجنبية لم تنشر الحرمة أيضا قال الجوزجاني سألت أمد عن رجل نظر إلى
أم امرأته في شهوة أو قبلها أو باشرها فقال أنا أقول لا يحرمه شئ من ذلك إلا الجماع وكذلك نقل
أحمد بن القاسم وإسحاق بن منصور، وان كانت المباشرة لامرأة محللة له كامرأته أو مملوكته لم تحرم
عليه ابنتها. قال ابن عباس لا يحرم الربيبة إلا جماع أمها وبه قال طاوس وعمرو بن دينار لأن الله تعالى
قال (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وهذا ليس بدخول فلا يجوز ترك النص الصريح من
أجله، وأما تحريم أمها وتحريمها على أبي المباشر لها وابنه فإنها في النكاح تحرم بمجرد العقد قبل المباشرة
فلا يظهر للمباشرة أثر، وأما الأمة فمتى باشرها دون الفرج لشهوة فهل يثبت تحريم المصاهرة فيه
486

روايتان (إحداهما) ينشرها روي ذلك عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو ومسروق وبه قال القاسم
والحسن ومكحول والنخعي والشعبي ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة وعلي بن المديني وهو أحد قولي
الشافعي لأنه نوع استمتاع فتعلق به تحريم المصاهرة كالوطئ في الفرج ولأنه تلذذ بمباشرة يتعلق به
التحريم كما لو وطئ (والثانية) لا يثبت به التحريم لأنها ملامسة لا توجب الغسل فلم يثبت بها التحريم
كما لو لم يكن بشهوة لأن ثبوت التحريم اما أن يكون بنص أو قياس على المنصوص ولا نص في هذا
ولا هو في معنى المنصوص عليه ولا المجمع عليه فإن الوطئ يتعلق به من الأحكام استقرار المهر والاحصان
والاغتسال والعدة وافساد الاحرام والصيام بخلاف اللمس وذكر أصحابنا الروايتين في جميع الصور من
غير تفصيل وهذا الذي ذكرناه أقرب إلى الصواب إن شاء الله سبحانه
(فصل) ومن نظر إلى فرج امرأة بشهوة فهو كلمسها لشهوة فيه أيضا روايتان (إحداهما) ينشر
الحرمة في الموضع الذي ينشرها اللمس، روي عن عمرو بن عمر وعامر بن ربيعة وكان بدريا وعبد الله
ابن عمرو فيمن يشتري الخادم ثم يجردها أو يقبلها لا يحل لابنه وطؤها وهو قول القاسم والحسن ومجاهد
ومكحول وحماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة لما روى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من
نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها وابنتها) وفي لفظ (لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة
وابنتها) (الثانية) لا يتعلق به التحريم وهو قول الشافعي، وأكثر أهل العلم لقوله تعالى (وأحل
487

لكم ما وراء ذلكم) ولأنه نظر من غير مباشرة فلم يوجب التحريم كالنظر إلى الوجه والخبر ضعيف
قاله الدارقطني وقيل هو موقوف على ابن مسعود ثم يحتمل أنه كني بذلك عن الوطئ، وأما النظر إلى
سائر البدن فلا ينشر حرمة، وقال بعض أصحابنا لافرق بين النظر إلى الفرج وسائر البدن لشهوة
والصحيح خلاف هذا فإن غير الفرج لا يقاص عليه لما بينهما من الفرق ولا خلاف نعلمه في أن النظر إلى
الوجه لا يثبت الحرمة فكذلك غيره ولا خلاف أيضا في أن النظر إذا وقع من غير شهوة لا ينشر حرمة
لأن اللمس الذي هو أبلغ منه لا يؤثر إذا كان لغير شهوة فالنظر أولى وموضع الخلاف في اللمس والنظر
فيمن بلغت سنا يمكن الاستمتاع منها كابنة تسع فما زاد فأما الطفلة فلا يثبت فيها ذلك وقد روي عن أحمد في بنت
سبع إذا قبلها حرمت عليه أمها. قال القاضي هذا عندي محمول على السن الذي توجد مع الشهوة
(فصل) فإن نظرت المرأة إلى فرجع رجل لشهوة فحكمه في التحريم حكم نظره إليها نص عليه
أحمد لأنه معنى ويجب التحريم فاستوى فيه الرجل والمرأة كالجماع، وكذلك ينبغي أن يكون حكم
لمسها له وقبلتها إياه لشهوة لما ذكرنا
(فصل) فأما الخلوة بالمرأة فالصحيح أنها لا تنشر حرمة، وقد روي عن أحمد إذا خلا بالمرأة
وجب الصداق والعدة ولا يحل له أن يتزوج أمها وابنتها. قال القاضي هذا محمول على أنه حصل مع
الخلوة مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين اللتين ذكرناهما فاما مع خلوه من ذلك فلا يؤثر
488

في تحريم الربيبة لما في ذلك من مخالفة قوله سبحانه (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وقوله
(وأحل لكم ما وراء ذلكم) وأما الخلوة بأجنبية أو أمته فلا تنشر تحريما لا نعلم في ذلك خلافا وكل من
حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين لأنه إذا حرم العقد المراد للوطئ فالوطئ أولى
(مسألة) قال (وان تزوج أختين من نسب أو رضاع في عقد واحد فسد وان
تزوجهما في عقدين فالأولى زوجته والقول فيهما القول في المرأة وعمتها والمرأة وخالتها)
وجملة ذلك أن المع بين المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها محرم فمن جمع بينهما فعقد عليهما معا
لم يصح العقد في واحدة منهما لأنه لا يمكن تصحيحه فيهما ولا مزية لإحداهما على الآخرى فيبطل
فيهما كما لو زوجت المرأة لرجلين وهكذا لو تزوج خمسة في عقد واحد بطل في الجميع لذلك وان
تزوجهما في عقدين فنكاح الأولى صحيح لأنه لا جمع فيه ونكاح الثانية باطل لأن الجمع يحصل به
فبالعقد على الأولى تحرم الثانية ولا يصح عقده عليها حتى تبين الأولى منه ويزول نكاحها وعدتها
(فصل) فإن تزوجهما في عقدين ولم يدر أولاهما فعليه فرقتهما معا قال أحمد في رجل تزوج
أختين لا يدري أيتهما تزوج أولا: نفرق بينه وبينهما وذلك لأن إحداهما محرمة عليه ونكاحها باطل
ولا تعرف المحللة له فقد اشتبهتا عليه ونكاح إحداهما يصح ولا تتيقن ببينونتها منه إلا بطلاقهما جميعا
489

أو فسخ نكاحهما فوجب ذلك كما لو زوج الوليان ولم يعرف الأول منهما وان أحب أن يفارق
إحداهما ثم يجدد عقد الأخرى ويمسكها فلا بأس وسواء فعل ذلك بقرعة أو بغير قرعة ولا يخلو
من ثلاثة أقسام (أحدها) ان لا يكون دخل بواحدة منهما فله أن يعقد على إحداهما في الحال بعد فراق
الأخرى (الثاني) إذا دخل بإحداهما فإن أراد نكاحها فارق التي لم يصبها بطلقة ثم ترك المصابة
حتى تنقضي عدتها ثم نكحها لأننا لا نأمن أن تكون هي الثانية فيكون قد أصابها في نكاح فاسد
فلهذا اعتبرنا انقضاء عدتها ويحتمل أن يجوز له العقد عليها في الحال لأن النسب لاحق به ولا يصان
ذلك عن مائه وان أحب نكاح الأخرى فارق المصابة بطلقة ثم انتظرها حتى تنقضي عدتها ثم
تزوج أختها (القسم الثالث) إذا دخل بهما فليس له نكاح واحدة منهما حتى يفارق الأخرى وتنقضي
عدتها من حين فرقتها وتنقضي عدة الأخرى من حين أصابها وان ولدت منه إحداهما أوهما جميعا
فالنسب لاحق به لأنه اما من نكاح صحيح أو نكاح فاسد وكلاهما يلحق النسب فيه وان لم يرد نكاح
واحدة منهما فارقهما بطلقة طلقة
(فصل) فأما المهر فإن لم يدخل بواحدة منهما فلاحدهما نصف المهر ولا نعلم من يستحقه منهما
فيصطلحان عليه وان لم يفعلا أقرع بينهما فكان لمن خرجت قرعتها مع يمينها وقال أبو بكر اختياري
أن يسقط المهر إذا كان مجبرا على الطلاق قبل الدخول وان دخل بواحدة منهما أقرع بينهما فإن وقعت
490

لغير المصابة فلها نصف المهر وللمصابة مهر المثل بما استحل من فرجها وان وقعت على المصابة فلا
شئ للأخرى والمصابة المسمى جميعه وان أصابهما معا فلإحداهما المسمى وللأخرى مهر المثل يقرع
بينهما فيه ان قلنا إن الواجب في النكاح الفاسد مهر المثل وان قلنا بوجوب المسمى فيه وجب
ههنا لكل واحد منهما.
(فصل) قال أحمد إذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها ودخل بها اعتزل زوجته حتى تنقضي
عدة الثانية إنما كان كذلك لأنه لو أراد العقد على أختها في الحال لم يجز له حتى تنقضي عدة الموطوءة
كذلك لا يجوز الوطئ لامرأته حتى تنقضي عدة أختها التي أصابها
(مسألة) قال (وان تزوج أخته من الرضاع وأجنبية في عقد واحد ثبت نكاح الأجنبية)
وجملة ذلك أنه إذا عقد النكاح على أخته وأجنبية معا بان يكون لرجل أخت وابنة عم إحداهما
رضيعة المتزوج فيقول له زوجتكهما معا فيقبل ذلك فالمنصوص ههنا صحة نكاح الأجنبية ونص
فيمن تزوج حرة وأمة على أنه يثبت نكاح الحرة ويفارق الأمة وقيل فيه روايتان (أحدهما) يفسد
فيهما وهو أحد قولي الشافعي واختيار أبي بكر لأنها لفظة واحدة جمعت حلالا وحراما فلم تصح كما
لو جمع بين أختين.
491

(والثانية) يصح في الحرة وهي أظهر الروايتين وهذا قول مالك والثوري وأصحاب الرأي
لأنها محل قابل للنكاح أضيف إليها عقد صادر عن أهله لم يجتمع معها فيه مثلها فصح كما لو انفردت به
وفارق العقد على الأختين لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى وههنا قد تعينت التي بطل النكاح فيها
فعلى هذا القول يكون لها من المسمى بقسط مهر مثلها منه وفيه وجه آخر أن لها نصف المسمى وأصل
هذين الوجهين إذا تزوج امرأتين يجوز له نكاحهما بمهر وحد هل يكون بينهما على قدر صداقهما أو
نصفين؟ على وجهين يأتي ذكرهما إن شاء الله
(فصل) ولو تزوج يهودية ومجوسية ومحللة أو محرمة في عقد واحد فسد في المجوسية والمحرمة
وفي الأخرى وجهان، وإن نكح أربع حرائر وأمة فسد في الأمة وفي الحرائر وجهان، وإن نكح العبد
حرتين وأمة بطل نكاح الجميع، وإن تزوج امرأة وابنتها فسد فيهما لأن الجمع بينهما محرم فلم
يصح فيهما كالأختين
(مسألة) قال (وإذا اشترى أختين فأصاب إحداهما لم يصب الأخرى حتى تحرم
الأولى ببيع أو نكاح أو هبة وما أشبهه ويعلم أنها ليست بحامل فإن عادت إلى ملكه لم يصب
واحدة منهما حتى تحرم عليه الأولى)
الكلام في هذه المسألة في فصول ستة:
(الفصل الأول) أنه يجوز الجمع بين الأختين في الملك بغير خلاف بين أهل العم وكذلك بينها
492

وبين عمتها وخالتها، ولو اشترى جارية فوطئها حل له شراء أختها وعمتها وخالتها لأن الملك يقصد به
التمول دون الاستمتاع، وكذلك حل له شراء المجوسية والوثنية والمعتدة والمزوجة والمحرمات
عليه بالرضاع والمصاهرة
(الفصل الثاني) أنه لا يجوز الجمع بين الأختين من إمائه في الوطئ نص عليه احمد في رواية
الجماعة وكرهه عمر وعثمان وعلي وعمار وابن عمر وابن مسعود وممن قال بتحريمه عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة وجابر بن زيد وطاوس ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي، وروي عن ابن عباس أنه قال
أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله، ويروى ذلك عن علي أيضا يريد بالمحرمة قوله (وإن
تجمعوا بين الأختين) وبالمحللة قوله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)
وقد روى ابن منصور عن أحمد وسأله عن الجمع بين الأختين المملوكتين أحرام هو؟ قال لا أقول
حرام ولكن ننهى عنه وظاهر هذا انه مكروه غير محرم، وقال داود وأهل الظاهر لا يحرم استدلالا
بالآية المحللة لأن حكم الحرائر في الوطئ مخاف لحكم الإماء ولهذا تحريم الزيادة على أربع في الحرائر
وتباح في الإماء بغير حصر والمذهب تحريمه للآية المحرمة فإنه يريد بها الوطئ والعقد جميعا بدليل
أن سائر المذكورات في الآية بحرم وطؤههن والعقد عليهن وآية الحل مخصوصة بالمحرمات جميعهن وهذه
منهن ولأنها امرأة صارت فراشا فحرمت أختها كالزوجة
493

(الفصل الثالث) أنه إذا كان في ملكه أختان فله وطئ أحدهما في قول أكثر أهل العلم وقال
الحكم وحماد لا يقرب واحدة منهما، وروي ذلك عن النخعي وذكره أبو الخطاب مذهبا لأحمد. ولنا
أنه ليس يجمع بينهما في الفراش فلم يحرم كما لو كان في ملكه إحداهما فقط
(الفصل الرابع) انه إذا وطئ إحداهما فليس له وطئ الأخرى قبل تحريم الموطوءة على نفسه
باخراج عن ملكه أو تزويج هذا قول علي وابن عمر والحسن والأوزاعي وإسحاق والشافعي، فإن
رهنها لم تحل له أختها لأن منعه من وطئها الحق المرتهن لا لتحريمها ولهذا يحل له بإذن المرتهن في وطئها
ولأنه يقدر على فكها متى شاء واسترجاعها إليه، وقال قتادة إن استبرأها حلت له أختها لأنه قد زال
فراشه ولهذا لو أتت بولد فنفاه بدعوى الاستبراء انتفى فأشبه ما لو زوجها
ولنا قول علي وابن عمر ولأنه لم يزل ملكه عنها ولا حلها له فأشبه ما لو وطئت بشبهة فاستبرأها
من ذلك الوطئ ولان ذلك لا يمنعه وطأها فلا يأمن عوده إليها فيكون ذلك ذريعة إلى الجمع بينهما وإن
حرم إحداهما على نفسه لم تبح الأخرى لأن هذا لا يحرمها إنما هو يمين يكفر ولو كان يحرمها إلا أنه
لعارض متى شاء ازاله بالكفارة فهو كالحيض والنفاس والاحرام والصيام، وإن كاتب إحداهما فظاهر
كلام الخرقي انه لا تحل له الأخرى، وقال أصحاب الشافعي تحل له الأخرى لأنها حرمت عليه بسبب
لا يقدر على رفعه فأشبه التزويج
ولنا أنه بسبيل من استباحتها بما لا يقف على غيرهما فلم تبح له أختها كالمرهونة
494

(الفصل الخامس) انه إذا أخرجها من ملكه لم تحل له أختها حتى يستبرئ المخرجة، ويعلم
براءتها من الحمل ومتى كانت حاملا منه لم تحل له أختها حتى تضع حملها لأنه يكون جامعا ماءه في رحم
أختين بمنزلة نكاح الأخت في عدة أختها
(فصل) فإن وطئ أمتيه الأختين معا فوطئ الثانية محرم ولاحد فيه ولان وطأه في ملكه ولأنها
مختلف في حكمها وله سبيل إلى استباحتها بخلاف أخته من الرضاع المملوكة له ويحل له وطئ إحداهما حتى
يحرم الأخرى ويستبرئها وقال القاضي وأصحاب الشافعي الأولى باقية على الحل لأن الوطئ الحرام لا يحرم
الحلال الا أن القاضي قال: لا يطؤها حتى يستبرئ الثانية
ولنا أن الثانية قد صارت فراشا له يلحقه نسب ولدها فحرمت عليه أختها كما لو وطئها ابتداء
وقولهم ان الحرام لا يحرم الحلال ليس بخير صحيح وهو متروك بما لو وطئ الأولى في حيض أو نفاس أو احرام
حرمت عليه أختها وتحرم عليه أمها وابنتها على التأبيد وكذلك لو وطئ امرأة بشبهة في هذا الحال ولو وطئ
امرأة حرمت عليه ابنتها سواء وطئها حراما أو حلالا
(الفصل السادس) أنه متى زال ملكه عن الموطوءة زوالا أحل له أختها فوطئها ثم عادت
الأولى إلى ملكه فليس له وطئ إحداهما حتى تحرم الأخرى باخراج عن ملكه أو تزويج نص عليه
أحمد، وقال أصحاب الشافعي لا يحرم عليه واحدة منهما لأن الأولى لم تبق فراشا فأشبه ما لو
وطئ أمة ثم اشترى أختها
495

ولنا أن هذه صارت فراشا وقد رجعت إليه التي كانت فراشا فحرمت عليه كل واحدة منهما بكون أختها
فراشا كما لو انفردت به فاما ان استفرش أمة واشترى أختها، فإن المشتراة لم تكن فراشا له بل هي محرمة
عليه بافتراش أختها، ولو أخرج الموطوءة عن ملكه ثم عادت إليه قبل وطئ أختها فهي حلال له وأختها
محرمة عليه لأن أختها فراشه
(فصل) وحكم المباشرة من الإماء فيما دون الفرج، والنظر إلى الفرج بشهوة فيما يرجع إلى
تحريم للأخت كحكمه في تحريم الربيبة، والصحيح أنه لا يحرم لأن الحل ثابت بقوله (أو ما ملكت
أيمانكم) ومخالفة ذلك أنما ثبتت بقوله (وأن تجمعوا بين الأختين) والمراد به الجمع في العقد أو الوطئ
ولم يوجد واحد منهما ولا ما في معناهما
(فصل) وان وطئ أمته ثم أراد نكاح أختها فقد سئل أحمد عن هذا فقال لا يجمع بين الأختين
الأمتين فيحتمل أنه أراد ان النكاح لا يصح وهي إحدى الروايات عن ملك قال القاضي هو ظاهر كلام
أحمد لأن النكاح تصير به المرأة فراشا فلم يجز أن ترد على فراش الأخت كالوطئ ولأنه فعل في الأخت
ما ينافي إباحة أختها المفترشة فلم يجز كالوطئ، ويحتمل أن يصح النكاح ولا تباح المنكوحة حتى تحرم
أختها وهو مذهب أبي حنيفة. قال أبو الخطاب وهو ظاهر كلام احمد لأنه سبب يستباح به الوطئ
فجاز أن يرد على وطئ الأخت ولا يبيح كالشراء، وقال الشافعي يصح النكاح وتحل له المنكوحة وتحرم
496

أختها لأن النكاح أقوى من الوطئ يملك اليمين فإذا اجتمعا وجب تقديم الأقوى، وجه الأول ما ذكرنا
ولان وط مملوكته معنى يحرم أختها لعلة الجمع فمنع صحة نكاحها كالزوجية ويفارق الشراء فإنه لا يقصد به الوطئ
ولهذا صح شراء الأختين ومن لا يحل له وقولهم النكاح أقوى من الوطئ ممنوع وان سلم فالوطئ أسبق فيقدم ويمنع
صحة ما يطرأ عليه مما ينافيه كالعدة تمنع ابتداء نكاح الأخت وكذلك وطئ الأمة يحرم نكاح ابنتها وأمها
ولان هذا بمنزلة نكاح الأخت في عدة أختها لكونه لم يستبرئ الموطوءة
(فصل) فإن زوج لامة الموطوءة أو أخرجها عن ملكه فله نكاح أختها فإن عادت الأمة إلى ملكه فالزوجية
بحالها وحلها باق لأن النكاح صحيح وهو أقوى ولا تحل له الأمة وعنه أنه ينبغي أن تحرم إحداهما لأن أمته
التي كانت فراشا قد عادت إليه والمنكوحة مستفرشة فأشبه أمتيه التي وطئ إحداهما بعد تزويج الأخرى
ثم طلق الزوج أختها وان تزوج امرأة ثم اشترى أختها صح الشراء ولم تحل له لأن النكاح كالوطئ
فأشبه ما لو وطئ أمته ثم اشتري أختها فإن وطئ أمته حرمت عليه حتى يستبرئ الأمة ثم تحل له
زوجته دون أمته لأن النكاح أقوى وأسبق وإنما وجب الاستبراء لئلا يكون جامعا لمائه في رحم
أختين، يحتمل أن يحرما عليه جميعا حتى تحرم إحداهما كالأمتين
(مسألة) قال رحمه الله (وعمة الأمة وخالتها في ذلك كأختها)
يعنى في تحريم الجمع بينهما في الوطئ والتفصيل فيهما كالتفصيل في الأختين على ما ذكرنا
497

(مسألة) قال (ولا بأس أن يجمع بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها)
أكثر أهل العلم يرون الجمع بين المرأة وربيبتها جائز الا بأس به فعله عبد الله بن جعفر وصفوان بن
أمية وبه قال سائر الفقهاء إلا الحسن وعكرمة وابن أبي ليلى رويت عنهم كراهيته لأن إحداهما لو
كانت ذكرا حرمت عليه الأخرى فأشبه المرأة وعمتها
ولنا قول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولأنهما لا قرابة بينهما فأشبهتا الأجنبيتين، ولان الجمع
حرم خوفا من قطيعة الرحم القريبة بين المتناسبين ولا قرابة بين هاتين وبهذا يفارق ما ذكروه
(فصل) ولو كان الرجل ابن من غير زوجته ولها بنت من غيره أو كان له بنت ولها ابن جاز
تزويج أحدهما من الآخر في قول عامة الفقهاء وحكي عن طاوس كراهيته إذا كان مما ولدته المرأة بعد
وطئ الزوج لها ولأول أولى لعموم الآية والمعنى الذي ذكرناه فإنه ليس بينهما نسب ولا سبب
يقتضي التحريم، وكونه أخا لأختها لم يرد الشرع بأنه سبب للتحريم فبقي على الإباحة لعموم الآية
ومتى ولدت المرأة من ذلك الرجل ولدا صار عما لولد ولديهما وخالا
(فصل) وان تزوج امرأة لم تحرم أمها ولا ابنتها على أبيه ولا ابنه، فمتى تزوج امرأة وزوج
ابنه أمها جاز لعدم أسباب التحريم فإذا ولد لكل واحد منهما ولد كان ولد الابن خال ولد الأب وولد
498

الأب عم ولد الابن. ويروى أن رجلا أتى عبد الملك بن مروان فقال يا أمير المؤمنين اني تزوجت
امرأة وزوجت ابني بأمها فأخبرنا فقال عبد الملك ان أخبرتني بقرابة ولدك من ولد ابنك أخبرتك،
فقال الرجل يا أمير المؤمنين هذا العريان بن الهيثم الذي وليته قائم سيفك ان علم ذلك فلا تخبرني فقال
العربان أحدهما عم الآخر والآخر خاله
(فصل) وإذا تزوج رجل بامرأة وزوج ابنه بنتها أو أمها فزفت امرأة كل واحد منهما إلى
صاحبه فوطئها فإن وطئ الأول يوجب عليه مهر مثلها لأنه وطئ شبهة ويفسخ به نكاحها من زوجها
لأنها صارت بالوطئ حليلة ابنه أو أبيه ويسقط به مهر الموطوءة عن زوجها لأن الفسخ جاء من قبلها
بتمكينها من وطئها ومطاوعتها على ولا شئ لزوجها على الواطئ لأنه لم يلزمه شئ يرجع به ولأن المرأة
مشاركة في إفساد نكاحها بالمطاوعة فلم يجب على زوجها شئ كما لو انفردت به، ويحتمل أن يلزمه
لزوجها نصف مهر مثلها لأنه أفسد نكاحها قبل الدخول أشبه المرأة تفسد نكاحه بالرضاع. وينفسخ نكاح
الواطئ أيضا لأن امرأته صارت أما لموطوءته أو بنتا لها، ولها نصف المسمى، فأما وطئ الثاني فيوجب
مهر المثل للموطوءة خاصة فإن أشكل الأول انفسخ النكاحان ولكل واحدة مهر مثلها على واطئها ولا
يثبت رجوع أحدهما على الآخر ويجب لامرأة كل واحد منهما على الآخر نصف المسمى ولا يسقط بالشك
499

(مسألة) قال (وحرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم حلائل للمسلمين)
ليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب وممن روي عنه ذلك
عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم، قال ابن المنذر ولا يصح عن أحمد من الأوائل
انه حرم ذلك، وروي الخلال باسناده ان حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبدي تزوجوا
نساء من أهل الكتاب وبه قال سائر أهل العلم وحرمته الإمامية تمسكا بقول تعالى (ولا تنكحوا
المشركات حتى يؤمن - ولا تمسكوا بعصم الكوافر)
ولنا قول الله تعالى اليوم أحل لكم الطيبات) إلى قوله (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن
أجورهن) واجماع الصحابة فأما قوله سبحانه (ولا تنكحوا المشركات) فروي عن ابن عباس أنها نسخت
بالآية التي في سورة المائدة وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية الأخرى لأنهما متقدمتان والآية
التي في آخر المائدة متأخرة عنهما وقال آخرون ليس هذا نسخا فإن لفظ المشركين باطلاقه لا يتناول
أهل الكتاب بدليل قوله سبحانه (لم يكن الذي كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) وقال
(ان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) وقال (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا
اليهود والذين أشركوا) وقال (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) وسائر أي
500

القرآن يفصل بينهما فدل على أن لفظة المشركين باطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب وهذا معنى
قول سعيد بن جبير وقتادة ولان ما احتجوا به عام في كل كافرة وآتينا خاصة في حل أهل الكتاب
والخاص يجب تقديمه إذا ثبت هذا فالأولى أن لا يتزوج كتابية لأن عمر قال للذين تزوجوا من
نساء أهل الكتاب طلقوهن فطلقوهن إلا حذيفة فقال له عمر طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي
خمرة طلقها قال تشهد أنها حرام قال هي خمرة قال قد علمت أنها خمرة ولكنها لي حلال فلما كان
بعد طلقها فقيل له ألا طلقتها حين أمرك عمر؟ قال كرهت أن يرى الناس أتي ركبت أمرا لا ينبغي
لي ولأنه ربما مال إليها قلبه فقالته وربما كان بينهما ولد فيميل إليها
(فصل) وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم هل أهل التوراة والإنجيل قال الله تعالى (أن تقولوا
إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) فأهل التوراة اليهود والسامرة وأهل الإنجيل النصارى ومن
وافقهم في أصل دينهم من الإفرنج والأرمن وغيرهم واما الصابئون فاختلف فيهم السلف كثيرا فروي عن
أحمد أنهم جنس من النصارى ونص عليه الشافعي وعلق القول فيهم في موضع آخر وعن أحمد أنه قال
بلغني أنهم يسبتون فهؤلاء لا إذا يشبهون اليهود والصحيح فيهم أنهم ان كانوا يوافقون النصارى أو
اليهود في أصل دينهم ويخالفونهم في فروعه فهم ممن وافقوه وان خالفوهم في أصل الدين فليس هم منهم
والله أعلم وأما من سوى هؤلاء من الكفار مثل المتمسك بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود
فليسوا بأهل كتاب ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم وهذا قول الشافعي وذكر القاضي فيهم وجها آخر
501

أنهم من أهل الكتاب وتحل ذبائحهم ونكاح نسائهم ويقرون بالجزية لأنهم تمسكوا بكتاب من
كتب الله فأشبهوا اليهود و النصارى
ولنا قول الله تعالى (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ولان تلك الكتب
كانت مواعظ وأمثالا لا أحكام فيها فل يثبت لها حكم الكتب المشتملة على الأحكام
(فصل) وليس للمجوس كتاب ولا تحل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم نص عليه أحمد وهو قول
عامة العلماء إلا أبا ثور فإنه أباح ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) ولأنه يروى
ان حذيفة تزوج مجوسية ولأنهم يقرون بالجزية فأشبهوا اليهود والنصارى
ولنا قول الله تعالى (ولا تنكحوا المشركات) وقوله (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فرخص من
ذلك في أهل الكتاب فمن عداهم يبقى على العموم ولم يثبت ان للمجوس كتابا وسئل أحمد أيصح
عن علي أن للمجوس كتابا؟ فقال هذا باطل واستعظمه جدا ولو ثبت أن لهم كتابا فقد بينا أن حكم
أهل الكتاب لا يثبت لغير أهل الكتابين وقوله عليه السلام (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) دليل
على أنه لا كتاب لهم وإنما أراد به النبي صلى الله عليه وسلم في حقن دمائهم واقرارهم بالجزية لاغير وذلك أنهم
لما كانت لهم شبهة كتاب غلب ذلك في تحريم دمائهم فيجب أن يغلب حكم التحريم لنسائهم وذبائحهم
فإننا إذا غلبنا الشبهة في التحريم فتغليب الدليل الذي عارضته الشبهة في التحريم أولى ولم يثبت أن
502

حذيفة تزوج مجوسية وضعف أحمد رواية من روى عن حذيفة أنه تزوج مجوسية وقال أبو وائل
يقول تزوج يهودية وهو أوثق ممن روي عنه أنه تزوج مجوسية وقال ابن سيرين كانت امرأة
حذيفة نصرانية ومع تعارض الروايات لا يثبت حكم إحداهن لا بترجيح على أنه لو ثبت ذلك عن
حذيفة فلا يجوز الاحتجاج به مع مخالفة الكتاب وقول سائر العلماء وأما اقرارهم بالجزية فلأننا غلبنا
حكم التحريم لدمائهم فيجب ان يغلب حكم التحريم في ذبائحهم ونسائهم
(فصل) وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار
والشجر والحيوان فلا خلاف
بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم، وذلك لما ذكرنا من الآيتين
وعدم المعارض لهما، والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت لأنه لم يثبت لها حكم أهل الدين الذي
انتقلت إليه في إقرارها عليه ففي حلها أولى
(مسألة) قال (وإذا كان أحد أبوي الكافرة كتابيا والآخر وثنيا لم ينكحها مسلم)
وجملته أنه إذا كان أحدا أبوي الكتابية غير كتابي لم يحل نكاحها سواء كان وثنيا أو مجوسيا
أو مرتدا، وبهذا قال الشافعي في ما إذا كان الأب غير كتابي لأن الولد ينسب إلى أبيه وبشرف بشرفه
وينسب إلى قبيلته، وإن كانت الام غير كتابية فله فيه قولان ولنا أنها غير متمحضة من أهل الكتاب فلم
503

يجز للمسلم نكاحها كما لو كان أبوها وثنيا ولأنها مولودة بين من يحل وبين من لا يحل فلم يحل كالسمع والبلغ ويحتمل
أن تحل بكل حال لدخولهما في عموم الآية المبيحة ولأنها كتابية تقر على دينها فأشبهت من أبواها كتابيان
والحكم فيمن أبواها غير كتابين كالحكم فيمن أحد أبويها كذلك لأنها إذا حرمت لكون أحد أبويها وثنيا
فلان ترحم إذا كانا وثنيين أولى والاحتمال الذي ذكرناه ثم تتحقق ههنا اعتبار الحال نفسها دون أبويها
(مسألة) قال (وإذا تزوج كتابية فانتقلت إلى دين آخر من الكفر غير دين أهل
الكتاب أجبرت على الاسلام فإن لم تسلم حتى انقضت عدتها انفسخ نكاحها)
الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة (الأول) أن الكتابي إذا انتقل إلى غير دين أهل
الكتاب لم يقر عليه لا نعلم في هذا خلافا فأمه إذا انتقل إلى دين لا يقر أهله بالجزية كعبادة الأوثان
وغيرها مما يستحسنه فالأصلي منهم لا يقر على دينه فالمنتقل إليه أولى، وان انتقل إلى المجوسية لم يقر
أيضا لأنه انتقل إلى أنقص من دينه فلم يقر عليه كالمسلم إذا ارتد فاما ان انتقل إلى دين آخر من دين
أهل الكتاب كاليهودي ينتصر أو النصراني يهود ففيه روايتان (إحداهما) لا يقر أيضا لأنه انتقل
إلى دين باطل قد أقر ببطلانه فلم يقر عليه كالمرتد (والثانية) يقر عليه نص عليه احمد وهو ظاهر
كلام الخرقي واختيار الخلال وصاحبه وقول أبي حنيفة لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب فأشبه
504

المنتقل وللشافعي قولان كالروايتين فاما المجوسي إذا انتقل إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقر كأهل ذلك الدين
وان انتقل إلى دين أهل الكتاب خرج فيه الروايتان وسواء فيما ذكرنا الرجل والمرأة لعموم قوله عليه
السلام (من بدل دينة فاقتلوه) ولعموم المعني الذي ذكرناه فيهما جميعا
(الفصل الثاني) ان المنتقل إلى غير دين أهل الكتاب لا يقبل منه إلا الاسلام نص عليه احمد
واختاره الخلال وصاحبه وهو أحد أقوال الشافعي لأن غير الاسلام أديان باطلة قد أفر يبطلانها فلم يقر
عليها كالمرتد، وعن أحمد أنه لا يقبل الا الاسلام أو الدين الذي كان عليه لأن دينه الأول قد أقررناه
عليه مرة ولم ينتقل إلى خير منه فنقره عليه ان رجع إليه ولأنه منتقل من دين يقر أهله عليه إلى دين
لا يقر أهله عليه فيقبل منه الرجوع إليه كالمرتد إذا رجع إلى الاسلام، وعن أحمد رواية ثالثة أنه
يقبل منه أحد ثلاثة أشياء. الاسلام أو الرجوع إلى دينه الأول، أو دين يقر أهله عليه لعموم قوله
تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وان انتقل إلى دين أهل الكتاب وقلنا لا يقر
ففيه الروايتان (إحداهما) لا يقبل منه إلا الاسلام، والآخري لا يقبل منه إلا الاسلام أو الدين الذي كان عليه
(الفصل الثالث) في صفة إجباره على ترك ما انتقل إليه وفيه روايتان (أحدهما) أنه يقتل ان لم يرجع رجلا
كان أو امرأة لعموم قوله عليه السلام (من بدل دينه فاقتلوه) ولأنه ذمي نقض العهد فأشبه ما لو نقضه بترك
التزام الذمة وهل يستتاب؟ يحتمل وجهين
505

(أحدهما) يستتاب لأنه يسترجع عن دين باطل انتقل إليه فيستتاب كالمرتد (والثاني) لا يستتاب
لأنه كافر أصلي أبيح قتله فأشبه الحربي، فعلى هذا إن بادر وأسلم أو رجع إلى ما يقر عليه عصم دمه وإلا
قتل (والرواية الثانية) عن أحمد قال إذا دخل اليهودي في النصرانية رددته إلى اليهودية ولم أدعه فيما
انتقل إليه فقيل له أتقتله؟ قال لا ولكن يضرب ويحبس قال وإن كان نصرانيا أو يهوديا فدخل في
المجوسية كان أغلظ لأنه لا تؤكل ذبيحته ولا تنكح له امرأة ولا يترك حتى يرد إليها فقيل له تقتله إذا
لم يرجع؟ قال إنه لأهل ذلك وهذا نص في أن الكتابي المنتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب
لا يقتل بل يكره بالضرب والحبس
(الفصل الرابع) ان امرأة المسلم الذمية إذا انتقلت إلى دين غير دين أهل الكتاب فهي كالمرتدة
لأن غير دين أهل الكتاب لا يحل نكاح نسائهم فمتى كان قبل الدخول انفسخ نكاحها في الحال ولا
مهر لها لأن الفسخ من قبلها، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة في إحدى الروايتين والأخرى
ينفسخ في الحال أيضا.
(مسألة) قال (وأمته الكتابية حلال له دون أمته المجوسية)
الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) أن أمته الكتابية حلال له وهذا قول عامة أهل العلم
إلا الحسن فإنه كرهه لأن الأمة الكتابية يحرم نكاحها فحرم التسري بها كالمجوسية
506

ولنا قول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) ولأنها ممن يحل
نكاح حرائر هم فحل له التسري بها كالمسلمة، فأما نكاحها فيحرم لأن فيه ارقاق ولده وابقاءه مع
كافرة بخلاف التسري
(الفصل الثاني) أن من حرم نكاح حرائرهم من المجوسيات وسائر الكوافر سوى أهل الكتاب
لا يباح وطئ الإماء منهن بملك اليمين في قول أكثر أهل العلم منهم مرة الهمذاني والزهري وسعيد بن
جبير والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي قال ابن عبد البر على هذا جماعة فقهاء الأمصار
وجمهور العلماء وما خالفه فشذوذ لا يعد خلافا ولم يبلغنا إباحة ذلك الا عن طاوس، ووجه قوله عموم
قوله تعالى (والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم) والآية الأخرى. روى أبو سعيد أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعثا يوم حنين بعثا قبل أوطاس فأصابوا منهم سبايا وكأن ناسا من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل في ذلك (والمحصنات
من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) قال فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن، وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في سبايا أو طاس (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) رواهما أبو
داود وهو حديث صحيح وهم عبدة أوثان وهذا ظاهر في إباحتهن ولان الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
507

كان أكثر سباياهم من كفار العرب وهم عبدة أوثان فلم يكونوا يرون تحريمهن لذلك ولا نقل عن النبي
صلى الله عليه وسلم تحريمهن ولاأمر الصحابة باجتنابهن. وقد دفع أبو بكر إلى سلمة بن الأكوع امرأة من بعض السبي
نفلها إياه، وأخذ عمرو ابنه من سبي هوازن وغيرهما من الصحابة والحنفية أم محمد بن الحنيفة من سبي
بني حنيفة وقد أخذ الصحابة سبايا فارس وهم مجوس فلم يبلغنا أنهم اجتنبوهن وهذا ظاهر في إباحتهن
لولا اتفاق أهل العلم على خلافه وقد أجبت على حديث أبي سعيد بأجوبة منها انه يحتمل أنهن أسلمن كذلك.
روي عن أحمد أنه سأله محمد بن الحكم قال: قلت لأبي عبد الله هوازن أليس كانوا عبدة أوثان؟ قال لا أدري
كانوا أسلموا أولا وقال ابن عبد البر إباحة وطئهن منسوخة بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)
(مسألة) قال (وليس للمسلم وإن كان عبدا أن يتزوج أمة كتابية)
لأن الله تعالى قال (من فتياتكم المؤمنات) هذا ظاهر مذهب أحمد رواه عنه جماعة وهو قول
الحسن والزهري ومكحول ومالك والشافعي والثوري والأوزاعي والليث وإسحاق. وروي ذلك
عن عمر وابن مسعود ومجاهد، وقال أبو ميسرة وأبو حنيفة يجوز للمسلم نكاحها لأنها تحل بملك اليمين
فحلت بالنكاح كالمسلمة
508

ونقل ذلك عن أحمد قال لا بأس بتزويجها الا أن الخلال رد هذه الرواية وقال توقف احمد
فيها ولم ينفذ له قول ومذهبه انها لا تحل لقول الله (فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات)
نشرط في إباحة نكاحهن الايمان ولم يوجد، وتفارق المسلمة لأنه لا يؤذي إلى استرقاق الكافر ولدها
لأن الكافر لا يقر ملكه على مسلمة والكافرة تكون ملكا لكافر وبقر ملكه عليها وولدها مملوك لسيدها
ولأنه عقد اعتوره نقصان نقص الكفر والملك فإذا اجتمعا منعا كالمجوسية لما اجتمع فيها نقص الكفر وعدم
الكتاب لم يبح نكاحها، ولا فرق بين الحر والعبد في تحريم نكاحها لعموم ما ذكرنا من الدليل ولان
ما حرم على الحر تزويجه لأجل دينه حرم على العبد كالمجوسية
(مسألة) قال (ولا لحر مسلم أن يتزوج أمة مسلمة الا أن لا يجد طولا لحرة
مسلمة ويخاف العنت)
الكلام في هذه المسألة في شيئين (أحدهما) انه يحل له نكاح الأمة المسلمة إذا وجد فيه الشرطان
عدم الطول وخوف العنت، وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم اختلافا فيه، والأصل فيه قول الله سبحانه
(ومن لم يستطع منكم طولا) الآية، والصبر عنها مع ذلك خير وأفضل لقول الله تعالى (وان تصبروا
خير لكم) [والثاني] إذا عدم الشرطان أو أحدهما لم يحل نكاحها لحر، روي ذلك عن جابر وابن عباس
وبه قال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن دينار ومكحول ومالك والشافعي وإسحاق
509

وقال مجاهد مما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة وإن كان موسرا وبه قال أبو حنيفة الا أن
يكون تحته حرة لأن القدرة على النكاح لا تمنع النكاح كما يمنعه وجود النكاح كنكاح الأخت والخامسة
وقال قتادة والثوري إذا خاف العنت حل له نكاح الأمة وان وجد الطول لأن إباحتها لضرورة خوف
العنت وقد وجدت فلا يندفع إلا بنكاح الأمة فأشبه عادم الطول
ولنا قول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من
فتياتكم المؤمنات - إلى قوله - ذلك لمن خشي العنت منكم) فشرط في نكاحها عدم استطاعة الطول
فلم يجز مع الاستطاعة كالصوم في كفارة الظهار مع عدم استطاعة الاعتاق ولان في تزويج الأمة إرقاق
ولده مع الغنى عنه فلم يجز كما لو كان تحته حرة، وقياسهم ليس بصحيح فإن نكاح الخامسة والأخت
إنما حرم لا جل الجمع وبالقدرة على الجمع لا يصير جامعا والعلة ههنا هو الغنى عن إرقاق ولده وذلك
يحصل بالقدرة على نكاح الحرة، وأما من يجد الطول ويخاف العنت فإن كان ذلك لكونه لا يجد
إلا حرة صغيرة أو غائبة أو مريضة لا يمكن وطؤها أو وجد مالا ولم يتزوج لقصور نسبه فله نكاح
الأمة لأنه عاجز عن حرة تعفه، وان كانت الحرة في حبالة غيره فله نكاح أمة نص عليه أحمد في الغائبة
وهو ظاهر مذهب الشافعي. وقال بعضهم لا يجوز لوجدان الطول
ولنا انه غير مستطيع الطول إلى حرة تعفه فأشبه من لا يجد شيئا، ألا ترى ان الله سبحانه جعل ابن
510

السبيل الذي له اليسار في بلده فقيرا لعدم قدرته عليه في الحال، فإن كانت له حرة يتمكن من وطئها
والعفة بها فليس بخائف العنت.
(فصل) وان قدر على تزوج كتابية تعفه لم يحل له نكاح الأمة وهذا ظاهر مذهب الشافعي،
وذكر وجها آخر انه يجوز لقول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات
المؤمنات) وهذا غير مستطيع لذلك
ولنا قول الله تعالى (ذلك لمن خشي العنت منكم) وهذا غير خائف له ولأنه قدر على صيانة
ولده عن الرق فلم يجز له إرقاقه كما لو قدر على نكاح مؤمنة
(فصل) ومن كانت تحته حرة يمكنه أن يستعف بها لم يجز له نكاح أمة لا نعلم في هذا خلافا ولافرق
بين الكتابية والمسلة في ذلك لما ذكرنا من قبل
(فصل) فإن لم يجد طولا لكن وجد من يقرضه ذلك لم يلزمه لأن عليه ضررا في بقاء الدين
في ذمته ولصاحبه مطالبته به في الحال وكذلك أن رضيت الحرة بتأخير صداقها أو تفويض بضعها
لأن لها مطالبته بعوضه وكذلك أن بذل له باذل أن يزنه عنه أو يهبه إياه لم يلزمه قبوله لما عليه من
ضرر المنة وله في ذلك كله نكاح الأمة، وان لم يجد من يزوجه إلا بأكثر من مهر المثل وكان قادرا
عليه ولا يجحف به لم يكن له نكاح الأمة وقال أصحاب الشافعي له ذلك كما لو يجد الماء إلا بزيادة
511

عن ثمن المثل فله التيمم. ولنا قول الله تعالى [فمن لم يستطع منكم طولا] وهذا مستطيع ولأنه قادر على
نكاح حرة بما لا يضره فلم يجز له ارقاق ولده كما لو كان بمهر مثلها ولا نسلم ما ذكروه في ا لتيمم ثم هذا مفارق
للتيمم من وجهين (أحدهما) أن التيمم رخصة عامة وهذا أبيح للضرورة ومع القدرة على الحرة لا ضرورة
(والثاني) أن التيمم يتكرر فايجاب شرائه بزيادة على ثمن المثل يفضى إلى الاجحاف به وهذا لا يتكرر فلا ضرر فيه
(فصل) وإن كان في يده مال فذكر انه معسر وان المال لغيره فالقول قوله لأنه حكم بين وبين
الله تعالى فقبل قوله فيه كما لو ادعى مخافة العنت، ومتى تزوج الأمة ثم أقر أنه كان موسرا حال النكاح
فرق بينهما لأنه أقر بفساد نكاحه، وهكذا إن أقر أنه لم يكن يخشى العنت فإن كان قبل الدخول
وصدقه السيد فلا مهر وإن كذبه فله نصف المسمى لأنه يدعي صحة النكاح والأصل معه، وإن كان
بعد الدخول فعليه المسمى جميعه الا أن يكون مهر المثل أكثر فعلى قول من أوجب مهر المثل في النكاح
الفاسد يلزمه مهر المثل لاقراره به فإن كان المسمى أكثر وجب وللسيد أن لا يصدقه فيما قال فيكون له
من المهر ما يجب في النكاح الفاسد وهل ذلك المسمى أو مهر المثل؟ على روايتين
(مسألة) قال (ومتى عقد عليها وفيه الشرطان عدم الطول وخوف العنت ثم أيسر
لم ينفسخ النكاح)
هذا ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي، وفي المذهب وجه آخر أنه يفسد النكاح وهو قول المزني
512

لأنه أنما أبيح للحاجة فإذا زالت الحاجة لم يجز له استدامته كمن أبيح له أكل الميتة للضرورة فإذا وجد
الحلال لم يستدمه.
ولنا أن فقد الطول أحد شرطي إباحة نكاح الأمة فلم تعتبر استدامته كخوف العنت، ويفارق أكل
الميتة فإن أكلها بعد القدرة ابتداء للاكل وهذا لا يبتدي النكاح إنما يستديمه والاستدامة للنكاح تخالف
ابتداءه بدليل ان العدة والردة وأمن العنت يمنعن ابتداءه دون استدامته
(فصل) وإن تزوج على الأمة حرة صح وفي بطلان نكاح الأمة روايتان (إحداهما) لا يبطل
وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والشافعي وأصحاب الرأي، وروى معني ذلك عن علي رضي الله
عنه (والرواية الثانية) ينفسخ نكاح الأمة وهو قول ابن عباس ومسروق وإسحاق والمزني، ووجه
الروايتين ما تقدم في المسألة، وقال النخعي إن كان له من الأمة ولد لم يفارقها والا فارقها ولا يصح لأن
ما كان مبطلا للنكاح في غير ذات الولد أبطله في ذات الولد كسائر مبطلاته ولان ولده منها مملوك لسيدها
ونفقته عليه وقد استدل على بقاء النكاح بما روي عن علي أنه قال: إذا تزوج الحرة على الأمة قسم
للحرة ليلتين وللأمة ليلة فإنه لو بطل بنكاح الحرة لبطل بالقدرة عليه فإن القدرة على المبدل كاستعماله
بدليل الماء مع التراب
513

(مسألة) قال (وله أن ينكح من الإماء أربعا إذا كان الشرطان فيه قائمين)
اختلفت الرواية عن أحمد في إباحة أكثر من أمة إذا لم تعفه فعنه أنه قال إذا خشي العنت تزوج
أربعا إذا لم يصبر كيف يصنع؟ وهذا قول الزهري والحارث العكلي ومالك وأصحاب الرأي (والرواية
الثانية) قال أحمد لا يعجبني أن يزوج الا أمة واحدة يذهب إلى حديث ابن عباس وهو ما روي عن ابن عباس
أن الحر لا يتزوج من الإماء إلا واحدة وقرأ ذلك لمن خشي العنت منكم) وبه قال قتادة والشافعي وابن المنذر
لأن من له زوجة يمكنه وطؤها لا يخشى العنت وجه الأولى قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية وهذا
داخل في عمومها ولأنه عادم للطول خائف للعنت فجاز له نكاح أمة كالأولى، وقولهم لا يخشى العنت قلنا
الكلام فيمن يخشاه ولا نبيحه الا له، وقول ابن عباس يحمل على من لم يخش العنت فكذلك الرواية
الأخرى عن أحمد، وان تزوج حرة فلم تعفه فذكر فيها أبو الخطاب روايتين مثل نكاح الأمة في
حق من تحته أمة لم تعفه لما ذكرنا، وان كانت الحرة تعفه فلا خلاف في تحريم نكاح الأمة، وان
نكح أمة تعفه لم يكن له أن ينكح أخرى فإن نكحها فنكاحها باطل لأنه يبطل في إحداهما وليست إحداهما
بأولى من الأخرى فبطل كما لو جمع بين أختين
(فصل) وللعبد أن ينكح الأمة وان فقد فيه الشرطان لأنه مساو لها فلم يعتبر فيه هذان
الشرطان كالحر مع الحرة، وله نكاح أمتين معا وواحدة بعد واحدة لأن خشية العنت غير مشروطة فيه،
514

وان تزوج حرة وقلنا ليست الحرية شرطا في نكاح الحرة فهل له أن ينكح أمة؟ فيه روايتان (إحداهما)
له ذلك وهو قول مالك والشافعي لأنها مساوية له فلم يشترط لصحة نكاحها عدم الحر كالحر مع الحرة ولأنه لو
اشترط عدم الحرة لاشترط عدم القدرة عليها كما في حق الحرة (والثانية) لا يجوز وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي
لأنه يروى عن سيعد بن المسيب أنه قال تنكح الحرة على الأمة ولا تنكح الأمة على الحرة، ولأنه مالك لبضع
حرة فلم يكن له أن يتزوج أمة كالحر وان عقد النكاح عليهما جميعا صح فيهما لأن كل واحدة يجوز افرادها
بالعقد فجاز بالجمع بينهما كالأمتين
(فصل) وإذا زنت المرأة لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها الا بشرطين [أحدهما] انقضاء عدتها فإن حملت
من الزنا فقضاء عدتها بوضعه ولا يحل نكاحها قبل وضعه وبهذا قال مالك وأبو يوسف وهو إحدى الروايتين
عن أبي حنيفة، وفي الأخرى قال يحل نكاحها ويصح وهو مذهب الشافعي لأنه وطئ لا يلحق به النسب
فلم يحرم النكاح كما لو لم تحمل
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره) يعني
وطئ الحوامل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا توطأ حامل حتى تضع) صحيح وهو عام وروي عن سعيد بن المسيب
أن رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حلى فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما وجعل لها
الصداق وجلدها مائة رواه سعيد، ورأي النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مجحا (1) على باب فسطاطا فقال (لعله يريد

(1) بجيم ثم حاء مهملة هي الحامل قريبة الولادة
515

أن يلم بها) قالوا نعم قال (لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يستخدمه وهو لا يحل له أم
كيف يورثه وهو لا يحل له) أخرجه مسلم ولأنها حامل من غيره فحرم عليه نكاحها كسائر الحوامل
وإذا ثبت هذا لزمتها العدة وحرم عليها النكاح فيها لأنها في الأصل لمعرفة براءة الرحم ولأنها
قبل العدة يحتمل أن تكون حاملا فيكون نكاحها باطلا فلم يصح كالموطوءة بشبهة، وقال أبو حنيفة والشافعي
لا عدة عليها لأنه وطئ لا تصير به المرأة فراشا فأشبه وطئ الصغير
ولنا ما ذكرناه لأنه إذا لم يصح نكاح الحامل فغيرها أولى لأن وطئ الحامل لا يفضي إلى اشتباه
النسب، ويحتمل أن يكون ولدها من الأول ويحتمل أن يكون من الثاني فيفضى إلى اشتباه الأنساب
فكان بالتحريم أولى، ولأنه وطئ في القبل فأوجب العدة كوطئ الشبهة ولا تسلم وطئ الصغير الذي يمكن
منه الوطئ (والشرط الثاني) أن تتوب من الزنا قاله قتادة وإسحاق وأبو عبيد، وقال أبو حنيفة ومالك
والشافعي لا يشترط ذلك لما روي أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنا وحرص أن يجمع بينهما فأبى
الرجل: وروي أن رجلا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية فقال: يجوز أرأيت لو سرق من
كرم ثم ابتاعه أكان يجوز؟
ولنا قول الله تعالى (الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك - إلى قوله - وحرم ذلك على المؤمنين)
وهي قبل التوبة في حكم لزنا فإذا ثابت زال ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لاذنب
516

له) وقوله (التوبة تمحو الحوبة) وروي أن مرثدا دخل مكة فرأي امرأة فاجرة يقال لها عناق
فدعته إلى نفسها فلم يجبها فلما قدم المدينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنكح عتاقا؟ فلم يجبه
فأنزل الله تعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ولزنية لا ينكحها الا زان أو مشرك) فدعاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليه الآية وقال (لا تنكحها) ولأنها إذا كانت مقيمة على الزنا لم يأمن أن تلحق
به ولد غيره وتفسد فراشه، فاما حديث عمر فالظاهر أنه استنابها وحديث ابن عباس ليس فيه بيان
ولا تعرض له لمحل النزاع، إذا ثبت هذا فإن عدة الزانية كعبرة المطلقة لأنه استبراء لحرة فأشبه عدة
الموطوءة بشبهة وحكى ابن أبي موسى انها تستبرأ بحيضة لأنه ليس من نكاح ولا شبهة نكاح فأشبه
استبراء أم الولد إذا عتقت. واما التوبة فهي لاستغفار والندم ولا قلاع عن الذنب كالتوبة من سائر
الذنوب وروي عن ابن عمر أنه قيل له كيف تعرف توبتها؟ قال يريدها على ذلك فإن طاوعته فلم تتب
وان أبت فقد تابت فصار أحمد إلى قول ابن عرم تباعا له، والصحيح الأول فإنه لا ينبغي لمسلم أن
يدعو امرأة إلى الزنا ويطلبه منها ولان يطلبه ذلك منها إنما يكون في خلوة لا تحل الخلوة بأجنبية
ولو كان في تعليمها القرآن فكيف يحل في مراودتها على الزنا؟ ثم لا يأمن أن اجابته إلى ذلك أن تعود
إلى المعصبة فلا يحل التعرض لمثل هذا ولان التوبة من سائر الذنوب وفي حق سائر الناس وبالنسبة
إلى سائر الأحكام على غير هذا الوجه فكذلك يكون هذا.
517

(فصل) وإذا وجد الشرطان حل نكحها للزاني وغيره في قول أكثر أهل العلم منهم أبو بكر
وعمر وابنه وابن عباس وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة والزهري والثوري والشافعي وابن
المنذر وأصحاب الرأي وروي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة أنها لا تحل للزاني بحال قالوا
لا يزالان زانيين ما اجتمعا لعموم الآية والخبر ويحتمل أنهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة أو قبل
استبرائها فيكون كقولنا، فأما تحريمها على الاطلاق فلا يصح لقول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء
ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) ولأنها محللة لغير لزاني فحلت له كغيرها
(فصل) وان زنت امرأة رجل أو زنى زوجها لم ينفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده
في قول عامة أهل العلم وبذلك قال مجاهد وعطاء والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي
وعن جابر بن عبد الله أن المرأة إذا زنت يفرق بينهما وليس لها شئ وكذلك روي عن الحسن وعن
علي رضي الله عنه أنه فرق بين رجل وامرأته زنى قبل الدخول بها واحتج لهم بأنه لو قذفها ولاعنها
بانت منه لتحقيقه الزنا عليها فدل على أن الزنا يبينهما
ولنا أن دعواه الزنا عليها لا يبينها ولو كان النكاح ينفسخ به لا نفسخ بمجرد دعواه كالرضاع
ولأنها معصية لا تخرج عن الاسلام فأشبهت السرقة فاما اللعان فإنه يقضي الفسخ بدون الزنا بدليل
أنها إذا لاعنته فقد قابلته فلم يثبت زناها ولذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الحد على من قذفها والفسخ واقع
518

ولكن احمد استحب للرجل مفارقة امرأته إذا زنت وقال لا أرى أن يمسك مثل هذه وذلك أنه
لا يؤمن أن تفسد فراشه وتلحق به ولدا ليس منه، قال ابن المنذر لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها
على غير وجه التحريم فيكون مثل قول أحمد هذا، قال أحمد ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض وذلك
لما روى رويفع بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين (لا يحل لامري يؤمن بالله
واليوم الآخر يسقي ماءه زرع غيره) يعني اتيان الحبالى ولأنها ربما تأني بولد من الزنا فينسب إليه
والأولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضة الواحدة لأنها تكفي في استبراء الإماء وفي أم الود إذا عتقت بموت
سيدها أو باعتاق سيدها فيكفي ههنا والمنصوص ههنا مجرد الاستبراء وقد حصل بحيضة فيكتفي بها
(فصل) وإذا علم الرجل من جاريته الفجور فقال أحمد لا يطؤها لعلها تلحق به ولدا ليس منه
قال ابن مسعود أكره أن أطا أمتي وقد بغت وروي مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب
أنه كان ينهى أن يطأ الرجل أمته وفي بطنها ولد جنين لغيره، قال ابن عبد البر هذا مجمع على تحريمه وكان
ابن عبا س يرخص في وطئ الأمة الفاجرة وروي ذلك عن سعيد بن المسيب ولعل من كره ذلك
كره قبل الاستبراء أو إذا لم يحصنها أو يمنعها من الفجور ومن أباحه بعدهما فيكون القولان
متفقين والله أعلم
519

(مسألة) قال (ومن خطب امرأة فلم تسكن إليه فلغيره خطبتها)
الخطبة بالكسر خطبة الرجل المرأة لينكحها والخطبة بالضم هي حمد الله والتشهد ولا يخلو حال
المخطوبة من ثلاثة أقسام:
(أحدها) أن تكن إلى الخاطب لها فتجيبه أو تأذن لوليها في اجابته أو تزويجه فهذه يحرم على
غير خاطبها خطبتها لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه. وعن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك) متفق عليهما،
ولان في ذلك افسادا على الخاطب الأول وإيقاع العداوة بين الناس ولذلك نهى النبي صلى الله عليه
وسلم عن بيع الرجل على بيع أخيه ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم إلا أن قوما حملوا النهي على
الكراهة الظاهر أولى.
(القسم الثاني) أن ترده أولا تركن إليه فهذه يجوز خطبتها لما روت فاطمة بنت قيس أنها أتت
النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اما معاوية فصعلوك لامال له
وأما أبو جهم فلا يضع عصاء عن عاتقه انكحي أسامة بن زيد) متفق عليه فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد إخبارها
إياه بخطبة معاوية وأبي جهم لها، ولان تحريم خطبتها على هذا الوجه اضرار بها فإنه لا يشاء أحد أن
520

يمنع المرأة النكاح إلا منعها بخطبته إياها وكذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة فقال لا تفوتيني بنفسك
وأشباه هذا لم ترحم خطبتها لأن في قصة فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها (لا تفوتينا بنفسك) ولم ينكر
خطبة أبي جهم ومعاوية لهما
وذكر ابن عبد البر أن ابن وهب روى باسناده عن الحارث بن سعد بن أبي ديان أن عمر بن
الخطاب خطب امرأة على جرير بن عبد الله وعلى مروان بن الحكم وعلي عبد الله بن عمر فدخل على
المرأة وهي جالسة في بيتها فقال عمران جرير بن عبد الله يخطب وهو سيد أهل المشرق، ومروان يخطب
وهو سيد شباب قريش، وعبد الله بن عمر وهو من قد علمتم، وعمر بن الخطاب فكشفت المرأة الستر
فقالت أجاد أمير المؤمنين، فقال نعم؟ فقالت فقد أنكحت أمير المؤمنين فأنكحوه فهذا عمر قد خطب
على واحد بعد واحد قبل أن يعلم ما تقول المرأة في الأول
(القسم الثالث) أن يوجد من المرأة ما يدل على الرضى والسكون تعريضا لا تصريحا كقولها ما أنت
الأرضي وما عنك رغبة فهذه في حكم القسم الأول لا يحل لغيره خطبتها هذا ظاهر كلام الخرقي وظاهر
كلام احمد فإنه قال إذا ركن بعضهم إلى بعض فلا يحل لاحد أن يخطب والركون يستدل عليه بالتعريض
تارة والتصريح أخرى. وقال القاضي ظاهر كلام إباحة خطبتها وهو مذهب الشافعي في الجديد
لحديث فاطمة حيث خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وزعموا أن الظاهر من كلامها ركونها إلى أحدهما واستدل
القاضي بخطبته لها قبل سؤالها هل وجد منها ما دل على الرضى أولا؟
521

ولنا عموم قوله عليه السلام (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) ولأنه وجد منها ما دل على الرضى
به وسكوتها إليه فحرمت خطبتها كما لو صرحت بذلك وأما حديث فاطمة فلا حجة لهم فيه فإن فيه ما يدل
على أنه لم تركن إلى واحد منهما من وجهين
(أحدهما) ان النبي صلى الله عليه وسلم قد كان قال لهاه (لا تسبقيني بنفسك - في لفظ لا تفوتيني بنفسك
- وفي رواية - إذا حللت فآذنيني) فلم تكن لنفتات بالإجابة قبل أن تؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(والثاني) أنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالمستشيرة له فيهما أو في العدول عنهما لي غيرهما
وليس في الاستشارة دليل على ترجيح أحد الامرين ولا ميل إلى أحدهما على أنها إنما ذكرت ذلك
للنبي صلى الله عليه وسلم لترجع إلى قوله ورأيه وقد أشار عليه بتركهما لما
ذكرنا من عيبهما فجرى ذلك مجرى ردها
لهما وتصريحها بمنعهما، ومن وجه آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهما بخطبتها تعريضا بقوله لها ما ذكرنا
فكانت خطبته بعدهما مبنية على الخطبة السابقة لهما بخلاف ما نحن فيه.
(فصل) والتعويل في الرد والإجابة على الولي إن كانت مجبرة وعليها ان لم تكن مجبرة لأنها أحق
بنفسها من وليها ولو أجاب هو ورغبت عن النكاح كان الامر أمرها، وإن أجاب وليها فرضيت فهو
كإجابتها وإن سخطت فلا حكم لاجابته لأن الحق لها، ولو أجاب الولي في حق المجيرة فكرهت المجاب
واختارت غيره سقط حكم إجابة وليها لكون اختيارها مقدما على اختياره، وان كرهته ولم تجز سواه
522

فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضا لأنه قد أمر باستئمرارها فلا ينبغي له أن يكرهها على ما لا ترضاه،
وإن أجابته ثم رجعت عن الإجابة وسخطته زال حكم الإجابة لأن لها الرجوع، وكذلك إذا رجع الولي
المجبر عن الإجابة زال حكمها لأن له النظر في أمر موليته ما لم يقع العقد، وإن لم ترجع هي ولا وليها
ولكن ترك الخاطب الخطبة أو أذن فيها جازت خطبتها لما روي في حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه
نهى ان يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يأذن له أو يترك. رواه البخاري
(فصل) وخطبة الرجل على خطبة أخيه، في موضع النهي محرمة. قال احمد لا يحل لاحد أن يخطب في
هذه الحال، وقال أبو جعفر العكبري هي مكروهة غير محرمة وهذا نهي تأديب لا تحريم
ولنا ظاهر النهي فإن مقتضاه التحريم ولأنه نهي عن الاضرار بالآدمي المعصوم فكان على التحريم
كالنهي عن أكل ماله وسفك دمه فإن فعل فنكاحه صحيح نص عليه احمد فقال لا يفرق بينهما وهو مذهب
الشافعي، وروي عن مالك وداود انه لا يصح، وهو قياس قول أبي بكر لأنه قال في البيع على بيع أخيه هو باطل
وهذا في معناه ووجهه أنه نكاح منهي عنه فكان باطلا كنكاح الشغار
ولنا أن المحرم لم يفارق العقد فلم يؤثر فيه كما لو صرح بالخطبة في العدة
(فصل) ولا يكره للولي الرجوع عن الإجابة إذا رأى المصلحة لها في ذلك لأن الحق لها وهو
نائب عنها في النظر لها فلا يكره له الرجوع الذي رأى المصلحة فيه كما لو ساوم في بيع دارها ثم تبين
523

له المصلحة في تركها ولا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب لأنه عقد عمري يدوم الضرر فيه فكان
لها الاحتياط لنفسها والنظر في حظها وان رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من اخلاف الوعد والرجوع
عن القول ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزمهما كمن سام سلعة ثم بداله الا يبعها
(فصل) فإن كان الخاطب الأول ذميا تحرم الخطبة على خطبته نص عليه احمد فقال لا يخطب على خطبة
أخيه ولا يساوم على سوم أخيه إنما هو للمسلمين ولو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو استام
على سومهم لم يكن داخلا في ذلك لأنهم ليسوا باخوة للمسلمين وقال ابن عبد البر لا يجوز أيضا لأن هذا خرج
مخرج الغالب لا لتخصيص المسلم به
ولا أن لفظ النهي خالص في المسلمين والحاق غيره به انا يحص إذا كان مثله وليس الذمي كالمسلم
ولا حرمته كحرمته، لذلك لم تجب إجابتهم في دعوة الوليمة ونحوها وقوله خرج مخرج الغالب قلنا متى
كان في المخصوص بالذكر معنى يصح أن يعتبر في الحكم لم يجز حذفه ولا تعدية الحكم بدونه، وللاخوة
الاسلامية تأثير في وجوب الاحترام وزيادة الاحتياط في رعاية حقوقه وحفظ قلبه واستبقاء مودته
فلا يجوز خلاف ذلك والله أعلم
(مسألة) قال (ولو عرض لها وهي في العدة بأن يقول اني في مثلك لراغب، وان
قضي شئ كان وما أشبه من الكلام مما يدلها على رغبته فيها فلا بأس إذا لم يصرح)
وجملة ذلك أن المعتدات على ثلاثة أضرب معتدة من وفاة أو طلاق ثلاث أو فسخ لتحريمها على
524

زوجها كالفسخ برضاع أو لعان ونحوه مما لا تحل بعده لزوجها فهذه يجوز التعريض بخطبتها في عدتها لقول
الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) ولما روت فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لها لما طلقها زوجها ثلاثا (إذا حللت فآذنيني - وفي لفظ - لا تسقيني بنفسك - وفي - لفظ لا تفوتينا
بنفسك) وهذا تعريض بخطبتها في عدتها ولا يجوز التصريح لأن الله تعالى لما خص التعريض بالإباحة
دل على تحريم التصريح ولان التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن أن يحملها الحوص عليه على الاخبار
بانقضاء عدتها قبل انقضائها والتعريض بخلافه
(القسم الثاني) الرجعية فلا يحل لاحد التعريض بخطبتها ولا التصريح لأنها في حكم الزوجات
فهي كالتي في صلب نكاحه
(القسم الثاني) بائن يحل لزوجها كالمختلعة والبائن بفسخ لغيبة أو اعسار ونحو ه فلزوجها
التصريح بخطبتها والتعريض لأنها مباحة له نكاحها في عدتها فهي كغير المعتدة وهل يجوز لغيره التعريض
بخطبتها فيه وجهان وللشافعي فيه أيضا قولان (أحدهما) يجوز لعموم الآية ولأنها بائن فأشبهت المطلقة
ثلاثا (والثاني) لا يجوز لأن الزوج يملك أن يستبيحها فهي كالرجعية والمرأة في الجواب كالرجل في الخطبة
في ما يحل ويحرم لأن الخطبة للعقد فلا يختلفان في حله وحرمته إذا ثبت هذا فالتعريض أن يقول اني في
مثلك لراغب ورب راغب فيك
525

وقال القاسم بن محمد: التعريض أن يقول انك علي لكريمة واني فيك لراغب وان الله لسائق إليك
خيرا أو رزقا، وقال الزهري أنت جميلة وأنت مرغوب فيك، وان قال لا تسبقينا بنفسك أو لا تفوتينا
بنفسك أو إذا حللت فآذنيني ونحو ذلك جاز، قال مجاهد مات رجل وكانت امرأته تتبع الجنازة فقال
رجل لا تسبقينا بنفسك فقالت سبقك غيرك، وتجيبه المرأة ان قضي شئ كان وما نرغب عنك وما أشبه
والتصريح هو اللفظ الذي لا يحتمل غير النكاح نحو أن يقول زوجيني نفسك أو إذا انقضت عدتك
تزوجتك ويحتمل ان هذا معنى قوله تعالى (لا تواعدوهن سرا) فإن النكاح يسمى سرا قال الشاعر
فلن تطلبوا سرها للغنى * ولن تسلموها لازهادها
وقال الشافعي السر الجماع، وأنشد لامرئ القيس
ألا زعمت بسباسة القوم انني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
ومواعدة السر أن يقول عندي جماع يرضيك ونحوه وكذلك أن قال رب جماع يرضيك، فنهي
عنه لما فيه من الهجر والفحش والدناءة والسخف
(فصل) فإن صرح بالخطبة أو عرض في موضع يحرم التعريض ثم تزوجها بعد حلها صح نكاحه
وقال مالك يطلقها تطليقه ثم يتزوجها وهذا غير صحيح لأن هذا المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر كما في
النكاح الثاني أو كما لو رآها متجردة ثم تزوجها
526

(فصل) ويحرم على العبد نكاح سيدته. قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن نكاح المرأة عبدها
باطل، وروي الأثرم باسناده عن أبي الزبير قال سألت جابرا عن العبد ينكح سيدته فقال جاءت
امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية وقد نكحت عبدها فانتهرها عمر وهم أن يرجمها وقال لا يحل
لك. ولان أحكام النكاح مع أحكما الملك يتنافيان فإن كل واحد منهما يقتضي أن يكون الآخر بحكمه
يسافر بسفره ويقيم بإقامته وينفق عليه فيتنافيان
(فصل) وليس للسيد أن يتزوج أمته لأن مالك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع
معه عقد أضعف منه ولو ملك زوجته وهي أمة انفسخ نكاحها وكذلك لو ملكت المرأة زوجها
انفسخ نكاحها ولا نعلم في هذا خلاف ا ولا يجوز أن يتزوج أمة له فيها ملك ولا يتزوج مكاتبته لأنها مملوكته
(فصل) ولا يجوز للحر ان يتزوج أمة ابنه لأن له فيها شبهة وهذا قول أهل الحجاز وقال أهل
العراق له ذلك لأنها ليست مملوكة له ولا تعتق باعتاقه لها
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) ولأنه لو ملك جزءا من أمة لم يصح نكاحه لها فما
هي مضافة إليه بجملتها شرعا أولى بالتحريم وكذلك لا يجوز للعبد نكاح أم سيده أو سيدته مع ما ذكرنا
من الخلاف ويجوز للعبد أن يتزوج أمة ابنه لأن الرق يقطع ولايته عن أبيه وماله ولهذا لا يلي ماله ولا
نكاحه ولا يرث أحدهما صاحبه فهو كالأجنبي منه
(فصل) وللابن نكاح أمة أبيه لأنه لا ملك له فيها ولا شبهة ملك فأشبه الأجنبي وكذلك
527

سائر القرابات ويجوز أن يزوج الرجل ابنته المملوكة إذا قلنا ليست الحرية شرطا في الصحة، ومتى
مات الأب فورث أحد الزوجين صاحبه أو جزءا منه انفسخ النكاح وكذلك أن ملكه أو جزءا منه
بغير الإرث لا نعلم فيه خلافا الا أن الحسن قال إذا اشترى امرأته للعتق فأعتقها حين ملكها فهما على
نكاحهما. ولا يصح لأنهما متنافيان فلا يجتمعان قليلا ولا كثيرا فبمجرد الملك لها انفسخ نكاحه سابقا
على عتقها. وحكم الكاتب يتزوج بنت سيده أو سيدته حكم العبد في أنه إذا مات سيده انفسخ نكاحه
وقال أصحاب الرأي النكاح بحاله لأنها لا تملكه إنما لها عليه دين وليس بصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم
قال (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) ولأنه لو زال الملك عنه لما عاد بعجزه كما لو أعتق
(فصل) وإذا ملكت المراه زوجها أو بعضه فانفسخ فليس ذلك بطلاق فمتى أعتقته
ثم تزوجها لم تحتسب عليه بتطليقة وبهذا قال الحكم وحماد ومالك والشافعي وابن المنذر وإسحاق
وقال الحسن والزهري وقتادة والأوزاعي هي تطليقه وليس بصحيح لأنه لم يلفظ بطلاق صريح
ولا كناية واما انفسخ النكاح بوجود ما ينافيه فأشبه انفساخه باسلام أحدهما أو ردتا ولو ملك الرجل
بعض زوجته انسخ نكاحها وحرم وطؤها في قول عامة المفتين حتى يستخلصها فتحل له يملك اليمين
روي عن قتادة أنه قال لم يزده ملكه فيها الا قربا وليس بصحيح لأن النكاح لا يبقى في بعضها وملكه لم
يتم عليها ولا يثبت الحل فيما لا يملكه ولانكاح فيه
528

(فصل) ولا يجوز للرجل وطئ جارية ابنه لأن الله تعالى قال [إلا على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم] وليست هذه زوجة له ولا مملوكته ولأنه يحل لابنه وطؤها ولا تحل المرأة لرجلين فإن وطئها
فلا حد عليه، نص عليه أحمد، وقال داود: يحد. وقال بعض الشافعية: إن كان ابنه وطئها حد
لأنها محرمة عليه على التأبيد
ولنا أن له فيها شبهة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) والحد يدرأ بالشبهات ولان
الأب لا يقتل ابنه والقصاص حق آدمي فإذا سقط بشبهة الملك فالحد الذي هو حق الله تعالى
بطريق الأولى ولأنه لا يقطع بسرقة ماله ولا يحد بقذفه فكذلك لا يحد بالزنا بجاريته، فإذا ثبت هذا
فإنها تحرم على الابن على التأبيد وإن كان الابن قد وطئها حرمت عليهما على التأبيد، وإذا لم تعلق
من الأب لم يزل ملك الابن عنها ولم يلزمه قيمتها، وقال أبو حنيفة: يلزمه ضمانها لأنه أتلفها عليه
وحرمه وطأها فأشبه ما لو قبلها
ولنا أنه لم يخرجها عن ملكه ولم تنقص قيمتها فأشبه ما لو أرضعها امرأته فإنها تحرم على الابن ولا
يجب له ضمانها وان علقت منه فالولد حر يلحق به النسب لأنه من وطئ لا يجب به الحد لأجل الشبهة
فأشبه ولد الجارية المشركة وتصير الجارية أم ولد للأب. وقال الشافعي في أحد قوليه لا تصير أم ولد
لأنها غير مملوكة له فأشبه ما لو وطئ جارية أجنبي بشبهة
529

ولنا انها علقت منه بحر لأجل الملك فأشبهت الجارية المشتركة إذا كان موسرا، قال أصحابنا
ولا يلزم الأب قيمة الجارية ولا قيمة ولدها ولا مهرها. وقال الشافعي بلزمه ذلك إذا حكم بأنها أم ولد وهذا
يبنى على أصل وهو أن للأب أن يتملك من مال ولده ما شاء وانه ليس للابن مطالبة أبيه بدين له
عليه ولا قيمة متلف وعندهم بخلاف ذلك وهذا يذكر في موضع آخر إن شاء الله تعالى.
(فصل) وان وطئ الابن جارية أبيه عالما بتحريم ذلك فعليه الحد ولا يلحقه النسب ولا تصير
به الجارية أم ولد لأنه لا ملك له ولا شبهة ملك فأشبه وطئ الأجنبية وكذلك سائر الأقارب
(فصل) وان وطئ الأب وابنه جارية الابن في طهر واحد فأتت بولد أري القافة فألحق بمن
ألحقته به منهما وصارت أم ولد له كما لو انفرد بوطئها وان ألحقته بهما لحق بهما وان أولدها أحدهما بعد
الآخر فهي أم ولد للأول منهما خاصة لأنها بولادتها منه صارت له أم ولد لانفراده بايلادها فلا تنقل
بعد ذلك إلى غيره لأن أم الولد لا ينتقل الملك فيها إلى غير مالكها
وقد نقل عن أحمد في رجل وقع على جارية ابنه فإن كان الأب قابضا لها ولم يكن الابن وطئها
فأحبلها الأب فالولد ولده والجارية له وليس للابن فيها شئ، قال القاضي ظاهر هذا ان الابن إن كان
وطئها لم تصر أم ولد للأب لأنه يحرم عليه وطؤها وأخذها فتكون قد علقت بمملوك وإن كان
الأب قبضها ولم يكن الابن وطئها ملكها لأن للأب أن يأخذ من مال ولده ما زاد على قدر نفقته
ولم تتعلق به حاجته فيتملكه
530

(باب نكاح أهل الشرك)
أنكحة الكفار صحيحة يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا إذا كانت المرأة ممن يجوز ابتداء نكاحها
في الحال ولا ينظر صفة عقدهم وكيفيته ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة الايجاب
والقبول وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين
قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة ان لهما المقام على
نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب ولارضاع، وقد أسلم خلق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم نساؤهم وأقروا على
أنكحتهم ولم يسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح ولا كيفيته وهذا أمر على بالتواتر والضرورة
فكان يقينا ولكن ينظر في الحال فإذا كانت المرأة على صفة يجوز له ابتداء نكاحها أقر، وإن كانت
ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كأحد المحرمات بالنسب أو السبب أو المعتدة والمرتدة والوثنية والمجوسية والمطلقة
ثلاثا لم يقر، وإن تزوجها في العدة وأسلما بعد انقضائها أقر لأنها يجوز ابتداء نكاحها
531

(مسألة) قال أبو القاسم رحمه الله تعالى (وإذا أسلم الوثني وقد تزوج بأربع وثنيات
ولم يدخل بهن بن منه وكان لكل واحدة ما سمى لها إن كان حلالا أو نصف صداق
مثلها إن كان ما سمى لها حراما، ولو أسلم النساء قبله وقبل الدخول بن منه أيضا ولا شئ
عليه لواحدة منهن فإن كان اسلامه واسلامهن قبل الدخول معا فهن زوجات، فإن كان
دخل بهن ثم أسلم فمن لم تسلم منهن قبل انقضاء عدتها حرمت عليه منذ اختلف الدينان)
في هذه المسألة فصول خمسة (أحدها) أنه إذا أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو كتابي
يتزوج بوثنية أو مجوسية قبل الدخول تعجلت الفرقة بينهما من حين اسلامه ويكون ذلك فسخا لا طلاقا
وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تنعجل الفرقة بل إن كانا في دار الاسلام عرض الاسلام على
الآخر فإن أبي وقعت الفرقة حينئذ، وإن كانا في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها فإن ليسلم
الآخر وقعت الفرقة فإن كان الاباء من الزوج كان طلاقا لأن الفرقة حصلت من قبله فكان طلاقا كما
لو لفظ به، وإن كان من المرأة كان فسخا لأن المرأة لا تملك الطلاق، وقال مالك إن كانت هي المسلمة
عرض عليه الاسلام فإن أسلم والا وقعت الفرقة، وإن كان هو المسلم تعجلت الفرقة لقوله سبحانه (ولا
تمسكوا بعصم الكوافر)
532

ولنا أنه اختلاف دين يمنع الاقرار على النكاح فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة كالردة على
ملك كاسلام الزوج أو كما لو أبى الآخر الاسلام، ولأنه إن كان هو المسلم فليس له امساك كافرة لقوله تعالى
(ولا تمسكوا بصم الكوافر) وان كانت هي المسلمة فلا يجوز ابقاؤها على نكاح مشرك
ولنا على أنها فرقة فسخ انها فرقة باختلاف الدين فكان فسخا كما لو أسلم الزوج وأبت المرأة ولأنها
فرقة بغير لفظ فكانت فسخا كفرقة الرضاع
(الفصل الثاني) أن الفرقة إذا حصلت قبل الدخول باسلام الزوج فللمرأة نصف المسمى ان
كانت التسمية صحيحة أو نصف مهر مثلها ان كانت فاسدة مثل أن يصدقها خمرا أو خنزيرا لأن الفرقة
حصلت بفعله، إن كانت باسلام المرأة فلا شئ لها لأن الفرقة من جهتها وبهذا قال الحسن ومالك
والزهري والأوزاعي وابن شبرمة والشافعي. وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف المهر إذا كانت
هي المسلمة واختارها أبو بكر، وبه قال قتادة والثوري ويقتضيه قول أبي حنيفة لأن الفرقة حصلت من
قبله بابائه الاسلام وامتناعه منه وهي فعلت ما فرض الله عليها فكان لها نصف ما فرض الله لها كما لو علق
طلاقها على الصلاة فصلت.
ونقل عن أحمد في مجوسي أسلم قبل أن يدخل بامرأته لا شئ لها من الصداق وجها ما ذكرناه
ووجه الأول أن الفرقة حصلت باختلاف الدين واختلاف الدين حصل باسلامها فكانت الفرقة حاصلة
533

بفعلها فلم يجب لها شئ كما لو ارتدت ويفارق تعليق الطلاق فإنه من جهة الزوج ولهذا لو علقه على
دخول الدار فدخلت وقعت الفرقة ولها نصف المهر
(الفصل الثالث) أن الزوجين إذا أسلما معا فهما على النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده
وليس بين أهل العلم في هذا اختلاف بحمد الله. ذكر ابن عبد البر انه اجماع من أهل العلم وذلك
لأنه لم يوجد منهم اختلاف دين. وقد روى أبو داود عن ابن عباس أن رجلا جاء مسلما على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته مسلمة بعده فقال يا رسول الله انها كانت أسلمت معي فردها عليه
ويعتبر تلفظهما بالاسلام دفعة واحدة لئلا يسبق أحدهما صاحبه فيفسد النكاح ويحتمل أن يقف على
المجلس كالقبض ونحوه فإن حكم المجلس كله حكم حالة العقد، ولأنه يبعد اتفاقهما على النطق بكلمة
الاسلام دفعه واحدة، فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين قبل الدخول الا في الشاذ
النادر فيبطل الاجماع.
(الفصل الرابع) انه إذا كان اسلام أحدهما بعد الدخول ففيه عن أحمد روايتان (إحداها)
يقف على انقضاء العدة فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح، وان لم يسلم حتى انقضت العدة
وقعت الفرقة منذ اختلف الدينان فلا يحتاج إلى استئناف العدة وهذا قول الزهري والليث والحسن بن
صالح والأوزاعي والشافعي وإسحاق ونحوه عن مجاهد وعبد الله بن عمر ومحمد بن الحسن، والرواية
534

الثانية تتعجل الفرقة وهو اختيار الخلال وصاحبه، وقول الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم
وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ونصره ابن المنذر، وقول أبي حنيفة ههنا كقوله فيما قبل الدخول
إلا أن المرأة إذا كانت في دار الحرب فانقضت عدتها وحصلت الفرقة لزمها استئناف العدة، وقال
مالك ان أسلم الرجل قبل امرأته عرض عليها الاسلام فإن أسلمت والا وقعت الفرقة وان كانت غائبة
تعجلت الفرقة وإن أسلمت المرأة قبله وقفت على انقضاء العدة واحتج من قال بتعجيل الفرقة بقوله سبحانه
(ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولان ما يوجب فسخ النكاح لا يختلف بما قبل الدخول وبعده كالرضاع
ولنا ما روى مالك في موطئه عن ابن شهاب قال كان بين اسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت
الوليد بن المغيرة نحو من شهر أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم
أسلم فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح. قال ابن عبد البر وشهوة هذا
الحديث أقوى من اسناده، وقال ابن شهاب أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى
أتي اليمن فارتحلت حتى قدمت عليه اليمن فدعته إلى الاسلام فأسلم وقدم فبايع النبي صلى الله عليه وسلم فثبتا على
نكاحهما، وقال ابن شبرمة كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل
الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته، وان أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما. ولان
أبا سفيان خرج فأسلم عام الفتح قبل دخول النهي صلى الله عليه وسلم مكة ولم تسلم هند امرأته حتى فتح النبي
535

صلى الله عليه وسلم مكة فثبتا على النكاح وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله
ابن أمية فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح بالابواء فأسلما قبل نسائهما ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق
بين أحد ممن أسلم وبين امرأته ويبعد أن يتفق اسلامهما دفعة واحدة، ويفارق ما قبل الدخول فإنه
لا عدة لها فتتعجل البينونة كالمطلقة واحدة، وههنا لها عدة. فإذا انقضت تبينا وقوع الفرقة من
حين أسلم الأول فلا يحتاج إلى عدة ثانية لأن اختلاف الدين سبب الفرقة فتحتسب الفرقة منه كالطلاق
(الفصل الخامس) أنه إذا أسلم أحد الزوجين وتخلف الآخر حتى انقضت عدة المرأة انفسخ
النكاح في قول عامة العلماء قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في هذا إلا شئ روي عن النخعي شذ فيه عن
جماعة العلماء فلم يتبعه عليه أحد زعم أنها ترد إلى زوجها، وان طالت المدة لما روى ابن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم رد زينب على زوجها أبي العاص بنكاحها الأول رواه أبو داود واحتج به أحمد قيل له
أليس يروى أنه ردها بنكاح مستأنف؟ قال ليس له أصل، وقيل كان بين اسلامها وردها إليه ثمان سنين
ولنا قول الله تعالى (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقول سبحانه (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)
والاجماع المنعقد على تحريم تزوج المسلمات على الكفار فأما قصة أبي العاص مع امرأته فقال ابن عبد البر
لا يخلو من أن تكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار فتكون منسوخة بما جاء بعدها أو تكون حاملا استمر
حكمها حتى أسلم زوجها أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم أو تكون ردت إليه بنكاح جديد فقد
روي ابن أبي شيبة في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص بنكاح
536

جديد، ورواه الترمذي وقال سمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يقول حديث ابن
عباس أجود اسنادا والعمل على حديث عمرو بن شعيب
(فصل) وإذا وقعت الفرقة باسلام أحدهما بعد الدخول فلها المهر كاملا لأنه استقر بالدخول
فلم يسقط بشئ فإن كان مسمى صحيحا فهو لها لأن أنكحة الكفار صحيحة يثبت لها أحكام الصحة
وإن كان محرما وقد قبضته في حال الكفر فليس لها غيره لأننا لا نتعرض لما مضى من أحكامهم، وان لم تقبضه
وهو حرام فلها مهر مثلها لأن الخمر والخنزير لا يجوز أن يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم وقد صارت
أحكامهم أحكام المسلمين، فأما نفقة العدة فإن كانت هي المسلمة قبله فلها نفقة عدتها لأنه يتمكن من
ابقاء نكاحها واستمتاعه منها باسلامه معها فكانت لها النفقة كالرجعية، وإن كان هو المسلم قبلها فلا نفقة
لها عليه لأنه لا سبيل له إلى استبقاء نكاحها وتلافي حالها فأشبهت البائن وسواء أسلمت في عدتها أولم
تسلم، فإن قيل إذا لم تسلم تبينا أن نكاحها انفسخ باختلاف الدينين فكيف تجب النفقة للبائن؟ قلنا
لأنه كان يمكن الزوج تلافي نكاحها إذا أسلمت بل يجب عليه ذلك فكانت في معنى الرجعية، فإن
قيل الرجعية جرت إلى البينونة بسبب منه، وهذه السب منها قلنا الا أنه كان فرضا عليه مضيفا ويمكنه
تلافيه بخلاف ما إذا أسلمت قبل الدخول فإنه يسقط مهرها جميعه لأنه ما أمكنه تلافيه
(فصل في اختلاف الزوجين) لا يخلو اختلافهما من حالين (أحدهما) أن يكون قبل الدخول
ففيه مسئلتان (إحداهما) أن يقول الزوج أسلمنا معا فنحن على النكاح وتقول هي بل أسلم أحدنا قبل
537

صاحبه فانفسخ النكاح فقال القاضي القول قول المرأة لأن الظاهر معها وكذلك إذ يتعذر اتفاق الاسلام
منهما دفعة واحدة والقول قول من الظاهر معه ولذلك كان القول قول صاحب اليد، وذكر أبو الخطاب
فيها وجها آخر ان القول قول الزج لأن الأصل بقاء النكاح والفسخ طارئ عليه فكان القول قول من
يوافق قوله الأصل كالمنكر، وللشافعي قولان كهذين الوجهين
(المسألة الثانية) أن يقول الزوج أسلمت قبلي فلا صداق لك وتقول هي أسلمت قبلي فلي نصف
الصداق فالقول قولها لأن المهر وجب بالعقد والزوج يدعي ما يسقطه والأصل بقاؤه ولم يعارضه ظاهر
فبقي فإن اتفقا على أن أحدهما أسلم قبل صاحبه ولا يعلمان عينه فلها نصف الصداق كذلك ذكره
أبو الخطاب، وقال القاضي ان لم تكن قبضت فلا شئ لها لأنها تشك في استحقاقها فلا تستحق بالشك
وإن كان بعد القبض لم يرجع عليها لأنه يشك في استحقاق الرجوع ولا يرجع مع الشك والأول أصح
لأن اليقين لا يزال بالشك وكذلك إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة
بنى على اليقين، وهذه قد كان صداقها واجبا لها وشكا في سقوطه فيبقى على الوجوب. وأما إن اختلفا
بعد الدخول ففيه أيضا مسئلتان (إحداهما) أن يقولا أسلمنا معا أو أسلم الثاني منا في العدة فنحن على
النكاح وتقول هي بل أسلم الثني بعد العدة فانفسخ النكاح ففيه وجهان (أحدهما) القول قوله لأن الأصل
بقاء النكاح (والثاني) القول قولها لأن الأصل عدم إسلام الثاني
538

(المسألة الثانية) أن تقول أسلمت قبلك فلي نفقة العدة ويقول هو أسلمت قبلك فلا نفقة لك فالقول
قولها لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها، وان قال أسلمت بعد شهرين من إسلامي فلا
نفقة لك فيهما وقالت بعد شهر فالقول قوله لأن الأصل عدم إسلامها في الشهر الثاني، فأما ان ادعى هو
ما يفسخ النكاح وأنكرته انفسخ النكاح لأنه يقر على نفسه بزوال نكاحه وسقوط حقه فأشبه ما لو ادعى
انها أخته من الرضاع فكذبته
(فصل) وسواء فيما ذكرنا اتفقت الداران أو اختلفتا وبه قال مالك والأوزاعي والليث والشافعي
وقال أبو حنيفة ان أسلم أحدهما وهما في دار الحرب ودخل دار الاسلام انفسخ النكاح ولو تزوج حربي
حربية ثم دخل دار الاسلام وعقد الذمة انفسخ نكاحه لاختلاف الدارين ويقتضي مذهبه أن أحد
الزوجين الذميين إذا دخل دار الحرب ناقضا للعهد انفسخ نكاحه لأن الدار اختلفت بهما فعلا وحكما
فوجب أن تقع الفرقة بينهما كما لو أسلمت في دار الاسلام قبل الدخول
ولنا أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته بمكة لم تسلم وهي دار حرب، وأم حكيم أسلمت بمكة
وهرب زوجها عكرمة إلى اليمين وامرأة صفوان بن أمية أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها ثم أسلموا وأقروا على
أنكحتهم مع اختلاف الدين والدار بهم، ولأنه عقد معاوضة فلم ينفسخ باختلاف الدار كالبيع ويفارق
ما قبل الدخول فإن القاطع للنكاح اختلاف الدين المانع من الاقرار على النكاح دون ما ذكروه،
فعلى هذا لو تزوج مسلم مقيم بدار الاسلام حربية من أهل الكتاب صح نكاحه وعندهم لا يصح
539

ولنا عموم قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ولأنها امرأة يباح نكاحها
إذا كانت في دار الاسلام فأبيح نكاحها في دار الحرب كالمسلمة
(مسألة) قال (ولو نكح أكثر من أربع في عقد واحد أو في عقود متفرقة ثم أصابهن
ثم أسلم ثم أسلمت كل واحدة منهن في عدتها اختار أربعا منهن وفارق ما سواهن سواء كان
من أمسك منهن أول من عقد عليهن أو آخرهن)
وجملة ذلك أن الكافر إذا أسلم ومعه أكثر من أربع نسوة فأسلمن في عدتهن أو كن كتابيات
لم يكن له امساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه ولا يملك امساك أكثر من أربع فإذا أحب ذلك اختار
أربعا منهن وفارق سائرهن وسواء تزوجن في عقد أوفي عقود وسواء اختار الأوائل أو الأواخر. نص
عليه احمد وبه قال الحسن ومالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن وقال
أبو حنيفة وأبو يوسف إن كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاح جميعهن، وإن كان في عقود فنكاح الأوائل
صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل لأن العقد إذا تناول أكثر من أربع فتحريمه من طريق الجمع فلا
يكون فيه مخيرا بعد الاسلام كما لو تزوجت المرأة زوجين في حال الكفر ثم أسلموا
ولنا ما روى قيس بن الحارث قال أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له ذلك
540

فقال (اختر منهن أربعا) رواه أحمد وأبو داود. وروى محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة
أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا. رواه الترمذي
ورواه مالك في موطئه عن الزهري مرسلا، ورواه الشافعي في مسنده عن ابن علية عن معمر عن
الزهري عن سالم عن أبيه الا أنه غير محفوظ غلط فيه معمر وخالف فيه أصحاب الزهري كذلك قال
الحفاظ الإمام أحمد والترمذي وغيرهما،
ولان كل عدد جاز له ابتداء العقد عليه جاز له امساكه بنكاح
مطلق في حال الشرك كما لو تزوجهن بغير شهود، وأما إذا تزوجت بزوجين فنكاح الثاني باطل لأنها
ملكته ملك غيرها، وإن جمعت بينهما لم يصح لأنها لم تملكه جميع بضعها ولان ذلك ليس بشائع عند
أحد من أهل الأديان، ولأن المرأة ليس لها اختيار النكاح وفسخه بخلاف الرجل
(فصل) ويجب عليه أن يختار أربعا فما دون ويفارق سائرهن أو يفارق الجميع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
غيلان وقيسا بالاختيار وأمره يقتضى الوجوب، ولان المسلم لا يجوز اقراره على نكاح أكثر من أربع
فإن أبى أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يختار لأن هذا حق عليه يمكنه ايفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه
كايفاء الدين، وليس للحاكم أن يختار عنه كما يطلق على المولي إذا امتنع من الطلاق لأن الحق ههنا لغير
معين وإنما تتعين الزوجات باختياره وشهوته وذلك لا يعرفه الحاكم فينوب عنه فيه بخلاف المولي فإن
الحق لمعين يمكن الحاكم ايفاؤه والنيابة عن المستحق فيه فإن جن خلي حتى يعود عقله ثم يجبر على
541

الاختيار وعليه نفقة الجميع إلى أن يختار لأنهن محبوسات عليه ولأنهن في حكم الزوجات أيتهن اختار جاز
(فصل) ولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع ثم أسلموا جميعا لم يكن له الاختيار قبل
بلوغه فإنه لاحكم لقوله وليس لأبيه الاختيار عنه لأن ذلك حق يتعلق بالشهرة فلا يقوم غيره مقامه
فيه فإذا بلغ الصبي كان له أن يختار حينئذ وعليه النفقة إلى أن يختار
(فصل) فإن مات قبل أن يختار لم يقم وارثه مقامه لما ذكرنا في الحاكم وعلى جميعهن العدة لأن
الزوجات لم يتعين منهن فمن كانت منهن حاملا فعدتها بوضعه ومن كانت آيسة أو صغيرة فعدتها أربعة
أشهر وعشر لأنها أطول العدتين في حقها، وان كانت من ذوات القروء فعدتها أطول الأجلين من
ثلاثة قروء أو أربعة أشهر وعشر لتقضي العدة بيقين لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة
أو مفارقة وعدة المختارة عدة الوفاة وعدة المفارقة ثلاثة قروء فأوجبنا أطولهما لتنقضي العدة بيقين كما
قلنا فيمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها عليه خمس صلوات هذا مذهب الشافعي، فأما الميراث فإن
اصطلحن عليه فهو جائز كيفما اصطلحن لأن الحق لهن لا يخرج عنهن وان أبين الصلح فقياس
المذهب أن يقرع بينهن فتكون الأربع منهن بالقرعة وعند الشافعي يوقف الميراث حتى يصطلحن
وأصل هذا يذكر في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى
(فصل) وصفة الاختيار أن يقول اخترت نكاح هؤلاء أو اخترت هؤلاء أو أمسكتهن أو اخترت
542

حبسهن أو امساكهن أو نكاحهن أو أمسكت نكاحهن أو ثبت نكاحهن أن اثبتهن، وان قال لما زاد على
الأربع فسخت نكاحهن كان اختيار للأربع، وان طلق إحداهن كان اختيارا لها لأن الطلاق لا يكون
إلا في زوجة وان قال قد فارقت هؤلاء أو اخترت فراق هؤلاء فإن لم ينو الطلاق كان اختيارا لغيرهن
لقول النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان (اختر منهن أربعا وفارق سائرهن) وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحا
فيه كما كان لفظ الطلاق صريحا فيه وكذا في حديث فيروز الديلمي قال فعمدت إلى أقدمهن صحبة
ففارقتها وهذا الموضع أخص بهذا اللفظ فيجب أن يتخصص فيه بالفسخ وان نوى به الطلاق كان
اختيار لهن دون غيرهن وذكر القاضي فيه عند الاطلاق وجهين
[أحدهما] أنه يكون اختيارا للمفارقات لأن لفظ الفراق صريح في الطلاق والأولى ما ذكرناه
وان وطئ إحداهن كان اختيار لها في قياس المذهب لأنه لا يجوز إلا في ملك فيدل على الاختيار كوطئ
الجارية المبيعة بشرط الخيار ووطئ المرجعية أيضا اختيار لها، وان آلى من واحدة منهن أو ظاهر منها
لم يكن اختيار لها لأنه يصح في غير زوجة في أحد الوجهين وفي الآخر يكون اختيار لها لأن حكمه
لا يثبت في غير زوجه وان قذفها لم يكن اختيارا لها لأنه يقع في غير زوجة
(فصل) وإذا اختار منهن أربعا وفارق البواقي فعدتهن من حين اختار لأنهن بن منه بالاختيار
ويحتمل أن تكون عدتهن من حين أسلم لأنهن ان باسلامه وإنما يتبين ذلك باختياره فيثبت حكمه من
حين الاسلام كما إذا أسلم أحد الزوجين ولم يسلم الآخر حتى انقضت عدتها وفرقهن فسخ لأنها نثبت
543

باسلامه من غير لفظ منهن، وعدتهن كعدة المطلقات لأن عدة من انفسخ نكاحها كذلك وان ماتت
إحدى المختارات أو بانت منه وانقضت عدتها فله أن ينكح من المفارقات وتكون عنده على طلاق
ثلاث لأنه لم يطلقها قبل ذلك، وان اختار أقل من أربع أو اختار ترك الجميع أمر بطلاق أربع أو
تمام أربع لأن الأربع الزوجات لابين منه إلا بطلاق أو ما يقوم مقامه فإذا طلق أربعا منهن وقع
طلاقه بهن وانفسخ نكاح الباقيات لاختياره لهن وتكون عدة المطلقات من حين طلق وعدة الباقيات
على الوجهين وان طلق الجميع أقرع بينهن فإذا وقعت القرعة على أربع منهن كن المختارات ووقع
طلاقه بهن وانفسخ نكاح البواقي فإن كان الطلاق ثلاثا فمتى انقضت عدتهن فله أن ينكح من الباقيات
لأنهن لم يطلقن منه، ولا تحل له المطلقات إلا بعد زوج وإصابة، ولو أسلم ثم طلق الجميع قبل اسلامهن
ثم أسلمن في العدة أمر أن يختار أربعا منهن فإذا اختارهن تبينا أن طلاقه وقع بهن لأنهن زوجات
ويعتددن من حين طلاقه وبان البواقي باختياره لغيرهن ولا يقع بهن طلاقه وله نكاح أربع منهن إذا
انقضت عدة المطلقات لأن هؤلاء غير مطلقات والفرق بين هذه وبين التي قبلها ان طلاقهن قبل اسلامهن
في زمن ليس له الاختيار فيه فإذا أسلمن تجدد له الاختيار حينئذ في التي قبلها يطلقن وله الاختيار
والطلاق يصلح اختيارا وقد أوقعه في الجميع وليس بعضهن أولى من بعض فصرنا إلى القرعة لتساوي الحقوق
(فصل) وإذا أسلم قبلهن وقلنا بتعجيل الفرقة باختلاف الدين فلا كلام، وان قلنا يقف على
544

انقضاء العدة ولم يسلمن حتى انقضت عدتهن تبينا أنهن بن منذ اختلف الدينان فإن كان قد طلقهن قبل انقضاء
عدتهن تبينا أن طلاقه لم يقع بهن وله نكاح أربع منهن إذا أسلمن، وإن كان وطئهن تبينا أنه وطئ غير
نسائه وان لاعنهن أو ظاهر أو قذف تبينا أن ذلك كان في غير زوجته وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك
أجنبية فإن أسلم بعضهن في العدة تبينا أنها زوجته فوقع الطلاق بها وكان وطؤه لها وطئا لمطلقته وان كانت
المطلقة غيرها فوطؤه لها وطئ لامرأته وكذلك أن كان وطؤه لها قبل طلاقها، وان طلق الجميع فأسلم
أربع نسوة منهن أو أقل في عدتهن ولم تسلم البواقي تعينت لزوجية في المسلمات ووقع الطلاق بهن فإذا أسلم
البواقي فله أن يتزوج بهن لأنه لم يقع طلاقه بهن
. (فصل) وإذا أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم أربع منهن فله اختيارهن وله الوقوف إلى أن يسلم
البواقي فإن مات اللائي أسلمن ثم أسلم الباقيات فله اختيار الميتات وله اختيار الباقيات وله اختيار
بعض هؤلاء وبعض هؤلاء لأن الاختيار ليس بعقد وإنما هو تصحيح للعقد الأول فبهن والاعتبار في
الاختيار بحال ثبوته وحال ثبوته كن أحياء، وان أسلمت واحدة منهن فقال اخترتها جاز فإذا اختار
أربعا على هذا الوجه انفسخ نكاح البواقي وان قال للمسلمة اخترت فسخ نكاحها لم يصح لأن الفسخ
إنما يكون فيما زاد على الأربع والاختيار للأربع وهذه من جملة الأربع الا أن يريد بالفسخ الطلاق
فيقع لأنه كناية ويكون طلاقه لها اختيارا لها، وان قال اخترت فلانة قبل أن تسلم لم يصح لأنه ليس
545

بوقت للاختيار لأنها جارية إلى بينونة فلا يصح امساكها وان فسخ نكاحها لم ينفسخ لأنه لما لم يجز الاختيار
لم يجز الفسخ وإن نوى بالفسخ الطلاق أو قال أنت طالق فهو موقوف فإن أسلمت ولم يسلم زيادة على أربع
أو أسلم زيادة فاختارها تبينا وقوع الطلاق بها والا فلا
(فصل) وان قال كلما أسلمت واحدة اخترتها لم تصح لأن الاختيار لا يصح تعليقه على شروط
ولا يصح في غير معنى وان قال كلما أسلمت واحدة اخترت فسخ نكاحها لم يصح أيضا لأن الفسخ
لا يتعلق بالشرط ولا يملكه في واحدة حتى يزيد عدد المسلمات على الأربع، وان أراد به الطلاق فهو
كما لو قال كلما أسلمت واحدة فهي طالق وفي ذلك وجهان (أحدهما) يصح لأن الطلاق يصح تعليقه
بالشرط ويتضمن الاختيار لها فكلما أسلمت واحدة كان اختيار لها وتطلق بطلاقه (والثاني) لا يصح لأن
الطلاق يتضمن الاختيار والاختيار لا يصح تعليقه بالشرط
(فصل) وإذا أسلم ثم أحرم بحج أو عمرة ثم أسلمن فله الاختيار لأن الاختيار استدامة
النكاح وتعيين المنكوحة فليس ابتداء له، وقال القاضي ليس له الاختيار وهو ظاهر مذهب الشافعي
ولنا أنه استدامة نكاح لا يشترط له رضاء المرأة، ولا ولي ولا شهود ولا يتجدد به مهر فجاز
له في الاحرام كالرجعة.
(فصل) وإذا أسلمن معه ثم متن اختياره فله أن يختار منهن أربعا فيكون له ميراثهن ولا يرث
546

الباقيات لأنهن ليس بزوجات له، وان مات بعضهن فله الاختيار من الاحياء وله الاختيار من الميتات
وكذلك لو أسلم بعضهن فمتن ثم أسلم البواقي فله الاختيار من الجميع، فإن اختار الميتات فله ميراثهن
لأنهن متن وهن نساؤه، وان اختار غيرهن فلا ميراث له منهن لأنهن أجنبيات وان لم يسلم البواقي لزم
النكاح في الميتات وله ميراثهن، وان وطئ الجميع قبل اسلامهن ثم أسلمن فاختار أربعا منهن فليس
لهن الا المسمى لأنهن زوجا ت ولسائرهن المسمى بالعقد الأول ومهر المثل للوطئ الثاني لأنهن أجنبيات
وان وطئهن بعد اسلامهن فالموطوءات أولاهن المختارات والبواقي أجنبيات والحكم في المهر على ما ذكرناه
(مسألة) قال (ولو أسلم وتحته أختان اختار منهما واحدة)
هذا قول الحسن والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي عبيد، وقال أبو حنيفة في هذه
كقوله في عشرة نسوة.
ولنا ما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول الله اني أسلمت وتحتي أختان؟ قال
(طلق أيهما شئت) رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما، ولان أنكحة الكفار صحيحة وإنما حرم الجمع
في الاسلام وقد أزاله فصح كما لو طلق إحداهما قبل إسلامه ثم أسلم والأخرى في حباله وهكذا الحكم
في المرأة وعمتها أو خالتها لأن المعنى في الجميع واحد
547

(فصل) ولو تزوج وثنية فأسلمت قبله ثم تزوج في شركه أختها ثم أسلما في عدة الأولى فله أن يختار
منهما لأنه أسلم وتحته أختان مسلمتان وإن أسلم هو قبلها لم يكن له أن يتزوج أختها في عدتها ولا أربعا
سواها فإن فعل لم يصح النكاح الثاني وإذا أسلمت الأولى في عدتها فنكاحها لازم لأنها انفردت به
(فصل) وإن تزوج أختين ودخل بهما ثم أسلم وأسلمتا معه فاختار إحداهما لم يطأ لها حتى تنقضي
عدة أختها لئلا يكون واطئا لاحد الأختين في عدة الأخرى، وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع
قد دخل بهن فأسلمن معه وكن ثمانيا فاختار أربعا منهن وفارق أربعا لم يطأ واحدة من المختارات حتى
تنقضي عدة المفارقات لئلا يكون واطئا لأكثر من أربع، فإن كن خمسا ففارق إحداهن فله وطئ
ثلاث من المختارات ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي عدة المفارقة، فإن كن ستا ففارق اثنين فله
وطئ اثنتين من المختارات، فإن كن سبعا ففارق ثلاثا فله وطئ واحدة من المختارات ولا يطأ الباقيات
حتى تنقضي عدة المفارقات فكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطئ واحدة من المختارات
هذا قياس المذهب
(فصل) وإذا تزوج أختين في حال كفره فأسلم وأسلمتا معا قبل الدخول فاختار إحداهما فلا
مهر للأخرى لأننا تبينا أن الفرقة وقعت باسلامهم جميعا فلا تستحق مهرا كما لو فسخ النكاح لعيب في
إحداهما ولأنه نكاح لا يقر عليه في الاسلام فلا يجب به مهر إذا لم يدخل بها كما لو تزوج المجوسي أخته
548

ثم أسلما قبل الدخول وهكذا لحكم فيما زاد على الأربع إذا أسلموا جميعا قبل الدخول فاختار أربعا وانفسخ
نكاح البواقي فلا مهر لهن لما ذكرنا والله أعلم
(مسألة) قال (وان كانتا أما وبنتا فأسلم وأسلمتا معا قبل الدخول فسد نكاح الام
وإن كان دخل بالام فسد نكاحهما)
الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) إذا كان اسلامهم جميعا قبل الدخول فإنه يفسد
نكاح الام ويثبت نكاح البنت وهذا أحد قولي الشافعي واختيار المزني، وقال في الآخر يختار أيهما
شاء لأن عقد الشرك إنما بثبت له حكم الصحة إذا انضم إليه الاختيار، فإذا اختار الام فكأنه
لم يعقد على البنت.
ولنا قول الله تعالى (وأمهات نسائكم) وهذه أم زوجته فتدخل في عموم الآية، لأنها أم زوجته
فتحرم عليه كما لو طلق ابنتها في حال شركه، لأنه لو تزوج البنت وحدها ثم طلقها حرمت عليه أمها
إذا أسلم فإذا لم يطلقها وتمسك بنكاحها أولى، وقولهم إنما يصح العقد بانضمام الاختيار إليه غير صحيح
فإن أنكحة الكفار صحيحة ثبت لها أحكام الصحة وكذلك لو انفردت كان نكاحها صحيحا لازما من
غير اختيار ولهذا فوض إليه الاختيار ههنا ولا يصح أن يختار من ليس نكاحها صحيحا وإنما اختصت
الام بفساد نكاحها لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها على التأييد فلم يمكن اختيارها والبنت لا تحرم
قبل الدخول بائها فتعين النكاح فيها بخلاف الأختين
549

(الفصل الثاني) إذا دخل بهما حرمتا على التأبيد الام لأنها أم زوجته والبنت لأنها ربيبته من
زوجته التي دخل بها، قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم وهذا قول الحسن
وعمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك وأهل الحجاز والثوري وأهل العراق والشافعي ومن تبعهم، وان
دخل بالام وحدها فكذلك أن البنت تكون ربيبته مدخولا بأمها والام حرمت بمجرد العقد على ابنتها
وان دخل بالبنت وحدها ثبت نكاحها وفسد نكح أمها كما لو لم يدخل بها، ولو لم تسلم معه إلا إحداهما
كان الحكم كما لو أسلمتا معه معا فإن كانت المسلمة هي الام فهي محرمة عليه على كل حال، وان كانت
البنت ولم يكن دخل بأمها ثبت نكاحها وإن كان دخل بأمها فهي محرمة على التأبيد، ولو أسلم وله
جاريتان إحداهما أم الأخرى وقد وطئهما جميعا حرمتا عليه على التأبيد وإن كان قد وطئ إحداهما
حرمت الأخرى على التأبيد ولم تحرم الموطوءة وإن كان لم يطأ واحدة فله وطه ء أيتهما شاء فإذا
وطئها حرمت الأخرى على التأبيد والله أعلم
(مسألة) قال (ولو أسلم عبد وتحته زوجتان قد دخل بهما فأسلمتا في العدة فهما زوجتاه
ولو كن أكثر أختار منهن اثنتين)
وجملة ذلك أن حكم العبد فيما زاد على الاثنتين حكم الحر فيما زاد على أربع فإذا أسلم وتحته
زوجتان فأسلمتا معه أو في عدتهما لزم نكاحهما حرتين كانتا أو أمتين أو حرة وأمة لأنه له الجمع بينهما
في ابتداء نكاحه فكذلك في اختياره، وان كن أكثر اختار منهن اثنتين أيتهن شاء على ما مضي في الحر
550

فلو كان تحته حرتان وأمتان فله أن يختار الحرتين أو الأمتين أو حرة وأمة وليس للحرة إذا أسلمت
معه الخيار في فراقه لأنها رضيت بنكاحه وهو عبد ولم بتجدد رقه بالاسلام ولا تجددت حريتها بذلك
فلم يكن لها خيار كما لو تزوجت معيبا تعلم عيبه ثم أسلما. وذكر القاضي وجها ان لها الخيار لأن الرق
عيب تجددت أحكامه بالاسلام فكأنه عيب حادث والأول أصح فإن الرق لم يزل عيبا ونقصا عند
العقلاء ولم يتجدد نقصه بالاسلام فهو كسائر العيوب
(فصل) وان أسلم وتحته أربع حرائر فأعتق ثم أسلمن في عدتهن أو أسلمن قبله ثم أعتق ثم أسلم
لزمه نكاح الأربع لأنه ممن يجوز له الأربع في وقت اجتماع اسلامهم فإنه حر، فأما ان أسلموا كلهم ثم
أعتق قبل أن يختار لم يكن له أن يختار الا اثنتين لأنه كان عبدا حين ثبت له الاختيار وهو حال
اجتماعهم على الاسلام فتغير حاله بعد ذلك لا يغير الحكم كمن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه ثم أيسر ولو
أسلم ومعه اثنتان ثم أعتق ثم أسلم الباقيات لم يجز الا اثنتين لأنه ثبت له الخيار باسلام الأولتين
(فصل) وان تزوج أربعا فأسلمن وأعتقن قبل اسلامه فلهن فسخ النكاح لأنهن عتقن تحت عبد
وإنما ملكن الفسخ وان كن جاريات إلى بينونة لأنه قد يسلم فيقطع جريانهن إلى البينونة فإذا فسخن
ولم يسلم الزوج بن باختلاف الدين من حين أسلمن وان أسلم في العدة بن لفسخ النكاح وعليهن عدة
الحرائر في الوضعين لأنهن ههنا وجبت عليهن العدة وهن حرائر وفي التي قبلها عتقن في أثناء العدة
551

التي يمكن الزوج تلا في النكاح فيها وأشبهن الرجعية فإن أخرن الفسخ حتى أسلم الزوج لم يسقط بذلك
حقهن من الفسخ لأن تركهن للفسخ اعتماد على جريانهن لبينونة فلم يتضمن الرضى بالنكاح كالرجعية إذا
عتقت وأخرت الفسخ ولو أسلم قبلهن ثم أعتقن فاخترن الفسخ صح لأنهن إماء عتقن تحت عبد:
وهذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال بعضهم لا خيار لهن لأنه لا حاجة بهن إلى الفسخ لكونه يحصل
بإقامتهن على الشرط بخلاف التي قبلها وليس بصحيح فإن السبب متحقق وقد يبدو لهن الاسلام وهو
واجب عليهن، فإن قيل فإذا أسلمن اخترن الفسخ قلنا يتضررن بطول العدة فإن ابتداءها من حين
الفسخ ولذلك ملكن الفسخ فيما إذا أسلمن وعتقن قبله
فاما ان اخترن المقام وقلن قد رضينا بالزوج فذكر القاضي أنه يسقط خيارهن لأنها حالة يصح
فيها اختيار الفسخ فصح فيها اختيار الإقامة كحالة اجتماعهم على الاسلام، وقال أصحاب الشافعي
لا يسقط خيارهن لأن اختيارهن للإقامة ضد للحالة التي هن عليها وهي جريانهن إلى البينونة فلم يصح
كما لو ارتدت الرجعية فراجعها الزوج حال ردتها وهذا يبطل بما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت
طالق ثم عتقت فاختارت زوجها
(فصل) وإذا أسلم الحر وتحته إماء فأعتقت إحداهن ثم أسلمت ثم أسلم البواقي لم يكن له أن
يختار من الإماء لأنه مالك لعصمة حرة حين اجتماعها على الاسلام، وان أسلمت إحداهن معه ثم أعتقت
552

ثم أسلم البواقي فله أن يختار من الإماء لأن العبرة بحال الاختيار وهي حالة اجتماعهم على الاسلام
وحالة اجتماعهما على الاسلام كانت أمة
(فصل) ولو أسلم وتحته أربع إماء هو عادم للطول خائف للعنت فأسلمن معه فله أن يختار منهن
واحدة فإن كانت لا تعفه فله أن يختار منهن من تعفه في إحدى الروايتين، والأخرى لا يختار إلا واحدة
وهذا مذهب الشافعي وتوجيههما قد مضى في ابتداء نكاح الإماء، وان عدم فيه الشرطان انفسخ النكاح
في الكل ولم يكن له خيار وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور له أن يختار منهن لأنه استدامة للعقد لا ابتداء
له بدليل أنه لا يشترط له شروط العقد فأشبه الرجعة.
ولنا أن هذه امرأة لا يجوز ابتداء العقد عليها حال الاسلام فلم يملك اختيارها كالمعتدة من غيره
وكذوات محارمه، وأما الرجعة فهي قطع جريان النكاح إلى البينونة وهذا اثبات النكاح في امرأة
وإن كان دخل بهن ثم أسلم ثم أسلمن في عدتهن فالحكم كذلك، وقال أبو بكر لا يجوز له ههنا اختيار
بل بين بمجرد اسلامه لئلا يفضي إلى استدامة نكاح مسلم في أمة كافرة.
ولنا أن اسلامهن في العدة بمنزلة اسلامهن معه ولهذا لو كن حرائر مجوسيات أو وثنيات فأسلمن
في عدتهن كان ذلك كاسلامهن معه وان لم يسلمن حتى انقضت عدتهن انفسخ نكاحهن سواء كن
كتابيات أو غير كتابيات لأنه لا يجوز له استدامة النكاح في أمة كتابية
553

(فصل) ولو أسلم وهو واجد للطول فلم يسلمن حتى أعسر ثم أسلمن فله أن يختار منهن لأن
شرائط النكاح تعتبر في وقت الاختيار وهو وقت اجتماعهم على الاسلام وهو حينئذ عادم للطول خائف
للعنت فكان له الاختيار، وان أسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر لم يكن له الاختيار لذلك وان
أسلمت واحدة منهن وهو موسر ثم أسلم البواقي بعد اعساره لم يكن له أن يختار منهن شيئا لأن وقت
الاختيار دخل باسلام الأولى الا ترى انه لو كان معسرا كان له اختيارها فإذا كان موسرا بطل اختياره
وان أسلمت الأولى وهو معسر فلم تسلم البواقي حتى أيسر لزم نكاح الأولى ولم يكن له اختيار من
البواقي لأن الأولى اجتمعت معه في حالة يجوز له ابتداء نكاحها بخلاف البواقي ولو أسلم وأسلمن معه وهو
معسر فلم يختر حتى أيسر كان له أن يختار لأن حال ثبوت الاختيار كان له ذلك فبغير حاله لا يسقط ما
ثبت له كما لو تزوج أو اختار ثم أيسر لم يحرم عليه استدامة النكاح
(فصل) فإن أسلم وأسلمت معه واحدة منهن وهو ممن يجوز له نكاح الإماء فله أن يختار من
أسلمت معه لأن له أن يختارها لو أسلمن كلهن فكذلك إذا أسلمت وحدها، وان أحب انتظار
البواقي جاز لأن له غرضا صحيحا وهو أن يكون منهن من هي أبر عنده من هذه فإن انتظر هن فلم
يسلمن حتى انقضت عدتهن تبين أن نكاح هذه كان لازما وبان البواقي منذ اختلف الدينان وان أسلمن
في العدة اختار منهن واحدة وانفسخ نكاح الباقيات من حين الاختيار، وعددهن من حين الاختيار وان أسلم
554

بعضهن دون بعض بان اللائي لم يسلمن منذ اختلف الدينان والبواقي من حين اختار، وان اختار التي
أسلمت معه حين أسلمت انقضت عصمة البواقي وثبت نكاحها فإن أسلم البواقي في العدة تبين انهن بن منه
باختياره وعدتهن من حينئذ وان لم يسلمن بن باختلاف الدين وعدتهن منه وان طلق التي أسلمت معه طلقت
وكان اختيار لها وحكم ذلك حكم ما لو اختارها صريحا لأن إيقاع طلاقه عليها يتضمن اختيارها فاما
ان اختار فسخ نكاحها لم يكن له لأن الباقيات لم يسلمن معه فما زاد العدد على ماله امساكه في هذه
الحال ولا ينفسخ النكاح ثم ننظر فإن لم يسلم البواقي لزمه نكاحها وان أسلمن فاختار منهن واحدة
انفسخ نكاح البواقي والأولى معهن وان اختار الأولى التي فسخ نكاحها صح اختياره لها لأن فسخه
لنكاحها لم يصح وفيه وجه آخر ذكره القاضي انه لا يصح اختياره لها لأن فسخ إنما لم يصح مع إقامة
البواقي على الكفر حتى تنقضي العدة لأننا نتبين أن نكاحها كان لازما فإذا أسلمن لحق اسلامهن
بتلك الحال وصار كأنهن أسلمن في ذلك الوقت فإذا فسخ نكاح إحداهن صح الفسخ ولم يكن
له أن يختارها وهذا يبطل مما لو فسخ نكاح إحداهن قبل اسلامها فإنه لا يصح ولا يجعل إسلامهن
الموجود في الثاني كالموجود سابقا كذلك ههنا
(فصل) فإن أسلم وتحته إماء وحرة ففيه ثلاث مسائل (إحداهن) أسلم وأسلمن معه كلهن فإنه يلزم
نكاح الحرة وينفسخ نكاح الإماء لأنه قادر على الحرة فلا يختار أمة وقال أبو ثور له أن يختار وقد
مضى الكلام معه (الثانية) أسلمت الحرة معه دون الإماء فقد ثبت نكاحها وانقطعت عصمة الإماء
555

فإن لم يسلمن حتى انقضت عدتهن به باختلاف الدين وابتداء عدتهن من حين أسلم وان أسلمن في عددهن
ابن من حين اسلام الحرة وعددهن من حين اسلامها فإن ماتت الحرة بعد اسلامها لم يتغير الحكم
بموتها لأن موتها بعد ثبوت نكاحها وانفساخ نكاح الإماء لا يؤثر في إباحتهن (الثالثة) أسلم الإماء
دون الحرة وهو معسر فلا يخلو إما أن تنقضي عدتها قبل اسلامها فتبين باختلاف الدين وله أن
يختار من الإماء لأنه لمك يقدر على الحرة أو يسلم في عدتها فيثبت نكاحها ويبطل نكاح الإماء كما لو
أسلمن دفعة واحدة وليس له أن يختار من الإماء قبل اسلامها وقضاء عدتها لأننا لا نعلم أنها لا تسلم
فإن طلق الحرة ثلاثا قبل اسلامها ثم لم تسلم لم يعق الطلاق لأنا تبينا أن النكاح انفسخ باختلاف الدين
وله الاختيار من الإماء وان أسلمت في عدتها بان أن نكاحها كان ثابتا وان الطلاق وقع فيه والإمام ابن
بثبوت نكاحها قبل الطلاق.
(فصل) وان أسلم وتحته إماء وحرة فأسلمن ثم عتقن قبل اسلامها لم يكن له أن يختار منهن لأن
نكاح الأمة لا يجوز لقادر على حرة وإنما يعتبر حالهن حال ثبوت الاختيار وهو حالة اجتماع اسلامه واسلامهن
ثم ننظر فإن لم تسلم الحرة فله الاختيار منهن فلا يختار الا واحدة اعتبارا الحالة اجتماع اسلامه واسلامهن
وان أسلمت في عدتها ثبت نكاحها وانقطعت عصمتهن فإن كان قد اختار واحدة من المعتقات في
عدة الحرة ثم لم تسلم فلا عبرة باختياره وله أن يختار غيرها لأن الاختيار لا يكون موقوفا فأما إن
556

عتقن قبل أن يسلمن ثم أسلمن واجتمعن معه على الاسلام وهن حرائر فإن كان جميع الزوجات
أربعا فما دون ثبت نكاحهن وان كن زائدات على أربع فله أن يختار منهن أربعا وتبطل عصمة
الخامسة لأنهن صرن حرائر في حالة الاختيار وهي حالة اجتماع اسلامه واسلامهن فصار حكمهن حكم
الحرائر الأصليات وكما لو أعتقن قبل إسلامه واسلامهن ولو أسلمن قبله ثم أسلم فكذلك ويكون
الحكم في هذا كما لو أسلم وتحته خمس حرائر أو أكثر على ما مر تفصيله
(فصل) ولو أسلم وتحته خمس حرائر فأسلم معه منهن اثنتان احتمل أن يجبر على اختيار إحداهما
لأنه لابد أن يلزمه نكاح واحدة منهما فلا معنى لانتظار البواقي فإذا اختار واحدة ولم يسلم البواقي
لزمه نكاح الثانية وكذلك أن لم يسلم من البواقي إلا اثنتان لزمه نكاح الأربع وان أسلم الجميع في العدة
كلف أن يختار ثلاثا مع التي اختارها أولا وينفسخ نكاح الباقية، وعلى هذا لو أسلم معه ثلاث كلف اختيار
اثنتين وان أسلم معه أربع كلف اختيار ثلاث منهن إذ لا معنى لانتظاره الخامسة ونكاح ثلاث منهن لازم
له على كل حال. ويحتمل أن لا يجبر على الاختيار لأنه إنما يكن عند زيادة العدد على أربع وما وجد
ذلك. وكذلك أو أسلمت معه واحدة من الإماء لم يجبر على اختيارها كذا ههنا والصحيح ههنا أن يجبر
على اختيارها لما ذكرنا من المعنى وأما الأمة فقد يكون له غرض في اختيار غيرها بخلاف مسئلتنا
557

(مسألة) قال (وإذا تزوجها وهما كتابيان فأسلم قبل الدخول أو بعده فهي زوجته
وان كانت هي المسلمة قبله وقبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر لها)
وجملة ذلك أنه إذا أسلم زوج الكتابية قبل الدخول أو بعده أو أسلما معا فالنكاح باق بحاله
سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي لأن للمسلم أن يبتدي نكاح كتابية فاستدامته أولى ولا
خلاف في هذا بين القائلين بإجازة نكاح الكتابية، فأما ان أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول تعجلت
الفرقة سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة. قال ابن المنذر أجمع
على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم، وإن كان اسلامها بعد الدخول فالحكم فيه كالحكم فيما لو أسلم
أحد الزوجين الوثنيين على ما تقدم فإذا كانت هي المسلمة قبل الدخول فلا مهر لها لأن الفسخ منها وقد
مضى الكلام في هذا أيضا بما فيه كفاية
(فصل) وإذا تزوج المجوسي كتابية ثم ترافعا إلينا قبل الاسلام فرق بينهما. قال احمد في مجوسي
تزوج كتابية يحال بينه وبينها قيل من يحول بينه وبين ذلك؟ قال الإمام ويحتمل هذا الكلام أن يحال بينهما وان
لم يترافعا إلينا لأنها أعلى دينا منه فيمنع نكاحها كما يمنع الذمي نكاح المسلمة. وان تزوج الذمي وثنية
أو مجوسية ثم ترافعوا إلينا ففيه وجهان [أحدهما] بقر على نكاحها لأنها ليست أعلى دينا منه فيقر على
558

نكاحها كما يقر المسلم على نكاح الكتابية [والثاني] لا يقر على نكاحها لأنها ممن لا يقر المسلم على
نكاحها فلا يقر الذمي على نكاحها كالمرتدة
(مسألة) قال (وما سمي لها وهما كافران فقبضته ثم أسلما فليس لها غيره وإن كان
حراما ولو لم تقبضه وهو حرام فلها عليه مهر مثلها أو نصفه حيث أوجب ذلك)
وجملته ان الكفار إذا أسلموا وتحاكموا إلينا بعد العقد والقبض لم نتعرض إلى ما فعلوه وما
قبضت من المهر نفذ وليس لها غيره حلالا كان أو حراما بدليل قوله تعالى [يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا] فأمر بترك ما بقي دون ما قبض وقال تعالى [فمن جاءه موعظة
من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله] ولان التعرض للمقبوض بابطاله يشق لتطاول الزمان وكثرة
تصرفاتهم في الحرام ففيه تنفيرهم عن الاسلام فعفي عنه كما عفي عما تركوه من الفرائض والواجبات،
ولأنهما تقابضا بحكم الشرك فبرئت ذمة من هو عليه منه كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا وان لم
يتقابضا فإن كان المسمى حلا لا وجب ما سمياه لأنه مسمى صحيح في نكاح صحيح فوجب كتسمية المسلم
وإن كان حراما كالخمر والخنزير بطل ولم يحكم به لأن ما سمياه لا يجوز ايجابه في الحكم
ولا يجوز أن يكون
صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم ويجب مهر المثل إن كان بعد الدخول، ونصفه ان وقعت الفرقة قبل
الدخول وهذا معنى قوله حيث أوجب ذلك وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف
559

وقال أبو حنيفة إن كان صداقها خمرا أو خنزيرا معينين فليس لها الا ذلك وان كانا غير معينين
فلها في الخمر القيمة وفي الخنزير مهر المثل استحسانا
ولنا ان الخمر لا قيمة ها في الاسلام فكان الواجب مهر المثل كما لو أصدقها خنزيرا
ولا له محرم فأشبه ما ذكرنا
(فصل) وإن قبضت بعض الحرام دون بعض سقط من المهر بقدر ما قبض ووجب بحصة ما بقي
من مهر المثل، فإن كان الصداق عشرة زقاق خمر متساوية فقبلت خمسا منها سقط نصف المهر ووجب
لها نصف مهر المثل وان كانت مختلفة اعتبر ذلك بالكيل في أحد الوجهين لأنه إذا وجب اعتباره اعتبر
بالكيل فيما له مثل يتأنى الكيل فيه
(والثاني) يقسم على عددها لأنه لا قيمة لها فاستوى صغيرها وكبيرها، وإن أصدقها عشرة
خنازير ففيه الوجهان (أحدهما) يقسم على عددها لما ذكرنا (والثاني) يعتبر قيمتها كأنها مما يجوز بيعه
كما تقوم شجاج الحر كأنه عبد، وإن أصدقها كلبا وخنزير ا وثلاثة زقاق خمر فقيه ثلاثة أوجه (أحدها)
يقسم على قدر قيمتها عندهم (والثاني) يقسم على عدد الأجناس فيجعل لكل جنس ثلث المهر (والثالث)
يقسم على العدد كله فلكل واحد سدس المهر فللكلب سدسه ولكل واحد من الخنزيرين والزقاق
سدسه ومذهب الشافعي فيه على نحو من هذا
560

(فصل) فإن نكحها نكاحا فاسدا وهو مالا يقرون عليه إذا أسلموا كنكاح ذوات الرحم المحرم
فأسلما قبل الدخول أو ترافعوا إلينا فرق بينهما ولا مهر لها، قال احمد في المجوسية تكون تحت أخيها
أو أبيها فيطلقها أو يموت عنها فترفع إلى المسلمين بطلب مهرها مهر لها وذلك لأنه نكاح باطل من
أصله لا يقر عليه في الاسلام وحصل فيه الفرقة قبل الدخول، فأما إن دخل بها يجب لها مهر المثل؟
يخرج على الروايتين في لمسلم إذا وطئ امرأة من محارمه بشبهة
(فصل) إذا تزوج ذمي ذمية على أن لا صداق لها أو سكت عن ذكره فلها المطالبة بفرضه إن كان
قبل الدخول وإن كان بعده فلها مهر المثل كما في نكاح المسلمين وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة
ان تزوجها على أن لامهر لها فلا شئ لها وان سكت عن ذكره ففيه روايتان (أحدهما) لامهر لها
والأخرى لها مهر المثل، واحتج بأن المهر يجب لحق الله وحقها وقد أسقطت حقها والذمي لا يطالب
بحق الله تعالى. لنا أن هذا نكاح خلا عن تسمية فيجب للمرأة فيه مهر المثل كالمسلمة وإنما وجب
المهر في حق المفوضة لئلا تصير كالموهوبة والمباحة وهذ ا يوجد في حق الذمي
(فصل) إذا ارتفعوا إلى الحاكم في ابتداء العقد لم يزوجهم إلا بشروط نكاح المسلمين لقول
الله عز وجل (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) وقوله (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولأنه لا حاجة
561

إلى عقده بخلاف ذلك، وإن أسلموا وترافعوا إلينا بعد العقد لم نتعرض لكيفية عقدهم ونظرنا في الحال
فإن كانت المرأة ممن يجوز عقد النكاح عليها ابتداء أقرهما، وإن كانت ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كذوات
محرمه فرق بينهما فإن تزوج معتدة وأسلما أو ترافعا في عدتها فرق بينهما لأنه يجوز ابتداء نكاحها
وإن كان بعد انقضائها أقرا لجواز ابتداء نكاحها وإن كان بينهما نكاح متعة لم يقرا عليه لأنه إن كان
بعد المدة فلم يبق بينهما نكاح فإن كان في المدة فهما لا يعتقدان تأبيده والنكاح عقد مؤبد الا أن
يكونا ممن يعتقدان فساد الشرط وصحة النكاح مؤبدا فيقران عليه، وإن كان بينهما نكاح شرط فيه
الخيار متى شاء أو شاء أحدهما لم يقرا عليه لأنهما لا يعتقدان لزومه إلا أن يعتقدا فساد الشرط وحده
وإن كان خيار مدة فأسلما فيها لم يقرا لذلك وإن كان بعدها أقرا لأنهما يعتقدان لزومه وكلما اعتقدوه
فهو نكاح يقرون عليه ومالا فلا، فلو مهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته ثم أسلما فإن كان ذلك في
اعتقادهم نكاحا أقرا عليه لأنه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه كالنكاح بلا ولي وإن
لم يعتقدا نكاحا لم يقرا عليه
(فصل) وأنكحة الكفار تتعلق بها أحكام النكاح الصحيح من وقوع الطلاق والظهار والايلاء
ووجوب المهر والقسم والإباحة للزوج الأول والاحصان وغير ذلك وممن أجاز طلاق الكفار عطاء
والشعبي والنخعي والزهري وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ولم يجوزه الحسن
وقتادة وربيعة ومالك
562

ولنا أنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح فوقع كطلاق المسلم، فإن قيل لا نسلم صحة أنكحتم
قلنا دليل ذلك أن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال (وامرأته حمالة الحطب) وقال (وامرأة فرعون)
وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ولدت من نكاح لامن سفاح) وإذا
ثبت صحتها ثبتت أحكامها كأنكحة المسلمين، فعلى هذا إذا طلق الكافر ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج
وأصابها ثم أسلما لم يقرا عليه، وإن طلق امرأته أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عنده على ما بقي من
طلاقها، وان نكحها كتابي وأصابها حلت لمطلقها ثلاثا سواء كان المطلق مسلما أو كافرا، وان ظاهر
الذمي من امرأته ثم أسلما فعليه كفارة الظهار لقوله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) وان آلى
ثبت حكم الايلاء لقوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم)
(فصل) ويحرم عليه في النكاح ما يحرم على المسلمين على ما ذكرنا في الباب قبله الا أنهم
يقرون على الأنكحة المحرمة بشرطين (أحدهما) أن لا يترافعوا إلينا (والثاني) أن يعتقدوا إباحة ذلك
في دينهم لأن الله تعالى قال (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك
شيئا) فدل هذا على أنهم يخلون وأحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا ولان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس
هجر ولم يعترض عليهم في أحكامهم ولا في أنكحتهم مع علمه أن هم يستبيحون نكاح محارمهم، وقد روي
عن أحمد في المجوسي تزوج نصرانية قال: يحال بينه وبينها قيل من يحول بينهما؟ قال الإمام قال:
563

أبو بكر لأن علينا ضرارا في ذلك يعنى بتحريم أولاد النصرانية علينا وهكذا يجئ على قوله في تزويج
النصراني المجوسية ويجئ على هذا القول أن يحال بينهم وبين نكاح محارمهم فإن عمر رضي الله عنه كتب:
ان فرقوا بين كل محرم من المجوس، وقال احمد في مجوسي ملك أمة نصرانية يحال بينه وبينها ويجبر على بيعها
لأن النصارى لهم دين فإن ملك نصراني مجوسية فلا بأس أن يطأها، وقال أبو بكر عبد العزيز
لا يجوز له وطؤها أيضا لما ذكرناه من الضرر
(مسألة) قال (ولو تزوجها وهما مسلمان فارتدت قبل الدخول انفسخ النكاح
ولا مهر لها، وإن كان هو المرتد قبلها وقبل الدخول فكذلك الا أن عليه نصف المهر)
وجملة ذلك أنه إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم إلا أنه
حكي عن داود انه لا ينفسخ بالردة لأن الأصل بقاء النكاح
ولنا قول الله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وقال تعالى (فلا ترجعوهن إلى الكفار
لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة فأوجب فسخ النكاح كما لو أسلمت
تحت كافر، ثم ينظر فإن كانت المرأة هي المرتدة فلا مهر لها لأن الفسخ من قبلها، وإن كان الرجل
هو المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ من جهته فأشبه ما لو طلق، وان كانت التسمية فاسدة
فعليه نصف مهر المثل
564

(مسألة) قال (وان كانت ردتها بعد الدخول فلا نفقة لها، وان لم تسلم حتى
انقضت عدتها انفسخ نكاحها ولو كان هو المرتد فلم يعد إلى الاسلام حتى انقضت عدتها
انفسخ النكاح منذ اختلف الدينان)
اختلفت الرواية عن أحمد فيما إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول حسب اختلافها فيما إذا أسلم
أحد الزوجين الكافرين ففي إحداهما تتعجل الفرقة وهو قول أبي حنيفة ومالك، وروي ذلك عن
الحسن وعمر بن عبد العزيز والثوري وزفر وأبي ثور وابن المنذر لأن ما أوجب فسخ النكاح استوى
فيه ما قبل الدخول وبعده كالرضاع (والثانية) يقف على انقضاء العدة فإن أسلم المرتد قبل انقضائها
فهما على النكاح، وان لم يسلم حتى انقضت بانت منذ اختلف الدينان وهذا مذهب الشافعي لأنه لفظ
تقع به الفرقة فإذا وجد بعد الدخول جاز أن يقف على انقضاء العدة كالطلاق الرجعي أو اختلاف دين
بعد الإصابة فلا يوجب فسخه في الحال كاسلام الحربية تحت الحربي، وقياسه على اسلام أحد الزوجين
أقرب من قياسه على الرضاع، فأما النفقة فإن قلنا بتعجيل الفرقة فلا نفقة لها لأنها بائن منه وإن قلنا يقف على
انقضاء العدة وكانت المرأة المرتدة فلا نفقة لها لأنه لا سبيل للزوج إلى رجعتها وتلافي نكاحها فلم يكن
لها نفقة كما بعد العدة وإن كان هو المرتد فعليه النفقة للعدة لأنه بسبيل من الاستمتاع بها بأن تسلم ويمكنه
تلافي نكاحها فكانت النفقة واجبة عليه كزوج الرجعية
565

(فصل) فإن ارتد الزوجان معا فحكمهما حكم ما لو ارتد أحدهما إن كان قبل الدخول تعجلت
الفرقة، وإن كان بعده فهل تتعجل أو يقف على انقضاء العدة؟ على روايتين وهذا مذهب الشافعي
قال أحمد في رواية ابن منصور إذا ارتدا معا أو أحدهما ثم تابا أو تاب فهو أحق بها ما لم تنقض العدة
وقال أبو حنيفة لا ينفسخ النكاح استحسانا لأنه لم يختلف بهما الدين فأشبه ما لو أسلما
ولنا أنها ردة طارئة على النكاح فوجب أن يتعلق بها فسخ كما لو ارتد أحدهما ولان كل ما زال عنه
ملك المرتد إذا ارتد وحده زال إذا ارتد غيره معه كماله، وما ذكروه يبطل بما إذا انتقل المسلم واليهودية
إلى دين النصرانية فإن نكاحهما ينفسخ وقد انتقلا إلى دين واحد وأما إذا أسلما فقد انتقلا إلى دين
الحق ويقران عليه بخلاف الردة
(فصل) وإذا ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا منع وطأها فإن وطئها في عدتها وقلنا إن الفرقة
تعجلت فلها عليه مهر مثلها لهذا الوطئ مع الذي يثبت عليه بالنكاح لأنه وطئ أجنبية فيكون عليه مهر
مثلها، وإن قلنا إن الفرقة موقوفة على انقضاء العدة فإن أسلم المرتد منهما أو أسلما جميعا في عدتها وكانت
الردة منهما فلا مهر لها عليه بهذا الوطئ لأنا تبينا أن النكاح لم يزل وانه وطئها وهي زوجته وإن ثبتا
أو ثبت المرتد منهما على الردة حتى انقضت عدتها فلها عليه مهر المثل لهذا الوطئ لأنه وطئ في غير
نكاح بشبه النكاح لأننا تبينا أن الفرقة وقعت منذ اختلف الدينان، وهكذا الحكم فيما إذا أسلم
566

أحد الزوجين بعد الدخول فوطئها في العدة قبل اسلام الآخر. فالحكم فيه مثل الحكم ههنا لما
ذكرنا من التعليل فيه
(فصل) وإذا أسلم أحد الزوجين ثم ارتد نظرت فإن لم يسلم الآخر في العدة تبينا أن وقوع الفرقة
كان منذ اختلف الدينان وعدتها من حين أسلم المسلم منهما، وان أسلم الآخر منهما في العدة قبل ارتداد
الأول اعتبر ابتداء العدة من حين ارتد لأن حكم اختلاف الدين باسلام الأول زال باسلام الثاني في
العدة ولو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه ثم ارتد لم يكن له أن يختار منهن لأنه لا يجوز أن
يبتدئ العقد عليهن في هذه الحال وكذلك لو ارتددن دونه أو معه لم يكن له أن يختار منهن لذلك
(فصل) فإذا تزوج الكافر بمن لا يقر على نكاحه في الاسلام مثل ان جمع بين الأختين أو
بين عشره نسوة أو نكح معتدة أو مرتدة ثم طلقها ثلاثا ثم أسلما لم يكن أن ينكحها لابنا أجرينا
أحكامهم على الصحة فيما يعتقدونه في النكاح فكذلك في الطلاق ولهذا جاز له امساك الثانية من
الأختين والخامسة المعقود عليها آخرا
(مسألة) قال (وإذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته فلا نكاح بينهما وان
سموا مع ذلك صداقا أيضا)
هذا النكاح يسمى الشغار فقيل إنما سمي شغارا لقبحه تشبيها يرفع الكلب رجله ليبول في ا لقبح
567

يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول، وحكي عن الأصمعي أنه قال: الشغار الرفع فكأن كل واحد
منهما رفع رجله للآخر عما يريد، ولا تختلف الرواية عن أحمد في أن نكاح الشغار فاسد رواه عنه جماعة
قال احمد وروي عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا فيه وهو قول مالك والشافعي، وحكي عن عطاء
وعمرو بن دينار ومكحول والزهري والثوري أنه يصح وتفسد التسمية ويجب مهر المثل لأن الفساد من
قبل المهر لا يوجب فساد العقد كما لو تزوج على خمر أو خنزير وهذا كذلك
ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار متفق عليه وروى أبو هريرة مثله
أخرجه مسلم، وروى الأثرم باسناده عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لاجلب ولا
جنب ولا شغار في الاسلام) ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح كما لو قال
يعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي، وقولهم ان فساده من قبل التسمية قلنا لا بل إفساده من جهة أنه
وقفه على شرط فاسد أو لأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج فإنه جعل تزويجه إياها مهرا للأخرى
فكان ملكه إياه بشرط انتزاعه منه، إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يقول على أن صداق كل واحدة
منهما بضع الأخرى أو لم يقل ذلك، وقال الشافعي هو أن يقول ذلك ولا يسمي لكل واحدة صداقا
لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجتك بنتي على أن
تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى
568

ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على
أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق. هذا لفظ الحديث الصحيح المتفق عليه، وفي حديث أبي هريرة
والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجتي ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي
رواه مسلم وهذا يجب تقديمه لصحته وعلى أنه قد أمكن الجمع بينهما بأن يعمل بالجميع ويفسد النكاح بأي
ذلك كان. ولأنه إذا شرط في نكاح إحداهما تزويج الأخرى فقد جعل بضع كل واحدة صداق الأخرى
ففسد كما لو لفظ به، فأما إن سمعوا مع ذلك صداقا فقال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة
منهما مائة أو مهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل أو أكثر فالمنصوص عن أحمد فيما وقفنا عليه
صحته وهو قول الشافعي لما تقدم من حديث ابن عمر، ولأنه قد سمى صداقا فصح كما لو لم يشرط ذلك
وقال الخرقي لا يصح لحديث أبي هريرة ولما روى أبو داود عن الأعرج أن العباس بن عبيد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى
مروان فأمره أن يفرق بينهما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه شرط
نكاح إحداهما لنكاح الأخرى فلم يصح كما لو لم يسميا صداقا يحققه ان عدم التسمية ليس بمفسد للعقد
بدليل نكاح المفوضة فدل على أن المفسد هو الشرط وقد وجد ولأنه سلف في عقد فلم يصح كما لو قال
بعتك ثوبي بعشرة على أن تبيعني ثوبك بعشرين، وهذا الاختلاف فيما إذا لم يصرح بالتشريك
569

فأما إذا قال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة منهما مائة وبضع الأخرى فالنكاح
فاسد لأنه صرح بالتشريك فلم يصح العقد كما لو لم يذكر مسمى
(فصل) ومتى قلنا بصحة العقد إذا سميا صداقا ففيه وجهان [أحدهما] تفسد التسمية ويجب
مهر المثل وهذا قول الشافعي لأن كل واحد منهما لم يرض بالمسمى إلا بشرط أن يزوج وليه صاحبه
فينقص المهر لهذا الشرط وهو باطل فإذا احتجنا إلى ضمان النقص صار المسمى مجهولا فبطل، والوجه
الذي ذكره القاضي في الجامع انه يجب المسمى لأنه ذكر قدرا معلوما يصح أن يكون مهرا فصح كما لو
قال زوجتك ابنتي على الف على أن لي منها مائة والله أعلم
(فصل) وان سمى لإحداهما مهرا دون الأخرى فقال أبو بكر يفسد النكاح فيهما لأنه فسد في
إحداهما ففسد في الأخرى والأولى أنه يفسد في التي لم يسم لها صداقا لأن نكاحها خلا من صداق
سوى نكاح الأخرى ويكون في التي سمى لها صداقا روايتان لأن فيه تسمية وشرطا فأشبه ما لو سمى
لكن واحدة منهما مهرا ذكره القاضي هكذا
(فصل) فإن قال زوجتك جاريتي هذه على أن تزوجني ابنتك وتكون رقبتها صداقا لابنتك
لم يصح تزويج الجارية في قياس المذهب لأنه لم يجعل لها صداقا سوى تزويج ابنته، وإذا زوجه
ابنته على أن يجعل رقبة الجارية صداقا لها صح لأن الجارية تصلح أن تكون صداقا، وان زوج عبده
570

امرأة وجعل رقبته صداقا لها لم يصح الصداق لأن ملك المرأة زوجها يمنع صحة النكاح فيفسد الصداق
ويصح النكاح ويجب مهر المثل
(مسألة) قال رحمه الله تعالى (ولا يجوز نكاح المتعة)
معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول زوجتك ابنتي شهرا أو سنة أو إلى انقضاء
الموسم أو قدوم الحاج وشبهه سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد
فقال نكاح المتعة حرام. وقال أبو بكر فيها رواية أخرى انها مكروهة غير حرام لأن ابن منصور سأل
أحمد عنها فقال يجتنبها أحب إلى، قال فظاهر هذا الكراهة دون التحريم، وغير أبي بكر من أصحابنا
يمنع هذا ويقول في المسألة رواية واحدة في تحريمها وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء، وممن روي عنه
تحريمها عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن الزبير، قال ابن عبد البر وعلى تحريم المتعة مالك وأهل المدينة
وأبو حنيفة في أهل الكوفة والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر والشافعي وسائر أصحاب الآثار
وقال زفر يصح النكاح ويبطل الشرط
وحكي عن ابن عباس انها جائزة وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاوس وبه قال ابن جريج وحكي
ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر واليه ذهب الشيعة لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها، وروي
571

أن عمر قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفأنهى عنهما وأعاقب عليهما؟ متعة النساء ومتعة
الحج ولأنه عقد على منفعة فيكون مؤقتا كالإجارة
ولنا ما روى الربيع بن سبرة أنه قال: أشهد على أبي انه حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه في حجة
الوداع، وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء رواه أبو داود. وفي لفظ رواه ابن ماجة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم المتعة فقال (يا أيها الناس اني كنت أذنت لكم في الاستمتاع الاوان الله قد حرمها إلى يوم
القيامة) وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم
خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية. رواه مالك في الموطأ وأخرجه الأئمة النسائي وغيره واختلف أهل العلم
في الجمع بين هذين الخبرين فقال قوم في حديث على تقديم وتأخير وتقديره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ونهى عن متعة النساء ولم يذكر ميقات النهي عنها وقد بينه الربيع بن
سبرة في حديثه انه كان في حجة الوداع حكاه الإمام أحمد عن قوم وذكره بن عبد البر وقال الشافعي
لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه الا المتعة فحمل الامر على ظاهره وان النبي صلى الله عليه وسلم
حرمها يوم خيبر ثم أباحها في حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها ولأنه لا تتعلق به أحكام النكاح من
الطلاق والظهار واللعان والتوارث فكان باطلا كسائر الأنكحة الباطلة، وأما قول ابن عباس فقد
حكي عنه الرجوع عنه. وروى أبو بكر باسناده عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس لقد كثرت
في المتعة حتى قال فيها الشاعر:
572

أقول وقد طال الثواء بنا معا * يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة * تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقام خطيبا وقال إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير فأما اذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقد ثبت نسخه
وأما حديث عمران صح عنه فالظاهر أنه إنما قصد الاخبار عن تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها ونهيه عنا إذ
لا يجوز أن ينهى عما كان النبي صلى الله عليه وسلم أباحه وبقي على اباحته
(فصل) وان تزوجها بغير شرط الا أن في نيته طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته في هذا
البلد فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم الا الأوزاعي قال هو نكاح متعة والصحيح انه لا بأس
به ولا تضر نيته وليس على الرجل أن ينوي حبس امرأته وحسبه ان وافقته والا طلقها
(مسألة) قال (ولو تزوجها على أن يطلقها في وقت بعينه لم ينعقد النكاح)
يعني إذا تزوجها بشرط أن يطلقها في وقت معين لم يصح النكاح سواء كان معلوما أو مجهولا
مثل أن يشترط عليه طلاقها إن قدم أبوها أو أخوها، وقال أبو حنيفة يصح النكاح ويبطل الشرط
وهو أظهر قول الشافعي قاله في عامة كتبه لأن النكاح وقع مطلقا وإنما شرط على نفسه شرطا وذلك
لا يؤثر فيه كما لو شرط أن لا يتزوج عليها ولا يسافر بها.
573

ولنا أن هذا شرط مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة ويفارق ما قاسوا عليه فإنه لم
يشترط قطع النكاح
(مسألة) قال (وكذلك أن شرط عليه أن يحلها لزوج كان قبله)
وجملته أن نكاح المحلل حرام باطل في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والنخعي وقتادة ومالك
والليث والثوري وابن المبارك والشافعي وسواء قال زوجتكها إلى أن تطأها أو شرط أنه إذا أحلها فلا
نكاح بينهما أو أنه إذا أحلها للأول طلقها، وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح ويبطل الشرط،
وقال الشافعي في الصورتين الأولتين لا يصح وفي الثالثة على قولين
ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله المحلل والمحلل له) رواه أبو دود وابن ماجة
والترمذي وقال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن
الخطاب وعثمان وعبد الله بن عمر وهو قول الفقهاء من التابعين، وروي ذلك عن علي وابن مسعود
وابن عباس، وقال ابن مسعود المحلل والمحلل له ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم
وروى ابن ماجة عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم بالتيس المستعار؟) قالوا
بلى يا رسول الله، قال (هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له) وروى الأثرم باسناده عن قبيصة بن
574

جابر قال سمعت عمر وهو يخطب الناس وهو يقول: والله لا أوتى بمحل ولا محل له الا رجمتهما ولأنه
نكاح إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاءه فأشبه نكاح المتعة
(فصل) فإن شرط عليه التحليل قبل القعد ولم يذكره في العقد ونواه في العقد أو نوى التحليل
من غير شرط فالنكاح باطل أيضا قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن
يحلها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك قال هو محلل إذا أراد بذلك الاحلال فهو ملعون وهذا ظاهر
قول الصحابة رضي الله عنهم وروى نافع عن ابن عمر أن رجلا قال له امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم
يأمرني ولم يعلم قال لا إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكها وان كرهتها فارقها قال وان كنا نعده على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحا وقال لا يزالا زانيين وان مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها
وهذا قول عثمان رضي الله عنه وجاء رجل إلى ابن عباس فقال له ان عمي طلق امرأته ثلاثا أيحلها
له رجل؟ قال من يخادع الله يخدعه وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وقتادة وبكر المز ني والليث
ومالك والثوري وإسحاق وقال أبو حنيفة والشافعي العقد صحيح وذكر القاضي في صحته وجها مثل
قولهما لأنه خلا من شرط يفسده فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الاحلال أو ما لو نوت المرأة ذلك ولان
العقد إنما يبطل بما شرط لا بما قصد بدليل ما لو اشترى عبدا فشرط أن يبيعه لم يصح ولو نوى
ذلك لم يبطل ولأنه روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل علي إجازته وروى أبو حفص باسناده عن
575

محمد بن سيرين قال قدم مكة رجل ومعه اخوة له صغار وعليه ازار من بين يديه رقعة ومن خلفه
رقعة فسأل عمر فم يعطه شيئا فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته
فطلقها فقال لها هل لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئا ويحلك لي؟ قالت نعم ان شئت فأخبروه بذلك قال
نعم وتزوجها ودخل بها فلما أصبحت أدخلت اخوته الدار فجاء القرشي بحوم حول الدار ويقول يا ويله
غلب على امرأته فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين غلبت علي امرأتي قال من غلبك قال ذو الرقعتين قال أرسلوا إليه فلما جاءه الرسول قالت له المرأة كيف موضعك من قومك؟ قال ليس بموضعي بأس قالت
إن أمير المؤمنين يقول لك طلق امرأتك فقل لا والله لا أطلقها فإنه لا يكرهك وألبسته حلة فلما رآه
عمر من بعيد قال الحمد لله الذي رزق ذا الرقعتين فدخل عليه فقال أتطلق امرأتك؟ قال لا والله لا أطلقها
قال عمر لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط رواه سعيد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين
نحوا من هذا وقال من أهل المدينة وهذا قد تقدم فيه الشرط على العقد ولم ير به عمر بأسا
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) وقول من سمينا من الصحابة ولا مخالف
لهم فيكون إجماعا ولأنه قصد به التحليل فلم يصح كما لو شرطه وأما حديث ذي الرقعتين فقال أحمد
ليس له إسناد يعنى أن ابن سيرين لم يذكر إسناده إلى عمر وقال أبو عبيد هو مرسل فأين هو من
الذي سمعوه يخطب به على المنبر لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما؟ ولأنه ليس فيه ان ذا الرقعتين
قصد التحليل ولا نواه وإذا كان كذلك لم يتناول محل النزاع
576

(فصل) فإن شرط عليه أن يحلها قبل العقد فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه وقصد نكاح رغبة
صح العقد لأنه خلا عن نية التحليل وشرط فصح كما لو لم يذكر ذلك وعلى هذا يحمل حديث ذي
الرقعتين وان قصدت المرأة التحليل أو وليها دون الزوج لم يؤثر ذلك في العقد وقال الحسن وإبراهيم
إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح، قال أحمد كان الحسن وإبراهيم والتابعون يشددون في ذلك، قال
أحمد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟) ونية المرأة ليس بشئ إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم
صلى الله عليه سلم (لعن الله المحلل والمحلل له) ولان العقد إنما بمبطل بنية الزوج لأنه الذي إليه المفارقة والامساك
أما المرأة فلا تملك رفع العقد فوجود نيتها وعدمها سواء وكذلك الزوج الأول لا يملك شيئا من العقد
ولامن رفعه فهو أجنبي كسائر الأجانب، فإن قيل كيف لعنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا إنما لعنه إذا رجع إليها
بذلك التحليل لأنها لم تحل له فكان زانيا فاستحق اللعنة لذلك
(فصل) فإن اشترى عبدا فزوجها إياه ثم وهبها إياه لينفسخ النكاح بملكها له لم يصح، قال أحمد
في رواية حنبل إذا طلقها ثلاثا وأراد أن يراجعها فاشترى عبدا فأعتقه وزوجها إياه فهذا الذي نهى
عنه عمر يؤديان جميعا وهذا فاسد ليس بكفء وهو شبه المحلل، وعلل أحمد فساده بشيئين [أحدهما] شبهه بالمحلل لأنه إنما زوجه إياها ليحلها له [والثاني] كونه ليس بكف لها وتزويجه لها في حال كونه
عبدا أبلغ في هذا المعني لأن العبد في عدم الكفاءة أشد من المولى والسيد له سبيل إلى إزالة نكاحه من
577

غير ارادته بأن يهبه للمرأة فينفسخ نكاحه، يملكها إياه والمولى بخلاف ذلك، ويحتمل أن يصح النكاح إذا
لم يقصد العبد التحليل لأن المعتبر في ا لفساد نية الزوج لانية غيره ولم ينو وإذا كان مولى ولم ينو
التحليل فهو أولى بالصحة لأنه لا سبيل لمعتقه إلى فسخ نكاحه ولا عبرة بنيته
(فصل) ونكح المحلل فاسد يثبت فيه سائر أحكام العقود الفاسدة ولا يحصل به الاحصان ولا
الإباحة للزوج الأول كما لا يثبت في سائر العقود الفاسدة، فإن قيل فقد سماء النبي صلى الله عليه وسلم محللا وسمى
الزوج محللا له ولو لم يحصل الحل لم يكن محللا ولا محللا له قلنا إنما سماه محللا لأنه قصد التحليل في
موضع لا يحصل فيه الحل كما قال (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه) وقال الله تعالى [يحلونه عاما
ويحرمونه عاما] ولو كان محللا في الحقيقة والآخر محللا له لم يكونا ملعونين
(مسألة) قال رحمه الله (وإذا عقد المحرم نكاحا لنفسه أو لغيره أو عقد نكاحا لمحرم أو
على محرمة فالنكاح فاسد)
وجملته ان المحرم إذا تزوج لنفسه أو عقد النكاح لغيره ككونه وليا أو وكيلا فإنه لا يصح لقول
النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) رواه مسلم. وان عقد الحلال نكاحا لمحرم بأن
يكون وكيلا له أو وليا عليه أو عقده على محرمة لم يصح لدخوله في عموم الحديث لأنه إذا تزوج له
578

وكيله فقد نكح، وحكى القاضي في كون المحرم وليا لغيره روايتين [إحداهما] لا تصح وهي اختيار
الخرقي [والثانية] تصح وهي اختيار أبي بكر لأن النكاح حرم على المحرم لأنه في دواعي الوطئ المفسد
للحج ولا يحصل ذلك فيه بكونه وليا لغيره والأول أولى لدخوله في عموم الخبر ولأنه عقد لا يصح للمحرم
فلا يصح منه كشراء الصيد وقد مضت هذه المسألة في الحج بأبسط من هذا الشرح.
(مسألة) قال رحمه الله (وأي الزوجين وجد بصاحبه جنونا أو جذاما أو برصا أو
كانت المرأة رتقاء أو قرناء أو عقلاء أو فتقاء أو الرجل مجنونا فلمن وجد ذلك منهما بصاحبه
الخيار في فسخ النكاح)
الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة [الأول] ان خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين
لعيب يجده في صاحبه في الجملة روي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وبه قال جابر والشافعي
وإسحاق وروي عن علي لا ترد الحرة بعيب وبه قال النخعي والثوري وأصحاب الرأي، وعن ابن
مسعود لا ينفسخ النكاح بعيب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه الا أن يكون الرجل مجبوبا أو عنينا فإن
للمرأة الخيار فإن اختارت الفراق فرق الحاكم بيتهما بطلقة ولا يكون فسخا لأن وجود العيب لا يقتضي
فسخ النكاح كالعمى والزمانة وسائر العيوب
579

ولنا أن المختلف فيه عيب يمنع الوطئ فأثبت الخيار كالجب والعنه ولأن المرأة أحد العوضين في
النكاح فجاز ردها بعيب كالصداق أو أحد العوضين في عقد النكاح فجاز رده بالعيب أو أحد الزوجين
فثبت له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة، وأما غير هذه العيوب فلا يمنع المقصود بعقد النكاح وهو
الوطئ بخلاف العيوب المختلف فيها، فإن قيل فالجنون والجذام والبرص لا يمنع الوطئ قلنا بل يمنعه
فإن ذلك يوجب نفرة تمنع قربانه بالكلية ومسه ويخاف منه التعدي إلى نفسه ونسله والمجنون يخاف
منه الجناية فصار كالمانع الحسي
(الفصل الثاني في عدد العيوب المجوزة للفسخ)
وهي فيما ذكر الخرقي ثمانية. ثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي الجنون والجذام والبرص، واثنان
يختصان الرجل وهما الجب والعنة، وثلاثة تختص بالمرأة وهي العتق والقرن والعفل، وقال القاضي
هي سبعة جعل القرن والعفل شيئا واحدا وهو الرتق أيضا وذلك لحم ينبت في الفرج، وحكي ذلك
عن أهل الأدب، وحكي نحوه عن أبي بكر، وذكره أصحاب الشافعي وقال الشافعي القرن عظم في الفرج
يمنع الوطئ، وقال غيره لا يكون في الفرج عظم إنما هو لحم بنبت فيه، وحكي عن أبي حفص أن العقل
كالرغوة في الفرج يمنع لذة الوطئ فعلى هذا يكون عيبا ناميا، وقال أبى الخطاب الرتق أن يكون الفرج
مسدودا يعني أن يكون ملتصقا لا يدخل الذكر فيه، والقرن والعفل لحم ينبت في الفرج فيسده فهما
.
580

في معنى الرتق الا انهما نوع آخر، وأما الفتق فهو انخراق ما بين مجرى البول ومجرى المني، وقيل
ما بين القبل والدبر، وذكرها أصحاب الشافعي سبعة أسقطوا منها الفتق ومنهم من جعلها ستة جعل القرن
والعفل شيئا واحدا وإنما اختص الفسخ بهذه العيوب لأنها تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح فإن الجذام
والبرص يثيران نفرة في النفس تمنع قربانه ويخشى تعديه إلى النفس والنسل فيمنع الاستمتاع والجنون
يثير نفرة ويخشى ضرره والجب والرتق يتعذر معه الوطئ والفتق يمنع لذة الوطئ وفائدته وكذلك
العقل على قول من فسره بالرغوة فإن اختلفا في وجود العيب مثل أن يكون بجسده بياض يمكن أن
يكون بهقا أو مرارا واختلفا في كونه برصا أو كانت به علامات الجذام من ذهاب شعر الحاجبين
فاختلفا في كونه جذاما فإن كانت للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة يشهد ان له بما قال ثبت قوله وإلا
حلف المنكر والقول قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن اليمين على المدعى عليه وان اختلفا في عيوب النساء
أريت النساء الثقات ويقبل فيه قول امرأة واحدة فإن شهدت بما قال الزوج وإلا فالقول قول المرأة
وأما الجنون فإنه يثبت الخيار سواء كان مطبقا أو كان يجن في الأحيان لأن النفس لا تسكن إلى من
هذا حاله إلا أن يكون مريضا يغمى عليه ثم يزول فذلك مرض لا يثبت به خيار فإن زال المرض ودام من
الاغماء فهو كالمجنون يثبت به الخيار وأما الجب فهو أن يكون جميع ذكره مقطوعا أو لم يبق منه إلا مالا
يمكن الجماع به فإن بقي منه ما يمكن الجماع به ويغيب منه في الفرج قدر الحشفة فلا خيار لها لأن الوطئ
581

يمكن وان اختلفا في ذلك فالقول قول المرأة لأنه يضعف بالقطع والأصل عدم الوطئ ويحتمل أن القول
وله كما لو ادعى الوطئ في العنة ولان له ما يمكن الجماع بمثله فأشبه من له ذكر قصير
(الفصل الثالث) أنه لأن يثبت الخيار لغير ما ذكرناه لأنه لا يمنع من الاستمتاع بالمعقود عليه
ولا يخشى تعديه فلم ينفسخ به النكاح كالعمى والعرج ولان الفسخ إنما يثبت بنص أو اجماع أو قياس
ولا نص في غير هذا ولا اجماع ولا يصح قياسها على هذه العيوب لما بينهما من الفرق. وقال أبو بكر
وأبو حفص إذا كان أحدها لا يستمسك بوله ولا خلاؤه فللآخر الخيار، قال أبو الخطاب ويتخرج
على ذلك من به الباسور والناسور والفروج السيالة في الفرج لأنها تثير نفرة وتتعدى نجاستها وتسمي
من لا يجس نجوها الشريم ومن لا يحبس بولها الماشوله ومثلها من الرجال الافين، قول أبو حفص
والخصاء عيب يرد به وهو أحد قولي الشافعي لأن فيه نقصا وعارا ويمنع الوطئ أو يضعفه
وقد روى أبو عبيد باسناده عن سليمان بن يسار أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصي فقال
له عمر أعلمتها؟ قال لا، قال اعلمها ثم خيرها وفي البخر وكون أحد الزوجين خنثى وجهان
(أحدهما) يثبت الخيار لأن فيه نفرة ونقصا وعارا والبخر نتن الفم، وقال ابن حامد هو نتن في
الفرج بثور عند الوطئ وهذا ان أراد به أنه يسمي أيضا بخرا ويثبت الخيار وإلا فلا معنى له فإن متن الفم
يسمي بخرا ويمنع مقاربة صاحبه الا على كره وما عدا هذا فلا يثبت الخيار وجها واحدا كالقرع والعمى
582

والعرج وقطع اليدين والرجلين لأنه لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه ولا نعلم في هذا بين أهل العلم
خلافا الا أن الحسن قال إذا وجد الآخر عقما بخير وأحب احمد تبيين أمره وقال عمى امرأته تريد
الولد وهذا في ابتداء النكاح فأما الفسخ فلا يثبت به ولو ثبت بذلك لثبت في الآية، ولان ذلك
لا يعلم فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو شاب ثم يولد له وهو شيخ فلا يتحقق ذلك منهما، وأما سائر
العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم والله أعلم.
(الفصل الرابع) أنه إذا أصاب أحدهما بالآخر عيبا وبه عيب من غير جنسه كالأبرص يجد
المرأة مجنونة أو مجذومة فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه الا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي أن
يثبت لها الخيار لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع وإنما امتنع لعيب نفسه وان وجد أحدهما
بصاحبه عينا به مثله ففيه وجهان أحدهما) لا خيار لهما لأنهما متساويان ولا مزية لأحدهما على صاحبه فأشبها
الصحيحين (والثاني) له الخيار لوجود سببه فأشبه ما لو غر عبد بأمة
(فصل) وان حدث العيب بأحدهما بعد العقد ففيه وجهان (أحدهما) يثبت الخيار وهو ظاهر
قول الخرقي لأنه قال فإن جب قبل الدخول فلها الخيار في وقتها لأنه عيب في النكاح يثبت الخيار
مقارنا فأثبته طارئا كالاعسار وكالرق فإنه يثبت الخيار إذا قارن مثل أن تغز الأمة من عبد ويثبته إذا
طرأت الحرية مثل ان عتقت الأمة تحت العبد ولأنه عقد على منفعة فحدوث العيب بها يثبت الخيار
583

كالإجارة (والثاني) لا يثبت الخيار وهو قول أبي بكر وابن حامد، ومذهب مالك لأنه عيب حدث
بالمعقود عليه بعد لزوم العقد أشبه الحادث بالمبيع وهذا ينتقض بالعيب الحادث في الإجارة، وقال
أصحاب الشافعي ان حدث بالزوج ثبت الخيار، وان حدث بالمرأة فكذلك في أحد الوجين والآخر
لا يثبته لأن الرجل يمكنه طلاقها بخلاف المرأة
ولنا أنهما تساويا فيما إذا كان العيب سابقا فتساويا فيه لاحقا كالمتبايعين
(فصل) ومن شرط بثبوت الخيار بهذه العيوب أن لا يكون عالما بها وقت العقد ولا يرضى
بها بعده فإن علم بها في العقد أو بعده فرضي فلا خيار له لا نعلم فيه خلافا لأنه رضي به فأشبه مشتري
المعيب، وان ظن العيب يسيرا فبان كثيرا كمن ظن أن البرص في قليل من جسده فبان في كثير منه
فلا خيار له أيضا لأنه من جنس ما رضي به وان رضي بعيب فبان به غيره فله الخيار لأنه وجد به عيبا لم يرض
به ولا بجنسه فثبت له الخيار كالمبيع إذا رضي بعيب فيه فوجد به غيره وان رضي بعيب فزاد بعد العقد كأن
به قليل من البرص فانبسط في جلده فلا خيار له لأن رضاء به رضي بما يحدث منه
(فصل) وخيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضي به من القول
والاستمتاع من الزوج أو التمكين من المرأة. هذا ظاهر كلام الخرقي لقوله فإن علمت أنه عنين فسكتت عن
المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك، وذلك القاضي انه على الفور وهو مذهب الشافعي فمتى أخر الفسخ مع
العلم والامكان بطل خياره لأنه خيار الرد بالعيب فكان على الفور كالذي في البيع
584

ولنا أنه خيار له لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي كخيار القصاص، وخيار العيب في المبيع يمنعه
ثم الفرق بينهما أن ضرره في المبيع غير متحقق لأنه قد يكون المقصود ماليته أو خدمته ويحصل ذلك
مع عيبه وههنا المقصود الاستمتاع ويفوت ذلك بعيبه، وأما خيار المجبرة والشفعة والمجلس فهو
لدفع ضرر غير متحقق
(فصل) ويحتاج الفسخ إلى حكم حاكم لأنه مجتهد فيه فهو كفسخ العنة والفسخ للاعسار بالنفقة
ويخالف خيار المعتقة فإنه متفق عليه
(مسألة) (قال وإذا فسخ قبل المسيس فلا مهر وإن كان بعده وادعى أنه ما علم
حلف وكان له أن يفسخ وعليه المهر يرجع به على من غره)
الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة (أحدها) أن الفسخ إذا وجد قبل الدخول فلا مهر لها عليه
سواء كان من الزوج أو المرأة وهذا قول الشافعي لأن الفسخ إن كان منهما فالفرقة من جهتها فسقط
مهرها كما لو فسخه برضاع زوجة له أخرى، وإن كان منه فإنما فسخ لعيب بها دلسته بالاخفاء فصار الفسخ
كأنه منها، فإن قيل فهلا جعلتم فسخها لعيب كأنه منه لحصوله بتدليسه؟ قلنا العوض من الزوج في
مقابلة منافعها فإذا اختارت فسخ العقد مع سلامة ما عقدت عليه رجع العوض إلى العاقد معها وليس
585

من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وإنما ثبت لها الخيار لأجل ضرر يلحقها لا لتعذر ما استحقت
عليه في مقابلته عوضا فافترقا
[الفصل الثاني] ان الفسخ إذا كان بعد الدخول فلها المهر لأن المهر يجب بالعقد ويستقر بالدخول
فلا يسقط بحادث بعده ولذلك لا يسقط بردتها ولا يفسخ من جهتها ويجب المهر المسمى، وذكر القاضي
في المجرد فيه روايتين (إحداهما) يجب المسمى (والآخر) مهر المثل بناء على الروايتين في العقد الفاسد
وقال الشافعي الواجب مهر المثل لأن الفسخ استند إلى العقد فصار كالعقد الفاسد
ولنا أنها فرقة بعد الدخول في نكاح صحيح فيه مسمى صحيح فوجب المسمى كغير المعيبة وكالمعتقة
تحت عبد، والدليل على أن النكاح صحيح انه وجد بشروطه وأركانه فكان صحيحا كما لو لم يفسخه
ولأنه لو لم يفسخه لكان صحيحا فكذلك إذا فسخه. كنكاح الأمة إذا عتقت تحت عبد، ولأنه
تترتب عليه أحكام الصحة من ثبوت الحصة من ثبوت الاحصان ولإباحة للزوج الأول وسائر أحكام الصحة، ولأنه
لو كان فاسدا لما جاز إبقاؤه وتعين فسخه، وما ذكروه غير صحيح فإن الفسخ يثبت حكمه في حينه
غير سابق عليه وما وقع على صفة يستحيل أن يكون واقعا على غيرها وكذلك لو فسخ البيع بعيب
لم يصر العقد فاسدا ولا يكون النماء لغير المشتري، ولو كان المبيع أمة فوطئها لم يجب به مهرها فكذلك النكاح
586

(الفصل الثالث) إذا علم بالعيب وقت العقد أو بعده ثم وجد منه رضى أو دلالة عليه كالدخول
بالمرأة أو تمكينها إياه من الوطئ لم يثبت له الفسخ لأنه رضي باسقاط حقه فسقط كما لو علم المشتري
بالعيب فرضيه، وإذا اختلفا في العلم فالقول قول من ينكره لأن الأصل عدمه
(الفصل الرابع) انه يرجع بالمهر على من غره، وقال أبو بكر فيه روايتان [إحداهما] يرجع
به [والأخرى] لا يرجع، والصحيح أن المذهب رواية واحدة وانه يرجع به فأن أحمد قال كنت
أذهب إلى قول علي فهبته فملت إلى قول عمر. إذا تزوجها فرأى جذاما أو برصا فإن لها المهر بمسيسه
أيها ووليها ضامن للصداق، وهذا يدل على أنه رجع إلى هذا القول وبه قال الزهري وقتادة ومالك
والشافعي في القديم، وروي عن علي أنه قال لا يرجع وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد لأنه ضمن
ما استوفي بدله وهو الوطئ فلا يرجع به على غيره كما لو كان المبيع معيبا فأكله
ولنا ما روى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل
تزوج بامرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها، ولأنه غره
في النكاح بما يثبت به الخيار فكان المهر عليه كما لو غره بحربة أمة، فإذا ثبت هذا فإن كان الولي علم
غرم وان لم يكن علم فالتغرير من المرأة فيرجع عليها بجميع الصداق، فإن اختلفوا في علم الولي فشهدت
بينة عليه بالاقرار بالعلم والا فالقول قوله مع يمنيه قال الزهري وقتادة ان علم الولي غرم والا
استحلف بالله العظيم ما علم ثم هو على الزوج
587

وقال القاضي إن كان أبا أو جدا أو ممن يجوز له ان يراها فالتغرير من جهته علم أو لم يعلم وإن كان
ممن لا يجوز له أن يراها كابن العم والمولى وعلم غرم وان أنكر ولم تقم بينة باقراره فالقول قوله،
ويرجع على المرأة بجميع الصداق وهذا قول مالك الا أنه قال إذا ردت المرأة ما أخذت ترك لها قدر
ما تستحل به لئلا تصير كالموهوبة وللشافعي قولان كقول مالك والقاضي
ولنا على أن الولي إذا لم يعلم لا يغرم ان التغرير من غيره فلم يغرم كما لو كان ابن عم وعلى أنه
برجع بكل الصداق انه مغرور منها فرجع بكل الصداق كما لو غره الولي، وقولهم لا يخفى على من يراها
لا يصح فإن عيوب الفرج لا اطلاع له عليها ولا يحل له رؤيتها وكذلك العيوب تحت الثياب فصار في
هذا كمن لا يراها الا في الجنون فإنه لا يكاد يخفى على من يراها الا أن يكون غائبا وأما الرجوع بالمهر
فإنه لسبب آخر فيكون بمنزلة ما لو وهبته إياه بخلاف الموهوبة
(فصل) إذا طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب فعليه نصف الصداق ولا يرجع به لأنه
رضي بالتزام نصف الصداق فلم يرجع على أحد، وإن ماتت أو مات قبل العلم بالعيب فلها الصداق كاملا
ولا يرجع على أحد لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد وههنا استقر الصداق بالموت فلا يرجع به
588

(مسألة) قال (ولا سكنى لها ولا نفقة لأن السكنى والنفقة إنما تجب لامرأة زوجها
له عليها الرجعة)
إنما كان كذلك لأنها تبين بالفسخ كما تبين بطلاق ثلاث ولا يستحق زوجها عليها رجعة فلم تجب
لها سكنى ولا نفقة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس (إنما السكنى والنفقة للمرأة إذا كان
لزوجها عليه الرجعة) رواه النسائي وهذا إذا كانت حائلا فإن كانت حاملا فلها النفقة لأنها بائن من
نكاح صحيح في حال حملها فكانت لها النفقة كالمطلقة ثلاثا والمختلعة وفي السكنى روايتان، وقال
القاضي لا نفقة لها إن كانت حاملا في أحد الوجهين لأنها بائن من نكاح فاسد وكذلك قال أصحاب
الشافعي في أحد الوجهين وفي الآخر لها النفقة لأن النفقة للحمل والحمل لاحق به وبنوه على أن النكاح
فاسد وقد بينا صحته فيما مضي
(فصل) وليس لولي الصغير والصغيرة وسيد الأمة تزويجهم لمن به أحد هذه العيوب لأنه
ناظر لهم بما فيه الحظ ولاحظ لهم في هذا العقد فإن زوجهم مع العلم بالعيب لم يصح النكاح لأنه عقد لهم
عقدا لا يجوز عقده فلم يصح كما لو باع عقاره لغير غبطة ولا حاجة وإن لم يعلم بالعيب صح كما لو اشترى
لهم معيبا لا يعلم عيبه ويجب عليه الفسخ إذا علم لأن عليه النظر لهم بما فيه الحظ والحظ في الفسخ ويحتمل
أن لا يصح النكاح لأنه زوجهم ممن لا يملك تزويجهم إياه فلم يصح كما لو زوجهم بمن يحرم عليهم
589

(فصل) وليس له تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها بغير خلاف نعلمه لأنها تملك الفسخ إذا علمت به بعد العقد فالامتناع أولى وان أرادت أن تتزوج معيبا فله منعها في أحد الوجهين قال أحمد ما يعجبني
أن يزوجها بعنين وان رضيت الساعة تكره إذا دخلت عليه لأن من شأنهن النكاح ويعجبهن من ذلك
ما يعجبنا وذلك لأن الضرر في هذا دائم والرضي غير موثوق بدوامه ولا يتمكن من التخلص إذا
كانت عالمة في ابتداء العقد وربما أفضى إلى الشقاق والعداوة فيتضرر وليها وأهلها فملك الولي منعها
كما لو أرادت نكاح من ليس بكفء (والثاني) ليس له منعها لأن الحق لها وقال القاضي له منعها من نكاح المجنون
وليس له منعها من نكاح المجبوب والعنين لأن ضررهما عليها خاصة وفي الأبرص والمجذوم وجهان (أحدهما)
لا يملك منعها لأن الحق لها والضرر عليها فأشبها المجبوب والعنين (والثاني) له منعها لأن عليه ضررا فإنه
يتغير به ويخشى تعديه إلى الولد فأشبه التزويج لمن لا يكافئها وهذا مذهب الشافعي والأولى أن له
منعها في جميع الصور لأن عليها فيه ضررا دائما وعار عليها وعلى أهلها فملك منعها منه كالتزويج
بغير كفء فأما إذا اتفقا على ذلك ورضي به جاز وصح النكاح لأن الحق لهما ولا يخرج عنها ويكره
لهما ذلك لما ذكره الإمام أبو عبد الله من أنها وان رضيت الآن تكره فيما بعد ويحتمل أن يملك سائر
الأولياء الاعتراض عليهما ومنعهما من هذا التزويج لأن العار يلحق بهم وينالهم الضرر فأشبه ما لو
زوجها بغير كف ء فأما ان حدث العيب بالزوج ورضيته المرأة لم يملك وليها إجبارها على الفسخ لأن
590

حقه في ابتداء العقد لا في دوامه ولهذا لودعت وليها إلى تزويجها بعبد لم يلزمه إجابتها ولو عتقت تحت
عبد لم يملك إجبارها على الفسخ
(مسألة) قال (وإذا عتقت الأمة وزوجها عبد فلها الخيار في فسخ النكاح)
أجمع أهل العلم على هذا ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما والأصل فيه خبر بريرة قالت
عائشة كاتبت بريرة فخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها وكان عبدا فاختارت نفسها قال عروة ولو
كان حراما ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مالك وأبو داود والنسائي ولان عليها ضررا في كونها
حرة تحت العبد فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر فبان عبدا فإن اختارت الفسخ فلها
فراقه وان رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك لأنها أسقطت حقها وهذا مما لا خلاف فيه بحمد الله
(فصل) وان عتقت تحت حر فلا خيار لها وهذا قول ابن عمرو ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن
وعطاء وسليمان بن يسار وأبي قلابة وابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وقال
طاوس وابن سيرين ومجاهدو النخعي وحماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي لها الخيار
لما روى الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة وكان زوجها حرا رواه النسائي ولأنها كملت
بالحرية فكان لها الخيار كما لو كان زوجها عبدا
591

ولنا أنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها الخيار كما لو أسلمت الكتابية تحت مسلم فأما خبر
الأسود عن عائشة فقد روى عنها القاسم بن محمد وعروة ان زوج بريرة كان عبدا وهما أخص بها
من الأسود لأنهما ابن أخيها وابن أختها وقد روي الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن
زوج بريرة كان عبدا فتعارضت روايتاه وقال ابن عباس كان زوج بريرة عبدا أسود لبني المغيرة
يقال له مغيب رواه البخاري وغيره وقالت صفية بنت أبي عبيد كان زوج بريرة عبدا قال أحمد
هذا ابن عباس وعائشة قالا في زوج بريرة إنه عبد ورواية علماء المدينة وعملهم وإذا روى أهل المدينة
حديثا وعملوا به فهو أصح شئ وإنما يصح أنه حر عن الأسود وحده وأما غيره فليس بذاك قال والعقد
صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه والحر فيه اختلاف والعبد لا اختلاف فيه ويخالف الحر العبد لأن العبد
ناقص فإذا كملت تحته تضررت ببقائها عنده بخلاف الحر
(فصل) وفرقة الخيار فسخ لا ينقص بها عدد الطلاق نص عليه أحمد ولا أعلم فيه خلافا قيل
لأحمد لم لا يكون طلاقا؟ قال لأن الطلاق ما تلكم به الرجل ولأنها فرقة لاختيار المرأة فكانت فسخا
كالفسخ لعنة أو عته.
592

(مسألة) قال (رحمه الله تعالى فإن أعتق قبل أن تختار أو وطئها بطل خيارها علمت
أن الخيار لها أو لم تعلم)
وجملة ذلك أن خيار المعتقة على التراخي ما لم يوجد أحد هذين الامرين عتق زوجها أو وطئه
لها ولا يمنع الزوج من وطئها وممن قال إنه على التراخي مالك والأوزاعي وروي ذلك عن عبد الله
ابن عمر وأخته حفصة وبه قال سليمان بن يسار ونافع والزهري وقتادة وحكاه بعض أهل العلم عن الفقهاء
السبعة وقال أبو حنيفة وسائر العراقيين لها الخيار في مجلس العلم وللشافعي ثلاثة أقوال (أظهرها)
كقولنا (والثاني) أنه على الفور كخيار الشفعة (والثالث) أنه إلى ثلاثة أيام
ولنا ما روى الإمام أحمد في المسند باسناده عن الحسن بن عمر وبن أمية قال سمعت رجالا يتحدثون
عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قال إذا عتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها ان شاءت فارقته وان وطئها فلا
خيار لها) رواه الأثرم أيضا وروي أبو داود أن بريرة عتقت وهي عد مغيث عبد لآل أبي أحمد فخيرها
النبي صلى الله عليه وسلم فقال (لها إن قربك فلا خيار لك) ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في
عصرهم قال ابن عبد البر لا أعلم لابن عمر وحفصة مخالفا من الصحابة ولان الحاجة داعية إلى ذلك
فثبت كخيار القصاص أو خيار لدفع ضرر متحقق فأشبه ما قلنا إذا ثبت هذا فمتى عتق قبل أن تختار
593

سقط خيارها لأن الخيار لدفع الضرر بالرق وقد زال بعتقه فسقط كالمبيع إذا زال عيبه وهذا أحد
قولي الشافعي وأن وطئها بطل خيارها علمت بالخيار أو لم تعلم نص عليه أحمد وهو قول من سمينا
في صدر المسألة وذكر القاضي وأصحابه أن لها الخيار وان أصيبت ما لم تعلم فإن أصابها بعد علمها
فلا خيار لها وهذا قول عطاء والحكم وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق لأنها إذا أمكنت
من وطئها قبل علمها فلم يوجد منها ما يدل على الرضا فهو كما لو لم تصب
ولنا ما تقدم من الحديث وروي مالك عن ابن شهاب عن عروة أن مولاة لنبي عدي يقال لها زبراء أخبرته
انها كانت تحت عبد فعتقت قالت فأرسلت إلي حفصة فدعتني فقالت إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك
فإن مسك فليس لك من الامر شئ فقلت هو الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثا، وقال مالك عن نافع
عن ابن عمر ان لها الخيار ما لم يمسها ولأنه خيار عيب فيسقط بالتصرف فيه مع الجهالة كخيار الرد بالعيب
ولا تفريع على هذا القول فأما على القول الآخر فإذا وطئها وادعت الجهالة بالعتق وهي ممن يجوز
خفاء ذلك عليها مثل أن يعتقها سيدها في بلد آخر فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم ذلك، وان
كانت ممن لا يخفي ذلك عليها لكونها في بلد واحد وقد اشتهر ذلك لم يقبل قولها لأنه خلاف الظاهر وان
علمت العتق وادعت الجهالة بثبوت الخيار فالقول قولها لأن ذلك لا يعلمه إلا خواص الناس، والظاهر
صدقها فيه وللشافعي في قبول قولها في ذلك قولان
594

(فصل) فإن أعتق العبد والأمة دفعة واحدة فلا خيار لها، والنكاح بحاله سواء أعتقها رجل
واحد أو رجلان نص عليه احمد وعنه لها الخيار والأول أولى لأن الحرية الطارئة بعد عتقها تمنع الفسخ
فالمقارنة أولى كاسلام الزوجين، وعن أحمد إذا أعتقا معا انفسخ النكاح ومعناه والله أعلم أنه إذا وهب
العبد سرية وأذن له في التسري بها ثم أعتقهما جميعا صارا حرين وخرجت عن ملك العبد فلم يكن له
اصابتها إلا بنكاح جديد هكذا روى جماعة من أصحابه فيمن وهب لعبده سرية أو اشترى له سرية
ثم أعتقها لا يقربها إلا بنكاح جديد واحتج احمد على ذلك بما روى نافع عن ابن عمر أن عبدا له كان له
سريتان فأعتقهما فنهاه أن يقربهما إلا بنكاح جديد ولأنها باعتاقها خرجت عن أن تكون مملوكة فلم يبح
له التسري بها كالحرة الأصلية وأما إذا كانت امرأته فعتقا لم ينفسخ نكاحه بذلك لأنه إذا لم ينفسخ
باعتقاها وحدها فلان لا ينفسخ باعتقاهما معا أولى ويحتمل أن أحمد إنما أراد بقوله انفسخ نكاحها ان لها فسخ
النكاح وهذا تخريج على الرواية التي تقول بان لها الفسخ إذا كان زوجها حرا
(فصل) ويستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فأراد عتقهما البداية بالرجل لئلا يثبت للمرأة خيار
عليه فيفسخ نكاح وقد روى أبو داود والأثرم باسنادهما عن عائشة أنه كان لها غلام وجارية فتزوجا
فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم إني أريد أن أعتقهما فقال لها (فابدئي بالرجل قبل المرأة) وعن صفية بنت أبي عبيد انها
فعلت ذلك وقالت للرجل إني بدأت بعتقك لئلا يكون لها عليك خيار
595

(فصل) إذا عتقت المجنونة والصغيرة فلا خيرا لهما في الحال لأنه لا عقل لهما ولا قول معتبر ولا يملك
وليهما الاختيار عنهما لأن هذا طريقه الشهوة فلا يدخل تحت الولاية كالاقتصاص. فإذا بلغت الصغيرة
وعقلت المجنونة فلهما الخيار حينئذ لكونهما صارتا على صفة لكل منهما حكم وهذا الحكم فيما لو كان
بزوجيهما عيب يوجب الفسخ فإن كان زوجا هما قد وطئاهما فظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار لهما لأن مدة الخيار
انقضت، وعلى قول القاضي وأصحابه لهما الخيار لأنه لا رأي لهما فلا يكون تمكينهما من الوطئ دليلا علي
الرضى بخلاف الكبيرة العاقلة ولا يمنع زوجاهما من وطئهما
(مسألة) قال رحمه الله (فإن كانت لنفسين فاعتق أحدهما فلا خيار لها إذا كان المعتق معسرا)
إنما شرط الاعسار في المعتق لأن الموسر يسري عتقه إلى جميعها حرة ويثبت لها الخيار
والمعسر لا يسري عنقه بل يعتق منها ما أعتق وباقيها رقيق فلا تكمل حريتها فلا يثبت لها الخيار حينئذ
وهذا قول الشافعي، وعن أحمد أن لها الخيار حكاها أبو بكر واختارها لأنها أكمل منه فإنها ترث وتورث
وتحجب بقدر ما فيها من الحرية، ووجه قول الخرقي أنه لا نص في المعتق بعضها ولا هي في معنى الحرة الكاملة
لأنها كاملة الأحكام وأيضا ما علل به أحمد وهو أن العقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه وهذه مختلف فيها
(فصل) ولو زوجه أمة قيمتها عشرة بصداق عشرين ثم أعتقها في مرضه بعد الدخول بها ثم مات
596

ولا يملك غيرها وغير مهرها بعد استيفائه عتقت لأنها تخرج من الثلث ولها الخيار وان لم تكن قبضته عتق ثلثها
في الحال وفي الخيار لها وجهان فكلما اقتضي من مهرها شئ عتق منها بقدر ثلثه فإذا استوفي كله
عتقت كلها ولها الخيار حينئذ عند من لم يثبت لها الخيار قبل ذلك فإن كان زوجها قد وطئها قبل استيفاء
مهرها فقد بطل خيارها عند من جعل لها الخيار حينئذ لأنها أسقطته بتمكينه من وطئها وعلى قول الخرقي
لا يبطل لأنها مكنت منه قبل ثبوت الخيار لها فأشبه ما لو مكنت منه قبل عتقها، فأما ان عتقت قبل
الدخول بها فلا خيار لها على قول الخرقي لأن فسخا النكاح يسقط به صداقها فيعجز الثلث عن كمل
قيمتها فيرق ثلثاها ويسقط خيارها فيفضي اثبات الخيار لها إلى اسقاطه فيسقط وهذا مذهب الشافعي
وعند أبي بكر لها الخيار فعلى قول من أوجب لسيدها نصف المهر فإذا استوفي عتق ثلثاها وعلى قول
من أسقطه يعتق ثلثها
(مسألة) قال (فإن اختارت المقام معه قبل الدخول أو بعده فالمهر للسيد وإن اختارت
فراقه قبل الدخول فلا مهر لها وإن اختارته يعد الدخول فالمهر السيد)
وجملته أن المعتقة إن اختارت المقام مع الزوج قبل الدخول أو بعده أو اختارت الفسخ بعد
الدخول فالمهر واجب لأنه واجب بالعقد فإذا اختارت المقام فلم يوجد له مسقط، وإن فسخت
بعد
597

الدخول فقد استقر بالدخول فلم يسقط بشئ وهو للسيد في الحالين لأنه وجب بالعقد في ملكه
والواجب المسمى في الحالين سواء كان الدخول قبل العتق أو بعده، وقال أصحاب الشافعي إن كان
الدخول قبل العتق أو بعده فالواجب المسمى وإن كان بعده فالواجب مهر المثل لأن الفسخ استند إلى
حالة العتق فصار الوطئ في نكاح فاسد
ولنا أن عقد صحيح فيه مسمى صحيح اتصل به الدخول قبل الفسخ فأوجب المسمى كما لو لم
يفسخ، ولأنه لو وجب بالوطئ بعد الفسخ لكان المهر لها لأنها حرة حينئذ، وقولهم إن الوطئ في نكاح
فاسد غير صحيح فإنه كان صحيحا ولم يوجد ما يفسده ويثبت فيه أحكام الوطئ في النكاح الصحيح
من الاحلال للزوج الأول والاحصان وكونه حلالا، وأما إن اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر
لها نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي. وعن أحمد رواية أخرى للسيد نصف المهر لأنه وجب للسيد
فلا يسقط بفعل غيره
ولنا أن الفرقة جاءت من قبلها فسقط مهرها كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من يفسخ نكاحها
رضاعه، وقوله وجب للسيد قلنا لكن بواسطتها ولهذا سقط نصفه بفسخها وجميعه باسلامها وردتها
(فصل) ولو كانت مفوضة ففرض لها مهر المثل فهو للسيد أيضا لأنه وجب بالعقد في ملكه
لا بالفرض، وكذلك لو مات أحدهما وجب والموت لا يوجب فدل على أنه وجب بالعقد، وإن كان
598

الفسخ قبل الدخول والفرض فلا شئ إلا على الرواية الأخرى ينبغي أن تجب المتعة لأنها تجب بالفرقة
قبل الدخول في موضع لو كان مسمى وجب نصفه
(فصل) فإن طلقها طلاقا بائنا ثم أعتقت فلا خيار لها لأن الفسخ إنما يكون في نكاح ولانكاح
ههنا، وإن كان رجعيا فلها الخيار في العدة لأن نكاحها باق فيمكن فسخه ولها في الفسخ فائدة فإنها
لا نأمن رجعته إذا لم يفسخ فإن قبل فيفسخ حينئذ قلنا إذا تحتاج إلى عدة أخرى وإذا فسخت في عدتها
ثبتت على ما مضى من عدتها ولم تحتج إلى عدة أخرى لأنها معتدة من الطلاق والفسخ لا ينافيها ولا
يقطعها فهو كما لو طلقها طلقة أخرى وينبغي على عدة حرة لأنها عتقت في أثناء العدة وهي رجعية فإن
اختارت المقام بطل خيارها، وقال الشافعي لا يبطل لأنها اختارت المقام مع جريانها إلى البينونة
وذلك ينافي اختيار المقام
ولنا أنها حالة يصح فيها اختيار الفسخ فصح اختيار المقام كصاحب النكاح وإن لم تختر شيئا
لم يسقط خيارها لأنه على التراخي ولان سكوتها لا يدل على رضاها لاحتمال أنه كان لجريانها إلى بينونة
اكتفاء منها بذلك فإن ارتجعها فلها الفسخ حينئذ فإن فسخت ثم عاد فتزوجها بقيت معه بطلقة واحدة
لأن طلاق العبد اثنتان وإن تزوجها بعد أن أعتق رجعت معه على طلقتين لأنه صار حرا فملك ثلاث
طلقات كسائر الأحرار
599

(فصل) فإن طلقها بعد عتقها وقبل اختيارها أو طلق الصغيرة والمجنونة بعد العتق وقع طلاقه وبطل
خيارها لأنه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح صحيح فنفذ كما لو لم يعتق وقال القاضي طلاقه
موقوف فإن اختارت الفسخ لم يقع الطلاق لأن طلاقه يتضمن ابطال حقها من الخيار وان لم تختر
وقع وللشافعي قولان كهذين الوجهين وبنوا عدم الوقوع على أن الفسخ استند إلى حالة العتق فيكون
الطلاق واقعا في نكاح مفسوخ
ولنا انه طلاق من زوج مكلف مختار في نكاح صحيح فوقع كما لو طلقها قبل عتقها أو كما لو لم تختر
وقد ذكرنا أن الفسخ يوجب الفرقة حينئذ ولا يجوز تقديم الفرقة عليه والحكم لا يتقدم سببه ولأن العدة
تبتدأ من حين الفسخ لا من حين العتق وما سبقه من الوطئ وطئ في نكاح صحيح يثبت الاحصان
والاحلال للزوج الأول ولو كان الفسخ سابقا عليه لا انعكست الحال، وقول القاضي انه يبطل حقها من
الفسخ غير صحيح فإن الطلاق يحصل به مقصود الفسخ مع زيادة وجوب نصف المهر وتصير العدة عليها
فإن ابتداءها من حين طلاقه لامن حين فسخه، ثم لو كان مبطلا لحقها لم يقع وإن لم تختر الفسخ كما لو لم يصح
تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار سواء فسخ البائع أو لم يفسخ وهذا فيما إذا كان الطلاق بائنا
فإن كان رجعيا لم يسقط خيارها على ما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا، فعلى قولهم إذا طلقها قبل الدخول
ثم اختارت الفسخ سقط مهرها لأنها بانت بالفسخ وان لم يفسخ فلها نصف الصداق لأنها بانت بالطلاق
600

(فصل) وللمعتقة الفسخ من غير حكم حاكم لأنه مجمع عليه غير مجتهد فيه فلم يفتقر إلى حاكم كالرد
بالعيب في المبيع بخلاف الفسخ في النكاح فإنه مجتهد فيه فافتقر إلى حكم الحاكم كالفسخ للاعسار
(فصل) فإن اختارت المعتقة الفراق كان فسخا ليس بطلاق وبهذا قال أبو حنيفة والثوري
والحسن بن حي والشافعي وذهب مالك والأوزاعي والليث إلى أنه طلاق بائن قال مالك الا أن تطلق
نفسها ثلاثا فتطلق ثلاثا واحتج له بقصة زبراء حين طلقت نفسها ثلاثا فلم يبلغنا ان أحدا من الصحابة
أنكر ذلك، ولأنها تملك الفراق فملكت الطلاق كالرجل
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم (الطلاق لمن أخذ بالساق) ولأنها فرقة من قبل الزوجة فكانت فسخا كما لو
اختلف دينهما أو أرضعت من ينفسخ نكاحها برضاعه، وفعل زبراء ليس بحجة ولم يثبت انتشاره في
الصحابة، فعلى هذا لو قالت اخترت نفسي أو فسخت النكاح انفسخ، ولو قالت طلقت نفسي ونوت
المفارقة كان كناية عن الفسخ لأنه يؤدي إلى معناه فصح كناية عنه كالكناية بالفسخ عن الطلاق
(فصل) وان عتق زوج الأمة لم يثبت له خيار لأن عدم الكمال في الزوجة لا يؤثر في النكاح
وكذلك لا تعتبر الكفاة الا في الرجل دون المرأة، ولو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة لم يثبت له
خيار ولو تزوجت المرأة رجلا مطلقا فبان عبدا كان لها الخيار وكذلك في الاستدامة لكن ان عتق
ووجد الطول لحرة فهل يبطل نكاحه؟ على وجهين تقدم ذكرهما
601

(فصل) وإذا عتقت الأمة فقالت لزوجها زدني في مهري ففعل فالزيادة لها دون سيدها سواء كان
زوجها حرا أو عبدا وسواء عتق معها أو لم يعتق نص عليه أحمد فيما إذا زوج عبده من أمته ثم أعتقا
جميعا فقالت الأمة زدني في مهري فالزيادة للأمة لا للسيد، فقيل أرأيت أن كان الزوج لغير السيد لمن
تكون الزيادة؟ قال للأمة، وعلى قياس هذا لو زوجها سيدها ثم باعها فزادها زوجها في مهرها فالزيادة
للثاني، وقال القاضي الزيادة للسيد المعتق في الموضعين على قياس المذهب لأن من أصلنا ان الزيادة
في الصداق تلحق بالعقد الأول فتكون كالذكورة فيه. والذي قلناه أصح لأن الملك في الزيادة إنما ثبت
حال وجودها بعد زوال ملك سيدها عنها فيكون لها ككسبها والموهوب لها، وقولنا ان الزيادة
تلحق بالعقد معناه انها تلزم ويثبت الملك فيها ويصير الجميع صداقا وليس معناه انا تبينا ان أملك
كان ثابتا فيها وكان لسيدها فإن هذا محال ولان سبب ملك هذه الزيادة وجد بعد العتق فلا يجوز أن
يتقدم الملك عليه لأنه يؤدي إلى تقدم الحكم قبل سببه ولو كان الملك ثابتا للمعتق فيه حين التزويج للزمته
زكاته وكان له نماؤه وهذا أظهر من أن نطيل فيه
(باب اجل العنين والخصي غيرا لمجبوب)
العنين هو العاجز عن الايلاج وهو مأخوذ من عن أي اعترض لأن ذكره يعن إذا أراد ايلاجه أي يعترض
602

والعنن الاعتراض وقيل لأنه يعن لقبل المرأة عن يمينه وشماله ولا يقصده فإذا كان الرجل كذلك فهو
عيب به ويستحق به فسخ النكاح بعد أن تضرب له مدة يختبر فيها ويعلم حاله بها وهذا قول عمر
وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن
دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان وعليه فتوى فقهاء الأمصار منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه
والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو عبيد، وشذ الحكم بن عيينة وداود فقالا لا يؤجل وهي
امرأته، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه لأن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان رفاعة
طلقني فبت طلاقي فتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير وإنما له مثل هدبة لثوب فقال (تريدين أن ترجعي إلى
رفاعة الا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) ولم يضرب له مدة
ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه أجل العنين سنة وروي ذلك الدارقطني باسناده عن عمرو ابن
مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم، ورواه أبو حفص عن علي ولأنه عيب يمنع الوطئ فأثبت
الخيار كالجب في الرجل والرتق في المرأة، فأما الخبر فلا حجة لهم فيه فإن المدة إنما تضرب له مع اعترافه
وطلب المرأة ذلك ولم يوجد واحد منهما، وقد روي أن الرجل أنكر ذلك وقال إني لاعركها عرك
الأديم، وقال ابن عبد البر وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة وصحح ذلك قول
النبي صلى الله عليه وسلم (تريدين أن ترجعي إلى رفاعة) ولو كان قبل طلاقه لما كان ذلك إليها، وقيل إنها ذكرت
603

ضعفه وشبهته بهدية الثوب مبالغة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (حتى تذوقي عسيلته؟ والعاجز
عن الوطئ لا يحصل منه ذلك
(مسألة) قال (وإذا ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها أجل سنة منذ ترافعه
فإن لم يصبها فيها خيرت في المقام معه أو فراقه فإن اختارت فراقه كان ذلك فسخا بلا طلاق)
وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت عجز زوجها عن وطئها لعنة سئل عن ذلك فإن أنكر والمرأة عذراء
فالقول قولها، وان كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه في ظاهر المذهب لأن هذا أمر لا يعلم الامن جهته
والأصل السلامة، وقال القاضي هل يستحلف أولا؟ على وجهين بناء على دعوى الطلاق فإن أقر
بالعجز أو ثبت بينة على اقراره به أو أنكر وطلبت يمينه فنكل ثبت عجزه ويؤجل سنة في قول عامة
أهل العلم وعن الحارث بن ربيعة أنه أجل رجلا عشرة أشهر
ولنا قول من سمينا من الصحابة ولان هذا العجز قد يكون لعنة وقد يكون لمرض فضربت له
سنة لتمر به الفصول الأربعة فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة، وإن كان من رطوبة زال في
فصل الحرارة، وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال فإذا مضت الفصول الأربعة
واختلفت عليه الاهوية فلم تزل علم أنه خلقة وحكي عن أبي عبيد أنه قال أهل الطلب يقولون الداء
604

لا يستمر في البدن أكثر من سنة ثم يظهر، وابتداء السنة منذ ترافعه قال ابن عبد البر على هذا جماعة
القائلين بتأجيله قال معمر في حديث عمر يؤجل سنة من يوم مرافعته فإذا انقضت المدة فلم يطأ فلها
الخيار فإن اختارت الفسخ لم يجز إلا بحكم الحاكم لأنه مختلف فيه فاما أن يفسخ واما أن يرده إليها
فتفسخ هي في قول عامة القائلين به ولا يفسخ حتى تختار الفسخ وتطلبه لأنه لحقها فلا تجبر على
استيفائه كالفسخ باعسار فإذا فسخ فهو فسخ وليس بطلاق وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك
والثوري يفرق الحاكم بينهما وتكون تطليقة لأنه فرقة لعدم الوطئ فكانت طلاقا كفرقة المولي
ولنا ان هذا خيار ثبت لأجل العيب فكان فسخا كفسخ المشتري لأجل العيب
(فصل) فإن اتفقا بعد الفرقة على الرجعة لم يجز إلا بنكاح جديد لأنها قد بانت عنه وانفسخ
النكاح فإذا تزوجها كانت عنده على طلاق ثلاث نص عليه أحمد وذكر أبو بكر فيها قولا ثانيا أنهما
لا يجتمعان أبدا لأنها فرقة تتعلق بحكم الحاكم فحرمت النكاح كفرقة اللعان، والمذهب انها تحل له لأنها
فرقة لأجل العيب فلم تمنع النكاح كفرقة المعتقة والفرقة من سائر العيوب، وأما فرقة اللعان فإنها حصلت
بلعانهما قبل تفريق الحاكم وههنا بخلافه ولان اللعان يحرم المقام على النكاح فمنع ابتداءه ويوجب
الفرقة فمنع الاجتماع وههنا بخلافه ولو رضيت المراة بالمقام أو لم تطلب الفسخ لم يجز الفسخ فيكف
يصح القياس مع هذه الفروق
605

(فصل) ومن علم أن عجزه عن الوطئ لعارض من صغر أو مرض مرجو الزوال لم تضرب
له المدة لأن ذلك عارض يزول والعنة خلقة وجبلة لا تزول وإن كان لكبر أو مرض لا يرجى زواله
ضربت له المدة لأنه في معنى من خلق كذلك، وإن كان لحب أو شلل ثبت الخيار في الحال لأن الوطئ
مأيوس منه ولا معنى لانتظاره، وإن كان قد بقي من الذكر ما يمكن الوطئ به فالأولى ضرب المدة
له لأنه في معنى العنين خلقة، وان اختلف في القدر الباقي هل يمكن الوطئ بمثله أو لا؟ رجع إلى
أهل الخبرة في معرفة ذلك.
(فصل) فأما الخصي فإن الخرقي ذكره في ترجمة الباب ولم يفرده بحكم فظاهر كلامه أنه ألحقه بغيره
في أنه متى لم يصل إليها أجل، وإن وصل إليها فلا خيار لها لأن الوطئ ممكن والاستمتاع حاصل بوطئه
وقد قبل أن وطأه أكثر من وطئ غيره لأنه لا ينزل فيفتر بالانزال وقد ذكرنا اختلاف أصحابنا في ذلك
فيما مضى، ولا فرق بين من قطعت خصيتاه والموجور وهو الذي رضت خصيتاه والمسلول الذي سلت
خصيتاه فإن الحكم في الجميع واحد فإنه لا ينزل ولا يولد له
606

(مسألة) قال (وإن قال قد علمت اني عنين قبل أن أنكحها فإن أقرت أو ثبت ببينة
فلا يؤجل وهي امرأته)
وجملة ذلك أن المرأة إذا علمت عنة الرجل وقت العقد مثل أن يعلمها بعنته أو تضرب له المدة
وهي امرأته فينفسخ النكاح ثم يتزوجها ونحو ذلك لم تضرب له المدة وهي امرأته في قول أكثر أهل
العلم منهم عطاء والثوري وابن القاسم وأصحاب الرأي وهو قول الشافعي القديم وقال في الجديد يؤجل
لأنه قد يكون عنينا في نكاح دون نكاح
ولنا أنها رضيت بالعيب ودخلت في العقد عالمة به فلم يثبت لها خيار كما لو علمته مجبوبا ولأنها
لو رضيت به بعد العقد أو بعد المدة لم يكن لها فسخ فكذلك إذا رضيت به في العقد كسائر العيوب،
ولو أنها رضيت بالمقام معه ثم طلقها ثم ارتجعها لم يثبت لها لمطالبة كذا ههنا، وقولهم إنها تكون في
607

نكاح دون نكاح احتمال بعيد فإن العنة جبلة وخلفة لا نتغير ظاهرا ولذلك ثبت لها الفسخ بعد المدة
فإن ادعى عليها العلم بعنته فأنكرته فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم العلم، وإن أقرت أو ثبتت
ببينة ثبت نكاحها وبطل خيارها
(مسألة) قال (وان علمت أنه عنين بعد الدخول فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد
فلها ذلك ويؤجل سنة من يوم ترافعه)
لا نعلم في هذا اختلافا وذلك لأن سكوتها بعد العقد ليس بدليل على الرضى لأنه زمن لا تملك
فيه الفسخ ولا الامتناع من استمتاعه فلم يكن سكوتها مسقطا لحقها كسكوتها بعد ضرب المدة وقبل
انقضائها ولو سكتت بعد المدة لم يبطل خيارها أيضا لأن الخيار لا يثبت إلا بعد رفعه إلى الحاكم وثبوت
عجزه فلا يضر السكوت قبله.
608

(مسألة) قال (وان قالت في وقت من الأوقات قد رضيت به عنينا لم يكن
لها المطالبة بعد)
وجملة الامر انها متى رضيت به عنينا بطل خيارها سواء قالت عقيب العقد أو بعد ضرب المدة
أو بعد انقضائها ولا نعلم في بطلان خيارها بقولها ذلك بعد انقضاء المدة خلافا فأما قبلها فإن الشافعي
قال في الجديد لا يبطل خيارها لأن حقها في الفسخ إنما يثبت بعد انقضاء المدة فلم يصح اسقاطه قبلها
كالشفيع يسقط حقه قبل البيع
ولنا أنها رضيت بالعيب بعد العقد فسقط خيارها كسائر العيوب وكما بعد انقضاء المدة وما
ذكروه غير صحيح فإن العنة التي هي سبب الفسخ موجودة وإنما المدة وجودها ويتحقق علمها
فهي كالبينة في سائر العيوب (1) ويفارق الشفعة فإن سببها البيع ولم يوجد بعد، فإن قيل فلو رضيت المرأة

(1) في نسخة العقود
609

بالاعسار ثم اختارت الفسخ ملكته، ولو آلى منها فرضيت بالمقام معه ثم طالبت بالعنة كان لها ذلك،
قلنا الفرق بينهما أن النفقة يتجدد وجوبها كل يوم فإذا رضيت باسقاط ما يجب لها في المستقبل لم يسقط
لأنها أسقطته قبل وجوبه فأشبه اسقاط الشفعة قبل البيع بخلاف العيب ولان الاعسار يعقبه اليسار
فترضى بالمقام رجاء ذلك وكذلك المولي يجوز أن يكفر عن يمينه ويطأ فإذا لم يوجد ذلك ثبت لها الخيار
فأما العنين إذا رضيته فقد رضيت بالعجز من طريق الخلقة وهو معنى لا يزول في العادة فافترقا
(مسألة) قال (وان اعترفت أنه قد وصل إليها مرة بطل أن يكون عنينا)
أكثر أهل العلم على هذا يقولون متى وطئ امرأته مرة ثم ادعت عجزه لم تسمع دعواها ولم
تضرب له مدة منهم عطاء وطاوس والحسن ويحيى الأنصاري والزهري وعمرو بن دينار وقتادة وابن
هاشم ومالك والأوزاعي الشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال أبو ثور ان عجز عن
عن وطئها أجل لها لأنه عجز عن وطئها فيثبت حقها كما لوجب بعد الوطئ.
610

ولنا أنه قد تحققت قدرته على الوطئ في هذا النكاح وزوال عنته فلم تضرب له مدة كما لو لم
يعجز ولان حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة تثبت بوطئ واحد وقد وجد واما الجب فإنه
يتحقق به العجز فافترقا
(فصل) والوطئ الذي يخرج به عن العنة هو تغييب الحشفة في الفرج لأن الأحكام المتعلقة
بالوطئ تتعلق بتغييب الحشفة فكان وطأ صحيحا فإن كان الذكر مقطوع الحشفة ففيه وجهان (أحدهما)
لا يخرج عن العنة الا بتغييب جميع الباقي لأنه لاحد ههنا يمكن اعتباره فاعتبر تغييب جميعه ولأنه
المعنى الذي يتحقق به حصول حكم الوطئ (والثاني) يعتبر تغييب قدر الحشفة ليكون ما يجزئ من المقطوع
مثل ما يجزئ من الصحيح وللشافعي قولان كهذين
(فصل) ولا يخرج عن العنة بالوطئ في الدبر لأنه ليس بمحل للوطئ فأشبه الوطئ فيما دون الفرج ولذلك لا يتعلق به الاحلال للزوج الأول ولا الاحصان، وان وطئها في القبل حائضا أو نفساء
611

أو محرمة أو صائمة خرج عن العنة، وذكر القاضي أن قياس المذهب أن لا تخرج من العنة لنص احمد
على أنه لا يصحل به الاحصان والإباحة للزوج الأول ولأنه وطئ محرم أشبه الوطئ في الدبر
ولنا أنه وطئ في محل الوطئ فخرج به عن العنة كما لو وطئها وهي مريضة يضرها الوطئ ولان
العنة العجز عن الوطئ ولا يبقي مع وجود الوطئ فإن العجز ضد القدرة فلا يبقى مع وجود ضده،
وما ذكروه غير صحيح لأن تلك أحكام يجوز أن تبقى مع وجود سببها لمانع أو لفوات شرط والعنة في
نفسها أمر حقيقي لا يتصور بقاؤه مع انتفائه، فاما الوط في الدبر فليس بوطئ في محله بخلاف مسئلتنا، وقد
اختار ابن عقيل أنه تنتفي به العنة لأنه أصعب فمن قدر عليه فهو على غيره أقدر
(فصل) وان وطئ امرأة لم يخرج به عن العنة في حق غيرها، واختار ابن عقيل أنه يخرج عن
العنة في حق جميع النساء ولا تسمع دعواها عليه منها ولامن غيرها وهذا مقتضى قول أبي بكر وقول كل من
قال إنه يختبر بتزويج امرأة أخرى ويحكى ذلك عن سمرة وعن عمر بن عبد العزيز وذلك لأن العنة خلقة وجبلة
لا تتغير بتغيير النساء فإذا انتفت في حق امرأة لم تبق في حق غيرها
612

ولنا أن حكم كل امرأة معتبر بنفسها ولذلك لو ثبتت عنته في حقهن فرضي بعضهن سقط حقها
وحدها دون الباقيات ولان الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن وطئها وهو ثابت في حقها لا يزول
بوطئ غيرها، وقوله كيف يصح عجزه عن واحدة دون أخرى؟ قلنا قد تنهض شهوته في حق إحداهما
لفرط حبه إياها وميله إليها واختصاصها بجمال وجهها دون الأخرى، فعلى هذا لو تزوج امرأة فأصابها
ثم أبانها ثم تزوجها فعن عنها فلها المطالبة لأنه إذا جاز أن يعن عن امرأة دون أخرى ففي نكاح دون نكاح
أولى وعلى قول أبي بكر ومن وافقه لا يصح هذا بل متى وطئ مرة لم تثبت عنته أبدا
(مسألة) (وان جب قبل الحول فلها الخيار في وقتها)
كأن الخرقي أراد إذا ضربت له المدة فلم يصبها حتى جب ثبت لها الخيار في الحال لأننا ننتظر
الحول لنعلم عجزه، وقد علمناه ههنا يقينا فلا حاجة إلى الانتظار. قال القاضي ويلزم على هذا أن سائر
613

العيوب الحادثة بعد العقد بثبت بها الخيار فإن الخيار ههنا إنما يثبت بالجب الحادث ولولاه لم يثبت
الفسخ لأننا لم نتيقن عنته والجب حادث فلما ثبت الفسخ به علم أنه إنما استحق بالعيب الحادث، وفي
بعض النسخ قبل الدخول ومعناهما واحد ويحتمل أنه إنما استحق الفسخ ههنا بالجب الحادث لأنه متضمن
مقصود العنة في العجز عن الوطئ ومحقق للمعنى الذي ادعته المرأة بخلاف غيره من العيوب والله أعلم
(مسألة) قال (وان زعم أنه قد وصل إليها وادعت أنها عذراء أريت النساء الثقات
فإن شهدن بما قالت أجل سنة)
وجملته أن المرأة إذا ادعت عنة زوجها فزعم أنه وطئها وقالت إنها عذراء أريت النساء فإن شهدن
بعذرتها فالقول قولها ويؤجل وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وإنما كان كذلك
لأن الوطئ يزيل عذرتها فوجودها يدل على عدم الوطئ فإن ادعى ان عذرتها عادت بعد الوطئ فالقول
614

قولها لأن هذا بعيد جدا، وإن كان متصور وهل تستحلف المرأة؟ يحتمل وجهين (أحدهما) تستحلف
لإزالة هذا الاحتمال كما يستحلف سائر من قلنا القول قوله (والآخر) لا تستحلف لأن ما يبعد
جدا لا التفات إليه لاحتمال كذب البينة العادلة وكذب المقر في إقراره، وهل يقبل قول المرأة واحدة؟
على روايتين، وهذا الذي ذكره الخرقي فيما إذا اختلفا في ابتداء الامر قبل ضرب الاجل فإن اختلفا
في ذلك بعد ضرب المدة وشهد النساء بعذرتها لم تنقطع المدة وإن كان بعد انقضاء المدة فحكمه كحكم
من اعترف انه لم يطأها، وفي كل موضع شهد النساء بزوال عذرتها فالقول قوله فيسقط حكم قولها لأنه
تبيين كذبها، وان ادعت أن عذرتها زالت بسب آخر فالقول قوله لأن الأصل عدم الأسباب
615

(مسألة) قال (وان كانت ثيبا وادعى انه يصل إليها أخلي معها في بيت وقيل له
أخرج ماءك على شئ فإن ادعت انه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني وبطل قولها
، وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى ان القول قوله مع يمينه)
اختلفت الرواية عن أبي عبد الله رحمه الله في هذه المسألة فحكى الخرقي فيها روايتين (إحداهما) انه
يخلى معها ويقال أخرج ماءك على شئ فإن أخرجه فالقول قوله لأن العنين يضعف على الانزال فإذا
أنزل تبينا صدقه فنحكم به وهذا مذهب عطاء، فإن ادعت انه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو
مني لأنه شبيه ببياض البيض وذاك إذا وضع على النار تجمع ويبس وهذا يذوب فيتميز بذلك أحدهما
من الآخر فيختبر به، وعلى هذا متى عجز عن إخراج مائه فالقول قول المرأة لأن الظاهر معها
(والرواية الثانية) القول قول الرجل مع يمينه وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب
616

الرأي وابن المنذر لأن هذا مما يتعذر إقامة البينة عليه وجنبته أقوى فإن دعواه سلامة العقد وسلامة
نفسه من العيوب والأصل السلامة كفان القول قوله كالمنكر في سائر الدعاوي وعليه اليمين على صحة
ما قال وهذا قول من سمينا ههنا لأن قوله محتمل للكذب فقو بنا قول بيمينه كما في سائر الدعاوى
الذي يستحلف فيها فإن نكل قضي عليه بنكوله، ويدل على وجو ب اليمين عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم
(ولكن اليمين على المدعى عليه)
قال القاضي ويتخرج أن لا يستحلف بناء على إنكاره دعوى الطلاق فإن فيها روايتين كذا
ههنا، والصحيح ما قال الخرقي لدلالة الخبر والمعنى عليه، وروي عن أحمد رواية ثالثة ان القول قول
المرأة مع يمينها حكاها القاضي في المجرد لأن الأصل عدم الإصابة فكان القول قولها لأن قولها موافق
للأصل واليقين معها، وفي كل موضع حكمنا بوطئه بطل حكم بمنته فإن كان في ابتداء الامر لم تضرب له
617

مدة وإن كان بعد ضرب المدة انقطعت وإن كان بعد انقضائها لم يثبت لها خيار، وكل موضع حكمنا بعدم
الوطئ منه ثبت حكم عنته كما لو أقربها، واختار أبو بكر انه يزوج امرأة لها حظ من الجمال وتعطى
صداقها من بيت المال ويخلى معها وتسئل عنه ويؤخذ بما تقول فإن أخبرت انه يطأ كذبت الأولى، والثانية
بالخيار بين الإقامة والفسخ وصداقها من بيت المال وان كذبته فرق بينه وبينهما وصداق الثانية، من ماله ههنا
لما روي أن امرأة جاءت إلى سمرة فشكت إليه انه لا يصل إليها زوجها فكتب إلى معاوية فكتب إليه:
أن زوجه بامرأة ذات جمال يذكر عنها الصلاح وسق إليها المرة من بيت المال عنه فإن أصابها فقد
كذبت وان لم يصبها فقد صدقت ففعل ذلك سمرة فجاءت المرأة فقالت ليس عنده شئ ففرق بينهما
وقال الأوزاعي: يشهده امرأتان ويترك بينهما ثوب ويجامع امرأته فإذا قام عنها نظرتا إلى فرجهما
فإن كان فيه رطوبة الماء فقد صدق والا فلا، وحكي عن مالك مثل ذلك الا انه اكتفي بواحدة
والصحيح ان القول قوله كما لو ادعى الوطئ في الايلاء ولما قدمنا واعتبار خروج الماء ضعيف لأنه قد
618

يطأ ولا ينزل وقد ينزل من غير وط فإن ضعف الذكر لا يمنع سلامة الظهر ونزول الماء وقد يعجز
السليم القادر عن الوطئ في بعض الأحوال، وليس كل من عجز عن الوطئ في حال من الأحوال أو وقت
من الأوقات يكون عنينا، ولذلك جعلنا مدته سنة، وتزوجه بامرأة ثانية لا يصح لذلك أيضا ولأنه
قد يعن عن امرأة دون أخرى، ولان نكاح الثانية إن كان مؤقتا أو غير لازم فهو نكاح باطل
والوطئ فيه حرام وإن كان صحيحا لازما ففيه إضرار بالثانية ولا ينبغي أن يقبل قولها لأنها تريد
بذلك تخليص نفسها فهي متهمة فيه وليست بأحق أن يقبل قولها من الأولى، ولان الرجل لو أقر
بالعجز عن الوطئ في يوم أو شهر لم تثبت عنته بذلك، وأكثر ما في الذي ذكروه ان يثبت عجزه عن الوطئ
في اليوم الذي اختبروه فيه فإذا لم تثبت عنته باقراره بعجزه فلان لا تثبت بدعوى غيره ذلك عليه أولى
(مسألة) قال (وإذا قال الخنثى المشكل أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء ولم يكن له
أن ينكح بغير ذلك بعد وكذلك لو سبق فقال أنا امرأة لم ينكح إلا رجلا)
والخنثى هو الذي في قبله فرجان: ذكر رجل وفرج امرأة لا يخلو من أن يكون ذكرا أو أنثى،
قال الله تعالى (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) وقال تعالى (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء)
619

فليس ثم خلق ثالث، ولا يخلو الخنثى من أن يكون مشكلا أو غير مشكل فإن لم يكن مشكلا بأن تظهر
فيه علامات الرجال فهو رجل له أحكام الرجال أو تظهر فيه علامات النساء فهو امرأة له أحكامهن، وإن
كان مشكلا فلم تظهر فيه علامات الرجال ولا النساء فاختلف أصحابنا في نكاحه فذكر الخرقي أنه يرجع
إلى قوله فإن ذكر أنه رجل وأنه يميل طبعه إلى نكاح النساء فله نكاحهن، وإن ذكر أنه امرأة يميل طبعه
إلى الرجال زوج رجلا لأنه معنى لا يتوصل إليه إلا من جهته وليس فيه إيجاب حق على غيره فقبل
قوله فيه كما يقبل قول المرأة في حيضها وعدتها، وقد يعرف نفسه بميل طبعه إلى أحد الصنفين وشهوته
له فإن الله تعالى أجرى العادة في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى وميلها إليه وهذا الميل أمر في النفس
والشهوة لا يطلع عليه غيره وقد تعذرت علينا معرفة علاماته الظاهرة فرجع فيه إلى الأمور الباطنة فيما
يختص هو بحكمه.
وأما الميراث والدية فإن أقر على نفسه بما يقلل ميراثه أو ديته قبل منه، وإن ادعى ما يزيد ذلك
لم يقبل لأنه متهم فيه فلا يقبل قوله على غيره، وما كان من عباداته وسترته وغير ذلك فينبغي أن يقبل
قوله فيه لأنه حكم بينه وبين الله تعالى قال القاضي ويقبل قوله في الإمامة وولاية النكاح ومالا يثبت
حقا على غيره، وإذا زوج امرأة أو رجلا ثم عاد فقال خلاف قوله الأول لم يقبل في التزويج بغير
الجنس الذي زوجه أو لا لأنه مكذب لنفسه ومدع ما يوجب الجمع بين تزويج الرجال والنساء
620

لكن ان تزوج امرأة ثم قال أنا امرأة انفسخ نكاحه لاقراره ببطلانه ولا يقبل قوله في سقوط
المهر عنه، وإن تزوج رجلا وقال أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ نكاحه لأن الحق عليه وهذا قول
الشافعي، وقال أبو بكر لا يجوز أن يتزوج حتى يبين أمره وذكره نصا عن أحمد في رواية الميموني
وهذا الذي ذكره أبو إسحاق مذهبا للشافعي وذلك لأنه لم يتحقق وجود ما يبيح له النكاح فلم يبح له
كما لو اشتبهت عليه أخته بنسوة وكما لو لم يقل انى رجل ولا امرأة ولان قوله لا يرجع إليه في شئ من
أحكامه من الميراث والدية وغيرهما في نكاحه ولأنه لا يعرف نفسه كما لا يعرفه غيره ولأنه قد اشتبه
المباح بالمحظور في حقه فحرم كما ذكرناه
(مسألة) قال (وإذا أصاب الرجل أو أصيبت المرأة بعد الحرية والبلوغ بنكاح
صحيح وليس واحد منهما بزائل العقل رجما إذا زنيا والمسلم والكافر الحران فيما وصفت سواء)
ذكر الخرقي رحمه الله في هذا الباب شرائط الاحصان ونحن نؤخره إلى الحدود فإنه أخص به والله أعلم
(تم بحمد الله وعونه الجزء السابع من كتاب المغني)
(ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء الثامن منهما وأوله (كتاب الصداق)
621