الكتاب: المحلى
المؤلف: ابن حزم
الجزء: ٧
الوفاة: ٤٥٦
المجموعة: فقه المذهب الظاهري
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات: طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر

المحلى
تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الأصولي، قوي العارضة
شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف
الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والأصول
والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الأندلس
أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
المتوفى سنة 456 ه‍
طبعة مصححة ومقابلة
على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة
كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ
الشيخ أحمد محمد شاكر
الجزء السابع
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
775 - مسألة - ومن مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان، أو نذر،
أو كفارة واجبة ففرض على أوليائه ان يصوموه (1) عنه هم أو بعضهم، ولا اطعام في
ذلك أصلا أوصى به أو لم يوص به، فإن لم يكن له ولى استؤجر عنه من رأس ماله من
أيصومه عنه ولابد أوصى بكل ذلك أو لم يوص، وهو مقدم على ديون الناس، وهو قول
أبي ثور، وأبي سليمان، وغيرهما.
وقال أبو حنيفة، ومالك: ان أوصى ان يطعم عنه أطعم عنه (2) مكان كل يوم
مسكين وان لم يوص بذلك فلا شئ عليه (3)، والاطعام عند مالك في ذلك مد مد،
وعند أبي حنيفة صاع من غير البر لكل مسكين، ونصف صاع من البر أو دقيقه.
وقال الليث كما قلنا، وهو قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه في النذر خاصة.
قال أبو محمد: قال الله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) * نا عبد الله بن
يوسف، وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال عبد الله: نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب
ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن سعيد
الأيلي، وأحمد بن عيسى نا ابن وهب وقال عبد الرحمن: نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري
نا البخاري نا محمد بن موسى بن أعين (4) نا أبى، ثم اتفق موسى وابن وهب كلاهما عن
عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة
عن عائشة أم المؤمنين (5) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) *
وبه إلى مسلم.

(1) في النسخة رقم (16) (ان يصوموا عنه)
(2) لفظ (عنه) زيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (فيه)
(4) في النسخة رقم (16) (ابن أيمن) وهو غلط
(5) لفظ أم المؤمنين) ليس موجودا في البخاري (ج 3 ص 79) وصحيح مسلم (ج 1 ص 315)
2

نا أبو سعيد الأشج نا أبو خالد الأحمر نا الأعمش عن سلمة بن كهيل، والحكم
ابن عتيبة، ومسلم البطين عن سعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد عن ابن عباس ان سائلا
سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن (1) أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ (2) قال: نعم قال:
فدين الله أحق ان يقضى).
قال أبو محمد: سمعه الأعمش من مسلم البطين، ومن الحكم، ومن سلمة، وسمعه الحكم،
وسلمة من مجاهد * وبه إلى مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وعلي بن حجر
السعدي قال أبو بكر: نا عبد الله بن نمير، وقال عبد: نا عبد الرزاق انا سفيان الثوري،
وقال علي بن حجر: نا علي بن مسهر، ثم اتفق ابن نمير، وسفيان، وعلي بن مسهر
كلهم عن عبد الله بن عطاء المكي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: بينما (3) انا جالس
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وانها ماتت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت: يا رسول الله
انه كان عليها صوم شهر أفا صوم عنها؟ قال: صومي عنها قالت: إنها لم تحج قط أفأحج
عنها؟ قال: حجى عنها) قال ابن نمير في روايته: شهرين، واتفقوا على (4) كل ما عدا ذلك
قال أبو محمد: فهذا القرآن، والسنن المتواترة المتظاهرة التي لا تحل خلافها، وكلهم
يقول: يحج عن الميت ان أوصى بذلك ثم لا يرون ان يصام عنه وان أوصى بذلك،
وكلاهما عمل بدن، وللمال في اصلاح ما فسد منهما مدخل بالهدى، وبالاطعام، وبالعتق،
فلا القرآن اتبعوا، ولا بالسنن (5) أخذوا، ولا القياس عرفوا، وشغبوا في ذلك بأشياء،
منها انهم ذكروا قول الله تعالى: (وأن ليس للانسان الا ما سعى) وذكروا قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الميت انقطع عمله الا من ثلاث علم علمه، أو صدقة جارية،
أو ولد صالح يدعو له)، وبأثر رويناه من طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى
عن الحجاج بن أرطاة عن عبادة بن نسي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مرض في
رمضان فلم يزل مريضا حتى مات لم يطعم عنه وان صح فلم يقضه حتى مات أطعم عنه)
وقال بعضهم: قد روى عن عائشة وابن عباس وهما رويا الحديث المذكور انهما لم
يريا الصيام عن الميت كما رويتم من طريق ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن

(1) لفظ (ان) سقط من النسخة رقم (14) وهو موجود في صحيح مسلم ج 1 ص (315)
(2) لفظ (عنها) زيادة من صحيح مسلم
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 316 (بينا) بدل (بينما) زيدت ما للاشباع
(4) في النسخة رقم (16) (في) بدل (على)
(5) في النسخة رقم (16) (السنن) باسقاط حرف الجر
3

عبد العزيز بن رفيع عن امرأة منهم اسمها عمرة ان أمها ماتت وعليها من رمضان فقالت
لعائشة: أقضيه عنها؟ قالت: لابل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين،
وإذا ترك الصاحب الخبر (1) الذي روى فهو دليل على على نسخه لا يجوز أن يظن به غير ذلك،
إذا لو تعمد ترك ما رواه (2) لكانت جرحة فيه، وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك، وقالوا:
لا يصام عنه كما لا يصلى عنه
قال أبو محمد: هذا كل ما موهوا به، وهو كله لا حجة لهم في شئ منه، أما قول الله
تعالى: (وأن ليس للانسان الا ما سعى) فحق (3) الا ان الذي انزل هذا هو الذي أنزل
(من بعد وصية يوصى بها أو دين) وهو الذي قال لرسوله: صلى الله عليه وسلم (لتبين للناس ما نزل
إليهم) وهو الذي قال: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) فصح انه ليس للانسان الا
ما سعى، وما حكم الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ان له من سعى غيره عنه، والصوم عنه
من جملة ذلك، والعجب أنهم نسوا أنفسهم في الاحتجاج بهذه الآية فقالوا: إن حج عن
الميت أو أعتق عنه أو تصدق عنه فأجر كل ذلك له ولا حق به فظهر تناقضهم
فان قال منهم قائل: إنما يحج عنه إذا أوصى بذلك لأنه داخل فيما سعى قلنا له:
فقولوا: بان يصام عنه كما إذا أوصى بذلك لأنه داخل فيما سعى، فان قالوا: للمال في الحج
مدخل في جبر ما نقص منه قلنا: وللمال في الصوم مدخل في جبر ما نقص منه بالعتق والاطعام،
وكل هذا منهم تخليط، وتناقض، وشرع في الدين لم (4) يأذن به الله تعالى، وهم يجيزون
العتق عنه، والصدقة عنه وان لم يوص بذلك فبطل تمويههم بهذه الآية
وأما اخباره عليه السلام بان عمل الميت ينقطع الا من ثلاث فصحيح، والعجب
انهم لم (5) يخافوا الفضيحة في احتجاجهم به (6)، وليت شعري من قال لهم: ان صوم
الولي عن الميت هو عمل الميت حتى يأتوا بهذا الخبر الذي ليس فيه الا انقطاع عمل
الميت فقط، وليس فيه انقطاع عمل غيره عنه أصلا، ولا المنع من ذلك، فظهر قبح
تمويههم في الاحتجاج بهذا الخبر جملة
وأما حديث عبد الرزاق فلا تحل رواية الا على سبيل بيان فسادها لعلل ثلاث
فيه، إحداها انه مرسل، والثانية ان فيه الحجاج به أرطاة وهو ساقط، والثالثة ان
فيه إبراهيم بن أبي يحيى وهو كذاب، ثم لو صح لكان عليهم لا لهم لان فيه ايجاب

(1) في النسخة رقم (14) (الحديث) بدل (الخبر)
(2) في النسخة رقم (14) (ترك ما روى)
(3) في النسخة رقم (14) (فهو حق)
(4) في النسخة رقم (14) (ما لم يأذن) ولا معنى لزيادة (ما)
(5) في النسخة رقم (16) (والعجب إذ)
(6) لفظ (به) زيادة من النسخة رقم (14)
4

الاطعام عنه ان صح بعد ان مرض، والحنيفيون، والمالكيون لا يقولون: بذلك الا ان
يوصى بذلك وإلا فلا
فان قالوا: معنى ذلك ان أوصى به قلنا: كذبتم وزدتم في الخبر خلاف ما فيه لان
فيه (إن مات ولم يصح لم يطعم عنه) فلو أراد الا ان يوصى بذلك لما كان لتفريقه بين
تمادى مرضه حتى يموت فلا يطعم عنه وبين صحته بين مرضه وموته فيطعم عنه، لأنه
ان أوصى بالاطعام عنه وان لم يصح أطعم عنه عندهم فبطل تمويههم بهذا الخبر الهالك
وعاد حجة عليهم
وأما تمويههم بان عائشة، وابن عباس رويا الخبر وتركاه فقول فاسد لوجوه
أحدها انه لا يجوز ما قالوا لان الله تعالى إنما افترض علينا اتباع رواية الصاحب
عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفترض علينا قط اتباع رأى أحدهم (1)
والثاني أنه قد يترك الصاحب اتباع (2) ما روى لوجوه غير تعمد المعصية، وهي ان
يتأول فيما (3) روى تأويلا ما اجتهد فيه فأخطأ فأجر مرة، أو أن يكون نسي ما روى
فأفتى بخلافه، أو أن تكون الرواية عنه بخلافه وهما ممن روى ذلك عن الصاحب، فإذ
كل ذلك ممكن فلا يحل ترك ما افترض علينا اتباعه من سنن رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم لما لم
يأمرنا باتباعه لو لم يكن فيه هذه العلل فكيف وكلها (5) ممكن فيه؟، ولا معنى لقول من
قال: هذا دليل على نسخ الخبر لأنه يعارض بان يقال: كون ذلك الخبر عند ذلك
الصاحب دليل على ضعف الرواية عنه بخلافه، أو لعله قد رجع عن ذلك
والثالث انهم إنما يحتجون بهذه الجملة إذا وافقت تقليد أبي حنيفة، ومالك،
والشافعي وأما إذا خالف قول الصاحب رأى أحد ممن ذكرنا فأهون شئ عندهم اطراح
رأى الصاحب والتعلق بروايته، وهذا فعل يدل على رقة الدين وقلة الورع
فمن ذلك أن عائشة رضى الله تعالى عنها (6) روت (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فلما
هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على الحالة الأولى)، ثم روى
عنها من أصح طريق (7) الاتمام في السفر، فتعلق الحنيفيون والمالكيون بروايتها وتركوا
رأيها إذا خالفت فيه ماروت، وهي التي روت (أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها

(1) في النسخة رقم (16) (اتباع رأى أحد)
(2) لفظ (اتباع) سقط من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (يتأول ما روى)
(4) في النسخة رقم (14) (من سنة رسوله)
(5) في النسخة رقم (14) (وكل هذا)
(6) زيادة (رضى الله تعالى عنها) من النسخة رقم (16)
(7) في النسخة رقم (16) (من أصح الطرق
5

فنكاحها باطل)، ثم أنكحت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير وأبوها غائب
بالشام بغير اذنه، وانكر ذلك إذا بلغه أشد الانكار فخالفوا رأيها واتبعوا روايتها،
وهي التي روت التحريم بلبن الفحل ثم كانت لا تدخل عليها من أرضعه نساء أخوتها
وتدخل عليها من أرضعه بنات أخواتها فتركوا رأيها واتبعوا روايتها وروى أبو هريرة
من طريق لا تصح عنه ايجاب القضاء على من تعمد الفطر في نهار رمضان، وصح عنه انه
لا يجزئه صيام الدهر (1) وإن صامه (2) وانه لا يقضيه، فتركوا الثابت من رأيه
للهالك من روايته. وروى أبو هريرة في البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، ثم
روينا عنه من طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية -
عن هشام الدستوائي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة ماء ان لا يجزئان من غسل
الجنابة ماء البحر وماء الحمام. وروى عن ابن عباس في صدقة الفطر (مدان من قمح)
من طريق لا تصح، وصح عنه من رأيه (3) صاع من بر في صدقة الفطر فترك الحنيفيون
رأيه لروايته، وهذا كثير منهم جدا (4)، وفيما ذكرنا كفاية تحقق تلاعب القوم بدينهم.
والرابع ان نقول: (5) لعل الذي روى عن عائشة فيه الاطعام كان لم يصح (6) حتى ماتت
فلا صوم عليها.
والخامس انه قد روى عن ابن عباس الفتيا بما روى من الصوم عن الميت كما نذكر
بعد هذا إن شاء الله تعالى، فصح انه قد (7) نسي، أو غير ذلك مما الله تعالى أعلم به
ممن (8) لم نكلفه، وقد جاء عن السلف في هذا أقوال.
روينا عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي يزيد المدني ان رجلا قال لأخيه
عند موته: ان على رمضانين لم أصمهما فسأل اخوه ابن عمر فقال: بدنتان مقلدتان، ثم
سأل ابن عباس؟ فقال ابن عباس: يرحم الله أبا عبد الرحمن ما شأن البدن وشأن الصوم!،
أطعم عن أخيك ستين مسكينا.
قال أبو محمد: ان لم يكن قول ابن عمر في البدنتين حجة فليس قول ابن عباس في
الاطعام حجة ولافرق، ولعل هذا لم يكن مطيقا للصوم، أو لعل ذينك الرمضانين كانا
عن تعمد فلا قضاء في ذلك. وروينا من طريق سليمان التيمي أن عمر بن الخطاب قال:

(1) في النسخة رقم (14) (صوم الدهر)
(2) في النسخة رقم (16) (ولو صامه)
(3) في النسخة رقم (16) (من روايته) وهو غلط
(4) في النسخة رقم (16) (وهذا منهم كبير جدا)
(5) في النسخة رقم (16) (يقول) بحذف (ان) وهو غلط
(6) كذا في الأصول والمعنى ظاهر والتركيب غير حسن
(7) لفظ (قد) زيادة من النسخة رقم (14)
(8) في النسخة رقم (16) (مما) وهو خطأ
6

إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان أطعم عنه مكان كل يوم نصف صاع من بر.
ومن طريق صحيحة عن ابن عباس ان مات الذي عليه صوم ولم يصح قبل موته ليس عليه
شئ فان صح أطعم عنه عن كل يوم نصف صاع حنطة. وعن الحسن ان لم يصبح
حتى مات فلا شئ عليه فان صح فلم يقض صومه حتى مات أطعم عنه عن كل يوم
مكوك (1) من بر، ومكوك من تمر. وروى أيضا عن طائفة مد عن كل يوم، وقد
جاء عن الحسن لا إطعام في ذلك ولا صيام، وأيضا فان احتجاج المالكيين، والشافعيين
بترك عائشة، وابن عباس للخبر المذكور هو حجة عليهم لأنهم خالفوا عائشة (2) في
هذا الخبر نفسه في قولها (3) ان يطعم عن كل يوم نصف صاع لمسكين وهم لا يقولون:
بهذا، فإن كان ترك عائشة للخبر حجة فقولها في نصف صاع حجة، وان لم يكن قولها
في نصف صاع حجة فليس تركها للخبر حجة، فظهر انهم إنما (4) يحتجون من قول
الصاحب بما وافق تقليدهم فقط، فإذا خالف من قلدوه هان عليهم خلاف الصاحب، وهذا
دليل سوء نعوذ بالله منه.
وأما قول أحمد فروينا من طريق أبي ثور نا عبد الوهاب - هو ابن عطاء - عن سعيد
ابن أبي عروبة، وروح بن القاسم عن علي بن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس
أنه قال فيمن مات وعليه رمضان ونذر شهر: يطعم عنه مكان كل يوم مسكين (5)
ويصوم عنه وليه نذره.
ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن علي بن الحكم البناني عن ميمون بن
مهران عن ابن عباس سئل عن رجل مات وعليه رمضان وصوم شهر فقال: يطعم عنه
لرمضان ويصام عنه النذر، وهذا اسناد صحيح، فإن كان ترك ابن عباس لما ترك من
الخبر حجة فاخذه بما اخذ منه حجة، وان لم يكن اخذه بما اخذ به حجة فتركه ما ترك
ليس بحجة (6)، وما عدا هذا فتلاعب بالدين.
وأما قولنا فروينا من طريق أبي ثور نا عبد الوهاب عن سعيد بن أبي عروبة قال:
حدثوني عن قتادة عن سعيد بن المسيب: أنه قال فيمن مات وعليه رمضان: ان لم يجدوا
ما يطعم عنه (7) صامه عنه وليه وهو قول الأوزاعي * ومن طريق عبد الرزاق عن

(1) هو بفتح الميم وضم الكاف اسم للمكيال ويختلف مقدار مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد
اه نهاية
(2) في النسخة رقم (16) (لأنهم خالفوهما) وما هنا أصح بدليل قوله بعد (فإن كان ترك عائشة للخبر حجة)
الخ
(3) في النسخة رقم (16) (في قولهما) وما هنا أصح بدليل ما ذكرنا
(4) في النسخة رقم (16) سقط لفظ (إنما)
(5) في النسخة رقم (14) (مسكينا)
(6) في النسخة رقم (16) (حجة)
(7) في النسخة رقم (14) (ما يطعموا)
7

معمر عن ابن طاوس عن أبيه إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان (1) قضى عنه بعض
أوليائه، قال معمر: وقاله حماد بن أبي سليمان * وبه إلى معمر عن الزهري من مات
وعليه نذر صيام فإنه يصوم عنه بعض أوليائه *
قال أبو محمد: ليس قول بعض (2) الصاحبة رضي الله عنهم أولى من بعض، وكل
ما ذكرنا فهو مخالف لقول أبي حنيفة، والشافعي لان كل من ذكرنا فقد أوجب ما أوجب
من غير اشتراط ان يوصى الميت بذلك، وقال أبو حنيفة، ومالك: لا شئ في ذلك
الا ان يوصى بالاطعام فيطعم عنه وما نعلم أحدا قبلهم قال: بهذا الا رواية عن الحسن قد
صح عنه خلافها *
وأما قولهم: لا يصام عنه كما لا يصلى عنه فباطل وقياس للخطأ على الخطأ بل يصلى عنه
النذر، وصلاة فرض ان نسيها أو نام عنها ولم يصلها (3) حتى مات، فهذا داخل تحت
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق ان يقضى) والعجب أنهم كلهم أجمعوا على أن
تصلى الركعتان إثر الطواف عن الميت الذي يحج عنه، وهذا تناقض منهم (4) لاخفاء
به، وهذا قول إسحاق بن راهويه في قضاء الصلاة عن الميت، وقال الشافعي: ان صح
الخبر قلنا به (5) والا فيطعم عنه مد عن كل يوم، وإنما قلنا: إن الاستئجار لذلك ان لم
يكن له ولى من رأس المال مقدم على ديون الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق
ان يقضى) *
قال أبو محمد: من الكبائر أن يقول قائل: بل دين الناس أحق ان يقضى من دين
الله تعالى عز وجل (6) وقد سمع هذا القول * (
776 - مسألة - فان صامه بعض أوليائه أجزأ لعموم الخبر في ذلك وإن كانوا
جماعة فاقتسموه جاز كذلك أيضا الا أنه لا يجزئ ان يصوموا كلهم يوما واحدا لقول
الله تعالى (فعدة من أيام أخر) فلا بد من أيام متغايرة فلو لم يصح حتى مات فلا شئ
على أوليائه ولا عليه لان الأثر إنما جاء فيمن مات وعليه صوم، وهذا مات وليس عليه
صوم لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فإذا لم يكن في وسعه الصوم فلم
يكلف وإذا لم يكلفه فقد مات ولا صوم عليه *

(1) في النسخة رقم (16) (صيام شهر)
(2) في النسخة رقم (16) (ليس بعض قول الصحابة)
(3) في النسخة رقم (16) (أو لم يصلها) وهو خطأ
(4) في النسخة رقم (16) (منه) وهو غلط
(5) بهامش النسخة رقم (14) مانعه (وقد قال به المتأخرون من أصحابه عملا يوما ياء فهو مذهب الشافعي أيضا)
(6) زيادة (عز وجل) من النسخة رقم (14)
8

والأولياء هم ذوو المحارم بلا شك (1) ولو صامه الابعد من بنى عمه أجزأ عنه لأنه
وليه فان أبوا من الصوم فهم عصاة الله تعالى ولا شئ على الميت من ذلك الصوم لأنه
قد نقله الله تعالى عنه إليهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه)
وبأمره عليه السلام الولي ان يصوم عنه *
777 - مسألة - فان تعمد النذور ليوقعها على وليه بعد موته فليس نذرا ولا
يلزمه هو ولا وليه بعده، وهو عاص لله تعالى بذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثناه
عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي
نا مسلم بن الحجاج حدثني علي بن حجر نا إسماعيل بن إبراهيم نا أيوب - هو السختياني -
عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا وفاء
لنذر في معصية الله (2)) *
قال على: وهذا النذر إنما يكون نذرا إذا قصد به الله تعالى فيلزم حينئذ فإذا قصد به
غير الله تعالى فهو معصية لا يحل الوفاء به ولا يلزم صاحبه ولا غيره عنه وبالله تعالى التوفيق *
778 - مسألة - ومن نذر صوم يوم (3) فأكثر شكرا لله عز وجل، أو
تقربا إليه تعالى، أو ان افاق، أو ان أراه الله تعاليا املا يؤمله لا معصية لله عز وجل
في ذلك الشئ المأمول ففرض عليه أداؤه، قال عز وجل. (أوفوا بالعقود) *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا القعنبي عن مالك
عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نذران يطيع الله فليطعه ومن نذران يعصى الله فلا يعصه (4))
فهذا عموم لكل نذر طاعة، ولكل نذر معصية كمن نذرت صوم يوم حيضتها (5) أو
صوم يوم العيد، ونحو ذلك من كل معصية *
779 - مسألة - فان نذر ما ليس طاعة ولا معصية كالقعود في دار فلان أوان
لا يأكل خبزا مأدوما أو ما أشبه هذا لم يلزمه
، ولا حكم لهذا (6) الا استغفار الله تعالى

(1) في النسخة رقم (16) (والأولياء هم دون المحارم)
(2) الحديث رواه مسلم مطولا ج 2 ص 13
(3) في النسخة رقم (14) (صيام يوم)
(4) في سنن أبي داود ج 3 ص 228 قال الحافظ المنذري: واخراجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة
(5) في النسخة رقم (16) (يوم حيضها)
(6) في النسخة رقم (16) (ولا حكم لذلك)
9

منه لان ايجاب النذر شريعة والشرائع لا تلزم الا بنص، ولا نص الا في نذر الطاعة فقط *
780 - مسألة - وينهى عن النذر جملة فان وقع لزم كما قدمنا، روينا بالسند
المذكور إلى أبى داود نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن منصور - هو
ابن المعتبر - عن عبد الله بن مرة الهمداني عن عبد الله بن عمر قال: أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر (1) ويقول: (لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل) ففي
قوله عليه السلام (وإنما (2) يستخرج به من البخيل) ايجاب للوفاء به إذا وقع
في طاعة الله تعالى (3) *
781 - مسألة - ومن قال: على لله تعالى صوم يوم أفيق: أو قال: يوم يقدم
فلان. أو قال يوم أنطلق من سجني أو ما أشبه هذا فكان ما رغب فيه ليلا أو نهارا لم
يلزمه صيام ذلك اليوم ولا قضاؤه ولا صوم غيره لأنه إن كان ما رغب فيه ليلا (4)
فلم يكن في يوم فإذا لم يكن في يوم فلا يلزمه ما لم يلتزمه، وإن كان نهارا فلا يمكنه احداث
صوم لم يبيته من الليل ولا تقدم (5) الزام الله تعالى له إياه، ولا يلزمه صيام يوم آخر
لأنه لم يلتزمه، وهذا قول أبي حنيفة، والشافعي، وقال الأوزاعي: ان قدم نهار أصام
بقية ذلك اليوم ولا قضاء عليه، وقال مالك: ان قدم ليلا صام الناذر (6) غد تلك الليلة *
782 - مسألة - فلو قال في كل ذلك: على صوم ذلك اليوم ابدا فإن كان ليلا
لم يلزمه كما قدمنا لأنه لم يلتزمه ولا يلزم صيام الليل لأنه معصية، فإن كان نهارا لزمه في المستأنف صوم ذلك اليوم إذا تكرر كما (7) نذره ولا قضاء عليه في يومه ذلك لأنه غير ما نذر *
783 - مسألة - ومن أفطر في صوم نذر عامدا أو لعذر فلا قضاء عليه إلا أن
يكون نذر ان يقضيه فيلزمه لأنه إذا (8) لم ينذر القضاء فلا يجوز ان يلزم ما لم ينذره إذ
لم يوجب ذلك نص *

(1) قال في شرح سنن أبي داود المسمى بعون المعبود ج 3 ص 227 نقلا عن الخطابي ما نصه: معنى نهيه عليه
السلام عن النذر إنما هو تأكيد لامره وتحذير من التهاون به بعد ايجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل
لكان في ذلك ابطال حكمه واسقاط لزوم الوفاء به إذا كان بالنهي عنه قد صار معصية فلا يلزم الوفاء به، وإنما
وجه الحديث انه قد أعلمهم ان ذلك امر مما لا يجلب لهم في العاجل نفعا ولا يدفع عنهم ضررا فلا يرد شيئا قضاء
الله تعالى يقول: لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم، وتصرفون عن أنفسكم شيئا جرى القضاء به
عليكم فإذا فعلتم ذلك فأخرجوا عنه بالوفاء فان للذي نذرتموه لازم لكم هذا معنى الحديث ووجه
(2) في النسخة رقم (14) (انه) وهو خطأ *
(3) في النسخة رقم (14) (في طاعة الله عز وجل)
(4) سقط من النسخة رقم (16) لفظ (ليلا) خطأ
(5) في النسخة رقم (14) (ولا يقدم)
(6) في النسخة رقم (16) (صام النهار) وهو خطأ
(7) في النسخة رقم (14) حذف كما
(8) سقط من النسخة رقم (14) لفظ (إذا) خطأ
10

784 - مسألة - ومن نذر صوم يومين فصاعدا أجزأه ان يصوم ذلك متفرقا
لأنه غير مخالف لما نذر *
785 - مسألة - فلو نذر صوم جمعة أو قال: شهر لم يجز ان يصوم ذلك
الا متتابعا ولابد، فان تعمد في خلال ذلك فطرا لعذر أو لغير عذر ابتدأه من أوله لان
اسم الجمعة والشهر لا يقع الا على أيام متتابعة لا متفرقة، فإنما يلزمه ما نذر لاما لم ينذر فإن لم
يتابع ذلك فلم يأت بما نذر فعليه أن يأتي به *
786 - مسألة - ومن نذر صوم جمعتين أو قال: شهرين ولم ينذر التتابع
في ذلك لزمه ان يصوم كل جمعة متتابعة ولا بد، وكل شهر متتابعا ولا بد، وله ان
يفرق بين الجمعة والجمعة، وبين الشهر والشهر لما ذكرنا آنفا الا ان ينذر هما متتابعين فيلزمه
ذلك لأنه طاعة زائدة *
787 - مسألة - فان صام الشهر ما بين الهلالين لزمه اتمامه فان ابتدأ صيامه بعد
دخول الشهر لم يلزمه الا تسعة وعشرون يوما متصلة ولا بد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(الشهر تسعة وعشرون) وان الشهر يكون تسعا وعشرين فلا يلزمه زيادة يوم الا بنص
وارد ولا نص في ذلك وإنما يلزمه ما يقع عليه اسم ما نذر من شهر أو أكثر فقط، فان
نذر نصف شهر لم يلزمه الا أربعة عشر يوما لان كسر يوم لا يلزم صيامه لمن نذره،
ولا يجوز ان يلزم يوما زائدا لم ينذره *
788 - مسألة - ومن نذر صوم سنة فقد قال قوم: يصوم اثنى عشر شهرا
لا يعد فيها رمضان ولا يوم الفطر والأضحى، ولا أيام التشريق، وفى هذا عندنا نظر (1)
والواجب عندنا (2) ان لا يلزمه شئ لأن هذه الفتيا الزام له ما لم ينذره لان اسم سنة
لا يقع الا على اثنى عشر شهرا متصلة لا مبددة، وهو لا يقدر على الوفاء بنذره كما نذره
فلا يجوز ان يلزم ما لم يلتزمه ولا نذره، ولا أن يلزم ما لم يمكن، وما ليس في وسعه قال
الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) ومن ادعى ههنا اجماعا فقد كذب لأنه لا يقدر
على أن يأتي في ذلك برواية عن صاحب أصلا، ولا نعلم في ذلك قولا عن تابع، وقد قال
فيها أبو حنيفة: يفطر فيها يومى الفطر والأضحى، وأيام التشريق، ثم سيقضيها * وقال
زفر: يفطر الأيام المذكورة ولا يقضيها * وقال مالك: يصوم ويفطر الأيام المذكورة
ولا يقضى رمضان ولا الأيام المذكورة الا أن ينوى قضاءها * وقال الليث: يصوم

(1) سقط من النسخة رقم (16) لفظ (نظر) خطأ
(2) لفظ (عندنا) * سقط من النسخة رقم (14)
11

ويقضى رمضان ويومين مكان الفطر والأضحى، ويصوم أيام التشريق *
قال أبو محمد: فهذه الأقوال إما موجبة عليه ما لم ينذره ولا التزمه وإما مسقطة عنه
ما نذر (1) *
قال أبو محمد: إن كان نذر صوم هذه الأيام وصوم رمضان عن نذره فقد نذر الضلال،
والباطل وأمرا مخالفا لدين الاسلام فلا يلزمه نذره ذلك لأنه معصية، ولا يلزم صوم
سائر الأيام لأنه غير ما نذر، وكل طاعة مازجتها معصية فهي كلها معصية لأنه لم يأت
بالطاعة كما أمر، قال تعالى: (ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) فان نذر
أن يصوم سنة حاشا رمضان والأيام المنهى عن صيامها (2) لزمه ذلك لأنه نذر طاعة،
وكذلك لو نذر صوم شوال، أو صوم ذي الحجة، أو صوم شعبان فلا يلزمه شئ
لما ذكرنا الا ان ينوى استثناء ما لا يجوز صومه من الأيام فيلزمه ذلك *
789 - مسألة - ومن كان عليه صوم يوم بعينه نذرا فإذا جاء رمضان لزمه
فرضا أن يصوم ذلك اليوم لرمضان لا للنذر أصلا، فان صامه لنذره أو لرمضان
ولنذره فالاثم عليه ولا يجزئه لا لنذره ولا لرمضان لان امر الله تعالى متقدم لنذره
فليس له أن يصوم رمضان ولا شيئا منه لغير ما أمره الله تعالى بصيامه مخلصا له ذلك
وبالله تعالى التوفيق، ولا قضاء عليه فيه لما ذكرناه *
790 - مسألة - وأفضل الصوم (3) بعد الصيام المفروض صوم يوم وافطار
يوم، ولا يحل لا حد أن يصوم أكثر من ذلك أصلا، والزيادة عليه معصية ممن قامت
عليه بها (4) الحجة، ولا يحل صوم الدهر أصلا *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري
نا محمد بن مقاتل نا عبد الله بن المبارك انا الأوزاعي نا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاصي (5) قال: قال
لي (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله بن عمرو ألم أخبر انك تصوم النهار وتقوم الليل؟
قلت: بلى يا رسول الله قال: فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم، فان لجسدك عليك حقا
وان لعينك (7) عليك حقا وان لزوجك عليك حقا وان لزورك (8) عليك حقا وان

(1) من قوله: قال أبو محمد: فهذه إلى قوله ما نذر سقط من النسخة رقم (16) خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (عن صومها)
(3) في النسخة رقم (16) (وأفضل الصيام)
(4) في النسخة رقم (16) (به)
(5) لفظ (بن العاصي) زيادة من النسخة رقم (14)
(6) لفظ (لي) زيادة من النسخة رقم (16) وهي موافقة لما في صحيح البخاري
ج 3 ص 87
(7) في النسخة رقم (14) (وان لعينيك) وما هنا موافق لما في صحيح البخاري وهي رواية الكشميهي
(8) قال في الصحاح الزور الزائرون يقال: رجل زائر وقوم زور وزوار مثل سافر وسفر وسفار، ونسوة زور أيضا وزور مثل نوم ونوح اه‍
12

بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فان لك بكل حسنة عشر أمثالها فإذا (1) ذلك
صيام الدهر (كله فشددت فشدد على) (2) قلت: يا رسول الله انى أجد قوة قال: فصم
صيام نبي الله داود ولا تزد عليه قلت: وما كان صيام نبي الله داود؟ قال: نصف الدهر) *
ومن طريق البخاري عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن
الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث،
وفيه ان عبد الله بن عمر وقال له عليه السلام: (انى أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوما وأفطر يوما قلت: انى أطيق أفضل من ذلك قال: لا أفضل من ذلك) *
قال أبو محمد: فصح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على صيام يوم وافطار يوم ونعوذ بالله
من مواقعة نهيه، وإذا أخبر عليه السلام انه لا أفضل من ذلك فقد صح ان من صام أكثر
من ذلك فقد انحط فضله وإذا انحط فضله فقد حبطت تلك الزيادة بلا شك وصار عملا
لا أجر له فيه بل هو ناقص من أجره، فصح أنه لا يحل أصلا *
قال على: ومن طوائف المصائب قول بعض من يتكلم في العلم بما هو عليه لا له:
قال: قد جاء هذا الحديث وفيه انه عليه السلام قال: (فصم صوم داود كان يصوم يوما
ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى) فقال: إنما هذا الحكم لمن لا يفر إذا لاقى *
قال أبو محمد: فجمع هذا الكلام الملعون وجهين من الضلال، أحدهما الكذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يخبر به بل قد أمر عليه السلام بذلك عبد الله بن عمرو وقطع بأنه
لا صوم أفصل من صوم داود * والثاني انه تأويل سخيف لا يعقل لأنه لا شك في أن من
لا يفر في سبيل الله إذا لاقى أفضل ممن يفر، فإذا كان حكم الأفضل ان لا يتزيد من الفضل
في الصيام ويمنع من ذلك فهذه شريعة إبليس لا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم *
نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا
أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا عبيد الله بن معاذ - هو ابن معاذ - العنبري -
نا أبى نا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت سمع أبا العباس - هو السائب بن فروخ المكي -
سمع عبد الله بن عمرو ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا صام من صام الأبد (3)) *
ورويناه من طريق البخاري نا آدم نا شعبة فذكره باسناده المذكور، وفيه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا صام من صام الدهر) * ومن طريق أبى قتادة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم انه (4) قال: - وقد ذكر له من يصوم الدهر - فقال عليه السلام: (لا صام

(1) في البخاري (فان ذلك)
(2) قوله ((كله فشددت فشدد على) زيادة من صحيح البخاري ج 3 ص 87
(3) الحديث اختصره المؤلف انظر ج 1 ص. 32 متن صحيح مسلم
(4) لفظ (أنه) زيادة من النسخة رقم (14)
13

ولا أفطر أو ما صام ولا أفطر) * وكذلك نصا من طريق مطرف عن عبد الله
ابن الشخير عن أبيه، وعمران بن الحصين كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيمن
صام الدهر (لا صام ولا أفطر) فقد صح انه حبط صومه ولم يفطر * وهذه أخبار
متظاهرة متواترة لا يحل الخروج عنها *
ومن عجائبهم انهم قالوا: إنما لا يجوز إذا صام الدهر كله ولم يفطر الأيام المنهى عنها
فقلنا: كذب من قال هذا (1)، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم منع ونهى عن الزيادة على نصف
الدهر وأبطل أجر من زاد *
قال أبو محمد: وشغب من خالفنا (2) بان ذكر حديث حمزة بن عمر والأسلمي أنه
قال: يا رسول الله انى أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ قال: (ان شئت فصم وان
شئت فأفطر) *
وبخبر رويناه من طريق زيد بن الحباب أخبرني ثابت بن قيس الغفاري حدثني
أبو سعيد المقبري حدثني أبو هريرة عن أسامة بن زيد قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسرد الصوم فيقال: لا يفطر) *
قال أبو محمد: لا حجة لهم في هذين الخبرين لان السرد إنما هو المتابعة لاصوم أكثر
من نصف الدهر يبين (3) ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي الذي أوردناه،
وحديث عائشة الذي رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة نا سفيان
ابن عيينة عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة
أم المؤمنين عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصوم حتى نقول: قد صام (4)
ويفطر حتى نقول: قد أفطر ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان
يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان الا قليلا *
فهذه أم المؤمنين بينت السرد الذي ذكره أسامة والذي ذكره حمزة بن عمرو في حديثه
فبطل أن يكون لهم متعلق بشئ من الآثار *
وموهوا أيضا بما رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن عبد الرحمن
ابن القاسم بن محمد عن أبيه ان عائشة كانت تصوم الدهر قلت: الدهر؟ قال: كانت
تسرد * ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان
عمر يسرد الصوم * وعنه أيضا انه سرد الصوم قبل موته بسنتين * ومن طريق عبد الرزاق

(1) انظر صفحة 16 من هذا الجزء
(2) في النسخة رقم (16) (خالفها) وهو غلط
(3) في النسخة رقم (14) (بين)
(4) في النسخة رقم (16) (لا يفطر) وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 1 ص 318
14

عن جعفر بن سليمان - هو الضبعي - عن ثابت البناني عن أنس قال: كان أبو طلحة قل ما يصوم
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل العدو فلما توفى النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيته مفطرا (1) إلا
يوم أضحى أو يوم فطر * ومن طريق ابن أبي شيبة نا حماد بن خالد عن الزبير
ابن عبد الله بن أميمة (2) عن جدته قالت: كان عثمان يصوم الدهر ويقوم الليل الا هجعة
من أوله (3) * وعن الأسود، وعروة، وعبيد المكتب انهم كانوا يصومون الدهر *
قال أبو محمد: هذا كله لا حجة لهم فيه أما عائشة رضي الله عنها فقد فرق عبد الرحمن
ابن القاسم بن محمد بين صيام الدهر وبين سرد الصوم كما ذكرنا، ولم يثبت عليها (4).
الا السرد وهو المتابعة لا صوم الدهر، ولو صح عنها ذلك ولا يصح (5) *
فقد روينا من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه ان عائشة أم المؤمنين
كانت تصوم أيام التشريق * وكذلك صح عنها رضي الله عنها انها كانت تختار صوم يوم
الشك من آخر شعبان، فإن كان ما لا يصح عنها من صوم الدهر حجة فالذي صح عنها من
صوم أيام التشريق ويوم الشك حجة، وان لم يكن هذا حجة فليس ذلك حجة (6) (فان قالوا:)
قد صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق، قيل لهم: وقد صح نهيه عليه السلام عن
صوم أكثر من نصف الدهر، وصح نهيه عن صوم الدهر *
وأما خبر عمر فليس فيه الا السرد فقط وهو المتابعة لا صيام الدهر بل قد صح عنه
تحريم صيام الدهر كما روينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن ابن عمر والشيباني
قال: بلغ عمر بن الخطاب ابن رجلا يصوم الدهر فاتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول: كل
يا دهر كل يا دهر، وهذا في غاية الصحة عنه، فصح ان تحريم صوم الدهر كان من مذهبه،
ولو كان عنده مباحا لما ضرب فيه ولا امر بالفطر * وأما عثمان فان الزبير بن عبد الله
ابن أميمة وجدته مجهولان فسقط هذا الخبر * وأما أبو طلحة فقد روينا من طريق شعبة
عن قتادة عن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم *
قال أبو محمد: وفى الخبر الذي شغبوا به ان انسا قال: ما رأيته مفطرا الا يوم فطر
أو يوم أضحى، ففي هذا الخبر انه كان يصوم أيام التشريق فإن لم يكن فعل أبى طلحة في
أكله البرد وهو صائم حجة فصومه الدهر ليس حجة، ولئن كان صومه الدهر حجة
فان أكله البرد في الصيام حجة فسقط كل ما موهوا به عن الصحابة رضي الله عنهم *

(1) في النسخة رقم (14) (يفطر)
(2) في الأصلين بالهمزة بعدها ميم، وفى كتب رجال الحديث رجال الحديث كالميزان
وتهذيب التهذيب (رهيمة) بالراء بعدها هاء
(3) أي نومة خفيفة من أول الليل
(4) أي يستقر
(5) ما بعده متعلق به وليس بمنقطع معنى، تفطن
(6) في النسخة رقم (16) (فذلك ليس حجة)
15

وأما الأسود فروينا عن وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة ان الأسود كان يصوم
الدهر وأيام التشريق * وعن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه انه صام أربعين سنة
أو ثلاثين سنة قال هشام: لم أره مفطرا الا يوم فطر أو يوم نحر، فليقتدوا بهما في صوم
أيام التشريق والا فالقوم متلاعبون *
قال على: صح عن عمر ما ذكرناه من النهى عن صوم الدهر، وأمره بالفطر فيه،
وضربه على صيامه * ومن طريق شعبة عن قتادة عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى
الأشعري قال: من صام الدهر ضيق الله عليه هكذا وقبض كفه * ومن طريق سفيان
الثوري عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى الأشعري قال: من صام الدهر ضيقت
عليه جهنم، وقد روى أيضا مسندا (1) *
قال على: من نوادرهم قولهم: معناه ضيقت عليه جهنم حتى لا يدخلها *
قال على: وهذه لكنة، وكذب، أما اللكنة فإنه لو أراد هذا لقال: ضيقت عنه ولم
يقل: عليه، وأما الكذب فإنما أورده رواته كلهم على التشديد والنهى عن صومه فكيف
ورواية شعبة المذكورة إنما هي ضيق الله عليه فقط؟ * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي
عن أبي إسحاق أن ابن أبي أنعم (2) كان يصوم الدهر فقال عمر وبن ميمون:
لو رأى هذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لرجموه *
قال على: هم يدعون الاجماع بأقل من هذا وقد يكون الرجم حصبا كما كان يفعل
ابن عمر بمن رآه يتكلم والامام يخطب * ومن طريق شعبة عن يحيى بن عمر والهمداني
عن أبيه أنه سمع عبد الله بن مسعود - وسئل عن صوم الدهر - فكرهه * ومن طريق أبى بكرة
وعائذ بن عمر وأنهما كرها صوم رجب، وهذا يقتضى ولا بد أنهما لا يجيزان صيام (3) الدهر *
قال على: لو كان مباحا عند ابن مسعود ما كرهه لان فعل الخير لا يكره ولا يكره
الا ما لا خير فيه ولا أجر * وعن الشعبي أنه كره صوم الدهر * وعن سعيد بن جبير أنه
كره صوم شهر تام غير رمضان *

(1) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: (تنبيه) روى ابن حبان وغيره من حديث أبي موسى الأشعري
(من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين) قال ابن حبان: هو محمول على من صام الدهر الذي
فيه أيام العبد والتشريق، وقال البيهقي وقبله ابن خزيمة: معنى ضيقت عليه أي عنه فلم يدخلها، وفى الطبراني عن أبي
الوليد ما يومئ إلى ذلك، وأورد أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه هذا الحديث في باب من كره صوم الدهر اه‍
(2) الذي في التهذيب - هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم لا ابن أبي أنعم ولعل لفظ أبى زائد
(3) في النسخة رقم
(14) (صوم) بدل (صيام).
16

791 - مسألة - قال أبو محمد: ونستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر،
ونستحب صيام الاثنين والخميس، وكل هذا فبأن لا يتجاوز أكثر من نصف الدهر،
فاما الثلاثة الأيام فلما ذكرنا آنفا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي، وأما الاثنين
والخميس فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا القاسم بن
زكريا نا حسين - هو الجعفي - عن زائدة عن عاصم عن المسيب - هو ابن رافع - عن
حفصة أم المؤمنين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس) (1)، ويكره
صوم شهر تام غير رمضان لما ذكرنا من فعله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا مثل قولنا آنفا عن
سعيد بن جبير *
792 - مسألة - ومن اقتصر على الفرض فقط فحسن لما قد ذكرناه قبل من
قول رسول الله صلى الله عليه وآله للذي سأله عن الدين فأخبره عليه السلام بوجوب رمضان قال:
(هل على غيره؟ قال: لا الا ان تطوع) * وذكر مثل ذلك في الصلاة والزكاة والحج
فقال السائل: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفلح إن
صدق دخل الجنة ان صدق) *
793 - مسألة - ونستحب صوم يوم عاشوراء وهو التاسع من المحرم، وان صام
العاشر بعده فحسن، ونستحب أيضا صيام يوم عرفة للحاج وغيره *
نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا
أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن غيلان
ابن جرير سمع عبد الله بن معبد الزماني (2) عن أبي قتادة الأنصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
سئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية، وسئل عن صوم يوم
عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية) *
وبه إلى مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع بن الجراح عن حاجب بن عمر عن
الحكم بن الأعرج قال: سألت ابن عباس عن صوم عاشوراء؟ فقال: إذا رأيت
هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما فقلت: هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه؟
قال: نعم (3) *
نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريح أخبرني

(1) الحديث مختصر. انظر النسائي جزء 4 ص 3. 2، وقوله بعد ويكره صوم شهر تام الخ من كلام المصنف وليس من كلام
عائشة تنبه
(2) هو بكسر الزاي وتشديد الميم وبعده نون نسبة إلى زمان بن مالك بن صعب جد جاهلي
(3) هو في مسلم ج 1 ص 313 بزيادة في أوله حذفها المصنف، ورواه أيضا أبو داود جزء 2 ص 303
17

عطاء انه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: خالفوا اليهود صوموا التاسع والعاشر،
(فان قيل) من أين أحببتم صوم يوم عرفة في الحج؟ وقد صح من طريق ميمونة أم المؤمنين
انها قالت إن الناس شكوا في صوم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب (1)
وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون *
ومن طريق حامد بن يحيى البلخي عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن
سعيد بن جبير قال: أتيت ابن عباس بعرفة وهو يأكل رمانا فقال: ادن فكل لعلك
صائم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم هذا اليوم *
ومن طريق مؤمل بن إسماعيل بن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع
قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة؟ فقال: لم يصمه النبي صلى الله وعليه وسلم، ولا أبو بكر،
ولا عمر، ولا عثمان *
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري العبدي
عن عكرمة قال قال لي أبو هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات *
ومن طريق شعبة أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت عطاء عن عبيد بن عمير قال:
نهى عمر بن الخطاب عن صوم يوم عرفة، وقد تكلم في سماع عبد الله بن معبد الزماني
من أبى قتادة (2) قلنا وبالله تعالى التوفيق *
أما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصمه فلا حجة لكم في ذلك لأنه عليه السلام قد حض
على صيامه أعظم حض، وأخبر انه يكفر ذنوب سنتين، وما علينا أن ننتظر بعد هذا أيصومه
عليه السلام أم لا؟ *
وقد حدثنا يوسف بن عبد الله النمري قال: نا أحمد بن محمد بن الجسور قال: نا قاسم
ابن أصبغ نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير نا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير
عن عائشة أم المؤمنين انها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليترك العمل وهو يحب أن
يعمل به خشية ان يعمل به الناس فيفرض عليهم *
وأما حديث أبي هريرة في النهى عن صوم يوم عرفة بعرفات فان رواية حوشب
ابن عقيل وليس بالقوى (3) عن مهدي الهجري (4) وهو مجهول، ومثل هذا لا يحتج به *

(1) قال النووي في شرح مسلم: الحلاب بكسر الحاء المهملة هو الاناء الذي يحلب فيه ويقال المحلب فيه ويقال المحلب بكسر الميم اه‍
(2) قال الذهبي في ميزان الاعتدال: عبد الله بن معبد الزماني من جملة التابعين، وثقه النسائي يحدث عن أبي قتادة قال البخاري: لا يعرف له سماع منه اه‍ وسيأتي قول المصنف بعد ص 19: فعبد الله ثقة، والثقات مقبولون لانحل رد رواياتهم بالظنون، انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ج 6 ص 40
(3) هو كما قال المصنف انظر ترجمته في تهذيب التهذيب جزء 3 ص 65
(4) سئل ابن معين عنه؟ فقال: لا اعرفه انظر تهذيب التهذيب ج 10 ص 324
18

وأما ترك أبى بكر، وعمر، وابن عمر، وابن عباس صيامه فقد صامه غيرهم كما روينا
من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سهل بن أبي الصلت عن الحسن البصري انه سئل
عن صوم يوم عرفة؟ فقال: صامه عثمان بن عفان في يوم حار يظلل عليه * ومن طريق
حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ان
عائشة أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة في الحج * وبه إلى حماد بن سلمة نا عطاء الخراساني
ان عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على عائشة أم المؤمنين يوم عرفة وهي تصب عليها
الماء فقال لها: أفطري فقالت: أفطر؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوم
يوم عرفة يكفر العام الذي قبله) * ومن طريق هشام بن عروة ان عبد الله بن الزبير
كان يدعو عشية عرفة إذا أفاض الناس بماء ثم يفيض *
قال على: فإذا اختلفوا فالمرجوع إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روينا من طريق
البخاري عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن توبة عن مورق العجلي قال:
قلت لابن عمر: (رضي الله عنهما (1)) أتصلي الضحى؟ قال: لا قلت: فعمر قال: لا
(قلت: فأبو بكر قال: لا قلت: فرسول الله (2) صلى الله عليه وسلم قال: لا إخاله) *
فمن كره صوم يوم عرفة لقول ابن عمر: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصمه، ولا أبو بكر، ولا
عمر فليكره صلاة الضحى لقوله فيها مثل ذلك، والطريقان صحيحان والا فهو متلاعب
بالدين، وقد صح ان أبا بكر، وعمر لم يكونا يضحيان فليكرهوا الأضحية أيضا لذلك *
قال على: ومن العجب أن يكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بأغلظ الوعيد عن صيام
الدهر ولم يصمه عليه السلام فيستحبونه ويبيحونه ثم يأتي حض النبي صلى الله عليه وسلم باشد الحض
على صوم عرفة فيكرهونه لأنه عليه السلام لم يصمه ولم يحض النبي صلى الله عليه وسلم بتركه الحاج
دون غيره ولا بالحض عليه من ليس حاجا من حاج * وأما سماع عبد الله بن معبد من
أبى قتادة فعبد الله ثقة - والثقات مقبولون - لا يحل رد رواياتهم بالظنون وبالله تعالى التوفيق *
794 - مسألة - ونستحب صيام أيام العشر من ذي الحجة قبل النحر لما
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن
الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم
(ما من أيام أحب إلى الله فيهن العمل أو أفضل فيهن العمل من أيام
العشر قيل: يا رسول الله ولا الجهاد قال: ولا الجهاد الا رجل خرج بنفسه وماله فلم
يرجع من ذلك بشئ) * قال أبو محمد: هو عشر ذي الحجة، والصوم عمل بر فصوم
عرفة يدخل في هذا أيضا *

(1) الزيادة من البخاري جزء 2 ص 131
(2) في البخاري ج 2 ص 131 (فالنبي) بدل (رسول الله)
19

795 - مسألة - ولا يحل صوم يوم الجمعة الا لمن صام يوما قبله أو يوما بعده
فلو نذره انسان كان نذره باطلا فلو كان انسان يصوم يوما ويفطر يوما فجاءه صومه
في الجمعة فليصمه *
نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا
أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو كريب نا حسين - هو الجعفي - عن زائدة
عن هشام - هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا (1) يوم الجمعة بصيام من بين
الأيام الا أن يكون في صوم يصومه احداكم) *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا إسماعيل بن مسعود - هو الجحدري -
نا بشر - هو ابن المفضل - نا سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن سعيد
ابن المسيب عن عبد الله بن عمرو قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جويرية بنت الحارث
يوم الجمعة وهي صائمة فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا قال: أتريدين أن تصومي
غدا؟ قالت: لا قال: فأفطري * ورويناه أيضا من طريق جابر * ومن طريق جويرية
أم المؤمنين * ومن طريق جنادة الأزدي - وله صحبة - كلهم عن النبي، صلى الله عليه وسلم وبه قال طائفة
من الصاحبة رضي الله عنهم *
روينا من طريق حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبي العلاء - هو ابن الشخير -
ان سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزيد (2) بن صومان انظر ليلة الجمعة
فلا تصلها *
قال على: لا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم *
ومن طريق يحي بن سعيد القطان عن شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن قيس
ابن السكن قال: مر ناس من أصحاب ابن مسعود بابى ذر يوم جمعة وهم صيام فقال:
عزمت عليكم لما أفطر تم فإنه يوم عيد * قيس بن السكن أدرك أبا ذر وجالسه *
وعن علي بن أبي طالب انه نهى عن تعمد صيام يوم الجمعة * ومن طريق محمد بن
جعفر عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن أبي هريرة قال: لا تصم يوم الجمعة الا ان
تصوم قبله أو بعده، وهو قول إبراهيم النخعي، ومجاهد، والشعبي، وابن سيرين وغيرهم،
وذكره إبراهيم عمق لقى، وإنما لقى أصحاب ابن مسعود *

(1) قال النووي في شرح مسلم: هكذا وقع في الأصول (لا تختصوا ليلة الجمعة)، (ولا تخصوا يوم الجمعة) باثبات تاء في الأول
بين الخاء والصاد، ويحذفها في الثاني وهما صحيحان اه‍، والحديث في مسلم ج 1 ص 314
(2) في النسخة رقم (14) (يزيد) وهو غلط لأنه أخو صعصعة وسحان لبنى صوحان أسلم في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم وشهد وقعة الجمل مع علي رضي الله عنه،
20

(فان قيل:) فقد رويتم من طريق شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وقل ما كان يفطر يوم الجمعة *
ومن طريق ليث بن أبي سليم عن عمر بن أبي عمير عن ابن عمر قل ما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم مفطرا يوم جمعة * ومن طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس قل
ما رأيته مفطرا يوم جمعة قط * (1)
قال أبو محمد: ليث ليس بالقوى (2)، وأما خبر ابن مسعود فصحيح، والقول فيها كلها
سواء، وهو أنه ليس في شئ منها لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن ابن مسعود، ولا عن
ابن عمر، ولا عن ابن عباس إباحة تخصيص يوم الجمعة بصيام دون يوم قبله أو يوم بعده،
ونحن لا ننكر صيامه إذا صام يوما قبله أو يوما بعده، ولا يحل ان نكذب على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنخبر عنه بما لم يخبر به عنه صاحبه، ولا أ نحمل فعله على مخالفة أمره البتة
إلا ببيان نص صحيح فيكون حينئذ نسخا أو تخصيصا، قال تعالى آمرا له أن يقول: (وما أريد:
أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) فكيف وقد ورد عن ابن عباس، وطاوس بيان قولنا بأصح من
هذه الطرق؟ كما روينا من طريق ابن أبي شيبة *
نا محمد بن بكر عن ابن جريج عن عطاء قال: كان ابن عباس ينهى عن افتراد اليوم كلما
مر بالانسان - يعنى عن صيامه -، فصح نهى ابن عباس عن افتراد يوم بعينه في الصوم،
فدخل في ذلك يوم الجمعة وغيره *
ومن طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه انه كان يكره ان يتحرى يوما يصومه، وما نعلم لمن
ذكرنا من الصاحبة رضي الله عنهم مخالفا أصلا في النهى عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام
وبالله تعالى التوفيق *
796 - مسألة - فلو نذر المرء صوم يوم يفيق أو نحو ذلك فوافق يوم جمعة
لم يلزم لأنه لا يصوم يوما قبله، ولا يوما بعده ولا وافق صوما كان يصومه ولا يجوز
صيامه إلا بأحد هذين الوجهين كما ذكرنا قبل، وبالله تعالى التوفيق *
797 - مسألة - ولا يحل صوم الليل أصلا، ولا أن يصل المرء صوم يوم
بصوم يوم آخر لا يفطر بينهما. وفرض على كل أحد ان يأكل أو يشرب في كل يوم وليلة ولا بد *
نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا إبراهيم بن حمزة
نا ابن أبي حازم عن يزيد - هو ابن الهادي - عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري

(1) في النسخة (16) يوم الجمعة
(2) هو كما قال المؤلف انظر تهذيب جزء 8 ص 465
21

(انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (1): لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى
السحر قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني
وساق يسقيني) *
ورويناه أيضا مسندا صحيحا من طريق أم المؤمنين عائشة، وأنس، وأبي هريرة، وابن عمر
كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الآثار تنتظم كل (2) ما قلنا *
قال أبو محمد: وقد روينا النهى عن الوصال عن أبي سعيد الخدري، وعائشة أم المؤمنين،
وعلى، وأبي هريرة، وروينا عن بعض السلف إباحة الوصال كما روينا من طريق ابن وهب
عن يونس عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (3) ان أبا هريرة
قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فقال رجل من المسلمين: فإنك تواصل يا رسول الله
فقال: وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربى ويسقيني فلما أبوا ان ينتهوا عن الوصال واصل بهم
يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال عليه السلام: لو تأخر (4) الهلال لزدتكم كالمنكل لهم حين أبوا
أن ينتهوا) * وعن أخت أبي سعيد الخدري أنها كانت تواصل وكان أخوها ينهاها *
قال على: هي صاحبة بلا شك *
ومن طريق حماد بن سلمة نا عمار بن أبي عمار قال: كان عبد الله بن الزبير يواصل
سبعة أيام فإذا كان الليلة السابعة دعا باناء من سمن فشربه ثم يؤتى بثريدة (5) فيها
عرقان (6) ويؤتى الناس بالجفان (7) فيقول: هذا من خالص مالي وهذا من بيت مالكم،
وكان ابن وضاح يواصل أربعة أيام *
قال أبو محمد: هذا يوضح ان لا حجة في أحد غير (8) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب
ولا غيره فقد واصل قوم من الصحابة رضي الله عنهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتأولوا في
ذلك التأويلات البعيدة فكيف بعده عليه السلام؟ فكيف من دونهم؟ ولا فرق بين من
خالف حضه عليه السلام على صوم يوم عرفة ونهيه عليه السلام عن تخصيص صوم
يوم الجمعة، وتأولوا في ذلك أنه عليه السلام لم يصم يوم عرفة، وقول ابن مسعود قل ما
رأيته عليه السلام مفطرا يوم جمعة وبين من خالف نهيه عن الوصال وتأول أنه عليه
السلام كان يواصل *

(1) في النسخة رقم (16) سقط لفظ يقول غلطا، وهو في البخاري جزء 3 ص 84
(2) في النسخة رقم (16) (كما)
(3) لفظ (بن عوف) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (16) (ولو تأخر)
(5) فال صاحب اللسان: الثريد معروف، والثرد الهشم ومنه قيل لما يهشم من الخبز ويبل بماء القدور غيره ثريدة.. ويقال: اكلنا ثريدة دسمة بالهاء على معنى الاسم أو القطعة من الثريد اه‍
(6) هو تثنية عرق بفتح العين المهملة وسكون الراء. العطم إذا أخذ عنه معظم اللحم وجمعه عراق
بضم أوله
(7) جمع حفنة كالقصعة وعاء الأطعمة
(8) في النسخة رقم (14) (دون)
22

798 - مسألة - ولا يجوز صوم يوم الشك الذي من آخر شعبان، ولا صيام اليوم
الذي قبل يوم الشك المذكور الا من صادف يوما (1) كان يصومه فيصومهما حينئذ
للوجه الذي كان يصومهما له لا لأنه يوم شك ولا خوفا من أن يكون من رمضان *
نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد
نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب كلاهما عن
وكيع عن علي بن المبارك عن يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل (2) كان
يصوم صوما فليصم)، وقد ذكرنا أمره عليه السلام بان لا يصام حتى يرى الهلال
من طريق ابن عمرو *
نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز
نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عمر وبن دينار عن ابن عباس (ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان أغمي (3) عليكم فعدوا ثلاثين قالوا:
يا رسول الله الا نقدم بين يديه يوما أو يومين فغضب وقال: لا) *
قال أبو محمد: نعوذ بالله من غضب رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الخبر يوضح انه لا حجة
في رأى صاحب ولا غيره أصلا، وبهذا يقول طائفة من السلف *
روينا عن ابن مسعود أنه قال: لان أفطر يوما من رمضان ثم اقضيه أحب إلى من
أن (4) أزيد فيه يوما ليس فيه * وعن حذيفة أنه كان ينهى عن صوم اليوم الذي يشك
فيه * وعن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن اشيم انه سمع عمار بن ياسر في يوم الشك
من آخر شعبان يقول: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم * وعن حذيفة، وابن عباس
وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك النهى عن صيامه *
وعن ابن عمر، والضحاك بن قيس انهما قالا: لو صمت السنة كلها لافطرت اليوم الذي
يشك فيه *
قال أبو محمد: وروى خلاف هذا عن بعض السلف كما روينا عن عائشة أم المؤمنين
انها قالت: لان أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن فأفطر يوما من رمضان * وعن
أسماء بنت أبي بكر انها كانت تصوم يوم الشك *

(1) في النسخة رقم (14) (صوما)
(2) في النسخة رقم (16) (رجل) بالرفع وهو الصحيح لكونه في كلام تام
غير موجب وهو موافق لمسلم ج 1 ص 299، وفى النسخة رقم (14) (رجلا) بالنصب
(3) يقال: أغمي علينا الهلال وغمى - بتشديد الميم - فهو مغمى - بسكون الغين المعجمة - ومغمى بفتحها - إذا حال دون رؤيته غيم أو قترة كما يقال غم علينا اه‍ نهاية
(4) لفظ (ان) سقط من النسخة رقم (16)
23

وحدثنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله (1) بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد
نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي نا
عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا خلت تسع وعشرون ليلة من شعبان
بعث من ينظر الهلال فان حال من دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائما وان لم ير ولم
يحل دون منظره أصبح مفطرا * وعن أبي عثمان النهدي انه كان يصوم يوم الشك *
وعن القاسم بن محمد انه كان لا يكره صيام يوم الشك إلا أن أغمي دون رؤية الهلال *
وعن الحسن البصري انه كان يصبح يوم الشك صائما فان قدم خبر برؤية الهلال ما (2) بينه وبين
نصف النهار أتم صومه وإلا أفطر، وبالنهي عن صومه جملة يقول إبراهيم النخعي،
والشعبي، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، وغيرهم *
قال أبو محمد: هذا ابن عمر هو روى أن لا يصام حتى يرى الهلال ثم كان يفعل
ما ذكرنا، واحتج من رأى صيام يوم الشك بما روينا من طريق مسلم عن ابن أبي شيبة
نا يزيد بن هارون عن (3) الجريري عن أبي العلاء عن مطرف (4) عن عمران بن الحصين
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر (شيئا؟ يعنى شعبان (5)
قال: لا قال: فإذا أفطرت من صيام رمضان فصم يومين مكانه *
وبما رويناه من طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا محمد بن جعفر نا شعبة عن توبة
العنبري عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن أم سلمة أم المؤمنين (أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما الا شعبان يصله برمضان) (6) *
ومن طريق عبد الله بن أبي العلاء عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة قال: قام معاوية
ابن أبي سفيان في الناس في دير مسحل (7) الذي على باب حمص فقال: يا أيها الناس انا
قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصيام فمن أحب أن يفعله فليفعله، فقام
إليه مالك بن هبيرة السبائي فقال: يا معاوية أشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم شئ
من رأيك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا الشهر وسره) *
قال أبو محمد: المغيرة بن فروة غير مشهور (8) ثم لو صح لما كانت فيه حجة أصلا لان

(1) جملة نا أحمد بن عبد الله سقطت من النسخة رقم (16) خطأ
(2) لفظ (ما) سقط من النسخة رقم (16) خطأ *
(3) لفظ (عن) سقط من النسخة رقم (16) خطأ
(4) سقط لفظ (عن مطرف) من النسختين، وزدناه من صحيح مسلم ج 1 ص 322 وكذلك في سنن أبي داود ج 2 ص 370
(5) الزيادة من صحيح مسلم
(6) قال الحافظ في الفتح: قال المنذري: والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي حديث حسن
(7) قال في القاموس: الديرخان النصارى والخان الحانوت أو صاحبه اه‍، قال في تاج العروس: ومسحل اسم رجل وهو أبو الدهناء امرأة العجاج اه‍ ولعله كان باني هذا الدير أو مالكه، وهو بكسر الميم وسكون السين المهملة
(8) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ج 10 ص 367
24

نصه (صوموا الشهر وسره) وهو بلا شك شهر رمضان لا ما سواه، وسره مضاف إليه،
ولا يخلو سره من أن يكون أوله أو آخره أو وسطه (1) وأي ذلك كان؟ فهو من رمضان
لا من شعبان، وليس فيه صوموا سر شعبان فبطل التعلق به * وأما خبر أم سلمة فلا
حجة لهم فيه لان كل من كان له صوم معهود فوافق يوم الشك فليصمه كما جاء في الخبر
الذي صدرنا به، ولا يجوز أن يحمل صوم النبي صلى الله عليه وسلم له في وصله شعبان برمضان الا
على أنه صوم معهود كان له *
وأما خبر عمران فصحيح الا أنه لا حجة لهم فيه لأننا لا ندري ماذا كأن يقول له النبي
صلى الله عليه وسلم؟ لو قال له الرجل: أنه صام سرر شعبان أينهاه أم يقره على ذلك؟ والشرائع
الثابتة لا يجوز خلافها بالظنون ولا بما لا بيان فيه، ثم لو كان في هذه الأخبار بيان جلى
بإباحة صوم يوم الشك من شعبان لما كان لهم فيه حجة، لان صوم يوم الشك وغيره
كان مباحا بلا شك في صدر الاسلام، لأن الصوم جملة عمل بر وخير، فلما صح نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين قبل رمضان الا لمن كان له صوم يصومه صح يقينا لا مرية
فيه ان الإباحة المتقدمة قد نسخت وبطلت لأن الصوم قد كان متقدما لهذا النهى بنصه
كما هو لاستثنائه عليه السلام من كان له صوم فليصمه، ولا يحل العمل بشئ قد صح أنه
منسوخ بلا شك ولا يحل خلاف الناسخ، ومن ادعى ان الحالة المنسوخة قد عادت وان الناسخ
قد بطل فقد كذب وقفا مالا علم له به وقال: مالا دليل له به أبدا، والظن أكذب الحديث *
799 - مسألة - ولا معنى للتلوم في يوم الشك لأنه إن كان تلومه بنية الصوم
فقد خالف امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك صومه وواقع النهى، وإن كان تلومه بغير نية
الصوم فهو عناء لا معنى له، وترك المفطر الاكل (2) عمل فارغ، وقد روينا عن أنس
وجماعة معه تعجيل الفطر في أوله *
800 - مسألة - ولا يجوز صوم اليوم السادس عشر من شعبان تطوعا أصلا
ولا لمن صادف يوما (3) كان يصومه *
نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا قتيبة بن سعيد
نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: قدم عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء

(1) قال في فتح الودود شرح سنن أبي داود (صوموا الشهر وسره): بكسر فتشديد يقال سر الشهر وسراره وسرره لآخره
لاستتار القمر فيه، ويحتمل أن يكون المراد بالشهر شهر رمضان وسره آخره لتأكد الاستيعاب أو المراد بآخره آخر شعبان،
واضافته إلى رمضان للاتصال، اه‍ أقول والاحتمال الثاني خلاف الظاهر
(2) في النسخة رقم (14) (وللاكل)
(3) في النسخة رقم (16) صوما
25

ابن عبد الرحمن فاخذ بيده فأقامه ثم قال (1): اللهم ان هذا يحدث عن أبيه (عن أبي
هريرة) (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) فقال
العلاء: اللهم ان أبى حدثني عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك (3) *
قال أبو محمد: هكذا رواه سفيان عن العلاء، والعلاء ثقة روى عنه شعبة وسفيان
الثوري، ومالك، وسفيان بن عيينة، ومسعر بن كدام، وأبو العميس وكلهم يحتج
بحديثه فلا يضره غمز ابن معين له، ولا يجوز ان يظن بأبي هريرة مخالفة ما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم، والظن أكذب الحديث، فمن (4) ادعى ههنا اجماعا فقد كذب *
وقد كره قوم الصوم بعد النصف من شعبان جملة الا ان الصحيح المتيقن من مقتضى
لفظ هذا الخبر النهى عن الصيام (5) بعد النصف من شعبان، ولا يكون الصيام في أقل
من يوم، ولا يجوز ان يحمل على النهى عن صوم باقي الشهر إذا ليس ذلك بينا، ولا يخلو
شعبان من أن يكون ثلاثين أو تسعا وعشرين، فإن كان ذلك فانتصافه بخمسة عشر يوما
وإن كان تسعا وعشرين فانتصافه في نصف اليوم الخامس عشر، ولم ينه عن الصيام بعد
النصف، فحصل من ذلك النهى عن صيام اليوم السادس عشر بلا شك (فان قيل): فقد
رويتم من طريق وكيع عن أبي العميس عن العلاء بن عبد الرحمن بن أبيه عن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون
رمضان) قلنا: نعم وهذا يحتمل النهى عن كل ما بعد النصف من شعبان، ويحتمل أن يكون
النهى عن بعض ما بعد النصف وليس أحد الاحتمالين أولى بظاهر اللفظ من الآخر،
وقد روينا ما ذكرنا قبل من قول أم سلمة أم المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان
يصله برمضان) وقول عائشة أم المؤمنين انه عليه الصلاة والسلام: (كان يصوم شعبان كله
إلا قليلا) وقولهما هذا يقتضى انه عليه السلام كان يداوم ذلك فوجب استعمال هذه الأخبار كلها
والا يرد منها شئ لشئ أصلا، فصح صيام أكثر شعبان مرغوبا فيه، وصح جواز صوم آخره
فلم يبق يقين النهى الا على ما لا شك فيه وهو اليوم السادس عشر كما قلنا وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم (14) (فقال) بحذف ثم وما هنا موافق لسنن أبي داود ج 2 ص 273
(2) الزيادة من سنن أبي داود ج 2 ص 273 وهي موجدة في النسخة رقم (14) الا ان مصححها أشار إلى أنها زائدة في النسخة فضرب عليها بالقلم ولعل الصواب كما يظهر لم اسقاطها بدليل آخر الحديث تنبه
(3) كذا في النسختين والذي في سنن أبي داود (قال: بذلك) قال الخطابي: هذا
الحديث كان ينكره عبد الرحمن بن مهدي من حديث العلاء اه‍ قال المذرى: والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن
ماجة وقال الترمذي: حسن صحيح، حكى أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال: هذا حديث منكر قال: وكان عبد الرحمن
- يعنى ابن مهدي - لا يحدث به، ويحتمل أن يكون الإمام أحمد إنما أنكره من جهة العلاء بن عبد الرحمن فان فيه مقالا لائمة هذا
الشأن، انظر ترجمته في ميزان الاعتدال
(4) في النسخة رقم (16) (ومن) *
(5) في النسخة رقم (16) (عن الصوم)
26

ومن ادعى نسخا في خبر العلاء فقد كذب وقفا ما لا علم له به وبالله تعالى نتأيد *
وقد بينا فيما خلا ما قاله أبو حنيفة، ومالك، والشافعي مما لا يعرف ان أحدا قاله قبل
كل واحد منهم، أكثر ذلك مما قالوه برأي لا بنص *
من ذلك قول أبي حنيفة يجزئ من مسح الرأس في الوضوء مقدار ثلاثة أصابع
ولا يجزئ أقل منه، ومرة قال: ربع الرأس ولا يجزئ أقل، ويجزئ مسحه بثلاث
أصابع ولا يجزئ بإصبعين ولا بأصبع، وأجازوا الاستنجاء بالروث، وقوله: المرة والماء
الخارجان من الجوف ينقضان الوضوء إذا كان كل واحد منهما ملء الفم فإن كان أقل لم ينقض
الوضوء، وكذلك تعمد القئ والدم الخارج من الجوف ينقض الوضوء ان غلب على البصاق
وان لم يملا الفم، والبلغم الخارج من الجوف لا ينقض الوضوء وان ملا الفم، وقوله في صدقة
الخيل: ان شاء أعطى عن كل رأس من الإناث أو الذكور أو الإناث مخلوطين عن كل رأس
عشرة دراهم، وان شاء قومها قيمة وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة، ولا يعطى من الذكور
المفردة شيئا، وقوله الزكاة في كل ما أخرجت الأرض قل أو كثر الا الحطب، والقصب،
والحشيش، وقصب الذريرة، فإن كان الخارج في الدار فلا زكاة فيه، وكل هذا لا يعلم
أحد قاله قبلهم *
وكقول مالك من ترك من الصلاة ثلاث تكبيرات، أو ثلاث تسميعات بطلت صلاته،
فان ترك تكبيرتين فأقل لم تبطل ولا تسميعتين فأقل، وقوله في الزكاة فيما تخرجه الأرض
ومما لا زكاة فيه من ذلك من أنواع الحبوب، وقوله: ان الزكاة تسقط بموت المرء الا
زكاة عامه ذلك، وقوله فيما تخرج منه زكاة الفطر من الحبوب، وقول الشافعي: فيما
يخرج منه الزكاة من الحبوب وما لا يخرج منه، وقوله: فيما يخرج منه زكاة الفطر
من الحبوب وما لا يجزئ فيها منها، وقوله في أن الماء إن كان خمسمائة رطل بالبغدادي
لم يقبل نجاسة الا ان تغيره. فإن كان أقل ولو بوزن درهم فإنه ينجس وان لم يتغير،
وكل هذا لا يعرف له قائل قبل من ذكرنا، ولو تتبعنا ما لكل واحد منهم من مثل هذا
لبلغ لأبي حنيفة، ومالك ألوفا من المسائل، ولبلغ للشافعي مئين وبالله تعالى نتأيد *
81 - مسألة - ولا يحل صوم يوم الفطر ولا يوم الأضحى لافى فرض ولا في
تطوع وهو قول جمهور الناس، وقد روينا من طريق وكيع عن عبد الله بن عون
عن زياد بن جبير قال: سأل رجل ابن عمر عمن نذر صوم يوم فوافق يوم أضحى أو
يوم فطر؟ فقال ابن عمر: أمر الله تعالى بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم
هذا اليوم * وروينا عن عطاء فيمن نذر صوم شوال انه يفطر يوم الفطر ثم يصوم يوما
من ذي القعدة مكانه ويطعم مع ذلك عشرة مساكين
27

قال على: إنما أمر عز وجل بالوفاء بالنذر إذا كان طاعة لا إذا كان معصية، واد
صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والأضحى أو أي يوم نهى عنه فصوم ذلك
اليوم معصية، ولم يأمر الله تعالى قط بالوفاء بنذر معصية، وقد صح في ذلك آثار *
منها ما رويناه من طريق البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب
عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) (1)
فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم
الآخر يوم تأكلون فيه من نسككم، وصح أيضا من طريق أبي هريرة، وأبي سعيد
مسندا * وقال محمد بن الحسن في رواية هشام بن عبد الله عنه: (من نذر أن يصوم الدهر
وأراد بذلك اليمين فعليه ان يصومه ويفطر يوم الفطر والأضحى، وأيام التشريق ولا
يطعم شيئا لكن يوصى عند موته أن يطعم عنه لكل يوم نصف صاع)، وهذا تخليط
لا نظير له *
802 - مسألة - ولا يجوز صيام أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد يوم الأضحى
لافى قضاء رمضان ولا في نذر، ولا في كفارة، ولا لمتمتع بالحج لا يقدر على الهدى
وهو قول أبي حنيفة، والشافعي * وقال مالك: يصومها المتمتع المذكور كلها ولا يصوم
الناذر منها الا اليوم الثالث فقط، ولا يجوز ان يصام شئ منها تطوعا ولا في كفارة *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا عبد الله
ابن مسلمة (القعنبي) (2) نا مالك عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد (3) عن أبي مرة
مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاصي على (أبيه) (4) عمرو بن العاصي
فقرب إليهما (5) طعاما فقال: إني صائم فقال له: كل فهذه (6) الأيام التي كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمرنا بافطارها وينهانا عن صيامها قال مالك: هي أيام التشريق *
نا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر - هو ابن حماد -
نا مسدد نا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن بشر بن سحيم
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادى أيام التشريق انه لا يدخل الجنة الا مؤمن وانها أيام
أكل وشرب) *

(1) الزيادة في صحيح البخاري جزء 3 ص 93: إدارة الطباعة المنيرية
(2) الزيادة من سنن أبي داود ج 2 ص 295
(3) في النسختين (عن يزيد بن عبد الله بن الهادي) باسقاط (أسامة بن) وزدناه من تهذيب التهذيب جزء 11 ص 339، وفى سنن أبي داود ج 2 ص 295 (عن يزيد بن الهاد)
(4) الزيادة من سنن أبي داود ج 2 ص 295
(5) في النسخة رقم (14) (فقرب إليه) وما هنا موافق لسنن أبي داود
(6) في سنن أبي داود (فقال: (كل قال: إني صائم فقال عمر: كل فهذه) الخ
28

قال أبو محمد: تفريق مالك بين اليومين وبين اليوم الثالث لا وجه له أصلا، فان
ذكر ذا كرما رويناه من طريق شعبة قال: سمعت عبد الله بن عيسى - هو ابن أبي ليلى -
عن الزهري عن عروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن عمر قال: عروة عن عائشة، وقال
سالم: عن أبيه ثم اتفقا قالا: لم يرخص في أيام التشريق ان يصمن الا لمن لم يجد الهدى،
وقد أسنده عن شعبة يحيى بن سلام، وس هو ممن يحتج بحديثه، فان هذا موقوف على
أم المؤمنين، وابن عمر رضي الله عنهم، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا
يجوز ان يسند هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم
والظن فان الظن أكذب الحديث) *
وروينا من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين انها كانت
تصوم أيام التشريق * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك بن أبي نعامة عن
أبيه عن ابن عباس انه كان يصوم أيام التشريق * وعن أبي طلحة انه كان لا يفطر إلا يوم
فطر أو أضحى * وعن الأسود أنه كان يصوم أيام التشريق ولو كان مسندا لكان حجة على
المالكيين لأنه أباح اليوم الثالث ان يصومه الناذر وهو خلاف هذا الخبر *
قال أبو محمد: عهدنا بالحنيفيين والمالكيين يقولون فيما وافق أهواءهم من أقوال الصحابة:
هذا لا يقال بالرأي قالوا ذلك في تيمم جابر إلى المرفقين، وفى قول عائشة رضي الله عنها
لام ولد زيد بن أرقم إذا باعت منه عبدا إلى العطاء بثماني مائة ثم اشترته منه بستمائة أبلغ زيدا
انه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ان لم يتب، وهو خبر لا يصح، وخالفوا بذلك
القرآن والسنة الثابتة، وفى التيمم إلى الكوعين فهلا قالوا هنا في قول عائشة، وابن عمر:
مثل هذا لا يقال: بالرأي؟ وعهدنا بهم يقولون فيما خالف أهواءهم من السنن ما تعظم به
البلوى: لا يقبل فيه خبر الواحد، وردوا بذلك الوضوء من مس الذكر فهلا قالوا ههنا:
هذا مما تعظم به البلوى؟ فلا يقبل فيه خبر الواحد، إذا لو كان النهى عن صيام أيام التشريق
صحيحا ما خفى على عائشة، وأبى طلحة، وابن عباس، والأسود، وعهدنا بهم يقولن:
ان الخبر المضطرب فيه مردود، وادعوا ذلك في حديث (لا تحرم المصة ولا المصتان) فهذا
الخبر أشد اضطرابا لأنه روى عن بشر بن سحيم، ومرة عنه عن علي، وعهدنا بهم يقولون
فيما وافقهم: هذا ندب فهلا قالوه ههنا؟ وعهدنا بهم يقولون: إذا روى الصاحب خبرا
وتركه فهو دليل على نسخه، وعائشة قد روت كما ذكرنا النهى عن صيام أيام التشريق وتركت
ذلك فكانت تصومها تطوعا فهلا تركوا ههنا روايتها لرأيها؟ ولا يقدر أحد على أن يقول: إنها
وابن عباس صاماها في تمتع الحج لان يسارهما ويسار الأسود وسعة أموالهم لألف
هدى أشهر من أن يجهله الا من لاعلم له أصلا
29

803 - مسألة - ولا يحل صوم أخرج مخرج اليمين كأن (1) يقول القائل: أنا لا أدخل
دارك فان دخلتها فعلى صوم شهر أو ما جرى هذا المجرى *
نا يونس بن عبد الله بن مغيث نا أبو بكر محمد بن أحمد بن خالد قال: نا أبى نا علي
ابن عبد العزيز نا أبو عبيد القاسم بن سلام نا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفا فلا يحلف الا بالله) *
قال أبو محمد: فصار الحلف بغير الله تعالى معصية، وخلافا لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإذ هو كذلك فقد ذكرنا قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا وفاء لنذر في معصية الله) والنذر
اللازم هو الذي يتقرب به إلى الله تعالى فقط، وهو قول الشافعي، وأحمد بن حنبل،
وأبي سليمان وغيرهم *
804 - مسألة - ولا يحل لذات (2) الزوج أو السيد ان تصوم تطوعا بغير
اذنه، وأما الفروض كلها فتصومها أحب أم كره، فإن كان غائبا لا تقدر على استئذانه
أو تقدر فلتصم التطوع ان شاءت *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا الحسن بن علي
- هو الحلواني - نا عبد الرزاق انا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوم المرأة وبعلها شاهد الا باذنه غير رمضان ولا تأذن
في بيته وهو شاهد الا باذنه) (3) *
قال على: البعل اسم للسيد وللزوج (4) في اللغة، وصيام قضاء رمضان والكفارات
وكل نذر تقدم لها قبل نكاحها إياه مضموم إلى رمضان لان الله تعالى افترض كل ذلك كما افترض رمضان، وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). فأسقط الله عز وجل الاختيار فيما قضى به وإنما
جعل النبي صلى الله عليه وسلم الاذن والاستئذان فيما فيه الخيار، وأما مالا خيار فيه ولا اذن لاحد فيه
ولا في تركه ولا في تغييره فلا مدخل للاستئذان فيه. هذا معلوم بالحس، وهو الذي يقتضى
تخصيصه على السلام اذن البعل فيه، وبالله تعالى التوفيق *
805 - مسألة ونستحب تدريب الصبيان على الصوم في رمضان إذا أطاقوه
وليس ذلك واجبا عليهم لما قد ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث)
فذكر فيهم الصبي حتى يحتلم، وقد ذكرنا في أول كتاب الطهارة وجوب الأحكام بالانبات،

(1) في النسخة رقم (14) (مثل ان)
(2) (أي لصاحبة الزوج)
(3) في سنن أبي داود ج 2 ص 306، قال المنذري وأخرجه مسلم
(4) وقد جاء لسان الشرع أيضا ومنه قوله في حديث الامام (وان تلد الأمة بعلها: المراد بالبعل؟؟
المالك اه‍ نهاية
30

والحيض والله تعالى يقول: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)، وتدريبهم على الصوم
خير، وقد ذكرنا (قبل) (1) قول عمر رضي الله عنه للشيخ الذي وجده سكران في
رمضان: ولداننا صيام، وقد روينا من طريق ابن جريح عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة
عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صام الغلام ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب
عليه صيام شهر رمضان) *
قال أبو محمد: محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة (2) لا شئ الا أن الحنيفيين، والمالكيين،
والشافعيين بروايته أخذوا في (إباحة) (3) كراء الأرض وأبطلوا بها الروايات الثابتة
في تحريم كراء الأرض، فهو حجة إذا اشتهوا وليس هو حجة إذا اشتهوا *
وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا بلغ الغلام خمسة أشبار وجبت عليه
الحدود، وروينا عن ابن سيرين، وقتادة، والزهري يؤمر الغلام بالصلاة إذا عرف
يمينه من شماله، وبالصوم إذا أطاقه * وعن عروة بن الزبير يؤمرون بالصلاة إذا عقلوها،
وبالصوم إذا أطاقوه *
قال على: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * وعن سعيد بن المسيب تكتب
الصلاة على الجارية إذا حاضت وعلى الغلام إذا احتلم *
806 - مسألة - ويجب على من وجد التمر أن يفطر عليه فإن لم يجد فعلى الماء
وإلا فهو عاص لله تعالى ان قامت عليه الحجة فعند (4) ولا يبطل صومه بذلك لان
صومه قد تم وصار في غير صيام، وكذلك لو أفطر على خمر أو لحم خنزير أو زنى
فصومه تام وهو عاص لله تعالى *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا قتيبة بن سعيد نا
سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن عمها سلمان
ابن عامر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فإن لم
يجد تمرا فالماء فإنه طهور) *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا أحمد بن حنبل
نا عبد الرزاق نا جعفر بن سليمان الضبعي نا ثابت البناني انه سمع أنس بن مالك يقول
كان النبي (5) صلى الله عليه وسلم: (يفطر على رطبات قبل أن يصلى فإن لم تكن (رطبات) (6) فعلى

(1) الزيادة في النسخة رقم (14)
(2) قال الحافظ في تقريب التهذيب: بفتح اللام وكسر الموحدة وسكون التحية وفتح الموحدة الأخرى، ويقال: ابن لبينه: كثير الارسال من السادسة
(3) الزيادة في النسخة رقم (14)
(4) بفتحات: أي خالف
(5) في سنن أبي داود جزء 2 ص 278 (كان رسول الله)
(6) الزيادة من سنن أبي داود
31

تمرات فإن لم يكن حسا حسوات (1) من ماء)، وقد قال قوم: ليس هذا فرضا لأنه عليه
السلام قد أفطر في طريق خيبر على السويق فقلنا: وما دليلكم على أنه لم يكن أفطر بعد
على تمر أو انه كان معه تمر؟ والسويق المجدوح بالماء فالماء فيه ظاهر فهو فطر على الماء،
وأيضا فالفطر على كل مباح موافق للحالة المعهودة، والامر بالفطر على التمر - فإن لم يكن
فعلى الماء - امر وارد يجب فرضا، وهو رافع للحالة الأولى بلا شك، وادعى قوم الاجماع
على غير هذا وقد كذب ما ادعى الاجماع وهو لا يقدر على أن يحصى في هذا أقوال (2)
عشرة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وذكروا افطار عمر رضي الله عنه بحضرة
الصحابة على اللبن *
قال أبو محمد: إن كان هذا اجماعا أو حجة فقد خالفوه وأوجبوا القضاء بخلاف قول
عمر في ذلك فقد اعترفوا على أنفسهم خلاف الاجماع، وأما نحن فليس هذا عندنا اجماعا
ولا يكون اجماعا الا مالا شك في أن كل مسلم يقول به، فإن لم يقله فهو كافر كالصلوات
الخمس، والحج إلى مكة، وصوم رمضان ونحو ذلك، وبالله تعالى التوفيق *
807 - مسألة - ويستحب فعل الخير في رمضان حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد
ابن معاوية نا أحمد بن شعيب انا سليمان بن داود - هو المهري - عن ابن وهب أخبرني
يونس - هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة ان (عبد الله) (3)
ابن عباس كأن يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان)،
وذكر باقي الحديث (4) قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *
808 - مسألة - ومن دعى إلى طعام - وهو صائم - فليجب فإذا أتاهم فليدع لهم
وليقل: انى صائم حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود
نا عبد الله بن سعيد نا أبو خالد - هو الأحمر - عن هشام - هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعى أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليطعم
وإن كان صائما فليصل) قال هشام: والصلاة الدعاء (5) *

(1) قال في النهاية: الحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة، والحسوة بالفتح المرة اه‍
(2) في النسخة رقم (14) (في هذا القول)
(3) الزيادة من النسائي ج 4 ص 125
(4) ولفظه (حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة)
(5) الصلاة ان تعدت بالأم فهي الصلاة المعروفة ذات الأقوال والافعال لقوله تعالى (فصلى لربك وانحر) وان تعدت بعلى فهي
الدعاء كقوله تعالى: (وصلى عليهم) ولم تتعد في هذا الحديث بشئ فيحتمل الامرين فحين إذ ان صلى فقط أو دعا فقط أو جمع
بينهما فقد امتثل أمره عليه السلام (فليصلي) قال الطيبي في تفسير قوله (فليصلي) أي ركعتين في ناحية البيت كما فعل النبي صلى الله عليه
وسلم في بيت أم سليم أخرجه البخاري أهو يؤيد الثاني فعل ابن عمر الذي ذكره المصنف بعد وعمل أبي بن كعب والله أعلم بذلك
32

وبه إلى أبى داود نا مسدد نا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعى أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: انى صائم (1)) *
قال أبو محمد: فعليه أن يجمع بن الامرين جميعا * وروينا ان ابن عمر كان إذا دعى
إلى طعام وهو صائم أتاهم فدعا لهم ثم انصرف * ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني
قال: دعاني أنس إلى طعام فقلت: انى لا أطعم فقال: قل: انى صائم * ومن طريق
حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن ابن سيرين ان أباه أو لم بالمدينة سبعة أيام يدعو
الناس فدعا أبي بن كعب وهو صائم فاجابه ودعا لهم ورجع *
(ليلة القدر (2)
809 - مسألة - ليلة (3) القدر واحدة في العام في كل عام، في شهر رمضان
خاصة، في العشر الأواخر خاصة، في ليلة واحدة بعينها لا تنتقل أبدا إلا أنه لا يدرى أحد
من الناس أي ليلة هي من العشر المذكور؟ إلا أنها في وتر منه ولا بد، فإن كان الشهر تسعا
وعشرين فأول العشر الأواخر بلا شك؟ ليلة عشرين منه، فهي إما ليلة عشرين، وإما
ليلة اثنين وعشرين، وإما ليلة أربع وعشرين، واما ليلة ست وعشرين، واما ليلة ثمان
وعشرين، لأن هذه هي الأوتار من العشر (الأواخر (4)، وإن كان الشهر ثلاثين فأول
الشعر الأواخر بلا شك ليلة احدى وعشرين، فهي إما ليلة احدى وعشرين، واما ليلة
ثلاث وعشرين، واما ليلة خمس وعشرين، واما ليلة سبع وعشرين، واما ليلة تسع
وعشرين، لأن هذه هي أوتار العشر بلا شك * وقال بعض السلف: من يقم العام يدركها *
وبرهان قولنا: انها في رمضان خاصة دون سائر العام قول الله تعالى: (انا أنزلناه
في ليلة القدر)، وقال عز وجل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، فصح انه أنزل
في ليلة القدر في شهر رمضان، فصح ضرورة أنها في رمضان لافى غيره، إذا لو كانت في غيره
لكان كلامه تعالى ينقض بعضه بعضا بالمحال، وهذا مالا يظنه مسلم، وروى عن ابن مسعود
انها في ليلة (5) سبع عشرة من رمضان ليلة يوم بدر *
وبرهان صحة قولنا: انها في العشر الأواخر منه ولا بد ما حدثنا عبد الله بن يوسف نا
أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج

(1) جز 2 ص 307 من سنن أبي داود
(2) لم يطل الكلام في هذا المبحث المصنف رحمه الله تعالى وقد طبعنا رسالة شرح الصدر
بذكر ليلة القدر للحافظ ولى الدين ابن الحافظ الزين العراقي، وقد استوعب البحث فيها تماما فارجع إليها ان شئت
(3) في النسخة رقم (14) (وليلة) بزيادة الواو
(4) زيادة لفظ (الأواخر) من النسخة رقم (14)
(5) في النسخة رقم (14) (ليلة) بحذف لفظ (في)
33

نا محمد بن المثنى نا عبد الأعلى نا سعيد بن أبي نضرة عن أبي سعيد (الخدري (1) قال:
(اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن
تبان له (قال فلما انقضين أمر بالبناء فقوض (2)) ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر
فامر بالبناء فأعيد ثم (خرج على الناس (3)) فقال: يا أيها الناس انها كانت أبينت لي
ليلة القدر وانى خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان (4) معهما الشيطان فنسيتها
فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة، ثم
فسرها (5) أبو سعيد فقال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنتين وعشرين (6)
فهي التاسعة فإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة فإذا مضى خمس وعشرون
فالتي تليها الخامسة) *
قال أبو محمد: هذا على ما قلنا من كون رمضان تسعا وعشر ين * وبه إلى مسلم نا
زهير بن حرب نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن
رجالا رأوا (7) انها ليلة سبع وعشرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤيا كم في العشر
الأواخر فاطلبوها في الوتر منها) *
قال أبو محمد: هذه الأخبار تصحح ما قلنا إذا لو كانت تنتقل لما كان لاعلام النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة
لأنها كانت لا تثبت، ولوجب إذا خرج ليخبرهم بها ان يخبرهم بها عاما عاما إلى يوم القيامة،
وهذا محال، وإذا نسيها عليه السلام فمن المحال الباطل ان يعلمها أحد بعده وإذا لم يقطع
عليه السلام برؤيا من رأى من أصحابه فرؤيا من بعدهم أبعد من القطع بها، وقد روى
عن أبي بن كعب انها ليلة سبع وعشرين وليس قوله بأولى من قول ابن مسعود *
(فان قيل) قد جاء ان علامتها ان الشمس تطلع حينئذ لا شعاع لها، قلنا: نعم ولم يقل عليه
السلام: ان ذلك يظهر الينا فنعلم من ذلك ما لم يعلمه هو عليه السلام، فيكون ذلك أول
طلوعها بحيث لا يتبين ذلك فيها أحد (فان قيل): قد قال عليه السلام: (انه أرى انه

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 324
(2) الزيادة من صحيح مسلم، وقوله (فقوض) هو بقاف مضمومة وواو مكسورة مشددة وضاد معجمة، ومعناه أزيل
(3) الزيادة من صحيح مسلم
(4) هو بالقاف، ومعناه يطلب كل واحد منهما حقه ويدعى انه المحق
(5) أي بعدما سئل عن ذلك ونص عبارة مسلم: قال قلت: يا أبا سعيد انكم اعلم بالعدد منا قال: اجل
نحن أحق بذلك منكم قال قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة قال: إذا مضت إلى الخ
(6) الذي في النسخة رقم (14) (فإذا صمت واحدة وعشرين في التي تليها فالتي تليها اثنتان وعشرون) قال النوري في شرح مسلم هكذا هو في أكثر النسخ (ثنتين وعشرين) بالياء، وفى بعضها
(اثنتان وعشرون) بالألف والواو والأول أصوب وهو منصوب بفعل محذوف تقديره أعني ثنتين وعشرين اه‍ وقوله: (فإذا
صمت) بالصاد المهملة في النسخة رقم (14) غلط
(7) في النسخة رقم (16) (ان رجلا رأى) وفى صحيح مسلم ج 1 ص 323 (عن أبيه قال: رأى رجل ان ليلة القدر ليلة سيع وعشرين)
34

يسجد في صبيحتها في ماء وطين) فكان ذلك صباح ليلة احدى وعشرين قلنا: نعم وقد
وكف المسجد (1) أيضا في صبيحة ليلة ثلاث وعشرين فسجد عليه السلام في ماء وطين *
روينا هذا من طريق مسلم بن الحجاج عن سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد
ابن الأشعث الكندي (2) أنا أبو ضمرة أنس بن عياض حدثني الضحاك بن عثمان (3)
عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر (4) بن سعيد عن عبد الله بن أنيس ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين قال:
فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وان أثر الماء والطين على جبهته
وأنفه)، (قال) (5) وكان عبد الله بن أنيس يقول: ثلاث وعشرون (6)، وقد يمكن
ان تكف السماء في العشر الأواخر كلها فبقي الامر بحسبه *
ومن طرائف الوسواس احتجاج ابن بكير المالكي في أنها ليلة سبع وعشرين بقول
الله تعالى: (سلام هي) قال: فلفظة هي. هي السابعة وعشرون من السورة، قال أبو محمد:
حق من قام هذا في دماغه ان يعاني بما يعاني به (7) سكان المارستان نعوذ بالله من البلاء،
ولو لم يكن له من هذا أكثر من دعواه (8) انه وقف على ما غاب من ذلك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم ينس من علم الغيب ما أنساه الله عز وجل نبيه عليه السلام، ومن بلغ إلى هذا
الحد (9) فجزاؤه ان يخذله الله تعالى مثل هذا الخذلان العاجل ثم في الآخرة أشد تنكيلا *
810 - مسألة - ويستحب الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر) وإنما تلتمس بالعمل الصالح لا بأن
لها صورة وهيئة يمكن الوقوف عليها بخلاف سائر الليالي كما يظن أهل الجهل إنما قال تعالى:
(في ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم) وقال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر
تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)، فبهذا
بانت عن سائر الليالي فقط والملائكة لا يراهم أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، نسأل الله تعالى التوفيق
والهدى والعصمة آمين *
(تم كتاب الصيام والحمد الله رب العالمين كثيرا، وصلى الله على محمد
عبده ورسوله وسلم تسليما كثيرا)

(1) أي قطر ماء المطر من سقفه
(2) في صحيح مسلم ج 1 ص 325 (وعلي بن خشرم قالا)
(3) في صحيح مسلم زيادة (وقال ابن خشرم: عن الضحاك بن عثمان)
(4) في النسخة رقم (14) (عن بشر) بالشين المعجمة وهو غلط
(5) الزيادة من صحيح مسلم
(6) كذا في النسختين وفى صحيح مسلم (ثلاث وعشرين) قال النووي هكذا هو في معظم النسخ، وفى بعضها ثلاث وعشرون، وهذا ظاهر والأول جار على لغة شاذة انه يجوز حذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا أي ليلة ثلاث وعشرين اه‍
(7) في النسخة رقم (16) (بما يعاناه)
(8) في النسخة رقم (16) (من دعوى)
(9) في النسخة رقم (16) سقط لفظ (الحد) خطط
35

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج
811 - مسألة - قال أبو محمد (1): الحج إلى مكة والعمرة إليها (2) فرضان
على كل مؤمن عاقل بالغ ذكر أو أنثى، بكر أو ذات زوج، الحر والعبد، والحرة والأمة،
في كل ذلك سواء مرة في العمر إذا وجد من ذكرنا إليها سبيلا، وهما أيضا على أهل
الكفر الا أنه لا يقبل منهم الا بعد الاسلام، ولا يتركون ودخول الحرم حتى يؤمنوا *
أما قولنا بوجوب الحج - على المؤمن العاقل البالغ الحر، والحرة التي لها زوج أو ذو
محرم يحج معها مرة في العمر - فاجماع متيقن، واختلفوا في المرأة لا زوج لها ولاذا محرم،
وفى الأمة والعبد، وفى العمرة *
برهان صحته قولنا: قول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)
فعم تعالى ولم يخص، وقال عز وجل: (وأتموا الحج والعمرة لله)، *
وقال قوم: العمرة ليست فرضا واحتجوا بما رويناه من طريق الحجاج بن أرطاة عن ابن
المنكدر عن جابر (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أفريضة هي؟ قال: لا وان تعتمر
خير لك * وبما رويناه عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح ماهان الحنفي عن النبي
صلى الله عليه وسلم (الحج جهاد والعمرة تطوع) (4) * ومن طريق يحيى بن أيوب عن
عبد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر (قلت: يا رسول الله العمرة فريضة كالحج قال:
لاوان تعتمر خير لك) * ومن طريق حفص بن غيلان عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي
عن النبي صلى الله عليه وسلم (من مشى إلى صلاة مكتوبة فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع
فهي كعمرة تامة) * ومن طريق يحيى بن الحارث عن القاسم أبى عبد الرحمن عن أبي
أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من مشى إلى مكتوبة فأجره كأجر الحاج، ومن مشى إلى
تسبيح الضحى فأجره كأجر المعتمر) (5) * ومن طريق محاضر بن المورع عن الأحوص

(1) زيادة (قال أبو محمد) من النسخة رقم (16)
(2) لفظ (إليها) زيادة من النسخة رقم (14) ومرجع الضمير مكة *
(3) رواء أحمد بن حنبل في المسند ج 3 ص 317، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص ص 204 والترمذي والبيهقي من
رواية الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عنه، والحجاج ضعيف، قال البيهقي: المحفوظ عن جابر موقوف اه‍ ورواه الدارقطني
ص 283
(4) قال الحافظ في التلخيص: وفى الباب عن أبي هريرة وابن حزم والبيهقي واسناده ضعيف،
وأبو صالح ليس هو ذكوان السمان بل هو أبو صالح ماهان الحنفي، كذلك رواه الشافعي عن سعيد بن سالم عن الثوري عن معاوية
ابن إسحاق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحج جهاد والعمرة تطوع)، ورواه ابن ماجة من حديث
طلحة ج 2 ص 120 واسناده ضعيف، والبيهقي من حديث ابن عباس، ولا يصح من ذلك شئ اه‍ أقول: ولم أجده في سنن
الدارقطني عن أبي صالح والله أعلم
(5) رواه ابن ماجة ج 2 ص 130 وفيه عمر بن قيس وهو ضعيف كما يقول المصنف بعد
36

ابن حكيم عن عبد الله بن عابر الألهاني عن عتبة بن عبد السلمى، وعن أبي أمامة الباهلي
كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى في مسجد جماعة ثم ثبت فيه سبحة الضحى كان
له كأجر حاج ومعتمر) * ومن طريق عبد الباقي بن قانع حديثا فيه عمر بن قيس عن
طلحة بن موسى عن عمه إسحاق بن طلحة عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحج
جهاد والعمرة تطوع) (1) * ومن طريق ابن قانع عن أحمد بن محمد بن بحير العطار
عن محمد بن بكار عن محمد بن الفضل بن علية عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (الحج جهاد والعمرة تطوع) * ومن طريق عبد الباقي بن
قانع نا بشر بن موسى نا ابن الأصبهاني نا جرير وأبو الأحوص عن معاوية بن إسحاق
عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (الحج جهاد والعمرة تطوع) *
وقالوا: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) *
وروى أبو داود نا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: نا زيد بن هارون عن سفيان بن حسين
عن الزهري عن ابن سنان عن أبي عباس ان الأقرع بن حابس (2) قال: (يا رسول الله
الحج في كل عام (3) أم مرة واحدة؟ قال: بل مرة واحدة فما زاد فتطوع) قالوا:
فقد صح انه لا يلزم الا حجة واحدة فالعمرة تطوع لدخولها في الحج وقالوا: قول الله
تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) لا يوجب كونها فرضا وإنما يوجب اتمامها على من
دخل فيها لا ابتداءها لكن كما تقول: أتم الصلاة التطوع، والصوم التطوع، وقالوا:
لما كانت العمرة غير مرتبطة بوقت وجب أن لا تكون فرضا، - وروينا (4) عن
إبراهيم النخعي. والشعبي انها تطوع *
قال أبو محمد: هذا كل ما موهوا به وكله باطل، أما الأحاديث التي ذكروا
فمكذوبة كلها، أما حديث جابر فالحجاج بن أرطاة ساقط لا يحتج به، والطريق الأخرى
أسقط وأوهن لأنها من طريق يحيى بن أيوب وهو ضعيف عن العمرى الصغير وهو
ضعيف * وأما حديث أبي صالح ماهان الحنفي فهو مرسل، وماهان هذا ضعيف
كوفي * وأما حديث أبي أمامة فاحد طرقه عن حفص بن غيلان وهو مجهول عن مكحول
عن أبي أمامة ولم يسمع مكحول من أبى امامة شيئا، والأخرى من طريق القاسم -
أبى عبد الرحمن - وهو ضعيف * والثالثة (5) - من طريق محاضر بن المورع (6) وهو
ضعيف عن الأحوص بن حكيم وهو ساقط عن عبد الله بن عابر وهو مجهول وهو حديث

(1) رواه الطبراني
(2) في سنن أبي داود ج 2 ص 71 زيادة (سأل النبي صلى الله عليه وسلم) الخ
(3) في سنن أبي داود (في كل سنة)
(4) النسخة في رقم (16) سقط الواو هنا
(5) في النسخة رقم (14) (الثالث) وما هنا أولى تناسبا
(6) في النسخة رقم (14) (الموزع) هنا وفيما سبق قريبا بالزاي وصوابه بالراء المهملة
37

منكر ظاهر الكذب لأنه لو كان أجر العمرة كأجر من مشى إلى صلاة تطوع لما كان -
لما تكلفه النبي صلى الله وعليه وسلم من القصد إلى العمرة إلى مكة من المدينة - معنى، ولكان فارغا
ونعوذ بالله من هذا * وأما حديث طلحة فمن طريق عبد الباقي بن قانع وقد أصفق
أصحاب (1) الحديث على تركه، وهو راوي كل بلية وكذبة، ثم فيه عمر بن قيس مندل
وهو ضعيف * وأما حديث ابن عباس فمن طريق عبد الباقي بن قانع ويكفى، ثم هو عن
ثلاثة مجهولين في نسق لا يدرى من هم، وأما حديث أبي هريرة فكذب بحت من بلايا
عبد الباقي بن قانع التي انفرد بها والناس رووه مرسلا من طريق أبى صالح ماهان كما
أوردنا قبل فراد فيه أبا هريرة وأوهم انه أبو صالح السمان فسقطت كلها ولله الحمد *
ولو شئنا لعارضناهم بما روينا من طريق ابن لهيعة عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: (الحج والعمرة فريضتان واجبتان) ولكن يعيذنا الله عز وجل ومعاذ الله
والشهر الحرام من أن تحتج بما ليس حجة، ولكن ابن لهيعة إذا روى ما يوافقهم صار
ثقة وإذا روى ما يخالفهم صار ضعيفا، والله ما هذا فعل من يوقن انه محاسب كلامه
في دين الله تعالى *
قال أبو محمد: وعهدنا بهم يقولون: ان الصاحب إذا روى خبرا وتركه كان ذلك
دليلا على ضعف ذلك الخبر، وقد حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم ابن
أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة -
عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: الحج والعمرة واجبتان *
وبه نصا إلى سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال في الحج والعمرة:
انها لقرينتها في كتاب الله (2)، وهذا عن ابن عباس من طرق في غاية الصحة انها واجبة
كوجوب الحج *
ونا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري
نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أبو قلابة نا الأنصاري - هو محمد بن عبد الله القاضي - انا ابن جريج
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ليس مسلم الا عليه حجة وعمرة من
استطاع إليه سبيلا *
قال أبو محمد: فلو صح ما رووا من الكذب الملفق لوجب على أصولهم الخبيثة المفتراة
اسقاط كل ذلك إذا كان ابن عباس وجابر رويا تلك الأخبار بزعمهم قد صح عنهما

(1) في النسخة رقم (14) (أهل) بدل (أصحاب) وأنظر الكلام على عبد الباقي بن قانع في الجزء السادس من هذا الكتاب ص 168
(2) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: رواه الشافعي وسعيد بن منصور، والحاكم والبيهقي، وعلقه البخاري ج 3 ص 15
38

خلافها، ولكن القوم متلاعبون كما ترون، ونعوذ بالله من الخذلان (1) *
قال أبو محمد: ثم لو صحت كلها - ومعاذ الله من أن يصح الباطل والكذب - لما كانت
لهم في شئ منها حجة لما حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا محمد بن عبد الأعلى
الصنعاني نا خالد - هو ابن الحارث - نا شعبة قال: سمعت النعمان بن سالم قال:
سمعت عمرو بن أوس يحدث عن أبي رزين العقيلي (أنه قال: يا رسول الله إن أبى شيخ
كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن (2) قال: فحج عن أبيك واعتمر) *
فهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء فرض الحج والعمرة عمن لا يطيقهما، فهذا حكم
زائد وشرع وارد، وكانت تكون تلك الأحاديث موافقة لمعهود الأصل فان الحج
والعمرة قد كانا بلا شك تطوعا لا فرضا فإذا أمر بها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد
بطل ونهما تطوعا بلا شك وصارا فرضين، فمن ادعى بطلان هذا الحكم وعودة
المنسوخ فقد كذب وأفك وافترى، وقفا ما ليس له به علم، فبطل كل خبر مكذوب موهوا
به لو صح فكيف وكلها باطل؟ *
وأما قول من قال: إن اخبار النبي صلى الله عليه وسلم بدخول العمرة في الحج وبأنه ليس على
المرء الا حجة واحدة دليل على أنها ليست فرضا فهذيان لا يعقل بل هذا برهان واضح
في كون العمرة فرضا لأنه عليه السلام أخبر بأنها دخلت في الحج، ولا يشك ذو عقل
في أنها لم تصر حجة، فوجب أن دخولها في الحج إنما هو من وجهين فقط، إحداهما أنه
يجزئ لهما عمل واحد في القران، والثاني دخولها في أنها فرض كالحج، (فان قالوا):
قد جاء أنها الحج الأصغر قلنا: لو صح هذا لكان حجة لنا لان القرآن قد (3) جاء
بايجاب الحج فكانت حينئذ تكون فرضا بنص قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت
من استطاع إليه سبيلا) لكنا لا نستحل التمويه لا يصح مع أن الخبر الذي ذكروا
عن ابن عباس لا حجة لهم فيه لان راويه أبو سنان الدؤلي وقد قال فيه عقيل سنان (4):
هو مجهول غير معروف، وأيضا فإنهم كذبوا فيه وحرفوه وأوهموا ان فيه من لفظ

(1) في النسخة رقم (14) (من ذلك) بدل (من الخذلان)
(2) في سنن النسائي جزء 5 ص 117 (والظعن) بحذف (لا) *
(3) لفظ (قد) زيادة من النسخة رقم (14)
(4) تقدم الحديث في ص 37 ورواه المصنف بسنده عن أبي داود صاحب
السنن، وقد قال أبو داود بعد ما روى الحديث: هو أبو سنان الدؤلي كذا قال عبد الجليل بن حميد، وسليمان بن كثير جميعا عن
الزهري، وقال عقيل: عن سنان اه‍ فقول المصنف بعد: ((هو مجهول غير معروف) من كلامه وليس من كلام عقيل، وأبو سنان
اسمه يزيد ين أمية، وأبو سنان كنيته وهو مشهور بها، وذكره ابن عبد البر في أسماء الصحابة انظر تهذيب التهذيب جزء 11 ص
314، قال ابن حجر في التلخيص: ورواه أحمد بن حنبل والنسائي وابن ماجة والبيهقي، وروى الحاكم والترمذي له شاهدا
من حديث على وسنده منقطع، واصله في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة اه‍
39

النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس على المرء الا حجة واحدة وليس هذا في ذلك الخبر أصلا وإنما فيه
ان الحج مرة واحدة وهذا لا يمنع من وجوب العمرة. اما مع الحج مقرونة. واما معه في
عام واحد فصار حجة لنا عليهم *
وأما قولهم: ان الله تعالى إنما أمر باتمامها من دخل فيها لابتدائها، وان بعض الناس
قرأ (والعمرة لله) بالرفع فقول كله باطل لأنها دعوى بلا برهان، وقول تعالى: (وأتموا
الحج والعمرة لله) لا يقتضى ما قالوا وإنما يقتضى وجوب المجئ بهما تامين وحتى لو صح
ما قالوه (1) لكان حجة عليهم لأنه إذا كان الداخل فيها مأمورا باتمامها فقد صارت
فرضا مأمورا به، وهذا قولنا لا قولهم الفاسد المتخاذل، وابن عباس حجة في اللغة *
وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس
قال: سمعت ابن عباس يقول: والله انها لقرينتها في كتاب الله عز وجل (وأتموا الحج
والعمرة لله) (2) فابن عباس يرى هذا النص موجبا لكونها فرضا كالحج بخلاف كيس
هؤلاء الحذاق باللغة بالضد، وبهذا احتج مسروق، وسعيد بن المسيب، وعلى
ابن الحسين، ونافع في ايجابها، ومسروق وسعيد حجة في اللغة (فان قالوا): أنتم
تقولون: بهذا في الحج التطوع، والعمرة التطوع قلنا: لابل هما تطوع غير لازم جملة
ان تمادى فيهما أجر وإلا فلا حرج، ولو كان غير هذا لكان الحج يتكرر فرضه مرات،
وهذا خلاف حكم الله تعالى في أنه لا يلزم الا مرة واحدة (3) في الدهر (فان قالوا):
فإنكم تقولون: باتمام النذر واتمام قضاء صوم التطوع على من أفطر فيه قلنا: نعم لان
كل ذلك صار فرضا زائدا بأمر الله تعالى بذلك وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما الحج فرض
مرة واحدة على من لم ينذره لاعلى من نذره بل هو على من نذره فرض آخر لا نضرب (4)
أوامر الله تعالى بعضها ببعض بل نضم بعضها إلى بعض ونأخذ بجميعها * وأما القراءة
(والعمرة لله) بالرفع فقراءة منكرة لا يحل لاحد أن يقر أبها، وسبحان من جعلهم
يلجأون إلى تبديل القرآن فيحتجون به! *
وأما قولهم: لو كانت فرضا لكانت مرتبطة بوقت فكلام سخيف لم يأت به قط
قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا قول صاحب ولا إجماع ولا قياس يعقل، وهم
موافقون لنا على أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض ولو مرة في الدهر وليست
مرتبطة بوقت، وان النذر وليس مرتبطا بوقت، وان قضاء رمضان فرض وليس

(1) في النسخة رقم (16) (ما قالوا)
(2) تقدم في ص 38.
(3) سقط لفظ (واحدة) من النسخة رقم (14) *
(4) في النسخة رقم (14) (تضرب) بالتاء في أوله، وكذلك ما بعده (تضم) وما هنا أوضح بدليل اتفاق النسخ بعد في لفظ (ونأخذ) فإنه بالنون فيها
40

مرتبطا بوقت، والاحرام للحج عندهم فرض وليس عندهم مرتبطا بوقت، فظهر هوس
ما يأتون به *
قال أبو محمد: روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الوهاب - هو ابن عبد المجيد - الثقفي
عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن زيد بن ثابت قال فيمن يعتمر قبل ان يحج:
نسكان لله عليك لا يضرك بأيهما بدأت * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني
نافع مولى ابن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة (1)
وعمرة واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلا ومن زاد بعدهما شيئا فهو خير وتطوع *
ومن طريق أبي إسحاق عن مسروق عن ابن مسعود قال: أمرتم بإقامة الصلاة والعمرة
إلى البيت، وقد ذكرناه آنفا عن جابر، وابن عباس * ومن طريق قتادة قال عمر بن
الخطاب: يا أيها الناس كتبت عليكم العمرة * وعن أشعث عن ابن سيرين قال: كانوا
لا يختلفون ان العمرة فريضة، وابن سيرين أدرك الصحابة وأكابر التابعين * وعن
معمر عن قتادة قال: العمرة واجبة * ومن طريق سفيان الثوري، ومعمر عن داود
ابن أبي هند قلت لعطاء: العمرة علينا فريضة كالحج؟ قال: نعم * وعن يونس بن عبيد
عن الحسن، وابن سيرين جميعا العمرة واجبة * وعن طاوس العمرة واجبة * وعن
سعيد بن جبير العمرة واجبة فقيل له: ان فلانا يقول: ليست واجبة فقال: كذب ان
الله تعالى يقول: (وأتموا الحج والعمرة لله) (2) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن أبي إسحاق السبيعي قال: سمعت مسروقا يقول (3): أمرتم في القرآن بإقامة أربع.
الصلاة. والزكاة. والحج. والعمرة، قال أبو إسحاق: وسمعت عبد الله بن شداد
يقول: العمرة الحج الأصغر * وعن سعيد بن المسيب إنما كتبت على عمرة وحجة *
وعن مجاهد الحج والعمرة فريضتان * وعن منصور عن مجاهد العمرة الحجة الصغرى *
وعن علي بن الحسين انه سئل عن العمرة؟ فقال: ما نعلمها إلا واجبة (وأتموا الحج والعمرة
لله) * وعن حماد بن زيد عن عبد الرحمن بن السراج (4) قال: سألت هشام بن عروة
ونافعا مولى ابن عمر عن العمرة أواجبة هي -؟ فقرءا جميعا (وأتموا الحج

(1) كذا في النسخة رقم (16) (الا عليه حجة) باسقاط الواو، وفى نسخة رقم (14) (الا وعليه حج) وما هنا موافق لما
سيأتي قريبا
(2) ذكر هذا الأثر ابن جرير الطبري في تفسيره ج 2 ص 121، وفيه أقوال كثيرة للسلف أنظره هناك تجد ما يسرك *
(3) سقط لفظ (بقول) من النسخة رقم (16) خطأ، وذكر هذا الأثر ابن جرير الطبري في تفسيره ج 2 ص 121 بلفظ قريب من هذا
(4) في النسخة رقم (14) (عبد الرحمن السراح) بالحاء المهملة في آخره وهو غلط، وهو عبد الرحمن بن عبد الله
السراج - بالجيم - البصري، انظر تهذيب التهذيب جزء 6 ص 218
41

والعمرة لله) * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا مغيرة - هو ابن مقسم - عن
الشعبي أنه قال في العمرة: هي واجبة * وعن شعبة عن الحكم قال: العمرة واجبة *
قال أبو محمد: وهو قول سفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق،
وأبي سليمان وجميع أصحابهم * وقال أبو حنيفة ومالك: ليست فرضا، والقوم يعظمون
خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف وهم قد خالفوا ههنا عمر بن الخطاب، وابنه
عبد الله، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وزيد بن ثابت ولا يصح
عن أحد من الصحابة خلاف لهم في هذا الا رواية ساقطة من طريق أبى معشر عن إبراهيم
ان عبد الله قال: العمرة تطوع، والصحيح عنه خلاف هذا كما ذكرنا، وعهدنا بهم
يعظمون خلاف الجمهور وقد خالفوا (ههنا) (1) عطاء، وطاوسا، ومجاهدا، وسعيد بن
جبير، والحسن، وابن سيرين، ومسروقا، وعلي بن الحسين، ونافعا مولى ابن عمر،
وهشام بن عروة، والحكم بن عتيبة، وسعيد بن المسيب، والشعبي، وقتادة وما نعلم لمن قال:
ليست واجبة سلفا من التابعين الا إبراهيم النخعي وحده، ورواية عن الشعبي قد صح عنه
خلافها كما ذكرنا، وتوقف في ذلك حماد بن أبي سليمان *
قال أبو محمد: وموه بعضهم بحديثين هما من أعظم الحجة عليهم، أحدهما الخبر
الثابت في الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الاسلام؟ فأخبره بالصلاة. والزكاة.
والصيام. والحج فقال: هل على غيرها يا رسول الله؟ قال: لا إلا أن تطوع، والثاني
خبر ابن عمر (بنى الاسلام على خمس) فذكر شهادة التوحيد. والصلاة. والزكاة.
والصيام. والحج (2) *
قال أبو محمد: وهما - من أقوى حججنا (3) عليهم لصحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) فصح أنها واجبة بوجوب الحج، وان
فرضها دخل في فرض الحج، وأيضا فحتى لو لم يأت هذا الخبر لكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم
وورود القرآن بها شرعا زائدا وفرضا واردا مضافا إلى سائر الشرائع المذكورة، وكلهم
يرى النذر فرضا، والجهاد إذا نزل بالمسلمين (3) فرضا، وغسل الجنابة فرضا، والوضوء
فرضا، وليس ذلك مذكورا في الحديثين المذكورين، ولم يروا الحديثين المذكورين حجة
في سقوط فرض كل ما ذكرنا، فوضع تناقضهم وفساد مذهبهم في ذلك والحمد لله رب العالمين *
812 - مسألة - وأما حج العبد والأمة فان أبا حنيفة، ومالكا، والشافعي قالوا:
لا حج عليه فان حج لم يجزه ذلك من حجة الاسلام * وقال أحمد بن حنبل: إذا عتق

(1) الزيادة من النسخة رقم (14) *
(2) في النسخة رقم (14) (وصوم رمضان وحج البيت) وما هنا أولى نظما
(3) في النسخة رقم (14) (وهما من أقوى حجتنا وما هنا أحسن
(4) حذف الفاعل من النسخ للعلم به: تقديره العدو
42

بعرفة أجزأته تلك الحجة * وقال بعض أصحابنا: عليه الحج كالحر، وقد ذكرنا آنفا
عن جابر، وابن عمر (1) قال أحدهما: مامن مسلم، وقال الآخر: مامن أحد من
خلق الله الا عليه عمرة وحجة فقطعا وعما ولم يخصا انسيا من جنى، ولا حرا من عبد، ولا
حرة من أمة، ومن ادعى عليهما تخصيص الحر والحرة فقد كذب عليهما، ولا أقل حياء
ممن يجعل قول ابن عمر (بنى الاسلام على خمس) حجة في اسقاط فرض العمرة. وهو حجة
في وجوب فرضها كما ذكرنا ولا يجعل قوله ما أحد من خلق الله الا عليه حجة وعمرة حجة
في وجوب الحج على العبد (فان قيل) لعلهما أرادا الا العبد قيل هذا هو الكذب
بعينه ان يريدا الا العبد ثم لا يبينانه، وأيضا فلعلهما أرادا الا المقعد، والا الأعمى،
والا الأعور، وإلا بنى تميم، والا أهل إفريقية، وهذا حمق لاخفاء به، ولا يصح مع
هذه الدعوى قولة لاحد أبدا، ولعل كل ما أخذوا به من قول أبي حنيفة. ومالك.
والشافعي ليس على عمومه ولكنهم أرادوا تخصيصا لم يبينوه (2) وهذه طريق السوفسطائية
نفسها، ولا يجوز أن يقول أحد ما لم يقل الا ببيان وارد متيقن ينبئ بأنه أراد غير مقتضى
قوله، وقد ذكروا ههنا قول الله تعالى: (تدمر كل شئ بأمر ربها) * (وأوتيت من
كل شئ) * (وما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم)، وكل هذا لا حجة لهم
فيه لأنها إنما دمرت بنص الآية كل شئ بأمر ربها فدمرت ما أمرها ربها بتدميره لا ما لم
يأمرها، وما تذر من شئ أتت عليه فإنما جعلت كالرميم ما أتت عليه لا ما لم تأت عليه بنص
الآية، وأوتيت من كل شئ لا يقتضى إلا بعض الأشياء لان من للتبعيض، فمن آتاه الله
شيئا ما قل أو كثر فقد آتاه من كل شئ لان كل شئ هو العالم كله، فمن أوتى شيئا فقد
اوتى من العالم كله، وهذا بين وبالله تعالى التوفيق *
وكتب إلى أبو المرجى الحسين بن عبد الله بن زروار المصري قال: نا أبو الحسن
الرحبي - نا أبو مسلم الكاتب نا أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المفلس نا عبد الله
ابن أحمد بن حنبل نا أبى نا زيد بن الحباب العكلي نا ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله بن الأشج
قال: سألت القاسم بن محمد، وسليمان بن يسار عن العبد إذا حج باذن سيده؟ فقالا جميعا:
تجزئ عنه من حجة الاسلام فإذا حج بغير اذن سيده لم تجره * وبه إلى زيد بن الحباب
انا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: إذا حج العبد وهو مخلى فقد أجزأت
عنه حجة الاسلام *

(1) أنظره في ص 41
(2) في النسخة رقم (16) (لم ينسوه) وهو غلط ولعله لم ينسوه
43

قال أبو محمد: واحتج من لم ير للعبد حجا بما رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع
عن يونس بن أبي إسحاق قال: سمعت شيخا يحدث أبا إسحاق عن محمد بن كعب القرظي
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما صبي حج به أهله ثم مات أجزأ عنه وان أدرك فعليه الحج، وأيما
مملوك حج به (1) أهله ثم مات أجزأ عنه وان عتق فعليه الحج) *
قال أبو محمد: هذا مرسل، وعن شيخ لا يدرى اسمه ولا من هو * واحتجوا أيضا
بخبر رويناه من طريق عثمان بن خرزاذ الأنطاكي (2) نا محمد بن المنهال الضرير نا يزيد
ابن زريع نا شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أيما صبي حج لم يبلغ الحنث فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه ان يحج
حجة أخرى) *
قال على: وهذا خبر رواه من هو أوثق من عثمان بن خرزاذ عن محمد بن المنهال
عن يزيد بن زريع عن شعبة، ومن هو ان لم يكن فوق بن زريع لم يكن دونه عن
شعبة فأوقفه أحدهما على ابن عباس وأسنده الآخر بزيادة نا محمد بن سعيد بن نبات نا
أحمد بن عون الله نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا
محمد بن أبي عدى ومحمد بن المنهال قال ابن المنهال: نا يزيد بن زريع نا شعبة، وقال
ابن أبي عدى: نا شعبة ثم اتفقا عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس
قال يزيد بن زريع: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حج الصبي فهي له حجة صبي
حتى يعقل فإذا عقل فعليه حجة أخرى وإذا حج الاعرابي فهي له حجة أعرابي فإذا هاجر
فعليه حجة أخرى)، وأوقفه ابن أبي عدى على ابن عباس من قوله، وأوقفه أيضا
سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس من قوله، وأوقفه أيضا أبو السفر،
وعبيد صاحب الحلى، وقتادة على ابن عباس *
قال أبو محمد: إن كان هذا الخبر حجة في أن لا يجزئ العبد حجه فهو حجة (3) في أن
لا يجزئ الاعرابي حجه ولافرق، وهو قول ابن عباس الثابت عنه كما أوردنا،
وكذلك أيضا رويناه من طريق أبى معاوية. وسفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان
عن ابن عباس من قوله في إعادة الحج على الصبي إذا احتلم، وعلى العبد إذا عتق. وعلى
الاعرابي إذا هاجر وهو قول الحسن كما روينا عن ابن أبي (4) شيبة عن علي بن هاشم
عن إسماعيل عن الحسن البصري قال: الصبي ان حج، والمملوك ان حج، والأعرابي

(1) في النسخة رقم (16) (حج عنه)
(2) هو عثمان بن عبد الله بن محمد بن خرزاد - بضم الخاء المعجمة وتشديد الراء
بعدها زاي - البصري أبو عمر ونزيل أنطاكية
(3) سقطت جملة (فهو حجة) من النسخة رقم (16) خطأ
(4) لفظ (أبى) سقط من النسخة رقم (16) خطأ
44

ان حج ثم هاجر الاعرابي، واحتلم الصبي، وعتق العبد فعليهم الحج، وقال عطاء: أما الاعرابي فيجزئه حجه وأما الصبي والمملوك (1) فعليهما الحج * وقال إبراهيم النخعي:
لا يجزى العبد حجه إذا أعتق وعليه حجة أخرى، وأما الاعرابي فيجزئه حجه * وقد
روينا أيضا مثل هذا عن الحسن، وعن الزهري، وطاوس، وما نعلم أحدا من التابعين روى
عنه في هذا الباب شئ غير ما ذكرنا، ولا عن الصحابة غير ما أوردنا *
قال أبو محمد: فمن أعجب شأنا ممن يدعى الاجماع في هذا وليس معه فيه الا خمسة من
التابعين، أحدهم مختلف عنه في ذلك، وقد روينا (2) مثل قولنا عن ثلاثة من التابعين،
وعن اثنين من الصحابة رضي الله عنهم وهم قد خالفوا في هذه المسألة كل قول جاء في
ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم فلم يجعلوا
ما روى عن ستة من الصحابة وأربعة عشر من التابعين في أن العمرة فرض ولا يصح عن
أحد من الصحابة في ذلك خلاف ولا عن أحد من التابعين الا عن واحد باختلاف فلم
يجعلوه (3) اجماعا *
قال أبو محمد: لا تخلو رواية عثمان بن خرزاذ، ومحمد بن بشار عن محمد بن المنهال
عن يزيد بن زريع من أن تكون صحيحة أو غير صحيحة فإن كانت غير صحيحة فقد
كفينا المؤنة فيها وإن كانت صحيحة وهو الأظهر فيما - لان رواتها ثقات - فإنه خبر
منسوخ بلا شك *
برهان ذلك ان هذا الخبر بلا شك كان قبل فتح مكة لان فيه إعادة الحج على من حج
من الاعراب قبل هجرته، وقد حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب
ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن عبد الله بن نمير
نا أبى نا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن
عطاء عن عائشة أم المؤمنين (4) قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة؟ فقال:
لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فإذا (5) استنفرتم فانفروا) * وبه إلى مسلم نا يحيى
ابن يحيى وإسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - قالا جميعا (6): انا جرير عن منصور
عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم فتح مكة لا هجرة
ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا) * ورويناه أيضا من طريق ثابتة عن مجاشع

(1) في النسخة رقم (14) (والعبد) بدل (والمملوك)
(2) في النسخة رقم (14) (وقد ذكرنا)
(3) كذا في الأصلين، والذي يظهر لي ان لفظ (فلم يجعلوه) زائدة مكرر، ويكون (اجماعا) مفعولا ثانيا لقوله (فلم يجعلوا ما روى) المتقدم والله أعلم
(4) في صحيح مسلم ج 2 ص 93 قم يوجد لفظ (أم المؤمنين)
(5) في صحيح مسلم (وإذا) بالواو
(6) لفظ (جميعا) ليس في صحيح مسلم
45

ومجالد ابني مسعود السلميين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ قد صح بلا شك ان هذا الخبر
كان قبل الفتح فقد نسخه ما روينا (1) بالسند المذكور إلى مسلم *
نا زهير بن حرب نا يزيد بن هارون نا الربيع بن مسلم القرشي عن محمد بن زياد عن أبي
هريرة قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس ان الله قد فرض عليكم
الحج فحجوا فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال عليه السلام:
لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم ذروني ما تركتم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة
سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن
شئ فدعوه) *
قال أبو محمد: كان هذا في حجة الوداع فصار عموما لكل حر وعبد وأعرابي وعجمي
(وبلا شك ولامرية (2) ان العبد قد كان غير مخاطب بالحج في صدر الاسلام ولا الحر
أيضا، فكان خبر يزيد بن زريع في أن عليه وعلى الاعرابي حجة الاسلام إذا عتق
العبد وهاجر الاعرابي موافقا للحالة الأولى وبقيا على أنهما غير مخاطبين كما كانا، وجاء
هذا الخبر فدخل في نصه في الخطاب بالحج العبد والأعرابي لأنهما من الناس فكان بلا
شك ناسخا للحالة الأولى ومدخلا لهما في الخطاب بالحج ضرورة ولابد *
ورأيت بعضهم قد احتج فقال: حج النبي صلى الله عليه آله وسلم بأزواجه ولم يحج بأم ولده *
قال على: وهذه كذبة شنيعة لا نجدها في شئ من الآثار ابدا وان التسهل في مثل هذا العظيم جدا *
قال أبو محمد: عهدنا بهم يقولون في النفي في الزنا، وفى كثير من السنن مثل لا تحرم
الرضعة ولا الرضعتان، وفى خبر اليمين مع الشاهد: هذا زيادة على ما في القرآن، وهذا
تخصيص للقرآن، وهذا خلاف ما في القرآن وكذبوا في كل ذلك، ثم لم يقولوا في هذا
الخبر: هذا تخصيص للقرآن، وهذا زياد على ما في القرآن، وهذا خلاف لما في القرآن *
وعهدنا بهم (3) يردون السنن الثابتة بدعوى الاضطراب كخبر القطع في ربع دينار،
وخبر ابن عمر في الزكاة وغير ذلك وكذبوا في ذلك، ثم احتجوا (في ذلك (4)) بهذا
الخبر الذي لا نعلم خبرا أشد اضطرابا منه، وهم يتركون السنن للقياس كخبر المصراة،
وخبر القرعة في الستة الا عبدوهم ههنا قد تركوا القياس لأنهم لا يختلفون ان العبد مخاطب
بالاسلام وبالصلاة والصيام فما الذي منع (من) (5) أن يخاطب بالحج والعمرة ثم يقولون:

(1) في النسخة رقم (16) (ما رويناه)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (14) (وعهدناهم)
(4) الزيادة من النسخة رقم (16)
(5) الزيادة من النسخة رقم (14)
46

العبد ليس هو من أهل الجمعة فإذا حضرها صار من أهلها وأجزأته فهلا قالوا ههنا: ان
العبد وان لم يكن من أهل الحج فإنه إذا حضره صار من أهله وأجزأه؟ وأكثرهم
يقول: من نوى تطوعا بحجة أجزأه عن الفرض، وأقل حال حج العبد أن يكون تطوعا
فهلا أجزأه عندهم؟ (فان قالوا): هو غير مخاطب قلنا: قد جمعتم في هذا القول الكذب
وخلاف القرآن إذ لم يخص الله تعالى عبدا من حر، والتناقض لأنه ان لم يكن مخاطبا به
فلا يحل له ان يتكلف ولا يلزمه احرام ولا شئ من جزاء صيد ولا فدية أذى ولا غير
ذلك كما لا يلزم الحائض شئ من أحكام الصلاة والصيام إذا ليس مخاطبة به، وكالصبي
الذي لا يلزمه شئ من أمور الحج فان فعلهما أو فعل به كان له أجر وكان له حج للأثر
في ذلك لا لغيره *
فهذا مما خالفوا فيه القرآن والسنن الثابتة وقول طائفة من الصاحبة لا يعرف لهم منهم
مخالف والقياس. نعم والخبر الذي به احتجوا لأنهم خالفوا ما فيه من حكم الاعرابي في
الحج (1) وبالله تعالى التوفيق *
813 - مسألة - وأما المرأة التي لازوج لها ولا ذا محرم يحج معها فإنها تحج
ولا شئ عليها، فإن كان لها زوج ففرض عليه ان يحج معها فإن لم يفعل فهو عاص لله
تعالى وتحج هي دونه وليس له منعها من حج الفرض وله منعها من حج التطوع *
وروينا عن إبراهيم. وطاوس. والشعبي. والحسن لا تحج المرأة الا مع زوج أو محرم،
وهو قول الحسن بن حي *
وروينا عن أبي حنيفة، وسفيان إن كانت من مكة على أقل من ليال ثلاث فلها ان
تحج مع غير زوج وغير ذي محرم، وإن كانت على ثلاث ليال فصاعدا فليس لها ان تحج
الا مع زوج أو ذي محرم من رجالها * وروينا من طريق ابن عمر لا تسافر امرأة فوق
ثلاث ليال إذ مع ذي محرم * وروينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة عن حميد عن الحسن
ابن حي عن علي بن عبد الأعلى أن عكرمة سئل عن المرأة تحج مع غير ذي محرم أو زوج؟
فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تسافر المرأة فوق ثلاث الا مع ذي محرم *
وقالت طائفة: تحج في رفقة مأمونة وان لم يكن لها زوج ولا كان معها ذو محرم كما روينا من
طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن يونس - هو ابن يزيد - عن الزهري قال: ذكر عند عائشة أم
المؤمنين المرأة لا تسافر الا مع ذي محرم قالت عائشة: ليس كل النساء تجد محرما *

(1) في النسخة رقم (16) (بالحج)
47

ومن طريق سعيد بن منصور نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج
عن نافع مولى ابن عمر قال: كان يسافر مع عبد الله بن عمر موليات (له) (1) ليس
معهن محرم، وهو قول ابن سيرين وعطاء، وهو ظاهر قول الزهري، وقتادة، والحكم
ابن عتيبة * - وهو قول الأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأبي سليمان وجميع أصحابهم *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة في التحديد الذي ذكر فلا نعلم له سلفا فيه من
الصحابة ولا من التابعين رضي الله عنهم بل ما نعلم أحدا قاله قبلهم، وهم يعظمون
خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم، ويقولون: ان المرسل كالمسند، وقد صح عن ابن عمر
ما ذكرنا، وروى عن أم المؤمنين بأحسن مرسل يمكن وجود مثله، ولا يعرف لهما
في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، وقد خالفهما أصحاب أبي حنيفة، وهذا
تناقض فاحش *
قال أبو محمد: ثم نظرنا فيما احتجت به كل طائفة لقولها فوجدنا أصحاب أبي حنيفة
يحتجون لقولهم بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تسافر امرأة ثلاثا إلا مع زوج أو ذي
محرم) وقالوا: قد روى أيضا (ليلتين) وروى (يوما وليلة) وروى (يوما) وروى
(بريدا) قالوا: ونحن على يقين من تحريم سفرها ثلاثا وعلى شك من تحريم سفرها
أقل من ذلك لأنه قد يكون ذكر الثلاث متقدما ويكون متأخرا فالثلاث على كل حال
محرم (2) عليها سفرها إلا مع زوج أوذى محرم فنأخذ مالا شك فيه وندع ما فيه الشك
لا حجة لهم غير هذا أصلا *
قال على: وهذا عليهم لالهم لوجهين، أحدهما أنه ليس صواب العمل ما ذكروا
لأنه إن كان خبر الثلاث متقدما أو متأخرا فليس فيه ان تقدم ابطال لحكم النهى عن
سفرها أقل من ثلاث لكنه بعض ما في سائر الروايات، وسائر الروايات زائدة عليه،
وليس هذا مكان نسخ أصلا بل كل (تلك) (3) الاخبار حق وكلها يجب استعمالها (4)
وليس بعضها مخالفا لبعض أصلا، ويقال لهم: خبر ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر
امرأة الا مع ذي محرم جامع لكل سفر فنحن على يقين من تحريم كل سفر عليها
الا مع زوج أو ذي محرم، ثم لا ندري أبطل هذا الحكم أم لا؟ فنأخذ باليقين ونلغي الشك
فهذا معارض لاحتجاجهم مع ما قدمنا، ويقال لهم: عهدنا بكم تذمون الاخبار بالاضطراب،
وهذا خبر رواه أبو سعيد، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس فلم يضطرب

(1) الزيادة من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (16) (يحرم)
(3) الزيادة من النسخة رقم (16)
(4) في النسخة رقم (14) (وكلها يجب استعماله)
48

عن ابن عباس أصلا واضطرب عن سائرهم، فروى عن ابن عمر لا تسافر ثلاثا، وروى عنه
لا تسافر فوق ثلاث، وروى عن أبي سعيد لا تسافر فوق ثلاث، وروى عنه لا تسافر
يومين، وروى عن أبي هريرة لا تسافر ثلاثا، وروى عنه لا تسافر فوق ثلاث، وروى
عنه لا تسافر يوما وليلة، وروى عنه لا تسافر يوما، وروى عنه لا تسافر بريدا، فعلى
أصلكم دعوا رواية من اختلف عليه واضطرب عنه إذا ليس بعض ما روى عن كل واحد
أولى من سائر ما روى عنه وخذوا برواية (1) من لم يختلف عليه ولا اضطرب عنه وهو
ابن عباس فهذا أشبه من استدلالكم *
والوجه الثاني أنه قد روى عن ابن عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة كما ذكرنا
لا تسافر (المرأة) (2) فوق ثلاث فان صححتم استدلالكم (الفاسد) (3) بأخذ أكثر
مما ذكر في تلك الأخبار فامنعوها مما زاد على مسيرة ثلاث لأنه اليقين وابيحوا لها سفر
الثلاث لأنه مشكوك فيه كما سفر اليومين. واليوم. والبريد مشكوك فيه عندكم، وهذا مالا
مخلص لهم منه، فان ادعوا اجماعا ههنا - فما هذا ينكر من اقدامهم - أكذبهم ما روينا
من طريق الحذاقى - عن عبد الرزاق - نا عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر
قال: لا تسافر امرأة فوق ثلاث الا مع ذي محرم، لا سيما وابن عمر هو راوي الحديث
الذي تعلقوا به، وأكذبهم أيضا ما روينا عن عكرمة آنفا من منعه إياها ما زاد على
الثلاث لا ما دون ذلك، والعجب أنهم يقولون في امرأة لا تجد معاشا أصلا إلا على
ثلاث فصاعدا: انها تخرج بلا زوج ولا ذي محرم، ويقولون فيمن حفزتها (4) فتنة - وخشيت على نفسها غلبة الكفار. والمحاربين. أو الفاسق (5) ولم تجد أمنا الا على ثلاث
فصاعدا أ - نها تخرج مع غير زوج ومع غير ذي محرم، وطاعة الله تعالى في الحج واجبة
عليها كوجوب خلاص روحها (6) (فان قالوا): الزوج والمحرم من السبيل قلنا:
عليكم الدليل والا فهي دعوى فاسدة لم يعجز عن مثلها أحد، فسقط هذا القول الفاسد
جملة، وبالله تعالى التوفيق *
ثم نظرنا في قول عكرمة واحتجاجه بالخبر الذي فيه ما زاد على الثلاث فوجدناه
لا حجة له فيه لما ذكرنا من أن سائر الأخبار وردت بالمنع مما دون الثلاث فليس الخبر
الذي فيه نهيها عن أن تسافر ثلاثا أو أكثر من ثلاث بأولى من سائر الأخبار التي فيها
منعها من سفر أقل من ثلاث *

(1) في النسخة رقم (14) (رواية)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) الزيادة من النسخة رقم (14)
(4) أي دفعتها
(5) في النسخة رقم (14) (والفساق)
(6) في النسخة رقم (16) (زوجها) وهو غلط
49

قال أبو محمد: فبطل هذا القول أيضا ولم يبق الا قولنا أو قول النخعي. والشعبي
وطاوس. والحسن (1) في منعها جملة أو اطلاقها جملة فوجدنا المانعين يحتجون بالاخبار
التي ذكرنا وهي اخبار صحاح لا يحل خلافها الا لنص آخر يبين حكمها ان وجد، فنظرنا
فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا
أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا ابن نمير نا أبى. وابن إدريس قالا: نا عبيد الله - هو ابن
عمر - عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (2) (لا تمنعوا إماء الله
مساجد الله) *
وبه إلى ابن نمير نا أبى نا حنظلة - هو ابن أبي سفيان الجمحي - قال: سمعت سالما
- هو ابن عبد الله - بن عمر يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن) فأمر عليه السلام الأزواج وغيرهم ان
لا يمنعوا النساء من المساجد، والمسجد الحرام أجل المساجد قدرا *
ووجدنا الله تعالى يقول: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ثم
وجدنا الاسفار تنقسم قسمين سفرا واجبا، وسفرا غير واجب فكان السفر الواجب بعض
الاسفار بلا شك، وكان الحج من السفر الواجب فلم يجز أخذ بعض هذه الآثار دون
بعض ووجبت الطاعة لجميعها ولزم استعمالها كلها ولابد، فهذا هو الفرض، وكان من رفض
بعضها وأخذ بعضها عاصيا لله تعالى، ولا سبيل إلى استعمال جميعها الا بأن يستثنى الأخص
منها من الأعم ولا بد، فكان نهى المرأة عن السفر الا مع زوج أو ذي محرم عاما لكل
سفر فوجب استثناء ما جاء به النص من ايجاب بعض الاسفار عليها من جملة النهى، والحج
سفر واجب فوجب استثناؤه من جملة النهى، (فان قالوا): بل ايجاب الحج على النساء (3)
عموم فيخص ذلك بحديث النهى عن السفر إلا مع زوج أو ذي محرم قلنا: هذا خطأ لان
تلك الأخبار إنما جاءت بالنهي عن كل سفر جملة لاعن الحج خاصة وإنما كان يمكن ان
يعارضوا بهذا (أن) (4) لو جاءت في النهى عن أن تحج المرأة الا مع زوج أو ذي محرم
فكأن يكون حينئذ اعتراضا صحيحا وتخصيصا لأقل الحكمين من أعمهما وهذا بين جدا *
وبرهان آخر وهو ان تلك الأخبار كلها إنما خوطب بها ذواب الأزواج واللاتي
لهن المحارم لان فيها إباحة الحج أو إيجابه مع الزوج أو ذي المحرم بلا شك، ومن

(1) في النسخة رقم (16) (أو الحسن)) وهو غلط لان قول الحسن هو قول النخعي والشعبي وطاوس انظر صفحة 47
(2) في صحيح مسلم جزء 1 ص 129 (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) الخ
(3) في النسخة رقم (14) (على الناس) والصحيح ما هنا وهو موافق لنسخة أيضا غير هذه
(4) الزيادة من النسخة رقم (14)
50

المحال الممتنع الذي لا يمكن أصلا ان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالحج مع زوج أو ذي محرم
من لازوج لها ولاذا محرم فبقي من لازوج لها ولا محرم على وجوب الحج عليها وعلى
خروجها عن ذلك النهى *
وبرهان آخر وهو ما حدثناه حمام قال: نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا أحمد
ابن خالد خبرنا عبيد بن محمد الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق نا
ابن جريج. وسفيان بن عيينة كلاهما عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر امرأة الا مع
ذي محرم فقال رجل فقال: يا رسول الله ان امرأتي خرجت حاجة وانى اكتتبت في
غزوة كذا وكذا قال: (1) (انطلق فاحجج مع امرأتك) فكان هذا الحديث رافعا
للاشكال ومبينا لما اختلفنا فيه من هذه المسألة لان نهيه عليه السلام عن أن تسافر امرأة
الا مع ذي محرم وقع ثم سأله الرجل عن امرأته التي خرجت حاجة لا مع ذي محرم ولامع
زوج فأمره عليه السلام بان ينطلق فيحج معها ولم يأمر بردها ولاعاب سفرها إلى الحج
دونه ودون ذي محرم، وفى أمره عليه السلام بان ينطلق فيحج معها بيان صحيح ونص
صريح على أنها كانت ممكنا ادراكها بلا شك فأقر عليه السلام سفرها كما خرجت فيه
وأثبته ولم ينكره فصار الفرض على الزوج، فان حج معها فقد أدى ما عليه من صحبتها
وان لم يفعل فهو عاص لله تعالى وعليها التمادي في حجها والخروج إليه دونه أو معه أو دون
ذي محرم أو معه كما أقرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكره عليها، فارتفع الشغب جملة
ولله الحمد كثيرا *
(فان قال قائل): فأين أنتم عمار ويتموه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو
ابن دينار؟ قال: أخبرني عكرمة أو أبو معبد عن ابن عباس قال: " جاء رجل (إلى) (2)
المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين نزلت؟ قال: على فلانة، قال أغلقت عليها بابك
مرتين لا تحجن امرأة الا ومعها ذو محرم " قال عبد الرزاق: وأما ابن عيينة فأخبرناه عن
عمرو عن عكرمة ليس فيه شك، قلنا: هذا خبر لم يحفظه ابن جريج لأنه شك فيه أحدثه
به عمرو عن عكرمة مرسلا؟ أم حدثه به عمرو عن أبي معبد مسندا؟ فلم يثته أصلا،
فبطل التعلق به، وإنما صوابه كما رواه عبد الرزاق عن سفيان. وابن جريج عن عمرو عن أبي
معبد عن ابن عباس كما أوردناه آنفا ليس فيه هذه اللفظة *

(1) في النسخة رقم (16) (فقال)
(2) للزيادة من النسخة رقم (14)
51

وهكذا رويناه أيضا من طريق حماد بن زيد كما حدثنا (به) (1) أحمد بن محمد الطلمنكي
نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور
نا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
- وهو يخطب - يقول: (لا تسافرن امرأة الا مع ذي محرم ولا يدخلن (2) عليها رجل
الا ومعها محرم فقال رجل: يا رسول الله انى نذرت ان أخرج في جيش كذا وكذا
وامرأتي تريد الحج قال: فأخرج معها) فلم يقل عليه السلام: لا تخرج إلى الحج الا معك
ولا نهاها عن الحج أصلا بل ألزم الزوج ترك نذره في الجهاد وألزمه الحج معها، فالفرض
في ذلك على الزوج لا عليها *
وأما حديث عكرمة فمرسل كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق
البصري نا عيسى بن خبيب قاضى أشونة (3) قال: نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن
يزيد المقري نا جدي محمد بن عبد الله بن يزيد نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال:
(قدم رجل من سفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نزلت على فلانة فأغلقت عليها بابك مرتين)
فهذا هو حديث عمرو بن دينار عن عكرمة اختلط على ابن جريج فلم يدر أحدثه به
عمرو بن دينار عن عكرمة؟ أم حدثه به عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس وأدخل
فيه ذكر الحج بالشك، ولا تثبت الحجة بخبر مشكوك في اسناده أو في ارساله،
وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: ان له منعها من حج التطوع فلان طاعته فرض عليها فيما لا معصية لله تعالى
فيه، وليس في ترك الحج التطوع معصية *
814 - مسألة - فان أحرمت من الميقات أو من مكان يجوز الاحرام منه بغير
اذن زوجها أو أحرم العبد بغير اذن سيده، فإن كان حج تطوع - كل ذلك - فله منعهما واحلالهما
لما ذكرنا، وإن كان حج الفرض نظر فإن كان لاغنى به عنها أو عنه - لمرض أو لضيعته
دونه أو دونها أو ضيعة ماله - فله احلالهما لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم
أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) وإن كان لا حاجة به إليهما لم يكن له منعهما أصلا فان منعهما
فهو عاص لله عز وجل وهما في حكم المحصر، وكذلك القول في الابن والابنة مع الأب
والام ولا فرق، وطاعة الله تعالى في الحج متقدمة لطاعة الأبوين والزوج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إنما الطاعة في الطاعة)، وقال عليه السلام (فإذا أمرت بمعصية فلا سمع

(1) لفظ به زيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (14) (ولا يدخل)
(3) بضم أوله وثانيه حصن بالأندلس من نواحي استجة، وعن السلفي (اشونة حصن من نظر قرطبة) اه‍ معجم البلدان
52

ولا طاعة)، وترك الحج معصية، ولا فرق بين طاعة الأبوين والزوج في ترك الحج
وبين طاعتهم في ترك الصلاة أو في ترك الزكاة أو في ترك صيام شهر رمضان، (فان قيل):
الحج في تأخيره فسحة قلنا إلى متى؟ أفرأيت ان لم يبيحوا الحج للأولاد أو الزوجة ابدا؟
فان حدوا في ذلك سنة أو سنتين أو أكثر كانوا متحكمين في الدين بالباطل وشارعين ما لم
يأذن به الله تعالى ولا يقول أحد بطاعتهم في ترك الحج ابدا جملة، وبالله تعالى التوفيق *
وروينا عن قتادة والحكم بن عتيبة في امرأة أحرمت بغير اذن زوجها انها محرمة قال
الحكم: حتى تطوف بالبيت *
815 - مسألة - واستطاعة السبيل الذي يجب به الحج (1) اما صحة الجسم
والطاقة على المشي والتكسب من عمل أو تجارة ما يبلغ به إلى الحج ويرجع (2) إلى موضع
عيشه أو أهله، وإما مال يمكنه منه ركوب البحر أو البر - والعيش منه حتى يبلغ
مكة ويرده - إلى موضع عيشه أو أهله وان لم يكن صحيح الجسم الا أنه لا مشقة عليه
في السفر برا أو بحرا، وإما أن يكون له من يطيعه فيحج عنه ويعتمر بأجرة أو بغير
اجرة إن كان هو لا يقدر على النهوض لا راكبا ولا راجلا، فأي هذه الوجوه أمكنت
الانسان المسلم العاقل البالغ؟ فالحج والعمرة فرض عليه، ومن عجز عن جميعها فلا حج
عليه ولا عمرة *
وقال قوم: الاستطاعة زاد وراحلة * وقال مالك: الاستطاعة قوة الجسم أو القوة
بالمال على الحج بنفسه، ولم ير وجود من يطيعه استطاعة ولا أوجب بذلك حجا *
وروى عن أبي حنيفة ان المقعد من رجليه وإن كان له مال واسع وهو قادر على الثبات
على الراحلة فلا حج عليه وكذلك الأعمى، وقد روى عنه ان عليه الحج وعلى الأعمى *
ورأي الشافعي ان الاستطاعة إنما هي بمال - يحج به أو من يطيعه فيحج عنه فقط، ولم يرقوة الجسم والقدرة على الراحلة (3) استطاعة *
وحجة من قال: الاستطاعة زاد وراحلة بآثار رويناها، منها عن وكيع عن إبراهيم
ابن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
سئل عن الاستطاعة (4)؟ فقال: الزاد والراحلة فقيل: يا رسول الله فما الحاج؟ قال:
الأشعث الثفل (5) ومن طريق حماد بن سلمة انا قتادة. وحميد عن الحسن (ان رجلا
قال: يا رسول الله ما السبيل إليه؟ قال: زاد وراحلة (6)) * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق

(1) في النسخة رقم (14) (الذي يجب الحج به)
(2) في النسخة رقم (16) (فيرجع)
(3) في النسخة رقم (16) (على الرجلة)
(4) في النسخة رقم (4) (ما الاستطاعة)
(5) رواه الدارقطني ص 255
(6) رواه الدارقطني ص 254
53

عن مسلم بن إبراهيم نا هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي نا أبو إسحاق
الهمداني عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت
الله عز وجل فلم يحج فلا عليه ان يموت يهوديا أو نصرانيا لان الله تعالى يقول: (ولله
على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غنى عن العالمين) (1))
وقالوا: لما قال الله تعالى: (من استطاع إليه سبيلا) علمنا أنها استطاعة غير القوة بالجسم،
إذا لو كان تعالى أراد قوة الجسم لما احتاج إلى ذكرها لأننا قد علمنا أن الله تعالى لا يكف
نفسا الا وسعها، وقالوا: قال الله تعالى: (إلى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس)
فصح ان الرحلة (2) شق الأنفس بالضرورة ولا يكلفنا الله تعالى ذلك لقوله تعالى (ما جعل
عليكم في الدين من حرج)، وذكروا ما روينا من طريق عطاء الخراساني عن عمر بن الخطاب
أنه قال في استطاعة السبيل إلى الحج زاد وراحلة * ومن طريق الضحاك عن ابن عباس
في ذلك أيضا زاد وبعير * ومن طريق إسرائيل عن الحسن عن أنس من استطاع إليه سبيلا
قال زاد وراحلة * ومن طريق إسرائيل عن مجاهد عن ابن عمر قال: من استطاع إليه
سبيلا قال: ملء بطنه وراحلة يركبها، وهو قول الضحاك بن مزاحم والحسن البصري،
ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومحمد بن علي بن الحسين، وأيوب السختياني، واحد قولي عطاء *
قال أبو محمد: فادعوا في هذا انه قول طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف
وليس كما قالوا أصلا: لأننا قد روينا عن وكيع وغيره عن عمران بن حدير عن النزال
ابن عمار عن ابن عباس قال: (من ملك ثلاث مائة درهم وجب عليه الحج وحرم عليه
نكاح الإماء) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس
قال، في الحج: سبيله من وجد له سعة ولم يحل بينه وبينه، وهذا هو قولنا * ومن طريق
عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن خالد بن أبي كريمة عن ابن الزبير قال:
من استطاع إليه سبيلا قال: على قدر القوة وهو أحد قولي عطاء *
قال على: أما احتجاجهم بأن الاستطاعة لو كانت على العموم لما كان لذكرها معنى
فكلام فاسد، واعتراض على الله تعالى، واخراج للقرآن عن ظاهره بلا برهان ثم
لو صح هذا لكان حجة عليهم. لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب الحج على من لا يستطيعه
بجسمه ولا بماله إذا وجد من يحج عنه كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى، فكان ذلك
داخلا في الاستطاعة ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قولهم: ان الرحلة من شق الأنفس
والحرج والله تعالى لا يكلف ذلك عباده فصحيح ولم نقل نحن: ان من كانت الرحلة تشق

(1) رواه الترمذي
(2) في النسخة رقم (16) (ان الرجلة)
54

عليه وعليه فيها حرج ان الحج يلزمه بل الحج عمن هذه صفته ساقط كما قالوا، وإنما
قلنا: إن من يسهل عليه المشي - وهو لو كانت له في دنياه حاجة لاستسهل المشي إليها - فالحج
يلزمه لأنه مستطيع *
وأما الاخبار التي ذكروا فان في أحدها إبراهيم بن يزيد وهو ساقط مطرح،
وفى الثاني الحارث الأعور وهو مذكر بالكذب، وحديث الحسن مرسل ولا حجة
في مرسل (1)، والعجب من مالك. والشافعي في هذه المسألة فان المالكيين يقولون:
المرسل. والمسند سواء لا سيما مرسل الحسن فإنهم ادعوا انه كان لا يرسل الحديث
الا إذا حدثه به أربعة من الصحابة فصاعدا، ثم خالفوا ههنا أحسن مراسيل الحسن *
والشافعيون لا يقولون: الا بالمسند الصحيح وأخذوا ههنا بالساقط، والمرسل *
وأما الروايات في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم فواهية كلها لأنها إما من طريق
عطاء الخراساني مرسلة، وإما من طريق إسرائيل، واما من طريق رجل لم يسم،
وأحسنها الرواية عن ابن عباس الموافقة لقولنا، والرواية الأخرى (2) عنه في الثلثمائة
درهم، إلا أن هذا مما خالف فيه المالكيون جمهور العلماء وهم يعظمون ذلك، والحنيفيون
يبطلون السنن الصحاح كنفي الزاني، وحديث لا تحرم المصة ولا المصتان، وحديث
رضاع سالم وغيرها لزعمهم انها زائدة على ما في القرآن أو مخالفة له، وأخذوا ههنا باخبار
ساقطة لا يحل الاخذ بها مخصصة للقرآن مخالفة له، ثم خالفوها مع ذلك تخصيصهم المقعد *
وأطراف شئ احتجاجهم في تخصيص المقعد بقول الله تعالى: (ليس على الأعمى

(1) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص ص 202: حديث انه صلى الله عليه وسلم سئل عن تفسير السبيل؟ فقال (زاد وراحلة)
(رواه) الدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:
(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال: قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال (الزاد والراحلة)، قال البيهقي
الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلا يعنى الذي خرجه الدارقطني وسنده صحيح إلى الحسن ولا أرى الموصول الا وهما، وقد رواه
الحاكم من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس ايطا الا ان الراوي عن حماد هو أبو قتادة عبد الله بن واقد الحراني وقد قال أبو حاتم هو
منكر الحديث، ورواه الشافعي والترمذي وابن ماجة والدارقطني من حديث ابن عمر، وقال الترمذي: حسن وهو من رواية
إبراهيم ين يزيد الخوزي، وقد قال فيه احمد، والنسائي: متروك الحديث، ورواه ابن ماجة والدارقطني من حديث ابن عباس
وسنده ضعيف أيضا، ورواه ابن المنذر من قول ابن عباس، ورواه الدارقطني من حديث جابر، ومن حديث علي بن أبي
طالب، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث عائشة، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وطرقها كلها
ضعيفة، وقد قال عبد الحق: ان طرقه كلها ضعيفة، وقال أبو بكر بن المنذر: لا يثبت الحديث في ذلك مسندا، والصحيح
من الروايات رواية الحسن المرسلة اه‍ وبهذا تعلم أن ما قاله المصنف صحيح حق نسأل الله اتباع سنن الصواب *
(2) في النسخة رقم (14) (واما الرواية الأخرى) بزيادة (اما) وارى زيادتها زيادة لا حاجة إليها، والمعنى على
ماهنا ان أحسن الروايات - التي ذكرت قبل - الرواية عن ابن عباس الموافقة لقولنا وهي قول ابن عباس: في الحج سبيله من وجد له
سعة ولم يحل بينه وبينه، وللرواية للثانية عن ابن عباس أيضا وهي في الثلاثمائة، والله أعلم
55

حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج). وهم يقولون: ان الأعرج
يلزمه الحج إذا وجد زادا وراحلة وقدر على الركوب، وكذلك الأعمى فخالفوا ما في الآية
وحكموا بها فيما ليس فيها منه شئ *
قال على: فلما بطل كل ما شغبوا به وجب طلب البرهان من القرآن والسنة الصحيحة
فوجدنا الله تعالى قال: (من استطاع إليه سبيلا)، فكان هذا عموما لكل استطاعة
بمال أو جسم (1) هذا الذي يوجبه لفظ الآية ضرورة ولم يجز أن يخص من ذلك مقعد (2)
ولا أعمى ولا أعرج إذا كانوا مستطيعين الركوب ومعهم سعة، وليس هذا من الحرج
الذي أسقطه الله تعالى عنهم لأنه لا حرج فيه عليهم، وأيضا فان هذه الآية بنص القرآن
إنما نزلت في الجهاد وهو الذي يحتاج فيه إلى الشد والتحفظ والجرى، وكل ذلك حرج
ظاهر على الأعرج والأعمى، وأما الحج فليس فيه شئ من ذلك أصلا وبقى من لامال
له ولا قوة جسم الا انه يجد من يحج عنه بلا أجرة أو بأجرة يقدر عليها فوجدنا اللغة
التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله تعالى في كل ما ألزمنا إياه لا خلاف بين أحد من أهلها
في أنه يقال: الخليفة مستطيع لفتح بلد كذا ولنصف المنجنيق عليه وإن كان مريضا مثبتا
لأنه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له، وكان ذلك داخلا في نص الآية *
ووجدنا من السنن ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب
ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا علي بن خشرم عن عيسى
ابن يونس عن ابن جريج عن ابن شهاب نا سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل
ابن عباس (أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن أبى شيخ كبير عليه فريضة الله
تعالى في الحج وهو لا يستطيع ان يستوى على ظهر بعيره فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وسلم: حجى (3) عنه) *
ورويناه (أيضا) (4) من طريق البخاري عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب
عن سليمان بن يسار عن (عبد الله) (5) بن عباس ان الخثعمية قالت لرسول (6) الله
صلى الله عليه وسلم: (ان فريضة الله أدركت أبى شيخنا كبيرا لا يثبت عل الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم
وذلك في حجة الوداع) *
ونا عبد الله (بن ربيع) (7) نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على

(1) في النسخة رقم (14) (بمال وجسم) بالواو، وما هنا أحسن
(2) في النسخة رقم (14) (لا مقعد) بزيادة (لا)
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 379 (فحجى عنه) بزيادة الفاء
(4) الزيادة من النسخة رقم (14)
(5) الزيادة من صحيح البخاري ج 3 ص 45، والحديث اختصره المصنف
(6) في النسخة رقم (14) (يا رسول) وكلاهما غير موافق للفظ البخاري لان المصنف
اختصر فأوجد خلافا
(7) الزيادة من النسخة رقم (14)
56

ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن عبيد الله
ابن العباس قال: (كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال: يا رسول الله إن
أمي عجوز كبيرة ان حزمها خشي ان يقتلها وان لم يحزمها لم تستمسك فأمره عليه السلام
ان يحج عنها) *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم - هو
ابن راهويه - نا وكيع بن الجراح نا شعبة عن النعمان - هو ابن سالم - عن عمرو
ابن أوس عن أبي رزين العقيلي (أنه قال: يا رسول الله إن أبى شيخ كبير لا يستطيع
الحج والعمرة (1) والظعن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: حج عن أبيك واعتمر) * ورويناه
أيضا من طريق ابن الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) * وهذه أخبار متظاهرة متواترة
من طرق صحاح عن خمسة من الصحابة رضي الله عنهم. الفضل، وعبد الله، وعبيد الله
- بنو العباس بن عبد المطلب -، وابن الزبير، وأبو رزين العقيلي، * ويزيد بن إبراهيم
المذكور - هو أبو سعيد التستري - بصرى كان ينزل بأهله عند مقبرة بنى سهم مات سنة احدى
وستين ومائة، وقيل: بل في المحرم سنة اثنتين وستين ومائة (3) ثقة ثبت، وثقه أبو الوليد
الطيالسي، وعبد الله بن نمير، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وعمرو بن علي، وأحمد
ابن صالح والنسائي والناس، وليس هو يزيد بن إبراهيم الذي يروى عن قتادة ذلك
ليس بالقوى *
فبين في هذه الأخبار ان من لم يكن قط صحيحا فان فريضة الحج لازمة له إذا (4) وجد
من يحج عنه لأنه عليه السلام سمع قول المرأة عن أبيها ان فريضة الله تعالى أدركته
وهو شيخ كبير لا يستطيع الثبات على الراحلة فلم ينكر ذلك عليها ولا على أبى رزين مثل
ذلك في أبيه، فصح ان الفرض باق على هذين إذا وجدا من يحج عنهما * وقال الشافعي:
إنما يلزمه ذلك إذا كان له زاد وراحلة وهذا خطأ لأنه ليس في حديث أبي رزين أنه
كانت له راحلة، ولا في حديث عبيد الله بن العباس أيضا فهذه زيادة فاسدة (فان قيل):
إنما جاءت هذه الأحاديث في شيخ كبير، وعجوز كبيرة فمن أين تعديتم ما فيها إلى كل من لا يستطيع
الحركة بزمانة أو مرض ولم يكن شيخا كبيرا؟ قلنا: ليس كل شيخ كبير تكون هذه صفته

(1) في النسائي ج 5 ص 117 (ولا العمرة) بزيادة (لا)
(2) رواه النسائي ج 5 ص 117
(3) قال في تهذيب التهذيب ج 11 ص 312: وقال ابن ابنه محمد ابن سعيد بن إبراهيم: مات سنة ثلاث وستين ومائة. وفرق أبو محمد بن حزم في كتاب الحج من المحلى بين يزيد بن إبراهيم التستري، وبين يزيد بن إبراهيم الزاوي عن قتادة فقال: إن التستري ثقة ثبت والراوي عن قتادة ضعيف، ولا ادرى من هو سلفه في جعله اه‍
(4) في النسخة رقم (16) (ان)
57

وإنما يكون بهذه الصفة من غلبه الضعف فإنما أمر عليه السلام بذلك فيمن لا يستطيع
ثباتا على الدابة وليس للشيخ هنالك معنى أصلا، وأيضا فإنه ليس للشيخ حد محدود إذا
بلغه المرء سمى شيخا ولم يسم شيخا حتى يبلغه، ودين الله تعالى لا يتسامح (1) فيه ولا يؤخذ
بالظنون الكاذبة المفتراة المشروع بها ما لم يأذن به الله تعالى، ولو كان للشيخ في ذلك حكم
لبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حده الذي به ينتقل حكمه إلى أن يحج عنه كما أثبت ذلك فيمن (2)
لا يستطيع الثابت على الراحلة ولا المشي إلى الحج، فصح انه ليس للشيخ في ذلك حكم أصلا
وإنما الحكم للعجز عن الركوب والمشي فقط وبالله تعالى التوفيق، فكان هذا استطاعة للسبيل
مضافة إلى القوة بالجسم وبالمال *
قال أبو محمد: فتعلل قوم في هذه الآثار بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس (أن رجلا
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأحج عن أبي؟ قال: نعم ان لم تزده خيرا لم تزده شرا) (3) قالوا:
فهذا دليل على أنه ندب لافرض *
قال على: وهذا لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه ان أباه كان ميتا ولا أنه كان عاجزا
عن الركوب والمشي ولا أنه كان حج الفريضة بل إنما هو سؤال مطلق عن الحج عن
غيره ممن هو ممكن أن يكون قد حج عن نفسه أو أنه قادر على الحج فاجابه عليه السلام
بإباحة ذلك وإنما في (4) هذا الخبر جواز الحج عن كل أحد ولا مزيد وهو قولنا، وأما تلك
الأحاديث ففيها بيان انها في الحج الفرض، وأيضا فليس قوله عليه السلام: (ان لم تزده
خيرا لم تزده شرا) بمخرج لذلك عن الفرض إلى التطوع لأن هذه صفة كل عمل مفترض
أو تطوع ان لم يتقبل من المرء فإنه على كل حال لا يكتب له به سيئة، فبطل اعتراضهم
بهذا الخبر *
وقالوا: قال الله تعالى: (وأن ليس للانسان الا ما سعى) قال على: هذه سورة مكية
بلا خلاف، وهذه الأحاديث كانت في حجة الوداع فصح ان الله تعالى بعد ان لم يجعل
للانسان الا ما سعى تفضل على عباده وجعل لهم ما سعى فيه غيرهم عنهم بهذه النصوص الثابتة *
وقال بعضهم: قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال على: إذا أمر الله
تعالى ان تزر وازرة وزر أخرى لزم ذلك وكان مخصوصا من هذه الآية، وقد أجمعوا
معنا على أن العاقلة لم تقتل وانها تعزم عن القاتل ولم يعترضوا على ذلك بهذه الآية وليس

(1) في النسخة رقم (16) (لا يسامح)
(2) في النسخة رقم (14) (فيما) وهو غلط لان مالما لا يعقل
(3) قال المحب الطبري في كتاب القرى القاصد أم القرى: أخرجه البزار
(4) في النسخة رقم (16) (فإنما) وما هنا أحسن
58

هو (1) اجماعا فان عثمان البتي لا يرى حكم العاقلة، وأيضا فان الذي اتانا بهذا هو الذي
افترض ان يحج عن العاجز والميت، وقد قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)
وهم يجيزون الحج عن الميت إذا أوصى بذلك والصدقة عن الحي والميت والعتق عنهما
أوصيا بذلك أو لم يوصيا، ولا يعترضون في ذلك بهذه الآية (فان قالوا): لما أوصى بالحج
كان مما سعى قلنا لهم: فأوجبوا بذلك ان يصام عنه إذا أوصى بذلك لأنه مما سعى *
(فان قالوا): عمل الأبدان لا يعمله أحد عن أحد فقلنا: هذا باطل ودعوى كاذبة، ومن
أين قلتم هذا؟ بل كل عمل إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم به ان يعمله المرء عن غيره وجب ذلك
على رغم أنف المعاند * (فان قالوا): قياسا على الصلاة قلنا: القياس كله باطل ثم لو صح
لكان هذا عليكم لا لكم لأنكم لا تختلفون في جواز ان يصلى المرء الذي يحج عن غيره
ركعتين عند المقام عن المحجوج عنه فقد جوزتم ان يصلى الناس بعضهم عن بعض فقيسوا
عن ذلك سائر أعمال الأبدان *
وقالوا: لما كان الحج فيه مدخل للمال في جبره بالهدى والاطعام جاز أن يعمله (2)
بعض الناس عن بعض قلنا: ومن أين لكم هذا الحكم الذي هو كذب مفترى وشرع
موضوع بلا شك؟ ثم قد تناقضتم فيه لان الصيام فيه مدخل للمال في جبره بالعتق والاطعام
ولا فرق، وفى وجوب زكاة الفطر من صومه فأجيزوا لذلك ان يعمله بعض الناس عن بعض *
قال أبو محمد: والعجب كله ان المالكيين يجيزون ان يجاهد الرجل عن غيره بجعل
ويجيزون الكفارة عن المرأة المكرهة على الوطئ (3) في نهار رمضان على غيرها عنها
وهو الذي أكرهها فأجازوا كل ذلك حيث لم يجزه الله تعالى ولا رسوله عليه السلام ومنعوا
من جوازه حيث افترضه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم *
قال على: فان موهوا بما رويناه من طريق ابن أبي أويس نا محمد بن عبد الله بن كريم
الأنصاري عن إبراهيم بن محمد بن يحيى العدوي النجاري (أن امرأة قالت: يا رسول الله
ان أبى شيخ كبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتحجى عنه وليس لاحد بعده) * ومما رويناه
من طريق عبد الملك بن حبيب حدثني مطرف عن محمد بن الكرير (4) عن محمد بن حبان
الأنصاري (ان امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبى شيخ كبير لا يقوى
عن الحج فقال عليه السلام: فلتحجى عنه وليس ذلك لاحد بعده) * ومن طريق
عبد الملك بن حبيب حدثني هارون بن صالح الطلحي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم

(1) في النسخة رقم (16) (وليس هذا)
(2) في النسخة رقم (16) (ان يفعله)
(3) في النسخة رقم (14) (على الواطئ) وهو غلط ظاهر
(4) في النسخة رقم (16) (الكدير) بالدال المهملة
59

عن ربيعة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث (1) التيمي (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا يحج أحد عن أحد الا ولد عن والد) *
قال على: فهذه تكاذيب، أول ذلك أنها مرسلة ولا حجة في مرسل، والأول فيه
مجهولان لا يدرى من هما؟ وهما محمد بن عبد الله بن كريم، وإبراهيم بن محمد العدوي؟
والآخران من طريق عبد الملك بن حبيب وكفى، فكيف وفيه الطلحي ومحمد بن الكرير،
ومحمد بن حبان ولا يدرى من هم، وعبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف، وهذا خبر
حرفه عبد الملك لأننا رويناه من طريق سعيد بن منصور قال: نا عبد الرحمن بن زيد
ابن أسلم حدثني ربيعة بن عثمان التيمي عن محمد بن إبراهيم التيمي (ان رجلا قال
للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أبى مات ولم يحج أفأحج عنه؟ قال: نعم ولك مثل أجره) *
ومن طريق سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه (ان رجلا قال:
يا رسول الله ان أبى مات ولم يحج حجة الاسلام أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على
أبيك دين فدعوت غرماءه لتقضيهم؟ أكانوا يقبلون ذلك منك؟ قال: نعم قال: فحج عنه
فان الله قابل من أبيك) *
قال أبو محمد: فاعجبوا لهذه الفضائح ونعوذ بالله من الخذلان، ثم لو صحت لكانوا
مخالفين لها لأنهم يجيزون الحج عن الميت إذا أوصى به وان يحج عنه غير ولده وهو
خلاف لما في هذه الآثار فهي عليهم (لالهم) (2)، وتخصيصهم جواز الحج إذا أوصى به
لا يوجد في شئ من النصوص ولا يحفظ عن أحمد من الصحابة ولا يوجبها قياس لان
الوصية لا تجوز الا فيما يجوز للانسان ان يأمر به في حياته بلا خلاف *
قال أبو محمد: فان قالوا: قد صح من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن
نافع عن ابن عمر قال: لا يصومن أحد عن أحد ولا يحجن أحد عن أحد * ومن طريق
وكيع عن أفلح عن القاسم بن محمد قال: لا يحج أحد عن أحد قلنا: نعم هذا صحيح عنهما
وأنتم مخالفون لهما في ذلك لأنكم تجيزون الحج عن الميت إذا أوصى بذلك وهو خلاف
قول ابن عمر. والقاسم وما وجدنا قولهم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، وصح
قولنا عن طائفة من السلف * كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن شعبة عن
مسلم القرى (3) قال: قلت لابن عباس: إن أمي حجت ولم تعتمر أفأعتمر عنها؟
قال: نعم *

(1) في النسخة رقم (16) (عن محمد بن الحارث) وفى النسخة رقم (14) (عن محمد بن إبراهيم) وصححناه من تهذيب التهذيب جزء ص 5
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) قال في هامش النسخة رقم (14) ما نصه: مسلم بن مخراق العبدي القرى
بو الأسود البصري القطان والد سوادة بن أبي الأسود مولى بنى قرة حي بن عبد القيس، ويقال: مولى بنى ضبة بن قرة، ويقال: مولى
بنى فزارة من عبد القيس قاله المزي اه‍ وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب: مسلم بن مخراق العبدي القرى مولى بنى قرة،
ويقال المازني الفريابي أبو الأسود البصري العطار، ويقال: إنهما اثنان اه‍ والقرى ضبطه ابن حجر في تقريب التهذيب بضم
القاف وتشديد الراء، ولا ادرى قوله البصري العطار هل هو مصحف عن القطان أم لا؟ والله أعلم
60

قال أبو محمد فهذا لا تخصيص فيه لميت دون حي * ومن طريق يزيد بن زريع عن
داود أنه قال: قلت لسعيد بن المسيب: يا محمد لأيهما الاجر أللحاج أم للمحجوج عنه؟
فقال سعيد: ان الله تعالى واسع لهما جميعا *
قال أبو محمد: صدق سعيد رحمه الله * ومن طريق معمر عن أبي إسحاق عن أم محبة
انها نذرت ان تمشى إلى الكعبة فمشت حتى إذا بلغت عقبة البطن عجزت فر كبت ثم أتت (1)
ابن عباس فسألته فقال: أتستطيعين ان تحجي قابلا؟ فإذا انتهيت إلى المكان الذي ركبت
فيه فتمشى ما ركبت قالت: لا قال لها: فهل لك ابنة تمشى عنك؟ قالت: لي ابنتان ولكنهما
أعظم في أنفسهما من ذلك قال: فاستغفري الله * وروينا أيضا مثله من طريق وكيع
عن يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية عن ابن عباس *
قال أبو محمد: هذه هي التي عولوا على روايتها عن عائشة رضي الله عنها في أمر العبد
المبيع من زيد بن أرقم إلى العطاء بثمانمائة درهم ثم ابتاعته منه بستمائة، وتركوا فيه
فعل زيد بن أرقم فكانت حجة هناك إذا لم توافق النصوص ولم تكن حجة عن ابن عباس
إذا وافقت النصوص * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا حفص - هو ابن غياث - عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أنه قال في الشيخ الكبير: انه يجهز رجلا
بنفقته فيحج عنه * ومن طريق إبراهيم بن ميسرة قال: رمى عبد الله بن طاوس عن أبيه
الجمار وطاف عنه طواف يوم النحر وكان أبوه مريضا * وعن سفيان عن ابن طاوس
في رمى الجمار عن أبيه بأمر أبيه * وعن مجاهد من حج عن رجل فله مثل أجره * وعن
عطاء فيمن نذر ان يمشى فعجز قال: يمشى عنه بعض أهل بيته وأنه رأى الرمي عن
المريض للجمار *
فهؤلاء ابن عباس. وعلى. وعطاء وطاوس. ومجاهد. وسعيد بن المسيب.
وعبد الله بن طاوس، وروى أيضا عن إبراهيم النخعي، وما نعلم لمن خالفنا ههنا - فلم
يوجب الحج على من وجد من يحج عنه وهو عاجز ولاعن الميت الا ان يوصى - سلفا أصلا
من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا مما خالفوا فيه الجمهور من العلماء، وبمثل قولنا يقول
سفيان الثوري. والأوزاعي. وابن أبي ليلى. واحمد. وإسحاق *

(1) في النسخة رقم (14) فأتت بدل " ثم أتت "
61

816 - مسألة - قال أبو محمد: فان حج عمن لم يطق الركوب والمشي لمرض
أو زمانة حجة الاسلام ثم أفاق فان أبا حنيفة: والشافعي قالا: عليه ان يحج ولابد،
وقال أصحابنا: ليس عليه ان يحج بعد *
قال أبو محمد: إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحج عمن لا يستطيع الحج راكبا ولا ماشيا
وأخبر أنه دين الله يقضى عنه فقد تأدى الدين بلا شك وأجزأ عنه، وبلا شك ان (1)
ما سقط وتأدى فلا يجوز ان يعود فرضه بذلك إلا بنص ولا نص ههنا أصلا بعودته ولو كان
ذلك عائدا لبين عليه السلام ذلك إذا قد يقوى الشيخ فيطيق الركوب فإذ لم يخبر النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك فلا يجوز عودة الفرض عليه بعد صحة تأديه عنه، وبالله تعالى التوفيق *
817 - مسألة - (قال على) (2) وسواء من بلغ وهو عاجز عن المشي والركوب
أو من بلغ مطيقا ثم عجز في كل ما ذكرنا، وقال أبو سليمان: لا يلزم ذلك الاعمن قدر
بنفسه على الحج ولو عاما واحدا ثم عجز *
قال على: وهذا خطأ لان الخبر الذي قدمنا فيه فريضة الله تعالى في الحج أدركته
لا يقدر على الثبات على الدابة فصح انه قد لزمه فرض الحج ولم يكن قط بعد لزومه له
قادرا عليه بجسمه فصح قولنا وبالله تعالى التوفيق *
818 - مسألة - ومن مات وهو مستطيع بأحد الوجوه التي قدمنا حج عنه من
رأس ماله واعتمر ولابد مقدما على ديون الناس ان لم يوجد من يحج عنه تطوعا سواء
أوصى بذلك أو لم يوص بذلك * وقال أبو حنيفة. ومالك: لا يحج عنه الا أن يوصى
بذلك فيكون من الثلث *
برهان صحة قولنا قول الله تعالى في المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين)
فعم عز وجل الديون كلها *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا عمران بن موسى المصري
نا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنوري - نا أبو التياح يزيد بن حميد البصري نا
موسى بن سلمة الهذلي (ان ابن عباس قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني ان تسأل
النبي (3) صلى الله عليه وسلم؟ أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزئ عن أمها ان تحج عنها؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يكن يجزئ عنها؟ فلتحج عن أمها) (4) *

(1) في النسخة رقم (14) وبلا شك فان) الخ
(2) الزيادة من النسخة رقم (16)
(3) في سنن النسائي ج 5 ص 116 (ان تسأل رسول الله)
(4) قال المحب الطبري في كتابه القرى لقاصدام القرى: هو حجة لاثبات القياس والحاق ما اختلف فيه إذا أشكل مما اتفق عليه اه‍ فأرجو الله تبارك وتعالى ان يوفقني إلى طبعه فإنه أنفس كتاب في أحكام الحج مطولا
62

ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن الزهري عن سليمان بن يسار عن
ابن عباس (ان امرأة سألت رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج؟ قال:
حجى عن أبيك) * ورويناه أيضا من طريق عكرمة عن ابن عباس مسندا نا محمد
ابن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا
محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن أبي بشر - هو جعفر بن أبي وحشية - قال: سمعت
سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس (ان امرأة نذرت ان تحج فماتت فاتى أخوها النبي
صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو كان على أمك دين أكنت
قاضية؟ قال: نعم قال: فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء) * ورويناه أيضا من طريق البخاري
عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن
النبي) صلى الله عليه وسلم (بنصه) (2) في امرأة من جهينة نذرت أمها ان تحج فماتت قبل أن تحج (3)) *
ورويناه أيضا من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم و سلم مثل رواية البخاري، وفيه قوله عليه السلام (فحجى عن أمك
اقضوا الله الذي له عليكم فالله تبارك وتعالى أحق بالوفاء) *
فهذه آثار في غاية الصحة لا يسع أحد الخروج عنها *
قال أبو محمد: ومن عجائب الدنيا احتجاجهم بهذا الحديث في القول بالقياس في
تحريم التين بالتين متفاضلا ثم يخالفونه فيما جاء فيه أقبح خلاف فيقولون: لا يحج عن
ميت، ودين الله لا يقضى، وديون الناس أحق منه، فأي قول أقبح من قول من قال: من
اهرق خمر اليهودي أو النصراني ومات قضى دين الخمر من رأس ماله أوصى به أو لم يوص،
ولا يقضى دين الله تعالى في الحج الا أن يوصى به فيكون من الثلث؟ *
قال أبو محمد: قولنا هو قول جمهور السلف روينا عن أبي هريرة من مات وعليه
نذر أو حج فليقض عنه وليه * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص عن سماك
عن عكرمة عن ابن عباس (أن امرأة أتته فقالت: إن أمي ماتت وعليها حجة أفأحج عنها؟
فقال ابن عباس: هل كان على أمك دين؟ قالت: نعم قال: فما صنعت؟ قالت: قضيته
عنها قال ابن عباس: فالله خير غرمائك حجى عن أمك) * ومن طريق شعبة عن مسلم
القرى قلت لابن عباس: ان أمي حجت وماتت ولم تعتمر أفأعتمر عنها؟ قال: نعم *
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا أبو الأحوص عن طارق بن عبد الرحمن قال: كنت

(1) في سنن النسائي ج 5 ص 117 (سألت النبي)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) الحديث اختصره المؤلف انظر ج 3 ص 45 من صحيح البخاري الذي طبع في إدارتنا
63

جالسا عند سعيد بن المسيب فأتاه رجل فقال: إن أبى لم يحج قط أفأحج عنه؟ فقال له
سعيد: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص لرجل حج عن أبيه وهل هو إلا دين؟ *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا مروان بن معاوية - هو الفزاري - عن قدامة بن عبد الله الرؤاسي
قال: سألت سعيد بن جبير عن أخي؟ فقلت: مات ولم يحج قط أفأحج عنه؟ فقال:
هل ترك من ولد؟ قلت: ترك صبيا (1) صغيرا فقال: حج عنه فإنه لو (2) وجد رسولا
لأرسل إليك أن عجل بها فقلت: أحج عنه من مالي أو من ماله؟ قال: بل من ماله قال:
وسألت إبراهيم النخعي؟ فقال: حج عنه قال: وسألت الضحاك فقال: حج عنه من ماله؟
فان ذلك مجزئ عنه * ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج عن فضيل بن عمرو قال؟
نذرت امرأة أن تطوف بالبيت مقترنة (3) مع ابنتها فماتت الام قبل أن تطوف فسأل
ابنها إبراهيم النخعي عن ذلك؟ فقال: طف أنت وأختك عن أمك ولا تقترنا (4) *
ومن طريق وكيع عن سفيان عن أسلم المنقري عن عطاء قال: يحج عن الميت وان لم
يوص * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي نهيك قال: سألت طاوسا
عن امرأة ماتت وقد بقي عليها من نسكها فقال: يقضى عنها وليها، أبو نهيك - هو القاسم -
ابن محمد الأسدي روى عنه سفيان. ومنصور. وجرير بن عبد الحميد * ومن طريق حماد بن سلمة عن
قيس بن سعد عن عطاء * ومن طريق حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن قال: عطاء. والحسن
فيمن لم يحج الفريضة: انه يحج عنه من جميع المال والزكاة مثل ذلك أوصى أو لم يوص، وروى
أيضا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى * قال أبو محمد: وهو قول الأوزاعي. والثوري.
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. والشافعي. وأبي ثور. وأحمد. وإسحاق. وأبي سليمان
وأصحابهم *
قال أبو محمد: قد ذكرنا قبل قول ابن عمر. والقاسم بن محمد. وخلافهم لهما،
وروينا من طريق حماد بن زيد قال: سئل أيوب عن الوصايا في الحج؟ فقال: لا أعرف
الوصايا في الحج إنما الوصية في الأقربين قلنا: إذا فرط في الحج أيوصى به؟ قال: لا *
وقد روينا عن إبراهيم النخعي من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم لا يقضى
حج عن ميت * ومن طريق سعيد بن منصور عن هشيم عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم
فيمن مات ولم يحج قال: كانوا يحبون ان يوصى ان ينحر عنه بدنة * ومن طريق سفيان
عن منصور عنه لا يحج أحد عن أحد * ومن طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم

(1) في النسخة رقم (14) (ولدا)
(2) في النسخة رقم (14) (ان) وهو غلط
(3) في النسخة رقم (16) (مقرنة)
(4) في النسخة رقم (16) (ولا تفترقا)
64

ان أوصى بالحج حج عنه من ثلثه وإلا فلا * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن
هشام بن حساب عن ابن سيرين إذا أوصى بالحج فمن الثلث، وبهذا يقول حماد
ابن أبي سليمان، وحميد الطويل. وداود بن أبي هند. وعثمان البتي *
قال أبو محمد: ما نعلم لمن قال: بهذا حجة الا ما قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا
وبينا انه حجة عليهم وانه لا حجة لهم فيه، وبالله التوفيق *
قال أبو محمد: وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فالله أحق بالوفاء. ودين الله أحق ان
يقضى) فلا يحل ان يقضى دين آدمي حتى تتم ديون الله عز وجل، وهو قول من ذكرنا،
وأحد قولي الشافعي، وقول جميع أصحابنا، وللمالكيين. والحنيفيين فيما يبد أبيه في الوصايا
أقوال لا يعرف لها وجه أصلا *
819 - مسألة - والحج لا يجوز شئ من عمله إلا في أوقاته المنصوصة ولا يحل
الاحرام به إلا في أشهر الحج قبل وقت الوقوف بعرفة، وأما العمرة فهي جائزة في كل
وقت من أوقات السنة، وفى كل يوم من أيام السنة، وفى كل ليلة من لياليها لاتحاش شيئا *
برهان صحة قولنا قول الله عز وجل: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) الآية، فنص عز وجل على أنه أشهر معلومات،
وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * وروينا من طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري. وابن جريج كليهما عن أبي الزبير سمعت جابر بن عبد الله يسأل أيهل أحد
بالحج قبل أشهر الحج؟ قال: لا * ومن طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لا ينبغي
لاحد ان يهل بالحج الا في أشهر الحج لقول الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج) *
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي قال: رأى
عمرو بن ميمون بن أبي نعم (1) يحرم بالحج في غير أشهر الحج فقال: لو أن أصحاب
محمد أدركوه رجموه * ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني ان (2) عكرمة
قال لأبي الحكم: أنت رجل سوء لأنك خالفت كتاب الله عز وجل وتركت سنة نبيه

(1) هو عبد الرحمن بن أبي نعم يضم النون وسكون العين المهملة - البجلي أبو الحكم الكوفي العابد، كان يحرم من السنة إلى
السنة، وكأن يقول: لبيك لو كان رياء لاضمحل، وكان من عباد أهل الكوفة ممن يصبر على الجوع الدائم أخذها الحجاج ليقتله وادخله
بيتا مظلما وسد الباب خمسة عشر يوما ثم أمر بالباب ففتح ليخرج فيدفن فدخلوا عليه فإذا هو قائم يصلى، فقال له الحجاج: سر
حيص شئت، وفى النسخة رقم (14) (نعيم) وهو غلط، وقد سبق في صفحة 16 من هذا الجزء في التحقيقات نقلا عن تهذيب التهذيب
ان اسمه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم لا ابن أبي أنعم، وقلنا: لعل لفظ أبى زائد وهو سهو منا نشأ من اتفاق النسختين على لفظ ابن أبي
أنعم) وهو غلط فيهما وصوابه كما هنا (ان أبى نعم) بحذف الهمزة، والله أعلم
(2) في النسخة رقم (16) (عن)
65

صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج)، وخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالبيداء وجعل القرية خلف ظهره أهل وانك تهل في غير
أشهر الحج * وعن عطاء. وطاوس. ومجاهد قالوا: لا ينبغي لاحد أن يحرم بالحج في غير
أشهر الحج * وعن عطاء والشعبي مثل ذلك قالا: فان أهل بالحج في غير أشهر الحج فإنه
يحل * وعن عطاء انه يحل ويجعلها غمرة وانه ليس حجا يقول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات) *
وعن سعيد بن منصور عن جرير بن عبد الحميد عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال: لا ينبغي
لاحد ان يحرم بالحج الا في أشهر الحج فان فعل فلا يحل حتى يقضى حجه، وقال الأوزاعي.
والشافعي: تصير عمرة ولا بد، وقال أبو حنيفة. ومالك: يكره ذلك ويلزمه ان أحرم
به قبل أشهر الحج *
قال أبو محمد: ما نعلم في هذا القول سلفا من الصحابة رضي الله عنهم وهو خلاف
القرآن وخلاف القياس، واحتج الشافعي بأنه كمن أحرم بصلاة فرض قبل وقتها انها
تكون تطوعا *
قال أبو محمد: وهذا تشبيه الخطأ بالخطأ بل هو لا شئ لأنه لم يأت بالصلاة كما أمر،
وقال الله تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فصح أن عمل المحرم بالحج في غير أشهر الحج
عمل ليس عليه أمر الله تعالى، ولا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فصح أنه رد، ولا يصير عمرة
ولا هو حج * والعجب من قول من يحتج من الحنيفيين (1) بأنهم قد أجمعوا على أنه
يلزمه احرام ما فإذ لا يجوز أن يكون عمرة فهو الحج، وإن كان إنما يناظر من يساعده
على هذا الخطأ فهو لعمري لازم له وإن كان قصد الايهام بأنه إجماع (تام) (2) فقد استسهل
الكذب على الأمة كلها نعوذ بالله من ذلك *
قال على: وقد ذكرنا آنفا عن الشعبي. وعطاء ان يحل، وعن الصحابة رضي الله عنهم
المنع من ذلك (جملة) (3) ونقول للحنيفيين والمالكيين: أنت تكرهون الاحرام
بالحج قبل أشهر الحج وتجيزونه فأخبرونا عنكم أهو عمل بر وفيه أجر زائد؟ فلم تكرهون
البر وعملا فيه أجر؟ هذا عظيم جدا وما في الدين كراهية البر وعمل الخير، أم هو عمل
ليس فيه اجر زائد ولا هو من البر؟ فكيف أجز تموه في الدين ومعاذ الله من هذا؟ *
قال أبو محمد: إذا هو عمل زائد لا أجر زائد فيه فهو باطل بلا شك، وقد قال
تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل)، ويقال للشافعي: كيف تبطل عمله الذي دخل فيه

(1) في النسخة رقم (14) (من قول محتج الحنيفيين)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) الزيادة من النسخة رقم (14)
66

لأنه خالف الحق ثم تلزمه بذلك العمل عمرة لم يردها قط ولا قصدها ولا نواها؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الاعمال عمرة بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا
بين لاخفاء به، فبطل كلا القولين والحمد لله رب العالمين *
ولا يختلف المذكورون في أن من أحرم بصلاة قبل وقتها فإنها تبطل (1)، ومن نوى
صياما قبل وقته فهو باطل، ومن قدم الوقوف بعرفة قبل وقته فهو باطل، فهلا قاسوا
الحج على ذلك؟ وهلا قاسوا بعض عمل الحج على بعض؟ فهذا أصح قياس لو كان القياس
حقا (2)، وهذا (3) مما خالفوا فيه القرآن. وعمل النبي صلى الله عليه وسلم. وأصحابه لا يعرف لهم منهم
مخالف والقياس، والعجب أن الحنيفيين قالوا: في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وسلم " في الغنم في
سائمتها في كل أربعين شاة شاة ": حاشا الله ان يأتي رسول الله صلى الله عليه آله وسلم بكلام لا فائدة فيه (4)
فهلا قالوا: ههنا في قول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات). حاشا لله من أن يقول في القرآن
قولا لا فائدة فيه (5)، هذا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة في الغنم جملة دون
ذكر سائمة، ولم يأت قط في قرآن ولا سنة جواز فرض الحج في غير أشهره المعلومات *
(فان قالوا): أنتم لا تقولون بدليل الخطاب فلم جعلتم قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات)
حجة في أن لا يتعدى باعمال الحج إلى غيرها؟ قلنا: إنما نمنع من دعوا كم في دليل الخطاب
إذا أردتم أن تبطلوا به سنة أخرى عامة وأما إذا ورد نص بحكم ولم يرد نص آخر
بزيادة عليه فلا يحل لاحد أن يتعدى بذلك الحكم النص الذي ورد فيه *
وأما العمرة فان الخلاف قد جاء في ذلك - روينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية
عن الأعمش عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب سئل ابن مسعود عن العمرة في أشهر
الحج؟ فقال: الحج أشهر معلومات ليس فيهن عمرة * وعن وكيع عن ابن أبي رواد (6)
عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: اجعلوا العمرة في غير أشهر الحج أتم لحجكم
ولعمرتكم * وروينا من طريق الدراوردي عن الجعيد بن عبد الرحمن أن السائب بن يزيد
استأذن عثمان بن عفان في العمرة في أشهر الحج فلم يأذن له * وروينا من طريق عائشة أم
المؤمنين حلت العمرة الدهر الا ثلاثة أيام. يوم النحر، ويومين من أيام التشريق * ومن
طريق قتادة عن معاذة عنها * وروينا أيضا عنها تمت العمرة السنة كلها الا أربعة أيام
يوم عرفة. ويوم النحر. ويومين من أيام التشريق * وروى أيضا عنها إلا خمسة أيام يوم

(1) في النسخة رقم (14) (باطل)
(2) في النسخة رقم (16) (صحيحا)
(3) في النسخة رقم (16) (فهذا) (4) في النسخة رقم (14) (له)
(5) في النسخة رقم (14) (له)
(6) بفتح الراء وتشديد الواو، اسمه عبد العزيز، وفى النسخة رقم (16) (ابن أبي
داود) وهو غلط
67

عرفة، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق * وقال أبو حنيفة: العمرة كلها جائزة إلا خمسة
أيام يوم عرفة ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق * وقال مالك: العمرة جائزة في كل
وقت من السنة الا للحاج خاصة في أيام النحر خاصة * وقال سفيان الثوري. والشافعي.
وأبو سليمان كما قلنا *
قال على: روينا من طريق مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب ان عمر
ابن أبي سلمة استأذن عمر بن الخطاب في أن يعتمر في شوال فأذن له فاعتمر * ومن طريق
ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد قال: استأذنت
أختي عبد الله بن عمر بعد ما قضت حجها أتعتمر في ذي الحجة؟ قال: نعم * وعن طاوس
أن رجلا سأله فقال: تعجلت في يومين أفأعتمر؟ قال: نعم *
قال أبو محمد: ليس قول بعضهم أولى من بعض، ولا بعض الروايات عن عائشة أولى
من غيرها وقد حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس
نا محمد بن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - نا سمى
- هو مولى أبى بكر - عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج المبرور ليس له
جزاء الا الجنة والعمرة إلى العمرة تكفير لما بينهما) (1) قال أبو محمد: فحض رسول الله صلى الله عليه وسلم
على العمرة ولم يحد لها وقتا من وقت فهي مستحبة في كل وقت، وأما اختيار أبي حنيفة
ففاسد جدا لأنه لا حجة له على صحته دون سائر ما روى في ذلك وبالله تعالى التوفيق *
820 - مسألة - والحج لا يجوز الا مرة في السنة، واما العمرة فنحب الاكثار
منها لما ذكرنا من فضلها، فاما الحج فلا خلاف فيه، وأما العمرة فإننا روينا من طريق
مجاهد قال علي بن أبي طالب: في كل شهر عمرة * وعن القاسم بن محمد انه كره عمرتين
في شهر واحد * وعن عائشة أم المؤمنين انها اعتمرت ثلاث مرات في عام واحد * وعن
سعيد بن جبير. والحسن البصري. ومحمد بن سيرين. وإبراهيم النخعي كراهة العمرة
أكثر من مرة في السنة، وهو قول مالك، وروينا عن طاوس إذا مضت أيام التشريق
فاعتمر متى شئت * وعن عكرمة اعتمر متى (2) أمكنك الموسى * وعن عطاء إجازة العمرة

(1) هو في البخاري بتقديم وتأخير واللفظ واحد إلا أن قوله (تكفير لما بينهما) ففي البخاري (كفارة لما بينهما، وكذلك
رواه مسلم كلفظ البخاري ج 1 ص 382، والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، وقيل المتقبل، وقيل الذي لا رياء فيه ولا سمعة
ولا رفث ولا فسوق، وعلامته ان يزداد بعده خير أو لا يعاود المعاصي بعد رجوعه، يقال بر حجه وبر الله حجه برا - بالكسر -
وابرارا، وقوله (ليس له جزاء إلا الحنة) أي لا يقتصر فيه على تكفير بعض الذنوب بل لابدان يبلغ به الجنة، ذكر ذلك المحب
الطبري في كتابه القرى لقاصد أم القرى والله أعلم
(2) في النسخة رقم (16) (ما) والذي يظهر لي ان المعنى هنا اعتمر متى طال شعرك
وأمكنك حلقه بالموسى - وهي آلة الحلق والله أعلم
68

مرتين في الشهر * وعن ابن عمر أنه اعتمر مرتين في عام واحد مرة في رجب، ومرة
في شوال * وعن أنس بن مالك أنه أقام مدة بمكة فكلما جم رأسه (1) خرج فاعتمر
وهو قول الشافعي. وأبي حنيفة. وأبي سليمان وبه نأخذ لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر
عائشة مرتين في الشهر الواحد (2) ولم يكره عليه السلام ذلك بل حض عليها واخبرانها
تكفر ما بينها وبين العمرة الثانية فالاكثار منها أفضل، وبالله تعالى التوفيق *
واحتج من كره ذلك بان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في عام الامرة واحدة قلنا: لا حجة
في هذا لأنه إنما يكره ماحض على تركه وهو عليه السلام لم يحج مذ هاجر الا حجة واحدة
ولا اعتمر مذ هاجر إلا ثلاث عمر فيلزمكم ان تكرهوا الحج إلا مرة في العمر وان
تكرهوا العمرة الا ثلاث مرات في الدهر، وهذا خلاف قولهم، وقد صح انه كان عليه
السلام يترك العمل وهو يحب ان يعمل به مخافة ان يشق على أمته أو أن يفرض عليهم *
والعجب أنهم يستحبون ان يصوم المرء أكثر من نصف الدهر، وان يقوم أكثر من
ثلث الليل، وقد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم قط شهرا كاملا ولا أكثر من نصف
الدهر ولا قام بأكثر من ثلاث عشرة ركعة ولا أكثر من ثلث الليل فلم يروا فعله
عليه السلام ههنا حجة في كراهة ما زاد على صحة نهيه عن الزيادة في الصوم ومقدار ما يقام
من الليل على أكثر من ذلك، وجعلوا فعله عليه السلام في أنه لم يعتمر في العام الامرة مع
حضه على العمرة والآثار منها حجة في كراهة زيادة على عمرة من العام وهذا عجب جدا *
821 - مسألة - وأشهر الحج شوال. وذو القعدة. وذو الحجة. (3) وقال
قوم: شوال. وذو القعدة. وعشر من ذي الحجة * روينا قولنا عن ابن عباس (4)،
وصح عن ابن عمر من طريق محمد بن إسحاق عن نافع عنه وهو قول طاوس. وعطاء *
وروينا القول الآخر عن ابن عباس أيضا، وعن ابن مسعود. وإبراهيم النخعي، وروينا
عن الحسن شوال. وذو العقدة. وصدر ذي الحجة *
قال أبو محمد: قال تعالى: (الحج أشهر معلومات) ولا يطلق على شهرين وبعض آخر
أشهر، وأيضا فان رمى الجمار - وهو من اعمال الحج - يعمل اليوم الثالث عشر من ذي الحجة
وطواف الإفاضة - وهو من فرائض الحج - يعمل في ذي الحجة كله بلا خلاف
منهم فصح أنها ثلاثة أشهر وبالله تعالى التوفيق *
822 - مسألة - وللحج. والعمرة مواضع تسمى المواقيت (5) واحدها ميقات

(1) أي طال شعر رأسه وتجمع
(2) في النسخة رقم (14) (في شهر واحد)
(3) وهذه تسمى مواقيت زمانية
(4) انظر البخاري جزء 2 ص 277
(5) هذه تسمى المواقيت المكانية وهي أربعة، ذو الحليفة - بضم الحاء المهملة وفتح الام واسكان الياء المثناة من تحت - اسم ما لبنى جشم * والجحفة - بضم الجيم واسكان الحاء المهملة - وهي قرية كبيرة كانت عامرة ذات
منبر سميت بذلك لان السيول أجحفتها وحملت أهلها * وذات عرق - بكسر العين المهملة واسكان الراء بعدها قاف - * وقرن -
بفتح القاف واسكان الراء - ويقال له قرن المازل - بفتح الميم - وقرن الثعالب، واصل القرن انه كان جبلا صغيرا انقطع
من جبل كبير، وقال الجوهري: هو بفتح الراء وغلطوه فيه وفى قوله إن أويسا القرني منسوب إليه * ويلملم - بفتح الياء واللامين
واسكان الميم بينهما، ويقال فيه: يألملم بهمزة بعد الياء هو جبل تهامة والله أعلم * وقد نظمها بعض الشعراء في بيتين فقال: *
عرق العراق يلملم اليمن * وبذي الحليفة يحرم المدني
والشام جحفة ان مررت بها * ولأهل نجد قرن نجد قرن فاستين
69

لا يحل لاحد أن يحرم بالحج ولا بالعمرة قبلها * وهي لمن جاء من جميع البلاد على طريق
المدينة أو كان من أهل المدينة، ذو الحليفة - وهو من المدينة على أربعة أميال - وهو من مكة
على مائتي ميل - غير ميلين (1) * ولمن جاء من جميع البلاد. أو من الشام. أو من مصر على
طريق مصر. أو على طريق الشام الجحفة، - وهي فيما (2) بين المغرب والشمال - من مكة ومنها
إلى مكة اثنان وثمانون ميلا * ولمن جاء من طريق العراق منها ومن جميع البلاد ذات
عرق - وهو بين المشرق والشمال - من مكة، ومنها إلى مكة اثنان وأربعون ميلا * ولمن جاء
على طريق نجد من جميع البلاد كلها قرن - وهو شرقي من مكة - ومنه إلى مكة اثنان وأربعون
ميلا * ولمن جاء على طريق اليمن منها أو من جميع البلاد يلملم - وهو جنوب من مكة - ومنه
إلى مكة ثلاثون ميلا، فكل من خطر على أحد هذه المواضع وهو يريد الحج. أو العمرة
فلا يحل له ان يتجاوزه الا محرما فإن لم يحرم منه. فلا احرام له. ولا حج له. ولا عمرة له الا أن
يرجع إلى الميقات الذي مر عليه فينوي الاحرام منه فيصح حينئذ احرامه. وحجه. وعمرته،
فان أجرم قبل شئ من هذه المواقيت وهو يمد عليها. فلا احرام له. ولا حج له. ولا عمرة
له إلا أن ينوى إذا صار في الميقات تجديد احرام فذلك جائز، واحرامه حينئذ تام وحجه
تام. وعمرته تامة * ومن كان من أهل الشام. أو مصر فما خلفهما فأخذ على طريق المدينة
- وهو يريد حجا. أو عمرة - فلا يحل له تأخير الاحرام من ذي الحليفة ليحرم من الجحفة
فان فعل فلا حج له. ولا احرام له. ولا عمرة له الا أن يرجع إلى ذي الحليفة فيجدد منها
إحراما فيصح حينئذ إحرامه. وحجه وعمرته * فمن مر على أحد هذه المواقيت وهو لا يريد
حجا. ولا عمرة فليس عليه ان يحرم فان تجاوزه بقليل. أو بكثير ثم بدا له في الحج. أو في
العمرة فليحرم من حيث بدا له في الحج. أو العمرة، وليس عليه ان يرجع إلى الميقات،
ولا يجوز له الرجوع إليه، وميقاته حينئذ الموضع الذي بدا له في الحج أو العمرة فلا يحل
له أن يتجاوزه إلا محرما. فان فعل ذلك فلا احرام له. ولا حج له. ولا عمرة له الا أن يرجع

(1) وهو أبعد المواقيت من مكة
(2) في النسخة رقم (14) (وهي ما)
70

إلى ذلك الموضع فيجدد منه احراما، فمن كان منزله بين الميقات ومكة فميقاته من منزله
كما ذكرنا سواء سواء، أو من الموضع الذي بدا له أن يحج منه أو يعتمر كما قدمنا * ومن
كان من أهل مكة فأراد الحج فميقاته منازل مكة، وان أراد العمرة فليخرج إلى الحل
فيحرم منه وأدنى ذلك التنعيم * ومن كان طريقه لا تمر بشئ من هذه المواقيت فليحرم
من حيث شاء برا أو بحرا، فان أخرجه قدر بعد احرامه إلى شئ من هذه المواقيت
ففرض عليه ان يجدد منها نية (1) احرام ولا بد *
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عمرو
ابن منصور نا هشام بن بهرام نا (2) المعافى - هو ابن عمران الموصلي - نا أفلح بن
حميد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة أم المؤمنين (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقت (3) لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام. ومصر الجحفة، ولأهل العراق
ذات عرق، ولأهل اليمين يلملم *
قال أبو محمد: هشام بن بهرام (4) ثقة، والمعافى ثقة كان سفيان يسميه الياقوتة الحمراء،
وباقيهم أشهر من ذلك *
نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا
أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن آدم نا وهيب - هو
ابن خالد - نا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت
لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمين
يلملم وقال: هن لهم (5) ولكل آت أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن
كان دون ذلك فيمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة (6)) *
نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد البلخي نا الفربري نا البخاري
نا مسدد نا حماد - هو ابن زيد - عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس
(رضي الله عنهما) (7) قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة. ولأهل

(1) في النسخة رقم (16) (ان يجدد منه) وما هنا اظهر
(2) في النسائي ج 5 ص 123 (قال: حدثنا)
(3) قال السيوطي في تعليقة على النسائي: حكى الأثرم عن أحمد - يعنى ابن حنبل - انه سئل في أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت؟ فقال: عام حجه
(4) بفتح الموحدة وكسرها
(5) قال المحب الطبري في كتابه القرى لقاصد أم القرى: هكذا جاء في بعض
طرق الصحيحين، وأكثر الزوايات فيهما (هن لهن) والأول أصح لأنه ضمير أهل هذه المواضع المذكورة، وتخرج
الروايات الأخر على المواضع نفسها أي هذه المواقيت لهذه الأقطار، والمراد أهلها، وأما جمعه مالا يعقل الهاء والنون في قوله
(هن لم) فمستعملة عند العرب وأكثر ما يستعمله فيما دون العشرة فيما زاد بالهاء لاغير، ومنه قوله تعالى: (منها أربعة حرم فلا
تظلموا فيهن أنفسكم) وقيل في الجميع، والله أعلم
(6) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 328
(7) الزيادة من صحيح البخاري ج 2 ص 266
71

الشام الجحفة. ولأهل نجد قرن المنازل. ولأهل اليمين يلملم فهن لأهلهن ولم أتى عليهن من
غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذاك (1) حتى
أهل مكة يهلون منها) *
قال أبو محمد: فهذه الأخبار أتم من كل خبر روى في ذلك وأصح وهي منتظمة كل
ما ذكرنا فصلا فصلا *
قال أبو محمد: وفى بعض ما ذكرنا خلاف * فمنه ان قوما ادعوا أن ميقات أهل
العراق العقيق (2) واحتجوا بخبر لا يصح لان راويه يزيد (3) بن زياد - وهو ضعيف -
عن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عن ابن عباس * ومنه أن المالكيين قالوا: من
مر على المدينة من أهل الشام خاصة فلهم أن يدعوا الاحرام إلى الجحفة لأنه ميقاتهم
وليس ذلك لغيرهم، ومنع من ذلك أبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان وغيرهم وهو
الحق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هن لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد
الحج والعمرة) فقد صار ذو الحليفة ميقاتا للشامي. والمصري إذا أتى عليه وكان ان تجاوزه
غير محرم عاصيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الميقات لمن مر عليه بنص كلامه عليه السلام
لا لمن لم يمر عليه فقط * ولو أن مدنيا يمر على الجحفة يريد الحج وعرضت له مع ذلك
حاجة إلى المدينة لم يجز له أن يؤخر الاحرام إلى ذي الحليفة *
روينا من طريق سعيد بن منصور نا عبد العزيز - هو ابن محمد الدراوردي -
أخبرني هشام بن عروة عن أبيه، وسعيد بن المسيب قالا جميعا: من مر من أهل الآفاق
بالمدينة أهل من مهل النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة * وروينا عن عطاء مثل قول مالك *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن جريج أخبرني نافع عن ابن عمر قال:
أهل مصر، ومن مر من أهل الجزيرة على المدينة في الميقات من أهل الشام *
قال أبو محمد: قول ابن عمر هذا يوجب عليهم تأخير الاحرام إلى الجحفة * ومنه
من كانت طريقه على غير المواقيت فان قوما قالوا: إذا حاذى الميقات لزمه أن يحرم
- وهو قول عطاء -، واحتجوا بما روينا من طريق ابن عمر قال: إن أهل العراق شكوا إلى
عمر في حجهم أن قرن المنازل جور (4) عن طريقهم فقال لهم: انظروا حذوها من طريقكم
فحد لهم ذات عرق *

(1) في النسخة رقم (14) (وكذلك) وما هنا موافق للبخاري
(2) في النسخة رقم (14) (ذات عرق):
(3) في النسخة رقم (16) (زيد) وهو غلط راجع ج 11 ص 329 من تهذيب التهذيب
(4) أي مائل عن طريقهم ليس على جادته
72

قال على: وهذا لا حجة لهم في لان الخبر المسند في توقيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات عرق
لأهل العراق وقد ذكرناه آنفا فإنما حد لهم عمر ما حد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لو لم يصح
في ذلك خبر لما كان في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ويكفى من ذلك قوله عليه
السلام الذي ذكرنا آنفا (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ) وقد صح عن ابن عمر
أنه لم يسمع توقيت النبي صلى الله عليه وسلم يلملم، فرواية من سمع. وعلم أتم من رواية من سمع
بعضا ولم يسمع بعضا *
وبرهان آخر وهو أن جميع الأمة مجمعون اجماعا متيقنا على أن من كان طريقه
لا يمر بشئ من المواقيت فإنه لا يلزمه الاحرام قبل محاذاة موضع الميقات ثم اختلفوا إذا
حاذى موضع الميقات فقالت طائفة: يلزمه أن يحرم، وقال آخرون: لا يلزمه فلا يجوز
أن يجب فرض بغير نص ولا اجماع *
ومنه من تجاوز الميقات وهو يريد حجا أو عمرة فلم يحرم منه وأحره بعده فان
أبا حنيفة قال: هو مسئ ويرجع إلى ميقاته فيلبي منه ولآدم عليه ولا شئ فان رجع
إلى الميقات ولم يلب منه فعليه دم شاة، وكذلك عليه دم ان لم يرجع إلى الميقات وحجه
وعمرته تامان (1) في كل ذلك *
قال أبو محمد: ما نعلم أحدا قبله قسم هذا التقسيم (الطريف) (2) من اسقاطه الدم
برجوعه إلى الميقات وتلبيته منه واثباته الدم ان لم يرجع أو ان رجع إلى الميقات ولم
يلب (3) وهذا أمر لا يوجبه قرآن. ولا سنة صحيحة. ولا رواية سقيمة. ولاقول صاحب. ولا
تابع. ولا قياس. ولانظر يعقل *
وقال مالك. وسفيان. والأوزاعي والحسن بن حي. والليث. والشافعي.
وأبو يوسف: ان رجع إلى الميقات فأحرم منه. فلا شئ عليه. لادم ولا غيره لبى أو لم يلب
وان لم يرجع فعليه دم وحجه وعمرته صحيحان، وقال زفر: عليه دم شاة رجع إلى الميقات
أو لم يرجع *
قال أبو محمد: روينا من طريق ابن أبي شيبة قال: نا وكيع وابن علية قال وكيع:
عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، قال ابن علية: عن أيوب السختياني عن
عمرو بن دينار عن جابر بن زيد ثم اتفق حبيب. وجابر كلاهما عن ابن عباس انه كان
يرد إلى الميقات الذين يدخلون مكة بغير احرام، قال جابر: رأيته يفعل ذلك * ومن

(1) في النسخة رقم (14) (وحجته وعمرته تامتان)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (14) (ان لم يطب)
73

طريق عبد الرزاق عن ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس قال: إذا زل الرجل عن الوقت
- وهو غير محرم - فإنه يرجع إلى الميقات فان خشي ان يفوته الحج تقدم وإهراق دما، *
وعن ليث عن عطاء عن ابن عباس إذا لم يهل من ميقاته أجزأه وأراق دما * ومن
طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن إسماعيل عن وبرة ان رجلا دخل مكة - وعليه ثياب
وقد حضر الحج وخاف ان رجع فوته - فأمره ابن الزبير ان يهل من مكانه فإذا قضى
الحج خرج إلى الوقت فأهل بعمرة * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا ابن عيينة
عن أبان بن تغلب (1) عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أو عمه ان ابن مسعود
رآهم بذات الشقوق فقال: ما هؤلاء؟ أتجار؟ قالوا: لا قال: فما يحبسهم عما خرجوا له؟
فمالوا إلى أدنى ماء فاغتسلوا وأحرموا *
قال أبو محمد: ما نعلم عن الصحابة في هذا إلا ما أوردنا، وروى عن يحيى بن سعيد
الأنصاري انه كان لا يرى بأسا بتجاوز الميقات لمن أراد الحج والعمرة * وعن الزهري
نحو هذا لمن توقع شيئا * وعن وكيع عن سفيان عن حبيب عن إبراهيم النخعي فيمن
دخل مكة لاحاجا ولا معتمرا وخشي فوات الحج ان خرج إلى الميقات قال: يهل من مكانه قال
حبيب: ولم يذكر دما * وعن الحسن. وسعيد بن جبير أنه يرجع إلى الميقات *
وعن عطاء قال: مرة عليه دم ومرة قال: لا شئ عليه، روينا ذلك من طريق سعيد
ابن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: ليس على من تجاوز
الميقات غير محرم شئ، قال سفيان: لا يعجبنا * ومن طريق سعيد بن منصور نا عتاب
ابن بشير انا خصيف عن سعيد بن جبير قال: من جاوز الوقت الذي وقت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم يحرم منه (2) فلن يغنى عنه ان أحرم شيئا حتى يرجع إلى الوقت الذي وقت
النبي صلى الله عليه وسلم فيحرم منه الا انسان أهله من وراء (3) الوقت فيحرم من أهله *
قال أبو محمد: فأصح الروايات عن ابن عباس، وهذه الرواية عن سعيد بن جبير
موافقة لقولنا، واضعف الروايات عن ابن عباس موافقة لقول الحاضرين من مخالفينا
وليس بعض أقوالهم رضي الله عنهم بأولى من بعض، والواجب عند التنازع ما أوجبه
الله تعالى إذا يقول (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر)، ففعلنا ولله الحمد. فوجدنا الله تعالى قد وقت على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
مواقيت وحد حدودا فلا يحل تعديها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وقال رسول الله

(1) هو بفتح المثناة وسكون الغين المعجمة كسر الام، وفى النسخة رقم (16) (تعلب) بعين مهملة وهو غلط
(2) في النسخة رقم (14) (فليس)
(3) في النسخة رقم (14) (من ورا الميقات)
74

صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال عليه السلام: (ان دماءكم
وأموالكم عليكم حرام) فلم يجز أن يصحح عملا عمل على خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا
أن يشرع وجوب دم لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم (وما كان ربك نسيا)
فيبيح من ماله المحرم ما لم يأت قرآن ولا سنة بإباحته، وما نعلم لمن أوجب الدم وأجاز
الاحرام حجة أصلا (فان قالوا): ان أشياء جاء النص فيها بوجوب دم قلنا: نعم فلا يجوز
تعديها وليس منكم أحد الا وقد أوجب الدم حيث لم يوجبه صاحبه، وهذا تحكم لا يجوز
القول به، وبالله تعالى التوفيق *
ومنه من أحرم قبل الوقت فان قوما استحبوه وقوما كرهوه وألزموه إذا وقع *
روينا من طريق عبد الرحمن بن أذينة بن مسلمة العبدي عن أبيه قال: قلت لعمر بن الخطاب:
انى ركبت السفن. والخيل. والإبل فيمن أين أحرم؟ فقال: أئت عليها فاسأله؟ فسأل عليها؟
فقال له: من حيث ابدأت ان تنشئها من بلادك فرجع إلى عمر فأخبره فقال له عمر: هو
كما (1) قال لك على * ومن طريق شعبة عن عمرو بن مرة (2) عن عبد الله بن سلمة ان
رجلا سأل علي بن أبي طالب عن قول الله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) فقال: أن
تحرم من دويرة أهلك * وبه إلى عبد الله بن سلمة عن عائشة مثله * ومن طريق عبد الرحمن
ابن مهدي عن هشيم عن أبي بشر عن سلام بن عمرو عن عثمان بن عفان العمرة تامة
من أهلك * ومن طريق الحماني عن هشيم عن بعض أصحابه عن إبراهيم عن ابن مسعود
من تمام الحج ان يحرم من دويرة أهله * ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن عيينة
ابن عبد الرحمن عن أبيه انه رأى عثمان بن أبي العاص أحرم من المنجشانية بقرب البصرة *
وعن الحسن أن عمران بن الحصين أحرم من البصرة * وصح عن ابن عمر انه أحرم من
بيت المقدس * وعن رجل لم يسم أن أبا مسعود أحرم من السيلحين (3) * وعن رجل
ان ابن عباس أحرم من الشام في برد شديد * ومن طريق سعيد بن منصور نا حمادين زيد
عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن محمد بن سيرين أنه خرج مع أنس إلى
مكة فأحرم من العقيق * وعن معاذ انه أحرم من الشام * ورويناه من طريق الحذافي
عن عبد الرزاق نا ابن جريج انا يوسف بن ماهك أنه سمع عبد الله بن أبي عمار أنه
كان مع معاذ بن جبل، وكعب الخير فاحرما من بيت المقدس بعمرة وأحرم معهما *
وبه إلى عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن سالم أن ابن عمر أحرم بعمرة من بيت

(1) في النسخة رقم (16) (هوما)
(2) في النسخة رقم (16) (عن عبد الله بن مرة) وهو غلط راجع ج 8 ص 102
تهذيب التهذيب
(3) اسم مكان بين الكوفة والقادسية
75

المقدس * وعن إبراهيم كانوا يستحبون أول ما يحج الرجل أو يعتمر أن يحرم من أرضه
التي يخرج منها * وعن سعيد بن جبير أنه أحرم من الكوفة * وعن مسلم بن يسار أنه
أحرم من ضرية (1) * عن الأسود وأصحاب ابن مسعود انهم أحرموا من الكوفة *
وعن طاوس. وعطاء نحو هذا *
واحتج من رأى هذا بما روينا من طريق أبى داود نا أحمد بن صالح نا ابن أبي فديك
عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس (2) عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي (3) عن جدته
حكيمة عن أم سلمة أم المؤمنين (4) انها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم (يقول: من أهل بحجة أو
عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت
له الجنة) شك عبد الله أيهما قال؟ * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد الأعلى
ابن عبد الأعلى عن ابن إسحاق عن سليمان بن سحيم عن أم حكيم بنت أمية عن أم سلمة
(أن رسول (5) الله صلى الله عليه وسلم قال: من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له) *
قال على: اما هذان الاثران فلا يشتغل بهما من له أدنى علم بالحديث لان يحيى بن أبي سفيان
الأخنسي، وجدته حكيمة، وأم حكيم بنت أمية لا يدرى من هم من الناس؟ ولا يجوز مخالفة
ما صح بيقين بمثل هذه المجهولات التي لم تصح قط، واحتج بعضهم (6) بأن عليا وأبا موسى
أحرما من اليمن فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما قال: وكذلك كعب بن عجزة *
قال أبو محمد: ولا ندري أين وجد هذا عن كعب بن عجزة؟ وأما على. وأبو موسى
فإنهما قدما من اليمن مهلين باهلال كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم فعلمهما عليه السلام كيف يعملان؟
وليس في هذا الخبر البتة ذكر للمكان الذي أحرما منه. ولا فيه دليل ولا نص بان ذلك
كان بعد توقيته عليه السلام المواقيت فإذ ليس ذلك فيه فلا حجة لهم به أصلا، ولا نخالفهم
في أن قبل توقيته عليه السلام المواقيت كان الاحرام جائزا من كل مكان *
وأما من قدمنا ذكره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم (7) فأما خبر ابن أذينة
فإننا رويناه من طريق وكيع قال: نا شعبة عن الحكم - هو ابن عتيبة - عن يحيى بن الجزار
عن ابن أذينة قال: أتيت عمر بن الخطاب بمكة فقلت له: إني ركبت الإبل والخيل

(1) بفتح أوله وكسر ثانيه وياء مشددة اسم مكان في طريق مكة من البصرة من نجد، وقيل: غير ذلك راجع معجم البلدان
لياقوت الحموي
(2) بضم الياء وفتح الحاء المهملة ونون ثقيلة مكسورة، وذكر تهذيب التهذيب جزء 5 ص 297. وقال في تلخيص
الحبير: قال البخاري في تاريخه لا يثبت ذكره في ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن يخس، وقال حديثه في الاحرام من بيت
المقدس لا يثبت، والذي وقع في رواية أبى داود وغيره عبد الله بن عبد الرحمن لا محمد بن عبد الرحمن وكان الذي في رواية البخاري
أصح اه‍
(3) هو بخاء معجمة ونون انظر تهذيب التهذيب ج 11 ص 224
(4) في سنن أبي داود ج 2 ص 77 (عن أم سلمة زوج النبي)
(5) في النسخة رقم (14) (ان النبي عليه السلام)
(6) في النسخة رقم (16) (واحتج الخصم)
(7) في الكلام حذف ظاهر مغتفر
76

حتى أتيتك فمن أين أعتمر؟ قال: ائت علي بن أبي طالب فسله فأتيته فسألته فقال لي
على: من حيث ابدأت - يعنى من ميقات أرضه - قال: فأتيت عمر فذكرت له ذلك، فقال:
ما أجد لك الا ما قال ابن أبي طالب (قال أبو محمد): هكذا في الحديث نفسه يعنى من
ميقات أرضه، فعاد حجة لنا عليهم لو صح من أصله * وروينا من طريق يحيى بن سعيد
القطان حدثني ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري قال: أحرم عمران بن الحصين
من البصرة فعاب ذلك عليه عمر بن الخطاب وقال: أردت أن يقول الناس: أحرم رجل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مصر من الأمصار *
قال على: عمر لا يعيب مستحبا فيه أجر وقربة إلى الله تعالى نعم ولا مباحا وإنما يعيب
مالا يجوز عنده، هذا ممالا يجوز أن يظن به غير هذا أصلا (1) *
ورويناه من طريق سعيد بن منصور نا يزيد بن هارون عن سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن الحسن ان عمران بن الحصين أحرم من البصرة فبلغ ذلك عمر فغضب وقال:
يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره *
قال أبو محمد: عمر لا يمكن البتة أن يغضب من عمل مباح عنده * وروينا من
طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: احرم عبد الله
ابن عامر من حيرب (2) فقدم علي عثمان بن عفان فلامه فقال له: غررت وهان عليك نسكك *
قال أبو محمد: وعثمان لا يعيب عملا صالحا عنده ولا مباحا وإنما يعيب مالا يجوز عنده
لا سيما وقد بين أنه هو ان بالنسك، والهوان بالنسك لا يحل، وقد أمر تعالى بتعظيم
شعائر الحج * وروينا من طريق وكيع نا عمارة بن زاذان قال: قلت لابن عمر: الرجل
يحرم من سمرقند، أو من الوقت الذي وقت له، أو من البصرة، أو من الكوفة فقال
ابن عمر: قد شقينا إذا *
قال أبو محمد: لا يحتمل قول ابن عمر الا أنه لو كان الاحرام من غير الوقت مباحا
لشقي المحرمون من الوقت * وروينا من طريق وكيع نا شعبة عن مسلم القرى قال:
سألت ابن عباس بمكة من أين أعتمر؟ قال: من وجهك الذي جئت منه يعنى ميقات أرضه *
قال أبو محمد: هكذا في الحديث نصا يعنى ميقات أرضه * قال على: فبطل تعلقهم
بعمر. وعثمان. وعلى. وابن عباس. وابن عمر، وأما سائر الروايات التي ذكرنا عن

(1) وأجاب عن ذلك بعضهم فقال: ويشبه أن يكون عمر رضي الله عنه إنما أنكر ذلك شفقة ان يعرض للمحرم إذا بعدت المسافة آفة
تفسد احرامه ورأي أن في قصر المسافة السلامة من ذلك:
(2) في النسخة رقم (14) (من جيرب) بالجيم، ولم أجدهما في المعجم
77

الصحابة والتابعين فليس في شئ منها انهم مروا على الميقات، وإذا ليس هذا فيها (1)
فكذلك نقول: إن من لم يمر على الميقات فليحرم من حيث شاء، وبهذا تنفق الاخبار
عنهم مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يترك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق
عائشة. وابن عباس. وابن عمر رضي الله عنهم لظنون كاذبة لا دليل على صحة تأويلهم
فيها، وهي خارجة أحسن خروج على موافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يحل أن يظن بهم غيرها *
قال أبو محمد: وما أتى إلى ما روى عن ابن مسعود من قوله: ان القبلة تفطر
الصائم فقال: لعله أراد إذا كان معها منى، والى خبر عائشة رضي الله عنها انها كانت
لا تدخل عليها من أرضعه نساء أخواتها فقال: لا ندري لما ذا ولعله لأمر ما وليس لأنها
كانت لا ترى ذلك الرضاع محرما، فليس له أن ينكر علينا حمل ما روى عنهم على حقيقته
وظاهره بل الملامة كلها على ما أقحم في هذه الآثار ما ليس فيها من أنهم جازوا على
المواقيت بل قد كذب من قال: هذا بلا شك، وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: أما أبو حنيفة. وسفيان. والحسن بن حي فاستحبوا تعجيل الاحرام
قبل الميقات، وأما مالك فكرهه وألزمه إذا وقع، وأما الشافعي فكرهه، وأما أبو سليمان
فلم يجزه وهو قول أصحابنا، فأما أبو حنيفة فإنه ترك القياس إذا أجاز الاحرام
قبل الميقات ولم يجز صلاة من صلى وبينه وبين الامام نهر ولا فرق بين الاحرام بالحج
في غير موضع الاحرام وبين الاحرام بالصلاة في غير موضع الصلاة، وأما المالكيون
فان حملوا هذه الآثار على ما حملوها عليه الحنيفيون فقد أعظموا القول على أصولهم
اذكر هو ما استحبه الصابة، وان حملوها على ما حملناها نحن عليه فكيف يجيزون خلاف
ما حده رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا ما لا مخلص منه، وبالله تعالى التوفيق *
823 - مسألة - فإذا جاء من يريد الحج أو العمرة إلى أحد هذه المواقيت فإن كان
يريد العمرة فليتجرد من ثيابه إن كان رجلا، فلا (2) يلبس القميص. ولا سراويل.
ولا عمامة. ولا قلنسوة. ولا جبة. ولا برنسا. ولا خفين. ولا قفازين البتة لكن يلتحف
فيما شاء من كساء. أو ملحفة. أو رداء، ويتزر ويكشف رأسه ويلبس نعليه، ولا يحل
له أن يتزر ولا أن يلتحف في ثوب صبغ كله أو بعضه بورس. أو زعفران. أو عصفر،
فإن كان امرأة فلتلبس ما شاءت من كل ما ذكرنا أنه لا يلبسه الرجل وتغطى رأسها الا أنها
لا تنتقب أصلا لكن اما ان تكشف وجهها وإما ان تسدل عليه ثوبا من فوق رأسها
فذلك لها ان شاءت، ولا يحل لها أن تلبس شيئا صبغ كله أو بعضه بورس أو زعفران،

(1) في النسخة رقم (16) (وإذ ليس في؟؟) الخ وما هنا أتم وأوضح
(2) في النسخة رقم (14) (ولا)
78

ولا أن تلبس قفازين في يديها ولها أن تلبس الخفاف والمعصفر، فإن لم يجد الرجل إزارا
فليلبس السراويل كما هي وان لم يجد نعلين فليقطع خفيه تحت الكعبين ولا بد
ويلبسهما كذلك (1) *
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى
نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك
عن نافع عن ابن عمر (قال) ((2) سأل رجل رسول (3) الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من
الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس
ولا الخفاف إلا أحد - ولا يجد النعلين - فليلبس خفين (4) وليقطعهما أسفل من الكعبين،
ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس) *
وبه إلى مسلم نا محمد بن رافع نا وهب بن جرير بن حازم نا أبى (قال) (5): سمعت
قيسا - هو ابن سعد - يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه (أن رجلا أتى
النبي صلى الله عليه وسلم (وهو) (6) بالجعرانة قد أهل بالعمرة وهو مصفر رأسه ولحيته وعليه
جبة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (7) انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت
صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك) *
قال أبو محمد: كل ماجب فيه موضع لاخراج الرأس منه فهو جبة في لغة العرب،
وكل ما خيط أو نسج في طرفيه ليتمسك على الرأس فهو برنس كالغفارة (8) ونحوها *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق بن السليم نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا أحمد
ابن محمد بن حنبل نا يعقوب - هو ابن إبراهيم بن سعد - نا أبى عن محمد بن إسحاق قال: إن
نافعا مولى (عبد الله) (9) بن عمر حدثني عن (عبد الله) بن عمر (أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن على القفازين. والنقاب. (10) وما مس الورس والزعفران
من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب - من معصفر أو خز
أو حلى أو سراويل أو قميص أو خف -) *

(1) في النسخة رقم (14) (حينئذ)
(2) الزيادة في النسخة رقم (14)
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 326 (ان رجلا سأل رسول الله)
(4) في صحيح مسلم (الخفين)
(5) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 328
(6) الزيادة من صحيح مسلم
(7) في صحيح مسلم زيادة هنا ونصها (فقال: يا رسول الله انى أحرمت بعمرة وانا كما ترى فقال: إنزع) الخ *
(8) قال الجوهري في صحاحه: (الغفارة الرقعة التي تكون على الحز الذي يجرى عليه الوتر) اه‍
(9) الزيادة من أبى داود ج 2 ص 103 في الموضعين
(10) القفازين تثنية القفار بوزن رمان قال في القاموس: شئ يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد
أو ضرب من الحلى لليدين والرجلين اه‍ والنقاب الخمار الذي يشد على الانف أو تحت المحاجر والله أعلم
79

قال على: وحدثناه عبد الله بن ربيع قال: نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا نوح
ابن حبيب القومسي نا يحيى بن سعيد - هو القطان - نا ابن جريج نا عطاء عن صفوان
ابن يعلى ابن أمية عن أبيه (أن رجلا اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أحرم في جبة متضمخ
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما الجبة فاخلعها وأما الطيب فاغسله ثم أحدث احراما) (1) *
قال أبو محمد: نوح ثقة مشهور فالأخذ بهذه الزيادة واجب، ويجب احداث الاحرام
لمن أحرم في جبة متضمخا بصفرة معا وإن كان جاهلا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك
الامن جمعهما، وقد ذكرنا في كتاب الصلاة نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن المعصفر جملة *
قال أبو محمد: وفى بعض ما ذكرنا خلاف، وهو الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران
إذا غسل حتى لا يبقى منه أثر فقال قوم: لباسه جائز *
قال على: قد روى بعض الناس في هذا أثرا فان صح وجب الوقوف عنده ولا نعلمه
صحيحا وإلا فلا يجوز لباسه أصلا لأنه قد مسه الورس. أو الزعفران *
روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري عن حماد بن سلمة
عن هشام بن عروة أن عبد الله بن عروة سأل عروة بن الزبير عن الثوب المصبوغ
إذا غسل حتى ذهب لونه يعنى بالزعفران للمحرم فنهاه عنه *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا هشيم عن أبي بشر قال: كنت عند سعيد بن المسيب فقال
له رجل: إني أريد أن احرم ومعي ثوب مصبوغ بالزعفران فغسلته حتى ذهب لونه
فقال له سعيد: أمعك ثوب غيره؟ قال: لا قال: فاحرم فيه * وروينا من طريق إبراهيم
عن عائشة أم المؤمنين إباحة الاحرام فيه إذا غسل * ولا يصح سماع إبراهيم من عائشة *
وروينا عن سعيد بن جبير وإبراهيم. وعطاء. والحسن. وطاوس إباحة الاحرام فيه
إذا غسل، وفى أسانيدهم مغمز *
ومنه من وجد خفين ولم يجد نعلين فقد قال قوم: يلبسهما كما هما ولا يقطعهما،
وقال قوم: يشق السراويل فيتزر بها * واحتج من أجاز له (3) لباس السراويل
والخفين بما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على
ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا شعبة بن الحجاج أخبرني (4) عمرو بن دينار

(1) الحديث اختصره المصنف انظر ج 5 ص 130 من سنن النسائي، وقال النسائي بعد ما ذكر الحديث (ثم احدث إحراما)
ما اعلم أحدا قاله غير نوح بن حبيب فلم يذكروها ولم يقبلها أهل العلم بالحديث من نوح
(2) في النسخة رقم (14) (وقال بعضهم)
(3) لفظ (له) زيادة من النسخة رقم (16) (4) (أرني)
80

سمعت جابر بن زيد قال: سمعت ابن عباس قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات
فقال: من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل)، وقال بعضهم:
قطع الخفين إفساد للمال وقد نهى عنه *
قال أبو محمد: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل خلافه. فليلبس السراويل كما هي ولا شئ
في ذلك، وأما الخفان فحديث ابن عمر فيه زيادة القطع حتى يكونا أسفل من الكعبين
على حديث ابن عباس فلا يحل خلافه، ولا ترك الزيادة * وروينا عن علي بن أبي طالب
(إذا لم يجد النعلين لبس الخفين وان لم يجد ازار فليلبس السراويل) وصح أيضا عن
ابن عباس من قوله * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا عبيد الله بن عمر
نا نافع عن ابن عمر قال: إذا لم يجد المحرم النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا
أسفل من الكعبين * ومن طريق هشام بن عروة أن أباه قال: إذا لم يجد المحرم النعلين
لبس الخفين أسفل من الكعبين * وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم
النخعي أنه قال في المحرم لا يجد نعلين: قال: يلبس الخفين ويقطعهما حتى يكونا مثل النعلين،
وهو قول إبراهيم النخعي. وسفيان. وقول الشافعي. وأبي سليمان وبه نأخذ * وروينا عن
عائشة أم المؤمنين. والمسور بن مخرمة إباحة لباس الخفين بلا ضرورة للمحرم من الرجال * وقال
أبو حنيفة: ان لم يجد ازار البس سراويل فان لبسها يوما إلى الليل فعليه دم ولابد، وان لبسه أقل من
ذلك فعليه صدقة، وان لبس خفين لعدم النعلين يوما إلى الليل فعليه دم. وان لبسهما أقل فصدقة *
وقال مالك: من لم يجد إزارا لبس سراويل وافتدى وان لم يجد نعلين قطع الخفين
أسفل من الكعبين ولبسهما ولا شئ عليه * وقال محمد بن الحسن: يشق السراويل
ويتزر بها ولا شئ عليه *
قال أبو محمد: أما تقسيم أبي حنيفة بين لباس السراويل والخفين يوما إلى الليل،
وبين لباسهما أقل من ذلك فقول لا يحفظ عن أحد قبله، وليت شعري ماذا يقولون:
ان لبسهما يوما غير طرفة عين أو غير نصف ساعة وهكذا نزيد هم دقيقة دقيقة حتى
يلوح (1) هذيانهم، وقولهم بالأضاليل في الدين، وكذلك ايجابه الدم في ذلك أو الصدقة
لا نعلمه عن أحد قبله (فان قالوا) قسنا ذلك على الفدية الواجبة في حلق الرأس قلنا: القياس
كله باطل، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل لان فدية الأذى جاءت
بتخيير بين صيام. أو صدقة. أو نسك، وأنتم تجعلون ههنا الدم ولا بد أو صدقة غير محدودة

(1) في النسخة رقم (16) (حتى يليح) وهو صحيح من ألاح رباعي
81

ولا بد: ولا سيما وأنتم تقولون: ان الكفارات لا يجوز أخذها بالقياس، فكم هذا
التلاعب بالدين؟ *
وأما قول مالك فتقسيمه بين حكم السراويل وبين حكم لبس الخفين خطأ لا برهان
على صحته، ومالك معذور لأنه لم يبلغه حديث ابن عباس وإنما الملامة على من بلغه
وخالفه لتقليد رأى مالك *
وأما قول محمد بن الحسن فخطأ لأنه استدرك بعقله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يأمر به
عليه السلام وأوجب فدية حديث لم يوجبها النبي عليه السلام *
قال أبو محمد: وهم يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف وقد ذكرنا في هذه
المسألة ما روى عن ابن عباس. وابن عمر. وعائشة. وعلى. والمسور، ولا نعلم لاحد من الصحابة
رضي الله عنهم قولا غير الأقوال التي ذكرنا في هذه المسألة فخالفها الحنيفيون. والمالكيون كلها
إلى آراء فاسدة لا دليل على صحتها أصلا، وبالله تعالى التوفيق *
وروينا عن عائشة أم المؤمنين نهى المرأة عن القفازين * وعن علي. وابن عمر أيضا وهو
قول إبراهيم. والحسن. وعطاء وغيرهم * وروينا عن عائشة أم المؤمنين. وعن ابن عباس إباحة
القفازين للمرأة، وهو قول الحكم. وحماد. وعطاء. ومكحول. وعلقمة. وغيرهم، وحديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا هو الحاكم على ما سواه * وأما المعصفر فقد روينا عن عمر بن
الخطاب المنع منه جملة وللمحرم خاصة أيضا عن عائشة أم المؤمنين وهو قول الحسن. وعطاء *
وروينا عن جابر بن عبد الله. وابن عمر. ونافع بن جبير اباحته للمحرم ولم يبحه
أبو حنيفة. ومالك للمحرم، وأباحه الشافعي * وروينا عن ابن عمر. وابن عباس. وعلى.
وعقيل ابني أبى طالب. والقاسم بن محمد وغيرهم إباحة المورد للرجل المحرم وهو مباح
إذا لم يكن بزعفران أو ورس أو عصفر لأنه لم يأت عنه نهى في قرآن ولا سنة *
824 - مسألة - ونستحب الغسل عند الاحرام للرجال والنساء وليس فرضا
الاعلى النفساء وحدها لما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب
أنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء
بنت عميس أنها ولدت محمد بن أبي بكر (الصديق) (1) بالبيداء فذكر أبو بكر ذلك لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: (مرها فلتغتسل ثم تهل) *
825 - مسألة - ونستحب للمرأة والرجل أن يتطيبا عند الاحرام بأطيب

(1) الزيادة من النسائي ج 5 ص 127، وقوله بعد (بالبيداء) هو اسم موضع بقرب المدينة
82

ما يجد انه (1) من الغالية (2) والبخور بالعنبر وغيره، ثم لا يزيلانه عن أنفسهما ما بقي عليهما *
وكره الطيب للمحرم قوم *
روينا من طريق الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: وجد عمر بن الخطاب
ريح طيب بالشجرة فقال: ممن هذه؟ فقال معاوية: منى طيبتني أم حبيبة فتغيظ عليه
عمر، وقال: منك لعمري أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسله عنك كما طيبتك،
وأنه قال: إنما الحاج الأشعث الادفر الأشعر (3) * ومن طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم
ابن عبد الرحمن عن أبيه ان عثمان رأى رجلا قد تطيب عند الاحرام فأمره ان يغسل
رأسه بطين * ومن طريق سفيان الثوري عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه، قال: سمعت
ابن عمر يقول: لان أصبح مطليا بقطران أحب إلى من أن أصبح محرما أنضح طيبا (4)
وهو قول عطاء. والزهري. وسعيد بن جبير. ومحمد بن سيرين. ومالك. ومحمد بن الحسن
إلا أن مالكا قال: إن تطيب قبل احرامه وقبل افاضته فلا شئ عليه * وأباحه جمهور
الناس كما روينا آنفا عن أم حبيبة أم المؤمنين. ومعاوية * ورويناه أيضا عن كثير بن الصلت *
ومن طريق وكيع عن محمد بن قيس عن بشير بن يسار الأنصاري ان عمر وجد ريح طيب
فقال: ممن هذه الريح؟ فقال البراء بن عازب: منى يا أمير المؤمنين قال: قد علمنا أن امرأتك
عطرة إنما الحاج الادفر الأغبر * وبه إلى محمد بن قيس عن الشعبي أنه قال: كان عبد الله
ابن جعفر يتطيب بالمسك عند احرامه * ومن طريق ابن أبي شيبة عن مروان بن معاوية
الفزاري عن صالح بن حيان (5) قال: رأيت أنس بن مالك أصاب ثوبه من خلوق الكعبة
وهو محرم فلم يغسله * ومن طريق سفيان عن أيوب السختياني عن عائشة بنت سعد
ابن أبي وقاص قالت: طيبت أبى بالسك والذريرة (6) لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن
يزور أو يطوف * ومن طريق معمر عن أيوب عنها وغيره انها سئلت؟ ما كان ذلك
الطيب؟ قال: البان الجيد والذريرة الممسكة * ومن طريق ابن أبي شيبة عن حماد
ابن أسامة (7) عن عمر بن سويد الثقفي عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين
قالت: كنا نضمخ جباهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم ونحن مع رسول الله

(1) في النسخة رقم (16) (ما يجدونه)
(2) هي نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن.. والتغلف بها
التلطخ اه‍ نهاية
(3) الأشعث مغبر الرأس، والادفر المنتن، والأشعر الذي لم يحلق شعره، لان الحاج ذاهب إلى عرفة لاظهار ذله
وتواضعه ومسكنته إلى خالقه ليعطف عليه ويؤدى ما أمره مولاه به وأوجه عليه فليس محل اظهار الترفه، والله أعلم. قال المحب الطبري:
حرجه احمد سعيد
(4) هو في مسلم ج 1 ص 332 مطولا، والنسائي ج 5 ص 141 أطول من هذا وقوله (اتضح طيبا) أي افوح
(5) في النسخة رقم (16) (حبان) بالباء الموحدة وهو غلط
(6) السك بضم السين المهملة طيب معروف يضاف إلى غير من الطيب ويستعمل: والذريرة باذال المعجمة نوع من الطيب مجموع من أخلاط
(7) في النسخة رقم (14) (عن حماد بن سلمة) والصحيح ما هنا:
83

صلى الله عليه وسلم فنعرق فيسيل على وجوهنا فلا ينهانا عنه النبي صلى الله عليه وسلم * ومن طريق حماد بن سلمة
قال حدثتني ذرة (1) انها كانت تغلف رأس عائشة أم المؤمنين بالمسك والعنبر عند الاحرام *
ومن طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أمه وهي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق
رأيت عائشة تنكث (2) في مفارقها الطيب ثم تحرم * وعن أبي سعيد الخدري انه كان
يدهن بالبان عند الاحرام * ومن طريق وكيع عن سفيان عن عمار الدهني عن مسلم
البطين أن الحسين بن علي امر لأصحابه بالطيب عند الاحرام * ومن طريق شعبة عن الأشعث
ابن سليم عن مرة بن خالد الشيباني قال: سألنا أبا ذر بالربذة باي شئ يدهن المحرم؟ قال:
بادهن * وعن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى قال: رأيت عبد الله بن الزبير
وفى رأسه ولحيته وهو محرم ما لو كان لرجل لا تخذ منه رأس مال * وعن وكيع عن هشام بن عورة
عن أبيه عن ابن الزبير أنه كان يتطيب بالغالية الجيدة عند احرامه * ومن طريق وكيع
عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال، سألت ابن عباس عن الطيب للمحرم؟ فقال:
إني لاسغسغه (3) في رأسي قبل أن احرم ثم أحب بقاءه * وعن ابن عباس أنه كان لا يرى
بأسا بالطيب عند الاحرام ويوم النحر قبل ان يزور *
فهؤلاء جمهور الصحابة رضي الله عنهم سعد بن أبي وقاص، وأما (4) المؤمنين. عائشة
وأم حبيبة. وعبد الله بن جعفر. والحسين بن علي. وأبو ذر. وأبو سعيد. والبراء
ابن عازب. وأنس. ومعاوية. وكثير بن الصلت. وابن الزبير. وابن عباس *
وعن ابن الحنيفة أنه كان يغلف رأسه بالغالية الجيدة قبل أن يحرم، وعن عمر بن عبد العزيز
أنه كان يدهن بالسليخة - عند الاحرام - * وعن عثمان بن عروة بن الزبير ان أباه كان
يحمر ثيابه. ويحرم فيها، قال: وكان يرى لحانا تقطر من الغالية ونحن محرمون فلا
ينكر ذلك علينا * وعن الأسود بن يزيد أنه كان يحرم ووبيص (5) الطيب يرى في رأسه
ولحيته * وعن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة قال: كان أبى يقول لنا: تطيبوا قبل
أن تحرموا وقبل أن تفيضوا يوم النحر * ومن طريق أحمد بن شعيب انا أيوب بن محمد
الوزان (6) انا عمرو بن أيوب نا أفلح بن حميد عن أبي بكر - هو ابن عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام - أن سليمان بن عبد الملك عام حج جمع أناسا من أهل العلم فيهم عمر بن عبد العزيز.

(1) بالذال المعجمة صحابية رضي الله عنها
(2) أي تضع الطيب في أصول الشعر وفى النسخة رقم (16) (تنكت) بالتاء المثناة *
(3) بسينين مهملتين وغينين معجمتين أي أروى رأسي به، ويروى بالصاد بدل السين في الموضعين
(4) في النسخة رقم (14) (وأمي المؤمنين) وهو غلط واضح، وفى النسخة رقم (16) (وأم المؤمنين أم حبيبة) وما هنا خيرتهما، والله أعلم *
(5) أي بريقه ولمعانه
(6) في النسخة رقم (16) (الوراق) وهو غلط أيوب بن محمد بن زياد بن فروخ الوزان، قال في
هامش الخلاصة كان يزن القطن اه‍
84

وخارجة بن زيد بن ثابت. والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. وسالم. وعبد الله
ابنا عبد الله بن عمر. وابن شهاب. وأبو بكر بن عبد الرحمن فسألهم عن الطيب قبل
الإفاضة فكلهم أمره بالطيب - فلم يختلف (1) عليه أحد منهم الا أن عبد الله بن عبد الله
ابن عمر قال له: كان عبد الله جادا مجدا وكان (2) يرمى الجمرة ثم يذبح ثم يحلق ثم يركب
فيفيض قبل أن يأتي منزله فقال سالم: صدق * ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو
ابن دينار قال: قال سالم بن عبد الله بن عمر: قالت عائشة: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، وهكذا نص كلام سالم في الحديث ولم يتبع ما جاء
عن أبيه وجده في ذلك * ورويناه أيضا عن إبراهيم النخعي. وابن جريج. واستحبه سفيان
الثوري أي طيب كان عند الاحرام قبل الغسل وبعده؟ *
قال أبو محمد: فهؤلاء جمهور التابعين. وفقهاء المدينة، وهو قول أبي حنيفة. وأبى يوسف.
وزفر. ومحمد بن الحسن في أشهر قوليه، وقال الشافعي. وأحمد بن حنبل. وإسحاق.
وأبي سليمان وجميع أصحابهم *
قال أبو محمد: أما عمر فقد ذكرنا آنفا إذا شم الطيب من البراء بن عازب ولم ينهه
عنه أنه قد توقف - في كراهيته وانكاره - * وأما عبد الله ابنه فإننا رويناه عنه من طريق
وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سألت ابن عمر عن الطيب عند الاحرام؟
فقال: لا آمر به ولا أنهى عنه * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا يعقوب بن عبد الرحمن
حدثني موسى بن عقبة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: دعوت رجلا وأنا جالس
بجنب أبى فأرسلته إلى عائشة أسألها عن الطيب عند الاحرام؟، وقد علمت قولها ولكن
أحببت أن يسمعه أبى فجاءني رسولي فقال: إن عائشة تقول: لا بأس بالطيب عند الاحرام
فأصب ما بدا لك فصمت عبد الله بن عمر *
قال على: هذا بأصح اسناد بيان في أنه قد رجع عن كراهته جملة ولم ينكر استحسانه
فسقط تعلقهم بعمر. وبعبد الله بن عمر، ولم يبق لهم الا عثمان وحده، وقد صح
عنه رضي الله عنهم ما سنذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى من إجازة تغطية المحرم
وجهه فخالفوه فسبحان من جعل قوله حيث لم تبلغه السنة حجة ولم يجعل فعله حيث لا خلاف
فيه للسنن حجة! ان هذا لعجب *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا وجب الرجوع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه من
بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم

(1) في النسخة رقم (16) (ولم يختلف)
(2) في النسخة رقم (14) (كان) باسقاط الواو
85

ابن أحمد نا الفربري نا البخاري نا محمد بن يوسف نا سفيان عن منصور عن سعيد بن جبير قال:
كان ابن عمر (رضي الله عنهما) (1) يدهن بالزيت فذكرته لإبراهيم - هو النخعي -
فقال: (2) ما تصنع بقوله: حدثني الأسود عن عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) (3)
قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم؟ *
نا أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا أبو إسماعيل - هو حمد
ابن إسماعيل الترمذي - نا الحميدي نا سفيان بن عيينة نا عطاء بن السائب عن إبراهيم النخعي
عن الأسود عن عائشة قالت: رأيت الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثالثة وهو محرم *
ورويناه أيضا من طريق علقمة ومسروق عن عائشة نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح
نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أحد بن منيع.
ويعقوب الدورقي قالا جميعا: نا هشيم انا منصور - هو ابن المعتمر - عن عبد الرحمن بن القاسم
ابن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) قبل أن
يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن
معاوية نا أحمد بن شعيب انا محمد بن منصور نا سفيان نا عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه قال:
قلت لعائشة: بأي شئ طيبت النبي صلى الله عليه وسلم؟ (6) قالت: بأطيب الطيب عند حله وحرمه (7) *
ورويناه أيضا من طريق عمرة بنت عبد الرحمن عنها *
فهذه آثار متواترة متظاهرة لا يحل لاحد أن يخرج عنها، رواه عن أم المؤمنين عروة.
والقاسم. وسالم بن عبد الله بن عمر. وعبد الله بن عبد الله بن عمر، وعمرة.
ومسروق. وعلقمة. والأسود، ورواه عن هؤلاء الناس الاعلام *
قال أبو محمد: فاعترض من قلد مالكا. ومحمد بن الحسن في هذا بأن قالوا: قد رويتم
من طريق أبى عمير بن النحاس عن ضمرة بن ربيعة عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة
عن عائشة قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حلاله ولا حرامه طيبا لا يشبه طيبكم هذا
- تعنى ليس له بقاء - *
قال على: هذه لفظة ليست من كلامها بلا شك بنص الحديث وإنما هو ظن ممن
دونها، والظن اكذب الحديث، وقد صح عنها من طريق مسروق. وعلقمة. والأسود -

(1) الزيادة من البخاري ج 2 ص 270
(2) في البخاري (قال)
(3) الزيادة من صحيح البخاري
(4) جمع مفرق وهو وسط الرأس
(5) في النسخة رقم (14) (أطيب النبي عليه السلام) وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 1 ص 332 (6) في سنن النسائي
ج 5 ص 138 (رسول الله) (2) في النسائي عند (حرمه وحله) والحرام بضم الحاء المهملة وسكون الراء - الاحرام بالحج
86

وهم النجوم الثواقب - انها قالت: إنها رأت الطيب في مفرقه عليه السلام بعد ثلاثة أيام (1)
ولا ضعف أضعف ممن يكذب رواية هؤلاء عنها أنها رأت بعينها برواية أبى عمير
ابن النحاس بظن ظنه من شاء الله تعالى أن يظنه، اللهم فلا أكثر فهذا عجب عجيب، وقال
بعضهم: هذا خصوص له عليه السلام *
قال أبو محمد: كذب قائل هذا (2) لان سالم بن عبد الله بن عمر روى عنها بأصح
اسناد أنها طيبته عليه السلام قالت: بيدي * رويناه من طريق حماد بن زيد عن عمرو
ابن دينار عن سالم بن عبد الله عن عائشة * وروينا قبل أنهن كن يضمخن جباههن بالمسك
ثم يحرمن ثم يعرقن فيسيل على وجوههن فيرى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره،
ثم لو صح لهم كل هذه الظنون لكان هذا الخبر حجة عليهم لالهم على كل حال لان فيه
أنه عليه السلام تطيب عند الاحرام بطيب، فيقال لهم (3): ليكن أي طيب شاء هو
طيب على كل حال وأنهم يكرهون الطيب بكل حال فكم هذا التمويه بما هو عليكم؟
وتوهمون أنه لكم فسبحان من جعلهم يعارضون الحق البين بالظنون والتكاذيب! والذي
يجب ان يحمل عليه قولها لا يشبه طيبكم هذا ان صح عنها على أنه أطيب من طيبنا لا يجوز
غير هذا لقولها الذي أوردناه عنها آنفا: أنها طيبته على السلام بأطيب الطيب *
واعترض في ذلك من دقق منهم بما رويناه من طريق إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن
أبيه أنه سمع عائشة أم المؤمنين تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف في نسائه ثم أصبح
محرما قال: فصح عنه أنه اغتسل فزال ذلك الطيب عنه (4) *
قال أبو محمد: نعوذ بالله من الهوى وما يحمل عليه من المكابرة للحق بالظن الكاذب،
ويكذب ظن هذا الظان ما رواه كل من ذكرنا قبل عن عائشة ممن لا يعدل محمد بن المنتشر
بأحد منهم لو أنفرد فكيف إذا اجتمعوا؟ من أنها طيبته عليه السلام عند احرامه ولاحلاله
قبل أن يطوف بالبيت * وما رواه من رواه منهم من أنها رأت الطيب في مفارقة عليه السلام بعد
ثالثة من احرامه * وأيضا فقد صح بيقين لا خلاف فيه أنه عليه السلام إنما أحرم في تلك (5)
الحجة إثر صلاة الظهر، فصح أن الطيب الذي روى ابن المنتشر هو طيب آخر كان قبل
ذلك بليلة طاف فيها عليه السلام على نسائه ثم أصبح كما في حديث ابن المنتشر، فبطل أن يكون
لهم في حديث ابن المنتشر متعلق، وابن المنتشر كوفي فيا عجبا للمالكيين لا يزالون

(1) في النسخة رقم (14) (بعد أيام ثلاثة)
(2) في النسخة رقم (14) (كذب هذا القائل)
(3) في النسخة رقم (14) (قيل لهم)
(4) في النسخة رقم (14) (فيزال عنه ذلك الطيب)
(5) في النسخة رقم (16) (احرام تلك)
87

يضعفون رواية أهل الكوفة فإذا وافقتهم تركوا لها المشهور من روايات أهل المدينة
فكيف وليست رواية ابن المنتشر مخالفة لرواية غيره في ذلك؟ *
واحتجوا بالخبر الذي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (انه قيل: من الحاج يا رسول الله؟ قال:
الأشعث التفل) *
قال على: وهذا رواه إبراهيم بن يزيد وهو ساقط لا يحتج بحديثه، ثم لو صح لما
كانت لهم فيه حجة لأنه لا يمكن أشعث تفلا من أول يوم ولا بعد يومين وثلاثة وإنما
أبحنا له الطيب عند الاحرام، وعند الاحلال كغسل الرأس بالخطمى حينئذ *
وشغب بعضهم بالخبر الثابت الذي رويناه من طريق مسلم عن علي بن خشرم انا
عيسى - هو ابن يونس - عن ابن جريج أخبرني عطاء ان صفوان بن يعلي بن أمية أخبره أن
(أباه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ثوب
قد أظل به عليه (معه ناس من أصحابه فيهم عمر) (2) إذا جاءه رجل (عليه جبة صوف
متضمخ بطيب) (3) فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد
ما تضمخ بطيب؟ فجاءه الوحي) فذكر الخبر، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (أما
الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع
في حجك)، وهكذا رويناه من طريق يحيى القطان عن ابن جريج نصا *
قال على: في احتجاجهم بهذا الخبر عبرة ولا حجة لهم فيه، أما العجب فإنه كان في
الجعرانة كما ذكر في الحديث، وعمرة الجعرانة كانت إثر فتح مكة متصلة به في ذي القعدة
لان فتح مكة كان في شهر رمضان وكانت حنين متصلة به، ثم عمرة الجعرانة منصرفه
عليه السلام من حنين، ثم حج تلك السنة عتاب بن أسيد، ثم كان عام قابل فحج
بالناس أبو بكر، ثم كانت حجة الوداع في العام الثالث، وكان تطيب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه
معه في حجة الوداع بعد حديث هذا الرجل بأزيد من عامين، فمن أعجب ممن يعارض آخر
فعله عليه السلام بأول فعله هذا؟ لو صح أن حديث يعلي بن أمية فيه نهى عن الطيب
للمحرم، وهذا لا يصح لهم لما نذكره إن شاء الله تعالى، وأما كونه لا حجة لهم فيه فان
هذا الخبر رواه من هو أحفظ من ابن جريح وأجل منه فبينه كما حدثنا حمام عبد الله بن محمد
ابن علي الباجي نا أحمد بن خالد نا عبيد بن محمد الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي
نا عبد الرزاق نا ابن عيينة - هو سفيان - عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى
عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بالجعرانة أتاه رجل متضمخ بخلوق وعليه مقطعات

(1) في صحيح مسلم ج 1 ص 328 (وعلى النبي صلى الله عليه وسلم)
(2) الزيادة من صحيح مسلم
(3) الزيادة من صحيح مسلم
88

فقال: يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني؟ وانزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم
فدعاني عمر فنظرت إليه فلما سرى عنه قال: أين السائل؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله
قال: ما كنت تصنع في حجتك؟ قال: أنزع ثيابي هذه وأغسل هذا عنى قال: فاصنع
في عمرتك مثل ما تصنع في حجتك) (1) *
قال على: عمرو بن دينار من التابعين صحب جابر بن عبد الله. وابن عباس. وابن عمر
فقد بين أن ذلك الطيب إنما كان خلوقا *
وهكذا رويناه من طريق مسلم نا محمد بن رافع نا وهب بن جرير بن حازم نا أبى
قال: سمعت قيسا - هو ابن سعد - يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه
أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة قد أهل بالعمرة وهو مصفر رأسه ولحيته (2)
وعليه جبة فقال: يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال: إنزع عنك الجبة
واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك *
ومن طريق مسلم نا شيبان بن فروخ نا همام - هو ابن يحيى - نا عطاء - هو
ابن أبي رباح - عن صفوان بن يعلي بن أمية (3) عن أبيه قال: (جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة - عليه جبة وعليه خلوق أو قال: أثر الصفرة فذكرا لخبر - وفيه -
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسل عنك أثر الصفرة أو قال: أثر الخلوق، واخلع عنك جبتك
واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) *
فاتفق عمرو بن دينار. وهمام بن يحيى. وقيس بن سعد كلهم عن عطاء في هذه
القصة نفسها عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه أنه كان متضمخا بخلوق - وهو الصفرة
نفسها وهو الزعفران - بلا خلاف (4) وهو محرم على الرجال عامة في كل حال. وعلى
المحرم أيضا بخلاف سائر الطيب كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم

(1) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 327 بلفظ قريب من هذا
(2) في صحيح مسلم ج 1 ص 328 وهو مصفر لحيته ورأسه)
(3) في صحيح مسلم (بن منية) وفى بعض النسخ (ابن أمية) كماهنا، قال النووي: وهما صحيحان فأمية أبو يعلى، ومنية أمه،
وقيل: جدته والمشهور الأول، فنسب تارة إلى أبيه وتارة إلى أمه وهي منية بضم الميم وبعدها نون ساكنة والله أعلم *
(4) قال في اللسان الخلوق - بفتح الخاء المعجمة - والخلاق بكسرها - ضرب من الطيب، وقيل الزعفران اه‍ فأفاد ان
الخلاق ليس هو الزعفران بلا خلاف، وقال العلامة ابن الأثير في النهاية: ذكر الخلوق قد تكرر في غير موضع
وهو طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته
وتارة بالنهي عنه، والنهى أكثر وأثبت، وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء وكن أكثر استعمالا له منهم، والظاهر أن أحاديث
النهى ناسخة والله أعلم
89

ابن أحمد نا الفربري نا البخاري نا مسدد نا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن
أنس بن مالك قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) أن يتزعفر الرجل) * نا عبد الله بن ربيع
نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال
نا شعبة نا عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الورس
والزعفران قال: فقلت: للمحرم قال: نعم *
فبطل تشغيبهم بهذا الخبر جملة لأنه إنما فيه نهى عن الصفرة لا عن سائر الطيب، ولأنه
لو كان فيه نهى عن الطيب وليس ذلك فيه لكان منسوخا بآخر فعله عليه السلام في
حجة الوداع * وقال بعضهم: وجدنا المحرم منهيا عن ابتداء التطيب، وعن ابتداء الصيد،
ثم وجدناه لو أحرم وفى يده صيد لوجب عليه ارساله فكذلك الطيب *
قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس فاسد، ثم لو صح لكان من القياس باطلا
لأنه لا يلزم من أحرم وفى يده صيد قد تصيده في احلاله أن يطلقه فهو تشبيه للخطأ
بالخطأ، والعجب كله من قول هذا القائل: إن من أحرم وفى يده صيد وفى قفصه في
منزله صيد أنه يلزمه اطلاق الذي في يده ولا يلزمه الطلاق الذي في القفص، وهذا عجب
جدا وبالله تعالى التوفيق، وقاسه أيضا على من أحرم وعليه قميص. وسراويل. وعمامة *
قال أبو محمد: ويعارض قياسهم هذا بأنه لا يحل للمحرم أن يتزوج، فان تزوج ثم
أحرم لم يبطل نكاحه (فان قالوا): لا نوافق على هذا قلتا: إنما خاطبنا بهذا من يقول
به من المالكيين، وأما أنتم فإنكم تقولون: (ان) (2) المحرم ممنوع من ابتداء ذبح
الصيد وأكله ولا تختلفون في أن من ذبح صيدا ثم أحرم فان ملكه وأكله له حلال *
826 - مسألة - ثم يقولون: لبيك بعمرة أو ينويان ذلك في أنفسهما لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) ونستحب أن يكون ذلك إثر صلاة
فرض أو نافلة *
827 - مسألة - ثم يجتنبان تجديد قصد إلى الطيب فان مسهما من طيب الكعبة
شئ لم يضر، أما اجتناب القصد إلى الطيب فلا نعلم فيه خلافا، وأما ان مسه شئ من
طيب الكعبة أو غيرها عن غير قصد فلانه لم يأت فيه (3) نهى، وقد روينا عن أنس
كما ذكرنا أنه أصابه فلم يغسله، وبه قال عطاء، وسئل عن ذلك؟ فقال: ليس عليه
أن يغسله (4) *

(1) في صحيح البخاري ج 1 ص 280 (نهى النبي صلى الله عليه وسلم)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (لم يأت عنه)
(4) في النسخة رقم (16) (وليس عليك ان تغسله)
90

828 - مسألة - ولا بأس أن يغطى الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير
ذلك ولا كراهة في ذلك، ولا بأس أن تسدل المرأة الثوب من على رأسها على وجهها *
أما أمر المرأة فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهاها عن النقاب، ولا يسمى السدل نقابا فإن كان
البرقع يسمى نقابا لم يحل لها لباسه *
وأما اللثام فإنه نقاب بلا شك فلا يحل لها وقد قال الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم)،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نهيتكم عن شئ فدعوه)، وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله
فقد ظلم نفسه) فصح أن ما لم يفصل لنا تحريمه فمباح، وما لم ينه عنه فحلال وبالله تعالى التوفيق *
وقد صح في ذلك خلاف. روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا عبد العزيز بن عبد الله
ابن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن المنكدر قال: رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها
على وجهها - وهي محرمة - فقال لها: اكشفي وجهك فإنما حرمة المرأة في وجهها *
وصح خلاف هذا عن غيره كما روينا عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت
المنذر أن أسماء بنت أبي بكر الصديق كانت تغطي وجهها وهي محرمة * وعن وكيع عن
شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية قالت: سئلت عائشة أم المؤمنين ما تلبس المحرمة؟
فقالت: لا تنتقب ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها * وعن عثمان أيضا كذلك، فكان
المرجوع في ذلك إلى ما منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط *
وأما الرجل فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن ابن جريج عن
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن الفرافصة بن عمير قال: كان عثمان بن عفان.
وزيد بن ثابت. وابن الزبير يخمرون وجوههم وهم محرمون * ومن طريق معمر.
وسفيان بن عيينة كليهما عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: سمعت
عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: رأيت عثمان بن عفان مخمرا وجهه بقطيفة أرجوان
بالعرج (1) في يوم صائف وهو محرم * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير
نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي
عن سفيان الثوري عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: المحرم يغطى
من الغبار ويغطى وجهه إذا نام ويغتسل ويغسل ثيابه. ومن طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله. وابن الزبير انهما كانا يخمران وجوههما
وهما محرمان * ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس
أنه قال: المحرم يغطى ما دون الحاجب والمرأة تسدل ثوبها من قبل قفاها على هامتها *

(1) بفتح العين المهملة وسكون الراء قرية جامعة من عمل الفرع على أيام من المدينة
91

وعن عبد الرحمن بن عوف أيضا إباحة تغطية المحرم وجهه وهو قول عطاء. وطاوس.
ومجاهد. وعلقمة. وإبراهيم النخعي. والقاسم بن محمد كلهم أفتى المحرم بتغطية وجهه
وبين بعضهم من الشمس. والغبار. والذباب وغير ذلك، وهو قول سفيان الثوري.
والشافعي. وأبي سليمان وأصحابهم، وروى عن ابن عمر لا يغطى المحرم وجهه * وقال
به مالك. ولم ير على المحرم ان غطى وجهه شيئا لا فدية. ولا صدقة. ولا غير ذلك الا أنه
كرهه فقط بل قد روى عنه ما يدل على جواز ذلك *
روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر قال: الذقن من الرأس فلا تغطه، وقال: احرام المرأة في وجهها،
واحرام الرجل في رأسه * وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يغطى المحرم وجهه فان فعل
فعليه الفدية *
قال أبو محمد: ما نعلم أحدا قال هذا قبل أبي حنيفة، وهم يعظمون خلاف
الجمهور، وقد خالفوا ههنا عبد الرحمن بن عوف. وعثمان بن عفان. وزيد بن ثابت.
وجابر بن عبد الله. وابن عباس. وابن الزبير، وجمهور التابعين، فان تعلقوا بابن عمر
فقد ذكرنا في هذا الباب عن ابن عمر نهى المرأة عن أن تسدل على وجهها وقد خالفوه
وروينا عنه ما يدل على جواز تغطية المحرم وجهه كما ذكرنا آنفا، فمرة هو حجة ومرة
ليس هو حجة أف لهذا عملا *
قال أبو محمد: والعجب كل العجب انهم قالوا: لما كانت المرأة احرامها في وجهها
كان الرجل بذلك أحق لأنه أغلظ حالا منها في الاحرام *
قال أبو محمد: والسنة قد فرقت بين الرجل والمرأة في الاحرام فوجب على الرجل
في الاحرام كشف رأسه ولم يجب على المرأة، واتفقا في أن لا يلبسا قفازين واختلفا في الثياب
فمن أين وجب أن يقاس عليها في تغطية وجهه؟ ان هذا القياس سخيف جدا، وأيضا فقد
كذبوا وما نهيت المرأة عن تغطية وجهها بل هو مباح لها في الاحرام وان نهيت عن
النقاب فقط فظهر فساد قياسهم *
والعجب أنهم احتجوا في ذلك بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره في الذي
مات محرما ان لا يخمر رأسه ولا وجهه رويناه من طرق جمة، منها من طريق مسلم
نا أبو كريب نا وكيع عن سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
(أن رجلا أو قصته راحلته (1) وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء

(1) يقال أو قصته ووقصته كسرت عنقه فمات في الحال
92

وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه (1) فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) *
قال أبو محمد: ان الحياء لفضيلة وكما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه من الايمان، وهم أول
مخالف لهذا الحديث، وأول عاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فلا يرون فيمن مات محرما
أن يكشف رأسه ووجهه بل يغطون كل ذلك. ثم يحتجون به في أن لا يغطى الحي المحرم
وجهه ونعوذ بالله من الخذلان، ويقولون: ان الصاحب إذا روى خبرا وخالفه فهو
دليل على نسخ ذلك الخبر عندهم هو، وابن عباس روى هذا الخبر (2)، وهو رأى للمحرم
الحي أن يخمر وجهه فأين ذلك الأصل الخبيث الذي تعلقوا به في رد السنن (الثابتة؟) (3) *
قال على: ونحن نقول: إن الحي المحرم لا يلزمه كشف وجهه. وإنما يلزمه كشف رأسه
فقط، فإذا مات أحدث الله تعالى له حكما زائدا وهو أن لا يخمر وجهه ولا رأسه لا يسأل
عما يفعل تعالى، والقياس ضلال وزيادة في الدين شرعا لم يأذن به الله تعالى *
قال على: لو كان تغطية المحرم وجهه مكروها أو محرما لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ
لم ينه عن ذلك فهو مباح وبالله تعالى التوفيق *
829 - مسألة - ونستحب أن يكثر من التلبية من حين الاحرام فما بعده دائما
في حال الركوب، والمشي، والنزول، وعلى كل حال، ويرفع الرجل والمرأة صوتهما
بها ولابد، وهو فرض ولو مرة، وهي لبيك اللهم لبيك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك
لا شريك لك *
نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا محمد بن جرير الطبري
حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي نا يعقوب بن محمد نا محمد بن موسى نا إسحاق
ابن سعيد بن جبير عن جعفر بن حمزة بن أبي داود المازني عن أبيه عن جده أبى داود
- وهو بدري - قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج. فلما كان بذى الحليفة صلى
في المسجد أربع ركعات: ثم لبى دبر الصلاة ثم خرج إلى باب المسجد فإذا راحلته قائمة
فلما انبعثت به أهل ثم مضى فلما علا البيداء أهل) (4) *
قال على ومن حيث أهل أجزأه لأنه فعل لا أمر * نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح
نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج حدثني حرملة
ابن يحيى انا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: إن سالم بن عبد الله (بن عمر) (5)
أخبرني عن أبيه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا يقول: لبيك اللهم لبيك

(1) في صحيح مسلم جزء 1 ص 328 (ولا تخمروا رأسه ولا وجهه)
(2) في النسخة رقم (14) (فابن عباس روى هذا الخبر)
(3) الزيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (14) (فلما مر على البيداء أهل)
(5) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 329
93

لبيك (لا شريك لك لبيك) (1) ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لا يزيد على
هؤلاء الكلمات " (2) *
قال أبو محمد: وقد روى غيره الزيادة، ومن زاد ذكر الله تعالى فحسن ومن اختصر
على هذه فحسن، كل ذلك ذكر حسن *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا حميد بن عبد الرحمن
عن عبد العزيز بن أبي سلمة - هو ابن الماجشون - عن عبد الله بن الفضل (3) عن الأعرج
عن أبي هريرة قال: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) لبيك إله الحق، قال أحمد بن شعيب (5):
ما نعلم أحدا أسنده الا عبد الله بن الفضل (6) وهو ثقة *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن راهويه نا
سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر
ابن عبد الرحمن عن خلاد بن السائب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاءني
حبريل فقال لي يا محمد مر أصحابك فليرفعوا (7) أصواتهم بالتلبية " *
قال أبو محمد: هذا أمر، وقال بعض الناس: يكره رفع الصوت * قال على: وهذا
خلاف للسنة، وقال بعضهم: لاترفع المرأة * قال أبو محمد: هذا خطأ وتخصيص بلا
دليل، وقد كان الناس يسمعون كلام أمهات المؤمنين ولا حرج في ذلك، وقد روى
عنهن وهن في حدود العشرين سنة وفويق ذلك ولم يختلف أحد في جواز ذلك واستحبابه *
روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا حميد - هو ابن عبد الرحمن - عن بكر
ابن عبد الله المزني قال: سمعت ابن عمر يرفع صوته بالتلبية حتى انى لاسمع دوى
صوته بين الجبال *
وبه إلى هشيم انا الفضل بن عطية نا أبو حازم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أحرموا لم يبلغوا الروحاء حتى تبح أصواتهم *
ومن طريق وكيع نا إبراهيم بن نافع قال: قدمت امرأة أعجمية فخرجت مع الناس
ولم تهل بشئ الا أنها كانت تذكر الله تعالى فقال عطاء: لا يجزئها *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن

(1) الزيادة من صحيح مسلم
(2) في النسخة رقم (14) (على هذه الكلمات) وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 1 ص 329
(3) في النسخة رقم (16) (عبد الله بن الفضيل) وهو غلط
(4) في النسائي جزء 5 ص 161 (النبي صلى اله عليه وسلم)
(5) في النسائي (قال أبو عبد الرحمن) وهي كنيته، وما هنا اسمه
(6) في النسائي ج 5 ص 161 (لا اعلم أحد أسند هذا عن عبد الله بن الفضل الا
عبد العزيز رواه إسماعيل بن أمية عنه مرسلا)
(7) في النسائي ج 3 ص 162 (ان يرفعوا)
94

ابن القاسم بن محمد عن أبيه قال: خرج معاوية ليلة النفر فسمع صوت تلبية فقال (1):
من هذا؟ قيل: عائشة أم المؤمنين اعتمرت من التنعيم فذكر ذلك لعائشة فقالت عائشة:
لو سألني لأخبرته. فهذه أم المؤمنين ترفع صوتها حتى يسمعها معاوية في حاله التي كان
فيها * (فان قيل): قد روى عن ابن عباس. لاترفع المرأة صوتها بالتلبية. وعن ابن عمر
ليس على النساء ان يرفعن أصواتهن بالتلبية * قلنا: رواية ابن عمر هي من طريق عيسى
ابن أبي عيسى (2) الخياط وهو ضعيف، ورواية ابن عباس هي من طريق إبراهيم بن أبي حبيبة
وهو ضعيف. ولو صحا لكانت رواية عائشة موافقة للنص *
830 - مسألة - فإذا قدم المعتمر أو المعتمرة مكة فليدخلا المسجد ولا يبدءا بشئ
لا ركعتين ولا غير ذلك قبل القصد إلى الحجر الأسود فيقبلانه، ثم يلقيان البيت على اليسار
ولا بد، ثم يطوفان بالبيت من الحجر الأسود إلى أن يرجعا إليه سبع مرات منها ثلاث مرات خببا
وهو مشى فيه سرعة، والأربع طوافات البواقي مشيا، ومن شاء ان يخب في الثلاث الطوافات
وهي الأشواط من الركن الأسود مارا على الحجر إلى الركن اليماني، ثم يمشى رفقا
من اليماني إلى الأسود في كل شوط من الثلاثة فذلك له، وكلما مرا على الحجر الأسود
قبلاه وكذلك الركن اليماني أيضا فقط، فإذا تم الطواف المذكور أتيا إلى مقام إبراهيم
عليه السلام فصليا هنالك ركعتين وليستا فرضا، ثم خرجا ولا بد إلى الصفا فصعدا
عليه. ثم هبطا فإذا صارا في بطن الوادي أسرع الرجل المشي حتى يخرج عنه ثم يمشى
حتى يأتي المروة فيصعد عليها ثم ينحدر كذلك حتى يرجع إلى الصفا ثم يرجع كذلك
إلى المروة هكذا حتى يتم سبع مرات منها ثلاث خببا وأربع مشيا، وليس الخبب بينهما
فرضا (3)، ثم يحلق الرجل رأسه أو يقصر من شعره ولا تحلق المرأة لكن تقصر من
شعرها، وقد تمت العمرة وحل لهما كل ما كان حرم عليهما بالاحرام من لباس وغيره *
قال أبو محمد: لا خلاف فيما ذكرنا الا في أشياء نبينها إن شاء الله عز وجل، وهي
وجوب الخبب في الطواف، وجواز تنكيس الطواف بان يلقى البيت على اليمين، ووجوب
السعي بين الصفا والمروة *
برهان صحة قولنا (4) ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب
أخبرني محمد بن سليمان لوين عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن

(1) في النسخة رقم (16) (فقيل) وما هنا أولى
(2) في بعض النسخ (الحناط) بالنون بدل الياء التحتية آخر الحروف وكلاهما
صحيح يقال له: الحناط والخياط والخياط لأنه كان يعالج الصنائع الثلاثة راجع تهذيب التهذيب جزء 8 ص 224 *
(3) سقط من النسخة رقم (16) من قوله: (منه ثلاث خببا) إلى هنا خطأ
(4) في النسخة رقم (14) (برهان صحة ما قلناه)
95

ابن عباس قال: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) قال المشركون: (انهم يقدم عليكم قوم) (2)
وهنتهم حمى يثرب ولقوا منها شرا فأطلع الله عز وجل نبيه عليه السلام على ذلك
فأمر أصحابه ان يرملوا وان يمشوا ما بين الركنين) (3) فهذا أمر واجب *
وبه إلى أحمد بن شعيب انا عبيد الله بن سعيد بن قدامة نا يحيى - هو ابن سعيد القطان -
عن عبيد الله - هو ابن عمر - عن نافع ان عبد الله بن عمر كان يرمل الثلاث ويمشي الأربع
ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) كان يفعل ذلك * فهذا بيان الرمل إنما هو في الثلاثة
الأشواط الأول، وان الرمل في جميع تلك الأشواط جائز (فان قيل) ان ابن عباس
قال في الرمل: ليس سنة وهو راوي الحديث * قلنا: لا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ونحن نسألكم ما قولكم. وقول أهل الاسلام فيهم لو أنهم إذا أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بان يرملوا؟ يقولون له: لا نفعل، - قد أعاذهم الله تعالى من ذلك - أعصاة كانوا يكنون
أم مطيعين؟ *
وأما وجوبه فقد روينا من طريق ابن عمر. وعطاء. وسليمان بن يسار. ومكحول
ليس على النساء رمل من طرق لو شئنا لتكلمنا في أكثرها لضعفها * وروينا عن ابن عباس.
وعطاء ليس على من ترك الرمل شئ * وعن إبراهيم عليه فدية * وروينا من طريق
ابن أبي شيبة نا الثقفي - هو عبد الوهاب بن عبد المجيد - عن حبيب - هو ابن أبي ثابت - عن
عطاء انه سئل عن المجاور إذا أهل من مكة هل يسعى الأشواط (الثلاثة)؟ (5) قال: إن
هم يسعون قال: فاما ابن عباس فإنه قال: إنما ذلك على أهل الآفاق *
ومن طريق عبد الرزاق عن زكريا بن إسحاق عن إبراهيم بن ميسرة عن مجاهد
قال: خرج ابن الزبير. وابن عمر فاعتمرا من الجعرانة لما فرغ ابن الزبير من بناء
الكعبة قال مجاهد: وكنت جالسا عند زمزم فلما دخل ابن الزبير ناداه ابن عمر ارمل
الثلاث الأول فرمل ابن الزبير السبع كله *
ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام عن الحسن. وعطاء قالا: ليس
على أهل مكة رمل ولا على من أهل منها الا ان يجئ أحد من أهل مكة من خارج *
فهذه رواية عن ابن عباس بايجاب الرمل على أهل الآفاق *
وعن الحسن وعطاء مثل ذلك * وعن ابن عمر بايجابه ذلك عن ابن الزبير وهو
* (هامش) (1) في النسائي ج 5 ص 230 (النبي صلى الله عليه وسلم) (2) الزيادة من النسخة رقم (14) ولم توجد في سنن النسائي في هذا
الحديث (3) في النسائي زيادة أسقطها المصنف وهي (وكان المشركون من ناحية الحجر فقالوا: لهؤلاء اجلد من كذا) *
(4) في النسخة رقم (14) (ان النبي عليه السلام) وما هنا موافق للنسائي ج 5 ص 229 (5) الزيادة من النسخة رقم (14) * (*)
96

ساكن بمكة، وأقل هذا أن يكون اختلافا من قولي ابن عباس. وعطاء. وقد ذكرنا ما تركوا فيه
الجمهور وما انفردوا به بغير سنة لكن برأي، وهم يعظمون ذلك، ونحن لا ننكره إذا اتبعت السنة
في خلافه * وأما تقبيل الركنين فسنة وليس فرضا لأنه لم يأت بذلك أمر، وإنما هو عمل من
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، وقد طاف عليه السلام راكبا يشير بمحجن في يده إلى الركن *
وأما تنكيس الطواف فان أبا حنيفة أجاز تنكيس الوضوء، وتنكيس الاذان،
وتنكيس الإقامة، وتنكيس الطواف *
قال أبو محمد: إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبب في الأشواط المذكورة فقد علمهم من
أين يبتدئون؟ وكيف يمشون؟ فصار ذلك امرا، وأمره عليه السلام فرض، ولا أعجب
ممن لا يرى العمرة. أو الحج يبطلان بمخالفة ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يراهما
يبطلان بما لم يأت فيه أمر بذلك من الله تعالى، ولامن رسوله صلى الله عليه وسلم كتعمد الامناء
في مباشرة امرأة بغير جماع ونحو ذلك *
وأما الطواف بين الصفا والمروة في العمرة فان أنسا وغيره قالوا: ليس فرضا *
روينا من طريق عبد الرزاق نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس
يقرأ. (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان لا يطوف بهما) *
قال أبو محمد: هذا قول من ابن عباس لا ادخال منه في القرآن * وعن ابن عباس
أيضا: العمرة الطواف بالبيت * ومن طريق شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت أنس
ابن مالك يقرأ (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) * ومن طريق عبد بن حميد عن
الضحاك بن مخلد (1) عن ابن جريج عن عطاء عن ابن مسعود مثل ذلك * ومن
طريق عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد المقري عن أبي حنيفة عن ميمون بن مهران
عن أبي بن كعب مثل ذلك، وهو قول عطاء، ومجاهد، وميمون بن مهران * ومن طريق
حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن الزبير قال في الطواف بين الصاف والمروة:
هما تطوع، واحتج من رأى هذا القول بقول الله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر
الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * وروينا عن عائشة رضي الله عنها
إيجاب فرض السعي بينهما، وقالت في هذه الآية: إنما نزلت في ناس كانوا
لا يطوفون بينهما، فلما كان الاسلام طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: لو لم تكن إلا هذه الآية لكانت غير فرض لكن الحجة في فرض ذلك

(1) في النسخة رقم (16) (عن مخلد) وهو خطأ
97

ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا
أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن قيس بن مسلم
عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري قال: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو منيخ بالبطحاء فقال لي: أحججت؟ فقل: نعم فقال: بم أهللت؟ (قال) (1)
قلت: لبيت (2) باهلال كاهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقد أحسنت طف بالبيت، وبين
الصفا والمروة وأحل (3)) *
قال على: بهذا صار السعي بين الصفا والمروة في العمرة فرضا *
وأما الرمل بينهما فحدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا
محمود بن غيلان المروزي نا بشرين السرى نا سفيان - هو الثوري - عن عطاء بن السائب
عن كثير بن جمهان قال: رأيت ابن عمر يمشى بين الصفا والمروة فقال: إن امش فقد
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى وان اسع فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى (4) *
قال على: والخبر الذي فيه (اسعوا فان الله كتب عليكم السعي) (5) فإنما روته صفية
بنت شيبة عن امرأة لم تسم، وقد قيل: هي بنت أبي تجراة وهي مجهولة، ولو صح لقلنا:
بوجوبه، ومن عجز عن الخبب المذكور مشى ولا شئ عليه لقول الله تعالى: (لا يكلف
الله نفسا الا وسعها) *
831 - مسألة - ولا يحل للمحرم بالعمرة أو بالحج تصيد شئ مما يصاد ليؤكل
ولا وطئ كان له حلالا قبل إحرامه ولا لباس شئ مما ذكرنا قبل (6) ان النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن لباسه المحرم، قال الله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم). وقال تعالى: (فلا
رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)، وهذا أيضا (7) لا خلاف فيه *
832 - مسألة - ومن أراد العمرة - وهو بمكة - إما من أهلها، أو من غير أهلها
ففرض عليه أن يخرج للاحرام بها إلى الحل ولابد فيخرج إلى أي الحل شاء ويهل
بها فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر بالخروج من مكة إلى التنعيم
ليعتمر منه، واعتمر عليه السلام من الجعرانة فوجب ذلك في العمرة خاصة، وبالله تعالى التوفيق *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا
عمرو بن علي نا أبو عاصم نا عثمان بن الأسود نا ابن أبي ملكية عن عائشة أم المؤمنين

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 348
(2) في صحيح مسلم (لبيك)
(3) الحديث ذكره المصنف مختصرا
(4) هو في النسائي ج 5 ص 241
(5) هو في سنن الدارقطني ص 270 وانظر الكلام علي بنت أبي تجراة
(6) هو ظرف مبنى على الضم لحذف المضاف إليه مع نية معناه، وقوله (ان النبي) معمول لذكرنا
(7) في النسخة رقم (14) (وهذا الصيد)
98

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن أخاها أن يعمرها من التنعيم وانتظرها عليه
السلام بأعلى مكة حتى جاءت) *
833 - مسألة - وأما من أراد الحج فإنه إذا جاء إلى الميقات (1) كما ذكرنا
غلا يخلو من أن يكون معه هدى، أوليس معه هدى، والهدى إما من الإبل. أو البقر.
أو الغنم، فإن كان لاهدى معه - وهذا هو الأفضل - ففرض عليه أن يحرم بعمرة مفردة
ولابد لا يجوز له غير ذلك، فان احرم بحج، أو بقران حج وعمرة ففرض عليه أن يفسخ
إهلاله ذلك بعمرة يحل إذا أتمها لا يجزئه غير ذلك، ثم إذا أحل منها ابتدأ الاهلال بالحج
مفردا من مكة وهذا يسمى متمتعا، وإن كان معه هدى ساقه مع نفسه فنستحب له أن
يشعر هديه إن كان من الإبل، وهو أن يضربه بحديدة في الجانب الأيمن من جسده حتى
يدميه ثم يقلده، وهو أن يربط نعلا في حبل ويعلقها في عنق الهدى وان جلله بحل (2)
فحسن، فإن كان الهدى من الغنم فلا اشعار فيه لكن يقلده رقعة جلد في عنقه، فإن كان
من البقر فلا اشعار فيه ولا تقليد كانت له اسنمة أو لم تكن، ثم يقول: لبيك بعمرة
وحج معا لا يجزئه الا ذلك ولابد، وان قال: لبيك بحج وعمرة، أو لبيك عمرة وحجا
أو حجة وعمرة، أو نوى كل ذلك في نفسه، ولم ينطق به فكل ذلك جائز، وهذا يسمى القران *
ومن ساق من المعتمرين الهدى فعل فيه من الاشعار. والتقليد ما ذكرنا، ونحب
له في كل ما ذكرنا أن يشترط فيقول عند اهلاله: اللهم ان محلى حيث تحبسني، فان قال
ذلك فأصابه أمر ما يعوقه عن تمام ما خرج له من حج أو عمرة أحل ولا شئ عليه لاهدى
ولا قضاء الا إن كان لم يحج قط ولا اعتمر فعليه أن يحج حجة الاسلام وعمرته *
برهان ما ذكرنا. ما رويناه من طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة عن الزهري
عن عروة عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أراد منكم أن يهل
بحج، أو عمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل،
قالت عائشة: فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وأهل به ناس معه (3) وأهل ناس بالحج
والعمرة، وأهل ناس بعمرة (وكنت فيمن أهل بالعمرة) (4) *
قال أبو محمد: فهذا أول أمره عليه السلام بذى الحليفة عند ابتداء احرامهم وإرادتهم
الاهلال بلا شك إذ هو نص الحديث *
نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا

(1) في النسخة رقم (14) (جاء الميقات)
(2) الجل بضم أوله هو الدابة كالثوب للانسان يلبسه يقيه البرد والجمع جلال وأجلال
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 340 سقط جملة (وأهل به ناس معه)، وهي موجودة في نسخ الشرح
(4) الزيادة من صحيح مسلم
99

أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا ابن نمير نا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - نا موسى
ابن نافع قال: (قدمت مكة متمتعا بعمرة قبل التروية بأربعة أيام فقال الناس: تصير
حجتك الآن مكية) (1) فدخلت على عطاء بن أبي رباح فقال: حدثني جابر بن عبد الله
أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدى معه، وقد أهلوا بالحج مفردا فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (أحلوا من احرامكم فطوفوا بالبيت. وبين الصفا والمروة. وقصروا وأقيموا
حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا الذي قدمتم بها متعة) (2) *
وبه إلى مسلم نا إسحاق - هو ابن راهويه عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر
ابن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله انه أخبره عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: حتى إذا كان آخر طواف على المروة، قال عليه السلام (لو أنى استقبلت من
أمري ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل
وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم (3) فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم
للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج
مرتين لابل لابد أبد) (4) *
نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا موسى
ابن إسماعيل نا وهيب - هو ابن خالد نا أيوب هو السختياني عن أبي قلابة عن
أنس بن مالك قال: (صلى الله عليه وسلم وسلم - ونحن معه بالمدينة - الظهر أربعا والعصر بذى
الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح. ثم ركب حتى اتوت به راحلته على البيداء حمد الله
وسبح (وكبر) (5)، ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما فلما قدمنا امر الناس فحلوا
حتى إذا كان يوم التروية أهلو بالحج) (6) *
نا حمام بن أحمد نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا أحمد بن خالد نا عبيد بن محمد
الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق نا مالك. ومعمر عن الزهري عن
عروة عن عائشة قالت: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فاهللنا بعمرة ثم قال النبي
صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدى فليهل بالحج مع العمرة ولا يحل حتى يحل منهما جميعا)
* قال أبو محمد: ففي هذه الأحاديث الثابتة برهان كل ما قلنا ولله تعالى الحمد، وهي
أربعة أحاديث * ففي الأول الذي من طريق جابر أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بحج مفرد

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 345
(2) اختصر المصنف الحديث وله بقية راجع صحيح مسلم ج 1 ص 345
(3) هو ضم الجيم والشين المعجمتين وقيل بضم الجيم وفتح الشين بينهما عين مهملة ساكنة
(4) الحديث في صحيح مسلم ج 1 ص 346 فلولا جدا اقتصر المصنف على محل الشاهد منه وقوله (لا بد أبد) بإضافة الأول للثاني وتنوين الثاني ومعناه لآخر الدهر، والله أعلم
(5) الزيادة من صحيح البخاري ج 2 ص 274
(6) الحديث له بقية انظر ج 2 ص 346 من صحيح البخاري طبع إدارتنا
100

ولا هدى معه يحل بان يحل بعمرة ولابد، ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير متمتعا * وفى الحديث
الثالث من طريق أنس أمره صلى الله عليه وسلم من أهل بحج وعمرة قارنا ولا هدى معه أن
يهل بعمرة ولابد ثم يهل بالحج يوم التروية فيصير أيضا متمتعا * وفى الحديث الثاني الذي
من طريق جابر أمره صلى الله عليه وسلم كل من لا هدى معه عموما بان يحل بعمرة، وان هذا هو
آخر أمره على الصفا بمكة، وأنه عليه السلام اخبر بان التمتع أفضل من سوق الهدى
معه، وتأسف إذا لم يفعل ذلك هو، وأن هذا الحكم (هو) (1) باق إلى يوم القيامة
وما كان هكذا فقد أمنا أن ينسخ أبدا، ومن أجاز نسخ ما هذه صفته فقد أجاز الكذب
على خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من تعمده كفر مجرد، وفيه أن العمرة قد دخلت
في الحج وهذا هو قولنا لان الحج لا يجوز الا بعمرة متقدمة له يكون بها متمتعا أو بعمرة
مقرونة معه ولا مزيد * وفى الحديث الرابع الذي من طريق عائشة أم المؤمنين أمره
صلى الله عليه وسلم من معه هدى أن يقرن بين الحج، والعمرة وبه يقول ابن عباس، ومجاهد، وعطاء
وإسحاق بن راهويه، وغيره *
نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري
نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل نا أحمد بن صالح نا عنبسة حدثني
يونس - هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن كريب أنه حدثه عن ابن عباس أنه كأن يقول:
ما طاف رجل بالبيت إن كان حاجا الا حل بعمرة إذا لم يكن معه هدى، ولا طاف ومعه
هدى الا اجتمعت له حجة وعمرة *
ومن طريق مسلم بن الحجاج نا إسحاق - هو ابن راهويه - انا محمد بن بكر انا ابن جريج
أخبرني عطاء قال: كان ابن عباس يقول: لا يطوف بالبيت حاج ولاغير حاج إلا حل
فقلت لعطاء: من أين تقول ذلك؟ قال: من قول الله تعالى (ثم محلها إلى البيت العتيق). قلت:
فان ذلك بعد المعرف قال: كان ابن عباس يقول: هو بعد المعرف وقبله، وكان يأخذ ذلك من
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم أن يحلو في حجة الوداع * ومن طريق عطاء.
ومجاهد ان ابن عباس كان يأمر القارن ان يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدى * ومن
طريق طاوس عن ابن عباس والله ما تمت حجة رجل قط الا رجل اعتمر في
وسط السنة *
نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن
ابن مهدي نا سفيان - هو الثوري - عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى

(1) الزيادة من النسخة رقم (16)
101

الأشعري قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء فقال: بم أهللت؟ قلت
(: أهللت) (1) باهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل سقت من هدى؟ قلت: لا قال: طف
بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من
قومي فمشطتني وغسلت رأسي فكنت أفتى الناس بذلك في إمارة أبى بكر وامارة عمر
فانى (2) لقائم بالمؤسم إذ جاءني رجل فقال: إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن
النسك قلت: يا أيها الناس من كنا أفتيناه بشئ فليتئد فان أمير المؤمنين قادم عليكم
فأتموا به فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين ما (هذا) (3) الذي أحدثت في شأن النسك
قال: إن نأخذ بكتاب الله تعالى فان الله تعالى قال: (وأتموا الحج والعمرة لله). وان نأخذ
بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه (4) لم يحل حتى نحر الهدى *
قال أبو محمد: هذا أبو موسى قد أفتى بما قلنا مدة إمارة أبى بكر وصدرا من إمارة عمر
رضي الله عنهما، وليس توقفه لما شاء الله تعالى ان يتوقف له حجة على ما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وحسبنا قوله لعمر ما الذي أحدثت في شأن النسك؟ فلم ينكر ذلك عمر، وأما قول
عمر رضي الله عنه في قول الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله). فلا اتمام لهما إلا علمه
رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وهو الذي أنزلت عليه هذه الآية، وأمر ببيان ما أنزل عليه
من ذلك *
وأما كونه عليه السلام لم يحل حتى نحر الهدى فان أم المؤمنين ابنته حفصة رضي الله عنها
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان فعله كما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن
حفصة أم المؤمنين انها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من
عمرتك؟ قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر * ورواه أيضا على
كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني معاوية بن صالح الأشعري نا يحيى بن معين
نا حجاج - يعنى ابن محمد الأعور - نا يونس - يعنى أبا إسحاق السبيعي - عن أبيه عن البراء
- هو ابن عازب - عن علي بن أبي طالب ((ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: انى سقت
الهدى وقرنت لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكني سقت الهدى
وقرنت) (5) * فهذا أولى ان يتبع من رأى رآه عمر قد صح عنه رجوعه عنه، وقد خالفوه
فيه أيضا كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عن جعفر بن محمد عن أبيه قال في

(1) الزيادة من النسائي ج 5 ص 154
(2) في النسائي (وانى)
(3) الزيادة من النسائي
(4) في النسائي ج 5 ص 155 (فان نبينا صلى الله عليه وسلم)
(5) هو في النسائي ج 5 ص 149 اختصره المصنف
102

كتاب علي بن أبي طالب: من شاء ان يجمع بين الحج والعمرة فليسق هديه معه
نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد
ابن علي بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا هشيم نا منصور - هو ابن المعتمر - قال: حج
الحسن البصري وحججت معه في ذلك العام فلما قدمنا مكة جاء رجل إلى الحسن فقال:
يا أبا سعيد انى رجل بعيد الشقة من أهل خراسان وانى قدمت مهلا بالحج فقال له الحسن:
اجعلها عمرة وأحل فأنكر ذلك الناس على الحسن وشاع قوله بمكة فاتى عطاء بن أبي رباح
فذكر ذلك له فقال: صدق الشيخ، ولكنا نفرق (1) ان نتكلم بذلك *
قال أبو محمد: ليس انكار أهل الجهل حجة على سنن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم * ومن
طريق عبد الرازق عن ابن جريج عن عطاء قال: من أهل من خلق الله تعالى ممن له متعة
بالحج خالصا أو بحجة وعمرة فهي متعة سنة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن
ابن طاوس عن أبيه انه سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج؟ فقال: هو الرجل
يفرد الحج ويذبح فقد دخلت له عمرة في الحج فوجبتا له جميعا * ومن طريق عبد الرزاق
نا عمر بن ذر أنه سمع مجاهدا يقول: من جاء حاجا فاهدى هديا فله عمرة مع حجة *
ومن طريق سعيد بن منصور نا عتاب بن بسير نا خصيف عن عطاء. ومجاهد ان ابن عباس
كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يكن ساق الهدى، قال خصيف: وكنت مع مجاهد
فأتاه الضحاك بن سليم وقد خرج حاجا فسأل مجاهدا فقال له مجاهد: اجعلها عمرة فقال:
هذا أول ما حججت فلا تشايعني نفسي فأي ذلك ترى أتم؟ ان أمكث كما أنا أو أجعلها
عمرة؟ قال خصيف: فقلت له: أظن هذا أتم لحجك ان اتمكث كما أنت، فرفع مجاهد
تبنة من الأرض وقال: ما هو بأتم من هذا، وهو قول إسحاق بن راهويه *
وقال عبيد الله بن الحسن القاضي. وأحمد بن حنبل بإباحة فسخ الحج لا بايجابه، ومنع
منه أبو حنيفة، ومالك، والشافعي *
قال على: روى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لاهدى له ان يفسخ حجه بعمرة ويحل
بأوكد امر جابر (2) بن عبد الله. وعائشة أم المؤمنين. وحفصة أم المؤمنين (كذلك) (3).
وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى. وأسماء بنت أبي بكر الصديق. وأبو موسى
الأشعري وأبو سعيد الخدري. وأنس. وابن عباس. وابن عمر. وسبرة بن معبد.
والبراء بن عازب. وسراقة بن مالك. ومعقل بن يسار خمسة عشر من الصحابة رضي الله عنهم
* ورواه عن هؤلاء نيف وعشرون من التابعين * ورواه عن هؤلاء من لا يحصيه
الا الله عز وجل، فلم يسمع أحدا الخروج عن هذا *
* (هامش) (1) أي تخاف (2) هو فاعل روى (3) الزيادة من النسخة رقم (14) * (*)
103

واحتج من خالف كل هذا باعتراضات لا حجة لهم في شئ منها * منها انهم ذكروا
خبرا رويناه من طريق مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة
عن عائشة (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، بعمرة ومنا
من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج وأهل بالحج وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بعمرة
فحل، وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمر ة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر) *
وبخبر رويناه من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن
ابن نوفل عن عروة، وقد ذكر له عن رجل ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم (انه طاف
بالبيت وحل)) فقال عروة عن عائشة في حديث: قالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (انه أول
شئ بدأ به حين قدم مكة انه توضأ ثم طاف بالبيت، ثم حج أبو بكر فكان أول شئ بدأ
به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره، ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان فرأيته أول شئ
بدأ به الطواف (بالبيت) (1)، ثم لم يكن غيره، ثم معاوية، وعبد الله بن عمر، ثم حججت
مع الزبير أبى (2) فكان أول شئ بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره، ثم رأيت
المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم يكن غيره ولا أحد ممن مضى (ما) (3) كانوا
يبدؤن بشئ حين يضعون أقدامهم أول (4) من الطواف بالبيت ثم لا يحلون، وقد رأيت
أمي. وخالتي تقدمان لا تبدأن بشئ أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان، وقد أخبرتني
أمي انها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط فلما مسحوا الركن حلو،
وقد كذب فيما ذكر من ذلك) *
وبخبر رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بشير العبدي عن محمد بن عمرو
ابن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة قالت: (خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم سلم للحج ثم ذكرت أن من كان منهم أهل بحج مفرد. أو بعمرة وحج فلم يحلل حتى
قضى مناسك الحج، ومن أهل بعمرة مفردة طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل
حتى يستقبل حجا) *
قال أبو محمد: حديث أبي الأسود عن عروة عن عائشة، وحديث يحيى بن عبد الرحمن
ابن حاطب عنها منكران، وخطأ عند أهل العلم بالحديث *
نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا عبيد الله بن محمد السقطي
نا أحمد بن جعفر نا محمد بن مسلم الختلى نا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري السدانى نا

(1) الزيادة من النسخة رقم (16) وهي موافقة لصحيح مسلم ج 1 ص 354
(2) في صحيح مسلم ج 1 ص 354 (مع أبي الزبير بن العوام) والمغنى واحد
(3) الزيادة من صحيح مسلم
(4) في النسخة رقم (14) (أولى) وما هنا موافق لما في صحيح مسلم ج 1 ص 354 هو الصحيح
104

أحمد بن محمد الأثرم نا أحمد بن حنبل فذكر حديث مالك عن أبي الأسود الذي ذكرنا
آنفا فقال أحمد: أيش في هذا الحديث من العجب؟ هذا خطأ، قال الأثرم: فقلت
له: الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه قال أحمد: نعم، وهشام بن عروة *
قال أبو محمد: ولأبي الأسود المذكور حديث آخر في هذا الباب لاخفاء بفساده وهو
خبر رويناه من طريق البخاري نا أحمد بن صالح (1) نا ابن وهب انا عمرو بن الحارث عن أبي
الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ان عبد الله مولى أسماء (بنت أبي بكر قال): (2)
حدثه انه كان يسمع أسماء بنت أبي بكر تقول كلما مرت بالحجون (3): صلى الله على رسوله
لقد نزلنا معه ههنا. ونحن يومئذ خفاف قليل ظهرنا (4) قليلة أزوادنا فاعتمرت انا وأختي
عائشة. والزبير. وفلان. وفلان فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا من العشى بالحج *
قال على: وهذا باطل بلا خلاف من أحر لان عائشة رضي الله عنها لم تعتمر في عام
حجة الوداع قبل الحج أصلا لأنها دخلت وهي حائض - حاضت بسرف ولم تطف بالبيت
الا بعد ان طهرت يوم النحر هذا أمر في شهرة الشمس، ولذلك رغبت من النبي صلى الله عليه وسلم
ان يعمرها بعد الحج فأعمرها من التنعيم بعد انتقضاء أيام التشريق كلها رواه جابر
ابن عبد الله، ورواه عن عائشة عروة. والقاسم بن محمد. وطاوس. ومجاهد. والأسود ابن زيد. وابن أبي مليكة *
وبلية أخرى في هذا الخبر وهي قوله فيه: ثم أهللنا من العشي بالحج وهذا باطل بلا خلاف لان
عائشة أم المؤمنين. وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وابن عباس كلهم رووا ان الاحلال كان
يوم دخولهم مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في حجة الوداع صبح
رابعة من ذي الحجة، والأحاديث في ذلك مشهورة قد ذكرناها في كتبنا وذكرها الناس وكل
من جمع في المسند فظهر عوار رواية أبى الأسود، وقد روى الزهري عن عروة عن عائشة أمر النبي
صلى الله عليه وسلم من لا هدى له بفسخ الحج وانهم فسخوه، ولا يعدل أبو الأسود بالزهري *
روينا من طريق البخاري نا يحيى بن بكير نا الليث - هو ابن سعد - عن عقيل بن خالد
عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال قال عبد الله بن عمر في عمر في صفة حجة النبي
صلى الله عليه وسلم: فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شئ حرم

(1) وقع في البخاري (احمد) غير منسوب وهي رواية الأكثر، وفى رواية كريمة (أحمد بن عيسى) وعليها جرينا في
نسختنا المطبوعة، وفى رواية أبي ذر حدثنا أحمد بن صالح وهي موافقة لماهنا
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 3 ص 24
(3) هو بفتح الحاء المهملة اسم الحاء المهملة اسم موضع بمكة عند المحصب، وقيل جبل معروف بمكة
(4) أي مراكبنا
105

منه حتى يقضى حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ويقصر (1)
وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة وإذا رجع
إلى أهله، قال الزهري عن عروة: أن عائشة أخبرته (عن النبي صلى الله عليه وسلم) (2)
في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل ما أخبر به سالم عن أبيه (3)، ورواه
أيضا عن عائشة من لا يذكر معه يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وهم القاسم بن محمد
ابن أبي بكر، والأسود بن يزيد، وذكوان مولاها وكان يؤمها، وعمرة بنت عبد الرحمن *
وكل واحد من هؤلاء أخص بعائشة وأعلم وأضبط وأوثق من يحيى بن عبد الرحمن *
روينا من طريق مسلم حدثني سليمان بن عبيد الله الغيلاني (4) نا أبو عامر (عبد الملك
ابن عمرو) (5) العقدي نا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الرحمن بن القاسم
ابن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث،
وفيه (فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اجعلوها عمرة فأحل الناس إلا من
كان معه الهدى فكان الهدى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبى بكر. وعمر. وذوي اليسارة ثم
أهلوا حين راحوا) *
ويكفى من كل هذا أن أن هذه الأخبار الثلاثة من طريق أبى الأسود، ويحيى بن عبد الرحمن
إنما هي موقوفة لا مسندة ولا حجة في موقوف فكيف إذا روى بضعة وعشرون من
التابعين عن خمسة عشر من الصحابة خلاف ذلك؟ *
وأسلم الوجوه لحديثي أبى الأسود. وحديث يحيى بن عبد الرحمن أن يخرج على
أن المراد بقولها: ان الذين أهلوا بحج أو حج وعمرة (6) لم يحلوا (7) إلى يوم النحر (8)
إنما كانوا من كان معه هدى فأهل بهما جمعيا أو أضاف العمرة إلى الحج كما روى مالك عن
الزهري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتخرج حينئذ هذه الأخبار سالمة لان ما روته
الجماعة عنها فيه زيادة لم يذكرها أبو الأسود، ولا يحيى بن عبد الرحمن لو كان ما رويا
مسندا فكيف وليس مسندا؟ ونحمل حديث أبي الأسود عن عروة في حج أبى بكر.
وعمر. وسائر من ذكرنا على أنهم كانوا يسرقون الهدى فتتفق الاخبار * واحتجوا
أيضا بنهي عمر. وعثمان عن ذلك *

(1) في صحيح البخاري ج 2 ص 324 (وليقصر) وهي رواية الأكثر وما هنا موافق لما في فتح الباري ج 3 ص 431 وهي رواية أبي ذر
(2) الزيادة من صحيح البخاري
(3) في صحيح البخاري بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر)
(4) في النسختين (سليمان ابن عبد الله الغيلاني) وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب ج 4 ص 209، ومن صحيح مسلم جزء 1 ص 341 وفيه زيادة (أبو أيوب)
(5) الزيادة من صحيح مسلم
(6) في النسخة رقم (16) (أهلوا بالحج والعمرة) وهو غلط انظر صفحة 104
(7) في النسخة رقم (16) (لم يهلوا) وهو غلط انظر ص 104
(8) تقدم في ص 104 (حتى كان يوم النحر) وهو أوضح في التعبير من هنا
106

قال أبو محمد: هذا عليهم لالهم لأنه إن كان نهيهما رضي الله عنهما حجة فقد صح
عنهما النهى عن متعة الحج. وهم يخالفونهما في ذلك *
نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن علي
ابن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا هشيم. وحماد بن زيد قال هشيم: انا خالد - هو الحذاء -
وقال حماد: عن أيوب السختياني ثم اتفق أيوب وخالد كلاهما عن أبي قلابة قال: قال
عمر بن الخطاب: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأضرب عليهما
هذا لفظ أيوب، وفى رواية خالد أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما. متعة النساء. ومتعة الحج *
وبه إلى سعيد بن منصور نا هشيم انا عبد الله بن عون عن القاسم بن محمد ان عثمان
فهي عن المتعة يعنى متعة الحج * وبه إلى سعيد بن منصور نا عبد الله بن وهب أخبرني
عمرو بن الحارث عن عبد العزيز بن عن أبيه ان عثمان بن عفان سمع رجلا يهل بعمرة
وحج فقال: على بالمهل فضربه وحلقه *
قال أبو محمد: وهم يخالفونهما ويجيزون المتعة حتى أنها عند أبي حنيفة، والشافعي
أفضل من الافراد فسبحان من جعل نهى عمر. وعثمان رضي الله عنهما عن فسخ الحج حجة!
ولم يجعل نهيهما عن متعة الحج وضربهما عليها حجة! ان هذا لعجب! * (فان قالوا):
قد أباحها بن أبي وقاص وغيره قلنا: وقد أوجب فسخ الحج ابن عباس وغيره
ولافرق *
واحتجوا بما رويناه أيضا من طريق البزار نا عمر بن الخطاب السجستاني نا الفريابي (1)
نا أبان بن أبي حازم (2) حدثني أبو بكر بن حفص عن ابن عمر عن عمر قال: يا أيها
الناس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا * ومن طرق أبي ذر كانت
المتعة في الحج رخصة لنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم * وعن عثمان كانت متعة الحج لنا ليست لكم *
قال أبو محمد: هذا كله خالفه الحنيفيون والمالكيون والشافعيون لأنهم متفقون على
إباحة متعة الحج، وأما حديث عمر فإنما هو في متعة النساء بلا شك لأنه قد صح عنه
الرجوع إلى القول بها في الحج، وهؤلاء مخالفون أهذا الخبر إن كان محمولا عند هم على متعة
الحج * روينا من طريق شعبة عن سلمة بن كهيل عن طاوس عن ابن عباس قال: قال
عمر بن الخطاب: لو اعتمرت في سنة مرتين ثم حججت لجعلت مع حجتي عمرة * ورويناه

(1) في النسختين (الفارياني) وهو غلط لان شيخ عمر بن الخطاب السجستاني محمد بن يوسف الفريابي فتصحف في النسختين
إلى الفارياني، وهو نسبة إلى فرياب أو فارياب أو فيرياب بلدة من نواحي بلخ
(2) في النسخة رقم (16) (أبان بن أبي حاتم) وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب وغيره
107

أيضا من طريق سفيان عن سلمة بن كهيل عن طاوس عن ابن عباس عن عمر بمثله *
ورويناه أيضا من طرق *
واحتجوا بما رويناه أيضا من طريق المرقع عن أبي ذر أنه قال: كان فسخ الحج
من رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا خاصة * ومن طريق عبد الرحمن بن الأسود عن سليمان أو سليم
ابن الأسود أن أبا ذر قال فيمن حج ثم فسخها عمرة: لم يكن ذلك إلا للركب الذين
كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق موسى بن عبيدة عن يعقوب بن زيد عن أبي
ذر قال: لم يكن لاحد بعدنا ان يجعل حجته عمرة إنما كانت لنا رخصة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: ان لم يكن قول أبي ذر ان متعة الحج خاصة لهم حجة فليس قوله إن
فسخ الحج خاص لهم حجة لا سيما وذلك الاسناد عنه صحيح لأنه من رواية إبراهيم التيمي
عن أبيه، وهذه الأسانيد عنه واهية لأنها عن المرقع وسليمان أو سليم وهما مجهولان،
وعن موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف فكيف وقد خالفه ابن عباس. وأبو موسى؟
فلم يريا ذلك خاصة، ولا يجوز ان يقال في سنة ثابتة أنها خاصة لقوم دون قوم إلا بنص
قرآن أو سنة صحيحة لان أوامر النبي صلى الله عليه وسلم على لزوم الإنس والجن الطاعة لها والعمل بها *
(فان قيل): هذا لا يقال بالرأي قلنا: فيجب على هذا متى وجد أحد من الصحابة
يقول في آية أنها مخصوصة أو منسوخة أن يقال بقوله (1)، وأقرب ذلك قولهم في المتعة
انها خاصة وقد خالفوا ذلك *
واحتجوا بما رويناه من طريق ربيعة الرأي عن الحارث بن بلال بن الحارث عن
أبيه قلت: يا رسول الله (أفسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا؟ قال: لكم خاصة) *
قال أبو محمد: الحارث بن بلال مجهول ولم يخرج أحد هذا الخبر في صحيح الحديث،
وقد صح خلافه بيقين كما أوردنا من طريق جابر بن عبد الله ان سراقة بن مالك قال
لرسول صلى الله عليه وسلم: إذا أمرهم بفسخ الحج في عمرة: يا رسول الله (لعامنا هذا أم لابد؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل لابد الأبد) *
ومن طريق البخاري نا أبو النعمان - هو محمد بن الفضل عارم - نا حماد بن زيد عن
عبد الملك بن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله، وعن طاوس عن ابن عباس قالا
جميعا: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم صبح رابعة من ذي الحجة يهلون بالحج لا يخلطه شئ فلما
قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة وان نحل إلى نسائنا ففشت في دلك القالة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: بلغني أن قوما يقولون: كذا وكذا والله لأنا أبر وأتقى لله منهم. ولو أنى استقبلت

(1) في النسخة رقم (14) (أن يقول بقوله) وما هنا أولى
108

من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدى لأحللت فقام بن جعشم
فقال: يا رسول الله هي لنا أو للأبد قال لابل الأبد) * قال أبو محمد: وهكذا رواه مجاهد عن ابن عباس. ومحمد بن الحسين عن جابر *
قال أبو محمد: فبطل التخصيص والنسخ وأمن (من) (1) ذلك أبدا، ووالله ان من
سمع هذا الخبر ثم عارض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام أحد ولو أنه كلام أمي المؤمنين
حفصة. وعائشة. وأبويهما رضي الله عنهم لهالك، فكيف باكذوبات كنسج العنكبوت
الذي هو أوهن البيوت؟ عن الحارث بن بلال. والمرقع. وسليمان أو سليم الذين لا يدرى
من هم في الخلق. وموسى الربذي، وكفاك، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وليس لاحد أن
يقتصر بقوله عليه السلام (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) على أنه أراد جوازها
في أشهر الحج دون ما بينه جابر. وابن عباس من إنكاره عليه السلام أن يكون الفسخ
لهم خاصة أو لعامهم دون ذلك، ومن فعل ذلك فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا *
قال أبو محمد: وأتى بعضهم بطامة وهي انه ذكر الخبر الثابت عن ابن عباس انهم كانوا
يرون العمرة على أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
صبيحة رابعة من ذي الحجة فأمرهم ان يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله
أي الحل؟ قال: الحل كله) (2) فقال قائلهم: أمر هم عليه السلام بذلك ليوقفهم
على جواز العمرة في أشهر الحج قولا وعملا *
قال أبو محمد: وهذه عظيمة، أول ذلك أنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم في دعواهم انه إنما
أمرهم بفسخ الحج في عمرة ليعلمهم جواز العمرة في أشهر الحج ثم يقال لهم: هبك لو كان
ذلك ومعاذ الله من أن يكون أبحق أمر أم بباطل؟ فان قالوا: بباطل كفروا وان قالوا:
بحق قلنا، فليكن امره عليه السلام بذلك لأي وجه كان قد صار حقا واجبا، ثم لو كان
هذا الهوس الذي قالوه فلأي معنى كان يخص بذلك من لم يسق الهدى دون من ساق؟،
وأطم من هذا كله ان هذا الجاهل القائل بذلك قد علم أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر بهم في
ذي القعد عاما بعد عام قبل الفتح. ثم اعتمر في ذي القعدة عام الفتح ثم قال لهم في حجة الوداع
في ذي الحليفة: من شاء منكم ان يهل بعمرة فليفعل ومن شاء أن يهل بحج وعمرة فليفعل
ومن شاء أن يهل بحج فليفعل ففعلوا (3) كل ذلك، فيالله ويا للمسلمين أبلغ الصحابة
رضي الله عنهم من البلادة. والبله. والجهل أن لا يعرفوا مع هذا كله ان العمرة جائزة
في أشهر الحج؟ وقد عملوها معه عليه السلام عاما بعد عام (في أشهر الحج) (4)

(1) الزيادة من النسخة رقم (16)
(2) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 355 وفى صحيح البخاري ج 2 ص 280
(3) في النسخة رقم (14) (وفعلوا)
(4) الزيادة من النسخة رقم (16)
109

حتى يحتاج إلى أن يفسخ حجهم في عمرة ليعلموا جواز ذلك، تالله ان الحمير لتميز الطريق
من أقل من هذا، فكم هذا الاقدام والجرأة على مدافعة السنن الثابتة في نصر التقليد؟ مرة
بالكذب المفضوح، ومرة بالحماقة المشهورة، ومرة بالغثاثة والبرد، حسبنا الله ونعم
الوكيل والحمد لله على السلامة *
واحتج بعضهم في جواز الافراد بالحج بالخبر الثابت من طريق أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما) (1) *
قال أبو محمد: كل مسلم فلا يشك في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم هذا إلا بوحي من الله
عز وجل إليه لا يمكن غير هذا أصلا، ولا شك في أن وحى الله عز وجل لا يترك بشك
لأنه عز وجل لا يشك، فصح ان هذا الشك من قبل أبي هريرة أو ممن دونه لامن
قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لو صح انه من قبله عليه السلام لكان ذلك إذ كان الافراد مباحا
ثم نسخ بأمره عليه السلام من لاهدى معه بالمتعة ولابد، ومن معه الهدى بالقران ولابد *
قال على: فظهر الحق واضحا والحمد لله رب العالمين، وقال مالك: الافراد أفضل
ووافقنا هو والشافعي في صفة التمتع والقران لمن أراد أن يكون قارنا أو متمتعا، وكل
ذلك جائز عندهما لمن ساق الهدى ولمن لم يسقه، وقال الشافعي مرة: الافراد أفضل
ومرة قال: التمتع أفضل، ومرة قال: القران أفضل، وكل ذلك عند جائز كما ذكرنا،
وأما أبو حنيفة فإنه قال: القران أفضل ثم التمتع ثم الافراد، وكل ذلك جائز عنده
لمن ساق الهدى ولمن لم يسقه الا أنه خالف في صفة التمتع القران على ما نذكر بعد هذا
إن شاء الله تعالى *
وأما الاشعار فان عبد الله بن ربيع نا قال: نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب
انا عمرو بن علي على الفلاس نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة عن قتادة عن أبي حسان الأعرج
عن ابن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بذى الحليفة أمر ببدنته فأشعر في سنامها من الشق
الأيمن ثم سلت الدم عنها وقلدها نعلين) (2) وذكر باقي الخبر * وبه إلى عمرو بن علي
نا وكيع حدثني أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم أشعر بدنه (3) *
ورويناه أيضا من طريق المسور بن مخرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم نا عبد الرحمن بن عبد الله
ابن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا أبو النعمان - هو محمد بن الفضل عارم -

(1) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 357، وقوله (ليثنينهما) بفتح الياء في أوله - معناه ليقرن بينهما، و (فج الروحاء) - بفتح الفاء
وتشديد الجيم - موضع بين مكة والمدينة وكان طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر والى مكة عام الفتح وعام حجة الوداع
(2) هو في النسائي ج 5 ص 170، وباقيه (فلما استوت به على البيداء أهل)
(3) هو في النسائي ج 5 ص 170
110

نا عبد الواحد - هو ابن زياد - نا الأعمش نا إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة
أم المؤمنين قالت: كنت أفتل القلائد النبي صلى الله عليه وسلم فيقلد الغنم ويقيم في أهله حلالا (1) *
ورويناه أيضا من طريق أبى معاوية عن الأعمش. والحكم بن عتيبة. ومنصور كلهم
عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين *
قال أبو محمد: ولم يأت في البقر شئ من هذا، وروينا كما نذكر بعد هذا إن شاء الله
تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليا بأن يقسم لحوم البدن وجلالها فصح التجليل فيها *
وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن
ابن عمر قال: لاهدى الا ما قلد وأشعر ووقف بعرفة * ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس
ابن سعد عن عطاء عن ابن عباس ان شئت فأشعر، وان شئت فلا تشعر، وان شئت فقلد. وان
شئت فلا تقلد * ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود
أنه ارسل إلى عائشة أم المؤمنين في اشعار البدنة فقالت: إن شئت إنما تشعر ليعلم أنها
بدنة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر
عن أبيه أنه كان يشعر في الشق الأيمن حين يريد ان يحرم * ومن طريق حماد بن سلمة
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: تشعرها من الأيمن * ومن طريق وكيع نا أفلح - هو
ابن حميد - قال: رأيت القاسم بن محمد أشعرها في الجانب الأيمن وهو قول الشافعي، وأبي سليمان *
ومن طريق عبد الرزاق عن عمر بن ذر عن عطاء بن أبي رباح قال: رأيت عائشة أم المؤمنين
تفتل القلائد للغنم تساق معها هديا * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن أبي عدى عن محمد
ابن عمر وعن محمد بن إبراهيم عن ابن عباس قال: لقد رأيت الغنم يؤتى بها مقلدة *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا حاتم بن وردان عن برد عن عطاء قال: رأيت ناسا من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوقون الغنم مقلدة * وعن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد
عن عطاء قال رأيت الكباش تقلد * وعن وكيع عن بسام عن أبي جعفر بن محمد
ابن علي بن الحسين قال: رأيت الكباش تقلد * ومن طريق ابن طاوس عن أبيه قال: رأيت الغنم تقلد * ومن طريق سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري
عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: رأيت الغنم تقدم مكة مقلدة *
قال أبو محمد: واختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة: اكره الاشعار وهو مثلة *
قال على: هذه طامة من طوام العالم أن يكون مثلة شئ فعله النبي صلى الله عليه وسلم أف لكل
عقل يتعقب حكم (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلزمه أن تكون الحجامة وفتح العرق مثلة

(1) هو في البخاري ج 2 ص 327
(2) في النسخة رقم (16) (يتعقب عمل)
111

فيمنع من ذلك، وأن يكون القصاص من قطع الأنف، وقلع الأسنان، وجذع الاذنين
مثلة، وأن يكون قطع السارق والمحارب مثلة، والرجم للزاني المحصن مثلة، والصلب
للمحارب مثلة، إنما المثلة فعل من بلغ نفسه مبلغ انتقاد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا
هو الذي مثل بنفسه، والاشعار كان في حجة الوداع والنهى عن المثلة كان قبل ذلك بأعوام
فصح أنه ليس مثلة، وهذه قولة: لا يعلم لأبي حنيفة فيها متقدم من السلف، ولا موافق
من فقهاء أهل عصره الامن ابتلاه الله بتقليده ونعوذ بالله من البلاء * وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن: ومالك: يشعر في الجانب الأيسر *
قال أبو محمد: وهذا خلاف السنة كما ذكرنا (فان قالوا): قد رويتم عن نافع عن
ابن عمر أنه كان إذا كانت بدنة واحدة أشعرها في الجانب الأيسر وإذا كانت بدنتين
قلد إحداهما في الجانب الأيمن والأخرى في الأيسر * وعن مجاهد كانوا يستحبون الاشعار
في الجانب الأيسر قلنا: هذا مما اختلف فيه عن ابن عمر، وعلى كل حال فليس هو قولكم،
وسالم ابنه أوثق وأجل وأعلم به من نافع روى عنه الاشعار في الجانب الأيمن كما أوردنا،
ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * والعجب من احتجاجهم بابن عمر في فعل
قد اختلف عنه فيه فمرة عليهم ومرة ليس لهم، وهم قد خالفوا قوله الذي لم يختلف عنه فيه
من أنه لاهدى إلا ما قلد وأشعر، وهذا مما خالف فيه المالكيون عمل أهل المدينة كما ذكرنا *
(فان قيل): فلم لم تقولوا أنتم: بأنه لا يكون هديا الا ما أشعر؟ للحديث الذي
رويتم آنفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم انه أمر ببدنته فاشعر في سنامها قلنا: ليس في هذا الخبر
أمر بالاشعار ولو كان فيه لقلنا بايجابه مسارعين وإنما فيه انه أمر ببدنته فأشعر في سنامها
فمقتضاه انه أمر بها فأدنيت إليه فأشعر في سنامها، لأنه هو عليه السلام تولى بيده اشعارها
بذلك صح الأثر عنه عليه السلام كما ذكرنا * وروينا عن أبي بن كعب. وابن عمر اشعار
البقر في أسنمتها * وعن ابن عمر الشاة لا تقلد، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقد خالفوا ابن عمر كما أوردنا آنفا في قوله في الهدى فمن الباطل احتجاجهم بمن لا مؤنة
عليهم في مخالفته * وروينا عن سعيد بن جبير الإبل تقلد وتشعر، والغنم لا تقلد ولا تشعر،
والبقر تقلد ولا تشعر، وقال أبو حنيفة، ومالك: لا تقلد الغنم، ورأي مالك اشعار البقر
إن كانت لها أسنمة *
قال على وهذا خطأ ومقلوب بل الإبل تقلد وتشعر، والبقر لا تقلد ولا تشعر،
والغنم تقلد ولا تشعر، وقال أبو حنيفة: لا يقلد الا هدى المتعة والقران والتطوع من
الإبل والبقر فقط، ولا يقلد هدى الاحصار. ولا الجماع. ولاجزاء الصيد * وقال مالك،
112

والشافعي: يقلد كل هدى ويشعر، وهذا هو الصواب لعموم فعل النبي صلى الله عليه وسلم *
قال على: وقال بعض من أعماه الهوى وأصمه: إنما معنى ما روى عن عائشة من هدى
الغنم مقلدة. إنما هو انها فتلت قلائد الهدى من الغنم - أي من صوف الغنم - *
قال أبو محمد: وهذا استسهال للكذب البحت (1) وخلاف لما رواه الناس عنها من
اهدائه عليه السلام الغنم مقلدة، ونعوذ بالله العظيم من الخذلان *
وأما الاشتراط فلما حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى
نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو كريب محمد بن العلاء (الهمداني) (2)
نا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ضباعة بنت الزبير هو ابن عبد المطلب - فقال لها: أردت الحج؟ قالت: والله ما أجدني
الا وجعة فقال لها: حجى واشترطي وقولي: اللهم محلى حيث حسبتني، وكانت تحت المقداد) *
ورويناه أيضا من طريق إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن
عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لضباعة: (حجى واشترطي ان محلى حيث تحبسني) *
ورويناه أيضامن طريق طاوس. وعكرمة. وسعيد بن جبير كلهم عن ابن عباس عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لضباعة: (أهلي بالحج واشترطي ان محلى حيث تحبسني) *
ورويناه أيضا من طريق عروة بن الزبير عن ضباعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق
أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه آثار متظاهرة متواترة لا يسمع أحدا الخروج
عنها * وروينا من طريق سويد بن غفلة قال لي عمر بن الخطاب: لان حججت ولست
صرورة فاشترط إن أصابني مرض أو كسر أو حبس فانا حل * وروينا أيضا الامر بالاشتراط
في الحج من طريق وكيع. وعبد الرحمن بن مهدي. ويحيى بن سعيد القطان كلهم عن
سفيان الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة عن عمر أنه، وفى رواية
ابن مهدي. ويحيى لأنه قال له: أفرد الحج واشترط فان لك ما اشترطت ولله عليك ما شرطت *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا الفضل بن دكين عن سعيد بن عبد الرحمن عن ابن سيرين
عن عبد الله بن عتبة عن عثمان بن عفان مثل ما رواه ابن المبارك عن هشام بن حسان
عن ابن سيرين ان عثمان رأى رجلا واقفا بعرفة فقال له: أشارطت؟ قال: نعم *
ومن طرق جمة عن محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن مسيرة ان علي بن أبي طالب
كان إذا أراد الحج قال: اللهم حجة ان تيسرت أو عمرة ان أن أراد العمرة والا فلا حرج *

(1) في النسخة رقم (14) (وهذا استسهال الكذب البحث
(2) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 339
113

ومن طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عميرة بن زياد قال: قال لي ابن مسعود:
حج واشترط وقل: اللهم الحج أردت وله عمدت فان تيسر وإلا فعمرة * ومن طريق
هشام (1) بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين انها كانت تقول: اللهم للحج خرجت
وله عمدت قال قضيت فهو الحج تو ان حال دونه شئ فهي عمرة، وانها كانت تأمر عروة
بأن يشترط كذلك * ومن طريق أبي إسحاق عن المنهال عن عمار - هو ابن ياسر - أنه قال:
إذا أردت الحج فاشترط * ومن طريق كريب عن ابن عباس انه كان يأمر بالاشتراط في الحج *
فهؤلاء عمر. وعثمان. وعلى. وعائشة أم المؤمنين. وعمار بن ياسر. وابن مسعود.
وابن عباس، ومن التابعين عميرة بن زياد * ومن طريق الحجاج بن المنهال عن أبي
عوانة عن منصور عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يشترطون في الحج والعمرة يقول:
الهم انى أريد الحج تأن تيسر والا فعمرة ان تيسرت، اللهم إني أريد العمرة إن تيسرت
وإلا فلا حرج على * ومن طريق وكيع نا الربيع عن الحسن البصري. وعطاء
ابن أبي رباح قالا جميعا في المحرم يشترط: قالا جميعا: له شرطه * ومن طريق الأعمش
عن عمارة بن عميرة قال: كان علقمة. والأسود يشترطان في الحج * ومن طريق سفيان
الثوري عن المغيرة بن مقسم عن المسيب بن رافع أردت الحج فأرسل إلى عبيدة
- هو السلماني - ان اشترط * ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش
عن عمارة بن عمير قال: كان شريح القاضي يشترط في الحج فيقول: اللهم انك قد عرفت
نيتي وما أريد فإن كان امرا تتمه فهو أحب إلى وإن كان غير ذلك فلا حرج * وعن أبي بكر
ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام انه كان يشترط في العمرة، وجاء أيضا (نصا) (2)
عن سعيد بن المسيب. وعطاء بن يسار. وعكرمة، وقال الشافعي: ان صح الخبر قلت به *
قال أبو محمد: قد صح الخبر وبالغ في الصحة فهو قوله وهو قول أحمد. وإسحاق. وأبي ثور.
وأبي سليمان وروى عن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن الاستثناء في الحج؟ قال: لا أعرفه *
وروينا عن إبراهيم اضطرابا فروينا عنه من طريق المغيرة أنه قال: كانوا يستحبون
ان يشترطوا عند الاحرام وكانوا لا يرون الشرط شيئا لو أن الرجل ابتلى * وروينا عنه
من طريق الأعمش أنه (قال) (3) كانوا يكرهون ان يشترطوا في الحج *
قال أبو محمد: هذا تناقض فاحش، مرة كانوا يستحبون الشرط، ومرة كانوا يكرهونه،
فأقل ما في هذا ترك رواية إبراهيم جملة لاضطرابها * وروينا من طريق سعيد بن جبير.
وإبراهيم النخعي انهما قالا: المشترط وغير المشترط سواء إذا أحصر فليجعلها عمرة *

(1) في النسخة رقم (16) (ومن طرق عن هشام)
(2) الزيادة من النسخة رقم (16)
(3) الزيادة من النسخة رقم (14)
114

ومن طريق الحجاج بن أرطاة - وهو ساقط - عن عطاء مثل قول سعيد بن جبير هذا،
والصحيح عن عطاء خلاف هذا * ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يرى
الاشتراط في الحج شيئا * وعن طاوس الاشتراط في الحج ليس شيئا * وعن إبراهيم *
ابن مهاجر - وهو ضعيف - عن إبراهيم النخعي عن علقمة أنه كان لا يرى الاشتراط
في الحج شيئا * وعن الحكم بن عتيبة، وحماد مثل هذا، وهو قول مالك. والحنيفيين *
قال أبو محمد: وشغبوا في مخالفة السنن الواردة في هذا الباب بأن قالوا: هذا الخبر
خلاف للقرآن لان الله تعالى يقول: (وأتموا الحج والعمرة لله) *
قال على: هذه الآية حجة عليهم لا علينا لأنهم يفتون من عرض له عارض من مرض
أو نحوه ان يحل بعمرة ان فاته الحج، فقد خالفوا الآية في إتمام الحج، وأما نحن فانا
نقول: إن الذي أنزلت عليه هذه الآية وأمر ببيان ما أنزل عليه لنا قد أمر بالاشتراط
في الحج وان محله حيث حبسه ربه تعالى بالقدر النافذ، فنحن لم نخالف الآية إذا أخذنا
ببيان النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم خالفتموها بآرائكم الفاسدة إلى مخالفتكم السنة الواردة في ذلك *
وقالوا: هذا الخبر خلاف لقول الله تعالى: (فان أحصرتم فما استيسر من الهدى). قلنا:
كذب من ادعى ان هذا الخبر خلاف لهذه الآية بل أنتم خالفتموها إذ قلتم: من أحصر
بمرض لم يحل الا بعمرة برأي لا نص فيه، وأما نحن فقلنا بهذه الآية: ان لم يشترط (1)
كما أمر الذي أنزلت عليه هذه الآية وأمر ببيانها لنا *
قال أبو محمد: ومن جعل هذه السنة معارضة للقرآن فالواجب عليه ان يجعل الرواية
في القطع في ربع دينار وعشرة دراهم مخالفة للقرآن إذ يقول تعالى: (والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما). لان حديث الاشتراط لم يضطرب فيه عن عائشة
وهو في غاية الصحة، وقد اضطرب في حديث القطع في ربع دينار عليها ولم يصح قط
خبر في تحديد القطع في عشرة دراهم بل قولهم هو المخالف للقرآن حقا لان الله تعالى
يقول: (ما جعل عليكم في الدين من حرج). وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا
وسعها). وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). ولا حرج. وعسر.
ولا تكليف ما ليس في الوسع أكثر من إيجاب البقاء على حال الاحرام ومنع الثياب،
. والطيب، والنساء لمن قد منعه الله تعالى من الحج والعمرة، فلو لم يكن الا هذه الآيات
لكفت في وجوب احلال ن عاقه عائق عن اتمام الحج والعمرة فكيف والسنة قد
جاءت بذلك نصا؟ *

(1) أي نقيد الآية بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانه
115

وشغب بعضهم بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله
فهو باطل وإن كان مائة شرط، ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من
اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق): *
قال أبو محمد: هذا من أعجب شئ لأنهم احتجوا بما هو أعظم حجة عليهم، والاشتراط
في الحج هو في كتاب الله تعالى منصوص ما ذكرنا من قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها) * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * و (يريد الله بكم اليسر ولا يريد
بكم العسر). وبقوله تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم)، وقوله تعالى: (وما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). وإنما الشروط التي ليست في كتاب الله تعالى فهي
الشروط التي أباحوا من أن كل امرأة يتزوجها على فلانة امرأته فهي طالق، وكل أمة
اشتراها عليها فهي حرة، وأن يكون بعض الصداق لا يلزم الا إلى كذا وكذا عاما
والله تعالى يقول: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة)، وكبيع السنبل وعلى البائع درسه،
وكنزول أهل الحرب وبأيديهم الأسرى من المسلمين بشرط ان لا يمنعوا من الوطئ
لهن ولامن ردهم إلى بلاد (1) الكفر وسائر الشروط الفاسدة التي أباحوا، واحتجوا
بأن هذا الخبر رواه عروة. وعطاء. وسعيد بن جبير. وطاوس وروى عنهم خلافه *.
قال أبو محمد: فقلنا: سمعناكم تقبلون هذا في الصاحب إذا روى الخبر وخالفه
فأنكرناه حتى أتيتم بالابدة (2) إذ جعلتم ترك التابع لما روى حجة في ترك (3) السنن،
وهذا إن أدرجتموه (4) بلغ الينا والى من بعدنا فصار كل من بلغة حديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم فتركه كائنا من كان من الناس حجة في رد السنن، وهذا حكم إبليس اللعين،
وما أمرنا الله تعالى باتباع رأى من ذكرتم وإنما أمرنا باتباع روايتهم بأنهم ثقات
عدول وليسوا معصومين من الخطأ في الرأي، ولا أعجب ممن يعترض في رد السنن بأن
طاوسا، وعطاء وعروة، وسعيد بن جبير خالفوا ما رووا من ذلك، ثم لو أنه (5) عزم
على صبغ قميصه أخضر فقالوا له: بل اصبغه أحمر لم ير رأيهم في ذلك حجة ولا ألزم نفيسه
الاخذ به. ثم يرى رأيهم حجة في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولئن كان خالف هؤلاء ما رووا
فقد رواه غيرهم ولم يخالفه كعكرمة، وعطاء، ولا يصح عن عطاء الا القول به، وقد رواه
عائشة: وابن عباس وأخذا به *
وقالوا: لم يعرفه ابن عمر فقلنا: فكان. ماذا؟ فقد عرفه عمر، وعثمان، وعلى،

(1) في النسخة رقم (16) (ولامن ردهم لبلاد)
(2) قال في المجمل الابدة الفعلة بقي ذكرها على الأبد
(3) في النسخة رقم (14) (في رد)
(4) في النسخة رقم (14) (درجتموه)
(5) في النسخة رقم (14) (ثم إنه لو)
116

وعائشة، وابن مسعود، وعمار، وابن عباس واخذوا به، وهذا مما خالفوا فيه جمهور
الصحابة بل ليس ابن عمر ههنا خلافا لأنه لم يقل: بابطاله وإنما قال: لا أعرفه، والعجب
، كله ان عمر رأى الاشتراط في الحج ومعه القرآن السنة فخالفوه وتعلقوا في ذلك بأن
ابنه عبد الله لم يعرفه، وصح عن عبد الله بن عمر الاهلال يوم التروية ومعه السنة فخالفوه
وتعلقوا برواية جاءت في ذلك عن عمر، وقال عمر. وعثمان: بالاشتراط في الحج فخالفوهما
ومعهما السنة وتعلقوا بهما في المنع من فسخ الحج في عمرة إذ جاء (1) عنهما خلاف أمر
النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهم مغرمون بمخالفة السنن ومخالفة الصحابة فيما جاء عنهم من موافقة السنن،
والقوم غرقى في بحار هواهم * وبكل ما يردى الغريق تعلقوا
وذكروا قول إبراهيم: كانوا يشترطون في الحج ولا يرونه شيئا *
قال أبو محمد: وهذا كلام في غاية الفساد وليس فيه أكثر من أنه يصفهم بفساد الرأي
والتلاعب. إذ يشترطون مالا فائدة فيه. ولا يصح. ولا يجوز، وهذه صفة من لاعقل له،
ويكفى من هذا كله أن السنة إذا صحت لم يحل لاحد خلافها، ولم يكن قول أحد حجة في
معارضتها وبالله تعالى التوفيق *
وهذا مما خالفوا فيه القرآن. والسنة الثابتة. وجمهور الصحابة. والقياس لأنهم
يقولون: من دخل في صلاة فعجز عن اتمامها قائما، وعن الركوع وعن السجود سقط
عنه مالا يقدر عليه من ذلك، ومن دخل في صوم فرض فعجز عن اتمامه سقط عنه ولم
يكلفه، وكذلك التطوع * وقالوا ههنا: من دخل في حج فرض. أو تطوع. أو عمرة
كذلك فعجز عنهما لم يسقطا عنه بل هو مكلف مالا يقدر عليه من الوصول إلى البيت *
834 - مسألة - وأما جواز تقديم لفظة العمرة على الحج أو لفظة الحج على
العمرة فلأنه قال تعالى (2): (وأتموا الحج والعمرة لله) فبدأ بلفظة الحج، وصح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لبيك عمرة وحجة)، وصح انه عليه السلام قال: (دخلت
العمرة في الحج إلى يوم القيامة) فلا نبالي أي ذلك قدم في اللفظ، وبالله تعالى التوفيق *
835 - مسأله - فإذا جاء القارن إلى مكة عمل في الطواف والسعي بين الصفا
والمروة كما قلنا في العمرة الا أنه يستحب له ان يرمل في الثلاث وليس ذلك فرضا في الحج
ثم إذا أتم ذلك أقام محرما (كما هو) (3) إلى يوم منى - وهو الثامن من ذي الحجة -، فذا كان
اليوم المذكور أحرم بالحج من كان متمتعا ثم نهض القارن والتمتع إلى منى فيبقيان بها
نهارهما وليلتهما، فإذا كان من الغد - وهو اليوم التاسع من ذي الحجة نهضوا كلهم (4) إلى

(1) في النسخة رقم (14) (من فسخ الحج في العمرة إذا جاء)
(2) أي فلان الله تعالى قال: الخ
(3) الزيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (14) (ذهبوا كلهم) والمعنى واحد
117

عرفة فيصلى هنالك الامام والناس الظهر بعد ان يخطب الناس ثم يؤذن المؤذن ويقيم
ويصلى الظهر بالناس، فإذا سلم من الظهر أقيمت الصلاة إقامة بلا أذان وصلى بهم العصر
اثر سلامه من الظهر بعد زوال الشمس لا ينتظر وقت العصر كما في سائر الأيام، ثم يقف
الناس للدعاء فإذا غابت الشمس نهضوا كلهم إلى مزدلفة، ولو نهض انسان إلى مزدلفة
قبل غروب الشمس فلا حرج في ذلك ولا شئ عليه لادم ولاغيره وحجه تام، فإذا
أتوا مزدلفة أذن المؤذن لصلاة المغرب. ثم أقام وصلى الامام بالناس صلاة المغرب ولا
يجزئ أحدا أن يصليها (1) تلك الليلة قبل مزدلفة ولا قبل مغيب الشفق، فذا سلم أقيم
لصلاة العتمة إقامة بلا أذان فيصليها بالناس وهي ليلة عيد الأضحى ويبيت الناس هنالك،
فإذا انصدع الفجر أذن المؤذن وأقيمت الصلاة فصلى بهم الصبح، ومن لم يقف بعرفة
من بعد زوال الشمس من يوم عرفة إلى مقدار ما يدفع منها ويدرك بمزدلفة صلاة الصبح مع
الامام فقد بطل حجه إن كان رجلا ومن لم يدرك مع الامام بمزدلفة صلاة الصبح فقد
بطل حجه إن كان رجلا، وأما النساء فان وقفن بعرفة إلى قبل طلوع الفجر من يوم النحر
أو دفعن من عرفة بعد ذكرهن الله تعالى فيها أجزأهن الحج، ومن لم يقف منهن بعرفة
لا يوم عرفة ولا ليلة يوم النحر حتى طلع الفجر فقد بطل حجها، ومن لم تقف منهن
بمزدلفة بعد وقوفها بعرفة وتذكر الله تعالى فيها حتى طلعت الشمس من يوم النحر
فقد بطل حجها، فإذا صلى الامام كما ذكرنا بمزدلفة صلاة الصبح بالناس وقفوا للدعاء،
فذا أسفر قبل طلوع الشمس دفعوا كلهم إلى منى، فإذا أتوا منى أحببنا لهم التطيب
بعد أن يرموا جمرة العقبة بسبع حصيات يكبرون مع كل حصاة ولا يقطعون التلبية
مذ يهلون بالحج من المسجد أو بالقران من الميقات الا مع تمام رمى السبع حصيات، فإذا
رموها كما ذكرنا فقدتم احرامهم ويحلقون. أو يقصرون، والحلق أفضل للرجال، وينحرون
الهدى إن كان معهم، ثم قد حل لهم كل ما كان من اللباس حراما على المحرم، وحل لهم
التصيد في الحل والتطيب حاشا الوطئ فقط، نهضوا ممن يومهم إلى مكة فطافوا بالبيت
سبعا لا خبب في شئ منها، ثم سعى بين الصفا والمروة سبعا إن كان متمتعا أو إن كان لم
يسع بينهما أول دخوله إن كان قارنا فقد تم الحج كله أو القران كله وحل لهم الوطئ
ويرجعون إلى منى فيقيمون بها ثلاثة أيام بعد يوم النحر يرمون كل يوم بعد زوال الشمس
الجمرات الثلاث بسبع حصيات سبع حصيات سبع حصيات يبدأ بالقصوى، ثم بالتي
تليها، ثم جمرة العقبة التي رمى يوم النحر يقف عند الأولتين للدعاء ولا يقف عند تجمرة

(1) في النسخة رقم (14) (ان يصليهما) وهو غلط
118

العقبة، فإذا ذلك فقد تم جميع (عمل) (1) الحاج، ويأكل القارن ولابد من الهدى
الذي ساق مع نفسه ويتصدق منه ولابد، فأما المتمتع فإن كان من غير أهل
مكة والحرم ولم يكن أهله معه قاطنين هنا لك ففرض عليه ان يهدى هديا ولابد
إما رأس من الإبل. أو من البقر، وإما شاة. وإما نصيب مشترك في رأس من الإبل. أو في
رأس من البقر بين عشرة أنفس فأقل لا نبالي متمتعين كانوا أو غير متمتعين، وسواء أراد
بعضهم حصته للاكل. أو للبيع. أو للهدى، ولا يجزئه أن يهديه الا بعد ان يحرم بالحج
ويذبحه بمكة أو بمنى ولابد. أو متى شاء بعد ذلك، فإن لم يقدر على هدى ففرضه ان
يصوم ثلاثة أيام ما بين ان يحرم بالحج إلى أول يوم من النحر فان فاته ذلك فليؤخر طواف
الإفاضة - وهو الطواف الذي ذكرنا يوم النحر - إلى أن تنقضي أيام التشريق، ثم يصوم
الثلاثة الأيام، ثم يطوف بعد تمام صيامهن طواف الإفاضة، ثم يصوم سبعة أيام إذا
رجع من عمل الحج كله ولم يبق منه شئ، فإن كان أهله بمكة لم يلزمه إن كان متمتعا
هدى. ولا صيام وهو محسن في كل ذلك، والمتمتع هو من اعتمر ممن ليس أهله من سكان
الحرم ثم حج من عامه سواء رجع إلى بلده. أو إلى الميقات أو لم يرجع، ولا يضر الهدى
ان لا يوقف بعرفة، ولا هدى على القارن مكيا كان أو غير مكي حاشا الهدى الذي كان معه
عند إحرامه، فمن أراد ممن ذكرنا ان يخرج عن مكة فليجعل آخر عمل يعمله ان يطوف
بالبيت سبعا، ثم يخرج إثر تمامه موصولا به ولابد، فان تردد لأمر ما أعاد الطواف
إذا أراد الخروج عن مكة، فان خرج ولم يطف ففرض عليه الخروج ولابد ولو من
أقصى الدنيا حتى يجعل آخر عمله بمكة الطواف بالبيت، ومن ترك من طواف الإفاضة
ولو بعض شوط حتى خرج ففرض عليه الرجوع حتى يتمه، فان خرج ذو الحجة قبل
ان يتمه فقد بطل حجه، ومن لم يرم جمرة العقبة يوم النحر أو باقي ذي الحجة فقد بطل
حجه، ويجزئ القارن طواف واحد لعمرته ولحجه كالمفرد بالحج ولافرق *
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى
نا أحمد بن محمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم
- هو ابن راهويه - جميعا عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه.
قال: قلت لجابر بن عبد الله: أخبرني عن حجة الوداع؟ (2) فقال جابر - فذكر حديثا -
وفيه (فخرجنا (معه) (3) حتى أتينا ذا الحليفة - فذكر كلاما -، ثم قال فصلى

(1) الزيادة من النسخة رقم (16) *
(2) في صحيح مسلم ج 1 ص 346 (عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
119

رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء (1) - فذكر كلاما - ثم قال: حتى
إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا. ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ
(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت.. ثم رجع إلى
الركن فاستمله ثم خرج (2) من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ (ان الصفا
والمروة من شعائر الله) ابدأ (3) بما بدأ الله به. فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت
فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره (4) وقال: لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك
وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا إله الا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم
الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى
انصبت قدماه (5) في بطن الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة قال: لو أنى استقبلت
من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل
وليجعلها عمرة فقام سراقة (بن مالك) (6) بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا
أم للأبد؟ - فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة
في الحج مرتين - لا بل لابد أبد، وقدم على من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فوجد فاطمة
ممن حل ولبست ثيابا صبيغا فأنكر ذلك عليها فقالت: إني أمرت بهذا (7).. فأخبر
على بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت (صدقت) (8) ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال:
قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم قال: فان معي الهدى فلا تحل.. فحل
الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى، فلما كان يوم التروية توجهوا
إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر. والعصر. والمغرب، والعشاء.
والفجر، ثم مكث (قليلا) (9) حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (10) حتى أتى عرفة.. فنزل في القبة بنمرة حتى إذا زاغت الشمس
أمر بالقصواء فرحلت له فاتى بطن الوادي فخطب الناس فقال: إن دماء كم وأموالكم
عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، - ثم ذكرنا كلاما كثيرا -

(1) هو لقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقصواء - بفتح القاف وبالمد، وفى بعض النسخ بالقصر وهو خطأ -
الناقة التي قطع طرف اذنها، ولم تكن ناقة النبي صلى الله عليه وسلم قصواء وإنما كان هذا لقبالها وقيل كانت مقطوعة الأذن اه‍
من النهاية
(2) في النسخة رقم (16) (ثم رجع) وما هنا موافق لما في صحيح مسلم ج 1 ص 346
(3) في النسخة رقم (16) (ابدأوا) وما هنا موافق لما في صحيح مسلم وتلك النسخة موافقة لما في النسائي
(4) في النسخة رقم (14) (وكير) وما هنا موافق لما في صحيح مسلم
(5) قال النووي في شرح مسلم نقلا عن القاضي عياض: فيه اسقاط لفظة لابد منها وهي حتى إذا انصبت قدماه
رمل في بطن الوادي)
(6) الزيادة من صحيح مسلم
(7) في صحيح مسلم ج 1 ص 347 (فقالت إن أبى أمرني بهذا،
(8) الزيادة من صحيح مسلم
(9) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 347
(10) هذه العلامة إشارة إلى أن في محلها سقطا اختصره المصنف
120

ثم أذن. ثم أقام فصلى الظهر. ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب عليه
السلام حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة (1)
بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا..
وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام (2).
وقال: أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد
حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذن واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا،
ثم اضطجع عليه السلام (3) حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة،
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله تعالى وكبره وهلله
ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل
ابن العباس... حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على
الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة
منها مثل حصى الخذف (4)، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا
وستين بدنة (5) ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة (6)
فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر.. ثم أتى زمزم فتناول دلوا فشرب منه (7)) *
قال أبو محمد: كل ما في هذا الخير من دعاء. وصفة مشى وغير ذلك لاتحاش شيئا فهو
كله سنة مستحبة، (وأما قولنا): من دفع من عرفة قبل غروب الشمس فحجه تام ولا شئ
عليه، ووجوب فرض الوقوف بعرفة كما ذكرنا فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد
ابن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم أنا وكيع نا سفيان - هو الثوري -
عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي (قال): (8) (شهدت رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعرفة - وسئل عن الحج - (9)؟ فقال: الحج عرفة فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع

(1) روى (حبل) بحاء مهملة وباء موحدة ساكنة، وروى (جبل) بجيم معجمة فباء موحدة مفتوحتين، والأول أشبه
بالحديث، وحبل المشاة مجتمعهم، وحبل الرمل ما طال منه وضخم، وأما جبل بالجيم فمعناه طريقهم وحيث تسلك الرجالة والله أعلم
(2) (شنق) بتخفيف النون معناه ضم وضيق
(3) في صحيح مسلم (ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(4) هو بالخاء المعجمة والذال المعجمة الساكنة وفى آخره فاء وهي حصى صغار قد رحبة الباقلاء (5) في صحيح مسلم ج 1 ص 348 (بيده) قال النووي هكذا هو في النسخ ثلاثا وستين بيده وكذا نقله القاضي عن جميع الرواة سوى ابن ماهان فإنه رواه (بدنة) قال: كلاهما
صواب والأول أصوب قلت: وكلاهما حرى فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده
(6) البضعة بفتح الباء الموحدة القطعة من اللحم
(7) الزيادة من صحيح مسلم
(8) الزيادة من سنن النسائي ج 5 ص 256
(9) في النسائي ج 5 ص 256 (شهدت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأتاه ناس فسألوه عن الحج؟ الخ
121

الفجر (من ليلة جمع) (1) فقد أدرك) (2) *
وبه إلى أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود الجحدري نا خالد - هو ابن الحارث -
عن شعبة عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سعت الشعبي يقول: حدثني عروة بن مضرس
ابن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) بجمع فقلت
له: هل لي من حج؟ فقال: من صلى هذه الصلاة معنا ووقف هذا الموقف حتى يفيض
وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه) (4) *
وقال أبو حنيفة، والشافعي: ان أفاض منها نهارا فحجه تام وعليه دم * وقال مالك:
ان لم يقف بها ليلا فلا حج له، واحتج له من قلده بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بها في أول
الليل، فقلنا: ووقف نهارا فأبطلوا حج من لم يقف بها نهارا فقالوا: قد قال عليه السلام:
(من أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفحر فقد أدرك) فقلنا: وقد قال عليه السلام:
(وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد أدرك) فبلحوا (5) فأتوا بنادرة وهي
انهم قالوا: معنى قوله: (ليلا أو نهارا) إنما هو ليلا ونهارا كما قال تعالى: (ولا تطع
منهم آثما أو كفورا) فقلنا: هذا الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم صراحا،
ولو كان كما تأولتموه لما كان عليه السلام منهيا عن أن يطيع منهم آثما إلا حتى يكون
كفورا، وهذا لا يقوله مسلم بل هو عليه السلام منهى عن أن يطيع منهم الآثم والكفور (6)
وان لم يكن الآثم كفورا، ثم لو صح لكم في الخبر تأويلكم الفاسد لكان لا يصح لاحد
حج حتى يقف بها نهارا وليلا معا، وهذا خلاف قولكم مع أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقف بها
الا نهارا ودفع منها إثر تمام غروب القرص في أول الليل، والدفع لا يسمى وقوفا بل
هو زوال عنها *
وذكروا خبرا فاسدا رويناه من طريق إبراهيم بن حماد عن أبي عون محمد بن عمرو
ابن عون (7) عن داود بن جبير (8) عن أبي هاشم رحمة بن مصعب الفراء الواسطي عن

(1) الزيادة من النسائي، وجمع - بفتح الجيم المعجمة وسكون الميم -
علم للمزدلفة سميت له لان آدم عليه السلام وحواء لما أهبطا اجتمعا بها
(2) في النسائي ((فقدتم حجه)
(3) في النسائي ج 5 ص 264 (اتيت النبي صلى الله عليه وسلم)
(4) أي أتم مدة ابقاء التفث - انى الوسخ وغيره مما يناسب المحرم - فحل له ان يزيل عنه التفث بحلق
الرأس وقص الشارب والأظفار وحلق العانة وإزالة الشعث والدرن والوسخ،
(5) قال الجوهري في الصحاح: (بلح الرجل بلوحا أي أعيا) اه‍
(6) في النسخة رقم (14) (الكفور والآثم) وما هنا انسب بنظم الآية
(7) في الأصول كلها (عن ابن عون بن عمرو بن عون) صححناه من سنن الدارقطني ص 264 ولم أهتد لترجمته
(8) في الأصول كلها (داودين حنين) وهي موافقة لما في معين ان الاعتدال، قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: والصواب ان اسم أبيه جبير بالجيم والراء كذا هو في الأصول الصحيحة
من سنن الدارقطني اه‍ أقول وما قاله الحافظ موافق للنسخة الهندية ص 264 والله أعلم
122

ابن أبي ليلى عن عطاء عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وقف بعرفات
بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج (1)) *
قال أبو محمد: هذا عورة لان أبا عون (3) بن عمرو، ورحمة بن مصعب، وداود
ابن جبير مجهولون لا يدرى من هم (3)، وابن أبي ليلى سئ الحفظ، وعلى هذا الخبر
يبطل حج النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يقف بعرفة بليل إنما دفع منها في أول أوقات الليل *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا ابن أبي ليلى نا عطاء يرفع الحديث قال:
(من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج) وهذا مرسلي،
ومع ذلك فليس فيه بيان جلى بأنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن أبي ليلى سئ الحفظ،
وهذا مما ترك فيه الحنيفيون المرسل *
وخبر من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي نا ابن أبي نافع عن المنكدر بن محمد بن
المنكدر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدفعوا من عرفة ومزدلفة حتى يدفع الامام) *
وهذا لا شئ لوجوه، أحدها انه مرسل، والثاني أن فيه ثلاثة ضعفاء في نسق (4)،
وثالثها انه ليس فيه ايجاب الوقوف بعرفة ليلا أصلا، والرابع انه مخالف لقولهم لأنهم
لا يبطلون حج من دفع قبل الامام من عرفة ولا من مزدلفة *
ومنها خبر من طريق عبد الملك بن حبيب أبى معاوية المدني عن يزيد بن عياض
- هو ابن جعدبة - عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أجاز بطن غرنة
قبل أن تغيب الشمس فلا حج له)، وهذه بلية لان عبد الملك ساقط (5)، وأبا معاوية
مجهول، ويزيد كذاب (6)، ثم هو مرسل، ثم إنه مخالف لقولهم لان بطن غرنة من الحرم
- وهو غير عرفة - فليس فيه وجوب الوقوف ليلا بعرفة أصلا *
وخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن سعيد بن جبير قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انا لا ندفع حتى تغرب الشمس - يعنى من عرفات - وان أهل
الجاهلية كانوا لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس، وانا ندفع قبل ذلك، هدينا مخالف
لهديهم) *
قال أبو محمد: وهذا لا شئ لأنه مرسل. ثم هو عن رجل لم يسم. ثم هم مخالفون له
لأنهم لا يبطلون حج من دفع من جمع بعد طلوع الشمس أو من لم يقف بها أصلا *

(1) في سنن الدارقطني ص 264 زيادة بعد قوله (فقد فاته الحج) ونصها (فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل)
(2) في الأصول (لان ابن عون) صححناه من سنن الدارقطني
(3) هم مجهولون كما قال المؤلف رحمه الله
(4) هو كما قال المصنف رحمه الله
(5) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ج 6 ص 390
(6) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ج 11 ص 352
123

قال أبو محمد: وما ندري من أين وقع ايجاب الوقوف بعرفة ليلا وإبطال الحج بتركه؟
وهم لا يبطلون الحج بمخالفة عمل النبي صلى الله عليه وسلم كله في عرفة، وفى الدفع منها،
وفى مزدلفة *
فان ذكروا ا رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا ابن أبي ليلى عن نافع
عن ابن عمر قال: من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج ومن لم يدرك عرفات بليل
فقد فاته الحج * قلنا: قد صح عن ابن عمر أنه لا يكون هديا الا ما قلد وأشعر فخالفتموه،
وصح عن عمر من قدم ثقله من منى بطل حجه فخالفتموه، فمن أين صار (1) ابن عمر
ههنا حجة ولم يصر حجة هو ولا أبوه فيما ذكرنا غنهما مما استسهلتم خلافهما فيه، وما نعلم (2)
للمالك في هذا القول حجة أصلا *
وأما إيجاب الدم في ذلك فحطأ لأنه لا يخلو أن يكون من دفع من عرفة قبل غروب
الشمس فعل ما أبيح له أو ما لم يبح له، فإن كان فعل ما أبيح له فلا شئ عليه، وإن كان
فعل ما لم يبح له فحجه باطل ولا مزيد *
قال أبو محمد: روينا من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال: ملاك الحج الذي يصير إليه
ليلة عرفة من أدركها قبل الفجر ليلا أو نهارا فقد أدرك الحج *
وأما استحبابنا للتمتع ان يهل بالحج يوم التروية في أخذه في النهوض إلى منى فلما
ذكرنا من فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحضرته، واختار مالك ان يهل المتمتع
وأهل مكة إذا أهل هلال ذي الحجة، واحتجوا برواية عن عمر أنه قال: يا أهل مكة
يقدم الناس شعثا وأنتم مدهنون فذا رأيتم الهلال فأهلوا، فان هذه رواية لا نعلمها تتصل
إلى عمر إنما نذكرها من طريق القاسم بن محمد وإبراهيم النخعي عن عمر، وكلاهما لم يولد
الابعد موت عمر بأعوام، ثم لو صح عنه لكان الثابت المتصل من فعل الصحابة بحضرة
النبي صلى الله عليه وسلم أولى من رأى رآه عمر *
وقد روينا عن سعيد بن منصور نا هشيم نا ابن أبي ليلى. عن عطاء ابن أبي رباح قال:
رأيت ابن عمر في المسجد الحرام وقد أهل بالحج إذ رأى هلال ذي الحجة عاما ثم عاما
آخر، فلما كان في العام الثالث قيل له: قد رؤى هلال ذي الحجة فقال: ما أنا الا كرجل
من أصحابي وما أراني أفعل الا كما فعلوا فأمسك إلى يوم التروية ثم أحرم من البطحاء
حين استوت به راحلته بالحج *
ومن طريق سعيد بن منصور عن عتاب بن أبي بشر عن خصيف عن مجاهد عن ابن عمر أنه

(1) في النسخة رقم (14) (فمن أين كان) وما هنا أنسب
(2) في النسخة رقم (14) (ولا نعلم)
124

أحرم عاما من المسجد حين أهل هلال ذي الحجة ثم عاما آخر كذلك فلما كان العام
الثالث لم يحرم حتى كان يوم التروية قال مجاهد: فسألته عن ذلك؟ فقال: إني كنت امرءا
من أهل المدينة فأحببت ان أهل باهلالهم ثم ذهبت أنظر فإذا أنا أدخل على أهلي وأنا
محرم وأخرج وأنا محرم فإذا ذلك لا يصلح لان المحرم إذا احرم خرج لوجهه، قال مجاهد:
فقلت لابن عمر: فأي ذلك ترى؟ قال: يوم الترية، فهذا ابن عمر قد أخبر ان فعل
الصحابة ان يهل المتمتع وأهل مكة يوم التروية ورغب عن رأى أبيه لو ثبت أيضا عنه *
(فان قالوا): إنما اخترنا له ذلك ليكون أشعث قلنا: ما علمنا الله تعالى ولا رسوله
صلى الله عليه وسلم اختار الشعث للمحرم فان اخترتموه فأمروهم بالاهلال من أول شوال
فهو أتم للشعث *
وأما قولنا: ان يؤذن المؤذن إذا أتم الامام الخطبة بعرفة. ثم يقيم لصلاة الظهر. ثم
يقيم للعصر ولا يؤذن لها. فلما ذكرناه في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آنفا وهو قول أبى سليمان،
واحد قولي مالك، وقال مالك مرة أخرى: ان شاء أذن والامام في الخطبة وان شاء
إذا أتم * وقال أبو حنيفة. وأبو ثور: يؤذن إذا قعد الامام على المنبر قبل ان يأخذ في
الخطبة * وقال أبو يوسف: يؤذن قبل خروج الامام ثم رجع فقال: يؤذن بعد صدر
من الخطبة، وذكر ذلك عن مؤذن من أهل مكة * وقال الشافعي: يأخذ في الاذان إذا
أتم الامام الخطبة الأولى *
قال أبو محمد: هذه أقوال لا حجة لصحة شئ منها (فان قالوا): قسنا ذلك على
الجمعة قلنا: القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لأنه ليس قياس
الاذان بعرفة على الاذان بالجمعة بأولى من القياس للجمعة على ما روى في عرفة لا سيما
وأنتم تقولون: لا جمعة بعرفة (فان قيل): فأنتم تقولون: ان الجمعة بعرفة كما هي في غيرها
من البلاد قلنا: نعم وليس ذلك بمبيح مخالفة ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الاذان فيها
بخلافه في سائر البلاد كما كان بعرفة حكم الصلاة في الجمع بين الظهر. والعصر بخلاف ذلك
في سائر البلاد، ولو قلنا: إن هذه الأقوال خلاف لاجماع الصحابة رضي الله عنهم كلهم
في القول بذلك لصدقنا *
وأما قولنا: بالجمع بين صلاتي الظهر. والعصر بعرفة بأذان واحد وإقامتين وبمزدلفة
بين المغرب والعتمة كذلك أيضا فلما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر المذكور، وقد
اختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة. والشافعي في الصلاة بعرفة: كما قلنا، وقال مالك:
بأذانين وإقامتين لكل صلاة أذان وإقامة. وما نعلم لهذا القول حجة أصلا لامن سنة صحيحة،
125

ولامن رواية سقيمة، ولامن عمل صاحب. ولاتابع (فان قالوا): قسنا ذلك على
الجمع بمزدلفة قلنا: هذا قياس للخطأ على الخطأ، وقولكم هذا في مزدلفة خطأ على ما نبينه
إن شاء الله تعالى (فان قالوا): قسنا ذلك على الصلوات الفائتات قلنا: القياس كله
باطل. ثم لو كان حقا لكان (هذا) (1) منه عين الباطل لان صلاة الظهر والعصر بعرفة
ليستا فائتتين، ومن الباطل قياس صلاة تصلى في وقتها على صلاة تصلى في وقتها على صلاة فائتة لا سيما وأنتم لا تقولون
بهذا العمل في الفائتات، وقال سفيان. وإسحاق: يجمع بين الظهر. والعصر بعرفة
بإقامتين فقط بلا أذان *
واحتج أهل هذا القول بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بمكة وبمنى كل صلاة بأذان وإقامة، وصلى بعرفة وبجمع
كل صلاة بإقامة *
قال أبو محمد: هذا لا تقوم به حجة ثم لو صح لما كانت فيه حجة لان خبر جابر
ورد بزيادة ذكر الاذان، وزيادة العدل واجب قبولها ولابد، وأما الجمع بمزدلفة كما
ذكرنا فللخبر المذكور أيضا، وفى هذا خلاف من السلف. روينا من طريق حماد بن زيد.
وحماد بن سلمة قال ابن زيد: عن نافع قال: لم أحفظ عن ابن عمر أذانا ولا إقامة بجمع
- يعنى مزدلفة - * وقال ابن سلمة عن أنس عن ابن سيرين قال: صليت مع ابن عمر بجمع
المغرب بلا أذان ولا إقامة ثم العشاء بلا أذان ولا إقامة * وقول ثان وهو اننا روينا
عنه أيضا أنه جمع بينهما بإقامة واحدة بلا أذان، وروينا ذلك عن شعبة عن الحكم
ابن عتيبة. وسلمة بن كهيل كلاهما عن سعيد بن جبير أنه صلى المغرب والعشاء بجمع
بإقامة واحدة وذكر أن ابن عمر فعل مثل ذلك وأن ابن عمر ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعل ذلك، ورويناه أيضا من طريق مجاهد. وغيره عن ابن عمر أنه فعل ذلك وهو قول
سفيان. وأحمد بن حنبل في أحد قوليهما وبه أخذا أبو بكر بن داود *
واحتج أهل هذه المقالة بما رويناه من طريق سفيان الثوري. ويحيى بن سعيد القطان
قال سفيان: عن مسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال القطان: عن ابن أبي
ذئب عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، ثم اتفق ابن عباس. وابن عمر
على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بمزدلفة بين المغرب والعشاء بإقامة واحدة، وهذا خبر صحيح *
وقول ثالث وهو الجمع بينهما بإقامتين لكل صلاة إقامة دون أذان روينا عن حماد بن سلمة
عن الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد أن عمر بن الخطاب

(1) الزيادة من النسخة رقم (16) سقطت من النسخة رقم (14) خطاه
126

جمع بينهما بإقامتين - يعنى بمزدلفة - * ومن طريق عبد الرزاق عن بعض أصحابه عن شريك
عن أبي إسحاق عن أبي جعفر أن علي بن أبي طالب جمع بين المغرب والعشاء كل واحدة منهما
بإقامة - يعنى بمزدلفة - * ومن طريق حماد بن سلمة انا عبد الكريم انه كان مع سالم
ابن عبد الله بن عمر بمزدلفة فجمع بين المغرب والعشاء بإقامتين - وهو قول سفيان، والشافعي
وأحمد - في أحد أقوالهم *
واحتجوا بما رويناه من طريق مالك عن موسى بن عقبة عن كريب (مولى ابن عباس) (1)
عن أسامة بن زيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مزدلفة فتوضأ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب
ثم أناخ كل إنسان بعيره (في منزله) (2) ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما (شيئا) (3) *
ومن طريق البخاري نا عاصم عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم (بن عبد الله) (4) عن
ابن عمر (رضي الله عنهما) قال (5): (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة
منهما بإقامة ولم يسبح بينهما. ولا على إثر (كل) (6) واحدة منهما) وهذان خبران صحيحان *
وقول رابع: وهو أن الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة * روينا من طريق سفيان
الثوري عن سماك بن حرب عن النعمان بن حميد أن عمر جمع بين الصلاتين بمزدلفة بأذان
وإقامة * ومن طريق أبى داود السجستاني نا مسدد نا أبو الأحوص نا أشعث بن سليم
عن أبيه (أنه كان مع ابن عمر بمزدلفة فأذن وأقام أو أمر بذلك. ثم صلى المغرب ثلاث ركعات. ثم
التفت الينا فقال: الصلاة فصلى العشاء ركعتين قال أشعث: وأخبرني علاج بن عمر وعن ابن عمر
بهذا (7) قال: فقيل لابن عمر في ذلك فقال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا) وبه يأخذ أبو حنيفة
إلا أنه قال: فان تطوع بينهما أقام للعشاء إقامة أخرى *
وقول خامس: وهو الجمع بينهما بأذانين وإقامتين صح ذلك عن عمر بن الخطاب من
طريق هشيم عن المغيرة عن إبراهيم عن الأسود كنت مع عمر فأتى المزدلفة فصلى المغرب
والعشاء كل صلاة بأذان وإقامة *
نا حمام نا الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو الأحوص
عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صليت مع ابن مسعود المغرب بجمع
بأذان وإقامة، ثم أتينا بعشائنا (8) فتعشينا، ثم صلى بنا العشاء بأذان وإقامة * وبه نصا إلى
أبي إسحاق السبيعي عن أي جعفر محمد بن علي بن الحسين ان علي بن أبي طالب كان يجمع

(1) الزيادة من الموطأ ج 1 ص 355
(2) الزيادة من الموطأ
(3) الزيادة من الموطأ والحديث اختصره المصنف انظر ج 1 ص 355 من متن الموطأ ورواه البخاري ج 2 ص 317 بتغيير بعض الألفاظ، وأبو داود ج 2 ص 135
(4) الزيادة من صحيح البخاري ج 2 ص 318
(5) الزيادة من صحيح البخاري
(6) الزيادة من صحيح البخاري
(7) في سنن أبي داود ج 2 ص 123 (بمثل حديث أبي عن ابن عمر) والحديث اختصره المصنف
(8) في النسخة رقم (14) (بعشاء) وهو بفتح العين فيهما
127

بين الصلاتين بمزدلفة كل صلاة بأذان وإقامة، وهو قول محمد بن علي بن الحسين وذكره
عن أهل بيته، وبه يقول مالك *
ولا حجة في هذا القول ممن خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حجة في قول عمر. وابن مسعود.
وعلى في ذلك لأنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة، واختلف عن عمر أيضا كما أوردنا
فالمرجوع إليه عند النازع هو القرآن والسنة، ولا حجة لأبي حنيفة في دعواه أن
إعادة الاذان للعشاء هو من أجل ان عمر وابن مسعود تعشيا بين الصلاتين لأنها لم يدكرا
ذلك ولا أخبرا أن اعادتهما الاذان إنما هو من أجل العشاء فهي دعوى فاسدة *
(فان قيل): قسنا ذلك على الجمع بين سائر الصلوات إذا صليت الأولى في آخر وقتها
والأخرى في أول وقتها فلابد من أذان وإقامة لكل صلاة قلنا: القياس باطل ولا يجوز أن
يعارض ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بقياس فاسد *
قال أبو محمد: وقد روى مثل قولنا عن ابن عمر. وسالم ابنه. وعطاء كما روينا من
طريق ابن أبي شيبة عن الفضل بن دكين عن مسعر بن كدام عن عبد الكريم قال: صليت
خلف سالم المغرب والعشاء بجمع بأذان وإقامتين فلقيت نافعا فقلت له: هكذا كان يصنع
عبد الله؟ قال: نعم فلقيت عطاء فقلت له فقال قد كنت أقول لهم لا صلاة الا بإقامة، وهو قول
الشافعي من رواية أبي ثور عنه، فهي ستة أقوال أحدها الجمع بينهما بلا أذان ولا إقامة وصح عن
ابن عمر *، والثاني الجمع بينهما بإقامة واحدة فقط. وصح أيضا عن ابن عمر وقول
سفيان. وأحمد. وأبى بكر بن داود. وصح به خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالث الجمع
بينهما بإقامتين فقط. روى عن عمر. وعلى. وصح عن سالم بن عبد الله وهو أحد قولي سفيان.
وأحمد. والشافعي، وصح به خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * والرابع الجمع بينهما بأذان
واحد وإقامة واحدة. روى عن عمر وصح عن ابنه عبد الله وهو قول أبي حنيفة وصح به خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * والخامس الجمع بينها بأذان واحد وإقامتين صح عن
ابن عمر. وسالم ابنه. وعطاء وهو أحد قولي الشافعي وبه نأخذ، وصح بذلك خبر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم * والسادس الجمع بينهما بأذانين وإقامتين صح عن عمر. وابن مسعود
وروى عن علي، وعن محمد بن علي بن الحسين وأهل بيته وهو قول مالك *
فأما الاخبار في ذلك فبعضها بإقامة واحدة من طريق ابن عمر. وابن عباس، وبعضها
بإقامتين من طريق ابن عمر. وأسامة بن زيد، وبعضها بأذان واحد وإقامة واحدة من
طريق ابن عمر، وبعضها بأذان واحد وإقامتين من طريق جابر، فاضطربت الرواية عن
ابن عمر الا ان احدى الروايات عنه وعن أسامة بن زيد، وعن جابر بن عبد الله زادت
128

على الأخرى، وعلى رواية ابن عباس إقامة فوجب الاخذ بالزيادة، وإحدى الروايات
عنه، وعن جابر تزيد على الأخرى، وعلى رواية أسامة أذانا فوجب الاخذ بالزيادة لأنها
رواية قائمة بنفسها صحية فلا يجوز خلافها، فإذا جعت رواية سالم. وعلاج عن
ابن عمر صح منهما أذان وإقامتان كما جاء بينا في حديث جابر، وهذا هو الذي لا يجوز
خلافه، ولا حجة لمن خالف ذلك، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: لا تجزئ صلاة المغرب تلك الليلة الا بمزدلفة ولابد وبعد غروب الشفق
ولابد. فلما رويناه من طريق البخاري نا ابن سلام نا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد
الأنصاري عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال:
(لما أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات عدل إلى الشعب فقضى حاجته فجعلت أصب
عليه ويتوضأ فقلت: يا رسول الله أتصلي؟ قال المصلى أمامك) وذكر باقي الحديث (1) *
ومن طريق مسلم نا يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وابن حجر قالوا: نا إسماعيل
نا يحيى بن يحيى واللفظ له - نا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن كريب مولى
أين عباس عن أسامة بن زيد (أنه كان ردف (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات، فلما
بلغ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (3) الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال، ثم جاء
فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا، ثم قلت: الصلاة يا رسول الله فقال: الصلاة
أمامك) وذكر الحديث *
قال أبو محمد: فإذ قد قصد عليه السلام ترك صلاة المغرب وأخبر بأن المصلى من أمام
وان الصلاة من امام فالمصلى هو موضع الصلاة فقد أخبر بان موضع الصلاة ووقت
الصلاة من امام فصح يقينا ان ما قبل ذلك الوقت المكان ليس مصلى
ولا الصلاة فيه صلاة *
روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
يقول: لا صلاة الا بجمع * وروينا من طريق حجاج بن النهال نا يزيد بن إبراهيم - هو
التستري - نا عبد الله بن أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يخطبنا فيقول: ألا لا صلاة
إلا بجمع يرددها ثلاثا * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن
ليث عن مجاهد قال: لا صلاة الا بجمع ولو إلى نصف الليل * وروى عن ابن عمر
وابن عباس صلاة المغرب دون جمع، ولا حجة الا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم *

(1) هو في البخاري ج 2 ص 316
(2) في صحيح مسلم ج 1 ص 362 (قال ردفت)
(3) الزيادة من صحيح مسلم
129

وأما بطلان حج من لم يدرك مع الامام صلاة الصبح بمزدلفة من الرجال. فلما حدثناه
عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن قدامة المصيصي نا جرير
ابن جازم عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن عروة بن مضرس قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: (من أدرك جمعا مع الامام والناس حتى يفيضوا (منها) (1) فقد أدرك الحج
ومن لم يدرك مع الامام والناس (2) فلم يدرك)، وبه إلى أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي
نا يحيى بن سعيد القطان نا إسماعيل بن أبي خالد أخبرني عامر الشعبي أخبرني عروة
ابن مضرس الطائي قال قلت (3): يا رسول الله أتيتك من جبلي طئ أكللت مطيتي (4)
وأتعبت نفسي، والله (5) ما بقي من حبل (6) الا وقفت عليه فهل لي من حج؟، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الغداة ههنا. ثم أقام معنا، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا
فقدتم حجه) (7)، وقال تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام)
فوجب الوقوف بمزدلفة - وهي المشعر الحرام - وذكر الله تعالى عندها فرض يعصى من
خالفه ولا حج له لأنه لم يأت بما أمر إلا أن إدراك صلاة الفجر فيها مع الامام هو الذكر
المفترض ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور، ومن أدرك شيئا من صلاة الامام فقد أدرك
الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) *
قال أبو محمد: والعجب ممن يقول: إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائمة الإبل (في كل خمس
شاة) دليل على أن غير السائمة بخلاف السائمة، وممن يقول: إن قوله عليه السلام: (وإذا
قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) دليل على أن الامام لا يقول: ربنا
ولك الحمد، وان المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده. ثم لا يرى قوله عليه السلام (من
صلى الغداة ههنا معنا وقد أتى عرفة قبل ذلك فقد تم حجه) دليلا على أن من لم يصل
الغداة هنالك مع الامام لم يتم حجه، فكيف وقد غنينا (عن ذلك كله) (8) بنصه عليه
السلام؟ على أنه إن لم يدرك ذلك فلم يدرك الحج *
واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) قال على: وهم أول مبطل لهذا
الاحتجاج لان عندهم فرائض يبطل الحج بتركها سوى عرفة كترك الاحرام. وترك
طواف الإفاضة. وترك الصفا والمروة. فكم هذا التناقض؟ وليس قوله عليه السلام (الحج

(1) الزيادة من النسائي ج 1 ص 262، وفيه (حتى يفيض منها) بدل (حتى يفيضوا)
(2) في النسائي (مع الناس والامام)
(3) في النسائي ج 5 ص 264 (قال: اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:) الخ
(4) في النسخة رقم (14) (أضللت مطيتي) وما هنا موافق لما في النسائي
(5) لفظ (والله) سقط من النسائي
(6) هو بالحاء المهملة المفتوحة. وسكون الباء الموحدة. ما استطال من الرمل، وقيل الحبل ما دون الجبل في الارتفاع وسبق قريبا تفسيره
(7) في النسائي فيه مخالفة لبعض الألفاظ التي ذكرها المصنف انظر ج 5 ص 264
(8) الزيادة من النسخة رقم (14)
130

عرفة) ممانع من أن يكون غير عرفة الحج أيضا إذا جاء بذلك نص، وقد قال تعالى:
(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا). والبيت غير عرفة بلا شك،
وسوى تعالى بين الامر بعرفة الامر بمزدلفة في القرآن، وقد قال تعالى: (وأذان من
الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر). وأخبر رسول الله صلى الله عليه سلم ان يوم
الحج الأكبر - هو يوم النحر - ولا يكون يوم الحج الأكبر الا وغيره يوم الحج الأصغر،
ومحال ممتنع أن يكون - هو يوم الحج الأكبر - ولا يكن فيه من فرائض الحج شئ، ويكون
فرض الحج في غيره، فصح ان جملة فرائض الحج في يوم الحج الأكبر، وهي الوقوف
بمزدلفة الذي لا يكون في غيره، ورمى الجمرة، والإفاضة، وقد يكونان فيما بعده كما
عرفة فيما قبلة *
روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني
عن ابن عباس قال: (من أفاض من عرفة فلا حج له) وقد ذكرنا عن ابن الزبير أنه كأن يقول في
خطبته: ألا لا صلاة الا بجمع، فإذا أبطل الصلاة الا بمزدلفة فقد جعلها من فرائض الحج *
ومن طريق شعبة عن داود بن يزيد الأزدي عن أبي الضحى قال: سألت علقمة عمن
لم يدرك عرفات أو جمعا أو وقع باهله يوم النحر قبل أن يزور؟ فقال: عليه الحج *
ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال: كان يقال: من
فاته جمع أو عرفة فقد فاته الحج *
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم
النخعي قال: من فاته عرفة أو جمع، أو جامع قبل ان يزور فقد فسد حجه *
ومن طريق سفيان الثوري أيضا عن عبد الله أبن أبي السفر عن الشعبي أنه قال: من
فاته جمع جعلها عمرة *
وعن الحسن البصري من لم يقف بجمع فلا حج له * وعن حماد بن أبي سليمان قال: من
فاته الإفاضة من جمع فقد فاته الحج فليحل بعمرة ثم ليحج من قابل * ومن طريق شعبة عن أبي
بشر عن سعيد بن جبير قال: يوم الحج الأكبر - هو يوم النحر - ألا ترى انه إذا
فاته عرفة لم يفته الحج وإذا فاته يوم النحر فاته الحج *
قال أبو محمد: صدق سعيد لان من فاتته عرفة يوم عرفة لم يفته الحج لأنه يقف بعرفة
ليلة يوم النحر، وأما يوم النحر فإنما سماه الله تعالى يوم الحج الأكبر لان فيه فرائض
ثلاثا من فرائض الحج، وهو الوقوف بمزدلفة لا يكون جازئا الاغداة يوم النحر، وجمرة
العقبة، وطواف الإفاضة ويجوز تأخيره، فصح أن مزدلفة أشد فروض الحج تأكيدا
وأضيقها وقتا، وقد روى عن ابن عمر خلاف هذا
131

وأما قولنا: ان النساء. والصبيان. والضعفاء بخلاف هذا. فلما روينا من طريق مسلم نا محمد
ابن أبي بكر المقدمي نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج حدثني عبد الله مولى أسماء
بنت أبي بكر الصديق ان أسماء قالت له بمزدلفة: هل غاب القمر؟ قلت: لافصلت ساعة
ثم قالت (يا بنى) (1) هل غاب القمر؟ قلت: نعم قالت: ارحل (بي) (2) فارتحلنا حتى
رمت الجمرة ثم صلت في منزلها فقلت لها: (أي هنتاه) (3) لقد غسلنا قالت: كلا أي بنى
إن رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم، اذن للظعن (5) *
ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب ان سالم بن عبد الله بن عمر
أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة
بالليل فيذكرون الله تعالى ثم يدفعون قبل أن يقف الامام، ويقول (ابن عمر) (6) أرخص
في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم *
ومن طريق مسلم حدثني علي بن خشرم أنا عيسى بن يونس عن ابن جريج أخبرني
عطاء ان ابن شوال أخبره أنه دخل على أم حبيبة أم المؤمنين (7) فأخبرته أن رسول الله (8)
صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل *
ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى عن حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد قال:
سمعت ابن عباس يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثقل (9) وفى الضعفة (10)
من جمع بليل *
قال أبو محمد: كان ابن عباس حينئذ قد ناهز الاحتلام ولم يحتلم بعد، هكذا ذكر عن
نفسه في الخبر الذي فيه انه أتى منى على أتان. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس
قال: وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام (11) * فخرج هؤلاء عن وجوب حضور صلاة
الصبح بمزدلفة مع الامام عليهم وبقى عليهم فرض الوقوف بمزدلفة، وذكر الله تعالى
هنالك ليلة النحر ولابد لعموم قوله تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند
المشعر الحرام) *
وأما وجوب رمى جمرة العقبة. فلما رويناه من طريق أبى داود نا نصر بن علي الجهضمي
نا يزيد بن زريع انا - هو الحذاء - عن عكرمة عن ابن عباس (أن رجلا

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 366
(2) الزيادة من صحيح مسلم
(3) الزيادة من صحيح مسلم، ومعناه يا هذه، وقوله بعد (لقد غسلنا) أي لقد تقدمنا على الوقت المشروع
(4) في صحيح مسلم (أن النبي)
(5) هو بضم الظاء والغين وباسكان العين أيضا وهن النساء الواحدة ظعينة كسفينة وسفن واصل الظعينة الهودج الذي تكون فيه المرأة على البعير، والله أعلم
(6) الزيادة من النسخة رقم (16)
(7) لفظ (أم المؤمنين) سقط من صحيح مسلم ج 1 ص 366
(8) في صحيح مسلم (ان النبي)
(9) هو بفتح الثاء المثلثة والقاف المتاع ونحوه المتاع ونحوه
(10) في صحيح مسلم ج 1 ص 366 (أو قال في الضعفة)
(11) هو في صحيح البخاري ج 1 ص 49
132

قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انى أمسيت ولم ارم قال: ارم ولا حرج (1)) *
ومن طريق البخاري عن عبد الله بن يوسف نا مالك عن ابن شهاب عن عيسى
ابن طلحة عن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاصي (2) (أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقف في حجة الوداع (فجعلوا يسألونه)؟ (3) فقال له رجل: لم أشعر فنحرت
قبل أن أرمى قال: ارم ولا حرج) فأمر عليه السلام برميها فوجب فرضا *
(فان قيل): ان في هذا الخبر انه عليه السلام قال: (اذبح ولا حرج) فأوجبوا الذبح
فرضا. قلنا: إن كإن كان ذلك الذبح منذورا أو هديا واجبا فنعم هو فرض، وإن كان تطوعا
فيكفي من البرهان على أنه ليس ذبحه فرضا تيقن العلم بأنه تطوع لافرض *
روينا من طريق الحذافي عن عبد الرزاق عن معمر قال: الزهري فيمن لم يرم
الجمرة: ان ذكر وهو بمنى رمى وإن فاته ذلك حتى نفر فإنه يحج من قابل ويحافظ على
المناسك وبه يقول داود. وأصحابنا، ولا يجزئ الرمي الا بحصى كحصى الخذف لا أصغر.
ولا أكبر. لما روينا من طريق مسلم *
نا محمد بن رمح عن الليث - هو ابن سعد - عن أبي الزبير عن أبي معبد مولى ابن عباس
عن الفضل بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بحصى الخذف الذي
ترمى به الجمرة (4)) *
ومن طريق أحمد بن شعيب انا يعقوب بن إبراهيم - هو الدورقي - نا إسماعيل بن إبراهيم
- هو ابن علية - نا عوف - هو ابن أبي (5) جميلة - نا زياد بن حصين عن أبي العالية قال: قال
ابن عباس: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: (هات
القط لي فلقطت له حصيات هي حصى الخذف فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء
بأمثال هؤلاء (6) وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) *
وقال مالك: أحب أكبر من حصى الخذف، وهذا قول في غاية الفساد لتعرية من
البرهان ومخالفة الأثر الثابت * روينا من طريق ابن أبي شبية نا أبو خالد الأحمر عن ابن جريج
عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله. وابن الزبير قالا جميعا: مثل حصى الخذف، ولا
مخالف لهما لامن صاحب. ولا من تابع، وهذان الاثران يبطلان قول من قال:
يجزئ الرمي بغير الحصى *

(1) الحديث ذكره المصنف مختصرا انظر ج 2 ص 149 من سنن أبي داود
(2) لفظ (ابن العاص) غير موجود في صحيح البخاري ج 3 ص 2
(3) الزيادة من صحيح البخاري والمصنف ذكر الحديث مختصرا
(4) الحديث ذكره المصنف مختصرا اقتصر فيه على محل الشاهد وهو في مسلم ج 1 ص 363
(5) سقط من النسخة رقم (14) لفظ (أبى) خطأ
(6) في سنن النسائي چ 5 ص 268 بدون تكرار لفظ (بأمثال هؤلاء)
133

وأما العدد فان الناس اختلفوا. روينا من طريق ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن
سعد بن أبي وقاص قال: جلسنا فقال بعضنا: رميت بست، وقال بعضنا: رميت بسبع
فلم يعب بعضنا على بعض (1) *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني محمد بن يوسف ان عبد الله بن عمرو بن عثمان
أخبره أنه سمع أبا حبة الأنصاري يفتى بأنه لا بأس بما رمى به الانسان من عدد الحصى
فجاء عبد الله بن عمرو إلى ابن عمر فأخبره فقال: صدق أبو حبة *
قال أبو محمد: أبو حبة بدري * وروينا عن طاوس من ترك حصاة فإنه يطعم تمرة
أو لقيمة * وعن عطاء من فاتته الجمار يوما تصدق بدرهم ومن فاتته حتى تنقضي أيام
منى فعليه دم *
قال على: روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن سليمان التيمي عن أبي مجلز قلت
لابن عمر: نسيت أن ارمي بحصاة من حصى الجمرة فقال لي ابن عمر: اذهب إلى ذلك
الشيخ فسله ثم ارجع فأخبرني بمما يقول قال: فسألته؟ فقال لي: لو نسيت شيئا من صلاتي
لاعدت فقال ابن عمر: أصاب *
فقال أبو محمد: هذا الشيخ - هو محمد بن الحنفية - هكذا رويناه من طريق المعتمر بن سليمان
عن أبيه، وروينا عن ابن عمر قال: من نسي الجمرة رماها بالليل حين يذكر * وعن
طاوس. وعروة بن الزبير. والنخعي. والحسن قالوا كلهم: يرمى بالليل،، وهو قول
سفيان، ولم يوجبوا في ذلك شيئا *
قال أبو محمد: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رميها ما لم تطلع الشمس من يوم النحر وأباح
رميها بعد ذلك وان أمسى، هذا يقع على الليل والعشي معا كما ذكرنا قبل، قال أبو حنيفة:
عليه في كل حصاة نسيها طعام مسكين نصف صاع حنطة إلا أن يبلغ ذلك دما * وقال
مالك: عليه في الحصاة الواحدة فأكثر إن نسيها دم فان ترك سبع حصيات فعلية بدنة
فإن لم يجد فبقرة. فإن لم يجد فشاة. فإن لم يجد فصيام * وأما الشافعي فمرة قال: عليه في
حصاة واحدة مد طعام، وفى الحصاتين ثلثا دم. وفى الثلاث. فصاعدا دم، وقد روى عنه
في حصاة ثلث دم. وفى الحصاتين ثلثا دم. وفى الثلاث فصاعدا دم، وروى عنه للحصاة
الواحدة فصاعدا دم *
قال أبو محمد: وهذه الأقوال المذكورة كلها ليس شئ منها جاء به نص، ولا رواية
فاسدة، ولاقول صاحب، ولاتابع، ولا قياس، ولا قال بشئ منها أحد نعلمه قبل القائل
بكل قول ذكرناه عمن ذكرناه عنه *

(1) في النسائي ج 5 ص 275 بزيادة
134

وأما الرمي قبل طلوع الشمس فلا يجزئ أحدا. لا امرأة. ولا رجلا، روينا من طريق
أحمد بن شعيب انا محمود بن غيلان المروزي نا بشر بن السرى نا سفيان الثوري عن
حبيب - هو ابن أبي ثابت - عن عطاء عن ابن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم قدم أهله
وأمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس) (1) *
وروينا عن طائفة من التابعين إباحة الرمي قبل طلوع الشمس، ولا حجة في أحد
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال سفيان: من رمى قبل طلوع الشمس أعاد الرمي بعد طلوعها، وهو قول أصحابها *
وأما قولنا: لا يقطع التلبية الا مع آخر حصاة من جمرة العقبة. فان مالكا قال:
يقطع التلبية إذا نهض إلى عرفة، وذكروا في ذلك رواية عن عائشة أم المؤمنين.
وابن عمر. وعن علي، واحتجوا بأن قالوا: التلبية استجابة فذا وصل فلا معنى للتلبية *
قال أبو محمد: اما الرواية عن علي فلا تصح لأنها منقطعة إليه. والصحيح عنه خلاف
ذلك، وأما عن أم المؤمنين، وابن عمر فقد خالفهما غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم،
وإذا وقع التنازع فالمرجوع فيه إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه ومن القرآن والسنة،
وأما قولهم: ان التلبية استجابة فدعوى لا برهان على صحتها، ولو كان ما قالوا: لو جبت
التلبية عند سماع الاذان. ووجوب النهوض إلى الجمعة وغيرها، وما التلبية إلا شريعة أمر
الله بها لا علة لها الا ما قال تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، وثم لو كانت استجابة كما
قالوا: لكان لم يصل بعد إلى ما دعى إليه لأنه قد بقيت عليه فروض من فروض الحج لا يكون
واصلا إلى ما دعى إليه الا بتمامها كعرفة وطواف الإفاضة *
روينا من طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا وكيع عن ابن جريج عن عطاء عن
ابن عباس عن الفضل بن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة) (2)،
وصح أيضا من طريق أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم * ومن طريق مسلم نا شريح بن يونس
نا هشيم انا حصين - هو ابن عبد الرحمن - عن كثير بن مدرك الأشجعي عن عبد الرحمن
ابن يزيد أن عبد الله بن مسعود لبى حين أفاض من جمع فقيل له: عن أي هذا (3)؟
فقال: أنسى الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان:
(لبيك اللهم لبيك) *
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن إبراهيم بن عقبة عن كريب

(1) هو في النسائي ج 5 ص 272
(2) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 99، قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي
والنسائي وابن ماجة
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 363 (فقيل أعرابي هذا) وهو أوضح مما هنا
135

مولى ابن عباس أن ميمونة أم المؤمنين لبت حين رمت الجمرة، * وبه إلى سفيان عن
عامر بن شقيق سمعت أبا وائل يقول: قال ابن مسعود: لا يمسك الحاج عن التلبية
حتى يرمى جمرة العقبة * ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب السختياني أنه سمع عبد الرحمن
ابن الأسود بن يزيد يقول: حدثني أبي أنه سمع عمر بن الخطاب يلبى بعرفة * ومن
طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال:
سمعت عمر يلبى غداة المزدلفة * وعن ابن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق سمعت
عكرمة يقول: أهل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى رمى الجمرة. وأبو بكر، وعمر * وعن علي بن أبي طالب
أنه لبى حتى رمى جمرة العقبة * وعن القاسم بن محمد عن أم المؤمنين عائشة كانت تلبي
بعد عرفة * وعن سفيان بن عيينة سمع سعد بن إبراهيم (1) يحدث الزهري عن عبد الرحمن
ابن الأسود أن أباه صعد إلى ابن الزبير المنبر يوم عرفة فقال له: ما يمنعك ان تهل؟ فقد
رأيت عمر في مكانك هذا يهل فأهل ابن الزبير * وعن ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد
يقول: تلبي حتى ينقضي حرمك إذا رميت الجمرة * وعن سفيان الثوري عن عبد الله
ابن الحسن عن عكرمة قال: كنت مع الحسين بن علي فلبى حتى رمى جمرة العقبة *
قال أبو محمد: وكان معاوية ينهى عن ذلك * ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد
قال: غدا عمر بن عبد العزيز من منى إلى عرفة فسمع التكبير عاما فبعث الحرس
يصيحون. أيها الناس انها التلبية * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة قال:
ذكر عند إبراهيم النخعي إذا قدم الحاج أمسك عن التلبية ما دام يطوف بالبيت فقال
إبراهيم: لابل يلبى قبل الطواف وفى الطواف وبعد الطواف. ولا يقطعها حتى يرمى الجمرة
وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وأبي سليمان *
قال أبو محمد: إلا أن أبا حنيفة. والشافعي قالا: يقطع التلبية مع أول حصاة يرميها
في الجرة وليس كذلك بل مع آخر حصاة من الجمرة لأنه نص فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما حكى ابن عباس. وأسامة أنه عليه السلام لبى حتى رمى جمرة العقبة ولو كان ما قاله
أبو حنيفة، والشافعي لقالا: حتى بدا رمى جمرة العقبة *
روينا من طريق الحذافي عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن
عبد الله بن إبراهيم بن حنين عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يهل وهو يرمى
جمرة العقبة فقلت له: فيما الاهلال يا أمير المؤمنين؟ فقال: وهل قضينا نسكنا بعد؟
وهو المفهوم الظاهر من فعل كل من ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم * وقال قوم

(1) في النسخة رقم (16) (سعيد بن إبراهيم) وهو غلط
136

منهم مالك: ان الحاج يقطع التلبية إذا طاف بالبيت. وبالصفا. والمروة. فذا أتم ذلك علودها (1) *
قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة. والشافعي: لا يقطعها وهذا هو الحق لما ذكرنا
من أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة * روينا من طريق أبى داود نا عبد الله
ابن محمد النفيلي. وعثمان بن أبي شيبة قالا: نا حاتم بن إسماعيل نا جعفر بن محمد عن أبيه
أن جابر بن عبد الله أخبره فذكر حديث حجة النبي صلى الله عليه وسلم (وقال: فأهل رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة
لك والملك لا شريك لك فأهل الناس بهذا الذي يهلون به (فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم شيئا منه) (2) ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته) فصح أنه عليه
السلام لم يقطعها *
ومن طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن مسروق أنه
رأى عبد الله بن مسعود طاف بالبيت سبعا ثم خرج إلى الصفا قال: فقلت له: يا أبا
عبد الرحمن أن ناسا ينهون عن الاهلال في هذا المكان فقال: لكني آمرك به، وذكر باقي الخبر *
(فان ذكروا) ما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا صفوان بن عيسى عن
الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب (3) عن مجاهد عن عبد الله بن سخبرة عن عبد الله
ابن مسعود قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى أتى جمرة
العقبة الا أن يخلطها بتكبير أو بتهليل *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عكرمة قال: سمعت
الحسن بن علي يلبى حتى انتهى إلى الجمرة وقال لي (4): سمعت أبي علي بن أبي طالب يهل
حتى انتهى إلى الجمرة وحدثني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حتى انتهى إليها *
قلنا الحارث ضعيف. وأبان بن صالح ليس بالقوى، ثم لو صحا لكان خبر الفضل
ابن عباس. وأسامة بن زيد زائدين على هذين الخبرين زيادة لا يحل تركها رغبة عنها
واختيارا لغيرها عليها، وليس في هذين الخبرين نهى عما في خبر ابن عباس. وأسامة *
وقال قوم: يقطع المعتمر التلبية إذا دخل الحرم، وقالت طائفة: لا يقطعها إلا حتى يرى
بيوت مكة، وقالت طائفة: حتى يدخل بيوت مكة، وقال أبو حنيفة: لا يقطعها حتى
يستلم الحجر فإذا استلمه قطعها، وقال الليث: إذا بلغ الكعبة قطع التلبية * وقال الشافعي:

(1) في النسخة رقم (14) (أعادها) والضمير يرجع إلى التلبية
(2) الزيادة من سنن أبي داود ج 2 ص 124 وهو هناك مطول اختصره المصنف هنا
(3) هو بذال معجمة مضمومة وبموحدتين
(4) في النسخة رقم (16) (وقال: إني)
137

لا يقطعها حتى يفتتح الطواف، وقال مالك: من أحرم من الميقات قطع التلبية إذا دخل أول
الحرم فان أحرم من الجعرانة أو من التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة أو إذا دخل المسجد *
روينا عن وكيع عن عمر بن ذر عن مجاهد قال: قال ابن عباس: لا يقطع المعتمر
التلبية حتى يستلم الركن، وكان ابن عمر يقطعها إذا رأى بيوت مكة * قال وكيع:
وحدثنا سفيان - هو الثوري - عن عبد الله بن دينار قال: قال ابن عمر: يقطع التلبية إذا دخل الحرام *
قال أبو محمد: والذي نقول به فهو (1) قول ابن مسعود الذي ذكرنا آنفا انه لا يقطعها
حتى يتم جميع عمل العمرة (فان ذكروا) ما روينا عن سعيد بن منصور نا هشيم نا
ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى في عمرته حتى استلم الحجر *
ومن طريق حفص بن غياث عن الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر كل ذلك لا يقطع
التلبية حتى يستلم الحجر، فهذا أثران ضعيفان في أحدهما ابن أبي ليلى - وهو سئ الحفظ -
وفى الاخر الحجاج وناهيك به، وهو أيضا صحيفة (فان قالوا): فهل عندكم اعتراض؟
فيما رويتم من طريق أحمد بن شعيب عن يعقوب بن إبراهيم عن ابن علية عن أيوب
عن نافع قال: كان ابن عمر إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذى طوى
ثم يصلى به الصبح. ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (1) *
قلنا: لا معترض فيه وهو صحيح الا أنه لا حجة لكم فيه، أول ذلك أنه ليس في هذا الخبر ما تذكرون
من أن ذلك كان في العمرة فهو مخالف لما اختاره أبو حنيفة، والشافعي في الحج ولما
اختاره أبو حنيفة في العمرة أيضا، ثم نقول لمن ذهب إلى قول مالك في هذا: ان هذا خبر
لا حجة لكم فيه لأنه قد يمكن أن ابن عمر إنما أشار بقوله: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يفعل ذلك) إلى المبيت بذى طوى وصلاة الصبح بها فقط، وهكذا نقول: أو يكون
أشار بذلك إلى قطع التلبية كما تقولون، فإن كان هذا فخبر جابر بن عبد الله. وأسامة.
وابن عباس (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم التلبية ولم يقطعها حتى رمى جمرة العقبة) زائد
على ما في خبر ابن عمر، وزيادة العدل لا يجوز تركها لأنه ذكر علما كان عنده لم يكن
عند ابن عمر (3) الذي لم يذكره وبالله تعالى التوفيق *
وأما اختيارنا الطيب بمنى قبل رمى الجمرة. فلما قد ذكرنا قبل في اختيار التطيب
للاحرام من النص، وممن قال بذلك من الصحابة، وغيرهم رضي الله عنهم فأغنى عن اعادته *

(1) وإنما قرن الخبر بالفاء لسبه الموصول بالشرط في العموم
(2) لم أجد (في سنن النسائي المطبوع ولعله في السنن الكبرى) وهو موجود بهذا السند بلفظه ومتنه في البخاري ج 2 ص 283
(3) لفظ (ابن عمر) سقط من النسخة رقم (14) خطأ
138

وأما قولنا أن يرمى الجمرة. وبدخول وقتها يحل للمحرم بالحج أو القران كل ما كان
عليه حراما من اللباس، والطيب. والتصيد في الحل. وعقد النكاح لنفسه، ولغيره حاشا
الجماع فقط فإنه حرام عليه بعد حتى يطوف بالبيت فهو قول أبي حنيفة. والشافعي.
وأبي سليمان. وأصحابهم: * وقال مالك. وسفيان: إذا رمى الجمرة حل له كل شئ
الا النساء. والتصيد. والطيب، قال: فان تطيب فلا شئ عليه لما جاء في ذلك، وان
تصيد فعليه الجزاء، وذكروا في ذلك رواية عن عمر. وابنه عبد الله أنه حل له كل شئ الا النساء
والطيب، وعن سالم. وعروة مثل هذا *
قال أبو محمد: أما ابن عمر فقد روى عنه الرجوع وقد خالف في ذلك عمر عائشة
وغيرها كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم
ابن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال عمر: إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات وذبحتم
وحلقتم فقد حل لكم كل شئ إلا الطيب. والنساء. فقالت عائشة: انا طيب ت رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق ان تتبع *
قال أبو محمد: هذا قول ابن عمر الذي لو اتبعوه لوفقوا * ومن طريق وكيع عن سفيان عن
سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: إذا رميتم الجمرة فقد
حل لكم كل شئ الا النساء فقال رجل: والطيب؟ فقال ابن عباس: أما انا فقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك أطيب ذلك أم لا؟ * ومن طريق وكيع عن هشام
ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا رميت الجمرة فقد حل لك كل شئ
الا النساء * وعن سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر سمعت ابن الزبير يقول: إذا
رميت الجمرة فقد حل لك كل شئ ما وراء النساء، وهو قول عطاء. وطاوس. وعلقمة.
وخارجة بن زيد بن ثابت *
قال أبو محمد: قال الله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقال تعالى:
(فإذا حللتم فاصطادوا) وجاء النص واجماع المخالفين معنا على أن المحرم حرام عليه لباس
القمص. والعمائم. والبرانس. والخفين. والسراويل. ووافقونا مع مجئ
النص على جواز لباس كل ذلك إذا رمى ونحر، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما نذكر بعد
هذا إن شاء الله تعالى جواز تقديم الطواف. والذبح. والحلق بعضها على بعض،
فصح أن الاحرام قد بطل بدخول وقت الرمي. والحلق. والنحر. رمى أولم يرم، حلق
أو لم يحلق، نحر أو لم ينحر، طاف أو لم يطف، وإذا حل له الحلق الذي كان حراما في
الاحرام فبلا شك أنه قد بطل الاحرام وبطل حكمه، وإذا كان ذلك فقد حل فحل له
139

الصيد الذي لم يحرم عليه الا بالاحرام وحل له بالاحلال، وكذلك الزواج. والتزويج لان
النص إنما جاء بأن لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب، فصح أن هذا حرام على المحرم
ومن حل له لباس القمص. والبرانس. وحلق الرأس لغير ضرورة فهو حلال لا محرم
فالنكاح. والانكاح. والخطبة حلال له إذ ليس محرما، وأما الجماع فبخلاف هذا
لان الله تعالى قال (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). فحرم الرفث وهو الجماع
في الحج جملة لا على المحرم خاصة (1) وما دام يبقى من فرائض الحج شئ فهو بعد في الحج
وان لم يكن محرما، والوطئ حرام عليه ما دام في الحج *
قال أبو محمد: ومالك يرى في الطيب المحرم على المحرم الفدية كما يرى الجزاء على المحرم
في الصيد. ثم رأى ههنا الجزاء في الصيد ولم ير الفدية في التطيب وهذا عجب! (فان احتجوا له)
بالأثر الوارد في طيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يطوف بالبيت قلنا لهم: لا يخلو هذا
الأثر من أن يكون صحيحا ففرض عليكم أن لا تخالفوه وأنتم قد خالفتموه أو يكون غير
صحيح فلا تراعوه وأوجبوا الفدية على من تطيب كما أوجبتموها على من تصيد. ولا فرق،
ثم نقول لهم: أخبرونا عن ايجابكم الجزاء على من تصيد في الحل بعد رمى جمرة العقبة
أحرم هو أم غير حرم؟ ولا سبيل إلى ثالث (فان قلتم): هو حرم قلنا لكم، فحرموا عليه
اللباس الذي يحرم على المحرمين وحرموا عليه حلق رأسه، وان قالوا: ليس حراما قلنا:
فلا جزاء عليه في التصيد، (فان قالوا): قد جاء النص والاجماع بأمره بحلق رأسه، وبلباس
ما يحرم على المحرمين قلنا: فهذا برهان كاف في أنه ليس محرما، وهذا ما لا مخلص (لهم) (2)
منه، وأيضا فإنهم أو هموا أنهم تعلقوا بعمر. وابن عمر. وإنما عنهما المنع من التطيب
لا من الصيد، وهذا عجب جدا!، وأيضا فالقوم أصحاب قياس وهم قد أباحوا لباس القمص.
والسراويل وغير ذلك بعد رمى جمرة العقبة. وحلق الرأس، ومنعوا من الصيد. والطيب *
(فان قالوا): قسناه على الجماع قلنا: هذا قياس فاسد لان اللباس. والحلق
والطيب. والصيد عندكم خبر واحد. وحكم واحد في أنه لا يبطل به الحج في الاحرام، وكان
للجماع خبر آخر لأنه لا يبطل به الحج في الاحرام، فلو كان القياس حقا لكان قياس الطيب.
والصيد على اللباس. والحلق (3) أولى من قياسه على الجماع، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: - ان نهض إلى مكة فطاف بالبيت سبعا لا رمل فيها وسعى بين الصفا
والمروة إن كان متمتعا أو لم يسع إن كان قارنا وكان قد سعى بينهما في أول دخوله فقدتم

(1) في النسخة رقم (14) (في الحج جملة على المحرم خاصة) وما هنا أتم لان المعنى والله أعلم إن هذه الأشياء المذكورة في الآية
الشريفة حرمت في الحج على الحاج ما بقي عليه شئ من اعمال الحج لاعلى المحرم فقط: *
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (14) (وحلق الرأس)
140

حجه وقرانه. وحل له النساء - فاجماع (1) لا خلاف فيه مع النص في قوله تعالى: (وليطوفوا بالبيت العتيق) *
وأما قولنا -: انهم يرجعون إلى منى فيقيمون بها ثلاث ليال بأيامها يرمون في كل
يوم من الأيام الثلاثة الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس بسبع حصيات سبع حصيات
كل جمرة يبدأ بالقصوى، ثم التي تليها، ثم جمرة العقبة التي رمى يوم النحر وقد تم
حجه وعمله كله - فاجماع (1) لا خلاف فيه من أحد *
وأما قولنا: يقف للدعاء عند الجمرتين الأولتين ولا يقف عند الثالثة فلما رويناه من
طريق البخاري نا عثمان بن أبي شيبة نا طلحة بن يحيى الأنصاري نا يونس عن الزهري
عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه (رضي الله عنهما) (2) (أنه كان يرمى الجمرة الدنيا
بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل (3) مستقبل القبلة فيقوم
طويلا. ويدعو. ويرفع يديه. ثم يرمى الجمرة الوسطى. ثم يأخذ بذات الشمال فيسهل ويقوم
مستقبل القبلة (فيقوم طويلا) (4) ثم يدعو. ويرفع يديه. ثم يقوم طويلا. ثم يرمى جمرة
العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها. ثم ينصرف ويقول: هكذا رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم (5) يفعله) *
ومن طريق أبى داود نا علي بن بحر. وعبد الله بن سعيد المعنى قالا (جميعا) (6)
نا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة
أم المؤمنين قالت: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر. ثم رجع إلى
منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمى الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات
يكبر مع كل حصاة) (7) *
وأما قولنا: ويأكل القارن من هديه ولا بد ويتصدق، وكذلك من هدى التطوع
فلقول الله تعالى (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها
صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعلى رضوان الله عليه (8) قارنين، وأكلا من هديهما وتصدقا *

(1) في النسخة رقم (14) (باجماع) والصحيح ما هنا لأنه جواب الشرط. عن قوله. (واما قولنا) الخ، وقوله قبل
فقد تم حجه جواب الشرط. أعني قوله (ان نهض) وهو من مقول القول تنبه لذلك
(2) الزيادة من البخاري ج 3 ص 8، وفيه (عن أبن عمر) بدل (عن أبيه)
(3) في البخاري (حتى يسهل فيقوم) ومعنى سهل. بضم أوله وسكون ثانيه. يقصد السهل
من الأرض وهو المكان اللين الذي لا ارتفاع فيه
(4) الزيادة من البخاري
(5) في البخاري (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم)
(6) الزيادة من النسخة رقم (14) وهي غير موجوده في سنن أبي داود ج 2 ص 147
(7) في سنن أبي داود زيادة أسقطها المصنف، قال الحافظ المنذري: في اسناده محمد بن إسحاق بن يسار
(8) في النسخة رقم (14) (رضي الله عنه)
141

قال أبو محمد: وروى أثر (أن من لم يطف بالبيت يوم النحر فإنه يعود محرما كما كان
حتى يطوف به) رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أبيه وأمه زينب بنت
أم سلمة عن أمها عن أم سلمة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح لان أبا عبيدة
وإن كان مشهور الشرف والجلالة في الرياسة فليس معروفا بنقل الحديث. ولا معروفا
بالحفظ، ولو صح لقلنا به مسارعين إلى ذلك، وقد قال به عروة بن الزبير *
وأما قولنا: - (1) فأما المتمتع فإن كان من غير أهل الحرام أو لم يكن أهله معه قاطنين
هنالك ففرض عليه أن يهدى هديا ولا بد ولا يجزئه ان يهديه الا بعد أن يحرم بالحج،
فإن لم يجد هديا ولا ما يبتاعه به ء فليصم ثلاثة أيام من يوم يحرم بالحج إلى انقضاء يوم
عرفة وسبعة أيام إذا انقضت أيام التشريق، فإن لم يصم الثلاثة الأيام كما ذكرنا فليؤخر
طواف الإفاضة حتى تنقضي أيام التشريق، ثم يصوم الثلاثة الأيام فإذا أتمها كلها طاف
طواف الإفاضة في اليوم الرابع، ثم ابتدأ بصيام السبعة الأيام فإن لم يفعل حتى خرج
عن عمل الحج صام السبعة الأيام فقط واستغفر الله (2) إن كان تعمد ترك صيام الثلاثة
الأيام، ولو وجد هديا بعد إحرامه بالحج لم يجزه وفرضه الصوم ولا بد، فان وجده
قبل ان يحرم بالحج ففرضه الهدى - فلقول (3) الله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما
استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة
كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام). وهذا نص ما قلناه ولله الحمد كثيرا *
وقد أجاز قوم ان يصوم الثلاثة الأيام قبل ان يحرم بالحج وهذا خطأ لأنه خلاف
أمر الله تعالى بأن يصومها في الحج، وما لم يحرم المرء فليس هو في الحج فليس هو في وقت
بعد ممن تمتع بالعمرة
إلى الحج، ولا يجزئ (أداء) (4) فرض إلا في وقته الذي أوجبه الله تعالى فيه (5)،
وأجاز قوم ان يصوم الثلاثة الأيام في أيام التشريق وهذا خطأ، وقد ذكرنا البرهان على
بطلان (هذا القول) (6) في كتاب الصيام من هذا الديوان، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام
أيام التشريق جملة وبه يقول الشافعي. وأبو حنيفة. وأبو سليمان وغيرهم *
وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج عن نافع

(1) اعلم أن أغلب ما يذكره المصنف ويورده بلفظ (واما قولنا) الخ هو مختصر وفيه تغيير وتبديل لا باللفظ الذي سبق ذكره في أول مسالة 835 ص 117
(2) في النسخة رقم (16) (وليستغفر الله)
(3) في النسخة رقم (14) (لقول الله تعالى) وهو غلط لأنه جواب قوله (واما قولنا) ألح فيجب ان يقرن بالفاء
(4) الزيادة من النسخة رقم (14) ص 117
(5) في النسخة رقم 14 (فيه وبه) بزيادة (وبه) وما هنا أتم
(6) الزيادة من النسخة رقم (14) وسقطت من النسخة رقم (16) خطأ
142

عن ابن عمر قال: لا يصوم المتمتع إلا وهو محرم لا يقضى عنه الا ذلك * وروينا عن
عائشة وابن عمر أيضا جواز صيام أيام التشريق للمتمتع ولا حجة مع التنازع الا فيما
صح عن الله تعالى، أو عن رسوله عليه السلام، وروينا عن علي من طريق منقطعة عن
جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قال في المتمتع يفوته الصوم في العشر: أنه يتسحر ليلة
الحصبة فيصوم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع *
قال أبو محمد: ليلة الحصبة هي الليلة الرابعة عشر من ذي الحجة التالية لآخر أيام
التشريق، وروينا عن عمر. وابن عباس ان من لم يصم الثلاثة الأيام في عشر ذي الحجة
لم يكن له ان يصومها بعد *
قال على: قول الله تعالى - هو الحاكم على كل شئ - ولم يوجب تعالى صيام الثلاثة الأيام
إلا في الحج فليس له ان يصومها لاقبل الحج لأنه يكون مخالفا لأمر الله
تعالى في ذلك، ولم يوجب عز وجل صيامها (1) في الاحرام لكن في الحج، وهو ما لم
يطف طواف الإفاضة فهو في الحج بعد * وقال أبو حنيفة: إن صام الثلاثة الأيام بعد
ان أحرم بالعمرة وقبل ان يطوف لها أو بعد تمامها وقبل ان يحرم بالحج أجزأه ذلك
ولا يجزئه ان يصوم السبعة الأيام في عشر ذي الحجة، فكان هذا تناقضا لاخفاء به وخلافا
للقرآن كما ذكرنا بلا دليل، وقال بعضهم: معنى قوله تعالى: (في الحج) أي في أشهر
الحج فقلنا: هذا كذب على القرآن، فإن كان كما تزعمون فأجيزوا له صيامها في أشهر
الحج قبل ان يعتمر، والا فقد تناقضتم، وصح عن أم المؤمنين عائشة، وعن ابن عمر أنه
لا يصوم الثلاثة الأيام الابعد إحرامه بالحج، وهو قول مالك. والشافعي. وأحمد.
وأبي سليمان ولا يعرف لهم (2) مخالف من الصحابة في ذلك، وقال الشافعي: يصومهن
بعد أيام التشريق ويفرق بين الثلاثة والسبعة ولو بيوم *
قال على: وهذا خطأ وخلاف للقرآن كما ذكرنا، ولا فرق بين تقديم الفرض قبل
وقته. وبين تأخيره بعد وقته بغير نص * وقال عطاء: لا يجزئ هدى المتعة الا بعد الوقوف
بعرفة، وقال عمرو بن دينار: يجزئ مذ يحرم بالحج وبه نأخذ لما ذكرنا آنفا *
واختلفوا في معنى قوله تعالى (وسبعة إذا رجعتم) فقال قوم: إذا ارجعتم إلى بلادكم،
وقال آخرون: إذا رجعتم من عمل الحج وهو قول سفيان. وأبي حنيفة. وهو الصحيح
لأنه لا يجوز تخصيص القرآن بلا نص ولا ضرورة موجبة لتخصيصه، وقد ذكر تعالى
صيام الثلاثة الأيام في الحج، ثم قال عز وجل: (وسبعة إذا رجعتم) فصح أنه على ظاهره

(1) في النسخة رقم (16) (صيامهن)
(2) في النسخة رقم (16) (لهما) وهو خطأ
143

وعمومه بعد رجوعه من الحج الموجب عليه ذلك الصيام وبالله تعالى التوفيق (فان قيل) فقد رويتم
من طريق البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري (1) عن عروة عن عائشة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبين الصفا. والمروة ويقصر
ويحل ثم ليهلل بالحج (2) فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) قلنا:
نعم والرجوع إلى أهله يقع على وجهين، أحدهما المشي إلى بلده، والآخر الرجوع إلى
أهله وان حل له فيها ما كان له حراما بالعمل للحج، ولا يجوز تخصيص اللفظ إلا بنص
أو اجماع فحمله على كل ما يقع عليه اسم رجوع هو الواجب، فان صام السبعة إذا رجع
إلى أهله من تحريمها عليه فذلك جائز وان صامها إذا رجع بالمشي فذلك جائز *
قال أبو محمد: فإن لم يصم الثلاثة الأيام حتى أتم الحج فقد روينا عن عمر بن الخطاب
انه يعود عليه الهدى وصح ذلك (3) عن ابن عباس وهو قول عطاء، وطاوس، ومجاهد،
والنخعي، والحكم * وروى عنه أيضا ان عليه هديين، هدى المتعة، وهدى لتأخيره،
ولم يصح عنه، وبه يأخذ أبو حنيفة وأصحابه * وقال مالك والشافعي: يصومهن بعد الحج
وهذا قول روى عن علي ولم يصح عنه، وقال سعيد بن جبير: يطعم عن الثلاثة الأيام
ويصوم السبعة *
قال على: ولا حجة في أحد مع الله تعالى. ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نص عز وجل على
أن من لم يجد الهدى صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فصح يقينا ان من لم يجد
هديا. ولا ثمنه ان فرضه الصوم المذكور وانه لاهدى عليه فإذ هو كذلك بيقين وبلا
خلاف من أحد فلا يجوز سقوط فرضه الواجب عليه، وايجاب هدى قد جاء القرآن بسقوطه
عنه بقول مختلف فيه لا يصححه قرآن. ولا سنة، ولا يجزئه أيضا أن يصوم الثلاثة الأيام
في غير الوقت الذي افترض الله تعالى عليه صيامها فيه بقول مختلف فيه لا يصححه قرآن،
ولا سنة، وعمر، وابن عباس يقولان: لا يصوم بعد، وعلى يقول: لا يهدى بعد،
وسعيد بن جبير يقول: لا يهدى ولا يصومهن لكن يطعم، وغيره لا يرى الاطعام،
فلم يصح ايجاب صومهم أو هدى. أو اطعام بغير إجماع ولا نص بل النص مانع (4) منهما
وغير موجب للاطعام، وقد وجدنا الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وهو
ليس في وسعه أن يصوم الثلاثة الأيام في وقت قد فات، فصح انه ليس مكلفا بعد ما ليس
في وسعه من ذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)

(1) في البخاري ج 2 ص 324 (عن ابن شهاب) وهو هو
(2) في صحيح البخاري ج 2 ص 324 (وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج) والحديث اختصره المصنف
(3) في النسخة رقم (16) (وكذلك عن ابن عباس) وما هنا أتم وأوضح
(4) في النسخة رقم (16) (بل النص قد منع) وما هنا أنسب
144

فسقط عنه صوم الثلاثة الأيام لعجزه عن أدائها كما أمر وبقى عليه صيام السبعة الأيام
لأنه مستطيع عليها فعليه أن يأتي بها أبدا وتجزئ عنه، فان مات ولم يصمها صامها عنه
وليه على ما ذكرنا في كتاب الصيام، ولا تصام عنه الثلاثة الأيام لأنها ليست عليه بعد
الا أنه عاص لله تعالى إن كان تعمد ترك صيامها حتى فات وقتها فليستغفر الله عز وجل
وليتب وليكثر من فعل الخير، ولا حرج عليه إن كان تركها العذر لقول الله تعالى:
(لا يكلف الله نفسا الا وسعها) *
قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة: ان وجد هديا أن يتم صيام الثلاثة الأيام أو بعد
أن أتمهن وقبل أن يحل في أيام النحر فقد بطل صومه وعاد حكمه إلى الهدى، وان وجد الهدى
بعد انقضاء أيام النحر وقد حل أو لم يحل فصومه تام ولا هدى عليه، وقال مالك.
والشافعي: ان وجد الهدى بعد أن دخل في الصوم ففرضه الصوم (ولا هدى عليه) (1)
وان وجد الهدى قبل أن يأخذ في الصوم عاد حكمه إلى الهدى *
قال على: كلا القولين لا دليل عليه ولا حجة في أحد مع كلام الله تعالى وإنما أوجب
تعالى ما أوجب من الهدى. أو ن الصوم ان لم يجد الهدى بأن يكون متمتعا بالعمرة إلى
الحج فهو ما لم يحرم بالحج فليس متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يجب عليه حتى الآن هدى.
ولا صوم، ولا خلاف بين أحد من أهل الاسلام في أن المسلم ان اعتمر وهو يريد التمتع
ثم لم يحج من عامه ذلك فإنه لاهدى عليه وصوم، فصح يقينا انه لا يجب عليه ذلك الا
بدخوله في الحج فإنه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج فإذ لا شك في هذا فإنما حكمه
حين وجب عليه ذلك الحكم بالتمتع لا قبل ذلك ولا بعد ذلك، فإن كان في اثر حين إحرامه
بالحج قادرا على هدى ففرضه الهدى بنص القرآن سواء أعسر بعد ذلك أو كان معسرا
قبل ذلك، ولا يسقط عنه ما أوجبه الله تعالى عليه من الهدى بدعوى لا برهان على صحتها
من قرآن ولا سنة وعليه أن يهدى متى وجد، فإن كان في اثر حين إحرامه بالحج لا يقدر
على هدى ففرضه الصوم بنص القرآن سواء كان قبل ذلك قادرا على هدى أو قدر عليه
بعد ذلك لا يسقط عنه ما أوجب الله تعالى عليه بالقرآن بدعوى لا برهان على صحتها
قرآن ولا سنة * وقاسه الحنيفيون على المطلقة التي لم تحض تعتد بالشهور فتحيض قبل إتمام
عدتها فإنها تنتقل إلى العدة بالأقراء، أو بالمطلقة يموت زوجها قبل تمام عدتها فتنتقل إلى
عدة الوفاة *

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)
145

قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل
لأنه لا نسبة بين الحج وبين الطلاق، وإنما انتقلت التي لم تحض إلى العدة بالأقراء لان
القرآن جاء بذلك نصا، وبأن عدة المطلقة الأقراء إلا أن التي لم تحض أو يئست من الحيض
عدتها الشهور فإذا حاضت فبيقين ندري أنها ليست من اللواتي لم يحضن ولامن اللائي
يئسن من الحيض فوجب ان تعتد لما أمرها الله تعالى ان تعتد به من الأقراء، وإنما
انتقلت المتوفى عنها زوجها إلى عدة الوفاة لأنها ما دامت في العدة فهي زوجة له وجميع
أحكام الزوجية باق عليها وترثه ويرثها، فإذا مات زوجها لزمها ان تعتد أربعة أشهر
وعشرا كما أمرها الله تعالى، فظهر تخليط هؤلاء القوم. وجهلهم بالقياس. وخلافهم
القرآن بآرائهم *
وأما قولنا: ان هذا حكم من كان أهله قاطنين في الحرم بمكة فلان الله تعالى قال
(ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)، ووجدنا الناس اختلفوا * فقال أبو حنيفة:
حاضر والمسجد الحرام هو من كان ساكنا في أحد المواقيت قما بين ذلك إلى مكة، وهو
قول روى عن عطاء ولم يصح عنه، وصح عن مكحول * وقال الشافعي: هم من كان
من مكة على أربعة برد بحيث لا يقصر الصلاة إلى مكة، وصح هذا عن عطاء * وقال مالك:
هم أهل مكة وذي طوى، وقال سفيان. وداود: هم أهل دور مكة فقط، وصح عن نافع
مولى ابن عمر، وعن الأعرج، وروينا عن عطاء. وطاوس أنهم أهل مكة إلا أن طاوسا
قال: إذا اعتمر المكي من أحد المواقيت ثم حج من عامه فعليه ما على المتمتع. روينا ذلك
من طريق وكيع عن سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه * وروينا من طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري في حاضري المسجد الحرام قال: من كان أهله من مكة على يوم أو نحوه *
وقال آخرون: هم أهل الحرم كما روينا من طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش
عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: المسجد الحرام الحرم كله *
ومن طريق الحذافي عن عبد الرزاق نا معمر، وسفيان بن عيينة قال معمر: عن رجل عن
ابن عباس، وعن عبد الله بن طاوس عن أبيه، وقال سفيان: عن ابن أبي نجيح عن
مجاهد، ثم اتفق ابن عباس. وطاوس. ومجاهد في قول الله تعالى: (ذلك لمن لم يكن
أهله حاضري المسجد الحرام) قالوا كلهم: هي لمن يكن أهله في الحرم *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة وأصحابه ففي غاية الفساد وما نعلم لهم حجة الا أنهم قالوا:
وجدنا من كان أهل ما دون المواقيت لا يجوز لهم إذا أرادوا الحج أو المعرة ان يتجاوزوا
المواقيت إلا محرمين، وليس لهم ان يحرموا قبلها فصح ان للمواقيت حكما غير حكم ما قبلها
146

قال على: وهذا الاحتجاج في غاية الغثانة ويقال لهم: (نعم) (1) فكان ماذا؟
ومن أين وجب من هذا أن يكون أهل المواقيت فما وراءها إلى مكة هم حاضرو المسجد
الحرام؟ وهل هذا التخليط إلا كمن قال: وجدنا كل من كان في أرض الاسلام ليس
له ان يطلق سيفه - فيمن لقى - وغارته؟، ووجدنا من كان في دار الحرب له ان يطلق سيفه
وغارته، فصح ان لأهل (دار) (2) الاسلام حكما غير حكم غيرها فوجب من ذلك
أن يكون جميع أهل دار الاسلام حاضرو المسجد الحرام، ثم يقال له: ان الحاضر
عندكم يتم الصلاة والمسافر يقصرها فإذا كان أهل ذي الحليفة. والجحفة حاضري المسجد
الحرام - وهم عندكم يقصرون إلى مكة ويفطرون - فكيف يكون الحاضر يقصر ويفطر؟ *
والعجب كله ان جعل من كان في ذي الحليفة ساكنا من حاضري المسجد الحرام وبينهم
وبين مكة نحو مائتي يل، وجعل من كان ساكنا خلف يلملم ليس من حاضري المسجد
الحرام وليس بينه وبينها إلا ثلاثة وثلاثون ميلا فهل في التخليط أكثر من هذا؟ وانا لله
وانا إليه راجعون إذ صارت الشرائع في دين الله تعالى تشرع بمثل هذا الرأي *
وأما قول مالك: فتخصيصه ذا طوى قول لا دليل عليه ولا نعلم هذا القول عن
أحد قبل مالك،
وأما قول الشافعي: فإنه بنى قوله ههنا على قوله فيما تقصر فيه الصلاة، وقوله هنالك
خطأ فبنى الخطأ على الخطأ، ويقال لهم: أنتم تقولون: لا يجوز التيمم للحاضر المقيم أصلا
ويجوز لمن كان على ميل ونحوه من منزله، فهلا جعلتم حاضري المسجد الحرام قياسا على
من يجوز له التيمم؟، وهذا مالا انفكاك منه، وهذا مما خالف فيه الحنيفيون. والمالكيون.
والشافعيون صاحبا لا يعرف له مخالف من الصحابة وهم يشنعون بهذا *
وأما قول سفيان. وداود: فوهم منهما لان الله تعالى لم يقل. حاضري مكة وإنما قال
تعالى: (حاضري المسجد الحرام) فسقطت مراعاة مكة ههنا وصح ان المراعى ههنا
إنما هو المسجد الحرام فقط، فإذ ذلك كذلك فواجب ان نطلب مراد الله تعالى بقوله
(حاضري المسجد الحرام) لنعرف من ألزمه اله تعالى الهدى أو الصوم ان تمتع ممن لم يلزمه
الله تعالى ذلك فنظرنا فوجدنا لفظة المسجد الحرام لا تخلو من أحد ثلاثة وجوه (3)
لا رابع لها: اما أن يكون الله تعالى أراد الكعبة فقط، أوما أحاطت به جدران المسجد فقط، أم
أراد الحرم كله لأنه لا يقع اسم مسجد حرام الا على هذه الوجوه فقط، فبطل أن يكون
الله تعالى أراد الكعبة فقط لأنه لو كان ذلك لكان لا يسقط الهدى الا عمن أهله في

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (من أحد ثلاثة أوجه)
147

الكعبة وهذا معدوم وغير موجود، وبطل أن يكون عز وجل أراد ما أحاطت به
جدران المسجد الحرام فقط لان المسجد الحرام قد زيد فيه مرة بعد مرة فكأن يكون
هذا الحكم ينتقل ولا يثبت، وأيضا فكان لا يكون هذا الحكم إلا لمن أهله في المسجد
الحرام، وهذا معدوم غير موجود، فإذ قد بطل هذان الوجهان فقد صح الثالث إذ لم يبق
غيره، وأيضا فإنه إذا كان اسم المسجد الحرام يقع على الحرم كله فغير جائز ان يخص بهذا
الحكم بعض ما يقع عليه هذا الاسم دون سائر ما يقع عليه بلا برهان، وأيضا فان الله
تعالى قد بين علينا فقال: (يريد الله ليبين لكم) فلو أراد الله تعالى بعض ما يقع عليه
اسم المسجد الحرام دون بعض لما أهمل ذلك ولبينه، أو لكان الله تعالى معنتا لنا غير
مبين علينا ما ألزمنا (1)، ومعاذ الله من أن يظن هذا مسلم، فصح إذ لم يبين الله تعالى انه
أراد بعض ما يقع عليه اسم المسجد الحرام دون بعض فلا شك في أنه تعالى أراد كل ما يقع
عليه اسم المسجد الحرام، وأيضا فان الله تعالى يقول: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا
المسجد الحرام بعد عامهم هذا) فلم يختلفوا في أنه تعالى أراد الحرم كله، فلا يجوز تخصيص
ذلك بالدعوى، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة. وجابر. وحذيفة
(جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) (2)، فصح أن الحرم مسجد لأنه من الأرض فهو
كله مسجد حرام فهو المسجد الحرام بلا شك، والحاضرون هم القاطنون غير الخارجين،
فصح أن من كان أهله حاضري المسجد الحرام هم من كان أهله قاطنين في الحرم *
(فان قيل): فان من سكن خارجا منه بقربه هم حاضروه قلنا: هذا خطأ، وبرهان فساد هذا
القول اننا نسألكم عن تحديد ذلك القرب الذي يكون من هو فيه حاضرا مما يكون من هو فيه
غير حاضر، وهذا لا سبيل إلى تفصيله الا بدعوى كاذبة لان الأرض كلها خط بعد
خط إلى منقطعها *
وروينا من طريق مسلم نا علي بن حجر نا علي بن حجر نا علي بن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم
ان يزيد التيمي ان أباه قال له: سمعت أبا ذر يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ عن أول
مسجد وضع في الأرض فقال: ((المسجد الحرام) (3) *
قال أبو محمد: فصح انه الحرم كله بيقين لاشك فيه لان الكعبة لم تبن في ذلك الوقت
وإنما بناها إبراهيم. وإسماعيل عليهما السلام، قال عز وجل ت: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد
من البيت وإسماعيل) ولم يبن المسجد حول الكعبة الا بعد ذلك بدهر طويل، ولا خلاف

(1) في النسخة رقم (14) (ما لزمنا)
(2) هذا قطعة من حديث رواه البخاري ومسلم حذف المصنف أوله وآخره واتى
بمحل الشاهد منه
(3) الحديث اختصره المصنف انظر صحيح مسلم ج 1 ص 146
148

بين أحد من الأمة في أنه لو زيد في المسجد أبدا حتى يعم به جميع الحرم يسمى مسجدا حراما،
وانه لو زيد فيه من الحل لم يسم ما زيد فيه مسجدا حراما فارتفع كل اشكال ولله الحمد كثيرا (1) *
مسائل من هذا الباب
836 - مسألة - من كان له أهل حاضرو المسجد الحرام وأهل غير حاضرين
فلا هدى عليه ولا صوم لان أهله حاضرو المسجد الحرام فمن حج بأهله فتمتع. فان أقام
أكثر من أربعة أيام باهله بمكة فأهله حاضرو المسجد الحرام وان لم يقم بها الا
أربعة أيام فأقل (2) فليس أهله حاضري المسجد الحرام فعليه الهدى أو الصوم، وقد حج
مع رسول اله صلى الله عليه وسلم أهله وجماعة من أصحابه رضي الله عنهم بأهلهم فوجب على من
تمتع منهم الهدى أو الصوم، فصح ان من هذه صفته فليس أهله حاضري المسجد الحرام،
وإنما أقام (رسول الله) (3) عليه السلام بمكة أربعا في حجة الوداع، ثم رجعنا عن هذا
القول (4) إلى أنه ان أقام بأهله بمكة عشرين يوما فأقل فليس ممن أهله حاضرو المسجد
الحرام، فان بقي أكثر من عشرين يوما مذ يدخل مكة إلى أن يهل بالحج فهو ممن أهله
حاضرو المسجد الحرام لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة،
وإن كان مكي لا أهل له أصلا أوله أهل في غير الحرم فتمتع فعليه الهدى أو الصوم لأنه
ليس ممن أهله حاضرو المسجد الحرام، والأهل هم العيال خاصة هنا لان كل من حج مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش فان أهلهم كانوا بمكة - يعنى أقاربهم - فلم يسقط هذا عنهم
حكم الهدى أو الصوم الذي على المتمتع، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: ان الهدى الواجب على التمتع رأس من الغنم أو من الإبل. أو من
البقر، أو شرك في بقرة أو ناقة بين عشرة فأقل سواء كانوا متمتعين أو بعضهم، أو كان
فيهم من يريد نصيبه لحما للاكل أو البيع أو لنذر أو لتطوع فلقول الله تعالى (فمن تمتع
بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى) واسم الهدى يقع على الشاة. والبقرة. والبدنة *
وروينا عن ابن مسعود انه كان يجيز في ذلك الشاة * وعن ابن عباس مثل ذلك،
واختلف فيه عن أم المؤمنين (عائشة) (5) فروى عنها مثل قول ابن عباس، وروى عنها
أيضا. وعن ابن عمر انه لا يجزئ في ذلك شاد وانه إنما في ذلك الناقة أو البقرة كما روينا
عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق - هو السبيعي - عن وبرة
(1) إلى هنا تم الجز الثاني من كتاب المحلى للامام العلامة أبي محمد المشهور بابن حزم من النسخة الموجودة في دار الكتب المصرية
(14) من تجزئة ست مجلدات، نسأل الله الاكمال (2) في النسخة رقم (14) (وان لم يقم بها الا أربعة أيام فصاعدا) والصحيح
ما هنا (3) الزيادة من النسخة رقم (14) (4) سقط لفظ (القول) من النسخة رقم (14) (5) الزيادة من النسخة رقم (14) * (*)
149

ابن عبد الرحمن قال: قال لي ابن عمر: صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إلى
أهلك أحب إلى من شاة * ومن طريق حماد بن زيد عن غيلان بن جرير قال: سمعت
ابن عمر يسأل عن هدى المتعة - وهم يذكرون الشاة - فقال ابن عمر: شاة شاة ورفع بها صوته
لابل بقرة، أو ناقة * وعن عروة بن الزبير مثل قول ابن عر، وروينا عن طاوس
الترتيب. روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن عبد الله - هو ابن المديني -
نا هشام بن يوسف أنا ابن جريج قال: سمعت ابن طاوس يزعم عن أبيه انه كأن يقول:
بقدر يسار الرجل ان استيسر جزور فجزور، وان استيسر بقرة فبقرة وان لم يستيسر
الا شاة فشاة قال: وكان أبى يفرق بين ما استيسر وتيسر قال: فان استيسر على قدر
يساره وتيسر ما شاء
قال أبو محمد: وروينا من طريق البخاري نا إسحاق بن منصور انا النضر بن شميل
انا شعبة نا أبو جمرة (1) - هو نصر بن عمر ان الضنبعي - قال: سألت ابن عباس (رضي الله عنهم
ا) (2) عن المتعة؟ فأمرني بها وسألته عن الهدى؟ فقال: فيها جزور. أو بقرة. أو شاة
أو شرك في دم، وهكذا رويناه في تفسير هدى المتعة أيضا من طريق الحجاج بن المنهال
عن حماد بن سلمة عن أبي جمرة عن ابن عباس، وبهذا نأخذ *
فأما إجازة الشاة في ذلك فهو قول أبي حنيفة. ومالك. والشافعي:، وأما الشرك في الدم
فبه يقول أبو حنيفة. والشافعي. والأوزاعي. وسفيان الثوري. وأحمد بن حنبل
وإسحاق. وأبو ثور. وأبو سليمان الا ان أبا حنيفة قال: لا يجوز الشرك في الدم الا بأن
يكونوا كلهم يريدونه للهدى وان اختلفت أسبابهم، وقال صاحبه زفر بن الهذيل:
لا يجوز الا بأن تكون (3) أسبابهم واحدة مثل أن يكونوا كلهم متمتعين، أو كلهم
مفتدين ونحو هذا * وقال الشافعي. وأبو سليمان: كما قلنا إلا أنهم (كلهم) (4) قالوا:
لا يجوز ان يشرك فيه أكثر من سبعة *
فأما قول مالك: فإنهم احتجوا برواية رويناها من طريق أبى العالية. وسعيد بن جبير
وابن سيرين كلهم عن ابن عمر قال أبو العالية: سمعت ابن عمر يقول: يقولون البدنة عن
سبعة. والبقرة عن سبعة ما أعلم النفس تجزئ إلا عن النفس * وقال سعيد بن جبير عنه
أنه قال: ما كنت أشعر (5) ان النفس تجزئ إلا عن النفس * وقال ابن سيرين عنه

(1) في النسخ كلها (أبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي وهو غلط صححناه من فتح الباري ج 3 ص 426، وتهذيب التهذيب ج 10 ص 431
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 2 ص 322، والحديث اختصره المؤلف
(3) في النسخة رقم (14) (الا أن تكون)
(4) الزيادة في النسخة رقم (14)
(5) في النسخة رقم (16) ((ما كنت أشك) وما هنا موافق لقوله بعد (لا أعلم
150

أنه قال: لا أعلم (1) وما يراق عن أكثر من إنسان واحد وهو رأى ابن سيرين، وكره
ذلك الحكم. وحماد بن أبي سلمان، وما نعلم لهم شبهة غير هذا، وهذا لا حجة فيه لان
ابن عمر قد رجع عن هذا إلى إجازة الاشتراك، واما أخبر ههنا بأنه لم يعلم بذلك ولا شعر
به، وليس من لم يعلم حجة على من علم *
حدثنا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الله النمري نا عبد الله بن محمد يوسف الأزدي القاضي نا
إسحاق بن أحمد نا أحمد بن عمرو بن موسى العقيلي نا محمد بن عيسى الهاشمي نا عمرو بن علي
نا وكيع بن الجراح نا عريف بن درهم عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر قال: الجزور
والبقرة عن سبعة *
قال أبو محمد: اجازته عن ذلك (2) دليل بين على أنه علم بالسنة في ذلك بعد ان لم
يكن علمها، وقد جاء هذا نصا عنه كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا ابن نمير نا مجالد
عن الشعبي قال: قلت لابن عمر: البقرة. والبعير تجزئ عن سبعة فقال: وكيف؟ ألها
سبعة أنفس؟ فقلت له (3): ان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين بالكوفة أفتوني فقال: القوم
نعم: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو بكر. وعمر فقال ابن عمر: ما شعرت، فبطل تعلقهم
بان عمر، ولم يمنع من ذلك حماد. والحكم لكن مكرهاه فقط، فصح أنهما مجيز ان لذلك،
وإنما هو عن ابن سيرين رأى لاعن أثر فبطل أن يكون لهذا القول متعلق أصلا، وقد
ذكرنا عن ابن عمر آنفا أنه رأى الصوم في التمتع ولم يجز الشاة في ذلك، وروينا من
طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن زيد بن جبير قال: سمعت ابن عمر
سئل عمن يهدى جملا؟ فقال: ما رأيت أحدا فعل ذلك *
قال على: من الباطل الفاحش أن يكون ابن عمر، أو غيره حجة في مكان غير حجة
في (مكان) (4) آخر، وروينا ن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان
عن إبراهيم النخعي قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: البدنة عن سبعة، والبقرة عن
سبعة * وعن قتادة عن أنس كمان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يشركون السبعة في البدنة من الإبل * وعن
سفيان الثوري عن مسلم القرى عن حبة العرني عن علي بن أبي طالب قال: البدنة عن سبعة والبقرة
عن سبعة * وعن سفيان الثوري عن زهير بن أبي ثابت عن سليمان بن زافر العبسي (5) قال: أنا وأمي
أخذنا مع حذيفة بن اليمان من بقرة عن سبعة في الأضحى * وعن سفيان الثوري عن أبي حصين عن
خالد بن سعد عن أبي مسعود البدري قال: تنحر البدنة عن سبعة. والبقرة عن سبعة * ومن
طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سليمان بن يسار

(1) في النسخة رقم (16) (ما اعلم)
(2) في النسخة رقم (16) (اجازته لذلك)
(3) في النسخة رقم (14) سقط لفظ (له) منها
(4) الزيادة من النسخة رقم (14)
(5) وفى نسخة (القيسي) لم أجدهما
151

عن عائشة أم المؤمنين قالت: البقرة. والجزور عن سبعة، وبه إلى ابن أبي شيبة عن
ابن فضيل عن مسلم عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود قال: البقرة والجزور
عن سبعة * وعن يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال:
الجزور. والبقرة عن سبعة * وصح القول بذلك أيضا عن عطاء. وطاوس. وسليمان
التيمي. وأبى عثمان النهدي. والحسن البصري. وقتادة. وسالم بن عبد الله بن عمر.
وعمرو بن دينار وغيرهم *
والحجة لهذا القول ما رويناه من طريق مالك عن أبي الزبير (المكي) (1) عن جابر
ابن عبد الله (انه) (2) قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية البدنة عن سبعة
والبقرة عن سبعة * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان نا جعفر بن محمد نا أبى - هو محمد
ابن علي بن الحسين - نا جابر بن عبد الله فذكر حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها (فنحر عليه السلام
ثلاثا وستين فأعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه) *
ومن طريق أحمد بن شعيب أنا أبو داود - هو الطيالسي - نا عفان بن مسلم نا حماد بن
سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نحر البدنة عن سبعة. والبقرة عن سبعة) *
قال أبو محمد: فصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو اجماع من الصحابة كما أوردنا * وأما
قول من لم يجز ذلك إلا عن سبعة فإنه تعلق بما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وعن الصحابة
رضي الله عنهم، فأما الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم فقد اختلفوا *
روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا إسحاق (بن إبراهيم) - هو ابن راهويه (3) انا
الفضل بن موسى نا الحسين بن واقد عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال:
(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضر النحر فنحرنا البعير عن عشرة (4)) * ومن طريق الحذافي
عن عبد الرزاق نا معمر نا قتادة قال: قال سعيد بن المسيب: البدنة عن عشرة *
فهذا اختلاف من الصحابة والتابعين على أننا إذا تأملنا فعل الصحابة رضي الله عنهم وقولهم
في ذلك فإنما (5) هو أن البقرة عن سبعة. والبرنة عن سبعة، وهذا قول صحيح وليس
فيه منع من جوازهما عن أكثر من سبعة، وكذلك الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا
إنما فيه أنه عليه السلام (نحر البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة) وهذا حق ودين وليس
فيه منع من نحرهما عن أكثر من سبعة، أو عن أقل من سبعة، وكذلك ما رويناه من

(1) الزيادة من الموطأ ج 2 ص 37
(2) الزيادة من الموطأ
(3) في سنن النسائي (أخبرنا محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا الفضل) الخ بدل (انا إسحاق بن إبراهيم) والزيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسائي ج 7 ص 222 (فحضر النحر فاشتركنا في البعير عن عشرة والبقرة عن سبعة) (5) في النسخة رقم (16) (إنما)
152

طريق أبى داود نا موسى بن إسماعيل نا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح
عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البقرة عن سبعة والجزور عن
سبعة) (1) فنعم قال: الحق وقوله الحق: وليس في هذا منع من جوازهما عن أكثر
من سبعة ان جاء برهان بذلك وإلا فلا تجوز الزيادة على ذلك بالدعوى *
فنظرنا (في ذلك) (2) فوجدنا ما رويناه من طريق أبى داود السجستاني نا عمرو بن عثمان.
ومحمد بن مهران الرازي قالا (جمعيا) (3): نا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى
ابن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذبح عمن اعتمر من أزواجه (4) بقرة بينهن) *
ومن طريق البخاري نا عثمان - هو ابن أبي شيبة - نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن
منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) (5)
(قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج فلما قدمنا تطوفنا بالبيت.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدى ان يحل فحل من لم يكن ساق الهدى ونساؤه لم
يسقن فأحللن) *
قال أبو محمد: كن رضوان الله عليهن تسعا خرجت منهن عائشة لأنها لم تحل لكنها
أردفت حجا على عمرتها كما جاء في أثر آخر فبقي ثمان لم يسقن الهدى فأحللن كما تسمع
ونحر عليه السلام عنهن كلهن بقرة واحدة فهذا عن أكثر من سبعة، فان قيل: قد روى أنه
عليه السلام أهدى عن نسائه البقر قلنا: هذا لفظ رويناه من طريق عبد العزيز
ابن أبي سلمة الماجشون عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين فذكرت
حديثا، وفيه فأتينا بلحم فقلت: ما هذا؟ قالوا: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر *
وقد روينا هذا الخبر نفسه عمن هو أحفظ وأضبط من ابن الماجشون عن عبد الرحمن
ابن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين فبين ما أجمله ابن الماجشون * ورويناه من
طريق البخاري عن مسدد عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن
عائشة أم المؤمنين فذكرت الحديث (وفيه قالت: فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت:
ما هذا؟ قالوا: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر) (5) فبين سفيان في هذا

(1) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 56. والجزور - بفتح الجيم - البعير ذكرا كان أو أنثى
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) الزيادة ليست موجدة في سنن أبي داود ج 3 ص 79 (4) في سنن أبي داود (من نسائه) قال الحافظ المنذري: وأخرجه النسائي وابن ماجة
(5) الزيادة من البخاري ج 2 ص 279 والمصنف اختصر الحديث واقتصر على محل الشاهد منه
(6) هو في البخاري ج 7 ص 181
153

الخبر - وهو الذي رواه عبد العزيز بن الماجشون نفسه - ان تلك البقر كانت أضاحى،
والأضاحي غير الهدى في التمتع بالعمرة إلى الحج بلا شك *
ومن طريق مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن حاتم نا محمد بن بكر انا ابن جريج أنا أبو
الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم (فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أحللنا ان نهدي ونجمع النفر منا في الفدية (1) وذلك حين أمرهم ان يحلوا في هديهم
من حجهم) (2) *
قال أبو محمد: هذا سند لا نظير له، وبيان لا إشكال فيه، والبقر يقع على العشرة وأقل
وأكثر فنظرنا في الآية فوجدنا الله تعالى أيضا يقول: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما
استيسر من الهدى). ومن للتبعيض فجاز الاشتراك في الهدى بظاهر الآية *
(فان قيل): فمن أين اقتصرتم على العشرة فقط؟ قلنا: لوجهين، أحدهما أنه لم يقل أحد: بأنه
يجوز أن يشرك في هدى فرض أكثر من عشرة؟ والثاني ما رويناه عن طريق البخاري نا مسدود
نا أبو الأحوص نا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن أبيه عن
جده رافع بن خديج فذكر حديث حنين (وفيه أنه عليه السلام قسم بينهم وعدل بعيرا
بعشر شياه) (3) *
قال على: قد صح إجماع المخالفين لنا مع ظاهر الآية بان شاة تجزئ في الهدى
الواجب في التمتع. والاحصار. والتطوع. وقد عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم عشر شياه ببعير
فصح ان الشاة بإزاء عشر البعير جملة، وان البقرة كالبعير في جواز الاشتراك فيهما
في الهدى الواجب فيما ذكرنا، فصح ان البعير والبقرة يجزئان عما يجزئ عنه عشر شياه،
وعشر شياه تجزئ عن عشرة، فالبعير. والبقرة يجزئ كل واحد منهما عن عشرة، وهو
قول ابن عباس. وسعيد بن المسيب. وإسحاق بن راهويه وبه نقول لما ذكرنا. وبالله
تعالى التوفيق *
وأما من منع من اختلاف اغراض المشتركين في الهدى فإنهم احتجوا بأن قالوا:
إذا كان فيهم من يريد نصيبه للبيع، أو للاكل لا للهدى فلم تحصل البدنة ولا البقرة مذكاة
للهدى القصود به إلى الله عز وجل * وحجة زفر أنه لم يحصل الهدى المذكور إذا اشترك
(4) فيه المحصر. والمتمتع. والمتطوع. والقارن فلم يحصل الهدى مذكى لما قصده به كل واحد منهم،
والذكاة لا تتبعض *

(1) في النسخة رقم (16) (في الهدية) وهما بمعنى
(2) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 344 اختصره المصنف وذكره بمعناه
(3) (وفى صحيح البخاري ج 7 ص 178 مطولا اختصر) المصنف واقتصر على محل الشاهد منه
(4) في النسخة رقم (16) (المذكور المشترك)
154

قال أبو محمد: وهذا لا يحل (1) الاحتجاج به لأنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
أوردنا أنه أمر أن يجتمع النفر منهم في الهدى (2) وأنه قال عليه السلام: (البقرة عن
سبعة والجزور عن سبعة) فعم عليه السلام ولم يخص من اتفقت اغراضه ممن اختلفت،
وإنما أمرنا في الهدى بالتذكية وبالنية عما يقصده المرء، وقد قال عليه السلام (ولكل
امرئ ما نوى) فحصلت البدنة. والبقرة مذكاة إذ ذكيت كما أمر الله تعالى بأمر مالكها
وسمى الله تعالى عليها، ثم لكل واحد منهم في حصته منها نية. قال عز وجل: (ولا تكسب
كل نفس الا عليها) فأحكام جملتها أنها مذكاة، وحكم كل جزء منها ما نواه فيه مالكه،
ولا فرق حينئذ بين اجزاء سبعة من البقرة أو البعير وبين سبع شياة (3)، ولا يختلفون
في أنهم وإن كانت أغراضهم متفقة وكان سببهم كلهم واحد فان لكل واحد حكمه وانه
قد يمكن أن يقبل الله تعالى من بعضهم ولا يقبل من بعضهم، ولا يقدح ذلك في حصة
المتقبل منه، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: لا يجزئه أن يهديه ألا بعد أن يحرم بالحج وان له أن يذبحه أو ينحره
متى شاء بعد ذلك ولا يجزئه ان يهديه وينحره الا بمنى أو بمكة فلان الله تعالى قال:
(فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى) فإنما أوجبه تعالى على من تمتع بالعمرة
إلى الحج لاعلى من لم يتمتع بالعمرة إلى الحج (بلا شك) (4)، فهو ما لم يحرم بالحج فلم يتمتع بعد
بالعمرة إلى الحج وإذ لم يتمتع بعد بالعمرة إلى الحج فالهدى غير واجب عليه، ولا يجزئ
غير واجب عن واجب الا بنص وارد في ذلك، ولا خلاف بين أحد في أنه ان بدا له فلم
يحج من عامه ذلك فإنه لاهدى عليه فصح أنه ليس (عليه) (5) هدى بعد، وإذا لم يكن
عليه فلا يجزئه ما ليس عليه عما يكون عليه بعد ذلك، وهو قول الشافعي. وأبي سليمان *
وأما ذبحه ونحره بعد ذلك فلان هذا الهدى قد بين الله تعالى لنا أول وقت وجوبه
ولم يحد آخر وقت وجوبه بحد، وما كان هكذا فهو دين باق أبدا حتى يؤدى، والامر به ثابت
حتى يؤدى، ومن خصه بوقت محدود فقد قال على الله تعالى: ما لم يقله عز وجل، وهذا عظيم جدا *
وقال أبو حنيفة. ومالك: لا يجزئ هديه قبل النحر وهذا قول لا دليل على
صحته بل هو دعوى بلا برهان، وما كان هكذا فهو ساقط. والعجب ن تجويز أبي حنيفة
تقديم الزكاة وإجازة أصحابه لمن نذر صيام يوم الخميس فصام يوم الأربعاء قبله أجزأه
ثم لا يجيزون هدى المتعة قبل يوم النحر *

(1) في النسخة رقم (16) (وهذا لا يصح)
(2) في النسخة رقم (16) (ان يجمع النفر منهم في الهدى)
(3) في النسخة رقم (16) (أو سبع شياه) بحذف بين وبلفظ أو
(4) الزيادة من النسخة رقم (14)
(5) الزيادة من النسخة رقم (14)
155

وأما قولنا: انه لا يجزئ الا بمكة أو منى فان قوما قالوا: (1) يجزئ في كل بلد لان
الله تعالى يحد موضع أدائه فهو جائز في كل موضع، ولو أراد الله تعالى قصره على مكان
دون مكان لبينه كما بين ذلك في جزاء الصيد بقوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) ولم يقل:
في هدى المتعة ولا في هدى المحصر (وما ان ربك نسيا)، (فان قيل): نقيس الهدى على
الهدى في ذلك قلنا: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لأنه ان
صححتم قياسكم هدى المتعة على هدى جزاء الصيد لزمكم أن تقيسوه عليه في تعويض الاطعام
من الهدى والصيام في هدى المتعة وأنتم لا تقولون: هذا، فظهر فساد قياسكم وتناقضه *
قال أبو محمد لكن الحجة في ذلك ان الله تعالى قال: (ومن يعظم شعائر الله فإنها
من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى * ثم محلها إلى البيت العتيق) وقال تعالى:
(والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير) فجاء النص بان شعائر الله تعالى محلها
إلى البيت العتيق، وان البدن من شعائر الله تعالى، فصح يقينا ان محلها إلى البيت العتيق،
ولا خلاف بين أحد في أن حكم الهدى كله كحكم البدن *
روينا من طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا يحيى بن سعيد القطان نا جعفر بن محمد
ابن علي عن أبيه ان جابر بن عبد الله حدثه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: قد نحرت هنا
ومنى كلها منحر) (2) * نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبيد الله بن الحسين بن عقال نا
إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا معاذ بن المثنى نا مسدد نا حفص
ابن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند المنحر (3):
هذا المنحر وفجاج مكة كلها منحر) (4)، وقال عليه السلام في منى (هذا المنحر وفجاج
منى كلها منحر) فصح أنه حيثما نحرت البدن والاهداء من فجاج مكة ومنى - وهو الحرم كله -
فقد أصاب الناحر، وأنه لا يجوز نحر البدن والهدى في غير الحرم الا ما خصه النص
من هدى المحصر. وهدى التطوع إذا عطب قبل بلوغه مكة (5) * وروينا عن طاوس، وعطاء
قالا: كل ما كان من هدى فهو بمكة والصيام والاطعام حيث شئت * وعن مجاهد انحر
حيث شئت *
وأما قولنا: ومن كان أهله ساكنين في الحرم فلا يلزمه في تمتعه هدى ولا صوم وهو
محسن في تمتعه * وقال قوم: هو مسئ في تمتعه *
قال أبو محمد: (6) قال الله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم

(1) في النسخة رقم (14) (فقد قال قول)
(2) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 138
(3) في النسخة رقم (16) (عند المسجد)
(4) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 138
(5) في النسخة رقم (16) (قبل دخوله مكة)
(6) جواب قوله (وأما قولنا) الخ قوله قال أبو محمد الخ
156

يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله
حاضري المسجد الحرام) *
قال على: فقال المخالفون: لو أن الله تعالى أراد ما قلتم لقال: ذلك على من لم يكن
أهله حاضري المسجد الحرام، فصح أن المتعة إنما هي لغير أهل مكة *
قال أبو محمد: ليس كما قالوا: لان الهدى أو الصوم الذي أوجبه الله تعالى في التمتع
إنما هو نسك زائد وفضيلة وليس جبرا لنقص كما ظن من لا يحقق، فهو لهم لا عليهم (1) *
برهان صحة ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت
ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة ولا حللت) (2) أو كما قال عليه السلام، فأخبر عليه السلام
بفضل المتعة وأنها أفضل أعمال الحج، وأسقط الله عز وجل الهدى عن أهل مكة والصوم
فيها لما هو أعلم به، وظاهره الرفق بهم لأنه لاشك في أن الله تعالى لو كلفهم ذلك لكان
حرجا عليهم لسهولة العمرة عليهم ولا مكانها لهم كل يوم بخلاف أهل الآفاق،
وقال الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ويبطل قول المخالف ان
الآية لو كانت كما ظن لحرمت في أشهر الحج على أهل مكة والحرم، وهذا
خلاف ما جاءت به السنة من الحض على العمرة وأنها كفارة لما بينهما، فدخل في ذلك
أهل مكة وغيرهم *
روينا عن سعيد بن منصور نا هشيم نا حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس
قال: ليس على أهل مكة هدى (في) (3) المتعة * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم.
ووكيع، قال هشيم: نا المغيرة بن مقسم. ويونس بن عبيد قال المغيرة: عن النخعي، وقال
يونس: عن الحسن، وقال وكيع: عن الحسن بن حي عن ليث عن عطاء. وطاوس.
ومجاهد، ثم اتفق عطاء. وطاوس. ومجاهد. والحسن. والنخعي. قالوا كلهم: ليس
على المكي هدى في المتعة *
ومن طريق الحذافي عن عبد الرزاق عن ابن جريج. ومعمر قال ابن جريج: عن
عطاء وقال معمر. عن الزهري، ثم اتفق الزهري، وعطاء قالا جمعيا في المكي يمر بالميقات
فيعتمر منه: إنه ليس بمتمتع وبهذا نقول * وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع
عن سفيان عن ابن طاوس عن أبيه قال: إذا خرج المكي إلى الميقات فتمتع منه فعليه الهدى *
قال أبو محمد: لا شئ عليه لان أهله حاضرو المسجد الحرام، وزعم المالكيون ان
الهدى إنما جعل على المتع لاسقاطه سفر الحج إلى مكة *

(1) يعنى هدى المتمتعين لهم لا عليهم
(2) تقدم الحديث غير مرة
(3) الزيادة من النسخة رقم (14)
157

قال على: وهذا باطل بحت، والعجب من تسهيلهم على أنفسهم مثل هذا القول الفاسد
الذي يفتضحون به (1) من قرب، ويقال لهم: هذه العلة نفسها موجودة فيمن اعتمر
في آخر يوم (2) من رمضان، ثم أقام بمكة حتى حج فقد أسقط أحد السفرين وأنتم لا ترون
عليه هديا ولا صوما، ثم تقولون فيمن اعتمر في أشهر الحج ثم خرج إلى ما رواء أبعد
المواقيت فأهل بالحج منه، وهو من أهل مصر أو الشام أو العراق: أنه لاهدى عليه
ولاصوم ولم يسقط أحد السفرين، ويقولون فيمن كان من أهل هذه البلاد فخرج لحاجته
لا يريد حجا وكانت حاجته بعسفان أو ببطن فلما صار بها بدا له في الحج والعمرة فحج
بعد ان اعتمر في غير أشهر الحج. فلا هدى عليه وهو قد أسقط السفرين إلى الحج وإلى
العمرة أيضا، ولعمري ما ينبغي لمن له دين أو عقل ان يطلق عن الله تعالى مالا علم له
به، وبالله تعالى نتأيد *
وأما قولنا: - والمتمتع الذي يجب عليه الصوم أو الهدى هو من ابتدأ عمرته بأن يحرم
لها في أحد أشهر الحج لاقبل ذلك أصلا ويتم عمرته ثم يحج من عامه سواء رجع فيما
بين ذلك إلى الميقات أو إلى منزله أو إلى أفق أبعد من منزله أو مثله أو أقرب منه
أو أقام بمكة، اعتمر فيما بين ذلك عمرا كثيرة أو لم يعتمر، فان أحرم بالعمرة قبل هلال
شوال فليس بمتمتع ولا هدى عليه ولا صوم ان حج من عامه، أقام بمكة أو لم يقم عمل
بعض عمرته أكثرها أو أقلها في أشهر الحج. أو لم يعمل منها شيئا في أشهر الحج إلا أن
يعتمر بعد ذلك في أشهر الحج فيكون متمتعا - فان (3) الناس اختلفوا في هذا *
فقالت طائفة: كما روينا ن طريق حماد بن سلمة نا إسحاق بن سويد قال: سمعت
ابن الزبير يقول: أيها الناس ان المتمتع ليس بالذي تصنعون يتمتع أحدكم بالعمرة قبل
الحج ولكن الحاج إذا فاته الحج أو ضلت راحلته أو كسر حتى يفوته الحج فإنه يجعلها
عمرة وعليه الحج من قابل وما استيسر من الهدى * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر
عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: كان ابن الزبير يقول: المتعة لمن أحصر *
وقالت طائفة: المتمتع هو من اعتمر في أي أشهر السنة كانت عمرته قبل أشهر الحج
أو في أشهر الحج، ثم أقام حتى حج من عامه فهذا عليه الهدى أو الصوم، وكذلك من
اعتمر في أشهر الحج ثم أقام حتى حج من عامه أو لم يحج فعليه الهدى أو الصوم * روينا
من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن طاوس قال. إذا أهل

(1) في النسخة رقم (16) (فيه) بدل (به)
(2) في النسخة رقم (14) (آخر يوم) باسقاط لفظ (فيه)
(3) هذا جواب قوله قبل (واما قولنا: والمتمتع) الخ
158

بالعمرة في أشهر الحج فعليه الهدى وان لم يحج * ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري
عن ليث عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: إن اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام إلى
الحج فهو متمتع * ومن طريق وكيع عن سفيان عن ابن طاوس عن أبيه قال. إذا
خرج المكي إلى الميقات فاعتمر منه فعليه الهدى *
وقالت طائفة: ليس المتمتع الا من أهل بالعمرة في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى
حج من عامه فان رجع إلى أهله بين العمرة والحج فليس متمتعا * روينا من طريق
وكيع نا العمرى عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال: إذا أهل بالعمرة في
أشهر الحج ثم أقام حتى يحج فهو متمتع وإذا رجع إلى أهله ثم حج فليس متمتعا *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع. وحفص بن غياث قال حفص: عن يحيى بن سعيد
عن نافع عن ابن عمر، وقال وكيع: عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قالا جميعا: من
اعتمر في أشهر الحج ثم رجع فليس بمتمتع ذاك من أقام ولم يرجع * وبه إلى وكيع
نا سفيان الثوري عن المغيرة. ويحيى بن سعيد الأنصاري قال المغيرة: عن إبراهيم النخعي،
وقال يحيى: عن سعيد بن المسيب قالا جميعا: مثل قول عمر *
وقالت طائفة: المتمتع من أهل بالعمرة في أشهر الحج لا قبلها. ثم أقام بمكة حتى
حج من عامه، فان خرج بين العمرة والحج إلى ما تقصر فيه الصلاة من مكة فليس متمتعا *
روينا من طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن ليث عن عطاء قال: ليس بمتمتع
حتى يعتمر في أشهر الحج * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن ابن جريج قال قال
(عطاء) (1): عمرته في الشهر الذي يهل فيه فإذا سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فليس بمتمتع *
ومن طريق وكيع نا سفيان عن ليث عن عطاء فيمن أهل بالعمرة في أشهر الحج
ثم لم يحج من عامه قال. لا شئ عليه *
وقالت طائفة: ان المتمتع من طاف في أشهر الحج: ثم حج من عامه. روى ذلك من
طريق سفيان عن بعض أصحابه عن إبراهيم النخعي قال: عمرته في الشهر الذي يطوف فيه *
ومن طريق عبد الرزاق عن هشام عن حفصة بنت سيرين قالت: أحرمنا بالعمرة
في رمضان فقد منا مكة في شوال فسألنا الفقهاء - والناس متوافرون - فكلهم قال: هي متعة *
ومن طريق عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن مطر الوراق عن الحسن. والحكم
ابن عتيبة فيمن أهل في رمضان وطاف في شوال قالا جميعا: عمرته في الشهر الذي طاف فيه *
وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم قال: إذا رجع إلى

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)
159

أهله قبل ان يحج وبعد ان اعتمر في أشهر الحج فليس متمتعا، فان أقام حتى يحج فهو
متمتع، وهو كله قول سفيان *
وقالت طائفة: ان أحرم بالعمرة في رمضان فدخل الحرم قبل هلال شوال فليس
متمتعا وإن دخل الحرم بعد هلال شوال فهو متمتع إذا حج من عامه كما روينا من طريق
عبد الرزاق عن معمر. وابن جريج قال معمر: عن ابن أبي نجيح عن عطاء، وقال
ابن جريج: عن عطاء قال: إذا دخل المحرم الحرم قبل ان يرى هلال شوال فليس متمتعا
وان دخل الحرم بعد أن يرى هلال شوال فهو متمتع إذا مكث إلى الحج، وهو قول الأوزاعي *
وقالت طائفة: مثل قولنا كما روينا من طريق مالك عن عبد الله بن دينار قال سمعت
ابن عمر يقول: من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة (أو في ذي الحجة قبل
الحج) (1) فقد استمتع ووجب عليه الهدى أو الصيام إذا لم يجد هديا *
ومن طريق عبد الرزاق عن سيف عن يزيد الفقير أن قوما اعتمروا في أشهر الحج ثم خرجوا
إلى المدينة فأهلوا بالحج فقال ابن عباس: عليهم الهدى * ومن طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج عن عطاء فيمن قدم في غير أشهر (2) الحج معتمرا ثم بدا له ان يعتمر
في أشهر الحج قال: لا يكون متمتعا حتى يأتي من ميقاته في أشهر الحج قلت له: أرأى
أم علم؟ قال. بل علم *
قال أبو محمد: إنما وافقنا عطاء في أنه لا يكون المتمتع إلا من أحرم في أشهر الحج
لافى قوله: ان من قدم في غير أشهر الحج محرما ثم اعتمر ثم حل ثم اعتمر في أشهر الحج
أنه ليس متمتعا بل هو متمتع ان حج من عامه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة قال: عمرته في الشهر الذي أهل فيه * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم وأبو عوانة
قال أبو عوانة: عن قتادة عن سعيد بن المسيب، وقال هشيم: انا يونس عن الحسن ثم
اتفق الحسن وسعيد قالا. في المتمتع عليه الهدى وان رجع إلى بلاده *
وقالت طائفة (أخرى) (3): ان أحرم في غير أشهر الحج فطاف من عمرته أربعة
أشواط (4) ثم أهل هلال شوال فأتم عمرته ثم أقام بمكة أو لم يقم إلا أنه لم يرجع إلى
بلده أو أهل بعمرته كذلك في أشهر الحج ولم يكن من أهل المواقيت فما دونها فهو متمتع
عليه الهدى أو الصوم، فان أهل بعمرته في غير أشهر الحج وطاف من عمرته ثلاثة (5)
أشواط، ثم أهل هلال شوال فليس متمتعا * وهو قول أبي حنيفة، ووافقه أبو يوسف على ذلك

(1) الزيادة من الموطأ ج 1 ص 317 والحديث اختصره المصنف
(2) في النسخة رقم (16) (في غير شهور)
(3) الزيادة من النسخة رقم (16)
(4) في النسخة رقم (14) (أقل من أربعة أشواط) وما هنا موافق لما يأتي بعد
(5) في النسخة رقم (14) (أربعة وما هنا موافق لما يأتي بعد (قوله قال أبو محمد: اما قول أبي حنيفة في تقسيمه بين الأربعة الأشواط والأقل)
160

إلا أنه قال: إذا رجع (1) إلى ما وراء ميقات من المواقيت فليس متمتعا، وقالوا:
من كان متمتعا ولا هدى معه فإنه يحل إذا أتم عمرته فإن كان أتى بهديه (2) فإنه لا يحل
حتى يحل من الحج يوم النحر فان حل فعليه هدى آخر لاحلاله *
وقالت طائفة: من اعتمر في أشهر الحج أو أهل بعمرة في رمضان ثم بقي عليه
من الطواف بين الصفا والمروة شئ وإن قل فأهل هلال شوال ثم أقام بمكة أو رجع
إلى أفق دون أفقه في البعد ثم حج من عامه فهو متمتع، فان أتم عمرته في رمضان فليس
متمتعا، وكذلك الذي يعتمر في شهر من شهور الحج ثم يرجع إلى أفقه أو أفق مثل أفقه
في البعد فليس متمتعا، وان حج من عامه، وهو قول مالك *
وقالت طائفة: من اعتمر أكثر عمرته في أشهر الحج، ثم أقام أو خرج إلى ما دون
ميقات من المواقيت فهو متمتع إذا حج من عامه، فان خرج إلى ميقات من المواقيت
أو اعتمر في غير أشهر الحج فليس متمتعا، وهو قول الشافعي *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة في تقسيمه بين الأربعة الأشواط والأقل فيما يكون
به متمتعا فقول لا يعرف عن أحد قبله، ولا حجة له فيه لان قرآن، ولان سنة
صحيحة، ولا رواية سقيمة، ولا قول صاحب، ولا تابع، ولا قياس * واحتج له بعض
مقلديه بأنه عول على قول عطاء في المرأة تحيض بعد ان طافت أربعة أشواط *
قال أبو محمد: وهذه مسألة غير المتعة، وقول عطاء أيضا فيها خطأ لأنه خلاف أمر
رسول الله صلى الله عليه وآله (الحائض ان لا تطوف بالبيت)، ولأنه (3) تقسيم بلا دليل أصلا *
وأما قول أبي حنيفة: ان المعتمر الذي معه الهدى المريد الحج فإنه لا يحل حتى يحل من
حجه فإنه نبي على الآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأمره من معه الهدى بالبقاء على إحرامه
ومن لاهدى معه بالاحلال، والاحتجاج بهذه الآثار لقول أبي حنيفة جهل مظلم وقول
بغير علم، أو تعمد - ممن يعلم الكذب - على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاها بلية لان جميع تلك
الآثار إنما وردت بأنه عليه السلام أمر من لاهدى معه من المفردين للحج والقارنين بالاحلال،
وأمر من معه الهدى بأن يقرن بين حج وعمرة، وليس في شئ منها انه عليه السلام أمر
معتمرا لم يقرن بالبقاء على إحرامه، وقد ذكرناها في ذكرنا عمل الحج من ديواننا هذا *
وأما قول مالك في تفريقه بين بقاء شئ من السعي لعمرته حتى يهل هلال شوال فلا
يحفظ عن أحد قبله ولاله أيضا تعلق في ذلك لا بقرآن. ولا بسنة. ولا برواية صحيحة. ولا
سقيمة، ولا بقول صاحب، ولاتابع، ولا قياس *

(1) في النسخة رقم (16) (ان رجع)
(2) في النسخة رقم (16) ((بهدى)
(3) في النسخة رقم (14) (وانه)
161

وقول الشافعي أيضا: لا حجة له فيه أصلا، وإنما هي آراء محضة فوجب النظر في سائر
الأقوال في أربعة مواضع من هذا الحكم، أحدها من أهل بعمرة في غير أشهر الحج،
والثاني من أقام بكة حتى حج أو رجع إلى بلده أو أبعد من بلده ثم حج من عامه،
والثالث من اعتر في غير أشهر الحج وأقام بمكة ثم اعتمر في أشهر الحج ثم حج من عامه،
والرابع هل المتمتع من فاته الحج كما قال ابن الزبير أم ليس هذا متمتعا؟ *
فنظرنا في قول ابن الزبير هذا فوجدنا غيره من الصحابة (رضي الله عنهم) (1) قد
خالفوه، ووجدناه قولا بلا دليل بل الدليل قائم على خطائه لان الله تعالى سمى من حال
بينه وبين ادراك الحج حتى فات وقته محصرا ولم يسمه متمتعا، وفرق بين حكمه وبين
حكم المتمتع، قال تعالى: (فان أحصرتم فما استيسر من الهدى). وقال تعالى: (فمن تمتع
بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) ففرق تعالى بين
أسميهما وبين حكميهما، فلم يجز أن يقال: هما شئ واحد، وبالله توفيق *
ثم نظرنا في قول طاوس: ان من اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع وا ن لم يحج من عامه
ذلك فوجدناه خطأ لان الله تعالى يقول: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) فصح بنص القرآن أنه ليس متمتعا
الا من حج بعد عمرته لوجوب الصيام عليه في الحج ان لم يجد هديا *
ثم نظرنا فيمن اعتمر في غير أشهر الحج أو في أشهر الحج أو أعمر بعض عمرته في
غير أشهر الحج أقلها أو أكثرها، وبعضها في أشهر الحج أقلها أو أكثرها، وفيمن أقام
من هؤلاء بمكة حتى حج من عامه أو لم يقم لكن خرج إلى مسافة تقصر فيها الصلاة
أولا تقصر، أو إلى ميقات أو وراء ميقات إلى بلده أو مثل بلده أو أبعد من بلده ثم حج
من عامه فكان كل هؤلاء ممكنا في اللغة أن يقع عليه اسم متمتع بالعمرة إلى الحج وممكنا
ان لا يقع عليه أيضا اسم متمتع فلم يجز أن يوقع على أحد إيجاب غرامة هدى أو إيجاب
صوم بالظن الا ببيان جلى ان الله تعالى ألزمه ذلك، فوجب الرجوع إلى بيان سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك *
فوجدنا ما رويناه من طريق البخاري نا يحيى بن بكير نا الليث - هو ابن سعد - عن عقيل
ابن خالد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: قال عبد الله بن عمر: (تمتع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة (2) إلى الحج، وأهدى (3)، وساق معه الهدى

(1) الزيادة من النسخة رقم (16)
(2) في النسخ كلها (في العمرة) صححناه من صحيح البخاري ج 2 ص 324
(3) في النسخة رقم (16) (فاهدى) وما هنا موافق لما في صحيح البخاري
162

من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع
النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد
فلما قدم رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شئ
حرم منه حتى يقضى حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ويقصر
ويحل (2) ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى
أهله) وذكر باقي الحديث، فكان في هذا الخبر بيان من هو المتمتع الذي يجب عليه
الهدى أو الصوم المذكور، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بهذا أصحابه المتمتعين بالعمرة
إلى الحج، وهم قوم ابتدؤا الاحرام لعمرتهم في أشهر الحج ثم حجوا في تلك الأشهر، فخرج
بهذا الخبر الثابت عن أن يكون متمتعا بالعمرة إلى الحج كل من عمل شيئا من عمرته في
غير أشهر الحج كلها أو أكثرها أو أقلها لأنه عليه السلام لم يخاطب بهذا الحكم أحدا
من أهل هذه الصفات بلا شك وارتفع الاشكال في أمر هؤلاء بيقين، وأيضا فيقال
لمن قال: إن عمل الأكثر من عمرته في أشهر الحج فهو متمتع: من أين لك هذا؟ دون
أن يقول: إن من عمل منها شيئا في أشهر الحج فهو متمتع، ولا سبيل إلى دليل على ذلك
ويقال له أيضا: من أين لك ان أربعة أشواط من طواف العمرة هو الأكثر؟ بل هو
من جملة الأقل لأن العمرة عندك وعندنا إحرام مدة. ثم سبعة أشواط. ثم سبعة أطواف
بين الصفا والمروة، فالباقي بعد الأربعة الأشواط قد يكون أكثر مما مضى له من عمل
العمرة، ويقال لمن قال: إن عمل من عمرته شيئا في أشهر الحج فهو متمتع: من أين قلت
هذا؟ دون أن تقول: ان عمل الأكثر منها في أشهر الحج فهو متمتع، ولا سبيل إلى دليل
أصلا، وكلتا الدعوتين تعارض الأخرى وكلتاهما لا شئ، وبالله تعالى التوفيق *
وبقى أمر من خرج بعد اعتماره في أشهر الحج إلى بلده أو إلى بلد في البعد مثل بلده،
أو إلى وراء ميقات من المواقيت، أو إلى ميقات من المواقيت، أو إلى ما تقصر فيه
الصلاة فوجدنا هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله تعالى مراده لم يشترط
فيه على من خاطبه بذلك الحكم إقامة بمكة وترك خروج منها أصلا (وما ينطق عن
الهوى إن هو إلا وحى يوحى)، (وما كان ربك نسيا)، ولو كان هذا من شرط التمتع
لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه حتى نحتاج في ذلك إلى بيان برأي فاسد. وظن كاذب.
وتدافع من الأقوال بلا برهان، وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر الثابت (ويحل ثم ليهل
بالحج) بيان بإباحة المهلة بين الاحلال والاهلال، ولا مانع لمن عرضت له منهم رضى

(1) في صحيح البخاري (فلما قدم النبي)
(2) في صحيح البخاري (وليقصر وليحلل)
163

الله عنهم حاجة من الخروج عن مكة لها فبطل أن تكون الإقامة بمكة حتى يحج من
شروط التمتع، وبالله تعالى التوفيق *
وصح ان المتمتع بنص الخبر المذكور هو من أهل بالعمرة في أشهر الحج ثم حج
في تلك الأشهر فقط وبالله تعالى التوفيق، ثم يقال لمن قال: إن خرج إلى بلده سقط
عنه الهدى والصوم اللذان افترض الله تعالى أحدهما على المتمتع: من أين لك هذا؟
وما الفرق بين من قال: إن خرج إلى بلد مثل بلده في البعد فليس بمتمتع؟ وهكذا
يقال: أيضا لمن قال: إن خرج إلى بلد في البعد مثل بلده فليس بمتمتع من أين قلت هذا؟
وهلا خصصت بسقوط التمتع من خرج إلى بلده فقط، ويقال لهما جميعا: هلا قلتما من
خرج إلى وراء ميقات فليس بمتمتع؟ *
قال أبو محمد: لا مخلص لهم من هذا السؤال أصلا إلا أن يقول قائلهم: كان عليه
ان يأتي بالحج من بلده. أو من ميقات من المواقيت فنقول لمن قال هذا: قلت الباطل،
وما أوجب الله تعالى قط على أحد من أهل الاسلام أن يأتي بالحج من بلده ولا من مثل
بلده في البعد ولا من ميقات ولابد، بل أنتم مجمعون معنا على أن المسلم في أول أوقات
الاستطاعة للحج لو خرج تاجرا أو مسافرا لبعض الامر قبل مقدار ما إن أراد الحج
كانت له مهلة بينه وبين الوقت الذي إذا أهل (فيه) (1) أدرك الحج على سعة ومهل فإنه
لا يلزمه الخروج إلى مكة حينئذ أصلا وأنه ان قرب من مكة لحاجته فقرب وقت الحج
وهو مستطيع له فحج من ذلك المكان أنه قد أدى ما عليه بأتم ما يلزمه وأنه لا شئ عليه
إذ لم يأت للحج من بلده أصلا، وكذلك لا خلاف فيمن جاز على ميقات لا يريد حجا،
ولا عمرة ولا دخول مكة لكن لحاجة له في رهاط (2) أو في بستان ابن عامر (3) أنه
لا يلزمه الاهلال من هنالك وأنه إن بدا له في الحج والعمرة وقد تجاوز الميقات فإنه يهل
من مكانه ذلك وحجه تام وعمرته تامة وأنه غير مقصر في شئ مما يلزمه، فصح ان القصد
للحج أو العمرة من بلد الانسان، أو من مثل بلده في البعد، أو من الميقات لمن لم يمر به
وهو يريد حجا، أو عمرة ليس شئ من ذلك من شروط الحج ولا العمرة فبطلت هذه
الأقوال الفاسدة جدا وكان تعارضها وتوافقها برهانا في فساد جميعها، (فان قال من قال):
إنه ان خرج إلى الميقات فليس بمتمتع لان أهل المواقيت ليس لهم التمتع قلنا له: قد قلت:
الباطل. واحتججت للخطأ بالخطأ. ولدعوى كاذبة وكفى هذا مقتا، فان قال: إن أهل

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)، وكذلك في اليمينية
(2) هو بضم أوله وآخره طاء مهملة موضع على ثلاث مراحل من مكة وفى النسخة رقم (16) (رباط) وهو غلط
(3) هو اسم موضع قريب من الجحفة وابن عامر هذا هو عبد الله بن عامر بن كريز
استعمله عثمان رضي الله عنه على البصرة قاله البطليوسي في شرح أدب الكاتب
164

المواقيت فما دونها إلى مكة لاهدى عليهم ولا صوم في التمتع قلنا: قلت: الباطل وادعيت
مالا يصح ثم لو صح لك لكان حجة عليك لان أهل مكة لاهدى عليهم ولا صوم في
التمتع ولم يكن المقيم بها حتى يحج كذلك بل الهدى عليه. أو الصوم فهلا إذ كان عندك من
خرج إلى ميقات فما دونه إلى مكة يصير في حكم من هو من أهل ذلك الموضع في سقوط
الهدى والصوم عليه جعلت أيضا المقيم بمكة حتى يحج في حكم أهل مكة في سقوط الهدى
والصوم عنهما فظهر تناقض هذا القول الفاسد أيضا، ثم يقال لمن قال: إن خرج إلى
مكان تقصر فيه الصلاة، سقط عنه الهدى والصوم: من أين قلت: هذا؟ ولا دليل على
صحة هذا القول أصلا، فان قال: لأنه قد سافر إلى الحج قلنا: نعم فكان ماذا؟ وما الذي
جعل سفره مسقطا للهدى والصوم اللذين أوجب الله تعالى عليه؟ هاتوا شيئا غير هذه
الدعوى ولا سبيل إلى ذلك، وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: ومن هذا الخبر الذي ذكرنا غلط أبو حنيفة. وأصحابه في إيجابهم على
المتمتع الذي ساق الهدى أن يبقى على إحرامه حتى يقضى حجه *
قال أبو محمد: ولا حجة لهم فيه لان ابن عمر راوي الخبر رضي الله عنه وإن كان قال
في أوله: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في العمرة إلى الحج فإنه بين إثر هذا
الكلام صفة في عمل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه عليه السلام (بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج)
فذكر صفة القران، وهكذا صح في سائر الأخبار من رواية البراء. وعائشة. وحفصة
أمي المؤمنين. وانس وغيرهم أنه عليه السلام كان قارنا، فصح ان الذين أمرهم عليه
السلام إذا أهدوا بأن لا يحلوا إنما كانوا قارنين، وهكذا روت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
(أنه عليه السلام أمر من معه الهدى بأن يهل بحج مع عمرته) فعاد احتجاجهم
عليه وبالله تعالى التوفيق، (فان قيل قائل): قد صح الاجماع على أن من تمتع بالعمرة
إلى الحج فابتدأ عمرته في أشهر الحج، ثم أقام بمكة إلى أن حج لم يخرج عنها أنه متمتع
عليه الهدى. أو الصوم، واختلفوا فيه إذا أهل بعمرة قبل أشهر الحج وإذا خرج بين
عمرته. وحجه من مكة أمتمتع (هو) (1) أم لا؟ فوجب ان لا يلزم الهدى أو الصوم
الا من أجمع علي أنه يلزمه (2) حكم المتمتع قلنا: هذا خطأ وما أجمع الناس قط على
ما قلتم، وقد روينا عن ابن الزبير ان المتمتع هو المحصر لامن حج بعد أن اعتمر،
ولا معنى لمراعاة الاجماع مع (3) ورود بيان صلى الله عليه وسلم لان في القول بهذا إيجاب مخالفة
أو امره عليه السلام ما لم يجمع الناس عليها، وهذا عين الباطل بل إذا تنازع الناس

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (16) (على أنه لا يلزمه)
(3) في النسخة رقم (16) (بعد) بدل (مع)
165

رددنا ذلك إلى ما افترض الله تعالى علينا الرد إليه من القرآن. والسنة، ولا نراعي
ما أجمعوا عليه مع وجود بيان السنة في أحد أقوال المتنازعين وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: لا يجب الوقوف بالهدى بعرفة فان وقف بها فحسن وإلا فحسن، فان
مالكا ومن قلده قال: لا يجزئ من الهدى الذي يبتاع في الحرم إلا أن يوقف بعرفة ولابد
والا فلا يجزئ إن كان واجبا، فإن كان تطوعا فلم يوقف بعرفة فإنه ينحر بمكة ولابد،
ولا يجوز ان ينحر بمنى، فان ابتيع الهدى في الحل ثم أدخل الحرم اجزا وان لم يوقف
بعرفة، والإبل. والبقر. والغنم عندهم سواء في كل ذلك، وقال الليث: لا يكون هديا
إلا ما قلد وأشعر ووقف بعرفة، وقال أبو حنيفة. والشافعي. وسفيان. وأبو سليمان:
لا معنى للتعريف بالهدى سواء ابتيع في الحرم أو في الحل ان عرف فجائز وان لم
يعرف فجائز *
قال أبو محمد: أما قول مالك فما نعلمه عن أحد من العلماء لاقبله ولا معه ولا نعرف
له وجها أصلا لامن سنة صحيحة، ولامن رواية سقيمة، ولا من قول سلف، ولامن
قياس، ولامن رأى له معنى، وأما قول الليث فإنه يحتج له بما رويناه من طريق حجاج
ابن أرطاة. وإسرائيل. ويونس بن يونس قال حجاج: عن عطاء، وقال إسرائيل: عن
ثوير بن أبي فاختة عن طاوس (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم عرف بالبدن) *
قال على: وهذان مرسلان ولا حجة في مرسل، ثم إن الحجاج. وإسرائيل. وثويرا
كلهم ضعفاء، ثم لو صح لم يكن فيه حجة لان هذا فعل لا أمر، ولا حجة فيه للمالك لأنه
شرط شروطا ليس في هذا الخبر شئ منها، وهذى النبي صلى الله عليه وسلم إنما سيق من المدينة بلا
خلاف، ومالك لا يوجب التوقيف بعرفة فيما أدخل (1) من الحل * ويحتج لقول الليث
أيضا بما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا عبيد الله - هو ابن عمر -
عن نافع عن ابن عمر قال: لاهدى إلا ما قلد. وسيق. ووقف بعرفة *
ومن طريق سفيان بن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كل هدى لم يشعر ويقلد
ويفاض به من عرفة فليس بهدى إنما هي ضحايا *
قال علي: مالك لا يحتج (له) (2) بهذا لأنه لا يرى الترك للتقليد وللاشعار مانعا
من أن يكون هديا *
قال على: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالف ابن عمر في هذا غيره من
الصحابة كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا رباح بن أبي معروف

(1) في النسخة رقم (14) (بما ادخل)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14) والنسخة اليمنية
166

عن عطاء عن ابن عباس قال: إن شئت فعرف الهدى، وان شئت فلا تعرف به إنما أحدث
الناس السياق مخافة السراق (1) * وعن سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا الأعمش عن
إبراهيم قال: دعا الأسود مولى له فأمره أن يخبرني بما قالت له عائشة فقال: نعم سألت
عائشة أم المؤمنين؟ فقلت: أعرف بالهدى؟ فقالت: لا عليك ان لا تعرف به، وعن عطاء،
وطاوش لا يضرك أن لا تعرف به. وعن ابن الحنفية أنه أمر بتعريف بدنة أدخلت من الحل *
وعن سعيد بن جبير أنه لم ير هديا الا ما عرف به من الإبل والبقر خاصة *
قال أبو محمد: لم يأت أمر بتعريف شئ من ذلك في قرآن، ولا سنة، ولا يجب الا
ما أوجبه الله تعالى في أحدهما ولا قياس يوجب ذلك أيضا لان مناسك الحج إنما تلزم
الناس لا الإبل، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: ولا هدى على القارن غير الهدى الذي ساق مع نفسه قبل أن يحرم
وهو هدى تطوع سواء مكيا كان أو غير مكي فان مالكا. والشافعي قالا: على القارن
هدى وحكمه كحكم المتمتع سواء سواء في تعويض الصوم منه إن لم يجد هذيا وليس على
المكي عندهما هدى، ولاصوم إن قرن كما لا شئ عليه في التمتع، وقال مالك: لم أسمع قط
ان مكيا قرن، وقال أبو حنيفة: ان تمتع المكي فلا شئ عليه. لاهدى، ولاصوم وان
قرن فعليه هدى ولابد، ولا يجوز ان يعوض منه صوم وجد هديا أو لم يجد، ولا
يجوز له ان يأكل منه شيئا قال: والمكي عنده من كان ساكنا في أحد المواقيت فما دونها
إلى مكة قال: فان تمتع من هو ساكن فيما وراء المواقيت أو قرن فعليه هدى وله ان
يأكل منه فإن لم يجد فصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة ففيه وجوه جمة من الخطأ، أو لها انه تقسيم لا يعرف
عن أحد قبله، والثاني تفريقه بين قران المكي وبين تمتعه وتسويته بين قران غير المكي
وبين تمتعه بلا برهان، والثالث تعويضه الصوم من هدى غير المكي، ومنعه من تعويضه
الصوم من هدى المكي، كل ذلك رأى فاسد لاسلف له فيه ولا دليل أصلا، فقالوا: إن
المكي إذا قرن قهو داخل في إساءة، فقلنا: فكان ماذا؟، وأين وجدتم أن من دخل
في إساءة لم يجز له أن يعوض من هديه دم؟ وهذا قاتل الصيد محرما داخل في أعظم الإساءة
وأشد الاثم وقد عوض الله تعالى من هديه صوما واطعاما وخيره في أي ذلك شاء؟
وهذا المحصر غير داخل في إساءة بل مأجور معذور ولم يعوض الله تعالى من هديه صوما
ولا إطعاما، فكم هذا التخليط والخبط في دين الله تعالى بشرع الشرائع الفاسدة فيه؟

(1) في النسخة رقم (14) والنسخة اليمنية (السرق) بكسر السين السرقة.
167

وأيضا فالمكي عندهم إذا تمتع فهو داخل في إساءة أو غير داخل في إساءة لابد من أحدهما،
فإن كان داخلا في إساءة فلم لم يجعلوا عليه هديا كالذي جعلوا في القران عليه؟ وإن كان
ليس داخلا في إساءة فمن أين وجب أن يدخل إذا قرن في إساءة؟ فهل فيما يأتي به الممرورون
أكثر من هذا؟، وأما نحن فليس المكي ولاغيره مسيئا في قرانه ولا في تمتعه بل هما
محسنان في كل ذلك كسائر الناس ولافرق، فسقط قول أبي حنيفة لعظيم تناقضه وفساده،
وأما مالك، والشافعي فإنهما قاسا القران على المتعة في المكي وغيره *
قال أبو محمد: القياس كله خطأ (1) ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الخطأ
لأنه لا شبه بين القارن والمتمتع لان المتمتع يجعل بين عمرته وحجه إحلالا ولا يجعل
القارن بين عمرته وحجه إحلالا، وأيضا فان القارن عندهما وعندنا لا يطوف إلا طوافا
واحدا ولا يسعى إلا سعيا واحدا والمتمتع يطوف طوافين ويسعى سعيين، وأيضا فان
القارن لابد له من عمل الحج مع عمرته والمتمتع إن لم يرد أن يحج لم يلزمه ان يحج،
والقياس عندهما لا يكون إلا على علة جامعة بين الحكمين ولا علة تجمع بين القارن والمتمتع *
(فان قالوا): العلة في ذلك هي إسقاط أحد السفرين قلنا: هذه علة موضوعة
لا دليل لكم على صحتها وقد أريناكم بطلانها مرارا، وأقرب ذلك ان من أحرم وعمل عمرته
في آخر يوم من رمضان ثم أهل هلال شوال إثر احلاله منها ثم أقام بمكة ولم يبرح
حتى حج من عامه ذلك فلا هدى عليه عندهما ولاصوم، وقد أسقط أحد السفرين، وكذلك
من قصد إلى ما دون التنعيم داخل العام لحاجة فلما صار هنالك وهو لا يريد حجا ولا عمرة
بداله في العمرة فاعتمر من التنعيم في آخر يوم من رمضان، ثم أقام حتى حج من عامه فلا
هدى عليه ولاصوم عندهما، وهو قد أسقط السفرين جميعا سفر الحج وسفر العمرة،
ثم يقولان فيمن حج بعده بساعد إثر ظهور هلال شوال فاعتمر، ثم خرج إلى البيداء
على أقل من بريد (2) من المدينة عند الشافعي أو إلى مدينة الفسطاط وهو من أهل الإسكندرية
عند مالك ثم حج من عامه: فعليه الهدى أو الصوم وهو لم يسقط سفرا أصلا، فظهر فساد هذه العلة
التي لا علة أفسد منها ولا أبطل، وبالله تعالى التوفيق *
واحتج بعض أهل المعرفة ممن يرى الهدى في القران بأن قال: قد صح عن سعد
ابن أبي وقاص. وعلي بن أبي طالب. وعائشة أم المؤمنين. وعمران بن الحصين. وعبد الله
ابن عمر أنهم سموا القران تمتعا. وهم الحجة في اللغة، فإذ القران تمتع فالهدى فيه، أو الصوم
بنص القرآن في إيجاب ذلك على التمتع *

(1) في النسخة رقم (16) (القياس كله باطل) وما هنا أنسب لما يأتي
(2) في النسخة رقم (16) (أقل من بريدين)
168

قال أبو محمد: لا يختلف هؤلاء رضي الله عنهم ولا غيرهم في أن عمل المهل بحج وعمرة
معا هو عمل غير عمل المهل بعمرة فقط ئم يحج من عامه باهلال آخر مبتدأ، فإذ ذلك كذلك
فالمرجوع إليه هو بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهبك ان كليهما يسمى تمتعا إلا أنهما عملان
متغايران فنظرنا في ذلك فوجدنا الحديث الذي ذكرنا قبل من رواية البخاري عن يحيى
ابن بكير عن الليث عن عقيل بن خالد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس معه عليه السلام بالعمرة
إلى الحج فكان من الناس من (أهدى) (1) فساق الهدى ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم مكة قال (للناس) (2): من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى
يقضى حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبن الصفا والمروة ويقصر ويحل،
ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) *
وقد ذكرنا قبل من طريق مالك ومعمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من معه الهدى بأن يجعل مع عمرته حجا، فصح أمر النبي
صلى الله عليه وسلم من تمتع بالعمرة إلى الحج بالهدى، أو الصوم ولم يأمر القارن بشئ من ذلك *
ووجدنا ما رويناه من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان عن هشام
ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (في حجة الوداع) (3)
موافين لهلال ذي الحجة فكنت فيمن أهل بعمرة فقدمنا مكة فأدركني يوم عرفة
وانا حائض لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دعى عمرتك وانقضى
رأسك وامتشطي وأهلي بالحج قالت: ففعلت (4) فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا
أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني وخرج بي إلى التنعيم فأهللت بعمرة وقضى
الله (5) حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدى، ولا صدقة، ولاصوم) *
ومن طريق أبى داود نا الربيع بن سليمان (المؤذن) (6) أنا محمد بن إدريس الشافعي
عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة أم المؤمنين (ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لها: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة (7) يكفيك لحجك وعمرتك)
فصح أنها كانت قارنة، ولم يجعل عليه السلام في ذلك هديا ولا صوما *

(1) الزيادة من البخاري ج 2 ص 324
(2) الزيادة من البخاري
(3) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 340
(4) في النسخة رقم (14) (ففعلت قالت) بزيادة (قالت) وليست في صحيح مسلم
(5) في النسخة رقم (14) (وقد قضى الله) بزيادة ((وقد) وليست في صحيح مسلم
(6) الزيادة من سنن أبي داود ج 2 ص 119
(7) في النسخة رقم (14) (بالبيت وبالصفى والمروة) وما هنا موافق لسنن أبي داود
169

(فان قيل): إنها رضي الله عنها: رفضت عمرتها (1) قلنا: إن كنتم تريدون أنها
حلت منها فقد كذب من قال: ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرها ان طوافها وسعيها يكفيها
لحجها وعمرتها، ومن الباطل ان يكفيها عن عمرة قد أحلت منها، وان كنتم تريدون أنها رفضتها
وتركتها بمعنى أخرت عمل العمرة من الطواف والسعي حتى أفاضت يوم النحر فطافت وسعت
لحجها وعمرتها معا فنعم، وهذا قولنا: (فان قيل): فان وكيعا روى هذا الخبر فجعل
قولها ولم يكن في ذلك هدى ولاصوم من قول هشام قلنا: فان عبد الله بن نمير. وعبدة
جعلاه من كلام عائشة، وما ابن نمير دون وكيع في الحفظ. والثقة. وكذلك عبدة،
وكلا الروايتين حق قالته هي وقاله هشام، ونحن أيضا نقوله *
(فان قيل): قد صح أنه عليه السلام أهدى عن نسائه البقر قلنا: نعم وقد بين
معنى ذلك الاهداء سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنه كان
أضاحى لاهدى متعة، ولا هديا عن قران *
قال أبو محمد: وقالوا: قد روى عن عمر. وجابر وجوب الهدى على القارن قلنا:
أما الرواية عن عمر فإنها من طريق عبد السلام بن حرب عن سعيد عن أبي معشر (2)
عن إبراهيم عن عمر، فعبد السلام ضعيف، وأبو معشر مثله، وإبراهيم لم يولد الابعد
موت عمر رضي الله عنه، وأما الرواية عن جابر فرويناها من طريق موسى بن عبيدة
عن بعض أصحابه أنه سأل جابر بن عبد الله أن يقرن بين حج وعمرة بغير هدى؟ فقال:
ما رأيت أحدا منا فعل (مثل) (3) ذلك، فموسى ضعيف وبعض أصحابه عجب البتة، ثم
لو صحت لكانت موافقة لقولنا: لان ظاهرها المنع من القران دون أن يسوق مع نفسه
صلى الله عليه وسلم ولكان قد خالفهما غيرهما من الصحابة كما ذكرنا آنفا عن أم المؤمنين *
وروينا عن سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن كثير بن جمهان
انه سأل ابن عمر مع قوم عن رجل أحرم بالقران ما كفارته؟ فقال ابن عمر: كفارته
أنه يرجع بأجرين. وترجعون بأجر، فلو كان عله هدى لافتاهم به *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة ان الحسن بن علي
ابن أبي طالب قرن بين حج. وعمرة ولم يهد قال الحكم: وقرن أيضا شريح بين الحج
والعمرة ولم يهد، (فان قيل): فقد رويتم عن ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير عن

(1) في النسخة رقم (14) (العمرة)
(2) في النسخة رقم (14) (عن سعيد بن أبي معشر) وهو غلط لان سعيدا هذا هو سعيد بن أبي
عروبة، وأبو معشر هذا هو زياد بن كليب التميمي الحنظلي، وإبراهيم هو النخعي والله أعلم
(3) الزيادة من النسخة رقم (16)
(4) في النسخة رقم (16) (دون السوق للهدى مع نفسه)
170

إسماعيل - هو ابن أبي خالد - عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر قال: إذا قرن الرجل بين
الحج والعمرة فعليه بدنة فقيل له: ان ابن مسعود يقول: شاة، فقال ابن عمر: الصيام
أحب إلى من شاة قلنا: نعم وأنتم أول من خالف ابن عمر في هذا، ومن التلاعب في
الدين ان توجبوا قول الصاحب حجة (لا يجوز خلافها) (1) إذا وافق قول أبي حنيفة. أو
مالك. أو الشافعي وغير حجة إذا خالفهم، نبرأ إلى الله تعالى من هذا العمل *
وأما قولنا: - من أراد أن يخرج من مكة. من معتمر، أو قارن، أو متمتع بالعمرة
إلى الحج، ففرض عليه أن يجعل آخر عمله الطواف بالبيت فان تردد بمكة بعد ذلك أعاد
الطواف ولابد فان خرج ولم يطف بالبيت ففرض عليه الرجوع ولو كان بلده بأقصى
الدنيا حتى يطوف بالبيت، فان خرج عن منازل مكة فتردد خارجا ماشيا فليس عليه أن
يعيد الطواف إلا التي تحيض بعد أن تطوف طواف الإفاضة فليس عليها أن تنتظر طهرها
لتطوف لكن تخرج كما هي، فان حاضت قبل طواف الإفاضة فلابد لها ان تنتظر حتى
تطهر، وتطوف، وتحبس عليها الكرى والرفقة - فلما رويناه من طريق مسلم قال: نا سعيد
ابن منصور نا سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال: (كان الناس
ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله (: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت (3)) *
ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة - هو ابن عبد الرحمن
ابن عوف - أن عائشة أم المؤمنين قالت: (حاضت صفية بنت حيى بعد ما أفاضت فذكرت
حيضتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: (3) أحابستنا هي؟ فقلت: يا رسول الله انها
قد كانت أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت (بعد الإفاضة) (4) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلتنفر:) *
قال أبو محمد: فمن خرج ولم يودع من غير الحائض فقد ترك فرضا لازما له فعليه ان يؤديه *
روينا من طريق وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله
ان قوما نفروا ولم يودعوا فردهم عمر بن الخطاب حتى ودعوا *
قال على: ولم يخص عمر موضعا من موضع، وقال مالك، بتحديد مكان إذا بلغه
لم يرجع منه، وهذا قول لم يوجبه نص. ولا إجماع. ولا قياس. ولاقول صاحب *
ومن طريق عبد الرزاق نا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن نافع قال: رد عمر

(1) الزيادة من النسخة رقم (14) ومن النسخة اليمنية
(2) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 374
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 375 (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(4) الزيادة من صحيح مسلم
171

ابن الخطاب نساء من ثنية هر شئ (1) كن أفضن يوم النحر (ثم حضن) (2) فنفرن فردهن
حتى يطهرن ويطفن بالبيت، ثم بلغ عمر بعد ذلك حديث غير ما صنع فترك صنعه الأول،
قال أبو محمد: هر شئ هي نصف الطريق من المدينة إلى مكة بين الأبواء والجحفة
على فرسخين من الأبواء وبها علمان مبنيان علامة لأنه نصف الطريق، وفد روى أثر من
طريق أبى عوانة عن يعلي بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله
ابن أوس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر بن الخطاب أفتياه في المرأة تطوف بالبيت يوم
النحر، ثم تحيض أن يكون آخر عهدها بالبيت) *
قال أبو محمد: الوليد بن عبد الرحمن غير معروف، ثم لو صح لكان داخلا في
جملة أمره عليه السلام - ان لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت - وعمومه، وكأن يكون
أمره عليه السلام الحائض التي أفاضت بأن تنفر حكما زائد مبنيا على (3) النهى المذكور
مستثنى منه ليستعمل الخبران معا ولا يخالف شئ منهما، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: من ترك عمدا أو بنسيان شيئا من طواف الإفاضة أو من السعي الواجب
بين الصفا والمروة فليرجع أيضا كما ذكرنا ممتنعا من النساء حتى يطوف (بالبيت) (4) ما بقي
عليه، فان خرج ذو الحجة قبل أن يطوف فقد بطل حجه وليس عليه في رجوعه لطواف
الوداع أن يمتنع من النساء فلان طواف الإفاضة فرض، وقال تعالى: (الحج أشهر معلومات).
وقد ذكرنا أنها شوال. وذو القعدة. وذو الحجة فإذ هو كذلك فلا يحل لاحد أن يعمل
شيئا من أعمال الحج في غير أشهر الحج فيكون مخالفا لأمر الله تعالى، * وأما امتناعه من
النساء فلقول الله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). فهو ما لم يتم فرائض
الحج فهو في الحج بعد، وأما رجوعه لطواف الوداع فليس هو في عمرة فليس
عليه أن يحرم ولا أن يمتنع من النساء لان الله تعالى لم يوجب ذلك،، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم،
ولا إحرام الا بحج، أو عمرة: وأما لطواف مجرد فلا *
وأما قولنا: ان من لم يرم جمرة العقبة حتى خرج ذو الحجة أو حتى وطئ عمدا فحجه
باطل. فلما روينا من طريق أبى داود السجستاني نا نصر بن علي - هو الجهضمي - نا يزيد بن
زريع انا خالد - هو الحذاء - عن عكرمة عن ابن عباس (أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انى
أمسيت ولم أرم قال: ارم ولا حرج) (5) فأمر عليه السلام بالرمي المذكور. وأمره

(1) هي - بفتح الهاء وسكون الراء ثم شين معجمة وبالقصر - ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة يرى منها البحر ولها طريقان فكل
من سلك واحد منهما واحدا أفضى إلى موضع واحد ولذلك قال الشاعر *
خذا أنف هرشى أو قفاها فإنما * كلا جانبي هرشى لهن طريق
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (على أن النهى)
(4) الزيادة من النسخة رقم (14)
(5) الحديث اختصره المصنف انظر سنن أبي داود ج 2 ص 149
172

فرض، وأخبر عليه السلام انه لا حرج في تأخيره فهو باق ما دام من أشهر الحج شئ ولا
يجزئ في غير أشهر الحج لأنه من فرائض الحج لما ذكرنا آنفا * روينا من طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري قال: إن ذكر وهو بمنى رمى، وان فاته ذلك حتى ينفر فإنه يحج
من قابل ويحافظ على المناسك *
قال أبو محمد: والعجب كله ممن يبطل حج المسلم بأن بشر امرأته حتى أمنى من غير
ايلاج. ولا نهى عن ذلك أصلا لافى قرآن. ولا في سنة. ولا جاء بابطال حجه بذلك نص، ولا
إجماع، ولا قياس، ثم لا يبطل حجه بترك رمى جمرة العقبة وترك مزدلفة وقد صح الامر
بهما في القرآن والسنة الثابتة *
وأما قولنا: - انه يجزئ القارن بين الحج والعمرة طواف واحد سبعة أشواط لهما
جميعا، وسعى واحد بين الصفا والمروة سبعة أشواط (1) لهما جميعا كالمفرد سواء سواء - فلما رويناه من طريق مسلم نا قتيبة نا الليث - هو ابن سعد - عن نافع أن ابن عمر قال لهم:
اشهدوا انى قد أوجبت حجا مع عمرتي، ثم انطلق يهل بهما جميعا حتى قدم مكة فطاف
بالبيت وبالصفا والمروة. لم يزد على ذلك (ولم ينحر) (2)، ولم يحلق، ولا قصر، ولا أحل
من شئ حرم منه حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأي أنه قد قضى طواف الحج والعمرة
بطوافه الأول، وقال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم *
ومن طريق مسلم نا محمد بن حاتم نا بهز بن أسد نا وهيب - هو ابن خالد - نا عبد الله
ابن طاوس عن أبيه عن عائشة (انها أهلت بعمرة فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت
فنسكت المناسك كلها، وقد أهلت بالحج. فقال لها رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم يوم النفر: يسعك
طوافك لحجك وعمرتك فأبت فبعث بها مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت
بعد الحج) *
ومن طريق مسل حدثني حسن (بن علي) (4) الحلواني نا زيد بن الحباب حدثني
إبراهيم بن نافع حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن عائشة أم المؤمنين أنها حاضت
بسرف فتطهرت بعرفة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزى عنك طوافك بالصفا والمروة
عن حجك وعمرتك *
ومن طريق مسلم نا قتيبة نا الليث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: أقبلت
عائشة بعمرة فذكر الحديث، وفيه (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تبكى فقال:

(1) في النسخة رقم (14) (سبعة أطواف)
(2) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 352، والحديث ذكره المصنف مختصرا وفيه
اختلاف في بعض الألفاظ
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 342 (فقال لها: النبي) (4) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 343
173

ما شأنك؟ قالت: (شأني أنى) (1) قد حضت، وقد حل حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت
والناس يذهبون إلى الحج الآن. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا أمر كتبه الله على
بنات آدم فاغتسلي. ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا (طهرت) (2) طافت
بالكعبة وبين الصفا والمروة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد حللت من حجك وعمرتك جميعا *
ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (3) انا أشهب
ان مالكا حدثهم ان ابن شهاب وهشام بن عروة حدثاه عن عروة عن عائشة قالت:
(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فقد منا مكة فطاف الذين أهلوا بالعمرة
بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافا آخر بعد ان رجعوا من منى لحجهم،
وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا) *
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد
الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا محمد بن بشر بن مطرنا أبو المصعب. وجعفر بن محمد
الوركاني قالا جميعا: نا الدراوردي - هو عبد العزيز بن محمد - نا عبيد الله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرن بين الحج والعمرة فليطف لهما
طوافا واحدا وسعيا واحدا) *
فهذه آثار متواترة متظاهرة توجب العلم الضروري * ومن طريق عبد الرزاق نا
عبيد الله بن عمر عن نافع ان ابن عمر كأن يقول: للقارن سعى واحد. وللمتمتع سعيان *
ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: يكفيك
لهما طوافك الأول بين الصفا والمروة يعنى القارن بين الحج والعمرة * ومن زريق سفيان الثوري
عن سلمة بن كهيل قال: حلف لي طاوس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته
الا طوافا واحدا * ومن طريق جعفر بن محمد عن أبيه انه كان يحفظ عن علي بن أبي طالب
للقارن طوافا واحدا بين الصفا والمروة خلاف ما يحفظ أهل العراق * ومن طريق هشيم
ابن بشير نا أبو بشر (4) عن سليمان اليشكري أن جابر بن عبد الله قال: لو أهللت بالحج والعمرة
جميعا لطفت لهما طوافا واحدا ولكنت مهديا - يعنى سوق الهدى قبل الاحرام - وهو قول
محمد بن سيرين. والحسن البصري. وسعيد بن جبير. وعطاء. وطاوس. ومجاهد.

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 344
(2) الزيادة من صحيح مسلم وهي موافقة لسنن النسائي ج 5 ص 165
(3) في النسخة رقم (16) (أخبرني أحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وهو غلط وفى النسخة اليمنية (أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحكم) وهو غلط أيضا صححناه من تهذيب التهذيب ج 9 ص 360
(4) في النسخة رقم (16) (نا ابن بشر) وهو غلط لأنه جعفر بن اياس وهو ابن أبي
وحشية اليشكري - أبو بشر - روى عن سليمان اليشكري وروى عنه هشيم انظر تهذيب التهذيب ج 2 ص 83 و ج 4 ص 214
174

وسالم بن عبد الله بن عمر. ومحمد بن علي بن الحسين. والزهري. ومالك. والشافعي
وأحمد. وإسحاق. وأبي ثور، وداود وأصحابهم *
وقالت طائفة: بل يطوف طوافين، ويسعى سعيين. كما روينا من طريق حماد بن سلمة
عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ان الضبي بن معبد قرن بين الحج والعمرة فطاف
لهما طوافين وسعى سعيين ولم يحل بينهما وأهدى. وأخبر بذل عمر بن الخطاب فقال
عمر: هديت لسنة نبيك * ومن طريق عبد الرزاق عن عباد بن كثير. ويس الزيات قال
يس: عن رجل عن ابن الأصبهاني، وقال عباد: عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى ان الحسين بن علي قرن بين الحج والعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة
لعمرته، ثم قعد في الحجر ساعة، ثم قام فطاف بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة سبعا
لحجه، ثم قال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن
ابن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (ان النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج
والمعرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين) * وروى عن بعض الصحابة كما روينا
من طريق منصور بن المعتمر عن مالك بن الحارث عن أبي نصر - هو ابن عمر والسلمي -،
ومن طريق منصور عن رجل من بنى سليم، ومن طريق أبى عوانة عن الأعمش عن
إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن أذينة، ومن طريق وكيع عن مسعر عن بكير بن عطاء
الليثي عن رجل من بنى عذرة، ومن طريق منصور بن زاذان عن الحكم بن عتيبة. وزياد بن مالك،
ومن طريق ابن سمعان عن ابن شبرمة، ثم اتفق أبو نص بن عمرو، والرجل السلمي، والرجل
العذري، وعبد الرحمن بن أذيتة، والحكم بن عتيبة، وزياد بن مالك، وابن شبرمة كلهم عن علي
أنه قال: يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين، ومن طريق منصور بن زاذان عن زياد بن
مالك، ومن طريق سفيان عن أبي إسحاق السبيعي، ثم اتفق زياد بن مالك. وأبو إسحاق
كلاهما عن ابن مسعود على القارن طوافان وسعيان (1) * ومن طريق الحجاج بن أرطاة
عن الحكم بن عمرو بن الأسود (2) عن الحسين (3) بن علي قال: إذا قرنت بين الحج
والعمرة فطف طوافين واسع سعيين، وهو قول مجاهد. وجابر بن زيد. وشريح القاضي
والشعبي. ومحمد بن علي بن الحسين. وإبراهيم النخعي. وحماد بن أبي سليمان. والحكم
ابن عتيبة، وروى عن الأسود بن يزيد، وهو قول أبي حنيفة. وسفيان. والحسن
ابن حي، وأشار نحوه الأوزاعي * وههنا قول ثالث رويناه من طريق سعيد بن منصور

(1) في النسخة رقم (16) (على القارن سعيين) وهو غلط وسقط، وفى النسخة اليمنية (على القارن طوافين وسعيين) والتقدير أي يطوف طوافين ويسعى سعيين
(2) في النسخة رقم (16) (عن الحكم عن عمرو بن الأسود) وما هنا كالنسختين الأخريين
وكلها صحيحة لان الحكم هو عمرو بن الأسود في النسخة رقم (14) (عن الحسن) والنسختان موافقتان لما سيأتي قريبا
175

قال: نا جهم بن واقد الأنصاري سألت عطاء بن أبي رباح فقلت: قرنت الحج والعمرة
فقال: تطوف طوافين بالبيت ويجزئك سعى واحد بين الصفا والمروة *
قال أبو محمد: أما قول عطاء هذا فإنه كان لا يرى السعي بين الصفا والمروة من فرائض
الحج فلذلك أجزأه عنده سعى واحد بينهما لأنه للحج وحده *
قال أبو محمد: أما ما شغب به من يرى أن يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين عن
- النبي صلى الله عليه وسلم فساقط كله لا يجوز الاحتجاج به، وكذلك كل ما رووا في ذلك عن الصحابة
رضي الله عنهم لا يصح منه ولا كلمة واحدة، ولكنه عمن ذكرنا من التابعين صحيح
الا عن الأسود وحده فإنه من رواية جابر الجعفي *
أما حديث الضبي بن معبد فان إبراهيم لم يدرك الضبي. ولا سمع منه. ولا أدرك عمر
فهو منقطع، وقد رواه الثقات. مجاهد. ومنصور عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن الضبي.
فلم يذكروا فيه طوافا. ولا طوافين. ولا سعيا ولا سعيين أصلا. وإنما فيه أنه قرن بين
الحج والعمرة فقط *
وأما حديث ابن أبي ليلى فمرسل، ثم هو أيضا عن الحسن بن عمارة ولا يجوز الاحتجاج بروايته *
وأما حديث الحسين بن علي. فعن عباد بن كثير. ويس وكلاهما ضعيف جدا في غاية
السقوط، فسقط كل ذلك وتسقط بسقوطه الرواية عن عمرو عن الحسين بن علي *
ووالله ما جعل الله تعالى عذرا لمن يعارض رواية عطاء. وطاوس. ومجاهد. وعروة
عن أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم، ورواية نافع عن ابن عمر. وأبى الزبير عن جابر
كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه العفونات الذفرة، ونعوذ بالله من الخذلان *
وأما الرواية عن علي فأبو نصر بن عمرو، وعبد الرحمن بن أذينة، وزياد بن مالك،
ورجل من بنى عذرة. ورجل من بنى سليم لا يدرى أحد من خلق الله تعالى من هم؟ وأما
الحكم بن عتيبة. وابن شبرمة فلم يدركا عليا ولا ولدا الا بعد موته، وأما الرواية عن
الحسين ابنه. فعن الحجاج بن أرطاة وهو في غاية السقوط. وأما الرواية عن ابن مسعود. فزياد
ابن مالك لا يدرى من هو، وأما أبو إسحاق فلم يولد الأسنة موت ابن مسعود أو بعدها، *
فمن أعجب ممن يعارض رواية عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، ورواية عمرو
ابن دينار عن طاوس عن ابن عباس، ورواية سلمة بن كهيل عن طاوس
عن الصحابة
جملة، ورواية أبى بشر عن سليمان اليشكري عن جابر، ورواية مالك عن الزهري.
وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة أم المؤمنين عن كل من قرن من الصحابة مع رسول الله
176

صلى الله عليه وسلم بهذه النطائح (1) المترديات، وهذا - لمن تأمله - اجماع صحيح من جميع
الصحابة رضي الله عنهم بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكدح فيه ما جاء بعده. لو جاء فكيف
وكله باطل مطرح؟ *
قال أبو محمد: وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه طاوس. ومجاهد عن ابن عباس
ورواه عطاء. ومحمد بن علي عن جابر، ورواه طاوس عن سراقة كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) *
قال على: ومن الباطل أن تحتاج العمرة إلى عمل غير عمل الحج وقد دخلت فيه،
ومن عجائب الدنيا احتجاجهم بمن ذكرنا من السقاط الذين يؤنس بالخير فقدهم منه، ويوحش
منه وجودهم فيه، ثم يقولون في الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمره من قرن بين الحج
والعمرة بأن يطوف لهما طوافا واحدا وسعيا واحدا: هذا من رواية الدراوردي نعم انه
لمن رواية الدراوردي الثقة المأمون لا من رواية الحجاج بن أرطاة. وعباد بن كثير.
ويس الزيات المطرحين المتروكين، ثم أعجب شئ ان في رواية عبد الرحمن بن أذينة
المذكور عن علي أنه لا يجوز لمن بدأ بالاهلال بالحج ان يردف عليه عمرة، فجعل أبو حنيفة
ما روى ابن أذينة عن علي من أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين حجة خالف لها (2)
السنن الثابتة وإجماع الصحابة ولم يجعل ما رواه ابن أذينة عن علي - من أنه لا يجوز لمن
بدأ بالاهلال بالحج ان يضيف إليه عمرة - حجة، فما هذا التلاعب؟ ولئن كانت رواية
ابن أذينة عن علي في أحد الوجهين حجة انها في الوجه الآخر: ولئن لم تكن حجة
في أحد الوجهين فما هي حجة في الآخر، ثم اعترضوا في الآثار الواردة عن ابن عمر بما
روى عنه من أن النبي صلى الله عليه آله وسلم كان متمتعا، ولو أن الذي احتج بهذا يستحى ممن حضره
من الناس (من) (3) قبل ان يبلغ إلى الحياء من الملائكة، ثم من الذي إليه معاده عز
وجل لردعه عن هذه المجاهرة القبيحة، وهذا الخبر قد ذكرناه وفيه (من) (4) (تمتع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج) فوصف عمل القران وسماه تمتعا *
والعجب أن هذا المجاهر بهذه العظيمة يناظر الدهر في اثبات ان النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا،
ثم أضرب عن ذلك الآن وجعل يوهم أنه كان متمتعا، وهذا من الغاية في السماجة والصفة
المذمومة، واعترض في الآثار المذكورة عن عائشة أم المؤمنين بما روى في ذلك الخبر

(1) في النسخة رقم (16) (الفضائح) والذي يناسب لفظ (المترديات) ماهنا
(2) في النسخة اليمنية (خالف بها)
(3) الزيادة في النسخة رقم (14)
(4) الزيادة من النسخة رقم (14) (ومن) هنا حرف جر
177

من قول النبي صلى الله عليه وسلم (ارفضي العمرة، ودعى العمرة، واتركي العمرة، وامتشطي، وانقضى
رأسك، وأهلي بالحج) وأوهم هذا المكابر بهذه الألفاظ أنها أحلت من العمرة وهذا
باطل لان - معنى ارفضي العمرة، ودعى العمرة، واتركي العمرة، وأهلي بالحج - ان تدع
الطواف الذي هو عمل العمرة وتتركه وترفض عمل العمرة من أجل حيضها وتدخل
حجا على عمرتها فتكون قارنة فإذا طهرت طافت بالبيت حينئذ للعمرة وللحج *
وأما نقض الرأس والامتشاط فلا يكره ذلك في الاحرام بل هو مباح مطلق *
برهان ذلك (1) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها حينئذ: (طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا
والمروة يكفيك لحجك وعمرتك) فكيف يمكن أن يكفيها طوافها وسعيها لعمرة قد أحلت
منها؟ لولا الهوى المعمى المصم المقحم في بحار الضلالة بالمجاهرة بالباطل، فصح يقينا
أنه إنما كفاها طوافها وسعيها لحجها وعمرتها اللذين كانت قارنة بينهما، هذا مالا يحيل
على من له أدنى فهم ولم يجد ما يموه به في حديث جابر ولا في حديث عروة عن عائشة أن
الذين جمعوا بين العمرة والحج من الصحابة طافوا لهما طوافا واحدا فرجع إلى أن قال: إن
عليا كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجه وأشركه في هديه فلم يقل: ما قال إلا عن
علم فيقال لمن قال: هذا القول: انك تنسب إلى علي الباطل وقولا لم يثبت عنه قط،
ثم لو ثبت عنه فأم المؤمنين كانت في تلك الحجة أبطن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأعلم به من على
وغير على، وإذ صار على ههنا يجب تقليده واطراح السنن الثابتة وأقوال سائر الصحابة
لقول لم يصح عنه، فهلا وجب تقليده في الثابت عنه من بيع أمهات الأولاد، ومن قوله:
ان في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه، وسائر ما خالفوه فيه لما هو أقل مما تركوا
ههنا؟ ولكن الهوى إله معبود *
وعهدنا بهم يقولون فيما روى عن أم المؤمنين إذ قالت لام ولد زيد بن أرقم في بيعها
غلاما من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم ابتاعته مه بستمائة درهم نقدا أبلغ زيدا أنه
قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان لم يتب: مثل هذا لا يقال بالرأي، فهلا قالوا ههنا
في قول عائشة. وجابر. وابن عمر. وابن عباس: ان القارن يجزئه طواف واحد: مثل هذا لا يقال
بالرأي: ولكن حسبهم ونصر المسألة الحاصلة الحاضرة بما يمكن (2)، وبالله تعالى التوفيق *
837 - مسألة - ويجزى في الهدى المعيب، والسالم أحب الينا. ولا تجزى جذعة
من الإبل. ولامن البقر. ولا من الغنم إلا في جزاء الصيد فقط *
برهان ذلك ان نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العرجاء البين عرجها، والعوراء البين عورها،

(1) في النسخة رقم (16) (برهان هذا) وما هنا أنسب
(2) في النسخة اليمنية وفى النسخة رقم (14) (بما أمكن)
178

والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لاتنقى (1)، وأن لا يضحى بشرقاء. ولا خرقاء. ولا مقابلة.
ولا مدابرة إنما جاء في الأضاحي نصا والأضحية غير الهدى، والقياس باطل، وقد وافقنا
المخالف على اختلاف حكم الهدى والأضحية (2) في الاشعار والتقليد وحكمه إذا عطب
قبل محله، فمن الباطل ان يقاس حكم الهدى على الأضاحي في مكان، ولا يقاس عليه في
مكان آخر بغير برهان مفرق بين ذلك، والهدى جائز في جميع السنة ولا تجوز الأضحية
عندهم الا في ثلاثة أيام من ذي الحجة فبطلت التسوية بينهما، وبالله تعالى التوفيق *
وأما الجذعة فلما روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى انا هشيم عن داود بن أبي هند عن الشعبي
عن البراء بن عازب أن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل ان يذبح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
ان هذا اليوم اللحم فيه مكروه (3) وان عجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري
فقال له (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعد نسكا فقال: يا رسول الله ان عندي عناق لبن (5) هي خير
من شاتي لحم فقال عليه السلام: هي خير نسيكتيك ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك) *
وهذا عموم منه عليه السلام وابتداء قضية قائمة بذاتها (6) وإنما كأن يكون هذا مقصورا
على الأضحية لو قال عليه السلام: ولا تجزى عن أحد بعدك فكأن يكون الضمير مردودا
إلى الأضحية لكن ابتدأ عليه السلام فأخبر أنه لا تجزى جذعة عن أحد بعدها. فعم ولم يخص
وإنما خصصنا جزاء الصيد بنص (7) قوله تعالى (فجزاء مثل ما قتل من النعم). فعم تعالى أيضا
ووجب ان يجزى الجذع بمثله، والصغير بمثله، والمعيب بمثله بنص القرآن، وبالله تعالى التوفيق *
838 - مسألة - ولا يجوز لاحد أن يطوف بالبيت عريان، فان فعل لم يجزه، فان
غطى قبله، ودبره فلا يسمى عريان فان انكشف ساهيا لم يضره قال الله عز وجل: (خذوا
زينتكم عند كل مسجد): روينا من طريق شعبة عن المغيرة عن الشعبي عن المحرر (8) بن
أبي هريرة عن أبيه قال: كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة
ببراءة كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة الا نفس مسلمة، ولا يطوف بالبيت عريان، وقال تعالى:
(وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) *
839 - مسألة - والطواف بالبيت على غير طهارة جائز، وللنفساء، ولا يحرم الا على الحائض
فقط لان رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أم المؤمنين - إذ حاضت - من الطواف بالبيت كما ذكر نا قبل،
وولدت أسماء بنت عميس بذى الحليفة فأمرها عليه السلام بأن تغتسل وتهل ولم ينهها عن الطواف

(1) أي التي لا مخ لها
(2) في النسخة رقم (14) واليمنية (الأضحية والهدى)
(3) معناه هذا يوم طلب اللحم فيه مكروه وشاق
(4) سقط لفظ (له) من صحيح مسلم ج 2 ص 117
(5) العناق - بفتح العين هي الأنثى من المعز التي لم تستكمل سنة، وجمعها أعنق وعنوق، وقوله عناق لبن معناه صغيرة قريبة مما ترضع
(6) في النسختين (بنفسها) وهما بمعنى
(7) لفظ (بنص سقط من النسخة رقم (14)
(8) هو براءين مهملتين
179

فلو كانت الطهارة من شروط الطواف لبينه (رسول الله) (1) صلى الله عليه وسلم كما بين أمر الحائض
(وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى)، (وما كان ربك نسيا) ولا فرق بين اجازتهم
الوقوف بعرفة والمزدلفة (2) والسعي بين الصفا والمروة ورمى الجمرة على غير طهارة وبين
جواز الطواف على غير طهارة إلا حيث منع منه النص فقط *
روينا عن سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء قال: حاضت امرأة
وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين فأتمت بها عائشة بقية طوافها، فهذه أم المؤمنين لم
تر الطهارة من شروط الطواف ولا نقول بهذا في الحيض خاصة للنص الوارد في ذلك *
840 - مسألة - فلو حاضت امرأة ولم يبق لها من الطواف الا شوط أو بعضه،
أو أشواط فكل ذلك سواء وتقطع ولا بد، فإذا طهرت بنت على ما كانت طافته
ولها أن تطوف بين الصفا والمروة لأنها لم تنه إلا عن الطواف (بالبيت) (3) فقط، وقد
وافقونا على إجازة كل ذلك للحائض لان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهها عن ذلك فكذلك لم ينه
الجنب ولا النفساء عن الطواف ولا فرق، (وبالله تعالى التوفيق) (4) *
841 - مسألة - ومن قطع طوافه لعذر أو لكل بنى على ما طاف، وكذلك السعي
لأنه قد طاف ما طاف كما أمر فلا يجوز ابطاله فلو قطعه عابثا فقد بطل طوافه لأنه لم
يطف كما أمر *
842 - مسألة - والطواف والسعي راكبا جائز، وكذلك رمى الجمرة لعذر
ولغير عذر * روينا من طريق مسلم ثنى أبو الطاهر وحرملة بن يحيى انا ابن وهب أخبرني
يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) (5) * ورويناه أيضا من طريق
عائشة. وجابر بن عبد الله (6) * ومن طريق مسلم نا عبد بن حميد انا محمد بن بكر انا
ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف وليسألوه (7)) *
ومن طريق مسلم حدثني أحمد بن حنبل (8) نا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم
- هو خال محمد بن سلمة -، واسمه خالد بن أبي يزيد عن زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين
عن جدته أم الحصين (9) قالت: (حججت مع رسول الله (10) صلى الله عليه وسلم حجة الوداع

(1) الزيادة من النسخة رقم (16) ومن النسخة اليمنية
(2) في النسخة رقم (16) (ومزدلفة)
(3) الزيادة من النسخة (14)
(4) الزيادة من النسخة رقم (16)
(5) هو من صحيح مسلم ج 1 ص 360
(6) هما في صحيح مسلم ج 1 ص 361
(7) الحديث في مسلم له بقية أسقطها المصنف انظر جزء 1 ص 361
(8) في النسخة رقم (16) (أحمد بن كهيل) وهو غلط *
(9) في صحيح مسلم ج 1 ص 367 (عن أم الحصين جدته) والمعنى واحد
(10) في صحيح مسلم (مع النبي)
180

فرأيت أسامة بن زيد وبلالا أحدهما (1) آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر
رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة) * وقد روينا عن عمر. وعروة المنع
من ذلك ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم *
843 - مسألة - ولا يجوز التباعد عن البيت عند الطواف إلا في الزحام (2)
لان التباعد عنه عمل بخلاف فعل (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبث لا (4) معنى له فلا يجوز *
844 - مسألة - والطواف بالبيت في كل ساعة جائز وعند طلوع الشمس. وعند
غروبها، ويركع عند ذلك * روينا من طريق أحمد بن شعيب انا عبد الله بن محمد
ابن عبد الرحمن الزهري نا سفيان - هو ابن عيينة - نا أبو الزبير عن عبد الله بن باباه عن
جبير بن مطعم (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بنى عبد مناف لا تمنعن أحدا طاف بهذا البيت
وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار) (5) * ورويناه أيضا من طريق ابن أبي نجيح عن
عبد الله بن باباه باسناده * وروينا عن الحسن. والحسين ابني على. وعبد الله بن عمر
الطواف بعد العصر والصلاة حينئذ إثر الطواف * وعن ابن عباس انه طاف بعد العصر *
وعن ابن الزبير انه طاف بعد صلاة الصبح وصلى الركعتين حينئذ *
قال أبو محمد: إنما جاء النهى عن الصلاة بعد العصر جملة فمن أجاز الطواف بعد العصر
ما لم تصفر الشمس فقد تحكم بلا دليل *
845 - مسألة - وجائز في رمى الجمرة. والحلق. والنحر. والذبح. وطواف
الإفاضة. والطواف بالبيت. والسعي بين الصفا والمروة أن تقدم أيها شئت على أيها
شئت لا حرج في شئ من ذلك * روينا من طريق مسلم (بن الحجاج) نا محمد
ابن عبد الله بن قهزاد (6) نا علي بن الحسن عن عبد الله بن المبارك انا محمد بن أبي حفصة
عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: (سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال:
يا رسول الله ان حلقت قبل أن ارمى قال: ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال: إني ذبحت
قبل أن أرمى قال: ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال: أنى أفضت إلى البيت قبل أن أرمى
قال: ارم ولا حرج (قال) (7) فما رأيته يسأل (8) يومئذ عن شئ إلا قال: افعلوا
ولا حرج) * ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله

(1) في صحيح مسلم (وأحدهما) بزيادة واو وليست موجودة في شرح مسلم
(2) في النسخة رقم (16) (إلا لزحام)
(3) في النسخة رقم (14) سقط لفظ (فعل) خطأ
(4) في النسخة رقم (14) (فلا) ولا لزوم للفاء هنا
(5) هو في النسائي ج 5 ص 223
(6) هو بضم القاف وبمعجمتين بعد الهاء الساكنة بينهما ألف
(7) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 370
(8) في صحيح مسلم (سئل)
181

ابن عمرو بن العاضى (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بمنى في حجة الوداع فجاء رجل (1)
فقال: يا رسول الله إني لم أشعر فحلقت قبل أن أرمى قال: ارم ولاحرج، وجاء آخر فقال:
يا رسول الله ان لم اشعر فنحرت قبل أن أرمى قال: ارم ولا حرج قال: فما سئل
(رسول الله صلى الله عليه وسلم) (2) عن شئ يومئذ قدم أو أخر إلا قال: اصنع ولاحرج) *
ومن طريق ابن الجهم عن إسماعيل بن إسحاق أنا أبو المصعب عن مالك عن ابن شهاب
عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: (وقف رسول الله
صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح.
قال: اذبح ولا حرج فقال آخر: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أرمى قال: ارم
ولا حرج فما سئل عن شئ قدم ولا أخر الا قال: افعل ولاحرج) (3) *
ومن طريق مسلم حدثني محمد بن حاتم نا بهز بن أسد نا وهيب - هو ابن خالد - نا عبد الله بن
طاوس عن أبيه عن ابن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له. في الذبح. والحلق (4). والرمي. والتقديم.
والتأخير فقال: لا حرج) *
ومن طريق أبى داود نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن الشيباني - هو
أبو إسحاق - عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (5)
حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل (6): يا رسول الله سعيت قبل ان أطوف أو أخرت شيئا أو
قدمت شيئا فكأن يقول: لا حرج (لا حرج) (7) وذكر باقي الحديث *
قال أبو محمد: فأخذ بهذا جمهور من السلف كما روينا من طريق سعيد بن منصور
نا سفيان نا أيوب - هو السختياني - عن نافع عن ابن عمر أنه رأى رجلا من أهله أفاض
قبل أن يحلق فأمره أن يحلق * وروينا عنه غير هذا من طريق سعيد أيضا، نا ابن وهب
عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد عن نافع ان ابن عمر لقى ابن أخيه عبد الرحمن
ابن عبد الرحمن بن عمر قد أفاض قبل أن يحلق أو يقصر فأمره أن يقصر، ثم يرجع فيفيض *
ومن طريق ابن الجهم نا عبد الله بن الحسن الهاشمي نا روح نا سعيد عن قتادة عن مورق العجلي
قلت لابن عمر: (رجل) (8) حلق قبل أن يذبح قال: خالف السنة قلت: ما ذا عليه؟ قال: إنك لضخم
اللحية ولم يجعل عليه شيئا * ومن طريق ابن الجهم نا إبراهيم بن حماد نا الصاغاني نا سعيد

(1) في الموطأ ج 1 ص 368 (أنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس بمنى والناس يسألون فجائه رجل) الخ
(2) الزيادة من الموطأ ج 1 ص 368
(3) هو في الموطأ ج 1 ص 368، وفى صحيح مسلم ج 1 ص 369
(4) في النسخة رقم (16) (في الحلق والذبح) وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 1 ص 370 وكذلك النسختان
(5) في سنن أبي داود ج 1 ص 160 (مع النبي صلى الله عليه وسلم
(6) في سنن أبي داود (4) (فمن قال) وليس بشئ
(7) الزيادة من سنن أبي داود
(8) الزيادة من النسخة رقم (16)
182

ابن عامر عن سعيد بن أبي عروبة عن مقاتل انهم سألوا أنس بن مالك عن قوم حلقوا قبل أن
يذبحوا؟ قال: أخطأتم السنة ولا شئ عليكم *
قال على: ما أخطأوا السنة ولا خالفوها لان ما أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ير فيه حرجا
فهو سنة لكن تركوا الأفضل فقط * ومن طريق الحذافي نا عبد الرزاق نا سفيان الثوري
عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء فيمن رمى الجمرة الوسطى قبل الأولى قال: يرمى التي
ترك (وأجزأه) (1) * وبه نصا إلى سفيان قال: أخبرني ابن جريج عن عطاء أنه قال:
من بدأ بالصفا والمروة قبل البيت انه يطوف بالبيت وقد أجزأ عنه، وبه يقول سفيان *
ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد أنه أتى الحسن البصري بمكة ثاني يوم النحر قد بدأ برمى
جمرة العقبة، ثم الوسطى، ثم الأخرى قال: فسألت فقهاء مكة عن ذلك فلم ينكروه؟ *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا الفضيل بن عياض عن ليث بن أبي سليم عن صدقة قال: سألت
طلوسا ومجاهدا عمن حلق قبل أن ينحر؟ قالا: لا شئ عليه وهو قول سفيان. والأوزاعي.
وداود وأصحابه، وقد روى عن بعض السلف غير هذا * روينا من طريق ابن أبي شيبة نا سلام بن
مطيع - هو أبو الأحوص - عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس قال: من قدم شيئا
من حجه أو أخره فليهرق لذلك دما * ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن سعيد
ابن جبير قال: من قدم شيئا قبل شئ من حجه أو حلق قبل أن يذبح فعليه دم * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال: من حلق قبل ان يذبح أهرق دما وقرأ (ولا تحلقوا
رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله) * ومن طريق ابن أبي شيبة نا فضيل بن عياض عن ليث عن صدقة
عن جابر بن زيد قال: من حلق قبل ان ينحر فعليه الفدية *
قال أبو محمد: أما الرواية عن ابن عباس فواهية لأنها عن إبراهيم بن مهاجر، وهو
ضعيف، وأما قول إبراهيم. وجابر بن زيد في أن من حلق قبل الذبح والنحر: فعليه
دم أو الدفية، واحتجاجهم بقول الله تعالى. (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله)
فغفلة ممن احتج بهذا (2) لان محل الهدى هو يوم النحر بمنى ذبح أو نحر أولم يذبح ولانحر
إذا دخل يوم النحر والهدى بمنى أو بمكة فقد بلغ محله فحل الحلق ولم يقل تعالى: حتى
تنحروا أو تذبحوا، وبين رسول صلى الله عليه وسلم ان كل ذلك مباح ولا حجة في قول أحد سواه
عليه السلام *
وأما المتأخرون عمن ذكرنا فان أبا حنيفة قال: من حلق قبل أن يرمى فلا شئ
عليه، فان حلق قبل أن ينحر أو يذبح فإن كان مفردا فعليه دم وإن كان قارنا فعليه دمان *

(1) سقط هذا اللفظ من النسخة رقم (16) خطأ
(2) في النسخة رقم (16) (به)
183

وقال زفر صاحبه: إن حلق القارن قبل أن يذبح أو ينحر فعليه ثلاثة دماء، فإن كان
متمتعا فعليه دم واحد، فإن كان مفردا فلا شئ عليه * وقال أبو يوسف: ان حلق قبل
أن يذبح قارنا أو متمتعا فعليه دم واحد، فإن كان مفردا فلا شئ عليه، ثم رجع فقال
هو. ومحمد بن الحسن: لا شئ عليه في كل ذلك * وقال مالك: ان حلق قبل ان يذبح
أو ينحر فلا شئ عليه فان حلق قبل ان يرمى فعليه دم * وقال الشافعي: لا شئ عليه فيما
أخر أو قدم إلا من طاف بين الصفا والمروة قبل الطواف بالبيت فعليه دم *
قال أبو محمد: كل هذه أقوال في غاية الفساد لأنها كلها دعاوى بلا دليل لامن قرآن.
ولا من سنة. ولا من قول صاحب. ولا من قياس. ولامن رأى سديد *
فأما تفريق - أبي حنيفة بين الحكم المفرد والقارن وايجاب زفر ثلاثة دماء على القارن
ودما على المتمتع، وتفريق مالك بين تقديم الحلق على الرمي وتقديمه على النحر والذبح،
وتفريق الشافعي بين تقديم السعي على الطواف وبين سائر ما قدم وأخر - فأقوال لاتحفظ
عن أحد من أهل العلم قبل القائل بها ممن ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق *
846 - مسألة - ومن لم يبت ليالي منى بمنى فقد أساء ولا شئ عليه الا الرعاء
وأهل سقاية العباس فلا نكره لهم المبيت في غير منى بل للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما *
روينا من طريق أبى داود نا مسدد نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عبد الله. ومحمد
ابني أبى بكر بن (1) محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن أبي البداح بن عدي عن أبيه (ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) رخص للرعاء ان يرموا يوما ويدعوا يوما) *
فصح بهذا الخبر ان الرمي في كل يوم من أيام منى ليس فرضا * ومن طريق مسلم
نا ابن نمير - هو محمد بن عبد الله - نا أبى نا عبيد الله - هو ابن عمر - حدثني نافع عن ابن عمر
قال: (ان العباس بن عبد المطلب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل سقايته ان يبيت
بمكة ليالي منى فأذن له) (3) *
قال أبو محمد: فأهل السقاية مأذون لهم من أجل السقاية وبات عليه السلام بمنى
ولم يأمر بالمبيت بها فالمبيت بها سنة وليس فرضا لان الفرض إنما هو امره صلى الله عليه وسلم فقط، (4) *
(فان قيل): ان إذنه للرعاء وترخيصه لهم وإذنه للعباس ذليل على أن غيرهم بخلافهم قلنا:
لا وإنما كأن يكون هذا لو تقدم منه عليه السلام أمر بالمبيت والرمي فكأن يكون هؤلاء
مستثنين من سائر من أمروا، واما إذا لم يتقدم منه أمر عليه السلام فنحن ندري ان هؤلاء

(1) في النسخة رقم (14) (ان) وهو غلط
(2) في سنن أبي داود ج 2 ص 148 ((ان النبي صلى الله عليه وسلم
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 371 (ان يبيت بمكة ليالي منى من اجل سقايته فاذن له)
(4) قال في هامش النسخة رقم (14) (ونسي أبو محمد قوله عليه السلام (خذوا عني مناسككم) والمبيت بمنى كان لأجل المناسك * أقول وهذه دعوى تحتاج إلى دليل آخر غير ما ذكره تنبه
184

مأذون لهم وليس غيرهم مأمورا بذلك ولا منهيا فهم على الإباحة * روينا عن عمر بن الخطاب
(لا يبيتن أحد من وراء العقبة أيام منى، وصح هذا عنه رضي الله عنه * وعن ابن عباس
مثل هذا، وعن ابن عمر أنه كره المبيت بغير منى أيام منى ولم يجعل واحد منهم في ذلك
فدية أصلا * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
قال: لا بأس لمن كان له متاع بمكة ان يبيت بها ليالي منى * ومن طريق ابن أبي شيبة
نا زيد بن الحباب نا إبراهيم بن نافع انا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال:
إذا رميت الجمار فبت حيث شئت * وبه إلى إبراهيم بن نافع ا ابن أبي نجيح عن عطاء
قال: لا بأس ان يبيت بمكة ليالي منى في ضيعته * وعن مجاهد لا بأس بأن يكون أول الليل
بمكة وآخره بمنى أو أول الليل بمنى وآخره بمكة * وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية
عن ابن جريج عن عطاء أنه كأن يقول: من بات ليالي منى بمكة تصدق بدرهم أو نحوه *
وعن بكير بن مسمار (1) عن سالم عن ابن جريج عن عطاء مثل هذا أيضا يتصدق بدرهم
إذا لم يبت بمنى * ومن طريق أبى بكر بن عياش عن المغيرة عن إبراهيم قال: إذا بات
دون العقبة أهرق دما * وقال أبو حنيفة: بمثل قولنا، وقال سفيان: يطعم شيئا، وقال
مالك: من بات ليلة من ليالي منى بغير منى أو أكثر ليلته فعليه دم، فان بات الأقل من
ليلته فلا شئ عليه، وقال الشافعي: من بات ليلة من ليالي التشريق في غير منى فليتصدق
بمد. فان بات ليلتين، فمدان فان بات ثلاثا فدم * وروى عنه في ليلة ثلث دم وفى ليلتين ثلثا دم
وفى ثلاث ليال دم *
قال أبو محمد: هذه الأقوال لا دليل على صحتها (2) يعنى الصدقة بدرهم أو باطعام
شئ. أو بايجاب دم. أو بمد. أو مدين. أو ثلث دم. أو ثلثي دم. أو الفرق بين المبيت
أكثر الليل. أو أقله، وما كان هكذا فالقول به لا يجوز وما نعلم لمالك. ولا للشافعي في
أقوالهم هذه سلفا أصلا. لامن صاحب. ولا من تابع *
847 - مسألة - ومن رمى يومين، ثم نفر ولم يرم الثالث فلا بأس به، ومن
رمى الثالث فهو أحسن *
برهان ذلك قول الله تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم
عليه) وقال أبو حنيفة: ان نفر (3) اليوم الثاني إلى الليل لزمه أن يرمى الثالث *
قال على: وهذا خطأ وحكم بلا دليل وخلاف للقرآن *

(1) في النسخة رقم (16) (عن بكر بن مسمار) وهو غلط
(2) في النسخة رقم (16) وفى اليمنية (على تصحيحها)
(3) في النسخة رقم (16) (ان بقي) وكذلك في النسخة اليمنية
185

848 - مسألة - والمرأة المتمتعة بعمرة ان حاضت قبل الطواف بالبيت ففرضها
ان تضيف حجا إلى عمرتها آن كانت تريد الحج من عامها وتعمل عمل الحج حاشا الطواف
بالبيت فإذا طهرت طافت، وهذا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بذلك وقد ذكرناه قبل *
849 - مسألة - ولا يلزم الغسل في الحج فرضا الا المرأة تهل بعمرة تريد
التمتع فتحيض قبل الطواف بالبيت فهذه تغتسل ولابد وتقرن حجا إلى عمرتها، والمرأة تلد
قبل ان تهل بالعمرة أو بالقران ففرض عليها ان تغتسل ولتهل بالحج *
لما روينا من طريق مسلم نا قتيبة نا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال: (أقبلت عائشة
بعمرة) فذكر الحديث وفيه (انها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد حضت وقد حل الناس
ولم أحلل ولم أطف بالبيت (والناس يذهبون إلى الحج الان) (1) فقال لهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ان هذا أمر كتبه الله علي بنات آدم فاغتسلي وأهلي بالحج (2)) ولامره عليه السلام،
أسماء بنت عميس إذ ولدت محمد بن أبي بكر بالشجرة ان تغتسل وتهل، ونحن قاطعون
بائتمارها له عليه السلام، وانهما لو لم يغتسلا لكانتا عاصيتين، وقد أعاذهما الله عز وجل
من ذلك *
850 - مسألة - وكل من تعمد معصية أي معصية كانت - وهو ذاكر لحجه
مذ يحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمى الجمرة - فقد بطل حجه فان أتاها ناسيا لها
أو ناسيا لاحرامه ودخوله في الحج أو العمرة فلا شئ عليه في نسيانها، وحجه وعمرته تامان
في نسيانه كونه فيهما، وذلك لقول الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق
ولا جدال في الحج) فكان من شرط الله تعالى في الحج براءته من الرفث والفسوق، فمن
لم يتبرأ منهما فلم يحج كما أمر، ومن لم يحج كما أمر فلا حج له، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) *
ومن عجائب الدنيا ابطالهم الحج بتقبيله امرأته المباحة له فيمنى ولم ينهه الله تعالى قط
عن هذا، ثم لا يبطلونه بالفسوق من قتل النفس المحرمة وترك الصلاة وسائر الفسوق
ان هذا لعجب!، وأعجب من ذلك ابطال أبي حنيفة الحج بوطئ الرجل امرأته ناسيا
لاحرامه!، وقد صح ان الله تعالى لا يؤاخذ بالنسيان، قال تعالى: (وليس عليكم جناح
فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم)، ثم لا يبطل الحج بتعمد القصد إلى أن يلوط في إحرامه
أو يلاط به فهل في الفضائح والقبائح أكثر (3) من هذه المصيبة؟ وأعجب شئ دعواهم
الاجماع على هذا! ولا سبيل إلى أن يأتوا برواية عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 344
(2) في صحيح مسلم (ثم أهلي بالحج)
(3) في النسخة رقم (16) (أكبر) أي أعظم
186

في أن تعمد الفسوق (1) لا يبطل! بل الروايات عن السلف تشهد لقولنا *
وروى عن مجاهد أنه قال: إنا لنحرم من الميقات وأخشى ان لا أخرج منه حتى أخرج
احرامي أو كلاما هذا معناه، وان شريحا كان إذا أحرم فكأنه حية صماء *
851 - مسألة - فان أمكنه تجديد الاحرام فليفعل ويحج أو يعتمر وقد أدى
فرضه لان احرامه الأول قد بطل وأفسده، والتمادي عليه لا يجوز لقول الله تعالى:
(ان الله لا يصلح عمل المفسدين). وقال الأوزاعي: في سباب المحرم دم، وهم يجعلون
الدم فيما لا يكره فيه من المبيت في غير منى وغير ذلك ولا يجعلونه في السباب للمحرم في الحج *
852 - مسألة - ومن وقف بعرفة على بعير مغضوب، أو جلال بطل حجه إذا
كان عالما بذلك وأما من حج بمال حرام فأنفقه في الحج - ولم يتول هو حمله بنفسه (2) -
فحجه تام *
أما المغصوب فلانه مخالف لما أمره الله تعالى به ولم يحج كما أمر، وأما وقوفه على
بعير جلال. لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما حدثناه عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك
نا محمد بن بكر نا أبو داود نا أحمد بن أبي سريج (3) الرازي أخبرني عبد الله بن الجهم
نا عمرو - هو ابن أبي قيس - عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال: (نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها) * وبه إلى أبى داود نا مسدد
نا عبد الوارث - هو التنوري - عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال: (نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) عن ركوب الجلالة) *
قال أبو محمد: والجلالة هي التي علفها الجلة وهي العذرة، فمن وقف بعرفة بعير
جلال فلم يقف كما أمر لأنه عاص في وقوفه (عليه) (5)، والوقوف بعرفة طاعة وفرض،
ومن المحال ان تنوب المعصية عن الطاعة، وقال عليه السلام: (إن دماءكم وأموالكم
عليكم حرام) فمن وقف بها حاملا لمال حرام فلم يقف كما أمر بل وقف عاصيا فإن لم
يعلم بذلك فقد قال تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم)،
ومن لم يتعمد للحرام عالما به فليس عاصيا وإذا لم يكن عاصيا فهو محسن قال تعالى: (ما على
المحسنين من سبيل)، فقد وقف كما أمر وعفا الله تعالى له عما لم يعلمه *
وأما نفقة المال الحرام في الحج وطريقه فهو إن كان عاصيا بذلك فلم يباشر

(1) في النسخة رقم (16) (تعمد الفسق)
(2) في النسخة رقم (14)، واليمنية (مع نفسه)
(3) هو بسين مهملة وفى آخره جيم معجمة، وفى النسخ كلها بالشين المعجمة وآخره حاء مهملة وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب وحاشية تقريب التهذيب وجاء صحيحا في سنن أبي داود ج 2 ص 330
(4) سقط من سنن أبي داود ج 2 ص 330 لفظ (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعليها
قوله (نهى) مبنى للمجهول، والحديثان سكت عنهما الحافظ المنذري
(5) الزيادة من النسخة رقم (14)
187

المعصية في حال إحرامه ولا في شئ من أعمال حجه فلم يخلط في عمله الواجب عملا
محرما (1)، وبالله تعالى التوفيق، وكذلك لو ركب الجلال في شئ من إحرامه أو عمل
حجه لقول الله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). والمعصية فسوق،
وقد وافقونا على بطلان صلاة من صلى الفرض راكبا لغير ضرورة، ولافرق بين الامرين
لان كليهما عمل محرم *
853 - مسألة وعرفة كلها موقف الا بطن عرنة، ومزدلفة كلها موقف الا بطن
محسر لان عرفة من الحل، وبطن عرنة من الحرم فهو غير عرفة، وأما مزدلفة فهي المشعر
الحرام وهي من الحرم، وبطن محسر من الحل فهو غير مزدلفة *
نا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن حسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن
أحمد بن الجهم نا جعفر الصائغ نا أبو نصر التمار - هو عبد الملك بن عبد العزيز - عن سليمان
ابن موسى عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل
عرفات موقف وارفعوا عن بطن عرنة والمزدلفة كلها موقف وارفعوا عن بطن محسر (2)) *
854 - مسألة - ورمى الجمار بحصى قد رمى به قبل ذلك جائز، وكذلك رميها راكبا
حسن، أما رميها بحصى قد رمى به فلانه لم ينه عن ذلك قرآن. ولا سنة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه *
(فان قيل): قد روى عن ابن عباس ان حصى الجمار ما تقبل منه رفع وما لم يتقبل منه ترك
ولولا ذلك لكان هضابا (3) تسد الطريق قلنا: نعم فكان ماذا؟ وان لم يتقبل رمى هذه الحصا
من عمرو فيستقبل من زيد، وقد يتصدق المرء بصدقة فلا يقبلها الله تعالى منه، ثم يملك تلك
العين آخر فيتصدق بها فتقبل منه *
وأما رميها راكبا نا عبد الله به ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا إسحاق بن إبراهيم
- هو ابن راهويه - نا وكيع نا أيمن بن نابل (4) عن قدامة بن عبد الله (قال: رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يرمى جمرة العقبة (يوم النحر) (5) على ناقة له صهباء. لأضرب. ولا طرد. ولا إليك
إليك) (6) * وقال أبو يوسف قبل موته بأقل من ساعة: رمى الجمرتين الآخرتين راكبا أفضل

(1) أورده مصحح نسخة رقم (14) بهامشها ما نصه (لافرق بين ركوب الجلالة وأكل المال الحرام في الحج لقول الله تعالى: (فلا
رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ولا شك ان كليهما فاسق فليتأمل اه‍ أقول تأملت ذلك ونظرت كلام المصنف فوجدته يغنى عن
الجواب لأنه فرق بين من تلبس بالمعصية وهو واقف بعرفة وبين من أكل الحرام ولم يتلبس وقتئذ بالمعصية فشتان ما بينهما وهو فرق
واضح نسأل الله الهداية
(2) الحديث في مسند الإمام أحمد بسند آخر عن جبير بن مطعم ج 4 ص 82، وفيه زيادة ونسبه ابن حجر في
التلخيص الجبر إلى ابن حيان والطبراني والبيهقي والبزار وغيرهم في ص 216
(3) هو جمع هضبة الجبل المنبسط على وجه الأرض
(4) هو بنون فباء موحدة وفى النسخ كلها (نافع) وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب
(5) الزيادة من سنن النسائي ج 5 ص 270
(6) هو تعريض للأمراء بأنهم أحدثوا هذا الأمور وقوله (إليك إليك) اسم فعل أي تبعد وتنح
188

ورمى جمرة العقبة راجلا أفضل، وهذا تقسيم فاسد بلا برهان بل رميها راكبا أفضل اقتداء
برسول الله صلى الله عليه وسلم *
855 - مسألة ويبطل الحج تعمد الحج تعمد الوطئ في الحلال من الزوجة والأمة ذاكر الحجة
أو عمرته، فان وطئها ناسيا لأنه في عمل حج أو عمرة فلا شئ عليه، وكذلك يبطل بتعمده
أيضا حج الموطوءة وعمرتها قال تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)،
والرفث الجماع. فمن جامع فلم يحج. ولا اعتمر كما أمر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دخلت
العمرة في الحج إلى يوم القيامة) (1)، وأما الناسي والمكره فلا شئ عليه لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (2) ولقول الله تعالى: (وليس
عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم)، وهو قول أصحابنا *
856 - مسألة - وان وطئ وعليه بقية من طواف الإفاضة (3) أو شئ من
رمى الجمرة فقد بطل حجه كما قلنا: قال تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)،
فصح أن من رفث ولم يكمل حجه فلم يحج كما أمر، وهو قول ابن عمر، وقول أصحابنا، وقال
ابن عباس: لا يبطل الحج بالوطئ بعد عرفة، وهو قول أبي حنيفة، وقال مالك: ان
وطئ يوم النحر قبل رمى الجمرة بطل حجه، وان وطئ يوم النحر بعد رمى الجمرة لم
يبطل حجه، وان وطئ بعد يوم النحر قبل رمى الجمرة (4) لم يبطل حجه * فاما قول
مالك فتقسيم لا دليل على صحته أصلا، واحتج أبو حنيفة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) *
قال على: ولا حجة لهم في هذا لان الذي قال هذا هو الذي أخبرنا عن الله تعالى
بأنه قال: (وليطوفوا بالبيت العتيق). وبأنه قال: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا
الله عند المشعر الحرام) وهو الذي أمر برمى الجمرة فلا يجوز الاخذ ببعض قوله دون
بعض، وقد قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع اله سبيلا) فكان الطواف
بالبيت هو الحج كعرفة ولافرق، وقوله عليه السلام (الحج عرفة) لا يمنع من أن
يكون الحج غير عرفة أيضا، وقد وافقنا المخالف على أن امرءا لو قصد عرفة فوقف بها
فلم يحرم (5). ولا لبى. ولا طاف. ولا سعى فلا حج له، فبطل تعلقهم بقوله عليه السلام
(الحج عرفة) *
857 - مسألة - فمن وطئ عامدا كما قلنا فبطل حجه فليس عليه ان يتمادى على
عمل فاسد باطل لا يجزئ عنه لكن يحرم من موضعه، فان أدرك تمام الحج فلا شئ

(1) تقدم الكلام عليه في حديث جابر الطويل ص 119 من هذا الجزء، وهذا قطعة منه
(2) سيأتي الكلام عليه ومن خرج قريبا
(3) في النسخة رقم (16) (وان وطئ وبقى عليه من طواف الإفاضة) وهو كلام ناقص
(4) في النسخة رقم (16) (قبل ان يرمى الجمرة) وما هنا انسب بالسياق
(5) في النسخة رقم (16) (ولم يحرم)
189

عليه غير ذلك وإن كان لا يدرك تمام الحج فقد عصى وأمره إلى الله تعالى ولا هدى في ذلك
ولا شئ إلا أن يكون لم يحج قط، فعليه الحج والعمرة *
وقد اختلف السلف في هذا * فروينا عن عمر رضي الله عنه أن يتماديا في حجهما، ثم يحجان من قابل
ويتفرقان من الموضع الذي جامع فيه وعليه هدى وعليها، وهذا مرسل عن عمر لأنه عن مجاهد عن
عمر ولم يدرك مجاهد عمر * وروينا عن علي على كل واحد منهما بدنة ويتفرقان إذا حجا من قابل،
وهذا مرسل عن علي لأنه عن الحكم عن علي والحكم لم يدرك عليا، وروينا عن ابن عباس أقوالا
منها ان يتماديا على حجهما ذلك وعليهما هدى وحج قابل ويتفرقان من الموضع الذي جامعها فيه *
وعن عبد الله بن عمرو. وعبد الله بن عمر مثله قالوا: فإن لم يجد هديا صام صيام المتمتع،
وقول آخر مثل هذا سواء سواء إلا أنه لم يعوض من الدم صياما *
وعن ابن عمرو. وابن عمر مثله ولم يذكروا تفريقا * وروى عن ابن عباس أيضا انه عليه بدنة
ويتفرقان من قابل قبل الموضع الذي جامعها فيه * وعن ابن عباس أيضا كل واحد منهما هدى *
وعن جبير بن مطعم أنه قال للمجامع: أف لا أفتيك بشئ *
وأما من جامع بعد عرفة فعن ابن عمر من وطئ قبل ان يطوف بالبيت فعليه الحج والهدى،
وروى عنه أيضا عليه الحج من قابل وبدنة * وعن ابن عباس على كل واحد منهما جزور *
ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من
واقع امرأته قبل أن يطوف بالبيت فعليه دم * وعن ابن عباس أيضا عليه وعليها بدنة *
وروينا عن عائشة أم المؤمنين لاهدى الاعلى المحصر، وقال أبو حنيفة: ان وطئ قبل عرفة
تماديا على حجهما ذلك وعليهما حج قابل وهدى ويجزى في ذلك شاة ولا يتفرقان، فان وطئ
بعد عرفة فحجه تام وعليه بدنة *
قال أبو محمد: فكان من العجب! انه إذا بطل حجه أجزأه هدى شاة وإذا تم حجه لم يجزه الا
بدنة، وهذا تقسيم ما روى عن أحد، فان تعلق بابن عباس فقد اختلف عن ابن عباس كما ذكرنا وعن
غيره من الصحابة رضي الله عنهم، وليس قول بعضهم أولى من بعض، وهذا جبير
ابن مطعم لو يوجب في ذلك هديا أصلا ولا أمر بالتمادي على الحج *
قال على: قال الله تعالى. (إن الله لا يصلح عمل المفسدين). فمن الخطأ (1) تماديه
على عمل لا يصلحه الله عز وجل لأنه مفسد بلا خلاف منا ومنهم، فالله تعالى لا يصلح عمله
بنص القرآن، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الحج إنما يجب مرة، ومن ألزمه التمادي
على ذلك الحج الفاسد، ثم ألزمه حجا آخر فقد ألزمه حجتين، وهذا خلاف أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم *

(1) في النسخة رقم (14) (فمن الباطل)
190

والعجب أنهم يدعون أنهم أصحاب قياس بزعمهم! وهم لا يختلفون في أن من (1) أبطل
صلاته انه لا يتمادى عليها فلم ألزموه التمادي على الحج؟، وقد خالف أبو حنيفة ابن عباس.
وعمر. وعليا فيما روى عنهم من التفريق (2) فلا نكره فيمن خالف ابن عباس في قول
قد صح عنه خلافه وإنما هم ستة من الصحابة رضي الله عنهم مختلفون كما ذكرنا، فالواجب
الرجوع إلى القرآن، والسنة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام)
فلا يجوز أن يوجب هدى بغير قرآن ولا عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم *
وروينا من طريق مجاهد وطاوس فيمن وطئ امرأته وهو محرم ان حجه يصير عمرة وعليه
حج قابل وبدنة، فلم يريا عليها التمادي في عمل الحج * وروينا عن قتادة انهما يرجعان إلى حدهما يعنى
الميقات ويهلان بعمرة ويتفرقان ويهديان هديا هديا * وعن الحسن فيمن وطئ قبل طواف
الإفاضة قال: عليه حج قابل ولم يذكر هديا أصلا، وقال مالك: ان وطئ قبل رمى
الجمرة يوم النحر فعليه هدى وحج قابل ويتفرقان من حيث جامعها، فان وطئ بعد رمى
الجمرة فحجه تام وعليه عمرة وهدى بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم
يجد صام صيام المتمتع، فكان إيجاب العمرة ههنا عجبا لا يدرى معناه!، وكذلك تقسيمه
الهدى وتقسيمه وقت الوطئ ولا يعرف هذا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم *
وقال الشافعي: ان وطئ ما بين أن يحرم إلى أن يرمى جمرة العقبة فسد حجه وعليه بدنة.
فإن لم يجد بدنة فبقرة. فإن لم يجد بقرد فسبع من الغنم، فإن لم يجد قومت البدنة بمكة دراهم، ثم قومت
الدراهم طعاما فأطعم كل مسكين مدا، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما، فان وطئ بعد رمى
جمرة العقبة فحجه تام وعليه بدنة، فكان هذا أيضا قولا لا يؤيده قرآن. ولا سنة.
ولاقول صاحب. ولا قياس، ولا يوجد هذا عن أحد من الصحابة أصلا. وبالله
تعالى التوفيق *
858 - مسألة - ومن أخطأ في رؤية الهلال لذي الحجة فوقف بعرفة اليوم
العاشر ويظنه التاسع ووقف بمزدلفة الليلة الحادية عشرة وهو يظنها العاشرة فحجه
تام ولا شئ عليه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: ان الوقوف بعرفة لا يكون إلا في اليوم
التاسع من ذي الحجة أو الليلة العاشرة منها، وإنما أوجب عليه السلام الوقوف بها ليلا
أو نهارا فصح ان كل من وقف بها أجزأه ما لم يقف في وقت لا يختلف اثنان في أنه لا يجزيه
فيه، وقد تيقن (3) الاجماع من الصغير. والكبير. والخالف. والسالف ان من وقف
بها قبل الزوال من اليوم التاسع من ذي الحجة أو بعد طلوع الفجر من الليلة الحادية

(1) في النسخة رقم (16) (في من)
(2) في النسخة رقم (14) (من التفريق)
(3) في النسخة رقم (16) (وقد تلقى)
(4) في النسخة رقم (14) واليمنية (أو بعد اطلاع الفجر)
191

عشرة (1) من ذي الحجة فلا حج له، وكذلك ان وقف بها بعد طلوع الفجر من الليلة
العاشرة وهو يدرى أنها العاشرة، وهذا (2) قول جمهور الناس *
859 - مسألة - فن صح عنده بعلم أو بخبر صادق ان هذا هو اليوم التاسع
إلا أن الناس لم يروه رؤية (3) توجب أنها اليوم الثامن ففرض عليه الوقوف في اليوم
الذي صح عنده أنه اليوم التاسع والا فحجه باطل لما ذكرنا * روينا من طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن عمر بن محمد قال: شهد نفر أنهم رأوا هلال ذي الحجة فذهب
بهم سالم إلى ابن هشام وهو أمير الحج فلم يقبلهم فوقف سالم بعرفة لوقت شهادتهم، ثم دفع فلما كان
في يوم الثاني وقف مع الناس *
860 - مسألة - ومن أغمي عليه في إحرامه، أوجن بعد ان احرم في عقله فاحرامه
صحيح، وكذلك لو أغمي عليه، أو جن بعد أن وقف بعرفة ولو طرفة عين أو بعد ان
أدرك شيئا من الصلاة بمزدلفة مع الامام فحجه تام لان الاغماء والجنون لا يبطلان عملا
تقدم أصلا ولا جاء بذلك نص أصلا ولا إجماع، وليس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع
القلم عن ثلاث فذكر النائم حتى ينتبه والمبتلى حتى يفيق والصبي حتى يبلغ) (4) بموجب
بطلان ما تقدم من عمله، وإنما فيه أنهم في هذه الحال غير مخاطبين فقط فإذا أفاقوا صاروا
على حكمهم الذي كانوا عليه قبل، وبالله تعالى التوفيق نتأيد *
861 - مسألة - ومن أغمي عليه. أوجن أو نام قبل الزوال من يوم عرفة فلم يفق.
ولا استيقظ إلا بعد طلوع الفجر من ليلة يوم النحر فقد بطل حجه سواء وقف به بعرفة
أو لم يوقف به، وكذلك من أغمي عليه أوجن. أو نام قبل أن يدرك شيئا من صلاة
الصبح بمزدلفة مع الامام فلم يفق ولا استيقظ الا بعد سلام الامام من صلاة الصبح
فقد بطل حجه، فإن كانت امرأة فنامت. أو جنت. أو أغمي عليها قبل أن تقف بمزدلفة
فلم تفق. ولا انتبهت حتى طلعت الشمس من يوم النحر فقد بطل حجها، وسواء وقف
بها بمزدلفة. أو لم يوقف لان الاعمال المذكورة فرض من فرائض الحج، وقال الله
تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) فصح أنه لا يجزى عمل مأمور به الأبنية
القصد إليه مؤدى باخلاص لله تعالى فيه كما أمر عز وجل، وكل من ذكرنا فلم يعبد الله

(1) في النسخ كلها (الحادية عشر) والقاعدة ان الحادية عشر والثانية عشر يؤنثان مع المؤنث ويذكران مع المذكر
(2) في النسخة (16) (وهو)
(3) في النسخة رقم (14) وفى اليمنية (لم يروه الا رؤية) بزيادة (الا والذي يظهر لي انها زائدة بدليل استدلاله
بفعل ابن هشام من عدم قبول قول من رأى الهلال وأخبر فإن كانت تلك الرؤية توجب انها اليوم الفلاني لقبله ولم يرده،
والله أعلم
(4) رواه الحاكم في مستدركه ج 1 ص 258 وأقره الذهبي على تصحيحه. ورواه الإمام أحمد في مسنده وأبى داود في سننه
192

في الاعمال المذكورة مخلصا له الدين بها فلم يأت بها. ولا حج لمن لم يأتيها. ولا يجزى
ان يقف به غيره هنا لك لقول الله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة). وقال تعالى:
(ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وكذلك لو أن امرءا
مر (1) بعرفة مجتازا ليلة النحر نزل بها أو لم ينزل. وهو لا يدرى أنها عرفة فلا يجزئه
ذلك ولا حج له حتى يقف بها قاصدا إلى الوقوف بها كما أمره الله تعالى *
واختلف الناس في هذا، فقال مالك: لا يجزى ان يحرم أحد عن غيره فإذا أحرم
بنية الحج أجزأ كل عمل في الحج بلا نية، وقال أبو حنيفة. والشافعي: اعمال الحج كلها
تجزى بلا نية ولو أن من لم يحج قط حج ولا ينوى إلا التطوع أجزأه عن حجة الفرض *
قال أبو محمد: وهذه أقوال في غاية الفساد والتناقض، وقد أجمعوا لو أن امرءا عليه
صلاة الصبح فصلى ركعتين تطوعا. أو عليه الظهر فصلى أربعا تطوعا ان ذلك لا يجزئه من
الفرض وأن من عليه زكاة خمسة دراهم فتصدق بخمسة دراهم تطوعا أنها لا تجزئه من
الفرض، وأجمعوا إلا زفر أن من صام يوما من رمضان ينوى به التطوع فقط، أو لا ينوى
به شيئا فإنه لا يجزئه من صوم الفرض، فليث شعري أي فرق بين الصوم، والصلاة، والزكاة،
والحج لو نصحوا أنفسهم!؟، (فان قالوا): قد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر ان للصبي
حجا، وسمع أنسانا لم يكن حج يلبى عن شبرمة فقال (له): (2) اجعل حجك هذا عن
نفسك، ثم حج عن شبرمة (3) قلنا: أما إخباره عليه السلام ان للصبي حجا فخبر صحيح
ثابت ولا متعلق لكم به لأنه لم يجعل عليه السلام ذلك الحج جازيا من حج الفريضة فهو
حجة لنا عليكم، ونحن نقول: إن للصبي حجا كما قال عليه السلام وهو تطوع لا يجزى
عن الفرض، ونحن نقول: إن للصبي صلاة، وصوما وكل ذلك تطوع منه له، وقد
كان الصبيان يشهدون الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حج بهم معه ولافرق، وأما
خبر شبرمة فلا يصح ولو صح لما كان لهم فيه حجة لأنه ليس فيه ان حجه عن شبرمة
يجزى عن الذي حج عنه بل هو حجة عليهم لان فيه ان يجعل الحجة عن نفسه، وفى هذا إيجاب
للنية (4) بها عن نفسه فهو حجة عليهم، وبالله تعالى التوفيق *

(1) سقط لفظ (مر) من النسخة رقم (16) خطأ
(2) الزيادة من النسخة رقم (16) ومن النسخة اليمنية سقط لفظ (فقال له) خطا
(3) في هامش النسخة اليمنية ما نصه يقال: قد قال له: (حج عن شبرمة وهذا أمر له بأن يحج عن الغير) اه‍ وهو ذهول عن
جواب المصنف بعد، وعلى تسليم دلالة ذلك عليه فهل يقال إنه يجب عليه ان يحج لامره صلى الله عليه وسلم بذلك ولا قائل، والمعنى
والله أعلم أن امر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بذلك استغرابا منه فعل ذلك لان الانسان يبدأ بنفسه ثم بغيره فلا دلالة له على مشروعية
ذلك والله أعلم
(4) في النسخة رقم (16) (ايجاب النية)
193

وروينا عن الحسن فيمن عليه شهران متتابعان من كفارة ظهار، أو نذر، وعليه حج
نذره ولم يكن حج حجة الفريضة فصام شعبان ورمضان وحج فان ذلك يجزئه عما كان
عليه، وعن فرض رمضان، وتلك الحجة تجزئه عن نذره وفرض الاسلام، وهذا خطأ لما
ذكرنا قبل - وهو قول أصحابنا - وبالله تعالى التوفيق *
(فان قال مالكي): الحج كصوم اليم إذا دخل فيه بنية، ثم عزبت نيته أجزأه قلنا:
ليس كذلك لان الحج أعمال كثيرة متغايرة يحول بينها ما ليس منها كالتلبية، والوقوف
بعرفة، ومزدلفة، ورمى الجمار، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة فلا بد لكل
عمل من نية له، وأما الاحرام فهو عمل متصل لا ينفصل فيجزئه نية الدخول فيه ما لم يتعمد
إحالة نيته أو ابطال إحرامه، وبالله تعالى نتأيد (1) *
862 - مسألة - ومن أدرك مع الامام صلاة الصبح بمزدلفة من الرجال فلما سلم
الامام ذكر هذا الانسان أنه على غير طهارة فقد بطل حجه لأنه لم يدرك الصلاة
مع الامام، وقد تقدم ذكرنا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وبالله التوفيق *
863 - مسألة - ومن قتل صيدا متصيدا له ذاكرا لاحرامه عامدا لقتله فقد
بطل حجه أو عمرته لبطلان إحرامه وعليه الجزاء مع ذلك لقول الله تعالى: (لا تقتلوا
الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل
منكم) الآية، فحرم الله تعالى عليه أن يقتل الصيد متعمدا في إحرامه فإذا فعل فلم يحرم
كما أمر لان الله تعالى إنما أمره باحرام ليس فيه تعمد قتل صيد، وهذا الاحرام هو
بلا شك غير الاحرام الذي فيه تعمد قتل الصيد فلم يأت بالاحرام الذي أمره الله تعالى
به، وأيضا فان الله تعالى قال: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا
فسوق ولا جدال في الحج)، ولا خلاف في أن تعمد قتل الصيد في الاحرام فسوق،
ومن فسق في حجه فلم يحج كما أمر، ومن لم يحج كما أمر فلم يحج *
روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا إبراهيم بن الحجاج نا عبد الوارث
ابن سعيد التنوري عن ليث عن مجاهد قال: من قتل صيدا متعمدا فقد بطل حجه وعليه
الهدى * واعترض بعضهم بأن قال: إن الله تعالى يقول: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)
فسماهم حرما *
قال أبو محمد: وهذا إقدام منهم عظيم على تقويل الله تعالى ما لم يقله قط، وإنما سماهم
الله تعالى حرما قبل قتل الصيد ونهاهم إذا كانوا حرما عن قتل الصيد وما سماهم تعالى قط

(1) في النسخة رقم (16) (وبالله التوفيق)
(2) في النسخة رقم (14) (في أن من تعمد) ولا يوافقه الخبر الا بضرب من
التأويل ولا داعى إليه
194

بعد قتل الصيد حرما، فأف لكل عصيبة لمذهب تحدو (1) إلى الكذب على الله تعالى
جهارا، وقد قال تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فأثبت الحج ونهى فيه عن
الرفث فيلزمهم على هذا أن لا يبطلوا الحج بالجماع الذي هو الرفث، وهذه كالتي قبلها ولا
فرق، وإنما جعلهم تعالى في الحج ما لم يرفثوا ولا فسقوا، وقال بعضهم: قد أوجب
عليه السلام في الضبع كبشا ولم يخبر بأن إحرامه بطل، قلنا لهم: (2) قلتم: الباطل بل قد
أخبر عليه السلام بأن إحرامه قد بطل بقوله عليه السلام (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)،
وأيضا فلم يقل عليه السلام قط ان إحرامه لم يبطل، ولا دل دليل على ذلك أصلا،
وبالله تعالى التوفيق *
864 - مسألة - قال أبو محمد: (3) وكل فسوق تعمده المحرم ذاكرا لاحرامه
فقد بطل إحرامه. وحجه. وعمرته لقول الله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في
الحج) فصح ان من تعمد الفسوق (4) ذاكرا لحجه. أو عمرته فلم يحج كما أمر، وقد أخبر
عليه السلام (ان العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة)، وقال عليه السلام (من عمل عملا ليس
عليه أمرنا فهو رد) *
ومن عجائب الدنيا! ان الآية وردت كما تلونا فأبطلوا الحج بالرفث ولم يبطلوه بالفسوق
وأعجب من هذا! ان أبا حنيفة قال: من وطئ في إحرامه - ناسيا غير عامد ولا ذاكر
لأنه محرم - امرأته التي أباح الله تعالى له وطأها قبل الاحرام أو بعده فقد بطل حجه،
فلو تعمد اللياطة بذكرا وأن يلاط به ذاكرا لاحرامه فحجه تام وإحرامه مبرور، فأف
لهذا القول عدد الرمل. والحصى. والتراب * (فان قالوا): إنما يبطل إحرامه بأن يأتي
ما حرم في حال الاحرام فقط لا بما هو حرام قبل الاحرام. وفي الاحرام. وبعد الاحرام قلنا:
وعن هذا التقسيم الفاسد سألناكم؟ ولا حجة لكم فيه، وأنتم تبطلون الصلاة بكل عمل
محرم. وقبلها. وفيها. وبعدها كما تبطلونها بما حرم فيها فقط، وقد نقضتم هذا الأصل الفاسد فلم
تبطلوا الاحرام بتعمد لباس ما حرم فيه مما هو حلال قبله وبعده، فقد أبطلتم هذا التقسيم
الفاسد فأين القياس الذي تنتسبون إليه بزعمكم؟ والله تعالى قد أكد الحج وخصه بتحريم
الفسوق فيه كما خصه بتحريم الرفث فيه ولا فرق *
أخبرنا محمد بن الحسن بن عبد الوارث الرازي نا عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن النحاس
بمصر نا أبو سعيد بن الاعرابي نا عبيد بن غنام بن غنام بن حفص بن غياث النخعي نا محمد بن عبد الله

(1) أي تسوق، وفى النسخة اليمنية (تجر) والمعنى قريب
(2) سقط لفظ (لهم) من النسخة رقم (16) خطأ
(3) سقط جملة (قال أبو محمد) من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (16) واليمنية (الفسق) وما هنا انسب بنظم الآية
(5) سقط لفظ (فيه) من النسخة رقم (16)
195

ابن نمير نا أحمد بن بشر عن عبد السلام بن عبد الله بن جابر الأحمسي عن أبيه عن زينب بنت
جابر الأحمسية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في امرأة حجت معها مصمتة: قولي لها:
تتكلم فإنه لا حج لمن لم يتكلم)، وقد ذكرنا رواية أحمد بن شعيب عن نوح بن حبيب
القومسي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي أحرم في جبة ان يجدد إحراما) (1) *
قال أبو محمد: ولا سبيل لهم إلى أن يوجدوا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم
ان الفسوق لا يبطل الاحرام، وأما من فسق غير ذاكر لاحرامه فان لا يبطل
بذلك إحرامه لأنه لم يقصد ابطاله ولا أتى باحرامه بخلاف ما أمر به عامدا، وبالله تعالى التوفيق *
865 - مسألة - والجدال قسمان، قسم في واجب وحق، وقسم في باطل. فالذي
في الحق واجب في الاحرام وغير الاحرام قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). ومن جادل في طلب حق له فقد دعا إلى سبيل ربه
تعالى، وسعى في اظهار الحق والمنع من الباطل، وهكذا كل من جادل في حق لغيره أو لله
تعالى، والجدال بالباطل وفى الباطل عمدا ذاكرا لاحرامه مبطل للاحرام وللحج لقوله
تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)، وبالله تعالى التوفيق *
866 - مسألة - ومن لم يلب في شئ من حجه أو عمرته بطل حجه وعمرته (2)
فان لبى ولو مرة واحدة أجزأه والاستكثار أفضل، فلو لبى ولم يرفع صوته فلا حج له
ولا عمرة لأمر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل بأن يأمر أصحابه أن يرفعوا
أصواتهم بالتلبية، فمن لم يلب أصلا أو لبى ولم يرفع صوته وهو قادر على ذلك فلم يحج
ولا اعتمر كما أمره الله تعالى، وقد قال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا
فهو رد). ولو أنهم رضي الله عنهم إذ أمرهم عليه السلام برفع أصواتهم بالتلبية أبوا لكانوا
عصاة بلا شك، والمعصية فسوق بلا خلاف، وقد أعاذهم الله عز وجل من ذلك قال تعالى:
(فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)، وقد بينا أن الفسوق يبطل الحج، وبالله تعال التوفيق *
ومن لبى مرة واحدة رافعا صوته فقد لبى كما أمره الله تعالى ووقع عليه اسم ملب (3)
وعلى فعله اسم التلبية فقد أدى ما عليه ومن أدى ما عليه ومن أدى ما عليه لم يلزمه فرضا أن يؤدى
ما ليس عليه، والفرائض لا تكون إذ محدودة ليعلم الناس ما يلزمهم منها، وما لاحد له
فليس فرضا عليه، وبالله تعالى التوفيق، لان في إلزامه تكليف مالا يطاق وقد أمننا الله
تعالى من ذلك *
867 - مسألة - وجائز للمحرمين من الرجال والنساء ان يتظللوا في المحامل

(1) تقدم قريبا
(2) سقط من النسخة رقم (14) جملة (بطل حجه وعمرته) خطا
(3) في النسخة رقم (16) والنسخة اليمنية ملبي باثبات الياء جريا على خلاف القاعدة
196

وإذا نزلوا وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأصحابنا، وقال مالك: يتظللون إذا نزلوا
ولا يتظللون في المحامل ولا ركابا، وهذا تقسيم لا دليل على صحته فهو خطأ *
(فان قيل): قد نهى عن ذلك ابن عمر قلنا: نعم ولا حجة في أحد دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقد صح عن عمر من قدم ثقله من منى فلا حج له، فما الذي جعل قول ابن عمر
في النهى عن التظلل حجة ولم يجعل قول أبيه في النهى عن تقدم الثقل من منى وتشدده في
ذلك حجة؟ وقد صح عن ابن عمر فيمن أفطر في (نهار) (1) رمضان ناسيا ان صيامه تام
ولا قضاء عليه، وصح عنه إباحة تقريد (2) البعير للمحرم، وصح عن ابن عمر من وطئ
قبل أن يطوف طواف الإفاضة بطل حجه، ولا مخالف له من الصحابة في شئ مما ذكرنا
الا ابن عباس فإنه رأى حج من وطئ بعد الوقوف بعرفة تاما فخالفوه، فما الذي جعل
قول ابن عمر في بعض المواضع حجة وفي بعضها ليس حجة؟ *
روينا من طريق مسلم نا سلمة بن شبيب نا الحسن بن أعين نا معقل عن زيد بن أبي أنيس
عن يحيى بن الحصين قال: سمعت جدتي أم الحصين تقول: (3) (حججت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة انصرف وهو على راحلته ومعه بلال
وأسامة أحدهما يقود راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس)
ومن طريق مسلم حدثني أحمد بن حنبل نا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن؟؟
ابن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته قالت: (حججت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم (5) حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة)، فهذا هو الحجة لا ما سواه،
وقد خالف ابن عمر في هذا القول بلالا (6) وأسامة، وهو قول عطاء. والأسود. وغيرهما *
868 - مسألة - والكلام مع الناس في الطواف جائز، وذكر الله أفضل لان
النص لم يأت بمنع من ذلك، وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فما لم يفصل
تحريمه فهو حلال، وبالله تعالى التوفيق *
869 - مسألة - ولا يحل لرجل ولا لامرأة أن يتزوج أو تتزوج، ولا أن
يزوج الرجل غيره من وليته، ولا أن يخطب خطبة نكاح مذ يحرمان إلى أن تطلع

(1) الزيادة من النسخة رقم (16) وزيادتها ليست بلازم
(2) قال في الصحاح: يقال قرد بعيرك أي انزع منه القردان - وواحد القردان قراد - والتقريد الخداع، واصله ان الرجل إذا أراد ان يأخذ البعير الصعب قرده أولا كأنه ينزع قرادته اه‍
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 367 (عن جدته أم الحصين قال: سمعتها تقول) الخ
(4) الحديث له بقية
(5) في صحيح مسلم ج 1 ص 367 (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وسبق ذكر هذا الحديث بهذا السند في ص 180 من هذا الجزء
(6) في النسخة رقم (16) (بلال) وما هنا أتم لان المخالفة تسند للصغير أدبا وابن عمر أصغر منهما
197

الشمس من يوم النحر ويدخل وقت رمى جمرة العقبة، ويفسخ النكاح قبل الوقت المذكور.
كان فيه دخول وطول مدة وولادة، أو لم يكن، فإذا دخل الوقت المذكور حل لهما
النكاح والانكاح، وله ان يراجع زوجته المطلقة ما دامت في العدة فقط، ولها أن يراجعها
زوجها كذلك أيضا ما دامت في العدة، وله أن يبتاع الجواري للوطئ ولا يطأ *
روينا من طريق مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أن أبان بن عثمان بن عفان قال:
سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) (1)
وهذا لفظ يقتضى كل ما قلناه، والمحرم اسم يقع على الجنس ويعم الرجال والنساء ومراجعة
المرأة (المطلقة) (2) في عدتها لا يسمى نكاحا لأنها امرأته كما كانت ترثه ويرثها وتلزمه
نفقتها واسكانها، ولا صداق في ذلك، ولا يراعى اذنها، ولا حكم للولي في ذلك، وأما بعد
انقضاء العدة فهو نكاح لا مراجعة ولا يكون إلا برضاهما وبصداق وولى، وابتياع
الجواري للوطئ لا يسمى نكاحا، وإنما حرم الله تعالى ما ذكرنا من النكاح والانكاح
والخطبة على المحرم، والمحرم هو الذي يحرم عليه لباس القمص. والعمائم. والبرانس. وحلق
رأسه الا لضرورة بالنص والاجماع، فإذا صار في حال يجوز له كل ذلك فليس محرما بلا شك
فقدتم إحرامه وإذا لم يكن محرما حل له النكاح والانكاح والخطبة، وبدخول وقت
رمى الجمرة يحل له كل ما ذكرنا. رمى، أو لم يرم على ما ذكرنا قبل من إباحة رسول الله
صلى الله تعالى عليه وسلم تقديم الحلق على الرمي، فان نكح المحرم أو المحرمة فسخ لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، وكذلك (3) ان أنكح من لا نكاح لها
الا بانكاحه فهو نكاح مفسوخ لما ذكرنا ولفساد الا نكاح الذي لا يصح النكاح الا به
ولا صحة لما لا يصح الا بما يصح، وأما الخطبة فان خطب فهو عاص ولا يفسد النكاح لان
الخطبة لا متعلق لها بالنكاح، وقد يخطب ولا يتم النكاح إذا رد الخاطب، وقد يتم
نكاح بلا خطبة أصلا لكن بأن يقول لها: أنكحيني نفسك فتقول: نعم قد فعلت
ويقول هو: قد رضيت ويأذن الولي في ذلك (4)، وبالله تعالى التوفيق *
واختلف السلف في هذا فأجاز نكاح المحرم طائفة صح (5) ذلك عن ابن عباس،
وروى عن ابن مسعود. ومعاذ، وقال به عطاء. والقاسم بن محمد بن أبي بكر. وعكرمة.
وإبراهيم النخعي، وبه يقول أبو حنيفة. وسفيان، وصح عن عمر بن الخطاب. وزيد
ابن ثابت فسخ نكاح المحرم إذا نكح، وصح عن ابن عمر من طريق حماد بن سلمة

(1) في موطأ مالك ج 1 ص 321 مطولا اختصر، المصنف واقتصر على محل الشاهد منه
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة رقم (16) (فكذلك) وما هنا أصح
(4) في النسخة رقم (16) (وتأذن لولى في ذلك) وليس بشئ *
(5) في النسخة رقم (16) (وصح) بزيادة واو لا لزوم لها
198

عن أيوب السختياني عن نافع عنه قال: المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب على نفسه
ولا على من سواه * وروينا عن علي بن أبي طالب لا يجوز نكاح المحرم ان نكح (1) نزعنا
منه امرأته، وهو قول سعيد بن المسيب: وبه يقول مالك. والشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهم: *
واحتج من رأى نكاحه جائزا بما رويناه من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس
قال: (تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم)، وبما رويناه من طريق حماد بن سلمة
عن حميد عن مجاهد عن ابن عباس قال (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزويج ميمونة وهما
محرمان) * وكذلك رويناه أيضا من طريق جابر بن زيد. وعكرمة عن ابن عباس *
قال على: فعارضهم الآخرون بأن ذكروا ما رويناه من طريق حماد بن سلمة نا حبيب
ابن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة أم المؤمنين
عن ميمونة أم المؤمنين قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف *
قال أبو محمد: فقال من أجاز نكاح المحرم: لا يعدل يزيد بن الأصم أعرابي بوال
على عقبيه بعبد الله بن عباس وقالوا: قد يخفى على ميمونة كون رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما،
فالمخبر عن كونه عليه السلام محرما زائد علما، وقالوا: خبر ابن عباس وارد بحكم زائد
فهو أولى، وقالوا في خبر عثمان لا ينكح المحرم ولا ينكح: إنما معناه لا يوطئ غيره ولا يطأ ولا
يطأ، ثم اعترضوا بوساوس من القياس عورضوا بمثلها لا فائدة في دركها لأنها حماقات *
قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به وكله ليس بشئ، أما تأويلهم في خبر عثمان رضي الله عنه
أن معناه لا يطأ ولا يوطئ فباطل وتخصيص للخبر بالدعوى الكاذبة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذ صرفوا كذمه عليه السلام (2) إلى بعض ما يقتضيه دون بعض وهذا لا يجوز،
قال تعالى: (يحرفون الكلم عن مواضعه). ويبين ضلال هذا التأويل قوله عليه السلام
(ولا يخطب) فصح أنه عليه السلام أراد النكاح الذي هو العقد، ولا يجوز ان يخص
هذا اللفظ بلا نص بين *
وأما ترجيحهم خبر ابن عباس على خبر ميمونة بقولهم: لا يقرن يزيد إلى ابن عباس
فنعم والله لا نقرنه إليه ولا كرامة، وهذا تمويه منهم إنما روى يزيد عن ميمونة وروى
أصحاب ابن عباس عن ابن عباس فليسمعوا الآن إلى الحق: نحن نقول: لا نقرن ابن عباس
صبيا من صبيان أصحاب (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ميمونة المتكئة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
على فراش واحد في الرفيق الاعلى القديمة الاسلام والصحبة، ولكن نقرن يزيد بن الأصم
إلى أصحاب ابن عباس ولا يقطع بفضلهم عليه *

(1) في النسخة رقم (16) (وان نكح)
(2) لفظ (عليه السلام) سقط من النسخة رقم (14)
(3) سقط لفظ (أصحاب) من النسخة رقم (16) * خطأ
199

وأما قولهم: قد يخفى على ميمونة إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تزوجها فكلام سخيف،
ويعارضون بأن يقال لهم: قد يخفى على ابن عباس إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
إحرامه، فالمخبرة عن كونه قد أحل زائدة علما فحصلنا على قد يخفى وقد لا يخفى *
وأما قولهم: خبر ابن عباس وارد بحكم زائد فليس كذلك بل خبر عثمان هو الوارد
بالحكم الزائد على ما نبين إن شاء الله تعالى، فبطل كال ما شغبوا به، فبقي ان نرجح خبر
عثمان. وخبر ميمونة على خبر ابن عباس رضى الله عن جميعهم *
فنقول وبالله تعالى التوفيق: خبر يزيد عن ميمونة هو الحق، وقول ابن عباس وهم
منه بلا شك لوجوه بينة * أولها أنها رضي الله عنها أعلم بنفسها من ابن عباس لاختصاصها
بتلك القصة دونه، هذا مالا يشك فيه أحد * وثانيها أنها رضي الله عنها كانت حينئذ
امرأة كاملة وكان ابن عباس رضي الله عنه يومئذ ابن عشرة أعوام وأشهر فبين الضبطين
فرق لا يخفى * والثالث أنه عليه السلام إنما تزوجها في عمرة القضاء هذا مالا يختلف
فيه اثنان ومكة يومئذ دار حرب وإنما هادنهم عليه السلام على أن يدخلها معتمرا ويبقى
بها ثلاثة أيام فقط ثم يخرج فأتى من المدينة محرما بعمرة ولم يقدم شيئا إذ دخل على
الطواف والسعي وتم إحرامه في الوقت ولم يختلف أحد في أنه إنما تزوجها بمكة حاضرا
بها لا بالمدينة، فصح أنه بلا شك إنما تزوجها بعد تمام إحرامه لافى حال طوافه وسعيه،
فارتفع الاشكال جملة، وبقى خبر ميمونة. وخبر عثمان لا معارض لهما والحمد لله رب العالمين *
ثم لو صح خبر ابن عباس بيقين ولم يصح خبر ميمونة لكان خبر عثمان هو الزائد الوارد
بحكم لا يحل خلافه لان النكاح مذ أباحه الله تعالى حلال في كل حال للصائم. والمحرم.
والمجاهد. والمعتكف، وغيرهم هذا مالا شك فيه، ثم لما (1) أمر عليه السلام بأن لا ينكح (2)
المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب كان ذلك بلا شك ناسخا للحال المتقدمة من الإباحة لا يمكن
غير هذا أصلا، وكأن يكون خبر ابن عباس منسوخا بلا شك لموافقته للحالة المنسوخة بيقين،
ومن ادعى في حكم قد صح نسخه وبطلانه انه قد عاد حكمه وبطل نسخه فقد كذب أو قطع
بالظن ان لم يحقق ذلك، وكلاهما لا يحل القول به ولا يجوز ترك اليقين للظنون *
قال أبو محمد: وقالوا: لما حل له شراء جارية للوطئ ولا يطأ حل له نكاح زوجة
للوطئ ولا يطأ فقلنا لهم: لو استعملتم هذا في قولكم: لا يكون صداق يستباح به الفرج
أقل من عشرة دراهم فهلا قلتم: كما حل له استباحة فرج جارية محرمة بأن يبتاعها بدرهم
حل له فرج زوجة محرمة بأن يصدقها درهما؟ والقياسات لا يعارض بها الحق لان القياس

(1) سقط من النسخة (14) (لفظ لما) خطأ
(2) في النسخة رقم (14) واليمنية (ان لا ينكح)
200

كله باطل، وقالوا: كما جاز له ان يراجع المطلقة في عدتها جاز له ابتداء النكاح فقلنا:
هذا باطل لأنه لو كان قياس النكاح على المراجعة حقا لوجب أن يقولوا: كما جازت
المراجعة بغير اذنها ولا اذن (1) وليها وبغير صداق وجب أن يجوز (2) النكاح بغير
اذنها ولا اذن (3) وليها وبغير صداق وهم لا يقولونه، وهذه صفة قياساتهم السخيفة *
وأما المالكيون فإنهم أجازوا نكاح الموهوبة إذا ذكر فيه صداق ومنعوا من نكاح
المحرم وهم لا يزالون يقولون في الأوامر: هذا ندب كقولهم في قوله عليه السلام: (لا يبولن
أحدكم في الماء الدائم، ثم يتوضأ منه): إنما هو ندب فهلا قالوا: ههنا في قوله عليه السلام
(لا ينكح المحرم ولا ينكح): هذا ندب. ولكنهم إنما يجرون على ما سنح وبالله تعالى التوفيق *
870 - مسألة - ويستحب الا كثار من شرب ماء زمزم وان يستقى بيده منها
وأن يشرب من نبيذ السقاية. لما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن راهويه عن حاتم
ابن إسماعيل (المدني) (4) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله فذكر حديث
حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض بالبيت فصلى بمكة الظهر
وأتى بنى (5) عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: انزعوا بنى عبد المطلب فلولا أن يغلبكم
الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه) (6) *
ومن طريق مسلم نا محمد بن المنهال الضرير نا يزيد بن زريع عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله
المزني انه سمع ابن عباس يقول: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه
باناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال: أحسنتم وأجملتم هكذا فاصنعوا، قال ابن عباس:
فنحن لا نريد أن نغير (7) ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر
وسفيان بن عيينة عن عبد الله بن طاوس عن أبيه فذكر أمر شرب النبي صلى الله عليه وسلم من
ماء زمزم ومن شراب سقاية العباس النبيذ (8) المذكور فقال طاوس: هو من تمام الحج *
قال أبو محمد: قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) *
871 - مسألة - ومن فاتته الصلاة مع الامام بعرفة أو مزدلفة في المغرب
والعشاء ففرض عليه ان يجمع بينهما كما لو صلاهما مع الامام بعرفة فلو أدرك الامام (9)
في العصر لزمه أن يدخل معه وينوى بها (10) الظهر ولابد لا يجزيه (11) غير ذلك فإذا

(1) في النسخة رقم (14) (وبغير اذن)
(2) في النسخة رقم (14) (وجب أن يكون)
(3) في النسخة رقم (14) (وبغير اذن)
(4) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 346
(5) في النسخة رقم (14) (واتى علي بنى) وفى النسخة اليمنية أيضا، وما هنا موافق لصحيح مسلم
(6) اقتصر المصنف على محل الشاهد من الحديث وهو مطول جدا جمع أغلب أحكام الحج
(7) في صحيح مسلم ج 1 ص 371 (لا تريد تغير) والحديث مختصر من أوله
(8) في النسخة رقم (16) (من النبيذ)
(9) في النسخة رقم (16) (من الامام)
(10) في النسخة رقم (14) (ينوى بها) بدون واو
(11) في النسخة رقم (16) (ولا يجزيه) بزيادة واو
201

سلم الامام أتم صلاته إن كان بقي عليه منها شئ، ثم صلى العصر ان أمكنه في جماعة
والا فوحده، وكذلك لو وجد الامام بمزدلفة في العشاء الآخرة فليدخل معه ولينوبها
المغرب ولا بد لا يجزئه غير ذلك، أما الجمع فإنه حكم هذه الصلوات هنالك في ذلك
اليوم. وتلك الليلة بالنص، والاجماع فلا يجوز له خلاف ذلك، وأما تقديم الظهر
والمغرب فلأنهما قبل العصر والعتمة ولا يحل تقديم مؤخرة منهما ولا تأخير مقدمة،
وقد ذكرنا في كتاب الصلاة جواز اختلاف نية الإمام والمأموم، فان أدركها من أولها
فليقعد في الثالثة ولا يقم حتى يقعد الامام فإذا سلم الامام سلم معه وان أدرك معه ثلاث
ركعات فليقم في الثانية بقيام الامام ولا بد، وليقعد في الأولى بقعوده وليسلم بسلامه،
أما قعوده في الثالثة فلانه لو قام لصلى المغرب أربعا عامدا وهذا حرام وفساد للصلاة
وكفر ممن دان به، وأما ان أدرك ثلاثا فقط فقعوده في الأولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما
جعل الامام ليؤتم به) ولا خلاف في نص ولا بين الأمة في أن المأموم ان وجد الامام
جالسا جلس معه وكذلك من أدرك ركعة من أي الصلوات كانت فإنه يجلس ولو كان
منفردا أو إماما لقام، وأما قيامه من الثانية فللنص الوارد والاجماع في أن الامام ان
قام من اثنتين ساهيا ففرض على المأمومين اتباعه في ذلك هذا كله ان أتم الامام أو كان
المأموم ممن يتم وإلا فلا، فإذا أتم صلاة المغرب صلى العتمة في جماعة أو وحده ان لم
يجد جماعة، وبالله تعالى التوفيق *
872 - مسألة - ومن كان في طواف فرض أو تطوع فأقيمت الصلاة أو
عرضت له صلاة جنازة أو عرض له بول أو حاجة فليصل وليخرج لحاجته ثم ليبن علي
طوافه ويتمه، وكذلك من عرض له شئ مما ذكرنا في سعيه (1) بين الصفا والمروة
ولا فرق، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي، وقال مالك: اما في الطواف الواجب فيبتدئ
ولا بد الا في الصلاة المكتوبة فقط فإنه يصليها ثم يبنى، وأما في طواف التطوع فيبنى
في كل ذلك *
قال أبو محمد: هذا تقسيم لا برهان على صحته أصلا ولم يأت نص ولا إجماع على
وجوب ابتداء الطواف والسعي ان قطع لحاجة، ولا بابطال ما طاف من أشواطه وسعى،
وقد قال الله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم)، وإنما افترض الطواف والسعي سبعا، ولم يأت
نص بوجوب اتصاله (2) وإنما هو عمل من النبي صلى الله عليه وسلم فقط، وأما من فعل ذلك عبثا
فلا عمل لعابث ولا يجزئه * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم

(1) في النسخة رقم (14) (في سعى)
(2) في النسخة رقم (14) (يوجب اتصاله)
202

ابن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا مؤمل بن إسماعيل الحميري
نا سفيان الثوري نا جميل بن زيد قال: رأيت ابن عمر طاف في يوم حار ثلاثة أطواف،
ثم أصابه حر فدخل الحجر فجلس، ثم خرج فبنى على ما كان طاف *
وعن عطاء لا بأس بأن يجلس الانسان في الطواف ليستريح وفيمن عرضت له حاجة في
طوافه ليذهب وليقض حاجته، ثم يبنى على ما كان طاف، وبالله تعالى التوفيق *
873 - مسألة - وأما الاحصار فان كل من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه
أو عمرته قارنا كان. أو متمتعا. من عدو. أو مرض. أو كسر. أو خطأ طريق. أو
خطأ في رؤية الهلال. أو سجن. أو أي شئ كان فهو محصر، فإن كان اشترط عند إحرامه
كما قد منا ان محله حيث حبسه الله عز وجل فليحل من إحرامه ولا شئ عليه سواء شرع
في عمل الحج. أو العمرة أو لم يشرع بعد، قريبا كان أو بعيدا، مضى له أكثر فرضهما
أو أقله كل ذلك سواء ولا هدى في ذلك ولا غيره ولا قضاء عليه في شئ من ذلك إلا أن
يكون لم يحج قط ولا اعتمر فعليه ان يحج ويعتمر ولا بد، فإن كان لم يشترط كما ذكرنا
فإنه يحل أيضا كما ذكرنا سواء سواء ولا فرق وعليه هدى ولا بد كما قلنا في هدى المتعة سواء
سواء إلا أنه لا يعوض من هذا الهدى صوم ولا غيره فمن لم يجده فهو عليه دين حتى يجده
ولا قضاء عليه إلا إن كان لم يحج قط ولا اعتمر فعليه ان يحج ويعتمر *
واختلف الصحابة ومن بعدهم في الاحصار فروينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري
عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: لا إحصار الا من عدو *
ومن طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - انا عيسى بن يونس نا زكريا
- هو ابن أبي زائدة - عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب قال: (لما أحصر النبي
صلى الله عليه وسلم عند البيت صالحه أهل مكة على أن يدخلها فيبقى (1) بها ثلاثا ولا يدخلها الا بجلبان (2)
السلاح السيف وقرابه ولا يخرج بأحد معه من أهلها ولا يمنع أحدا يمكث بها من كان معه) (3)
فسمى البراء منع العدو احصارا * وروينا عن إبراهيم النخعي الاحصار من الخوف
والمرض. والكسر * ومن طريق ابن جريج عن عطاء قال: الاحصار من كل شئ
يحسبه، وأما الحصر فروينا عن مجاهد عن ابن مسعود أنه قال: الحصر والمرض.
والكسر وشبهه * ومن طريق ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال:
لا حصر إلا من حبسه عدو * وعن طاوس قال: لا حصر الان قد ذهب الحصر *

(1) في صحيح مسلم ج 2 ص 65 (فيقيم)
(2) هو بضم الجيم واللام وتشديد الياء الموحدة، وقيل: بسكون اللام، قال النووي
في شرح مسلم: وإنما شرطوا هذا لوجهين، أحدهما ان لا يظهر منه دخول الغالبين القاهرين والثاني انه ان عرض فتنة أو نحوها يكون في الاستعداد بالسلاح صعوبة، والله أعلم
(3) الحديث له بقية اقتصر المصنف على محل الشاهد هنا منه
203

وعن علقمة الحصر الخوف والمرض * وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: الحصر ما حبسه
من حابس من وجع. أو خوف. أو ابتغاء ضالة * وعن معمر عن الزهري قال:
الحصر ما منعه (1) من وجع، أو عدو حتى يفوته الحج، وفرق قوم بين الاحصار والحصر
فروينا عن الكسائي قال: ما كان من المرض فإنه يقال فيه: أحصر فهو محصر، وما كان
من حبس قيل: حصر، وقال أبو عبيد: قال أبو عبيدة: ما كان من مرض، أو ذهاب نفقة
قيل فيه: أحصر فهو محصر، وما كان من حبس قيل: حصر، وبه يقول أبو عبيد *
قال أبو محمد: هذا لا معنى له، قول الله تعالى هو الحجة في اللغة والشريعة قال تعالى:
(فان أحصرتم فما استيسر من الهدى): وإنما نزلت هذه الآية في أمر الحديبية إذ منع
الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتمام عمرته وسمى الله تعالى منع العدو إحصارا، وكذلك
قال البراء بن عازب. وابن عمر. وإبراهيم النخعي: وهم في اللغة فوق أبى عبيدة. وأبى عبيد.
والكسائي، وقال تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في
الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) *
فهذا هو منع العدو بلا شك لان المهاجرين إنما منعهم من الضرب في الأرض الكفار
بلا شك، وبين ذلك تعالى بقوله: (في سبيل الله) فصح ان الاحصار والحصر بمعنى
واحد وأنهما اسمان يقعان على كل مانع من عدو، أو مرض، أو غير ذلك أي شئ كان؟ *
ثم اختلفوا في حكم المحصر الممنوع من إتمام حجه، أو عمرته، فروينا عن ابن مسعود
أنه أفتى في محرم بحج مرض فلم يقدر على النهوض أنه يبعث بهدى فإذا بلغ محله حل،
فان اعتمر من وجهه ذلك إذا برأ، ثم حج من قابل فليس عليه هدى فإن لم يزر البيت حتى
يحج ويجعلها سفرا واحدا فعليه هدى آخر سفران وهدى أو هديان وسفر، وهذا عنه
منقطع لا يصح، وصح عنه أنه أفتى في محرم بعمرة لدغ (2) فلم يقدر على النفوذ أنه
يبعث بهدى ويواعد أصحابه فإذا بلغ الهدى أحل، وصح عنه أيضا أنه أفتى في مريض
محرم لا يقدر على النفوذ بأن ينحر عنه بدنة، ثم ليهل عاما قابلا بمثل إهلاله الذي أهل
به، وصح عن ابن عباس. وابن عمر في محرم بعمرة مرض بوقعة من راحلته قالا جميعا:
ليس لها وقت كوقت الحج يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت *
وعن ابن الزبير مثل هذا أيضا، وروينا عن ابن عباس فيمن أحصر يبعث بهديه
فإذا نحر فقد حل من كل شئ * وروينا من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن

(1) في النسخة اليمنية (ما حبسه)
(2) هو بدال مهملة وغين معجمة من لدغ العقرب، وفى النسخة رقم (16) (لذع) بذال معجمة
وعين مهملة وليس مرادا معناه هنا، في النسخة اليمنية (أبدع به) ولا معنى له هنا
204

عمر أنه قيل له: لا يضرك ان لا تحج العام فانا نخشى أن يكون بين الناس قتال يحال بينك وبين
البيت وذلك حين نزل الحجاج بابن الزبير فقال ابن عمر: ان حيل بيني وبينه فعلت كما فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حين حالت كفار قريش بينه وبين البيت أشهدكم أنى قد أو جبت
عمرة، ثم قال: ما أمر هما الا واحد إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج أشهدكم
أنى قد أو جبت حجة مع عمرتي *
قال أبو محمد: ولم يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حال كفار قريش بينه وبين
العمرة - وكان مهلا بعمرة هو وأصحابه رضي الله عنهم - نحر وحل وانصرف من الحديبية *
ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يعقوب بن خالد بن المسيب
المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر (أنه (أخبره أنه) (1) كان مع عبد الله
ابن جعفر (فخرج معه من المدينة) (2) فمروا على الحسين بن علي وهو مريض بالسقيا
فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الفوات خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب
وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة فقد ما عليه وان حسينا أشار إلى رأسه فأمر على برأسه
فحلق، ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا) *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري عن يعقوب بن
خالد عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر قال: إن الحسين بن علي خرج معتمرا
مع عثمان بن عفان فلما كان بالعرج مرض فلما أتى السقيا برسم (3)، فكان أول افاقته
أن أشار إلى رأسه فحلق على رأسه ونحر عنه بها جزورا *
قال أبو محمد: إنما أتينا بهذا الخبر لما فيه من أنه كان معتمرا. فهذا على. والحسين.
وأسماء رأوا أن يحل من عمرته ويهدى في موضعه الذي كان فيه وهو قولنا:، وعن علقمة
في المحصر قال: يبعث بهديه فإذا ذبح حل * وروينا عن علقمة أيضا لا يحله الا الطواف
بالبيت، وروينا عنه أيضا ان حل قبل نحر هديه فعليه دم * وروينا عن إبراهيم. وعطاء.
والحسن. والشعبي لا يحله الا الطواف بالبيت * وروينا عنهم أيضا حاشا الشعبي ان حل
دون البيت فعليه هدى آخر سوى الذي لزمه أن يبعث به ولا يحل إلا في اليوم الذي واعدهم
لبلوغه مكة ونحره * وروينا عن إبراهيم أيضا في القارن يحصر قال: عليه هديان *
وروينا عنه أيضا. وعن سعيد بن جبير في القارن يحصر قالا جميعا: عليه عمرتان وحجة،
وعن عطاء. وطاوس ليس على القارن الا هدى واحد * وعن الشعبي أيضا ان أحل
المحصر قبل نحر هديه فعليه فدية الأذى اطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام أو شاة *

(1) الزيادة من الموطأ ج 1 ص 348 (2) الزيادة من الموطأ
(3) البرسام علة معروفة وهي ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والمعة ابعدها الله عنا جميعا
205

وعن مجاهد في القارن يحصر قال: يبعث بهدى يحل به، ثم يهل من قابل بما كان أهل به *
وعن حماد بن أبي سليمان في القارن يحصر أنه يبعث بالهدى فإذا بلغ محله حل وعليه عمرة
وحجة، قال الحكم بن عتيبة: عليه حجة وثلاث عمر * وعن عروة بن الزبير في المحصر إذا
رجع لا يحل منه الا رأسه * وعن الزهري من أحصر بالحرب نحر حيث حبس وحل
من النساء ومن كل شئ * وعن القاسم بن محمد. وسالم. وابن سيرين يبعث هديه فإذا نحر
فقد حل من كل شئ، وعن مجاهد أيضا إذا حل المحصر قبل نحر هديه فعليه هدى آخر،
وقال أبو حنيفة فيمن أهل بالحج فأحصر: عليه أن يبعث بثمن هدى فيشترى له بمكة فيذبح
عنه يوم النحر ويحل وعليه عمرة وحجة، فإن لم يجد هديا أقام محرما حتى يجد هديا وله أن
يواعدهم بنحره قبل يوم النحر: قال: والمعتمر ينحر هديه متى شاء، والاحصار عنده بالعدو
والمرض وبكل مانع سوا هما سواء سواء، فان تمادى مرضه إلى يوم النحر فكما قلنا: وان
هو أفاق قبل وقت الحج لم يجزه ذلك وهو محرم بالحج كما كان، فإن كان معتمرا فأفاق
فان قدر على ادراك الهدى الذي بعث مضى وقضى عمرته فإن لم يقدر على ذلك حل إذا
نحر عنه الهدى، وقال مالك: ان أحصر بعدو فإنه ينحر هديه حيث حبس ويحل ولا قضاء
عليه إلا أن يكون لم يحج قط حجة الاسلام فعليه أن يحج فإن لم يهد فلا شئ عليه
لا يلزمه (1) الهدى إلا أن يكون حاضرا معه قد ساقه مع نفسه، فان أحصر بغير عدو
لكن بحبس. أو مرض، أو غير ذلك فإنه لا يحل إلا بالطواف بالبيت ولو بقي كذلك إلى
عام آخر، وقال الشافعي: إذا أحصر بعدو، أو بسجن فإنه يهدى ويحل حيث كان من حل،
أو حرم، ولا قضاء عليه إلا إن كان لم يحج قط ولا اعتمر فعليه أن يحج ويعتمر، فإن لم
يقدر على هدى ففيها قولان، أحدهما لا يحل الا حتى يهدى، والآخر يحل والهدى دين
عليه، وقد قيل: عليه اطعام أو صيام ان لم يقدر على الهدى فان أحصر بغير عدو أو
حبس لم يحله الا الطواف بالبيت فإن لم يفق حتى فاته الحج طاف وسعى وحل وعليه الهدى *
قال أبو محمد: أما التفريق بين المحصر بعدو. وبغير عدو ففاسد على ما قدمنا قبل،
وأما اسقاط الهدى عن المحصر بعدو، أو غيره فخلاف للقرآن (2) لان الله تعالى يقول:
(فان أحصرتم فما استيسر من الهدى). وأما إيجاب القضاء فخطأ لأنه لم يأت بذلك نص *
(فان قيل): ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتمر بعد عام الحديبية قلنا: نعم ونحن لم نمنع من القضاء
عام آخر لمن أحب وإنما نمنع من إيجابه فرضا لان الله تعالى لم يأمر بذلك ولا رسوله
صلى الله عليه وسلم، وقد صح أن الله تعالى لم يوجب على المسلم الا حجة واحدة وعمرة في الدهر فلا

(1) في النسخة رقم (16) (ولا يلزمه) بزيادة واو
(2) في النسخة رقم (16) (فخلاف القرآن)
206

يجوز إيجاب أخرى الا بقرآن أو سنة صحيحة توجب ذلك فيوقف عند ذلك، وأما القول
ببقاء المحصر بمرض (1) على احرامه حتى يطوف بالبيت فقول لا برهان على صحته ولا
أوجبه قرآن. ولا سنة. ولا إجماع بل هو خلاف القرآن كما أوردنا * والصحابة قد
اختلفوا في ذلك في العمرة خاصة ولم يرو عن أحد منهم أنه أفتى بذلك في الحج أصلا *
(فان قيل): فان الله تعالى يقول: (ثم محلها إلى البيت العتيق). قلنا: نعم ولم يقل
تعالى: ان المحصر لا يحل الا بالطواف، والذي قال: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى
القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق) هو الذي قال: (فان
أحصرتم فما استيسر من الهدى)، وهو الذي أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ان يحل ويرجع قبل أن
يطوف بالبيت في عمرته التي صد فيها (2) عن البيت ولا يحل ضرب أو امره بعضها ببعض *
وأما القول: ببعثه هديا (3) يحل به فقول لا يؤيده قرآن، ولا سنة، ولا اجماع، والصحابة
قد اختلفوا في ذلك كما أوردنا (فان قيل): فان الله تعالى يقول: (ولا تحلقوا رءوسكم
حتى يبلغ الهدى محله) قلنا: نعم وليس هذا في المحصر وحده بل هو حكم كل من ساق هديا
في حج أو عمرة على عموم الآية *
فالحاج. والقارن إذا كان يوم النحر فقد بلغ الهدى محله من الزمان والمكان بمكة أو بمنى
فله أن يحلق رأسه، والمعتمر إذا أتم طوافه وسعيه فقد بلغ هديه محله من الزمان والمكان
بمكة فله أن يحلق رأسه، والمحصر إذا صد فقد بلغ هديه محله فله أن يحلق رأسه إن كان مع
هؤلاء هدى ولم يقل الله عز وجل قط: إن المحصر لا يحل حتى يبلغ هديه مكة بل هو الكذب
على الله تعالى ممن نسبه إليه عز وجل، فظهر خطأ هذه الأقاويل *
واما قول أبي حنيفة. ومالك. والشافعي: في الاحصار فلا يحفظ قول منها بتمامه
وتقسيمه عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أصلا *
قال أبو محمد: فوجب الرجوع عند التنازع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه
إذ يقول عز وجل: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون
بالله واليوم الآخر). فوجدنا حكم الاحصار يرجع إلى قول الله تعالى: (فان
أحصرتم فما استيسر من الهدى) فكان في هذه الآية عموم إيجاب الهدى على كل
من أحصر بأي وجه أحصر، وإلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صده المشركون عن البيت
فنحر وحلق هو وأصحابه وحلوا بالحديبية، وإلى أمره عليه السلام من حج أن يقول:
(اللهم ان محلى حيث حبستني)، وقد ذكرناه قبل، وإلى ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد

(1) سقط لفظ (بمرض) من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (16) (منها
(3) في النسخة رقم (16) واليمنية (ببعثه هدى) وهو غلط
207

ابن معاوية نا أحمد بن شعيب انا حميد بن مسعدة (البصري) (1) نا سفيان (هو
ابن حبيب) (2) عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج
ابن عمرو الأنصاري قال: (سمعت (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كسر أو عرج (4)
فقد حل وعليه حجة أخرى فسألت ابن عباس. وأبا هريرة؟ فقالا: صدق). فهذه النصوص
تنتظم كل ما قلنا، والحمد لله رب العالمين *
(فان قيل): ففي هذا الخبر ان عليه حجة أخرى وليس فيه ذكر هدى قلنا: إن القرآن
جاء بايجاب الهدى فهو زائد على ما في هذا الخبر وليس في هذا الخبر ذكر لا سقاط
الهدى ولا لايجابه فوجب إضافة ما زاده القرآن إليه، وقد قدمنا ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن
اللازم للناس حجة واحدة، فكان هذا الخبر محمولا على من لم يحج قط وبهذا تتألف الاخبار *
(فان قيل): ان ابن عباس قد روى عنه خلاف ما روى من هذا قلنا: الحجة إنما
هي فيما روى لا في رأيه وقد ينسى، أو يتأول، وأيضا فان التوهين بما روى لما روى
عنه مما يخالف ما روى أولى من توهين ما روى بما روى عنه من خلافه لما روى، لان الطاعة
علينا إنما هي لما روى لا لما رأى برأيه، وأيضا فلو صح عن ابن عباس خلاف ما روى لكان
الحجاج. وأبو هريرة قد روياه ولم يخالفاه * وقال أبو حنيفة: لا ينحر هدى الاحصار الا في
الحرم واحتج بأن ناجية بن كعب نهض بالهدى يوم الحديبية في شعاب وأودية حتى نحره في الحرم *
قال أبو محمد: لو سح هذا لما كانت فيه حجة لأنه لم يأمر بذلك عليه السلام ولا أوجبه
وإنما كأن يكون عملا عمله وإنما الطاعة لامره عليه السلام * وروينا خبرا فيه أنه عليه
السلام أمر أصحابه بالبدن للهدى وهذا لا يصح لان راويه أبو حاضر (5) الأزدي وهو
مجهول، وبالله تعالى التوفيق *
874 - مسألة - ومن احتاج إلى حلق رأسه - وهو محرم لمرض. أو صداع،
أو لقمل. أو لجرح به أو نحو ذلك مما يؤذيه - فليحلقه وعليه أحد ثلاثة أشياء هو مخير
في أيها شاء لا بدله من أحدها، إما ان يصوم ثلاثة أيام، وإما ان يطعم ستة مساكين متغايرين
لكل مسكين منهم نصف صاع تمر ولابد، وإما ان يهدى شاة يتصدق بها على المساكين،
أو يصوم، أو يطعم، أو ينسك الشاة في المكان الذي حلق فيه، أو في غيره، فان حلق
رأسه لغير ضرورة، أو حلق بعض رأسه دون بعض عامدا عالما ان ذلك لا يجوز بطل
حجه، فلو قطع من شعر رأسه ما لا يسمى به حالقا بعض رأسه فلا شئ عليه لا اثم
ولا كفارة بأي وجه قطعه، أو نزعه *

(1) الزيادة من النسائي ج 5 ص 198
(2) الزيادة من النسائي
(3) في النسائي (انه سمع) بدل سمعت
(4) في النسائي (من عرج أو كسر)
(5) هو بالضاد المعجمة، وفى بعض النسخ بالصاد المهملة وهو غلط
208

برهان ذلك قول الله عز وجل: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية
من صيام أو صدقة أو نسك) فكان في هذه الآية التخيير في أي هذه الثلاثة الاعمال أحب
وليس فيها بيان كم يصوم؟ ولا بكم يتصدق؟، ولا بماذا ينسك؟ وفي الآية أيضا حذف
بينه الاجماع. والسنة وهو فحلق رأسه * وروينا من طريق حماد بن سلمة عن داود
ابن أبي هند عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة في هذا الخبر (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ان شئت فانسك نسيكة، وان شئت فصم ثلاثة أيام، وان
شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين) * وروينا من طريق مسلم حدثني يحيى
ابن يحيى نا خالد بن عبد الله الطحان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال له: آذاك
هو أم رأسك (1)؟ قال: نعم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: احلق، ثم اذبح شاة نسكا، أو صم
ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين *
قال أبو محمد: هذا أكمل الأحاديث وأبينها، وقد جاء هذا الخبر من طرق في بعضها
(أو انسك ما تيسر) وبعضها رويناه من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الرحمن
ابن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل أن كعب بن عجرة أخبره بهذا الخبر، وفيه (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حينئذ: أو أطعم ستة (2) مساكين نصف صاع طعاما لكل
مسكين)، وروى أيضا من طريق بشر بن عمر الزهراني عن شعبة عن عبد الرحمن
ابن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة فذكر فيه نصف صاع حنطة
لكل مسكين * وخبر من طريق أبى داود نا محمد بن منصور نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد
نا أبى عن محمد بن إسحاق (قال) (3) حدثني ابان - هو ابن صالح - عن الحكم بن عتيبة
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فذكر فيه (أو اطعام (4)
ستة مساكين فرقا (5) من زبيب)) * وخبر من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير
عن زكريا بن أبي زائدة عن (6) عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل أخبرني
كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه (أنه عليه السلام قال له:
هل عندك نسك؟ قال: ما أقدر عليه فأمره ان يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل

(1) في النسخة رقم (14) (أتؤذيك هو أم رأسك) وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 1 ص 336 ولسنن أبي داود ج 2
من 110 إلا أن في سنن أبي داود زيادة لفظ (قد) وهو أم الرأس القمل
(2) في النسخة رقم (14) (أو اطعام ستة) وما هنا موافق الحديث المتقدم قريبا
(3) الزيادة من سنن أبي داود ج 2 ص 111
(4) في سنن أبي داود (أو أطعم)
(5) (الفرق) بفتح أوله وثانيه مكيال يسع عشر رطلا
(6) في النسخة رقم (14) (حدثنا) بدل لفظ (عن)
209

مسكين نصف صاع) * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني
عن عبد الله بن معقل أن كعب بن عجرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في هذا الخبر:
(هل تجد من نسيكة؟ قال: لا قال: وهي شاة قال فصم ثلاثة أيام. أو أطعم ثلاثة
آصع بين ستة مساكين) * ومن طريق أبى داود نا محمد بن المثنى نا عبد الوهاب - هو
ابن عبد المجيد الثقفي - انا داود بن أبي هند عن الشعبي عن كعب بن عجرة (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال له في هذا الحديث نفسه: (أمعك دم؟ قال: لا) فذكر الحديث وفيه (أنه عليه
السلام قال له: فصم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع (من) (1) تمر بين ستة (2)
مساكين) لم يسمعه الشعبي من كعب على ما ذكرنا قبل *
ونذكر الآن إن شاء الله تعالى كما روينا من طريق محمد بن الجهم نا جعفر الصائغ نا محمد بن الصباح نا إسماعيل بن زكريا عن أشعث عن الشعبي عن عبد الله بن معقل عن كعب
ابن عجرة قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في هذا الخبر: أمعك هدى؟ قلت: ما أجده
قال: إنه ما استيسر قلت: ما أجده قال: فصم ثلاثة أيام. أو أطعم ستة مساكين لكل
مسكين صاعا من تمر) *
قال أبو محمد: فهذه الأحاديث المضطربة كلها إنما هي في رواية عبد الله بن معقل عن
كعب بن عجرة، والذي ذكرناه أولا من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب
ابن عجرة هو الصحيح المتفق عليه * أما هذا الخبر الذي فيه لكل مسكين صاع تمر فهو عن
أشعث الكوفي عن الشعبي وهو ضعيف البتة، وفي هذا الخبر الذي قبله من طريق داود
عن الشعبي عن كعب إيجاب الترتيب وان لا يجزى الصيام. ولا الصدقة الا عند عدم
النسك وذلك الخبر قد بينا ان الشعبي لم يسمعه من كعب فحصل منقطعا فسقطا معا *
وأما رواية ابن أبي زائدة. وأبى عوانة عن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل ففيها
أيضا إيجاب الترتيب وقد خالفهما شعبة عن ابن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل فذكره
بالتخيير بين النسك. أو الصوم. أو الصدقة، ثم وجدنا شعبة قد اختلف عليه أيضا
في هذا الخبر، فروى عنه محمد بن جعفر نصف صاع طعاما لكل مسكين، وروى عنه
بشر بن عمر نصف صاع حنطة لكل مسكين، وروى عنه أبو داود الطيالسي ثلاثة
آصع بين ستة مساكين ولم يذكر مماذا؟ *
قال أبو محمد: وهذا كله خبر واحد في قصة واحدة بلا خلاف من أحد. وبنصوص
هذه الأخبار كلها أيضا فصح ان جميعها وهم إلا واحدا فقط فوجدنا أصحاب شعبة قد

(1) الزيادة من سنن أبي داود ج 2 ص 110
(2) في سنن أبي داود (على ستة)
210

اختلفوا عليه فوجب ترك ما اضطربوا فيه إذ ليس بعضه أولى من بعض، ووجب الرجوع
إلى رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي لم يضطرب الثقات من رواته فيه، ولو كان ما ذكر
في هذه الأخبار عن قضايا شتى لوجب الاخذ بجميعها وضم بعضها إلى بعض وأما في
قضية واحدة (1) فلا يمكن ذلك أصلا، ثم وجدنا أبان بن صالح قد ذكر في روايته فرقا
من زبيب، وابان لا يعدل في الحفظ بداود بن أبي هند عن الشعبي عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى ولا بأبي قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولابد من أخذ احدى هاتين
الروايتين إذا لا يمكن جمعهما لأنها كلها في قضية (2) واحدة، في مقام واحد، في رجل واحد،
في وقت واحد، فوجب أخذ ما رواه أبو قلابة، والشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن كعب بن عجزة لثقتهما (3)، ولأنها مبينة لسائر الأحاديث، وبالله تعالى التوفيق *
وأما من حلق رأسه لغير ضرورة عالما عامدا بان ذلك (4) لا يجوز، أو حلق بعض
رأسه وخلى البعض عالما بان ذلك لا يجوز فقد عصى الله تعالى وكل معصية فسوق وقد بينا ان الفسوق (5) يبطل الاحرام، وبالله تعالى التوفيق، ولا شئ في ذلك لان الله
تعالى لم يوجب الكفارة الا على من حلق رأسه لمرض. أو أذى به فقط (وما كان ربك نسيا)
ولا يجوز ان يوجب فدية، أو غرامة، أو صيام، لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم
فهو شرع في الدين لم يأذن به الله تعالى، ولا يجوز قياس العاصي على المطيع لو كان (6)
القياس حقا فكيف وهو كله باطل؟ وأما من قطع من شعر رأسه ما لا يسمى بذلك (7)
حالقا بعض رأسه فإنه لم يعص ولا أتى منكرا لان الله تعالى لم ينه المحرم الا عن
حق رأسه ونهى جملة على لسان رسوله (8) صلى الله عليه وسلم عن حلق بعض الرأس دون بعض
وهو القزع (9) *
روينا من طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني
عن نافع عن ابن عمر قال: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا (10) قد حلق بعض شعره وترك
بعضه فنها هم عن ذلك، وقال: احلقوا كله. أو اتركوا كله (11)) *
قال أبو محمد: وجاءت اخبار لا تصح، منها من طريق الليث عن نافع عن رجل أنصاري
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امر كعب بن عجرة ان يحلق ويهدى بقرة) وهذا مرسل عن مجهول *

(1) في النسخة رقم (16) (في قصة واحدة) وهي لا شئ
(2) في النسخة رقم (16) (في قصة)
(3) في النسخة رقم (16) (لثقتها) وهو غلط
(4) في النسخة رقم (16) (فان ذلك وهو غلط
(5) في النسخة رقم (14) (ان الفسق) وما هنا نسب بآية التنزيل
(6) في النسخة رقم (16) (إن كان) وما هنا أبلغ
(7) في النسخة رقم (16) (به)
(8) في النسخة رقم (16) (لسان نبيه)
(9) هو بفتح أوله وثانيه
(10) في سنن أبي داود ج 4 ص 134 (ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيا)
(11) في سنن أبي داود (احلقوه كله أو اتركوه كله)
211

ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن محمد بن كعب
ابن عجرة ان كعبا ذبح بقرة بالحديبية، عبد الله بن عمر ضعيف جدا * ومن طريق إسماعيل
ابن أمية عن محمد بن يحيى بن حيان ان رجلا أصابه مثل الذي أصاب كعب بن عجرة
فسأل عمر ابنا لكعب بن عجرة عما كان أبوه ذبح بالحديبية في فدية رأسه؟ فقال: بقرة،
محمد بن يحيى لم يدرك عمر * ومن طريق نافع. وغيره عن سليمان بن يسار قال: سأل
عمر ابنا لكعب بن عجرة بماذا افتدى أبوه؟ فقال: ببقرة، سليمان لم يدرك عمر *
ومن طريق أبى معشر المدني (1) عن نافع عن ابن عمر قال: افتدى كعب بن عجرة من أذى
كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها * أبو معشر ضعيف *
قال أبو محمد: واختلف السلف فروينا عن ابن عباس. وعلقمة. ومجاهد. وإبراهيم
النخعي. وقتادة. وطاوس. وعطاء كلهم قال في فدية الأذى: صيام ثلاثة أيام، أو نسك
شاة، أو اطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وصح عن الحسن البصري.
ونافع مولى ابن عمر. وعكرمة في فدية الأذى نسك شاة، أو صيام عشرة أيام، أو
اطعام عشرة مساكين *
روينا ذلك من طريق سعيد بن منصور عن هشام انا منصور بن المعتمر عن الحسن فذكره *
ومن طريق بشر بن عمر عن شعبة عن قتادة عن الحسن. وعكرمة فذكره *
ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع. وعكرمة فذكره *
قال أبو محمد: وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: إن حلق من رأسه أقل من الربع
لضرورة فعليه صدقة ما تيسر، فان حلق ربع رأسه فهو مخير بين نسك ما شاء ويجزئه
شاة، أو صيام ثلاثة أيام: أو اطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع حنطة، أو دقيق
حنطة، أو صاعا من تمر، أو من شعير، أو من زبيب، قال أبو يوسف: ويجزى أن
يغديهم ويعشيهم، قال محمد بن الحسن: لا يجزئه إلا أن يعطيهم إياه، وقال أبو يوسف
في قول له آخر: ان حلق نصف رأسه فأقل فصدقة وان حلق أكثر من النصف فالفدية
كما ذكرنا، وروى عن محمد بن الحسن في قول له آخر ان حلق عشر رأسه فصدقة فان
حلق أكثر من العشر فالفدية المذكورة قالوا كلهم: فان حلق رأسه لغير ضرورة فعليه
دم لا يجزئه (2) بدله صيام، ولا اطعام، وقال الطحاوي: ليس في حلق بعض الرأس شئ *
قال أبو محمد: وهذه وساوس واستهزاء وشبيه بالهزل نعوذ بالله من البلاء، ولا

(1) في النسخة رقم (16) واليمنية (المديني) وهو غلط راجع تهذيب التهذيب ج 10 ص 419
(2) في النسخة رقم (16) (ولا يجزئه) بزيادة واو
212

يحفظ هذا السخام عن أحد من خلق الله تعالى قبلهم * وقال مالك: ان حلق، أو نتف
شعرات ناسيا، أو جاهلا أو عامدا فيطعم شيئا من طعام فان حلق. أو نتف ما يكون
فيه إماطة أذى فعليه الفدية المذكورة في حديث كعب بن عجرة *
قال على: وهذا أيضا قول لا دليل على صحته ولا يعرف عن أحد قبلهم، وقال
الشافعي. والأوزاعي في نتف شعرة أو حلقها عامدا وناسيا: مد، وفي الشعرتين كذلك
مدان، وفي الثلاث شعرات فصاعدا كذلك دم، قال الشافعي: ان أحب فشاة وان شاء
أطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان مدان مما يأكل وان شاء صام ثلاثة أيام *
قال أبو محمد: روينا عن عطاء ليس في الشعرتين ولا في الشعرة شئ وفى ثلاث شعرات دم
، وكان الليث بن سعد نحا إلى هذا * وروينا عن ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن هشام
ابن حسان عن الحسن. وعطاء قالا جميعا في ثلاث شعرات للمحرم: دم، الناسي والعامد سواء *
ومن طريق سعيد بن منصور عن المعتمر بن سليمان عن أبي إسماعيل المكي: قال
سألت عطاء عن محرم حلق شعرتين لدواء؟ قال: عليه دم *
قال أبو محمد: روينا (1) عن أبي بكر بن أبي شيبة نا أبو أسامة - هو حماد بن أسامة -
عن جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان ابن عباس لا يرى بأسا
للمحرم ان يلحق عن الشجة *
قال على: فأباح ذلك ولم ير فيه شيئا ولا يعرف في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله تعالى عنهم *
قال أبو محمد: وأما موضع النسك والاطعام والصيام فقد ذكرنا في باب المحصر نسك
علي بن أبي طالب عن الحسين رضى الله تعالى عنهما في حلق رأسه لمرض كان به بالسقيا
ولا نعلم لهما من الصحابة رضى الله تعالى عنهم مخالفا (2)، ونسك حلق الرأس لا يسمى
هديا، فإذا لم يكن هديا فهو جائز في كل موضع إذا لم يوجب كون النسك بمكة قرآن.
ولا سنة. ولا اجماع * وروينا عن طاوس (3) قال: ما كان من دم أو طعام فبمكة وأما
الصوم فحيث شاء وقال عطاء وإبراهيم النخعي (4) ما كان من دم فبمكة وما كان
من طعام أو صيام فحيث شاء وقال الحسن: كل دم واجب فليس لك ان تذبحه الا بمكة *
روينا عن سعيد بن منصور نا جرير عن منصور عن مجاهد قال: اجعل الفدية حيث شئت *
قال أبو محمد: لا يجوز ان يخص بالنسك مكان دون مكان الا بقرآن. أو سنة ثابتة *

(1) في النسخة رقم (16) (وروينا)
(2) في النسخة رقم (14) (ولا يعلم لهما من الصحابة رضي الله عنهم مخالف)
(3) في النسخة رقم (16) (عن عطاء) وهو غلط
(4) في النسخة رقم (16) (وقال الحسن وعطاء وإبراهيم) بزيادة الحسن
213

875 - مسألة - فان حلق رأسه بنورة فهو حالق في اللغة ففيه ما في الحالق من
كل ما ذكرنا بأي شئ لحقه؟ فان نتفه فلا شئ في ذلك لأنه لم يحلقه والنتف غير الحق
(وما كان ربك نسيا) وإنما جاء النهى والفدية في الحلق لا في النتف *
876 - مسألة - ومن تصيد صيدا فقتله وهو محرم بعمرة أو بقران أو بحجة
تمتع ما بين أول احرامه إلى دخول وقت رمى جمرة العقبة أو قتله محرم أو محل في الحرم
فان فعل ذلك (1) عامدا لقتله غير ذاكر لاحرامه أو لأنه في الحرم أو غير عامد لقتله
سواء كان ذاكرا لاحرامه أو لم يكن فلا شئ عليه لا كفاره ولا اثم، وذلك الصيد جيفة
لا يحل أكله فان قتله عامدا لقتله ذاكرا لاحرامه أو لأنه في الحرم فهو عاص لله تعالى
وحجة باطل وعمرته كذلك وعليه ما نذكر بعد هذا إن شاء الله عز وجل، قال الله تعالى:
(لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به
ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق
وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه) *
فصح يقينا لا اشكال فيه ان هذا الحكم كله إنما هو على العامد لقتله، الذاكر لاحرامه
أو لأنه في الحرم لان إذاقة الله تعالى وبال الامر وعظيم وعيده بالانتقام منه لا يختلف
اثنان من أهل الاسلام في أنه ليس على المخطئ البتة ولا على غير العامد للمعصية القاصد
إليها، فبطل يقينا أن يكون في القرآن ولا في السنة إيجاب حكم في هذا المكان على غير العامد
الذاكر القاصد إلى المعصية، وقال الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن
ما تعمدت قلوبكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه (2)) *
واختلف الناس في هذا فروينا من طريق وكيع عن المسعودي - هو عتبة بن عبد الله
ابن عتيبة بن عبد الله (3) بن مسعود - عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر الأسدي انه
سمع عمر بن الخطاب ومعه عبد الرحمن بن عوف وعمر يسأل رجلا قتل ظبيا وهو محرم؟ فقال له
عمر: عمدا قتلته أم خطأ؟ فقال له الرجل لقد تعمدت رميه وما أردت قتله فقال له عمر: ما أراك
الا أشركت بين العمد والخطأ اعمد إلى شاة فاذبحها فتصدق بلحمها وأسق اهابها (1) *
قال أبو محمد: فلو كان العمد والخطأ في ذلك سواء عند عمر. وعبد الرحمن لما سأله عمر
أعمدا قتلته أم خطأ؟ ولم ينكر ذلك عبد الرحمن لأنه كأن يكون فضولا من السؤال لا معنى له *

(1) في النسخة رقم (16) (فان عمل ذلك)
(2) رواه الطبراني عن ثوبان باسناد حسن
(3) سقط لفظ (ابن عبد الله) من تهذيب التهذيب
(4) أي اعط جلدها من يتخذه سقاء، والسقاء ظرف الماء من الجلد اه‍ نهاية
214

ومن طريق ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية عن الحسين المعلم عن قتادة عن أبي مدينة
عن ابن عباس أنه قال في المحرم يقتل الصيد ليس عليه في الخطأ شئ، أبو مدينة - هو عبد الله
ابن حصن السدوسي - (1) تابعي، سمع أبا موسى. وابن عباس. وابن الزبير رضي الله عنهم *
ومن ريق شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير انه سئل
عن المحرم يقتل الصيد خطأ؟ قال: ليس عليه شئ قال: فقلت له: عمن؟ قال: السنة *
قال أبو محمد: عهدنا بالمالكيين يجعلون قول سعيد بن المسيب إذ سأله ربيعة عن قوله
في المرأة يقطع لها ثلاث أصابع لها ثلاثون من الإبل فان قطعت لها أربع أصابع فليس لها
إلا عشرون من الإبل فقال له سعيد: السنة يا ابن أخي فجعلوه (2) حجة لا يجوز خلافها،
وقد خالف سعيد (3) في ذلك عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب وغيرهما، ثم لم
يجعلوا ههنا حجة قول سعيد بن جبير ان السنة هي أن ليس على المحرم يقتل الصيد خطأ،
ومعه القرآن والصحابة، وهذا عجب جدا * ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني
عن طاوس قال: لا يحكم الاعلى من قتله متعمدا كما قال الله عز وجل * وعن القاسم
ابن محمد. وسالم بن عبد الله. وعطاء. ومجاهد فيمن أصاب الجنادب (4) خطأ قالوا: لا يحكم
عليه فان أصابها متعمدا حكم عليه وهو قول أبى سليمان وأصحابنا، وصح عن مجاهد قول
آخر وهو أنه إنما يحكم على من قتل الصيد وهو محرم خطأ وأما من قتله عامدا ذاكرا
لاحرامه فلا يحكم عليه، وقال أبو حنيفة. ومالك. والشافعي: العمد والخطأ سواء
يحكم عليه في كل ذلك، وقد روى هذا القول أيضا عن عمر. وعبد الرحمن. وسعد.
والنخعي. والشعبي *
قال أبو محمد: المرجوع إليه عند التنازع هو ما افترضه الله عز وجل علينا من الرجوع
إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وشغب أهل هذه المقالة بأن قالوا: قد أوجب الله تعالى
الكفارة على قاتل المؤمن خطأ فقسنا عليه قاتل الصيد خطأ *
قال على: هذا قياس والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل،
ولكانوا أيضا قد فارقوا حكم القياس في قولهم هذا، أما كونه خطأ فلان من أصلهم
الذي لا يختلفون فيه ان ما خرج عن حكم أصله فصار مخصوصا أنه لا يقاس عليه،

(1) في النسخة رقم (14) والنسخة اليمنية (هو عبد الرحمن بن حصن السدوسي) وما هنا موافق لكتاب الكنى للدولابي
ج 2 ص 109
(2) قوله (فجعلوه) ثابت في النسخ كلها وهو زائد وقوله (حجة) بعد هو مفعول ثان لقوله قبل (يجعلون قول
سعيد بن المسيب) الخ، واتى به المصنف لطول الفصل بين الفعل ومفعوله الثاني، وقد تكرر ذلك من المصنف قبل ونبهنا عليه في
تحقيقنا والله أعلم
(3) في النسخ كلها (سعيدا) بالنصب، والذي يناسب الرفع (سعيد) لان الخالفة تنسب إلى المتأخر والأقل
مكانة وقد سبق في ص 179 لنا كلام في ذلك
(4) جمع جندب بضم الدال وفتحها هو ضرب من الجراد
215

والأصل ان لا شئ على الناسي والمخطئ فخرج عندهم إيجاب الكفارة والدية على قاتل
المؤمن خطأ عن أصله فوجب أن لا يقاس عليه، وأيضا فإنهم متفقون على أن لا يقيسوا
حكم الواطئ في نهار رمضان ناسيا على الواطئ فيه عمدا في ايجاب الكفارة عليهما، وقتل
الصيد أشبه بالوطئ منه بقتل المؤمن لان قتل المؤمن لم يحل قط، ثم حرم بل لم يزل
حراما مذ آمن أو مذ ولد إن كان ولد على الاسلام، وأما الوطئ وقتل الصيد فكانا حلالين،
ثم حرما بالصوم وبالاحرام فجمعتهما هذه العلة فأخطأوا في قياس قاتل الصيد (1) خطأ
على مالا يشبهه، وأما مخالفتهم للقياس هنا (2) فان الحنيفيين من أصلهم ان الكفارات لا يجوز
ان توجب بالقياس ثم أوجبوها ههنا بالقياس، وأيضا فان الحنيفيين. والمالكيين قاسوا
الخطأ في قتل الصيد على الخطأ في قتل المؤمن فأوجبوا الجزاء في كليهما ولم يقيسوا قتل
المؤمن عمدا على قتل الصيد عمدا (3) فأوجبوا الكفارة في قتل الصيد عمدا ولم يوجبوها
في قتل المؤمن عمدا وهذا تناقض وباطل، وأيضا فلم يقيسوا ناسي التسمية في التذكية
على المتعمد لتركها فيها مع مجئ القرآن بالتسوية بين الامرين هنالك، وتفريق الحكم
ههنا، والشافعيون فرقوا بين الناسي فيما تبطل به الصلاة وبين العامد، وكذلك في الصوم
وساووا ههنا بين الناسي والعامد وهذا اضطراب شديد * وقالوا: ليس تخصيص الله
تعالى المتعمد بايجاب الكفارة عليه بموجب ان المخطئ بخلافه وذكروا ما نحتج به نحن
ومن وافقنا منهم من النصوص في ابطال القول بدليل الخطاب *
قال أبو محمد: وهذا جهل شديد من هذا القائل لأننا إذا أبطلنا القول بدليل الخطاب
لم نوجب القول بالقياس بل أبطلناهما جميعا والقياس هو ان يحكم للمسكوت عنه بحكم
المنصوص عليه، ودليل الخطاب هو أن يحكم للمسكوت عنه بخلاف المنصوص عليه،
وأما هم فتلونوا (4) ههنا ما شاءوا فمرة يحكمون للمسكوت عنه بحكم المنصوص عليه قياسا
ومرة يحكمون عليه بخلاف حكمه اخذا بدليل الخطاب، وكل واحد من هذين الحكمين
مضاد للآخر، وأما نحن فلا نتعدى القرآن ولا السنة ونوقف أمر المسكوت عنه فلا نحكم
له بحكم المنصوص ولا بحكم آخر بخلاف حكم المنصوص لكن نطلب حكمه في نص
آخر فلا بد من وجوده ولم نقل قط ههنا: انه لما نص الله تعالى على ايجاب الجزاء والكفارة
على قاتل الصيد عمدا وجب أن يكون المخطئ بخلافه ومعاذ الله ان نقول: هذا لكن

(1) في النسخة رقم (14) (قتل الصيد) وما هنا يناسب ما تقدم قبل
(2) في النسخة رقم (14) (هذا) بدل هنا *
(3) من قوله (فأوجبوا الجزاء في كليهما) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية خطأ، وفى النسخة رقم (16) (خطأ) بدل لفظ
(عمدا) وهو غلط (4) في النسخة رقم (16) والنسخة اليمنية (فتأولوا) وفى النسخة رقم (16) (فتلوثوا) وهي تصحيف عن (فتلونوا)
وما هنا اظهر في المراد لان من يذهب تارة إلى كذا وتارة إلى كذا يكون متلونا لا يثبت على حال والله أعلم
216

قلنا: ليس في هذه الآية الا المتعمد وحده وليس فيها ذكر للمخطئ لا بايجاب جزاء عليه
ولا باسقاطه عنه فوجب طلب حكمه في نص آخر، إذ ليس حكم كل شئ موجودا في آية
واحدة، وهذا هو الذي لا يعقل أحد سواه، فإذا وجدنا حكمه حكمنا به اما موافقا لهذا
الحكم الاخر واما مخالفا له ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد أسقط الجناح عن المخطئ، ووجدنا
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد قال: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام)
وأنه قد عفا عن الخطأ والنسيان وذم تعالى من شرع في الدين ما لم يأذن به، فوجب بهذه
النصوص ان لا يلزم قاتل الصيد خطأ أو ناسيا لاحرامه شرع صوم. ولا غرامة هدى.
أو اطعام أصلا، فظهر فساد احتجاجهم ولله تعالى الحمد *
واحتجوا أيضا بان قالوا: لما كان متلف أموال الناس يلزمه ضمانها بالخطأ والعمد
وكان الصيد ملكا لله تعالى وجب ضمانه بالعمد والخطأ *
قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، ولكانوا
أيضا قد أخطأوا فيه، أما كونه خطأ فان الله تعالى فرق بين حكم ما أصيب من أموال
الناس وبين حكم ما أصيب من الصيد في الاحرام فجعل في أموال الناس المثل. أو القيمة
عند عدم المثل، وجعل في الصيد جزاء من النعم لامن مثله من الصيد المباح في الاحلال،
أو اطعاما أو صياما وليس شئ من هذا في أموال الناس فسووا بين حكمين قد فرق
الله تعالى بينهما، وهذه جرأة شديدة وخطأ لائح، واما خطأهم فيه فان الحنيفيين مجمعون
على أن الكفارات لا يجوز ان تؤخذ قياسا وأو جبوا ههنا قياسا والقوم ليسوا في شئ،
وإنما هم في شبه اللعب ونعوذ بالله من الخذلان * وأما المالكيون فإنهم قاسوا متلف
الصيد خطأ على متلف أموال الناس عمدا وإنما يجب عندهم في أموال الناس القيمة فقط
ويجب عندهم في الصيد المثل من النعم. أو الاطعام. أو الصيام فقد تركوا قياسهم الفاسد *
(فان قالوا) اتبعنا القرآن قلنا: فالتزموا اتباعه في العامد خاصة واسقاط الجناح
عن المخطئ وأوجبوا (1) في الصيد القيمة كما فعل أبو حنيفة وطرد قياسه الفاسد، وأيضا
فان الحنيفيين لا يرون ضمان ما ولدت الماشية المغصوبة إلا أن تستهلك الأولاد ويرى على من
أخذ صيدا وهو محرم فولد عنده، ثم مات الولد من غير فعله ان يضمن الام والأولاد،
فأين قياسه الصيد على أموال الناس؟ *
وأما الشافعيون فان الله تعالى قد حرم الخنزير وكل ذي ناب من السباع وكل ذي

(1) في النسخة اليمنية والنسخة رقم (16) (أو أوجبوا)
217

مخلب من الطير كما حرم الصيد في الاحرام وكل ذلك ملك لله تعالى، ثم لا يوجبون على
من قتل شيئا من ذلك جزاء فنقضوا قياسهم، (فان قالوا): لم يحرم قتل شئ من هذه قلنا:
ولا أوجب الله تعالى الجزاء الا على المتعمد فاما التزموا النصوص كما وردت ولا تتعدوا
حدود الله واما اطردوا قياسكم فأوجبوا الجزاء في الخنزير، وفي السباع، وفي ذوات المخالب
كما فعل أبو حنيفة، فظهر أيضا فساد أقوالهم جملة، وبالله تعالى التوفيق، وقال بعضهم:
إنما نص على المتعمد ليعلم أن حكم المخطئ مثله *
قال أبو محمد: وهذا من أسخف كلام في الأرض، ويلزمه أن يقول: إن الله تعالى إنما
نص على أن جزاء قاتل المؤمن عامدا في جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه ليعلم أن
حكم قاتله مخطئا مثله، وإلا فقد ظهر كذب هذا القائل على الله عز وجل وافتراؤه على خالقه
لاخباره عنه بالكذب والباطل، (فان قال): (1) قد فرق الله تعالى بين قاتل العمد وقاتل
الخطأ قلنا: وقد فرق الله عز وجل بين كل مخطئ وكل عامد بقوله عز وجل: (وليس عليكم
جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) *
قال على: ما نعلم لهم تمويها غير هذا وهو كله ظاهر الفساد، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: إن ذلك الصيد حرام أكله فلان الله تعالى سماه قتلا ونهى عنه ولم يبح
لنا عز وجل أكل شئ من الحيوان الا بالذكاة التي أمر بها عز وجل، ولا شك عند
كل (2) ذي حس سليم ان الذي امر الله تعالى به من الذكاة هو غير ما نهى عنه من القتل
فإذ هو غيره فالقتل المنهى عنه ليس ذكاة، وإذ ليس هو ذكاة فلا يحل أكل الحيوان
به، وبالله تعالى التوفيق *
(فان قيل): فهلا خصصتم العامد بذلك؟ قلنا: نص الآية مانع من ذلك لان الله
تعالى قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم * فعم تعالى ولم يخص، وسمى
اتلاف الصيد في حال (3) الحرم قتلا وحرمه، ثم قال: (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء
مثل ما قتل من النعم) فأوجب حكم الجزاء على العامد خاصة بخلاف النهى العام في أول الآية *
وأما بطلان احرامه بذلك فلانه (4) بلا خلاف معصية، والمعاصي كلها فسوق،
والا حرام يبطل بالفسوق كما ذكرنا قبل، ومن شنع الأقوال وفاسدها ابطال المالكيين الحج
بالدفع من عرفة قبل غروب الشمس ولم يمنع الله تعالى قط من ذلك ولا رسوله عليه السلام، ثم لم
يبطلوه بالفسوق الكبير الذي توعد الله تعالى أشد الوعيد فيه وهو قتل الصيد عمدا، وأبطلوا هم

(1) في النسخة رقم (14) (فان قالوا)
(2) لفظ (كل) سقط من النسخة رقم (14) لفظ (حال) سقط من النسخة
رقم (14) خطأ
(3) لفظ " حال " سقط من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (14) (فإنه)
218

والحنيفيون الاحرام بالوطئ ناسيا ولم يبطله الله تعالى قط بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يبطلوه (1)
بقتل الصيد المحرم، وأبطلوا هم والشافعيون الحج بالاكراه على الوطئ ولم يبطله الله تعالى قط
به ولا رسوله عليه السلام ولم يبطلوه بقتل الصيد عمدا، وبالله تعالى التوفيق *
877 - مسألة - فلو أن كتابيا قتل صيدا في الحرم لم يحل أكله لقول الله تعالى:
(وان احكم بينهم بما أنزل الله) فوجب ان يحكم الله تعالى على المسلمين،
وبالله تعالى التوفيق،
878 - مسألة - وأما المتعمد لقتل الصيد وهو محرم (2) فهو مخير بين ثلاثة
أشياء أيها شاء فعله؟ وقد أدى ما عليه اما ان يهدى مثل الصيد الذي قتل من النعم وهي
الإبل. والبقر. والغنم ضأنها. وماعزها. وعليه من ذلك ما يشبه الصيد الذي قتل مما
قد حكم به عدلان من الصحابة رضي الله عنهم أو من التابعين رحمهم الله، وليس عليه ان
يستأنف تحكيم حكمين الآن وان شاء أطعم مساكين، وأقل ذلك ثلاثة وان شاء نظر
إلى ما يشبع ذلك الصيد من الناس فصام بدل كل إنسان يوما *
برهان ذلك قول الله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا
بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) فأوجب الله تعالى التخيير
في ذلك بلفظة أو، وأوجب من المثل ما حكم. به ذوا عدل منا، فصح ان الصاحبين
إذا حكما بمثل في ذلك فقد صار فرضا لازما لا يحل تعديه، وكذلك الصاحب والتابع
ان لم يوجد فيه حكم صاحبين، وكذلك حكم التابعين ان لم يوجد فيه حكم صاحب،
وأوجب تعالى طعام مساكين، وهذا بناء لا يقع على أقل من ثلاثة في اللغة التي بها نزل
القرآن ويقع على ثلاثة فصاعدا إلى مالا يقدر على احصائه الا الله عز وجل، فكان
إيجاب عدد أكثر من ثلاثة قولا على الله تعالى بلا برهان، وهذا لا يجوز ووجب اطعام
الثلاثة بنص القرآن لا أقل، فان زاد فهو تطوع خير، ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل
ونقطع بأنه تعالى لو أراد ان يلزم في هذا عددا محدودا من المساكين لا يوجبه ظاهر
الآية أو صفة من الاطعام لا يقتضيه ظاهر الآية لما أغفله عمدا ولا نسيه ولبينه لنا في
كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما بين عدد المساكين في كفارة قتل الخطأ.
وكفارة العود للظهار. وكفارة الايمان. وكفارة الوطئ في رمضان. وكفارة حلق
الرأس للأذى في الاحرام، فإذ لم ينص تعالى هنا على عدد بعينه ولا على صفة بعينها فنحن
نشهد بشهادة الله الصادقة أنه لم يلزم في ذلك غير ما افتضاه ظاهر الآية بيقين لا مجال للشك

(1) في النسخة رقم (14) (ولم يبطلوا) وهو غلط
(2) في النسخة اليمنية وفى رقم (16) (وهو حرم) وهو بوزن زمن الحرام، ولا يصح أن يكون بضم الحاء الراء المهملتين لأنه جمع ولا يصح هنا
219

فيه ولا يمكن سواه والحمد لله رب العالمين (1) * وقال بعض الناس: كقولنا إلا أنه قال: ما أطعمهم
وأي مقدرا أطعمهم أجزأه *
قال أبو محمد: وهذا باطل لان الله تعالى قال: (اطعام مساكين) فلو حمل على ظاهر
اللفظ لأجزأ اطعام حبة برة (2) لمسكين أو حبة خردلة أو وزن (3) حبة صبر أو شحم
حنظل، وهذا باطل لان الله تعالى قال: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)،
وذكر تعالى عن إبراهيم أنه ذكر عن ربه عز وجل في حمده إياه هو (يطعمني ويسقيني)
فإنما أراد عز وجل بذلك بلا شك (4) ما أمسك الحياة وطرد الجوع مما يحل أكله لا مما
يحرم ولا مما هو وعدمه سواء، فصح يقينا أنه يشبع ثلاث مساكين مما يحل أكله، وهكذا
نقول (5) في الاطعام في كفارة قتل الخطأ، وأما سائر ما فيه الاطعام فقد جاء مقدار
ما يطعم فيه منصوصا وهي أربعة مواضع فقط، الا طعام في وطئ الأهل في نهار رمضان
عمدا، والاطعام في الظهار، والاطعام في كفارة الايمان، والا طعام في حلق الرأس
للمريض المحرم قبل محله، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا في الصيام: فان الإشارة بلفظة ذلك إنما تقع في اللسان العربي الذي به
نزل القرآن على أبعد مذكور، وكان الصيد في هذه أذية أبعد مذكور فلزم بذلك عدله
صياما ولا يكون عدله أصلا الا كما ذكرنا، وأما من قومه قيمة، ثم قوم القيمة طعاما،
ثم رأى عدل ذلك صياما فلم يوجب عدل الصيد وإنما أوجب عدل قيمته وليس هذا في
الآية فبطل القول به (جملة) (6)، ثم نسأل من قال: بتقويم الهدى دراهم، أو طعاما
أي الهدى تقوم؟ وقد يختلف قيم النوق. والبقر. والغنم فأي ناقة تقوم؟ أم أي
بقرة تقوم؟ أم أي شاة؟ وهذا الزام مضمحل بلا برهان، ثم نقول لمن قال بتقويم
الصيد: متى تقومه؟ أحيا أم مقتولا؟ فان قالوا: مقتولا قلنا: هو عندكم جيفة ميتة
ولا قيمة للميتة، ثم هو أيضا منكم قول بلا برهان، وان قالوا بل يقوم (7) حيا قلنا:
وما برهانكم على ذلك وقيمته حيا تختلف فيكون حمار وحش يرغب فيه الملوك فيغالون
به فإذا ذكى لم يكن له كبير قيمة، ثم في أي المواضع يقوم؟ (فان قالوا): حيث أصيب
قلنا: فان أصيب بفلاة لا قيمة له (8) فيها أصلا، وكل ما قالوه فبلا دليل *
قال أبو محمد: واختلف الناس ههنا في مواضع، أحدها التخيير فقال قوم: هذا على

(1) سقطت هذه الجملة من النسخة رقم (16)
(2) في النسخة رقم (14) واليمنية (حبة بر) وهو جمع برة من القمع وما هنا نص على الوحدة
(3) في النسخة رقم (16) (اورق) وهو تصحيف
(4) سقط لفظ بلا شك من النسخة رقم (14) خطأ
(5) في النسخة رقم (16) (فكذلك القول) وما هنا أتم
(6) الزيادة من النسخة رقم (16)
(7) سقط من النسخة رقم (16) جملة (بل يقوم) ومن النسخة اليمنية لفظ (بل)
(8) في النسخة رقم (16) (لها) وهو غلط
220

الترتيب ولا يجزئه الا الهدى فإن لم يجد فالاطعام فإن لم يجد فالصيام * روينا هذا من
طريق سعيد بن منصور نا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن الحكم بن عتيبة عن مقسم
عن ابن عباس قال: إذا أصاب المحرم الصيد فإن كان عنده جزاء ذبحه فإن لم يكن عنده
جزاء قوم جزاؤه دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما فصام مكان كل نصف صاع يوما،
وإنما جعل الطعام للصائم لأنه إذا وجد الطعام وجد جزاؤه * وروينا أيضا عن إبراهيم
النخعي. وعطاء. ومجاهد. وميمون بن مهران وهو قول زفر. وسفيان الثوري *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس
كل شئ في القرآن (أو) فهو مخير (1)، وكل شئ (فمن لم يجد) فهو الأول فالأول *
وروينا التخيير أيضا عن عطاء. ومجاهد. وإبراهيم. والزهري. وقتادة. وهو قول
أبي حنيفة. ومالك. والشافعي. وأحمد. وأبي سليمان، وإذا تنازع الناس فالمرجع إلى
القرآن، وحكم القرآن التخيير، ولقد كان يلزم من قاس قاتل الصيد خطأ على العامد في
ايجاب الكفارة أو على قاتل الخطأ ان يقيس حكم كفارة الصيد على كفارة القتل فيجعلها
على الترتيب كما كفارة القتل على الترتيب والا فقد تناقضوا *
(ومنها) (2) استئناف التحكيم فان الرواية جاءت عن طاوس انه يستأنف الحكم ويحكمان
بحكم يومهما ولا ينظران إلى حكم من مضى، فان مالكا. وابن أبي ليلى. والحسن
ابن حي. والثوري قالوا: لابد له (3) من استئناف تحكيم حكمين، ثم اختلفوا فقال مالك:
الخيار إلى المحكوم عليه لا إلى الحكمين، ويقول لهما: لا تحكما على الا بالاطعام إن شاء
أو بالصيام ان شاء أو بالجزاء ان شاء، وقال ابن أبي ليلى. وسفيان الثوري. والحسن
وابن حي: الخيار في ذلك إلى الحكمين لا إلى المحكوم عليه * وقال مالك: لا يجوز للحكمين
ان يحكما بغير حكم من مضى، وقال ابن حي: إن كان حكم اليوم أكثر من حكم من مضى
حكم بحكم اليوم وإن كان حكم اليوم أقل من حكم من مضى حكم بحكم من مضى *
وقال أبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان: لا يستأنف الحكم اليوم، قال الشافعي.
وأبو سليمان: إنما هو ما حكم به السلف لا يجوز تجاوزه *
قال أبو محمد: والله تعالى أوجب ما حكم به في ذلك ذوا عدل منا فإذا حكم اثنان من
السلف فقد أوجب الله تعالى الطاعة لما حكما به فاستئناف تحكيم آخرين لا معنى له لأنه لم
يوجبه قرآن. ولا سنة. ولا إجماع فهو عمل فارغ فاسد لا فائدة فيه أصلا، ثم قول

(1) في النسخة رقم (16) (فهو محرم مخير)
(2) في النسخة رقم (16) (ومنه) وهو غلط لان مرجع الضمير إلى مواضع وهو جمع
وليكون على نسق ما بعده
(3) لفظ (له) سقط من النسخة رقم (14) خطأ
221

مالك: ا ن الخيار إلى المحكوم عليه خطأ مكرر إذ لو وجب تحكيم حكمين لا تجب طاعتهما
فيما حكما به مما جعل الله تعالى إليهما الحكم به لكان ذلك عملا فاسدا، فان موهوا بالحكمين
بين الزوجين فلم يجعل الله تعالى قط إليهما فرقة (1) ولا إيجاب غرامة وإنما جعل تعالى
إليهما الاصلاح ليوفق الله تعالى بينهما فقط *
(ومنها) ان بعض من ذكرنا رأى التحكيم في الاطعام. والصيام، وهذا خطأ لان الله
تعالى لم يوجب التحكيم في ذلك الا في الجزاء بالهدى فقط هذا هو نص الآية، ثم
القائل: بهذا قد خالف ما جاء عن ابن عباس. وغيره من الحكم في الاطعام والصيام فتناقض *
ومنها مقدار الاطعام، والصيام فعن ابن عباس كما ذكرنا آنفا ان يقوم الجزاء من
النعم دراهم، ثم تقوم الدراهم طعاما فيصوم بدل كل نصف صاع يوما * وعن ابن عمر أيضا
كذلك، وكلاهما لا يصح عنهما، فدل هذا على أن الاطعام يكون لكل مسكين نصف صاع *
وعن ابن عباس أيضا قول آخر وهو ان قتل نعامة. أو حمار وحش فبدنة من
الإبل فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد صام ثلاثين يوما، والاطعام مد مد
فقط، فان قتل ايلا (2) أو نحوه فبقرة، فإن لم يجد إطعام عشرين مسكينا، فإن لم يجد صام
عشرين يوما، فان قتل ظبيا (3) فشاة، فإن لم يجد فاطعام ستة مساكين، فإن لم يجد
صام ثلاثة أيام *
قال أبو محمد: ما نعلم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم قولة غير هذه التي ذكرنا (4) *
وروينا عن مجاهد أن يحكم في ذلك بهدى فإن لم يجده قوم الهدى طعاما، ثم قوم
الطعام صياما لكل مسكين مدان ومكان كل مسكين صوم يوم * وعن إبراهيم نحو هذا *
وعن الحسن مثله أيضا * وعن عطاء يقوم الجزاء طعاما، ثم يصوم بدل كل مد يوما،
فان وجد الطعام قبل أن يفرغ من الصوم أطعم * وروينا عنه أيضا بدل كل نصف
صاع صيام يوم * وعن ميمون بن مهران ان صيام يوم بدل كل (5) مسكين يوما *
وعن أبي عياض وهو تابعي روى عن معاوية قال: أكثر الصوم في ذلك واحد وعشرون
يوما، وصح عن سعيد بن جبير أنه قال: الصوم في فدية الصيد من ثلاثة أيام إلى عشرة

(1) في النسخة رقم (16) (وفدية) وهو تصحيف
(2) بضم الهمزة وفتحها مع فتح الياء وتشديدها فيهما، وقيل: أيل بفتح الهمزة
وكسر الياء المشددة كسيد الذكر من الأوعال شبيه ببقر الوحش، وهو إذا خاف من الصياد يرمى نفسه من رأس الجبل ولا يتضرره
(3) هو الغزال نقل ابن خلكان ان جعفرا الصادق رضي الله عنه سال أبا حنيفة النعمان ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي فقال
يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أعلم ما فيه فقال: إن الظبي لا يكون رباعيا وهو ثنى ابدا
(4) في النسخة اليمنية (قولا غير هذه التي ذكرنا) وفى النسخة رقم (16) (قولا غير هذا الذي ذكرنا)
(5) في النسخة رقم (14) (صيام بدل كل) الخ وفى النسخة اليمنية
(ان صيام بدل كل) الخ، وما هنا اجمعها وأظهرها
222

أيام ما نعلم عن تابع في هذا غير ما ذكرنا، وقال الليث: لا يتجاور في ذلك بالصوم ستين
يوما، وقال أبو حنيفة: يقوم الصيد دراهم فيبتاع بها طعاما فيطعم كل مسكين نصف صاع
من بر أو صاع من تمر أو صاع شعير أو زبيب، أو يصوم بدل كل مسكين يوما، وهو
قول الثوري، وبه قال مالك إلا أنه قال: يطعم (لكل مسكين) (1) مدا مدا أو يصوم بدل
كل مد يوما، وقولهم: بتقويم الصيد لا نعلمه قبلهم عن أحد وإنما قال من ذكرنا قبل:
بتقويم الهدى وهو الجزاء، وقال الشافعي: يقوم الجزاء لا الصيد دراهم، ثم تقوم الدراهم
طعام فيطعم مدا مدا أو يصوم بدل كل مد يوما، وقال أبو ثور: الاطعام ثلاثة آصع
ستة مساكين لكل مسكن نصف صاع، و الصيام ثلاثة أيام فقط *
قال أبو محمد: أما ابن عباس فقد اختلفت أقواله في ذلك وليس بعضها أولى من بعض،
وكلها قد خالفها (2) أبو حنيفة. ومالك. والشافعي وهم يعظمون خلاف الصاحب إذا
وافق تقليدهم لان في أحد قوليه الترتيب وهم لا يقولون به، وفيه ان يقوم الجزاء ولا
يقول أبو حنيفة ولا مالك به. وفيه عنه وعن ابن عمر مكان كل نصف صاع يوما ولا
يقول مالك. ولا الشافعي به، وأما قوله الثاني فكلهم مخالفون له جملة ولا يعرف فيما
ذكرنا لابن عباس وابن عمر مخالف من الصحابة رضي الله عنهم *
قال على: لم نجد لشئ من هذه الأقوال برهانا من قرآن. ولا سنة، ولا حجة الا
فيهما، ولا أفحش قولا ممن استسهل خلاف ابن عباس برأي نفسه (3) أو برأي تابع
قد خالفه غيره من التابعين، ثم ينكر على من خالفه التزاما للقرآن، ونحن راضون
مسرورون بهذه القسمة من الله تعالى لنا و لهم، لا أعدمنا الله تعالى ذلك بمنه (وفضله) (4)
آمين، والتابعون مختلفون كما ذكرنا فمن تعلق ببعض قولة لواحد (5) منهم بلا نص في
ذلك ذلك فقد خالفه نفسه وغيره من التابعين المذكورين في قولة أخرى في المسألة بعينها وإنما هم
سبعة فقط مختلفون متنازعون، ومجاهد وعطاء. وإبراهيم. والحسن. وأبو عياض. وسعيد
ابن جبير. وميمون بن مهران *
وأما قول أبي حنيفة. وسفيان. ومالك. والشافعي فمع اختلافهم وتنازعهم فلا
برهان (6) لواحد منهم على صحة دعواه لامن قرآن. ولامن سنة. ولامن رواية سقيمة.
ولا من قول صاحب. ولا قياس. ولا من تابع موافق للواحد منهم في قوله كله في ذلك *
وأما اليث فإنه قاس الصيام في ذلك على الصيام في قتل النفس، ولقد كان يلزم من قاس
ايجاب الكفارة في قتل الصيد خطأ على وجوبها في قتل المؤمن خطأ ان يقيس الصيام في

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (14) والنسخة اليمنية (قد خالفه)
(3) في النسخة رقم (16) (برأي أبي حنيفة) وهو غلط
(4) الزيادة من النسخة اليمنية
(5) في النسخة رقم (16) (واحد)
(6) في النسخة رقم (16) فبلا برهان
223

هذه على الصيام في ذلك كما فعل الليث، ولا سيما من لم يبلغ دية العبد والأمة إلى دية الحر
والحرة، ومن جعل للفرس سهما وقال: لا أفضل بهيمة على إنسان، ثم فضل البهائم ههنا
على الناس في الصيام عن نفوسها *
قال أبو محمد: والقياس كله باطل، ولو كان حقا لكان ههنا باطل لان الله تعالى
أوجب في جزاء الصيد مثلا من النعم أو اطعاما ولم يوجب شيئا من ذلك في قتل المؤمن
خطأ بل أوجب هنالك دية. وعتق رقبة لم يوجبها ههنا، فكيف يستجيز أحد قياس
شئ على شئ قد فرق الله تعالى بين حكميهما؟ *
وأما أبو ثور فإنه قاس الاطعام. والصيام في جزاء الصيد على الاطعام. والصيام في
فدية حلق المحرم رأسه للأذى يكون به والمرض *
قال على: وهذا قياس والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل
لان قاتل الصيد عاص لله تعالى فاسق آثم، ثم متوعد أشد (1) الوعيد، وحالق رأسه
لمرض به مطيع محسن مأجور فكيف يجوز قياس أحدهما على الآخر وليس مثله؟ ثم إن
الله تعالى قد فرق بينهما فجعل في جزاء الصيد تحكيم حكمين ولم يجعل ذلك في حالق
رأسه، وهذا بين، وبالله تعالى التوفيق *
وقد روينا عن إسحاق بن راهويه أنه ذكر له قول أحمد في مسألة فقال: أحسن
ما كنت أظن أن أحدا يوافقني عليها، فلم ينكر أبو يعقوب رحمه الله القول بما لا يعلم
به قائل إذا وافق القرآن، أو السنة لا كمن ينكر هذا، ثم يأتي بأقوال من راية مخالفة (2)
للقرآن والسنن لا يعرف (3) ان أحدا قال بها (4) قبله، وفى قول كل من ذكرنا من
أبي حنيفة. ومالك. والليث. والشافعي. ما لا يعرف ان أحدا قال به قبل كل واحد
منهم من التقسيم الذي قسموه، فمتبع القرآن، والسنة أولى بالحق *
(ومنها) ما هو المثل الذي يجزى به الصيد من النعم فان الرواية جاءت كما روينا من
طرق أبى شيبة نا عائذ (5) بن حبيب عن عطاء. ومجاهد. وإبراهيم قالوا جميعا:
إذا أصاب المحرم صيدا حكم عليه بثمنه فاشترى به هديا فإن لم يجد قوم طعاما فتصدق به
على كل مسكين نصف صاع * فإن لم يجد صام لكل صاع يومين، وقد صح عن عطاء.
ومجاهد. وإبراهيم غير هذا، وهو أنهم قالوا: الجزاء بالمثل من النعم لا بالقيمة، وهكذا
روينا عن عثمان. وعمر. وعلى. وعبد الرحمن بن عوف. وسعد بن أبي وقاص. وجابر

(1) في النسخة رقم (16) (شر) وهو تصحيف
(2) في النسخة رقم (16) بأقوال من رواية مخالفة) وفى النسخة اليمنية (ثم يأتي
بأقوال مخالفة، والصحيح ما هنا
(3) في النسخة رقم (14) (لا يعلم)
(4) في النسخة رقم (16) (قال به) وهو غلط
(5) في النسخة رقم (16) (غائد) بالدال المهملة وهو غلط
224

ابن عبد الله. وابن عباس. ومعاوية. وابن مسعود. وطارق بن شهاب. وعبد الله بن عمر.
وعبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم
في ذلك، وكذلك أيضا عمن ذكرنا من التابعين، وعن شريح. وسعيد بن جبير. وغيرهم
وهو قول مالك. وسفيان الثوري. والشافعي. وابن حي. وابن أبي ليلى. وأحمد. وإسحاق.
وأبي ثور. وأبي سليمان وغيرهم *
فاتى أبو حنيفة بقول لم يسمع بأوحش منه في هذا الباب وهو أنه قال: من قتل صيدا وهو
محرم فإنه يقوم الصيد دراهم، ثم يبتاع بتلك الدراهم ما بلغت من الهدى ولا يجزى
في ذلك إلا الجذع من الضأن فصاعدا، والثنى من الإبل، والبقر، والماعز فصاعدا، فان
وجد بتلك القيمة هديين أو ثلاثة أو أربعة لزمه ان يهدى كل ذلك هكذا يفعل في الظبي
والنعامة. وحمار الحوش. والايل. والبقرة الوحشية. والضب، واليربوع. (1) والحمامة
وغير ذلك، فإن لم يبلغ قيمة ذلك هديا ابتاع به طعاما فأطعم كما ذكرنا عنه قبل، فان قتل فيلا
لم يتجاوز بالهدى في جزائه شاة واحدة، وكذلك ان قتل قردا، ويجزى الخنزير البري ان
قتله، فليث شعري كيف يقوم الخنزير؟ * وقال صاحبه زفر: يقوم الصيد فان بلغت
قيمة النعامة أكثر من بدنة لم يتجاوز بها بدنة واحدة فان بلغت قيمة حمار الوحش.
وثور الوحش. والايل. والاروى (2) أكثر من بقرة لم يتجاوز بها بقرة واحدة، فان
بلغت قيمة الثيتل (3) والغزال. والضبي. والأرنب. والوبر. (4) واليربوع. والضب
والحمامة. والحجلة. والقطاة (5). والدبسى (6). والحبارى (7). والكروان (8).
والكركي (9). والدجاجة الحبشية أكثر من شاة واحدة لم يتجاوز بها شاة واحدة،
فإن لم يبلغ شئ من ذلك ثمن هدى ابتاع به طعاما كما قال أبو حنيفة * وخالفهما أبو يوسف
ومحمد بن الحسن فرأيا الجزاء بالمثل كما قال سائر الناس *

(1) الضب بفتح الضاد المعجمة حيوان برى، ومن خصوصياته انه لا يرد الماء ويعيش سبعمائة سنة فصاعدا، ويقال: إنه يبول
في كل أربعين يوما قطرة ولا تسقط له سن واليربوع بفتح الياء المثناة حيوان طويل الرجلين قصير اليدين جدا لونه كلون الغزال
(2) هو جمع كثرة للاروية وتجمع علي أراوى وهي غنم الجبل
(3) هو بالثاء المثلثة وبعدها ياء مثناة من تحت الذكر المسن من الأوعال
(4) بفتح الواو وتسكين الباء الموحدة دويبة أصغر من السنور
(5) طائر معروف واحده ويجمع أيضا على قطاة قطوات وقطيات
(6)، فتح الدال المهملة وكسر السين المهملة، ويقال له أيضا الدبسي بضم الدال طائر صغير منسوب إلى دبس الرطب لأنهم يغيرون في النسب كالدهري والسهلي، والأدبس من الطير والخيل الذي في لونه غبرة بين السواد والحمرة
(7) هو بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة طائر معروف وهو اسم جنس يقع على الذكر والأنثى واحده وجمعه سواء
(8) هو بفتح الكاف والراء المهملة طائر يشبه البط لا ينام الليل سمى بضده من الكرا والأنثى كراونة
(9) هو بضم الكاف وسكون الراء المهملة طائر كبير معروف والجمع الكراكي
225

قال أبو محمد: قول أبي حنيفة. وزفر في غاية الفساد، ومخالف للقرآن (1) والسنة
لان الله تعالى قال: (فجزاء مثل ما قتل من النعم). ولم يقل تعالى: فجزاء قيمة مثل ما قتل
من النعم، ولا تدل الآية على ذلك أصلا ولا تحتمله بوجه من الوجوه، وصح عن
النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع كبش ولم يجعل فيها قيمة، وقد وجدنا قيمة الحمامة الهادية، والمقلين
المغرد يبلغ عشرات الدنانير، فعلى قول أبي حنيفة يكون جزاء كل كل واحد منهما من الهدى
أكثر من جزاء الحمار الوحشي. والنعامة من الهدى، فهذا مع خلاف القرآن تخليط فاحش
ثم سائر تقسيمه المذكور فهو شئ لم يحفظ عن أحد من أهل الاسلام قبله، وقد وقف
أبو يوسف أبا حنيفة على أن هذا الباب قد رويت فيه آثار مؤقتة فلم يلتفت إلى ذلك وقال: إن
ما نتبع القرآن *
قال أبو محمد: فوالله ما وفق في هذا لاتباع القرآن ولا لاتباع أحد من السلف، وقد
أطلقوا القول بأنه قد بلغهم ذلك عن ابن عباس. وإبراهيم *
قال أبو محمد: وهذا اطلاق فاسد (2) إنما جاء عن إبراهيم. وعطاء. ومجاهد أن
يقوم الصيد فقط جاء عنهم خلافه، وأما ابن عباس فلم يأت عنه إلا ما ذكرنا قبل فقط
ما قد خالفوه كله، ولقد أقدم بعضهم فقال: القيمة أعدل *
قال على: كذب الآفك الآثم ولا كرامة أن تكون القيمة أعدل من المثل من النعم
الذي أمر الله تعالى به بل القيمة في ذلك جور وظلم، وإنما هو أصل بنوه على أصل آخر
لهم فاسد وهو أن يحكم فيما أتلف من أموال الناس مما لا يكال ولا يوزن بالقيمة لا بالمثل
وهذا رد منهم للخطأ على الخطأ، وما الواجب في كل ذلك الا المثل بنص القرآن والسنن *
قال أبو محمد: فإذ قد بطلت هذه التخاليط فالواجب الرجوع إلى القرآن وما حكم
به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما حكم به العدول من الصحابة. والتابعين رضي الله عنهم كما أمر تعالى
باتباعهم ههنا، وبالله تعالى التوفيق *
879 - مسألة - وفي النعامة بدنة من الإبل، وفى حمار الوحش. وثور الوحش
والأروية العظيمة. والايل بقرة، وفي الغزال. والوعل. (3) والظبي عنز، وفى الضب
واليربوع. والأرنب وأم حبين (4) جدي، وفى الوبر شاة، كذلك في الورل (5)

(1) في النسخة رقم (14) (ومخالفة للقرآن) وفى النسخة رقم (16) (ومخالة القرآن)
(2) في النسخة رقم (16) (قال أبو محمد: وهذه اطلاقة فاسدة) وفى النسخة رقم (14) سقط جملة (قال أبو محمد)
(3) هو بفتح الواو وكسر العين المهملة، الاروى وهو التيس الجبلي والأنثى تسمى الأروية وهي شاة الوحش، والجمع أوعال ووعول
(4) هي بحاء مهملة مضمومة وباء موحدة مفتوحة مخففة دويبة مثل ابن عرس وابن آوى، سميت بذلك من الحبن تقول فلان به حبن فهو احبن أي مستسقى فشبهة بذلك لكبر بطنها وهي على خلقت الحرباء غير الصدر
(5) هو بفتح الواو والراء المهملة وبالأم في آخره دابة على خلقت الضب إلا أنه عظم منه، والجمع اورال وورلان والأنثى ورلة
226

والضبع. وفى الحمامة وكل ماعب وهدر من الطير شاة، وكذلك الحبارى والكركي
والبلدج. والإوز البري. والبرك (1) البحري، والدجاج الحبشي. والكروان *
برهان ذلك قول الله عز وجل: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) فلا يخلوا المثل من أن
يكون من جميع الوجوه، أو من وجه واحد، أو من أغلب الوجوه، فوجدنا المماثلة من
جميع الوجوه معدومة من العالم جملة لان كل غيرين فليسا مثلين في تغاير هما فبطل هذا القسم،
ثم نظرنا في المماثلة من أقل الوجوه وهو وجه واحد فوجدنا كل ما في العالم لا تحاش شيئا
فهو يماثل كل ما في العالم من وجه ولابد وهو الخلق، لان كل ما في العالم - وهو ما دون الله
تعالى - فهو مخلوق فبطل هذا القسم أيضا، ولو استعمل لأجزأت العنز بدل الحمار (2)
الوحشي والنعامة لأنهما حيان مخلوقان معا، وهذا ما لا يقوله أحد فلم يبق الا القسم الثالث
وهو المماثلة من أغلب الوجوه وأظهرها وإذا لم يكن في المسألة الا أقوال محصورة فبطلت
كلها الا واحدا فهو الحق بلا شك، فهذا موجب القرآن، ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد حكم في الضبع بكبش فعلمنا يقينا انه عليه السلام إنما بين لنا ان المماثلة إنما هي في القد (3)
وهيئة الجسم لان الكبش أشبه النعم بالضبع، وبهذا جاء حكم السلف الطيب رضي الله عنهم *
روينا من طريق جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرحمن
ابن أبي عمار عن جابر بن عبد الله (قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال:
هو صيد وجعل فيه كبشا إذا صاده المحرم) * ومن طريق سفيان بن عيينة أنا أبو الزبير
انه سمع جابر بن عبد الله يقول: حكم عمر بن الخطاب في الضبع كبشا * ومن طريق حماد
ابن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن رباح ان عبد الله بن عمر حكم في الضبع كبشا *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء انه سمع ابن عباس يقول: في الضبع كبش *
وعن علي بن أبي طالب. وجابر بن عبد الله قالا جميعا: في الضبع كبش، فهم عمر.
وعلى. وجابر. وابن عمر. وابن عباس وقد بلغ ابن الزبير قول عمر هذا فلم يخالفه،
وهو قول عكرمة. والشافعي. وأبي سليمان * ومن طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني
عن ابن عباس ان عمر بن الخطاب. وعثمان. وعلي بن أبي طالب. وزيد بن ثابت قالوا
في النعامة: بدنة من الإبل * ومن طريق ابن جريج عن عطاء ان ابن عباس. ومعاوية
قالا: في النعامة بدنة يعنى من الإبل وهو قول طاوس. وعطاء. ومجاهد. وعروة بن الزبير.
وإبراهيم النخعي، وهو قول مالك. والشافعي. وأبي سليمان، ولا شئ أشبه بالنعامة

(1) البركة بالضم طائر من طيور الماء ابيض والجمع برك وابراك وباقي ما ذكر تقدم تفسيره ص 226
(2) في النسخة رقم (16) (عن الحمار)
(3) في النسخة رقم (16) (في القدر)
227

من الناقة في طول العنق والهيئة، والصورة، * وروينا عن ابن مسعود في حمار الوحش بدنة
أو بقرة، وعن ابن عباس فيه بدنة، وعن إبراهيم فيه بدنة، وعن عطاء فيه بدنة، وقد روى
عن عطاء أيضا فيه بقرة، والرواية في ذلك عن ابن عباس لا تصح ولا عن ابن مسعود
لأنه مرسل عنه، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: وروى ابن جريج عن عطاء قالا
جميعا: في حمار الوحش بقرة، وفي بقرة الوحش بقرة، قال عطاء: وفي الاروى بقرة، وقال
مجاهد: (1) في القادر العظيم (3) من الاروى بقرة، وهذا صحيح عنهما وهما ذوا عدل
منا، فوجدنا حمار الوحش أشبه بالبقرة منه بالناقة لان البقر. وحمار الوحش ذو اشعر
وذنب سابغ وليس لهما سنام، والناقد ذات وبر وذنب قصير وسنام فوجب الحكم
بالبقرة لقوة المماثلة، وروى عن ابن عباس في الايل بقرة وبه يقول الشافعي، وفى الثيتل
بقرة وهو قول جماعة من السلف، وفي الوبر شاة وهو قول عطاء. والشافعي، وعن عمر
ابن الخطاب. وعطاء في الغزال شاة *
قال أبو محمد: الشاة تقع على الماعزة كما تقع على الضانية، وعن سعد. وعبد الرحمن
ابن عوف في الظبي تيس، وعن عمر بن الخطاب. وزيد بن جابر في الضب جدي راع،
وعن زيد بن عبد الله. وطارق بن شهاب مثله أيضا * فقال (3) مالك. وأبو حنيفة لا يجوز
هذا، وروى عن عطاء في الضب شاة، وعن مجاهد في الضب حفنة من طعام، وهذا كله
لا شئ لان خلاف حكم عمر. وطارق ومن معهما لا يجوز خلافه لأنهم ذوو عدل منا
مع موافقتهم القرآن في المماثلة، وقول عطاء حادث بعدهم، وقول مجاهد كذلك مع خلاف
قولهما، وقول مالك للقرآن، وبقول عمر يقول الشافعي. وأبو سليمان. وأبو يوسف.
ومحمد بن الحسن. وأحمد وغيرهم، وعن عمر في الأرنب عناق وهي الجدي، وعن
عبد الله بن عمرو بن العاصي. وعمرو بن حبشي. وابن عباس مثله، وهو قول الشافعي.
وأحمد. وأبى يوسف. ومحمد بن الحسن. وأبي سليمان وغيرهم، قال أبو حنيفة (4).
ومالك لا يجوز فخالفوا كل من ذكرنا، والمماثلة المأمور بها في القرآن، وعن عمر.
وابن مسعود. ومجاهد في اليربوع سخلة أو جفرة وهما سواء وهو قول الشافعي.
وأحمد. وأبى يوسف. ومحمد بن الحسن وأبي سليمان وغيرهم، وروينا عن عطاء لم
أسمع فيه بشئ، وعن الزهري فيه حكومة، وعن إبراهيم فيه قيمته، وهذا كله ليس بشئ،
وقال مالك في الأرنب. والضب. واليربوع قيمته يبتاع به طعام، وهذا خطأ لم يوجبه
القرآن، ولا السنة، ولاقول صاحب، ولا إجماع، ولا قياس *

(1) في النسخة رقم (16) (عطاء) وهو غلط بدليل قوله بعد وهذا صحيح عنهما أي عن عطاء ومجاهد
(2) في النسخة اليمنية (في النادر العظيم)
(3) في النسخة رقم (16) (وقال) بالواو لا بالفاء
(4) في النسخة رقم (16) (وقال)
228

(فان قالوا): قسنا على الأضاحي لا يجوز فيه الجذع من غير الضأن ولا ما دون الجذع
من الضأن قلنا: القياس باطل، ثم لو كان حقا لكنتم أول مخالف لهذا القياس لأنكم تقولون:
ان الكبش. والتيس أفضل في الأضاحي من الإبل والبقر وان الذكر فيها من الأنثى،
وتقولون في الهدى كله: ان الإبل، والبقر أفضل من الضأن والماعز، وان الإناث أفضل
فيها من الذكور، فمرة تقيسون حكم بعض ذلك على بعض، ومرة تفرقون بين أحكامها
بلا نص ولا دليل، (فان قالوا): قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تجزى جذعة
عن أحد بعد أبي بردة قلنا: نعم، والذي أخبر بهذا هو الذي أخبرنا عن ربه تعالى بايجاب
مثل الصيد المقتول من النعم، وليس بعض كلامه أولى بالطاعة من بعض بل كله فرض
استعماله ولا يجوز ترك شئ منه لشئ، وبالله تعالى التوفيق، ولم ينه قط عليه السلام
عن ما دون الجذع باسمه لكن لما كان بعض ما دون الجذع لا يقع عليه اسم شاة لم
يجز فيما جاء فيه النص بايجاب شاة فقط، وأما الجذعة فلا تجزئ في جزاء الصيد أيضا
لان النهى عنها عموم الا حيث أوحبت باسمها وليس ذلك الا في زكاة الإبل، والبقر
فقط مع أن الجذع من الضأن. والماعز. والإبل. والبقر لا معنى لمراعاته في جزاء الصيد
إنما يراعى المثل في القد والصورة لاما لا يعرف الا بعد فر (1) الأسنان، فصح ان الجذعة
لا تجزى في جزاء الصيد، وبالله تعالى التوفيق، وروينا عن عطاء في الورل شاة *
قال أبو محمد: إن كان عظيما في مقدار الشاة فكذلك والا ففيه وفى القنفذ جدي صغير،
وعن عمر. وعثمان. وابن عباس. وابن في عمر الحمامة شاة، وهو قول مالك. والشافعي.
وأبي سليمان. وأحمد، وقال الشافعي. وأبو سليمان: كل ما يعيب كما تعب كما تعب الشاة ففيه شاة
بهذه المماثلة، وروينا عن ابن عباس الدبسي، والمقري، والحبارى، والقطاة، والحجلة
شاة شاة، وروينا عن عطاء في كل ذلك مثل هذا أيضا، وكذلك في الكروان، وابن الماء،
وروينا عن القاسم. وسالم ثلث مدخير من حجلة *
قال أبو محمد: لا يجوز ههنا خلاف ما حكم به ابن عباس. وعطاء *
قال على: وعن عطاء في الهدهد درهم، وفي الوطواط ثلثا درهم، في العصفور
نصف درهم، وعن عمر في الجرادة تمرة، وعن سعيد بن جبير مثل ذلك، وقال آخرون:
لا شئ فيها لأنها (2) من صيد البحر، وهذا خطأ لأنها ان غمست في البحر ماتت، وعن
كعب في الجرادة درهم *
قال أبو محمد: إنما أمر الله تعالى بتحكيم في الجزاء من النعم لافى الاطعام ولا في الصيام،

(1) يقال فررت الفرس أفره - بالضم - فرا إذا نظرت إلى أسنانه
(2) في النسخة رقم (16) (وهي) وما هنا أتم
229

فلا يجوز التحكيم في هذين العملين، إنما هو ما أمر الله تعالى به في ذلك وهو ما ذكرنا
قبل، فكل ما كان له مثل من صغار النعم جزى به وما لم يكن له مثل من كبار النعم ولا
صغاره فإنما فيه فدية طعام مساكين كما قال عز وجل: (أو عدل ذلك صياما) لان من
المحال ان يوجب الله تعالى جزاء صيد بمثله من النعم وهو لا مثل له منها لان هذا تكليف
ما ليس في الوسع والله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)، فإذ لاشك في هذا
فلا شك أيضا في أن الله تعالى قد علم أن من جزاء الصيد الذي خلق صغيرا جدا كصغار
العصافير والجراد فلم يجعل في كبير الصيد وصغيرة إلا فدية طعام مساكين أو عدله صياما،
فوجب في الجرادة فما فوقها إلى النعامة، وفي ولد أصغر الطير إلى حما الوحش اطعام ثلاثة
مساكين فقط، وأما الصيام فلا صيام في الاسلام أقل من صوم يوم، ففي كل صغير
منها صوم يوم فقط، فإن كان يشبع بكبر جسمه انسانين أو ثلاثة فأكثر فلكل آكل
صوم يوم كما نص الله تعالى، (فان قيل): ان هذا قول لا يحفظ عن أحد ممن سلف
قلنا: نحن لا ندعى الإحاطة بأقوال الصحابة جميعهم والتابعين كلهم فمن بعدهم من العلماء
بل نقول ونقطع: ان من ادعى الإحاطة بأقوالهم فقد كذب كذبا متيقنا لاخفاء به
ولا ننكر القول بما أوجبه القرآن أو السنة وان لم تعرف رواية عن إنسان بعينه بمثل
ذلك لان الله تعالى لم يقل لنا قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا بما في القرآن والسنة حتى
تعلموا ان انسانا قال بما فيهما، بل هذا القول عندنا ضلال وبدعة وكبيرة من أكبر الكبائر
وإنما قال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) *
والناس قد اختلفوا في الجراد فروينا من طريق حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجراد من صيد البحر) * ومن طريق أبى داود نا محمد بن عيسى
عن حماد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن أبي هريرة مسندا مثله (1) * وعن كعب أنه قال
لعمر: يا أمير المؤمنين ان الجراد نثر حوت ينثره في كل عام مرتين، وأباح أكله للمحرم وصيده،
فهذا قول * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا أبو بشر عن يوسف بن ماهك قال كعب:
ذكر لعمر اني أصبت جرادتين وانا محرم فقال لي عمر: ما نويت في نفسك؟ قلت: درهمين فقال
عمر: تمرتان خير من جرادتين امض لما نويت في نفسك، فهذا عمر. وكعب جعلا
في الجرادة درهما فهذا قول آخر، ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش
عن إبراهيم عن الأسود عن عمر بن الخطاب أنه قال في محرم أصاب جرادة: تمرة خير
من جرادة * ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله الطحان عن محمد بن عمرو

(1) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 109، وقال الحافظ المذرى: ميمون بن جابان لا يحتج به وسيضعفه المصنف قريبا
230

ابن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه
حكم في الجرادة تمرة، فهذا قول ثالث * ومن طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث
عن بكير بن الأشج عن القاسم بن محمد قال: أفتى ابن عباس في جرادة يصيبها المحرم بأن
يتصدق بقبضة من طعام * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الوهاب الثقفي عن شعيب عن
علي بن عبد الله عن ابن عمر قال في الجرادة إذا صادها المحرم: قبضة من طعام *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد
ابن المسيب قال في الجرادة: قبضة من طعام فهذا قول رابع * ومن طريق ابن أبي شيبة
نا ابن أبي زائدة عن ابن جريج عن عطاء قال في الجرادة: قبضة أو لقمة * ومن طريق
ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسرائيل عن جابر عن محمد بن علي. وعطاء. وطاوس.
ومجاهد. قالوا كلهم: في الجرادة ليس فيها في الخطأ شئ فان قتلها عمدا أطعم شيئا *
ومن طريق وكيع عن عمران بن حدير عن عكرمة في الجرادة قال: يطعم كسرة
فهذا قول خامس * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة
عن ابن عباس قال في محرم أصاب صيدا ليس له ند من النعم: إنه يهدى ثمنه إلى مكة *
وروينا أيضا عن عكرمة فيه ثمنه، فهذا قول سادس * ومن طريق سعيد بن منصور
نا هشيم انا منصور عن الحسن قال: الجراد من صيد البر والبحر فهذا قول سابع *
ومن طريق سعيد بن منصور نا حفص بن ميسرة الصنعاني نا زيد بن أسلم عن عطاء
ابن يسار عن كعب الأحبار ان عمر كره أكل الجراد للمحرم ولم يجعل فيه جزاء *
ومن طريق سعيد عن هشيم أنا أبو بشر عن يوسف بن ماهك قال: نهى ابن عباس
عن أخذ الجراد في الحرم قال: لو علموا ما فيه ما أخذوه، فهي ثمانية أقوال كما أوردنا، فما
الذي جعل بعضها أولى من بعض؟ *
وأما الخبر في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فموضوع بلا شك لان في أحد طريقيه
أبا المهزم (1) وهو هالك، وفي الأخرى ميمون بن جابان وهو مجهول، وبالعيان يرى الناس
الجراد يبيض في البر وفى البر يفقس عنه البيض وفى البر يبقى حتى يموت، وانه لو غمس في
ماء عذب أو ملح لمات في مقدار ما يموت فيه سائر حيوان البر إذا غمس في الماء، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يقول: الكذب، فسقط هذا القول (2) بيقين، وصح انه من صيد البر المحرم
على المحرم وفى الحرم بلا شك، والأقوال الباقية عن عمر بن الخطاب. وكعب في الجرادة

(1) هو بتشديد الزاي المكسورة ووقع في حاشية تهذيب التهذيب ج 2 ص 249 (بتشديد الراء وهو غلط أظنه نشأ من
الطبع)
(2) في النسخة رقم (16) (فسقط ذلك القول)
231

درهم * وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي في الجرادة تمرة * وقال عمر: تمرة خير من
جرادة، * وعن ابن عباس. وابن عمر. وابن المسيب في الجرادة قبضة من طعام *
وعن عطاء قبضة أو لقمة * وعن عكرمة كسرة * وعن محمد بن علي. وعطاء وطاوس.
ومجاهد. ويطعم شيئا ان أصابها عمدا والا فلا * وعن ابن عباس فيما لا ند له (1) من النعم
ثمنه يهديه إلى مكة * وعن عكرمة ثمنه، والجرادة مما لا ند لها من النعم * وعن الحسن هي
من صيد البر والبحر * وعن عمر. وابن عباس المنع من صيدها ولم يجعلا فيها شيئا،
فالمرجوع إليه عند التنازع هن ما افترض الله تعالى علينا الرجوع اله إذ يقول تعالى:
(فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) والقرآن
يوجب ما قلنا، وبالله تعالى التوفيق *
وقد خالف أبو حنيفة. ومالك في بيض الصيد كل ما روى فيه عن أحد من المتقدمين
فأنى لهم انكار ذلك على غيرهم؟ وفى صغار الصيد ما كان منه من ذوات الأربع أو الطير
صغارها في صغاره، وكبارها في كباره ففي رأل النعام فصيل من الإبل، وفى ولد كل
ما فيه بقرة عجيل مثل ذلك الصغير، وفيما فيه شاة حمل أو جدي على ما ذكرنا قبل *
وقال مالك: في صغارها ما في كبارها، وهذا خطأ لان الكبير ليس مثلا للصغير *
وروينا عن ابن عمر أنه حكم في فرخي حمامة وأمهما بثلاثة من الغنم وقد خالفوا ابن عمر
وغيره في كثير مما ذكرنا قبل، ويفدى المعيب بمعيب مثله، والسالم بسالم، والذكر بالذكر،
والأنثى بالأنثى لقوله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) *
روينا من طريق حماد بن سلمة عن حبيب عن عطاء قال: في الظبية الوالد شاة والد، وفى الحمارة
الوحش النتوج بقرة نتوج * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج قلت لعطاء
ابن أبي رباح: أرأيت لو أصبت صيدا فيه نقص أو عور أغرم مثله؟ قال: نعم قلت:
الوفي أحب إليك قال: نعم وفي ولد الضبع ولد الكبش (2) لان الصغير من الضباع
لا يسمى ضبعا إنما يسمى الفرغل، والسلحفاة هي من صيد البر لان عيشها الدائم في البر
ففيها الجزاء بصغير من الغنم، وما كان ساكنا في الماء أبدا لا يفارقه فهو مباح للمحرم،
وقد روينا عن عطاء فيما عاش في البر والبحر فيه نصف الجزاء *
قال على: وليس هذا بشئ لان الله تعالى أباح للمحرم صيد البحر وحرم عليه صيد
البر فليس إلا حرام أو حلال، ولا يجوز أن يكون حلال حرام معا ولا لا حلال ولا حرام،
وبالله تعالى التوفيق *

(1) أي لا مثل له ولا نظير
(2) في النسخة رقم (16) (ولد كبش) وما هنا أنسب
232

880 - مسألة - وبيض النعام وسائر الصيد حلال للمحرم وفى الحرم، وهو
قول أبي حنيفة. وأبي سليمان وأصحابهما لان البيض ليس صيدا ولا يسمى صيدا ولا يقتل،
وإنما حرم الله تعالى على المحرم قتل صيد البر فقط، فان وجد فيها فرخ ميت فلا جزاء
له لأنه ليس صيدا ولم يقتله، فان وجد فيها فرخ حي فمات فجزاؤه بجنين من مثله لأنه
صيد قتله، وقال مالك: في بيضة النعامة عشر البدنة، وفي بيضة الحمامة عشر الشاة قال:
ولا يحل أكله للمحرم ولا للحلال إذا شواه المحرم أو كسره * وقال الشافعي: فيه قيمته فقط *
قال أبو محمد: أما قول الشافعي فخطأ لما ذكرنا من أنه ليس صيدا، وأخطأ خطأ
آخر أيضا وهو أنه جزاؤه بثمنه، والجزاء بالثمن لا يوجد في قرآن ولا سنة * وأما قول
مالك فجمع فيه من الخطأ وجوها * أو لها أنه قول (1) لا يعرف ان أحدا قال به قبله: وهم
ينكرون مثل هذا أشد الانكار كما ذكرنا آنفا في قولنا في الجراد، وثانيها أنه قول لا يوجد
في القرآن، ولا في السنة، وثالثها أنهم لا يجيزون الاشتراك في الهدى حيث صح إجماع
الصحابة، والسنة على جوازه، ثم أجازوه (3) ههنا حيث لم يقل به أحد يعرف قبلهم *
(فان قالوا): إنما نقوم البدنة، أو الشاة، ثم نأخذ عشر تلك القيمة فنطعم به
قلنا: هذا خطأ رابع فاحش لأنكم تلزمونه وتأمرونه بما تنهونه عنه من وقتكم فتوجبون
عليه عشر بدنة، وعشر شاة ولا يجوز له اهداؤه وإنما يلزمه طعام بقيمة ذلك العشر،
وهذا تخلط ناهيك به، وتناقض ظاهر * وخامسها احتجاجهم بأنهم قالوا: ذلك قياسا
على جنين الحرة الذي فيه عشر دية أمه فقلنا: هذا ياس للخطأ على الخطأ وتشبيه للباطل بالباطل
المشبه بالباطل، وما جعل الله تعالى قط في جنين الحرة ولا في جنين الأمة عشر دية أمه
ولا عشر قيمة أمه، وإنما جعل على لسان رسوله عليه السلام غرة
عبدا، أو أمة فقط ولا جعل في الدية قيمة بل جعلها مائة من الإبل *
قال أبو محمد: وأما اختلاف الناس في هذا فإننا روينا من طريق حماد بن سلمة انا
عمار بن أبي عمار عن عبد الله بن الحارث بن نوفل (أن أعرابيا أهدى إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيضا وتتمير (3) وحش فقال له: أطعمه أهلك فانا حرم * ومن طريق حما بن سلمة
عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن علي بن أبي طالب عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله حرفا *

(1) في النسخة رقم (14) (أنه قال قولا)
(2) في النسخة رقم (16) (ثم يجيزوه) وهو غلط لان فيه حذف النون بدون مقتض
(3) التتمير تقطيع اللحم صغارا وتجفيفه وتشيفه وفى النسخة رقم (16) بعد قوله وحش (قديد)
وهو زائد من الناسخ
233

قال أبو محمد: الأول مرسل، وفي الثاني علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف،
ثم لو صحا لما كان فيهما نهى عن أكلها وإنما هو ترك منه عليه السلام، وقد يترك ما ليس
حراما كما ترك الضب * ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث. وأبو خالد الأحمر
كلاهما عن ابن جريج عن عبد الله بن ذكوان - هو أبو الزناد - عن عائشة أم المؤمنين (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن بيض نعام أصابها محرم؟ فقال عليه السلام: في كل بيضة صيام
يوم أو اطعام مسكين) *
قال على: أبو الزناد لم يدرك عائشة رضي الله عنها فهو منقطع، ولو صح لقلنا به،
وقال بهذا بعض السلف: كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن أبي المليح عن أبي عبيدة
ابن عبد الله بن مسعود قال في بيضة النعامة (1) يصيبها المحرم: صوم يوم. أو اطعام مسكين *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبدة عن سعيد عن قتادة عن أبي مجلز عن أبي عبيدة
ابن عبد الله بن مسعود في بيض النعام يصيبها المحرم قال أبو عبيدة: كان ابن مسعود يقول
فيه: صوم يوم، أو اطعام مسكين * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة أن أبا موسى
الأشعري قال: في كل بيضة من بيض النعام صيام يوم، أو اطعام مسكين، وهو قول
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أيضا، وهو قول ابن سيرين أفتى بذلك على محرم
أشار لحلال إلى بيض نعام (2) فهذا قول، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن جريج
عن عبد الحميد بن جبير أخبرني عكرمة عن ابن عباس قال: قضى علي بن أبي طالب في
بيض النعامة يصيبها المحرم ترسل الفحل على إبلك فإذا تبين لقاحها سميت عدد ما أصبت
من البيض فقلت: هذا هدى ثم ليس عليك ضمان ما فسد، قال ابن عباس: فعجب
معاوية من قضاء على، قال ابن عباس: لم يعجب معاوية من عجب ما هو إلا ما يباع به البيض
في السوق يتصدق به، قال ابن جريج: وقال عطاء: من كانت له إبل فان فيه ما قال على
ومن لم يكن له إبل ففي كل بيضة درهمان فهذا قول آخر، وثالث، ورابع *
ومن طريق وكيع نا الأعمش عن إبراهيم النخعي ان عمر بن الخطاب قال في بيض
النعام: قيمته. أو ثمنه * ومن طريق وكيع عن خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله
ابن مسعود عن أبيه قال في بيض النعام: قيمته، أو ثمنه، وهو قول إبراهيم النخعي.
والشعبي. والزهري. والشافعي *
وأما بيض الحمام فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن مجاهد عن أبيه وعطاء كلاهما قال: إن
علي بن أبي طالب قال: في كل بيضتين درهم * ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن عبيد الله

(1) في النسخة رقم (14) (في بيض النعامة) في النسخة رقم (14) (إلى بيض النعام)
234

عن عطاء عن ابن عباس قال: في كل بيضة من بيض حمام مكة نصف درهم، وهو قول
عطاء، وقال: فإن كان فيها فرخ فدرهم، وقال عبيد بن عمير: بنصف درهم طعام ويتصدق به *
وعن عبد الرزاق عن معمر، وعن قتادة قال في بيضة من بيض حمام مكة: درهم
وفي بيضة من بيض حمام الحل: مد، قال معمر: وقال الزهري: فيه ثمنه، وهو قول الشافعي *
ومن طريق سعيد بن منصور نا عتاب بن بشير عن خصيف عن ابن عباس قال في
البيضة: درهم فهي أقوال كما ترى، أحدها ان في بيضة النعامة صوم يوم، أو اطعام مسكين
فيه خبر مسند، وهو قول أبى موسى الأشعري. وابن مسعود. وابنيه أبى عبيدة. و عبد الرحمن.
وابن سيرين، وثانيها ان في كل بيضة منها لقاح ناقة وهو قول على. ومعاوية. وعطاء *
وثالثها ان في بيضة النعامة ثمنها وهو قول عمر. وابن مسعود. وابن عباس. وإبراهيم.
والشعبي. والزهري. والشافعي، ورابعها ان من له إبل ففي كل بيضة لقاح ناقة ومن
لا إبل له ففي كل بيضة درهمان. وهو قول عطاء. * وفي بيض الحمام أقوال، أحدها
في البيضة درهم وهو قول ابن عباس. * وثانيها في البيضة نصف درهم وهو قول
ابن عباس. وعبيد بن عمير * وثالثها فيها نصف درهم فإن كان فيها فرخ فدرهم وهو
قول عطاء، ورابعها في بيضة من حمام مكة درهم وفي بيضة من حمام الحل مد وهو قول
قتادة، وخامسها فيها ثمنها وهو قول الزهري. والشافعي، فخرج قولا مالك. وأبي حنيفة
عن أن يعرف لهما قائل من السلف وهم يعظمون هذا إذا خالف تقليدهم (1)، وبالله
تعالى التوفيق *
881 - مسألة - ولا يجزى الهدى في ذلك الا موفقا عند المسجد الحرام، ثم
ينحر بمكة أو بمنى لقول الله تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) *
882 - مسألة - وأما الاطعام والصيام فحيث شاء لان الله تعالى لم يحد
لهما موضعا (2) *
883 - مسألة - وصيد كل ما سكن الماء من البرك. أو الأنهار. أو البحر.
أو العيون. أو الآبار حلال للمحرم صيده وأكله لقول الله تعالى: (أحل لكم صيد البحر
وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما). وقال تعالى: (وما يستوى
البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج، ومن كل تأكلون لحما طريا) فسمى
تعالى كل ماء عذب أو ملح بحرا، وحتى لو لم تأت هذه الآية لكان صيد البر والبحر
والنهر (3)، وكل ما ذكرنا حلالا بلا خلاف بنص القرآن، ثم حرم بالاحرام وفي الحرم

(1) كذا في كل النسخ وينبغي أن يكون هكذا (إذا وافقه تقليدهم)
(2) سقطت هذه المسألة برمتها من النسخة رقم (16)
(3) في النسخة رقم (16) (والبثر)
235

صيد البر ولم يحرم صيد البحر فكان ما عدا صيد البر حلالا كما كان إذ لم يأت ما يحرمه،
وبالله تعالى التوفيق *
884 - مسألة - والجزاء واجب كما ذكرنا سواء سواء فيما أصيب في حرم مكة،
أو في حرم المدينة أصابه حلال، أو محرم لقول الله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم
ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) الآية، فمن كان في حرم مكة، أو في
حرم المدينة فاسم حرم يقع عليه *
روينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن الحسن بن خى قال: سألت ابن أبي ليلى
عمن أصاب صيدا بالمدينة؟ فقال: يحكم عليه، وهو قول ابن أبي ذئب. ومحمد بن إبراهيم
النيسابوري. وبعض كبار أصحاب مالك، وقد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين
لابتى المدينة وهما حرتان بها معروفتان، وحرم المدينة معروف كحرم مكة * وقال أبو حنيفة.
ومالك: لاجزاء فيه وهو خطأ لما ذكرنا، واحتج بعض من امتحن بتقليد هما بخبرين
في أحدهما ان عمرو بن أمية كان بتصيد بالعقيق وهذا لا حجة لهم فيه لأنه خبر لا يصح،
ولو صح لكان ذلك ممكنا (أن يكون) (1) قبل تحريم الحرم بالمدينة والنهى عن صيدها،
والثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له وحش فكان يلعب فإذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبع (2)
وهو خبر لا يصح، ثم لو صح لما كانت فيه حجة لان الصيد إذا صيد في الحل، ثم أدخل في الحرم
حل ملكه على ما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى *
885 - مسألة - ومن تعمد قتل صيد في الحل وهو في الحرم فعليه الجزاء لأنه
قتل الصيد وهو حرم، فإن كان الصيد في الحرم والقاتل في الحل فهو عاص لله عز وجل
ولا يؤكل ذلك الصيد ولاجزاء فيه. اما سقوط الجزاء فلانه ليس حرما (3)، وأما عصيانه
والمنع من أكل الصيد فلانه من صيد الحرم ولم يأت فيه جزاء إنما (4) جاء تحريمه فقط وإنما
جاء الجزاء على القاتل إذا كان حرما *
روينا من طريق البخاري نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن منصور
عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس (رضي الله عنهما) (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم افتتح مكة فذكر كلاما فيه (هذا بلد حرمه الله عز وجل يوم خلق السماوات والأرض
وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده) وذكر الحديث *
ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير نا أبى نا عثمان بن حكيم

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)
(2) قال الجوهري في صحاحه: قبع القنفذ. إذا ادخل رأسه في جلده وكذلك الرجل إذا
ادخل رأسه في قميصه
(3) في النسخة رقم (16) حراما وهما بمعنى وهو على وزن زمن وزمان
(4) في النسخة رقم (16) (وإنما) بزيادة واو
(5) الزيادة في صحيح البخاري ج 3 ص 39
236

نا عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال: إني (1) احرم
ما بين لابتي المدينة ان يقطع عضاهها أو يقتل صيدها) (2) *
ومن طريق مسلم نا قتيبة (بن سعيد) (3) نا عبد العزيز - هو ابن محمد الدراوردي - عن
عمرو بن يحيى المازني عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وانى حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة (4)) *
قال أبو محمد: فصح تحريم قتل صيد المدينة وان ذلك كحكم حرم مكة سواء سواء،
فصح ان كل صيد قتل في حرم المدينة، أو مكة فهو غير ذكى، وبالله تعالى التوفيق (5) *
روينا عن عطاء. وقتادة من رمى صيدا في الحل والرامي في الحرم فعليه الجزاء،
وبالله تعالى التوفيق *
886 - مسألة - والقارن. والمعتمر. والمتمتع سواء في الجزاء فيما ذكرنا سواء
في حل أصابوه، أو في حرم إنما في كل ذلك جزاء واحد وهو قول مالك. والشافعي،
وقال أبو حنيفة: على القارن جزاء ان فان قتله في الحرم وهو محرم فجزاء واحد وهذا تناقض
شديد، ثم قال: إن قتل المحل صيدا في الحرم فإنما فيه الهدى، أو الصدقة فقط ولا يجزئه
صيام، وهذا تخليط آخر وقول لا يعرف أحد قال به قبله، وإنما أوجب الله تعالى على قاتل
الصيد وهو حرم جزاء مثل ما قتل لاجزاء مثلي ما قتل، فخالف القرآن في كلا الموضعين،
وبالله تعالى التوفيق، وقد جاءت آثار عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم سئلوا عن الصيد
يصيبه المحرم؟ فما سألوا في شئ من ذلك أقارن هو. أم مفرد. أم معتمر؟ فبطل ما قالوه
جملة، وبالله تعالى التوفيق *
887 - مسألة - فان اشترك جماعة في قتل صيد عامدين لذلك كلهم فليس
عليهم كلهم الاجزاء واحد لقول الله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم): فليس في الصيد
الا مثله لا أمثاله * روينا من طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار ان موالي لابن
الزبير قتلوا ضبعا وهم محرمون فسألوا ابن عمر؟ فقال: اذبحوا كبشا فقالوا: عن كل
إنسان منا فقال: بل كبش واحد عن جميعكم، وهذا في أول دولة ابن الزبير، ولا يعرف
له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف وهو قول عطاء. والزهري. ومجاهد. والنخعي.
ومحمد بن علي. والحارث العكلي. وحماد بن أبي سليمان. والأوزاعي. والشافعي.
وأبي سليمان، وروى عن الحسن البصري. وسعيد بن جبير. والشعبي على كل واحد
منهم جزاء، وروى هذا أيضا عن النخعي. والحارث العكلي، وهو قول مالك *

(1) في صحيح مسلم ج 1 ص 385 (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى) الخ
(2) الحديث اختصره المصنف
(3) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 385
(4) الحديث مختصر
(5) سقطت هذه الجملة من النسخة رقم (16)
237

وقال أبو حنيفة: اما المحرمون فسواء أصابوه في الحرم، أو الحل على كل واحد منهم
جزاء كامل، وأما الحلالان فصاعدا يصيبون الصيد في الحرم فعليهم كلهم جزاء واحد،
فكان هذا الفرق طريقا جدا لا يحفظ عن أحد قبله *
واحتجوا في ذلك بأن إحرام كل واحد من المحرمين غير إحرام صاحبه، والحرم
شئ واحد فقيل لهم: بل موضع كل واحد منهم من الحرم غير موضع الآخر، وكل مكان
من الحرم فهو حرم آخر غير المكان الثاني والاحرام حكم واحد لازم لجميع المحرمين *
واحتج بعض من رأى على كل واحد جزاء بأن قال: هي كفارة فكما على كل قاتل
خطأ إذا اشتركوا في دم المؤمن كفارة، وعلى كل حانث إذا اشتركوا في فعل واحد كفارة
فهذا مثله، فعارضهم الآخرون بأنه لما كان عليهم كلهم دية واحدة فكذلك عليهم جزاء واحد
واطعام واحد *
قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل، والصحيح ان أموال الناس محظورة
فلا يجوز الزامهم غرامة بغير نص ولا إجماع فالجزاء بينهم والا طعام كذلك، وأما الصيام
فان اختاروه فعلى كل واحد منهم الصيام كله لأن الصوم لا يشترك فيه ولا يمكن ذلك بخلاف
الأموال، فان اختلفوا فمن اختار منهم الجزاء لم يجزه الا بمثل كامل لا ببعض مثل ومن
اختار الاطعام لم يجزه أقل من ثلاثة مساكين لأنه كأن يكون خلاف النص، وبالله
تعالى التوفيق *
888 - مسألة ومن قتل الصيد مرة بعد مرة فعليه لكل مرة جزاء وليس قول
الله تعالى (ومن عاد فينتقم الله منه) بمسقط للجزاء عنه لان الله تعالى لم يقل: لاجزاء
عليه بل قد أوجب الجزاء على القاتل للصيد عمدا، فهو على كل قاتل مع النقمة على العائد،
وبالله تعالى التوفيق *
889 - مسألة - وحلال للمحرم ذبح ما عدا الصيد مما يأكله الناس من الدجاج
والإوز المتملك، والبرك (1) المتملك، والحمام المتملك، والإبل، والبقر، والغنم،
والخيل، وكل ما ليس صيدا. الحل والحرم سواء، وهذا لا خلاف فيه من أحد مع أن
النص لم يحرمه، وكذلك يذبح كل ما ذكرنا الحلال في الحرم بلا خلاف أيضا مع أن
النص لم يمنع من ذلك *
890 - مسألة - وجائز للمحرم في الحل والحرم وللمحل في الحرم والحل (2) قتل
كل ما ليس بصيد من الخنازير. والأسد. السباع. والقمل. والبراغيث. وقردان

(1) البرك بالضم جمع بركة طائر من طيور الماء
(2) في النسخة اليمنية (في الحل والحرم)
238

بعيره أو غيره بعيره. والحلم (1) كذلك، ونستحب لهم قتل الحيات. والفيران.
والحدأ (2) والغربان. والعقارب. والكلاب العقورة، صغار كل ذلك وكباره سواء،
وكذلك الوزغ (3) وسائر الهوام، ولا جزاء في شئ من كل ما ذكرنا ولا في القمل، فان قتل ما نهى عن قتله من هدهد. أو صرد. أو ضفدع. أو نمل فقد عصى ولا جزاء في ذلك *
برهان ما ذكرنا ان الله تعالى أباح قتل ما ذكرنا، ثم لم ينه المحرم إذ عن قتل الصيد
فقط، ولا نهى الا عن صيد الحرم فقط، ولا جعل الجزاء الا في الصيد فقط، فمن حرم
ما لم يأت النص بتحريمه أو جعل جزاء فيما لم يأت النص بالجزاء فيه فقد شرع في الدين
ما لم يأذن به الله * وقال أبو حنيفة: لا يقتل المحرم شيئا من الحيوان الا الكلب العقور.
والحية. والعقرب. والحدأة. والغراب. والذئب فقط، ولا جزاء عليه فيها فأما الأسد.
والنمر. والسبع. والدب. والخنزير وسائر سباع ذوات الأربع، وجميع سباع الطير
ففيها الجزاء الا أن تكون ابتدأته فلا جزاء عليه فيها، وجزاؤها عنده الأقل من قيمته
كل ذلك أو شاة، ولا يتجاوز بجزاء شئ من ذلك شاة واحدة ويقتل القردان عن بعيره
ولا شئ عليه ولا يقتل القمل فان قتلها أطعم شيئا، وله قتل البرغوث. والذر. والبعوض
ولا جزاء في ذلك، وقال زفر: سواء ابتدأت المحرم السباع أو لم تبتدئه عليه الجزاء فيما قتل
منها، وقال الطحاوي: لا يقتل المحرم الحية. ولا الوزغ. ولا شيئا غير الحدأة. والغراب.
والكلب العقور. وا لفأرة (4) والعقرب، وقال مالك: يقتل المحرم الفأرة. والعقرب.
والحدأة. والغراب. والكلب العقور. والحية. وجميع سباع ذوات الأربع إلا أنه
كره قتل الغراب. والحدأة إلا أن يؤذياه، ولا يجوز له قتل الثعلب، ولا الهر الوحشي
وفيهما الجزاء على من قتلهما إلا أن ابتدآه بالأذى، ولا يجوز له قتل صغار السباع أصلا
ولاقتل الوزغ، ولاقتل البعوض، ولاقردان بعيره خاصة فان قتله أطعم شيئا، ولا يقتل
شيئا من سباع الطير فان فعل ففيها الجزاء وله قتل القراد إذا وجده على نفسه ولا يجوز
له قتل صغار الغربان ولا صغار الحدأة، واختلف عنه في صغار الفيران أيقتلها أم لا؟
قال: ولا يقتل القمل فان قتلها أطعم شيئا * وقول الشفعى: كقولنا الا في الثعلب فإنه رأى
فيه الجزاء، وروينا عن مجاهد اقتل الحدأة وارم الغراب ولا تقتله * ومن طريق وكيع عن سفيان
عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال: لا يقتل (5) المحرم الفأرة *

(1) بفتح الحاء المهملة واللام وهو القراد العظيم، قال الجوهري: هو مثل القمل
(2) هو بوزن عنب واحده حداة بوزن عنبة طائر معروف من الجوارح وهو اخس الطير وهي لاتصيد وإنما تخطف، ومن محاسنها انها لو ماتت جوعا لا تعدو على
فراخ جارها، وهذا خلق المؤمن الكامل حقا في ايمانه لو وجد الآن
(3) بفتح الواو والزاي وفى آخره غين معجمة دويبة وهي جمع وزغة، وقد جاء الترغيب في قتلها لأنها من الفواسق في غير حديث
(4) هي بالهمز وجمعها بالهمز وقد تسهل
(5) في النسخة رقم (16) (يقتل) باسقاط حرف لا وهو خطأ
239

قال أبو محمد: كل ما ذكرنا آراء فاسدة متناقضة ولئن كانت السباع محرمة على المحرم
وفي الحرم فان تفريق أبي حنيفة بين جزاء الصيد فرأى فيه قيمته يبتاع ما بلغت من
الاهداء ولو ثلاثة. أو أربعة وبين جزاء السباع فلم ير فيها الا الأقل من قيمتها أو شاة
فقط لا يزيد على واحدة عجب لا نظير له؟، ودين جديد نبرأ إلى الله تعالى عز وجل منه،
وقول بلا برهان لامن قرآن. ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولاقول أحد يعرف قبله.
ولا قياس. ولا رأى له نصيب من السداد، وكذلك تفريق مالك بين صغار الغربان،
والحديا وبين صغار العقارب، والحيات، وبين سباع الطير، وبين سباع ذوات الأربع *
(فان قالوا): قسنا سباع ذوات الأربع على الكلب العقور قلنا: فهلا قستم سباع
الطير على الحدأة؟ أو هلا قستم سباع ذوات الأربع على الضبع وعلى الثعلب عندكم؟ واحتجوا
في القردان بأنها من البعير *
قال على: هذا كلام فاحش الفساد لوجهين، أحدهما أنه باطل وما كانت القردان
قط متولدة من الإبل، والثاني أنه ما علم في دين ا لله تعالى إحرام على بعير ولو أن محرما
أنزى بعيره على ناقة أو أنزى بعيرا على ناقته ما كان عليه في ذلك شئ، فكيف ان (1) يعذب
بأكل القردان له (2)؟ ان هذا لعجب! واحتجوا في القملة بأنها من الانسان فقلنا
فكان ماذا؟ وهم لا يختلفون ان الصفار (3) من الانسان ولو قتلها المحرم لم يكن فيها
عندهم شئ، وقالوا: هو إماطة الأذى (4) عن نفسه فقنا: نعم فكان ماذا؟ وما أمر
الله تعالى قط في إماطة الأذى بغير حلق الرأس بشئ وأنتم لا تختلفون في أن تعصير الدمل
وحك الجلد وغسل القذى عن العين وقتل البراغيث إماطة أذى ولا شئ عليه في ذلك
عندكم، وإذ (5) قستم إماطة الأذى حيث اشتهيتم على إماطة الأذى بحلق الرأس
فاجعلوا فيها ما في إماطة الأذى بحلق الرأس والا فقد خلطتم وتناقضتم وأبطلتم قياسكم *
قال على: وهذا الباب كله مرجعه إلى شيئين، أحدهما قول الله تعالى (لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) الآية * وإلى ما رويناه
من طريق نافع عن ابن عمر قيل: (يا رسول الله ما نقتل من الدواب إذا أحرمنا؟
قال: خمس لا جناح على من قتلهن الحدأة، والغراب، والعقرب، والفأرة والكلب العقور) *
ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (خمس لا جناح على
من (6) قتلهن في الحرم والاحرام الفأرة. والغراب. والحدأة. والعقرب، والكلب العقور) *

(1) في النسخة اليمنية سقط لفظ (ان)
(2) سقط لفظ (له) من النسخة رقم (14)
(3) قال في المجمد: الصفد دابة تكون فيه البطن تصيب الناس والدواب
(4) في النسخة رقم (16) (إماطة للأذى)
(5) في النسخة رقم (16) (وإذا قستم)
(6) في النسخة رقم (16) (لا جناح فيه)
240

قال على: فقال قائلون: قد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالبيان وسئل ماذا يقتل المحرم؟
فأجابهم عليه السلام بهذه الخمس وأخبر أنه لا جناح في قتلهن في الحرم والاحرام، فلو كان
هنا لك سادس لبينه عليه السلام وحاشا له من أن يغفل شيئا من الدين (1) سئل عنه، فصح ان ما عدا
هذه الخمسة لا يجوز قتلهن *
قال أبو محمد: وهذا الاحتجاج لا يمكن المقلدين لأبي حنيفة أن يحتجوا به لأنهم كلهم قد
زادوا إلى هذه الخمس ما لم يذكر فيهن، فأضاف أبو حنيفة إليهن الذئب. والحيات. والجعلان (2)
والوزغ. والنمل. والقراد (3). والبعوض، (فان قالوا): (4) إنما زدنا الذئب للخبر
الذي رويناه من طريق وكيع عن سفيان عن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقتل المحرم الذئب) والمرسل والمسند سواء، قلنا: فقولوا: بما روينا
من طريق أبى داود عن أحمد بن حنبل عن هشيم قال: إنا يزيد بن أبي زياد نا عبد الرحمن
ابن أبي نعم البجلي (5) عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم سئل عما يقتل
المحرم؟ فقال: الحية. والعقرب والفويسقة ويرمى الغراب ولا يقتله. والكلب العقور
والحدأة، والسبع العادي) (6) فاقتلوا كل سبع عاد، (7) ولم يقل عليه السلام: السبع
العادي عليه (8) بل أطلقه إطلاقا، وأما نحن فلم نأخذ بما في هذا الخبر من النهى عن قتل
الغراب لان رواية يزيد بن أبي زياد، وقد قال فيه ابن المبارك: ارم به، على جمود لسان ابن المبارك
وشدة توقيه، وتكلم فيه شعبة. وأحمد، وقال فيه يحيى: لا يحتج بحديثه، وكذبه
أبو أسامة وقال: لو حلف خمسين يمينا ما صدقته، (فان قالوا): قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الضبع الجزاء - وهي سبع ذو ناب - قلنا: نعم وهي حلال من بين السباع فهي صيد فما
الذي أوجب ان تقيسوا سائر السباع المحرمة على الضبع الحلال أكلها؟ ولم تقيسوها
على الذئب الذي هو حرام عندكم، وقد صح عن أبي هريرة ان الأسد هو الكلب العقور:
وأبو هريرة حجة في اللغة ولا مخالف له من الصحابة يعرف في ذلك *

(1) في النسخة رقم (14) (من الذي) وهو تصحيف
(2) هو - بكسر الجيم وسكون العين المهملة - جمع جمل كصردهى دويبة
تعظ البهائم في فروجها وهي أكبر من الخنفساء شديدة السواد في بطنها لون حمرة، ومن عجيب أمرها انها من تموت من ريح الورد وريح الطيب فإذا أعيدت إلى الروث عاشت
(3) في النسخة رقم (16) (القردان وهو جمع لقراد
(4) في النسخة رقم (16) (فان قال) وهو غلط لان السياق يأبى
(5) في النسخة رقم (16) والنسخة اليمنية (بن أبي نعيم البجلي) وهو غلط، وجاء صحيحا في سنن أبي داود ج 2 ص 108 وهو بضم النون وسكون العين المهملة
(6) قال الحافظ المنذري وأخرجه الترمذي: وابن ماجة وقال الترمذي حديث
حسن اه‍ أقول وفيه يزيد ابن أبي زياد متكلم فيه كما قال المصنف رحمه الله
(7) في النسخة رقم (16) والنسخة اليمنية (كل سبع عادى) باثبات الياء على خلاف القاعدة
(8) في النسخة رقم (16) (عليك) وما هنا انسب بالسياق
241

قال أبو محمد: أما هذه الأقوال فظاهرة الفساد، ولم يبق الكلام الا في تخصيص الخبر
المذكور من (هذه) (1) الآية وإلحاق ما عدا ما ذكر في هذا الخبر بالتحريم، أو تخصيص
الآية وإلحاق ما عدا ما ذكر فيها بالخبر المذكور، أو ان نحكم بما في الآية وبما في الخبر
ونطلب حكم ما لم يذكر فيهما من غير هذين النصين *
قال على: فكان الوجهان الأولان متعارضين ليس أحدهما أولى من الآخر، وأيضا
فان إلحاق ما لم يذكر (2) في الآية بما ذكر فيها أو الحاق ما لم يذكر في الخبر بما ذكر فيه
قياس (3)، والقياس كله باطل، وتعد لحدود الله (ومن يتعد حدود الله قد ظلم نفسه)،
وشرع في الدين بما لم يأذن به الله تعالى وهذا لا يحل، فلم يبق الا الوجه الثالث فكان هو الحق لأنه
هو الائتمار لله تعالى ولرسوله عليه السلام وترك تعد لحدودهما *
فنظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى إنما حرم في الاحرام والحرم قتل الصيد وجعل على من
قتله وهو حرم بالعمد الجزاء فوجب القول بذلك، ووجدنا رسول الله عليه السلام قد أخبر بأن
المحرم يقتل الخمس المذكورات وأنه لا جناح في قتلهن في حرم، أو إحرام فوجب القول بذلك،
ثم نظرنا فيما عدا الخمس المذكورات مما ليس صيدا فوجدنا الكلام فيهما في موضعين، أحدهما
قتلها، والثاني هل في قتلها جزاء أم لا؟ فنظرنا في إيجاب الجزاء في ذلك فوجدناه باطلا لا إشكال
فيه لأنه ليس في هذا الخبر دليل على إيجاب جزاء في ذلك أصلا ولا شئ من النصوص
كلها، فكان القول بذلك شرعا في الدين لم يأذن به الله تعالى، فبطل جملة والحمد لله
رب العالمين * (4)
ثم نظرنا في قتلها فوجدنا من منع منه يقول: اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على جواب السائل
عما يقتل المحرم على هذه الخمس دليل على أن ما عداها بخلافها؟، ولولا ذلك لكان
كلامه عليه السلام غير مستوعب لجواب السائل ولا مبين له حكم ما سأل عنه، وحاشا
له من هذا، ووجدنا من أباح قتلها يقول: اقتصار الله تعالى على المنع من قتل الصيد خاصة
بقوله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) دليل على أن ما عدا الصيد بخلاف
الصيد في ذلك ولولا ذلك لكان كلامه تعالى غير مستوعب لما يحرم عليا ولا مبين لنا حكم
ما ألزمنا إياه وحاشا له من ذلك، فكان هذان الاستدلالان متقابلين فلا بد (5) من
النظر فيهما *
فأول ما نقول: إن اليقين من كل مسلم قد صح بأن الله تعالى قد بين لنا ما ألزمنا وأن

(1) الزيادة في النسخة اليمنية
(2) في النسخة رقم (14) (فان الحاق الخبر ما لم يذكر) بزيادة لفظ (الخبر وزياد به حشو
(3) من قوله (ليس أحدهما أولى من الآخر) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية خطأ
(4) إلى هنا انتهى المجلد الثالث من النسخة رقم (16)
(5) في النسخة رقم (16) (ولابد)
242

رسول الله عليه السلام قد بين لنا ما ألزمنا الله تعالى ولم يجز لنا تعدى ما نصه علينا ربنا
تعالى ونبينا عليه السلام، فوجدنا الآية فيها حكم الصيد وليس فيها حكم غيره لا بتحريم،
ولا بإباحة، ووجدنا الخبر الذي فيه ذكر الخمس المحضوض على قتلها في الحرم والاحرام
والحل ليس فيه حكم غيرها لا بتحريم، ولا بإباحة فلم يجز أن يضاف إلى هذه الآية ولا إلى
هذا الحديث ما ليس فيهما، فوجب النظر فيما لم يذكر فيهما وطلب حكمه من غيرهما فوجدنا
الحيوان قسمين سوى ما ذكر في الآية والخبر، فقسم مباح قتله كجميع سباع الطير
وذوات الأربع. والخنازير. والهوام. والقمل. والقردان. والحيات. والوزغ. وغير
ذلك مما لا يختلف أنه لا حرج في قتله، وقسم محرم قتله بنصوص واردة فيه كالهدهد.
والصرد. والضفادع. والنحل. والنمل، فوجب ان يحمل كل ذلك على حكمه كما كان
وان لا ينقل بظن قد عارضه ظن آخر وبغير نص جلى، فهذا هو الحق الذي لا يجوز تعديه *
(فان قيل): فان مالا يحل أكله قد يصيده المرء ليطعمه جوارحه قلنا:
هذا باطل لان الله تعالى قد نص علينا حكم الصيد بقوله تعالى: (ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله
أيديكم و رماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم). و بقوله تعالى:
(فإذا حللتم فاصطادوا) فصح أن المحلل لنا إذا حللنا هو المحرم علينا إذا أحرمنا وانه تصيد ما
علمنا الله عز وجل حكمه الذي بالتزامه يتبين من يخاف ربه تعالى فيلتزم ما أمر به في صيده ويجتنب
ما نهى عنه فيه ممن لا يخاف ربه فيعتدى ما أمره به تعالى، وليس هذا بيقين الا فيما تصيد للاكل
وما علمنا قط في لغة ولا شريعة أن الجرى خلف الخنازير والأسد وقتلها يطلق عليه اسم صيد *
(فان قيل): فما وجه اقتصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الخمس؟ قلنا وبالله
تعالى التوفيق: ظاهر الخبر يدل على أنها محضوض على قتلهن مندوب إليه ويكون غيرهن مباحا
قتله أيضا وليس هذا الخبر مما يمنع أن يكون غير الخمس مأمورا بقتله أيضا كالوزغ. والأفاعي.
والحيات. والرتيلا (1). والثعابين، وقد يكون عليه السلام تقدم بيانه في هذه فاكتفى عن
اعادتها عند ذكره الخمس الفواسق، ولم يكن تقدم ذكره لهن، فلولا هذا الخبر ما علمنا الحض على
قتل الغراب. ولا تحريم أكله وأكل الفأرة. والعقرب فله أعظم الفائدة ولله تعالى الحمد *
وقد قلنا: إن هذا الحجاج كله لا مدخل في شئ لأبي حنيفة ولا لمالك لأنهم زادوا على
الخمس دواب كثيرة، ومنعوا من قتل دواب كثيرة بالرأي الفاسد المجرد، فلا بالآية تعلقوا
ولا بالحديث *

(1) قال في اللسان (والرتيلا بالراء المهملة المضمومة وبعدها تاء مثناة من فوق مقصور وممدود عن السيرافي جنس من
الهوام اه‍ الدميري في حياة الحيوان: الرثيلا بضم الراء المهملة وفتح الثاء المثلثة جنس من الهوام ويمد أيضا اه‍، وهي هنا في
جميع النسخ بالتاء المثناة من فوق
243

وأما الشافعي فإنه تناقض في الثعلب لأنه ذو ناب من السباع فهو حرام لم يأت تحليله في نص
قط وليس صيدا، والعجب كله ممن احتج من أصحاب أبي حنيفة بحديث الخمس الفواسق وأوهم
انه متعلق به غير متعد له، وقد كذبوا في ذلك كما ذكرنا، ثم لم يبالوا بأن يزيدوا على حديث
الأصناف الستة في الربا ألف صنف لا يذكر لافى ذلك الخبر ولا في غيره *
روينا من طريق وكيع نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال: اقتل من السباع ما عدا عليك
وما لم يعد (عليك) (1) وأنت محرم قال: ولا بأس بأن يقتل المحرم الذئب والسنور البري والنسر *
قال أبو محمد: أما النسر ففيه الجزاء لأنه صيد حلال أكله إذ لم ينص على تحريمه *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمر وبن دينار قال: ما سمعنا ان الثعلب يفدى،
وعن معمر عن ابن أبي نجيح أن الثعلب سبع وأنكر أن يكون فيه جزاء أو أن يكون صيدا *
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد
ابن غفلة قال: أمرنا عمر بن الخطاب بقتل الحية. والعقرب. والفأر. والزنبور ونحن محرمون *
ومن طريق حماد بن سلمة عن حبيب المعلم (2) عن عطاء بن أبي رباح قال: ليس
في الزنبور جزاء * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس قال: من قتل وزغا فله به صدقة، وعن ابن عمر اقتلوا الوزغ فإنه شيطان *
ومن طريق وكيع عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن
عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقتل الوزغ في بيت الله تعالى * ومن طريق وكيع قال إبراهيم
ابن نافع: سألت عطاء أيقتل الوزغ في الحرم؟ قال: لا بأس، ولا مخالف لهم يعرف من
الصحابة رضي الله عنهم * ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم
التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير قال: رأيت عمر بن الخطاب يقر دبعيره (3) وهو محرم *
ومن طريق وكيع نا عبد الحميد بن جعفر عن عيسى بن علي الأنصاري أن على
ابن أبي طالب رخص في المحرم ان يقر دبعيره * ومن طريق محمد بن المثنى نا محمد بن فضيل نا العلاء
- هو ابن المسيب - قال: سئل عطاء أيقرد المحرم بعيره؟ قال: نعم قد كان ابن عمر يقرد
بعيره وهو محرم * ومن طريق ابن أبي شيبة نا روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق نا أبو الزبير
انه سمع جابر بن عبد الله يقول: لا بأس أن يقرد المحرم بعيره * ومن طريق سعيد بن منصور
نا سفيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عكرمة أن ابن عباس أمره أن يقرد بعيرا
وهو محرم فكره عكرمة فقال له ابن عباس: فقم فانحره فنحره فقال له ابن عباس: لا

(1) الزيادة من النسخة اليمنية
(2) هو حبيب ابن أبي قريبة
(3) أي يقتل قرادة وقد تقدم قريبا تفسيره أيضا بأوسع من هذا
244

أم لك كم قتلت من قراد وحلمة وحمنانة (1)؟ لا يعرف لهم من الصحابة مخالف الا
رواية عن ابن عمر قد أوردنا عنه خلافها * وعن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار
عن جابر بن زيد قال: يقرد المحرم بعيره ويطليه بالقطران لا بأس بذلك، وهو قول
مجاهد: وقد روينا خلاف ذلك عن بعض التابعين *
وأما النمل فلا يحل قتله ولا قتل الهدهد. ولا الصرد. ولا النحلة. ولا الضفدع لما روينا
من طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس
قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب، النملة. والنخلة. والهدهد. والصرد *
ومن طريق أبى داود نا محمد بن كثير نا سفيان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن
سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان (أن طبيبا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) عن ضفدع
يجعلها في دواء؟ فنهاه النبي عليه السلام عن قتلها) (3) *
قال أبو محمد: فلا يحل قتل شئ من هذه لا لمحل ولا لمحرم فان قتل شيئا منها عامدا وهو محرم
عالما بالنهي فهو فاسق عاص لله عز وجل ولا جزاء عليه لأنها ليست صيدا * روينا من طريق حماد ابن سلمة عن أبي المهزم سمع ابن الزبير وسأله محرم عن قتله نملا؟ فقال له ابن الزبير: ليس
عليك شئ *
وأما البعوض. والذباب فزوينا عن سعيد بن جبير قال: ما أبالي لو قتلت عشرين ذبابة
وأنا محرم وأنه لا بأس بقتل البق للمحرم يعنى البعوض * وعن عطاء لا بأس بقتل الذباب
للمحرم، وعن مجاهد لا شئ في الرخم (4). والعقاب. والصقر. والحدأ يصيبها المحرم *
وأما القمل فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه - هو المعتمر بن سليمان -
عن أبي مجلز قال: شهدت امرأة سألت ابن عمر عن قملة قتلتها وهي محرمة،؟ فقال: ما نعلم
القملة من الصيد وذكر باقي الخبر * ومن طريق وكيع نا عيسى بن حفص عن أبيه قال: رآني
ابن عمر وأنا أنقر رأسي وأنا محرم فقال: هكذا حكا شديدا * ومن طريق وكيع نا عيينة بن
عبد الرحمن عن أبيه قال: كنت عند ابن عباس فسأله رجل أحك رأسي وأنا محرم؟ فحك ابن
عباس رأسه حكا شديدا، فقال الرجل: أفرأيت ان قتلت قملة، قال: بعدت ما القملة ما نعتي

(1) الحمنانة واحدة الحمنان بفتح الحاء المهملة قال في الصحاح الحمنانة قراد قال الأصمعي: أوله قمقامة صغير جدا ثم حمنانة ثم قراد ثم حلمة، وقد تقدم تفسير الحلمة قريبا
(2) في سنن أبي داود ج 4 ص 6 (سأل النبي صلى الله عليه وسلم)
(3) قال الخطابي في شرح هذا الحديث: في هذا دليل على أن الضفدع محرم الاكل غير داخل فيما أبيح من دواب الماء وكل منهى عن قتله من الحيوان فإنما هو لاحد
أمرين اما الحرمة في نفسة كالآدمي واما لتحريم لحمه كالصرد والهدهد ونحوها، وإذا كان الضفدع ليس بمحرم كالآدمي كان النهى
فيه منصرف إلى الوجه الآخر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان الا لمأكله (4) هو جمع رخمة بالتحريك والهاء فيها للجنس طائرا بقع يشبه النسر في الخلقة
245

أن أحك رأسي وإياها أردت، وما نهيتم الا عن الصيد، وعن ابن جريج عن عطاء كل مالا
يؤكل فان قتلته وأنت محرم فلا غرم عليك فيه مع أنه ينهى عن قتله الا أن يكون عدوا أو يؤذيك *
وعن حماد بن سلمة عن حبيب المعلم المعلم عن عطاء بن أبي رباح أنه كان لا يرى بأسا بقتل
المحرم القملة *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم سمعت أبا بشر وقد سألته عن
القملة يقتلها المحرم، فقال: قال سعيد بن جبير: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) ليس
للقملة جزاء، وروينا من طريق سفيان الثوري عن جابر عن عطاء عن عائشة أم المؤمنين
قالت: يقتل المحرم الهوام كلها إلا القملة فإنها منه *
قال أبو محمد: لم يجعل فيها شيئا، وقال أبو حنيفة: إن قتل قملة أطعم شيئا، وأباح
للمحرم غسل ثيابه وغسل رأسه وهذا تناقض، وسئل مالك عن البعوض والبراغيث
يقتلها المحرم أعليه كفارة؟ فقال: إني لا أحب ذلك، هذه رواية ابن وهب عنه،
وروى عنه ابن القاسم أنه قال في محرم لدغته دبرة (1) فقتلها وهو لا يشعر فقال: يطعم شيئا
وكذلك من قتل قملة * وقال الشافعي: إن أخذها من رأسه فقتلها فليطعم لقمة *
قال على: فان احتجوا بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة إذ رآه يتناثر القمل على
وجهه فأمره بحلق رأسه وأن يفتدى قلنا: نعم هذا حق ولسنا معكم في حلق الرأس إنما نحن
في قتل القمل ولم يقل عليه السلام: ان هذه الفدية إنما هي لقتل، ومن قوله هذا
فقد كذب عليه، ولئن كانت القملة ليست من الصيد فمالها جزاء، ولئن كانت من الصيد
فما مثلها لقمة ولا قبضة طعام وإنما مثلها حبة سمسمة، فما ندري بماذا تعلقوا؟ وبالله تعالى التوفيق *
891 - مسألة - وجائز للمحرم دخول الحمام والتدلك وغسل رأسه بالطين. والخطمى.
والاكتحال. والتسويك. والنظر في المرآة. وشم الريحان. وغسل ثيابه. وقص أظفاره وشاربه
ونتف إبطه والتنور، ولاحرج في شئ من ذلك ولا شئ عليه فيه لأنه لم يأت في منعه من كل
ما ذكرنا قرآن. ولا سنة، ومدعى الاجماع في شئ من ذلك كاذب على جميع الأمة قائل
مالا علم به، ومن أوجب في ذلك غرامة فقد أوجب شرعا في الدين لم يأذن به الله تعالى *
وقد اختلف السلف في هذا * روينا من طريق أيوب السختياني عن عكرمة ان ابن عباس دخل
حمام الجحفة وهو محرم وقال: إن الله تعالى لا يصنع بوسخ المحرم شيئا وأنه قال: المحرم يدخل
الحمام وينزع ضرسه وان انكسر ظفره طرحه، أميطوا عنكم الأذى (2) ان الله لا يصنع
بأذاكم شيئا، وأنه كان لا يرى بشم الريحان للمحرم بأسا، وان يقطع ظفره إذا انكسر،
ويقلع ضرسه إذا آذاه * ومن طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال:

(1) أي زنبور
(2) أي نحوا عنكم الأذى
246

رأى عمر بن الخطاب بعض بنيه أحسبه قال عاصم بن عمر. وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب
وهو جالس على ضفة (1) البحر وهما يتماقلان وهم محرمون يغيب هذا رأس هذا ويغيب
هذا رأس هذا فلم يعب عليهما * وعن عكرمة عن ابن عباس قال: كنت أطاول عمر بن الخطاب
النفس ونحن محرمان في الحياض * ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب - هو السختياني -
عن عكرمة عن ابن عباس قال: لقد رأيتني أما قل عمر بن الخطاب بالجحفة ونحن محرمان، المماقلة
التغطيس في الماء * ومن طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان هو
وابن عمر باخاذ بالجحفة يترامسان وهما محرمان *
قال أبو محمد: الاخاذ الغدير، والترامس التغاطس، ورأي مالك على من غيب رأسه في الماء الفدية، وخالف كل من ذكرنا، واختلف عن ابن عباس. والمسور بن مخرمة في غسل المحرم
رأسه فاحتكما إلى أبى أيوب الأنصاري ووجها إليه عبد الله بن حنين فوجده يغسل رأسه
وهو محرم وأخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم، وقد ذكرنا
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين بأن تنقض رأسها وتمتشط وهي محرمة *
ومن طريق وكيع نا العمرى عن نافع عن ابن عمر قال: لا بأس ان يغسل المحرم ثيابه *
ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد قال: سئل
ابن عمر عن ذلك؟ - يعنى عن غسل المحرم ثيابه - فقال: لا بأس به إن الله لا يصنع بدرنك شيئا *
ومن طريق عمرو بن دينار عن عكرمة قال: لا بأس أن تمشط المرأة الحرام المرأة الحرام
وتقتل قمل غيرها * وعن عطاء. وإبراهيم النخعي قالا: لا بأس بدخول المحرم الحمام، وهو
قول أبي حنيفة. وسفيان الثوري. والشافعي. وأبي سليمان *
فان ذكروا قول الله تعالى (ثم ليقضوا تفثهم) قلنا: روينا عن ابن عمر قال: التفث ما عليهم من
الحج، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفطرة: قص الأظفار. ونتف الإبط. وحلق العانة.
وقص
الشارب، والفطرة سنة لا يجوز تعديها، ولم يخص عليه السلام محرما من غيره (وما كان ربك نسيا)
والعجب كله ممن يجعل فيمن فعل ما أمر به من ذلك أو أبيح له ولم ينه عنه كفارة أو غرامة،
ثم لا يجعل على المحرم في فسوقه ومعاصيه. وارتكابه الكبائر شيئا لا فدية، ولا غرامة بل يرى حجه
ذلك تاما مبرورا؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب
السختياني عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينظر في المرآة وهو محرم *
ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا بأس أن ينظر المحرم
في المرآة، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول الحسن. وابن سيرين.

(1) هو بكسر الضاد المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة جانب البحر أو النهر وفى النسخ كلها (صفة) بالصاد المهملة وهو تصحيف
247

وعطاء. وطاوس. وعكرمة، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان، وقال مالك: يكره
ذلك، وقد رويت كراهة ذلك عن ابن عباس، والإباحة عنه أصح * وقال أبو حنيفة:
ان قلم المحرم أظفار أربع أصابع أربع أصابع من كل يدمن يديه، ومن كل رجل من رجليه
فعليه اطعام ما شاء، فان قلم أظفار كف واحدة فقط أو رجل واحدة فقط فعليه دم *
وقال محمد بن الحسن: إن قلم خمسة أظفار من يد واحدة أو من رجل واحدة أو من يدين أو من
رجلين أو من يديه ورجليه معا فعليه دم، فان قلم أربعة أظفار كذلك فعليه إطعام، وقال أبو يوسف:
كقول أبي حنيفة إلا أنه قال: يطعم عن كل ظفر نصف صاع، وقال زفر. والحسن بن زياد:
ان قلم ثلاثة أظفار من يد واحدة أو من رجل واحدة أو من يدين ورجل أو من رجلين
ويد فعليه دم، فان قلم أقل فعليه أن يطعم عن كل أصبع نصف صاع، وقال الطحاوي: لا شئ
عليه حتى يقلم جميع أظفار يديه ورجليه فتجب عليه الفدية، وقال مالك: من قلم أظفاره ما يميط به
عن نفسه أذى فالفدية المذكورة في حلق الرأس عليه، وقال الشافعي: من قلم ظفرا واحدا
فليطعم مدا فان قلم ظفرين فمدين فان قلم ثلاثة أظفار فعليه دم، فاعجبوا لهذه الأقوال الشنيعة
التي لاحظ لها في شئ من وجوه الصواب ولا نعلم أحدا قالها قبلهم:. وقد ذكرنا عن
ابن عباس آنفا لا بأس على المحرم إذا انكسر ظفره أن يطرحه عنه وأن يميط عن نفسه
الأذى وهو قول عكرمة. وإبراهيم النخعي. ومجاهد. وسعيد بن جبير. وسعيد بن
المسيب. وحماد بن أبي سليمان ليس منهم أحد جعل في ذلك شيئا * وعن عطاء ان قص
أظفاره لأذى به فلا شئ عليه فان قصها لغير أذى فعليه دم وعنه وعن الحسن ان قلم
ظفره المنكسر فلا شئ عليه فان قلمه من غير أن ينكسر فعليه دم، وعن الشعبي ان
نزع المحرم ضرسه فعليه دم *
قال أبو محمد: ولا مخالف لابن عباس في هذا يعرف من الصحابة رضي الله عنهم،
ويلزم من رأى في إماطة الأذى الدم أن يقول بقول اشعب في إيجاب إماطة الأذى بقلع
الضرس نعم. وفى البول. وفى الغائط لان كل ذلك إماطة أذى، وعن ابن عباس
يغسل المحرم ثيابه * ومن طريق وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم بن عبد الله بن عمر
عن أبيه أنه قال في غسل المحرم ثيابه: ان الله لا يصنع بدرنك شيئا، وبه إلى سفيان عن أبي
الزبير عن جابر قال: لا بأس بغسل المحرم ثيابه ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف،
وبه يقول أبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان: *
892 - مسألة - وكل ما صاده المحل في الحل فأدخله الحرم، أو وهبه
لمحرم، أو اشتراه محرم فحلال للمحرم ولمن في الحرم ملكه، وذبحه، وأكله، وكذلك
248

من أحرم وفى يده صيد قد ملكه قبل ذلك، أو في منزله قريبا، أو بعيدا، أو في قفص
معه فهو حلال له - كما كان - أكله. وذبحه. وملكه. وبيعه، وإنما يحرم عليه ابتداء التصيد
للصيد وتملكه وذبحه حينئذ فقط فلو ذبحه لكان ميتة ولو انتزعه حلال من يده لكان
للذي انتزعه ولا يملكه المحرم وان أحل الا بأن يحدث له تملكا بعد إحلاله *
برهان ذلك أن الله تعالى قال: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقال: (ولا تقتلوا
الصيد وأنتم حرم) فقالت طائفة: هاتان الآيتان على عمومهما والشئ المتصيد هو المحرم
ملكه وذبكه وأكله كيف كان؟ فحرموا على المحرم أكل كل شئ من لحم الصيد جملة وان
صاده لنفسه حلال وان ذبحه الحلال، وحرموا عليه ذبح شئ منه وإن كان قد ملكه
قبل إحرامه. وأوجبوا على من أحرم وفي داره صيد أو في يده. أو معه في قفص أن
يطلقه وأسقطوا عنه ملكه البتة ولم يبيحوا لاحد من سكان مكة والمدينة أكل شئ من
لحم الصيد. أو تملكه. أو ذبحه *
وقالت طائفة: قول الله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) إنما أراد الله تعالى الفعل
الذي هو التصيد لا الشئ المتصيد وهو مصدر صاد يصيد صيدا فإنما حرم عليه صيده لما يتصيد فقط،
وقالوا: قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) هو التصيد أيضا نفسه المحرم في الآية الأخرى *
واستدلت هذه الطائفة على ما قالته بقول الله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا) قالوا: فالذي
أباحه الله تعالى لنا بالاحلال هو بلا شك المحرم علينا بالاحرام لا غيره، وقالوا: لا يطلق
في اللغة اسم الصيد الاعلى ما كان في البرية وحشيا غير متملك فإذا تملك لم يقع عليه اسم صيد بعد *
قال أبو محمد: فهذان القولان هما اللذان لا يجوز أن يفهم من الآية غيرهما وكل
ما عداهما فقول فاسد متناقض لا يدل على صحته دليل أصلا، فوجب ان ننظر في أي القولين
يقوم على صحته البرهان. فوجدنا أهل المقالة الأولى يحتجون بحديث ابن عباس عن الصعب
ابن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش فرده عليه، وقال:
(انا حرم لا نأكل الصيد)، وروى هذا الحديث أيضا بلفظ (أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم
حمار وحش فرده عليه وقال: لولا أنا محرمون لقبلناه منك) *
روينا اللفظ الأول من طريق حماد بن زيد عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة، واللفظ الثاني من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي
ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أهدى الصعب بن جثامة * ومن طريق مسلم حدثني
زهير بن حرب نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن
249

طاوس عن ابن عباس ان زيد بن أرقم أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له (عضو
من) (1) لحم صيد فرده وقال: إنا لا نأكله انا حرم) وهذان خبران رويناهما من طرق
كلها صحاح، وهذا قول روى عن علي. ومعاذ. وابن عمر وبه يقول أبو بكر بن داود *
روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال: أهدى إلى ابن عمر
ظبيا مذبوحة بمكة فلم يقبلها، وكان ابن عمر يكره للمحرم ان يأكل من لحم الصيد على كل حال *
فنظرنا فيما احتجت به الطائفة الأخرى فوجدناهم يحتجون بما رويناه من طريق مسلم
نا ابن أبي عمر نا سفيان - هو ابن عيينة - نا صالح بن كيسان قال: سمعت أبا محمد مولى أبى قتادة
يقول: سمعت أبا قتادة يقول: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالقاحة (2)
فمنا المحرم ومنا غير المحرم إذ بصرت بأصحابي يتراؤن شيئا (فنظرت) (3) فإذا حمار وحش
(فأسرجت فرسي) (4) وأخذت رمحي ثم ركبت (فسقط منى سوطي) (5) فقلت
لأصحابي: ناولوني سوطي وكانوا محرمين فقالوا: لا (6) والله لا نعينك عليه بشئ فنزلت
فتناولته، ثم ركبت فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء اكملة (7) فطعنته برمح فعقرته
فأتيت به أصحابي فقال بعضهم: كلوه وقال: بعضهم: لا تأكلوه، وكان النبي عليه السلام
أما منا فحركت فرسي فأدركته فقال: هو حلال فكلوه)، أبو محمد مولى أبى قتادة ثقة اسمه
نافع روى عنه أبو النضر وغيره * ومن طريق مسلم نا أحمد بن عبدة الضبي نا فضيل بن
سليمان النميري نا أبو حازم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه (أنهم خرجوا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهم محرمون وأبو قتادة محل) فذكر الحديث وفيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
هل معكم منه (8) شئ؟ قالوا: معنا رجله فأخذها رسول الله عليه السلام فأكلها) *
ومن طريق مسلم حدثني زهير بن حرب نا يحيى - هو ابن سعيد ابن سعيد القطان - عن ابن جريج
أخبرني محمد بن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه قال: (كنا
مع طلحة بن عبيد الله. ونحن حرم فأهدى لنا طير وطلحة راقد فمنا من تورع. ومنا من
أكل فلما (9) استيقظ طلحة وفق من أكله، وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) *
ومن طريق الليث بن سعد عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عيسى بن طلحة
ابن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري قال: (بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالروحاء وهم حرم إذا حمار معقور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فيوشك صاحبه ان

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 233، والحديث مختصر من أوله
(2) على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بنحو ميل اه‍ معجم
(3) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 333
(4) الزيادة من صحيح مسلم
(5) الزيادة من صحيح مسلم
(6) سقط لفظ (لا) من صحيح مسلم
(7) الزيادة من صحيح مسلم
(8) سقط لفظ (منه) من النسخة رقم (16)
(9) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 334 مع تقديم وتأخير
250

يأتي فجاء رجل من بهز هو الذي عقر الحمار فقال: يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر
عليه السلام أبا بكر فقسمه بين الناس)، وهو قول عمر بن الخطاب. وطلحة كما ذكرنا
وأبي هريرة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله
ابن عمر أنه سمع أبا هريرة يحدث أباه عبد الله بن عمر قال: سألني قوم محرمون عن
محلين أهدوا لهم صيدا؟ قال: فأمرتهم بأكله، ثم لقيت عمر فأخبرته فقال عمر: لو
أفتيتهم بغير هذا لأوجعتك * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج حدثني
يوسف بن ماهك أنه سمع عبد الله بن أبي عمار قال: أقبلنا مع معاذ بن جبل محرمين
بعمرة من بيت المقدس وأميرنا معاذ بن جبل فأتى رجل بحمار وحش قد عقره فابتاعه
كعب بن مسلم فجاء معاذ والقدور تغلى به فقال معاذ: لا يطيعني أحد الا أكفأ قدره
فأكفأ القوم قورهم فلما وافوا عمر قص عليه كعب قصة الحمار فقال عمر: ما بأس
ذلك؟ ومن نهى عن ذلك؟ لعلك أفتيت بذلك يا معاذ قال: نعم فلامه عمر * وهو أيضا قول
ابن عمر. وابن مسعود. وأبي ذر. ومجاهد. وا لليث. وأبي حنيفة، وغيرهم *
قال أبو محمد: فكانت هذه الأخبار والتي قبلها صحاحا كلها، فالواجب في ذلك الاخذ
بجميعها واستعمالها كما هي دون أن يزاد في شئ منها ما ليس فيه فيقع فاعل ذلك في الكذب،
فنظرنا في هذه الأخبار فوجدنا فيها إباحة أكل ما صاده الحلال للمحرم، ثم نظرنا في
في التي قبلها فوجدناها ليس فيها نهى المحرم عن أكل ما صاده المحل أصلا وإنما فيها قوله عليه
السلام (انا لا نأكله انا حرم، ولولا أننا محرمون لقبلناه) فإنما فيه رد الصيد على مهديه
لأنهم حرم وترك أكله لأنهم حرم، وهذا فعل منه عليه السلام وليس أمرا وإنما الواجب
أمره وإنما في فعله الايتساء به فقط، وهذا مثل قوله عليه السلام (أما انا فلا آكل متكئا)
وتركه أكل الضب فلم يحرم بذلك الاكل متكئا لكن هو الأفضل ولم يحرم أيضا أكل
المحرم الصيد يصيده المحل بقوله عليه السلام (انا لا نأكله انا حرم) لكن كان ترك
أكله أضل، وهكذا روى عن عائشة ولا حرج في أكله أصلا ولا كراهة لأنه عليه السلام
قد أباحه واكله أيضا فمرة أكله ومرة لم يأكله ومرة قبله ومرة لم يقبله، فكل ذلك
حسن مباح، وهكذا القول في الحديث الذي فيه (أهدى لرسول الله عليه السلام بيض
نعام وتتمير وحش فقال: أطعمه أهلك فانا حرم) لو صح فكيف ولا يصح؟ فإذ
لاشك في هذا فقد صح ان قول الله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) إنما
أراد به التصيد في البر فقط، وصح ان قوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) نهي
عن قتله في حال كون المرء حرما، والذكاة ليست قتلا بلا خلاف في الشريعة والقتل
251

ليس ذكاة فصح أنه لم ينه عن تذكيته، وإذا ثبت هذا فلم يأت النص بنهي عن تملك الصيد
بغير التصيد فهو حلال *
وبرهان قاطع وهو أن النبي عليه السلام سكن المدينة إلى أن مات، وهي حرم كمكة سواء
سواء وأصحابه بعده، ولم يزل عليه السلام يهدى له الصيد ولأصحابه ويدخل به المدينة حيا فيبتاع
ويذبح ويؤكل ويتملك، ومذكى فيباع ويؤكل، هذا أمر لا يقدر على إنكاره أحد جيلا بعد
جيل، وكذلك بمكة وهي حرم *
حدثنا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري نا عبد الوارث بن سفيان نا قلسم بن
أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب - هو ابن أبي خيثمة نا عبيد الله بن عمر نا حماد بن زيد
قال: سمعت داود بن أبي هند يحدث هشام به عروة أن عطاء يكره ما أدخل
من الصيد من الحل ان يذبح في الحرم، فقال هشام: وما علم عطاء، ومن يأخذ عن ابن أبي رباح كان
أمير المؤمنين بمكة - يعنى عمه ابن الزبير - تسع سنين يراها في الأقفاص وأصحاب رسول الله
عليه السلام يقدمون بها القمارى (1) واليعاقيب (2) لا ينهون عن ذلك *
قال أبو محمد: ما لم يمنع منه الحرم لم يمنع منه الاحرام إذ لم يفرق بين ذلك النص أصلا
فارتفع الاشكال، وبالله تعالى التوفيق، إلا أن أبا حنيفة قال: من أحرم وفي منزله صيد أو معه
في قفص لم يلزمه إرساله فإن كان في يده لزمه إرساله فان وجده بعد إحلاله في يد إنسان قد أخذه
كان له ارتجاعه وانتزاعه من الذي هو بيده، وهذا تخليط ناهيك به، ولئن كان يسقط
ملكه عنه باحرامه فما له ان يأخذه ممن ملكه ولا سبيل إلى عودة ملكه عليه بعد سقوطه الا
ببرهان، وإن كان ملكه لم يسقط عنه باحرامه فلا يلزمه إرساله، وقال أيضا: ان صاد محل
صيدا فأدخله حرم مكة حيا فعليه أن يرسله فان باعه فسخ بيعه فان باعه ممن يذبحه أو ذبحه فعليه
الجزاء، وهذا تخليط وتناقض لما ذكرنا قبل * وروينا عن مجاهد لا بأس أن يدخل الصيد
في الحرم حيا، ثم يذبح * وعن عطاء. وعمرو بن دينار. وسعيد بن جبير أيضا مثل هذا *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن صابح به كيسان قال: رأيت الصيد يباع بمكة حيا
في إمارة ابن الزبير *
قال أبو محمد: ولافرق بين من كان في الحرم. وبين المحرم في الحل والحرم لان كليهما يقع
عليه اسم حرم، وبالله تعالى التوفيق، فإذ قد صح هذا فالواجب فيمن قتل صيدا متملكا وهو
محرم أو في الحرم أن يؤدى لصاحبه صيدا مثله يبتاعه له أو قيمته ان لم يوجد مثله ولا جزاء فيه
ولا يؤكل الذي قتل لأنه ميتة إذ قتله بغير إذن صاحبه *

(1) هو جمع القمرى والأنثى قمرية طائر مشهور
(2) هو جمع يعقوب ذكر الحجل، ويوصف بكثرة العدو وشدته
252

قال أبو محمد: وههنا قولان آخران، أحدهما قوم قالوا: لحم الصيد حلال للمحرم ما لم
يصده هو أو يصد له، واحتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير
عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: (خرجت مع رسول الله عليه السلام زمن الحديبية
فأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمار وحش فحملت عليه فاصطدته فذكرت شأنه للنبي عليه السلام
وذكرت أنى لم أكن أحرمت فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته انى اصطدته له *
وبما رويناه من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله عليه السلام: (صيد البر لكم حلال وأنتم حرم الا ما اصطدتم وصيد لكم)
فروينا هذا عن عثمان وأنه أتى بصيد وهو وأصحابه محرمون فأمرهم بأكله ولم يأكله هو
فقال له عمرو بن العاصي: يا عجبا لك تأمرنا ان نأكل مما لست آكلا فقال عثمان: ان أظن إنما
صيد من أجلى فأكلوا ولم يأكل، وهو قول مالك *
قال أبو محمد: أما خبر جابر فساقط لأنه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف، وأما
خبر أبي قتادة قان معمرا رواه كما ذكرنا، ورواه عن يحيى بن أبي كثير معاوية بن سلام،
وهشام الدستوائي كلاهما يقول فيه. عن يحيى حدثني عبد الله بن أبي قتادة ولا يذكران
ما ذكر معمر، ولم يذكر فيه معمر سماع يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة، ورواه أيضا
شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهوب عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة على ما نذكر
بعد هذا إن شاء الله تعالى فلم يذكر فيه ما ذكر معمر، ورواه أيضا أبو محمد مولى أبى قتادة
عن أبي قتادة فلم يذكر فيه ما ذكر معمر، ورواه أبو حازم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة
فذكر أن رسول الله عليه السلام أكل منه *
فلا يخلو العمل في هذا من ثلاثة أوجه. اما ان تغلب رواية الجماعة على رواية معمر
لا سيما وفيهم من يذكر سماع يحيى من ابن أبي قتادة ولم يذكر معمرا، أو تسقط رواية
يحيى بن أبي كثير جملة لأنه اضطرب عليه ويؤخذ برواية أبى حازم. وأبى محمد. وابن موهب
الذين لم يضطرب عليهم لأنه لا يشك ذو حس ان إحدى الروايتين وهم، إذ لا يجوز أن تصح
الرواية في أنه عليه السلام أكل منه وتصح الرواية في أنه عليه السلام لم يأكل منه وهي قصة واحدة
في وقت واحد في مكان واحد في صيد واحد ويؤخذ بالزائد وهو الحق الذي لا يجوز تعديه *
فنظرنا في ذلك فوجدنا من روى عن عبد الله بن أبي قتادة (أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أكل
منه) قد أثبت خبرا وزاد علما على من روى عنه انه عليه السلام لم يأكل منه فوجب الاخذ
بالزائد ولابد وترك رواية من لم يثبت ما أثبته غيره، و بالله تعالى التوفيق *
وأما فعل عثمان فإننا روينا من طريق سعيد بن منصور انا ابن وهب انا عمرو بن الحارث
253

ان أبا النضر مولى عمر بن عبيد الله (1) حدثه أن بسر (2) بن سعيد أخبره أن عثمان بن عفان كان
يصاد له الوحش على المنازل، ثم يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته، ثم أن
الزبير كلمه فقال: ما أدرى ما هذا يصاد لنا ومن أجلنا؟ لو تركناه فتركه، فصح انه رأى
من عثمان. والزبير واستحسان لأمنع ولاعن أثر عندهما، ومثل هذا لا تقوم به حجة،
ولا يشك أحد في أن أبا قتادة لم يصد الحمار الا لنفسه وأصحابه وهم محرمون فلم يمنعهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم من أكله فسقط هذا القول *
وقول آخر: وهو انه حلال للمحرم ما صاده الحلال ما لم يشر له إليه أو يأمره بصيده
واحتج هؤلاء بما رويناه من طريق شعبة انا عثمان بن عبد الله بن موهب قال: سمعت
عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه (انهم كانوا في مسير لهم بعضهم محرم وبعضهم ليس
بمحرم فرأيت حمار وحش فركبت فرسي وأخذت رمحي فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني
فاختلست سوطا من بعضهم وشددت على الحمار فأصبته فأكلوا فأشفقوا منه فسئل
عن ذلك رسول الله عليه السلام؟ فقال. هل أشرتم أو أعنتم؟ قالوا: لا قال: فكلوه) *
ومن طريق أبى عوانة عن عبد الله بن عثمان بن موهب عن ابن أبي قتادة عن أبيه بمثله الا
أنه قال: هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشئ؟ قالوا: لا *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأننا لا ندري ماذا كأن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو قال له: نعم؟ إلا أن اليقين عندنا أن كل ما لم يقله عليه السلام ولا حكم به فإنه غير لازم
ولا تؤخذ الديانة بالتكهن، ونحن على يقين من أنه لو لزم بإشارتهم إليه أو أمرهم إياه
أو عونهم له حكم تحريم لبينه عليه السلام، فإذ لم يفعل فلا حكم لذلك * وقد روينا
عن عطاء في محرم كان بمكة فاشترى حجلة فأمر محلا بذبحها انه لا شئ عليه، وبالله تعالى التوفيق *
893 - مسألة فلو أمر محرم حلالا بالتصيد فإن كان ممن يطيعه ويأتمر له فالمحرم
هو القاتل للصيد فهو حرام، وإن كان ممن لا يأتمر له ولا يطيعه فليس المحرم ههنا قاتلا
بل أمر بمباح حلال للمأمور ولو اشترك حلال ومحرم في قتل صيد كان ميتة لا يحل أكله
لأنه لم تصح فيه الذكاة خالصة، وعلى المحرم جزاؤه كله لأنه قاتل ولا جزاء على المحل،
وبالله تعالى التوفيق *
894 - مسألة - ومباح للمحرم ان يقبل امرأته ويباشرها ما لم يولج لان الله
تعالى لم ينه الا عن الرفث والرفث الجماع فقط، ولا عجب أعجب ممن ينهى عن ذلك! ولم

(1) وقع في تهذيب التهذيب (عبد الله) وفى النسخ كلها (عبيد الله) بالتصغير وهو موافق لما في تقريب التهذيب
(2) وقع في تهذيب التهذيب (بشر) ج 1 ص 431 بشين معجمة وهو غلط والصواب ماهنا بالسين المهملة
254

ينه الله تعالى ولا رسوله عليه السلام قط عن ذلك، ويبطل الحج بالامناء في مباشرتها التي
لم ينهه قط قرآن ولا سنة عنها، ثم لا يبطل حجه بالفسوق الذي صح نهى الله تعالى في القرآن عنه في
الحج من ترك الصلاة، وقتل النفس التي حرم الله تعالى بغير الحق وسائر الفسوق ان هذا لعجب *
روينا من طريق الحذافي عن عبد الرزاق نا محمد بن راشد عن شيخ يقال له:
أبو هرم قال: سمعت أبا هريرة يقول: يحل للمحرم من امرأته كل شئ إلا هذا وأشار
بإصبعه السبابة بين إصبعين من أصابع يده يعنى الجماع * وعن عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني عثمان بن عبد الرحمن أنه قبل امرأته وهو محرم فسألت سعيد بن جبير؟ فقال:
ما نعلم فيها شيئا فليستغفر الله عز وجل، قال ابن جريج: وسمعت عطاء يقول: مثل قول
سعيد بن جبير، ومن طريق ابن جريج أيضا عن عطاء لا يفسد الحج الا التقاء الختانين
فإذا التقى الختانان فسد الحج ووجب الغرم * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن
غيلان بن جرير قال: سألني وعلي بن عبد الله، وحليم بن الدريم محرم؟ فقال: وضعت
يدي من امرأتي موضعا فلم أرفعها حتى أجنبت فقلنا: كلنا مالنا بهذا علم؟ فمضى إلى
أبى الشعثاء جابر بن زيد فسأله، ثم رجع الينا يعرف البشر في وجهه؟ فسألناه ماذا أفتاك؟
فقال: إنه استكتمني، فهؤلاء كلهم لم يروا في ذلك شيئا *
فان ذكروا الرواية عن عائشة يحرم على المحرم من امرأته كل شئ الا الكلام
وعن ابن عباس إنما الرفث ما تكلم به عند النساء، فهم أول مخالف لهذا لأنهم يبيحون
له النظر، ثم إنها وابن عباس لم يجعلا في ذلك شيئا، وقال أبو حنيفة. والشافعي: من
جامع دون الفرج فأنزل فليس عليه الا دم وتجزئه شاة وحجه تام * وروينا عن ابن عباس
ولم يصح فيمن نظر فأمذى. أو أمنى عليه دم * وعن علي ولا يصح من قبل فعليه دم،
أما رواية ابن عباس فعن شريك عن إبراهيم بن مهاجر، وأما رواية على فعن شريك
عن جابر الجعفي وكلهم لا شئ *
قال أبو محمد: إيجاب الدم في ذلك قول لم يوجبه قرآن. ولا قياس. ولاقول مجمع
عليه، وبالله تعالى التوفيق *
895 - مسألة - ومن تطيب ناسيا أو تداوى بطيب أو مسه طيب الكعبة،
أومس طيبا لبيع، أو شراء، أو لبس ما يحرم على المحرم لباسه ناسيا، أو الضرورة طال كل
ذلك منه، أو قصر فلا شئ عليه ولا يكدح ذلك في حجه وعليه أن يزيل عن نفسه كل ذلك ساعة
يذكره أو ساعة يستغنى عنه، وكذلك من حلق رأسه ناسيا فلا شئ عليه، وله ان يحتجم
ويحلق مواضع المحاجم، ولا شئ عليه، وله ان يدهن بما شاء، فلو تعمد لباس ما حرم عليه، أو فعل
ما حرم لغير ضرورة بطل حجه وإحرامه
255

برهان ذلك قول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فميا أخطأتم به ولكن ما تعمدت
قلوبكم * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عفى لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)
فالمستكره على كل ما ذكرنا والمرأة المكرهة على الجماع لا شئ عليها، ولا على من أكره
على ما ذكرنا، وحجهم تام، واحرامهم تام * وقال أبو حنيفة: من غطى رأسه، أو وجهه، أو
لبس ما نهى عامدا، أو ناسيا، أو مكرها يوما إلى الليل فعليه دم، فان فعل ذلك أقل من يوم
فعليه صدقة، فان حلق قفاه للحجامة فعليه دم، فان حلق بعض عضو فعليه صدقة، وقال
مالك: من فعل شيئا من ذلك فأماط به عن نفسه أذى فعليه الفدية التي على من حلق رأسه
ولا يحتجم الا من ضرورة، فان حلق مواضع المحاجم فعليه الفدية، وقال الشافعي: لا شئ في
النسيان في كل ذلك الا في حلق الرأس فقط ففيه الفدية قال: ولا يحلق موضع المحاجم ولم يذكر
في ذلك فدية *
قال أبو محمد: أما أقوال أبي حنيفة فظاهرة الفساد والتناقض ولا نعلمها عن أحد قبله،
ولا دليل على صحة شئ منها لا من قرآن، ولامن سنة، ولا رواية سقيمة، ولاقول صاحب،
ولا قياس لان تفريقه بين ذلك يوما أو أقل من يوم دعوى فاسدة، وقال بعضهم: هذا
هو المعهود من لباس الناس *
قال على: كذب في ذلك بل قد قال الله تعالى: (وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة
ومن بعد صلاة العشاء) فأخبر تعالى ان اللباس لا يقل (1) في النهار بل قد يوضع للقائلة،
وأخبر أن اللباس يقل (2) إلى بعد صلاة العشاء وقد يكون إلى نصف الليل، فان ذكروا
ما روى عن ابن عباس. والنخعي ان من ترك من نسكه شيئا فليرق دما قلنا: أنتم أول
من خالف ذلك لأنكم تجعلون في أكثر ذلك صدقة لا دما، ولاعجب أعجب ممن يحتج
بشئ يراه حقا، ثم هو أول مخالف له: وأما قول مالك فإنه قياس والقياس كله باطل،
ولو كانت اماطته (3) الأذى بغير حلق الرأس توجب الفدية لأوجب الفدية البول.
والغائط. والاكل. والشرب. والغسل للحر، والتروح والتدفؤ للبرد، وقلع الضرس
للوجع، فكل هذا إماطة أذى، (فان قالوا): قد أجمع الناس على اسقاط الفدية في أكثر

(1) يقال أقل الشئ يقله واستقله يستقله إذا رفعه وحمله، والمعنى هنا والله أعلم (وحين تضعون ثيابكم) - أي تنزعونها عن
أبدانكم وقت الظهيرة من شدة حرها، وكذلك بعد صلاة العشاء لأنه وقت نوم وخلوة بالأهل
(2) أي يحمل ويلبس بعد صلاة العشاء وبعد هذا الوقت ينزع لأنه، وقت نوم ففي الآية دليل على أن اللباس لا يتصل لبسه من أول النهار إلى آخره بل ينزع في أوقات مخصوصة فسقط ما قاله البعض من أن المعهود من لباس الناس يوما إلى الليل كما يقوله أبو حنيفة، ووقع في بعض النسخ (ان اللباس يتصل) بدل (يقل) والمعنى قريب من هذا ولا يحتاج إلى تكلف وجرينا على ماهنا على بيان المعنى بخلاف تلك النسخ
(3) في النسخة اليمنية (إماطة)
256

من ذلك قلنا: حسبنا وإياكم اقراركم بصحة الاجماع على الطال علتكم،
وعلى أنه ليس كل إماطة أذى تجب فيه فدية، والزام الصيام والصدقة والهدى شرع لا يجوز
الزامه أحد حيث لم يلزمه الله تعالى ولا رسوله عليه السلام، فان ادعوا اجماعا كذبوا
لأنهم لا يقدرون على أن يوردوا في ذلك قول عشرة من صاحب، وتابع في ذلك مع
اختلافهم في أقوالهم، * واما الشافعي فإنه احتج له مقلده بأن كل من ذكرنا يقدر الناس
على إزالته عن نفسه الا حلق الشعر فلا يقدر على أنباته فقلنا: فكان ماذا؟ وأي شئ
في هذا مما يوجب الفدية؟ وهل زدتم إلا دعوى لا برهان لها *
وروينا من طريق ابن عمر كان يأكل الخبيص الأصفر (1) وهو محرم يعنى المزعفر *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن
ابن عمر قال: يكتحل المحرم بأي كحل شاء ما لم يكن فيه طيب * ومن طريق شعبة عن
شمسية الأزدية أن عائشة أم المؤمنين قالت لها: اكتحلي بأي كحل شئت غير الإثمد أما انه ليس
بحرام ولكنه زينة، ونحن نكرهه *
ومن الخلاف في ذلك ما رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي نا يزيد
ابن إبراهيم عن قتادة أن عبد الرحمن بن أبي بكر أمر امرأة محرمة اكتحلت بإثمد أن تهرق دما *
ومن طريق سعيد بن منصور نا مروان - هو ابن معاوية الفزاري - نا صالح بن حي قال:
رأيت أنس بن مالك أصاب ثوبه خلوق الكعبة فلم يغسله - وكان محرما - وعن عطاء. وسعيد بن
جبير مثله سواء سواء * ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر ان شم المحرم
ريحانا. أو مس طيبا أهرق دما (2) * وقد روينا من طريق عائشة أم المؤمنين (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم) * ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس
عن ابن عباس (أن النبي عليه السلام احتجم وهو محرم) * ومن طريق مسلم عن أبي بكر
ابن أبي شيبة نا المعلي بن منصور نا سليمان بن بلال عن علقمة بن أبي علقمة عن عبد الرحمن الأعرج
عن ابن بحينة قال: (احتجم رسول الله عليه السلام بطريق مكة (3) وهو محرم وسط رأسه) *
قال أبو محمد: لم يخبر عليه السلام ان في ذلك غرامة ولا فدية ولو وجبت لما أغفل ذلك
وكان عليه السلام كثير الشعر أفرع، (4) وإنما نهينا عن حلق الرأس في الاحرام، والقفا
ليس رأسا ولا هو من الرأس، فان ذكروا ما روينا عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر

(1) هو طعام معروف
(2) في النسخة رقم (14) (أو اهرق دما) وهو غلط
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 337 (ان النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بطريق مكة) الخ
(4) قال في الصحاح الا فرع التام الشعر وقال في النهاية وافى الشعر، وقيل الذي له جمة
257

أنه أمر محرما احتجم ان يفتدى بصيام. أو صدقة. أو نسك، فان اضطر إلى ذلك فلا شئ
عليه، * فهذا عليهم لأنهم خالفوه في موضعين، أحدهما أنه أوجب الدم ولم يشترط ان
حلق لها شعرا، والثاني أنه لم ويوجب شيئا على من اضطر إليها وهم لا يقولون بهذا *
وروينا عن مسروق أنه قال: يحتجم المحرم ولا يحتجم الصائم ولم يشترط ترك حلق القفا *
وعن طاوس يحتجم المحرم إذا كان وجعا وما نعلم من أوجب في ذلك حكما من التابعين
إلا الحسن فإنه فال: من احتجم وهو محرم اراق دما * وعن إبراهيم. وعطاء ان حلق
مواضع المحاجم فعليه كفارة *
وأما الادهان فروينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن أشعث بن سليم
- هو ابن أبي الشعثاء - (1) عن مرة بن خالد قال: رانا أبو ذر ونحن محرمون فقال: ادهنوا أيديكم،
وصح عن ابن عمر أنه كره ان يعالج المحرم يديه بالدسم وان يدهن بالسمن رأسه لصداع
أصابه ولم يجعل في ذلك شيئا * وروينا عن عطاء من تداوى بدواء فيه طيب فعليه الكفارة
ولا بأس بالادهان الفارسية * وعن إبراهيم في الطيب الفدية * وعن مجاهد إذا تداوى المحرم
بالسمن، أو الزيت، أو البنفسج فعليه الكفارة * وعن الحجاج بن أرطاة كان الحكم
وأصحابنا يقولون في المحرم يداوى قروحا برأسه وجسده: ان عليه كفارتين *
وأما اللباس ناسيا فعن عطاء في المحرم يغطى رأسه ناسيا لا شئ عليه فان لبس قميصا
ناسيا فلا شئ عليه وليستغفر الله تعالى، فان تعمد ذلك فالكفارة * وعن حماد
ابن أبي سليمان بمثله لا شئ في ذلك على الناسي * وعن مجاهد. وسعيد بن جبير انهما
أجازا للمحرم أكل الطعام، وفيه الزعفران، وكرهه عطاء وأخبر أنه لا يأثر قوله عن أحد *
وعن طاوس. وعطاء إباحة الخبيص المزعفر للمحرم، ومثله عن الحسن. وإبراهيم
النخعي. وجابر بن زيد. ومحمد بن علي * وعن إبراهيم. وعطاء. والحسن. في لباس القميص.
والقلنسوة. والخفين للمحرم أنه يهرق دما، وهذه كلها أقوال مخالفة لأقوال أبي حنيفة، ومالك *
قال أبو محمد: وأما من تعمد ما حرم عليه فقد فسق والفسوق يبطل الحج كما قدمنا،
وبالله تعالى التوفيق *
896 - مسألة - وللمحرم ان يشد المنطقة على ازاره ان شاء أو على جلده ويحتزم
بما شاء ويحمل خرجه على رأسه ويعقد ازاره عليه ورداءه ان شاء، ويحمل ما شاء من الحمولة
على رأسه ويعصب على رأسه لصداع، أو لجرح ويجبر كسر ذراعه أو ساقه ويعصب
على جراحه وخراجه وقرحه ولا شئ عليه في كل شئ من ذلك، ويحرم في أي لون شاء حاشا

(1) في النسخة رقم (14) (هو أبو الشعثاء) ونبه مصححها على أنها غلط وصوابه كما هنا وهو كما قال
258

ما صبغ بورس، أو زعفران لأنه لم ينهه عن شئ مما ذكرنا قرآن، ولا سنة (وما كان ربك
نسيا). إذ اننا روينا من طريق وكيع عن ابن أبي حسان
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى محرما محتزما بحبل فقال: يا صاحب الحبل ألقه) وبه
إلى ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب سمعت ابن عمر يقول: تعقد عليك شيئا وأنت محرم *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر
أنه كره الهميان (1) للمحرم، فأما الأثر فمرسل لا حجة فيه، وقد روينا من طريق عبد الرزاق
عن الأسلمي عمن سمع صالحا مولى التوأمة انه سمع ابن عباس يقول: رخص رسول الله
عليه السلام في الهميان للمحرم *
قال أبو محمد: كلاهما وتمرة، واما ابن عمر فقد روى عنه وعن غيره من الصحابة
رضي الله عنهم خلاف هذا * وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا ابن فضيل عن ليث عن
عطاء. وطاوس قالا جميعا: رأينا ابن عمر قد شد حقويه (2) بعمامة وهو محرم *
ومن طريق سعيد بن منصور عن هشيم أرنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم
ابن محمد عن عائشة أم المؤمنين انها كانت ترخص في الهميان يشده المحرم على حقويه وفي
المنطقة أيضا * ومن طريق وكيع عن سفيان عن حميد الأعرج عن عطاء عن ابن عباس
قال في الهميان للمحرم: لا بأس به * ومن طريق شعبة عن منصور عن مجاهد قال: رأيت
ابن الزبير جاء حاجا فرمل حتى رأيت منطقته قد انقطعت على بطنه *
قال أبو محمد: لاشك ان ابن الزبير لم يكن مضطرا إلى احراز نفقته وابن عمر لم يجعل
في ذلك شيئا، ورأي مالك على من عصب رأسه فدية، ومن طريق ابن عمر لا يعصب
المحرم رأسه بسير ولا بخرقة * ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي داود الطيالسي عن أبي معشر
عن عبد الرحمن بن يسار قال: رأيت ابن عباس قد شد شعره بسير وهو محرم
وكلاهما لم يجعل فيه شيئا * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن
عمرو بن دينار قلت لجابر بن زيد أبى الشعثاء: ينحل إزاري يوم عرفة قال: اعقده *
ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله عن العلاء بن المسيب عن الحكم بن عتيبة أنه
كان لا يرى بأسا ان يتوشح المحرم بثوبه وعقده على قفاه * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم
عن يونس عن الحسن البصري أنه لم ير بأسا ان يعقد المحرم ثوبه على نفسه، وأباح لباس الهميان
للمحرم محمد بن كعب. وعطاء. وطاوس. ومحمد بن علي. وإبراهيم. وسعيد بن جبير.
ومجاهد. والقاسم بن محمد، وكرهه آخرون * وعن سعيد بن جبير أنه أباح للمحرم ينكسر

(1) هو كيس يجعل فيه النفقة ويشد على الوسط وجمعه همايين
(2) تثنية حقو هو الخاصرة
259

ظفره ان يجعل عليه مرارة ولم يأمر في ذلك بشئ * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص
نا منصور عن إبراهيم ومجاهد قالا جميعا: يجبر المحرم عظمه إذا انكسر قالا: وليس عليه في ذلك كفارة * ومن طريق سعيد بن منصور ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد قال: إذا
انكسرت يد المحرم أوشج عصب على الشج والكسر وعقد عليه ولم يجعل في ذلك شيئا *
وعن محمد بن علي. وسعيد بن المسيب لا بأس ان يعقد المحرم قال محمد: على القرحة، وقال
ابن المسيب: على الجرح، وأباح أبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان للمحرم الهميان والمنطقة،
وان يحمل الخرج على رأسه ونحو ذلك ولم يروا فيه بأسا، وأباح مالك لباس المنطقة للمحرم
إذا كانت فيها نفقته، ومنعه لباسها إذا كانت فيها نفقة غيره، وجعل ابن القاسم صاحبه في ذلك
الفدية، ومنع مالك من شد المنطقة على العضد للمحرم وأباح شدها على جلده ومنع من شدها
فوق الإزار، وجعل ابن القاسم صاحبه في ذلك فدية فأقوال متناقضة لا دليل على صحة شئ منها،
ولا نعلم أحدا قال بها قبلهما، ومنع مالك المحرم من حمل خرج لغيره على رأسه ورأي عليه
في ذلك فدية وأباح له حمله على رأسه إذا كان له، وهذا فرق فاسد لا نعلمه أيضا عن أحد قبله، وقد
روى عن عطاء إباحة حمل المحرم المكتل على رأسه، ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار
عن محمد بن علي بن الحسين قال: رأى عمر على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين (1) وهو محرم
فقال: ما هذا؟ فقال علي بن أبي طالب: ما أخال أحدا يعلمنا السنة فسكت عمر * وعن سالم
ابن عبد الله بن عمر أنه لبس ثوبا موردا وهو محرم، (فان قيل): قد روى عن عمر أنه أنكر على
طلحة لباس ثوب مصبوغ للمحرم قلنا: أنتم أول من خالف عمر في ذلك فلم تنكروه؟ ولا رأيتم
فيه شيئا، وهذا مما تركوا فيه القياس فأباحوا المصبغات ولم يقيسوها على الورس والمعصفر
كما قاسوا كل من أماط به أذى على حالق رأسه، وكما قاسوا جارح الصيد على قاتله، وكما أوجبوها
على من لبس قميصا أو عمامة *
897 - مسألة - ولا يحل لاحد قطع شئ من شجر الحرم بمكة. والمدينة، ولا شوكة
فما فوقها، ولامن حشيشه حاشا الإذخر (2) فان جمعه مباح في الحرم ومباح له ان يرعى إبله
أو بعيره أو مواشيه في الحرم، فان وجد غصنا قد قطعه غيره أو وقع ففارق جذمه (3) فله أخذه
حينئذ، فان احتطب في حرم المدينة خاصة فان سلبه حلال لمن وجده *
روينا من طريق مسلم لن الحجاج نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - انا جرير عن منصور
عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرمه

(1) قال في الصحاح: ضرجت الثوب تضريجا إذا صبغته بالحمرة وهو دون المشبع وفوق المورد أه‍
(2) هو - بكسر الهمزة - حشيش طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب
(3) قال الجوهري في صحاحه الجذم بالكسر أصل الشئ وقد يفتح
260

الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى (إلى يوم القيامة) (1) وانه
لم يحل القتال فيه لاحد قبلي ولم يحل لي الا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا
يعضد شجره (2) ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها (3) قال
العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال: الا الإذخر) *
ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث - هو ابن سعد - عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي
شريح العدوي (أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس
فلا يحل لامرئ يؤمن بالله ويوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان أحد ترخص
بقتال رسول الله عليه السلام فيها فقولوا له: ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها
ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب (4)) *
قال أبو محمد: هذا ما نهى الله تعالى عنه على لسان رسوله عليه السلام ولم ينه عن ارعاء
المواشي (وما كان ربك نسيا) *
وقال أبو حنيفة: بكراهية الرعى في حرم مكة وهذا تعد لحدود الله تعالى، وأباح مالك
أخذ السني (5) وسائر حشيش الحرم، وهذا أيضا خلاف أمر رسول الله عليه السلام،
ولافرق بين السني وبين سائر حشيش الحرم * وقال أبو حنيفة. الشافعي. وسفيان:
بايجاب الجزاء على قاطع شجر الحرام، قال أبو حنيفة في الغصن فما فوقه إلى الدوحة: (6)
قيمة ذلك، فان بلغ هديا أهداه، فإن لم يبلغ هديا فقيمته طعاما يتصدق به لكل مسكين
نصف صاع حنطة. أو صاع تمر. أو شعير، ولا يجزى في ذلك صيام *
وقال زفر: يتصدق بالقيمة ولا يجزى في ذلك هدى ولا صيام *
قال أبو محمد. روينا عن بعض السلف في الدوحة بدنة، وعن عطاء فيها بقرة، وفي التود مد *
وعن عبد الله بن عامر في الدوحة بقرة * وعن ابن أبي نجيح في الدوحة ستة دنانير. أو
خمسة. أو سبعة يتصدق بها بمكة، وما نعلم لأبي حنيفة وزفر في قولهما سلفا *
وقال مالك. وأبو سليمان: لا شئ في ذلك وهو الحق لأنه لو كان في ذلك شئ لبينه رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز شرع هدى. ولا إيجاب صيام. ولا إلزام غرامة إطعام ولا صدقة إلا بقرآن
أو سنة، وهذا مما تركت فيه الطوائف المذكورة القياس، فان أبا حنيفة والشافعي قاسا
ايجاب الجزاء في شجر الحرم على ايجاب الجزاء في صيده ولم بقيسا ايجاب الجزاء في حرم المدينة
على ايجابه في حرم مكة وكلاهما حرم محرم صيده، وقاس مالك ايجاب الفدية على اللابس

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 383، والحديث اختصره المصنف من أوله
(2) في صحيح مسلم (لا يعضد شوكه) بدل (شجره)
(3) قال في الصحاح الخلي مقصور هو الرطب من الحشيش الواحدة خلاة
(4) الحديث في صحيح مسلم ج 1 ص 384 وقد اختصره المؤلف من أوله وآخر ه واقتصر على محل الشاهد منه
(5) هو بالقصر نبات معروف من الأدوية له حمل، الواحدة سناة، وبعضهم يرويه بالمد
(6) أي الشجرة
261

والمتطيب على وجوبها على حالق رأسه ولم يقس ايجاب الجزاء في شجر حرم مكة حرم مكة وفي صيد
حرم المدينة على وجوبه في صيد حرم مكة، وكل ذلك تناقض لاوجه له وبالله تعالى التوفيق *
898 - مسألة (1) - ولا يحل ان يسفك في حرم مكة دم بقصاص أصلا ولا
ان يقام فيها حد، ولا يسجن فيها أحد، فمن وجب عليه شئ من ذلك أخرج عن الحرم
وأقيم عليه الحد لما ذكرنا من نهى رسول الله عليه السلام ان يسفك بها دم، ولقول الله تعالى:
(مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا). وهذا عموم لا يجوز أن بخص منه شئ،
وأما إخراج العاصي منه (2) فلقول الله تعالى: (أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع
السجود). فتطهيره من العصاة واجب، وليس هذا في حرم المدينة لأنه لم يأت بذلك نص
ولا يسمى ذبح الحيوان المتملك، ولا الحجامة، ولافتح العرق سفك دم *
روينا من طريق ابن عيينة أرنا إبراهيم بن ميسرة وكان ثقة مأمونا - قال: سمعت طاوسا
يقول: سمعت ابن عباس يقول: من أصاب حدا، ثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع
- وذكر كلاما - وفيه فإذا خرج أقيم عليه الحد، وهو قول سعيد بن جبير. والحكم
ابن عتيبة، وهو قول عمر بن الخطاب * ومن طريق ابن جريج قال أبو الزبير: قال ابن عمر:
لو وجدت فيه قاتل عمر ماندهته (3) يعنى حرم مكة، وقال ابن عباس: لو وحدت قاتل
أبى في الحرم ما عرضت له *
قال أبو محمد: فلم يخصوا من أصاب حدا في الحرم ممن أصابه خارج الحرم، ثم لجأ إلى
الحرم، وفرق عطاء. ومجاهد بينهما * وروينا من طريق ابن الزبير أنه أخرج قوما من
الحرم إلى الحل فصلبهم * ومن طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان فيمن قتل، ثم لجأ إلى
الحرم قال: يخرج منه فيقتل * وقال أبو حنيفة: تقام الحدود في الحرم إلا القتل وحده فإنه
لا يقام فيه حد قتل ولاقود حتى يخرج باختياره، وقال أبو يوسف: يخرج فيقام عليه
حد القتل *
قال على: تقسيم أبي حنيفة فاسد وما نعلم لمن أباح القتل في الحرم حجة أصلا ولا سلفا الا
الحصين بن نمير ومن بعثه والحجاج ومن بعثه *
قال أبو محمد: وأما من تعدى عليه في الحرم فليدفع عن نفسه قال تعالى: (ولا تقاتلوهم
عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم)، وبالله تعالى التوفيق *
899 - مسألة - ولا يخرج شئ من تراب الحرم ولا حجارته إلى الحل *
روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم ان حجاج عن عطاء قال يكره أن يخرج من

(1) لفظ (مسألة) زيادة من النسخة اليمنية
(2) من قوله (ولقول الله تعالى مقام إبراهيم) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية خطأ
قال الجوهري في الصحاح: النده الزجر تقول: ندهت البعير إذا زجرته عن الحوض وغيره
262

تراب الحرم إلى الحل أو يدخل تراب الحل إلى الحرم وهو قول ابن أبي ليلى وغيره، ولا بأس
باخراج ماء زمزم لان حرمة الحرام إنما هي للأرض وترابها وحجارتها، فلا يجوز له إزالة
حرمتها (1) ولم يأت في الماء تحريم *
900 - مسألة - وملك دور مكة وبيعها واجارتها جائز، وقد روينا عن عبد الله
ابن عمر وبن العاصي أنه قال: لا يحل بيع دورها ولا إجارتها، ومنع عمر بن عبد العزيز من
كرائها، وروينا عن عمر المنع من التبويب على دورها، وروينا في ذلك خبرين مرسلين
لا يصحان، وهو قول إسحاق بن راهويه *
قال على: قد ملك الصحابة بها دورهم بعلم رسول الله عليه السلام فلم يمنع من ذلك وكل
من ملك ربعا فقد قال الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وأمر بالمؤاجرة رسوله عليه
السلام فكل ذلك مباح فيها *
901 - مسألة - وأما من احتطب في حرم المدينة فحلال سلبه كل ما معه في حاله
تلك وتجريده الا ما يستر عورته فقط، فلما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم
- هو ابن راهويه - عن أبي عامر العقدي نا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد بن سعد
ابن أبي وقاص عن عمه عامر بن سعد قال: إن سعدا أباه ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا
يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه (فلما رجع سعد) (2) جاءه أهل العبد فسألوه (3) ان يرد على
غلامهم (أو عليهم ما أخذ من غلامهم) (4) فقال: معاذ الله ان أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبى ان يرد عليهم * وعن عمر بن الخطاب أنه قال لمولى لعثمان بن مظعون: انى استعملتك
على ما ههنا فمن رأيته يخبط (5) شجرا أو يعضده فخذ حبله وفاسه قلت: آخذ رداءه قال: لا *
وعن ابن عمر نحو هذا *
قال أبو محمد: ولا مخالف لهم من الصحابة يعرف وليس هذا في الحشيش لان الأثر
إنما جاء في الاحتطاب، وستر العورة فرض بكل حال *
902 - مسألة - ومن نذر ان يمشى إلى مكة أو إلى عرفة أو إلى منى أو إلى مكان
ذكره من الحرم على سبيل التقرب إلى الله عز وجل أو الشكر له تعالى لا على سبيل اليمين ففرض
عليه المشي إلى حيث نذر للصلاة هنالك. أو الطواف بالبيت فقط ولا يلزمه ان يحج ولا أن
يعتمر إلا أن ينذر ذلك وإلا فلا، فان شق عليه المشي إلى حيث نذر من ذلك فليركب ولا شئ
عليه، فان ركب الطريق كله لغير مشقة في طريقه فعليه هدى ولا يعوض منه صياما ولا اطعاما،

(1) في النسخة اليمنية (فلا يجوز له إزالة له جزء منها) وما هنا أتم وأوضح
(2) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 386
(3) في صحيح مسلم (فكلموه)
(4) الزيادة من صحيح مسلم
(5) خبط الشجر ضربه بالعصا ليتناثر الورق واسم الورق الساقط خبط بالتحريك
263

فان نذر ان يحج ماشيا فليمش من الميقات حتى يتم حجه، ومن نذر أن يركب في ذلك فعليه
أن يركب ولابد لقول الله تعالى: (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)
فالمشي والركوب إلى كل ما ذكرنا طاعة لله عز وجل *
روينا من طريق مالك عن طلحة بن عبد الملك (الأيلي) (1) عن القاسم بن محمد عن
عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول الله عليه السلام: (من نذر أن يطيع الله فليطعه
ومن نذر ان يعصى الله فلا يعصه)، (2) وقال تعالى: (يوفون بالنذر) وقال تعالى: (أوفوا
بالعقود) فإنما أمر تعالى بالوفاء بعقود الطاعة لا بعقود المعاصي، وقال قوم: لا يمشى
الا في حج، أو عمرة *
قال أبو محمد: وهذا خطأ لأنه الزام ما لم ينذره عل نفسه بغير قرآن. ولا سنة، وقال
مالك: ان نذر المشي إلى المسجد، أو إلى الكعبة، أو إلى الحرم لزمه فان نذر إلى عرفة، أو إلى
مزدلفة، أو منى، أو الصفا والمروة لم يلزمه، وهذا تقسيم بلا برهان *
روينا من طريق البخاري نا محمد بن سلام نا الفزاري عن حميد الطويل أخبرني ثابت - هو
البناني - عن أنس عن النبي عليه السلام (أنه رأى شيخا يهادى بين بنيه فقال: ما بال
هذا؟ قالوا: نذر ان يمشى قال: إن الله لغنى عن تعذيب هذا نفسه وأمره ان يركب) (3)
فلم يوجب عليه النبي عليه السلام شيئا لركوبه، وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)
فمن ليس المشي في وسعه فلم يكلفه الله تعالى المشي، وكان نذره لما ليس في وسعه معصية
لا يجوز له الوفاء بها *
قال على: الفزاري هذا - هو أبو إسحاق - أو مروان بن معاوية وكلاهما ثقة امام *
ومن طريق البخاري نا إبراهيم بن موسى نا هشام بن يوسف انا ابن جريج أخبرهم
قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب أن يزيد بن أبي حبيب اخبره ان أبا الخير حدثه عن
عقبة بن عامر الجهني قال: (نذرت أختي ان تمشى إلى بيت الله تعالى (وأمرتني ان استفتى لها النبي
صلى الله عليه وسلم) (4) فاستفتيت النبي عليه السلام فقال: لتمش ولتركب) فامرها بكلا الامرين ولم يوجب
عليها في ذلك شيئا، وقد علمنا ضرورة أن رسول الله عليه السلام لم يأمرها بالمشي إلا وهي قادرة عليه

(1) الزيادة من موطأ مالك ج 2 ص 30 ورواه البخاري ج 8 ص 254
(2) قال مالك في موطأه بعد ما أورد الحديث: معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نذران يعصى الله فلا يعصه) ان ينذر ان يمشى إلى الشام أو إلى مصر أو إلى الربذة أو ما أشبه
ذلك مما ليس لله بطاعة أو ان كلم فلانا أو ما أشبه ذلك فليس عليه في شئ من ذلك ان هو كلمه أو حنث بما حلف عليه لأنه ليس لله في هذه
الأشياء طاعة وإنما يوفى لله بماله فيه طاعة اه‍ والله أعلم
(3) هو في صحيح البخاري ج 3 ص 48 وقوله (يهادى) من المهاداة وهي ان
يمشى الشخص بين اثنين معتمدا عليهما، ورواه أبو داود أيضا في سننه ج 3 ص 233
(4) الزيادة من صحيح البخاري ج (3) ص 48 وهي موجودة أيضا في سنن أبي داود ج 3 ص 231
264

لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) * ومن طريق أبى داود نا محمد بن المثنى نا أبو الوليد
- هو الطيالسي - نا هشام (1) - هو الدستوائي - نا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس (أن أخت عقبة
ابن عامر نذرت أن تمشى إلى البيت فأمرها النبي عليه السلام أن تركب وتهدى هديا) فهذان
أمران من رسول الله عليه السلام، أحدهما ان تركب وتمشي دون الزام شئ في ذلك، والآخر
أن تركب وتهدى هديا دون مشى في ذلك وهذا هو قولنا *
قال أبو محمد: وروينا من طريق فيها عبيد الله بن زحر - وهو ضعيف - (2) عن أبي سعيد
الرعيني وهو مجهول (3) (أنه عليه السلام أمرها ان تصوم ثلاثة أيام) وروى أيضا
مثل هذا من طريق فيها حي بن عبد الله - وهو مجهول -، ومثله من طريق فيها شريك - وهو
ضعيف - نبهنا عليها لئلا يغتر بها. * وقد اعترض قوم في الحديثين اللذين أوردنا بأن قالوا: قد
رواه مطر الوراق عن عكرمة عن عقبة وعكرمة لم يلق عقبة، وأوقفه بعض الناس على ابن عباس،
وقد روى عن ابن عباس خلافه *
قال على: وهذا مما يمقت الله تعالى لان المفترض بهذا من قوله: ان المرسل والمنقطع
كالمسند ثم يعيب هنا مسندا صحيحا برواية من رواه منقطعا أو موقوفا إن خالف تقليده،
وهذا فعل من لا ورع له ولا صدق. ولا يعترض على المسند الذي تقوم به الحجة بمثل هذا
الا جاهل لأنه اعتراض لا دليل على صحته ودعوى فاسدة لان المسند تقوم به الحجة، والمرسل
مطرح، وأي نقيصة على الحق من رواية آخر مما لا حجة فيه *
وأما قولهم: انه قد روى عن ابن عباس خلاف ما روى من ذلك فان الرواية عن ابن عباس
اختلفت فروينا عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس قال: امش
ما استطعت واركب واذبح، أو تصدق، وهذا موافق لما روى الا ذكر الصدقة فقط *
وروينا عنه من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر - هو ابن عبد الله المزني - ان ابن عباس
أمر امرأة نذرت ان تحج ماشية بأن تشترى رقبة ولتمشي فإذا عجزت فلتركب ولتمش الرقبة
فإذا أعيت الرقبة فلتركب ولتمش الناذرة فإذا قضت حجها فلتعتقها * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن أم محبة انها نذرت ان تمشى إلى الكعبة فمشت حتى أعيت
فركبت، ثم أتت ابن عباس فسألته؟ فقال: أتستطيعين ان تحجي قابلا وتركبي حتى تنتهى إلى
المكان الذي ركبت فيه فتمشى ما ركبت؟ قالت: لا قال: ألك ابنة تمشى عنك؟ قالت: لي ابنتان
هما في أنفسهما أعظم من ذلك، قال فاستغفري الله وتوبي إليه *

(1) وقع في سنن أبي داود ج 3 ص 232 (نا همام) بدل هشام، وكلاهما يروى عن قتادة ويروى عنهما أبو الوليد الطيالسي، ولا ادرى
الوهم ممن؟. الا إنما اهنا منوص عليه ومبين، ورواه أبو داود من طرق في سننه
(2) هو كما قال المصنف
(3) هو كما قال المصنف
265

قال أبو محمد: هذه أم محبة التي عولوا على روايتها في بيع العبد من زيد بن أرقم إلى أجل بثمانمائة
وابتياعها إياه منه بستمائة درهم، فمرة يقلدون روايتها حيث اشتهوا ومرة يطرحونها، والحجة إنما
هي في رواية ابن عباس لا في رأيه وقد يهم وينسى، وقد ذكرنا ما أخذوا به مما رواه الصاحب وخالفه
كرواية عائشة تحريم الرضاع بلبن الفحل، ثم كانت لا تدخل عليها من أرضعه نساء أخوتها *
وروينا عن علي من نذران يمشى إلى بيت الله فليركب وليهد هديا * وروينا عنه أيضا
يهدى بدنة، وعن ابن الزبير. وابن عمر يمشى فإذا أعيى يركب ويعود من قابل فيركب
ما مشى ويمشي ما ركب، وقال أبو حنيفة: يمشى فان ركب فليهد شاة فما فوقها، وقال مالك في
رواية ابن وهب عنه: يمشى فان عجز ركب وأهدى شاة فما فوقها، وروى عنه ابن القاسم
أنه يمشى فإذا أعيى ركب ويعرف الموضع الذي ركب منه فإذا كان من قابل رجع فمشى ما ركب
وركب ما مشى، فإن كان ركوبه يوما فأقل لم يرجع لذلك ولكن عليه الهدى، فان ركب من مكة
إلى منى إلى عرفة إلى مزدلفة إلى منى إلى مكة رجع من قابل فمشى كل ذلك بخلاف الركوب يوما
في الطريق وعليه مع ذلك هدى، فإن كان شيخا كبيرا مشى ولو نصف ميل، ثم ركب ويهدى
ولا يرجع ثانية، وقال الشافعي: يمشى فان أعي ركب وعليه هدى غير واجب ولكن احتياطا،
وقال ابن شبرمة: كقولنا ان عجز ركب ولا شئ عليه *
فأما قول مالك فتقسيم لا يعرف عن أحد من المتقدمين قبله وخلاف لكل ما روى في ذلك
عن الصحابة، وقول لا دليل على صحته * وروينا عن حماد بن سلمة عن حبيب عن عطاء فيمن
جعل على نفسه المشي إلى البيت قال: يمشى من حيث نوى فإن لم ينو شيئا فليركب فإذا دخل الحرم
مشى إلى البيت *
903 - مسألة - فان نذران يحج ماشيا، أو يعتمر ماشيا فكما ذكرنا ولا يلزمه المشي
الا مذ يحرم إلى أن يتم مناسك عمله لان هذا هو الحج فان نذر المشي إلى مكة فكما قال عطاء: من حيث
نوى فإن لم ينو فليمش ما يقع عليه اسم مشى وليركب غير ذلك ولا شئ عليه لأنه قد أوفى بما نذر،
وبالله تعالى التوفيق *
904 - مسألة - ودخول مكة بلا إحرام جائز لان النبي عليه السلام إنما جعل المواقيت
لمن مر بهن يريد حجا، أو عمرة ولم يجعلها لمن لم يرد حجا ولا عمرة فلم يأمر الله تعالى قط. ولا رسوله
عليه السلام بأن لا يدخل مكة الا باحرام فهو إلزام ما لم يأت في الشرع إلزامه *
وروينا عن ابن عباس لا يدخل أحد مكة الا محرما * وعن ابن عمر أنه رجع من بعض
الطريق فدخل مكة غير محرم * وعن ابن شهاب لا بأس بدخول مكة بغير إحرام، وقال
أبو حنيفة. أما من كان منزلة بحيث يكون الميقات بينه وبينها فلا يدخلها الا باحرام بعمرة
266

أو حجة، وأما من كان منزله بين الميقات ومكة أو كان من أهل الميقات فان دخول مكة
ولا إحرام، وقال مالك: لا يدخل أحد مكة الا باحرام إلا من اختلف من الطائف.
وعسفان بالحطب والفاكهة فله دخولها بلا احرام، وإلا العبيد فلهم دخولها بلا احرام،
وإلا من خرج منها، ثم رجع من قرب فله دخولها بلا احرام، وقال الشافعي: لا يدخلها
أحد الا باحرام، *
فأما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد لأنه تقسيم لا يعقل ولاله وجه، وفيه إيجاب حج وعمرة
لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله عليه السلام، وإنما يجب في الدين مرة في الدهر إلا من نذر ذلك
فيجب أن يفي بنذره بالنص. وقول مالك أيضا: كذلك سواء سواء، وما نعرف لهما في هذين
القولين سلفا أصلا، والعجب من احتياج من احتج في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
في مكة: (أنها حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لم تحل لاحد قبلي ولا تحل لاحد بعدي وإنما
أحلت لي ساعة من نهار، ثم عادت كحرمتها بالأمس) فليت شعري بأي شئ استحلوا
أن يوهموا في هذا الخبر ما ليس فيه أثر ولا دليل؟ وإنما أخبر عليه السلام أن سفك الدماء والقتال
حرام لم يحل لاحد قبله كما ذكرنا قبل هذا، وليس في هذا الحديث للاحرام معنى، وقد صح
أنه عليه السلام دخلها وعلى رأسه المغفر أو عمامة سوداء، وهو غير محرم وحتى لو لم يأت
هذا لكان في أنه لم يأت بايجاب الاحرام على من قصدها لغير حج، أو عمرة كفاية،
وبالله تعالى التوفيق *
905 - مسألة - ومن نذر أن يحج، أو يعتمر ولم يكن حج ولا اعتمر قط فليبدأ
بحجة الاسلام وعمرته لا يجزيه إلا ذلك ولا يجزيه أن يحج نا ويا للفرض ولنذره ولا لحجة فرض
وعمرة نذر، ولا لحجة نذر وعمرة فرض لان عقد الله ثابت عليه قبل نذره، فان أخر مما قدمه الله تعالى
فهو عاص والمعصية لا تنوب عن الطاعة ولا يجزى عمل واحد عن عملين مفترضين إلا حيث أجازه
النص وقد قد منا أن من ساق الهدى ففرض عليه ان يقرن، فالعمرة الموجبة عليه لسوق الهدى هي
غير التي نذر فلا يجزئه غير ما أمر به ولا يجزئه عمل عن عملين الا حيث أجازه النص، والقياس
باطل، وقد أجمعوا أنه لا تجزى صلاة عن صلاتين ووافقونا - نعنى الحاضرين من خصومنا -
على أنه لا يجزى صوم يو عن يومين، ولا رقبة عن رقبتين، ولا زكاة عن زكاتين
فتناقضوا، وبالله تعالى التوفيق *
وروينا عن ابن عمر انه سألته امرأة عمن نذر أن يحج ولم يكن حج بعد؟ فقال: هذه
حجة الاسلام وفي بنذرك * وعن أنس قال: يبدأ بالفريضة فيمن نذر ولم يكن حج بعد، وفي
هذا خلاف * روينا عن مجاهد. وسعيد بن جبير فيمن نذر أن يحج ولم يكن حج حجة الاسلام
267

قالا جميعا: تجزئه حجة الاسلام عنها جميعا، وقال محمد بن الحسن. وأبو يوسف: من
حج حجة الاسلام فنوى بعمله فرضه والتطوع معا انه يجزئه عن حجة الاسلام وتبطل
نية التطوع، فلو نذر أن يحج فحج ينوى نذره والتطوع معا، قال أبو يوسف: يجزئه عن
نذره فقط، وقال محمد: هي تطوع ولا تجزى عن النذر *
قال أبو محمد: العمل كله باطل لأنه لم يخلص النية لما لذمه كما أمر *
906 - مسألة - من أهدى هدى تطوع فعطب من الطريق قبل بلوغه مكة. أو
منى فلينحره وليلق قلائده في دمه وليخل بين الناس وبينه، وان قسمه بين الناس ضمن مثل
ما قسم فلو قال: شأنكم به أو نحو هذا فلا بأس، ولا يحل له أن يأكل هو ولا رفقاؤه
منه شيئا فمن أكل منهم منه أدى إلى المساكين لحما مثل ما أكل فقط، الغنم، والبقر، والإبل
في كل ذلك سواء، فان بلغ محله ففرض عليه أن يأكل منه ولا بد ويتصدق منه ولا بد،
وهكذا روينا عن طائفة من السلف *
روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان. ومعمر كليهما عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة
عن ابن عباس أنه قال في هدى التطوع يعطب: لينحره، ثم ليغمس نعله في دمه، ثم ليضرب
بالنعل صفحته فان أكل منه أو أمر بأكله غرم، فإن كان واجبا فعطب فلينحره، ثم ليغمس
نعله في دمه، ثم ليضرب بالنعل صفحته فان شاء أكل وان شاء أهدى وان شاء تقوى
به في ثمن أخرى * وعن عطاء مثل هذا كله، وعن ابن المسيب في التطوع مثله *
وروينا خلاف هذا من طريق حماد بن سلمة أخبرني حماد - هو ابن أبي سليمان -
عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد أن عائشة أم المؤمنين قالت في الهدى يعطب في الطريق:
كلوه ولا تدعوه للكلاب. والسباع فإن كان واجبا فاهدوا مكانه هديا وإن كان تطوعا فان
شئتم فلا تهدوا وان شئتم فاهدوا * ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع
عن ابن عمر أنه عطبت له بدنة تطوع فنحرها ابن عمرو أكلها ولم يهد مكانها *
ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عبد الكريم الجزري
عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا أهديت هديا - وهو تطوع - فعطب فانحره، ثم اغمس
النعل في دمه، ثم اضرب به صفحته، ثم كله ان شئت واهده ان شئت وتقوبه في هدى آخر *
وعن ابن مسعود إذا ساق الهدى تطوعا فعطب كل وأطعم وليس عليك البدل وهو قول
نافع أيضا * وعن سعيد بن جبير إذا عطب الهدى قبل محله فكل من التطوع ولا تأكل من
الواجب * وروينا قولا آخر عن سعيد بن المسيب قال: يدعها تموت *
فرجعنا إلى السنة فوجدنا ما روينا من طريق أبى داود نا مسددنا حماد عن أبي التياح عن
268

موسى بن سلمة (1) عن ابن عباس قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع فلان الأسلمي ثمان
عشرة بدنة فقال: أرأيت ان أزحف (2) على منها شئ فقال رسول الله عليه السلام: تنحرها
ثم تصبغ نعلها في دمها، ثم اضرب بها (3) على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل
رفقتك) * ومن طريق أبى داود نا محمد بن كثير نا سفيان - هو الثوري - عن هشام
ابن عروة عن أبيه عن ناجية الأسلمي (ان رسول الله عليه السلام بعث معه بهدى فقال: إن
عطب (منها شئ) (4) فانحره، ثم اصبغ نعله في دمه، ثم خل بينه وبين الناس)، فهذا
عموم لكل هدى *
قال أبو محمد: قال أبو حنيفة: له ان يتصدق بها وهذا خلاف أمر رسول الله عليه
السلام لأنه إذا تولى توزيعها فلم يخل بين الناس وبينها، وقال مالك: ان أكل منها شيئا
ضمن الهدى كله وهذا خطأ لان الله تعالى قال: (وجزاء سيئة سيئة ثملها) ومن الباطل المحال (5)
ان يأكل لقمة فيغرم عنها ناقة من أصلها، وهذا عدوان لاشك فيه، وقال أبو حنيفة. والشافعي.
وأبو سليمان: لا يغرم إلا مثل ما أكل، وهذا مما يتناقض فيه أبو حنيفة. ومالك فأخذا فيه
برواية ابن عباس وتركا رأيه الذي خالف فيه ما روى، وبالله تعالى التوفيق *
907 - مسألة - فإن كان الهدى عن واجب وهي ستة إهداء فقط لا سابع
لها، إما جزاء صيد. وإما هدى المتمتع. وإما هدى الاحصار. وإما نسك فدية الأذى.
وإما هدى من نذر مشيا إلى الكعبة فركب، وإما نذر هدى، وهذا الهدى ينقسم قسمين
قسم بغير عينه وقسم منذور بعينه، فان عطب الواجب قبل بلوغه محله فعل به صاحبه
ما شاء من بيع أو أكل أو هدية أو صدقة ويهدى ما وجب عليه ولا بد حاشا المنذور
بعينه فإنه ينحره ويتركه ولا يبدله لأنه إنما عليه في كل ما ذكرنا هدى واجب في ماله وذمته
فعليه أن يأتي به أبدا وما لم يؤده عما عليه فهو مال من ماله يفعل فيه ما شاء عطب أو لم يعطب،
وأما المنذور بعينه فهو خارج عن ماله لا حق له فيه وليس عليه أن يبدله إلا أن يتعدى عليه
فيهلكه فيضمنه بالوجه الذي نذره له لأنه اعتدى على حق غيره فعليه مثله، وأما من منع من
تحكم المرء في هديه ما لم يبلغه محله فمبطل بلا دليل وإنما خرج من ذلك التطوع يعطب قبل
محله بالنص الذي أوردنا، والتطوع ثلاثة اهداء لا رابع لها، من ساق هديا في قران

(1) في النسخة رقم (16) (عن ابن موسى ابن سلمة) وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب ج 10 ص 346
(2) هو بضم الهمزة مبنى للمجهول هكذا ضبطه الخطابي وفى صحيح مسلم (فاز حفت عليه) بفتح الهمزة وإسكان الزاي، قال العلامة النووي: كلاهما صحيح، معناه أعي وكل يقال: زحف البعير إذا خر على استه على الأرض من الاعياء وازحفه السيل إذا جهد وبلغ به هذا
الحال، والله أعلم
(3) في سنن أبي داود ج 2 ص 82 (ثم اضربها)
(4) الزيادة من سنن أبي داود، قال الحافظ المنذري: وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث ناجية حديث حسن صحيح
(5) في النسخة رقم (14) ومن المحال الباطل
269

أو في عمرة وهو لا يريد ان يحج من عامه، أو اهدى وهو لا يريد حجا ولا عمرة *
908 - مسألة - ويأكل من هدى التطوع إذا بلغ محله ولابد كما قلنا ولا
يحل له أن يأكل من شئ من الاهداء الواجبة إذا بلغت محلها فان أكل ضمن ثمل ما أكل
فقط ولا يعطى في جزارة الهدى شئ منه أصلا ويتصدق بجلاله وجلوده ولابد *
أما التطوع فلقول الله تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا
اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) الآية،
وأمر الله تعالى فرض *
ومن طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن جابر بن عبد الله فذكر حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جابر: (ثم انصرف
رسول الله عليه السلام إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر
وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا
من مرقها (1))، فهذا أمر منه عليه السلام بأخذ البضعة وطبخها ولم يقتصر على الاكل
من بعض الهدى دون بعض *
ومن طريق محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا عمران بن يزيد (2) نا شعيب
ابن إسحاق انا ابن جريج انا الحسن بن مسلم (3) ان مجاهدا أخبره أن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ان
يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها وجلالها في المساكين ولا يعطى في جزارتها منها شيئا) *
قال أبو محمد: من جعل بعض أوامره عليه السلام في كل ما ذكرنا فرضا وبعضها
ندبا فقد تحكم في دين الله تعالى بالباطل وبما لا يحل من القول *
وروينا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن
علقمة عن ابن مسعود انه بعث بهدى وقال: كل أنت وأصحابك ثلثا وتصديق بثلث وابعث
إلى آل عتبة ثلثا * ومن طريق وكيع عن ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال:

(1) تقدم للحديث ذكر غير مرة وهو في صحيح مسلم مطول جدا جمع فيه أحكام حج النبي عليه السلام انظر ج 1 ص 348
(2) في النسخة رقم (16) (عمران بن مزيد) وكذلك في النسخة رقم (14)، وفى النسخة اليمنية (مرثد) وهو غلط فيها كلها، والصواب ما هنا لأنه عمران بن خالد بن يزيد بن مسلم القرشي الطائي، ويقال عمران بن يزيد بن خالد) انظر تهذيب التهذيب ج 8 ص 129،
والحديث رواه النسائي في سننه الكبرى لافى المجتبى المطبوع لأنه غير موجود هذا الحديث فيه، ورواه مسلم في صحيحه ج 1 ص 371 عن محمد بن حاتم بن ميمون ومحمد بن مرزوق وعبد بن حميد قال عبد انا وقال الآخران نا محمد بن بكر انا ابن جريج الخ، وهو أيضا في
صحيح البخاري ج 2 ص 331 (1) في النسخ كلها (حسين بن مسلم) وهو غلط وهو الحسن بن مسلم بن يناق - بفتح التحتانية وتشديد النون آخره قاف، وجاء في صحيحي البخاري ومسلم صحيحا كما هنا تنبه فان التقليد في التصحيح جهل وضعف عقل فلا يغرنك اتفاق النسخ كلها على شئ هو في الواقع غلط وتصحيف
270

الضحايا والهدايا ثلث لا هلك وثلث لك وثلث للمساكين * وعن معمر عن عاصم عن أبي
مجلز ان ابن عمر أمر ان يدفع له من أضحيته بضعة ويتصدق بسائرها *
واختلف الناس فيما يؤكل من الهدى فروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: يؤكل من كل شئ الا من جزاء صيد ونذر *
وعن علي لا يؤكل من جزاء الصيد ولا من النذر ولا مما جعل للمساكين *
وعن معمر عن قتادة عن الحسن يؤكل من الهدى كله إلا من جزاء الصيد، وقال
الأوزاعي يؤكل من الهدى خمسة. النذر. المتعة. والتطوع. والوصية. والمحصر الا الكفارات
كلها، وقال أبو حنيفة، لا يؤكل من شئ من الهدى الا المتعة. والقران. والتطوع إذا
بلغ محله، وقال مالك: يؤكل من كل شئ من الهدى الا التطوع إذا لم يبلغ محله،
وجزاء الصيد. وفدية الأذى. ونذر المساكين *
قال أبو محمد: هذه آراء مجردة لا دليل على شئ منها، واحتج بعضهم بأنه يؤكل من
كل هدى الا ما جعل للمساكين فقلنا: وأين وجدتم ان جزاء الصيد للمساكين وان هدى
المتعة والاحصار ليس للمساكين؟، وقال بعضهم: قسنا هدى المتعة على هدى القران
فقلنا: أين وجدتم ان على القارن هديا يلزمه بعد قرانه؟ وقد مضى الكلام في هذا
وبالله تعالى التوفيق *
قال علي: كل هدى أوجبه الله تعالى فرضا فقد ألزم صاحبه اخراجه من ماله وقطعه منه
فإذ هو كذلك فلا يحل له ما قد سقط ملكه عنه الا بنص لكن يأكل منه أهله وولده ان شاؤوا
لأنهم غيره الا ما سمى للمساكين فلا يأكلوا منه ان لم يكونوا مساكين، وبالله تعالى التوفيق *
909 - مسألة - والأضحية للحاج مستحبة كما هي لغير الحاج، وقال قوم: لا يضحى الحاج *
روينا من طريق مسلم نا عمرو الناقد نا سفين بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محد عن
أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ولا نرى إلا الحج فذكرت
الحديث وفيه (فضحى رسول الله عليه السلام عن نسائه بالبقر) * ومن طريق البخاري نا مسدد
نا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) (2)
(أن النبي عليه السلام دخل عليها وقد (3) حاضت بسرف قبل ان تدخل مكة فأخبرته أنها
حاضت فقال لها عليه السلام: فاقضى ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت قالت: فلما
كنا بمنى أتيت بلحم بقر كثير فقلت: ما هذا؟ فقالوا: ضحى رسول الله عليه السلام عن

(1) في صحيح مسلم ج 1 ص 341 (مع النبي صلى الله عليه وسلم)
(2) الزيادة من البخاري ج 7 ص 181
(3) لفظ (قد) غير موجود في صحيح البخاري
271

نسائه (1) بالبقر) * ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر أنه
كأن يقول: الهدى ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة والا فإنما هي ضحايا * ومن طريق إسماعيل
ابن إسحاق نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد حدثني عبد الله بن الحسن بن أبي الحسن البصري
أن الحسن أباه تمتع فذبح شاتين شاة لمتعته وشاة لا ضحيته، وقد حض رسول الله عليه السلام
على الأضحية فلا يجوز ان يمنع الحاج من الفضل القربة إلى الله تعالى بغير نص في ذلك *
910 - مسألة - وان وافق الامام يوم عرفة يوم جمعة جهر وهي صلاة جمعة ويصلى
الجمعة أيضا بمنى وبمكة لان النص لم يأت بالنهي عن ذلك، وقال تعالى: (إذا نودي للصلاة
من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فلم يخص الله تعالى بذلك غير يوم عرفة
ومنى من عرفة ومنى *
وروينا من طريق محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا مسلم بن إبراهيم نا بشر
ابن منصور عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: إذا وافق يوم جمعة يوم عرفة جهر
الامام بالقراءة * وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء مثله وهو قول أبى سليمان *
فان ذكروا خبرا رويناه من طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن عبد العزيز بن عمر عن الحسن
ابن مسلم قال: وافق يوم التروية يوم الجمعة وحجة النبي عليه السلام فقال: (من استطاع
منكم ان يصلى الظهر بمنى فليفعل فصلى الظهر بمنى ولم يخطب) قال عبد العزيز: وفعل
عمر بن الخطاب مثل ذلك * وبه إلى إبراهيم بن أبي يحيى عن الحجاج بن أرطاة عن وبرة
قال: وافق يوم عرفة يوم جمعة فصلى ابن الزبير الظهر ولم يجهر بالقراءة فهذا خبر موضوع
فيه كل بلية، إبراهيم بن أبي يحيى مذكور بالكذب متروك من الكل، ثم هو مرسل،
وفيه عن ابن الزبير مع ابن أبي يحيى الحجاج بن أرطاة وهو ساقط، ثم الكذب فيه ظاهر
لان يوم التروية في حجة النبي عليه السلام إنما كان يوم الخميس وكان يوم عرفة يوم الجمعة *
روينا ذلك من طريق البخاري نا الحسن بن الصباح سمع جعفر بن عوف نا أبو العميس
أرنا قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب (ان هذه الآية (اليوم أكملت
لكم دينكم) نزلت على رسول الله عليه السلام وهو قائم بعرفة يوم جمعة)، (2)
(فان قيل): ان الآثار كلها إنما فيها جميع رسول الله عليه السلام بعرفة بين الظهر
والعصر قلنا: نعم وصلاة الجمعة هي صلاة الظهر نفسها وليس في شئ من الآثار أنه عليه

(1) في صحيح البخاري (عن أزواجه) والحديث اختصره المصنف رحمه الله تعالى وسبق للحديث ذكر قبل هذا
(2) هو في صحيح البخاري مطول اختصره المصنف واقتصر على محل الشاهر منه أنظره في ج 1 ص 31 من صحيح البخاري
طبع ادارتا
272

السلام لم يجهر فيها، والجهر أيضا ليس فرضا وإنما يفترق الحكم في أن ظهر يوم الجمعة في
الحضر والسفر للجماعة ركعتان *
911 - مسألة - ولا يجوز تأخير الحج والعمرة عن أول أوقات الاستطاعة لهما فمن
فعل ذلك فقد عصى وعليه ان يعتمر ويحج وهو قول مالك. وأبى سلمان، وقال الشافعي:
هو في سعة إلى آخر عمره *
برهان صحة قولنا قول الله عز وجل: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم)، وقال تعالى:
(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ولا خلاف في أن هذا متوجه إلى
كل مستطيع فلا يخلو المستطيع من أن يكون مفترضا عليه الحج أولا يكون مفترضا
عليه الحج، فإن كان مفترضا فهو مأمور به في عامه وهو قولنا. وهو ان لم يحج معطل
فرض وإن كان ليس مفترضا عليه الحج فهذا خلاف القرآن، وأيضا فإن كان مفسوحا
له إلى آخر عمره فإنما تلحقه الملامة بعد الموت، والملامة لا تلح تلحق أحدا بعد الموت فصح
أنه ملوم في حياته، فان احتجوا بأن النبي عليه السلام أقام بالمدينة عشر سنين
لم يحج الا في آخرها قلنا: لا بيان عندكم متى افترض الله تعالى الحج، وممكن ان لا يكون
افترض الا عام حج عليه السلام ومالا نص بينا فيه فلا حجة فيه الا اننا موقنون أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يدع الأفضل الا لعذر مانع، ولا يختلفون معنا في أن التعجيل أفضل، فان ذكروا
تأخير الصلاة إلى آخر وقتها قلنا: هذا جاء به النص فأوجدونا نصا بينا في جواز تأخير الحج
وهو قولكم حينئذ، ولا سبيل إلى هذا، وبالله تعالى التوفيق *
912 مسألة - وإنما تراعى الاستطاعة بحيث لو خرج من المكان الذي
حدثت له فيه الاستطاعة فيدرك الحج في وقته والعمرة، فان استطاع قبل ذلك العام كله
وبطلت استطاعته في الوقت المذكور لم يكن مستطيعا ولا لزمه الحج لأنه لم يكلف العمرة
والحج الا في وقت الحج فيكون قارنا، أو متمتعا *
913 - مسألة - فمن استطاع كما ذكرنا، ثم بطلت استطاعته أو لم تبطل فالحج
والعمرة عليه ويلزم أداؤهما عنه من رأس ماله قبل ديون الناس على ما ذكرنا في أول
كتاب الحج الذي نحن فيه: فإن لم يوجد من يحج عنه إلا بأجرة استؤجر عنه لقول النبي
عليه السلام: (دين الله أحق بالقضاء) (1) من (2) يحج عنه ويعتمر من ميقات من المواقيت
لا يلزم غير هذا إلا أن يوصى بأن يحج عنه من بلده فتكون الإجارة الزائدة على الحج

(1) في النسخة اليمنية (دين الله أحق ان يقضى) وهما روايتان كما في صحيح مسلم ج 1 ص 315
(2) هو نائب فاعل قوله استؤجر
273

من ميقات ما من الثلث لأنه عمل لا يلزم، ولو خرج المرء من منزله لحاجة نفسه لا ينوى
حجا، ولا عمرة فأتى الميقات فحينئذ لزمه الاحرام والدخول في عمل الحج لاقبل ذلك،
وجائز ان تحج المرأة عن الرجل والمرأة، والرجل عن المرأة والرجل لأمر النبي عليه
السلام الخثعمية أن تحج عن أبيها، وأمره عليه السلام الرجل أن يحج عن أمه، والرجل
أن يحج عن أبيه، ولم يأت نص ينهى عن شئ من ذلك، وقال تعالى: (وافعلوا الخير)
وهذا خير فجائز ان يفعله كل أحد عن كل أحد، وقولنا (1) هو قول أبى سليمان. والشافعي.
وغيرهما:، وقال أبو حنيفة: لا تجوز الإجارة على الحج وإنما يجوز أن يعطى ما لا ليحج
عن المحجوج عنه به فقط، واحتج في منع الإجارة في ذلك بأن قال قائلهم: لا تجوز الإجارة على
الطاعة ولا على المعصية *
قال أبو محمد: اما الإجارة على المعصية فنعم وأما على الطاعة فقولهم فيه باطل بل
الإجارة جائزة على الطاعة، وقد أمر عليه السلام بالمؤاجرة وأباحها وحض على اعطاء
الأجير أجره فكان هذا جائزا على كل شئ الا ما منع منه نص فقط، وهم مجمعون معنا على
جواز الإجارة في في بنيان المساجد، وعلى جواز الإجارة للإبل للحج عليها، وعلى جلاء
سلاح المجاهدين، وكل ذلك طاعة لله تعالى، فظهر تناقضهم، وتعقد الإجارة في كل ذلك
بأن تعطى دراهم في هدى المتعة، أوفى هدى يسوقه قبل الاحرام ليكون قارنا، ثم يوصف
له عمل الحج الذي استؤجر عليه كله من تحديد الميقات وعدد التلبية، ووقت الميقات
بعرفة، وصفة الركعتين عند المقام والتعجيل في يومين أو التأخير، فان حد العام فحسن
فإن لم يحج فيه لم يكن له من الإجارة شئ وبطل العقد، وان لم يحد العام فحسن وعليه
أن يحج في أول أوقات امكان الحج له ويجزى متى حج عنه كسائر الأعمال الموصوفة من
الخياطة وغيرها، وكل ما أصاب الأجير من فدية الأذى فهو عليه لاعلى المحجوج عنه
قان تعمد ابطال الحج، أو عمرته فلا شئ له من الأجرة لأنه لم يعمل شيئا مما أمر به
فلو عمل بعض عمل الحج، أو العمرة، ثم مرض أو مات، أو صد كان له بمقدار ما عمل
ولا يكون له الباقي لأنه قد عمل بعض ما أمر به كما أمر ولم يتعمد ترك الباقي ويكون هدى
الاحصار في ما المحصر لأنه ليس مما يعمل عن الميت فيستأجر عنه من يرمى الجمار،
أو يطوف عنه ويسعى ممن قد رمى عن نفسه وطاف عن نفسه وممن يحرم عنه ويقف بعرفة
والمزدلفة ويوفى عنه باقي عمل الحج إن كان لم يعمل من ذلك شيئا، ولا يجوز اعطاء مال
ليحج به عن الميت بغير أجرة لان المال قد يضيع فلا يلزم المدفوع إليه ضمان مال ولا عمل

(1) سقط لفظ (قولنا) من النسخة رقم (16) خطأ
274

حج فهو تضييع لمال الميت وهذا لا يجوز، فلو أعطاه حي ليحج به عنه كان عقدا غير لازم
حتى يتم الحج فإذا تم حينئذ استحق ما أعطى وأجزأ عن المعطى، بالله تعالى التوفيق *
ولا يجزى أن يستأجر من لم يحج ولا اعتمر إلا أن لا يكون مستطيعا حين استؤجر
يجوز حينئذ لأنه غير مستطيع للحج عن نفسه فلا يلزمه وهو مستطيع للحج عن غيره
بما يأخذ من الأجرة فاستئجاره لما يستطيع عليه جائز، بالله تعالى التوفيق *
914 - مسألة - والأيام المعدودات والمعلومات واحدة، وهي يوم النحر، وثلاثة
أيام بعده لقول الله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم
عليه ومن تأخر فلا إثم عليه)، والتعجيل المذكور والتأخير المذكور إنما هو بلا خلاف
من أحد في أيام رمى الجمار - وأيام رمى الجمار بلا خلاف هو يوم النحر وثلاثة أيام بعده -،
وقال تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات عل ما رزقهم من بهيمة الأنعام
) فهذه بلا شك أيام النحر التي تنحر فيها بهيمة الأنعام وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده *
روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبيد الله بن موسى نا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة
عن مقسم عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده أيام التشريق *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن
ابن عباس في قوله تعالى: (في أيام معدودات) قال: يوم النحر وثلاثة أيام بعده أيام
التشريق، وهذا قولنا، وقد روى غير هذا وقبل وبعد فذكر الله تعالى واجب في كل
يوم فلا يجوز تخصيص ذلك الا بنص، وأما بالدعوى وقول قائل قد خولف فلا، صح
عن ابن عباس. وسعيد بن جبير. وإبراهيم النخعي. ومجاهد. وعطاء. والحسن البصري
أن الأيام المعلومات عشر ذي الحجة آخرها يوم النحر وأن المعدودات ثلاثة أيام بعد
يوم النحر * روينا ذلك من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشم نا أبو بشر عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس، وعن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، وعن يحيى
ابن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم، وعن سفيان
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وعن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء، وعن
حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان *
وروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله نا عبيد الله بن موسى عن
ابن أبي ليلى عن زر. ونافع قال زر: عن علي بن أبي طالب، وقال نافع: عن ابن عمر،
ثم اتفق على. وابن عمر قالا جميعا: الأيام المعدودات يوم النحر ويومان بعده اذبح في
أيها شئت وأفضلها أولها * وروينا من طريق محمد بن المثنى نا حماد بن عيسى الجهني نا جعفر
275

ابن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال في أيام معدودات: أيام التشريق *
وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا ابن عجلان نا نافع عن ابن عمر أنه كان
يقول: الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده والمعدودات ثلاثة أيام بعد النحر فمن
تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه وبه يقول مالك: *
قال أبو محمد: ما نعلم له حجة الا تعلقه بابن عمر، وقد روينا عن ابن عمر خلاف
هذا وخالفه ابن عباس. وعلى فليس التعلق ببعضهم أولى من بعض، واحتج الآخرون
بأن قالوا: قد فرق الله تعالى بين أسميهما قلنا: نعم وجمع بين حكميهما في أنه أمر بذكره
عز وجل فقط وذكر الله تعالى لا يجوز ان يخص به يوم دون يوم، وكذلك لا يجوز
ان يخص بالنحر لله تعالى يوم دون يوم لأنه فعل خير وبر إلا بنص، ولا نص في تخصيص
ذلك، بالله تعالى التوفيق *
915 - مسألة - ونستحب الحج بالصبي وإن كان صغيرا جدا أو كبيرا وله
حج وأجر وهو تطوع وللذي يحج به أجر ويجتنب ما يجتنب المحرم ولا شئ عليه ان
واقع من ذلك مالا يحل له ويطاف به ويرمى عنه الجمار ان لم يطق ذلك ويجزى الطائف
به طوافه ذلك عن نفسه، وكذلك ينبغي ان يدربوا ويعلموا الشرائع من الصلاة والصوم
إذا أطاقوا ذلك ويجنبوا الحرام كله والله تعالى يتفضل بأن يأجرهم ولا يكتب عليهم
إثما حتى يبلغوا *
روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كريب
(مولى ابن عباس) (1) عن ابن عباس (ان امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا
فقالت: ألهذا حج؟ قال: نم ولك أجر) *
قال أبو محمد: والحج عمل حسن وقال الله تعالى: (انا لا نضيع أجر من أحسن عملا) *
(فان قيل): لا نية للصبي قلنا: نعم ولا تلزمه إنما تلزم النية المخاطب المأمور المكلف
والصبي ليس مخاطبا ولا مكلفا ولا مأمورا وإنما أجره تفضل من الله تعالى مجرد عله كما
يتفضل على الميت بعد موته ولا نية له ولا عمل بأن يأجره بدعاء ابنه له بعده وبما يعمله
غيره عنه من حج، أو صيام، أو صدقة ولافرق يفعل الله ما يشاء، وإذا الصبي قد رفع
عنه القلم فلا جزاء عليه في صيد ان قتله في الحرم، أو في إحرامه، ولا في حلق رأسه لأذى
به، ولاعن تمتعه ولا لاحصاره لأنه غير مخاطب بشئ من ذلك، ولو لزمه هدى للزمه
ان يعوض منه الصيام وهو في المتعة وحلق الرأس وجزاء الصيد وهم لا يقولون: هذا

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 379 والمصنف رحمه الله اختصر هذا الحديث
276

ولا يفسد حجه بشئ مما ذكرنا إنما هو ما عمل، أو عمل به أجر وما لم يعمل فلا إثم عليه،
وقد كان الصبيان يحضرون الصلاة مع رسول الله عليه السلام صحت بذلك آثار كثيرة
كصلاته بأمامة بنت أبي العاص، وحضور ابن عباس معه الصلاة، وسماعه بكاء الصبي
في الصلاة وغير ذلك، ويجزى الطائف به طوافه عن نفسه لأنه طائف وحامل فهما عملان
متغايران لكل واحد منهما حكم كما هو طائف وراكب، ولافرق *
916 - مسألة - فان بلغ الصبي في حال إحرامه لزمه ان يجدد إحراما ويشرع
في عمل الحج، فان فاتته عرفة أو مزدلفة فقد فاته الحج ولا هدى عليه ولا شئ، أما تجديده
الاحرام فلانه قد صار مأمورا بالحج وهو قادر عليه فلزمه ان يبتدئه لان أحرمه الأول
كان تطوعا والفرض أولى من التطوع *
917 - مسألة - من حج واعتمر، ثم ارتد، ثم هداه الله تعالى واستنقذه من
النار فأسلم فليس عليه ان يعيد الحج ولا العمرة وهو قول الشافعي وأحد قولي الليث: *
وقال أبو حنيفة. ومالك. وأبو سليمان: يعيد الحج والعمرة، واحتجوا بقول الله
تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) ما نعلم لهم حجة غيرها،
ولا حجة لهم فيها لان الله تعالى لم يقل فيها: لئن أشركت ليحبطن عملك الذي عملت قبل
أن تشرك، وهذه زيادة على الله تعالى لا تجوز وإنما أخبر تعالى أنه يحبط عمله بعد الشرك
إذا مات أيضا على شركه لا إذا أسلم وهذا حق بلا شك، ولو حج مشرك أو اعتمر،
أو صلى، أو صام، أو زكى لم يجزه شئ من ذلك عن الواجب، وأيضا فان قوله تعالى
فيها: (ولتكونن من الخاسرين) بيان ان المرتد إذا رجع إلى الاسلام (1) لم يحبط ما عمل
قبل في اسلامه أصلا بل هو مكتوب له ومجازي عليه بالجنة لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة
لأهم ولا نحن في أن المرتد إذا راجع الاسلام ليس من الخاسرين بل من المربحين المفلحين
الفائزين، فصح ان الذي يحبط عمله هو الميت على كفره مرتدا أو غير مرتد، وهذا
هو من الخاسرين بلا شك لامن أسلم بعد كفره أو راجع الاسلام بعد ردته، وقال
تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) فصح نص
قولنا: من أنه لا يحبط عمله ان ارتد الا بأن يموت وهو كافر، ووجدنا الله تعالى يقول:
(إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى). وقال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة
خيرا يره). وهذا عموم لا يجوز تخصيصه، فصح ان حجه وعمرته إذا راجع الاسلام
سيراهما ولا يضيعان له *

(1) في النسخة رقم (14) (إذا راجع الاسلام) وكذلك في النسخة اليمنية
277

وروينا من طرق كالشمس عن صالح بن كيسان. ويونس. ومعمر كلهم عن الزهري *
وروينا أيضا عن هشام بن عروة المعنى، ثم اتفق الزهري. وهشام كلاهما عن عروة
واللفظ للزهري قال: إنا عروة بن الزبير ان حكيم بن حزام أخبره (أنه قال لرسول الله
عليه السلام: أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة أو صلة
رحم أفيها أجر؟ فقال رسول الله عليه السلام: أسلمت على ما أسلفت من خير) *
قال أبو محمد: فصح ان المرتد إذا أسلم والكافر الذي لم يكن أسلم قط إذا أسلما فقد
أسلما على ما أسلفا من الخير، وقد كان المرتد إذا حج وهو مسلم قد أدى ما أمر به
وما كلف كما أمر به فقد أسلم الآن عليه فهو له كما كان، وأما الكافر يحج كالصابئين الذين
يرون الحج إلى مكة في دينهم، فان أسلم بعد ذلك لم يجزه لأنه لم يؤده كما أمر الله تعالى به
لان من فرض الحج وسائر الشرائع كلها أن لا تؤدى إلا كما أمر بها رسول الله محمد
ابن عبد الله عليه السلام في الدين الذي جاء به الذي لا يقبل الله تعالى دينا غيره، وقال
عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). والصابئ إنما حج كما أمره
يوراسف، أو هرمس فلا يجزئه، وبالله تعالى التوفيق، ويلزم من أسقط حجه بردته أن
يسقط احصانه وطلاقة الثلاث وبيعه وابتياعه وعطاياه التي كانت في الاسلام وهم لا يقولون
بهذا، فظهر فساد قولهم، بالله تعالى نتأيد *
918 - مسألة - ولا تحل لقطة في حرم مكة ولا لقطة من أحرم بحج، أو عمرة
مذ يحرم إلى أن يتم جميع عمل حجه الا لمن ينشدها ابدا لا يحد تعريفها بعام ولا بأكثر
ولا بأقل فان يئس من معرفة صاحبها قطعا متيقنا حلت حينئذ لواجدها بخلاف سائر اللقطات
التي تحل له بعد العام *
روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا الوليد بن مسلم نا الأوزاعي نا يحيى
ابن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثني أبو هريرة (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وأنها لم تحل
لاحد قبلي وإنما (1) أحلت لي ساعة من نهار وأنها لن تحل لاحد بعدي فلا ينفر صيدها
ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها الا لمنشد) وذكر باقي الحديث *
قال أبو محمد: ليست هذه إلا صفة الحرم لا الحل * ومن طريق البخاري نا عثمان بن أبي شيبة
نا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس (رضي الله عنهما) (2) (أن
رسول الله عليه السلام قال يوم فتح مكة: هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض

(1) في صحيح مسلم ج 1 ص 384 (لن تحل لاحد كان قبلي وإنها) الخ
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 3 ص 39
278

هو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)، ثم ذكر كلاما وفيه (فلا يلتقط لقطته الا من
عرفها) وذكر الحديث. فأحلها عليه السلام للمنشد وأوجب تعريفها بغير تحديد، وقال
عليه السلام: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) واللقطة هي غير مال الملتقط فهي
عليه حرام، والتعريف إنما هو ليوجد من يعرفها أو صاحبها فهذا الحكم لازم، فإذا يئس
بيقين عن معرفة صاحبها سقط التعريف إذ من الباطل تعريف ما يوقن أنه لا يعرف،
وإذا سقط التعريف حلت حينئذ بالنص لمنشدها * ومن طريق أبى داود نا أحمد بن صالح
نا ابن وهب انا عمرو بن الحارث عن بكير - هو ابن عبد الله بن الأشج - عن يحيى
ابن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي (أن رسول الله عليه السلام
نهى عن لقطة الحاج) (1) *
قال أبو محمد: الحاج هو من هو في عمل الحج وأما قبل ان يشرع في العمل فهو مريد
للحج وليس حاجا بعد، وأما بعد إتمامه عمل الحج فقد حج وليس حاجا الآن وإنما سمى
حاجا مجازا كما أن الصائم، أو المصلى، أو المجاهد إنما هو صائم، ومصل، ومجاهد
ما دام في عمل ذلك، وكذلك كل ذلك. ونهيه عليه السلام عن لقطته لا يخلوا من أحد
وجهين لا ثالث لهما، إما أن يكون نهى عليه السلام عن أخذها أو نهى عن تملكها فأما
أخذها فقد قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى). ونهى عليه السلام عن إضاعة
المال، وتركها إضاعة لها بلا شك، وحفظها تعاون على البر والتقوى، فصح أنه إنما
نهى عليه السلام عن تملكها (2)، وأيضا فإنه عليه السلام لم ينه عن حفظها ولاعن تعريفها
وإنما نهى عنها بعينها هذا نص الحديث، فصح أنه إنما نهى عن تملكها فإذا يئس عن معرفة
صاحبها بيقين فكل مال لا يعرف صاحبه فهو لله تعالى، ثم في مصالح عباده، والملتقط
أحدهم وهي في يده فهو أحق بها ولا يتعدى به إلى غيره الا ببرهان، وحكم المعتمر كحكم
الحاج لقوله عليه السلام: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، بالله تعالى التوفيق *
919 - مسألة - ومكة أفضل بلاد الله تعالى نعنى الحرم وحده وما وقع عليه اسم
عرفات فقط، وبعدها مدينة النبي عليه السلام نعنى حرمها وحده، ثم بيت المقدس نعنى
المسجد وحده، هذا قول جمهور العلماء، وقال مالك: المدينة أفضل من مكة، واحتج

(1) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 69
(2) وهذا مذهب الجمهور، قالوا: وإنما إختصت لقطة الحاج بذلك لامكان ايصالها
إلى أربابها إن كانت لمكي فظاهر، وإن كانت لآفاقي فلا يخلو في الغالب من وارد منه إليها فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها قال ابن بطال: وقال جماعة هي كغيرها من البلاد وإنما تختص مكة بالمبالغة بالتعريف لان الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود فاحتاج الملتقط إلى المبالغة في التعريف بها والظاهر القول الأول وان حديث أبي داود بحديث أبي هريرة بأنه لا يحل لقطتها الا لمنشد فالذي اختصت به لقطة مكة انها لا تلتقط الا للتعريف بها ابدا فلا يجوز للتملك والله أعلم
279

مقلدوه بأخبار ثابتة * منها قوله عليه السلام (ان إبراهيم حرم مكة ودعا لها وانى حرمت
المدينة كما حرم إبراهيم مكة وانى دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة) *
قال أبو محمد: هذا لا حجة لهم فيه لأنه لا دليل فيه على فضل المدينة على مكة أصلا
وإنما فيه أنه عليه السلام حرمها كما حرم إبراهيم مكة ودعا لها كما دعا إبراهيم لمكة فقط،
وهذا حق وقد دعا عليه السلام للمسلمين كلهم كما دعا لأبي بكر. وعمر. ولأصحابه رضي الله عنهم
فهل في ذلك دليل على فضلنا عليهم أو على مساواتنا لهم في الفضل؟ هذا مالا
يقوله ذو عقل، وقد حرم عليه السلام الدماء والاعراض والأموال وليس في ذلك دليل
على فضل، واحتجوا بخبر آخر صحيح أنه عليه السلام كأن يقول: (اللهم بارك لنا في
تمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا ومدنا اللهم ان إبراهيم عبدك وخليلك
ونبيك وأنه دعاك لمكة وانى أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه) وبخبر
صحيح فيه (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة) وهذا لا حجة فيه
في فضل المدينة على مكة وإنما فيه الدعاء للمدينة بالبركة، ونعم هي والله مباركة، وإنما دعا إبراهيم
لمكة بما أخبر به تعالى إذ يقول: (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من
الثمرات)، ولا شك في أن الثمار بالمدينة أكثر مما بمكة، ولا شك في أن النبي عليه
السلام لم يدع للمدينة بأن تهوى أفئدة الناس إليها أكثر من هويها إلى مكة لان الحج إلى
مكة لا إلى المدينة، فصح أن دعاءه عليه السلام للمدينة بمثل ما دعا به إبراهيم لمكة ومثله
معه إنما هو في الرزق من الثمرات وليس هذا من باب الفضل في شئ * ومنها قوله عليه
السلام (المدينة كالكير تنفى خبثها وينصع (1) طيبها، وإنما تنفى الناس كما ينفى الكير
خبث الحديد) ولا حجة فيه في فضلها على مكة لان هذا الخبر إنما هو في وقت دون وقت،
وفي قوم دون قوم، وفي خاص لافى عام *
برهان ذلك أنه عليه السلام لا يقول: إلا الحق، ومن أجاز على النبي عليه السلام
الكذب فهو كافر، وقال الله تعالى: (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن
نعلمهم)، وقال تعالى: (ان المنافقين في الدرك الأسفل من النار)، فصح أن المنافقين
أخبث الخلق بلا خلاف من أحد من المسلمين وكانوا بالمدينة، وكذلك قد خرج على.
وطلحة. والزبير. وأبو عبيدة بن الجراح. معاذ. وابن مسعود عن المدينة وهم من
أطيب الخلق رضي الله عنهم بلا خلاف من مسلم حاشا الخوارج في بغضهم، فصح يقينا

(1) قال الجوهري في الصحاح: الناصع الخالص من كل شئ: ابيض ناصع واصفر ناصع وقال ابن الأثير في النهاية
(وتنصع طيبها) أي تخلصه، ويروى (ينصع) أي يظهر
280

لا يمتري فيه الا مستخف بالنبي عليه السلام أنه عليه السلام لم يعن بالمدينة تنفى الخبث
إلا في خاص من الناس، وفي خاص من الزمان لا عام *
وقد جاء كلامنا هذا نصا كما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا عبد العزيز
يعنى الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في حديث: (ألا ان المدينة كالكير يخرج الخبث (1) لا تقوم الساعة حتى تنفى
المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد) * ومن طريق أحمد بن شعيب نا إسحاق
ابن إبراهيم هو ابن راهويه - نا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله
ابن أبي طلحة عن أنس بن مالك (أن رسول الله عليه السلام قال: ليس بلد الا سيطؤه الدجال
الا المدينة ومكة على كل نقب من أنقاب المدينة الملائكة صافين يحرسونها فينزل السبخة
فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج إليه منها كل منافق وكافر) (2) وهذا نفس قولنا وليس
في هذا كله انها أفضل من مكة لا بنص. ولا بدليل * ومعنى قوله عليه السلام (ما من
بلد إلا سيطؤه الدجال الا مكة والمدينة) إنما هو سيطؤه أمره وبعوثه لا يمكن غير هذا،
وسكان المدينة اليوم أخبث الخبث وإنا لله وإنا إليه راجعون على مصيبتنا في ذلك، فبطل
تمويههم بهذا الخبر *
ومنها قوله عليه السلام (يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون (3) بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة
خير لهم لو كانوا يعلمون) وذكر مثل هذا حرفا حرفا في فتح الشام، وفتح العراق،
وقوله عليه السلام (يأتي على الناس زمان يدعوا الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء
هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون والذي نفسي بيده لا يخرج أحر منهم
رغبة عنها الا أخلف الله فيها خيرا منه) *
قال أبو محمد: إنما أخبر عليه السلام بأن المدينة خير لهم من اليمن. والشام. والعراق.
وبلاد الرخاء وهذا لاشك فيه وليس فيه فضلها على مكة ولا ذكر لمكة أصلا *
وأما اخباره عليه السلام أيضا بأن المدينة خير من هذه البلاد لهم فإنما هو أيضا في
خاص لا عام وهو من خرج عنها طلب رخاء، أو لعرض دنيا، وأما من خرج عنها
لجهاد. أو لحكم بالعدل، أو لتعليم الناس دينهم فلا، بل الذي خرجوا له أفضل من
مقامهم بالمدينة *

(1) في صحيح مسلم ج 1 ص 389 (يخرج الخبيث)
(2) لم أجده في سنن النسائي وهو في صحيح البخاري ج 3 ص 53
(3) قال الجوهري في الصحاح البس السوق اللين وفد بسست الإبل ابسها بالضم وقال في الغريبين يقال في زجر الدابة إذا سقتها بس بس وهو زجر السوق في كلام أهل اليمن وفيه لغتان بسست وابسست وقال في النهاية: يقال: بسست الناقة وابسستها إذا سقتها وزجرتها و
قلت لها: بس بس بكسر الباء وفتحها
281

برهان ذلك خروجه عليه السلام عنها للجهاد وأمره الناس بالخروج معه والوعيد
على من تخلف بالمدينة لغير عذر هذا مالا شك فيه، وكذلك بعثته عليه السلام أصحابه
إلى اليمن. والبحرين. وعمان للدعاء إلى الاسلام. وتعليم القرآن. والسنن وهو عليه
السلام يقول: (الدين النصيحة) فبلا شك أنه قد نصحهم في اخراجهم لذلك، فصح
قولنا: وبطل أن يكون لهم متعلق في هذا في دعواهم فضل المدنية على مكة *
وأما قوله عليه السلام (لا يخرج أحد منهم رغبة عنها) فهذا الحق وعلى من يرغب
؟؟ المدينة لعنة الله فما هو بمسلم، وكذلك بلا شك من رغب عن مكة وليس في هذا
فضل لها على مكة
ومنها قوله عليه السلام: (أمرت بقرية تأكل القرى) وهذا إنما فيه ان من المدينة
تفتح الدنيا وليس في هذا فضل لها على مكة وقد فتحت خراسان. وسجستان. وفارس.
وكرمان من البصرة وليس ذلك دليلا على فضل البصرة على مكة *
ومنها قوله عليه السلام (إن الايمان يأرز (1) إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها)
وهذا ليس فيه فضلها على مكة وإنما هو خبر عن وقت دون وقت بلا شك *
وبرهان ذلك أنه عليه السلام لا يقول: الا الحق وهو اليوم بخلاف ذلك فوا حزناه
ووا أسفاه وما الاسلام ظاهرا الا في غيرها ونسأل الله اعادتها إلى أفضل ما كانت عليه
بعده عليه السلام، وقد جاء هذا الخبر بزيادة كما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن رافع
نا شبابة بن سوار نا عاصم - هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب - عن أبيه عن
جده عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الاسلام بدا غريبا وسيعود
غريبا كما بدا وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى حجرها (2)) ففي هذا أن
الايمان يأرز بين مسجد مكة ومسجد المدينة *
ومنها حديث أنس (أن رسول الله عليه السلام كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات (3)
المدينة أو ضع راحلته من حبها)، وهذا ليس فيه إلا أنه عليه السلام كان يحبها ونعم
هذا حق وليس فيه أنه كان يحبها أكثر من حبه مكة ولا أنها أفضل من مكة *
ومنها قوله عليه السلام: (لا يكيد أحد أهل المدينة إلا أنماع (4) كما ينماع الملح في الماء) *
ومنها قوله عليه السلام (لا يريد أحد أهل المدينة بسوء الا أذابه الله في النار ذوب
الرصاص أو ذوب الملح في الماء ومن أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة

(1) قال في الغريبين أي ينضم إليها ويجتمع بعضها إلى بعض فيها يقال ارزت الحية تأرز اروزا، وكذلك قال صاحب النهاية
(2) في صحيح مسلم ج 1 ص 52 في جحرها
(3) هو بضمتين جمع جدر جمع جدار افاده صاحب مجمع البحار، وقوله بعد (أوضع
راحلته) أي حملها على سرعة السير
(4) قال في النهاية: ماع الشئ يميع وان ماع إذا ذاب وسال
282

والناس أجمعين لا يقبل كالله منه صرفا ولا عدلا) (1)، وقوله عليه السلام مثل هذا فيمن
أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا وهذا صحيح، وإنما فيه الوعيد على من كاد أهلها ولا يحل
كيد مسلم فليس فيه أنها أفضل من مكة، وقد قال تعالى عن مكة: (ومن يدر فيه بالحاد
بظلم نذقه من عذاب أليم) فصح الوعيد على من ظلم بمكة كالوعيد على من كاد أهل المدينة *
ومنها قوله عليه السلام: (لا يثبت أحد على لأوائها (2) وشدتها الا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم
القيامة) فإنما في هذا الحض على الثبات على شدتها وأنه يكون لهم شفيعا وليس في هذا دليل على فضلها
على مكة، وقد صح أنه عليه السلام يشفع لجميع أمته، وقد قال عليه السلام (العمرة إلى العمرة
كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة)، وهذا لا يكون الا بمكة فهذا
أفضل من الشفاعة التي يدخل فيها كل بر وفاجر من المسلمين * ومنها قوله عليه السلام:
(اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) فليس في هذا دليل على فضلها على مكة
وإنما دعا عليه السلام بهذا كما ترى في أحد الامرين. اما ان يحببها إليهم كحبهم مكة. وإما
أشد من حبهم مكة. والله أعلم أي الامرين أجيب به دعاؤه عليه السلام، وحب البلد
يكون للموافقة والألفة وليس في هذا فضل على مكة * ومنها قوله عليه السلام: (لقاب
قوس (3) أحدكم من الجنة أو موضع قيد - يعنى سوطه - خير منم الدنيا وما فيها)، وقوله
عليه السلام: (بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي) وأرادوا
أن يثبتوا من هذا ان مكة من الدنيا فموضع قاب قوس من تلك الروضة خير من مكة
فليس هذا كما ظنوه، ولو كان كذلك لكانت مصر والكوفة وهيت خيرا من مكة. والمدينة *
وروينا عن مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا محمد بن بشر نا عبيد الله - هو ابن عمر -
عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه
السلام: (سيحان. وجيحان. والفرات. والنيل كل من أنهار الجنة) (4) وهذا مالا يقوله مسلم:
ان هذه البلاد من أجل ما فيها من أنهار الجنة خير من مكة والمدينة *
قال أبو محمد: وهذان الحديثان ليس على ما يظنه أهل الجهل من أن تلك الروضة
قطعة منقطعة من الجنة وأن هذه الأنهار مهبطة من الجنة هذا باطل وكذب لان
الله تعالى يقول في الجنة: (إن لك ان لا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)
فهذه صفة الجنة بلا شك وليست هذه صفة الأنهار المذكورة ولا تلك الروضة،
ورسول الله عليه السلام لا يقول الا الحق، فصح أن كون تلك الروضة من الجنة إنما

(1) قال في الغريبين روى عن مكحول أنه قال: الصرف التوبة والعدل الفدية وقال غيره: الصرف النافلة والعدل الفريضة
(2) اللاواء الشدة وضيق المعيشة
(3) قال في الصحاح قاب قوى وقيب قوس وقاد قوس وقيد قوس أي قدر قوس وألقاب ما بين
المقبض والسنة ولكل قوس قابان اه‍
(4) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 351
283

هو أفضلها، وان الصلاة فيها تؤدى إلى الجنة وإن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى
الجنة كما تقول في اليوم الطيب هذا من أيام الجنة، وكما قيل في الضأن أنها من دواب
الجنة، وكما قال عليه السلام (إن الجنة تحت ظلال السيوف) فهذا في أرض الكفر
بلا شك وليس في هذا فضل لها على مكة، ثم لو صح ما أدعوه وظنوه لما كان الفضل
الا لتلك الروضة خاصة لا لسائر المدينة وهذا خلاف قولهم، (فان قالوا): ما قرب منها
أفضل مما بعد قلنا: يلزمكم على هذا ان الجحفة وخيبر ووادي القرى أفضل من مكة
لأنها أقرب إلى تلك الروضة من مكة، وهذا لا يقولونه ولا يقوله ذو عقل، فبطل
تظننهم ولله الحمد، *
وسبحان من جعل هؤلاء القوم يتأولون الاخبار الصحاح بلا برهان! مثل (البيعان
بالخيار حتى يتفرقا) ومثل (لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود) وغير
ذلك، ثم يأتون إلى الاخبار التي قد صح البرهان من القرآن ومن ضرورة الحس على أنها
ليست على ظاهرها فيريدون حملها على ظاهرها ان هذا لعجب لا نظير له، فبطل تعلقهم
بهذا الخبر ولله الحمد *
وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني نا موسى
ابن داود عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (أن
رسول الله عليه السلام (1) قال: الحجر الأسود من الجنة) فهذا بمكة فالذي بمكة من
هذا كالذي للمدينة إذ في كل واحدة منهما شئ من الجنة *
ومنها قوله عليه السلام: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه
إلا المسجد الحرام) *
قال أبو محمد: تأولوا هم ان الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة
بدون الألف، وقلنا نحن: بل هذا الاستثناء لان الصلاة في المسجد الحرام أفضل من
الصلاة في مسجد المدينة *
قال على: فكلا التأويلين محتمل نعم وتأويل ثالث وهو الا المسجد الحرام فان الصلاة
في كليهما سواء ولا يجوز المصير إلى أحد هذه التأويلات دون الاخر الا بنص آخر،
وبطل أن يكون في هذا الخبر بيان في فضل المدينة على مكة، بالله تعالى التوفيق *
ومنها قوله عليه السلام (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)
وهذا ليس فيه فضلها على مكة لأنه عليه السلام قد أخبر ان مكة لا يدخلها الدجال أيضا

(1) في سنن النسائي ج 5 ص 226 (ان النبي صلى الله عليه وسلم)
284

والله تعالى يصرفه عنها كما تصرفه؟ عن المدينة والملائكة تنزل على المصلين في كل بلد كما أخبر
عليه السلام (أنه يتعاقب فينا ملائكة بالليل والنهار) *
ومنها قوله عليه السلام (هي طيبة) ونعم هي والله طيبة وليس في هذا فضل لها
على مكة أصلا *
فهذا كل ما احتجوا به من الاخبار الصحاح ما لهم خبر صحيح سوى هذه، وكلها
لا حجة في شئ منها على فضل المدينة على مكة أصلا على ما بينا، والحمد لله رب العالمين *
واحتجوا عمن دون رسول الله عليه السلام بالخبر الصحيح ان عمر قال لعبد الله
ابن عياش بن أبي ربيعة: أنت القائل لمكة خير من المدينة فقال له عبد الله: هي حرم
الله وأمنه، وفيها بيته فقال له عمر: لا أقول في حرم الله وأمنه شيئا أنت القائل: لمكة
خير من المدينة فقال عبد الله: هي حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال له عمر: لا أقول في
حرم الله وأمنه شيئا، ثم انصرف *
قال أبو محمد: هذا حجة عليهم لالهم لان عبد الله بن عياش لم ينكر لعمر أنه قال ما قرره
عليه بل احتج لقوله ذلك بما لم يعترض فيه عمر، فصح ان عبد الله بن عياش - وهو صاحب -
كأن يقول: مكة أفضل من المدينة وليس في هذا الخبر اعن عمر لا أن مكة أفضل ولا أن
المدينة أفضل: وإنما فيه تقريره لعبد الله على هذا القول فقط، ونحن نوجدهم عن عمر
تصريحا بأن مكة من المدينة *
حدثنا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري نا سعيد بن نصر نا قاسم بن اصبغ نا
محمد بن وضاح نا حامد بن يحيى البلخي نا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد أرنا سليمان
ابن عتيق قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة
في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي عليه السلام) وهذا سند كالشمس
في الصحة، فهذان صاحبان لا يعرف لهما من الصحابة مخالف ومثل هذا حجة عندهم *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب
قال: من نذر ان يعتكف في مسجد إيليا فاعتكف في مسجد النبي عليه السلام بالمدينة
أجزأ عنه ومن نذر ان يعتكف في مسجد النبي عليه السلام فاعتكف في المسجد الحرام
أجزأ عنه، فهذا سعيد فقيه أهل المدينة يصرح بفضل مكة على المدينة *
قال أبو محمد: واحتجوا باخبار موضوعة يجب التنبيه عليها والتحذير منها * منها خبر رويناه
أن النبي عليه السلام قال في ميت رآه: دفن في التربة التي خلق منها، قالوا: والنبي عليه
السلام دفن بالمدينة فمن تربتها خلق وهو أفضل الخلق فهي أفضل البقاع، وهذا خبر
285

موضوع لان في أحد طريقيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ساقط بالجملة قال فيه يحيى
ابن معين: ليس بثقة وهو بالجملة متفق عن اطراحه، ثم هو أيضا عن أنيس بن يحيى
مرسل ولا يدرى من أنيس بن يحيى، والطريق الأخرى من رواية أبى خالد وهو مجهول
عن يحيى البكاء وهو ضعيف، ثم لو صح لما كانت فيه حجة لأنه إنما كأن يكون الفضل
لقبره عليه السلام فقط والا فقد دفن فيها المنافقون وقد دفن الأنبياء عليهم السلام من
إبراهيم. وإسحاق. ويعقوب. وموسى. وهارون. وسليمان. وداود عليهم السلام وغيرهم
بالشام ولا يقول مسلم: إنها بذلك أفضل من مكة *
ومنها (افتتحت المدائن بالسيف وفتحت المدينة بالقرآن). وهذا أيضا من رواية
محمد الحسن بن زبالة المذكور بوضع الحديث، وهذا منم وضعه بلا شك لأنه رواه
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي عليه السلام، ومثل هذا الشارع
العجيب لا يجوز ان يسلك إليه إلا مثل هذه المزبلة، وهذا إسناد لا ينفرد بمثله الا ابن زبالة
دون سائر من روى عن مالك من الثقات، ثم لو صح لما كانت فيه حجة في فضلها على
مكة لان البحرين وأكثر مدائن اليمن كصنعاء والجند (1) وغيرها لم تفتح بسيف الا بالقرآن
فقط وليس ذلك بموجب فضلها على مكة عند أحد من المسلمين *
ومنها (ما على الأرض بقعة أحب إلى أن يكون قبري فيها منها) وهذا من رواية
الكذاب محمد بن الحسن بن زبالة عن مالك عن يحيى بن سعيد مرسل، ثم لو صح لما
كنت فيه حجة في فضلها على مكة لان رسول الله عليه السلام كره للمهاجرين
وهو سيدهم ان يرجعوا إلى مكة ليحشروا غرباء مطرودين عن وطنهم في الله تعالى
حتى أنه عليه السلام رثى لسعد بن خولة ان مات بمكة ولم يجعل للمهاجرين بعد تمام نسكه
أن يبقى بمكة الا ثلاث ليال فقط، فإذ خرجت مكة بهذه العلة عن أن يدفن فيها النبي
عليه السلام فالمدينة أفضل البقاع بعدها بلا شك *
روينا من طريق البزار نا محمد بن عمر بن هياج نا الفضل بن دكين أبو نعيم نا محمد بن
قيس عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أبى موسى قال: مرض سعد بمكة
فأتاه النبي عليه السلام يعوده فقال له: (يا رسول الله أليس (2) تكره أن يموت الرجل في
الأرض التي هاجر منها؟ قال: بلى) وذكر باقي الخبر، فهذا نص ما قلنا، * والحمد لله رب العالمين *
ومنها (اللهم انك أخرجتني من أحب بلادك إلى فأسكني أحب البلاد إليك) وهذا
موضوع من رواية محمد بن الحسن بن زبالة المذكور عن محمد بن إسماعيل عن سليمان بن بريدة
وغيره مرسل *

(1) هو بفتحات من مدن اليمن العظيمة
(2) في النسخة رقم (16) (الست)
286

ومنها المدينة خير من مكة، هكذا تصريح رويناه من طرق، أحدها من رواية محمد بن
الحسن بن زبالة صاحب هذه الفضائح كلها المنفرد بوضعها عن يحيى بن عبد الرحمن عن عمرة
بنت عبد الرحمن عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: * والثاني من طريق محمد
ابن عبد الرحمن بن الرداد بن عبد الله بن شريح بن مالك القرشي عن يحيى بن سعيد الأنصاري
عن عمرة بنت عبد الرحمن عن رافع بن خديج عن النبي عليه السلام، ومحمد بن عبد الرحمن
هذا مجهول لا يدريه أحد * والثالث من طريق عبد الله بن نافع الصايغ صاحب مالك عن محمد
ابن عبد الرحمن بن الرداد المذكور عن يحيى بن سعيد عن عمرة قال رافع: قال رسول الله عليه
السلام، وعبد الله بن نافع هذا ضعيف بلا خلاف، وابن الرداد مجهول، ومثل هذا
الشارع العجيب لا يجوز أن يسلك عليه الا على هذه الزوايغ الوحشة *
وهذا الخبر رويناه من طريق مسلم باسناد في غاية الصحة قال مسلم (نا عبد الله بن مسلمة
القعنبي نا سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم قال: خطب مروان فذكر مكة
وأهلها وحرمتها (ولم يذكر المدينة وأهلها وحرمتها) (1) فناداه رافع بن خديج (فقال) (2) أسمعك
ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها.، وقد حرم رسول الله عليه
السلام ما بين لابتيها (3) وذلك عندنا في أديم خولاني (4) ان شئتم أقرأتكم (5) فقال
مروان: قد سمعت بعض ذلك) *
قال أبو محمد: فهكذا كان الحديث فبدله أهل الزيغ عصبية عجل الله تعالى لهم بها الفضيحة
في الكذب على رسول الله عليه السلام وصفة الحماقة، ونعوذ بالله من كل ذلك *
قال على: هذا كل ما موهوا به قد أوضحناه. بالله تعالى التوفيق، ثم نورد الآثار الصحيحة
والبراهين الواضحة في فضل مكة على المدينة وغيرها، أول ذلك حبس الله تعالى الفيل عنها
وإهلاكه جيش راكبه إذ أراد غزو مكة، ثم قول رسول الله عليه السلام في غزوة الحديبية إذ
بركت ناقته فقال الناس: خلات (6) فقال النبي عليه السلام: (ما خلات ولا هولها بخلق
ولكن حبسها حابس الفيل) وقال تعالى: (ومن دخله كان آمنا) وقال تعالى: (ان أول
بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين) وقال تعالى: (ان الصفا والمروة من شعائر

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 385
(2) الزيادة من صحيح مسلم
(3) هي تثنية لابة وهي الأرض الملبسة حجارة سوداء وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما، ويقال: لابة ولوبة ونوبة بالنون ثلاث لغات مشهورات، افاده النووي في شرح مسلم
(4) الأديم الجلد المدبوغ، والخولاني نسبة إلى خولان وهو مخلاف من مخاليف اليمن، وأيضا اسم قرية كانت بقرب دمشق: يريد رافع ان حديث تحريم المدينة محفوظ عندنا بالكتابة في جلد مدبوغ منسوب إلى خولان، ولعل أديم تلك النواحي في ذلك الزمان كان من أنعم وأحسن الجلود التي يكتبون فيها والله أعلم
(5) كذا في جميع النسخ بصيغة الجمع، وفى صحيح مسلم (ان شئت اقرأ تكه) وهو
ظاهر السياق
(6) أي حرنت ولم تمش
287

الله) وقال تعالى: (ثم محلها إلى البيت العتيق) وقال تعالى: (أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين
والركع السجود) ثم جعل الله تعالى فيها تمام الصلاة. والحج. والعمرة، فهي القبلة التي
لاتقبل صلاة الا بالقصد نحوها، واليها الحج المفترض. والمعرة المفترضة، وإنما فرضت
الهجرة إلى المدينة ما لم تفتح مكة فلما فتحت بطلت الهجرة، فهذه الفضيلة لمكة ثم للمدينة،
وأمر عليه السلام أن لا يسفك فيها دم، وأخبر أن الله تعالى حرمها يوم خلق السماوات
والأرض ولم يحرمها الناس، ونهى عليه السلام، ونهى عليه السلام أن يستقبلها أحد أو يستدبرها ببول أو غائط *
روينا من طريق البخاري نا محمد بن عبد الله نا عاصم بن علي نا عاصم بن محمد - هو ابن زيد بن
عبد الله بن عمر بن الخطاب - عن واقد بن محمد - هو أخوه - قال: سمعت أبي - هو محمد بن زيد - قال:
قال عبد الله بن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة؟
قالوا: ألا شهرنا هذا؟ قال: (الا) (1) أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: الا بلدنا هذا
قال: (الا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا قال) (2) فان الله تعالى حرم
عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم الا بحلقها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا من شهركم هذا
ألا هل بلغت، ثلاثا كل ذلك يجيبونه الأنعم) (3) *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية - هو محمد بن حازم الضرير - عن الأعمش عن أبي صالح
السمان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله عليه السلام في حجته: (أتدرون أي يوم
أعظم حرمة؟ فقلنا: يومنا هذا قال: فأي بلد أعظم حرمة؟ فقلنا: بلدنا هذا) ثم ذكر مثل
حديث ابن عمر، فهذان جابر. وابن عمر يشهدان أن رسول الله عليه السلام قرر الناس على
أي بلد أعظم حرمة فأجابوه بأنه مكة وصدقهم في ذلك، وهذا إجماع من جميع الصحابة
في اجابتهم إياه عليه اسلام بأنه بلدهم ذلك وهم بمكة فمن خالف هذا فقد خالف الاجماع، فصح
بالنص والاجماع ان مكة أعظم حرمة من المدينة، وإذا كانت أعظم حرمة من المدينة فهي
أفضل بلا شك لان أعظم الحرمة لا يكون الا للأفضل ولابد لا للأقل فضلا *
روينا من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي
هريرة (ان رسول الله عليه السلام كان بالحجون (4) فقال: والله انك لخير أرض الله
وأحب أرض الله إلى ولو لم أخرج منك ما خرجت لم تحل لاحد قبلي ولا تحل لاحد بعدي)
وذكر باقي الحديث *
ومن طريق سعيد بن منصور نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عمرو بن علقمة

(1) الزيادة من صحيح البخاري ج 8 ص 285
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 8 ص 286
(3) في صحيح البخاري زيادة في آخر الحديث تركها المصنف واقتصر على محل الشاهد منه
(4) وبفتح الحاء المهملة الجبل المشرف مما يلي شعب الجزارين بمكة اه‍ النهاية، وقال في المعجم جبل بأعلى مكة عند، مدافن أهلها
288

ابن وقاص عن أبي سلمة - هو ابن عبد الرحمن بن عوف - عن أي هريرة (أن رسول الله عليه السلام
وقف بالحجون فقال: إنك خير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولو تركت فيك
ما خرجت منك) وذكر باقي الحديث *
ومن طريق أحمد بن شعيب انا سلمة بن شبيب. وقتيبة بن سعيد. وإسحاق بن منصور
قال سلمة: عن إبراهيم بن خالد قال: سمعت معمرا عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام وهو في سوق الجزورة بمكة: والله إنك
لخير أرض الله وأحب البلاد إلى الله ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت، وقال قتيبة:
نا الليث - هو ابن سعد - عن عقيل بن خالد، وقال إسحاق: نا يعقوب - هو ابن إبراهيم - بن
سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن عوف نا أبى عن صالح بن كيسان، ثم اتفق عقيل. وصالح كلاهما
عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الله بن عدي بن الحمراء أخبره انه
سمع رسول الله عليه السلام وهو واقف على راحلته بالجزورة من مكة يقول لمكة: (والله إنك
لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت) لم يختلف
عقيل. وصالح في شئ من لفظه عليه السلام إلا أن عقيلا قال عن الزهري عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عدي بن الحمراء، وعبد الله هذا مشهور من الصحابة
زهري النسب *
نا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو ذر الهروي نا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن حميرويه أنا
علي بن محمد بن عيسى نا أبو اليمان - هو الحكم بن نافع - أخبرني شعيب - هو ابن أبي حمزة -
عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان عبد الله بن عدي بن الحمراء أخبره أنه
سمع رسول الله عليه السلام يقول وهو واقف بالجزورة في سوق مكة: (والله إنك لخير
أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت) فارتفع
الاشكال جملة ولله الحمد
وهذا خبرني غاية الصحة رواه عن النبي عليه السلام أبو هريرة. وعبد الله بن عدي،
ورواه عنهما أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. ورواه عن أبي سلمة الزهري. ومحمد بن
عمرو بن علقمة، ورواه عن محمد بن عمرو حماد بن سلمة والدراوردي، ورواه عن الزهري
أصحابه الثقات معمر. وشعيب بن أبي حمزة. وعقيل. وصالح بن كيسان، ورواه أيضا
عنه يونس بن يزيد. وعبد الرحمن بن خالد، ورواه عن هؤلاء الجماء الغفير، ولا مقال
لاحد بعد هذا
289

حدثنا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري نا عبد الوارث بن سفيان بن جبرون
نا قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير. وأبو يحيى بن أبي مرة قالا جميعا: انا سليمان بن حرب نا
حماد بن زيد عن حبيب المعلم نا عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله عليه
السلام: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام
وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة) قال أحمد بن زهير:
سألت يحيى بن معين عن حبيب المعلم فقال: ثقة، وقال أحمد بن حنبل: حبيب المعلم ثقة ما أصح
حديثه هذا لفظ أحمد بن زهير، وقال ابن أبي مرة في روايته: (صلاة في مسجدي هذا
أفضل من ألف صلاة فما سواه الا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من
مائة صلاة في مسجدي) *
ورويناه أيضا من طريق محمد بن عبيد بن حساب عن حماد بن زيد
بلفظه وإسناده * ورويناه أيضا من طريق أبى معاوية عن موسى الجهني عن نافع عن
ابن عمر عن النبي عليه السلام، حديث ابن الزبير صحيح فارتفع الاشكال جملة والحمد لله *
فروى القطع بفضل مكة على المدينة كما أوردنا عن النبي عليه السلام جابر. وأبو هريرة.
وابن عمر. وابن الزبير. وعبد الله به عدى خمسة من الصحابة رضى الله تعالى عنهم منهم ثلاثة
مدنيون بأسانيد في غاية الصحة، ورواها عن هؤلاء أبو صالح السمان. ومحمد بن زيد بن
عبد الله بن عمر. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. وعطاء بن أبي رباح منهم ثلاثة مدنيون،
ورواه عن هؤلاء عاصم بن محمد. والأعمش. ومحمد بن عمرو بن علقمة. والزهري. وحبيب
المعلم منهم ثلاثة مدنيون، ورواه عن هؤلاء واقد بن محمد. وأبو معاوية محمد بن حازم الضرير
وحماد بن سلمة. وحماد بن زيد. وعبد العزيز بن محمد الدراوردي. ومعمر. وشعيب بن أبي
حمزة. وعقيل بن خالد. وصالح بن كيسان. وعبد الرحمن بن خالد. ويونس بن يزيد
منهم ثلاثة مدنيون، ورواه عن هؤلاء من لا يحصى كثرة والحمد لله رب العالمين *
وقد ذكرنا انه قول جميع الصحابة وقول عمر بن الخطاب مرويا عنه، وروينا من طريق يحيى
ابن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أسلم المنقري قلت لعطاء آتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فأصلي
فيه؟ قال: فقال لي عطاء: طواف واحد أحب إلى من سفرك إلى المدينة وهو قول أبي حنيفة
. والشافعي. وسفيان. وأحمد. وأبي سليمان. وغيرهم، وبالله تعالى التوفيق
290

بسم الله الرحمن الرحيم بك اللهم أستعين (1)
كتاب الجهاد
920 - مسألة - والجهاد فرض على المسلمين فإذا أقام به من يدفع العدو ويغزوهم
في عقر دارهم (2) ويحمى ثغور المسلمين سقط فرضه عن الباقين وإلا فلا، قال الله تعالى: (انفروا
خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) *
روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق نا محمود بن خداش نا إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية -
نا أيوب - هو السختياني - عن محمد بن سيرين قال: كان أبو أيوب الأنصاري يقول: قال الله تعالى:
(انفروا خفافا وثقالا) فلا أحد من الناس إلا خفيف أو ثقيل *
ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي أخبرنا عبد الله بن المبارك عن
وهيب المكي عن عمر بن محمد بن المنكدر (3) عن سمى عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث (به) (4) نفسه مات على شعبة من نفاق) (5)
قال أبو محمد: هذا وعيد شديد نعوذ بالله منه *
ومن طريق مسلم نا إسماعيل بن علية عن علي بن المبارك نا يحيى بن أبي كثير نا أبو سعيد مولى
المهري عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث (بعثا) (6) إلى بنى لحيان من
هذيل فقال: لينبعث من كل رجلين أحدهما والاجر بينهما) *
921 مسألة - ومن أمره الأمير بالجهاد إلى دار الحرب ففرض عليه أن يطيعه
في ذلك الا من له عذر قاطع * روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا يحيى بن سعيد القطان
نا سفيان - هو الثوري - حدثني منصور - هو ابن المعتمر - عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس
(رضي الله عنهما) (7) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذ
استنفرتم فانفروا) *

(1) البسملة وما بعدها سقطت من النسخة رقم (14)
(2) قال الجوهري في صحاحه: قال الأصمعي: عقر الدار أصلها هو محلة القوم، وأهل المدينة يقولون: عقر الدار بالضم
(3) في النسخة اليمنية (عن محمد بن محمد بن المنكدر) بزيادة (محمد بن) وهو غلط
(4) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 104
(5) في صحيح مسلم بعد أن ذكر الحديث قال أبين سهم قال عبد الله بن المبارك فنرى أن ذلك
كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(6) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 100
(7) الزيادة من صحيح البخاري ج 4 ص 66
291

922 - مسألة - ولا يجوز الجهاد الا باذن الأبوين إلا أن ينزل العدو بقوم من
المسلمين ففرض على كل من يمكنه اعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم (1) أذن الأبوان أم
لم يأذنا الا أن يضيعا أو أحدهما بعده فلا يحل له ترك من يضيع منهما *
روينا من طريق البخاري نا آدم نا شعبة نا حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت
أبا العباس الشاعر وكان لايتهم في الحديث (2) قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص
يقول: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) فاستأذنه في الجهاد فقال له عليه السلام: أحي
والداك؟ قال: نعم قال: ففيهما فجاهد) *
ومن طريق البخاري نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر (رضي الله عنهما) (4) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة حق ما لم يؤمر
بمعصية (5) فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) * وروينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه
قال (إنما الطالعة في المعروف). وعن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال (لا طاعة
لاحد في معصية الله تعالى) *
923 - مسألة - ولا يحل لمسلم أن يفر عن مشرك ولاعن مشركين ولو كثر
عددهم أصلا لكن ينوى في رجوعه التحيز إلى جماعة المسلمين ان رجا البلوغ، إليهم أو ينوى الكر
إلى القتال فإن لمن ينو الا تولية دبره هاربا فهو فاسق ما لم يتب، قال الله عز وجل: (يا أيها الذين
آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره الا متحر فالقتال
أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم)، وقال قوم، ان الفرار له مباح من ثلاثة
فصاعدا، وهذا خطأ *
واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فان يكن
منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله) *
وروينا عن ابن عباس أنه قال: (ان فر رجل من رجلين فقد فر وان فرمن ثلاثة فلم يفر) *
قال أبو محمد: أما ابن عباس فقد خالفوه في مئين من القضايا منها قراءة أم القرآن جهرا في
صلاة الجنازة واخباره أنه لا صلاة الا بها وغير ذلك كثير ولا حجة الا في كذم الله تعالى، أو
كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الآية فلا متعلق لهم فيها لأنه ليس فيها لا نص ولا دليل بإباحة
الفرار عن العدد المذكور، وإنما فيها أن الله تعالى علم أن فينا ضعفا، وهذا حق ان
فينا لضعفا ولاقوى إلا وفيه ضعف بالإضافة إلى ما هو أقوى منه الا الله تعالى وحده

(1) في النسخة اليمنية (معينا لهم)
(2) هو في صحيح البخاري ج 4 ص 142
(3) في صحيح البخاري ج 4 ص 143 (إلى النبي صلى الله عليه وسلم)
(4) الزيادة من صحيح البخاري ج 4 ص 127
(5) في صحيح البخاري (بالمعصية)
292

فهو القوى الذي يضعف ولا يغلب، وفيها أن الله تعالى خفف عنا فله الحمد
وما زال ربنا تعالى رحيما بنا يخفف عنا في جميع الاعمال التي ألزمنا، وفيها انه كان منا مائة
صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منا ألف يغلبوا ألفين بإذن الله وهذا حق، وليس فيه أن
المائة لا تغلب أكثر من مائتين ولا أقل أصلا بل قد تغلب ثلاثمائة نعم وألفين وثلاثة آلاف
ولا أن الألف (1) لا يغلبون الا ألفين فقط لا أكثر ولا أقل، ومن ادعى هذا في الآية فقد
أبطل وادعى ما ليس فيها منه (2) أثر. ولا إشارة. ولا نص. ولا دليل، بل قد قال عز وجل
(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) فظهر أن (3) قولهم لا دليل عليه
أصلا. ونسألهم عن فارس بطل شاكي السلاح قوى لقى ثلاثة من شيوخ اليهود الحربيين
هرمى مرضى رجالة عزلا (4) أو على حمير أله ان يفر عنهم؟ لئن قالوا نعم: ليأتن بطامة يأباها
الله والمؤمنين وكل ذي عقل، وإن قالوا: لا ليتركن قولهم (5)، وكذلك نسألهم عن ألف
فارس نخبة أبطال أمجاد مسلحين ذوي بصائر لقوا ثلاثة آلاف من محشودة بادية النصارى
رجالة مسخرين؟ ألهم ان يفروا عنهم؟ *
وروينا وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال: ليس الفرار من الزحف من الكبائر
إنما كان ذلك يوم بدر خاصة *
قال أبو محمد: وهذا تخصيص للآية بلا دليل. روينا من طريق البزار نا عمرو بن علي
ومحمد بن مثنى قالا جميعا: نا يحيى بن سعيد القطان نا عوف الاعرابي عن يزيد الفارسي نا ابن
عباس ان عثمان قال له: كانت الأنفال من أول ما أنزل بالمدينة * وروينا من طريق مسلم نا
هارون بن سعيد (الأيلي) (6) نا ابن وهب أخبر نا سليمان (7) بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي
الغيث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (8): (اجتنبوا السبع الموبقات (قيل
تا رسول الله وما هن؟ قال:) (9) الشرك بالله. والسحر. وقتل النفس التي حرم الله الا
بالحق. وأكل مال اليتيم. وأكل الربا. والتولى يوم الزحف. وقذف المحصنات الغافلات
المؤمنات) فعم عليه السلام ولم يخص * ومن طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا معاوية بن عمرو
نا أبو إسحاق - هو الفزاري - عن موسى بن عقبة عن سالم أبى النضر مولى عمر بن عبيد الله
قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى (10) فقرأته ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال يا أيها الناس
لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية؟ فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال

(1) في النسخة رقم (14) (ولان الألف) وهو غلط
(2) في النسخة رقم (14) (منها)
(3) في النسخة اليمنية سقط لفظ (ان) خطأ
(4) جمع أعزل الذي لا سلاح معه
(5) في النسخة رقم (14) (أقوالهم)
(6) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 37
(7) في النسخة اليمنية (سليم) وهو غلط
(8) في صحيح مسلم (عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال)
(9) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 37
(10) في النسخة اليمنية (عبد الله بن أبي النضر) وهو غلط
293

السيوف) (1) فعم عليه السلام ولم يخص، واسلام أبي هريرة وابن أبي أوفى بلا شك
بعد نزول سورة الأنفال التي فيها الآية التي احتجوا بها فيما ليس فيها منه شئ، وقد خالف ابن
عباس غيره كما حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية المرواني أخبرنا أبو خليفة الفضل
ابن الحباب (الجمحي) (2) نا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبى نا خالد بن الحارث الهجيمي
(3) نا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي قال. سمعت رجلا سأل البراء عن عازب أرأيت لو أن رجلا
حمل على الكتيبة وهم ألف ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال البراء: لا ولكن التهلكة أن يصيب
الرجل الذنب فيلقى بيده ويقول: لا توبة لي * وعن عمر بن الخطاب إذا لقيتم فلا تفروا *
وعن علي. وابن عمر الفرار من الزحف من الكبائر * ولم يخصوا عددا من عدد، ولم ينكر
أبو أيوب الأنصاري. ولا أبو موسى الأشعري أن يحمل الرجل وحده على العسكر الجرار
ويثبت حتى يقتل، وقد ذكروا حديثا مرسلا من طريق الحسن (أن المسلمين لقوا المشركين فقال
رجل: يا رسول الله أشد عليهم، أو أحمل عليهم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتراك قاتل
هؤلاء كلهم اجلس فإذا نهض أصابك فانهض وإذا شدوا فشد،) وهذا مرسل لا حجة فيه
بل قد صح عند عليه السلام أن رجلا من أصحابه سأله ما يضحك الله من عبده، قال غمسه يده في
العدو حاسر افتزع الرجل درعه ودخل في العدو حتى قتل رضي الله عنه *
924 - مسألة - وجائز تحريق أشجار المشركين. وأطعمتهم. وزرعهم.
ودورهم وهدمها قال الله تعالى: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله
وليخزي الفاسقين)، وقال تعالى: (ولا يطئون موطئا يغبظا الكفار ولا ينالون من عدو نيلا
الا كتب لهم به عمل صالح)، وقد أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بنى النضير وهي في طرف دور
المدينة - وقد علم أنها تصير للمسلمين في يومه أو غده، وقد روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
لا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا، ولا حجة في أحد مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقد ينهى أبو بكر عن ذلك اختيارا لان ترك ذلك أيضا مباح كما
في الآية المذكورة، ولم يقطع صلى الله عليه وسلم وسلم أيضا نخل خيبر، فكل ذلك حسن. وبالله تعالى التوفيق
*
925 - مسألة - ولا يحل عقر شئ من حيوانهم البتة لا إبل. ولا بقر: ولا
غنم. ولا خيل. ولا دجاج. ولا حمام، ولا اوز، ولا برك، ولاغير ذلك الا للاكل فقط حاشا
الخنازير جملة فتعقر وحاشا الخيل في حال المقاتلة فقط. وسواء أخذها المسلمون. أو لم يأخذوها
أدركها العدو ولم يقدر المسلمون على منعها. أو لم يدركوها (4)، ويخلى كل ذلك

(1) ذكر هذا الحديث البخاري في مواضع من صحيحه مقطعا وهو موجود في ج 4 ص 129 بأطول من هذا
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) هو بهاء مضمومة وفتح الجيم نسبة إلى الهجيم بن عمرو اه‍ من المغنى
(4) كذا في النسخ وهو صحيح الا ان الأنسب أولم يدركها)
294

ولا بد ان لم يقدر على منعه. ولا على سوقه. ولا يعقر شئ من نحلهم، ولا يغرق، ولا
تحرق خلاياه، وكذلك من وقعت دابته في دار الحرب فلا يحل له عقرها لكن يدعها
كما هي وهي له أبدا مال من ماله كما كانت لا يزيل ملكه عنها حكم بلا نص، وهو قول
مالك، وأبي سليمان: وقال الحنيفيون. والمالكيون: يعقر كل ذلك فاما الإبل. والبقر.
والعنم فتعقر ثم تحرق، وأما الخيل. والبغال. والحمير فتعقر فقط * وقال المالكيون:
أما البغال. والحمير فتذبح وأما الخيل فلا تذبح ولا تعقر لكن تعرقب، أو تشق أجوافها *
قال أبو محمد: في هذا الكلام من التخليط مالا خفاء به على ذي فهم، أول ذلك أنه
دعوى بلا برهان وتفريق لا يعرف عن أحد قبلهم، وكانت حجتهم في ذلك أنهم ربما
أكلوا الإبل. والبقر. والغنم. والخيل إذا وجدوها منحورة فكان هذا الاحتياج أدخل
في التخليط من القولة المحتج لها، وليت شعري متى كانت النصارى. أو المجوس. أو عباد
الأوثان (1) يتجنبون أكل حمار، أو بغل ويقتصرون على أكل الانعام، والخيل، وكل هؤلاء
يأكلون الميتة ولا يحرمون حيوانا أصلا، وأما اليهود. والصابئون فلا يأكلون شيئا
ذكاه غيرهم أصلا، وهذا عجب جدا! واحتجوا في اباحتهم قتل كل ذلك بقول الله تعالى:
(ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا الا كتب لهم به عمل صالح) *
قال أبو محمد: فقلنا لهم: فاقتلوا أولادهم وصغارهم ونساءهم بهذا الاستدلال
فهو بلا شك أغيظ لهم من قتل حيوانهم فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن قتل النساء والصبيان فقلنا لهم: وهو عليه السلام نهى عن قتل الحيوان الا لمأكلة ولافرق،
وإنما أمرنا الله تعالى أن نغيظهم فيما لم ينه عنه لا بما حرم علينا فعله *
روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى نا سفيان بن
عيينة عن عمرو - هو ابن دينار - عن صهيب مولى ابن عامر (2) عن عبد الله بن عمرو بن
العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مامن إنسان يقتل عصفورا (3) فما فوقها بغير حقها
الا سأله الله (عز وجل) (4) عنها قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: يذبحها فيأكلها ولا
يقطع رأسها يرمى به) (5) * ومن طريق مسلم بن الحجاج نا محمد بن حاتم نا يحيى بن سعيد
القطان عن ابن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم (6)
(عن) (7) أن يقتل شئ من الدواب صبرا * ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن زنبور
المكي نا ابن أبي حازم عن يزيد بن الهاد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال: قال

(1) في النسخة اليمنية أو عبادا وثان)
(2) في النسخة اليمنية (ابن عاصم) وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب
(3) في النسائي ج 7 ص 207 (قتل عصفورا)
(4) الزيادة من النسائي
(5) في النسائي (يرمى بها) والضمير عائد إلى الرأس وهو مذكر
(6) في صحيح مسلم ج 2 ص 116 (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(7) الزيادة من النسخة رقم (14)
295

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمثلوا بالبهائم) (1) * ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لأمير جيش بعثه إلى الشام: لا تعقرن شاة ولا بعيرا
الا لمأكلة ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه، (2) ولا يعرف له في ذلك من الصحابة مخالف *
وأما الخنازير فروينا من طريق البخاري نا اسحق - هو ابن راهويه - نا يعقوب بن إبراهيم
ابن سعد نا أبى عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا
(فيكسر الصليب) (3) ويقتل الخنزير) * فأخبر عليه السلام أن قتل الخنزير من العدل
الثابت في ملته التي يحييها عيسى أخوه عليهما السلام، وذكر بعض الناس خبرا لا يصح
فيه ان جعفر بن أبي طالب عرقب فرسه يوم قتل، وهذا خبر رواه عباد بن عبد الله بن
الزبير عن رجل من بنى مرة لم يسمه، ولو صح لما كان فيه حجة لأنه ليس فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم
عرف ذلك (4) فأقره *
وأما الفرس في المدافعة فان للمسلم أن يدفع عنه من أراد قتله أو أسره بأي شئ أمكنه *
926 - مسألة - ولا يحل قتل نسائهم ولا قتل من لم يبلغ منهم الا أن يقاتل أحد
ممن ذكرنا فلا يكون للمسلم منجا منه الا بقتله فله قتله حينئذ * روينا من طريق البخاري
نا أحمد بن يونس نا الليث - هو ابن سعيد - عن نافع ان ابن عمر أخبره (ان (امرأة وجدت
في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر) (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم
قتل النساء والصبيان) *
927 - مسألة - فان أصيبوا في البيات أو في اختلاط الملحمة عن غير قصد فلا
حرج في ذلك * روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا سفيان بن الزهري عن عبيد الله
ابن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل
عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من ذراريهم ونسائهم؟ فقال: هم من آبائهم) (6) *
928 - مسألة - وجائز قتل كل من عدا من ذكرنا من المشركين من مقاتل،
أو غير مقاتل، أو تاجر، أو أجير - وهو العسيف - أو شيخ كبير كان ذار أي. أو لم يكن، أو فلاح،
أو أسقف، أو قسيس، أو راهب، أو أعمى، أو مقعد لا تحاش أحدا، وجائز استبقاؤهم أيضا
قال الله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم

(1) الحديث اختصره المصنف انظر ج 7 ص 238 من سنن النسائي
(2) هو في موطأ مالك ج 2 ص 6 بأطول من هذا اختصره المصنف واقتصر على محل الشاهد منه ووقع في الموطأ المطبوع مع تعليق السيوطي (ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه) وهو غلط وجاء
صحيحا في الزرقاني على الموطأ كما هنا تنبه فان التصحيح ليس بالسهل
(3) الزيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة رقم (14) (عرف بذلك)
(5) الزيادة من صحيح البخاري ج 4 ص 147
(6) هو في البخاري ج 4 ص 146 بأطول من هذا
296

كل مرصد فان وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فعم عز وجل كل مشرك
بالقتل الا أن يسلم، وقال قوم قوم: لا يقتل أحد ممن ذكرنا، واحتجوا بخبر رويناه من
طريق أحمد بن شعيب أخبرنا قتيبة نا المغيرة عن أبي الزناد عن المرقع عن جده رباح (1)
ابن الربيع قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل: (أدرك خالدا وقل له: لا تقتلن
ذرية ولا عسيفا) * ومن طريق سفيان عن عبد الله بن ذكوان عن المرقع بن صيفي عن
عمه حنظلة الكاتب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتلوا الذرية ولا عسيفا) *
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن آدم نا الحسن بن صالح بن حيى عن خالد
ابن الفرز (2) عن أنس بن مالك (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: انطلقوا باسم الله وفى سبيل الله
تقاتلون عدو (3) الله لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا امرأة * ومن طريق ابن أبي شيبة
نا حميد عن شيخ من أهل المدينة مولى لبنى عبد الأشهل عن داود بن الحصين عن عكرمة
عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال: لا تقتلوا أصحاب الصوامع) *
ومن طريق القعنبي نا إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة (قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقتلوا أصحاب الصوامع) * ومن طريق حماد بن سلمة أخبرنا
عبيد الله بن عمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض أمرائه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: لا تقتلوا صغيرا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا) * وعن حماد بن سلمة عن شيخ بمنى
عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل العسفاء والوصفاء (4)) * ومن طريق قيس
ابن الربيع عن عمر مولى عنبسة عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب
عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى ان يقتل شيخ كبير أو يعقر شجر الاشجر يضربهم) *
ومن طريق ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأحوص عن راشد بن سعد نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الشيخ الذي لا حراك به *
وذكروا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لأمير له: لا تقتلن امرأة. ولا صبيا. ولا كبيرا
هرما إنك ستمر على قوم قد حبسوا أنفسهم في الصوامع زعموا لله فدعهم وما حبسوا أنفسهم
له، وستمر على قوم قد فحصوا من أوساط رؤسهم وتركوا فيها من شعورهم أمثال
العصائب فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف * وعن جابر بن عبد الله قال: كانوا لا يقتلوا تجار
المشركين وقالوا: إنما نقتل من قاتل وهؤلاء لا يقاتلون *

(1) هو بياء موحدة مخففة
(2) هو بكسر الفاء وفتحها وسكون الراء بعدها زاي اه‍ تقريب
(3) في نسخة (أعداء الله)
(4) العسفاء الاجراء، والوصفاء العبيد
297

هذا كل ما شغبوا به وكل ذلك لا يصح، أما حديث المرقع فالمرقع مجهول (1)، وأما حديث
ابن عباس فعن شيخ مدني لم يسم وقد سماه بعضهم فذكر إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة (2)
وهو ضعيف،. والخبران الآخران، مرسلان، وكذلك حديث راشد مرسل ولا حجة في مرسل،
وأما حديث أنس فعن خالد بن الفرز وهو مجهول، وحديث حماد بن سلمة عن شيخ بمنى عن أبيه
وهذا عجب جدا! وأعجب منه أن يترك له القرآن! وأما حديث قيس بن الربيع فليس قيس بالقوى
ولا عمر مولى عنبسة معروفا، وعلي بن الحسين لم يولد إلا بعد موت جده رضي الله عنهم، فسقط كل
ما موهوا به، وأما الرواية عن أبي بكر فمن عجائبهم هذا الخبر نفسه: عن أبي بكر رضي الله عنه فيه جاء
نهى أبى بكر رضي الله عنه عن عقر شئ من الإبل. أو الشاء الا لمأكلة، وفيه جاء ان لا يقطع الشجر
ولا يغرق النحل فخالفوه كما اشتهوا حيث لا يحل خلافه لان السنة معه وحيث لا يعرف له
مخالف من الصحابة، ثم احتجوا به حيث خالفه غيره من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا
عجب جدا في خبر واحد!، وأما قول جابر لم يكونوا يقتلون تجار المشركين فلا حجة لهم فيه
لأنه لم يقل: ان تركهم قتلهم كان في دار الحرب وإنما أخبر عن جملة أمرهم، ثم لو صح مبينا عنه لما
كان لهم فيه متعلق لأنه ليس فيه نهى عن قتلهم وإنما فيه اختيارهم لتركهم فقط * وروينا عن
الحسن. ومجاهد. والضحاك النهى عن قتل الشيخ الكبير ولا يصح عن مجاهد. و الضحاك
لأنه من طريق جويبر. وليث بن أبي سليم، وكذلك أيضا هذا الخبر عن أبي بكر لا يصح لأنه
عن يحيى بن سعيد. وعطاء وثابت بن الحاج وكلهم لم يولد إلا بعد موت أبى بكر رضي الله عنه
بدهر * ومن طريق فيها الحجاج بن أرطاة وهو هالك ولو شئنا أن تحتج بخبرا الحسن عن سمرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم وبخبر الحجاج مسندا (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم) (3) لكنا أدخل منهم في الايهام ولكن يعيدنا الله عز وجل من أن نحتج بما لا نراه صحيحا، وفى
القرآن وصحيح السنن كفاية *
وأما قولهم: ان نقتل (4) من قاتل فباطل بل نقتل كل من يدعى إلى الاسلام منهم حتى
يؤمن أو يؤدى الجزية إن كان كتابيا كما أمر الله تعالى في القرآن لا كما أمر أبو حنيفة إذ يقول إن
ارتدت المرأة لم تقتل فان قتلت قتلت، وان سب المشركون أهل الذمة النبي صلى الله عليه وسلم تركوا

(1) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 10 ص 88 عقب ما ساق كلام ابن حزم هنا: وهو من اطلاقاته المردودة اه‍
(2) هو بفتح المهملة كسر الموحدة وفى النسخة رقم (14) (بن أبي لبيبة) وكذلك في النسخة اليمنية وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب ميزان الاعتدال حاشية تقريب التهذيب
(3) قال العلامة مجد الدين أبو السعادات في النهاية أراد بالشيوخ الرجال المسان
أهل الجلد والقوة على القتال ولم يرد الهرمى، والشرح الصغار الذين لم يدركوا، وقيل باراد بالشيوخ الهرمى الذين إذا سبوا لم ينتفع بهم في الخدمة وأراد بالشرخ الشباب أهل الجلد الذين ينتفع بهم في الخدمة، وشرخ الشباب أوله، وقيل: نضارته وقوته وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع وقيل: هو جمع مثل شارب وشرب
(4) في النسخة اليمنية (إنما نقاتل) وما هنا أنسب
298

وسبهم له حتى يشفوا صدورهم ويخزى المسلمون بذلك تبا لهذا القول وقائله *
وروينا من طريق وكيع نا سفيان نا عبد الملك بن عمير القرظي نا عطية القرظي قال:
(عرضت يوم قريظة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله
فكنت فيمن لم ينبت)، فهذا عموم من النبي صلى الله عليه وآله لم يستبق منهم عسيفا، ولا تاجرا، ولا فلاحا،
ولا شيخا كبيرا، وهذا إجماع صحيح منهم رضي الله عنهم متيقن لأنهم في عرض من أعراض
المدينة لم يخف (1) ذلك على أحد من أهلها * ومن طريق حماد بن سلمة أخبرنا أيوب السختياني.
وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: كتب عمر بن الخطاب إلى
أمراء الأجناد أن لا يجلبوا الينا من العلوج (2) أحدا اقتلوهم ولا تقتلوا من جرت عليهم
المواسى (3) ولا تقتلوا صبيا، ولا امرأة * ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن نمير نا عبيد الله بن
عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كتب عمر إلى الأجناد لا تقتلوا امرأة، ولا صبيا وأن يقتلوا كل
من جرت عليه المواسى * فهذا عمر رضي الله عنه لم يستثن شيخا، ولا راهبا، ولا عسيفا، ولا أحدا
الا النساء، والصبيان فقط، ولا يصح عن أحد من الصحابة خلافه، وقد قتل دريد بن الصمة
وهو شيخ هرم قد أهتر عقله (4) فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لأنه كان ذا رأى فقلنا لهم:
ومن ذا الذي قسم لكم ذا الرأي من غيره فلا سمعا له ولا طاعة، ومثل هذه التقاسيم لا تؤخذ
إلا من القرآن، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبالله تعالى نتأيد *
921 - مسألة - ويغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الامراء وغير فاسق ومع
المتغلب والمحارب كما يغزى مع الامام ويغزوهم المرء وحده إن قدر أيضا قال الله تعالى: (وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)، وقد ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول
باب من كتاب الجهاد ههنا السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية، وقال تعالى: (انفروا
خفافا وثقالا)، وقد علم الله تعالى أنه ستكون أمراء فساق فلم يخصهم من غيرهم، وكل
من دعا إلى طاعة الله في الصلاة المؤداة كما أمر الله تعالى والصدقة الموضوعة مواضعها المأخوذة
في حقها، والصيام كذلك، والحج كذلك، والجهاد كذلك، وسائر الطاعات كلها ففرض
إجابته للنصوص المذكورة. وكل من دعا من امام حق، أو غيره إلى معصية فلا سمع ولا طاعة
كتاب الله أحق وشرط الله أوثق، وقال عليه السلام: (لكل امرئ ما نوى) *
وروينا من طريق البخاري نا أبو اليمان أخبرنا شعيب - هو ابن أبي حمزة - عن الزهري
عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا لا فنادى في الناس

(1) في النسخة اليمنية (لم يخنف)
(2) جمع علج وهو الرجل من كفار العجم وغيرهم
(3) قال ابن الأثير: أي من نبتت عانته لان المواسى إنما تجرى على من أنبت أراد من بلغ الحلم من الكفار
(4) قال الجوهري في الصحاح: اهتر الرجل فهو مهتراى صاير خرفا من الكبر
299

أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) (1) *
930 - مسألة - فنم غزا مع فاسق فليقتل الكفار وليفسد زروعهم ودورهم
وثمارهم وليجلب النساء والصبيان ولابد، فان اخراجهم من ظلمات الكفر (2) إلى
نور الاسلام فرض يعصى الله من تركه قادرا عليه وإثمهم على من غلهم، وكل معصية فهي
أقل من تركهم في الكفر وعونهم على البقاء فيه، ولا إثم بعد الكفر أعظم (3) من إثم
من نهى عن جهاد الكفار وأمر باسلام حريم المسلمين (إليهم) (4) من أجل فسق
رجل مسلم لا يحاسب غيره بفسقه *
931 - مسألة - ولا يملك أهل الكفر الحربيون مال مسلم ولامال ذمي أبدا
إلا بالابتياع الصحيح أو الهبة الصحيحة، أو بميراث من ذمي كافر، أو بمعاملة صحيحة في دين
الاسلام فكل ما غنموه من مال ذمي أو مسلم. أو آبق إليهم فهو باق على ملك صاحبه
فمتى قدر عليه رد على صاحبه (5) قبل القسمة وبعدها دخلوا به أرض الحرب، أو لم
يدخلوا (6) ولا يكلف مالكه عوضا ولا ثمنا لكن يعوض الأمير من كان صار في سهمه
من كل مال لجماعة المسلمين، ولا ينفذ فيه عتق من وقع في سهمه. ولا صدقته ولا هبته. ولا بيعه،
ولا تكون له الأمة أم ولد، وحكمه حكم الشئ الذي يغصبه المسلم من المسلم، ولا فرق
وهو قول الشافعي. وأبي سليمان ولمن سلف أقوال ثلاثة سوى هذا، أحدها أنه لا يرد شئ
من ذلك إلى صاحبه لاقبل القسمة. ولا بعدها، لا بثمن. ولا بغير ثمن، وهو لمن صار في سهمه *
روينا من طريق ابن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه ان علي بن أبي
طالب قال: ما أحرزه العدو من أموال المسلمين فهو بمنزلة أموالهم * وكان الحسن
البصري يقضى بذلك * وعن قتادة ان مكاتبا أسره العدو فاشتراه رجل فسأل بكر بن
قرواش (7) عنه علي بن أبي طالب فقال له على: إن افتكه سيده فهو على كتابته وان
أبى ان يفتكه فهو للذي اشتراه * وعن قتادة عن خلاس (8) عن علي ما أحرزه العدو
فهو جائز * وعن قتادة عن علي هو فئ المسلمين لا يرد * وعن معمر عن الزهري ما
أحرزه المشركون ثم أصابه المسلمون فهو لهم ما لم يكن حرا أو معاهدا * وعن معمر عن
رجل عن الحسن مثل هذا، والقول الثاني انه ان أدرك قبل القسمة رد إلى صاحبه فإن لم
يدرك حتى قسم فهو للذي وقع في سهمه لا يرد إلى صاحبه لا بثمن، ولا بغيره هكذا رويناه

(1) اختصره المصنف انظر صحيح البخاري ج 4 ص 166
(2) في النسخة رقم (14) (ظلة الكفر) وما هنا أبلغ وأنسب
(3) في النسخة رقم (14) (ولا اثم أعظم بعد الكفر)
(4) الزيادة من النسخة اليمنية
(5) في النسخة رقم (14) (إلى صاحبه)
(6) في النسخة اليمنية (أم لم يدخلوا)
(7) في النسخة اليمنية (قرواس) بسين مهملة وهو غلط
(8) هو بخاء معجمة مكسورة بعدها لام مخففة وفى آخره سين مهملة، وفى النسخة اليمنية (حلاس) بحاء مهملة وهو غلط
300

عن عمر نصا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن رجاء بن حياة عن قبيصة بن
ذؤيب ان عمر بن الخطاب قال: ما احرز المشركون من أموال المسلمين فوجد رجل
ماله بعينه قبل ان تقسم السهام فهو أحق به وإن كان قسم فلا شئ له * ومن طريق ابن أبي
شيبة عن عيسى بن يونس عن ثور عن أبي عون عن زهرة بن يزيد المرادي ان أمة
لرجل مسلم أبقت إلى العدو فغنمها المسلمون فعرفها أهلها فكتب فيها أبو عبيدة بن الجراح
إلى عمر فكتب إليه عمر إن كانت لم تخمس ولم تقسم (1) فهي رد على أهلها وإن كانت
قد خمست وقسمت فامضها لسبيلها * وروى نحوه أيضا عن زيد بن ثابت *
ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق عن سليمان بن ربيعة فيما أحرز العدو قال:
صاحبه أحق به ما لم يقسم * ومن طريق هشيم عن المغيرة ويونس قال المغيرة عن إبراهيم، وقال
يونس عن الحسن قالا جميعا: ما غنمه العدو من مال المسلمين فغنمه المسلمون فصاحبه أحق
به فان قسم فقد مضى * وذكر ابن أبي الزناد عن أبيه هذا القول عن القاسم بن محمد.
وعروة بن الزبير. وخارجة بن. زيد بن ثابت. وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. وأبى
بكر بن عبد الرحمن. وسليمان بن يسار في مشيخة من نظرائهم قالوا: ما غنم العدو من المسلمين
ثم غنمه المسلمون فصاحبه أحق به ما لم يقع فيه السهمان فإذا قسم فلا سبيل (له) (2)
إليه، وصح عن عطاء أيضا وأخبر عطاء أنه رأى منه، وهو قول الليث. وأحمد بن حنبل،
والقول الثالث انه ان أدرك قبل القسمة رد إلى صاحبه بغير ثمن وان لم يدرك الا بعد القسمة
فصاحبه أحق به بقيمته * رويناه من طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن مكحول عن
عمر بن الخطاب * ومن طريق سفيان عن المغيرة عن إبراهيم النخعي * ومن طريق
ابن سيرين عن شريح * ومن طريق عبد الله بن إدريس عن أبيه عن مجاهد *
فالقول الأول لا يرد ما أخذه المشركون من أموالنا إلى أربابها لا قبل أن تقسم ولا
بعد أن تقسم لا بثمن ولا بغيره روى عن علي، وصح عن الحسن. والزهري. وعمرو
ابن دينار ولم يصح عن علي لأنه من طريق سليمان التيمي. وقتادة عن علي ولم يدركاه، ورواية
خلاس عن علي صحيحة إلا أنه لا بيان فيها إنما هي ما أحرزه العدو فهو جائز ولا نذري ما معنى
فهو جائز ولعله أراد انه جائز لأصحابه إذا ظفر به * والقول الثاني أن يرد إلى أصحابه قبل
القسمة ولا يرد بعد القسمة روى عن عمر. وأبى عبيدة. وزيد بن ثابت، ولا يصح عن
أحد منهم لأنه عن قبيصة بن ذؤيب ولم يدرك عمر، ومن طريق أبى عون أو ابن عون
ولم يدركا أبا عبيدة. ولا عمر، ولا ندري من رواه عن زيد بن ثابت، وروى عن فقهاء

(1) في النسخة رقم (14) (ولا قسمت) وما هنا انسب
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
301

المدينة السبعة ولا يصح عنهم لأنه من طريق ابن أبي الزناد وهو ضعيف، وعن سليمان
ابن ربيعة ولم يصح عنه (1) لأنه من طريق الحجاج بن أرطاة، وصح عن إبراهيم (وشريح) (2)
والحسن. وعطاء * والقول الثالث انه ان أدرك قبل القسمة رد إلى صاحبه بغير ثمن وان
لم يدرك الا بعد القسمة فصاحبه أحق به بقيمته، (3) روى عن عمر ولم يصح عنه لأنه من
رواية مكحول ولم يدرك عمر، وصح عن إبراهيم. وشريح ومجاهد وهو قول مالك.
والأوزاعي، ومن قول مالك ان الآبق والمغنوم سواء في ذلك وان المدبر. والمكاتب.
وأم الولد سواء في ذلك الا أن سيد أم الولد يجبر على أن يفكها، وههنا قول خامس لا يعرف
عن أحد من السلف وهو قول أبي حنيفة، ولا يحفظ ان أحد اقاله قبله وهو أن ما أبق إلى
المشركين من عبد لمسلم فإنه مردود إلى صاحبه قبل القسمة وبعدها بلا ثمن، وكذلك ما غنموه
من مدبر. ومكاتب. وأم ولد ولافرق، ووافقه في هذا سفيان قال أبو حنيفة: وأما
ما غنموه من الإماء. والعبيد. والحيوان. والمتاع فان أدرك قبل ان يدخلوا به دار الحرب
ثم غنمناه رد إلى صاحبه قبل القسمة وبعدها بلا ثمن، وان دخلوا به دار الحرب ثم غنمناه
رد إلى صاحبه قبل القسمة، (4) وأما بعد القسمة فصاحبه أحق به بالقيمة ان شاء وإلا فلا
يرد إليه *
قال أبو محمد: وهذا قول في غاية التخليط والفساد في التقسيم لا دليل على صحة تقسيمه لا
من قرآن. ولا من سنة. ولا من رواية سقيمة. ولا من قول صاحب. ولا تابع. ولا
قياس. ولا رأى سديد، وقال بعضهم. إنما يملكون علينا ما يملكه بعضنا على بعض *
قال أبو محمد: وصدق هذا القائل ولا يملك بعضنا على بعض مالا بالباطل ولا بالغصب أصلا.
ولا باطل. ولا غصب أحرم ولا أبطل من أخذ حربي مال مسلم، فسقط هذا القول الفاسد جملة،
ثم نظرنا في سائر الأقوال فنظرنا في قول مالك فوجدنا هم ان تعلقوا بما روى
عن عمر فقد عارضته رواية أخرى عن عمر هي عنه أمثل من التي تعلقوا بها، وأخرى عن علي
هي مثل التي تعلقوا بها فما الذي جعل بعض هذه الروايات أحق من بعض؟، وقال بعضهم:
معنى قول عمر في الرواية الأخرى فلا شئ له وامضها لسبيلها أي الا بالثمن فقلنا: ما يعجز من
لا دين له عن الكذب، ويقال لكم: معنى قول عمر إنه أحق بها بالقيمة أي ان تراضيا جميعا
على ذلك والا فلا فما الفرق بين كذب وكذب؟، ثم وجدنا هم يحتجون بخبر رويناه من
طريق حماد بن سلمة وغيره عن سماك بن حرب عن تميم بن طرقة أن عثمان اشترى بعيرا من العدو

(1) من قوله (لأنه من طريق ابن أبي الزناد) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية خطا (2) الزيادة من النسخة اليمنية
(3) من قوله (انه ان ادر القسمة) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية)
(4) من قوله (وبعدها بلا ثمن) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية خطا
302

فعرفه صاحبه فخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ان شئت أعطيته الثمن
الذي اشتراه به وهو لك والا فهو له)، وهذا منقطع لا حجة فيه، وسماك ضعيف يقبل
التلقين شهد به عليه شعبة وغيره، وأسنده يس الزيات عن سماك عن تميم بن طرفة عن جابر بن
سمرة، ويس لا تحل الرواية عنه، وسماك قد ذكرناه، ورواه بعض الناص عن إبراهيم
ابن محمد الهمذاني (1) أو الأنباري عن زياد بن علاقة عن جابر بن سمرة مسنا، وإبراهيم
ابن محمد الأنباري. أو الهمذاني لا يدرى أحد من هو في الخلق، وأسنده أيضا الحسن بن عمارة
وإسماعيل بن عياش كلا هما عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس (أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال في بعير أحرزه العدو ثم غلب عليه المسلمون: (ان وجدته قبل القسمة فأنت أحق
به بغير شئ وان وجدته بعد القسمة فأنت أحق به بالثمن أن شئت)، والحسن بن عمارة هالك
وإسماعيل بن عياش ضعيف، ورواه بعض الناس من طريق علي بن المديني. وأحمد بن حنبل،
قال على: نا يحيى بن سعيد القطان، وقال أحمد: عن إسحاق الأزرق ثم اتفق يحيى وإسحاق
عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة، وهذا منقطع غير مسند على أن الطريق إلى علي وأحمد
تالفة، ولا يعرف هذا الخبر في حديث يحيى بن سعيد القطان الصحيح عنه أصلا فان لجوا
وقالوا: المرسل حجة ورواية الحسن بن عمارة. وإسماعيل بن عياش حجة قلنا. لا عليكم *
روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أخبرني عكرمة بن خالد قال: أخبرني
أسيد بن ظهير الأنصاري وكان والى اليمامة أيام معاوية (ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السرقة إن كان
الذي ابتاعها من الذي سرقها غير متهم يخير سيدها ان شاء أخذ الذي سرق مه بثمنه وان
شاء اتبع سارقه (2))، ثم قضى بذلك بعده أبو بكر. وعر. وعثمان، وقضى به أسيد بن ظهير *
قال أبو محمد: وقد قضى به أيضا عميرة بن يثرى قاضى البصرة، لعمر، وبه يقول إسحاق بن
راهويه فهذا خبر أحسن من خبركم وأقوم وهو في معناه فخذوا به والا فأنتم متلاعبون، وأما
نحن فتركناه لان عكرمة بن خالد ليس بالقوى، وعلى كل حال فهو والله بلا خلاف من أحد أشبه من
ياسين. والحسن بن عمارة وإسماعيل بن عياش وما هو بدون سماك أصلا، والعجب كل العجب
ان أصحاب أبي حنيفة ردوا حديث (من وجد سلعته بعينها عند مفلس فهو أحق بها من الغرماء)
وهذا حديث ثابت صحيح، (فان (3) قالوا): هذا خلاف الأصول ولا يخلو المفلس
من أن يكون (كان) (4) قد ملكها أولم يكن ملكها، فإن كان لم يملكها فأنتم لا تقولون بهذا
وإن كان قد ملكها فلا حق لبائعها فيما قد ملكه منه المشترى باختياره وتركوا هذا

(1) في النسخة اليمنية (الهمداني) بالدال المهملة
(2) في النسخة اليمنية (ابتاع سارقه) وهو غلط
(3) في النسخة اليمنية (بان قالوا)
(4) الزيادة من النسخة اليمنية
303

الاعتراض بعينه هنا وأخذوا بخبر مكذوب مخالف للأصول وللقرآن وللسنن (1) لأنه
لا يخلو الحربيون من أن يكونوا ملكوا ما أخذوا منا أولم يملكوه، فإن كانوا لم يملكوه
فهذا قولنا وهو خلاف قولهم، والواجب ان يرد إلى مالكه لكل حال قبل القسمة وبعدها
بلا ثمن يكلفه، وإن كانوا قد ملكوه فلا سبيل للذي أخذ منه عليه لا بثمن ولا بغير ثمن
لا قبل القسمة ولا بعد القسمة لأنه كسائر الغنيمة ولا فرق، فأي عجب أعجب من هذا!
وأيضا فإنه لا يخلو الذي وقع في سهمه من أن يكون ملكه أو لم يملكه، فإن كان لم يملكه
فهو قولنا والواجب رده إلى مالكه وان قالوا: بل ملكه قلنا فما يحل اخراج ملكه عن
يده بغير طيب نفس منه لا بثمن ولا بغير ثمن، فهل سمع بأبين فساد من هذه الأقوال
الفاسدة والتناقض الفاحش والتحكم في دين الله تعالى وفي أموال الناس بالباطل الذي لا خفاء
به؟ فسقط هذا القول جملة إذ لم يصح فيه أثر ولا صححه نظر * وأما قول من قال: يرد قبل القسمة
ولا يرد بعدها بقول أيضا لا يقوم على صحته دليل أصل لا من نص. ولا من رواية ضعيفة.
ولا من نظر. ولا من وجه من الوجوه * وأما قول من قال: لا يرد قبل القسمة ولا بعدها
فهو أقلها تناقضا، وعمدتهم ان أهل الحرب قد ملكوا ما أخذوا منا، ولو صح لهم هذا
الأصل لكان قولهم هو الحق لكن نقول لهم: قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام)،
وقال عليه السلام (ليس لعرق ظالم حق)، وقال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا
فهو رد)، فأخبرونا عما أخذه منا أهل الحرب أبحق أخذوه أم بباطل؟ وهل أموالنا مما أحله الله
تعالى لهم أو مما حرمه عليهم، وهل هم ظالمون في ذلك أو غير ظالمين؟ وهل عملوا من ذلك
عملا موافقا لأمر الله تعالى وأمر نبيه عليه السلام أو عملا مخالفا لامره تعالى وأمر
رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وهل يلزمهم دين الاسلام ويخلدون لي النار لخلافهم له؟ أم لا؟ ولابد
من أحدها * فالقول بأنهم أخذوه بحق وانه مما أحله الله تعالى لهم وأنهم غير ظالمين في
ذلك وأنهم لم يعملوا بذلك عملا مخالفا لأمر الله تعالى وأمر رسوله عليه السلام، وانه
لا يلزمهم دين الاسلام كفر صراح براح لامرية فيه، فسقط هذا القول، وإذا قد سقط
فلم يبق الا الآخر وهو الحق اليقين من أنهم إنما أخذوه بالباطل وأخذوا حراما عليهم وهم
في ذلك أظلم الظالمين وانهم علوا بذلك عملا ليس عليه أمر الله تعالى وأمر رسوله
صلى الله عليه وسلم، وان التزام دين الاسلام فرض عليهم، فإذ لا شك في هذا فأخذهم لما أخذوا
باطل مردود، وظلم مفسوخ ولاحق لهم ولا لاحد يشبههم فيه، فهو على ملك مالكه

(1) في النسخة اليمنية (والقرآن والسنن)
304

أبدا، وهذا أمر ما ندري كيف يخفى على أحد، وقد أجمع الحاضرين من المخالفين على أنهم
لا يملكون أحرارنا أصلا وأنهم مسرحون قبل القسمة وبعدها بلا تكليف ثمن، فأن فرق بين
تلك الحر وبين تملك المال بالظلم والباطل لو أنصفوا أنفسهم؟ وقد اتفقوا على أن المسلم لا يملك
على المسلم بالغصب فكيف وقعت لهم هذه العناية بالكفار في ذلك مع عظيم تناقضهم في أنهم
يملكون علينا لا يملكون علينا؟، وقد قال بعضهم: عظيمة دلت على فساد دينه وهو أنه قال: هو
جور ينفذ ونظره بمفضل بعض ولده على بعض، فحصل هذا الجاهل على الكذب والكفر وهو
أنه نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه انفذ تفضيل بشير لبعض ولده على بعض وقد كذب في ذلك بل أمره
عليه السلام برده نصا (1) ثم نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنفذ الجور وأمضاه وهذا كفر من قائله،
ونعوذ بالله من الخذلان *
قال أبو محمد: فسقطت هذه الأقوال (2) كلها، وقد قلنا: إنه ليس منها قول يصح عن أحد من
الصحابة وإنما صحت عن بعض التابعين فقط والخطأ لم يعصم منه أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذ سقطت
كلها. فلم يبق الا قولنا وهو الحق الذي لا يحل خلافه بما ذكرنا آنفا من أنهم لا يحل لهم شئ من
أموالنا إلا بما أحله الله تعالى فيما يشاء (3) من بعضنا لبعض قال تعالى (4). (وقاتلوهم حتى لا تكون
فتنة ويكون الدين كله لله). ثم هو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم *
روينا من طريق أبى داود نا صالح بن سهيل نا يحيى - يعنى ابن أبي زائدة -
عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: (ان غلاما (5) أبق إلى العدو فظهر عليه
المسلمون فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر ولم يقسم) *
قال أبو محمد: منع النبي صلى الله عليه وسلم من قسمته برهان بأنه لا يجوز قسمته وأنه لاحق فيه
للغانمين، ولو كان لهم فيه حق لقسمه عليه السلام فيهم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
سمعت نافعا مولى ابن عمر يزعم أن عبد الله بن عمر ذهب العدو بفرسه فلما هزم العدو وجد
خالد بن الوليد فرسه فرده إلى عبد الله بن عمر * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن
نافع عن ابن عمر قال: أبق لي غلام يوم اليرموك * ثم ظهر عليه المسلمون فردوه إلى *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا شريك عن الركين عن أبيه أو عمه قال: حبس لي فرس
فاخذه العدو فظهر عليه المسلمون فوجدته في مربط سعد فقلت: فرسي فقالت: بينتك فقلت:

(1) قال ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة بشير أبى النعمان: انه اتى النبي صلى الله عليه وسلم يا بن له يحمله فقال: يا رسول الله
انى نحلت ابني هذا غلاما وانا أحب ان تشهد قال: لك ابن غيره؟ قال: فكلهم نحلت مثل ما نحلته قال: لا قال: لا اشهد على هذا)
(2) في النسخة اليمنية (هذه الأقاويل)
(3) في النسخة اليمنية (فيما بيننا) وكذلك في نسخة أخرى
(4) في النسخة رقم (14) (وقال تعالى) بزيادة واو
(5) في سنن أبي داود ج 3 ص 17 (ان غلاما لابن عمر)
305

انا أدعوه فيحمحم فقال سعد: إن أجابك فانا لا نريد (1) منك بينة فهذا ليس الا بعد القسمة،
فهذا فعل المسلمين، وخالد بن الوليد، وابن عمر لم يفرقوا بين حال القسمة وما قبل القسمة *
وروينا هذا القول عن الحكم بن عتيبة، وبالله تعالى التوفيق *
932 - مسألة - وكذلك لو نزل أهل الحرب عندنا تجارا بأمان، أو رسلا،
أو مستأمنين مستجيرين، أو ملتزمين لأن يكونوا ذمة لنا فوجد نا بأيديهم أسرى مسلمين،
أو أهل ذمة، أو عبيد أو إماء للمسلمين، أو مالا لمسلم، أو لذمي فإنه ينتزع كل ذلك منهم
بلا عوض أحبوا أم كرهوا؟ ويرد المال إلى أصحابه، ولا يحل لنا الوفاء بكل عهد أعطوه
على خلاف هذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) *
ونسأل من خالفا ما يقول لو عاهدناهم على أن لا نصلى، أولا نصوم (3)، وكذلك لو أسلموا
أو تذمموا فإنه يؤخذ كل ما في أيديهم من حر مسلم، أو ذمي أو لمسلم، أو لذمي، ويريد
إلى أصحابه بلا عوض ولا شئ عليهم فيما استهلكوا في حال كونهم حربيين، ولو
أن تاجرا، أو رسولا دخل إلى دار الحرب فافتدى أسيرا، أو أعطوه
إياه، أو ابتاع متاعا لمسلم، أو لذمي (4)، أو وهبوه له فخرج إلى دار الاسلام انتزع منه كل
ذلك، ورد إلى صاحبه، وهو من خسارة المشترى وأطلق الأسير (5) بلا غرامة لما ذكرنا
في الباب الذي قبل هذا من أن أبطل الباطل وأظلم الظلم أخذ المشرك للمسلم، أو لماله، أو
لذمي. أو لماله. والظلم لا يجوز امضاؤه بل يرد ويفسخ *
فلو أن الأسير قال لمسلم، أو لذمي دخل دار الحرب: أفدني منهم وما تعطيهم دين لك على فهو كما
قال، وهو دين عليه لأنه استقرضه فأقرضه وهذا حق، وقال مالك. وابن القاسم: لو نزل حربيون
بأمان وعندهم مسلمات مأسورات لم ينتزعن منهم ولا يمنعون من الوطئ لهن، وقال ابن القاسم: لو
تذمم حربيون وبأيديهم أسرى مسلمون أحرار فهم باقون في أيدي أهل الذمة عبيد لهم كما كانوا *
وهذان القولان لا نعلم قولا أعظم فسادا منهما، ونعوذ بالله منهما، وليت
شعري ما القول لو كان بأيديهم شيوخ مسلمون وهم يستحلون فعل قوم لوط أيتركون
وذلك؟ أو لو أن بأيديهم مصاحف أيتركون يمسحون بها العذر عن أستاههم؟ نبرأ إلى الله
تعالى من هذا القول أتم البراءة ونعوذ بالله من الخذلان *

(1) في النسخة رقم (14) (فلا أريد منك)
(2) قال مصحح النسخة رقم (14) ما نصه: ومن هذا الباب أيضا اخذ النبي عليه
السلام ناقته العضباء من المرأة التي خرجت بها من المشركين هاربة والقصة مشهور في كتاب مسلم، وهذا نص جلى على أن ما غنم المشركون من أموال المسلمين فهو لأربابه المسلمين وإن كانوا قد وصلوا به إلى بلادهم، وقد قال عليه السلام للمرأة ما قال، ولا يأخذ عليه السلام الا ماله (وما ينطق عن الهوى)
(3) في النسخة رقم (14) (ولا نصوم)
(4) في النسخة اليمنية (أو ذمي)
(5) في النسخة اليمنية (الاسرى)
306

933 - مسألة - (1) فان ذكروا حديث أبي جندل، وان رسول الله صلى الله عليه وسلم
رده على المشركين فلا حجة لهم فيه لوجوه، أولها انه عليه السلام رده ولم يكن العهد
ثم بينهم وهم لا يقولون بهذا، والثاني انه عليه السلام لم يرده حتى أجاره لم مكرز بن
حفص (2) من أن يؤذى، والثالث انه عليه السلام قد كان الله تعالى أعلمه أنه سيجعل الله
له فرجا ومخرجا ونحن لا نعلم ذلك، والرابع انه خبر منسوخ نسخه قول الله تعالى
بعد قصة أبى جندل (يا أيها الذين آمنوا إذا جاء كم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم
بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولاهم يحلون
لهن) فأبطل الله تبارك وتعالى بهذه الآية عهدهم في رد النساء ثم أنزل الله تعالى براءة بعض ذلك
فأبطل العهد كله ونسخه بقوله تعالى: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) وبقوله تعالى في براءة أيضا. (كيف يكون للمشركين
عهد عند الله وعند رسوله الا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام؟) الآية فأبطل تعالى
كل عهد للمشركين (3) حاشا الذين عاهدوا (4) عند المسجد الحرام. وبقوله تعالى:
(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم
واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)، وقال
تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله
ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) *
فأبطل الله تعالى كل عهد ولم يقره ولم يجعل للمشركين إلا القتل، أو الاسلام، ولأهل
الكتاب خاصة اعطاء الجزية وهم صاغرون (5) وأمن المستجير والرسول حتى يؤدى
رسالته ويسمع المستجير كلام الله (6) ثم يردان إلى بلادهما ولا زيد، فكل عهد غير
هذا فهو باطل مفسوخ لا يحل الوفاء به لأنه خلاف شرط الله عز وجل وخلاف أمره *
روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني
الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير عن السور بن مخرمة وغيره فذكر حديث الحديبية،
وفيه (فقال المسلمون: سبحان الله! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم
كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يوسف في قيوده (وقد خرج من أسفل
مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين) (7) فقال سهيل: هذا أول ما أقاضيك عليه ان

(1) سقط لفظ (مسألة) من النسخة (اليمنية)
(2) في النسخة اليمنية (كرز بن جابر) وصححناه من تاريخ الكامل لابن الأثير
طبع إدارتنا ج 2 ص 138 نسأل الله اتمامه، وهو في البخاري أيضا ج 4 ص 39
(3) في النسخة اليمنية (كل عهد لمشرك
(4) في النسخة اليمنية (عاهدهم)
(5) في النسخة رقم (14) (اعطاء الجزء صاغرين)
(6) في النسخة اليمنية (كتاب الله) وما هنا انسب بالتلاوة
(7) الزيادة من صحيح البخاري ج 4 ص 40 والحديث مطول جدا فيه فوائد عظيمة، ومعنى (يرسف) يمشى مشيا بطيئا بسب القيود
307

ترده إلى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انا لم نقض الكتاب بعد، قال: فوالله إذا لا أصالحك على
شئ أبدا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه لي قال: ما أنا بمجيزه لك (1) قال: بلى فافعل
قال: ما أنا بفاعل قال مكرز: - هو ابن حفص بن الأحنف - بل قد أجزناه لك)، فهذا خلاف
قولهم كلهم (2)، وحديث أبي جندل حجة عليهم كما أوردنا. *
ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عفان - هو ابن مسلم - نا حماد بن سلمة عن
ثابت عن أنس ان قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم: (ان من
جاء منكم لم نرده عليكم ومن جاء منا رددتموه علينا فقالوا: يا رسول الله أتكتب هذا؟
قال: نعم انه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا
ومخرجا)، وهذا خبر منه عليه السلام مقطوع بصدقه *
ومن طريق البخاري نا يحيى بن بكير نا الليث - هو ابن سعد - عن عقيل بن خالد
عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع المسور بن مخرمة وآخر يخبران عن أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا حديث الحديبية وفيه (فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو
ولم يأته أحد من الرجال الا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاءت المؤمنات مهاجرات
وجاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي
عاتق (3) فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ان يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله
تعالى. فيهن (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بايمانهن) (4) الآية *
934 - مسألة - ومن كان أسيرا عند الكفار فعاهدوه على الفداء وأطلقوه
فلا يحل له أن يرجع إليهم ولا ان يعطيهم شيئا ولا يحل للامام ان يجبره على أن يعطيهم شيئا
فإن لم يقدر على الانطلاق إلا بالفداء ففرض على المسلمين ان يفدوه ان لم يكن له مال يفي
بفدائه، قال الله عز وجل: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وإسار المسلم أبطل
الباطل، وأخذ الكافر أو الظالم ماله فداء من أبطل الباطل، فلا يحل اعطاء الباطل. ولا
العون عليه، وتلك العهود والايمان التي أعطاهم لا شئ عليه فيها لأنه مكره عليها إذا لا سبيل
له إلى الخلاص الا بها ولا يحل له البقاء في أرض الكفر وهو قادر على الخروج وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وهكذا
كل عهد أعطيناهم حتى نتمكن من استنقاذ المسلمين وأموالهم من أيديهم فان عجزنا عن استنقاذه
الا بالفداء ففرض علينا فداؤه لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه من طريق أبى موسى الأشعري

(1) في النسخة رقم (14) (ما انا بمجيز ذلك) وما هنا موافق لصحيح البخاري
(2) في النسخة رقم (14) (قولهم كله)
(3) هي الجارية الشابة أول ما أدركت
(4) الحديث في البخاري ج 4 ص 28
308

(أطعموا الجائع وفكوا العاني) وهو قول أبى سليمان، والشافعي *
935 - مسألة - ولا يحل فداء الأسير المسلم الا اما بمال، واما بأسير كافر،
ولا يحل ان يرد صغير سبى من أرض الحرب إليهم لا بفداء ولا بغير فداء لأنه قد لزمه
حكم الاسلام بملك المسلمين له فهو وأولاد المسلمين سواء ولافرق، وهو قول المزني *
936 - مسألة - وما وهب أهل الحرب للمسلم الرسول إليهم، أو التاجر عندهم
فهو حلال. وهبة صحيحة ما لم يكن مال مسلم، أو ذمي، وكذلك ما ابتاعه المسلم منهم فهو
ابتياع صحيح ما لم يكن لمسلم، أو ذمي لأنهم مالكون لأموالهم ما لم ينتزعها المسلم منهم
بقول الله تعالى: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) فجعلها الله تعالى لهم إلى أن
أورثنا إياها. والتوريث لا يكون الا بالاخذ والتملك والا فلم يورث بعد ما لم تقدر أيدينا عليه،
وإنما جعل الله تعالى أموالهم للغانم لها لا لكل من لم يغنمها *
937 - مسألة - وإذا أسلم الكافر الحربي فسواء أسلم في دار الحرب، ثم خرج
إلى دار الاسلام. أو لم يخرج، أو خرج إلى دار الاسلام، ثم أسلم كل ذلك سواء وجميع
ماله الذي معه في أرض الاسلام. أو في دار الحرب. أو الذي ترك وراءه في دار الحرب
من عقار، أو دار، أو أرض، أو حيوان، أو ناض، أو متاع في منزله، أو مودعا،
أو كان دينا هو كله له لاحق لاحد فيه ولا يملكه المسلمون ان غنموه، أو افتتحوا تلك
الأرض، ومن غصبه منها شيئا من حربي، أو مسلم، أو ذمي رد إلى صاحبه ويرثه ورثته
ان مات وأولاده الصغار مسلمون أحرار، وكذلك الذي في بطن امرأته، وأما امرأته
وأولاده الكبار ففئ ان سبوا وهو باق على نكاحه معها وهي رقيق لمن وقعت
له في سهمه *
برهان ذلك أنه إذا أسلم فهو بلا شك، وبلا خلاف وبنص القرآن والسنة مسلم
وإذا هو مسلم فهو كسائر المسلمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان دماءكم وأموالكم
وأعراضكم عليكم حرام) فصح أن دمه وبشرته وعرضه وماله حرام على كل أحد سواه، ونكاح
أهل الكفر صحيح لان النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على نكاحهم ولو كان فاسدا لما أقره ومنه خلق عليه
السلام ولم يخلق الا من نكاح صحيح فهما باقيان على نكاحهما لا يفسده شئ، ولا غيره إلا
ما جاء فيه النص بفساده، والعجب أن الحاضرين من المخالفين لا ينازعوننا في أن دمه. وعرضه.
وبشرته. حرام، ثم يضطربون في أمر ماله، وهذا عجب جدا! وقولنا هذا كله هو قول الأوزاعي
والشافعي، وأبي سليمان، وقال أبو حنيفة: ان أسلم في دار الحرب وأقام هناك حتى تغلب
المسلمون عليها فإنه حر وأمواله كلها له لا يغنم منها شئ. ولا مما كان لوديعة عند مسلم، أو ذمي،
309

وأولاده الصغار مسلمون أحرار حاشا أرضه وحمل امرأته فكل ذلك غنيمة وفئ ويكون
الجنين مع ذلك مسلما، وأما امرأته وأولاده الكبار ففئ، وقال أبو يوسف: وأرضه
له أيضا، وقال أبو حنيفة. فان أسلم في دار الحرب ثم خرج إلى دار الاسلام فأولاده
الصغار أحرار مسلمون لا يغنمون وكل ما أودع عند مسلم، أو ذمي فله، ولا يغنم، وأما سائر
ما ترك في أرض الحرب، أو عقار، أو أثاث، أو حيوان ففئ مغنوم، وكذلك حمل
امرأته وهو مع ذلك مسلم فان خرج إلى دار الاسلام كافرا، ثم أسلم فيها فهو حر مسلم. وأما
كل ما ترك من ارض: أو عقار، أو متاع، أو حيوان، أو أولاده الصغار ففئ مغنوم ولا يكونون
مسلمين باسلامه *
قال أبو محمد: لو قيل لانسان أسخف (1) واجتهد ما قدر على أكثر من هذا ولا تعرف هذه
التقاسيم لاحد من أهل الاسلام قبله وما تعلق (2) فيها لا بقرآن، ولا بسنة، ولا برواية فاسدة، ولا
بقول صاحب، ولا تابع، ولا بقياس، ولا برأي يعقل، ونعوذ بالله من الخذلان، بل هو خلاف
القرآن والسنن في إباحته مال المسلم وولده الصغار للغنيمة بالباطل وخلاف المعقول إذا صار
عنده فراره إلى أرض الاسلام بنفسه واسلامه فيها ذنبا عظيما يستحق به منه إباحة صغار أولاده
للاسار والكفر وإباحة جميع ماله للغنيمة هذا جزاؤه عند أبي حنيفة وجعل بقاءه في دار
الكفر (3) خصلة (4) حرم بها أمواله كلها حاشا أرضه وحرم بها صغار أولاده حاشا الجنين،
هذا مع إباحته للكفار والحربيين تملك أموال المسلمين كما قدمنا قبل، وتحريمه ضربهم
وقتلهم ان أعلنوا بسب رسول الله صلى الله عليه وسلم باقزع (5) السب وتكذيبه في الأسواق، فان
قتل مسلم منهم قتيلا قتل به فكيف ترون؟ وهو أيضا خلاف الاجماع المتيقن لأنه لا يشك
مؤمن. ولا كافر. ولا جاهل. ولا عالم في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أطوارا
فطائفة أسلموا بمكة، ثم فروا عنها بأديانهم كأبي بكر. وعمر. وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم
، وطائفة خرجوا كفارا، ثم أسلموا كعمرو بن العاصي أسلم عند النجاشي،
وأبي سفيان أسلم في عسكر النبي صلى الله عليه وسلم، وطائفة أسلموا وبقوا بمكة كجميع المستضعفين
من النساء وغيرهم قال الله تعالى: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن
مكة من بعد ان أظفركم عليهم) إلى قوله (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم
ان تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين
كفروا منهم عذابا أليما)، وكل هؤلاء إذ فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة رجع الخارج إلى داره،

(1) قال في اللسان: السخف بالفتح رقة العيش وبالضم رقة العقل، وقيل: هي الخفة التي تعتري الانسان إذا جاء من السخف اه‍
(2) في النسخة اليمنية (ولا تعلق)
(3) في النسخة رقم (14) (في ارض الكفر)
(4) في نسخة (خطة)
(5) يقال: أنواع له في المنطق واقذع (بالزاي والذال) إذا تعدى في القول
310

وعقاره، وضياعهم بالطائف وغيرها، وبقى المستضعف في داره وعقاره وأثاثه كذلك،
فأين يذهب بهؤلاء القوم لو نصحوا أنفسهم؟ وأتى بعضهم ههنا بآبدة (1) وهي أنه قال:
قال الله عز وجل: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) وذكر
ما روينه من طريق أبى عبيد عن أبي الأسود المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب (2)
أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص من أسلم قبل القتال فهو من المسلمين له ما للمسلمين
وله سهم في الاسلام، ومن أسلم بعد القتال، أو الهزيمة فماله فئ للمسلمين لأنهم قد
أحرزوه قبل إسلامه قال: فسماهم تعالى فقراء فصح أن أموالهم قد ملكا الكفار عليهم *
قال أبو محمد: لقد كان ينبغي ان يردعه الحياء عن هذه المجاهرة القبيحة، وأي
إشارة في هذه الآية إلى ما قال؟ بل هي دالة على كذبه في قوله لأنه تعالى أبقى أموالهم
وديارهم في ملكهم بأن نسبها إليهم وجعلها لهم وعظم بالانكار اخراجهم ظلما منها
ونعم هم فقراء بلا شك إذ لا يجدون غنى وهم مجمعون معنا على أن رجلا من أهل الغرب
أو المشرق لو حج ففرغ ما في يده بمكة، أو بالمدينة وله في بلاده ضياع بألف ألف دينار وأثاث
بمثل ذلك وهو حيث لا يقدر على قرض، ولا على ابتياع، ولا بيع فإنه فقير تحل له الزكاة
المفروضة وماله في بلاده منطلقة عليه يده، وكذلك من حال بينه وبين ماله فتنة، أو غصب،
ولا فرق، ولقد عظمت مصيبة ضعفاء المسلمين المغترين بهم منهم، ونحمد الله تعالى على
ما هدانا له من الحق *
واما الرواية عن عمر رضي الله عنه فساقطة لأنها منقطعة لم يولد يزيد بن أبي حبيب
الا بعد موت عمر رضي الله عنه بدهر طويل، وفيها ابن لهيعة وهو لا شئ، ثم لو صحت
لما كان لهم فيها متعلق بل هي موافقة لقولنا وخلاف لقولهم، (3) لان نصها من أسلم
قبل القتال فهو من المسلمين له ما للمسلمين، فصح بهذا ان ماله كله حيث كان له كما كان لكل
مسلم، ثم فيها ان أسلم بعد القتال، أو الهزيمة فماله للمسلمين فئ لأنه قد أحرزه المسلمون قبل
إسلامه فهذا قولنا لأنه قد صار ماله للمسلمين قبل أن يسلم فأعجبوا لتمويههم وتدليسهم بما
هو عليهم ليضلوا به من اغتر بهم! *
938 - مسألة - فإن كان الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد فامرأته حرة لا تسترق
لان الجنين حينئذ بعضها، ولا يسترق لأنه جنين مسلم، ومن كان بعضها حرا فهي كلها
حرة لما نذكر في كتاب العتق إن شاء الله تعالى بخلاف حكمها إذا نفخ فيه الروح قبل
إسلام أبيه لأنه حينئذ غيرها، وهو ربما كان ذكرا وهي أنثى، وبالله تعالى التوفيق *

(1) قال الجواهري في صحاحه: وجاء فلان بآيد قاى بداهية يبقى ذكرها الأبد
(2) في النسخة رقم (14) (زيد ابن أبي حبيب) وهو غلط انظر تهذيب التهذيب ج 11 ص 318
(3) في النسخة اليمنية (موافقة لنا وخلاف لهم)
311

939 - مسألة - وأيما امرأة أسلمت ولها زوج كافر ذمي، أو حربي فحين إسلامها
انفسخ نكاحها منه سواء أسلم بعدها بطرفة عين، أو أكثر، أو لم يسلم لا سبيل له عليها الا بابتداء
نكاح برضاها وإلا فلا، فلو أسلما معا بقيا على نكاحهما فان أسلم هو قبلها، فإن كانت
كتابية بقيا على نكاحهما أسلمت هي، أو لم تسلم، وإن كانت غير كتابية فساعة إسلامه قد
انفسخ نكاحها منه أسلمت بعده بطرفة عين فأكثر لا سبيل له عليها الا بابتداء نكاح برضاها
ان أسلمت والا فلا سواء حربيين أو ذميين كانا، وهو قول عمر بن الخطاب، وجابر بن
عبد الله. وابن عباس رضي الله عنهم وبه يقول حماد بن زيد. والحكم بن عتيبة. وسعيد
ابن جبير. وعمر بن عبد العزيز. وعدي بن عدي الكندي. والحسن البصري. وقتادة،
والشعبي، وغيرهم، وقال أبو حنيفة: أيهما أسلم قبل الآخر في دار الاسلام فإنه يعرض
الاسلام على الذي لم يسلم منهما، فان أسلم بقيا على نكاحهما وان أبى فحينئذ تقع الفرقة
ولا معنى لمراعاة العدة في ذلك، قال: فان أسلمت في دار الحرب فخرجت مسلمة أو ذمية
فساعة حصولها في دار الاسلام يقع الفسخ بينهما لا قبل ذلك، فإن لم تخرج من دار
الحرب فان حاضت ثلاث حيض قبل أن يسلم هو وقعت الفرقة حينئذ وعليها أن تبتدئ
ثلاث حيض أخر عدة منه، وان أسلم هو قبل ذلك فهو على نكاحه معها قال: فلو ارتد
أحدهما انفسخ النكاح من وقته، وقال مالك: ان أسلمت المرأة ولم يسلم زوجها فان
أسلم في عدتها فهما على نكاحهما وان لم يسلم حتى انقضت عدتها فقد بانت منه، قال:
فلو أسلم هو، وهي غير كتابية عرض الاسلام عليها، فان أسلمت بقيا على نكاحهما وان
أبت انفسخ النكاح ساعة إبائها، فلو ارتد أحدهما انفسخ النكاح ساعتئذ، وقال ابن
شبرمة: عكس قول مالك إن أسلم هو وهي وثنية فان أسلمت قبل تمام العدة فهي امرأته
وإلا فبتمامها تقع الفرقة وان أسلمت هي وقعت الفرقة في الحين، وقال الأوزاعي، والليث،
والشافعي: كل ذلك سواء، وتراعى العدة، فان أسلم الكافر منهما قبل انقضاء العدة فهما على
نكاحهما وان لم يسلم حتى تمت العدة وقعت الفرقة وهو قول الزهري، وأحمد بن حنبل،
وإسحاق، وأحد قولي الحسن بن حيى *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة فظاهر الفساد لأنه لا حجة لا من قرآن، ولا سنة،
ولا إجماع، وينبغي لهم أن يحدوا وقعت عرض الاسلام، ولا سبيل إلى ذلك الا برأي فاسد
وهو أيضا قول لا يعرف مثل تقسيمه لاحد من أهل الاسلام قبله، وكذلك قول مالك
سواء سواء، وقد موه بعضهم بما كان السكوت أولى به لو نصح نفسه مما سنذكره إن شاء الله
تعالى
312

(وروينا) (1) من طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن فضيل عن مطرف بن طريف
عن الشعبي عن علي بن أبي طالب قال: إذا أسلمت امرأة اليهودي أو النصراني كان أحق
ببضعها لان له عهدا *
وروينا من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة ان هانئ بن هانئ بن قبيصة الشيباني، وكان
نصرانيا عنده أربع نسوة فأسلمن فقدم المدينة ونزل على عبد الرحمن بن عوف فأقرهن
عمر عنده قال شعبة: قلت للحكم: عمن هذا؟ قال: هذا شئ معروف *
وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي. ومحمد بن جعفر غندر قال عبد الرحمن: عن
سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر. والمغيرة بن مقسم، وقال غندر: نا شعبة نا حماد بن أبي
سليمان، ثم اتفق المغيرة. ومنصور. وحماد كلهم عن إبراهيم النخعي في ذمية أسلمت تحت ذمي
قال: تقر عنده، وبه أفتى حماد بن أبي سليمان وهو قول أبى سليمان الا أنه قال: يمنع من
وطئها فهذا قول * وعن عمر أيضا قول آخر: صح عنه رويناه من طريق حماد بن سلمة عن أيوب
السختياني. وقتادة عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن يزيد الخطمي ان نصرانيا أسلمت امرأته
فخيرها عمر بن الخطاب ان شاءت فارقته وان شاءت أقامت عليه * ورويناه أيضا من طريق
معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عمر بمثله وعبد الله بن يزيد
هذا له صحبة، وعن عر أيضا قول ثالث رويناه من طريق حماد بن سلمة عن داود الطائي
عن زياد بن عبد الرحمن أن حنظلة بن بشر زوج ابنته وهي مسلمة من ابن أخ له نصراني
فركب عوف بن القعقاع إلى عمر بن الخطاب فأخبره بذلك فكتب عمر في ذلك إن أسلم فهي
امرأته وان لم يسلم فرق بينهما فلم يسلم ففرق بينهما فتزوجها عوف بن القعقاع، وهم لا يقولون
بهذا لأنهم لا يجيزون البتة ابتداء عقد نكاح مسلمة من كافر أسلم إثر ذلك أو لم يسلم *
وعن عمر أيضا قول رابع لا يصح عنه رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن أبي إسحاق الشيباني قال: أنبأني ابن المرأة التي فرق بينهما عمر عرض عليه السلام فأبى *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا عباد بن العوام عن أبي إسحق الشيباني (2) عن يزيد بن
علقمة أن عبادة بن النعمان التغلبي كان ناكحا بامرأة من بنى تميم فأسلمت فقال له عمر بن
الخطاب: إما أن تسلم واما أن ننتزعها منك فأبى فنزعها عمر منه * ومن طريق ابن أبي شيبة
نا علي بن مسهر عن أبي إسحق الشيباني عن السفاح بن ضر التغلبي عن داود بن كردوس
ان عبادة بن النعمان بن زرعة أسلمت امرأته التميمية وأبى أن يسل ففرق عمر بينهما *

(1) الزيادة من النسخة اليمنية
(2) من قوله (قال: إنبأني ابن المرأة) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية
313

أبو إسحاق لم يدرك عمر، والسفاح، وداود بن فردوس مجهولان، وكذلك يزيد بن علقمة،
وعن علي بن أبي طالب قول آخر من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن
علي بن أبي طالب قال في الزوجين الكافرين يسلم أحدهما: هو أملك ببضعها ما دامت في دار هجرتها *
وروينا من طريق سفيان بن عيينة عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن علي هو
أحق بها ما لم يخرج من مصرها، وقول آخر رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا معتمر بن
سليمان عن معمر عن الزهري إن أسلمت ولم يسلم زوجها فهما على نكاحهما الا أن يفرق
(1) بينهما سلطان * وأما من راعى عرض الاسلام فكما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبدة
ابن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن السن قال: إذا أسلمت وأبى أن يسلم
فإنها تبين منه بواحدة وقاله عكرمة *
قال أبو محمد: ليس في هذا بيان ان إبايته بعد اسلامها وقد يريد أن يسلم معها، (2)
وأما من راعى العدة فصح عن عطاء. ومجاهد. وعمر بن عبد العزيز * وأما قولنا فمروى عن
طائفة من الصحابة رضي الله عنهم كما روينا من طريق شعبة أخبرني أبو إسحاق الشيباني قال:
سمعت يزيد بن علقمة أن جده وجدته كانا نصرانيين فأسلمت جدته ففرق عمر بن الخطاب بينهما *
ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس في اليهودية،
أو النصرانية تسلم تحت اليهودي، أو النصراني قال: يفرق بينهما * الاسلام يعلوا ولا يعلى
عليه، وبه يفتى حماد بن زيد * ومن طريق عبد الرزاق عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
يقول: نساء أهل الكتاب لنا حل ونساؤنا عليهم حرام (3) * وصح عن الحكم بن عتيبة
أنه قال في المجوسيين يسلم أجدهما قال: قد انقطع ما بينهما * وصح عن سعيد بن جبير في نصرانية
أسلمت تحت نصراني قال: قد فرق الاسلام بينهما (4) * وصح عن عطاء، وطاوس،
ومجاهد، والحكم بن عتيبة في كافرة تسلم تحت كافر قالوا: قد فرق الاسلام بينهما، وصح عن
عمر بن عبد العزيز، وعدي بن عدي هذا بعينه أيضا، وعن الحسن ثابت أيضا أيهما أسلم فرق
الاسلام بينهما، وروى أيضا عن الشعبي *
قال أبو محمد: أما جميع هذه الأقوال التي قدمنا فما نعلم لشئ منها حجة أصلا إلا من
قال: بأنها تقر عنده ويمنع من وطئها فإنهم احتجوا بأن قالوا. نكاح الكفر صحيح فلا يجوز
إبطال نكاح صحيح بغير يقين *
واحتجوا أيضا بما روينا من طريق أبى داود السجستاني قال: نا عبد الله بن محمد النفيلي. ومحمد

(1) في النسخة اليمنية (ما لم يفرق) وما هنا موافق لما في زاد المعاد ج 4 ص 14 (2) في النسخة رقم (14) (وقد يريد أبى ان يسلم معها بزيادة (أبى) وكتب عليها مصححها، صح (ولا ادرى هنا لزيادتها معنى)
(3) من قوله (ومن طريق عبد الرزاق) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية)
(4) في النسخة رقم (14) (قال فرق فرق)،
314

ابن عمرو الرازي، والحسن بن علي - هو الحلواني - قال النفيلي: نا محمد بن سلمة، وقال الرازي:
نا سلمة بن الفضل، وقال الحلواني: نا يزيد - هو ابن زريع - أو ابن هارون أحدهما بلا شك،
ثم اتفق سلمة وابن سلمة ويزيد كلهم عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرة عن
ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبى العاص النكاح الأول. زاد محمد
ابن سلمة لم يحدث شيئا (1) وزاد سلمة بعد ست سنين وزاد يزيد بعد سنتين، (2) وقالوا:
قد أقر النبي صلى الله عليه وسلم جميع كفار العرب على نسائهم وفيهم من أسلمت قبله، وفيهم من أسلم قبلها *
قال أبو محمد: لا حجة لهم غير ما ذكرنا، فأما قولهم: ان نكاح أهل الكفر صحيح
فلا يجوز فسخه بغير يقين فصدقوا، واليقين قد جاء كما نذكر بعد هذا إن شاء الله عز وجل *
وأما الخبر فصحيح يعنى حديث زينب مع أبي العاص رضي الله عنهما ولا حجة لهم فيه لان اسلام
أبى العاص كان قبل الحديبية ولم يكن نزل بعد تحريم المسلمة على المشرك، وأما احتجاجهم باسلام
العرب فلا سبيل لهم إلى خبر صحيح بان اسلام رجل تقدم اسلام امرأته، أو تقدم اسلامها فاقرهما
عليه السلام على النكاح الأول، فإذ لا سبيل إلى هذا فلا يجوز أن يطلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأنه اطلاق الكذب والقول بغير علم، (فان قيل): قد روى أن أبا سفيان أسلم
قبل هند، وامرأة صفوان أسلمت قبل صفوان قلنا: ومن أين لكم أنهما بقيا على نكاحهما
ولم يجددا عقدا؟ وهل جاء ذلك قط باسناد صحيح متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه عرف ذلك
فأقره؟ حاشا لله من هذا (3) *
قال أبو محمد: وهنا شغب المالكيون، والشافعيون فاما الشافعيون فاحتجوا بهذا
كله وبحديث أبي العاص وجعلوا المراعى في ذلك العدة فيقال لهم: هبكم أنه قد صح
كل ما ذكرنا من أين لكم ان المراعى في أمر أبى العاص. وأمر هند. وامرأة صفوان
وسائر من أسلم إنما هو العدة؟ ومن أخبركم بهذا؟ وليس في شئ نم هذه الأخبار كلها
ذكر عدة ولا دليل عليها أصلا، ولا عدة في دين الله تعالى الا من طلاق، أو وفاة،
والمعتقة تختار نفسها وليست المسلمة تحت كافر ولا الباقية على الكفر تحت المسلم، ولا
المرتدة واحدة منهن، فمن أين جئتمونا بهذه العدة؟ ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك أبدا
الا بالدعوى الكاذبة فكيف وقد أسلمت زينب في أول بعث أبيها عليه السلام؟ لا خلاف
في ذلك، ثم هاجرت إلى المدينة وزوجها كافر وكان بين اسلامها واسلامه أزيد من ثمان

(1) وفى رواية لأحمد (ولم يحدث شهادة ولا صداقا)
(2) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 239، قال محشيه: ووقع رواية بعد ثلاث سنين، وأشار الحافظ في الفتح إلى الجمع فقال: أراد بلست ما بين هجرة زينب واسلامه، وبالسنتين أو الثلاث ما بين
(3) انظر زاد المعاد في هدى خير العباد لابن القيم الجوزية ج 4 - ص 14 تجد ما يسرك
315

عشرة سنة وقد ولدت في خلال هذا ابنها علي بن أبي العاص (1) فأين العدة لو عقلتم؟ *
وأما المالكيون فان موهوا بامرأة صفوان عورضوا بهذا، وأبي سفيان، وان احتجوا
بقول الله: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ذكروا بقول الله تعالى: (لا هن حل لهم ولاهم
يحلون لهن) فظهر فساد هذه الأقوال كلها، وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: برهان صحة قولنا قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات
مهاجرات الآية إلى قوله: (ذلكم حكم الله يحكم بينكم) فهذا حكم الله الذي لا يحل لاحد ان
يخرج عنه، فقد حرم الله تعالى رجوع أو منة إلى الكافر *
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المهاجر من هجر ما نهى الله عنه) فكل من أسلم فقد هجر الكفر
الذي قد نهى عنه فهو مهاجر، ونص تعالى على أن نكاحها مباح لنا فصح انقطاع العصمة
باسلامها، وصح ان الذي يسلم مأمور بأن لا يمسك عصمة كافرة فصح ان ساعة يقع الاسلام،
أو الردة فقد انقطعت عصمة المسلمة من الكافر، وعصمة الكافرة من المسلم سواء أسلم
أحدهما وكانا كافرين، أو ارتد أحدهما وكانا مسلمين، والفرق بين ذلك تخليط، وقول في
الدين بلا برهان، وبالله تعالى التوفيق *
940 - مسألة - ومن قال من أهل الكفر مما سوى اليهود، والنصارى،
أو المجوس: لا إله إلا الله أو قال: محمد رسول الله كان بذلك مسلما تلزمه شرائع الاسلام
فان أبى الاسلام قتل، وأما من اليهود، والنصارى، والمجوس فلا يكون مسلما بقول
لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا حتى (2) يقول: وانا مسلم، أو قد أسلمت، أو انا برئ من كل
دين حاشا الاسلام *
روينا من طريق مسلم نا حرملة بن يحيى انا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب
أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال: (لما حضرت أبا طالب الوفاة قال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم (3): يا عم قل: لا إله الا الله كلمة أشهد لك بها عند الله) وذكر الحديث *
ومن طريق مسلم نا يعقوب الدورقي نا هشيم نا حصين - هو ابن عبد الرحمن - أخبرنا
أبو ظبيان سمعت أسامة بن زيد (بن حارثة يحدث) (4) قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فهزمنا هم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم
فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته فقتلته (5)، فبلغ ذلك

(1) سقط لفظ (أبى) في النسخة رقم (14) خطأ
(2) سقط لفظ (الا) من النسخة اليمنية، والكلام بدونه صحيح
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 23 (جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) الخ، ورواه البخاري في صحيحه ج 2 ص 199
(4) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 39
(5) في صحيح مسلم (فطعنته برمحي حتى قتلته) *. والحرقات بضمتين وقاف اسم موضع
316

رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فقال لي: يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا اله إلا الله؟ قلت: يا رسول الله إنما
كان متعوذا فقال: أقتلته بعد ما قال: لا إله الا الله؟ فما زال يكررها على حتى تمنيت انى لم أكن
أسلمت قبل ذلك اليوم) *
قال أبو محمد: فهذا في آخر اسلام، وحديث أبي طالب في معظم الاسلام بعد أعوام
منه، وقد كف الأنصاري كما ترى عن قتله إذ قال: لا إله إلا الله ولم يلزم أسامة قود لأنه قتله
وهو يظنه كافرا فليس قاتل عمد *
ومن طريق مسلم نا الحسن بن علي الحلواني نا أبو توبة - هو الربيع بن نافع - نا معاوية (1)
- يعنى ابن سلام - عن زيد يعنى أخاه أنه سمع أبا سلام قال. أنا أبو أسماء الرحبي (2) أن ثوبان
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه (قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من
أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال: لم تدفعني؟
قلت: ألا تقول: يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان اسمي محمد (3) الذي سماني به أهلي)، ثم ذكر الحديث، وفي
آخره (ان اليهودي قال له: (لقد) (4) صدقت وأنك لنبي، ثم انصرف) *
ففي هذا الخبر ضرب ثوبان رضي الله عنه اليهودي إذ لم يقل: رسول الله، ولم ينكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فصح أنه حق واجب إذ لو كان غير جائز لا نكره عليه، وفيه ان اليهودي قال له: إنك
لنبي ولم يلزمه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ترك دينه *
ومن طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا أبو روح حرمي بن عمارة نا شعبة عن
واقد - هو ابن محمد - بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: (سمعت أبي يحدث
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (5): (أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا
ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذ فعلوا ذلك
عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله) وهذا كله قول الشافعي.
وأبي سليمان: *
941 - مسألة - ولا يقبل نم يهودي، ولا نصراني، ولا مجوسي جزية الا بأن يقروا
بأن محمدا رسول الله الينا وأن لا يطعنوا فيه ولا في شئ من دين الاسلام لحديث ثوبان

(1) وقع في صحيح مسلم ج 1 ص 99 (أبو معاوية) وكذلك في شرح مسلم للنووي طبع بولاق السادسة ج 2 ص 360 وهو غلط فيهما ووقع صحيحا في صحيح مسلم طبع الآستانة ج 1 ص 173
(2) هو بفتح الراء والحاء المهملتين واسمه عمرو بن مرثد الشامي الدمشقي وهو من رحبة دمشق قرية من قراها بينها وبين دمشق ميل
(3) في النسخة اليمنية وفى النسخة رقم (14) (ان اسمي محمدا) وهو غلط
(4) الزيادة من النسخة رقم (14) وهي موجودة في صحيح مسلم
(5) في صحيح البخاري ج 1 ص 22 (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) الخ
317

الذي ذكرنا آنفا، ولقول الله تعالى: (وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا أيمان
لهم) وهو قول مالك، قال في المستخرجة: من قال من أهل الذمة: إنما أرسل محمد إليكم
لا إلينا فلا شئ عليه، قال: فان قال لم يكن نبيا قتل *
942 - مسألة - ومن قال: إن في شئ من الاسلام باطنا غير الظاهر الذي يعرفه
الأسود والأحمر فهو كافر يقتل ولا بد لقول الله تعالى: (إنما على رسولنا البلاغ المبين).
وقال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) فمن خالف هذا فقد كذب بالقرآن *
943 - مسألة - وكل عبد، أو أمة كانا لكافرين، أو أحدهما أسلم في دار
الحرب، أو في غير دار الحرب فهما حران، فلو كانا كذلك لذمي فأسلما فهما حران ساعة
اسلامهما، وكذلك مدبر الذمي، أو الحربي، أو مكاتبهما، أو أم ولدهما أيهم أسلم فهو
حر ساعة إسلامه وتبطل الكتابة، أو ما بقي منها ولا يرجع الذي أسلم بشئ مما كان أعطى
منها قبل إسلامه ويرجع بما أعطى منها بعد إسلامه فيأخذه لقول الله عز وجل: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا). وإنما عنى تعالى بهذا أحكام الدين بلا شك،
وأما تسلط الدنيا بالظلم فلا، والرق أعظم السبيل، وقد أسقطه الله تعالى بالاسلام،
ونسأل من باعهما عليه لم تبيعهما؟ أهما مملوكان له أم غير مملوكين؟ ولا بد من أحدهما *
(فان قال): ليسا مملوكين له صدق وهو قولنا، وإذ لم يكونا مملوكين له فهما حران،
وإن قال: هما مملوكان له قلنا: فلم تبطل ملكه الذي أنت تصححه بلا نص ولا إجماع؟
وأي فرق بين اقرارك لهما في ملكه ساعة، أو ساعتين، أو يوما، أو يومين، أو جمعة،
أو جمعتين، أو شهرا، أو شهرين، أو عاما، أو عامين، أو باقي عمرها، أو عمره، وكيف
صح اقرارك لهما في ملكه مدة تعريضهما للبيع؟ ولم يصح، ابقاؤهما في ملكه أكثر
ولعلهما لا يستبيعان في شهر، أو أكثر، وهلا أقررتموهما في ملكه وحلتم بينه وبينهما
كما فعلتم في المدبر. وأم الولد. والمكاتب إذا أسلموا؟ ولئن كان يجوز ابقاؤهم في ملكه
ان ذلك لجائز في العبد، ولئن حرم ابقاء العبد في ملكه ليحرم ذلك في أم الولد. والمدبر.
والمكاتب ولا فرق، وهذا تناقض ظاهر لا خفاء به وقول فاسد لامرية فيه، ونسألهم
أيضا عن كافر اشترى عبدا مسلما، أو أمة مسلمة، فمن قولهم: أنهم يفسخون
ذلك الشراء فنقول لهم: ولم فسختموه؟ وهلا بعتموهما عليه كما تفعلون إذا أسلم
في ملكه؟ وما الفرق؟ (فان قالوا): لان هذا ابتداء تملك قلنا نعم: فكان ماذا؟ ولا يخلو ابتياعه
لهما من أن يكون ابتداء تملك لما يحل تملكه أو لما لا يحل تملكه، ولا سبيل إلى ثالث *
(فان قالوا): بل لما لا يحل تملكه قلنا: صدقتم فكيف أحللتم تملكه لهما مدة تعريضكم
318

إياهما للبيع إذا أسلما في ملكه؟ (وان قالوا): بل لما يحل تملكه قلنا: فلم فسختم ابتياعه لما يحل
له تملكه؟ بل لم تبيعون عليه ما يحل له تملكه؟ (فان قالوا): انهما كانا في ملكه قبل أن يسلما فلم يبطل
ملكه باسلامهما، قلنا: نعم فلم بعتموهما عليه وهذا تناقض فاحش لا إشكال فيه، وقول
باطل بلا برهان، والعجب كل العجب! انهم ينكرون مثل هذا على الله تعالى وعلى رسوله
صلى الله عليه وسلم فيقولون في تزوجه عليه السلام صفية أم المؤمنين وجعل عتقها صداقها: لا يخلوا أن
يكون تزوجها قبل عتقها، أو بعد عتقها، فإن كان تزوجها قبل عتقها فزواج الرجل أمته لا يحل،
وإن كان تزوجها بعد عتقها فقد مضى عتقها فأين الصداق؟ وقالوا: مثل هذا في العتق بالقرعة.
وفي وجود المرء سلعته عند مفلس، وكل هذا لا يدخل فيه ما أدخلوه فيه من هذه الاعتراضات
الفاسدة، ثم لا ينكرون هذا على أنفسهم وهو موضع الانكار حقا لأنهم إنما يتكلمون ويقضون
برأيهم الفاسد وهو عليه السلام إنما يتكلم ويقضى عن الله تعالى الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
(فان قالوا): نبيعه على الكافر كما تبيعون أنتم عبد المسلم وأمته إذا شكوا الضرر
وفي التفليس قلنا لهم، وبالله تعالى التوفيق: لا نبيع عبد المسلم ولا أمته أصلا الا في حق واجب
لازم لا يمكننا التوصل إليه البتة بوجه من الوجوه إلا ببيعهما والا فلا. أول ذلك اننا لا نبيعهما
عليه الا في دين لزمه أو في نفقة لزمته لنفسه أو للمملوك والمملوكة، أو لمن تلزمه نفقته، أو لضرر
ثابت، فاما الحق الواجب فما دمنا نجد له دراهم أو دنانير لم نبعهما عليه فإن لم نجد له غيرهما ولم
يكن سبيل إلى أداء ذلك الحق الا ببيعهما فهما مال من ماله يباع عند ذلك لقول الله تعالى:
(كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) ومن القيام بالقسط إعطاء كل ذي حق حقه،
وصوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هذا القول إذ قاله سلمان لأبي الدرداء
رضي الله عنهما، وأما الضرر الثابت فان أمكننا منع الضرر بأن نحول بينه وبين الأمة،
والعبد بأن يؤاجرا، أو يجعلا عند ثقة يمنع من الاضرار بهما لم نبعهما فإذا لم يقدر على ذلك
البتة بعناهما لأننا لا نقدر على المنع من الظلم والعدوان والاثم الا بذلك، وقال تعالى:
(ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) (فان قالوا): كذلك تحكم الكافر على المسلم من عبيدهم
ضرر قلنا: فان صح أنه لا ضرر على الأمة والعبد من سيدهما الكافر، أو سيدتهما الكافرة
بل هما معترفان بالاحسان والرفق جملة أليس قد بطل تعلقكم بالضرر؟، هذا ما لا شك فيه *
(فان قالوا): نخاف أن يفسدا دينهما بطول الصحبة قلنا: ففرقوا بينهما وبين ابنيهما إذا
أسلم خوف أن يفسدا دينه وبيعوا عبد المسلم الفاسق وأمته بهذا الاعتلال لأنه مضمون
منه تدريبهما على شرب الخمر. وإضاعة الصلاة. والظلم ولا فرق، وهذا ما لا مخلص منه أصلا،
والحمد لله رب العالمين، وقوله تعالى: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم
319

بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون
لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) برهان
قاطع في وجوب عتق أمة الذمي، أو الحربي إذا أسلمت لأنه تعالى أمر أن لا نرجعها إلى
الكفار وأنهن لا يحللن لهم (1) وأباح لنا نكاحهن، وهذا عموم يوجب الحرية ضرورة *
(فان قيل): قوله تعالى في هذه الآية: (وآتوهم ما أنفقوا) دليل على أنه تعالى أراد الزوجات
قلنا: الآية كلها عامة لكل مؤمنة هاجرت بالايمان لتدخل في جملة المسلمين وهذا الحكم
في إيتاء ما أنفقوا خاص في الزوجات ولا يوجب أن يكون سائر عموم الآية خصوصا إذ لم
يوجب ذلك لغة ولا شريعة، وبالله تعالى التوفيق، وقد صح أن أبا بكرة خرج إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم مسلما فعتق، (فان قالوا): هذا حكم من خرج من دار الحرب إلى دار الاسلام قلنا:
ما الفرق بينكم وبين ما قال: بل هذا حكم من خرج من الطائف خاصة؟ وهل بين الحكمين فرق؟
ثم نقول لهم: وما دليلكم على هذا؟ وإنما جاء مسلما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد لكافر فأعتقه
ولم يقل عليه السلام انى إنما أعتقته لأنه خرج من دار الحرب فمن نسب هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد كذب عليه، وقال عليه بلا برهان، وأنتم تقيسون الجص على التمر والسقمونيا على البر
والكمون عليهما بلا برهان، وفرج المسلمة المتزوجة على يد السارق، ثم تفرقون بين عبد مسلم
وعبد مسلم كلاهما أسلم في ملك كافران هذا لعوج ما شئتم، فان ذكروا أمر بلال، وسلمان رضي الله عنهم
ا وان كليهما أسلم وهما مملوكان لو ثنى ويهودي فابتاع بلالا أبو بكر، وكاتب سلمان
سيده فلو كان حرين بنفس اسلامهما لما كان أبو بكر مالك ولاء بلال، ولا صحيح العتق فيه قلنا
وبالله تعالى التوفيق: *
أما أمر بلال فكان في أول الاسلام بلا خلاف من أحد وقبل نزول الآية التي ذكرنا ببضع
عشرة سنة لان الآية مدنية في سورة النساء ولم تكن الصلاة يومئذ لازمة. ولا الزكاة، ولا الصيام،
ولا الحج، ولا المواريث، ولا كان حراما نكاح الوثني المسلمة، ولا نكاح المسلم الوثنية، ولا ملك
الوثني للمسلم فلا حجة في أمر بلال *
وأما أمر سلمان فكان بالمدينة وكان مملوكا لرجل من بني قريظة وهم ممتنعون لا يجرى عليهم
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هم في حصونهم مالكون لأنفسهم، وكان اسلام سلمان رضي الله عنه
بلا خلاف قبل الخندق وهو أول مشاهده، وهلاك بني قريظة وقتلهم، وحصارهم بعد الخندق
بلا خلاف من أحد *
ومن البرهان القاطع على أن ملك سيده له بطل عنه باسلامه أنه كان مكاتبا له بلا شك

(1) في النسخة رقم (14) (لهن) وما هنا أنسب بالآية
320

وما انتمى قط إلى ولاء ذلك القرظي بل انتمى مولى الله تعالى ورسوله، وهذا كله متفق عليه من
المؤالف. والمخالف، والصالح. والطالح، فلو كان ملكه له صحيحا وكتابته له صحيحة بحق الملك
لكان ولاؤه له ولو كان ولاؤه له لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ينتفى عن ولائه، وفي هذا حجة لمن نصح
نفسه وكفاية، وكيف ولو لم يقم هذا البرهان لما كان لهم فيه حجة؟ لأنهم لا دليل لهم على أنه
كان أمره بعد نزول الآية المذكورة، وبالله تعالى التوفيق *
وبهذا القول يقول بعض أصحاب مالك ذكر ذلك ابن شعبان عنهم أن عبد الذمي
ساعة يسلم فهو حر، وقال أشهب: ساعة يسلم عبد الحربي فهو حر خرج أو لم يخرج، وقال مالك: إذا
أسلمت أم ولد الذمي فهي حرة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: ان أسلم عبد الحربي في دار الحرب فهو
باق على ملكه فان باعه أو وهبه من مسلم. أو كافر. أو لمسلم. أو كافر (1) فهو حر ساعة بيعه، أو هبته
وبطل البيع والهبة قال: فان اشترى الحربي عبدا مسلما فهو على ملكه فإذا حمله إلى أرض الحرب
فساعة دخوله إلى أرض الحرب فهو حر، فهل سمع بأوحش أو أفحش من هذا التخليط؟ وهي أقوال
لا يعرف أن أحدا قالها قبله، وأما مالك فإذا عتق أم ولده باسلامها وهي أمة له فقد ناقض إذ لم يعتق
العبد الأمة باسلامهما ولا فرق بين ذلك *
روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا أنه سمع سليمان بن موسى يقول: لا يسترق
الكافر المسلم، وهذا نفس قولنا لأنه أبطل استرقاقه إياه جملة، قال ابن جريج: وسئل ابن شهاب
عن أم ولد النصراني (2) أسلمت؟ فقال ابن شهاب يفرق الاسلام بينهما وتعتق، قال ابن جريج:
لا تعتق حتى يدعى هو إلى الاسلام فان أبى عتقت *
قال أبو محمد: كلاهما قد أوجب عتقها ولا معنى لتأنى عرض الاسلام عليه، ومن طريق ابن أبي
شيبة نا معن بن عيسى عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال: مضت السنة ان لا يسترق كافر مسلما *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن ميمون قال: كتب عمر بن عبد العزيز فيمن أسلم
من رقيق أهل الذمة أن يباعوا ولا يتركون يسترقونهم ويدفع أثمانهم إليهم فمن قدرت عليه بعد
تقدمك إليه استرق شيئا من سبى المسلمين ممن قد أسلم وصلى فاعتقه * ومن طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج قال: أخبرني بعض أهل أرضنا أن نصرانيا أعتق مسلما فقال عمر بن عبد العزيز:
أعطوه قيمته من بيت المال وولاؤه للمسلمين *
قال أبو محمد: قد رأى عتقه له غير نافذ ورأي ولاءه للمسلمين (3) وهذا هو نص قولنا،
وأما اعطاؤه قيمته من بيت المال فلا نقول بهذا: فإنه لا حق للكافر في بيت مال المسلمين *

(1) في النسخة اليمنية (أو لكافر)
(2) في النسخة اليمنية (أم ولد لنصراني)
(3) في النسخة رقم (14) (لأهل الاسلام)
321

944 - مسألة - ومن سبى من أهل الحرب من الرجال وله زوجة، أو من
النساء ولها زوج فسواء سبى معها، أو لم يسب معها، ولا سبيت معه فهما على زوجيتهما
فان أسلمت انفسخ نكاحها حين تسلم لما قدمنا، وأما بقاء الزوجية فلان نكاح أهل
الشرك صحيح قد أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، ولم يأت نص بأن سباءهما، أو
سباء أحدهما يفسخ نكاحهما، *
(فان قيل): فقد قال الله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم)
قلنا: نعم إذا أسلمت حلت لسيدها المسلم، ولو كانت هذه الآية على عمومها لكان من
له أمة ناكح تحل له لأنها ملك يمينه، وهذا ما لا يقوله الحاضرون من خصومنا، وقد
قال به ابن عباس وغيره: من ابتاع أمة ذات زوج فبيعها طلاقها ولا نقول بهذا: لما سنذكره
في كتاب النكاح إن شاء الله عز وجل *
945 - مسألة - وأي الأبوين الكافرين أسلم؟ فكل من لم يبلغ من أولادهما
مسلم باسلام من أسلم منهما الام أسلمت أو الأب وهو قول عثمان البتي. والأوزاعي.
والليث بن سعد. والحسن بن حي. وأبي حنيفة. والشافعي وأصحابهم كلهم، وقال مالك.
وأبو سليمان: لا يكونون مسلمين الا باسلام الأب، لا باسلام الام، وقال بعض فقهاء
المدينة: لا يكونون مسلمين إلا باسلام الام وأما باسلام الأب فلا لأنهم تبع للام في
الحرية، والرق لأب *
قال أبو محمد: ما نعلم لمن جعلهم باسلام الأب خاصة مسلمين حجة أصلا، ونسألهم
عن قولهم في ابن المسلمة من زنا، أو استكراه (1) فمن قولهم: إنه مسلم باسلامها وهذا
ترك منهم لقولهم، ووافقونا أنه ان أسلم الأبوان أو أحدهما ولهما بنون وبنات قد بلغوا
مبلغ الرجال والنساء فإنهم على دينهم لا يجبرون على الاسلام، وبه نقول لقول الله تعالى:
(ولا تكسب كل نفس الا عليها)، والبالغ مخاطب قد لزمه حكم الكفر أو الذمة، وليس
غير البالغ مخاطبا كما قدمنا قال مالك: نعم ولو كان الولد حزورا (2) قد قارب البلوغ
ولم يبلغ فهو على دينه *
قال أبو محمد: وهذا خطأ فاحش لأنه ليس بالغا وما لم يكن بالغا فحكمه حكم من لم يبلغ
لا من بلغ، وبالله تعالى التوفيق، واما من قاس الدين على الحرية والرق فالقياس
كله باطل قال الله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق

(1) في النسخة رقم (14) (أو أكرم)
(2) قال في الصحاح: الحزور الغلام إذا اشتد وقوى وخدم، قال يعقوب: هو الذي
قد كاد يدرك ولم يفعل اه‍
322

الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فصح انه لا يجوز تبديل دين الاسلام لاحد
ولا يترك أحد يبدله الا من أمر الله تعالى بتركه على تبديله فقط، وقال تعالى: (ومن يبتغ
غير الاسلام دينا فلن يقبل منه)، فصح انه لا يجوز أن يقبل في الدنيا ولا في الآخرة دين من أحد
غير دين الاسلام الا من أمر الله تعالى بأن يقبل منه ويقر عليه *
ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مامن مولود يولد إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه (1))
فصح انه لا يكون أحد الا على الاسلام حتى يعبر عن نفسه فمن أذن الله تعالى في اقراره على مفارقة
الاسلام الذي ولد عليه أقررناه ومن لا لم نقره على غير الاسلام *
ومن طريق مسلم نا حاجب بن الوليد نا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري أخبرني
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على (3)
الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة (بهيمة) (4) جمعاء هل تحس فيها من
جدعاء؟) *
قال أبو محمد: فصح انه لا يترك أحد على مخالفة الاسلام الا من اتفق أبواه على تهويده، أو
تنصيره، أو تمجيسه فقط، فإذا أسلم أحدهما فلم يمجسه أبواه، ولا نصراه، ولا هوداه فهو باق على
ما ولد عليه من الاسلام ولا بد بنص القرآن والسنة، وقد وهل (5) قوم في هذه الآية وهذه الأخبار
وهي بينة وهي العهد الذي أخذه تعالى على الأنفس حين خلقها كما قال تعالى: (وإذ أخذ
ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن
تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين) *
وقد اختلف قول عطاء في هذا فمرة قال: كقولنا: انه مسلم باسلام أي أبويه أسلم ومرة قال
هم مسلمون باسلام أمهم لا باسلام أبيهم، ومرة قال: أيهما أسلم ورثا جميعا ممن مات من صغار
ولدهما وورثهما صغار ولدهما، روينا هذه الأقوال كلها عن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
عنه، وروينا عن شعبة عن الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان انهما قالا جميعا في الصغير يكون
أحد أبويه مسلما فيموت: انه يرثه المسلم ويصلى عليه * ومن طريق معمر عن عمرو والمغيرة
قال عمرو: عن الحسن، وقال المغيرة: عن إبراهيم النخعي قالا جميعا في نصرانيين
بينهما ولد صغار فأسلم أحدهما: ان أولاهما بهم المسلم يرثهم ويرثونه، وقال الأوزاعي: ان
أسلم جد الصغير، أو عمه فهو مسلم أيهما أسلم، وقال سليمان بن موسى: الامر

(1) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 302، وفى رواية (حتى يعبر عنه لسانه)
(2) في صحيح مسلم ج 2 ص 301 (عن أبي هريرة انه كأن يقول: قال) الخ
(3) في النسخة اليمنية (مامن مولود يولد إلا) وما هنا موافق لصحيح مسلم
(4) الزيادة من) صحيح مسلم ومعنى جمعاء سليمة من العيوب مجتمعة الأعضاء كاملتها فلا جدع فيها ولاكى
(5) أي غلط فيه وفى النسخة اليمنية (دهل)
323

فيما مضى في أولينا الذي يعمل به ولا يشك فيه ونحن عليه الآن ان النصرانيين بينهما ولد صغار
فأسلمت الام ورثته كتاب الله تعالى وما بقي فللمسلمين فإن كان أبواه نصرانيين وهو صغير وله
أخ من أم مسلم، أو أخت مسلمة ورثه أخوه، أو أخته كتاب الله، ثم كان ما بقي للمسلمين،
روينا هذا عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج انه سمع سليمان بن موسى يقول هذا لعطاء،
وسليمان فقيه أهل الشام أدرك التابعين الأكابر ولسنا نراه مسلما باسلام جد، ولا عم، ولا
أخ، ولا أخت إذا اجتمع أبواه على تهويده، أو تنصيره، أو تمجيسه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم *
946 - مسألة - وولد الكافرة الذمية، أو الحربية من زنا. أو إكراه مسلم ولا بد
لأنه ولد على ملة الاسلام كما ذكرنا ولا أبوين له يخرجانه من الاسلام فهو مسلم وبالله
تعالى التوفيق *
947 - مسألة - ومن سبى من صغار أهل الحرب فسواء سبى مع أبويه، أو مع
أحدهما، أو دونهما هو مسلم، ولا بد لان حكم أبويه قد زال عن النظر له وصار سيده أملك به
فبطل اخراجهما له عن الاسلام الذي ولد عليه *
روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا خلاد قال: أخبرني عمرو بن شعيب
أن عمر بن الخطاب كان لا يدع يهوديا، ولا نصرانيا يهود ولده، ولا ينصره في ملك العرب،
وهذا نص قولنا ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، وهو قول سفيان
الثوري. والأوزاعي. والمزني، وبالله تعالى التوفيق *
948 - مسألة - ومن وجد كنزا من دفن كافر غير ذمي جاهليا كان
الدافن، أو غير جاهلي فأربعة أخماسه له حلال، ويقسم الخمس حيث يقسم خمس الغنيمة، ولا يعطى
للسلطان من كل ذلك شيئا الا إن كان إمام عدل فيعطيه الخمس فقط وسواء وجده في فلاة في
أرض العرب، أو في أرض خراج، أو أرض عنوة، أو أرض صلح، أو في داره، أو في دار مسلم،
أو في دار ذمي، أو حيث ما وجده حكمه سواء كما ذكرنا، وسواء وجده حر، أو عبد، أو امرأة
قال الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول) الآية، وقال تعالى: (فكلوا
مما غنمتم حلالا طيبا)، ومال الكافر غير الذمي غنيمة لمن وجده *
وروينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: وفى الركاز الخمس) (1) ومن حديث رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان نا شعبة
حدثني إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (أن رجلا قال
لها: أصبت كنزا فرفعته إلى السلطان فقالت له عائشة: بفيك الكثكث)، الكثكث التراب (2)،

(1) هو في الموطأ ج 1 ص 224 (في الركاز الخمس)
(2) قال ابن الأثير في النهاية: الكثكث بالكسر والفتح دقاق الحصى والتراب
324

وقولنا هذا: هو قول أبى سليمان: ولا يكون وجوده في أرض متملكة لمسلم، أو ذمي موجبا
لملك صاحب الأرض له لأنه غير الأرض فلا يكون ملك الأرض ملكا لما فيها من غيرها من صيد،
أو لقطة، أو دفينة، أو غير ذلك، وقال الشافعي: كقولنا الا أنه قال: إن ادعى صاحب الأرض التي
وجد فيها انه قد كان وجده ثم أقره فهو له، وهذا ليس بشئ لأنها دعوى لا بينة له عليها فهو لمن وجده
لأنه في يده وهو غانمه إلا أن يوجد إثر استخراجه، ثم رده فيكون حينئذ قول صاحب الأرض
حقا، وأما إذا وجد كما وضع أول مرة فكذب مدعيه ظاهر بلا شك، وقال مالك: لا يكون
لواجده إلا أن يجده في صحارى أرض العرب فهو له بعد الخمس فان وجده في أرض عنوة فهو كله لبقايا
مفتتحي تلك البلاد، وفيه الخمس، فان وجده في ارض صلح فهو كله لأهل الصلح ولا خمس فيه *
وهذا خطأ ظاهر من وجوه * أولها انه أسقط الخمس عما وجد من ذلك في أرض صلح
وهذا خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخمس) فعم عليه السلام ولم يخص
أرض صلح من غيرها * وثانيها انهم إنما صالحوا على ما يملكونه مما بأيديهم لا على مالا
يملكونه ولا هو بأيديهم ولا يعرفونه * وثالثها انهم لو ملكوا كل ركاز في الأرض التي
صالحوا عليها لوجب أن تملكه أيضا العرب الذين أسلموا على بلادهم فيكون ما وجد فيها
من ركاز للذين أسلموا على تلك الأرض، وهذا خلاف قولهم *
وأما قوله فيما وجد في أرض العنوة أنه لورثة المفتتحين فخطأ لان المفتتحين للأرض إنما يملكون
ما غنموا لا ما لم يغنموا، والركاز مما لم يغنموا، ولا حصلوا عليه ولا أخذوه فلا حق لهم فيه *
والعجب كله انهم لا يجعلون الأرض حقا للمفتتحين أرض العنوة وهم غنموها
ثم يجعلون الركاز الذي فيها حقا لهم وهم لم يغنموه، وقال الحنيفيون: هو لواجده وعليه
فيه الخمس وله أن يأخذ الخمس إن كان محتاجا الا أن يجده في دار اختطها مسلم أو في دار
الحرب فإنه ان وجده في دار اختطها مسلم فهو لصاحب الخطة وفيه الخمس، وان وجده في
دار حربي وقد دخلها بأمان فهو كله للحربي، وان وجده في صحراء في دار الحرب فهو كله لواجده
ولا خمس عليه فيه، وهذا تقسيم في غاية الفساد وخلاف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بان في
الركاز الخمس فعم عليه السلام ولم يخص، ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبل أبي حنيفة،
وهو مع ذلك قول بلا برهان، وفيه عن السلف آثار، منها ما رويناه من طريق ابن عيينة عن
إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي ان عليا (1) أتاه رجل بألف وخمسمائة (درهم) (2) وجدها
في خربة بالسواد فقال على: ان كنت وجدتها في قرية خربة تحمل خراجها قرية عامرة
فهي لهم، وإن كانت لا تحمل خراجها فلك أربعة أخماسه ولنا خمسه وسأطيبه لك جميعا *

(1) في النسخة اليمنية (عن علي)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
325

وهذا خلاف قول الحنيفيين والمالكيين لان السواد أخذ عنوة لا صلحا وكان في أيام على دار
اسلام وقبل ذلك بدهر وشئ رويناه من طريق قتادة أن أبا موسى وجد دانيال بالسوس
إذ فتحها ومعه مال إلى جنبه كانوا يستقرضون منه ما احتاجوا إلى أجل مسمى فإذا جاء ذلك
الأجل ولم يرده المستقرض برص (1) فكتب إلى عمر بذلك فكتب إليه عمر كفنه وحنطه وصل
عليه وادفنه كما دفنت الأنبياء واجعل المال في بيت مال المسلمين، وهذا صحيح لأنه لم يكن
ركازا إنما كان معلوما ظاهرا ولم يكن من أموال الكفار فيخمس ويغنم بل كان مال نبي
فهو للمسلمين في مصالحهم * ومنها خبر عن عمر من طريق سماك بن حرب عن جرير بن
رياح (2) عن أبيه أنهم أصابوا قبرا بالمدائن وفيه ميت عليه ثياب منسوجة بالذهب ومعه
مال فكتب فيه عمار بن ياسر إلى عمر فكتب إليه عمر أعطهم إياه ولا تنزعه منهم، وهذا
قولنا لا قولهم إلا أنه ليس فيه ذكر خمس، ولا بد من الخمس عندنا وعندهم *
وخبر من طريق هشيم عن مجالد عن الشعبي أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة خارج المدينة فأتى
بها عمر فاخذ خمسها مائتي دينار ودفع إليه الباقي، ثم جعل عمر يقسم المائتين بين من حضر من
المسلمين إلى أن فضل منها فضلة فدفعها إلى واجدها، وهذا قولنا الا في صفة قسمته الخمس *
ومن طريق ابن جريج ان عمرو بن شعيب أخبره ان عبدا وجد ركزة على عهد عمر فأعتقه منها
وأعطاه منها وجعل سائرها في بيت المال وهم لا يقولون بهذا، وسواء عندنا وجد الركاز
حر، أو عبد، الحكم (عندنا) (3) واحد على ما قدمنا * وروينا خبرين أحدهما من طريق
الزمعي (4) عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد بن الأسود عن
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ان المقداد خرج إلى حاجته ببقيع الخبجبة (5) فإذا جرذ (6)
يخرج من جحر دينارا بعد دينار ثم أخرج خرقة حمراء (7) فكانت ثمانية عشر دينارا فاخذها
وحملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل أهويت (بيدك إلى) (8) الجحر؟ قال: لا
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذها) (9) بارك الله لك فيها) وهذا خبر ليس موافقا لقول
أحد ممن ذكرنا وإسناده مظلم، الزمعي عن عمته قريبة (10) وهي مجهولة، ولعل تلك الدنانير

(1) في النسخة اليمنية (رض)
(2) في النسخة رقم (14) (رباح) بالباء الموحدة ولم أجد جرير بن رباح أو رياح في كتب
الرجال المطبوعة، ووجدت ترجمة الرياح أبيه في تهذيب التهذيب ج 3 ص 299
(3) الزيادة من النسخة رقم (14)
(4) في النسخة اليمنية (الدمعى) وهو غلط، واسمه موسى ين يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب أبو محمد المدني
(5) هو بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة وفتح الجيم وباء أخرى انظر معجم البلدان لياقوت وقال الدميري في حياة الحيوان في (الجرذ) وذكر هذا الحديث: هو بفتح الخاءين وسكون الباء الأولى موضع بنواحي المدينة، وذكر صاحب القاموس انه بجيمين، ولذلك تجد نسخ المحلى مختلفة فيه
(6) هو بضم الجيم وفتح الراء المهملة وبالذال المعجمة - ذكر الفيران، والحديث رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما على ما قاله الدميري والحديث ذكره المصنف مختصرا
(7) في حياة الحيوان (خضراء) بدل حمراء
(8) الزيادة من حياة الحيوان
(9) الزيادة من حياة الحيوان
(10) هي بصيغة التصغير - بنت عبد الله بن وهب بن زمعة
ابن الأسود بن المطلب الأسدية روت عن أبيها وأمها كريمة بنت المقداد بن الأسود، وليست بمجهولة كما قال المصنف
326

من دفن مسلم مجهول ميئوس عن معرفته فهي لمن وجدها عندنا كلها * وخبر آخر من طريق
يحيى بن معين عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن أبي بجير عن
عبد الله بن عمرو بن العاص (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجه إلى الطائف فمروا بقبر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا قبر أبى رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته
النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب ان
أنتم نبشتم عنه وجدتموه فابتدره الناس فوجدوا الغصن) وهذا لا يصح لأنه عن يحيى
ابن أبي بحير وهو مجهول، ثم لا حجة فيه لقول أحد ممن ذكرنا وإنما فيه نبش قبور المشركين
فقط، وبالله تعالى التوفيق *
949 - مسألة - ويقسم خمس الركاز وخمس الغنيمة على خمسة أسهم فسهم يضعه
الامام حيث يرى من كل ما فيه صلاح وبر للمسلمين، وسهم ثاني لبني هاشم: والمطلب بنى
عبد مناف غنيهم وفقيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وصغيرهم وكبيرهم، وصالحهم وطالحهم
فيه سواء، ولاحظ فيه لمواليهم ولا لحلفائهم ولا لبنى بناتهم (من غيرهم) (1) ولا لاحد
من خلق الله تعالى سواهم ولا لكافر منهم * وسهم ثالث لليتامى من المسلمين كذلك أيضا،
وسهم رابع للمساكين من المسلمين * وسهم خامس لابن السبيل من المسلمين، وقد فسرنا
المساكين. وابن السبيل في كتاب الزكاة فأغنى عن إعادة ذلك، واليتامى هم الذين قد مات
آباؤهم فقط فإذ بلغوا فقد سقط عنهم اسم اليتم وخرجوا من السهم *
برهان ذلك قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ولرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) ولقوله تعالى: (كيلا يكون دولة بين الأغنياء
منكم) فلا يسع أحدا الخروج عن قسمة الله تعالى التي نص عليها * ومن طريق أبى داود نا
مسدد نا هشيم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني جبير
ابن مطعم قال: (لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم،
وبني المطلب وترك، بنى نوفل، وبنى عبد شمس قال: فانطلقت إنما وعثمان بن عفان
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) فقلنا. يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع
الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم
شئ واحد وشبك بين أصابعه (صلى الله عليه وسلم) (3)) * وهذا بيان جلى واسناد في غاية الصحة *

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)
(2) في سنن أبي داود ح 3 ص 107 (حتى اتينا النبي صلى الله عليه وسلم)
(3) الزيادة من سنن أبي داود)
327

نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا محمد بن أحمد بن مفرج نا إبراهيم بن أحمد بن فراس
العبقسي المكي نا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري نا إسحاق بن راهويه نا وهب بن جرير
ابن حازم نا أبى قال: سمعت محمد بن إسحاق يقول: حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب
عن جبير بن مطعم عن النبي عليه السلام مثل الحديث الذي ذكرنا، وفيه ((قال:
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم خمس الخمس من القمح والتمر والنوى) وهذا أيضا
اسناد في غاية الصحة والبيان وهو يبين ان سهم الله تعالى وسهم رسوله واحد وهو خمس الخمس *
نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الوارث بن سفيان بن جبرون نا قاسم بن اصبغ نا أحمد بن زهير
ابن حرب نا أبي نا روح بن عبادة نا علي بن سويد بن منجوف (1) نا عبد الله بن بريدة الأسلمي عن
أبيه (2) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى خالد ليقسم الخمس فاصطفى علي منها سبية فأصبح يقطر
رأسه فقال خالد لبريدة: ألا ترى ما صنع هذا الرجل؟ قال بريدة: وكنت أبغض عليا فأتيت نبي
الله صلى الله عليه وسلم وسلم فلما أخبرته قال: أتبغض عليا؟ قلت: نعم قال: فأحبه فان له في الخمس أكثر من ذلك)
وهذا اسناد في غاية الصحة وفي غاية البيان في أن نصيب كل امرئ من ذوي القربى محدود
معروف القدر * ومن طريق أبى داود نا عبيد الله بن عمر (3) بن ميسرة نا عبد الرحمن
ابن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري (قال) (4) أخبرني
سعيد بن المسيب أخبرني جبير بن مطعم أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيما قسم من الخمس بين بني هاشم، وبني المطلب فقلت: (يا رسول الله قسمت
لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة (5) فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
إنما بنو هاشم، وبنو المطلب شئ واحد، قال جبير ولم يقسم لبنى عبد شمس، ولا لبنى نوفل
من ذلك الخمس (كما قسم لبني هاشم وبني المطلب قال:) (6)، وكان أبو بكر يقسم الخمس
نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم غير أنه لم يكن يعطى قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يعطيهم وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه وعثمان بعده) * فهذا اسناد في غاية الصحة
والبيان وإنما كان الذي لم يعطهم أبو بكر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم فهو ما كان عليه
السلام يعود به عليهم من سهمه وكانت حاجة المسلمين أيام أبى بكر أشد، وأما أن يمنعهم
الحق المفروض الذي سماه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم فيعيذ الله تعالى أبا بكر رضي الله عنه من ذلك *

(1) هو بنون وجيم وفى آخره فاء، وزاد في المغنى بمفتوحة وسكون نون
(2) سقط لفظ (عن أبيه) من النسخة رقم (14) خطأ
(3) في النسخة اليمنية (عبد الله بن عمرو) وهو غلط، ووقع في تهذيب التهذيب ج 7 ص 40 (بن عمرو) بزيادة واو وهو غلط أيضا وجاء صحيحا فيهما في سنن أبي داود ج 3 ص 106
(4) الزيادة من سنن أبي داود
(5) لان رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، وعثمان رضي الله عنه من بنى عبد شمس، وجبير بن مطعم من بنى نوفل، وعبد شمس ونوفل وهاشم ومطلب سواء الجميع بنو
عبد مناف وعبد مناف هو الجد الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم
(6) من سنن أبي داود
328

ومن طريق أبى داود نا عباس بن عبد العظيم العنبري نا يحيى بن أبي بكير نا أبو جعفر - هو
عبد الله - بن عبد الله الرازي قاضى الري عن مطرف - هو ابن طريف - عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (سمعت عليا يقول: ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس
فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبى بكر، وحياة عمر فأتى بمال فدعاني فقال: خذه
فقلت: لا أريده قال: خذه فأنتم أحق به قلت: قد استغنينا عنه فجعله في بيت المال) (1)،
أبو جعفر الرازي ثقة روى عنه عبد الرحمن بن مهدي وغيره *
ومن طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن
العاصي عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز قال: إن ابن عباس أمره ان يكتب إلى
نجدة وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم وانا زعمنا انا هم فأبى ذلك علينا قومنا (2) *
فهذه الأخبار الصحاح البينة ولا يعارضها مالا يصح أو ماموه به فيما ليس فيه منه شئ *
وقولنا في هذا هو قول أبى العالية، وقد روى عن عمر بن عبد العزيز أيضا، *
وروينا من طريق عبد بن حميد أنا أبو نعيم عن زهير عن الحسن بن الحر نا الحكم عن
عمرو (3) بن شعيب عن أبيه قال. خمس الخمس سهم الله تعالى وسهم رسوله صلى الله عليه وسلم *
ومن طريق عبد بن حميد أيضا أخبرنا عمرو بن عون عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم
النخعي (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين)
كل شئ لله تعالى وخمس الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واحد، ويقسم ما سوى ذلك
على أربعة أسهم * ومن طريق عبد بن حميد أخبرنا عبد الوهاب - هو ابن عبد المجيد
الثقفي - عن سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة قال: تقسم الغنائم خمسة أخماس
فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، ثم يقسم الباقي على خمسة أخماس. فخمس منها لله تعالى وللرسول.
وخمس لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم. وخمس لليتامى. وخمس لابن السبيل. وخمس للمساكين *
قال أبو محمد: وهو قول الأوزاعي. وسفيان الثوري. والشافعي وأبي ثور.
وإسحاق. وأبي سليمان. والنسائي. وجمهور أصحاب الحديث. وآخر قولي أبى يوسف
القاضي الذي رجع إليه إلا أن الشافعي قال: للذكر من ذوي القربى مثل حظ الأنثيين
وهذا خطأ لأنه لم يأت به نص أصلا وليس ميراثا فيقسم كذلك وإنما هي عطية
من الله تعالى فهم فيها سواء وقال مالك: يجعل الخمس كله في بيت المال ويعطى أقرباء

(1) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 107
(2) هو في صحيح مسلم مطولا ج 2 ص 77 وذكره الطبري في تفسيره ج 10 ص 5 من
طريق آخر عن ابن عباس
(3) في النسخة اليمنية (نا الحكم بن عمرو) وهو غلط، والحكم هذا هو ابن عتيبة الكندي يروى عن عمرو ابن شعيب وغيره، وروى عنه الحسن بن الحر وغيه
329

رسول الله صلى الله عليه وآله على ما يرى الامام ليس في ذلك حد محدود، قال أصبغ بن فرج: أقرباؤه
عليه السلام هم جميع قريش، وقال أبو حنيفة: يقسم الخمس على ثلاثة أسهم، الفقراء.
والمساكين. وابن السبيل *
قال على هذه أقوال في غاية الفساد لأنها خلاف القرآن نصا، وحلاف السنن
الثابتة، ولا يعرف قول أبي حنيفة عن أحد من أهل الاسلام قبله، وقد تقصينا كل ما شغبوا
به في كتاب الايصال، وجماع كل ذلك لكل من تأمله أنهم إنما احتجوا بأحاديث موضوعة
من رواية الزبيري ونظرائه أو مرسلة، أو صحاح ليس فيها دليل على ما ادعوه أصلا، أو قول عن
صاحب قد خالفه غيره منهم ولا مزيد، وبالله تعالى التوفيق *
950 - مسألة - وتقسم الأربعة الأخماس الباقية بعد الخمس على من حضر
الوقعة أو الغنيمة لصاحب الفرس ثلاثة أسهم له سهم * ولفرسه سهمان، وللراجل وراكب
البغل. والحمار. والجمل سهم واحد فقط، وهو قول مالك. والشافعي. وأبي سليمان، *
وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان له سهم ولفرسه سهم ولسائر من ذكرنا سهم، - وهو
قول أبى موسى الأشعري -، وقال أحمد: للفارس ثلاثة أسهم ولراكب البعير سهمان
ولغيرهما سهم *
قال أبو محمد: أما قول أحمد فما نعلم له حجة، وأما قول أبي حنيفة فإنهم احتجوا له
بآثار ضعيفة، منها من طريق مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية (1) الأنصاري
عن أبيه عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن عمه مجمع بن جارية (2) الأنصاري، وكان أحد
القراء (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى للفارس سهمين، والراجل سهما (3)) مجمع مجهول
وأبوه كذلك * ومن طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
جعل للفارس سهمين وللراجل سهما) عبد الله بن عمر الذي يروى عن نافع في غاية
الضعف، وعن شيخ من أهل الشام عن مكحول مثل ذلك، وهذه فضيحة مجهول،
ومرسل، واحتج أبو حنيفة بأن قال: لا أفضل بهيمة على إنسان فيقال له: وتساوى بينهما
ان هذا لعجب، فإذا جازت المساواة فما منع من التفضيل؟ ثم هو يسهم للفرس وان
لم يقاتل عليه ولا يسهم للمسلم التاجر، ولا الأجير إلا أن يقاتلا، فقد فضل بهيمة على
انسان، ثم هو يقول في إنسان قتل كلبا لمسلم، وعبدا مسلما فاضلا، وخنزيرا لذمي، قيمة
كل واحد منهم عشرون ألف درهم فإنه يؤدى في الكلب عشرين ألف درهم وفى الخنزير

(1) في النسخة اليمنية (بن حارثة) وهو غلط صححناه من أسد الغبة وتهذيب التهذيب ولم يذكر تجهيلهما فانظره هنالك
(2) في النسخة اليمنية (بن حارثة) وهو غلط
(3) في النسخة اليمنية (أعطى للفارس سهمين وللراجل سهما)
330

ذلك، ولا يعطى في العبد المسلم إلا عشرة آلاف درهم غير عشرة دراهم، فاعجبوا لهذا الرأي
الساقط! واحمدوا الله تعالى على السلامة، فقد فضل البهيمة على الانسان *
وقالوا: قد صح الاجماع على السهمين فقلنا لهم: ان كنتم لا تقولون بما صح عن
النبي صلى الله عليه وسلم كلمناكم في ذلك فكيف ودعواكم الاجماع ههنا كذب؟ وما ندري لعل فيمن
أخطأ كخطئكم ثم من يقول: لا يفضل فارس على راجل كما لا يفضل راكب البغل على
الراجل، وكما لا يفضل الشجاع البطل المبلى على الجبان الضعيف المريض، ثم لو
طردتم أصلكم هذا لوجب ان تسقطوا الزكاة عن كل ما أوجبتموها فيه من العسل وغير
ذلك، ولبطل قولكم في دية الكافر لأنه لم يجمع علي شئ من ذلك، وهذا يهدم عليكم
أكثر مذاهبكم *
وروا ان أول من جعل للفرس سهمين عمر بن الخطاب من طريق ليث عن الحكم وهذا
منقطع وهم يرون حكم عمر في حد الخمر ثمانين سنة، فهذا ينبغي ان يجعلوه سنة أيضا *
وروينا من طريق البخاري نا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة (1) عن عبيد الله
ابن عمر عن نافع عن ابن عمر (رضي الله عنهما) (2) قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)
للفرس سهمين، ولصاحبه سهما * ومن طريق البخاري نا الحسن بن إسحاق
نا محمد بن سابق نا زائدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (رضي الله عنهما) (4)
قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم للفرس سهمين وللراجل سهما يوم خيبر)، فهذا هو الذي
لا يجوز خلافه لصحته ولأنه لو صحت تلك الأخبار لكان هذا زائدا عليها، وزيادة
العدل لا يجوز ردها وهو قول سعد بن أبي وقاص. والحسن. وابن سيرين ذكر ذلك
عن الصحابة، وبه يقول عمر بن عبد العزيز، (وبالله تعالى التوفيق) (5) *
951 - مسألة - ومن حضر بخيل لم يسهم له إلا ثلاثة أسهم فقط، وقد قال قوم:
يسهم لفرسين فقط، وقال آخرون: يسهم لكل فرس منها، وهذا لا يقوم به برهان *
(فان قيل) قد روى: ان النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للزبير لفرسين قلنا: هذا مرسل
لا يصح، وأصح حديث فيه هو الذي (6) رويناه من طريق ابن وهب عن سعيد بن عبد الرحمن
عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال: (ضرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر للزبير بأربعة أسهم، سهم للزبير، وسهم القربى لصفية بنت
عبد المطلب، وسهمين للفرس) *

(1) في النسخة اليمنية (أبى امامة) وهو غلط
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 3 ص 93
(3) في صحيح البخاري (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل)
(4) الزيادة من صحيح البخاري ج 5 ص 283، والحديث مختصر
(5) الزيادة من النسخة رقم (14)
(6) في النسخة رقم (14) (فهو الذي) بزيادة فاء وليس بشئ
(7) في النسخة اليمنية (وسهم للقرباء) وهو تحريف
331

952 - مسألة - ويسهم للأجير. وللتاجر. وللعبد. وللحر. والمريض والصحيح
سواء سواء كلهم لقول الله تعالى: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) وللاثر الذي أوردنا
آنفا من أنه عليه السلام قسم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما، ولم يخص عليه السلام
حرا من عبد، ولا أجيرا من غيره، ولا تاجرا من سواه، فلا يجوز تخصيص شئ من ذلك
بالظن الكاذب *
فان احتجوا بقول ابن عباس في كتابه إلى نجدة تسألني عن العبد والمرأة يحضران
المغنم هل يقسم لهما؟ أو أنه (1) ليس لهما شئ إلا أن يحذيا (2)، فهذا قول ابن عباس *
وقد روينا أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عمر ليس للعبد من
الغنيمة شئ، ولا حجة فيمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم قصة خالفوا فيها ابن عباس؟
كقوله في بيع أمهات الأولاد، والصرف، وسهم ذي القربى وغير ذلك * فان ذكروا ما روينا
من طريق أحمد بن حنبل نا بشر بن المفضل عن محمد بن زيد (3) بن المهاجر حدثني عمير مولى
آبى اللحم قال: (شهدت خيبر مع ساداتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأمر بي) (4) فقلدت
السيف فإذا أنا أجره فأخبر أنى مملوك فأمر لي بشئ من خرثى المتاع (5))، فهذا لا حجة فيه
لان محمد بن زيد (6) غير مشهور، وقد روينا من طريق حفص بن غياث فقال محمد بن زيد (7)
وأيضا فإنه ذكر انه كان يجر السيف، وهذا صفة من لم يبلغ، وهكذا نقول: إن من لم يبلغ
لا يسهم له * فان ذكروا ما روينا من طريق الثوري عن ابن أبي ليلى عن فضالة بن عبيد (انهم
كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة وفينا مملوكون فلم يقسم لهم) وهذا منقطع لأنه إن كان ابن أبي
ليلى - هو محمد - فلم يدرك فضالة ولا ولد إلا بعد موته بدهر طويل، وإن كان - هو عبد الرحمن -
فالثوري لم يدركه ولا ولد الا بعد موته بسنين *
روينا من طريق أبى داود نا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى أخبرنا ابن أبي ذئب عن
القاسم بن عباس اللهبي (8) عن عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان أبى
يقسم للحر وللعبد *، ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا ابن أبي ذئب عن خاله الحرث بن
عبد الرحمن عن أبي قرة قال: قسم لي أبو بكر الصدق كما قسم لسيدي * روينا من طريق ابن أبي
شيبة نا حفص بن غياث عن أشعث عن الحكم بن عتيبة والحسن البصري. ومحمد بن سيرين
وقالوا: من شهد البأس من حر، أو عبد، أو أجير فله سهم * ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير

(1) في النسخة اليمنية (وانه)
(2) أي يعطيا بدون سهم وقد تقدم الحديث من طريق مسلم ص 329 من هذا الجزء
(3) في النسخ (محمد بن يزيد) وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب
(4) الزيادة من سنن أبي داود ج 3 ص 27
(5) هو - ضم الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر المثلثة وتشديد الياء آخر الحروف أثاث البيت (6) في النسخ (بن يزيد) ولعله التبس على المصنف ولذلك وصفه بعد بأنه غير مشهور وليس كذلك بلى هو مشهور، وجاء في سنن أبي داود صحيحا كما هنا
(7) في النسخة اليمنية (محمد بن زياد)
(8) في النسخة اليمنية (البتي) وهو غلط راجع ميزان الاعتدال
332

عن المغيرة عن حماد بن إبراهيم النخعي في الغنائم يسبيها الجيش (1) قال: إن أعانهم التاجر،
والعبد ضرب له بسهامهم مع الجيش، قال أبو بكر: وحدثناه محمد بن فضيل عن المغيرة عن
حماد عن إبراهيم النخعي قال: إذا شهد التاجر والعبد قسم له وقسم للعبد *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا غندر عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: يسهم للعبد،
وهو قول أبى سليمان *
قال أبو محمد: وهم موافقون لنا على أن يسهم للفرس وهم أصحاب قياس بزعمهم فهلا
أسهموا للعبد قياسا على ذلك، فان ذكروا في الأجير خبرين - فيها أن أجيرا استؤجر في
زمان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بثلاثة دنانير فلم يجعل له عليه السلام سهما غيرها - فلا يصحان،
لان أحدهما من طريق عبد العزيز بن أبي رواد (2) عن أبي سلم الحمصي (3) (ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم)، وأبو سلم مجهول وهو منقطع أيضا * والثاني من طريق ابن وهب عن عاصم
ابن حكيم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن الديلمي أن يعلي بن منية، وعاصم بن
حكيم. وعبد الله بن الديلمي مجهولان (4) * وقال الحسن. وابن سيرين. والأوزاعي. والليث:
لا يسهم للأجير. وقال أبو حنيفة. ومالك: لا يسهم لهما إلا أن يقاتلا * وقال سفيان الثوري:
يسهم للتاجر، وقال الحسن بن حي: يسهم للأجير *
953 - مسألة - ولا يسهم لامرأة، ولا لمن لم يبلغ. قاتلا، أو لم يقاتلا، وينفلان دون
سهم راجل ولا يحضر مغازي المسلمين كافر فان حضر لم يسهم له أصلا، ولا ينفل قاتل أو لم يقاتل *
روينا من طريق مسلم نا ابن قعنب نا سليمان - هو ابن بلال - عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
عن أبيه عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغزو بالنساء فيداوين
الجرحى ويحذين من الغنيمة (5) واما يسهم لهن فلم يضرب لهن (6)) *
قال أبو محمد: لو بلغ بالنفل لها سهم راجل لكان قد أسهم لهن وهو قول سعيد بن المسيب
وأبي حنيفة. والشافعي. وسفيان الثوري. والليث. وأبي سليمان: وقال مالك: لا يرضخ
لهن، وهذا خطأ وخلاف الأثر المذكور *
قال أبو محمد: وقد روى من طريق أبى داود نا إبراهيم بن سعيد أخبرني زيد بن الحباب (7)
نا رفيع بن سلمة بن زياد (قال) (8) حدثني حشرج بن زياد (9) عن جدته أم أبيه أنها غزت (10) مع

(1) في النسخة اليمنية (يصيبها الجيش)
(2) في النسخة اليمنية (بن أبي وراد) وهو غلط
(3) كذا في النسخ والذي ظهر لي بعد المراجعة انه سلمة بالهاء في آخره يروى عنه عبد العزيز بن أبي رواد راجع تهذيب التهذيب ج 6 ص 338 و ج 12 ص 118
(4) ليس كما قال المؤلف انظر تهذيب التهذيب
(5) أي يعطين منها
(6) الحديث اختصره المصنف وهو في صحيح مسلم مطولا ج 2 ص 77
(7) في النسخة اليمنية (يزيد بن الحباب) هوه غلط
(8) الزيادة من سنن أبي داود ج 3 ص 22
(9) في النسخة اليمنية (بن ريانة) وهو غلط
(10) في سنن أبي داود (خرجت) بدل (غزت)
333

رسول الله صلى الله عليه وسلم في ست نسوة (1) قالت: فاسهم لنا عليه السلام كما أسهم للرجال (2) وهذا
إسناد مظلم. رافع. وحشرج مجهولان * ومن طريق وكيع نا محمد بن عبد الله الشعيثى (3) عن خالد
ابن معدان قال: أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء وللصبيان والخيل، وهذا مرسل * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا وكيع نا محمد بن راشد عن مجهول قال: أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء والصبيان، والخيل
وهذا أيضا مرسل * ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد
ابن أبي حبيب عن سفيان بن وهب الخولاني قال: قسم عمر بن الخطاب بين الناس غنائمهم فأعطى
كل انسان دينارا وجعل سهم الرجل والمرأة سواء * ومن طريق وكيع نا شعبة عن العوام بن
مزاحم عن خالد بن سيحان قال: شهد مع أبي موسى أربع نسوة منهن أم مجزأة بن ثور فاسهم لهن
أبو موسى الأشعري، وهو قول الأوزاعي وقد كان يلزم أهل القياس أن يقولوا بهذا لأنه إذا أسهم
للفرس وهو بهيمة فالمرأة أحق بالسهم إن كان القياس حقا *
قال أبو محمد: فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القاضي على ما سواه، وأما الصبيان فغير مخاطبين، وأما
النفل للصبيان أيضا من خمس الخمس فلا بأس لأنه في جميع مصالح المسلمين، واما الكافر فروينا من
طريق وكيع نا سفيان الثوري عن ابن جريج عن الزهري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يغزو باليهود
فيسهم لهم كسهام المسلمين، ورويناه عن الزهري من طرق كلها صحاح عنه * ومن طريق وكيع نا
الحسن بن حيى عن الشيباني - هو أبو إسحاق - ان سعد بن مالك - هو ابن أبي وقاص -
غزا بقوم من اليهود فرضخ لهم (4) * ومن طريق وكيع نا سفيان عن جابر قال: سألت الشعبي عن
المسلمين يغزون بأهل الكتاب؟ فقال الشعبي: أدركت الأئمة الفقيه منهم وغير الفقيه يغزون بأهل
الذمة فيقسمون لهم ويضعون عنهم من جزيتهم فذلك لهم نفل حسن، والشعبي ولد في أول أيام
على وأدرك من بعده من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول الأوزاعي. وسفيان الثوري
أنه يقسم للمشرك إذا حضر كسهم المسلم *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر سمعت قتادة سئل عن أهل العهد يغزون
مع المسلمين؟ قال: لهم ما صالحوا عليه ما جعل لهم فهو لهم، وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي،
وأبو سليمان: لا يسهم لهم، قال أبو سليمان: ولا يرضخ لهم، ولا يستعان بهم *
قال أبو محمد: حديث الزهري مرسل ولا حجة في مرسل، ولقد كان يلزم الحنيفيين.
والمالكيين القائلين بالمرسل إن يقولوا: بهذا لأنه من أحسن المراسيل لا سيما مع قول
الشعبي: إنه أدرك الناس على هذا، ولا نعلم لسعد مخالفا في ذلك من الصحابة، وكان
سلمان بن ربيعة يستعين بالمشركين على المشركين؟ لكن الحجة في هذا هو ما رويناه

(1) في سنن أبي داود (في غزوة خيبر سادس ست نسوة)
(2) الحديث اختصره المصنف
(3) هو بمعجمة مضمومة ثم عين مهملة وآخره ثاء مثلثة
(4) الرضخ بضم الراء وبمعجمتين اعطاء القليل من الغنيمة
334

من طريق مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا لا نستعين بمشرك * ومن طريق مسلم نا محمد بن رافع
نا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه نا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حديث أنه قال: (فلم تحل الغنائم (1) لاحد من قبلنا) فصح أنه لا حق في الغنائم
لغير المسلمين *
954 - مسألة - فان اضطررنا إلى المشرك في الدلالة في الطريق استؤجر لذلك
بمال مسمى من غير الغنيمة لما روينا من طريق البخاري نا إبراهيم بن موسى نا هشام - هو
ابن يوسف - نا معمر عن الزهري عن عروة (بن الزبير) (2) عن عائشة (رضي الله عنها) (3)
قالت. (واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بنى الديل (وهو) (4) على دين
كفار قريش هاديا يعنى بالطريق) *
955 - مسألة - وكل من قتل قتيلا من المشركين فله سلبه قال ذلك الامام، أو لم
يقله كيف ما قتله صبرا، أو في القتال؟ ولا يخمس السلب قل، أو كثر، ولا يصدق إلا ببينة
في الحكم، فإن لم تكن له بينة، أو خشي أن ينتزع منه، أو ان يخمس فله أن يغيبه ويخفى أمره،
والسلب فرس المقتول، وسرجه، ولجامه، وكل ما عليه من لباس، وحلية، ومهاميز (5) وكل ما معه
من سلاح، وكل ما معه من مال في نطاقه أو في يده أو كيف ما كان معه *
روينا من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن أفلح - هو عمر بن كثير بن أفلح -
عن أبي محمد مولى أبى قتادة عن أبي قتادة (ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال بعد انقضاء القتال يوم
حنين: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه) في حديث *
ومن طريق البخاري نا أبو نعيم نا أبو العميس - هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن
مسعود - عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو
في سفر (فجلس عند أصحابه يتحدث ثم إنفتل) (6) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اطلبوه واقتلوه قال
سلمة: فقتلته فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه) *
ومن طريق أبى داود نا موسى بن إسماعيل نا حماد - هو ابن زيد - عن إسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة عن أنس بن مالك (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين (7): من قتل كافرا فله سلبه
فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم) (8) *

(1) في النسخة اليمنية (فلم تجعل الغنائم) وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 2 ص 49
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 3 ص 181 *
(3) الزيادة من صحيح البخاري
(4) الزيادة من صحيح البخاري والحديث اختصره المصنف
(5) جمع مهمز أو مهماز وهي عصا في رأسها حديدة ينخس بها الحمار
(6) الزيادة من صحيح البخاري ج 4 ص 161
(7) في سنن أبي داود ج 3 ص 23 (قال يومئذ يعنى يوم حنين)
(8) في آخر الحديث في سنن أبي داود قصة تركها المؤلف
335

فهذه الأحاديث توجب ما قلناه وهي منقولة نقل التواتر كما ترى * روينا من طريق وكيع
عن سفيان عن الأسود بن قيس العبدي ان بشر بن علقمة قتل يوم القادسية عظيما من الفرس
مبارزة وأخذ سلبه فأتى به إلى سعد ابن أبي وقاص فقومه اثنى عشر ألفا فنفله إياه سعد *
ومن طريق واثلة بن الأسقع انه ركب وحده حتى أتى باب دمشق فخرجت إليه.
خيل منها فقتل منهم ثلاثة وأخذ خيلهم فاتى بها خالد بن الوليد وعنده عظيم الروم فابتاع
منه سرج أحدها بعشرة آلاف ونفله خالد بن الوليد كل ما أخذ من ذلك، فهذا واثلة
وخالد. وسعيد بحضرة الصحابة * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الرحيم (1) بن سليمان
عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: كان السلب لا يخمس
وكان أول سلب خمس في الاسلام سلب البراء بن مالك، وكان قتل مر زبان الزأرة (2)
وقطع منطقته وسواريه فلما قدمنا المدينة صلى عمر الصبح، ثم أتانا فقال: السلام عليكم
أثم أبو طلحة؟ فقالوا: نعم فخرج إليه فقال عمر: انا كنا لا نخمس السلب وان سلب
البراء مال وانى خامسه فدعا المقومين فقوموا ثلاثين ألفا فأخذ منها ستة آلاف *
ومن طريق ابن جريج سمعت نافعا يقول: لم نزل نسمع منذ قط إذا التقى المسلمون
والكفار فقتل مسلم مشر كافله سلبه إلا أن يكون في معمعة القتال فإنه لا يدرى أحد قتل أحدا،
فهذا عمر يخبر عما سلف فصح أنه فعل أبى بكر ومن بعده وجميع أمرائهم، وهذا نافع
يخبر أنه لم يزل يسمع ذلك وهو قد أدرك الصحابة، فصح أنه قول جميعهم بالمدينة، ولا يجوز
أن يظن بعمر تعمد خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصح أنه استطاب نفس البراء، وهذا
صحيح حسن لا ننكره، وهو قول الأوزاعي. وسعيد بن عبد العزيز. والليث بن سعد.
والشافعي. وأحمد. وأبي ثور. وأبى عبيد. وأبي سليمان. وجميع أصحاب الحديث إلا
أن الشافعي. وأحمد قالا: ان قتله غير ممتنع فلا يكون له سلبه، وهذا خطأ لحديث سلمة
ابن الأكوع الذي ذكرنا فإنه قتله غير ممتنع وفي غير قتال وأخذ سلبه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم *
(فان قيل): فان أخذتم بعموم حديثه عليه السلام في ذلك فأعطوا من قتل مسلما
بحق في قود، أو رجم، أو محاربة، أو بغى سلبه قلنا: لولا أن الله تعالى حرم على لسان نبيه
صلى الله عليه وسلم: وفي القرآن مال المسلم لفعلنا ما قلتم، فخرج سلب المسلم بهذا عن جملة هذا الخبر
وبقى سلب الكافر على حكم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم *

(1) في النسخة رقم (14) (عبد الرحمن) وهو غلط
(2) المرزبان بضم الميم والزاي هو الفارس الشجاع المقدم على القوم وهو معرب معناه حافظ الثغور، والزأرة هي الأجمة سمى بها الزئير الأسد فيها اه‍ نهاية وشفاء الغليل وكان البراء بن مالك شجاعا مقداما ذا قوة وحزم، وهو أخو انس بن مالك لأبيه وأمه، وله مواقع شهيرة وانتصارات غريبة راجع ترجمته تجد ما يدهش العقول ويحيرها من شجاعة وفروسيته وقوة إيمانه
336

وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا الضحاك بن مخلد - هو أبو عاصم النبيل - عن الأوزاعي
عن الزهري عن القاسم بن محمد قال: سئل ابن عباس عن السلب؟ فقال: لا سلب الا من
النفل وفي النفل الخمس، فهذا ابن عباس يمنع أن يكون السلب الا نفلا فقوله: كقول من ذكرنا
الا أنه رأى فيه الخمس وهو قول إسحاق بن راهويه، وذهب أبو حنيفة. وسفيان. ومالك إلى
أنه لا يكون السلب للقاتل إلا أن يقول الأمير قبل القتال: من قتل قتيلا فله سلبه فإذا قال
ذلك فهو كما قال: ولا يخمس *
قال أبو محمد: وهذا قول فاسد لأنهم أوهموا أنهم اتبعوا الحديث ولم يفعلوا بل خالفوه
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال: ذلك بعد القتال، فهذا خلاف قولهم صراحا، وقال بعضهم:
لم يقل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يوم حنين *
قال أبو محمد: فكان هذا عجبا نعم فهبك انه لم يقله عليه السلام قط الا يومئذ، أو قاله قيل وبعد
أترى يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى به مرة، أو يرونه باطلا حتى يكرر القضاء به؟ حاشا
لله من هذا الضلال، ولا فرق بين ما قاله مرة، أو الف ألف مرة، كله دين وكله حق، وكله حكم
الله تعالى، وكله لا يحل لاحد خلافه *
وموهوا بفعل عمر وهم مخالفون له لان عمر قضى بالسلب للقاتل دون أن يقول ذلك
قبل القتال إلا أنه خمسه ولم يمانعه البراء فصح انه طابت به نفسه وهذا حسن لا ننكره،
وشغبوا أيضا بأشياء نذكرها إن شاء الله تعالى، فموه بعض المخالفين في نصر تقليدهم بقول الله
تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول) *
قال أبو محمد: وهذا عليهم لا لهم لان الذي أمرنا بهذا هو الذي أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
بأن السلب للقاتل، ثم يقال لهم: فأبطلوا بهذا الدليل قولكم: ان الامام إذا قال: السلب
للقاتل كان له فقد جعلتم قول امام لعله لا تجب طاعته حجة على الآية: ولم تجعلوا قول الإمام
الذي لا امامة لاحد الا بطاعته بيانا للآية، وهذا عجب جدا! ثم أعجب شئ أنهم لا يحتجون
بهذه الآية على أنفسهم في قولهم: ان الأرض المغنومة لا خمس فيها، وهذا موضع الاحتياج
بالآية حقا، وذكروا خبرا رويناه من طريق عوف بن مالك الأشجعي في أن رجلا قتل
فارسا من الروم يوم مؤتة (1) وأخذ سلاحه، وفرسه فبعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من
السلب قال عوف: فأتيت خالدا فقلت له: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟

(1) في سنن أبي داود ج 3 ص 23 (في غزوة مؤتة) وهي بضم الميم وهمزة ساكنة ويجوز تركها قرية معروفة في طرف الشام عند الكرك قاله النووي والحديث في سنن أبي داود مطولا وهو أيضا في صحيح مسلم
337

قال: بلى ولكني استكثرته قلت: لتردنه أولا عرفنكها (1) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى ان
يرد عليه قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا خالد
ما حملك على ما صنعت؟ فقال: (يا رسول الله) (2) استكثرته فقال عليه السلام: يا خالد رد عليه
ما أخذت منه قال عوف: فقلت له: دونك (3) يا خالد ألم أف لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
وما ذلك؟ قال: فأخبرته فغضب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (4) وقال: يا خالد لا ترد عليه هل
أنتم تاركوا لي أمرائي؟ لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره) *
قال أبو محمد: لا حجة لهم في هذا بل هو حجة عليهم لوجوه، أولها أن فيه نصا جليا ان النبي
صلى الله عليه وسلم فضى بالسلب للقاتل، وهذا قولنا * وثانيها انه عليه السلام أمر خالدا بالرد عليه *
وثالثها أن في نصه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بأن لا يرد عليه لأنه علم أن القاتل صاحب السلب
أعطاه بطيب نفس ولم يطلب خالدا به وان عوفا يتكلم فيما لا حق له فيه وهذا هو نص الخبر *
ورابعها أنه لو كان كما يوهمون لما كان لهم فيه حجة لان يوم حنين الذي قال فيه عليه السلام:
(من قتل كافرا فله سلبه) كان بعد يوم مؤتة بلا خلاف ويوم حنين كان بعد فتح مكة، وقد
كان قتل جعفر. وزيد بن حارثة. وابن رواحة رضي الله عنهم قبل فتح مكة يوم مؤتة فيوم
حنين حكمه ناسخ لما تقدم لو كان خلافه (5)، وموهوا أيضا بخبر قتل أبى جهل يوم بدر وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وهو أحد قاتليه، والثاني معاذ
ابن عفراء وأن ابن مسعود قتله أيضا فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه *
قال أبو محمد: ولا حجة لهم في هذا كله وأين يوم بدر من يوم حنين وبينهما أعوام؟
وما نزل حكم الغنائم إلا بعد يوم بدر فكيف يكون السلب للقاتل؟ * وموهوا بخبر
ساقط روينا من طريق حماد بن سلمة عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن
رجل من بلقين قلت: يا رسول الله هل أحد أحق بشئ من المغنم من أحد؟ قال: لا حتى
السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس أحق من أخيه به *
قال أبو محمد: هذا عن رجل مجهول لا يدرى أصدق في ادعائه الصحبة أم لا؟، ثم
لو صح لما كان لهم فيه حجة لان الخمس من جملة الغنيمة يستحقه دون أهل الغنيمة من
لم يشهد الغنيمة بلا خلاف فالسلب مضموم إلى ذلك بالنص، ثم يقال لهم: هلا
احتججتم بهذا الخبر على أنفسكم في قولكم: ان القاتل أحق بالسلب من غيره إذا قال الامام:
من قتل قتيلا فله سلبه؟ فكان هذا الخبر عندكم مخصوصا بقول من لا وزن له عند الله

(1) من التعرف أي لأجازينك بها حتى تعرف سوء صنيعك، وهي كلمة تقال عند التهديد
(2) الزيادة من سنن أبي داود
(3) أي خذ ما وعدتك
(4) الزيادة من سنن أبي داود ج 3 ص 24
(5) في النسخة رقم (14) (لو كان خلافا له)
338

تعالى ولم تخصوه (1) بقول من لا إيمان ان تسلموا لامره وقضائه تبا لهذه العقول المكيدة *
وموهوا بما روى من طريق عمرو بن واقد عن موسى بن يسار عن مكحول عن
جنادة بن أبي أمية أن حبيب بن مسلمة قتل قتيلا فأراد أبو عبيدة ان يخمس سلبه فقال
له حبيب: (ان رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قضى بالسلب للقاتل فقال له معاذ: مهلا يا حبيب سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما للمرء ما طابت به نفس امامه) *
قال أبو محمد: وهذا خبر سوء مكذوب بلا شك لأنه من رواية عمرو بن واقد، وهو منكر الحديث
قاله البخاري وغيره: عن موسى بن يسار، وقد تركه يحيى القطان، وقد روينا عن موسى هذا أنه قال:
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابا حفاة فجئنا نحن أبناء فارس فلخصنا هذا الدين فانظروا
بمن يحتجون على السنن الثابتة عن مكحول عن جنادة ومكحول لم يدرك جنادة، ثم لو صح لكان
حجة عليهم لأنه مبطل لقولهم: ان الذي وجد الركاز له ان ينفرد بجميعه دون طيب نفس إمامه، ثم
نقول للمحتج بهذا الخبر: أرأيت ان لم تطب نفس الامام لبعض الجيش بسهمهم من الغنيمة؟
أيبطل بذلك حقهم؟ ان هذا لعجب! وهم لا يقولون بهذا فصاروا أول مخالف لما حققوه واحتجوا
به، وهذا فعل من لا ورع له * وقالوا: قد روى من طريق غالب بن حجرة عن أم عبد الله بنت الملقام
ابن التلب عن أبيها (عن أبيه) (2) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أتى بمولى (3) فله سلبه
قالوا:
فقولوا بهذا أيضا *
قال أبو محمد: فقلنا إنما يلزم القول بهذا من يقول بحديث مبشر بن عبيد الحمصي (4) لا صداق
أقل من عشرة دراهم، ومن يقول بحديث أبي زيد مولى عمرو بن حريث في إباحة الوضوء بالخمر
وتلك النطائح والمترديات فهذا الخبر مضاف إلى تلك، وأما من لا يأخذ الا بما روى الثقة عن
الثقة فليس يلزمه ان يأخذ بما رواه غالب بن حجرة (5) المجهول عن أم عبد الله بنت الملقام التي
لا يدرى من هي عن أبيها الذي لا يعرف، والقوم في عمى نعوذ بالله مما ابتلاهم به، وتالله لو صح
لقلنا به ولم نجد في أنفسنا حرجا منه *
فان ذكروا ما رويناه من طريق سعيد عن قتادة وقد قيل إن عمرو بن شعيب رواه عن أبيه
عن جده في سبب نزول سورة الأنفال (ان النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الرجل من المسلمين سلب
الكافر إذا قلته فامرهم ان يرد بعضهم على بعض قال: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم أي ليردن
بعضكم على بعض *

(1) في النسخة رقم (14) (ولم تخصه)
(2) الزيادة من النسخة اليمنية وقول المصنف بعد (عن أبيها الذي لا يعرف)
واقتصاره عليه يدل على زيادتها
(3) في النسخة اليمنية (من اتاني)
(4) في النسخة اليمنية (بحديث المبشرين عبيد الحلى)، وفى النسخة رقم (14) (يحدث ميسر بن عبيد الحلبي) وكلاهما غير صحيح وما هنا موافق لما في ميزان الاعتدال ج 3 ص 6، وتهذيب التهذيب ج 10 ص 32
(5) في النسخ (غالب بن حجيرة) بالتصغير وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب والخلاصة وهو بفتح الحاء المهملة وامكان الجيم
339

قال أبو محمد: وهذا لا شئ لأنها صحيفة ومرسل، ولو صح لكان في امر بدر وقد قلنا: إن
القضاء بالسلب للقاتل كان في حنين بعد ذلك بأعوام ستة أو نحوها، ثم موهوا بقياسات
سخيفة كلها لازم لهم وغير لازم لنا * منها أن قالوا: لما كان الغانم ليس أحق بما غنم
كان القاتل في السلب كذلك، ولو كان السلب حقا للقاتل لكانت الأسلاب إذا لم يعرف
قاتلو أهلها - موقفة كاللقطة *
قال أبو محمد: القياس باطل وإنما يلزم القياس من صححه، وهم يصححونه فهو لهم لازم فليبطلوا
بهاتين الأحموقتين قولهم: (ان السلب) (1) للقاتل إذا قال الامام (قبل القتال) (2): من
قتل قتيلا فله سلبه فهذا يلزمهم إذ عدلوا هذا الالزام على أنفسهم، وأما نحن فنقول: إن كل
مال لا يعرف صاحبه فهو في مصالح المسلمين، وكل سلب لا تقوم لقاتله بينة فهو في جملة الغنيمة
بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونص قوله لا نتعداه (3) والحمد لله رب العالمين *
قال أبو محمد: ويكفى من هذا ان الله تعالى قال: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم) وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السلب للقاتل
إذا قامت له بينة فإن كانت طاعته عليه السلام واجبة فالسلب حق للقاتل متى قامت له به بينة (4)
ولا خيرة لاحد لا إمام ولا غيره في خلاف ذلك لنص كلام الله تعالى، وإن كانت طاعته عليه
السلام ليست واجبة فهذا كفر من قائله، وإذا لم يكن السلب من حق القاتل بقوله عليه
الصلاة والسلام: انه له إذا قامت له به بينة، فمن أين خرج لهم؟ وأين وجدوا ما يوجب
قولهم الفاسد؟: في أن الامام إذا قال: من قتل قتيلا فله سلبه كان السلب حينئذ للقاتل، ولا
نعمى عين للامام أن يكون قوله تحريما أو إيجابا، فظهر فساد قولهم جملة و تعريه من الدليل،
وهو قول لم يحفظ قط قبلهم لاعن صاحب، ولاعن صاحب، ولا عن تابع، بالله تعالى التوفيق *
956 - مسألة - وان نفل الامام من رأس الغنيمة بعد الخمس وقبل القسمة من
رأى أن ينفله ممن أغنى عن المسلمين وممن معه من النساء اللواتي ينتفع بهن أهل الجيش ومن
قاتل ممن لم يبلغ فحسن، وان رأى أن ينفل من أتى بمغنم في الدخول ربع ما ساق بعد الخمس
فأقل، أو ثلث ما ساق بعد الخمس فأقل لا أكثر أصلا فحسن لما رويناه من طريق مسلم نا عبد الملك
ابن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سالم بن
عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل (5) بعض من يبعث من السرايا
لأنفسهم خاصة سوى قسمة (6) عامة الجيش والخمس في ذلك واجب كله) *

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)
(2) الزيادة من النسخة رقم (14)
(3) في النسخة اليمنية (لا يتعدى)
(4) من قوله: (فإن كانت) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية خطأ *
(5) في صحيح مسلم ج 2 ص 55 (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان ينقل) الخ
(6) في صحيح مسلم (قسم)
340

ومن طريق أبى داود نا محمود بن خالد نا مروان بن محمد نا يحيى بن حمزة قال: (سمعت أبا وهب
يقول): (1) سمعت مكحولا قال: سمعت زياد بن جارية (2) سمعت حبيب بن مسلمة (3)
يقول: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل (4) الربع في البداءة والثلث في الرجعة) *
ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشني (5) نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان
الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام ممطور
الحبشي (8) عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في
البداءة الربع وفي القفول الثلث) * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عفان بن مسلم عن أبي عوانة
عن عاصم بن كليب عن أبي الجويرية قال لي معن بن يزيد السلمي: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: لا نفل الا من بعد الخمس) وقال بهذا طائفة من السلف *
روينا من طريق حماد بن سلمة نا داود بن أبي هند عن الشعبي أن جرير بن عبد الله البجلي قدم
على عمر بن الخطاب في قومه يريد الشام فقال له عمر: هل لك أن تأتى الكوفة وأنفلك الثلث
من بعد الخمس من كل أرض وشئ؟ *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى قال: كان الناس ينفلون
أكثر من الثلث حتى إذا كان عمر بن عبد العزيز كتب انه لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل
بأكثر من الثلث، وهو قول الأوزاعي وأبي سليمان *
قال أبو محمد: الخمس قد جعله الله تعالى لأهله الذين سمى فالنفل منه من سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسلم
خاصة وهو خمس الخمس وسائر الغنيمة للغانمين فلا يحل أن يخرج منه شئ الا ما أباح الله
تعالى إخراجه، أو أوجب إخراجه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس الا السلب جملة للقاتل
وتنفيل ما ذكرنا من الربع فأقل أو الثلث في القفول فأقل، وكذلك كما روينا عن أنس.
وسعيد بن المسيب لا نفل الا بعد الخمس، وبالله تعالى التوفيق *
957 - مسألة - وتقسم الغنائم كما هي بالقيمة (7) ولاتباع لأنه لم يأت نص
بيعها وتعجل القسمة في دار الحرب وتقسم الأرض وتخمس كسائر الغنائم، ولا فرق:

(1) الزيادة من سنن أبي داود ج 3 ص 33 وهي مذكورة في تهذيب التهذيب ج 10 ص 292 ووقع فيه (أبى وهيب) بالتصغير وهو غلط
(2) في النسخة اليمنية (خارجة) وهو غلط
(3) في النسخة رقم (14) (حبيب بن سلمة) وهو غلط
(4) في النسخة رقم (14) (يقول) بدل (نفل) وما هنا موافق لما في سنن أبي داود، والحديث اختصره المصنف
(5) كذا في النسخة اليمنية، وفى النسخة رقم (14) (عبد السلام الخشني) باسقاط لفظ (محمد بن) وكلاهما لم أجده في كتب الرجال المطبوعة ورأيت في كتاب الأنساب للسمعاني ما نصه: وأحمد بن خلف ابنه محمد بن عبد السلام الخشني مات سنة 286 ولا ادرى هو هذا
ما ذكر هنا أم غيره؟ والله أعلم
(6) في النسخة اليمنية (الخشني) وهو غلط
(7) كذا في النسخ ولعله (بالقسمة) كما هو ظاهر كلام المصنف قبل وبعد
341

فان طابت نفوس جميع أهل العسكر على تركها أوقفها الامام حينئذ للمسلمين وإلا فلا، ومن
أسلم نصيبه كان من لم يسلم عل حقه لا يجوز غير ذلك، وهو قول الشافعي، وأبي سليمان، وقال
مالك: تباع الغنيمة وتقسم أثمانها وتوقف الأرض ولا تقسم ولا تكون ملكا لاحد،
وقال أبو حنيفة: الامام مخير ان شاء قسمها وان شاء أوقفها، فان أوقفها فهي ملك للكفار
الذين كانت لهم ولا تقسم الغنائم الا بعد الخروج من دار الحرب *
قال أبو محمد: يبين ما قلنا قول الله تعالى: (فكلوا غنمتم حلالا طيبا) ولم يقل من
أثمان ما غنمتم * ومن طريق البخاري نا مسدد نا أبو الأحوص نا سعيد بن مسروق عن عباية بن
رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده رافع بن خديج (أنهم أصابوا غنائم فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بينهم
فعدل بعيرا بعشر شياه (1)) فصح انه عليه السلام إنما قسم أعيان الغنيمة وأيضا فان حقهم إنما هو
فيما غنموا فبيع حقوقهم وأموالهم بغير رضا من جميعهم أو لهم عن آخر هم لا يحل لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فان رضى الجيش كلهم بالبيع الا واحدا فله ذلك
ويعطى حقه من عين الغنيمة ويباع ان أراد البيع قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) وبهذا
جاءت الآثار في حنين وبدر وغيرهما كقول على: أنه وقع لي شارف من المغنم. وكوقوع جويرية
أم المؤمنين في سهم ثابت بن قيس بن الشماس وغير ذلك كثير، وكذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم
كقول ابن عمر: وقعت في سهمي يوم جلولاء جارية، - وهو قول سعيد بن المسيب - وغيره *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
يقول: أكره بيع الخمس حتى يقسم، ولا نعرف لهم مخالفا (2) من الصحابة أصلا *
وأما تعجيل القمسة فان مطل ذي الحق لحقه (3) ظلم وتعجيل اعطاء كل ذي حق
حقه فرض، والحنيفيون يقولون: من مات من أهل الجيش قبل الخروج إلى دار الاسلام،
أو قتل في الحرب فلا سهم له قال: فلو خرجوا عن دار الحرب فلحق بهم مدد قبل خروجهم
إلى دار الاسلام فحقهم معهم في الغنيمة وهذا ظلم لاخفاء به وقول في غاية الفساد بغير
برهان بل كل من شهد شيئا من القتال الذي كن سبب الغنيمة، أو شهد شيئا من جمع
الغنيمة فحقه فيها يورث عنه ومن لم يشهد من ذلك شيئا فلا حق له فيها، فهل سمع بظلم
أقبح من منع من قاتل وغنم واعطاء من لم يقاتل ولا غنم؟، وأما الأرض فان الصحابة
اختلفوا فروينا ان ابن الزبير. وبلالا وغيرهم دعوا إلى قسمة الأرض وان عمر. وعليا.
ومعاذا. وأبا عبيدة رأوا ابقاءها (4) رأيا منهم وإذ تنازعوا فالمردود إليه هو ما افترض

(1) الحديث ذكره البخاري في صحيحه في غير من موضع مطولا أو اختصر المصنف هذه الرواية واقتصر على محل الشاهد منها، أنظره في ج 2 ص 178 *
(2) في النسخة رقم (14) (لا يعرف لهم مخالف)
(3) في النسخة رقم (14) (بحقه)
(4) في النسخة. رقم (14) (رأوا ايقافها)
342

الله تعالى الرد إليه إذ يقول: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم
تؤمنون بالله واليوم الآخر)، فوجدنا من قلد عمر في ذلك يذكر ما رويناه من طريق
مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر: لولا آخر المسلمين ما افتتحت قرية الا قسمتها
كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، *
قال أبو محمد: وهذا أعظم حجة عليهم لوجوه، أولها اقرار عمر رضي الله عنه ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر، والثاني أنه قد أخبر رضي الله عنه أنه إنما فعل ذلك نظرا
لآخر المسلمين والذي لاشك فيه (فهو) (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أنظر لأول المسلمين
ولآخرهم من عمر فما رأى هذا الرأي بل أبقى لآخر المسلمين ما أبقى لأولهم الجهاد في
سبيل الله، فاما الغنيمة وإما الشهادة، وأبقى لهم مواريث موتاهم. والتجارة. والماشية.
والحرث، والثالث أنه قد خالف عمر الزبير. وبلال وليس بعضهم أحق بالاتباع من
بعض، فحتى لو صح عن عمر رضي الله عنه ما ظنوه به لما كان لهم فيه حجة ولكان رأيا
منه غيره خير منه وهو ما أخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف وعمر قوله كقولنا في هذه المسألة؟
كما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى *
وهذا الخبر من عمر يكذب كل ما موهوا به من أحاديث مكذوبة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يقسم خيبر كلها فهم دأبا يسعون في تكذيب قول عمر نصرا لرأيهم الفاسد وظنهم الكاذب *
وقد روينا عن عمر أنه قال: إن عشت إلى قابل لا تفتح قرية الا قسمتها كما قسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم خيبر، فهذا رجوع من عمر إلى القسمة *
واحتجوا بخبر صحيح روينا من طريق أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت
العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر أرد بها ودينارها
وعدتم كما بدأتم) قالوا: فهذا هو الخراج المضروب على الأرض وهو يوجب إيقافها *
قال أبو محمد: وهذا تحريف منهم للخبر بالباطل وادعاء ما ليس في الخبر بلا نص
ولا دليل (2)، ولا يخلو هذا الخبر من أحد وجهين فقط، أو قد يجمعهما جميعا بظاهر لفظه،
أحدهما أنه أخبر صلى الله عليه وسلم عن الجزية المضروبة على أهل هذه البلاد إذا فتحت وهو قولنا
لان الجزية بلا شك واجبة بنص القرآن، ولا نص يوجب الخراج الذي يدعون، والثاني
أنه انذار منه عليه السلام بسوء العاقبة في آخر الامر وان المسلمين سيمنعون حقوقهم
في هذه البلاد ويعودون كما بدؤا، وهذا أيضا حق قد ظهر، وانا لله وإنا إليه راجعون،
فعاد هذا الخبر حجة عليهم *

(1) الزيادة من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (14) (لا بنص ولا بدليل
343

قال أبو محمد: فإذ لا دليل على صحة قولهم فلنذكر الآن البراهين على صحة قولنا قال
الله تعالى: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم). فسوى تعالى بين كل ذلك ولم يفرق
فلا يجوز ان يفرق بين حكم ما صار الينا من أهل الحرب من مال، أو أرض بنص القرآن
وقال تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) الآية *
وروينا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد - هو المسندي - نا معاوية بن عمرو نا
أبو إسحاق هو الفزاري - عن مالك بن أنس حدثني ثور عن سالم مولى ابن مطيع أنه سمع
أبا هريرة (رضي الله عنه) (1) يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا، ولا فضة إنما غنمنا
الإبل، والبقر، والمتاع، والحوائط)، فصح ان الحوائط وهي الضياع والبساتين مغنومة
كسائر المتاع فهي مخمسة بنص القرآن، والمخمس مقسوم بلا خلاف، روينا من طريق أحمد
ابن حنبل، وإسحاق بن راهويه كلاهما عن عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه نا أبو هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها وأيما قرية
عصمت الله ورسوله فان خمسها لله ورسوله، ثم هي لكم) وهذا نص جلى لا محيص (2)
عنه، وقد صح ان النبي صلى الله عليه وسلم قسم أرض بني قريظة وخيبر، ثم العجب كله ان مالكا
قلد ههنا عمر، ثم فيما ذكرتم وقف فلم يخبر كيف يعمل في خراجها؟ وأقر أنه لا يدرى فعل
عمر في ذلك؟ فهل في الأرض أعجب من جهالة تجعل حجة! * وأما أبو حنيفة فأخذ في ذلك برواية غير
قوية جاءت عن عمر وترك سائر مات روى عنه وتحكموا في الخطأ (3) بلا برهان، وقد تقصينا ذلك
في كتاب الايصال والله المستعان (ولله تعالى الحمد) فكيف والرواية عن عمر الصحيحة
هي قولنا؟ كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا محمد بن عيسى بن رفاعة نا علي بن عبد العزيز
نا أبو عبيد نا هشيم نا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: كانت بجيلة ربع
الناس يوم القادسية فجعل لهم عمر ربع السواد فأخذوا سنتين، أو ثلاثا فوفد عمار بن ياسر
إلى عمر بن الخطاب ومعه جرير بن عبد الله فقال: عمر يا جرير لولا أنى قاسم مسؤول لكنتم
على ما جعل لكم وأرى الناس قد كثروا فأرى ان ترده عليهم ففعل جرير ذلك، فقالت
أم كرز البجلية: يا أمير المؤمنين ان أبى هلك وسهمه ثابت في السواد وانى لم أسلم فقال
لها عمر: يا أم كرز قومك قد صنعوا ما قد علمت فقالت: إن كانوا صنعوا ما صنعوا
فانى لست أسلم حتى تحملني ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ كفى ذهبا ففعل عمر
ذلك فكانت الذهب نحو ثمانين دينارا، فهذا أصح ما جاء عن عمر في ذلك وهو قولنا فإنه
لم يوقف حتى استطاب نفوس الغانمين وورثة من مات منهم، وهذا الذي لا يجوز أن

(1) الزيادة من صحيح البخاري ج 5 ص 286
(2) في النسخة رقم (14) (لا محيد)
(3) في النسخة رقم (14) (بالخطأ)
344

يظن بعمر غيره، ورب قضية خالفوا قضية خالفوا فيها عمر مما قد ذكرناه قبل من تخميسه السلب وإمضائه
سائره للقاتل وغير ذلك، ومن عجائبهم اسقاطهم الجزية عن أهل الخراج! *
وقد روينا من طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن عن محمد بن قيس عن أبي عون
محمد بن عبيد الله الثقفي عن عمر، وعلى أنهما قالا: إذا أسلم وله أرض وضعنا عنه الجزية
وأخذنا منه خراجها *
حدثنا ابن أبي شيبة عن هشيم عن حصين أن رجلين من أهل أليس (1) أسلما
فكتب عمر إلى عثمان بن حنيف أن يرفع الجزية عن رؤوسهما وان يأخذ الطسق (2)
من أرضيهما *
حدثنا ابن أبي شيبة نا وكيع نا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب (3)
ان دهقانة من نهر الملك (4) أسلمت فقال عمر: ادفعوا إليها أرضها تؤدى عنها الخراج *
نا ابن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان عن جابر عن الشعبي ان الرقيل دهقان النهرين أسلم
ففرض له عمر في الفين ووضع عن رأسه الجزية وألزمه خراج ارضه، (فان قيل): (5) حديث
ابن عون مرسل قلنا: سبحان الله! وإذ روى المرسل عن معاذ في اجتهاد الرأي كان حجة
والآن ليس بحجة، ولا يعرف لمن ذكرنا مخالف من الصحابة *
958 - مسألة - ولا يقبل من كافر إلا الاسلام، أو السيف، الرجال والنساء
في ذلك سواء، حاشا أهل الكتاب خاصة، وهم اليهود. والنصارى، والمجوس فقط فإنهم
ان أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصغار، وقال أبو حنيفة، ومالك: أما من لم يكن
كتابيا من العرب خاصة فالاسلام (6)، أو السيف، وأما الأعاجم فالكتابي وغيره
سواء ويقر جميعهم على الجزية *
قال أبو محمد: هذا باطل لقول اله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا
الزكاة فخلوا سبيلهم)، وقال تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فلم يخص تعالى عربيا من عجمي في كلا الحكمين،

(1) قال ياقوت معجمه: أليس مصغر بوزن ليس والسين مهملة الموضع الذي كانت فيه الوقعة بين المسلمين والفرس في أول أرض العراق من ناحية البادية
(2) قال في النهاية: الطسق الوظيفة من خراج الأرض المقرر عليها وهو فارسي معرب
(3) في نسخة (طارق بن شريك) وهو غلط
(4) قال ياقوت في معجمه: كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى
(5) في النسخة اليمنية، (فان قالوا)
(6) في النسخة اليمنية (فالقتل) وهو غلط
345

وصح أنه عليه السلام أخذ الجزية من مجوس هجر فصح انهم من أهل الكتاب،
ولولا ذلك ما خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ربه تعالى *
فان ذكروا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (إنما أريدهم على كلمة تدين لهم
بها العرب ثم تؤدى إليهم العجم الجزية) فلا حجة لهم في هذا لأنهم لا يختلفون في أن
أهل الكتاب من العرب يؤدون الجزية وأن من أسلم من العجم لا يؤدون الجزية، فصح
ان هذا الخبر ليس على عمومه وانه عليه السلام إنما عنى بأداء الجزية بعض العجم لاكلهم،
وبن تعالى من هم وانهم أهل الكتاب فقط،: والعجب كله! انهم جعلوا قول الله تعالى
(فاما منا بعدو إما فداء) منسوخ بقوله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)،
ولم يجعلوا ذلك مبينا لقوله عليه السلام (تؤدى إليكم العجم الجزية)، ولو قلبوا لأصابوا
وهذا تحكم بالباطل، وقالوا: قال الله تعالى: (لا إكراه في الدين)، فقلنا: أنتم أول
من يقول: إن العرب الوثنيين يكرهون على الاسلام، وان المرتد يكره على الاسلام،
وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أكره مشركي العرب على الاسلام، فصح أن (هذه) (1)
الآية ليست على ظاهرها وإنما هي فيمن نهانا الله تعالى أن نكرهه. وهم أهل الكتاب
خاصة، وقولنا هذا هو قول الشافعي. وأبي سليمان، وبالله تعالى التوفيق *
959 - مسألة - والصغار هو أن يجرى حكم الاسلام عليهم وأن لا يظهروا
شيئا من كفرهم ولا مما يحرم في دين الاسلام، قال عز وجل: (وقاتلوهم حتى لا تكون
فتنة ويكون الدين كله لله)، وبنو تغلب وغيرهم سواء لان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
لم يفرقا (2) بين أحد منهم، ويجمع الصغار شروط عمر رضي الله عنه عليهم *
نا محمد بن الحسن بن الوارث نا عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن النحاس (3) نا أبو
العباس محمد بن إسحاق بن أبي إسحاق الصفار نا أبو الفضل الربيع بن تغلب نا يحيى بن عقبة عن أبي
العيزار عن سفيان الثوري عن طلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم
قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه أن
لا يحدثوا في مدينتهم ولاما حولها دايرا، ولا كنيسة، ولا قلية (4)، ولا صومعة راهب ولا
يجددوا ما خرب منها ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم،
ولا يؤوا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يظهروا شركا،
ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الاسلام ان أرادوه، وان يوقروا المسلمين، ويقوموا لهم

(1) الزيادة من النسخة اليمنية
(2) في النسخة رقم (14) (لم يفرق) بالافراد لان الرسول عليه السلام مبين ومنفذ لما
امره الله تعالى
(3) في النسخة اليمنية (ابن النجاش)
(4) قال ابن الأثير في النهاية: القلية كالصومعة كذا وردت، واسمها عنا النصارى القلايه وهو تعريب كلاده وهي من بيوت عباداتهم
346

من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شئ من لباسهم في قلنسوة،
ولا عمامة، ولا نعلين، ولافرق شعر، ولا يتكلموا بكلام المسلمين، ولا يتكنوا بكناهم، ولا
يركبوا سرجا، ولا يتقلدوا سيفا، ولا يتخذوا شيئا من السلاح، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية،
ولا يبيعوا الخمور، وان يجزوا مقادم رؤوسهم، وأن يلزموازيهم حيث ما كانوا، وان يشدوا
الزنانير على أوساطهم، ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شئ من طرق المسلمين،
ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يضربوا ناقوسا الا ضربا خفيفا، ولا يرعفوا أصواتهم
بالقراءة في كنائسهم في شئ من حضرة المسلمين ولا يخرجوا سعانين (1)، ولا يرفعوا مع موتاهم
أصواتهم، ولا يظهروا النيران معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين
فان خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة
والشقاق، * وعن عمر أيضا ان لا يجاورونا بخنزير *
قال أبو محمد: ومن الصغار أن لا يؤذوا مسما ولا يستخدموه ولا يتولى أحد منهم شيئا
من أمور السلطان يجرى لهم (2) فيه أمر على مسلم *
960 - مسألة - والجزية لازمة للحر منهم والعبد. والذكر. والأنثى، والفقير
البات، والغنى الراهب، وغير الراهب سواء من الباغين خاصة لقول الله تعالى: (حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)، ولا خلاف في أن الدين لازم للنساء كلزومه للرجال
ولم يأت نص بالفرق بينهم في الجزية صح عن عمر بن عبد العزيز أنه فرض الجزية على رهبان
الديارات على كل راهب دينارين * ومن طريق سفيان الثوري أن أعمر بن عبد العزيز أخذ
الجزية من عتقاء المسلمين من اليهود والنصارى، وقال مالك: لا تؤخذ الجزية ممن أعتقه مسلم، أو
كافر، وقال أبو حنيفة، والشافعي. وأبو سليمان: تؤخذ الجزية منهم وما نعلم لقول مالك حجة أصلا
(فان قيل): قد صح عن عمر رضي الله عنه أن تؤخذ الجزية من كل من جرت عليه المواسى
الا النساء قلنا: أنتم أول من خالفتم هذا الحكم فأسقطتموها عن المعتقين والرهبان وأما نحن
فلا حجة عندنا في قول أحد غير (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت في هذا آثار مرسلة وهي
كما روينا من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن
مسروق قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم
وحالمة من أهل الذمة دينارا أو قيمته من المعافر *
قال أبو محمد: على هذا الاسناد عولوا في أخذ التبيع من الثلاثين من البقر والمسنة

(1) بالسين المهملة بعدها عين مهملة، هو عيد لهم معروف قبل عيدهم الكبير بأسبوع وهو سرياني معرب، وقيل هو
جمع واحة سعنون اه‍ نهاية. وفى النسخة رقم 14 (شعاتين) وهو عحريف، وفى النسخة اليمنية كذلك *
(2) في النسخة اليمنية (له)
(3) في النسخة رقم 14 (دون) بدل (غير)
347

من الأربعين، ومن المحال أن يكون خبر حجة في شئ غير حجة في غيره *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن:
من كره الاسلام من يهودي، أو نصراني فإنه لا يحول عن دينه وعليه الجزية على كل
حالم ذكرا، أو أنثى، حر أو عبد دينار واف من قيمة المعافر (1). أو عرضه *
ومن طريق أبى عبيد نا جرير بن عبد الحميد عن منصور - هو ابن المعتمر -
عن الحكم بن عتيبة قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ وهو باليمن في الحالم، أو الحالمة
دينار، أو عدله من المعافر *
قال أبو محمد: الحنيفيون. والمالكيون يقولون: ان المرسل أقوى من المسند ويأخذون
به إذا وافقهم فالفرض عليهم أن يأخذوا ههنا بها فلا مرسل أحسن من هذه المراسيل،
وأما نحن فإنما (2) معولنا على عموم الآية فقط، (فان قالوا): إنما تؤخذ الجزية ممن
يقاتل قلنا: فلا تأخذوها من المرضى ولامن أهل بلدة من بلاد الكفر لزموا بيوتهم
وأسواقهم ولم يقاتلوا مسلما، (فان قالوا): أول الآية (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله
ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا
الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) قلنا: نعم أمرنا بقتالهم ان قاتلونا حتى
يعطى جميعهم الجزية عن يد كما في نص الآية لان الضمير راجع إلى أقرب مذكور،
والعجب أن الحنيفيين يقيمون اضعاف الصدقة علي بنى تغلب مقام الجزية، ثم يضعونها (3)
على النساء ثم يأبون من أخذ الجزية من النساء، (فان قالوا): قد نهى عمر عن أخذها
من النساء قلنا: قد صح عن عمر الامر بالتفريق بين كل ذي محرم من المجوس وأنتم
تخالفونه وفي ألف قضية قد ذكرنا مها كثيرا فلا ندري متى هو عمر حجة ولامتي هو
ليس حجة؟، فان ادعوا إجماعا كذبوا ولا سبيل إلى أن يجدوا نهيا عن ذلك عن
غير عمر، ومسروق أدرك معاذا وشاهد حكمه باليمن وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه بأخذ الجزية
من النساء، ومن المحال ان يخالف معاذ ما كتب إليه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالله تعالى التوفيق *
روينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا الفضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد
قال: يقاتل أهل الأوثان على الاسلام ويقاتل أهل الكتاب على الجزية،
وهذا عموم للرجال والنساء، وهو قولنا، وقال الشافعي. وأبو سليمان: لاتقبل الجزية
الا من كتابي وأما غيرهم فالاسلام، أو القتل. والرجال والنساء سواء، وهو نص القرآن

(1) هي برود بالميمن منسوبة إلى معافر قبيلة باليمن، والميم زائدة اه‍ نهاية
(2) في النسخة رقم 14 (فان)
(3) في النسخة اليمنية ثم (يضعفونها)
348

فالتفريق بين (كل) (1) ذلك لا يجوز ولا يحل البتة ان يبقى مخاطب مكلف لا يسلم ولا يؤدى
الجزية ولا يقتل لأنه خلاف القرآن والسنن، ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن النساء
مكلفات من دين الاسلام ومفارقة الكفر ما يلزم الرجال سواء سواء، فلا يحل ابقاؤهن
على الكفر بغير قتل ولا جزية، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما (قد) (2) ذكرناه قبل
باسناده (أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا إله إلا الله وانى رسول الله ويقيموا
الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بما أرسلت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم
الا بحقها وحسابهم على الله) ولا يختلفون في أن هذه اللوازم كلها هي على النساء كما هي
على الرجال، وان أموالهن وفى الكفر مغنومة كأموال الرجال فثبت يقينا انهن لا يعصمن
دماءهن وأموالهن الا بما يعصم الرجال به أموالهم ودماءهم من الاسلام أو الجزية ان كن
كتابيات ولابد، وبالله تعالى التوفيق *
961 - مسألة - ولا يحل السفر بالمصحف إلى أرض الحرب لافى عسكر ولا في غير عسكر *
روينا من طريق معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال (نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخالفة ان يناله العدو) (3) وقال مالك: إن كان
عسكر مأمون فلا بأس به *
قال أبو محمد: وهذا خطأ وقد يهزم العسكر المأمون ولا يجوز ان يعترض أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيخص بلا نص *
962 - مسألة - ولا تحل التجارة إلى أرض الحرب إذا كانت أحكامهم تجرى
على التجار، ولا يحل ان يحمل إليهم سلاح، ولا خيل، ولا شئ يتقوون به على المسلمين،
وهو قول عمر بن عبد العزيز. وعطاء. وعمرو بن دينار وغيرهم * روينا من طريق أبى داود
نا هناد بن السرى نا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير
ابن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انا برئ من كل مسلم يقيم بين
أظهر المشركين) (4) *
قال أبو محمد: من دخل إليهم لغير جهاد، أو رسالة من الأمير فإقامة ساعة إقامة،

(1) الزيادة من النسخة رقم 14
(2) الزيادة من النسخة اليمنية
(3) هو في صحيح مسلم من غير طريق ج 2 ص 94، وفى سنن أبي داود ج 2 ص 240 وهو موجود أيضا في سنن ابن ماجة، وظاهر سياق المصنف الحديث بسنده ان قوله (مخافة ان يناله العدو) من كلام صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم وكذلك هو في صحيح مسلم وسنن ابن ماجة،
وفى سنن أبي داود انه تفسير من كلام مالك رضي الله عنه حيث قال في سنن أبي داود قال مالك أراه (محافة ان يناله) العدو وأجاب الحافظ ابن حجر بقوله: ولعل مالكا كان يجزم به. ثم سار يشك في رفعه فجعله من تفسير نفسه اه‍ والله أعلم
(4) الحديث اختصره المصنف واقتصر على محل الشاهد منه انظر سنن أبي داود ج 2 ص 348
349

قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)، وقال تعالى:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ففرض
علينا ارهابهم ومن أعانهم بما يحمل إليهم فلم يرهبهم بل أعانهم على الاثم والعدوان *
963 - مسألة - ولا يحل لاحد أن يأخذ مما غنم جيش، أو سرية شيئا خيطا فما
فوقه، وأما الطعام فكل ما أمكن حمله فحرام على المسلمين الا ما اضطروا إلى أكله ولم
يجدوا شيئا غيره، وأما مالا يقدر على حمله فجائز افساده واكله وان لم يضطروا إليه وإنما
هذا فيما ملكوه وأما ما لم يملكوه من صيد، أو حجر، أو عود شعر، أو ثمار، أو غير
ذلك فهو كله مباح كما هو في أرض الاسلام ولافرق، قال عز وجل: (ومن يغلل يأت
بما غل يوم القيامة)، * روينا (1) من طريق مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث
مولى ابن مطيع عن أبي هريرة أنه قال: (أهدى إلى رسول الله (2) صلى الله عليه وسلم عبد أسود
يقال له: مدعم حتى إذا كانوا بوادي القرى فبينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
جاءه سهم (عائر فأصابه) (3) فقتله فقال الناس: هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا والذي
نفسي بيده ان الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصلها المقاسم لتشتعل عليه
نارا، فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك، أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له
عليه السلام: شراك، أو شراكان من نار)، والطعام من جملة أموالهم *
فان ذكر ذاكر ما رويناه من طريق ابن عمر) غنم جيش في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس) فهذا عليهم لأنهم يقولون: ان كثر ذلك وأمكن
حمله خمس ولابد، وأما نحن فان الآية زائدة على ما في هذا الخبر وهي قوله تعالى: (واعملوا
إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى) الآية، وحديث الغلول
زائد عليه فيخرج هذا الخبر على أنه كان قبل نزول الخمس لا يجوز (4) الا هذا لان الاخذ
بالزائد فرض لا يحل تركه، ونحن على يقين من أن الآية. وحديث الغلول غير منسوخين مذ نزلا *
فان ذكروا أيضا حديث ابن عمر (كنا نصيب في مغازينا العنب والعسل فنأكله
ولا نرفعه) فهذا بين وهو أنه كان لا يمكن حمله إذ لم يرفعوه فأكله خير من افساده، أو
تركه، وهكذا نقول *
فان ذكروا حديث ابن مغفل في جراب الشحم فلا حجة لهم فيه لأنهم أول مخالف
له فيقولون: لا يحل أخذ الجراب وإنما يحل عند بعضهم الشحم فقط، وهذا خبر قد رويناه
بزيادة بيان كما روينا من طريق محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب

(1) في النسخة اليمنية (وروينا)
(2) في الموطأ ج 2 ص 16 (لرسول الله) والحديث اختصره المصنف واقتصره على محل الشاهد منه
(3) الزيادة من الموطأ والسهم العاثر هو الذي لا يدرى من رماه
(4) في النسخة اليمنية (ولا يجوز) بزيادة واو
350

نا عفان بن مسلم. ومسلم بن إبراهيم قالا: نا شعبة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مغفل
قال: كنا محاصري خيبر فدلى الينا جراب فيه شحم فأردت أن آخذه ونوينا ان لا نعطي
أحدا منه شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله خلفي بيتسم فاستحييت ان آخذه (1))، ثم
لو صح أنه أخذه لكان على ما ذكرنا من الحاجة إليه، يبين ذلك ما رويناه من طريق البخاري
نا علي بن الحكم الأنصاري نا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع
ابن خديج عن جده قال: (كنا مع رسول اله صلى الله عليه وسلم بذى الحليفة فأصاب الناس جوع
فأصابوا إبلا وغنما والنبي صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس فعجلوا فذبحوا ونصبوا القدور
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت، ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير (2))
فلم يبح لهم أكل شئ إذ قد كانت القسمة قد حضرت فيصل كل ذي حق إلى حقه (3)،
بالله تعالى التوفيق *
964 - مسألة - وكل من دخل من المسلمين فغنم في أرض الحرب سواء كان
وحده أو في أكثر من واحد باذن الامام وبغى أذنه فكل ذلك سواء، والخمس فيما
أصيب والباقي لمن غنمه لقول الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه)
الآية، وقوله تعالى: (فكلوا مما غنمتم)، وقال أبو حنيفة: لا خمس إلا فيما أصابته
جماعة، قال أبو يوسف: تسعة فأكثر، وهذه أقوال في غاية الفساد لمخالفتها القرآن.
والسنن. والمعقول، وقد قال تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم
غلظة)، فلم يخص بأمر الإمام ولا بغير أمره، ولو أن اماما نهى عن قتال أهل الحرب
لوجبت معصيته في ذلك لأنه أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة له، وقال تعالى: (فقاتل
في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك)، وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم فكل أحد مأمور
بالجهاد وان لم يكن معه أحد، وقال تعالى: (فانفروا خفافا وثقالا) وقال تعالى: (فانفروا
ثبات أو انفروا جميعا) *
965 - مسألة - ونستحب الخروج للسفر يوم الخميس * روينا من طريق البخاري
نا عبد الله بن محمد نا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب
ابن مالك عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب ان يخرج يوم الخميس) (4) *
966 - مسألة - ومن قدم من سفر نهارا فلا يدخل إلا ليلا ومن قدم ليلا فلا
يدخل إلا نهارا إلا لعذر * روينا من طريق شعبة عن يسار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله

(1) هو أيضا في صحيح البخاري بسند آخر جزء 7 ص 168
(2) رواه البخاري في غير موضع وبألفاظ مختلفة وقد تقدم قريبا ص 342
(3) في النسخة اليمنية (كل أحد إلى حقه)
(4) الحديث اختصره المصنف انظر ج 4 ص 125 في صحيح البخاري
351

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قدم أحدكم ليلا فلا يأتين أهله طروقا (1) حتى تستحد
المغيبة وتمتشط الشعثة (2)) * ومن طريق هشيم عن يسار عن الشعبي عن جابر (قدمنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فذهبنا لندخل فقال عليه السلام: أمهلوا حتى ندخل ليلا كي تستحد
المغيبة وتمتشط الشعثة) (3) *
967 - مسألة - ولا يجوز ان تقلد الإبل في أعناقها شيئا ولا ان يستعمل الجرس
في الرفاق * روينا من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن
عباد بن تميم أن أبا بشير (4) الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر (5)
فأرسل عليه السلام رسولا لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة الا قطعت) (6) *
ومن طريق أبى داود نا أحمد بن يونس نا زهير - هو ابن معاوية - نا سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تصحب الملائكة رفقة فيها
كلب. أو جرس) (7) وصح النهى عن الجرس عن عائشة. وأم سلمة أمي المؤمنين.
وأبي هريرة ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ولم يصح في النهى
عن تقليد أعناق الخيل وغيرها أثر *
968 - مسألة - وجائز تحلية السيوف. والواة والرمح. والمهاميز. والسرج.
واللجام وغير ذلك بالفضة والجوهر ولا شئ من الذهب في شئ من ذلك قال عز وجل:
(ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها) فأباح لنا لباس اللؤلؤ،
وقال تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعا.) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم)، فكل شئ فهو حلال الا ما فصل لنا تحريمه ولم يفصل تحريم الفضة أصلا
إلا في الآنية فقط * روينا من طريق أبى داود نا مسلم بن إبراهيم نا جرير بن حازم
نا قتادة عن أنس قال (كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة) (8) *
قال أبو محمد: فقاس قوم على السيف والخاتم المصحف والمنطقة ومنعوا من سائر
ذلك، فلا القياس طردوا ولا النصوص اتبعوا، والعجب كل العجب من تحريمهم التحلي
بالفضة في السرج واللجام ولا نهى في ذلك واباحتهم لباس الحرير في الحرب وقد صح
تحريمه جملة! *

(1) بضم أوله وثانيه اتى ليلى وكل آت بالليل طارق
(2) الحديث في صحيح مسلم ج 2 ص 107، ومعنى تستحد المغيبة)، أي تزيل شعر عانتها، والمغيبة هي التي غاب زوجها و، الشعثة مغبرة الرأس
(3) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 107
(4) في النسخة اليمنية (ان أبا بشر) وهو غلط
(5) في موطأ مالك ج 2 ص 118 (في بعض أسفاره قال) وكذلك في صحيح البخاري ج 4 ص 143 وفى صحيح مسلم ج 2 ص 164
(6) الحديث اختصره المصنف، والقلادة ما يعلق في العنق وجمعها قلائد والوتر القوس
(7) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 230
(8) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 235 قال في القاموس: قبيعة السيف ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد فقال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن غريب
352

969 - مسألة - والرباط في الثغور حسن ولا يحل الرباط إلى ما ليس ثغرا
كان فيما مضى ثغرا أو لم يكن وهو بدعة عظيمة * روينا من طريق مسلم نا عبد الله
ابن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي نا أبو الوليد الطيالسي نا ليث - هو ابن سعد - عن أيوب
ابن موسى عن مكحول عن شرحبيل بن المسط عن سلمان الفارسي (قال) (1) سمعت:
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وان من مات
جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان) *
قال أبو محمد: وكل موضع سوى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان ثغرا. ودار
حرب. ومغزى جهاد فتخصيص مكان من الأرض كلها بالقصد لان العدو ضرب فيه
دون سائر الأرض كلها ضلال. وحمق. وإثم. وفتنة. وبدعة، فإن كان لمسجد فيه (2) فهذا
أشد في الضلال لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر إلى شئ من المساجد حاشا مسجد مكة.
ومسجده بالمدينة. ومسجد بيت المقدس، فإن كان ساحل بحر فساحل البحر كله من شرق
الأرض إلى غربها سواء، ولافرق بين ساحل بحر وساحل نهر في الدين ولا فضل لشئ
من ذلك، فإن كان أثر نبي من الأنبياء فالقصد إليه حسن قد تبرك أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم بموضع مصلاه واستدعوه ليصلى في بيوتهم في موضع يتخذونه مصلى فأجاب
إلى ذلك عليه السلام *
970 - مسألة - وتعليم الرمي عن القوس والاكثار منه فضل حسن سواء
العربية والعجمية * روينا من طريق مسلم نا هارون بن معروف نا ابن وهب نا عمرو
ابن الحارث عن (أبى على) (3) ثمامة بن شفى عن عقبة بن عامر (يقول) (3): سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوكم) ألا إن القوة الرمي. ألا إن القوة الرمي (5) ستفتح عليكم أرضون
ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم ان يلهو بسهمه) (6) * ومن طريق الليث عن الحارث بن يعقوب
عن عبد الرحمن بن شماسة قال عقبة بن عامر: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من
علم الرمي، ثم تركه فليس منا (أو قد عصى) (7)) *
971 - مسألة - والمسابقة بالخيل. والبغال. والحمير وعلى الاقدام حسن والمناضلة

(1) الزيادة من صحيح البخاري ج 2 ص 105
(2) في النسخة رقم (14) (المسجد فيه) وهو غلط
(3) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 105
(4) الزيادة من صحيح مسلم
(5) الذي في صحيح مسلم إعادة هذا اللفظ ثلاث مرات وبه ينتهى الحديث وكذلك
في سنن أبي داود ج 2 ص 321، وقوله (ستفتح عليكم) الخ حديث آخر من الطريق المذكور قبل (6) في النسخة رقم (14) (بأسهم) وما هنا موافق لصحيح مسلم
(7) الزيادة من صحيح مسلم والحديث فيه مطول اختصره المصنف
353

بالرماح. والنبل. والسيوف حسن * روينا من طريق أبى داود نا أبى أبو صالح محبوب بن موسى
الأنطاكي أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين
(أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) (1) قالت: (سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته
على رجل فلما حملت اللحم (2) سابقته فسبقني فقال: هذه بتلك السبقة) *
ومن طريق أبى داود نا أحمد بن يونس نا ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع - هو
مولى أبى أحمد - عن أبي هريرة (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لاسبق الا في حافر.
أو خف. أو نصل) (4) *
قال أبو محمد: الخف اسم يقع على الإبل في اللغة العربية، والحافر في اللغة لا يقع الا على
الخيل. والبغال. والحمير، والنصل لا يقع الا على السيف، والرمح، والنبل، والسبق هو
ما يعطاه السابق *
972 - مسألة - والسبق هو ان يخرج الأمير، أو غيره مالا يجعله لمن سبق في
أحد هذه الوجوه فهذا حسن، أو يخرج أحد المتسابقين فيما ذكرنا مالا فيقول لصاحبه: ان
سبقتني فهو لك وان سبقتك فلا شئ لك على ولا شئ لي عليك، فهذا حسن، فهذان الوجهان
يجوزان في كل ما ذكرنا، ولا يجوز اعطاء مال في سبق غير هذا أصلا للخبر الذي ذكرنا
آنفا، فان أراد ان يخرج كل واحد منهما مالا يكون للسابق منهما لم يحل ذلك أصلا إذ في
الخيل فقط، ثم لا يجوز ذلك في الخيل أيضا الا بأن يدخلا معهما فارسا على فرس يمكن
ان يسبقهما ويمكن ان لا يسبقهما ولا يخرج هذا الفارس ما لا أصلا، فأي المخرجين للمال
سبق أمسك ماله نفسه وأخذ ما أخرج صاحبه حلالا وان سبقهما الفارس الذي أدخلا
وهو يسمى المحلل أخذ المالين جميعا فان سبق فلا شئ عليه، وما عدا هذا فحرام، ولا يجوز
ان يشترط على السابق اطعام من حضر * روينا من طريق أبى داود نا مسدد نا الحصين بن نمير
نا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (من أدخل فرسا بين فرسين يعنى وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل
فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار) (5) *
قال أبو محمد: ما عدا هذا فهو أكل مال بالباطل بالله تعالى التوفيق *
(تم كتاب الجهاد بحمد الله وحسن عونه وحسبنا الله ونعم الوكيل)

(1) الزيادة من سنن أبي داود ج 2 ص 334
(2) يعنى سمنت وكثر لحمي
(3) سقط لفظ (عن أبي هريرة) من النسخة اليمنية خطا
(4) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 334
(5) هو في سنن أبي داود ج 2 ص 334، وقوله (لا يؤمن أن يسبق) وقوله (أمن أن
يسبق) على صيغة المجهول أي لا يعلم ولا يعرف منه يقينا
354

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأضاحي
973 - مسألة - الأضحية سنة حسنة وليست فرضا ومن تركها غير راغب عنها
فلا حرج عليه في ذلك، ومن ضحى عن امرأته. أو ولده. أو أمته فحسن ومن لا فلا حرج
في ذلك، ومن أراد ان يضحى ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة ان لا يأخذ من شعره
ولامن أظافره شيئا حتى يضحى، لا بحلق، ولا بقص ولا بنورة ولا بغير ذلك، ومن لم
يرد ان يضحى لم يلزمه ذلك *
روينا من طريق أبى داود نا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري نا أبى نا محمد بن عمرو
نا عمر بن مسلم (1) سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت أم سلمة أم المؤمنين تقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له ذبح يذبحه فأهل (2) هلال ذي الحجة فلا
يأخذن من شعره، ولامن أظفاره شيئا حتى يضحى) * ومن طريق أحمد بن شعيب انا سليمان بن سلم البلخي ثقة انا النضر بن شميل انا شعبة
عن مالك بن أنس عن ابن مسلم (3) عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (من رأى هلال ذي الحجة فأراد ان يضحى فلا يأخذن من شعره، ولامن أظفاره
حتى يضحى) فقوله عليه السلام (فأراد ان يضحى) برهان بان الأضحية مردودة إلى
إرادة المسلم وما كان هكذا فليس فرضا *، وقال أبو حنيفة: الأضحية فرض وعلى المرء
أن يضحى عن زوجته فجمع وجوها من الخطأ، أولها إيجابها عليه، ثم إيجابها عليه، ثم إيجابها على امرأته
وإذ هي فرض فهي كالزكاة وما يلزم أحد أن يزكى عن امرأته ولا ان يهدى عنها هدى متعة
ولاجزاء صيد، ولا فدية حلق الرأس من الأذى (4)، ثم خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم
من أراد أن يضحى ان لا يمس من شعره، ولامن ظفره شيئا كما ذكرنا، *

(1) كذا في نسخ المحلى كلها، وفى سنن أبي داود ج 2 ص 51 (عمرو) بالواو، وهو عمرو بن مسلم بن عمارة بن أكيمة الليثي، والذي
في تهذيب التهذيب ج 8 ص 104 انه عمرو وقيل: عمر، قال أبو داود بعدما أورد الحديث اختلفوا على مالك وعلى محمد بن عمرو
في عمرو بن مسلم فقال بعضهم عمر وقال أكثرهم عمروا قال أبو داود وهو عمرو بن مسلم بن أكيمة الليثي الجندعى اه‍
(2) في سنن أبي داود (فإذا أهل
(3) في سنن النسائي ج 7 ص 211 (عن أبي مسلم) وهو غلط وهو عمرو بن مسلم المتقدم في
سنن أبي داود، وقد صرح به في سنن النسائي في الباب نفسه
(4) في النسخة رقم 14 (لأذى)
355

(فان قيل): كيف لا تكون فرضا؟ وأنتم ترون فرضا على من أراد أن يضحى ان
لا يمس من شعره، ولامن ظفره إذا أهل هلال ذي الحجة حتى يضحى قلنا: نعم لأنه صلى الله عليه
وسلم أمر بذلك من أراد أن يضحى ولم يأمر بالأضحية فلم نتعدما حد، وكل سنة ليست فرضا فان
لها حدودا مفروضة لا تكون الا بها كمن أراد ان يتطوع بصلاة ففرض عليه ألا يصليها
الا بوضوء وإلى القبلة إلا أن يكون راكبا وأن يقرأ فيها ويركع. ويسجد. ويجلس
ولابد، وكمن أراد أن يصوم ففرض عليه ان يجتنب ما يجتنبه الصائم والا فليس صوما،
وهكذا كل (1) تطوع في الديانة، والأضحية كذلك إن أداها كما أمر وإلا فهي شاة
لحم وليست أضحية، (فان قيل): فقد جاء (ما حق امرئ له شئ يريد أن يوصى
فيه) إلى آخر الحديث ولم يكن هذا اللفظ منه عليه السلام دليلا عندكم على أن الوصية
ليست فرضا بل هي عندكم فرض قلنا: نعم لأنه قد جاء نص آخر بايجاب الوصية في
القرآن والسنة قال تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية
للوالدين والأقربين) الآية فأخذنا بهذا ولم يأت نص بايجاب الأضحية، ولو جاء لاخذنا به *
واحتجوا بأشياء منها خبر من طريق أحمد بن زهير بن حرب عن يحيى بن أيوب
عن معاذ بن معاذ عن ابن عون عن أبي رملة (2) عن مخنف بن سليم (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال بعرفة: اتن على كل أهل بيت في كل عام أضحى وعتيرة أتدرون ما العتيرة
هي التي يسميها الناس الرجبية) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم
عن حبيب بن مخنف عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعرفة: (على كل
أهل بيت ان يذبحوا في كل رجب شاة وفي كل رجب شاة) ومن طريق محمد بن جرير
الطبري نا ابن سنان القزاز نا أبو عاصم عن يحيى بن زرارة بن كريم بن الحارث حدثني أبي
عن جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحجة الوداع: (من شاء فرع.
ومن شاء لم يفرع. ومن شاء عتر. ومن شاء لم يعتر وفي الغنم أضحيتها) * ومن طريق
الطبري أيضا حدثني أبو عاصم مروان بن محمد الأنصاري نا يحيى بن سعيد القطان حدني
محمد بن أبي يحيى حدثني أمي عن أم بلال الأسلمية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضحوا
بالجذع من الضأن) * ومن طريق وكيع عن إسرائيل عن جابر الجعفي عن عكرمة عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت بالأضحى ولم تكتب) * ومن طريق ابن لهيعة
عن ابن أنعم عن عتبة بن حميد الضبي عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري
عن معاذ بن جبل قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن نضحى ويأمر أن نطعم منها

(1) في النسخة رقم 16 (في كل)
(2) في النسخة رقم 16 (عن أبيه أبى رملة) وهو غلط
356

الجار والسائل) * ومن طريق وكيع نا الربيع عن الحسن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمر بالأضحى) * ومن طريق ابن أخي ابن وهب عن عمه عن عبد الله بن عياش بن عباس
القتباني (1) عن عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وجد سعة فليضح) * ومن طريق محمد بن عبد الملك بن أيمن
نا أبو يحيى بن أبي مسرة نا عبد الله بن يزيد المقرى نا عبد الله بن عياش بن عباس القتباني
حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من
وجد سعة فلم يضح فلا يقرب مصلانا) وكل هذا ليس بشئ *
أما حديث مخنف فعن أبي رملة الغامدي. وحبيب بن مخنف وكلاهما مجهول لا يدرى،
وأما حديث الحارث فهو عن يحيى بن زرارة عن أبيه، وكلاهما مجهول لا يدرى، وأما حديث
أم بلال ففيه أم محمد بن أبي يحيى وهي مجهولة، وأما حديث ابن عياش ففيه جابر الجعفي
وهو كذاب، وأما حديث معاذ ففيه ابن لهيعة وابن أنعم وكلاهما في غاية السقوط،
وأما حديث الحسن فمرسل، وأما حديث أبي هريرة فكلا طريقيه من رواية عبد الله بن عياش
ابن عباس القتباني فليس معروفا بالثقة فسقط كل ما موهوا به في ذلك *
وذكروا قول الله تعالى: (فصل لربك وانحر) فقالوا: هو الأضحية *
قال أبو محمد: وهذا قول على الله تعلى بغير علم، وقال تعالى: (وأن تشركوا بالله
ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون)، وقد روينا عن علي. وابن عباس.
وغيرهما أنه وضع اليد عند النحر في الصلاة ولعله نحر البدن فيما وجبت فيه كما روينا
عن مجاهد. وإسماعيل بن أبي خالد وما نعلم أحدا قبلهم قال: إنها الأضاحي *
وذكروا أيضا قوله تعالى: (ولكل أمة جعلنا منسكا) وهذا لا دليل فيه على
الفرض وإنما فيه ان النسك لنا فهو فضل لافرض *
وذكروا الخبر الصحيح من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن ذبح قبل الصلاة فليعد
ذبحا ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله) *
قال على: أما أمره عليه السلام بإعادة الذبح من ذبح قبل الصلاة ففرض عليه لأنه
أمر منه عليه السلام ولا نكرة في وجود أمر في الدين ليس فرضا ويكون العوض (2)
منه فرضا فهم موافقون لنا فيمن تطوع بيوم ليس فرضا فأنفطر عمدا ان قضاءه عليه فرض،
ويقولون فيمن حج تطوعا فأفسده: ان قضاءه فرض وإنما يراعى أمر الله تعالى وأمر
رسوله صلى الله عليه وسلم فما وجد فيه فرض وما لم يوجد فيه فليس فرضا، وأما قوله عليه السلام:
(ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله) فالدليل على أنه ليس أمر فرض صحة الاجماع على أن من ضحى

(1) في النسخة رقم (14) (الفتيانى) بالفاء وهو غلط
(2) في النسخة رقم (16) (ويكون الغرض) وهو تصحيف
357

ببعير فنحره فليس عليه فرضا ان يذبح فصح أنه أمر ندب، بالله تعالى التوفيق *
وممن روينا عنه إيجاب الأضحية مجاهد. ومكحول، وعن الشعبي لم يكونوا يرخصون
في ترك الأضحية إلا لحاج، أو مسافر، وروى عن أبي هريرة ولا يصح * وروينا من طريق
عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن أبي سريحة
حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لقد رأيت أبا بكر، وعمر وما يضحيان كراهية أن يقتدى بهما *
ومن طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل - هو شقيق بن سلمة -
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري أنه قال: لقد هممت أن أدع الأضحية وانى لمن
أيسركم مخافة أن يحسب الناس أنها حتم واجب * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص
انا عمران بن مسلم - هو الجعفي - عن سويد بن غفلة قال: قال لي بلال: ما كنت أبالي
لو ضحيت بديك ولان آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكن مقتر فهو أحب إلى
من أن أضحى، ومن طريق جماد بن سلمة عن عقيل بن طلحة عن زياد بن عبد الرحمن
عن ابن عمر قال: الأضحية سنة * ومن طريق شعبة عن تميم بن حويص الأزدي قال:
ضلت أضحيت قبل ان أذبحها فسألت ابن عباس؟ فقال: لا يضرك هذا كله صحيح *
ومن طريق وكيع نا أبو معشر المديني عن عبد الله بن عمير مولى ابن عباس عن
ابن عباس أنه أعطى مولى له درهمين وقال: اشتر بهما لحما ومن لقيك فقل: هذه أضحية
ابن عباس *
قال أبو محمد: لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة، وصح أن الأضحية
ليست واجبة عن سعيد بن المسيب والشعبي وأنه قال: لان أتصدق بثلاثة دراهم أحب
إلى من أن أضحى * وعن سعيد بن جبير، وعن عطاء. وعن الحسن. وعن طاوس،
وعن أبي الشعثاء جابر بن زيد، وروى أيضا عن علقمة. ومحمد بن علي الحسين، وهو
قول سفيان. وعبيد الله بن الحسن. والشافعي. وأحمد بن حنبل. واسحق وأبي سليمان:
وهذا مما خالف فيه الحنيفيون جمهور العلماء *
974 - مسألة - ولا تجزى في الأضحية العرجاء البين عرجها بلغت المنسك، أو لم
تبلغ، مشت أو لم تمش، ولا المريضة البين مرضها - والجرب مرض - فإن كان كل ما ذكرنا
لا يبين أجزأ، ولا تجزى العجفاء التي لا تنفي (1)، ولا تجزى التي في أذنها شئ من النقص، أو القطع،
أو الثقب النافذ، ولا التي في عينها شئ من العيب، أو في عينيها كذلك، ولا البتراء في
ذنبها، ثم كل عيب سوى ما ذكرنا فإنها تجزى به الأضحية كالخصي وكسر القرن دمى، أو لم يدم،

(1) أي التي لا مخ لها لضعفها وهزالها، وسيفسرها المصنف بعد بأنها التي لا شئ من الشحم لها
358

والهتماء (1) والمقطوعة الالية، وغير ذلك لا تحاش شيئا غير ما ذكرنا *
روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي. ويحيى القطان وغيرهما من أصحاب شعبة
كلهم نا شعبة سمعت سليمان بن عبد الرحمن قال: سمعت عبيد بن فيروز أن البراء بن عازب
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع لا تجزى في الأضاحي العوراء البين عورها، والمريضة
البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقى) قال البراء: فما كرهت منه
فدعه ولا تحرمه على أحد: (2) *
قال على: التي لا تنقى هي التي لا شئ من الشحم لها فإن كان لها منه شئ وان قل
أجزأت عنه وإن كانت عجفاء *
روينا من طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن آدم عن عبد الرحيم (3) - هو ابن سليمان -
عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق السبيعي عن شريح بن النعمان عن علي بن أبي طالب
(رضي الله عنه) (4) قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لان نستشرف العين والاذن (5) وان
لا نضحى بمقابلة. ولا بمدابرة. ولا بتراء. ولا خرقاء) *
ومن طريق أبى داود نا عبد الله بن محمد النفيلي نا زهير - هو ابن معاوية - نا أبو إسحاق
- هو السبيعي - عن شريح بن النعمان - وكان رجل صدق - عن علي بن أبي طالب (قال: (6) أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نستشرف العين، والاذن، ولا نضحى بعوراء، ولا مقابلة:
ولا مدابرة. ولا خرقاء. ولا شرقاء) قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة؟ قال:
تقطع طرف الاذن، قلت: فما المدابرة؟ قال تقطع مؤخر الاذن، قلت فما الشرقاء؟:
قال: تشق الاذن، قلت: فما الخرقاء؟: قال: تخرق أذنها (7) السمة *
نا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو ذر الهروي نا علي بن عمر الدارقطني نا يحيى بن محمد
ابن صاعد نا محمد بن عبد الله المخرمي نا أبو كامل مظفر بن مدرك نا قيس بن الربيع
عن أبي إسحاق السبيعي عن شريح بن النعمان عن علي بن أبي طالب في الأضاحي قال قيس:
قلت لأبي إسحاق: سمعته من شريح قال: حدثني عنه سعيد بن أشوع قال الدارقطني:
نا علي بن إبراهيم عن ابن فارس عن محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح قال.
شريح بن النعمان الصايدي سمع علي بن أبي طالب أبو نعيم: ووكيع عن سفيان
الثوري عن سعيد بن أشوع عن شريح بن النعمان سمعت علي بن أبي طالب يقول: سليمة

(1) هي التي انكسرت ثناياها من أصلها وانقلعت
(2) الحديث رواه النسائي بأطول من هذا ج 7 ص 215
(3) في النسخ كلها (عبد الكريم) وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب ج 6 ص 306
(4) الزيادة من النسائي ج 7 ص 216
(5) أي تتأمل سلامتهما من آفة تكون بهما، وقيل هو من الشرفة وهي خيار المال أي أمرنا ان تتخيرها
(6) الزيادة من سنن أبي داود ج 3 ص 55
(7) أي العلامة
359

العين والاذن، وسعيد بن أشوع ثقة مشهور، فصح هذا الخبر، وبه يقول طائفة من السلف *
روينا من طريق علي بن أبي طالب أنه أفتى بهذا وقال في الأضحية: لا مقابلة. ولا مدابرة.
ولا شرقاء. سليمة العين والاذن * ومن طريق عمرو بن مرة (1) عن شقيق بن سلمة عن
عبد الله بن مسعود قال: سليم العين والاذن ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا ابن علية
عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في الأضحية أنه كره ناقص الخلق والسن *
ومن طريق شعبة عن حماد بن أبي سليمان (2) أنه كره أن يضحى بالأبتر *
وعن شعبة عن المغيرة عن إبراهيم أنه كره أن يضحى بالأبتر، وعن ابن سيرين أنه
كره أن يضحى بالأبتر، وأجاز قوم ان يضحى بالأبتر واحتجوا باثرين رديئين، أحدهما
من طريق جابر الجعفي عن محمد بن قرظة عن سعيد قال: اشتريت كبشا لاضحى به
فعدا الذئب على ذنبه فقطعه فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ضح به، والآخر من
طريق الحجاج بن أرطاة عن بعض شيوخه ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل أيضحى بالبتراء؟
قال: لا بأس بها، جابر كذاب، وحجاج ساقط * وعن بعض شيوخه ريح، وروى
عن ابن عمر. وسعيد بن المسيب وعطاء. وسعيد بن جبير، والحسن، والحكم إجازة البتراء
في الأضحية، وعن الحسن أنه حد القطع في الاذن بالنصف فأكثر، ولأبي حنيفة قولان،
أحدهما ان ذهب من العين أو الاذن، أو الذنب، أو الالية أقل من الثلث أجزأت في
الأضحية فان ذهب الثلث فصاعدا لم تجز، والآخر أنه حد ذلك بالنصف مكان الثلث
قال: فان خلقت بلا أذن أجزأت، وروى عنه لا تجزى، وقال مالك: إن كان القرن
ذاهبا لا يدمى أجزأت فإن كان يدمى لم تجز، وقال أبو حنيفة. ومالك في العرجاء إذا
بلغت المنسك: أجزأت *
قال على: هذه أقوال لا دليل على صحة شئ منها، ولا يعرف التحديد المذكور بالثلث،
أو النصف في كل ذلك عن أحد قبل أبي حنيفة، وروى عن علي من طريق لا تصح في
العرجاء إذا بلغت المنسك، وروى عن عمر المنع من العرجاء جملة، ويقال لمن صحح هذا:
ان المنسك قد يكون على ذراع وأقل ويكون على فرسخ فأي ذلك تراعون، وروى في
الأعضب (3) اثر أنه لا يجزى ولا يصح لأنه من طريق جرى بن كليب وليس مشهورا
عمن لم يسم عن علي، وجاء خبر في أنه لا تجزى المستأصلة قرنها ولا يصح لأنه من طريق
أبى حميد الرعيني عن أبي مضر وهما مجهولان، وحديث آخر في أنه تجزى الجدعاء ولا يصح
لأنه من طريق جابر الجعفي *

(1) في النسخة رقم (16) (عمر بن مرة) وهو غلط
(2) في النسخة رقم (16) (حماد بن سليمان وهو غلط *
(3) هو مشقوق الاذن وفى نسخة (الاغضب) بالغين المعجمة وهو غلط
360

975 - مسألة - ولا تجزى في الأضاحي جذعة ولا جذع أصلا من الضأن ولا من غير
الضأن ويجزى ما فوق الجذع. وما دون الجذع والجذع من الضمان، والماعز والظباء والبقر. هو ما
أتم عاما كاملا ودخل في الثاني من أعوامه فلا يزال جذعا حتى يتم عامين ويدخل في الثالث فيكون
ثنيا حينئذ هكذا قال في الضأن والماعز الكسائي. والأصمعي. وأبو عبيد وهؤلاء عدول أهل العلم
في اللغة: وقاله ابن قتيبة وهو ثقة في دينه وعلمه، وقاله العد بس الكلابي، وأبو فقعس الأسدي وهما
ثقتان في اللغة، وقال ذلك في البقر والظباء أبو فقعس ولا نعلم له مخالفا من أهل العلم
باللغة، والجذع من الإبل ما أكمل أربع سنين ودخل في الخامسة فهو جذع إلى أن يدخل
السادسة فيكون ثنيا هذا مالا خلاف فيه (1) *
روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أبي إسحق السبيعي عن هبيرة بن يريم (2)
عن علي بن أبي طالب قال: إذا اشتريت أضحية فاستسمن فان أكلت أكلت طيبا وإن
أطعمت أطعمت طيبا واشتر ثنيا فصاعدا *
ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أبي إسحاق السبيعي نا هبيرة بن يريم قال: قال
علي بن أبي طالب: ضحوا بثنى فصاعدا وسليم العين والاذن *
ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول:
ضحوا بثنى فصاعدا ولا تضحوا بأعور *
ومن طريق عبد الرزاق نا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا تجزى إلا الثنية فصاعدا *
ومن طريق سعيد بن منصور انا هشيم انا حصين - هو ابن عبد الرحمن - قال: رأيت
هلال بن يساف يضحى بجذع من الضأن فقلت: أتفعل هذا؟ فقال: رأيت أبا هريرة

(1) في هامش السنة رقم 14 حاشية نقلها ناسخها والمصحح لها من كتاب الايصال مختصرة للإمام ابن حزم واتماما للفائدة
انقلها بتمامها، وكذلك يتبين لك قيمة هذا الكتاب واسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقني إلى تحصيله ونشره بين طبقات محيى العلم وها كها *
اما ولد البقرة فهو في أول سنة تبيع فإذا أتمها فهو جذع في الثانية، وفى الثالثة ثنى فإذا دخل في الرابعة فهو رباع، وفى الخامسة
سديس. وفى السادسة سالغ - أو سالغ - يقال صالغ سنة وصالغ سنة وصالغ سنتين وصالغ ثلاث. وكذلك ما زاد، واما
ولد الغنم فحين تلده أمه سخلة ذكرا كان أو أنثى والجمع سخال ثم هو بهمة، والجمع بهم فإذا بلغت أربعة أشهر وفطمت عن أمها فالأنثى
من الماعز جفرة والذكر جفر فإذا رعى فهو عريض والجمع عرضات وعتود والجمع عتدان والذكر منه في كل ذلك جدي والأنثى
عناق فإذا أتم حولا فهو تيس والأنثى عنز فإذا دخل في السنة الثانية فهو جذع والأنثى جذعة وفى الثالثة الذكر ثنى والأنثى ثنية وفى
الرابعة الذكر رباع والأنثى رباعة وفى الخامسة الذكر والأنثى سديس وفى السادسة سالغ الذكر والأنثى سواء وليس اسم بعد
هذا، واما الإبل فهو في ابتدائه في السنة الثانية ابن مخاض وبنت مخاض وفى الثالثة ابن لبون وبنت لبون، وفى الرابعة حق وحقة وفى
الخامسة جذع وجذعة وفى السادسة ثنى وثنية اه‍ والله أعلم
(2) هو على وزن عظيم
361

يضحى بجذع من الضأن، فهذا حصين قد أنكر الجذع من الضأن في الأضحية *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال:
يجزى ما دون الجذع ما الإبل عن واحد في الأضحية *
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي معاذ عن
الحسن قال. يجزى الحوار عن واحد يعنى الأضحية. والحوار هو ولد الناقة ساعة تلده *
وبرهان صحة قولنا هذا ما رويناه من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن داود
ابن أبي هند عن الشعبي عن البراء بن عازب فذكر الحديث وفيه (ان خاله أبا بردة.
قال: يا رسول الله ان عندي عناق لبن وهي خير من شاتي لحم قال (1): هي خير نسيكتيك (2)
ولا تجزى جذعة عن أحد بعدك) * ومن طريق شعبة عن زبيد بن الحارث اليامي عن
الشعبي عن البراء أن أبا بردة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (عندي جذعة خير من مسنتين (3)
قال: اذبحها ولن تجزى عن أحد بعدك) * وهكذا رويناه من طريق عاصم الأحول
عن الشعبي ان البراء حدثه بذلك * ومن طريق أبى عوانة عن فراس عن الشعبي عن البراء أيضا *
ومن طريق شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي جحيفة عن البراء بن عازب، فقطع عليه
السلام ان لا تجزى جذعه عن أحد بعد أبي بردة فلا يحل لاحد تخصيص نوع دون
نوع بذلك، ولو أن ما دون الجذعة لا يجزى لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم المأمور بالبيان من ربه
تعالى: (وما كان ربك نسيا)، وبالله تعالى التوفيق *
فان اعترض بعض المتعسفين فقال: إن حدث أبى بردة هذا قد رواه منصور بن المعتمر
عن الشعبي عن البراء فقال فيه: (ان عندي عناقا جذعة فهل تجزى عنى؟ قال: نعم ولن
تجزى عن أحد بعدك) قلنا. نعم والعناق اسم يقع على الضانية كما يقع على الماعزة ولا فرق،
وقال العد بس الكلابي. وأبو فقعس الأسدي وكلاهما مما نقل الأئمة عنهما اللغة: الجفر.
والعناق. والجدي من أولاد الماعز إذا بلغ أربعة أشهر وكذلك من أولاد الضأن *
(فان قالوا): فان مطرف بن طريف رواه عن الشعبي عن البراء فذكر فيه (ان
أبا بردة قال: يا رسول الله ان عندي داجنا جذعة من المعز قال: اذبحها ولا تصلح لغيرك)،
قلنا: نعم ولا خلاف في أن هذا كله خبر واحد عن قصة واحدة في موطن واحد فرواية
من روى عن البراء قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تجزى جذعة عن أحد بعدك) هي الزائدة
ما لم يروه من لم يرو هذه اللفظة، وزيادة العدل خبر قائم بنفسه وحكم وارد لا يسع أحدا

(1) في صحيح مسلم ج 2 ص 117 (فقال)
(2) في النسخة رقم (16) ورقم (14) (خير نسيكتك) بصيغة الافراد وما هنا موافق
لصحيح مسلم
(3) في صحيح مسلم ج 2 ص 117 (من مسنة) بالافراد
362

تركه، وإنما يحتج برواية مطرف هذا من لم يمنع من الجذع إلا من الماعز فقط، وأما
من منع من الجذاع كلها مما عدا الضأن فلا حجة له في شئ من هذا الخبر بل هو حجة عليه،
وبالله تعالى التوفيق كما أن هذا الخبر نفسه قد رواه زكريا عن فراس عن الشعبي عن البراء أن أبا بردة
قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان عندي شاة خير ما شاتين قال: ضح بها فإنها خير نسيكة) ولم يذكر
أنها لا تجزى عن أحد بعدك، وكذلك روايتنا من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن
محمد بن سيرين عن أنس بن مالك فذكر هذا الخبر نفسه وان ذلك القائل قال: (يا رسول الله
عندي جذعة هي أحب إلى من شاتي لحم أفأذبحها؟) فرخص له قال أنس: فلا أذرى
أبلغت رخصة من سواه أم لا؟ فلم يجعل المخالفون سكوت زكريا عما زاده غيره من بيان
أنه خصوص ولا سكوت أنس عن ذلك أيضا، ومغيب ذلك عنه حجة في رد الزيادة التي
ذكرها (1) غيرهما فما الذي جعل هذه الزيادة واجبا اخذها وزيادة من زاد لفظة
الجذعة لا يجب أخذها؟ ان هذا لتحكم في الدين بالباطل، ونعوذ بالله من هذا *
قال أبو محمد: وقد جاء خبر يمكن ان يشغب به وهو ما رويناه من طريق مسلم نا نصر
ابن علي الجهضمي نا يزيد بن زريع نا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن
ابن أبي بكرة عن أبيه قال: (لما كان ذلك اليوم قعد النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره وقال:
أتدرون أي يوم هذا؟) (2) وذكر الحديث وفيه (أنه عليه السلام قال: أليس بيوم
النحر؟ قالوا: بلى) (3)، ثم ذكر الحديث وفيه (ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما
والى جذيعة (4) من الغنم فقسمها بيننا) *
قال على: ليس فيه أنه أعطاهم إياها ليضحوا بها ولا أنهم ضحوا بها وإنما فيه أنه عليه
السلام قسمها بينهم والكذب لا يحل، وأيضا فاسم الغنم يقع على الماعز كما يقع على الضأن
فإن كان حجة لهم في إباحة التضحية بالجذاع من الضأن فهو حجة في إباحة التضحية بالجذاع
من المعز، وان لم يكن حجة في إباحة التضحية بالجذاع من الماعز فليس حجة في إباحة
التضحية بجذاع الضأن، والنهى قد صح عاما في أن لا تجزئ جذعة بعد أبي بردة *
وخبر آخر نذكره أيضا (5) وهو ما رويناه من طريق مسلم نا أحمد بن يونس نا زهير
ابن معاوية نا أبو الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا الا مسنة إلا أن
تعسر (6) عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) *
قال أبو محمد: هذا حجة على الحاضرين من المخالفين لأنهم يجيزون الجذع من الضأن

(1) في النسخة رقم (14) (التي رواها)
(2) في صحيح مسلم (قلنا: بلى) *
(3) هو في صحيح مسلم مطولا ج 2 ص 29
(4) هي قطعة من الغنم
(5) لفظ (أيضا) سقط من النسخة رقم (16)
(6) في صحيح مسلم ج 2 ص 118 يعسر)
363

مع وجود المسنات فقد خالفوه وهم يصححونه وأما نحن فلا نصححه لان أبا الزبير مدلس
ما لم يقل في الخبر أنه سمعه من جابر هو أقر بذلك على نفسه روينا ذلك عنه من طريق
الليث بن سعد، ثم لو صح لكان خبر البراء ناسخا له لان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجزى
جذعة عن أحد بعدك) خبر قاطع ثابت ما دامت الدنيا ناسخ لكل ما تقدم لا يجوز نسخه
لأنه كأن يكون كذبا ولا ينسب الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا كافر *
واحتج من أجاز الجذاع من الضأن بخبر رويناه من طريق ابن وهب عن عمرو
ابن الحارث عن بكير بن الأشج عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عقبة بن عامر
قال: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذاع من الضأن * ومن طريق وكيع عن أسامة
ابن زيد عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن سعيد بن المسيب عن عقبة بن عامر (سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذع من الضان؟ فقال: ضح به) * وبخبر رويناه من طريق
يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن أبي يحيى عن أمه عن أم بلال الأسلمية شهد أبوها
الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضحوا بالجذع من الضأن فإنه جائز) *
ومن طريق الحجاج بن أرطأة عن ابن النعيمان (1) عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين جذعين) * ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن أبي
جعفر (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين جذعين) * ومن طريق وكيع عن عثمان
ابن واقد عن كدام بن عبد الرحمن عن أبي كباش ان أبا هريرة قال له: (سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن) * ومن طريق هشام بن سعد (2)
عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ان جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا محمدان
الجذع من الضأن خير من السيد من المعز)، وذكر باقي الخبر * ومن طريق سعيد بن منصور
عن عيسى بن يونس عن إسماعيل بن رافع عن شيخ من أهل حمص (ان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قال:
(قال لي جبريل: يا محمد ان الجذع من الضأن خير من المسن من المعز) وذكر باقي الخبر *
ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن مسهر عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبادة
ابن أبي الدرداء عن أبيه (ان النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين جذعين) * ومن طريق سليمان بن موسى
عن مكحول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضحوا بالجذعة من الضأن والثنية من المعز) *
قال أبو محمد: لا يحتج بهذه الآثار الا قليل العلم بوهيها فيعذر، أو قليل الدين يحتج بالأباطيل
التي لا يحل أخذ الدين بها * أما حديث عقبة بن عامر الذي صدرنا به فمن طريق معاذ بن عبد الله
ابن خبيب وهو مجهول، ورواية ابن وهب له غير مسندة لأنه ليس فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم عرف ذلك،

(1) في النسخة رقم (16) (عن النعمان) ولم أجد،
(2) في النسخة رقم (16) (هشام بن سعيد) وهو غلط
364

وهم لا يجعلون قول أسماء بنت الصدق نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه مسندا،
ولا قول جابر: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندا، ولا قول ابن عباس:
ان طلاق الثلاث كان يرد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الواحدة مسندا، وكلها في غاية الصحة،
ويقولون: ليس فيها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف ذلك، ثم يجعلون هذا الخبر الساقط الواهي
مسندا، وهذا قلة حياء واستخفاف بالكلام في الدين، وهو من طريق وكيع من رواية أسامة
ابن زيد وهو ضعيف جدا عن مجهول * وأما حديث أم بلال فهو عن أم محمد بن أبي يحيى ولا يدرى
من هي عن أم بلال وهي مجهولة ولا ندري لها صحبة أم لا؟ * وحديث أبي الدرداء وأبى جعفر
كلاهما من طريق الحجاج بن أرطأة وهو هالك، وطريق أبي هريرة الأولى أسقطها كلها وفضيحة
الدهر لأنه عن عثمان بن واقد وهو مجهول عن كدام بن عبد الرحمن ولا ندري من هو؟ عن أبي
كباش الذي جلب الكباش الجذعة إلى المدينة فبارت عليه هكذا نص حديثه، وهنا جاء
ما جاء أبو كباش وما أدراك ما أبو كباش ما شاء الله كان، وكذلك خبر الشيخ من أهل حمص
وكفاك به * ومن طريق أبي هريرة الأخرى من طريق هشام بن سعد وهو ضعيف *
وحديث مكحول مرسل * وحديث أبي الدرداء من طريق ابن أبي ليلى وهو سئ
الحفظ، ثم لو صحت كلها بالأسانيد التي لا مغمز فيها لما كان لهم في شئ منها حجة لان
الأضحية كانت مباحة في كل ما كان من الانعام بلا شك، وقد كان نزل حكمها بلا شك
من أحد قبل قصة أبى بردة، وضحى أبو بردة وقوم معه بيقين قبل أن يقول النبي
صلى الله عليه وسلم لا تجزى جذعة عن أحد بعدك فلو صحت هذه الأخبار كلها لكان قوله عليه السلام
لا تجزى جذعة عن أحد بعدك ناسخا لها بلا شك، ومن ادعى عودة حكم المنسوج فقد كذب إلا أن
يأتي على ذلك ببرهان فكيف وكلها باطل لا خير في شئ منها؟ *
وذكروا عن بعض السلف إجازة الأضحية بالجذع من الضأن فذكروا عن جعفر بن محمد
عن أبيه ان علي بن أبي طالب قال: يجزى من الضأن الجذع، وعن حبة العرني عن علي مثله مع
رواية جعفر بن محمد عن أبيه ان عليا قال: يجزى من البدن والبقر ومن المعز الثنى فصاعدا *
وعن ابن عمر لان أضحى بجذعة سمينة أحب إلى من أن أضحى بجداء (1) * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا خالد بن عبد الله - هو الطحان - عن عبد العزيز بن حكيم سمعت ابن عمر يقول: لان
أضحى بجذعة سمينة عظيمة تجزى في الصدقة أحب إلى من أن أضحى بجذع المعز مع قوله:
لا تجزى الا الثنية من الإبل. والبقر * وعن أم سلمة لان أضحى بجذع من الضأن أحب إلى من أن

(1) قال الجوهري في الصحاح: الجداء التي ذهب لبنها من عيب اه‍ (وقال ناسخ نسخة رقم (14) بهامشها الجداء اليابسة
الضرع: من الايصال
365

أضحى بمسن من المعز * وعن أبي هريرة لا بأس بالجذع من الضأن في الأضحية * وعن عمران
ابن الحصين انى لا ضحى بالجذع من الضأن وانها لتروج على ألف شاة * وعن ابن عباس لا بأس
بالجذع من الضأن، فهم ستة من الصحابة * وروينا إجازة الجذع من الضأن في الأضحية عن هلال
ابن يساف وعن كعب. وعطاء وطاوس وإبراهيم. وأبى رزين. وسويد بن غفلة فهم سبعة من
التابعين، وقال إبراهيم: لا يجزى من الماعز الا الثنى فصاعدا، وهو قول أبي حنيفة.
ومالك. والشافعي *
قال أبو محمد: كل هذا لا حجة لهم فيه، أما الرواية عن علي فمنقطعة، والأخرى واهية، ثم ليس
فيها المنع من التضحية بالجذع من الماعز ولامن الإبل. والبقر، ثم لو صحت لكنا قد روينا عنه
خلافها كما قدمنا قبل، وإذا وجد خلاف من الصحابة فالواجب الرد إلى القرآن والسنة *
وأما ابن عمر فلا حجة لهم فيه بل هو عليهم لأنه ليس في هذه الرواية عنه إلا اختيار الضأن على
الماعز فقط والمنع مما دون الثنى من الإبل والبقر فقط لا من الماعز، وقد روينا عنه قبل خلاف هذا
كما أوردنا فهو اختلاف من قوله وإذا جاء الاختلاف عن الصحابة رضي الله عنهم فقد وجب الرد
إلى القرآن والسنة كما أمر الله عز وجل، وأما الرواية عن أم سلمة أم المؤمنين فإنما فيها اختيار الجذع
من الضأن وليس فيها المنع من الجذع من غير الضأن وكذلك عن سائر من ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم
فكيف ولا حجة في قول أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكم قصة خالفوا فيها جمهور العلماء؟
كما ذكرنا في غير ما مسألة، ومن العجب ان الرواية صحت عن ابن عباس. وجابر. وابن مسعود.
وزيد بن ثابت بان العمرة فرض كالحج! ولم يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف لهم
فجعلوا قول ابن عمر (بنى الاسلام على خمس) فذكر فيهن الحج ولم يذكر العمرة خلافا في ذلك،
ثم لا يجعلون تصريحه بان ما دون الجذع لا يجزى خلافا في ذلك، وقد أشار قوم من الصحابة
والتابعين رضي الله عنهم ان يضحى بالجذع من الماعز وبالجذع من الإبل والبقر كما نورد إن شاء
الله تعالى، وجاءت بذلك آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم نوردها إن شاء الله تعالى لنرى من نصح نفسه أنه
لا حجة للحنيفيين. والمالكيين. والشافعيين أصلا في إجازتهم الجذع من الضأن ومنعهم من
الجذع من الإبل. والبقر. والماعز *
روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن عمارة - هو ابن
عبد الله بن طعمة - عن سعيد بن المسيب عن زيد بن خالد الجهني قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في
أصحابه ضحايا فأعطاني عتودا من المعز. فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إنه جذع فقال: ضح به) *
ومن طريق البخاري ومسلم جميعا قال البخاري نا عمرو بن خالد، وقال مسلم: نا محمد بن رمح،
ثم اتفق عمرو. وابن رمح على أن الليث بن سعد أخبرهما عن يزيد - هو ابن أبي حبيب - عن أبي
366

الخير عن عقبة بن عامر قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها بين أصحابه فبقي عتود (1) فذكره
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: له ضح أنت به) هذا لفظ عمرو ولفظ ابن رمح (ضح به أنت) *
قال أبو محمد: العتود هو الجذع من المعزبلا خلاف وهذان خبران في غاية الصحة، وقد أجاز
التضحية بالجذع من المعز فيهما اثنان من الصحابة عقبة بن عامر. وزيد بن خالد، وقد ذكرنا قبل
عن أم سلمة أم المؤمنين. وابن عمر جواز الجذع من المعز في الأضحية وإن كان غيره خيرا منه، *
(فان قالوا): هذا منسوخ بخبر البراء قلنا: خبر البراء لا دليل فيه على تخصيص الجذع
من المعز دون الجذع من الضأن. والإبل. والبقر بالمنع الا بدعوى كاذبة (2) *
وأما الآثار التي فيها إباحة التضحية بالجذع جملة من كل شئ فروينا عن عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا مع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسلم يقال له:
مجاشع من بنى سليم فأمر مناديا ينادى (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يقول: الجذع
توفى مما توفى منه الثنية) *
ومن طريق أبى الجهم نا يوسف - هو ابن يعقوب القاضي - نا أبو الربيع - هو الزهراني -
نا حبان بن علي عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا يؤمر علينا في المغازي أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأمر علينا رجل من الأنصار فقال: إن شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اليوم
يعنى يوم النحر فطلبنا المسن فغلت علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الجذع يفي مما يفي
منه المسن) *
قال أبو محمد: الحديث الأول في غاية الصحة. ومجاشع السلمي - هو مجاشع بن مسعود - مشهور من فضلاء الصحابة ممن أسلم، وانفق، وقاتل قبل فتح مكة، وهو فتح كرمان، ورواته كلهم
ثقات مشاهير، والآخر جيد صحيح (3) لان أمير العسكر لا تخفى صحة صحبته من بطلانها *
وقد روينا من طريق معمر عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين قال: لان
أضحى بجذع أحب إلي من أن أضحى بهرم الله أحق بالغنى، والكرام وأحبهن إلي أن أضحى
به أحبهن إلي بأن أقتنيه *
وقد ذكرنا قبل عن ابن عمر لان أضحى بجذعة عظيمة تجوز في الصدقة أحب إلى من أن أضحى
بجداء فهذا عموم في الجذع *
ومن طريق وكيع. ويحيى بن سعيد القطان قالا جميعا: نا علي بن المبارك عن أبي السوية

(1) في صحيح مسلم ج 2 ص 118 (يقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عتودا) وفى صحيح البخاري ج 7 ص 183 يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود،
(2) في النسخة رقم (16) (الا بالدعوى الكاذبة)
(3) قال في هامش نسخة رقم (14): كيف يكون صحيحا وهو من رواية حبان من على المعرس أقول أنظره في ميزان الاعتدال ج 1 ص 208 وتهذيب التهذيب ج 2 ص 173 الا انه لم
زكر فيهما بهذا الوصف بالغزى
367

التميمي قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال على بدنة أتجزي عنى جذعة قال: نعم، وفي رواية وكيع
جذعة من الإبل قال: نعم * ومن طريق وكيع نا عمر بن ذر الهمداني قلت لطاوس: يا أبا
عبد الرحمن أنا ندخل السوق فنجد الجذع من البقر السمين العظيم فنختار الثنى لسنه فقال طاوس:
أحبهما إلى أسنهما وأعظمهما (1) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن
أبيه قال: يجزى الثنى من المعز والجذع من الضأن، والجذع من الإبل، والبقر يعنى في الأضاحي *
ومن طريق وكيع نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: يجزى الجذع عن سبعة *
ومن طريق عبد الرزاق ابن جريج عن عطاء قال: يجزى من الإبل الجذع فصاعدا *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن يونس بن عبيد (2) عن الحسن البصري أنه قال كان
يقول: يضحى بالجذع من الإبل، والبقر عن ثلاثة وما دون الجذع من الإبل عن واحد، فهذه
أسانيد في غاية الصحة * وعن طاوس. وعطاء. والحسن في جواز الجذع من الإبل، والبقر في
الأضاحي * وعن ابن عباس جواز الجذع من الإبل في البدن، (فان قيل): قد روى عن
عطاء كراهة ذلك قلنا: رواه الحجاج بن أرطاة وهو ساقط، ولا يعارض به
ابن جريج الا جاهل *
قال أبو محمد: والناسخ لهذا كله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزى جذعة عن أحد بعدك)،
ومن الباطل البحت ان يجعل هذا القول ناسخا لإباحة بعض الجذاع دون بعض، والعجب أنهم لم
يجدوا في النهى عن الجذاع من الإبل والبقر خبرا أصلا الا هذا اللفظ فمن أين خصوا به جذاع
الإبل والبقر دون جذاع الضأن (فان قالوا): قسنا جذاع الإبل والبقر على جذاع الماعز قلنا: وهلا
قستموها على جذاع الضأن الجائزة عندكم وما الذي جعل قياس الإبل والبقر على الماعز أولى من
قياسها على الضأن؟ لا سيما والجذع عندكم من الإبل والبقر يجزيان في الزكاة فهلا قستم جوازها في
الأضحية على جوازها في الزكاة فلاح أنهم لا النص اتبعوا، ولا القياس عرفوا وبالله تعالى التوفيق *
ويقولون أيضا: ان ولدت الأضحية الشاة، أو الماعز، أو البقرة أو الناقة ضحى بولدها معها
فتناقضوا وأجازوا في الأضحية الصغير جدا، (فان قالوا): إنما هو تبع قلنا: هذا كلام فاسد
لا معنى له، وعرفونا ما معنى تبع أهو بعضها فهذا كذب بالعيان بل هو غيرها وهو ذكر وهي أنثى
وإن كان غيرها فهو قولنا ولا فضل في ذلك *
976 - مسألة - قال على: ذكرنا في أول كلامنا ههنا في الأضاحي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن يضحى أن لا يمس من شعره ولا من أظافره شيئا، ولم نذكر
اعتراض المخالفين في ذلك بالنسيان فاستدركنا ههنا ما روى عن أم سلمة أم المؤمنين

(1) في النسخة رقم (16) (أحبها إلي أسمنها وأعظمها) وفى نسخة رقم (14) (أحبهما إلى أسمنها وأعظمها) وما هنا أتم واو لي
(2) في النسخة رقم (14) وكذلك في النسخة اليمنية يونس بن عيينة) وهو تصحيف
368

أنها أفتت بذلك * ونا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا
يزيد بن زريع نا سعيد بن أبي عروبة نا ابن أبي كثير - هو يحيى - أن يحيى بن يعمر كان يفتى بخراسان
ان الرجل إذا اشترى أضحية، ودخل العشر ان يكف عن شعره، وأظفاره حتى
يضحى، قال سعيد: قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: نعم فقلت: عمن
يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال مسدد: ونا المعتمر بن سليمان التيمي سمعت أبي يقول: كان ابن سيرين يكره
إذا دخل العشر أن يأخذ الرجل من شعره حتى يكره ان يحلق الصبيان في العشر، وهو
قول الشافعي. وأبي ثور. وأحمد. وإسحاق. وأبي سليمان، وهو قول الأوزاعي:،
وخالف ذلك أبو حنيفة. ومالك وما نعلم لهما (1) حجة أصلا الا ان بعضهم ذكر
ما روينا من طريق مالك عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن سعيد بن المسيب انه كان
لا يرى بأسا بالاطلاء في العشر قالوا: وهو راوي هذا الخبر *
وما روينا من طريق عكرمة انه ذكر له هذا الخبر فقال. فهلا اجتنب النساء، والطيب
وما نعلم لهم غير هذا أصلا، وهذا كله لا شئ، أما الرواية عن سعيد انه كان لا يرى
بأسا بالاطلاء في العشر فالاحتجاج به باطل لوجوه، أو لها انه لا حجة في قول سعيد وإنما
الحجة التي ألزمناها الله تعالى فهي روايته ورواية غيره من الثقات، وثانيها انه قد صح
عن سعيد خلاف ذلك مما ذكرنا قبل وهو أولى بسعيد، وثالثها انه قد يتأول سعيد في
الاطلاء انه بخلاف حكم سائر الشعر وان النهى إنما هو شعر الرأس فقط، ورابعها ان
يقال لهم: كما قلتم لما روى عن سعيد خلاف هذا الحديث الذي روى دل على ضعف
ذلك الحديث لأنه لا يدع ما روى الا لما هو أقوى عنده منه، فالأولى بكم أن تقولوا
لما روى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم خلاف ما روى عن سعيد
: دل ذلك على ضعف تلك الرواية عن سعيد إذ لا يجوز ان يفتى بخلاف ما روى، فهذا
اعتراض أولى من اعتراضكم، وخامسها انه قد يكون المراد بقول سعيد في الاطلاء في
العشر إنما أراد عشر المحرم لا عشر ذي الحجة وإلا فمن أين لكم انه أراد عشر ذي الحجة؟
واسم العشر يطلق على عشر المحرم كما يطلق على عشر ذي الحجة *
وسادسها ان نقول: لعل سعيدا رأى ذلك لمن لا يريد أن يضحى فهذا صحيح، وأما
قول عكرمة ففاسد لان الدين لا يؤخذ بقول عكرمة ورأيه إنما هذا منه قياس والقياس

(1) في النسخة رقم (16) (وما علمنا لهم) وفى النسخة اليمنية (وما نعلم لهم) والذي خالف في ذلك أبو حنيفة ومالك فارجاع
الضمير إليهما بصيغة التثنية أولى ولذلك رجحنا ما هنا
369

كله باطل، ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل لأنه ليس إذا وجب ان لا يمس
الشعر والظفر بالنص الوارد في ذلك يجب ان يجتنب النساء، والطيب كما أنه إذا وجب
اجتناب الجماع والطيب لم يجب بذلك اجتناب مس الشعر والظفر، فهذا الصائم فرض
عليه اجتناب النساء ولا يلزمه اجتناب الطيب ولا مس الشعر والظفر وكذلك المعتكف،
وهذه المعتدة يحرم عليها الجماع والطيب ولا يلزمها اجتناب قص الشعر والأظفار، فظهر
حماقة قياسهم وقولهم في الدين بالباطل، وهذه فتيا صحت عن الصحابة رضي الله عنهم
ولا يعرف فيها مخالف منهم لهم فخالفوا ذلك برأيهم، ورواه مالك مرسلا فخالفوا
المرسل والمسند، وبالله تعالى التوفيق *
977 - مسألة - والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع أو طائر كالفرس والإبل. وبقر الوحش. والديك. وسائر الطير والحيوان الحلال أكله.
والأفضل في كل ذلك ما طاب لحمه وكثر وغلا ثمنه، وقد ذكرنا في أول كلا منا في الأضاحي
قول بلال: ما أبالي لو ضحيت بديك، وعن ابن عباس في ابتياعه لحكا بدرهمين وقال: هذه
أضحية ابن عباس، وروينا أيضا من طريق وكيع عن كثير بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس،
وكثير بن زيد هذا هو الذي عولوا عليه في احتجاجهم بالأثر الذي لا يصح (المسلمون عند
شروطهم) وثقوه هنالك ولم يروه غيره، والحسن بن حي يجيز الأضحية ببقرة وحشية عن
سبعة، وبالظبي أو الغزال عن واحد، وأجاز أبو حنيفة وأصحابه التضحية بما حملت به البقرة
الانسية من الثور الوحشي، وبما حملت به العنز من الوعل، وقال مالك: لا تجزى الا من الإبل
والبقر. والغنم. ورأي مالك النعجة. والعنز. والتيس أفضل من الإبل. والبقر في الأضحية
وخالفه في ذلك أبو حنيفة والشافعي فرأيا الإبل أفضل، ثم البقر، ثم الضأن، ثم الماعز وما نعلم لهذا
القول حجة فنوردها أصلا إلا أن يدعوا إجماعا في جوازها من هذه الانعام والخلاف في غيرها
فهذا ليس بشئ ويعارضون بما صح في ذلك عن بلال ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة
رضي الله عنهم، وهذا عندهم حجة إذا وافقهم، وأما مراعاة الاجماع فيؤخذ به ويترك ما اختلف
فيه فهذا يهدم عليهم جميع مذاهبهم الا يسيرا جدا منها ويلزمهم ان لا يوجبوا في الصلاة. أو
الصوم. والحج. والزكاة. والبيوع إلا ما أجمع عليه وفى هذا هدم مذهبهم كله *
قال أبو محمد: وأما (1) المردود إليه عند التنازع فهو ما افترض الله تعالى الرد إليه فوجدنا
النصوص تشهد لقولنا، وذلك أن الأضحية قربة إلى الله تعالى فالتقرب إلى الله تعالى - بكل ما لم
يمنع منه قرآن ولا نص سنة - حسن، وقال تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) والتقرب إليه
عز وجل بما لم يمنع من التقرب إليه به فعل خير *

(1) في النسخة رقم (16) ورقم (14) (وإنما) ولا يناسب قوله بعد (فهو ما افترض)
370

نا يونس بن عبد الله بن مغيث نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن
عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار (1) نا صفوان بن عيس نا ابن عجلان عن أبيه عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدى بدنة، ثم كمن يهدى
بقرة ثم كمن يهدى شاة، ثم مثل من يهدى دجاجة، ثم كمثل من يهدى عصفورا، ثم كمثل من
يهدى بيضة) *
وروينا من طريق مالك عن سمى مولى أبى بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة (ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة
الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة
الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) *
ففي هذين الخبرين جواز هدى دجاجة وعصفور وتقريبهما وتقريب بيضة، والأضحية
تقريب بلا شك وفيهما أيضا فضل الأكبر فالأكبر جسما فيه ومنفعة للمساكين ولا معترض
على هذين النصين أصلا *
قال أبو محمد: ومن البرهان على أن الإبل والبقر أفضل من الغنم الخبر الثابت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق البخاري، والخبر الذي أوردنا في المسألة التالية
لهذه ففيها أمره عليه السلام في الأضاحي بالنحر، ولا يخلو هذا من أن يكون عليه السلام أمر
بالنحر في الإبل والبقر، أو في الغنم فإن كان أمر بذلك في الغنم فهذا مبطل لقول مالك: ان
النحر في الغنم لا يحل ولا يكون ذكاة فيها وإن كان أمر بذلك عليه السلام في الإبل والبقر
والغنم لحسن المحال الباطل الممتنع بيقين لا شك فيه أن يكون عليه السلام يحض أمته وأصحابه
على التضحية بالإبل والبقر مع عظيم الكلفة فيها وغلو أثمانها ويتركون الأرخص والأقل
ثمنا وهو أفضل، وهذه إضاعة المال التي حرمها الله تعالى وإنما التضحية بالغنم ضأنها وما عزها
رفق بالناس لقلة أثمانها وتفاهة أمرها وتخفيف لهم بذلك عن الأفضل الذي هو أشتى في النفقة
لله عز وجل، هذا مما لاشك فيه *
واحتج من رأى أن الضان أفضل بخبر رويناه من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار عن أبي هريرة (ان جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى: يا محمد ان الجذع
من الضأن خير من السيد (2) من المعز وان الجذع من الضأن خير من السيد من البقر وان
الجذع من الضأن خبر من السيد من الإبل ولو علم الله ذبحا هو أفضل منه لفدى به إبراهيم
عليه السلام) *

(1) قال في هامش الخلاصة في الأصل من في بيده القانون وهو أصل ديون الخراج وإنما قيل له بندار لأنه كان بندارا في الحديث جمع حديث بلده اه‍
(2) هو المسن، وقيل: الجليل وان لم نكن: مسنا اه‍ نهاية
371

وبخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن
ابن ثوبان قال: (مر النعمان بن أبي فطيمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن أعين فقال عليه
السلام: ما أشبه هذا الكبش بالكبش الذي ذبح إبراهيم عليه السلام) *
وروى نحوه من طريق زيادة بن ميمون عن أنس *
وبخبر رويناه من طريق وكيع عن هشام بن سعد عن حاتم بن أبي نصر عن عبادة بن
نسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الأضحية الكبش) *
قال أبو محمد: هذه أخبار مكذوبة، أما خبر أبي هريرة. وعبادة بن نسي فعن هشام بن
سعد وهو ضعيف جدا ضعفه جدا واطرحه أحمد وأساء القول فيه جدا ولم بحز الرواية به عنه
يحيى بن سعيد، وزياد بن ميمون مذكور بالكذب *
وخبر عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وهو ضعيف ومرسل مع ذلك،
وأيضا ففي الخبر المنسوب إلى أبي هريرة كذب ظاهر وهو قوله: انه فدى الله به إبراهيم (1)
ولم يفد إبراهيم بلا شك وإنما فدى ابنه، وأما الاحتجاج بأنه فدى الذبيح بكبش فباطل ما صح
ذلك قط، وقد قيل: إنه كان أروية (2)، وهبك لو صح فليس فيه فضل سائر الكباش على
سائر الحيوان، ولا كان أمر إبراهيم عليه السلام أضحية فلا مدخل للأضاحي فيه، وقد قال
تعالى: (أن الله يأمركم ان تذبحوا بقرة) إلى قوله تعالى: (فقلنا: اضربوه ببعضها كذلك
يحيى الله الموتى ويريكم آياته) فينبغي على هذا أن يكون البقر أفضل من الضأن بهذه الآية
البينة الواضحة لا بالظن الكاذب في كبش الذبيح، وقد قال الله تعالى: (ناقة الله وسقياها)
في ناقة صالح فينبغي أن تكون الإبل أفضل من الضأن بهذه الآية البينة الواضحة لا بالظن
الكاذب في كبش إبراهيم عليه السلام *
وموه بعضهم بذكر الأثر الذي فيه الصلاة في مبارك الغنم والنهى عن الصلاة في معاطن
الإبل لأنها جن خلقت من جن فقلنا: فليكن هذا عندكم دليلا في فضل الغنم عليها في الهدى
وأنتم لا تقولون بهذا *
فان ذكروا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين قلنا: نعم وقد صح ان عائشة قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم يترك العمل وهو يحب ان يعمل به مخافة ان يعمل به الناس فيكتب عليهم،
وأيضا فقد أهدى غنما مقلدة كما ذكرنا في كتاب الحج فلم يكن ذلك عندكم دليلا على أن الغنم أفضل
في الهدى من البقر، فمن أين وقع لكم هذا الاستدلال في الأضاحي؟. وأيضا فقد ضحى عليه
السلام بالبقر *

(1) في النسخة رقم (14) (وهو قوله للذي فدى الله به إبراهيم) وفى النسخة اليمنية (وهو قوله الذي فدى الله به إبراهيم
(2) هو بضم الهمزة وإسكان الراء وكسر الواو وتشديد الياء الأنثى من الوعول، والجمع اراوى
372

روينا من طريق البخاري عن مسدد نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد
عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنهما) (1) قالت في حديث: (لما كنا بمنى أتيت بلحم
بقر كثير فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر)، وهذا
في حجة الوداع وهو آخر عمله عليه السلام ولم يضح بعدها *
وروينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن زبيد اليامي (3)
عن الشعبي عن البراء بن عازب قال: قال رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما نبدأ به في يومنا
هذا ان نصلى (4)، ثم نرجع فننحر) * ومن طريق البخاري عن يحيى بن بكير نا الليث
ابن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع ان ابن عمر (رضي الله عنهما) (5) أخبره قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى)، والنحر عند مالك - وهو الذي يخالفنا
في هذه المسألة - لا يجوز البتة في الغنم وإنما هو عنده في الإبل وعلى تكره في البقر، وقد
صح (6) أنه عليه السلام كان يضحى بالإبل والبقر أو يترك قوله فيجيز النحر في الغنم ولابد
من أحدهما ولا يجوز ان يحتج بفعل فعله عليه السلام مباح ذلك الفعل أو غيره باقرار
المحتج على نص قوله عليه السلام في تفضيل الإبل، ثم البقر، ثم الضأن *
روينا عن مسلم بن يسار أنه كان يضحى بجزور من الإبل * وعن سعيد بن المسيب
أنه كان يضحى مرة بناقة. ومرة ببقرة. ومرة بشاة. ومرة لا يضحى * فأما قول مالك
في فضل الماعز على البقر. والإبل وفضل البقر على الإبل فلا نعلم له متعلقا أصلا ولا أحدا
قال به قبله، بالله تعالى التوفيق *
978 - مسألة - ووقت ذبح الأضحية أو نحرها هوان يهل حتى تطلع الشمس
من يوم النحر، ثم تبيض وترتفع ويمهل حتى يمضى مقدار ما يصلى ركعتين يقرأ في الأولى
بعد ثمان تكبيرات أم القرآن وسورة (ق) وفى الثانية بعد ست تكبيرات أم القرآن
وسورة (اقتربت الساعة وانشق القمر) بترتيل ويتم فيهما الركوع، والسجود، ويجلس،
ويتشهد، ويسلم، ثم يذبح أضحيته أو ينحرها البادى. والحاضر. وأهل القرى. والصحارى.
والمدن سواء في كل ذلك، فمن ذبح، أو نحر قبل ما ذكرنا ففرض عليه ان يضحى ولابد
بعد دخول الوقت المذكور، ولا معنى لمراعاة صلاة الامام ولا لمراعاة تضحيته *
برهان ذلك ما ذكرنا في أول الباب الذي قبل هذا من قوله عليه السلام: (أول
ما نبدأ به في يومنا هذا ان نصلى، ثم نرجع فننحر) * ومن طريق شعبة عن سلمة - هو

(1) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 181
(2) في صحيح البخاري (عن أزواجه)
(3) في صحيح مسلم ج 2 ص 117 الأيامى، وهما واحد
(4) في صحيح مسلم (هذا نصلى) باسقاط (ان) والحديث له بقية
(5) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 183
(6) في النسخة رقم (16) فقد صح، ولا محل للفاء هنا
373

ابن كهيل - عن أبي جحيفة عن البراء بن عازب قال: ذبح أبو بردة قبل الصلاة فقال
له (1) النبي صلى الله عليه وسلم: (أبدلها) * ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب عن محمد بن سيرين
عن أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى: ثم خطب فأمر من كان ذبح قبل الصلاة
ان يعيد ذبحا) (2) * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن الأسود بن قيس قال:
سمعت جندبا يقول: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على قوم قد نحروا وذبحوا فقال:
من نحر وذبح قبل صلاتنا فليعد ومن لم يذبح أو ينحر فليذبح ولينحر باسم الله) *
ومن طريق مسلم نا محمد بن حاتم نا محمد بن بكر نا ابن جريج أنا أبو الزبير أنه سيمع (3)
جابر بن عبد الله يقول (امر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله ان يعيد بنحر آخر ولا ينحروا
حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم) فالوقت الذي حددناه ووقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول
الشافعي. وأبي سليمان إلا أن الشافعي لم يجز التضحية قبل تمام الخطبة ولا معنى لهذا الان
النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد وقت الأضحية بذلك، وقال سفيان: ان ضحى قبل الخطبة أجزأه، *
وقال أبو حنيفة: أما أهل المدن والأمصار فمن ضحى منهم قبل تمام صلاة الامام
فعليه ان يعيد ولم يضح وأما أهل القرى والبوادي فان ضحوا بعد طلوع الفجر من يوم
الأضحى أجزأهم، وقال مالك: من ضحى قبل ان يضحى (4) الامام فلم يضح، ثم اختلف
أصحابه فطائفة قالت: الامام هو أمير المؤمنين، وطائفة قالت: بل هو أمير البلدة،
وطائفة قالت: بل هو الذي يصلى بالناس صلاة العيد *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة فخلاف مجرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوردنا بلا
برهان: وأما قول مالك فلا حجة له أصلا وخلاف للخبر أيضا إذ لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم
تط بمراعاة تضحية غيره، ونقول للطائفتين معا: أرأيتم ان ضيع الامام صلاة الأضحى
ولم يضح أتبطل سنة الله تعالى في الأضاحي على الناس؟ حاشا لله من هذا بل هو الحق ان
الامام ان صلى في الوقت الذي كان يصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أحسن وهو أحد
المسلمين في وقت تضحيته وان أغفل ذلك فقد أخطأ وليس ذلك بكادح في عدالته لأنه
لم يعطل فرضا وليس ذلك بمحيل شيئا من حكم الناس في أضاحيهم، ونقول للمالكيين
أيضا: أرأيتم إن ضحى الامام قبل وقت صلاة الأضحى أيكون ذلك علما لأضاحي الناس؟ *
(فان قالوا): نعم أتوا بعظيمة (5) وإن قالوا: لاصدقوا وتركوا قولهم في
مراعاة تضحية الامام، بالله تعالى التوفيق * وقد روينا مثل قول أبي حنيفة في الفرق بين

(1) لفظ (له) سقط من النسخة رقم (14) وكذلك في صحيح مسلم ج 2 ص 118 وللحديث بقية
(2) الحديث في صحيح مسلم ج 2 ص 118
(3) في النسخة رقم (14) (قال سمعت) وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 2 ص 118 والحديث اختصره المصنف
(4) في النسخة رقم (16) (قبل ان يصلى) وهو غلط *
(5) في النسخة رقم (16) (أتوا بنطيحة)
374

أهل القرى، وأهل المدن عن عطاء. وإبراهيم وما نعرف قول مالك في مراعاة تضحية
الامام عن أحد قبله، بالله تعالى التوفيق *
979 - مسألة - والأضحية مستحبة للحاج بمكة وللمسافر كما هي للمقيم ولا
فرق، وكذلك العبد والمرأة لقول الله تعالى: (وافعلوا الخير) والأضحية فعل خير،
وكل من ذكرنا محتاج إلى فعل الخير مندوب إليه ولما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
في التضحية والتقريب ولم يخص عليه السلام باديا من حاضر، ولا مسافرا من مقيم، ولا
ذكرا من أنثى، ولا حرا من عبد، ولا حاجا من غيره، فتخصيص شئ من ذلك باطل
لا يجوز، وقد ذكرنا قبل ان النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالبقر عن نسائه بمكة وهن حواج معه *
وروينا من طريق النخعي ان عمر كان يحج فلا يضحى وهذا مرسل * ومن طريق
الحارث عن علي ليس على المسافر أضحية، والحارث كذاب * وعن أصحاب ابن مسعود
أنهم كانوا لا يضحون في الحج وليس في شئ من هذا كله منع للحاج ولا للمسافر من التضحية
وإنما فيه تركها فقط، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * وروينا من طريق
أبى الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي نا ابن فضيل عن عطاء عن إبراهيم النخعي سافر
معي تميم بن سلمة فلما ذبحنا أضحيته أخذ منها بضعة فقال: آكلها؟ * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم قال: كان عمر يحج ولا يضحى وكان
أصحابنا يحجون معهم الورق والذهب فلا يضحون ما يمنعهم من ذلك الا ليتفرغوا لنسكهم *
ومن طريق سعيد بن منصور نا مهدي بن ميمون عن واصل الأحدب عن إبراهيم
قال: حججت فهلكت نفقتي فقال أصحابي: ألا نقرضك فتضحي؟ فقلت: لا، فهذا
بيان أنهم لم يمنعوا منها والنهى عن فعل الخير لا يجوز إذ بنص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين
أنه ليس خيرا *
980 - مسألة - ولا يلزم من نوى أن يضحى بحيوان مما ذكرنا ان يضحى به
ولابد بل له ان لا يضحى به ان شاء إلا أن ينذر ذلك فيه فيلزمه الوفاء به *
برهان ذلك ان الأضحية كما قدمنا ليست فرضا فإذ ليست فرضا فلا يلزمه التضحية
إلا أن يوجبها نص ولا نص الا فيمن ضحى قبل وقت التضحية في أن يعيد وفيمن نذر
ان يفي بالنذر * وروينا من طريق مجاهد لا بأس بان يبيع الرجل أضحته ممن يضحى بها
ويشترى خيرا منها، وعن عطاء فيمن اشترى أضحية، ثم بدا له قال: لا بأس بأن يبيعها، وروينا
عن علي. والشعبي. والحسن. وعطاء كراهة ذلك *
قال على: ما نعلم لمن كره ذلك حجة
375

981 - مسألة - ولا تكون الأضحية أضحية إلا بذبحها، أو نحرها بنية التضحية
لاقبل ذلك أصلا وله ما لم يذبحها، أو ينحرها كذلك ان لا يضحى بها وان يبيعها وان يجز،
صوفها ويفعل فيه (1) ما شاء ويأكل لبنها ويبيعه، وان ولدت فله ان يبيع ولدها أو يمسكه
أو يذبحه، فان ضلت فاشترى غيرها، ثم وجد التي ضلت لم يلزمه ذبحها ولا ذبح واحدة
منهما، فان ضحى بهما. أو بأحدهما. أو بغيرهما فقد أحسن وان لم يضح أصلا فلا حرج،
وان اشتراها وبها عيب لا تجزى به في الأضاحي كعور. أو عجف: أو عرج. أو مرض،
ثم ذهب العيب وصحت جاز له ان يضحى بها ولو أنه ملكها سليمة من كل ذلك. ثم
أصابها عيب لا تجزى به في الأضحية قبل تمام ذكاتها ولو في حال التذكية لم تجزه *
برهان ذلك ما ذكرناه من أنها ليست فرضا فإذ هي كذلك فلا تكون أضحية الا
حتى يضحى بها ولا يضحى بها الا حتى تتم ذكاتها بنية التضحية فهي ما لم يضح بها مال من
ماله يفعل فيه ما أحب كسائر ماله ومن خالف هذا فأجاز ان يضحى بالتي يصيبها عنده
العيب فقد خالف نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا ولزمه ان اشترى (2) أضحية معيبة فصحت
عنده ان لا تجزئه ان يضحى بها وهم لا يقولون هذا * روينا عن علي بن أبي طالب من طريق
أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال: قال على: إذا اشتريت الأضحية سليمة فأصابها عندك
عوار. أو عرج فبلغت المنسك فضح بها * ومن طريق الحارث عن علي أنه سئل عن
رجل اشترى أضحية سليمة فاعورت عنده؟ قال: يضحى بها، وهو قول حماد بن أبي سليمان *
رويناه عنه من طريق شعبة، وهو قول الحسن. وإبراهيم، وروينا من طريق
ابن عباس فيمن اشترى أضحيته فضلت قال: لا يضرك * وعن الحسن. والحكم بن عتيبة
فيمن ضلت أضحيته فاشترى أخرى فوجد الأولى أنه يذبحهما جميعا، قال حماد: يذبح
الأولى، وقال أبو حنيفة: ان اشتراها صحيحة، ثم عجفت عنده حتى لا تنقى أجزأته ان
يضحى بها فلوا عورت عنده لم تجزه فلوا أنه إذ ذبحها أصاب السكين عينها. أو انكسر (3)
رجلها أجزأته. وهذه أقوال فاسدة متناقضة، ولا نعلم هذه التقاسيم عن أحد قبله *
وقال أبو حنيفة. ومالك. والشافعي: لا يجز صوفها ولا يشرب لبنها، قال الشافعي:
الا ما فضل عن ولدها، وروينا عن عطاء فيمن اشترى أضحية ان له يجز صوفها وأمره
الحسن ان فعل ان يتصدق به، وقال أبو حنيفة. والشافعي: ان ولدت ذبح ولدها معها
وقال مالك: ليس عليه ذلك * روينا عن علي أنه سأله رجل معه بقرة قد ولدت؟ فقال:

(1) أي في الصوف، وفى النسخة رقم (16) (فيها) أي في الأضحية وهو بعيد
(2) في النسخة رقم (16) (ان يشترى) وهو تحريف
(3) كذا في جميع النسخ وصوابه ما أو كسر رجلها أو انكسرت رجلها لان الرجل مؤنثة
376

كنت اشتريتها لاضحى بها؟ فقال له على: لا تحلبها الا فضلا عن ولدها فإذا كان يوم الأضحى
فاذبحها وولودها عن سبعة *
982 - مسألة - والتضحية جائزة من الوقت الذي ذكرنا يوم النحر إلى أن
يهل هلال المحرم، والتضحية ليلا ونهارا جائز، واختلف الناس في هذا فروينا من طريق
ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين قال: النحر يوم
واحد إلى أن تغيب الشمس * وعن حميد بن عبد الرحمن أنه كان لا يرى الذبح الا يوم
النحر وهو قول أبى سليمان، وقول آخر رويناه من طريق وكيع عن محمد بن عبد العزيز
عن جابر بن زيد قال: النحر في الأمصار يوم، وبمنى ثلاثة أيام، وقول ثالث ان التضحية
يوم النحر ويومان بعده روينا من طريق ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر عن علي
قال: النحر ثلاثة أيام أفضلها أولها، ومن طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن منصور
عن مجاهد عن مالك بن ماعز أو ماعز بن مالك الثقفي ان أباه سمع عمر يقول: إنما
النحر في هذه الثلاثة الأيام * ومن طريق ابن أبي شيبة نا هشيم عن أبي حمزة عن حرب
ابن ناجية عن ابن عباس قال: أيام النحر ثلاثة أيام * ومن طريق وكيع عن ابن أبي ليلى
عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس النحر ثلاثة أيام * ومن طريق ابن أبي شيبة
عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: الأضحى يوم النحر
ويومان بعده * ومن طريق وكيع عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: ما ذبحت
يوم النحر، والثاني، والثالث فهي الضحايا * ومن طريق ابن أبي شيبة نا زيد بن الحباب عن
معاوية بن صالح حدثني أبو مريم سمعت أبا هريرة يقول: الأضحى ثلاثة أيام *
ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: الأضحى يوم النحر ويومان بعده وبه
يقول أبو حنيفة. ومالك، ولا يصح شئ من هذا كله الا عن أنس وحده لأنه عن عمر من
طريق مجهول عن أبيه مجهول أيضا، وعن علي من طريق ابن أبي ليلى وهو سئ الحفظ عن المنهال
وهو متكلم فيه، وعن ابن عباس من طريق ابن أبي ليلى وهو سئ الحفظ وأبى حمزة وهو ضعيف *
ومن طريق ابن عمر عن إسماعيل بن عياش وعبد الله بن نافع وكلاهما ضعيف *
ومن طريق أبي هريرة عن معاوية بن صالح وليس بالقوى عن أبي مريم وهو مجهول، وقول
رابع (1) وهو ان التضحية يوم النحر وثلاثة أيام بعده روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبيد الله (2)
ابن موسى نا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات يوم
النحر وثلاثة أيام بعده هكذا في كتابي ولا أدري لعله وهم والله أعلم *

(1) في النسخة رقم (16) (وقول آخر) وفى النسخة اليمنية (وقول ثالث)
(2) في النسخة رقم (16) (عبد الله) وهو غلط
377

ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن هشام عن عطاء قال: النحر أربعة أيام إلى آخر
أيام التشريق * ومن طريق وكيع نا همام بن يحيى سمعت عطاء يقول: النحر أربعة أيام إلى آخر أيام
التشريق * ومن طريق وكيع نا همام بن يحيى سمعت عطاء يقول: النحر ما دامت الفساطيط بمنى *
ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن الحسن قال: النحر يوم النحر وثلاثة أيام بعده *
ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري فيمن نسي ان يضحى يوم النحر قال:
لا بأس ان يضحى أيام التشريق * ومن طريق ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن عياش عن عمرو
ابن مهاجر عن عمر بن عبد العزيز قال: الأضحى أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده وهو
قول الشافعي * وقول خامس كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو داود الطيالسي عن حرب
ابن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم - هو التيمي - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف. وسليمان بن يسار قالا جميعا: الأضحى إلى هلال المحرم لمن استأنى بذلك *
قال أبو محمد: أما من قال النحر يوم الأضحى وحده فقال: إنه مجمع عليه وما عداه فمختلف فيه
فلا توجد شريعة باختلاف لا نص فيه *
قال على: صدقوا، والنص يجيز قولنا على ما نأتي به بعد هذا إن شاء الله تعالى *
وأما من قال: بقول أبي حنيفة. ومالك: فإنهم احتجوا بأنه قول روى عن عمر. وعلى.
وابن عمر. وابن عباس. وأبي هريرة. وأنس ولا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف،
ومثل هذا لا يقال بالرأي *
قال على: قد ذكرنا قضايا عظيمة خالفوا فيها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم
منهم مخالف فكيف ولا يصح شئ مما ذكرنا الا عن أنس وحده على ما بينا قبل؟ وإن كان هذا
إجماعا فقد خالف عطاء. وعمر بن عبد العزيز. والحسن والزهري. وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
وسليمان بن يسار الاجماع، وأف لكل إجماع يخرج عنه هؤلاء، وقد روينا عن ابن عباس ما يدل
على خلافه لهذا القول ولا نعلم لمن قال: أربعة أيام حجة أيضا إلا أن أيام منى ثلاثة أيام يوم النحر
فقط وليس هذا حجة *
قال أبو محمد: الأضحية فعل خير وقربة إلى الله تعالى وفعل الخير حسن في كل وقت قال الله
تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير) فلم يخص تعالى وقتا من وقت ولا رسوله
عليه السلام فلا يجوز تخصيص وقت بغير نص فالتقرب إلى الله تعالى بالتضحية حسن ما لم يمنع منه
نص أو إجماع ولا نص في ذلك ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة، وقد روينا خبرا يلزمهم الاخذ به،
وأما نحن فلا نحتج به ويعيذنا الله تعالى من أن نحتج بمرسل، وهو ما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس نا
عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري (1) نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أحمد بن الهيثم

(1) في النسخة رقم (14) (إبراهيم بن أحمد الدينوري)
378

نا مسلم (1) نا يحيى - هو ابن أبي كثير - عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف وسليمان بن يسار قالا جميعا: بلغنا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأضحى إلى هلال المحرم
لمن أراد أن يستأنى بذلك) وهذا من أحسن المراسيل وأصحها فيلزم الحنيفيين والمالكيين القول
به والا فقد تناقضوا *
قال على: وأجاز أبو حنيفة. والشافعي ان يضحى بالليل وهو قول عطاء، وقال مالك: لا يجوز
أن يضحى ليلا وما نعلم لهذا القول حجة أصلا الا أنهم قال قائلهم: قال الله تعالى: (ويذكروا
اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) قالوا: فلم يذكر الليل *
قال على: وهذا منهم ايهام يمقت الله تعالى عليه لان الله تعالى لم يذكر في هذه الآية ذبحا،
ولا تضحية، ولا نحرا لا في نهار، ولا في ليل وإنما أمر الله تعالى بذكره في تلك الأيام المعلومات
أفترى يحرم ذكره في لياليهن؟ ان هذا لعجب! ومعاذ الله من هذا، وليس هذا النص بمانع من
ذكره تعالى وحمده على ما رزقنا من بهيمة الأنعام في ليل، أو نهار في العام كله، وهذا مما حرفوا
فيه الكلم عن مواضعه ولا يختلفون فيمن حلف ان لا يكلم زيدا ثلاثة أيام ان الليل يدخل في
ذلك مع النهار، وذكروا حديثا لا يصح رويناه من طريق بقية بن الوليد عن مبشر بن عبيد
الحلبي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالليل) (2) *
قال أبو محمد: هذه فضيحة الأبد، وبقية ليس بالقوى، ومبشر بن عبيد مذكور بوضع
الحديث عمدا، ثم هو مرسل، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة لأنهم يجيزون الذبح بالليل
فيخالفونه فيما فيه ويحتجون به فيما ليس فيه، وهذا عظيم جدا، وقال قائل منهم: لما كانت
ليلة النحر لا يجوز التضحية فيها وكان يومه تجوز التضحية فيه كانت ليالي سائر أيام
التضحية كذلك *
قال على: وهذا قياس والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا كان هذا منه عين الباطل لان
يوم النحر هو مبدأ دخول وقت التضحية وما قبله ليس وقتا للتضحية، ولا يختلفون معنا في أن
من طلوع الشمس إلى أن يمضى بعد ابيضاضها وارتفاعها وقت واسع من يوم النحر لا تجوز
فيه التضحية فيلزمهم ان يقيسوا على ذلك اليوم ما بعده من أيام التضحية فلا يجيز والتضحية
فيها الا بعد مضى مثل ذلك الوقت والا فقد تناقضوا وظهر فساد قولهم، وما نعلم أحدا من السلف
قبل مالك (3) منع من التضحية ليلا *

(1) قال في هامش نسخة رقم (14) (سقط رجل أظنه هشام الدستوائي) اه‍ والحديث ليس في صحيح مسلم وأظن أن مسلما هذا
ليس صاحب الصحيح لان عادة المؤلف رحمه الله، روى حديثا من طريق مسلم يقول وروينا من طريق مسلم وهنا لم يقل والله أعلم
(2) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: حديث انه صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلا رواه الطبراني من حديث ابن
عباس وفيه سلمان بن سلمة الخبائري وهو متروك، وذكره عبد الحق من حيث عطاء بن يسار مرسلا وفيه مبشر بن عبيد
وهو متروك اه‍ * أقول هنا وصف بالحلبي وفى التهذيب بالحمصي
(3) في النسخة رقم (16) (قبل ذلك) وما هنا أنص
379

983 - مسألة - ونستحب للمضحي رجلا كان أو امرأة ان يذبح أضحيته أو
ينحرها بيده فان ذبحها أو نحرها له بأمره مسلم غيره، أو كتابي أجزأه ولاحرج في ذلك *
روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى نا وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: (ضحى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ورأيته (1) يذبحهما بيده واضعا قدمه على صفاحهما
وسمى الله وكبر (2)) * قال مسلم نا يحيى بن حبيب نا خالد بن الحارث نا شعبة انا قتادة قال:
سمعت أنسا فذكر مثل هذا الحديث. فنحن نستحب الاقتداء به عليه السلام في هذا قال
تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، وقال تعالى: (وطعام الذين أوتو الكتاب
حل لكم)، وإنما عنى عز وجل بيقين ما يذكونه لاما يأكلونه لأنهم يأكلون الميتة. والدم.
والخنزير. وما عمل بالخمر وظهرت فيه، فإذ ذبائحهم ونحائرهم حلال فالتفريق بين الأضحية
وغيرها لا وجه له، وقولنا هذا هو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان: *
وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا جرير عن منصور قلت لإبراهيم: صبي له ظئر (3)
يهودي أيذبح أضحيته؟ قال: نعم * ومن طريق عبد الرزاق انا ابن جريج. ومعمر قال ابن جريج:
قال عطاء، وقال معمر: قال الزهري ثم اتفق عطاء والزهري قالا جميعا: يذبح نسكك اليهودي
والنصراني ان شئت قال الزهري: والمرأة ان شئت، وقال مالك: لا يذبحها الا مسلم فان ذبحها
كتابي قال ابن القاسم: يضمنها *
روينا من طريق جعفر بن محمد عن أبيه ان علي بن أبي طالب قال: لا يذبح أضاحيكم اليهود
ولا النصارى لا يذبحها الا مسلم * وعن جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس
لا يذبح أضحيتك الا مسلم * وعن أبي سفيان عن جابر لا يذبح النسك الا مسلم * وعن سعيد
ابن جبير. والحسن. وعطاء الخراساني. والشعبي. ومجاهد. وعطاء بن أبي رباح أيضا
لا يذبح النسك الا مسلم * وعن إبراهيم كانوا يقولون: لا يذبح النسك الا مسلم، وهذا مما
خالف فيه الحنيفيون والشافعيون جماعة من الصحابة (4) وجمهور العلماء لا مخالف لهم يعرف
من الصحابة ولا يصح عن أحد من الصحابة ما ذكرنا (5) لأنه عن علي منقطع، وقابوس.
وأبو سفيان ضعيفان إلا أنه عن الحسن. وإبراهيم. والشعبي. وسعيد بن جبير صحيح
ولا يصح عن غيرهم، وما نعلم لهذا القول حجة أصلا لامن قرآن. ولامن سنة. ولامن أثر
سقيم. ولامن قياس *

(1) في صحيح مسلم ج 2 ص 119 (قال: فرأيته)
(2) في صحيح مسلم (قال وسمى وكبر)
(3) يقال للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها ظئر وللرجل الحاضن ظئر أيضا والجمع أظئار مثل حمل واحمال *
(4) في النسخة رقم (16) (طائفة من الصحابة) (لفظ ما ذكرنا) سقط من النسخة رقم (16)
380

984 - مسألة - وجائز ان يشترك في الأضحية الواحدة أي شئ كانت الجماعة
من أهل البيت وغيرهم، وجائز ان يضحى الواحد بعدد من الأضاحي، ضحى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين كما ذكرنا آنفا ولم ينه عن أكثر من ذلك والأضحية فعل خير
فالاستكثار من الخير حسن * وقال أبو حنيفة. وسفيان الثوري. والأوزاعي. والشافعي.
وأحمد. وإسحاق. وأبو ثور. وأبو سليمان: تجزى البقرة، أو الناقة عن سبعة فأقل أجنبيين
وغير أجنبيين يشتركون فيها ولا تجزى عن أكثر ولا تجزى الشاة الاعن واحد، وقال مالك:
يجزى الرأس الواحد من الإبل، أو البقر، أو الغنم عن واحد وعن أهل البيت وان
كثر عددهم وكانوا أكثر من سبعة إذا أشركهم فيها تطوعا ولا تجزى إذا اشتروها بينهم
بالشراكة ولاعن أجنبيين فصاعدا *
قال أبو محمد: الأضحية فعل خير وتطوع بالبر فالاشتراك في التطوع جائز ما لم يمنع
من ذلك نص قال تعالى: (وافعلوا الخير) فالمشتركون فيها فاعلون للخير فلا معنى
لتخصيص الأجنبيين بالمنع ولا معنى لمنع ذلك بالشراء لأنه كله قول بلا برهان أصلا لامن
قرآن، وسنة، ولا رواية سقيمة، ولا قياس، وقد أباح الليث الاشتراك في الأضحية في السفر
وهذا تخصيص لا معنى له أيضا (1) *
روينا من طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة أم المؤمنين أو أبي هريرة (2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أنه كان إذا أراد ان يضحى اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين أملحين موجوءين
فيذبح أحدهما عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ ويذبح الآخر عن محمد وآل
محمد) (3)، فهذا أثر صحيح عندهم، وعلى رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عول المالكيون
في خبر الصلاة (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، وروينا من طريق عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر البدنة عن واحد، والبقرة عن واحد، والشاة عن واحد لا أعلم شركا،
وصح عن محمد بن سيرين لا أعلم دما واحدا يراق عن أكثر من واحد * وصح من طريق
ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن مسعر بن كدام عن حماد بن أبي سليمان لا تكون ذكاة
نفس عن نفسين. وكرهه الحكم * وقول آخر رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن حاتم
ابن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: الجزور، والبقرة عن سبعة

(1) سقط لفظ (أيضا)) من النسخة رقم (14)
(2) في النسخة رقم (14) وكذلك اليمنية (وأبي هريرة) بالواو فقط
وما هنا موافق لما ذكره الحافظ ابن حجر في التلخيص ص 385
(3) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن عائشة أو أبي هريرة هذه رواية الثوري، ورواه زهير بن محمد عن ابن عقيل عن أبي رافع أخرجه الحاكم الخ، والموجوءين المنزوعي الأنثيين
381

من أهل البيت لا يدخل معهم من غيرهم، كل هذا مخالف لقول مالك لان ابن عمر لم
يجز الرأس الواحد الاعن واحد وكذلك ابن سيرين. وحماد، وعلى أجاز الناقة أو
البقرة عن سبعة من أهل البيت لا أكثر * ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن علية عن سعيد
عن قتادة عن سليمان بن يسار عن عائشة أم المؤمنين قالت: البقرة والجزور عن سبعة *
وعن ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس
ابن مالك. وسعيد بن المسيب، والحسن قالوا كلهم: البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة
يشتركون فيها وإن كانوا من غير أهل دار واحدة * ومن طريق ابن أبي شيبة نا محمد
ابن فضيل عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم
متوافرون كانوا يذبحون البقرة والبعير عن سبعة * ومن طريق وكيع عن سفيان عن
حماد عن إبراهيم قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: البقرة والجزور
عن سبعة *
قال على: هذا حماد قد روى ما ذكرنا عن الصحابة، ثم خالف ما روى ولم ير ذلك
إجماعا كما يزعم هؤلاء * وعن ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن مسلم عن إبراهيم عن علقمة
عن ابن مسعود البقرة والجزور عن سبعة، وعن وكيع عن سفيان عن حصين بن عبد الرحمن
عن خالد بن سعد عن أبي مسعود قال: البقرة عن سبعة. ورويناه أيضا عن حذيفة.
وجابر. وعلى. وصح عن سعيد بن المسيب البدنة عن عشرة * وروينا ذلك أيضا عن
ابن عباس عن الصحابة رضي الله عنهم *
وممن أجاز الاشتراك في الأضاحي بين الأجنبيين البقرة عن سبعة والناقة عن سبعة
طاوس. وأبو عثمان النهدي. وعطاء. وجمهور التابعين، فاما ابن عمر فإننا روينا من
طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نير نا مجالد عن الشعبي قال: سألت ابن عمر عن البقرة
والبعير تجزى عن سبعة؟ فقال: كيف أولها سبعة أنفس؟ قلت: ان أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم الذين بالكوفة أفتوني فقالوا: نعم قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فقال ابن عمر: ما شعرت،
فهذا توقف من ابن عمر * ومن طريق وكيع عن عريف بن درهم عن جبلة بن سحيم عن
ابن عمر قال: البقرة عن سبعة، فهذا يدل على رجوعه وهذا مما خالف فيه مالك كل رواية
رويت فيه عن صاحب الا رواية عن ابن عمر رجع عنها وخالف جمهور التابعين في ذلك *
قال أبو محمد: الحجة إنما هي في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يمنع عليه السلام من الاشتراك
في التطوع أكثر من عشرة وسبعة بل قد أشرك عليه السلام في أضحيته جميع أمته،
وبالله تعالى التوفيق
382

985 - مسألة - وفرض على كل مضح ان يأكل من أضحيته ولابد ولو لقمة
فصاعدا، وفرض عليه ان يتصدق أيضا منها بما شاء قل أو كثر ولابد، ومباح
له أن يطعم منها الغنى والكافر، وان يهدى منها ان شاء ذلك، فان نزل باهل بلد المضحي
جهد أو نزل به طائفة من المسلمين في جهد جاز للمضحي أن يأكل من أضحيته من حين
يضحى بها إلى انقضاء ثلاث ليال كاملة مستأنفة يبتدئها بالعدد من بعد تمام التضحية
ثم لا يحل له أن يصبح في منزله منها بعد تمام الثلاث ليال شئ أصلا لا ما قل ولا ما
كثر، فان ضحى ليلا لم يعد تلك الليلة في الثلاث لأنه تقدم منها شئ فإن لم يكن شئ
من هذا فليدخر منها ما شاء *
روينا من طريق البخاري نا أبو عاصم - هو الضحاك بن مخلد - عن يزيد بن أبي عبيد
عن سلمة بن الأكوع قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة
وفي بيته منه شئ فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي قال:
كلوا، وأطعموا، وادخروا فان ذلك العام كان بالناس جهد فأردت ان تعينوا فيها) (1) *
ومن طريق مالك عن عبد الله بن أبي كبر بن عمرو بن حزم (ان عمرة بنت عبد الرحمن قالت
له: سمعت عائشة أم المؤمنين تقول إنهم قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من
ضحاياهم ويحملون فيها الودك (2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قالوا. نهيت ان تؤكل لحوم
الضحايا بعد ثلاث قال عليه السلام بعد: كلوا، وادخروا، وتصدقوا) فهذه أوامر من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل خلافها قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم
فتنة أو يصيبهم عذاب اليم)، ومن ادعى أنه ندب فقد كذب وقفا ما لا علم به ويكفيه ان جميع
الصحابة رضى عنهم لم يحملوا نهيه عليه السلام عن أن يصبح في بيوتهم بعد ثلاث منها شئ
الا على الفرض ولم يقدموا على مخالفته الا بعد اذنه، ولافرق بين الامر والنهى قال عليه السلام:
(إذا نهيتكم عن شئ فاتركوه وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم)،
وعم عليه السلام بالاطعام فجائز ان يطعم منه كل آكل إذ لو حرم من ذلك شئ
لبينه عليه السلام (وما كان ربك نسيا) * (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) وادخار
ساعة فصاعدا يسمى ادخارا، والعجب كله ممن يستخرج بعقله القاصر ورأيه الفاسد عللا
لأوامر الله تعالى وأوامر رسوله عليه السلام لا برهان له بها الا دعواه الكاذبة، ثم يأتي إلى حكم
جعله عليه السلام موجبا لحكم آخر فلا يلتفت إليه، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهد الحال بالناس

(1) هو في صحيح البخاري ج 7 ص 187
(2) أي يحملون الشحم في الأسقية بعدما يذيبونه من الأضحية، والمصنف اختصر
الحديث وذكره بمعناه، وفى الموطأ ج 2 ص 36 (ويحملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية) ومعنى يحملون يذيبون
383

موجبا لئلا يبقى (1) عند أحد من أضحيته شئ بعد ثالثة فلم يلتفتوا (2) إلى ذلك ونعوذ
بالله من هذا. *
فان ذكروا ما روينا من طريق إبراهيم الحربي عن الحكم بن موسى عن الوليد عن
طلحة بن عمرو وعن عطاء عن ابن مسعود (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نأكل منها ثلثا
ونتصدق بثلثها ونطعم الجيران ثلثها) فطلحة مشهور بالكذب الفاضح، وعطاء لم يدرك
ابن مسعود ولا ولد إلا بعد موته ولو صح لقلنا به مسارعين إليه لكن روينا من طريق عبد الرزاق
عن عمر عن عاصم عن أبي مجلز قال: أمر ابن عمر ان يرفع له من أضحيته بضعة ويتصدق
بسائرها * ومن طريق أبى الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي نا ابن فضيل عن عطاء (3)
عن إبراهيم النخعي قال: سافر معي تميم بن سلمة فلما ذبحنا أضحيته فاخذ منها بضعة فقال:
آكلها؟ فقلت له: وما عليك ان لا تأكل منها؟ فقال تميم: يقول الله تعالى: (فكلوا منها) فتقول أنت:
وما عليك ان لا تأكل. *
قال أبو محمد: حمل هذا الامر تميم عل بالوجوب وهذا الحق الذي لا يسع أحدا
سواه، وتميم من أكابر أصحاب ابن مسعود * ومن طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل
عن عبد الملك عن مولى لأبي سعيد عن أبي سعيد أنه كأن يقول لبنيه: إذا ذبحتم أضاحيكم فأطعموا،
وكلوا، وتصدقوا * ون ابن مسعود أيضا نحو هذا * وعن عطاء نحوه، وصح عن
سعيد بن المسيب. وعروة بن الزبير ليس لصاحب الأضحية إذ ربعها (فان ذكروا)
ما رويناه من طريق البخاري نا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي أبو بكر عن سليمان
- هو ابن بلال - عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة (بنت عبد الرحمن) (4) عن
عائشة (رضي الله عنها) (5) قالت في الضحية (6) كنا نملح منه فنقدم به (7) إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بالمدينة فقال (: لا تأكلوا الا ثلاثة أيام) وليست بعزيمة ولكن أراد ان يطعم منه، والله أعلم *
فهذا خبر لا حجة فيه لان قول القائل: ليست بعزيمة ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما هو من ظن بعض رواة الخبر، يبين ذلك قوله في آخر هذا الخبر، أراد ان يطعم منه والله
أعلم، وأيضا فان أبا بكر بن أبي أويس مذكور عنه في روايته امر عظيم، وقد حمل على
ابن أبي طالب هذا القول منه عليه السلام على الوجوب وابن عمر كما ذكرنا *

(1) في النسخة رقم (14) (بان لا يبقى)
(2) في النسخة رقم (16) (فلا يلتفتوا) وفى النسخة اليمنية (فلم يلتفتون)
(3) عطى هو ابن السائب وسيأتي قريبا عن المصنف ان ابن فضيل إنما سمع منه بعد اختلاطه، وهكذا في كتب الرجال كتهذيب التهذيب وهنا لا يضر لان ما رواه عنه اثر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
(4) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 188
(5) الزيادة من صحيح البخاري
(6) في صحيح البخاري (قالت الضحية)
(7) في النسخة رقم (14) وكذلك النسخة اليمنية (وتقدم به) وما هنا موافق لصحيح البخاري ج 7 ص 188
384

وروينا من طريق مسلم حدثني حرملة بن يحيى عن ابن وهب أخبرني يونس عن
ابن شهاب أخبرني أبو عبيد مولى ابن أزهر أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب قال:
ثم صليت مع علي بن أبي طالب فصلى لنا قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال: (إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال فلا
يأكلوا) (1) * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن
السلمي عن علي بن أبي طالب قال: لا يأكل أحد من لحم أضحيته فوق ثلاث *
قال على: حديث أبي عبيد مولى ابن أزهر كان عام حصر عثمان رضي الله عنه وكان
أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة وأصابهم جهد فأمر لذلك بمثل ما أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهد الناس ودفت الدافة (2) وبالله تعالى التوفيق *
985 - مسألة - ولا يحل للمضحى أن يبيع من أضحيته بعد أن يضحى بها
شيئا لا جلدا ولا صوفا ولا شعرا ولا وبرا ولا ريشا ولا شحما ولا لحما لا عظما ولا
غضروفا (2) ولا رأسا ولا طرفا ولا حشوة ولا أن يصدقه ولا أن يؤاجر به
ولا أن يبتاع به شيئا أصلا لامن متاع البيت ولا غربالا ولا منخلا ولا تابلا (4)
ولا شيئا أصلا، وله أن ينتفع بكل ذلك ويتوطأه وينسخ في الجلد ويلبسه ويهبه
ويهديه، فمن ملك شيئا من ذلك بهبة أو صدقة أو ميراث فه بيعه حينئذ إن
شاء، ولا يحل له أن يعطى الجزار على ذبحها أو سلخها شيئا منها، وله أن يعطيه من
غيرها، وكل ما وقع من هذا فسخ أبدا *
وقد اختلف السلف في هذا فروينا من طريق شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان
قلت لابن عمر: أبيع جلد بقر ضحيت بها؟ فرخص لي * وروينا من طريق عطاء
أنه قال: إذا كان الهدى واجبا يتصدق باهابه وإن كان تطوعا باعه إن شاء، وقال
أيضا: لا بأس ببيع جلد الأضحية إذا كان عليك دين، وسئل الشعبي عن جلود
الأضاحي؟ فقال: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) إن شئت فبع وإن شئت فأمسك،
وصح عن أبي العالية أنه قال: لا بأس ببيع جلود الأضاحي نعم الغنيمة تأكل اللحم
وتقضى النسك ويرجع إليك بعض الثمن، وذهب آخرون إلى مثل هذا إلا أنهم
أجازوا أن يباع به شئ دون شئ، وصح عن إبراهيم النخعي أنه كره بيع جلد الأضحية

(1) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 120
(2) الدافة القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد
(3) هو مالان من العظم في أي موضع كان، وقيل العظم الذي على طرف المحالة
(4) جمعه توابل وسيفسره المصنف قريبا بالكمون والسكر أو با
385

وقال: لا بأس بأن يبدل بجلد الأضحية بعض متاع البيت وأنه قال: تصدق به
وأرخص أن يشترى به الغربان والمنخل، وقال أبو حنيفة. ومالك: لا يجوز بيعه
ولكن يبتاع به بعض متاع البيت كالغربال. والمنخل. والتابل، قال هشام بن عبيد الله
الرازي: أيبتاع به الخل؟ قال: لا قال: فقلت له: فما الفرق بين الخل والغربال؟ قال:
فقال: لا تشتر به الخل ولم يزده على ذلك *
قال أبو محمد: أما هذا القول فطريف جدا، وليت شعري ما الفرق بين
التوابل الكمون والفلفل والكسبره والكراويا والغربال والمنخل وبين الخل
والزيت واللحم والفأس والمسحاة والثوب والبر والنبيذ الذي لا يسكر؟ وهل
يجوز عندهم في ابتياع التوابل والغربال والمناخل من الربا والبيوع الفاسدة
ما لا يجوز في غير ذلك؟. إن هذا لعجب لا نظير له! وهذا أيضا قول خلاف كل
ما روى في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي
ظبيان فقلت لابن عباس: كيف نصنع باهاب البدن؟ قال: يتصدق به وينتفع
به * وعن عائشة أم المؤمنين أن يجعل من جلد الأضحية سقاء ينبذ فيه * وعن
مسروق أنه كان يجعل من جلد أضحيته مصلى يصلى فيه * وصح عن الحسن البصري
انتفعوا بمسوك الأضاحي ولا تبيعوها * وعن طاوس أنه عمل من جلد عنق
بدنته نعلين لغلامه * وعن معمر عن الزهري لا يعطى الجزار جلد البدنة ولا
يباع * وعن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح أن مجاهدا وسعيد بن جبير كرها
ان يباع جلد البدنة تطوعا كانت أو واجبة *
قال أبو محمد: ليس إلا قول من منع جملة أو من أباح جملة فاحتج من أباح
جملة بقول الله تعالى: (وأحل الله البيع) *
قال على: هذا حق إذ لم يأت ما يخصه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه
وسلم في الأضاحي ما أوردناه من قوله عليه السلام: (كلوا وأطعموا وتصدقوا
وادخروا) فلا يحل تعدى هذه الوجوه فيتعدى حدود الله تعالى، والادخار
اسم يقع على الحبس فأبيح لنا احتباسها والصدقة بها فليس لنا غير ذلك، وأيضا
فان الأضحية إذا قربت إلى الله تعالى فقد أخرجها المضحي من ملكه إلى الله
تعالى فلا يحل له منها شئ إلا ما أحله له النص فلولا الامر الوارد بالاكل
386

والادخار ماحل لنا شئ من ذلك، فخرج هذان عن الحظر بالنص وبقى ما عدا
ذلك كله على الحظر، وهم يقولون ونحن في أم الولد كذلك أن له استخدامها
ووطأها وعتقها، ولا يحل له بيعها ولا اصداقها ولا الإجارة بها ولا تمليكها
غيره وبالله تعالى التوفيق * وما وقع مما لا يجوز فيفسخ لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، وأما من تملك من
ذلك شيئا (1) بميراث أو هبة أو صدقة فهو مال من ماله لم يخرجه عن يده إلى
الله تعالى بعد فله فيه ماله في سائر ماله ولافرق *
986 - مسألة - ومن وجد بالأضحية عيبا بعد أن ضحى بها ولم يكن
اشترط السلامة فله الرجوع بما بين قيمتها حية صحيحة وبين قيمتها معيبة وذلك
لأنه كان له الرد أو الامساك فلما بطل الرد بخروجها بالتضحية إلى الله تعالى لم
يجز للبائع أكل مال أخيه بالخديعة والباطل فعليه رد ما استزاد على حقها الذي
يساويه لأنه أخذه بغير حق إلا أن يحل له ذلك المبتاع فله ذلك لأنه حقه تركه
لله تعالى وهذا متقصى في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى، قال تعالى: (ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل) وقال تعالى: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون
إلا أنفسهم)، فالخديعة أكل مال بالباطل
987 - مسألة - فإن كان اشترط السلامة فهي ميتة ويضمن مثلها للبائع
ويسترد الثمن ولا تؤكل لان السالمة (2) بيقين لاشك فيه هي غير المعصية، فمن اشترى
سالمة وأعطى معيبة فإنما أعطى غير ما اشترى وإذا أعطى غير ما اشترى فقد أخذ ما ليس
له وممن أخذ ما ليس له فهو حرام عليه قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا
أن تكون تجارة عن تراض منكم) والتراضي لا يكون إلا بالمعرفة بقد ما يتراضيان
به لا بالجهل به فمن لم يعرف العيب فلم يرض به والرضا لا يكون إلا في عقد الصفقة
لابعده، ومن ذبح مال غيره بغير إذن مالكه فقد تعدى والتعدى معصية لله وظلم
وقد أمر الله تعالى بالذكاة فهي طاعة له تعالى، ولا شك في أن طاعة الله تعالى غير
معصية فالذبح الذي هو طاعة وذكاة هو غير الذبح الذي هو معصية وعدوان، ولا
يحل اكل شئ من الحيوان ان إلا بالذكاة التي أمر الله تعالى بها لا مما نهى عنه من العدوان
فليست ذكية فهي ميتة ومن تعدى باتلاف مال أخيه فهو ضامن والصفقة فاسدة
فالثمن مردود، ومن خالفنا في هذا فقد تناقض إذ حرم اكل ما ذبح من صيد

(1) في النسخة رقم (14) (شيئا من ذلك) وكذلك في النسخة اليمنية
(2) في النسخة رقم (14) (لان السلمة)
387

الحرام أو ما يصيده المحرم ولافرق بين الامرين، وقد أباح أبو ثور وغيره اكل
الصيد الذي يقتله المحرم بالعلة التي بها أباح (1) هؤلاء أكل ما ذبح بغير حق *
988 - مسألة - ومن أخطأ فذبح أضحية غيره بغير أمره فهي ميتة لا تؤكل
وعليه ضمانها لما ذكرنا، وللغائب ان يأمر بان يضحى عنه وهو حسن لأنه أمر
بمعروف فان ضحى عنه من ماله بغير أمره فهي ميتة لما ذكرنا فلو ضحى عن الصغير
أو المجنون وليهما من مالهما فهو حسن وليست ميتة لأنه الناظر لهما وليس كذلك مالك
أمر نفسه، بالله تعالى التوفيق (2) *
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب ما يحل أكله وما يحرم أكله
قال أبو محمد: لا يحل أكل شئ من الخنزير. لا لحمه. ولا شحمه. ولا جلده.
ولا عصبه. ولا غضروفه. ولا حشوته. ولا مخه. ولا عظمه. ولا رأسه. ولا أطرافه.
ولا لبنه. ولا شعره: الذكر والأنثى والصغير والكبير سواء، ولا يحل الانتفاع بشعره
لافى خرز ولا في غيره، ولا يحل اكل شئ من الدم ولا استعماله مسفوحا كان أو غير
مسفوح الا المسك وحده ولا يحل اكل شئ مما مات حتف أنفه من حيوان البر ولا
ما قتل منه بغير الذكاة المأمور بها الا الجراد وحده فان خنق شئ من حيوان البر حتى
يموت أو ضرب بشئ حتى يموت، أو سقط من علو فمات، أو نطحه حيوان آخر فمات من
ذلك فلا يحل أكل شئ منه ولا ما قتله السبع أو حيوان آخر حاشا الصيد على ما نذكر بعد
هذا إن شاء الله تعالى، فان أدرك كل ما ذكرنا حيا فذكى فهو حلال أكله إن كان مما لم يحرم
اكله، ولا يحل أكل حيوان ذبح أو نحر لغير الله تعالى قال الله تعالى: (حرمت عليم

(1) في النسخة رقم (14) (التي أباح بها)
(2) سبق للمصنف ان قال في ص 358 من هذا الجزء ان الأضحية تجزى بالخصي
ولم يذكر دليلا بخصوصه بذلك وقد نقل مصحح النسخة رقم (14) عن المصنف كتابه الايصال دليل ذلك صافا حببت
نقله بنصه اتماما للفائدة قال: وأما الخصي فالتضحية به جائزة مستحبة ولعله أفضل من غيره أو مثله لما روى أبو داود عن جابر بن
عبد الله قال: (ذبح عليه السلام يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوءين) وذكر باقي الخر * ولما روى عبد الرزاق عن
عائشة أو أبي هريرة (انه كان عليه السلام إذا أراد ان يضحى اشترى كبشين عظيمين سمينين اقرنين أملحين موجوءين فذبحهما)
وذكر الحديث، قال أبو محمد: هذا حديث جيد لا علة فيه فالحجة به قائمة قال أبو محمد: الوحبى الخمى ومنه الحديث (من استطاع
منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر واحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء باي خصى اه‍ * أقول الحديث
الأول رواه أبو داود في سننه ج 3 ص 52 بتمامه، والحديث الثاني رواه الصنف في هذا الجزء ص 381 بتمامه وقال بعد ان ذكره:
فهذا اثر صحيح عندهم
388

الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية،
والنطيحة، وما اكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب) فحرم تعالى كل ما ذكرنا
واستثنى منه بالإباحة كل ما ذكينا ولا تقتضى الآية غير هذا (1) صلا، وههنا قولان
لبعض من تقدم أحدهما قول مالك وهو أنه إذا بلغ بالحيوان شئ مما ذكرنا مبلغا يوقن
انه يموت منه فإنه لا يحل اكله، وان ذكى والقول الثاني قاله المزني وهو أنه قال: إذا عرف
انه يموت مما اصابه قبل موته من الذكاة حرم اكله وان عرف انه يموت من الذكاة قبل
موته مما اصابه حل اكله *
قال أبو محمد: اما قول مالك فخلاف للآية ظاهر، وكذلك تقسيم المزني أيضا
وسنستقصي هذا في كتاب الذكاة إن شاء الله تعالى، واما الدم فان قوما حرموا المسفوح
وحده، وهو الجاري، واحتجوا بقول الله تعالى: (قل: لا أجد فيما أوحي إلي محرما على
طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير
الله به) قالوا: فإنما حرم المسفوح فقط *
قال أبو محمد: وهذا استدلال منهم موضوع في غير موضعه لان الآية التي احتجوا
بها في سورة الأنعام وهي مكية والآية التي تلونا نحن في سورة المائدة وهي مدنية من آخر
ما انزل فحرم في أول الاسلام بمكة الدم المسفوح ثم حرم بالمدينة الدم كله جملة عموما
فمن لم يحرم الا المسفوح وحده فقد أحل ما حرم الله تعالى في الآية الأخرى ومن حرم
الدم جملة فقد اخذ بالآيتين جميعا وقد حرم بعد تلك الآية أشياء ليست فيها كالخمر وغير
ذلك فوجب تحريم كل ما جاء نص بتحريمه بعد تلك الآية والدم جملة مما نزل
تحريمه بعد تلك الآية * نا أبو سعيد الفتى نا محمد بن علي المقرى نا أحمد بن محمد بن
إسماعيل النحاس حدثني يموت بن المزرع نا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني
نا أبو عبيدة معمر بن المثنى نا يونس بن حبيب قال: سمعت أبا عمر والعلاء قال: سألت
مجاهدا عن تلخيص آي القرآن المدني من المكي؟ فقال: سألت ابن عباس عن ذلك؟
فقال: سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة الا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة (قل:
تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) إلى تمام الثلاث الآيات *
قال أبو محمد: هي قول الله تعالى (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به
شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا

(1) في النسخة رقم (16) (غير ذلك)
389

الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم
به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا
الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى
وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) *
فهذه الثلاث الآيات هي التي أنزلت منها في المدينة وسائرها بمكة، وسورة المائدة
أنزلت بالمدينة لا خلاف في ذلك، (فان ذكروا) ما روى عن عائشة أم المؤمنين أنها
سئلت عن الدم يكون في أعلى القدر؟ فلم تربه بأسا وقرأت (قل: لا أجد فيما أوحي إلي
محرما على طاعم يطعمه) حتى بلغت (مسفوحا) فان هذا قد عارضه ما رويناه عنها من
طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح عن جرى بن كليب عن جبير بن نفير قال: قالت
لي عائشة أم المؤمنين: هل تقرأ سورة المائدة؟ قلت: نعم قالت: أما أنها آخر سورة نزلت
فما وجدتم فيها حراما فحرموه *
قال أبو محمد: وأيضا فان الدم الذي في أعلى القدر إن كان أحمر ظاهرا فهو
بلا شك مسفوح ولا خلاف في تحريمه وإن كان إنما هو صفرة فليس دما لان الدم
أحمر أو أسود لا اصفر فان بطلت صفاته التي منها يقوم حده فقط سقط عنه اسم الدم
وإذ لم يكن دما فهو حلال، وكذلك ما في العروق وخلال اللحم فإنه ليس ظاهرا (1) وإذا
لم يكن ظاهرا فليس هنالك دم يحرم. وإنما نسأل خصومنا عن دم أحمر ظاهر إلا أنه جامد
ليس جاريا أيحل أكله أم لا؟ فهذا مكان الاختلاف بيننا وبينهم، بالله تعالى التوفيق *
وأما المسك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يتطيب به في حجة الوداع وبعدها وقبلها
وأقره الله تعالى على ذلك واباحه له ولنا وقد علم الله تعالى أنه في أصله دم قرحة متولدة في
حيوان (وما كان ربك نسيا) *
وأما الخنزير فان الله تعالى قال: (أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا). والضمير في لغة
العرب التي نزل بها القرآن راجع إلى أقرب مذكور إليه فصح بالقرآن ان الخنزير بعينه
رجس فهو كله رجس وبعض الرجس رجس، والرجس حرام واجب اجتنابه
فالخنزير كله حرام لا يخرج من ذلك شعره ولاغيره حاشا ما أخرجه النص من الجلد إذا
دبغ فحل استعماله *

(1) في النسخة رقم (14) (ليس طاهرا) وكذلك ما بعده وهو تصحيف
390

وروينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب
عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول: قال (رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي
بيده) (1) ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم صلى الله عليه وسلم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل
الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) *
ومن طريق مسلم نا هارون بن عبد الله نا حجاج - هو ابن محمد - (عن ابن جريج) (2)
نا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من
أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول:
أميرهم تعال صل لنا فيقول: لا إن بعضكم علي بعض امراء تكرمة الله هذه الأمة)، فصح
ان النبي صلى الله عليه وسلم صوب قتل عيسى عليه السلام للخنازير وأخبر أنه بحكم الاسلام ينزل وبه
يحكم، وقد صح أنه عليه السلام نهى عن إضاعة المال فلو كانت الذكاة تعمل في شئ
من الخنزير لما أباح عليه السلام قتله فيضيع، فصح أنه كله ميتة محرم على كل حال، وقد ادعى
بعض من لا يبالي ما أطلق به لسانه من أصحاب القياس ان شحم الخنزير إنما حرم قياسا على
لحمه وان الاجماع علي تحريمه إنما هو من قبل القياس المذكور *
قال أبو محمد: فيقال لمن قال هذا التخليط الظاهر فساده: أول بطلان قولك أنه دعوى
بلا برهان، وثانيه أنه كذب على الأمة كلها إذ قلت أنها إنما أجمعت على الباطل من القياس،
والثالث أنه لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل لأنه لا علة تجمع بين الشحم
واللحم، (فان قالوا): لان الشحم بعض اللحم ومن اللحم لأنه من اللحم تولد قلنا لهم: أمما
قولكم: ان الشحم بعض اللحم فباطل لأنه لو كان ذلك لكان الشحم لحما وهذا لم تأت به
لغة قط ولا شريعة، وأما قولكم لأنه من اللحم تولد فنحن تولدنا من التراب ولسنا
ترابا، والدجاجة تولدت من البيضة وليست بيضة، والتمر تولد من النخل وليس
نخلا، واللحم تولد من الدم واللبن تولد من الدم وليس اللحم دما ولا اللبن دما بل هما
حلالان، والدم حرام وكل ما تولد من شئ فلم يقع عليه اسم ما تولد منه فهو نوع آخر
ولا يجوز أن يحكم له بحكمه لا في اللغة ولا في الديانة، وقد حرم الله تعالى الشحم علي بني إسرائيل
فلم يحرم اللحم بتحريم الشحم. نعم ولا حرم شحم الظهر ولا شحم الصدر
ولا شحم الحوايا لتحريم شحم البطن، ولا يدرى ذو عقل من أين وجب إذا حرم اللحم
ان يحرم الشحم؟ وقد بينا فرق ما بينهما آنفا * والرابع ان يقال لهم أترون سف عظمه

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 54
(2) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 55
391

وأكل غضروفه وشرب لبنه حرم قياسا على لحمه؟ ان هذا لعجب جدا! وكل هذه
عندهم أنواع غير اللحم بلا خلاف منهم، ويقال لهم أيضا أخبرونا أحرم الله تعالى شحم
الخنزير. وغضروفه وعظمه وشعره ولبنه؟ أم لم يحرم شيئا من ذلك؟ ولابد من
أحدهما، (فان قالوا): حرم الله تعالى كل ذلك قلنا لهم: ومن أين يعرف تحريم
الله تعالى ما حرم الا بتفصيله تحريمه وبوحيه بذلك إلى رسوله عليه السلام، وهل يكون
من ادعى ان الله تعالى حرم امر كذا بغير وحى من الله تعالى بذلك الا مفتريا على الله
تعالى كاذبا عليه جهارا؟ إذ أخبر عنه تعالى بما لم ينزل به وحيا ولا اخبر به عن نفسه، وقد
قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) *
(فان قالوا): حرم كل ذلك بتحريمه اللحم قلنا: وهذه دعوى مكررة كاذبة
مفتراة بلا دليل على صحتها، وعن هذه الدعوة الكاذبة سألناكم؟ فلم نجد عندكم
زيادة على تكريرها فقط، وما كان هكذا فهو باطل بيقين * (فان قالوا) لم يحرمها
الله تعال بوحي من عنده ولاحرمها رسوله عليه السلام بنص لكن أجمع
المسلمون على تحريم كل ذلك، قيل لهم: هذه أطعم وأفحش أن يكون شئ يقرون أنه لم
يحرمه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يحرمه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فقد أحله الله
تعالى بلا شك فأجمع المسلمون (1) على مخالفة الله تعالى ومخالفة رسوله عليه السلام إذ
حرموا ما لم يحرمه الله تعالى ولا رسوله عليه السلام وقد أعاذ الله تعالى المسلمين من هذه
الكفرة الصلعاء، * (فان قالوا) * لما أجمع المسلمون على تحريمه حرمه الله تعالى حينئذ قلنا
لهم: متى حرمه الله تعالى؟ أقبل اجماعهم أم مع إجماعهم أم بعد إجماعهم، ولا سبيل إلى قسم
رابع * (فان قالوا) *: بعد إجماعهم جعلوا حكمه تعالى تبعا لحكم عباده وهذا كفر محض،
وان قالوا: بل مع اجماعهم كانوا قد أوجبوا أنهم ابتدءوا مخالفة الله تعالى في تحريم ما لم
يحرمه وقد بينا فحش هذا آنفا، * (وان قالوا) *: بل قبل اجماعهم قلنا: فقد صح أنه تعالى
حرمه ولا يعرف تحريمه إياه الا بتفصيل منه تعالى بتحريمه والتفصيل لا يكون البتة الا
بنص وهذا قولنا والا فهو دعوى كذب على الله تعالى. وتكهن. وقول في الدين بالظن
فظهر يقين ما قلناه وفساد قولهم وصح ان المسلمين إنما أجمعوا على تحريم كل ذلك اتباعا
للنص الوارد في تحريمه كما لم يجمعوا على تحريم لحمه الا بعد ورود النص بتحريمه ولا
فرق وبالله تعالى التوفيق، وسنذكر حكم الجراد بعد هذا إن شاء الله تعالى *

(1) في النسخة رقم (14) (واجمع المسلمون)
392

989 - مسألة - وأما ما يسكن جوف الماء ولا يعيش إلا فيه فهو حلال كله
كيفما وجد، سواء أخذ حيا ثم مات أو مات في الماء، طفا أو لم يطف، أو قتله حيوان
بحري أو برى هو كله حلال أكله، وسواء خنزير الماء، أو انسان الماء، أو كلب الماء وغير
ذلك كل ذلك حلال أكله: قتل كل ذلك وثني أو مسلم أو كتابي أو لم يقتله أحدا *
برهان ذلك قول الله تعالى: (وما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا
ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا، وقال تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا
لكم وللسيارة) فعم تعالى ولم يخص شيئا من شئ (وما كان ربك نسيا) فخالف أصحاب أبي
حنيفة هذا كله وقالوا: يحل اكل ما مات من السمك وما جزر عنه الماء (1) ما لم يطف على
الماء مما مات في الماء حتف أنفه خاصة، ولا يحل أكل ماطفا منه على الماء ولا يحل أكل
شئ مما في الماء السمك وحده، ولا يحل أكل خنزير الماء ولا انسان الماء، واحتجوا
في ذلك بان قالوا: قد حرم الله أكل الخنزير جملة والانسان وهذا خنزير وانسان، قالوا:
فان ضربه حوت فقتله. أو ضربه طائر فقتله. أو ضربته صخرة فقتلة. أو صاده وثنى فقتله
فطفا بعد كل هذا فهو حلال أكله، وقال محمد بن الحسن (2) في سمكة ميتة بعضها في البر
وبعضها في الماء (3): إن كان الرأس وحده خارج الماء اكلت وإن كان الرأس في الماء نظر
فإن كان الذي في البر من مؤخرها النصف فأقل لم يحل أكلها وإن كان الذي في البر من
مؤخرها أكثر من النصف حل أكلها *
قال أبو محمد: هذه أقوال لا تعلم عن أحد من أهل الاسلام قبلهم وهي مخالفة للقرآن
وللسنن ولأقوال العلماء وللقياس وللمعقول لأنها تكليف ما لا يطاق مما لا سبيل إلى
علمه هل ماتت وهي طافية فيه أو ماتت قبل ان تطفو أو ماتت من ضربة حوت. أو من
صخرة منهدمة. أو حتف أنفها؟ ولا يعلم هذا الا الله أو ملك موكل بذلك الحوت،
وما ندري لعل الجن لا سبيل لها إلى معرفة ذلك أم يمكنها علم ذلك لان فيهم غواصين بلا
شك؟ قال تعالى: (ومن الشياطين من يغصون له) (4) ثم لابد للسمكة التي شرع فيها محمد
ابن الحسن هذه الشريعة السخيفة من مذرع يذرع ما منها خارج الماء وما منها داخل الماء
ثم ما يدريه البائس لعله كان أكثرها في الماء، ثم أدارتها الأمواج فيالله ويا للمسلمين

(1) قال الجوهري في صحاحه: وجزر الماء يجزر ويجزر جزرا أي نضب والجزر خلاف المد وهو رجوع الماء
إلى خلف
(2) في النسخة اليمنية (محمد بن الحسين) وهو غلط
(3) في النسخة رقم (16) (في البحر) وهو أخص
(4) في النسخة رقم 14 وكذلك في النسخة اليمنية (والشياطين كل بناء وخواص) وهما آياتان في صورتين
393

لهذه الحماقات التي لا تشبه الا ما يتطايب به المجان لاضحاك سخفاء الملوك، والعجب
كل العجب من قولهم في الاخبار الثابتة في أنه لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان!: هذا
زيادة على ما في القرآن فلا نأخذ بها الامن طريق التواثر، ثم لا يستحيون ان يزيدوا
بمثل هذه العقول مثل هذه الزيادة (1) على ما في القرآن، نحمد الله على السلامة في الدين
والعقل كثيرا *
وأما قولهم: إنه قد حرم الخنزير والانسان وهذا خنزير وانسان، وقد قال الليث
ابن سعد بهذا أيضا خاصة: فليس خنزير أولا انسانا لأنها إنما هي تسمية من ليس حجة
في اللغة وليست التسمية الا لله تعالى، ولو كان ذلك إلى الناس لكان من شاء ان يحل
الحرام أحله بان يسميه باسم شئ حلال ومن شاء ان يحرم الحلال حرمه بان يسميه
باسم شئ حرام، فسقط قول هذه الطائفة سقوطا لامرية فيه وبقى قول لبعض
السلف في تحريم الطافي من من السمك *
روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن أبي
الزبير عن جابر قال: ما طفا فلا تأكلوه وما كان على حافتيه أو حسر عنه فكلوه *
ومن طريق سعيد بن منصور نا إبراهيم - هو ابن علية - نا أيوب عن أبي الزبير عن
جابر قال: ما حسر الماء عن ضفتي البحر فكل وما مات فيه طافيا فلا تأكل *
ومن طريق ابن فضيل انا عطاء بن السائب عن مسيرة عن علي بن أبي طالب قال:
ما طفا من صيد البحر فلا تأكلوه * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن
الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل أنه سمع ابن عباس وقد قال له رجل: انى أجد
البحر وقد جعل سمكا قال: لا تأكل منه طافيا * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن
ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: ما طفا من السمك فلا تأكله *
وصح عن الحسن. وابن سيرين. وجابر بن زيد. وإبراهيم النخعي أنهم (2) كرهوا
الطافي من السمك، وبتحريمه يقول الحسن بن حي، وروى عن سفيان الثوري فيما
في البحر مما عدا السمك قولان، أحدهما أنه يؤكل، والآخر لا يؤكل حتى يذبح
وههنا قول آخر رويناه من طريق وكيع قال: نا جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم
عن علي بن أبي طالب أنه كره صيد المجوس للسمك * ومن طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج أخبرني أبو بكر بن حفص عن ابن مسعود قال: ذكاة الحوت فك لحييه *

(1) في النسخة اليمنية (الزيادات)
(2) في النسخة رقم 16 (أنه) ولا يناسب
394

قال أبو محمد: أما هذا القول وتقسيم أحد قولي الثوري فيبطلها كلها ما رويناه من
طريق مسلم نا يحيى بن يحيى نا أبو خيثمة - هو زهير بن معاوية - عن أبي الزبير المكي
حدثني جابر قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرا (1) لقريش
وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، قال أبو الزبير:
فقلت لجابر: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها (كما يمص الصبي) (2)، ثم نشرب
عليها من الماء (فتكفينا يومنا إلى الليل) (3) وكنا نضرب بعصينا الخبط فنبله (4) بالماء
فنأكله (قال: وانطلقنا على ساحل البحر) (5) فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة
الكثيب (6) الضخم فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العنبر قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لابل
نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله تعالى وقد اضطررتم فكلوا فأقمنا عليه
شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا ولقد رأيتنا نغترف من وقب (7) عينيه بالقلال
(8) الدهن ونقتطع منه الفدر (9) كالثور أو كقدر الثور ولقد (10) أخذ منا أبو عبيدة
ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها، ثم رحل
أعظم بعير معنا فمر من تحتها (11) وتزورنا من لحمه وشائق (12)، فلما قدمنا المدينة
ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم (13) فقال هو رزق أخرجه الله تعالى لكم فهل معكم من
لحمه شئ فتطعمونا؟ فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله) *
قال أبو محمد: فهذا ليس من السمك بل هو مما حرمه من ذكرنا وليس مما فكت
لحياه بل هو ميتة وهذا هو الصحيح عن جابر لسماع أبى الزبير إياه منه، وهذا
بين فيه لقوله لجابر في التمرة كيف كنتم تصنعون بها؟، وإذ ميتة البحر حلال فصيد
الوثني وغيره له سواء لأنه لا يحتاج إلى ذكاة إنما ذكاته موته فقط، وأما من حرم الطافي
جملة فالرواية في ذلك عن جابر لا تصح لان أبا الزبير لم يذكر فيه سماعا من جابر وهو ما لم
يذكر ذلك فمدلس عنه كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى، وهي عن علي لا تصح لان ابن

(1) هو الإبل بأحمالها
(2) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 110
(3) الزيادة من صحيح مسلم
(4) في صحيح مسلم (ثم نيله)
(5) الزيادة من صحيح مسلم
(6) هو - بالثاء المثلثة - الرمل المستطيل المحدودب
(7) بفتح الواو وسكون القاف وبالباء الموحدة هو داخل عينه ونقرتها
(8) القلال بكسر القاف جمع قل بضمها هي الجرة الكبيرة
(9) هو - بالفاء والدال المهملة - جمع فدرة القطعة من كل شئ
(10) في صحيح مسلم (فلقد)
(11) أي من تحت الضلع وفى الأصول (من تحته) والمشهور في الضلع التأنيث، وقيل فيها الوجهان
(12) هو بالشين المعجمة جمع وشيقة وهي ان يأخذ اللحم فيغلى قليلا ولا ينضج ويحمل في الاسفار وقيل هي القديد
(13) في صحيح مسلم ج 2 ص 110 (فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكرنا ذلك له) الخ
395

فضيل لم يسمع من عطاء بن السائب الا بعد اختلاطه، وهي عن ابن عباس من طريق أجلح
وليس بالقوى لكنه صحيح عن الحسن. وابن سيرين. وجابر بن زيد * واحتجوا بما
رويناه من طريق أبى داود نا أحمد بن عبدة نا يحيى بن سليم الطائفي نا إسماعيل بن أمية
عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما القى البحر أو جزر
عنه فكلوه وما مات فيه فطفا (1) فلا تأكلوه) * ومن طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل
ابن عياش حدثني عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب بن كيسان ونعيم بن المجمر - هو
ابن عبد الله - عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا ما حسر عنه البحر وما ألقى
وما وجدتموه طافيا من السمك فلا تأكلوه) *
قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة غير هذا وليس بحجة لأنه لا يصح ولو صح لما ترددنا
طرفة عين في القول به إلا أن قبل كل شئ فهو لو صح حجة (2) على أصحاب أبي حنيفة
لأنهم مخالفون لما فيه ولكل ما روينا في ذلك عن صاحب أو تابع لأنهم يبيحون بعض
الطافي إذا مات من عارض عرض له لا حتف أنفه ويحرمون كثيرا مما ألقى البحر أو
حسر عنه (3) فخالفوا الخبر في موضعين، وكذلك من روى عنه في هذا شئ، وأما ضعف
هذين الخبر، فأحدهما من طريق إسماعيل بن عياش وهو ضعيف، والآخر من
رواية أبى الزبير عن جابر ولم يذكر فيه سماعا * نا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري
نا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي القاضي نا إسحاق بن أحمد الدخيل نا أبو جعفر
العقيلي نا محمد بن إسماعيل. وزكريا بن يحيى الحلواني قال زكريا: نا أحمد بن سعيد
ابن أبي مريم، وقال محمد بن إسماعيل: نا الحسن بن علي، ثم اتفق أحمد والحسن قالا
جميعا: نا سعيد بن أبي مريم نا الليث بن سعد قال: جئت أبا الزبير فدفع (4) إلى كتابين
فقلت له: هذا كله سمعته من جابر فقال: منه ما سمعت منه، ومنه ما حدثت عنه فقلت:
أعلم لي على ما سمعت فاعلم لي على هذا الذي عندي *
قال أبو محمد: فما لم يكن من رواية الليث عن أبي الزبير ولا قال فيه أبو الزبير أنه
اخبره به جابر فلم يسمعه من جابر باقراره ولا ندري عمن أخذه فلا يجوز الاحتجاج

(1) في سنن أبي داود ج 3 ص 421 (وطفا) وقوله (أو جزر) بجيم ثم زاي أي انكشف عنه الماء وذهب والجزر
رجوع الماء خلفه وهو ضد المد كما تقدم عن الصحاح ومنه الجزيرة ومعنى (طفا) ارتفع فوق الماء بعد ان مات
(2) كذا هذه الجملة في جميع النسخ وهو تركيب فيه ركاكة، وحقه أن يكون هكذا (الا أن قبل كل شئ انه لو صح لكان حجة) الخ والله أعلم
(3) أي انكشف وهو بمعنى (جزر) المذكور في الحديث قريبا
(4) في النسخة رقم 16 (فرفع) بالراء
396

به، وهذا من ذلك الخبر فسقط ونحمد الله تعالى على بيانه لنا * وقد روى مثل قولنا عن
طائفة من السلف * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الملك
ابن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال: اشهد على أبى بكر أنه قال: السمكة الطافية
حلال لمن أراد اكلها (1) * نا حمام نا الباجي نا ابن أيمن نا أحمد بن مسلم نا أبو ثور نا معلى
نا أبو عوانة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ان أبا بكر الصديق قال: السمك كله
ذكى (2) * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمر وبن دينار
عن عكرمة قال قال أبو بكر الصديق: طعام البحر كل ما فيه * ومن طريق وكيع نا همام -
هو ابن يحيى - عن قتادة عن جابر بن أبي الشعثاء قال قال عمر بن الخطاب: الحيتان
والجراد ذكى (3) *
قال أبو محمد: قال الله تعالى: (فالتقمه الحوت وهو مليم) فسمى ما يلتقم الانسان
في بلعة واحدة حوتا. وليس هذا من الصفة التي أحل أبو حنيفة، وقد قال أبو بكر. وعمر
بإباحته ولا يعلم لهما في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا صالح بن موسى الطلحي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي
ابن أبي طالب أنه سئل عن الحيتان والجراد؟ فقال: الحيتان والجراد ذكى ذكاتهما
صيدهما * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا منصور عن معاوية بن قرة أن أبا أيوب
أكل سمكة طافية * ومن طريق أبي ثور نا معلى نا عبد الوارث بن سعيد التنوري نا أبو
التياح عن ثمامة بن أنس بن مالك ان أبا أيوب الأنصاري سئل عن سمكة طافية؟ فقال:
كل وأطعمني (4) * ومن طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله (5)
ابن عبيد الكلاعي عن سليمان بن موسى عن الحسن قال: أدركت سبعين (6) رجلا
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكلون صيد المجوس من الحيتان لا يختلج (7) منه شئ
في صدورهم ولم يكونوا يرون صيده ذكاته، وبأكل الطافي من السمك يقول ابن أبي

(1) ذكره البخاري في صحيحه ج 7 ص 161 معلقا، قال الحافظ ابن حجر في الفتح ج 9 ص 529: وصله أبو بكر بن أبي
شيبة والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال: اشهد على أبى بكر أنه قال
: السمكة الطافية حلال) زاد الطحاوي لمن أراد اكله وأخرجه الدارقطني وكذا عبد بن حميد والطبري منها وفى
بعضها اشهد على أبى بكر انه اكل السمك الطافي على الماء اه‍
(2) هو في سنن الدارقطني ص 539
(3) هو في سنن الدارقطني ص 539
(4) هو في سنن الدارقطني ص 539
(5) في النسخة اليمنية (عبد الله) وهو غلط
(6) في النسخة رقم 16 (تسعين)
(7) أي لا يدخلهم الشك في ذلك منه، قال في الصحاح: وتخالج في صدري منه شئ وذلك إذا شككت اه‍
وفى النسخة رقم 14 والنسخة اليمنية (لا يحتلج) وفى النسخة رقم 16 (لا يتجلح)
397

ليلى. والأوزاعي. وسفيان الثوري. ومالك. والليث. والشافعي. وأبو سليمان *
قال على: لا يطفو الحوت أصلا الا حتى يموت أو يقارب الموت فإذا مات طفا
ضرورة ولابد، فتخصيصهم الطافي بالمنع واباحتهم ما مات في الماء تناقض *
990 - مسألة - وأماما يعيش في الماء وفي البر فلا يحل أكله الا بذكاة كالسلحفاة
والباليمرين (1) وكلب الماء والسمور ونحو ذلك لأنه من صيد البر ودوابه وان
قتله المحرم جزاه، وأما الضفدع فلا يحل اكله أصلا لما ذكرنا في كتاب الحج من نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبحها فأغنى عن اعادته *
991 - مسألة - ولا يحل اكل حيوان مما يحل اكله ما دام حيا لقول الله
تعالى: (إلا ما ذكيتم) فحرم علينا اكل ما لم نذك والحي لم يذك بعد، وكذلك لو ذبح
حيوان أو نحر فإنه لا يحل اكل شئ منه حتى يموت لقول الله تعالى: (فاذكروا اسم الله
عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها) ولا خلاف في أن حكم البدن وغيرها
في هذا سواء فلا يحل بلع جرادة حية ولا بلع سمكة حية مع أنه تعذيب، وقد نهى عن
تعذيب الحيوان * روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن يحيى بن أبي كثير
عن رجل عن ابن الفرافصة عن أبيه ان عمر بن الخطاب قال: إن الذكاة الحلق
واللبة لمن قدر وذروا الا نفس حتى تزهق وبالله تعالى التوفيق *
992 - مسألة - ولا يحل أكل شئ من حيوان البر بفتل عنق ولا بشدخ
ولا بغم لقول الله تعالى: (الا ما ذكيتم) وليس هذا ذكاة *
993 - مسألة - ولا يحل أكل العذرة ولا الرجيع ولا شئ من أبوال الخيول
ولا القى، ولا لحوم الناس ولو ذبحوا ولا أكل شئ يؤخذ من الانسان الا اللبن وحده،
ولا شئ من السباع ذوات الأنياب ولا أكل الكلب ولا الهر الانسي والبرى سواء
ولا الثعلب حاشا الضبع وحدها فهي حلال أكلها، ولو أمكنت ذكاة الفيل لحل أكله *
أما العذرة والبول فلما ذكرنا في كتاب الصلاة من قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم في النهى عن الصلاة وهو يدافع الأخبثين البول والغائط، ولقول الله تعالى:
(ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فكل خبيث فهو محرم بالنص ولا خبيث
الا ما سماه الله تعالى ورسوله خبيثا وذكرنا هنا لك قوله عليه السلام: (أكثر عذاب القبر

(1) كذا في النسخة رقم 14 وفى النسخة رقم 16 (والبالية) وفى النسخة اليمنية (والبالية مرين) ولم أجد هذا الاسم
في حياة الحيوان ولاغيره، ولعله من تسمية تلك البلاد غير المألوفة لبلادنا
398

في البول) فعم عليه السلام كل بول، وبينا هنالك ان سقى النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين
أبوال الإبل إنما كان على سبيل التداوي للعلل التي كانت أصابتهم وأوردنا الأسانيد
الثابتة بكل هذا وبينا فساد الرواية من طريق سوار بن مصعب وهو ساقط لا بأس ببول
ما أكل لحمه (1)، وهذا مما تركوا فيه القياس إذ قاسوا بول الحيوان ورجيعه على لحمه
فهلا قاسوه على دمه فهو أولى بالقياس أو على بول الآدميين ورجيعهم *
وأما القئ فلما روينا من طريق البخاري نا مسلم بن إبراهيم نا هشام - هو الدستوائي -
وشعبة قالا جميعا: نا قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس (رضي الله عنهما) (2) قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) والقئ هوما تغير فان
خرج الطعام ولم يتغير فليس قيئا فليس حراما *
وأما لحوم الناس فان الله تعالى قال: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم ان
يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) ولامر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد
ذكرناه في كتاب الجنائز بان يوارى كل ميت من مؤمن أو كافر فمن أكله فلم يواره
ومن لم يواره فقد عصى الله تعالى، ولقول الله تعالى: (إلا ما ذكيتم) فحرم تعالى
أكل الميتة وأكل ما لم يذك، والانسان قسمان. قسم حرام قتله. وقسم مباح قتله،
فالحرام قتله ان مات أو قتل فلم يذك فهو حرام، وأما الحلال قتله فلا يحل قتله الا لاحد
ثلاثة أوجه، إما لكفره ما لم يسلم، وإما قودا، وإما لحد أوجب قتله، وأي هذه
الوجوه كان فليس مذكى؟ لأنه لم يحل قتله إلا بوجه مخصوص فلا يحل قتله بغير ذلك
الوجه، والتذكية غير تلك الوجوه بلا شك فالقصد إليها معصية والمعصية ليست
ذكاة فهو غير مذكى فحرام أكله بكل وجه، وإذ هو كله حرام (3) فاكل بعضه حرام
لان بعض الحرام حرام بالضرورة، ويدخل في هذا المخاط. والنخاعة. والدمع.
والعرق. والمذي. والمني. والظفر. والجلد. والشعر. والقيح. والسنن الا اللبن المباح
بالقرآن، والسنة، والاجماع، وقد أباح عليه السلام لسالم - وهو رجل - الرضاع من لبن
سهلة بنت سهيل، والريق لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حنك الصبيان بتمر مضغه فريقه في
ذلك الممضوغ فالريق حلال بالنص فقط، بالله تعالى التوفيق *
وأما السباع فلما روينا من طريق مالك بن أنس عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة
ابن سفيان عن أبي هريرة عن (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ذي ناب من السباع

(1) في النسخة رقم 16 (ما يؤكل لحمه)
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 2 ص 225
(3) في النسخة رقم 16 (وإذ هو اكله حرام) وفى النسخة اليمنية (إذ هو حرام اكله) وما هنا أظهر
(4) في موطأ مالك ج 2 ص 42 (ان) بدل عن
399

فأكله حرام) (1) وجاء أيضا من غير هذه الطريق تركناها اختصار (2)، والكلب
ذو ناب من السباع وكذلك الهر والثعلب فكل ذلك حرام، وقد أمر عليه السلام بقتل
الكلب ونهي عن إضاعة المال فلو جاز أكلها ما حل قتلها كما لا يحل قتل كل ما يؤكل من
الانعام وغيرها *
روينا من طريق وكيع نا مبارك هو ابن فضالة - عن الحسن البصري عن عثمان
رضي الله عنه قال: اقتلوا الكلاب واذبحوا الحمام، ففرق بينهما فأمر بذبح ما يؤكل
وقتل ما لا يؤكل * ومن طريق ابن وهب عن ابن أبي ذئب انه سمع ابن شهاب يسأل
عن مرارة السبع وألبان الأتن؟ فقال الزهري: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل
ذي ناب من السباع، ولا خير فيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن اكل لحوم الحمر الانسية فلا نرى البانها التي تخرج من بين لحمها ودمها الا بمنزلة لحمها *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: الثعلب سبع لا يؤكل *
ومن طريق عبد الرزاق عن عمر بن زيد أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
يقول: (نهى (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اكل الهر وثمنه) أقل ما في هذا الأثر أن يكون
موقوفا على جابر، وبتحريم السباع وبكل ما ذكرنا يقول أبو حنيفة. والشافعي.
وأبو سليمان إلا أن الشافعي أباح الثعلب. وانكر المالكيون تحريم السباع وموهوا
بان قالوا: قد صح عن عائشة أم المؤمنين أنها سئلت عن أكل (لحوم) (4) السباع؟
فقرأت (قل: لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما
مسفوحا أو لحم خنزير) الآية، وروى من طريق جويبر عن الضحاك قال: تلا
ابن عباس هذه الآية (قل: لا أجد فيما أوحي إلي محرما) قال: ما خلا هذا فهو حلال،
وقالوا: روى الزهري خبر النهى عن كل ذي ناب من السباع، ثم قال: لم اسمع هذا من
علمائنا بالحجاز حتى حدثني أبو إدريس وكان من فقهاء الشام (5)، وقال بعضهم: إنما
نهى عنها من اجل ضرر لحمها *
قال أبو محمد: هذا كل ما موهوا به وكله لا شئ، أما الآية فإنها مكية كما قدمنا
ولا يجوز ان تبطل بها أحكام نزلت بالمدينة، وهم يحرمون الحمر الأهلية وليست في الآية
ويحرمون الخمر وليست في الآية، والخليطين وان لم يسكرا ولم يذكرا في الآية،

(1) في موطأ مالك (قال: اكل كل ذي ناب من السباع حرام)
(2) رواه مسلم أيضامن طرق ج 2 ص 109
(3) في النسخة رقم 16 (نهانا)
(4) الزيادة من النسخة رقم 16
(5) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 109
400

وهذا تناقض عظيم، وأما قول عائشة رضي الله عنها فلا حجة في أحد مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ولو أن عائشة رضي الله عنها بلغها نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما خالفته
كما فعلت في تحريم الغراب إذ بلغها وليس مذكورا في الآية على ما نذكر بعد هذا
إن شاء الله تعالى *
واما الرواية عن ابن عباس ففي غاية الفساد لأنها عن جويبر وهو هالك عن الضحاك
وهو ضعيف، ولا حجة في أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم *
وأما قول الزهري: انه لم
يسمعه من علمائه بالحجاز فكان ماذا؟ وهبك ان الزهري لم يسمعه قط أترى السنن
لا يؤخذ منها شئ حتى يعرفها الزهري؟ ان هذا لعجب ما سمع بمثله! فكيف والزهري لم
يلفت إلى أنه لم يسمعه من علمائه بالحجاز بل أفتى به كما ذكرنا آنفا؟ وكم قصة خالفوا فيها
عائشة والزهري إذا خالفهما مالك (إذ) (1) لا مؤنة عليهم في ذلك كما ذكرنا كثيرا منه
ونذكر إن شاء الله تعالى، وهذه المسألة نفسها مما خالفوا فيه فتيا عائشة في الغراب وفتيا
الزهري كما أوردنا وإنما هم كالغريق يتعلق بما يجد وإن كان فيه هلاكه، وأما قولهم: إنما
نهى عنها لضرر لحمها فكلام جمع الغثاثة والكذب، أما الكذب فما عليهم بذلك ومن
أخبرهم بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كذب عليه صلى الله عليه وسلم إذ قولوه
ما لم يقل وإذ أخبروا عنه بما لم يخبر به قط عن نفسه، وهذه قصة مهلكة مؤدية إلى النار
نعوذ بالله منها * وأما الغثاثة فان علمهم بالطب في هذه المسألة ضعيف جدا وما يشك من
له أقل بصر بالأغذية في أن لحم الجمل الشارف والتيس الهرم أشد (3) ضررا من لحم
الكلب والهر والفهد، ثم هبك انه كما قالوا فهل في ذلك ما يبطل النهى عنها؟ ما هو
الا تأكيد في المنع منها، ثم قد شهدوا على أنفسهم بإضاعة المال والمعصية (4) في ذلك
إذ تركوا الكلاب والسنانير تموت على المزابل وفي الدور ولا يذبحونها فيأكلونها
إذ هي حلال ولو أن امرء افعل هذا بغنمه وبقره لكان عاصيا لله تعالى بإضاعة ماله * وأما
الضباع فان الشافعي وأبا سليمان أباحا اكلها، والحجة لذلك ما رويناه من طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير (5) ان عبد الرحمن بن أبي
عمار أخبره قال: سألت جابر بن عبد الله عن الضبع أآكلها؟ قال: نعم قلت: أصيد هي؟ قال

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 (أو قولوه) وفى النسخة اليمنية (إذا قوله) والصواب ماهنا
(3) في النسخة رقم 16 (أعظم)
(4) في النسخة رقم 16 (وبالمعصية)
(5) في النسخة رقم 16 وكذلك اليمنية (عبد الله بن عبيد الله بن عمير) بإضافة عبيد وفى تهذيب التهذيب بحذف الإضافة كما هنا وكذلك في تقريب التهذيب
401

نعم قلت: أسمعت ذلك من نبي الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم قال ابن جريج: نا نافع مولى ابن عمر قال:
أخبر رجل ابن عمر أن سعد بن أن سعد بن أبي وقاص يأكل الضباع قال نافع: فلم ينكر ابن عمر
ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كان علي بن أبي
طالب لا يرى بأكل الضباع بأسا، وقال معمر عن عمرو بن مسلم: سمعت عكرمة
عن ابن عباس وسئل عن الضبع؟ فقال: رأيتها على مائدة ابن عباس * ومن طريق وكيع
عن أبي المنهال الطائي عن عبد الله بن زيد عمه قال: سألت أبا هريرة عن الضبع؟ فقال: نعجة
من الغنم * وعن عطاء قال: ضبع أحب إلى من كبش *
قال أبو محمد: فواجب ان تستثنى الضباع من جملة السباع كما فعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولا يخالف شئ (1) من أقواله عليه السلام، وقال أبو حنيفة: بتحريم الضباع
وما نعلم له حجة الا تعلقه بعموم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل السباع قالوا: وهي
سبع، وذكروا خبرا فاسدا رويناه من طريق محمد بن جرير الطبري انا ابن حميد نا أبو
زهير نا محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن مسلم المكي عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن
حبان بن جزء (2) عن أخيه خزمية بن جزء قال: (قلت يا رسول الله: ما تقول في الضبع؟
فقال لي: ومن يأكل الضبع (؟ * وذكروا ما رويناه من طريق مؤمل بن إسماعيل عن
سفيان الثوري نا سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن يزيد قال: سألت سعيد بن المسيب عن
الضبع؟ فكرهه فقلت له: ان قومك يأكلونه فقال: إن قومي لا يعلمون *
قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة غير هذا فأما احتجاجهم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم
عن السباع فإنه حق ولكن الذي نهى عن السباع هو الذي أحل الضباع فلا فرق بين
إباحة ما حرم من السباع وبين تحريم ما حلل من الضباع وكلاهما لا تحل مخالفته *
وأما الخبر المذكور فلا شئ لان إسماعيل بن مسلم ضعيف وابن أبي المخارق ساقط،
وحبان بن جزء (3) مجهول، ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة لأنه ليس فيه تحريم أصلا وإنما
فيه التعجب ممن يأكلها فقط، وقد علمنا أن عظام الضأن حلال ثم لو رأينا أحدا يأكلها أو
يأكل جلودها لعجبنا من ذلك أشد العجب * وأما قول سعيد بن المسيب فلا حجة في قول

(1) في النسخة رقم 16 (ولا نخالف شيئا)
(2) حبان بن جزء هو بالحاء المهملة بعدها ياء موحدة، وفى النسخة رقم 14
والنسخة اليمنية (حيان) بالياء المثناة من احت وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب، وقال الحافظ ابن حجر في آخر ترجمته:
ذكره ابن حبان في الثقات أخرج له حديثا واحدا في السؤال عن الضب والأرنب والضبع والذئب وضعف اسناده الترمذي
(3) في النسخة رقم 14 والنسخة اليمنية (وحيان بن جزء) بالياء المثناة من تحت وهو غلط
402

أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أحل الله البيع جملة ثم حرم النبي صلى الله عليه وسلم بيوعا كثيرة فلم يغلبوا عموم
الإباحة على تخصيص النهى وهذا خلاف فعلهم ههنا، وهذا مما خالفوا فيه جماعة من الصحابة
لا يعرف لهم منهم مخالف وبالله تعالى التوفيق * وأما الفيل فليس سبعا ولا جاء في تحريمه نص،
وقال تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعا) وقال تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على
طاعم يطعمه) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فكل شئ حلال الا ما جاء نص بتحريمه
بهذا جاء نص القرآن والسنن ولم يأت في الفيل نص تحريم فهو حلال *
994 - مسألة - ولا يحل أكل شئ من الحيات ولا أكل شئ من ذوات المخالب من
الطير وهي التي تصيد الصيد بمخالبها (1) ولا العقارب. ولا الفيران. ولا الحداء. والغراب *
روينا من طريق مسلم نا شيبان بن فروخ نا أبو عوانة عن زيد بن جبير قال: (قال ابن عمر: حدثني
احدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم انه كان عليه السلام يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب
والحديا والغراب والحية قال: وفي الصلاة أيضا) (2) * ومن طريق مسلم حدثني إسحاق بن منصور
نا محمد بن جهضم نا إسماعيل (وهو عندنا ابن جعفر) (3) عن عمر بن نافع عن أبيه قال كان (عبد
الله) بن عمر يوما (عند هدم له) (5) رأى وبيص فقال: اقتلوه فقال أبو لبابة الأنصاري:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي (تكون) (6) في البيوت الا الأبتر
وذا الطفيتين (7) فإنهما اللذان يخطفان البصر ويتبعان ما في بطون النساء) * ومن طريق مالك
عن صيفي - هو ابن أفلح - أخبرني أبو السائب مولى هشام بن زهرة ان أبا سعيد الخدري أخبره (ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها (8) شيئا فأذنوه ثلاثة أيام
فان بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه) (9) فكل ما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فلا ذكاة له لأنه
عليه السلام نهى عن إضاعة المال ولا يحل قتل شئ يؤكل، وقد ذكرنا في كتاب الحج قوله عليه
السلام: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم) فذكر العقرب والفأرة والحدأة. والغراب.
والكلب العقور، فصح ان فيها فسقا والفسق محرم قال تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلى
محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا
أهل لغير الله به) فلو ذبح ما فيه فسق لكان مما أهل لغير الله به لان ذبح ما لا يحل أكله

(1) في النسخة رقم 16 وكذلك اليمنية (تصيد الطير)
(2) الحديث اختصره المصنف واقتصر على محل الشاهد منه
انظر صحيح مسلم ج 1 ص 335
(3) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 393
(4) الزيادة من صحيح مسلم
(5) الزيادة من صحيح مسلم
(6) الزيادة من صحيح مسلم، والمصنف في روايته هنا أسقط ألفاظا كثيرة هي في صحيح مسلم المطبوع
(7) الأبتر هو صنف أزرق مقطوع الذنب لا ينظر إلى حامل الا ألقت ما في بطنها وإنما لستثنيا لان مؤمني الجن لا يتصورون في صورهما وذو الطفيتين هو ما كان على ظهره خطان مثل الطفيتين وهما الخصوتان
(8) في الموطأ (منهم)
(9) الحديث في الموطأ ج 3 ص 142 مطولا اختصره المصنف
403

معصية والمعصية قصد إلى غير الله تعالى به * روينا عن عمر بن الخطاب اقتلوا الجيات كلها *
وعن ابن مسعود من قتل حية أو عقربا قتل كافرا، ومن طريق أحمد بن زهير بن أبي خيثمة
نا ابن أبي أويس نا أبى نا يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت: إن
لاعجب ممن يأكل الغراب، وقد اذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله وسماه فاسقا والله
ما هو من الطيبات * ومن طريق شريك عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر قال: من
يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقا، والله ما هو من الطيبات *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال: من يأكل الغراب
وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقا * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
قال: كره رجال من أهل العلم أكل الحداء والغراب حيث سماهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
من فواسق الدواب التي تقتل في الحرم، (فان قيل): قد روى (وترمى الغراب ولا تقتله)
قلنا: رواه من لا يجوز الاخذ بروايته يزيد بن أبي زياد وقد ذكرنا تضعيفه في كتاب الحج،
وقولنا هو قول الشافعي. وأبي سليمان، وحرم أبو حنيفة الغراب الأبقع ولم يحرم الأسود
واحتج بان في بعض الأخبار ذكر الغراب الأبقع * قال أبو محمد: الاخبار التي فيها عموم ذكر الغراب هو الزائد حكما ليس في الذي فيه تخصيص
الأبقع ومن قال إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الغراب. الغراب الأبقع خاصة
لأنه قد ذكر الغراب الأبقع في خبر آخر فقد كذب إذ قفا ما لاعلم له به، ونحن على يقين من أنه قد
أمر عليه السلام بقتل الأبقع في خبر وبقتل الغراب جملة في خبر آخر وكلاهما حق لا يحل
خذفه، وتردد المالكيون في هذه الدواب التي ذكرنا، وأما العقارب والحيات فما يمترى ذو فهم
في أنهن من أخبث الخبائث وقد قال تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث)، وأما الفيران فما زال جميع
أهل الاسلام يتخذون لها القطاط والمصايد القتالة ويرمونها مقتولة على المزابل، فلو كان
أكلها حلالا لكان ذلك من المعاصي ومن إضاعة المال، بالله تعالى التوفيق *
وأباحوا أكل الحيات المذكاة وهم يحرمون أكل ما ذكى من قفاه، ولا سبيل إلى تذكية الحيات
الا من أقفائها *
قال أبو محمد: وهي والخمر تقع في الترياق فلا يحل أكله الا عند الضرورة على سبيل التداوي لان
المتداوى مضطر وقد قال تعالى: (الا ما اضطررتم إليه) *
وأما ذوات المخالب من الطير فلما رويناه من طريق مسلم نا أحمد بن حنبل. وعبيد الله بن معاذ
ابن معاذ قال احمد: نا هشيم أن أبا بشر جعفر بن أبي وحشية أخبره وقال عبيد الله: نا أبى نا شعبة عن
الحكم بن عتيبة ثم اتفق الحكم وأبو بشر كلاهما عن ميمون بن مهران عن ابن عباس (ان رسول الله
404

صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير) (1) قال الله
تعالى: (وما نهاكم عنه فانتهوا) ولا يجوز ان ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلال،
وبهذا يقول أبو حنيفة. والشافعي. وأحمد. وأبو سليمان، وأباح المالكيون أكل سباع الطير،
واحتج بعض من ابتلاه الله تعالى بتقليده بان هذا الخبر لم يسمعه ميمون بن مهران من ابن
عباس وإنما سمعه من سعيد بن جبير عن ابن عباس، وأشار إلى خبر رويناه من طريق أحمد بن
شعيب انا إسماعيل بن مسعود الجحدري عن بشر بن المفضل عن سعيد بن أبي عروبة عن علي بن
الحكم عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (ان رسول الله (2) صلى الله عليه وسلم
نهى يوم خيبر عن كل ذي مخلب من الطير وعن كل ذي ناب من السباع) *
قال أبو محمد: أراد هذا الناقض (3) ان يحتج لنفسه فدفنها وأراد ان يوهن الخبر فزادة قوة
لان سعيد بن جبير هو النجم الطالع ثقة وامامة وأمانة فكيف وشعبة. وهشيم. والحكم. وأبو بشر
كل واحد منهم لا يعدل به علي بن الحكم؟ وأسلم الوجوه لعلي بن الحكم ان لم يوصف بأنه أخطأ في
هذا الخبر ان يقال: إن ميمون بن مهران سمعه من ابن عباس وسمعه أيضا من سعيد بن جبير عن
ابن عباس *
قال على: لا يسمى ذا مخلب عند العرب الا الصائد بمخلبه وحده وأما الديك. والعصافير.
والزرزور. والحمام وما لم يصد فلا يسمى شئ منها ذا مخلب في اللغة، بالله تعالى التوفيق *
995 - مسألة - ولا يحل أكل الحلزون البرى ولا شئ من الحشرات كلها كالوزغ،
والخنافس. والنمل. والنحل. والذباب. والدبر. والدبر. والدود كله. طيارة وغير طيارة، والقمل.
والبار غيث. والبق. والبعوض وكل ما كان من أنواعها لقول الله تعالى: (حرمت عليكم الميتة)
وقوله تعالى: (الا ما ذكيتم) وقد صح البرهان على أن الذكاة في المقدور عليه لا تكون الا في الحلق
أو الصدر، فما لم يقدر فيه على ذكاة فلا سبيل إلى أكله فهو حرام لامتناع أكلها لا ميتة غير مذكى *
وبرهان آخر في كل ما ذكرنا انهما قسمان، قسم مباح قتله كالوزغ. والخنافس. والبراغيث.
والبق والدبر، وقسم محرم قتله كالنمل. والنحل فالمباح قتله لا ذكاة فيه لان قتل ما تجوز فيه الذكاة
إضاعة للمال وما لا يحل قتله لا تجوز فيه الذكاة * روينا من طريق الشعبي كل ما ليس له دم سائل فلا
ذكاة فيه *. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه
(أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا) مع أنه من أنه من أخبث الخبائث عند كل ذي نفس * ومن
طريق البخاري نا قتيبة نا إسماعيل بن جعفر نا عتبة بن مسلم مولى بنى تميم عن عبيد بن حنين مولى بنى

(1) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 110
(2) في سنن النسائي ج 7 ص 206 (ان نبي الله)
(3) في النسخة رقم 16 وكذلك اليمنية (الناقص) وما هنا أنسب
405

زريق هريرة (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم
ليطرحه) (1) وذكر الحديث، فأمر عليه السلام بطرحه ولو كان حلالا أكله ما أمر بطرحه *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب النحلة. والنملة. والهدهد. والصرد) * ومن طريق
أبى داود نا محمد بن كثير انا سفيان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن
عبد الرحمن بن عثمان (ان طبيبا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء؟ فنهاه رسول الله (2)
صلى الله عليه وسلم عن قتلها (3) *
قال أبو محمد: هذا يقضى على حديث النبي الذي كان قديما فاحرق قرية النمل لان شريعة
نبينا صلى الله عليه وسلم نا سخة لكل دين سلف، وقد ذكرنا قتل عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة
رضي الله عنهم للقردان وهم محرمون، وصح عن ابن عباس. وابن عمر. وعائشة أم المؤمنين
قتل الأوزاع * ومن طريق معمر عن قتادة نهى عن قتل الضفدع وامر بقتل الوزغ *
وعن عمر بن الخطاب أخيفوا الهوام قبل ان تخيفكم، (فان ذكر) ذاكر حديث غالب
ابن حجرة عن الملقام بن التلب عن أبيه صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع للحشرات تحريما، فغالب
ابن حجرة والملقام مجهولان، ثم لو صح لما كان فيه حجة لأنه ليس من لم يسمع حجة على ما قام
به برهان النص *
996 - مسألة - ولا يحل أكل شئ من الحمر الانسية توحشت أو لم تتوحش،
وحلال أكل حمر الوحش تأنست أو لم تتأنس، وحلال أكل الخيل والبغال * روينا من طريق
البخاري نا محمد بن سلام نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي انا أيوب - هو السختياني - عن محمد -
هو ابن سيرين - عن أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا فنادى (4) ان الله ورسوله
ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس فاكفئت القدور انها لتفور (باللحم) (5))
فصح أنها كلها رجس، واهراق الصحابة رضي الله عنهم القدور بها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بيان
ان ودكها وشحمها وعظمها وكل شئ منها حرام * ومن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار
عن محمد بن علي بن الحسين بن علي عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله (6) صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر

(1) الحديث في صحيح البخاري ج 7 ص 257 له بقية وهي (فان في أحد جناحيه شفاء وفى الآخر داء)
(2) في سنن أبي داود ج 4 ص 6 (فنهاه النبي)
(3) قال الخطابي: في هذا دليل على أن الضفدع محرم الاكل وانه غير داخل فيما أبيح من
دواب الماء وكل منهى عن قتله من الحيوان لاحد أمرين، اما لحرمة لنفسه كالآدمي واما لتحريم لحمه كالصرد. والهدهد ونحوهما وإذا كان الضفدع ليس بمحرم كالآدمي كان النهى فيه منصرفا إلى الوجه الآخر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ص ذبح الحيوان الا لمأكلة اه‍. ورواه أيضا النسائي ج 7 ص 210 عن قتيبة *
(4) في النسخة رقم 16 (ينادى) وما هنا موافق لصحيح البخاري ج 7 ص 174
(5) الزيادة من صحيح البخاري
(6) في صحيح البخاري ج 7 ص 172 (قال نهى النبي) الخ
406

عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل) * ومن طريق مسلم حدثني محمد بن حاتم نا محمد
ابن بكر انا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أكلنا زمن خيبر الخيل
وحمر الوحش فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) عن الحمار الأهلي * وروينا تحريم الحمر الأهلية عن النبي
صلى الله عليه وسلم من طريق البراء بن عازب. وعبد الله بن أبي في. وعلي بن أبي طالب. وأبى ثعلبة
الخنثى. والحكم بن عمر والغفاري. وسلمة بن الأكوع. وابن عمر بأسانيد كالشمس. (2) وعن
أنس. وجابر كما ذكرنا فهو نقل تواتر لا يسع أحد اخلافه * وروينا من طريق عمرو بن دينار عن
جابر بن عبد الله انه كان ينهى عن لحوم الحمر ويأمر بلحوم الخيل، وقدر وينا النهى عنها عن مجزأة
ابن زاهر (عن أبيه) (3) أحد المبايعة. تحت الشجرة، وعن سعيد بن جبير في لحوم الحمر قال: هي
حرام البتة، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان، ونحا نحوه مالك (فان ذكر ذاكر) أن
ابن عباس أباحها قلنا: لا حجة في أحد مع رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم فكيف وابن عباس قد أخبر بأنه
متوقف فيها؟ كما روينا من طريق البخاري نا محمد بن أبي الحسين نا عمر بن حفص بن غياث نا أبى
نا عاصم بن أبي النجود عن عامر الشعبي عن ابن عباس أنه قال: لا أدري أنهى عنه رسول الله
صلى الله عليه وآله من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمه في يوم خيبر لحم الحمر
الأهلية، فهذا ظن منه ووهلة (5) لأنه لو لم يحرمها عليه السلام جملة لبين وجه نهيه عنها ولم يدع
الناس إلى الحيرة فكيف وقوله عليه السلام (فإنها رجس) يبطل كل ظن؟ ولقد كانوا إلى الخيل
بلا شك أحوج منهم إلى الحمر فما حمله ذلك على نهى عنها بل أباح أكلها وذكاتها إذ كانت حلالا،
وبذلك أيضا يبطل قول من قال: إنما نهى عنها لأنها لم تخمس، وأما قول من قال: إنما حرمت لأنها
كانت تأكل العذرة فظن كاذن أيضا بلا برهان، والدجاج آكل منها للعذرة وهي حلال (فان
ذكروا) ان عائشة أم المؤمنين احتجت بقوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما) الآية قلنا: لم
يبلغها التحريم ولو بلغها لقالت به كما فعلت في الغراب وليس مذكور في هذه الآية (فان ذكروا)
ما روى من قوله عليه السلام في لحوم الحمر: (أطعم أهلك من سمين مالك فإنما كرهت لكم
جوال القرية أليس تأكل الشجر وترعى الفلاة؟ فأصد منها) (6) فهذا كله بطال لأنها من
طريق عبد الرحمن بن بشر (7) وهو مجهول، والآخر من طريق عبد الله بن عمرو بن لويم وهو
مجهول أو من طريق شريك وهو ضعيف، ثم عن أبي الحسن ولا يدرى من هو عن غالب

(1) في صحيح مسلم ج 2 ص 112 (ونهانها النبي صلى الله عليه وسلم)
(2) أسانيد هذه الأحاديث موجودة في صحيح مسلم ج 2 ص 111 الا حديث الحكم بن عمرو وكذلك موجودة في صحيح البخاري ج 7 ص 172
(3) الزيادة من أسد الغابة وتهذيب التهذيب لان مجزأة ليس صحابيا وهو يروى عن أبيه زاهر وهو صحابي أحد المبايعين تحت الشجرة
(4) في النسخة رقم 16 (دون رسول الله)
(5) الوهل الغلط والسهو والحديث في البخاري ج 5 ص 283
(6) الحديث في سنن أبي داود ج 2 ص 420 وفيه الكلام عليه جر حلو تعديلا للخطابي وغيره راجعه
(7) في النسخة رقم 16 (بن بشير) وهو غلط
407

ابن ديج (1) ولا يدرى من هو، ومن طريق سلمى بنت النضر الخضرية (2) ولا يدرى من هي *
وأما حر الوحش فكما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم تحليلها، وقال مالك: ابن دجن لو يؤكل
وهذا خطأ لأنه لم يأت به نص فهو قول (3) بلا برهان، ولا يصير الوحشي من جنس الأهلي حراما
بالدجون ولا يصير الأهلي من جنس الوحشي حلالا بالتوحش *
وأما البغال. والخيل فقدر وينا من طريق صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه
عن جده عن خالد بن الوليد (ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل. والبغال. والحمير وكل
ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير) * ومن طريق عكرمة بن عمار عن يحيى
ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية والخيل
والبغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وحرم المجثمة) (4) * وخبر رويناه
من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم
ينهنا عن الخيل)، وذكروا قول الله تعالى: (والانعام خلقها لكم فيها دف ومنافع ومنها
تأكلون) وقال تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) قالوا: فذكر في الانعام
الاكل ولم يذكره في الخيل والبغال والحمير، وقالوا: البغل ولدا الحمار فهو متولد منه والمتولد
من الحرام حرام *
قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به فأما الاخبار فلا يحتج بشئ منها، أما حديث صالح بن يحيى
ابن المقدام بن معد يكرب فهالك لأنهم مجهولون كلهم، ثم فيه دليل الوضع لان فيه عن خالد
ابن الوليد قال: عزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وهذا باطل لأنه لم يسلم خالد الابعد خيبر بلا
خلاف، وأما حديث عكرمة بن عمار فعكرمة ضعيف، وقد روينا من طريقه خبرا موضوعا
ليس فيه أحد يتهم غيره، فاما أدخل عليه فلم يأبه له واما البلية من قبله، وقد ذكرناه مبينا في
كتاب الايصال، وأما حديث حماد بن سلمة فإنه لم يذكر فيه أبو الزبير سماعا من جابر،
وقد ذكرنا قبل الرواية الصحيحة ان ما لم يكن عند الليث بن سعد من حديثه عن جابر ولاذكر فيه
سماعا من جابر فلم يسمعه من جابر فصح منقطعا، وقد روينا هذا الخبر من طريق أبى الزبير أنه
سمع من جابر فلم يذكر فيه البغال، وقد صح قبل عن جابر إباحة الخيل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الآية فلا
ذكر فيها للاكل لا بإباحة ولا بتحريم فلا حجة لهم فيها ولاذكر فيها أيضا البيغ فينبغي ان يحرموه
لأنه لم يذكر في الآية وإباحة النبي صلى الله عليه وسلم لها حاكم على كل شئ، وقد صح من طريق أسماء بنت

(1) في النسخة رقم 16 وقال الحافظ ابن حجر في التهذيب (غالب بن أبجر ويقال: ابن ديج، ويقال بن ذريح المزني عداده في أهل الكوفة
(2) كذا بالضاد فيهما بالنسخة رقم 14 واليمنية (بنت النصر) بالصاد المهملة وفى الاستيعاب وأسد الغابة
والإصابة (سلمى بنت نصر المحاربية) والله أعلم
(3) في النسخة رقم 14 والنسخة اليمنية فهذا قول)
(4) قال العلامة مجد الدين في النهاية: هي كل حيوان ينصب ويرمى ليقتل الا انها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك مما يجثم في الأرض أي يلزمها ويلتصق بها اه‍
408

أبى بكر الصديق نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه (1) * رويناه من طريق البخاري
عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن أسماء،
ورويناه أيضا من طريق وكيع. حفص بن غياث. وسفيان الثوري. وعبد الله بن نمير.
ومعمر. وأبي معاوية. وأبي أسامة كلهم عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء
بنت أبي بكر الصديق * ومن طريق ابن سعيد القطان عن ابن جريج سألت عطاء بن أبي رياح
عن لحم الفرس؟ فقال: لم يزل سلفك يأكلونه قلت: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال، نعم، وقد
أدرك عطاء جمهور الصحابة من عائشة أم المؤمنين فمن دونها * ومن طريق عبد الرحمن
ابن مهدي. وعبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتر عن إبراهيم النخعي قال:
ذبح أصحاب ابن مسعود فرسا، قال ابن مهدي: فاقتسموه بينهم، وقال عبد الرزاق: فأكلوه *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا مغيرة عن إبراهيم قال: اهدى للأسود بن يزيد لحم
فرس فأكل منه، وبه إلى هشيم عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير قال: ما أكلت لحما أطيب
من معرفة برذون (2) * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد انه سأل ابن شهاب عن لحم
الفرس. والبغل. والبرذون؟ فقال: لا اعلمه حراما ولا يفتى أحد من العلماء بأكله *
قال أبو محمد: لم يحرم الزهري البغل، وأما فتيا العلماء بأكل الفرس فتكاد أن تكون اجماعا على
ما ذكرنا قبل، وما نعلم عن أحد من السلف كراهة أكل لحوم الخيل الا رواية عن ابن عباس
لا تصح لأنها عن مولى نافع بن علقمة وهو مجهول لم يذكر اسمه فلا يدرى من هو ولو صح عندنا
في البغل نهى (3) لقلنا به، وأما قولهم: ان البغل ولد الحمار ومتولد منه فان البغل مذ ينفخ فيه الروح
فهو غير الحمار ولا يسمى حمارا فلا يجوز ان يحكم له بحكم الحمار لان النص إنما جاء بتحريم الحمار،
والبغل ليس حمارا ولا جزءا من الحمار، وقال بعض الجهال: الحمار حرام بالنص والفرس والبغل
مثله لأنهما ذوا حافر مثله فكان هذا من أسخف قياس في الأرض لأنه يقال له: ما الفرق بينك وبين
من عارضك؟ فقال قد صح تحليل الفرس بالنص الثابت والبغل والحمار ذوا حافر مثله فهما حلال
فهل أنتما في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرسا رهان؟ أو من قال لك: حمار وحش حلال باجماع
وهو ذو حافر فالفرس والبغل مثله، وهذا كله تخليط بل حمار الوحش. والفرس منصوص على
تحليلهما، والحمار الأهلي منصوص على تحريمه فلا يجوز مخالفة النصوص *
وأما البغل فقد قال الله تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا): وقال تعالى:
(وقد فصل لكم ما حرم عليك الا ما اضطررتم إليه) فالبغل حلال بنص القرآن لأنه لم يفصل

(1) هو في صحيح البخاري ج 7 ص 172
(2) أي منبت عرفه من رقبته اه‍
(3) في النسخة رقم 14 (في البغل شئ)
409

تحريمه ولا يحل من الحمار الا ما أحله النص من ملكه. وبيعه. وابتياعه. وركوبه فقط،
وبالله تعالى نتأيد *
997 - مسألة - وكل ما حرم أكل لحمه فحرام بيعه ولبنه لأنه بعضه ومنسوب إليه
وبالله تعالى التوفيق إلا ألبان النساء فهي حلال كما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق، ويقال لبن الأتان
ولبن الخنزير. وبيض الغراب. وبيض الحية. وبيض الحدأة كما يقال: يد الخنزير. ورأس الحمار.
وجناح الغراب. وزمكى الحدأة (1) ولافرق *
998 - مسألة - ولا يحل أكل الهدهد ولا الصرد ولا الضفدع لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
قتلها كما ذكرنا قبل *
999 - مسألة - والسلحفاة البرية والبحرية حلال اكلها وأكل بيضها لقول الله تعالى:
(كلوا مما في الأرض حلالا طيبا) مع قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم). ولم يفصل لنا
تحريم السلحفاة فهي حلال كلها وما تولد منها، وكذلك النسور. والرخم. والبلزج. والقنافذ.
واليربوع. وأم حبين. والوبر. والسرطان. والجراذين. والورل. والطير كله، وكل ما أمكن
ان يذكى مما لم يفصل تحريمه، وكذلك الخفاش. والوطواط. والخطاف. وبالله تعالى التوفيق *
روينا عن عطاء إباحة أكل السلحفاة، والسرطان، وعن طاوس. والحسن. ومحمد بن علي
وفقهاء المدينة إباحة أكل السلحفاة، وعن ابن عباس أنه نهى المحرم عن قتل الرخمة وجعل فيها
الجزاء، فان ذكر الخبر الذي فيه القنفذ خبيث (2) من الخبائث فهو عن شيخ مجهول لم يسم (3)
ولو صح لقلنا به وما خالفناه *
1000 - مسألة - ولا يحل أكل لحوم الجلالة ولاشرب ألبانها ولاما تصرف منها
لأنه منها وبعضها ولا يحل ركوبها، وهي التي تأكل العذرة من الإبل وغير الإبل من ذوات
الأربع خاصة، ولا يسمى الدجاج. ولا الطير جلالة وإن كانت تأكل العذرة فإذا قطع عنها
أكلها فانقطع عنها الاسم حل أكلها وألبانها وركوبها لما روينا من طريق أبى داود نا عثمان بن أبي
شيبة نا عبدة عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) قال الجوهري في الصحاح: الزمكى مثل الزمجى وهو منبت ذنب الطائر، وفى النسخة رقم 16 (رمى) وهو غلط
(2) في النسخة رقم 14 (القنفذ خبيثة) بالتأنيث وهي موافقة لسنن أبي داود ج 3 ص 417، وما هنا موافق لحياة
الحيوان، وفى كتب اللغة قال في الصحاح، القنفذ والقنفذ - أي بضم الفاء وفتحها واحد القنافذ والأنثى قنفذة اه‍.
(3) قال الخطابي: ليس اسناده بذاك وقال البيهقي لم يرو إلا من وجه واحد ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، قال الدميري في
حياة الحيوان: قيل أراد انه خبيث الفعل دون اللحم لما فيه من اخفاء رأسه عن التعرض لذبحه وابداء شوكه عند أخذه وسأل
مالك عنه فقال: لا أدري، وقال الشافعي: يحل أكل القنفذ لان العرب تستطيبه، وقد أفتى ابن عمر بإباحته، وقال أبو حنيفة والإمام أحمد
لا يحل للخبر المذكور، والله أعلم
(4) في النسخة رقم 16 (القذر)
410

عن أكل الجلالة وألبانها) (1): ومن طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن يزيدنا يزيد بن محمد نا يزيد بن
زريغ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبن
الجلالة ولحومها وعن أكل المجثمة (2)، وهذا عموم لكل ما طعامه الجلة، وهي العذرة هكذا
روينا عن الأصمعي. وأبى عبيد * ومن طريق أبى داود نا أحمد بن أبي سريج (3) الرازي أنا
عبد الله بن جهم نا عمرو - يعنى ابن أبي قيس - عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال: (نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة في الإبل ان يركب عليها أو يشرب (من) (4) البانها) ففي هذا بعض
ما في ذلك، وفيه أيضا زيادة الركوب وتحريمه * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة
عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه ان عمر قال لرجل له إبل جلالة: لا تحج عليها ولا تعتمر * ومن
طريق ابن وهب عن ابن جريج كان عطاء ينهى عن جلالة الإبل والغنم ان تؤكل فان حبستهما
وعلفتهما عن تطيب بطونهما فلا بأس حينئذ بأكلها، قال ابن جريج: وأخبرني عمرو بن دينار عن
عبد الله بن عمر أنه قال: لا أصاحب أحدا ركب جلالة *
1001 - مسألة - ولا يحل اكل ما ذبح أو نحر لغير الله تعالى ولا ما سمى عليه غير الله
تعالى متقربا بتلك الذكاة إليه سواء ذكر الله تعالى معه أو لم يذكره، وكذلك ما ذكى من الصيد
لغيره تعالى فلو قال باسم الله وصلى الله عليه وسلم المسيح أو قال على محمد أو ذكر سائر الأنبياء فهو حلال
لأنه لم يهل به لهم، قال الله تعالى: (أو فسقا أهل لغير الله به) فسواء ذكر الله تعالى عليه أو لم يذكر هو
مما أهل لغير الله تعالى به فهو حرام سواء ذبحه مسلم أو كتابي، وقال بعض القائلين: قد أباح الله تعالى
لنا أكل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون وهذا ليس حجة (5) في إباحة ما حرم الله تعالى لان الذي
أباح لنا ذبائحهم وعلى ما يقولون هو الله عز وجل المحرم علينا ما أهل لغير الله به فلا يحل ترك شئ
من امره تعالى لأمر آخر ولابد من استعمالهما جميعا وليس ذلك الا باستثناء الأقل من الأعم *
ورويت في هذا روايات عن عبادة بن الصامت. وأبى الدرداء. والعرباض بن سارية: وعلى.
وابن عباس. وأبى امامة كلها عن مجاهيل. أو عن كذاب أو عن ضعيف ولكنه صحيح عن بعض
التابعين، وروينا عن عائشة أم المؤمنين ان امرأة سألتها عما ذبح لعيد النصارى، فقالت عائشة: أما
ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا منه * ومن طريق ابن عمر ما ذبح للكنيسة فلا تأكله * ومن طريق
عبد الرحمن بن مهدي عن قيس عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي بن أبي طالب قال: إذا سمعت
النصراني يقول: باسم المسيح فلا تأكل وإذا لم تسمع فكل (6)، وصح عن إبراهيم النخعي في ذبيحة

(1) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 412
(2) تقدم تفسيرها ص 408
(3) في النسخة رقم 14 (شريح) بالشين المعجمة وهو غلط
(4) الزيادة من سنن أبي داود ج 2 ص 413
(5) في النسخة رقم 14 (وهذا لا حجة)
(6) في النسخة رقم 16 (فلا تأكل) وهو غلط
411

النصراني إذا توارى عنك فكل، وعن حماد بن أبي سليمان في ذبائح أهل الكتاب قال: كل ما لم
تسمعه أهل به لغير الله تعالى، وعن الحسن. وطاوس. ومجاهدانهم كرهوا ما ذبح للآلهة، وعن عمر
ابن عبد العزيز انه وكل بهم من يمنعهم ان يشركوا على ذبائحهم ويأمرهم ان يسموا الله تعالى، * ومن
طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري قال: إذا سمعت في الذبيحة غير اسم
الله تعالى فلا تأكل، * ومن طريق وكيع عن علي بن صالح عن محمد بن جحادة (1) عن إبراهيم النخعي
قال: إذا سمعته يهل بالمسيح فلا تأكل وهو قول الحارث العكلي. ومحمد بن سيرين *
قال على: ويقال لمن خالف هذا: قد أحل الله تعالى ذبائحهم وهو تعالى لعم انهم يذبحون الخنزير
أفيأكله؟ فمن قولهم لا لان الله تعالى حرم الخنزير فيقال لهم: والله تعالى حرم ما أهل به لغيره كما حرم
الخنزير سواء سواء ولافرق *
1002 - مسألة - ولا يحل اكل ما يصيده المحرم فقتله حيث كان من البلاد أو
يصيده المحل في حرم مكة أو المدينة فقط فقتله لقول الله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) فكل
قتل نهى الله تعالى عنه فحرام أكل ما أميت به لأنه غير الذكاة المأمور بها، وقال أبو ثور: أكله
حلال كذبيحة الغاصب والسارق ولافرق *
1003 - مسألة - ولا يحل أكل ما لم يسم الله تعالى عليه بعمد أو نسيان * برهان ذلك قول
الله تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق) فعم تعالى ولم يخص، وقال أبو حنيفة.
ومالك: ان ترك عمدا لم يحل أكله، وان ترك نسيانا حل أكله، وقال الشافعي: هو حلال ترك عمدا
أو نسيانا * روينا عن ابن عباس من طريق فيها ابن لهيعة أنه قال: إذا خرجت قانصا لا تريد الا
ذلك فذكرت اسم الله حين تخرج فان ذلك يكفيك، وصح عن أبي هريرة فيمن ذبح وهو مغضب
فلم يذكر الله تعالى انه يؤكل وليسم الله تعالى إذا أكل، وعن عطاء إذا قال المسلم: باسم الشيطان
فكل، وروينا عن جماعة من التابعين إباحة أكل ما نسي ذكر الله تعالى عليه ولم يذكر عنهم تحريمه
في تعمد ترك الذكر *
قال أبو محمد: احتج أهل الإباحة لذلك بما رويناه من طريق عمران بن عيينة أخي سفيان عن
عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا:
أنأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله عز وجل؟ فأنزل الله تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله
عليه) إلى آخر الآية *
قال على: هذا من التمويه القبيح، وليت شعري أي ذكر في هذا الخبر لإباحة أكل مما لم يسم الله

(1) في النسخة رقم 14 وكذلك اليمنية (محمد بن حجادة) بتقديم الحاء على الجيم المعجمة وهو غلط انظر تهذيب التهذيب
ج 9 ص 92
412

تعالى عليه بل حجة عليهم كافية، فأما قول الشافعي فما نعلم له حجة أصلا، وأما الحنيفيون.
والمالكيون فإنهم ذكروا خبرا رويناه من طريق سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا
الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ذبيحة المسلم حلال وان لم يسم إذا لم
يتعمد)، فهذا مرسل، والأحوص بن حكيم ليس بشئ، وراشد بن سعد ضعيف: (1) وخبر آخر
من طريق وكيع ناثور الشامي عن الصلت مولى سويد (2) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ذبيحة المسلم
حلال وان نسي أن يذكر اسم الله لأنه إذا ذكر لم يذكر الا الله تعالى). وهذا مرسل لا حجة فيه،
والصلت أيضا مجهول لا يدرى من هو، * وقال بعضهم: إنما ذبحت بدينك *
قال على: ما نذبح الا بأدياننا وبما ينهر الدم، ومن الذبح بالدين ان يسمى الله تعالى فمن لم يسمه
عز وجل فلم يذبح بدينه ولا كما أمر، واحتجوا أيضا بان قالوا: قال الله تعالى: (وليس عليكم جناح
فيما أخطأتم به) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)
وأنتم تجيزون صلاة من تكلم فيها ناسيا وصوم من أكل فيه ناسيا فما الفرق؟ قالوا: وقول الله
تعالى: (وانه لفسق) اخراج للناسي من هذه الجملة لان النسيان ليس فسقا، هذا كل ما احتجوا
به ولا حجة لهم في شئ منه، أما سقوط الجناح في الخطأ وسقوط المؤاخذة بالنسيان والخطأ
ورفعهما عنا فنعم وهو قولنا، وهكذا نقول: إنه ههنا مرفوع عنه الاثم والحرج إذا نسي
التسمية لكنا قلنا: إنه (3) لم يذك لكن ظن أنه ذكى ولم يذك كمن نسي الصلاة وظن أنه صلى وهو لم
يصل فلما لم يذك كان ميتة لا يحل أكله لان الله تعالى نهانا أن نأكل ما لم يذكر اسم الله عليه فكانت
هذه الصفة متى وجدت في مذبوح أو منحور أو تصيد لم يحل أكله، والفرق بين ما جهلوا الفرق بينه
من ذلك هو أن العمل المأمور به من نسي ان يعمله أو تعمدان لا يعمله فلم يعمله إلا أن الناسي (4)
غير حرج في نسيانه والعامد في حرج، وكل عمل عمله المرء مما أمر به فزاد فيه ما لم يؤمر به
ناسيا فلا حرج عليه فيما عمل ناسيا وعمله لما عمل مما أمر به صحيح جائز جاز، فهذا هو حكم
القرآن والسنن الا ما جاء نص باخراجه عن هذا الحكم فيوقف عنده *
وأما قوله تعالى: (وانه لفسق) فلم نقل قط ان نسيان الناسي لتسمية الله تعالى على ذبيحة
ونحيرته وصيده فسق، ولا قلنا: إن الله تعالى سمى نسيانه لذلك فسقا لكن الله تعالى سمى
ذلك العقير الذي لم يذكر اسم الله عليه فسقا، هذا نص الآية الذي لا يجوز احالتها عنه ان
ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه فإنه فسق والفسق محرم، وما لم يذكر اسم الله عليه فهو مما أهل
لغير الله به فهو حرام بنص الآية التي لا تحتمل تأويلا سواه وبالله تعالى التوفيق *

(1) قال العلامة الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة راشد بن سعد: وشذ ابن حزم فقال: ضعيف
(2) هو الدوسي
(3) في بعض النسخ (ان) بدل انه
(4) في النسخة رقم 14 (الا لان الناسي)
413

نا حمام بن أحمد نا أبو محمد الباجي نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن مسلم نا
أبو ثور نا معلى نا هشيم. عن يونس - هو ابن عبيد - عن محمد بن زياد قال: إن رجلا نسي
أن يسمى الله تعالى على شاة ذبحها فأمر ابن عمر غلامه فقال: إذا أراد أن يبيع منها لاحد
فقل له: ان عمر يقول: إن هذا لم يذكر اسم الله عليها حين ذبحها، وهذا اسناد في غاية الصحة *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا معتمر بن سليمان عن خالد - هو الحذاء - عن ابن سيرين عن عبد
الله بن يزيد قال: لا تأكل الا مما ذكر اسم الله عليه * ومن طريق ابن أبي شيبة نا يزيد بن
هارون عن أشعث - هو الحمراني - عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد سأله رجل عمن
ذبح ونسي أن يسمى الله؟ فتلا عبد الله قول الله تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
وانه لفسق) وعبد الله هذا هو صحيح الصحبة * ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر
سليمان بن حيان عن داود بن أبي عند عن الشعبي انه كره ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه بنسيان *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة قال: إذا وجدت سهما في صيد وقد
مات فلا تأكله انك لا تدري من رماه ولا تدري اسمي أو لم يسم * ومن طريق وكيع نا عبد الله بن
راشد المنقري عن أبي سيرين فيما نسي ان يذكر اسم الله عليه أرأيت لو قلت: كل وقال الله:
لا تأكل أكنت تأكل؟ * ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن أيوب السختياني عن
نافع مولى ابن عمر انه كره أكل ما نسي ذابحه ان يسمى الله تعالى عليه * ومن طريق حماد بن
زيد عن أيوب عن ابن سرين انه كره اكل ما نسي ذابحه ان يسمى الله تعالى عليه، وهو
قول أبي ثور. وأبي سليمان وأصحابه، وبهذا جاءت السنن * روينا من طريق أبى داود
الطيالسي نا زائدة عن سعيد بن مسروق نا عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع
ابن خديج قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله تعالى عليه فكل)
وذكر باقي الحديث * ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة نا الشعبي سمعت عدى بن
حاتم يقول: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرسل كلبي فأجد مع كلبي كلبا قد أخذ لا أدري
أيهما أخذ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) *
فجعل عليه السلام المانع من الاكل لأنه لم يسم على الذي لا يدرى أهو قتله أم غيره *
1004 - مسألة - ومن سمى بالعجمية فقد سمى كما أمر لان الله تعالى لم يشترط
لغة من لغة ولا تسمية من تسمية فكيفما سمى فقد أدى ما عليه، وبالله تعالى التوفيق *
1005 - مسألة - ومن ذبح مال غيره بأمره فنسي أن يسمى الله تعالى أو تعمد
فهو ضامن مثل الحيوان الذي أفسد لأنه ميتة كما قدمنا فقد أفسد مال أخيه، وأموال
الناس تضمن بالعمد والنسيان وبالله تعالى التوفيق * (*)
414

1006 - مسألة - ولا يحل أكل ما نحره أو ذبحه (1) انسان من مال غيره بغير
أمر مالكه بغصب أو سرقة أو تعد بغير حق - وهو ميتة - لا يحل لصاحبه ولا لغيره ويضمنه
قاتله الا أن يكون نظرا صحيحا كخوف أن يموت فبادر بذكاته أو نظرا لصغير أو مجنون
أو غائب. أو في حق واجب *
برهان ذلك قول الله تعالى: (إلا ما ذكيتم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم
وأموالكم عليكم حرام) وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) فنسأل
من خالف قولنا أبحق ذبح هذا الحيوان أو نحر أم بباطل ولابد من أحدهما؟ ولا يقول
مسلم: انه ذبح بحق ولا أنه نحر بحق فإذ لاشك في أنه نحر وذبح بباطل فهو محرم أكله
بنص القرآن، وأيضا فان الحيوان حرام أكله الا ما ذكينا فالذكاة حق مأمور به طاعة لله
تعالى لا يحل أكل ما حرم من الحيوان الا به وذبح المتعدى باطل محرم عليه معصية لله تعالى
بلا خلاف وبنص القرآن والسنة، ومن الباطل المتيقن أن تنوب المعصية عن الطاعة،
والعجب أنهم متفقون معنا على أن الفروج المحرمة لا تحل الا بالعقد المأمور به لا بالعقد
المحرم، فمن أين وقع لهم أن يبيحوا الحيوان المحرم بالفعل المحرم؟ وما الفرق بين تصيد المحرم
للصيد المحرم عليه وبين ذبح المتعدى لما حرم عليه ذبحه؟ وبهذا جاءت السنن الثابتة *
روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - نا وكيع نا سفيان:
الثوري عن أبيه عن عباية بن رافعة (بن رافع بن خديج) (2) عن رافع بن خديج قال
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وابلا فعجل القوم فأغلوا
بها القدور فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكفئت ثم عدل عشرا من الغنم بجزور)، فهذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بهرق القدور التي فيها اللحم المذبوح من الغنيمة قبل القسمة، ولا
شك في أنه لو كان حلالا أكله ما أمر بهرقه لأنه عليه السلام نهى عن إضاعة المال فصح يقينا انه
حرام محض وان ذبحه ونحره تعد يوجب الضمان ولا يبيح الاكل، وما نعلم للمخالف
حجة أصلا لامن قرآن ولامن سنة ولا من قول صاحب ولا من قياس إلا أن
بعضهم موه بخبر رويناه من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار
قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة. فاستقبله داعى امرأة فجاء وجئ بالطعام
فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم فأكلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فيه ثم قال:
أجد لحم شاة أخذت بغير اذن أهلها فأرسلت المرأة يا رسول الله انى أرسلت إلى البقيع

(1) في النسخة رقم 14 (ولا يحل أكل ما ذبحه أو نحره)
(2) الزيادة من النسخة رقم 14 وهي موافقة لما في صحيح مسلم ج 2 ص 119
415

يشترى لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة ان أرسل بها إلى بثمنها فلم
يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلى بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطعميه الأسارى) *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه بل هو لو صح حجة عليهم أول ذلك أنه عن رجل لم يسم
ولا يدرى أصحت صحبته أم لا؟ والثاني انه لو صح لكان حجة لنا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستحل
أكله ولا أباح لاحد من المسلمين أكل شئ منه بل أمر بان يطعم الكفار المستحلين للميتة، ولعل
أولئك الأسارى كانوا مرضى يل لهم التداوي بالميتة مع أنها لم تكن غصبا ولا مسروقة وإنما
أخذتها بشراء صحيح عند نفسها لكن لما لم يكن باذن مالكها لم يحل أكلها لمسلم فبطل تمويههم بهذا
الخبر، ولا شك في أن تلك الشاة مضمونة على المرأة وذلك منصوص في الخبر من قول المرأة ابعثها
إلي بثمنها ونحو نأتيهم من هذه الطريق بعينها بما هو حجة مبنية عليهم لنا في هذه المسألة *
روينا من طريق أبى داود السجستاني نا هناد بن السرى نا أبو الأحوص هو سلام بن سليم -
عن عاصم بن كليب عن أبيه عن عن رجل من الأنصار قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد فأصابوا غنما فانتهبوها فان قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم يمشى على قوسه فاكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: إن النهبة ليست
باحل من الميتة أو ان الميتة ليست باحل من النهبة، شك أبو الأحوص في ايتهاما قال عليه السلام) (1)
فهذا ذلك الاسناد نفسه ببيان لا إشكال فيه من افساده صلى الله عليه وسلم اللحم المذبوح
منتهبا غير مقسوم وخلطه بالتراب، فصح يقينا انه حرام بحت لا يحل أصلا إذ لو حل لما
أفسده عليه السلام، فمن العجائب أن تكون طريق واحدة حجة فيما لا بيان فيها منه، ولا تكون
حجة فيما فيها البيان الجلي منه *
وروينا من طريق طاوس. وعكرمة النهى عن أكل ذبيحة السارق وهو قول إسحاق بن
راهويه. وأبي سليمان. وأصحابه، ولا نعلم خلاف قولنا في هذه المسألة عن أحد من الصحابة
ولاعن تابع الاعن الزهري. وربيعة. ويحيى بن سعيد فقط وبالله تعالى التوفيق *
1007 - مسألة - ولا يحل أكل ما ذبح أو نحر فخرا أو مباهاة لقول الله تعالى:
(أو فسقا أهل لغير الله به) وهذا مما أهل لغير الله به * روينا من طريق أحمد بن شعيب انا قتيبة

(1) قال أبو داود في سننه ج 3 ص 19 بعد ما ذكر الحديث (الشك من هناد) وقوله في الحديث (انتهبوها) أي أخذوها
بلا قسمة، وقوله (فأكفأ قدورنا) يقال: كفأه كبه وقبله كاكفاه، وقوله (يرمل اللحم) أي يلطخه، وقوله (ان النهبة ليست مما حل من الميتة) النهبة بضم النون المال المنهوب، والمعنى ان النهبة والميتة كلاهما حرام ليس لهما فرق في الحرمة، والحديث سكت
عنه المنذري والله أعلم
416

نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - (1) عن منصور بن حيان (2) عن عامر بن واثلة علي بن أبي
طالب قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لعن الله من لعن والده ولعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله
من آوى محدثا ولعن الله من غير منار الأرض) * ومن طريق سعيد بن منصور نا ربعي بن عبد الله
ابن الجارود قال: سمعت الجارود بن أبي سبرة يقول: كان رجل من بنى رياح يقال له: ابن وثيل -
هو سحيم - قال: وكان شاعر انا فر غالبا أبا الفرزدق الشاعر بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة
من إبله وهذا مائة من إبله إذا وردت، فلما وردت الإبل الماء قاما إليها بالسيوف فجعلا يكسعان
عراقيبها فخرج الناس على الحمرات يريدون اللحم وعلى بالكوفة فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو. ينادى أيها الناس لا تأكلوا من لحومها فإنها مما أهل بها لغير الله * وعن عكرمة لا تؤكل
ذبيحة (3) ذبحها الشعراء فخرا ورياء ولا ما ذبحه الاعراب على قبورهم، ولا يعلم لعلى رضى الله
في هذا مخالف (4) من الصحابة رضي الله عنهم، وكل ما في هذا الباب فهو برهان على صحة قولنا
في الباب الذي قبله من تحريم ذبيحة السارق. والغاصب. والمتعدي لان هؤلاء بلا شك ممن ذبح
لغير الله عز وجل، وذبائحهم ونحائرهم ممن أهل لغير الله تعالى به بيقين إذ لا يجوز البتة ان يعصى أحد
يريد بدلك وجه الله تعالى، وهؤلاء عصاة لله تعالى بلا شك مخالفون لامره في ذلك الذبح نفسه
وفي ذلك العقر نفسه *
1008 - مسألة - وأما جواز ما كان من ذلك نظرا ومصلحة فلقول الله تعالى:
(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
إضاعة المال، فحفظ مال المسلم والذمي واجب وبر وتقوى، واضاعته اثم وعدوان وحرام *
رويناه من طريق البخاري نا محمد بن أبي بكر - هو المقدمي - نا المعتمر بن سليمان التيمي عن
عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر انه سمع ابن كعب بن مالك يخبر ابن عمر بان أباه كعب
ابن مالك أخبره (ان جارية لهم كانت ترعى (غنما) (5) بسلع (6) فأبصرت شاة من غنمها موتها (7)
فكسرت حجرا فذبحتها فقال لأهله: لا تأكلوا حتى آتي رسول (8) الله صلى الله عليه وسلم فاسأله أو (حتى) (9)
أرسل إليه من يسأله فسئل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها) *
1009 - مسألة - فلو خرجت بيضة من دجاجة ميتة أو طائر ميت مما يؤكل لحمه

(1) في سنن النسائي ج 7 ص 232 (حدثنا يحيى وهو ابن زكريا بن أبي زائدة) وأرجح ما في النسائي
بدليل ما ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب ج 11 ص 216
(2) في النسائي ج 7 ص 222 (بن حبان) بالباء الموحدة وهو غلط، ووقع صحيحا في سنن النسائي طبع الهندي، والحديث اختصره المصنف
(3) في النسخة رقم 14 (لا تحل ذبيحة)
(4) في النسخة رقم 14 (ولا نعلم لعلى في هذا مخالفا)
(5) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 166
(6) هو جبل بقرب مكة
(7) هذه رواية السرخسي والمستملي وفى رواية غيرهما (موتا)
(8) في صحيح البخاري حتى (آتي النبي)
(9) الزيادة من صحيح مسلم
417

لو ذكى فإن كانت ذات قشر فأكلها حلال وان لم تكن ذات قشر بعد فهي حرام لأنها إذا صارت
ذات قشر فقد باينت الميتة وصارت منحازة عنها وإذا لم تكن ذات قشر فهي حينئذ بعض حشوتها
ومتصلة بها فهي حرام *
1010 مسألة - ولو طبخ (1) بيض فوجد في جملتها بيضة فاسدة قد صارت دما
أو فيها فرخ رميت الفاسدة وأكل سائر البيض لقول الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزرا أخرى)
فاحلال حلال لا يفسده مجاورة الحرام له. والحرام حرم لا يصلحه مجاورة الحلال له. وبالله تعالى التوفيق *
1011 - مسألة - وكل خبز أو طعام أو لحم أو غير ذلك طبخ أو شوى بعذرة أو بميتة
فهو حلال كله لأنه ليس ميتة ولا عذرة. والعذرة والميتة حرام، وما أحل فهو حلال فإذا لم يظهر
في شئ منه عين العذرة أو الميتة فهو حلال، وكذلك لو وقع طعام في خمر أو في عذرة فغسل حتى
لا يكون للحرام فيه عين فهو حلال إذ لم يوجب تحريم شئ من ذلك قرآن. ولا سنة *
1012 مسألة - فلو مات حيوان مما يحل أكله لو ذكى فحلب منه لبن فاللبن حلال لان
اللبن حلال بالنص فلا يحرمه كونه في ضرع ميتة لأنه قد باينها بعد، وهو وما حلب منها في
حياتها ثم ماتت سواء، وإنما هو لبن حلال في وعاء حارم فقط، فهو والذي في وعاء ذهب
أو فضة سواء، وبالله تعالى التوفيق *
1013 - مسألة - ولا يحل أكل السم القاتل ببطء أو تعجيل (2) ولا ما يؤذى من
الأطعمة ولا الاكثار من طعام يمرض الاكثار منه لقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) *
روينا من طريق سفيان بن عيينة عن زياد بن علاقة قال: سمعت أسامة بن شريك قال: (شهدت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تداووا عباد الله فان الله لم ينزل داء الا أنزل به دواء الا الهرم) (3) *
قال على: زياد ثقة مأمون روى عنه شعبة. وسفيان. وسفيان. (4) ومسعر. وأبو عوانة.
وأبو إسحاق الشيباني. وغيرهم، وليس في الخبر الثابت (هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا
يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) حمد لترك الدواء أصلا ولاذكر للمنع منه وأمره عليه السلام
بالتداوي نهى عن تركه وأكل المضر ترك للتداوي فهو منهى عنه وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم 16 (طبخت)
(2) في النسخة رقم 16 (أو بتعجيل)
(3) الحديث رواه أبو داود في سننه ج 4 ص 1 من طريق حفص بن عمر النمري عن شعبة عن زياد بن علاقة الخ بألفاظ قريبة مما هنا، (والهرم) بفتح
الهاء والراء الكبر، قال المنذري: أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه الحاكم في
المستدرك ج 4 ص 399 وقال: هذا حديث صحيح الاسناد فقد رواه عشرة من أئمة المسلمين وثقاتهم عن زياد بن علاقة،
وأقره الذهبي على ذلك
(4) أي سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وسقط لفظ سفيان الثاني من النسخة اليمنية خطأ
418

1014 - مسألة - وكل حيوان ذكى فوجد في بطنه جنين ميت، وقد كان نفخ فيه الروح
بعد فهو ميتة لا يحل أكله فلو أدرك حيا فذكى حل أكله فلو كان لم ينفخ فيه الروح بعد فهو حلال الا
ان كن بعد دما لا لحم فيه، ولا معنى لاشعاره ولا لعدم اشعاره وقول أبي حنيفة *
برهان ذلك قول الله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) وقال تعالى: (الا ما ذكيتم)
وبالعيان ندري ان ذكاة الام ليست ذكاة للجنين الحي لأنه غيرها وقد يكون ذكرا وهي أنثى فاما
إذا كان لحما لم ينفخ فيه الروح بعد فهو بعضها ولم يكن قط حيا فيحتاج إلى ذكاة، وقد احتج
المخالفون (1) باخبار واهية * منها من طريق وكيع عن ابن أبي ليلى عن عطية العوفي عن أبي سعيد
الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكاة الجنين ذكاة أمه)، وابن أبي ليلى سئ الحفظ، وعطية
هالك * ومن طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن
مالك عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، إسماعيل بن مسلم ضعيف * ومن طريق ابن المبارك
عن مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين (كلوه ان شئتم (2))،
مجالد ضعيف. وأبو الوداك ضعيف * ومن طريق أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكاة
الجنين ذكاة أمه) (حديث أبي الزبير) (3) ما لم يكن عند الليث عنه أو لم يقل فيه أبو الزبير انه
سمعه من جابر فلم يسمعه من جابر، فلم يسمعه من جابر، وهذا من هذا النمط لا يدرى ممن أخذه عن جابر فهو عن
مجهول على ما أوردنا قبل، ثم لم يأت عن أبي الزبير الا من طريق حماد بن شعيب. والحسن بن
بشر. وعتاب بن بشير (4) عن عبيد الله بن أبي زياد القداح، وكلهم ضعفاء *
ومن طريق أبى حذيفة نا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى قال: ذكر لي عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين إذا أشعر فذكاته ذكاة أمه، أبو حذيفة ضعيف، ومحمد ابن مسلم أسقط منه ثم هو منقطع * ومن طريق ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم (ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر) ابن أبي ليلى سئ الحفظ ثم هو منقطع،
وقالوا: هو قول جمهور العلماء كما روينا من طريق سفيان عن الزهري عن ابن كعب بن مالك
قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا ابن علية عن أيوب السختياني عن ابن عمر قال في جنين الناقة إذا تم وأشعر: فذكاته
ذكاة أمه وينحر * ومن طريق الحارث عن علي إذا أشعر جنين الناقة فكله فان ذكاته ذكاة
أمه * وعن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس أنه أشار إلى جنين (5) ناقة واخذ بذنبه

(1) في النسخة رقم 16 (بعض المخالفين) ويؤيد ما هنا ما سيأتي بعد في قول المصنف (وقالوا: هو قول جمهور العلماء)
(2) هو في سنن الدارقطني ص 540
(3) الزيادة من النسخة رقم 16 وسقطت خطأ من النسخة رقم 14 والنسخة اليمنية
(4) في النسخة رقم 16 (عباد بن بشير) وهو غلط، وجاء صيحا في مستدرك الحاكم ج 4 ص 114
(5) في النسخة رقم 16 (أنه قال في جنين) وليس بشئ
419

وقال: هذا من بهيمة الأنعام * وعن أبي الزبير عن جابر نحر جنين الناقة نحر أمه * وعن
إبراهيم عن ابن مسعود ذكاة الجنين ذكاة أمه وهو قول إبراهيم. والشعبي. والقاسم بن محمد.
وطاوس. وأبى ظبيان. وأبي إسحاق السبيعي. والحسن. وسعيد بن المسيب. ونافع.
وعكرمة. ومجاهد. وعطاء. ويحيى بن سعيد الأنصاري. وعبد الرحمن بن أبي ليلى. والزهري.
ومالك. والأوزاعي. والليث بن سعد. وسفيان الثوري. والحسن بن حي. وأبى يوسف
ومحمد بن الحسن. والشافعي * وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن مسعر
ابن كدام عن حماد بن أبي سليمان في جنين المذبوحة قال: لا تكون ذكاة نفس عن نفسين، وهو
قول أبي حنيفة. وزفر * نا أحمد بن عمر بن أنس نا محمد بن عيسى غندر نا خلف بن القاسم نا أبو
الميمون نا عبد الرحمن بن عبيد الله بن عمر بن راشد البجلي نا أبو زرعة - هو عبد الرحمن بن عمرو
النصرى (1) - نا عبد الله بن حيان قلت لمالك بن انس: يا أبا عبد الله الناقة تذبح وفى بطنها جنين
يرتكض فيشق بطنها فيخرج جنينها أيؤكل؟ قال: نعم، قلت: ان الأوزاعي قال: لا يؤكل قال:
أصاب الأوزاعي، فهذا قول لمالك (2) أيضا *
واختلف القائلون في إباحة أكله فروينا عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. قال: إذا علم أن
موت الجنين قبل موت أمه أكل والألم يؤكل، قيل له: من أين يعلم ذلك؟ قال: إذا خرج لم ينتفخ
ولم يتغير فهو موتها (3)، وقال بعضهم: لا يؤكل الا أن يكون قد أشعر وتم وهو قول ابن عمر:
وعبد الرحمن بن أبي ليلى. والزهري. والشعبي. ونافع. وعكرمة. ومجاهد. وعطاء ويحيى بن سعيد،
قال يحيى: فان خرج حيا لم يحل أكله الا أن يذكى، وبه قال مالك الا أنه قال: إن خرج حيا كره
أكله وليس حراما، وقال آخرون: أشعر أو لم يشعر هو حلال وهو قول ابن عباس. وإبراهيم.
وسعيد بنت المسيب. والأوزاعي. والليث. وسفيان. والحسن بن حي. وأبى يوسف. ومحمد بن
الحسن. الشافعي *
قال أبو محمد: لو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لقلنا به مسارعين (4) وإذا لم يصح عنه فلا يحل ترك
القرآن لقول قائل أو قائلين، فأما أبو حنيفة فإنه يشنع بخلاف الصاحب لا يعرف له مخالف
وخلاف جمهور العلماء ويرى ذلك خلافا للاجماع، وهذا مكان خالف فيه الصحابة وجمهور العلماء
من التابعين والآثار التي يحتج هو بأسقط منها، وهذا تناقض فاحش * وأما مالك فإنه لم يحرم
الجنين إذا خرج بعد ذبح أمه حيا وما نعلم هذا عن أحد من خلق الله تعالى قبله ويلزم على هذا أنه ان

(1) هو بالنون والصاد المهملة، وفى النسخة اليمنية (البصري) بالباء الموحدة وهو غلط
(2) في النسخة رقم 16 (فهذا لقول مالك
(3) في النسخة رقم 16 (فهو قبل موتها) ولعلها الأظهر
(4) قال مصحح النسخة 16: قد صح من حديث جابر اه‍ أقول يشير إلى ما ذكره المصنف قبل قريب ثم بين ما فيه فسقط ما قاله المصحح
420

كان عنده ذكيا بذكاة أمه أنه إن عاش وكبر وألقح ونتج انه حلال متى مات لأنه
ذكى بعد بذكاة أمه وحاش لله من هذا فكلاهما خالف الاجماع أو ما يراه اجماعا في هذه المسألة
(بالله تعالى التوفيق (1)) *
1015 - مسألة - ولا يحل الاكل ولا الشرب في آنية الذهب أو الفضة لا لرجل
ولا لامرأة فإن كان مضببا بالفضة جاز الأكل والشرب فيه للرجال والنساء لأنه ليس اناء فضة،
فإن كان مضببا بالذهب أو مزينا به حرم على الرجال لان فيه استعمال ذهب وحل للنساء لأنه
ليس اناء ذهب *
روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع -
هو مولى ابن عمر - عن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر
الصديق عن أم سلمة أم المؤمنين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذي يأكل أو يشرب في آنية
الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) (2) فهذا عموم يدخل فيه الرجال والنساء، وصح
عن النبي صلى الله عليه وسلم (ان الذهب حرام على ذكور أمته حل لإناثها) * وروينا عن علي رضي الله عنه
انه أتى بفالوذج في إناء فضة فأخرجه وجعله على رغيف وأكله، الا أن يصح ما حدثنا به
محمد بن إسماعيل العذري قاضى سرقسطة (4) نا محمد بن علي المطوعي نا الحاكم محمد بن عبد الله
النيسابوري انا الحسين بن الحسن الطوسي بنيسابور، و عبد الله بن محمد الخزاعي بمكة قالا جميعا:
نا أبو يحيى بن أبي ميسرة نا يحيى بن محمد الجاري (5) نا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن
أبيه عن جده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شرب في إناء ذهب أو فضة أو واناء فيه
شئ من ذلك فإنما يجر جر في بطنه نار جهنم) فان صح هذا الخبر قلنا به على نصه ولم يحل الشرب في إناء
فيه شئ من ذهب أو فضة لرجل ولا لامرأة وإنما توقفنا عنه لان زكريا بن إبراهيم لا نعرفه بعدل
ولا جراحة. وبالله تعالى التوفيق * وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن مروان بن معاوية عن
العلاء عن يعلي بن النعمان قال قال عمرو: من شرب في قدح مفضض سقاه الله جمرا يوم القيامة *
وصح عن ابن عمر انه كان لا يشرب بقدح فيه ضبة فضة ولا حلقة فضة، وعن جماعة مثل هذا،
وعن آخرين اباحته *

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 149
(3) قال الحافظ بن حجر في بلوغ المرام: رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وقال في التلخيص: ومشى ابن حزم على ظاهر الاسناد فصححه وهو معلول بالانقطاع
(4) بفتح أوله وثانيه ثم قاف مضمومة وسين مهملة ساكنة وطاء مهملة - هكذا ضبطه ياقوت - بلدة مشهورة بالأندلس
(5) هو بجيم في أوله هكذا ضبطه الحافظ ابن حجر في التقريب وكذلك ذكره الذهبي في ميزانه وتبعه على ذلك الحافظ في لسان الميزان، وفى النسخة رقم 14 وفى النسخة اليمنية (الحارثي) بحاء مهملة وقبل آخره تاء مثلثة وهو تصحيف، وذكر الحديث الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3 ص 302 وقال: هذا حديث منكر أخرجه الدارقطني، وزكريا ليس بالمشهور
421

1016 - مسألة - ولا يحل القران في الاكل الا باذن المؤاكل، وهو أن تأخذ أنت
شيئين شيئين (1) ويأخذ هو واحدا واحدا كتمرتين وتمرة أو تينتين وتينة ونحو ذلك الا أن
يكون الشئ كله لك فافعل فيه ما شئت * روينا من طريق البخاري نا آدم نا شعبة نا جبلة بن
سحيم (انه سمع ابن عمر يقول - وهو يمر بهم وهم يأكلون -: لا تقارنوا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن القران (الا أن يستأذن الرجل أخاه) قال شعبة: الاذن من قول ابن عمر) (2) *
قال على: هذا أعم مما رواه سفيان عن جبلة بن سحيم فإذا أذن المؤاكل فهو حقه تركه *
1017 - مسألة - ولا يحل أكل ما عجن بالخمر أو بما لا يحل أكله أو شربه ولاقدر طبخت
بشئ من ذلك الا أن يكون مما عجن به الدقيق وطبخ به الطعام شيئا حلال وكان ما رمى فيه من
الحرام قليلا لا ريح له فيه ولا طعم ولا لون، ولا يظهر للحرام في ذلك اثر أصلا فهو حلال حينئذ،
وقد عصى الله تعالى من رمى فيه شيئا منه لان الحرام إذا بطلت صفاته التي بها سمى بذلك الاسم
الذي به نص على تحريمه فقد بطل ذلك الاسم عنه وإذا بطل ذلك الاسم سقط التحريم لأنه إنما حرم
ما يسمى بذلك الاسم كالخمر. والدم. والدم. والميتة، فإذا استحال الدم لحما أو الخمر خلا أو الميتة
بالتغذي أجزأ في الحيوان الآكل لها من الدجاج وغيره فقد سقط التحريم وبالله تعالى التوفيق *
ومن خالف هذا لزمه أن يحرم اللبن لأنه دم استحال لبنا وان يحرم التمر والزرع المسقى بالعذرة
والبول، ولزمه أن يبيح العذرة والبول لأنهما طعام وما حلالان استحالا إلى اسم منصوص على
تحريم المسمى به * وأما تحريم ما عجن أو طبخ به فلظهور أثره في جميع الشئ المعجون
والمطبوخ، وأما إذا كان الأثر لشئ حلال وكان الحرام لا اثر له فقد قلنا الآن ما يكفي *
روينا من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن يزيد عن داود بن عمر وعن مكحول عن أبي
الرداء: في المرى (3) يجعل فيه الخمر قال: لا بأس به ذبحته النار والملح *
1018 - مسألة - ولا يحل أكل جبن عقد بأنفحة (4) ميتة لان أثرها ظاهر فيه وهو
عقدها له لما ذكر آنفا، وهكذا كل ما مزج بحرام، بالله تعالى التوفيق *
1019 - مسألة - ولا يحل أكل ما ولغ فيه الكلب لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهرقه، فان
أكل منه ولم يلغ فيه فهر كله حلال، وقد تقصينا هذه المسألة في كتاب الطهارة فأغنى عن اعادتها،
وبالله تعالى التوفيق *
1020 - مسألة - ولا يحل الاكل من وسط الطعام ولا ان تأكل مما لا يليك سواء كان

(1) في النسخة رقم 16 (ثنتين ثنتين) وهو غلط بدليل ما بعده
(2) الزيادة من النسخة رقم 14، والحديث اختصره المؤلف انظر صحيح البخاري ج 7 ص 145
(3) قال الجوهري في صحاحه: المرى في الضم وتشديد الراء الذي يؤتدم به كأنه
منسوب إلى المرارة والعامة تخففه
(4) في النسخة اليمنية (قد عجن بانفحة)
422

صنفا واحدا أو أصنافا شتى، فلو أن المرء أخذ شيئا مما يلي غيره ثم جعله أمام نفسه وتركه ثم أخذه
فأكله فلا حرج عليه في ذلك * روينا من طريق سفيان بن عيينة قال: نا عطاء بن السائب قال: قال
لنا سعيد بن جبير: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البركة تنزل وسط الطعام
فكلوا من نواحيه ولا تأكلوا من وسطه) سماع سفيان. وشعبة. وحماد بن زيد من عطاء بن
السائب كان قبل اختلاطه (1) * ومن طريق البخاري نا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي نا محمد
ابن جعفر عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن وهب بن كيسان (أبى نعيم) (2) عن عمر بن أبي
سلمة المخزومي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: كل مما يليك) * ومن طريق أحمد بن شعيب انا
عبد الله بن الصباح العطار نا عبد الأعلى نا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ادنه يا بنى فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) فلم يخص عليه السلام
صنفا من أصناف، وذكر المفرقون بين ذلك خبرا رويناه من طريق محمد بن جرير الطبري نا محمد
ابن المثنى نا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية المنقري نا أبو الهذيل حدثني عبيد الله
ابن عكراش بن ذئيب عن أبيه (انه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا بجفنة من ثريد فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد ثم أتينا بطبق فيه ألوان من رطب أو
تمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير طعام واحد قال: وجالت يد
النبي صلى الله عليه وسلم في الطبق) فعبيد الله بن العكراش بن ذؤيب (3) ضعيف جدا لا يحتج به، ومثل هذا
لا يجوز أن يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يكاد يوجد طعام لا يكون أصنافا الا في الندرة
فالثريد فيه لحم وخبز وربما بصل وحمص والمرق كذلك، ويكون في اللحم كبد وشحم ولحم
وصدرة وظهر، وهكذا في أكثر الأشياء *
فان ذكروا حديث أنس (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فانطلقت منه فجئ بمرقة فيها دباء
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل من ذلك الدباء تعجبه قال أنس: فجعلت القية إليه ولا أطعمه)
وفيه أيضا في رواية بعض الثقات (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول الصحفة)
فان هذا خبر صحيح، وقد قال بعض أهل الظاهر: إنما هذا في الدباء خاصة *
قال أبو محمد: وليس هذا عندنا كذلك لأنه فعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل: انه
خاص بالدباء فلا ينبغي لنا أن نقوله لكن نقول: إن هذا الخبر موافق لمعهود الأصل، وقد كان

(1) قال مصحح النسخة رقم 16 إنما ذلك في سفيان الثوري أما ابن عيينة فلا اه‍ أقول: وقد ثبت أيضا ان سفيان بن عيينة
سمع من عطاء بن السائب قبل اختلاطه، قال الحافظ في كتابه تهذيب التهذيب ج 7 ص 355: وقال الحميدي عن ابن عيينة
كنت سمعت من عطاء بن السائب قديما ثم قدم علينا قدمة فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعت فخلط فيه فاتقيته واعتزلته اه‍
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 122، والحديث اختصره المصنف
(3) عكراش بكسر أوله وسكون ثانيه، وذؤيب تسغير ذئب، وهو كما قال المصنف
423

ذلك بلا شك مباحا قبل أن يقول عليه السلام: (كل ما يليك) فهو منسوخ بيقين بأمره عليه السلام
بالاكل مما يلي الآكل، ومن أدعى أن المنسوخ عاد مباحا لم يصدق الا ببرهان لأنه دعوى بلا دليل،
وأيضا فان هذا الخبر لما تدبرناه وجدناه ليس فيه البتة لا نص ولا دليل على أنه عليه السلام أخذ
الدباء مما لا يليه ومن ادعى هذا فقد ادعى الباطل وقال: ما ليس في الحديث، وقد يكون الدباء
في نواحي الصحفة مما يلي النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه ويساره فيتتبعه مما يليه في كل ذلك، وهذا الذي
لا يجوز ان يحمل الخبر على ما سواه إذ ليس فيه ما يظن المخالف أصلا فبطل تعلقهم به ولله الحمد *
فإذا أخذ المرء الشئ مما لا يليه ثم جعله امامه فإنما نهى عن أن يأكل مما لا يليه، وهذا لم يأكل
مما لا يليه فإذا صار أمامه فله أكله حينئذ لأنه مما يليه، وقد اجتر خالد بن الوليد الضب من يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكله ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وسنذكره إن شاء الله
تعالى في باب الضب (1) وبالله تعالى التوفيق *
1021 - مسألة - ومن أكل وحده فلا يأكل الا مما يليه لما ذكرنا آنفا فان أدار
الصحفة فله ذلك لأنه لم ينه عن ذلك فإن كان الطعام لغيره لم يجز له يدير الصحفة لان
واضعها أملك بوضعها، ولم يجعل له ادارتها إنما جعل له الاكل مما يليه فقط، فإن كانت
القصعة والطعام له فله ان يديرها كما يشاء وان يرفعها إذا شاء لأنه ماله وليس له أن يأكل
الا مما يليه لان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عموم، وقال الله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم)، وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا أن يكون
لهم الخيرة من أمرهم) *
1022 - مسألة - وتسمية الله تعالى فرض على كل آكل عند ابتداء أكله ولا يحل
لاحد ان يأكل بشماله الا أن لا يقدر فيأكل بشماله لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة الذي ذكرنا
آنفا بالتسمية والاكل باليمين * ومن طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا
تأكلوا بالشمال فان الشيطان يأكل بالشمال)، وهذا عموم في النهى عن شماله وشمال غيره فان
عجز فالله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه
ما استطعتم) * ومن تحكم فجعل بعض الأوامر فرضا وبعضها ندبا فقد قال على الله ورسوله: ما لا
علم له به، وقال تعالى: (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) *
1023 - مسألة - ولا يحل الاكل في آنية أهل الكتاب حتى تغسل بالماء إذا لم يجد

(1) في النسخة رقم 16 (في كتاب الصيد) وهو غلط لان كتاب الصيد لم يذكر فيه الصنف شيئا من هذا كما يأتي،
وفى النسخة اليمنية، في باب الطيب وهو غلط أيضا لأنه لا معنى لذكره في باب الطيب، وسيأتي قريبا ذكر المسالة التي تتعلق
بالضب ويذكر المصنف حديث خالد بن الوليد الذي أشار الله هنا والله أعلم
424

غيرها أيضا لما رويناه من طريق مسلم نا هناد بن سرى نا عبد الله بن المبارك عن حياة بن شريح
قال: سمعت ربيعة بن يزيد الدمشقي يقول: أنا أبو إدريس عائذ الله الخولاني قال: سمعت
أبا ثعلبة الخشني يقول: قلت: (يا رسول الله انا بأرض قوم أهل كتاب (1) نأكل في آنيتهم فقال
عليه السلام: (اما ما ذكرت انكم (2) بأرض قوم أهل كتاب (3) تأكلون في آنيتهم (فان
وجدتم غير آنيتهم) (4) فلا تأكلوا فيها، وان لم تجدوا فاغسلوها وكلوا (5) فيها) * نا حمام نا عباس
ابن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أبو يحيى بن أبي مسرة نا النعمان بن محمد المنقري
أنا حماد عن قتادة وأيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن أبي ثعلبة الخشني
قلت: (يا رسول الله انا بأرض أهل كتاب أفنطبخ في قدورهم ونشرب في آنيتهم؟ قال: إن لم
تجدوا غيرها فارحضوها بالماء ثم اطبخوا فيها واشربوا) * نا يونس بن عبد الله نا أبو عيسى
ابن أبي عيسى نا أحمد بن خالد نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر نا سعيد
ابن أبي عروبة عن أيوب هو السختياني عن أبي قلابة عن أبي ثعلبة الخشني أنه قال:
(يا رسول الله اكتب لي بأرض قال: كيف اكتب لك وهي بأرض الحرب؟ قال: والذي بعثك
بالحق لتملكن ما تحت أقدامهم فاعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم!) وذكر الحديث وفيه (أنه
قال: يا رسول الله انا بأرض أهلها أهل كتاب نحتاج منها إلى قدورهم وآنيتهم فقال: لا تقربوها
ما وجدتم منها بدا فإذا لم تجدوا بدا فاغسلوها بالماء واطبخوا واشربوا) *
قال أبو محمد: وتعلق قوم قد خالفوا هذا الخبر الثابت بخبر رويناه من طريق أبى داود
السجستاني نا نصر بن عاصم الأنطاكي نا محمد بن شعيب نا عبد الله بن العلاء بن زبر عن أبي
عبد الله مسلم بن مشكم عن أبي ثعلبة الخشني (انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنا نجاور أهل
الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ان وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا وان لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا
واشربوا) *
قال أبو محمد: هذا خبر لا يصح لان فيه عبد الله بن العلاء بن زبر وليس بمشهور (7)

(1) في صحيح مسلم ج 2 ص 109 (من أهل الكتاب)
(2) في النسخة رقم 16 (من أنكم) وفى النسخة رقم 14 (بأنكم) وما هنا موافق لصحيح مسلم (3) في صحيح مسلم ج 2 ص 109 (من أهل الكتاب)
(4) الزيادة من صحيح مسلم، والحديث اختصره المصنف
(5) في صحيح مسلم (ثم كلوا)
(6) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 428 *
(7) قال الحافظ ابن حجر في التهذيب: ونقل الذهبي في الميزان ان ابن حزم نقل عن ابن معين انه ضعه، قال شيخنا
في شرح الترمذي. لم أجد ذلك عن ابن معين بعد البحث، ووقع في المحلى لابن حزم في الكلام على حديث أبي ثعلبة في
آنية أهل الكتاب. عبد الله بن العلاء ليس بالمشهور وهو متعقب بما تقدم اه‍
425

ومسلم بن مشكم هو مجهول (1) *
1024 - مسالة - ولا يحل أكل السيكران (2) لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم كل مسكر،
والسيكران مسكر فان موه قوم باللبن والزوان (3) فليس كما ظنوا لان اللبن والزوان مخدران
مبطلان للحركة لا يسكران، والسيكران والخمر مسكران لا يخدران ولا يبطلان الحركة،
وبالله تعالى التوفيق *
1025 - مسألة - وكل ما حرم الله عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير
أو صيد حرام. أو ميتة. أو دم، أو لحم سبع طائر. أو ذي أربع. أو خمر. أو
غير ذلك فهو كله عند الضرورة حلال حاشا لحوم بني آدم وما يقتل من تناوله فلا يحل
من ذلك شئ أصلا لا بضرورة لا بغيرها، فمن اضطر إلى شئ مما ذكرنا قبل ولم يجد
مال مسلم أو ذمي فله أن يأكل حتى يشبع ويتزود حتى يجد حلالا فإذا وجده عاد
الحلال من ذلك حراما كما كان عند ارتفاع الضرورة، وحد الضرورة أن يبقى يوما وليلة
لا يجد فيها ما يأكل أو ما يشرب فان خشي الضعف المؤذى الذي ان تمادى أدى إلى الموت
أو قطع به عن طريقه وشغله حل له الأكل والشرب فيما يدفع به عن نفسه الموت بالجوع
أو العطش، وكل ما ذكرنا سواء لافضل لبعضها على بعض ان وجد منها نوعين أو
أنواعا فيأكل ما شاء منها فلا معنى للتذكية فيها *
أما تحليل كل ذلك للضرورة فلقول الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا
ما اضطررتم إليه) فاسقط تعالى تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة فعم ولم يخص فلا
يجوز تخصيص شئ من ذلك، وأما قولنا إذا لم يجد (4) مال مسلم فلقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم الذي رويناه من طريق أبى موسى: (اطعموا الجائع) فهو إذا وجد
مال المسلم أو الذمي فقد وجد مالا قد أمر الله تعالى باطعامه منه فحقه فيه فهو غير مضطر
إلى الميتة وسائر المحرمات فان منع ذلك ظلما فهو مضطر حينئذ، وخصص قوم الخمر بالمنع
وهذا خطأ لأنه تخصيص للقرآن بلا برهان، وهو قول مالك، وخالفه أبو حنيفة وغيره،
واحتج المالكيون بأنها لا تروى، وهذا خطأ مدرك بالعيان قد صح عندنا ان كثيرا من
المدمنين عليها من الكفار والخلاع لا يشربون الماء أصلا مع شربهم الخمر، وقد
اضطربوا فروى عن مالك الاستغاثة بالخمر لمن اختنق بلقمة وأمره بذلك، ولافرق بين

(1) قال الحافظ في التهذيب وغفل ابن حزم فقال في المحلى انه مجهول وهو رد عليه (2) هو نبت له حب أخضر اه‍ لسان
(3) قال في الصحاح. حب يخالط البر
(4) في النسخة رقم 14 وكذلك اليمنية (ما دام يجد) وما هنا انسب بكلام المصنف
المتقدم قريبا
426

الاستغاثة إليها في ضرورة الاختناق أو في ضرورة العطش لامن قرآن. ولا من سنة. ولا
رواية صحية. ولا قياس، فصح انهم آمرون له بقتل نفسه وانه لم يشرب الخمر فمات
فهو قاتل النفس التي حرم الله * واما استثناء لحوم بني آدم فلما ذكرنا قبل من الامر
بمواراتها فلا يحل غير ذلك * وأما ما يقتل فإنما أبيحت المحرمات خوف الموت أو الضرر
فاستعجال الموت لا يحل لقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وبهذه الآية أيضا حلت
المحرمات خوف أن يكون الممتنع منها قاتل نفسه فيعصى الله تعال بذلك ويكون قاتل
نفس محرمة وهذا أكبر الكبائر بعد الشرك * وأما تحديدنا ذلك ببقاء يوم وليلة بلا أكل
فلتحريم النبي صلى الله عليه وسلم الوصال يوما وليلة * وأما قولنا: ان خاف الموت قبل ذلك
أو الضعف فلانه مضطر حينئذ * وأما قولنا: لافضل لبعض ذلك على بعض فلقول الله
تعالى: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) فصح أن كل شئ حرمه النبي
صلى الله عليه وسلم فان الله تعالى حرمه وبلغه هو عليه السلام الينا وكل ما حرمه الله تعالى في القرآن
فالنبي عليه السلام بلغ القرآن الينا ولولاه ما عرفنا ما هو القرآن فصح يقينا أن كل حرام
أو كل مفترض أو كل حلال فهو عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل ولافرق، وليس
قولنا: إنه لا يحل للمحرم قتل الصيد ولا للمحل في الحرم ما دام يجد شيئا من هذه المحرمات
ناقضا لهذه الجملة بل هو طرد لها لان واجد الخنزير والميتة والدم وغير ذلك غير مضطر
معها بل هو واجد حلال فليس مضطرا إلى الصيد الا حتى لا يجد غيره فيحل له حينئذ *
وأما قولنا: لا معنى للتذكية فلان الذكاة اخراج لحكم الحيوان على التحريم بكونه ميتة
إلى التحليل بكونه مذكى، وكل ما حرمه الله تعالى من الحيوان فهو ميتة فالتذكية
لا مدخل لها في الميتة وبالله تعالى التوفيق *
1026 - مسألة - ولا يحل شئ مما ذكرنا لمن كان في طريق بغى على المسلمين
أو ممتنعا من حق بل كل ذلك حرام عليه فإن لم يجد ما يأكل فليتب مما هو فيه وليمسك
عن البغي وليأكل حينئذ وليشرب مما اضطر إليه حلالا له فإن لم يفعل فهو عاص لله تعالى
فاسق آكل حرام *
برهان ذلك قول الله تعالى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم)
وقوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه) فإنما أباح تعالى ما حرمه بالضرورة من لم
يتجانف لاثم ومن لم يكن باغيا ولا عاديا وهذا قول كل من نعلمه من العلماء إلا المالكيين
فإنهم قالوا فيمن قطع الطريق على المسلمين وانتظر رفاقهم من المحاربين وحاصر قراهم ومدنهم
من الباغين لسفك دماء المسلمين ويستبيح أموالهم وفروج المسلمات ظلما وعدوانا فلم يجد
427

مأكلا الا الخنازير والميتات: انه مباح له أكله فأعانوه على أعظم الظلم وأشد البغي والعدوان
والعجب أنهم موهوا ههنا بقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) *
قال أبو محمد وهذا من أقبح ما يكون من الايهام وما أمرناه بقتل نفسه بل بما افترض الله
تعالى عليه من التوبة فلينوها بقبله وليمسك عن البغي والامتناع من الحق بيديه ثم يأكل ما اضطر
إليه حلالا له وما سمعنا بقول أقبح من قولهم هذا أن لا يأمروه بالتوبة من البغي ويبيحوا له التقوى
على الافساد في الأرض بأكل الميتة والخنزير نبرأ إلى الله من هذا القول * روينا عن مجاهد (غير
باغ ولا عاد) غير باغ على المسلمين ولا عاد عليهم، قال مجاهد: ومن يخرج لقطع الطريق
أو في معصية الله تعالى فاضطر إلى الميتة لم تحل له إنما تحل لمن خرج في سبيل الله تعالى فان
اضطر إليها فليأكل * وعن سعيد بن جبير (فمن اضطر عير باغ ولا عاد) قال: إذا خرج في سبيل
من سبل الله تعالى فاضطر إلى الميتة اكل وان خرج إلى قطع الطريق فلا رخصة له * وموهوا
مما رويناه من طريق سلمة بن سابور (1) عن عطية عن ابن عباس ان معنى الباغي والعادي
إنما هو في الاكل *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه ثلاثة، أولها أنه لا حجة في قول أحد في
تخصيص القرآن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني انه اسناد فاسد لا يصح لان سلمة بن
سابور ضعيف، وعطية مجهول، والثالث انه لو صح لكان موافقا لقولنا لا لقولهم لان
الباغي في الاكل والعادي فيه هو من أكله فيما لم يبح له وأكله في البغي على المسلمين باغ في
الاكل وعاد فيه، وهكذا نقول وما قال قط أحد نعلمه قبلهم: ان من خرج مفسدا في
الأرض فاضطر إلى الميتة فله أكلها مصرا على افساده متقويا على ظلم المسلمين ونعوذ
بالله من الخذلان، وقال قائلون: لا يحل له ان يأكل من ذلك الا ما يمسك رمقة *
قال على: وهذا خطأ لان الله تعالى استثنى المضطر من التحريم فهو بلا شك غير داخل في
التحريم وإذ هو غير داخل فيه فكل ذلك مباح له جملة *
1027 - مسألة - والسرف حرام وهو النفقة فيما حرم الله تعالى قلت أو كثرت
ولو أنها جزء من قدر جناح بعوضة، أو التبذير (2) فيما لا يحتاج إليه ضرورة مما لا يبقى
للمنفق بعده غنى، أو إضاعة المال وان قل برميه عبثا فما عدا هذه الوجوه فليس سرفا وهو حلال
وان كثرت النفقة فيه، وقولنا هذا رويناه عن سعيد بن جبير وغيره قال الله تعالى: (ولا
تسرفوا انه لا يحب المسرفين)، ومن طريق ابن وهب انا يونس - هو ابن يزيد - عن ابن شهاب
أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك بن مالك قال: سمعت كعب بن مالك فذكر الحديث وفيه (فقلت:

(1) هو بالسين المهملة، وفى بعض النسخ بالشين المعجمة وهو تصحيف
(2) في النسخة رقم 14 (والتبذير)
428

يا رسول الله ان من توبتي ان انخطع من مالي صدقة إلى الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك (1)) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قال: خير الصدقة ما كان
عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول) * روينا (2) من طريق أبى مالك الأشجعي عن حذيفة) ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال: كل معروف صدقة) (3)، فصح انه لا يحل نفقة شئ من المعروف ولا المباح
الا ما أبقى غنى الا من اضطر إلى قوت نفسه ومن معه فلا يحل له قتل نفسه ولا تضييع من
معه، ثم الله تعالى هو الرزاق، وأما ما دون هذا فان الله تعالى يقول: (كلوا من الطيبات) وقال
تعالى: (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا) وقال تعالى: (قل: من حرم زينة الله التي
أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟)، (وأحل الله البيع) فمن حرم شيئا من ذلك بغير نص فقد
قال على الله تعالى الباطل *
فان ذكروا قول الله تعالى: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا). فإنما هذه الآية في الكفار
خاصة بنص الآية قال تعالى: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم
الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما
كنتم تفسقون) *
قال أبو محمد: التمويه بايراد بعض آية والسكوت عن أولها أو آخرها عادة سوء لمن أراد
الله تعالى خزيه في الدنيا والآخرة لأنه تحريف للكلم عن مواضعه وكذب على الله تعالى *
1028 - مسألة - وكل ما تغذى من الحيوان المباح أكله بالمحرمات فهو
حلال كالدجاج المطلق والبط والنسر وغير ذلك ولو أن جديا أرضع لبن خنزيرة لكان أكله حلالا
حاشا ما ذكرنا قبل من الجلالة لان الله تعالى قال: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم فلم
يفصل لنا تحريم شئ من اجل ما يؤكل الا الجلالة (وما كان ربك نسيا) وقد صح عن أبي موسى
تحليل الدجاج وإن كان يأكل القذر، وروينا عن ابن عمر أنه كان إذا أراد أكلها حبسها
ثلاثا حتى يطيب بطنها *
قال أبو محمد: هذا الا يلزم لأنه إن كان حبسها من اجل ما في قانصتها مما أكلت
فالذي في القانصة لا يحل أكله جملة لأنه رجيع وإن كان من أحل استحالة المحرمات التي
أكلت فلا يستحيل لحمها في ثلاثة أيام ولا في ثلاثة أشهر بل قد صار ما تغذت به من ذلك لحما من
لحمها ولو حرم من ذلك لحرم من الثمار والزرع ما ينبت على الزبل وهذا خطأ، وقد قدمنا ان
الحرام إذا استحالت صفاته واسمه بطل حكمه الذي علق على ذلك الاسم وبالله تعالى التوفيق *
1029 - مسألة - والقرد حرام أكله لان الله تعالى مسخ ناسا عصاة عقوبة لهم

(1) هو في صحيح البخاري وغيره مطولا
(2) في النسخة رقم 16 (وروينا)
(3) هو في صحيح البخاري وغيره
429

على صورة الخنازير. والقردة، والضرورة يدرى كل ذي حس سليم انه تعالى لا يمسخ عقوبة
في صورة الطيبات من الحيوان، فصح أنه ليس منها وإذ ليس هو منها فهو من الخبائث لأنه
ليس الا طيب أو خبيث فما لم يكن من الطيبات طيبا فهو من الخبائث خبيث فإذا القرد
خبيث لا والخنزير خبيث فهما محرمان، وهذا من البراهين أيضا على تحريم الخنزير جملة وكل
شئ منه، وكل ما جاء في المسوخ (1) في غير القرد والخنزير فباطل وكذب موضوع،
وبالله تعالى التوفيق *
1030 مسألة - وأكل الطين لمن لا يستضر به حلال، وأما كل ما يستضر به
من طين أو اكثار من الماء أو الخبز فحرام لأنه ليس مما فصل تحريمه لنا فهو حلال،
وأما كل ما أضر فهو حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ان الله كتب الاحسان على ما كل شئ *
روينا من طريق شعبة. وسفيان وهشيم. ومنصور بن المعتمر. وابن علية. وعبد
الوهاب بن عبد المجيد كلهم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني
عن شداد بن أوس أنه حفظ عن رسول اله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ان الله كتب الاحسان على
كل شئ) (2) وذكر باقي الحديث، فمن أضر بنفسه أو بغيره فلم يحسن ومن لم يحسن فقد
خالف كتاب الله تعالى الاحسان على كل شئ، وقد روى في تحريم الطين آثار كاذبة *
منها من طريق سويد بن سعيد الحدثاني (3) وهو مذكور بالكذب، ومرسلات، واحتج
بعضهم بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من
الأرض) قال: والطين ليس مما أخرج لنا من الأرض *
قال أبو محمد: وهذا من التمويه الذي جروا على عادتهم فيه في ايهامهم أنهم يحتجون وإنما
يأتون بما لا حجة لهم فيه، وهذه الآية حق ولكن ليس فيها تحريم أكل ما لم يخرج لنا من
الأرض وإنما فيها إباحة ما اخرج لنا من الأرض وليس فيها ذكر ما عدا ذلك لا بتحليل
ولا بتحريم، فحكم ما لم يخرج من الأرض مطلوب من غيرها، ولو كانت هذه الآية مانعة من
أكل ما لم يخرج من الأرض لحرم أكل الحيوان كله برية وبحرية، ولحرم أكل العسل.
والطنجبين. والبرد. والثلج. لأنه ليس شئ من ذلك مما أخرج الله تعالى لنا من الأرض،
فالطين واحد من هذه فكيف وهو مما في الأرض ومما أخرج الله تعالى من الأرض؟ لأنه
معادن في الأرض مستخرجة من الأرض، ولقد كان ينبغي لمن له دين ان لا يحتج بمثل هذا

(1) في النسخة رقم 16 (في الممسوخ)
(2) رواه مسلم وغيره مطولا وأشار إلى ذلك المصنف بقوله. وذكر باقي الحديث
(3) هو بالحاء والدال المهملتين بعدهما ثاء مثلثة نسبة إلى الحديثة بلد على الفرات انظر معجم البلدان لياقوت، ووقع في النسخة
رقم 16 والنسخة رقم 14 (الحر ثاني) بالراء وهو تصحيف
430

مما يفتضح فيه من قرب، بالله تعالى التوفيق، وقد علمنا أن القليل من الفطر (1). والكمأة. ولحم
التيس الهرم أضر من قليل الطين، وأتى بعضهم بطريفة فقال: خلقنا من التراب فمن أكل
التراب فقد أكل ما خلق منه فقلنا: فكان ماذا؟ وعلى هذا الاستدلال السخيف يحرم
شرب الماء لأننا من الماء خلفنا بنص القرآن *
1031 - مسألة - والضب حلال ولم ير أبو حنيفة أكله، وروينا من طريق
الحارث عن علي بن أبي طالب انه كره الضب، وعن أبي الزبير قال: سألت جابر بن عبد الله
عن الضب فقال: لا تطعموه * واحتج أهل هذه القالة بأحاديث منها صحيح كالذي روينا من
طريق يحيى بن سعيد القطان. وأبى معاوية الضرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن
عبد الرحمن بن حسنة قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابتنا مجاعة فوجدنا ضبابا
فبينا القدور تغلي بالضباب خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمة من بني إسرائيل
فقدت وانى أخاف أن تكون هذه هي فاكفئوها فألفينا بها) (2) هذا لفظ أبى معاوية
ولفظ يحيى نحوه، ومنها غير صحيح من طريق إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن
شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني (3) عن عبد الرحمن بن شبل (4) (أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن أكل لحم الضب) * وجاءت أخبار فيها التوقف فيه كالذي روينا من طريق مسلم
حدثني محمد بن المثنى نا ابن أبي عدى عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن
النبي صلى الله عليه وسلم (انه سئل عن الضب؟ فقال عليه السلام: ان أمة من بني إسرائيل مسخت فلم
يأمر ولم ينه (5)) ومثل هذا أيضا بمعناه صحيح من طريق جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم *
ومن طريق زيد بن وهب عن ثابت بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم * ومن طريق شعبة عن
الحكم بن عتيبة عن زيد بن وهب عن البراء بن عازب عن ثابت بن وديعة عن النبي صلى الله عليه وسلم *
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال في الضب: لأمر آمر به ولا انهى عنه، ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن
إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين (ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى بضب فلم يأكله
فقالت: يا رسول الله الا نطعمه المساكين قال: لا تطعموهم ما لم تأكلوا) *
قال أبو محمد: أما هذه فلا حجة فيها، وأما حديث عبد الرحمن بن شبل ففيه ضعفاء ومجهولون

(1) قال في الصحاح: وفطرت المرأة العجين حتى استبان فيه الفطر، والفطر أيضا ضرب من الكمأة
ابيض عظام الواحدة فطرة اه‍
(2) هو في شرح معاني الآثار للطحاوي ج 2 ص 314
(3) هو بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة واسمه اخضر، وقيل: النعمان
(4) في النسخة رقم (16) (عن عبد الله بن شبل) وهو غلط
(5) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 115 مطولا اختصره المصنف واقتصر على محل الشاهد منه
431

فسقط، وأما حديث (1) عبد الرحمن بن حسنة فهو حجة الا أنه منسوخ بلا شك لان فيه
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر باكفاء القدور بالضباب خوف أن تكون من بقايا مسخ
الأمة السالفة هذا نص الحديث، فان وجدنا عنه عليه السلام ما يؤمن من هذا الظن بيقين فقد
ارتفعت الكراهة أو المنع في الضب فنظرنا في ذلك فوجدنا ما رويناه من طريق مسلم نا إسحاق
ابن إبراهيم - هو ابن راهويه -، وحجاج بن الشاعر واللفظ له كلاهما عن عبد الرزاق قال: أنا
سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد
عن عبد الله بن مسعود قال: (قال رجل: يا رسول الله القردة والخنازير (هي) (2) مما مسخ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الله (عز وجل) (3) لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وان
القردة والخنازير كانوا قبل ذلك) * ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر بن كدام عن
علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن ابن مسعود (4) ان
القردة ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: (ان الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا
وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك)، فصح يقينا ان تلك المخافة منه عليه السلام في الضباب
أن تكون مما مسخ قد ارتفعت، وصح ان الضباب ليست مما مسخ ولا مما مسخ شئ في صورها
فحلت، ثم وجدنا ما رويناه من طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن
عبد الله بن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت
ميمونة (5) (فأتى بضب محنوذ (6) فرقع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟
قال: لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فاجدنى أعافه قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى
الله عليه وسلم ينظر)، فهذا نص جلى على تحليله وهذا هو الآخر الناسخ لان ابن عباس بلا شك لم
يجتمع قط مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الا بعد انقضاء غزوة الفتح وحنين
والطائف ولم يغز عليه السلام بعدها الا تبوك ولم تصبهم في تبوك مجاعة أصلا، وصح يقينا ان خبر
عبد الرحمن بن حسنة كان قبل هذا الخبر بلا مرية فارتفع الاشكال جملة وصحت اباحته عن
عمر بن الخطاب وغيره وبالله تعالى التوفيق *
1032 - مسألة - والأرنب (7) حلال لأنه لم يفصل لنا تحريمها، وقد اختلف السلف فيها

(1) في النسخة رقم (16) (واما خبر)
(2) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 303
(3) الزيادة من صحيح مسلم، والحديث اختصره المصنف
(4) في صحيح مسلم ج 2 ص 303 (عن عبد الله)، والحديث اختصره المصنف
(5) في نسخة الموطأ ج 3 ص 137 (عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد بن المغيرة
انه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) الخ، والحديث مختصر أي مشوى
(6) أي مشوي
(7) هو اسم جنس يطلق على الذكر والأنثى، وقال الجاحظ فإذا قلت أرنب فليس الا الأنثى كما أن العقاب لا يكون
الا للأنثى
432

روينا من طريق وكيع عن همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عمر أو ابن عمر انه كره
الأرنب * ومن طريق قتادة عن ابن المسيب أيضا أن عبد الله بن عمرو بن العاصي وأباه كرها
الأرنب، وأكلها سعد بن أبي وقاص * وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه كره الأرنب، واحتج
من كرهها بخبر من طريق وكيع نا أبو مكين عن عكرمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بارنب
فقيل له: انها تحيض فكرهها)، ومن طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن عمر عن عبد الكريم أبى
أمية قال: (سأل جرير بن أنس الأسلمي النبي صلى الله عليه وسلم عن الأرنب؟ فقال: لا آكلها
أنبئت انها تحيض) *
قال أبو محمد: عبد الكريم أبو أمية هالك، وحديث عكرمة مرسل، وقد صح من طريق
شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك (أنه صاد أرنبا فاتى بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى النبي
صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها (1)) * ومن طريق أبي هريرة
(ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى بأرنب مشوية فلم يأكل عليه السلام منها وامر عليه السلام القوم فأكلوا)
فهذا نص صحيح في تحليلها وقد يكرهها عليه السلام خلقة لا لاثم فيها، ونحن لعمر الله نكرهها
جملة ولا نقدر على أكلها أصلا وليس هذا من التحريم في شئ *
1033 - مسألة - والخل المستحيل عن الخمر حلال تعمد تخليلها (2) أو لم يتعمد الا
ان الممسك للخمر لا يريقها حتى يخللها أو تتخل من ذاتها عاص لله عز وجل مجرح الشهادة *
برهان ذلك ان الخمر مفصل تحريمها والخل حلال لم يحرم، * روينا من طريق مسلم نا
عبد الرحمن بن عبد الله الدارمي أنا يحيى بن حسان نا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم الادام الخل) (3) فإذا الخل
حلال فهو بيقين غير الخمر المحرمة، وإذا سقطت عن العصير الحلال صفات العصير وحلت فيه
صفات الخمر فليست تلك العين عصيرا حلالا بل هي خمر محمرة، وإذا سقطت عن تلك العين
صفات الخمر المحرمة وحلت فيها صفات الحل الحلال فليست خمرا محرمة بل هي خل حلال،
وهكذا كل ما في العالم إنما الأحكام على الأسماء فإذا بطلت تلك الأسماء بطلت تلك الأحكام
المنصوصة عليها وحدثت لها أحكام الأسماء التي انتقلت إليها فللصغير حكمه، وللبالغ حكمه،
وللميت حكمه، وللدم حكمه، وللغداء الذي استحال منه حكمه، وللبن. واللحم المستحيلين عن الدم
حكمهما، وهكذا كل شئ، ولا معنى لتعمد تخليلها أو لتخليلها من ذاتها لأنه لم يأت بالفرق بين

(1) الحديث اختصره المصنف انظر صحيح مسلم ج 2 ص 115
(2) اما تعمد تخليلها ففيه نظر فقد جاء فيه صحيح مسلم ج 2 ص 125 عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن الخمر تتخذ خلا): ولم يتعرض المصنف لذكره هنا
(3) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 144 بتغيير في بعض ألفاظه
433

شئ من ذلك قرآن ولا سنة صحيحة. ولا رواية سقيمة. ولاقول صاحب. ولا قياس، وإنما الحرام
امساك الخمر فقط، ولافرق بين تخليلها أو ترك تخليلها بل المريد لبقائها خمرا أعظم اثما وأكثر
جرما من المتعمد لافسادها والقاصد لتغييرها، وقولنا هذا هو قول أبي حنيفة. ومالك. وقال
الشافعي. وأبو سلميان: إذا تخللت حلت وان خللت لم تحل وهذا قول فاسد (1)، وروينا عن بعض
المالكيين ان كل خل تولد من خمر بقصد أو بغير قصد فهو حرام، وهذا خطأ لما ذكرنا، وأما
عصيان ممسك الخمر فلما روينا من طريق مسلم نا محمد بن أحمد (2) بن أبي خلف قال: نا
زكريا - هو ابن أبي زائدة - نا عبيد الله - هو ابن عمرو - عن زيد - هو ابن أبي أنيسة - عن يحيى
النخعي قال: سئل ابن عباس عن النبيذ؟ فذكر الحديث، وفيه (ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسقاء
فجعل فيه زبيب وماء جعل من الليل (فأصبح) (2) فشرب منه يومه والليلة المستقبلة ومن
الغد حتى أمسى فشرب وسقى فلما أصبح أمر بما بقي منه فأهرق) فلا يحل امساك الخمر
أصلا (فان قيل): فكيف السبيل إلى خل لا يأثم معانيه؟ قلنا: نعم بأن يكون العنب كما هو
يلقى في الظرف صحيحا فإذا كان في استقبال الصيف الذي يأتي عصر فإنه لا ينعصر الا الخل
الصرف ولا يسمى خمرا ما لم يبرز من العنب، وأيضا فان من عصر العنب أو نبذ الزبيب
أو التمر ثم صب على العصير الحلو أو النبيذ الحلو قبل ان يبدأ بهما الغليان مثل كليهما خلا
حاذقا فإنه يتخلل ولا يصير خمرا أصلا، بالله تعالى التوفيق *
1034 - مسألة - والسمن الذائب يقع فيه الفأر مات فيه أو لم يمت فهو حرام
لا يحل امساكه أصلا بل يهراق فإن كان جامدا أخذ ما حول الفأر فرمى وكان الباقي حلالا
كما كان، وأما كل ما عدا السمن يقع فيه الفأر أو غير الفأر فيموت أولا يموت فهو كله
حلال كما كان ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه فان ظهر فيه الحرام فهو حرام، وكذلك
السمن يقع فيه غير الفأر (4) فيموت أولا يموت (5) فهو حلال كله ما لم يظهر فيه تغيير
الحرام له كما قدمنا، وقد بينا هذه القصة كلها في كتاب الطهارة من ديواننا هذا فأغنى عن
اعادتها، وعمدته انا النهى إنما جاء في السمن الذائب يقع فيه الفأر ولم ينص على ما عداه (وما
كان ربك نسيا). بالله تعالى التوفيق *
1035 - مسألة - وما سقط من الطعام ففرض أكله ولعق الأصابع بعد تمام

(1) أقول فساد فيه بل هو الصواب بما قدمنا من أن النص يشهد لهذا
(2) سقط لفظ (احمد) من صحيح مسلم ج 2 ص 113
(3) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 122
(4) في النسخة رقم 14 (يقع فيه الفأر أو غير الفأر) وهي ريادة من الكاتب على ما يظهر سهوا والله أعلم
(5) سقط من النسخة رقم 14 قوله (أولا يموت) ووجودها لا يفيد معنى جديدا
434

الاكل فرض، ولعق الصحفة إذا تم ما فيها فرض لما روينا من طريق البخاري نا على
ابن عبد الله - هو ابن المديني - نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار عن عطاء
عن ابن عباس (ان رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم قال: إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يلعقها أو
يلعقها) ومن طريق حماد بن سلمة نا ثابت - هو البناني - عن أنس بن مالك (أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان) وأمرنا
ان نسلت القصعة قال: (فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة) (2) *
1036 - مسألة - ويكره الاكل متكئا ولا نكرهه منبطحا على بطنه وليس
شئ من ذلك حراما لأنه لم يأت نهى عن شئ من ذلك، وما لم يفصل لنا تحريمه فهو
حلال * وروينا من طريق البخاري نا أبو نعيم نا مسعر - هو ابن كدام - عن علي بن
الأقمر قال: سمعت أبا جحيفة يقول: قال النبي (3) صلى الله عليه وسلم: ((انى) (4) لا أكل متكئا)
فليس هذا نهيا أصلا لكنه آثر الأفضل فقط، (فان ذكروا) ما روينا من طريق أبى داود عن
عثمان بن أبي شيبة عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم بن عبد الله
ابن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (انه نهى عن أن يأكل الرجل منبطحا (5) على بطنه) قلنا:
هذا خبر لم يسمعه جعفر من الزهري، قال أبو داود: نا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء نا أبى
نا جعفر بن برقان انه بلغه عن الزهري هذا الحديث نفسه فسقط (6)، بالله تعالى التوفيق *
1037 - مسألة - وغسل اليد قبل الطعام وبعده حسن * روينا من طريق أبى
داود نا أحمد بن يونس نا زهير - هو ابن معاوية - نا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام وفى يده غمر (7) ولم يغسله فأصابه شئ فلا
يلومن الا نفسه) *
قال أبو محمد: فهذا ندب لا أمر، والجرذ (8) ربما عض أصابع المرة إذا شم فيها رائحة الطعام
ولم يأت نهى عن غسل اليد قبل الطعام، وقد قال قوم: هو من فعل الأعاجم، وهذا
عجب جدا! وان أكل الخبز لمن فعل الأعاجم ولو أراد الله تعالى تحريمه أو كراهيته لنا
لبينه (فان قيل): فقد صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم (انه قرب إليه الطعام فقيل له: ألا تتوضأ؟

(1) في صحيح البخاري ج 2 ص 148 (ان النبي)، والحديث في صحيح مسلم أيضا ج 2 ص 138
(2) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 148 بأطول من هذا
(3) في صحيح البخاري ج 7 ص 129 (قال رسول الله)
(4) الزيادة من صحيح البخاري، وهو في سنن أبي داود أيضا ج 2 ص 408 بحذف (انى)
(5) في سنن أبي داود ج 3 ص 410 (وهو منبطح)
(6) رواه أيضا النسائي وذكر ما يدل على أن جعفر بن برقان لم يسمعه من الزهري
(7) هو بفتحتين الدسم والوسق وزهومة اللحم وهو في سنن أبي داود ج 2 ص 432، قال المنذري وأخرجه ابن ماجة، وأخرجه الترمذي معلقا
(8) هو بضم الجيم وفتح الراء المهملة وبالذال المعجمة ذكر الفيران، وفى جميع النسخ (الجرد) بالدال المهملة
435

قال: لم أصل فأتوضأ) فليس في هذا ذكر لغسل اليد قبل الطعام أصلا وإنما فيه الوضوء وهو
كما قال عليه السلام: (لا وضوء واجبا الا للصلاة) *
1038 - مسألة - وحمد الله تعالى عند الفراغ من الاكل حسن ولو بعد كل
لقمة لأنه فعل خير وبر، وفي كل حال *
1039 - مسألة - وقطع اللحم بالسكين للاكل حسن ولا نكره قطع الخبز
بالسكين للاكل أيضا، ونستحب المضمضة من الطعام *
روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله سفيان سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري
يقول عن بشير بن يسار (1) عن سويد بن النعمان (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل سويقا ثم
دعا بماء فتمضمض) (2) * ومن طريق الليث عن عقيل بن خالد عن الزهري عن عبد الله بن
عبد الله عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا ثم تمضمض بالماء وقال إن له دسما) (3)،
وصح أنه عليه السلام شرب لبنا ولم يتمضمض فلم يأت بها أمر ولا نهى فهي فعل حسن ومباح *
ومن طريق البخاري نا أبو اليمان انا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري (قال) (4): أخبرني جعفر بن
عمرو بن أمية (أن أباه أخبره انه رأى رسول الله (5) صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فدعى إلى الصلاة
فألقاها والسكين التي يحتز بها (ثم قام) (6) فصلى ولم يتوضأ) ولم يأت نهى عن قطع الخبر وغيره
بالسكين فهو مباح، وجاء خبر فيه لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من فعل الأعاجم وهو لا يصح
لأنه من رواية أبى معشر المديني وهو ضعيف، بالله تعالى التوفيق *
1040 - مسألة - والاكل في إناء مفضض بالجوهر. والياقوت. وفي البلور.
والجزع (7) مباح وليس من السرف لأنه لو كان حراما لفصل تحريمه وما لم يفصل تحريمه فهو
حلال، وقد حرم الله تعالى آنية الذهب والفضة فهي حرام، وأمسك عما عدا ذلك
كله فهو حلال *
روينا من طريق ابن الجهم نا أحمد بن الهيثم نا محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن أبي
الشعثاء عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذر افبعث
الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال
وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة
عن عمرو بن دينار انه سمع عيد بن عمير يقول: أحل الله حلاله وحرم حرامه فما أحل

(1) في النسخة رقم 16 (بشر بن يسار) وهو غلط
(2) الحديث اختصره المصنف انظر صحيح البخاري ج 7 ص 147
(3) ورواه البخاري عن أبي عاصم عن الأوزاعي عن ابن شهاب الخ ج 7 ص 168
(4) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 133
(5) في صحيح البخاري (النبي)
(6) الزيادة من صحيح البخاري
(7) هو بفتح الجيم وسكون الزاي الخرز اليماني الواحدة جزعة
436

فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو * ومن ادعى أن شيئا من هذا
سرف أو ادعى ذلك في المأكل كلف أن يأتي بحد ما يحرم من ذلك مما يحل ولا سبيل
له إليه فصح (يقينا) (1) ان قوله باطل وبالله تعالى التوفيق *
1041 - مسألة - والثوم. والبصل. والكراث حلال (2) الا أن من أكل منها شيئا
فحرام عليه أن يدخل المسجد حتى تذهب الرائحة وقد ذكرناه في كتاب الصلاة فأغنى
عن اعادته، وله الجلوس في الأسواق. والجماعات. والأعراس وحيث شاء الا
المساجد لان النص لم يأت الا فيها *
1042 - مسألة - والجراد حلال إذا أخذ ميتا أو حيا سواء بعد ذلك مات
في الظروف أو لم يمت * روينا من طريق البخاري نا أبو الوليد الطيالسي نا شعبة عن أبي
يعفور (قال) (3) سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال: غزو نا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
سبع غزوات أو ستا نأكل معه الجراد * وروينا عن عمر لا بأس بالجراد، وعن
ابن عمر الجراد ذكاة كله * وعن ابن عباس في الجراد لا بأس بأكله، وهو قول جابر
ابن زيد وغيره، فلم يستثنوا فيه حالا من حال: وهو قول أبي حنيفة. والشافعي *
وقالت طائفة: لا يحل وان أخذ حيا الا حتى يقتل وهو قول مالك ولا نعلم له حجة لان
الذكاة لا تمكن فيه * وذهب قوم إلى أنه لا يحل ان وجد ميتا فان أخذ حيا حل كيف
مات بعد ذلك * روينا من طريق ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن عبيد بن سلمان انه
سمع سعيد بن المسيب يقول في الجراد: ما أخذ وهو حي ثم مات فلا بأس بأكله * ومن
طريق عطاء أخذ الجراد ذكاته وهو قول الليث *
قال أبو محمد: احتج هؤلاء بقول الله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) فما وجد ميتا فهو
حرام، وقال تعالى: (ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) وصح أكل
الجراد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح بالحس ان الذكاة لا تمكن فيه فسقطت، فصح ان أخذه
ذكاته لأنه صيد نالته أيدينا *
قال على: ولا حجة لهم في هذه الآية لأنه ليس فيها إباحة ما نالته أيدينا حيا دون ما نالته
ميتا، وصح في كل مقدور على تذكيته انه لا يحل الا بالذكاة، والذكاة الشق وهي على مقدور
عليها في الجراد فارتفع حكمها عنه لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقد صح

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) أقول ورد في البخاري ج 5 ص 281 (نهى يوم خيبر عن اكل الثوم وعن لحوم الحمر الأهلية)، وفى سنن أبي داود ج 3 ص 424 (نهى عن اكل الثوم الا مطبوخا) وعلى هذا يتعين تحريمة على مذهب
المصنف نيئا لأنه زائد على ما في الأحاديث والله أعلم
(3) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 162
437

تحليله بالنص فهو حلال كيفما وجد حيا أو ميتا بنص القرآن والسنة وبالله تعالى التوفيق *
1043 - مسألة - واكثار المرق حسن، وتعاهد الجيران منه ولو مرة فرض،
وذم ما قدم إلى المرء من الطعام مكروه لكن ان اشتهاه فليأكله وان كرهه فليدعه وليسكت،
والاكل معتمدا على يسراه مباح، روينا من طريق شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله
ابن الصامت عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا طبختم اللحم فأكثروا المرق وأطعموا
الجيران (1))، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (فإن كان الطعام مشفوها (2) فلينا وله منه أكلة
أو أكلتين) يعنى صانعه، فصح ان التعليل من المرق مباح * ومن طريق أبى داود نا محمد
ابن كثير نا سفيان عن الأعمش عن أبي حازم هو الأشجعي - عن أبي هريرة قال: (ما عاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط ان اشتهاه أكله وان كرهه تركه (3)) ولم يصح في النهى عن
الاعتماد على اليسار شئ وروى فيه أثر مرسل لا يصح من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير
(زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الاكل)، ولا حجة في مرسل
وبالله تعالى التوفيق *
(كتاب الذكية) 1044 - مسألة - لا يحل أكل شئ مما يحل أكله من حيوان البر طائره ودارجه الا
بذكاة كما قدمنا حاشا الجراد وقد بينا أمره، والتذكية قسمان، قسم في مقدور عليه متمكن منه،
وقسم في غير مقدور عليه أو غير متمكن منه، وهذا معلوم بالمشاهدة فتذكية المقدور عليه
المتمكن منه ينقسم قسمين لا ثالث لهما، إما شق في الحلق وقطع يكون الموت في أثره. وإما
نحر في الصدر يكون الموت في أثره، وسواء في ذلك كله ما قدر عليه من الصيد الشارد أو من غير
الصيد وهذا حكم ورد به النص بقول الله تعالى: (الا ما ذكيتم) والذكاة في اللغة الشق وهو
أيضا أمر متفق على جملته الا أن الناس اختلفوا في تقسيمه على ما نبين إن شاء الله تعالى *
1045 - مسألة - واكمال الذبح (4) هو أن يقطع الودجان (5). والحلقوم. والمرئ (6)
وهذا مالا خلاف فيه من أحد * 1046 - مسألة - فان قطع البعض من هذه الآراب المذكورة فأسرع الموت كما

(1) في صحيح مسلم أيضا ج 2 ص 293 بألفاظ قريبة من هذه
(2) أي قليلا * وقيل: أراد فإن كان مكثورا عليه أي كثرت أكلته وهذا قطعة من حديث رواه أبو داود في سننه ج 2 ص 431، وقال الحافظ المنذري: وأخرجه مسلم
(3) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 406، وقال الحافظ المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة
(4) في النسخة رقم 16 (وأكمل الذبح)
(5) هما عرقان في جانبي ثغرة النحر
(6) هو مجرى الطعام والشراب من الحلق
438

يسرع من قطع جميعها فأكلها حلال فإن لم يسرع الموت فليعد القطع ولا يضره ذلك شيئا.
وأكله حلال. وسواء (1) ذبح من الحلق في أعلاه أو أسفله رميت العقدة إلى فوق أو إلى
أسفل أو قطع كل ذلك من القفا، أبين الرأس أو لم يبن كل ذلك حلال أكله، وهذا مكان اختلف
الناس فيه فقالت طائفة: ما قطع من القفا لم يحل أكله. وقالت طائفة: ان لم يقطع الحلقوم
والمرئ لم يحل أكله ولا نبالي بترك قطع الودجين وهو قول الشافعي، وقالت طائفة:
لا نعرف المرئ لكن ان لم يقطع الودجين جميعا والحلقوم لم يحل أكله وان رفع يده (2)
قبل تمام قطعها كلها لم يحل أكله وإن ذبح من القفا لم يحل أكله. فان ذبح من الخلق فأبان
الرأس غير عامد فهو حلال أكله فان تعمد ذلك لم يحل أكله، وهو قول مالك، وقال ابن القاسم
صاحب مالك: ان ألقى العقدة إلى أسفل لم يحل أكله، وقالت طائفة: هي أربعة آراب. الحلقوم.
والمرئ. والودجان، فان قطع منها ثلاثة وترك الرابع لا نبالي أي الأربعة ترك الحلقوم.
أو والمرئ. أو أحد الودجين فهو حلال أكله، وان قطع اثنين من الأربعة فقط لا نبالي أيهما
قطع لم يحل أكله، فان قطع أكثر من النصف من كل واحد من هذه الأربعة حل
أكله، فان قطع أقل لم يحل أكله، وهو قول أبي حنيفة. وأصحابه، وقالت طائفة:
إذا قطع الحلقوم والمرئ والنصف من الودجين حل أكله فان قطع أقل مما ذكرنا لم
يحل أكله، وهو قول أبي ثور، وقال سفيان الثوري: ان قطع الودجين فقط حل أكله
وان لم يقطع الحلقوم ولا المرئ، وقال بعض أصحاب الظاهر: ان قطع هذه الأربعة
من جهة الحلق حل أكله والا فلا، وأجاز أبو حنيفة. والشافعي أكل ما ذبح من القفا *
قال أبو محمد: احتج الشافعي في ترك الودجين بأنهما عرقان قد يعيش من قطعا له *
قال أبو محمد: ولسنا نحتاج إلى مناظرة فهل يعيش أم لا يعيش؟ لكن إنما نكمله في
منعه أكل ما لم يقطع مريه فقط فإنه لا يقدر في ذلك على نص ولا على قياس أصلا.
ولا على قول صاحب، وبالمشاهدة نعلم أنه يموت من قطع الحلقوم والودجين وان لم
يقطع المرئ كما يموت من قطع المرئ والودجين ولافرق في سرعة الموت فتعرى هذا
القول من الدليل فسقط، إذ كل قول لا برهان على صحته فهو باطل *
وأما قول أبي حنيفة فإنه راعى الأكثر في القطع، وهو أيضا قول بلا برهان أصلا
لامن قرآن. ولا من رواية سقيمة. ولا من قياس. ولا من قول صاحب،
(فان قالوا): قسناه على نقصان أذن الذبيحة وذنبها قلنا: قستم الخطأ على الخطأ ومالا
يصح على ما لا يصح، ولا تخلو هذه الآراب من أن يكون قطعها كلها فرضا ولا يكون

(1) في النسخة رقم 14 (سواء)
(2) في النسخة رقم 16 (يد يد)
439

قطعها كلها فرضا، فإن لم يكن قطعها كلها فرضا فعليه البرهان في ايجاب قطع ثلاثة منها،
ولا سبيل له إلى ذلك، وإن كان قطعها كلها قد وجب فرضا فلا يجزى عن الفرض بعضه
ويلزمه على هذا أن من صلى ثلاث ركعات من الظهر انه يجزيه من الظهر لأنه قد صلى
الأكثر، وان من صام أكثر النهار انه يجزيه، وهذا لا يقولونه فلاح فساد قوله جملة،
وكذلك قول أبي ثور سواء سواء، وأما قول مالك فان ايجابه الحلقوم واسقاطه المرئ
قول بلا برهان لامن قرآن. ولامن سنة. ولا رواية سقيمة. ولاقول صاحب. ولا
اجماع. ولا قياس، وأما قول سفيان فإنهم ذكروا ما روينا من طريق أبى عبيد نا ابن علية
عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس كل ما أفرى الأوداج غير مترد * وعن النخعي،
والشعبي. وجابر بن زيد. ويحيى بن يعمر كذلك، واحتجوا في ايجابه الودجين بما
حدثناه حمام نا عباس بن أصبغ نا ابن أيمن نا مطلب نا ابن أبي مريم نا يحيى بن أيوب حدثني
عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد (1) عن القاسم أبى عبد الرحمن عن أبي أمامة (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته امرأة ذبحت شاة؟ فقال لها: أفريت الأوداج؟ قالت: نعم قال:
كل ما أفرى الأوداج ما لم يكن قرض سن أو حز ظفر) *
قال أبو محمد: وهذا خبر في نهاية السقوط (2) لأنه من رواية يحيى بن أيوب وقد شهد
عليه مالك بن أنس بالكذب وأخبر أنه روى عنه الكذب وضعفه أحمد بن حنبل وغيره،
وهو ساقط البتة ثم عن عبيد الله بن زحر، وهو ضعيف ضعفه يحيى وغيره، ثم عن علي بن يزيد
وهو - أبو عبد الملك الالهانى - دمشقي متروك الحديث، ثم عن القاسم أبى عبد الرحمن وهو
ضعيف جدا فبطل كله، وليس في قول ابن عباس منع من أكل ما عدا ذلك ولا متعلق
للمالكيين في هذا الخبر لأنه لو صح لكان حجة عليهم لأنه ليس فيه ايجاب الحلقوم وقد
أوجبوه ولا فيه ايجاب الذبح من الحلق وقد أوجبوه، فهذا مخالف لقولهم، وأما قول مالك:
ان رفع يده قبل تمام الذكاة لم يحل أكله فقول فاسد جدا، وحجتهم له انه قد حصل في
حال لا يعيش منها فإنما يعيد في ميتة ولابد فقلنا: نعم فكان ما ذا؟ وأين وجدتم تحريم
ما هذا صفته؟ *
قال أبو محمد: وهذا عجب جدا: وهل بعد بلوغه إلى قطع ما قطع رجاء في حياة المذبوح؟
هذا مالا رجا فيه فتماديه في القطع بغير رفع يد أو بعد رفع يد إنما هو فيما لا ترجى حياته، فعلى قوله
هذا لا يحل أكل مذبوح أبدا لأنه قبل تمام الذبح ولابد قد حصل في حال لا يعيش منها مع أن
ه شرط فاسد، ودعوى أيضا بلا برهان فسقط هذا القول وبالله تعالى التوفيق، وهو

(1) في النسخة رقم 16 (علي بن زيد) وهو غلط
(2) في النسخة رقم 16 (في غاية السقوط)
440

أيضا قول لا يعلم أن أحدا قاله قبله، وأما قوله: ان أبان الرأس غير عامد حل أكله فان
أبانه عامدا لم يحل أكله فقول فاسد لأنه تفريق بلا برهان أصلا، وإذا تمت ذكاته على اقراره
وعلى تمام شروطه فما الذي يضر تعمد قطع الرأس حينئذ؟ (فان قالوا): انه تعذيب للمذبوح
قلنا: فتعذيبه عندكم بعد تمام ذكاته مانع من أكله فمن قولهم: لا فيقال لهم: فمن أين وقع
لهم تحريمه بهذا النوع من التعذيب خاصة؟ وقد روى مثل قول مالك فيما أبين رأسه عن
عطاء، وكره نافع. والحكم. وحماد بن أبي سليمان. وسعيد بن جبير. وعبد الرحمن بن أبي
ليلى. وابن سيرين ما أبين رأسه، وروى عن علي فيما أبين رأسه أثر لا يصح لأنه من رواية
الحسن بن عمارة وهو هالك وقد صح خلافه عن غيره من الصحابة، وروى عنه نفسه أيضا
خلاف ذلك، واختلف فيه عن الحسن رضي الله عنه وعنهم، وأما منعهم أيضا مما ذبح
من القفا فقول أيضا لا برهان على صحته لا من قرآن. ولامن سنة صحيحة، (فان قالوا): هو تعذيب
قلنا: ما التعذيب فيه الا كالتعذيب في الذبح من امام ولافرق، وهذا أمر مشاهد، (فان قالوا):
قد روى عن بعض الصحابة الذكاة في الحلق واللبة قلنا: نعم ولا حجة لكم فيه لوجهين، أحدهما
انكم قد خالفتموه في منعكم من الذكاة في اللبة في بعض الحيوان ومنعكم الذكاة في الحلق في بعضه
وليس عنهم في ذلك تفريق، والثاني انه ليس في كون الذكاة في الحلق ما يوجب ان لا
يكون قطع الحلق ذكاة من ورائه دونه امامه أو من امامه دون ورائه فبطل تعلقهم
بهذا اللفظ أيضا، وقد روى عن سعيد بن المسيب المنع مما ذبح من القفا وبه يقول أحمد.
واسحق، وأما اشتراط ابن القاسم القاء العقدة إلى أسفل فان أصحاب مالك خالفوه في ذلك،
واحتج له مقلدوه بأنه إنما ذبح في الرأس لافى الحلق وانه بمنزلة المخنوق فكانت الحجة
أشد بطلانا ومكابرة للعيان من القول المحتج له بها وقد كذب من قال ذلك وما ذبح
بالمشاهدة الا في أول الحلق وأول الحلق بعض الحلق كوسطه وكآخره ولافرق، ولا نعلم
لابن القاسم أحدا قبله قال بهذا القول، فسقط لتعريه عن الدليل جملة، وبالله تعالى التوفيق *
وأما من ذهب من أصحابنا وغيرهم إلى أنه لا تكون ذكاة الا ما قطع الودجين. والحلقوم.
والمرئ فإنهم احتجوا بأن قالوا: قد صح تحريم الحيوان حيا حتى يذكى وقطع هذه الأربعة
ذكاة صحيحة مجتمع علي تحليل ما ذكى كذلك وكان ما دون ذلك مختلفا فيه فلا يخرج من
تحريم إلى تحليل الا باجماع *
قال أبو محمد: وهذه قضية صحيحة المبدأ ناقصة الآخر، وإنما الواجب أن يقولوا:
ما صح تحريمه لم يجز أن يخرج عن التحريم إلى التحليل الا بنص صحيح ثم لا نبالي أجمع
عليه أم اختلف فيه، ولو أن امرء الا يأخذ من النصوص الا بما أجمع عليه لخالف جمهور
441

أحكام الله تعالى في القرآن. وجهور سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يحل لاحد، وهو
خلاف أمر الله تعالى بالرد عند التنازع إلى القرآن. والسنة، ولم يقل تعالى: فردوه إلى
ما أجمعتم عليه مع أننا لا نعلم أن أحدا التزم هذا الأصل ولا أحدا قال به وصححه، فالواجب
إذ قد اختلفوا كما ذكرنا ان يرد ما تنازعوا فيه إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه عند التنازع
إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله وإلى الرسول ان كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر) ففعلنا فوجدنا الله تعالى قال: (الا ما ذكيتم) والذكاة الشق وقد أمر النبي
صلى الله عليه وسلم بالذبح والنحر فيما تمكن منه فوجب أن لا يتعدى حده عليه السلام، وأمر عليه
السلام بالاراحة فصح ان كل ذبح وكل شق قال به أحد من العلماء فهو ذكاة وإذ هو
ذكاة فان المذكى به خارج من التحريم إلى التحليل، ولو أن الذكاة لا تكون الا بقطع بعض
الآراب المختلف فيها دون بعض أو بقطع جميعها أو بصفة من الصفات التي اختلف الناس فيها كما
ذكرنا لما نسي الله تعالى بيانها ولا أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلا منا بها حتى نحتاج في ذلك
إلى رأى من لم يجعل الله تعالى رأيته حجة في تبنة فما فوقها، وحاش لله من أن يضيع اعلامنا بما
افترضه علينا حتى يشرعه لنا من دونه (1) بالأقوال الفاسدة تالله ان في مغيب (2) هذا عمن
غاب عنه لعجبا ولكن ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله *
روينا من طريق البخاري نا موسى بن إسماعيل نا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق
عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج فذكر حديثا وفيه (أنه
قال: يا رسول الله ليس معنا مدى (3) أفنذبح بالقصب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر) (4) * ومن طريق أحمد
ابن شعيب انا عمرو بن علي نا يحيى بن سعيد القطان نا سفيان - هو الثوري - حدثني أبي
عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج (قال) (5) (قلت: يا رسول الله انا لاقو العدو
غدا وليس معنا مدى فقال: ما انهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر
وسأحدثك. أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة) ورويناه من طريق شعبة.
وزائدة. وأبى الأحوص. عمر بن سعيد كلهم عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رافع
ابن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم فارتفع الاشكال، *
فكل ما أنهر الدم في المتمكن منه وذكر اسم الله عليه من ذبح أو نحر فهو ذكاة يحل

(1) في النسخة رقم (14) (يشرعه لنا غيره)
(2) هو بالغين المعجمة وفى النسخة رقم (14) (معيب) بالعين المهملة
(3) جمع مدية وهي السكين
(4) هو في صحيح البخاري ج 7 ص 164 مطولا فما قال المصنف
(5) الزيادة من سنن النسائي ج 7 ص 228 والحديث اختصره المصنف
442

بها الاكل، ولو كان ههنا صفة لازمة لبينها عليه السلام كما بين وجوب ان لا يؤكل
الا ما أنهر الدم وما ذكر اسم الله عليه وان لا يكون ذلك بسن ولا ظفر، ومن أعجب
العجائب من أسقط (1) في الذكاة ما اشترطه الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام فيها
فيبيح أكل ما لم يسم الله تعالى عليه بنسيان أو تعمد ويبيح أكل ما ذبح بعظم أو ظفر ثم
يزيد ما لم يذكره الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم برأيه الزايف من أن لا يكون ذلك الا من
امام (2) وبأن يعم الوجدين. والحلقوم. دون المرئ. والذبح في بعض ذلك دون بعض
والنحر في بعض دون بعض وبأن لا يرفع يدا، وأن لا يتعمد إبانة الرأس، وان
لا يلقى العقدة إلى أسفل، أو بان يقطع الثلاث الآراب أو الأكثر من النصف من كل واحد
من الأربعة أو بان يبين الحلقوم والمرئ فقط ان في هذا لعجبا شنيعا لمن تأمله،
وأشنع من هذا تهالك من تهالك على التداين (3) بهذه الآراء ونصرها بما أمكنه ونعوذ بالله
من الخذلان * روينا من طريق محمد بن المثنى نا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري
عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس ان حمار وحش ضرب
رجل عنقه في دار عبد الله بن مسعود فسألوا ابن مسعود عنه؟ فقال: صيد فكلوه *
قال أبو محمد: هذا حمار وحش متمكن منه في الدار (4)، ولا يخالفنا خصومنا في
أن المقدور عليه من الصيد ذكاته كذكاة الإبل. والبقر. والغنم ولافرق، * ومن
طريق مروان بن معاوية الفزاري، ويحيى بن سعيد القطان (5) نا أبو غفار - هو الطائي -
قال: حدثني أبو مجاز قال: سألت ابن عمر عن ذبيحة قطع رأسها؟ فأمر ابن عمر باكلها * ومن
طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن علي بن أبي طالب قال في الدجاجة إذا
قطع رأسها: ذكاة سريعة أي كلها * ومن طريق وكيع نا حماد بن سلمة عن يوسف بن سعد
قال: ضرب رجل بسيفه عنق بطة فأبان رأسها فسأل عمران بن الحصين؟ فأمره بأكلها، ورويناه
أيضا من طريق هشيم عن يونس بن عبيد. ومنصور بن المعتمر كلاهما عن يوسف
ابن سعد عن عمران بن الحصين وقد أدرك يوسف عمران، ومن طريق ابن أبي شيبة نا
المعتمر بن سليمان التيمي عن عوف - هو ابن أبي جميلة - عن عبد الله بن عمرو بن هند الجملي (6)
أن علي بن أبي طالب سئل عن رجل ضرب عنق بعير بالسيف وذكر اسم الله فقطعه فقال
على: ذكاة وحية * ومن طريق وكيع نا مبارك بن فضالة عن عبيد الله بن أبي بكر بن انس

(1) في النسخة رقم (16) (من يسقط)
(2) في النسخة رقم (14) (من أن لا يكون الا امام)
(3) في النسخة رقم (16) وكذلك اليمنية (على التدين)
(4) في النسخة رقم (16) (وفى الدار) بزيادة الواو
(5) في النسخة رقم (14) (الأنصاري)
(6) هو بفتح الجيم والميم اه‍ تقريب
443

ابن مالك ان خباز الانس ذبح دجاجة فاضطربت فذبحها من قفاها فأبان الرأس
فأرادوا طرحها فأمرهم أنس باكلها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن
جرير بن حازم عن يعلي بن حكيم عن عكرمة ان ابن عباس سئل عمن ذبح دجاجة
فطن (1) رأسها؟ فقال ابن عباس: ذكاة وحية * ومن طريق وكيع نا هشام الدستوائي
عن يحيى بن أبي كثير عن المعرور عن أبي الفرافصة عن أبيه انه شهد عمر بن الخطاب
أمر مناديا فنادى ألا ان الذكاة في الحلق والبة وأقروا الأنفس حتى تزهق * ومن طريق
وكيع نا سفيان - هو الثوري - عن خالد الحذر عن عكرمة عن ابن عباس قال: الذكاة في الحلق
واللبة * وعن ابن عباس ابلاغ الذبح أن تبلغ العظم، وصح عنه من طريق سعيد بن منصور
نا إسماعيل بن زكريا عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن ابن عباس قال: إذا أهريق الدم
وقطع الودج فكله * فهؤلاء عمر بن الخطاب. وابن عباس أجملا ولم يفصلا. وعلي بن أبي
طالب. وعمران بن الحصين. وأنس. وابن مسعود. لا يصح عن أحد من
الصحابة خلافهم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال عطاء: الذبح قطع الأوداج
فقلت لعطاء: ذبح ذابح فلم يقطع الأوداج قال: ما أراه الا قد ذكاها فيأكلها * فهذا عطاء
يرى الذكاة كيف كانت * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق
السبيعي. وعبد الله بن أبي السفر كلاهما عن الشعبي انه سئل عن ديك ذبح من قفاه؟ فقال:
إذا سميت فكل * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي
انه سئل عن الذبيحة تذبح فتمر السكين فتقطع العنق كله؟ قال: لا بأس به ذكاة سريعة *
ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم قال: سألت إبراهيم النخعي عن رجل ضرب عنق
حمار وحش؟ فأمرني بأكله وسألته عن دجاجة ذبحت من قفاها؟ فقال إبراهيم: تلك
القفية (2) لا بأس بها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري انه سئل عن رجل
ذبح بسيفه فقطع الرأس؟ فقال الزهري: بئس ما فعل فقال له رجل: أفنأكلها؟ قال: نعم *
قال أبو محمد: لو كان مغلوبا لم يقل الزهري: بئس ما فعل، فصح انه إنما قاله في
متعمده * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: لو
أن رجلا ذبح جديا فقطع رأسه لم يكن بأكله بأس * ومن طريق وكيع عن شعبة عن
يونس بن عبيد عن الحسن البصري في بطة ضرب رجل عنقها بالسيف فقال الحسن:
لا بأس بأكلها * ومن طريق وكيع نا الربيع بن صبيح عن الحسن. وعطاء قالا جميعا

(1) أي قطع، وفى النسخة رقم (16) (طير رأسها) ولعله تصحيف
(2) القفينة الشاة تذبح من قفاها، ويقال فيها: القفية بلا نون اه‍ صحاح
444

فيمن ذبح فأبان الرأس: فلا بأس بأكله * ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص - هو
ابن غياث عن ليث عن مجاهد فيمن ذبح فأبان الرأس قال: كل، وروى أيضا عن الضحاك *
ومن طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش حدثني عبد العزيز بن عبيد الله
عن الشعبي أنه قال في الذبح لا يقطع الرأس فان قطع الرأس فليأكل، فهؤلاء عطاء
وطاوس. ومجاهد. والحسن. والنخعي. والشعبي. والزهري. والضحاك يجيزون أكل
ما قطع رأسه في الذكاة، وبعضهم أكل ما لم يقطع أوداجه. وما ذبح من ففاه
وما ضربت عنقه *
1047 - مسألة - وكل ما جاز ذبحه جاز نحره وكل ما جاز نحره جاز ذبحه
الإبل. والبقر. والغنم. والخيل. والدجاج. والعصافير. والحمام وسائر كل ما يؤكل لحمه
فان شئت فاذبح وان شئت فانحر، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وسفيان الثوري.
والليث بن سعد. وأبي ثور. وأحمد بن حنبل. وإسحاق بن راهويه وبعض أصحابنا، وقال
مالك: الغنم والطير تذبح ولا تنحر فان نحر شئ منها لم يؤكل، وأما الإبل فتنحر فان
ذبح منها شئ لم يؤكل، وأما البقر فتذبح وتنحر ولا نعلم له في هذا القول سلفا من العلماء
أصلا الا رواية عن عطاء في البعير خاصة قد روى عنه خلافها، واحتج بعضهم في ذلك بأن
ذبح الجمل تعذيب له لطول عنقه وغلظ جلده *
قال على: وهذه مكابرة للعيان وما تعذيبه بالذبح الا كتعذيبه بالنحر ولافرق، وما جلده
بأغلظ من جلد الثور، وما عنقه بأصول من عنق الإبل، وهو يرى الذبح في كل ذلك،
وما تعذيب العصفور. والحمامة. والدجاجة بالنحر الا كتعذيبها بالذبح ولافرق، وأطرف
شئ احتجاجهم في ذلك بقول الله تعالى: (ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة) وهم أول مخالف
لذلك فيجيزون فيها النحر، وأما نحن فلا يلزمنا ما أمر الله به بني إسرائيل فان احتج بعضهم
بأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر الإبل بمنى وذبح الكبشين إذ ضحى بهما قلنا: نعم وهذا فعل لا أمر
وليس ذلك بمانع من غير هذا الفعل، وقد صح عنه عليه السلام ما ذكرنا قبل من قوله: (ما انهر
الدم وذكر اسم الله عليه فكل) وهذا هو الفتيا (1) المبينة التي لا يحل تعديها لا العمل الذي لم
ينه عما سواه، وقد ذكرنا في المسألة التي قبل هذه عن عمر بن الخطاب. وابن عباس الذكاة
في الحلق واللبة ولم يخصا بأحدهما حيوانا من حيوان بل هتف عمر بذلك مجملا، ولا يعرف لهما
مخالف من الصحابة أصلا بل قد ذكرنا الرواية عن علي في إباحة اكل يعير ضرب عنقه
بالسيف ورأي ذلك ذكاة وحية * ومن طريق عبد الرزاق نا وهب بن نافع أنه سمع

(1) في النسخة رقم (16) (وهذه الفتيا)
445

عكرمة يحدث ان ابن عباس امره يذبح جزورا وهو محرم، والجزور البعير بلا خلاف،
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: ذكر الله تعالى الذبح في القرآن. فان ذبحت
شيئا ينحر أجزى عنك * ومن طريق محمد بن المثنى نا مؤمل بن إسماعيل. نا سفيان الثوري
عن ابن جريج عن عطاء قال: الذبح من النحر، والنحر من الذبح * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري، وقتادة قالا جميعا: الإبل والبقر ان شئت ذبحت وان شئت نحرت *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد عن مجاهد قال: كان الذبح فيهم والنحر
فيكم فذبحوها وما كادوا يفعلون فصل لربك وانحر *
قال أبو محمد: قد ذكرنا قول الله تعالى: (الا ما ذكيتم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما انهر الدم
وذكر اسم الله عليه فكلوا) ولم يخص الله تعالى ذبحا من نحر ولا نحرا من ذبح (وما كان ربك
نسيا) * ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى أنا أبو خيثمة - هو زهير بن معاوية - عن الأسود
ابن قيس حدثني جندب بن سفيان قال: (شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من
كان ذبح أضحيته قبل أن يصلى أو نصلى (1) فليذبح مكانها أخرى ومن لم يذبح فليذبح باسم
الله) * ومن طريق شعبة عن زبيد الأيامى عن الشعبي عن البراء بن عازب قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم. (ان أول ما نبدأ به في يومنا هذا ان نصلى (2) ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك
فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك (3) فإنما هو لحم قدمه لأهله) وذكر الخبر * ومن طريق
مسلم نا محمد بن حاتم نا محمد بن بكر انا ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله
يقول: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا ان
النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا
حتى ينحر رسول (4) الله صلى الله عليه وسلم) * وصح من طريق ابن عمر كما أوردنا في كتاب
الأضاحي (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذبح وينحر بالمصلى) فأطلق عليه السلام في
الأضاحي الذبح والنحر عموما وفيها الإبل. والبقر. والغنم ولم يخص عليه السلام شيئا
من ذلك بنحر دون ذبح ولا بذبح دون نحر، ولو كان أحد الامرين لا يحوز أو يكره
لبينه عليه السلام * روينا من طريق أسماء بنت أبي بكر الصديق نحرنا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرسا (5)، وروينا عنها أيضا ذبحنا فرصا، بالله تعالى التوفيق *
1048 - مسألة - وأما غير المتمكن منه فذكاته أن يمات بذبح أو بنحر حيث

(1) سقط لفظ (أو نصلى من النسخة رقم (14) خطأ، وهو موجود في صحيح مسلم ج 7 ص 107 والحديث
اختصره المصنف
(2) في صحيح مسلم ج 2 ص 117 سقط لفظ (ان)
(3) سقط من صحيح مسلم لفظ (قبل ذلك)
(4) في صحيح مسلم ج 2 ص 118 (النبي) بدل (رسول الله)
(5) هو في الصحيحين
446

أمكن منه من خاصرة. أو من عجز. أو فخذ. أو ظهر. أو بطن. أو رأس. كبعير. أو
شاة. أو بقرة. أو دجاجة. أو طائر. أو غير ذلك سقط في غور فلم يتمكن من حلقه
ولا من لبته فإنه يطعن حيث أمكن بما يعجل به موته ثم هو حلال أكله، وكذلك كل
ما استعصى من كل ما ذكرنا فلم يقدر على أخذه فان ذكاته كذكاة الصيد، ثم يؤكل
على ما نصف في كتاب الصيد إن شاء الله تعالى، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وسفيان
الثوري. والشافعي. وأبي ثور. وأحمد. وإسحاق. وأصحابهم، وهو قول أبي سفيان
وأصحابنا، وقال مالك: لا يجوز ان يذكى أصلا إلا في الحلق واللبة وهو قول الليث *
قال أبو محمد: وقولنا هو قول السلف كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا سفيان
ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم أن حمارا وحشيا استعصى على
أهله فضربوا عنقه فسئل ابن مسعود فقال: تلك أسرع الذكاة * ومن طريق عبد الرحمن
ابن مهدي نا سفيان. وشعبة كلاهما عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع
ابن خديج ان بعيرا تردى في بئر فذكى من قبل شاكلته فأخذ ابن عمر منه عشيرا (1)
بدرهمين * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان حدثني أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي
حدثني عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج قال: تردى بعير في بئر فكان أعلاه أسفله
فنزل عليه رجل فلم يستطع ان ينحره فقال ابن عمر: أجز عليه واذكر اسم الله عز وجل فأجاز
عليه من شاكلته فأخرج قطعا قطعا فأخذ منه ابن عمر عشيرا بدرهمين * ومن طريق
سفيان بن عيينة عن عبد العزيز بن سياه سمع أبا راشد السلماني قال: كنت في منايح (2)
لأهلي بظهر الكوفة ارعاها فتردى بعير منها فنحرته من قبل شاكلته فأتيت عليا فأخبرته
فقال: اهد لي عجزه، الشاكلة الخاصرة * ومن طريق وكيع نا عبد العزيز به سياه عن
حبيب بن أبي ثابت عن مسروق ان بعيرا تردى في بئر فصار أسفله أعلاه قال: فسألنا
علي بن أبي طالب؟ فقال: قطعوه أعضاء وكلوه * ومن طريق وكيع نا سفيان - هو
الثوري - عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما أعجزك من البهائم فهو بمنزلة الصيد *
وهو أيضا قول عائشة أم المؤمنين، ولا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم
مخالف، ابن مسعود. وعلى. وابن عباس. وابن عمر. وأم المؤمنين * ومن طريق
عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي الضحى عن مسروق
انه سئل عن قالح (3) تردى في بئر فذكى من قبل خاصرته فقال مسروق: كلوه (4) *

(1) هو الجزء من اجزاء العشرة، يقال عشر وعشير
(2) جمع منيحة وهي منحة اللبن كالناقة والشاة تعطيها غيرك بحلبها ثم يردها عليك اه‍ صحاح
(3) الفالح بالحاء المهملة الجمل الضخم ذو السنامين
(4) في النسخة رقم 16 (كله)
447

ومن طريق وكيع نا حريث عن الشعبي قال: إذا خشيت ان يفوتك ذكاتها فاضرب
حيث أدركت منها * ومن طريق وكيع نا هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب
في البعير يتردى في البئر قال: يطعن حيث قدروا ذكر اسم الله عز وجل *
ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم قال: تردى
بعير في بئر فلم يجدوا له مقتلا فسئل الأسود بن يزيد عن ذلك؟ فقال: ذكوه من أدنى
مقتله ففعلوا فأخذ الأسود منه بدرهمين * ومن طريق وكيع نا قرة بن خالد قال:
سمعت الضحاك يقول في بقرة شردت: هي بمنزلة الصيد، وهو قول عطاء. وطاوس
والحسن. والحكم بن عتيبة. وإبراهيم النخعي. وحماد بن أبي سليمان، ولا نعلم لمالك
في هذا سلفا الا قولا عن ربيعة *
قال أبو محمد: وقال قائلهم: إن كانت بمنزلة الصيد فأبيحوا قتلها بالكلاب والجوارح
فقلنا: نعم إذا لم يقدر عليها الا بذلك فهي في ذلك كالصيد ولا فرق *
قال على: وهم أصحاب قياس بزعمهم وقد أجمعوا على أن الصيد إذا قدر عليه فهو
بمنزلة النعم والانسيات في الذكاة فهلا قالوا: إن النعم والانسيات إذا لم يقدر عليها فمنزلتها
كمنزلة الصيد؟ ولو صح قياس يوما ما لكان هذا أصح قياس في العالم، والعجب من
قول مالك: إني لأراه عظيما ان يعمد إلى رزق من رزق الله فيهرق من أجل كلب
ولغ فيه ولم يقل ههنا: انى لأراه عظيما ان يعمد إلى رزق من رزق الله فيضيع ويفسد
لأجل ان لم يقدر على لبته ولا على حلقه: فلو عكس كلامه لأصاب بل العظيم كل العظيم
هو أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه) فيقول قائل
برأيه: لا يراق، وان ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فيضيع البعير. والبقرة. والشاة.
والدجاجة ونحن قادرون على تذكيتها من أحل عجزنا عن تكون التذكية في الحلق
واللبة فهذا هو العظيم حقا *
قال أبو محمد: قال الله عز وجل: (الا ما ذكيتم) وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا
وسعها) فصح ان التذكية كيفما قدرنا لا نكلف منها ما ليس في وسعنا * روينا من طريق
البخاري ناموسي بن إسماعيل نا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة
ابن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج (قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) فذكر الخبر
وفيه (فند بعير وكان في القوم خيل يسيرة (فطلبوه) (1) فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم
فحبسه الله عز وجل فقال رسول (2) الله صلى الله عليه وسلم: (ان لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش

(1) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 165
(2) في صحيح البخاري (النبي) بدل (رسول الله)
448

فماند عليكم (منها) (1) فاصنعوا به هكذا) * ومن طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة
حدثني عمر سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع
ابن خديج (انهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فند علينا بعير فرميناه بالنبل حتى وهصناه) (2)
وذكر الحديث *
قال على: الوهص الكسر والاسقاط إلى الأرض ولا يبلغ البعير هذا الامر الا وهو
منفذ المقاتل، وقد أذن عليه السلام في رميه بالنبل، والمعهود منها الموت بإصابتها وهذا اذن
منه عليه السلام في ذكاتها بالرمي *
قال على: وههنا خبر لو ظفروا بمثله لطغوا كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن
حماد بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه قلت: (يا رسول الله أما تكون الذكاة الا في الحلق
واللبة؟ قال: لو طعنت في فخذها لأجزأك) (3) *
قال أبو محمد: أبو العشراء قيل: اسمه أسامة بن مالك قهطم، وقيل: عطارد، برز (4)،
وفى الصحيح الذي قدمنا كفاية، وهذا مما تركوا فيه ظاهر القرآن. والسنن. والصحابة.
وجمهور العلماء. والقياس، وبالله تعالى التوفيق *
1049 - مسألة - وما قطع من البهيمة - وهي حية - أو قبل تمام تذكيتها فبان عنها
فهو ميتة لا يحل أكله، فان تمت الذكاة بعد قطع ذلك الشئ أكلت البهيمة. ولم تؤكل
تلك القطعة وهذا مالا خلاف فيه لأنها زايلت البهيمة وهي حرام أكلها فلا تقع عليها
ذكاة كانت بعد مفارقها لما قطعت منه *
1050 - مسألة - وما قطع منها بعد تمام التذكية وقبل موتها لم يحل أكله ما دامت
البهيمة حية فإذا ماتت حلت هي وحلت القطعة أيضا لقول اله تعالى: (فإذا وجبت جنوبها
فكلوا منها) فلم يبح الله تعالى أكل شئ منها الا بعد وجوب الجنب وهو في اللغة الموت - فإذا
ماتت فالذكاة واقعة على جميعها إذ ذكيت، فالذي قطع منها مذكى فإذا حلت هي حلت
أجزاؤها * بالله تعالى التوفيق، ولا خلاف بين أحد في أن حكم البدن في ذلك حكم سائر
ما يذكى، وقد ذكرنا قول عمر: أقروا الأنفس حتى تزهق، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة *

(1) الزيادة من صحيح البخاري، والأوابد جمع آبدة وهي التي توحشت ونفرت
(2) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 119 مطولا كما قال المصنف
(3) الحديث في سنن أبي داود عن أحمد بن يونس عن حماد بن سلمة الخ ج 3 ص 63 قال أبو داود:
لا يصلح هذا الا في المتردية والمتوحش اه‍، وقال الخطابي: ضعفوا هذا الحديث لان رواية مجهول وأبو العشراء
لا يدرى من أبوه، ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة اه‍، قال المنذري: وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال
الترمذي: حديث غريب لا نعرفه الامن حديث حماد بن سلمة اه‍ والله أعلم
(4) كذا في جميع النسخ، وفى التقريب (برز أو بلز) ووقع في ميزان الاعتدال وتهذيب التهذيب (بن بكر) ولعله تحريف من النساخ والمصححين
449

1051 - مسألة - والتذكية من الذبح. والنحر. والطعن. والضرب جائزة
بكل شئ إذا قطع قطعة السكين أو نفذ نفاذ الرمح سواء في ذلك كله. العود المحدد.
والحجر الحاد. والقصب الحاد. وكل شئ حاشا آلة أخذت بغير حق وحاشا السن.
والظفر. وما عمل من سن. أو من ظفر منزوعين أو غير منزوعين، وإلا عظم خنزير
أو عظم حمار أهلي. أو عظم سبع من ذوات الأربع. أو الطير حاشا الضباع. أو عظم
انسان فلا يكون حلالا ما ذبح أو نحر بشئ مما ذكرنا بل هو ميتة حرام *
والتذكية جائزة بعظم الميتة وبكل عطم حاشا ما ذكرنا وهي جائزة بمدى الحبشة وما
ذكاه الزنجي. والحبشي. وكل مسلم فهو حلال، فلو عمل من ضرس الفيل سهم. أو رمح.
أو سكين لم يحل أكل ما ذبح أو نحر به لأنه سن، فلو عملت من سائر عظامه هذه الآلات
حل الذبح. والنحر. والرمي بها، وقال أبو حنيفة. ومالك: التذكية بكل ذلك حلال
حاشا السن قبل ان ينزع من الفم. وحاشا الظفر قبل ان ينزع من اليد فإنه لا يؤكل
ما ذبح بهما لأنه خنق لابح، وقال الشافعي: كل ما ذكى بكل ما ذكرنا فحلال أكله
حاشا ما ذكى بشئ. من الأظفار كلها، والعظام كلها منزوع كل ذلك أو غير منزوع
فلا يؤكل، وهو قول الليث بن سعد، وقال أبو سليمان: كقول الشافعي سواء سواء الا أنه
قال: لا يؤكل ما ذبح أو نحر أو رمى بآلة مأخوذة بغير حق، فأما قول أبي حنيفة. ومالك فلا
نعلمه عن أحد قبلهما ولا نعلم لهما فيه سلفا من أهل العلم. ولا حجة أصلا لامن قرآن. ولامن
سنة. ولامن رواية سقيمة. ولامن قياس بل هو خلاف السنة على ما نورد بعد هذا
إن شاء الله تعالى، فسقط هذا القول جملة وبقى قولنا. وقول الشافعي. والليث. وأبي سليمان *
فوجدنا ما روينا من طريق سفيان الثوري حدثني أبي عن عباية بن رفاعة بن رافع بن
خديج عن جده رافع بن خديج قلت: (يا رسول الله انا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن
والظفر وسأحدثك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة) وقد ذكرناه في أول كلامنا
في التذكية باسناده (1) فأما نحن فتعلقنا بنهيه عليه السلام ولم نتعده ولم نحرم الا ما ذبح
أو رمى بسن أو ظفر فقط ولم نجعل العظيمة سببا للمنع من الذكاة الا حيث جعلها رسول
الله صلى الله عليه وسلم سببا لذلك، وهو السن. والظفر فقط، وإنما منعنا من التذكية بعظام الخنزير.
والحمار الأهلي. أو سباع ذوات الأربع. أو الطير لقوله تعالى في الخنزير: (فإنه رجس)
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحمر الأهلية (فإنها رجس) فهي كلها رجس، والرجس واجب
اجتنابه، ولا يحل امساكها الا حيث أباحها نص، وليس ذلك الا ملكها وركوبها

(1) سبق ذكره في ص 442 عن النسائي
450

واستخدامها وبيعها وابتياعها يعنى الحمر فقط، ومنعنا من التذكية بعظام سباع ذوات
الأربع. والطير لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها جملة على ما ذكرنا قبل فلم نحل منها الا ما أحله النص
من تملكها للصيد بها وابتياعها لذلك فقط والا فهي حرام وبعض الحرام حرام *
وأما عظم الانسان فلان مواراته فرض كافرا كان أو مؤمنا، وأبحنا التذكية بعظام الميتة
لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما حرم من الميتة أكلها) وحرم عليه السلام بيعها والدهن بشحمها
فلا يحرم من الميتة شئ الا ذلك ولا مزيد *
واحتج الشافعي وأصحابنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنه عظم) فجعل العظيمة علة للمنع
من التذكية حيث كان العظم أو أي عظم كان *
قال أبو محمد: وهذا خطأ لأنه تعد لحدود الله تعالى وحدود رسوله عليه السلام لان
النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد ذلك لما عجز عن أن يقول: ليس العظم والظفر، وهو عليه السلام
قد أوتى جوامع الكلم وأمر عليه السلام بالبيان، فلو أنه عليه السلام أراد تحريم الذكاة
بالعظم لما ترك أن يقوله ولا استعمل التحليق والاكثار بلا معنى في الاقتصار على ذكر
السن فهذا هو التلبيس والاشكال لا البيان، ونحن وهم على يقين من أنه عليه السلام حكم
بأن المنع من التذكية بالسن إنما هو من أحل كونه عظما ونحن موقنون بأنه عليه السلام
لو أراد كل عظم لما سكت عن ذلك فقد زادوا في حكمه عليه السلام ما لم يحكم به، وأيضا
فقد تناقضوا في هذا الخبر نفسه لأنه عليه السلام جعل السب في منع التذكية بالظفر إنما
هو كونه مدى الحبشة فيلزمهم ان يطردوا أصلهم فيمنعوا التذكية بمدى الحبشة من أي
شئ كانت والا فقد تناقضوا فان ادعوا ههنا اجماعا كانوا كاذبين قائلين ما لاعلم لهم به *
وقد روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن معمر عن عبد الله بن طاوس
عن أبيه انه كره ذبيحة الزنجي، وأما نحن فلا نجعل كون ما يذكى به من مدى الحبشة سببا
لتحريم أكله الا في الظفر وحده حيث جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نجعل العظيمة سببا لتحريم
أكل ما ذكى بما هي فيه الا في السن وحده حيث جعله رسول الله عليه السلام، وهذا في غاية
البيان والوضوح. بالله تعالى التوفيق * وقد روى نحو قولهم عن بعض السلف كما روينا
من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم قال: يذبح بكل شئ
غير أربعة السن. والظفر. والعظم. والقرن * ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان
عن الحسن قال: كل ما فرى الأوداج واهراق الدم الا الظفر. والناب. والعظم *
وروى نحو قولنا عن بعض السلف أيضا كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو
معاوية نا الأعمش عن إبراهيم قال: ما فرى الأوداج فكل الا السن. والظفر * ومن طريق
451

سعيد بن منصور نا خديج بن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي قال: كان يكره الناب. والظفر *
قال أبو محمد: وخالف الحنيفيون والمالكيون هذه السنة بآرائهم وليس في العجب أعجب من
اخراجهم العلل الكاذبة الفاسدة المفتراة! من مثل تعليل الربا بالادخار والاكل، وتعليل مقدار
الصداق بأنه عوض ما يستباح به العضو وسائر تلك العلل السخيفة الباردة المكذوبة، ثم يأتون
إلى ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم سببا لتحريم أكل ما ذكى به بقوله فإنه عظم وانه مدى الحبشة ولا يعللون
بهما بل يجعلونه لغوا من الكلام ويخرجون من أنفسهم علة كاذبة سخيفة وهي الخنق، ونسألهم
عمن أطال ظفره جدا وشحذه ورققه حتى ذبح به عصفورا صغيرا فبرى كما تبرى السكين أيؤكل
أم لا؟ (فان قالوا): لاتركوا علتهم في الخنق، وان قالوا: يؤكل تركوا قولهم في الظفر المنزوع *
(فان ذكروا) ما رويناه عن شعبة عن سماك (1) بن حرب عن مري بن قطري
عن عدى بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال: إنهر الدم بما شئت واذكر اسم الله)
قلنا: هذا خبر ساقط لأنه عن سماك بن حرب وهو يقبل التلقين عن مري بن قطري
وهو مجهول، ثم لو صح لكان خبر رافع بن خديج زائدا عليه تخصيصا يلزم اضافته إليه
ولابد ليستعمل الخبران معا، (فان ذكروا) ما روينا من طريق معمر عن عوف
عن أبي رجاء العطاردي قال: سألت ابن عباس عن أرنب ذبحتها بظفري؟ فقال:
لا تأكلها فإنها المخنقة، وفى بعض الروايات إنما قتلتها خنقا فلا حجة لهم فيه لوجهين،
أحدهما ان لا حجة فيمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني أنه حجة عليهم وخلاف قولهم
لان ابن عباس لم يشترطه منزوعا من غير منزوع *
وأما منعنا من أكل ما ذبح أو نحر أو رمى بآلة مأخوذة بغير حق فلقول الله تعالى:
(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم
عليكم حرام) ولا شك في أن ما ذبح أو نحر بآلة مأخوذة بغير حق فبالباطل تولى ذلك منه
وإذ هو كذلك بيقين فبالباطل يؤكل، وهذا حرام بالنص، وأيضا فان الذكاة (2) فعل
مفترض مأمور به طاعة لله عز وجل واستعمال المأخوذة بغير حق في الذبح. والنحر.
والرمي فعل محرم معصية لله تعالى هذان قولان متيقنان بلا خلاف، فإذ هو كذلك فمن
الباطل البحت والكذب الظاهران تنوب المعصية عن الطاعة وأن يكون من عصى الله
تعالى ولم يفعل ما امر به مؤديا لما أمر به، بالله تعالى التوفيق *
1052 - مسألة - وما ثرد وخزق (3) ولم ينفذ نفاذ السكين والسهم لم يحل أكل

(1) في النسخة رقم (14) (فان ذكروا رواية شعبة عن سماك)
(2) في النسخة رقم (16) (وأيضا فالذكاة)
(3) الثرد بالثاء المثلثة الكسر، والتثريد في الذبح هو الكسر قبل ان يبرد والخزق بالخاء المعجمة الطعن
452

ما قتل به، وكذلك ما ذبح بمنشار، أو بمنجل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله كتب الاحسان
على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح
ذبيحته) فالمثرد والذابح بشئ مضرس لم يذبح كما أمر ولا ذكى كما أمر فهي ميتة، والعجب
من منعهم الاكل ههنا لأنه لم يذك كما أمر ولم يذبح بل بآلة نهى عنها ثم يجيزون أكل ما نحر
أو ذبح بآلة منهى عنها مأخوذة بغير حق ولافرق بين ذلك أصلا، بالله تعالى التوفيق *
1053 - مسألة - ولا يجوز التذكية بآلة ذهب أو مذهبة أصلا للرجال، فان
فعل الرجل فهو حرام الرجال والنساء، فان ذكت بها امرأة فهو حلال (1) للرجال
وللنساء لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم الذهب على ذكور أمته (2) واباحته إياه لإناثها، فمن ذكى من
الرجال بآلة ذهب أو مذهبة (2) فقد استعمل آلة محرمة عليه استعمالها فلم يذك كما أمر،
والمرأة بخلاف ذلك *
1054 - مسألة - التذكية بآلة فضة حلال لأنه لم ينه الا عن آنيتها فقط وليس
السكين. ولا الرمح. والسهم ولا السيف آنية *
1055 - مسألة - فمن لم يجد الا سنا. أو ظفرا. أو عظم سبع. أو طائر. أو ذي أربع
أو خنزير. أو حمار. أو انسان. أو ذهب وخشي موت الحيوان لم يحل له أن يأكل ما ذكى
بشئ من ذلك لأنه لا يكون ذكاة بشئ من هذا كله أصلا فهو عادم ما يذكى به وليس
مضيعا له لأنه لم يجد ما يجوزان يذكيه به فذلك الحيوان غير مذكى أصلا *
1056 - مسألة - فمن لم يجد (4) الا آلة مغصوبة أو مأخوذة بغير حق وخشي
الموت على حيوانه ذكاه بها وحل له أكله لقول اله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى
ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فحرام على صاحب الآلة منعه منها إذا خشي ضياع
ماله بموته جيفة، فإذ هو حرام على صاحبها منعه منها ففرض على صاحب الحيوان أخذها
والتذكية بها فهو مطيع بذلك أحب صاحب الآلة أو كره وبالله تعالى التوفيق *
1057 - مسألة - وتذكية المرأة الحائض وغير الحائض. والزنجي. والأقلف
والأخرص. والفاسق. والجنب. والآبق وما ذبح أو نحر لغير القبلة عمدا. أو غير عمد جائز
أكلها إذا ذكوا وسموا على حسب طاقتهم بالإشارة من الأخرس ويسمى الأعجمي بلغته
لقول الله تعالى: (الا ما ذكيتم) فخاطب كل مسلم ومسلمة، وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا

(1) في النسخة رقم (14) فان ذكت بها لمرأة حل) وما هنا انسب بسابق كلام المصنف
(2) في النسخة رقم (14) (على ذكران أمته) وما هنا انسب بلفظ الحديث
(3) في النسخة رقم (14) (أو بمذهبة) (4) في النسخة رقم (14) (فإن لم بحد)
453

وسعها) فلم يكلفوا منم التسمية الا ما قدروا عليه، وهو (1) قول أبي حنيفة ومالك. والشافعي.
وأبي سليمان، وفي كل ما ذكرنا خلاف، وقد ذكرنا منع طاوس من اكل ذبيحته الزنجي *
روينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو أسامة عن سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن
حيان عن جابر - هو ابن زيد - عن ابن عباس قال: الأقلف لا تؤكل له ذبيحة ولا تقبل له
صلاة ولا تجوز له شهادة، وأجاز ذبيحته الحسن. وحماد بن أبي سليمان * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا عبيد الله بن موسى عن صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر انه كره أكلها
يعنى ذبيحة الآبق - وأجازها سعيد بن المسيب * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن
أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر انه كان يكره ان يأكل ذبيحة لغير القبلة، وصح
عن ابن سيرين. وجابر بن زيد مثل هذا، وصحت إباحة ذلك عن النخعي. والشعبي. والقاسم
ابن محمد. والحسن البصري إباحة أكلها *
قال أبو محمد: لا يعرف لابن عباس في ذبيحة الأقلف مخالف من الصحابة، ولا لابن عمر
في ذبيحة الآبق، وما ذبح لغير القبلة مخالف من الصحابة رضي الله عنهم وقد خالفوهما *
ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الوهاب بن عبد المحيد الثقفي عن أيوب السختياني
عن محمد بن سيرين انه كان إذا سئل عن ذبيحة المرأة. والصبي؟ لا يقول فيهما شيئا * وعن
عكرمة. وقتادة يذبح الجنب إذا توضأ * وعن الحسن يغسل وجهه وذراعيه ويذبح،
وأجازها إبراهيم. وعطاء. والحكم بغير شرط *
قال أبو محمد: لو كان استقبال القبلة من شروط التذكية (2) لما أغفل الله تعالى بيانه
وكذلك سائر ما ذكرنا قبل، وبالله تعالى التوفيق *
1058 - مسألة - وكل ما ذبحه. أو نحره يهودي. أو نصراني. أو مجوسي نساؤهم. أو
رجالهم فهو حلال لنا، وشحومها حلال لنا إذا ذكروا اسم الله تعالى عليه * ولو نحر اليهودي
بعيرا أو أرنبا حل أكله ولا نبالي ما حرم عليهم في التوراة وما لم يحرم، وقال مالك:
لا يحل أكل شحوم ما ذبحه اليهودي ولا ما ذبحوه مما لا يستحلونه، وهذا قول في غاية
الفساد لأنه خلاف القرآن. والسنن. والمعقول، أما القرآن فان الله تعالى يقول:
(وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) وقد اتفقنا على أن المراد
بذلك ما ذكوه لا ما أكلوه لأنهم يأكلون الخنزير والميتة والدم ولا يحل لنا شئ من ذلك
باجماع منهم ومنا فإذ ذلك كذلك فلم يشترط الله تعالى ما أكلوه مما لم يأكلوه (وما كان

(1) في النسخة رقم (16) (وهذا)
(2) في النسخة رقم (16) (لو كان استقبال القبلة شرطا في التذكية)
(3) في النسخة رقم (16) (ولا ما ذكوه)
454

ربك نسيا) وأما القرآن. والاجماع فقد جاء القرآن وصح الاجماع بأن دين الاسلام
نسخ كل دين كان قبله، وان من التزم ما جاءت به التوراة أو الإنجيل ولم يتبع القرآن فإنه
كافر مشرك غير مقبول منه فإذ ذلك كذلك فقد أبطل الله تعالى كل شريعة كانت في التوراة.
والإنجيل. وسائر الملل. وافترض على الجن، والانس شرائع الاسلام، فلا حرام الا ما حرم
فيه ولا حلال الا ما حلل فيه ولا فرض الا ما فرض فيه ومن قال في شئ من الدين خلاف
هذا فهو كافر بلا خلاف من أحد من الأئمة * وأما السنة فقد ذكرنا في كتاب الجهاد من
كتابنا هذا من حديث جراب الشحم المأخوذ في خيبر فلم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكله بل أبقاه
لمن وقع له من المسلمين * وروينا من طريق أبى داود الطيالسي نا سليمان بن المغيرة عن حميد
ابن هلال العدوي سمعت عبد الله بن مغفل يقول: (دلى جراب من شحم يوم خيبر فاخذته
والتزمته فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو لك) * والخبر المشهور من طريق شعبة عن هشام
ابن زيد عن أنس بن مالك (أن يهودية أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل منها)
ولم يحرم عليه السلام شيئا منها لا شحم بطنها ولاغيره * وأما المعقول فمن المحال الباطل ان
تقع الذكاة على بعض شحم الشاة دون بعض وما نعلم لقولهم ههنا حجة أصلا لامن قرآن.
ولا من سنة صحيحة. ولا رواية سقيمة. ولا قياس، والعجب أنهم يسمعون الله تعالى يقول:
(وطعامكم حل لهم)! ومن طعامنا الشحم والجمل وسائر ما يحرمونه أو حرمه الله تعالى عليهم
على لسان موسى ثم نسخه وأبطله وأحله على لسان عيسى ومحمد عليهما السلام بقوله تعالى عن عيسى:
(ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم) وبقوله تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم (النبي الأمي
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) وبقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) ثم
يصرون على تحريم ما يحرمونه مما هم مقرون بأنه حلال لهم ويسألون عن الشحم والجمل أحلال هما
اليوم لليهود أم هما حرام عليهم إلى اليوم؟ (فان قالوا) بل هو حرام عليهم إلى اليوم كفروا بلا
مرية إذ قالوا: إن ذلك لم ينسخه الله تعالى، وان قالوا: بل هما حلال لهم صدقوا ولزمهم ترك قولهم
الفاسد في ذلك، ونسألهم عن يهودي مستخف بدينه يأكل الشحم فذبح شاة أيحل لنا أكل
شحمها لاستحلال ذابحها له أم يحرم علينا تحقيقا في اتباع دين اليهود دين الكفر ودين
الضلال؟ ولابد من أحدهما، وكلاهما خطة خسف، ويلزمهم ان لا يستحلوا أكل ما ذبحه
يهودي يوم سبت ولا أكل حيتان صادها يهودي يوم سبت، وهذا مما تناقضوا فيه * وقد روينا
عن عمر بن الخطاب. وعلى. وابن مسعود. وعائشة أم المؤمنين. وأبى الدرداء. وعبد الله
ابن يزيد. وابن عباس. والعرباض بن سارية. وأبى أمامة. وعبادة بن الصامت. وابن
455

عمر إباحة ما ذبحه أهل الكتاب دون اشتراط لما يستحلونه مما لا يستحلونه، وكذلك
عن جمهور التابعين كإبراهيم النخعي. وجبير بن نفير. وأبى مسلم الخولاني. وضمرة بن حبيب.
والقاسم بن مخيمرة. ومكحول. وسعيد بن المسيب. ومجاهد. وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
والحسن. وابن سيرين. والحارث العكلي. وعطاء. والشعبي. ومحمد بن علي بن الحسين.
وطاوس. وعمرو بن الأسود. وحماد بن أبي سليمان. وغيرهم لم نجد عن أحد منهم هذا
القول الاعن قتادة ثم عن مالك. وعبيد الله بن الحسن، وهذا مما خالفوا فيه طائفة من
الصحابة لا مخالف لهم منهم وخالفوا فيه جمهور العلماء، وقولنا هو قول سفيان الثوري.
والأوزاعي. والليث بن سعد. وأبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان. وأحمد. واسحق. وأصحابهم *
وأما المجوس فقد ذكرنا في كتاب الجها انهم أهل كتاب فحكمهم كحكم أهل الكتاب
في كل ذلك، (فان ذكروا) ما رويناه من طريق وكيع عن سفيان عن قيس بن
مسلم الجدلي عن الحسن بن محمد (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس من أهل هجر يدعوهم إلى
الاسلام فمن أسلم قبل منه ومن لم يسلم ضربت عليه الجزية ولا توكل لهم ذبيحة ولا تنكح
منهم امرأة) فهذا مرسل ولا حجة في مرسل * نا حمام نا عبد الله بن محمد الباجي نا أحمد
ابن مسلم نا أبو ثور إبراهيم بن خالد نا عبد الوهاب عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن
سعيد بن المسيب انه سئل عن رجل مريض أمر مجوسيا ان يربح ويسمى ففعل ذلك؟ فقال
سعيد بن المسيب: لا بأس بذلك، وهو قول قتادة وأبي ثور *
قال أبو محمد: لم يفسح الله تعالى في أخذ الجزية من غير كتابي وأخذها النبي صلى الله عليه وسلم
من المجوس وما كان ليخالف امر ربه تعالى *
فان ذكروا قول الله تعالى: (ان تقولوا: إنما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا
عن دراستهم لغافلين) قلنا: إنما قال الله تعالى: هذا بنص الآية نهيا عن هذا القول لا تصحيحا
له، وقد قال تعالى: (ورسلا لم نقصصهم عليك) *
1059 - مسألة - ولا يحل أكل ما ذكاه غير اليهودي. والنصراني. والمجوسي،
ولاما ذكاه مرتد إلى دين كتابي أو غير كتابي، ولاما ذكاه من أنتقل من دين كتابي إلى
دين كتابي، ولا ما ذكاه من دخل في دين كتابي بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لان الله تعالى لم يبح
لنا الا ما ذكيناه أو ذكاه الكتابي كما قدمنا، وكل من ذكر نا ليس كتابيا لان كل من كان
على ظهر الأرض من غير أهل الكتاب ففرض عليهم ان يرجعوا إلى الاسلام إذ بعث
الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم به، أو القتل فدخوله في دين كتابي غير مقبول منه ولا هو من الذين أمر
الله تعالى بأكل ذبائحهم، والمرتد منا إليهم كذلك، والخارج من دين كتابي إلى دين كتابي
456

كذلك لأنه إنما تذمم وحرم قتله بالدين الذي كان آباؤه عليه فخروجه إلى غيره نقض للذمة
لا يقر على ذلك، وهذا كله قول الشافعي. وأبي سليمان، بالله تعالى التوفيق *
1060 - مسألة - ومن ذبح وهو سكران أو في جنونه لم يحل أكله لأنهما غير
مخاطبين في حال ذهاب عقولهما بقول الله تعالى: (الا ما ذكيتم) فان ذكيا بعد الصحو والإفاقة
حل أكله لأنهما مخاطبان كسائر المسلمين، وبالله تعالى التوفيق *
1061 - مسألة - وما ذبحه أو نحره من لم يبلغ لم يحل أكله لأنه غير مخاطب بقول الله
تعالى: (الا ما ذكيتم) وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الصبي مرفوع عنه القلم حتى يبلغ *
روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني عن
محمد بن سيرين انه كان إذا سئل عن ذبيحة المرأة والصبي؟ لا يقول فيهما شيئا، وبالمنع منهما يقول
أبو سلميان. وأصحابنا، * وأباحها النخعي. والشعبي. والحسن. وعطاء. وطاوس. ومجاهد *
قال أبو محمد: قد وافقونا على أن انكاحه لو ليته ونكاحه وبيعه وابتياعه وتوكيله لا يجوز
وانه لا تلزمه صلاة ولاصوم ولا حج لأنه غير مخاطب بذلك ولا يجزى حجه عن غيره فمن
أين أجازوا ذبيحته؟ *
1062 - مسألة - وكل حيوان بين اثنين فصاعدا فذكاه أحدهما بغير اذن الآخر فهو ميتة لا
يحل أكله ويضمن لشريكه مثل حصته مشاعا في حيوان مثله فإن لم يوجد أصلا فقيمته الا أن
يرى به موتا أو تعظم مؤنته فيضيع فله تذكيته حينئذ، وهو حلال لما ذكرنا من تحريم الله
تعالى أكل أموالنا بالباطل، وقوله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فهو معتمد في ذبحه
متاع غيره، فإن كان ذلك صلاحا جاز كما قلنا لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)
ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وهو قول أبى سليمان. وأصحابنا *
1063 - مسألة - ومن أمر أهله أو وكيله أو خادمه بتذكية ما شاؤوا من حيوانه أو
ما احتاجوا إليه في حضرته أو مغيبه جاز ذلك، وهي ذكاة صحيحة لأنه باذنه كان ذلك ولم يتعد
المذكى حينئذ وله ذلك في مال نفسه وبالله تعالى التوفيق *
1064 - مسألة - ولا يحل كسر قفا الذبيحة حتى تموت فان فعل بعد تمام الذكاة فقد
عصا ولم يحرم أكلها بذلك لأنه لم يرح ذبيحته إذ كسر عنقها ولم يحرم أكلها لأنه إذا تمت
ذكاتها فقد حل أكلها بذلك إذا ماتت *
1065 - مسألة - وكل ما غاب عنا مما ذكاه مسلم فاسق، أو جاهل، أو كتابي فحلال
أكله لما روينا من طريق البخاري نا محمد بن عبيد الله - هو أبو ثابت المديني - نا أسامة بن حفص
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين (ان قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ان قوما يأتوننا
457

باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال عليه السلام: سموا الله أنتم وكلوا قالت عائشة:
وكانوا حديثي عهد بكفر) فان قالوا: وقد رويتم هذا الخبر من طريق سفيان بن عيينة، وفيه انه عليه
السلام قال: (اجتهدوا ايمانهم وكلوا) قلنا: نعم رويناه من طريق سفيان عن هشام بن عروة
عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهذا مرسل والمرسل لا تقوم به حجة، بالله تعالى التوفيق *
1066 - مسألة - وكل ما تردى أو أصابه سبع أو نطحه ناطح، أو انخنق فانتثر دماغه،
أو انقرض مصرانه، أو انقطع نخاعه، أو انتشرت حشوته فأدرك وفيه شئ من الحياة
فذبح أو نحر حل أكله وإنما حرم تعالى ما مات من كل ذلك *
برهانه قوله تعالى: (إلا ما ذكيتم) فاستثنى من ذلك كله ما أدركت ذكاته ولا نبال من
أيهما مات قبل لان الله تعالى لم يشترط ذلك بل أباح ما ذكينا قبل الموت فلو قطع السبع
حلقها نحرت وحل أكلها ولو بقي في الحلق موضع يذبح فيه ذبحت وحل أكلها * روينا من
طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذؤيب عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي مرة
مولى عقيل بن أبي طالب انه وحد شاة لهم تموت فذبحها فتحركت فسألت زيد بن
ثابت؟ فقال: إن الميتة تتحرك فسألت أبا هريرة، فقال: كلها إذا طرفت عينها أو
تحركت قائمة من قوائمها * ومن طريق ابن جريج عن جعفر بن محمد أبيه أن على
ابن أبي طالب قال: إذا ضربت برجلها أو ذنبها أو طرفت بعينها فهي ذكى * ومن طريق سفيان
ابن عيينة عن الركين بن الربيع عن أبي طلحة الأسدي قال: عدى الذئب على شاة ففرى
بطنها فسقط منه (1) شئ إلى الأرض فسألت ابن عباس؟ فقال: انظر ما سقط منها إلى الأرض
فلا تأكله وأمره ان يذكيها فيأكلها * ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الله بن داود الخريبي
عن أبي شهاب - هو موسى بن نافع - عن النعمان بن علي قال: رأى سعيد بنن جبير في دارنا نعامة
تركض برجلها فقال: ما هذه؟ قلنا: وقيذ وقعت في بئر فقال: ذكوها فان الوقيذ ما مات
في وقذه * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا محمد بن عبيد نا محمد بن ثور عن معمر عن
قتادة في قول الله تعالى: (والمنخنقة) قال: هي التي تموت في خناقها (والموقوذة) التي توقذ
فتموت (والمتردية) التي تتردى فتموت (وما أكل السبع الا ما ذكيتم) من هذا كله فإذا
وجدتها تطرف عينها أو تحرك أذنها من هذا كله منخنقة. أو موقوذة. أو متردية. أو ما أكل
السبع، أو نطيحة فهي لك حلال إذا ذكيتها * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير بن عبد الحميد
عن الركين بن الربيع عن أبي طلحة الأسدي انه سمع ابن عباس سئل عن شاة بقر الذئب بطنها
فوضع قصبها (2) إلى الأرض، ثم ذبحت؟ فقال ابن عباس: ما سقط. من قصبها إلى الأرض

(1) كذا في جميع النسخ، والظاهر (فسقط منها)
(2) القصب - بضم القاف وسكون الصاد المهملة - المعى، وهي المصارين
458

فلا تأكله فإنه ميتة وكل ما بقي، ولا يعرف لمن ذكرنا مخالف من الصحابة، وهي رواية
ابن وهب عن مالك، وبه يأخذ إسماعيل، وما نعلم للقول الآخر حجة أصلا ولا متعلقا *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا حجاج عن الشعبي عن الحارث عن علي قال: إذا
وجد الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أصاب السبع فوجدت تحريك يد أو رجل (1) فذكها
وكل، قال هشيم: وأخبرنا حصين هو ابن عبد الرحمن - ان ابن أخي مسروق سأل ابن عمر
عن صيد المناجل؟ فقال: إنه يبين منه الشئ وهو حي فقال ابن عمر: أماما أبان منه وهو حي
فلا تأكل وكل ما سوى ذلك، وأما من قال: ينظر من أي الامرين مات قبل فقول فاسد لأنه
لا يقدر فيه على برهان من قرآن. ولامن سنة، ونسأله عمن ذبح، أو نحر كما أمر الله تعالى ثم رمى
رام حجرا وشدخ رأس الذبيحة أو النحيرة بعد تمام الذكاة فماتت للوقت؟ أتؤكل أم لا؟ فمن
قولهم: نعم فصح أن المراعى إنما هو ما جاء به النص مما ذكى ثم لا نبالي مما مات أمن الذكاة
أم من غيرها؟ لان الله تعالى لم يشترط لنا ذلك (وما كان ربك نسيا) ومن الباطل ان يلزمنا
الله تعالى حكما ولا يعينه علينا *
كتاب الصيد
1067 - مسألة - ما شرد فلم يقدر عليه من حيوان البر كله وحشيه وأنسيه
لاتحاش شيئا لا طائرا ولاذا أربع مما يحل أكله فان ذكاته أن يرمى بما يعمل عمل الرمح.
أو عمل السهم. أو عمل السيف. أو عمل السكين حاشا ما ذكرنا أنه لا تحل التذكية به، فان أصيب
بذلك فمات قبل أن تدرك ذكاته فأكله حلال فان أدرك حيا إلا أنه في سبيل الموت السريع فان ذبح،
أو نحر فحسن وإلا فلا بأس بأكله، وإن كان لا يموت سريعا لم يحل أكله الا بذبح أو نحر أو بأن
يرسل عليه سبع من سباع الطير أو ذوات الأربع لا ذكاة له الا بأحد هذين الوجهين *
لما روينا من طريق شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عدى بن حاتم (2)
قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض (3)؟ فقال: إذا أصاب
بحده فكل وإذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل) * ومن طريق مسلم نا
إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن منصور
- هو ابن المعتمر - عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث عن عدى بن حاتم (أن

(1) في النسخة رقم 16 (تحرك يدا أو رجلا) والمعنى واحد لا يختلف
(2) في النسخة رقم 16 (عن أبي حاتم) وهو غلط
(3) هو بكسر أوله سهم بلا ريش ولا نصل وإنما يصيب بعرضه دون حده
459

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إذا رميت بالمعراض فخزق (1) فكله وإن أصاب
بعرضه فلا تأكله)، (وقد اختلف الناس في هذا) كما روينا عن سفيان بن عيينة عن عمرو
ابن دينار عن سعيد بن المسيب عن عمار بن ياسر قال: إذا رميت بالحجر أو البندقة (2)
ثم ذكرت اسم الله فكل، * ورويناه أيضا عن سلمان الفارسي وهو قول أبى الدرداء
وفضالة بن عبيد. وابن عمر * ومن طريق سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد
ابن المسيب قال: كل وحشية قتلتها بحجر أو بخشبة أو ببندقة فكلها وإذا رميت فنسيت ان تسمى
فكل * ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة سمعت سعيد بن المسيب
يقول: كل وحشية قتلتها بحجر، أو ببندقة، أو بمعراض فكل وإن أبيت ان تأكل فأتني
به، وهو قول مكحول. والأوزاعي * وروينا خلاف هذا عن عمر كما روينا من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: سمعت عمر
ابن الخطاب يقول: لا يحذفن أحدكم الأرنب بعصاة أو بحجر، ثم يأكلها وليذك لكم
الأسل (3) النبل والرماح، وبه يقول أبو حنيفة. ومالك. والشافعي. وأبو سليمان *
واحتج من ذهب إلى قول عمار. وسلمان. وسعيد بقول الله تعالى: (ليبلونكم الله بشئ
من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) وبحديث رويناه من طريق مسلم عن هناد بن السرى
نا عبد الله بن المبارك عن حياة بن شريح قال: سمعت ربيعة بن يزيد الدمشقي يقول: إنا
أبو إدريس عائذ الله الخولاني قال: (سمعت أبا ثعلبة الخشني يقول: قال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (وأما ما ذكرت من أنك بأرض صيد فما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله عليه وكل) (4) *
قال أبو محمد: ولا حجة لهم في هذين النصين لان حديث عدى بن حاتم الذي ذكرنا فرض
ان يضاف (5) إليهما فيستثنى منهما ما استثنى فيه فإنه لا يحل ترك نص لنص، ولا خلاف
في أن هذين من الصيد ليسا على عمومهما لأنه قد تنال فيه اليد الميتة وقد تصاب بالقوس
المقدور عليه فلا يكون ذكاة بلا خلاف، وهذا مما تناقض فيه الحنيفيون لأنهم أخذوا
بخبر عدى بن حاتم وهو زائد على ما في القرآن وقد امتنعوا من مثل هذا في اسقاط الزكاة
فيما دون خمسة أو سق وغير ذلك، وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: ان أدرك حيا إلا أنه في سبيل الموت السريع فلا بأس بنحره وذبحه ولا بأس
بتركه فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأكل ماخزق ولم ينه عن ذبحه أو نحره ولا أمر به فهو

(1) هو - بالخاء المعجمة والزاي - يقال: خزق السهم وخسق إذا أصاب الرمية ونفذ فيها
(2) هي واحد البنادق وهو ما يرمى به
(3) الأصل في الأصل الرماح الطوال وحدها وقد جعلها في هذا الحديث كناية عن الرماح والنبل معا
اه‍ نهاية
(4) في صحيح مسلم ج 2 ص 119 (ثم كل) والحديث مختصر
(5) في النسخة رقم 14 (بان يضاف)
460

حلال مذكى على كل حال، واما إذا كان لا يموت من ذلك موت المذكى فلا يحل اكله
الا بذكاة لان حكم الذكاة إراحة المذكى وتعجيل الموت كما ذكرنا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك، وسنذكر إن شاء الله تعالى حكم ارسال الجارح *
1068 - مسألة - وكل ما ذكرنا انه لا يجوز التذكية به فلا يحل ما قتل به من الصيد،
وكل من قلنا: إنه لا يحل أكل ما ذبح أو نحر لم يحل أكل ما قتل من الصيد كغير الكتابي
(1) والصبي ومن تصيد بآلة مأخوذة بغير حق، وكل من قلنا: إنه يحل أكل ما ذبح أو نحر
جاز أكل ما قتل من الصيد كالكتابي، والمرأة. والعبد. وغيرهم ولا يحل أكل ما لم يسم
الله تعالى عليه مما قتل من الصيد بعمد. أو بنسيان (2) لان الصيد ذكاة، وقد ذكرنا برهان ذلك
في كلامنا في كتاب التذكية آنفا والحمد لله رب العالمين * وكره بعض الناس أكل ما قتله
الكتابيون من الصيد وهذا باطل لان الصيد ذكاة وقد أباح الله تعالى لنا ما ذكوا ولم يخص
ذبيحة من نحيرة من صيد (وما كان ربك نسيا) وقد قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم) ولم يفصل لنا تحريم هذا، فلو كان حراما لفصل لنا تحريمه فإذ لم يفصل لنا تحريمه
فهو حلال محض، فان موهوا بقول الله تعالى: (تناله أيديكم ورماحكم) قلنا وقد قال تعالى:
(الا ما ذكيتم) فحرموا بهذه الآية أكل ما ذبحوا إذا والا فقد تناقضتم، وقوله تعالى:
(وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) زائد على ما في هاتين الآيتين فالأخذ به واجب،
وقولنا ههنا هو قول عطاء والليث. والأوزاعي. والثوري. وأبي حنيفة. والشافعي.
وأبي سليمان. وأصحابهم، والقول الآخر هو قول مالك ولا نعلم له سلفا في هذا (3) أصلا، ولا جاء
عن أحد من الصحابة ولا التابعين التفريق بين ذبائح أهل الكتاب وبين صيدهم * وروينا
من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أيرسل المجوسي بازي (4)؟
قال: نعم إذا أرسل المجوسي كلبك فقتل فكل، وهو قول أبي ثور. وغيره وبالله تعالى التوفيق،
وقال بعض الناس: قد علمنا أن النصراني إذا في الله تعالى فإنما يعني به المسيح فسواء أعلن باسم المسيح أو لم يعلن وهذا لأننا إنما نتبع ما أمرنا الله تعالى به ولا نتعرض عليه بآرائنا
وقد قال تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) فحسبنا إذا سمى الله تعالى فقد أتى
بالصفة التي أباح الله تعالى لنا بها اكل ما ذكى ولا نبالي ما عنى لان الله تعالى لم يأمرنا بمراعاة
نيته الخبيثة (وما كان ربك نسيا) وإذا لم يذكر الله تعالى أو ذكر غير الله تعالى فقد أتى بالصفة
التي حرم الله تعالى علينا الاكل مع وجودها لأنه أهل لغير الله به ولا نبالي بنيته الخبيثة

(1) في النسخة رقم 14 (لغير الكتابي)
(2) في النسخة رقم 16 (أو نسيان)
(3) في النسخة رقم 16 (في ذلك)
(4) هو طير معروف أفصح لغاته تخفيف الياء وهو مذكر لا اختلاف فيه
461

إذ لم يأمر الله تعالى بذلك الاكل أحد في نفسه خاصة *
1069 - مسألة - ووقت تسمية الذابح الله تعالى في الذكاة هي مع أول وضع
ما يذبح به أو ينحر في الجلد قبل القطع ولابد، ووقتها في الصيد مع أول ارسال الرمية أو مع
أول الضربة أو مع أول ارسال الجارح لا تجزى قبل ذلك ولا بعده لأن هذه مبادئ الذكاة
فإذا شرع فيها قبل التسمية فقد مضى منها شئ قبل التسمية فلم يذك كما أمر وإذا كان بين
التسمية وبين الشروع في التذكية مهلة فلم تكن الذكاة مع التسمية كما أمر، فلم يذك كما أمر،
ولافرق بين قليل المهلة وبين كثيرها، ولو جاز ان يفرق بينهما بطرفة عين جاز ان يفرق
بينهما بطرفتين وثلاث إلى أن يبلغ الامر إلى العام وأكثر * روينا من طريق مسلم نا الوليد
ابن شجاع (السكوني) (1) انا علي بن مسهر عن عاصم الأحول عن الشعبي عن عدى بن حاتم
قال: قال (لي) (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذ أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله)،
ثم ذكر كلا ما وفيه (وان رميت سهمك فاذكر اسم الله) * ومن طريق شعبة عن الحكم بن
عتيبة (3) عن سعيد بن مسروق نا الشعبي قال: سمعت عدى بن حاتم وكان لي جارا ودخيلا
وربيطا بالنهرين (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرسل كلبي فأجد مع كلبي كلبا آخر قد أخذ
لا أدري أيهما أخذ؟ قال: فلا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره) فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم
الارسال الا مع التسمية بلا مهلة وحرم أكل ما لم يسم عليه، وقد روينا خلاف هذا عن ابن عباس
كما روينا من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ان عبد الله بن الحكم البلوى أخبره أنه
سأل ابن عباس؟ فقال: إني أخرج إلى الصيد فأذكر اسم الله حين أخرج فربما مربى الصيد
حثيثا فأعجل في رميه قبل أن اذكر اسم الله تعالى فقال له ابن عباس: إذا خرجت قانصا
لا تريد إلا ذلك فذكرت اسم الله حين تخرج فان ذلك يكفيك، ولا حجة في أحد دون
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ورواية ابن لهيعة؟ وهو ساقط، ثم عن عبد الله بن الحكم البلوى
وهو مجهول *
1070 - مسألة - وكل ما ضرب بحجر. أو عود. أو فرى مقاتله سبع برى أو
طائر كذلك أو وثنى أو من لم يسم الله تعالى فأدركت فيه بقية من الحياة ذكى بالذبح أو النحر
وحل أكله لأنه مما قال فيه تعالى: (الا ما ذكيتم) وقد تقصينا هذا فيما يحل أكله ويحرم من كتابنا
هذا، وبالله تعالى التوفيق *

(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 108
(2) الزيادة من صحيح مسلم
(3) في مسند الإمام أحمد ج 4 ص 256 سقط لفظ (عن الحكم بن عتيبة) وهو صحيح أيضا لان شعبة يروى أيضا عن سعيد بن مسروق بدون واسطة، وهو أيضا موجود في صحيح مسلم ج 2 ص 108 الا انه سقط منه لفظ (سعيد بن مسروق)
462

1071 - مسألة - فلو وضع اثنان فصاعدا أيديهم على شفرة. أو رمح فذكوا به
حيوانا بأمر مالكه وسمى الله تعالى أحدهم أو كلهم فهو حلال، وكذلك، لو رمى جماعة
سهاما وسمى الله تعالى أحدهم أو كلهم فأصابوا صيدا فأكله حلال وهو بينهم إذا أصابت
سهامهم مقتله سمى الله تعالى جميعهم وإذا لم يصب أحدهم مقتله فلا حق له فيه فإن كان
الذي لم يصب مقتله هو وحده الذي سمى الله تعالى فهو ميتة لا يحل أكله فإن لم يسم الله تعالى أحد
ممن أصاب مقتله فلا حق له فيه وهو كله للذي سمى الله تعالى بخلاف القول في المقدور عليه
المتملك وذلك لان التسمية قد صحت عليه فهو حلال، فأما الصيد فلا يملك الا بالتذكية أو بأن
يقدر عليه قبل موته فهذا لم يذكه لكن جرحه فلم يملكه وإنما ملكه الذي ذكاه بالتسمية وأما
المتملك قبل ان يذكى فهو مذكى بتسمية من سمى والملك باق لمن سلف له فيه ملك كما كان
وبالله تعالى التوفيق *
1072 - مسألة - ومن رمى صيدا فأصابه وغاب عنه يوما أو أكثر أو أقل، ثم وجده
ميتا فان ميز سهمه وأيقن أنه أصاب مقتله حل له أكله والا فلا يحل له، وكذلك لو رماه فأصابه،
ثم تردى من جبل أو في ماء فان ميز أيضا سهمه وأيقن أنه أصاب مقتله حل له أكله والا فلا *
لما روينا من طريق أحمد بن حنبل نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني عاصم الأحول عن
الشعبي عن عدى بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقعت رميتك في ماء فغرق فمات فلا تأكل) (1)
ومن طريق أحمد بن حنبل نا غندر نا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن عدى بن حاتم
قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إذا عرفت سهمك تعلم أنه قتله لم ترفيه أثر الغيرة فكل) (2) *
1073 - مسألة - وسواء أنتن أم لم ينتن، ولا يصح الأثر الذي فيه في الذي يدرك صيده
بعد ثلاث فكله ما لم ينتن لأنه من طريق معاوية بن صالح، ولا الخبر الذي فيه يا رسول الله افتني
في قوسي قال: كل ما ردت عليك قوسك ذكى وغير ذكى وان تغيب عنك ما لم يصل (3)
أو تجد فيه أثرا غير سهمك لأنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مسندا، ولا الأثر الذي
فيه (كل ما أصميت ولا تأكل ما انميت)، وتفسير الاصماء ان تقعصه (4) والانماء ان يستقل
بسهمه حتى يغيب عنه فيجده بعد ذلك ميتا بيوم أو نحوه، هكذا روينا تفسيره عن ابن عباس
لان راوي المسند في ذلك محمد بن سليمان بن مسمول - وهو منكر الحديث - عن عمرو بن تميم عن
أبيه - وهو منكر الحديث -، وأبوه مجهول، ولا الخبر الذي فيه (ان رجلا قال: يا رسول الله

(1) هذا الحديث لم أجده في مسند الإمام أحمد وهو في صحيح مسلم ج 2 ص 108 مطولا
(2) لم أجد هذا الحديث في مسند الإمام أحمد لامنه ولاسنده
(3) قال الصحاح: صل - أي بتشديد اللام - اللحم يصل بالكسر صلولا اي أنتن مطبوخا كان أو نيئا اه‍
(4) يقال ضربه فاقعصه أي قتله مكانه، والعص الموت الوحي يقال: مات
فلان قعصا إذا أصابته ضربة أو رمية فمات مكانه اه‍ صحاح
463

رميت صيدا فتغيب عنى ليلة فقال عليه السلام: ان هو أم الليل كثيرة) لأنه مرسل، ولا الخبر
الذي فيه انه عليه السلام قال: (لو أعلم أنه لم يعن علي قتله دواب المغا. لأمرتك بأكله (1)) لأنه
مرسل، وفيه الحارث بن نبهان وهو ضعيف، ولا الخبر الذي فيه انه عليه السلام قال في الصيد
(إذ غاب مصرعه عنك (2) كرهه) لأنه مرسل * وروينا عن ابن عباس فيمن رمى الصيد فوجد)
فيه سهمه من الغد قال: لو أعلم أن سهمك قتله لأمرتك بأكله ولكنه لعله قتله ترديه أو غيره *
وعن ابن مسعود إذا رمى أحدكم طائرا وهو على جبل فخر فمات فلا تأكله فانى أخاف أن يقتله
ترديه أو وقع في ماء فمات فلا تأكله فانى أخاف أن يكون قتله الماء، ومثله عن طاوس. وعكرمة
قال: إذ وقع في الماء قبل ان تذكيه * وعن الشعبي أنه لم يأكل من لحم طير رمى فوقع في ماء فمات *
وعن عطاء في صيد رمى فلم يزل ينظر إليه حتى مات قال: كله فان توارى عنك بالهضاب
أو الجبال فلا تأكله إذا غاب عنك مصرعه فان تردى أو وقع في ماء وأنت تراه فلا تأكله *
وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: إذا توارى عنك الصيد والكب وهو
في طلبه فوجدته وقد قتله جاز أكله فلو ترك الرجل الكلب واشتغل بصلاة أو عمل ما ثم
رجع إلى الكلب فوجد الصيد مقتولا والكلب عنده كره أكله، وقال مالك: إذا أرسل
كلبه أو سهمه فأدركه من يومه فوجده ميتا وفيه جراحة أكله فان بات عنه لم يأكله، وقال
الشافعي: القياس إذا غاب عنه أن يأكله *
قال أبو محمد: هذه أقوال ساقطة إذ لا دليل على صحة شئ منها والمفترض طاعته هو رسول اله
صلى الله عليه وسلم (إذ) (3) يقول ما رويناه من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد الأعلى - هو ابن عبد الأعلى
الثعلبي - عن داود بن أبي هند عن الشعبي أن عدى بن حاتم قال: (يا رسول الله أحدنا يرمى
الصيد فيقتفى أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه أيأكل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
نعم ان شاء أو قال: يأكل ان شاء) * ومن طريق أحمد بن حنبل نا هشيم عن أبي بشر عن
سعيد بن جبير عن عدى بن حاتم (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: يرمى أحدنا الصيد
فيغيب عنه ليلة أو ليلتين فيجده وفيه سهمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وجدت سهمك ولم
تجد فيه أثرا غيره وعلمت أن سهمك قتله فكله) (4) *
قال على: إذا وجد سهمه قد أنفذ مقتله فقد علم أنه قتله وبالله تعالى التوفيق *
1074 - مسألة - ومن رمى صيدا فأصابه فمنعه ذلك الامر من الجرى. أو الطيران
ولم يصب له مقتلا أو أصاب فهو له ولا يكون لمن أخذه لأنه قد جعله مقدورا عليه غير

(1) في النسخة رقم 16 (لامرته بأكله
(2) في النسخة رقم 16 (عنه)
(3) الزيادة من النسخة رقم 16
(4) ذكر المصنف هذا الحديث قريبا وقلنا: إنه لم يذكر في المسند تنبه
464

ممتنع فملكه بذلك وبالله تعالى التوفيق *
1075 - مسألة - ومن رمى صيدا فقطع منه عضوا أي عضو كان فمات منه بيقين
موتا سريعا كموت سائر الذكاة أو بطيئا الا أنه لم يدركه الا وقد مات، أو هو في أسباب
الموت الحاضر أكله كله وأكل أيضا العضو البائن فلو لم يمت منه موتا سريعا وأدركه حيا
وكان يعيش منه أكثر من عيش المذكى ذكاه وأكله ولم يأكل العضو البائن أي عضو كان
لأنه إذا مات منه كموت الذكاة فهو ذكى كله فلو لم يدركه حيا فهو ذكى متى مات مما أصابه
وهو مذكى كله وما كان بخلاف ذلك فهو غير مذكى، وقال عليه السلام: (إذا خزق فكل) فهذا
عموم لا يجوز تعديه، وإذا أدرك حيا فذكاته فرض لأنه مأمور باحسان القتلة والإراحة، واما إذا
وجده في أسباب الموت العاجل فلا معنى لذبحه حينئذ ولا لنحره لأنه ليس إراحة بل هو تعذيب
وهو بعد مذكى فهو حلال، وروى عن ابن مسعود. وابن عباس. وعكرمة. وقتادة.
وإبراهيم. وعطاء. وأبي ثور إذا رمى الصيد فغدا حيا وقد سقط منه عضو فإنه يؤكل سائره
حاشا ذلك العضو فان مات حين ذلك أكل كله، وقال أبو حنيفة. ومالك. وسفيان.
والأوزاعي: ان قطعه نصفين أكل النصفين معا فإن كانت إحداهما أقل من الأخرى فإن كانت
القطعة التي في الرأس هي الصغرى أكل كلتاهما وإن كانت التي فيها الرأس هي الكبرى (1)
اكلت هي ولم تؤكل الأخرى، وقال الشافعي: ان قطع منه ما يموت به موت المنحور أو
المذبوح أكلا معا وان قطع منه ما يعيش بعده ساعة فأكثر ثم أدركه فذكاه اكل حاشا
ما قطع منه، وما نعلم لمن حد الحدود التي حدها أبو حنيفة. ومالك متعلقا أصلا، وبالله
تعالى التوفيق *
1076 - مسألة - ومن رمى جماعة صيد وسمى الله تعالى ونوى أيها أصاب فأيها
أصاب حلال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفا (إذا أصاب بحده فكل) وقوله عليه السلام
: (إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله فان غاب عنك يوما فلم تجد إلا اثر سهمك فكل)) فعم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخص ان يقصد صيدا من الجملة بعينه (وما كان ربك نسيا) *
1077 - مسألة - فلو لم ينو الا واحدا بعينه فان أصابه فهو حلال وان أصاب غيره
فان أدرك ذكاته فهو حلال فإن لم يدرك ذكاته لم يحل أكله، وكذلك لو رمى وسمى الله تعالى
ولم ينو صيدا فأصاب صيدا لم يحل أكله إلا أن يدرك ذكاته، وكذلك لو أراد ذبح حيوان
متملك بعينه فذبح غيره مخطئا لم يحل اكله لأنه لم يسم الله تعالى عليه قاصدا إليه، وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) *

(1) في النسخة رقم 16 (هي الأصغر أكل كلاهما، وإن كان التي فيها الرأس هي الأكبر) الخ
465

1078 - مسألة - ولو أن امرءا رمى صيدا فأثخنه وجعله مقدورا عليه، ثم رماه هو
أو غيره فسمى الله تعالى فقتله فهو ميتة فلا يحل أكله لأنه إذ قدر عليه لم تكن ذكاته الا بالذبح أو
النحر فلم يذكه كما أمر فهو غير مذكى، وعلى قاتله إن كان غيره ضمان مثله للذي أثخنه لأنه قد ملكه
بالاثخان وخروجه عن الامتناع فقاتله معتد عليه وقد قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم) ولو جرحه الا انه ممتنع بعد فهو لمن أخذه لأنه لا يملكه الا بالخروج
عن الامتناع فما دام ممتنعا فهو غير مملوك بعد، وبالله تعالى التوفيق *
1079 - مسألة - ومن نصب فخا أو حبالة أو حفر زبية (1) كل ذلك للصيد، فكل
ما وقع في شئ من ذلك فهو له ولا يحل لاحد سواه فان نصها لغير الصيد فوقع فيها صيد فهو لمن أخذه
وكذلك من وجد صيدا قد صاده جارح أو فيه رمية قد جعلته غير ممتنع فلا يحل له أخذه لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) وإذا نوى الصيد فقد ملك كل
ما قدر عليه مما قصد تملكه وإذا لم ينو الصيد فلم يتملك ما وقع فيها فهو باق على حاله لكل من
تملكه، وكذلك ما عشش في شجرة أو جدرات داره هو لمن أخذه الا أن يحدث له تملكا *
روينا من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري انا محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن
عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري أخبره عن البهزي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مر بالروحاء فإذا حمار وحش عقير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فإنه يوشك ان يأتي صاحبه
ثم مضى فلما كان بالاثاية (2) إذا ظبي حاقف (3) في ظل وفيه سهم فأمر صلى الله عليه وسلم رجلا يثبت
عنده لا يريبه أحد من الناس) *
قال أبو محمد: وهذا يبطل قول أبي حنيفة فيمن رمى صيدا فوقع بحضرة قوم فلم يذكوه
حتى مات فهو حرام لأنه عليه السلام لم يأمر بتذكية ذلك الظبي وتركه لصاحبه الذي رماه
وهذا البهزي هو كان صاحب ذلك الحمار العقير *
1080 - مسألة - فلو مات في الحبالة أو الزبية لم يحل أكله سواء جعل هنالك
حديدة أم لا يجعل لأنه لم يقصد تذكيته كما أمر ان يذكيه به من رمى أو قتل جارح، والحيوان كله
حرام في حال حياته فلا ينتقل إلى التحليل الا بنص ولا نص في هذا وقد أباحه بعض السلف *
روينا من طريق معمر عن جابر الجعفي قال: سألت الشعبي عمن وضع منجله (4) فيمر به طائر
فيقتله؟ فكره أكله وسألت عنه سالم بن عبد الله؟ فلم يربه بأسا * ومن طريق سعيد بن منصور نا

(1) الفخ المصيدة والجمع فخاخ وفخوخ، والحبالة التي يصاد بها، والزبية حفرة ينزبى فيها الرجل للصيد، وتحفر للأسد فيصاد فيها
(2) هو موضع في طريق الجحفة بينه وبين المدينة خمسة وعشرون فرسخا
(3) أي نائم قد انحنى في نومه
(4) هو آلة الحرث
466

هشيم انا يونس عن الحسن انه كان لا يرى بأسا بصيد المناجل، وقال: سم إذا نصبتها *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا حصين - هو ابن عبد الرحمن ابن أخي مسروق -
سأل ابن عمر عن صيد المناجل؟ فقال ابن عمر: أما ما بان منه وهو حي فلا تأكل وكل
ما سوى ذلك، ولا يعرف له من الصحابة مخالف، وقد خالفه الحنيفيون والمالكيون وهم
يشنعون هذا على غيرهم *
1081 - مسألة - وكل من ملك حيوانا وحشيا حيا أو مذكى أو بعض صيد الماء
كذلك فهو له كسائر ماله بلا خلاف، فان أفلت وتوحش وعاد إلى البر أو البحر فهو باق على
ملك مالكه أبدا ولا يحل لسواه الا بطيب نفس مالكه، وكذلك كل ما تناسل من الإناث
من ذلك أبدا لقول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) ولقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وهذا مال من ماله باجماع المخالفين معنا فلا يحل
لسواه الا بما يحل به سائر ماله وهو قول جمهور الناس، وقال مالك: إذ توحش فهو لمن
أخذه، وهذا قول بين الفساد مخالف للقرآن. والسنة. والنظر، وهم لا يختلفون في أنهم إن
أفلت فأخذ من يومه، أو من الغد فلا يحل لغير مالكه فليبينوا لنا الحد الذي إذا بلغه خرج
به عن ملك مالكه ولا سبيل له إليه، ويسألون عمن ملك وحشيا فتناسل عنده ثم شرد نسلها؟
فان قالوا: يسقط ملكه عنه لزمهم ذلك في كل حيوان في العالم لان جميعها في أول خلق الله
تعالى لها كانت غير متملكة ثم ملكت، وكذلك القول في حمام الأبراج. والنحل كما ما ميز
فهو ونسله لمالكه أبدا لما ذكرنا، وقول مالك الذي ذكرنا، وقول الليث من ترك دابته
بمضيعة فهي لمن وجدها لا ترد إلى صاحبها، وكقول الليث، أو غيره من نظرائه ما عطب في
البحر من السفن فرمى البحر متاعا مما غرق فيها فهو لمن أخذه لا لصاحبه ولو قامت له بكل
ذلك بينة عدل، وهذه أقوال فاسدة ظاهرة البطلان لأنها إيكال مال مسلم، أو ذمي بالباطل *
1082 - مسألة - واما حكم ارسال الجارح فلا يخلو ذلك الجارح من أن يكون
معلما أو غير معلم، فالمعلم هو الذي لا ينطلق حتى يطلقه صاحبه فإذا أطلقه انطلق وإذا أخذ وقتل
لم يأكل من ذلك الصيد شيئا فإذا تعلم هذا العلم فبأول مرة يقتل ولا يأكل منه شيئا فهو معلم
حلال أكل ما قتل مما أطلقه عليه صاحبه وذكر اسم الله تعالى عند اطلاقه، وسواء قتله بجرح
أو برض. أو بصدم. أو بخنق كل ذلك حلال، فان قتله وأكل من لحمه شيئا فذلك الصيد حرام
لا يحل أكل شئ منه، وسواء في كل ما ذكرنا الكلب وغيره من سباع دواب الأربع والبازي
وغيره من سباع الطير ولافرق، فأما الفرق بين المعلم وغير المعلم فهو قول الله تعالى: (وما علمتم
من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم) وما سنذكره بعد هذا من
467

كلام النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله فلم يبح لنا عز وجل الا ما امسك عليا جوار حنا المعلمة *
واما قولنا في التعليم فان الله تعالى لم يبح لنا كما ذكرنا الا ما أمسك علينا جوارحنا المعلمة
وبالضرورة ندري ان سباع الطير وذوات الأربع تعلم التصيد بطبعها لا نفسها ومعاشها فلا
بد من شئ زائد تعلمه لم تكن تعلمه إلا أن تعلمه لابد من هذا ضرورة والا فكل جارح فهو
معلم، وهذا خلاف القرآن. والسنن. ولا يقوله أحد فإذ لابد من هذا فليس ههنا شئ يمكن
ان تعلمه الا ما ذكرناه *
وقد اختلف المتقدمون في هذا فقال: أبو حنيفة. والشافعي: إذا امسك ولم يأكل وفعل
ذلك مرة بعد مرة فهو معلم يؤكل ما قتل بعد تلك المرار ولم يحدا في ذلك حدا، وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن: إذا أمسك ولم يأكل ثلاث مرات فهو معلم يؤكل ما قتل في الرابعة ولا يؤكل
ما قتل في تلك الثلاث مرات، وقال أبو سليمان (1): إذا أمسك فلم يأكل مرة فهو معلم ويؤكل
ما قتل في الثانية ولا يؤكل ما قتل في الأولى، وقال أبو ثور: إذا امسك ولم يأكل فأول
مرة يفعل ذلك يؤكل ما قتل *
قال أبو محمد: أم قول أبي حنيفة. والشافعي فظاهر الخطأ لأنهما لم يبينا متى يحل اكل ما قتل
ومتى لا يحل وما كان هكذا فالسكوت عنه أولى لأنه اشكال محض لا بيان فيه ولا دليل
عليه ودين الله تعالى بين لائح قد فصل لنا ما حرم علينا مما لم يحرم ولله تعالى الحمد، فسقط
هذا القول بيقين، وأما قول أبى يوسف ومحمد فأظهر فسادا من القول الأول لأنهما
حدا حدا لم يأت به نص من قرآن. ولا سنة. ولا قول صاحب. ولا معقول، ولافرق بين
من حد بثلاث مرات وبين من حد بأربع. أو بخمس. أو بمرتين. أو بما زاد، وكل ذلك
شرع في الدين لم يأذن به الله تعالى فبطل هذا القول بيقين * وأما قول أبى سليمان فإنه احتج
بأننا لم نعلم أنه معلم الا بتلك الفعلة الأولى فبها علمنا أنه قد تعلم فهو في الثانية معلم يؤكل ما قتل *
قال على: فقلنا: صدقتم انه بتلك الفعلة الأولى علمنا أنه معلم ولا شك انه قبلها لم يكن
معلما فلما صح انه معلم بتلك الفعلة صح يقينا انه صاد تلك المرة وهو معلم ولو لم يكن معلما
لما أتى بشروط التعليم فإذ صادها وهو معلم فحلال أكل ما صاد فيها وهذا قول أبي ثور،
وهذا القول الصحيح بلا شك، وأما مالك. فلم يراع أكل الجارح وهو خطأ لما نذكر
إن شاء الله تعالى، وأما جواز أكل ما قتل كيفما قتل فان قوما قالوا: لا يؤكل الا ما جرح
لاما قتل بخنق. أو صدم. أو رض. أو غم، واحتجوا بقول الله تعالى: (من الجوارح) *
قال على: وهذا جهل منهم لان الجارح الكاسب قال الله تعالى: (ويعلم ما جرحتم بالنهار)

(1) في النسخة رقم 16 (وقال داود) وهما واحد وهو داود أبو سليمان الظاهري صاحب المذهب المجتهد الامام
468

وحتى لو كان مراد الله تعالى بقوله (الجوارح) من الجراح لما كان لهم فيه حجة لان الله تعالى
سماهن جوارح وهن جوارح وقواتل بلا شك ولم يقل تعالى: لا تأكلوا الا مما ولدن فيه جراحة
بل قال تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) ولم يذكر تعالى بجراحة ولا بغير جراحة (وما
كان ربك نسيا) وقال بعضهم: قسنا الجارح على المعراض ان خزق أكل وان رض لم يؤكل *
قال أبو محمد: وهذا باطل لأنه قياس ثم لو صح القياس لكان هذا باطلا لأنه
لا قياس عندهم مع نص (1) والنص جاء في المعراض بما ذكروا، وفى الجارح بغير ذلك كما
ذكرنا من قول الله تعالى، وكما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه -
نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن منصور عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث عن عدى
ابن حاتم (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل
قلت: وان قتلن قال: وان قتلن ما لم يشركها كلب ليس معها) (2) * ومن طريق البخاري نا
أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - نا زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي عن عدى بن حاتم
قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ الكلب؟ فقال: كل ما أمسك عليك فان أخذ الكلب
ذكاة) (3) * ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبى نا زكريا - هو ابن أبي زائدة -
عن الشعبي عن عدى بن حاتم قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد الكلب؟ فقال:
ما أمسك عليك ولم يأكل منه فكله فان ذكاته أخذه) (4) فأمره عليه السلام بأكل ما قتل
الكلب المعلم وأخبر انه ذكاة ولم يشترط عليه السلام بجراحة من غيرها، فاشتراط ذلك
باطل لا يجوز، وقولنا هو قول أبى الحسن بن المفلس وغيره *
وأما تحريم أكل الصيد إذا أكل منه الجارح فلقول الله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم)
فلم يبح لنا الله تعالى ما أمسكن فقط ولا ما أمسكن على أنفسهن بل ما أمسكن علينا فقط،
وبالمشاهدة ندري انه إذا أكل منه فعلى نفسه أمسك ولها صاد فهو حرام، وأيضا قول
الله تعالى: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع الا ما ذكيتم) و
الكب
سبع بلا خلاف فتحريم ما اكل منه حرام بنص القرآن فلا يحل الا حيث أحله النص فقط *
ومن طريق البخاري نا آدم نا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عدى بن
حاتم (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إذا أرسلت كلبك وسميت فأخذ فقتل فأكل فلا تأكل
فإنما أمسك على نفسه) (5) * ومن طريق أحمد بن شعيب انا سويد بن نصر أنا عبد الله

(1) في النسخة رقم 16 (لا قياسا عندهم مع النص)
(2) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 107 مطولا اختصره المصنف واقتصر على محل الشاهد منه
(3) هو في صحيح البخاري ج 7 ص 154
(4) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 108 مطولا اختصره المصنف
(5) هو في صحيح البخاري ج 7 ص 159 مطولا
469

ابن المبارك عن عاصم - هو الأحول - عن الشعبي عن عدى بن حاتم (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال له: إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله (عليه) (1) فان أدركته لم يقتل (2) فاذبح واذكر
اسم الله عليه فان أدركته قد قتل ولم يأكل فكل فقد أمسكه عليك وان وجدته قد أكل (منه) (3) فلا تطعم منه شيئا فإنما أمسك على نفسه) وذكر باقي الخبر، وبهذا يقول جماعة
من السلف صح من طريق معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس إذا أكل
الكلب المعلم فلا تأكل منه فإنما أمسك على نفسه * وعن سعيد بن منصور نا سفيان عن
عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل فإنما أمسك على
نفسه * نا حمام نا الباجي أبو محمد نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن مسلم نا أبو ثور نا على
ابن الحسن بن شقيق نا عبد الله بن المبارك نا نصر بن إدريس عن عمه قال: سألت أبا هريرة
عن كلب أرسله؟ فقال لي وذمه (4) فإذا أرسلته فسم الله تعالى فان أكل فلا تأكل * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال: إذا أكل فليس بمعلم *
وهو قول أبى بردة بن أبي موسى الأشعري. والشعبي. والنخعي. وعكرمة. وعطاء صح
عنه من طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن عطاء قال في الصقر والبازي يأكل قال:
لا تأكل، ومثله عن عكرمة وهو قول سعيد بن جبير. وسويد بن غفلة. وحماد بن أبي سليمان *
ومنع الشعبي من أكل الصيد إذا شرب الجارح من دمه، وهو قول سفيان الثوري. وأبي حنيفة
. والشافعي. وأبي ثور. وأحمد بن حنبل. وأبي سليمان وجميع أصحابهم، وقال مالك:
يؤكل وان أكل منه واحتج له من قلده بما روينا من طريق أبى داود انا محمد بن عيسى نا هشيم
نا داود بن عمرو عن بسر بن عبيد الله (5) عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة (قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه) *
ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ثعلبة: إن كان
لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك وان أكل منه كل ما ردت عليك قوسك وان
تغيب عنك ما لم يصل) *
ومن طريق عبد الملك بن حبيب نا أسد بن موسى عن ابن أبي زائدة عن الشعبي عن
عدى بن حاتم (قلت: يا رسول الله انا بأرض صيد ولنا كلاب نرسلها فتأخذ الصيد فقال
عليه السلام: كل مما أمسكن عليك الا ان يخالطها كلب من غيرها قلت: يا رسول الله وان

(1) الزيادة من سنن النسائي ج 7 ص 179 والحديث اختصره المصنف
(2) في النسخة رقم 16 (لم يأكل) وما هنا موافق لسنن النسائي
(3) الزيادة من سنن النسائي
(4) قال في النهاية: أي إذا شددت في عنقه سيرا يعرف به انه معلم مؤدب اه‍
(5) في النسخة رقم 16 (عن بشر بن عبيد الله) وهو غلط
470

قتلت قال: وان قتلت قلت: وان أكلت قال: وان أكلت) * ومن طريق سفيان الثوري
عن سماك بن حرب عن مري بن قطن عن عدى بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما كان من كلب ضار أمسك عليك فكل قلت: وان أكل قال: نعم) * ومن طريق محمد
ابن جرير الطبري حدثني الحارث نا محمد بن سعيد نا محمد بن عمر الواقدي نا محمد بن عبد الله
ابن أخي الزهري عن أبي عمير الطائي عن أبي النعمان عن أبيه - وهو من سعد هذيم - قال:
قلت: يا رسول الله انا أصحاب قنص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أرسلت كلبك المعلم
وذكرت اسم الله فقتل فكل قلنا: وان أكل نأكل قال: نعم) واعترضوا على القول بان
الكلب له نية في الامساك على مرسله أو على نفسه بالانكار لذلك، وصح عن ابن عمر
كل مما أكل منه كلبك المعلم وان أكل، وروى أيضا عن سعد بن أبي وقاص كل وان
لم يبق الا بضعة * ومن طريق حماد بن سلمة عن داود عن الشعبي عن أبي هريرة إذا أرسلت
كلبك فأكل ثلثيه فكل * ومن طري شعبة. وحماد بن سلمة قال شعبة: عن قتادة عن
سعيد بن المسيب، وقال حماد: عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني ثم اتفق بكر. وسعيد كلاهما
عن سلمان الفارسي ان يؤكل من صيد الكلب وان أكل ثلثيه * وروى عن علي من طريق
من لا يعرف من هو ولا سمى أيضا وهو قول الزهري. وربيعة، واختلف فيه عن الحسن. وعطاء *
قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به قد تقصيناه لهم وكله لا حجة لهم فيه * أما الآثار عن النبي
صلى الله عليه وسلم فكلها ساقطة لا تصح، أما حديث أبي ثعلبة فمن طريق داود بن عمر، وهو ضعيف، ضعفه
أحمد بن حنبل وقد ذكر بالكذب، فان لجوا وقالوا: بل هو ثقة قلنا: لا عليكم ان وثقتموه
ههنا فخذوا روايته التي رويناها من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه نا هشيم انا داود بن
عمرو عن بسر (1) بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك الأشجعي
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام للمسافر ولياليهن
. يوم وليلة للمقيم (2)) فهذه تلك الطريق بعينها، ومن الكبائر في دين الله تعالى الاحتجاج
بها إذا اشتهيتم ووافقت اهواءكم ورأي من قلد تموه دينكم واطراحها إذا خالفت أهواءكم
ورأي من قلد تموه هذه الصفة التي ذكرها الله تعالى عن قوم (قالوا: إن أو تيتم هذا فخذوه
وان لم تؤتوه فاحذروا)، وفى هذا كفاية لمن عقل *
وأما نحن فما نحتج به أصلا ولا نقبله حجة *
وأما حديث عمرو بن شعيب فصحيفة فان أبوا الا تصحيحها قلنا: لا عليكم خذوا
بروايته عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون

(1) في السنن ج 6 ص 27 (عن بر) وهو تحريف مطبعي
(2) في المسند (وللمقيم يوم وليلة)
471

بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وعرون حقة وعشرون ابن لبون ذكر، وعلى أهل البقر
مائتا بقرة وان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه وغير هذا
كثير مما خالفوه ولم يردوه الا بتضعيف روايته عن أبيه عن جده فهي صحيحة وحجة في
دين الله تعالى ومنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتهوا ووافقت أهواءهم ورأي من قلدوه،
وهي مردودة مطروحة غير مصدقة إذا خالفت أهواءهم ورأي من قلدوه، ألا ذلك هو
الضلال المبين، وما ندري كيف تنبسط نفس مسلم لمثل هذا؟ *
وأما الخبر عن عدى بن حاتم فاحد طريقيه من رواية عبد الملك بن حبيب
الأندلسي، وقد روى الكذب المحض عن الثقات عن أسد بن موسى وهو منكر الحديث،
والأخرى من طريق سماك بن حرب وهو يقبل التلقين عن مري بن قطن وهو مجهول،
وكم رواية لأسد. وسماك. اطرحوها إذا خالفت أهواءهم؟ *
وأما حديث أبي النعمان فمصيبة. فيه الواقدي مذكور باكذب عن أبي أخي الزهري
وهو ضعيف عن أبي عمير الطائي ولا يدرى من هو عن أبي النعمان وهو مجهول فسقط كل
ما تعلقوا به *
وأما عن الصحابة فهو عن سعد لا يصح لأنه من طريق حميد بن مالك بن الاختم وليس
بالمشهور، وعن علي كذلك، وعن سلمان كذلك لأننا لا نعلم لسعيد بن المسيب ولا لبكر
ابن عبد الله سماعا من سلمان ولاكانا ممن يعقل إذ مات سلمان رضي الله عنه أيام عمر (1)
بل إنه صحيح عن أبي هريرة. وابن عمر، وقد اختلف عنهما في ذلك كما أوردنا (2)، وقد صح
عن ابن عمر ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال:
ما يصاد به من البيزان وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فكل ومالا فلا تطعم *
وأما الكلب المعلم فكل مما أمسك عليك وان أكل منه، فإن كان ابن عمر حجة في بعض
قوله فهو حجة في سائره والا فهو تلاعب بالدين *
وأما انكارهم مراعاة نيات الكلاب فقولهم هذا هو المنكر نفسه حقا لأنه اعتراض
على القرآن. وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسب المحروم هذا ونعوذ بالله منه، وروى عن ربيعة

(1) قال ابن الأثير في أسد الغابة: وتوفى سلمان سنة خمس وثلاثين في آخر خلافة عثمان، وقيل: أول سنة ست
وثلاثين، وقيل في خلافة عمر، والأول أكثر اه‍، وولد ابن المسيب لسنتين مضتا من خلافة عمر فيكون ابن المسيب
حين توفى عمر رضي الله عنه ابن ثمان سنين والغالب في ذاك الزمن على أهله الثنيه والادراك لا الغفلة لا سيما مثل ابن المسيب،
وأما ما نقلنا عن ابن الأثير فيكون سنه إذ ذاك عشرين سنة فأكثر فإنه يعقل عن سلمان الفارسي باتفاق، وللعلماء في ذلك
مخلاف راجع تهذيب التهذيب وغيره من ترجم العلماء
(2) في النسخة رقم 14 (كما روينا)
472

أنه قال: لو كان أكل الجارح يحرم منه ما بقي لم يحل لاحدان يبادر إلى الضاري (1) حتى
يدرى (2) أيأكل منه أم لا؟ *
قال أبو محمد: وهذا (قول) (3) في غاية السقوط لان بأول دقيقة يمكن الجارح ان يأكل
مما قتل فإن لم يفعل علمنا أنه على مرسله أمسك لاعلى نفسه فكيف ولم نكلف قط هذا؟ إنما
أمر عليه السلام ان لا نأكل إذا أكل، واف أوتف لكل عقل يعترض على الله تعالى وعلى
رسوله الله صلى الله عليه وسلم، فسقط هذا القول وبطل جملة وبالله تعالى التوفيق *
وأما جواز أكل كل ما قتله المعلم من غير الكلاب فقد اختلف في هذا فروينا عن ابن عمر
ما رويناه عنه آنفا من أنه لا يحل أكل صيد قتله شئ من الجوارح الا المعلم من الكلاب وحده
وصح أيضا عن مجاهد، وصح عن ابن عباس كل ما علم فصاد فأكل ما قتل جائز *
واحتج من منع ذلك بان الاخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جاءت في الكلب
فقط قالوا: وقول الله تعالى: (وما علمتم من الجوارح مكلبين) إشارة إلى الكلاب
قالوا: وسباع الطير. وسباع البر لا يمكن فيها تعليم أصلا حاشا الكلاب فقط *
قال أبو محمد: أما الاخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فكما قالوا الا ان الآية أعم من
تلك الأحاديث (4) لقول الله تعالى: (من الجوارح) فعم كل جارح، وهذا لا يجوز تركه
لخبر فيه بعض ما في الآية، وأما قوله تعالى: (مكلبين) فليس فيه دليل على أنه لا يؤكل
ما قتله غير الكلب من الصيد أصلا لا بنص ولا بدليل بل فيه بيان بأن صيد غير الكلاب جائز
بقوله تعالى: (مكلبين) لأنها لا تحتمل هذه اللفظة البتة الا ان يجعلها في حال الكلاب فصح انها
غير الكلاب أيضا *
وأما قولهم: ان ما عدا الكلاب لا يقبل التعليم المذكور أصلا فالواجب ان ينظر
في ذلك فان وجد منها نوع يقبل التعليم فلا ينطلق حتى يطلقه صاحبه وإذا صاد لم يأكل
فهو معلم يؤكل ما قتل وان لم يوجد ذلك أصلا فلا يجوز اكل شئ مما قتلت الا ما
أدركت ذكاته وهو حي بعد، وبالله تعالى التوفيق، وقد قال قوم: يؤكل صيد البازي
وان أكل وهو قول أبي حنيفة *
قال أبو محمد: وهذا باطل لان الله تعالى لم يبح لنا ان نأكل الا مما أمسكن علينا لا مما أمسكن جملة
ولا مما أمسكن على أنفسهن، وقولنا هو قول الشافعي، وهو أيضا قول عطاء. وعكرمة كما
ذكرنا قبل، وعن ابن عباس ما أكلت الجوارح فلا تأكل وبالله تعالى التوفيق *
* (1) في النسخة رقم 16 (إلى البازي) (2) في النسخة رقم 16 (حتى يعلم) (3) الزيادة من النسخة 16
(4) في النسخة رقم 16 (من ذلك الأحاديث) * (*)
473

1083 - مسألة - وان شرب الجارح الكلب أو غيره من دم الصيد لم يضر
ذلك شيئا وحل أكل ما قتل لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما حرم علينا أكل ما قتل إذا أكل ولم
ينهنا عن أكل ما قتل إذا ولغ في الدم (وما كان ربك نسيا) وإذا لم يأكل من الصيد
فقد أمسكه على مرسله، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي، وبالله تعالى التوفيق *
1084 - مسألة - فان أكل من الرأس أو الرجل أو الحشوة أو قطعة انقطعت
منه فكل ذلك سواء ولا يحل أكل ما قتل لأنه أكل من الصيد *
1085 - مسألة - فإذا كان الجارح معلما كما ذكرنا ثم إنه عاد فأكل مما قتل لم يسقط
بذلك عن أن يكون معلما لكن يحرم أكل الذي قتل وأكل منه فقط، ولا يحرم أكل ما قتل
ولم يأكل منه، وقال أبو حنيفة: قد بطل تعليمه وعاد غير معلم فلا يؤكل ما قتل وان لم
يأكل منه حتى يفعل ذلك مرة بعد مرة فيعود معلما، وقال أصحابنا: لا يبطل بذلك تعليمه
لكن يضرب ويؤدب حتى لا يأكل، وهذا هو الصواب لان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما روينا من
طريق أبى داود نا هناد بن السرى نا ابن فضيل عن بيان عن الشعبي عن عدى بن حاتم (ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إذا أرسلت كلا بك المعلمة وذكرت اسم الله عليها فكل مما أمسكن
عليك وان قتل الا ان أكل الكلب فان أكل فلا تأكل فانى أخاف أن يكون إنما أمسكه
على نفسه (1))، فقد سماها عليه السلام معلمة ولم يسقط حكم التعليم بأكل ما أكل منها
بل نهى عن أكل ما أكل منه فقط * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس
عن أبيه عن ابن عباس قال: إذا أكل الكلب المعلم فلا تأكل منه فإنما أمسك على نفسه،
فسماه ابن عباس معلما وان أكل، وقد روينا عن ابن عباس أيضا انه إذا أكل فبئس ما علمته
ليس بعالم، وبالله تعالى التوفيق *
1086 - مسألة - فان أدركه مرسله حتى قتله وهو يريد الاكل منه فأخذه
والجارح ينازعه إلى الاكل منه لم يحل أكله أصلا وهو ميتة لأننا على يقين حينئذ من أنه
إنما أمسك على نفسه لاعلى مرسله، وهذه الصفة التي حرم الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم الاكل
مما قتله الجارح علينا *
1087 - مسألة - فلو قتله ولم يأكل منه شيئا وهو قادر على الاكل منه ثم أكل
منه فباقيه حلال لأننا على يقين من أنه إذا لم يأكل منه - وهو قادر على الاكل منه - فلم يمسك
على نفسه وإنما أمسك على مرسله، وما كان بهذه الصفة فهو حلال بنص القرآن
والسنة، وإذ قد صح تحليله بذلك وتمت ذكاته فلا يضره ان يأكل منه بعد ذلك لأنه قد بداله
* (تهذيب) * (1) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 68 مطولا اختصره المؤلف قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة * (*)
474

ان يأكل مما قد صح أنه أمسكه على مرسله وقد يحدث له جوع يأكل به ما وجد، وإنما
المراعى امساكه على سيده فيؤكل وان قتل أو امساكه على نفسه فلا يؤكل ما قتل فقط
كما أمر الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن. والسنن الثابتة، وبالله تعالى التوفيق *
1088 - مسألة - فلو قتل ولم يأكل، ثم أخذه مرسله فقطع له قطعة فأكلها أو خلاه
بين يديه يأكله (1) فأكل منه فالباقي حلال لما ذكرنا من أنه قد صح امساكه على مرسله
فتمت ذكاته بذلك *
1089 - مسألة - وأما غير المعلم فسواء كان متملكا أو بريا من سباع الطير
أو دواب الأربع غير متملك أرسل أو لم يرسل كل ذلك سواء، وحكمه ان لا يؤكل ما قتل
أصلا فان أدرك فيه بقية من الروح وذكى حل أكله لقول الله تعالى: (إلا ما ذكيتم) فاستثنى
تعالى ما ذكينا من كل ما حرم من قبل ذلك * ولما رويناه من طريق البخاري نا عبد الله بن يزيد
انا حياة - هو ابن شريح - أخبرني ربيعة بن يزيد (الدمشقي) (2) عن أبي إدريس الخولاني
عن أبي ثعلبة الخشني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله
فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل) فلم يستثن عليه السلام رجاء حياة من
غيرها، فاستثناء ذلك (3) باطل وخلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم *
1090 - مسألة - وإذا انطلق الجارح المعلم أو غير المعلم من غير أن يطلقه صاحبه
لم يحل اكل ما قتل إلا أن تدرك فيه بقية من الروح فيذكى ويؤكل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إذا أرسلت كلبك وسميت الله) (4) فلم يجعل عليه السلام الذكاة الا بارساله مع تسمية الله
تعالى، والذكاة لا تكون الأبنية من الانسان المذكى وقصد لقوله عليه السلام: (ولكل امرئ
ما نوى) وصح بالنص أنه إذا ارسل جارحه المعلم وسمى الله تعالى فقتل الجارح فهي ذكاة صحيحة
ولم يصح في كون ما دون ذلك ذكاة نص *
روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه قال لرجل سأله عن إنسان كان يعلم

(1) في النسخة رقم 16 (يأكلها)
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 106، والحديث اختصره المصنف
(3) وفى نسخة (فالاستثناء بذلك
(4) استشكل مصحح النسخة رقم 14 كلام المصنف هنا ثم أجاب عنه وهناك نص
عبارته * الذي في كتاب الصيد من البخاري (انه عليه السلام قال لثعلبة: ما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله
ثم كل وما صدت بكلبك الذي ليس معلما فأدركت ذكاته فكل) هذا لفظه، ثم قال: فأبو محمد اما انه روى الحديث بالمعنى
واما انه وجده كذلك في غير كتاب الصيد واما انه سهى عفى الله عنه اه‍ أقول: لا يرد هذا على المصنف لأنه لم
يقل كما في حديث أبي ثعلبة أو مما يشير إلى ذلك فيحمل كلامه عليه، وما ذكره المصنف إنما هو رواية عدى بن
حاتم انظر البخاري ج 7 ص 155، وسيكرر ذلك المصنف بعد بهذا اللفظ وقد تقدم أيضا في ص 462 فالواجب
ان يحمل على الواقع كلامه
475

صقرا له؟ فبينما هو (1) يحوم حوله إذ رأى طائرا فانقض نحوه وسمى الرجل الله عز وجل
قال قتادة: لا يأكله لأنه لم يرسله هو إلا أن يدرك ذكاته *
1091 - مسألة - وكل من رمى بسهم مسموم فوجد الصيد ميتا لم يحل أكله إلا أن
كان السهم أنفذ مقاتله انفاذا كان يموت منه لو لم يكن مسموما لان ما قتل بالسم فهو ميتة
لأنه لم يأت نص بأنه ذكاة إلا أن تدرك فيه بقية روح فيذكى فيحل، وبالله تعالى التوفيق *
1092 - مسألة - وكل جارح معلم فحلال أكل ما قتل كما ذكرنا سواء علمه وثني
أو مسلم وكذلك الصيد بسهم صنعه (2) وثني أو مسلم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أرسلت
كلبك المعلم) ولم يخص عليه السلام تعليم مسلم من تعليم وثني، وهو قول أبي حنيفة. ومالك.
والشافعي. وأبي سليمان، وقال قوم: لا يؤكل صيد جارح علمه من لا يحل أكل ما ذكى *
روينا من طريق وكيع نا جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم عن علي بن أبي طالب أنه كره
صيد بازي المجوسي وصقره، وصيد المجوسي للسمك (3) كرهه أيضا * ومن طريق عبد الرزاق
عن حميد بن رومان عن الحجاج عن أبي الزبير عن جابر قال: لا تأكل صيد كلب المجوسي ولا
ما أصاب بسهمه، وقد روينا هذا أيضا من طريق سعيد بن منصور نا عتاب بن بشير انا
خصيف قال قال ابن عباس: لا تأكل ما صدت بكلب المجوسي وان سميت فإنه من تعليم المجوسي
قال الله تعالى: (تعلمونهن مما علمكم الله) وجاء هذا القول عن عطاء. ومجاهد. والنخعي.
ومحمد بن علي، وهو قول سفيان الثوري *
واحتج أهل هذه المقالة بقول الله تعالى: (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن
مما علمكم الله) قالوا: فجعل التعليم لنا *
قال على: ولا حجة لهم في هذا لان خطاب الله تعالى بأحكام الاسلام لازم لكل
أحد، وبالله تعالى التوفيق، وهذا مما خالفوا فيه الرواية عن صحابة لا يعرف لهم من
الصحابة رضي الله عنهم مخالف وبالله تعالى التوفيق *
1093 - مسألة - ومن تصيد بجارح أخذ بغير حق فلا يحل أكل ما قتل لقول
الله تعالى: (ولا تعتدوا) وهذا معتد فلا يكون التعدي ذكاة أصلا، فلو أدرك حيا،
أو نصب المرء حبالة مأخوذة بغير حق، أو رمى بآلة مأخوذة بغير حق فأدرك كل ذلك
فيه بقية حياة ذكاها وهي له حلال وعليه أجرة مثل ذلك الجارح وذلك السهم. والرمح.
وتلك الحبالة لصاحب كل ذلك لان الصيد الذي لا ملك لاحد عليه هو لمن أخذه ولم يملكه
صاحب الآلة. والحبالة. والجارح لأنه لم ينصب ذلك ولا أرسله قاصدا لتملك ما أصاب

(1) في النسخة رقم 16 (فبيناه)
(2) في نسخة (طبعه)
(3) في النسخة رقم 14 (للسمكة)
476

بذلك ولا يكون التملك لما لم يتقدم فيه ملك الأبنية، وبالله تعالى التوفيق *
1094 - مسألة - ومن وجد مع جارحه جارحا آخر أو سبعا لم يدرأيهما قتل
الصيد؟ فهو ميتة لا يحل أكله الا أن تدرك ذكاته فيذكى فيحل كما روينا من طريق أحمد
ابن شعيب أنا سويد بن نصرنا عبد الله بن المبارك عن عاصم عن الشعبي عن عدى بن حاتم
عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه (فان خالط كلبك كلابا فقتلن فلم
يأكلن فلا تأكل منه شيئا فإنك لا تدري أيها (1) قتل؟) *
1095 - مسألة - ولا يحل امساك كلب أسود بهيم (2) أوذى نقطتين (3) لا
لصيد ولا لغيره، ولا يحل تعليمه ولا أكل ما قتل من الصيد أصلا الا أن تدرك ذكاته،
ولا اتخاذ كلب سوى ذلك أصلا الا لزرع. أو ماشية. أو صيد. أو ضرورة خوف لما روينا
من طريق مسلم حدثني إسحاق بن منصور نا روح بن عبادة نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير
أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى عن قتلها وقال:
عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان) * (4) ومن طريق أحمد بن شعيب انا عمران بن
موسى نا يزيد بن زريع نا يونس بن عبيد عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم وأيما قوم
اتخذوا كلبا ليس بكلب حرث. أو صيد. أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط (5))
وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) فإذ حرم عليه السلام آنفا
الأسود البهيم أو ذي النقطتين فلا يحل اتخاذه وإذ لا يحل اتخاذه فاتخاذه معصية والذكاة
بالجارع طاعة، ولا تنوب المعصية لله (6) تعالى عن طاعته والعاصي لم يذك كما أمر فهي ميتة *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: أكره صيد الكلب الأسود
البهيم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن يونس
ابن عبيد عن الحسن انه كره صيد الكلب الأسود البهيم * ومن طريق وكيع نا سعيد
ابن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي قال: كيف نأكل صيد الكلب الأسود
البهيم وقد أمرنا بقتله؟، وهو قول أحمد بن حنبل. وإسحاق بن راهويه، قال أحمد: ما
أعلم أحدا رخص في أكل ما قتل الكلب الأسود من الصيد، وقد أدرك أحمد من أهل العلم أمما *
قال أبو محمد: سواء حيث كانت النقطتان من جسده فإن كانت نقطة واحدة أو أكثر

(1) في النسخة رقم 16 والنسخة رقم 14 (لا ندري أيهما) وما هنا موافق للنسائي ج 7 ص 180، والمعنى اي تلك الكلاب قتل
(2) هو اللون الذي لا يخالطه غيره سوادا كان أو غيه اه‍ مجمل
(3) هو الذي فوق عينيه نقطتان بيضاوان
(4) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 461 بأطول من هذا اختصه المصنف واقتصر على محل الشاهد منه
(5) هو في سنن النسائي ج 7 ص 184
(6) في النسخة رقم 16 (معصية الله)
477

من اثنتين لم يجز قتله لأنه لا يمسى في اللغة ذا نقطتين *
1096 - مسألة - ومن خرج بجارحه فأرسله وسمى ونوى ما أصاب من الصيد
فسواء فعل كل ذلك من منزله أوفى الصحراء ما أصاب في ذلك الارسال من الصيد فقتله
فأكله حلال لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أرسلت كلبك المعلم) ولم يخص وأنت ترى صيدا
من أن لا تراه * وروينا من طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن عمر بن محمد
ابن زيد عمن حدثه عن أبي هريرة قال: إن غدا بكلاب معلمة فذكر اسم الله حين يغدو كان
كل شئ صاده إلى الليل حلالا * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن خالد الحذاء
عن أبي اياس قال: إنا (كنا) (1) نخرج بكلابنا إلى الصيد فنرسلها ولا نرى شيئا فنأكل
ما أخذت (2) *
قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة: من رمى كلبا أو خنزيرا انسيا فأصاب صيدا لم يحل
أكله، فلو رمى أسدا أو ذئبا أو خنزيرا بريا فأصاب صيدا حل له أكله، فلو أرسل
جارحه على صيد بعينه فأصاب غيره حل أكله فلو أرسله على سمكة فأصاب صيدا لم يحل أكله *
قال على: هذه تخاليط لا تعقل ولا يقبل مثلها الا ممن لا يسأل عما يفعل، وكل ما ذكر
فسواء لا يحل شئ منه لأنه لم يسم الله تعالى ولا أرسل جارحه ولا سهمه على الذي أصاب فهو
غير مذكى، وبالله تعالى التوفيق *
1097 - مسألة - ولا يحل بيع كلب أصلا لا المباح اتخاذه ولاغيره لصحة نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عنه وسنذكره في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى، فمن اضطر إليه فله أخذه ممن
يستغنى عنه بلا ثمن وان لم يتمكن له فله ابتياعه والثمن حرام على البائع باق على ملك المشتري
وإنما هو كالرشوة في المظلمة. وفداء الأسير لأنه أخذ مال بالباطل، وبالله تعالى التوفيق *
(كتاب الأشربة وما يحل منها وما يحرم)
1098 - مسألة - كل شئ أسكر كثيره أحدا من الناس فالنقطة منه فما فوقها إلى
أكثر المقادير خمر حرام ملكه. وبيعه. وشربه. واستعماله على كل أحد، وعصير العنب.
ونبيذ التين. وشراب القمح. والسيكران. وعصير كل ما سواها ونقيعه. وشرابه، طبخ
كل ذلك أو لم يطبخ، ذهب أكثره أو أقله سواء في كل ما ذكرنا ولافرق، وهو قول
مالك. والشافعي. وأحمد. وأبي سليمان وغيرهم، وفى هذا اختلاف قديم وحديث بعد صحة
الاجماع على تحريم الخمر قليلها وكثيرها، فرويا عن طائفة انها قالت: شراب البسر وحده

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 16 (مما اخذت)
478

خمر محرمة * وقالت طائفة: الرطب. والبسر إذا خلطا فشرابهما خمر محرمة وكذلك التمر.
والبسر إذا خلطا * وقالت طائفة: عصير العنب إذا أسكر ونقيع الزبيب إذا أسكر ولم
يطبخا هي الخمر المحرمة (1) قليلها وكثيرها و (كل) (2) ما عدا ذلك حلال ما لم يسكر منه *
وقالت طائفة: لا خمر الا عصير العنب إذا أسكر ما لم يطبخ حتى يذهب ثلثاه فهو حرام
قليله وكثيره فإذا طبخ كذلك فليس خمرا بل هو حلال أسكر أو لم يسكر، وأما كل
شراب ما عدا عصير العنب المذكور فهو حلال أسكر أو لم يسكر كنقيع الزبيب وغيره طبخ
كل ذلك أو لم يطبخ إلا أن السكر منه حرام، وقالت طائفة: كل ما عصر من العنب. ونبيذ الزبيب.
ونبيذ التمر والرطب والبسر والزهو فلم يطبخ فكل ذلك خمر محرمة قليلها وكثيرها، فان
طبخ عصير العنب حتى ذهب ثلثاه وطبخ سائر ما ذكرنا فهو حلال أسكر أو لم يسكر إلا أن
السكر منه حرام، وكل نبيذ وعصير ما سوى ما ذكرنا فحلال أسكر أولم يسكر طبخ أو لم يطبخ
والسكر أيضا منه ليس حراما *
فأما من رأى شراب البسر وحده خمرا فروينا من طريق أحمد بن شعيب انا أحمد بن سليمان
نا يزيد (قال) (3) انا حميد عن عكرمة عن ابن عباس قال: البسر وحده حرام (4)، قال أحمد بن
شعيب: وانا أبو بكر بن علي المقدمي نا القواريري - هو عبيد الله بن عمر - نا حماد - هو ابن زيد -
نا أيوب - هو السختياني - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نبيذ البسر بحتا (5) لا يحل وروى
هذا القول أيضا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. وجابر بن زيد، وروى عن ابن عباس أنه كان يجلد
فيه كما يجلد في الخمر وما نعلم لهذا القول حجة أصلا بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ابطاله كما روينا
من طريق عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن مسلم العبدي نا أبو المتوكل عن أبي سعيد الخدري
عن النبي صلى الله عليه وسلم (من شربه منكم فليشرب كل واحد منه فردا تمرا فردا أو بسرا فردا أو زبيبا
فردا) (6)، والقول الثاني رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محارب بن دثار
قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: البسر. والرطب خمر يعنى إذا جمعا * ومن طريق أحمد
ابن شعيب انا سويد بن نصرا نا عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري. وشعبة كليهما عن محارب
ابن دثار عن جابر بن عبد الله قال: البسر. والتمر خمر (7)، وحجة هذا القول هو صحة نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن خلط البسر مع التمر أو مع الرطب *
قال أبو محمد: ولا حجة لهم في هذا الخبر لوجهين، أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن

(1) في النسخة رقم 16 (هو الخمر المحرمة)
(2) الزيادة من النسخة رقم 16 *
(3) الزيادة من سنن النسائي ج 8 ص 291
(4) في النسائي زيادة (ومع التمر حرام)
(5) في النسائي ج 8 ص 322 (بحث)
(6) هو في سنن النسائي ج 8 ص 393 مطولا اختصره المصنف، وأبو المتوكل اسمه علي بن داود
(7) هو في سنن النسائي ج 8 ص 288
479

الجمع بين غير هذه الأنواع فلا معنى لتخصيص هذه خاصة بالتحريم دون سائر ما نهنئ
عليه السلام عنه * روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج أخبرني عطاء عن
جابر قال: (ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط التمر والزبيب والبسر والرطب (1)) * ومن طريق
الليث بن سعد عن عطاء عن جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينبذ الزبيب والتمر جميعا وان
ينبذ البسر والتمر جميعا) (2) ونهى أيضا عليه السلام عن أن يجمع غير هذه كما نذكر بعد هذا
إن شاء الله تعالى *
ووجه آخر وهو ان كل محرم فليس خمرا، الدم حرام وليس خمرا، ولبن الخنزير حرام
وليس خمرا، والبول حرام وليس خمرا، فهذان اللذان نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن جمعهما
حرام وليست خمرا الا ان تسكر ولا معنى لتسميتهما إذا جمعا خمرا، (فان قيل) فقد صح عن
النبي صلى الله عليه وسلم (الزبيب والتمر هو الخمر) فما قولكم فيه قلنا: قد صح بالنص والاجماع
المتيقن إباحة التمر وإباحة الزبيب وإباحة نبيذهما غير مخلوطين كما ذكرنا آنفا وان ذلك لم
ينسخ قط، فصح ان هذا الخبر ليس على ظاهره فإذ لا شك في هذا فإنما يكون خمرا إذا جاء
نص مبين لهذه الجملة وليس ذلك الا إذا أسكر نبيذهما كما بين عليه السلام في خبر نذكره بعد
هذا إن شاء الله تعالى (ان كل مسكر خمر)، فسقط هذا القول أيضا * والقول الثالث من
تخصيص عصير العنب ونبيذ الزبيب بالتحريم ما لم يطبخا دون سائر الأنبذة والعصير
فقول صح عن أبي حنيفة، وهو الأشهر عنه الا انه لا يعتمد مقلدوه عليه ولا يشتغلون
بنصره ولا نعلم له أيضا حجة أصلا لا من قرآن. ولا من سنة. ولا رواية ضعيفة. ولا
دليل اجماع. ولاقول صاحب. ولا رأى. ولا قياس فسقط ولله الحمد * والقول الرابع
من تخصيص عصير العنب بالتحريم ما لم يطبخ فهو قول اختاره أبو جعفر الطحاوي *
واحتج من ذهب إليه بأخبار أضيفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبار عن الصحابة ودعوى اجماع،
فأما الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم فكلها لا خير فيه على ما نبين إن شاء الله تعالى، ثم لو صحت
لما كان شئ منها موافقا لهذا القول، فلاح ان ايرادهم لها تمويه محض، وكذلك الآثار
عن الصحابة رضي الله عنهم الا ان منها مالا يصح ولا يوافق ما ذهبوا إليه فايرادهم لها تمويه،
ومنها شئ يصح ويظن من لا ينعم النظر انه يوافق ما ذهبوا إليه على ما نورد إن شاء الله تعالى
ولا حجة في قول صاحب قد خالفه غيره منهم * وأما دعوى الاجماع فإنهم قالوا: قد صح
الاجماع على تحريم عصير العنب إذا أسكر واختلفت فيما عداه فلا يحرم شئ باختلاف *
قال أبو محمد: وهذا قول في غاية الفساد لأنه يبطل عليهم جمهور أقوالهم ويلزمهم ان

(1) هو في سنن النسائي ج 8 ص 290
(2) هو في سنن النسائي أيضا ج 8 ص 290
480

لا يوجبوا زكاة الا حيث أوجبها اجماع، ولا فريضة حج أو صلاة الا حيث صح الاجماع
على وجوبها، وان لا يثبتوا الربا الا حيث أجمعت الأمة على أنه ربا، ومن التزم هذا المذهب
خرج عن دين الاسلام بلا شك لوجهين *
أحدهما انه مذهب مفترى لم يأمر الله تعالى به قط ولا رسوله عليه السلام وإنما امر
الله تعالى باتباع القرآن. وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وأولي الأمر باتباع الاجماع، ولم يأمر الله
تعالى قط بأن لا يتبع الا الاجماع ولا قال تعالى قط ولا رسوله عليه السلام: لا تأخذوا مما
اختلف فيه الا ما اجمع عليه، ومن ادعى هذا فقد افترى على الله الكذب وأيت بدين مبتدع
وبالضلال المبين، إنما قال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء)
وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال تعالى: (فان تنازعتم
في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ولم يقل تعالى: فردوه
إلى الاجماع، فمن رد ما تنوزع فيه إلى الاجماع لا إلى نص القرآن والسنة فقد عصى الله تعالى
ورسوله عليه السلام، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، وأما نحن فنتبع الاجماع فيما
صح انهم أجمعوا عليه ولا نخالفه أصلا ونرد ما تنوزع فيه إلى القرآن. والسنة فنأخذ ما
فيهما وان لم يجمع علي الاخذ به وبهذا أمر الله تعالى في القرآن ورسوله صلى الله عليه وسلم
وعليه أجمع أهل الاسلام وما نعلم أحدا قال قط: لا ألتزم في شئ من الدين الا ما أجمع الناس
عليه فقد صاروا بهذا الأصل مخالفين للاجماع بلا شك *
والوجه الثاني أنه مذهب يقتضى ان لا يلتفت للقرآن (1) والسنن إذا وجد
الاختلاف في شئ من أحكامهما وليس هذا من دين الاسلام في شئ مع أنه في أكثر
الامر كذب على الأمة وقول بلا علم، وأيضا فإنهم لا يلتزمون هذا الأصل الفاسد
الا في مسائل قليلة جدا وهو مبطل لسائر مذاهبهم كلها فعاد عليهم وبالله تعالى التوفيق *
وأما الاخبار فمنها خبر صح عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها القليل منها والكثير
والمسكر من كل شراب، رويناه من طريق قاسم بن اصبغ نا أحمد بن زهير نا أبو نعيم الفضل
ابن دكين عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ولا حجة لهم
فيه لأننا رويناه من طريق أحمد بن شعيب انا الحسين بن منصور نا أحمد بن حنبل نا محمد بن جعفر
غندر نا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن أبي عباس قال: حرمت
الخمر بعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب (2)، وشعبة بلا خلاف أضبط واحفظ
من أبى نعيم، وقد روى فيه زيادة على ما روى أبو نعيم وزيادة العدل لا يحل تركها،

(1) في النسخة رقم 14 ورقم 16 (ان لا يلتفت القران)
(2) هو في سنن النسائي ج 8 ص 321
481

وليس في رواية أبى نعيم ما يمنع من تحريم غير ما ذكرنا في روايته إذا جاء بتحريمه نص صحيح،
وقد صح من طريق ابن عباس تحريم المسكر جملة، وصح عنه كما ذكرنا آنفا تحريم نبيذ البسر
بحتا فسقط تعلقهم بهذا الخبر *
ومنها خبر رويناه من طريق ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه (فانتبذوا
فيها - يعنى في الظروف - فان الظروف لا تحل شيئا ولا تحرم ولا تسكروا) (1)، وان عمر
قال له: (يا رسول الله ما قولك: كل مسكر حرام؟ قال: اشرب فإذا خفت فدع) *
وخبر من طريق أبى موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم (اشربا ولا تسكرا) وكلاهما
لا حجة لهم فيه * أما خبر ابن عباس فإنه من طريق المشمعل بن ملحان وهو مجهول عن
النضر بن عبد الرحمن خزاز (2) بصرى يكنى أبا عمر منكر الحديث ضعفه البخاري وغيره،
وقال فيه ابن معين: لا تحل الرواية عنه، ولو صح لم يكن لهم فيه حجة لان فيه النهى عن السكر
ويكون قوله: (فإذا خفت فدع) أي إذا خفت أن يكون مسكرا فسقط التعلق به *
وأما خبر أبي موسى فلا يصح لأنه من طريق شريك عن أبي إسحاق عن أبي بردة
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وشريك مدلس وضعيف فسقط، وقد رواه الثقات
بخلاف هذا كما رويناه من طريق عمرو بن دينار. وزيد بن أبي أنيسة. وشعبة بن الحجاج
كلهم عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال: كل
مسكر حرام كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة) فهذا
هو الحق الثابت لا رواية كل ضعيف. ومدلس. وكذاب. ومجهول * وخبر رويناه
عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم اشربوا في الظروف ولا تسكروا، وهذا لا يصح لأنه من رواية سماك
ابن حرب عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة (3) وسماك يقبل التلقين شهد عليه بذلك
شعبة وغيره، ثم لو صح (4) لما كانت لهم فيه حجة لأنه إنما فيه النهى عن السكر وليس فيه مانع
من تحريم ما يصح تحريمه مما لم يذكر في هذا الخبر، وقد صح تحريم كل ما أسكر كما ذكرنا من
أصح طريق ولله الحمد * وخبر من طريق سوار بن مصعب. وسعيد بن عمارة قال سوار: عن
عطية العوفي عن أبي سعيد، وقال سعيد: عن الحارث بن النعمان عن أنس، ثم اتفق أبو سعيد.
وأنس قالا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب)،
وسوار مذكور بالكذب، وعطية هالك، والحارث. وسعيد مجهولان لا يدرى من هما (5)، ثم
لو صح لم تكن فيه حجة لان رواية شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن

(1) قوله (ولا تسكروا) معطوف على قوله (فانتبذوا فيها)
(2) هو بخاء معجمة وزابين
(3) في النسخة رقم 14 (أبى برزة) وهو غلط
(4) في النسخة رقم 14 (ولو صح)
(5) هو كما قال المصنف في الجميع
482

ابن عباس التي ذكرنا آنفا زائدة على هذه الرواية، وزيادة العدل لا يجوز ردها *
وخبر روى فيه أنه عليه السلام قال لعبد القيس: (اشربوا ما طاب لكم) رويناه من
طريق ابن أبي شيبة عن ملازم بن عمرو عن عجيبة بن عبد الحميد (1) عن عمه قيس بن طلق عن
أبيه طلق بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا حجة فيه لوجوه * أولها أنه من رواية
عجيبة بن عبد الحميد وهو مجهول لا يدرى من هو، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة لان
ما طاب لنا هو ما أحل لنا كما قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) فليس في شئ
من هذا إباحة ما قد صح تحريمه * وخبر رويناه من طريق عبد الله بن عمرو بن العاصي عن
النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن الخمر والميسر والكوبة والغبيراء (2) وقال: كل مسكر حرام)
قالوا: فقد فرق عليه السلام بين الكوبة والغبيراء والخمر فليسا خمرا *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم لأنه من طريق الوليد بن عبدة وهو
مجهول، واما كونه حجة عليهم فإنه لو صح لكان عليه السلام قد ساوى بين كل ذلك في النهى والخمر
وسائر الأشربة سواء في النهى عنها وهذا خلاف قولهم، وأيضا فليس التفريق في بعض المواضع
في الذكر دليلا على أنهما شيئان متغايران فقد قال تعالى: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله.
وجبريل وميكال) فلم يكن هذا موجبا انهما عليهما السلام ليسا من الملائكة. وهكذا إذا صح ان
الخمر هي كل مسكر لم يكن ذكر الخمر والكوبة والغبيراء مانعا من أن تكون الكوبة والغبيراء
خمرا، وقد صح (ان كل مسكر خمر) وأيضا ففي آخر هذا الحديث (كل مسكر حرام) وهذا
خلاف قولهم، فما رأينا أقبح مجاهرة من احتجاجهم بما هو حجة عليهم *
وخبر رويناه (3) من طريق ابن عمر (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أتى بنبيذ فوجده شديدا
فرده فقيل: أحرام هو؟ قال: فاسترده ثم دعا بماء فصبه فيه مرتين ثم قال: إذا اغتلمت عليكم
هذه الأوعية (4) فاكسروا متونها بالماء * ومن طريق ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
مثله، وفيه انه عليه السلام قال: (إذا اشتد عليكم فاكسروه بالماء) * ومثله من طريق
أبى مسعود، وكل هذا لا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم لان خبر ابن عمر هو من طريق
عبد الملك بن نافع وعبد الملك ابن أخي القعقاع كلاهما عن ابن عمر مسندا، وكلاهما مجهول
وضعيف سواء كانا اثنين أو كانا انسانا واحدا، ثم هو عنهما من طريق أسباط بن محمد القرشي.
وليث بن أبي سليم. وقرة العجلي. والعوام وكلهم ضعيف * وأما خبرا بن عباس فهو من

(1) الذي في لسان الميزان (عجيب بن عبد الحميد)
(2) الكوبة قال في النهاية هي الترد وقيل: الطبل، وقيل بالبربط اه‍ وكذلك في الغريبين، والغبيراء ضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرذ ويسمى السكركة
(3) سقط لفظ (رويناه) من النسخة رقم 14
(4) أي إذا جاوزت حدها الذي لا يسكر إلى حدها الذي يسكر، وهو في النسائي 8 ص 324
483

طريق يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن ابن عباس ويزيد ضعيف، وقد روينا عنه في الروايات
السود خبرا موضوعا على النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه أحديتهم غيره، وقد ضعفه شعبة، وأحمد.
ويحيى * وأما خبر أبي مسعود فهو من طريق يحيى بن يمان. وعبد العزيز بن ابان وكلاهما متفق
على ضعفه، ثم لو صحت لكانت أعظم حجة عليهم لان فيها كلها ان النبي صلى الله عليه وسلم مزجه بالماء
ثم شربه وهذا لا يخلو ضرورة من أحد وجهين، اما ان لا يكون ذلك النبيذ مسكرا فهي
كلها موافقة لقولنا، وإما أن يكون مسكرا كما يقولون فإن كان مسكرا فصب الماء على المسكر عندهم لا يخرجه عندهم عن التحريم إلى التحليل ولا ينقله عن حاله أصلا إن كان قبل
صب الماء حراما فهو عندهم بعد صبه حرام وإن كان قبل صبه حلالا فهو بعد صبه حلال،
وإن كان قبله صبه مكروها فهو بعد صبه مكروه فقد خالفوها كلها وجعلوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم
الذي حققوه عليه باطلا عندهم ولغو الا معنى له، وهذا كما ترى، وإن كان صب الماء نقله عن
أن يكون مسكرا إلى أن لا يكون مسكرا فلا متعلق لهم فيه حينئذ أصلا لأنه إذا لم يكن مسكرا
فلا نخالفهم في أنه حلال فعاد عليهم جملة * وخبر من طريق أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم: (اشربوا ما طاب لكم فإذا خبث فذروه). وهذا لا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم
لأنه من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب وكلاهما ساقط، ثم لو صح
لكان حجة قاطعة عليهم لان معنى إذا خبث إذا أسكر لا يحتمل غير هذا أصلا والا
فليعرفونا ما معنى إذا خبث فذروه؟ * وخبر من طريق على عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بمكة بنبيذ
فذاقه فقطب ورده فقيل له: يا رسول الله هذا شراب أهل مكة قال: فرده فصب عليه الماء حتى
رغا قال: حرمت الخمر بعينها والسكر من كل شراب) وهذا لا حجة لهم فيه لأنه من طريق محمد
ابن الفرات الكوفي وهو ضعيف باتفاق مطرح، ثم عن الحارث وهو كذاب * ومن طريق
شعيب بن واقد (1) وهو مجهول عن قيس بن قطن ولا يدرى من هو، ثم لو صح لكان حجة
عليهم لان الكلام فيه كالكلام فيه من طريق ابن عباس وقد ذكرناه * وخبر من طريق سمرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اذن في النبيذ بعد ما نهى عنه، ولا حجة فيه لأنه من طريق المنذر أبى حسان
وهو ضعيف، ثم لو صح لكان معناه اذن في النبيذ في الظروف بعد ما نهى عنه وهذا حق وليس
فيه أنه عليه السلام نهى عن الخمر، ثم اذن فيها، وقد صح أنه عليه السلام (قال: كل مسكر
خمر) فبطل تعلقهم به ولله الحمد * وخبر عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر
حرام فقال له رجل: ان هذا الشراب إذا أكثرنا منه سكرنا قال: ليس كذلك إذا شرب
تسعة فلم يسكر لا بأس وإذا شرب العاشر فسكر فذلك حرام) وهذا لا حجة لهم فيه لأنه

(1) في النسخة رقم 16 (شعبة بن واقد) وهو غلط
484

فضيحة الدهر موضوع بلا شك رواه أبو بكر بن عياش ضعيف عن الكلبي كذاب مشهور
عن أبي صالح هالك * وخبر فيه النهى عن النبيذ في الجرار الملونة والامر بان ينبذ في السقاء
فإذا خشي فليسجه (1) بالماء، فهذا من طريق أبان وهو الرقاشي، وهو ضعيف، ثم لو صح
لما كانت لهم فيه حجة بل هو حجة عليهم لان فيه إذا خشي فليسجه بالماء، ومعناه إذا خشي ان يسكر باجماعهم معنا لا يحتمل غير هذا أصلا فإذا سج بالماء بطل اسكاره وهذا لا نخالفهم (2) فيه وليس
فيه ان بعد اسكاره يسج إنما فيه إذا خشي، وهذا بلا شك قبل ان يسكر * وخبر مرسل من
طريق سعيد بن المسيب (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: الخمر من العنب والسكر من التمر. والمزر
من الحنطة. والبتع من العسل وكل مسكر حرام والمكر والخديعة في النار، والبيع عن
تراض) * وهذا لا شئ لأنه لا حجة في مرسل، ثم هو أيضا من طريق إبراهيم بن أبي يحيى
وهو مذكور بالكذب، ثم لو صح لكان حجة عليهم لان فيه (كل مسكر حرام) وهو خلاف
قولهم وليس في قوله (إن الخمر من العنب) مانع من أن تكون من غير العنب أيضا إذا صح بذلك
نص، وقد صح قوله عليه السلام: (كل مسكر خمر) فسقط تعلقهم به *
وخبر من طريق سفيان الثوري عن علي بن بذيمة عن قيس بن حبتر النهشلي عن
ابن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت وأمر بان ينبذ في الأسقية قالوا: فان اشتد
في الأسقية يا رسول الله قال: فصبوا عليه الماء وقال لهم في الثالثة أو الرابعة: أهريقوه فان الله
حرم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام) فهذا من طريق قيس بن حبتر وهو مجهول (3)
ثم لو صح لكان أعظم حجة لنا عليهم لأنه مخالف كله لقولهم موافق لقولنا في الامر بهرقه،
وقوله: (وكل مسكر حرام) كفاية لمن كان له مسكة عقل فاعجبوا لقوم يحتجون بما هو نص
مخالف لقولهم إن الحياء ههنا لعدم! * وخبر من طريق أبى القموص (4) زيد بن علي عن
رجل من عبد القيس نحسب ان اسمه قيس بن النعمان (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشربوا في الجلد
الموكى عليه فان اشتد فاكسروه بالماء فان أعياكم فاهريقوه) أبو القموص مجهول، ثم لو
صح لكان حجة قاطعة موافقة لقولنا مفسدة لقولهم بما فيه من الامر بهرقه ان لم يقدر على
ابطال شدته بالماء * وخبر من طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية -
حدثني الجريري سعيد بن اياس عن أبي العلاء بن الشخير قال: إنتهى أمر الأشربة (ان

(1) السجاج اللبن الذي رقق بالماء ليكثر اه‍ نهاية، وقال في المجمل: بالمهملة اللبن يكثر ماؤه حتى برق،
وشجت - بالمعجمة - الشراب بالمزاج
(2) في النسخة رقم 16 (لا نخالفه)
(3) وثقه أبو زرعة والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، والحديث في سنن أبي داود ج 3 ص 382 مطولا
(4) هو بفتح القاف وضم الميم وبصاد مهملة، ووقع في النسخة رقم 14 (العموص) وفى النسخة رقم 14 (الغموس) كلامهما غلط
485

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اشربوا مالا يسفه أحلامكم ولا يذهب أموالكم) وهذا مرسل ثم لو
انسند لكان حجة لنا لأنه نهى عن النوع الذي من طبعه ان يسفه الحلم ويذهب المال
لا يحتمل غير ذلك أصلا، إذ ليس شئ منه ينفرد بذلك دون سائره * وخبر من طريق
علقمة (سألت ابن مسعود عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في المسكر؟ قال: الشربة الآخرة)، وهذا
لا حجة لهم فيه لأنه من طريق الحجاج بن أرطاة وهو هالك روينا عنه أنه كان لا يصلى مع
المسلمين في المسجد فقيل له في ذلك فقال: اكره مزاحمة البقالين لاينبل الانسان حتى يدع الصلاة
في الجماعة، وأنه أنكر السلام على المساكين، وقال: على مثل هؤلاء لا يسلم، وهذا جرح
ظاهرة، ثم الأظهر فيه أن قوله: الشربة الآخرة من قول ابن مسعود تأويل منه، وهو أيضا
فاسد من التأويل لما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى * وخبر مرسل من طريق مجاهد فيه أنه
عليه السلام شرب من نبيذ سقاية زمزم فشد وجهه، ثم صب عليه الماء مرة بعد مرة، ثم
شرب منه، وهذا لا شئ لأنه عن ابن جريج عمن لم يسمه عن مجاهد فهو مقطوع ومرسل
معا، ثم هو مخالف لقولهم كما ذكرنا من أن صب الماء لا ينقله عندهم من تحليل إلى تحريم ولا
من تحريم إلى تحليل ولا له عندهم فيه معنى، فان نقله إلى أن لا يسكر فهو قولنا في أنه حلال
إذا لم يسكر، هذا كل ما موهوا به عن النبي صلى الله عليه وسلم قد تقصيناه بأجمعه وبينا أنه لا حجة لهم
في شئ منه وان أكثر ما أوردوا حجة عليهم لنا *
وذكروا عن الصحابة رضي الله عنهم آثارا * منها عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن
قرصافة امرأة منهم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها انها قالت: اشربوا ولا تسكروا،
وسماك ضعيف وقرصافة مجهولة، ثم لو صح لما كان فيه إباحة ما أسكر * وروينا من طريق
إسرائيل بن يونس عن سماك بن حرب عن قرصافة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لها:
اشربي ولا تشربي مسكرا، فسماك عن قرصافة مرة (قال) (1) لنا عليهم ومرة لا لنا ولا لهم *
ومن طريق سمية عن عائشة أم المؤمنين قالت: إن خشيت من نبيذك فاكسره بالماء،
ولا حجة لهم في هذا لأنه إذا خشي اسكاره كسره بالماء، والثابت عن أم المؤمنين تحريم كل ما أسكر
كثيره، وعن سعيد بن ذي حدان (2) أو ابن ذي لعوة ان رجلا شرب من سطيحة لعمر
ابن الخطاب فسكر فأتى به عمر فقال: إنما شربت من سطيحتك فقال له عمر: إنما أضربك
على السكر، ابن ذي حدان أو ابن ذي لعوة مجهولان * ومن طريق أبي إسحاق السبيعي عن
عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب انه كأن يقول: إنا نشرب من هذا النبيذ شرابا يقطع
لحوم الإبل، قال عمرو بن ميمون: وشربت من شرابه فكان كأشد النبيذ، وفي بعد طرقه انا

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) ضبطه في التقريب بضم الحاء المهملة وتشديد الدال المهملة
486

لنشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا ان تؤذينا فمن رابه من شرابه شئ
فليمزجه بالماء، وهذا خبر صحيح ولا حجة لهم فيه لان النبيذ الحلو اللفيف الشديد للفته
الذي لا يسكر يقطع لحوم الإبل في الجوف، وليس في هذا الخبر ان عمر شرب من ذلك
الشراب الذي شرب منه عمرو بن ميمون، فإذ ليس فيه ذلك فلا متعلق لهم بهذا الخبر أصلا *
ومنها خبر من طريق حفص بن غياث نا الأعمش نا إبراهيم - هو النخعي - عن همام بن
الحارث ان عمر أتى بشراب من زبيب الطائف فقطب (1) وقال: إن نبيذ الطائف له عرام (2) ثم
ذكر شدة لا أحفظها ثم دعا بماء فصبه فيه ثم شرب، وهذا خبر صحيح الا أنه لا حجة لهم فيه لأنه
ليس فيه ان ذلك النبيذ كان مسكرا ولا انه كان قد اشتد وإنما فيه اخبار عمر بأن نبيذ الطائف
له عرام وشدة وانه كسر هذا بالماء ثم شربه، فالأظهر فيه ان عمر خشي ان يعرم ويشتد فتعجل
كسره بالماء، وهذا موافق لقولنا لا لقولهم أصلا، ولا يصح لهم مما ذكرنا الا هذان الخبران
فقط * وخبر رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس
ابن أبي حازم حدثني عقبة بن فرقد قال: قدمت على عمر فأتى بنبيذ قد كاد يصير خلا فقال
لي: اشرب قال: فما كدت أن أسيغه ثم أخذه عمر ثم قال لي: انا نشرب هذا النبيذ الشديد
ليقطع لحوم الإبل في بطوننا ان تؤذينا *
قال أبو محمد: ما بلغ مقاربة الخل فليس مسكرا * ومن طريق سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد
الأنصاري سمع سعيد بن المسيب يقول: إن ثقيفا تلقت عمر بشراب فلما قربه إلى فيه كرهه، ثم
كسره بالماء وقال: هكذا فافعلوا، وهذا مرسل * وخبر من طريق ابن جريج عن إسماعيل
ان رجلا عب (3) في نبيذ لعمر فسكر فلما أفاق حده، ثم أوجع النبيذ (4) بالماء فشرب منه وهذا
مرسل * وخبر من طريق ابن أبي مليكة حدثني وهب بن الأسود قال: أخذنا زبيبا فأكثرنا
منه في أداوانا وأقللنا الماء فلم نلق عمر حتى عدا طوره فأخبرناه أنه قد عدا طوره وأريناه إياه
فذاقه فوجده شديدا فكسره بالماء، ثم شرب، وهب بن الأسود لا يدرى من هو *
وخبر من طريق معمر عن الزهري ان عمر أتى بسطيحة (5) فيها نبيذ قد اشتد بعض الشدة
فذاقه، ثم قال: بخ بخ اكسره بالماء، وهذا مرسل * وخبر من طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل
- هو ابن علية - عن خالد الحذاء عن أبي المعدل ان ابن عمر قال له: ان عمر ينبذ له في خمس عشرة
قائمة فجاء فذاقه فقال: إنكم أقللتم عكره، أبو المعدل مجهول * ومن طريق ابن أبي شيبة عن عبيدة

(1) في النهاية (انه أتى بنبيذ فشمه فقطب) أي قبض ما بين عينيه كما يفعله العبوس ويخفف ويثقل اه‍
(2) العرام بضم العين المهملة - الشدة والقوة والشراسة
(3) هو الشرب بدون مص ولا تنفس
(4) أي أضعفه
(5) هو من أواني المياه ما كان من جلدين قوبل أحدهما بالآخر فسطح عليه
487

ابن حميد عن أبي مسكين عن هذيل بن شرحبيل ان عمر استسقى أهل الطائف من نبيذهم فسقوه
فقال لهم: يا معشر ثقيف انكم تشربون من هذا الشراب الشديد فأيكم رابه من شرابه شئ
فليسكره بالماء؟، وهذا لو صح حجة ظاهرة لنا (1) لأنه ليس فيه أنه شرب مسكر إبل فيه النهى عن
الشراب الشديد المريب، والامر بان يغير بالماء عن حاله تلك حتى يفارق الشدة والارابة ليس لهم
عن عمر الا هذا وكل هذا لا حجة لهم فيه لما ذكرنا قبل من أن كسر النبيذ بالماء لا ينقله عندهم من
تحريم إلى تحليل وأنه عندهم قبل كسره بالماء وبعده سواء وانه إن كان الماء يخرجه عن الاسكار
فهو حينئذ عندنا حلال فلو صحت لكان ما فيها موافقا لقولنا، وقد صح عن عمر تحريم قليل ما أسكر
كثيره على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى * وخبر من طريق على أن رجلا شرب من اداوته فسكر
فجلده على الحد، وهذا لا يصح لأنه عن شريك وهو مدلس ضعيف عن فراس عن الشعبي عن علي
والشعبي لم يسمع عليا، ثم لو صح لكان لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه ان عليا شرب من تلك
الإداوة بعد ما أسكر ما فيها فلا متعلق لهم به * وخبر من طريق هشيم عن مجالد عن الشعبي
ان رجلا سكر من طلاء (2) فضربه على الحد فقال له الرجل: إنما شربت ما أحللتم فقال
له على: إنما إنما ضربتك لأنك سكرت، وهذا منقطع ومجالد ضعيف جدا * وخبر عن أبي هريرة أنه قال: إذا أطعمك أخوك المسلم طعاما فكل وإذا سقاك شرابا فاشرب فان رابك
فاسججه (3) بالماء، وهذا خبر صحيح عنه رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان
عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، ولا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه إباحة نبيذ
المسكر لا بنص ولا بدليل، ولا إباحة ما حرم الله من المأكل كالخنزير وغيره، ولا إباحة
الخمر وإنما فيه ان لا تفتش على أخيك المسلم وان يسج النبيذ إذا خيف ان يسكر بالماء وهم
لا يقولون بهذا، وهو موافق لقولنا إذا كان الماء يحيله عن الشدة إلى ابطالها، وقد صح
عن أبي هريرة تحريم المسكر جملة * وخبر من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسماعيل
ابن خالد عن عثمان بن قيس انه خرج مع جرير بن عبد الله البجلي إلى حمام له بالعاقول (4)
فأكلوا معه ثم أوتوا بعسل وطلاء فقال: اشربوا العسل أنتم وشرب هو الطلاء، وقال:
أنه يستنكر منكم ولا يستنكر (5) منى قال: وكانت رائحته توجد من هنالك، وأشار إلى
أقصى الحلقة (6)، عثمان بن قيس مجهول * وخبر من طريق ابن مسعود قال: (ان القوم يجلسون

(1) كذا في جميع الأصول وسبق مثل هذا التركيب كثيرا، والظاهر هكذا: وهذا لو صح لكان حجة ظاهرة
لنا، والله أعلم
(2) هو بكسر الطاء والمد ما طبخ من عصير العنب
(3) سبق تفسيره ص 485
(4) لم أجد هذا اللفظ في معجم البلدان وهو موجود بلفظ العاقل بأسماء أمكنة كثيرة والله أعلم
(5) في النسخة رقم 14 (ولا ينكر منى)
(6) أبي حلقة الجلوس
488

على الشراب وهو لهم حلال فما يقومون حتى يحرم عليهم، وهذا لا حجة لهم فيه لأنه عن سعيد بن
مسروق عن شماس بن لبيد عن رجل عن ابن مسعود، شماس. ولبيد مجهولان، ورجل أجهل
وأجهل، ثم لو صح لما كان فيه دليل على قولهم، ويقال لهم: ما معناه إلا أنهم يقعدون عليه (1) قبل ان
يغلى وهو حلال فلا يقومون حتى يأخذ في الغليان فيحرم فهذه دعوى كدعوى بل هذه أصح من
دعواهم لان قولهم: ان الشراب لا يحرم أصلا وإنما يحرم المسكر وليس في هذا الحديث الا ان
الشراب نفسه يحرم فصح تأويلنا وبطل تأويلهم * وخبر من طريق أبى وائل كنا ندخل على ابن
مسعود فيسقينا نبيذا شديدا، وهذا لا يصح لأنه من طريق أبى بكر بن عياش وهو ضعيف *
وخبر عن ابن مسعود رويناه من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي
عن علقمة قال: أكلت مع ابن مسعود فأتينا بنبيذ شديد نبذته سيرين في جرة خضراء فشربوا
منه (2)، سيرين هي أم أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وهذا خبر صحيح وليس في شئ مما
أوردوا لقولهم وفاق الا هذا الخبر وحده إلا أنه يسقط تعلقهم به بثلاثة وجوه، أحدها أنه
لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني أنه قد صح عن ابن مسعود تحريم كل
ما قل أو كثر مما يسكر كثيره، وعن غيره من الصحابة أيضا فإذا اختلف قوله وخالفه غيره من
الصحابة رضي الله عنهم فليس بعضهم أولى من بعض، وهذا تنازع يجب به ما أوجبه الله تعالى
من الرد عند التنازع إلى القرآن. والسنة، والثالث أنه قد يحتمل أن يكون قول علقمة نبيذا
شديدا أي خاثرا لفيفا حلوا فهذا ممكن أيضا * وخبر عن عيسى بن أبي ليلى أنه مضى إلى أنس
فأبصر عنده طلاء شديدا، وهذا لا حجة لهم فيه لأنه عن ابن أبي ليلى وهو سئ الحفظ عن أخيه
عيسى، ويمكن أن يكون أراد بقوله شديدا أي خاثرا لفيفا، وهذا صفة الرب المطبوخ الذي
لا يسكر * وروى بعضهم عن الحسن بن علي أنه أباح المسكر ما لم يسكر منه، ولا يصح هذا عن
الحسن أصلا لأنه من رواية سماك وهو يقبل التلقين كما قلنا عن رجل لم يسمه ولا يعرف
من هو عن الحسن بن علي اشرب فإذا رهبت ان تسكر فدعه ثم لو صح لكان ظاهره اشرب الشراب ما لم يسكر فإذا رهبت ان تشربه فتسكر منه فدعه، هكذا رويناه من
طريق ابن أبي شيبة عن وكيع عن الحسن بن صالح عن سماك بن حرب عن رجل انه
سأل الحسن بن علي عن النبيذ؟ فقال: اشرب فإذا رهبت ان تسكر فدعه * وخبر عن ابن
عمر من طريق عبد الملك بن نافع قال: سألت ابن عمر عن نبيذ في سقاء لو نكهته لاخذ
منى؟ فقال: إنما البغي على من أراد البغي، ثم ذكر الحديث الذي صدرنا به عن النبي صلى الله عليه وسلم
من صبه الماء على النبيذ، وعبد الملك بن نافع قد قدمنا انه مجهول لا يدرى من هو،

(1) في النسخة رقم 14 (يجلسون عليه)
(2) أي من النبيذ وفى النسخة رقم 16 (منها) أي من الجرة وهو بعيد
489

وأيضا فليس في هذا اللفظ إباحة لشرب المسكر * ومن طريق ابن أبي شيبة عن مروان
ابن معاوية عن النضر بن مطرف عن قاسم بن عبد الرحمن عن أبيه. قال: كان عبد الله
ابن مسعود ينبذ له في جر ويجعل له فيه عكر، وهذا باطل لأنه النضر مجهول ثم هو منقطع *
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى من طريق أبى فروة أنه شرب معه نبيذ جر فيه دردى *
وعن أبي وائل مثله * وعن النخعي. والشعبي، وعن الحسن انه كان يجعل في نبيذه عكر، وقد
خالف هؤلاء ابن سيرين وابن المسيب وصح عن هؤلاء المنع من العكر وقال ابن المسيب: هو خمر *
(واخبار صحاح) وعن ابن عمر * ومنها ما رويناه من طريق البخاري نا الحسن بن الصباح
نا محمد بن سابق نا مالك بن مغول عن نافع عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال:
لقد حرمت الخمر وما بالمدينة منها شئ * وآخر من طريق عبد الرزاق عن عقيل عن
معقل ان همام بن منبه أخبره ان ابن عمر قال له: أما الخمر فحرام لا سبيل إليها وأما
ما سواها من الأشربة فكل مسكر حرام * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري
عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: شرب أخي عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب
وشرب معه أبو سروعة بن عقبة بن الحارث بمصر في خلافة عمر فسكرا فلما أصبحا
انطلقا إلى عمرو بن العاص أمير مصر فقالا له: طهرنا فانا قد سكرنا من شراب
شربناه فجلدهما عمرو بن العاص قالوا: فهذا عبد الله قد فرق بين الخمر وبين سائر الأشربة
المسكرة فلم يجعلها خمرا، وهذا أخوه عبد الرحمن وله صحبة، وأبو سروعة وله صحبة،
وعمرو بن العاص رأوا الحد في السكر من شراب شرباه، وصح عن ابن عباس ما قدمنا قبل حرمت
الخمر بعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب ففرقوا كلهم بين لا خمر وبين سائر الأشربة
المسكرة فلم يروها خمرا وراموا بهذا أن يثبتوا ان الخمر ليست الا من العنب فقط *
قال أبو محمد: وكل هذا عليهم لا لهم لان ابن عمر، وابن عباس قد أثبتا أن كل
مسكر حرام، وهذا خلاف قولهم ول يس في خبر عبد الرحمن. وأبى سروعة. وعمرو بن
العاص شئ يمكن ان يتعلقوا به، وقد يمكن أن يكونا شربا عصير عنب ظنا أنه لأي سكر فسكرا
وليس فيه شئ يدفع هذا فلم يبق لهم متعلق الا أن يقولوا: ان الخمر هي عصير العنب فقط وما سواها
فليس خمرا فهذا مكان لا منفعة لهم فيه لو صح لهم إذا ثبت تحريم كل مسكر قل أو كثر، وفى
هذا نازعناهم لافى التسمية فقط فإذ لم يبق الا هذا فقط فنحن نوجدهم عن الصحابة رضي الله عنهم
ان كل مسكر خمر، نعم وعن ابن عمر نفسه بأصح من هذه الرواية من طريق ثابتة ان

(1) دردى الزيت وغيره - بضم أوله وسكون ثانيه - الكدر
(2) في صحيح البخاري (هو ابن مغول) ج 7 ص 190
(3) الزيادة من صحيح البخاري (4) تقدم ص 481
490

الخمر من غير العنب أيضا كما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن بشر نا عبد العزيز - هو
الدراوردي - حدثني نافع عن ابن عمر قال: نزل تحريم الخمر وان بالمدينة خمسة أشربة كلها
يدعونها الخمر ما فيها خمر العنب، فهذا بيان خبرهم بما يبطل تعلقهم به، فإذا أوجدناهم هذا
فقد صح التنازع ووجب الرد للقرآن والسنة كما افترض الله تعالى علينا ان كنا مؤمنين، *
وقالوا أيضا: قد صح عن إبراهيم النخعي تحريم السكر وعصير العنب إذا أسكر وإباحة
كل ما أسكر من الأنبذة * ومن طريق ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد
قال: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى يشرب نبيذ الجر بعد أن يسكن غليانه، يزيد بن أبي زياد
ضعيف * ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن الأعمش عن الحكم عن شريح
انه كان يشرب الطلاء الشديد، وهذا يخرج على أنه لفيف جدا فلو كانت حراما ما خفى ذلك
على من سلف *
قال أبو محمد: وهذا في غاية الفساد لأنهم يقولون: بوضع الأيدي على الركب في الصلاة
وقد خفى ذلك على ابن مسعود (ابدا) (1) ويقولون: بأن يتيمم الجنب إذا لم يجد الماء وقد خفى
ذلك على عمر بن الخطاب. وابن مسعود، وقد خفى على الأنصار قول النبي صلى الله عليه وسلم (الأئمة
من قريش) حتى ذكروا به، والامر هنا يتسع، وليس كل صاحب يحيط بجميع السنن *
وقالوا أيضا: قد صح الاجماع على تكفير من لم يقل بتحريم الخمر ولا يكفر من لم يحرم
ما سواها من الأنبذة المسكرة *
قال أبو محمد: وهذا لا شئ لأنه لو وجدنا انسانا غاب عنه تحريم الخمر فلم يبلغه لما كفرناه
في احلالها حتى يبلغ إليه الامر فحينئذ ان أصر على استحلال مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر
لاقبل ذلك، وكذلك مستحل النبيذ المسكر وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريمه لا يكفر من
جهل ذلك ولم تقم عليه الحجة به، فإذا ثبت ذلك عنده وصح لديه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم
ذلك فأصر على استحلال مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر ولابد، ولا يكفر جاهل أبدا حتى يبلغه
الحكم من النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغه وثبت عنده فحينئذ يكفر ان اعتقد مخالفته عليه السلام ويفسق
ان عمل بخلافه غير معتقد لجواز ذلك، قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى
يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، وقال
تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ) *
قال أبو محمد: فسقط كل ما شغب به أهل هذه المقالة، وأيضا فإنه ليس في شئ مما أوردوا
كله أوله عن آخره ولا لفظة واحدة موافقة لقولهم: ان الخمر المحرمة ليست الا عصير

(1) الزيادة من النسخة رقم 14
491

العنب فقط دون نقيع الزبيب، وكذلك أيضا ليس في شئ منه ولا كلمة واحدة موافقة لقول
من قال: إن الخمر المحرمة ليست الانقيع الزبيب الذي لم يطبخ وعصير العنب إذا أسكر، فصح
أنهما قولان فاسدان مبتدعان خارجان عن كل أثر ثبت أو لم يثبت (1) وبالله تعالى التوفيق *
والقول الخامس هو الذي روى عن أبي حنيفة من طريق محمد بن رستم عن محمد بن الحسن
عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - وهو الذي ينصره المتأخرون من مقلديه - على أن ذلك التفسير
لا يحفظ عن أبي حنيفة وإنما هو من آرائهم الخبيثة، والمحفوظ عن أبي حنيفة هو ما ذكره محمد
ابن الحسن في الجامع الصغير في كلامه في العتق الذي بين كلامه في الكراهة وكلامه في
الوهن (2)، قال محمد: انا يعقوب عن أبي حنيفة قال: الخمر قليلها وكثيرها حرام في كتاب
الله والسكر عندنا حرام مكروه ونقيع الزبيب عندنا إذا اشتد وغلى عندنا حرام مكروه والطلاء
ما زاد على ما ذهب ثلثاه وبقى ثلثه فهو مكروه وما سوى ذلك من الأشربة فلا بأس به، وكان
يكره دردى الخمر ان يشرب وان تمتشط به المرأة ولا يحد من شربه إلا أن يسكر فان سكر حد *
هذا نص كلامهم هنالك ودردى الخمر هو العكر الذي يعقد منها في قاع الدن وهو خمر بلا
شك فاعجبوا لهذا الهوس!، وأما رواية محمد بن رستم عن محمد بن الحسن فإنما هي قال محمد:
قال أبو حنيفة: الأنبذة كلها حلال الا أربعة أشياء الخمر والمطبوخ إذا لم يذهب ثلثاه وبقى
ثلثه. ونقيع التمر فإنه السكر، ونقيع الزبيب ولا خلاف عن أبي حنيفة في أن نقيع الدوشات
عنده حلال وان أسكر، وكذلك نقيع الرب وان أسكر، والدوشات من التمر، والرب
من العنب، وقال أبو يوسف: كل شراب من الأنبذة يزداد جودة على الترك فهو مكروه والا
أجيز بيعه ووقته عشرة أيام فإذا بقي أكثر من عشرة أيام فهو مكروه فإن كان في عشرة أيام
فأقل بلا بأس به، وهو قول محمد بن الحسن هذا كلامهم في الأصل الكبير، ثم رجع أبو يوسف
إلى قول أبي حنيفة، وقال محمد بن الحسن: ما أسكر كثيره مما عدا الخمر أكرهه ولا أحرمه
فان صلى انسان وفى ثبوته منه أكثر من قدر الدرهم البغلي بطلت صلاته وأعادها أبدا فاعجبوا
لهذه السخافات، لئن كان تعاد منه الصلاة ابدا فهو نجس فكيف يبيح شرب النجس؟ ولئن كان
حلالا فلم تعاد الصلاة من الحلا؟ ونعوذ بالله من الخذلان *
قال أبو محمد: فأول فساد هذه الأقوال انها كلها أقوال ليس في القرآن شئ يوافقها ولا في
شئ من السنن، ولا في شئ من الروايات الضعيفة، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم
ولا صحيح ولاغير صحيح، ولا عن أحد من التابعين ولاعن أحد من خلق الله تعالى قبل أبي حنيفة
ولا أحد قبل أبى يوسف في تحديده عشرة الأيام فيا لعظيم مصيبة هؤلاء القوم في

(1) قوله (أولم يثبت) سقط من النسخة رقم 14
(2) في النسخة رقم 16 (وكلامهم في الرهن) فليتثبت
492

أنفسهم إذ يشرعون الشرائع في الايجاب والتحريم والتحليل من ذوات أنفسهم ثم باسخف
قول وابعده عن المعقول *
قال على: وبقى مما موه به مقلدو أبي حنيفة أشياء نوردها إن شاء الله تعالى ونذكر بعون الله
تعالى فسادها ثم نعقب بالسنن الثابتة في هذه المسألة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم *
قال على: قالوا: قال الله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا
ورزقا حسنا)، وقال تعالى: (كلوا واشربوا) فاقتضى هذا إباحة كل مأكول ومشروب
فلا يحرم بعد هذا الا ما أجمع عليه أو جاء من مجئ التواتر لأنه زائد على ما في القرآن *
قال أبو محمد: ومن هنا بدءوا بالتناقض وما خلفناهم قط لا نحن ولا أحد من المسلمين في
أنه لم يحرم الخمر. ولا الخنزير. ولا الميتة حتى نزل تحريم كل ذلك فلما نزل التريم حرم ما نزل
تحريمه وهو أول من حرم نبيذ ثم النخيل بخبر من أخبار الآحاد غير مجمع عليه ولا منقول
نقل التواتر، ثم قالوا: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة)
فالخمر لا تكون الا منهما هذا كل ما موهوا به، ولا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم قاطعة،
وهذا خبر رويناه من طريق كلها ترجع إلى الأوزاعي. ويحيى بن أبي كثير قالا جميعا: نا
أبو كثير أنه سمع أبا هريرة يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخمر من هاتين الشجرتين النخلة
والعنبة)، أبو كثير اسمه يزيد بن عبد الرحمن *
قال على: فافترقوا في خلافه على وجهين، فأما الطحاوي فإنه قال: ليس ذكره عليه السلام
النخلة مع العنبة بموجب أن يكون الخمر من النخلة بل الخمر من العنبة فقط قال: وهذا مثل
قول الله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج
منهما اللؤلؤ والمرجان) قال: فإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من أحدهما. قال: ومثل قوله تعالى:
(يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) قال: وإنما الرسل من الانس لامن الجن *
قال أبو محمد: صدق الله وكذب الطحاوي وكذب من أخبره بما ذكر بل اللؤلؤ والمرجان
خارجان من البحرين اللذين بينهما البرزخ فلا يبغيان، ولقد جاءت الجن رسل منهم بيقين لأنهم
بنص القرآن متعبدون موعودون بالجنة والنار، وقد صح ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج
نا قتيبة نا إسماعيل - هو ابن جعفر - عن العلاء - هو ابن عبد الرحمن - عن أبيه عن أبي هريرة
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضلت على الأنبياء بست) فذكر منها (وأرسلت إلى الخلق
كافة) (1) * ومن طريق البخاري نا محمد بن سنان العوفي نا هشيم انا سيار نا يزيد - (هو
ابن صهيب) - (2) الفقير انا جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت

(1) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 147
(2) الزيادة من صحيح البخاري ج 1 ص 149
493

خمسا لم يعطهن أحد قبلي) فذكر فيها (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى
الناس عامة) * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد
كليهما (1) عن أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت أربعا لم يعطها نبي قبلي أرسلت
إلى كل أحمر وأسود) وذكر باقي الخبر، فصح بنقل التواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث
وحده إلى الجن والإنس وانه لم يبعث نبي قبله قط الا إلى قومه خاصة، وقال تعالى:
(وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون)، وقال تعالى: (وما كنا معذبين حتى
نبعث رسولا). فصح يقينا أنهم مذ خلقوا مأمورون بعبادة الله تعالى، وصح بما
ذكرنا من السنن القاطعة انه لم يبعث إليهم نبي من الانس قبل محمد عليه السلام، والجن
ليسوا قوم أحد من الانس فصح يقينا انهم بعث إليهم أنبياء منهم، وبطل تخليط
الطحاوي بالباطل الذي رام به دفع الحق، وقال أيضا: وهذا مثل حديث عبادة بن
الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا
تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف
فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن
أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله ان شاء عاقبه وان شاء عفا عنه) قال: وإنما الكفارة
والعفو فيما دون الشكر لافى الشرك وقد ذكر مع سائر ذلك *
قال أبو محمد: وهذا جهل منه شديد لان الكفارات في القرآن. والسنن تنقسم أربعة أقسام
، أحدها كفارة عبادة بغير ذنب أصلا قال تعالى: (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وقد
يكون الحنث أفضل من التمادي على اليمين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انى لا أحلف على يمين فأرى
غيرها خيرا منها الا أتيت الذي هو خير وكفرت) أو كما قال عليه السلام، فقد نص عليه السلام
(على) (2) ان الحنث وفيه الكفارة قد يكون خيرا من الوفاء باليمين، والثاني كفارة بلا ذنب
باق لكن لذنب قد تقدم غفران الله تعالى له كالحد يقام على التائب من الزنا، والثالث كفارة
لذنب لم يتب منه صاحبه فترفعه الكفارة كحد الزاني والسارق اللذين لم يتوبا، والرابع كفارة
على ذنب لم يتب منه صاحبه ولا رفعته الكفارة ولا حطته كالعائد إلى قتل الصيد في الحرم
عمد امرة بعد مرة قال تعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن
عاد فينتقم الله منه)، فهذه نقمة متوعد بها مع وجوب الكفارة عليه، فالكفارة المذكورة في حديث
عبادة على عمومها إما مسقطة للذنب وعقوبته في الآخرة في الزنا والقتل. والبهتان المفترى

(1) في النسخة رقم 16 (كلاهما)
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
494

والمعصية في المعروف، وإما غير مسقطة للذنب، وعقوبته في الآخرة، وهي قتل المشرك
على شركه، وأما قوله عليه السلام: (ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله
ان شاء عاقبه وان شاء عفا عنه) فليت شعري كيف خفى عليه ان هذا على عمومه؟ وان
الملائكة. والرسل. والأنبياء. والصالحين. والفساق. والكفار. وإبليس. وفرعون. وأبا جهل
وأبا لهب كلهم في مشيئة الله تعالى يفعل فيهم ما يشاء من عقوبة أو عفو الا انه تعالى قد
بين انه يعقاب الكفار ولابد. وإبليس. وأبا لهب. وأبا جهل. وفرعون ولابد، ويرضى
عن الملائكة. والرسل. والأنبياء. والصالحين ولابد، وكلهم في المشيئة ولا يخرج شئ
من ذلك عن مشيئة الله تعالى من عاقبه الله تعالى فقد شاء ان يعاقبه ومن أدخله الجنة
فقد شاء ان يدخله الجنة، اما علم الجاهل ان الله تعالى لو شاء ان يعذب الملائكة والرسل
وينعم الكفار لما منعه من ذلك مانع لكنه تعالى لم يشأ ذلك، أما سمع قوله تعالى: (يغفر
لمن يشاء ويعذب من يشاء) وقوله تعالى: (ان الله يغفر الذنوب جميعا) ثم استثنى الشرك
جملة أبدية، ومن رجحت كبائره وسيئاته حتى يخرجوا بالشفاعة، أما عقل ان قوله عليه
السلام: (ان شاء عاقبه وان شاء عفا عنه) ليس فيه ايجاب لأحدهما ولابد، وان ذلك مردود إلى
سائر النصوص فهل في الضلال أشنع ممن جعل قول النبي صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين
الشجرتين النخلة والعنبة على غير الحقيقة؟ بل على التدليس في الدين، وإلا فأي وجه لان يريد
ان يبين علينا ما حرم علينا من أن الخمر من العنب فقط فيقحم في ذلك النخلة وهي لا تكون
الخمر منها؟ هل هذا الا فعل الفساق والملغزين في الدين العابثين في كلامهم؟ فسحقا فسحقا
لكل هوى يحمل على أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا مما يترفع عنه كل مجد
لا يرضى بالكذب وسيردون ونرد ويعلمون ونعلم، والله لتطولن الندامة على مثل هذه
العظائم والحمد لله على هداه لنا كثيرا، فما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وهل بين ما حمل
عليه الطحاوي، قوله عليه السلام: (الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة) من أنه إنما
أراد العنبة فقط لا النخلة فذكر النخلة؟ لا ندري لما ذا فرق بينه وبين قول فاسق يقول: الكذب
من هذين الرجلين محمد ومسيلمة؟ فتأملوا ما حمله عليه الطحاوي وهذا القول تجدوه سواء
سواء، فتحكم الطحاوي بالباطل في هذا الخبر كما ترون وتحكم أصحابه فيه أيضا بباطلين آخرين *
أحدهما انهم قالوا: ليس الخمر من غيرهما وليس هذا في الخبر أصلا لان النبي
صلى الله عليه وسلم لم يقل: ليس الخمر الا من هاتين الشجرتين إنما قال: (الخمر من
هاتين الشجرتين) فأوجب ان الخمر منهما ولم يمنع أن تكون الخمر أيضا من غيرهما
ان ورد بذلك نص صحيح بل قد جاء نص بذلك كما روينا من طريق أبى داود نا مالك بن
495

عبد الواحد المسمعي نا المعتمر - هو ابن سليمان - (قال) (1) قرأت على الفضيل (بن ميسرة) (2)
عن أبي حريز قال: إن الشعبي حدثه ان النعمان (بن بشير) (3) حدثه قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الخمر من العصير. والزبيب. والتمر. والحنطة. والشعير. والذرة، وانى
أنهاكم عن كل مسكر. أبو حريز - هو عبد الله بن الحسين - قاضى سجستان (4) روى عن
عكرمة. والشعبي، وروى عنه الفضل بن ميسرة وغيره، فهذا نص كنصهم وزائد عليه
ما لا يحل تركه، وقد صح عنه عليه السلام أنه قال: (كل مسكر خمر) *
والثاني انهم قالوا: ليس ما طبخ من عصير العنب ونبيذ ثمر النخل إذا ذهب ثلثاه خمرا
وان أسكر، فتحكموا في الخبر الذي أو هموا انهم تعلقوا به (5) تحكما ظاهر الفساد بلا برهان
وبطل تعلقهم به إذ خالفوا ما فيه بغير نص آخر وخرج عن أن يكون لهم في شئ من جميع
ذلك متعلق (6) أو من الناس سلف، وبالله تعالى التوفيق *
وموهوا في إباحة ما طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه من عصير العنب أسكر بعد ذلك
أولم يسكر بروايات * منها ما روينا من طرق ثابتة إلى إبراهيم عن سويد بن غفلة قال:
كتب عمر إلى عماله ان يرزقوا الناس الطلاء ذهب ثلثاه وبقى ثلثه (7) * وأخرى من
طريق الشعبي عن حيان الأسدي انه رأى عمارا قد شرب من العصير ما طبخ حتى ذهب
ثلثاه وبقى ثلثه وسقاه من حوله * ومن طريق قتادة ان أبا عبيدة بن الجراح. ومعاذ بن جبل
كانا يشربان الطلاء ما طبخ حتى ذهب ثلثاه * وعن أبي الدرداء. وأبي موسى مثل ذلك (8) *
وعن علي أنه أنه كان يرزق الناس طلاء يقع فيه الذباب فلا يستطيع ان يخرج منه (9) *
وعن جماعة من التابعين مثل هذا *
واحتجوا في هذا بخبر عن ابن سيرين في مقاسمة نوح عليه السلام إبليس الزرجون لإبليس
الثلثان ولنوح الثلث * ومن طريق أنس بن مالك مثل هذا (10) *
قال أبو محمد: لم يدرك أنس ولا ابن سيرين نوحا بلا شك ولا ندري ممن سمعاه ولو سمعه
أنس من النبي صلى الله عليه وسلم ما استحل كتمان اسمه فسقط الاحتجاج بهذا، ولو صح هذا لكان متى

(1) الزيادة من سنن أبي داود ج 3 ص 367
(2) الزيادة من سنن أبي داود
(3) الزيادة من سنن أبي داود
(4) قال الحافظ المنذري: في اسناده أبو حريز عبد الله بن الحسين الأزدي الكوفي قاضى سجستان وثقه يحيى بن معين وأبو زرعة الرازي واستشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد، وقد اخرج البخاري ومسلم في الصحيحين (ان عمر رضي الله عنه خطب على منبر
رسول الله صلى الله وسلم فقال إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء من العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل) الحديث
(5) في النسخة رقم 14 (انهم به تعلقوا)
(6) في النسخة رقم 16 من الاخبار متعلق)
(7) هو في سنن النسائي ج 8 ص 329
(8) هما في سنن النسائي ج 8 ص 330
(9) هو في سنن النسائي ج 8 ص 329
(10) هو في سنن النسائي ج 8 ص 320
496

أهرق من العصير ثلثاه حل باقيه فلا فرق بين ذهاب ثلثيه بالطبخ وبين ذهابهما بالهرق وإنما المراعى
السكر فقط كما حد النبي صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، أول ذلك أنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا يحد الحدود في الديانة بالتحليل والتحريم أحد سواه، والثاني أنه قد جاء عن طائفة من
الصحابة غير هذا كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن فضيل. وعبد الرحيم بن سليمان.
ووكيع. ويحيى بن يمان قال ابن فضيل: عن حبيب بن أبي عمرة عن عدى بن ثابت
عن البراء بن عازب، وقال عبد الرحيم: عن عبيدة عن خيثمة (1) عن أنس بن
مالك، وقال يحيى بن يمان: عن أشعث عن جعفر بن أبزى، وقال وكيع: عن طلحة بن
جبر وجرير بن أيوب قال طلحة: رأيت أبا جحيفة السوائي، وقال جرير: عن أبي
زرعة بن عمرو بن جرير ان جرير بن عبد الله البجلي ثم اتفق عن البراء. وأنس. وأبى
جحيفة. وجرير بن عبد الله. وابن أبزى أنهم كانوا يشربون الطلاء على النصف *
وبه إلى ابن أب شيبة عن ابن فضيل. ووكيع. وعبد الرحيم بن سليمان، قال
ابن فضيل: عن دينار الأعرج عن سعيد بن جبير انه شرب الطلاء على النصف، وقال
ابن فضيل أيضا: عن الأعمش عن يحيى انه شرب الطلاء على النصف، وقال وكيع عن
الأعمش عن منذر الثوري عن ابن الحنيفة: انه كان يشرب الطلاء على النصف، وقال
الأعمش عن الحكم: ان شريحا كان يشرب الطلاء على النصف، وقال الأعمش: وكان
إبراهيم يشربه على النصف، وصح أيضا قيس بن أبي حازم، وروى عن الشعبي. وأبى
بعض؟!، والثالث قد خالفوا عمر. وعليا روينا من طريق قتادة أن عمر قال: لان
أشرب قمقما (2) محمى أحرق ما أحرق وأبقى ما أبقى أحب إلى من أن أشرب نبيذ
الجر (فان قالوا): لم يدرك قتادة عمر قلنا: ولا أدرك معاذا ولا أبا عبيدة *
ومن طريق سعيد بن منصور نا المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه أن أبا إسحاق السبيعي قال:
إن عليا لما بلغه في نبيذ شربه انه نبيذ جر تقياه، والرابع انه ليس في شئ مما ذكرنا انه كان
مسكرا بل قد صح انه لم يكن مسكرا كما ذكرنا في خبر على أن الذباب كان يقع فيه فلا
يستطيع الخروج منه (3) * ورويناه من طريق حصين عن ابن أبي ليلى عن الشعبي ان

(1) في النسخة رقم 14 (عن عبيدة بن خيثمة)
(2) هو بضم القافين بينهما ميم ساكنة - ما يسخن فيه الماء من نحاس وغيره ويكون ضيق الرأس، أراد شرب ما يكون فيه من الماء الحار، وفى النسخة رقم 16 (قمحا) بحاء
مهملة في اخره وهو غلط
(3) هو في سنن النسائي ج 8 ص 329
497

عمر كتب إلى عمار بن ياسر أنى أتيت بشراب قد طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه فذهب
منه شيطانه وريح جنونه وبقى طيبه وحلاله فمر المسلمين قبلك فليتوسعوا به في شرابهم،
فبطل تعلقهم بشئ من ذلك، والعجب أنهم يحتجون في ابطال تحريم النبي صلى الله عليه وسلم التمر
والزبيب مخلوطين في النبيذ! بان قالوا: لو شرب هذا ثم هذا أكان يحرم ذلك عليه؟ فلا فرق
بين خلطهما قبل شربهما وبين خلطهما في جوفه فقلنا: لا يحل ان يعارض الله تعالى ولا النبي صلى الله عليه وسلم
بمثل هذا لكن تعارضون أنتم في بدعتكم هذه المضلة بان نقول لكم: أرأيتم العصير إذا أسكر
قبل ان يطبخ، ثم طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه أيحل عندكم؟ فمن قولهم: لا فنقول لهم: فما
الفرق بين طبخه بعد ان يسكر وبين طبخه قبل أن يسكر والسكر حاصل فيه في كلا الوجهين؟ فإذا
أبطل الطبخ تحريمه إذا أسكر بعده كذلك يبطل تحريمه إذا أسكر قبله، وهذا أصح في المعارضة *
والوجه الثالث أنه قد صح عن عمر وغير عمر أنهم لم يراعوا ثلثين ولا ثلثا كما روينا من
طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن أسلم مولى
عمر قال: قدمنا الجابية مع عمر فأتينا بالطلاء وهو مثل عقد الرب إنما يخاض بالمخوض
خوضا فقال عمر بن الخطاب: ان في هذا الشرابا ما انتهى إليه * ومن طريق أحمد بن شعيب انا
سويد بن نصر انا عبد الله - هو ابن المبارك - عن ابن جريج قراءة أخبرني عطاء قال: سمعت
ابن عباس يقول: والله ما تحل النار شيئا ولا تحرمه قال: ثم فسر لي قوله: لا تحل النار شيئا
لقولهم في الطلاء (ولا تحرمه) (1) *
قال أبو محمد: وهذا هو الحق الذي لا يصح (2) عن أحد من الصحابة سواه، وصح عن طاوس
أنه سئل عن الطلاء؟ فقال: أرأيت الذي مثل العسل تأكله بالخبز وتصب عليه الماء فتشربه؟
عليك به ولا تقرب ما دونه ولا تشتره ولا تسقه ولا تبعه ولا تستعن بثمنه فإنما راعى عمر.
وعلى. وابن عباس ما لا يسكر فأحلوه، وما يسكر فحرموه، وقد صح عندنا أن بحبال رية (3)
أعنابا إذا طبخ عصيرها فنقص منه الربع صار ربا خاثرا لا يسكر بعدها كالعسل فهذا
حلال بلا شك، وشاهد نا بالجزائر أعنابا رميلة تطبخ حتى تذهب ثلاثة أرباعها وهي
بعد خمر مسكرة كما كانت فهذا حرام بلا شك، وبالله تعالى التوفيق *
فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها بالبراهين التي أوردنا وخرج قول أبي حنيفة وأصحابه
عن أن يكون لهم متعلق بشئ من النصوص ولا برواية سقيمة. لا في مسند. ولا في مرسل.
ولا عن صاحب. ولاعن تابع. ولا كان لهم سلف من الأمة يعرف أصلا قبلهم فلنأت بعون

(1) الزيادة من سنن النسائي ج 8 ص 331 أي رد لقولهم: (في الطلا انه يحل إذا ذهب ثلثاه)
(2) في النسخة اليمنية (لا يحل) وليس بشئ
(3) بفتح أوله وتشديد ثانيه كورة واسعة بالأندلس متصلة بالجزيرة الخضراء وهي قبلي قرطبة اه‍ ياقوت
498

الله تعالى بالبراهين على صحة قولنا في ذلك *
روينا من طريق مالك. وسفيان بن عيينة كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد
الرحمن بن عوف عن عائشة أم المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل شراب أسكر
فهو حرام) (1) هذا لفظ سفيان، ولفظ مالك (سئل عن البتع؟ فقال: كل شراب أسكر
(فهو) (2) حرام) *
ومن طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن عائشة أم المؤمنين قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع؟ فقال: كل شراب أسكر
فهو حرام) والبتع من العسل فلو لم يكن الا هذا الخبر في صحة اسناده (3)، وقد نص عليه
السلام إذ سئل عن شراب العسل انه إذا أسكر حرام، وهذا خلاف قول هؤلاء المحرومين
ان شراب العسل المسكر حلال والسكر منه حلال، نعوذ بالله العظيم من مثل ضلالهم *
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان. وأبى داود الطيالسي قال يحيى: عن محمد بن عمرو
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة * وقال أبو داود عن شعبة عن سعيد بن أبي
بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري، ثم اتفق أبو هريرة وأبو موسى الأشعري كلاهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قال: كل مسكر حرام) * ومن طريق وكيع عن شعبة عن سعيد بن أبي
بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ بن جبل إلى اليمن
فقلت: يا رسول الله ان شرابا يصنع بأرضنا يقال له: المزر من الشعير وشرابا يقال له:
البتع من العسل فقال: كل مسكر حرام) * وهكذا رواه أيضا خالد عن عاصم بن
كليب عن أبي بردة. وعمر بن دينار عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي
موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم * ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن عبد الله
ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإياكم وكل مسكر) * ومن طريق
عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عمر خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال له رجل:
يا رسول الله أرأيت المزر؟ قال: وما المزر؟ قال: حبة تصنع باليمين قال: تسكر؟ قال:
نعم قال: كل مسكر حرام) * ومن طريق أيوب السختياني. وموسى بن عقبة. وابن
عجلان كلهم عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قال: كل مسكر خمر وكل مسكر
حرام)، ورواه عن أيوب حماد بن زيد، ورواه عن حماد عبد الرحمن بن مهدي. ويونس
ابن محمد. وأبو الربيع العتكي. وأبو كامل، ورواه عن موسى بن عقبة ابن جريج، ورواه

(1) هو في صحيح البخاري ج 1 ص 117 وفى صحيح مسلم ج 2 ص 130
(2) الزيادة من النسخة اليمنية وهي موافقة لما في الموطأ ج 2 ص 56، وصحيح مسلم ج 2 ص 130
(3) جواب لو محذوف تقديره (لكفى)
499

عن هؤلاء من شئت * ومن طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن
عبد الله اليزنى - هو أبو الخير - عن ديلم - هو ابن الهوشع (1) الحميري - قال: قلت: (يا رسول الله
انا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا وانا نتخذ من هذا القمح شرابا نتقوى به
على أعمالنا وعلى برد بلادنا فقال: هل يسكر؟ قلت: نعم قال: فاجتنبوه قلت: فان
الناس عندنا غير تاركيه قال: فإن لم يتركوه قاتلوهم) * ومن طريق أحمد بن عمرو بن
عبد الخالق البزار عن علي بن الحسين الدرهمي نا أنس بن عياض - هو ابن ضمرة - (2) نا موسى
ابن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله
حرام) * ومن طريق قاسم بن اصبغ نا إسحاق بن الحسن الحربي نا زكريا بن عدي نا الوليد
ابن كثير بن سنان المزني حدثني الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر
ابن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره) *
ومن طريق أبى داود السجستاني. وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز - هو ابن بنت منيع -
البغوي قال أبو داود: نا قتيبة وقال عبد الله: نا أحمد بن حنبل نا سليمان بن داود الهاشمي، ثم اتفق
قتيبة. وسليمان قالا جميعا: نا إسماعيل - هو ابن جعفر - نا داود بن بكر - هو ابن أبي الفرات -
نا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله
حرام) (3) * وروينا أيضا من طريق القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم *
فهذه الآثار المتظاهرة الثابتة الصحاح المتواترة عن أم المؤمنين. وأبي هريرة. وأبي موسى.
وابن عمر. وسعد بن أبي وقاص. وجابر بن عبد الله. والنعمان بن بشير. والديلم بن الهوشع (4)
كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يحتمل التأويل ولا يقدر فيه على حيلة بل بالنص على تحريم الشراب
نفسه إذا أسكر وتحريم شراب العسل. وشراب الشعير. وشراب القمح إذا أسكر وشراب
الذرة إذا أسكر. وتحريم القليل من كل ما أسكر كثيره بخلاف ما يقول من خذله الله تعالى
وحرمه التوفيق * وقد روينا أيضا من طريق عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى
الله عليه وسلم النهى عن قليل ما أسكر كثيره وهم يوثقونها إذا وافقت أهواءهم * وجلح (5)
بعضهم بعدم الحياء في بعض هذه الآثار وهو قوله عليه السلام: (كل مسكر حرام) فقال: إن
ما عنى الكأس الأخير الذي يكسر منه *

(1) في النسخة رقم 14 (هو ابن الهرسع) وهو تصحيف
(2) قال في تهذيب التهذيب ج 1 ص 375: (انس بن عياض بن ضمرة، وقيل: جعدبة، وقيل: عبد الرحمن أبو ضمرة الليثي المدني) اه‍ وفى النسخة رقم 14 (نا أنس بن عياض هو أبو ضمرة)
(3) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 368، وهو في المسند ج 3 ص 342
(4) في النسخة رقم 14 ابن الهرسع)، وفى النسخة رقم 16 (ابن الربيع) وكلاهما خطأ
(5) أي كابر وجاهر
500

قال أبو محمد: وهذا في غاية الفساد من وجوه * أحدها أنه دعوى كاذبة بلا دليل
وافتراء على رسوله الله صلى الله عليه وسلم بالباطل. وتقويل له ما لم يقله عن نفسه ولا أخبر به عن
مراده، وهذا يوجب النار لفاعله * وثانيها انهم لا يقولون بذلك في شراب العسل. والحنطة.
والشعير. والتفاح. والإجاص والكمثرى. والقراسيا والرمان: والدخن وسائر الأشربة
إنما يقولونه في مطبوخ التمر. والزبيب. والعصير فقط فلاح خلافهم للنبي صلى الله عليه وسلم جهارا *
والثالث أنه تأويل أحمق وتخريج سخيف قد نزه الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أن يريده
بل قد نزه الله تعالى كل ذي مسكة عقل عن أن يقوله لأننا نسألهم أي ذلك هو المحرم عندكم؟
الكأس الآخرة أم الجرعة الآخرة أم آخر نقطة تلج حلقه؟ (فان قالوا): الكأس
الآخرة قلنا لهم: قد يكون من أوقية وقد يكون من أربعة أرطال وأكثر فما بين ذلك، وقد
لا يكون هنالك كأس بل يضع الشريب فاه في الكوز فلا يقلعه عن فمه حتى يسكر، فظهر
بطلان قولهم في الكأس (فان قالوا): الجرعة الآخرة قلنا: والجرع تتفاضل فتكون منها
الصغيرة جدا وتكون منها ملء الحلق فأي ذلك هو الحرام؟ وأيه هو الحلال؟ فظهر فساد
قولهم في الجرعة أيضا، (فان قالوا): آخر نقطة قلنا: النقط تتفاضل فمنها كبير ومنها صغير
حتى نردهم إلى مقدار الصوابة ويحصلوا في نصاب من يسخر بهم ويتطايب بأخبارهم، فإن لم
يحدوا في ذلك حدا كانوا قد نسبوا إلى الله تعالى أنه حرم علينا مقدار اما فصله عما أحل وذلك
المقدار لا يعرفه أحد وهذا تكليف مالا يطاق وتحريم ما لا يمكن ان يدرى ما هو وحاشا لله
من هذا، (فان قالوا): أنتم تحرمون الاكثار المهلك أو المؤذى من الطعام والشراب
فحدوه لنا قلنا: نعم هو ما زاد على الشبع والري المحسوسين بالطبيعة اللذين يميزهما كل أحد من
نفسه حتى الطفل الرضيع. والبهيمة، فان كل ذي عقل إذا بلغ شبعه قطع (1) الا القاصد
إلى اذى نفسه واتباع شهوته فكيف و الأحاديث التي ذكرنا لا تحتمل البتة هذا التأويل الفاسد؟
لان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شراب أسكر حرام) إشارة إلى عين الشراب قبل ان يشرب
لا إلى آخر شئ منه (2)، وأيضا فان الكأس الأخيرة المسكرة عندهم ليست هي التي أسكرت
الشارب بالضرورة يدرى هذا بل هي وكل ما شرب قبلها، وقد يشرب الانسان فلا يسكر
فان خرج إلى الريح حدث له السكر وكذلك ان حرك رأسه حركة قوية فأي أجزاء شرابه
هو الحرام حينئذ، وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: ونقول لهم: إذا قلتم: ان الكأس الأخيرة هي المسكرة فاخبرونا متى صارت
حراما مسكرة؟ أقبل شربه لها أم بعد شربه لها أم في حال شربه لها؟ ولا سبيل إلى قسم رابع،

(1) في النسخة رقم 14 (كل ذي غذاء إذا بلغ الشبع قطع)
(2) في النسخة رقم 14 (لا إلى جز منه)
501

(فان قالوا): بعد ان شربها قلنا: هذا باطل لأنها إذا لم تحرم الا بعد شربه لها فقد كانت
حلالا حين شربه لها وقبل شربه لها، ومن الباطل المحال الذي لا يقوله مسلم أن يكون شئ حلالا
شربه فإذا صار في بطنه صار حراما شربه هذا كلام أحمق وسخف وهذر لا يعقل، (فان قالوا):
بل صارت حراما حين شربه لها قلنا: إنها لاحظ لها في اسكاره الا بعد شربه لها، وأما في حين
شربه لها فليست مسكرة الا بمعنى أنها ستسكره، وهذا المعنى موجود فيها وهي في دنها فلا
فرق بينها في حين شربه لها وبينها قبل ذلك أصلا، (فان قالوا): بل قبل ان يشربها قلنا: فقولوا
بتحريم الاناء الذي كانت فيه وبتنجيسه وبتحريم كل ما كان فيه من الشراب وبتنجيسه لأنه
قد خالطه حرام نجس عندكم وهو لا يقولون بهذا، فظهر فساد قولهم من كل وجه، وبالله
تعالى التوفيق *
وهو قول السلف كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا يحيى بن سعيد التيمي (1)
حدثني أبي عن مريم بنت طارق أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول لنساء عندها: ما أسكر
إحداكن فلتجتنبه وإن كان ماء حبها (محلها) (2) فان كل مسكر حرام *
ومن طريق عبد الله بن المبارك عن علي بن المبارك حدثني كريمة بنت همام أنه سمعت أم
المؤمنين عائشة تقول: نهيتم عن الدباء نهيتم عن الحنتم نهيتم عن المزفت (ثم أقبلت على النساء
فقالت) (3) إياكن والجر الأخضر وان أسكركن ماء حبكن فلا تشربنه * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا عبد الحميد بن أبي هلال الجرمي قال: سمعت أم طلحة تقول: سمعت عائشة
أم المؤمنين وقد سئلت عن النبيذ؟ فقالت: إياكم وما يسكركم * ومن طريق عبد الله بن المبارك
عن قدامة العامري (4) أن جسرة بنت دجاجة العامرية حدثته انها سمعت عائشة أم المؤمنين
تقول: لا أحل مسكرا وإن كان خبزا وماءا (5) * نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الرحمن
ابن مروان القنازعى - ثقة مشهور - نا أحمد بن عمرو بن سليمان البغدادي نا عبد الله بن
محمد البغوي نا أحمد بن حنبل. وجدى أحمد بن منيع قالا جميعا: نا عبد الله بن إدريس الأودي
قال: سمعت المختار بن فلفل قال: قال أنس بن مالك: الخمر من العنب. والتمر. والعسل
والحنطة. والشعير. والذرة فما تخمرت من ذلك فهو الخمر (6) * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: شهدت عمر بن الخطاب صلى على جنازة، ثم
أقبل علينا فقال: إني وجدت من عبيد الله ريح شراب وانى سألته عنها؟ فزعم أنها الطلاء وانى

(1) في النسخة رقم 16 (التميمي) وهو تصحيف
(2) الزيادة من النسخة رقم 14، وفى النسخة رقم 16 (ما أحبها) وفى اليمنية (ما حببها) وهما غلط، والحب بالحاء المهملة - الزبر والخابية، قيل فارسي والجمع حباب
(3) الزيادة من سنن النسائي ج 8 ص 320
(4) في النسخة رقم 14 (الغامري) وهو تصحيف
(5) هو في سنن النسائي بأطول من هذا
(6) هو في المسند ج 3 ص 112 مطولا اختصره المصنف، وقوله (فما تخمرت) بفتح التاء للمخاطب
502

سائل عن الشراب الذي شرب؟ فإن كان مسكرا جلدته قال، فشهدته بعد ذلك يجلده * فهذه
أصح طريق في الدنيا عن عمر أنه رأى الحد واجبا على من شرب شرابا يسكر كثيره لان
عبيد الله لم يكن سكر مما شرب لأنه سأله فراجعه ولم ير عليه سكرا؟ وإنما حده على شربه مما يسكر
فقط نعم ومن الطلاء الذي يحلونه كما تسمع * نا يوسف بن عبد الله التمري نا عبد الرحمن
ابن مروان القنازعي. نا أحمد بن عمرو بن سليمان البغدادي نا عبد الله بن محمد البغوي - هو ابن بنت
منيع - نا أحمد بن حنبل نا إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية - نا أبو حيان - هو يحيى بن سعيد
التيمي - نا الشعبي عن عبد الله بن عمر قال: سمعت عمر يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها
الناس انه قد نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب. والتمر. والعسل. والحنطة.
والشعير. والخمر ما خامر العقل) * ورويناه أيضا من طريق شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن
الشعبي عن ابن عمر عن عمر * ورويناه أيضا من طريق من طريق أبى كريب محمد بن العلاء عن عبد الله بن
إدريس الأودي عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر * ومن طريق
أحمد بن شعيب أخبرني أبو بكر بن علي - هو المقدمي - (1) نا القواريري - هو عبيد الله بن عمر - نا
المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن ابن مسعود قال: أحدث
الناس أشربة لا أدري ما هي؟ فما لي شراب منذ عشرين سنة أو قال: عددا آخر (2) الا السويق
والماء غير أنه لم يذكر النبيذ) * ومن طريق سعيد بن منصور نا المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه
نام محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن ابن مسعود قال: أحدث الناس أشربة لا أدري ما هي؟
ومالي شراب منذ عشرين سنة الا الماء والعسل واللبن؟ * ومن طريق البخاري. وأحمد بن شعيب
قال البخاري: نا محمد بن كثير وقال ابن شعيب: انا قتيبة بن سعيد، ثم اتفق ابن كثير وقتيبة عن
سفيان بن عيينة عن أبي الجويرية الجرمي قال: سألت ابن عباس عن الباذق (2)؟ فقال: سبق
محمد الباذق ما أسكر فهو حرام، أبو الجويرية سمع ابن عباس. ومعن ابن يزيد، وروى
عنه أبو عوانة. وسفيان * ومن طريق إسحاق بن راهويه نا أبو عامر - هو العقدي - والنضر
ابن شميل. ووهب بن جرير بن حازم قالوا كلهم: نا شعبة على سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا
الحكم يقول: قال ابن عباس من سره ان يحرم ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ *
ومن طريق أحمد بن شعيب انا سويد بن نصر انا عبد الله - هو ابن المبارك - عن عيينة بن

(1) أقول: ليس هو المقدمي بل هو أبو بكر المروزي قاضى دمشق وقد جاء بيانه في النسائي ج 8 ص 236 قال
النسائي: أخبرني أحمد بن سعيد بن إبراهيم قال: حدثنا القواريري الخ
(2) في النسائي في النسائي ج 8 ص 236 (أو قال: أربعين سنة)
(3) هو الخمر المطبوخ وهو في صحيح البخاري ج 7 ص 165 وفى سنن النسائي ج 8 ص 321 وفيه
زيادة في آخره (قال انا أول العرب سأله)
503

عبد الرحمن عن أبيه ان ابن عباس قال لرجل سأله اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره (1) *
وبه إلى عبد الله بن المبارك عن سليمان التيمي عن محمد بن سيرين قال: المسكر قليله وكثيره
حرام * ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر كل مسكر فمر وكل مسكر حرام (2) * ومن
طريق أحمد بن شعيب انا قتيبة أنا أبو عوانة عن زيد بن جبير قال: سألت ابن عمر عن
الأشربة؟ فقال: اجتنب كل شئ ينش (3) * ومن طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل
ابن إبراهيم - هو ابن علية - عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين انه سمع عبد الله بن عمر
قد قال له رجل: آخذ التمر فأجعله في فخار وأجعله في التنور؟ فقال له ابن عمر: لا أدري
ما تقول آخذ التمر فأجعله في فخار ثم اجعله في تنور لا تشرب الخمر، ثم قال ابن عمر. يتخذ
أهل أرض كذا من كذا خمرا يسمونها كذا ويتخذ أهل كذا من كذا خمرا يسمونها كذا
ويتخذ أهل ارض كذا من كذا خمرا يسمونها كذا وذكر كلاما حتى عد خمسة أشربة:
قال ابن سيرين: لا أحفظ منها الا العسل. والشعير. واللبن قال أيوب: (4) فكنت أهاب
ان أحدث الناس باللبن حتى حدثني رجل انه يصنع بأرمينية من اللبن شرابا لا يلبث صاحبه،
وهكذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عمر، وابن المبارك عن عبد الله
ابن عون عن ابن سيرين عن ابن عمر، فهذا ابن عمر لا يرى لطبخه معنى * وقد رويناه من
طريق إسرائيل عن أبي حصين عن الشعبي عن ابن عمر الخمر من خمسة من التمر. والحنطة. والشعير
والعسل. والعنب * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن ثابت البناني. وقتادة كلاهما عن أغس
ابن مالك قال: لما حرمت الخمر قال انس: انى لأسقي أحد عشر رجلا فأمروني فكفأتها وكفأ
الناس آنيتهم حتى كادت السكك أن تمتنع، قال أنس: وما خمرهم الا البسر. والتمر مخلوطين *
قال أبو محمد: سمى منهم أنس في أحاديث صحاح تركنا ذكرها اختصارا أبا طلحة. وأبا
أيوب. وأبا دجانة. وأبا عبيدة بن الجراح. ومعاذ بن جبل. وسهيل بن بيضاء. وأبي بن كعب،
فهذا الاجماع المتيقن أن تكون حرمت الخمر فيهرق الصحابة رضي الله عنهم كل شراب
عندهم من تمر أو بسر، فصح انه عند جميعهم خمر ولم يخصوا نيئا من مطبوخ بخلاف
أقوال هؤلاء المحرومين من التوفيق، ولو حل عندهم قليله لما أهرقوه لأنه قد صح النهى عن
إضاعة المال *
قال أبو محمد: وقال الطحاوي ههنا قولا لا ندري كيف انطلق به لسانه؟ وهو أنه قال: إن
ما أهرقوه خوف ان يزيدوا منه فيسكروا *

(1) هو في سنن النسائي ج 8 ص 303 مختصرا
(2) هو أيضا في سنن النسائي عن غير مالك ج 8 ص 297
(3) هو في سنن النسائي ج 8 ص 224، وقوله ينش يغلى
(4) في النسخة رقم 16 (قال ابن سيرين) بدل قال أيوب
504

قال على: وهذا هو الكذب البحت عليهم كلهم، وليت شعري من أخبره بهذا عنهم وهل
يحل ان يخبر عن أحد بالظن؟ * وروينا عن شعبة بن الحجاج عن يحيى بن عبيد - هو ابن أبي
عمر البهراني (1) - قال: سمعت ابن عباس يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له أول الليل
فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجئ والغد والليلة الآخرى والغد إلى العصر فان
بقي شئ سقاه الخادم أو أمر به فصب، وهكذا رويناه من طريق ابن أبي شيبة. وأبى
كريب عن أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن يحيى بن عبيد البهراني، فلو كان حلالا
كما يدعى الطحاوي أو كان الطبخ يحله كما يزعم سائر أصحابه ما أهرقه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقد نهى عن إضاعة المال وأمره باعثه عز وجل أن يقول: (وما أريد ان أخالفكم إلى
ما أنهاكم عنه)، ومن طريق سعيد بن منصور نا نوح بن قيس نا محمد بن نافع أن أنس
أبن مالك قال له في البسر: خلصه من الرطب ثم إنبذه ثم اشربه قبل ان يتسفه * وروينا
قبل عن علي انه تقيأ نبيذا شربه إذ علم أنه نبيذ جر، وقد روينا هذا نفسه عن طاوس
يعنى تحريم كل قليل أو كثير من أي شئ أسكر * وعن عطاء. ومجاهد قالوا كلهم: قليل
ما أسكر كثيره حرام، وهو قول أبى العلاء بن الشخير. وعبيدة السلماني. ومحمد بن سيرين.
والقاسم بن محمد * وروى سليمان بن حرب عن جرير بن حازم سمعت ابن سيرين يقول
لبعض من خالفه في النبيذ: انا أدركت أصحاب ابن مسعود وأنت لم تدركهم كانوا لا يقولون
في النبيذ كما تقولون * ومن طريق أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه (2) -
انا جرير بن عبد الحميد عن ابن شبرمة قال: رحم الله إبراهيم شدد الناس في النبيذ ورخص
هو فيه (3) * ومن طريق أحمد بن شعيب نا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي ثقة مأمون
عن أبي أسامة - هو حماد بن أسامة - قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: ما وجدت
الرخصة في المسكر صحيحا عن أحد الاعن إبراهيم (4) * روينا من طريق ابن أبي شيبة عن
جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: لا خير في النبيذ إذا كان حلوا *
قال أبو محمد: وقد روينا عن إبراهيم خلاف هذا كما روينا من طريق سعيد بن منصور
نا أبو عوانة. وخالد بن عبد الله - هو الطحان - كلاهما عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي
انه كره المخمر من النبيذ * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا المغيرة عن إبراهيم قال:
كانوا يكرهون المعتق من نبيذ التمر والمعتق من نبيذ الزبيب * وروينا عنه إباحة ما طبخ
حتى ذهب نصفه وبقى نصفه فهذا إبراهيم قد خذلهم، ولقد روى عمن بعده الترخيص فيه عن

(1) هو بفتح الموحدة وسكون الهاء اه‍ الخلاصة
(2) في النسخة رقم 14 (هو ابن إبراهيم وهو سهو من الكاتب
(3) هو في سنن النسائي ج 8 ص 33
(4) هو في سنن النسائي بتقديم وتأخير في بعض ألفاظه ج 8 ص 225
505

الأعمش. وشريك. ووكيع. وبقى بن مخلد، وأما مثل قول أبي حنيفة وأصحابه فلا *
قال أبو محمد: وقولنا هو قول مالك. والأوزاعي. والليث. والشافعي. وأحمد وإسحاق.
وأبي سليمان. وأصحابهم، واختلف فيه عن سفيان الثوري *
قال أبو محمد: وقد رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم الكذب ومالا حجة لهم فيه ولا يوافق قولهم،
وروينا عنه الصحيح المتواتر الذي هو نص قولنا، ورووا عن عمر. وعلى. وابن عمر.
وعائشة. وابن مسعود. وأنس الكذب ومالا يوافق قولهم، وروينا عنهم الصحيح
ونص قولنا والحمد لله رب العالمين *
1099 - مسألة - وحد الاسكار الذي يحرم به الشراب وينتقل به من التحليل إلى
التحريم هو ان يبدأ فيه الغليان ولو بحبابة واحدة فأكثر ويتولد من شربه والاكثار منه
على المرء في الأغلب ان يدخل الفساد في تمييزه ويخلط في كلامه بما يعقل وبه لا يعقل
ولا يجرى كلامه على نظام كلام أهل التمييز فإذا بلغ المرء من الناس من الاكثار من
الشراب إلى هذه الحال فذلك الشراب مسكر حرام سكر منه كل من شربه سواه أسكر أو
لم يسكر طبخ أو لم يطبخ ذهب بالطبخ أكثره أو لم يذهب، وذلك المرء سكران، وإذا بطلت
هذه الصفة من الشراب بعد إن كانت فيه موجودة فصار لا يسكر أحد من الناس من
الاكثار منه فهو حلال خل لا خمر *
برهان ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى
تعلموا ما تقولون) فسمى الله تعالى من لا يدرى ما يقول سكران وإن كان قد يفهم بعض الامر،
ألا ترى أنه قد يقوم إلى الصلاة في تلك الحال فنهاه الله تعالى عن ذلك، والمجنون مثله سواء سواء
قد يفهم المجنون في حال تخليطه كثيرا ولا يخرجه ذلك عن أن يسمى مجنونا في اللغة وأحكام
الشريعة * ومن طريق أحمد بن شعيب انا سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله - هو العنبري -
نا عبد الوهاب بن عبد المجيد - هو الثقفي - عن هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين
عن أبي هريرة قال: قال (رسول الله صلى الله عليه وسلم: انتبذ في سقائك وأوكه واشربه حلوا (1)) *
قال أبو محمد: وهذا قولنا لأنه إذا بدا يغلى حدث في طعمه تغيير عن الحلاوة وهو قول جماعة
من السلف كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن إبراهيم نا هشام - هو
الدستوائي - عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ليس بشرب العصير وبيعه بأس حتى يغلى *
ومن طريق ابن المبارك عن هشام بن عائذ الأسدي قال: سألت إبراهيم النخعي عن
العصير فقال: اشربه به ما لم يتغير * ومن طريق ابن المبارك عن عبد الملك عن عطاء في العصير قال:

(1) هو في سنن النسائي ج 8 ص 309 مطولا اختصره المصنف رحمه الله
506

اشربه حتى يغلى * ومن طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية - أخبرني
محمد بن إسحاق عن يزيد بن قسيط قال سعيد بن المسيب: ليس بشراب العصير باس ما لم يزيد
فإذا أزبد فاجتنبوه، وهو قول أبى يوسف * ورويناه من طريق أحمد بن شعيب انا سويد
ابن نصير نا عبد الله بن المبارك عن أبي يعفور (1) السلمي عن أبي ثابت الثعلبي (2) أنه سمع
ابن عباس يقول في العصير: اشربه ما دام طريا *
وقد اختلف الناس في هذا فقال أبو يوسف. ومحمد بن الحسن في العصير هكذا، وفى
ما عدا العصير إذا تجاوز عشرة أيام فهو حرام، وهذا حد في غاية الفساد لا يعضده قرآن.
ولا سنة. ولا رواية سقيمة. ولا قياس. ولا رأى سديد. ولاقول أحد نعلمه قبلهما * وقالت
طائفة: كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سويد بن عبد العزيز الدمشقي (3) نا ثابت
ابن عجلان عن سليم بن عامر قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: اشرب العصير ثلاثة أيام
ما لم يغل *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن مرة عن ابن عمر اشربوا العصير ما لم
يأخذه شيطانه قال: ومتى يأخذه شيطانه؟ قال: بعد ثلاث أو قال في ثلاث * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جرير ج انا عبد الرحمن بن مينا أنه سمع القاسم بن محمد يقول: نهى ان يشرب النبيذ بعد
ثلاث * ومن طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن إبراهيم نا داود بن أبي هند عن الشعبي
قال: لا بأس بشرب الخمر ما لم يغل بعني العصير، * وحدت طائفة ذلك بيوم واحد كما روينا
من طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن سعيد بن جبير كأن يقول: إذا فضخته (4) نهارا
فأمسى فلا تقربه وإذا فضخته ليلا فأصبح، فلا تقربه *
قال أبو محمد: احتج من حد ذلك بثلاث بالخبر الذي روينا من طريق الأعمش عن ابن أبي
عمر - هو يحيى البهراني - عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقع له الزبيب فيشربه
اليوم والغدو بعد الغد إلى مساء الثالثة فإذا أمسى أمر به ان يهراق أو يسقى (5) * واحتج من
حد ذلك بيوم واحد بما رويناه من طريق أبى داود نا عيسى بن محمد أبو عمير الرملي نا ضمرة عن
الشيباني عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه (أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أعنابهم؟ فقال: زبوبها
قلنا: ما نصنع بالزبيب؟ قال: إنبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم وانبذوه على عشائكم
واشربوه على غدائكم وانبذوه في الشنان ولا تنبذوه في القلل فإنه إذا تأخر عن عصيره

(1) في النسخة رقم 16 (يعقوب) وهو غلط
(2) في النسخة رقم 16 ورقم 14 (عن أبي ثابت التغلبي) وهو تصحيف والحديث في سنن النسائي ج 8 ص 221 مطولا
(3) في النسخة رقم 14 (نا سويد عن عبد العزيز الدمشقي) وهو غلط
(4) أي شدخته، والمشدخ البسر يغمر حتى ينشدخ
(5) هو في سنن النسائي بألفاظ قريبه من هذه
507

صار خلا) (1) *
هذا الشيباني بالسين غير منقوطة - هو يحيى بن أبي عمرو - (2) * ومن طريق أبى داود نا محمد
ابن المثنى نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري عن
أمه عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى أعلاه وله
عزلا وان (3) ينبذه غدوة ويشربه (4) عشاء وينبذه عشاء فيشربه غدوة) *
قال أبو محمد: هذا الخبر. وخبر ابن عباس صحيحان وليسا حدا فيما يحرم من ذلك لأنهما
مختلفان وليس أحدهما بأولى من الآخر وإنما هذا على قدر البلاد والآنية فتجد بلادا باردة
لا يستحيل فيها ماء الزبيب إلى ابتداء الحلاوة الا بعد جمعة، أو أكثر وآنية غير ضارية كذلك،
وتجد بلادا حارة وآنية ضارية يتم فيها النبيذ من يومه، والحكم في ذلك لقوله عليه السلام الذي
ذكرنا (واشربه حلوا وكل ما أسكر حرام) فقط، وقال أبو حنيفة: إذا غلى وقذف بالزبد فهو
حينئذ حرام، وهذا قول بلا دليل، وقال آخرون: إذا انتهى غليانه وابتدأ بان يقل غليانه فحينئذ
يحرم، وقال آخرون إذا سكن غليانه فحينئذ يحرم، وهذا كله قول بلا برهان، وأما حد سكر
الانسان فإننا روينا من طريق أحمد بن صالح أنه سئل عن السكران؟ فقال: إنا آخر فيه بما رواه
ابن جريج عن عمرو بن دينار عن يعلي بن منبه (5) عن أبيه سألت عمر بن الخطاب عن حد
الكسران؟ فقال: هو الذي إذا استقرئ سورة لم يقرأها وإذا خلطت ثوبه مع ثياب لم يخرجه *
قال أبو محمد: وهو نحو قولنا في أن لا يدرى ما يقول ولا يراعى تمييز ثوبه، وقال
أبو حنيفة: ليس سكران الا حتى لا يميز الاعراض من المساء، وأباح كل سكر دون هذا، فاعجبوا
يرحمنا الله وإياكم! *
1100 - مسألة - فان نبذ تمر. أو رطب. أو زهو. أو بسر. أو زبيب مع نوع منها
أو نوع من غيرها أو خلط نبيذ أحد الأصناف بنبيذ صنف منها أو بنبيذ صنف من غيرها أو بمائع
غيرها حاشا الماء حرم شربه أسكر أو لم يسكر، ونبيذ كل صنف منها على انفراده حلال فان
مزج نوع من غير هذه الخمسة مع نوع آخر من غيرها أيضا أو نبذا معا أو خلط عصير
بنبيذ فكله حلال كالبلح. وعصير العنب. ونبيذ التين. والعسل. والقمح. والشعير
وغير ما ذكرنا لاتحاش شيئا لما روينا من طريق مسلم حدثني أبو بكر إسحاق نا عفان

(1) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 385 مطولا
(2) وسيبان بطن من حمير
(3) تثنية عرلاء وهو المزاد الأسفل وفى سنن أبي داود ج 3 ص 285 عزلاء، بالافراد، ولعل في سنن أبي داود الأرجح كما جاء في النهاية
(4) في سنن أبي داود (فيشربه) بالفاء بدل الواو
(5) لم أجد هذا الاسم في الكتب المطبوعة وهل هو تصحيف عن يعلى
ابن منية الصحابي، وهل يروى عن أبيه عن عمر بن الخطاب؟ لم اهتد لذلك
508

ابن مسلم نا أبان بن يزيد العطار عن يحيى بن أبي كثير. نا عبد الله بن أبي قتادة. وأبو سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف كلاهما عن أبي قتادة (ان نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط التمر
والبسر، وعن خليط الزبيب والتمر، وعن خليط الزهو والرطب وقال: إنتبذوا كل
واحد على حدته) (1) *
قال أبو محمد: وروينا من طريق جابر بن عبد الله. وأبي سعيد الخدري. وابن
عباس. وأبي هريرة. وابن عمر. وعائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أيضا آثارا
متواترة متظاهرة في غاية الصحة يجمع كل ما فيها حديث أبي قتادة المذكور وبه يقول
جمهور السلف كما روينا من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: نهى ان ينتبذ
التمر والزبيب جميعا والبسر والرطب جميعا * ومن طريق معمر عن قتادة قال: كان انس
إذا أراد ان ينبذ يقطع من الثمرة ما نضج منها فيضعه وحده وينبذ التمر وحده والبسر
وحده * ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن حاتم بن أبي صغيرة (2) عن أبي مصعب
المدني (3) قال: سمعت أبا هريرة يقول: لما حرمت الخمر كانوا يأخذون البسر فيقطعون منه
كل مذنب ثم يأخذ البسر فيفضخه (4) ثم يشربه * ومن طريق ابن أبي شيبة عن أشعث
عن ثابت بن عبيد قال: كان أبو مسعود الأنصاري يأمر أهله بقطع المذنب فينبذ كل
واحد منهما على حدة * ومن طريق ابن أبي شيبة عن معاوية بن هشام عن عمار بن
زريق عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان الرجل
يمر على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهو متوافرون فيلعنونه ويقولون: هذا يشرب الخليطين
الزبيب والتمر *
قال أبو محمد: هذا عندهم إذا وافقهم اجماع وقد جاء عن عثمان أيضا كما نذكر بعد هذا *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال لي عمرو بن دينار سمعت جابر بن عبد الله أو أخبرني
عنه من أصدق ان لا يجمع بين البسر. والرطب. والتمر. والزبيب قلت لعمرو بن دينار:
هل غير ذلك؟ قال: لا قلت لعمرو: فغير ذلك مما في الحبلة. والنخلة قال: لا أدري قلت
لعمرو: أوليس إنما نهى عن أن يجمع بينهما في النبيذ وان ينبذ جميعا؟ قال: بلى وقلت لعطاء:
أذكر جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ابن يجمع بين شيئين غير الرطب. والبسر. والتمر. والزبيب؟
قال: لا الا ان أكون نسيت قلت لعطاء: أيجمع بين التمر. والزبيب ينبذان، ثم يشربان

(1) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 126
(2) في النسخة رقم 14 (ابن أبي صغير)
(3) في النسخة رقم 16 (المديني) وهو غلط
(4) قال الجوهري في صحاحه: فضخت رأسه شدخته وكذلك فضخت البسر وافتضخته، والفضيخ
شرار يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار
509

حلوين؟ قال: لاقد نهى عن الجمع بينهما، قال ابن جريج: لو نبذ شراب في ظرف قد نهى النبي
صلى الله عليه وسلم عنه لم يشرب حلوا وهذا كله قولنا والحمد لله رب العالمين، فهذا عمرو بن دينار لم ير
النهى يتعدى به ما ورد به النص وهو قولنا، ورينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: لو كان
في إحدى يدي نبيذ تمر وفى الأخرى نبيذ زبيب فشربت كل واحد منهما وحده لم أر به
بأسا ولو خلطته لم أشربه، وصح عن جابر بن زيد أبى الشعثاء انه سئل عن البسر. والتمر يجمعان
في النبيذ؟ فقال: لان تأخذ الماء فتغليه في بطنك خير من أن تجمعهما جميعا في بطنك *
وقال مالك: بتحريم خليط كل نوعين في الانتباذ وبعد الانتباذ وكذلك فيما عصر ولم يخص
شيئا من شئ، وقال أبو حنيفة: بإباحة كل خليطين * واحتج لأبي حنيفة مقلدوه بما رويناه
من طريق مسعر عن موسى بن عبد الله عن امرأة من بنى أسد عن عائشة (أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان ينبذ له زبيب فيلقى فيه تمر أو تمر فيلقى فيه زبيب، وهذا لا شئ لأنه عن
امرأة لم تسم * ومن طريق زياد بن يحيى الحساني نا أبو بحر نا عتاب بن عبد العزيز الحماني
حدثتني صفية بنت عطية انها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول - وقد سئلت عن التمر والزبيب -
فقالت: كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء فأمرسه، ثم اسقيه النبي
صلى الله عليه وسلم) (1) وهذا مردد في السقوط لأنه عن أبي بحر ولا يدرى من هو (2) عن
عتاب بن عبد العزيز الحماني وهو مجهول عن صفية بنت عطية ولا تعرف من هي فهل
سمع بأسخف ممن يحتج بمثل هذا عن أم المؤمنين؟ ويعترض في رواية أبى عثمان الأنصاري
عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وأبو عثمان
مشهور قاضى الري روى عنه الأئمة، وزاد واضلالا فاحتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج أخبرت عن أبي إسحاق (ان رجلا سأل ابن عمر أجمع بين التمر. والزبيب؟
فقال: لا قال: لم؟ قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم؟ قال: سكر رجل فحده النبي صلى الله عليه وسلم
وأمر أن ينظر ما شرابه فإذا هو تمر وزبيب فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يجمع بين التمر والزبيب
وقال: يلقى كل واحد منهما وحده) * ومن طريق أبى اسحق عن النجراني (3) عن ابن عمر
قال: (ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم سكران وقال له: أي شئ شربت قال: تمر وزبيب قال:
لا تخلطوهما كل واحد يلقى (4) وحده * ومن طريق أبى التياح عن أبي الوداك عن أبي سعيد

(1) الحديث في سنن أبي داود مطولا ج 3 ص 384
(2) أقول: هو غير مجهول لكنه ضعيف انظر تهذيب التهذيب ج 6 ص 456، قال الحافظ المنذري: في اسناده أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان البكراوي البصري ولا يحتج بحديثه
(3) هو بنون وبعدها جيم فراء مهملة وفى النسخة رقم 14 (البحراني) بالباء الموحدة بعدها حاء وراء مهملتان وما هنا موافق لما في تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال
(4) في النسخة رقم 14 (يكفي) وما هنا اظهر بدليل ما تقدم قبل
510

الخدري (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بنشوان (1) فقال: إني لم أشرب خمرا إنما شربت زبيبا وتمرا
في إناء فنهز بالأيدي (2) وخفق بالنعال (3) ونهى عن الزبيب والتمر أن يخلطا) *
قال أبو محمد: أما لهؤلاء المخاذيل دين يردعهم، أو حياء يزعهم، أو عقل يمنعهم عن
الاحتجاج بالباطل على الحق، ثم بما لو صح لكان أعظم حجة عليهم، ابن جريج يقول:
أخبرت عن أبي إسحاق ولا يسمى من أخبره، ثم أبو إسحق عن النجراني ومن النجراني ليت
شعري؟، ثم هبك اننا سمعنا كل ذلك من أبي سعيد ومن ابن عمر أليس قد أخبرا أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن جمعهما وأمر بافراد كل واحد منهما؟ وكيف يجعل نهيه نفسه حجة في
استباحة ما نهى عنه؟ ما بعد هذا الضلال ضلال ولا وراء هذه المجاهرة مجاهرة، ولولا كثرة
من ضل باتباعهم لكان الاعراض عنهم أولى، وقالوا: إنما نهى عن ذلك لان أحدهما
يعجل غليان الآخر فقلنا: كذبتم وقفوتم مالا علم لكم به وافتريتم على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما لم يقله قط ولا أخبر به، ثم هب (4) الامر كما قلتم أليس قد نهى عليه السلام عنه كما
ذكرتم (5)؟ فانتهوا عما نهاكم عنه إن كان في قلوبكم ايمان به، (فان قالوا): هذا ندب قلنا:
كذبتم وقلتم: ما لا دليل لكم عليه، ثم هب الامر كما قلتم فاكرهوه إذا واندبوا إلى تركه وأنتم
لا تفعلون ذلك بل هو عندكم وما لم ينه عنه أصلا سواء، وقالوا: إنما نهى عنه لضيق العيش
ولأنه من السرف وهذا قول يوجب على قائله مقت الله تعالى لأنه كذبك بحت، ومع أنه كذب
فهو بارد من الكذب سخيف من البتان لأنه ما كان قط عند ذي مكة عقل رطل تمر
ورطل زبيب سرفا أو رهل زهو ورطل بسر سرفا وهو بالمدينة والطائف قريب وهما بلاد
التمر والزبيب، ثم كيف يكون رطل تمر. ورطل زبيب، أو رطل زهو. ورطل رطب يجمعان
سرفا يمنع منه ضيق العيش فينهون عنه لذلك ولا يكون مائة رطل تمر. ومائة رطل زبيب.
ومائة رطل عسل ينبذ كل صنف منها على حدته سرفا؟، وكيف يكون رطل تمر. ورطل زهو
ينبذان معاسرفا ولا يكون أكلهما معاسرفا؟ كذلك التمر والزبيب في الاكل معا لقد بلغ الغاية
من سخف العقل من هذا مقدار عقله، ولقد عظمت بليتهم بأنفسهم ونعوذ بالله من الخذلان *
وأيضا فان أكل الدجاج والنقى والسكر أدخل على أصولكم الفاسدة في السرف وأبعد من
ضيق العيش وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، ثم هبكم أنه كما تقولون فأي راحة لكم في ذلك؟
وقد كان فيهم ذو سعة من المال قالت عائشة: وكان الهدى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذوي
اليسارة، والخبر المشهور (ذهب أصحاب الدثور بالأجور) وكان فيهم عثمان. عبد الرحمن.

(1) أي سكران
(2) اي وكز وضرب ودفع بالأيدي
(3) أي ضرب بها (4) أي ضرب بها
(4) في النسخة رقم 14 (هبك)
(5) في النسخة رقم 14 (لما ذكرتم)
511

وسعد بن عبادة. وغيره وفينا نحن والى يوم القيامة ذو ضيق من العيش وفاقة شديدة فالعلة
باقية بحسبها فالنهي باق ولابد اسخفوا ما شئتم لان تفوتوا حكم الله عليكم *
وذكروا ما روينا من طريق ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن الشيباني عن عبد الملك
ابن نافع قلت لابن عمر: أنبذ نبيذ زبيب فيلقى له فيه تمر فيفسد على؟ قال: لا بأس به، وعبد الملك
ابن نافع مجهول * وقد صح عن ابن عمر الرجوع عن هذا كما روينا من طريق سعيد من منصور
نا إسماعيل - هو ابن إبراهيم - هو ابن علية - انا أيوب - هو السختياني - عن نافع عن ابن عمر
أنه أمر بزبيب وتمر أن ينبذ اله، ثم تركه بعد ذلك، قال نافع: فلا أدرى الشئ ذكره أم لشئ بلغه؟
فصح أنه ذكر النهى بعد ان نسيه أو بلغه ولم يكن بلغه قبل ذلك * وذكروا ما رويناه من طريق غير
مشهورة عن شعبة قال: سمعت أسامة رجلا من جيراننا قال: سمعت شهاب بن عباد قال:
سألت ابن عباس عن التمر والزبيب؟ فقال: لا يضرك أن تخلطهما جمعيا أو تنبذ كل واحد
منهما على حدة *
قال أبو محمد: وهذا لا شئ فلا أكثر أسامة رجل من جيران شعبة وما نعلم أتم جهلا أو
أقل حياء (1) ممن يتعلق بهذا عن ابن عباس ولا يصح أصلا، ثم يخالف رواية محمد بن جعفر
غندر عن شعبة عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي قال: قلت لابن عباس: انى أنتبذ في جرة
خضراء نبيذا حلوا فأشرب منه فيقرقر بطني قال بان عباس: لا تشرب منه وإن كان أحلى من
العسل (2)، (فان قالوا): قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم نسخ النهى عن نبيذ الجر قلنا: النهى والله عن
خلط الزبيب والتمر أصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسخ النهى عن نبيذ الجر الذي لم يأت إلا من
طريق بريدة وجابر فقط والنهى عن الجمع بين التمر. والزبيب في الانتباذ صح من طريق
أبى قتادة. وجابر. وابن عباس. وأبي سعيد. وأبي هريرة فهو نقل تواتر ولم يأت قط شئ
ينسخه لا ضعيف ولا قوى، وقالوا: أي فرق بين جمعهما في الاناء وبين جمعهما في البطن؟ فقلنا:
لا يعارض بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأي فرق بين الجمع بين الأختين وبين نكاحهما واحدة
بعد أخير؟ ولو عارضتم أنفسكم في فرقكم بين الآبق يوجد في المصر وبين الآبق يوجد خارج
المصر على ثلاث لأصبتم، وفى فرقكم بين السرقة من الحرز أقل من عشرة دراهم فلا يوجب
القطع (3) (وبين) (4) سرقة عشرة دراهم من غير حرز فلا يوجب القطع فإذا اجتمعا فسرق عشرة
دراهم من حرز وجب القطع وبين القهقهة تكون في الصلاة فتنقض الوضوء وتكون بعد
الصلاة فلا تنقضه لكان أسلم لكم * وروينا من طريق سعيد بن منصور عن هشيم عن يونس

(1) في النسخة رقم 14 (أو أقل عقلا)
(2) هو في سنن النسائي ج 8 ص 322، ويقرقر بصوت
(3) في النسخة رقم 16 (فالواجب القطع) وهو غلط
(4) الزيادة من النسخة رقم 14
512

عن الحسن انه كان لا يرى بأسا ان يفضخ العذق بما فيه، وما نعلم هذا عن أحد من السلف
غيره على أنه ليس فيه بيان لا باحة الجمع بين الزبيب والتمر وسائر ما جاء النهى عنه *
وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن عفان بن مسلم عن عبد الواحد (1) بن صفوان
سمعت أبي يحدث عن أمه انها قالت: كنت أمغث (2) لعثمان رضي الله عنه الزبيب غدوة
فيشربه عشية وأمغثه عشية فيشربه غدوة قالت: فقال لي عثمان: لعلك تجعلين فيه زهوا (3)
قلت: ربما فعلت فقال: فلا تفعلي *
وأما المالكيون فاحتجوا بما رويناه من طريق أبى داود الطيالسي نا حرب بن
شداد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين (ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين) * ومن طريق ابن وهب حدثني عبد الجبار بن عمر قال:
حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين ان
يشربا قلنا: يا رسول الله وما الخليطان؟ قال: التمر والزبيب وكل مسكر حرام) *
ومن طريق عبد الله بن المبارك انا وقاء (4) بن إياس عن المختار بن فلفل عن أنس (نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نجمع شيئين نبيذا مما يبغي أحدهما على صاحبه وكان أنس يكره المذنب (5)
من البسر مخافة أن يكونا شيئين فكنا نقطعه)، وقالوا: قد صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن
يجمع التمر. والزبيب. والبسر. والزهو. والرطب اثنان منهما أو واحد منهما وآخر من
غيرهما في الانتباذ معا أو ينبذهما في إناء فوجب أن يكون سائر ما ينبذ ويعصر كذلك *
قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به وكله لا يصح * أما الحديث الأول فمدلس لم
يسمعه يحيى بن أبي كثير من أبى سلمة عن عائشة وإنما سمعه من أبى سلمة عن أبي قتادة على
ما أوردنا في أول هذا الباب من تفصيل الأصناف المذكورة * واما من طريق عائشة
فإننا روينا من طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن معمر نا أبو داود الطيالسي نا حرب بن
شداد عن يحيى بن أبي كثير ان كلاب بن علي أخبره ان أبا سلمة - هو ابن عبد الرحمن
ابن عوف - اخبره أن عائشة أخبرته (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى ان يخلط بين البسر
والرطب. وبين الزبيب والتمر)، قال أحمد بن شعيب: وانا محمد بن المثنى نا أبو عامر - هو
العقدي - نا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن ثمامة بن كلاب عن أبي سلمة عن
عائشة (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنتبذوا الزبيب والتمر جميعا ولا تنتبذوا الرطب والتمر

(1) في النسخة رقم 16 (وعبد الواحد) وهو غلط
(2) أي امرس وأدلك بيدي
(3) هو بفتح الزاي وضعها وسكون الهاء البسر الملون الذي بدفيه حمرة أو صفرة وطاب
(4) هو بكسر الواو بعدها قاف
(5) هو بكسر النون الذي بدا فيه الارطاب من قبل ذنبه أي طرفه والحديث في سنن النسائي ج 8 ص 292
513

جميعا (1)) فإنما سمعه يحيى من كلاب بن علي. وثمامة بن كلاب وكلاهما لا يدرى من هو
فسقط، ثم لو صح لما كان فيه حجة لان الخليطين هكذا مطلقا لا يدرى ما هما أهما
الخليطان في الزكاة أم في ماذا؟ وأيضا فان ثريد اللحم والخبز خليطان، واللبن والماء
خليطان فلا بد من بيان مراده عليه السلام بذلك ولا يؤخذ بيان مراده الا من لفظه
عليه السلام فبطل تعلقهم بهذا الأثر * وأما حديث جابر فمن طريق عبد الجبار بن عمر
الأيلي وهو ضعيف جدا، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة بل كأن يكون حجة عظيمة
قاطعة عليهم لان فيه ان الصحابة رضي الله عنهم لم يعرفوا ما الخليطان المنهى عنهما حتى
سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجب عليهم وعلى كل أحد؟ ففسر هما لهم عليه السلام بأنهما
التمر والزبيب ولم يذكر غيرهما فلو أراد غيرهما لما سكت على ذكره وقد سألوا البيان؟
هذا مالا يحيل على مسلم لأنه كأن يكون أعظم التلبيس عليهم ومن ادعى ان ههنا شيئا
زائدا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فلم يبينه لامته فقد افترى الكدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وألحد
في الدين بلا شك ونعوذ بالله من هذا * وأما خبر أنس فمن طريق وقاء بن إياس
وهو ضعيف ضعفه ابن معين وغيره مع أنه كلام فاسد لا يعقل لا يجوز أن يضاف إلى
النبي صلى الله عليه وسلم البتة لأنه لا يدرى أحد ما معنى يبغي أحدهما على صاحبه في النبيذ فان قالوا:
معناه يعجل أحدهما غليان الآخر قلنا: هذا الكذب العلانية وما يغلى تمر وزبيب جمعا
في النبيذ الا في المدة التي يغلى فيها الزبيب وحده أو التمر وحده وهو عليه السلام
لا يقول الا الحق، فبطل كل ما موهوا به بيقين * وأما قولهم: قسنا سائر الخلط على
ما نص عليه فقلنا: القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لأنكم لستم
بأولى بان تقيسوا التين. والعسل على ما ذكر من آخر أراد ان يقيس على ذلك اللبن.
والسكر مجموعين أو الخل. والعسل في السكنجبين مجموعين أو الزبيب. والخل مجموعين
ولا سبيل إلى فرق (فان قالوا): لا نتعدى النبيذ قلنا لهم: بل قيسوا على الجمع في النبيذ
الجمع في غير النبيذ أو لا تتعدوا ما ورد به النص لا في نبيذ ولا غيره ولا سبيل إلى فرق أصلا،
وبالله تعالى التوفيق *
1101 - مسألة - (2) والانتباذ في الحنتم. والنقير. والمزفت. والمقير. والدباء.
والجرار البيض. والسود. والحمر. والخضر. والصفر. والموشاة. وغير المدهونة. والأسقية. وكل

(1) لم أجد هذين الحديثين في سنن النسائي في باب الأشربة، وقد عزاهما المصنف إليه وكذلك الذهبي في ميزان
الاعتدال، والحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ولعلهما في السنن الكبرى والله أعلم
(2) سقط لفظ (مسألة) من النسخة رقم 16
514

ظرف حلال والشرب في كل ذلك حلال الا اناء ذهب أو فضة أو اناء أهل الكتاب أو
جلد ميتة غير مدبوغ أو اناء مأخوذ بغير حق *
برهان ذلك ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني أبو بكر بن علي - هو
المقدمي - نا إبراهيم بن الحجاج نا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان (1) عن عبيد الله
ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن الأوعية فانتبذوا
فيما بدا لكم وإياكم وكل مسكر) * ومن طريق وكيع عن معرف (2) بن واصل عن
محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن
الأشربة الا في ظروف الادم (3) فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا * ومن
طريق مسلم بن الحجاج نا حجاج بن الشاعر نا الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري عن
علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهيتكم عن الظروف وان
(الظروف أه) (4) ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه وكل مسكر حرام) * ومن طريق يحيى بن سعيد
القطان عن سفيان الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: (نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظروف فقالت الأنصار: انه لا بد لنا منها قال: فلا إذا) فصح
أن إباحة ما نهى عنه من الظروف ناسخة للنهي وقد كان عليه السلام نهى عنها فقد صح من طريق
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الانتباذ والشرب في الحنتم. والمقير. والدباء.
والمزادة المجبوبة وكل شئ صنع من مدر والجر * وصح من طريق أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم
(انه نهى عن ذلك كله) الا انه لم يذكر كل شئ صنع من مدر، * وصح عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم (انه نهى عن ذلك كله الا انه لم يذكر المزادة المجبوبة وذكر الجر، وصح من
طريق أبي سعيد الخدري. وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (انه نهى عن المزفت والحنتم
والنقير والجر) * وصح عن عائشة أم المؤمنين. وعلي بن أبي طالب. وأنس. وعبد
الرحمن بن يعمر كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم (انه نهى عن الدباء والزفت) * ومن طريق عائشة
أيضا مسندا عن الجر، وعن صفية المؤمنين (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر) *
وصح من طريق عبد الله بن أبي أو في عن النبي صلى الله عليه وسلم (انه نهى عن الجر
الأخضر والأبيض) * ومن طريق ابن الزبير انه عليه السلام (نهى عن الجر) *
فهؤلاء أحد عشر من الصحابة رضي الله عنهم رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى ورواه عنهم

(1) في النسائي ج 8 ص 311 (عن جابر بن أبي سليمان) وكذلك النسخة التي طبعت في الهند وهو غلط وتصحيف
من الناسخين والصحيحين
(2) هو بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الراء المكسورة
(3) في النسخة رقم 16 (عن ظرف لادم)، وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 2 ص 130، والادم الجلد
(4) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 130
515

أعداد كثيرة من التابعين، وهذا نقل تواتر ولم يأت النسخ الا من طريق ابن بريدة
عن أبيه * ومن طريق سالم بن أبي الجعد عن جابر فقط، وقد ثبت على تحريم ما صح
النهى عنه من ذلك عمر بن الخطاب. وعلى. وابن عمر. وأبو سعيد الخدري، واختلف فيه
عن ابن مسعود. وعن ابن عباس * واختلف التابعون أيضا، وعهدنا بالحنيفيين يقولون: انه
إذا جاء خبران أحدهما نقل تواتر والآخر نقل آحاد أخذنا بالتواتر وتناقضوا ههنا، وقال
مالك: أكره ان ينبذ في الدباء. المزفت فقط وأباح الجر كله غير المزفت. والحنتم.
والمقير، وهذا فاسد جدا لأنه قول بلا برهان، ولا نعلم أحدا قبله قسم هذا التقسيم *
قال أبو محمد: وقد ذكرنا فيما يحل أكله ويحرم تحريم النبي صلى الله عليه وسلم الأكل والشرب في إناء الذهب أو الفضة أو اناء أهل الكتاب (1) الا أن لا يوجد غيره فيغسل بالماء ويحل
ذلك فيه حينئذ. تحريم جلد الميتة قبل أن يدبغ فبقي كل هذا على التحريم لصحة البرهان بان كل ذلك
لم ينسخ مذ حرم، وبالله تعالى التوفيق *
1102 - مسألة - وقد ذكرنا في كتاب ما يحل أكله وما يحرم من هذا الديوان
إباحة الخمر لمن اضطر إليها لقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه)
فأغنى عن اعادته *
1103 - مسألة - وكل ما ذكرنا انه لا يحل شربه فلا يحل بيعه ولا امساكه
ولا الانتفاع به فمن خلله فقد عصى الله عز وجل وحل أكل ذلك الخل الا ان ملكه قد
سقط عن الشراب الحلال إذ أسكر وصار خمرا فمن سبق إليه من أحد بغلبة أو بسرقة فهو
حلال الا ان يسبق الذي خلله إلى تملكه فهو حينئذ له كما لو سبق إليه غيره ولافرق لما روينا
من طريق مسلم نا عبيد الله (3) بن عمر القواريري نا عبد الأعلى أبو همام نا سعيد الجريري
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري (قال) (4): سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (يخطب بالمدينة) (5)
قال (يا أيها الناس ان الله تعالى يعرض بالخمر ولعل الله سينزل فيها أمرا فمن كان عنده منها
شئ فليبعه ولينتفع به فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال (النبي) (6) صلى الله عليه وسلم: (ان الله حرم الخمر فمن
أدركته هذه الآية وعنده منها شئ فلا يشرب ولا يبع قال: فاستقبل الناس بما كان
عندهم منها في طريق المدينة فسفكوها) * ومن طريق ابن وهب عن مالك. وسليمان

(1) العطف هنا بأو وهو موافق اما تقدم في كتاب الأطعمة ص 421 وفى النسخة رقم 14 العطف بالواو
(2) معطوف على قوله (تحريم النبي) ويكون معمولا لقوله (ذكرنا) قبل تنبه
(3) في النسخة رقم 16 (عبد الله) وهو غلط
(4) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 463
(5) الزيادة من صحيح مسلم
(6) الزيادة من صحيح مسلم
516

ابن بلال قال مالك: عن زيد بن أسلم، وقال سليمان: عن يحيى بن سعيد الأنصاري ثم اتفق
زيد. ويحيى كلاهما عن عبد الرحمن بن وعلة السبائي (1) من أهل مصر عن ابن عباس (ان
رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن الله حرمها؟
قال: لا فسار انسانا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الذي حرم شربها حرم بيعها ففتح المزادة
حتى ذهب ما فيها) والذي ذكرناه قبل من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب ما ينبذ له ثلاثة أيام، ثم
يأمر بأن يشرب أو يهرق وهو عليه السلام قد نهى عن إضاعة المال فلو كان ما حرم مالا لما
اضاعه عليه السلام فإذ ليس ما لا فقد سقط ملك صاحبه عنه فإذ سقط عنه ثم عاد إلى أن صار
خلا فلا يجوز ان يعود ملكه على ما لا ملك له عليه بغير أن يتملكه الا بنص ولا نص في ذلك
فهو لمن سبق إليه كسائر ما لا يملكه أحد من الصيد والحطب وغير ذلك، وقال أبو حنيفة: ملكها
جائز وتخليلها جائز وهذا باطل لما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق *
وقال مالك: ان تعمد تخليل الخمر لم يحل أكل ذلك الخل فان تخللت دون ان تخلل حل
أكلها، وقال أبو ثور: لا تؤكل تخللت أو خللت، وقولنا في ملكها هو قول أبي حنيفة. وأبي سليمان *
روينا من طريق ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية عن التميمي عن أم خداش أنها رأت على
ابن أبي طالب يصطبغ بخل خمر * ابن أبي شيبة (2) عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح
عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال: اختلف اثنان من أصحاب معاذ في خل الخمر فسألا أبا
الدرداء فقال: لا بأس به * ابن أبي شيبة عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن مسربل العبدي عن
أمه قالت: سألت عائشة أم المؤمنين عن خل الخمر؟ فقالت: لا بأس به هو ادام * ومن طريق وكيع
عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا بأكل من ما كان خمرا فصار خلا *
ومن طريق حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق (3) عن ابن سيرين قال: لا بأس بخل الخمر وهو
قول الحسن. وسعيد بن جبير ولا نعلم مثل تفريق مالك عن أحد قبله *
1104 - مسألة - ولا يحل كسر أواني الخمر ومن كسرها من حاكم أو غيره فعليه
ضمانها، لكن تهرق وتغسل الفخار. والجلود. والعيدان. والحجر. والدباء وغير ذلك، كله
سواء في ذلك، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي، وقال مالك: يكسر الفخار والعود ويشق الجلد
ويغسل ما عدا ذلك *
برهان ذلك ما ذكرناه الآن من فتح الذي أهدى رواية الخمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبره أنه
لا يحل بيعها فتح المزادة وأهرقها ولم يأمره عليه السلام بخرقها، ونهيه عليه السلام عن إضاعة

(1) هو بفتح السين المهملة والباء الموحدة
(2) أي روينا من طريق ابن أبي شيبة الخ اختصر ذلك المصنف
(3) في النسخة رقم 16 (عن يحيى بن عثمان) وهو غلط
517

المال، والكسر. والخرق إضاعة للمال، ومتلف مال غيره معتد والله تعالى يقول: (فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) *
واحتج من خالف هذا بما رويناه من طريق عكرمة (ان النبي صلى الله عليه وسلم كسر كوزا فيه شراب
وشق المشاعل يوم خيبر وهي الزقاق) (1) وهذا مرسل لا حجة فيه * وبخبر من طريق ابن عمر قال
(شق رسول الله صلى الله عليه وسلم زقاق الخمر) * وبخبر من طريق أبي هريرة (أنه عليه السلام شق زقاق الخمر)
وبخبر من طريق جابر (أنه عليه السلام أراق الخمر وكسر جرارها)، وكل هذا لا يصح منه شئ *
أما خبر ابن عمر فاحد طرقه فيها (2) ثابت بن يزيد الخولاني وهو مجهول لا يدرى من
هو، والثاني من طريق ابن لهيعة وهو هالك عن أبي طعمة وهو نسير بن ذعلوق (3) وهو
لا شئ (4)، والثالث من رواية عبد الملك بن حبيب الأندلسي وهو هالك عن طلق وهو ضعيف *
وأما حديث أبي هريرة ففيه عمر بن صهبان وهو ضعيف ضعفه البخاري وغيره، وفيه أيضا
آخر لم يسم * وحديث جابر من طريق ابن لهيعة وهو مطرح فلم يصح في هذا الباب شئ، وقد
ذكرنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في آنية أهل الكتاب التي يطبخون فيها لحوم الخنازير
ويشربون فيها الخمر وعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بغسلها بالماء، ثم أباح الاكل
فيها والشرب، ولا حجة الا فيما صح عنه عليه السلام *
1105 - مسألة - وفرض على من أراد النوم ليلا ان يوكى قربته ويخمر آنيته
ولو بعود يعرضه عليها، ويذكر اسم الله تعالى على ما فعل من ذلك، وان يطفئ السراج،
ويخرج النار من بيته جملة الا أن يضطر إليها لبرد أو لمرض أو لتربية طفل فمباح له ان
لا يطفئ ما احتاج إليه من ذلك لما روينا من طريق البخاري * نا إسحاق بن منصور انا
روح بن عبادة نا ابن جريج قال: أخبرني عطاء انه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان جبح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فان الشياطين تنتشر
حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم (5) وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فان الشيطان
لا يفتح بابا مغلقا وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله عليها وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله
عليها (6) ولو أن تعرضوا عليها شيئا واطفؤا مصابيحكم) * ومن طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل
نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن ابن جريج قال أخبرني عطاء عن جابر عن النبي

(1) جمع زق وهي السقاء، وجمع القلة أزقاق
(2) في النسخة رقم 14 (فاحد طرقها فيه)
(3) في النسخة رقم 16 (عن أبي طعمة عن أبي نسير بن ذعلوق) وفى النسخة رقم 14 (عن أبي طعمة وهو بشير بن ذعلوق) وكلاهما غلط والله أعلم
(4) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 10 ص 435: وتبعه عبد الحق على ذلك
(5) وفى رواية للبخاري (فحلوهم) بالحاء المهملة، وهو في صحيح البخاري ج 7 ص 203 ورواه أيضا مسلم في صحيحه بهذا اللفظ ج 2 ص 134
(6) لفظ عليها غير موجود في الصحيحين
518

صلى الله عليه وسلم فذكره وفيه (وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله (1)) * ومن طريق مسلم عن أبي
بكر بن أبي شيبة نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر (عن أبيه) (2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون) * وأما من اضطر
إلى ذلك فان الله تعالى يقول: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) *
1106 - مسألة - ولا يحل الشرب من فم السقاء لما روينا من طريق البخاري نا
علي بن عبد الله نا سفيان - هو ابن عيينة - نا أيوب - هو السختياني - انا عكرمة نا أبو هريرة
قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فم القربة أو السقاء (3)) وروى النهى
عن ذلك أيضا مسندا صحيحا من طريق أبي سعيد الخدري (4) وابن عباس رضي الله عنهم (5) *
(فان قيل) قد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرب من فم قربة قلنا: لا حجة في شئ منه (6)
لان أحدها من طريق الحارث ابن أسامة وقد ترك، وفيه البراء ابن بنت أنس وهو
مجهول * وخبر آخر من طريق يزيد بن يزيد بن جارية عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ولا
أعرفه، وآخر من طريق رجل لم يسم، ثم لو صحت لكانت موافقة لمعهود الأصل، والنهى
بلا شك إذا ورد ناسخ لتلك الإباحة بلا شك، ومن المحال أن يعود المنسوخ ناسخا ولا
يأتي بذلك بيان جلى إذا كأن يكون الدين غير مبين ومعاذ الله من هذا وهو عليه السلام مأمور
بالبيان، (فان قيل): قد صح عن ابن عمر أنه شرب من فم إداوة قلنا: نعم هذا حسن
لأنه الادواة وليست قربة ولا سقاء، وبالله تعالى التوفيق *
1107 - مسألة - ولا يحل الشرب قائما وأما الاكل قائما فمباح لما روينا من طريق
مسلم بن الحجاج نا هداب بن خالد. وقتيبة. وأبو بكر بن أبي شيبة. ومحمد بن المثنى قال
هداب: نا همام بن يحيى، وقال محمد بن المثنى: نا عبد الأعلى نا سعيد بن أبي عروبة، وقال
قتيبة. وابن أبي شيبة: نا وكيع عن هشام الدستوائي، ثم اتفق همام، وهشام. وسعيد
كلهم عن قتادة عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما (7))، ولفظ
هداب (زجر عن الشرب قائما)، * وصح أيضا من طريق أبي سعيد الخدري عن النبي صلى
الله عليه وسلم (8) وهو قول أنس. وأبي هريرة، وذكر لابن عمر قول أبي هريرة فقال: لم
أسمع، (فان قيل): قد صح عن علي. وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائما

(1) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 393
(2) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 134 وهي ضرورية والا فيكون
الحديث مرسلا
(3) الحديث اختصره المصنف انظر ج 7 ص 204 من صحيح البخاري
(4) هو في سنن أبي داود ج 3 ص 390 وأخرجه الترمذي وابن ماجة
(5) رواه أيضا أبو داود في سننه وأخرجه غيره *
(6) كذا في الأصول والظاهر (منها بدليل) قوله بعد (لان أحدها)
(7) الحديث في صحيح مسلم ج 2 ص 136
(8) هو أيضا في صحيح مسلم ج 2 ص 136
519

قلنا: نعم والأصل إباحة الشرب على كل حال من قيام وقعود. واتكاء. واضطجاع فلما
صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائما كان ذلك بلا شك ناسخا للإباحة المتقدمة
ومحال مقطوع أن يعود المنسوخ ناسخا ثم لا يبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إذا كنا
لا ندري ما يجب علينا ممالا يجب وكأن يكون الدين غير موثوق به ومعاذ الله من هذا *
وأقل ما في هذا على أصول المخالفين أن لا يترك اليقين للظنون وهم على يقين من نسخ
الإباحة السالفة ولم يأت في الاكل نهى إلا عن أنس من قوله *
1108 - مسألة - ولا يحل النفخ في الشرب ويستحب أن يبين الشارب الاناء عن فمه
ثلاثا لما روينا من طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا الثقفي - هو عبد الوهاب - بن عبد المجيد
عن أيوب - هو السختياني - عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه
(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى (1) أن يتنفس في الاناء) ورواه أيضا شيبان بن فروخ عن
يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه مسندا (2) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى
نا عبد الأعلى نا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الاناء (3) * ورواه أيضا أبان بن يزيد العطار عن يحيى عن
عبد الله (4) بن أبي قتادة عن أبيه مسندا (5)، (فان قيل) قد رواه هشام الدستوائي عن يحيى عن
عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: هذه رواية الحارث
ابن أبي أسامة وقد ترك وحتى لو شك هشام في اسناده فلم يشك أيوب ولا معمر وكلاهما فوق
هشام * ومن طريق البخاري نا أبو نعيم وأبو عاصم فالا: نا عزرة بن ثابت الأنصاري نا ثمامة
ابن عبد الله بن أنس قال: كان أنس يتنفس في الاناء مرتين أو ثلاثا وزعم (أنس) (6) ان النبي
صلى الله عليه وسلم يتنفس ثلاثا) *
قال أبو محمد: التنفس المنهى عنه هو النفخ فيه كما بينه معمر، والتنفس المستحب هو أن
يتنفس بابانته عن فيه إذ لم نجد معنى (7) يحمل عليه سواه *

(1) في النسخة رقم 14 (عن النبي عليه السلام نهى) وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 2 ص 136
(2) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 137
(3) لم اهتد إليه في سنن النسائي المطبوع
(4) في النسخة رقم 14 (عن يحيى بن عبد الله) وهو غلط
(5) قال المصنف في الايصال نقلا عن مصحح أصل رقم 14: هذا السند من طريق ابن أيمن ونصه (إذا شرب أحدكم في الاناء فلا ينفخ فيه) هكذا في حديث ابان هذا، وقال أبو داود في مصنفه: (نا مسلم بن إبراهيم. وموسى بن إسماعيل قالا: نا ابان نا يحيى
عن عبد الله بن أبي قتادة حديثه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه وإذا شرب فلا يشرب نفسا واحدا) قال المصحح: ففي هذا الحديث هذه الزيادة كما ترى وهي صحيحة فوجب أخذها، وإذا كان ذلك فهمي فرض لا كما قال أبو محمد مستحب والله أعلم بالصواب اه‍ باقول: الحديث الذي رواه أبو داود هو في سننه ج 1 ص 12 (6) الزيادة من النسخة رقم 14، ولست موجوده في صحيح البخاري ج 7 ص 205
(7) في النسخة رقم 14 (إذ لم يبق حتى) الخ
520

1109 - مسألة - والكرع مباح وهو أن يشرب بقمه من النهر أو الساقية
إذ لم يصح فيه نهى * روينا من طريق البخاري عن فليح عن سعيد بن الحارث عن جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم (أنه قال لبعض الأنصار وهو في حائطه: إن كان عندك ماء بات في شنة (1)
وإلا كرعنا) * وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن فضيل عن ليث بن أبي سليم عن سعيد
ابن عامر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكرعوا ولكن اغسلوا أيديكم
فاشربوا فيها فإنه ليس من إناء أطيب من اليد) *
قال أبو محمد: فليح. وليث متقاربان فإذا لم يصح نهى ولا أمر فكل شئ مباح
لقوله عليه السلام الثابت: (ذروني ما تركتكم فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم
وإذا نهيتكم عن شئ فاتركوه) فلا واجب ان يؤتى الا ما أمر به عليه السلام ولا واجب
ان يترك الا ما نهى عنه عليه السلام وما بينهما فلا واجب ولا محرم فهو مباح *
1110 - مسألة - والشرب من ثلمة القدح مباح لأنه لم يصح فيها نهى إنما
روينا النهى عن ذلك من طريق ابن وهب عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن عبيد الله
ابن عبد الله عن أبي سعيد (2) مسندا، وقرة هذا - هو ابن عبد الرحمن بن حيوئيل - وهو
ساقط، وليس هو قرة بن خالد الذي يروى عن ابن سيرين ذلك ثقة مأمون * ومن طريق
ابن أبي شيبة نا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن
ابن عباس. وابن عمر أنهما كرها أن يشرب من ثلمة القدح أو من عند أذنه، ولا يعرف
لهما مخالف من الصحابة وقد خالفهما هؤلاء *
1111 - مسألة - ومن شرب فليناول الأيمن منه فالأيمن ولابد كائنا من كان
ولا يجوز مناولة غير الأيمن الا باذن الأيمن ومن لم يرد أن يناول أحدا فله ذلك وإن كان
بحضرته جماعة فإن كانوا كلهم امامه أو خلف ظهره أو عن يساره فليناول الأكبر فالأكبر
ولابد لما روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل دارهم قال: فحلبنا له من شاة داجن وشيب (3) له من
بئر في الدار فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن شماله فقال له عمر: يا رسول الله

(1) هي القربة الخلقة، وهي أشد تبريدا للماء من الجديد والحديث في صحيح البخاري ج 7 ص 202 مطولا
اختصره المصنف واقتصر على محل الشاهد منه، وهو أيضا في سنن أبي داود ج 3 ص 391 * (2) أي عن أبي سعيد الخدري، رواه أبو داود في سننه ج 3 ص 390، قال الحافظ المنذري: وفى اسناده قرة بن عبد الرحمن
ابن حيوئيل - بوزن جبرئيل - المصري اخرج له مسلم مقرونا بعمرو بن الحارث وغيره، وقال الإمام أحمد: منكر
الحديث جدا، وقال ابن معين: ضعيف وتكلم فيه غيرهما
(3) الداجن هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، وقوله (شيب) أي خلط، وفى النسخة رقم 14 (وشبهناه له) وما هنا موافق لما في صحيح مسلم ج 2 ص 137
521

أعطه أبا بكر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيا (1) عن يمينه، وقال عليه السلام: الأيمن فالأيمن) *
وبه إلى مسلم نا عبد الله بن مسلمة بن قعنب نا سليمان بن بلال عن عبد الله بن عبد الرحمن
ابن معمر بن حزم بن أبي طوالة الأنصاري انه سمع أنس بن مالك يحدث فذكر هذا الخبر
وفيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناول الاعرابي وترك أبا بكر وعمر، وقال عليه السلام:
الأيمنون الأيمنون الأيمنون قال أنس: فهي سنة (فهي سنة فهي سنة) (2) * ومن طريق
مالك عن أبي حازم (بن دينار) (3) عن سهل بن سعد الساعدي (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى
بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطى
هؤلاء (الأشياخ) (4) فقال الغلام: لا والله (يا رسول الله) (5) لا أوثر بنصيبي منك أحدا
(قال) (6) فتله (7) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده) *
وأما مناولة الأكبر فالأكبر إذا لم يكن عن يمينه أحد فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حديث محيصة. وحويصة (كبر الكبر) (8) فهذا عموم لا يجوز أن يخرج منه الا
ما استثناه نص صحيح كالذي ذكرنا في مناولة الشراب *
ومن طريق البخاري نا مالك بن إسماعيل نا عبد العزيز بن أبي سلمة نا أبو النضر - هو سالم
(مولى عمر) (9) بن عبيد الله - عن عمير مولى ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث (أنها
أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح لبن وهو واقف عشية عرفة فأخذه
(بيده) (10) فشربه) فهذا الشراب بحضرة الناس ولم يناول أحدا وقد أكل عليه السلام
بحضرة أصحابه * ومن طريق سهل بن سعد وذكر حديث عرس أبى أسيد (وفيه ان امرأة
أبى أسيد سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذا تخصه به) (11) *
1112 - مسألة - وساقى القوم آخرهم شربا (12) لما رويناه من طريق ابن أبي
شيبة نا شبابة بن سوار عن سليمان بن المغيرة عن ثابت - هو البناني - عن عبد الله بن
رباح عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ساقى القوم آخرهم شربا) (13) *
(تم كتاب الأشربة بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليما)

(1) في النسخة رقم 14 (فأعطاه عليه السلام اعرابيا) وما هنا موافق لما في صحيح مسلم، والحديث اختصره
المصنف
(2) الزيادة من النسخة رقم 14 وهي موافقة لما في صحيح مسلم ج 2 ص 137
(3) الزيادة من موطأ مالك ج 3 ص 111
(4) الزيادة من الموطأ
(5) الزيادة من الموطأ
(6) الزيادة من الموطأ
(7) أي دفعه وألقاه في يده
(8) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 23
(9) الزيادة من النسخة رقم 14 وهي موافقة لما في فتح الباري ج 4 ص 206
(10) الزيادة من صحيح البخاري ج 7 ص 201
(11) هو في صحيح مسلم ج 2 ص 132
(12) في النسخة رقم 16 (آخرهم شربا بالماء) بزيادة (بالماء) ولا معنى لها
(13) ورواه أيضا أبو داود في سننه من رواية عبد الله بن أبي أوفى ج 3 ص 391، وقال المنذري: رجال اسناده ثقات
522

(كتاب العقيقة (1))
1113 - مسألة - العقيقة فرض واجب يجبر الانسان عليها إذا فضل له عن قوته
مقدارها، وهو ان يذبح عن كل مولود يولد له حيا أو ميتا بعد أن يكون يقع عليه اسم علام أو اسم
جارية إن كان ذكر افشاتان (2) وإن كان أنثى فشاة واحدة، يذبح كل ذلك في اليوم السابع
من الولادة ولا تجزئ قبل اليوم السابع أصلا فإن لم يذبح (3) في اليوم السابع ذبح بعد ذلك
متى أمكن فرضا، ويؤكل منها ويهدى ن ويتصدق هذا كله مباح لا فرض، ويعد في الأيام
السبعة التي ذكرنا يوم الولادة ولو لم يبق منه الا يسير، ويلحق رأسه في اليوم السابع ولا بأس
بان يمس بشئ من دم العقيقة ولا بأس بكسر عظامها، ولا يجزئ في العقيقة الا ما يقع عليه
اسم شاة إما من الضأن واما من الماعز فقط، ولا يجزئ في ذلك من غير ما ذكرنا لا
من الإبل ولامن البقر الانسية ولامن غير ذلك ولا تجزئ في ذلك جذعة أصلا، ولا
يجزى ما دونها مما لا يقع عليه اسم شاة، ويجزى الذكر والأنثى من كل ذلك، ويجزى المعيب
سواء كان مما يجوز في الأضاحي أو كان مما لا يجوز فيها، والسالم أفضل، ويسمى المولود يوم
ولادته فان أخرت تسميته إلى اليوم السابع فحسن، ويستحب أن يطعم أول ولادته التمر ممضوغا
وليس فرضا، والحر. والعبد. في كل ما ذكرنا سواء، والمؤمن، والكافر كذلك، وهي في مال

(1) العقيقة - بفتح العين المهملة - اسم لما يذبح عن المولود، واختلف في اشتقاقها فقال
أبو عبيد. والأصمعي: أصلها الشعر الذي يخرج على رأس المولود وتبعها على ذلك الزمخشري
وغيره، وسميت الشاة التي تذبح عنه في تلك الحال عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند
الذبح، وعن أحمد انها مأخوذة من العق وهو الشق والقطع ورجحه ابن عبد البر وطائفة،
قال الخطابي: العقيقة اسم للشاة المذبوحة عن الولد سميت بذلك لأنها تعق مذابحها أي تشق
وتقطع، قال: وقيل: هي الشعر الذي يحلق، وقال ابن فارس: الشاة التي تذبح والشعر كل
منهما يسمى عقيقة يقال: عق يعق إذا حلق عن ابنه عقيقته وذبح للمساكين شاة، وقال القزاز:
أصل العق الشق فكأنها قيل لها: عقيقة بمعنى معقوقة وسمى شعر المولود عقيقة باسم ما يعق
عنه، وقيل باسم المكان الذي انعق عنه فيه، وكل مولود من البهائم فشعره عقيقة فإذا
سقط وبر البعير ذهب عقه، ويقال أعقت الحامل نبتت عقيقة ولدها في بطنها نقل هذا
الحافظ ابن حجر في فتح الباري
(2) في النسخة رقم 16 (فشاتين)
(3) في النسخة رقم 16 (فإن لم يكن)
523

الأب أو الام ان لم يكن له أب أو لم يكن للمولود مال فإن كان له مال فهي في ماله وان مات
قبل السابع عتق عنه كما ذكرنا ولا بد لما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن المثنى نا عفان
ابن مسلم نا حماد بن سلمة انا أيوب - هو السختياني - وحبيب - هو ابن الشهيد - ويونس
- هو ابن عبيد - وقتادة كلهم عن محمد بن سيرين عن سلمان بن عامر الضبي (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: في الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما، وأميطوا عنه الأذى (1)) * ورويناه أيضا
من طريق البخاري وغيره إلى حماد بن زيد. وجرير بن حازم كلاهما عن أيوب عن ابن
سيرين عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه (2) * ومن طريق الرباب عن
سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه (3) *
وبالسند المذكور إلى أحمد بن شعيب نا أحمد بن سليمان نا عفان نا حماد بن سلمة عن قيس
ابن سعد عن طاوس ومجاهد عن أم كرز الخزاعية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عن
الغلام شاتان مكافأتان (4) وعن الجارية شاة) * نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك
ابن أيمن نا محمد بن إسماعيل الترمذي نا الحميدي نا سفيان بن عيينة نا عمرو بن دينار انا عطاء
ابن أبي رباح ان حبيبة بنت ميسرة الفهرية مولاته من فوق أخبرته أنها سمعت أم كرز الخزاعية
تقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في العقيقة عن الغلام شاتان مكافأتان
وعن الجارية شاة) فسر عطاء المكافأتان بأنهما المثلان، وفسره أحمد بن حنبل إنهما المتقاربتان
أو المتساويتان * ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه (5) عن
سباع بن ثابت عن أم كرز (قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن الغلام
شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو إناثا) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا
عمرو بن علي نا يزيد - هو ابن زريع - عن سعيد - هو ابن أبي عروبة - نا قتادة عن
الحسن عن سمرة بن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: كل غلام مرتهن (6)
يعقيقته تذبح (عنه) (7) يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى) * ومن طريق أبى داود نا حفص
ابن عمر النمري نا همام - هو ابن يحيى - نا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي (8) صلى

(1) أي نحوا عنه الأذى، قال في النهاية: يريد الشعر والنجاسة وما يخرج على رأس الصبي حين يولد يحلق
عنه يوم سابعه، (وهو في سنن النسائي ج 7 ص 164
(2) هو في صحيح البخاري ج 7 ص 153
(3) هو في صحيح البخاري ج 7 ص 153
(4) بالهمزة أي مساويتان في السن بمعنى ان لا ينزل سنهما عن سن أدنى ما يجزي في
الأضحية، والحديث في سنن النسائي ج 7 ص 164
(5) لفظ (عن ابه)) سقط من سنن النسائي ج 7 ص 165
(6) في سنن النسائي ج 7 ص 166 (رهين)
(7) الزيادة من سنن النسائي
(8) في سنن أبي داود ج 3 ص 65 (عن رسول الله)
524

الله عليه وسلم قال: (كل غلام رهينة بعقيقته حتى تذبح عنه (1) يوم السابع ويحلق رأسه
ويدمى) فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع؟ قال: إذا ذبحت العقيقة أخذت
(منها) (2) صوفة فاستقبلت بها أوداجها، ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على
رأسه مثل الخط، ثم يغسل رأسه بعد ويحلق، قال أبو داود: أخطأ همام إنما هو يسمى (4) *
قال أبو محمد: بل وهم أبو داود لان هما ما ثبت وبين أنهم سألوا قتادة عن صفة التدمية
المذكورة فوصفها لهم * ومن طريق البخاري نا عبد الله بن أبي الأسود نا قريش بن أنس
عن حبيب بن الشهيد قال: أمرني ابن سيرين ان اسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة
فسألته؟ فقال: من سمرة بن جندب (5) *
قال على: لا يصح للحسن سماع من سمرة الا حديث العقيقة وحده، فهذه الأخبار نص
ما قلنا وهو قول جماعة من السلف * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
يوسف بن ماهك أنه دخل حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وقد ولدت للمنذر
ابن الزبير غلاما فقتل لها: هلا عققت جزورا على ابنك؟ قالت معاذ الله كانت عمتي
عائشة تقول: على الغلام شاتان وعلى الجارية شاة * ومن طريق أبى الطفيل عن ابن عباس
عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، وهو قول عطاء بن أبي رباح * ومن طريق ابن الجهم
نا جعفر بن محمد الصائغ نا عفان نا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنوري - عن عطاء بن السائب
عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: يحلق رأسه ويلطخه بالدم ويذبح يوم السابع ويتصدق
بوزنه فضة * ومن طريق مكحول بلغني عن ابن عمر أنه قال: المولود مرتهن بعقيقته * وعن
بريدة الأسلمي ان الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات
الخمس، ومثله عن فاطمة بنت الحسين * ومن طريق الحسن البصري يصنع بالعقيقة ما يصنع
بالأضحية * وعن عطاء قال: يأكل أهل العقيقة ويهدونها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بذلك، زعموا وإن شاء تصدق *

(1) سقط لفظ (عنه) من سنن أبي داود ج 3 ص 62، ورهينة بمعنى مرهونة والتاء للمبالغة
(2) الزيادة من سنن أبي داود
(3) أي بالصوفة، وفى سنن أبي داود (به) وقوله (أوداجها) أي عروقها التي تقطع عند الذبح
(4) الذي في سنن أبي داود (قال أبو داود: خولف همام في الكلام وهو وهم من همام وإنما قالوا: يسمى
فقال همام: يدمى، وقال أبو داود: وليس يؤخذ بهذا) انتهى، واستشكل هذا العلماء مما في بقية روايته وهو قوله:
فكان قتادة إذا سئل الخ فيبعد من هذا الضبط ان يقال: إن هماما وهم عن قتادة في قوله يدمى الا ان يقال إن
أصل الحديث ويسمى وان قتادة ذكر الدم حاكيا عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، وقد ذهب المؤلف رحمه الله
رد قول أبى داود بما ذكره والله أعلم
(5) هو في صحيح البخاري ج 7 ص 153
525

قال أبو محمد: أمره عليه السلام بالعقيقة فرض كما ذكرنا لا يحل لاحد أن يحمل شيئا من
أوامره عليه السلام على جواز تركها الا بنص آخر وارد بذلك والا فالقول بذلك كذب
وقفو لما لا علم لهم به * وقد قال عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) *
وممن قال بوجوبها. وأبو سليمان. وأصحابنا، وممن قال: بالشاتين عن الذكر والشاة عن الأنثى
الشافعي. وأبو سليمان، ولا تسمى السخلة شاة، وقد ذكرنا في الأضاحي قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا تجزى جذعة عن أحد بعدك) فهذا عموم لا يخص منه الا ما خصه نص، واسم الشاة يقع
على الضانية. والماعزة بلا خلاف اطلاقا بلا إضافة، وقال الأعشى يصف ثورا وحشيا:
فلما أضاء الصبح ثار مبادرا * وكان انطلاق الشاة من حيث خيما
وقال ذو الرمة يخاطب ظبية:
أنا ظبية الوعساء بين جلاجل (1) * وبين النقا آأنت أم أم سالم
فأجابه أخو هشام وكلاهما عربي أعرابي فصيح:
فلو تحسن التشبيه والشعر لم تقل * لشاة النقا آأنت أم أم سالم
وقال زهير بن أبي سلمى يصف حمير وحش:
فبينا نبغي الوحش (2) جاء غلامنا * يدب (3) ويخفى شخصه ويضائله (4)
فقال: شياه راتعات بقفرة * بمستأسد القريان حو مسائله (5)
ثلاث كأقواس السراء (6) ومسحل (7) * قد اخضر من لس الغمير جحافله (8)
وقد خرم (9) الطراد عنه جحاشه * فلم يبق الا نفسه وحلائله (10)
ثم مضى في الوصف إلى أن قال:
فتبع آثار الشياه وليدنا (11) * كشؤبوب غيث يحفش الاكم وابله (12)
فرد علينا العير من دون الفه (13) * على رغمه يدمى نساه وفائله (14)

(1) روى بجيمين، وبحاءين مهملتين: قيل: هو جبل من جبال الهناء
(2) أي نبتغيه وهو تكثير بغى يبغي بمعنى ابتغى يبتغى وفى النسخة المطبوعة سنة 1323 (نبغي الصيد)
(3) أي يمشى
(4) أي يصغره
(5) المستأسد ما طال من النبت وقوى، والقربان مجاري المياه إلى الرياض واحدها قرى من قريت الماء إذا جمعته، والحو ذات النبات الشديد الخضرة
(6) هو شجر تتخذ منه القسي،
(7) هو الحمار الوحشي
(8) اللس الاخذ بمقدم الفم، والغمير نبت اخضر قد غمه نبت آخر أطول منه أو غمره اليبس فهو غمير بمعنى مغمور
(9) أي قطع الصيادون عنه جحاشه أي أولاده
(10) جمع حليلة وهي زوج الرجل
(11) أي اتبع آثار الحمير غلامنا
(12) الشؤ بوب الدفعة من المطر وسيل يحفش الاكم يكسر الاكم حتى يستخرج ما فيها، والاكم جمع اكمة وهي الرابية ولوابل اغزر المطر وأعظمه قطرا، وفى نسخة يحفش الأرض وابله، والمعنى واحد *
(13) الف العير أتانه لأنه تألفه ويالفها
(14) النسا والفائل عرقان
526

فسمى الشياه، ثم فسرها بأن لها مسحلا وجحاشا وأنها عير وأتانه (1) *
فان قال قائل: فهلا قلتم بايجاب الزكاة فيها وبأخذ ذلك في زكاة الغنم وزكاة الإبل
وفى العقيقة. والنسك قلنا: لم يجز ذلك لان النص في الزكاة إنما جاء كما أوردنا في كتاب الزكاة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص كتابه في صدقه الغنم (في سائمتها إذا كانت أربعين إلى
عشرين ومائة شاة) وفى الحديث الآخر (في الغنم في كل أربعين شاة شاة) وفى حديث
أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم (في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل
خمس شاة) واسم الغنم لا يقع في اللغة إلا على الضأن والماعز فقط فوجب بالأحاديث الواردة
في الزكاة أن لا يأخذ الا من الغنم ولا يعطى في زكاة الإبل إلا الغنم وأما المأخوذ من الغنم
فالله تعالى يقول: (خذ من أموالهم صدقة) وهذا اللفظ يقتضى بظاهره أخذ الصدقة من
نفس المال الذي يجب فيه الصدقة، والذي هي مأخوذة منه فثبت أن المأخوذ في الصدقة إنما
هو من الأموال التي تؤخذ منها الصدقة فلا تجزئ من غيرها الا ما جاء النص بأنه يجزى
كزكاة الإبل من الغنم، وزكاة الغنم من غنم يأتي بها من حيث شاء، وبالله تعالى التوفيق *
وأما العقيقة والنسك فقد قلنا: لا يقع اسم شاة بالاطلاق في اللغة أصلا على غير
الضأن والمعز وإنما يطلق ذلك على الضباء. وحمر الوحش. وبقر الوحش استعارة وبيان
وإضافة لا على الاطلاق أصلا، وليس الاقتصار على الضأن والماعز اجماعا في العقيقة *
روينا من طريق ابن وهب عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد
ابن إبراهيم التيمي قال: سمعت أنه يستحب العقيقة ولو بعصفور، وقد رأى بعضهم
في ذلك الجزور وإنما أتينا بهذا لئلا يدعى علينا الاجماع في ذلك، (فان قيل): فهلا
أجزتم أن يعق بما شاء متى شاء؟ لحديث سلمان بن عامر (أريقوا عنه دما) قلنا: ذلك
خبر مجمل فسره الذي فيه (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة تذبح يوم السابع)
فكانت هذه الصفة واجبة وكان من عق بخلافها مخالفا لهذا النص، وهذا لا يجوز
ولا يحل وكان من عق بهذه الصفة موافقا لخبر سلمان بن عامر غير خارج عنه وهذا
هو الذي لا يحل سواه، (فان قيل) فمن أين أجزتم الذبح بعد السابع (2)؟ قلنا: لأنه قد
وجب الذبح يوم السابع ولزم اخراج تلك الصفة من المال فلا يحل ابقاؤها فيه فهو
دين واجب اخراجه وبالله تعالى التوفيق *
وأما التسمية فروينا من طريق مسلم نا محمد بن حاتم نا بهز بن أسد نا سليمان بن المغيرة
عن ثابت - هو البناني - عن أنس بن مالك (أن أم سليم أمه ولدت غلاما فقالت

(1) أي أتان العير، ولا يقال أتانة
(2) في النسخة رقم 16 (يوم السابع) وهو غلط
527

له: يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما
أصبحت انطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لعل أم سليم ولدت قلت:
نعم فوضعته في حجره ودعا عليه السلام بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه ثم قذفها
في في الصبي فجعل الصبي يتلمظها (1) فمسح وجهه وسماه عبد الله) * وقد روينا من
طريق ابن أيمن نا إبراهيم بن إسحاق السراج نا عمر وبن محمد الناقد انا الهيثم بن جميل
نا عبد الله بن المثنى بن أنس نا ثمامة بن عبد الله بن انس عن أنس (ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد ما جاءته النبوة (2) * وروينا عن ابن سيرين انه كان لا يبالي
أن يذبح العقيقة قبل السابع أو بعده، ولا نقول بهذا، ولا يجزى قبل السابع لأنه خلاف
النص ولم تجب العقيقة بعد * ومن طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن البصري
إذا لم يعق عنك فعق عن نفسك وان كنت رجلا، (فان قيل): قد روى عن عمرو بن
شعيب (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعقيقة يوم سابع المولود وتسمية) قلنا: هذا مرسل (3)،
ولم يصح في المنع من كسر عظامها شئ (فان قيل): قد رويتم عن عائشة أم المؤمنين
(وقد قيل لها في العقيقة بجزور فقالت: لا بل السنة أفضل عن الغلام شاتان مكافأتان
وعن الجارية شاة تقطع جدولا (4) ولا يكسر لها عظم فيأكل ويطعم ويتصدق وليكن

(1) في صحيح مسلم ج 2 ص 170 (يتلمظه) أي يتلمظ اثر التمر أي يدير لسانه في
فيه ويحركه يتتبع اثر التمر، واسم ما يبقى في الفم من اثر الطعام لماظة
(2) رواه البيهقي من حديث قتادة عن أنس وقال منكر، وفيه عبد الله بن محرر وهو ضعيف
(3) لأنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مرسل، وبيان ذلك أنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي، فجده الأدنى محمد
تابعي والأعلى عبد الله صحابي فان أراد بجده الأدنى وهو محمد فالحديث مرسل لا يحتج
به، وان أراد عبد الله كان متصلا واحتج به فإذا أطلق ولم يبين احتمل الامرين فلا يحتج به،
وما هنا سكت عنه فلم يحتج المصنف به، قال الحافظ ابن حجر في الفتح ج 9 ص 508 وللترمذي
من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسمية المولود لسابعه
وهذا من الأحاديث التي يتعين فيها ان الجد هو الصحابي لأجد عمرو الحقيقي محمد بن عبد الله
ابن عمرو، اه‍ والله أعلم، وقال الحافظ: وفى الطبراني عن ابن عمر رفعه (إذا كان يوم السابع
للمولود فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى وسموه) وسنده حسن، اه‍ أقول فينظر
ذلك ويحقق والله أعلم
(4) هو بضم الجيم والدال المهملة بعدها واو جمع جدل بالكسر والفتح وهو العضو، وفى النسخة رقم 14 (جوزلا) بالزاي، وفى النسخة رقم 16 (جزوا) وكلاهما غلط
528

ذلك يوم السابع فإن لم يكن ففي أربعة عشر فإن لم يكن ففي احدى وعشرين) (1)
قلنا: هذا لا يصح لأنه من رواية عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، ثم لو كان صحيحا
لما كانت في حجة لأنه عمن دون النبي صلى الله عليه وسلم * وعن عطاء كانوا يستحبون
أن لا يكسر لها عظم فان أخطأهم أن يعقوا يوم السابع فأحب إلى أن يؤخره إلى السابع
الآخر، وليس هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم (فان قيل): فقد رويتم عن ابن أبي شيبة
عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه (ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث من
عقيقة الحسن والحسين إلى القابلة برجلها، وقال: لا تكسروا منها عظما) قلنا: هذا
مرسل (2) ولا حجة في مرسل، ويلزم من قال بالمرسل أن يقول بهذا لا سيما مع قول
أم المؤمنين. وعطاء وغيرهما بذلك * روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا معن
ابن عيسى عن ابن أبي ذئب عن الزهري في العقيقة قال: تكسر عظامها ورأسها ولا يمس
الصبي بشئ من دمها * وروينا عن عطاء من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عنه
في العقيقة تطبخ بماء وملح آرابا وتهدى في الجيران والصديق ولا يتصدق منها بشئ *
ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن البصري قال: يعق عن الغلام ولا يعق عن
الجارية * ومن طريق ابن أبي شيبة عن جرير. وسهل بن يوسف قال سهل: عن عمرو
عن محمد بن سيرين انه كان لا يرى على الجارية عقيقة، وقال جرير عن المغيرة بن مقسم
عن أبي وائل - هو شقيق بن سلمة - قال: لا يعق عن الجارية ولا كرامة * وهذه أقوال لا يلزم
منها شئ لا حجة الا في وحى عن الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (وما ينطق عن الهوى
ان هو الا وحى يوحى)، ولم يعرف أبو حنيفة العقيقة فكان ماذا؟ ليت شعري إذ لم يعرفها
أبو حنيفة ما هذا بنكره فطال ما لم يعرف السنن * واحتج من لم يرها واجبة برواية
واهية عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله (3)، وهذا لا حجة
فيه لأنه قول محمد بن علي ولا يصح دعوى النسخ الا بنص مسند إلى رسول الله صلى الله

(1) الحديث في مستدرك الحاكم ج 4 ص 238، وأوله (عن أم كرز وأبى كرز قالا:
نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبي بكر ان ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزورا فقالت
عائشة رضي الله عنها: لابل الخ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه اه‍ وأقره
على ذلك الذهبي، وتضعيف المصنف للعرزمي ليس بشئ ويسلم له رده من الوجهة الثانية
والله أعلم
(2) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: ورواه حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا
(3) قال الحافظ ابن حجر في الفتح ج 9 ص 507: أخرجه الدارقطني من حديث على وفى سنده ضعف
529

عليه وسلم وبما روينا من طريق سفيان. وسفيان عن زيد بن أسلم عن رجل عن أبيه
قال الثوري: من بنى ضمرة وقال ابن عيينة: أو عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل
عن العقيقة؟ لا أحب العقوق من ولد له ولد فأحب ان ينسك عنه فليفعل (1)، وقال ابن
عيينة: أو عن عمه شهدت النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا شئ لأنه عن رجل لا يدرى من
هو في الخلق، وقال الشافعي. والنخعي ليست واجبة واحتجوا برواية عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة؟ فقال: لا أحب العقوق من أحب
منكم ان ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة *
قال أبو محمد: وهذا صحيفة ولو صح لكان حجة لنا عليهم لان فيه ايجاب ذلك على
الغلام والجارية وان ذلك لا يلزم الأب الا أن يشأ هذا نص الخبر ومقتضاه فهي
كالزكاة وزكاة الفطر في هذا ولافرق، وقال مالك: العقيقة ليست واجبة لكنها شاة
عن الذكر والأنثى (2) سواء تذبح يوم السابع ولا يعد فيها يوم ولادته فإن لم يعقوا
في السابع عقوا في السابع الثاني فإن لم يفعلوا لم يعقوا بعد ذلك وما نعلم لهم سلفا في أن لا يعد
يوم الولادة ولا في الاقتصار على السابع الثاني فقط ولا ندري أحدا قال: هذين القولين
قبله، وأما القول بشاة عن الذكر والأنثى فقد روى عن طائفة من السلف منهم عائشة أم
المؤمنين. وأسماء أختها ولا يصح ذلك عنهما لأنها عن ابن لهيعة وهو ساقط، أو عن سلافة
مولاة حفصة وهي مجهولة، أو عن أسامة بن زيد الليثي وهو ضعيف، أو عن مخرمة بن بكير عن
أبيه وهي صحيفة، وإنما الصحيح عن أم المؤمنين ما ذكرنا عنها قبل لكنه عن ابن عمر صحيح *
واحتج من رأى هذا بما روينا من طريق ابن أيمن نا أحمد بن محمد البرتي نا أبو معمر
عبد الله بن عمرو الرقى نا عبد الوارث بن سعيد التنوري نا أيوب السختياني عن عكرمة
عن ابن عباس (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن كبشا وعن الحسين كبشا) *
ومن طريق ابن الجهم نا محمد بن غالب التمتام نا الحارث بن مسكين نا ابن وهب عن جرير
ابن حازم عن قتادة عن أنس (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين شاتين) *
قال أبو محمد: وهذان عندنا أثران صحيحان الا أنه لا حجة فيهما لهم لوجوه، أولها

(1) ورواه مالك في الموطأ ج 2 ص 45 عن يحيى بن مالك عن زيد بن أسلم الخ قال ابن عبد البر: لا أعلمه روى
معنى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الامن هذا الوجه، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
أخرجه أبو داود والنسائي، قال الحافظ ابن حجر في الفتح وقد أخرجه البزار وأبو الشيخ في العقيقة من حديث أبي
سعيد ولا حجة فيه لنفى مشروعيتها بل آخر الحديث يثبتها وإنما غايته ان يؤخذ منه ان الأولى ان تسمى تسيكة أو ذبيحة
وان لا تسمى عقيقة
(2) في النسخة رقم 16 (عن الذكر أو الأنثى)
530

ان حديث أم كرز زائد على ما في هذين الخبرين والزيادة من العدل لا يحل تركها، والثاني
اننا روينا من طريق أحمد بن شعيب انا قتيبة نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عبيد الله بن أبي
يزيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز قالت: أتيت رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم بالحديبية أسأله
عن لحوم الهدى؟ فسمعته يقول: على الغلام شاتان وعلى الجارية شاة لا يضركم ذكرانا
كانت (2) أم إناثا) ولا خلاف في أن مولد الحسن رضي الله عنه كان عام أحد وان
مولد الحسين رضي الله عنه كان في العام الثاني له وذلك قبل الحديبية. بسنتين فصار
الحكم لقوله المتأخر لا لفعله المتقدم الذي إنما كان تطوعا منه عليه السلام، والوجه
الثالث اننا روينا من طريق ابن الجهم نا معاذنا القعنبي نا سليمان بن بلال عن جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده (أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقت عن
الحسن والحسين حين ولدتهما شاة شاة) *
قال أبو محمد: لا شك في أن الذي عقت به فاطمة رضي الله عنها هو غير الذي عق به
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع من هذين الخبرين أنه عليه السلام عق عن كل واحد منهما بكبش
وعقت فاطمة رضي الله عنها عن كل واحد منهما بشاة فحصل عن كل واحد منهما كبش وشاة
كبش وشاة * وقد روينا أيضا خبرا لو ظفروا بمثله لاستبشروا كما روينا من طريق أحمد
ابن شعيب انا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي نا إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج
عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: (عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهم
ا (3) بكبشين كبشين) (4) * وروينا أيضا مثل هذا من طريق ابن جريج عن
أو المؤمنين عائشة وهو منقطع، والعجب أن سفيان الثوري روى ذلك الخبر عن أيوب عن
عكرمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بكبش كبش)، وكذلك أيضا أرسله
معمر عن أيوب وبأقل من هذا يتعللون في رد الاخبار ويدعون أنه اضطراب ونحن
لا نراعي هذا وإنما معتمدنا على ما ذكرنا من الاخذ بالزائد والآخر، وبالله تعالى التوفيق *
تم كتاب العقيقة بحمد الله *

(1) في النسائي ج 7 ص 165 (أتيت النبي)
(2) في النسائي (ذكر انا كن) أي شياه العقيقة
(3) الزيادة من النسائي ج 7 ص 166
(4) في النسخة رقم 14، والنسخة اليمنية فيها ذكر الكبشين ثلاثا وهو محل نظر وما هنا موافق لسنن النسائي ج 7 ص 166
531

(خاتمة الطبع)
قد تم والحمد لله وحده طبع الجزء السابع من كتاب المحلى للامام المجتهد
علامة المعقول والمنقول فارس زمانه وخاتمة دهره وأوانه ناصر السنة وقامع
البدعة أبى محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم قدس الله روحه ونور مرقده
وضريحه، ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثامن وأوله (كتاب النذور)
أرجو الله ان يوفقني لاكمال طبعه إنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ولعباده سميع مجيب *
* (تنبيه) *
قد انتدبت إدارة الطباعة المنيرية فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد الرحمن الجزيري
مفتش أول مساجد الأوقاف ومؤلف كتاب الفقه على المذاهب الأربعة بأمر الحكومة
المصرية لتصحيح هذا الجزء والتزمت هي وضع التقييدات ومراجعة أصوله على الأصول
المحررة وحل ما استشكل منها كما جرت في الاجزاء المتقدمة فجاء هذا الجزء حائزا تمام
العناية وكمال التوفيق فنسأل الله تعالى ان يوفقنا إلى باقي الاجزاء كذلك أنه على ما يشاء لقدير
وبالإجابة جدير *
(1) وقع في صفحة 225 سطر 24 (5) طائر معروف واحده ويجمع أيضا على
قطاة قطوات وقطوات وقطيات وهو من تصحيف جهلة عمال المطبعة وصوابه (5) طائر معروف
واحده قطاة ويجمع أيضا على قطوات وقطيات، وغالبه أصلح بالقلم
(2) ووقع في صفحة 463 سطر 26 هذا الحديث لم أجده في مسند الإمام أحمد
وهو غلط صوابه هو في ج 4 ص 378
(3) ووقع في صفحة 463 سطر 26 لم أجد هذا الحديث الخ صوابه موجود في ج
4 ص 377
تمت
532