الكتاب: المحلى
المؤلف: ابن حزم
الجزء: ١٠
الوفاة: ٤٥٦
المجموعة: فقه المذهب الظاهري
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الفكر
ردمك:
ملاحظات: طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر

المحلى
تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الأصولي، قوي العارضة
شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف
الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والأصول
والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الأندلس
أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
المتوفى سنة 456 ه‍.
طبعة مصححة ومقابلة
على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة
كما قوبلت على النسخة التي حققها الأستاذ
الشيخ أحمد محمد شاكر
الجزء العاشر
دار الفكر
1

بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الرضاع
1863 مسألة ومن كانت له امرأتان أو أمتان أو زوجة وأمة فأرضعت
إحداهما بلبن حدث لها من حمل منه رجلا رضاعا محرما وأرضعت الأخرى بلبن
حدث لها من حمل منه امرأة كذلك لم يحل لأحدهما نكاح الآخر أصلا، وكل من
أرضعت الرجل حرمت عليه لأنها أمه من الرضاعة وحرم عليه بناتها لأنهن أخواته
سواء في ذلك من ولدت قبله أو من ولدت بعده من الرضاعة وحرمت عليه أخواتها
لأنهن خالاته من الرضاعة وحرمت عليه أماتها لأنهن جداته وحرم عليه أخوات
زوج التي أرضعته بلبنها من حمل منه لأنهن عماته من الرضاعة وحرمت عليه أمهاته
لأنهن جداته وحرم عليه من أرضعت امرأته بلبن حدث لها من حمل منه لأنها من
بناته، وكذلك يحرم على الرجل الذي أرضعت امرأته، وحكم التي ترضع امرأته
كحكم ابنتها التي ولدتها ولا يجمع بين الأختين من الرضاعة * برهان ذلك قول الله
عز وجل فيما حرم من النساء: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة)
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) فدخل في هذا
كل ما ذكرنا وما لم نذكر وبالله تعالى التوفيق، وكل هذا فلا خلاف فيه الا في خمسة
مواضع وهي لبن الفحل. وصفة الرضاع المحرم. وعدد الرضاع المحرم. ورضاع
الكبير. والرضاع من ميتة *
1864 مسألة لبن الفحل يحرم وهو ما ذكرنا آنفا من أن ترضع امرأة
رجل ذكر أو ترضع امرأته الأخرى أنثى فتحرم إحداهما على الأخرى، وقد رأى قوم
من السلف هذا لا يحرم شيئا كما صح عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها رويناه من
طريق أبى عبيدنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن عبد الرحمن بن القاسم
ابن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تأذن لمن أرضعته أخواتها وبنات أخيها
2

ولا تأذن لمن أرضعته نساء إخوتها وبنى إخوتها، ومثله طريق مالك عن عبد الرحمن
ابن القاسم ان أباه حدثه بذلك عن عائشة أم المؤمنين * ومن طريق سعيد بن منصور نا
عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: أخبرني ربيعة. ويحيى بن سعيد. وعمرو بن
عبد الله. وأفلح بن حميد كلهم عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: كان يدخل على
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها من أرضعته بنات أبى بكر ولا يدخل عليها من
أرضعته نساء أبى بكر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خصيف عن
سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر أنه قال: لا بأس بلبن الفحل * ورويناه
أيضا من طريق جابر بن عبد الله: ومن طريق أبى عبيدنا إسماعيل بن جعفر عن محمد
ابن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود ان أمه زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين
أرضعتها أسماء بنت أبي بكر الصديق امرأة الزبير قالت زينب: فأرسل إلى عبد الله بن
الزبير يخطب ابنتي أم كلثوم على أخيه حمزة بن الزبير وكان حمزة بن الكلبية فقلت
لرسوله: وهل تحل له؟ إنما هي بنت أخيه فأرسل إلى ابن الزبير إنما تريدين المنع انا وما
ولدت أسماء اخوتك وما كان من ولد الزبير من غير أسماء فليسوا لك باخوة فارسلي
فاسألي عن هذا فأرسلت فسألت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون وأمهات
المؤمنين فقالوا: ان الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل عنده
حتى هلكت * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا يحيى بن سعيد الأنصاري
أن حمزة بن الزبير بن العوام تزوج ابنة زينب بنت أم سلمة وقد أرضعت أسماء بنت أبي بكر
زينب بنت أم سلمة بلبن الزبير قال يحيى بن سعيد: وكانت امرأة سالم بن عبد الله بن عمر بن
الخطاب قد أرضعت حمزة بن عبد الله بن عمر فولد لسالم بن عبد الله من امرأة أخرى غلام
اسمه عمر فتزوج بنت حمزة بن عبد الله بن عمر * ومن طريق سعيد بن منصور نا
عبد العزيز بن محمد الدراوردي أخبرني عمرو بن حسين مولى قدامة بن مظعون أن سالم
ابن عبد الله بن عمر زوج ابنا له أختا له من أبيه من الرضاعة * ومن طريق عبد الرزاق
ووكيع قال عبد الرزاق: عن سفيان الثوري عن الأعمش وقال: وكيع عن شعبة
عن الحكم بن عتيبة قالا جميعا عن إبراهيم النخعي قال: لا بأس بلبن الفحل *
ومن طريق حماد بن سلمة أنا محمد بن عمرو عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه سأل
سعيد بن المسيب: وعطاء بن يسار. وسليمان بن يسار. وأبا سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف قالوا كلهم: إنما يحرم من الرضاعة ما كان من قبل النساء ولا يحرم ما كان
من قبل الرجال * ومن طريق أبى عبيد نا أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير عن
3

محمد بن عمرو عن يزيد بن عبد الله بن قسيط فذكره عنهم وزاد فيهم أبا بكر بن سليمان
ابن أبي حشمة، وروى أيضا عن مكحول. الشعبي * ومن طريق سعيد بن منصور
نا خالد بن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء عن بكر بن عبد الله عن أبي قلابة أنه لم يكن
يرى بلبن يرى بلبن الفحل بأسا * ومن طريق سعيد بن منصور نا عبد العزيز بن محمد أخبرني أفلح
ابن حميد قال قلت للقاسم بن محمد بن محمد بن أبي بكر الصديق أن فلانا من آل أبي فروة أراد
أن يزوج غلاما أخته من أبيه من الرضاعة فقال القاسم: لا بأس بذلك * وذهب آخرون
إلى التحريم به كما روينا من طريق أبى عبيدنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو بن علقمة
عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ان أمه زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين أرضعتها أسماء
بنت أبي بكر الصديق امرأة الزبير بن العوام قالت زينب: فكان الزبير يدخل على
وأنا امتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول: أقبلي علي فحدثيني أرى أنه أبى وما
ولد فهم اخوتي * ومن طريق أبى عبيدنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس عن
ابن شهاب عن عمرو بن الشريد عن ابن عباس أنه سئل عن رجل كانت له امرأتان
أرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاما أيحل أن يتناكحا؟ فقال ابن عباس: لا اللقاح
واحد * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان نا عباد بن منصور قال: سألت القاسم
ابن محمد بن أبي بكر الصديق. وطاوسا. وعطاء بن أبي رباح. والحسن البصري فقلت: امرأة
أبى أرضعت بلبان أخوتي جارية من عرض الناس إلى أن أتزوجها؟ فقال القاسم:
لا أبوك أبوها. وقال عطاء. وطاوس. والحسن: هي أختك * ومن طريق عبد الرحمن
ابن مهدي نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن مجاهد أنه كره لبن الفحل *
ومن طريق سعيد بن منصور. وأبى عبيد قالا: نا هشيم أن عبد الله بن سبرة الهمداني
أنه سمع الشعبي يكره لبن الفحل * ومن طريق حماد بن سلمة أنا هشام بن عروة بن الزبير
عن أبيه في رجل أرضعت امرأة أبيه امرأة وليست أمه أتحل له؟ قال عروة: لا تحل
له * ومن طريق مالك عن ابن شهاب قال: الرضاعة من قبل الام تحرم *
ومن طريق أبى عبيدنا عبد الله بن إدريس الأودي عن الأعمش قال: كان عمارة.
وإبراهيم. وأصحابنا لا يرون بلبن الفحل بأسا حتى أتاهم الحكم بن عتيبة بخبر أبى القعيس *
قال أبو محمد: هكذا يفعل أهل العلم لا كمن يقول: أين كان فلان وفلان عن
هذا الخبر؟ وهو قول سفيان الثوري. والأوزاعي. والليث بن سعد. وأبي حنيفة.
ومالك. والشافعي. وأبي سليمان. وأصحابهم، وتوقف فيه آخرون كما روينا من
طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية أنا عباد بن منصور قال:
4

سألت مجاهدا عن جارية من عرض الناس أرضعتها امرأة أبى أترى لي ان أتزوجها؟
فقال: اختلف فيها الفقهاء فلست أقول شيئا، وسألت ابن سيرين فقال: مثل قول مجاهد *
قال أبو محمد: فنظرنا في ذلك فوجدنا ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا
حرملة بن يحيى التجيبي أنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة
ابن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها أخبرته (أنه جاء أفلح أخو أبى القعيس ليس يستأذن
عليها بعد الحجاب وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة (قالت عائشة: فقلت:
والله لا آذن لافلح حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان أبا القعيس هو الذي
أرضعني ولكن أرضعتني امرأته فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله ان أفلح
أخا أبى القعيس جاء يستأذن على فكرهت أن آذن له حتى استأذنك قالت: فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: ائذني له) * ونا محمد بن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق النصري أنا عيسى
ابن حبيب القاضي نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى حدثني جدي محمد
ابن عبد الله نا سفيان بن عيينة عن الزهري وهشام بن عروة كلاهما عن عروة عن عائشة أم
المؤمنين يزيد أحدهما على صاحبه قالت: (جاء عمى بعد ما ضرب الحجاب فاستأذن على فلم آذن
له فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائذني له فإنه عمك فقلت: يا رسول الله فإنما أرضعتني المرأة ولم
يرضعني الرجل قال: تربت يمينك ائذني له فإنه عمك) * ومن طريق مسلم نا عبد الله
ابن معاذ العنبري نا أبى نا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة
أم المؤمنين قالت: (استأذن على أفلح بن قعيس فأبيت ان آذن له فأرسل إلى انى عمك
أرضعتك امرأة أخي فأبيت ان آذن له فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له
فقال: ليدخل عليك فإنه عمك) فكان هذا خبرا لا تجوز مخالفته وهو (1)
زائد على ما في القرآن *
وأما الحنيفيون والمالكيون. فتناقضوا ههنا أقبح تناقض لان كلتا الطائفتين
تقول: إذا روى الصاحب خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن ذلك الصاحب خلاف
ما روى فهو دليل على نسخ ذلك الخبر، قالوا ذلك في مواضع، منها ما روى عن جابر
في ولد المدبرة انه يعتق في عتقها ويرق في رقها فادعوا ان هذا خلاف لما روى عن جابر (2)
عن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا، والعجب أنه ليس خلافا لما روى بل هو موافق لبيع المدبر
لان فيه يرق برقها *
قال أبو محمد: وهذا خبر لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا عائشة وحدها وقد

(1) في النسخة رقم 16 وهذا
(2) في النسخة رقم 14 لما روى جابر
5

صح عنها خلافه فاخذوا بروايتها وتركوا رأيها ولم يقولوا تخالفه الا لفضل علم عندها،
وقالوا: لا ندري لأي معنى لم يدخل عليها من أرضعته نساء اخوتها *
قال أبو محمد: فكان هذا عجبا جدا يثبت عنها كما أوردنا انه كان لا يدخل عليها
من أرضعته نساء أبى بكر ونساء اخوتها، ونساء بنى اخوتها بأصح اسناد وانه كان
يدخل (1) عليها من أرضعته أخواتها وبنات أخواتها فهل ههنا شئ يمكن ان يحمل هذا
عليه؟ الا أن الذين اذنت لهم رأتهم ذوي محرم منها وان الذين لم تأذن لهم لم ترهم ذوي
محرم منها ولكنهم لا يستحيون من المجاهرة بالباطل ومدافعة الحق بكل ما جرى على
ألسنتهم من غث ورث ونعوذ بالله من الضلال * وقال بعضهم: للمرأة ان تحتجب ممن
شاءت من ذوي محارمها فقلنا: ان ذلك لها الا أن تخصيصها رضي الله عنه بالاحتجاب
عنهم من أرضعته نساء أبيها ونساء اخوتها ونساء بنى أخواتها دون من أرضعته أخواتها
وبنات أخواتها لا يمكن الا للوجه الذي ذكرنا لا سيما مع تصريح ابن الزبير وهو أخص
الناس بها بأن لبن الفحل لا يحرم، وأفتى القاسم (2) بذلك فظهر تناقض أقوالهم
والحمد لله رب العالمين، وعهدنا بالطائفتين تعترض كلتاهما عن الخبر الثابت بالمسح
على العمامة وعلى رضاع سالم بأنها زيادة على ما في القرآن ولا شك في أن التحريم بلبن الفحل
زيادة على ما في القرآن ولم يجئ مجئ التواتر فظهر أيضا تناقضهم ههنا، وعهدنا بالطائفتين
تقولان: ان ما كثر به البلوى لم يقبل فيه خبر الواحد وراموا بذلك الاعتراض على الخبر
الثابت من أن البيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا ولبن الفحل مما تكثر به البلوى وقد خالفته
الصحابة وأمهات المؤمنين هكذا جملة وابن الزبير. وزينب بنت أم سلمة. والقاسم.
وسالم. وسعيد بن المسيب. وعطاء بن يسار. وسليمان بن يسار. وأبو سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف. وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة. وإبراهيم النخعي. وأبو قلابة.
ومكحول. وغيرهم فهلا قالوا ههنا. لو كان صحيحا ما خفى على هؤلاء وهو مما تكثر به
البلوى كما قالوا في خبر التفرق في البيع وما نعلمه خفى عن أحد من الصحابة والتابعين الا
عن إبراهيم النخعي وحده، فظهر بهذا فساد أصولهم الفاسدة التي ذكرنا وانها لا معنى
لها وإنما هي اعتراض على الحق بالباطل ونعوذ بالله من الخذلان *
1865 مسألة ولو أن رجلا تزوج امرأتين فأرضعتهما امرأة رضاعا محرما
حرمتا جميعا وانفسخ نكاحهما إذ صارتا بذلك الرضاع أختين أو عمة وبنت أخ أو خالة
وبنت أخت أو حريمة امرأة له لأنهما معا حدث لهما التحريم فلم تكن إحداهما أولى

(1) في النسخة رقم 16 لا يدخل
(2) في النسخة رقم 14 فتيا القاسم
6

بالفسخ من الأخرى وكذلك لو دخل بهما فأرضعت إحداهما الأخرى رضاعا محرما
ولا فرق فلو لم يدخل بهما فأرضعت إحداهما الأخرى رضاعا محرما انفسخ نكاح التي
صارت أما للأخرى وبقى نكاح التي صارت لها ابنة صحيحا لان الله تعالى قال: (وربائبكم
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم)
فصارت بنت امرأته التي لم يدخل بها ولا هي في حجرة فثبت نكاحها وصارت الأخرى
من أمهات نسائه فحرمت جملة وبالله تعالى نتأيد *
1866 مسألة: وأما صفة الرضاع المحرم فإنما هو ما امتصه الراضع
من ثدي المرضعة بفيه فقط، فاما (1) من سقى لبن امرأة فشربه من اناء أو حلب
في فيه فبلعه أو أطعمه بخبز أو في طعام أو صب في فمه أو في انفه أو في اذنه أو حقن به
فكل ذلك لا يحرم شيئا ولو كان ذلك غذاء، دهره كله * برهان ذلك قول الله عز وجل:
(وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فلم يحرم الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا
المعنى نكاحا الا بالارضاع والرضاعة والرضاع فقط ولا يسمى ارضاعا الا ما وضعته
المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع يقال أرضعته ترضعه ارضاعا ولا يسمى رضاعة ولا
رضاعا الا اخذ المرضع أو الرضيع بفيه الثدي وامتصاصه إياه تقول: رضع يرضع
رضاعا ورضاعة، وأما كل ما عدا ذلك مما ذكرنا فلا يسمى شئ منه ارضاعا ولا رضاعة
ولا رضاعا إنما هو حلب وطعام وسقاء وشرب وأكل وبلع وحقنة وسعوط وتقطير،
ولم يحرم الله عز وجل بهذا شيئا، فان قالوا. قسنا ذلك على الرضاع والارضاع قلنا: القياس
كله باطل ولو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل وبالضرورة يدرى كل ذي فهم
أن الرضاع من شاة أشبه بالرضاع من امرأة لأنهما جميعا رضاع من الحقنة بالرضاع
ومن السعوط بالرضاع وهم لا يحرمون بغير النساء فلاح تناقضهم في قياسهم الفاسد
وشرعهم بذلك ما لم يأذن به الله عز وجل *
قال أبو محمد: وقد اختلف الناس في هذا فقال الليث بن سعد: لا يحرم السعوط
لبن المرأة ولا يحرم أن يسقى الصبي لبن المرأة في الدواء لأنه ليس برضاع إنما الرضاع
بالمص من الثدي هذا نص قول الليث وهذا قولنا وهو قول أبى سليمان وأصحابنا *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أرسلت إلى عطاء أسأله عن سعوط
للبن للصغير وكحله به أيحرم؟ قال: ما سمعت انه يحرم، وقال أبو حنيفة. وأصحابه:

(1) في النسخة رقم 14 بفمه فقط وأما
7

لا يحرم الكحل للصبي باللبن ولا صبه في العين أو الاذن ولا الحقنة به ولا مداواة الجائفة
به ولا المأمومة به ولا تقطيره في الإحليل قالوا: فلو طبخ طعام بلبن امرأة حتى صار
مرقة نضجة وكان اللبن ظاهرا فيها غالبا عليها بلونه وطعمه فاطعمه صغير ألم يحرم ذلك
عليه نكاح التي اللبن منها ولا نكاح بناتها وكذلك لو ثرد له خبز في لبن امرأة فاكله
كله لم يقع بذلك تحريم أصلا فلو شربه كان محرما كالرضاع * وأما الخلاف في ذلك فإنه قال
أبو حنيفة. ومالك. والشافعي: السعوط. والوجور يحرمان كتحريم الرضاع
وقد تناقضوا في هذا على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى، وروينا عن الشعبي ان
السعوط والوجور يحرمان *
قال أبو محمد: احتج أهل هذه المقالة بان قالوا: صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال
: (إنما الرضاعة من المجاعة) قالوا: فلما جعل عليه الصلاة والسلام الرضاعة المحرمة
ما استعمل لطرد الجوع كان ذلك موجودا في السقي والاكل فقلنا: هذا لا حجة لكم فيه
لوجهين، أحدهما ان المعنى الذي ذكرتم لأي وجود في السعوط لأنه لا يرفع به شئ من
الجوع. فان لجوا وقالوا: بل يدفع قلنا لأصحاب أبي حنيفة: ان حظ السعوط من ذلك
كحظ الكحل والتقطير في العين باللبن سواء سواء لان كل ذلك واصل إلى الحلق إلى
الجوف فلم فرقتم بين الكحل به وبين السعوط به؟ هذا وأنتم تقولون: ان من قطر
شيئا من الادهان في اذنه وهو صائم فإنه يفطر وكذلك ان احتقن فإن كان ذلك يصل
إلى الجوف فلم لم يحرموا به في اللبن يحقن بها أو يكتحل به وإن كان لا يصل إلى الجوف
فلم فطرتم به الصائم؟ وهذا تلاعب لاخفاء به، وقال مالك: ان جعل لبن المرأة في
طعام وطبخ وغاب اللبن أو صب في ماء فكان الماء هو الغالب فسقى الصغير ذلك الماء أو
أطعم ذلك الطعام لم يقع به التحريم، وأيضا فإنهم يحرمون بالنقطة تصل إلى جوفه وهي
لا تدفع عندهم شيئا من المجاعة (1) فظهر خلافهم للخبر الذي موهوا بأنهم يحتجون به،
والوجه الثاني ان هذا الخبر حجة لنا لأنه عليه الصلاة والسلام إنما حرم بالرضاعة التي
تقابل بها المجاعة ولم يحرم بغيرها شيئا فلا يقع تحريم بما قوبلت به المجاعة من أكل
أو شرب أو وجور أو غير ذلك الا أن يكون رضاعة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن
يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) فان موهوا بما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن
جريج انا عبد الكريم ان سالم بن أبي الجعد مولى الأشجعي حدثه ان أباه أخبره انه سأل
علي بن أبي طالب فقال: انى أردت ان أتزوج امرأة وقد سقتني من لبنها وأنا كبير تداويت به

(1) في النسخة رقم 14 من الجوع وما هنا أنسب بلفظ الحديث
8

فقال له على: لا تنكحها ونهاه عنها، وكان علي بن أبي طالب يقول: ان سقته
امرأته من لبن سريته أو سقته سريته من لبن امرأته لتحرمها عليه فلا يحرمها ذلك *
قال أبو محمد: هذا عليهم لا لهم لان فيه رضاع الكبير والتحريم به وهم لا يقولون
بذلك، وفيه ان رضاع الضرائر لا يحرم عند على وهم لا يقولون بهذا *
1867 مسألة قال أبو محمد: وان ارتضع صغير أو كبير من لبن ميتة أو
مجنونة أو سكرى خمس رضعات فان التحريم يقع به لأنه رضاع صحيح، وقال الشافعي:
لا يقع بلبن الميتة رضاع لأنه نجس، قال على: هذا عجب جدا ان يقول في لبن مؤمنة
انه نجس وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن لا ينجس) وقد علمنا أن المؤمن
في حال موته وحياته سواء هو طاهر في كلتا الحالتين، ولبن امرأة بعضها وبعض الطاهر
طاهر الا أن يخرجه عن الطهارة نص فيوقف عنده ثم يرى لبن الكافرة طاهرا يحرم وهو
بعضها، والله تعالى يقول: (إنما المشركون نجس) وبعض النجس نجس بلا شك، فان قيل:
فأنتم تقولون: ان لبن الكافرة نجس بلا شك وأنتم تجيزون مع ذلك استرضاع الكافرة
قلنا: لان الله تعالى أباح لنا نكاح الكتابية وأوجب على الام رضاع ولدها وقد
علم الله تعالى أنه سيكون لنا أولاد منهن (وما كان ربك نسيا) الا اننا نقول: إن غير
الكتابية لا يحل لنا استرضاعها لأنها ليست مما أبيح لنا اتخاذهن أزواجا وطلب الولد
منهن فبقي لبنها على النجاسة جملة وبالله تعالى التوفيق * ثم نقول: لو خالط لبن المرضعة
دم ظاهر من فم المرضع أو غير ذلك من المحرمات لحرم كما يحرم الذي لم يخالطه شئ
من ذلك لأننا قد بينا في كتاب الطهارة من كتابنا هذا وغيره أن النجس والحرام إذا
خالطهما الطاهر الحلال فان الطاهر طاهر والنجس نجس والحلال حلال والحرام
حرام فالمحرم هو اللبن لاما خالطه من حرام أو نجس ولكل شئ حكمه وبالله تعالى التوفيق،
ولبن المشركة إنما ينجس هو وهي بذلك لدينها النجس فلو أسلمت لطهرت كلها فلا رضاعها
حكم الارضاع في التحريم لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
1868 مسألة ولا يحرم من الرضاع الا خمس رضعات تقطع كل رضعة
من الأخرى أو خمس مصات مفترقات كذلك أو خمس ما بين مصة ورضعة تقطع كل
واحدة من الأخرى هذا إذا كانت المصة تغنى شيئا من دفع الجوع والا فليست شيئا ولا
تحريم شيئا، وهذا مكان اختلف فيه السلف فروى عن طائفة أنه لا يحرم الا عشر
رضعات لا أقل من ذلك كما روينا من طريق مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله بن عمر
أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت به إلى أم كلثوم أختها بنت أبي بكر الصديق
9

وهي ترضع فقالت: أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل على قال سلم: فأرضعتني
ثلاث رضعات ثم مرضت أم كلثوم فلم ترضعني فلم أكن أدخل على عائشة أم المؤمنين
من أجل أن أم كلثوم لم تتم لي عشرا من الرضعات * ومن طريق مالك عن نافع عن صفية
بنت أبي عبيد أنها أخبرته أن حفصة أم المؤمنين أرسلت عاصم بن عبد الله بن سعد إلى
أختها فاطمة بنت عمر ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير ففعلت فكان
يدخل عليها *
قال أبو محمد: عاصم بن عبد الله بن سعد هذا هو مولى عمر بن الخطاب * ثنا أحمد
ابن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا أحمد بن فراس نا محمد بن علي بن يزيدنا سعيد بن منصور
نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن إبراهيم بن عقبة قال: سألت عروة بن الزبير عن
الرضاع فقال: كانت عائشة لا ترى شيئا دون عشر رضعات فصاعدا، فدل هذا على
أنه قول عروة لأنه أجاب به الذي استفتاه، وقد روى أيضا سبع رضعات كما حدثنا
أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب
نا عبيد الله بن عمر القواريري نا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي عن قتادة عن أبي
الخليل صالح بن أبي مريم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن الزبير عن عائشة أم
المؤمنين أنها قالت: إنما يحرم من الرضاع سبع رضعات *
قال أبو محمد: الأول عنها أصح وهذا قد رواه من هو أحفظ من أبى الخليل
ومن يوسف بن ماهك كما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن إبراهيم بن عقبة
ان سأل عروة بن الزبير عن صبي شرب قليلا من لبن امرأة فقال له عروة: كانت
عائشة تقول: لا تحرم دون سبع رضعات أو خمس، وطائفة قالت: بخمس، رضعات
كما قلنا نحن كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: لا تحرم دون خمس رضعات معلومات *
قال أبو محمد: هذا يخرج على أنها كانت تأخذ لنفسها بعشر رضعات ولغيرها
بخمس رضعات * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد
ابن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا محمد بن أبي عدى عن حنظلة بن أبي سفيان
الجمحي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت قال: لا تحرم الرضعة
والرضعتان والثلاث وهو قول الشافعي. وأصحابه، وطائفة قالت: لا يحرم أقل من
ثلاث رضعات وهو قول سليمان بن يسار. وسعيد بن جبير. وأحمد بن حنبل. واسحق
ابن راهويه. وأبى عبيد. وأبى ثور. وابن المنذر. وأبي سليمان. وجميع أصحابنا،
10

وظن قوم أنه يدخل في هذا القول ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا أحمد بن حرب
الموصلي نا أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين.
وعبد الله بن الزبير قالا جميعا: لا تحرم المصة ولا المصتان * ومن طريق سعيد بن منصور
ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن إبراهيم بن عقبة قال: سألت سعيد بن المسيب
عن الرضاع؟ فقال: لا أقول كما يقول ابن عباس. وابن الزبير كانا يقولان: لا تحرم
المصة ولا المصتان *
قال أبو محمد: كل هذا ليس فيه بيان أنهم كانوا يحرمون بالثلاث، وقالت طائفة:
لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء وأخصب الجسم كما روينا من طريق أحمد بن شعيب
أرنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التنوري حدثني أبي يعنى
عبد الوارث نا حسين هو المعلم نا مكحول عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين
قالت: ليس بالمصة والا بالمصتين بأس إنما الرضاع ما فتق الأمعاء * ومن طريق
عبد الرزاق نا ابن جريج عن ثور هو ابن زيد عن عمرو بن شعيب ان سفيان بن
عبد الله كتب إلى عمر بن الخطاب يسأله ما يحرم من الرضاع؟ فكتب إليه أنها لا يحرم
منها الضرار والعفافة والملجة، والضرار أن ترضع المرأة الولدين كي تحرم بينهما،
والعفافة الشئ اليسير الذي يبقى في الثدي، والملجة اختلاس المرأة ولد غيرها فتلقمه
ثديها. قال ابن جريج: وأخبرني محمد بن عجلان ان عمر بن الخطاب أتى بغلام وجارية
أرادوا ان يناكحوا بينهما قد علموا ان امرأة أرضعت أحدهما فقال لها عمر: كيف أرضعت
الآخر؟ قالت: مررت به وهو يبكى فأرضعته أو قالت فأمصصته فقال عمر: ناكحوا بينهما
فإنما الرضاعة الخصابة * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر. وابن جريج قالا جميعا:
نا هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج الأسلمي انه استفتى
أبا هريرة فقال له أبو هريرة: لا يحرم الا ما فتق الأمعاء يعنى من الرضاع * ومن
طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي عمر الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال:
لا يحرم من الرضاع الا ما انبت اللحم وانشز العظم وبه يؤخذ *
قال أبو محمد: هكذا نص الحديث نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير
نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي
نا سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي عطية الوادعي ان ابن مسعود قال:
إنما الرضاع ما أنبت اللحم والعظم فبلغ ذلك أبا موسى الأشعري فقال: لا تسألوني
عن شئ ما دام هذا الحبرين أظهركم * ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري
11

أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لارضاع الا ما أنبت اللحم والدم * وذهبت طائفة
إلى التحريم بما قل أو كثر ولو بقطرة صح ذلك عن ابن عمر. وعن ابن عباس في أحد
قوليه، وروى عن علي بن أبي طالب. وابن مسعود منقطعا دونهما * وعن جابر
ابن عبد الله كذلك أيضا، وصح عن سعيد بن المسيب في أحد قوليه، وصح أيضا عن عطاء.
وعروة. وطاوس، وروى عن الحسن. والزهري. ومكحول. وقتادة. وربيعة.
والقاسم. وسالم. وقبيصة بن ذؤيب، وهو قول أبي حنيفة. ومالك. والأوزاعي.
والليث بن سعد. وسفيان الثوري، فنظرنا فيما احتج به من ذهب إلى سبع رضعات
فلم نجد لهذا القول متعلقا فسقط ثم نظرنا فيما احتج به من ذهب إلى عشر رضعات فوجدناهم
يذكرون ما كتب به إلى أبو المرجى علي بن عبد الله بن زرواز نا أبو الحسن محمد بن حمزة
الرحبي نا أبو مسلم الكاتب نا أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المغلس قال نا عبد الله بن أحمد
ابن حنبل قال. نا أبى نا يعقوب بن إبراهيم الزهري نا أبى هو إبراهيم بن سعد عن
ابن إسحاق قال تى الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين ان سهلة بنت سهيل أتت
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: ان سالما كان منا حيث علمت كنا نعده ولدا وكان يدخل على
فلما أنزل الله عز وجل فيه وفى أشباهه أنكرت وجه أبى حذيفة إذ رآه يدخل على قال:
فارضعيه عشر رضعات ثم ليدخل عليك كيف شاء فإنما هو ابنك *
قال أبو محمد: وهذا اسناد صحيح الا انه لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما،
أحدهما أن يكون ابن إسحاق وهم فيه لأنه قد روى هذا الخبر عن الزهري من هو
أحفظ من بن إسحاق وهو ابن جريج فقال فيه: أرضعيه خمس رضعات على
ما نورده بعد هذا إن شاء الله عز وجل، أو يكون محفوظا فتكون رواية ابن إسحاق
صحيحة ورواية ابن جريج صحيحة فيكونان خبرين اثنين فإذا كان ذلك فالعشر الرضعات
منسوخات على ما نورد بعد هذا إن شاء الله تعالى فسقط هذا الخبر إذ لا يخلو ضرورة
من أن يكون وهما أو منسوخا لابد من أحدهما، ثم نظرنا فيما احتج به من حرم بثلاث
رضعات لا بأقل فوجدناهم يحتجون بالخبر المشهور من طرق شتى، منها ما رويناه من
طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية عن أيوب السختياني
عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تحرم المصة ولا المصتان " وهكذا رواه أصحاب شعبة عن شعبة عن أيوب
السختياني عن ابن أبي مليكة عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " لا تحرم المصة ولا المصتان " *
12

قال أبو محمد: ابن أبي مليكة أدرك أم المؤمنين فسمعه منها ومن ابن الزبير عنها
فحدث به كذلك وهو الثقة المأمون المشهور، ومن طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن
عبد الله بن بزيغ نا يزيد هو ابن زريع نا سعيد هو ابن أبي عروبة عن قتادة قال: كتبنا إلى
إبراهيم النخعي نسأله عن الرضاع؟ فكتب ان أبا الشعثاء المحاربي حدثنا ان عائشة أم المؤمنين
حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا تحرم الخطفة ولا الخطفتان) * ومن طريق
أحمد بن شعيب أخبرني عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي نا مسلم بن إبراهيم نا محمد بن دينار
نا هشام بن عروة عن أبيه عن ابن الزبير عن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم
المصة ولا المصتان ولا الاملاجة ولا الاملاجتان) * ومن طريق أحمد بن شعيب
أخبرني شعيب بن يوسف النسائي عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة أخبرني أبي
عن عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم المصة ولا المصتان) *
قال أبو محمد: ابن الزبير سمع أباه وخالته أم المؤمنين فرواه عن كل واحد منهما
وله أيضا صحبة والا فليخبرنا المقدم على نصر الباطل ودفع الحق ومؤثر رأيه على
ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتهم من رواة هذه الأخبار، وقد صح أيضا من طريق
أبي هريرة كما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن منصور الطوسي نا يعقوب
هو ابن إبراهيم بن سعد نا أبى عن محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله
ابن الزبير عن الحجاج بن الحجاج الأسلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " لا تحرم من الرضاع المصة ولا المصتان ولا يحرم منه الا ما فتق الأمعاء من اللبن "
وصح أيضا من طريق أم الفضل أم عبد الله بن العباس كما روينا من طريق مسلم نا إسحاق
هو ابن راهويه ويحيى بن يحيى. وعمرو الناقد كلهم عن المعتمر بن سليمان التيمي واللفظ
ليحيى قال: نا المعتمر بن سليمان عن أيوب هو السختياني عن أبي الخليل هو صالح
ابن أبي مريم عن عبد الله بن الحارث هو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن
أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحرم الاملاجة ولا الاملاجتان " * ومن
طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث ان أم الفضل حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان ": ورويناه أيضا من طريق
مسلم نا ابن أبي عمرنا بشرين السرى نا حماد بن أبي سملة عن قتادة عن أبي الخليل الضبعي
عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحرم
الاملاجة ولا الاملاجتان " * وناه حمام بن أحمدنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك
13

ابن أيمن نا جعفر بن محمد الصائغ نا عفان بن مسلم نا وهيب بن خالد نا أيوب السختياني
عن صالح أبى الخليل الضبعي عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (لا تحرم الاملاجة ولا الاملاجتان) قالوا: فهذه آثار صحاح رواها أم المؤمنين.
وأم الفضل. والزبير. وأبو هريرة. وابن الزبير كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت
مجئ التواتر قالوا: فهي مستثناة من عموم قول الله عز وجل: (وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) وبقى ما زاد على التحريم *
قال أبو محمد: صدقوا في أنها في غاية الصحة ولكن لو لم يرد غيرها لكان القول
ما قالوا لكن قد جاء غير هذه مما سنذكره الآن إن شاء الله عز وجل، ثم نظرنا فيما
احتج به من لم يحد المحرم من الرضاع إلا بما أغنى من الجوع فوجدنا هم يحتجون بما
رويناه من طريق مسلم نا هناد بن السرى نا أبو الأحوص عن أشعث بن أبي الشعثاء عن
أبيه عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: انظرن من
إخوتكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة) ورويناه أيضا من طريق شعبة.
وسفيان الثوري. وزائدة كلهم عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن
عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الرضاعة من المجاعة) وقد أوردنا أيضا قبل
من طريق أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء،
ورويناه أيضا من طريق شريح بن النعمان عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن
أبيه عن الحجاج بن الحجاج الأسلمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: وهذان أثران في غاية الصحة والحجة بهما قائمة، ثم نظرنا فيما
احتج به من قال: لا يحرم من الرضاع أقل من خمس رضعات فوجدنا ما رويناه من
طريق حماد بن سملة عن يحيى بن سعيد الأنصاري. وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق كلاهما عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت: نزل القرآن ان لا يحرم
الا عشر رضعات ثم نزل بعد وخمس معلومات هذا لفظ يحيى بن سعيد، ولفظ
عبد الرحمن قالت: (كان مما نزل من القرآن ثم سقط لا يحرم من الرضاع الا عشر رضعات
ثم نزل بعد وخمس معلومات) * ومن طريق القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت:
(كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن
فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وهن مما يقرأ من القرآن) * وروينا أيضا معناه من طريق
مسلم نا القعنبي. ومحمد بن المثنى قال ابن المثنى نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وقال:
14

القعنبي: نا سليمان بن بلال ثم اتفق سليمان: وعبد الوهاب كلاهما عن يحيى بن سعيد
الأنصاري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت: لما نزل في القرآن عشر رضعات
معلومات ثم نزل أيضا خمس معلومات * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أنا
ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين (ان أبا حذيفة تبنى سالما وهو
مولى امرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية
دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى انزل الله عز وجل: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط
عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم) فردوا إلى آبائهم فمن لم يعرف له
أب فمولى وأخ في الدين فجاءت سهلة فقالت: يا رسول الله: (انا كنا نرى سالما ولدا يأوى معي
ومع أبى حذيفة ويراني فضلا وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه
خمس رضعات) فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة *
قال أبو محمد: وهذان خبران في غاية الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ولا يسع
أحدا الخروج عنهما، وهذا الخبر من رواية ابن جريج يبين وهم رواية ابن إسحاق لهذا
الخبر فذكر فيه عشر رضعات أو نسخة إذ قد يمكن أن يكون عليه الصلاة والسلام أفتاها
بالعشر قبل أن ينزل التحريم بالخمس ثم أفتاها بالخمس بعد نزولها وقد لا يكون بين
الامرين الا بعض ساعة، ثم نظرنا فيما احتج به من رأى أن التحريم بقليل الرضاعة
وكثيرها فوجدناهم يحتجون بقول الله عز وجل: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرضاعة) قالوا: فعم الله عز وجل ولم يخص، ثم ذكروا آثارا صحاحا
مثل قوله عليه الصلاة والسلام في بنت حمزة: انها ابنة أخي من الرضاعة، وقوله صلى الله عليه وسلم
في بنت أبي سلمة: أنها ابنة أخي من الرضاعة وقوله عليه السلام لعائشة أم المؤمنين في
عمها من الرضاعة: انه عمك فليلج عليك وفى عم حفصة أم المؤمنين: أرى فلانا يعنى
عمها من الرضاعة وبالخبر الثابت في أمر سالم مولى أبى حذيفة ورويناه من طريق
سفيان بن عيينة. وسفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة
أم المؤمنين * ومن طريق أيوب السختياني. وابن جريج عن ابن أبي مليكة عن القاسم
ابن محمد عن عائشة أم المؤمنين * ومن طريق مالك بن أنس. ويونس بن يزيد.
وجعفر بن ربيعة كلهم عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين، ومن طريق شعبة
عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين. عن عائشة أم المؤمنين كلهم لم يذكروا
الا ارضعيه فقط دون ذكر عدد، وذكروا قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الرضاعة
من المجاعة ولا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء) قالوا: فلم يذكر عليه الصلاة والسلام
15

في كل ذلك عددا، وذكروا مما لا خير فيه خبرا رويناه من طريق ابن وهب عن مسلمة
ابن علي عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل بنت الحارث
قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحرم من الرضاعة؟ فقال: الرضعة والرضعتان) *
قال أبو محمد: أما هذا الخبر فخبر سوء موضوع ومسلمة بن علي فساقط لا يروى
عنه قد أنكر الناس علي بن وهب الرواية عنه ثم ذكره عمن لم يسمه فلا معنى لان
يشتغل بالباطل * وأما الاخبار الثابتة التي ذكرنا قبل والآية المذكورة فان كل ذلك
حق لكن لما جاءت رواية الثقات التي ذكرنا بأنه لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان وانه
إنما يحرم خمس رضعات كانت هذه الأخبار زائدة على ما في تلك الآية وفي تلك الأخبار
وكانت رواية ابن جريج في حديث أبي حذيفة أرضعيه خمس رضعات هي زائدة (1)
على رواية من ذكرنا، وابن جريج ثقة لا يجوز ترك زيادته التي انفرد بها، وقد فعل
المخالفون لنا مثل هذا حيث يجب ان يفعل وحيث لا يجب أن يفعل كتركهم عموم
القرآن في قطع السارق لرواية فاسدة في العشرة الدراهم ولرواية صالحة في ربع الدينار
وكزيادة المالكيين التدلك في الغسل على ما في القرآن لغير نص وكزيادة الحنيفيين
الوضوء بالنبيذ ومن الرعاف والقئ لروايات في غاية الفساد وترك الزيادة التي يرويها
العدل خطأ لا تجوز لأنها رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة فمن خالفها فقد خالف أمره
عليه الصلاة والسلام فهذا لا يجوز * واعترضوا بالآثار التي جاءت بخمس رضعات
محرمات بما رويناه عن طاوس أنه قال: كان لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم رضاعات محرمات ولسائر
النساء رضاعات معلومات، ثم ترك ذلك بعد (2) وانه سئل عز قول من يقول: لا يحرم
من الرضاع دون سبع رضعات ثم صار إلى خمس، وقال طاوس: قد كان ذلك فحدث
بعد ذلك امر جاء بالتحريم المرة الواحدة تحرم *
قال أبو محمد: هذا قول طاوس لم يسنده إلى صاحب فضلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومثل هذا لا تقوم به حجة ولا يحل القطع بالنسخ بظن تابعي: وقالوا أيضا: قول
الراوي فمات عليه الصلاة والسلام وهو مما يقرأ من القرآن قول منكر وجرم في القرآن
ولا يحل أن يجوز أحد سقوط شئ من القرآن بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: ليس كما
ظننتم إنما معنى قول عبد الله بن أبي بكر في روايته لما ذكرتم ثم أي انه عليه الصلاة والسلام
مات وهو مما يقرأ مع القرآن بحروف الجر يبدل بعضها من بعض، ومما يقرأ من
القرآن الذي بطل ان يكتب في المصاحف وبقى حكمه كالآية الرجم سواء سواء فبطل

(1) في النسخة رقم 16 هي زيادة
(2) في النسخة رقم 16 ثم نزل بعد ذلك
16

اعتراضهم المذكور، واعترضوا على الخبر الثابت الذي فيه (لا تحرم المصة ولا
المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان) بأن قالوا: هو خبر مضطرب في سنده فمرة عن
عائشة ومرة عن الزبير فقلنا: فكان ماذا هذا قوة للخبر أن يروى من طرق وما
يعترض بهذا في الآثار الا جاهل بما يجب في قبول النقل الثابت لأنه اعتراض لا دليل
على صحته أصلا إنما هو دعوى فاسدة، والعجب كله أنهم يعيبون الاخبار الثابتة بنقلها
مرة عن صاحب ومرة عن آخر ثم لا يفكر الحنيفيون في أخذهم بحديث أيمن فيما تقطع
فيه يد السارق، وهو حديث ساقط مضطرب فيه أشد الاضطراب ولا يفكر المالكيون
في أخذهم في ذلك بحديث ربع الدينار، وفى الصدقة في الفطر بخبر أبي سعيد وكلاهما
أشد اضطرابا من خبر الرضعتين ولكنهم يتعلقون بما أمكنهم، وقالوا: عروة
ابن الزبير أحد رواة ذلك الخبر وقد روى عنه أن قليل الرضاع وكثيره لا يحرم فقلنا:
فكان ماذا إنما الحجة في روايته لا رأيه، وقد أفردنا في كتابنا المعروف بالاعراب
اضطراب الطائفتين في هذا المعنى وأخذهم برواية الراوي وتركهم لرأيه في خلافه لما رواه *
وذكروا أيضا اعتراضات في غاية الفساد والغثاثة لا يخفى سقوطها على ذي فهم
عمدتها ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق، فوجب الاخذ بهذه الاخبار، ولما كان عليه
الصلاة والسلام قد أخبر أنه لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان
علمنا أن المصة غير الرضعة فمن ذلك قلنا: إن استنفاد الراضع ما في الثديين متصلا رضعة
واحدة وان المصة لا تحرم الا إذا علمنا أنها قد سدت مسدا من الجوع ولا يوقن بوصولها
إلى الأمعاء وان اليسير من ذلك الذي لا يسد مسدا من الجوع ولا يوقن بوصوله إلى
الأمعاء لا يحرم شيئا أصلا وبالله تعالى التوفيق *
1869 مسألة ورضاع الكبير محرم ولو أنه شيخ يحرم كما يحرم رضاع
الصغير (1) ولا فرق، وهذا مكان اختلف الناس فيه فطائفة قالت: يحرم من الرضاع في
الصغر ولا يحرم في الكبر ولم يحدوا حدا في ذلك كما روينا من طريق مالك عن ابن شهاب
عن عروة بن الزبير أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حاش عائشة وحدها كن يرين رضاع
سالم مولى أبى حذيفة خاصة له فدل ذلك على أنهن كن يرين لا يحرم الارضاع الصغير
لارضاع الكبير دون ان يرد عنهن في ذلك حد * ومن طريق مالك عن عبد الله بن
دينار أنه سمع ابن عمر وقد سأله رجل عن رضاع الكبير فقال له ابن عمر: قال عمر بن
الخطاب: إنما الرضاعة رضاعة الصغير * ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر أنه
كان يقول: لا رضاعة الا ما أرضع في الصغر ولا رضاعة لكبير *

(1) في النسخة رقم 16 من رضاع الصغير.
17

وقالت طائفة: لا يرم من الرضاع إلا ما كان في المهد كما روينا من طريق أبى داود
حدثني أحمد بن صالح حدثني عنبسة حدثني يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب
حدثني عروة بن الزبير أبى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بالرضاعة أحد حتى
يرضع في المهد * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري
عن سعيد بن المسيب قال: لا رضاع الا ما كان في المهد * وقالت طائفة: لا يحرم من
الرضاع الا ما كان قبل الفطام وأما بعد الفطام فلا كما روينا من طريق حماد بن سلمة
عن هشام بن عروة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن أم سملة أم المؤمنين رضي الله عنها
سئلت هل يحرم الرضاع بعد الفطام؟ فقالت: لارضاع بعد فطام *
ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي
عطية الوادعي أن رجلا مص من ثدي امرأته فدخل اللبن في حلقه فسأل أبا موسى
الأشعري عن ذلك؟ فقال له أبو موسى: حرمت عليك امرأتك ثم سأل ابن مسعود
عن ذلك قال أبو عطية ونحن عنده فقام ابن مسعود وقمنا معه حتى أتى أبا موسى الأشعري
فقال: أرضيعا ترى هذا؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والعظم فقال أبو موسى:
لا تسألوني عن شئ ما دام هذا الحبرين أظهركم، فتبين ههنا أنه إنما يحرم مدة تغذى
الرضيع باللبن * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جويبر عن الضحاك
عن النزال هو ابن سبرة عن علي بن أبي طالب قال: لارضاع بعد الفصال *
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عمن سمع من
ابن عباس يقول: لارضاع بعد الفطام * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن.
والزهري. وقتادة قالوا: لارضاع بعد الفصال قال معمر: وأخبرني من سمع عكرمة
يقول ذلك ويقول: الرضاع بعد الفطام مثل الماء يشربه وبه يقول الأوزاعي وقال:
ان فطم وله عام واحد واستمر فطامه ثم رضع في الحولين لم يحرم هذا الرضاع الثاني
شيئا قال: فان تمادى رضاعه ولم يفطم قبل الحولين فإنه ما كان في الحولين فإنه يحرم
وما كان بعدهما فإنه لا يحرم وان تمادى الرضاع * وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع
الا ما فتق الأمعاء كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة
عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج الأسلمي عن أبي هريرة قال:
لارضاع الا ما فتق الأمعاء * وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الا ما كان في ثلاثة
أعوام واما ما رضع بعد الثلاثة الأعوام فلا يحرم، وهذا قول زفر بن الهذيل *
وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الا ما كان في عامين وستة أشهر فما

(1) في النسخة رقم 16 وشهرين
18

كان بعد ذلك فإنه لا يحرم وهو قول أبي حنيفة * وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع
الا ما كان في عامين وشهرين فما كان بعد ذلك لم يحرم وهذا قول مالك، وهذه
الأقوال الثلاثة قول أبي حنيفة. وزفر. ومالك، ما نعلم أحدا من أهل العلم قال بشئ
منها قبل المذكورين ولا معهم الا من قلدهم اتباعا لهواهم ونعوذ بالله من الفتنة *
وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الا ما كان في الحولين، وأما الرضاع بعدهما
فلا يحرم كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن
إبراهيم النخعي عن ابن مسعود قال: لارضاع بعد حولين * ومن طريق أبى عبيدنا
سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: لارضاع الا في الحولين *
ومن طريق مالك عن إبراهيم بن عقبة أنه سأل سعيد بن المسيب. وعروة بن الزبير
عن الرضاعة؟ فقالا جميعا: كل ما كان في الحولين وان كانت قطرة واحدة فهي تحرم
وما كان بعد الحولين فإنما هو طعام يأكله * ومن طريق أبى عبيدنا عبد الرحمن
ابن مهدي عن سفيان الثوري عن إسحاق الشيباني قال: سمعت الشعبي يقول: ما كان
من سعوط أو وجورا أو رضاع في الحولين فهو يحرم وما كان بعد الحولين لم يحرم شيئا،
وهو قول ابن شبرمة. وسفيان الثوري. والشافعي. وأبى يوسف. ومحمد بن الحسن:
وأبي سليمان. وأصحابنا، ورواه ابن وهب عن مالك ثم رجع إلى الذي ذكرنا قبل لأنه
هو المأثور عنه في موطئه الذي قرئ. عليه إلى أن مات *
قال أبو محمد: وقالت طائفة: ارضاع الكبير والصغير يحرم كما ذكرنا قبل عن أبي
موسى وإن كان قد رجع عنه * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني
عبد الكريم أن سالم (1) بن أبي الجعد مولى الأشجعي أخبره ان أباه أخبره أنه سأل
علي بن أبي طالب فقال: ان أردت أن أتزوج امرأة وقد سقتني من لبنها وأنا كبير
تداويت به فقال له على: لا تنكحها ونهاه عنها * ومن طريق مالك عن ابن شهاب
أنه سئل عن رضاع الكبير؟ فقال: أخبرني عروة بن الزبير بحديث أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل بأن ترضع سالما مولى أبى حذيفة خمس رضعات وهو كبير
ففعلت فكانت تراه ابنا لها قال عروة: فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت
تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها يرضعن
من أحبت أن يدخل عليها من الرجال * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال:
سمعت عطاء بن أبي رباح وسأله رجل فقال: سقتني امرأة من لبنها بعدما كنت رجلا

(1) في النسخة رقم 16 عبد الكريم بن سالم وهو غلط
19

كبيرا أفأنكحها؟ قال عطاء: لا قال ابن جريج فقلت له: وذلك رأيك قال: نعم
كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها وهو قول الليث بن سعد *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة. وزفر. ومالك فلا خفاء بفسادها الا على
قول من يقول في النهار. انه ليل مكابرة ونصرا للباطل، ومن عجائب الدنيا قول بعض
المفتونين لما قال الله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) دل ذلك
على أن ههنا حولين ناقصين وأشار إلى عددها بالشمس *
قال أبو محمد: فجمع هذا القول مخالفة عز وجل ومكابرة الحس أما مخالفة
الله عز وجل فإنه يقول: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم
خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم) فنص تعالى على أن عدة
الشهور عنده هي التي منها أربعة حرم وانه في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض
وان ذلك هو الدين القيم ولا يمكن أن تكون الأشهر الحرم الا في الأشهر العربية
القمرية فمن خالف ذلك فقد خالف الدين القيم ونسب إلى الله تعالى الكذب من أنه أمر
أن يراعى عدد الحولين بالعجمية، وأما مكابرة العيان فإنه ليس بين الحولين الأعجميين
المعدودين بالشمس وقطعهما للفلك وبين الحولين العربيين المعدودين بالقمر والا اثنان
وعشرون يوما، فالزيادة على ذلك إلى تمام شهرين لا ندري من أين أتت والقطع بالتحريم
والتحليل في دين الله عز وجل بمثل هذا لا يحل، وأما من حد ذلك بما كان في المهد فكلام
أيضا لا تقوم بصحته حجة لامن قرآن ولا من سنة ولا من اجماع ولا من قياس ولا من
رواية ضعيفة فسقط هذا القول، وأما من حد ذلك بما كان في الصغر فان الصغر يتمادى
إلى بلوغ الحلم لأنه قبل ذلك لا تلزمه الحدود ولا الفرائض وهذا حد لا يوجبه قرآن
ولا سنة، وأما من حد ذلك بالفطام فإنهم احتجوا بقول الله عز وجل: (فان أرادا فصالا
عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه التحريم إذ ليس للتحريم في هذه الآية ذكر
ولا في تراضيهما بالفصال تحريم لان يرتضع الولد بعد ذلك إنما فيها انقطاع النفقة
الواجبة على الأب في الرضاع وليس بانقطاع حاجة الصبي إلى الرضاع ينقطع التحريم
برضاعه ان رضع إذ لم يأت بذلك قرآن ولا سنة، واحتجوا بخبر رويناه من طريق أحمد
ابن شعيب انا قتيبة بن سعيد نا أبو عوانة نا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أم
سلمة أم المؤمنين قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء
في الثدي وكان قبل الفطام) *
20

قال أبو محمد: هذا خبر منقطع لان فاطمة بنت المنذر لم تسمع من أم سلمة
أم المؤمنين لأنها كانت أسن من زوجها هشام باثني عشر عاما وكان مولد هشام سنة
ستين فمولد فاطمة على هذا سنة ثمان وأربعين وماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين وفاطمة
صغيرة لم تلقها فكيف ان تحفظ عنها ولم تسمع من خالة أبيها عائشة أم المؤمنين شيئا
وهي في حجرها إنما أبعد سماعها من جدتها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم
* وموهوا أيضا بخبرين ساقطين أحدهما من طريق معمر عن جويبر عن الضحاك
عن النزال بن سبرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله (لارضاع بعد الفصال) والآخر من
طريق معمر أيضا عن حرام بن عثمان عن عبد الرحمن. ومحمد ابني جابر بن عبد الله عن
أبيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر كلاما كثيرا وفيه ولا رضاع بعد الفطام، وهذان
خبران لا يجوز التشاغل بهما لان جويبرا ساقط والضحاك ضعيف. وحرام بن عثمان
هالك بمرة فسقط كل ما تعلقوا به وبالله تعالى التوفيق وسقطت الأقوال كلها الأقوال
مزراعي الحولين وقول من لم يراع في ذلك حدا أصلا فنظرنا فيمن راعى الحولين فوجدناهم
يحتجون بقول الله عز وجل: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وبقوله عز وجل: (والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)، وبقوله عز وجل:
(حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين) فقالوا: قد قطع الله عز وجل ان فصال
الرضيع في عامين وان رضاعه حولان كاملان لمن أراد ان يتم الرضاعة قالوا:
فلا رضاع بعد الحولين أصلا لان الرضاعة قد تمت وإذا انقطع الرضاع انقطع حكمه
من التحريم وغير ذلك *
قال أبو محمد: صدق الله تعالى وعلينا الوقوف عندما حد عز وجل ولو لم يأت
نص غير هذا لكان في هذه النصوص متعلق لكن قد جاء في ذلك ما رويناه من طريق مسلم
نا عمرو الناقد. وابن أبي عمر، قالا جميعا: نا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم
ابن محمد بن أبي بكر الصديق عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين (قالت جاءت سهلة بنت سهيل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله انى أرى في وجه أبى حذيفة من دخول سالم وهو حليفه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ارضعيه فقالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد علمت أنه رجل كبير) * ومن طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم
هو ابن راهويه ومحمد بن أبي عمرو اللفظ له قال: نا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب هو
السختياني عن ابن أبي ملكية عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين أن سالما
مولى أبى حذيفة كان مع أبي حديفة وأهله في بيتهم فأتت يعنى سهلة بنت سهيل إلى النبي
21

صلى الله عليه وسلم فقالت: ان سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وانه يدخل علينا وانى
أظن أن في نفس أبى حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه
ويذهب الذي في نفس أبى حذيفة) * ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر
غندر نا شعبة عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سملة قالت: قالت أم سملة لعائشة رضي الله عنهما
أنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي فقالت عائشة: أما لك
في رسول اله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ أن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله ان سالما يدخل
علي وهو رجل وفى نفس أبى حذيفة منه شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه حتى يدخل
عليك * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة
أم المؤمنين قالت: جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن
سالما كان يدعى ابن أبي حذيفة وان الله قد أنزل في كتابه ادعوهم لآبائهم وكان يدخل
على وانا فضل (1) ونحن في منزل ضيق فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعي سالما تحرمي عليه قال
الزهري: قال بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ندري لعل هذه كانت رخصة لسالم
خاصة قال الزهري: فكانت عائشة تفتى بأنه يحرم الرضاع بعد الفصال حتى ماتت *
قال أبو محمد: فهذه الأخبار ترفع الاشكال وتبين مرادا لله عز وجل في الآيات
المذكورات أن الرضاعة التي (2) تتم بتمام الحولين أو بتراضي الأبوين قبل الحولين
إذا رأيا في ذلك صلاحا للرضيع أنها هي الموجبة للنفقة على المرضعة والتي يجبر عليها
الأبوان أحبا أم كرها، ولعمري لقد كان في الآية كفاية في هذا لأنه تعالى قال:
(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود
له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فأمر تعالى الوالدات بارضاع المولود عامين وليس
في هذا تحريم الرضاعة بعد ذلك ولا أن التحريم ينقطع بتمام الحولين وكان قول الله
تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) ولم يقل تعالى في حولين
ولا في وقت دون وقت زائدا على الآيات الأخر وعموما لا يجوز تخصيصه إلا بنص
يبين أنه مخصص له لا بظن ولا بمحتمل لا بيان فيه، وكانت هذه الآثار قد جاءت مجئ
التواتر رواها نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوردنا. وسهلة بنت سهيل من المهاجرات
وزينب بنت أم سلمة، ورواه من التابعين القاسم بن محمد. وعروة بن الزبير. وحميد
ابن نافع، ورواه عن هؤلاء الزهري. وابن أبي ملكية. وعبد الرحمن بن القاسم.
ويحيى بن سعيد الأنصاري. وربيعة، ورواه عن هؤلاء أيوب السختياني. وسفيان

(1) أي متبذلة في ثياب مهنتي
(2) في النسخة رقم 16 الرضاع الذي وهو لا يناسب ما بعده
22

الثوري. وسفيان بن عيينة. وشعبة. ومالك. وابن جرير. وشعيب بن أبي حمزة.
ويونس بن يزيد. وجعفر بن ربيعة. وسليمان بن بلال. ومعمر. وغيرهم، ورواه عن
هؤلاء الناس الجماء الغفير فهو نقل كافة لا يختلف مؤالف ولا مخالف في صحته فلم يبق
من الاعتراض الا أن يقول قائل: هو خاص لسالم كما قال بعض أزواج رسول الله
صلى الله عليه وسلم فليعلم من تعلق بهذا أنه ظن ممن ظن ذلك منهن رضى الله عنهن، وهكذا جاء في
الحديث أنهن قلن: ما نرى هذا الا خاصا لسالم وما ندري لعله رخصة لسالم فإذ هو ظن
بلا شك فان الظن لا يعارض بالسنن (1) قال تعالى: (ان الظن لا يغنى من الحق شيئا)
وشتان بين احتجاج أم سلمة رضي الله عنها باختيارها وبين احتجاج عائشة رضي الله عنها
بالسنة الثابتة وقولها لها: أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ وسكوت أم سملة
ينبئ برجوعها إلى الحق عن احتياطها، ومن أعجب العجائب (2) أن المخالفين لنا
ههنا يقولون: ان المرسل كالمسند، وقد رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر أن
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرضعن الكبير دخل عليهن فكان ذلك لهن خاصة، وقال
آخرون: هذا منسوخ بنسخ التبني *
قال أبو محمد: وهذا باطل بيقين لأنه لا يحل لاحد ان يقول في نص ثابت هذا
منسوخ إلا بنص ثابت مبين غير محتمل فكيف وقول سهلة رضي الله عنها لرسول الله
صلى الله عليه وسلم: كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ بيان جلى لأنه بعد نزول الآيات المذكورات
وباليقين ندري أنه لو كان خاصة لسالم أو في التبني الذي نسخ لبينه عليه الصلاة والسلام
كما بين لأبي بردة في الجذعة إذ قال له تجزئك ولا تجزى. أحدا بعدك، وقال بعض
من لا يخاف الله تعالى (3) فيما يطلق به لسانه: كيف يحل للكبير أن يرضع ثدي
امرأة أجنبية *
قال أبو محمد: هذا اعتراض مجرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بذلك والقائل
بهذا لا يستحى من أن يطلق أن للمملوكة أن تصلى عريانة يرى الناس ثدييها وخاصرتها
وان للحرة أن تتعمد أن تكشف من شفتي فرجها مقدار الدرهم البغلي تصلى كذلك
ويراها الصادر والوارد بين الجماعة في المسجد وان تكشف أقل من ربع بطنها كذلك
ونعوذ بالله من عدم الحياء وقلة الدين (4) *
قال أبو محمد: وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الرضاعة من المجاعة) حجة لنا بينة

(1) في النسخة رقم 14 لا تعارض به السنن
(2) في النسخة رقم 16 ومن أعجب العجب
(3) في النسخة رقم 14 وقال بعض من لا يبالي بخلاف الله
(4) في النسخة رقم 14 ورقة الدين
23

لان للكبير من الرضاعة في طرد المجاعة نجوما للصغير فهو عموم لكل رضاع إذا بلغ
خمس رضعات كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال على: فصح أن عائشة رضي الله عنها
كان يدخل عليها الكبير إذا أرضعته في حال كره أخت من أخواتها الرضاع المحرم ونحن
نشهد بشهادة الله عز وجل ونقطع بأنه تعالى لم يكن ليبيح سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهكه
من لا يحل له مع قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) فنحن نوقن ونبت بأن رضاع
الكبير يقع به التحريم وليس في امتناع سائرهن من أن يدخل عليهن بهذه الرضاعة
شئ ينكر لان مباحا لهن ان لا يدخل عليهن من يحل له الدخول عليهن وبالله تعالى التوفيق *
1870 مسألة وان حملت امرأة ممن يلحق ولدها به فدر لها اللبن ثم وضعت
فطلقها زوجها أو مات عنها فتزوجها آخر أو كانت أمة فملكها آخر فما أرضعت
فهو ولد للأول لا للثاني فان حملت من الثاني فتمادى اللبن فهو للأول الا ان يتغير ثم
يعتدل فإنه إذا تغير فقد بطل حكم الأول وصار للثاني [والحمد لله رب العالمين] (1) *
1871 مسألة وأهل الاسلام كلهم أخوة لا يحرم على ابن من زنجية لغية
نكاح ابنة الخليفة الهاشمي والفاسق الذي بلغ الغاية من الفسق المسلم ما لم يكن زانيا
كفؤ للمسلمة الفاضلة، وكذلك الفاضل المسلم كفؤ للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية
والذي نختاره فنكاح الأقارب بعضهم لبعض وقد اختلف الناس في هذا فقال سفيان
الثوري. وابن جريج. والحسن بن حي. وابن أبي ليلى. والمغيرة بن عبد الرحمن
المخزومي صاحب مالك. وإسحاق بن راهويه: يفسخ نكاح المولى للعربية، وقال
أبو حنيفة: ان رضيت القرشية بالمولى ووفاها صداق مثلها أمر الولي أن ينكحها فان
أبى أنكحها القاضي، وقال مالك. والشافعي. وأبو سليمان: كقولنا *
قال أبو محمد: احتج المخالفون بآثار ساقطة والحجة قول الله تعالى: (إنما المؤمنون
اخوة) وقول تعالى مخاطبا لجميع المسلمين: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وذكر
عز وجل ما حرم علينا من النساء ثم قال تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وقد
انكح رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب أم المؤمنين زيدا مولاه وأنكح المقداد ضباعة بنت
الزبير بن عبد المطلب وإنما تخيرنا نكاح الأقارب لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكح
بناته الامن بني هاشم وبنى عبد شمس، وقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة) وبالله تعالى التوفيق، وأما قولنا في الفاسق. والفاسقة فيلزم من خالفنا
أن لا يجيز للفاسق أن ينكح الا فاسقة وأن لا يجيز للفاسقة أن ينكحها الا فاسق وهذا

(1) الزيادة من النسخة رقم 14
24

لا يقوله أحد، وقد قال الله تعالى: (إنما المؤمنون اخوة) وقال تعالى: (والمؤمنون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وبالله تعالى التوفيق *
1872 مسألة وتزويج المريض الموقن بالموت أو غير الموقن مريضة
كذلك أو صحيحة جائز ويرثها وترثه مات من ذلك المرض أو صح ثم مات، وكذلك
للمريضة الموقنة وغير الموقنة ان تتزوج صحيحا أو مريضا ولها في كل ذلك الصداق المسمى
كالصحيحين ولا فرق، وقال مالك: يفسخ نكاح المريض قبل الدخول وبعد الدخول
فإن لم يدخل بها فلا شئ لها فان دخل بها فلها صداق مثلها في ثلث ماله بما استحل من
فرجها ولا ميراث لها منه البتة قال: فان مات قبل أن يفسخ نكاحها فعليها الا حداد ولا
ميراث لها قال: فان صح من مرضه وقد كان دخل بها فأرى أن يفارقها، وقال مرة أخرى:
ان صح من مرضه جاز النكاح قال: وكذلك لا يجوز للمريضة ان تتزوج ولا يرثها
الذي يتزوجها دخل بها أو لم يدخل ولها الصداق عليه ان دخل بها قال: ومن طلق امرأته
وهي حامل طلاقا بائنا فلا يجوز لهما ان يتراجعا إذا أتمت ستة أشهر وهذا تقسيم لا نعرفه
عن أحد قبله وممن قال: لا يجوز نكاح المريض عطاء بن أبي رباح الا أنه قال: ان صح من
مرضه جاز ذلك النكاح ويحيى بن سعيد الأنصاري قال صداق التي تتزوج المريض في
ثلثه واختلف عن ربيعة فروى عنه ابن سمعان وهو ضعيف ان صداقها في ثلثه ولا ميراث
لها قال ابن سمعان: وقضى بهذا أبو بكر بن عمر بن حفص في نكاح بنت المعتمر بن عياض
الزهري، وروى عن ربيعة معمر وهو ثقة ان صداقها وميراثها في ثلثه قال معمر:
وهو قول ابن أبي ليلى *
قال أبو محمد: وهو قول الليث بن سعد. وعثمان البتي، وراعى آخرون المضارة
كما روينا من طريق أبى عبيدنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران قال
سألت القاسم بن محمد. وسالم بن عبد الله عن تزويج المريض فقالا جميعا: ان لم يكن
مضارا جاز تزويجه وإن كان مضارا لم يجز ولها نصف الصداق في ثلث
ماله قالا فان خلا بها فلها الصداق من الثلث * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري في نكاح المريض قال: ليس له أن يدخل الاضرار على أهل الميراث
ولا نرى أن ترثه ان فعل ذلك ضرارا قال معمر: وقال قتادة: إن كان تزوجها
من حاجة إليها في خدمته أو في قيام بأمره فإنها ترثه، وقال آخرون بمثل قولنا كما روينا
من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي عن
ابن مسعود قال: لو لم يبق من أجلى إلا عشرة أيام اعلم أن أموات في آخرها يوما لي فيهن
25

طول للنكاح لتزوجت مخافة الفتنة * ومن طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن بشر عن أبي
رجاء عن الحكم بن زيد عن الحسن قال قال معاذ بن جبل في مرضه الذي مات فيه زوجوني
انى أكره أن القى الله عز وجل عزبا * ومن طريق أبى عبيد. وسعيد بن منصور قالا
جميعا: نا أبو معاوية هو الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال: دخل الزبير على قدامة
ابن مظعون يعوده فبشر الزبير بجارية وهو عنده فقال له قدامة: زوجنيها فقال له
الزبير وما تصنع بجارية صغيرة وأنت على هذه الحال؟ فقال له قدامة ان أنا عشت فابنة الزبير
وان مت فأحق من ورثتني قال عروة فزوجها إياه * ومن طريق سعيد بن منصور نا
عبد العزيز بن محمد الدراوردي أخبرني موسى بن عقبة عن نافع مولى ابن عمر قال: تزوج
عبد الرحمن بن أبي ربيعة بنت عم له في مرضه لترثه فمات فورثته وذلك في زمن عثمان
ابن عفان * ومن طريق عبد الرزاق ني ابن جريج قال موسى بن عقبة عن نافع
مولى ابن عمر قال: تزوج عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي بنت حفص بن المغيرة
عمه وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث *
قال أبو محمد: عبد الله له صحبة صحيحة * ومن طريق أبى عبيد. وسعيد بن منصور
قالا جميعا: نا هشيم عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي قال سعيد في روايته سمعت الشعبي
يقول: تزويج المريض جائز وشراؤه وبيعه * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم
أنا يونس بن عبيد عن الحسن البصري انه كان يقول: يجوز تزويج المريض في مرضه *
ومن طريق يحيى بن سعيد القطان نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم
النخعي قال: نكاح المريض جائز ولا يحسب من الثلث * ومن طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري قال: نكاح المريض جائز على مهر مثلها وهو قول أبي حنيفة. والشافعي.
وأصحابهما وكلهم يرى الصداق من رأس ماله وهو قول ابن شبرمة. والأوزاعي.
والحسن بن حي. وأبي سليمان وجميع أصحابنا، ورأي الحسن بن حي: وأبو سليمان أن
لها الصداق المسمى لها من رأس ماله *
قال على: وتزويج شيخنا أبو الخيار مسعود بن سليمان رضي الله عنه قبل موته بسبع
ليال وهو مريض يائس من الحياة ودخل بها احياء للسنة *
قال أبو محمد: عهدنا بالمالكيين يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له من
الصحابة رضي الله عنهم مخالف، وهذا مما خالفوا فيه ابن مسعود. ومعاذ بن جبل.
والزبير. وقدامة بن مظعون. وعبد الله بن أبي ربيعة بحضرة جميع الاحياء من الصحابة
لا ينكر ذلك أحد وفي خلافة عثمان *
26

قال أبو محمد: أباح الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم النكاح ولم يخص في القرآن.
ولا في السنة صحيحا وصحيحة من مريض ومريضة وما كان ربك نسيا، وما نعلم للمخالف
حجة أصلا لامن قرآن. ولا سنة. ولا قول صاحب. ولا من رأى يعقل غير أن
بعضهم احتج بأنه ليس له أن يدخل على أهل الميراث من يشركهم فيه *
قال أبو محمد: وأهل هذا القول يقولون: ان أقر في مرض موته وهو موقن
بالموت بابن أمة له لم يزل يقول إنه عبده فأقر عند موته انه ابنه فان اقراره نافذ ويرث
ماله فأجازوا ان يدخل على أهل الميراث من يحرمهم الكل ومنعوه أن يدخل عليهم
من يحطهم اليسير وهذا غاية التخليط، ولم يختلفوا أن رجلا مريضا يائسا من الفاقة
والعيش ابتاع جارية وأشهد الناس على نفسه انه إنما يبتاعها ليطلب منها الولد ليمنع
بذلك ورثته الميراث فوطئها فحملت ان ذلك جائز مباح، فان قالوا: انها قد تحمل
وقد لا تحمل قلنا والتي تزوج في مرضه قد تموت هي قبله فيرثها فيزيد بذلك الورثة
في ميراثهم وليت شعري أيمنعون المسلم المريض من زواج مملوكة أو ذمية لا يرثانه
أم لا؟ وهل يمنعون المريض الذي لا شئ له من الزواج؟ ولابد لهم من ترك أصلهم
الفاسد ضرورة أو التناقض وقالوا: قسنا نكاح المريض على طلاقه فقلنا: قستم الخطأ
على الخطأ ثم أخطأتم في القياس لأنكم أجزتم طلاق المريض وورثتموه بعد ذلك
فان أردتم إصابة القياس فأجيزوا نكاحه وامنعوه الميراث مع ذلك وهذا مما ترك
فيه الحنيفيون القياس الذي هو عندهم أصل لا يجوز تركه، ومن العجائب أن مالكا يفسخ
نكاح الأمة الفارة كما يفسخ نكاح الصحيحة للمريض ولا يدع للفارة مما سمى لها إلا ثلاثة دراهم
ويجعل للتي تزوجت المريض جميع مهر مثلها فهل يسمع بأعجب من هذا التحكم بلا برهان *
1873 مسألة وان حملت المرأة من زنا أو من نكاح فاسد مفسوخ أو
كان نكاحها صحيحا ففسخ لحق واجب أو كانت أمة فحملت من سيدها ثم أعتقها أو مات
عنها فلكل من ذكرنا أن تتزوج قبل أن تضع حملها الا أنه لا يحل للزوج ان يطأها
حتى تضع حملها كل ذلك بخلاف المطلقة أو المتوفى عنها وهي حامل، فهاتان لا يحل لهما
الزواج البتة حتى يضعا حملهما وحاش المعتقة الحاملة تختار نفسها فان نكاح هذه
مفسوخ ولا يحل لها أن تنكح حتى تضع حملها * برهان ذلك ان الحامل المطلقة
أو المتوفى عنها هي معتدة بنص القرآن وقد حرم الله عز وجل نكاح المعتدة جملة حتى
تتم عدتها واما سائر من ذكرنا فلم يأت في القرآن ولا في السنة ايجاب عدة عليهن ولا على
أحد منهن الا على المعتقة تختار نفسها فقط وإذا لم تكن المرأة في عدة ولا ذات زوج
27

فلها أن تتزوج الا أن يمنع من ذلك نص ولا نص يمنع ههنا من الزواج ولا يحل بالنص
وطئ حامل الا أن يكون الحمل منه * وقد اختلف الناس فيها فقال أبو حنيفة. والشافعي.
ومحمد بن الحسن. وأبو يوسف. في أحد قوليه: للحامل من زنا ان تتزوج ولا يطؤها
حتى تضع حملها وقال أبو حنيفة: وان خرجت الينا الحربية مسلمة وهي حامل من زوجها
فلها أن تتزوج ولكن لا يحل له وطؤها حتى تضع حملها *
قال أبو محمد: وهو قول أصحابنا وقال زفر: على الزانية العدة كاملة وقال مالك:
لا تتزوج الحامل من زنا حتى تضع حملها ولا ان كانت غير حامل الا حتى تعتد ثلاثة قروء *
قال على: وممن روى عنه مثل قولنا عمر بن الخطاب روينا من طريق مالك عن أبي
الزبير قال: خطبت إلى رجل أخته فذكر أنها أحدثت يعنى زنت فبلغ ذلك عمر
فضربه أو كاد يضربه، وقال: مالك وللخبر قال ابن وهب، وأخبرني عمرو بن الحارث بهذا
الخبر عن أبي الزبير وفيه أن عمر قال له: انكح واسكت *
قال أبو محمد: فهذا عمر أمرها بالنكاح ولم يستثن حتى تتم عدة ولا ان كانت حاملا *
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله نا سفيان بن عيينة نا عبيد الله بن أبي
يزيد عن أبيه قال: تزوج سباع بن ثابت بنت موهب بن رباح وله ابن من
غيرها ولها بنت من غيره ففجر الغلام بالجارية فظهر بها حمل فسئلت فاعترفت فرفع
ذلك إلى عمر بن الخطاب فاعترفا فحدهما وحرض على أن يجمع بينهما فأبى الغلام، فهذا
عمر يبيح للحامل من زنى الزواج بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف له مخالف
منهم وهم يعظمون مثل هذا لو ظفروا به، وشغب المخالفون بان قالوا: قال الله عز وجل:
(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وبخبر رويناه عن سعيد بن المسيب
أن رجلا يقال له نضرة بن أكتم تزوج امرأة فلما غشيها وجدها حبلى فرفع ذلك
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان صداقها لزوجها وان ما في بطنها عبد له
وأمر بها فجلدت مائة وفرق بينهما *
قال أبو محمد: لا عجب أعجب من أن يكون المحتج بهذا الخبر أول مخالف لكل
ما فيه واما نحن فلو السند لقلنا به ولكنه منقطع بين سعيد ونضرة ولا حجة في منقطع،
وقد روينا من طريق أبى داود نا ابن أبي السرى نا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن
صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له:
نضرة قال: تزوجت امرأة بكرا في سترها فدخلت عليها فإذا في حبلى فقال النبي عليه
الصلاة والسلام: لها الصداق بما استحللت من فرجها والولد عبد لك وإذا ولدت فاجلدوها *
28

قال أبو محمد: ولم يذكر ههنا تفريقا وهو أقرب إلى أن يموه باسناده إلا أنه
لا يعلم لسعيد بن المسيب سماع من نصرة أو نضرة فبطل الاحتجاج به ولو صح لقلنا به،
وأما قول الله عز وجل: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فإنما جاء في المطلقة
قال الله عز وجل: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة
أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وهذا مردود
على أول السورة في المطلقات ومحمول عليه ما بعده من قوله تعالى: (اسكنوهن من حيث
سكنتم من وجدكم) الآيات كلها وإنما وجب ذلك في المتوفى عنها بخبر سبيعة الأسلمية
وقالوا: قسنا المنفسخة النكاح بعد صحته أو لفساده في ذلك على المطلقة قلنا: القياس
كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل لان القياس عن القائلين به إنما هو أن
يحكم للشئ بحكم نظيره وليس النكاح الصحيح الحلال نظيرا للفاسد الحرام الذي
لا يحل عقده ولا اقراره بل هو ضده فهو باطل لا نسبة بينه وبين الطلاق على أصول
أصحاب القياس، وأما التي انفسخ نكاحها بعد صحته فان الفسخ لا نسبة بينه وبين
الطلاق لان الطلاق لا يكون الا باختيار الزوج، وأما الفسخ فلا يراعى اختياره في ذلك *
قال أبو محمد: وكذلك الأمة الحامل من سيدها يموت عنها أو يعتقها أو تحمل
من زنا لا عدة عليها وقد ثبت أن المرأة التي لازوج لها ولا هي في عدة ولا هي أم ولد
فان انكاحها حلال وبالله تعالى التوفيق *
1874 مسألة ومن كان عنده أربع زوجات فطلق إحداهن ثلاثا وهي
حامل منه أو غير حامل وقد وطئها إذ كانت في عصمته أو انفسخ نكاحها منه فله أن
يتزوج اثر طلاقه لها رابعة أو أختها أو عمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو بنت أختها
ويدخل بها فأما في الطلاق الرجعي فلا يحل له ذلك ما دامت في عدتها وقولنا في هذا
هو قول روى عن عثمان بن عفان. وزيد بن ثابت، وصح عن الحسن. وسعيد بن المسيب.
وخلاس بن عمرو. وعروة بن الزبير. والقاسم بن محمد. وعطاء. والزهري. ويزيد
ابن عبد الله بن قسيط. وعبد الله بن أبي سلمة. وربيعة. وابن أبي ليلى. وعثمان البتي.
والليث بن سعد. ومالك. والشافعي. وأصحابهما. وأبى ثور. وأبى عبيد. وأبي سليمان
. وأصحابه وهو الأشهر من قول الأوزاعي ولم يجز ذلك جماعة من السلف،
وروى عن علي بن أبي طالب وصح عن ابن عباس: وعن سعيد بن المسيب أيضا وأحد
قولي أبى عبيدة بن نضيلة. وعبيدة السلماني، وصح عن الشعبي. والنخعي وغيرهم وهو قول
أبي حنيفة وأصحابه. وسفيان الثوري. والحسن بن حي. وأحمد بن حنبل. وأحد
29

قولي الأوزاعي، وصح عن الحسن إباحة ذلك الا أن تكون التي طلق حبلى *
قال أبو محمد: ما نعلم لمن منع من ذلك حجة الا أنهم موهوا بقول الله عز وجل:
(وأن تجمعوا بين الأختين) قالوا: وهذا جامع بينهما في لحاق حملهما به وفى وجوب
نفقتهما واسكانهما عليه، وقالوا: لا يجوز أن يجتمع ماؤه في خمس نسوة ولا في أختين
ما نعلم لهم غير هذا *
قال على: أما قولهم إنهما يجتمعان في نفقته عليهما واسكانه لهما فلسنا نساعدهم
على ذلك، ثم لو كان كما قالوا ما ضر ذلك شيئا لان الله تعالى لم يمنع من الجمع بينهما في شئ
الا في استحلال الوطء. فقط ولا فرق بين اجتماعهما في لحاق حملهما به وبين اجتماعهما
في لحاق ابنيهما به، وأما اجتماع مائه في خمس نسوة أو في ثمان أو في أختين فلا نعلم نصا
من قرآن ولا سنة منعا من ذلك إنما منع الله تعالى من نكاح أكثر من أربع نسوة ومن
الجمع بين الأختين في عقد نكاح أو استحلال وطئ فقط وقد فصل الله تعالى لنا ما حرم
علينا من النساء ثم قال: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) *
ومن طريف تناقض الحنيفيين ههنا أن أبا حنيفة قال من أعتق أم ولد لم يحل له
أن يتزوج أختها ولا عمتها ولا خالتها ولا بنت أخيها ولا بنت أختها حتى تتم المعتقة
عدتها ثلاث حيض قال: وله أن يتزوج أربعا قبل انقضاء عدتها فأجاز ان يجتمع ماؤه
في أربع زوجات وخامسة معتدة منه ومنع من كل ذلك زفر *
1875 مسألة ولا يحل لاحد أن يتزوج مملوكته قبل أن يعتقها ولا لامرأة
أن تتزوج مملوكها قبل ان تعتقه فان أعتقته جاز لهما التناكح ان تراضيا كالأجنبي
ولا فرق وهذا لا خلاف فيه من أحد لان الله تعالى قال: (الا على أزواجهم أو ما ملكت
ايمانهم) ففرق تعالى بين الصنفين فلا يجوز اجتماع صنفين فرق الله تعالى بينهما *
1876 مسألة وجائز للرجل أن يتزوج أمة والده التي لا تحل لوالده وأمة
ولده التي لا تحل لولده وأمة أمه وأمة ابنته، وجائز للعبد نكاح أم سيده وبنت سيده
وأخت سيده إذا كان كل ذلك باذن سيده وما نعلم لمن منع من ذلك حجة أصلا الا أن
بعضهم قال قد يرثها وترثه فينفسخ النكاح فقلنا. نعم فكان ماذا؟ أو قد تشتريه ويشتريها
ولا فرق * برهان صحته ذلك قول الله عز وجل: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين
من عبادكم وإمائكم) فلم يستثن الله تعالى أحدا ممن ذكرنا (وما كان ربك نسيا) ونعوذ
بالله من اعتقاد من يظن أنه يستدرك بعقله شيئا لم يشرعه ربه تعالى *
1877 مسألة ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة فله أن ينظر
30

منها متغفلا لها وغير متغفل إلى ما بطن منه وظهر ولا يجوز ذلك في أمة يريد شراءها
ولا يجوز له أن ينظر منها الا إلى الوجه والكفين فقط لكن يأمر امرأة تنظر إلى جميع
جسمها وتخبره * برهان ذلك قول الله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
ويحفظوا فروجهم) فافترض الله عز وجل غض البصر جملة كما افترض حفظ
الفرج فهو عموم لا يجوز أن يخص منه الا ما خصه نص صحيح وقد خص النص نظر
من أراد الزواج فقط كما روينا من طريق أبى داود نا مسدد نا عبد الواحد بن زياد
نا محمد بن إسحاق عند أود بن الحصين عن واقد بن عبد الرحمن هو ابن سعد بن معاذ
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع
أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) قال جابر فخطبت امرأة من بنى سلمة فكنت
أتخبئ تحت الكرب حتى رأيت منها بعض ما دعاني إليها، وقد رويناه أيضا من طرق
صحاح من طريق أبي هريرة. والمغيرة بن شعبة فكان هذا عموما مخرجا لهذه الحال
من جملة ما حرم من غض البصر، وأما النظر إلى الجارية يريد ابتياعها فلا نص في ذلك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حجة فيما جاء عن سواء * وقد اختلف الناس في ذلك فصح عن
ابن عمر إباحة النظر إلى ساقها وبطنها وظهرها ويضع يده على عجزها وصدرها ونحو ذلك
عن علي ولم يصح عنه، وصح عن أبي موسى الأشعري إباحة النظر إلى ما فوق السرة
ودون الركبة، وروى عن سعيد بن المسيب، وروينا عن الأسود بن يزيد انه
لم يستجز النظر إلى ساقها *
قال أبو محمد: فبقي أمر الابتياع على وجوب غض البصر، وأما الوجه والكفان
فقد جاء فيهما الخبر المشهور الذي أوردناه في غير هذا المكان من أمر الخثعمية التي
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحج عن أبيها؟ وان الفضل بن العباس جعل ينظر إلى
وجهها فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل عنها ولم يأمرها بستر وجهها ففي
هذا إباحة النظر إلى وجه المرأة لغير اللذة، وأما الكفان فروينا من طريق مسلم نا
عبيد الله بن معاذ العنبري نا أبى نا شعبة عن عدى هو ابن ثابت عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين ثم أتى
النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقى خرصها وتلقى سخابها) *
ومن طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا عبد الرزاق. ومحمد بن بكر قالا جميعا:
انا ابن جريج أخبرني عطاء قال: (سمعت جابر بن عبد الله يقول: ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فبدا بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب ثم نزل فأتى النساء فذكرهن
31

وبلال باسط ثوبه يلقين فيه النساء صدقة تلقى المرأة فتخها) * قال أبو محمد: الفتخ
خواتم كباركن يحبسنها في أصابعهن فلولا ظهور أكفهن ما أمكنهن القاء الفتخ *
1878 مسألة ولا يحل لاحد أن ينظر من أجنبية لا يريد زواجها أو شراءها
ان كانت أمة لتلذذ الا لضرورة فان نظر في الزنا إلى الفرجين ليشهد بذلك فمباح
له لأنه مأمور بأداء الشهادة قال عز وجل: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) ولا
سبيل لهم إلى أداء الشهادة في الزنا الا بصحة النظر إلى الفرجين والتثبت في ذلك، وأما في
غير ذلك فالوجه والكفان كما قدمنا آنفا عند الشهادة عليها أولها أو منها، وجائز لذي
المحمر أن يرى جميع جسم حريمته كالأم والجدة والبنت وابنة الابن والخالة والعمة
وبنت الأخ وبنت الأخت وامرأة الأب وامرأة الابن حاش الدبر والفرج فقط،
وكذلك النساء بعضهن من بعض، وكذلك الرجال بعضهم من بعض * برهان ذلك
قول الله تعالى: (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن
ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن
أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين
غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن
بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) الآية فذكر الله عز وجل في هذه الآية زينتهن
زينة ظاهرة تبدى لكل واحد وهي الوجه والكفان على ما بينا فقط وزينة باطنة حرم
عز وجل ابداءها الا لمن ذكر في الآية ووجدناه تعالى قد ساوى في ذلك بين البعولة والنساء
والأطفال وسائر من ذكرنا في الآية، وقد أوضحنا في كتاب الصلاة ان المرأة كلها
عورة الا الوجه والكفين فحكم العورة سواء فيما ذكرنا الا مالا خلاف فيه من أنه
لا يحل لغير الزوج النظر إليه من الفرج والدبر، ولم نجد لا في قرآن. ولا سنة.
ولا معقول فرقا بين الشعر والعنق والذرع والساق. والصدر، وبين البطن. والظهر
والفخذ الا انه لا يحل لاحد ان يتعمد النظر إلى شئ من امرأة لا يحل له لا الوجه ولا
غيره الا لقصة تدعو إلى ذلك لا يقصد منها منكر بقلب أو بعين، وقد روينا عن
طاوس كراهة نظر الرجل إلى شعرا بنته وأمه وأخته ولا يصح عن طاوس، وصح عن
إبراهيم ان لا ينظر من ذات المحرم الا إلى ما فوق الصدر وهذا تحديد لا برهان على صحته،
وليس هذا مكان رأى ولا استحسان لان المخالفين لنا ههنا بأهوائهم لا يختلفون في أنه
لا يحل النظر إلى زينة شعر العجوز السوداء الحرة ولعل النظر إليها يقذى العين ويميت
تهييج النفس، ويجيزون النظر لغير لذة إلى وجه الجارية الجميلة الفتاة ويديها، وقد
32

صح في ذلك ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا قتيبة بن سعيد نا الليث هو ابن
سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: ان أم عطية أم المؤمنين استأذنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فاذن لها فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طيبة ان يحجمها،
قال: حسبت إن كان أخاها من الرضاعة أو غلاما لم يحتلم *
قال أبو محمد: هذا خبر في غاية الصحة لأنه من رواية الليث عن أبي الزبير عن
جابر وقد روينا بأصح طريق ان كل ما رواه الليث عن أبي الزبير عن جابر فان أبا الزبير
أخبره انه سمعه عن جابر مو أما قول الراوي حسبت انه كان أخاها من الرضاعة أو غلاما
لم يحتمل فإنما هو ظن من بعض رواة الخبر ممن دون جابر ثم هو أيضا ظن غير صادق
لان أم سلمة رضي الله عنها ولدت بمكة وبها ولدت أكثر أولادها، وأبو طيبة غلام
لبعض الأنصار بالمدينة فمحال أن يكون أخاها من الرضاعة وكان عبدا مضروبا
عليه الخراج كما روينا من طريق مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: حجم
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طيبة فامر له بصاع من تمر وامر أهله ان يخففوا من خراجه ولا
يمكن أن يحجمها الا حتى يرى عنقها وأعلى ظهرها مما يوازى أعلى كتفيها *
1879 مسألة وحلال للرجل ان ينظر إلى فرج امرأته زوجته وأمته التي
يحل له وطؤها، وكذلك لهما ان ينظرا إلى فرجه لا كراهية في ذلك أصلا * برهان ذلك
الاخبار المشهورة من طريق عائشة. وأم سلمة. وميمونة أمهات المؤمنين رضى الله
عنهن أنهن كن يغتسلن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من اناء واحد، وفى خبر ميمونة
بيان انه عليه الصلاة والسلام كان بغير مئزر لان في خبرها انه عليه الصلاة والسلام
أدخل يده في الاناء ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله فبطل بعد هذا ان يلتفت إلى رأى
أحد، ومن العجب ان يبيح بعض المتكلفين من أهل الجهل وطئ الفرج ويمنع من
النظر إليه، ويكفى من هذا قول الله عز وجل: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) فأمر عز وجل بحفظ الفرج الا
على الزوجة وملك اليمين فلا ملامة في ذلك وهذا عموم في رؤيته ولمسه ومخالطته، وما
نعلم للمخالف تعلقا الا بأثر سخيف عن امرأة مجهولة عن أم المؤمنين ما رأيت فرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وآخر في غاية السقوط عن أبي بكر بن عياش: وزهير بن محمد،
كلاهما عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وهؤلاء ثلاث الأثافي والديار البلاقع
أحدهم كان يكفي في سقوط الحديث *
1880 مسألة ولا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة مسلم سواء ركنا وتقاربا
33

أو لم يكن شئ من ذلك الا أن يكون أفضل لها في دينه وحسن صحبته فله حينئذ أن يخطب
على خطبة غيره ممن هو دونه في الدين وجميل الصحبة أو الا ان يأذن له الخاطب الأول
في أن يخطبها فيجوز له ان يخطبها حينئذ أو الا ان يدفع الخاطب الأول الخطبة فيكون
لغيره ان يخطبها حينئذ أو الا أن ترده المخطوبة فلغيره ان يخطبها حينئذ والا فلا *
برهان ذلك ما رويناه من طريق مسلم حدثني أبو الطاهر انا عبد الله بن وهب عن
الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة انه سمع عقبة بن عامر على
المنبر يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن ان يبتاع
على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر) ففي هذا الخبر تحريم الخطبة على
خطبة المسلم حتى يذر * ومن طريق أحمد بن شعيب انا إبراهيم بن الحسن المصيصي نا حجاج
هو ابن محمد قال: قال ابن جريج: سمعت نافعا يحدث ان ابن عمر كان يقول: نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبيع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل
حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب *
قال أبو محمد: وأما إذا ردته المخطوبة فقد وجب عليه قطع الخطبة لان في تماديه
الاضرار بها والظلم لها في منعه بذلك غيره من خطبتها فكل خطبة تكون معصية فلا
حكم لها وأما إذا كان فوقه في دينه وحسن صحبته فلحديث فاطمة بنت قيس المشهور:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: من خطبك؟ قالت: معاوية ورجل من قريش آخر
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما معاوية فإنه غلام من غلمان قريش لا شئ له وأما الآخر
فإنه صاحب شر لا خير فيه أنكحي أسامة قالت: فكرهته فقال لها ذلك ثلاث مرات
فنكحته) * وروينا من طريق مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس فذكرت حديثها وفيه: (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لها: فإذا حللت فأذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان
وأبا جهم خطباني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه
وأما معاوية فصعلوك لامال له انكحي أسامة بن زيد قالت: فكرهته ثم قال انكحي
أسامة فنكحته جعل الله فيه خيرا واغتبطت) *
قال أبو محمد: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار عليها بالذي هو أجمل صحبة لها من
أبى جهم الكثير الضرب للنساء، وأسامة أفضل من معاوية، فان قيل. وما يدريك
ان هذا الخبر كان قبل خبر النهى عن أن يخطب أحد على خطبة أخيه قلنا: قد صح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصحية) وهذا حكم
34

باق إلى القيامة، ومن أنصح النصائح أن يكون مريد يريد خطبة امرأة قد خطبها من هو
أحسن صحبته وأفضل دينا من الذي خطبها قبله فيخطبها هو ما أما ان ترك خطبتها من اجل
الخاطب قبله فقط فما نصح المسلمة ولقد غشها وهذا لا يجوز وقد علمنا أن معاوية فتى
من بنى عبد مناف في غاية الجمال والحلم وأسامة مولى كلبي أسود كالقار فبالضرورة ندري
أنه لافضل له عليه الا بالدين الذي هو نهاية الفضل عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في
غاية النصيحة لجميع المسلمين بلا شك، وأما من قال: ان ذلك إذا ركنا وتقاربا فدعوى
فاسدة باطل لأنه لم يعضدها قرآن ولا سنة ولا إجماع ولاقول صاحب ولانظر صحيح
أنما هو رأى ساقط فقط *
1881 مسأله ولا يحل التصريح بخطبة امرأة في عدتها وجائز ان يعرض لها
بما تفهم منه انه يريد نكاحها * برهان ذلك قول الله عز وجل: (ولا جناح عليكم
فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن
لا تواعدوهن سرا الا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ
الكتاب أجله) إلى قوله (فاحذروه) فأباح تعالى التعريض ومنع من المواعدة سرا *
قال أبو محمد: ومن التعريض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفا لفاطمة
بنت قيس: (إذا حللت فأذنيني) وقد صح أيضا أنه عليه الصلاة والسلام قال:
لا تفوتيني بنفسك * روينا من طريق أبى داود نا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم
قال: نا محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن فاطمة بنت قيس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن التعريض ما رويناه عن ابن عباس أن يقول إني أريد الزواج
ولوددت أن الله تعالى يسر لي امرأة صالحة ونحو هذا *
1882 مسألة ولا يحل نكاح من لم يولد بعد فمن فعل ذلك لم يلزمه لأنه
لا يدرى أيولد له ابنة أم ابن أم ميتة *
1883 مسألة ولا يحل نكاح غائبة الا بتوكيل منها على ذلك ولا يحل
انكاح غائب الا بتوكيل منه ورضا لقول الله عز وجل: (ولا تكسب كل نفس الا
عليها) وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي بأرض
الحبشة وهو بالمدينة برضاهما معا *
1884 مسألة ومن تزوج مملوكة لغيره باذن السيد أو بغير اذنه سواء
ادعت أنها حرة أو لم تدع فكل ما ولدت منه فهم عبيد لسيدها لا يجبر على قبول فداء فيهم
الا ان ما كان من ذلك بغير اذن سيدها فعليها حد الزنا وليس نكاحا والولد لاحقون
35

بالرجل كان جاهلا، وقال أبو حنيفة: من تزوج امرأة على أنها حرة فوجدت
مملوكة وقد ولدت منه أولادا فأولاده منها أحرار وعليه قيمة الاحياء منهم يوم
الحكم ويرجع بما غرم من ذلك على من غره إن كان غره غيرها أو عليها ان كانت
هي غرته وعليه صداقها لسيدها ولا يرجع به على من غره ولا عليها ولا شئ عليه فيمن
مات منهم الا أن يكون قتل فأخذ الأب ديته فإن كان الأب معسرا فلا شئ عليه ولا
على أولاده، وقال مالك: هن أحرار وعلى أبيهم قيمة الاحياء منهم يوم الحكم ولا شئ
عليه فيمن مات منهم قبل ذلك فان مات الأب قبل الحكم فلا شئ على الأولاد وهم أحرار،
وقال مرة أخرى: عليهم قيمة أنفسهم وكذلك إن كان أبوهم عديما، وقال الشافعي:
هم أحرار وعلى أبيهم قيمتهم يوم ولدوا سواء من مات منهم ومن عاش *
قال أبو محمد: اعجبوا لما في هذه الأقوال من الفضائح لا يمكن البتة أن تكون
الأولاد الا أحرارا أو مماليك ولا سبيل إلى قسم ثالث فلعمري لان كانوا أحرارا
مذ ولدوا فما يحل لسيد أمهم أخذ قيمة حر ولا يحل أن يغرم أبوهم في قيمتهم ثمنا أصلا *
روينا من طريق البخاري نا بشر بن مرحوم نا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية
عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاثة انا
خصمهم يوم القيامة فذكر فيهم ورجل باع حرا فأكل ثمنه) وان كانوا مماليك فما
يحل لاحد اجبار انسان على بيع مماليكه بغير نص من قرآن أو سنة عز رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم عجب آخر وهو الزامه قيمة الاحياء منهم دون من مات منهم ثم ارتجاعه بما غرم
على من غره من قمية الأولاد ولا يردونه بما غرم من الصداق فأتوا بغريبة قالوا لأنه
قد استعاض بضعها فقلنا وقد استعاض أولادا أحرارا فلا تردوه على من غره بذلك *
قال أبو محمد: وقد جاءت عن السلف في هذا آثار روينا من طريق حماد بن سلمة
عن حميد قال: باع رجل جارية لأبيه فتسراها المشترى فولدت له أولادا فجاء أبوه
فخاصمه إلى عمر بن الخطاب فردها وولدها إليه فقال المشترى: دع لي ولدى فقال:
دع له ولده، ورويناه بلفظ يدل على أن عمر قضى بالخلاص على البائع كما روينا من
طريق سعيد بن منصور نا هشيم قال: انا حميد الطويل عن الحسن أن رجلا باع جارية
لأبيه وأبوه غائب فلما قدم أبى ان يجيز بيع ابنه وقد ولدت من المشترى فاختصموا إلى
عمر بن الخطاب فقضى للرجل بجاريته وأمر المشترى ان يأخذ بيعه بالخلاص فلزمه
فقال أبو البائع: مره فليخل عن ابني فقال عمر: وأنت فخل عن ابنه *
قال أبو محمد: هذه شفاعة من عمر رضي الله عنه لأنه قد قضى له بملكهم
36

أو قضى منه بالخلاص * ونا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم بن
محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى عبد الأعلى - هو ابن عبد الأعلى التغلبي -
نا سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن خلاس بن عمرو قال: ان أمة أتت طيئا فزعمت
أنها حرة فتزوجها رجل منهم فولدت له أولادا ثم إن سيدها ظهر عليها فقضى لها
عثمان بن عفان أنها وأولادها لسيدها وان لزوجها ما أدرك من متاعه وجعل فيهم الملة
أو السنة كل رأس برأسين قال قتادة: وكان الحسن يقول: في كل رأس رأس *
ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة ان
امرأة باعت هي وابن لها جارية لزوجها فولدت الجارية للذي ابتاعها ثم جاء زوجها
فخاصم إلى علي بن أبي طالب وقال: لم أبع ولم أهب فقال له على: قد باع ابنك وامرأتك
فقال: ان كنت ترى لي حقا فاعطني قال على: فخذ جاريتك وابنها ثم سجن المرأة وابنها
حتى تخلصا له فلما رأى ذلك الزوج سلم البيع فهؤلاء عمر. وعثمان. وعلى أئمة الهدى
قد قضوا بأولاد المستحقة رقيقا لسيد أمهم ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة
رضي الله عنهم الا رواية ساقطة عن علي رويناها من طريق ابن أبي شيبة عن أبي بكر
ابن عياش عن مطرف عن الشعبي عن علي في رجل اشترى جارية فولدت منه أولادا
ثم أقام رجل البينة انها له قال: ترد عليه ويقوم عليه ولدها فيغرم الذي باعه بما عز وهان،
وابن عياش ضعيف وهم يشنعون خلاف مثل هذا إذا وافق أهواءهم وقد خالفوهم
ههنا، وأما نحن فلا نحتج ههنا ولا في غير هذا المكان جملة الا بقرآن أو سنة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإنما نورد من ذلك تبكيتا لمن يحتج به إذا وافق هواه ولا يحتج به
إذا خالفه، وهذا هو التلاعب بالدين، وقال عز وجل: (والذين هم لفروجهم حافظون
الاعلى أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم
العادون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وجاء
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من بعده بلا خلاف من أحد من أهل الاسلام بان ولد ما يملكه
المرء من إناث الإماء وسائر الحيوان فإنه ملك لمالك أمه فنسأل المخالفين عن هذه الغارة
أو المبيعة بغير اذن مالكها أهي زوجة للذي ولدت له أو ملك يمين له أم ليست له زوجة
ولا ملك يمين ولابد له من أحدهما؟ فلا يختلفون انها ليست له زوجة ولا ملك يمين وانها
إنما هي ملك مالكها الذي لم يبعها ولا أخرجها عن ملكه ولا أذن لها في
النكاح وانها مال من ماله فإذ لا شك في هذا فلا يجوز لاحد الحكم باخراج أمته
أو مماليكه مما ولدت عن يده بغير قرآن أو سنة، وهذا غاية البيان وبالله تعالى التوفيق *
37

قال أبو محمد: وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين أشياء نذكر منها
إن شاء الله عز وجل ما يصلح لهذا المكان * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال لي عمر بن الخطاب: أعقل عنى ثلاثا
الامارة شورى وفي وفد العرب مكان كل عبد عبد وفي ابن الأمة عبدان *
قال أبو محمد: هذا في الصحابة عن عمر رضي الله عنه؟ نزلة ما لو سمعناه منه ولا فرق
وبالله لو ظفروا خصومنا بمثل هذا ما ترددوا ولا استخاروا الله تعالى لو وافق تقليدهم ان
يقولوا: مثل هذا لا يقال بالرأي فلا شك في أنه توفيق كما قالوا في قول عائشة أم المؤمنين
رضي الله عنها في ابتياع زيد بن أرقم العبد وبيعه لا ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن عبد الله بن عون عن غاضرة العنبري قال اتينا عمر بن الخطاب في نساء سعين
في الجاهلية فأمر ان يقوم أولادهن على آبائهم ولا يسترقوا - يعنى اما زنين في الجاهلية -
فولدن من الزنا * ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: قضى
عمر بن الخطاب في فداء ولد الرجل من أمته قوم مكان كل جارية ومكان كل غلام
غلام، قال ابن وهب: وأخبرني مالك انه بلغه ذلك عن عمر عثمان * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: قضى عمر بن الخطاب في فداء سبى العرب بستة
فرائض وقضى عمر بن عبد العزيز في ذلك في كل رأس أربعمائة درهم * ومن طريق عبد الرزاق
عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن يحيى الغساني قال: كتب عمر بن عبد العزيز ان عمر بن
الخطاب قضى في فداء سبى العرب في كل رأس أربعمائة درهم * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج قال سمعت سليمان بن موسى يذكر ان عمر بن الخطاب قضى في ولد الأمة تخبر
انها حرة فينكحها أحدهم فتلد له ان على آبائهم مثل كل ولد له من الرقيق في الشبر والذرع
قفال ابن جريج: فقلت له فإن كان أولاده حسانا قال لا يكلف مثلهم في الحسن إنما يكلف
في الذرع * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن محمد بن مسلم
الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة قال: نكح رجل أمة فولدت له فكتب في ذلك إلى عمر
ابن عبد العزيز فكتب ان يفادى أولاده قال ابن مفرج في غير كتاب ابن الاعرابي
بوصيفين أحمرين كل واحد باثنين فهؤلاء كلهم لا يرون الفداء الا اما بغلام مكان الذكر
أو بجارية مكان الأنثى واما بغلامين مكان غلام ذكر، وروينا عن عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عطاء في ولد الغارة يقارب أبوهم فيهم * ومن طريق عبد الرزاق
عن عبد الله بن كثير عن شعبة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم في الغارة قال صداقها
على الذي غره، وقال حمام بن أبي سليمان مثل ذلك، وقال الحكم فكاك ولدها على الأب ولا
38

نعلم عن صاحب ولا تابع غير ما أوردنا فخالف الحنيفيون: والمالكيون، والشافعيون كل
هؤلاء لاختراع لهم فاسد وبايجاب القيمة التي لم تأت من أحد نعلمه قبل أبن حنيفة ثم اتبعه
مالك والشافعي. وقد جاء في ذلك اثران نذكرهما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان
ابن عيينة عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سبى العرب في الجاهلية ان فداء الرجل ثمان من الإبل وان في الأنثى عشر قال سفيان:
فأخبرني مجالد عن الشعبي ان ذلك شكى إلى عمر بن الخطاب فجعل فداء الرجل أربعمائة
درهم * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة مولى ابن عباس قال:
قضى النبي صلى الله عليه وسلم في فداء رقيق العرب من أنفسهم في الرجل إذا سبى في الجاهلية بثمان
من الإبل وفى ابن الأمة بوصيفين وصيفين لكل انسان منهم ذكر وأنثى وقضى في سبية
الجاهلية بعشر من الإبل وفي ولدها من العبد بوصيفين يفديه موالي أمه وهم عصبتها لهم
ميراثها وميراثه ما لم يعتق أبوه وقضى في سبى الاسلام بستة من الإبل في الرجل والمرأة
والصبي فذلك فداء العرب فان تعلقوا بما روينا من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر
ابن عياش قال: أبو حصين عن الشعبي لما استخلف عمر بن الخطاب قال: ليس على
عربي ملك ولسنا بنازعين من يد أحد شيئا أسلم عليه ولا كنا نقومهم الملة قلنا:
أنتم أول مخالف لهذا فتوجبون الملك للعلج على أولاد العربي والقرشي إذا تزوج
أمته باذنه ولا يمكنكم دعوى اجماع ههنا لان سعيد بن المسيب. والأوزاعي. وسفيان
الثوري. وأبا ثور. وإسحاق بن راهويه كلهم يقول عن عمر في العبد يتزوج أمة
رجل باذن سيدها ان أولاده منها أحرار لا رق عليهم ولا على أبيهم فداؤهم وهو قول
الشافعي بالعراق *
قال أبو محمد: ان من تعلق في رد السنة الثابتة برواية شيخ من بنى كنانة عن عمر
البيع عن صفقة أو خيار وبرواية مجالد عن الشعبي لا يؤمن أحد بعدي جالسا ثم خالف
رواية سفيان بن عيينة عن زكريا عن الشعبي التي ذكرنا ورواية ابن طاوس عن أبيه عن
ابن عباس عن عمر ومرسل عكرمة لمنحوس الحظ من الصواب ونعوذ بالله من الضلال *
ومن طرائف ما يأتون به احتجاجهم في هذه المسألة بأنه إنما أعتق ولد الغارة والمستحقة
لان أباهم على ذلك دخل فقلنا: ان هذا العجب فكان ماذا وفى أي كتاب الله عز وجل
وجد ثم أم في أي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج ملك فرج وما ولد عن ملك مالكهم
قهر من أجل أن الواطئ له بغير حق على ذلك دخل فحسبك بهذا القول هجنة
وبالله تعالى نتأيد *
39

1885 مسألة ولا يحل للمرأة التبرج ولا التزين للخروج إذا خرجن
لحاجة قال الله عز وجل: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) وقد ذكرنا في كتاب
الصلاة امر النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج النساء إلى الصلاة أن يخرجن تفلات (1) *
1886 مسألة وفرض على الرجل أن يجامع امرأته التي هي زوجته
وأدنى ذلك مرة في كل طهران قدر على ذلك والا فهو عاص لله تعالى * برهان ذلك قول
الله عز وجل: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) وروينا من طريق أبى عبيد
نا يزيد بن محمد بن إسحاق عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عبد الرحمن عن عبد الله بن
عامر بن ربيعة قال انا لنسير مع عمر بن الخطاب بالرف من جمدان إذ عرضت له امرأة من
خزاعة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين انى امرأة أحب ما تحب النساء من الولد وغيره
ولى زوج شيخ ووالله برحنا حتى نظرنا إليه يهوى شيخ كبير فقال لعمر: يا أمير المؤمنين
انى لمحسن إليها وما الوها فقال له عمر أتقيم لها طهرها فقال: نعم، فقال لها عمر: انطلقي مع
زوجك والله ان فيه لما يجزى أو قال يغنى المرأة المسلمة *
قال أبو محمد: ويجبر على ذلك من أبى بالأدب لأنه اتى منكرا من العمل *
ومن طريق البزار نا محمد بن بشار بندار نا جعفر بن عون نا أبو العميس - هو عتبة
ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود - عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن سلمان الفارسي
قال: لأبي الدرداء: (ان لجسدك عليك حقا وان لأهلك عليك حقا أعط كل ذي
حق حقه صم وأفطر وقم ونم وأت أهلك) فأخبر أبو الدرداء بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قول سلمان *
1887 - مسألة - وفرض على الأمة والحرة ان لا يمنعا السيد والزوج الجماع
متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضا أو مريضة تتأذى بالجماع أو صائمة فرض
فان امتنعت لغير عذر فهي ملعونة * روينا من طريق مسلم نا ابن أبي عمر مروان - هو ابن
معاوية الفزاري - عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة: قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه الا كان
الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها، * نا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد
الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - نا شعبة عن قتادة عن
زرارة بن أوفى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا باتت المرأة
مهاجرة إلى زوجها أو فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع * ومن طريق أحمد

(1) أي تاركات للطيب
40

ابن شعيب أنا هناد بن السرى عن ملازم بن عمرو نا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق
عن أبيه طلق بن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دعى الرجل زوجته
لحاجته فلتأته وان كانت على التنور) *
1888 مسألة: والعدل بين الزوجات فرض، وأكثر ذلك في قسمة
الليالي ولا يجوز ان يفضل في قسمة الليالي حرة على أمة متزوجة ولا مسلمة على ذمية فان
عصته حل له هجرانها حتى تطيعه وضربها بما لم يؤلم ولا يجرح ولا يكسر ولا يعفن فان
ضربها بغير ذنب أقيدت منه ولا يجوز له المبيت عند أمته ولا عند أم ولده ولا في دار
غيره الا بعذر * برهان ذلك قول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى
وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) وقول الله عز وجل:
(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)
وقال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن
فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) فلم يبح الله عز وجل هجرانها في المضجع الا إذا
خاف نشوزها وإنما أباح الضرب ولم يبح الجراح ولا كسر العظام ولا تعفين اللحم،
وقال تعالى: (والحرمات قصاص) فصح انه ان اعتدى عليها بغير حق فالقصاص عليه *
وروينا من طريق أحمد بن شعيب انا عمرو بن علي نا عبد الرحمن - هو ابن مهدي - نا
همام - هو ابن يحيى - عن قتادة عن النضر بن أنس بن مالك بن نهيك عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء
يوم القيامة أحد شقيه مائل) فلم يخص عليه الصلاة والسلام حرة متزوجة من أمة
متزوجة ولا مسلمة من ذمية وامر عز وجل من خاف ان يعدل ان يقتصر على واحدة
من الزوجات أو ان يقتصر على ما ملكت يمينه، فصح انه ليس عليه ان يعدل بين إمائه،
وكل ما قلنا فهو قول أبى سليمان. وأصحابنا، وقال إبراهيم النخعي: لا فضل للزوجة المسلمة
على الكتابية في القسمة وهو قول مالك. والليث. وأبي حنيفة. والشافعي، وقال
أبو حنيفة: من كانت له زوجة حرة وزوجة مملوكة فللحرة ليلتان وللمملوكة ليلة *
وروينا ذلك عن علي. ومسروق. ومحمد بن علي بن الحسين. والشعبي، والحسن
وعطاء. وسعيد بن جبير. وسعيد بن المسيب. وعثمان البتي. والشافعي. وقال
مالك. والليث. وأبو سليمان: القسمة لهما سواء، واحتج من رأى للحرة يومين
وللأمة يوما بأنه روى في ذلك حديث مرسل وانه عن علي ولا يعرف له في ذلك مخالف
من الصحابة رضي الله عنهم، وانه قول جمهور السلف، وقالوا: لما كانت عدة الأمة
41

وحدها نصف عدة الحرة وحدها وجب أن تكون قسمتها نصف قسمة الحرة *
قال أبو محمد: المرسل لا حجة لهم فيه، وعهدنا بهم يردون السنن الثابتة في المسح
العمامة وما يحرم من الرضاعات بأنها زائدة على ما في القرآن وتركوا ههنا عموم أمر
الله تعالى بالعدل بين النساء عموما بخبر ساقط مرسل مخالف لعموم القرآن ولا حجة
في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالفوا طائفة من الصحابة منهم على فيما لا يعرف
لهم فيه مخالف منهم في القضاء بولد الأمة المستحقة لسيد أمه أو فدائه برأس أو رأسين
والزام البائع الخلاص وخالفوهم وجمهور السلف في ذلك أيضا، وأما قياس القسمة
على العدة فباطل لان القياس كله باطل ونعارضهم بقياس أدخل في الايهام من قياسهم
وهو أنه لما كانتا في النفقة سواء وجب أن يكونا في القسمة سواء، وبالله تعالى التوفيق
وهو حسبنا ونعم الوكيل *
الايلاء
1889 مسألة ومن حلف بالله عز وجل أو باسم من أسمائه تعالى ان
لا يطأ امرأته أو أن يسوءها أو أن لا يجمعه وإياها فراش أو بيت سواء قال ذلك في
غضب أو في رضا لصلاح رضيعها أو لغير ذلك استثنى في يمينه أو لم يستثن فسواء
وقت وقتا ساعة فأكثر إلى جميع عمره أو لم يوقت الحكم في ذلك واحد، وهو أن
الحاكم يلزمه أن يوقفه ويأمره بوطئها ويؤجل له في ذلك أربعة أشهر من حين يحلف
سواء طلبت المرأة ذلك أو لم تطلب رضيت ذلك أو لم ترض فان فاء في داخل الأربعة
الأشهر فلا سبيل عليه وان أبى لم يعترض حتى تنقضي الأربعة الأشهر فإذا تمت أجبره
الحاكم بالسوط على أن يفئ فيجامع أو يطلق حتى يفعل أحدهما كما أمره الله عز وجل
أو يموت قتيل الحق إلى مقت الله تعالى الا أن يكون عاجزا عن الجماع لا يقدر عليه
أصلا فلا يجوز تكليفه مالا يطيق لكن يكلف أن يفئ بلسانه ويحسن الصحبة
والمبيت عندها أو يطلق ولابد من أحدهما، ولا يجوز أن يطلق عليه الحاكم فان فعل
لم يلزمه طلاق غيره، وسواء استثنى في يمينه أو لم يستثن، ومن آلى من أجنبية ثم
تزوجها لم يلزمه حكم الايلاء لكن يجبر على وطئها كما قدمنا قبل، ومن حلف في ذلك
بطلاق أو عتق أو صدقة أو مشى أو غير ذلك فليس موليا، وعليه الأدب لأنه حلف
بما لا يجوز الحلف به * برهان ذلك قول الله عز وجل: (للذين يؤلون من نسائهم
تربص أربعة أشهر فان فاؤا فان الله غفور رحيم وان عزموا الطلاق فان الله سميع
42

عليم) فهذه الآية تقتضي كل ما قلنا لان الالية هي اليمين وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من كان حالفا فلا يحلف الا بالله " فصح ان من حلف بغير الله تعالى فلم يحلف
بما أمره الله عز وجل به فليس حالفا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس
عليه أمرنا فهو رد " ولم يخص الله تعالى بالحكم المذكور من وقت ممن لم يوقت ولا
من استثنى ممن لم يستثن ولا من طلبته امرأته ممن لم تطلبه وهو حق الله عز وجل في
عبده لا لها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده "، والآبي
من الفيئة أو الطلاق بعد الأربعة الأشهر معلن بالمنكر فواجب تغييره باليد ما دام
مظهرا للمنكر ولا يجوز أن يعارض بشئ قبل انقضاء الأربعة الأشهر لأنه نص
الآية، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا فهجرهن كلهن شهرا ثم
راجعهن فمن فعل كذلك فلا شئ عليه إذا فاء قبل انقضاء الأربعة الأشهر والعاجز عن
الجماع إذا حلف مول من امرأته لان الله تعالى لم يخص بذلك جماعا من غيره فواجب
أن يكلف من الفيئة ما يطيق وهو مطيق على الفيئة بلسانه ومراجعته مضجعها وحسن
صحبتها، وقال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى)
وقال عز وجل: (وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) فمنع عز وجل من كل شئ
الا عزيمته الطلاق، فصح ان طلاق الحاكم عليه فضول وباطل وتعد لحدود الله عز
وجل، ومن الباطل أن يطلق عليه غيره أو أن يفئ عنه غيره وإنما أوجب الله عز وجل
الحكم المذكور على من آلى من امرأته لا على من آلى ممن ليست من نسائه وإذا
لم يلزم الحكم حين كون ما يوجبه لم يلزمه بعد ذلك الا بنص وبالله تعالى التوفيق *
فان طلقها ثم راجعها فقد سقط عنه حكم الايلاء لأنه قد فعل ما أمر الله عز وجل
ومن فعل ما أمره الله تعالى فقد أحسن قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) وفي
كثير مما ذكرنا خلاف قد رأى قوم ان الهجرة بلا يمين له حكم الايلاء * روينا من
طريق عبد الرزاق عن معمر عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم ان ابن عباس
قال له: ما فعلت أهلك عهدي بها لسنة سيئة الخلق قال: أجل والله لقد خرجت وما
أكلمها فقال له ابن عباس: عجل السير أدركها قبل أن تمضى أربعة أشهر فان مضت
فهي تطليقة، وصح عن ابن عباس ما رويناه من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أنا أبو
الزبير انه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال: الايلاء هو ان يحلف
ان لا يأتيها أبدا وصح عن عطاء أن الايلاء إنما هو ان يحلف بالله على الجماع أربعة
أشهر فأكثر فإن لم يحلف فليس إيلاءا، وممن قال مثل قولنا بعض السلف كما روينا
43

من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: إذا
حلف بالله ليغيظنها. أو ليسؤنها. أو ليحرمنها. أولا يجمع رأسه ورأسها. فهو
إيلاء * ومن طريق عبد الرزاق عن خصيف عن الشعبي قال: كل يمين حالت بين الرجل
وبين امرأته فهي إيلاء، وممن قال بقولنا في الايمان بعض السلف كما روينا من طريق
شعبة عن عبد الخالق عن حماد بن أبي سليمان في رجل قال لامرأته: أنت على كظهر أمي
ان قربتك قال ليس بشئ، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في رجل قال
لامرأته: أنت طالق ان مسستك أربعة أشهر قال عطاء: ليس ذلك بايلاء ليس الطلاق
بيمين فيكون إيلاء، وخالف في ذلك آخرون كما روينا من طريق عبد الرزاق عن
معمر عن قتادة عن أبي الشعثاء قال: ان قال: أنت على حرام أو أنت كأمي أو أنت
طالق ان قربتك فهو إيلاء، وقال أبو حنيفة: ان حلف بطلاق أو عتاق أو حج أو عمرة
أو صيام فهو إيلاء فان حلف بنذر صلاة أو بان يطوف أسبوعا أو بأن يسبح مائة
مرة فليس موليا، وهذا كلام يغنى سماعه عن تكلف الرد عليه * وممن قال مثل قولنا
في المدة طائفة كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا
محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا محمد نبن كثير عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي
سليم عن وبرة فيمن حلف ان لا يقرب امرأته عشرة أيام فلم يقربها حتى مضت ثلاثة
أشهر فاتوا في ذلك ابن مسعود فجعله إيلاء، قال سفيان. وقال ابن أبي ليلى. وغيره:
إذا آلى يوما أو ليلة فهو ايلاء * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء انه سئل
عمن حلف ان لا يقرب امرأته شهرا فمكث عنها خمسة أشهر فقال عطاء: ذلك ايلاء
سمى أجلا أو لم يسمه فإذا مضت أربعة أشهر كما قال عز وجل فهي واحدة يريد هي
تطليقة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة فيمن حلف أن لا يقرب امرأته
عشرة أيام فتركها أربعة أشهر فهو إيلاء * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا
يونس بن عبيد عن الحسن البصري انه كان يقول: إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربها
الليلة فتركها أربعة أشهر فإن كان تركها ليمينه فهو إيلاء * ورويناه أيضا عن إبراهيم
النخعي وبه يقول إسحاق بن إبراهيم بن راهويه وصح خلاف هذا عن ابن عباس كما
ذكرنا، وعن طاوس إذا حلف دون أربعة أشهر فليس إيلاء وهو قول سعيد بن جبير
وأحد قولي عطاء وهو قول سفيان الثوري. وأبي حنيفة. وأصحابه، وقال مالك.
والشافعي. وأبو ثور. وأحمد بن حنبل. وأصحابهم: لا يكون موليا من حلف ان لا
يقربها أربعة أشهر فأقل إنما المولى من حلف على أكثر من أربعة أشهر *
44

قال أبو محمد: كلا القولين خلاف لنص الآية إنما ذكر الله تعالى الايلاء من
نسائهم دون توفيق ثم حكم بالتوقيف والتربص أربعة أشهر ثم حكم بعد انقضاء
الأربعة الأشهر بالزام الفيئة أو الطلاق. وأما من قال: لا ايلاء الا ما كان في غضب
فروينا ذلك عن علي كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا داود بن أبي هند
عن سماك بن حرب عن أبي عطية الأسدي قال: قلت لعلي بن أبي طالب: تزوجت امرأة
أخي وهي ترضع ابن أخي فقلت: هي طالق ان قربتها حتى تفطمه قال على: إنما أردت
الاصلاح لك ولابن أخيك فلا ايلاء عليك إنما الايلاء ما كان في الغضب *
قال أبو محمد: ونا يونس بن عبيد عن الحسن أنه كان يقول: مثل ذلك قال
هشيم: ونا أبو وكيع عن أبي فزارة عن ابن عباس قال: إنما جعل الايلاء في الغضب،
وممن لم يراع ذلك إبراهيم النخعي. وابن سيرين روينا من طريق سعيد بن منصور نا
هشيم أنا القعقاع بن يزيد الضبي أنه قال لمحمد بن سيرين في قول من يقول: إنما الايلاء
في الغضب فقال: لا أدرى ما يقولون قال الله تبارك وتعالى: (للذين يؤلون من نسائهم
تربص أربعة أشهر فان فاءوا فان الله غفور رحيم وان عزموا الطلاق فان الله
سميع عليم) *
قال أبو محمد: صدق أبو بكر رحمه الله وهو قول أبي حنيفة. ومالك.
والشافعي. وأبى سلمان. وأصحابهم، وأما الاختلاف في هل يقع طلاق بمضي الأربعة
الأشهر أم لا يقع بذلك طلاق؟ فالذين قالوا بمضي الأربعة الأشهر يقع الطلاق فكما
روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن المبارك
عن معمر عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عثمان بن عفان.
وزيد بن ثابت قالا في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة وهي أملك بنفسها *
ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمر وان علي بن أبي طالب قال:
إذا آلى منها فمضت الأربعة الأشهر فقد بانت منه ولا يخطبها غيره * ومن طريق
إسماعيل بن إسحاق نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو معاوية - هو الضرير - عن الأعمش
عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عمر. وابن عباس قالا جميعا: إذا
آلى فلم يفئ حتى تمضى الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة قال إسماعيل: ونا سليمان
ابن حرب نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني قلت لسعيد بن جبير: أكان ابن عباس
يقول في الايلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وتتزوج ولا عدة عليها؟ قال:
نعم * ومن طريق وكيع عن المسعودي عن علي بن بزيمة عن أبي عبيدة بن عبد الله
45

ابن مسعود عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: إذا آلى منها فمضت أربعة أشهر
فهي تطليقة بائنة ويخطبها في عدتها ولا يخطبها غيره *
قال أبو محمد: هذا خلاف قول ابن عباس لان ابن عباس رأى انقضاء العدة
مع انقضاء الأربعة الأشهر، ورأي ابن مسعود أنها تبتدئ العدة بعد انقضاء الأربعة
الأشهر وبقول ابن عباس يقول جابر بن زيد * ورويناه من طريق سعيد بن منصور نا
سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال: إذا آلى الرجل فمضت
أربعة أشهر فليس عليها عدة، ويقول ابن مسعود يقول مسروق كما روينا من طريق
سعيد بن منصور نا هشيم نا المغيرة عن الشعبي. عن مسروق أن رجلا استفتاه في ايلائه
من امرأته فقال له مسروق، إذا مضت الأربعة الأشهر بانت منك بتطليقة وتعتد بثلاث
حيض فتخطبها ان شئت وشاءت ولا يخطبها غيرك * ورويناه أيضا عن شريح وبه يقول
عطاء، وممن صح عنه أنها تطليقة بائنة الحسن البصري. وإبراهيم النخعي. وقبيصة بن ذئيب.
وعكرمة مولى ابن عباس. وعلقمة. والشعبي وبه يقول أبو حنيفة. وأصحابه. وابن جريج.
وسفيان الثوري. وابن أبي ليلى. والأوزاعي، ويرى أبو حنيفة ان تعتد بعد انقضاء الأربعة
الأشهر، وقالت طائفة منهم بمضي الأربعة الأشهر تقع عليها تطليقة رجعية كما روينا
من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة وهو أحق بها وبه يقول الزهري
ومكحول، وروى عن سعيد بن المسيب ولم يصح عنه، وأما من قال: يوقف بعد
الأربعة الأشهر فكما روينا من طريق سعيد بن منصور نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي
انا يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة
أم المؤمنين أنها كانت لا ترى الايلاء شيئا حتى يوقف * ومن طريق إسماعيل بن
أسحق نا نصر بن علي الجهضمي نا سهل بن يوسف. ومحمد بن جعفر غندر كلاهما عن شعبة
عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير قال: ان عمر بن الخطاب قال في الايلاء: إذا
مضت أربعة أشهر فهي امرأته * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن مسعر
ابن كدام عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن عثمان بن عفان قال: يوقف المولى
فاما ان يفئ واما أن يطلق * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا عبد الله بن مسلمة - هو
القعنبي - نا سليمان بن بلال عن عمر بن حسين ان عثمان بن عفان كان لا يرى الايلاء
شيئا وان مضى أربعة أشهر حتى يوقف، وصح عن علي كما روينا من طريق سعيد
ابن منصور نا هشيم انا الشيباني - هو أبو إسحق - عن بكير بن الأخنس عن مجاهد
46

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت علي بن أبي طالب أوقف رجلا عند الأربعة
الأشهر بالرحبة اما أن يفئ وأما أن يطلق * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا على
ابن عبد الله المديني نا جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن علي
ابن أبي طالب قال: إذا آلى الرجل من امرأته وقف عند تمام الأربعة الأشهر، وقيل
له: اما تفئ واما تعزم الطلاق ويجبر على ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر
عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: يوقف المولى عند انقضاء الأربعة الأشهر فاما
أن يفئ. واما أن يطلق * ومن طريق حماد بن سلمة أنا قتادة عن سعيد بن المسيب والقاسم
ابن محمد بن أبي بكر وطاوس. ومجاهد كلهم أن أبا الدرداء قال: يوقف في الايلاء
عند انقضاء الأربعة الأشهر فاما أن يطلق واما أن يفئ * ومن طريق سفيان بن عيينة
عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر رجلا
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول في الايلاء: يوقف وهو قول سعيد بن المسيب
وطاوس. ومجاهد. والقاسم بن محمد بن أبي بكر كلهم صح عنه ان المولى يوقف فاما
ان يفئ واما أن يطلق، وصح ذلك عن عمر بن عبد العزيز. وعروة بن الزبير. وأبى
مجلز. ومحمد بن كعب كلهم يقول يوقف * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا سليمان
ابن حرب نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سليمان بن يسار قال:
أدركت الناس يقفون صاحب الايلاء إذا مضت أربعة أشهر فاما أن يفئ واما أن
يطلق وهو قول سليمان بن يسار وهو قول مالك. والشافعي. وأبى ثور. وأبى عبيد.
وأحمد. واسحق. وأبي سليمان. وأصحابهم الا ان مالكا. والشافعي في أحد قوليه
يقولان: يطلق الحاكم عليه ان أبى ثم اختلفا فقال الشافعي: له أن يراجعها ما دامت
في عدتها فان وطئها فذلك سقوط الايلاء وان لم يطأها عاد عليه التوقيف أربعة أشهر
من ذي قبل، فان فاء والا طلق عليه الحاكم ثم له أن يراجعها فان وطئها سقط الايلاء
والا عاد عليه التوقيف أربعة أشهر ثم يطلق عليه الحاكم وتحرم عليه الا بعد زوج *
قال على: وهذا قول فاسد لأنه يصير التوقيف في الايلاء بلا شك عاما كاملا وهذا
خلاف القرآن وإذا بطل التوقيف بطل الايلاء الذي أوجبه بلا شك وقال مالك: له
أن يراجعها فان وطئها سقط عنه الايلاء وان لم يطأها بانت عنه عند تمام عدتها من
طلاق الحاكم *
قال أبو محمد: وهذا كلام لا ندري كيف قاله قائله إذ ليس في الباطل أكثر من
إجازة كون امرأة في عصمة زوج صحيح الزوجية وهي في عدة من طلاق غيره عليه وما
47

نعلم في أي دين الله تعالى وجد هذا * واعلموا أن قول مالك لم يقله أحد قبله ولا قاله أحد
غيره الا من ابتلى بتقليده. ثم أن قوله الذي اتبعه عليه الشافعي من أن يطلق عليه
غيره لم يحفظ قط عن أحد قبل مالك وهو قول مخالف للقرآن وللسنن كلها وللقياس
والمعقول، أما القرآن فان الله عز وجل يقول: (وان عزموا الطلاق) فجعل عزيمة
الطلاق إلى الزوج المولى لا إلى غيره، وقال عز وجل: (ولا تكسب كل نفس الا
عليها) فمن الباطل ان يطلق أحد على غيره لا حاكم ولا غير حاكم، وأما السنن فإنها إنما
جاءت في مواضع معروفة بفسخ النكاح وأما بطلاق أحد عن غيره فلا أصلا، وكل من
روى عنه في هذا كلمة فإنما قال بقولنا إما أن يفئ واما أن يطلق فالواجب أن يجبر على
أيهما شاء ولابد، وأما القياس فلا أدرى من أين أجازوا ان يطلق الحاكم على المولى
ولم يجيزوا ان يفئ عنه ولا فرق بين الامرين، فان قالوا: لا يحل للحاكم ان يستحل
فرج امرأة سواه فيكون زنا قلنا له: ولا يحل له ان يبيح فرج امرأة سواه لغير زوجها
بأن يطلقها عليه فيكون إباحة للزنا ولا فرق، فان قالوا: أي فرق بين ان يفسخ نكاحه
وبين ان يطلقها عليه قلنا: ولا فرق وما أجزنا قط أن يفسخ الحاكم نكاح امرأة في
العالم عن زوجها ومعاذ الله من ذلك إنما قلنا: كل نكاح أوجب الله تعالى في القرآن
أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فسخه فهو مفسوخ سواء أحب الحاكم ذلك أو كرهه ولا
مدخل للحاكم في ذلك ولا رأى له فيه إنما الحاكم منفذ بقوة سلطانه كل ما أمر الله تعالى
به ورسوله صلى الله عليه وسلم ومانع من العمل بما لم يأمر الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فقط
وكل ما حكم به الحاكم، مما عدا ما ذكرنا فهو باطل مردود مفسوخ ابدا *
1890 مسألة والعبد. والحر في الايلاء كل واحد منهما من زوجته الحرة
أو الأمة المسلمة أو الذمية الكبيرة أو الصغيرة سواء في كل ما ذكرنا لان الله عز وجل
عم ولم يخص (وما كان ربك نسيا) وروينا عن عمر بن الخطاب ولم يصح عنه لأنه
من طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل أبي
طلحة عن سفيان بن يسار عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال قال عمر بن الخطاب:
إيلاء العبد شهران * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج بلغني عن عمر ايلاء العبد
شهران، وروينا عنه أيضا إيلاء الأمة شهران ولا يصح أيضا لأنه من طريق سعيد
ابن منصور عن حبان بن علي عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن ابن سيرين ان عمر، قال:
طلاق الأمة تطليقتان وإيلاؤها شهران، وصح عن عطاء ان لا إيلاء للعبد دون
سيده وهو شهران وبه يقول الأوزاعي. والليث. ومالك. وإسحاق، فان موهوا
48

بعمر قلنا: وقد جاء عن عمر الايلاء من الأمة شهران وجاء عنه لا ينكح العبد الا
اثنتين فخالفتموه وهذا تلاعب، وقالت طائفة: الحكم في ذلك للنساء فان كانت حرة
فايلاء زوجها الحر والعبد عنها أربعة أشهر وان كانت أمة فايلاء زوجها الحر والعبد
عنها شهران وهو قول إبراهيم النخعي. وقتادة. وسفيان الثوري، وأبي حنيفة
وأصحابه، وقالت طائفة: ايلاء الحر والعبد من الزوجة الحرة والأمة سواء وهو
أربعة أشهر وهو قول الشافعي. وأحمد بن حنبل. وأبى ثور. وأبي سليمان. وأصحابهم *
قال أبو محمد: لا حجة لاحد من القرآن *
1891 مسألة: ومن آلى من أربع نسوة له بيمين واحدة وقف لهن كلهن
من حين يحلف فان فاء إلى واحدة سقط حكمها وبقى حكم البواقي فلا يزال يوقف
لمن لم يفئ إليها حتى يفئ أو يطلق وليس عليه في كل ذلك الا كفارة واحدة لأنها يمين
واحدة على أشياء متغايرة ولكل واحدة حكمها وهو مول من كل واحدة منهن (ولا
تزر وازرة وزر أخرى) *
1892 مسألة: ومن آلى من أمته فلا توقيف عليه لان الله عز وجل قال:
(وان عزموا الطلاق) فصح ان حكم الايلاء إنما هو فيمن تلزمه فيها الفيئة أو الطلاق
وليس في المملوكة طلاق أصلا فصح انه في المتزوجات فقط وبالله تعالى التوفيق *
1893 مسألة وأما قولنا فيمن آلى من أجنبية ثم تزوجها انه ليس عليه
حكم الايلاء فلان الله عز وجل إنما قال: (للذين يؤلون من نسائهم) فمن آلى من أجنبية فلم
يول من أحد من نسائه فلا إيلاء. عليه، فان قيل: قد صارت من نسائه قلنا: من المحال
ان يسقط الحكم حين ايجابه ويجب حين لم يجب ولم يوجب ذلك نص وارد ولا جاءت
به سنة ولان التربص لا يكون الا حيث يؤخذ بالفيئة، ولا يجوز ذلك في أجنبية
وبالله تعالى التوفيق * تم كتاب الايلاء بحمد الله تعالى وحسن عونه وصلى الله عليه
سيدنا محمد وعلى آله وسلم *
بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الظهار
1894 مسألة ومن قال من حر أو عبد لامرأته أو لامته التي يحل له وطؤها:
أنت على كظهر أمي، أو قال لها: أنت منى بظهر أمي أو كظهر أمي أو مثل ظهر أمي
فلا شئ عليه ولا يحرم بذلك وطؤها عليه حتى يكرر القول بذلك مرة أخرى فإذا قالها
مرة ثانية وجبت عليه كفارة الظهار وهي عتق رقبة، ويجزى في ذلك المؤمن والكافر
49

والذكر والأنثى والمعيب والسالم فمن لم يقدر على رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين ولا يحل
له ان يطأها ولا ان يمسها بشئ من بدنه فضلا عن الوطئ الا حتى يكفر بالعتق أو بالصيام
فان أقدم أو نسي فوطئ قبل ان يكفر بالعتق أو بالصيام أمسك عن الوطئ حتى يكفر ولا
بد، فان عجز عن الصيام فعليه ان يطعم ستين مسكينا متغايرين شبعهم، ولا يحرم عليه
وطؤها قبل الاطعام ولا يجب شئ مما ذكرنا الا بذكر ظهر الام ولا يجب بذكر
فرج الام ولا بعضو غير الظهر ولا بذكر الظهر أو غيره من غير الام لا من ابنة ولا من
أب ولا من أخت ولا من أجنبية والجدة أم * برهان ذلك قول الله عز وجل: (الذين
يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ان أمهاتهم) الآية إلى قوله تعالى: (والذين
يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا: فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا ذلكم
توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا
فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) فهذه الآية تنتظم كل ما قلناه لان الله عز وجل لم
يذكر الا الظهر من الام ولم يوجب تعالى الكفارة في ذلك الا بالعود لما قال وأوجب
عتق الرقبة ولم يخص كافرة من مؤمنة ولا معيبة من صحيحة ولا ذكرا من أنثى ولا كبيرا
من صغير (وما كان ربك نسيا)، وشرط الله عز وجل في العتق والصيام قبل التماس
ولم يشترط ذلك في الكفارة بالاطعام (لا يضل ربى ولا ينسى) تبيانا لكل شئ، ولا
يجزى التكرار على أقل من ستين مسكينا لأنهم ليسوا ستين مسكينا ولا خلاف في
الاشباع ولم يشترط تعالى طعاما دون طعام ولم يخص تعالى حرا من عبد ولا زوجة
من أمة، وفيما ذكرنا خلاف ذهب قوم إلى أن الظهار من الأمة لا تجب فيه كفارة روى
ذلك عن الشعبي في قول له وعكرمة ولم يصح عنهما وصح عن مجاهد في أحد قوليه. وابن أبي
مليكة، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأحمد. واسحق. وأصحابهم الا ان
أحمد قال في الظهار من ملك اليمين كفارة يمين، وقالت طائفة: إن كان يطأ الأمة
فعليه كفارة الظهار إن كان لا يطؤها فلا كفارة ظهار عليه صح هذا القول عن
سعيد بن المسيب. والحسن البصري في أحد قوليهما، وقالت طائفة: الظهار من
الأمة كالظهار من الحرة صح ذلك عن سعيد بن المسيب. والحسن. وسليمان بن
يسار. ومرة الهمداني. وإبراهيم النخعي. وسعيد بن جبير. والشعبي وعكرمة.
وطاوس. والزهري. وقتادة. وعمرو بن دينار. ومنصور بن المعتمر، وهو قول
مالك. والليث. والحسن بن حي. وسفيان الثوري. وأبي سليمان. وجميع أصحابهم *
قال أبو محمد: احتج القائلون بأنه ليس ظهارا بأن قالوا: قسناه على الايلاء،
50

قال على: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل والتحكم لأنه
ليس قياس ذكر النساء في الظهار على ذكر النساء في الايلاء بأولى من قياس ذكر النساء
في الظهار على ذكر النساء فيما حرم الله عز وجل علينا إذ يقول: (وأمهات نسائكم)
فدخل في ذلك باجماع منا ومنهم الإماء مع الحرائر، والعجب انهم يقولون: ان أضعف
النصوص أولى من القياس، وهذا مكان تركوا فيه عموم القرآن لقياس فاسد وليس
في الظهار علة تجمعه بالايلاء فيجوز القياس عليها عند أصحاب القايس، وأتوا بإهذار
بعد هذا لا معنى لذكرها لأنها سخافات وحماقات، وقالت طائفة: الظهار يجب بقول
مرة واختلفوا في معنى العود لما قالوا، فقالت طائفة مرة العود لما قالوا هو الوطئ نفسه
فلا تجب عليه كفارة الظهار حتى يطأها فإذا وطئها لزمته الكفارة والامساك عن وطئها
حينئذ، صح ذلك عن طاوس. وقتادة. والحسن. والزهري * روينا من طريق عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة في قول الله عز وجل: (ثم يعودون لما قالوا) قال: جعلها عليه كظهر
أمه ثم يعود فيطؤها فتحرير رقبة * ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب
قال في قوله عز وجل: (ثم يعودون لما قالوا) قال: يعود لمسها *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله عز وجل: (ثم
يعودون لما قالوا) قال: جعلها عليه كظهر أمه ثم يعود فيطؤها فتحرير رقبة، وقالت
طائفة: إذا تكلم بالظهار فقد لزمه كفارة كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي
عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن طاوس قال: إذا تكلم بالظهار فقد لزمه وهو
قول سفيان الثوري. وعثمان البتي قال البتي: ان ماتت لم يصل إلى ميراثها حتى يكفر وان
وطئها كفر، وقالت طائفة: العود ههنا إرادة الوطئ فمن ظاهر من امرأته لم يلزمه
كفارة الوطئ حتى يريد وطئها فإذا أراد وطأها فحينئذ لزمته الكفارة فان بدا له عن
وطئها سقطت عنه الكفارة فان أراد عادت عليه الكفارة فان بداله سقطت
عنه، وهكذا ابدا، وهو قول مالك في أشهر قوليه وروى عن عبد العزيز الماجشون
وما نعلم هذا عن أحد قبلهما وهو أسقط الأقوال لتعريه عن الأدلة ولأنه ايجاب
وابطال للدعوى بلا معنى، وقالت طائفة: معنى العود أن الظهار يوجب تحريما
لا ترفعه الا الكفارة الا أنه ان لم يطأها مدة طويلة حتى ماتت فلا كفارة عليه سواء
أراد في خلال ذلك وطئها أو لم يرد فان طلقها ثلاثا فلا كفارة عليه فان تزوجها بعد
زوج عاد عليه حكم الظهار ولا يطؤها حتى يكفر وهذا قول أبي حنيفة قال: والظهار
قول كانوا يقولونه في الجاهلية فنهوا عنه فكل من قاله فقد عاد لما قال *
51

قال أبو محمد: وهذا قريب في الفساد من قول مالك لأنه تحكم بالباطل ولعب
وكذب ظاهر لان الذين يقولونه في الاسلام لم يقولوه قط في الجاهلية وإنما قال عز
وجل: (ثم يعودون لما قالوا) ولم يقل لما قال غيرهم، وذكر هذين القولين يغنى عن
تكلف الرد عليهما لظهور فسادهما وانهما شرع لم يأذن به الله تعالى وانهما لا يحفظان
عن أحد قبل أبي حنيفة. ومالك، وقالت طائفة: العود هو أن يظاهر منها ثم
يمسكها مدة بقدر أن يقول فيها: أنت طالق فلا يطلقها في تلك المدة فإذا فعل ذلك فقد
عاد لما قال ولزمته الكفارة ماتت أو عاشت طلقها بعد ذلك أو لم يطلقها فان طلقها
أثر ظهاره منها فلا كفارة ظهار عليه وهذا قول الشافعي. وبعض أصحابنا، وروى أشهب
عن مالك أنه قال: إذا ظاهر من امرأته ثم أمسكها وعزم على وطئها فقد لزمته الكفارة
ولا تسقط عنه بعد ماتت أو عاشت، وقالت طائفة: كقولنا روى عن بكير بن الأشج.
ويحيى بن زياد الفراء، وقد روى نحوه عن عطاء *
قال أبو محمد: جميع الأقوال التي قدمنا إنما هي دعاوى لا توافق في اللغة التي بها
خاطبنا الله عز وجل وبها نزل القرآن ما يقع عليه لفظة العود (1) لما قال وما كان
هكذا فهو باطل بيقين نعنى من فسر العود بالوطئ أو بإرادة الوطئ أو بالامساك إذ ليس
شئ من هذا عود لما قال، وكذلك من قال: انه يوجب تحريما لا يرفعه الا الكفارة لان
الله تعالى لم يوجب الكفارة بالظهار وحده لكن به وبالعود لما قال هذا نص القرآن *
قال أبو محمد: ولم يبق إلا قولنا وهو أن يعود لما قال ثانية ولا يكون العود للقول
الا بتكريره لا يعقل في اللغة غير هذا، وبهذا جاءت السنة كما روينا من طريق سليمان
ابن حرب. ومحمد بن الفضل عارم كلاهما عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن جميلة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت وكان به لمم
فكان إذا اشتد لممه ظاهر منها فأنزل الله عز وجل فيه كفارة الظهار *
قال أبو محمد: هذا يقتضى التكرار ولابد ولا يصح في الظهار الا هذا الخبر
وحده الا خبرا نذكره بعد هذا إن شاء الله عز وجل وكل ما عدا ذلك فساقط اما
مرسل واما من رواية من لا خير فيه كما بينا في كتاب الايصال والحمد لله رب العالمين *
واختلفوا فيما يجزى في ذلك من الرقاب، فقالت طائفة: لا يجزى في ذلك عتق
الكتابي وهو قول مالك، وقال أصحابنا. وأبو حنيفة: يجزى وإنما قال المالكيون
ذلك قياسا على رقبة كفارة قتل الخطأ *

(1) في النسخة رقم 16 لفظ العود
52

قال أبو محمد: وهذا خطأ لان القياس باطل ولو كان حقا لكان هذا [منه] (1)
باطلا لأنهم جمعوا بين الكفارتين في أن لا يجزى فيهما كافر ولم يجمعوا بينهما ولا
قاسوا إحداهما على الأخرى في تعويض الاطعام من الصيام لمن عجز عن الصيام وهذا
تحكم لا يسوغ لاحد، فان قالوا: لم يذكر تعويض الصيام في كفارة القتل إنما
ذكر في الظهار فقلنا: ولا ذكرت المؤمنة الا في كفارة القتل ولم تذكر في الظهار فاما
قسوا كل واحدة على الأخرى واما أن لا تقيسوا [كل] (2) واحدة منهما على الأخرى،
وأما قياسكم إحداهما على الأخرى في بعض ما فيها دون سائر ما فيها فتحكم فاسد ومناقضة
ظاهرة، وقال أبو حنيفة. ومالك. والشافعي في الرقبة المعيبة أقوالا في غاية الفساد،
ولا ندري ما ذنب المعيب عندهم فلم يجيزوا عتقه في واجب، فان قالوا: السالم أكثر
ثمنا قلنا: والبيضاء الجميلة أكثر من السوداء الذميمة فلا تجيزوا في ذلك السوداء
الذميمة، وجملة الامر فإنما هي آراء فاسدة ونعوذ بالله من التحكم في الدين بمثلها *
وقد روينا عن النخعي. والشعبي ان عتق الأعمى يجزى في ذلك، وعن ابن جريج ان
الأشل يجزى، وقالت طائفة: ان ظاهر بذات محرم فهو ظهار وان ظاهر بغير ذات محرم
فليس ظهارا، روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن البصري
قال: من ظاهر من ذات محرم فهو ظهار * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عطاء من ظاهر بذات محرم أو بأخت من الرضاعة فكل ذلك كأمه لا تحل له حتى
يكفر فان ظاهر ببنت خاله فليس ظهارا، ورويناه عن الشعبي وهو قول أبي حنيفة.
وأحد قولي الشافعي، وللشافعي قول آخر هو أشهر أقواله وهو ان كل من ظاهر بامرأة
حل له نكاحها يوما من الدهر فليس ظهارا ومن ظاهر بامرأة لم يحل له نكاحها قط
فهو ظهار، وقال مالك: من ظاهر بذات محرم أو بأجنبية أو بابنة فهو كله ظهار،
وروينا عن الشعبي لا ظهار إلا بأم أو جدة وهو قول رواه أيضا أبو ثور عن الشافعي
وبه يقول أبو سليمان. وأصحابنا *
قال أبو محمد: يقال لمن قال: لا ظهار الا من ذات محرم من أين خصصتم
ذوات المحارم؟ فان قالوا: لأنهن محرمات كالأم قلنا: والأب أيضا محرم كالأم
وجميع الرجال كذلك، فان قالوا: ليسوا من النساء والام من النساء قلنا: ولا ذوات
المحارم أمهات والام هي التي ولدته فما الفرق بين قياس وقياس، ويقال لمن قال بالظهار
من كل أجنبية ومن الأب أيضا: من أين قستم الظهار بالأب على الظهار بالأم ولم تقيسوا

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
53

ظهار المرأة من الرجل على ظهار الرجل من المرأة؟ وقد قال بهذا جماعة كلهم اجل من
مالك. وأبي حنيفة كما روينا من طريق أحمد بن حنبل نا هشيم انا مغيرة - هو ابن مقسم -
عن إبراهيم النخعي ان عائشة بنت طلحة بن عبيد الله قالت: ان تزوجت مصعب بن
الزبير فهو على كظهر أمي فسألت أهل المدينة فرأوا ان عليها الكفارة قال الأثرم:
فقلت لأحمد بن حنبل: أتكفر؟ قال: نعم تكفر، فهذا كما يرى أهل المدينة في زمن
مصعب هذا قديم * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي
ان عائشة بنت طلحة ظاهرت من المصعب بن الزبير ان تزوجته فتزوجته فسألت
الفقهاء وهم متوافرون؟ فأمرت بكفارة * ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني. وأشعث بن عبد الملك الحمراني قال أبو إسحق
عن الشعبي. وقال الحمراني عن محمد بن سيرين كلاهما بمثل حديث إبراهيم * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن ابن شبرمة قال قالت بنت طلحة: مصعب بن الزبير ان نكحته
فهو على كظهر أبيها ثم نكحته فسألت عن ذلك أصحاب ابن مسعود؟ فقالوا: تكفر *
وبه إلى معمر عن الزهري في امرأة قالت لزوجها: هو عليها كأبيها فقال الزهري:
قالت منكرا من القول وزورا فنرى أن تكفر بعتق رقبة أو بصوم شهرين متتابعين
أو تطعم ستين مسكينا ولا يحول بينها وبين زوجها ان يطأها * وروينا من طريق سفيان
الثوري عن عمرو بن عامر النهدي عن الحسن البصري انه كان يرى تظاهر المرأة من
الرجل ظهارا، وهو قول الأوزاعي. والحسن بن حي. والحسن بن زياد اللؤلؤي *
فان قالوا: كان الظهار طلاق الجاهلية والطلاق إلى الرجال قلنا: ومن أين صح عندكم
ان الظهار كان طلاق الجاهلية؟ فكيف وأنتم تجيزون أن يكون الطلاق بيد
المرأة إذا جعله الرجل بيدها فقولوا كذلك في الظهار وهذا كله يبين فساد القياس
وتناقضه * وقالت طائفة منهم سفيان الثوري. والشافعي: ان ظاهر برأس أمه أو يدها
فهو ظهار، وقال أبو حنيفة: ان ظاهر بشئ لا يحل له ان ينظر إليه من أمه فهو ظهار وان
ظاهر بشئ يحل له ان ينظر إليه من أمه فليس ظهارا *
قال أبو محمد: وكل هذه مقاييس فاسدة ليس بعضها أولى من بعض، وكذلك
قياس قول مالك ذكره ابن القاسم أن ما ظاهر به من أعضاء أمه فهو ظهار والحق من
ذلك ما ذكرنا من أن لا نتعدى النص الذي حده الله تعالى قال الله تعالى: (ومن يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال أبو حنيفة: ان كرر الاطعام على مسكين واحد
ستين يوما أجزأه *
54

قال أبو محمد: هذا خلاف ايجاب الله تعالى ستين مسكينا، وأما من شرع في
الصوم فوطئ ليلا قبل أن يتمهن (1) أو وطئ. قبل أن يكفر بعتق أو بصوم فروى
عن أبي يوسف أنه لا يكفر لأنه لا يستطيع على الكفارة، وقال آخرون: ليس عليه
الا كفارة واحدة كما روينا عن وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد
ابن المسيب في المظاهر يجامع قبل أن يكفر قال: يمسك حتى يكفر * ومن طريق
وكيع أيضا عن الصلت بن دينار قال: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع
قبل أن يكفر فقالوا: كفارة واحدة قال وكيع: وهم الحسن. وابن سيرين. ومورق
العجلي. وبكر بن عبد الله المزني. وقتادة. وعطاء. وطاوس. ومجاهد. وعكرمة قال
وكيع: والعاشر أراه نافعا وهو قول إبراهيم النخعي. والشعبي، وقالت طائفة:
عليه كفارتان كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الأعلى. ويزيد بن هارون قال
عبد الأعلى: عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن رجاء بن حياة (2) عن قبيصة بن ذويب
عن عمرو بن العاصي، وقال يزيد بن هارون عن التيمي بلغني عن ابن عمر ثم اتفق عمرو
ابن العاص. وابن عمر في المظاهر يطؤها قبل أن يكفر قالا جميعا عليه كفارتان *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن قبيصة بن ذوئيب في المظاهر يطؤها
قبل أن يكفر قال عليه كفارتان قال معمر: وهو قول قتادة أيضا وهو قول سعيد
ابن جبير. والحكم بن عتيبة. وعبيد الله بن الحسن القاضي، وقالت طائفة: عليه ثلاث
كفارات كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا يونس بن عبيد. وعبيدة قال
يونس: عن الحسن وقال عبيدة: عن إبراهيم قالا جميعا في الذي يظاهر ثم يطؤها قبل
ان يكفر: عليه ثلاث كفارات *
قال أبو محمد: كان القول قول أبى يوسف لولا الخبر الذي روينا من طريق أحمد
ابن شعيب انا الحسن بن حريث أرنا الفضل بن موسى عن معمر عن الحكم بن ابان عن
عكرمة عن ابن عباس " أن رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انى ظاهرت من
امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقربها حتى تفعل
ما أمر الله عز وجل " *
قال أبو محمد: فوجب الوقوف عند أمره صلى الله عليه وسلم قال على: هذا خبر صحيح من
رواية الثقات لا يضره ارسال من أرسله *
قال أبو محمد: وأما من شرع في الصوم فوطئ قبل التي ظاهر عليها ليلا قبل أن

(1) أي أيام الصوم، وفي النسخة رقم 14 قبل أن يتمها
(2) في النسخة رقم 14 جابر بن حياة وهو غلط
55

يتم الشهرين فان مالكا قال: يبتدئ الشهرين من ذي قبل، وقال أبو حنيفة. والشافعي
يتمهما بانيا على ما صام منهما، وهذا هو صحيح إذ إنما كان الواجب أن يكون الشهران
يتمان قبل الوطئ فإذ لا سبيل إلى ذلك بعد فلا يكون ما بقي منهما بعد الوطئ وما
مضى منهما قبل الوطئ خير من أن يقصد إلى أن يكونا بكمالهما بعد الوطئ وأما ظهار
العبد ففيه اختلاف روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن إبراهيم
النخعي قال في العبد يظاهر من امرأته انه ان صام شهرا أجزأ عنه * ومن طريق عبد
الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في عبد ظاهر من امرأة قال: ينتظر الصوم ولا ظهار
لعبد دون سيده، وقال آخرون كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس
ابن عبيد عن الحسن البصري في العبد المظاهر يصوم شهرين وان أذنوا له في العتق جاز
وله أن يطعم * وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم
عن مجاهد في تكفير العبد قال: ليس على العبد الا الصوم والصلاة، وقال طاوس
كقولنا كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة قال قلت: لعبد الله
ابن طاوس: ما كان أبوك يقول في ظهار العبد قال: كان يقول عليه مثل كفارة الحر،
وقال أبو حنيفة. ومالك. والشافعي: يصوم شهرين ولا يجزيه العتق *
قال على: لم يخص الله عز وجل حرا من عبد، (وما كان ربك نسيا) *
1895 مسألة ومن ظاهر من أجنبية ثم كرره ثم تزوجها فليس عليه
ظهار ولا كفارة، وقد اختلف الناس في هذا فروينا من طريق مالك عن سعيد
ابن عمرو بن سليم الزرقي عن القاسم بن محمد قال: جعل رجل امرأة كظهر أمه ان تزوجها
فقال له عمر بن الخطاب: ان تزوجتها فلا تقربها حتى تكفر، وهو قول عطاء.
وسعيد بن المسيب. والحسن. وعروة بن الزبير صح ذلك عنهم، وهو قول أبي حنيفة.
ومالك. وأحمد بن حنبل. وأصحابهم. وسفيان الثوري. وإسحاق، وقالت طائفة:
كما قلنا روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن عكرمة
عن ابن عباس أنه كان لا يرى الظهار قبل النكاح شيئا ولا يرى أيضا الطلاق قبل النكاح
شيئا وهذا في غاية الصحة عن ابن عباس * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن.
وقتادة قالا جميعا: ان ظاهر قبل ان ينكح فليس بشئ وهو قول الشافعي. وأبي سليمان *
قال أبو محمد: قال الله تعالى: (الذين يظاهرون من نسائهم) فإنما جعل الكفارة
على من ظاهر من امرأته ثم عاد لما قال ولم يجعل تعالى ذلك على من ظاهر من غير امرأته،
فان قيل: فإنه إذا تزوجها فهو مظاهر منها وهي امرأته قلنا: إنما الظهار حين النطق به
56

لا بعد ذلك، ومن الباطل ان لا يلزم الحكم للقول حين يقال ثم يلزم حين لا يقال، ومن
علق ظهاره بشئ يفعله مثل ان يقول: أنت كظهر أمي ان وطأتك أو قال: ان كلمت
زيدا وكرر ذلك فليس ظهارا فعل ذلك الشئ أو لم يفعله لأنه لم يمض الظهار ولا التزمه
حين نطق به، وكل ما لم يلزم حين التزامه لم يلزم في غير حال التزامه الا أن يوجب
ذلك نص ولا نص ههنا *
1896 مسألة: ومن ظاهر ثم كرر ثانية ثم ثالثة فليس عليه الا كفارة
واحدة لان الثانية بها وجبت الكفارة كما قدمنا وحصلت الثالثة منفردة لا توجب شيئا
فان كرر رابعة فعليه كفارة أخرى وهكذا القول في كل ما أعاد من الظهار لان بتكراره
ثانية تجب الكفارة وتلزم فيكون فيما بعدها مبتدئا للظهار فان كرره وجبت كفارة
أيضا وبالله تعالى التوفيق، وقد جاءت في هذا آثار روينا من طريق عبد الرزاق عن
مطرف عن سعيد عن قتادة عن خلاس عن علي بن أبي طالب قال: إذا ظاهر في مجلس
واحد مرارا فكفارة واحدة وان ظاهر في مقاعد شتى فعليه كفارات شتى والايمان
كذلك وهو قول قتادة. وعمرو بن دينار صح ذلك عنهما، وقال آخرون: ليس في
كل ذلك الا كفارة واحدة روينا عن طاوس. وعطاء. والشعبي قالوا: إذا ظاهر
الرجل من امرأته خمسين مرة فإنما عليه كفارة واحدة، وصح مثله عن الحسن.
وعطاء وهو قول الأوزاعي، وقالت طائفة: كفارة واحدة سواء كان ذلك في مجلس
واحد أو في مجالس شتى ما لم يكفر فان كفر ثم ظاهر فكفارة أخرى * روينا من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الحسن قال: إذا ظاهر مرارا وإن كان في مجالس
شتى فكفارة واحدة ما لم يكفر، والايمان كذلك قال معمر: وهو قول الزهري *
قال أبو محمد: وهو قول مالك، وقال أبو حنيفة: إن كان كرر الظهار في مجلس
واحد ونوى التكرار فكفارة واحدة وان لم تكن له نية فلكل ظهار كفارة،
وسواء كان ذلك في مجلس واحد أو في مجالس شتى * قال على: لا نعلم هذا عن أحد قبل
أبي حنيفة وبالله تعالى التوفيق، وهذه أقوال لا برهان على صحتها لا من قرآن ولا سنة.
ولا من قياس وبالله تعالى التوفيق *
1897 مسألة ومن لزمته كفارة الظهار لم يسقطها عنه موته ولا موتها
ولا طلاقه لها وهي من رأس ماله ان مات أوصى بها أو لم يوص لأنها من ديون الله
عز وجل فهي مقدمة على ديون الناس *
1898 مسألة فمن عجز عن جميع الكفارات فحكمه الاطعام ابدا أيسر
57

بعد ذلك أم لم يوسر قوى على الصيام أو لم يقو وذلك لأنه إذا عجز عن العتق والصيام
فقد استقر عليه الاطعام بنص القرآن ولم يعوض الله عز وجل منه شيئا أصلا فهو
حكم من عجز عن العتق والصوم ومن عجز عن شئ لم يوقت الله عز وجل له آخر فهو لازم ابدا
لان أمره تعالى واجب لا يسقطه شئ ومن كان حين لزومه كفارة ظهار له قادرا
على عتق رقبة لم يجزه غيرها أبدا وان افتقر فأمره إلى الله عز وجل لان فرض الله
تعالى عليه بالعتق قد استقر فلا يحيله شئ ومن كان عاجزا عن الرقبة قادرا على صوم
شهرين متصلين لا يحول بينهما رمضان ولا بيوم لا يحل صيامه واتصلت قوته كذلك
إلى انقضاء المدة المذكورة فلم يصمها ثم عجز عن الصوم إلى أن مات لم يجزه اطعام ولا
عتق ابدا، فان صح صامهما وان مات صامهما عنه وليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من
مات وعليه صيام صام عنه وليه " فلو لم تتصل صحته وقوته على الصيام جميع
المدة التي ذكرنا فان أيسر في خلالها فالعتق فرضه ابدا فإن لم يوسر فالاطعام فرضه
ابدا وبالله تعالى التوفيق *
العنين
1899 - مسألة - ومن تزوج امرأة فلم يقدر على وطئها سواء كان وطئها
مرة أو مرارا أو لم يطأها قط فلا يجوز للحاكم ولا لغيره ان يفرق بينهما أصلا ولا ان يؤجل
له أجلا وهي امرأته ان شاء طلق وان شاء أمسك، وفي هذا خلاف قديم
وحديث روينا عن عثمان بن عفان أنه أمره بفراقها دون توقيف ولا تأجيل وهو
منقطع سليمان بن يسار أن عثمان * وروينا من طريق أبى عبيد نا يزيد بن عيينة
ابن عبد الرحمن عن أبيه أنه حضر سمرة بن جندب قد شكت إليه امرأة ان زوجها لا يصل
إليها فكتب في ذلك سمرة إلى معاوية فكتب إليه معاوية ان يزوجه امرأة ذات جمال
ودين ويدخله عليها ثم يسألها فان ذكرت انه لا يطؤها أمره بفراق التي شكت به ففعل
فحكت انه لا يجامع فأمره بفراقها، وقول ثالث صح من طريق شعبة عن المغيرة
عن إبراهيم النخعي قال في العنين يؤجل قلت: كم يؤجل؟ قال: يؤجل فكلما كرر عليه
كم يؤجل لم يزده على يؤجل، وقول رابع رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن
شعبة عن المغيرة بن مقسم عن الشعبي ان الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة أجل رجلا لم
يستطع أن يأتي امرأته عشرة أشهر، وقول خامس رويناه من طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب جعل
للعنين أجل سنة وأعطاها صداقها وافيا، وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: ان لم
يصبها في السنة فرق بينهما ولا يصح عن عمر هذا أصلا لأنها اما عن ضعفاء واما
58

منقطعة، ومن جملتها ان عمر بن الخطاب. وعبد الله بن مسعود قضيا في العنين أن ينتظر
به سنة * ثم تعتد بعد السنة عدة المطلقة وهو أحق بأمرها في عدتها، وعن ابن مسعود
أيضا تؤجل سنة فان وصل إليها والا فرق بينه وبين امرأته ولا يصح * وروينا أيضا
عن المغيرة بن شعبة أنه يؤجل سنة ثم يفرق بينهما ولها الصداق وعليها العدة ولا
يصح ذلك، وعن علي أيضا أنه أجله سنة ثم فرق بينهما ولا يصح ذلك وصح عن الحسن
البصري. وإبراهيم النخعي يؤجل سنة ولها الصداق كاملا، وصح عن سعيد بن المسيب
انه يؤجل سنة فان مسها والا فرق بينهما. وروى هذا عن القضاة هكذا جملة.
وربيعة. وشريح القاضي. وعمرو بن دينار. وحماد بن أبي سليمان، وهو وقل الأوزاعي.
والليث. والحسن بن حي. وأبي حنيفة. ومالك. والشافعي. وأصحابهم،
ثم اختلفوا فقال أبو حنيفة: هذا ان صدقها واما إذا خالفها فان كانت بكرا نظر إليها
النساء وان كانت ثيبا فالقول قول الزوج ولا يؤجل لها ولا يفرق بينهما * وقال
المالكيون: القول قوله مع يمينه ان ادعى أنه يطؤها * وقال الشافعي: القول قول الزوج
مع يمينه فان نكل حلفت هي وفرق بينهما، وان قال النساء: هي بكر حلفت مع ذلك
وفرق بينهما فان نكلت حلف هو وبقيت معه ثم اختلفوا فقال هؤلاء: إن كان
قد وطئها ولو مرة فلا كلام لها ولا يؤجل لها، وقال أبو ثور: متى عن عنها أجل سنة
ثم فرق بينهما وإن كان قد وطئها قبل ذلك * وروى عن طائفة مثل قولنا كما روينا
من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن رجلا زوج ابنته من ابن أخ له
وكان عنينا فقال له عمر: قد آجرك الله ووفر لك ابنتك * ومن طريق الحجاج بن المنهال
نا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي قال: سمعت هانئ بن هانئ قال: رأيت امرأة جاءت
إلى علي بن أبي طالب فقالت: هل لك في امرأة ليست بأيم ولا بذات بعل؟ قال وجاء
زوجها فقال: لا تسأل عنها الا مبيتها فقال له على: الا تستطيع أن تصنع شيئا قال:
لا قال ولا من السحر قال لا قال له على: هلكت وأهلكت اما أنا فلست مفرقا بينكما
اتقى الله واصبري * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان نا أبو إسحاق عن هانئ
ابن هانئ قال: كنت عند علي بن أبي طالب فقامت إليه امرأة فقالت له: هل لك إلى
امرأة لا أيم ولا ذات بعل قال: وأين زوجك؟ فقالت: هو في القوم فقام شيخ يجنح فقال
ما تقول هذه المرأة قال: سلها هل تنقم في مطعم أو ثياب فقال على: فما من شئ قال
لا قال ولا من السحر قال لا قال هلكت وأهلكت قالت فرق بيني وبينه قال: اصبري
فان الله تعالى لو شاء لابتلاك بأشد من ذلك * ومن طريق أبى عبيدنا عبد الله بن المبارك
59

عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال في الرجل يتزوج المرأة ثم يعرض له الداء
قال: هي امرأته لا تنزع منه، وروى عن الحكم بن عتيبة انها امرأته لا تؤجل له ولا يؤجل
لها ولا يفرق بينهما وبه يقول أبو سليمان. وأصحابنا *
قال أبو محمد: احتج من ذهب إلى مثل قول عثمان انه امره بفراقها دون توقيف
بخبر رويناه من طريق أبى داود نا أحمد بن صالح نا عبد الرزاق انا ابن جريج أخبرني
بعض بنى أبى رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس قال: " طلق عبد يزيد
أبو ركانة واخوته أم ركانة واخوته ونكح امرأة من مزينة فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
ما يغنى عنى الا كما تغنى هذه الشعرة الشعرة اخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه فأخذت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله حمية "، فذكر الحديث " وفيه انه عليه الصلاة والسلام قال له: طلقها
ففعل قال: راجع امرأتك أم ركانة واخوته فقال: انى طلقتها ثلاثا يا رسول الله قال قد
علمت ارجعها وتلا (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) "، واحتجوا
بفعل عثمان وقالوا: إنما تزوجته للوطئ فإذا عدمته فهو ضرر بها والضرر ممنوع
لا حجة لهم غير ما ذكرنا *
قال أبو محمد: اما الخبر فضعيف لأنه عمن لم يسم ولا عرف من بنى أبى رافع فهو
لا يصح وأيضا فان عبد يزيد لم تكن له قط صحبة ولا اسلام وإنما الصحبة لركانة ابنه فسقط
التمويه به، واما فعل عثمان فقد قلنا إنه لا يصح عنه وقد جاء عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم
خلاف ذلك فليس الاحتجاج ببعضهم أولى من الاحتجاج بآخر منهم * وأما
قولهم: إنما نكحته للوطئ فعدمه ضرر عليها فنعم ان الممتنع من ذلك وهو قادر عليه مضار
فواجب منعه من ذلك، واما العاجز فقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا
وسعها) فوجب أن لا يكلف العنين ما لا يقدر عليه، وأما قول أبي حنيفة. ومالك.
والشافعي. في تأجيل السنة ثم التفريق بينهما فقول فاسد لا دليل على صحته لا من قرآن
ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من شئ يصح عن أحد من الصحابة ولا
من قياس. ولا من رأى له وجه يعقل اما الرواية عن عمر فلا تصح لأنها مرسلة
اما من طريق سعيد بن المسيب عن عمر ولا سماع له من عمر الا نعيه النعمان بن مقرن،
وعن الشعبي. والحسن عن عمر ولم يولد الشعبي الا بعد موت عمر ولا ولد الحسن
الا لعامين بقيا من حياة عمر. وعن عبد الكريم. وعطاء عن عمر ولم يولدا الا بعد
موت عمر. وعن يحيى بن سعيد ولم يولد الا بعد موت عمر بنحو خمس وعشرين سنة،
وعن يحيى بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو مجهول، وقد روينا عن عمر من طريق
60

سعيد بن منصور نا هشيم أنا عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن عمر
ابن الخطاب بعث رجلا على بعض السقاية فتزوج امرأة وكان عقيما فقال له عمر:
أعلمتها أنك عقيم قال لا قال فانطلق فأعلمها ثم خيرها، وروى أيضا أنه رضي الله عنه
أجل مجنونا سنة فان أفاق والا فرق بينه وبين امرأته وهم يخالفون عمر في كل ذلك
فمن أين وجب تقليده في العنين دون العقيم والمجنون؟ وأما الرواية عن ابن مسعود
فإنما جاءت من طريق عبد الكريم الجزري ولم يولد الا بعد موت ابن مسعود *
أو من طريق حصين بن قبيصة وهو مجهول، وأما الرواية عن علي فمن طريق يزيد
ابن عياض بن جعدية وهو مذكور بالكذب ووضع الحديث * ومن طريق الحسن
ابن عمارة وهو متروك الحديث جملة هالك * ومن طريق الضحاك بن مزاحم وهو
لا شئ، وأما الرواية عن الصحابة جملة فمن طريق شريك وهو مدلس عن جابر
الجعفي وهو كذاب مشهور بذلك فاسد الدين يقول بالرجعة، وأما الرواية عن المغيرة
ابن شعبة فمن طريق أبى طلق العائدي. وأبى النعمان وهما مجهولان لا يدريهما أحد،
وعن الحجاج بن أرطاة وهو ساقط مطرح عن رجل لا يعرف اسمه ولا يدرى من هو
عن حنظلة بن نعيم وهو مجهول فسقط كل ما تعلقوا به، ثم لو صح كل ذلك لكان قد
روى عن عثمان. وعلى. وسمرة. ومعاوية خلاف ذلك وليس بعضهم أولى بأخذ
قوله من بعض، وأيضا فان في الرواية عن عمر. وابن مسعود ان عليها العدة وهو
أملك بها ما دامت في عدتها وهم لا يقولون بذلك وأيضا فليس عن أحد من المذكورين
انه ان وطئها مرة واحدة فلا كلام لها ولا توقيف وصح انهم مخالفون لكل من روى
عنه في ذلك كلمة من الصحابة رضي الله عنهم ولا متعلق لهم بضرر فقد الجماع لأنها إذا
كلفوها صبر سنة فلا فرق بين صبر سنة وبين صبر سنتين وهكذا ما زاد ثم أشد ذلك قولهم إن
وطئها مرة في الدهر فلا كلام لها والضرر في ذلك أشد منه في التي لم يطأها قط، من
قال غير هذا فقد جاهر وكابر الضرورة والحس *
قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا هو ان كل نكاح صح بكلمة الله عز وجل
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد حرم الله تعالى بشرتها وفرجها على كل من سواه فمن فرق بينهما
بغير قرآن أو سنة ثابتة فقد دخل في صفة الذين ذمهم الله تعالى بقوله: (فيتعلمون منهما
ما يفرقون به بين المرء وزوجه) ونعوذ بالله من هذا، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثل قولنا كما روينا من طريق مسلم نا أبو الطاهر. وحرملة بن يحيى واللفظ له قال:
أنا ابن وهب أخبرني يونس - هو ابن يزيد - عن الزهري ني عروة بن الزبير أن عائشة
61

زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رفاعة القرظي طلق امرأته فتزوجت بعده عبد الرحمن
ابن الزبير فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله انها كانت تحت رفاعة فطلقها
آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وانه والله ما معه الا مثل
هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا وقال: لعلك
تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوب عسيلتك " وذكر الحديث *
قال أبو محمد: فهذه تذكر ان زوجها لم يطأها وان إحليله كالهدبة لا ينتشر إليها
وتشكو ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريد مفارقته فلم يشكها ولا اجل لها شيئا ولا
فرق بينهما وفي هذا كفاية لمن عقل * فاعترض بعض المخالفين في هذا الأثر الصحيح
بآثار واهية أحدها من طريق ابن نافع عن مالك عن المستورد بن رفاعة عن الزبير بن
عبد الرحمن بن الزبير " ان رفاعة بن شموال طلق امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا
فنكحا عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع ان يغشاها ففارقها فأراد رفاعة
ان ينكحها وهو زوجها الأول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لك حتى تذوقي عسيلته " *
قال أبو محمد: وهذا منقطع لا حجة فيه ثم عن المستورد بن رفاعة عن الزبير بن
عبد الرحمن وهما مجهولان وهو خبر غير معروف عن مالك ثم لو صح لما كان فيه اعتراض
على الخبر الذي احتججنا به لأننا لا ننكر ان يطلقها عبد الرحمن مختارا فبطل تمويههم
به جملة * والخبر الثاني رواه ابن قانع راوي كل بلية عن يحيى بن محمد البختري الذي
لا يعرف من هو عن هدبة بن خالد عن وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
" ان امرأة رفاعة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم " وذكر الحديث إلى قوله " فلا تحلين له
حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته فقالت: يا رسول الله انه قد جاءني هبة واحدة " *
ورويناه أيضا من طريق ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة بحديث امرأة رفاعة القرظي فذكرت فيه انها قالت: فإنه
يا رسول الله قد جاءني هبة " *
قال أبو محمد: عبد الرحمن بن أبي الزناد في غاية الضعف ثم لو صح كل هذا لكان
لا متعلق لهم فيه لأنه ليس في شئ. من هذين الخبرين الساقطين، " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: انه إنما أسقط التأجيل أو التفريق من اجل تلك الهبة ولا ان عائشة قالت ذلك "
فصح انها كهانة كاذبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما جاء لفظ الهبة صحيحا في حديث
رويناه من طريق البخاري نا محمد نا أبو معاوية - هو الضرير - نا هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: " طلق رجل امرأته فتزوجت زوجا غيره فطلقها
62

وكانت معه مثل الهدبة فلم تصل منه إلى شئ تريده فلم تلبث ان طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت: يا رسول الله ان زوجي طلقني وانى تزوجت زوجا غيره فدخل بي ولم يكن
معه الا مثل الهدبة فلم يقربني الا هبة واحدة ولم يصل منى إلى شئ أفأحل لزوجي الأول
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك وتذوقي عسيلته " *
قال أبو محمد: ونحن لا نمنع ان يطلقها العنين ان شاء إنما نمنع وننكر ان يفرق
بينهما على كره أو ان يؤجل عاما ثم يفرق بينهما فهذا هو الباطل الذي لم يصح قط عن
أحد من الصحابة رضي الله عنهم لا ولا جاء قط في قرآن ولا سنة ولا في رواية
فاسدة ولا أوجبه قياس ولا معقول، فان قالوا: قد أمر الله عز وجل في الايلاء بالتوقيف
ثم الاجبار على الفيئة أو الطلاق قلنا: نعم أربعة أشهر فأين السنة وأين التفريق؟ ثم
أنتم أول من لا يقيس على المولى من امتنع من وطئ امرأته عامدا من غير ايلاء بيمين
فلا توقفونه ولا تؤجلونه فظهر فساد كل ما تعلقوا به وفساد قولهم جملة، وقد ذكرنا
من روى عنه من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والحمد لله رب العالمين *
1899 مسألة: وإذا تزوج الرجل بكرا حرة أو أمة مسلمة أو كتابية
وله زوجة أخرى حرة أو أمة فعليه (1) ان يخص البكر بمبيت سبع ليال عندها ثم
يقسم فيعود ولا يحاسبها بتلك السبع ولا بشئ منها فان تزوج ثيبا حرة أو أمة وعنده
زوجة أخرى حرة أو أمة مسلمة أو كتابيه فله ان يخصها بمبيت ثلاث ليال ثم يقسم
ويعدل ولا يحاسبها بتلك الثلاث فان زاد على الثلاث أقام عند غيرها كما أقام عندها سواء
سواء ويسقط (2) حكمها في التفضيل ولا يحل له في كل ما ذكرنا كانت عنده زوجة
غيرها أو لم يكن ان يتخلف عن صلاة الجماعة في المسجد ولا عن صلاة الجمعة فان فعل
فهي معصية وجرحة فيه كسائر الناس ولا فرق، ولا يجوز له ان يخص امرأة من نسائه بان
تسافر معه الا بقرعة * برهان ذلك ما رويناه عن طريق البزار نا محمد بن معمر نا يعلى بن عبيدنا
محمد بن إسحاق عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس بن مالك " ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل للبكر
سبعا وللثيب ثلاثا " * ونا أحمد بن قاسم قال: أخبرني قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي
قاسم بن أصبغ نا أبو قلابة - هو عبد الملك بن يزيد الرقاشي - نا أبو عاصم - هو الضحاك
ابن مخلد - نا سفيان الثوري عن أيوب السختياني. وخالد الحذاء كلاهما عن أبي قلابة -
هو عبد الله بن يزيد الجرمي - عن أنس بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا
تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا " * وقد روينا

(1) في النسخة رقم 16 " فله "
(2) في النسخة رقم 14 " وسقط "
63

بأن أنسا قال: هي السنة وكل ذلك حق والذي ذكرنا بيان واضح في اسناده *
ومن طريق مسلم نا عبد الله بن مسلمة - هو القعنبي - نا سليمان - يعنى ابن بلال -
عن عبد الرحمن بن حميد عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
أن أم سلمة حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فأراد أن يخرج أخذت بثوبه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان شئت زدتك وحاسبتك به للبكر سبع وللثيب ثلاث) *
ومن طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك
ابن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم
سلمة وأصبحت عنده قال لها: ليس بك على أهلك هو ان ان شئت سبعت عندك وان
شئت ثلثت ثم درت قالت: ثلث) * وروينا هذا الخبر بين الاسناد من طريق
أحمد بن شعيب نا يعقوب بن إبراهيم. ومحمد بن بشار قالا جميعا: نا يحيى - هو
ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري حدثني محمد بن أبي بكر - هو ابن محمد بن عمرو
ابن حزم - عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن
أم سلمة أم المؤمنين (ان النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال: ليس بك على
أهلك هو ان ان شئت سبعت لك وان سبعت لك سبعت لنسائي) وبه يقول انس بن
مالك. وإبراهيم النخعي. والشعبي. ومالك. والشافعي. وأحمد بن حنبل. وإسحاق
ابن راهويه. وأبو ثور. وأبو عبيد. وأبو سليمان. وجميع أصحابهم *
وذهبت طائفة إلى غير ذلك وهو ان للبكر ثلاث ليال وللثيب ليلتان روينا ذلك
عن عبد الرزاق عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن ذلك فقال عطاء: يؤثرون عن أنس
ابن مالك أنه قال: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: يمكث عند البكر ثلاثا
ثم يقسم وعند الثيب يومين ثم يقسم وهو قول خلاس بن عمرو. وسفيان الثوري.
والأوزاعي، وقالت طائفة: لا يقيم عند ثيب ولا بكر الا ما يقيم عند غيرهما ممن
عنده وهو قول الحكم بن عتيبة. وحماد بن أبي سليمان. وأبي حنيفة. وأصحابه،
واحتج من ذهب إلى قول الحسن. وابن المسيب بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب. ومحمد بن إسحاق قالا جميعا: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (للبكر ثلاث).
قال أبو محمد: هذا مرسل ولا حجة فيه فسقط. هذا القول، ووجدنا من ذهب إلى
64

قول أبي حنيفة يحتجون بما يجب من العدل بين النساء، وبالخبر الثابت الذي فيه
" ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة
وشقه مائل " *
قال أبو محمد: الذي قال هذا القول هو الذي حكم للبكر بسبع زائدة وللثيب بثلاث
زائدة، ولا يحل لاحد ان يترك قولا له عليه الصلاة والسلام لقول له آخر ما دام يمكن
استعمالهما جميعا بأن يضم بعضها إلى بعض أو بأن يستثنى بعضها من بعض ومن تعدى
هذا فهو عاص لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم * ومن عجائب الدنيا ان الحنيفيين المخالفين
بأهوائهم الفاسدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ههنا يوجبون في القسمة للزوجة الحرة ليلتين
وللزوجة الأمة ليلة وهذا هو الميل حقا والجور صراحا لا سيما مع قولهم إن للحرة
اليهودية والنصرانية ليلتين وللأمة المسلمة ليلة ولا يستحيون من هذا التفصيل بالباطل،
وقال بعضهم: قد جاء في ذلك أثر عن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لا يعرف ثم
لو صح لكان لا يجوز الاخذ به لأنه مرسل * وعجب آخر وهو انهم يجيزون لمن له
زوجة حرة مسلمة وأمة نصرانية أن يقسم للحرة ليلة ولمملوكة اليهودية ثلاث ليال فاعجبوا
لهذه الفضائح، ولهم ههنا اعتراضات تشهد بقلة حياء المعترض بها ورقة دينه كتعلقهم
بقوله عليه الصلاة والسلام: " ان سبعت لك سبعت لنسائي " فقالوا: هذا حديث
يوجب التسوية ونسوا أنفسهم في قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الخبر نفسه: " وان شئت
ثلثت ودرت " فاعترضوا بعقولهم الركيكة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلوه العدل والحساب،
وقالوا: إنما كان ينبغي لو سبع عندها أن يحاسبها بالأربع ليال الزائدة على الثلاث
التي هي حقها *
قال أبو محمد: وهذا من الحمق ورقة الدين في النهاية القصوى لأنه لا يجب حق
لاحد الا ان يوجبه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فالذي أوجب لها ثلاث ليال تخص
بها دون ضرتها هو الذي أسقطها ان سبع عندها لا يعترض عليه الا كافر نعوذ بالله
من الضلال *
قال أبو محمد: فان قالوا: فما قولكم ان أقام عند الثيب أكثر من ثلاث وأقل
من سبع أو أكثر من سبع أو أقام عند البكر الثيب أكثر من سبع ولها ضرة أو ضرائر
زوجات قلنا: نعم اما ان أقام عند الثيب أكثر من ثلاث وأقل من سبع فلا يحاسبها
الا بما زاد على الثلاث واما ان أقام عندها أو عند البكر أكثر من سبع فإنه يحاسب
الثيب بجميع ما أقام عندها ويوفى ضرتها أو ضرائرها مثل ذلك كله ولا يناسب
65

البكر الا بما زاد على السبع فقط * برهان ذلك ان الثلاث حق الثيب والسبع حق
البكر فما زاد على هذين فهو ظلم يحاسبها به ولا يسقط حق الثيب في أن تخص بالثلاث
الا حيث أسقطه الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقط وليس ذلك الا أن يسبع
لها وزاد على السبع لان الزيادة على السبع تسبيع وزيادة، وقد سقط حقها في الثلاث
بالتسبيع فإذا سقط لم يعد بالزيادة على السبع وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: واحتجوا لقولهم: يقسم للحرة ليلتين وللزوجة المملوكة ليلة
برواية [فاسدة] (1) رويناها من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا ابن أبي ليلى عن
المنهال بن عمرو عن ذر. أو عباد بن عبد الله الأسدي عن علي انه كان يقول: إذا تزوج
الحرة على الأمة قسم للأمة الثلث وللحرة الثلثان، وهذا لا يصح لان ابن أبي ليلى سيئ
الحفظ والمنهال ضعيف، وروى عن المغيرة بن مقسم أنه قال: لم يثبت للمنهال شهادة
في الاسلام ولكنه صحيح من قول إبراهيم. وسعيد بن المسيب. ومسروق. والشعبي.
والحسن البصري، وروى عن عطاء. وسعيد بن جبير. ومحمد بن علي بن الحسن وهو
قول عثمان البتي. والشافعي، وقال مالك. والليث. وأبو سليمان: القسم بينهما سواء *
قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول (2) الله صلى الله عليه وسلم، وقد توعد عليه
الصلاة والسلام كما أوردنا قبل على الميل إلى زوجة دون أخرى ولم يخص حرة من أمة
ولا مسلمة من كتابيه، واحتجوا من قياسهم الفاسد بان قالوا: لما كانت عدة الأمة
نصف عدة الحرة وجب ان يكونا في القسم (3) كذلك *
قال أبو محمد: وهذا في غاية الفساد أول ذلك اننا لا نوافقهم على أن عدة الأمة نصف
عدة الحرة ثم على قولهم المختلط لا يختلفون ان عدة الأمة الحامل كعدة الحرة الحامل فهلا
جعلوا القسمة لهما سواء من اجل تساويهما في العدة المذكورة، ويقولون: ان عدة الأمة
بالأقراء ثلاثا عدة الحرة فهلا قسموا لها الثلثين من قسم الحرة لما ذكرنا ولا خلاف في أن
الأمة لا ترث وان الحرة ترث فهلا جعلوا الأمة لا قسمة لها كما لا ميراث لها وكما
لا شهادة لها عندهم ولكنهم في اهذارهم مثل الغريق بما أحس تعلق * واحتجوا في
قولهم الفاسد: ان للزوج ان يقسم للحرة ليلة ثم يبيت ثلاث ليال حيث شاء بروايات
ساقطة عن كعب بن سوار انه حكم بذلك بحضرة عمر بن الخطاب فأعجب عمر بذلك،
وهذا لا يصح لأنه إنما رواه عن عمر الشعبي. وقتادة. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 16 في أحد مع رسول الخ
(3) في النسخة رقم 14 في القسمة
66

عوف وكلهم لم يولد الا بعد موت عمر ثم لو صح لما كان في أحد حجة غير رسول الله (1)
صلى الله عليه وسلم، وأما التخلف عن صلاة الجماعة فقد ذكرناه في كتاب الصلاة من ديواننا هذا وغيره
ايجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وتوعده بحرق بيوت المتخلفين عنها لغير عذر، وقد
تزوج عليه الصلاة والسلام وأصحابه فما منهم من أحد تخلف في التسبيع والتثليث عن
صلاة الجماعة والجمعة وإنما هي ضلالة أحدثها الشيطان، وأما السفر بامرأة من زوجاته
أو بامرأتين أو بثلاث فلا يكون الا بالقرعة لأنه ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - عن أبي نعيم الفضل بن
دكين نا عبد الواحد بن أيمن حدثني ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة أم
المؤمنين قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه فطارت القرعة على
عائشة: وحفصة فخرجتا معه " *
قال أبو محمد: فان خرج بها كما ذكرنا بقرعة لم يحاسبهن بلياليهن معه في السفر لأنه
خرج بهن بحق لا بميل ولا بحيف فان خرج بها بغير قرعة حاسبهن بتلك الليالي ولزمه
فرضا وان يوفى التي لم يسافر بها عدد تلك الليالي، وهذا قول الشافعي. وأبي سليمان،
وقال أبو حنيفة. ومالك. وأصحابهما: يخرج بها بغير قرعة *
قال أبو محمد: وهذا باطل لان العدل بين الزوجات فرض كما أوردنا فلا يجوز (2)
تخصيص شئ من ذلك الا ما خصه نص ولم يخص النص الا السفر بالقرعة فقط فما عدا
ذلك فهو ظلم وبالله تعالى التوفيق، فان قيل: إن له أن لا يسافر بواحدة منهن قلنا نعم
وهو عدل بينهن في المنع فليس بذلك مائلا إلى إحداهن واما إذا سافر بغير قرعة بواحدة
منهن فقد مال إليها وهذا ظلم لا يحل وبالله تعالى التوفيق *
1901 مسألة ولا يجوز للرجل ان يقسم لام ولده ولا لامته مع زوجة
ان كانت، وهذا لا خلاف فيه وبرهانه قول الله تعالى: (فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة
أو ما ملكت أيمانكم) فلم يجعل لملك اليمين حقا يجب فيه العدل فإذ لا حق لهن في القسمة
فلا يجوز ان يشارك في الواجب من لا حق له فيه مع من له فيه حق فلو طابت نفس الزوجة
بذلك فله حينئذ ان يقسم لامته لأنه حق الزوجة طابت بتركه نفسا لكن له ان يطأ
أمته متى شاء كما فعل عليه الصلاة والسلام بمارية في يوم أي نسائه شاء دون قسمة
وبالله تعالى التوفيق *
1902 مسألة وحد القسمة للزوجات من ليلة فما زاد إلى سبع لكل واحدة

(1) في النسخة رقم 14 " دون رسول الله "
(2) في النسخة رقم 16 فلا يحل
67

ولا يجوز له أن يزيد على سبع، وقال قوم: لا يزيد على ثلاث لكل واحدة، وقالت
طائفة: لا يزيد على ليلة لكل واحدة روينا ذلك عن محمد بن المنذر النيسابوري نا بذلك
عنه أحمد بن محمد بن الجسور عن منذر بن سعيد القاضي عن محمد بن إبراهيم بن المنذر *
قال أبو محمد: برهان صحة قولنا ما ذكرناه في الباب الذي قبل هذا من قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم لام سلمة رضي الله عنها: ان سبعت لك سبعت لنسائي فصح أن للزوج أن يسبع
وما دون السبع جائز بجواز السبع لأنه بعض السبع، وأما الزيادة على السبع فممنوع
لما ذكرنا قبل من وجوب العدل بينهن فلو جاز أكثر من سبع لكان له أن يبيت عند
الواحدة ما شاء ولو أعواما ويقول: سأقسم للأخرى مثل ذلك وهذا باطل وظلم،
فصح أنه لا يجوز من عدد الليالي الا ما أجازه النص فقط ولولا هذا الأثر ما أجزنا
أكثر من ليلة وبالله تعالى التوفيق وليلة ليلة أحب الينا لأنه كذلك جاءت الآثار
الثابتة من قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين رضى الله عنهن *
1903 مسألة وان وهبت المرأة ليلتها لضرتها جاز ذلك فان بدا لها فرجعت
في ذلك فلها ذلك، برهان ذلك ما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا اسحق - هو ابن
راهويه - أنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم
المؤمنين أن سودة بنت زمعة لما كبرت قالت: يا رسول الله جعلت يومى منك لعائشة
فكان عليه الصلاة والسلام يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة، وقد صح أنه
عليه الصلاة والسلام استأذن نساءه في مرضه الذي مات فيه أن يمرض في بيت عائشة
فاذن له في ذلك، وأما قولنا: ان لها الرجوع في ذلك. فلان كل يوم هو غير اليوم الذي
قبله بلا شك ولا تجوز هبة مجهول فإنما هو إباحة حادثة في ذلك اليوم إذا جاء فلها أن
لا تحدث تلك الإباحة وان تتمسك بحقها الذي جعله الله تعالى لها وبه عز وجل نتأيد *
1904 مسألة وجائز للرجل أن يطأ جميع زوجاته وإمائه في فور واحد
فان تطهر بين كل اثنتين فهو أحسن وان لم يغتسل الا في آخرهن فحسن لا كراهة في ذلك *
روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن
معمر عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلام: " كان يطوف على نسائه
في الليلة الواحدة ثم يغتسل مرة " *
قال أبو محمد: الإماء من نساء الرجل قال الله عز وجل: (أحل لكم ليلة الصيام
الرفث إلى نسائكم) نا أحمد بن محمد بن الجسور نا وهب بن مسرة نا محمد بن وضاح
نا أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن فلان بن
68

أبى رافع عن عمته سلمى بنت أبي رافع عن أبي رافع " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على
نسائه في ليلة واحدة فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا قال فقلت له: يا رسول الله لو
اغتسلت غسلا واحدا قال: هذا أطهر وأطيب، أو قال وأنظف " * قال على: ولو لم
يأت هذا الخبر لكان الغسل بين كل اثنتين منهن حسنا لأنه لم يأت عن ذلك نهى
وبالله تعالى التوفيق *
1905 مسألة ولا يحل الوطئ في الدبر أصلا لا في امرأة ولا في غيرها
أما ما عدا النساء فاجماع متيقن وأما في النساء ففيه اختلاف اختلف فيه عن ابن عمر.
وعن نافع كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أرنا الربيع بن سليمان بن داود نا اصبغ
ابن الفرج ثنا عبد الرحمن بن القاسم قال قلت لمالك: ان عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث
عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: انا نشتري الجواري
فنحمض لهن قال: وما التحميض؟ قال: نأتيهن في أدبارهن قال ابن عمر: أف أف
أف أو يعمل هذا مسلم؟ فقال لي مالك: فاشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار انه
سأل ابن عمر فقال: لا بأس به * ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني علي بن عثمان بن
محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل نا سعيد بن عيسى حدثني المفضل نا عبد الله بن سليمان
عن كعب بن علقمة عن أبي النضر انه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر قد أكثر عليك
القول انك تقول عن ابن عمر انه أفتى بان تؤتى النساء في أدبارهن فقال نافع: لقد كذبوا
على وذكروا في ذلك أحاديث لو صحت لجاءنا ما ينسخها على ما نذكره إن شاء الله عز وجل،
واحتجوا بقول الله تعالى: (نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شتم) *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لان أنى في لغة العرب التي نزل بها القرآن إنما
هي بمعنى من أين لا بمعنى أين فإذ ذلك كذلك فإنما معناه من أين شئتم قال الله عز وجل:
(يا مريم أنى لك هذا) بمعنى من أين لك هذا، وقالوا: لو حرم من المرأة شئ لحرم جميعها *
قال أبو محمد: هذا كما قالوا لو لم يأت نص بتحريمة، وقالوا: وطئ المجموعة جائز
وربما مال الذكر إلى الدبر قال على: إذا لم يتمكن من وطئ المجموعة الا بالايلاج في
الدبر فوطئها حرام *
قال أبو محمد: فنظرنا في ذلك فوجدنا ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور. وعبد الله
ابن ربيع قال أحمدنا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة، وقال عبد الله
نا محمد بن معاوية انا أحمد بن شعيب نا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج ثم اتفق الأشج.
وابن أبي شيبة قالا جميعا: نا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان
69

عن كريب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا
أو امرأة في دبر " هذا لفظ رواية عبد الله بن ربيع. ورواية أحمد " في دبرها " لم يختلفا
في غير ذلك * وبه إلى أحمد بن شعيب انا محمد بن منصور نا سفيان هو الثوري حدثني يزيد
ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ان الله لا يستحى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن " *
قال أبو محمد: وهذان خبران صحيحان تقوم الحجة بهما ولو صح خبر في
إباحة ذلك لكان هذان ناسخين له لان الأصل ان كل شئ مباح حتى يأتي تحريمه،
فهذان الخبران وردا بما فصل الله تحريمه لنا وقد جاء تحريم ذلك عن أبي هريرة وعلى
ابن أبي طالب. وأبى الدرداء. وابن عباس. وسعيد بن المسيب. وأبى سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف. وطاوس. ومجاهد، وهو قول أبي حنيفة: والشافعي. وسفيان الثوري
وغيرهم، وما رويت اباحه ذلك عن أحد الا عن ابن عمر وحده باختلاف عنه. وعن
نافع باختلاف عنه: وعن مالك باختلاف عنه فقط وبالله تعالى التوفيق *
1906 مسألة ولا يحل لاحد ان يطأ امرأة حبلى من غيره فان فعل أدب
فان كانت أمة له أعتق عليه ما ولدت من ذلك الحمل ولابد ولا تعتق هي بذلك * برهان
ذلك ما روينا من طريق مسلم حدثني محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن
يزيد بن حميد قال: سمعت عبد الرحمن بن جبير يحدث عن أبيه جبير بن نفير عن أبي الدرداء
" ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى بامرأة مجح على باب فسطاط فقال له: يزيد ان يلم بها فقالوا: نعم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد همت ان ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل
له كيف يستخدمه وهو لا يحل له *
قال أبو محمد: لا يصح في تحريم وطئ الحامل خبر غير هذا فإذ لم يحل له فقد حرم عليه
ملكه وإذ حرم عليه ملكه فهو حرام إذ ليس الا مملوك أو حر، وأما تأديب من فعل
ذلك فلانه أتى منكرا وبالله تعالى التوفيق *
1907 مسألة: ولا يحل العزل عن حرة ولا عن أمة * برهان ذلك ما روينا
من طريق مسلم نا عبيد الله بن سعيد نا المقبري - هو عبد الله بن يزيد - نا سعيد بن أبي أيوب
حدثني أبو الأسود - هو يتيم عروة - عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين عن
جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: " حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس فسألوه
عن العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك الوأد الخفي وقرأ (وإذا المؤودة سئلت) *
قال أبو محمد: هذا خبر في غاية الصحة، واحتج من أباح العزل بخبر أبي سعيد
70

الذي فيه لا عليكم أن لا تفعلوا قال على: هذا خبر إلى النهى أقرب وكذلك قال
ابن سيرين، واحتجوا بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم قول يهود هو المؤودة الصغرى وباخبار
أخر لا تصح *
قال أبو محمد: يعارضها كلها خبر جدامة الذي أوردنا وقد علمنا بيقين ان كل
شئ فأصله الإباحة لقول الله تعالى: (الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) وعلى هذا
كان كل شئ حلالا حتى نزل التحريم قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فصح أن
خبر جدامة بالتحريم هو الناسخ لجميع الإباحات المتقدمة التي لا شك في أنها قبل البعث
وبعد البعث وهذا أمر متيقن لأنه إذ أخبر عليه الصلاة والسلام انه الوأد الخفي والوأد
محرم فقد نسخ الإباحة المتقدمة بيقين، فمن ادعى أن تلك الإباحة المنسوخة قد عادت
وان النسخ المتيقن قد بطل فقد ادعى الباطل وقفى مالا علم له به وأتى بما لا دليل له عليه
قال تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) وقد جاءت الإباحة للعزل صحيحة
عن جابر بن عبد الله. وابن عباس. وسعد بن أبي وقاص. وزيد بن ثابت. وابن مسعود،
وصح المنع منه عن جماعة كما روينا عن حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع أن
ابن عمر كان لا يعزل وقال: لو علمت أحدا من ولدى يعزل لنكلته *
قال أبو محمد: لا يجوز أن ينكل على شئ مباح عنده * ومن طريق الحجاج بن المنهال
نا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن زربن حبيش ان علي بن أبي طالب كان يكره العزل
ورويناه أيضا من طريق شعبة عن عاصم عن زرعن على نا يونس بن عبد الله نا أحمد
ابن عبد الله بن عبد البصير نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا
يحيى بن سعيد القطان نا سليمان التيمي عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود أنه
قال في العزل هي الموؤودة الخفية * وروينا هذا الخبر من طريق سعيد بن منصور قال
نا معتمر بن سليمان التيمي حدثني أبو عمرو الشيباني عن ابن مسعود أنه قال في العزل هي
الموؤودة الصغرى * وبه إلى محمد بن بشار نا عبد الرحمن بن مهدي نا شعبة نا يزيد بن خمير
عن سليمان بن عامر قال: سمعت أبا امامة الباهلي يقول وقد سئل عن العزل فقال:
ما كنت أرى مسلما يفعله * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا ابن عون قال
حدثني نافع عن ابن عمر قال: ضرب عمر على العزل بعض بينه * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا هشيم أرنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر
ابن الخطاب. وعثمان بن عفان ينكران العزل *
قال أبو محمد: سماع سعيد عن عثمان صحيح، وصح أيضا عن الأسود بن يزيد. وطاوس *
71

1908 مسألة والاحسان إلى النساء فرض ولا يحل تتبع عثراتهن ومن
قدم من سفره ليلا فلا يدخل بيته الا نهارا ومن قدم نهارا فلا يدخل الا ليلا الا أن
يمنعه مانع عذر * برهان ذلك قول الله عز وجل (وعاشروهن بالمعروف) وقول
الله عز وجل: (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) *
قال أبو محمد: إذ حرم التضييق عليهن فقد أوجب تعالى التوسيع عليهن وافترض
ترك ضرهن * روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم عن حاتم ابن إسماعيل عن جعفر
ابن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فذكر كلاما
كثيرا وفيه فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة
الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا
غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " *
قال أبو محمد: لم يعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فراش المضجع ذلك أمر يجب فيه الرجم
على المحصنة فلا يؤمر فيه بضرب غير مبرح وإنما عنى عليه الصلاة والسلام بلا شك
كل ما افترش في البيوت وهذا نهى عن أن يدخل في مسكنه أو في بيته من لا يريد دخوله
منزله من رجل أو امرأة فقط، وهذا يأتي مبينا في المسألة التي تأتى بعد هذه *
ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا حسين بن علي عن زائدة عن مسرة عن أبي
حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر كلاما وفيه " فاستوصوا بالنساء خيرا " *
ومن طريق أحمد بن شعيب أرنا عمر بن منصور نا أبو نعيم عن سفيان الثوري
عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق
الرجل أهله ليلا أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم " * ومن طريق البخاري نا أبو النعمان -
هو محمد بن الفضل عارم - نا هشيم نا سيار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: قفلنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة فلما ذهبنا لندخل قال: أمهلوا حتى تدخلوا ليلا لكي
تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " فان قيل: هذا تعارض قلنا: كلا بل قد بين عليه
الصلاة والسلام في كلا الخبرين مراده ذكر في الخبر الأول ان لا يدخل ليلا فيتبع
بذلك عثرة ان كانت أو لم تكن فصح ان ذلك في الذي جاء ليلا وبين عليه الصلاة والسلام
في الآخر ان يمهل من اتى نهارا حتى يدخل ليلا بعد ان يتصل خبره باهله فتستحد وتمتشط،
ولا ينسب التعارض إلى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الا كافر ولا ينسبه إلى الصحابة
الا مبتدع ولا ينسبه إلى الأئمة ومن دونهم الا منحرف القلب عن السنن ونعوذ
بالله من كل ذلك *
72

1909 مسألة: وللمرأة ان تتصدق من مال زوجها غير مفسدة لكن
بما لا يؤثر في ماله سواء أذن في ذلك أم نهى أحب أم كره * برهان ذلك ما رويناه من طريق
مسلم نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصم المرأة وبعلها شاهد الا باذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد الا
باذنه وما أنفقت من كسبه من غير امره فان نصف أجره له " * ومن طريق أحمد
ابن شعيب أخبرني أحمد بن حرب نا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن مسروق
عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أنفقت المرأة من بيت
زوجها غير مفسدة كان لها اجرها وله مثله بما كسب ولها بما أنفقت وللخازن مثل ذلك
من غير أن ينقص من أجورهم شئ " لا قال أبو محمد: هذا اللفظ زائد على ما رويناه من
طريق منصور عن شقيق في هذا الخبر فقال فيه " من طعام بيتها " *
قال أبو محمد: فاعترض بعض أهل الجرأة على مخالفة السنن بان قالوا هذا من
رواية أبي هريرة وقد سئل أبو هريرة هل تصدق المرأة من بيت زوجها؟ فقال: لا
الا شئ من قوتها فالاجر بينهما ولا يحل لها ان تصدق من بيت زوجها الا باذنه " *
قال أبو محمد: هذه الفتيا من أبي هريرة إنما رويناها من طريق عبد الملك بن أبي سليمان
العرزمي وهو متروك عن عطاء عن أبي هريرة فهي ساقطة فلا يعارض بها رواية
همام بن منبه عنه الا جاهل أو فاسق مجاهر بالباطل وهو يعلمه * ومن طريق مسلم حدثني
محمد بن حاتم. وهارون بن عبد الله قالا جميعا: نا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج
أخبرني ابن أبي مليكة ان عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره عن أسماء بنت أبي بكر الصديق
" أنها قالت: يا رسول الله ليس لي شئ الا ما ادخل على الزبير فهل على جناح ان أرضخ بما
يدخل على؟ فقال: ارضخي ما استطعت ولا توكي فيوكى الله عليك " *
قال أبو محمد: سماع حجاج من ابن جريج ثابت ولكنه هكذا يقول قال ابن جريج،
وممن قال بهذا أم المؤمنين رضي الله عنها كما روينا من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى نا
سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن امرأته انها سمعت
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وسألتها امرأة فقالت أطعم من بيت زوجي فقالت
أم المؤمنين: ما لم تقى مالك بماله قال الله عز وجل: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة
من أمرهم) فإذا أباح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا رأى للزوج في المنع منه أصلا *
1910 مسألة ولا يلزم المرأة أن تخدم زوجها في شئ أصلا لا في عجن.
73

ولا طبخ. ولا فرش. ولا كنس. ولا غزل. ولا نسج. ولا غير ذلك أصلا ولو
أنها فعلت لكان أفضل لها، وعلى الزوج يأتيها بكسوتها مخيطة تامة وبالطعام مطبوخا
تاما وإنما عليها ان تحسن عشرته ولا تصوم تطوعا وهو حاضر الا باذنه ولا تدخل
بيته من يكره وان لا تمنعه نفسها متى أراد وان تحفظ ما جعل عندها من ماله * وقال
أبو ثور: على المرأة ان تخدم زوجها في كل شئ ويمكن أن يحتج لذلك بالأثر الثابت عن
علي بن أبي طالب قال: " شكت فاطمة مجل يديها من الطحين وانه أعلم بذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذ سأله خادما " * وبالخبر الثابت من طريق أسماء بنت أبي بكر قالت: كنت أخدم
الزبير خدمة البيت وكان له فرس وكنت أسوسه كنت احتش له وأقوم عليه *
وبالخبر الثابت من طريق أسماء أيضا انها كانت تعلف فرس الزبير وتسقى الماء وتجزم غربه
وتعجن وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ وان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقيها وهي تنقله قال: فإذا خدمت هاتان الفاضلتان هذه الخدمة الثقيلة فمن بعدهما
يترفع عن ذلك من النساء *
قال أبو محمد: لا حجة لأهل هذا القول في شئ من هذه الأخبار لأنه ليس في شئ
منها ولا من غيرها انه عليه الصلاة والسلام أمرهما بذلك إنما كانتا متبرعتين
بذلك وهما أهل الفضل والمبرة رضي الله عنهما ونحن لا نمنع من ذلك ان تطوعت
المرأة به إنما نتكلم على سر الحق الذي تجب به الفتيا والقضاء بالزامه، فان
قيل، قد قال الله تعالى: (فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) قلنا: أول الآية
بين فيما هي هذه الطاعة قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن
في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) فصح أنها الطاعة إذا
دعاها للجماع فقط، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجب على الرجل للمرأة وقد ذكرناه
قبل هذه المسألة بمسألتين، ومن ألزم المرأة خدمة دون خدمة فقد شرع ما لم يأذن
به الله تعالى، وقال: ما لا يصح ومالا نص فيه وكذلك بين عليه الصلاة والسلام أن لهن
علينا رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فصح ما قلناه: من أن على الزوج أن يأتيها برزقها
ممكنا لها اكله وبالكسوة ممكنا لها لباسها لان مالا يوصل إلى أكله ولباسه الا بعجن
وطبخ. وغزل. ونسج. وقصارة. وصباغ. وخياطة فليس هو رزقا ولا كسوة
هذا ما لا خلاف فيه في اللغة والمشاهدة، واما حفظ ما جعل عندها ففرض بلا خلاف *
1911 مسألة ولا يحل للمرأة أن تحلق رأسها إلا من ضرورة لا محيد منها
ولا أن تصل في شعرها شيئا أصلا لا من شعرها ولا من شعر انسان غيرها أو من شعر
74

حيوان أو صوف أو غير ذلك، وهو من الكبائر ولا يحل لها أن تفلج أسنانها ولا
أن تنتف الشعر من وجهها ولا أن تشم بالنقش والكحل أو غيره شيئا من جسدها
فان فعلت فهي ملعونة هي والتي تفعل بها ذلك * برهان ذلك ما رويناه من طريق أحمد
ابن شعيب أنا محمد بن موسى الجرشى نا أبو داود - هو الطيالسي - نا همام - هو ابن يحيى -
عن قتادة عن خلاس عن علي " قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها فان
اضطرت إلى ذلك فقد قال الله تعالى: (وقد فصل لكم حرم عليكم الا ما اضطررتم
إليه) " * ومن طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن المثنى نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن هشام
ابن عروة قال: حدثني فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت:
جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ان لي ابنة عروسا وانها اشتكت
فتمزق شعرها فهل على جناح ان وصلت لها فيه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن
الله الواصلة والمستوصلة " * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام
نا أبو داود - هو الطيالسي - عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي عن
علقمة بن عبد الله بن مسعود قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمستوشمات
والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله " *
1912 مسألة ولا بأس بكذب أحد الزوجين للاخر فيما يستجلب به
المودة كما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا أبو صالح محمد بن زنبور المكي نا ابن أبي حازم
- هو عبد العزيز بن عبد الوهاب بن أبي بكر - عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف
عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" لا أعده كذبا الرجل يصلح بين الناس يقول القول يريد الصلاح والرجل يقول
القول في الحرب والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها " *
1913 مسألة ولا يحل النفح بالباطل كما روينا من طريق البخاري ثنا
سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء
بنت أبي بكر الصديق " أن امرأة قالت يا رسول الله ان لي ضرة فهل على جناح أن
تشبعت من زوجي غير الذي يعطى فقال عليه الصلاة والسلام: المتشبع بما لم يعط
كلابس ثوبي زور " *
1914 مسألة وجائز للصبايا خاصة اللعب بالصور ولا يحل لغيرهن
والصور محرمة الا هذا والا ما كان رقما في ثوب * روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا
أبو بكر بن أبي شيبة وعمر والناقد قالا جميعا: نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله
75

ابن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدخل الملائكة
بيتا فيه كلب ولا صورة " ومن طريق مسلم نا قتيبة نا الليث هو ابن سعد - عن
بكير - هو ابن الأشج - عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن أبي طلحة الأنصاري
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة " ثم اشتكى زيد
ابن خالد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة فقلت لعبيد الله الخولاني ربيب ميمونة
أم المؤمنين ألم يخبرنا زيد عن الصورة فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: الا رقما
في ثوب * ومن طريق أحمد بن شعيب أرنا محمد بن رافع النيسابوري نا حجين - هو
ابن المثنى - نا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
أم المؤمنين " قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرب إلى صواحبي يلعبن معي باللعب
البنات الصغار " *
1915 مسألة والاستتار بالجماع فرض لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين
آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من
قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات
لكم) الآية، والحديث بذلك لا يجوز *
1916 مسألة وحلال للرجل من امرأته الحائض كل شئ حاش الايلاج
فقط، وهذا أمر قد اختلف الناس فيه * روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق نا محمد
ابن أبي خداش نا مروان بن معاوية نا جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي
أمامة - هو الباهلي - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال عمر بن الخطاب: كنا نضاجع
النساء في المحيض وفي الفرش واللحف من قلة فاما إذ وسع الله الفرش واللحف
فاعتزلوهن كما أمر الله تعالى * نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن
نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي نا سفيان بن عيينة نا منبوذ المكي عن أمه قالت:
كنا عند ميمونة فدخل عليها ابن عباس فقالت له ميمونة: أي بنى مالي أراك شعث الرأس
فقال: ان مرجلتي حائض وذكر الحديث * واحتج من ذهب إلى هذا بقول الله عز وجل:
(قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) وبخبر رويناه من
طريق أبى داود ثنا محمد بن سعيد نا سعيد بن عبد الجبار نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن أبي
اليمان عن أم درة عن عائشة أم المؤمنين قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال
إلى الحصير فلم تقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ندن منه حتى نطهر * وهذا لا شئ لأنه
من طريق أم درة وهي مجهولة لا تدرى * وذهبت طائفة إلى أن له من السرة فصاعدا
76

فقط وليس له ما دون ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي
عن عاصم البجلي ان نفرا سألوا عمر بن الخطاب عما يحل للرجل من امرأته حائضا؟ فقال
عمر: لك ما فوق الإزار لا تطلعن على ما تحته حتى تطهر * ومن طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج عن موسى عن نافع ان ابن عمر أرسل إلى عائشة أم المؤمنين يستفتيها في الحائض
يباشرها فقالت عائشة: نعم نجعل على سفلتها ثوبا * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر
عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن شريح قال: لك ما فوق السرة قال معمر: وسمعت
قنادة يقول: لك ما فوق الإزار * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان
ابن موسى قال: ما تحت الإزار خرام * وبه إلى ابن جريج عن عطاء قال: تباشر الحائض
زوجها إذا كان على جزلتها السفلى ازار سمعنا ذلك * واحتج أهل هذه المقالة بخبر رويناه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وأما ما للرجل من امرأته وهي حائض فما فوق الإزار *
قال أبو محمد: وهذا خبر رويناه من طرق صحاح إلى رجل يسمى عاصم بن عمرو
البجلي الكوفي عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاصم هذا لم يسمعه من عمر
لأننا رويناه من طريق أبى اسحق السبيعي عن عاصم بن عمرو عن عمير مولى عمر وعمير
هذا مجهول، ورويناه أيضا من طريق شعبة عن عاصم المذكور عن جرل عن القوم
الذين سألوا عمر عن ذلك * وبخبر آخر من طريق أبى داود نا هارون بن محمد بن بكار
نا مروان - يعنى ابن محمد - نا الهيثم بن حميد نا العلاء بن الحارث عن حزام بن حكيم عن
عمه انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض: قال: لك ما فوق
الإزار، وهذا لا يصح لان حزام بن حكيم ضعيف. وهو الذي روى غسل الأنثيين من
المذي، ومروان بن محمد الذي روى عنه ضعيف أيضا * وبخبر رويناه من طريق أبى داود
نا هشام بن عبد الملك اليزني (1) حدثني بقية بن عبد الوليد عن سعيد - هو ابن عبد الله الأغطش
عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي قال هشام - وهو ابن قرط الأزدي أمير حمص - عن معاذ
ابن جبل قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال:
ما هو فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل وهذا خبر لا يصح لأنه من طريق بقية وهو
ضعيف عن سعيد بن عبد الله الأغطش وهو مجهول لا يعرف * وبخبر من طريق ابن أبي شيبة
نا عبد الرحيم نا محمد بن كريب عن كريب عن ابن عباس انه سئل عن المرأة الحائض ماذا
يحل لزوجها؟ قال: سمعنا والله أعلم إن كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذلك لا يحل له
ما فوق الإزار، وهذا حديث كما ترى غير مسند * ومن طريق ابن الجهم نا محمد بن

(1) هو بفتح التحتانية والزاي ثم نون، وفي النسخة رقم 14 " البرتي " وهو غلط
77

الفرج نا عبد الله بن عمر عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما يحل للرجل من امرأته - يعنى الحائض - قال: ما فوق الإزار وهذا لا يصح لأنه من
طريق العمرى الصغير وهو ضعيف فسقط هذا الخبر (1) والحمد لله رب العالمين، وقد
جاء خبر من طريق الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة
ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر الحائض من نسائه إذا كان
عليها ازار يبلغ أنصاف الفخذين أو الركبتين محتجزة * وعن ابن وهب بلغني عن
عائشة. وأم سلمة أمي المؤمنين مثل هذا، وهذا منقطع * وعن ندبة وهي مجهولة ولو صح
لم تكن فيه حجة ولا متعلق لاحد لأنه فعل لا أمر، وذهبت طائفة إلى أنه لا يباشرها الا
وبينهما ثوب * روينا عن وكيع عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال: سألت
عبيدة السلماني ما للرجل من امرأته الحائض؟ فقال: الفراش واحد واللحاف شتى
وان لم يجد بدا من أن يرد عليها من طرف ثوبه رد عليها *
واحتج أهل هذا القول بما رويناه من طريق مسلم نا هارون بن سعيد نا ابن وهب
أرنا مخرمة - هو ابن بكير - عن أبيه عن كريب مولى ابن عباس قال: سمعت ميمونة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وانا حائض وبيني وبينه
ثوب * ونا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا أبو خليفة الفضل بن
الحباب - هو مولى بنى جمح - نا مسدد نا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة (2) بن
عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تنام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهي حائض وبينهما ثوب *
قال أبو محمد: سماع مخرمة بن بكير عن أبيه لا يصح كما نا يوسف بن عبد الله
النمري نا عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي نا محمد بن إسحاق الصيدلاني نا العقيلي نا
عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا حماد بن خالد الخايط قال: أخرج إلى مخرمة بن بكير
كتابا وقال لي: هذه كتب أبى لم أسمع منها شيئا، واما خبر عائشة أم المؤمنين ففيه عمر
ابن أبي سلمة وهو ضعيف لم يوثقه أحد، وذهب أبو حنيفة. وأبو يوسف. ومالك.
ومن قلده إلى أنه مباح له ما فوق السرة وما تحت الركبة ويحرم عليه ما بين السرة والركبة
وما نعلم لهذا القول متعلقا أصلا فوجب تركه، ولا يموهن مموه بالاخبار التي فيها كان
النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الحائض من نسائه ان تتزر ثم يباشرها فان الإزار قد يبلغ إلى الكعبين
وقد يبلغ إلى انصاف الفخذين * وذهبت طائفة إلى مثل قولنا كما نا عبد الله بن ربيع نا

(1) في النسخة رقم 14 هذا الباب
(2) في النسخة رقم 14 عن عمرو بن أبي سلمة بالواو وهو تصحيف
78

محمد بن معاوية نا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي نا أبو الوليد الطيالسي نا الليث
ابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب عن
حكيم بن عقال سألت أم المؤمنين عائشة ما يحرم على الرجل من امرأته إذا كان صائما؟
قالت: فرجها قلت: فما يحرم عليه منها إذا كانت حائضا؟ قالت: فرجها وهو قول أم
سلمة أم المؤمنين * ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن محمد بن عقيل عن ابن عباس
قال للرجل من امرأته وهي حائض كل شئ الا مخرج الدم * ومن طريق وكيع عن
إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: يباشر الرجل الحائض إذا كف عنها الأذى *
ومن طريق وكيع عن مالك بن مغول عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في الحائض
لا بأس أن يأتيها زوجها فيما دون الدم * ومن طريق وكيع عن عطاء بن أبي رباح
عن الحكم بن عتيبة أنه قال في الحائض لا بأس: أن يضع الرجل فرجه عليه ما لم يدخله
- يعنى على فرجها - * وبه إلى وكيع عن الربيع عن الحسن البصري أنه كان لا يرى
بأسا ان يقلب فخذي الحائض، وهو قول مسروق، وإبراهيم النخعي. وسفيان
الثوري. ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة. وأبي سليمان. وجميع أصحابنا وهو
المشهور عن الشافعي *
قال أبو محمد: قد بينا سقوط جميع الأقوال التي قدمنا الا هذا القول وقول
من تعلق بالآية فنظرنا في هذا القول فوجدنا ما روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب
نا عبد الرحمن بن مهدي نا حماد بن سلمة أرنا ثابت - هو البناني - عن أنس بن مالك فذكر
حديثا، وفيه فأنزل الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء
في المحيض) إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شئ الا النكاح " *
قال أبو محمد: فهذا خبر في غاية الصحة وهو بيان للآية بين عليه الصلاة والسلام
إثر نزولها مراد ربه تعالى فيها، وصح بهذا قول من قال من العلماء: ان معنى قوله
عز وجل في المحيض: إنما هو موضع الحيض ولا شك في هذا لأنه عليه الصلاة والسلام
بين مراد ربه تعالى في الآية ولم ينسخها ولم ينسخها قال الله عز وجل: (لتبين للناس ما نزل إليهم)
وبالله تعالى التوفيق *
1917 مسألة ومن وطئ حائضا عامدا أو جاهلا فقد عصى الله تعالى
في العمد وليس عليه في ذلك شئ لا صدقة ولا غيرها الا التوبة والاستغفار، وقد قال
قائلون في ذلك بكفارة كما روينا عن ابن عباس ان وطئها في الدم فدينار وان وطئها
في انقطاع الدم فنصف دينار * وعن قتادة إن كان واجدا فدينار وان لم يجد فنصف
79

دينار * وعن عطاء من وطئ حائضا يتصدق بدينار، وقد روى عن محمد بن الحسن
صاحب أبي حنيفة، ورأي أحمد بن حنبل أنه مخير بين دينار أو نصف أو نصف دينار، ووجدنا
أهل هذه المقالة يحتجون بخبر رويناه من طريق مقسم عن ابن عباس مسندا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقسم ضعيف * ورويناه أيضا من طريق شريك عن خصيف عن
عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريك. وخصيف ضعيفان * ومن طريق
فيها عبد الملك بن حبيب عن المكفوف عن أيوب بن خوط عن قتادة عن ابن عباس
مسندا وعبد الملك. وأيوب هالكان والمكفوف مجهول * ومن طريق عبد الملك
ابن حبيب عن أصبغ بن الفرج عن السبيعي عن زيد بن عبد الحميد أن عمر سأل عن ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: تصدق بدينار، وعبد الملك هالك والسبيعي مجهول، ولا يظن
جاهل انه أبو إسحق مات أبو إسحق قبل أن يولد أصبغ بدهر، وهو أيضا مرسل وقد
رواه الأوزاعي أيضا مرسلا وفيه تصدق بخمسي دينار * وذهبت طائفة ان عليه مثل
كفارة من وطئ في رمضان كما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن عبد الأعلى نا
المعتمر - هو ابن سليمان التيمي - قال: قرأت على فضيل عن أبي حريز ان أيفع حدثه ان
سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس أنه قال: " من أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة أو
صوم شهر أو اطعام ثلاثين مسكينا " قلت ومن وقع على امرأته وهي حائض أو سمع
اذان الجمعة ولم يجمع ليس له عذر قال: كذلك عتق رقبة * ومن طريق عبد الرزاق نا
هشام - هو ابن حسان - عن الحسن البصري انه كان يقيس الذي يقع على الحائض
بالذي يقع على امرأته في رمضان * واحتج أهل هذه المقالة بخبر رويناه من طريق أحمد
ابن شعيب أخبرني محمود بن خالد نا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي
قال: سمعت علي بن بذيمة يقول: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس يقول
قال رجل: يا رسول الله انى أصبت امرأتي وهي حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان
يعتق رقبة، قال ابن عباس: وقيمة الرقبة يومئذ دينار * ورويناه أيضا من طريق
موسى بن أيوب عن الوليد بن مسلم عن جابر عن علي بن بذيمة باسناده *
قال أبو محمد: موسى بن أيوب. وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم ضعيفان فسقط
كل ما في هذا الباب، ولقد كان يلزم القائلين بالقياس أن يقيسوا واطئ الحائض على
الواطئ في رمضان لأنهما معا وطئا فرجا حلال العين لم يحرم الا بحال الصوم أو حال
الحيض فقط ولكن هذا مما تناقضوا فيه لا سيما وهم يحتجون بأضعف من هذا الخبر، وأما
نحن فلو صح شئ من كل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلنا به فلما لم يصح فيه شئ لم يجب
80

منه شئ لأنه شرع لم يأمر الله تعالى به * وممن قال بقولنا ابن سيرين صح عنه
أنه قال: يستغفر الله وليس عليه شئ، وصح أيضا مثل ذلك عن إبراهيم النخعي.
وعطاء. ومكحول وهو قول مالك. وأبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان وأصحابهم *
1918 مسألة وإذا رأت الحائض الطهر فان غسلت فرجها فقط
أو توضأت فقط أو اغتسلت كلها فأي ذلك فعلت حل وطؤها لزوجها الا أنها
لا تصلى حتى تغتسل كلها بالماء، وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لا يحل
له وطؤها الا حتى تغسل جميع جسدها، روينا ذلك عن مجاهد وإبراهيم النخعي. والقاسم
ابن محمد. وسالم بن عبد الله. ومكحول. والحسن. وسليمان بن يسار. والزهري.
وربيعة * ورويناه عن عطاء. وميمون بن مهران وهو قول مالك. والشافعي.
وأصحابهما، وذهب أبو حنيفة. وأصحابه إلى أن الحائض ان كانت أيامها عشرة
فإنها بانقضاء العشرة يحل لزوجها وطؤها وان لم تغسل فرجها ولا توضأت ولا
اغتسلت فان كانت أيامها أقل من عشرة فإنها إذا رأت الطهر لم يحل لزوجها وطؤها
الا بأحد وجهين اما أن تغتسل كلها واما أن يمضى عليها وقت صلاة فان مضى
لها وقت صلاة حل له وطؤها وان لم تغتسل ولا غسلت فرجها ولا توضأت *
قال أبو محمد: لا قول أسقط من هذا لأنه تحكم بالباطل بلا دليل أصلا
ولا نعلم أحدا قاله قبل أبي حنيفة ولا بعده الا من قلده، وذهب قوم إلى مثل قولنا
كما روينا من طريق عبد الرزاق أرنا ابن جريج. ومعمر قال ابن جريج عن عطاء
وقال معمر عن قتادة ثم اتفق عطاء. وقتادة فقالا جميعا في الحائض إذا رأت الطهر
فإنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها، وروينا عن عطاء انها إذا رأت الطهر فتوضأت
حل وطؤها لزوجها وهو قول أبى سليمان. وجميع أصحابنا *
قال أبو محمد: ربما يموه مموه بالخبر الذي رويناه من طريق عبد الكريم
عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ان أتاها - يعنى الحائض - وقد أدبر
الدم عنها ولم يغتسل فنصف دينار " فقد قلنا: إن مقسما ضعيف ولم يلق عبد الكريم
مقسما فهو لا شي ولا سيما والمالكيون والشافعيون لا يقولون بهذا الخبر، ومن
الباطل ان يحتج المرء بخبر هو أول مبطل له ولعلهم أن يقولوا: لا يجوز له وطؤها
الا أن تجوز لها الصلاة *
قال أبو محمد: وهذا خطأ لان الوطئ ليس معلقا بالصلاة فقد تكون المرأة جنبا
فيحل وطؤها ولا تحل لها الصلاة وتكون معتكفة ومحرمة وصائمة فتصلى ولا يحل وطؤها
81

قال أبو محمد: فإذ لا بيان في شئ من هذا الا في الآية فالواجب الرجوع
إليها قال الله تعالى: (فلا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم
الله) فوجدناه عز وجل لم يبح وطئ الحائض الا بوجهين اثنين وهي أن تطهر وان
تطهر لان الضمير الذي في تطهرن راجع بلا خلاف من أحد ممن يحسن العربية إلى
الضمير الذي في يطهرن والضمير الذي في يطهرن راجع إلى الحيض فكان معنى يطهرن
هو انقطاع الحيض وظهور الطهر لأنه لم يضف الفعل إليهن وكان معني يطهرن
فعلا يفعلنه لأنه رد الفعل إليهن فوجب حمل الآية على مقتضاها وعمومها لا يجوز
غير ذلك ولا يجوز تخصيصها ولا الاختصار على بعض ما يقع عليه لفظها دون كل
ما يقع عليه بالدعوى الكاذبة فيكون اخبارا عن مراد الله تعالى بما لم يخبر به عز وجل
عن مراده، وهذا حرام ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل أنه تعالى لو أراد بعض ما
يقع عليه اسم (تطهرن) دون سائر ما يقع عليه لاخبرنا به ولبينه علينا ولما وكلنا إلى
التكهن والظنون، وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فقد فصل لنا عز وجل
ما حرم علينا من وطئ الحائض وأنه حرام ما لم يطهرن فيطهرن، فصح ان كل ما
يقع عليه اسم الطهر بعد أن يطهرن فقد حللن به والوضوء تطهر بلا خلاف وغسل
الفرج بالماء تطهر كذلك وغسل جميع الجسد تطهر فبأي هذه الوجوه تطهرت التي رأت
الطهر من الحيض فقد حل به لنا اتيانها وبالله تعالى التوفيق *
1919 مسألة ولباس المرأة الحرير والذهب في الصلاة وغيرها حلال
على أنه قد اختلف في ذلك فلم يجوز (1) ذلك قوم لهن كما روينا من طريق أحمد
ابن شعيب حدثنا أبو بكر بن علي المروزي نا شريح بن يونس نا هشيم عن أبي (2)
بشر عن يوسف بن ماهك " أن امرأة سألت ابن عمر عن الحرير فقال لها ابن عمر:
من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " * ومن طريق مسلم نا ابن أبي شيبة نا عبيد بن سعيد
عن شعبة عن خليفة بن كعب أبى ذبيان قال: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب
يقول: " ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير فان من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " *
ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني عن ابن سيرين أن أبا هريرة
كان يقول لابنته: " لا تلبسي الذهب فانى أخاف عليك حر اللهب " * ومن طريق وكيع
عن مبارك - هو ابن فضالة - عن الحسن أنه كره الذهب للنساء، واحتج أهل هذه المقالة
بخبر من طريق الحسن " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - يعنى النساء - أهلكهن الاحمران

(1) في النسخة رقم 14 فلم يجز
(2) في النسخة رقم 16 عن أبي كثير
82

الذهب والزعفران " وهذا مرسل لا حجة فيه، وبخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عائشة قلابين من فضة ملونين بذهب
فأمرها أن تلقيهما وتجعل قلابين من فضة وتصفرهما بالزعفران " وهذا مرسل
ولا حجة في مرسل * وبخبر رويناه من طريق شعبة. وسفيان. والمعتمر بن سليمان. وجرير
كلهم عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش عن امرأته عن أخت حذيفة قالت:
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين أما انه ليس
من امرأة تلبس ذهبا تظهره إلا عذبت به " وهذا عن امرأة ربعي وهي مجهولة، ولقد
كان يلزم المالكيين والحنيفيين الآخذين برواية امرأة أبى اسحق عند أم ولد زيد بن أرقم
فحرموا به الحلال أن يقول بهذا الخبر والأفهم متناقضون * وبخبر فيه ليث بن أبي
سليم وهو ضعيف عن شهرين حوشب وهو مثله أو أسقط منه عن أسماء بنت
يزيد بن السكن قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأى على سوارين من ذهب وخواتم من
ذهب فقال لي عليه الصلاة والسلام: أتحبين ان يسورك الله بسوارين من نار
وخواتم من نار قالت: لا قال فانزعي هذين أتعجز إحداكن أن تتخذ حلقتين أو تومتين
من فضة ثم تلطخهما بعبير أو ورس أو زعفران " * وخبر آخر فيه محمود بن عمرو
الأنصاري عن شهر أن أسماء بنت يزيد بن السكن حدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" أيا امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدة في عنقها مثلها من النار يوم القيامة وأيما
امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب جعله الله في اذنها من النار يوم القيامة " ومحمود بن
عمرو ضعيف * وآخر من طريق أبى زيد عن أبي هريرة " أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجائته امرأة عليها سواران من ذهب فقال عليه الصلاة والسلام: سوارن من نار فقالت:
ما ترى في طوق من ذهب قال: طوق من نار قالت: فما ترى في قرطين من ذهب قال قرطان
من نار " وأبو زيد مجهول * وبخبر صحيح رويناه من طريق أحمد بن شعب أخبرني
الربيع بن سليمان بن داود نا إسحاق بن بكر حدثني أبي عن عمرو بن الحارث عن ابن
شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم: " رأى عليها مسكتي ذهب فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: الا أخبرك
بما هو أحسن من هذا لو نزعت هذا وجعلت مسكتين من ورق ثم صفرتهما بزعفران
كانتا حسنتين " وهذا الخبر حجة لنا لأنه ليس في هذا الخبر أنه صلى الله عليه وسلم نهاها عن مسكتي
الذهب إنما فيه أنه عليه الصلاة والسلام اختار لها غيره ونحن نقول بهذا * واحتجوا
بخبر رويناه من طريق أبى داود نا عبد الله بن مسلمة - هو القعنبي - نا عبد العزيز بن محمد
83

الدراوردي عن أسيد بن أبي أسيد البراد عن نافع عن ابن عباس عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب أن يحلق جبينه حلقة من نار فليحلقه حلقة من
ذهب ومن أحب أن يطوق جبينه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب. ومن أحب
أن يسور جبينه بسوار من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها " *
قال أبو محمد: هذا مجمل يجب ان يخص منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الذهب
حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها) لأنه أقل معان منه ومستثني بعض ما فيه * وذكروا
ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا وهب بن بيان نا ابن وهب أرنا عمرو بن الحارث
ان أبا عشانة حدثه انه سمع عقبة بن عامر يخبر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يمنع أهله
الحلية والحرير ويقول: ان كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوهما في الدنيا " *
قال أبو محمد: أبو عشانة غير مشهور بالنقل ثم (1) لو صح لكان عاما للرجال
والنساء يخصه الخبر الذي فيه " ان الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها " *
وحديث آخر من طريق أحمد بن شعيب أرنا عبيد الله بن سعيد نا معاذ بن هشام - هو
الدستوائي - نا أبى عن يحيى بن أبي كثير حدثني زيد - هو ابن سلام - عن أبي سلام
- هو ممطور الحبشي عن أبي أسماء الرحبي - هو عمرو بن مرثد - قال: ان ثوبان مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاءت ابنة هبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ - قال معاذ كذا في
كتاب أبى أي خواتم كبار - فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب يديها فدخلت على فاطمة
تشكو ذلك إليها فنزعت فاطمة سلسلة من ذهب في عنقها فقالت. هذه أهداها أبو حسن
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلسلة في يدها فقال (2): أيسرك ان تقول الناس ابنة
رسول الله وفي يدك سلسلة من نار ثم خرج ولم يقعد فأرسلت فاطمة بالسلسلة إلى
السوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما وذكر كلمة معناها فأعتقته فحدث بذلك صلى الله عليه وسلم
فقال: الحمد لله الذي نجا فاطمة من النار) *
قال أبو محمد: أما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي بنت هبيرة فليس فيه انه عليه
الصلاة والسلام إنما ضربها من أجل الخواتم ولا فيه أيضا ان تلك الخواتم كانت
من ذهب، ومن زاد هذين المعنيين في الخبر فقد كذب بلا شك وقفا مالا علم له به وما لم
يخبر به راوي الخبر وهذا حرام بحت وقد يمكن أن يكون عليه الصلاة والسلام ضرب يديها
لأنها أبرزت عن ذراعيها ما لا يحل لها ابرازه أو لغير ذلك مما هو عليه الصلاة أعلم به، وأما قوله
" أيسرك ان يقول الناس ابنة رسول الله وفي يدك سلسلة من نار " فظاهر اللفظ الذي ليس يفهم
(1) في النسخة رقم 14 ولو (2) وفي النسخة رقم 14 فقال يا فاطمة أيضرك (*)
84

منه سواه أنه عليه الصلاة والسلام إنما أنكر امساكها إياها بيدها ليس في لفظ الخبر
نص بغير هذا ولا دليل عليه، وليس فيه انه عليه الصلاة والسلام نهاها عن لباسها
ولا عن تملكها هذا لا شك فيه، وقد يمكن أنه عليه الصلاة والسلام علم أنها لم تزكها
وكانت مما تجب فيه الزكاة كما قال عز وجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا
ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم
وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) *
والله أعلم لأي وجه أنكر كون السلسلة في يدها رضي الله عنها الا أنه ليس فيه
البتة تحريم لباسها لها بل فيه نصا أنه عليه الصلاة السلام أباح لها ملكها يقينا لا شك
فيه لأنه جوز بيعها للسلسلة وجوز للمشترى لها منها شراءها ولو أن لباسها حراما أو ملكها
لم يجز للذي اشتراها شراؤها وأما امساكها باليد الذي في هذا الخبر انكاره فقد نسخ
بيقين لا شك فيه لايجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الذهب واباحته
عليه الصلاة والسلام بيع الذهب بالذهب مثلا بمثل وزنا بوزن واباحته عليه
الصلاة والسلام بيع قلادة الذهب التي أصيبت بخيبر بعد أن أمر بنزع الخرز عنها.
وبيع الذهب بالذهب مثلا بمثل ولم يحرم بيع القلادة التي فيها الذهب ولا ابتياعها
ولا أمر بكسرها، ولا خلاف في أن ايجاب الزكاة في الذهب وإباحة بيعه بالذهب مثلا
بمثل باق إلى يوم القيامة لم ينسخ، واما قوله عليه الصلاة والسلام إذ بلغه بيع فاطمة
رضي الله عنها السلسلة الذهب وابتياعها بثمنها غلاما فأعتقته: " الحمد لله الذي أنقذ فاطمة
من النار " فالذي لا شك فيه فهو أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رويناه من طريق
مسلم نا قتيبة بن سعيد نا الليث - هو ابن سعد - عن ابن الهاد عن عمر بن علي بن الحسين عن
سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أعتق رقبة أعتق
الله بكل عضو منها عضوا من النار حتى فرجه بفرجه " فنحن على يقين من أن الله
تعالى أنقذها من النار بعتقها للغلام، ومن ادعى أنه إنما أنقذها من النار ببيعها السلسلة
فقد قفا ما لا علم له به وقال: ما لا دليل له عليه ولا برهان عنده بصحته وما ليس في الخبر
منه نص ولا دليل الا الظن الذي هو أكذب الحديث، وقد جاء في كراهة مس
حلي الذهب أثر صحيح كما روينا من طريق أبى داود نا ابن نفيل - هو عبد الله بن
محمد بن نفيل - نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير
عن عائشة أم المؤمنين قالت: " قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلية من عند النجاشي
أهداها له فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي قالت: فاخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود
85

معرضا أو ببعض أصابعه ثم دعى أمامة بنت أبي العاص ابنة ابنته زينب فقال:
تحلى بهذا يا بنية " فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره مس خاتم الذهب فلعله كرهه لفاطمة
أيضا ومع ذلك حلاه أمامة بنت أبي العاص *
قال أبو محمد: والحاكم على كل ذلك هو ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب
أنا عمرو بن علي نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - ويزيد - هو ابن زريع - ومعتمر - هو ابن
سليمان التيمي - وبشر بن المفضل قالوا كلهم: نا عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر
عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله
أحل لإناث أمتي الحرير والذهب وحرمه على ذكورها " * ورويناه أيضا من طريق
حماد بن سلمة. وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي. وأبى معاوية الضرير. وحماد بن مسعدة
كلهم عن عبيد الله بن عمر باسناده إلا أنهم اقتصروا على ذكر الحرير فقط الا حماد
ابن سلمة فإنه ذكر الحرير والذهب، ورويناه أيضا من طريق سعيد بن أبي عروبة
ومعمر كلاهما عن أيوب السختياني عن نافع باسناده وذكر الحرير والذهب وهو (1)
أثر صحيح لان سعيد بن أبي هند ثقة مشهور روى عنه نافع وموسى بن ميسرة * ومن
طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا يعقوب - هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف - نا أبى عن ابن إسحاق قال: إن نافعا مولى ابن عمر حدثني
عن عبد الله بن عمر قال " إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين
والنقاب وما مس الورس أو الزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من معصفر
أو حذاء أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف " فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها جميع الحلى
ولو كان الذهب حراما عليهن لبينه عليه الصلاة والسلام بلا شك فإذ لم ينص على
منعه فهذا حلال لهن وبالله تعالى التوفيق * وبهذا تقول جماعة من السلف * روينا من
طريق حماد بن سلمة وقتادة قال قتادة عن علي بن عبد الله البارقي وقال حماد عن عقبة
ابن وشاح كلاهما عن ابن عمر أنهما سألاه عن الحرير والذهب فقال يكرهان للرجال
ولا يكرهان للنساء * ومن طريق شعبة عن سليمان بن (2) أبى المغيرة البزاز عن سعيد
ابن جبير قال: رأى حذيفة صبيانا عليهم قمص حرير فنزعه عن الغلمان وأمر بنزعه
عنهم وتركه على الجواري، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. ومالك. وأبي سليمان وأصحابه *
1920 مسألة: والتحلي بالفضة واللؤلؤ والياقوت والزمرد حلال في كل
شئ للرجال والنساء ولا نخص شيئا الا آنية الفضة فقط فهي حرام على الرجال

(1) وفي النسخة رقم 16 وهذا
(2) في النسخة رقم 14 سليمان بن المغيرة والصحيح ما في الأصل
86

والنساء على خبر البراء بن عازب وقد ذكرناه في كتاب الصلاة لان الله عز وجل
يقول: (خلق لكم ما في الأرض جميعا) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم)
فلم يفصل عز وجل تحريم التحلي بالفضة في ذلك فهي حلال، وقد خص قوم بالإباحة
حلية السيف والمنطقة والخاتم والمصحف وهذا تخصيص لا برهان على صحته (1) فهو
دعوى مجردة، وأما اللؤلؤ فقد قال الله عز وجل: (ومن كل تأكلون لحما طريا
وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر) * قال على: ولا يخرج من
البحر الا اللؤلؤ فهو بنص القرآن حلال للرجال والنساء وبالله تعالى التوفيق *
1921 مسألة: وإذا شجر بين الرجل وامرأته بعث الحاكم حكما من أهله
وحكما من أهلها عن حال الظالم منهما وينهيا إلى الحاكم ما وقفا عليه من ذلك ليأخذ الحق
ممن هو قبله ويأخذ على يدي الظالم، وليس لهما ان يفرقا بين الزوجين لا بالخلع ولا
بغيره * برهان ذلك قول الله عز وجل: (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله
وحكما من أهلها أن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) *
قال أبو محمد: الأهل القرابة هم من الأب والام والأهل أيضا الموالي كما روينا
في حديث أبي طيبة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أهله ان يخففوا عنه من خراجه " وقال عز
وجل: (أن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) فلا يخلو ضرورة الضمير الذي في بينهما
من أن يكون راجعا إلى الزوجين وهكذا نقول (2) أو يكون راجعا إلى الحكمين
فنص الآية أنه إنما يوفق الله تعالى بينهما ان أرادا اصلاحا والاصلاح هو قطع الشر بين
الزوجين، فان قيل قد قال الله عز وجل: (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا
فلا جناح عليهما ان يصلح بينهما صلحا والصلح خير) يعنى الطلاق وقد قرئ أن يصلحا
قلنا نعم وإنما رد عز وجل هذا الصلح إلى اختيار الزوجين لا إلى غيرهما وعليهما ولا يعرف
في اللغة ولا في الشريعة. أصلحت بين الزوجين أي طلقتها عليه، وقد اختلف السلف في هذا
فقالت: طائفة لهما أن يفرقا كما روينا أن عثمان بعث ابن عباس ومعاوية حكمين بين عقيل بن أبي
طالب وامرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقيل لهما أن رأيتما ان تفرقا فرقتما وهذا خبر لا يصح
لأنه لم يأت الا منقطعا، ورويناه عن ابن عباس أيضا من طريق يحيى بن عبد الحميد
الحماني - وهو ضعيف - وصح عن علي بن أبي طالب أنه قال للحكمين بين الزوجين:
عليكما ان رأيتما أن تفرقا فرقتما وان رأيتما أن تجمعا جمعتما * وصح عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف. والشعبي. وسعيد بن جبير. والحكم بن عتبة، وعن ربيعة

(1) في النسخة رقم 14 لا برهان
(2) وفي النسخة رقم 14 هكذا القول
87

وشريح، وروى عن طاوس والنخعي وهو قول مالك. والأوزاعي. وأبي سليمان
وأصحابنا الا ابن المغلس وقال آخرون: ليس للحكمين أن يفرقا. نا أحمد بن عمر بن أنس
العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الرحمن (1) عن أحمد بن حموية السرخسي نا إبراهيم
ابن خريم نا عبد بن حميد الكشي نا يزيد بن هارون نا هشام - هو ابن حسان - عن الحسن
البصري قال: لهما - يعنى الحكمين - أن يصلحا وليس لهما أن يفرقا، وبه إلى عبد بن
حميد نا يونس عن شيبان - هو ابن فروح - عن قتادة في قول الله عز وجل:
* (وإن خفتم شقاق بينهما) الآية قال قتادة: إنما بعث الحكمان ليصلحا فان أعياهما
ذلك شهدا على الظالم بظلمه وليس بأيديهما الفرقة ولا يملكان ذلك * ومن طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن انسانا قال له: أيفرق الحكمان؟ قال عطاء: لا
الا أن يجعل الزوجان ذلك بأيديهما، وهو قول أبي حنيفة. والشافعي. وأبى الحسن بن
المغلس، وصح عن سعيد بن جبير ان التفريق إلى الحاكم بما ينهيه إليه الحكمان *
قال أبو محمد: ليس في الآية ولا في شئ من السنن أن للحكمين أن يفرقا ولا
ان ذلك للحاكم، وقال عز وجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فصح أنه
لا يجوز أن يطلق أحد على أحد ولا أن يفرق بين رجل وامرأته الا حيث جاء
النص بوجوب فسخ النكاح فقط ولا حجة في قول أحد (2) دون رسول الله صلى الله عليه وسلم *
النفقات
1922 مسألة وينفق الرجل على امرأته من حين يعقد نكاحها دعى
إلى البناء أو لم يدع ولو أنها في المهد ناشزا كانت أو غير ناشز غنية كانت أو فقيرة
ذات أب كانت أو يتيمة بكرا أو ثيبا حرة كانت أو أمة على قدر ماله فالموسر خبز
الحوارى واللحم وفاكهة الوقت على حسب مقداره والمتوسط على قدر طاقته والمقل
أيضا على حسب طاقته *
برهان ذلك ما قد ذكرنا باسناده قبل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في النساء:
" ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " وهذا يوجب لهن النفقة من حين
العقد، وقال قوم: لا نفقة للمرأة الا حيث تدعى إلى البناء بها وهذا قول لم يأت
به قرآن ولا سنة ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأى له وجه، ولا شك في أن
الله عز وجل لو أراد استثناء الصغيرة والناشز لما أغفل ذلك حتى يبينه له غيره حاش

(1) في النسخة رقم 14 نا عبد الله بن أحمد
(2) في النسخة رقم 16 " في أحد "
88

لله من ذلك، وقدنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد
ابن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان
نا عبيد الله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر قال: " كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء
الأجناد أن انظروا من طالت غيبته أن يبعثوا (1) نفقة أو يرجعوا أو يفارقوا
فان فارق فان عليه نفقة ما فارق من يوم غاب) *
قال أبو محمد: ولم يخص عمر ناشزا من غيرها * ومن طريق شعبة سألت الحكم بن
عتيبة عن ا مرأة خرجت من بيت زوجها غاصبة (2) هل لها نفقة؟ قال: نعم، وقال
أبو سليمان. وأصحابه. وسفيان الثوري: النفقة واجبة للصغيرة من حين العقد عليها *
قال أبو محمد: وما نعلم لعمر في هذا مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يحفظ
منع الناشز من النفقة عن أحد من الصحابة إنما هو شئ روى عن النخعي. والشعبي.
وحماد بن أبي سليمان. والحسن. والزهري وما نعلم لهم حجة الا أنهم قالوا: النفقة بإزاء
الجماع فإذا منعت الجماع منعت النفقة *
قال أبو محمد: وهذه حجة أفقر إلى ما يصححها مما راموا تصحيحها به وقد كذبوا في
ذلك ما النفقة والكسوة الا بإزاء الزوجية فإذا وجدت الزوجية فالنفقة والكسوة واجبتان *
قال أبو محمد: والعجب كله استحلالهم ظلم الناشز في منع حقها من أجل ظلمها
للزوج في منع حقه وهذا هو الظلم بعينه والباطل صراحا، والعجب كله أن الحنيفيين
لا يجيزون لمن ظلمه انسان فأخذ له مالا فقدر على الانتصاف من مال يجده لظالمه
أن ينتصف ورأوا منع الناشز النفقة والكسوة ولا يدرى لماذا، وقد تناقضوا في حجتهم
المذكورة فرأوا النفقة للمريضة التي لا يمكن وطؤها فتركوا قولهم إن النفقة بإزاء الجماع *
قال أبو محمد: ويكسر الرجل امرأته على قدر ماله فالموسر يؤمر بأن يكسوها
الخز وما أشبهه والمتوسط جيد الكتان والقطن، والمقل على قدره لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وهذا هو المعروف من مآكل الناس
وملابسهم، وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب أرنا عمران بن بكار الحمصي نا أبو
اليمان - هو الحكم بن نافع - أرنا شعيب بن أبي حمزة قال: سئل الزهري عن لباس
النساء الحرير: فقال؟ أخبرني أنس بن مالك " أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم برد حرير " (3) وقال الله عز وجل: " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر

(1) في النسخة رقم 14 " أن يبعث " وهو لا يناسب ما بعده
(2) في النسخة رقم 14 " عاصية "
(3) في النسخة رقم 16 " ثوب حرير "
89

عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) فإن كان في بلد
لا يأكلون فيه الا التمر أو التين أو بعض الثمار أو اللبن أو السمك قضى لها بما
يقتاته أهل بلدها كما ذكرنا، وأكثر النفقة عندنا رطلان بالبغدادي * ثنا احمد
ابن محمد بن الجسور نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو
الأحوص - هو سلام (1) بن سليم الكوفي - عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عوف
ابن مالك بن فضالة الجشمي قال: (دخل أبى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثياب أسمال
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما لك من مال؟ فقال: بل من كل المال قد أتاني الله من الإبل
والبقر والغنم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فلير عليك مما أتاك الله) ففي هذا الخبر أن يلبس
الانسان على حسب ماله ونعمة الله تعالى عليه (2) *
1923 مسالة: وليس على الزوج أن ينفق على خادم لزوجته ولو أنه ابن
الخليفة وهي بنت خليفة إنما عليه أن يقوم لها بمن يأتيها بالطعام والماء مهيأ ممكنا
للاكل غدوة وعشية وبمن يكفيها جميع العمل من الكنس والفرش وعليه أن يأتيها
بكسوتها كذلك لأن هذه صفة الرزق والكسوة ولم يأت نص قط بايجاب نفقة
خادمها عليه فهو ظلم وجور، وأما من كلفها العجين والطبخ ولم يكلفها حياكة كسوتها
وخياطتها فقد تناقض وظهر خطؤه وبالله تعالى التوفيق *
1924 مسألة: وإنما تجب لها النفقة مياومة لأنه هو رزقها فان تعدى من أجل ذلك
وأخر عنها الغداء أو العشاء أدب على ذلك فان أعطاها أكثر فان ماتت أو طلقها ثلاثا أو
طلقها قبل أن يطأها أو أتمت عدتها وعندها فضل يوم أو غداء أو عشاء قضى عليها برده
إليه وهو في الميتة من رأس مالها لأنه ليس من حقها قبله وإنما جعله عندها عدة لوقت
مجئ استحقاقها إياه فإذا لم يأت ذلك الوقت ولها عليه نفقة فهو عندها أمانة والله تعالى
يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) ولا ظلم أكثر من أن لا يقضى عليها
برد ما لم تستحقه قبله * وأما الكسوة فإنها إذا وجبت لها فهي حقها وإذ هو حقها فهو لها
فسواء ماتت إثر ذلك أو طلقها ثلاثا أو أتمت عدتها أو طلقها قبل أن يطأها ليس عليها ردها
لأنه لو وجب عليها ردها لكانت غير مالكة لها حين تجب لها ولهذا باطل، وكذلك
لو أخلقت ثيابها أو اصابتها وليست من مالها فهي لها فإذا جاء الوقت الذي يعهد
في مثله أخلاق تلك الكسوة فهي لها ويقضى لها عليه بأخرى فلو امتهنتها ضرارا
أو فسادا حتى أخلقت قبل الوقت الذي يعهد فيه أخلاق مثلها فلا شئ لها عليه

(1) في النسخة رقم 16 " هو سالم " وهو تصحيف
(2) في النسخة رقم 16 " عنده "
90

إنما عليه رزقها وكسوتها بالمعروف والمعروف هو الذي قلنا * وأما الوطاء والغطاء فبخلاف
ذلك لان عليه اسكانها فإذ عليه اسكانها فعليه من الفرش والغطاء ما يكون دافعا لضرر
الأرض عن الساكن فهو له لان ذلك لا يسمى كسوتها وبين ذلك الخبر الذي أوردناه
قبل مسندا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهونه "
فنسب عليه السلام الفرش إلى الزوج فواجب عليه أن يقوم لها به وهو للزوج لا
تملكه هي ومن قضى لها بأكثر من نفقة المياومة فقد قضى بالظلم الذي لم يوجبه الله عز وجل
ونسأله عن أن يحد في ذلك حدا فأي حد حد من جمعة أو شهر أو سنة كلف البرهان
على ذلك من القرآن أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجده * فان ذكر ذاكر ما رويناه من
طريق البخاري نا محمد نا وكيع عن سفيان بن عيينة قال أخبرني معمر نا ابن شهاب عن
مالك بن أوس الحدثان عن عمر بن الخطاب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بنى النضير
ويحبس لأهله قوت سنتهم " * ورويناه أيضا من طريق أبى داود نا أحمد بن عبدة نا
سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري باسناده * ومن طريق مسلم أنا على
ابن مسهر نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى
أزواجه كل سنة ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسقا من شعير " قلنا: ليس في هذا
بيان أنه كان يدفعه إليهن مقدما فهو جائز وجائز أيضا أن يعطيه إياهن مياومة أو
مشاهرة ونحن لم نمنع من ذلك ان طابت نفسه به، فان فعل الحاكم ذلك فتلف بغير عدوان
منها أو بعد وان فهي ضامنة له لأنها أخذت ما ليس حقا لها وحكم الحاكم لا يحل مال
أحد لغيره ولا يسقط حق ذي حق فلو تطوع هو بذلك دون قضاء قاض فتلف بغير
عدوان منها فعليه نفقتها ثانية وكسوتها ثانية كذلك لأنها لم تتعد فلا شئ عليها وحقها باق
قبله إذ لم يعطه إياها بعد *
1925 مسألة: ويلزمه اسكانها على قدر طاقته لقول الله تعالى: (اسكنوهن
من حيث سكنتم من وجدكم) *
1926 مسألة ولا يلزمه لها حلي ولا طيب لان الله عز وجل لم يوجبهما
عليه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم *
1927 - مسألة - ومن منع النفقة والكسوة وهو قادر عليها فسواء كان
غائبا أو حاضرا هو دين في ذمته يؤخذ منه أبدا ويقضى لها به في حياته وبعد موته
ومن رأس ماله يضرب به مع الغرماء لأنه حق لها فهو دين قبله *
1928 - مسألة - فمن قدر على بعض النفقة والكسوة فسواء قل ما يقدر عليه
91

أو كثر الواجب أن يقضى عليه بما قدر ويسقط عنه مالا يقدر فإن لم يقدر على شئ
من ذلك سقط عنه ولم يجب أن يقضى عليه بشئ فان أيسر بعد ذلك قضى عليه من
حين يوسر ولا يقضى عليه بشئ مما أنفقته على نفسها من نفقة أو كسوة مدة عسره
لقول الله عز وجل: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا
الا ما آتاها) فصح يقينا ان ما ليس في وسعه ولا آتاه الله تعالى إياه فلم يكلفه الله عز وجل
إياه وما لم يكلفه الله تعالى فهو غير واجب عليه وما لم يجب عليه فلا يجوز أن يقضى
عليه به ابدا أيسر أو لم يوسر: وهذا بخلاف ما وجب لها من نفقة أو كسوة فمنعها
إياها وهو قادر عليها، فهذا يؤخذ به أبدا أعسر بعد ذلك أو لم يعسر لأنه قد كلفه
الله تعالى إياه فهو واجب عليه فلا يسقطه عنه اعساره لكن يوجب الاعسار أن ينظر
به إلى الميسرة فقط لقوله عز وجل: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) *
1929 - مسألة - ولو أن الزوج يمنعها النفقة أو الكسوة أو الصداق ظلما أو لأنه
فقير لا يقدر لم يجز لها منع نفسها منه من أجل ذلك لأنه وان ظلم فلا يجوز لها أن تمنعه حقا له قبلها
إنما لها أن تنتصف من ماله ان وجدته له بمقدار حقها " كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هند
بنت عتبة إذ قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل ممسك (1) لا يعطيني ما يكفيني أفآخذ
من ماله بغير علمه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " رويناه
هكذا من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق البخاري قال نا محمد بن المثنى قال نا يحيى
- هو ابن سعيد القطان - عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن عائشة أم المؤمنين
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: *
1930 - مسألة - فان عجز الزوج عن نفقة نفسه وامرأته غنية كلفت النفقة
عليه ولا ترجع عليه بشئ من ذلك ان أيسر الا أن يكون عبدا فنفقته على سيده لا على
امرأته وكذلك إن كان للحر ولد أو والد فنفقته على ولده أو والده الا أن يكونا فقيرين *
برهان ذلك قول الله عز وجل: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف
نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) *
قال على: الزوجة وارثة فعليها نفقته بنص القرآن: *
قال أبو محمد: ونفقة الزوجة على العبد كما هي على الحر لان الله تعالى إذ أوجب على
لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (نفقة النساء وكسوتهن على أزواجهن لم يخص حرا من عبد وإذ قال
الله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) ولم يخص تعالى حرا من عبد وما كان ربك نسيا،

(1) وفي نسخة رقم 14 مسيك
92

وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه ما تيسر إن شاء الله تعالى * فمن ذلك أن أبا يوسف
قال: في المرأة البالغة المريضة التي لم يدخل بها زوجها أنه لا نفقة لها عليه إذا كان
مرضها يمنع من وطئها فان بنى بها وهي كذلك فله أن يردها ولا ينفق عليها حتى يقدر
على جماعها فان أمسكها فعليه نفقتها قال: فان مرضت عنده بعد أن دخل بها صحيحة فعليه
نفقتها وليس له ردها قال فان (1) بنى بالرتقاء فعليه نفقتها وليس له ردها، وهذه
مناقضات طريفة في السخافة جدا، وقال: ان سجنت المرأة أو حيل بينها وبين زوجها
كرها فلا نفقة لها عليه، وقد ذكرنا قول عمر في وجوب النفقة على الغائب مدة مغيبه
وان طاق، وروينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد قال سئل ابن شهاب عن المرأة
تنفق على نفسها من الذي لها وتتسلف قال نرى أن يؤخذ به زوجها بالسداد الا أن يكون
له بينة أنه وضع لها ما يصلحها، قال يونس: وهو قول ربيعة *
قال أبو محمد: هذا الحق لأنه ان ادعى أنه أنفق فهو مدع لسقوط حق لها ثبت
قبله فالبينة عليه واليمين عليها وهو قول الحسن البصري. والشافعي. وأبي سليمان،
وروينا عن إبراهيم النخعي ما أنفقت من مالها فلا شئ لها فيه وما استدانت فهو على
الزوج وهذا تقسيم لا يقوم بصحته برهان، وقال ابن شبرمة: لا نفقة للمرأة الا إذا
شكت إلى الجيران فمن حين تشكو تجب لها النفقة ويؤخذ بها الزوج وهذا تحديد
فاسد، وصح عن شريح أن امرأة قالت له: ان زوجي غاب وانى استدنت دينارا فأنفقته
على نفسي فقال لها شريح: أكان أمر بذلك قالت لا قال فاقضى دينك، وقال أبو حنيفة:
لا نفقة للمرأة الا أن يفرضها لها السلطان *
قال أبو محمد: قد فرضها لها سلطان السلاطين وهو الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
فبطل رأى أبي حنيفة، وقال مالك: من غاب ثم قدم فطلبته امرأته بالنفقة فان أقامت
لها بينة بأنها أقر لها بأنه لم يبعث إليها بشئ (1) قضى لها والا فلا نفقة لها الا من يوم ترفعه *
قال أبو محمد: وهذه أيضا قضية لا دليل على صحتها ولا يدرى بماذا سقط حقها الواجب
لها بدعواه وأما من لم يقدر على النفقة فقد اختلف الناس في حكمه فقالت طائفة: يسجن
فلا يطلق ولا يكلف طلاقا وهذا قول عبيد الله بن الحسن العنبري قاضى البصرة *
قال أبو محمد: ليت شعري لماذا يسجن، وقالت طائفة: يجبر على أن ينفق أو
يطلق كما روينا عن عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال:
(كتب عمر إلى أمراء الأجناد ادعوا فلانا وفلانا ناسا قد انقطعوا عن المدينة

(1) في النسخة رقم 14 " فلو بنى "
(2) في النسخة رقم 14 شيئا
93

ورحلوا عنها اما أن يرجعوا إلى نسائهم واما أن يبعثوا بنفقة إليهن واما أن يطلقوا
ويبعثوا بنفقة ما مضى " * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن
سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: إذا لم يجد الرجل ما ينفق على
امرأته أجبر على طلاقها *
قال أبو محمد: فنظرنا فيما يحتج به أهل هذه المقالة بما روينا من طريق البزار
نا عمرو بن علي نا أبو معاوية الضرير نا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الصدقة ما أبقت غنى واليد العليا خير من اليد السفلى تقول
امرأتك انفق على أو طلقني) *
قال أبو محمد: فنظرنا في هذا الخبر فوجدناه هذه الزيادة ليست عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم * برهان ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي ثنا
الأعمش نا أبو صالح حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة
ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول تقول المرأة اما أن
تطعمني واما أن تطلقني) وذكر باقي الخبر قالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: لا هذا من كيس أبي هريرة فبطل الاحتجاج بهذا الخبر، فان قالوا:
هو من قول أبي هريرة فهو قول صاحبين عمر وأبي هريرة قلنا: أما أبو هريرة فإنه
إنما حكى قول المرأة ولم يقل ان هذا هو الواجب في الحكم، وأما عمر فلا حجة لهم
فيه لأنه لم يخاطب بذلك الا أغنياء قادرين على النفقة وليس في خبر عمر ذكر حكم
المعسر بل قد صح عنه اسقاط طلب المرأة للنفقة إذا أعسر بها الزوج على ما نذكر
بعد هذا إن شاء الله تعالى، وقالت طائفة: يطلقها عليه الحاكم ثم اختلفوا فقال
مالك: يؤجل في عدم النفقة شهرا أو نحوه فان انقضى الأجل وهي حائض أخر حتى
تطهر وفي الصداق عامين ثم يطلقها عليه الحاكم طلقة رجعية فان أيسر في العدة فله
ارتجاعها، وقالت طائفة: لا يؤجل الا يوما واحدا ثم يطلقها الحاكم عليه، وممن روينا
عنه نحو هذا جماعة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد
قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال: يفرق بينهما
قلت سنة قال نعم سنة * ومن طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد
الجبار بن عمر عن أبي الزناد قال شهدت عمر بن عبد العزيز يقول لزوج امرأة شكت
إليه أنه لا ينفق عليها اضربوا له أجل شهر أو شهرين فإن لم ينفق عليها إلى ذلك الأجل
فرقوا بينه وبينها قال: أبو الزناد فسألت عنها سعيد بن المسيب فقال في الأجل
94

والتفريق مثل قول عمر بن عبد العزيز، ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد
ابن عبد الرحمن أن رجلا شكا إلى عمر بن عبد العزيز أنه أنكح ابنته رجلا لا ينفق
عليها فأرسل إلى الزوج فاتى فقال: أنكحني وهو يعلم أنه ليس لي شئ فقال
له عمر بن عبد العزيز: أنكحته وأنت تعرف فما الذي أصنع اذهب بأهلك * ومن
طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: " من تزوج
وهو غنى ثم احتاج فلم يجد ما ينفق على امرأته فرق بينهما " * ومن طريق ابن وهب
عن مالك قال إن من أدركت كانوا يقولون إذا لم ينفق الرجل على امرأته فرق
بينهما قيل لمالك: قد كانت الصحابة يعسرون ويحتاجون قال مالك: ليس الناس اليوم
كذلك إنما تزوجته رجاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة. وحماد بن أبي
سليمان قالا جميعا: إذا لم يجد ما ينفق على امرأته فرق بينهما *
قال أبو محمد: لم نجد لأهل هذه المقالة حجة أصلا الا تعلقهم بقول سعيد
ابن المسيب أنه سنة * قال أبو محمد: قد صح عن سعيد بن المسيب قولان كما أوردنا
أحدهما يجبر على مفارقتها والآخر يفرق بينهما وهما مختلفان فأيهما السنة وأيهما كان السنة
فالآخر خلاف السنة بلا شك ولم يقل سعيد انها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى لو قاله لكان
مرسلا لا حجة فيه فكيف وإنما أورد بلا شك أنه سنة من دونه عليه الصلاة والسلام،
ولعله أراد ما روينا من فعل عمر بن الخطاب الذي هو مخالف لقول من يحتج بقول سعيد
هذا، والعجب كله ممن يحتج فيما يفرق به بين الزوجين بقول سعيد إنه سنة وهم
لا يلتفتون ما حدثنا به محمد بن سعيد بن (1) عمر بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم
ابن محمد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الأعلى نا سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة عن خلاس بن عمرو " أن عثمان بن عفان قضى في فداء ولد الأمة الغارة بأنها
حرة الملة أو السنة كل رأس رأسين " ولا يلتفتون ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور نا وهب
ابن مسرة نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن سعيد - هو ابن أبي
عروبة - عن مطر الوراق عن رجاء بن حياة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن
العاص قال: " لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد عدة المتوفى عنها " والصحيح
الثابت من طريق البخاري نا محمد بن كثير نا سفيان عن سعد - هو ابن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف - عن طلحة بن عبيد الله بن عوف قال: " صليت خلف ابن عباس على
جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال لتعلموا أنها سنة " * ومن طريق أحمد بن شعيب أرنا

(1) في النسخة رقم 14 بن سعيد بن نبات
95

قتيبة بن سعيد أرنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال:
" السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى مخافتة ثم يكبر والتسليم عند
الآخرة " فمن أعجب ممن يرى قول سعيد بن المسيب في قضية اختلف عنه فيها هي سنة
حجة ولا يرى قول أبى أمامة بن سهل هي السنة حجة وهو مثل سعيد في ادراك الصحابة
رضي الله عنهم فكيف بعثمان. وعمرو بن العاص. وابن عباس وكل واحد منهم
لا يدرك سعيد يوما من أيامه أبدا وكلهم أعلم بالسنة من سعيد بلا شك وهذا تحكم
في الدين بالباطل، وأما الرواية عن عمر بن عبد العزيز. وسعيد بن المسيب في تأجيل
شهر أو شهرين فساقطة جدا لأنها من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد الجبار بن عمر
وكلاهما لا شئ * ومن أعجب العجب قول مالك للذي احتج عليه في هذه المسألة
بأن الصحابة كانوا يحتاجون ويعسرون بقوله ليس الناس اليوم كذلك إنما تزوجته
رجاء فجمع هذا القول وجوها من الخطأ، منها مخالفة امر الصحابة وما مضوا عليه باقراره
والاعتراف بان الناس ليسوا كذلك اليوم فكيف يجوز له أن يجيز حكما يقربان
الناس فيه على خلاف ما مضى عليه الصحابة ثم من له بذلك ومن أين عرف تبدل
الناس في هذه القصة وما يعلم أحد فيها ان الناس على خلاف ما كانوا عليه عصر
الصحابة لان كل من تزوج من الصحابة فإنما تزوجته المرأة للجماع والنفقة بلا شك
فما الناس اليوم الا كذلك، ثم قوله إنما تزوجته رجاء فيقال له: فكان ماذا وأي شئ
في هذا مما يحيل حكم ما مضى عليه الصحابة رضي الله عنهم؟ واحتج الشافعيون عليهم
بحجة ظاهرة وهي أن قالوا إذا كلفتموها صبر شهر فلا سبيل إلى عيش شهر بلا
أكل فأي فرق بين ذلك وبين تكليفها الصبر أبدا *
قال أبو محمد: وهذا اعتراض صحيح الا أنه يقال أيضا للشافعيين إذا طلقتموها
عليه فإنه لا صبر عن الاكل فأنتم تكلفونها العدة وهي ربما كانت أشهرا فقد كلفتموها
الصبر بلا نفقة مدة لا يعاش فيها بلا اكل ولا فرق فظهر فساد هذا القول جملة *
واحتجوا أيضا على أصحاب أبي حنيفة لا علينا بأن قالوا: قد اتفقنا على التفريق بين
من عن عن امرأته وبينها بضرر فقد الجماع فضرر فقد النفقة أشد فقال لهم
أصحاب أبي حنيفة: قد اتفقنا نحن وأنتم على أنه ان وطئها مرة ثم عن عنها انه لا
يفرق بينهما فيلزمكم أن لا تفرقوا بين من انفق عليها مرة واحدة فأكثر ثم أعسر
بنفقتها فيلزمكم ان لا تفرقوا بينهما *
قال أبو محمد: كلا الطائفتين تركت قياسا ألفا. في هذه المسألة، قال أبو محمد:
96

وقالت طائفة كقولنا كما روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا روح بن عبادة
نا زكريا بن إسحاق أرنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال: " دخل أبو بكر. وعمر على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجداه جالسا حوله نساؤه واجما ساكنا فقال أبو بكر: يا رسول
الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول
الله صلى الله عليه وسلم وسلم وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر على عائشة يجأ عنقها
وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم ما ليس عنده
فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ما ليس عنده ثم اعتزلهن عليه الصلاة
والسلام شهرا " وذكر الحديث *
قال أبو محمد: إنما أوردنا هذا لما فيه عن أبي بكر. وعمر رضي الله عنهما من
ضربهما ابنتيهما إذ سألتا النبي صلى الله عليه وسلم نفقة لا يجدها وإذ ضرب أبو بكر امرأته إذ سألته نفقة
لا يجدها، ومن المحال المتيقن ان يضربا طالبة حق ومثل هذا لو وجده المخالفون لنا لعظم
تسلطهم به، وأما نحن فلا نحتج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه أبو الزبير عن جابر لم يقل فيه
انه سمعه منه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سالت عطاء عمن لم يجد ما يصلح
امرأته من النفقة فقال: ليس لها الا ما وجدت ليس لها الا ما وجدت ليس لها أن يطلقها *
ومن طريق حماد بن سلمة عن غير واحد عن الحسن البصري: " أنه قال في الرجل
يعجز عن نفقة امرأته قال تواسيه وتتقى الله عز وجل وتصبر وينفق عليها ما استطاع " *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن رجل لا يجد ما ينفق على
امرأته أيفرق بينهما قال يستأنا به ولا يفرق بينهما وتلا (لا يكلف الله نفسا الا ما أتاها
سيجعل الله بعد عسر يسرا) قال معمر: وبلغني عن عمر بن عبد العزيز مثل قول
الزهري سواء، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري في المرأة يعسر زوجها بنفقتها
قال: هي امرأة ابتليت فلتصبر ولا تأخذ بقول من فرق بينهما وهو قول ابن شبرمة:
وأبي حنيفة. وأبي سليمان. وأصحابهما *
قال أبو محمد: برهان صحة قولنا قول الله عز وجل (لينفق ذو سعة من سعته ومن
قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) وقال تعالى: (لا يكلف
الله نفسا إلا وسعها) وبالله تعالى التوفيق *
1931 مسألة وينفق الرجل والمرأة على مماليكهما من العبيد والإماء
أن يطعمه شبعه مما يأكله أهل بلده ويكسوه مما يطرد عنه الحر والبرد ولا يكون
به مثلة بين الناس لكن مما يلبس مثل ذلك المكسو في ذلك البلد مما تجوز فيه الصلاة
97

ويستر العورة (1) وفرض عليه مع ذلك أن يطعمه مما يأكل ولو لقمة وأن يكسوه مما يلبس ولو
في العيد ويجبر السيد على ذلك فان أبى أو أعسر بيع من ماله ما ينفق به على من ذكرنا
في الا باية واما في العسر فيباع عليه العبد والأمة ان لم يكن بأيديهما عمل يكون له
أجرة يقوم منها مؤونته فإنه يؤاجر حينئذ ولا يباع ولا تعتق أم الولد من عدم
النفقة لكن يجبر كما قلنا إن كان له مال فإن لم يكن له مال كلفت ما يكلف فقراء المسلمين *
برهان ذلك ما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن
واصل الأحدب عن المعرور بن سويد أن أبا ذر اخبره " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قال
اخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل
وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فان كلفتموهم فأعينوهم عليه " * ومن طريق
مسلم نا هارون بن معروف نا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبى حزرة
القاص عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أن أبا اليسر قال له: انه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول في الرقيق: " أطعموهم مما تأكلون والبسوهم (2) مما تلبسون قال:
أبو اليسر: فكان ان أعطيته من متاع الدنيا أهون على من أن يأخذ من حسناتي يوم
القيامة " فهذا أبو اليسر يرى هذا الامر فرضا * ومن طريق مسلم حدثني أبو الطاهر أحمد بن
عمرو بن السرح أرنا ابن وهب أرنا عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه عن العجلان
مولى فاطمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " للمملوك طعامه وكسوته
ولا يكلف من العمل الا ما يطيق " * ومن طريق البخاري نا حفص بن عمر - هو
الحوضي - نا شعبة عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: يقول
" إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فليواكله أكلة أو أكلتين أو لقمة أو لقمتين فإنه
ولى حره وعلاجه " *
قال أبو محمد هذه الأحاديث تجمع ما قلنا، وقد صح نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن المثلة، واما قولنا: انه ان غاب أو أبى بيع عليه من ماله فلقول الله عز وجل:
(كونوا قوامين بالقسط) وكل من لزمت المسلم نفقته فقد وجب له حق في ماله
ففرض علينا ايصاله إليه وتوفيته إياه فإذا لم يقدر على ذلك الا ببيع عرض أو عقار
بيع ذلك لقول الله عز وجل: (وأحل الله البيع): فمن لم يبع من مال من عليه حق
ما يوصله به العبد أو غيره إلى حقه فقد عصى الله تعالى في قوله عز وجل: (وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ومن أبر البر ايفاء ذي الحق

(1) في النسخة رقم 14 ويستر عورته
(2) في النسخة رقم 14 واكسوهم
98

حقه ومن الاثم والعدوان منع ذي الحق حقه، وأما بيع المملوك ان لم يكن لسيده
مال ينفق منه عليه. ولا كان بيد العبد عمل يؤاجر به أو مؤاجرة المملوك إن كان
بيده عمل تقوم منه نفقته وكسوته فلما قد ذكرنا قبل من أن أبا طيبة كان لمواليه
عليه خراج بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه أمرهم أن يخففوا عنه من خراجه * ورويناه من
طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث - هو أبن سعد - عن أبي الزبير عن جابر بن
عبد الله قال: " أعتق رجل من بنى عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: ألك مال غيره؟ قال: لا قال من يشتريه منى فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة
درهم فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وقال له: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فان فضل شئ
فلا هلك فان فضل عن أهلك شئ فلذى قرابتك فان فضل عن ذي قرابتك شئ
فهكذا وهكذا يقول فيمن بين يديك وعن يمينك وعن شمالك " *
قال أبو محمد: كل ما رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر فقد سمعه
أبو الزبير من جابر كما نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الله بن محمد بن يوسف نا
إسحاق بن محمد نا العقيلي نا محمد بن إسماعيل نا الحسن بن علي الحلواني نا سعيد بن أبي
مريم نا الليث بن سعد قال: " قدمت على أبى الزبير فدفع إلى كتابين فسألته كل
هذا سمعته من جابر بن عبد الله فقال منه ما سمعت ومنه ما حدثت فقلت: أعلم لي
على كل ما سمعت منه فاعلم لي على هذا الذي عندي، وقد قال قوم: لم بعتم العبد إذا أعسر
السيد بنفقته أو بنفقة أهله أو بنفقة نفسه ولم تطلقوا الزوجة ولم تعتقوا أم الولد
بعدم النفقة؟ قلنا: حق من له النفقة عليه هو واجب في ماله وعبده وأمته مال من
ماله فيباعان في كل حق عليه ليعطى كل ذي حق حقه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما
قال عز وجل: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ومن منع أحدا نفقته الواجبة له فقد
بخس شيئا هو له، وأما الزوجة وأم الولد فليستا مالا من ماله لكن حقهما في ماله
فإن لم يكن له مال فحقهما في مال أنفسهما فإن لم يكن لهما مال فحقهما في سهم
المساكين والفقراء من الصدقات بنص القرآن لأنهما حينئذ من جملة المساكين
أو الفقراء يعلم ذلك بالمشاهدة فأي وجه للطلاق والعتق ههنا لو أنصف المعاندون أنفسهم *
1932 مسألة ويجبر أيضا على نفقة حيوانه كله أو تسريحه للرعي إن كان
يعيش من المرعى فان أبى بيع عليه كل ذلك * برهان ذلك ما رويناه من طريق
البخاري نا موسى نا أبو عوانة نا عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال كتب
المغيرة بن شعبة إلى معاوية " ان نبي الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال
99

وإضاعة المال " وذكر الحديث *
قال أبو محمد: فإضاعة المال حرام واثم وعدوان بلا خلاف، ومنع المرء
حيوانه مما فيه معاشه أو اصلاحه إضاعة لما له فالواجب منعه من ذلك لقول الله تعالى:
(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) والاحسان إلى
الحيوان بر وتقوى فمن لم يعن على اصلاحه فقد أعان على الاثم والعدوان وعصى
الله تعالى، وقال أبو حنيفة: لا يباع عليه حيوانه لكن يؤمر بالاحسان إليه
فقط ولا يجبر على ذلك *
قال أبو محمد: وهذا ضلال ظاهر كما ذكرنا واحتج له بعض مقلديه بضلال
آخر قال: لا يجبر على حفظ ماله إذا أراد اضاعته كما لا يجبر على سقى نخله *
قال أبو محمد: وهذا عجب آخر بل يجبر على سقى النخل إن كان في ترك سقيه
هلاك النخل وكذلك في الزرع * برهان ذلك قول الله عز وجل: (وإذا تولى سعى
في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) *
قال أبو محمد: فمنع الحيوان مالا معاش له إلا به من علف أورعى وترك سقى
شجر الثمر والزرع حتى يهلكا - هو بنص كلام الله تعالى - فساد في الأرض واهلاك
للحرث والنسل والله تعالى لا يحب هذا العمل فمن أضل ممن ينصر هذه الأقوال الفاسدة
العائدة بالفساد الذي لا يحبه الله تعالى، فان قيل: فأنتم لا تجبرون أحدا على زرع أرضه
إذا لم يرد ذلك قلنا: إنما نتركه وذلك إذا كان معاش غيره يغنى عن زرعها وهذا
بلا شك صلاح للأرض واحمام لها، وأما إذا لم يكن له غنى عن زرعها فإنما بجبره
على زرعها ان قدر على ذلك أو على اعطائها بجزء مما يخرج منها ولا نتركه يبقى عالة
على المسلمين بإضاعته لماله ومعصيته لله عز وجل بذلك وبالله تعالى نستعين *
النفقات على الأقارب
1933 مسألة: فرض على كل أحد من الرجال والنساء الكبار
والصغار ان يبدأ بما لابد منه ولا غنى عنه به من نفقة وكسوة على حسب حاله
وماله ثم بعد ذلك يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل بيده مما يقوم
منه على نفسه من أبويه وأجداده وجداته وان علوا وعلى البنين والبنات وبينهم وان سفلوا
والاخوة والأخوات والزوجات كل هؤلاء يسوى بينهم في إيجاب النفقة عليهم
ولا يقدم منهم أحد على أحد قل ما بيده بعد موته أو كثر لكن يتواسون فيه
فإن لم يفضل له عن نفقة نفسه شئ لم يكلف أن يشركه في ذلك أحد ممن ذكرنا، فان
فضل عن هؤلاء بعد كسوتهم ونفقتهم شئ أجبر على النفقة على ذوي رحمه المحرمة
100

وموروثيه إن كان من ذكرنا لا شئ لهم ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنتهم منه وهم
الأعمام والعمات وان علوا والأخوال والخالات وان علوا وبنو الاخوة وان سفلوا
والموروثون هم من لا يحجبه أحد عن ميراثه ان مات من عصبة أو مولى من أسفل
فان حجب عن ميراثه لوارث فلا شئ عليه من نفقاتهم ومن مرض ممن ذكرنا
كلف أن يقوم بهم وبمن يخدمهم وكل هؤلاء فمن قدر منهم على معاش وتكسب وان
خس فلا نفقة لهم الا الأبوين والأجداد والجدات والزوجات فإنه يكلف أن يصوتهم
عن خسيس الكسب ان قدر على ذلك ويباع عليه في كل ما ذكرنا ما به عنه غنى
من عقاره وعروضه وحيوانه ولا يباع عليه من ذلك ما ان بيع عليه هلك رضاع فما كان
هكذا لم يبع الا فيما في نفسه إليه ضرورة ان لم يتداركها بذلك هلك ولا يشارك
الوالد أحد في النفقة على ولده الادنين فقط، وهذا مكان اختلف فيه فقالت طائفة:
لا يجبر أحد على نفقة أحدكما حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري نا أبو ذر الهروي نا
عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي نا إبراهيم بن خريم نا عبد بن حميد الكسي نا قبيصة
عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي قال: ما رأيت أحدا أجبر أحدا على أحد
- يعنى على نفقته - وقالت طائفة: لا ينفق أحد الا على الوالد الأدنى والام التي ولدته
من بطنها فان هذين - يعنى الأبوين - يجبر الذكر والأنثى من الولد على النفقة عليهما
إذا كانا فقيرين ويجبر الرجل دون المرأة على النفقة على الولد الأدنى الذكر حتى
يبلغ فقط وعلى البنت الدنيا وان بلغت حتى يزوجها فقط ولا تجبر الام على نفقة
ولدها وان مات جوعا وهي في غاية الغني قال: ولا ينفق على أبويه الا ما فضل عن
نفقته ونفقة زوجته وهذا قول مالك ومن قلده، وقالت طائفة: يجبر على النفقة
على الأبوين والأجداد والجدات وان بعدوا وعلى بنيه وبناته ومن تناسل منهم وان
سفل ولا يجبر على نفقة أحد غير من ذكرنا، وهو قول الشافعي ومن قلده، وقد
أشار في بعض كلامه إلى أن المرأة لا تجبر على نفقة أب ولا أم ولا غيرهما وقالت
طائفة: لا يجبر أحد الا على كل ذي رحم محرمة وهو قول حماد بن أبي سليمان وبه
يقول أبو حنيفة الا أنه تناقض تناقضا شنيعا فقال: يجبر الرجل على النفقة على أولاده الصغار
المحتاجين خاصة ذكورا كانوا أو إناثا فان كانوا كبارا محتاجين أجبر على نفقة الإناث
منهم ولم يجبر على نفقة الذكور الا أن يكونوا زمني فان كانوا زمني محتاجين أجبر
على النفقة عليهم وكذلك يجبر على نفقة الصغار المحتاجين من الذكور والإناث
والكبار الفقيرات من النساء خاصة وان لم يكن زمنات والكبار المحتاجين إذا
101

كانوا زمني والا فلا كل ذلك من ذوي رحمه المحرمة إذا كان وارثا لهم خاصة، ولا
يجبر على نفقة ذي رحم محرمة إذا لم يكن هو وارثا له ولا على نفقة موروثه إذا
لم يكن ذا رحم محرمة منه قال: ولا يشارك الوالد في النفقة على ولده أحد ولا يشارك الولد
في النفقة على والديه أحد فإن كان جماعة وارثون ذوو رحم محرمة ممن ذكرنا أنه
يجبر على النفقة أجبروا كلهم على النفقة عليه على قدر مواريثهم منه قالوا: فان اختلفت أديانهم
لم يلزم أحدا منهم نفقة على من دينه خلاف دينه الا الولد على أبويه المخالفين له في
دينه والا الوالد الكافر على نفقة أولاده الصغار خاصة الذين صاروا مسلمين باسلام
أمهم قال: ولا يجبر فقير على نفقة أحد الا الوالد على أولاده الصغار والا الزوج
على نفقة زوجته والا الرجل الفقير والمرأة الفقيرة على نفقة أمهما الفقيرة قال: ولا
يجبر الابن الفقير على نفقة أبيه الفقير الا أن يكون الأب زمنا فيجبر حينئذ
على النفقة عليه *
قال أبو محمد: ليت شعري كيف يمكن اجبار فقير على نفقة أحد ان هذا
لعجب ثم لوددنا ان نعرف حد هذا الفقر عندهم من الغنى الذي يوجبون به النفقة
على من ذكروا قبل ثم نسوا ما قالوا فقالوا: إن كان له خال وابن عم موسران وهو
فقير زمن أو صغير صحيح فقير فنفقته على خاله دون ابن عمه قالوا: فإن كان رجل
معسر زمن وله ابنة معسرة وله أخ شقيق وأخ لأب وأخ لام موسرون فنفقته
ونفقة ابنته على الشقيق فقط قالوا: فلو كان مكان الابنة ابن معسر زمن كبير كانت
نفقة الأب خمسة أسداسها على شقيقه وسدسها على أخيه للام ولا شئ من ذلك على
أخيه للأب وكانت نفقة الابن على عمه شقيق أبيه فقط فاعجبوا لهذا الهوس وهم
لا يورثون الأب ولا الابن وكل ذي رحم محرمة، قالوا: ومن كان فقيرا زمنا وله
أب موسر وابن موسر فنفقته على الابن دون الأب ولهم تخليط كثير طويل غث
يكفي من بيان سقوطه ما ذكرنا ونسأل الله تعالى العافية، وقالت طائفة: بمثل قولنا كما
روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن شعيب أن سعيد
ابن المسيب أخبره أن عمر بن الخطاب وقف بنى عم منفوس كلالة بالنفقة عليه، ومن
طريق إسماعيل بن إسحاق نا على - هو ابن المديني - نا سفيان بن عيينة عن ابن جريج
عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب حبس عصبة صبي ان
ينفقوا عليه الرجال دون النساء * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا أبو بكر
ابن أبي شيبة نا حميد بن عبد الرحمن هو الرؤاسي عن الحسن - هو ابن حي - عن مطرف
102

- هو ابن طريف - عن إسماعيل - هو ابن علية - عن الحسن البصري عن زيد بن ثابت قال:
إذا كان عم وأم فعلى العم بقدر ميراثه وعلى الام بقدر ميراثها * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود جعل
نفقة الصبي من ماله وقال لوارثه أما إنه لو لم يكن له مال أخذناك بنفقة ألا ترى
انه تعالى يقول: (وعلى الوارث مثل ذلك)، ومن طريق إسماعيل نا مسدد نا
عبد الله بن يزيد - هو المقرى - نا حياة بن شريح عن جعفر بن ربيعة أن قبيصة بن ذؤيب قال
في قول الله عز وجل: (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: رضاع الصبي * نا أحمد بن عمر بن
أنس نا أبو ذر الهروي نا عبد الله بن أحمد بن حمويه نا إبراهيم بن خريم نا عبد
ابن حميد نا روح - هو ابن عبادة - عن هشام بن حسان عن الحسن البصري قال:
نفقة الصبي إذا لم يكن له مال على وارثه قال الله عز وجل: (وعلى الوارث
مثل ذلك) وبه إلى روح بن عبادة عن ابن جريج قلت: لعطاء أيجبر وارث
الصبي وان كره بأجر مرضعته إذا لم يكن للصبي مال؟ فقال: أفتدعه يموت، ومن
طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء (وعلى الوارث مثل ذلك) فقال عطاء:
هو وارث المولود عليه مثل ذلك أي مثل ما ذكر، ومن طريق إسماعيل نا مسدد نا يحيى
- هو ابن سعيد القطان - عن أشعث - هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن البصري
في قوله تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: النفقة * ومن طريق إسماعيل بن
إسحاق نا محمد بن أبي بكر - هو المقدمي - ثنا حسان بن إبراهيم عن إبراهيم الصائغ
أنه سأل عطاء عن يتيم له عصبة أغنياء أيجبرون على أن ينفقوا عليه قال عطاء: نعم
ينفقون عليه بقدر ما كانوا يرثونه لو مات وترك مالا، ومن طريق عبد بن حميد
أرنا سعيد بن عامر عن هشام الدستوائي عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي
قال: يجبر الرجل إذا كان موسرا على نفقة أخيه إذا كان معسرا * ونا عبد الله بن
ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج
ابن المنهال نا أبو عوانة عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: كان أصحابنا
يقولون: إذا كان المال كثيرا فينفق على الصغير من نصيبه - يعنى من الميراث - إن كان
المال قليلا أنفق على الصغير من جميع المال، ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا
مسدد نا هشيم نا منصور عن قتادة قال: يجبر كل انسان منهم بقدر ما يرث
- يعنى في النفقة على الموروث -، وبه إلى إسماعيل نا عبد الواحد بن غياث نا أبو
عوانة عن إسماعيل بن سالم عن الشعبي قال: (وعلى الوارث مثل ذلك) قال رضاع
103

الصغير، ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله وابن المديني نا سفيان
ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وعلى الوارث مثل ذلك) على الوارث مثل
ما على أبيه أن يسترضع له، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن منصور
ابن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن شريح القاضي أنه قال في رضاع الصبي يموت
أبوه: انه من جميع المال، ومن طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن خالد بن
يزيد أن زيد بن أسلم قال في قول الله عز وجل: (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: هو ولى الميت *
قال أبو محمد: فهؤلاء عمر بن الخطاب. وزيد بن ثابت لا يعرف لهما من الصحابة
رضي الله عنهم مخالف، ومن التابعين عبد الله بن عتبة بن مسعود. وقيصة بن ذؤيب.
والحسن البصري. وعطاء بن أبي رباح. وإبراهيم النخعي. وأصحاب ابن مسعود.
وقتادة. والشعبي. ومجاهد. وشريح. وزيد بن أسلم. وهو قول الضحاك بن مزاحم.
وسفيان الثوري. وعبد الرزاق *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفاسد لأنها تقاسيم كثيرة سخيفة
لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا رواية سقيمة ولا قياس ولا احتياط ولا معقول ولا قال
بها أحد قبله، وأما قول مالك فما نعلمه أيضا عن أحد قبله ولا نعلمه يحتج له بشئ
مما ذكرنا الا أن يموه مموه بان يقول: قد أجمع على وجوب النفقة على الأبوين والولد
الصغار واختلف فيما عدا ذلك *
قال أبو محمد: وهذا باطل لأننا قد ذكرنا الرواية عن الشعبي أنه لا يجبر
أحد على نفقة أحد مع أنه لا يدعى ضبط الاجماع الا كاذب على الأمة كلها مع أنه
قول لا يؤيده قرآن ولا سنة وكذلك قول الشافعي ولا فرق، وأما قول حماد فإنه
خص ذوي الرحم المحرمة دون الموروث بلا دليل فلم يبق الا قولنا وهو قول
جمهور السلف فوجدنا الله تعالى يقول: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن
السبيل) والخبر الذي رويناه قبل من طريق أحمد بن شعيب عن قتيبة عن الليث بن سعد
عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابدأ بنفسك فتصدق عليها فان
فضل شئ فلأهلك فان فضل عن أهلك شئ فلذي قرابتك فان فضل عن ذي قرابتك
شئ فهكذا وهكذا " فأوجب الله عز وجل حقا لذي القربى وللمساكين وابن السبيل وأوجب
رسول الله صلى الله عليه وسلم العطية للأقارب، فان قال المخالف: حقه الصلة وترك القطيعة
قلنا: نعم هذا حقه والصلة هي أن لا يدعه يسأل ويتكفف أو يموت جوعا أو بردا
أو ضياعا أو يضحى للشمس والمطر والربح والبرد وهو ذو فضلة من مال هو عنها
104

في غني وليس في القطيعة شئ أكثر من أن يدعه كما ذكرنا، فان قالوا: انه قد قرن ذوي
القربى بالمساكين وابن السبيل قلنا: نعم وحق المساكين عل كل من بحضرتهم أن يقوموا
بهم فرضا يجبرون على ذلك ويقضى الحاكم عليهم به وكذلك حق ابن السبيل ضيافته
فان قيل: من هم ذوو القربى هؤلاء؟ قلنا: كل من على ظهر الأرض منتسلون من آدم
عليه السلام وامرأته ابنا بعد ابن وولادة بعد ولادة إلى أب الانسان الأدنى وأمه
فلا بد من حد يبين من هم ذوو القربى الذين أوجب الله عز وجل لهم الحق من
غيرهم فنظرنا في ذلك فوجدنا ما روينا من طريق أبى داود نا محمد بن كثير أرنا
سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار؟ فقال تصدق به على
نفسك قال عندي آخر قال تصدق به على ولدك قال عندي آخر قال: تصدق به على
زوجتك أو قال على زوجك قال عندي آخر قال تصدق به على خادمك قال: عندي
آخر قال أنت أعلم * وروينا هذا الخبر من طريق أحمد بن شعيب أرنا عمر بن علي نا
محمد بن المثنى قالا جميعا نا يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان قال: نا سعيد بن أبي
سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تصدقوا فقال رجل يا رسول
الله عندي دينار قال تصدق به على نفسك قال: عندي آخر قال تصدق به على زوجتك
قال عندي آخر قال تصدق به على ولدك قال عندي آخر قال تصدق به على خادمك
قال عندي آخر قال أنت أبصر " *
قال أبو محمد: فاختلف سفيان. ويحيى. فقدم سفيان الولد على الزوجة وقدم
القطان الزوجة على الولد وكلاهما ثقة فالواجب أن لا يقدم الولد على الزوجة ولا
الزوجة على الولد بل يكونان سواء لأنه قد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرر
كلامه ثلاث مرات فممكن أن يكرر فتياه عليه الصلاة والسلام ههنا كذلك فمرة
قدم الولد ومرة قدم الزوجة فصارا سواء مع قوله عليه الصلاة والسلام لهند بنت
عتبة إذ سألته إباحة من مال أبي سفيان زوجها بغير علمه فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
" خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فقرن بينها وبين الولد سواء ثم وجدنا ما رويناه
من طريق أبى بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن نمير نا يزيد بن زياد بن أبي الجعد
نا أبو صخرة جامع بن شداد عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: " دخلنا المدينة فإذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يا أيها الناس يد المعطى
العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك " وهذه أخبار
105

صحاح من رواية الثقات فأخبر عليه الصلاة والسلام آمرا بان يبدأ بمن يعول وهم
الأبوان والاخوة فصح يقينا أن هؤلاء مبدون مع الولد والزوجة وقد بينا قبل أن
كل جدة أم. وكل جد أب. وكل ابن ابنة وابن ابن وابنة ابن وابنة ابنة كلهم ابن وابنة
فصح نصا ما قلنا، وأن بعد هؤلاء الأدنى الأدنى وفي هؤلاء يدخل كل ذي رحم محرمة
من عم وعمة وخال وخالة وابن أخت وبنت أخت وابن أخ وابنة أخ يقينا ثم وجدنا
قول الله عز وجل: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا
وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) *
فصح بهذا أن النفقة على الوارث مع ذوي الرحم المحرمة وخرج من ليس ذا رحم
محرمة ولا وارثا من هذا الحكم ومن تخصيصه بالنفقة منه أو عليه لأنه كسائر من أدلته
الولادات ولادة بعد ولادة إلى آدم عليه السلام ولادة بأولى من التي فوقها
بأب فلم يجز ايجاب فرض اخراج المال عن يد مالكه إلى آخر الا بنص جلى ولا نص
الا فيمن ذكرنا ولا يحل لاحد ان يخص ولادة أكثر ممن ذكرنا بغير نص فان عم
أوجب النفقة على جميع ولد آدم والنصوص كلها لا توجب ذلك الا في خاص منها
لتفريقه عز وجل بين ذوي القربى وبين المساكين، والمساكين من ولد آدم بلا شك
فصح ان الحق الواجب إنما هو لبعض ذوي القربى من ولادات بعض الآباء والأجداد
دون بعض فصح ما قلنا ولله الحمد، وقد اعترض بعض المخالفين في قوله تعالى: (وعلى
الوارث مثل ذلك) فقالوا: معنى ذلك ان عليه ان لا يضار وذكروا ذلك من طريق لا تصح
عن ابن عباس لأنها اما مرسلة واما من طريق فيها أشعث بن سوار وهو ضعيف
وصح عن الشعبي أن معناه لا يضار ولا غرم عليه، وروينا عن عبد الله بن مغفل والزهري
وربيعة وأبى الزناد ان رضاع الصغير في حصته من مال أبيه وعن سعيد بن المسيب
يرد الميراث لأهله *
قال أبو محمد: هذا كله تمويه من المخالف وكل هذا حق وبه نقول وهو خلاف
قول المخالف لان قول القائل على الوارث أن لا يضار قول صحيح وليس في المضارة
أكثر من أن يموت موروثه جوعا وبردا وهو غنى فلا يرحمه بأكلة ولا بشئ يستره
به ويمنع منه الموت من البرد وهذا عين المضارة بلا شك عند أحد، وأما قول من
قال: ان رضاع الصغير في نصيبه فقول صحيح إذا كان له ميراث من مال ونحن لم نوجب مئونته
على وارثه الا إذا لم يكن له مال أصلا *
قال أبو محمد: وقد قال قوم: إن للمرأة أن ترمى ولدها إلى أبيه ان كانت مطلقة
106

والى عصبته ان كانت متوفى عنها وان لزوجها أن يمنعها رضاع ولدها من غيره *
قال أبو محمد: هذا كله باطل مخالف للقرآن قال الله عز وجل: (والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والده بولدها ولا مولود
له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) فوجب اجبار الام أحبت أم كرهت على ارضاع
ولدها حولين كاملين كما أمر الله عز وجل أحب زوجها أم كره وأن تجبر على أن
لا تضار بولدها ولا ضرار أكثر من منعه رضاعها ولا يباح لامرأة ولو أنما بنت
الخليفة غير هذا الا المطلقة فإنها ان تعاسرت هي وأبو الصغير بان لا يتفقا على أجرة
يتراضيان بها وكان مع ذلك يقبل ثدي غيرها فهذه يسترضع المطلق لها أخرى أخذا
بقوله تعالى: (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وان تعاسرتم
فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله
لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) وهذا كله كلام الله
عز وجل فلا سمعا ولا طاعة لمن عند عنه * وروينا من طريق حماد بن سلمة قال
أخبرني يحيى بن محمد بن ثابت بن قيس بن الشماس في المختلعة من جده ثابت بن
قيس الشماس " أنها كانت جميلة بنت أبي السلول وأنها ولدت غلاما فجعلته في ليف
وأرسلت به إلى ثابت بن قيس أن خذ عنى صبيك فاتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه
واسترضع له وسماه محمدا " *
قال أبو محمد: هذا نص ما قلنا كانت مختلعة مطلقة أبغض الناس فيه معاشرة له *
قال أبو محمد: ولا يجوز إن كان الورثة كثيرا أن ينفقوا على المحتاج الاعلى
عددهم لا على قدر مواريثهم لان النص سوى بينهم بايجاب ذلك عليهم فلا تجوز
المفاضلة بينهم، وقال بعضهم: من هو هذا الوارث أهو وارث الأب الميت أم وارث
الذي تجب له النفقة؟ قلنا: هذا تعسف وتكلف يأثم السائل عنه لأنه لا ذكر لوالد
المنفق عليه في الآية إنما قال عز وجل: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده
وعلى الوارث مثل ذلك) ففي الوارث ضمير وهو أنه يقتضى موروثا ولابد والضمير
راجع إلى الذي له الحكم والذي منع أبواه من المضارة به هو الولد بلا شك ولا
معنى لاختلاف الدينين في ذوي الرحم خاصة، وأما في الوارثة فلا ميراث مع
اختلاف الدينين لأنه لم يأت بذلك نص، واما قولنا انه إن كان لكل من ذكرنا كسب
يقوم به بنفسه وإن كان خسيسا من الكسب فليس على الانسان أن يقوم بنفقتهم
107

حينئذ الا الآباء والأمهات والزوجات فقط فان هؤلاء فرض عليه أن يصونهم عن
ذلك لقول الله عز وجل حيث يقول: (اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا
تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة
وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) *
قال أبو محمد: وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من الكبائر وليس في
العقوق أكثر من أن يكون الابن غنيا ذا حال ويترك أباه أو جده يكنس الكنف
أو يسوس الدواب ويكنس الزبل أو يحجم أو يغسل الثياب للناس أو يوقد في الحمام
ويدع أمه أو جدته تخدم الناس وتسقى الماء في الطرق فما خفض لهما جناح الذل من الرحمة
من فعل ذلك بلا شك، وقال تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين
والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم) *
قال أبو محمد: وقد أثبت الله عز وجل في النفوس كلها اختلاف وجوه الاحسان إلى
من ذكر في هذه الآية وجاءت النصوص ببيان ذلك فالاحسان إلى الأبوين الصبر لجفائهما
وتوقيرهما وتعظيمهما وطاعتهما ما لم يأمرا بمعصية قال تعالى (ان اشكر لي ولوالديك إلى المصير
وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)
فهما وان امرا بالشرك فواجب مع ذلك ان يصحبا بالمعروف وهذا يقتضى كل ما قلنا:
والاحسان إلى ذي القربى ان يدفع عنهم الأذى. وان يكرمهم ويحوطهم ويقوم في
أمورهم وأن لا يسلمهم إلى ضرر والاحسان إلى المساكين الصدقة بالفضل حتى يشبعوا أو
يكتسبوا أو يكون لهم مرقد يأوون إليه ومن يقوم بمرضاهم والاحسان إلى اليتامى ورحمتهم
وتعليمهم والقيام بهم حتى لا يضيعوا، والاحسان إلى الجار كف الأذى والبر واللقاء بالبشر
والاكرام وحمايتهم من الظلم، وكذلك الاحسان إلى الصاحب بالجنب نحو ذلك،
والاحسان إلى ما ملكت ايماننا اطعامهم مما نأكل وكسوتهم مما نلبس وكل ذلك بالمعروف
وأن لا نكلفهم ما لا يطيقون وأن لا يسبوا في غير واجب وأن لا يضربوا في غير حق فهذا
كله واجب يعصى الله تعالى من ترك شيئا من ذلك: وأما صيانة الزوجة فلانه قد أوجب الله
تعالى نفقتها وكسوتها واسكانها والقيام عليها وان كانت اغنى من الزوج وهذا يقتضى
صيانتها عن كل خدمة وكل عمل له أو لغيره، وأما كل من عدا الزوجة فلا نفقة
لهم ولا كسوة ولا اسكان الا أن يكون لهم من المال أو الصنعة ما يقومون منه
على أنفسهم ولا معنى لمراعاة الزمانة في ذلك ان لم يأت به قرآن ولا سنة، فان قاموا
ببعض ذلك وعجزوا عن البعض وجب على من ذكرنا أن يقوم بما عجزوا عنه فقط
108

ويلزم المرأة كل ما ذكرنا كما يلزم الرجل الا نفقة الولد فما دام الأب قادرا عليها فليس على
المرأة من ذلك شئ هذا عمل جميع أهل الاسلام قديما وحديثا فان عجز الأب عن ذلك أو مات
ولا مال لهم فحينئذ يقضى بنفقتهم وكسوتهم على أمهم لقول الله عز وجل (لا تضار والدة بولدها
ولا مولود له بولده) وليس في المضارة شئ أكثر من أن تكون غنية وهم يسألون على الأبواب
ولان الأوامر المذكورة التي جاءت مجيئا واحدا لم يخص بها رجل من امرأة * وروينا
من طريق البخاري نا موسى بن إسماعيل نا وهب - هو ابن خالد - نا هشام - هو ابن
عروة - عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين عن أمها أم سلمة قالت: " قلت يا رسول
الله هل لي من أجر في بنى أبى سلمة أن أنفقت عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا
إنما هم بنى قال: نعم لك أجر ما أنفقت عليهم "، فهذه أم المؤمنين تخبر أنها تنفق على بنيها
وليست بتاركتهم يضيعون إنما هم بنوها ولم ينكر عليه الصلاة والسلام ذلك ولا
أخبرها أن ذلك ليس واجبا عليها وبالله تعالى التوفيق، وليس على الولد أن ينفق على
زوجة أبيه ولا على أم ولده إذ لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة إنما عليه أن يقوم
بمطعم أبيه وملبسه ومؤونة خدمته فقط وبالله تعالى التوفيق *
(ما يفسخ به النكاح بعد صحته ومالا يفسخ به)
1934 مسألة لا يفسخ النكاح بعد صحته بجذام حادث ولا ببرص كذلك
ولا بجنون كذلك ولا بان يجد بها شيئا من هذه العيوب ولا بان تجده هي كذلك ولا
بعنانة ولا بداء فرج ولا بشئ من العيوب ولا بعدم نفقة ولا بعدم كسوة ولا بعدم
صداق ولا بانقضاء الأربعة الأشهر في الايلاء ولا بزواج أمة على حرة ولا بزواج
حرة على أمة ولا بزنا يحدث من أحدهما ولا بزناه بحريمتها كامها أو جدتها أو بنتها
أو بنت ابنها أو بنت ابنتها أو أختها أو خالتها أو عمتها ولا بزناها بابنه ولا بتفريق
الحكمين ولا بتخييره إياها اختارت نفسها أو لم تختر ولا بان يقول لها أنت على حرام
أو قال: أنت على كالميتة والخنزير والدم ولا بهبته إياها لأهلها قبلوها أو لم يقبلوها
ولا بخروجها من أرض الحرب غير مسلمة ولا ببيع الأمة ذات الزوج ولا ببيع العبد
ذي الزوجة ولا بفقد الزوج لأنه لا يدرى أين هو وهما في كل ذلك باقيان على الزوجية
كما كان، وفي كل ما ذكرنا خلاف قد ذكرنا منه ما شاء الله تعالى أن نذكره ونذكر أيضا
إن شاء الله تعالى ما لم نذكره قبل فمن ذلك *
1935 مسألة روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد
الأنصاري سمعت سعيد بن المسيب يقول قال عمر بن الخطاب أيما امرأة تزوجت بها جنون
109

أو جذام أو برص فدخل بها فاطلع على ذلك فلها مهرها بمسيسه إياها وعلى الولي الصداق بما دلس
كما غره * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا يحيى بن سعيد نا سعيد بن المسيب ان
عمر بن الخطاب قال: أيما رجل تزوج امرأة فدخل بها (1) فوجدها برصاء أو مجنونة
أو مجذومة فلها الصداق بمسه إياها ويرجع على من غره بها فذهب إلى هذا الأوزاعي.
وأبو عبيد فرأيا جواز النكاح وان الزوج يرجع مع ذلك بالصداق على من غره،
وذهب قوم إلى فساده قبل الدخول وجوازه بعد الدخول لما روينا من طريق سعيد بن
منصور نا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن علي أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون
أو جذام أو قرن فزوجها بالخيار ما لم يمسها ان شاء أمسكت وان شاء طلق وان مسها فلها المهر
بما استحل من فرجها * ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة ان علي بن أبي طالب قال
في المجنونة والمجذومة والبرصاء وذات القرن ان دخل بها فهي امرأته وان علم بها قبل
ان يدخل فرق بينهما * ومن طريق عبد الملك بن حبيب حدثني الحزامي وإسماعيل
ابن أبي أويس وأصبغ بن الفرج قال إسماعيل عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن
أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب، وقال الحزامي عن سفيان عن عمرو بن دينار عن
ابن عباس وقال أصبغ عن ابن وهب. عن عمر. وعلى. وابن عباس. وسعيد بن المسيب.
وابن شهاب. وربيعة قالوا كلهم: لا ترد النساء الا من العيوب الأربعة الجنون والجذام
والبرص والداء في الفرج * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا محمد بن سالم
عن الشعبي في الذي يجد امرأته برصاء أو مجنونة أو مجذومة أو ذات قرن ان دخل
بها فلها مهرها وان علم قبل الدخول ان شاء امسك وان شاء فارق بغير طلاق فهذان
قولان، أحدهما انه ان دخل بها فلها مهرها ويرجع به على من غره وهو قول روى
عن عمر ومرة روى عنه يرجع على وليها، وقول آخر انه يفسخ ان شاء قبل الدخول
وأما بعد الدخول فهي امرأته ان شاء طلق وان شاء أمسك وهو قول روى عن علي.
والشعبي كما أوردنا ورواية عن عمر. وعلى. وابن عباس. وابن المسيب. والزهري.
وربيعة انه لا يرد النكاح الا من العيوب الأربعة من الجنون والجذام والبرص
وداء الفرج، ولم يذكر في هذه الرواية قبل دخولها ولا بعده ولا حكم الصداق،
وذهب قوم إلى أنه يخلى لها شئ من صداقها كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن
جريج عن عطاء بلغنا انه لا يجوز في بيع ولا نكاح المجنونة والمجذومة والبرصاء
والعفلاء قال ابن جريج: فقلت له فواقعها وبها بعض الأربع وقد علم الذي بها

(1) وفي النسخة رقم 16 فوجدها برصاء
110

فكتمه - يعنى وليها - قال ما أراه الا قد غرم من صداقها بما أصاب منها الا شيئا يسيرا
قلت: فأنكحها غير ولى قال ترد إلى صداق مثلها، ومن طريق أبى عبيدنا يزيد
عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن شريح انه كان يعوض البرصاء شيئا، وذهب
قوم الا أنه لا يجوز نكاح من بها شئ من ذلك كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا حماد
عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال: أربع لا يجوز في بيع ولا نكاح المجذومة
والمجنونة والبرصاء والعفلاء * ومن طريق أبى عبيدنا ابن أبي مريم عن ابن لهيعة
عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال ابن شهاب لا يجوز بين المسلمين نكاح برصاء
ولا مجنونة ولا عفلاء، وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز نكاحها فان دخل بها ووطئها
جاز كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن أبي الشعثاء
جابر بن زيد قال: أربع لا يجزين في نكاح ولا بيع الا أن يسمى فان سمى فهي منه
المجنونة. والمجذومة. والبرصاء. والعفلاء فان مسها جازت وان غر * وذهبت طائفة إلى
أن الولي ان أنكر أن يكون عرف ذلك أحلف وبرئ وصح النكاح كما روينا
من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: إن كان الولي علم غرم والا استحلف
بالله ما علم ثم هو على الزوج يعنى الصداق، ومن طريق أبى عبيدنا هشيم أرنا يونس
ابن عبيد عن الحسن قال إن علم الولي العيب فالصداق عليه كما غره منها وان لم يعلم فهي
امرأته ان شاء طلق وان شاء أمسك * ومن طريق أبى عبيد ثنا عبد الله بن صالح
عن يحيى بن أيوب عن عمرو بن قيس عن عدى بن عدي ان عمر بن عبد العزيز كتب
إليه في امرأة حلقاء تزوجها رجل - وهي التي في فرجها عظم إنما له مثل مدخل المرود
تبول منه - فكتب عمر بن عبد العزيز إن كان الذين زوجوه علموا الذي بها فأغرمهم
صداقها لزوجها وان كانوا لم يعلموه فليس عليهم الا ان يحلفوا بالله ما علمنا ذلك *
ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الرحمن عن المثنى بن الصباح ان عدى بن عدي قال:
كتبت إلى عمر بن عبد العزيز في امرأة مرتتقة لا يقدر عليها الرجال فكتب إلى أن
استحلف الولي ما علم فان حلف فأجز النكاح وان لم يحلف فاحمل عليه الصداق *
ومن طريق ابن وهب عن عامر بن مرة عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن فذكر كلاما
معناه فيمن تزوج من بها جذام أو برص أو داء فرج أن الولي ان حلف انه ما علم
بذلك فلا غرامة عليه ويرد على الزوج صداقه الا أن تعاض هي من ذلك بشئ، ومن طريق
ابن وهب حدثني عبد الأعلى بن سعيد الجيشاني أن محمد بن عكرمة المهري حدثه
انه تزوج امرأة فدخل بها فرأى بأصل فخذيها وضحا من بياض فقال لها: خذي عليك
111

ملحفتك ثم كلم عبد الله بن يزيد بن خدام فكتب له إلى عمر بن عبد العزيز فكتب عمر
في ذلك أن يستحلف الزوج في المسجد بالله ما تلذذ منها بشئ مذ رأى ذلك
ويحلف اخوتها أنه لم يعلموا بالذي بها قبل أن يزوجوها فان حلفوا فأعط المرأة
ربع الصداق، وذهبت طائفة إلى أن العمى وغير ذلك من العيوب كذلك كما روينا من
طريق وكيع عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن
عمر بن الخطاب قال: إذا تزوجها برصاء أو عمياء فدخل بها فلها الصداق ويرجع على
من غره * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين
قال خاصم رجل إلى شريح فقال إن هؤلاء قالوا لي انا نزوجك أحسن الناس فجاؤني
بامرأة عمشاء فقال شريح: إن كان دلس لك بعيب لم يجز، وروى عن الزهري انه
يرد النكاح من كل داء عضال * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال في هذه العيوب
في النكاح ما كان يشبهها فهو مثلها وهو قول أبي ثور، وذهبت طائفة إلى أن المرأة
يرد بذلك نكاحها إذا وجدته في زوجها * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير
نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي عن
سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عمرو بن شعيب قال: وجدت في كتاب
عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: إذا عبث المعتوه بامرأته طلق عليه وليه *
ومن طريق ابن وهب أخبرني مالك انه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال. أيما امرأة
تزوجت رجلا به جنون أو ضرر فإنها تخير فان شاءت قرت وان شاءت فارقت،
وقال مالك: ترد المرأة من الجنون والجذام والبرص وداء الفرج إذا تزوجها ولم يعلم
بذلك فان دخل بها فلها الصداق ويرجع به على وليها إن كان أخا أو أبا بما دلسا
عليه فإن كان الذي زوجها ابن عمها أو مولى لا علم لهم بشئ من أمرها فلا غرم
عليهم ويرد الصداق الا قدر ما يستحل به مثلها وهو ربع دينار فقط، قال: وللمرأة
مثل ذلك إذا تزوجها وبه هذه الأشياء إذا كان الجذام الذي به بينا ولا يفرق بينها
وبين الأبرص، قال مالك: ولا ترد الا من العيوب الأربعة لا ترد من العمى
ولا من السواد الا أن يشترط صحتها فترد ولا شئ عليه من الصداق قبل الدخول وأما
بعد الدخول فلها الصداق ويرجع به على الولي الذي أنكحها وكذلك ان تزوجها على
نسب فوجدها لغير رشدة، وقال الليث: في الجنون والجذام والبرص وداء الفرج
مثل قول مالك قال الليث: والاكلة كالجذام، وقال الشافعي: ترد من الجنون والجذام
والبرص والقرن فاما قبل الدخول فلا شئ لها وأما بعد الدخول فلها مهر مثلها وبه
112

قال الحسن بن حي الا أنه قال: لها المهر المسمى، وذهبت طائفة إلى أنه لا رد له فيها ولا رد
لها فيه بشئ من هذه العيوب ولا من غيرها لا قبل الدخول ولا بعده وانه ان طلق قبل الدخول
فلها نصف الصداق ولها بعد الوطئ جميعه كما روينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي
خالد عن الشعبي قال قال علي بن أبي طالب: " أيما رجل تزوج امرأة مجنونة أو جذماء
أو برصاء أو بها قرن فهي امرأته ان شاء طلق وإن شاء أمسك " وبه إلى وكيع عن
سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: الحرة لا ترد من عيب *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا المغيرة عن إبراهيم انه كان يقول: هي
امرأته ان شاء أمسك وإن شاء طلق دخل بها أو لم يدخل بها ليس الحرائر كالإماء
الحرة لا ترد من داء * ومن طريق وكيع عن سفيان عن عمرو بن ميمون عن عمر بن
عبد العزيز فيمن تزوج فدلس له فيها بعيب قال: ليس لك الا أمانة اصهارك * ومن
طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد نا أيوب السختياني قال: كتبت إلى أبى قلابة
أسأله عن رجل تزوج امرأة فعرض لها طب أو جنون قال: هذه امرأة ابتليت فلتصبر،
ومن طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن عياش نا ابن جريج عن عطاء أنه قال فيمن
تزوج فلما دخل بها بدا لها منه برص وجذام قال عطاء: لا تنزع عنه وهو قول أبى
الزناد. وأبي حنيفة. وأبى يوسف. وابن أبي ليلى. وسفيان الثوري. وأبي سليمان. وأصحابنا *
قال أبو محمد: أما المالكيون والشافعيون فقد خالفوا كل ما روى في ذلك عن
الصحابة رضي الله عنهم. اما عمر فخالفوه في خمسة مواضع * أولها حكم عمر ان
يرجع بصداقها على ولهيا فقال مالك: لا يرجع على وليها الا أن يكون أبا أو أخا فإن كان
ابن عم أو مولى لم يرجع عليه بشئ، وقال الشافعي: لا يرجع على وليها بشئ أبا كان
أو غيره * وثانيها قول مالك ليس لها أن دخل بها وكان المزوج لها غير أبيها وأخيها
الا ربع دينار فقط، وقال الشافعي: ترد إلى صداق مثلها وعمر يمضيه كله لها * وثالثها
انهم لا يردون من العمى وعمر قد سوى بينه وبين البرص بالرواية التي جاءت عنه
انه رد بالجذام وبالجنون والبرص فان كانت تلك حجة فهذه حجة وان لم تكن هذه
حجة فتلك ليست حجة وإلا فهو تلاعب بالدين، فان قالوا: لم تبلغ تلك الرواية
مالكا والشافعي قلنا: فقد بلغتكم فقولوا بها وارجعوا عن تلك والا فاحتجاجكم
بعمر تلاعب (كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا تفعلون) * ورابعها انهم يردون
النكاح بذلك قبل الدخول ولم يأت بذلك عن عمر في شئ من الروايات الا رواية
مكذوبة من طريق عبد الملك بن حبيب وهو هالك عن اصبغ بن الفرج عن ابن وهب
113

أن عمر * وإنما جاءت سائر الروايات برجوعه بالصداق على وليها فقط كما يقول
الأوزاعي. وأبو عبيدة * وخامسها انه روى عن عمر كما أوردنا في المعتوه يعبث
بامرأته انه يطلقها منه وليه وهم لا يقولون بهذا، فمن أقدم على خلاف عمر في خمسة
مواضع أيجوز له أن يقلد عمر في موضع واحد مما جاء عنه وهو الرجوع على بعض
الأولياء؟ وأما الشافعي فلا ولا في موضع واحد وإنما علي رضي الله عنه فإنما جاءت عنه
ثلاث روايات، إحداها انه لا رد في شئ من ذلك وهو قولنا، والثانية من تلك الطريق
انه مخير قبل الدخول بين فسخ أو امضاء وأنه لا خيار لا بعد الدخول وهي امرأته
ان شاء طلق وان شاء أمسك وهو قول الأوزاعي عن الشعبي، ورواية ثالثة في غاية
السقوط لأنها عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة - ولا تجوز الرواية عنه - أن النكاح
مردود جملة والمالكيون والشافعيون مخالفون لجميع هذه الأقوال، وأما ابن عباس
فهي من رواية عبد الملك بن حبيب وهو هالك وإنما فيه أيضا رد النكاح جملة دون
ذكر صداق أو شئ منه فبطل تعلق هاتين الطائفتين بشئ مما روى عن أحد من
الصحابة في ذلك ولاح خلافهم له جملة وقد أتينا من قول مالك. والشافعي في ذلك بما
لا يحفظ عن أحد قبلهما فمن ذلك قول مالك ترد إلى ربع دينار وقول الشافعي ترد
إلى صداق مثلها وبقى الكلام مع من لعله يتعلق في ذلك بما روى عمن ذكرنا من
الصحابة رضي الله عنهم فأول ذلك أنه لا يصح في ذلك شئ عن أحد من الصحابة،
وأما الرواية عن عمر وعلى فمنقطعة، وعن ابن عباس من طريق لا خير فيه ثم لو صح
لكان لا حجة فيه لأنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اختلاف تلك
الروايات على انقطاعها فقد جاء عن علي ما يوافق قولنا فليس ما روى من خلاف ذلك حجة
إنما هو قول كقول، ووجدنا بعض المتأخرين منهم قد احتج في ذلك بان النكاح يشبه
البيوع والبيوع ترد بالعيوب فوجب رد النكاح بذلك *
قال أبو محمد: وهذا قول لا يسوغ التمويه به الا لمن قال بقول أبي ثور. والزهري.
وشريح، وأما المالكيون والشافعيون فلا لأنهم خصوا أربعة عيوب دون سائر العيوب
وهذا ترك للقياس المذكور جملة ثم نقول لمن قال بقول أبي ثور ما ندري في أي وجه
يشبه النكاح البيوع بل هو خلافه جملة لان البيع نقل ملك وليس في النكاح ملك أصلا
والنكاح جائز بغير ذكر صداق في عقده ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن والخيار جائز
عندهم في البيع مدة مسماة ولا يجوز في النكاح، والبيع بترك رؤية المبيع وترك وصفه
باطل لا يجوز أصلا والنكاح بترك رؤية المنكوحة وترك وصفها جائز والنكاح
114

عند المالكيين جائز على بيت وخادم ووصفاء غير موصوفين ولا يجوز
ذلك في البيوع فبطل تشبيه النكاح بالبيع جملة، وقال بعضهم: لا يجوز توفية
حقوق النكاح مع الجنون ولا تطيب النفس على مجامعة برصاء أو مجذومة ولا يقدر
على جماع قرناء وإنما تزوجها للجماع فقلنا: ولا تجوز توفية حقوق النكاح مع الفسق
والنشز وسوء الخلق ومع البكم والصمم ومع ضعف العقل فردوا منها، فان قالوا:
قد يتوب من الفسق قلنا: وقد يبرأ من الجنون واما طيب النفس على الجماع فوالله
ان نفس كل أحد لا تطيب على من بها في خافي جسدها لمعة من برص ومن يمسها صرع
في الشهر مرة منها على الزانية وعلى العجوز السوداء الشوهاء وعلى من بها اكلة في
وجهها أو اثلول ضخم أو حدب في الصدر أو الظهر أو بكم هذا ما لا شك فيه عند أحد
وكل هذه آراء فاسدة إنما هو النكاح كما أمر الله عز وجل ثم امساك بمعروف أو
تسريح باحسان الا أن يأتي نص صحيح فيوقف عنده، وقد ذكر بعضهم الخبر الذي
فيه " وفر من المجذوم فرارك من الأسد " قلنا: ليس على الامر بالفرار ثم لو كان
كذلك فافسخوا النكاح بحدوثه بعدهما بعد سنين وهم لا يفعلون هذا، وأيضا فمن
أين أضفتم إليه الأبرص، وقال بعضهم: لا يؤمن من المجنون قتل صاحبه قلنا هذا
في الفاسق بلا شك أخوف فردوا النكاح بالفسق فلاح فساد قولهم جملة، فان موه
مموه روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية الضرير نا جميل بن زيد الطائي
عن زيد بن كعب بن عجرة قال: " تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى غفار فلما
دخلت عليه ووضعت ثيابها رأى بكشحها بياضا فقال: البسي ثيابك والحقي باهلك "
قال أبو معاوية: فحدثنا رجل عن جميل بن زيد عن زيد بن كعب بن عجرة انه صلى الله عليه وسلم
أمر لها بالصداق *
قال أبو محمد: هذا من رواية جميل بن زيد وهو مطرح متروك جملة عن زيد
ابن كعب وهو مجهول لا يعلم لكعب بن عجرة ولد اسمه زيد ثم هو مرسل، ثم
لو صح لم يكن مخالفا لقولنا لأننا لا نمنع الزوج من الطلاق قبل الدخول وبعده ان شاء *
قال أبو محمد: فان اشترطا السلامة في عقد النكاح فوجد عيبا أي عيب كان فهو
نكاح مفسوخ مردود لا خيار له في اجازته ولا صداق فيه ولا ميراث ولا نفقة دخل
أو لم يدخل لان التي أدخلت عليه غير التي تزوج ولان السالمة غير المعيبة بلا شك
فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما *
قال أبو محمد: واما الحنيفيون فقد تاقضوا ههنا لأنهم قلدوا روايات لا تصح
115

عن عمر وعثمان في الفسخ بالعنانة وتوريث المطلقة ثلاثا وهذه روايات كتلك عن
عمرو الخلاف هنالك موجود كما هو ههنا ولا فرق وبالله تعالى التوفيق *
1936 مسألة وأما من فسخ النكاح بزناه بحريمتها أو بزنا ابنه بها فلما روينا من
طريق سفيان الثوري عن الاغربن الصباح عن خليفة بن الحصين عن أبي نصر عن ابن عباس
ان رجلا قال له أنه أصاب أم امرأته فقال له ابن عباس (حرمت عليك امرأتك) وذلك بعد
أن ولدت امرأته سبعة أولاد كلهم بلغ مبلغ الرجال، ومن طريق يحيى بن سعيد القطان
عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين أنه قال: من فجر بأم
امرأته فقد حرمت عليه امرأته، فصح هذا القول عن عطاء. والحسن. والحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبي سليمان. وإبراهيم النخعي. والشعبي. ومن طريق وكيع عن جرير بن حازم
عن قيس بن سعد عن مجاهد قال إذا قبلها أو لامسها أو نظر إلى فرجها من شهوة حرمت عليه أمها
وابنتها وهو قول أبي حنيفة، وصح عن جابر بن زيد إذا زنى بأخت امرأته حرمت عليه
امرأته، وصح أيضا عن قتادة ولم يرها تحرم الا بالوطئ لا بالمباشرة، وصح أيضا عن
طاوس، وروى عن سعيد بن المسيب. وعروة بن الزبير. وأبى سلمة بن عبد الرحمن.
وعبد الله بن مغفل. وهو قول سفيان الثوري. والأوزاعي. واحد قولي مالك وقال
آخرون: لا تحرم عليه صح ذلك عن ابن عباس رويناه من طريق يحيى بن سعيد
القطان والحجاج بن المنهال قال يحيى انا هشام الدستوائي، وقال الحجاج: نا حماد بن سلمة
ثم اتفق هشام وحماد كلاهما عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال فيمن زنا بأم
امرأته بعد أن دخل بامرأته تخطأ حرمتين ولم تحرم عليه امرأته، ومن طريق الحجاج بن
المنهال نا همام بن يحيى بن قتادة عن الحلال بن أبي العتكي عن أبيه عن علي بن أبي طالب
(انه أتاه رجل فأخبره أنه تزوج ابنة رجل مسماة بعينها فأدخل عليه أختها فأمره
برد التي أدخلت عليه وان يدخل عليه التي تزوجت وان لا يقربها حتى تتم عدة التي أدخلت
عليه أولا، وروينا من طريق هشيم خبرا غير هذا كما أوردناه ثم قال بأثره: أرنا
يونس عن الحسن انه كان يقول ذلك وأنا عبيدة عن إبراهيم انه كان يقول ذلك *
قال أبو محمد: وأنا اتهمت هذه الرواية عن إبراهيم وروى عن سعيد بن المسيب
وعروة بن الزبير ومجاهد وسعيد بن جبير وصح عن الزهري ويحيى بن يعمر وهو قول
الشافعي. وأبي سليمان وأصحابهما وأحد قولي مالك وقد تقدم كلامنا في هذه المسألة
فأغنى عن ترداده *
1937 مسألة ومن خير امرأته فاختارت نفسها أو اختارت الطلاق
116

أو اختارت زوجها أو لم تختر شيئا فكل ذلك لا شئ وكل ذلك سواء ولا تطلق بذلك.
ولا تحرم عليه ولا لشئ من ذلك حكم ولو كرر التخيير وكررت هي اختيار نفسها أو اختيار
الطلاق ألف مرة وكذلك ان ملكها أمر نفسها أو جعل أمرها بيدها ولا فرق، فصح
عن عمر بن الخطاب. وابن مسعود فيمن جعل أمر امرأته بيدها فطلقت نفسها ثلاثا أو
طلقته ثلاثا انها طلقة واحدة رجعية، وصح أيضا عن زيد بن ثابت. وعن مجاهد. وعمر بن عبد
العزيز وقول آخر وهو أن القضاء ما قضت صح ذلك عن عثمان بن عفان، ومن طريق سعيد بن
منصور عن ابن عمرو من طريق غيره عن عبد الله بن الزبير، وروى عن علي وابن عمر منقطعا
عنهما وصح عن عبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة. وعمر بن عبد العزيز. وسعيد بن المسيب
وصح عن أم سلمة. وعائشة أمي المؤمنين وقريبة أخت أم سلمة. وعبد الرحمن بن أبي
بكر الصديق أن جعل أمرها بيدها فردته إلى زوجها فهي امرأته كما كانت، وقول
ثالث ان اختارت الفراق أو نفسها فهي واحدة بائنة وان ردته إلى زوجها فاختارته
فهي طلقة رجعية صح عن علي. وزيد بن ثابت. ورجال من الصحابة، وعن الحسن
البصري وقول أربع ان القضاء ما قضت وله أن يناكرها فيحلف ويقضى له بما حلف انه
نواه وتكون طلقة رجعية، ورى عن عمر بن الخطاب ولم يصح وصح عن ابن عمر
وصح عن القاسم بن محمد ومروان، وقول خامس وهو ثلاث بكل حال صح عن الحسن
وعن رجال من الصحابة رضي الله عنهم وفيه أثر مسند، وقول سادس من جعل أمر
امرأته بيد آخر فطلقها فليس بشئ، روى عن ابن مسعود، وقول سابع من قال لامرأته
أمرك بيدك فقال قد حرمت عليك فهي واحدة رويناه من طريق سعيد بن
منصور عن القاسم بن محمد وليس يصح عنه، وروينا من طريق ابن ليلى عن الشعبي
أن أمرك بيدك واختاري نفسك سواء في قول زيد. وابن مسعود. وعلى وصح عن الشعبي
انه قوله وعن النخعي، وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: أمرك بيدك والتمليك
والتخيير سواء فإذا ملكها أمرها أو قال اختاري أو قال أمرك بيدك ثم قال لم أنو
طلاقا فإن كان في غضب فيه ذكر طلاق أوليس فيه ذكر طلاق لم يصدق وإن كان
في رضا لم يلزمه شئ مما تقضى به هي فإن كان في غضب فردت إليه أمرها فلا شئ
وهي امرأته فلو كان في غضب فطلقت نفسها لم يلتفت لما قالت لكن هو يسأل عن
نيته فان قال: نويت الثلاث فهي طالق ثلاثا الا في اختاري فإنها لا تكون الا واحدة
بائنة سواء نوى ذلك أو أقل أو نوى طلاق رجعيا أو لم ينوه، وان قال: نويت اثنتين
أو قال نويت الطلاق بلا عدد أو قال نويت واحدة بائنة أو قال: نويت واحدة رجعية
117

أو قال لم أنو طلاقا أصلا فكل هذا سواء ولا يلزمه في كل ذلك الا واحدة بائنة
ولابد فاعلموا ان كل ماموه به عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم فباطل وانه في قوله هذا لم
يوافق أحدا منهم وهو قول ما سبق إليه ولم يعرف عن أحد قبله ولا دليل له على شئ
منه لا من نص ولا من قياس ولا من قول يعقل، وأما مالك فقال: أمرك بيدك
والتمليك سواء، قال ومن قال: لامرأته أمرك بيدك فقالت قد قبلت فقد طلقت الا أن
تقول هي لم أرد طلاقا قال: فلو جعل امر امرأته بيد امرأة له أخرى فطلقتها ثلاثا فهي طالق
ثلاثا وله أن يناكرها فيقول لم أرد الا واحدة أو يقول لم أرد الا اثنتين فالقول قوله
مع يمينه وتكون واحدة بائنة، قال: فلو قال لامرأته قد وليتك امرك إن شاء الله فقالت
هي قد فارقتك إن شاء الله فهو طلاق فلو قال لها: ما كنت الا لاعبا أو قالت هي ما كنت
الا لاعبة ما أردنا طلاقا فالقول قول الرجل مع يمينه قال: فلو قال لها: أمرك بيدك فأخذت
شقة ومضت إلى أهلها وخرج هو إلى سفر ولم يكن غير هذا قالوا قد طلقت قال: فلو قال
أمرك بيدك أو ملكها فطلقت نفسها واحدة فقال هو لم أنو الا ثلاثا لم يلزمه الا واحدة
فاعلموا ان هذا القول أيضا غير موافق لقول أحد من الصحابة ولا من التابعين الا
رواية عن عمر لم تصح رويناها من طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن عبد الكريم
أبى أمية ان رجلا جعل امر امرأته بيدها في زمان عمر بن الخطاب فطلقت نفسها ثلاثا فقال:
هو والله ما جعلت أمرها الا واحدة فترافعها إلى عمر فاستحلفه عمر بالله الذي لا إله إلا هو
ما جعلت أمرها بيدها الا واحدة فحلف فردها عمر عليه، محمد بن راشد متكلم فيه
وعبد الكريم أبو أمية غير ثقة ولم يدرك عمر والصحيح عن عمر خلاف ذلك كما
ذكرنا من أقواله والأسانيد في ذلك قد ذكرناها في كتاب الايصال وإنما قصدنا ههنا
الاختصار، وأما سائر تقاسيمه فلا سلف له فيها، وأيضا فان هذه الرواية عن عمر
خالفه فيها لان عمر جعلها رجعية وجعلها مالك بائنة فخرج عن قول جميعهم وكذلك
أيضا جعلها مروان. والقاسم بن محمد رجعية، وقد روينا ذلك أيضا من طرق ثابتة عن
ابن عمر - يعنى المناكرة - من سعيد بن منصور فصح أنه رأى مجرد لا دليل
عليه لا من نص ولا من قول متقدم ولا من قياس ولا من رأى يعقل، وقال سفيان
الثوري. والشافعي: هو ما نوى فان قال لم أنو طلاقا فهو كما قال وكذلك ان ردت الامر
إليه فان طلقت نفسها أو اختارت نفسها فأي شئ قالت لم يلزمه الا طلقة واحدة
رجعية فقط وهكذا قالا في التخيير والتمليك *
قال أبو محمد: وكل هذه الأقاويل آراء لا دليل على صحة شئ منها، وقد تقصينا من
118

روى عنه من الصحابة رضي الله عنهم انه يقع به طلاق قلم يكونوا بين من صح عنه
ومن لم يصح عنه الا سبعة ثم قد اختلفوا كما ترى وليس قول بعضهم أولى من قول بعض
ولا أثر في شئ منها الا أثرا رويناه من طريق أحمد بن شعيب أرنا علي بن نصر
الجهضمي نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد قال: قلت لأيوب السختياني هل علمت
أحدا قال في أمرك بيدك انها ثلاث غير الحسن؟ قال لا اللهم غفرا الا ما حدثني قتادة
عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث قال أيوب
فلقيت كثيرا مولى ابن سمرة فسألته فلم يعرفه فرجعت إلى قتادة فأخبرته فقال: نسي *
قال أبو محمد: كثير مولى ابن سمرة مجهول ولو كان مشهورا بالثقة والحفظ لما خالفنا هذا
الخبر وقد أوقفه بعض رواته على أبي هريرة والذي نقول به هو قول أبى سليمان
وأصحابنا فهو ما رويناه من طريق أبى عبيدنا أبو بكر بن عياش نا حبيب بن أبي ثابت
(أن رجلا قال لامرأة له ان أدخلت هذا العدل البيت فأمر صاحبتك بيدك فأدخلته ثم
قالت هي طالق فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأبانها منه فمروا بعبد الله بن مسعود فأخبروه
فذهب بهم إلى عمر فقال يا أمير المؤمنين ان الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء ولم
يجعل النساء قوامات على الرجال فقال عمر فما ترى قال أراها امرأته قال عمر: وأنا أرى
ذلك فجعلها واحدة) *
قال أبو محمد: قد يمكن أن يكون عمرا مضى حكمه وإلا فقد رجع إلى قول ابن مسعود
في أن لا ينفذ طلاق من جعل امر امرأته بيده * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن
جريج قلت لعطاء: رجل قال لامرأته امرك بيدك بعد يوم أو يومين قال ليس هذا بشئ
قلت فأرسل إليها رجلا أن أمرها بيدها يوما أو ساعة قال ما أدرى ما هذا ما أظن
هذا شيئا قلت لعطاء أملكت عائشة حفصة حين ملكها المنذر بن الزبير أمرها فقال
عطاء لا إنما عرضت عليهم أيطلقها أم لا ولم يملكها أمرها، وأما التمليك فقد صح عن
ابن عمر أنه قال القضاء ما قضت وله أن يناكرها فان ناكرها حلف وله ما نوى، وروى
عنه قول آخر لم يصح عنه القضاء ما قضت ولا قول له وهو قول عطاء. وعمر بن عبد
العزيز. والزهري، وروى عنه قول ثالث أن التمليك نفسه طلاق رويناه من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ان ابن عمر قال: من ملك امرأته طلقت وعصى ربه
وهو قول الحسن، وقول رابع صح عن زيد بن ثابت ان ملكها نفسها فطلقت نفسها
ثلاثا فهي واحدة رجعية وقد ذكرنا قول سفيان والشافعي وأبي حنيفة في التمليك
ولمالك في التمليك أقوال لم نذكرها نذكرها إن شاء الله تعالى وهي أنه قال: من ملك امرأته
119

أمرها فسواء كانت بالغا أو غير بالغ إذا كان مثلها يفهم ما يجعل إليها فهي طالق ثلاثا
وله أن يناكرها فان ردت أمرها إليه فلا حكم لها فان طلقت نفسها أكثر من واحدة
فقال لم أملكك الا واحدة أو يقول لم أرد الطلاق فهذه هي المناكرة ويحلف هو فتكون
طلقة واحدة بائنة، قال فلو قال لم أنو عددا من الطلاق فهي طالق ثلاثا قال فلو قال
لامرأته قد ملكتك أمرك فليس له أن يرجع عن ذلك وليس له أن يوقفها هو لتقض
أو لتترك إنما القضاء إليها حتى يوقفها السلطان فتقض أو تترك فيبطل ما جعل
إليها ان تركت *
قال أبو محمد: لم يوافق في هذا الا قولا من أقوال ثلاثة لابن عمر في المناكرة
خاصة وسائر أقواله في ذلك لا سلف له فيها وقد خالفه زيد صح ذلك عنه وليس في
التمليك ايجاب طلاق عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم الا عن ابن عمر وزيد فقط
وذكره بعض الناس عن فضالة بن عبيد والذي نقول به هو ما رويناه من طريق
أبى عبيدنا عبد الغفار بن داود عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ان رميسة الفراسية كانت
تحت محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فملكها أمرها فقالت أنت طالق ثلاث مرات فقال
عثمان بن عفان أخطأت لاطلاق لها الا أن المرأة لا تطلق ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج
أخبرني أبو الزبير أن مجاهدا أخبره " ان رجلا جاء إلى ابن عباس فقال: ملكت امرأتي
فطلقتني ثلاثا فقال ابن عباس خطأ الله نوءها عليك إنما الطلاق لك عليها وليس لها
عليك " وهذا في غاية الصحة عن ابن عباس * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سألت
عبد الله بن طاوس كيف كان أبوك يقول في رجل ملك امرأته أمرها أتملك ان تطلق
نفسها أم لا؟ قال كان يقول ليس إلى النساء طلاق فقلت له فكيف كان أبوه يقول في
رجل ملك رجلا أمر امرأته أيملك الرجل أن يطلقها قال لا وهو قول أبى سليمان
وجميع أصحابنا، وأما التخيير فصح ان عمر بن الخطاب قال: ان اختارت نفسها
فواحدة رجعية وإن اختارت زوجها فهي امرأة كما كانت، وروينا من طريق عبد
الرحمن بن مهدي عن جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم عن زاذان أن علي بن أبي طالب
خالف عمر في ذلك ثم رجع إلى قول عمر إذ ولى الخلافة، وروينا هذا
القول عن ابن عباس ولم يصح عنه وصح عن عطاء وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم
وصح عن جابر بن عبد الله ان اختارت نفسها فواحدة وقول آخر وهو ان
اختارت نفسها فواحدة بائنة وان اختارت زوجها فواحدة رجعية فان كرر ذلك
ثلاث مرات كل ذلك تختاره طلقت ثلاثا فان وطئها قبل زوج يتزوجها فعليه الرجم
120

روينا ان عليا رجع عن موافقة عمر إلى هذا القول إذ ولى الخلافة من طريق وكيع
ابن الجراح. والحجاج بن المنهال كلاهما عن جرير بن حازم. عن عيسى بن عاصم
عن زاذان عن علي، وصح هذا القول عن قتادة وصح عن علي أيضا أنها ان اختارت
نفسها لم يجز له ولا لغيره أن يخطبها في العدة من تلك الطلقة، روينا هذه الزيادة من
طريق حماد بن سلمة. عن قتادة. عن خلاس بن عمر وان علي بن أبي طالب قال: ان اختارت
نفسها فهي واحدة ولا يخطبها هو ولا من سواه الا بعد انقضاء العدة وان اختارت
زوجها فهي واحدة وهو أحق بها، وقول ثالث صح عن زيد بن ثابت وهو ان
اختارت نفسها فثلاث وان اختارت زوجها فواحدة رجعية، وبه يقول مسروق
كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا داود بن أبي هند. عن الشعبي
عن مسروق أنه كان يقول من قول زيد ان اختارت نفسها فثلاث وان اختارت
زوجها فواحدة، وقول رابع وهو أنه إذا خيرها فطلقت نفسها ثلاثا فهي واحدة
رويناه هكذا أيضا من طريق سفيان بن عيينة. عن أبي الزناد. عن القاسم بن محمد
ابن أبي بكر الصديق. عن زيد بن ثابت قال إذا خير الرجل امرأته فطلقت نفسها
ثلاثا فهي واحدة * ومن طريق عبد الرزاق. عن معمر. عن يحيى بن أبي كثير قال:
خير محمد بن أبي عتيق امرأته فطلقت نفسها ثلاثا فسأل زيد بن ثابت فجعلها زيد واحدة
وهو أملك برجعتها قال: فذكرت ذلك لأيوب فقال: بلغني نحو هذا عن زيد *
وقول خامس رويناه عن ابن مسعود من طريق لا تصح لان فيها جابرا الجعفي وهو
كذاب ان خيرها مرة ثم مرة ثم مرة وهي ساكتة فقالت في المرة الثالثة قد اخترت
نفسي فهي طالق ثلاثا * وروينا عن إبراهيم النخعي والشعبي أنهما قالا: ان كرر
تخييرها ثلاث مرات فاختارت واحدة فهي طالق ثلاثا، وان خيرها مرة واحدة
فاختارت ثلاث تطليقات فهي طلقة واحدة، وقول سادس رويناه عن جابر بن
زيد في التي يخيرها زوجها القضاء ما قضت، وصح عن ابن مسعود. وجابر بن
عبد الله. والنخعي. والشعبي. وجابر بن زيد. ومكحول. وعطاء ان قامت من
مجلسها قبل أن تقضى فلا قضاء لها * وروينا عن عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب.
وزيد بن ثابت. وأيوب السختياني. والزهري أن التخيير والتمليك سواء، وقول
سابع وبه نقول * رويناه من طريق سفيان بن عيينة. عن عمرو بن دينار. عن
عكرمة. عن ابن عباس أنه سئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت: أنت
طالق أنت طالق أنت طالق فقال ابن عباس: خطأ الله نوءها لا أدرى ما الخيار *
121

قال أبو محمد: هذا أصح ما روى في ذلك عن ابن عباس، وأما الزيادة التي
رواها قوم في هذا الخير من أن ابن عباس قال: لو قالت انا طالق ثلاثا لكان كما قالت
أو الا طلقت نفسها ثلاثا فلا يصح لأنه إنما رواها الحكم بن عتيبة وحبيب بن أبي
ثابت ومنصور وكلهم لم يلق ابن عباس، وروينا هذا أيضا من طريق عمرو بن دينار
عن ابن عباس الا قالت انا طالق انا طالق وهذا خبر لم يسمعه عمرو من ابن عباس لأنه إنما
رواه عن عكرمة بخلاف هذا عن ابن عباس وبهذا يقول أبو سليمان. وأصحابنا *
قال أبو محمد: وقد ذكرنا قول سفيان والشافعي في التخيير آنفا وأما أبو حنيفة فقال إن
قال لها اختاري فخيرها ثم قال لم أرد طلاقا فإن كان ذلك في رضا لم يجر فيه ذكر طلاق
كان القول قوله مع يمينه ولا خيار لها فإن كان في غضب فيه ذكر طلاق أوليس فيه ذكر
طلاق أو كان في رضا ذكر فيه طلاق لم يلتفت إلى دعوى الزوج وكان لها الخيار فان اختارت
زوجها فهي امرأته وبطل خيارها وان اختارت نفسها فهي طالق واحدة بائنة لا تكون
رجعية أصلا ولا أكثر من واحدة سواء نوى هو أكثر من واحدة أو لم ينو اختارت هي
أكثر من واحدة أو اختارت واحدة رجعية ثم لهم من التخاليط في حركاتها وأعمالها
أشياء يطول ذكرها الا أنها من عجائب الدنيا قد ذكرناها في كتاب الايصال، وقال
مالك: ان خيرها فاختارته فهي امرأته وقد بطل خيارها فان اختارت نفسها فهي طالق
ثلاثا ولابد سواء قالت أردت الطلاق أو قالت لم أرد الطلاق وليس له ان يناكرها ولا
يلتفت إلى نيته أصلا فلو طلقت نفسها واحدة أو اثنتين فليس بشئ ولا يلزمه ذلك وليس
لها الا اختيار زوجها أو أن تطلق نفسها ثلاثا ولابد الا أن يخيرها وقد عزم على
طلاقها أو مخالعتها فههنا ان اختارت نفسها فهي طلقة واحدة بائنة وكذلك لو قال لها
اختاري طلقة فليس لها الا طلقة واحدة رجعية هذا كله في المدخول بها فان خيرها قبل
ان يدخل بها فهي ان اختارت نفسها طلقة واحدة فقط فلو قالت التي لم يدخل بها قد
اخترت نفسي بثلاث طلقات فقال هو لم أرد الا واحدة فهي واحدة، وقال فلو قالت
المدخول بها قد قبلت امرى لم يكن طلاقا الا أن تقول هي أردت الطلاق فيكون ثلاثا
ولابد لا أقل من ذلك فلو قالت له قد خليت سبيلك فهي ثلاث ولابد، واختلف
قوله في المخيرة تقوم من مجلس التخيير قبل ان تختار فمرة قال بطل خيارها بخلاف
التمليك ثم رجع فقال بل لها الخيار حتى توقف فتختار أو تترك فلو وطئها مكرهة
لم يبطل خيارها فلو وطئها طائعة بطل خيارها *
قال أبو محمد: ذكر هذه الأقوال يغنى عن تكلف الرد عليها لشدة اختلاطها
122

وبالجملة فلم يقل أحد قبله بهذه التقسيمات وإنما تعلق بقول من أحد أقوال ثلاثة رويت
عن زيد في أن اختارت نفسها فهي ثلاث فقط وخالفه في ذلك القول نفسه في الفرق
بين المدخول بها وغير المدخول بها وفي تسوية زيد بين التخيير والتمليك فبطل تعلقه
بزيد وقد خالف هذا القول قول لزيد آخر وقول لعمر وقول لعلى، وكل هذه
الأقوال لا حجة في تصحيحها من قرآن ولا ستة ولا معقول ولا قول متقدم لم يخالفه
فيه من هو مثله ولا قياس ولا رأى له وجه يعقل، واحتج من رأى أن التخيير له تأثير في
الطلاق بان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه *
قال أبو محمد: أما المالكيون فلا متعلق لهم بذلك أصلا لأنهم يقولون: لا يكون
التخيير الا في البقاء أو في الطلاق الثلاث ويقولون ان طلاق الثلاث بدعة ومعصية
فكيف يجوز عندهم أن يخير رسول الله صلى الله عليه وسلم في انفاذ معصية حاش لله من هذا، وقال
بعضهم: إنما خيرهن بين الدنيا والآخرة فقلنا قد بطل تعلقكم في أن للتخيير تأثيرا في
الطلاق بتخييره صلى الله عليه وسلم نساءه إذ لم يخيرهن تخييرا عندكم يكن به ان اخترن الطلاق
طوالق، وأما غيرهم فنقول لهم الآية نفسها تبطل دعواكم لان نصها (وان كنتن تردن
الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) فإنما نص الله تعالى
أنه عليه الصلاة والسلام ان أردن الدنيا ولم يردن الآخرة طلقهن حينئذ من قبل
نفسه مختارا للطلاق لا أنهن طوالق بنفس اختيارهن الدنيا ومن ادعى غير هذا فقد
حرف كلام الله عز وجل واقحم في حكم الآية كذبا محضا ليس فيها منه نص ولا دليل *
وموه بعضهم باخبار موضوعة منها ما رويناه من طريق ابن وهب. عن عبد الجبار بن
عمر. ويحيى بن عبد الله كلاهما عن ربيعة ان واحدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم اختارت نفسها
فكانت البتة. وعبد الجبار بن عمر. ويحيى بن عبد الله هالكان ثم هو مرسل * ومن طريق
ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن الزهري ان النبي صلى الله عليه وسلم إذ خير نساءه تخيرت
امرأة منهن نفسها فذهبت. وعبد الجبار قد بينا أمره وهو مرسل أيضا، ومن طريق
ابن وهب. عن ابن لهيعة. عن يزيد بن أبي حبيب. عن عمرو بن شعيب بنحو ذلك
قال: وهي بنت الضحاك العامري، ابن لهيعة لا شئ ولا مرسل أيضا وما تزوج عليه
الصلاة والسلام قط بنت الضحاك العامري، ويوضح كذب هذه الفضائح الخبر
الثابت الذي رويناه من طرق * منها من طريق مسلم حدثني حرملة بن يحيى نا ابن وهب حدثني
يونس بن يزيد. عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان عائشة قالت
123

فذكرت نزول آية التخيير وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها عليها فقالت انى أريد الله ورسوله
والدار الآخرة قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت * ومن طريق مسلم نا
إسحاق بن منصور نا عبد الرحمن - هو ابن مهدي -. عن سفيان الثوري عن عاصم
الأحول. وإسماعيل بن أبي خالد. عن الشعبي عن مسروق. عن عائشة أم المؤمنين
قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعده طلاقا *
قال أبو محمد: قد تقصينا كل هذه الآثار وأرينا عظيم كذب من ادعى الاجماع
في شئ من ذلك ووقفنا على أنه ليس في التخيير شئ الا عن عمر. وعلى وزيد أقوال
خالف فيها كل واحد منهم صاحبه وأثر لا يصح عن ابن مسعود وآثار ساقطة عن
ابن عباس والثابت عنه كقولنا أنه لا معني للتخيير أصلا وأنه ليس في التمليك الا
أقوال مختلفة عن زيد وابن عمر فقط لا ثالث لهما من الصحابة رضي الله عنهم الا
قولا ذكر عن فضالة بن عبيد فيه أن القضاء ما قضت * وأثران من طريق عثمان
وابن عباس موافقان لقولنا وأنه ليس في أمرك بيدك الا أقوال مختلفة عن عمر.
وعلى. وزيد. وعثمان. وابن عمر. وابن عمرو. وأبي هريرة. وابن مسعود.
وابن الزبير ورجال لم يسموا من الصحابة رضي الله عنهم. وفي بعض هذه قول عن
جابر بن عبد الله لم يوافق مالك أحدا منهم الا رواية عن ابن عمر صحت عنه في
المناكرة فقط. ومثلها عن عمر لم تصح عنه ولم يوافق أبو حنيفة منهم أحدا ووافقنا
نحن قولا روى عن ابن مسعود. وعمر *
قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وإذ لم يأت في القرآن
ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قول الرجل لامرأته أمرك بيدك أو قد ملكتك أمرك
أو اختاري يوجب أن تكون طالقا. أو أن لها أن تطلق نفسها أو أن تختار طلاقا
فلا يجوز أن يحرم على الرجل فرج أباحه الله تعالى له ورسوله صلى الله عليه وسلم بأقوال لم يوجبها
الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا في غاية البيان والحمد لله رب العالمين *
1938 مسألة: ومن قال لامرأته أنت على حرام أو زاد على ذلك فقال
كالميتة والدم ولحم الخنزير، أو ما قال من ذلك فهو كله باطل وكذب ولا تكون
بذلك عليه حراما وهي امرأته كما كانت نوى بذلك طلاقا أو لم ينو، وقد اختلف الناس
في هذا فقال على. وزيد بن ثابت. وابن عمر: هي بذلك القول طالق ثلاثا. وهو قول
الحسن. ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وروى عن الحكم بن عتيبة وقول آخر انها
بذلك حرام عليه ولم يذكروا طلاقا صح هذا عن علي بن أبي طالب. وعن رجال
124

لم يسموا عن الصحابة رضي الله عنهم. وعن أبي هريرة، وصح عن الحسن.
وخلاس بن عمرو. وجابر بن زيد. وقتادة انهم أمروه باجتنابها فقط، وقول
ثالث روى عن ابن مسعود إن كان نوى في التحريم الطلاق والا فهو يمين وهو قول
الحسن. وطاوس. والشافعي. والزهري، وقول رابع رويناه عن إبراهيم قال:
كان أصحابنا يقولون في الحرام ان نوى ثلاثا فهي ثلاث وان نوى واحدة فهي واحدة
بائنة وهو قول سفيان الا أنه قال: وان نوى يمينا فهي يمين وان لم ينو شيئا فهي كذب
لا شئ فيها، وقول خامس عن إبراهيم ان نوى واحدة أو لم ينو شيئا فهي واحدة بائنة
وان نوى ثلاثا فثلاث، وقد روينا من طريق وكيع عن الحسن بن حي عن المغيرة
عن إبراهيم وان نوى اثنتين فهي اثنتان، وقول سادس هو طلقة واحدة رويناه عن
عمر وبه يقول حماد بن أبي سليمان * وقول سابع وهو انه ظهار فيه كفارة الظهار صح
ذلك عن ابن عباس من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور
ابن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال في الحرام والنذر عتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا، ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن
منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الرجل إذا قال حرام على أن
آكل أو قال هذا الطعام على حرام؟ قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو
يطعم ستين مسكينا وهو قول أبى قلابة. وسعيد بن جبير. ووهب بن منبه، وهو
قول عثمان البتي. وأحمد بن حنبل، وقول ثامن وهو أن التحريم يمين فيه كفارة
يمين، ثم اختلف هؤلاء فقالت طائفة منهم هي يمين مغلظة ليس فيها الا عتق رقبة
روينا ذلك عن ابن عباس، وقال آخرون هي يمين فقط كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن معمر عن يحيى بن أبي كثير: وأيوب السختياني كلاهما عن عكرمة ان عمر بن
الخطاب قال: هي يمين يعنى التحريم * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا المقدمي
نا حماد بن زيد عن صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال: الحرام يمين * نا عبد الله
ابن ربيع نا محمد بن معاوية القرشي نا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي نا أبو الوليد
الطيالسي نا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن هبيرة عن قبيصة بن
ذئيب قال: سألت زيد بن ثابت وابن عمر عمن قال لامرأته أنت على حرام؟ فقالا جميعا
كفارة يمين * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
ان ابن مسعود قال في التحريم هي يمين يكفرها، ومن طريق مسلم نا زهير بن حرب
نا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام الدستوائي قال: كتب إلى يحيى بن أبي كثير يحدث عن
125

يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الحرام يمين يكفرها. وروى أيضا
ذلك عن أبي بكر الصديق. وعائشة أم المؤمنين وهو قول عكرمة. وعطاء روينا
ذلك من طريق عبد الرزاق. عن ابن جريج قلت لعطاء من قال لامرأته أنت على حرام؟
قال يمين قال ابن جريج فقلت له وإن كان أراد الطلاق قال قد علم مكان الطلاق قال عطاء
ولو قال أنت على كالدم أو كلحم الخنزير؟ قال عطاء هو كقوله: أنت على حرام وهو قول
مكحول. وقتادة كقول عطاء في كل ما ذكرناه * ومن طريق قتادة عن الحسن ان قال
كل حلال على حرام فهي يمين وبهذا كان يفتى قتادة وهو قول الشعبي * ومن طريق وكيع
عن سفيان الثوري. عن داوود بن أبي هند. عن سعيد بن المسيب قال: " الحرام يمين
يكفرها " وهو قول سليمان بن يسار. وجابر بن زيد وسعيد بن جبير * ومن طريق الحجاج بن
المنهال نا جرير بن حازم قال: سألت نافعا مولى ابن عمر عن الحرام اطلاق هو؟ قال لا
أوليس قد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمره الله عز وجل ان يكفر يمينه ولم يحرمها عليه،
وروى عن طاوس أيضا فهو قول الأوزاعي. وأبى ثور. وروينا عن الحسن أنه قال هو في غير
الزوجة يمين، وقول تاسع وهو التوقف كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا
إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: يقول رجال في الحرام هي حرام حتى تنكح زوجا غيره
ولا والله ما قال ذلك على إنما قال على: ما أنا بمحلها ولا بمحرمها عليك إن شئت فتقدم
وإن شئت فتأخر، وقول عاشر عن أبي حنيفة فإنه قال إذا قال لامرأته أنت على
حرام فان نوى طلقة واحدة أو طلقتين أو طلاقا دون عدد فهو في كل ذلك طلقة واحدة بائنة
لا أكثر فان نوى ثلاثا فهي ثلاث فان نوى يمينا فهي يمين فيه كفارة يمين فإن لم ينو شيئا
فهو ايلاء فيه حكم الايلاء فان نوى الكذب صدق في الفتيا ولم يكن شيئا ولا ينوى في القضاء
بل يكون ايلاء ولابد ولا يكون ذلك ظهارا أصلا سواء نواه وقال ذلك أو لم ينوه ولا
قاله: وقول حادي عشر قاله مالك وهو انه من قال لامرأته: أنت على حرام فإن كان
مدخولا بها فهي ثلاث طلقات لا ينوى في ذلك فان كانت غير مدخول بها فإنه ينوى
فان قال نويت واحدة فهي واحدة وان قال نويت اثنتين فهي اثنتان وان قال نويت
ثلاثا فهي ثلاث قال: فان قال ذلك لغير امرأته فليس بشئ سوا قال ذلك لامته أو
لطعام قال فلو قال كل حل على حرام لم يحرم عليه بذلك شئ إلا زوجته فقط فان
قال استثنيت نسائي أو امرأتي في نفسي صدق في ذلك، وقول ثاني عشر ليس التحريم
بشئ لا في الزوجة ولا في غيرها ولا يقع بذلك طلاق أصلا ولا ايلاء ولا ظهار ولا تحريم ولا
تجب في ذلك كفارة أصلا كما روينا من طريق البخاري نا الحسن بن الصباح سمع الربيع بن نافع
126

نا معاوية - هو ابن سلام - عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم. عن سعيد بن جبير أنه سمع
ابن عباس يقول: إذا حرم امرأته ليس بشئ لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة *
ومن طريق وكيع. عن إسماعيل بن أبي خالد. عن الشعبي. عن مسروق قال: ما
أبالي حرمت امرأتي أو قصعة من ثريد * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن صالح بن مسلم. عن الشعبي أنه قال: في تحريم المرأة لهي أهون علي من نعلي *
ومن طريق عبد الرزاق. عن ابن جريج. أخبرني عبد الكريم. عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن بن عوف أنه قال: ما أبالي حرمتها يعنى امرأته أو حرمت ماء النهر *
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى أنا قتادة أن رجلا جعل امرأته عليه
حراما فسأله عن ذلك حميد بن عبد الرحمن الحميري؟ فقال له حميد: قال الله عز وجل:
(فإذا فرغت فانصب والى ربك فارغب) وأنت رجل تلعب فاذهب فالعب، وهو
قول أبى سليمان وجميع أصحابنا *
قال أبو محمد: أما قول مالك. وأبي حنيفة فما نعلم أحدا قبلهما قال بما قالا
من تقسيم ما قسماه مع أنه لا يؤيد قولهما قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة
ولا قياس ولا رأى له وجه وما يدرى أحد وجه التفريق بين تحريم الزوجة وبين
تحريم الأمة وغيرها والأمة تحرم بالعتق كما تحرم الزوجة بالطلاق. وكما يحرم
المتاع بالصدقة به وببيعه وقد تحل المطلقة ثلاثا بعد زوج فهلا قالوا بتحريمها في الأبد
كما قالوا في الناكح في العدة يدخل بها فكان يكون قد أتم في التحريم وكذلك لا
يعلم أحد وجه التفريق بين تحريم الزوجة التي أحلها الله عز وجل وبين تحريم الطعام
الذي أحله الله تعالى، وقد سوى بين الامرين عطاء. وغيره. وأطرف شئ
تفريقهم بين المدخول بها وغير المدخول بها وحجتهم في ذلك أن التي لم يدخل بها
تبينها الواحدة فقلنا: لهم والمدخول بها عندكم أيضا تبينها الواحدة البائنة فما الفرق
ان هذا العجب، وكذلك قول أبي حنيفة ان نوى اثنتين فهي واحدة بائنة وان نوى
ثلاثا فهي ثلاث. واحتجوا في ذلك بان الطلاق البائن لا يرتدف على الطلاق البائن
ونسوا قولهم: ان الخلع طلاق بائن وأنه ان طلقها في عدتها لحقتها طلقة أخرى بائنة
فاعجبوا لتناقضهم. وكذلك قوله إن نوى ايلاء أو لم ينو شيئا فهو ايلاء. وان نوى
الظهار لم يكن ظهارا ليت شعري من أين خرج هذا الفرق، وكذلك قول الشافعي
ان نوى طلاقا فهو طلاق وان نوى ايلاء لم يكن ايلاء وان نوى ظهارا لم يكن ظهارا
وهذا فرق لا يعرف وجهه، فان قيل للظهار وكالايلاء ألفاظ لا يكونان الا بها قلنا:
127

وللطلاق لفظ لا يكون الا به فان قالوا قد يكون الطلاق بغير لفظ الطلاق قلنا: وقد يكون
الظهار عندكم بغير ظهر الام، وقد يكون الايلاء عندكم بغير ذكر الالية بالله
تعالى ولا فرق *
قال أبو محمد: وسائر الأقوال الموجبة للطلاق ولليمين وللظهار وللايلاء كلها أقوال
لم تأت في نص قرآن ولا في سنة ولا حجة في سواهما بل وجدنا الله تعالى يقول: (يا أيها النبي لم
تحرم ما أحل الله لك) فأنكر الله تعالى تحريم ما أحله له والزوجة مما أحل الله فتحريمها
منكر والمنكر مردود لا حكم له الا التوبة والاستغفار، وقال عز وجل: (ولا تقولوا
لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) فمن
قال لامرأته الحلال له بحكم الله عز وجل هي حرام فقد كذب وافترى ولا تكون
عليه حراما بقوله لكن بالوجه الذي حرمها الله تعالى به صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فتحريم الحلال احداث
حدث ليس في أمر الله عز وجل فوجب أن يرد، ولا فرق بين قول القائل امرأتي على
حرام وبين قوله امرأة زيد لي حلال، ولا فرق بين من حرم على نفسه لحم الكبش
وبين من أحل لنفسه لحم الخنزير، فصح أن التحريم باطل ولا حكم للباطل الا ابطاله
والتوبة منه وبالله تعالى التوفيق، وكذلك قوله لها أنت على كالميتة والدم ولحم
الخنزير وكل ذلك كذب بل هي حلال كالماء ولا تكون حراما بهذا القول وبالله
تعالى تتأيد *
1939 مسالة: ومن ذلك من قال لامرأته قد وهبتك لأهلك فإننا روينا
عن علي بن أبي طالب من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمرو ان
علي بن أبي طالب قال: في المرأة توهب لأهلها ان قبلوها فواحدة بائنة وان ردوها
فواحدة وهو أحق بها يعنى برجعته، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن إبراهيم
- هو التستري - نا الحسن - هو البصري - قال: كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقولون: ان وهب امرأته لأهلها فأمسكوها فقد بانت منه وان هم ردوها عليه فهي
واحدة وهو أحق بها، وروى هذا القول عن إبراهيم النخعي وقول آخر وهو مروى عن علي
أيضا وهو أنه ان قبلوها فهي واحدة وان لم يقبلوها فليس بشئ، ومن طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال يعنى في الموهوبة
ان قبلوها (1) فواحدة بائنة وان لم يقبلوها فليس بشئ، وقال عطاء ان قبولها فواحدة بائنة

(1) وفي النسخة رقم 14 فواحدة باسقاط بائنة
128

وان لم يقبلوها فليس بشئ، وقول ثالث كما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن قتادة. عن الحسن ان زيد بن ثابت قال: ان قبلوها فهي ثلاث لا تحل له حتى تنكح
زوجا غيره وان ردوها فواحدة وهو أحق بها وهذا قول الحسن، وقول رابع رويناه
من طريق سعيد بن منصور. عن إسماعيل بن عياش. عن عبد الله بن عبيد الله الكلاعي.
وعبد العزيز بن عبيد الله قال الكلاعي عن مكحول وقال عبد العزيز. عن الشعبي. عن
مسروق ثم اتفق مسروق ومكحول فيمن وهب امرأته لأهلها قالا جميعا ان قبولها
فهي طلقة وهو أملك بها وان لم يقبلوها فلا شئ، وروينا هذا أيضا عن الزهري وهو
قول أحمد بن حنبل. وإسحاق بن راهويه، وقول خامس كما روينا عن سعيد بن منصور
انا المعتمر بن سليمان التيمي. عن منصور. عن إبراهيم قال: كان يقال في الموهوبة
لأهلها تطليقة قال سعيد وأرناه أبو عوانة. عن منصور. عن إبراهيم بمثله وزاد لا
ندري أبائنة أم رجعية، وقول سادس روى عن ربيعة. ويحيي بن سعيد. وأبى الزناد فيمن
وهب امرأته لأهلها قالوا: هي ثلاث قبلوها أو ردوها، وقول سابع قاله الأوزاعي
قال: هي طلقة واحدة قبلوها أو ردوها، وقول ثامن وهو قول الليث بن سعد من وهب
امرأته لأهلها فالقضاء ما قضوا فإن كان وهبها لهم وهو لا ينتظر قضاءهم فهو طلاق
البتة، وقول تاسع رويناه عن مالك وهو أنه قال: من وهب امرأته لأهلها فان كانت
مدخولا بها فهي طالق ثلاثا قبلوها أو لم يقبلوها وان كانت غير مدخول بها فهي واحدة
فقط قبلوها أو ردوها، وقول عاشر رويناه عن الشافعي قال: من وهب امرأته
لأهلها فله نيته في الفتيا والقضاء فان قال: لم أنو طلاقا لم يلزمه طلاق وان قال نويت ثلاثا
فهي ثلاث وان قال نويت اثنتين فهي اثنتان رجعيتان وان قال نويت واحدة فهي واحدة
رجعية، وقول حادي عشر وهو قول أبي حنيفة قال: ان قال لامرأته قد وهبتك
لأهلك. أو قال لأبيك. أو قال لأمك. أو قال للأزواج فإن كان هذا في غضب أو جوابا
لها إذ سألته الطلاق ثم قال لن أنو الطلاق صدق ولم يلزمه طلاق في الفتيا وفي القضاء
وان قال نويت بذلك الطلاق فان نوى ثلاثا فهي ثلاث وان نوى اثنتين بائنتين أو
رجعيتين أو واحدة بائنة أو رجعية لم يكن في كل ذلك الا واحده بائنة فقط لا أكثر
قال فلو قال لها وهبتك لخالتك أو قال لزيد أو لفلان وذكر أجنبيا فليس ذلك بشئ
ولا يلزمه بذلك طلاق سواء نوى بذلك طلاقا ثلاثا أو أقل أو لم ينو طلاقا كان
ذلك في غضب أو في جواب سؤالها إياه الطلاق أو لم يكن ولا معنى لحكم أهلها
الذين وهبها لهم في ذلك، وقول ثاني عشر وهو أن كل ذلك باطل لا يلزمه به طلاق
129

أصلا نواه أو لم ينوه وهو قول أبي ثور. وأبي سليمان. وأصحابنا *
قال أبو محمد: اما قول أبي حنيفة فآبدة من أوابد الدهر وتفريق ما سمع بأسخف
منه كل ذلك بلا دليل يعقل ولا قياس يضبط ولا رأى له وجه ولا نعلمه عن أحد قبله
لا سيما إذا أضيف هذا القول إلى قوله الذي ذكرناه في التخيير والتمليك وتلك
التفاريق السخيفة، وأما قول مالك بين المدخول بها وغير المدخول بها في التفريق
فما يعلم عن أحد قبله وما ندري من أين وقع لهم بالهبة أن تكون طالقا ثلاثا، وقالوا
المدخول بها لا يحرمها الا الثلاث فقلنا: وقد يحرمها عندكم الواحدة البائنة فان قالوا
يتزوجها إذا شاء وشاءت وفي الثلاث يتزوجها بعد زوج وكذلك غير المدخول بها يتزوجها
في البائنة ان شاء وشاءت وهلا حرمتموها في الأبد كما فعلتم بالمدخول بها في عدتها *
قال أبو محمد: وسائر الأقوال لا نعلم لشئ منها برهانا لا قرآنا ولا سنة ولا حجة
في سواهما وما كان هكذا فلا يجوز القول به، ومن الباطل أن يهب حرة أو أمة غيره
فهبته فاسدة والفاسد لا حكم له الا بابطاله والتوبة إلى الله عز وجل منه فصح الذي
قلنا وبالله تعالى نتأيد *
1940 مسألة: ومن باع عبده وله زوجة فهي زوجته كما كانت ومن
باع أمته ولها زوج فهي زوجته كما كانت وقد اختلف الناس في ذلك كما روينا
من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم قال: سئل إبراهيم النخعي عن الأمة تباع ولها
زوج فقال كان عبد الله بن مسعود يقول بيعها طلاقها ويتلو هذه الآية (والمحصنات
من النساء الا ما ملكت ايمانكم) نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم
ابن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان
الثوري. عن حماد بن أبي سليمان. عن إبراهيم النخعي. عن ابن مسعود أنه قال في قول الله
تعالى: (والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم) ذوات الأزواج من المسلمين
والمشركين لا ومن طريق وكيع. عن المبارك بن فضالة عن الحسن البصري عن أبي
ابن كعب قال بيعها اطلاقها * انا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا احمد
ابن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا سليمان
التيمي. عن أبي مجلز. عن أنس بن مالك قال: بيع الأمة طلاقها قال انس:
(والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم) قال ذوات البعول * ومن طريق عبد
الرزاق. عن معمر. عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن جابر بن عبد الله قال: بيعها
130

طلاقها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس
أنه كان يقول: بيع الأمة هو طلاقها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا يونس
ابن عبيد عن الحسن قال أيهما بيع فهو طلاق يعنى العبد من زوجته والأمة
من زوجها * نا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم
ابن محمد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الأعلى نا سعيد بن أبي
عروبة عن قتادة عن الحسن البصري أنه قال في الأمة بيعها طلاقها يعنى من زوجها
وبيعه طلاقها يعنى من زوجته * ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن
أبيه قال: إذا زوج عبده من أمته فالطلاق بيد العبد وإذا اشترى أمة ولها زوج فالطلاق
بيد المشترى، وقالت طائفة ان بيعت الأمة فهو طلاقها من زوجها وان بيع العبد
وله زوجة لم تطلق بذلك، كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
وابن أبي نجيح قال الزهري: عن سعيد بن المسيب وقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد
قالا جميعا: بيعها طلاقها فان بيع العبد لم تطلق هي حينئذ، وروينا عن الحسن البصري
ان العبد إذا أبق وله زوجة فإنها طالق بإباقة العبد، روينا ذلك من طريق سعيد بن
منصور نا هشيم أرنا منصور عن الحسن انه كان يقول: إباق العبد طلاقه، وذهبت
طائفة إلى قول آخر كما روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا مسدد نا المعتمر
ابن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز عن أنس بن مالك قال في قول الله
عز وجل (والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم) قال المحصنات ذوات الأزواج
من الحرائر وإذ هو لا يرى بأسا بما ملكت اليمين أن ينتزع الرجل الجارية من عبده
فيطؤها، وبه إلى إسماعيل نا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن جعفر غندر عن ابن جريج
عن عطاء عن ابن عباس في قول الله عز وجل: (الا ما ملكت ايمانكم) قال ينتزع الرجل
وليدته امرأة عبده * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء أنتزع أمتي من
عبد قوم آخرين أنكحتها إياه؟ قال نعم وارضه قلت: أبى الا صداقه قال هوله كله فان
أبى فانتزعها ان شئت، ومن حر أنكحتها إياه ثم رجع عطاء فقال: لا تنتزعها من الحر
وان أعطيته الصداق فلا تستخدمها ولا تبعها، وذهب آخرون إلى أن بيع الأمة
ليس طلاقا وان بيع العبد أو إباقه ليس طلاقا لزوجته ولا للسيد ان ينتزع أمته من
عبده إذا زوجها منه، روينا عن عمر بن الخطاب أنه ليس بيع الأمة طلاقا لها من
زوجها، وصح أن ابن عمر ان سأله رجل فقال: اشتريت جارية لها زوج أفأطؤها فقال
له ابن عمر: أتريد ان أحل لك الزنا؟ وصح هذا أيضا عن عبد الرحمن بن عوف وعن
131

عثمان. وعلى. وسعد بن أبي وقاص. وبه يقول أبو حنيفة: (1) ومالك. والشافعي. واحمد
وأبو سليمان وأصحابهم *
قال أبو محمد: احتج من رأى بيعها طلاقها بقول الله عز وجل: (والمحصنات من
النساء الا ما ملكت ايمانكم) قالوا فحرم الله تعالى علينا كل محصنة الا ما ملكت ايماننا
فهي حلال لنا من جملة المحصنات والمحصنات هن ذوات الأزواج فصح انهن إذا كن
ذوات أزواج فملكناهن انهن لنا حلال ولا يحللن لنا الا بان يحرمن على أزواجهن
إذ كون الفرج حلالا لاثنين معا ممنوع في الديانة قالوا: وسواء في ذلك المبيعات
والمسبيات لان الآية على عمومها، وقالت طائفة: إنما عنى الله عز وجل بذلك المسبيات
خاصة، روينا ذلك عن علي بن أبي طالب من طريق إبراهيم عنه وإبراهيم لم يدركه ولا
لقيه، وعن ابن عباس من طريق إسرائيل بن يونس وهو ضعيف، وروينا عن ابن عباس
أيضا كل ذات زوج عليك حرام من طريق يحيى بن عبد الملك (2) الحماني وهو
ضعيف عن شريك وهو مدلس *
قال أبو محمد: أما من جعل بيع الأمة طلاقها واحتج بقوله تعالى: (الا ما ملكت
ايمانكم) فوجدناها قد خصها خبر صحيح وهو بيع بريرة وابتياع عائشة أم المؤمنين لها
ولها زوج اسمه مغيث فلم يكن بيعها طلاقا لها ثم أعتقتها أم المؤمنين بعد ابتياعها لها
فلم يكن ذلك أيضا طلاقا لها بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ في البقاء في زوجيته
أو في فراقه فصح بذلك ان بيع الأمة ليس طلاقا لها وصح بهذا ان قوله تعالى: (الا
ما ملكت ايمانكم) استثناء منقطع معناه لكن ما ملكت ايمانكم ما لم يحرم عليكم كذوات
المحارم وذوات الأزواج والكوافر فما عدا هؤلاء فحلال لكم، وأما من قال: بيع
العبد طلاق لزوجته الأمة فلا نعلم له شيئا يتعلق به فسقط هذا القول والحمد لله رب
العالمين، ثم نظرنا في المسبية مع زوجها أو دونه أو يسبى هو دونها أو خرجت إلى
أرض المسلمين ولها زوج في ارض الحرب فوجدناها لا تخلو من أن تكون إذ سبيت
أو خرجت إلى أرض المسلمين مختارة بقيت على دينها الكتابي أو غير الكتابي أو أسلمت
لا تخلو ضرورة من أحد هذين الوجهين ولا ثالث هناك فان كانت لم تسلم فقد بينا
في صدر كلامنا في النكاح من كتابنا هذا أن وطئ الأمة الكافرة كتابية كانت أو غير
كتابية بملك اليمين لا يحل أصلا فأغنى عن اعادته لقول الله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات
حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم) ولم يخص الله تعالى من هذا

(1) وفي النسخة رقم 14 اسقاط مالك والصواب اثباته
(2) وفي النسخة رقم 16 الحراني
132

التحريم الا ما كان بالزواج فقط بقوله تعالى: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات
من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) وقد صح أن عقود نكاحات
الكفار صحاح ومنها كانت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وما صح
فلا سبيل لابطاله الا بنص فصح انها ما لم تسلم المسبية ذات الزوج فهي على زوجيتها
سواء بقي في دار الحرب أو سي معها، وأما قول من قال إن اختلاف الدارين يقطع
عصمة النكاح فقول باطل فاسد لأنه دعوى مجردة لم يؤيدها قط قرآن ولا سنة
وقد تكلمنا في صدر كتابنا هذا في الخبر الوارد من طريق أبي سعيد الخدري إذ
أصابوا سبايا أوطاس فتحرجوا من غشيانهن فأنزل الله عز وجل: (والمحصنات من
النساء الا ما ملكت ايمانكم) فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن وبينا انهن بيقين
متفق عليه وثنيات من سبايا هوازن ووطؤهن لا يحل للمسلمين حتى يسلمن بلا خلاف
منا ومن الحاضرين من المخالفين وبنص تحريم المشركات حتى يؤمن، فصح أن مراد
الله تعالى بذلك إذا أسلمن *
قال أبو محمد: فإذا أسلمن فلا يخلون ضرورة من أن يكون زوج من أسلم منهن
سبى معها أو لم يسب بل هو في ارضه فإن كان معها أو في أرضه ولم يسلم قبل اسلامها
ان كانت كتابية أو مع اسلامها كائنا ما كان دينها فقد انفسخ نكاحها منه على
ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى فإذا انفسخ نكاحها باسلامها دون اسلام زوجها
فقد حل فرجها لسيدها المسلم حينئذ بنص القرآن والسنة بلا خلاف فان أسلم زوجها
مع اسلامها كائنا ما كان دينها أو أسلم قبل اسلامها وهي كتابية فهما في كل ما ذكرنا
باقيان على زوجيتهما لما ذكرنا من أن كل نكاح صح بتصحيح الله تعالى إياه فإنه لا يحل
لاحد فسخه الا بنص قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة ولا سبيل إلى وجود
شئ من ذلك في فسخ نكاح المسبية بعد اسلامها دون اسلام زوجها فقط، وقد قال
أبو حنيفة: إذا سبى الزوجان فهما على نكاحهما حتى يخرجا إلى دار الاسلام فإذا
صارا فيها انفسخ النكاح وهذا قوله أوله صحيح وآخره في غاية الفساد لان اختلاف
الدارين لا يحرم نسبا ولا يحله، وقال مالك: ان جاء أهل الحرب بسبي فيه زوجان
فهما على نكاحهما *
قال أبو محمد: كل قول ما لم يؤيده قرآن ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة فهو باطل
بيقين لا شك فيه وبالله تعالى التوفيق *
1941 مسألة: ومن فقد فعرف أين موضعة أو لم يعرف في حرب فقد
133

أو في غير حرب وله زوجة أو أم ولد وأمة ومال لم يفسخ بذلك نكاح امرأته أبدا
وهي امرأته حتى يصح موته أو تموت هي ولا تعتق أم ولده ولا تباع أمته ولا يفرق ماله
لكن ينفق على من ذكرنا من ماله فإن لم يكن له مال بيعت الأمة وقيل للزوجة ولام الولد انظرا
لأنفسكما فإن لم يكن لهما مال مكتسب انفق عليهما من سهم الفقراء والمساكين من الصدقات
كسائر الفقراء ولا فرق، وقد اختلف الناس في ذلك فصح عن عمر بن الخطاب أنه قال امرأة
المفقود تعتد أربع سنين من طرق، منها من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول وسليمان
التيمي قال عاصم عن أبي عثمان النهدي عن عمر، وقال سليمان عن أبي عمر والشيباني عن
عمر وكلاهما أدرك عمر وسمع منه * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الوهاب بن عبد المجيد
الثقفي نا خالد الحذاء عن أبي نضرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت عمر
خير مفقودا تزوجت امرأته بينها وبين المهر الذي ساقه إليها *
قال أبو محمد: إنما أوردنا هذا ليصح سماع عبد الرحمن لذلك من عمر،
ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن رجلا
فقد امرأته فأتت عمر بن الخطاب بعد أربع سنين فسأل قومها فصدقوها فأمرها أن
تعتد أربع سنين من ذي قبل ثم تزوجت فجاء زوجها وذكر الخبر قال: فخيره عمر
بين الصداق وبين امرأته فاختار الصداق * ومن طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبي
هند عن أبي نضرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ان امرأة فقدت زوجها فأتت عمر
فسأل جيرانها وقومها فصدقوها فقال لها: اعتدى أربع سنين وتزوجي فجاء زوجها
بعد ذلك فخيره عمر بين الصداق وبين امرأته * ومن طريق عبد الرازق عن معمر
عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: فقدت امرأة زوجها فمكثت
أربع سنين ثم ذكرت أمرها لعمر بن الخطاب فأمرها أن تتربص أربع سنين من
حين رفعت أمرها إليه فان جاء زوجها والا تزوجت فتزوجت بعد ان مضت
السنوات الأربع ولم تسمع له بذكر ثم جاء زوجها فأخبر بالخبر فأتى إلى عمر فقال له
عمر: ان شئت رددنا إليك امرأتك وان شئت زوجناك غيرها قال: بل زوجني
غيرها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا داود بن أبي هند عن أبي نضرة
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن رجلا من الأنصار خرج ليلا فاستبته الجن فطالت
غيبته فأتت امرأته عمر بن الخطاب فأخبرته فأمرها ان تعتد أربع سنين ففعلت
فأمرها أن تتزوج ففعلت وقدم زوجها الأول فخيره عمر بين امرأته وبين الصداق
فاختار امرأته ففرق عمر بينهما وردها إليه *
134

قال أبو محمد: هذا الذي لا يصح عن عمر غيره أصلا وهو أن تبتدئ بتربص
أربع سنين من حين ترفع أمرها إلى الامام فإذا أتمت الأربع سنين تزوجت ان
شاءت فان جاء زوجها وقد تزوجت فهو مخير بين صداقها الذي أعطاها وبين أن
ترد إليه امرأته ويفسخ نكاح الآخر أو يزوجه الامام زوجة أخرى * وروينا
نحو هذا عن ابن عباس وابن عمر من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن أبي
بشر عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس. وابن عمر قالا جميعا في
امرأة المفقود: تنتظر أربع سنين، قال ابن عمر: ينفق عليها فيها من مال زوجها
لأنها حبست نفسها عليه، قال ابن عباس: إذا يجحف ذلك بالورثة ولكن تستدين
فان جاء زوجها أخذت من ماله فان مات قضت من نصيبها من الميراث ثم قالا جميعا
ينفق عليها بعد الأربع سنين أربعة أشهر وعشرا من جميع المال *
قال أبو محمد: هذا صحيح عن ابن عباس وابن عمر، وروى عن عمر غير هذا من
طريق لا تصح فيها الحجاج بن أرطأة ان عمر أمر امرأة المفقود أن تتربص أربع
سنين من حين ترفع أمرها إليه فإذا أتمتها طلقها وليه (1) عنه ثم تعتد بعد ذلك
أربعة أشهر وعشرا ثم تتزوج فان جاء زوجها وقد تزوجت خيره عمر بينها
وبين صداقها * وروى عن عمر غير هذا كله أيضا من طرق لا تصح لان فيها
عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي وهي أيضا مرسلة عن عبيد بن عمير قال: فقدت
امرأة زوجها فأتت عمر بن الخطاب فأمرها أن تتربص أربعة أعوام ففعلت ثم
جاءته فأمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم أتته فدعى ولى المفقود فأمره ان
يطلقها فطلقها فأمرها أن تعتد ثلاثة قروء ففعلت ثم أتته فأباح لها الزواج فتزوجت
فجاء زوجها المفقود فخيره عمر بين امرأته تلك وبين الصداق فاختار الصداق
فأمر له عمر بالصداق، وروى عن عمر أيضا قول رابع لا يصح لأنه مرسل من
طريق مالك بن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: ان عمر بن الخطاب
قال: أيما امرأة فقدت زوجها فإنها تنتظره أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم
تحل، وروينا من طريق الحسن عن عمر مثل ذلك، ومن طريق الزهري وعطاء
وعمرو بن دينار عن عمر مثل ذلك، وروينا عن عمر أيضا غير ذلك كله من طريق
ضعيفة فيها المنهال بن عمرو ان عمر بن الخطاب أتته امرأة فقدت زوجها مذ ثلاثة
أعوام وثمانية أشهر فأمرها عمر أن تتم أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفى عنها ثم

(1) وفي النسخة رقم 14 وليها والصواب ما هنا
135

تتزوج ان شاءت *
قال أبو محمد: وقد جاء من طريق سعيد بن المسيب. وعمرو بن دينار. والزهري
غير ما ذكرنا آنفا عنهم كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
عمرو بن دينار قال: ان عمر بن الخطاب امر ولى المغيب عنها زوجها أن يطلقها *
ومن طريق عبد الرازق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن
عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان قضيا في المفقود أن امرأته تتربص أربع
سنين وأربعة أشهر وعشرا بعد ذلك ثم تتزوج فان جاء زوجها الأول خير بين
الصداق وبين امرأته *
قال أبو محمد: ليس معمر دون مالك: وأما الزهري (1) فأحفظ من يحيى بن
سعيد ورواية سعيد هذه عن عثمان صحيحة لأنه أدركه وجالسه وقتل عثمان رضي الله عنه
وابن المسيب له عشرون سنة، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال
أخبرني عطاء الخراساني أن ابن شهاب أخبره أن عمر وعثمان قضيا في ميراث
المفقود أنه يقسم من يوم تمضى الأربع السنون وتستقبل امرأته عدة أربعة أشهر
وعشرا، ومن طريق سعيد بن منصور ثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار
عن يحيى بن جعدة ان امرأة فقدت زوجها فلبثت ما شاء الله تعالى ثم أتت عمر بن
الخطاب فأمرها أن تتربص أربع سنين فلم يجئ فأمر عمر وليه أن يطلقها ثم أمرها
أن تعتد فإذا انقضت عدتها فان جاء زوجها خيره بينها وبين الصداق، ومن طريق
حماد بن سلمة (2) عن أيوب السختياني عن أبي المليح الهذلي أن رجلا
ركب البحر فتيه به فتزوجت امرأته وأمهات أولاده وقسم ميراثه فقدم بعد ذلك
فارتفعوا إلى عثمان بن عفان فخير الرجل بين امرأته وبين الصداق ورد عليه أمهات
أولاده وجعل في أولادهن الفداء فلما قتل عثمان رضي الله عنه ارتفعوا إلى علي بن أبي طالب
فقضى بمثل قضاء عثمان، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن
أيوب السختياني أن أبا المليح بن أسامة سئل عن امرأة المفقود؟ فقال أبو مليح:
حدثتني سهيمة بنت عرم الشيبانية أنها فقدت زوجها في غزاة غزاها فلم يدر أهلك
أم لا فتربصت أربع سنين ثم تزوجت فجاء زوجها الأول فركب هو وزوجها الثاني
إلى عمان فأخبراه، فقال عثمان يخير الأول بين امرأته وبين صداقها فلم يلبث ان

(1) وفي النسخة رقم 14 فهو احفظ
(2) وفي النسخة رقم 14 نا أيوب
136

قتل عثمان فركبا (1) إلى علي بالكوفة فقال: ما أرى إلا ما قال عثمان قالت: فاختار
الصداق فأعنت زوجي بألفين وكان الصداق أربعة آلاف ورد أمهات أولاده كن
تزوجن بعده ورد أولادهن معهن علمي انه قاله، ومن طريق حماد بن سلمة
أرنا قتادة عن خلاس بن عمرو أن علي بن أبي طالب قال: امرأة المفقود تعتد
أربع سنين ثم يطلقها الولي ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا فإذا جاء زوجها خير بين
امرأته وبين الصداق وهذا صحيح عن علي *
قال أبو محمد: وأما التابعون فروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا الربيع
ابن حبيب قال سألت الحسن البصري عن المفقود زوجها؟ فقال تعتد أربع سنين ثم
يطلقها وليه ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا عدة المتوفى عنها زوجها ثم تتزوج ان
شاءت فان جاء زوجها فهو بالخيار فان شاء امرأته وان شاء صداقها الذي كان أصدقها *
ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة أن الحسن كان يخير المفقود بين الصداق
الأول وبين امرأته قال قتادة، وقال الخلاس بن عمرو: يخير بين الصداق الآخر
وبين امرأته * ومن طريق حماد بن سلمة أرنا عطاء بن السائب قال: بينما أنا عند
إبراهيم النخعي وعنده رجل من أصحاب السابري حزين كئيب فقلت ما شأن ذا
فقال (2) النخعي قدم زوج امرأته فقلت فكيف يصنع قال يخير بين الصداق وبين
امرأته فان اختار الطلاق أقام هذا على امرأته ولا تعتد منه لأن الماء ماؤه وان اختار
امرأته اعتدت من هذا قال عطاء: فأخبرت بذلك الحكم بن عتيبة فقال: لا يكون
شئ من هذا الا وفيه عدة، ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج عن عطاء بن أبي
رباح في امرأة المفقود قال: تتربص أربع سنين من يوم يتكلم ثم يطلقها وليه (3)
يأخذ بالوثاق ولا يمنع زوجها تلك الطلقة وان كانت البتة فان جاء فاختارها أن يراجعها
فتعتد عدة الوفاة فان جاء فاختارها اعتدت من الآخر وان اختار صداقها غرمته
هي من مالها ولم تعتد من الآخر وقرت عنده كما هي، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري في امرأة المفقود يأتي وقد تزوجت ان المرأة تغرم الصداق، ومن
طريق أبى عبيدنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن أيوب بن موسى عن مكحول
في امرأة المفقود إذا قدم الأول كانت امرأته ان شاء واعتدت من زوجها الذي هي
عنده وان شاء فله ما أصدقها * ومن طريق أبى عبيدنا محمد ابن أبي عدى عن داود

(1) وفي النسخة رقم 14 فركب بالافراد والصواب التثنية
(2) وفي النسخة رقم 14 فقال لي النخعي
(3) وفي النسخة رقم 16 من يوم يتكلم بطلاقها وليه
137

ابن أبي هند عن الشعبي قال: لولا أن عمر خير المفقود لرأيته أحق بها إذا شاء *
ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدى بن
أرطأة امرأة المفقود تعتد أربع سنين، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: إذا فقد في الصف تربصت به سنة
وإذا فقد في غير صف فأربع سنين: وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال:
إذا مضت أربع سنين من حين ترفع امرأة المفقود أمرها فإنه يقسم ماله بين ورثته *
ومن طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال في الذي يحضر القتال
فلا يدرى أسر أم قتل فانى أرى أن تعتد امرأته عدة المؤجلة أربع سنين وأربعة أشهر
وعشرا ثم تنكح ان شاءت * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة في
المفقود يتلوم لطلبه فلا يوجد له خبر فذلك الذي يضرب الامام لامرأته فيما بلغنا
ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها يقولون: ان جاء زوجها في عدتها أو بعد العدة ما لم
تنكح فهو أحق بها فان نكحت بعد العدة ودخل بها فلا سبيل له عليها، ومن
طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة قال إذا فرق السلطان بينهما فلا
سبيل للأول عليها ولا رجعة دخل بها أو لم يدخل، وروينا غير هذا كله عن علي
ابن أبي طالب وغيره كما روينا من طريق أبى عبيدنا جرير عن منصور بن المعتمر
عن الحكم بن عتيبة قال قال علي بن أبي طالب (1) إذا فقدت المرأة زوجها لم
تتزوج حتى يقدم أو تموت * ومن طريق أبى عبيد أيضا نا هشيم انا سيار عن الشعبي
قال قال علي بن أبي طالب إذا جاء زوجها الأول فلا خيار له وهي امرأته *
ومن طريق أبى عبيدنا علي بن معبد (2) عن عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري
عن سعيد بن جبير قال قال علي بن أبي طالب في امرأة المفقود تزوج هي امرأة
الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: بلغني
عن ابن مسعود أنه وافق علي بن أبي طالب في امرأة المفقود على أنها تنتظره أبدا *
ومن طريق سعيد بن منصور ثنا هشيم أخبرنا سيار عن الشعبي انه كان يقول في
امرأة المفقود ان جاء الأول فهي امرأته ولا خيار له قال هشيم وهو القول قال هشيم
وأرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أنه قال في امرأة المفقود إذا تزوجت فحملت
من زوجها الآخر ثم بلغها ان زوجها الأول حي (3) يفرق بينها وبين زوجها الآخر
فان مات زوجها الأول فإنها تعتد من هذا الآخر بقية حملها فإذا وضعت اعتدت من

(1) وفي النسخة رقم 14 وغيره كما روينا
(2) وفي النسخة رقم 16 علي بن سعيد
(3) وفي النسخة رقم 14 أنه يفرق
138

الأول أربعة أشهر وعشر أو ورثته * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة
أمقسم عن إبراهيم النخعي في امرأة المفقود قال: هي مبتلاة فلتصبر *
ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن مغيرة عن النخعي مثل قول على
في امرأة المفقود لا تتزوج حتى يستبين أمره * ومن طريق شعبة أنه سمع حماد بن أبي
سليمان يقول قال عمر في امرأة المفقود تخير وقال على هي امرأته قال حماد وعمر
أحب إلى من على وقول على أعجب إلى من قول عمر، وممن قال لا تؤجل امرأة المفقود
ولا يفرق بينه وبينها القاضي ابن أبي ليلى. وابن شبرمة. وعثمان البتي. وسفيان.
الثوري. والحسن بن حي. وأبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان وأصحابهم، وقال
الشافعي. وأبو سلمان من حكم بتأجيلها ثم فسخ النكاح منه وأمرها أن تعتد ثم تزوجت
فإنه يفسخ كل ذلك وترد إلى الأول كما كانت، وقال الأوزاعي في القوم يلقون العدو فيفقدون
فلا يدرى أقتلوا أم أسروا فان نساءهم يعتدون عدة المتوفى عنها زوجها ثم يتزوجن
كتب بذلك عمر بن الخطاب، وعلى هذا مضى أمر الناس، وقال الليث بن سعد في
امرأة المفقود: انها تؤجل فان جاء زوجها المفقود ووجدها تزوجت فهو أولى بها
وترد إليه، وقال مالك: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين من حين ترفع أمرها إليه
ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا فإن كان الزوج عبدا أجلت عامين ثم تعتد كما ذكرنا
فان جاء زوجها قبل أن تتزوج فهي امرأته كما كانت وان جاء وقد تزوجت فلا
سبيل له إليها دخل الثاني بها أو لم يدخل ثم رجع مالك فقال: هو أولى بها ما لم
يدخل بها الثاني ولا خيار للأول قال: وإنما هذا في المفقود في غير الحرب فاما الذي
فقد في الحرب فلم يعرف أميت هو أم حي فلا تؤجل امرأته ولا يفرق بينه وبينها
قال: ولا يقسم مال المفقود ولا تعتق أمهات أولاده حتى يأتي من الزمان ما يعرف
أنه لا يعيش إليه، وقال أحمد. وإسحاق تتربص امرأة المفقود أربعة أشهر وعشرا بعد
أربعة أعوام ثم تتزوج قالا جميعا والمفقود الذي تؤجل امرأته هو المفقود في الحرب
أو في البحر أو يفقد من منزله، وأما من غاب عن أهله فلم يدر ما فعل فلا تؤجل امرأته *
قال أبو محمد: اختلف السلف في اثنى عشر موضعا من هذه القضة وهي من
المفقود والتأجيل. ومن متى يبدأ التأجيل. وكم التأجيل. وهل بعد التأجيل طلاق الولي.
وهل بعد ذلك عدة الوفاة. وحكم تخيير الزوج ان قدم. وفيما ذا تخير. وعلى من غرم
الصداق ان اختاره. وأي صداق يكون. وهل يقسم ميراثه. وهل تعتق أمهات أولاده
فاما من المفقود فان كل من روى عنه في هذا شئ لم يفرق بنى أحوال الفقد وهم
139

عمر. وعثمان. وعلى. وابن مسعود. وابن عباس. وابن عمر، ومن التابعين
الحسن. وخلاس بن عمرو. وإبراهيم النخعي. والحكم بن عتيبة وعطاء والزهري ومكحول
والشعبي وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وقتادة وأبو الزناد وربيعة وحماد
ابن أبي سليمان. وابن أبي ليلى. وابن شبرمة. وعثمان البتي. وسفيان الثوري. وهشيم
والحسن بن حي. والأوزاعي. والليث وأبو حنيفة والشافعي. وداود وأصحابهم
حاشا مالكا واحمد وإسحاق فان مالكا قال الحكم في المفقود في الحرب ولا نعلم
هذا عن أحد قبل مالك، وقال أحمد وإسحاق ليس هذا الحكم فيمن خرج عن أهله ففقد.
وأما التأجيل فان كل من ذكرنا روى التأجيل حاشا روايات عن علي
وابن مسعود ورواية عن الشعبي ورواية عن النخعي وحماد بن أبي سليمان وابن أبي
ليلى وابن شبرمة وعثمان للبتى وسفيان الثوري والحسن بن حي وأبي حنيفة والشافعي
وداود وأصحابهم، واما متى يبدأ التأجيل في قول من قال به فان أكثر من ذكرنا
يرى مبدأه من حين يرفع أمرها إلى الامام حاشا رواية ضعيفة عن عمر انه أمرها
باتمام أربع سنين من حين غاب، وقال بعضهم: تربص أربع سنين ولم يحدوا من حين تبدأ *
وأما كم التأجيل فان من ذكرنا يراه أربع سنين الا سعيد بن المسيب ومالكا قال
سعيد: أرى ان تؤجل امرأة من فقد في الصف سنة ومن فقد في غير الصف أربع سنين
، وقال مالك إن كان عبدا أجلت له عامين ولا يعلم هذا عن أحد قبله،
واما طلاق الولي بعد التأجيل فإنه صح عن عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب
والحسن. وعطاء، واما هل بعد ذلك عدة وفاه فإنه قد ذكرنا عن عمرو عثمان. وعمر بن
عبد العزيز تربص أربعة أعوام ثم تتزوج دون ذكر عدة وفاة، وصح عن عثمان
وابن عباس وابن عمر وعلى والحس وعطاء وأبى الزناد وربيعة انها تعتد أيضا عدة
الوفاة وفي بعض تلك الروايات انها تعتد أيضا من الطلاق، واما تخيير الزوج إذا
قدم فثابت عن عمر وعثمان وعلى ولم يرو عن صاحب رأى التأجيل خلاف ذلك
وصح أيضا عن الحسن وخلاس وإبراهيم وعطاء والحكم بن عتيبة والزهري ومكحول
والشعبي، وروينا عن كل من ذكرنا عنه تخيير الزوج انه يخير بين زوجته وبين
الصداق الا رواية عن عمر صحيحة انه خيره بين زوجته وبين ان يزوجه من أخرى
واختلف بعضهم فيمن يغرم الصداق ان اختاره الزوج فقال جمهور من ذكرنا:
يغرمه الزوج الآخر وقال الزهري: تغرمه المرأة. واختلفوا أيضا أي الصداق
يقضى له به ان اختاره فقال جمهورهم: صداقه الذي كان أصدقها هو وقال خلاس بن
140

عمرو بل صداق الزوج الآخر، واختلفوا هل تعتق أمهات أولاده فقال قتادة تعتق
أمهات أولاده إذا أبيح لزوجته الزواج وإنما قضى بذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه
وقال بعضهم: لا يعتقن، واختلفوا في ميراثه هل يقسم فروينا ان في خلافة عثمان
رضي الله عنه قسم ميراثه إذا أبيح لامرأته الزواج *
قال أبو محمد: أما المالكيون. والحنيفيون. والشافعيون فإنه تناقضوا ههنا
أقبح تناقض فاما الشافعيون فقلدوا عمر في رواية لم تصح عنه قط في تأجيل امرأة
العنين واخراجها عن عصمته بغير قرآن ولا سنة ثم خالفوا ههنا عمر وعثمان وعليا
وابن عباس وابن عمر فيما صح عنهم من تأجيل امرأة المفقود وهذا عجب جدا
وكذلك فعل الحنيفيون أيضا وقد ردوا تقليد ما لم يصح عن عمر في توريث المطلقة
ثلاثا وهذا تلاعب بالدين وبالتحريم والتحليل، ولئن كان عمر هنا لك حجة انه
ههنا لحجة وان لم يكن ههنا حجة فما هو هنا لك حجة، فان قالوا: قد خالفه على
ههنا. قلنا وقد خالفه على في اجل العنين ولا فرق، وقد خالفه عبد الرحمن بن عوف.
وعبد الله بن الزبير في توريث المبتوتة في المرض وكلا القولين موجب فسخ نكاح لم
يوجب الله تعالى فسخه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما المالكيون فإنهم خالفوا الثابت
عن عمر من أنه أمر وليه بطلاقها وانه خير الزوج إذا أتى بينها وبين الصداق
وقلدوه فيما لم يصح عنه قط من أن تعتد بعد ذلك عدة الوفاة، فان قالوا: قد صح ذلك.
عن علي وابن عباس وابن عمر قلنا: وقد صح عن عمر تخيير الزوج إذا جاء بينها
وبين الصداق فمن أين وقع لكم تقليد بعض الصحابة في بعض هذه القضية بلا دليل
أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا من قياس؟ ومخالفة بعضهم فيها نفسها وهذا تحكم
في الدين بالباطل، فلا ندري من أين وقع لهم تقليد بعض ما روى عن عمر دون
سائر ما روى عنه بلا برهان أصلا؟ قال على: لا حجة في أحد دون الله تعالى ورسوله
عليه الصلاة والسلام ولا يحل تحريم فرج اباحه الله تعالى للزوج وتحليله لمن
حرمه الله تعالى عليه من سائر الرجال بغير قرآن ولا سنة، وأما الصحابة رضي الله عنهم
فقد فازوا وهم والله مأجورون في كل ما قالوه قاصدين به الحق وإنما الشأن
فيمن قال قولا في الدين لم يأت به قرآن ولا سنة، فإذا قيل له من أين قلته؟ قال لان
عمر وعثمان قاله فإذا قيل لهم ففي هذه القضية نفسها لهما قول خالفتموه هو أصح
عنهما من الذي زعمتم انكم احتججتم بهما فيه لجوا على تقليدهم اعراضا عن الحق
بلا برهان أصلا *
141

قال أبو محمد: فإذ لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز فسخ نكاح
أحد بمغيبة ولا ايجاب عدة ممن لم يصح موته ولا أن يطلق أحد عن غيره وبالله تعالى
التوفيق، ومن العجب قول مالك ان جاء الزوج قبل أن تتزوج فهو أولى بها وهي
امرأته كما كانت فيقال لمن قلده ومن أين قلت هذا وأنت قد قطعت عصمته منها
وأبحت لها ان تنكح من شاءت وكيف تردها إلى أجنبي قد أبحت لها نكاح زوج سواه
من أجل تأخيرها نكاحا قد أبحته لها عادت إلى زوج قد فسخت نكاحها منه؟
هذا مع أنه قول لا يحفظ عن أحد قبل مالك فاعجبوا لهذا الاختيار ثم يقال لهم:
ومن أين قلتم في أحد قوليه أنه ان جاء الزوج وهي قد تزوجت فلا سبيل له إليها
من أجل عقد قد كان لها مباحا إذ رددتها إليه بكل حال فقولوا لنا أي شئ أحدثه عقدها
النكاح من تحريمها على زوجها ممن لم تحدثه اباحتك لها ذلك العقد فأجزت عقدها ثم
قوله الثاني من أنه ان جاء الزوج وقد تزوجت الا أنه لم يدخل بها فهي زوجة الأول
وان جاء بعد دخول الثاني بها فلا سبيل له عليها فقولوا لنا هل دخل الزوج الثاني
على زوجته أو على أجنبية فان قالوا على زوجته قلنا فمن أين أبحتم فرج زوجته التي
أحللتم له الدخول بها لانسان قد فسختم نكاحه منها وحرمتموها عليه وعقد تم نكاحها
مع غيره وان قالوا بل دخل على غير زوجته ومن أين استحللتم ان تبيحوا له وطئ
غير زوجته فلاح يقينا انها أقوال فاسدة متخاذلة خطأ لا شك فيها، وقد قال بعضهم إنما
فعلنا ذلك بما روى عن عمر ذلك في أي كنف فقلنا هذا تمويه آخر وهلا فعل عمر ذلك في
أي كنف الا إذا طلق امرأته وأعلمها بالطلاق ثم راجعها ولم يعلمها بالرجعة فمن الذي
ادخل هذه القضية في تلك مع أن هذين القولين جميعا لا يحفظان عن أحد من أهل
العلم انه قاله قبل مالك ولا يجدونه أبدا فاعجبوا لفحش هذا التقليد إذ قلدوا قولا
لا يعرف أحد قاله قبل مالك خالفوا فيه كل قول لصاحب أو تابع رأوا في تلك
القصة التي أوهموا فيها انهم يحتجون ببعض الصحابة رضي الله عنهم وبالله تعالى التوفيق *
بسم الله الرحمن الرحيم * وبالله توفيقي واليه متابي
1942 مسألة: ما يقع به فسخ النكاح بعد صحته * وهي ثمانية أوجه فقط
أحدها أن تصير حريمة (1) برضاع وقد ذكرنا ذلك، والثاني أن يطأها أبوه أو
جده بجهالة أو بقصد إلى الزنا وقد ذكرنا ذلك، والثالث أن يتم التعانه والتعانها،
والرابع أن تكون أمة فتعتق فلها الخيار في فسخ نكاحها من زوجها أو ابقائه،

(1) في النسخة رقم 14 حريمته
142

والخامس اختلاف الدينين إلا في جهة واحدة وهي أن يسلم الزوج وهي كتابية
فإنهما يبقيان على نكاحهما وينقسم (1) اختلاف دينهما في غير الوجه الذي ذكرنا
خمسة أقسام، أحدها أن يسلم هو وهي كافرة غير كتابية، وثانيها أن تسلم هي وهو
كافر كتابي أو غير كتابي فلو أسلما معا فهما على نكاحهما، وثالثها ان يرتد هو
دونها، ورابعها أن ترتد هي دونه، وخامسها أن يرتدا معا ففي كل هذه الوجوه
ينفسخ نكاحهما سواء أسلم أثر اسلامها أو أسلمت أثر اسلامه أو راجع الاسلام أو
راجعت الاسلام أو راجعاه معا لا ترجع إليه في كل ذلك إلا برضاهما وبصداق وبولي
واشهاد ولا يجب ان يراعى في ذلك شئ من عدة ولا عرض اسلام وقد أوضحنا
كل هذا في كتاب الجهاد من ديواننا هذا والحمد لله وحده، والسادس أن يملكها
أو بعضها، والسابع أن تملكه أو بعضه، والثامن موته أو موتها ولا خلاف في ذلك
فلنذكر هنا إن شاء الله تعالى ما لم نذكره بعد وهو اللعان وتخيير المعتقة *
(اللعان)
1943 مسالة: صفة اللعان هو ان من قذف امرأته بالزنا هكذا مطلقا
أو بانسان سماه سواء كان قد دخل بها أو لم يدخل بها كانا مملوكين أو أحدهما
مملوكا والآخر حرا أو مسلمين أو هو مسلم وهي كتابية أو كانا كتابيين أو كان
محدودا في قذف أو في زنا أو هي كذلك أو كلاهما أو أحدهما أعمى أو كلاهما أو
فاسقين أو أحدهما ادعى رؤية أو لم يدع فواجب على الحاكم أن يجمعهما في مجلسه
طلبت هي ذلك أو لم تطلبه طلب هو ذلك أو لم يطلبه لا رأى لهما في ذلك ثم يسأله
البينة على ما رماها به فان أتى ببينة عدول بذلك على ما ذكرنا في الشهادة بالزنا أقيم عليها
الحد فإن لم يأت بالبينة قيل له التعن فيقول بالله انى لمن الصادقين بالله انى لمن الصادقين بالله
انى لمن الصادقين بالله انى لمن الصادقين، هكذا يكرر بالله انى لمن الصادقين أربع مرات
ثم يأمر الحاكم من يضع يده على فيه ويقول له انها موجبة فان أبى فإنه يقول وعلى لعنة
الله ان كنت من الكاذبين فإذا أتم هذا الكلام سقط عنه الحد لها والذي رماها
به فإن لم يلتعن حد حد القذف فإذا التعن كما ذكرنا قيل لها ان التعنت والا حددت
حد الزنا فتقول بالله انه لمن الكاذبين بالله انه لمن الكاذبين بالله انه لمن الكاذبين بالله
انه لمن الكاذبين تكرر بالله انه لمن الكاذبين أربع مرات ثم تقول وعلى غضب الله
إن كان لمن الصادقين ويأمر الحاكم من يوقفها عند الخامسة ويخبرها بأنها موجبة

(1) وفي النسخة رقم 16 وينفسخ باختلاف دينهما لعله خطا من النساخ
143

لغضب الله تعالى عليها فإذا قالت ذلك برئت من الحد وانفسخ نكاحها منه وحرمت
عليه أبد الآبد لا تحل له أصلا لا بعد زوج ولا قبله ولا وان أكذب نفسه لكن
أن أكذب نفسه حد فقط، وأما ما لم يتم (1) هو اللعان أو تتمه هي فهما على نكاحهما
فلو مات أحدهما قبل تمام اللعان لتوارثا ولا معنى لتفريق الحاكم بينهما أو لتركه
لكن بتمام اللعان تقع الفرقة، فان كانت هي صغيرة أو مجنونة حد هو حد القذف
ولابد ولا لعان فإن كان هو مجنونا حين قذفها فلا حد ولا لعان ويتلاعن
الأخرسان كما يقدران بالإشارة فان كانت المرأة الملاعنة حاملا فبتمام الالتعان
منهما جميعا ينتفى عنه الحمل ذكره أو لم يذكره إلا أن يقر به فيلحقه ولاحد عليه في
قذفه لها مع اقراره بأن حملها منه إذا التعن فلو صدقته هي فيما قذفها به وفي ان الحمل
ليس منه حدث ولا ينتفى عنه ما ولدت بل هو لا حق به فإن لم يلاعنها حتى وضعت
حملها فله أن يلاعنها لدرء الحد عن نفسه، وأما ما وردت فلا ينتفى عنه بعد أصلا فلو
طلقها وقذفها في عدتها منه لا عنها فلو قذفها وهي أجنبية حد ولا تلاعن ولا يضره
امساكها ووطؤها بعد أن قذفها بل يلاعنها متى شاء وبالله تعالى التوفيق *
1944 مسألة: وأما قولنا ان كل زوج قذف امرأته فإنه يلاعنها إذ ذكرنا
صفة اللعان فلقول الله عز وجل: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) فلم يخص عز وجل حرا من عبد ولا أعمى
من بصير ولا صالحا من فاسق ولا امرأة كافرة من مؤمنة ولا حرة من أمة ولا
فاسقة من صالحة ولا محدودا من غير محدود ولا محدودة من غير محدودة (وما كان
ربك نسيا) وقال أبو حنيفة: إن كان أحدهما مملوكا أو كافرا فلا لعان وهذا تحكم
بالباطل وتخصيص القرآن برأيه الفاسد، فان قالوا قال الله تعالى: (فشهادة أحدهم
أربع شهادات بالله) والعبد لا شهادة له قلنا: باطل ما قلتم بل شهادته كشهادة الحر
وأنتم لا تجيزون شهادة الأعمى ولا شهادة الفاسق وتوجبون اللعان لهما، وروينا عن
الشعبي (2) لا يلاعن من لا شهادة له *
قال أبو محمد: وهذه قضية فاسدة لا يصححها قرآن ولا سنة والله تعالى وإن كان
سماها شهادة فليست من سائر الشهادات التي يراعى فيها العدل من الفاسق لان تلك
الشهادات لا يحلف فيها الشاهد بها وشهادات اللعان ايمان وسائر الشهادات لا يقبل
في أكثرها إلا اثنان وشهادة اللعان إنما هي من واحد وسائر الشهادات لا يقبل فيها

(1) وفي النسخة رقم 14 ما لم يتم اللعان باسقاط لفظ هو فالأولى اثباتها
(2) وفي النسخة رقم 16 يلاعن
144

المرء لنفسه وشهادة اللعان إنما هي لنفسه ليدرأ عنها الحد وليوجبه على المرأة فبطل
أن يكون اللعان حكم سائر الشهادات، وأما قولنا: ان التعن سقط عنه الحد والا
حدت هي فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث اللعان: " البينة والا حد في ظهرك " وقوله إنه
رماها بانسان بعينه فحدوا حد يسقط التلاعن فلما رويناه من طريق أحمد بن شعيب
انا عمران (1) بن يزيد الدمشقي نا مخلد بن الحسين الأزدي نا هشام بن حسان عن
محمد بن سيرين عن انس بن مالك قال: أول لعان كان في الاسلام أن هلال بن
أمية قذف شريك بن السحماء (2) بامرأته فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم: أربعة شهداء والا فحد في ظهرك يكرر ذلك مرارا فقال له هلال: والله
يا رسول الله ان الله ليعلم انى لصادق ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد
فبينما هم كذلك إذ نزلت آية اللعان فدعا هلالا (فشهد أربع شهادات بالله انه لمن
الصادقين والخامسة ان لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) ثم دعيت المرأة فشهدت
أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين، فلما كان في الرابعة أو الخامسة قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقفوها فإنها موجبة فتلكأت حتى ما شككنا أنها ستعترف ثم قالت لا أفضح
قومي سائر اليوم فمضت على اليمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروها فان جاءت به
ابيض (3) سبطا قضى (4) العينين فهو لهلال بن أمية وان جاءت به آدم (5)
جعدا (6) ربعا (7) حمش (8) الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به آدم جعدا
ربعا حمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا ما سبق من كتاب الله لكان لي ولها
شأن، وليس في الآية ما يزيده مالك وغيره في اليمين من قول الذي لا إله إلا هو ولا غير
ذلك ولا فرق بين هذه الزيادة وبين أن يزيد خالق السماوات والأرض الذي رفع
سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها وما أشبه ذلك من الثناء على الله عز وجل
الذي من قاله أجر ومن تركه في يمينه لم يحرج، وإنما يقضى على الناس بما أمر به الله
لا بما لا يلزم في ذلك الوقت وإن كان اجرا، وقوله عز وجل: (ويدرأ عنها العذاب
ان تشهد أربع شهادات بالله) فان فيه إشارة إلى عذاب معلوم لأنه بألف التعريف ولامه
ولا نعلم عذابا في الزنا الا الحد، وأما السجن كما قال أبو حنيفة وأصحابه فلا، ومن

(1) وفي النسخة رقم 16 عمرو بن يزيد
(2) وفي النسخة رقم 14 السحماء
(3) سبط بكسر السين وسكون الباء ممتد الأعضاء نام الخلق
(4) قضئ العينين فاسدها
(5) آدم شديد السمرة
(6) الجعد في صفات الرجال يكون مدحا وذما فالمدح معناه شديد الأسر والخلق أو جعد الشعر ضد السبط. الذم معناه القصير المتردد الخلق وقد يطلق على البخيل أيضا ولعله صلى الله عليه وسلم أراد المدح
(7) ربعا متوسط القامة
(8) حمش الساقين دقيقهما
145

طريق أحمد بن شعيب انا علي بن ميمون الرقى عن سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر المتلاعنين باللعان أمر رجلا أن يضع يده
على فيه عند الخامسة وقال: انها موجبة، ولا معنى لزيادة من زاد في يمين المتلاعنين أن
يقول: هو انى لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وأن تقول هي: إنه لمن الكاذبين
فيما رماني به من الزنا لان الله تعالى كفانا بما أمرنا به في القرآن عن تكلف هذه الزيادة
(وما كان ربك نسيا) وكل رأى زادنا شيئا في الدين لم يأت به أمر الله تعالى
فنحن نرغب عن ذلك الرأي ونقذفه في الحش (1) لأنه شرع في الدين
لم يأذن به الله عز وجل، فان قالوا ربما نوى انه لمن الصادقين في شهادته بالتوحيد
ونوت هي انه لمن الكاذبين في قصة أخرى: قلنا هبك أنهما نويا ذلك فوالله ما ينتفعان
بذلك وان يمينهما بما أمر الله تعالى في مجاهرة أحدهما فيه بالباطل موجب عليه اللعنة
وعليها الغضب نويا ما قلتم أو لم ينويا ولا يموه على علام الغيوب بمثل هذا * ومن
طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى نا أيوب السختياني ان سعيد بن جبير حدثه
عن ابن عمر قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين أخوى بنى العجلان * ومن طريق
أبى داود والبخاري قال أبو داود: نا أحمد بن حنبل وقال البخاري: نا علي بن عبد الله قالا
جميعا نا سفيان - هو ابن عيينة - أنه سمع عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يقول سمعت
ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين " حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل
لك عليها " *
قال أبو محمد: قد رويته عن سفيان قال سفيان حفظته من عمرو بن دينار: فتفريق
رسول الله صلى الله عليه وسلم يغنى عن تفريق كل حاكم بعده، وقوله عليه الصلاة والسلام " لا سبيل لك
عليها " منع من أن يجتمعا أبدا بكل وجه ولم يقل عليه الصلاة والسلام ذلك بنص
الخبر الا بعد تمام التعانهما جميعا فلا يقع التفريق الا حينئذ، وقد روينا ان المصعب بن
الزبير لم يوجب التفريق بين المتلاعنين وهو قول عثمان البتي، وقال أبو حنيفة لا يقع
التفريق بتمام اللعان الا حتى يفرق بينهما الحاكم وإذا فرق الحاكم بينهما فهي طلقة بائنة
فكان هذا عجبا ونقول لهم فان أبى الحاكم من التفريق أيبقيان على زوجيتهما هيهات حاكم
الحكماء قد فرق فتفريق من بعده أو تركه التفريق ونبيب (2) تيس في الحزن (3) سواء وقال
الشافعي بتمام التعان الرجل يقع التفريق وينتفى الولد وهذه أيضا دعوى بلا برهان وقال مالك

(1) الحش بفتح الحاء الكنيف وموضع قضاء الحاجة
(2) نبيب التيس صوته
(3) الحزن بفتح الحاء وسكون الزاي ما غلظ من الأرض
146

كما قلنا وهو قول الأوزاعي والليث: وأما قولنا ان كانت صغيرة أو مجنونة حد للقذف ولا لعان
في ذلك لان الصغيرة والمجنونة لا يكون منهما زنا أصلا لان الزنا معصية لله عز وجل وهاتان
لا تقع منهما معصية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاث " كر
الصغير حتى يبلغ. والمجنون حتى يفيق، وإذا وجب الحد حيث لا يوقن بكذبه
فاسقاطه عن القاذف حين يوقن بكذبه خطأ والحد بنص القرآن واجب على كل من
رمى منا بالزنا، وأما الأخرس فان الله عز وجل يقول: (لا يكلف الله نفسا الا
وسعها) وليس في وسعه الكلام فلا يجوز ان يكلف إياه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم " فصح أنه يلزم كل أحد مما أمر الله تعالى
به ما استطاع والأخرس يستطيع الافهام بالإشارة فعليه أن يأتي بها، وكذلك من لا
يحسن العربية يلتعن بلغته بألفاظ يعبر بها عما نص الله تعالى عليه والعجب من زيادات
أبي حنيفة برأيه زيادات في غاية السخف على ما في آية اللعان وهو يرد أو امر رسول
الله صلى الله عليه وسلم واعماله كالمسح على العمامة واليمين مع الشاهد وغير ذلك بأنها زيادة على
ما في القرآن فأي ضلال يفوق هذا، وأما قولنا انه بتمام التعانه والتعانها ينتفى عنه
لحاق حملها الا أن يقربه وسواء ذكره أو لم يذكره إذا انتفى عنه قبل ذلك فلما رويناه
من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال " ان النبي صلى الله عليه وسلم لا عن بين رجل وامرأته
فانتفى عن ولده ففرق بينهما وألحق الولد بالمرأة " * ومن طريق مسلم حدثني حرمله
ابن يحيى أنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سهل بن سعد قال: ان
عويمرا العجلاني فذكر حديث اللعان وفيه " فكانت حاملا فكان الولد إلى أمه "،
وأما قولنا: انه لم يلاعنها حتى ولدت لاعن لاسقاط الحد فقط ولا ينتفى ولدها منه
فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الولد لصاحب الفراش، فصح أن كل من ولد على فراشه
ولد فهو ولده الا حيث نفاه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: أو حيث يوقن بلا شك
انه ليس هو ولده ولم ينفه عليه الصلاة والسلام الا وهي حامل باللعان فقط فيبقى ما عدا
ذلك على لحاق النسب ولذلك قلنا إن صدقته في أن الحمل ليس منه فان تصديقها له
لا يلتفت إليه لان الله تعالى يقول: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فوجب ان
اقرار الأبوين لا يصدق على نفى الولد فيكون كسبا على غيرهما وإنما نفى الله عز وجل
الولد ان كذبته الام والتعنت هي والزوج فقط فلا ينتفى في غير هذا الموضع، والعجب
كله ان المخالفين لنا ههنا يقولون إن اتفقا جميعا على أن الحمل من غيره أو على أن الولد
من غيره لم يصدقا ولم ينفه الا بلعان فليت شعري من أين وقع لهم هذا إذا ألغوا تصديقهما
147

فلم ينفوا نسبه الا بلعان فإذ لا معنى لتصديقهما له فلا يجوز اللعان الا حيث حكم
به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث أمر الله تعالى به في القرآن وهو إذا رماها بالزنا فقط
وبالله تعالى التوفيق، واما إذا قذفها وهي في عدتها من طلاق رجعي منه أنه يلاعنها
متى رفع الامر للامام ولو أنها عند زوج آخر فلانه قذفها وهي زوجة له والله تعالى يقول:
(والذين يرمون أزواجهم) فإنما يراعى الرمي بنص القرآن فإن كان لزوجة لاعن
ابدا إذ لم يحد الله تعالى للعان وقتا لا يتعداه، وإن كان الرمي في عدة من طلاق ثلاث
أو وهي غير زوجة له ثم تزوجها فالحد ولابد ولا لعان في ذلك لأنه لم يرم زوجة
له إنما رمى زوجة أجنبية فالحد بنص القرآن وأما قولنا ولا يضره امساكه إياها
بعد رميه لها أو بعد اقراره بأنها زنت يقينا وعلم بذلك ولا يضره وطؤه لها فلان
الله عز وجل لم يذكر ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهو شرط فاسد وشرع
لم يأذن الله تعالى به *
1945 مسألة: فان تزوج رجلان بجهالة امرأة في طهر واحد أو ابتاع
أحدهما أمة من الآخر فوطئها وكان الأول قد وطئها أيضا ولم يعرف أيهما
الأول ولا تاريخ النكاحين أو الملكين فظهر بها حمل فأتت بولد فإنه ان تداعياه جميعا
فإنه يقرع بينهما فيه فأيهما خرجت قرعته الحق به الولد وقضى عليه لخصمه بحصته
من الدية إن كان واحدا فنصف الدية وإن كان ثلاثة فلهما ثلثا الدية وان كانوا
أربعة فثلاثة أو باع الدية وهكذا الحكم فما زاد سواء كان المتداعيان أجنبيين أو
قريبين أو أبا وابنا أو حرا وعبدا فإن كان أحدهما مسلما والآخر كافرا ألحق
بالمسلم ولابد بلا قرعة فان تدافعاه جميعا أو لم ينكراه ولا تداعياه فإنه يدعى له
بالقافة (1) فان شهد منهم واحد عالم عدل فأكثر من واحد بأنه ولد هذا ألحق به
نسبه فان الحقه واحد أو أكثر باثنين فصاعدا طرح كلامهم وطلب غيرهم ولا يجوز أن يكون
ولد واحد ابن رجلين ولا ابن امرأتين وكذلك ان تداعت امرأتان فأكثر
ولدا فإن كان في يد إحداهما فهو لها (2) وإن كان في أيديهن كلهن أو لم يتداعياه ولا
أنكرتاه أو تدافعتاه دعى له القافة كما قلنا * برهان ذلك ما رويناه من طريق الليث
ابن سعد. عن ابن شهاب. عن عروة بن الزبير. عن عائشة أم المؤمنين قالت: (ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: ألم
ترى ان مجززا نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: ان بعض هذه الاقدام لمن

(1) القافة الجماعة الذين يعرفون الشبه والأثر
(2) وفي النسخة رقم 14 فهو ابنها
148

بعض، ومن طريق أحمد بن شعيب. أرنا إسحاق بن ابن اهيم - وهو ابن راهويه -
نا سفيان - هو ابن عيينة - عن الزهري عن عروة. عن عائشة أم المؤمنين قالت: " دخل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا فقال: يا عائشة ألم ترى أن مجززا (1) المدلجي دخل
على وعندي أسامة بن زيد فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة وقد غطيا رؤسهما
وبدت أقدامهما فقال: هذه أقدام بعضها من بعض " * ومن طريق مسلم نا منصور بن أبي
مزاحم نا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. عن الزهري
عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " دخل قائف ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد وأسامة
ابن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال: ان هذه الاقدام بعضها من بعض فسر النبي
صلى الله عليه وسلم بذلك وأعجبه " * ومن طريق أبى داود نا عمرو بن عثمان الحمصي نا الوليد - هو
ابن مسلم - عن الأوزاعي. عن يحيى بن أبي كثير. عن أبي قلابة عن أنس بن مالك
فذكر حديث العرنيين وقتلهم الرعاء وأخذهم إبل النبي صلى الله عليه وسلم قال أنس فبعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم قافة في طلبهم فاتى بهم وذكر الحديث، فصح ان القيافة علم صحيح يجب
القضاء به في الأنساب والآثار، روينا من طريق عبد الرزاق. عن معمر. عن
الزهري في رجل وقع على امرأة لعبده وهي أمته قال فدعى لهما القافة: فان عروة
ابن الزبير أخبرني أن عمر بن الخطاب دعى القافة في رجلين اشتركا في الوقوع على
امرأة في طهر واحد وادعيا ولدها فالحقه بأحدهما، قال الزهري: أخذ عمر
ابن الخطاب ومن بعده بنظر القافة في مثل هذا، ومن طريق عبد الرزاق. عن معمر
عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: اختصم إلى أبى موسى الأشعري في ولد (2)
ادعاه دهقان. ورجل من العرب فدعا القافة فنظروا إليه فقالوا للعربي: أنت أحب
الينا من هذا العلج ولكن ليس بابنك فخل عنه فإنه ابنه * ثنا محمد بن سعيد بن
نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن
المثنى نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن
المثنى نا أبو أحمد الزبيري نا سفيان الثوري. عن عبد الكريم الجزري. عن زياد بن أبي
زياد قال انتفى ابن عباس من ولد له فدعا له (3) ابن كلدة القائف فقال له أما انه
ولده فادعاه ابن عباس * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج نا يحيى بن سعيد
القطان (4) وأبو الزناد كلاهما عن سعيد بن المسيب قال: إن كان له ولد فليدع له
بالقافة، وبه يقول قتادة. وغيره. ومالك. والشافعي. وجمهور أصحابنا الا ان مالكا

(1) وفي النسخة رقم 16 إلى مجرز وهو تصحيف
(2) في النسخة رقم 16 في رجل والأولى في ولد
(3) وفي النسخة رقم 14 فدعا به
(4) وفي النسخة رقم 16 الأنصاري
149

قال: لا يحكم بقول القافة الا في ولد أمة لا في ولد حرة وهذا خطأ لان الأثر الذي
أوردنا آنفا من قول مجزز المدلجي في أسامة بن زيد رضي الله عنهما الذي هو عمدة
مالك وعمدتنا في الحكم بالقافة إنما جاء في ابن حرة لا في ابن أمة، ولم ير أبو حنيفة
ولا أصحابه الحكم بالقافة، واحتجوا في ذلك بأنه حكم بالظن وهم يشرعون الشرائع
ويبطلون أحكام الله تعالى وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم بالقياس الذي يقرون بأنه ظن وقد
كذبوا ما حكم القافة بظن بل بعلم صحيح يتعلمه من طلبه وعنى به وما كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليحكم بالظن ثم مع هذا كله يحكمون بجهل أبي حنيفة إذ يلحق الولد بامرأتين
يجعل كل واحدة منهما أمه التي ولدته ويورثه منهما ميراث الابن من الام ويورثهما
منه ميراث الام من الولد ويحرم عليه اخواتهما جميعا فهذا هو الرعونة حقا والجهل
الأعمى لا ما سر به رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وحكم به الصحابة رضي الله عنهم، ولا يخرج
عن حكم القافة شئ الا موضع واحد وهو الرجلان فصاعدا يتداعيان الولد فان
ههنا ان لم تكن بينة ولا عرف لأيهما كان الفراش والا أقرع بينهما كما ذكرنا لما
روينا من طريق عبد الله أو عن سفيان الثوري. عن صالح بن حي. عن عبد خير
الحضرمي عن زيد بن أرقم قال: كان على باليمن فاتى بامرأة وطئها ثلاثة في طهر
واحد فسأل اثنين أتقران لهذا بالولد فلم يقرا ثم سال اثنين أتقران لهذا بالولد فلم
يقرا ثم سأل اثنين حتى فرغ فأقرع بينهم فألزم الولد للذي خرجت له القرعة وجعل
عليه ثلثي الدية فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه *
قال أبو محمد: لا يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن ينكر ما يرى أو يسمع
مالا يجوز البتة الا أن يكون سرورا به وهو عليه الصلاة والسلام لا يسر الا بالحق
ولا يجوز أن يسمع باطلا فيقره وهذا خبر مستقيم السند نقلته كلهم ثقات والحجة
به قائمة ولا يصح خلافه البتة فان قيل: إنه خبر اضطرب في اسناده فأرسله شعبة عن سلمة بن
كهيل عن الشعبي عن مجهول ورواه أبو إسحاق عن رجل من حضرموت عن زيد بن أرقم
قلنا: هذا العجب فكان ماذا قد وصله سفيان وليس هو دون شعبة عن صالح بن حي وهو ثقة
عن عبد خير وهو ثقة عن زيد بن أرقم وان من يتعلل بهذا ثم يرد السنة برواية شيخ
من بنى كنانة ان هذا لعظيم المجاهرة وقد كان ينبغي أن يردعه الحياء عن الرضى به
لا سيما أبا حنيفة وأصحابه القائلين ان ادعى الولد اثنان وهو في أيديهما فهو ابنهما
يرثانه ويرثهما ثم اختلفوا فافتضحوا في اختلافهم كما افتضحوا في اتفاقهم في ولد
ادعاه ثلاثة نفر فصاعدا فقال أبو حنيفة: هو ابنهم كلهم ولو كانوا ألفا وقال محمد:
150

ابن الحسن يكون ابن ثلاثة ولا يكون ابن أكثر، وقال أبو يوسف: لا يكون إلا ابن
اثنين فقط لا ابن أكثر فهذا هو الفحش والسخام والضلال لا اتباع ما صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموهوا في الحاقهم الولد باثنين برواية ساقطة عن عمر لأنها مرسلة
من طريق سعيد بن المسيب عن عمر ولم يحفظ سعيد عن عمر شيئا الا نعى النعمان بن
مقرن على المنبر مع أن فيها أنه حكم مع القافة بذلك، ومن طريق إبراهيم النخعي
عن عمر ولم يدركه أصلا، ومن طريق ابن سيرين عن عمر أنه توقف فيه ورواية عن علي
فيها قالوس بن أبي ظبيان وهو ضعيف، وفيها أنه (1) للثاني منكما، والثابت (2)
عن عمر في ذلك ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن
الزبير قال: ان رجلين ادعيا ولدا فدعا عمر القافة واقتدى في ذلك ببصر القافة
وألحقه بأحد الرجلين وعروة قد اعتمر مع عمر، ورواية أخرى من طريق حماد
ابن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال هشام:
وسمعته يحدث أبى قال: ان رجلين وقعا بامرأة في الجاهلية فولدت غلاما فلما كان عمر
ادعياه جميعا فدعا عمر رجلا من بنى كعب فقال: انظر فاستبطن واستظهر فقال والذي
أكرمك بالخلافة لقد اشترك فيه جميعا فضربه عمر بالدرة حتى اضطجع وقال له عمر
لقد ذهب بك النظر إلى غير مذهب ثم دعا عمر بالمرأة فسألها فقالت هذا كان يطأني
فإذا كان يطأني حماني من الناس حتى إذا استمر بي الحمل خلا بي (3) فأهرقت دما
كثيرا فجاءني هذا فوطئني فلا أدرى من أيهما هو فقال الكعبي: الله أكبر شركاء فيه
ورب الكعبة فقال عمر: أما انا فقد رأيت ثم قال للغلام اختر أيهما شئت
قال يحيى بن عبد الرحمن: فلقد رأيت حين سفع أحدهما بيد الغلام ثم ذهب به ورواية من
طريق شعبة عن توبة العنبري عن الشعبي عن ابن عمر قال اشترك رجلان في طهر امرأة
فولدت غلاما (4) فدعا عمر بالقافة فقالوا قد أخذ الشبه منهما جميعا فجعله
عمر بينهما *
قال أبو محمد: توبة العنبري ضعيف متفق على ضعفه، ثم هذا كله بخلاف
قولهم لأنه حكم بالقافة وقول ابن عمر جعله بينهما ليس فيه انه ألحقه بنسبهما لكن
الظاهر من قوله جعله بينهما أي وقفه بينهما حتى يلوح له فيه وجه الحكم لا يجوز أن
يظن بعمر غير هذا وما نعرف الحاق الولد باثنين عن أحد من المتقدمين إلا عن إبراهيم

(1) وفي النسخة رقم 14 للباقي ولعله غلط
(2) وفي النسخة رقم 14 والثالث وهو غلط
(3) وفي النسخة رقم 14 خلاني
(4) وفي النسخة رقم 4 اسقاط لفظ غلام
151

النخعي ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والثابت عنه عليه الصلاة والسلام
يكذب جواز كون ولد من منى أبوين، وهو الذي رويناه من طريق مسلم نا أبو بكر
ابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كل واحد منهما يقول نا أبو معاوية - هو
الضرير - ووكيع قالا جميعا: نا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود
نا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة
مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح " وذكر الحديث
فصح يقينا أن ابتداء العدد من حين وقوع النطفة وبلا شك أن الدقيقة التي تقع
فيها النطفة في الرحم هي غير الدقيقة التي يقع فيها منى الواطئ الثاني فلو جاز ان
يجمع الماءان فيصير منهما ولد واحد لكان العدد مكذوبا فيه لأنه ان عد من حين وقوعه
النطفة الأولى فهو للأول وحده فلو استضاف إليه الثاني لابتدأ العدد من حين حلول
المنى الثاني فكان يكون في بعض الأربعين يوما نقص وزيادة بلا شك وهم أولى
بالكذب وأهله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق، والعجب انهم قالوا لم يحكم أبو حنيفة
بأن الولد يكون ابن امرأتين محققا أن كل واحدة منهما ولدته لكن أوجب لكل. واحدة
منهما حق الأمومة فقلنا: وهذا جور وظلم وباطل بلا شك أن يوجب لغير أم حكمه
أم بلا نص قرآن ولا سنة ولا قول أحد من خلق الله تعالى قبله إلا الرأي الفاسد
ونسأل الله العافية، وأما قولنا ان تداعى في الولد مسلم وكافر ألحق بالمسلم فلقول الله
عز وجل: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله
ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) والثابت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(كل مولود يولد على الفطرة) ورويناه أيضا على الملة حتى يكون أبواه يهودانه أو
ينصرانه أو يمجسانه أو يشركانه، فلا يجوز أن ينقل عما ولد عليه من الفطرة التي ولد
عليها إلا بيقين كون الفراش لكافر بلا اشكال وبالله تعالى التوفيق *
1946 مسألة: وإذا كانت مملوكة لها زوج عبد أو حر ولو أنه قرشي فأعتقت
في واجب أو تطوع أو بتمام أداء مكاتبتها أو بأي وجه عتقت فإنها تخير فان اختارت فراقه
فلها ذلك وان اختارت أن تقر عنده فلها ذلك وقد بطل خيارها وعليها العدة في اختيارها
فراقه كعدة الطلاق وليس في شئ من وجوه الفسخ عدة أصلا الا في هذا المكان
وعدة الوفاة في موت الزوج فقط فان أرادا جميعا ان يتناكحا لم يجز إلا برضاهما
وباشهاد وصداق وولى وله ذلك في عدتها وليس ذلك لغيره حتى تتم عدتها ولا يسقط
خيارها إذا أعتقت طول بقائها معه ولا وطؤها لها برضاها أو بغير رضاها ولا
152

عليها بأن الخيار لها فإذا أوقفت فلابد لها من أن تختار فراقه أو البقاء معه ولا تترك
تتأنى في ذلك أصلا، برهان ذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخييره بريرة إذ أعتقتها
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها * وفي سائر ما ذكرنا خلاف قال قوم انها تخير تحت العبد
ولا تخير تحت الحر، وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر قال: ان أعتقت تحت حر فلا خيار لها، وصح عن الحسن، والزهري،
وأبى قلابة. وعطاء وصفية بنت أبي عبيد. وعروة بن الزبير وينسب قوم ذلك إلى ابن
عباس ولا نعلم هذا عنه، وهو قول ابن أبي ليلى. والأوزاعي. ومالك. والليث.
والشافعي. وأبى ثور. وأحمد بن حنبل. وإسحاق بن راهويه. وأبي سليمان. وجميع
أصحابهم، وقالت طائفة كقولنا كما روينا من طريق أبى داود نا محمد بن كثير أنا سفيان
الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة أم
المؤمنين قالت: " ان زوج بريرة كان حرا حين أعتقت وخيرت فقالت: ما أحب أن
أكون معه وأن لي كذا وكذا " ومن طريق أحمد بن شعيب نا عمرو بن علي نا الثقفي - هو
عبد الوهاب بن عبد المجيد - نا عبيد الله بن عمر مذ ستون سنة عن يزيد بن رومان عن عروة بن
الزبير عن بريرة انها قالت كانت في ثلاث سنن. فذكرت الحديث وفيه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعائشة اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق فأعتقتني فكان لي الخيار *
قال أبو محمد: فعمت بريرة ولم تخص تحت عبد من حر، ومن طريق سعيد
ابن منصور نا هشيم أنا ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يجعل لها الخيار على
الحر، وبه يقول هشيم، ومن طريق الحجاج بن المنهال. نا يزيد بن زريع نا خالد
الحذاء عن أبي قلابة قال قال عمر بن الخطاب: " إذا أعتقت الأمة فلها الخيار ما لم
يطأها زوجها " فعم عمر ولم يخص عبدا من حر، ومن طريق حماد بن سلمة. عن
حماد بن أبن سليمان. عن إبراهيم النخعي أنه قال في الأمة تعتق تحت زوج: فهي عليه
بالخيار حرا كان أو عبدا ولو أنه هشام بن عبد الملك، ومن طريق عبد الرزاق
عن سفيان بن عيينة. عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه في الأمة تعتق تحت زوج
أنها تخير ولو كانت تحت قرشي، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عاصم عن
الشعبي قال: " إذا أعتقت تحت حر فلها الخيار " * ومن طريق معمر عن أيوب
السختياني عن ابن سيرين إذا أعتقت عند حر فلها الخيار * ومن طريق عبد الرزاق. عن
إبراهيم بن يزيد. عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب قال: كان زوج بريرة
حرا: ومن طريق عبد الرزاق. عن أبن جريح. عن حسين بن مسلم قال: إذا
153

أعتقت عند حر فلها الخيار *
قال أبو محمد: واحتج من لم يوجب لها الخيار الا تحت العبد بما روينا من طريق
البخاري نا قتيبة بن سعيد نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني
عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان زوج بريرة أسود يقال له مغيث عبد النبي
فلان كأني أنظر إليه وذكر باقي الخبر * نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الوارث بن
سفيان نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن نو وضاح نا يوسف بن عدي نا عبدة بن سليمان
عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب السختياني. وقتادة كلاهما. عن عكرمة. عن ابن
عباس أن زوج بريرة كان عبدا حين أعتقت، ومن طريق أبى داود. نا عثمان بن أبي
شيبة نا جرير. عن هشام بن عروبة. عن أبيه. عن عائشة أم المؤمنين في قصة
بريرة وكان زوجها عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها ولو كان حرا لم
يخيرها * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه -
انا المغيرة بن سلمة نا وهيب عن عبيد الله بن عمر عن يزيد بن رومان عن عروة
عن عائشة أم المؤمنين قالت: " كان زوج بريرة عبدا " * ومن طريق أحمد بن شعيب
أنا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - نا حماد بن مسعدة نا ابن موهب عن
القاسم بن محمد قال كان لعائشة أم المؤمنين غلام وجارية قالت فأردت أن أعتقهما
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابتدى بالغلام قبل الجارية *
ومن طريق أحمد بن شعيب انا أحمد بن عبد الواحد نا مروان نا الليث نا عبيد الله بن أبي
جعفر عن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري أنه حدثه أن رجالا من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم حدثوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت
فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها " * وقالوا من طريق النظر كل عقد نكاح صحيح فلا يجوز
فسخه إلا بيقين، وقال أصحاب القياس منهم إنما جعل لها الخيار لفضل الحرية على
الرق فإذا ساواها فلا خيار لها هذا كل ما احتجوا به *
قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه أما الآثار بأنه كان عبدا فقد اختلف
في ذلك عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كما أوردنا وإنما روى هذا الخبر عنها ثلاثة
الأسود. وعروبة. والقاسم فأما الأسود فلم يختلف عنه عن أم المؤمنين أنه كان حرا،
وأما عروة فروى عنه كما أوردنا انه كان عبدا وقد روى عنه أيضا خلاف ذلك *
نا أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن اصبغ نا أحمد بن يزيد
المعلم نا موسى بن معاوية نا جرير عن هشام بن عروبة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين،
154

قالت: كان زوج بريرة حرا فتعارضت الرواية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
أم المؤمنين، وأما القاسم بن محمد فروينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن
إسماعيل بن علية نا يحيى بن أبي بكير أنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن
أبيه عن عائشة فذكرت ان زوج بريرة كان عبدا ثم قال عبد الرحمن بعد ذلك
ما أدرى (1) فاضطربت الرواية عن أم المؤمنين وبقيت رواية ابن عباس أنه كان
عبدا حين أعتقت وقد عارضتها الرواية عن أم المؤمنين أنه كان حرا حين أعتقت
فتركنا الكلام في ذلك حتى تتكلم في حديث عبيد الله بن أبي جعفر. وحديث ابن
موهب عن القاسم بن محمد إن شاء الله عز وجل *
قال أبو محمد: أما الخبر الذي فيه أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار
ما لم يطأها زوجها فإنما هو من طريق حسن بن عمرو بن أمية وهو مجهول لا يعرف
فسقط التعلق به، ثم لو صح لما كان فيه حجة ان لا تخير تحت حر إنما فيه حكم عتقها
تحت العبد فقط وسكت فيه عن عتقها تحت الحر فان صح في خبر آخر ما يوجب
عتقها (2) تحت الحر وجب المصير إليه، وأما حديث ابن موهب عن القاسم بن محمد
عن عائشة انه كان لها عبد جارية فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تبدأ في العتق
بالغلام قبل الجارية فإنه خبر لا يصح، ورينا عن العقيلي أنه قال وقد ذكر هذا الخبر
فقال: هذا خبر لا يعرف إلا لعبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب وهو ضعيف فسقط
التعلق به *
قال أبو محمد: ثم لو صح لما كان فيه حجة لأنه ليس فيه انهما كانا زوجين
فاقحام القول بالدعوى كذب، ثم لو صح انهما كانا زوجين فليس فيه أنه عليه
الصلاة والسلام أمر بذلك ليسقط خيار الزوجة واقحام هذا في ذلك الخبر كذبة
بائنة وهذا عظيم لا يستجزيه من يهاب الكذب لا سيما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه
يوجب النار، وقد يمكن لو صح الخبر أن يكون أمرها أن تبدأ بعتق العبد لقول
الله عز وجل: (وللرجال عليهن درجة) ولقوله تعالى حاكيا عن أم مريم: (وليس
الذكر كالأنثى) وللخبر الذي رويناه من طريق أبى داود عن حفص بن عمر عن
شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط أنه قال لكعب
ابن مرة أو مرة بن كعب حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر

(1) وفي النسخة رقم 14 ما أدرى ما أدرى بالتكرار
(2) وفي النسخة رقم 16 وتخييرها والصواب عتقها لان السياق يقتضيه
155

كلاما وفيه " أيما امرئ أعتق مسلما وأيما امرأة أعتقت امرأة وأيما رجل أعتق
امرأتين مسلمتين الا كانت فكاكة من النار يجزى بكل عظم (1) منها عظما من عظامه "
فالاجر في عتق الذكر مضاعف فسقط هذا الخبر جملة ونحن نوقن بلا شك انه عليه
الصلاة والسلام لا يتحيل في اسقاط حق أوجبه ربه تعالى للمعتقة فبطل تعلقهم به بيقين
لا اشكال فيه، واما قولهم لا يحل فسخ عقد نكاح صحيح الا بيقين فصدقوا ولولا
اليقين ما قلنا به، واما قول أصحاب القياس إنما جعل لها الخيار تحت العبد لفضل
الحرية على الرق فهذه دعوى كاذبة لا يجدونها ابدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعوذ بالله
من الاقدام على أن ننسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى الله تعالى انه إنما فعل امر
كذا من اجل امر كذا مما لم يخبر الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم الا ان هذا لهو الكذب
على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بلا شك (2) ونسأل الله العافية *
قال أبو محمد: فلم يبق الا تعارض الرواية عن ابن عباس كان زوج بريرة
عبدا إذا أعتقت للرواية عن أم المؤمنين " كان زوج بريرة حرا إذ أعتقت " وكلا
الروايتين صحيحة لا سيما رواية الأسود عن عائشة أم المؤمنين وتعارض الرواية عن
عروة في ذلك وكل ذلك معارض لرواية القاسم فوجدنا كل ذلك متفقا لا تكاذب
فيه وما دام يمكن تأليف روايات الثقات فلا يحل أن ينسب الكذب إلى بعضهم
أو الوهم، فاعلموا أن من قال كان عبدا ومن قال كان حرا يصح على أنه كان
عبدا قبل ثم أعتق فصار حرا الا انه لا يخرج هذا في الرواية عن ابن عباس انه كان
عبدا حين أعتقت لكنه يخرج على أنه كان يدريه عبدا أو لم يعلم بحريته، وروت
عائشة رضي الله عنها ما كان في علمها من الزيادة أنه كان حرا حين أعتقت وليس
في رواية عثمان بن أبي شيبة ولو كان حرا ما خيرها انه من كلام أم المؤمنين وقد يمكن
أن يكون من قول من دونها فإذ ذلك كذلك فلا يجوز ان ينسب إليها قول بظن
ولا يختلف مالكي ولا شافعي. ولا حنبلي. ولا ظاهري في أن عدلين لو شهدا بان هذا
نعرفه عبدا مملوكا وشهد عدلان آخران اننا ندريه حرا فان الحكم يجب بقول من
شهد بالحرية لأنه شهد بفضل علم كان عنده ثم ندع هذا كله فنقول: هبكم أنه لم يرو
أحد أنه كان حرا بل لم يختلف (3) الرواه في أنه كان عبدا حين أعتقت هل
جاء قط في شئ من الاخبار الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما خيرتها لأنها تحت
عبد ولو كان زوجها حرا ما خيرتها هذا أمر لا يجدونه ابدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) في النسخة رقم 14 عظمين
(2) وفي النسخة رقم 14 اسقاطه
(3) وفي النسخة رقم 14 لم تختلف الرواية
156

لا في رواية صحيحة ولا سقيمة فإذ لا سبيل إلى وجود هذا أبدا فقد صح أنه عليه
الصلاة والسلام لما أعتقت بريرة خيرها في البقاء مع زوجها أو فراقه فهذا لا شك
فيه فلا يجوز تعديه ولا زيادة حكم فيه، ولا فرق بين من ادعى أنه عليه الصلاة والسلام
إنما خيرها لأنه كان عبدا وبين آخر ادعى أنه لم يخيرها الا لأنه كان اسود وبين
ثالث ادعى أن تخييرها إنما كان لان اسمه مغيث، وكل هذه ظنون كاذبة لا يحل القول
بها ولا الحكم بها وإنما الحق أن المعتقة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين فراق زوجها
والبقاء معه ولا مزيد فواجب ان تخير كل معتقة ولا مزيد وبالله تعالى التوفيق، ومما
اختلف فيه هل ينقطع خيارها بوطئ زوجها لها أم لا؟ فروينا من طريق حماد بن
سلمة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب قال في أمر بريرة ان غشيها
زوجها فلا خيار لها وهذا منقطع، ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سليمان بن
يسار قال: أعتقت حفصة أم المؤمنين جارية يقال لها زبراء ثم قالت لها اعلمي أنه ان
وطئك فلا خيار لك، وبه كان يقول سليمان بن يسار، وصح عن قتادة والزهري
ونافع مولى ابن عمر، وذهب آخرون إلى أنها ان وطئها وهي لا تعلم أن لها الخيار
لم يسقط بذلك خيارها وان علمت فقد سقط خيارها، روينا من طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب قال إذا جامعها
بعد أن تعلم أن لها الخيار فلا خيار لها وهذا منقطع * ومن طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج أخبرت عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن ابن عمر قال إن أصابها وقد
عرفت فليس لها خيار وان أصابها ولم تعرف فان لها الخيار إذا علمت وان أصابها
ألف مرة حتى يشهد العدول أنها قد علمت أن لها الخيار وهذا منقطع، ومن طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرت عن ابن مسعود أنه قال: ان أعتقت عند عبد
ولم تعلم أن لها الخيار أو لم تخير حتى عتق زوجها أو يموت أو تموت توارثا، وهذا
شديد الانقطاع وبه يقول سعيد بن المسيب، وقول آخر وآخر في درجة، روينا
من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال إذا أعتقت وزوجها معها في مجلس
وهي تعلم حتى تقوم فلا خيار لها فان ادعت أنها لم تعلم استحلفت ثم خيرت قال
سفيان وبه يقول ناس ان لها الخيار ابدا حتى يقفها الامام فيخيرها بلغني هذا عنه *
قال أبو محمد: فهذا سفيان الثوري يذكر مثل قولنا عمن معه أو من قبله
وقد قال ابن مسعود كما أوردنا أنها قد تبقى معه ولا تختار حتى يموت أو تموت، وقال
أبو حنيفة وأصحابه لها الخيار ما لم تعلم فإذا علمت فلا خيار لها الا ما دامت في المجلس
157

فوجدناهم يحتجون بالخبر الذي ذكرناه قبل من طريق الحسن بن عمرو بن أمية وقد
بينا سقوطه، وذكروا أيضا أثرا آخر من طريق أبى داود نا عبد العزيز بن يحيى
- هو أبو الأصبغ الحراني - حدثني محمد - يعنى ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن أبي
جعفر وابان بن صالح وهشام بن عروة قال أبو جعفر: ان بريرة وقال ابان عن مجاهد
أن بريرة وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن بريرة عتقت ثم اتفقوا كلهم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرها وقال لها ان قربك فلا خيار لك *
قال أبو محمد: أبو الأصبغ الحراني ضعيف منكر الحديث، قال أبو محمد:
وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار فلا يجوز أن يسقطه وطؤه ولا
طول مقامه (1) معها إذ لم يصح بذلك نص ولا يبطل حكمه عليه الصلاة والسلام
بالآراء ولا حجة في أحد دونه عليه الصلاة والسلام وبالله تعالى التوفيق، قال قوم:
لا تخير المكاتبة إذ أعتقت صح عن إبراهيم النخعي ان أعانها زوجها في كتابتها فلا
خيار لها، وصح عن الحسن لا خيار للمكاتبة إذا أعتقت وهو قول عطاء وأبى قلابة.
والزهري، وصح عن ابن سيرين. والشعبي. ورويناه عن جابر بن زيد أن لها
الخيار، وبه يقول أبو حنيفة. ومالك. والشافعي. وأبو سليمان وأصحابهم وبه نقول:
وقال سفيان الثوري ان تزوجها بعد الكتابة فلا خيار لها وان تزوجها قبل الكتابة
أو كانت معه فلها الخيار *
قال أبو محمد: خير رسول الله صلى الله عليه وسلم المعتقة ولم يخص مكاتبة من غيرها فلا
يجوز أن يخص معتقة من معتقة * ومما اختلفوا فيه هل اختيارها فراق زوجها فسخ
أو طلاق؟ فصح عن قتادة انها واحدة بائنة، ورويناه عن عمر بن عبد العزيز وهو قول
أبي حنيفة، ومالك وأصحابهما، عن عطاء انها طلقة واحدة، وصح انه فسخ
لا طلاق عن حماد بن أبي سليمان، وإبراهيم النخعي، ورويناه عن طاوس وهو قول
الشافعي: وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وأبي سليمان. وأصحابهم *
قال أبو محمد: التسمية في الشريعة ليست إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسم رسول
الله صلى الله عليه وسلم قط فراق المعتقة لزوجها طلاقا ولا جعل له من أحكام الطلاق غير العدة وحدها
فلا يحل تسميته طلاقا، قال تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل
الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، وقد جاءهم من ربهم
الهدى) فصح انه ليس طلاقا، لكنه فراق أو فسخ أو نقض نكاح وكل اسم يعبر
به عن بطلان عصمة النكاح فقط وبالله تعالى التوفيق *

(1) وفي النسخة رقم 14 مقامها معه
158

ومما اختلفوا فيه ان تخيرت قبل الدخول فراقه ماذا لها من الصادق؟ فقال قوم
لا صداق لها صح ذلك عن الزهري وصح عن قتادة لها نصف الصداق وقال أصحابنا: لها
الصداق كله *
قال أبو محمد: إذ قد بينا انه ليس طلاقا فقد بطل قول من قال لها نصف الصداق
لان الله عز وجل لم يجعل لها نصف الصداق إلا في الطلاق قبل المس فقط ووجدناه عز
وجل قال: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فصح ان الصداق لها فلا يسقطه شئ ولا شيئا
منه إلا حيث أسقط الله (1) عز وجل النصف في الطلاق قبل المس وما عدا ذلك فظلم لا شك
فيه، فان قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هو لها بما استحللت من فرجها " قلنا: نعم
وعقد نكاحها استحلال لفرجها، ولم يقل عليه الصلاة والسلام انه لها بوطئك لها فوجب
أن لها جميع الصداق وكذلك في كل منفسخة النكاح قبل الدخول بلعان أو بأن تصير حريمته
برضاع أو بأن يطأها أبوه أو جده أو ابنه بجهالة أو بزنا أو بأن تسلم هي وهو كافر
أو بأن يسلم هو وهي غير كتابية أو بأن ترتد هي أو هو أو كلاهما، أو بأن تموت هي أو
هو وقد اختلف في اسلامها دونه أبطل قوم صداقها بذلك وهذا عون للشيطان وصد
عن الاسلام وهل صداقها الا كدين لها قبله من سائر ديونها ولا فرق *
قال أبو محمد: ولا متعة لها في شئ من ذلك لان الله تعالى لم يجعل المتعة إلا في الطلاق
فقط (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) *
1947 مسألة: ومن كانت تحته أمة فملكها أو بعضها قل الجزء الذي ملك منها
أو كثر بأي وجه ملك ذلك من ميراث أو ابتياع أو هبة أو إجارة أو غير ذلك فقد انفسخ
نكاحه منها أثر الملك بلا فصل وسواء أخرجها عن ملكه أثر ذلك بعتق أو غير ذلك
أو لم يخرجها، وكذلك من كانت متزوجة بعبد فملكته أو بعضه بأي وجه ملكت ذلك
من وجوه الملك فقد انفسخ نكاحها منه بلا فصل، وسواء أخرجته عن ملكها اثر ذلك
بعتق أو غير ذلك أو لم تخرجه فلو ملك الأمة ابن زوجها أو أبو زوجها أو أم
زوجها أو عبد زوجها أو ملك العبد أبو امرأته أو ابنها أو أمها أو عبدها أو أبوها (2)
لم ينفسخ النكاح بشئ من ذلك، وكذلك لو ابتدأ الرجل نكاح أمة أبيه التي لم تحل لأبيه
قط، أو أمة ابنه التي لم تحل لابنه قط أو أمة أمه أو أمة ابنته أو أمة أمته أو أمة عبده أو
ابتدأت امرأة نكاح عبد أبيها أو عبد ابنها أو عبد أمها أو عبد ابنتها أو عبد عبدها أو عبد
أمتها لكان كل ذلك حلالا جائزا، برهان ذلك قول الله عز وجل: (والذين هم لفروجهم

(1) وفي النسخة رقم 14 (أسقطه الله) وعلى كل العبارة فيها اضطراب فلينظر
(2) وفي النسخة رقم 14 أو أمتها
159

حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك
فأولئك هم العادون) فلم يبح الله تعالى الا زوجة أو ملك يمين وفرق بينهما، وكل اسمين
فرق الله عز وجل بينهما فلا يجوز أن يقال هما شئ واحد إلا بنص يوجب ذلك أو ضرورة
توجبه ولا نص هنا ولا ضرورة توجب وقوع اسم الزوجة واسم ملك اليمين على امرأة
واحدة لرجل واحد وبهذا الاستدلال حرم على الرجل أن يتزوج أمته دون أن يعتقها
أو يخرجها عن ملكه وحرم على المرأة أن تتزوج عبدها دون ان تعتقه أو تخرجه عن
ملكها وكذلك محال أن يكون بعضها زوجه له وبعضها ملك يمين له لما ذكرنا من الآية
فإذ قد صح ما ذكرنا فقد وجب ان الملك ينافي الزوجية فلا يجوز أن يجتمعا فوجب
من هذا انه إذا ملكها أو بعضها فهي ملك يمين له أو بعضها فلا يكون زوجها لها ولا
يكون بعضها زوجة له فصح انفساخ النكاح بلا شك وكذلك قوله تعالى: (وقل للمؤمنات
يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) إلى قوله
(أو ما ملكت أيمانهن) ففرق عز وجل بين الزوج وبين ملك يمين المرأة فوجب أن
لا يكون ملك يمينها زوجها أصلا وبالله تعالى التوفيق * وروينا من طريق سعيد بن
منصور نا إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن مكحول في امرأة
ورثت زوجها وهو عبد عن بعض ولدها قال: لا تحل له وقال علي بن أبي طالب يؤمر
بطلاقها وقد صح عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وإبراهيم النخعي ان أعتقته بعد ان
ملكته فهما على نكاحهما *
قال أبو محمد: وهذا خطأ لأنه لو كان ذلك لكان النكاح. صحيحا ولو طرفة عين
ولو صح طرفة عين لصح بعد ذلك وأمة الابن ليست أمة لأبيه ولا لابنه لان الله تعالى
قال: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير
ملومين) فلو كانت أمة الولد لأبيه لكانت حراما على الولد (1) وهكذا نقول في أمة
العبد وعبد (2) الأمة لا يكون شئ من ذلك ملكا للسيد الا أن ينتزع ذلك من ملك
العبد فيصير ملكا له حينئذ، فان احتج محتج بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت
ومالك لأبيك " قلنا: هذا منسوخ بالمواريث وبالآية التي ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
1948 مسألة: ولا عدة في شئ من وجوه الفسخ الذي ذكرنا الا في الوفاة
وفي المعتقة التي تختار فراق زوجها لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما بالعدة ولم يأمر غيرهما
بعدة ولا يجوز أمرها بذلك لأنه شرع لم يأذن به الله تعالى ولا يجوز قياس الفسخ

(1) وفي النسخة رقم 14 اسقاطها والصواب اثباتها
(2) وفي النسخة رقم 14 وأمة الأمة
160

على الطلاق لأنهما مختلفان لان الطلاق لا يكون إلا بلفظ المطلق واختياره والفسخ يقع بغير
لفظ الزوج أحب أم كره فكيف والقياس كله باطل * وروينا من طريق البخاري نا إبراهيم
ابن موسى نا هشام بن يوسف عن ابن جريج قال: قال عطاء عن ابن عباس كانوا إذا
هاجرت امرأة من دار الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح،
فهذا ابن عباس يحكى أن هذا فعل الصحابة جملة فلا يجوز خلافه وبذلك جاء النص قال
الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم
بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم
يحلون لهن) إلى قوله (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) فلم
يوجب عز وجل عليهن عدة في انفساخ نكاحهن من أزواجهن الكفار باسلامهن
وبالله تعالى التوفيق * (كمل كتاب النكاح والحمد لله رب العالمين)
بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الطلاق
1949 مسألة: من الطلاق من أراد طلاق امرأة له قد وطئها لم
يحل له أن يطلقها في حيضتها ولا في طهر وطئها فيه فان طلقها طلقة أو طلقتين في طهر
وطئها فيه أو في حيضتها لم ينفذ ذلك الطلاق وهي امرأته كما كانت الا أن يطلقها كذلك
ثالثة أو ثلاثة مجموعة فيلزم فان طلقها في طهر لم يطأها فيه فهو طلاق سنة لازم
كيفما أوقعه ان شاء طلقة واحدة وان شاء طلقتين مجموعتين وان شاء ثلاثا مجموعة،
فان كانت حاملا منه أو من غيره فله أن يطلقها حاملا وهو لازم ولو أثر وطئه إياها (1)
فإن كان لم يطأها قط فله ان يطلقها في حال طهرها وفي حال حيضتها ان شاء واحدة
وان شاء اثنتين وان شاء ثلاثا فان كانت لم تحض قط أو قد انقطع حيضها طلقها أيضا
كما قلنا في الحامل متى شاء، وفيما ذكرنا اختلاف في ثلاثة مواضع، أحدها هل ينفذ
الطلاق الذي هو بدعة مخالف لأمر الله عز وجل أم لا ينفذ، والثاني هل طلاق الثلاث
بدعة أم لا؟ والثالث صفة طلاق السنة * برهان ما قلنا قول الله عز وجل: (يا أيها الذين
آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فمالكم عليهن من عدة
تعتدونها) فأباح عز وجل طلاق التي لم تمس بالوطئ ولم يحد في طلاقها وقتا ولا عددا
فوجب من ذلك أن هذا حكمها. وان دخل بها وطال مكثها معه ولا أشفرها (2)
فحملت من ذلك لأنه لم يمسها ولا تكون بذلك محصنة لان الله تعالى لم يستثن

(1) وفي النسخة رقم 14 اسقاط لفظ إياها
(2) في نسخة ولو أشفرها أي جامعها بين شفريها
161

شيئا من ذلك (وما كان ربك نسيا) والمفرق بين هذه الأحكام متناقض شارع
من الدين ما لم يأذن به الله عز وجل، فان قيل فمن أين حكمتم بذلك في الكتابيات إذا
طلقهن المؤمنون وأنتم تبطلون القياس؟ قلنا لقول الله تعالى: (وان احكم بينهم بما أنزل
الله) وبقوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وأخص من
هذا كله بجواب هذا السؤال قوله تعالى: (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن
أو تقرضوا لهن فريضة) الآية فعم عز وجل جميع النساء ولم يخص مؤمنة من
كافرة، فهذا قوله عز وجل في غير الموطوءة واما في الموطوءة فقول الله عز وجل:
(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم
لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله
ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك امرا) والعدة
لا تكون من الطلاق إلا في موطوءة فعلمنا الله عز وجل كيف يكون طلاق الموطوءة
وأخبرنا ان تلك حدود الله وان من تعداها ظالم لنفسه فصح ان من ظلم وتعدى حدود
الله عز وجل ففعله باطل مردود لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا
فهو رد " فصح أن الطلاق المذكور لا يكون إلا للعدة كما امر الله عز وجل فنظرنا
بيان مراد الله عز وجل بقوله: (فطلقوهن لعدتهن) فوجدنا ما رويناه من طريق
مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبى نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال:
" طلقت امرأتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: مره فليراجعها ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها
قبل أن يجامعها أو يمسكها فإنها العدة التي امر الله ان تطلق لها النساء " فكان هذا بيانا
لا يحل خلافه وقد روى هذا الخبر بنقصان عما أوردناه، منها ما رويناه من طريق شعبة
عن قتادة قال سمعت يونس بن جبير قال سمعت ابن عمر يقول طلقت امرأتي وهي
حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مره فليراجعها فإذا
طهرت فان شاء طلقها " *
قال أبو محمد: وروينا الاخذ بهذا عن عطاء قال على وزيادة العدل لا يحل ترك
الاخذ بها وهو خبر واحد عن قصة واحدة في مقام واحد، واما طلاق الحامل
فكما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان الثوري عن
محمد بن عبد الرحمن مولى لطلحة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر انه طلق
امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو
162

حاملا. وأما التي لم تحض أوقد انقطع حيضها فان الله عز وجل أجمل لنا إباحة الطلاق
وبين لنا طلاق الحامل وطلاق التي تحيض ولم يحد لنا تعالى في التي لم تحض ولا
في التي انقطع حيضها حدا فوجب انه تعالى أباح طلاقها متى شاء الزوج إذ لو كان له
عز وجل في وقت طلاقها شرع لبينه علينا، ثم اختلف الناس في الطلاق في الحيض ان طلق
الرجل كذلك أو في طهر وطئها فيه هل يلزم ذلك الطلاق أم لا؟ *
قال أبو محمد: ادعى بعض القائلين بهذا أنه اجماع قال أبو محمد: وقد كذب
مدعى ذلك لان الخلاف في ذلك موجود وحتى لو لم يبلغنا لكان القاطع على جميع
أهل الاسلام بما لا يقين عنده به ولا بلغه عن جميعهم كاذبا على جميعهم، روينا
من طريق عبد الرزاق عن وهب بن نافع أن عكرمة أخبره أنه سمع ابن عباس يقول:
الطلاق على أربعة أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فأما الحلال فأن يطلقها من غير
جماع أو حاملا مستبينا حملها، وأما الحرام فأن يطلقها حائضا أو حين يجامعها لا يدرى
أيشتمل الرحم على الولد أم لا؟ *
قال أبو محمد: ومن المحال أن يخبر ابن عباس عما هو جائز بأنه (1) حرام *
ومن طريق ابن وهب أخبرني جرير بن حازم. عن الأعمش أن ابن مسعود قال:
من طلق كما أمر الله تعالى فقد بين الله تعالى له ومن خالف فانا لا نطيق خلافه:
نا يونس بن عبيد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن
عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي نا عبيد الله
ابن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال ابن
عمر لا يعتد لذلك، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن طاوس
عن أبيه أنه كان لا يرى طلاقا ما خالف وجه الطلاق ووجه العدة وكان يقول وجه
الطلاق أن يطلقها طاهرا عن غير جماع وإذا استبان حملها * نا محمد بن سعيد بن نبات نا
عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى
نا عبد الرحمن بن مهدي نا حمام بن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو أنه قال في
الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال لا يعتد بها *
قال أبو محمد: والعجب من جرأة من ادعى الاجماع على خلاف هذا وهو
لا يجد فيما يوافق قوله في امضاء الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه كلمة عن
أحد من الصحابة رضي الله عنهم غير رواية عن ابن عمر قد عارضها ما هو أحسن منها
عن ابن عمر وروايتين ساقطتين عن عثمان. وزيد بن ثابت، إحداهما. ويناها من

(1) وفي النسخة رقم 14 أن يجيزا ابن عباس ما يخبر بأنه حرام، والمعنى فيهما واحد
163

طريق ابن وهب عن ابن سمعان عن رجل أخبره أن عثمان بن عفان كان يقضى في
المرأة التي يطلقها زوجها وهي حائض أنهلا تعتد بحيضتها تلك وتعتد بعدها ثلاثة
قروء، والأخرى من طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن قيس بن سعد مولى
ابن علقمة عن رجل سماه عن زيد بن ثابت أنه قال فيمن طلق امرأته وهي حائض:
يلزمه الطلاق وتعتد بثلاث حيض سوى تلك الحيضة *
قال أبو محمد: بل نحن أسعد بدعوى الاجماع ههنا لو استجزنا ما يستجيزون
ونعوذ بالله من ذلك، وذلك أنه لا خلاف بين أحد من أهل العلم قاطبة وفي جملتهم
جميع المخالفين لنا في ذلك في أن الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه بدعة نهى
عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة لامره عليه الصلاة والسلام فإذ لاشك في هذا عندهم
فكيف يستجيزون الحكم بتجويز البدعة التي يقرون أنها بدعة وظلالة أليس بحكم
المشاهدة مجيز البدعة مخالفا لاجماع القائلين بأنها بدعة؟ *
قال أبو محمد: واحتجوا من الآثار بما رويناه من طريق ابن وهب نا ابن أبي
ذئب أن نافعا أخبرهم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر
ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وان شاء طلق قبل أن يمس فتلك
العدة التي أمر الله تعالى ان تطلق لها النساء وهي واحدة * ومن طريق مسلم حدثني
إسحاق بن راهويه أنا يزيد بن عبد ربه نا محمد بن حرب حدثني الزبيري عن الزهري
عن سالم عن أبيه فذكر طلاقه لامرأته وهي حائض وقال في آخره فراجعتها وحسبت
لها التطليقة التي طلقتها، وبما في بعض تلك الآثار من قول ابن عمر. ما يمنعني أن
أعتد بها وفي بعضها فمه أرأيت ان عجز واستحمق، ومن طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج قال أرسلنا إلى نافع وهو يترجل (1) في دار الندوة ذاهبا إلى المدينة ونحن
مع عطاء هل حسبت تطليقة عبد الله بن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال نعم. وذكر بعضهم رواية من طريق عبد الباقي بن قانع. عن أبي يحيى الساجي
نا إسماعيل بن أمية الذراع. نا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب. عن أنس
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من طلق في بدعة ألزمناه بدعته " *
قال أبو محمد: كل هذا لا حجة لهم فيه. أما حديث أنس المذكور فموضوع بلا
شك لم يروه أحد من أصحاب حماد بن زيد الثقات إنما هو من طريق إسماعيل بن أمية

(1) يسرح شعره
164

الذراع فإن كان القرشي الصغير البصري وهو بلا شك فهو ضعيف متروك. وإن كان
غيره فهو مجهول لا يعرف من هو، ومن طريق عبد الباقي بن قانع راوي كل كذبة
المنفرد بكل طامة وليس بحجة لأنه تغير بآخرة ثم لو صح ولم يصح قط لكان لا
حجة فيه لأنه كان معنى قوله ألزمناه بدعته أي أثمها كما قال عز وجل: (وكل انسان
ألزمناه طائره في عنقه) وليس فيه أنه يحكم عليه بامضاء حكم بدعته وتجويزها في
الدين وهذا هو الظاهر كما يقولون هم فيمن باع بيعا لا يحل أو نكح نكاحا ببدعة
وفي سائر الأحكام ولا فرق، وأما خبر نافع فموقوف عليه ليس فيه أنه سمعه من
ابن عمر فبطل الاحتجاج به، واما ما روى عن ابن عمر فمه أرأيت ان عجز واستحمق
فلا بيان في هذا اللفظ بان تلك الطلقة عدت له طلقة والشرائع لا تؤخذ بلفظ لا بيان
فيه بل قد يحتمل أن يكون أراد الزجر عن السؤال عن هذا والاخبار بأنه عجز
واستحمق في ذلك والأظهر فيما هذه صفته أن لا يعتد به وأنه سقطة (1) من فعل
فاعله لأنه ليس في دين الله تعالى حكم نافذ يستحمق الحاكم به ويعجز بل كل حكم في
الدين فالمنفذ له مستغفل كيس والحمد لله رب العالمين، وأما ما روى من قوله ما يمنعني
أن أعتد بها وقوله وحسبت لها التطليقة التي طلقتها فلم يقل فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حسبها تطليقة ولا انه عليه الصلاة والسلام هو الذي قال له اعتد بها طلقة إنما هو اخبار
عن نفسه، ولا حجة في فعله ولا فعل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حديث
ابن أبي ذئب الذي في آخره وهي واحدة فهذه لفظة أتى بها ابن أبي ذئب وحده ولا
نقطع على أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممكن أن تكون من
قول من دونه عليه الصلاة والسلام والشرائع لا تؤخذ بالظنون، ثم لو صح يقينا
أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان معناه وهي واحدة أخطأ فيها
ابن عمر أو وهي قضية واحدة لازمة لكل مطلق، والظاهر أنه من قول من دون النبي
صلى الله عليه وسلم مخبرا بان ابن عمر كان طلقها طلقة واحدة وقد ذكرنا قبل الرواية الصحيحة
من طريق عبيد الله بن عمر. عن نافع. عن ابن عمر فيمن طلق امرأته حائضا انه
لا يعتد بذلك ويكفى من هذا كله المسند البين الثابت الذي رويناه من طريق أبى داود
السجستاني قال نا أحمد بن صالح نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه
سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر قال أبو الزبير وأنا أسمع كيف ترى
في رجل طلق امرأته حائضا فقال ابن عمر: طلق عمر امرأته وهي حائض على عهد

(1) وفي النسخة رقم 14 ساقط
165

رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان ابن عمر طلق امرأته
وهي حائض قال عبد الله: فردها على ولم يرها شيئا؟ وقال: إذا طهرت فليطلق إذا شاء
أو ليمسك وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
فطلقوهن في قبل عدتهن) *
قال أبو محمد: وهذا مما قرئ ثم رفعت لفظة في قبل وأنزل الله تعالى (لعدتهن)
وهكذا رويناه من طريق الدبري. عن عبد الرزاق. عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير
أنه سمع ابن عمر وسأله عبد الرحمن بن أيمن فذكره نصا وهذا اسناد في غاية الصحة
لا يحتمل التوجيهات والحمد لله رب العالمين، وقال بعضهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمراجعتها
دليل على أنها طلقة يعتد بها فقلنا. ليس ذلك دليلا على ما زعمتم لان ابن عمر بلا
شك إذ طلقها حائضا فقد اجتنبها فإنما امره عليه الصلاة والسلام برفض فراقه لها
وأن يراجعها كما كانت قبل بلا شك، وقال بعضهم: الورع الزامه تلك الطلقة إذ قد
يطلقها بعد ذلك طلقتين فتبقى عنده ولعلها مطلقة ثلاثا فقلنا: بل هذا ضد الورع إذ
تبيحون فرجها لأجنبي بلا بيان، وإنما الورع أن لا تحرم على المسلم امرأته التي نحن
على يقين من أن الله عز وجل أباحها له وحرمها على من سواه الا بيقين، وأما بالظنون
والمحتملات فلا وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: والعجب كله أنهم ان وجدوا في الطلاق في الحيض ما يشغبون به
مما ذكرنا فأي شئ وجدوا في طلاقه إياها في طهر وطئها فيه. فان قالوا: قسناه على
الطلاق في الحيض قلنا: هذا باطل من القياس ولو كان القياس حقا لكان هذا منه عين
الباطل لأنه قياس الشئ على ضده طهر على حيض فكيف والقياس كله باطل. فان
قالوا انكم تلزمونه الطلاق في الحيض وفي طهر مسها فيه إذا كان طلاقا ثالثا أو ثلاثا
مجموعة وفي غير المدخول بها بكل حال قلنا: نعم لان قول الله عز وجل (فطلقوهن
لعدتهن) لا اشكال في أنه تعالى إنما أمر بذلك في المدخول بها فيما كان من الطلاق
دون الثلاث، وفي هذين الوجهين أفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ولم يأمر قط عز وجل
بذلك في غير مدخول بها ولا فيمن طلق ثالثة أو ثلاثة مجموعة وليس في غير المدخول بها
عدة طلاق فيلزم أن يطلق لها كما بينا بنص القرآن وقوله تعالى: (لا تدرى لعل الله يحدث
بعد ذلك امرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وليس
هذا في طلاق الثلاث * ومن طريق عبد الرزاق. نا معمر. عن أيوب السختياني.
عن نافع. عن ابن عمر " انه طلق امرأته واحدة وهي حائض " وذكر الحديث *
166

ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر " أنه طلق
امرأته وهي حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها
حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضه أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها فان أراد
أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن
تطلق لها النساء، قال ابن عمر: أأنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين. فان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك وان كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك
وعصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك *
قال أبو محمد: قد يمكن أن ابن عمر أراد بالمعصية من طلقها كذلك دون الثلاث،
وأما الاختلاف في طلاق الثلاث مجموعة أهو بدعة أم لا؟ فزعم قوم أنها بدعة ثم
اختلفوا فقالت طائفة منهم لا يقع البتة لان البدعة مردودة، وقالت طائفة منهم: بل
يرد إلى حكم الواحد المأمور بان يكون حكم الطلاق كذلك، وقالت طائفة: بل تقع
كما هو ويؤدب المطلق كذلك، وقالت طائفة: ليست بدعة ولكنها سنة لا كراهة فيها
واحتج من قال إنها تبطل بقول الله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) الآيات وبقوله
تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن) إلى قوله تعالى (وبعولتهن
أحق بردهن في ذلك) وبقوله تعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن
بمعروف أو فارقوهن بمعروف) قالوا: فلا يكون طلاقا الا ما كان بهذه الصفة،
قالوا ومعنى قول الله تعالى (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان)
أي مرة بعد مرة كما تقول سير به فرسخان، وذكروا ما رويناه من طريق أحمد بن
شعيب انا سليمان بن داود أنا ابن وهب أنا مخرمة - هو ابن بكير بن الأشج - عن أبيه
قال سمعت محمود بن لبيد قال: " أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات
جميعا فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وانا بين أظهركم فقال رجل فقال
يا رسول الله ألا أقتله " قال أحمد بن شعيب: لا أعلم أحدا رواه غير مخرمة *
قال أبو محمد: أما قولهم البدعة مردودة فصدقوا ولو كانت بدعة لوجب أن ترد
وتبطل، وأما الآيات فإنما نزلت فيمن طلق واحدة أو اثنتين فقط تم نسألهم عمن
طلق مرة ثم راجع ثم مرة ثم راجع ثانية ثم ثالثة أببدعة أتى فمن قولهم لا بل بسنة
فنسألهم أتحكمون له بما في الآيات المذكورات فمن قولهم لا بلا خلاف فصح ان
المقصود في الآيات المذكورات من أراد ان يطلق طلاقا رجعيا فبطل احتجاجهم بها
في حكم من طلق ثلاثا، وأما قولهم معنى قوله: (الطلاق مرتان) ان معناه مرة بعد
167

مرة فخطأ بل هذه الآية كقوله تعالى: (نؤتها اجرها مرتين) أي مضاعفا معا وهذه
الآية أيضا تعليم لما دون الثلاث من الطلاق وهو حجة لنا عليهم لأنهم لا يختلفون
يعنى المخالفين لنا في أن طلاق السنة هو أن يطلقها واحدة ثم يتركها حتى تنقضي عدتها
في قول طائفة منهم وفي قول آخرين منهم أن يطلقها في كل طهر طلقة وليس شئ من
هذا في هذه الآية وهم لا يرون من طلق طلقتين متتابعتين في كلام متصل طلاق سنة
فبطل تعلقهم بقوله تعالى: (الطلاق مرتان)، وأما خبر محمود بن لبيد فمرسل ولا حجة
في مرسل ومخرمة لم يسمع من أبيه شيئا، وأما قول من قال إن الثلاث تجعل واحدة فإنهم
احتجوا بما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق انا معمر عن ابن طاوس عن
أبيه عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وسنتين من
خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب ان الناس قد استعجلوا في أمر
كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، وروينا من طريق الدبري عن
عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه ان أبا الصهباء قال لابن عباس:
ألم تعلم أنها كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وصدرا
من امارة عمر قال نعم * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا سليمان بن سيف الحراني
نا أبو عاصم هو النبيل عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس:
ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وصدرا من خلافة عمر
ترد إلى الواحدة قال نعم، ورويناه أيضا من طريق مسلم عن إسحاق بن راهويه نا سليمان بن
حرب عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس،
وبما رويناه من طريق أبى داود نا أحمد بن صالح نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني بعض بنى
أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق عبد يزيد أبو ركانة
واخوته أم ركانة فذكر الحديث وفيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: راجع امرأتك
أم ركانة واخوته فقال إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله قال قد علمت ارجعها وتلي (يا أيها
النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) *
قال أبو محمد: ما نعلم لهم شيئا احتجوا به غير هذا وهذا لا يصح لأنه عن غير مسمى من
بني أبى رافع ولا حجة في مجهول وما نعلم في بنى أبى رافع من يحتج به الا عبيد الله وحده
وسائرهم مجهولون، واما حديث طاوس عن ابن عباس الذي فيه ان الثلاث كانت واحدة
وترد إلى الواحدة وتجعل واحدة فليس شئ منه انه عليه الصلاة والسلام هو الذي
جعلها واحدة أو ردها إلى الواحدة ولا أنه عليه الصلاة والسلام علم بذلك فأقره
168

ولا حجة الا فيما صح انه عليه الصلاة والسلام قاله أو فعله أو علمه فلم ينكره وإنما يلزم
هذا الخبر من قال في قول أبي سعيد الخدري: كنا نخرج في زكاة الفطر على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم صاعا من كذا واما نحن فلا والحمد لله رب العالمين * وأما من قال: انها معصية
وأنها تقع فإنهم موهوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن عبيد الله
ابن الوليد الوصافي العجلي عن إبراهيم - هو ابن عبيد الله بن عبادة بن الصامت - عن داود عن
عبادة بن الصامت قال: " طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلق أبى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكر ذلك له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما اتقى الله جدك اما ثلاث فله واما تسعمائة وسبع
وتسعون فعدوان وظلم. إن شاء الله عذبه وان شاء غفر له ": ورواه بعض الناس عن
صدقة بن أبي عمران عن إبراهيم بن عبيد الله بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال: " طلق
بعض آبائي امرأته فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ان أبانا طلق
أمنا ألفا فهل له من مخرج؟ فقال إن أباكم لم يتق الله فيجعل له مخرجا بانت منه بثلاث على غير
السنة وتسعمائة وسبع وتسعون اثم في عنقه " * وخبر روى من طريق محمد بن شاذان
عن معلى بن منصور عن شعيب بن رزيق ان عطاءا الخراساني حدثهم عن الحسن قال
نا عبد الله بن عمر " أنه طلق امرأته وهي حائض ثم أراد أن يتبعها تطليقتين أخريين عند
القرأين الباقيين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله انك قد
أخطأت السنة "، وذكر الخبر وفيه، فقلت يا رسول الله لو كنت طلقتها ثلاثا أكان لي أن
أراجعها؟ قال: لا كانت تبين وتكون معصية والخبر الذي ذكرناه آنفا من طريق إسماعيل
ابن أمية الذراع عن حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من طلق في بدعة ألزمناه بدعته * وذكروا عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرناه
آنفا من قول عمر في حديث طاوس ان الناس قد استعجلوا امرا كانت لهم فيه أناة
فلو أمضيناه عليهم، ومن طريق عبد الرزاق عن إسماعيل بن أبي عبد الله أخبرني عبيد الله
ابن العيزار أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان عمر إذا ظفر بمن طلق ثلاثا أوجع رأسه *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال:
من طلق امرأته ثلاثا طلقت وعصى ربه، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس
عن أبيه قال: كان ابن عباس إذا سئل عمن طلق امرأته ثلاثا قال لو اتقيت الله لجعل
لك مخرجا *
قال أبو محمد: لا نعلم لهم شيئا يشغبون به الا هذا، وكله لا حجة لهم فيه، أما حديث
عبادة بن الصامت ففي غاية السقوط لأنه اما من طريق يحيى بن العلاء وليس بالقوى
169

عن عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو هالك عن إبراهيم بن عبيد الله بن عبادة بن الصامت وهو
مجهول لا يعرف ثم هو منكر جدا لأنه لم يوجد قط في شئ من الآثار ان والد عبادة
رضي الله عنه أدرك الاسلام فكيف جده وهو محال بلا شك: ثم ألفاظه متناقضة في
بعضها أما ثلاث فلك وهذا إباحة للثلاث وبعضها بخلاف ذلك، واما حديث ابن عمر
ففي غاية السقوط لأنه عن رزيق بن شعيب أو شعيب بن رزيق الشامي وهو ضعيف
وقد ذكرنا ضعف إسماعيل بن أمية الذراع وجهالته فبطل ما شغبوا به، ولم يبق بأيديهم
شئ والحمد لله رب العالمين * وأما ما ذكروا عن الصحابة رضي الله عنهم فالرواية عن
عمر نرى الناس قد استعجلوا شيئا كانت لهم فيه أناة فلا دليل فيه على أن طلاق
الثلاث معصية أصلا وهو صحيح عن ابن عمر ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: ولا أضعف من قول من يقرانه ينفذ البدعة ويحكم بما لا يجوز بغير نص
من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: ثم وجدنا من حجة من قال إن الطلاق الثلاث مجموعة سنة لا بدعة
قول الله تعالى: (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فهذا يقع على
الثلاث مجموعة ومفرقة ولا يجوز أن يخص بهذه الآية بعض ذلك دون بعض بغير نص
وكذلك قوله تعالى: (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما
لكم عليهن من عدة تعتدونها) عموم لإباحة الثلاث والاثنين والواحدة، وقوله تعالى:
(وللمطلقات متاع بالمعروف) فلم يخص تعالى مطلقة واحدة من مطلقة اثنتين ومن مطلقة
ثلاثا، ووجدنا ما رويناه من طريق مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي اخبره
عن حديث التعان عويمر العجلاني مع امرأته وفي آخره أنه قال كذبت عليها يا رسول
الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل ان يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: وانا مع الناس
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: لو كانت طلاق الثلاث مجموعة معصية لله تعالى لما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن بيان ذلك فصح يقينا انها سنة مباحة، وقال بعض أصحابنا: لا يخلو من أن يكون
طلقها وهي امرأته أو طلقها وقد حرمت عليه ووجب التفريق بينهما فإن كان طلقها
وهي امرأته فليس هذا قولكم لان قولكم انها بتمام اللعان تبين عنه إلى الأبد وإن كان
طلقها أجنبية فإنما نحن فيمن طلق امرأته لا فيمن طلق أجنبية. فقلنا: إنما طلقها وهو
يقدر انها امرأته هذا مالا شك فيه أحد فلو كان ذلك معصية لسبقكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى هذا الاعتراض فإنما حجتنا كلها في ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الانكار على من طلق ثلاثا
170

مجموعة امرأة يظنها امرأته ولا يشك انها في عصمته فقط، فان قالوا: ليس كل مسكوت
عن ذكره في الاخبار يكون ترك ذكره حجة. فقلنا: نعم هو حجة لازمة الا أن يوجد
بيان في خبر آخر لم يذكر في هذا الخبر فحينئذ لا يكون السكوت عنه في خبر آخر حجة *
ومن طريق البخاري نا محمد بن بشار نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله بن عمر
نا القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين قالت إن رجلا طلق امرأته ثلاثا
فتزوجت فطلق (1) فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحل للأول؟ قال: لا حتى يذوق عسيلتها
كما ذاق الأول فلم ينكر عليه الصلاة والسلام هذا السؤال ولو كان لا يجوز لاخبر
بذلك * وخبر فاطمة بنت قيس المشهور، رويناه من طريق يحيى بن أبي كثير أخبرني أبو سلمة
ابن عبد الرحمن ان فاطمة بنت قيس أخبرته أن زوجها ابن حفص بن المغيرة المخزومي
طلقها ثلاثا ثم انطلق إلى اليمن فانطلق خالد بن الوليد في نفر فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في بيت ميمونة أم المؤمنين فقالوا: ان ابن حفص طلق امرأته ثلاثا فهل لها من نفقة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لها نفقة وعليها العدة وذكر باقي الخبر * ومن طريق مسلم
نا إسحاق بن منصور نا عبد الرحمن - هو ابن مهدي - عن سفيان الثوري عن أبي بكر
ابن أبي الجهم قال: سمعت فاطمة بنت قيس فذكرت حديث طلاقها قالت: " واتيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال كم طلقك؟ قلت ثلاثا فقال: صدق ليس لك نفقة " وذكرت باقي الخبر *
ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا حفص بن غياث نا هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت
قيس قالت: " قلت يا رسول الله ان زوجي طلقني ثلاثا وانا أخاف ان يقتحم على قال:
فأمرها فتحولت "، ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان
الثوري عن سلمة بن كهيل عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة
ثلاثا قال: " ليس لها سكنى ولا نفقة " فهذا نقل تواتر عن فاطمة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرها هي ونفر سواها بأن زوجها طلقها ثلاثا وبأنه عليه الصلاة والسلام حكم في
المطلقة ثلاثا ولم ينكر عليه الصلاة والسلام ذلك ولا أخبر بأنه ليس بسنة، وفي هذا
كفاية لمن نصح نفسه، فان قيل: إن الزهري روى عن أبي سلمة هذا الخبر فقال فيه انها
ذكرت انه طلقها آخر ثلاث تطليقات، وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة أن زوجها ارسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها فذكر الخبر وفيه
فأرسل مروان إليها قبيصة بن ذؤيب فحدثته وذكر باقي الخبر، قلنا: نعم هكذا رواه
الزهري فاما روايته من طريق عبيد الله بن عبد الله فمنقطعة لم يذكر عبيد الله ذلك

(1) هكذا في النسخ والمعنى فطلقها الزوج الثاني
171

عنها ولا عن قبيصة عنها إنما قال: ان فاطمة طلقها زوجها وان مروان بعث إليها قبيصة
فحدثته، وأما خبره عن أبي سلمة فمتصل إلا أن كلا الخبرين ليس فيهما أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخبرته هي ولا غيرها بذلك إنما المسند الصحيح الذي فيه انه عليه الصلاة
والسلام سأل عن كمية طلاقها وانها أخبرته فهي التي قدمنا أولا، وعلى ذلك الاجمال
جاء حكمه عليه الصلاة والسلام، وكذلك كل لفظ روى به خبر فاطمة من أبت طلاقي
وطلقها البتة وطلقها طلاقا باتا وطلاقا بائنا فليس في شئ منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف
عليه أصلا فسقط كل ذلك وثبت حكمه عليه الصلاة والسلام على ما صح انه أخبر به من
أنه طلقها ثلاثا فقط: (وأما الصحابة رضي الله عنهم) فان الثابت عن عمر الذي لا يثبت
عنه غيره ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل نا زيد بن
وهب أنه رفع إلى عمر بن الخطاب برجل طلق امرأته ألفا فقال له عمر: أطلقت
امرأتك؟ فقال إنما كنت ألعب فعلاه عمر بالدرة وقال: إنما يكفيك من ذلك ثلاث
فإنما ضربه عمر على الزيادة على الثلاث وأحسن عمر في ذلك وأعلمه ان الثلاث تكفى
ولم ينكرها، ومن طريق وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت جاء رجل إلى علي
ابن أبي طالب فقال: انى طلقت امرأتي ألفا فقال له على: بانت منك بثلاث وأقسم
سائرهن بين نسائك فلم ينكر جمع الثلاث، ومن طريق وكيع عن جعفر بن برقان
عن معاوية بن أبي يحيى قال جاء رجل إلى عثمان بن عفان فقال: طلقت امرأتي ألفا
فقال بانت منك بثلاث فلم ينكر الثلاث * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن
عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس: طلقت امرأتي ألفا فقال له
ابن عباس: ثلاث تحرمها عليك وبقيتها عليك وزرا اتخذت آيات الله هزوا فلم ينكر
الثلاث وأنكر ما زاد * والذي جاء عنه من قوله لمن طلق ثلاثا ثم ندم لو اتقيت الله لجعل
لك مخرجا وهو على ظاهره نعم ان اتقى الله جعل له مخرجا وليس فيه ان طلاقه الثلاث معصية،
ومن طريق عبد الرزاق. عن معمر عن الأعمش. عن إبراهيم. عن علقمة قال:
جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: انى طلقت امرأتي تسعا وتسعين فقال له ابن مسعود:
ثلاث تبينها وسائرهن عدوان، وهذان خبران في غاية الصحة لم ينكر ابن مسعود. وابن
عباس الثلاث مجموعة أصلا وإنما أنكرا الزيادة على الثلاث، * ومن طريق أحمد
ابن شعيب أنا عمرو بن علي نا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق
السبيعي عن أبي الأحوص. عن عبد الله بن مسعود قال: طلاق السنة أن يطلقها طاهرا
من غير جماع، وهذا في غاية الصحة عن ابن مسعود فلم يخص طلقة من طلقتين من ثلاث
172

فان قيل: قد روى الأعمش. عن أبي إسحاق. عن أبي الأحوص. عن ابن مسعود وفيه
فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، قلنا نعم: هذا
أيضا سنة وليس فيه ان ما عدا ذلك حرام وبدعة، فان قيل: قد رويتم من طريق حماد بن
زيد نا يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين قال: قال علي بن أبي طالب: لو أن الناس أخذوا
بأمر الله تعالى في الطلاق ما يبيح رجل نفسه في امرأة أبدا يبدأ فيطلقها تطليقة ثم يتربص ما
بينها وبين أن تنقضي عدتها فمتى ما شاء راجعها قلنا: هذا منقطع عنه لان ابن سيرين لم يسمع
من على كلمة، ثم ليس فيه أيضا أن ما عدا ذلك معصية ولا بدعة لا يعلم عن الصحابة رضي الله عنهم
غير ما ذكرنا، وأما التابعون فروينا من طريق وكيع. عن إسماعيل بن أبي خالد
عن الشعبي قال: قال رجل لشريح القاضي: طلقت امرأتي مائة فقال بانت منك بثلاث
وسبع وتسعون اسراف ومعصية فلم ينكر شريح الثلاث وإنما جعل الاسراف والمعصية
ما زاد على الثلاث، ومن طريق عبد الرزاق. عن معمر. عن قتادة. عن سعيد بن المسيب
قال: طلاق العدة أن يطلقها إذا طهرت من الحيضة بغير جماع *
قال أبو محمد: فلم يخص واحدة من ثلاث من اثنتين لا يعلم عن أحد من التابعين أن
الثلاث معصية صرح بذلك الا الحسن. والقول بان الثلاث سنة هو قول الشافعي
وأبي ذر وأصحابهما *
واما صفة طلاق السنة
فقد ذكرنا قول ابن مسعود آنفا في ذلك من طريق الأعمش. عن أبي إسحاق وآخر من
طريق علي بن أبي طالب وهو أن ابن مسعود قال: يطلقها في طهر لم يمسها فيه ثم يدعها حتى
تحيض فإذا طهرت طلقها أخرى ثم يدعها حتى تحيض فإذا طهرت طلقها ثالثة، وقال على: له
ان يطلقها ثم يدعها حتى تتم عدتها أو يراجعها في العدة ان شاء، ومثل قول ابن مسعود الذي
ذكرنا قول رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ومثله عن معمر عن الزهري
وعن قتادة عن ابن المسيب ومثله من طريق عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان
عن إبراهيم النخعي وزاد فان كانت يئست من المحيض فليطلقها عند كل هلال تطليقة وهو
قول الشعبي * وممن كره أن يطلقها أكثر من واحدة. الليث. والأوزاعي. ومالك.
وأبو حنيفة. وعبد العزيز بن الماجشون. والحسن بن حي. وأبو سليمان وأصحابهم، واما
قولنا في طلاق الحامل والتي لم يطأها والتي لم تحض والتي يئست من الحيض فان النصوص
التي ذكرنا قبل وإنما جاءت في اللواتي عدتهن الأطهار، وأما الحامل فليس لها اقراء تراعى:
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوردناه قبل في صدر كلامنا في الطلاق: ثم ليطلقها طاهرا
173

أو حاملا فبين عليه الصلاة والسلام في الطاهر ان لا يطأها في ذلك الطهر قبل ان يطلقها
وأجمل طلاق الحامل (1) (وما كان ربك نسيا) واما التي لم يطأها فلا عدة له عليها بنص القرآن
فليست من اللاتي قال الله تعالى فيهن (فطلقوهن لعدتهن) فله أن يطلقها كما أباح الله تعالى
متى شاء قال تعالى: (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن) وأما التي لم تحض
قط أو التي انقطع حيضها فقد قال من ذكرنا انه يطلقها عند استهلال الهلال وهذا شئ
لا نوجبه لأنه لم يأت بايجابه قرآن ولا سنة، فان قيل: ألم يقل الله عز وجل: (واللائي
يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) قلنا نعم
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الشهر تسعة وعشرون يوما " فمن حيث ابتدأ
بالعدة فإذا أتم تسعة وعشرين يوما فهو شهر * برهان ذلك قول الله عز وجل (يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) فأوجب عز وجل ما قلنا وهو أن يبدأ بعدد الشهور من
أي يوم أو ليلة شاء العاد أو من حيث تجب العدة بالوفاة أو بالشهور وبالله تعالى التوفيق *
1950 مسألة: ومن قال: أنت طالق ونوى اثنتين أو ثلاثا فهو كما نوى
سواء قال ذلك ونواه في موطوءة أو في غير موطوءة، برهان ذلك أننا قد ذكرنا ان
طلاق الثلاث مجموعة سنة وان اسم الطلاق يقع عليها وعلى الثنتين وعلى الواحدة
فإذ ذلك كذلك فهو ما نوى من عدد الطلاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى " فإن لم ينو عددا من الطلاق فهو واحدة لأنها أقل الطلاق
فهي اليقين الذي لا شك فيه أنه يلزم ولا يجوز أن يلزم زيادة بلا يقين وهو قول مالك.
والليث. والشافعي، وقال أبو حنيفة. وأبو سليمان. وسفيان. والأوزاعي: يلزمه
واحدة لا أكثر وبالله تعالى التوفيق *
1951 مسألة: فلو قال لموطوءة أنت طالق أنت طالق فان نوى التكرير
لكلمته الأولى واعلامها فهي واحدة، وكذلك إن لم ينو بتكراره شيئا فان نوى بذلك ان
كل طلقه غير الأخرى فهي ثلاث إن كررها ثلاثا وهي اثنتان ان كررها مرتين بلا شك فلو قال
لغير موطوءة منه أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهي طلقة واحدة فقط لان تكراره للطلاق
وقع وهي في غير عدة منه إذ لا عدة على غير موطوءة بنص القرآن وهي أجنبية بعد وطلاق
الأجنبية باطل، واختلف الناس في هذا فقالت طائفة كما قلنا وقالت طائفة: إن كان وصل
كلامه ولم يقطع بعضه عن بعض فهي ثلاث لازمة وإن كان فرق بين كلامه بسكتة فهي طلقة
واحدة فقط، وقالت طائفة: إن كان ذلك في مجلس واحد فهي كلها لوازم سواء فرق بين كل

(1) وفي النسخة رقم 14 الطاهر وهو غلط
174

طلاقين
بسكتة أو لم يفرق وإن كان ذلك في مجالس شتى لم يلزم من الطلاق إلا ما كان
في المجلس الأول فقط، فممن روينا عنه مثل قولنا من طريق سعيد بن منصور نا عتاب بن بشير
عن خصيف عن زياد بن أبي مريم عن ابن مسعود فيمن طلق امرأته ثلاثا ولم يكن دخل
بها قال هي ثلاث فان طلقها واحدة ثم ثنى ثم ثلث لم يقع عليها لأنها قد بانت بالأولى، وصح
هذا عن خلاس. وإبراهيم النخعي في أحد أقواله. وطاوس. والشعبي. وعكرمة. وأبى بكر
ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وحماد بن أبي سليمان، ورويناه عن مسروق،
ورويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن مطرف بن طريف، قال:
سألت الحكم بن عتيبة عمن قال لامرأته أنت طالق أنت طالق أنت طالق؟ يعنى ولم يكن
دخل بها قال تبين بالتطليقة الأولى والثنتان التي أتبع ليستا بشئ فقلت له: عمن تحفظه قال
عن علي بن أبي طالب. وعبد الله بن مسعود. وزيد بن ثابت، ورويناه أيضا عن ابن
عباس وهو قول سفيان الثوري: والحسن بن حي. وأبي حنيفة. والشافعي. وأبى ثور.
وأبى عبيد. وأحمد بن حنبل. وأبي سليمان. وأصحابهم، والقول الثاني رويناه من
طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا المغيرة عن إبراهيم النخعي فيمن قال لغير المدخول بها أنت
طالق أنت طالق أنت طالق وقالها متصلة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فان قال أنت طالق ثم
سكت ثم قال أنت طالق ثم سكت ثم قال أنت طالق بانت بالأولى ولم تكن الاخريان شيئا.
ومثله سواء سواء عن عبد الله بن مغفل المزني وهو قول مالك. والأوزاعي. والليث،
والقول الثالث رويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا عبد العزيز بن عبد الصمد قال قال لي
منصور حدثت عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: إذا قال للتي لم يدخل بها في مجلس واحد
أنت طالق أنت طالق أنت طالق فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فان قام من مجلسه
ذلك بعد ان طلق طلقة واحدة ثم طلق بعد ذلك فليس بشئ وقد جاءت روايات لا بيان فيها
منها ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء
ابن أبي رباح. وجابر بن زيد قالا جميعا: إذا طلقت البكر ثلاثا فهي واحدة، ومن طريق
سعيد بن منصور نا هشيم أنا منصور - هو ابن المعتمر - ان آخر قول الحسن فيمن طلق
امرأته ثلاثا قبل الدخول بها انه ان شاء خطبها، ومن طريق مالك. عن يحيى بن سعيد
الأنصاري. عن النعمان بن أبي عياش: عن عطاء بن يسار أنه سئل عمن طلق امرأته
ثلاثا قبل أن يمسها؟ قال: طلاق البكر واحدة *
قال أبو محمد: لم يخصوا مفرقة من مجموعة والله أعلم بمرادهم، ومنها أيضا
ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن
175

عبد الرحمن بن ثوبان قال: طلق رجل من مزينة امرأته ثلاثا قبل الدخول فسأل ابن
عباس وعنده أبو هريرة؟ فقال أبو هريرة: واحدة تبينها وثلاث تحرمها فصوبها ابن عباس
وهذا لا يصح لان عمر بن راشد ضعيف * ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن
بكير بن النعمان بن أبي عياش أن عبد الله قال فيمن طلق امرأته البكر واحدة تبينها
وثلاث تحرمها ونحوه عن أم سلمة أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب فلم يبنوا مفرقة أم مجموعة *
قال أبو محمد: أما من فرق بين قوله ذلك في مجلس وبين قوله ذلك في مجلسين
فدعوى بلا برهان، وكذلك من فرق بين قوله ذلك متصلا. وبين تفريقه بين ذلك
بالسكوت هو أيضا قول لا دليل على صحته فهو ساقط فصح قولنا لأنه بتمام قوله لها
أنت طالق بانت وحل لها زوج غيره ولو مات لم ترثه ولو ماتت لم يرثها وليس في
عدة منه فطلاقه لها لغو ساقط وبالله تعالى التوفيق *
1952 مسألة: فلو قال لغير موطوءة منه أنت طالق ثلاثا فإن كان نوى
في قوله أنت طالق انها ثلاث فهي ثلاث فإن لم ينو ذلك لكن نوى الثلاث إذ قال ثلاثا
لم تكن طلاقا الا واحدة لان بتمام قوله أنت طالق بانت منه فصار قوله ثلاثا لغوا
لا معنى له وبالله تعالى التوفيق *
1953 مسألة: وطلاق النفساء كالطلاق في الحيض سواء سواء لا يلزم
الا أن يكون ثلاثا مجموعة أو آخر ثلاث قد تقدمت منها اثنتان، برهان ذلك أنه
ليس الا حيض أو طهر وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الطلاق في
الحيض وأمر بالطلاق في طهر لم يجامعها فيه أو حاملا، ولا خلاف في أن دم النفاس
ليس طهرا ولا هو حمل فلم يبق الا الحيض فهو حيض ولم يصح قط نص بان النفاس
ليس حيضا بل لا خلاف في أن له حكم الحيض من ترك الصلاة والصوم والوطئ وقد
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دم الحيض أسود يعرف فصح ان كل دم أسود ظهر
من فرج المرأة فهو حيض ما لم يتجاوز أمد الحيض وما لم يكن في حمل، وصح أنه عليه
الصلاة والسلام قال لام سلمة وعائشة أمي المؤمنين رضي الله عنهما. إذ حاضت كل
واحدة منهما أنفست قالت نعم فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيض نفاسا، وممن قال
بقولنا طائفة من السلف كما روينا من طريق وكيع عن جرير بن حازم. وسفيان
الثوري قال جرير عن قيس بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن
يسار عن زيد بن ثابت، وقال سفيان: عن ابن جرير عن عطاء قال زيد. وعطاء إذا
طلق الرجل امرأته وهي نفساء لم تعتد بدم نفاسها في عدتها، وقال غيرهما: غير هذا
176

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد بن أبي عروبة قال:
قال مطر الوراق عن الحسن في التي تطلق وهي حائض ثلاثا قال: تعتد به قرءا من
أقرائها، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء، قال: يكره أن يطلق
امرأته حائضا كما يكره أن يطلقها نفساء *
قال أبو محمد: ولو أن امرءا طلق امرأته في طهر لم يمسها فيه طلاقا رجعيا فحملت من
زنا، أو. من إكراه أو من شبهة بجهالة فإنها تنتقل إلى عدة الحامل فتنقضي عدتها
بوضع حملها لأنها زوجته بعد ترثه ويرثها ويلحقها إيلاؤه وظهاره. ويلاعنها ان
قذفها فهي مطلقة من ذوات الأحمال، وقد قال تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن
أن يضعن حملهن)، وكذلك تنتقل إلى عدة الحامل الوفاة ان مات، وسواء حملت في الطهر
الأول أو الثاني أو الثالث، فإن كان الطلاق ثلاثا أو آخر ثلاث أو معتقة تخيرت
فراقه لم تنتقل إلى عدة الوفاة، ولا إلى عدة. لكن ان حملت في الطهر الأول عدت
جميع حملها قرءا ثم عدت نفاسها حيضا، ثم تأتى بقرائن بعده، ولا فرق بين
اعتدادها به قرءا ولو لم يبق منه الا طرفة عين وبين اعتدادها به ولو لمن يمض منه إلا
طرفة عين، لان بعض الطهر طهر، فان حملت في الطهر الثاني عدت مدة حملها قرءا
ثانيا، ثم نفاسها حيضا ثم عليها أن تأتى بقرء ثالث فان حملت في الطهر الثالث عدت مدة
حملها قرءا فإذا وضعت حملها بأول دم يظهر منها تمت عدتها، وحلت للأزواج لأنها
قد لزمها الاعتداد بالأقراء بنص القرآن فلا يسقط عنها، فلو كانت ممن لا تحيض فكان
طلاقها بائنا كما ذكرنا، أو كانت معتقة فاختارت فراقه فإنها تتمادى على عدة الشهور
وتحل للأزواج بتمامها، ولا معنى للحمل حينئذ، وكذلك لو حملت بعد موته فإنها
تتمادى على عدتها أربعة أشهر وعشر ليال. ثم تحل للأزواج بتمامها، ولا يراعى الحمل
وإنما نعنى بقولنا تحل للأزواج أنها يحل لها الزواج، وأما الوطئ فلا البتة حتى تضع
حملها ثم تطهر من دم نفاسها، وبالله تعالى التوفيق *
1954 مسألة: ومن طلق امرأته ثلاثا كما ذكرنا لم يحل له زواجها الا
بعد زوج يطأها في فرجها بنكاح صحيح في حال عقله وعقلها ولابد، ولا يحلها له وطئ
في نكاح فاسد، ولا وطئ في دبر ولا وطئها في نكاح صحيح وهي في غير عقلها باغماء أو
بسكر أو بجنون ولا وهو كذلك فان بقي من حسه أو من حسها في هذه الأحوال أو
في النوم ما تدرك به اللذة أحلها ذلك إذا مات ذلك الزوج أو طلقها أو انفسخ نكاحها
منه بعد صحته. وكذلك إن كان النكاح صحيحا ثم وطئها في حال لا يحل فيه الوطئ من
177

صوم فرض منه أو منها أو إحرام كذلك أو اعتكاف كذلك، أو وهي حائض
فكل ذلك لا يحلها، ويحلها العبد يتزوجها والذمي ان كانت هي ذمية، ولا يحلها ان
كانت أمة وطئ سيدها لها، برهان ذلك قول الله عز وجل: (فلا تحل من بعد
حتى تنكح زوجا غيره فان طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ان ظنا أن يقيما حدود
الله) ففي هذه الآية عموم كل زوج ولا يكون زوجا الا من كان زواجه صحيحا.
وأما من تزوج بخلاف ما أمره الله عز وجل فليس زوجا ولا عقده زواجا وفيها
تحليل رجعته لها بعد طلاق الزوج. وبقى أمر الوطئ وأمر موت الزوج الثاني
وانفساخ نكاحه فوجدنا ما رويناه من طريق أبى داود السجستاني نا مسدد نا أبو معاوية
عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت: سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته تعنى ثلاثا فتزوجت غيره فطلقها قبل أن
يواقعها أتحل لزوجها الأول؟ قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل للأول حتى تذوق
عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها، ففي هذا الخبر زيادة عموم حلها له بالوطئ لا بغيره
فدخل في ذلك موته وانفساخ نكاحه بعد صحته ودخل في عموم ذوق العسيلة كل
ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق * وإنما قلنا إن وطئ السيد لا يحلها لزوجها المطلق
لها لأنه ليس زوجا وإنما أحلها له تعالى بعد أن تنكح زوجا غيره، وفي كثير مما
ذكرنا خلاف من ذلك عن سعيد بن المسيب قال: كما روينا من طريق سعيد بن
منصور نا هشيم أنا داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب في المطلقة ثلاثا ثم تتزوج
قال سعيد: أما الناس فيقولون حتى يجامعها وأما أنا فانى أقول: إذا تزوجها بتزويج
صحيح لا يريد بذلك إحلالا فلا بأس أن يتزوجها الأول *
قال أبو محمد: كان ينبغي لمن يقول في رده حديث المسح على العمامة وحديث
الخمس رضعات إن هذا زائد على القرآن فلا يجوز أن يؤخذ منه الا ما جاء مجئ تواتر أن
يقول بقول سعيد ههنا لان خبر عائشة في ذوق العسيلة زائد على ما في القرآن لم يأت
إلا من طريق عائشة رضي الله عنها التي من قبلها جاء خبر الخمس رضعات. ولا فرق * ومن
طريق ابن عباس وروى غير صحيح من طريق أنس وابن عمر. وكذلك ينبغي لمن قال
برد السنة الثابتة في أن لا يتم بيع الا بأن يفترقا عن موضعهما فإنه مما تكثر به البلوى
ان يقول بقول سعيد، ويقول هذا مما تكثر به البلوى فلو صح ما خفى عن سعيد
وجاء عن الحسن أنها لا تحل لزوجها الأول وان وطئها الثاني الا حتى ينزل فيها. ولقد
ينبغي للمالكيين القائلين إن التحريم يدخل بأرق الأسباب. ولا يدخل
178

التحليل إلا بأغلظ الأسباب أن يقول بقول الحسن هذا ولكن تناقضهم أكثر من
ذلك. واختلفوا في المسلم يطلق الكتابية ثلاثا فتتزوج كتابيا ويطأها ثم يموت.
فقال الحسن البصري. والزهري. وسفيان الثوري. وأبو حنيفة. والشافعي
وأبو سليمان وأصحابهم انها قد حلت للأول، وقال ربيعة ومالك: لا يحلها وما نعلم
لهم شغبا الا قولهم ليس له طلاق فقلنا: فكان ماذا أي شئ في ذلك مما يمنع من
احلالها إن مات أو انفسخ نكاحه منها ثم نسألهم إن تزوجها ووطئها ثم أسلم ولم
يطأها بعد اسلامه ثم طلقها أيحلها له أم لا فان قالوا لا يحلها له بطل تعليلهم بأنه لا طلاق
له إذ قد صح طلاقه وان قالوا بل يحلها نقضوا قولهم في أن وطئ الزوج الكتابي
لا يحلها، وأما اختلافهم في النكاح الفاسد فجمهور الناس على هذا الا شيئا روى
عن الحكم بن عتيبة انه يحلها، وهذا خطأ لأنه ليس زوجا ولو كان زوجا ما حل ان
يفرق بينهما بلا معني إلا فساد عقده فقط. وأما الاختلاف في هل يحلها وطئ
سيدها ان كانت أمة. فروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن زريع نا خالد
عن مروان الأصفر عن أبي رافع، قال دخلنا على عثمان أمير المؤمنين فسألناه عن
رجل كانت تحته أمة فطلقها فبانت منه فخلف عليها سيدها ثم خلا عنها وعنده زيد
ابن ثابت. ورجل آخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا جميعا لا بأس به، ومن
طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن أن زيد بن ثابت. والزبير بن العوام كانا
لا يريان بأسا بالأمة يطلقها زوجها فيتسراها سيدها ثم يتزوجها زوجها قالا جميعا
إذا لم يرد السيد بذلك احلالها فليس به بأس * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن
أشعث بن عبد الملك الحمراني. عن الحسن البصري. عن زيد بن ثابت قال السيد زوج،
ومن طريق عبد الرزاق. عن ابن جريج. عن عطاء. عن ابن عباس في العبد يبت
الأمة انه يحلها ان يطأها سيدها. قال عطاء: من كانت زوجته أمة فبتها ثم ابتاعها
قبل ان تنكح غيره فحلال له وطؤها فان وطئها ثم أعتقها فله ان يتزوجها فان أعتقها
قبل أن يطأها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وهذا تقسيم لا برهان على صحته، وروينا
خلاف هذا عن غيرهم كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن زريع نا خالد
- هو الحذاء - عن الحكم بن عتيبة. عن علي بن أبي طالب قال: حتى تحل له من حيث
حرمت عليه يعنى الأمة تطلق فيطأها سيدها دون ان تتزوج زوجا آخر. وبه
إلى خالد الحذاء عن أبي معشر. عن إبراهيم النخعي. عن عبيدة السلماني. عن ابن
مسعود قال لا تحل له الا من حيث حرمت عليه وصح عن مسروق انه رجع إلى هذا
179

القول بعد أن أفتى بقول زيد. وأما هل تحل لسيدها بملك اليمين إذا اشتراها بعد ان
كانت زوجته وطلقها ثلاثا فقد ذكرنا آنفا عن عطاء، ومن طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج قلت لعطاء رجل بت أمة ثم ابتاعها ولم تنكح بعده أحدا أتحل له قال
نعم كان ابن عباس يقوله، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر. عن إسماعيل بن
أمية. عن ابن قسيط أن كثيرا مولى الصلت طلقها تطليقتين ثم اشتراها فأعتقها
فقال زيد بن ثابت لو كنت وطئتها بالملك حلت له ولكن لا تحل لك حتى تنكح
زوجا غيرك * ومن طريق حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن مثل قول زيد
وعطاء سواء سواء. وصح عن غيرهم خلاف ذلك، روينا انه لا تحل لسيدها بملك
اليمين إذا اشتراها بعد أن طلقها ثلاثا عن عثمان وزيد بن ثابت: وصح عن جابر بن
عبد الله. وعن علي بن أبي طالب انه كره ذلك وصح عن مسروق. والنخعي. وعبيدة
السلماني: والشعبي. وابن المسيب وسليمان بن يسار *
قال أبو محمد: ولا يحل للسيد ان يرى من عورتها شيئا الا ما يرى من حريمته
ولا ان يتلذذ بها لقول الله عز وجل (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فعم تعالى
ولم يخص بخلاف الكتابية والحائض والصائمة فرضا والمحرمة لان هؤلاء إنما حرم
نكاحهن فقط وهو الوطئ وبالله تعالى التوفيق
1955 مسألة: فلو رغب المطلق ثلاثا إلى من يتزوجها ويطأها ليحلها له
فذلك جائز إذا تزوجها بغير شرط لذلك في نفس عقده لنكاحه إياها فإذا تزوجها
فهو بالخيار ان شاء طلقها وان شاء أمسكها فان طلقها حلت للأول فلو شرط في عقد
نكاحها أنه يطلقها إذا وطئها فهو عقد فاسد مفسوخ أبدا ولا تحل له به ولا فرق بين هذا
وبين ما ذكرنا قبل في كل نكاح فاسد *
قال أبو محمد: وقال بعض القائلين: لا تكون حلالا إلا بنكاح رغبة لا ينوى به
تحليلها للذي طلقها واحتجوا في ذلك بأثر رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا عمرو بن
منصور نا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - عن سفيان الثوري عن أبي قيس - هو عبد الرحمن
ابن ثروان - عن هذيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة
والمستوشمة والواصلة والموصولة وآكل الربا ومؤكله والمحل والمحلل له وهذا خبر لا يصح
في هذا الباب سواه ثم آثار بمعناه الا أنها هالكة اما من طريق الحارث الأعور الكذاب
أو من طريق إسحاق الفروي ولا خير فيه *
180

قال أبو محمد: اختلف الناس في المحلل الآثم الملعون والمحلل له الآثم الملعون
من هما: فروينا من طريق وكيع. عن سفيان الثوري. عن المسيب بن رافع. عن
قبيصة (1) بن جابر قال قال عمر بن الخطاب: لا أوتى بمحل ولا بمحلل الا رجمته،
ومن طريق ابن وهب أخبرني يزيد (2) بن عياض بن جعدبة أنه سمع نافعا يقول: ان
رجلا سأل ابن عمر عن التحليل فقال له ابن عمر: عرفت عمر بن الخطاب لو رأى
شيئا من ذلك لرجم فيه *
قال أبو محمد: يزيد بن عياض بن جعدبة كذاب مذكور بوضع الحديث،
وعن عبد الرزاق. عن سفيان الثوري. عن عبد الله بن شريك العامري قال سمعت
ابن عمر يسأل عمن طلق امرأته ثم ندم فأراد أن يتزوجها رجل يحللها له؟ فقال له
ابن عمر كلاهما زان ولو مكثا عشرين سنة، ومن طريق وكيع. عن أبي غسان المدني
عن عمر بن نافع. عن أبيه أن رجلا سأل ابن عمر عمن طلق امرأته ثلاثا فتزوجها
هذا السائل عن غير مؤامرة منه أتحل لمطلقها قال ابن عمر: لا إلا بنكاح رغبة كنا
نعده سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن طريق ابن وهب أخبرن الليث بن
سعد. عن محمد بن عبد الرحمن المرادي انه سمع أبا مرزوق (3) التجيبي يقول: إن رجلا
طلق امرأته ثلاثا ثم ندما وكان له جار فأراد أن يحلل بينهما بغير علمهما فسألت
عن ذلك عثمان فقال له عثمان لا الا بنكاح رغبة غير مدالسة، ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: آكل
الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا به والواصلة والمستوصلة ولاوى الصدقة
والمعتدى والمرتد أعرابيا بعد هجرته عن خالد الحذاء عن مروان الأصفر
عن أبي رافع قال: سئل عثمان وعلى وزيد بن ثابت عن الأمة هل يحلها سيدها لزوجها
إذا كان لا يريد التحليل يعنى إذا بت طلاقها؟ فقال عثمان وزيد نعم. فقام على غضبان
وكره قولهما، وعن علي لعن المحلل والمحلل له. ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
ومعمر كلاهما عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن ابن عباس: أن رجلا سأله عمن
طلق امرأته كيف ترى في رجل يحلها له فقال ابن عباس من يخادع الله يخدعه. وصح
عن قتادة. والحسن. والنخعي قالوا إن نوى واحد من الناكح أو المنكح (4) أو المرأة
التحليل فلا يصلح فان طلقها فلا تحل للذي طلقها. ويفرق بينهما إذا كان نكاحه

(1) وفي النسخة رقم 14 عن جابر ولعله غلط
(2) وفي النسخة رقم 16 زيد
(3) وفي النسخة رقم 16 مروان
(4) هكذا في النسخ ولعله المنكح له
181

على وجه التحليل. وروى عن الحسن انه سئل عن ذلك؟ فقال: اتق الله ولا تكن
مسمار نار في حدود الله. وانه قال: كان المسلمون يقولون: هو التيس المستعار.
وعن سعيد بن جبير المحلل ملعون. وروى أيضا عن سعيد بن المسيب وطاوس. وروينا
ذلك من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أيضا. ومن طريق سعيد بن منصور
نا هشيم أنا مغيرة ويونس بن عبيد قال مغيرة: عن إبراهيم وقال يونس عن الحسن
ثم ذكره نصا كما أوردناه. وقال سفيان الثوري ان تزوجها ليحلها للذي طلقها
فأعجبته. قال سفيان يجدد نكاحا، وقال مالك ان نوى الزوج الثاني ان يتزوجها
ليحلها للأول فهو نكاح فاسد مفسوخ ولها عليه المهر الذي سمى لها. ولا تحل بوطئه
للأول. وذهب آخرون إلى إجازة ذلك. كما روينا من طريق عبد الرزاق عن هشام
- هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين قال: أرسلت امرأة إلى رجل فزوجته
نفسها ليحلها لزوجها فأمره عمر بن الخطاب ان يقيم عليها ولا يطلقها وأوعده أن
يعاقبه ان طلقها. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه انه
كان لا يرى بأسا بالتحليل إذا لم يعلم أحد الزوجين به، وقال الليث بن سعد: ان
تزوجها ثم فارقها لترجع إلى زوجها ولم يعلم المطلق ولا هي بذلك. وإنما كان ذلك
منه احتسابا فلا باس بان ترجع إلى الأول فان بين الثاني ذلك للأول بعد دخوله بها
لم يضره ذلك. وهو قول سالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد بن أبي بكر. وصح عن
عطاء فيمن نكح امرأة عامدا محللا ثم رغب فيها فأمسكها قال لا بأس بذلك. وروينا
عن الشعبي لا باس بالتحيل إذا لم يأمر به الزوج وبه يقول الشافعي وأبو ثور قالا
جميعا: المحلل الذي يفسد نكاحه هو الذي يعقد عليه في نفس عقد النكاح انه إنما يتزوجها
ليحلها ثم يطلقها. فاما من لم يشترط ذلك عليه في عقد النكاح فهو عقد صحيح لا داخلة
فيه سواء شرط ذلك عليه قبل العقد أو لم يشترط. نوى ذلك في نفسه أو لم ينوه. قال
أبو ثور وهو مأجور. وأما أبو حنيفة وأصحابه فروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف
عن أبي حنيفة مثل قول الشافعي سواء سواء. وروى أيضا عن محمد بن الحسن عن أبي
يوسف عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الثاني تحليلها للأول لم تحل له بذلك، وهو قول أبى
يوسف ومحمد. وروى عن زفر بن الهذيل وأبي حنيفة انه وان اشترط عليه في نفس
العقد أنه إنما يتزوجها ليحلها للأول، فإنه نكاح صحيح ويحصنان به ويبطل الشرط
وله أن يمسكها فان طلقها حلت للأول. وروى ذلك عن زفر عن أبي حنيفة والحسن
ابن زياد *
182

قال أبو محمد: أما احتجاج المالكيين بمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم
فهو كله عليهم لا لهم أما عمر فلم يأت عنه بيان من هو المحلل الملعون الذي يستحق الرجم
فليسوا أولى به من غيرهم ثم قد خالفوا عمر في ذلك فلا يرون فيه الرجم. ثم قد أوردنا
عن عمر إجازة طلاق المحلل فبطل تعلقهم به. وكذلك الرواية عن علي وابن مسعود
ليس فيها عنهما: أي المحللين هو الملعون ونحن نقول إن الملعون هو الذي يعقد نكاحه معلنا
بذلك فقط، وأما عثمان وزيد فهم مخالفون لهما في تلك الفتيا بعينها في أن وطئ السيد
بملك اليمين يحللها للذي بتها ومن الباطل أن يحتج بقولهم في موضع ولا يحتج به في آخر، هذا
تلاعب بالدين. واما ابن عمر فقد خالفوه في أنه زنا. وأما ابن عباس فليس عنه بيان
أن النكاح فاسد ولا انها لا تحل به وكم قضية خالفوا فيها ابن عباس مع أنه
لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. واما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأنه لعن المحلل والمحلل له فنعم كل ما قاله عليه الصلاة والسلام فهو حق الا أننا وجميع خصومنا
لا نختلف في أن هذا اللفظ منه عليه الصلاة والسلام ليس عموما لكل محل ولكل محلل له ولو
كان ذلك وأعوذ بالله وقد أعاذنا الله تعالى من ذلك للعن كل واهب وكل موهوب له وكل بائع
وكل مبتاع له وكل ناكح وكل منكح لان هؤلاء كلهم محلون لشئ كان حراما ومحلل لهم
أشياء كانت حراما عليهم، هذا ما لا شك فيه فصح يقينا أنه عليه الصلاة والسلام إنما أراد
بعض المحلين وبعض المحلل لهم فإذا هذا كالشمس وضوحا ويقينا لا يمكن سواه فلا يحل لمسلم
أن ينسب إليه عليه الصلاة والسلام أنه أراد أمر كذا إلا بيقين من نص وارد لا شك فيه
والا فهو كاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقول له ما لم يقله ومخبر عنه بالباطل فإذ هذا كله
يقين فالمحل الملعون والمحلل له كذلك إنما هما بلا شك من أحل حراما لغيره بلا نص: ثم
نظرنا هل يدخل في ذلك من تزوج وفي نيته أن يحلها لمطلقها ثلاثا أم لا يدخل: فوجدنا كل من
يتزوج مطلقة ثلاثا فإنه بوطئه لها محل والمطلق محلل له نوى ذلك أو لم ينوه فبطل أن يكون
داخلا في هذا الوعيد لأنه حتى أنه اشترط ذلك عليه قبل العقد فهو لغو من القول ولم ينعقد
النكاح الا صحيحا بريا من كل شرط بل كما أمر الله عز وجل: وأما بنيته لذلك فقد قلنا فيها الآن
ما كفى، والعجب أن المخالفين لنا يقولون فيمن تزوج امرأة وفي نيته أن لا يمسكها إلا شهرا
ثم يطلقها إلا أنه لم يذكر ذلك في عقد النكاح فإنه نكاح صحيح لا داخلة فيه وهو مخير ان شاء
طلقها وان شاء أمسكها وانه لو ذكر ذلك في نفس العقد لكان عقدا فاسدا مفسوخا فأي فرق
بين ما أجاز وبين ما منعوا منه وليس هذا قياسا لاحد الناكحين على صاحبه لكنه كله باب
واحد يبين حكمه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه باسناده عفى لامتي عما حدثت به
183

أنفسها ما لم يخرج ذلك بقول أو عمل لا سيما وقد جاء في ذلك الخبر الثابت عنه عليه الصلاة
والسلام من قوله للتي طلقها رفاعة القرظي وتزوجها عبد الرحمن بن الزبير أتريدين ان ترجعي
إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته أو كما قال عليه الصلاة والسلام فلم يجعل عليه
الصلاة والسلام إرادتها الرجوع إلى الذي طلقها ثلاثا مانعا من رجوعها إذا وطئها الثاني
فصح بذلك قولنا وبقى قولهم وتأويلهم عاريا من كل برهان ودعوى لا حجة على صحتها: وصح
ان المحلل الملعون هو الذي يتزوجها ببيان انه إنما يتزوجها ليحلها ثم يطلقها ويعقدان
النكاح على هذا فهذا حرام مفسوخ ابدا لأنهما تشارطا شرطا يلتزمانه ليس في كتاب الله
تعالى إباحة التزامه وقد قال عليه الصلاة والسلام " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل "
وصح أن كل عقد نكاح أو غيره عقد على أن لا صحة له بصحة ما لا صحة له فهو باطل لا صحة
له وبالله تعالى نتأيد: فان ذكروا ما حدثناه أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي
قاسم بن اصبغ نا إسماعيل بن إسحاق نا إسحاق بن محمد الفروي نا إبراهيم بن إسماعيل الفروي عن
داود حدثني عكرمة عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المحلل فقال " لا نكاح الا نكاح
رغبة لا نكاح الا نكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا مستهزئ بكتاب الله تعالى ثم تذوق العسيلة "
فهذا حديث موضوع لان إسحاق بن محمد الفروي ضعيف جدا متروك الحديث. ثم عن
إبراهيم بن إسماعيل وهو بلا شك إما ابن مجمع واما ابن أبي حبيبة وكلاهما أنصاري مدني
ضعيف لا يحتج بهما: ثم لو صح لم يكن فيه علينا حجة لأنهم لا يأتوننا بأي المحللين أراد
عليه السلام وقد بينا قبل انه عليه الصلاة والسلام لم يرد كل محلل وإنما في هذا الخبر
انه لا نكاح الا نكاح رغبة وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما أمر الله عز وجل
(حتى تنكح زوجا غيره) وهو زوج غيره بلا شك وكما بين عليه الصلاة والسلام حتى
يذوق كل واحد منهما عسيلة الآخر فهو إذا وطئها قد ذاق كل واحد عسيلة الآخر وفيه
لا نكاح دلسة وليس هذا نكاح دلسة. إنما الدلسة ان يدلس له بغير التي تزوج أو الذي
يتزوج لا رغبة في نكاح لكن ليضربها في نفسها أو مالها وهم يبيحون نكاح من لا تنكح
الا لمالها أو لحسبها أو لوجاهة أبيها أو أخيها لا رغبة فيها وهذا تناقض منهم وفيه ولا
مستهزئ بكتاب الله عز وجل وهذان ليس منهم أحد مستهزئا بكتاب الله عز وجل بل
كل واحد منهم طائع لكتاب الله عز وجل عاملون به ممتنعون من خلافه إذ قصوا مالا
يحل له مراجعتها الا بما امر الله تعلى به إنما المستهزئ بكتاب الله عز وجل من يخالف
ما فيه أو لو تزوجها قبل زوج فصح ان هذا الخبر على سقوطه عليهم لا لهم، وخبر آخر
رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر أن ابن شهاب أخبرهما عن عروة بن
184

الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها أخبرته بخبر امرأة رفاعة القرظي إذ طلقها ثلاثا وذكرها
للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس معه الا مثل هدبة من ثوبها وقوله عليه الصلاة والسلام تريدين أن ترجعي
إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلتك، ثم روينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن
ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين انها قالت: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم
فقعدت ثم جاءته بعد فأخبرته أنه قد مسها فمنعها ان ترجع إلى زوجها الأول وقال اللهم
إن كان (1) إنما بها أن يحلها لرفاعة فلا يتم له نكاحها مرة أخرى تم أتت أبا بكر وعمر
في خلافتهما فمنعاها *
قال أبو محمد: فهذه حجة قاطعة لنا عليهم لان فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبطل
نكاحها لعبد الرحمن مع تقديره أنه إنما يريد احلالها لرفاعة لكن لما أنكرت أن عبد
الرحمن وطئها ثم لما علمت أنها لا تحل له الا بعد ان يطأها عبد الرحمن رجعت
عن ذلك الانكار وأقرت بأنه وطئها، وقوله عليه الصلاة والسلام إن كان إنما بها
ان يحلها لرفاعة فلا يتم له نكاحها مرة أخرى إنما هو بلا شك انه لا يتم لرفاعة نكاحها
مرة أخرى: والمالكيون لا يختلفون إذا لم تكن نية الزوج الثاني احلالها للأول
وكانت هي لم تنو قط بزواجها إياه الا لتحليلها للأول فإنها تحل بذلك العقد وبالوطئ
فيه وهذا خلاف لهذا الخبر بيقين وإنما في هذا الخبر انها لا تصدق إذا أنكرت مس
الثاني لها ثم علمت أنها لا تحل له الا بوطئة إياها فأقرت بأنه وطئها وبهذا نقول إنها
لا تصدق الا حتى يجتمع اقرارها واقرار الزوج بالوطئ أو تقوم بوطئه لها بينة
وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: ولو أخذ لذلك أجرة فهي أجرة حرام فرض ردها قال أبو محمد:
وما نعلم لمن خالف قولنا حجة أصلا لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا قياس
ولا سيما قول مالك الذي خص نية الزوج الثاني دون نيتها ودون نية المطلق *
1956 مسألة: لا يقع طلاق الا بلفظ من أحد ثلاثة ألفاظ: إما الطلاق
واما السراح واما الفراق مثل أن يقول أنت طالق أو يقول مطلقة أو قد طلقتك أو
أنت طالقة أو أنت الطلاق أو أنت مسرحة أو قد سرحتك أو أنت السراح أو أنت
مفارقة أو قد فارقتك أو أنت الفراق هذا كله إذا نوى به الطلاق فان قال في شئ
من ذلك كله لم أنو الطلاق صدق في الفتيا ولم يصدق في القضاء في الطلاق وما تصرف
منه وصدق في سائر ذلك في القضاء أيضا *

(1) هكذا في النسخ والمعنى إنما نزل بها ووطئها
185

برهان ذلك قوله عز وجل (ثم طلقتموهن) وقوله تعالى (فطلقوهن * وللمطلقات
متاع) وقوله تعالى (وسرحوهن سراحا جميلا) وقوله تعالى (فامساك بمعروف أو
تسريح باحسان) وقوله تعالى (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف). (وان
يتفرقا يغن الله كلا من سعته) لم يذكر الله تعالى حل الزوج للزوجة الا بهذه الألفاظ
فلا يجوز حل عقدة عقدت بكلمة الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الا بما نص الله
عز وجل عليه (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه): واما قولنا ان نوى مع ذلك
الطلاق فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى "
وأما تفريقنا بين ألفاظ الطلاق فلم يوجب أن أعي قوله فيها: لم أنو الطلاق في
القضاء خاصة وراعينا ذلك في ألفاظ السراح والفراق فلان لفظة الطلاق وما تصرف
منها لا يقع في اللغة التي خاطبنا الله عز وجل بها في أحكام الشريعة الا على حل عقد
الزواج فقط لا معنى آخر البتة فلا يجوز أن يصدق في دعواه في حكم قد ثبت بالبينة
عليه وفي اسقاط حقوق وجبت يقينا للمرأة بالطلاق قبله وراعينا دعواه تلك في
الفتيا لأنه قد يريد لفظا آخر فيسبقه لساني إلى ما لم يرده فإذا لم يعرف ذلك إلا بقوله
فقوله كله مقبول لا يجوز أخذ بعضه وإسقاط بعضه، وأما ألفاظ السراح والفراق
فإنها تقع في اللغة التي بها خاطبنا الله عز وجل في شرائعه على حل عقد النكاح وعلى
معان أخر وقوعا مستويا ليس معنى من تلك المعاني أحق بتلك اللفظة من سائر تلك
المعاني فيكون أنت مسرحة أي أنت مسرحة للخروج إذا شئت وبقوله قد فارقتك وأنت
مفارقة في شئ مما بينهما ما لم توافقه فيه فلما كان ذلك كذلك لم يجز أن يحكم بحل عقد
صحيح بكلمة الله عز وجل بغير يقين ما يوجب حلها وبالله تعالى التوفيق *
1957 مسألة: وما عدا هذه الألفاظ فلا يقع بها طلاق البتة نوى بها
طلاقا أو لم ينو. لا في فتيا ولا في قضاء مثل الخلية والبرية وأنت مبرأة وقد بارأتك
وحبلك على غاربك والحرج وقد وهبتك لأهلك أو لمن يذكر غير الأهل والتحريم
والتخيير والتمليك. وهذه ألفاظ جاءت فيها آثار مختلفة الفتيا عن نفر من الصحابة
رضي الله عنهم. ولم يأت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ أصلا ولا حجة في كلام غيره
عليه الصلاة والسلام لا سيما في أقوال مختلفة ليس بعضها أولى من بعض. فاما التحريم
والتخيير والتمليك وقد وهبتك فقد ذكرناها قبل ونذكرها هنا إن شاء الله عز وجل
ما يسر لنا من أقوال السلف في سائر الألفاظ التي لم نذكرها قبل وههنا أيضا ألفاظ
جاءت فيها آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي البائن والبتة واعتدى والحقي باهلك وأمرك
186

بيدك: فأما امرك بيدك فقد ذكرناه قبل فلابد من ذكر الآثار التي جاءت في سائر
هذه الألفاظ وبيان حكمها إن شاء الله عز وجل وههنا أيضا ألفاظ لم يأت في شئ
منها أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صحيح ولا سقيم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم
ولكن جاءت فيها فتاوى مختلفة عن نفر من التابعين فنذكر إن شاء الله عز وجل
من ذلك ما يسر الله تعالى لنا ذكره، واما الألفاظ التي لم يأت فيها أثر لا عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من التابعين رحمهم الله وإنما
جاءت فيها فتاوى عن فقهاء الأمصار بآرائهم فلا معنى للاشتغال بها لأنه لا يستحل
تفريق نكاح مسلم وإباحة فرج مسلمة لغير من أباحه الله تعالى له الا مقلد ضال
بتقليده مستهلك هالك ونعوذ بالله من الخذلان *
1958 مسألة: في الألفاظ التي جاءت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي
ألحقي بأهلك. واعتدى والبتة. والبائن. فاما ألحقي باهلك فكما روينا من طريق
البخاري ثنا الحميدي ثنا سفيان الثوري قال: حدثني الزهري أخبرني عروة بن الزبير
عن عائشة أم المؤمنين " أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت
أعوذ بالله منك قال لها لقد عذت بعظيم ألحقي باهلك " *
قال أبو محمد: وليس في هذا الخبر حجة لمن ادعى ان ألحقي باهلك لفظ يقع
به الطلاق لما رويناه من طريق البخاري نا أبو نعيم هو الفضل بن دكين نا عبد
الرحمن بن الغسيل. عن حمزة بن أبي أسيد. عن أبيه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد أوتى بالجونية فأنزلت في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل في نخل ومعها
دابتها فدخل عليه الصلاة والسلام عليها فقال لها هبي لي نفسك قالت وهل تهب الملكة
نفسها لسوقة فاهوى ليضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت
بمعاذ ثم خرج فقال يا أبا أسيد اكسها رازقيتين (1) وألحقها باهلها: ومن طريق مسلم
حدثني محمد بن سهل نا ابن أبي مريم - هو سعيد - نا محمد - هو ابن مطرف أبو غسان -
أخبرني أبو حازم عن سهل بن سعد قال ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب
فامر أبا أسيد أن يرسل إليها فأرسل إليها فقدمت فنزلت في أجم (2) بنى ساعدة
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كلمها قالت أعوذ بالله منك قال قد أعذتك منى فقالوا لها
أتدرين من هذا قالت لا قالوا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءك ليخطبك قالت أنا كنت
أشقى من ذلك. فهذه كلها أخبار عن قصة واحدة في امرأة واحدة في مقام واحد

(1) تثنية رازقية وهي ثياب كتان بيض
(2) أجم بضمتين جمعها آجام وهي الحصون
187

فلاح انه عليه الصلاة والسلام لم يكن تزوجها بعد وإنما دخل عليها ليخطبها فبطل
تعلقهم بقوله عليه الصلاة والسلام ألحقي باهلك ثم لو صح أنه عليه الصلاة والسلام
كان قد تزوجها فليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام ذكر انه إنما طلقها بقوله ألحقي باهلك.
ولا تحل النكاحات الصحاح الا بيقين. وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا
سليمان بن داود نا ابن وهب عن يونس بن يزيد قال قال ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن
ابن كعب بن مالك أن عبد الرحمن بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديث
تخلفه عن تبوك فذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه يأمره أن يعتزل امرأته
قال فقلت لرسوله أطلقها أم ماذا أفعل قال لابل اعتزلها فلا تقربها قال كعب فقلت
لامرأتي ألحقي باهلك فكوني فيهم حتى يقضى الله في هذا الامر فهذا كعب لم ير
ألحقي باهلك من ألفاظ الطلاق ولا يعرف له مخالف في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم
، وروينا عن قتادة أيضا أنه ليس ذلك شئ: وجاءت عن التابعين في ذلك
آثار، روينا عن الشعبي. والحسن: ان من قال لامرأته. الحقي باهلك فهو على ما
نوى وهو قول مالك. والشافعي. وصح عن الحسن: ان نوى طلاقا فهي واحدة
رجعية، والا فليس بشئ: ورويناه عن الشعبي أيضا: وروى عن عكرمة انها
طلقة واحدة رجعية فقط: وعن الزهري انها طلقة واحدة وقال أبو حنيفة وأصحابه
ان نوى واحدة أو اثنتين فهي طلقة واحدة بائنة ولابد وان نوى ثلاثا فهي ثلاث
وان لم ينو طلاقا فليس طلاقا. قال زفر: وان نوى اثنتين فهي اثنتان. واما
البائن ففيه الخبر الثابت من طريق أحمد بن شعيب انا أحمد بن عبد الله بن الحكم نا
محمد بن جعفرنا شعبة عن أبي بكر بن أبي الجهم قال دخلت على فاطمة بنت قيس فذكرت
الحديث وفي آخره وكان زوجها طلقها طلاقا بائنا *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة فيه لأنه ليس من لفظها إنما هو من لفظ من
دونها، وليس فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع هذه اللفظة فجعلها طلاقا، ولا حجة فيمن
دونه عليه الصلاة والسلام، وقد ذكرنا في باب طلاق الثلاث مجموعة كيف كان طلاق
فاطمة بنت قيس واختلف عن السلف في ذلك فصح عن علي ما رويناه عن شعبة نا عطاء
ابن السائب حدثني أبو البحتري عن علي بن أبي طالب أنه قال في البائنة هي ثلاث، ومن
طريق قتادة عن الحسن عن زيد بن ثابت أنه قال في البائنة هي ثلاث. ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الحسن والزهري انهما كانا يجعلان البائنة بمنزلة الثلاث. وهو قول ابن أبي ليلى
والأوزاعي، وأبو عبيد، وروينا غير هذا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان
188

الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب قال في البائنة: هي
طلقه واحدة وهو أحق بها، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أن عمرو بن دينار قال في
البائنة هي طلقة واحدة ويدين، قال ابن جريج فقلت له فان نوى بها ثلاثا قال هي واحدة
ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس - هو ابن عباد - عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في
البائنة هي واحدة وهو أحق بها، وهو قول أبي ثور إلا أنه قال لا ينوى، وسواء نوى ثلاثا أو
اثنتين أو واحدة وهو قول إسحاق بن راهويه. وأبي سليمان إلا أنهما قالا إن قال لم أنو
طلاقا لم يكن طلاقا، وقول ثالث رويناه من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن
إبراهيم النخعي قال في البائنة هي واحدة بائنة. وقول رابع له نيته فان نوى ثلاثا فهي ثلاث،
وان نوى اثنتين فهي اثنتان، وان نوى واحدة فواحدة، وان قال لم أنو طلاقا فليس طلاقا
رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وهو قول الشافعي، وقول خامس وهو
انه في المدخول بها ثلاث ولابد وفي غير المدخول بها واحده فقط وروى عن ربيعة
وهو قول الليث بن سعد، وقول سادس انها في المدخول بها ثلاث، ولابد وفي غير المدخول
بها ما نوى من واحدة أو اثنتين أو ثلاث وهو قول مالك وأصحابه، ولا نعلم هذا القول
عن أحد ممن قبله، وقول سابع انه ان قال لها ذلك في غضب أو في غير غضب ما لم يكن في ذكر
طلاق فإنه ينوى، فان قال لم أنو طلاقا فليس طلاقا، وان قال نويت طلاقا بلا عدد، أو قال
نويت واحدة رجعية أو قال نويت واحدة بائنة، أو قال نويت اثنتين رجعيتين أو بائنتين
فهي في كل ذلك طلقة واحدة بائنة ولابد، فلو كان ذلك في ذكر طلاق فكذلك سواء سواء إلا
أنه لا يصدق في قوله لم أنو طلاقا قط، وهو قول أبي حنيفة، وأبى يوسف ومحمد بن
الحسن، وقول ثامن وهو قول سفيان الثوري مثل قول أبي حنيفة سواء سواء في كل ما ذكرنا
إلا أنه لم يفرق بين ذكر طلاق وغير ذكره ولا بين غضب وغيره. وقول تاسع وهو
قول زفر بن الهذيل مثل قول أبي حنيفة، إلا أنه قال: ان نوى اثنتين فهي اثنتان باثنتان
ولابد. وأما البات والبتة فروينا من طريق مسلم نا عبيد الله بن معاذ العنبري نا أبى نا شعبة
ثنا أبو بكر - هو ابن أبي الجهم - انه دخل على فاطمة بنت قيس فحدثته أن زوجها طلقها طلاقا
باتا، ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن بشر نا محمد بن عمرو نا أبو سلمة بن
عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس قالت كنت عند رجل من بنى مخزوم فطلقني البتة وذكرت
الحديث، ومن طريق مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة فأرسل إليها وكيله
بشعير فسخطت (1) فقال والله مالك علينا من شئ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت

(1) وفي النسخة رقم 14 فسخطته
189

ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة، وذكرت الحديث، ومن طريق مسلم نا عمرو الناقد
نا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما
معه مثل هدبة الثوب فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى
تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي انا يزيد بن
زريع نا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن امرأة رفاعة قالت: يا رسول الله
انى كنت تحت رفاعة فطلقني البتة وذكرت الحديث كما أوردناه آنفا حرفا حرفا،
ومن طريق أبى داود نا أبو ثور إبراهيم بن خالد الفقيه نا محمد بن إدريس الشافعي
حدثني عمى محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع عن عجير بن عبد
يزيد عن ركانة بن عبد يزيد أنه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بذلك وقال: والله ما أردت بذلك الا واحدة فقال له عليه الصلاة والسلام: والله
ما أردت الا واحدة فقال: ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم *
ومن طريق أبى داود نا سليمان بن داود العتكي نا جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد هو
الهاشمي عن جده انه أطلق امرأته البتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردت؟ قال
واحدة قال الله قال الله قال عليه الصلاة والسلام هو على ما أردت * وأما من دونه
عليه الصلاة والسلام فمن طريق شعبة نا عطاء بن السائب أخبرني أبو البختري (1) عن
علي بن أبي طالب أنه قال في البتة هي ثلاث، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال في البتة هي ثلاث: ومن طريق ابن وهب أخبرنا مسلمة
ابن علي عن محمد بن الوليد الزبيدي (2) عن الزهري قال: من بت امرأته لم تحل له حتى تنكح
زوجا غيره. قال الزبيدي وقال الخلفاء مثل ذلك هذا منقطع ورويناه أيضا منقطعا عن عمر
ابن الخطاب وعن ابن عباس والقاسم بن محمد وربيعة ومكحول والحسن ولا يصح شئ من
ذلك الا عن علي وابن عمر، وصح عن الزهري وقتادة وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز،
وروى عن سعيد بن المسيب. وهو قول ابن أبي ليلى. والأوزاعي. وأبى عبيد. وقول ثاني
رويناه من طريق شعبة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الله بن شداد بن الهادي عن عمر
ابن الخطاب قال: البتة واحدة وهو أحق بها، ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج
أخبرني عمرو بن دينار أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي ان المطلب بن حنطب
جاء إلى عمر بن الخطاب فقال له: انى قلت لامرأتي أنت طالق البتة فتلا عمر:

(1) وفي النسخة رقم 16 البحتري
(2) وفي النسخة رقم 16 الزهري والأولى الزبيدي
190

(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) ثم تلا: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون
به لكان خيرا لهم) الواحدة تبت ارجع إلى أهلك، وصح هذا عن أبان بن عثمان.
وسعيد بن جبير، وأبى ثور، وأبي سليمان إلا أن أبا سليمان قال: ان لم ينو طلاقا فليس
طلاقا فان نوى ثلاثا أو اثنتين فهي واحدة رجعية، وقول ثالث إنه ينوى فيكون
ما نوى، صح ذلك عن شريح وهو قول الشافعي وأصحابه، وقول رابع صح عن إبراهيم
النخعي ان البتة ان نواها طلقة فهي واحدة بائنة، وان نواها ثلاثا فهي ثلاث، وقول خامس
وهو انه ان قال ذلك لمدخول بها، فهي ثلاث ولابد، وان قالها لغير مدخول بها
فهو على ما نوى ان واحدة فواحدة وان اثنتين فاثنتان وان ثلاثا فثلاث وان لم ينو عددا
فهي ثلاث، وهو قول مالك ولا يعرف هذا عن أحد من السلف قبله نعنى هذا الفرق،
وقول سادس انه ان قال ذلك في ذكر طلاق فان نوى واحدة أو اثنتين أو لم ينو عددا
فهي واحدة بائنة، فان قال لم أنو طلاقا لم يصدق فان قال لها ذلك في غير ذكر طلاق
فكذلك سواء سواء إلا أنه ان قال: لم أنو طلاقا صدق. وهو قول أبي حنيفة
وأصحابه الا زفر بن الهذيل فإنه وافقهم في كل ذلك إلا أنه قال إن نوى اثنتين فهي
اثنتان باثنتان *
قال أبو محمد: وقد قلنا ونقول لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما في أقوال
مختلفة لا برهان على صحة شئ منها فلم يبق الا الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم: فأما التي من طريق فاطمة
فقد بينا قبل أنه قد صح أن طلاق زوجها لها كان ثلاثا هكذا أو آخر ثلاث فوجب ضرورة
أن قول من قال في خبرها البتة أوبت طلاقها أو بائنا أنه إنما عنى من عند نفسه آخر ثلاث
طلقات فبطل التعلق بها: وأما حديث امرأة رفاعة فكذلك أيضا لما رويناه من طريق
مسلم نا عبد بن حميد نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين
أن رفاعة القرظي طلق امرأته فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ان رفاعة طلقها
آخر ثلاث تطليقات وذكرت الخبر ففسر عبد الرزاق عن معمر ما أجمله غيره: وصح ان
طلاقه لها كان آخر ثلاث تطليقات: ثم نظرنا في خبر ركانة فوجدناه من طريق عبد الله
ان علي بن يزيد عن نافع. عن عجير وكلاهما مجهول: ولو صح لقلنا به مبادرين إليه: ثم
نظرنا في حديث الزبير بن سعيد فوجدناه ضعيفا والزبير هذا متروك الحديث فبطل التعلق
بكل أثر في هذه المسألة ولا يحل تحريم فرج على من أباحه الله عز وجل له واباحته لمن حرمه
الله عليه بغير قرآن ولا سنة لا سيما قول مالك وأبي حنيفة لا يعرف أحد قال بهما
قبلهما (واما اعتدى) فان بعض من لا يبالي بنصر ضلاله بأن يورد الكذب المفترى على
191

رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ادعى ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لسودة أم المؤمنين اعتدى فكان طلاقا
ثم راجعها *
قال أبو محمد: وهذا كذب موضوع ما صح قط ان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق امرأة من
نسائه الا حفصة فقط ثم راجعها. وأما سودة فلا. إنما جاء فيها انها وهبت يومها وليلتها لما
أسنت لعائشة رضي الله عنها: وجاء انه عليه الصلاة والسلام أراد فراقها فلما رغبت إليه عليه
الصلاة والسلام في امساكها وتجعل يومها وليلتها لعائشة لم يفارقها فبقي من دونه عليه الصلاة
والسلام فذكر عن ابن مسعود انها طلقة: وصح هذا أيضا عن إبراهيم. ومكحول.
والأوزاعي. وصح عن عطاء انه طلاق: وصح عن قتادة انها طلقة واحدة فان كررها ثلاث
مرات فهي ثلاث تطليقات إلا أن يقول أردت افهامها فهو كما قال وروى عن الشعبي هي واحدة
نوى ثلاثا أو أقل: وعن الحسن ان قال أنت طالق اعتدى فهي اثنتان إلا أن ينوى واحدة
وكان قتادة يجعلها اثنتين. وقال أبو حنيفة: ان نوى بقوله اعتدى طلاقا فهو طلاق وان قال لم
أنه طلاقا فإن كان في غير غضب وفي غير ذكر طلاق صدق وإن كان في ذكر طلاق أو في غضب
لم يصدق ولزمته طلقة واحدة رجعية سواء قال لم أنو طلاقا أو قال نويت طلاقا بلا عدد أو قال
نويت طلقة رجعية أو قال نويت بائنة أو قال نويت طلقتين رجعيتين أو قال نويت طلقتين
بائنتين أو قال نويت ثلاثا قالوا فان قال لها اعتدى اعتدى اعتدى فان قال نويت طلقة واحدة
أو قال لم أنو شيئا فهي ثلاث ولابد: وان قال نويت بالأولى طلاقا ونويت بالاثنتين الحيض
صدق قالوا فان قال: اعتدى ثلاثا سئل عن نيته فان قال نويت واحدة تعتد لها ثلاث حيض صدق
قال أبو محمد: هذه شرائع لا تقبل من أحد الا من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى الذي
لا يسأل عما يفعل وأما من دونه فهي ضلالات ووساوس وتلاعب ونعوذ بالله من
الخذلان مع أن هذه التقاسيم الفاسدة لم تحفظ عن أحد سلف قبل أبي حنيفة: وقال مالك ان
قال لامرأته اعتدى فإنه ينوى فان قال لم أنو طلاقا لم يصدق ولزمته طلقة رجعية: وكذلك
ان نوى طلاقا بغير عدد: فان قال نويت اثنتين فهي اثنتان وان قال نويت ثلاثا فهي ثلاث وهذا
أيضا تقسيم لا يعرف عن أحد قبله فإذ ليس في هذا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل ابطال
نكاح صحيح وتحريم فرج واحلاله بآراء فاسدة بغر نص وبالله تعالى التوفيق * واما الألفاظ
التي فيها آثار عن الصحابة رضي الله عنهم لا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي الخلية وقد خلوت منى والبرية
وقد بارأتك وأنت مبرأة وحبلك على غاربك والحرج والتخيير والتمليك وقد وهبتك
فاما التحريم والتخيير والتمليك وقد وهبتك فقد ذكرناها ونذكر البواقي ها هنا إن شاء الله
تعالى (فمن ذلك الخلية) روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل. عن أبيه. عن محمد
192

ابن جعفر عن شعبة. عن عطاء بن السائب. عن أبي البختري. عن علي بن أبي طالب قال في
الخلية انها ثلاث: ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال في
الخلية انها ثلاث وهذا (1) قول ابن أبي ليلى. وأبى عبيد وقول ثان كما روينا من طريق
عبد الرزاق. عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي. ان عمر بن
الخطاب قال في الخلية هي واحدة وهو أحق بها وصح عن الزهري وقتادة انهما قالا جميعا في
الخلية وخلوت عنى (2) هي واحدة رجعية، وصح عن الحسن أيضا. وعن عطاء، وهو
قول أبي ثور، وقول ثالث كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن مروان الأصفر قال
قال رجلا لامرأته ان خرجت فأنت خلية فخرجت ففرق معاوية بن أبي سفيان بينهما
فهذا تفريق فقط ولم يذكر انه طلاق، وقول رابع كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن زياد
الأعلم عن الحسن قال في الخلية قال هي واحدة بائنة، وقول خامس صح عن إبراهيم
النخعي أنه قال كان أصحابنا يقولون الخلية ان نوى واحدة فهي واحدة بائنة، وان
نوى ثلاثا فهي ثلاث، ومن طريق وكيع عن الحسن بن حر عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم
النخعي قال في الخلية ان نوى اثنتين فهي اثنتان، وصح عن شريح أنه قال يدين فان نوى
واحدة فهي واحدة بائنة، وصح عن عطاء أنه قال أنت خلية أو خلوت منى سواء هي سنة
لا يدين وهي طلاق، وصح عن عمرو بن دينار إنما هي واحدة ويدين نوى طلاقا أو لم ينو
وعن مروان وعمر بن عبد العزيز انه ينوى ويلزمه ما نوى وهو قول الشافعي وإسحاق
ابن راهويه، وقول سادس روى عن ربيعة في الخلية انها ثلاث في المدخول بها وفي غير
المدخول بها واحدة، وقول سابع قاله مالك وهو ان الخلية في المدخول بها ثلاث ولابد
وفي غير المدخول بها ان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى اثنتين فهي اثنتان وان نوى واحدة
فواحدة ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبله، وقول ثامن قاله أبو حنيفة وأصحابه وسفيان
الثوري ان نوى بالخلية ثلاثا فهي ثلاث وان نوى واحدة أو اثنتين فهي واحدة بائنة فقط
قال أبو حنيفة: وأصحابه فان قال لم أنو طلاقا فإن كان في ذكر طلاق لم يصدق ولزمته واحدة
بائنة وإن كان في غير ذكر طلاق صدق سواء كان في غير غضب أو في غضب *
قال أبو محمد: ان من الشنع تفريقه بين الغضب وغير الغضب وتسويته مرة
بينهما وهذا كله لا يعرف عن أحد قبله، وقد قلنا: إن تحريم الفروج المحللة وتحليل
الفروج المحرمة لا يحل لاحد بغى نص قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واما البرية
وأنت مبرأة منى وقد بارأتك وقد برئت منى: فروينا من طريق عبد الله بن أحمد

(1) وفي النسخة رقم 14 وهو قول
(2) في النسخة رقم 14 منى
193

ابن حنبل عن أبيه عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري
عن علي بن أبي طالب أنه قال في البرية هي ثلاث، ومن طريق حماد بن سلمة
عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال في البرية هي ثلاث، ومن طريق
قتادة. عن الحسن عن زيد بن ثابت قال البرية ثلاث، وصح عن قتادة. والزهري
ان البرية ثلاث، وصح عن الحسن أيضا ففرق الزهري وقتادة بين الخلية وبين البرية
كما ذكرنا، وهو قول ابن وهب صاحب مالك، وقول ثاني كما روينا من طريق
وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ان عمر بن الخطاب
قال في البرية هي واحدة وهو أحق بها وروينا عن ابن عباس ان البرية واحدة وهو قول
أبي ثور وأبي سليمان وأصحابنا. وبعض أصحاب مالك، وقول ثالث صح عن إبراهيم
النخعي أنه قال كان أصحابنا يقولون في البرية هي واحدة بائنة، وقول رابع كما روينا
صحيحا عن إبراهيم النخعي قال كان أصحابنا يقولون في البرية ان نوى ثلاثا فثلاث وان
نوى واحدة فواحدة بائنة، وصح عن إبراهيم أيضا وان نوى اثنتين فاثنتان وهو
قول الشعبي. وعطاء. وعمرو بن دينار والشافعي. وقول خامس قاله ربيعة في المدخول
بها ثلاث ولابد وفي غير المدخول بها واحدة، وقول سادس قاله مالك في البرية في المدخول
بها ثلاث ولابد وفي غير المدخول بها واحدة الا ان ينوى أكثر فيكون ما نوى،
وقول سابع قاله أبو حنيفة وأصحابه: الا زفر. وسفيان الثوري ان نوى ثلاثا فهي
ثلاث وان نوى واحدة رجعية أو بائنة أو اثنتين رجعيتين أو بائنتين فهي واحدة
بائنة لا أكثر، قال أبو حنيفة: وأصحابه ان قال لم أنو طلاقا فإن كان في ذكر طلاق لم
يصدق فإن كان في غير ذكر طلاق فهو مصدق سواء كان ذلك في ذكر غضب أو في غير ذكر
غضب، وقال زفر كذلك الا أنه قال وان نوى اثنتين فهي اثنتان بائنتان *
قال أبو محمد: لا نعلم قول مالك وأبي حنيفة عن أحد قبلهما ولا حجة في أحد دون
رسول الله صلى الله عليه وسلم وسواء عندهم البرية وقد بارأتك وأنت مبرأة الا رواية عن ابن القاسم
صاحب مالك فإنه قال من قال قد بارأتك فهي واحدة بائنة في المدخول بها *
قال أبو محمد: لا يحل تحريم فرج محلل بحكم الله عز وجل وتحليل فرج محرم بحكمه
تعالى بغير نص وبالله تعالى التوفيق، واما الحرج فصح عن علي أنه قال إذا قال أنت طالق
طلاق الحرج فهي ثلاث، وصح عن الحسن أيضا وعن الزهري في أحد قوليه، وقول ثان
عن عمر بن الخطاب هي واحدة وهو أحد قولي الزهري، وقول ثالث قال سفيان
الثوري له نيته وهو قول إسحاق بن راهويه *
194

قال أبو محمد: قد قلنا إنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حبلك على
غاربك فروينا عن مالك أن عمر كتب أن يجلب إلى مكة رجل من العراق قال لامرأته:
حبلك على غاربك فأحلفه عند الكعبة ماذا أراد فقال أردت الفراق فقال له عمر: فهو
ما أردت فجمع هذا الحكم ثلاثة أوجه، أحدها التحليف، والثاني الاستجلاب فيه
من العراق إلى مكة، والثالث انه على ما نوى وروينا عن علي انه على ما نوى، وقول
ثان قاله مالك حبلك على غاربك في المدخول بها ثلاث وفي غير المدخول بها واحدة
ولا يعرف هذا عن أحد قبله، وأما الألفاظ التي لم تأت منها لفظة عن صاحب من
الصحابة رضي الله عنهم وإنما جاء فيها أقوال عن نفر من التابعين فنذكر منها ما يسر
الله تعالى لذكره إن شاء الله عز وجل * فمنها قد أعتقتك فروينا عن عطاء ان نوى الطلاق
فهو طلاق والا فليس شيئا، وصح عن الحسن فيمن قال لامرأته أنت عتيقة قال:
هي واحدة وقال قتادة: ان قال لها أنت حرة فله ما نوى. وأما قد أذنت لك فتزوجي
فصح عن إبراهيم أنه ليس بشئ، وصح عنه أيضا ان لم ينو طلاقا فليس بشئ. وعن
الشعبي أقل من هذا يكون طلاقا، وصح عن قتادة انها طلقة: وروى عن الحسن هي
طلقة رجعية * واما أخرجي عن بيتي ما يجلسك لست لي بامرأة فصح عن الحسن أنه قال
من كررها ثلاثا فهي واحدة وينوى، واما لا حاجة لي فيك فصح عن إبراهيم أنه قال
له نيته، وعن الحسن ان نوى الطلاق فهي طلقة وعن مكحول ليس بشئ، ومن
طريق وكيع عن شعبة سألت الحكم بن عتيبة. وحماد بن أبي سليمان عمن قال لامرأته
إذهبي حيث شئت لا حاجة لي فيك فقالا جميعا: ان نوى طلاقا فهي واحدة رجعية *
واما استبرئي واخرجي واذهبي فصح عن الحسن في جميعها ان نوى الطلاق فهي
طلقة، وصح أيضا عن الحسن فيمن عن الحسن فيمن قال لامرأته اذهبي فلا حاجة لي فيك انها ثلاث *
واما قد خليت سبيلك لا سبيل عليك فروينا عن إبراهيم والشعبي ولم يصح عنهما هي
طلقة بائنة. وصح عن الحكم بن عتيبة له نيته، وصح عن الحسن في لا سبيل لي عليك
ان نوى طلاقا فهي واحدة رجعية والا فليس بشئ رويناه أيضا عن الشعبي * وأما
من قال: لست لي بامرأة فروينا عن إبراهيم أنه قال ما أراه ان كرر ذلك ثلاثا أراد
الا الطلاق، وصح عن قتادة ان أراد بذلك طلاقا فهو طلاق وتوقف فيها سعيد بن
المسيب * وأما افلجى (1) فروينا عن طاوس ان نوى طلاقا فهو طلاق * وأما شأنكم
بها فروينا عن القاسم بن محمد أنه قال رأى الناس انها طلقة، وعن مسروق. وطاوس

(1) اطفري وفوزي يقال فلج فلوجا من باب قعد أي ظفر وفاز بما طلب
195

وإبراهيم ما أريد به الطلاق فهو طلاق *
قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: فان قالوا: الورع له أن
يفارقها. قلنا إنما الورع لكل مفت في الأرض أن لا يحتاط لغيره بما يهلك به نفسه
وأن لا يستحل تحريم فرج امرأة على زوجها واباحته لغيره بغير حكم من الله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه
وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)، وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن أيوب السختياني عن طاوس عن ابن عباس انه كان لا يرى الفداء طلاقا حتى يطلق
قال ابن عباس: الا ترى انه عز وجل ذكر الطلاق من قبله ثم ذكر الفداء فلم يجعله
طلاقا ثم قال في الثالثة (فان طلقها فلا تحل له من بعد) فهذا ابن عباس بأصح اسناد
عنه لا يرى طلاقا الا بلفظ الطلاق أو ما سماه الله عز وجل طلاقا وهذا هو قولنا وقد ذكرنا
خلاف أبي حنيفة ومالك لكل من روى عنه في ذلك شئ من الصحابة رضي الله عنهم
وما قالاه مما لم يقله أحد قبلهما بغير نص في ذلك أصلا *
1959 مسألة: ولا تجوز الوكالة في الطلاق لان الله عز وجل يقول: (ولا
تكسب كل نفس الا عليها) فلا يجوز عمل أحد عن أحد إلا حيث أجازه القرآن أو
السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز كلام أحد عن كلام غيره إلا حيث أجازه
القرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت في طلاق أحد عن أحد بتوكيله إياه قرآن
ولا سنة فهو باطل، والمخالفون لنا أصحاب قياس بزعمهم وبالضرورة يدرى كل أحد
أن الطلاق كلام والظهار كلام واللعان كلام والايلاء كلام، ولا يختلفون في أنه لا يجوز
أن يظاهر أحد عن أحد، ولا أن يلاعن أحد عن أحد ولا أن يولى أحد عن أحد
لا بوكالة ولا بغيرها فهلا قاسوا الطلاق على ذلك؟ ولكن لا النصوص يتبعون ولا
القياس يحسنون، وكل مكان ذكر الله تعالى فيه الطلاق فإنه خاطب به الأزواج
لا غيرهم فلا يجوز أن ينوب غيرهم عنهم لا بوكالة ولا بغيرها لأنه كان يكون تعديا
لحدود الله عز وجل، وقد قال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)
وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة
من أمرهم فلا خيار لاحد في خلاف ما جاء به النص وما نعلم إجازة التوكيل في الطلاق
عن أحد من المتقدمين الا عن إبراهيم والحسن *
1960 مسألة: ومن كتب إلى امرأته بالطلاق فليس شيئا، وقد اختلف
الناس في هذا، فروينا عن النخعي والشعبي والزهري إذا كتب الطلاق بيده فهو طلاق
196

لازم وبه يقول الأوزاعي، والحسن بن حي. وأحمد بن حنبل. وروينا عن سعيد بن
منصور نا هشيم أنا يونس ومنصور. عن الحسن. في رجل كتب بطلاق امرأته
ثم محاه فقال ليس بشئ الا أن يمضيه أو يتكلم به * وروينا عن الشعبي مثله. وصح
أيضا عن قتادة، وقال أبو حنيفة: ان كتب طلاق امرأته في الأرض لم يلزمه طلاق
وان كتبه في كتاب ثم قال لم أنو به طلاقا صدق في الفتيا ولم يصدق في القضاء وقال
مالك: ان كتب طلاق امرأته فان نوى بذلك الطلاق فهو طلاق وان لم ينو به طلاقا
فليس بطلاق وهو قول الليث. والشافعي *
قال أبو محمد: قال الله تعالى (الطلاق مرتان) وقال تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) ولا
يقع في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم اسم تطليق على أن يكتب إنما يقع
ذلك على اللفظ به فصح ان الكتاب ليس طلاقا حتى يلفظ به إذ لم يوجب ذلك نص
وبالله تعالى التوفيق *
1961 مسألة: ويطلق من لا يحسن العربية بلغته باللفظ الذي يترجم عنه في
العربية بالطلاق ويطلق الأبكم والمريض بما يقدر عليه من الصوت أو الإشارة التي
يوقن بها من سمعهما قطعا انهما أراد الطلاق، برهان ذلك قول الله عز وجل (لا يكلف
الله نفسا الا وسعها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "
فصح ان ما ليس في وسع المرء ولا يستطيعه فقد سقط عنه وانه يؤدى مما أمر به
ما استطاع فقط وبالله تعالى التوفيق *
1962 مسألة: ومن طلق امرأته وهو غائب لم يكن طلاقا وهي امرأته كما كانت
يتوارثان ان مات أحدهما وجميع حقوق الزوجية بينهما سواء كانت مدخولا بها أو
غير مدخول بها ثلاثا أو أقل الا حتى يبلغ إليها فإذا بلغها الخير من تصدقه أو بشهادة
تقبل في الحكم فحينئذ يلزمها الطلاق ان كانت حاملا أو طاهرا في طهر لم يمسها فيه *
برهان ذلك قول الله عز وجل: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن
وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين
بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فهذه صفة طلاق
المدخول بها. وقال تعالى: (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا
لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) وقال تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فمالكم عليهن من عدة
تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) وقال تعالى: (ولا تضاروهن لتضيقوا
197

عليهن وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فهذه صفة طلاق غير
المدخول بها ويدخل فيه طلاق الثلاث المجموعة وآخر الثلاث وبالضرورة يوقن كل
ذي حس سليم أن من طلقها فلم يبلغها الطلاق فقد ضارها ومضارتها حرام ففعله مردود
باطل والمعصية لا تنوب عن الطاعة وبالضرورة يوقن كل أحد ان من فعل ذلك فلم
يسرحها سراحا جميلا. ومن لم يطلق للعدة ولم يحص العدة فلم يطلق كما أمره الله تعالى
ومن لم يطلق كما أمره الله تعالى فلم يطلق أصلا (فان ذكر ذاكر) ما رويناه من طريق
أحمد بن شعيب قال أنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة السرخسي نا عبد الرحمن بن مهدي
عن سفيان الثوري عن أبي بكر - هو ابن أبي الجهم - قال سمعت فاطمة بنت قيس تقول ارسل
إلى زوجي بطلاقي فشددت على ثيابي ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال كم طلقك قلت ثلاثا
وذكر الحديث قلنا: نعم وهذا قولنا ولم نقل قط انه لا يلزمها الطلاق إذا بلغها
وسنذكر إن شاء الله تعالى في باب العدد من قال من السلف ان من طلقها زوجها وهو
غائب فإنها لا تلزمها العدة الا من حين يبلغها الخبر، وهذا يدل على أنها لم يلزمها الطلاق
إلا من حين لزمتها العدة لا قبل ذلك إذ لا يجوز في دين الاسلام أن يحال بزمان بين
الطلاق وبين أول عدتها ولا يجوز أن تكون امرأة ذات زوج موطوءة منه خارجة
عن الزوجية بطلاقه وفي غير عدة هذا خلاف القرآن والسنة فكيف وقد جاء خبر
فاطمة بخلاف ما ذكر أبو بكر بن أبي الجهم كما روينا من طريق مسلم حدثني محمد بن
رافع نا حسين بن محمد نا شيبان - هو ابن فروخ - عن يحيى - هو ابن أبي كثير - أخبرني أبو
سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان فاطمة بنت قيس أخبرته أن أبا حفص بن
المغيرة طلقها ثلاثا ثم انطلق إلى اليمن وذكرت الخبر فان قيل: فأنتم لا تجيزون الطلاق
إلى أجل ولا الطلاق بصفة وتحتجون بان كل طلاق لا يقع حين يوقع فمن المحال ان
يقع حين لم يوقع فكيف أجزتم طلاق الغائب. قلنا: لان الله عز وجل علمنا الطلاق
في كل صنف من المطلقات وفي المطلقة الصغيرة التي لم تخاطب والمجنونة وهما لا يلزم
خطابهما بالطلاق وقد يطلق المطلق عند باب الدار ويبعث إليها الخبر وعلى أذرع منها
وإذا جاز ذلك فلا فرق بين الطلاق في البعد ولو أقصى المعمور وبين الطلاق خلف
حائط وليس ذلك طلاقا إلى أجل إنما هو كله طلاق لازم إذا بلغها أو بلغ أهلها ان
كانت ممن لا تخاطب فيقع بذلك حل النكاح كما يقع بالفسخ ولا فرق وبالله تعالى التوفيق *
1963 مسألة: ومن طلق في نفسه لم يلزمه الطلاق * برهان ذلك الخبر الثابت
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " عفى لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل "
198

أو كما قال عليه الصلاة والسلام فصح ان حديث النفس ساقط ما لم ينطق به وكذلك
العتق في النفس والمراجعة في النفس والهبة والصدقة في النفس والاسلام في النفس
كل ذلك ليس بشئ: وللسلف في ذلك ثلاثة أقوال، أحدها كما قلنا روينا من طريق
وكيع عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال إذا طلق في نفسه فليس بشئ *
وبه إلى ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن زيد قال إذا طلق في نفسه فليس بشئ
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ليس طلاقه ولا عتاقه في نفسه شيئا
قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار ان رجلا طلق امرأته في نفسه فانتزعت منه
فقال جابر بن زيد لقد ظلم: وروينا ذلك أيضا عن الشعبي * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة والحسن قالا جميعا: من طلق في نفسه فليس طلاقه ذلك بشئ
وبه يقول أبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان وأصحابهم * وقول ثان كما روينا من
طريق عبد الرزاق عن معمر قال سئل عنها ابن سيرين فقال أليس قد علم الله ما في
نفسك قال بلى قال فلا أقول فيها شيئا فهذا توقف، وقول ثالث انه طلاق روى عن
الزهري ورواه أشهب عن مالك *
قال أبو محمد: الفرض والورع أن لا يحكم حاكم ولا يفتى مفت بفراق زوجة
عقد نكاحها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بغير قرآن أو سنة ثابتة،
واحتج من ذهب إلى هذا القول بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات
، ولكل امرئ ما نوى " *
قال أبو محمد: وهذا الخبر حجة لنا عليهم لأنه عليه الصلاة والسلام لم يفرد فيه
النية عن العمل ولا العمل عن النية بل جمعهما جميعا ولم يوجب حكما بأحدهما دون
الآخر، وهكذا نقول. ان من نوى الطلاق ولم يلفظ به أو لفظ به ولم ينوه فليس
طلاقا الا حتى يلفظ به وينويه الا ان يخص نص شيئا من الأحكام بالزامه بنية دون
عمل أو بعمل دون نية فنقف عنده وبالله تعالى التوفيق، واحتجوا أيضا بأن قالوا انكم
تقولون من اعتقد الكفر بقلبه فهو كافر وان لم يلفظ به وتقولون ان المصر على المعاصي
عاص آثم معاقب بذلك، وتقولون ان من قذف محصنة في نفسه فهو آثم، ومن
اعتقد عداوة مؤمن ظلما فهو عاص لله عز وجل وان لم يظهر ذلك بقول أو فعل ومن
أعجب بعلمه أو راءى فهو هالك، قلنا أما اعتقاد الكفر فان القرآن قد جاء بذلك نصا
قال تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا
بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) فخرج هؤلاء بنصوص القرآن والسنن عما عفى عنه وأيضا
199

فان العفو عن حديث النفس إنما هو عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم فضيلة لهم بنص الخبر، ومن
أسر الكفر فليس من أمته عليه الصلاة والسلام فهو خارج عن هذه الفضيلة، وأما
المصر على المعاصي فليس كما ظننتم صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من هم بسيئة فلم
يعملها لم تكتب عليه " فصح ان المصر الآثم باصراره هو الذي عمل السيئة ثم أصر
عليها، فهذا جمع نية السوء والعمل السوء معا، وأما من قذف محصنة في نفسه فقد نهاه الله
عز وجل عن الظن السوء وهذا ظن سوء فخرج عما عفى عنه بالنص ولا يحل أن
يقاس عليه غيره فيخالف النص الثابت في عفو الله عز وجل عن ذلك، واما من اعتقد
عداوة مسلم فإن لم يضربه بعمل ولا بكلام فإنما هو بغضة والبغضة التي لا يقدر المرء
على صرفها عن نفسه لا يؤاخذ بها فان تعمد ذلك فهو عاص لأنه مأمور بموالاة المسلم
ومحبته فتعدى ما أمره الله تعالى به فلذلك أثم وهكذا الرياء والعجب قد صح النهى
عنهما، ولم يأت نص قط بالزام طلاق أو عتاق أو رجعة أو هبة أو صدقة بالنفس
لم يلفظ بشئ من ذلك فوجب انه كله لغو وبالله تعالى التوفيق *
1964 مسألة: ومن طلق وهو غير قاصد إلى الطلاق لكن أخطأ لسانه
فان قامت عليه بينة قضى عليه بالطلاق وان لم تقم عليه بينة لكن أتى مستفتيا لم
يلزمه الطلاق * برهان ذلك قول الله عز وجل: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به
ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات،
وإنما لكل امرئ ما نوى " فصح أن لا عمل الا بنية ولا نية إلا بعمل، وأما إذا قامت
بذلك بينة فإنه حق قد ثبت وهو في قوله لم أنو الطلاق مدع ذلك الحق الثابت
فدعواه باطل، روينا من طريق وكيع عن أن أبى ليلى عن الحكم بن عتيبة عن خيثمة
ابن عبد الرحمن قال: قالت امرأة لزوجها سمني فسماها الظبية قالت ما قلت شيئا قال
فهات ما أسميك به قالت سمني خلية طالق قال فأنت خلية طالق فاتت عمر بن الخطاب فقالت إن
زوجي طلقني فجاء زوجها فقص عليه القصة فأوجع عمر رأسها وقال لزوجها:
خذ بيدها وأوجع رأسها *
قال أبو محمد: أما مثل هذا فحتى لو قامت به بينة لم يكن طلاقا، وروى قولنا
عن إياس بن معاوية، وقال مالك إذا قال أنت طالق البتة وهو يريد أن يحلف على
شئ ثم بدا له فترك اليمين فليست طالقا لأنه لم يرد أن يطلقها، وهو قول الليث بن
سعد، وقال الشافعي ما غلب المرء على لسانه بغير اختيار منه لذلك فهو كلا قول لا يلزمه
به طلاق ولا غيره، قال أبو حنيفة. وأصحابه: من أراد أن يقول شيئا لامرأته فسبقه
200

لسانه فقال: أنت طالق لزمه الطلاق في القضاء وفي الفتيا وبينه وبين الله عز وجل،
وكذلك لو أراد أن يقول: أنت طالق ثلاثا ان دخلت الدار فقال: أنت طالق ثلاثا
ثم بدا له عن اليمين أو قطع به عن ذلك قاطع فلم يلفظ بما أراد أن يقول فهي طالق
في الفتيا والقضاء وبينه وبين الله عز وجل سواء دخلت الدار أو لم تدخل، قال
أبو حنيفة: فلو أراد أن يقول أنت حرة ان دخلت الدار فقال أنت حرة ثم بدا له
عن اليمين أو قطعه عنه قاطع فهي حرة في الفتيا وفي القضاء وبينه وبين الله عز وجل دخلت
الدار أو لم تدخل فلو أراد أن يقول لها كلاما فأخطأ فسبقه لسانه فقال أنت حرة
قال أبو حنيفة: لا تكون بذلك حرة ولا يلزمه العتق بخلاف الطلاق وبخلاف المسألة
في العتق التي ذكرنا آنفا، وقال أصحابه كل ذلك سواء *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد والمناقضة، وأما قول
مالك فمناقض لقوله في التحريم وفي حبلك على غاربك وسائر ما رأى التحريم يدخل
فيه بأرق الأسباب وبالله تعالى التوفيق *
1965 مسألة: ولا يلزم المشرك طلاقه وأما نكاحه وبيعه وابتياعه
وهبته وصدقته وعتقه ومؤاجرته فجائز كل ذلك، برهان ذلك قول النبي عليه الصلاة
والسلام: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وقول الله عز وجل: (ومن
يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فصح بهذين النصين أن كل من عمل بخلاف ما أمر الله عز
وجل به أو رسوله صلى الله عليه وسلم فهو باطل لا يعتد به، ولا شك في أن الكافر مأمور بقول
لا إله الا الله محمد رسول الله ملزم ذلك متوعد على تركه بالخلود بين اطباق النيران
فكل كلام قاله وترك الشهادة المذكورة فقد وضع ذلك الكلام غير موضعه فهو غير معتد.
فان قيل فمن أين أجرتم سائر عقوده التي ذكرتم. قلنا اما النكاح فلان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح أهل الشرك وأبقاهم بعد اسلامهم عليه وأما بيعه وابتياعه فلان
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعامل تجار الكفار، ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه
مرهونة عند يهودي في أصواع شعير، واما مؤاجرته فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم استأجر
ابن ارقط ليدل به إلى المدينة وهو كافر وعامل يهود خيبر على عمل أرضها وشجرها
بصنف ما يخرج الله عز وجل من ذلك، واما هبته وصدقته وعتقه فلقول حكيم بن
حزام " يا رسول الله أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتاقة وصلة رحم وصدقة
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت على ما أسلفت من خير " فسمى عليه الصلاة والسلام كل
ذلك خيرا وأخبر انه معتد له به فبقي الطلاق لم يأت في امضائه نص فثبت على أصله
201

المتقدم. فان قيل فقد قال الله تعالى: (وان احكم بينهم بما انزل الله إليك) قلنا نعم،
وهذا الذي حكمنا به بينهم هو مما انزل الله تعالى كما ذكرنا، وقد اختلف الناس في هذا
فرويناه من طريق قتادة ان رجلا طلق امرأته طلقتين في الجاهلية وطلقة في
الاسلام فسأل عمر فقال له عمر لا آمرك ولا أنهاك. فقال له عبد الرحمن بن عوف
لكنني آمرك ليس طلاقك في الشرك بشئ وبهذا كان يفتى قتادة، وصح عن الحسن
وربيعة وهو قول مالك وأبي سليمان وأصحابهما، وصح عن عطاء. وعمرو بن دينار.
وفراس الهمداني. والزهري. والنخعي. وحماد بن أبي سليمان إجازة طلاق المشرك
وهو قول الأوزاعي. وأبي حنيفة. والشافعي وأصحابهما، فان قيل: فقد رويتم من
طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: لقد طلق رجال نساء
في الجاهلية ثم جاء الاسلام فما رجعن إلى أزواجهن *
قال أبو محمد: هذا لا حجة فيه لوجوه، أولها انه مرسل، وأين عمرو بن دينار من
الجاهلية. وثانيها انه ليس فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم منع من ذلك، وثالثها انا لم نمنع
نحن من أن يكون قوم رأوا ان ذلك نافذ ولا حجة في ذلك الا أن يعلمه عليه الصلاة
والسلام فيقره *
1966 مسالة: وطلاق المكره غير لازم له * وقد اختلف الناس في هذا
فروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سليمان الشيباني عن علي بن حنظلة
عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب ليس الرجل بأمين على نفسه إذا أخفته أو ضربته
أو أوثقته، ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الملك بن قدامة الجمحي حدثني أبي
ان رجلا تدلى بحبل ليشتار عسلا فأتت امرأته فقالت له لا قطعن الحبل أو لتطلقني
فناشدها الله تعالى فأبت فطلقها فلما ظهر أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال له
عمر: ارجع إلى امرأتك فان هذا ليس بطلاق، ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي
عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن ان علي بن أبي طالب كان لا يجيز طلاق المكره،
ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ثابت الأعرج قال سألت ابن
عمرو ابن الزبير عن طلاق المكره فقالا جميعا ليس بشئ، ومن طريق الحجاج بن
المنهال نا هشيم نا عبيد الله بن طلحة الخزاعي نا أبو يزيد المدني عن ابن عباس قال ليس
لمكره ولا لمضطر طلاق، ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن المبارك عن
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن ابن عباس انه كان لا يرى طلاق المكره شيئا
202

وصح عن الحسن البصري طلاق المكره لا يجوز وهو أحد قولي عمر بن عبد العزيز،
وصح أيضا عن عطاء. وطاوس وأبى الشعثاء جابر بن زيد. وعن الحجاج بن المنهال
نا أبو عوانة عن المغيرة عن إبراهيم قال الطلاق ما عنى به الطلاق وهو قول مالك.
والأوزاعي. والحسن بن حي. والشافعي. وأبي سليمان. وأصحابهم وأحد قولي الشافعي *
وروى خلاف ذلك عن عمر كما روينا عن سعيد بن منصور نا فرج بن فضالة
حدثني عمرو بن شراحيل المعافري ان امرأة سلت سيفا فوضعته على بطن زوجها
وقالت والله لأنفذنك أو لتطلقني فطلقها ثلاثا فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فامضى
طلاقها: وعن ابن عمر روينا عنه انه سأله رجل فقال له انه وطئ فلان على رجلي
حتى أطلق امرأتي فطلقتها فكره له الرجوع إليها، وهذا يخرج على أنه لم ير ذلك
اكراها، وروى أيضا عن عمر بن عبد العزيز وروينا عن علي بن أبي طالب كل الطلاق
جائز إلا طلاق المعتوه وقد روينا عنه قبل ابطال طلاق المكرة. وروى أيضا عن إبراهيم
وصح عن أبي قلابة. والزهري. وقتادة. وسعيد بن جبير وبه أخذ أبو حنيفة وأصحابه،
وقول ثالث وهو ان طلاق المكره ان أكرهه اللصوص لم يلزمه وان أكرهه السلطان
لزمه رويناه عن الشعبي، وقول رابع رويناه عن إبراهيم أنه قال إن اكره ظلما على
الطلاق فورك إلى شئ آخر لم يلزمه فإن لم يورك لزمه ولا ينتفع الظالم بالتوريك
وهو أحد قولي سفيان *
قال أبو محمد: احتج من أجازه بخبر رويناه من طريق بقية عن الغازي بن جبلة
عن صفوان بن عمرو الأصم الطائي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن رجلا
جلست امرأته على صدره وجعلت السكين على حلقه وقالت له طلقني أو لأذبحنك
فناشدها الله تعالى فأبت فطلقها ثلاثا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا قيلولة في الطلاق "
ومن طريق سعيد بن منصور حدثني الوليد بن مسلم عن الغازي بن جبلة الجبلاني انه سمع
صفوان يقول إن رجلا جلست امرأته على صدره فوضعت السكين على فؤاده وهي
تقول لتطلقني أو لأقتلنك فطلقها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام
لا قيلولة في الطلاق، وهذا خبر في غاية السقوط، صفوان منكر الحديث، وبقية
ضعيف، والغازي بن جبله مغموز. وذكروا خبرا آخر من طريق عطاء بن عجلان
عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل الطلاق جائز الاطلاق المعتوه
المغلوب على عقله " وهذا شر من الأول لان عطاء بن عجلان مذكور بالكذب:
والعجب أن المحتجين به أول المخالفين له لأصل فاسد لهم، اما أصلهم فإنهم يقولون
203

في الاخبار الثابتة إذا خالف شيئا منها راويه فهو دليل على سقوطه وهذا خبر إنما
ذكر من طريق ابن عباس والثابت عن ابن عباس ابطال طلاق المكره كما ذكرنا
آنفا، واما خلافهم له فإنهم. لا يجيزون طلاق الصبي الذي لم يبلغ وعموم هذا الخبر
الملعون يقتضى جوازه كما يقتضى عندهم جواز طلاق المكره: فان ادعوا في ابطال
طلاق الصبي الاجماع على عادتهم في استسهال الكذب في دعوى الاجماع بين كذبهم
ما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عمن سمع علي بن أبي طالب
انه كان يقول: " اكتموا الصبيان النكاح " ومن طريق الحجاج بن المنهال نا
هشيم أنا المغيرة عن إبراهيم انه كان لا يهاب شيئا من أمر الغلام الا الطلاق، ومن
طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب في طلاق الصبي
قال: إذا صام رمضان وأحصى الصلاة جاز طلاقه، ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري
عن منصور عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يكتمون الصبيان النكاح إذا زوجوهم
مخافة الطلاق، فان قيل ففي هذا الخبر وكان إذا وقع لم يره شيئا قلنا: نعم هذه حكاية
عن إبراهيم لا عن أصحابه الذين حكى عنهم كتمان الصبيان زواجهم مخافة الطلاق *
واحتجوا أيضا بآثار فيها " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد. النكاح. والطلاق.
والرجعة " وهي أخبار موضوعة لأنها إنما فيها حكم الهاذل والجاد لاذكر للمكره
فيها، وبعد فإنما رويناها من طريق عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك وهو منكر الحديث
مجهول لان قوما قالوا عن عبد الرحمن بن حبيب وقوما قالوا حبيب بن عبد الرحمن
وهو مع ذلك متفق على ضعف روايته، أو من طريق وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق
عن أبي بردة " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بال رجال يلعبون بحدود الله يقول أحدهم
قد طلقت ثم راجعت " وهذا مرسل ولا حجة في مرسل وليس فيه أيضا جواز
طلاق مكره. أو عن الحسن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من طلق لاعبا أو أنكح لاعبا
أو نكح لاعبا أو أعتق لاعبا فقد جاز " ولا حجة في مرسل وليس فيه أيضا لطلاق
مكره أثر، ومن طريق فيها إبراهيم بن محمد بن أبي ليلى وهو مذكور بالكذب ثم
ليس فيه الا من طلق لاعبا أو أعتق لا عبا وليس فيه للمكره ذكر، أو من طريق ابن
جريج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا فاحش الانقطاع ثم ليس للمكره ذكر وإنما فيه من
نكح لاعبا أو طلق لاعبا، وان قالوا هو طلاق: قلنا كلا ليس طلاقا إنما الطلاق ما نطق
به المطلق مختارا بلسانه قاصدا بقلبه كما أمر الله تعالى وأنتم تسمون نكاح المتعة ونكاح
عشر نكاحا فأجيزوه لذلك فإذ قد بطل كل ما موهوا به فعلينا ايراد البرهان بحول الله
204

وقوته على بطلان طلاق المكره: فمن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى " فصح ان كل عمل بلا نية فهو باطل لا يعتد به
وطلاق المكره عمل بلا نية فهو باطل وإنما هو حاك لما أمر ان يقوله فقط ولا طلاق على
حاك كلاما لم يعتقده وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه " رويناه من طريق الربيع بن سليمان المؤذن نا بشر بن بكر
عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن
أعظم تناقضهم انهم يجيزون طلاق المكره ونكاحه وانكاحه ورجعته وعتقه ولا يجيزون
بيعه ولا ابتياعه ولا هبته ولا اقراره. وهذا تلاعب بالدين ونعوذ بالله من الخذلان *
1967 مسالة: ومن قال: ان تزوجت فلانة فهي طالق أو قال فهي طالق
ثلاثا فكل ذلك باطل وله أن يتزوجها ولا تكون طالقا، وكذلك لو قال كل امرأة
أتزوجها فهي طالق وسواء عين مدة قريبة أو بعيدة أو قبيلة أو بلدة كل ذلك باطل
لا يلزم، وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة يلزمه كل ذلك، وقالت طائفة ان عين قبيلة
أو بلدة أو امرأة أو مدة قريبة يعيش إليها لزمه فان عم لم يلزمه، وقالت طائفة يكره له
أن يتزوجها فان تزوجها لم نمنعه، ولم نفسخه، فممن روى عنه قولنا كما رويناه من طريق
حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن ان علي بن أبي طالب قال: " لا طلاق إلا من بعد
نكاح وان سماها فليس بطلاق "، ومن طريق أبى عبيدنا هشيم نا المبارك بن فضالة عن
الحسن عن علي بن أبي طالب انه سئل عن رجل قال: ان تزوجت فلانة فهي طالق فقال
على ليس طلاق الا من بعد ملك، ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت عطاء
يقول قال ابن عباس: " لا طلاق إلا من بعد نكاح " قال عطاء: فان حلف بطلاق ما لم
ينكح فلا شئ، قال ابن جريج: بلغ ابن عباس ان ابن مسعود يقول: ان طلق ما لم ينكح فهو
جائز فقال ابن عباس: أخطأ في هذا. ان الله عز وجل يقول: (إذا نكحتم المؤمنات
ثم طلقتموهن) ولم يقل إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن، ومن طريق وكيع عن ابن أبي
ذئب عن محمد بن المنكدر. وعطاء بن أبي رباح كلاهما عن جابر بن عبد الله يرفعه
" لا طلاق قبل نكاح " وصح عن طاوس. وسعيد بن المسيب. وعطاء. ومجاهد. وسعيد بن
جبير، ورعوة بن الزبير. وقتادة. والحسن. ووهب بن منبه. وعلي بن الحسين. والقاسم بن
عبد الرحمن. وشريح القاضي، وروى أيضا عن عائشة أم المؤمنين وعكرمة، وهو قول
سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأصحابه. واحمد وأصحابه وإسحاق بن
راهويه وأبي سليمان وأصحابه وجمهور أصحاب الحديث. وأما من كره ذلك ولم يفسخه
205

كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد الأنصاري
عن القاسم بن محمد بن أبي بكر فيمن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق فكرهه، وهو
قول الأوزاعي، وروى عنه أنه قال: ان تزوجها لم آمره بفراقها، وإن كان لم
يتزوجها لم آمره ان يتزوجها. وهو قول سفيان الثوري فقيل له أحرام هو؟
فقال ومن يقول إنه حرام من رخص فيه أكثر ممن شدد فيه. وبه يقول أبو عبيد *
والقول الثالث في الفرق بين التخصيص والعموم روينا من طريق مالك عن سعيد
ابن عمرو بن سليم عن القاسم بن محمد أن رجلا قال: ان تزوجت فلانة فهي على كظهر أمي
فتزوجها فقال له عمر بن الخطاب لا تقربها حتى تكفر *
قال أبو محمد: ليس هذا موافقا لهم لأنه قد روى عن عمر أنه وان عم فهو لازم
نذكره بعد هذا إن شاء الله عز وجل. بلغني عن ابن مسعود أنه قال: من قال: كل امرأة
أنكحها فهي طالق ان لم يسم قبيلة أو قرية أو امرأة بعينها فليس بشئ وقد ذكرناه
قبل عن ابن مسعود مجملا، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن محمد بن قيس
- هو المرهبي - قال: سألت إبراهيم النخعي عن رجل قال في امرأة ان تزوجتها فهي طالق
فذكر إبراهيم عن علقمة أو عن الأسود ان ابن مسعود قال: هي كما قال: ثم سألت
الشعبي وذكرت له قول إبراهيم النخعي فقال صدق، ومن طريق أبى عبيد عن هشيم
أنا مغيرة عن إبراهيم النخعي فيمن قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق قال: ليس
بشئ هذا رجل حرم المحصنات على نفسه فليتزوج قال: فان سماها أو نسبها أو سمى
مصرا أو وقت وقتا فهي كما قال * ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي
قال: ان قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فليس بشئ فان وقت لزمه، ومن طريق أبى
عبيدنا محمد بن كثير عن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء قال: من قال إن تزوجت
فلانة فهي طالق فهي كما قال: وهو قول الحكم بن عتيبة. وربيعة. والحسن بن حي.
والليث بن سعد. ومالك وأصحابه، والقول الرابع انه يلزمه وان عم، روينا من
طريق عبد الرزاق عن ياسين الزيات عن أبي محمد عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن أن رجلا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق فقال له عمر بن الخطاب هو كما
قلت ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فيمن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق،
وكل أمة اشتريها فهي حرة قال الزهري هو كما قال: ومن طريق أبى عبيدنا يحيى بن سعيد
القطان ويزيد بن هارون كلاهما عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: كان القاسم بن محمد
وسالم بن عبد الله بن عمرو عمر بن عبد العزيز يرون الطلاق قبل النكاح كما قال، ومن
206

طريق أبى عبيدنا مروان عن شجاع عن خصيف قال: سألت مجاهدا عن قول من قال:
طلق قبل أن (1) يملك فعابه مجاهد وقال ماله (2) طلاق إلا بعد ما ملك وهو قول
عثمان البتي وأبي حنيفة *
قال أبو محمد: فنظرنا فيما احتج به من اجازه بكل حال فوجدنا قائلهم قال:
لا تخالفوننا فيمن قال لامرأته أنت طالق إذا بنت منى انه ليس شيئا فصح ان الطلاق
معلق بالوقت الذي أضيف إليه *
قال أبو محمد: هذا فاسد لأنه لم يخرج الطلاق كما أمر بل لم يوقعه حين نطق به
وأوقعه حيث لا يقع فهو باطل فقط، وقالوا قسناه على النذر. قلنا: القياس كله باطل
ثم لو صح لكان هذا منه باطلا لان النذر جاء فيه النص ولم يأت في تقديم الطلاق قبل
النكاح نص. والنذر شئ يتقرب به إلى الله عز وجل وليس الطلاق مما يتقرب به إلى
الله عز وجل ولا مما ندب الله تعالى عباده إليه وحضهم عليه وهم لا يخالفوننا في أن من قال على
نذر لله تعالى أن أطلق زوجتي انه لا يلزمه طلاقها، وهذا يبطل عليهم تمويههم في ذلك بقوله
تعالى: (أوفوا بالعقود) لان الطلاق عقد لا يلزم الوفاء به لمن عقده على نفسه. بمعنى
عقد ان يطلق إلا أنه لم يطلق فليس الطلاق من العقود التي أمر الله تعالى بالوفاء بها قبل أن
توقع وقالوا قسناه على الوصية *
قال أبو محمد: وهذا من أرذل قياساتهم وأظهرها فسادا الا ان الوصية نافذة
بعد الموت ولو طلق الحي بعد موته لم يجز والوصية قربة إلى الله عز وجل بل هي فرض
والطلاق ليس فرضا ولا مندوبا إليه وما وجدنا لهم شغبا غير هذا، وهو قول لم يصح عن
أحد من الصحابة رضي الله عنهم لان الرواية عن عمر موضوعة فيها ياسين وهو هالك
وأبو محمد مجهول ثم هو منقطع بين أبى سلمة وعمر. ثم نظرنا في قول من ألزمه ان خص ولم
يلزمه إن عم فوجدناه فرقا فاسدا ومناقضة ظاهرة، ولم نجد لهم حجة أكثر من قولهم
إذا عم فقد ضيق على نفسه. فقلنا ما ضيق بل له في الشراء فسحة ثم هبك انه قد ضيق
فأين وجدتم أن الضيق في مثل هذا يبيح الحرام، وأيضا فقد يخاف في امتناعه من
نكاح التي خص طلاقها ان تزوجها أكثر مما يخاف لو عم لكلفه بها فوضح فساد هذا
القول لتعريه عن البرهان جملة، ووجدناه أيضا لا يصح عن أحد من الصحابة لأنه اما
منقطع. واما من طريق محمد بن قيس المرهبي وليس بالمشهور، ثم رجعنا إلى قولنا
فوجدنا الله تعالى يقول: " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " وقال تعالى: (يا أيها

(1) وفي النسخة رقم 14 ما لم يملك
(2) وفي النسخة رقم 14 ما طلق
207

الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) فلم يجعل الله تعالى
الطلاق الا بعد عقد النكاح، ومن الباطل أن لا يقع الطلاق حين إيقاعه، ثم يقع حين لم
يوقعه إلا ببرهان واضح. ووجدناه إنما طلق أجنبية وطلاق الأجنبية باطل، والعجب أن
المخالفين لنا أصحاب قياس بزعمهم ولا يختلفون فيمن قال لامرأته ان طلقتك فأنت مرتجعة
منى فطلقها انها لا تكون مرتجعة حتى يبتدئ النطق بارتجاعه لها ووجدناهم لا يختلفون
فيمن قال إذا قدم أبى فزوجيني من نفسك فقد قبلت نكاحك فقالت هي وهي مالكة أمر
نفسها وأنا إذا جاء أبوك فقد تزوجتك ورضيت بك زوجا فقدم أبوه فإنه ليس بينهما بذلك
نكاح أصلا ولا يختلفون فيمن قال لآخر إذا كسبت مالا فأنت وكيلي في الصدقة به فكسب
مالا فإنه لا يكون الآخر وكيلا في الصدقة به إلا حتى يبتدئ اللفظ بتوكيله فلا ندري من أين
وقع لهم جواز تقديم الطلاق والظهار قبل النكاح وحسبنا الله ونعم الوكيل، وكذلك
لا يختلفون فيمن قال لآخر زوجني ابنتك ان ولدت لك من فلانة فقال الآخر: نعم
قد زوجتك ابنتي ان ولدتها لي فلانة فولدت له فلانة ابنة فإنها لا تكون له بذلك
زوجة، وقد جاء انفاذ هذا النكاح عن ابن مسعود والحسن، رويناه من طريق حماد
ابن سلمة أخبرني يحيى بن سعيد التيمي عن الشعبي عن ابن مسعود بذلك وقضى لها
بصداق احدى نسائها ولا يعرف لابن مسعود في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم
، ولا يختلفون فيمن قال لآخر: إذا وكلتني بطلاق امرأتك فلانة فقد طلقتها
ثلاثا ثم وكله الزوج بطلاقها انها لا تكون بذلك طالقا ولا يختلفون فيمن قال إن
تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا فتزوجها فطلقها إثر تمام العقد ثلاثا ثم أتت بولد
لتمام ستة أشهر من حين ذلك فإنه لا حق به، وهذه كلها مناقضات فاسدة وبالله
تعالى التوفيق *
1968 مسألة: وطلاق السكران غير لازم، وكذلك من فقد عقله بغير الخمر،
وحد السكر هو أن يخلط في كلامه فيأتي بما لا يعقل وبما لا يأتي به إذا لم يكن سكران
وان أتى بما يعقل في خلال ذلك لان المجنون قد يأتي بما يعقل ويتحفظ من السلطان
ومن سائر المخاوف، وأما من ثقل لسانه وتخبل مخرج كلامه وتخبلت مشيته وعربد
فقط إلا أنه لم يتكلم بما لا يعقل فليس هو سكران، برهان ذلك قول الله تعالى:
(لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فبين الله تعالى
ان السكران لا يعلم ما يقول: فمن لم يعلم ما يقول فهو سكران، ومن علم ما يقول
فليس بسكران. ومن خلط فاتى بما يعقل ومالا يعقل فهو سكران لأنه لا يعلم
208

ما يقول، ومن أخبر الله تعالى انه لا يدرى ما يقول فلا يحل أن يلزم شيئا
من الأحكام لا طلاقا ولا غيره لأنه غير مخاطب إذ ليس من ذوي الألباب،
وقد اختلف الناس في هذا فممن روى عنه خلاف ما قلنا كما روينا من طريق عبد الرحمن
ابن مهدي عن خراش بن مالك الجهضمي حدثني يحيى بن عبيد عن أبيه ان رجلا من
أهل عمان تملأ من الشراب فطلق امرأته ثلاثا فشهد عليه نسوة فكتب إلى عمر
بذلك فأجاز شهادة النسوة وأثبت عليه الطلاق، ومن طريق أبى عبيدنا يزيد بن
هارون عن جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد ان رجلا طلق امرأته
وهو سكران فرفع إلى عمر بن الخطاب وشهد عليه أربع نسوة ففرق عمر بينهما، ومن
طريق أبى عبيدنا ابن أبي مريم - وهو سعيد - عن ناجية بن أبي بكر عن جعفر بن
ربيعة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ان معاوية أجاز طلاق السكران، ورويناه
عن ابن عباس من طرق لم تصح لان في احدى طريقيه الحجاج بن أرطأة وفي الأخرى
إبراهيم بن أبي يحيى، وصح عن النخعي. وابن سيرين. والحسن. وميمون بن مهران.
وحميد بن عبد الرحمن. وعطاء وقتادة. والزهري. الا أنه فرق بين أحكامه. وروينا
من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال يجوز طلاق السكران وعتقه ولا
يجوز نكاحه ولا شراؤه ولا بيعه: ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن
شهاب يجوز طلاق السكران ولا تجوز هبته ولا صدقته، وصحت إجازة طلاق السكران
عن الشعبي. ومجاهد. وسعيد بن المسيب. وجابر بن زيد. وعمر بن عبد العزيز.
ورويناه عن عطاء بن أبي رباح. وسليمان بن يسار. وهو قول ابن شبرمة وتوقف
في نكاحه وأجاز ابن أبي ليلى كلا الامرين. وممن أجاز طلاقه سفيان الثوري. والحسن
ابن حي. والشافعي في أحد قوليه، وقال مالك: طلاق السكران ونكاحه وجميع أفعاله
جائزة الا الردة فقط فلا يحكم له في شئ من أموره بحكم المرتد. وروى عنه ابن وهب
يجوز طلاقه ولا يجوز نكاحه: وقال مطرف بن عبد الله صاحب مالك لا يلزم السكران
شئ ولا يؤاخذ بشئ الا بأربعة أشياء لا خامس لها هكذا قال ثم سماها فقال الطلاق.
والعتق. والقتل. والقذف فدل ذلك على أنه لا يحد للزنا ولا للسرقة * وقال أبو حنيفة
وأصحابه: يجوز طلاقه وجميع أفعاله الا الردة، وقال محمد بن الحسن ولا اسلامه إن كان
كافرا. ولا اقراره بالحدود، وقال أبو يوسف: كل ذلك له لازم واما من روى عنه
مثل قولنا فكما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري
عن أبان بن عثمان عن أبيه عثمان قال ليس لمجنون ولا لسكران طلاق، وقد روينا
209

رجوع الزهري. وعمر بن عبد العزيز إلى هذا، ومن طريق وكيع عن رباح بن أبي
معروف عن عطاء بن أبي رباح قال طلاق السكران لا يجوز * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه لا يجوز طلاق السكران، وصح عن القاسم بن محمد
أنه لا يجوز طلاقه وانه لا يقطع ان سرق إلا أن يكون معروفا بالسرقة *
ومن طريق أبى عبيدنا هشيم انا يحيى بن سعيد الأنصاري أن عمر بن عبد العزيز
أتى بسكران طلق امرأته، فاستحلفه بالذي لا إله إلا هو لقد طلقها، وهو
لا يعقل فحلف فرد إليه امرأته وضربه الحد، قال يحيى بن سعيد: وبهذا يقول
القاسم بن محمد بن أبي بكر وصح عن يحيى بن سعيد الأنصاري وحميد بن عبد الرحمن،
ورويناه عن ربيعة وهو قول عبيد الله بن الحسن. والليث بن سعد. وأحد قولي الشافعي
وقول إسحاق بن راهويه. وأبى ثور. والمزني. وأبي سليمان وجميع أصحابهم (1) وبه يقول
أبو جعفر الطحاوي. وأبو الحسن الكرخي من شيوخ الحنيفيين، وقال عثمان البتي
لا يلزمه عقد ولا بيع ولاحد الا حد الخمر فقط، وان زنا وقذف وسرق، وقال الليث:
لا يلزمه طلاق ولا بيع ولا نكاح ولا عتق ولا شئ بقوله، وأما ما عمل ببدنه من
قتل أو سرقة أو زنا فإنه يقام عليه كل ذلك فنظرنا فيما يحتج به من خالف قولنا
فوجدناهم يقولون: هو أدخل على نفسه ذهاب عقله بمعصيته لله عز وجل فقلنا فكان
ماذا؟ ومن أين وجب إذا أدخل ذلك على نفسه أن يؤاخذ بما يجنى في ذهاب عقله؟
وهذا ما لا يوجد في قرآن ولا سنة، ولا خلاف بينكم فيمن تردى ليقتل نفسه عاصيا لله
عز وجل فسلمت نفسه إلا أنه سقط على رأسه ففسد عقله، وفيمن حارب وأفسد الطريق
فضرب في رأسه ففسد عقله أنه لا يلزمه شئ مما يلزم الأصحاء وهو الذي أدخل على نفسه الجنون
بأعظم المعاصي ثم لا يختلفون فيمن أمسكه قوم عيارون فضبطت يداه ورجلاه وفتح فمه
بكلوب وصب فيه الخمر حتى سكرانه مؤاخذ بطلاقه وهو لم يدخل على نفسه شيئا ولا عصى،
فظهر فساد اعتراضهم وموهوا بالاخبار التي فيها ثلاث هزلهن جد وليس فيها على سقوطها
للسكران ذكر ولا دليل عليه، واحتجوا بالخبر الموضوع لا قيلولة في الطلاق، ولو صح
هذا لكان ذلك في طلاق من طلاقه طلاق ممن يعقل كما يقولون في طلاق الصبي والمجنون،
وبالخبر الكاذب كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه *
قال أبو محمد: قد بينا سقوطه آنفا في باب طلاق المكره ثم لو صح لم يكن لهم فيه
حجة لأنهم لا يجيزون طلاق من لم يبلغ وليس بمعتوه، وأما السكران الذي لا يدرى ما يتكلم

(1) وفي النسخة رقم 14 وجميع أصحابنا
210

به فهو معتوه بلا شك لان المعتوه في اللغة هو الذي لا عقل له، ومن لا يدرى ما يتكلم به
فلا عقل له فهو معتوه بأي وجه كان، وقالوا قد روى عن علي. وعبد الرحمن بحضرة
الصحابة إذا شرب سكروا إذا سكر هذى وإذا افترى وإذا افترى جلد ثمانين *
قال أبو محمد: وهذا خبر مكذوب قد نزه الله تعالى عليا. وعبد الرحمن عنه لأنه
لا يصح اسناده ثم عظيم ما فيه من المناقضة لان فيه ايجاب الحد على من هذى، والهاذي لا حد
عليه، وهلا قلتم إذا هذى كفر، وإذا كفر قتل؟ وقالوا بنفس السكر يجب عليه الحد
فالطلاق كذلك، قلنا كذبتم ما وجب قط بالسكر حد لكن بقصده إلى شرب ما يسكر
كثيره فقط سواء سكر أو لم يسكر * برهان ذلك أن من سكر ممن اكره على شربها
لا حد عليه، وقالوا: هو مخاطب بالصلاة فطلاقه لازم له. قلنا كذبتم بل نص القرآن
يبين انه غير مخاطب بالصلاة بل هو منهى عنها حتى يدرى ما يقول، وقالوا: لو كان ذلك
لكان من شاء قتل عدوه سكر فقتله، ومن يدرى انه سكران فقلنا فقولوا إذا بإقامة
الحدود على المجانين لأنه لو سقط عنهم الحد لكان من شاء قتل عدوه تحامق، ومن يدرى
انه أحمق، لكن نقول لا يخفى السكران من المتساكر ولا الأحمق من المتحامق، ومما
يوضح صحة قولنا يقينا الخبر الثابت الذي رويناه من طريق البخاري نا عبدان. وأحمد بن صالح
قال عبدان بن عبد الله بن المبارك، وقال احمد: نا عنبسة كلاهما أخبره يونس بن يزيد عن
الزهري أخبرني علي بن الحسين أن الحسين بن علي أخبره ان عليا قال في حديث طويل
قال فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزه فيما فعل يعنى إذ عقر شار في علي وهو يشرب مع
قوم من الأنصار، قال على: فإذا حمزه ثمل محمرة عيناه فقال له حمزة: هل أنتم الا عبيد
لأبي؟ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم أنه ثمل فنكص عليه الصلاة والسلام على عقبيه
القهقرى فخرج وخرجنا معه، فهذا حمزة رضي الله عنه يقول وهو سكران ما لو قاله
غير سكران لكفر، وقد أعاذه الله من ذلك فصح ان السكران غيره مؤاخذ بما يفعل جملة
وأما من فرق فلم يلزمه الردة والزمه غير ذلك فمتناقض القول، باطل الحكم بيقين لا اشكال
فيه، وبالله تعالى التوفيق *
1969 مسألة: واليمين بالطلاق لا يلزم، وسواء بر أو حنث لا يقع به طلاق ولا
طلاق الا كما أمر الله عز وجل ولا يمين الا كما أمر الله عز وجل على لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم برهان ذلك قول الله عز وجل: (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وجميع
المخالفين لنا ههنا لا يختلفون في أن اليمين بالطلاق والعتاق والمشي إلى مكة وصدقة المال
فإنه لا كفارة عندهم في حنثه في شئ منه الا بالوفاء بالفعل، أو الوفاء باليمين، فصح
211

بذلك يقينا انه ليس شئ من ذلك يمينا إذ لا يمين الا ما سماه الله تعالى يمينا، وقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه من طريق أبى عبيد نا إسماعيل بن جعفر نا عبد الله بن
دينار عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان حالفا فلا يحلف الا بالله " فارتفع
الاشكال في أن كل حلف بغير الله عز وجل فإنه معصية وليس يمينا، وهذا مكان اختلف
فيه، فصح عن الحسن فيمن قال لامرأته أنت طالق ان لم أضرب غلامي فأبق الغلام
قال: هي امرأته ينكحها ويتوارثان حتى يفعل ما قال. فان مات الغلام قبل أن يفعل
ما قال فقد ذهبت منه امرأته، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن مطر الوارق عن
عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب في رجل طلق امرأته ان لم يفعل كذا؟ قال: لا يقرب
امرأته حتى يفعل ما قال. فان مات قبل أن يفعل فلا ميراث بينهما، وصح خلاف هذا
عن طائفة من السلف كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في رجل
قال لا مرأته أنت طالق ان لم أتزوج عليك قال إن لم يتزوج عليها حتى تموت أو
يموت توارثا، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن غيلان بن جامع عن
الحكم بن عتيبة قال في الرجل يقول لامرأته أنت طالق ان لم أفعل كذا ثم مات أحدهما
قبل أن يفعل فإنهما يتوارثان. قال سفيان الثوري إنما وقع الحنث بعد الموت *
قال أبو محمد: هذا عجب: ميت يحنث بعد موته وقد تقصينا هذا في كتاب الايمان
من كتابنا هذا * وممن روى عنه مثل قولنا كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد
عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة وأراد سفرا فأخذه أهل امرأته فجعلها طالقا ان لم
يبعث بنفقتها إلى شهر فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشئ فلما قدم خاصموه إلى علي فقال
على اضطهدتموه حتى جعلها طالقا فردها عليه، ومن طريق عبد الرزاق عن هشام
ابن حسان عن محمد بن سيرين عن شريح انه خوصم إليه في رجل طلق امرأته إن
أحدث في الاسلام حدثا فاكترى بغلا إلى حمام أعين فتعدى به إلى أصبهان فباعه
واشترى به خمرا فقال شريح: ان شئتم شهدتم عليه أنه طلقها فجعلوا يرددون عليه
القصة ويردد عليهم فلم يره حدثا *
قال أبو محمد: لا متعلق لهم بما روى من قول علي رضي الله عنه اضطهدتموه لأنه
لم يكن هناك اكراه إنما طالبوه بحق نفقتها فقط فإنما أنكر على اليمين بالطلاق فقط
ولم ير الطلاق يقع بذلك. وكذلك لا متعلق لهم بما في خبر شريح من قول أحد من
رواه فلم يره حدثا فإنما هو ظن من محمد بن سيرين أو من هشام بن حسان وهو
ظن خطأ أو ما نعلم في الاسلام أكثر ممن تعدى من حمام أعين وهو على أميال يسيرة
212

دون العشرة من الكوفة إلى أصبهان وهي أيام كثيرة من الكوفة ثم باع بغل مسلم
ظلما واشترى بالثمن خمرا، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن
أبيه أنه كان يقول الحلف بالطلاق ليس شيئا، قلت أكان يراه يمينا؟ قال لا أدرى، فهؤلاء
علي بن أبي طالب وشريح. وطاوس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث ولا يعرف
لعلى في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم *
قال أبو محمد: والطلاق بالصفة (1) عندنا كما هو الطلاق باليمين كل ذلك لا يلزم، وبالله
تعالى التوفيق، ولا يكون طلاقا الا كما أمر الله تعالى به وعلمه وهو القصد إلى الطلاق، واما
ما عدى ذلك فباطل وتعد لحدود الله عز وجل، وقد ذكر نا قول عطاء فيمن حلف
بطلاق امرأته ثلاثا ان لم يضرب زيدا فمات زيد أو مات هو أنه لا طلاق عليه أصلا
وانه يرث امرأته ان ماتت وترثه ان مات وهو قول أبي ثور، وقال سفيان الطلاق
يقع بعد الموت وهذا خطأ ظاهر: وقال الشافعي: الطلاق يقع عليه والحنث في آخر أوقات
الحياة وهذه دعوى بلا برهان، وقال مالك: يوقف عن امرأته وهو على حنث حتى
يبر وهذا كلام فاسد لأنه إن كان على حنث فهو حانث فيلزمه أن تطلق عليه امرأته
أو ان تلزمه الكفارة باليمين بالله والا فليس حانثا وإذا لم يكن حانثا فهو على بر
لابد من أحدهما ولا سبيل إلى حال ثالثة للحالف أصلا فصح ان قوله هو على حنث
كلام لا يعقل وبالله تعالى التوفيق * وليت شعري لأي شئ يوقف عن امرأته ولا تخلو
من أحد وجهين إما أن تكون حلالا له فلا يحل توقفه عن الحلال أو تكون حراما
فلا تحرم عليه الا بالحنث فليطلقها عليه ثم نقول لهم من أين أجزتم الطلاق بصفة ولم
تجيزوا النكاح بصفة والرجعة بصفة كمن قال إذا دخلت الدار فقد راجعت زوجتي
المطلقة أو قال فقد تزوجتك وقالت هي مثل ذلك وقال الولي مثل ذلك ولا سبيل إلى
فرق وبالله تعالى التوفيق *
1970 مسألة: من قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق أو ذكر وقتا ما
فلا تكون طالقا بذلك لا الآن ولا إذا جاء رأس الشهر: برهان ذلك أنه لم يأت قرآن
ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها وفي غير المدخول بها
وليس هذا فيما علمنا (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وأيضا فإن كان كل طلاق لا يقع
حين ايقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه، وقد اختلف الناس في هذا
فقالت طائفة من طلق إلى أجل لم يقع [بذلك] (2) الطلاق الا إلى ذلك الأجل كما روينا

(1) وفي النسخة رقم 16 " والطلاق بالصيغة "
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
213

من طريق أبى عبيد نا يزيد بن هارون عن الجراح بن المنهال (1) نا الحكم - هو ابن عتيبة -
ان ابن عباس كان يقول: من قال لامرأته أنت طالق إلى رأس السنة انه يطأها ما بينه وبين
رأس السنة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء من قال لامرأته أنت طالق
إذا ولدت فله أن يصيبها ما لم تلد ولا يطلق حتى يأتي الأجل (2) وكذلك من قال أنت
طالق إلى سنة * ومن طريق أبى عبيدنا يزيد بن هارون عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو
ابن هرم عن جابر بن ريد أبى الشعثاء قال هي طالق إلى الأجل الذي سمى وتحل له ما دون ذلك *
ومن طريق أبى عبيدنا هشيم أنا مغيرة عن إبراهيم النخعي فيمن وقت في الطلاق وقتا،
قال: إذا جاء ذلك الوقت وقع، ورويناه أيضا عن الشعبي * ومن طريق سعيد بن
منصور نا أبو معاوية عن عبيدة عن الشعبي مثل قول إبراهيم، وروى أيضا عن
عبد الله بن محمد بن الحنيفة، وروينا عن سفيان الثوري قال: من قال لامرأته إذا
حضت فأنت طالق فإنها إذا دخلت في الدم طلقت عليه قال: فان قال لها متى حضت
حيضة فأنت طالق فلا تطلق حتى تغتسل من آخر حيضتها لأنه يراجعها حتى تغتسل وبأن.
لا يقع الطلاق المؤجل الا إلى أجله يقول أبو عبيد. وإسحاق بن راهويه والشافعي
واحمد. وأبو سليمان. وأصحابهم، وقول آخر وهو ان الطلاق يقع في ذلك ساعة يلفظ به،
روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن
سعيد بن المسيب فيمن طلق امرأته إلى أجل قال: يقع الطلاق ساعتئذ ولا يقربها *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا منصور. ويونس عن الحسن انه كان لا يؤجل
في الطلاق وروينا عن الزهري من طلق إلى سنة فهي طالق حينئذ * ومن طريق أبى
عبيد عن هشيم عن يحيى بن سعيد الأنصاري انه كان لا يؤجل في الطلاق اجلا، وروى
عن ربيعة وهو قول الليث وأحد قولي أبي حنيفة وهو قول زفر، وقول ثالث كما روينا
من طريق عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن الحسن أنه قال إذا قال أنت طالق إذا
كان كذا لأمر لا يدرى أيكون أم لا فليس بطلاق حتى يكون ذلك ويطأها فان ماتا قبل
ذلك توارثا (3) فان قال أنت طالق إلى سنة فهي طالق حين يقول ذلك وهو قول مالك،
وقول رابع روى عن ابن أبي ليلى فيمن قال لامرأته أنت طالق إلى رأس الهلال قال أتخوف
أن يكون قد طلقها فوجدنا من حجة من قال بأنه وقع (4) عليه الطلاق الآن ان قالوا
هذا الطلاق إلى أجل فهو باطل كالنكاح إلى أجل فقلنا لهم فلم قلتم انه ان قال إن دخلت

(1) في النسخة رقم 16 " الحجاج بن المنهال " وهو غلط
(2) في النسخة رقم 14 " في الأجل "
(3) في النسخة رقم 14 قبل ما أجل توارثا
(4) في النسخة رقم 14 في حجة من أوقع الخ
214

الدار فأنت طالق انها لا تطلق إلا بدخول الدار فإنه طلاق إلى أجل فأوقعتموه حين لفظ
به، وبهذا نعارضهم في قولهم إن ظاهر أمره انه ندم إذ قال أنت طالق فاتبع ذلك بالأجل
فيلزمهم ذلك فيمن قال أنت طالق ان دخلت الدار وهو قول صح عن شريح فألزمه
الطلاق دخلت الدار أو لم تدخله، وقالوا إذا قال أنت طالق فالطلاق مباح فإنه اتبعه
أجلا فهو شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل فقلنا: بل ما طلاقه الا فاسد لا مباح
إذ علقه بوقت ولا يجوز الزامه بعض ما التزم دون سائره فظهر فساد هذا القول ويكفى
من هذا انه تحريم فرج بالظن على من أباحه الله تعالى له باليقين ونعوذ بالله من هذا،
ولم نجد لمن فرق بين الأجل الآتي والابد وبين الأجل الذي لا يأتي حجة أصلا غير دعواه
لا سيما وهم يفسدون النكاح إذا أجل الصداق إلى أجل قد يكون وقد لا يكون بعكس قولهم
في الطلاق وكلا الامرين اجل ولا فرق، وأيضا فقد يأتي الأجل الذي قالوا فيه: انه
يجئ وهو ميت أو وهي ميتة أو كلاهما أو قد طلقها ثلاثا فظهر فساد هذا القول
جملة وبالله تعالى التوفيق * وهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف
وقد خالفوا ههنا ابن عباس، وأيضا فإنهم يوقعون عليه طلاقا لم يلتزمه قط وهذا
باطل ثم لو عكس عليهم قولهم فقيل بل تطلق عليه إذا أجل أجلا قد يكون
وقد لا يكون ساعة لفظه بالطلاق ولا تطلق عليه إذا أجل أجلا يأتي ولابد لما
كان بينهم فرق أصلا وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا فيما يحتج به من أجاز ذلك وجعل
الطلاق يقع إذا جاء الأجل لا قبل ذلك بان قال: قال الله تعالى: (أوفوا بالعقود)
فقلنا: إنما هذا في كل عقد امر الله تعالى بالوفاء به أو ندب إليه لا في كل عقد جملة ولا
في معصية، ومن المعاصي ان يطلق بخلاف ما أمر الله تعالى به فلا يحل الوفاء به وقالوا
" المسلمون عند شروطهم " وهذا كالذي قبله لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل شرط
ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل " والطلاق إلى أجل مشترط بشرط ليس في كتاب
الله تعالى فهو باطل وقالوا: نقيس ذلك على المداينة إلى أجل والعتق إلى أجل فقلنا: القياس
باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا لان المداينة والعتق قد جاء في جوازهما
إلى أجل النص ولم يأت ذلك في الطلاق، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه
باطلا لأنكم مجمعون على أن النكاح إلى اجل لا يجوز وان ذلك النكاح باطل فهلا قستم
الطلاق إلى أجل على ذلك وقالوا: قد أجمعوا على وقوع الطلاق عند الأجل لان من
أوقعه حين نطق به فقد أجازه فالواجب المصير إلى ما اتفقوا عليه فقلنا: هذا باطل
وما أجمعوا قط على ذلك لان من أوقع الطلاق حين لفظ به المطلق لم يجز قط
215

ان يؤخر ايقاعه إلى أجل (1) والذين أوقعوه عند الأجل لم يجيزوا ايقاعه حين
نطق به وقالوا: هذا قول صاحب (2) لا يعرف له من الصحابة مخالف فقلنا: هذا
من رواية أبى العطوف الجراح بن المنهال الجزري وهو كذاب مشهور بوضع الحديث
فبطل هذا القول أيضا والحمد لله رب العالمين *
1971 مسألة: ومن جعل إلى امرأته ان تطلق نفسها لم يلزمه ذلك ولا
تكون طالقا طلقت نفسها أو لم تطلق لما ذكرنا قبل من أن الطلاق إنما جعله الله تعالى
للرجال لا للنساء *
1972 مسألة: ولا يكون طلاقا بائنا (3) ابدا الا في موضعين لا ثالث
لهما، أحدهما طلاق غير الموطوءة لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات
ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) والثاني طلاق
الثلاث مجموعة أو مفرقة لقوله تعالى: (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)
واما ما عدا هذين فلا أصلا لقوله تعالى: (وبيوتهن أحق بردهن في ذلك) ولقوله
تعالى: (فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وقال تعالى فإذا بلغن أجلهن
فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) فجعل إلى الزوج في العدة ان يراجعها
أو يترك، وممن قال بذلك الشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهما، الا ان الشافعي رأى
الخلع طلاقا بائنا، وليس عندنا كذلك وسنتكلم فيه في بابه إن شاء الله تعالى، فممن قال
لامرأته أنت طالق طلقة لا رجعة لي فيها عليك بل تملكين بها نفسك، فان الناس
اختلفوا في ذلك، فقال أبو حنيفة. والشافعي. وأصحابهما. وابن وهب صاحب مالك: هي
طلقة يملك فيها زوجها رجعتها، وقوله بخلاف ذلك لغو، وقالت طائفة هي ثلاث، وهو
قول ابن الماجشون صاحب مالك، وقالت طائفة هي كما قال. وهو قول ابن القاسم صاحب
مالك، والذي نقول به انه كلام فاسد لا يقع به طلاق أصلا لأنه لم يطلق كما أمره الله عز
وجل. ولا طلاق الا كما أمر الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس
عليه أمرنا فهو رد " والطلاق الرجعي هو الذي يكون فيه الزوج مخيرا ما دامت في العدة
بين تركها لا يراجعها حتى تنقضي عدتها فتملك أمرها فلا يراجعها الا بولي ورضاها
وصداق وبين ان يشهد على ارتجاعها فقط فتكون زوجته أحبت أم كرهت بلا ولى ولا
صداق لكن باشهاد فقط. ولو مات أحدهما قبل تمام العدة وقبل المراجعة ورثه الباقي

(1) في النسخة رقم 16 " إلى الأجل "
(2) في النسخة رقم 16 وهو قول الصاحب
(3) في النسخة رقم 14 (ولا تكون طالقا بائنا)
216

منهما. وهذا لا خلاف فيه من أحد من الأئمة، والبائن هو الذي لا رجعة له عليها الا
أن تشاء هي في غير الثلاث بولي وصداق ورضاها ونفقتها عليه في الطلاق الرجعي
ما دامت في العدة ويلحقها طلاقه *
1973 مسألة: ومن قال أنت طالق إن شاء الله أو قال الا أن يشاء الله أو قال
الا أن لا يشاء الله فكل ذلك سواء ولا يقع بشئ من ذلك طلاق * برهان ذلك قول
الله عز وجل: (ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله)، وقال
تعالى: (وما تشاءون الا أن يشاء الله) ونحن نعلم أن الله تعالى لو أراد امضاء هذا الطلاق
ليسره لاخراجه بغير استثناء فصح انه تعالى لم يرد وقوعه إذ يسره لتعليقه بمشيئته عز
وجل، وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة كما قلنا كما روينا من طريق أبى عبيد
نا معاذ بن معاذ عن ورقاء بن عمر عن ابن طاوس عن أبيه فيمن قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله
قال له ثنياه * ومن طريق وكيع عن الأعمش عن إبراهيم النخعي فيمن قال لامرأته
أنت طالق إن شاء الله قال لا يحنث * ومن طريق وكيع عن أبيه عن الليت قال: اجتمع
عطاء. ومجاهد. وطاوس. والزهري على أن الاستثناء في كل شئ جائز * ومن طريق
وكيع عن حكيم أبى داود عن الشعبي فيمن قال أنت حر إن شاء الله تعالى قال لا يحنث *
ومن طريق الحكم بن عتيبة فيمن قال أنت طالق إن شاء الله له ثنياه، وعن أبي مجلز مثل
ذلك وهو قول عطاء. وحماد بن أبي سليمان. وسعيد بن المسيب * ومن طريق عبد الرزاق
عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال: إذا قال إن لم أفعل كذا فامرأتي
طالق إن شاء الله فحنث لم تطلق امرأته وبه كان يأخذ أبو حنيفة وعبد الرزاق قال
والناس عليه، وقال سفيان الثوري من قال امرأتي طالق ان كلمت فلانا شهرا إلا أن
يبدو لي انه ان وصل الكلام فله استثناؤه فان قطعه وسكت ثم استثنى فلا استثناء له،
وقال الأوزاعي في أحد قوليه ان قال إن فعلت كذا فأنت طالق إن شاء الله فالاستثناء
جائز ولا يقع الطلاق، وكذلك العتاق، وبه يقول الشافعي. وأصحابه وأبو ثور وعثمان
البتي وإسحاق وأبو سليمان وأصحابنا، وقال آخرون: لا يسقط الطلاق بالاستثناء،
كما روينا من طريق أبى عبيد نا سعيد بن عفير حدثني الفضل بن المختار عن أبي حمزة
قال سمعت ابن عباس يقول: إذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فهي طالق، وقد
صح هذا عن سعيد بن المسيب والحسن الشعبي والزهري وقتادة ومكحول وهو
أحد قولي الأوزاعي ومالك. والليث. وأحد قولي ابن أبي ليلى، وروى عن ابن أبي
ليلى ان طلق واستثنى فالطلاق واقع وان أخرجه مخرج اليمين فله استثناؤه، وقال
217

مالك فان قال: أنت طالق ان شاء زيد أو قال الا أن لا يشاء زيد أو الا أن يشاء
زيد فإنها لا تطلق الا أن يشاء زيد، واحتجوا في ذلك بأن مشيئة زيد تعرف ومشيئة
الله تعالى لا تعرف *
قال أبو محمد: وهذا باطل بل مشيئة زيد لا يعرفها أبدا أحد غيره وغير الله
تعالى لأنه قد يكذب، وأما مشيئة الله تعالى فمعروفة بلا شك لان كل ما نفذ فقد شاء
الله تعالى كونه وما لم ينفذ فلا نشك أن الله تعالى لم يشأ كونه وهذا مما خالف فيه
الحنيفيون وتشنيعهم بمخالفة صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف *
1974 مسألة ومن طلق امرأته ثم كرر طلاقها لكل من لقيه مشهد أو مخبرا
فهو طلاق واحد لا يلزمه أكثر من ذلك، وهذا مما لا خلاف فيه لأنه لم ينو بذلك
طلاق آخر *
1975 مسألة: ومن أيقنت امرأته أنه طلقها ثلاثا أو آخر ثلاث أو دون ثلاث
ولم يشهد على مراجعته إياها حتى تمت عدتها ثم أمسكها معتديا ففرض عليها أن
تهرب عنه ان لم تكن لها بينة فان أكرهها فلها قتله دفاعا عن نفسها والا فهو زنا منها
ان أمكنته من نفسها وهو أجنبي كعابر السبيل فحكمه في كل شئ حكم الأجنبي *
1976 مسألة: وطلاق المريض كطلاق الصحيح، ولا فرق مات من ذلك
المرض أو لم يمت منه فإن كان المريض ثلاثا أو آخر ثلاث أو قبل أن يطأها
فمات أو ماتت قبل تمام العدة أو بعدها أو كان طلاقا رجعيا فلم يرتجعها حتى مات
أو ماتت بعد تمام العدة فلا ترثه في شئ من ذلك كله ولا يرثها أصلا وكذلك طلاق
الصحيح للمريضة، وطلاق المريض للمريضة، ولا فرق، وكذلك طلاق الموقوف
للقتل والحامل المثقلة، وهذا مكان اختلف الناس فيه فقول أول فيه أنه ليس طلاقا
كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا ابن مفرج نا عبد الله بن جعفر بن الورد نا يحيى بن
أيوب ابن بادي العلاف نا يحيى بن بكير نا الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر قال:
ان عبد الرحمن بن عوف طلق امرأة له كلبية في مرضه الذي مات فيه فكلمه عثمان ليراجعها
فتلكأ عليه عبد الرحمن فقال عثمان: قد اعرف إنما طلقها كراهية أن ترث مع
أم كلثوم وانى والله لأقسمن لها ميراثها، وان كانت أم كلثوم أختي قال نافع:
وكان آخر طلاقها تطليقة في مرضه، فهذا عثمان يأمر عبد الرحمن بمراجعتها بعد أن طلقها
آخر طلاقها في مرضه، فصح انه لم يكن يراه طلاقا، فكل ما روى عن عثمان بعد
هذا فهو مردود إلى هذا، وجاء عن عثمان أيضا ان عبد الرحمن بن مكمل طلق
218

بعض نسائه بعد ان أصابه فالج ثم مات بعد سنتين فورثها منه عثمان، وصح عنه أنه
ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف الكلبية وقد طلقها وهو مريض آخر ثلاث
تطليقات ثم مات بعد أن أتمت عدتها فقيل لعثمان لم تورثها من عبد الرحمن، وقد
علمت أنه لم يطلقها ضرارا ولا فرارا من كتاب الله عز وجل فقال عثمان: أردت
أن تكون سنة يهاب الناس الفرار من كتاب الله عز وجل، وقول آخر ترثه ويرثها
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن يقول: يتوارثان ان مات
من مرضه ذلك، وقول ثالث ترثه وان صح ثم مات من مرض آخر * روينا من
طريق أبى عبيد نا عبد الله بن صالح نا الليث بن سعد عن يونس بن يزيد عن الزهري أنه
سئل عمن طلق امرأته وهو مريض فبتها فصح أياما وهي في العدة ثم مرض ثم مات
من وجع آخر أو عادله وجعه قال الزهري: نرى حين طلقها وهو مريض انها في
قضاء عثمان ترثه، وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي. وزفر بن الهذيل وأحمد بن
حنبل، وإسحاق بن راهويه كلهم يقول: إذا طلقها وهو مريض، ثم صح ثم مات
قبل انقضاء عدتها فإنها ترثه، وقال الأوزاعي: ان ملكها نفسها وهو مريض
فطلقت نفسها لم ترثه وان طلقها وهو مريض باذنها ورثته، وقول رابع رويناه من
طريق سعيد بن منصور نا إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة انه سأل أباه
عروة عمن طلق امرأته البتة وهو مريض؟ فقال عروة: لا يتوارثان إلا أن يكون بها
حبل أو يطلق مضارة فيموت وهي في العدة منه * وقول خامس ان طلق ثلاثا وهو
مريض ولم يصح حتى مات فإنها ترثه ما لم تنقض عدتها منه فان مات بعد أن انقضت
عدتها لم ترثه، كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون انا سعيد بن أبي
عروبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انها قالت في المطلقة ثلاثا وهو مريض
ترثه ما دامت في العدة *
قال أبو محمد: لم يسمع ابن أبي عروبة من هشام بن عروة شيئا * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه ان حسين بن علي طلق امرأته
وهو مريض فورثته * ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبيدة بن مغيث عن
إبراهيم النخعي عن عمر بن الخطاب أنه قال: الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا ورثته ما كانت
في العدة وبه يقول إبراهيم * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا جرير بن عبد الحميد
عن المغيرة عن إبراهيم عن شريح قال: أتاني عروة البارقي من عند عمر في الرجل
يطلق امرأته ثلاثا في مرضه انها ترثه ما دامت في العدة ولا يرثها وبه يقول إبراهيم *
219

ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا مغيرة عن إبراهيم فيمن طلق امرأته وهو
مريض ثلاثا قبل ان يدخل بها قال: لها نصف الصداق، ولا ميراث لها ولا عدة
عليها، قال هشيم: وبهذا نقول * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة
عن إبراهيم عن ابن عمر قال: إذا طلق امرأته ثلاثا، وهو مريض ورثت في العدة *
قال أبو محمد: هكذا في كتابي عن محمد بن سعيد بن عمر ولا أراه الا وهما
وانه إنما هو عمر والله أعلم: كذلك رويناه من طريق سفيان. وشعبة * ومن طريق
ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث. عن داود. والأشعث. عن الشعبي. وشريح قالا
إذا طلق ثلاثا في مرضه ورثته ما دامت في العدة، وقال أبو حنيفة وأصحابه فان خيرها
أو ملكها أو خالعا وهو مريض. أو حلف بطلاقها ثلاثا وهو صحيح فحنثته وهو
مريض فمات لم ترثه. فلو بارز رجلا في القتال أو قدم ليقتل فطلقها ثلاثا ورثته فلو
طلقها وهو مريض ولم يكن دخل بها لم ترثه فلو أكرهها أبوه فوطئها في مرض ابنه
فمات لم ترثه (1) * ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد
الرحمن بن عوف طلق امرأته ثلاثا في مرضه فقال عثمان: لئن مت لا ورثتها منك قال:
قد علمت ذلك فمات في عدتها فورثها عثمان في عدتها * ومن طريق عبد الرزاق. عن
ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أنه سأل عبد الله بن الزبير فقال له ابن الزبير: طلق
عبد الرحمن بن عوف بنت الإصبع الكلبية فبتها ثم مات فورثتها عثمان في عدتها ثم
ذكر ابن الزبير قوله نفسه * نا علي بن عباد الأنصاري نا محمد بن عبد الله بن محمد بن
يزيد اللخمي نا بن مفرج نا أحمد بن عبد الرحيم الأسدي نا عمرو بن ثوبان نا محمد بن
يوسف الفريابي نا سفيان الثوري عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: من
طلق وهو مريض طلاقا بائنا فإنها ترثه ما دامت في العدة * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر وابن جريج كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إذا طلقها مريضا
فبتها فانقضت العدة فلا ميراث بينهما وصح عن شريح فيمن طلق مريضا
فمات فإنها ترثه ما كانت في العدة فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فلم ينكره وهو قول
الشعبي. والحارث العكلي. وحماد بن أبي سليمان، وروى عن ربيعة. وطاوس. والليث
ابن سعد. وسفيان الثوري والأوزاعي. وابن شبرمة. وأبي حنيفة. وأصحابه * وقول
سادس من روى عنه ان المطلقة في المرض ترث هكذا جملة لم يبين في العدة فقط أم
بعدها فكما روينا من طريق ابن وهب أخبرني رجال من أهل العلم ان علي بن أبي طالب
قال: المطلقة في المرض ترث * ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبيد الله بن عثمان بن

(1) قوله وقال أبو حنيفة وأصحابه فان خيرها - إلى هنا مؤخر في النسخة رقم 14
220

أبى الأسود عن عطاء قال: لو مرض سنة لورثتها منه، والأصح عن عطاء انها ترثه
في العدة ولا ترثه بعدها * ومن طريق ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون عن أشعث
عن محمد بن سيرين قال: كانوا يقولون: لا يختلفون فيمن فر من كتاب الله رد إليه يعنى
فيمن طلق امرأته وهو مريض * وقول سابع من قال: ترثه بعد العدة ما لم تتزوج
فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الله بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ
نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري
عن حبيب بن أبي ثابت عن شيخ من قريش عن أبي بن كعب فيمن طلق امرأته ثلاثا
في مرضه قال لا أزال أورثها منه حتى يبرأ أو تتزوج أو تمكث سنة أو قال ولو
مكثت سنة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء الرجل يطلق امرأته
مريضا ثم يموت من وجعه ذلك قال عطاء: ترثه وان انقضت عدتها منه إذا مات
في مرضه ذلك ما لم تنكح * ومن طريق أبى عبيدنا يزيد بن هارون عن إسماعيل بن أبي
خالد عن الشعبي في التي يطلقها وهو مريض قال ترثه وإن كان إلى سنتين ما لم تتزوج
وقال أبو عبيد: وسمعت أبا يوسف القاضي يقول عن ابن أبي ليلى أنه قال في المطلقة
في المرض ترثه ما لم تتزوج وهو قول شريك القاضي. وأحمد بن حنبل. وإسحاق.
وأبى عبيد * وقول ثامن وهو لمن قال إنها لا ترثه إلا ما دامت في العدة وانها تنتقل
إلى عدة الوفاة وقاله أيضا بعض من ورثها بعد العدة كما روينا من طريق أبى عبيد
نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن الشعبي: قال باب من الطلاق جسيم
إذا ورثت المرأة اعتدت ترثه ما لم تنكح قبل موته فإذا ورثته اعتدت أربعة أشهر
وعشرا * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم
النخعي قال: إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض فمات ورثته واستأنفت العدة أربعة
أشهر وعشرا، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ان كانت أربعة أشهر وعشرا أكثر
من حيضتها أخذت بالأربعة الأشهر والعشر وإن كان الحيض أكثر أخذت بالحيض *
قال أبو محمد: وهذا هو قول أبي حنيفة. ومحمد بن الحسن، وقال أبو يوسف
تتمادى على الحيض فقط ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، وقول تاسع وهو قول من قال
ترثه في العدة وبعد العدة ولم يخص ان لم تتزوج ولا قال وان تزوجت فكما روينا
من طريق ابن وهب أخبرني موسى بن يزيد عن الزهري حدثني طلحة بن عبد الله بن
عوف ان عبد الرحمن بن عوف عاش حتى حلت تماضر ثم ورثها عثمان منه بعد ما حلت
221

وهكذا رويناه من طريق سعيد بن منصور نا عباد بن عباد المهلبي نا هشام بن عروة
عن أبيه، ومحمد بن عمرو بن علقمة كلاهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان
أباه طلق امرأته في مرضه فمات بعد ما حلت فورثها عثمان * واختلف عن عمر بن أبي سلمة
عن أبيه فروى عنه أبو عوانة انه كان ذلك في العدة: وروى عنه هشيم كان ذلك بعد
العدة، وعمر ضعيف * ومن طريق ابن وهب أخبرني يزيد بن عياض بن جعدبة عن
عبد الكريم بن الحارث عن مجاهد أنه قال إذا طلق المريض امرأته قبل ان يدخل
بها فلها ميراثها منه ونصف الصداق، ومن طريق ابن وهب أخبرني مخرمة بن بكير
عن أبيه قال يقال: إذا طلق امرأته وهو وجع وقد فرض لها ولم يمسها فلها نصف
صداقها وترثه، ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا سهل بن يوسف عن حميد عن
بكر عن الحسن فيمن طلق امرأته ثلاثا في مرضه فمات وقد انقضت عدتها فإنها ترثه *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا يونس بن عبيد. ومنصور كلاهما عن الحسن
فيمن طلق امرأته وهو مريض قبل ان يدخل بها؟ قال: لها الصداق كله والميراث
وعليها العدة. ومن طريق حماد بن سلمة عن عثمان البتي. وحميد. وأصحاب الحسن
قالوا: ترثه بعد انقضاء العدة، وقول عاشر رويناه من طريق ابن وهب أخبرني
رجال من أهل العلم ان ربيعة قال في المطلقة ثلاثا في المرض ترثه وان نكحت بعده
عشرة أزواج، وبهذا يقول مالك ومن قلده، وروى أيضا عن الليث بن سعد، وقال
مالك: ان طلقها مريضا قبل الدخول بها فلها الميراث ولها نصف الصداق ولا عدة عليها
وقال: ان خيرها وهو مريض فاختارت نفسها فطلقت ثلاثا أو اختلعت منه وهو
مريض ثم مات من مرضه فإنها ترثه قال: وكذلك لو حلف بطلاقها ثلاثا ان دخلت
دار فلان وهو صحيح فمرض (1) فتعمدت دخول تلك الدار فطلقت ثلاثا أو مات
من مرضه فإنها ترثه، قال وكذلك من قال وهو صحيح: إذا قدم أبى فأنت طالق ثلاثا
فقدم أبوه وهو مريض فطلقت ثلاثا ثم مات هو فإنها ترثه، قال: ومن قاتل في
الزحف أو حبس للقتل فطلق امرأته ثلاثا فإنها ترثه قال: والمحصور ان طلق ثلاثا لم
ترثه قال: فلو ارتد وهو مريض لم ترثه، وقول حادي عشر كما روينا من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: طلق
غيلان بن سلمة الثقفي نساءه وقسم ماله بين بنيه وذلك في خلافة عمر فبلغه ذلك فقال
له عمر: طلقت نساءك وقسمت مالك بين بنيك قال نعم قال له عمر: والله لأرى

(1) في النسخة رقم 14 ثم مرض
222

الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فألقاه في نفسك فلعلك أن لا تمكث إلا قليلا
وأيم الله لئن لم تراجع نساءك وترجع في مالك لا ورثتهن منك إذا مت ثم لآمرن
بقبرك فليرجمن كما يرجم قبر أبى رغال قال: فراجع نساءه وماله، قال نافع: فما لبث
الا سبعا حتى مات * وأما المحصور فروينا من طريق ابن أبي شيبة قال نا عباد بن
العوام عن أشعث عن الشعبي ان أم البنين بنت عتبة بن حصن كانت تحت عثمان فلما
حوصر طلقها وكان قد أرسل إليها يشترى منها ثمنها فأبت فلما قتل أتت علي بن أبي طالب
فذكرت ذلك له فقال على تركها حتى إذا أشرف على الموت طلقها فورثها * وقول ثاني
عشر وهو من لم يورث المبتوتة في المرض روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني ابن أبي مليكة انه سأل عبد الله بن الزبير عن المبتوتة يعنى في المرض قال فقال لي
ابن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف بنت الأصبغ الكلبية ثلاثا (1) ثم مات وهي في
عدتها فورثها عثمان، قال ابن الزبير: فاما أنا فلا أرى ان ترث المبتوتة * ومن طريق
أبى عبيد نا يحيى بن سعيد القطان نا ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال: سألت عبد الله
ابن الزبير عمن طلق امرأته ثلاثا وهو مريض؟ فقال ابن الزبير: أما عثمان فورث
ابنة الأصبغ الكلبية وأما أنا فلا أرى ان ترث مبتوتة * ومن طريق سعيد بن منصور.
والحجاج بن المنهال قالا جميعا: نا أبو عوانة نا عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف عن أبيه فذكر حديث أبيه وان امرأته تماضر بنت الأصبغ بن زياد بن الحصين
أرسلت إليه تسأله الطلاق فقال إذا طهرت يعنى من حيضها فلتؤذني فطهرت فأرسلت
إليه وهو مريض فغضب وقال: هي طالق البتة لا رجعة لها فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات
فقال عبد الله بن عوف: لا أورث تماضر شيئا هذا لفظ الحجاج، وقال سعيد بن
منصور في روايته فقال عبد الرحمن: لا أورث تماضر شيئا ثم اتفقا فارتفعوا لي عثمان
فورثها وكان ذلك في العدة * ومن طريق أبى عبيدنا أبو أحمد الزبير عن سفيان
الثوري عن ليث عن طاوس عن ابن عباس في الذي يطلق امرأته ثلاثا في مرضه قبل
أن يدخل بها قال: ليس لها ميراث ولها نصف الصداق * ومن طريق قتادة ان على
ابن أبي طالب قال: لا ترث المبتوتة * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير بن عبد الحميد
عن المغيرة بن مقسم عن الحارث العكلي قال: من طلق امرأته طلقتين في صحته
فطلقها الثالثة للعدة في مرضه لم ترثه لأنه لم تعتد وبأن لا ترث المطلقة المبتوتة في المرض

(1) في النسخة رقم 14 " الكلبية فبتها "
223

يقول الشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهما *
قال أبو محمد: احتج من رأى توريث المبتوتة في المرض بأن قالوا: فر بذلك
عما أوجب الله تعالى لها في كتابه في الميراث فوجب أن يقضى عليه (1) وعلى من
لايتهم بذلك لئلا يكون ذريعة إلى منع الحقوق *
قال أبو محمد: فنقول وبالله تعالى نتأيد ما فر قط عن كتاب الله تعالى. بل أخذ
بكتاب الله واتبعه، لان الله تعالى أباح الطلاق وقطع بالثلاث وبالطلاق قبل الوطئ
جميع حقوق الزوجية من النفقة وإباحة الوطئ والتوارث فأين ههنا الفرار من كتاب
الله تعالى؟ إنما كان يفرعن كتاب الله تعالى لو قال: لا ترث منى شيئا دون أن يطلقها بل
الفرار من كتاب الله تعالى هو توريث من ليست زوجة ولا أما ولا جدة ولا ابنة ولا ابنة
ابن ولا اختار ولا معتقة، ولكن أجنبية لم يجعل الله تعالى قط لها ميراثا، وكيف يجوز
أن تورث بالزوجية من أن وطئها رجم أو من قد حل لها زواج غيره أو من هي زوجة
لغيره، هذا هو خلاف كتاب الله تعالى حقا بلا شك، وأيضا فان كانت ترثه
بالزوجية فواجب أن يرثها بالزوجية كما يقول الحسن: إذ من الباطل المحال الممتنع أن تكون
هي امرأته، ولا يكون هو زوجها فان قالوا ليست امرأته قلنا: فلم ورثتموها ميراث
زوجة، وهذا عجب جدا، وهذا أكل المال بالباطل بلا شك * ومن العجب قولهم
فر بميراثها، وأي ميراث لها من صحيح لعلها هي تموت قبله، ورب صحيح يموت قبل
ذلك المريض، وقد يبرأ من مرضه، فما وجب لها قط إذ طلقها ميراث يفر به عنها
تم من العجب توريث الحنيفيين المبتوتة ممن حبس للقتل أو بارز في حرب وليس مريضا
ومنعهم الميراث التي أكرهها أبو زوجها على أن وطئها في مرض زوجها وليس لزوجها
في ذلك عمل أصلا ولا طلقها مختارا قط، وتوريث المالكيين المختلعة والمختارة نفسها
والقاصدة إلى تحنيثه في مرضه في يمينه، وهو صحيح بالطلاق، وهو كاره لمفارقتها وهي
مسارعة إليه مكرهة له على ذلك، وما في العجب أكثر من منعهم المتزوجة في المرض
من الميراث الذي أوجبه الله تعالى لها يقينا بالزوجية الصحيحة وتوريثهم المطلقة ثلاثا
في المرض فورثوا بالزوجية من ليست بزوجة ومنعوا ميراث الزوجة من هي زوجته
وحسبنا الله ونعم الوكيل * وروينا من طريق ابن وهب أخبرني مالك وعمرو بن الحارث.
والليث بن سعد. ومخرمة بن بكير، ويونس بن يزيد، قال مالك والليث وعمر وكلهم
عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى بن حبان، وقال مخرمة عن أبيه عن سليمان

(1) في النسخة رقم 14 أن يمضى عليه
224

ابن يسار، وقال يونس واللفظ له: أنا الزهري أن رجلا من الأنصار يقال له حبان بن
منقذ كانت تحته هند بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وامرأة من الأنصار
فطلق الأنصارية وهي ترضع ابنه وهو صحيح فمكثت سبعة أشهر أو قريبا من ثمانية أشهر
لا تحيض ثم مرض حبان فقيل به: انها ترثك ان مت قال: احملوني إلى أمير المؤمنين
عثمان فحمل إليه فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وزيد بن
ثابت فقال لهما عثمان: ما تريان؟ قالا جميعا: نرى انها ترثه ان مات ويرثها ان ماتت
فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض، وليست من اللائي لم يحضن فهي
عنده على حيضها ما كانت من قليل أو كثير وانه لم يمنعها من أن تحيض الا الرضاع
فرجع حبان فانتزع ابنه منها فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت أخرى في الهلال
ثم توفى حبان على رأس السنة أو قريبا منها فشرك عثمان بين المرأتين في الميراث وأمر
الأنصارية أن تعتد عدة الوفاة، وقال للهاشمية هذا رأى ابن عمك هو أشار علينا به
يعنى علي بن أبي طالب قال ابن وهب: انا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن ابن شهاب
قال: ان عثمان قضى أن نختلج منها ولدها حتى تحيض اقراءها، قال ابن وهب أخبرني
خالد بن حميد المهري عمن أخبره عن ابن شهاب ان عثمان أرسل إلى زيد بن ثابت
يشاوره في امر حبان بن منفذ فقال زيد اختلج ابنه منها ترجع الحيضة ففعل عثمان
وذكر الخبر وبه يقول مالك *
قال أبو محمد: هذا حقا هو الفرار من كتاب الله عز وجل أن تمنع رضاع
ولدها ليتعجل حيضها فتتم عدتها وتبطل ميراثها وإنما كان الوجه إذ هو عندهم فار من
كتاب الله أن يبطلوا الطلاق الذي به أراد منعها الميراث كما فعل المالكيون في نكاح
المريض، وأما تجويزهم الطلاق وابقاؤهم الميراث فمناقضة ظاهرة الخطا، وقد
أوردنا قبل عن عثمان انه لم يجز ذلك الطلاق إذ أمر عبد الرحمن بمراجعتها بعد أن
طلقها ثلاثا، ويقال لهم أترون عبد الرحمن بن عوف فر من كتاب الله تعالى حاشى
له من ذلك، فمن قولهم إنما فعل ذلك بمن لا يظن به الفرار لقطع الزريعة فقلنا فهلا
قلتم بقول أبي حنيفة في أن من أكرهها أبو زوجها على الوطئ انها ترث لأنه قد يمكن أن
يدس الزوج أباه لذلك ليمنعها الميراث فرب فاسق يستسهل هذا في حريمته فيكون
قطعا للذريعة، وهلا ان كنتم مالكيين قلتم بذلك في المرتد في مرضه إذ قلتم: لا نتهمه
انه ارتد فرارا من ميراثها فكم من الناس فر إلى ارض الحرب وارتد لغضب غضبه
وليغيظ جاره باذاه له وهذا كله تناقض لا خفاء به فكيف من ارتد لئلا ترثه ثم راجع
225

الاسلام. وهلا ورثوها منه. وان ماتت قبله فلا فوق بين توريثها وهي ميتة
وبين توريثها بالزوجية وهي أجنبية زوجة لغيره لو وطئها هو لرجم ورجمت،
فان قالوا: لم يأت بهذا أثر قلنا: ولا جاء في المبارز اثر فهلا قستم هذا على
المطلقة كما قستم ذلك على المطلق، ولا ورثتموها من المرتد فقد قال بتوريث مال
المرتد لورثته من المسلمين طائفة من السلف ولا ندري ما قولهم في مريض تحته مملوكة
فأعتقت في مرضه فاختارت فراقه، وفي مملوك تحته حرة فطلقها بتاتا وهو مريض
ثم أعتق هو وفي مسلم تحته كتابية فطلقها في مرضه ثلاثا ثم اعتدت وأسلمت في عدتها
أو بعد عدتها. أو بعد ان تزوجت. وأيضا فان الفرار بالميراث عنها يدخل في طلاق
الصحيح كما يدخل في طلاق المريض، وقد يموت الصحيح قبل المريض فليورثوها
ممن طلقها ثلاثا وهو صحيح ثم مات بغتة أو من مرض أصابه، وأيضا فلا يختلفون
فيمن به حبن (1) قاقل. أو جرح فانتثرت حشوته فتحامل فوطئ جارية له فحملت وهو يهتف
بأنه إنما وطئها لتحمل فيحرم عصبته الميراث انها ان حملت وولدت حرمت العصبة (2)
الميراث، فان قالوا وقد لا تحمل قلنا: وهو قد يفيق وهي قد تموت قبله وهلا وضعوا
الظن في الفرار من كتاب الله تعالى حيث هو أليق به فيقولوا إذا طلقها ثلاثا وهو
مريض فإنما فر عن كتاب الله تعالى فيما أوجب لها من النفقة والكسوة الواجب لها
كل ذلك فيلزمونه الكسوة والنفقة أبدا فلم يفعلوا وأعملوا ظنهم في أنه فرعنها بميراث
لم يجب لها قط ولا يختلفون في أن من أقر في مرضه الذي مات فيه بولد أنه يلحقه ويرث
ويمنع عصبته الميراث ويحط الزوجة من ربع إلى ثمن فهلا قالوا إنما فعل ذلك ليحطها
من الميراث * وأما الحنيفيون فإنهم أمضوا فراره عن كتاب الله عز وجل إذ قطعوا
ميراثها بعد العدة فجعلوه ينتفع بفراره عن كتاب الله تعالى في موضع، ولا ينتفع
به في موضع آخر فهذا التخليط والخبط وانقطاع العدة متولد من الطلاق الذي هو
فعله، ويقال لهم: قد أجزتم نكاح المريض وهو اضرار باهل الميراث في ادخال من
يشركهم فيه. فهلا إذ أجزتم طلاق المريض أمضيتم حكمه في قطع الميراث،
ويقال للمالكيين: من أين ورثتم المخنثة لزوجها في مرضه وهو لم يفر قط بميراثها
ولا طلقها في مرضه وكيف يجوز أن يقاس غير فار على فار، وأعجب شئ قول
المالكيين في التي يطلقها زوجها وهو مريض ولم يدخل بها أنها ترثه، وليس لها الا
نصف الصداق فهلا قالوا: أنه فر بنصف صداقها فيقضوا لها بجميعه كما قال الحسن

(1) الحبن والحبنة كالدمل
(2) في النسخة رقم 14 " حرم عصبته "
226

وهلا قالوا فيمن قال لامرأته ان دخلت دار زيد فأنت طالق ثلاثا، وهو صحيح فاعتلت
هي فأمرت من حملها فدخلت دار زيد وقالت: إنما أفعل هذا لئلا يرثني فهذه فارة
بميراثها فهلا وروثه منها بعلة الفرار ولكنهم لا يتمسكون بنص ولا بقياس ولا بعلة،
وعجب آخر وهو أنهم قالوا: ان صح لم ترثه فجعلوه ينتفع بفراره من كتاب الله عز
وجل ان صح، وهذا تلاعب ولم يأت قط عن أحد من الصحابة انه ان صح لم ترثه
الا عن أبي وحده وقد خالفه المالكيون في قوله الا أن تتزوج وخالفه الحنيفيون في
توريثها منه بعد العدة والقوم متلاعبون بلا شك، وقال بعضهم: لما كان المرض يحدث
لصاحبه أحكاما لم تكن له في الصحة فيمنع من أكثر من ثلث ماله في الصدقة والعتق
والهبة كان الطلاق كذلك فقلنا: هذا احتجاج للخطأ بالخطأ، وما وجب قط منع
المريض من جميع ماله بل هو كالصحيح سواء سواء، وحتى لو كان ما قلتم فمن أين وجب
أن يكون الطلاق مقيسا على ذلك وما نعلم دليلا على ذلك لا من نص ولا من اجماع
ولا من قول متقدم ولا من معقول الا دعوى كاذبة فبطل هذا أيضا بيقين ولا يعجز
أحد عن أن يدعى ما شاء، وقد تكلمنا على هذا في كتاب الهبات من ديواننا هذا
فأغنى عن اعادته، وقالوا: هذا قول جمهور الصحابة رضي الله عنهم فقلنا كذب من قال
هذا أشنع كذب إنما جاءت في ذلك روايات مختلفة متناقضة عن خمسة. من الصحابة
فقط. عمر. وعثمان. وعلى. وعائشة أم المؤمنين. وأبي بن كعب.، أما الرواية عن علي
فساقطة مفضوحة ولم تصح قط لأنها عن ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن علي
ثم ليس عنه الا المطلقة في المرض ترث ونحن نقول أنها ترث ما لم تكن مبتوتة
وليس فيه أنها ترث في العدة دون ما بعد العدة ولا أنها ترث الا أن يصح فهي رواية
على سقوطها غير موافقة لتحكم الحنيفيين والمالكيين فكيف وقد أوردنا عن علي مثلها
لا ترث مبتوتة وأوردنا عنه انه ورث المرأة التي طلقها عثمان وهو محصور وهم كلهم لا
يقولون بهذا، والرواية عن عائشة أم المؤمنين لا تصح لان سعيد بن أبي عروبة لم يسمع
من هشام بن عروة شيئا قط فلا ندري عمن أخذه وهو مخالف لقول المالكيين فهو
عليهم لا لهم فسقطت هذه الرواية * والرواية عن أبي ساقطة لا تصح لأنها من طريق
شيخ من قريش لا يدرى من هو، ثم هي مخالفة للحنيفيين والمالكيين جميعا لان فيها
الا أن تتزوج فبطل تعلقهم بما هم أول مخالفين له والرواية عن عمر منقطعة لأنها عن
إبراهيم عن عمر، وفي بعض رواياتي عن ابن عمر وهو وهم وكلاهما غير متصلة لان
إبراهيم لم يسمع قط من عمر ولا من ابن عمر كلمة وإنما تصح من الطريق التي أوردنا عن
227

إبراهيم عن شريح مع أن كل ما روى في ذلك عن عمر مخالف للمالكيين لأنها كلها
لا ترث الا في العدة فليس للحنيفيين غير هذه الرواية وحدها وكم قصة خالفوا فيها
الطائفة من الصحابة لا يعرف لهم فيها مخالف كقول عمر في امرأة المفقود وغير ذلك
نعم وفي هذه الرواية نفسها لان فيها كان فيما جاء به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر
ابن الخطاب ان جروح الرجال والنساء سواء الا الموضحة [والسن فيما جاء] (1)
فعلى النصف، وإذا طلق امرأته ثلاثا ورثته ما دامت في العدة، ومن الباطل
أن يكون بعض كتاب عمر حجة وبعضه ليس بحجة لأنهم كلهم لا يقولون بهذا،
وقد أوردنا عن عمر بأصح طريق أنه قال: لغيلان بن سلمة وقد طلق نساءه
وهو صحيح لئن مت لأورثتهن منك وهم لا يقولون بهذا فكيف وقد صح خلاف
عمر في هذا عن ابن الزبير. وعبد الله بن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف وله صحبة،
وروى عن علي مثل قولنا، وعن عبد الرحمن بن عوف * وأما الرواية عن عثمان
فقد ذكرنا انه لم يره طلاقا وانه أمره بمراجعتها، وهذا خلاف الطائفتين معا، ثم
اضطربت رواية الثقات عنه فروى عنه عبد الله بن الزبير. وحماد بن سلمة عن هشام
ابن عروة عن أبيه عروة بن الزبير أنه لم يورثها إلا في العدة، وكذلك روى أبو عوانة
عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سلمة، وروى عروة بن الزبير.
ومحمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة. وطلحة بن عبد الله بن عوف. وهشيم عن عمر بن أبي
سلمة عن أبي سلمة. وابن المسيب أنه ورثها منه بعد العدة، فإحدى الروايتين مخالفة للحنيفيين،
ولا شك في أن إحداهما وهم لا ندري أيتهما هي، ولا يجوز الحكم بقضية قد صح
الوهم فيها فلا يدرى كيف وقعت، وقد روينا عن عثمان أن زيدا (2) طلق امرأته
وبه فالج فعاش سنتين ثم مات فورثها منه، وهم لا يختلفون في أن المفلوج لا يرثه
بذلك المرض من طلقها فيه فسقط تعلقهم بعثمان، والعجب أن الحنيفيين يقولون انها
ان سألته الطلاق في مرضه فطلقها انها لا ترثه، والثابت عن عبد الرحمن انه لم يطلقها
إلا بعد ان سألته الطلاق حتى غضب فخالفوا عثمان في ذلك، فلم يبق لهم من الصحابة
رضي الله عنهم متعلق، فان قيل: قد رويتم عن جعفر بن محمد عن أبيه ان الحسين بن علي
طلق امرأته وهو مريض فورثته، قلنا: هذه رواية لا حجة فيها أول ذلك انها منكرة
لان فيها أن الحسين طلق امرأته وهو مريض فورثته، والحسين رضي الله عنه لم
يمت حتف انفه، إنما مات مقتولا فصح انه قد كان صح من ذلك المرض فهذا مخالف

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 14 " ان رجلا " بدل زيدا
228

للطائفتين، ثم هي منقطعة لان محمد بن علي بن الحسين لم يدرك الحسين ولا الحسن
ثم ليس فيه من هو المورث لها ولا ان الحسين أخبر أنها ترثه وقال بعضهم قد رويتم
أن عثمان قال لعبد الرحمن لئن مت لأورثنها منك فقال عبد الرحمن: لقد علمت،
قالوا فدل ذلك على موافقته لعثمان في ذلك فقلنا: كلاما دل ذلك قط على موافقته
لعثمان في ذلك بل إنما فيه مما لا يحتمل سواه قد علمت ما أعلمني به انه من رأيك فبطل
كل ما شغبوا به عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك والحمد لله رب العالمين *
واعترض بعضهم على الرواية الثابتة عن ابن الزبير انه لا ترث مبتوتة بما حدثناه
سعيد بن عبد البر البلنسي قال: نا عبد الله بن أبي زيد المالكي نا ابن عثمان نا محمد بن
أحمد بن الجهم نا محمد بن شاذان نا معلى بن منصور نا هشيم عن الحجاج بن أرطأة عن
ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير قال: طلق ابن عوف امرأته الكلبية وهو
مريض ثلاثا فمات ابن عوف فورثها منه عثمان قال ابن الزبير: لولا أن عثمان ورثها لم أر
لمطلقة ميراثا *
قال أبو محمد: الحجاج بن أرطأة هالك ساقط ولا يعترض بروايته على رواية الامام
المشهور ابن جريج عن ابن أبي مليكة الا جاهل أو مجاهر بالباطل مجادل به ليدحض
به الحق، وهيهات له من ذلك، وما يزيد من فعل هذا على أن يبدي عن عواره وجهله
أو قلة ورعه ونعوذ بالله من الظلال، فبطل (1) كل ما موهوا به في هذه المسألة، وصح
انها خطأ محض، وصح ان المبتوتة في المرض أو المطلقة فيه ولم يطأها لا ميراث لهما
أصلا، وكذلك المطلقة طلاقا رجعيا في المرض إذا لم يراجعها حتى مات فلا ميراث
لها، وحتى لو أقر علانية انه إنما فعل (2) ذلك لئلا ترثه، ولا حرج عليه في ذلك لأنه
فعل ما أبيح له من الطلاق الذي قطع الله تعالى الموارثة بينهما وقطع به حكم الزوجية
بينهما، وكذلك ان طلق وهو موقوف للقتل في حق أو باطل أو للرجم في زنا، ولا
فرق لأنه لم يأت نص قط بين طلاق هؤلاء وبين غيرهم بفرق، ولا يجوز أن يرث
بالزوجية الا زوجة أو زوج ترثه حيث يرثها ولا فرق، ولا يرث بالبنوة الا ابن أو ابنة،
ولا يرث بالأبوة إلا أب، ولا يرث بالأمومة إلا أم ولا فرق بين شئ من ذلك، والمفرق
بين ذلك مؤكل مالا بالباطل ومن صح عنه انه قضى بذلك من الصحابة رضي الله عنهم
فمأجور بكل حال من خطا أو صواب وإنما الشأن فيمن قلد بعض ما اجتهدوا فيه،
وخالفهم في بعضه تحكما في الدين بالهوى والباطل وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم 14 (فسقط)
(2) في النسخة رقم 16 (إنما يفعل)
229

1977 مسألة: وطلاق العبد بيده لا بيد سيده، وطلاق العبد لزوجته
الأمة أو الحرة، وطلاق الحر لزوجته الأمة أو الحرة كل ذلك سواء لا تحرم واحدة
ممن ذكرنا على مطلق ممن ذكرنا إلا بثلاث تطليقات مجموعة أو مفرقة لا بأقل
أصلا * برهان ذلك قول الله عز وجل (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)
وقال تعالى: (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن)، وقال تعالى:
(وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) فسوى تعالى بين طلاق كل ناكح
من حر أو عبد عربي أو عجمي أو مريض أو صحيح وما كان ربك نسيا، ونحن
نشهد بشهادة الله عز وجل انه تعالى لو أراد أن يفرق بين شئ من ذلك لما أهمله ولا
أغفله ولا غشنا (1) بكتمانه ولبينه لنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فإذ لم يفعل ذلك فوالله
ما أراد الله قط فرقا بين شئ من ذلك، وبالآيات التي ذكرنا صح ان الطلاق بيد
الناكح لا بيد سواه فدخل في ذلك الحر والعبد دخولا مستويا بلا شك، وقد وافقنا
المالكيون والحنيفيون والشافعيون على هذا، ووافقنا الحنيفيون على أن الحرة لا تحرم
على زوجها العبد إلا بثلاث تطليقات، ووافقنا الشافعيون والمالكيون على أن الأمة
لا تحرم على زوجها الحر الا بثلاث تطليقات وخالفونا (2) في الأمة تحت العبد، وقول الله
تعالى: (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) بعد قوله تعالى: (الطلاق
مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) قاض لقولنا بالصواب، وشاهد بأنه
الحق قطعا لأنه تعالى لم يخص بذلك حرا من عبد، وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه إن شاء الله
تعالى ما يسر بفضله لذكره، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم * روينا من طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس كان يقول: طلاق العبد بيد
سيده ان طلق جاز، وان فرق فهي واحدة إذا كانا له جميعا، فإن كان العبد له والأمة
لغيره طلق السيد أيضا ان شاء * وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الله بن
عبد البصير نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن
ابن مهدي عن سفيان الثوري. عن عبد الكريم الجزري. عن عطاء. عن ابن عباس قال:
ليس طلاق العبد ولا فرقته بشئ *
قال أبو محمد: ههنا عم الحرة والأمة * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج
أنا أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول في الأمة والعبد: سيدهما يجمع بينهما
ويفرق * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء

(1) في النسخة رقم 14 (ولا عنتنا)
(2) في النسخة رقم 14 " وخالفوا "
230

أنه قال: لا طلاق لعبد إلا باذن سيده، فان طلق اثنتين لم يجزه سيده ان شاء * ومن
طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: أهل المدينة لا يرون للعبد
طلاقا إلا باذن سيده، فهذا قول، وقول ثان كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن
جريج أخبرني هشام بن عروة قال: سألنا عروة يعني أباه عن رجل انكح عبده
أمته هل يصلح له أن ينتزعها منه بغير طيب نفس العبد؟ قال: لا ولكن إذا ابتاعه وقد
أنكحه، وقول ثالث كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أنه قال لعطاء: انتزع
أمتي من عبد قوم آخرين، وقد أنكحتها إياه قال نعم وارضه قلت أبي الا صداقه كله قال:
هو له كله فان أبي فانتزعها ان شئت ومن حر أنكحتها إياه ثم رجع عطاء فقال: لأنتزعها
من الحر، وان أعطيته الصداق ولا تستخدمها ولا تبعها * وقول رابع من طريق
منقطعة عن عمر بن الخطاب إذا نكح العبد بغير اذن مواليه فنكاحه حرام، فان
نكح باذن مواليه فالطلاق بيد من يستحل الفرج * ومن طريق مالك عن نافع عن ابن
عمر ان أذن السيد لعبده أن يتزوج فإنه لا يجوز لامرأته طلاق إلا أن يطلقها العبد
[وإن أبي] (1) أن يأخذ أمة غلامه أو أمة وليدته فلا جناح عليه * ومن طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أن أبا معبد أخبره أن عبدا كان لابن
عباس وكانت له امرأة جارية لابن عباس فطلقها فبتها فقال ابن عباس لا طلاق لك
فارتجعها (2) فأبى قال عبد الرزاق: نا معمر عن سماك بن الفضل أن
العبد سأل ابن عمر فقال له: لا ترجع إليها، وان ضرب رأسك، وصح عن سعيد بن
جبير الطلاق بيد العبد، وصح عن سعيد بن المسيب إذا انكح السيد عبده
فليس له أن يفرق بينهما، وصح عن شريح. والحسن. وإبراهيم. ان الطلاق
بيد العبد، وهو قول أبي حنيفة. ومالك. والشافعي. وأبي سليمان. وأصحابهم *
واما بكم تحرم الأمة تحت العبد من عدد الطلاق أو الحرة وبكم تحرم الأمة والحرة
تحت الحر؟ فروينا من طريق إسحاق بن أحمد نا العقيلي نا عبد الله بن أحمد بن حنبل
نا أبي نا محمد بن جعفر غندر نا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي
ابن أبي طالب أنه قال: السنة بالنساء يعنى الطلاق والعدة قال: همام لا أشك فيه
ولا أمتري *
قال أبو محمد: وهو قول قتادة ومن طريق سعيد بن منصور نا عبد الرحمن
ابن زياد. عن شعبة. عن أشعث بن سوار عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود

(1) في النسخة رقم 14 (العبد فاما أن يأخذ الخ)
(2) في النسخة رقم 14 فارجعها
231

قال: السنة بالنساء الطلاق والعدة * ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن يحيى، وغير
واحد عن عيسى. عن الشعبي. عن اثنى عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: الطلاق
[بالرجال (1)] والعدة بالمرأة * ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان
وداود. وقتادة. قال حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم وقال داود عن الشعبي وقال
قتادة، عن الحسن قالوا كلهم: العبد يطلق الحرة ثلاثا وتعتد ثلاث حيض والحر
يطلق الأمة تطليقتين وتعتد حيضتين * ومن طريق الحجاج بن المنهال. نا حماد بن
زيد نا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين والحسن قالا جميعا: الطلاق والعدة بالنساء *
ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: يطلق
المملوك الحرة ثلاثا ويطلق الحر المملوكة تطليقتين * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا
ابن علية. عن أيوب السختياني. عن نافع قال تبين الأمة من الحر والعبد بتطليقتين قال
أيوب: وثبت عند ابن عباس الطلاق والعدة بالنساء * ومن طريق ابن أبي شيبة
نا زيد بن الحباب عن سيف. عن مجاهد قال: إذا كانت الحرة تحت العبد فطلاقها
ثلاث وعدتها ثلاث حيض، وإذا كانت الأمة تحت الحر فطلاقها اثنتان وعدتها
حيضتان * ومن طريق الحجاج بن المنهال: نا شعبة عن الحكم بن عتيبة: والأعمش
قال الحكم عن إبراهيم أنه سأل عبيدة السلماني عمن كان تحته أمة فطلقها ثنتين ثم
اشتراها أن يأتيها فأبي، وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق فيمن كانت
تحته أمة فطلقها اثنتين ثم اشتراها فكره أن يأتيها وبه يقول سفيان الثوري. والحسن
ابن حي. وأبو حنيفة. وأصحابه: فهم على - وصح عنه - وابن مسعود وابن عباس واثنى
عشر من الصحابة رضي الله عنهم ولا يصح عن أحد منهم لأنه اما منقطع، وأما
عن أشعث بن سوار وعيسى الحناط وكلاهما ضعيف وهو صحيح عن قتادة: والنخعي
والشعبي. ومسروق. وعبيدة. والحسن: وابن سيرين. ونافع مولي ابن عمر. ومجاهد،
وقالت طائفة: بخلاف ذلك: كما روينا من طريق ابن وهب. عن
يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني قبيصة من ذوئيب أنه سمع زيد بن ثابت يقول
إن كان الرجل حرا وامرأته أمة ثلاث تطليقات واعتدت حيضتين وإن كان عبدا
وامرأته حرة طلق تطليقتين واعتدت ثلاث حيض * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن
جريح عن أيوب السختياني نا رجاء بن حياة عن قبيصة بن ذوئيب عن عائشة أم المؤمنين
ان غلاما طلق امرأته وهي حرة تطليقتين فسال عائشة فقالت: لا تقربها * ومن طريق

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
232

عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قضى عثمان بن عفان في مكاتب
طلق امرأته وهي حرة تطليقتين انها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره * ومن طريق
عبد الرزاق عن عبد الله بن زياد بن سمعان ان عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أخبره
عن نافع عن أم سلمة أم المؤمنين مثل قول عثمان وزيد لا ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع
عن هشام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس انه كان يقول الطلاق بالرجال والعدة بالنساء،
ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: إذا
كانت الحرة تحت العبد فقد بانت [منه] بتطليقتين وعدتها ثلاث حيض وإذا كانت الأمة
تحت الحر فقد بانت منه بثلاث وعدتها حيضتان * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء * ومن طريق
ابن أبي شيبة عن وكيع عن الشعبي عن مكحول قال: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريح عن عطاء قال: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء *
ومن طريق ابن وهب أخبرني رجال من أهل العلم عن القاسم بن محمد. وسالم بن
عبد الله. وأبي سلمة بن عبد الرحمن. وعمر بن عبد العزيز. ويحيى بن سعيد. ويزيد
ابن قسيط. وعبد الرحمن بن عبد الله بن الهدير. وربيعة. وأبي الزناد. وسليمان بن يسار
ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان. وعمرو بن شعيب الطلاق بالرجال والعدة بالنساء
وهو قول مالك: والشافعي فهم زيد بن ثابت. وعثمان. وابن عباس. وابن
عمر ولا يصح عن غيرهم: وسعيد بن المسيب. وعطاء. وسائر ذلك منقطع،
وقالت طائفة: الحكم للرق خاصة كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن
عمر عن نافع عن ابن عمر قال: الحر يطلق الأمة تطليقتين وتعتد حيضتين والعبد
يطلق الحرة تطليقتين وتعتد ثلاث حيض وبه يقول عثمان البتي، وذهبت طائفة إلى
مثل قولنا كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق النصري نا عيسى بن
حبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا جدي محمد
ابن عبد الله نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولي ابن عباس
عن ابن عباس ان عبدا له طلق امرأته طلقتين فأمره ابن عباس ان يراجعها فاني
فقال له ابن عباس: هي لك فاستحلها بملك اليمين، وبه يأخذ أبو سليمان وجميع أصحابنا *
قال أبو محمد: شغبت الطائفة الأولى بما روينا من طريق أبي داود. نا محمد
ابن مسعود نا أبو عاصم عن ابن جريج. عن مظاهر بن أسلم. عن القاسم بن محمد عن
233

عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " طلاق الأمة تطليقتان
وقرؤها حيضتان " قال أبو عاصم: حدثني به مظاهر عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
الا أنه قال " وعدتها حيضتان " نا حمام نا يحيى بن مالك بن عائذ نا ابن أبي غسان نا أبو يحيى
زكريا بن يحيى الساجي نا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي نا عمر بن شبيب المسلى نا عبد الله
ابن عيسى عن عطية عن ابن عمر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق الأمة ثنتان
وعدتها حيضتان " وقالوا لما اتفقنا مع المالكيين والشافعيين على أن عدة الأمة نصف
عدة الحرة وكان الطلاق هو الموجب للعدة وجب أن يكون طلاقها نصف طلاق
الحرة قالوا: ولما كان حد العبد والأمة الزانيين نصف حد الحر والحرة سواء زنيا
بحر أو بحرة أو بعبد أو أمة، ولما كان حد الأمة القاذفة للحر والعبد وللأمة والحرة
نصف حد الحرة وجب أن يكون الطلاق لها كذلك ما نعلم لهم حجة غير هذا *
قال أبو محمد: الاثران ساقطان لان أحدهما من طريق مظاهر بن أسلم وهو ضعيف،
وفي الثاني عمر بن شبيب المسلي وعطية وهما ضعيفان ضعف مظاهرا أبو عاصم
الذي روي عنه والبخاري وضعف عطية سفيان الثوري. وأحمد بن حنبل، وضعف
عمر بن شبيب ابن معين والساجي فسقط التعلق بهما * وأما قياسهم الطلاق على
القذف والزنا والعدة فهلا قاسوه على ما اتفق عليه جميع أهل الاسلام من أن عدة
الأمة بوضع الحمل كعدة الحرة ومن أن حد العبد والأمة في القطع في السرقة وفي
الحرابة كل ذلك سواء كالحر والحرة لا سيما والحنيفيون يقولون: ان اجل العبد
العنين من زوجه الأمة والحرة كأجل الحر وصيام العبد في الظهار كصيام الحر وفي
كفارة اليمين كذلك فبطل هذا القول، ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الثانية فوجدنا
ما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: كتب إلى عبد الله بن زياد بن
سمعان ان عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أخبره عن نافع عن أم سلمة أم المؤمنين
ان غلاما لها طلق امرأة له حرة تطليقتين فاستفتت أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه
الصلاة والسلام: حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك * وقالوا لما كان حد العبد
نصف حد الحر وجب أن يكون طلاقه نصف طلاق الحر *
قال أبو محمد: أما القياس فعارضه قياس الطائفة الأولى وكل ذلك باطل ودعوى
بلا حجة ويقال لهم: هلا قستم طلاق العبد على مساواته للحر في حد السرقة والحرابة
وعلى ما أباح له مالك من زواج أربع كالحر وعلى ما جعل الشافعي أجله في الايلاء
كاجل الحر وعلى صيامه في الكفارات لا سيما وكلهم متناقض إذا احتجوا بزعمهم
234

لكون طلاق العبد أو الأمة نصف طلاق الحر والحرة، وقد أبطلوا في ذلك لان
طلاق العبد عند احدى الطائفتين طلقتا وطلاق الأمة عند الطائفة الأخرى ثلاثا
طلاق الحر والحرة وما وجدنا حدا يكون للعبد ثلثي حد الحر، فان قالوا: لم يقدر على
طلقة ونصف قلنا فأسقطوا ما عجزتم عنه وحرموها بطلقة، وأما الخبر ففي غاية الفساد
لان ابن سمعان مذكور بالكذب. وعبد الله بن عبد الرحمن مجهول مع أن هذا الأثر
الساقط يعارض ذينك الاثرين الساقطين فهي متدافعة متكاذبة لا يحل القول بشئ
منها، وتالله لو صح شئ منها لما سبقونا إليه ولا إلى القول به ولكن القول بالباطل لا يحل
كما لا تحل مخالفة الحق وبالله تعالى التوفيق * وأما من غلب عليه الرق فما نعلم لهم حجة
الا ان جمعوا قياس الطائفتين فيقال لهم: ما الفرق بينكم وبين من غلب الحرية وهل
هي الا دعوى كدعوى؟ فان قيل إن ابن عباس إنما أمر غلامه ان يراجع زوجته الأمة
بعد ان طلقها طلقتين لأنه لا يري طلاق العبد شيئا قلنا قد أعاذ الله ابن عباس من
التدليس بل روي عنه عطاء لا طلاق للعبد، وقد روي عنه أبو معبد ان طلاقه جائز
وكلاهما ثقة مأمون فإذ لا نص في الفرق بين طلاق العبد وطلاق الحر ولا بين طلاق
الأمة وطلاق الحرة فلا يحل تخصيص القرآن في أن الطلاق لا يحرم الا بثلاث في
حر أو عبد أو حرة أو أمة بالدعوى بلا برهان وبالله تعالى نتأيد *
(الخلع)
1978 مسألة: الخلع وهو الافتداء إذا كرهت المرأة زوجها فخافت أن لا توفيه
حقه أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها فلها أن تفتدي منه ويطلقها ان رضى هو
والا لم يجبر هو ولا أجبرت هي إنما يجوز بتراضيهما، ولا يحل الافتداء إلا بأحد الوجهين
المذكورين، أو باجتماعهما، فان وقع بغيرهما فهو باطل ويرد عليها ما أخذ منها وهي
امرأته كما كانت، ويبطل طلاقه ويمنع من ظلمها فقط ولها أن تفتدي بجميع ما تملك
وهو طلاق رجعي إلا أن يطلقها ثلاثا أو آخر ثلاث، أو تكون غير موطوءة فان
راجعها في العدة جاز ذلك أحبت أم كرهت، ويرد ما أخذ منها إليها ويجوز الفداء
بخدمة محدودة، ولا يجوز بمال مجهول لكن بمعروف محدود مرئي معلوم أو موصوف *
قال أبو محمد: واختلف الناس في الخلع فلم تجزه طائفة، واختلف الذين
أجازوه فقالت طائفة: لا يجوز إلا باذن السلطان، وقالت طائفة: هو طلاق، وقالت
طائفة: ليس طلاقها ثم اختلف القائلون انه طلاق فقالت طائفة: هو رجعي كما قلنا،
وقالت طائفة: هو بائن، وقالت طائفة: لا يجوز إلا بما أصدقها لا بأكثرها، وقالت
235

طائفة منهم: فان أخذ أكثر أحببنا له أن يتصدق به، وقالت طائفة: يجوز بكل ما تملك
وقالت طائفة: لا يجوز الخلع إلا مع خوف نشوزه واعراضه أو أن لا تقيم معه حدود
الله تعالى، وقالت طائفة: يجوز بتراضيهما. وان لم يكن هنالك خوف نشوز أو خوف
أن لا تقام حدود الله تعالى، وقالت طائفة: لا يجوز الخلع إلا بان يجد على بطنها رجلا
وقالت طائفة: لا يجوز الخلع الا بأن تقول لا أطيع لك أمرا ولا أغتسل لك من جنابة،
واختلفوا في الخلع الفاسد فقالت طائفة: ينفذ ويتم، وقالت طائفة يرد ويفسخ فأما من قال:
لا يجوز الخلع فكما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا عقبة بن أبي الصهباء قال
سألت بكر بن عبد الله المزني عن الخلع قال: لا يحل له ان يأخذ منها قلت فقول الله عز
وجل في كتابه: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) قال: نسخت هذه وذكر ان
الناسخ لها قوله تعالى: (وان أردتم استبدال زوج مكان زوج، وآتيتم إحداهن
قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا واثما مبينا) وكيف تأخذونه، وقد
أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقا غليظا) *
قال أبو محمد: واحتج من ذهب إلى هذا بما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد
ابن إسحاق بن السليم نا ابن الاعرابي نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا عفان بن مسلم نا حماد
نا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " * وبما روينا
من طريق أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - انا المخزومي هو المغيرة
ابن سلمة - نا وهيب عن أيوب السختياني عن الحسن البصري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: " المنتزعات (1) والمختلعات هن المنافقات " قال الحسن: لم أسمعه من
أبي هريرة *
قال أبو محمد: فسقط بقول الحسن أن تحتج بذلك الخبر. وأما الخبر الأول
فلا حجة فيه في المنع من الخلع لأنه إنما فيه الوعيد على السائلة الطلاق من غير بأس وهكذا
نقول وليس في البأس أعظم من أن يخاف الا يقيم حدود الله في الزوجة، وأما الآيتان
فليستا بمتعارضتين إنما في التي نزع بها بكر تحريم أخذ شئ من صداقها اثما مبينا وبهتانا.
وهذا لا شك فيه. وليس فيهما نهى عن الخلع أصلا. وقال تعالى: (فان طبن لكم عن شئ
منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) وفي الآية الأخرى حكم بطيب النفس منها (2) فليس
اثما ولا عدوانا. وما كان هكذا فلا يحل [القول به ولا] (3) أن يقال فيه ناسخ أو

(1) في النسخة رقم 14 " المتبرعات "
(2) في النسخة رقم 14 " بطيب نفسها "
(3) الزيادة من النسخة رقم 16
236

منسوخ الا بنص بل الفرض الاخذ بكلا الآيتين لا ترك إحداهما للأخرى ونحن
قادرون على العمل بهما بأن نستثني إحداهما من الأخرى *
قال أبو محمد: قال الله عز وجل: (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا
فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما والصلح خير)، وقال تعالى: (فان خفتم الا يقيما حدود
الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) فهاتان الآيتان قاضيتان على كل ما في الخلع. وأما من
منع منه بغير اذن السلطان فروينا من طريق وكيع عن يزيد بن إبراهيم التستري وربيع
- هو ابن صبيح - كلاهما عن الحسن البصري قال: لا يكون خلع الا عند السلطان * ومن
طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد نا يحيى - هو ابن عتيق - أنه سمع محمد بن سيرين
يقول كانوا يقولون لا يجوز الخلع الا عند السلطان، ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب
السختياني عن سعيد بن جبير قال: لا يكون الخلع الا حتى يعظها فان اتعظت والا ضربها
فان اتعظت والا ارتفعا إلى السلطان فيبعث حكما من أهلها وحكما من أهله يرفع كل واحد منهما
إلى السلطان ما يسمع من صاحبه فان رأى أن يفرق فرق. وان رأى أن يجمع جمع *
قال أبو محمد: وهذا كله لا حجة على تصحيحه قال تعالى: (قل هاتوا برهانكم
ان كنتم صادقين) * وأما من قال الخلع ليس طلاقا فاحتج بما (1) نا محمد بن سعيد بن نبات
نا ابن مفرج نا عبد الله بن جعفر ابن الورد نا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف نا يحيى
ابن بكير نا الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر انه سمع ربيع ابنة معوذ بن عفراء
وهي تخبر عبد الله بن عمر انها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى
عثمان فقال: ان ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل، فقال عثمان: لتنتقل
ولا ميراث بينهما لها ولا عدة عليها الا انها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن
يكون بها حمل فقال عبد الله بن عمر: فعثمان أخبرنا واعلمنا، فهذا عثمان والربيع
ولها صحبة وعمها وهو من كبار الصحابة وابن عمر كلهم لا يري في الفسخ عدة *
ومن طريق أحمد بن حنبل نا يحيى بن سعيد هو القطان عن سفيان عن عمرو بن دينار
عن طاوس عن ابن عباس قال: الخلع تفريق وليس بطلاق * ومن طريق عبد الرزاق
عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس انه سأله إبراهيم بن سعد عن رجل
طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أينكحها؟ قال ابن عباس: نعم ذكر الله الطلاق
قي أول الآية وفي آخرها والخلع بين ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
عن ابن طاوس قال: كان أبي لا يري الفداء طلاقا ويجيزه بينهما، وقال ابن جريج

(1) في النسخة رقم 14 " فلما حدثناه "
237

أخبرني عمرو بن دينار انه سمع عكرمة ابن عباس يقول: ما أجازه المرء فليس
بطلاق * وروينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: رأيت أبي كأنه يذهب إلى قول
ابن عباس ان الخلع ليس طلاقا وهو قول إسحاق بن راهويه. وأبي ثور. وأبي سليمان
وأصحابه * وأما من قال: انها تطليقة فكما روينا من طريق حماد بن سلمة عن هشام
ابن عروة عن أبيه عن جمهان ان أم بكرة الأسلمية كانت تحت عبد الله بن أسيد
فاختلعت منه فندما فارتفعا إلى عثمان بن عفان فأجاز ذلك وقال: هي واحدة الا أن تكون
سميت شيئا فهو على ما سميت * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا علي بن
هاشم عن ابن أبي ليلى عن طلحة بن مصرف عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن
مسعود قال لا تكون طلقة بائنة الا في فدية أو ايلاء، ورويناه من طريق لا تصح عن
علي بن أبي طالب وبهذا يقول الحسن. وسعيد بن المسيب. وعطاء. وشريح. والشعبي
وقبيصة بن ذوئيب. ومجاهد. وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وإبراهيم النخعي. والزهري.
ومكحول. وابن أبي نجيح. وعروة بن الزبير. والأوزاعي. وسفيان الثوري.
وأبو حنيفة. ومالك. والشافعي *
قال أبو محمد: أما احتجاج من احتج بان الله تعالى ذكر الطلاق ثم الخلع ثم
الطلاق فنعم هو في القرآن كذلك الا أنه ليس في القرآن انه ليس طلاقا ولا انه طلاق
فوجب الرجوع إلى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرنا في ذلك فوجدنا ما روينا من طريق
مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة
انها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية فذكرت اختلاعها من زوجها ثابت بن
قيس بن الشماس وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لثابت: خذ منها فأخذ منها وجلست
في أهلها * ومن طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن يحيى المروزي حدثني شاذان بن
عثمان أخو عبدان نا أبي نا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير أخبرني محمد بن
عبد الرحمن ان ربيع بنت معوذ بن عفراء أخبرته فذكرت اختلاع امرأة ثابت بن
قيس منه وان أخاه شكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت
فقال له خذ الذي لها وخل سبيلها قال: نعم فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تتربص حيضة
واحدة وتلحق بأهلها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن
عكرمة مولى ابن عباس قال: اختلعت امرأة ثابت بن قيس من زوجها فجعل النبي
صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة، قالوا: فهذا يبين ان الخلع ليس طلاقا لكنه فسخ *
قال أبو محمد: أما حديث عبد الرزاق الذي ذكرنا آنفا فساقط لأنه مرسل وفيه
238

عمرو بن مسلم وليس بشئ وأما خبر الربيع وحبيبة فلو لم يأت غيرهما لكانا حجة
قاطعة لكن روينا من طريق البخاري نا أزهر بن جميل نا عبد الوهاب بن عبد المجيد
الثقفي نا خالد - هو الحذاء - عن عكرمة عن ابن عباس " ان امرأة ثابت بن قيس أتت
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني
اكره الكفر في الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " فكان هذا الخبر فيه زيادة على
الخبرين المذكورين [والزيادة] (1) لا يجوز تركها، وإذ هو طلاق فقد ذكر الله عز وجل
عدة الطلاق فهو زائد على ما في حديث الربيع والزيادة لا يجوز تركها وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: الا ان الحنيفيين والمالكيين: لا يجوز لهم الاحتجاج بهذا الخبر
على أصولهم الفاسدة لان من قولهم إذا خالف الصاحب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم دل
على نسخه أو ضعفه كما فعلوا في رواية عائشة. وابن عباس " من مات وعليه صيام صام
عنه وليه " وهذا الخبر لم يأت الا من طريق ابن عباس والثابت عن ابن عباس ما ذكرنا
آنفا من أن الخلع ليس طلاقا وأما نحن فلا نلتفت إلى شئ من هذا إنما هو ما صح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا به والحمد لله رب العالمين *
(وأما هل الخلع) طلاق بائن أو رجعي فقالت طائفة: هي طلقة بائنة كما ذكرنا
عن ابن مسعود آنفا، وروينا من طريق وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير
قال: كان عمر ان بن الحصين. وابن مسعود يقولان في التي تفتدي من زوجها بمالها
يقع عليها الطلاق ما دامت في العدة وخالف ذلك غيرهما كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عطاء أنه قال فيمن طلق بعد الفداء لا يحسب شيئا من اجل انه طلق
امرأة لا يملك منها شيئا اتفق على ذلك ابن عباس وابن الزبير في رجل اختلع من امرأته
ثم طلقها بعد الخلع فإنه لا يحسب شيئا قالا جميعا: أطلق امرأته إنما طلق من لا يملك
قال ابن جريج: وزعم ابن طاوس عن أبيه انه كان يقول إن طلقها بعد الفداء جاز،
وقال أبو حنيفة: هو طلاق بائن ويلحقها طلاقه، ما دامت في العدة، وقال مالك والشافعي
هو طلاق بائن ولا يلحقها طلاقه في العدة * وأما من قال: ان الخلع طلاق رجعي فكما
روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال في
المختلعة ان شاء ان يراجعها فليردد عليها ما أخذ منها في العدة وليشهد على رجعتها، قال
معمر وكان الزهري يقول ذلك قال قتادة وكان الحسن يقول لا يراجعها الا بخطبة *

(1) الزيادة من النسخة رقم 16 وليست بشئ
239

قال أبو محمد: قد بين الله تعالى حكم الطلاق وان بعولتهن أحق بردهن
وقال: (فامسكوهن بمعروف، أو فارقوهن بمعروف) فلا يجوز خلاف ذلك،
وما وجدنا قط في دين الاسلام عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم طلاقا بائنا
لا رجعة فيه الا الثلاث مجموعة أو مفرقة أو التي لم يطأها ولا مزيد واما عدا ذلك
فآراء لا حجة فيها * وأما رده ما أخذ منها فإنما أخذه لئلا تكون في عصمته
فإذا لم يتم لها مرادها فمالها الذي لم تعطه الا لذلك مردود عليها الا أن يبين عليها انها طلقة له
الرجعة فيها فترضى فلا يرد عليها شيئا، وبالله تعالى التوفيق * واما ما يجوز فيه الفداء
فقالت طائفة: لا يجوز الفداء الا بما أصدقها لا بأكثر فكما روينا من طريق عبد الرزاق
عن المعتمر بن سليمان التيمي عن ليث بن أبي سليم عن الحكم بن أبي عتيبة أن علي بن أبي طالب قال:
لا يأخذ منها فوق ما أعطاها، وهذا لا يصح عن علي لأنه منقطع وفيه ليث * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر. وابن جريج قالا نا ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: لا يحل له أن
يأخذ منها أكثر مما أعطاها قال ابن جريج: وقال لي عطاء ان أخذ زيادة على صداقها فالزيادة
مردودة إليها، وقال معمر عن الزهري: لا يحل له أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها *
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا أبو بكر - هو المقدمي نا عمر بن أيوب عن جعفر بن
برقان عن ميمون بن مهران قال: من أخذ منها أكثر مما أعطاها فلم يسرح باحسان،
وقال الأوزاعي: كانت القضاة لا تجيز أن يأخذ منها إلا ما ساق إليها، وقالت طائفة: بكراهة
ذلك كما روينا من طريق وكيع عن أبي حنيفة عن عمار بن عمران الهمداني عن أبيه ان علي بن أبي
طالب كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها * ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبي سليمان أنهما كرها أن يأخذها في فداء امرأته منها أكثر مما ساق إليها * * ومن طريق
وكيع عن سفيان عن أبي حصين عن عامر الشعبي أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما
أعطاها، وقالت طائفة: يكره أن يأخذ منها كل ما أعطاها * كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن معمر عن عبد الكرمي الجزري عن سعيد بن المسيب قال: لا أحب أن يأخذ منها كل
ما أعطاها حتى يدع لها ما يغنيها (1) وقالت طائفة: يأخذ منها كل ما معها فما دون ذلك
إذا تراضيا به، كما روينا من طريق حماد بن سلمة نا أيوب السختياني عن كثير بن أبي كثير مولى
عبد الرحمن بن سمرة إن امرأة نشزت على زوجها فرفعها إلى عمر بن الخطاب فذكر القصة
وأن عمر قال لزوجها اخلعها ولو من قرطها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله
ابن محمد بن عقيل بن أبي طالب أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته انها اختلعت من

(1) في النسخة رقم 14 ما يعيشها
240

زوجها بكل شئ تملكه فخاصمه في ذلك إلى عثمان بن عفان فاجازه وأمره أن يأخذ عقاص
رأسها فما دونه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع ان
ابن عمر جاءته مولاة لامرأته اختلعت من كل شئ لها وكل ثوب لها حتى من نقبتها، وصح عن
عكرمة. وإبراهيم. ومجاهد، وهو قول مالك. والشافعي. وأبي سليمان وأصحابهم، وقال
أبو حنيفة: لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها فان فعل فليتصدق بالزيادة *
قال أبو محمد: احتجت الطائفة الأولى بما روينا من طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج قال: قال لي عطاء " أتت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله انى
أبغض زوجي وأحب فراقه قال فتردين إليه حديقته التي أصدقك؟ قالت نعم وزيادة من
مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما زيادة من مالك فلا ولكن الحديقة قالت: نعم " فقضى عليه
الصلاة والسلام بذلك على الزوج، وروي أيضا عن ابن جريج عن أبي الزبير *
قال أبو محمد: وهذا مرسل، ولقد كان يلزم المالكيين القائلين بأن المرسل كالمسند
أن يقولوا به ولا حجة عندنا في مرسل فسقط القول المذكور، ثم نظرنا في القول الثاني
فوجدنا ما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الله بن عبد البصير نا قاسم بن اصبغ
نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا مؤمل بن إسماعيل عن ابن جريج عن عطاء
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها، وهذا مرسل فسقط
الاحتجاج به، ولم نجد لقول ابن المسيب متعلقا أصلا، وأما قول أبي حنيفة ففي غاية
الفساد لأنه لا يخلو اخذه الزيادة على ما أعطاها في صداقها من أن يكون حراما أو مباحا
فإن كان حراما فواجب رده إليها كما قال عطاء، وإن كان مباحا فلم أمروه بالصدقة بالزيادة
دون سائر ماله وهذا ظاهر الخطأ، والعجب أنهم يردون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت
بدعواهم انه زائد على ما في القرآن كالمسح على العمامة والاستنشاق وغير ذلك ثم يأخذون
بكلام ساقط متناقض مخالف لما في القرآن ليس معهم فيه إلا رأى أبي حنيفة فقط فوجب
الاخذ بعموم قوله تعالى: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ومن العجب تمويه بعضهم
بقوله تعالى: (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) وقوله تعالى: (ولا يحل لكم
أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) *
قال أبو محمد: نعم لا يحل له أن يأخذ مما آتاها شيئا إلا أن تطيب نفسها به ثم
حكم آخر: (ان خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) عموم لا يحل
تخصيصه بالدعاوي الكاذبة، وقال بعضهم: من أخذ أكثر مما أعطى فلم يسرح باحسان
فقلنا لا فرق بين أخذه كل ما أعطاها أو بعض ما أعطاها أو أكثر مما أعطاها بغير حق
241

فحينئذ يكون غير مسرح باحسان أن يأخذ كل ذلك حيث أباح الله تعالى له أخذه فهو
مسرح باحسان، ولو أباح الله له قتلها لكان محسنا في ذلك، فان قيل أنتم تمنعون من أن يتصدق
بجميع ماله أو بما لا يبقى لنفسه غنى بعده، ومن أن يصدق الرجل بماله كله وتبيحون لها أن تعطى
مالها كله قلنا: إنما نتبع في ذلك أمر الله تعالى فجاء النهى عن الصدقة إلا بما أبقى غنى وبأن
لا يصدقها ازاره إذ لا غنى به عنه وجاء النص بأن لا جناح عليهما فيما افتدت به فوقفنا عند
كل ذلك ولم نعترض على أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم بالرأي وبالله تعالى التوفيق *
(وأما الحال التي يجوز فيها الفداء) فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب
السختياني قال: كان أبو قلابة يرى أن المرأة إذا فجرت فاطلع زوجها على ذلك فليضربها
حتى تفتدي *
قال أبو محمد: وهذا لا معنى له إذا رأى ذلك وهي محصنة حل له قتلها * ومن
طريق إسماعيل بن إسحاق نا مسدد نا المعتمر بن سليمان التيمي سمعت أبي يقول: ان أبا
قلابة. ومحمد بن سيرين كانا يقولان: لا يحل الخلع حتى يحد على بطنها رجلا قال الله
تعالى: (إلا أن يأتين بفاحشة مبنية) *
قال أبو محمد: هذا في الاخراج من البيوت في العدة لا في الخلع * ومن طريق
حماد بن سلمة انا حميد أن بكر بن عبد الله المزني سأل الحسن عمن رأى امرأته يقبلها رجل
غيره قال: قد حل له أن يخلعها، روينا عن علي ولا يصح يطيب الخلع للرجل إذا قالت:
والله لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة، ولا أكرم لك
نفسا، فيها إسرائيل وهو ضعيف عن جابر وهو كذاب، وعنه أيضا من طريق فيها إبراهيم
ابن أبي يحيى يحل خلع المرأة ثلاثا إذا أفسدت عليك ذات يدك أو دعوتها لتسكن إليها
فأبت أو خرجت بغير اذنك * ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني مروان الأصغر عن
حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: لا يصح الخلع حتى تقول المرأة: والله لا أطيع لك أمرا،
ولا اغتسل لك من جنابة * ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء ومجاهد قال أحدهما:
لا يصح الخلع حتى لا تغتسل له من جنابة، ولا تطيع له أمرا ولا تبر له قسما، وقال الآخر
لو فعلت هذا كفرت ولكن حتى تقول لا ابر لك قسما ولا أغتسل لك من جنابة ولا أطيع
لك أمرا * ومن طريق وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال: الخلع إذا قالت والله
لا أغتسل لك من جنابة. وكل هذا لا برهان على صحته * ومن طريق وكيع عن إسماعيل
ابن أبي خالد عن الشعبي إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذ منها * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري لا يحل له أخذ شئ من الفدية حتى يكون النشوز من قبلها ان
242

تظهر له البغضاء وتسئ عشرته وتعصى أمره، ولا يحل له أن يأخذ أكثر مما أعطاها *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه في الخلع قال: قال
الله عز وجل: (ان خافا أن لا يقيما حدود الله) ولم يكن يقول قول السفهاء لا يحل له حتى
تقول لا أغتسل لك من جنابة لكن ان يخافا أن لا يقيما حدود الله تعالى فيما افترض لكل
واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة *
قال أبو محمد: هذا هو الحق لقوله تعالى الذي ذكرنا وبالله تعالى التوفيق، وقال
الشافعي: الخلع جائز بتراضيهما وان لم يخف منهما نشوزا ولا اعراضا ولا خافا أن
لا يقيما حدود الله تعالى وهذا خطأ لأنه قول بلا برهان، وأما الخلع الفاسد فقد أجازه
قوم وما أعلم لهم حجة وكيف يجوز عمل فاسد، والله تعالى يقول: (ان الله لا يصلح عمل
المفسدين) وقال أبو حنيفة: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا وهو مضاربها فان فعل لزمه
الطلاق وجاز له ما أخذ *
قال أبو محمد: في هذا القول عجب لئن كان لا يحل له أن يأخذه فما يحل له إذا أخذه ولئن
كان يحل له إذا أخذه انه ليحل له أن يأخذه وما عدا هذا فوساوس * وقال الزهري
ومالك لا يحل له أن يأخذ منها شيئا وهو مضار لها فان فعل لزمه الطلاق ويرد ما أخذ
وهذه أيضا مناقضة لأنه ان لزمه الطلاق وجب له تملك ما أخذه عوضا عن الطلاق وان
لم يجب له تملك ما أخذه عوضا من الطلاق لم يلزمه الطلاق لأنه لم يطلق طلاقا مطلقا بل طلاقا
بعوض لولاه لم يطلق، وقال قتادة: ان أخذه منها وهو مضار لها يرد ما أخذ وله ان
يرجع إليها ما دامت في العدة ولا يرجع إليها بعد انقضاء العدة الا برضاها وهذا خطأ لأنه
إن كان الطلاق له لازما فالذي أخذ له ملك الا إن كان يقول إن طلاق الخلع طلاق رجعي فقد
قلنا إذا لم يصح العوض الذي لم يعقد الطلاق الا عليه لم يصح الطلاق الذي لا وقوع له بصحة
ملك المطلق لما أخذ عوضا من الطلاق، وقول عطاء انه ان افتدت منه وكانت له
مطاوعة فإنها ترجع إليه ومالها لها الا أن تكون الثالثة فتذهب، روينا من طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج عنه فهو أيضا خطأ لما ذكرنا في بطلان قول قتادة ومالك
وقول طاوس هو الحق رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس
عن أبيه قال: ان أخذ فداءها - ولا يحل له أخذه - رجع إليها مالها ورجعت إليه ولم
تذهب بنفسها ومالها وهذا الذي لا يجوز غيره لما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق *
1979 مسألة: ومن خالع على مجهول فهو باطل لأنه لا يدرى هو ما يجب
له عندها ولا تدريه هي فهو عقد فاسد وكل طلاق لم يصح الا بصحة مالا صحة له فهو
243

غير صحيح وإذا كان غير صحيح فلم يطلق أصلا، والعجب كله احتجاجهم في خلاف هذا بقول
الله عز وجل (فلا جناح عليها فيما افتدت به)، قالوا: هذا عموم فقلنا: نعم عموم
لما يحل عقده وملكه لا للحرام ولو كان ذلك لجاز ان يفتدى من زوجته بأن يزنى بها
متى أراد وبزق خمر ويصح له ملكه وبأن لا يصلى وما أشبه ذلك *
1980 مسألة: والخلع على عمل محدود جائز لدخوله تحت قوله تعالى:
(فلا جناح عليهما فيما افتدت به) هذا إذا كان ذلك العمل مباحا تجوز المعاوضة فيه
بالإجازة وغيرها وبالله تعالى التوفيق *
1981 مسألة: ومن خالع امرأته خلعا صحيحا لم يسقط بذلك عنه نفقتها وكسوتها
واسكانها في العدة الا أن تكون ثلاثة مجموعة أو مفرقة ولا يسقط بذلك عنه ما بقي عليه من
صداقها قل أو كثر، وللمخالفين ههنا أقوال طريفة قال أبو حنيفة ان طلقها على مال يأخذه
منها فإنه لا يبرأ من شئ من حقوقها قبله سواء كانت من قبل النكاح أو من قبل غيره قال:
فان بارأها على مال يأخذه منها فإنه يسقط بذلك عنه جميع حقوقها التي لها عليه من قبل النكاح
خاصة كالصداق والمتعة فان كانت قد قبضت المهر فهو لها ولا يرجع عليها بشئ سواء كانت
مدخولا بها أو غير مدخول بها قال: ولا يبرأ من نفقتها واسكانها في العدة فان أبرأته
في عقد الخلع من النفقة والسكنى مدة عدتها برئ من النفقة ولم يبرأ من السكنى *
قال أبو محمد: ايراد هذا التقسيم يغنى من الرد عليه ونسأل الله العافية، وقال مالك ان افتدت
منه قبل الدخول بعشرة دنانير لم يكن لها ان تبيعه بنصف المهر فلو سألته أن يطلقها على شئ من
صداقها رجعت عليه بنصف ما بقي، وهذا كلام يغنى ذكره عن تكلف الرد عليه لأنه ظلم صراح
واسقاط حق لم تسقطه والعجب من اسقاطهم ألف دينار لها قبله من صداقها من اجل انها
افتدت منه بدينار ولا يسقطون عنه بذلك درهما استقرضته منه، وهذه تخاليط ناهيك
بها، وبالله تعالى نستعين *
1982 مسألة: ولا يجوز أن يخالع عن المجنونة ولا عن الصغيرة أب ولا
غيره لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وقوله تعالى: (ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فمخالعة الأب أو
الوصي أو السلطان عن صغيرة أو كبيرة كسب على غبره وهذا لا يجوز، واستحلال
الزوج مالها بغير رضى منها أكل مال بالباطل فهو حرام وبالله تعالى التوفيق *
1983 مسألة ولا يجوز الخلع على أن تبريه من نفقة حملها أو من رضاع ولدها
وكل ذلك باطل لأنه غير معلوم القدر وقد يزيد السعر وقد ينقص ولأنه لم يجب
لها بعد فمخالعتها بمالا تملكه باطل وظلم، ومن عجائب الدنيا إجازة أبي حنيفة أن
244

تخالعه على خمر أو خنزير وهما مسلمان ومنع مالك من النكاح بثمرة ظاهرة قبل ان
تنضج وبزرع لم يسنبل وهو يجيز الخلع على ما يثمر نخلها وان لم يكن فيها ثمرة ولا
يرى لها غير ذلك وحسبنا الله ونعم الوكيل *
المتعة
1984 - مسألة - المتعة فرض على كل مطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو آخر
ثلاث وطئها أو لم يطأها فرض لها صداقها أو لم يفرض لها شيئا ان يمنعها، وكذلك
المفتدية أيضا ويجبره الحاكم على ذلك أحب أم كره ولا متعة على من انفسخ نكاحه
منها بغير طلاق ولا يسقط التمتع عن المطلق مراجعته إياها في العدة ولا موته ولا
موتها والمتعة لها أو لورثتها من رأس ماله يضرب بها مع الغرماء وان تعاسر في المتعة
قضى على الموسر لها سواء كان عظيم اليسار أو ذا فضلة عن قوته وقوت أهله خادم
يستقل بالخدمة وعلى من لا فضلة عنده عن قوت أهله ونفسه ثلاثون درهما بالعراقي
وهو الدرهم الذي تجب الزكاة فيه، وقد ذكرناه في كتاب الزكاة، ويقضى على المقل
ولو بمد أو بدرهم على حسب طاقته * برهان ذلك قول الله تعالى: (وللمطلقات متاع
بالمعروف حقا على المتقين) وقوله تعالى: (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر
قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) فعم عز وجل كل مطلقة ولم يخص،
وأوجبه حقا لها على كل متق يخاف الله تعالى، وقد اختلف الناس في وجوبها فروي
عن طائفة انها ليست واجبة روينا ذلك من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه
عن فقهاء المدينة السبعة *
قال أبو محمد: عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف وهو قول ابن أبي ليلى وعبد العزيز
ابن أبي سلمة الماجشون. ومالك، ومن عجائب الدنيا احتجاج من قلده لقولهم هذا
بان الله تعالى إنما أوجبها على المتقين والمحسنين لا على غيرهم فقلنا لهم: فهبكم صادقين
في ذلك أتوجبونها أنتم على من أوجبها الله تعالى عليه من المتقين والمحسنين أم لا فان قالوا
لا أقروا بخلافهم لقول الله تعالى وأبطلوا احتجاجهم المذكور، وان قالوا نعم تركوا
مذهبهم، وقالت طائفة: هي فرض على المتقين والمحسنين واحتجوا بظاهر كلام الله
تعالى كما روينا من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال:
شهدت شريحا وأتوه في متاع فقال لا تأب أن تكون من المتقين قال: انى محتاج قال
لا تاب أن تكون من المحسنين قال أيوب قلت لسعيد بن جبير: لكل مطلقة متاع؟ قال:
245

نعم إن كان من المتقين إن كان من المحسنين، قال أيوب: وسأل عكرمة رجل فقال:
انى طلقت امرأتي فهل على متعا قال إن كنت من المتقين فنعم *
قال أبو محمد: كل مسلم هو على أديم الأرض فهو بقوله لا إله إلا الله محمد رسول
الله من جملة المتقين بقوله ذلك، وايمانه ومن جملة المحسنين، ولله تعالى أن يخلده في النار ان لم
يسلم فكل مسلم في العالم فهو محسن متق من المحسنين المتقين ولو لم يقع اسم محسن ومتق إلا
على من يحسن ويتقى في كل أفعاله لم يكن في الأرض محسن ولا متق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
لابد لكل من دونه من تقصير وإساءة لم يكن فيها من المحسنين ولا من المتقين فكان على
هذا يكون كلام الله تعالى حقا على المحسنين حقا على المتقين فارغا ولغوا وباطلا، وهذا لا يحل
لاحد أن يعتقده، ولا فرق بين قوله تعالى من المحسنين ومن المتقين، وبين قوله تعالى من
المسلمين ومن المؤمنين، والمعنى في كل ذلك واحد، ولا فرق *
فان ذكروا ما رويناه من طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب نسخت
هذه الآية: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة) التي بعدها
(وللمطلقات متاع بالمعروف) قلنا: لا يصدق أحد على ابطال حكم آية منزلة إلا بخبر
ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وليس في الآية التي ذكر شئ يخالف التي زعم أنها نسختها
فكلتاهما حق، وقالت طائفة لا تجب المتعة الا للتي طلقت قبل أن توطأ، وإن لم يسم لها
صداق فهذه تجب لها المتعة فرضا كما روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله
ابن المديني نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال: إذا فوض
إلى الرجل فطلق قبل أن يمس فليس لها إلا المتاع *
قال أبو محمد: ليس في هذا دليل على أنه لم يكن يرى لغيرها المتعة إلا أن هذا
القول قول سفيان الثوري والحسن بن حي. والأوزاعي. وأبي حنيفة. وأصحابه إلا أن
الأوزاعي قال: لا متعة على عبد إلا أن أبا حنيفة قال: من تزوج ولم يذكر مهرا ثم فرض لها
مهرا برضاه وبرضاها وقد فرض لها القاضي مهر المثل ثم طلقها قبل أن يدخل بها فان ذلك
المهر يبطل ولا يجب لها إلا المتعة *
قال أبو محمد: وهذا فاسد جدا، وقول بلا برهان اسقاط فرض أمر به الله
تعالى بعد التزامه أو الزامه بغير حق، واحتج هؤلاء بقول الله تعالى: (لا جناح عليكم ان
طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) *
قال على: لو لم يكن إلا هذه الآية لكان قولهم هذا حقا، لكن قول الله تعالى:
(وللمطلقات متاع بالمعروف) جامع لكل مطلقة مفروض لها أو غير مفروض لها
246

مدخول بها أو غير مدخول بها، ولم يقل عز وجل في أول الآية التي نزعوا بها انه
لا متعة لغيرها فظهر بطلان قولهم والحمد لله رب العالمين * وقالت طائفة: لكل مطلقة
متعة إلا التي طلقت قبل أن تمس وقد فرض لها بحسبها نصف ما فرض لها بما روينا من
طريق حماد بن سلمة انا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: لكل مطلقة متعة إلا التي لم
يدخل بها * ومن طريق ابن وهب نا الليث. ومالك قالا جميعا: نا نافع ان ابن عمر كان يقول:
لكل مطلقة متعة التي تطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا إلا أن تكون امرأة طلقها زوجها
قبل أن يمسها وقد فرض لها فريضة فحسبها فريضتها وان لم يكن فرض لها فليس لها إلا
المتعة وهو قول شريح. ومجاهد، وصح عن إبراهيم، ورويناه عن القاسم بن محمد. وعبد الله
ابن أبي سلمة *
قال أبو محمد: ويبطل هذا القول إن الله تعالى إذ ذكر ان لها نصف ما فرض
لها لم يقل ولا متعة لها، وقد أوجب لها المتعة بقوله الصادق: (وللمطلقات متاع
بالمعروف) وهذه مطلقة فلها المتعة فرضا مع نصف ما فرض لها، وقول غريب رويناه من
طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة قال: إنما يؤمر بالمتاع من لا ردة عليه ولا تحاص
الغرماء ليست على من ليس له شئ، وهذا قول لا برهان على صحته فهو ساقط، وطائفة قالت
كقولنا كما روينا من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن موسى بن أيوب الغافقي عن اياس
ابن عامر انه سمع علي بن أبي طالب يقول: لكل مطلقة متعة * ومن طريق ابن وهب عن
مالك عن الزهري قال: لكل مطلقة متعة * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد قال:
سئل ابن شهاب عن المملكة والمخيرة؟ فقال ابن شهاب: كل مطلقة في الأرض لها متاع *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال للمختلعة المتعة التي جمعت والتي لم تجمع
سواء * ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير قال: لكل
مطلقة متعة وتلا: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن أبي قلابة قال: لكل مطلقة متعة * ومن طريق عبد الرزاق
نا ابن جريج عن معمر عن أبي قلابة قال: لكل امرأة افتلتت نفسها من زوجها فلها المتعة * ومن
طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال:
للمختلعة المتعة * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا يونس بن عبيد عن الحسن
قال: لكل مطلقة متاع * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: للمملوكة
واليهودية. والنصرانية المتعة إذا طلقت *
قال أبو محمد: من عجائب أصحاب القياس ان الله عز وجل أوجب العدة على كل
247

متوفى عنها زوجها من الزوجات وعلى كل مطلقة موطوءة منهن وعلى المعتقة المختارة
فراق زوجها، وأوجب المتعة للمطلقات جملة فقاسوا بآرائهم كل من ليست له زوجة
لكن وطئت بعقد مفسوخ فاسد لا يوجب ميراثا على الزوجة الصحيحة الزواج في
إيجاب العدة عليهما وأسقطوا كثيرا من المطلقات عن إيجاب المتعة لهن فهل سمع
بأعجب من فساد هذا العمل، ونسأل الله العافية *
(وأما مقدار المتعة) فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن
عقبة عن نافع ان ابن عمر قال: أدنى ما أراه يجزى في المتعة ثلاثون درهما * ومن
طريق وكيع عن سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن عكرمة عن ابن عباس قال:
أعلى المتعة الخادم، ودون ذلك النفقة والكسوة * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري
عن عمرو بن عبيد عن الحسن في المتعة للمطلقة: قال ليس فيها شي مؤقت يمتعها على
قدر الميسرة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: لا أعلم للمتعة
وقتا قال الله تعالى: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره)، وقال أبو حنيفة: أعلى
ما يجبر عليه من المتعة عشرة دراهم وأدنى ذلك خمسة دراهم، وهذا قول لا دليل عليه
وهبك انه قاس العشرة دراهم على ما تقطع فيه اليد فعلى أي شئ قاس الخمسة دراهم *
قال أبو محمد: لو أن الله تعالى وكل المتعة إلى المتمتع لوقفنا عند أمره عز وجل وألزمناه ذلك
كما يفعل في إيتاء المكاتب من مال المكاتب (1) لكنه تعالى ألزمه على قدر اليسار
والاقتار فلزمنا فرضا ان نجعل متعة الموسر غير متعة المقتر ولابد ولم نجد في ذلك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدا وجب حمل ذلك على المعروف عند المخاطبين بذلك فوجب
بهذا الرجوع إلى ما صح عن الصحابة رضي الله عنهم في ذلك كما فعلنا في جزاء الصيد
فما كان هو المعروف عندهم في المتعة فهو الذي أراد الله عز وجل بلا شك إذ لابد لما
أمر الله تعالى به من بيان فقد كان فيهم رضي الله عنهم الموسر المتناهي كعبد الرحمن
ابن عوف وغيره وكان ابن عباس. وابن عمر موسرين دون عبد الرحمن، ومما يبين
وجوب الرجوع إلى ما رآه الصحابة رضي الله عنهم انه متعة بالمعروف كما قلنا في النفقة
والكسوة إذ قال الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله
لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) وقد وافقنا المخالفون على هذا وكلا النصين
واجب اتباعه، وما نا (2) محمد بن سعيد بن نبات نا ابن مفرح نا عبد الله بن جعفر بن الورد

(1) في النسخة رقم 16 " يفعل في أمة المكاتب لكنه " الخ
(2) في النسخة رقم 16 " بما ناه "
248

نا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف نا يحيى بن بكير نا الليث بن سعد عن عبد الله بن يزيد
مولى الأسود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن فاطمة بنت قيس نفسها قالت:
طلقني أبو عمرو بن حفص البتة ثم خرج إلى اليمن ووكل بها عياش بن أبي ربيعة
فأرسل إليها عياش بعض النفقة فسخطتها فقال لها عياش: مالك علينا نفقة ولا سكنى
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما قال؟ فقال لها رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ليس لك نفقة ولا مسكن ولكن متاع بالمعروف واخرجي عنهم " وذكرت باقي
الخبر، فهذا غاية البيان ان المتعة مردودة إلى ما كان معروفا عندهم يومئذ فقد ذكرنا
قول ابن عمر. وابن عباس، وروينا من طريق سعيد بن منصور نا عبد الرحمن بن
زياد نا شعبة عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت حميد بن
عبد الرحمن بن عوف يحدث عن أمه هي أم كلثوم بنت عقبة من المهاجرات الفواضل
لها صحبة انها قالت كأني انظر إلى جارية سوداء حممها عبد الرحمن بن عوف امرأته أم
أبي سلمة حين طلقها في مرضه قال سعيد بن منصور: نا هشيم نا مغيرة عن إبراهيم
قال: العرب تسمى المتعة التحميم، فقد اتفق ابن عباس. وعبد الرحمن بحضرة
الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم على أن متعة
الموسر المتناهي خادم سوداء فان زاد على ذلك فهو محسن كما فعل الحسن بن علي
وغره فان كانت غير مطيقة للخدمة فليست خادما فعلى هذا المقدار يجبر الموسر إذا
أبى أكثر من ذلك، وأما المتوسط فيجبر على ثلاثين درهما أو قيمتها إذ لم يأت عن
أحد من الصحابة رضي الله عنهم أقل من ذلك كما روينا آنفا عن ابن عباس. وابن عمر
إذ رأيا ذلك هو المعروف، وأما المقتر فأقلهم من لا يجد قوت يومه أو لا يجد زيادة
على ذلك فهذا لا يكلف حينئذ شيئا لكنها دين عليه فإذا وجد زيادة على قوته كلف
أن يعطيها ما تنتفع به ولو في أكلة يوم كما أمر الله عز وجل إذ يقول: (وعلى المقتر قدره)
وبالله تعالى التوفيق *
1985 مسألة: ومن الرجعة من طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين فاعتدت ثم
تزوجت زوجا وطئها في فرجها ثم مات عنها أو طلقها ثم راجعها الذي كان طلقها
ثم طلقها لم تحل له الا حتى تنكح زوجا آخر يطأها في فرجها إن كان طلقها قبل ذلك
طلقتين فإن كان إنما طلقها طلقة واحدة فإنه تبقى لها فيها طلقة هي الثالثة، وقالت طائفة:
ان الذي تزوجها بعد طلاق الأول قد هدم طلاقه كما يهدم الثلاث فإنه يهدم ما دونها،
249

فممن روى عنه القول الأول كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب ان أبا هريرة قال فيمن طلق
امرأته طلقة فاعتدت ثم تزوجت ثم طلقها الثاني فتزوجها الأول فطلقها طلقتين انها
قد حرمت عليه ووافقه على ذلك على. وأبي بن كعب * ومن طريق عبد الرزاق عن
مالك. وسفيان بن عيينة كلاهما عن الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب. وحميد
ابن عبد الرحمن. وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. وسليمان بن يسار كلهم قال سمعت
أبا هريرة يقول: سمعت عمر يقول: أيما امرأة طلقها زوجها طلقة أو طلقتين ثم
تزوجت غيره فمات أو طلقها ثم تزوجها الأول فإنها عنده على ما بقي من طلاقه لها *
ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عمران بن الحصين مثله، وصح
أيضا عن ابن عمر في أحد قوليه عن حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع
عنه، وروى أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص ونفر من الصحابة رضي الله عنهم
وهو قول الحسن: وابن أبي ليلى. وسفيان الثوري. والحسن بن حي. ومحمد بن
الحسن. ومالك. والشافعي. وأبي سليمان وأصحابهم، وروينا القول الثاني من طرق
منها ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن
عباس قال: نكاح جديد وطلاق جديد، وعن ابن عمر في أحد قوليه من
طريق عبد الرزاق ووكيع قال وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي وقال
عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه ثم اتفقا عن ابن عمر قال: نكاح
جديد وطلاق جديد، ورويناه أيضا عن ابن مسعود وهو قول عطاء. وشريح. وإبراهيم.
وأصحاب ابن مسعود. وعبيدة السلماني. وأبي حنيفة. وزفر. وأبي يوسف فنظرنا فيما
احتج به أهل هذه المقالة فلم نجد لهم أكثر من أن قالوا: اننا لم نختلف ان نكاح
زوج آخر يهدم الثلاث ولا شك في أنه إذا هدمها فإنه قد هدم الواحدة من جملتها
والاثنتين من جملتها، ومن المحال أن يهدمها مجموعة ولا يهدمها متفرقة *
قال أبو محمد: فقلنا: لم يهدم قط طلاقا إنما هدم التحريم الواقع بتمام الثلاث
مفرقة أو مجموعة فقط ولا تحرم بالطلقتين ولا بالواحدة بهدمه وقلنا لهم: أنتم قد حملتم
العاقلة نصف عشر الدية فأكثر ولم تحملوها أقل من نصف العشر، ولا شك انها إذا
حملت نصف العشر فقد حملت في جملته أقل منه فقالوا: إنما حملناها ما ثقل فقلنا: ومن
لكم بان نصف العشر فصاعدا هو الثقل دون أن يكون الثلث هو الثقل أو الكل،
وأيضا فرب جان يعظم عليه ويثقل ربع عشر الدية لقلة ماله وآخر تخف عليه الدية
250

كلها لكثرة ماله ثم السؤال باق عليكم إذ حملتموها ما ثقل فالأولى أن تحملوها ما خف
وكل هذا لا معنى له إنما الحجة في ذلك قول الله تعالى: (فان طلقها) يعنى في الثالثة
(فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فلا يجوز تعدى حدود الله تعالى
والقياس كله باطل، وبالله تعالى التوفيق *
1986 مسألة وقد قلنا: إن المطلقة طلاقا رجعيا فهي زوجة للذي طلقها (1) ما لم
تنقض عدتها يتوارثان ويلحقها طلاقه وايلاؤه وظهاره ولعانه (2) ان قذفها وعليه نفقتها
وكسوتها واسكانها فإذ هي زوجته فحلال له أن ينظر منها إلى ما كان ينظر إليه منها قبل
أن يطلقها وان يطأها إذ لم يأت نص بمنعه من شئ من ذلك وقد سماه الله تعالى بعلا لها
إذ يقول عز وجل: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) *
قال أبو محمد: فان وطئها لم يكن بذلك مراجعا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهدوا
يعلمها بذلك قيل تمام عدتها فان راجع ولم يشهد فليس مراجعا لقول الله تعالى: (فإذا
بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم)
فرق عز وجل بين المراجعة والطلاق والاشهاد فلا يجوز افراد بعض ذلك عن بعض
وكان من طلق ولم يشهد ذوي عدل أو راجع ولم يشهد ذوي عدل متعديا لحدود
الله تعالى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فان قيل قد قال
الله عز وجل: (واشهدوا إذا بايعتم) وقال تعالى في الدين المؤجل (واستشهدوا شاهدين من
رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) فلم أجزتم البيع المؤجل وغيره إذا لم يشهد
عليه وقال تعالى: (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم) فلم أجزتم الدفع إلى اليتم ماله
إذا بلغ تميزا دون اشهاد قلنا ثم نجز دعواه للدفع الا حتى يأتي بالبينة وقضينا باليمين
على اليتيم ان لم يأت المولى بالبينة على أنه قد دفع إليه ماله ولكن جعلناه عاصيا
لله تعالى ان حلف حانثا فقط كما جعلنا المرأة التي لم يقم للزوج بينة بطلاقها ولا
برجعتها عاصية لله عز وجل ان حلفت حانثة عالمة بأنه قد طلقها أو راجعها واما أجازتنا
البيع المؤجل وغيره وان لم يشهدا عليه فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انهما بالخيار ما لم
يتفرقا فإذا تفرقا أو خير أحدهما الآخر فاختار البيع فقد تم البيع " أو كما قال عليه
الصلاة والسلام مما قد ذكرناه في كتاب البيوع من ديواننا هذا وغيره بنصه واسناده
والحمد لله رب العالمين، وهو في كل ذلك عاص لله عز وجل ان لم يشهد في البيع المؤجل

(1) في النسخة رقم 14 زوجة الذي طلقها
(2) في النسخة رقم 16 " ويلاعنها "
251

وغيره وفي دفع المال لليتيم (1) إذا بلغ مميزا وفي طلاقه وفي رجعته إذا لم يفعل كما أمره الله
عز وجل * وقد اختلف الناس في الوطئ في العدة أيكون رجعة أم لا نعم وفيما دون الوطئ
فروينا عن الحكم بن عتيبة وسعيد بن المسيب ان الوطئ رجعة وصح هذا أيضا عن
إبراهيم النخعي. وطاوس. والحسن. والزهري. وعطاء ورويناه عن الشعبي وروى عن
ابن سيرين وهو قول الأوزاعي وابن أبي ليلى وقال مالك. وإسحاق بن راهويه ان
نوى بالجماع الرجعة فهي رجعة وان لم ينو به الرجعة فليس رجعة قالا جميعا: وأما
ما دون النكاح فليس رجعة وان نوى به الرجعة *
قال أبو محمد: هذا تقسيم لا حجة على صحته أصلا، وقال الحسن بن حي. وسفيان
الثوري. وأبو حنيفة: الجماع رجعة نوى به الرجعة أو لم ينو وكذلك اللمس، قال
سفيان وأبو حنيفة إذا كان لشهوة والا فلا قال أبو حنيفة: والنظر إلى الفرج بشهوة
رجعة قال فلو قبلته لشهوة أو لمسته لشهوة وأقر هو بذلك فهي رجعة فلو جن فقبلها
لشهوة فهي رجعة فلو جامعته مكرها فهي رجعة ولا يكون ما دون الجماع باكراه رجعة *
قال أبو محمد: هذه الأقوال في غاية الفساد لأنها شرع في الدين بغير قرآن ولا سنة
صحيحة ولا سقيمة ولا قياس له وجه ولا رأى له في السداد حظ ولا سبقه إليها أحد
نعلمه، وقال جابر بن زيد. وأبو قلابة. والليث بن سعد. والشافعي الوطئ فما دونه لا يكون
رجعة نوى به الرجعة أو لم ينو ولا رجعة الا بالكلام *
قال أبو محمد: لم يأت بان الجماع رجعة قرآن ولا سنة ولا خلاف في أن
الرجعة بالكلام رجعة فلا يكون رجعة الا بما صح أنه رجعة وقال تعالى (فامسكوهن
بمعروف) والمعروف ما عرف به ما في نفس الممسك الراد ولا يعرف ذلك الا بالكلام
وبالله تعالى التوفيق وقد قال قوم ان معنى قول الله تعالى (فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن
بمعروف) إنما معناه مقاربة بلوغ الأجل *
قال أبو محمد: وهذا خطأ وباطل بلا شك لأنه اخبار عن الله تعالى بأنه أراد
ما لم يخبرنا عز وجل بأنه أراده ولا أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى (وان
تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله مالا تعلمون) وأيضا فلو كان
ما قالوا لكان لا إمساك له إلا قرب بلوغ أقصى العدة (1) وهذا مالا يقولونه لأهم ولا غيرهم
قال أبو محمد: معناه بلا شك فإذا بلغن أجلهن أجل عدتهن * برهان ذلك ان من أول

(1) في النسخة رقم 14 إلى اليتيم
(2) في النسخة رقم 14 بلوغ انقضاء العدة
252

العدة إلى آخرها وقت لرده إياها ولامساكه لها ولا قول أصح من قول صححه الاجماع المتيقن
من المخالف والموالف *
قال أبو محمد: واما قولنا انه ان راجع ولم يشهد أو أشهد ولم يعلمها حتى تنقضي
عدتها غائبا كان أو حاضرا وقد طلقها واعلمها واشهد فقد بانت منه ولا رجعة له عليها
إلا برضاها بابتداء نكاح بولي واشهاد وصداق مبتداء سواه تزوجت أو لم تتزوج
دخل بها الزوج الثاني أو لم يدخل فان أتاها الخبر وهي بعد في العدة فهي رجعة صحيحة *
برهان ذلك قول الله تعالى (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون الا أنفسهم)
وقال تعالى: (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) وهذا عين المضارة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " فمضارته مردودة باطل، وأيضا فان الله
تعالى سمى الرجعة امساكا بمعروف قال تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن
بمعروف أو فارقوهن بمعروف) فالرجعة هي الامساك ولا تكون بنص كلام الله تعالى
إلا بمعروف والمعروف هو اعلامها واعلام أهلها ان كانت صغيرة أو مجنونة فإن لم
يعلمها لم يمسك بمعروف ولكن بمنكر إذ منعها حقوق الزوجية من النفقة والكسوة
والاسكان والقسمة فهو امساك فاسد باطل ما لم يشهد باعلامها فحينئذ يكون بمعروف
وكذلك قال الله تعالى عز وجل (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ان أرادوا إصلاحا ولهن
مثل الذي عليهن بالمعروف) *
قال أبو محمد: إنما يكون البعل أحق بردها (1) إن أراد اصلاحا بنص القرآن ومن كتمها
الرد أو رد بحيث لا يبلغها فلم يرد اصلاحا بلا شك بل أراد الفساد فليس ردا ولا رجعة أصلا *
وقد اختلف الناس في هذا على خمسة أقوال فالقول الأول كما روينا من طريق شعبة عن
الحكم بن عتيبة ان عمر بن الخطاب قال في امرأة طلقها زوجها فاعلمها ثم راجعها ولم
يعلمها حتى تنقضي عدتها فقد بانت منه، ومن طريق سعيد بن منصور نا المعتمر بن سليمان عن
منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال: قال عمر بن الخطاب إذا طلق امرأته فاعلمها
طلاقها ثم راجعها فكتمها الرجعة حتى انقضت العدة فلا سبيل له عليها * ومن طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا عمرو بن دينار أخبرني الشعثاء جابر بن زيد
قال: تماريت أنا ورجل من القراء يطلقها الرجل ثم يرتجعها فيكتمها رجعتها
فقلت: أنا ليس له شئ فسألنا شريحا القاضي فقال ليس له إلا فسوة الضبع * ومن طريق
سعيد بن منصور نا هشيم نا يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال: سأل رجل عمران بن

(1) في النسخة رقم 14 أحق برجعتها
253

الحصين فقال: انه طلق ولم يشهد وراجع ولم يشهد فقال له عمران: طلقت بغير عدة
وراجعت في غير سنة فاشهد على ما صنعت * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أخبرني
عبيدة عن الحسن بن رواح قال: سألت سعيد بن المسيب عن رجل طلق سرا وراجع
سرا فقال: طلقت في غير عدة وارتجعت في عما اشهد على ما صنعت * ومن طريق
سعيد بن منصور نا هشيم نا منصور عن الحسن قال إذا طلق امرأته ثم راجعها في غيب أو
مشهد ولم يعلمها بالرجعة حتى انقضت العدة فلا سبيل له عليها، فهذا قول وقول ثان رويناه
من طريق ابن وهب عن مالك قال بلغني ان عمر بن الخطاب قال في الذي يطلق امرأته وهو غائب
ثم يراجعها ولا يبلغها مراجعته وقد بلغها طلاقه انها ان تزوجت ولم يدخل بها زوجها الآخر
أو دخل فلا سبيل إلى زوجها الأول إليها، وقال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلى فيها
وفي المفقود * ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال
مضت السنة في الذي يطلق امرأته ثم يراجعها فيكتمها رجعتها حتى تحل فتنكح زوجا غيره
فإنه ليس له من أمرها شئ ولكنها من زوجها الآخر، قال ابن وهب، وأخبرني مخرمة
ابن بكير عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ونافع مثله وصح أيضا من طريق
ابن سمعان عن الزهري مثل ذلك إذا كانا في بلد واحد، وقال ثالث من طريق ابن
وهب قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه انه إذا دخل بها زوجها الآخر قبل ان
يدركها الأول فلا سبيل له إليها ودلك الامر عندنا في هذا وفي المفقود يعنى في الذي طلقها
واعلمها ثم راجعها واشهد ولم يبلغها قال ابن القاسم: ثم رجع مالك عن ذلك وقال
زوجها الأول أحقبها قال ابن القاسم أما انا فأرى انها ان دخل بها زوجها فلا سبيل
له إليها فإن لم يدخل بها فهي للأول
قال أبو محمد: إنما أوردنا هذا لنرى المشغبين (1) بقول مالك: الامر عندنا والامر
الذي لا اختلاف فيه عندنا حجة واجماع لا يحل خلافه، وهذا مالك قد رجع عن قول
ذكر انه الامر عندهم والامر الذي لا اختلاف فيه فحسبهم وحسبكم، وروينا من طرق
عن عمر كلها منقطعة لأنها عن إبراهيم عن عمر أو عن الحسن بن مسلم عن عمر أو
عن سعيد بن المسيب عن عمر أو عن أبي الزناد ان عمر قال فيمن طلق امرأته ثم سافر
وأشهد على رجعتها قبل انقضاء العدة ولا علم لها بذلك حتى تزوجت انه ان أدركها
قبل ان يدخل بها فهي امرأته وان لم يدركها حتى دخل بها الثاني فهي امرأة الثاني
حكم بذلك في أبى كنف وهو قول الليث. والأوزاعي، وقول رابع رويناه من طريق

(1) في النسخة رقم 14 المشنعين
254

عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء فيمن طلق ثم ارتجعها واشهد فلم تأتها الرجعة
حتى تزوجت قال إن أصيبت فلا شئ للأول فيما بلغنا يقال ذلك فان نكحت ولم
تصب فالأول أحق بها وبه يقول عبد الكريم، وقول خامس رويناه من طريق وكيع
عن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: قال علي بن أبي طالب إذا طلق الرجل امرأته
ثم راجعها ولم يعلمها فهي امرأته إذا اشهد، ومن طريق سفيان الثوري عن منصور
ابن المعتمر عن الحكم بن عتيبة عن علي بن أبي طالب أنه قال فيمن طلق امرأته ثم
غاب فكتب إليها برجعتها فضاع الكتاب حتى انقضت عدتها فان زوجها الأول أحق
بها دخل بها الآخر أو لم يدخل، ومن طريق حماد بن أبي سليمان. وقتادة عن علي
مثله، ومن طريق إبراهيم عن علي في أبى كنف مثله وهو قول الحكم بن عتيبة ثم
وجدناه متصلا عن علي كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عياش بن اصبغ نا محمد بن قاسم بن محمد نا
محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الأعلى نا سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن
قتادة عن خلاس بن عمرو ان رجلا طلق امرأته واعلمها وأرجعها واشهد شاهدين
وقال: اكتما علي فكتما حتى انقضت عدتها فارتفعوا إلى علي بن أبي طالب فأجاز الطلاق
وجلد الشاهدين واتهمهما *
قال أبو محمد: ثم نظرنا في هذه الرواية فوجدناها لا حجة فيها لمن ذهب إلى
هذا القول لأنه ليس فيها الا اجازه الطلاق لا إجازة الرجعة *
قال أبو محمد: ليس الا هذا القول أو الذي تخيرناه وما عداهما فخطأ لا اشكال
فيه لان زواجها أو دخوله بها أو وطؤه لها لا يفسخ شئ من ذلك نكاحا صحيحا
وبالله تعالى التوفيق * وإنما هو صحة الرجعة أو فسادها. وبقول على الذي ذكرنا يقول
سفيان الثوري. وأبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهم *
1987 - مسلة -: ونجمع ههنا ما لعنا ذكرناه مفرقا وهو انه لا يكون طلاق
لا يملك فيه المطلق الرجعة ما دامت في العدة الاطلاق الثلاث مجموعة أو مفرقة
وطلاق التي لم يطأها المطلق سواء طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا الا انه فيما دون
الثلاث ان رضى هو وهي فلهما ابتداء النكاح بولي واشهاد وصداق وهذا حكم الفسخ
كله، وأما طلاق الموطوءة واحدة أو اثنتين فللمطلق مراجعتها أحبت أم كرهت
بلا صداق ولا ولى ولكن باشهاد فقط وهذا مالا خلاف فيه وبالله تعالى التوفيق *
255

العدد
1988 - مسألة -: العدد ثلاث أما من طلاق في نكاح وطئها فيه مرة في الدهر
فأكثر وأما من وفاة سواء وطئها أو لم يطأها وأما المعتقة إذا اختارت نفسها وفراق زوجها
فان هذه خاصة دون سائر وجوه الفسخ عدتها عدة المطلقة سواء سواء، وأما سائر وجوه
الفسخ والتي لم يطأها زوجها فلا عدة على واحدة منهن ولهن أن ينكحن ساعة الفسخ
وساعة الطلاق * برهان ذلك ان عدة الطلاق والوفاة مذكورة في القرآن وكذلك
سقوط المسقوطة العدة عن التي طلقت ولم يطأها المطلق في ذلك النكاح، وأما
المعتقة تختار فسخ نكاحها فكما روينا من طريق أبى داود نا عثمان بن أبي شيبة
نا عفان بن مسلم نا همام بن يحيى عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ان زوج بريرة
كان عبدا اسود اسمه مغيث فخيرها يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد *
قال أبو محمد: فلو كانت عدة غير المذكورة في القرآن لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم
بلا شك وإنما قلنا: إنها عدة الطلاق لأنها عدة من حي لا من ميت فصح إذ أمرها
عليه. الصلاة والسلام بان تعتد من فراقها له وهو حي انها العدة من مفارقة الحي
بلا شك، وأما سائر وجوه الفسخ سواء كانت من نكاح صحيح أو من عقد فاسد
فلا عدة في شئ من ذلك لأنه لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا حجة فيما سواهما
ولا يكون طلاق الا في نكاح صحيح وكذلك لا عدة من وفاة من ليس عقد زواجه
صحيحا لان الله تعالى لم يوجب عدة طلاق له أو وفاة الا من زوج ومن عقده فاسد ليس
زوجا فلا طلاق له وإذ لا طلاق له فلا عدة من فراقه وإذ ليس زوجا فلا عدة من
وفاته (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فان قالوا: قسنا كل فسخ على المعتقة
تختار فراق زوجها قلنا: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل
لان جميع وجوه الفسخ لاخيار فيه للمنفسخ نكاحها الا المعتقة فقد أجمعوا بلا خلاف
على مفارقة حكمها لحكم سائر المنفسخ نكاحهن والعدة الواجبة إنما هي حكم أمر الله
تعالى به ليس شئ منها لاستبراء الرحم * برهان ذلك ان المخالفين لنا في هذا لا يخالفوننا
في أن العدة على الصغيرة الموطوءة التي لا تحمل والعجوز الكبيرة التي لا تحمل في الطلاق
والوفاة ولو خالفونا في الطلاق في الصغيرة لكان قول الله تعالى (واللائي يئسن من
المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) حاكما بصحة
قولنا وبطلان قولهم، ومعنى قوله تعالى (ان ارتبتم) إنما هو ان ارتبتم كيف يكون حكمها
256

لا يجوز غير ذلك لان الائى يئسن من المحيض لا يشك أحد في أنه لا يرتاب فيها بحمل،
وكذلك لا يختلفون في أن الخصي الذي بقي له من الذكر ما يولج فان على امرأته
العدة وهو بلا شك لا يكون له ولد ابدا، وكذلك لا يختلفون في أن من وطئ امرأته
مرة ثم غاب عنها عشرات سنين ثم طلقها ان العدة عليها، ولا شك في أنها لأحمل بها
ولو كانت العدة خوف الحمرا لأجزأت حيضة واحدة وبالله تعالى التوفيق *
1989 مسألة وعدة المطلقة الموطوءة التي تحيض ثلاثة قروء وهي بقية الطهر
الذي طلقها فيه. ولو أنها ساعة أو أقل أو أكثر ثم الحيضة التي تلي بقية ذلك الطهر ثم طهر ثان
كامل ثم الحيضة التي تليه، ثم طهر ثالث كامل فإذا رأت أثره أول شئ من الحيض فقد
تمت عدتها ولها أن تنكح حينئذ ان شاءت، واختلف الناس في هذا، فقالت طائفة كما
قلنا: وقالت طائفة الأقراء الحيض مع اتفاق الجميع على الطاعة لقوله عز وجل: (والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء لا يحل لهن أن يكتمن) *
قال أبو محمد: القروء جمع قرء والقرء في لغة العرب التي بها نزل القرآن يقع على
الطهر ويقع على الحيض، ويقع على الطهر والحيض * نا بذلك أبو سعيد الجعفري نا محمد بن علي
المقرى نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس النحوي نا أبو جعفر الطحاوي
نا محمد بن محمد بن حسان نا عبد الملك بن هشام نا أبو زيد الأنصاري قال: سمعت أبا
عمرو بن العلاء يقول فذكره كما أوردنا، وقال الأعشى:
أفي كل عام أنت جاشم عزوة * تشد لأقصاها غريم عزائكا
مورثة مالا وفى الأصل رفعة * لما ضاع فيها من قروء نسائكا
فأراد الأطهار، وقال آخر:
يا رب دى ضغن على قارض * له قروء كقروء الحائض
فأراد الحيض وممن روى عنه مثل قولنا جماعة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة
فقد بانت من زوجها * وبه إلى الزهري عن عورة عن عائشة أم المؤمنين مثل قول زيد
نصا قال الزهري وهو قول أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وبه يأخذ
الزهري * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر مثل
قول زيد المذكور نصا، وهو قول أبان بن عثمان والقاسم بن محمد بن أبي بكر وبه يقول
مالك. والشافعي. وأبو ثور. وأبو سليمان، وأصحابهم، وقال بعض هؤلاء: إذا رأت أول
الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها، ولا يجوز لها أن تتزوج حتى ترى الطهر من تلك
257

الحيضة كما روينا من طريق سيعد بن منصور نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن
ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا حاضت الثالثة فقد برئت منه إلا أنها
لا تتزوج حتى تطهر * ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سالم
ابن عبد الله بن عمر قال إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد ذهبت منه. قال يحيى فقلت له أتتزوج
في الحيضة الثالثة؟ قال: لا، روى هذا القول عن إسحاق بن راهويه * وتوقفت في ذلك
طائفة كما روينا عن الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع عن
سليمان بن يسار قال: طلق رجل امرأته طلقة أو طلقتين فلما دخلت في الحيضة الثالثة
مات فطلبت ميراثه فاتى معاوية بن أبي سفيان في ذلك فأرسل في ذلك إلى رهط من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فضالة بن عبيد فلم يجد عندهم بذلك علما. واضطرب في ذلك أحمد بن
حنبل فمرة قال: الأقراء الأطهار، ومرة قال: الأقراء الحيض ومرة توقف في ذلك،
واختلف القائلون بأنها الحيض فقالت طائفة له الرجعة ما كانت في الحيضة الثالثة فإذا
رأت الطهر منها فلا رجعة له عليها كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
أخبرني عمرو بن مسلم عن طاوس قال: يراجعها ما كانت في الدم وهو قول سعيد بن جبير،
روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن
جبير قال: هو أحق بها ما كانت في الدم وهو قول ابن شبرمة. والأوزاعي، وروينا عن
بعض الصحابة ما يدل على ذلك. كما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال: عدة
الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض * ومن طريق الزهري عن قبيصة بن ذوئيب عن
زيد بن ثابت مثل ذلك سواء سواء، وقالت طائفة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن زيد بن رفيع عن معبد الجهني قال: إذا غسلت فرجها من الحيضة الثالثة فقد بانت
منه، وقالت طائفة إن له أن يرتجعها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة كما روينا من طريق
الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود
انه كان عند عمر بن الخطاب فاتته امرأة مع رجل فقالت: طلقي ثم تركني حتى إذا كنت
في آخر ثلاث حيض وانقطع عنى الدم وضعت غسلي ونزعت ثيابي فقرع الباب وقال: قد
رجعتك فقال عمر لابن مسعود: ما تقول فيها؟ فقال أراه أحق بها ما دون أن
تحل لها الصلاة فقال له عمر: نعم ما رأيت وأنا أرى ذلك، ومن طريق عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب قال لزوجها الرجعة عليها
حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد
عن الحسن أن رجلا طلق امرأته طلقة فلما أرادت أن تغتسل من الحيضة الثالثة راجعها
258

فاختصما إلى أبى موسى الأشعري فاستحلفها بالله الذي لا إله إلا هو لقد حلت لها الصلاة
فأبت أن تحلف فردها إليه وصح مثله أيضا عن ابن مسعود، ومن طريق عبد الرزاق عن
معمر عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: أرسل عثمان إلى
أبي بن كعب في ذلك فقال أبي بن كعب: أرى انه أحق بها حتى تغتسل من حيضتها
الثالثة وتحل لها الصلاة قال فما اعلم عثمان الا أخذ بذلك * ومن طريق وكيع عن محمد بن
راشد عن مكحول عن معاذ بن جبل. وأبى الدرداء مثله، ومن طريق وكيع عن عيسى
الحناط عن الشعبي عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير فالخير منهم أبو بكر.
وعمر. وابن عباس انه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، ومن طريق عبد الرزاق
عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير أن عبادة بن الصامت قال: لا تبين حتى تغتسل من
الحيضة الثالثة وتحل لها الصلوات (1) وصح هذا عن عطاء بن أبي رباح وعبد الكريم
الجزري وسعيد بن المسيب والحسن بن حي وسوى في ذلك بين المسلمة والذمية، وقال شريك
ابن عبد الله القاضي: ان فرطت في الغسل عشرين سنة فله الرجعة عليها *
قال أبو محمد: هذا ظاهر ما روينا عن الصحابة آنفا نعنى القائلين هو أحق بها
ما لم تغتسل وتحل لها الصلوات. وقالت طائفة كما روينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج
عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن البصري قال إلا أن ترى الطهر ثم تؤخر اغتسالها حتى
تفوتها تلك الصلاة فان فعلت فقد بانت حينئذ، وبه يقول سفيان الثوري وأبو حنيفة،
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ان كانت حيضتها عشرة أيام فبتمامها تنقضي عدتها ولا تحل
للأزواج اغتسلت أو لم تغتسل رأت الطهر أو لم تره قالوا: وأما الذمية فبانقطاع الدم من
الحيضة الثالثة تنقضي عدتها وتحل للأزواج كانت عدتها عشرا أو أقل من عشر اغتسلت
أو لم تغتسل قالوا: وأما المسلمة (2) التي حيضها أقل من عشرة أيام فله الرجعة عليها ما لم
تغتسل كلها ولو لم يبق لها من الغسل الا عضو واحد كامل قالوا: وكان القياس انه ان
بقي لها عضو كامل لم تغسل أن لا يكون له عليها رجعة قالوا: ولكن ندع القياس ونستحسن
أن يكون له عليها الرجعة فإن لم يبق (3) لها أن تغسل إلا بعض عضو فلا رجعة له عليها
وقد حل لها الزواج، ولأبي حنيفة قول آخر وهو انه ان بقي عليها من العضو أكثر
من قدر الدرهم (4) البغلي [فله الرجعة عليها فان بقي عليها منه قدر الدرهم البغلي] (5) فلا رجعة
له عليها ولا يحل لها الزواج حتى تغسل تلك اللمعة قال: فلو رأت الطهر من الحيضة

(1) في النسخة رقم 14 " تحل لها الصلاة "
(2) في النسخة رقم 16 المسنة
(3) في النسخة رقم 14 فلو لم يبق
(4) في النسخة رقم 14 ان بقي عليها منه قدر الدرهم الخ
(5) الزيادة من النسخة رقم 16
259

الثالثة وهي مسافرة لاماء معها فتيممت فله عليها الرجعة ما لم تصل قال: فلو وجدت
ماء قد شرب منه حمار ولم تجد غيره فاغتسلت به أو تيممت فلا رجعة له عليها ولا يحل
مع ذلك لها الزواج *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد. وهو قول لا يعرف عن أحد
قبله. وكذلك تحديد من حد انقطاع العدة بأن يمضي لها وقت صلاة فلا تغتسل لأنه قول
لا دليل على صحته أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا رواية صحيحة [ولا سقيمة] (1) ولا قول
صاحب، وكذلك قول من قال حتى تغسل فرجها من الحيضة الثالثة فسقطت هذه الأقوال
كلها ولا يبقى إلا قول من قال هو أحق بها ما لم تغتسل وتحل لها الصلاة، وقول من قال: ان
بطهرها من الحيضة الثالثة تتم عدتها وهو قولنا فوجدنا حجة من قال: هو أحق بها ما لم
تحل لها الصلوات يحتجون بأنه صح عن عمر بن الخطاب. وعلي بن أبي طالب. وابن مسعود،
وروى عن أبي بكر الصديق. وأبي موسى الأشعري. وأبي بن كعب. ومعاذ بن جبل. وأبى
الدرداء. وابن عباس. وعبادة بن الصامت. وغيرهم. وان لم يصح عنهم قالوا: ومثل هذا
لا يقال بالرأي *
قال أبو محمد: وما نعلم لهم شغبا غير هذا وهو باطل لأنه لا يحل ان يضاف
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن الذي اخبر عليه الصلاة والسلام انه أكذب الحديث ما لم
يأت عنه عليه الصلاة والسلام لا سيما والثابت عن عمر وابن مسعود ما ذكرنا قبل من أنه
رأى رأياه لا عن اثر عندهما انهما قالاه. ومع ذلك فلا يفرح الحنيفيون بهذا الشغب
فهم أول مخالف للصحابة في هذا المكان لان الثابت عمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم
ان له الرجعة ما لم تحل لها الصلاة وهم يقطعون عنه الرجعة قبل ان تحل لها الصلاة إذا
بقي لها شئ من أعضاء جسدها ولو قدر الدرهم *
قال أبو محمد: وقد خالف من ذكرنا هذا من رأى من الصحابة أن بدخولها في
الحيضة الثالثة تتم عدتها فبطل هذا القول أيضا بلا شك إذ لا دليل على صحته من قرآن ولا
سنة ولا رواية سقيمة فلم يبق إلا قول من قال [ان] (2) بانقطاع الدم من الحيضة
الثالثة تتم عدتها وهو قول من قال: الأقراء الحيض فوجدنا من حجتهم انه لو كان القرء
الطهر لكانت العدة قرأين وشيئا من قرء. والله تعالى أوجب ثلاثة قروء فصح انها الحيض
التي تستوفي ثلاث منها كاملة *
قال أبو محمد: وليس كذلك بل بعض القرء قرء بلا شك وبعض الحيض حيض *

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
260

قال أبو محمد: وذكروا ما روينا من طريق أبى داود نا محمد بن مسعود نا أبو عاصم عن
ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان * ونا حمام نا يحيى بن مالك بن عائذ نا أبو الحسن
ابن أبي غسان نا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي نا محمد بن إسماعيل بن سمرة
الأحمسي نا عمر بن شبيب المسلى نا عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان " *
قال أبو محمد: هذان خبران ساقطان لا يجوز الاحتجاج بهما لان مظاهر
ابن أسلم ضعيف. وكذلك عمر بن شبيب. وعطية ضعيفان لا يحتج بهما ولو صح أحدهما
أو كلاهما لما خالفناه *
قال أبو محمد: فان ذكر ذاكر الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" للمستحاضة إذا اتاك قرؤك فلا تصلى وإذا مر القرء تطهري ثم صلى من القرء إلى القرء "
والخبر الثابت عنه عليه السلام انه أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها قلنا: لم
ننكر ان الحيض يسمى قرءا كما انكم لا تنكرون أن الطهر يسمى قرءا وإنما اختلفنا
في أي ذلك هو المراد من قوله تعالى: (ثلاثة قروء) وقالوا إنما أمر الله تعالى بطلاق النساء
لاستقبال العدة قالوا فلو كان القرء هو الطهر لكان مطلقا في العدة فقلنا: هذا خطأ
من حكمكم وبنائكم على مقدمة صحيحة. ونعم إنما أمر الله تعالى بالطلاق في
استقبال العدة فلو كانت العدة التي هي الأقراء الحيض لكان بين الطلاق وبين أول العدة
مدة ليست فيها معتدة وهذا باطل *
قال أبو محمد: فسقط كل ما احتجوا به وبقى قولنا فوجدنا حجة من قال به
ما روينا من طريق البخاري نا إسماعيل بن عبد الله نا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه
طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء
طلق فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء " فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
الطهر وأخبر انه العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء فصح ان القرء هو الطهر
. وأيضا فان العدة واجبة فرضا أثر الطلاق بلا مهلة فصح انها الطهر المتصل بالطلاق
الحيض الذي لا يتصل بالطلاق ولو كان القرء هو الحيض لوجب عندهم على
أصلهم فيمن طلق حائضا ان تعتد بتلك الحيضة قرءا. وقد قال بذلك الحسن كما
روينا من طريق عبد الرزاق بن عثمان بن مطر عن سعيد بن أبي عروبة عن مطر
261

الوراق عن الحسن فيمن طاق امرأته ثلاثا وهي حائض انها تعتد بها من أقرائها، وقال
ابن أبي عروبة وحدثني قتادة. وأبو معشر قال قتادة عن سعيد بن المسيب وقال أبو معشر عن
إبراهيم قالا جميعا لا تعتد بها *
قال أبو محمد: وأي القولين كان مراد الله تعالى فالأقراء الأطهار أم الحيض فان
قولنا يقتضيهما (1) جميعا لان الطلاق يقع في الطهر فهو قرء ثم الطهر الثاني ثم الثالث
وبين الطهر الأول والثاني حيض ثم بين الثاني والثالث حيض ثم دفعة حيض آخر
الثلاث (2) وقد قلنا إن بعض الحيض حيض وبعض الطهر طهر وبعد القرء قرء فهي
ثلاثة أقراء بكل حال وبقول الحسن نقول إن طلقها ثلاثا وهي حائض فإنها تعتد
بتلك الحيضة ثم بالطهر الذي يليها ثم بالحيضة الثانية ثم بالطهر الثاني ثم بالحيضة الثالثة
فإذا رأت الطهر منها فهو طهر ثالث حلت به للأزواج وهكذا القول في عدة الأمة
التي تعتق فتختار فراق زوجها ان كانت حين ذلك حائضا ولافرق وكذلك نقول في
المطلقة ثلاثا في طهر مسها فيه وفى المعتقة تختار فراق زوجها انهما يعتدان بذلك
الطهر قرءا، وقد صح عن الزهري انها لا تعتد به لكن بثلاثة أقراء مستأنفة *
1990 مسألة فان اتبعها في عدتها قبل انقضائها طلاقا بائنا ولم تكن
عدتها تلك من طلاق ثلاث مجموعة ولا من طلقة ثالثة فعليها أن تبتدى العدة من
أولها فان طلقها بعد ثنتين ثالثة فتبتدئ العدة أيضا ولابد وكذلك لو راجعها في عدتها
فوطئها أو لم يطأها ثم طلقها فإنها تبتدئ العقدة (3) ولابد وروينا مثل قولنا عن طائفة
من السلف كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر وغيره عن قتادة ان جابر بن
عبد الله وخلاس بن عمرو قالا جميعا في المطلقة في العدة تعتد من الطلاق الآخر
ثلاث حيض، وروينا عن ابن مسعود انها تبنى على عدتها من الطلاق الأول وهو قول
إبراهيم النخعي. وسعيد بن المسيب. والحسن. وأبى قلابة وبه قال الزهري. وقتادة *
قال أبو محمد: وبه يقول أبو حنيفة ومالك. والشافعي الا ان أبا حنيفة.
ومالكا وأحد قولي الشافعي في التي يراجعها في العدة ثم يطلقها قبل أن يطأها انها
تستأنف العدة، وقال الشافعي: مرة تبنى على عدتها من الطلاق الأول وهو قول عطاء *
قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة من قرآن ولا من سنة أصلا ولا متعلق لهذه
الطوائف فيما جاء عن ابن مسعود في ذلك لأنه خبر حدثناه عبد الله بن ربيع

(1) في النسخة رقم 14 ينتظمهما
(2) في النسخة رقم 14 أثر الثالث
(3) في النسخة رقم 14 في العدة
262

قال نا محمد بن معاوية القرشي نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن يحيى بن أيوب المروزي
نا حفص هو ابن غياث نا الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص
عن عبد الله بن مسعود قال: طلاق السنة يطلقها تطليقة وهي طاهرة في غير جماع فإذا
حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك
بحيضة قال الأعمش فسألت إبراهيم النخعي فقال مثل ذلك *
قال أبو محمد: كل هؤلاء الطوائف مخالفون لما صح عن ابن مسعود ههنا
انه السنة لأنهم كلهم يكرهون أن يتبعها طلاقا في العدة والمالكيون (1) والشافعيون
لا يرون الحيض عدة، ولا عجب أعجب ممن يحتج بقول سعيد بن المسيب في دية
أصابع المرأة هي السنة يا ابن أخي ولا يحتج بقول ابن مسعود ههنا ان السنة *
قال أبو محمد: وأما نحن فلا حجة عندنا فيما عدا نص قرآن وسنة ثبت (2)
حكمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجتنا لقولنا ههنا هو ان الله عز وجل إنما أسقط
العدة عن المطلقة غير الممسوسة فقط وأوجبها على المطلقة الممسوسة وأمر الله تعالى من
طلق ان يطلق للعدة وجعل العدة على التي تحيض ثلاثة قروء وعلى التي لا تحيض لصغر
أو كبر ثلاثة أشهر وحكم تعالى انها امرأته ما لم تنقض عدتها منه يتوارثان ويلحقها
طلاقه فهو إذا طلقها ثانية مطلق امرأته الموطوءة منه في ذلك النكاح بلا شك
فعليها أن تبتدئ العدة من أثره بلا فصل، ومن الباطل ان يتقدم شئ من العدة
قبل الطلاق كما من الباطل طلاق (3) موطوءة بلا عدة أو طلاق موطوءة يكون
قرءا واحدا أو قرأين ولا بد لمخالفينا ههنا من أحد هذه الوجوه الثلاثة وهي كلها
باطل بيقين، وكذلك من المحال ان تبنى المرتجعة على عدة قد بطلت بالرجعة إذ من
الباطل (3) أن تكون مرتجعة وهي بعد الارتجاع في العدة وبالله تعالى التوفيق *
1991 مسألة: فان كانت المطلقة حاملا من الذي طلقها أو من زنا أو
باكراه فعدتها وضع حملها ولو اثر طلاق زوجها لها بساعة أو أقل أو أكثر وهو
آخر ولد في بطنها فإذا وضعته كما ذكرنا أو أسقطته فقدا نقضت عدتها وحل لها الزواج
وكذلك المعتقة وهي حامل تتخير فراق زوجها ولا فرق، وكذلك المتوفى عنها زوجها
وهي حامل منه أو من زنا أو من اكراه فان عدتها تنقضي بوضع آخر ولد في بطنها
ولو وضعته أثر موت زوجها ولها أن تتزوج ان شاءت، وكذلك لو أسقطته ولا

(1) في النسخة رقم 14 فاما المالكيون
(2) في النسخة رقم 14 أو نص حكم ثبت
(3) في النسخة رقم 14 ان طلاق
(4) في النسخة رقم 14 ومن الباطل
263

فرق * برهان ذلك قول الله عز وجل: (وأولات الأحمال أجلهن ان يضعن حملهن)
فلم يخص عز وجل كون الحمل منه أو من غيره، وسواء وطئها الزوج أو لم يطأها
لان الله تعالى قال ما ذكرنا وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات
ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) *
قال أبو محمد: فاحتمل أن يستثنى هذه من الأولى فيكون المراد وأولات
الأحمال أجلهن ان يضعن حملهن الا اللواتي لم تمسوهن وهن حوامل منكم من
تشفير أو من غيركم، واحتمل أن تستثنى الأولى من هذه فيكون المراد ثم طلقتموهن
من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها الا ان يكن حوامل منكم أو
من غيركم فواجب أن تنظر أي الاستعمالين أو أي الاستثناءين هو الحق إذ قد ضمن
عز وجل بيان ذلك فيما انزل الينا من شرائعه فوجدنا خبر عبد الله بن عمر في طلاق
امرأته وقد ذكرناه في أول مسألة من الطلاق في كتابنا هذا باسناده فوجدنا فيه انه
صلى الله عليه وسلم قال: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا منه وفيه أيضا إذا طهرت فليطلق
أو ليمسك وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن) *
قال أبو محمد: نصح ان طلاق الحامل جائز عموما إذ هذا منه عليه الصلاة
والسلام تعليم لكل مطلق إلى يوم القيامة سواء كان الحمل منه أو من غيره لأنه عليه
الصلاة والسلام لم يخص حاملا من حامل من غيره وان تلك الحال هو قبل عدتها
فوجبت العدة عليها بما ذكرنا ولم يجز أن يسقط هذا الحكم الا بيقين ولا
يقين في سقوطه الا في المطلقة التي لم يطأها وليست حاملا فقط وإذا صح ان عليها
العدة فقد وجب ضرورة ان له الرجعة عليها ما دامت في العدة من طلاقه وعليه النفقة
ويتوارثان ويلحقها إيلاؤه وظهره ويلاعنها لقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن
في ذلك) وبقوله تعالى (فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وبالله تعالى
التوفيق، وكذلك نقول: إنه ان طلقها وعدتها بالأقراء أو بالشهور ثم حملت قبل تمام
العدة منه أو من غيره بزنا أو باكراه فإنها تنتقل عدتها إلى وضع ذلك الحمل فإذا
وضعت فقد تمت عدتها وكذلك لو مات فحملت في عدتها من وفاته من زنا أو إكراه
فان عدتها تنتقل إلى عدة الحامل بوضع الحمل لان كل ذلك داخل في عموم قوله تعالى:
(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وقد غلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع
الحمل في الوفاة على الأربعة الأشهر والعشر كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا حسين
ابن منصور بن جعفر النيشابوري أنا جعفر بن عون نا يحيى بن سعيد هو الأنصاري
264

أخبرني سليمان بن يسار أخبرني أبو سملة بن عبد الرحمن بن عوف قال: بعثنا كريبا
- هو مولى ابن عباس - إلى أم سلمة أم المؤمنين فجاءنا من عندها أن سبيعة وضعت بعد
وفاه زوجها بأيام فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج، وأما قولنا آخر ولد في بطنها
فلقول الله عز وجل (أجلهن أن يضعن حملهن) فمتى ما بقي من حملها شئ من بطنها
لم تضع حملها *
قال أبو محمد: ولمحمد بن الحسن قول ههنا نذكره ليحمد الله تعالى سامعه
على السلامة، وهو أنه قال: إذا خرج من بطن المرأة من الولد النصف فقد تمت عدتها
لا يعد في ذلك النصف فخذاه ولا ساقاه ولا رجلاه ولا رأسه، وقال أبو يوسف: من
قال لامته وهي تلد: أنت حرة فان كانت حين قوله ذلك قد خرج نصفه الذي فيه رأسه
فهي حرة والولد حر وان كانت قد خرج نصف بدنه سوى رأسه فالولد مملوك وهي
حرة روى عنها ذلك جميعا هشام بن عبيد الله الراوي في سماعه منهما *
قال أبو محمد: فليعجب سامع هذا من هذا الاختلاط أتراه البائس كان من
الغرارة بحيث لا يدرى انه متى خرج رأس المولود ومنكباه فإنه في أسرع من كر
الطرف يسقط كله فمتى يتفرغ لتكسير صلب المولود ومساحته حتى يعلم أخرج نصفه
أم أقل أم أكثر وانه متى خرج رأسه ومنكباه فإنه لا يمكن البتة ان يتم قوله أنت
حرة حتى يقع جميعه، أتراه خفى عليه انها المسكينة في ذلك الوقت أشغل من ذات
النجيبين ان العجب ليكثر من نسبة من هذا مقدار علمه إلى شئ من العلم وحسبنا الله
ونعم الوكيل، فان بقي من المشيمة ولو شئ فهي في العدة بعد لأنها من حملها المتولد مع
الولد سواء سواء *
1992 - مسألة - فان مات في بطنها فلا تنقضي عدتها إلا بطرح جميعه ولو
لم يبق منه الا إصبع أو بعضها لأنها ما لم تضع جميعه فلم تضع حملها وبالله تعالى التوفيق *
1993 - مسألة - فان كانت المطلقة لا تحيض لصغر أو كبر أو خلقة ولم تكن
حاملا وكان قد وطئها فعدتها ثلاثة أشهر من حين بلوغ الطلاق إليها أو إلى أهلها
ان كانت صغيرة لقول الله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم
فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) وهذا قول أبي حنيفة. والشافعي. وأبي سليمان
. وأصحابهم يعنى لزوم ذلك للصغيرة والكبيرة، وقال مالك: لا عدة على
الصغيرة جدا *
قال أبو محمد: ولا نعلم أحدا قال بهذا قبله وهو قول فاسد لوجوه، أحدها انه
265

تخصيص للقرآن مخالف لحكمه، وثانيها انه أوجب عليها عدة الوفاة ولو أنها في المهد
واسقط عنها عدة الطلاق وهي موطوءة مطلقة وهذا تناقض ظاهر الفساد، وثالثها
أنه لم يحد منتهى الصغر الذي أسقط فيه عنها عدة الطلاق من مبدأ وقت ألزمها فيه العدة
وهذا تلبيس لاخفاء بفساده ومزج للفرض بما ليس فرضا ويكفى من هذا كله انه قول
لا دليل على صحته لامن قرآن ولا سنة ولا رواية سقيمة ولا رواية فاسدة ولا قياس ولا رأى
له وجه ولاقول سلف وما كان هكذا فهو ساقط بيقين *
1994 مسألة فان طلقها في استقبال أول ليلة من الشهر مع تمام غروب
الشمس اعتدت حتى يظهر هلال الشهر الرابع فإذا ظهر حلت من عدتها فان طلقها قبل
ذلك أو بعده لزمها أن تعتد سبعا وثمانين ليلة بمثلهن من الأيام كملى إلى مثل الوقت الذي
لزمتها فيه العدة ولا يلغى كسر اليوم ولا كسر الليلة لأنه لا يجوز أن يكون بين أول
عدتها وبين وقت لزوم العدة لها فرق أصلا لا ما قل ولا ما كثر، فإذا أتمت ما ذكرنا
حلت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الشهر تسع وعشرون " وقد ذكرناه في كتاب الصيام
باسناده، فان قيل: إنه قد لزمتها عدة بيقين فلا تخرج منها إلا بيقين قلنا: هذا وضع فاسد
لكن قد لزمتها عدة بوحي الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيقين من قبل الوحي الذي ذكرنا
لابيقين مطلق من ظن كاذب أو قول قائل فلا نخرج من ذلك إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي هو اليقين حقا، وقد بين عليه الصلاة والسلام ان الشهر تسع وعشرون فلا يحل
أن يزاد على ذلك شئ بوسوسة لا أصل لها، (وما كان ربك نسيا) *
1995 مسألة وقد قلنا: إن أسقطت الحامل المطلقة أو المتوفى عنها زوجها
أو المعتقة المتخيرة فراق زوجها حلت، وحد ذلك أن تسقطه علقة فصاعدا، وأما إن
أسقطت نطفة دون العلقة فليس بشئ ولا تنقضي بذلك عدة * برهان ذلك ما روينا من
طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا جميعا: نا أبو معاوية
ووكيع قالا جميعا: نا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " ان أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة " وذكر
باقي الخبر * ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر أحمد بن عمر بن السرح انا ابن وهب أنا
عمرو بن الحارث عن أبي الزبير المكي أن عامر بن واثلة حدثه انه سمع حذيفة بن أسيد
الغفاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون
ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم
قال: يا رب أذكر أم أنثى " وذكر باقي الخبر *
266

قال أبو محمد: معناه خلق الجملة التي تنقسم بعد ذلك سمعا وبصرا وجلدا ولحما
وعظاما فصح ان أول خلق المولود كونه علقة لا كونه نطفة وهي الماء *
1996 مسألة فان طلقت التي لم تحض قط ثم حاضت قبل تمام العدة سواء
إثر طلاقها أو في آخر الشهر (1) فما بين ذلك تمادت على العدة بالشهور فإذا أتمتها حلت ولم
تلتفت إلى الحيض، وكذلك لو حملت منه أو من غيره اثر طلاقها أو قبل انقضاء الثلاثة الأشهر
[فلو مات هو قبل انقضاء الثلاثة الأشهر] (2) ابتدأت عدة الوفاة كاملة * برهان ذلك
قول الله عز وجل: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة
أشهر واللائي لم يحضن) فإنما أوجب الله عز وجل عليها عدة ثلاثة أشهر اثر وجوب العدة
عليها من الطلاق فلا يبطل ما أوجبه الله تعالى عليها بدعوى لم يأت بها قط نص، فان
قيل فالله تعالى قد أوجب الأقراء بقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)
وقال تعالى أيضا: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وهذه زوجة مطلقة قلنا: إنما
أوجب الله تعالى ما ذكرتم على ذوات الأقراء وعلى ذوات الحمل وهذه إذ لزمتها عدة
هذا الطلاق إنما كانت بيقين من اللائي يئسن أو من اللائي لم يحضن ولم تكن أصلا من
ذوات الأقراء ولا من ذوات الحمل، ومن الباطل المتين والمحال الممتنع أن يلزم الله
تعالى العدة بالأقراء من لا قرء لها حين وجوب العدة عليها أو يلزم العدة بالحمل من ليست
ذات حمل حين وجوب العدة عليها كما أن من الباطل أن يحول بين وقت وجوب العدة من
الطلاق أو الموت وتبين العدة وقت ليس من العدة لقوله عليه الصلاة والسلام:
" فطلقوهن لقبل عدتهن " وقد ذكرناه قبل هذا باسناده إلا أن يأتي بذلك نص
جلى فيوقف عنده، وأيضا فان القرء إنما هو ما بين الحيضتين من الطهر فحالها قبل أن تحيض
وبعد اليأس من المحيض ليس قرء فبطل أن تعتد بالأقراء من لم تطلق في استقبال قرء
هي فيه وهي وإن كان ولدها منه لاحقا به لأنها زوجته بعد فقد قلنا: إن وطأه لها ليس
رجعة ولا طلاقا فتبتدئ العدة منه، وقد ادعى قوم الاجماع ههنا، وهذا باطل لأنهم
لا يقدرون على إيراد كلمة في ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم إنما جاءت في
ذلك آثار عن ثمانية من التابعين فقط وهم عطاء. ومجاهد. وسعيد بن المسيب. والزهري.
والحسن. وقتادة. والنخعي. والشعبي، ومثل هذا لا يعده اجماعا إلا من استجاز
الكذب على الأمة *

(1) في النسخة رقم 16 في آخر الأشهر
(2) الزيادة في النسخة رقم 16
267

قال أبو محمد: ثم استدركنا النظر في قول الله تعالى: (1) (يتربصن بأنفسهن
ثلاثة قروء) وقوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن
ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فوجدنا المعتدة إذا حاضت في العدة فليست من اللائي
يئسن من المحيض ولا من اللائي لم يحضن بلا شك بل هي من اللائي حضن فوجب ضرورة
ان عدتها ثلاثة قروء، ومن الباطل أن تكون من اللائي يحضن وتكون عدتها
الشهور فصح أن حكم الاعتداد بالشهور قد بطل وإن كان بعض العدة، وصح انها
تنتقل إلى الأقراء، أو إلى وضع الحمل إن حملت، وأما انتقالها إلى عدة الوفاة إن كان
الطلاق رجعيا فقط وإلا فلا فلأنها زوجة ترثه ويرثها فهي متوفى عنها فيلزمها
بالوفاة عدة الوفاة، وبالله تعالى التوفيق *
1997 مسألة: وأما المستحاضة التي لا يتميز دمها ولا تعرف أيام حيضتها
فان كانت مبتدأة لم يكن لها أيام حيض قبل ذلك بعدتها فعدتها ثلاثة أشهر لأنها لم يصح منها
حيض قط فهي من اللائي لم يحضن فان كانت ممن كان لها حيض معروف فنسيته أو
نسيت مقداره ووقته فعليها أن تتربص مقدارا توقن فيه انها قد أتمت ثلاثة أطهار
وحيضتين وصارت في الثالثة ولابد، فإذا مضى المقدار المذكور فقد حلت لأنها من
ذوات الأقراء بلا شك فعليها اتمام ثلاثة قروء وأما إذا تميز دمها فأمرها بين إذا
رأت الدم الأسود فهو حيض، وإذ رأت الأحمر أو الصفرة فهو طهر، وكذلك
التي لا يتميز دمها إلا أنها تعرف أيامها فإنها تعتد إذا جاءت أيامها التي كانت تحيض
فيها حيضا وبأيامها التي كانت تطهر فيها طهرا، وقد ذكرنا برهان ذلك في كتاب الحيض
في الطهارة من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته، وهي أخبار ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بما ذكرنا، وأما المستريبة فان كانت عدتها بالأقراء أو بالشهور فأتمتها إلا أنها تقدر
أنها حامل وليست مؤقتة بذلك ولا بأنها ليست حاملا، فهذه امرأة لم توقن انها من
ذوات الأقراء قطعا ولا توقن انها من ذوات الشهور حتما ولا توقن انها من ذوات
الأحمال (2) بتلا هذه صفتها بلا شك نعمل ذلك حسا ومشاهدة فإذا هي كذلك فلا
بدلها من التربص حتى توقن انها حامل فتكون عدتها وضع حملها أو توقن انها ليست
حاملا فتتزوج ان شاءت إذا أيقنت انها لأحمل بها لأنها قد تمت عدتها المتصلة بما
أوجبها الله تعالى من الطلاق، اما الأقراء واما المشهور، وبالله تعالى التوفيق * وأقصى
ما يكون التربص من آخر وطئ وطئها زوجها خمسة أشهر فلا سبيل إلى أن تتجاوزها

(1) في النسخة رقم 14 ثم استدركنا فوجدنا الله تعالى قال الخ
(2) في النسخة رقم 14 من أولات الحمل
268

إلا وهي موقنة بالحمل أو ببطلانه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبر بأنه بعد أربعة أشهر ينفخ
فيه الروح وإذا نفخ فيه الروح فهو حي وإذا كان حيا فلا بد له ضرورة من حركة،
وأما المختلفة الأقراء فلابد لها من تمام أقرائها بالغة ما بلغت لاحد لذلك لان الله تعالى
أوجب عليها أن تتربص ثلاثة قروء ولم يجعل الله تعالى لذلك حدا محدودا (ومن
يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فان حاضت حيضة ثم لم تحض أو حاضت حيضتين ثم لم
تحض أو انتظرت الحيضة الأولى فلم تأتها بعد ان كانت قد حاضت في عصمة زوجها أو
قبلها فلا بدل لهؤلاء كلهن من التربص أبدا حتى يحضن تمام ثلاث حيض كما أمر الله عز وجل
أو حتى يصرن في حد اليأس من المحيض فإذا صرن فيه استأنفن ثلاثة أشهر ولابد
لان الله تعالى لم يجعل العدة ثلاثة أشهر إلا على اللواتي لم يحضن وعلى اليائسات من
المحيض، وهذه ليست واحدة منهما فإذا صارت من اليائسات فحينئذ دخلت في أمر الله
تعالى لها بالعدة بثلاثة أشهر، هذا نص كلام الله عز وجل وحكمه والحمد لله رب العالمين *
وفيما ذكرنا اختلاف روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن حبان بن
منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع فمكثت سبعة أشهر لا تحيض يمنعها الرضاع
الحيض ثم مرض حبان بعد أن طلقها بأشهر فقالوا له: انها ترثك ان مت فامر أن يحمل إلى
عثمان فحمل إليه فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب. وزيد بن ثابت
فسألهما عثمان؟ فقالا جميعا: نرى أن ترثه ان مات وانه يرثها ان ماتت فإنها ليست من
القواعد اللائي يئسن من المحيض ولا من الابكار اللائي لم يحضن * نا يونس بن عبد الله
نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن
بشار نا يحيى بن سعيد القطان عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن محمد بن سيرين ان
عمر بن الخطاب، وعبد الله ابن مسعود قالا جميعا في الشابة تطلق فلا تحيض: انها
تنتظر حتى تيأس من المحيض، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ومعمر
كلاهما عن منصور بن المعتمر. وحماد بن أبي سليمان كلاهما عن إبراهيم النخعي عن علقمة
انه طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم ارتفعت حيضتها ستة عشر شهرا ثم ماتت فقال له
عبد الله بن مسعود: حبس الله على ميراثها وورثة منها هذا في غاية الصحة عن ابن مسعود
وقد روينا هذا بعينه عن ابن عباس. وابن عرم إلا أنه من طريق ابن وهب عن ابن
سمعان * ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد العزيز بن عبد الصمد
العمى قال: سألت منصور بن المعتمر عمن طلق امرأته فحاضت حيضة ثم يئست من
المحيض قال: تستأنف العدة حينئذ بثلاثة أشهر قال: وسألته عن امرأة شابة طلقت فلم
269

تحض من مرض أو ارتفع حيضها قال: تعتد بالحيض ما كان وسألته عن جارية حاضت
حيضة وطلقت فلم تحض سنتين قال عدتها الحيض ما كان * ومن طريق ابن وهب أنا عقبة
ابن نافع عن خالد بن يزيد عن عطاء بن أبي رباح انه سأل عن مطلقة لا تحيض في السنة
إلا مرة قال: أقراؤها ما كانت * ومن طريق ابن وهب عن مالك عن الزهري مثل ذلك *
ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن أبي الزناد قال: ينبغي لها أن تعتد ثلاث حيض ولو
كانت في عشر سنين إذا كانت تحيض ولها شباب * ومن طريق وكيع عن الربيع بن
صبيح. ويزيد بن إبراهيم - هو التستري - عن الحسن البصري قال: تعتد بالحيض وان كانت
لا تحيض في السنة إلا مرة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال عطاء تعتد أقراءها
ما كانت تقاربت أو تباعدت، قال ابن جريج وهو قول عبد الكريم قال عطاء فان وجدت في
بطنها كالحشة لا تدري أفي بطنها ولد أم لا فلا تعجل بنكاح حتى تستبين أنه ليس في بطنها
ولد * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: إذا كانت تحيض فعدتها على
حيضتها تقاربت أو تباعدت، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار
عن أبي الشعثاء جابر بن زيد أنه كان يقول تعتد أقراؤها ما كانت * ومن طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن الشعبي في المرأة تحيض حيضا مختلفا ان عدتها
الحيض وان لم تحض في كل سنة إلا مرة * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا عبيدة
عن إبراهيم قال: إذا كانت تحيض فعدتها بالحيض وان حاضت في كل سنة مرة، ومن طريق
سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار في التي لا تحيض في السنة إلا مرة قال
أقراؤها ما كانت وهو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري والشافعي وأبي سليمان وأصحابهم.
وأبى عبيد، وقال الليث في المتخلفة الأقراء *
قال أبو محمد: فكل هؤلاء يقولون مثل قولنا وههنا قول ثان كما روينا من
طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب أيما
امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعت حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر
فان بان بها حمل فذلك والا اعتدت بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر ثم حلت، وصح
مثل هذا عن الحسن البصري، وسعيد بن المسيب * ومن طريق مالك عن ابن شهاب
- هو الزهري - عن سعيد بن المسيب مثل قول عمر في المستحاضة تعتد سنة * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إذا كانت في الأشهر
مرة يعنى الحيض فعدتها سنة، وقول ثالث كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر
عن رجل عن عكرمة انه سئل عن التي تحيض فيكثر دمها حتى لا تدري كيف حيضتها
270

قال تعتد ثلاثة أشهر وهي الريبة التي قال الله عز وجل: (ان ارتبتم) قضى بذلك
ابن عباس. وزيد بن ثابت * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو
ابن دينار عن طاوس قال: إذا كانت تحيض حيضا مختلفا أجزأ عنها ان تعتد ثلاثة
أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عكرمة قال: إذا كانت تحيض
حيضا مختلفا فإنه ريبة عدتها ثلاثة أشهر قال قتادة: تعتد المستحاضة ثلاثة أشهر *
ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار عن جابر
ابن زيد قال إذا كانت تحيض في كل سنة مرة يكفيها ثلاثة أشهر *
قال أبو محمد: اختلف بن جريج. وسفيان بن عيينة على عمرو بن دينار
في هذا كما أوردنا فذكر سفيان عن جابر بن زيد ثلاثة أشهر وعن طاوس أقراؤها
ما كانت، وذكر ابن جريج عن جابر بن زيد أقراؤها ما كانت وعن طاوس ثلاثة
أشهر * وأما المتأخرون فان الليث بن سعد قال: عدة المستحاضة في الطلاق والوفاة
سنة، وقال الأوزاعي: ان ارتفع حيض المطلقة ثلاثة أشهر اعتدت سنة، وقال احمد.
وإسحاق: عدة المستحاضة الأقراء ان عرفت أوقاتها والا فسنة، وقال مالك: ان لم
تحض المطلقة تسعة أشهر متصلة استأنفت عدة ثلاثة أشهر فان أتمتها ولم تحض فقد
تمت العدة وحلت للأزواج وان حاضت قبل تمامها عدت كل ذلك قرءا واحدا ثم
تنتظر الحيض فإن لم تحض تسعة أشهر استأنفت عدة ثلاثة أشهر فإن لم تحض حتى
تتمها تمت عدتها وان حاضت فيها عدت كل ذلك قرءا ثانيا ثم تنتظر تسعة أشهر فإن لم
تحض اعتدت ثلاثة أشهر فان حاضت فيها أو أتمتها دون أن ترى حيضا فقد تمت عدتها
قال أبو محمد: كل هذه الأقوال لا حجة لتصحيحها من قرآن ولا من سنة
ولا رواية ضعيفة ولا قياس ولا رأى يصح ولا رواية تصح عن صاحب إنما جاء
في ذلك الرواية التي ذكرنا عن عمر مع أنها لا تصح لان سعيد بن المسيب لم يسمع
من عمر الا نعيه النعمان بن مقرن وقد روينا عن عمر خلاف ذلك كما أوردنا آنفا
فما الذي جعل احدى الروايتين عنه أولى من الأخرى، وقال مالك إنما تبتدى بتربص
التسعة الأشهر من حين ارتفعت حيضتها لامن حين طلقها زوجها الا التي رفعتها
حيضتها إثر طلاقها فهذه تعتد التسعة الأشهر من حين طلقت قال: والمستحاضة
كذلك عدتها سنة الحرة والأمة سواء، وكذلك التي ارتفع حيضها من مرض الأمة
والحرة سواء قال واما التي ارتفع حيضها من أجل الرضاع فإنها بخلاف ذلك ولا
تتم عدتها الا بتمام ثلاثة اقراء كائنة ما كانت، قال واما المرتابة فإنها تقيم حتى تذهب
271

الريبة أو يصح الحمل قال: وأقصى تربصها تسعة أشهر *
قال أبو محمد: هذه تقاسيم لاتحفظ عن أحد قبله، فان شغبوا بالرواية التي هي
عن علي وزيد بحضرة عثمان قلنا: لم يقولوا ان ذلك من أجل الرضاع إنما بينوا
انها ليست من اللائي لم يحضن ولا من اللائي لم يئسن (1) من المحيض فلا يحل ان
يقولوا ما لم يقولوا وبالله تعالى التوفيق *
1998 - مسألة - وسواء فيما ذكرنا تقارب الأقراء أو تباعدها لاحد في ذلك
الا انه لا تصدق المرأة في ذلك إذا أنكر الزوج قولها الا بأربع عدول من النساء
عالمات يشهدن انها حاضت حيضا اسود ثم طهرت منه هكذا ثلاثة اقراء أو بشهادة
امرأتين كذلك مع يمينها لان الله عز وجل لم يحد في ذلك حدا ولا رسوله صلى الله عليه وسلم
(وما كان ربك نسيا) * ومن الباطل المتيقن أن يكون تعالى أراد أن يكون للأقراء
مقدار لا يكون أقل منه ثم يسكت عن ذلك ليكلفنا علم الغيب الذي حجبه عنا أو
يكلنا إلى الظنون الكاذبة والأقوال الفاسدة التي لا يشك في بطلانها واما ان
لاتصدق في ذلك إذا أنكر الزوج فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بالبينة على من ادعى
وهي مدعية بطلان حق ثابت لزوجها في رجعتها أحبت أم كرهت فلا تصدق الا
ببينة عدل * روينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: جاءت
امرأة إلى علي بن أبي طالب قد طلقها زوجها فادعت انها حاضت ثلاث حيض في
شهر فقال على لشريح قل فيها فقال شريح ان جاءت ببينة ممن يرضى دينه وأمانته من
بطانة أهلها انها حاضت في شهر ثلاثا طهرت عند كل قرء وصلت فهي صادقة والا
فهي كاذبة، فقال على: قالون - يعنى أصبت بالرومية - * ومن طريق حماد بن سلمة عن
قتادة قال إن امرأة طلقت فحاضت في نحو من أربعين ليلة ثلاث حيض فاختصموا إلى شريح
فرفعهم إلى علي بن أبي طالب فقال على: أن شهد أربعة من نسائها ان حيضها كان
هكذا أبانت منه والا فلتعتد ثلاث حيض في ثلاثة أشهر * ومن طريق الحجاج بن
المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة عن إبراهيم النخعي في امرأة حاضت في شهر أو أربعين
ليلة ثلاث حيض قال. إذا شهدت لها العدول من النساء انها قد رأت ما يحرم عليها
الصلاة من طموث النساء الذي هو الطموث المعروف فقد خلا أجلها (2) *
قال أبو محمد: هذا كله قولنا وقد رويت رواية نذكرها إن شاء الله تعالى

(1) في النسخة رقم 16 ولا من اللائي يئسن
(2) في النسخة رقم 16 فقد حل أجلها
272

روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري. وسفيان بن عيينة قال سفيان الثوري:
عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق وعن أبي بن كعب، وقال ابن عيينة: عن
عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قالا ميعا من الأمانة ان المرأة أؤتمنت على فرجها *
ومن طريق وكيع عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن سليمان بن يسار انه ذكر
عنده النساء فقال: لم نؤمر بفتحهن *
قال أبو محمد: صدق أبى رضي الله عنه. وعبيد بن عمير في أن المرأة أؤتمنت
على فرجها وكذلك الرجل أيضا كل أحد موكل في دينه الذي يغيب عن الناس به إلى
أمانته وليس في هذا ما يوجب تصديقها على ابطال حق زوجها في الرجعة لقول الله
تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) وكذلك قول سليمان بن يسار لم نؤمر بفتح
النساء قول صحيح ما نازعه في ذلك أحد، وتكليفها البينة على أنها حاضت كتكليف
البينة على عيوب النساء الباطنة ولا فرق *
قال أبو محمد: ثم اختلف هؤلاء فروى عن أبي حنيفة لاتصدق في انقضاء
العدة في أقل من ستين يوما ولا تصدق النفساء في أقل من خمسة وثمانين يوما، وقال
أبو يوسف. ومحمد بن الحسن. وسفيان في أحد قوليه. ومالك في موجب أقواله
لاتصدق في انقضاء العدة في أقل من تسعة وثلاثين يوما *
قال أبو محمد: هذا أقيس على أصولهم لأنه يجعلها مطلقة في آخر طهرها ثم
ثلاث حيض كل حيضة من ثلاثة أيام وهو أقل الحيض عندهم وطهران كل طهر
خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عندهم، واختلفوا في النفساء فقال أبو يوسف:
لا أصدقها في أقل من خمسة وستين يوما، وقال محمد بن الحسن: لا أصدقها في أقل
من أربعة وخمسين يوما وساعة، وقال الحسن بن حي: لا أصدق المعتدة بالأقراء
في أقل من خمسة وأربعين يوما، وقال الأوزاعي: لا أصدقها في أقل من أربعين يوما
وقال أبو عبيد: ان لم تأت ببينة لم تصدق في أقل من ثلاثة أشهر، وعلى أحد أقوال
الشافعي لاتصدق في أقل من اثنين وثلاثين يوما وبعض يوم لان أقل الحيض عنده
في هذا القول يوم وأقل الطهر خمسة عشر يوما *
قال أبو محمد: قال الله عز وجل: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا
كثيرا) فصح ان هذه الاختلافات ليست من عند الله عز وجل لاشك في ذلك وإذ
ليست من عند الله فليست بشئ وإنما أتوا في ذلك لتحديدهم أقل الحيض وأقل الطهر
ومن الباطل تحديد شئ لم يحده الله عز وجل فهو شرع لم يأذن به الله تعالى، فان قالوا
273

قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم " تحيض في علم الله ستا أو سبعا " قلنا: لا يصح ولو صح
لكان عليكم لا لكم لأنكم لا تقولون بهذا التحديد في أقل الحيض ولا في أكثره، فان
قالوا: صح انه عليه الصلاة السلام قال: " انظري عدد الأيام والليالي التي كنت
تحيضين " قلنا: لاشك في أنه عليه الصلاة والسلام إنما أمر بذلك من كانت تحيض أياما
وليالي وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قال: " إذا اتاك قرؤك فلا تصلى فإذا مر
القرء فتطهري ثم صلى من القرء إلى القرء " فلم يجعل عليه الصلاة والسلام لذلك
حدا لا يكون أقل منه فصح ان ذلك الخبر لمن لها أيام وليالي معروفة، فهذا
الآخر لمن لم يبلغ الليالي ولا الأيام كل خبر على ظاهره دون تكلف تأويل فاسد
أو ترك أحدهما للآخر وبالله تعالى الوفيق * فان قيل إن الله تعالى جعل ثلاثة أشهر بإزاء
ثلاثة اقراء قلنا: نعم وليس ذلك بموجب انه لا يكون قرؤ في أقل من شهر ولا في
أكثر منه وأنتم أول مبطل لهذه الحجة لأنكم تجيزون كون قرءين في شهر واحد
وتجيزون أن يكون قرء واحد أكثر من ثلاثة أشهر فبطل كل ما شغبوا به، فان قالوا:
لا تظهر البراءة من الرحم في نصف شهر فأقل قلنا ولا في ثلاثة أشهر وكلكم يجعل
العدة تتم بالأقراء في أقل من ثلاثة أشهر، واما مالك فإنه قال: الحيض متى ظهر
تركت الصلاة والصوم وحرم وطؤها على زوجها فمتى رأت الطهر منه صلت وصامت
وحلت لزوجها الا ان ذلك لا يكون طهرا تعتد به في العدة *
قال أبو محمد: وهذا في غاية الفساد إذ من المحال أن يكون حيضا وطهرا يحيل
حكم الصلاة والصيام وإباحة الوطئ وتحريمه ولا يكون حيضا وطهرا يعد قرءا في
العدة هذا قول لاخفاء بفساده لأنه خلاف للقرآن والسنن ولقول كل من سلف،
وما نعلم لأبي حنيفة ومالك انهما تعلقا في هذه المسألة بقول أحد من السلف فوجب
الرجوع إلى كلام الله عز وجل وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم فوجدناه تعالى قال: (ثلاثة قروء)
ولم يحد في ذلك بعدد أيام لا تتجاوز (وما كان ربك نسيا) وأمر عليه الصلاة والسلام
إذا أقبلت الحيضة ان تدع الصلاة فإذا أدبرت صلت وصامت وحلت لبعلها، وقال
عليه الصلاة والسلام: " دم الحيض اسود يعرف فإذا أقبل فدعى الصلاة " ولم يحد
عليه الصلاة والسلام في ذلك حدا فلا يجوز لاحد التحديد في ذلك الا انه ان أنكر
زوجها ذلك لم تصدق الا ببينة عدل كما ذكرنا وكذلك ان ادعى الزوج ان عدتها
قد تمت وقالت: هي لم تتم فالزوج غير مصدق الا ببينة وهي مصدقة مع يمينها لأنها
مدعى عليها وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وقد شغب بعضهم في تصديقها في انقضاء عدتها بقول الله تعالى:
274

(ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ان كن يؤمن بالله واليوم الآخر) *
قال أبو محمد: وليس في هذه الآية دليل على وجوب تصديقها ولا ندري
من أين وقع لهم ان هذه الآية توجب تصديقها؟ وقد روينا من طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال: لا يحل لها ان تقول انا حبلى
وليست حبلى ولا لست حبلى وهي حبلى ولا أنا حائض وليست حائضا ولا لست
حائضا وهي حائض وعن عطاء قال: الولد لا تكتمه ولا أدرى لعل الحيضة معه *
قال أبو محمد: المدعية انها قد أتمت عدتها لم تكتم شيئا خلقه الله تعالى
في رحمها إنما ادعت انه تعالى قد خلق حيضها وهي اما كاذبة واما صادقة فلا مدخل لها
فيما في الآية من تحريم كتمان ما خلق الله في رحمها وليس في أن ذلك لا يحل لها
ما يسقط حق الزوج الذي أوجبه الله تعالى له في الرجعة *
قال أبو محمد: ولو ادعت انها حامل وأنكر الزوج ذلك عرض عليها من
القوابل من لا يشك في عدالتهن أربع ولا بد فان شهدن بحملها قضى بما يوجبه الحمل
وان شهدن بان لأحمل بها بطلت دعواها فلو شهدن بحملها ثم صح انهن كذبن أو
أو همن قضى عليها برد ما أخذت من الزوج من نفقة وكسوة وبالله تعالى التوفيق *
1999 مسألة: وعدة الوفاة والاحداد فيها يلزم الصغيرة ولو في المهد،
وكذلك المجنونة وهو قول مالك. والشافعي، وقال أبو حنيفة: عليها العدة ولا
احداد عليها قال: لأنها غير مخاطبة *
قال أبو محمد: إن كان ذلك عنده حجة مسقطة للاحداد فينبغي أن يسقط بذلك
عنها العدة لان الله تعالى يقول: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا). والصغيرة غير مخاطبة وكذلك المجنونة ولا تتربص
بنفسها، وأما نحن فحجتنا في ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف أنا
مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي
سلمة أنها أخبرته أنها سمعت أم سلمة أم المؤمنين تقول: قالت امرأة: يا رسول الله ان
ابنتي توفى عنها زوجها. وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا لا إنما
هي أربعة أشهر وعشر، وذكرت الخبر فلم يخص عليه الصلاة والسلام كبيرة من صغيرة
ولا عاقلة من مجنونة ولا خاطبها بل خاطب غيرها فيها، فهذا عموم زائد على ما في القرآن،
فان ابتدأت بالعدة من أول ليلة من الشهر مشت أربعة أهلة وعشر ليل من الهلال الخامس
فإذا طلع الفجر من اليوم العاشر فقد تمت عدتها وحلت للأزواج لأنه تعالى قال وعشرا
275

فهو لفظ تأنيث فهو لليالي ولو أراد الأيام لقال وعشرة، وان بدأت بالعدة قبل
ذلك أو بعده فعدتها مائة ليلة وست وعشرون ليلة بما بينها من الأيام فقط لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم " الشهر تسعة وعشرون " ولا يجوز أن يحال بين أيام شهر واحد بما ليس منه
هذا محال بلا شك والله تعالى التوفيق *
2000 مسألة وفرض على المعتدة من الوفاة أن تجتنب الكحل كله لضرورة
أو لغير ضرورة ولو ذهبت عيناها لا ليلا ولا نهارا، وأما الضماد فمباح لها وتجتنب أيضا
فرضا كل ثوب مصبوغ مما يلبس في الرأس أو على الجسد أو على شئ منه سواء في ذلك
السواد والخضرة والحمرة والصفرة وغير ذلك إلا العصب وحده وهي ثياب موشاة
تعمل باليمن فهو مباح لها، وتجتنب أيضا فرضا الخضاب كله فلا تقربه كله جملة وتجتنب
الامتشاط حاش التسريح بالمشط فقط فهو حلال لها، وتجتنب أيضا فرضا الطيب كله
فلا تقربه حاشى شيئا من قسط أو أظفار عند طهرها فقط ومباح لها أن تلبس بعد ذلك
ما شاءت من حرير أبيض أو أصفر من لونه الذي لم يصبغ وصوف البحر الذي هو لونه،
والقطن الأبيض، والكتان الأبيض من دبق مضر والمروى وغير ذلك، ومباح لها أن
تلبس المنسوج بالذهب والحلي كله من الذهب والفضة والجوهر والياقوت والزمرد وغير
ذلك وتدخل الحمام وتغسل رأسها بالخطمى والطفل فهي خمسة أشياء تجتنبها فقط *
برهان ذلك ما حدثناه أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن اصبغ
نا محمد بن إسماعيل نا محمد بن كثير العبدي نا سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي بكر.
وأيوب بن موسى. ويحيى بن سعيد الأنصاري كلهم عن حميد بن نافع عن زينب بنت
أم سلمة " أن ابنة النحام توفى عنها زوجها فاتت أمها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ان ابنتي تشتكي
عينها أفأكحلها؟ قال لا قالت: انى أخشى أن تنفقئ عينها قال وإن انفقأت)
وذكرت الخبر *
قال أبو محمد: زينب لها صحبة وقد ذكرناه قبل هذا عن زينب عن أمها أم
المؤمنين رضي الله عنها * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا حسين بن محمد الزارع البصري
نا خالد بن الحارث نا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لاتحد المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر
وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمتشط ولا تمس
طيبا إلا عند طهرها حين تطهر نبذة من قسط واظفار " * ومن طريق أحمد بن شعيب انا
محمد بن منصور المكي نا سفيان نا عاصم عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية ان رسول
276

الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا
على زوج ولا تكتحل ولا تختضب ولا تلبس ثوبا مصبوغا " فهذه هي الآثار الثابتة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جامعة لكل ما ذكرنا، وههنا آثار لا تصح ننبه عليها إن شاء الله
تعالى لئلا يخطئ بها من لا يعرف وههنا * منها خبر من طريق إبراهيم بن طهمان حدثني
بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المتوفى
عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلى " *
قال أبو محمد: في هذا الخبر ذكر الحلى، ولا يصح لان إبراهيم بن طهمان ضعيف
ولو صح لقلنا به، والاحداد واجب على الذمية لقول الله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل
الله) وبقوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) والدين
الحكم فواجب أن يحكم عليهم بحكم الاسلام وهو لازم لهم وبتركهم إياه استحقوا
الخلود ومن قال إنه لا يلزمهم دين الاسلام فقد فارق الاسلام، ويلزم الاحداد الأمة
المتوفى عنها زوجها كالحرة * ومن الآثار التي ذكرنا اثر رويناه من طريق ابن وهب
عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت المغيرة بن الضحاك يقول: أخبرتني أم حكيم
بنت أسيد عن أمها ان زوجها تو في عنها فأرسلت مولاتها إلى أم سملة أم المؤمنين تسألها عن
كحل الجلاء فقالت: لا تكتحل به إلا لأمر لابد منه يشتد عليك وتمسحينه بالنهار
فان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال: ما هذا
يا أم سلمة؟ قلت: يا رسول الله إنما هو صبر ليس فيه طيب فقال: انه يشبب [كذا] الوجه
فلا تجعلينه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب
قلت بأي شئ امتشط يا رسول الله؟ قال بالسدر تغلفين به رأسك " أم حكيم مجهولة
وأمها أشد إيغالا في الجهالة *
وجاء في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم صح عن ابن عمر لا تكتحل ولا تطيب
ولا تختضب ولا تلبس المعصفر ولا ثوبا مصبوغا إلا بردا ولا تزين بحلي ولا تلبس
شيئا تريد به الزينة ولا تكتحل بكحل تريد به الزينة إلا أن تشتكي عينها، وصح عنه
أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
لا تمس المتوفى عنها زوجها طيبا ولا تختضب ولا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا
ثوب عصب تتجلبب به وهذا قولنا، وصح عن أم عطية أن لا تلبس في الاحداد الثياب
المصبغة إلا العصب وأن لا تمس طيبا إلا أدناه في الطهر القسط والأظفار * وروينا
من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا هشام بن حسان عن ابن سيرين وحفصة عن أم
277

عطية قالت في المتوفى عنها زوجها أنها لا تمس خضابا ولا تكتحل بكحل زينة ولا تلبس
ثوبا مصبوغا ولا تمس من الطيب إلا أدنى الطيب نبذة من قسط وأظفار عند ظهرها *
وقد روينا عن أم سلمة أم المؤمنين لا تكتحل وان فقأت عينها، وهذا قولنا،
وروينا عن ابن عباس انها تجتنب الطيب والزينة، وروينا عن أم سلمة أم المؤمنين من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة
أم المؤمنين المتوفى عنها زوجها لا تلبس من الثياب المصبغة شيئا ولا تكتحل ولا تلبس
خاتما (1) ولا تختضب ولا تطيب * وعن ابن عباس أو سعيد بن المسيب المتوفى عنها
زوجها لا تمس طيبا ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا تكتحل ولا تلبس الحلى ولا تختضب *
ومن طريق لا تصح عن عائشة أم المؤمنين لان فيها ابن لهيعة، لا تلبس المتوفى عنها معصفرا
ولا تقرب طيبا ولا تكتحل ولا تلبس حليا وتلبس ان شاءت ثياب العصب (2) *
اما التابعون فصح عن عطاء ان المتوفى عنها لا تلبس صباغا ولا حليا وتنهى عن الطيب
والزينة، ولا تكتحل بإثمد دن فيه زينة ولا تحضض (3) فان فيه زعموا ورسا، وتكتحل
بالصبر ان شاءت فإن كان عليها حلي فضة فلا تنزعه ان شاءت وان لم يكن عليها فلا تلبسه
تريد به الزينة فان اضطرت إلى الإثمد أو الطيب فلها أن تتداوى به، وكان يكره الذهب
لها ولغيرها إلا أن يكون خاتما قال: ولها ان تمتشط بالحناء والكتم قال: وليس القسط
والأظفار طيبا ولاتزين هودجها ان ركبت فيه ورأي المروى والهروي زينة ورأي
اللؤلؤ زينة قال: فإن كان عليها خواتم فضة فيها فصوص يواقيت أو غيره فلها أن
تلبسه قال: فان توفى زوج الصغيرة فلاهلها أن يزينوها ويطيبوها * ورى عن سعيد بن
المسيب وعمرة بنت عبد الرحمن. وعروة بن الزبير. وعطاء. ويحيى بن سعيد الأنصاري
وربيعة انها لا تلبس حليا ولا ثوبا مصبوغا بشئ من الأصباغ. وصح عن عروة بن الزبير
المتوفى عنها زوجها لا تكتحل ولا تختضب ولا تمتشط ولا تلبس ثوبا فيه ورس أو
زعفران ولا تلبس الحرمة إلا العصب، وصح عن الزهري قال: يكره للمتوفى عنها العصب
والسواد ولا تلبس الثياب المصبغة ولا تلبس حليا ولا طيبا. وصح عن إبراهيم النخعي
المتوفى عنها لا تمس الصفرة ولا الطيب ولا تكتحل بكحل زينة لكن بزور أو صبر
إلا أن ترمد فتكتحل: وصح عن عروة بن الزبير أن امرأة مات زوجها قالت له:
ليس لي الا هذا الخمار وهو مصبوغ ببقم فقال. اصبغيه بسواد *
وأما المتأخرون فان أبا حنيفة وأصحابه قالوا: تمتنع من الزينة والطيب والكحل

(1) في النسخة رقم 14 حليا
(2) هو ضرب من برود اليمن
(3) هو بضم الضاد الأولى وفتحها دواء
278

والثياب المصبوغة بالورس والزعفران والعصفر خاصة ولا تدهن بزيت أصلا سواء
مطيبا كان أو غير مطيب وأباحوا لها الخز الأحمر. وقال مالك: تجتنب الزينة كلها
والحلي الخاتم وغيره ولا تلبس الخز ولا العصب إلا العصب الغليظ خاصة ولا ثوبا مصبوغا
إلا بسواد، ولا تكتحل أصلا ولا تقرب شيئا من الطيب ولا دهنا مطيبا بريحان أو غيره
ولا تمتشط بحناء ولا بتكتم ولا بشئ يختمر في الرأس لكن بالسدر وما أشبهه وتدهن
بالزيت والشيرج، وقال الشافعي: تجتنب الزينة كلها والدهن كله الزيت وغيره في الرأس
وغيره ولا تكتحل بما فيه زينة، ولا بأس بالكحل الذي لا زينة فيه فان اضطرت إلى ما فيه
زينة منه جعلته ليلا ومسحته نهارا كالصبر ونحوه، وتجتنب كل صباغ فيه زينة وتلبس
البياض والمصبوغ بالسواد والخضرة المقاربة للسواد وما ليس بزينة وتجتنب الطيب *
قال أبو محمد: كل هذه الأقوال خطأ لاخفاء به لأنها ليس بشئ منها برهان
يصححه لا قرآن ولا سنة، ولا سيما قول أبي حنيفة في تخصيص ما صبغ بورس أو زعفران
أو عصفر خاصة، وقول مالك في اجتناب العصب إلا الغليظ منه، وقول الشافعي في تخصيص
الأصباغ فإنها أقوال لا تعرف عن أحد قبلهم ولا معنى (1) لها أصلا، فان قيل: المعنى في
الاحداد اجتناب الزينة قلنا: حاشى لله من ذلك والله لو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما
عجز عن كلمة واحدة يقولها ولا يطول بذكر الصباغ إلا العصب وبذكر الطيب الا القسط
والأظفار عند الطهر خاصة وبذكر الكحل والامتشاط والاختضاب خاصة وهو عليه
الصلاة والسلام قد أوتى جوامع الكلم، ومن الباطل المتيقن أن ينسب إليه عليه الصلاة
والسلام انه أراد الزينة فلم يسمها ولم يرد الا بعد الصباغ فسماه عموما هذه الباطل الذي
لاشك فيه والكذب المقطوع به، وكل قول عرى من البرهان فهو باطل * فان قالوا: إنما
قصد بالاحداد الحزن قلنا: هذا الكذب لو كان ذلك لكان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم الذي
لاحزن أوجب من الحزن عليه صلى الله عليه وسلم ثم على الأبوين ولو أن امرأة أعلنت بأنها لم تسر
قط كسرورها بموت زوجها لما كان عليها في ذلك اثم ولا ملامة إذ لم تقصر في حقوق
التبعل (2) في حياته ولو كان للحزن عليه لكان مباحا لها بعد العدة والحزن عليه بعد العدة ليس
محظورا، ولا يجوز لها الاحداد كثر من المدة المذكورة، وههنا قول آخر كما روينا
من طريق حماد بن سلمة عن حميد ان الحسن البصري كان يقول: المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها
زوجها يكتحلان ويمتشطان ويطيبان ويختضبان وينتعلان ويضعان ما شاءتا * ومن
طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة أن المتوفى عنها لاتحد *

(1) في النسخة رقم 16 " فلا معنى "
(2) في النسخة رقم 16 " في حقوق الله تعالى "
279

قال أبو محمد: واحتج أهل هذه المقالة بما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله
نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر (1) نا شعبة
نا الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد بن الهادي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة جعفر
ابن أبي طالب: إذا كان ثلاثة أيام فالبسي ما شئت أو إذا كان بعد ثلاثة أيام * شعبة شك،
ومن طريق حماد بن سلمة نا الحجاج بن أرطأة عن الحسن بن سعيد عن عبد الله بن شداد
ان أسماء بنت عميس استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تبكى على جعفر وهي امرأته فأذن لها ثلاثة
أيام ثم بعث إليها بعد ثلاثة أيام أن تطهري واكتحلي *
قال أبو محمد: هذا منقطع ولا حجة فيه لان عبد الله بن شداد لم يسمع من رسول
الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال على: ولقد كان يلزم الآخذين بالمرسل إذا وافق آراءهم الفاسدة وردوا
به السنن الثابتة كصلاة الامام قاعدا لمرض بالأصحاء، وكايجاب العهدة أن يأخذوا
بهذا. ولا سيما والاحداد روته أم سلمة أم المؤمنين انه عليه الصلاة والسلام أمر به
أثر موت أبى سلمة ولا خلاف في أن موت أبى سلمة كان قبل قتل جعفر رضي الله عنهما
بسنتين ولكنهما لا يبالون بالتناقض * قال على: ان غسل الثوب المصبوغ حتى لا يبقى
فيه أثر صباغ فليس مصبوغا فلها لباسه *
2001 مسألة فلو التزمت المرأة هذا ثلاثة أيام على أب أو أخ أو ابن أو
أم أو قريب أو قريبة كان ذلك مباحا لما روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف
نا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي
سلمة انها أخبرته أنها سمعت أم حبيبة. وزينب بنت جحش أمي المؤمنين يقولان
انهما سمعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر
أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " *
2002 مسألة: وليس على المطلقة ثلاثا احداد أصلا وهو قول عطاء، ومالك.
وأبي سليمان، وقال غيرهم خلاف ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
عن سعيد بن المسيب قال: تحد المبتوتة كما تحد المتوفى عنها فلا تمس طيبا ولا تلبس ثوبا
مصبوغا ولا تكتحل ولا تختضب ولا تلبس الحلى، وقال الزهري المبتوتة لاتحدث
حليا (2) فإن كان عليها حلي لم تنزعه ولا تمس طيبا وتمتشط بالحناء والكتم وتدهن
بالدهن الذي ينش بالريحان، وكره الزهري الذي فيه الافاويه (3) * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا عبد الوهاب بن عبيد المجيد الثقفي عن أيوب السختياني قال: كتب إلى عطاء

(1) في النسخة رقم 14 نا غندر
(2) في النسخة رقم 16 لا تتخذ حليا
(3) في النسخة رقم 16 الأفواه
280

الخراساني قال: سألت سعيد بن المسيب. وفقهاء المدينة عن المطلقة والمتوفى عنها زوجها؟
فقالوا: تحدان وتتركان التكحيل والتخضيب والتطيب والزينة * ومن طريق أبى بكر
ابن أبي شيبة نا جرير عن المغيرة عن إبراهيم قال: المطلقة لا تكتحل بكحل زينة *
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا أبو داود - هو الطيالسي - عن حماد بن سلمة عن
أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: المطلقة ثلاثا لا تكتحل ولا تختضب *
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا غندر عن شعبة عن الحكم في المطلقة ثلاثا لا تكتحل
ولاتزين وهي عنده أشد من المتوفى عنها * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن المغيرة عن إبراهيم النخعي انه كان يكره الزينة للتي لا رجعة له عليها من المطلقات،
وبقول إبراهيم النخعي يقول الشافعي ولم يوجبه وأوجبه سفيان الثوري.
والحسن بن حي. وأبو حنيفة. وأصحابه. وأبو عبيد. وأبو ثور *
قال أبو محمد: حجة من أوجب الاحداد على المطلقة ثلاثا ان قالوا هي مفارقة
لزوجها كالمتوفى عنها فيجب أن يكون حكمهما واحدا * قال على: ما نعلم لهم شغبا غير هذا
وهو شغب فاسد لان القياس كله باطل، ثم يقال لهم: هلا أوجبتم الاحداد على
الملاعنة والمختلعة والمطلقة عندكم طلاقا بائنا فكل هؤلاء عندكم مفارقات لأزواجهن،
وأيضا فقد سمى الله عز وجل المطلقة طلاقا رجعيا مفارقة لزوجها بتمام عدتها إذ
يقول تعالى: (فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) ولا خلاف في أنه
لا احداد عليها لافى العدة ولا بعد العدة، وقد فرق الله تعالى بين ما جمعوا بينه فجعل
عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا وعدة المبتوتة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر فلاح
فساد من قاس إحداهما على الأخرى وبالله تعالى التوفيق * وهذا مما نقض فيه مالك
تعظيمه مخالفة فقهاء المدينة وجمهور المتقدمين *
2003 مسألة فان أغفلت المعتدة الا حداد المذكور حتى تنقضي العدة فإن كان
من جهل فلا حرج وإن كان عمدا فهي عاصية لله عز وجل ولا تعيد ذلك لان وقت
الاحداد قد مضى ولا يجوز عمل شئ في غير موضعه وفى غير وقته *
قال أبو محمد: ان كانت عدة المتوفى عنها وضع حملها فلا بد لها من الاحداد
أربعة أشهر فأقل ولا نوجبه عليها بعد ذلك لان النصوص كلها إنما جاءت بأربعة
أشهر وعشر فقط، وقد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سبيعة الأسلمية بأن تنكح
من شاءت إذ وضعت حملها اثر موت زوجها بليال وقد تشوفت للخطاب فلم ينكر
ذلك عليها، فصح انه لا احداد عليها بعد انقضاء حملها قبل الأربعة الأشهر والعشر ولم
281

نجد نصا بايجابه عليها ان تمادى الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشر فان وجد فالقول
به واجب والا فلا وبالله تعالى التوفيق * ثم استدركنا إذ تدبرنا قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بعض طرق خبر أم عطية انها تجتنب ما ذكر اجتنابه دون ذكر أربعة
أشهر وعشر فكان العموم أولى أن تضع جملها *
2004 مسألة: وتعتد المتوفى عنها والمطلقة ثلاثا أو آخر ثلاث والمعتقة تختار
فراق زوجها حيث أحببن ولا سكنى لهن لاعلى المطلق ولا على ورثة الميت ولا على
الذي اختارت فراقه ولا نفقة ولهن ان يحججن في عدتهن وان يرحلن حيث شئن،
وأما كل مطلقة للذي طلقها عليها الرجعة ما دامت في العدة فلا يحل لها الخروج من
بيتها الذي كانت فيها إذ طلقها ولها عليه النفقة والكسوة فإن كان خوف شديد أو لزمها
حد فلها ان تخرج حينئذ والا فلا أصلا لا ليلا ولا نهارا البتة الا لضرورة لا حيلة فيها *
برهان ذلك قول الله عز وجل: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن
واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين
بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله
يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف)
فهذه صفة الطلاق الرجعي لا صفة الطلاق البات، وأما الطلاق البات فكما روينا
من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن سلمة
ابن كهيل عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا ليس لها سكنى
ولا نفقة * نا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله
ابن أحمد بن حنبل نا أبى نا هشيم ارباسيار. وحصين - هو ابن عبد الرحمن - والمغيرة -
هو ابن مقسم - وإسماعيل بن أبي خالد داود بن أبي هند كلهم عن الشعبي قال:
دخلت على فاطمة بنت قيس فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقالت: طلقها
زوجها البتة قالت: فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة فلم يجعل لي سكنى
ولا نفقة وأمرني ان اعتد في بيت ابن أم مكتوم * ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد
نا عبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب - هو ابن عبد الرحمن - القاري كلاهما عن أبي حازم
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن فاطمة بنت قيس " انه طلقها زوجها قالت:
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا نفقة لك ولا سكنى " * ومن طريق مسلم نا
أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبي بكر بن أبي الجهم العدوي
قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول ان زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم
282

سكنى ولا نفقة * ومن طريق مسلم حدثني محمد حاتم بن ميمون. ومحمد بن رافع
وهارون بن عبد الله واللفظ له قال ابن حاتم انا يحيى بن سعيد القطان، وقال ابن رافع:
نا عبد الرزاق، وقال هارون: نا حجاج بن محمد ثم اتفق يحيى. وعبد الرزاق، وحجاج
كلهم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير المكي " أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طلقت
خالتي فأرادت ان تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم
بل اذهبي فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا " * ومن طريق أبى داود
السجستاني نا أحمد بن حنبل نا يحيى هو ابن سعيد القطان عن ابن جريج حدثني أبو الزبير
عن جابر بن عبد الله قال: " طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلها فنهاها رجل فاتت
النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: أخرجي فجدي نخلك فعسى أن تصدقي منه أو
تفعلي خيرا " *
قال أبو محمد: أما خبر فاطمة فمنقول نقل الكافة قاطع للعذر وأما خبر جابر ففي
غاية الصحة، وقد سمعه منه أبو الزبير ولم يخص لها ان لا تبيت هنا لك من أن تبيت وما
ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، وما كان ربك نسيا، ولا يسع أحدا الخروج
عن هذين الاثرين لبيانهما وصحتهما، ولم يصح في وجوب السكنى للمتوفى عنها اثر أصلا،
والمنزل لا يخلو من أن يكون ملكا للميت أو يكون ملكا للميت أو ملكا لغيره، فإن كان ملكا لغيره وهو مكترى
أو مباح فقد بطل العقد بموته فلا يحل لاحد سكناه إلا باذن صاحبه وطيب نفسه، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وإن كان ملكا للميت فقد صار للغرماء أو
للورثة أو للوصية فلا يحل لها مال الغرماء. والورثة والموصى لهم لما ذكرنا، وإنما لها منه
مقدار ميراثها ان كانت وارثة فقط، وهذا برهان قاطع لائح وما عدا هذا فظلم لاخفاء به،
وهذا مكان كثر فيه اختلاف الناس فطائفة قالت بقولنا كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس قال: تعتد المبتوتة حيث شاءت قال ابن جريج:
وأخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول: تعتد المبتوتة حيث شاءت * ومن
طريق عبد الرزاق قال: انا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ان
فاطمة بنت قيس قالت: قال الله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن) قالت: هذا
كان لمن كانت له رجعة فأي أمر يحدث بعد الثلاث قال لنا عبيد الله بن عبد الله: فطلق
عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام شاب بنت سعيد بن زيد بن عمرو في امارة مروان
وأمها بنت قيس فانتقلتها خالتها فاطمة بنت قيس * ومن طريق ابن أبي شيبة نا الثقفي هو
عبد الوهاب بن عبد المجيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ان الربيع اختلعت
283

من زوجها فاتى معوذ هو - ابن عفراء - عثمان بن عفان فسأله أتنتقل؟ قال: نعم تنتقل *
قال أبو محمد: إنما أوردنا هذا لان المختلعة عندهم طلاقها بائن وعليها العدة
وأما نحن فهي عندنا مطلقة طلاقا رجعيا لا تخرج فيه من موضعها الذي طلقها فيه حتى
تتم عدتها، فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم، وأما التابعون فروينا من طريق سعيد
ابن منصور نا هشيم أنا يونس - هو ابن عبيد - عن الحسن البصري انه كان يقول: المطلقة
ثلاثا، والمتوفى عنها لا سكنى لهما ولا نفقة وتعتدان حيث شاءتا، ومن طريق عبد الرزاق
عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس. وعطاء قالا جميعا: المبتوتة والمتوفى عنها
يحجان يعتمران وينتقلان ويبيتان * ومن طريق عبد الرزاق [عن محمد بن مسلم عن
عمرو بن دينار عن طاوس] (1) وسفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن أنه قال:
تحج المبتوتة في عدتها، ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة أنه قال:
في المطلقة ثلاثا لها أن تنتقل قال الله عز وجل: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)
فأي أمر بعد الثلاث إنما [جاء] (2) ذلك في الواحدة والاثنتين * نا حمام أنا عباس
ابن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى قال الشعبي:
المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة، قال احمد وبه أقول *
قال أبو محمد: وبه يقول إسحاق بن راهويه. وأبو سليمان وجميع أصحابنا * وأما
المتوفى عنها فروينا من طريق حماد بن سلمة أنا قيس - هو ابن عباد - عن عطاء بن أبي رباح
عن عائشة أم المؤمنين أنها حجت بأختها أم كلثوم امرأة طلحة بن عبيد الله في عدتها في
الفتنة، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة
أم المؤمنين انها كانت تفتى المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها وخرجت بأختها أم
كلثوم حين قتل عنها طلحة بن عبيد الله بن عبد الله إلى مكة في عمرة ومن طريق
عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عطاء عن ابن عباس أنه قال: إنما قال الله عز وجل تعتد
أربعة أشهر وعشرا ولم يقل: تعتد في بيتها فلتعتد حيث شاءت، ومن طريق إسماعيل
ابن إسحاق القاضي نا علي بن عبد الله - هو ابن المديني - نا سفيان بن عيينة عن ابن جريج
عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) ولم يقل يعتددن في بيوتهن تعتد حيث شاءت
قال سفيان: قاله لنا ابن جريج كما أخبرنا هذا يبين أن عطاء سمعه من ابن عباس *
ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول:
تعتد المتوفى عنها حيث شاءت، ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
284

إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن علي بن أبي طالب كان يرحل المتوفى عنهن في عدتهن،
ومن طريق عبد الزراق عن ابن جريج عن عطاء قال: لا يضر المتوفى عنها أين اعتدت،
وقد ذكرناه قبل هذا الباب عن الحسن * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا علي بن
عبد الله - هو ابن المديني - نا سفيان بن عيينة عن عمر بن دينار، عن عطاء وأبى الشعثاء
جابر بن زيد قالا جميعا: المتوفى عنها تخرج في عدتهما حيث شاءت * ومن طريق إسماعيل
ابن إسحاق نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الوهاب الثقفي عن حبيب المعلم قال: سألت
عطاء عن المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها أيحجان في عدتهما؟ قال نعم، وكان الحسن يقول مثل
ذلك * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا أبو ثابت المدني نا ابن وهب انا عمرو بن الحارث
عن بكير بن الأشج قال سألنا سالم بن عبد الله بن عمر عن المرأة يخرج بها زوجها إلى بلد
فيتوفى الزوج فقال تعتد حيث توفى عنها زوجها أو ترجع إلى بيت زوجها حتى تنقضي
عدتها، قال ابن وهب، وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن القاسم بن محمد
بهذا، قال ابن وهب: وأخبرني ابن لهيعة عن حسين بن أبي حكيم أن امرأة مزاحم لما توفى عنها
زوجها بخناصرة سألت عمر بن عبد العزيز أأمكث حتى تنقضي عدتي؟ فقال لها: بل
الحقي بقرارك ودار أبيك فاعتدى فيها، وبه يقول ابن وهب انا يحيى بن أيوب عن يحيى
ابن سعيد الأنصاري أنه قال في رجل توفى بالإسكندرية ومعه امرأته وله بالفسطاط دار
فقال: ان أحبت أن تعتد حيث توفى زوجها فلتعتد وان أحبت أن ترجع إلى دار
زوجها وقراره بالفسطاط فتعتد فيها فلترجع، وبه يقول أبو سليمان وجميع أصحابنا،
وقول آخر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في المبتوتة ان كانت
غير حبلى فلا نفقة لها وينفق على الحبلى من أجل ولده * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر
عن عطاء وقتادة قالا جميعا في المبتوتة: لها النفقة حتى تضع حملها * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملا * ومن
طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز
أمر بالنفقة على المبتوتة الحامل حتى تضع حملها ثم يعطيها أجر الرضاع ثم يمتعها * ومن
طريق ابن وهب أخبرني ابن سمعان ان ابن قسيط أخبره ان ابن المسيب كان يقول:
لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملا فلها النفقة حتى تضع حملها ويقول: هذا في كتاب الله
عز وجل وهي السنة، وعلى ذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصح عن ربيعة لا نفقة
لها إلا أن تكون حاملا فان قضى لها بالنفقة لحملها ثم ظهر انه لأحمل بها ردت ما أخذت
من النفقة وبايجاب النفقة لها ان كانت حاملا وبايجاب السكنى بكل حال (1) يقول مالك.

(1) في النسخة رقم 16 تأخير هذه الجملة إلى ما بعد قوله وعبد الرحمن بن مهدي
285

والشافعي وأبو عبيد. وعبد الرحمن بن مهدي * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن ابن أبي ليلى أنه قال في المطلقة والحامل لها السكنى والنفقة وقول ثالث لها
السكنى ولا نفقة لها، أتى قوم في هذا بآثار نذكرها وهو كما روينا من طريق
عبد الرزاق أخبرني ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير قال إن عائشة أنكرت
ذلك على فاطمة بنت قيس يعنى انتقال المطلقة ثلاثا * ومن طريق سعيد من ومنصور
نا أبو معاوية نا الأعمش عن إبراهيم بن مسروق قال جاء رجل إلى ابن مسعود فقال إني
طلقت امرأتي ثلاثا فأبت ان تعتد في بيتها قال: لا تدعها قال: أبت الا الخروج قال: فقيدها
قال: ان لها أخوة غليظة رقابهم قال استعن عليهم بالسلطان (1) * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: لا تنتقل المبتوتة من
بيت زوجها حتى يخلو أجلها * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا أبو بكر بن أبي
شيبة نا يزيد بن هارون عن سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن أبي حكيم عن نافع عن ابن عمر
قال في المبتوتة: انه لا نفقة لها * ومن طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد - هو ابن أبي
يحيى - عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال في المبتوتة: لا نفقة لها،
ومن طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: قلت لسعيد بن المسيب:
المطلقة ثلاثا أين تعتد؟ قال في بيت زوجها * ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد
عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في المطلقة في بيت مكترى قال تعتد فيه وعلى زوجها
الكراء، وأما المتوفى عنها فكما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن منصور
عن مجاهد عن سعيد بن المسيب أن عمر رد نسوة من ذي الحليفة حاجات أو معتمرات
توفى عنهن أزواجهن، ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أنا حميد الأعرج عن مجاهد
قال: كان عمر وعثمان يرجعانهن حواج أو معتمرات من الجحفة، ومن ذي الحليفة،
ومن طريق عبد الزراق عن معمر عن أيوب عن يوسف بن ماهك عن أمه مسيكة ان
امرأة متوفى عنها زارت أهلها في عدتها فضربها الطلق فأتوا عثمان فقال: احملوها إلى بيتها
وهي تطلق، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كانت له
ابنة تعتد من وفاة زوجها فكانت تأتيهم بالنهار فتتحدث إليهم فإذا كان الليل أمرها أن
ترجع إلى بيتها، ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن علي
ابن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن ابن ثوبان أن عمر رخص للمتوفى عنها أن تأنى
أهلها بياض يومها وأن زيد بن ثابت لم يرخص لها إلا في بياض يومها أو ليلتها، ومن طريق

(1) في النسخة رقم 14 استعد عليهم السلطان
286

عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال: سأل
ابن مسعود نساء من همدان نعى إليهن أزوجهن فقلن انا نستوحش فقال ابن مسعود:
يجتمعن بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهن إلى بيتها بالليل * ومن طريق الحجاج
ابن المنهال نا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم ان امرأة بعثت إلى أم سلمة أم المؤمنين
ان أبى مريض وانا في عدة أفآتيه أمرضه؟ قالت نعم ولكن بيتي أحد طرفي الليل
في بيتك * ومن طريق حماد بن سلمة أرنا هشام بن عروة ان أباه قال: المتوفى عنها
زوجها تعتد في بيتها الا ان ينتوى أهلها فتنتوى معهم * ومن طريق سعيد بن منصور
نا هشيم أرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي انه سئل عن المتوفى عنها أتخرج في عدتها
فقال: كان أكثر أصحاب ابن مسعود أشد شئ في ذلك يقولون لا تخرج وكان الشيخ
يعين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرحلها * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان
ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء، وجابر بن زيد كلاهما قال في المتوفى عنها
لا تخرج * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا يحيى بن سعيد هو الأنصاري
ان القاسم بن محمد. وسالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب قالوا في المتوفى عنها
لا تخرج حتى تنقضي عدتها * ومن طريق وكيع عن الحسن بن صالح عن المغيرة عن
إبراهيم أنه قال في المتفوى عنها لا بأس بأن تخرج بالنهار ولا تبيت عن بيتها، ومن
طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة عن إبراهيم في المتوفى عنها في بيت بأجرة
قال: ان أحسن ان يعطى الكراء وتعتد في البيت الذي كانت فيه، إنما أورد بالكلام
إبراهيم لقوله في صفة الخروج وفي الكراء والا فان قوله إن لها السكنى والنفقة *
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول في
امر المتوفى عنها قال: فنحن على أن تظل يومها اجمع حتى الليل في غير بيتها ان شاءت
وتنقلب * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا أبو ثابت المديني عن ابن وهب
أخبرني عمرو بن الحارث ان بكيرا - هو ابن الأشج - حدثه ان ابنة هبار بن الأسود
توفي عنها زوجها فأرادت الحج وهي في عدتها فسألت سعيد بن المسيب؟ فنهاها ثم
أمرها غيره بالحج فخرجت كما كانت بالبيداء صرعت فانكسرت *
قال أبو محمد: من العجب احتجاج أهل الجهل بهذا على أنها عقوبة، وتالله (1)
لو جرت هذه القصة أو غيرها على ما ظنوا لكان أولى بذلك عسكر مسرف بن عقبة
الموقعون بأهل المدينة يوم الحرة المحاربون لمكة (2) وقد امتحن سعيد بن المسيب رحمه

(1) في النسخة رقم 16 وبالله
(2) في النسخة رقم 16 المحاربون لله
287

الله بأشد من محنة هذه المرأة، والمحن للمسلم أجر وتكفير، وقد يمهل الله تعالى الكفار
والفساق إلى يوم القيامة، روى عن ربيعة ولم يصح ان المتوفى عنها تنتوى مع أهلها
وان كانت في موضع خوف فإنها لا تقيم فيه، وصح عن الزهري في الذي يبتدئ فيموت
ان امرأته ترجع إلى بيت زوجها إذا لم تكن في مسكن تسكنه * ومن طريق حماد بن
زيد عن أبوب السختياني عن محمد بن سيرين ان امرأة توفى عنها زوجها وهي مريضة
فنفلها أهلها ثم سألوا فكلهم يأمرهم ان ترد إلى بيت زوجها قال ابن سيرين فرددناها
في نمط * وبه يقول مالك. والشافعي. وعبد الرحمن بن مهدي. وأبو عبيد، وقول
رابع ان لهما السكنى والنفقة كما نا أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن
أصبغ نا محمد بن شاذان نا المعلى بن منصور نا يعقوب - هو أبو يوسف القاضي -
وحفص بن غياث قالا عن إبراهيم عن الأسود عن عمر بن الخطاب انه كان يجعل
للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة زاد حفص ما دامت في عدتها، رويناه من طريق سعيد
ابن منصور نا أبو معاوية نا الأعمش عن إبراهيم قال كان عمر بن الخطاب وعبد الله
ابن مسعود يجعلان للمطلقة ثلاث السكنى والنفقة * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن شريح في المطلقة ثلاثا قال: لها السكنى والنفقة
وبه إلى سفيان عن حماد بن أبي سليمان قال: للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة، ومن طريق
وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي قال المطلقة ثلاثا لها السكنى
والنفقة. ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا أبو بكر بن أبو شيبة نا حميد عن الحسن
ابن صالح بن حي عن السدى عن الشعبي في المطلقة ثلاثا قال: لها السكنى والنفقة
وهو قول سفيان الثوري. والحسن بن حي. وأبي حنيفة وأصحابه، وأما المتوفى
عنها الحامل فطائفة قالت إن كانت وارثة فمن نصيبها حاملا كانت أو غير حامل فإن لم
تكن وارثة فمن نصيب ذي بطنها إن كان وارثا فإن لم يكونا وارثين فمن مالها
نفسها إن كان لها مال والا فهي أحد فقراء المسلمين، فان مات ذو بطنها قبل ان
يخرج حيا ردت ما أنفق عليها من نصيبه إلى الورثة، وتفسير قولنا: ان لم يكن وارثا
أن تكون أسلمت بعد موت زوجها وهو كافر فيكون هو مسلما باسلام أمه ولا يرث
كافرا مسلم، وهذا قولنا، وقالت طائفة: إن كان المال كثيرا انفق عليها من
نصيبها وإن كان قليلا فمن جميع المال، وقالت طائفة: نفقتها من جميع المال، وقالت
طائفة: وارثة كانت أو لم تكن نفقتها عليها من مالها إن كان لها مال ومن سؤالها إن كان
لامال لها لا من ميراثها ولا من ميراث ذي بطنها ولا من جميع المال، فالقول الأول
288

كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: نفقة
المتوفى عنها الحامل من نصيبها ومن طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن عباد بن أبي
ذكوان أن ابن عباس قال في المتوفى عنها الحامل نفقتها من نصيبها. ومن طريق وكيع عن الربيع
عن عطاء قال: المتوفى عنها من نصيبها ينفق على الحامل ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم
ابن عتيبة في الحامل المتوفى عنها قال: ينفق عليها من نصيبها * ومن طريق حماد بن سلمة ان
زيادا الأعلم أخبره عن محمد بن سيرين انه ارسل إلى عبد الملك بن يعلى قاضى البصرة في الحامل
المتوفى عنها فقال: نفقتها من نصيبها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا
يونس عن الحسن قال: نفقتها من نصيبها * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو شهاب عن
إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في المتوفى عنها وبلغها الخبر وقد أنفقت من ماله قال:
يحسب ما أنفقت من ماله من يوم مات فيجعل من نصيبها، وبه يقول أبو حنيفة. واحمد.
وأبو سليمان وجميع أصحابهم وهو أحد قولي الشافعي واحد قولي سفيان * ومن طريق
وكيع عن جعفر بن برقان عن الزهري قال: قال قبيصة بن ذوئيب في الحامل المتوفى
عنها لو أنفقت عليها من غير نصيبها أنفقت عليها من مال ذي بطنها، والقول الثاني
كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم النخعي قال
في الحامل المتوفى عنها كان أصحابنا يقولون: إن كان المال كثيرا أمر ان ينفق عليها
من نصيبها وإن كان قليلا انفق عليها من جميع المال، والقول الثالث انقسم القائلون
به أقساما فقالت طائفة ان ورثت فمن نصيب ذي بطنها وان لم ترث فمن جميع المال، وقالت
طائفة: نفقة الحامل المتوفى عنها من جميع المال، وقالت طائفة: لها النفقة من رأس المال
حاملا كانت أو غير حامل ما كانت في العدة كما روينا من طريق سعيد بن منصور
أرنا هشيم يونس عن الحسن انه كان يقول في أم الولد إذا مات عنها سيدها وهي
حامل ان ولدته حيا فنفقتها من نصيبه وإن كان ميتا فمن جميع المال قال يونس:
كان ابن سيرين يقول: ينفق عليها من جميع المال كان ذلك رأيه حتى ولى تركة
ابن أخ له مات وترك أم ولده حاملا فكره ان يعمل فيها برأيه فأرسل إلى عبد الملك
ابن يعلى قاضى البصرة فقال: لا نفقة لها، والقول الثاني كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج قال سئل ابن شهاب عن المتوفى عنها على من نفقتها؟ فقال: كان ابن
عمر يرى نفقتها حاملا كانت أو غير حامل من جميع المال الذي ترك زوجها فأبى الأئمة
ذلك وقضوا ان لا نفقة لها *
قال أبو محمد: التهويل بخلاف الأئمة ههنا كلام فارغ لأنه لم يكن في الأئمة
289

بعد أبي بكر. وعمر. وعثمان. وعلى. أحد يعدل ابن عمر، ولا شك في أن الزهري
بم يكن الأربعة المذكورين إنما عين من بعدهم الذين أبوا قول ابن عمر * نا محمد بن سعيد
ابن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار
نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن سفيان بن حسين قال سمعت الزهري يحدث عن سالم بن
عبد الله بن عمر عن أبيه قال في الحامل المتوفى عنها زوجها نفقتها من جميع المال * ومن
طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي أن علي بن أبي طالب وابن مسعود
كانا يقولان: النفقة من جميع المال للحامل * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الله بن
عبد البصير نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي
نا سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت قال سألت سالم بن عبد الله بن عمر عن
الحامل المتوفى عنها؟ فقال: قد كنا ننفق عليها حتى نبتم ما نبتم * وبه إلى الخشني نا محمد بن
بشار نا يحيى بن سعيد القطان حدثني أم داود الوابشية قالت توفى زوجي وأنا حبلى في
ثلاثة أشهر فخاصمني أهله إلى شريح فعرض لي خمسة عشر درهما من جميع المال في كل
شهر وقال: هذه لك حتى تلدي فإذا ولدت فان أمسكته فلك مثلها، ورويناه أيضا من
طريق وكيع عن أم داود المذكورة وزاد حتى تعظمى، ومن طريق سعيد بن منصور
نا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم عن شريح قال: ينفق على الحامل المتوفى عنها من جميع المال،
ومن طريق وكيع عن شعبة عن قنادة وحماد بن أبي سليمان. والمغيرة قال المغيرة عن
إبراهيم قالوا كلهم في الحامل المتوفى عنها: ينفق عليها من جميع المال، ومن طريق حماد بن سلمة
أنا قتادة عن أبي العالية وخلاس بن عمرو قالا جميعا في المتوفى عنها زوجها وهي حامل
أن نفقتها من جميع المال، ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا سيار عن الشعبي في المتوفى
عنها الحامل قال: ينفق عليها من جميع المال، ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن
الحسن. وعطاء بن أبي رباح قالا جميعا في المتوفى عنها وهي حامل أن نفقتها من جميع المال
وهو قول أيوب السختياني وابن أبي ليلى. والحسن بن حي. وأبى عبيد واحد قولي سفيان.
وأحد قولي الشافعي، وقال مالك: لا ينفق عليها من نصيبها ولا من نصيب ذي بطنها ولامن
جميع المال حتى تضع ولا ينتصف الغرماء من ديونهم حتى تضع، وقال الأوزاعي: ان
كانت المتوفى عنها الحامل زوجة فلا نفقة لها على الورثة، وإن كانت أم ولد فنفقتها من جميع
المال حتى تضع، وقال الليث: ينفق على أم الولد الحامل إذا مات سيدها من جميع المال.
فان ولدت جعل ما أنفق عليها من حصة ولدها، وإن لم تلد قضى عليها برد ما أعطيت.
وقال أبو حنيفة: تخرج المتوفى عنها نهارا وترجع ليلا إلى منزلها. وأما المطلقة المبتوتة
290

فلا تخرج لا ليلا ولا نهارا *
قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة هنا (1) فظاهر الفساد وتقسيم لا دليل على صحته.
وكذلك قول الأوزاعي. وقول مالك. وأظهرها فسادا قول مالك في منعه الغرماء ولاحظ
للورثة إلا فيما بقي للغرماء فإن لم يبق للغرماء شئ فلا شئ للورثة فلأي معنى يمنعون
حقهم الواجب كذلك كل من له حق متيقن في الميراث فمنعه مما لابد له من أن يقع في
حصته ظلم متيقن لا يدرى من أين وقع لهم. وقد أكثرنا مساءلتهم عن ذلك فما وجدنا
لهم متعلقا إلا أنهم قالوا: لابد من اثبات الموت وعدة الورثة. ومن تقديم ناظر على
المولود فقلنا لهم. هذا قول فاسد باطل. بل من ذلك ألف بد. أما الورثة فلا معنى لاثبات
الموت أصلا بل يقتضى لهم بحقوقهم حيا كان أو ميتا: وأما الورثة فلا معنى لا ثبات
عددهم فيما لاشك انه (2) يقع لكل واحد منهم. وأما ما يقع له أو لا يقع لكثرة الورثة
أو قلتهم. وبولادة ذكر أو أنثى فهذا يوقف ولابد حتى يتيقن كيف يكون حكمه.
وأما من أوجب النفقة من جميع المال للمتوفى عنها أو للمبتوتة فخطأ لاخفاء به لان
مال الميت ليس له بل قد صار لغيره فلا يجوز أن ينفق على امرأته أو أم ولده من مال
الغرماء أو من مال الورثة أو مما أوصى به لغيرهما. وهذا عين الظلم والمبتوتة ليست له
زوجة فهي والأجنبية سواء فأخذه بالنفقة عليها لا يجوز. ونذكر إن شاء الله تعالى شغب
من أوجب للمبتوتة السكنى والنفقة أو السكني دون النفقة أو خص الحامل
بذلك. نبين بعون الله تعالى فساد كل ذلك وبه عز وجل نتأيد. أما قول من قال لا نفقة لها
ولا سكنى إلا أن تكون حاملا فإنهم احتجوا بقول الله تعالى: (وان كن أولات حمل
فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم
بمعروف وان تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه زرقه
فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) الآية قالوا وهذا عموم لكل مطلقة حامل *
قال أبو محمد: هذا لا حجة لهم فيه لأنهم سكتوا عن أول الآية. وهو قوله
عز وجل: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن.
وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فالتي (3) أمر الله عز وجل
بالنفقة عليها ان كانت حاملا هي التي (4) أمر باسكانها ولافرق فمن أوجب النفقة دون
السكنى فقد قال بلا دليل وبطل قوله ولم يبق إلا قولنا. أو قول من أوجب لها السكنى
والنفقة إن كانت حاملا. وسنبين وجه الحق في ذلك إن شاء الله تعالى *

(1) في النسخة رقم 14 " هذا " بدل هنا
(2) في النسخة رقم 16 " فيما لا يشك ان "
(3) في النسخة رقم 16 فإنما
(4) في النسخة رقم 16 إن التي كانت حاملا
291

واحتجوا أيضا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال:
أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: أرسل مروان قبيصة بن ذوئيب
إلى فاطمة بنت قيس يسألها فأخبرته انها كانت تحت أبى عمرو بن حفص المخزومي
فذكر الحديث وانه طلقها آخر ثلاث تطليقات إذ خرج إلى اليمن مع علي بن أبي طالب
وان عياش بن أبي ربيعة. والحارث بن هشام قالا: والله مالها نفقة إلا أن تكون
حاملا قال: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا.
واستأذنته في الانتقال فاذن لها *
قال أبو محمد: هذه اللفظة إلا أن تكوني حاملا لم تأت إلا من هذه الطريق
ولم يذكرها أحد ممن روى هذا الخبر عن فاطمة غير قبيصة. وعلة هذا الخبر أنه منقطع
لم يسمعه عبيد الله بن عبد الله لامن قبيصة ولا من مروان فلا ندري ممن سمعه. ولا حجة في
منقطع ولو اتصل لسارعنا إلى القول به فبطل هذا والحمد لله رب العالمين، ثم نظرنا
في قول من أوجب (1) للمبتوتة السكنى دون النفقة فوجدنا هم يحتجون بالنص المذكور
ولا حجة لهم فيه لمن تأمله لان الله عز وجل ابتدأ قوله الصادق: (أسكنوهن من
حيث سكنتم من وجدكم) إثر قوله تعالى في بيان العدد (2) إذ يقول عز وجل:
(واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك
أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا أسكنوهن من حيث
سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن
حتى يضعن حملهن) إلى قوله تعالى: (من وجدكم) الآية كما أوردنا ونحن لا نختلف
في أن هذه العدة للمبتوتة كما هي لغير المبتوتة ولافرق، فوجب ضرورة أن يكون قوله
تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن
كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) أراد به تعالى جميع المطلقات من
مبتوتة ورجعية أو أراد أحد القسمين هذا ما لاشك فيه فان قلتم: انه تعالى أراد كلا القسمين
قلنا لكم: فيجب على هذا ان غير المبتوتة لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا كما قلتم في المبتوتة
ولابد لان النص عندكم فيهما جميعا. وهذا خلاف قولكم فبطل هذا القول، فان قالوا
أراد المبتوتات فقط قلنا: هذا خطأ من وجهين، أولهما أنه دعوى بلا برهان وتخصيص
لقرآن بلا دليل وهذا لا يحل، والوجه الثاني ان السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صحت

(1) في النسخة رقم 16 فيمن أوجب
(2) في النسخة رقم 14 في بيان العدة
292

في خبر فاطمة بنت قيس بأنه لا نفقة لها ولا سكنى، ومعاذ الله أن يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بخلاف القرآن إلا أن يكون نسخا أو مضافا إلى ما في القرآن وليس هذا مضافا
إلى ما في الآية، ولا يحل أن يقال هذا نسخ إلا بيقين لا بالدعوى فبطل هذا
القول. فان قالوا: أراد الله عز وجل الرجعيات فقط قلنا: صدقتم وهذا قولنا
وبرهاننا على ذلك خبر فاطمة بنت قيس وأوجبنا النفقة على المطلقة طلاقا رجعيا ليست
بحامل لأنها زوجته يرثها وترثه بلا خلاف، وقد جاء النص بان للزوجات النفقة
والكسوة بنص قد ذكرناه قبل في ذكرنا حكم النفقات وأخذنا حكم الرضاع المبتوتة
والمنفسخة النكاح والتي يلحق ولدها في نكاح فاسد من وقوله تعالى: (والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين) الآيات كما هي على ما نذكر بعد هذا في بابه إن شاء الله
تعالى، فهذه براهين ضرورية قاطعة لا محيد عنها وبالله تعالى التوفيق، فسقط القول
المذكور والحمد لله رب العالمين * (وأما ما تعلقوا به عن الصحابة والتابعين) فإنما هم
عمر وابن مسعود وهم مخالفون لهما لان الثابت عنهما ان للمبتوتة النفقة وهم لا يقولون
بذلك، ومن الباطل ان يحتجوا بهما في موضع ولا يرونهما حجة في آخر، وابن
عمر وعائشة أم المؤمنين * ومن التابعين سعيد بن المسيب. ونفر منهم قال بعضهم:
لا نفقة لها الا أن تكون حاملا ولم يذكروا السكنى، وذكر بعضهم السكنى دون
النفقة، فلما ابن عمر فقد صح عنه ان نفقة المتوفى عنها من جميع المال وهم يخالفونه،
ومن الباطل أن يكون حجة حيث اشتهوا غير حجة حيث لا يشتهون، وأما أم
المؤمنين فقد خالفوها في اخراجها المتوفى عنها زوجها، ومن الباطل أن تكون حجة
في موضع وغير حجة في آخر ولم يأت عنها أيضا انها لا نفقة لها، والرواية عن علي
ساقطة لأنها من طريق إبراهيم بن أبي يحيى وهو مذكور بالكذب وهي منقطعة أيضا
ثم لم يأت عنه لا نفقة لها، وأما سعيد بن المسيب فإنما جاء عنه ايجاب السكنى للمبتوتة
ولم يأت عنه ولا عن عائشة ولا عن علي انه لا نفقة لها على الزوج فحصل قولهم عاريا
من البرهان من قرآن أو سنة أو قول أحد من الصحابة الا ابن عمر وحده، وما
كان هكذا فلا شك في بطلانه وسقوطه والحمد لله رب العالمين، فلم يبق إلا قولنا وقول
من أوجب للمبتوتة السكنى والنفقة فنظرنا في قولهم فلم نجد لهم شيئا يشغبون به الا
الاعتراض في خبر فاطمة بنت قيس وبنوا انهم ان سقط ذلك الخبر كانت الآيات
المذكورات محمولات على كل مطلقة مبتوتة أو غير مبتوتة *
قال أبو محمد: فاعترضوا في ذلك الخبر بما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن
293

جريج أخبرني ابن شهاب عن عروة بن الزبير ان عائشة أم المؤمنين أنكرت ذلك
على فاطمة بنت قيس نعنى انتقال المطلقة ثلاثا * ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد
عن القاسم بن محمد ان يحيى بن سعيد بن العاصي طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم
فانتقلها عبد الرحمن فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم - وهو أمير المدينة -
اتق الله واردد المرأة إلى بيتها فقال مروان: أو ما بلغك (1) شأن فاطمة بنت قيس
فقالت عائشة: لا يضرك ان لا نذكر حديث فاطمة * ومن طريق البخاري نا محمد
نا غندر نا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين انها
قالت ما لفاطمة ألا تتقي الله - تعنى في قولها لا سكنى ولا نفقة - * ومن طريق البخاري
نا عمرو بن عباس نا ابن مهدي نا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه ان
عروة قال لعائشة أم المؤمنين: ألم تسمعي في قول فاطمة فقالت اما انه ليس لها خير في
ذكر هذا الحديث * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا نصر بن علي نا أبى
عن هارون عن محمد بن إسحاق قال أحسبه عن محمد بن إبراهيم ان عائشة قالت لفاطمة
بنت قيس: إنما أخرجك هذا تعنى اللسان *
قال أبو محمد: أما هذا الخبر فساقط لاوجه للاشتغال به لأنه مشكوك في
اسناده كما أوردنا ثم منقطع أيضا لم يسمع محمد بن إبراهيم عائشة أم المؤمنين قط فلا
يرد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الا مظلم الجهل أو رقيق الدين ونعوذ بالله
من كليهما، ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا أبو ثابت المديني نا ابن وهب نا ابن أبي
الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: عابت ذلك عائشة أشد العيب وقالت: ان
فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: وهذا باطل لأنه من رواية ابن أبي الزناد وهو ضعيف أول من ضعفه
جدا مالك بن أنس، ومن تأمل هذا الخبر والذي قبله علم أنهما متكاذبان لأنها إن كان
اخراجها من أجل لسانها كما في ذلك الخبر فقد بطل هذا الذي فيه انها كان في مكان
وحش فخيف على ناحيتها فلذلك ارخص لها النبي صلى الله عليه وسلم إذ لاشك انها إذا كانت
بين قوم تؤذيهم بلسانها فليست في مكان وحش أو إذا كانت في مكان وحش يخاف عليها فيه
فلا شك انه ليس هنالك قوم تؤذيهم بلسانها فتخرج لذلك ويأبى الله الا فضيحة الكاذبين
(فهذا ما تعلقوا به عن عائشة أم المؤمنين) وذكروا ما ناه حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ
نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا مطلب نا أبو صالح - هو عبد الله بن صالح - كاتب

(1) في النسخة رقم 14 " اما بلغك "
294

الليث حدثني الليث بن سعد حدثني جعفر عن ابن هرمز عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف قال: كان محمد بن أسامة بن زيد يقول كان أسامة إذا ذكرت فاطمة شيئا
من ذلك - يعنى من انتقالها في عدتها - رماها بما في يده *
قال أبو محمد: وهذا ساقط لان رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو
ضعيف جدا ثم لو صح لما كان الا انكار أسامة لذلك كانكار عائشة. وعمر رضى
اله عنهما، وسيأتي الكلام في ابطال الاحتجاج بذلك إن شاء الله تعالى إذا تقصينا
كل ما موهوا به ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا أبو معاوية نا الأعمش عن إبراهيم قال: كان عمر بن الخطاب إذا
ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها ان تعتد في غير بيت
زوجها قال: ما كنا نعتد في ديننا بشهادة امرأة *
قال أبو محمد: هذا باطل بلا شك لأنه منقطع ولم يولد إبراهيم الا بعد موت
عمر بسنين وما اخذ إبراهيم هذا الا عمن لا خير فيه بلا شك، والعجب كله من قبيح (1)
مجاهرة من يحتج بهذا من الحنيفيين. والمالكيين. والشافعيين وهم أول مبطل
لما فيه منسوب إلى عمر من أن لا نعتد في ديننا بشهادة امرأة وهم لا يختلفون في أن
السنن تؤخذ عن المرأة كما تؤخذ عن الرجل الا يستحى من الاحتجاج بهذا عن عمر
من يجيز شهادة القابلة وحدها في الرضاع والولادة وعيوب النساء والمرأة الواحدة
الحرة أو الأمة في هلال رمضان أترون كل هذا ليس من الدين ومن خالف القرآن
جهارا في قول الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقوله تعالى (إذا تداينتم بدين
إلى اجل مسمى فاكتبوه) محرم ذلك برواية امرأة مجهولة لا يدرى أحد من هي امرأة
أبي إسحاق عن أم محبة أم ولد زيد بن أرقم ومن أباح منزلة الورثة من غير حق وخالف
السنة الثابتة في أن أموال الناس محرمة الا باذنهم برواية امرأة مجهولة لا تعرف [من هي] (2)
وهي زينب بنت كعب فأوجبوا السكنى بروايتها للمتوفى عنها ولم يلتفتوا حينئذ إلى عمل
عائشة أم المؤمنين أليس هذا عجبا؟ فان قالوا قد اتصل من بين إبراهيم وعمر في هذا
الحديث كما حدثكم أحمد بن قاسم قال: نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ
نا محمد بن شاذان نا المعلى بن منصور نا أبو يوسف القاضي عن الأعمش عن إبراهيم
عن الأسود عن عمر أنه قال: لا يجوز في دين المسلمين قول امرأة قلنا: الآن زاد وهي
هذا الاسناد وقد علمتم محل أبى يوسف عند الذين شاهدوه وعرفوه من أئمة المسلمين

(1) في النسخة رقم 16 " من قبح "
(2) الزيادة من النسخة رقم 16
295

وعلماء الحديث كابن المبارك. وعبد الله بن إدريس. وأبى نعيم الفضل بن دكين. ووكيع
ابن الجراح. ويزيد بن هارون. وأحمد بن حنبل وغيرهم، وقد روى هذا الخبر عن
الأعمش الثقة حفص بن غياث بهذا الاسناد فلم يذكر فيه هذه الفضيحة التي إنما هي
مذهب الخوارج والمعتزلة، ثم لا عليكم ان كنتم تحتجون بهذا الكلام وتصححونه
عن عمر فخذوا به لأنكم أول مخالف له وان عصيتموه واطرحتموه وان تجيزوا القول
به فبأي وجه استحللتم الاحتجاج به؟ لقد كان ينبغي للحياء والدين وخوف العار
والنار أن يمنع كل ذلك من مثل هذا ولكن. من يضلل الله فلا هادي له *
وذكروا ما روينا من طريق مسلم نا محمد بن عمرو بن جبلة نا أبو أحمد - هو
الزبيري - نا عمار بن زريق عن أبي إسحاق قال: كنت مع الأسود بن يزيد في المسجد
الأعظم ومعنا الشعبي فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يجعل لها سكنى ولا نفقة ثم أخذ الأسود كفا من حصا فحصبه به فقال: ويلك تحدث
بمثل هذا قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا تدرى هل حفظت
أم نسيت لها السكنى والنفقة قال الله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) " قال مسلم ونا أحمد بن عبدة نا أبو داود نا سليمان بن
معاذ عن أبي إسحاق بهذا الاسناد نحو حديث أبي احمد عن عمار بن زريق * ومن طريق
أبى داود السجستاني نا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد هو الزبيري نا عمار بن زريق عن أبي
إسحاق السبيعي قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود بن يزيد فذكر ان فاطمة
بنت قيس أتت عمر فقال عمر: ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة:
لا ندري أحفظت أم نسيت * ومن طريق أحمد بن شعيب نا أبو بكر بن إسحاق نا
أبو الجواب الأحوص بن جواب نا عمار هو ابن زريق عن الشعبي عن فاطمة بنت
قيس فذكر الحديث فحصبه الأسود وقال: ويحك لم تفتى بمثل هذا؟ قال عمر لها ان جئت
بشاهدين يشهدان انهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم والا لم نترك كتاب الله لقول امرأة
(لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة) قلنا: هذا كله
صحيح فاما قول عمر ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أحفظت
أم نسيت فان هذا يجمع ثلاثة معان أما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بيد فاطمة بنت قيس
ونحن نشهد بشهادة الله تعالى قطعا انه لم يكن عند عمر في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير
عموم سكنى المطلقات فقط ولا يحل لمسلم ان يظن بعمر رضي الله عنه في ذلك حكم من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا بينة للناس ويأتي به لما في هذا من عظيم الوعيد في القرآن وههنا أمر قريب جدا
نحن قد صرحنا بأنه لم يكن في ذلك عند عمر سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتمها ولم ينصها ويبينها
296

فليصرحوا بأنه كان عند عمر في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله وعليه وسلم لم يخبر بنصها الناس حتى
يروا من منا الذي يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأينا يضيف إلى عمر ما قد نزهه الله
تعالى عنه ولا نقنع منهم إلا بالقطع بأنه كان عنده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ان
للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة مدة العدة، وأما كتاب الله تعالى فقد بينه إذ أتى بالآية
المذكورة وهي حجة لفاطمة عليه لان فيها (لا ندري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن
أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) فهل يشك أحد في أن هذه الآية في الطلاق الرجعي
خاصة ولو ذكر عمر بذلك لرجع كما رجع عن قوله إذ منع من أن يزيد أحد على
أربعمائة درهم في صداق امرأة حين ذكرته امرأة بقول الله تعالى: (وآتيتم إحداهن
قنطارا) فتذكر ورجع وكما ذكره أبو بكر إذ سل سيفه وقال: لا يقولن: أحد ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم مات الا ضربته بالسيف فلما تلا عليه أبو بكر قول الله تعالى: (انك ميت
وانهم ميتون) سقط إلى الأرض، وبهذا احتجت فاطمة نصا كما روينا من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ان فاطمة قالت حين بلغها
قول مروان في هذا الخبر بيني وبينكم كتاب الله عز وجل قال الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) إلى
قوله سبحانه (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) قالت فأي أمر يحدث بعد الثلاث
وأما قوله لقول امرأة لا ندري أحفظت أم نسيت فاما أمكن من النسيان على فاطمة
فهو ممكن على عمر بلا شك، وأقرب ذلك تذكير عمار له بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما جميعا
بالتيمم من الجنابة لمن لم يجد الماء فلم يذكر عمر ذلك وثبت على أنه لا يصلى حتى يجد الماء، وقد
ذكرناه من طريق البخاري في كتبنا وكما نسي ذكرنا آنفا فليس جواز النسيان مانعا
من قبول رواية العدل الذي قد افترض الله تعالى قبول روايته ولو كان ذلك لوجب
على أصول خصومنا ترك خبر الواحد جملة ورد شهادة كل شاهد في الاسلام لجواز النسيان
في هذا، فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مبطل له عصبية ولجاجا في الباطل، وهكذا القول في
قوله لما: ان جئت بشاهدين يشهدان انهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم أول مخالف
لهذا ولو لزم هذا فاطمة للزم عمر في كل ما حدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل أحد من
الصحابة ولافرق، فمن أضل ممن يموه على المسلمين بأشياء هو يدين الله تعالى بخلافها
وبطلانها ونعوذ بالله من الخذلان *
فان قيل: فقد رويتم من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان انه اخبر
إبراهيم النخعي بحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس فقال له إبراهيم: ان عمر أخبر
بقولها فقال: لسنا بتاركي آية من كتاب الله تعالى، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لعلها
297

أوهمت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهما السكنى والنفقة قلنا: هذا مرسل لان إبراهيم
لم يولد إلا بعد موت عمر بسنين. ثم لو صح لما كانت فيه حجة لأنه ليس فيه ان عمر سمع
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " للمطلقة ثلاث السكنى والنفقة " وقد يمكن أن يسمعه عليه السلام
يقول للمطلقة السكنى والنفقة فيحمل ذلك على عمومه، وهذا لا يجوز بل يجب استعمال
ذلك مع حديث فاطمة ولا بد فيستثنى الأقل من الأكثر ولا يجوز رد نص ثابت بين
الا بنص ثابت بين لا بمشكلات لا تصح وبمجملات (1) لا بيان فيها فلم يبق من كل
ذلك إلا أن عمر أنكر على فاطمة فقط مع أن هذا الخبر الساقط لا يرضاه المالكيون
ولا الشافعيون، وموهوا أيضا بما روينا من طريق ابن وهب أخبرني ابن سمعان ان ابن
قسيط أخبره ان ابن المسيب كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته وهو صحيح سوى ثلاثا
فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملا فينفق عليها حتى تضع حملها للحامل المطلقة النفقة
في كتاب الله عز وجل وعلى ذلك كان أصحاب رسول الله عليه وسلم وهي السنة *
قال أبو محمد: هذا في غاية السقوط لان ابن سمعان مذكور بالكذب أسقطه
مالك وغيره، وأما احتجاجه بأن لها النفقة في كتاب الله عز وجل فإنما النفقة في كتاب
الله تعالى للمطلقة الرجعية وأما قوله على ذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل من روينا عنه
في ذلك شيئا فإنما هم على أن لها النفقة حاملا أو غير حامل أو على أنه لا نفقة لها أصلا
الا ابن عمر وحده، وأما الرجعية فلا شك ان لها النفقة عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
واما قوله وهي السنة فقد قالها في دية أصابع المرأة فلم يلتفت إلى قوله في ذلك الحنيفيون
والشافعيون، وقال من هو خير منه ما روينا من طريق أبى داود نا محمد بن كثير
نا سفيان عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله
ابن عوف قال صليت مع ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال: انها من
السنة فلم يلتفت إلى قوله ذلك الحنيفيون والمالكيون، فمن أضل ممن يدين بتصحيح
قول لم يثبت عن سعيد بن المسيب هي السنة والا يصدق القول الثابت عن ابن عباس
هي السنة الا هكذا فليكن الباطل والضلال *
وذكروا ما روينا من طريق أبى داود نا أحمد بن زهير نا أحمد بن يونس نا زهير نا جعفر
ابن برقان نا ميمون بن مهران قال: قلت لسعيد بن المسيب فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت
من بيتها فقال سعيد: تلك المرأة فتنت الناس انها كانت لسنة فوضعت على يدي
ابن أم الكتوم *

(1) في النسخة رقم 14 ومحتملات
298

قال أبو محمد: هذا مرسل لا ندري من اخبر سعيدا بذلك فهو ساقط،
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا ليس لها سكنى ولا نفقة الذي أوردنا قبل بأصح
اسناد يبطل هذه الظنون الكاذبة كلها ويبين انه ليس ذلك في فاطمة وحدها بل في
كل مطلقة ثلاثا *
وذكروا ما ناه حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا مطلب نا
أبو صالح - هو عبد الله بن صالح كاتب الليث - حدثني الليث حدثين عقيل عن ابن شهاب
أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن فذكر حديث فاطمة ثم قال: فأنكر الناس عليها ما كانت
تحدث من خروجها من قبل ان تحل *
قال أبو محمد: وهذا ساقط لأنه من رواية عبد الله بن صالح وهو ضعيف جدا
كما ذكرنا قبل، ولا ندري من هؤلاء الناس وإنما ندري ان الحجة تقوم على الناس
برسول الله صلى الله عليه وسلم لا أن الحجة تقوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وانكار من أنكر
ذلك من الناس هو الذي يجب ان ينكر حقا *
وذكروا ما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم أرنا عبد الرزاق أرنا معمر
عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فذكر حديث فاطمة هذا فقال مروان:
لم يسمع هذا الحديث الا من امرأة سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها *
قال أبو محمد: لو أن مروان تورع هذا الورع حيث شق عصى المسلمين
وخرج على ابن الزبير أمير المؤمنين بلا تأويل ولا تمويه فأخذ بالعصمة التي وجد
جميع الناس وأهل الاسلام عليها من القول بامامة ابن الزبير من أقصى اعمال إفريقية
إلى أقصى خراسان حاشى أهل الأردن لكان أولى به وانجى له في آخرته، وقد ذكرنا
اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيما ادعى فيه العصمة * واحتجوا بما روينا من طريق
مسلم نا محمد بن المثنى نا حفص بن غياث نا هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت
قيس قالت: " قلت يا رسول الله: ان زوجي طلقني ثلاثا وانا أخاف ان يقتحم على قال
فأمرها فتحولت " *
قال أبو محمد: هذا كما ترون فتأملوا قوله فأمرها فتحولت ليس من كلام
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من كلام فاطمة لان نصه قال فأمرها فتحولت فصح انه من
كلام عروة، ولا يخلو هذا الخبر من أن يكون لم يسمعه عروة من فاطمة فيكون مرسلا،
ويوضح ذلك أنه ما خبرنا به يونس به عبد الله بن مغيث قال نا محمد بن أحمد بن خالد
نا أبى نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن هشام بن
299

عروة عن أبيه قال: قالت فاطمة بنت قيس: يا رسول الله انى أخاف ان يقتحم على
فأمرها ان تتحول، فإن كان هذا هو أصل الخبر فهو منقطع ولا حجة في منقطع
أو يكون عروة سمعه من فاطمة فلا حجة فيه أيضا لأنه ليس فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إنما أمرك بالتحول من أجل خوفك أن يقتحم عليك إذا لم يقل عليه الصلاة والسلام
هذا فلا يحل لمسلم يخاف النار ان يقول إنه عليه الصلاة والسلام إنما أمرها بالتحول
من أجل ذلك لأنه اخبار عنه عليه الصلاة والسلام بما لم يخبر به عن نفسه، وعلى كل
حال فقد صح من طريق أبى سلمة بن عبد الرحمن. والشعبي. وأبى بكر به أبى الجهم
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا سكنى لها ولا نفقة أفترون النفقة سقطت
خوف الاقتحام عليها هذا كله خدش في المصفا، وقوله عليه الصلاة والسلام بل المطلقة
ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة يغنى عن هذا كله وعن تكلف الظنون الكاذبة وبالله
تعالى التوفيق، فمل يبق الا انكار عمر، وعائشة أم المؤمنين عليها فكان ماذا فقد
وافقها جابر بن عبد الله. وابن عباس. وعياش بن أبي ربيعة، وغيرهم من الصحابة
رضي الله عنهم فما الذي جعل رأى عائشة وعمر أولى من رأى من ذكرنا، فكيف
ولا حجة في شئ من ذلك إنما لحجة على كل أحد ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن
نعلن ونهتف ونصرح ان رأى أم المؤمنين. وعمر أمير المؤمنين لا نأخذ به إذا صح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه، ولا يحل الاخذ برأيهما حينئذ ولا ان يقول أحد
عندهما في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة كتماها فليصرحوا هم بأن يقولوا: ان رأى
عمر. وأم المؤمنين أحق ان يتبع مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يروا حالهم عند الله
تعالى وعند أهل الاسلام وليت شعري أين كان عنهم هذا الانقياد لام المؤمنين
عائشة إذ لم يلتفتوا قولها بتحريم رضاع الكبير إذ قد نسبوا إليها ما قد برأها الله تعالى (1)
عنه من أنها تولج حجاب الله تعالى الذي ضربه على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم من
لا يحل له ولوجه، فهذه هي العظيمة التي تقشعر منها جلود المؤمنين، وفي اباحتها
للمتوفى عنها ان تعتد حيث شاءت، وأين كانوا من هذه الطاعة لعمر رضي الله عنه
إذ خالفوه في المسح على العمامة وجعلوه يفتى بالصلاة بغير وضوء، وما قد جمعناه عليهم
مما قد خالفوهما فيه (2) في كتاب أفردناه لذلك إذا تأمله المتأمل رآهم كأنهم مغرمون
بخلاف الصاحب فيما وافق فيه السنة وتقليده في رأى وهم فيه أبدا ولكن من لم يعد
كلامه من عمله كثر كلامه بالباطل وحسبنا الله ونعم الوكيل، فصح خبر فاطمة كالشمس
لأنها من المهاجرات المبايعات الأول كما روينا من طريق مسلم [نا عبد الوارث بن

(1) في النسخة رقم 14 ما قد نزهها الله تعالى وهو يناسب ما سبق
(2) في النسخة رقم 16 قد خالفونا فيه
300

عبد الصمد بن عبد الوارث وحجاج بن الشاعر كلاهما عن عبد الصمد بن عبد الوارث
عن أبيه عبد الوارث بن سعيد التنوري عن الحسن بن زكران نا أبو بريرة] (1) عن عامر
الشعبي انه سأل فاطمة بنت قيس وهي من المهاجرات الأول وذكر الحديث *
قال أبو محمد: قد شهد الله عز وجل لكلهم بالصدق قال عز وجل: (للفقراء
المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا،
وينصرون الله وسوله أولئك هم الصادقون) فمن أضل ممن يكذب منهم أحدا ونسأل
الله العافية، والحمد لله رب العالمين * ولم نجد لاحد خلافه (وقالوا) في خبر خالة جابر إنما
أمرها عليه الصلاة والسلام بالخروج على أن لا تبيت هنالك فكان هذا كذبا مستسهلا،
واخبارا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالافتراء بلا دليل، ولعمري لو لم يأت اثر لكان
الواجب أن لا نفقة لمبتوتة، ولا سكنى لأنها أجنبية ليست له بزوجة فلا حق لها في ماله لا في
اسكان ولا في نفقة والعدة شئ ألزمها الله تعالى إياها لا مدخل للزوج (2) في اسقاطه
ولا الزيادة فيه. وبالله تعالى التوفيق * وأما المتوفى عنها فان من أوجب لها السكنى احتجوا
بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة
عن عمته زينب بنت كعب عن فريعة بنت مالك أن زوجها قتل بالقدوم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت إن لها أهلا فأمرها أن تنتقل فلما أدبرت دعاها فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ
الكتاب أجله أربعة أشهر وعشرا * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
عن ابن لكعب بن عجرة قال: حدثتني عمتي وكانت تحت أبي سعيد الخدري أن فريعة
حدثتها ان زوجها خرج في طلب أعلاج حتى إذا كان بطرف القدوم وهو جبل أدركهم
فقتلوه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن زوجها قتل وانه تركها في مسكن ليس
له واستأذنته في الانتقال فاذن لها فانطلقت حتى إذا كانت بباب الحجرة أمر بها فردت
فأمرها أن لا تخرج حتى يبلغ الكتاب أجله * ومن طريق مالك عن سعد بن إسحاق
ابن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة عن الفريعة بنت مالك بن سنان
أخت أبي سعيد الخدري فذكره، وفيه (3) قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع
إلى أهلي في بنى خدرة (4) فان زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، وفيه أنه عليه الصلاة
والسلام قال لها: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قال: فاعتدت فيه أربعة أشهر
وعشرا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير قال: قال مجاهد

(1) الزيادة من النسخة رقم 16
(2) في النسخة رقم 16 للخروج
(3) في النسخة رقم 14 " فذكر فيه "
(4) في النسخة رقم 16 في بيت خدره
301

" استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: انا نستوحش يا رسول
الله بالليل فنبيت عند أحدانا حتى إذا أصبحنا تبددنا (1) في بيوتنا فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة منكن
إلى بيتها " *
قال أبو محمد: أما حديث مجاهد فمنقطع لا حجة فيه، وأما حديث فريعة
ففيه زينب بنت كعب بن عجرة وهي مجهولة لا تعرف، ولا روى عنها أحد غير سعد
ابن إسحاق وهو غير مشهور بالعدالة على إن الناس أخذوا عنه هذا الحديث لغرابته
ولأنه لم يوجد عند أحد سواه فسفيان يقول سعيد ومالك وغيره يقولون سعد والزهري
يقول عن ابن لكعب بن عجرة فبطل الاحتجاج به إذ لا يحل أن يؤخذ عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلا ما ليس في اسناده مجهول ولا ضعيف ثم لو صح لكان الحنيفيون والمالكيون
مخالفين له لان مالكا يقول: إن كان المنزل ليس للميت فإن كان بكراء فهي أولى به وإن كان
ليس إلا اسكانا أو كان قد تمت فيه مدة الكراء فلصاحب المنزل إخراجها منه، ولو طلب
منها الكراء فغلى عليها لم يلزمها ان تكريه ولا يلزم الورثة أن يكروه لها من مال الميت *
وقال أبو حنيفة: لا سكنى لها في مال الميت أصلا سواء كان المنزل له أو بكراء فقد
خالفوا نص هذا الخبر، ومن المحال احتجاج قوم بخبر هم أول عاصين له (2)، وموهوا
فيما صح من ذلك عن عائشة أم المؤمنين، وعلي بن أبي طالب بما رويناه من طريق إسماعيل
ابن إسحاق نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد قال سمعت أيوب السختياني ذكر له نقله
أم كلثوم بنت على فقال أيوب إنما نقلها من دار الامارة، وقال حماد: وسمعت جرير
ابن حازم يحدث أيوب بحديث عطاء أن عائشة حجت بأختها أم كلثوم في عدتها من طلحة
ابن عبيد الله فقال أيوب: إنما نقلتها إلى بلادها * وبه إلى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد
عن القاسم بن محمد قال: كانت عائشة تخرج المرأة من بيتها إذا توفى عنها زوجها
لا ترى به بأسا وأبى الناس الا خلافها فلا نأخذ بقولها وندع قول الناس *
قال أبو محمد: لا ندري من هؤلاء الناس والشرط ناس ولا حجة في الناس على
الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إنما كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم هو الحجة على الناس،
وقد حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كل أحد على سواه إلا بحق، ومنزل
الميت اما للغرماء وأما للورثة بعد الوصية ليس لامرأته فيه حق ان كانت وارثة الا
مقدار حصتها فقط، وما عدا ذلك فحرام عليها إلا بطيب أنفس الورثة، وأما كلام

(1) في النسخة رقم 16 تبرزنا
(2) في النسخة رقم 16 أول عاص له
302

أيوب فزلة عالم قد حذر منها قديما، وأما تمويه المحتج به وهو يدرى بطلانه فمصيبة، أما
قوله نقلها عن دار الامارة فوا فضيحتاه. وهل كان في المدينة قط دار امارة مدة رسول الله
صلى الله عليه وسلم. وأبى بكر. عمر. وعثمان. وعلى. ومعاوية، وهل سكن كل واحد من هؤلاء الا في دار
نفسه لكن لما رأى أيوب رحمه الله دار الامارة بالبصرة ظن أنها بالمدينة كذلك وأن عمر
ابن الخطاب سكن في دار الامارة بالمدينة فيا للعجب، وكذلك قوله عن عائشة أم المؤمنين
إنما نقلتها إلى بلادها فهذه طامة أخرى هو يسمع حجت بها في عدتها ويقول: نقلتها إلى
بلادها وهي المدينة، وهل يخفى على أحد انه ضد قول أيوب وانها إنما نقلتها عن بلادها
وهي المدينة وعن الموضع الذي قتل فيه زوجها طلحة رضي الله عنه وهو البصرة إلى مكة
التي ليست لها بلدا، ولكن من ذا عصم من الخطأ من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي تكفل الله تعالى له بالعصمة * وأما تهويلهم بعمر. وعثمان فإنما الرواية عنهما في
ذلك وعن أم سلمة وزيد منقطعة ونحن نأتيهم عنهم بمثلها سواء سواء قد أوردنا في تلك
الرواية نفسها ان زيد بن ثابت أرخص للمتوفى عنها أن تبقى عن منزلها بياض يومها أو
ليلتها، وهذا خلاف قولهم، وعن أم سلمة ان تبقى عن منزلها أحد طرفي الليل فليت شعري
ما الفرق بين الطرف الواحد والطرف الثاني، وأما عمر فروينا من طريق سعيد بن منصور
نا يحيى بن سعيد - هو القطان - عن أيوب بن موسى عن سعيد بن المسيب أن امرأة
توفى عنها زوجها فكانت في عدتها فمات أبوها فسئل لها عمر بن الخطاب فرخص لها أن
تبيت الليلة والليلتين وهذا خلاف قوله، فمرة عمر حجة ومرة ليس بحجة من مثل تلك
الرواية نفسها، وقد ذكرنا الرواية الثابتة عن ابن عمر نفقة المتوفى عنها من جميع المال،
وقول سالم ابنه كنا ننفق عليهن حتى نبتم ما نبتم فتركوا هذا كله وتركوا. عمر. وعثمان وأم
المؤمنين. وابن مسعود حيث أحبوا وشنعوا بخلافهم وان خالف ما جاء عنهم السنن
الثابتة حيث أحبوا ووالله قسما برا ما اتبع الحاضرون منهم قط عمر وعثمان ولا ابن
عمر ولا ابن مسعود، ولا عائشة، وما اتبعوا الا أبا حنيفة. ومالكا. والشافعي، ثم
لا مؤونة عليهم في انكار ما يعرفونه من أنفسهم من ذلك ويعلمه الله تعالى والناس منهم
وبالله تعالى نعوذ من مثل هذا وحسبنا الله ونعم الوكيل *
2005 مسألة والأمة المعتدة لا تحل لسيدها حتى تنقضي عدتها لقول الله
تعالى: (ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا) والسر النكاح، والسر
أيضا ضد الاعلان وكلاهما ممنوع بنص الآية ولا خلاف في هذا *
2006 مسألة ولا عدة من نكاح فاسد * برهان ذلك انها ليست مطلقة
ولا متوفى عنها، ولم يأت بايجاب عدة عليها قرآن ولا سنة ولا حجة في سواهما *
303

2007 مسألة ولا عدة على أم ولد ان أعتقت أو مات سيدها ولا على
أمة من وفاة سيدها أو عتقه لها لأنه لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة، ولهما أن ينكحا متى
شاءتا لأنه لا عدة عليهما وما كان ربك نسيا، إلا أنها ان خافت حملا تربصت حتى توقن
بأن بها حملا أو انها لأحمل بها، وقد اختلف في هذا فقول أول كما نا حمام نا عباس بن
أصبغ. نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا عبد الله بن بكر السهمي
نا سعيد - يعنى ابن أبي عروبة - عن مطر الوراق عن رجاء بن حياة عن قبيصة بن ذؤيب
عن عمرو بن العاصي قال: لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد إذا توفى عنها
سيدها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة أن عمرو بن العاص قال في المعتقة عن دبر إذا كان سيدها يطؤها وان
لم تلد فعدتها إذا مات عنها أربعة أشهر وعشر * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن
عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن
ابن مهدي نا سفيان الثوري عن ثور بن زيد عن رجاء بن حياة أن عمرو بن العاص
قال: عدة أم الولد ثلاثة قروء * وبه إلى عبد الرحمن بن مهدي نا حماد بن سلمة عن محمد بن
عمرو قال: ان عمر بن عبد العزيز. والزهري قالا جميعا: عدة أم الولد من وفاة سيدها
أربعة أشهر وعشر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عدة أم الولد من وفاة
سيدها أربعة أشهر وعشر فان كانت أمة يطؤها ولم تلد له فمات فتستبرأ بشهرين وخمس
ليال * ومن طريق حماد بن سلمة أخبرنا حميد قال: سألت الحسن البصري عن عدة أم
الولد إذا توفى عنها سيدها قال: تعتد أربعة أشهر وعشرا * وبه إلى حميد عن عمارة عن
سعيد بن جبير قال: عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها أربعة أشهر عشر * وبه إلى
حماد أخبرنا قيس عن مجاهد في أم الولد إذا توفى عنها سيدها قال: تعتد أربعة أشهر
وعشرا * وبه إلى حماد أنا داود - هو ابن أبي هند - عن سعيد بن المسيب قال في أم الولد يتوفى عنها
سيدها عدتها أربعة أشهر وعشر، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حمام بن يحيى قال: سئل
قتادة عن عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها فقال: قال سعيد بن المسيب. وخلاس بن عمرو.
وأبو عياض: عدتها عدة الحرة أربعة أشهر وعشر * ومن طريق حماد بن سلمة أرنا
محمد بن عمرو عن عبادة بن نسي ان عبد الملك بن مروان كتب إليه في أم ولد تزوجت
قبل أن تمضى لها أربعة أشهر وعشر ان يفرق بينهما ويعزرهما وهو قول محمد بن سيرين.
والأوزاعي. وإسحاق بن راهويه، وقول ثنا يجعل عدتها في العتق والوفاة ثلاثة
قروء، روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن المبارك عن الحجاج بن أرطأة عن الحكم
304

ابن عتيبة عن علي بن أبي طالب قال: عدة السرية ثلاث حيض * ومن طريق سعيد
ابن منصور نا يزيد بن هارون عن حجاج بن أرطأة عن الشعبي عن علي بن أبي طالب.
وابن مسعود قالا جميعا في أم الولد: عدتها إذا مات عنها سيدها ثلاثة قروء * ومن
طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء فيمن أعتق سرية وهي حبلى قال: تعتد
ثلاث حيض وهي امرأة حرة وقاله أيضا عمرو بن دينار، ومن طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن الحكم بن عتيبة قال: الأمة يصيبها
سيدها فلم تلد له فأعتقها فعدتها ثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان
الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم النخعي قال: عدة السرية إذا أعتقت
أو مات عنها سيدها ثلاث حيض وهو قول سفيان. وأبي حنيفة. أصحابه. والحسن بن
حي، واستحب لها الاحداد، وقول ثالث كما روينا من طريق حماد بن سلمة أرنا داود
ابن أبي هند عن الشعبي ان ابن عمر قال في عدة أم الولد إذا أعتقها سيدها في مرضه
ثم توفى فإنها تعتد ثلاث حيض فإن لم يعتقها فحيضة واحدة، وقول رابع روينا من
طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا داود عن الشعبي عن ابن عمر قال: تعتد حيضة
واحدة - يعنى أم الولد قال هشيم: وارنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال:
عدتها حيضة واحدة قال إسماعيل بن أبي خالد: وهو قول أبى قلابة. وروينا من
طريق مالك عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد وذكر ان ابن يزيد بن عبد الملك
فرق بين رجال ونسائهم وكن أمهات أولاد فتزوجن بعد حيضة أو حيضتين ففرق
بينهم حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا فقال القاسم: عدة أم الولد إذا توفى عنها
سيدها حيضة، وروى أيضا عن مكحول وهو قول الشافعي: وأبى عبيد وقول خامس
عدتها حيضة فإن لم تحض فثلاثة أشهر وهو قول مالك *
قال أبو محمد: لقد كان يلزم الحنيفيين والمالكيين القائلين: ان المرسل
كالمسند أن يقولوا بما روينا عن عمرو بن العاص، ومن العجب قولهم في قول سعيد
ابن المسيب في دية أصابع المرأة هي السنة ان هذا اسناد تقوم به الحجة ولم يقولوا ذلك
في قو عمرو بن العاص في عدة أم الولد لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم فياليت شعري
من أولى بمعرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى ان يصدق عمرو بن العاص صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أو سعيد بن المسيب، والعجب انهم يدعون العمل بالقياس وهم قد قاسوا
العقد الفاسد المفسوخ الذي لا يحل عندهم اقراره على النكاح الثابت الصحيح في
ايجاب العدة فيهما ولم يقيسوا أم الولد المتوفى عنها على الزوجة المتوفى عنها، والعجب
305

من احتجاج الحنيفيين بان الله تعالى لم يجعل عدة الوفاة الا على الزوجة ولم يحتجوا
على أنفسهم بان الله تعالى لم يجعل العدة بالأقراء وبالشهور الا على مطلقة ولكنهم
قوم لا يفقهون *
قال أبو محمد: لو صح خبر عمرو مسندا لسارعنا إلى القول به، وفيه أيضا
مطر وهو سيئ الحفظ، وأما قول مالك فما نعلم له سلفا إذ عوض من حيضة واحدة
ثلاثة أشهر بلا برهان *
قال أبو محمد: لم يوجب الله تعالى قط عدة إلا على زوجة متوفى عنها أو
مطلقة أو مخيرة إذا أعتقت فاختارت فراق زوجها وما كان ربك نسيا ومن يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه، وقياس من ليست زوجة على زوجة باطل بكل حال وبالله
تعالى التوفيق *
2008 مسألة: وعدة الأمة المتزوجة من الطلاق والوفاة كعدة الحرة
سواء سواء ولا فرق لان الله عز وجل علمنا العدد في الكتاب فقال: (والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)، قال تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر عشرا) وقال تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من
نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن) *
قال أبو محمد: وقد علم الله عز وجل إذ أباح لنا زواج الإماء أنه يكون عليهن
العدد المذكورات فما فرق عز وجل بين حرة ولا أمة في ذلك وما كان ربك نسيا،
ونعوذ بالله تعالى من الاستدراك على الله عز وجل والقول عليه بما لم يقل ومن أن نشرع
في الدين ما لم يأذن به الله، وقد اختلف في هذا فروينا من طريق الحجاج بن المنهال
نا حماد بن زيد عن عمرو بن أوس الثقفي ان عمر بن الخطاب قال: لو استطعت ان
اجعل عدة الأمة حيضة ونصفا لفعلت فقال له رجل: يا أمير المؤمنين فاجعلها
شهرا ونصفا * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر
ابن عبد الله يقول: جعل لها عمر حيضتين يعنى الأمة المطلقة * ومن طريق
عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سليمان بن
يسار عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عمر بن الخطاب قال: ينكح العبد اثنتين
ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تحض فشهرين. وقال فشهرا ونصفا *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن المغيرة عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود
306

قال: يكون عليها نصف العذاب ولا يكون لها نصف الرخصة * ومن طريق حماد
ابن سملة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ابن عمر قال: الحر يطلق الأمة تطليقتين
وتعتد حيضتين * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني
قبيصة بن ذوئيب انه سمع زيد بن ثابت يقول: عدة الأمة حيضتان * ومن طريق
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن
عتبة بن مسعود قال: ينكح العبد اثنتين وعدة الأمة حيضتان، قال معمر: وهو
قول الزهري * ومن طريق عبد الزراق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب عدة
الأمة حيضتان قال معمر: وهو قول الزهري، ومن طريق عبد الرزاق عن داود
ابن قيس قال: سألت سالم بن عبد الله بن عمر عن عدة الأمة قالك حيضتان وان كانت
لا تحيض فشهر ونصف * ومن طريق ابن وهب عن أسامة بن زيد عن زيد بن أسلم
عدة الأمة حيضتان * ومن طريق ابن وهب أخبرني رجال من أهل العلم ان نافعا.
وابن قسيط. ويحيى بن سعيد. وربيعة. وغير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
والتابعين عدة الأمة حيضتان * ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان.
وقتادة وداود بن أبي هند قال حماد عن إبراهيم النخعي وقال قتادة عن الحسن وقال
داود: عن الشعبي قالوا كلهم. عدة الأمة حيضتان * ومن طريق ابن وهب أخبرني
هشام بن سعد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: عدة الأمة حيضتان قال
القاسم مع أن هذا ليس في كتاب الله عز وجل ولا نعلمه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولكن قد مضى أمر الناس على هذا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عطاء في عدة الأمة صغيرة أو قاعدا قال: قال عمر بن الخطاب: شهر ونصف * ومن
طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب. وأبى قلابة انهما قالا جميعا: الأمة
إذا طلقت وهي لا تحيض تعتد شهرا ونصفا * ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي
سليمان عن إبراهيم النخعي قال: عدة الأمة التي طلقت ان شاءت شهرا ونصفا
وان شاءت شهرين وان شاءت ثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري عدة الأمة شهر ان لكل حيضة شهر، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد
ابن زيد عن عمرو بن دينار قيل له ان ابن جريج يقول عن عطاء في عدة الأمة التي
لا تحيض خمس وأربعون ليلة فقال عمرو: اشهد على عطاء أنه قال: عدتها شهر ان إذا
كانت لا تحيض، وقال أبو حنيفة. وأصحابه. وسفيان الثوري. والحسن بن حي.
والشافعي. وأصحابه: عدة الأمة المطلقة التي لا تحيض شهر ونصف، وقالوا كلهم:
307

عدتها حيضتان الا الشافعي فإنه قال: طهران فإذا رأت الدم من الحيضة الثانية فهو
خروجها من العدة * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الكريم
البصري عن مجاهد قال: عدة الأمة التي لا تحيض ثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد قال: قال الحسن: عدة الأمة التي لا تحيض
ثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن صدقة بن يسار قال: خاصمت
إلى عمر بن عبد العزيز في أمة لم تحض فجعل عدتها ثلاثة أشهر * ومن طريق ابن
وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة قال في الأمة حاضت أو لم تحض أو قعدت: ينتظر
بها ثلاثة أشهر لا نعلم براءتها الا براءة الحرة ههنا، قال ابن وهب: وأخبرني رجال من
أهل العلم عن عمر بن الخطاب وابن شهاب. وبكير بن الأشج وغيرهم ان عدة الأمة
التي يئست من المحيض والتي لم تبلغ ثلاثة أشهر وهو قول مالك. وأصحابه. والليث
ابن سعد *
قال أبو محمد: وروى عن ابن عمر. وسعيد بن المسيب. وسليمان بن يسار.
وربيعة. ويحيى بن سعيد. وبان قسيط من طرق ساقطة عدة الأمة من الوفاة شهران
وخمس ليال، وصح ذلك عن عطاء. وقتادة. والزهري وهو قول أبي حنيفة.
والشافعي. ومالك. وأصحابهم، وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب
السختياني عن محمد بن سيرين قال: ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة الا أن تكون
مضت في ذلك سنة فالسنة أحق ان تتبع، وذكر عن أحمد بن حنبل ان قول مكحول
ان عدة الأمة في كل شئ كعدة الحرة وهو قول أبى سليمان وجميع أصحابنا *
قال أبو محمد: احتج من رأى أن عدتها حيضتان بما روينا من طريق أبى داود
هو السجستاني نا محمد بن مسعود نا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر بن أسلم
عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلاق
الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان * وبماناه حمام بن أحمد نا يحيى بن مالك بن عائذ
نا عبد الله بن أبي غسان نا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي نا محمد بن إسماعيل
ابن سمرة نا عمر بن شيب المسلى نا عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان " *
قال أبو محمد: ما تعلقوا من الآثار الا بهذا، وهذان الخبر ان لا يسوغ
للمالكيين ولا للشافعيين الاحتجاج بهما لأنهما مبطلان لمذهبهما لان الطلاق عندهما
الرجال، والأقراء الأطهار فان صححوهما لزمهما ترك مذهبهما في ذلك وان أبطلوهما
308

فقد كفونا مؤنتهم في هذين الخبرين * وأما الحنيفيون فإنهم احتجوا بهما وهما
ساقطا لان أحدهما من طريق مظاهر بن أسلم وهو في غاية الضعف والسقوط، والعجب أن
الحنيفيين من أصولهم ان الراوي إذا خالف خبرا رواه أو ذكر له فلم يعرفه فإنه
دليل على سقوط ذلك الخبر احتجوا بذلك في خبر اليمين مع الشاهد وبالخبر
الثابت من مات وعليه صيام صام عنه وليه، وفي الخبر الثابت أيما امرأة نكحت
بغير اذن مواليها فنكاحها باطل، وفي الخبر الثابت في رفع اليدين عند الركوع والرفع
منه، وفي الخبر الثابت في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا، ثم يتعلقون بهذا
الخبر الساقط الذي لا خير فيه، وقد صح عن القاسم بن محمد كما ذكرنا آنفا ان الحكم
بأن عدة الأمة حيضتان لم يأت به سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويردون الاخبار بأنها
زائدة على ما في القرآن كما فعلوا في الخبر الثابت بالمسح على العمامة ثم يحتجون بهذين
الخبرين الساقطين وهما مخالفان لما في القرآن حقا فاعجبوا لعظيم تناقض هؤلاء القوم،
والخبر الثاني من طريق عمر بن شيب المسلى. وعطية وهما متفق على ضعفهما فلا يحل
الاخذ بهما ولو صحا لما سبقوا إلى القول بهما وقالوا: وهو قول جمهور السلف الصالح
من الصحابة والتابعين *
قال أبو محمد: وهذا أيضا لا يمكن المالكيين ولا الشافعيين الاحتجاج
بهذا لأنهم مخالفون لكل من جاء عنه في ذلك قول من الصحابة رضي الله عنهم لان الثابت
عن عمر بن الخطاب وابنه. وزيد بن ثابت والمأثور عن ابن مسعود أن عدة الأمة
حيضتان وهذا خلاف قول المالكيين. والشافعيين. وإذا جاز عندهم أن يخطئ الصحابة
في مئية الأقراء من الأمة فلا ننكر على من قال بذلك في كمية عدتها * وأما الحنيفيون
فإنما صح ذلك عن عمر. وابنه. وزيد فقط، وأيضا فان عمر قد بين انه رأى منه ولا حجة
في رأى وقد صح عن عمر. وابنه. وزيد التحذير من الرأي ولا حجة في رأى أحد، وعمر
يقول: لو استطعت أن أجعل عدتها حيضة ونصفا لفعلت، وما ندري كيف هذا وأي
امتناع في أن يقول إذا رأت جمهور الحيضة وفورها قد أخذ في الانحطاط فقد حلت
لأنه بلا شك قد مضى نصف الحيضة، وقد قلنا: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقد ذكرنا فيما خلا من المسائل في كتابنا هذا قبل هذه المسألة ما قالوه مما خالفوا فيه
بآرائهم جمهور الصحابة رضي الله عنهم بل كل من روى عنه في ذلك قول مما لا يعرف ان
أحدا قاله قبلهم كثيرا جدا كقولهم فيما يحل به وطئ الحائض إذا رأت الطهر، وكقولهم
في صفة الاحداد وغير ذلك كثيرا جدا، وقد قلنا: لا حجة في قول أحد دون القرآن
309

والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * واحتجوا بأنه لما كان حد الأمة نصف حد الحرة وجب
أن تكون عدتها نصف عدة الحرة *
قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه
أفسد قياس وأشده بطلانا لم نبينه عليه إن شاء الله تعالى، والعجب فيما روى ولم يصح
عن ابن مسعود أيجعلون عليها نصف العذاب ولا يجعلون لها نصف الرخصة؟ وأن هذا
لبعيد عن رجل من عرض الناس فكيف عن مثل بن مسعود رضي الله عنه لأنه يقال لقائل
هذا القول ومصوبه ما نحن جعلنا عليها نصف العذاب ولا نحن نجعل لها نصف الرخصة
بل الله تعالى جعل عليها نصف العذاب حيث شاء ولم يجعل لها نصف الرخصة وما كان
ربك نسيا، ثم هبك لو جعلنا نحن عليها نصف العذاب وكان ذلك مباحا لنا أن نجعله فمن
أين وجب علينا أن نجعل لها نصف الرخصة إن هذا لعجب لا نظير له * وأما فساد
هذا القياس فان قياس هذه العدة على حد الزنا فاسد لأنه لا شبه بين الزنا الموجب للحد وبين
موت الزوج وطلاقه، والقياس عندهم باطل إلا على شبه بين المقيس والمقيس عليه فصح
على أصولهم بطلان هذا القياس فكيف عند من لا يجيز القياس أصلا، والحمد لله رب العالمين
ثم فساد آخر وهو أنهم أوجبوا القياس على نصف الحد في الأمة وهم لا يختلفون في أن
حد الأمة في قطع السرقة كحد الحرة فمن أين وجب أن تقاس العدة عندهم على حد الزنا
دون أن يقيسوه على حد السرقة؟ ثم هلا قاسوا عدة الأمة من الطلاق والوفاة بالأقراء
وبالشهور على ما لا يختلفون فيه من أن عدتها من كل ذلك إن كانت حاملا كعدة الحرة
فلئن صح القياس يوما فان قياس العدة من الوفاة والطلاق على العدة من الوفاة والطلاق لاشك
عند من عنده أدنى فهم أولى من قياس العدة على حد الزنا فلاح فساد قياسهم في ذلك كظهور
الشمس يوم صحو والحمد لله رب العالمين * ثم العجب كله من قياس مالك عدة الأمة من
الوفاة على عدتها عنده بالأقراء ثم لم يقس عدة الأمة بالشهور من الطلاق على عدتها
بالشهور من الوفاة بل جعل عدة الأمة بالشهور من الطلاق كعدة الحرة ولا فرق،
وهذه مناقضات وأقوال فاسدة لا تخفى على ذي حظ من فهم، ثم عجب آخر وهو
أنهم جعلوا عدة الأمة من الوفاة نصف عدة الحرة من الوفاة شق الأنملة ثم اختلفوا فجعل
أبو حنيفة والشافعي عدة الأمة بالشهور من الطلاق نصف عدة الحرة بالشهور من الطلاق
وجعل مالك عدة الأمة من الطلاق بالشهور كعدة الحرة من الطلاق بالشهور سواء سواء،
ثم جعلوا ثلاثتهم عدة الأمة بالأقراء ثلثي عدة الحرة بالأقراء فهل في التلاعب أكثر من
هذا مرة نصف عدة الحرة ومرة مثل عدة الحرة ومرة ثلثي عدة الحرة كل هذا بلا قرآن
310

ولا سنة ولا قياس يعقل، وكل هذا قد اختلف فيه السلف وقبل وبعد فعلى أي شئ
قاسوا قولهم في عدتهما بالأقراء ثلثي عدة الحرة وحسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله
كثيرا على توفيقه إيانا للحق وتيسيره للصواب، ولقد كان يلزمهم إذ قاسوا عدة الأمة
على حدها أن لا يوجبوا عليها إلا نصف الطهارة ونصف الصلاة ونصف الصيام قياسا
على حدها، والذي يلزمهم أكثر مما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *
2009 مسألة وتعتد المطلقة غير الحامل والحامل المتوفى عنها من حين يأتيها
خبر الطلاق وخبر الوفاة وتعتد الحامل المتوفى عنها من حين موته فقط * برهان ذلك قول الله
عز وجل: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا)،
وقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال تعالى: (فعدتهن
ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فلابد من أن يفضون إلى العدة من الوفاة والقروء. وعدة
الأشهر بنية لها وتربص منهن وإلا فذلك عليهن باق، وأما الحامل فان الله تعالى يقول:
(وأولات الأحمال أجلهن ان يضعن حملهن) فليس ههنا فعل أمرن بقصده والنية له لكن
المطلقة الحامل خرجت من ذلك بما ذكرنا قبل من أنه لا يكون طلاق الغائب طلاقا أصلا
حتى يبلغها فأغنى ذلك عن إعادته وبقيت المتوفى عنها على وضع الحمل أثر موت الزوج
وبالله تعالى التوفيق، وفي هذا خلاف قديم صح عن ابن عمر. وابن عباس انها تعتد من
يوم مات أو طلق، ورويناه عن ابن مسعود من طريق ابن أبي شيبة نا أبو الأحوص سلام بن
سليم عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود، وصح أيضا عن سعيد بن المسيب.
والنخعي. والشعبي. وعطاء. وطاوس. ومجاهد. وسعيد بن جبير. وأبى الشعثاء جابر
ابن زيد. والزهري. وسليمان بن يسار وأبى قلابة. ومحمد بن سيرين. وعكرمة. ومسروق.
وعبد الرحمن بن يزيد، وهو قول أبي حنيفة. ومالك. والشافعي. وأصحابهم، وقال
آخرون غير ذلك كما ناه محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عوف الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن
عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار نا أبو داود الطيالسي نا شعبة عن أبان بن ثعلبة
عن الحكم بن عتيبة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي بن أبي طالب في المتوفى عنها
قال: عدتها من يوم يأتيها الخبر * ومن طريق وكيع عن أبي الأشهب عن الحسن
البصري قال: تعتد من يوم يأتيها الخبر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري.
ومعمر قال سفيان عن يونس بن عبيد وقال معمر عن أيوب ثم اتفق يونس وأيوب
كلاهما عن الحسن في الطلاق والموت تعتد من يوم يأتيها من زوجها الخبر زاد أيوب
في روايته ولها النفقة قال معمر: وقاله قتادة * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن
311

خلاس بن عمرو قال: تعتد من يوم يأتيها الخبر، وقال آخرون: من يوم تقوم
البينة كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب. وأبى الشعثاء جابر
ابن زيد. وأبى قلابة قالوا كلهم في امرأة جاءها طلاق أو موت قالوا: تعتد من يوم
قامت البينة * ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر الثقفي - هو عبد الوهاب
ابن عبد المجيد - قال أبو خالد عن داود عن سعيد بن المسيب. والشعبي، وقال
عبد الوهاب عن يزيد عن مكحول قالوا كلهم في الرجل يطلق أو يموت إذا قامت
البينة فتعتد من يوم يموت وان لم تقم لها بينة فمن يوم يأتيها الخبر * ومن طريق
عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: قال حماد بن أبي سليمان. ومنصور بن المعتمر عن
إبراهيم النخعي قال: ما أكلت بعد موته وهي لا تدري بموته، فهو لما ما حبست نفسها عليه،
وصح عن الشعبي أنه يؤخذ منها إلا قدر ميراثها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال:
لا يتوارثان ولا رجعة له عليها في قول الفريقين جميعا قاله قتادة عن علي. وابن مسعود *
قال أبو محمد: لم يدرك قتادة عليا ولا ابن مسعود ولا وجدنا ذلك عن غيره، الذي
نقول به انهما يتوارثان وله الرجعة عليها ما لم يبلغها طلاقه بالثلاث ولا ترد ما اكلت في
الطلاق لأنها زوجته ما لم يبلغها أو يأتيها الخبر، وأما في الموت فبخلاف ذلك وترد ما اكلت
لأنها أكلت مال الورثة أو مال الغرماء ولا حق لها عندهم إنما حقها في مال الزوج فما
دام المال ماله فحقها فيه باق وبالله تعالى التوفيق *
2010 - مسألة - وإذا تنازع الزوجان في متاع البيت في حال الزوجية أو
بعد الطلاق أو تنازع أحدهما مع ورثة الآخر بعد الموت أو ورثتهما جميعا بعد موتهما
فكل ذلك سواء وكل ذلك بينهما مع أيمانهما أو يمين الباقي منهما أو ورثة الميت منهما
أو ايمان ورثتهما معا وسواء في ذلك السلاح والحلي ومالا يصلح إلا للرجال أو الا
للنساء أو للرجال والنساء إلا ما على ظهر كل واحد منهما فهو له مع يمينه، وقد اختلف
السلف في هذا على أقوال، فقول كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري
أنه قال في تداعى الزوجين البيت بيت المرأة إلا ما عرف للرجل * ومن طريق
معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة في ذلك مثل قول الزهري * ومن طريق
عبد الرزاق نا معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن الحسن البصري قال للمرأة ما أغلق عليه
بابها إذا مات زوجها * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيا الثوري عن يونس بن عبيد
عن الحسن قال: ليس للرجل الا سلاحه وثياب جلده * ومن طريق عبد الرزاق عن
معمر عن قتادة قال: أما ما أحدث الرجل من متاع فهو له إذ أقام عليه البينة *
312

ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا منصور عن الحسن في رجل طلق امرأته أو مات
عنها. - وقد أحدثت في بيته أشياء - فقال الحسن: لها ما أغلقت عليه بابها الا سلاح الرجل
ومصحفه، وقالت طائفة: غير هذا كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا
منصور عن ابن سيرين قال: ما كان من صداق فهو لها وما كان من غير صداق فهو
ميراث، وقول ثالث كل شئ للرجل الا ما على المرأة من الثياب أو الدرع والخمار
وهو قول ابن أبي ليلى، وقول رابع كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الله
ابن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى ثنا
الضحاك بن مخلد - هو أبو عاصم - عن سفيان الثوري عن عبيدة بن مغيث عن إبراهيم
النخعي أنه قال في الرجل إذا مات فادعت المرأة متاع البيت أجمع قال: إن كان من
متاع الرجل فهو للرجل وأما ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان مما يكون
للرجل وللمرأة فهو للباقي منهما فإن كان فرقة وليس موتا فهو للرجل، وقول خامس كما
روينا من طريق سعيد بن منصور نا سويد بن عبد العزيز قال: سألت ابن شبرمة
عن تداعى الزوجين فقال: متاع النساء للنساء ومتاع الرجال للرجال (1) وما كان
من متاع يكون للرجال والنساء فهو بينهما، وسألت ابن أبي ليلى عن ذلك فقال مثل قول ابن
شبرمة وزاد في الحياة والموت * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا من سمع ابن
ذكوان المدني وعثمان البتي يقولان: ما كان للرجال والنساء فهو بينهما، وهو قول
عبيد الله بن الحسن. والحسن بن حي. وأحد قولي زفر وأوجبوا الايمان مع ذلك كله،
وقول سادس كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن ابن شبرمة. وابن أبي ليلى
قالا جميعا: ما كان للرجال فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان مما يكون
للرجال والنساء فهو للرجل (2) وهو قول الحكم وهو قول مالك الفرقة والموت سواء
في ذلك عنده ويحلف كل واحد منهما في كل ذلك * وقول سابع كما روينا من طريق سعيد
ابن منصور نا هشيم أخبرنا من سمع الحكم بن عتيبة وسعيد بن اشوع يقولان ما كان للرجال فهو
للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان للرجال والنساء فهو للمرأة وبهذا يقول
هشيم * وقول ثامن كما روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا غندر عن شعبة عن حماد انه
سئل عن متاع البيت فقال: ثياب المرأة للمرأة وثياب الرجل للرجل وما تشاجرا فيه ولم
يكن لهذا ولا لهذا [بينة] (3) فهو للذي في يديه، وقال أبو حنيفة: إن كان أحد الزوجين

(1) في النسخة رقم 16 ومتاع الرجل للرجل
(2) في النسخة رقم 14 مما يكون للرجل والمرأة فهو للرجل
(3) الزيادة من النسخة رقم 14
313

مملوكا والآخر حرا فالمال كله لمن كان منهما حرا مع يمينه، وكذلك قال أبو يوسف،
محمد إلا أن يكون العبد مأذونا له في التجارة فهو كالحر في حكمه في ذلك، ثم اختلفوا فقال
أبو يوسف: فان كانا حرين أو مكاتبين أو مأذونين لهما في التجارة أو أحدهما حرا
والآخر مكاتبا أو مأذونا له في التجارة أو مسلمين أو أحدهما فإنه يقضى للمرأة بمثل
ما تجهز به إلى زوجها فما بقي بعد ذلك فسواء كان مملا يصلح إلا للرجال أو لا يصلح الا
للنساء أو يصلح للرجال والنساء فكل ذلك للرجل مع يمينه في الفرقة والموت، وقال
أبو حنيفة في كل هؤلاء: ما كان من متاع الرجال فهو للرجل مع يمينه وما كان من
متاع النساء فهو للمرأة مع يمينها هذا في الفرقة والموت، وما صلح للرجال والنساء فهو
للرجل مع يمينه في الفرقة وهو للباقي منهما أيهما كان، ووافقه على كل ذلك محمد بن الحسن
إلا في الموت فإنه جعل ما يصلح للرجال والنساء للرجل أو لورثته مع يمينه أو أيمانهم *
وقول تاسع كما قلنا نحن وهو قول سفيان الثوري. والقاسم بن معن بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن مسعود القاضي، وشريك بن عبد الله القاضي. والشافعي. وأبي سليمان
وأصحابهما. وأحد قولي زفر بن الهذيل. وقول الطحاوي *
قال أبو محمد: احتج من قال بأن ما صلح للرجال فهو للرجل وما صلح للنساء
فهو للمرأة بما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا سويد بن عبد العزيز الدمشقي نا أبو نوح
المدني من آل أبي بكر قال نا الحضرمي رجل قد سماه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول
الله صلى الله عليه آله وسلم: " متاع النساء للنساء ومتاع الرجال للرجال " *
قال أبو محمد: هذا خبر موضوع مكذوب لا يحل لاحد أن يرويه إلا على بيان
وضعه، سويد بن عبد العزيز مذكور بالكذب، وأبو نوح لا يدرى أحد من هو،
والحضرمي مثل ذلك ثم لو صح لكان غير حجة لهم لان ظاهره أن لكل أحد متاعه الذي
بيده لأنه لم يقل فيه ان اختلف الزوجان ولا قال فيه ما صلح للرجال ولا ما صلح للنساء
وإنما فيه متاع النساء ومتاع الرجال، والمتاع هو متاع المرء الذي في ملكه سواء صلح له
أو لم يصلح له وإذا لم يخص به اختلاف الزوجين فليس لأحد أن يخص هذا الباب دون
اختلاف الأخ والأخت فبطل تمويههم بهذا الخبر المكتوب *
قال أبو محمد: ولا يختلف المخالفون لنا من الحنيفيين والمالكيين في أخ وأخت
ساكنين في بيت فتداعيا ما فيه انه بينهما بنصفين مع أيمانهما ولم يحكموا في ذلك بما
حكموا به في الزوجين: وكذلك لم يختلفوا في عطار ودباغ أو بزار ساكنين في بيت في
أن كل ما في البيت بينهما مع أيمانهما ولم يحكموا ان ما كان من عطر فللعطار وما كان من
314

آلة الدباغ فللدباغ وما كان من آلة البز فللبزاز فظهر تناقضهم وفساد قولهم بيقين وانه
ظن كاذب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث " *
برهان صحة قولنا أن يد الرجل ويد المرأة على ما في البيت الذي يسكناه أو دار سكناهما
أي شئ. كان فليس أحدهما أولى به فهو لهما إذ هو بأيديهما مع ايمانهما ولا ننكر ملك
المرأة للسلاح ولا ملك الرجل للحلي وبالله تعالى التوفيق *
الاستبراء
2011 مسألة قال أبو محمد: وقد ذكرنا في كتاب اللعان من ديواننا
هذا حكم الولد يدعيه اثنان فصاعدا إذا لم يعرف أيهم (1) كان معها أو لا سواء من أمة
كان أو من حرة (2) ونذكر ههنا إن شاء الله تعالى حكم ذلك إذا كان يعرف أيهما الأول
من الأزواج أو السادات في ملك اليمين *
قال أبو محمد: من كانت له جارية يطؤها وهي ممن تحيض فأراد بيعها فالواجب
عليه أن لا يبيعها حتى تحيض حيضا يتيقنه، وكذلك إن أراد انكاحها أو هبتها أو صداقها
فان كانت ممن لا تحيض فلا يبعها حتى يوقن انه لأحمل بها ثم على الذي انتقل ملكها إليه
أن لا يطأها حتى يستبرئها بحيضة ويوقن انها حيضة أو حتى يوقن انه لأحمل بها إلا أن
يصح عنده انها قد حاضت عند الذي انتقل ملكها عنه حيضا متيقنا وانه لم يخرجها عن ملكه
حتى أيقن أنه لأحمل بها فليس عليه أن يستبرئها حينئذ ولا يجوز أن يجبر على مواضعتها
على يدي ثقة ولا أن يمنع منها لان كلا الامرين شرط ليس في كتاب الله تعالى، وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل "، وقد أباح الله
تعالى ملك اليمين فلا يلح منع المالك من أمته، والعجب أن المالكيين الموجبين للمواضعة
متفقون على أنه لا ينتفع بذلك متى ظهر بها حمل، فأي معنى لعمل لا فائدة فيه ولا تنقطع
الريبة دون أن يوجبه نص *
قال أبو محمد: ولا يجب في البكر استبراء أصلا فان ظهر بها عند المشترى أو
الذي انتقل ملكها إليه أو الذي تزوجها حمل بقيت بحسبها حتى تضع أو حتى توقن بأن
الحمل كان قبل انتقال ملكها إليه فان تيقن بذلك فسخ البيع والهبة والاصداق والنكاح
وردت إلى الذي كانت له فإن كان تزوجها وهي أمة أمر بأن لا يطأها حتى تضع ولم يفسخ
النكاح لما قد ذكرناه في كتاب النكاح من ديواننا هذا، وجملته أنه لا عدة على أمة من
غير زوج فإذا لم تكن في عدة فنكاحها جائز فإن لم يوقن ذلك حتى تضع نظر فإن كان

(1) في النسخة رقم 14 " أيهما "
(2) في النسخة رقم 14 أو من زوجة
315

وضعها لأقل من تسعة أشهر من حين أنكر الأول وطئها أو لأقل من ستة أشهر
من حين وطئها الثاني. فالولد للأول بلا شك وان ولدته لأكثر من تسعة أشهر بطرفة
عين من حين وطئها الثاني فالولد للثاني بلا شك، فان ولدته لأكثر من تسعة أشهر من حين
أمكن الأول وطئها ولأقل من ستة أشهر من حين وطئها الثاني فهو غير لاحق بالأول
ولا بالثاني وهو مملوك للثاني ان كانت أمه أمة إلا أنها يعتق عليه ولابد لما ذكرنا في
كتاب العتق فلو ولدته لأقل من تسعة أشهر من حين أمكن الأول وطئها ولأكثر من
ستة أشهر من حين وطئها الثاني فهو للأول ولا بد لان فراشه كان قبل فراش الثاني فلا
ينتقل عنه إلا بنص أو يقين من ضرورة مشاهدة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولد
لصاحب الفراش " فإذ لاشك في هذا فلا يجوز أن يبطل الفراش الأول الذي هو
المتيقن ويصح فراش ثان بظن لكن بيقين لا مجال للشك فيه، فان تيقن بضؤلة خلقته
انه لستة أشهر أو سبعة أشهر أو ثمانية وكانت هذه المدة قد استوفتها عند الثاني وتيقن
بذلك أنه ليس للأول فهو للثاني بلا شك، ولا يجوز أن يكون حمل أكثر من تسعة
أشهر ولا أقل من ستة أشهر لقول الله تعالى (وحمله فصاله ثلاثون شهرا)
وقال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)
فمن ادعى ان حملا وفصالا يكون في أكثر من ثلاثين شهرا فقد قال الباطل والمحال
ورد كلام الله عز وجل جهارا * وقد قال أبو حنيفة: يكون الحمل عامين، واحتج له
أصحابه بحديث فيه الحارث بن حصيرة وهو هالك ان ابن صياد ولد لسنتين وهذا
كذب وباطل، وابن حصيرة هذا شيعي يقول برجعة على إلى الدنيا، (وذكروا)
أيضا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي
سفيان عن أشياخ لهم عن عمرانه رفع إليه امرأة غاب عنها زوجها سنتين فجاء وهي
حبلى فهم عمر برجمها فقال له معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين. ان يك السبيل لك
عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها فتركها عمر حتى ولدت غلاما قد نبتت ثناياه فعرف
زوجها شبهه فقال عمر: عجز النساء أن تكون مثل معاذ لولا معاذ هلك عمر *
قال أبو محمد: وهذا أيضا باطل لأنه عن أبي سفيان وهو ضعيف عن
أشياخ لهم وهم مجهولون، ومن طريق سعيد بن منصور نا داود بن عبد الرحمن عن ابن
جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين
قدر ما يتحول ظل هذا المغزل جميلة بنت سعد مجهولة لا يدرى من هي فبطل هذا القول والحمد لله
رب العالمين، وقالت طائفة: لا يكون الحمل أكثر من أربع سنين رويناه عن سعيد بن المسيب
316

من طريق فيها علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وهو قول الشافعي ولا نعلم لهذا
القول شبهة تعلقوا بها أصلا، وقالت طائفة: يكون الحمل خمس سنين ولا يكون أكثر
أصلا وهو قول عباد بن العوام والليث بن سعد، وروى عن مالك أيضا ولا نعلم
لهذا القول متعلقا أصلا * وقالت طائفة: يكون الحمل سبع سنين ولا يكون أكثر وهو
قول الزهري. ومالك، واحتج مقلدوه بان مالكا ولد لثلاثة أعوام وان نساء بنى
العجلان ولدن لثلاثين شهرا وان مولاة لعمر بن عبد العزيز حملت ثلاث سنين وان
هرم بن حيان الضحاك بن مزاحم حمل بكل واحد منهما سنتين. وقال مالك: بلغني
عن امرأة حملت سبع سنين *
قال أبو محمد: وكل هذه أخبار مكذوبة (1) راجعة إلى من لا يصدق ولا
يعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا * وممن روى عنه مثل
قولنا عمر بن الخطاب كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يحيى
ابن سعيد الأنصاري انه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب أيما رجل
طلق امرأته فحاضت حيضه أو حيضتين ثم قعدت فلتجلس تسعة أشهر حتى يستبين
حملها فإن لم يستبن حملها في تسعة أشهر فلتعتد بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر عدة التي قد
قعدت عن المحيض *
قال أبو محمد: فهذا عمر لا يرى الحمل أكثر من تسعة أشهر وهو قول محمد
ابن عبد الله بن عبد الحكم. وأبي سليمان. وأصحابنا * قال على: الا ان الولد قد يموت
في بطن أمه فيتمادى بلا غاية حتى تلقيه متقطعا في سنين فان صح هذا فإنه حمل صحيح
لا تنقضي عدتها الا بوضعه كله (2) الا انه لا يوقف له ميراث ولا يلحق أصلا لأنه لا سبيل
إلى أن يولد حيا ولو سعت عند تيقن ذلك في اسقاطه بدوا لكان مباحا لأنه ميت
بلا شك وبالله تعالى التوفيق *
وأما ولد الزوجة لا أكثر من تسعة أشهر من آخر وطئ وطئها زوجها فهو
متيقن بلا لعان، وكذلك ان ولدته لأقل من ستة أشهر إلا أن يكون سقطا فهو له
وتصير الأمة به أم ولده وتنقضي به عدة المطلقة والمتوفى عنها، وأما استبراء الأمة
المنتقلة الملك فقد اختلف في ذلك أيضا كما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج
قال: قال عطاء: تداول ثلاثة من التجار جارية فولدت فدعا عمر بن الخطاب القافة
فالحقوا ولدها بأحدهم ثم قال عمر: من ابتاع جارية قد بلغت المحيض فليتربص بها

(1) في النسخة رقم 14 " كاذبة "
(2) في النسخة رقم 14 بوضع كله
317

حتى تحيض فان كانت لم تحض فليتربص بها خمسا وأربعين ليلة * ومن طريق الحجاج
ابن المنهال نا هشيم أرنا الحجاج ومنصور قال الحجاج عن عطاء. وقال منصور عن سعيد
ابن المسيب قالا جميعا: تستبرأ الأمة التي لم تحض بشهر ونصف * وقول ثان كما روينا
من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري. ومعمر قال سفيان عن فراس عن الشعبي عن
علقمة عن ابن مسعود، وقال معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قالا جميعا: تستبرأ الأمة
بحيضة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: كم عدة الأمة تباع؟
قال: حيضة، وقاله أيضا عمرو بن دينار * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة في الأمة تباع وقد حاضت قال: يستبرئها الذي باعها ويستبرئها الذي اشتراها
بحيضة أخرى وقال به الثوري * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن في
الأمة إذا باعها سيدها وهو يطؤها قال: يستبرئها بحيضة قبل ان يبيعها ويستبرئها
المشترى بحيضة أخرى وهو قول الشافعي. وأبي سليمان، وقول ثالث كما روينا من
طريق الحجاج بن المنهال نا هشيم نا منصور عن الحسن انه سئل عن استبراء الأمة
التي لم تحض قال: تستبرأ بثلاثة أشهر فاتينا ابن سيرين فسألناه عن ذلك فقال ثلاثة
أشهر قال هشيم: وأرنا خالد الحذاء عن أبي قلابة قال: تستبرأ الأمة بثلاثة أشهر *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: إذا كانت
الأمة عذراء لم يستبرئها ان شاء قال أيوب: يستبرئها قبل ان يقع عليها * وبه إلى
معمر عن قتادة قال في أمة عذراء اشتراها من امرأة قال: لا يستبرئها فان اشتراها
من رجل فليستبرئها، وقال سفيان الثوري. تستبرئ. التي لم تبلغ كما تستبرئ العجوز،
وقال أبو حنيفة. وأصحابه: لا يطأ الرجل الجارية يشتريها حتى يستبرئها بحيضة فان
كانت لا تحيض فشهر ولا يحل له ان يتلذذ منها بشئ قبل الاستبراء قالوا: فلو اشتراها
فلم يقبضها حتى حاضت لم يجز له ان يعد تلك الحيضة استبراء بل يستبرئها بحيضة
أخرى ولابد. قالوا فلو زوجها من رجل لم يكن عليه ان يستبرئها لا هو ولا الناكح
إلا في رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة فإنه قال: لا يطؤها حتى يستبرئها بحيضة
واختلفوا في التي تحيض تباع فترتفع حيضتها لامن حمل يعرف بها قال أبو حنيفة.
وأبو يوسف لا يطؤها حتى تمضى أربعة أشهر. وقال محمد بن الحسن: لا يطؤها حتى
يمضى عليها شهران وخمس ليال ثم رجع فقال: لا يطؤها حتى تمضى لها أربعة أشهر
وعشر ليال. وقال زفر: لا يطؤها حتى يمضى لها سنتان وهو قول سفيان الثوري، وهذه
أقوال في غاية الفساد لأنها بلا برهان.
318

قال أبو محمد: واحتج من رأى الاستبراء كما ذكرنا بما رويناه من طريق
أبى داود نا عبيد الله بن عمر بن ميسرة نا يزيد بن زريع نا سعيد - هو ابن أبي عروية - عن
قتادة عن صالح بن رستم الخزاز عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري ان بعض
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا بأوطاس فكان الناس تحرجوا من غشيانهن
من اجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل: (والمحصنات من النساء إلا
ما ملكت أيمانكم) أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن * ومن طريق أبى داود
نا عمرو بن عون أرنا شريك عن قيس بن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري
رفعه أنه قال في سبايا أوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع ولاغير ذات حمل حتى تحيض،
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن طاوس أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في بعض
مغازيه لا يقعن رجل على حامل ولا على حائل حتى تحيض، ومن طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن زكريا عن الشعبي أصاب المسلمون سبايا يوم أوطاس فأمرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يقعوا على حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة،
لا نعلم ورد في هذا غير ما ذكرنا *
قال أبو محمد: حديث طاوس. والشعبي مرسلان ولا حجة في مرسل، وخبر أبي
الوداك ساقط لان أبى الوداك وشريكا ضعيفان ثم لو صحت لكانت حجة على من
احتج بها لان فيها المنع من وطئ التي ليست حاملا حتى تحيض وهم لا يقولون بهذا بل يحدون
حدودا ليست في هذه الآثار، ومن الكبائر مخالفة أثر يحتج به المرء ويصححه وأما اخبر أبى
علقمة فهو الذي لا يصح في هذا الباب غيره فليس فيه ذكر للاستبراء أصلا لا بنص
ولا بدليل فيه إباحة وطئ المحصنات إذا ملكنا هن فقط فهو عليهم لا لهم، وأما الذي
في آخره أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن فلا شك في أنه ليس من كلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأعلى مراتبه أن يكون من كلام أبي سعيد ولا حجة في قول أحد دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ثم لو صح انه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يصح أبدا لما كانت لهم فيه حجة لأنه إنما
فيه إذا انقضت عدتهن، والعدة المعروفة في الدين ليست الا أربعة أشهر وعشرا في الوفاة
وثلاثة قروء للتي تحيض من المطلقات أو ثلاثة أشهر للتي لم تحض أو لا تحيض من المطلقات
أو وضع الحمل لمطلقة أو متوفى عنها ولا مزيد، وهم ههنا جعلوا الاستبراء بحيضة
وليس هذا عدة فبطل أن يكون لهم متعلق فيه أصلا، وأما مالك فإنه رأى الاستبراء
بالمواضعة في علية الرقيق ولم يرها في الوحش ولم يجز اشتراط النقد في ذلك ورأي
نفقتها مدة المواضعة على البائع، ورأي ما حدث فيها مدة المواضعة على البائع ورأي
319

المواضعة في البكر ولم ير مع هذا كله ان المواضعة تبرئ من الحمل وهذه أقوال لا تعرف
عن أحد قبله وهي مع ذلك في غاية المناقضة والفساد (1)، وأول ذلك ايجابه فرضا
شرط المواضعة وهو شرط ليس في كتاب الله عز وجل وأبطل شرط نقد الثمن وهو
حق للبائع مأمور في القرآن بايفائه إياه إذ يقول الله تعالى (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)
وقوله تعالى: (الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وثانيها فرقه بتفريقه في ذلك
بين العالية والوحش وهذا عجب جدا أتراهم يجهلون ان الوخش يحمل كما تحمل العالية
ولا فرق، وثالثها ايجابه النفقة على البائع وهذا أكل مال بالباطل ولا يخلو أن يكون
صح بينهما بيع أو لم يصح فإن كان صح بينهما بيع فأن شئ يوجب النفقة على البائع
على أمة غيره وإن كان لم يصح بينهما بيع فلأي معنى أوجب المواضعة، فان قالوا:
ربما ظهر بها حمل فبطل البيع قلنا: هذا لا يؤمن عندكم بعد الحيضة في المواضعة فأوجبوا
في ذلك نفقتها على البائع والا فقد ظهر فساد قولكم يقينا، وكذلك لا يؤمن ظهور
عيب يوجب الرد ولافرق، ورابعها إيجابه ما حدث فيها مدة المواضعة على البائع
فيلزمه فيها ما ألزمناه في ايجابه النفقة على البائع سواء سواء، وروينا من طريق
حماد بن سلمة أرنا علي بن يزيد عن أيوب بن عبد الله اللخمي عن ابن عمر قال: وقعت
في سهمي جارية يوم جلولاء كأن عنقها إبريق فضه قال ابن عمر: فما ملكت نفسي ان
جعلت أقبلها والناس ينظرون فقد أجاز التلذذ بل الاستبراء وبالله تعالى التوفيق *
2012 مسألة ومن استلحق ولد خادم له باعها ولم يكن عرف قبل ذلك
ببينة انه وطئها أو باقرار منه قبل بيعه لها بوطئه إياها لم يصدق ولم يلحق به سواء
باعها حاملا أو حدث الحمل بها بعد بيعه لها أو باعها دون ولدها أو باع ولدها دونها
كل ذلك سواء فلو صح ببينة عدل انه وطئها قبل بيعه لها أو بأنه أقر قبل ان يبيعها
بوطئه لها فان ظهر بها حمل كان مبدؤه قبل بيعه لها بلا شك فسخ البيع بكل حال
وردت إليه أم الولد ولحق به ولدها أحب أم كره أقر به أو لم يقر، وكل أمة لانسان
صح انه وطئها ببينة أو باقرار منه فإنه يلحق به ما ولدت أحب أم كره ولا ينتفع بان
يدعى استبراء أو بدعواه العزل، وبالله تعالى التوفيق.
برهان ذلك قول الله عز وجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " ولا شك في أن الأمة قد
صح ملكها أو ملك ولدها أو ملكهما للمشترى فقد منع الله عز وجل من قبول

(1) في النسخة رقم 14 في غاية السقاطة والفساد
320

دعوى البائع في ابطال ملك المشتري بالملك لأنه كاسب على غيره ومدعى في مال سواء
بلا بينة، وقال مالك: ان باعها حاملا ثم ادعى ان ولدها منه فسخ البيع قال: فلو
ادعاه وقد أعتقت لم يفسخ العتق والا ابتياع المعتق لها *
قال أبو محمد: وهذه مناقضة لاخفاء بها لأنه إذا صدق في دعواه ففسخ بها
ملك مسلم وصفقته فواجب ان يصدق ويفسخ بها عتق الأمة ولا فرق. بين لم يجز
أن يصدق في فسخ العتق فإنه لا يجوز ان يصدق في فسخ صفقة مسلم وابطال ملكه
وبالله تعالى نتأيد * فان قالوا: البيع يفسخ بالعيب قلنا: والعتق يفسخ بالاستحقاق واما
إذا صح وطؤه لها إذا كانت في ملكه أو صح حينئذ اقراره بوطئها * فبرهان قولنا
في لحاق الولد به وفسخ العتق والبيع والايلاد فيهما ما روينا من طريق أبى داود
السجستاني نا مسدد نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين
قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص. وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن أمة
زمعة فقال ابن زمعة: أخي ابن أمة أبى ولد على فراش أبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" الولد للفراش احتجبي منه يا سودة هو أخوك يا عبد " * نا أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن
قاسم ثنا جدي قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبى نا جرير عن المغيرة
ابن مقسم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الولد لصاحب
الفراش " * نا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر
ابن حماد التيمرتي نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن محمد بن زياد انه
سمع أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الولد لصاحب الفراش " *
قال أبو محمد: فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد لصاحب الفراش بعد موته في
أمة لم يحفظ اقرار سيدها بذلك الولد ولو أقر به لم يحتج عبد بن زمعة لسوى ذلك
وحكم عليه الصلاة والسلام بأن الأمة فراش وان الولد لصاحب الفراش، وإنما
تكون الأمة فراشا إذا صح ان سيدها افترشها ببينة بذلك أو ببينة باقراره بذلك،
وليس أمره عليه الصلاة والسلام سودة أم المؤمنين بالاحتجاب منه بكادح في ذلك
أصلا ولا احتجاب الأخت عن أخيها بمبطل اخوته لها البتة لأنه ليس فرضا على
المرأة رؤية أخيها لها إنما الفرض عليها صلة رحمه فقط ولم يأمرها عليه الصلاة والسلام
قط بأن لا تصله. ومن ادعى ذلك فقد كذب وقد قال عليه الصلاة والسلام: هو
أخوك يا عبد وهذا يكفي من له عقل، وقد قال بعض من لا يبالي بما أطلق به لسانه
من الكذب في الدين: إنما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: " هو لك يا عبد " أي هو
321

عبدك فقلنا: الثابت أنه قال: هو أخوك كما أوردنا، ولو قضى به عبدا لم يلزمها ان
تحتجب عنه بنص القرآن فاعجبوا لهذل هؤلاء القوم فوجب ما قلنا نصا والحمد لله رب
العالمين. وإذا صح ان الحمل منه فواجب فسخ بيع الحر وبيع أم الولد وفسخ عتق من
أعتقهما وفسخ إيلاد من أولدها بعد ذلك وبالله تعالى التوفيق. وبهذا جاء الأثر عن
السلف، روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر. وابن جريج كلاهما عن الزهري عن
سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: بلغني ان رجالا منكم
يعزلون فإذا حملت الجارية قال: ليس منى والله لا أوتى برجل منكم فعل ذلك إلا
ألحقت به الولد فمن شاء فليعزل ومن شاء لا يعزل، ومن طريق عبد الرزاق عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد ان عمر بن الخطاب قال: من كان
منكم يطأ جاريته فليحصنها فان أحدكم لا يقر بإصابته جاريته إلا ألحقت به الولد، وما
نعلم في هذا خلافا لصاحب إلا ما روينا من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى
نا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت ان أباه كانت له جارية
يعزل عنها وانها جاءته بحمل فأنكر ذلك وذكر الحديث، ومن طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن ابن ذكوان هو أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت
قال: كان زيد بن ثابت يقع على جارية له وكان يعزلها فلما ولدت انتفى من ولدها
وضربها مائة ثم أعتق الغلام * ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن عمر وأخبرني عمرو بن
دينار ان ابن عباس وقع على جارية له وكان يعز لها فانتفى من ولدها *
قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة: لا يلحق ولد الأمة بسيدها سواء كانت أم
ولد أو لم تكن إلا بأن يدعيه وإلا فهو منتف عنه، وقال مالك: يلحق به لوطئه
إياها الا ان يدعى انها استبرأت ثم لم يطأها *
قال أبو محمد: كل ما روى في هذا الباب عن الصحابة مخالف لقولهما، والعجب
كله ان هذين قولان بلا دليل أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا من رواية سقيمة
ولا من قول صاحب. ولا من قياس. ولا من رأى له وجه * والعجب كله ان مالكا
لا يرى الاستبراء يمنع من الحمل ثم يراه ههنا ينفى النسب به وهذا أعجب من العجب *
2013 - مسألة - والولد يحلق في النكاح الصحيح. والعقد الفاسد بالجاهل ولا
يلحق بالعالم بفساده ويلحق في الملك الصحيح وفى المتملكة بعقد فاسد بالجاهل ولا يلحق
بالعالم بفساده لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق الناس بمن ولدوا ممن تزوجوا من النساء
وممن تملكوا في الجاهلية، ولا شك في أنه كان فيهم من نكاحه فاسد وملكه فاسد، ونفى
أولاد الزنا جملة بقوله عليه الصلاة والسلام: " وللعاهر الحجر " فصح ما قلنا، وأما
322

العالم بفساد عقد النكاح أو عقد المالك فهو عاهر عليه الحد فلا يلحق به الولد والولد
يلحق بالمرأة إذا زنت وحملت به ولا يحلق بالرجل ويرث أمه وترثه لأنه عليه الصلاة
والسلام والحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل والمرأة في استلحاق الولد بنفسها
كالرجل بل هي أقوى سببا في ذلك لما ذكرنا من أنه يلحق بها من حلال كان أو من حرام
ولأنه لاشك منها إذا صح انها حملته وبالله تعالى التوفيق *
الحضانة
2014 - مسألة - الام أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغا
المحيض أو الاحتلام أو الانبات مع التمييز وصحة الجسم سواء كانت أمة أو حرة
تزوجت أو لم تتزوج رحل الأب عن ذلك البلد أو لم يرحل والجدة أم فإن لم تكن الام
مأمونة في دينها ودنياها نظر للصغير أو الصغيرة بالأحوط في دينهما ثم دنياهما فحيثما
كانت الحياطة لهما في كلا الوجهين وجبت هنا لك عند الأب أو الأخ أو الأخت أو العمة
أو الخالة أو العم أو الخال، وذو الرحم أولى من غيرهم بكل حال والدين مغلب على الدنيا فان
استووا في صلاح الحال فالأم والجدة ثم الأب والجد ثم الأخ والأخت ثم الأقرب
فالأقرب والام الكافرة أحق بالصغيرين مدة الرضاع فإذا بلغا من السن والاستغناء
ومبلغ الفهم فلا حضانة لكافرة ولا لفاسقة * برهان ذلك قول الله عز وجل: (وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فأما الام فإنه في يدها لأنه في بطنها ثم في
حجرها مدة الرضاعة بنص قول الله عز وجل: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين
كاملين) فلا يجوز نقله أو نقلها عن موضع جعلهما الله تعالى فيه بغير نص ولم يأت نص
صحيح قط بأن الام ان تزوجت يسقط حقها في الحضانة ولا بأن الأب ان رحل عن
ذلك البلد سقط حق الام في الحضانة، روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد، وزهير بن
حرب قالا جميعا: نا جرير بن حازم عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة
" قال: قال رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك قال: ثم
من؟ قال: أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أبوك "، ومن طريق مسلم
نا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني نا ابن فضيل عن أبيه عن عمارة بن القعقاع عن أبي
زرعة عن أبي هريرة قال: " قال رجل: يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة؟
قال أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك " فهذا نص جلى على إيجاب الحضانة لأنها
صحبة، وأما تقديم الدين فلقول الله عز وجل: (تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
على الاثم والعدوان) وقوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) وقوله تعالى: (وذروا
ظاهر الاثم وباطنه) فمن ترك الصغيرة والصغيرة حيث يدربان على سماع الكفر
323

ويتمرنان على جحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ترك الصلاة والاكل في رمضان وشرب
الخمر والانس إليها حتى يسهل عليهما شرائع الكفر أو على صحبة من لا خير فيه والانهماك
على البلاء فقد عاون على الاثم والعدوان ولم يعاون على البر والتقوى ولم يقم بالقسط
ولا ترك ظاهر الاثم وباطنه وهذا حرام ومعصية، ومن أزالهما عن المكان الذي فيه
ما ذكرنا إلى حيث يدربان على الصلاة الصوم وتعلم القرآن وشرائع الاسلام والمعرفة
بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنفير عن الخمر والفواحش فقد عاون على البر والتقوى ولم يعاون
على الاثم والعدوان وترك ظاهر الاثم وباطنه وأدى الفرض في ذلك *
وأما مدة الرضاع فلا نبالي عن ذلك لقول الله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن
حولين كاملين) ولان الصغيرين في هذه السن ومن زاد عليها بعام أو عامين لا فهم لهما ولا
معرفة بما يشاهدان فلا ضرر عليهما في ذلك، فان كانت الام مأمونة في دينها والأب
كذلك فهي أحق من الأب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا ثم الجدة كالأم فإن لم
تكن مأمونة لا الام ولا الجدة في دينها أو تزوجت غير مأمون في دينه وكان الأب
مأمونا فالأب أولى ثم الجد، فإن لم يكن أحد ممن ذكرنا مأمونا في دينه وكان للصغير
أو الصغيرة أخ مأمون في دينه أو أخت مأمونة في دينها فالمأمون أولى وهكذا في الأقارب
بعد الاخوة فإن كان اثنان من الاخوة أو الأخوات أو الأقارب مأمونين في دينهما
مستويين في ذلك، فإن كان أحدهما أحوط للصغير في دنياه فهو أولى فإن كان أحدهما
أحوط في دينه والآخر أحوط في دنياه فالحضانة لذي الدين لما ذكرنا قبل ولقول الله
تعالى: (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد
كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما) وتفسير
الحياطة في الدنيا أن يكون أحدهم أشد رفاهية في عيشه ومطعمه وملبسه ومرقده
وخدمته وبره واكرامه والاهتبال به فهذا فهي احسان إلى الصغير والصغيرة فواجب
أن يراعى بعد الدين لقوله تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى) وروينا من
طريق وكيع عن الحسن بن عتبة عن سعيد بن الحارث قال: اختصم خال وعم إلى شريح
في صبي فقضى به للعم فقال الخال: أنا أنفق عليه من مالي فدفعه إليه شريح وهذا
نص قولنا *
قال أبو محمد: فان استووا الأخوات أو الاخوة في كل ذلك أو الأقارب
فان تراضوا في أن يكون الصغير أو الصغيرة عند كل واحد منهم مدة فذلك لهم فإن كان في
ذلك ضرر على الصغير أو الصغيرة فإن كان تقدم كونه عند أحدهم لم يزل عن يده فان
324

أبوا فالقرعة، وأما قولنا إن الأمة والحرة سواء فلان القرآن والسنة لم يأت في أحدهما
نص في التفريق بينهما فالحكم فيما لا نص فيه شرع لم يأذن به الله تعالى، وأما قولنا
سواء رحل الأب أو لم يرحل فلانه لم يأت نص قرآن ولا سنة بسقوط حضانة الام من
أجل رحيل الأب فهو شرع باطل ممن قال به وتخصيص للقرآن والسنن التي أوردنا
ومخالف لهما بالرأي الفاسد وسوء نظر للصغيرين واضرار بهما في تكليف الحل والترحال
والإزالة عن الام والجدة، وهذا ظلم لاخفاء به وجور لاشك فيه، وأما قولنا انه
لا يسقط حق الام في الحضانة بزواجها إذا كانت مأمونة وكان الذي تزوجها مأمونا
فللنصوص التي ذكرنا، ولم يخص عليه الصلاة والسلام زواجها ولما روينا
من طريق البخاري نا يعقوب بن إبراهيم بن كثير نا ابن علية نا عبد العزيز عن أنس بن مالك
قال: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أن أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في السفر
والحضر " وذكر الخبر، فهذا أنس في حضانة أمه ولها زوج وهو أبو طلحة بعلم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ولا فرق في النظر والحياطة بين الربيب زوج الام والربيبة زوجة الأب
بل في الأغلب الربيب أشفق وأقل ضررا من الربيبة وإنما يراعى في كل ذلك الدين ثم
صلاح الدنيا فقط *
واحتج المانعون من ذلك بما روينا من طريق عبد الرزاق انا ابن جريج أنا أبو
الزبير عن رجل صالح من أهل المدينة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: " كانت امرأة
من الأنصار تحت رجل من الأنصار فقتل عنها يوم أحد وله منها ولد فخطبها عم ولدها
ورجل آخر إلى أبيها فانكح الآخر فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فقالت. أنكحني أبى رجلا
لا أريده وترك عم ولدى فيأخذ من ولدى فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أباها فقال له:
أنت الذي لا نكاح لك اذهبي فانكحي عم ولدك " *
قال أبو محمد: هذا مرسل وفيه مجهول ومثل هذا لا يحتج به وذكروا
ما روينا من طريق أبى داود نا محمود بن خالد السلمي نا الوليد - هو ابن - مسلم عن أبي عمرو
الأوزاعي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدة عبد الله بن عمرو " ان امرأة طلقها
زوجها وأراد انتزاع ولده منها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي "
وهذه صحيفة لا يحتج بها، وقد ذكرنا في كتابنا الموسوم بالاعراب، وفي كتاب
الايصال ما تركوا فيه رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولم يعبوه إلا بأنه
صحيفة، فان قيل: فهلا قلتم: الخالة كالجدة لقول الله عز وجل: (ورفع أبويه على العرش)
325

وإنما كانت خالته وأباه، قلنا لم يأت قط نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انها كانت خالته
وإنما هي من اخبار بني إسرائيل وهي ظاهرة الكذب، ولعلها كانت أمه من
الرضاعة فهما أبوان على هذا، فان قيل: فقد رويتم عن أبي داود نا عباد بن موسى
نا إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ وهبيرة عن علي بن أبي طالب
فذكر اخذه بنت حمزة من مكة وان جعفر بن أبي طالب قال: ابنة عمى وخالتها
عندي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: الخالة بمنزلة الام قلنا: لا يصح لان
إسرائيل ضعيف وهانئ وهبيرة مجهولان فان قيل فقد رويتم من طريق أبى داود
نا محمد بن عيسى نا سفيان عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قضى ببنت حمزة لجعفر لان خالتها عنده قلنا هذا مرسل ولا حجة في مرسل، وأبو فروة
- هو مسلم بن سالم الجهني - وليس بالمعروف، فان قيل: قد حدثكم يوسف بن عبد الله
النمري قال نا عبد الله بن محمد يوسف الأزدي نا إسحاق بن أحمد نا العقيلي نا أحمد بن
داود نا عمران الحصني نا يوسف بن خالد السمتي نا أبو هريرة المدني عن مجاهد عن أبي
هريرة " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخالة أم " قلنا: هذا أسقط من أن يشتغل به لان فيه
يوسف بن خالد السمتي وهو مرغوب عنه متروك مذكور بالكذب، وأبو هريرة
المدني لا يدرى أحد من هو، فان قيل: فقد حدثكم أحمد بن محمد الطلمنكي نا محمد بن أحمد
ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا محمد بن
المثنى نا أبو عامر العقدي نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله يعنى ابن
الهادي عن محمد بن إبراهيم عن نافع بن عجيز عن أبيه عن علي بن أبي طالب انه
اختصم هو واخوه جعفر وزيد بن حارثة في حضانة بنت حمزة " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع خالتها وإنما الخالة أم " قلنا: نافع بن عجير
وأبوه عجير مجهولان، ولا حجة في مجهول إلا أن هذا الخبر بكل وجه حجة على
الحنيفيين والمالكيين والشافعيين لان خالتها كانت متزوجة بجعفر وهو أجمل شاب
في قريش وليس هو ذا محرم من بنت حمزة ونحن لا ننكر قضاءه عليه الصلاة والسلام
بها لجعفر من اجل خالتها لان ذلك أحوط لها، فان قيل: فهلا قلتم بتخييره إذا
أعقل لما حدثكم به حمام بن أحمد نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن
نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبى نا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن هلال بن أبي ميمونة
عن أبي ميمونة قال: شهدت أبا هريرة خير غلاما بين أبيه وأمه فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم
خير غلاما بين أبيه وأمه، ومن طريق أبى بكر بي أبى شيبة نا وكيع عن علي بن المبارك
326

عن يحيى بن أبي كثير عن أبي ميمونة عن أبي هريرة " أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد طلقها
زوجها فأرادت أن تأخذ ولدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استهما عليه ثم قال عليه الصلاة
والسلام للغلام تخير أيهما شئت فاختار أمه قلنا: أبو ميمونة هذا مجهول ليس هو والد هلال
الذي روى عنه ثم إذا تدبر لم تكن فيه حجة لأنه ليس فيه انه لو تخير أباه قضى له به،
وأيضا فنحن لا ننكر تخييره إذا كان أحد الأبوين أرفق به، ولا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يخير بين خير وشر ولا شك في أنه عليه الصلاة والسلام لا يخير إلا بين خيرين، وكذلك
نحن على يقين من أنه عليه الصلاة والسلام لا يترك أحدا على اختياره ما هو فساد له في
دينه أو في حالته فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه ويميل إلى الراحة والاهمال فلا شك
في أنه عليه الصلاة والسلام إن كان خير الصبي فلم ينفذ اختياره إلا وقد اختار الذي
يجب ان يختار لا يجوز غير ذلك أصلا. فان قيل: فقد ذكر تم ما حدثكم عبد الله
ابن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية القرشي نا أحمد بن شعيب النسائي نا محمود بن غيلان نا
عبد الرزاق أرنا سفيان هو الثوري عن عثمان التبين عن عبد الحميد الأنصاري عن أبيه
عن جده " انه لما أسلم وأبت امرأته ان تسلم فجاء ابن لها صغير لم يبلغ ثم خيره عليه
الصلاة والسلام بينهما فاختار أمه فقال: اللهم اهده فذهب إلى أبيه " قلنا: هذا خبر
لم يصح قط لان الرواة له اختلفوا فقال عثمان البتي: عبد الحميد الأنصاري عن أبيه عن
جده، وقال مرة أخرى: عبد الحميد بن يزيد بن سملة ان جده أسلم، وقال مرة أخرى:
عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جده، وقال عيسى: عبد الحميد بن جعفر أخبرني أبي
عن جدي رافع بن سنان، وكل هؤلاء مجهولون ولا يجوز تخيير بين كافر ومسلم
أصلا، فهذا ما يذكر من الآثار في هذا الباب *
وأما ما جاء عن السلف فيه فروينا من طريق الزهري وعكرمة انه قضى بحضانة ابن
لعمر بن الخطاب لام الصبي وأقل: هي أحق به ما لم تتزوج وكان عمر نازعها فيه
وخاصمها إلى أبى بكر وهذان منقطعان * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن
غير واحد من الأنصار وغيرهم ان أم عاصم بن عمر تزوجت فقضى أبو بكر بعاصم
لام أمه وقد كان عمر يخاصمها فيه وهذا لا شئ لان ابن لهيعة ساقط فكيف وهو
عمن لا يدرى * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء الخراساني عن
ابن عباس ان عمر خاصم امرأته أم ابنه عاصم إلى أبى بكر إذ طلقها وقال: انا أحق
به فقال له أبو بكر: ريحها وحرها وفراشها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه وقضى
أبو بكر لها به * ومن طريق القاسم بن محمد ان أبا بكر قضى لجدة عاصم بن عمر أم أمه
327

وقد جاذبها عمر فيه، وهذا منقطع، فهذا ما يعرف عن أبي بكر رضي الله عنه. وأما
عمر رضي الله عنه فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد
ابن عمير قال: خير عمر غلاما بين أبيه وأمه فاختار أمه فانطلقت به * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن
ابن غنم قال: اختصم إلى عمر بن الخطاب في غلام فقال: هو مع أمه حتى يعرب عنه
لسانه فيختار * ومن طريق حماد بن سلمة عن الأغر بن سويد عن عمير بن سعيد
ان عمر مقضى بالولد للعم دون الام ثم رده إلى الام، فهذا ما بلغنا عن عمر رضي الله عنه
، وأما علي رضي الله عنه فروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا يونس بن عبيد الله
الحرمي حدثني عمارة بن ربيعة انه خاصم فيه أمه وعمه إلى علي بن أبي طالب قال:
فخيرني على ثلاثا كلهن اختار أمي ومعنا أخ لي صغير فقال لعلى: هذا إذا بلغ مبلغ
هذا خير * وأما أبو هريرة فقد ذكرنا عنه التخيير قبل، فهذا ما حضرنا فيه عن الصحابة
رضي الله عنهم. وروينا عن عمرو ابن عمر إذا بعتم أخوين فلا تفرقوا بينهما *
واما التابعون فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن
محمد بن سيرين عن شريح قال: الام ارفق والأب أحق وقضى ان الصبي مع أمه
إذا كانت الدار واحدة ويكون معهم من النفقة ما يصلحهم * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن أجلح ان شريحا قضى بالصبي للجدة إذا تزوجت أمه * ومن
طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: الام أحق بالولد ما لم تتزوج فإذا
تزوجت اخذه أبوه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سمعت عطاء سئل عن
ولد المكاتب والعبد من الحرة فقال: الام أحق به لأنها حرة * ومن طريق ابن
وهب عن الليث بن سعد قال: نا يحيى بن سعيد ان المرأة إذا طلقت فهي أولى بالولد
الذكر والأنثى ما لم تتزوج فإذا خرج الوالد إلى ارض يسكنها كان أولى بالولد وان
كانوا صغارا وان هو خرج غازيا أو تاجرا فالأم أحق (1) بولدها إلا أن يكون غزا
غزوة انقطاع. لا نعلم عن تابع غير ما ذكرنا. وما نعلم استثناء الزواج في الام
إلا عن شريح. والزهري. ويحيى بن سعيد الأنصاري إلا أن الزهري قضى به في ذلك
للأب وقضى به شريح للجدة. فان قالوا: لعل الزهري قضى به للأب إذا لم يكن
له جدة ولا خالة قلنا. ولعل شريحا إنما قضى به للجدة إذا لم يكن للولد أب وما
وجدنا إباحة رحيل الأب بالولد الا عن يحيى بن سعيد وحده وكلام شريح في ذلك

(1) في النسخة رقم 14 أولى
328

وليس بالبين أفيكون أكذب ممن ادعى الاجماع في هذا ونعوذ بالله من الخذلان
واستسهال الكذب *
واما المتأخرون فان سفيان الثوري قال: ان تزوجت الام فالخالة أحق، وقال
الأوزاعي: إذا تزوجت الام فالجدة للأب أحق بالولد فإن لم تكن فالعم أحق
بالولد من جدته أم أمه (1) فان طلقت الام لم ترجع إلى الحضانة، وقال الليث بن
سعد: الام أحق بالابن حتى يبلغ ثماني سنين وبالابنة حتى تبلغ ثم الأب أولى بهما إلا أن
تكون الام غير مرضية فتنتزع الابنة منها قبل ذلك. وقال الحسن بن حي: الام أولى
حتى تكعب (2) الابنة وييفع الغلام (3) فيخير ان بين أبويهما فأيهما اختار قضى له بذلك،
ثم إن بدا للولد والابنة بعد ذلك فأرادا الرجوع إلى الآخر فذلك لهما فان تزوجت الام
فلا حق لها في الحضانة فان طلقت قبل وقت تخيير الولد والابنة (4) عادت على حقها في
الحضانة قال: فإذا بلغت الابنة وهي مأمونة فلها أن تسكن حيث شاءت كذلك الابن إذا
بلغ وأونس رشده، وقال أبو حنيفة: الام أحق بالابن والابنة الصغيرين ثم الجدة
أم الام ثم أم الأب ثم الأخت الشقيقة ثم الأخت للأم ثم اختلف قوله فمرة قال ثم الخالة
ثم الأخت للأب ثم العمة وبه يأخذ زفر، ومرة قال ثم الأخت للأب ثم الخالة ثم العمة
وبه يأخذ أبو يوسف، ثم لم يختلف قوله في أن الخالة الشقيقة أحق من الخالة للأب وان الخالة
للأب أحق من الخالة للام والخالة للام أحق من العمة الشقيقة، والعمة الشقيقة أحق من
العمة للأب وأن العمة للأب أحق من العمة للأم، وقال أبو حنيفة: والكافرة والمؤمنة
سواء قال: فالأم والجدتان أحق بالجارية حتى تحيض وبالغلام حتى يأكل وحده
ويشرب وحده ويلبس ثيابه وحده، وأما الأخوات والخالات والعمات فهن أحق
بالجارية والغلام حتى يأكلا وحدهما ويشربا وحدهما ويلبسا ثيابهما وحدهما فقط، ولا
حق لمن ذكرنا في الحضانة ان تزوجن إلا أن يكون زوج الجدة هو الجد ويكون
زوج سائر من ذكرنا ذا رحم محرمة من الجارية والغلام فلا يسقط بذلك حق الحضانة
لهن قال: وبعد كل من ذكر نا تجب الحضانة للأب ثم لأب الأب ثم للأخ الشقيق
ثم للأخ للأب ثم للعم الشقيق ثم للعم للأب قال: ولا حق في الحضانة للأخ للام ولا للعم
للام ولا للجد للام ولا للخال جملة ولا للرجل تكون قرابته من قبل الام، وقد روى
عن زفر ان الخالة أولى من الجدة للأب وان الأخت الشقيقة والأخت للام سواء

(1) في بعض النسخ أم أبيه
(2) يقال كعبت الجارية من باب دخل بدا ثديها للنهود
(3) يفع الغلام شب
(4) فان طلقها قبل تخيير الولد أو الابنة
329

لا تقدم إحداهما على الأخرى قالوا: فان أمت (1) أو طلقت احدى من ذكرنا رجعت
على حقها في الحضانة. وقال مالك: الام أحق بحضانة الولد ثم الجدة أم الام ثم الخالة
ثم الجدة من قبل الأب ثم الأخت ثم العمة ثم ابنه الأخ قال: وكل هؤلاء أحق بالذكر
حتى يبلغ الحلم وبالابنة حتى تزوج قال فان تزوجت الام سقط حقها في الحضانة فإن كان
زوج الجدة الجد لم يسقط حقها في الحضانة قال ثم بعد ابنة الأخ الأب ثم العصبة،
وقال الشافعي: الام أحق بالابن والابنة ما لم تتزوج ثم الجدة من قبل الام وان علت
ثم الأب ثم الجد أبو الأب وان علا ثم سائر العصبة الأخ وابن الأخ والعم وابن العم
ثم الجدة أم الأب ثم أمهاتها ثم الجدة أم أب الأب ثم أمهاتها وان علت ثم الأخت
الشقيقة ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم ثم الخالة الشقيقة ثم الخالة للأب ثم العمة
قال: فإذا بلغ الصغير سبع سنين وهو يعقل عقل مثله خير بين أبيه وأمه فحيث اختار جعل
فان تزوجت الام خرجت عن الحضانة فان أمت عادت إلى حقها في الحضانة * واختلفوا
في رحيل الأب فقال أبو حنيفية: إن كان النكاح وقع في مصر فأرادت المرأة أن تشخص
بولدها الصغار فالوالد أحق (2) فان سكنت في غير الموضع الذي وقع فيه عقد النكاح
فأرادت الرجوع إلى المكان الذي وقع فيه عقد النكاح فلها ذلك وهي في ذلك أحق
بهم من الأب ولها أن ترحل بهم إلى ما يقرب من المصر الذي وقع فيه عقد النكاح إن كان
يمكن عصبة الولد أن ينهضوا إلى رؤية الصغير أو الصغيرة ويرجعوا من نهارهم، وقال
ابن أبي ليلى: نحو ذلك وقال مالك: للأب أن يرحل ببنيه إذا كان راحلا رحلة إقامة
لا رجوع له صغارا كانوا أو كبارا قال: والعصبة كالأب في ذلك إذا مات الأب قال:
وليس للام أن ترحلهم إلا البريد ونحوه، وقال الليث والشافعي نحو ذلك *
قال أبو محمد: كل ما ذكر نا من حق الحضانة في الزوجات فهو في المماليك
المسبيين والمبيعين كل ذلك سواء سواء لان النصوص التي أوردنا تقتضي ذلك ولا يفسخ
البيع لكن يخير من له ملك الصغير والصغيرة على أن يدعهما عند من له حضانتهما لأنه لم
يأت نص بفسخ البيع، وقال أبو حنيفة لا يفرق بين الصغير والصغيرة وبين ذوي رحمها
المحرمة فان بيع الصغير أو الصغيرة دون ذوي رحمها أو ذات رحمه لم يفسخ البيع قال
أبو يوسف: يفسخ في الام والولد خاصة، وقال مالك. والليث. والشافعي: يفرق بين
الصغيرين وبنى كل ذي رحم محرمة إلا الأبوين فقط فلا يفرق بينهما وبين ولدهما، وقال
أحمد بن حنبل لا يفرق بين الصغيرين من السى وبين ذوي رحمه المحرمة، وقال محمد بن عبد الله

(1) يعنى بقيت أم ولد
(2) في النسخة رقم 14 فالأب أحق
330

ابن عبد الحكم لا يفرق بين الولد وأمه إن كان بالغا *
قال أبو محمد: إنما أوردنا هذه الأقوال ليوقف على تخاذلها وتناقضها وفسادها
استحسانات لا معنى لها وليظهر كذب من ادعى الاجماع في شئ من ذلك * وروينا
من طريق شعبة نا عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ عن أبيه عن عمر بن الخطاب
قال: إذا بعتم أخوين فلا تفرقوا بينهما * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله
نا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا عثمان بن عمر عن ابن أبي
ذئب عمن سمع سالم بن عبد الله بن عمر يذكر عن أبيه أنه قال: إذا بعتم أخوين فلا
تفرقوا بينهما قلت له إذا لا يعتدل القسم قال: لا اعتدل، وعن عثمان رضى الله أن
لا يباع السبي إلا أعشاشا، وعن عمر بن عبد العزيز فسخ البيع بخلاف ذلك *
2015 مسألة وإذا بلغ الولد أو الابنة عاقلين فهما أملك بأنفسهما،
ويسكنان أينما أحبا فإن لم يؤمنا على معصية من شرب خمر أو تبرج أو تخليط فللأب أو
غيره من العصبة أو للحاكم أو للجيران أن يمنعاهما من ذلك ويسكناهما حيث يشرفان
على أمورهما، وقد ذكرنا قول أبي حنيفة، والحسن بن حي بمثل هذا * برهان صحة قولنا
قول الله عز وجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وتصويبه عليه الصلاة والسلام قول
سلمان اعط كل ذي حق حقه ولا معنى للفرق بين الذكر والأنثى في ذلك ولا لمراعاة
زواج الابنة لأنه شرع لم يأذن به الله تعالى وقد تزوج وهي في المهد وقد لا تتزوج
وهي بنت تسعين سنة، ورب بكر أصلح وأنظر من ذوات الأزواج وبضرورة الحس
يدرى كل أحد أن الزواج لم يزدها عقلا لم يكن ولا صلاحا لم يكن وأما إذا ظهر من
الذكر أو الأنثى تخليط أو معصية فالمنع من ذلك واجب لقول الله تعالى: (كونوا
قوامين بالقسط شهداء لله) قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
على الاثم والعدوان) وقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) *
2016 مسألة وإن كان الأب: والام محتاجين إلى خدمة الابن أو
الابنة الناكح أو غير الناكح لم يجز للابن ولا للابنة الرحيل ولا تضييع الأبوين
أصلا وحقهما أوجب من حق الزوج والزوجة فإن لم يكن بالأب والام ضرورة إلى
ذلك فللزوج ارحال امرأته حيث شاء مما لا ضرر عليهما فيه * برهان ذلك قول الله عز
وجل: (ان اشكر لي ولوالديك) فقرن تعالى الشكر لهما بالشكر له عز وجل، وقوله
تعالى: (وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في
331

الدنيا معروفا) فافترض الله عز وجل ان يصحب الأبوين بالمعروف وان كانا
كافرين يدعوانه إلى الكفر ومن ضيعهما فلم يصحبهما في الدنيا معروفا، وقول تعالى:
(وبالوالدين احسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا
تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) الآية، وقد
ذكرنا آنفا قول الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال:
أمك ثم أمك ثم أباك، وقول عليه الصلاة والسلام: " عقوق الوالدين من الكبائر "
وقد اختلف قوم فيما ذكرنا (1) واحتجوا باخبار ساقطة * منها خبر رويناه من
طريق الحارث بن أبي أسامة عن يزيد بن هارون عن يوسف بن عطية عن ثابت البناني
عن أنس بن مالك أن رجلا غزا وترك امرأته في علو وأبوها في سفل وأمرها ان
لا تخرج من بيتها فاشتكى أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره فقال لها:
اتقى الله وأطيعي زوجك ثم كذلك إذ مات أبوها ولم تشهده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ان الله غفر لأبيك بطواعيتك لزوجك " يوسف بن عطية متروك الحديث ولا يكتب
حديثه * ومن طريق مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن ليث بن أبي سليم عن عطاء
عن ابن عمر " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حق الرجل على زوجته؟ فقال كلاما منه ان
لا تخرج من بيتها إلا باذنه فان فعلت لعنتها ملائكة الله وملائكة الرحمة وملائكة
العذاب حتى ترجع إلى بيتها أو تتوب قيل يا رسول الله وان ظلمها قال: وان ظلمها، ليث
ضعيف وحاش لله أن يبيح رسول الله صلى الله عليه وسلم الظلم وهي زيادة موضوعة ليست لليث بلا
شك * ومن طريق قاسم بن اصبغ نا ابن أبي العوام ثنا عبيد بن إسحاق - هو العطار -
نا حيان بن علي العنزي عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن بريدة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لو كنت آمر بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها تعظيما لحقه " *
ومن طريق وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثله حرفا حرفا ليس فيه تعظيما لحقه * ومن طريق خلف بن خليفة عن حفص بن
أخي أنس بن مالك عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت
المرأة أن تسجد لزوجها من عظيم (2) حقه عليها " ومن طريق أبى داود نا عمرو بن عون
انا إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك بن عبد الله القاضي عن حصين عن الشعبي عن
قيس بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كنت آمر أحدا أن يسجد لاحد لأمرت
النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق * نا أحمد بن محمد بن أحمد

(1) في النسخة رقم 14 وقد خالف قوم ما ذكرنا
(2) في النسخة رقم 14 من عظم
332

ابن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا محمد بن جرير الطبري نا إبراهيم بن المستمر
نا وهب ابن جرير بن حازم نا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن سراقة بن
جعشم انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لو كنت آمر أحدا ان يسجد لاحد
لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " *
قال أبو محمد: كل هذا باطل. أما حديث بريدة ففيه عبيد من إسحاق
يعرف بعطار المطلقات كوفي يحدث بالباطل ليس بشئ وهو الذي أسند " معلموا
صبيانكم شراركم " وهذا هو الكذب البحت لصحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم
من تعلم القرآن وعلمه " وأما حديث معاذ فمنقطع لان أبا ظبيان لم يلق معاذا ولا
ادركه * واما حديث انس ففيه حفص بن أخي انس ولا يعرف لانس ابن أخ اسمه حفص
ولا أخ لانس إلا البراء بن مالك من أبيه، وعبد الله بن أبي طلحة من أمه ولا يعرف
لواحد منهما ولد اسمه حفص، وخلف بن خليفة ليس بالحافظ، وأما حديث سراقة
ابن جعشم فمنقطع لان علي بن رباح لم يدرك سراقة قط * وأما حديث قيس بن سعد
ففيه شريك بن عبد الله القاضي وهو مدلس يدلس المنكرات عمن لا خير فيه إلى
الثقات * ومن طريق أحمد بن شعيب أرنا شعيب بن شعيب بن إسحاق نا عبد الوهاب
حدثني شعيب بن إسحاق نا الأوزاعي أخبرني يحيى - هو ابن سعيد الأنصاري - ان
بشير بن يسار أخبره ان عبد الله بن محصن أخبره عن عمة له " انها ذكرت زوجها
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها عليه الصلاة والسلام: انظري أين أنت منه فإنه جنتك
أو نارك " * ومن طريق أحمد بن شعيب أرنا قتيبة بن سعيد. ومحمد بن منصور. وأحمد ابن
سليمان. ومحمد بن بشار. ومحمد بن المثنى. ويونس بن عبد الأعلى. ومحمد بن
عبد الله بن عبد الحكم قال قتيبة: نا الليث بن سعد وقال محمد بن منصور: نا سفيان
ابن عيينة: وقال أحمد بن سليمان نا يعلى ويزيد وقال ابن المثنى. وابن بشار: نا يحيى
ابن سعيد القطان وقال يونس نا ابن وهب أرنا مالك وقال ابن عبد الحكم نا شعيب
ابن الليث نا الليث وقال يونس نا خالد عن سعيد بن أبي هلال ثم اتفق الليث. وسفيان.
ويعلى. ويزيد. ويحيى. ومالك. وابن أبي هلال. كلهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن
بشير بن يسار عن حصين بن محصن عن عمة له عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، وهكذا رويناه
من طريق حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن حصين بن محصن فهذا كله
لا يصح لان عبد الله بن محصن وحصين بن محصن مجهولان لا يدرى أحد منهما * ومن طريق
أحمد بن شعيب أرنا محمود بن غيلان نا أبو أحمد هو الزبيري نا مسعر هو
333

ابن - كدام عن أبي عتبة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس
أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها قلت فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال أمه " *
قال أبو محمد: أبو عتبة مجهول لا يدرى من هو والقرآن كما أوردنا والثابت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صدرنا به يبطل هذا * ومن طريق أحمد بن شعيب أرنا أحمد بن
عثمان بن حكيم الكوفي نا جعفر بن عون حدثني ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى
ابن حبان عن نهار العبدي - مدني لا بأس به - عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها ما دات حقه " ربيعة بن عثمان
مجهول * ومن طريق خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة الودود الولود
العؤود على زوجها التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول
والله لا أذوق عضما حتى ترضى " هذا خبر لا بأس به وهكذا في كتابي عضما بالضاد
وهو عظم القوس ولا مدخل له ههنا ومن طريق أحمد بن شعيب أرنا عمرو بن منصور
نا محمد محبوب نا سرار بن مجشر بن قبيصة البصري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن
سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر الله
إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغنى عنه " قال أحمد بن شعيب. سرار بن مجشر
ثقة هو ويزيد بن زريع مقدمان في سعيد بن أبي عروبة هكذا بالسين ورائين *
قال أبو محمد: هذا حديث حسن والشكر لكل محسن واجب * ومن طريق احمد
ابن شعيب أرنا عمرو بن علي نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - نا ابن عجلان نا سعيد بن أبي
سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل عن خير النساء فقال: " التي تطيع
زوجها إذا أمر وتسره إذا نظر وتحفظه في نفسها وماله " هذا خبر صحيح وقد صح ما روينا
من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن زبيد الأليامي عن سعيد بن عبيدة
عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا طاعة
في معصية إنما الطاعة في المعروف " * وأما السلف فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن
جريج قلت لعطاء: رجل غاب عن امرأته ولم تكن استأذنته في الخروج أتخرج في
طواف الكعبة أو في عيادة مريض ذي رحم أو أبوها يموت؟ فأبى عطاء أن تخرج
في شئ (1) من ذلك، قال ابن جريج: وأقول انا: تأتى كل ذي رحم قريب *

(1) في النسخة رقم 16 " ان يرخص في شئ "
334

الرضاع
2017 مسألة والواجب على كل والدة حرة كانت أو أمة في عصمة زوج
أو في ملك سيد أو كانت خلوا منهما لحق ولدها بالذي تولد من مائه أو لم يلحق أن ترضع
ولدها أحبت أم كرهت ولو أنها بنت الخليفة وتجبر على ذلك الا أن تكون مطلقة فان كانت
مطلقة لم تجبر على ارضاع ولدها من الذي طلقها إلا أن تشاء هي ذلك فله ذلك أحب أبوه
أم كره أحب الذي تزوجها بعده أم كره فان تعاسرت هي وأبو الرضيع أمر الوالد بان
يسترضع لولده امرأة أخرى ولابد إلا أن لا يقبل الولد غير ثديها فتجبر حينئذ أحبت أم
كرهت أحب زوجها إن كان لها أم كره فان مات أبو الرضيع أو أفلس أو غاب بحيث لا يقدر
عليه أجبرت الام على ارضاعه الا ان لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضربه فإنه يسترضع له
غيرها ويتبع الأب بذلك إن كان حيا وله مال فإن لم تكن مطلقة لكن في عصمته أو منفسخة
النكاح منه أو من عقد فاسد. بجهل فاتفق أبوه وهي على استرضاعه وقبل غير ثديها فذلك
جائز فان أراد أبوه ذلك فأبت هي الا ارضاعه فلها ذلك فإذا أرادت هي أن تسترضع
له غيرها وأبى الوالد لم يكن لها ذلك وأجبرت على ارضاعه قبل غير ثديها أو لم يقبل
غير ثديها الا ان لا يكون لها لبن أو كان لبنها يضر به فعلى الوالد حينئذ أن يسترضع
لولده غيرها فإن لم يقبل في كل ذلك الا ثدي أمه أجبرت على ارضاعه إن كان لها لبن
لا يضر به فإن كان لا أب له اما بفساد الوطئ بزنا أو اكراه أو لعان أو بحيث
لا يلحق بالذي تولد من مائه واما قد مات أبوه فالأم تجبر على ارضاعه الا ان لا يكون لها
لبن أو كان لها لبن يضر به أو ماتت أمه أو غابت حيث لا يقدر عليها فيسترضع له
غيرها سواء في كل ذلك كان للرضيع مال أو لم يكن فإن كان له أب أو أم فأراد الأب
فصاله دون رأى الام أو أرادت الام فصاله دون رأى الأب فليس ذلك لمن أراده
منهما قبل تمام الحولين كان في ذلك ضرر بالرضيع أو لم يكن فان أرادا جميعا فصاله
قبل الحولين فإن كان في ذلك ضرر على الرضيع لمرض به أو لضعف بنيته أو لأنه لا يقبل
الطعام لم يجز ذلك لهما فإن كان لا ضرر على الرضيع في ذلك فلهما ذلك فان أرادا التمادي
على ارضاعه بعد الحولين فلهما ذلك فان أراد أحدهما بعد الحولين فصاله وأبى الآخر
منهما فإن كان في ذلك ضرر على الرضيع لم يجز فصاله وكذلك لو اتفقا على فصاله
وإن كان لا ضرر على الرضيع في فصاله بعد الحولين فأي الأبوين أراد فصاله بعد
تمام الحولين فله ذلك هذا حق الرضيع والحق على الأب والام في ارضاعه * وأما الواجب
335

للام في ذلك فإن كان الولد لا يلحق نسبه بالذي تولد من مائه أو كان أبوه ميتا
أو غائبا حيث لا يقدر عليه ولا وارث للرضيع فالرضاع على الام ولا شئ لها على أحد
من أجل ارضاعه فان كانت في عصمته بزواج صحيح أو ملك يمين صحيح فعلى الوالد نفقتهما
أو كسوتهما فقط كما كان قبل ذلك ولا مزيد، وان كانت في غير عصمته فان كانت
أم ولده فأعتقها أو منفسخة النكاح بعد صحته بغير طلاق لكن بما ذكرنا قبل ان
النكاح ينفسخ به بعد صحته أو وطوء بعقد فاسد بجهل يلحق فيه الولد بوالده أو
طلقها طلاقا رجعيا وهو رضيع فلها في كل ذلك على والده النفقة والكسوة فقط ولا
مزيد، فإن كان فقيرا كلفت ارضاعه ولا شئ لها على الأب الفقير فان غاب وله مال
وامتنع اتبع بالنفقة والكسوة متى قدر له على مال، فان كانت مطلقة ثلاثا وأتمت
عدتها من الطلاق الرجعي بوضعه فلها على أبيه الأجرة في ارضاعه فقط فان رضيت
هي بأجرة مثلها فان الأب يجبر على ذلك أحب أم كره ولا يلتفت إلى قوله انا واجد من
ترضعه بأقل أو بلا اجرة، فإن لم ترض هي الا بأكثر من اجرة مثلها وأبى الأب الا
أجرة مثلها فهذا هو التعاسر وللأب حينئذ ان يسترضع غيرها لولده إلا أن لا يقبل غير
ثديها أو لا يجد الأب الا من لبنها مضر بالرضيع أو كان الأب لامال له فتجبر الام حينئذ
على ارضاعه وتجبر هي والوالد على أجرة مثلها ا كان له مال والا فلا شئ عليه، وكل
ما ذكرنا انه يجب على الوالد في الرضاع من اجرة أو رزق أو كسوة فهو واجب
عليه كان للرضيع مال أو لم يكن كانت صغيرة زوجها أبوها أو لم تكن بخلاف
النفقة على الفطيمة أو الفطيم، فان مات الأب فكل ما ذكرنا انه يجب على الوالد من
كسوة أو نفقة أو اجرة وللرضيع وارث فهو على وارث الرضيع على عددهم لا على مقادير
مواريثهم منه والام من جملتهم والزوج إن كان زوجها أبوها من جملتهم سواء كان
للرضيع مال أو لم يكن بخلاف كسوته ونفقته إذا أكل الطعام فإن لم يكن له وارث فرضاعه
على الام وارثة كانت أو غير وارثة ولا شئ لها من اجل ذلك في مال الرضيع بخلاف
وجوب نفقتها في ماله إن كان له مال ولا مال لها فان كانت مملوكة وولدها عبدا
لسيدها أو لغير سيدها فرضاعه على الام بخلاف كسوته ونفقته إذا استغنى عن الرضاع
فان كانت مملوكة وولدها حر فإن كان له أب أو وارث فالنفقة والكسوة أو الأجرة
على الأب أو على الوارث كما قدمنا فإن لم يكن له أب ولا وارث فرضاعه على أمه فان
ماتت أو مرضت أو أضر به لبنها أو كانت لا لبن لها ولامال لها فعلى بيت مال المسلمين فان
منع فعلى الجيران يجبرهم الحاكم على ذلك وبالله تعالى التوفيق *
336

قال أبو محمد: برهان كل ما ذكرنا منصوص في قول الله عز وجل: (والوالدات
يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له
بولده وعلى الوارث مثل ذلك فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح
عليها وان أردتم ان تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف
واتقوا الله واعلموا ان الله بما تعملون بصير) وفى قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن
ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه
لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن
بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر) فهذه صفة الطلاق الرجعي بلا شك، ثم ذكر الله تعالى العدة
بالأقراء والشهور، ثم قال عز وجل: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم
ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)
إلى قوله (سيجعل الله بعد عسر يسرا) وقد ذكرنا فيما سلف من كتابنا هذا ان قوله
تعالى: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن. لتضيقوا عليهن وان
كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) قد بين حديث فاطمة بنت قيس انه
عز وجل إنما أراد به المطلقات طلاقا رجعيا لا المطلقات ثلاثا فكل ما قلنا فإنه منصوص
في الآيات المذكورات بلا تأويل ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون بيان ذلك فصلا
فصلا ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم * أما قولنا في أول المسالة الواجب على
كل حرة أو أمة في عصمة زوج كانت أو في ملك سيد أو خلو منهما لحق ولدها بالذي تولد
من مائه أو لم يلحق ان ترضع ولدها أحبت أم كرهت ولو أنها بنت الخليفة وتجبر على
ذلك فلقول الله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة) وهذا عموم لا يحل لاحد ان يخص منه شيئا الا ما خصه نص ثابت والا فهو
كذب على الله تعالى، فان قيل: هذا خبر لا أمر قلنا هذا أشد عليكم إذ أخبر عز وجل
بذلك فمخالف خبره ساع في تكذيب ما أخبر الله عز وجل وفى هذا ما فيه، وهذا
قول ابن أبي ليلى. والحسن بن حي. أبي ثور. وأبي سليمان. وأصحابنا وأختلف فيه عن
مالك مرة قال مثل قولنا ومرة قال الشريفة لا تجبر على ذلك وهذا قول في غاية الفساد
لان الشرف هو التقوى فرب هاشمية أو عبشمية بنت خليفة تموت هزلا ورب زنجية
337

أو بنت غية قد صارت حرمة ملك أو أمه، وقال أبو حنيفة: لا تجبر الام على الرضاع
وهذا خلاف مجرد للقرآن * واما قولنا الا أن تكون مطلقة فان كانت مطلقة فإنها لا تجبر
على ارضاع ولدها من الذي طلقها الا ان تشاء هي ذلك فان شاءت هي ذلك فذلك
لها أحب ذلك الذي طلقها أو أبى أحب ذلك زوج إن كان لها أو أبى فلقول الله تعالى
في سورة الطلاق بعد ذكر المعتدات (فان أرضعن لكم فآتوهن أجور هن وائتمروا بينكم
بمعروف وان تعاسرتم فسترضع له أخرى) فلم يخص تعالى ذات زوج من غيرها ولا
جعل في ذلك خيارا للأب ولا للزوج بل جعل الارضاع إلى الأمهات وفى هذا خلاف قديم *
روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني قال:
أتى عبد الله بن عتبة بن مسعود في رجل تزوج امرأة ولها ولد ترضعه فأبى الزوج أن
ترضعه فقضى عبد الله بن عتبة أن لا ترضعه قلنا: حكم حكما لا دليل على صحته، ولا حجة في قول
أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن احتج ههنا بهذا فنحن نذكر له ما رويناه من طريق
إسماعيل بن إسحاق القاضي نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن
سيرين قال اتى عبد الله بن عتبة بن مسعود في رضاع صبي فقضاه في مال الغلام وقال لوليه:
لو لم يكن له مالا لألزمتك، ألا تقرأ [وعلى الوارث مثل ذلك] * وما ناد أحمد بن عمر بن أنس
العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الله بن أحمد بن حمويه نا إبراهيم بن خريم نا عبد بن حميد نا روح
عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود قضى بنفقة الصبي في
ماله وقال لوارثه: لو لم يكن له مال لقضيت بالنفقة عليك، ألا تقرأ (وعلى الوارث مثل ذلك)
فقد قلد عبد الله بن عتبة في قول أخطأ فيه لا برهان له على صحته فليتبعه فيما أصاب فيه ووافق
القرآن وهم لا يفعلون ذلك، فان قالوا: إنما تزوجها للوطئ قلنا نعم فكان ماذا؟ وإنما ولدته
لترضعه فحق الصبي قبل حق الذي تزوجها بعد إن ولدته ولا يمنعه ارضاعها ولدها من
وطئه لها، وأما قولنا فان تعاسرت هي وأبو الرضيع أمر الوالد أن يسترضع لولده
امرأة أخرى ولا بد فلقول الله عز وجل في الآية المذكورة: (وان تعاسرتم فسترضع
له أخرى) والخطاب للآباء والأمهات بنص القرآن (1) *
واما قولنا إلا أن لا يقبل الولد غير ثديها فنجبر حينئذ على ارضاعه أحبت أم كرهت
أحب زوجها أم كره أحب أبوه أم كره فلقول الله عز وجل: (قد خسر الذين
قتلوا أولادهم سفها بغير علم) ولقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا

(1) في النسخة رقم 14 بنص الآية
338

على الاثم والعدوان) ولقوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى
الوارث مثل ذلك) وهذه هي المضارة حقا، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لا يرحم
الناس لا يرحمه الله " رويناه من طرق شتى متواترة في غاية الصحة، منها من طريق وكيع
عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم * وأما قولنا: فان مات أبو الرضيع أو أفلس أو غاب بحيث لا يقدر عليه أجرت
الام أيضا على ارضاعه إلا أن لا يقبل ثديها أو لا يكون لها لبن أو كان لبنها مما يضر به فإنه
يسترضع له غيرها فلما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا متصلا به نصا ويتبع الأب بذلك
إن كان حيا وله مال لان الحق عليه في ذلك * وأما قولنا فإن لم تكن مطلقة لكن في
عصمته أو منفسخة النكاح منه أو من عقد فاسد بجهل أو أم ولد أعتقت فاتفق أبوه وهي
على استرضاعه وقبل غير ثديها فذلك جائر فلقول الله عز وجل: (وإن أردتم أن
تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم) وهذا خطاب من الله تعالى لمن الأولاد لهم وهم
الآباء والأمهات بلا شك * وأما قولنا فان أراد أبوه ذلك وأبت الام الا أن ترضعه
هي فلها ذلك فان أرادت هي أن تسترضع له غيره وأبى الولد لم يكن لها ذلك وأجبرت
على ارضاعه فلان إرادة الأب والام لم يتفق على الاسترضاع له ولم يجعل الله تعالى ذلك الا
بإرادتهما وأما قولنا إلا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضر به فعلى الوالد حينئذ أن
يسترضع له غيرها فإن لم يقبل في كل ذلك إلا ثدي أمه (1) أجبرت على ارضاعه إن كان
لها لبن لا يضر به فلما ذكرنا آنفا من قوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له
بولده) مع سائر ما ذكرنا في ذلك الفضل * وأما قولنا فإن كان لا أب له إما بفساد الوطئ
زنا أو إكراه أو لعان أو بحيث لا يلحق بالذي تولد من مائه، وإما قد مات أبوه فالأم
تجبر على ارضاعه فلقول الله تعالى: (ولا تضار والدة بولدها) ولما ذكرنا مع هذه
الآية في ذلك الفصل * وأما قولنا: إلا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضر به أو
ماتت أمه أو غابت حيث لا يقدر عليا فسترضع له غيره سواء كان في ذلك كله للرضيع
مال أو لم يكن فلما ذكرنا من قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
على الاثم والعدوان) وما أوردنا في وجوب الرحمة * وأما قولنا فإن كان له أب أو أم فأراد
الأب فصاله دون رأى الام أو أرادت الام فصاله دون رأى الأب فليس ذلك لمن
أراده منهما قبل تمام الحولين كان في الفصال (2) ضرر بالصغير أو لم يكن، فان أرادا
جميعا فصاله قبل الحولين فإن كان لا ضرر في ذلك على الرضيع فلهما ذلك فإن كان في ذلك

(1) في النسخة رقم 16 الا ثدي الام
(2) في النسخة رقم 16 في الفصل
339

ضرر على الرضيع لمرض به أو لضعف بنيته أو لان لا يقبل الطعام لم يجز لهما ذلك فلقول
الله عز وجل: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)
ولقوله تعالى: (فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) *
واما مراعاة ضرر الرضيع فلما ذكرنا من قوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا
مولود له بولده) مع ما ذكرنا مع هذه الآية هنا لك * وأما قولنا فان أرادت الام
أو الأب التمادي على ارضاع الرضيع بعد الحولين فلهما ذلك فلانه لم يأت نص
بالمنع من ذلك ولا بأن هذه من حقوق زوج إن كان لها وهو صلة لابنها وقد أوجب
الله تعالى صلة الرحم فليس لأحد منعها مما أوجبه الله تعالى عليها للثابت عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم " لا طاعة في معصية " * وأما قولنا: فإن كان الولد لا يلحق نسبه بالذي تولد من
مائه أو كان أبوه ميتا أو غائبا حيث لا يقدر عليه ولا وارث للرضيع فالرضاع على
الام ولا شئ لها على أحد من أجل الرضاعة لقول الله تعالى: (والوالدات يرضعن
أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) وليس ههنا مولود له ولا وارث
فهو عليها فقط * وأما قولنا: فان كانت في عصمة الأب بزواج صحيح أو ملك يمين صحيح
فعلى الوالد نفقتها وكسوتها كما كان قبل ذلك ولا مزيد فلقول الله عز وجل: (وعلى
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * وأما قولنا: فان كانت في غير عصمته فان كانت
أم ولد فأعتقها أو منفسخة النكاح بعد صحته بغير طلاق لكن بما ذكرنا قبل ان النكاح
ينفسخ به بعد صحته أو موطوءة بعقد فاسد بجهل يلحق فيه الولد بوالده أو طلقها طلاقا
رجعيا وهو رضيع فلها في كل ذلك على والده النفقة والكسوة بالمعروف فقط وهو
للمطلقة مدة عدتها فإن كان فقيرا كلفت إرضاع الولد ولا شئ له على الأب الفقير
فان غاب وله مال اتبع بالنفقة والكسوة متى قدر عليه أو على مال له، وكذلك ان
امتنع وله مال لقوله عز وجل: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)
وإذا أوجب الله تعالى ذلك لها فهو دين عليه إن كان له مال فإن لم يكن له مال
فلقول الله عز وجل: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) وإذا لم يكلف شيئا فلا يجوز
أن يتبع ان أيسر بما لم يكلفه قط لكن ان أيسر والرضاع متماد كلف من حين يوسر *
وأما قولنا: فان كانت مطلقة ثلاثا أو أتمت عدة الطلاق الرجعي بوضعه فليس لها
على أبيه اثر طلاقه لها ثلاثا أو آخر ثلاث أو اثر تمام عدتها من الطلاق الرجعي الا أجرة
الرضاع فقط فلقول الله تعالى: (وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن
حملهن فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) وقد بينا قبل ان هذا النص إنما هو
340

في المطلقات طلاقا رجعيا فقط بحديث فاطمة بنت قيس * وأما قولنا: فان رضيت هي
بأجرة مثلها فان الأب يجبر على ذلك أحب أم كره. ولا يلتفت إلى قوله: أنا أجد
من يرضعه بأقل أو بلا اجرة، فلقوله تعالى: (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن
وائتمروا بينكم بمعروف وان تعاسرتم فسترضع له أخرى) فأوجب الله تعالى لهن
الأجرة الا مع التعاسر والتعاسر في لغة العرب التي بها نزل القرآن فعل من فاعلين فإذا
قنعت هي بأجرتها التي أوجبها الله تعالى لها بالمعروف فلم تعاسره وإذا لم تعاسره
فهي على حقها في الأجرة المؤتمرة بالمعروف * وأما قولنا فإن لم ترض هي إلا بأكثر
من أجرة مثلها وأبى الأب إلا اجرة مثلها فهذا هو التعاسر وللأب حينئذ أن
يسترضع لولده غيرها بأجرة مثلها أو بأقل أو بلا أجرة ان وجد * وأما قولنا إلا
أن لا يقبل غير ثديها أو لا يجد الأب الا من لبنها مضر بالرضيع أو من تضيعه أو كان
الأب لامال له فتجبر الام حينئذ على ارضاعه وتجبر هي والوالد حينئذ على أجرة
مثلها إن كان له مال والا فلا شئ عليه فلما ذكرنا من قول الله عز وجل: (وان
تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه فلينفق مما آتاه
الله لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) ولما ذكرنا من قوله
تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) ولما ذكرنا من وجوب
الرحمة، وأما قولنا كل ما ذكرنا انه يجب على الوالد في الرضاع من أجرة أو كسوة
أو نفقة وهي الرزق فهو واجب عليه كان للرضيع مال أو لم يكن صغيرة كانت أو لم تكن
زوجها أو بها أو لم يكن بخلاف النفقة على الفطيم أو الفطيمة فلان الله عز وجل أوجب كل
ما ذكرنا ولم يستثن إن كان للرضيع مال ولا ان كانت صغيرة ولها زوج وما كان
ربك نسيا * وأوجب عز وجل أن ينفق على كل أحد من ماله وعلى الزوج للزوجة
ولا يجوز ضرب أوامر الله تعالى بعضها ببعض لقوله تعالى: (ولو كان من عند غير
الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * وأما قولنا فان مات الأب فكل ما ذكرنا انه
يحب على الوالد من نفقة أو كسوة أو أجرة فهو على وارث الرضيع إن كان له وارث
على عددهم لا على قدر مواريثهم منه لو مات والام من جملتهم ان كانت ترثه ان مات
وزوج الصغيرة المرضع أيضا من جملتهم إن كان يرثها لو ماتت سواء كان للرضيع أو
الرضيعة (1) مال أو لم يكن بخلاف نفقتهما وكسوتهما بعد الفطام فلقول الله عز وجل
(وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار

(1) في النسخة رقم 14 أو المرضعة
341

والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) فان قيل: إنما على الوارث
ان لا يضار وقد روى ذلك عن ابن عباس من طريق فيها أشعث بن سوار وهو
ضعيف قلنا نعم. ومن المضارة ترك الرضيع يضيع، وكيف وقوله تعالى (مثل ذلك)
لا يختلف أهل العلم باللغة العربية التي بها خاطبنا الله عز وجل في أن ذلك إشارة إلى
الابعد لا إلى الأقرب فصح انه إشارة إلى الرزق والكسوة يقينا، وقد ذكرنا من قال
بهذا في كتاب النفقات من ديواننا هذا فأغنى عن إعادته كعمر بن الخطاب. وزيد بن
ثابت. وغيرهما، ولا حجة لمن خالف ذلك مع القرآن، وهذا مما خالفوا فيه عمر.
وزيد بن ثابت ولا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم وهم
يشنعون هذا إذا وافق أهواءهم * واما قولنا فإن لم يكن له وارث فرضاعه على الام
وارثة كانت أو غير وارثة لا شئ لها من أجل ذلك في مال الرضيع إن كان له مال
بخلاف نفقته بعد الفطام إن كان له مال فلقول الله عز وجل (لا تضار والدة بولدها)
ولقوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * وأما قولنا: فان
كانت مملوكة وولدها عبد لسيدها أو لغيره فرضاعه على الام بخلاف نفقته وكسوته
بعد الفطام فلهذين النصين المذكورين أيضا وليس السيد وارثا لعبده لأنه يأخذ ماله
وإن كان كافرا بعد موته * واما قولنا: فان كانت مملوكة وولدها حر فإن كان له أب أو
وارث فالنفقة لها والكسوة والأجرة على الأب أو على الوارث كما قدمنا فإن لم يكن
له وارث فالنفقة لها والكسوة والأجرة على الأب أو على الوارث كما قدمنا فإن لم يكن
له وارث فرضاعه على أمه فلما ذكرنا آنفا فأغنى عن إعادته وبالله تعالى التوفيق *
وأما قولنا: فان ماتت أو مرضت أو أضر به لبنها أو كانت لا لبن لها ولا مال لها
فارضاعه على بيت المال فان منع فعلى الجيران يجبرهم الحاكم على ذلك فلقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " من ترك دينا أو ضياعا فإلى أو على " أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ولقول الله
تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى
والجار الجنب والصاحب) وهذا من الاحسان المفترض المأمور به وبالله تعالى التوفيق *
تم كتاب الطلاق وما دخل فيه والحمد لله كثيرا وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما
وحسبنا الله ونعم الوكيل *
(كتاب الدماء والقصاص والديات)
(بسم الله الرحمن الرحيم * وصلى الله على محمد وآله)
2018 مسألة: لا ذنب (1) عند الله عز وجل بعد الشرك أعظم من شيئين

(1) في النسخة رقم 16 قال أبو محمد رضي الله عنه: لا ذنب الخ بدل " مسألة "
342

أحدهما تعمد ترك صلاة فرض (1) حتى يخرج وقتها، والثاني قتل مؤمن أو مؤمنة
عمدا بغير حق * أما الصلاة فقد ذكرناها في كتاب الصلاة * وأما القتل فقال عز
وجل: (وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ) وقوله تعالى: (ومن يقتل
مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)،
روينا من طريق البخاري نا على - هو ابن عبد الله - نا إسحاق بن سعيد بن عمر وبن
سعيد بن العاصي عن أبيه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما " قال البخاري: ونا احمد
ابن يعقوب نا إسحاق - هو ابن سعيد المذكور - عن أبيه انه سمعه يحدث عن ابن
عمر أنه قال: " ان من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم
الحرام بغير حله " *
2019 مسألة: والقتل قسمان عمد وخطأ * برهان ذلك الآيتان اللتان
ذكرنا آنفا فلم يجعل عز وجل في القتل قسما ثالثا، وادعى قوم ان ههنا قسما ثالثا وهو
عمد الخطأ وهو قول فاسد لأنه لم يصح في ذلك نص أصلا وقد بينا سقوط تلك الآثار
في كتاب الايصال والحمد لله رب العالمين، مع أن الحنيفيين والشافعيين القائلين بشبه العمد
هم مخالفون لتلك الآثار الساقطة التي موهوا بها فيما فيها من صفة الدية وغير ذلك
على ما بينا في غير هذا الموضع، وهو عندهم ينقسم قسمين، أحدهما ما تعمد به المرء
مما قد يمات من مثله وقد لا يمات من مثله *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا عمد وفيه القود أو الدية كما في سائر العمد لأنه
عدوان، وقال عز وجل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)
والثاني ما تعمد به مما لا يموت أحد أصلا من مثله فهذا ليس قتل عمد ولا خطأ ولا
شئ فيه الا الأدب فقط * ومن عجائب الأقوال ههنا ان الحنيفيين يقولون: من أخذ
حجرا من قنطار فضرب متعمدا رأس مسلم ثم لم يزل يضربه به حتى شدخ رأسه كله فإنه
لا قود فيه وليس قتل عمد، وكذلك لو تعمد ضرب رأسه بعود غليظ حتى يكسره كله
ويسيل دماغه ويموت ولافرق * وقال المالكيون من ضرب بيده في فخذ مسلم فمات
المضروب أثر الضربة ففيه القود ويقتل الضارب * وسماع هذين القولين يكفي من تكلف
الرد عليهما *
قال أبو محمد: رضي الله عنه: فالخطأ من رمى شيئا فأصاب مسلما لم يرده بما قد يمات

(1) في النسخة رقم 14 ترك الصلاة الفرض
343

من مثله فمات المصاب أو وقع على مسلم فمات من وقعته فهذا كله لا خلاف في أنه قتل خطأ
لا قود فيه أو قتل في دار الحرب انسانا يرى أنه كافر فإذا به مسلم أو قتل انسانا متأولا
غير مقلد وهو يرى أنه على الحق فإذا به على الخطأ * برهان قولنا (1) في القاتل في دار
الحرب قول الله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله فإن كان
من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) من ههنا بمعنى في لأنه لا خلاف
بين أحد في أن قوما كفارا حربيين أسلم منهم انسان وخرج إلى دار الاسلام فقتله مسلم
خطأ فان فيه الدية لولده والكفارة فصح بذلك ما قلنا والحمد لله رب العالمين * وأما
المتأول فلما روينا من طريق أبى داود السجستاني نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان نا ابن.
أبى ذئب حدثني سعيد - هو ابن أي سعيد المقبري - سمعت أبا شريح الكعبي يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وانى عاقله ومن قتل
له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين أن يأخذوا العقل وبين ان يقتلوا) *
قال أبو محمد رضي الله عنه: فلا شك ان خزاعة قتلوه متأولين ان لهم قتله وهكذا
نقول فيمن قامت عليه الحجة من النص ثم قتل متماديا على تأويله الفاسد المخالف للنص
أو على تقليد من تأول فأخطأ فعليه القود وهذا الخبر زائد على خبر أسامة بن زيد وخالد
رضي الله عنهما في قتل خالد من قتل من بنى جذيمة متأولا، وفى قتل أسامة الرجل الذي
قال لا إلا إلا الله، والزيادة لا يجوز تركها *
2020 مسألة ولا قود على مجنون فيما أصاب في جنونه ولا على سكرا فيما
أصاب في سكره المخرج له من عقله ولا على من لم يبلغ ولا على أحد من هؤلاء
دية ولا ضمان، وهؤلاء والبهائم سواء لما ذكرنا في الطلاق وغيره من الخبر الثابت
في رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق (2) والسكران لا يعقل،
وقد ذكرنا خبر حمزة رضي الله عنه في قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لو قاله في صحته لخرج
بذلك ع الاسلام وعقره أفتى علي رضي الله عنه فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ذلك ملامة ولا غرامة، وقال بعضهم: لو كان هذا ما شاء واحد أن يقتل أحدا
أو يفسد ماله الا تساكر حتى يبلغ ما يريد فقلنا لهم: فقولوا هذا الكلام في المجنون
فقولوا لو كان هذا لما شاء أحد أن يقتل أحدا أو يتلف ماله الا تحامق وتجنن حتى
يبلغ من ذلك ما يريد ولافرق، فقالوا: ومن يعرف انه سكران فقلنا ومن يعرف
انه مجنون *

(1) في النسخة رقم 16 برهان ذلك
(2) في النسخة رقم 16 حتى يبرأ
344

قال أبو محمد رضي الله عنه: والحق المتيقن في هذا ان الأحكام لازمة لكل
بالغ حتى يوقن انه ذاهب العقل بجنون أو سكر * وأما ما لم يوقن ذلك فالأحكام له
لازمة وحال ذهاب العقل بأحد هذين الوجهين لا يخفى على من يشاهده، وقد
وافقنا المخالفون لنا في هذا المكان على أن لا يؤخذ السكران بارتداده عن الاسلام
وهذا أشنع من كل ما سواه، فان قالوا: فهلا جعلتم في ذلك دية قلنا لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم واعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فأموال
الصبي والمجنون والسكران حرام بغير نص كتحريم دمائهم ولا فرق ولا نص في
وجوب غرامة عليهم أصلا، وجاءت عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك آثار أما
الصبي فجاء عن علي بن أبي طالب أثر بان ستة صبيان تغاطوا في النهر فغرق أحدهم
فشهد اثنان على ثلاثة وشهد الثلاثة على الاثنين فجعل على على الاثنين ثلاثة أخماس
الدية وجعل على الثلاثة خمسي الدية وهذا لا يصح البتة لأنه من رواية سلمة بن كهيل
أو حماد بن أبي سليمان ان علي بن أبي طالب وكلاهما لم يولد الا بعد موت على، ومن
طريق الحجاج بن أرطأة وهو هالك ثم لو صح لكان المالكيون والحنيفيون
والشافعيون مخالفين له وإنما يكون الشئ حجة على من صححه لا على من لم يصححه،
وروى ايجاب الغرامة على عاقلة الصبي الزهري. وحماد بن أبي سليمان. وإبراهيم
النخعي. وقتادة، وبه يقول أبو حنيفة، وروى عن ربيعة أنه قال: إذا كان الصبي
صغيرا جدا فلا شئ على عاقلته ولا في ماله وإن كان يعقل فالدية على عاقلته. وبه
يقول مالك، وقال الشافعي: هي في ماله بكل حال *
قال أبو محمد رضي الله عنه: فهذه مناقضات ظاهرة وأقوال بلا دليل لا من
قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا رواية عن صاحب أصلا ولا قياس وما كان
هكذا فهو باطل متيقن، وقد اتفقوا على أنه لا يجوز ان يقاس على العامد وقياسه
على الخطأ باطل لو كان القياس حقا لأنه لا يقاس عندهم الشئ إلا على نظيره ومشبهه
ولا شبه بين العاقل البالغ وبين الصبي والمجنون أصلا فبطل كل ما قالوه وبالله تعالى التوفيق *
وقد أجمعوا على سقوط الكفارة في ذلك عنه فلو كان القياس حقا لكان اسقاط
الدية قياسا على سقوط الكفارة في ذلك أصح قياس يوجد ولكنهم لا النصوص
يتبعون ولا القياس يحسنون ولا الصحابة يقلدون * وأما المجنون فحدثنا أحمد بن عمر
ابن انس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد
ابن أحمد بن الجهم نا جعفر بن محمد الصائغ نا عفان - هو ابن مسلم - نا صخر بن
345

جويرة عن نافع مولى ابن عمر قال: ان مجنونا على عهد ابن الزبير دخل البيت بخنجر
فطعن ابن عمه فقتله فقضى ابن الزبير بان يخلع من ماله ويدفع إلى أهل المقتول *
ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه ان عبد الله بن الزبير
قال: جناية المجنون في ماله *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذان الاثران في غاية الصحة * ومن طريق
الحسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده عن علي قال: جناية الصبي والمجنون
على عاقلتهما، وهذا لا يصح لان الحسين بن عبد الله وأباه وجده لا خير فيهم * ومن
طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري ان مروان كتب إلى معاوية في مجنون قتل
رجلا فكتب إليه معاوية اعقله ولا تقدمنه، وهذا لا يصح لان يحيى بن سعيد
الأنصاري لم يولد إلا بعد موت معاوية وروينا عن سعيد بن المسيب. وسليمان بن
يسار على المجنون العقل، ولا يصح عنهما لأنه عن مخرمة بن بكير عن أبيه ولم يسمع
من أبيه شيئا، ورويناه أيضا عن يحيى بن سعيد الأنصاري. ومحمد بن جعفر بن الزبير
جناية المجنون على عاقلته، ولا يصح عنهما لأنه عمن لم يسم عنهما إلا أنه صحيح عن
الزهري. وأبى الزناد، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالف
الحنيفيون والمالكيون. والشافعيون في هذا ما صح عن ابن الزبير ولم يصح قط عن
أحد من الصحابة خلافه، ولا حجة لهم فيما روى عن معاوية لأنه ليس فيه ان
الغرامة في مال المجنون ولا انها على عاقلته إنما فيها انه أمر مروان بان يعقله وظاهر
الامر انه عقله من بيت المال ولو فعل الامام هذا لكان حسنا وليس واجبا، وهذا
مما خالفوا فيه النصوص، ومما صح عن الصاحب الذي لا يصح لقوله خلاف عن أحد
منهم والقياس إذ قاسوا ما جنى المجنون القاصد على ضده وهو ما جناه العاقل المخطئ
ولم يقيسوا اسقاط الدية على اسقاطهم الكفارة في ذلك وبالله تعالى التوفيق * فاما
السكران (1) فروينا عن علي بن أبي طالب ان سكارى تضاربوا بالسكاكين وهم أربعة فجرح
اثنان ومات اثنان فجعل على دية الاثنين المقتولين على قبائلهما وعلى قبائل الذين لم يموتا
وقاص الحيين من ذلك بدية جراحهما، وان الحسن بن علي رأى أن يقيد للحيين
للميتين ولم ير على ذلك، وقال: لعل الميتين قتل كل واحد منهما الآخر، وهذا لا يصح
عن علي لأنه من طريق فيها سماك بن حرب عن رجل مجهول رواه حماد بن سلمة عن
سماك فقال عن عبيد بن القعقاع، ورواه أبو الأحوص عن سماك فقال عن عبد الرحمن

(1) في النسخة رقم 16 وأما السكران
346

ابن القعقاع وكلاهما لا يدرى من هو، وسماك يقبل التلقين (1) ولو صح لكان
مخالفا لقول الحنيفيين. والشافعيين. والمالكيين * ومن طريق يحيى بن سعيد الأنصاري
وعبد الرحمن بن أبي الزناد ان معاوية أقاد من السكران قال ابن أبي الزناد: وكان القاتل
محمد بن النعمان الأنصاري والمقتول عمارة بن زيد بن ثابت *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا لا يصح لان يحيى لم يولد إلا بعد موت
معاوية وعبد الرحمن بن أبي الزناد غاية الضعف أول من ضعفه مالك ولا نعلم في هذا
الباب عن أحد من الصحابة شيئا غير ما ذكرنا، وصح عن الزهري، وربيعة وبه
يقول أبو حنيفة. ومالك. والشافعي يقاد من السكران، ولا حجة في أحد دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهذا مما خالفوا فيه النصوص وما روى عن الصحابة والقياس كما ذكرنا *
قال أبو محمد رضي الله عنه: روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ان في كتاب لأبيه عن عمر بن الخطاب قال: لا قود ولا قصاص
ولا حد ولا جراح ولا قتل ولا نكال على من لم يبلغ الحلم حتى يعلم ماله في الاسلام وما عليه،
وقد صح عن عثمان بن عفان ان السكران لا يلزمه طلاق فصح انه عنده بمنزلة المجنون وبهذا
يقول أبو سليمان. والمزني. والطحاوي وغيرهم، وإيجاب الغرامة شرع فإذا كان بغير
نص قرآن أو سنة فهو شرع من الدين لم يأذن (2) به الله ونعوذ بالله من هذا *
قال أبو محمد رضي الله عنه: إلا أن من فعل هذا من الصبيان أو المجانين أو
السكارى في دم أو جرح أو مال ففرض ثقافه في بيت ليكف أذاه حتى يتوب السكران
ويفيق المجنون ويبلغ الصبي لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
على الاثم والعدوان) وتثقيفهم تعاون على البر والتقوى واهمالهم تعاون على الاثم
والعدوان وبالله تعالى التوفيق *
2021 مسألة وان قتل مسلم عاقل بالغ ذميا أو مستأمنا عمدا أو خطأ فلا
قود عليه ولا دية ولا كفارة ولكن يؤدب في العمد خاصة ويسجن حتى يتوب كفا
لضرره * برهان ذلك قول الله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية
مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) إلى قوله تعالى: (وكان الله عليما حكيما) فهذا كله في
المؤمن بيقين، والضمير الذي في (كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله
وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله) راجع ضرورة
لا يمكن غير هذا إلى المؤمن المذكور أولا، ولا ذكر في هذه الآية لذمي أصلا ولا

(1) في النسخة رقم 16 يقبل التدليس
(2) في النسخة رقم 14 شرع من الدين ما لم يأذن
347

لمستأمن فصح يقينا إن ايجاب الدية على المسلم في ذلك لا يجوز البتة، وكذلك إيجاب
القود عليه ولافرق * وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة منهم أبو حنيفة يقاد المسلم
بالذمي في العمد وعليه في قتله خطأ الدية والكفارة ولا يقتل بالمعاهد وإن تعمد قتله
ولا نعمل له في قوله هذا سلفا أصلا * وقالت طائفة: منها مالك لا يقاد المسلم بالذمي إلا
أن يقتله غيلة أو حرابة فيقاد به ولابد، وعليه في قتله خطأ أو عمدا غير غيلة الدية فقط،
والكفارة في الخطأ * وقالت طائفة منها الشافعي: لا يقاد المسلم بالذمي أصلا لكن عليه
في قتله إياه عمدا أو خطأ الدية والكفارة، وجاء في ذلك عن السلف ما روينا من طريق
وكيع نا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن رجلا مسلما قتل
رجلا من أهل الحيرة فأقاده عمر بن الخطاب قال وكيع: ونا أبو الأشهب عن أبي
نضرة بمثله سواء سواء، وهذا مرسل * نا محمد بن سعيد بن نبات نا قاسم بن أصبغ نا محمد
ابن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الله بن إدريس الأزدي عن ليث بن أبي
سليم عن الحكم بن عتيبة أن علي بن أبي طالب. وابن مسعود قالا جميعا: من قتل يهوديا أو
نصرانيا قتل به وهذا مرسل أيضا، وصح هذا عن عمر بن عبد العزيز كما روينا من
طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن ميمون قال: شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى
بعض أمرائه في مسلم قتل ذميا فأمره أن يدفعه إلى وليه فان شاء قتله وان شاء عفى عنه قال
ميمون: فدفع إليه فضرب عنقه وأنا أنظره، وصح أيضا عن إبراهيم النخعي كما روينا
من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: المسلم الحر يقتل
باليهودي والنصراني، وروى عن الشعبي مثل وهو قول ابن أبي ليلى. وعثمان البتي وأحد
قولي أبى يوسف، وقد اختلف عن عمر بن عبد العزيز في ذلك كما روينا من طريق
عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قاضى اليمن قال: كتب عمر بن عبد العزيز في
زياد بن مسلم وكان قد قتل هنديا باليمن أن أغرمه خمسمائة ولا تقده به * وقول آخر رويناه
أيضا عن عمر بن الخطاب في المسلم يقتل الذمي إن كان ذلك منه خلقا وعادة وكان لصا
عاديا فاقده به، وروى فاضرب عنقه وإن كان ذلك في غضبة أو طيرة فأغرمه الدية،
وروى فأغرمه أربعة آلاف، ولا يصح عن عمر لأنه من طريق عبد الله بن محرز وهو
مالك عن أبي مليح بن أسامة أن عمر وهذا مرسل * ومن طريق عبد العزيز بن عمر
ابن عبد العزيز في كتاب لأبيه ان عمر * ومن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن
القاسم بن أبي بزة أن عمر، وهذا مرسل * أو من طريق سوء فيها عبد الملك بن حبيب
الأندلسي عن أسد بن موسى عن سعيد بن أبي عروبة عن عمرو بن دينار ان عمر وهذا
348

مرسل * وقول آخر وهو انه لا يقتل المسلم بالذمي الا أن يقتله غيلة رويناه عن عثمان بن
عفان من طريق هالكة مرسلة فيها عبد الملك بن حبيب الأندلسي عن مطرف عن ابن أبي
ذئب عن مسلم بن جندب الهذلي قال: كتب عبد الله بن عامر إلى عثمان أن رجلا من
المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله فكتب إليه عثمان أن اقتله به فان هذا قتل غيلة على
الحرابة * ورويناه أيضا عن أبان بن عثمان. وأبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
ورجال كثير من أبناء الصحابة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن كل ذلك من رواية
عبد الملك بن حبيب الأندلسي وفى بعضها ابن أبي الزناد وهو ضعيف وبعضها مرسل
ولا يصح منها شئ، وقول آخر: لا يقتل به كما روينا بالرواية الثابتة من طريق شعبة
نا عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الحيرة
فكتب عمر بن الخطاب أن يقاد به ثم كتب عمر كتابا بعده أن لا تقتلوه ولكن
اعقلوه * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا سليمان بن حرب نا ماد بن زيد عن كثير
ابن زياد عن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب: لا يقتل مؤمن بكافر، ومن
طريق إسماعيل نا يحيى بن خلف نا أبو عاصم النبيل عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب في قتل
المسلم النصراني أن عثمان بن عفان قضى أن لا يقتل به وان يعاقب، ومن طريق
عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رجلا مسلما
قتل رجلا من أهل الذمة عمدا فدفع إلى عثمان بن عفان فلم يقتله به وغلظ عليه الدية
كدية المسلم، قال الزهري: وقتل خالد ابن المهاجر - هو ابن خالد بن الوليد - رجلا
ذميا في زمن معاوية فلم يقتله به وغلظ عليه الدية ألف دينار *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا في غاية الصحة عن عثمان ولا يصح في هذا شئ
غير هذا عن أحد من الصحابة الا ما ذكرنا عن عمر أيضا من طريق النزال بن سيرة،
ومن طريق عبد الرزاق نا رباح بن عبد الله بن عمر أخبرني حميد الطويل أنه سمع أنس بن
مالك يحدث أن يهوديا قتل غيلة فقضى فيه عمر بن الخطاب باثني عشر ألف درهم،
ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا سليمان بن حرب نا أبو هلال نا الحسن البصري أن
علي بن أبي طالب قال: لا يقتل مؤمن بكافر، ورويت بذلك مرسلات من طريق الصحابة
جملة، وعن أبي عبيدة بن الجراح. ومعاذ بن جبل. وزيد بن ثابت. وأبي موسى
الأشعري، ومن طريق عبد الزراق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مولى ابن
عباس قال في المسلم يقتل الذمي: لا يقتل به وفيه الدية *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وروى أيضا عن عمر بن عبد العزيز وهو قول
349

سفيان الثوري. وابن شبرمة. والأوزاعي. والشافعي. وأحمد بن حنبل. وأبى ثور.
وإسحاق. وأبي سليمان. ابن المنذر وجميع أصحابهم واليه رجع زفر بن الهذيل روينا
ذلك من طريق أبى عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي عنه *
قال أبو محمد رضي الله عنه: أما قول أبي حنيفة في تفريقه بين الذمي والمعاهد
فما نعلم له حجة لا من قرآن ولا من سنة ولا من رواية سقيمة ولا من رواية عن أحد من
الصحابة ولا من التابعين ولا من قياس ولا من رأى له وجه فسقط بيقين، وكذلك
وجدنا من فرق بين المرة وبين الاكثار من ذلك لا حجة لهم من قرآن ولا من سنة
ولا من رواية سقيمة ولا من رواية ثابتة عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا
من قياس ولا من رأى له وجه، وأما قول مالك في الفرق بين الغيلة وغيرها وكذلك
أيضا سواء سواء الا انهم قالوا: إنما قتلناه للحرابة فقلنا: أنتم لا تقولون بالترتيب
في حد الحرابة ولو قلتموه لكنتم متناقضين أيضا لأنه لا خلاف بين أحد ممن قال
بالترتيب في أنه لا يقتل المحارب ان قتل في حرابة من لا يقتل به ان قتله في غير الحرابة
وأنتم لا تقتلون المسلم بالذمي في غير الحرابة فظهر فساد هذا التقسيم بيقين وأما المشهور
من قول المالكيين انهم يقولون بتخيير الامام في قتل المحارب أو صلبه أو قطعه أو
نفيه فمن أين أوجبوا قتل المسلم بالذمي ولا بد في الحرابة وتركوا قولهم في تخيير الامام
فيه فوضح فساد قولهم بيقين لا اشكال فيه وانه لا حجة لهم أصلا وبالله تعالى التوفيق *
ثم نظرنا في قول من قال يقتل المسلم بالذمي وبالمعاهد فوجدناهم يحتجون بقول الله عز
وجل: (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس) قالوا: هذا عموم وبقوله تعالى: (والحرمات
قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقوله تعالى: (وجزاء
سيئة سيئة مثلها) وقوله تعالى (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) وبقوله عز وجل:
(ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس
ويبغون في الأرض بغير الحق) وبقوله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى)
الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) وقوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) قالوا: وذو العهد وإن كان
كافرا فإنه قتل بغير حق فهو مظلوم بلا شك، وبالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يودى واما يقاد) وبالخبر الثابت عنه صلى الله عليه وسلم
أيضا " لا يحل دم رجل مسلم الا ثلاثة نفر فذكر فيهم والنفس بالنفس " قال على
وسنذكرهما بأسانيدهما إن شاء الله تعالى بعد هذا *
350

قال أبو محمد رضي الله عنه: واحتجوا بما روينا من طريق عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني يرفعه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه أفاد مسلما قتل يهوديا وقال: انا أحق من وفى بذمته، ورواه
بعض الناس عن يحيى بن سلام عن محمد بن أبي حميد المدني عن محمد بن المنكدر
قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا أشياء ادعوا فيها الاجماع وهو ان عبيد الله بن
عمر بن الخطاب لما مات أبوه رضي الله عنه قتل الهرمزان وكان مسلما وقتل جفينة
وكان نصرانيا وقتل بنية صغيرة لأبي لؤلؤة وكانت تدعى الاسلام فأشار المهاجرون
على عثمان بقتله قالوا: فظاهر الامر انهم أشاروا بقتله بهم ثلاثتهم، وقالوا كما لا
خلاف في أن المسلم يقطع ان سرق من مال الذمي والمستأمن فقتله بهما أولى لان الدم
أعظم حرمة من المال، وقالوا لنا خاصة أنتم تحدون المسلم ان قذف الذمي والمستأمن
وتمنعون من قتله بقتله لهما وهذا عجب جدا * واحتجوا على الشافعيين بقولهم: ان
قتل ذمي ذميا ثم أسلم فإنه يقتل به عندكم ولا فرق بين قتلكم مسلما بكافر وبين
قتلكم مسلما بكافر في المسألة الأخرى *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وكل هذا لا حجة لهم في شئ منه، أما قول الله
عز وجل: (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس) فان هذا مما كتب الله عز وجل
في التوراة ولا تلزمنا شرائع من قبل نبينا عليه الصلاة والسلام، ثم لو صح اننا
ملزمون ذلك لكان القول في هذه الآية كالقول في الآيات الأخر التي ذكرناها بعدها
وفى الاخبار الثابتة التي أوردنا، وفيها " أو نفس بنفس " وأيضا ففي آخر هذه
الآية بيان انها في المؤمنين بالمؤمنين خاصة لأنه قال عز وجل في آخرها: (فمن تصدق
به فهو كفاره له) ولا خلاف بيننا وبينهم في أن صدقة الكافر على ولى الكافر
الذمي المقتول عمد الا تكون كفارة له فبطل تعلقهم بهذه الآية، وأما قوله عز وجل
(والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فان
الخطاب في هذه الآيات للمؤمنين لا للكافرين فالمؤمنون هم المخاطبون في أول الآية
وآخرها بأن يعتدوا على من اعتدى عليهم بمثل ما اعتدى به عليهم وليس فيها ان
القصاص من الذمي للذمي بقول الله تعالى: (وان احكم بينهم بما انزل الله) لا
بالآية المذكورة وأما قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فهو أيضا في المؤمن
يساء إليه خاصة لان نصها (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فأجره على
351

الله) ولا خلاف في أن هذا ليس للكفار ولا أجر لهم البتة، وأما قوله عز وجل:
(وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) فكذلك أيضا إنما هو خطاب للمؤمنين خاصة
يبين ذلك ضرورة قوله تعالى فيها: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم
لهو خير للصابرين) ولا خير لكافر أصلا صبر أو لم يصبر قال الله عز وجل:
(وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا): وأما قوله تعالى: (ولمن
انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس
ويبغون في الأرض بغير الحق) وقوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) وقوله تعالى: (ثم بغى عليه لينصرنه
الله) وقوله عز وجل: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد
والأنثى بالأنثى) الآية * والاخبار الثابتة التي فيها " النفس بالنفس " و " من قتل له قتيل
فاما يودى وأما يقاد " فان كل ذلك يخص بقول الله عز وجل: (أفنجعل المسلمين
كالمجرمين مالكم كيف تحكمون) وبقوله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا
لا يستوون) وبقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) فوجب
يقينا ان المسلم ليس كالكافر في شئ أصلا ولا يساويه في شئ فإذ هو كذلك فباطل ان
يكافئ دمه بدمه أو عضوه بعضوه أو بشرته ببشرته فبطل أن يستقاد للكافر من المؤمن أو
يقتص له منه فيما دون النفس إذ لا مساواة بينهما أصلا، ولما منع الله عز وجل ان يجعل
للكافرين على المؤمنين سبيلا وجب ضرورة أن لا يكون له عليه سبيل في قود ولا في قصاص
أصلا ووجب ضرورة استعمال النصوص كلها إذ لا يحل ترك شئ منها * ومن فضائح
الحنيفيين المخزية لقائلها في الدنيا والآخرة قطعهم يد المسلم بيد الذمي الكافر ومنعهم من قطع
يد الرجل المسلم بيد المرأة الحرة المسلمة نعم ولا يقطعون يد الذمي الكلب ان تعمد قطع يد
امرأة حرة مسلمة فاعجبوا لهذه المصائب مع قول الله عز وجل: (إنما المؤمنون اخوة) فان
اعترضوا في الآية المذكورة بما روينا من طريق سفيان الثوري عن الأعمش عن زرعن يسيع
الكندي قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال له: كيف تقرأ هذه الآية (ولن يجعل
الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وهم يقتلون يعنى المسلمين فقال على فالله يحكم بينهم يوم
القيامة ولن يجعل الله للكافرين يوم القيامة على المؤمنين سبيلا *
قال أبو محمد رضي الله عنه: يسيع الكندي مجهول لا يدرى أحد من هو، وجواب
هذا السائل ان هذه الآية حق واجب في الدنيا والآخرة إنما منع الله تعالى من أن يكون
للكافرين على المؤمنين سبيل بحق يجعله الله تعالى له ويأمر بانفاذه للكافر على المسلم
352

في الدنيا ويوم القيامة، وأما بالظلم والتعدي فلم يؤمننا الله تعالى قط من ذلك كما أطلق أيدي
الكفار فيما خلى على بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقتلوهم وعلى رسوله محمد
صلى الله عليه وسلم فجرحوا وجهه المقدس وكسروا ثنيته بنفسي هو وبأبي وأمي، وكما أطلق ألسنة
الحنيفيين وأيدي من وافقهم بايجاب الباطل في القصاص للكافر من المسلم وكل ذلك ظلم
لم يأمر الله تعالى به ولا رضية قط ولا جعله حقا بل أنكره عز وجل أشد الانكار
نعم وفى الآية التي فيها: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى
بالأنثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) وهذا نص
جلى بأنها في المؤمنين خصاة بعضهم في بعض فقط لأنهم اخوة كلهم فاسقهم وصالحهم
عبدهم وحرهم، وليس أهل الذمة اخوة لنا ولا كرامة لهم، وكذلك قوله تعالى: (فقد
جعلنا لوليه سلطانا) فمعاذ الله أن يكون هذا لكافر والله ما جعل الله تعالى لهم قط
بحكم دينه سلطانا بل جعل لهم الصغار قال عز وجل: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون) فان قالوا فإذ لا يساووننا فلم قتلتم الكافر بالمؤمن قلنا: ولا كرامة ان
نقتله به قودا بل قتلناه لأنه نقص الذمة وخالف العهد بخروجه عن الصغار، وكذلك
نقتله ان لطم مسلما أو سبه ونستفئ جميع ماله بذلك ونسئ أهله وصغار ولده، فان
قالوا: فلم تحكمون على المسلم برد ما غصبه من الذمي أو منعه إياه من المال؟ قلنا: ليس
في هذا سبيل له على المسلم إنما هي مظلمة يبرأ منها المسلم تنزيها له عن حبسها فقط *
قال أبو محمد رضي الله عنه: ويوضح هذا غاية الوضوح ما رويناه من طريق
أبى داود السجستاني قال: نا أحمد بن حنبل نا يحيى بن سعيد القطان نا سعيد بن أبي
عروبة عن قتادة عن الحسن البصري عن قيس بن عباد قال: انطلقت انا وآخر ذكره
إلى علي بن أبي طالب فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال
لا الا ما في كتابي هذا فإذا فيه (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى
بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا أو آوى
محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * نا حمام بن أحمد بن حمام القاضي
نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل. ومحمد بن
إسماعيل الترمذي قال عبد الله: نا أبى وقال الترمذي. نا الحميدي ثم اتفق أحمد بن حنبل.
والحميدي واللفظ له قالا جميع نا سفيان بن عيينة نا مطرف بن طريف قال سمعت الشعبي يقول
نا أبو جحيفة - هو السوائي - قال قلت لعلي بن أبي طالب: هل عندكم من رسول
الله صلى الله عليه وسلم سوى القرآن؟ قال على: " لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطى الله
353

عبدا فهما في كتابه أو ما في الصحيفة قلت: وما في الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وان
لا يقتل مسلم بكافر " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا لا يحل لمسلم خلافه، فاعترض فيه أهل
الجهالة المضلة (1) بان قالوا: قد روى هذا الخبر من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن
بشار نا الحجاج بن المنهال نا همام عن قتادة عن أبي حسان قال: قال علي بن أبي طالب
" ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا دون الناس الا صحيفة في قراب سيفي فلم يزالوا به حتى
أخرجها فإذا فيها المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من
سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " قالوا فمرة رواه قتادة عن الحسن
ومرة وراه عن أبي حسان مرسلا، وهذه علة في الخبر فقلنا فكان ماذا؟ ما جعل
مثل هذا علة إلا ذو علة في دينه وما ندري في رواية قتادة للخبر مرة عن أبي حسان ومرة
عن الحسن وجها يعترض به إلا من عدم الحياء وكابر عين الشمس * وقالوا أيضا قد رويتم
من طريق وكيع نا أبو بكر الهذلي عن سعيد بن جبير قال: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل
مسلم (2) بكافر ان أهل الجاهلية كانوا يتطالبون (3) بالدماء فلما جاء الاسلام قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل رجل من المسلمين بدم أصابه في الجاهلية " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا عجب جدا، أبو بكر الهذلي كذاب مشهور
ثم لو رواه أيوب عن سعيد بن جبير لما كانت فيه شبهة يتعلق بها مخالف للحق لأنه اما
رأى ما رآه سعيد بن جبير فهو كسائر الآراء لا يعترض بها على السنن ولا كرامة، واما
سمعه ممن لا يدرى [من هو] (4) فهذا أبعد له (5) من أن يتعلق به ثم لو صح ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لكان هذا خبرا قائما بنفسه كوضعه عليه الصلاة والسلام دماء الجاهلية
في حجة الوداع وكان في صحيفة علي بن أبي طالب خبرا آخر قائما بنفسه لا يحل تخصيصه
بذلك الخبر لأنه عمل فاسد بلا برهان ودعوى بلا دليل وضرب للسنن بعضها ببعض كمن أباح
اكل الخنزير وشرب الخمر بقول الله عز وجل: (وكلوا واشربوا) ولا فرق، وقالوا أيضا:
قد رويتم هذا الخبر من طريق أبى داود السجستاني قال: نا مسلم بن إبراهيم نا محمد بن راشد
نا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقتل
مؤمن بكافر فمن قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فان شاءوا قتلوه وان شاءوا
أخذوا الدية " *

(1) وفي النسخة المظلمة
(2) في النسخة رقم 14 لا يقتل مؤمن
(3) في النسخة رقم 14 يتظالمون
(4) الزيادة من النسخة رقم 16
(5) في النسخة رقم 14 فهو أبعد له
354

قال أبو محمد رضي الله عنه: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيفة
لا يجوز الاحتجاج بها وهي مملوءة مناكير ثم لو صحت لما كانت لهم فيها حجة بل كانت
تكون حجة لنا عليهم لان فيها ان لا يقتل مؤمن بكافر فهذه قضية صحيحة قائمة بنفسها
وهي قولنا ثم فيها حكم من قتل عمدا فلو دخل في هذه القضية المؤمن يقتل الذمي عمدا
لكانت مخالفة للحكم الذي قبلها وهذا باطل، فلو صحت لكانت بلا شك في المؤمن يقتل
المؤمن عمدا لا فيما قد أبطله قبل من أن يقتل مؤمن بكافر، وقالوا: معناه لا يقتل مؤمن
بكافر حربي أو إذا قتله خطأ فكان هذا من أسخف ما أتوا به وكيف يجوز ان يظن هذا
ذو مسكة عقل ونحن مندوبون إلى قتل الحربيين موعودون على قتلهم بأعظم الاجر أيمكن ان
يظن من به طباخ (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الحال وأمره عليه الصلاة والسلام
بالجهاد يتكلف ان يخبرننا لا نقتل بالحربيين إذا قتلناهم ما شاء الله كان، وكذلك
القول في تأويلهم السخيف أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن لا يقتل مؤمن بكافر إذا
قتله خطأ هذا والله يقين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجب للنار، وكيف يمكن ان
يسع هذا في دماغ من به مسكة عقل أن يكون مذ بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام
إلى يوم القيامة قد أمنا أن يقتل منا أحد بألف كافر قتلهم خطأ ثم يتكلف عليه الصلاة
والسلام اخبارنا بأن لا يقتل المؤمن بكافر قتله خطأ ثم لا يبين لنا ذلك إلا بكلام مجمل
لا يفهم أحد منه هذا المعنى إنما يأتي به المتكلفون لنصر الباطل واما رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي أعطى (2) جوامع الكلم وأمره ربه تعالى بالبيان لنا فلا ولا كرامة لقد نزهه الله
عز وجل عن هذا وباعده عن أن يظن به ذلك مسلم * وقالوا في قوله عليه الصلاة والسلام:
" لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " تقديم وتأخير إنما أراد أن يقول لا يقتل
مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر، وقد صح بلا خلاف وجوب قتل المعاهد بالذمي فصح
انه إنما أراد بالكافر الحربي *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا كذب آخر على رسول الله صلى الله عليه وسلم موجب
لصاحبه ولوج النار واللعنة إذ تحكموا في كلامه عليه الصلاة والسلام بلا دليل وليس إذا
وجد نص قد قام البرهان بأن فيه تقديم وتأخيرا وجب أن يحكم في نص آخر بالتقديم
والتأخير بلا دليل كما أنه إذ وجد نص منسوخ لم يحل لاحد أن يقول في نص آخر لم يأت

(1) يقال رجل ليس به طباخ أي قوة ولا سمن قال الشاعر:
المال يغشى رجالا. طباخ لهم * كالسيل يغشى أصول الديدن البالي
(2) في النسخة رقم 14 أوتى
355

دليل بأنه منسوخ، هذا منسوخ هذه صفة الكذابين الفساق المفترين على الله عز وجل
وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالكذب * وقالوا ان الشعبي هو أحد رواة ذلك الخبر (1) وهو
يرى قتل المؤمن بالذمي فقلنا: هذا لم يصح قط عن الشعبي لأنه لم يروه إلا ابن أبي ليلى وهو
شئ الحفظ، وداود بن يزيد الزغافري وهو ساقط، ثم لو صح ذلك عنه لكان الواجب
رفض رأيه واطراحه والاخذ بروايته لأنه وغيره من الأئمة موثوق بهم في أنهم
لا يكذبون لفضلهم غير موثوق بهم بأنهم لا يخطئون بل كل أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
غير معصوم من الخطأ ولابد وليس يخطئ أحد في الدين إلا لمخالفة نص قرآن أو نص
سنة بتأويل منه قصد به الحق فأخطأه، وقد أفردنا بابا ضخما (2) في كتابنا الموسوم بالاعراب
فيما أخذ به الحنيفيون من السنن التي خالفها من رواها من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا
من أبرد ما موهوا به فهذا ما اعترضوا به قد أوضحنا سقوط أقوالهم فيه *
وأما احتجاجهم بخبر ابن المنكدر. وربيعة عن ابن البيلمان فمرسلان ولا حجة
في مرسل، فان لجوا قلنا لهم دونكم مرسلا مثلهما نا حمام بن أحمد نا ابن مفرج
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن شعيب
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلا من أهل الكتاب أربعة آلاف
درهم وانه ينفى من ارضه إلى غيرها " وذكر ان عمر بن عبد العزيز قضى بذلك، وأما
قصة عبيد الله بن عمر بن الخطاب وقتله الهرمزان وجفينة وبنت أبى لؤلؤة فليس في الخبر
نص ولا دليل على أن أحدا قال بقتل جفينة فبطل بذلك دعواهم وصح انه إنما طولب بدم
الهرمزان فقط وكان مسلما ولا خلاف في القود للمسلم من المسلم فلا يجوز أن يقحم في
الخبر ما ليس فيه بغير نص ولا اجماع * وأما احتجاجهم بأنه كما يجب قطع يد المسلم
إذا سرق مال ذمي فكذلك يجب قتله به فقياس فاسد والقياس كله باطل ثم لو صح
القياس لكان هذا منه عين الباطل لان القود والقصاص للمسلم من الذمي حق للذمي
عندهم له طلبه وله تركه والعفو عنه، وهذا هو السبيل الذي منع الله عز وجل منا ولم
يجعلها لكافر على مسلم وليس كذلك القطع في السرقة ليس هو من حقوق المسروق منه
المال ولا له طلبه دون غيره ولا له العفو عنه إنما هو حق لله عز وجل أمر به شاء
المسروق منه أو أبى فلا سبيل فيه للذمي على المسلم أصلا * وأما قولهم انا نحد المسلم
إذا قذف الذمي قلنا نعم وكذلك نحده إذا قذف الحربي ولافرق لما ذكرنا في القطع
في السرقة من أنه ليس كلا الامرين حقا للذمي ولا للمقذوف ولا للمسروق منه ولا لهما
العفو عنه ولا طلبه دون سائر الناس إنما الحد في القذف حق الله تعالى أمر به كما هو

(1) في النسخة رقم 14 هو راوي هذا الخبر
(2) في النسخة رقم 14 بابا محكما
356

الحد في الخمر لذمي كانت أو لحربي ولا فرق، فان قالوا: انكم تغرمون المسلم المال إذا
وجب للذمي قبله وتأخذونه من المسلم بالسجن والأدب إذا امتنع من أدائه وهو قادر
عليه قلنا نعم وليس هذا من القود والقصاص في شئ لان المال المأخوذ بغير حق هو محرم
على آخذه كائنا من كان وإذ هو كذلك فإنما هو باطل منعناه منه وأزلناه عن يده كما
نمنعه من قتل الذمي بلا حق ولا فرق ولو قدرنا على تكليفه احياء الذمي الذي قتل لفعلنا ذلك
به فإذ لا يقدر عليه ذلك فلا شئ عليه إلا الأدب لتعديه إلى ما حرم الله تعالى عليه فقط
كما نؤدبه في غصبه ماله إذا لم يقدر على رده ولا على انصافه فقط وليس كل متعد إلى
ما حرم على الله عز وجل يلزمه قتل ولا قطع عضو ولا قصاص * وأما احتجاجهم
على من قال: إذا قتل ذمي ذميا ثم أسلم القاتل فالقود عليه باق فقد أخطأ هذا القائل
بل قد سقط القود والقصاص عنه لأنه قتل مؤمن بكافر. وقد حرم الله تعالى ذلك
على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعكس عليهم هذه القياسات الفاسدة فيقال لهم كما لا تحدون
أنتم المسلم إذا قذف الذمي وتحدون الذمي إذا قذف المسلم فكذلك اقتلوا الذمي
بالمسلم ولا تقتلوا المسلم بالذمي، هذا أصح قياس يكون لو كان القياس حقا لأنها
حرمة وحرمة * ومن غرائب القول احتجاج الحنيفيين في الفرق بين قاتل المستأمن فلا
يقيدونه به وبين قاتل الذمي فيقيدونه به، فان قالوا: الذمي محقون الدم بغير وقت والمستأمن
محقون الدم بوقت ثم يعود دمه حلالا إذا رجع إلى دار الحرب ولا ندري من أين وجب
اسقاط القود بهذا الفرق وكلاهما محرم الدم إذا قتل تحريما مساويا لتحريم الآخر، وإنما
يراعى الحكم وقت الجناية الموجبة للحكم لابعد ذلك ولعل المستأمن لا يرجع إلى دار
الحرب ولعل الذمي ينقض الذمة ويلحق بدار الحرب فيعود دمه حلالا ولافرق.
وحسبك بقوم هذا مقدار علمهم الذي به يحلون دماء المسلمين وحسبنا الله ونعم الوكيل *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وأما قولنا لا دية على المسلم (1) في قتله الذمي عمدا ولا
على عاقلته في قتله إياه خطأ ولا كفارة عليه أيضا فلما قد بينا قبل في أول كلامنا في هذه
المسألة من أن الآية التي فيها إيجاب الدية والكفارة في قتل الخطأ إنما هي في المؤمن
المقتول خطأ فقط ولم يأت قط نص في ايجاب دية ولا كفارة في قتل الكافر الذمي
خطأ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " ولا يجوز
على أصول أصحاب القياس أن يقاس الشئ الا على نظيره وليس الكافر نظير المؤمن (2)
ولا مثلا فقياسه عليه باطل على أصول القائلين بالقياس. والمانعين منه، وبالله تعالى

(1) في النسخة رقم 14 على مسلم
(2) في النسخة رقم 14 نظيرا للمسلم
357

التوفيق * وإنما أوجبنا الدية في قتل الكافر المسلم خطأ بعموم قول الله تعالى: (ومن قتل
مؤمنا خطأ) الآية فعم بهذا قاتل المؤمن خطأ ولم يخص بذلك مؤمنا من كافر ولم يأت
دليل من قرآن ولا سنة ولا اجماع يخص ذلك فوجب امضاؤها على عمومه، وأما هذه
الآية فلا حجة لهم فيها أصلا لان نصها ان الله تعالى يقول: (وما كان لمؤمن أن يقتل
مؤمنا الا خطأ) إلى قوله تعالى: (عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) فصح بنص
هاتين الآيتين نصا جليا لا يمكن أن يتأول فيه شئ أن هذا الحكم إنما هو في المؤمن المقتول
خطأ نقط، ثم قال عز وجل: (فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة
وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فصح بالضرورة
التي لا مدخل للشك فيها ان في كان من قوله تعالى: (فإن كان من قوم) ضمير راجع إلى
أول مذكور لا يمكن غير ذلك البتة فإذ لابد من هذا، والضمير في لغة العرب لا يرجع
الا إلى أقرب مذكور قبله الا ببرهان يدل على غير ذلك فليس في هذه الآيات أقرب مذكور
ولا أبعد مذكور الا المؤمن المقتول خطأ فقط، فصح بيقين لا اشكال فيه ان مراد الله
تعالى بقوله (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) انه مؤمن يقتل خطأ كما قال الحسن.
وجابر بن زيد، وصح ان معنى قول الله تعالى (من قوم بينكم وبينهم ميثاق) إنما هو في قوم
إذا كان سكناه فيهم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بأن لا يرث الكافر المسلم وأن
الدية موروثة فبطل بيقين ان يرث الكفار الذميون ابن عمهم المؤمن * والدية في
العمد إنما وجبت بقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في
القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع
بالمعروف وأداء إليه باحسان) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل له قتيل فهو بخير
النظرين اما أن يودى وإما أن يقاد " فصح بنص القرآن والسنة انه لا دية في العمد الا
حيث يكون القود يقينا، وقد بينا انه لا قود من المسلم للذمي فإذ لا قود له منه فلا دية له
عليه إذ لم يوجب الدية دون القود في العمد قط قرآن ولا سنة وبالله تعالى التوفيق * نا حمام
نا أبو محمد الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن
سعيد القطان عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري قال: " إذا قتل المسلم
الذمي فليس عليه كفارة * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا محمد بن المنهال نا يزيد
ابن زريع نا يونس هو ابن يزيد عن الحسن انه كان لا يرى العتق الا في قتل المسلم الذمي
وهو قول أبى عياض. وجابر بن زيد، فان شغبوا بما ناه الطلمنكي نا ابن مفرج نا الصموت
محمد بن أيوب نا البرار نا محمد بن معاوية الزنادي نا أبو داود نا يعقوب بن عبد الله
358

ابن نجيد حدثني أبي عن أبيه عن عمران بن الحصين قال: " ان رجلا من خزاعة قتل
رجلا من هذيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلته فأخرجوا
عقله " فان يعقوب وأباه وجده مجهولون
(وأما أدبه وسجنه) فالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المنع من أن يجلد أحد في غير
حد أكثر من عشر جلدات، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده
ان استطاع " وقتل الذمي بغير حق منكر فواجب تغييره باليد وقال تعالى: (وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فسجن القاتل منع له من الظلم
وتعاون على البر والتقوى واطلاقه عون له على الاثم والعدوان وبالله تعالى التوفيق *
2022 مسألة وان قتل المسلم أو الذمي البالغان العاقلان مسلما خطأ فالدية واجبة
على عاقلة القاتل وهي عشيرته وقبيلته وعلى القاتل في نفسه إن كان بالغا عاقلا مسلما عتق رقبة
مؤمنه ولابد فإن لم يقدر عليها لفقره فعليه صيام شهرين متتابعين لا يحول بينهما شهر
رمضان ولا بيوم فطر ولا بيوم أضحى ولا بمرض ولا بأيام حيض ان كانت امرأة
وذلك واجب على الذمي الا أنه لا يقدر في حاله تلك على عتق رقبة مؤمنة ولا على
صيام حتى يسلم فان أسلم يوما ما لزمه العتق أو الصيام فإن لم يسلم حتى مات لقى الله
عز وجل وذلك زائد في اثمه وعذابه ولا يصوم عنه وليه، هذا كله نص القرآن الذي
لا يجهله من له في العلم أقل حظ *
واما كون الدية على عشيرته فلما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن
سعيد نا الليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة
" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة
التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بان ميراثها لبنيها وزوجها
وان العقل على عصبتها " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وقال الحنيفيون. والمالكيون: العقل على أهل
الديوان وادعوا ان عمر قضى بذلك وذلك لا يصح ولو صح لما كانت فيه حجة لأنه لا حجة
في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيذ الله تعالى عمر من أن يكون يحيل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويحدث حكما آخر بغير وحى من الله تعالى وهذا عظيم جدا *
قال أبو محمد رضي الله عنه: فمن لم يكن له من المسلمين خاصة عصبة فمن سهم
الغارمين أو من كل مال موقوف لجميع مصالح المسلمين لقول الله عز وجل: (المؤمنون
359

بعضهم أولياء بعض) ولاحظ في المال المذكور لكافر ذميا كان أو غيره، وبالله
تعالى التوفيق *
وأما قولنا: لا يحول بين الشهرين برمضان ولا باضحى ولا بمرض ولا أيام حيض
فلان الله عز وجل أمر بهما متتابعين وأما إذا حال بينهم شئ مما ذكرنا فليسا متتابعين
ولم يخص الله عز وجل حيلولة بغير عذر من حيلولة بعذر، وتؤخر المرأة صيامها حتى
ترتفع حيضتها لأنها لا تقدر على المتابعة فقرضها ان توخر حتى تقدر كالمريض وغيره
ولو بدأهما في أول شعبان ثم سافر رمضان كله أجزاه اتمام الشهرين فيه ثم يقضى رمضان
كما أمره الله تعالى، واما الذمي فان كل كافر من جن أو انس ففرض عليهم ترك كل
دين والرجوع إلى الاسلام والتزام شرائعه لا يقول غير هذا مسلم لأنه بهذا جاء القرآن
وعليه حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالفه ولم يؤمن به، وبذلك وجب الخلود في النار
على من لم يسلم فإذ كل كافر فملزم دين الاسلام ومأمور به فحكمه لازم لهم وشرائعه
كذلك الا ان منها مالا يقبل منهم حتى يسلموا كالصلاة هي فرض على الجنب وغير
المتوضى الا انها لاتقبل منهما إلا حتى يغتسل الجنب ويتوضأ المحدث * وأما قولنا
لا يصوم عن الكافر وليه بخلاف المسلم يموت وعليه صيام لأنه لا يصوم الولي الا
ما لو صامه الميت لأجزأه وليس هذا صفة الكافر وبالله تعالى التوفيق *
2022 مسألة: ومن قتل مؤمنا عمدا في دار الاسلام أو في دار الحرب
وهو يدرى انه مسلم فولى المقتول مخير ان شاء قتله بمثل ما قتل هو به وليه من ضرب
أو طعن أو رمى أوصب من حالق أو تحريق أو تغريق أو شدخ أو إجاعة أو تعطيش
أو خنق أو غم أو وطئ فرس أو غير ذلك لاتحاش شيئا وان شاء عفى عنه أحب القاتل
أم كره لا رأى له في ذلك وليس عفوا لولى عن القود وسكوته عن ذكر الدية بذلك بمسقط
للدية بل هي واجبة للولي وان لم يذكرها الا ان يلفظ بالعفو عن الدية أيضا وان شاء
عفا عنه بما يتفقان عليه فههنا خاصة ان لم يرضه القاتل لم يلزمه ويكون للولي القود أو الدية
فان أبى الولي الا أكثر من الدية لم يلزم القاتل أن يزيده على الدية وبرة فما فوقها *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: ليس
لولى المقتول الا القود فقط أو العفو ولا تجب له الدية إلا برضى القاتل فان أبى الولي
الا أكثر من الدية ولو اضعافا كثيرة فان رضى بذلك القاتل جاز ذلك والا فلا، صح
هذا القول عن إبراهيم النخعي وعن أبي الزناد وهو قول أبي حنيفة. وسفيان الثوري.
ومالك. وابن شبرمة. والحسن بن حي. وأصحابهم، وصح قولنا عن ابن عباس روينا
360

من طريق البخاري نا قتيبة بن سعيد نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن
عباس في قول الله عز وجل: (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان)
قال: كان في بني إسرائيل القدوم لم تكن فيهم الدية قال فالعفو ان يقبل الدية في العمد يطلب
بمعروف ويودى باحسان * ومن طريق حماد بن سلمة نا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن
ابن عباس في الآية المذكورة هو العمد يرضى أهله بالدية اتباع من الطالب بالمعروف وأداء
إليه من المطلوب باحسان، وصح أيضا عن مجاهد والشعبي. وعن عمر بن عبد العزيز كما
روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قاضى صنعاء قال: كتب عمر
ابن عبد العزيز في امرأة قتلت رجلا ان أحب الأولياء ان يعفوا عفوا وان أحبوا ان
يقتلوا قتلوا وان أحبوا ان يأخذوا الدية أخذوها وأعطوا امرأته ميراثها من الدية *
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال يجبر القاتل على اعطاء الدية فان اتفقوا
على ثلاث ديات فهو جائز إنما اشتروا به صاحبهم وهو قول سعيد بن المسيب. ومحمد
ابن سيرين. والأوزاعي. والشافعي. وأبى ثور. وأحمد بن حنبل. وإسحاق، وأبي سليمان.
وأصحابهم. وجمهور أصحاب الحديث *
قال أبو محمد رضي الله عنه: فنظرنا فيما احتج به أهل هذا القول فوجدنا قول الله
عز وجل: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن
عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) فالضمير في قول تعالى له وفى من
أخيه راجع إلى القاتل لا يجوز غير ذلك لأنه هو الذي عفى له من ذنبه في قتل أخيه المسلم *
وما روينا من طريق البخاري نا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين نا شيبان عن يحيى - هو ابن أبي
كثير - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة فذكر حديثا وفيه " ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يودى وإما ان يقاد " * ومن
طريق أبى داود السجستاني نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان نا ابن أبي ذئب نا سعيد بن أبي
سعيد المقبري قال: سمعت أبا شريح الكعبي يقول في خبر " فمن قتل له بعد مقالتي هذه
قتيل فأهله بين خيرتين بين ان يأخذوا العقل وبين ان يقتلوا " فهذا نص جلى لا يحتمل
تأويلا بان الخيار في الدية أو القود إلى ولى المقتول لا إلى القاتل، وقد وافقونا على أنه ان عفى
واحد من الأولياء فأكثر ان الدية واجبة للباقين أحب القاتل أم كره وكذلك عندهم إذا بطل
القود بأي وجه بطل كالأب قتل ابنه أو نحو ذلك فأي فرق بين امتناع القود بهذا وبين امتناعه
بعفو الولي، قالوا: ولا يصح خلاف ابن عباس في ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم
ثم نظرنا فيما يشغب به أهل القول الذي ذكرنا أولا فوجدناهم يحتجون بما روينا من طريق
361

أحمد بن شعيب أخبرني هلال بن العلاء نا سعيد بن سليمان نا سليمان بن كثير نا عمرو بن دينار
عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل في رميا أو عميا يكون
بينهم بحجر أو بسوط أو عصى فعقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فقود يديه فمن حال بينه
وبينه فعليه لعنة الله " وذكر الحديث * ومن طريق ابن وهب أخبرني سفيان الثوري
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " من اغتبط مؤمنا قتلا فهو موديه إلا أن يرضى ولى المقتول " وذكر
الحديث وفى آخره " وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله والرسول " * وبماناه احمد
ابن قاسم حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا الحكم بن
موسى نا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزري عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
ابن حزم عن أبيه عن جده " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن مع عمرو بن
حزم فمن اغتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود الا ان يرضى أولياء المقتول، وبما روينا من
طريق أبى داود نا عبيد الله بن عمر بن ميسرة نا يحيى بن سعيد - هو القطان - عن عوف الاعرابي
عن حمزة أبى عمرو العايذي الضبي حدثني علقمة بن وائل حدثني وائل بن حجر قال: كنت عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جئ بقاتل في عنقه النسعة فقال عليه الصلاة والسلام لمولى المقتول:
أتعفو؟ قال لا قال أتأخذ الدية قال لا قال أفتقتل قال نعم، وفى آخر الحديث انه عليه الصلاة
والسلام قال له: " اما انك ان عفوت عنه فإنه يبوء بإثمك واثم صاحبك " قال فعفى عنه،
ومن طريق أبى داود نا محمد بن عوف الطائي نا عبد القدوس بن الحجاج ثنا يزيد بن عطاء
الواسطي عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى
بقاتل فقال هل: هل لك من مال تؤدى ديته؟ قال: لا قال أفرأيت ان أرسلتك تسأل الناس
تجمع ديته قال لا قال فمواليك يعطونك ديته؟ قال لا قال لولى المقتول خذه ثم قال عليه الصلاة
والسلام اما انه ان قتله كان مثله وذكر باقي الحديث وفيه انه عليه الصلاة والسلام قال له " أرسله
يبوء باثم صاحبك واثمه فيكون من أصحاب النار فأرسله " * ومن طريق أحمد بن شعيب
أنا عيسى بن يونس الفاخوري نا ضمرة عن عبد الله بن شوذب عن ثابت البناني عن أنس
ابن مالك " ان رجلا أتى بقاتل وليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام اعف
عنه فأبى فقال خذ الدية فأبى قال: اذهب فاقتله فإنك مثله " فذكر الحديث وفيه " انه أرسله "
قالوا ففي حديث ابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن حزم القود الا ان يرضى أولياء
المقتول، وفى حديث وائل بن حجر وأنس الفرق بين العفو وبين أخذ الدية قالوا فلو كانت الدية
واجبة بالعفو وان لم يذكرها الولي العامي لاستغنى عليه الصلاة والسلام عن إعادة ذكرها،
362

قالوا وفى أحد حديثي وائل انه استشار القاتل في اعطاء الدية فلو كانت واجبة عليه ما استشاره
في ذلك قالوا: وقد رويتم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس قال في
الكتاب الذي هو عند أبي هو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالذي في حديث معمر وهي في
شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وأربعون خلفة فتية سمينة إذا اصطلحوا
في العمد فهو على ما اصطلحوا عليه قالوا فلم يذكر في العمد دية وقالوا: قال الله عز وجل:
(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرئ
مسلم بغير طيب نفس منه " قالوا فدل هذان النصان على أن مال القاتل لا يجوز أخذ شئ
منه إلا بطيب نفس منه، وقالوا قال الله عز وجل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) وقال تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) قالوا: وليس مثل
القتل الا القتل فلا مدخل للدية ههنا الا برضاهما معا، وقالوا قال الله عز وجل: (ومن
قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) قالوا: فلم يذكر عز وجل
الا القتل فقط وقالوا: (لا يخلو ولى المقتول من أن يكون له القصاص أو يكون له
أيضا أخذ الدية بدلا من القصاص، فان قلتم هذا قلنا لم نجد قط حقا لانسان أن يكون له أخذ
بدل منه الا برضى الذي عليه الحق، فان قلتم له اما القصاص واما الدية قلنا: لو كان ذلك
لكان ان عفى عن أحدهما لم يجز عفوه لأنه لم يجب له بعد بعينه وإنما يجوز عفوه عنه إذا اختاره
ثم عفى عنه بعد وجوبه له بعينه، وقالوا: قد روى عن عمر بن الخطاب كما رويتم من طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عمر بن الخطاب
قال: لا يمنع السلطان ولى لادم ان يعفو ان شاء أو يأخذ العقل ان اصطلحوا عليه ولا
يمنعه ان يقتل ان أبى الا القتل بعد أن يحق له القتل في العمد، واعترضوا في قول الله
عز وجل: (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع) وقالوا: ان الضمير الذي في له وفى من أخيه
راجع إلى ولى المقتول لا إلى القاتل بمعنى فمن سمح له القاتل بالدية، واعترضوا في خبر أبي
هريرة بأن قالوا: قد رويتم هذا الخبر بعينه بخلاف ذلك اللفظ لكن كما رويتم من
طريق أحمد بن شعيب انا العباس بن الوليد بن مزيد أرني أبى حدثني الأوزاعي نا يحيى
ابن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان أبا هريرة أخبره ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يقاد واما يفادى " * ومن طريق أبى بكر
ابن أبي شيبة نا الحسن بن موسى عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير أخبرني أبو سلمة بن
عبد الرحمن بن عوف ان أبا هريرة أخبره في حديث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن قتل
له قتيل فهو بخير النظرين اما أن يقتل واما أن يفادى أهل القتيل " قالوا فلم يذكر دية.
363

وهذا قولنا، واعترضوا في خبر أبي شريح الكعبي بأن قالوا: قد رويتموه كما حدثكم أحمد
ابن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم بن قال حدثني جدي قاسم بن اصبغ قال نا عبد الله بن روح
نا يزيد بن هارون نا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء
السلمي عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصيب بدم أو خبل
- والخبل الجراح - فهو بالخيار في احدى ثلاث أشياء اما أن يعفو وأما أن يقتص وإما أن
يأخذ العقل " قالوا فلو وجبت الدية بالعفو وان لم تذكر لما كان لذكره عليه الصلاة
والسلام للدية مع ذكر للعفو مخيرا بينهما معنى قالوا ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام:
" إما أن يقاد واما أن يعقل " ان يرضى القاتل كما تقول خذ بسلعتك كذا وكذا أي
يرضى البائع. هذا كل ما موهوا به قد تقصيناه لهم ولا حجة لهم في شئ منه على ما نذكر
إن شاء الله عز وجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم *
أما حديث سعيد بن سليمان عن سعيد بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن
عباس فلا حجة لهم فيه لأنه باجماع منا ومنهم لم يذكر فيه عفوا وإنما ذكر فيه القود
فقط، فان قالوا: قد ذكر العفو في غير هذا المكان قلنا: وقد ذكرت الدية في غير هذا
المكان ولا فرق، وزيادة العدل لا يجوز تركها، والحنيفيون يخالفون هذا الخبر لأنهم
لا يرون القود للولد من الوالد فخصه بلا برهان، وكذلك المالكيون لأنهم لا يرون
القود للعبد من الحر فخصوه أيضا بلا برهان * وأما حديث ابن أبي ليلى فمرسل ولا
حجة في مرسل ثم هو عن محمد بن عبد الرحمن، وهو سيئ الحفظ * وأما حديث عمرو بن
حزم فساقط لان سليمان بن داود الذي رواه عن الزهري ضعيف الحديث مجهول الحال
قاله ابن معين وغيره، ثم لو صح هو وحديث ابن أبي ليلى لكانا حجة لنا لا لهم لان فيه إلا
أن يرضى أولياء المقتول ونحن لا ننكر هذا بل نقول إنهم ان رضوا بالدية أو بأكثر
من الدية فلهم رضاهم، وخبر أبي شريح. وأبي هريرة ففيهما زيادة عدل على هذين
الخبرين وزيادة عدلين لا يجوز تركها، وكم قضية في خبر عمرو بن حزم المذكور وقد
خالفوها بآرائهم كما ذكرنا في كتاب الزكاة وبالله تعالى التوفيق * وأما حديثا وائل بن
حجر فساقطان، أحدهما من رواية أبى عمرو العايذي وهو مجهول وقد روى عن
عوف أيضا عن أبي عمرو الضبي فإن لم يكن ذلك فهو ضعيف، وقد روى هذا الخبر
مدلسا ونحن نبينه إن شاء الله عز وجل عليه لئلا يموه به على جاهل بعلوم الحديث وهو
كما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم نا إسحاق بن يوسف
الأزرق عن عوف الاعرابي عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: جئ بالقاتل وذكر
364

الحديث نفسه فاسقط بين عوف وعلقمة أبا عمرو المذكور، والثاني من رواية سماك بن
حرب وهو يقبل التلقين ثم لو صحا لكانا حجة لنا عليهم لان في أحدهما أنه عليه الصلاة
والسلام قال لولى القاتل أتعفو؟ قال لا قال أفتأخذ الدية؟ قال: لا قال أفتقتل قال: نعم
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار في العفو أو القود أو أخذ الدية لولى المقتول دون أن يستشير
القاتل أو يلتفت إلى رضاء وهذا قولنا لا قولهم، والآخر أن فيه عليه الصلاة والسلام قال
للقاتل ألك مال تؤدى ديته قال: لا قال أفرأيت ان أرسلتك تسأل الناس تجمع ديته؟ قال:
لا: قال فمواليك يعطونك ديته؟ قال لا " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: ومن لا مال له ولا يطمع في أن يجمع له الدية
لا الناس ولا مواليه الذين لا شئ عليهم من جنايته فلا يجوز تكليفه مالا يطيق * واما
خبر أنس فساقط لأنه من طريق عبد الله بن شوذب وهو مجهول ثم لو صح لكان حجة لنا
كما قلنا في خبر وائل لان فيه تخيير الولي بين أخذ الدية أو القود أو العفو فكيف وهما
خبران موضوعان بلا شك لان فيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا يكن أن يقولوه من
ايجاب النار على من أخذ حقه الذي أعطاه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أمره عليه
الصلاة والسلام إياه فقتل من نهاه عن قتله، فهذا تناقض قد نزه الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم
عنه * وأما قولهم: لو كانت الدية واجبة بالعفو وان لم يذكر لما كررها عليه الصلاة
والسلام فليس كما ظنوا وإنما ذكر عليه الصلاة والسلام عفوا مطلقا عاما لا عفوا خاصا
عن الدم فقط وكذلك نقول إن عفا عن الدم وحده خاصة فالدية باقية له وان عفا
عفوا عاما عن الدم والدية فذلك له * وأما خبر ابن طاوس عن أبيه فمرسل ولا حجة في
مرسل، ثم هو أعظم حجة على الحنيفيين والمالكيين لخلافهم لما فيه، أما الحنيفيون
فالدية عندهم في شبه العمد بخلاف ما فيه لكن أرباعا جداع وحقاق وبنات لبون وبنات
مخاض، وأما المالكيون فلا يرون في شبه العمد شيئا أصلا، فمن أعجب ممن يحتج بما
هو أول مخالف له ويصححه على من لا يصححه ثم ليس فيه الا كما في العمد ما اصطلحوا
عليه إذا اصطلحوا، ونحن نقول بهذا ولا نخالفه، وأما ذكرهم قول الله عز وجل:
(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرئ
مسلم الا بطيب نفس منه " فصحيح كل ذلك وهو قولنا، وقد قال الله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)
فإذا أوجب الله تعالى الدية أو رسوله صلى الله عليه وسلم فقد وجب أحدهما على رغم انف الزاعم
رضى الذي يؤخذ منه أو كره طابت نفسه أو خبثت كما قلنا، وقالوا في العاقلة
365

والزكاة والنفقات الواجبات وغير ذلك، ولو أنهم احتجوا على أنفسهم بهذين النصين
حيث أوجبوا الدية على عاقلة الصبي. والمجنون. وان كرهوا ولم تطب أنفسهم ولا رضوا
ولا أوجبها الله تعالى قط ولا رسوله عليه الصلاة والسلام لكان أولى بهم وهذا هو
الاكل للمال بالباطل حقا * وأما قوله عز وجل: (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به والحرمات
قصاص) و (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فحق كل ذلك، وقوله عز وجل: (فمن
عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اما أن يقاد وإما أن يودى " حكم زائد على تلك الآيات وأحكام الله عز وجل وأحكام
رسوله صلى الله عليه وسلم كلها حق يضم بعضها إلى بعض ولا يحل خلاف شئ منها ولو أنهم
احتجوا على أنفسهم بهذه الآيات حيث خالفوها من اسقاطهم القود للولد من أبيه
واسقاط القود لمن لم يعف من أجل عفو واحد منهم واسقاط بعضهم القود للعبد من
الحر لكان أولى بهم وأما قوله عز وجل: (فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل)
فحق وبه نقول إذا اختار القود فليقتل قاتل وليه ولا يحل له أن يسرف فيقتل غير
قاتله وليس ههنا ذكر الدية التي قد ورد حكمها في نص آخر، وأما قولهم: لا يخلو ولى
المقتول من أن يكون له القصاص أو أخذ الدية بد لا من القصاص قالوا: ولم نجد قط
حقا لانسان يكون له أخذ بدل منه بغير رضى الذي عليه الحق فهذيان نسوا فيه
أقوالهم الفاسدة إذ قالوا: من كسر قلب فضة لغيره فصاحب القلب يخير بين أخذ قلبه
كما هو ولا شئ له وان شاء ضمن قيمته مصوغا غير مكسور من الذهب أحب الكسر أو
أبى، وإذ قالوا من غصب ثوب الآخر فقطعه قطعا استهلكه به كحرق أو خرق في بعضه
فان صاحب الثوب مخير بين أن يأخذ ثوبه وقيمة نقصانه وان شاء أعطاه للغاصب
وألزمه قيمته صحيحا بخلاف الحكم لو قطعه قميصا وبخلاف القمح إذا طحنه دقيقا.
والدقيق إذا خبزه خبزا. واللحم إذا طبخه أو شواه فلم يروا للمغصوب في كل هذا
الا قيمة ما غصب منه فقط، وجعلوا القميص والخبز والطبخ والشواء حلالا
للغاصب بحكم إبليس اللعين، فهذه ابدال أوجبوها بآرائهم الفاسدة فرضا من حقوق
واجبة بغير رضى الذي ألزموها إياه ولا طيب نفسه، وأما نحن فلا نعترض على أحكام
الله عز وجل وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه القضايا الخبيثة وبالله تعالى نتأيد، وأما
قولهم: إن كان له القود أو الدية فلا يجوز عفوه عن أحدهما حتى يختاره فقول سخيف
بل عفوه عن القود جائز وتبقى له النسية إلا أن العفو عنها كما امر الله عز وجل
ورسوله صلى الله عليه وسلم كما أنه إذا اختار القود فقد اسقط حقه في الدية وإذا اختار الدية فقد
366

أسقط حقه في القود وإذا عفى عن القود بقي حكمه في القسم الآخر وهو الدية وبالله
تعالى التوفيق * واما قولهم إن التخيير زيادة في النص ولا تجوز الزيادة في النص الا
بما يجوز به النسخ فصحيح والنسخ جائز لما في القرآن بقرآن أو سنة ثابتة بخبر الواحد
وهو جائز أيضا للسنة بالقرآن وبخبر ثابت من طريق الثقات أيضا، فلو انهم احتجوا
على أنفسهم بهذا القول حيث زادوا على النسخ بالاخبار الواهية لكان أولى بهم
كالوضوء بالنبيذ ولا مسح على الجبائر والتدليك في الغسل، وكايجاب الديات في كثير
من الأعضاء بقياس أو رواية ساقطة أو تقليد بغير نص وبالله تعالى التوفيق * وأما
روايتهم ذلك عن عمر بن الخطاب فلا تصح لأنها عن عمر بن عبد العزيز. عن عمر
ابن الخطاب ولم يولد عمر رحمه الله تعالى الا بعد موت عمر رضى الله تعالى عنه بنحو سبع
وعشرين سنة، ولو صح لكان الثابت عن ابن عباس خلافا له * وأما تعلقهم (1) في
قول الله عز وجل: (فمن عفى له من أخيه شئ) ان الضمير راجع إلى القاتل فدعوى
كاذبة ومحال لا يجوز لأنها دعوى بلا دليل وتكلف ظاهر البطلان مع أنه خلاف لقول
المالكيين منهم لان في الآية (فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) فقالوا هم: بل
نتبع بضرب مائة سوط ونفى سنة بلا نص أوجب ذلك أصلا ولا رواية عن صاحب
ولا يشك ذو فهم ان المعفو له من ديته في أخيه هو القاتل وأما ولى المقتول فلم يعف
له شئ من أخيه وحتى لو كان معناه ما تأولوه بالباطل لكان مخالفا لأقوالهم لأنه
لا يوجب ذلك مراعاة رضى الولي بل كان يكون الخيار حينئذ للقاتل فقط وهذا لا يقوله
أحد على ظهر الأرض لأهم ولا غيرهم فصح ان تأويلهم في الآية محال باطل ممتنع
لا يحل القول به أصلا والحمد لله رب العالمين * واما اعتراضهم في خبر أبي هريرة
بأنه قد روى فيه أيضا أما ان يقاد واما أن يفادى أهل القتيل فصحيح وهو معنى ثالث
وبه نقول وهو اتفاقهم كلهم القاتل وأولياء القتيل على فداء القاتل بأكثر من الدية ولا
يحل ترك شئ مما صح ولا ضرب بعضه ببعض فهذا هو التلاعب بالدين وكيد الاسلام
جهارا ونعوذ بالله من ذلك، وليس ترك الصحيح مما في ذلك الخبر من أن يقاد أو
يودى من أجل ما قد صح أيضا من أن يقاد أو يفاد بأولى من آخر خالف الحق فترك قوله
عليه الصلاة والسلام أن يفادى من أجل قوله أو يودى وكل ذلكم باطل، فصح ان اخذ
كل ذلك وضم بعضه إلى بعض هو الحق الذي لا يجوز خلافه، واما اعتراضهم في خبر أبي
شريح برواية سفيان بن أبي العوجاء فسفيان مجهول لا يدرى من هو، ثم العجب

(1) في النسخة رقم 14 واما تعللهم
367

كله من احتجاجهم به وهم مخالفون ما فيه لان فيه ايجاب القود في الجراح جملة وهم
لا يرون القود في شئ من الجراح الا في الموضحة وحدها فقط فيا للمسلمين في أي باب
يقع احتجاج المرء على خصمه بما يخالف وهو يصححه وخصمه لا يصححه، ثم لو صح
لكان حجة لنا عليهم لان فيه التخيير للمجروح أو لولى المقتول بين القود أو الدية أو
العفو دون اشتراط رضى الجاني وهذا عجب آخر ورضى بالتمويه المفتضح من قرب
ونسأل الله تعالى العافية * وأما قولنا بان كل ما ذكرنا فهو من قتل عمدا مسلما في
دار الحرب وهو يدرى انه مسلم في دار الحرب كما لو فعل ذلك في دار الاسلام ولا
فرق فلعموم نص القرآن والسنة التي أوردنا في ذلك ولم يخص احدى الدارين من
الأخرى وما كان ربك نسيا، وهو قول مالك. والشافعي. أبى سليمان وجميع أصحابهم وبه
نأخذ، واما أبو حنيفة فقال: ان قتل مسلم مسلما عمدا في أرض الحرب وكان المقتول
غير ساكن في أرض الحرب فلا قود فيه أصلا إنما فيه الدية، فإن كان المسلم المقتول
ساكنا في أرض الحرب فعلى قاتله عمدا وهو يدرى انه مسلم الكفارة فقط ولا قود
فيه ولادية *
قال أبو محمد رضي الله عنه: ولا ندري من أين اخرج هذا القول السخيف ولا
من تقدمه إليه، والعجب أن المبتلين من الله تعالى بتقليده موهوا في ذلك بما رويناه
من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن أبي ظبيان
عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت
رجلا فقال: لا إله الا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفا من
السلاح قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ فما زال يكررها على حتى تمنيت
انى أسلمت يومئذ ". وبما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن
سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى
بنى جذيمة فدعاهم إلى الاسلام فلم يحسنوا ان يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا
صبأنا وجعل خالد فيهم اسرا وقتلا ودفع إلى كل رجل منا أسيرا حتى إذا أصبح يوما (1)
أمرنا خالد بن الوليد ان يقتل كل واحد منا (2) أسيره فقال ابن عمر: والله لا أقتل
أسيري ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له صنيع
خالد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم ان أبرأ إليك مما صنع خالد ". ومن طريق أبى داود

(1) في النسخة رقم 16 أصبح يومنا
(2) في النسخة رقم 14 كل رجل منا
368

نا هناد بن السرى نا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن
جرير بن عبد الله البجلي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصموا بالسجود
فاسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فامر لهم بنصف العقل
وقال: أنا برئ من كل مسلم يقيم بين اظهر المشركين قالوا: يا رسول الله لم؟ قال:
لا تراءى ناراهما (1) *
قال أبو محمد رضي الله عنه: لا يصح في هذا الباب شئ غير هذه الأحاديث، وأما
حديث اليمان والد حذيفة رضي الله عنهما ففيه زياد بن عبد الله البكائي وليس بالقوى *
وأما حديث ملجم بن قدامة وقتله عامر بن الأضبط واعطاء النبي صلى الله عليه وسلم الدية فيه
ومنعه من القود ففيه زياد بن ضميرة وهو مجهول بل إنه يصح في حديث ملجم
المذكور ما ناه حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن
زهير بن حرب نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله
ابن قسيط عن القعقاع عن عبد الله بن أبي حدود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أطم فلقينا
عامر بن الأضبط - هو أشجعي - فحيانا بتحية الاسلام فقام إليه الملجم بن جثامة - هو
ليثي كناني - فقتله ثم سلبه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه فنزلت: (يا أيها
الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست
مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله
عليكم فتبينوا) *
قال أبو محمد رضى عنه: كل هذه الأخبار حجة عليهم لان خالدا لم يقتل
بنى جذيمة الا متأولا انهم كفار، ولم يعرف ان قولهم: صبأنا صبأنا اسلام
صحيح، وكذلك أسامة بلا شك وحسبك بمراجعته رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وقوله:
إنما قالها من خوف السلاح وهو والله الثقة الصادق (2) الذي ثبت انه لم يقل الا
ما في نفسه، وكذلك السرية التي أسرعت بالقتل في خثعم وهم معتصمون بالسجود
وإذ هم متأولون فهم قاتلوا خطأ بلا شك فسقط القود، ثم نظرنا فيهم فوجدناهم كلهم
في دار الحرب في قوم عدو (3) لنا فسقطت الدية بنص القرآن ولم يبق الا الكفارة
فلا بد من أحد أمرين ضرورة اما أنه عليه الصلاة والسلام أمرهم بها فسكت الراوي

(1) يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا، والمعنى أنه يلزم المسلم ويجب عليه أن يباعد
منزله عن منزل المشرك لئلا يرى نار شركه
(2) في النسخة رقم 14 التقى الصادق
(3) في النسخة رقم 16 في دار عدو
369

عن ذلك، واما ان الآية التي فيها (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير
رقبة) لم تكن نزلت بعد فلا شئ عليهم الا الاستغفار والدعاء إلى الله عز وجل فقط،
فان قيل: كيف يقول متأولا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبرأ إلى الله تعالى من فعله؟ قلنا: نعم
قد برئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل خطأ خالف الحق ونحن نبرأ إلى الله عز وجل منه
وإن كان فاعله مأجورا أجرا واحدا ولم يبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد قط إنما برئ
من فعله وهكذا نقول نبرأ إلى الله عز وجل من كل تأويل أخطأ فيه المتأول ولا نبرأ
من المتأول ولو برئ عليه الصلاة والسلام من خالد لما أمره بعدها فصح قولنا والحمد
لله رب العالمين، فان قيل: فما وجه اعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خثعما نصف الدية؟ قلنا:
فعل ذلك تفضلا وصلة واستئلافا على الاسلام فقط ولو وجبت لهم دية لما منعهم عليه
الصلاة والسلام منها وبرة فما فوقها فلما بطل احتجاج الحنيفيين لقولهم الخبيث بهذه
الاخبار في اسقاط القود والدية عمن تعمد قتل مسلم يدرى انه مسلم وإن كان
ساكنا في أرض الحرب وفى اسقاطهم القود فقط عن المتعمد قتل المسلم في عسكر
المسلمين في دار الحرب إذ قد صح انها كلها قتل خطأ لا قتل عمد فظهر فساد قولهم
بيقين، فان قيل: فقد برئ عليه الصلاة والسلام من كل مسلم سكن بين أهل دار
الحرب قلنا: لو كان هذا مبيحا لتعمد قتله لبطل قولكم في ايجاب الكفارة في ذلك
وإنما معناه انه جان على نفسه بذلك فان قتله من لا يدرى انه مسلم فلا قود ولا دية
إنما فيه الكفارة فقط بنص القرآن ثم زادوا ضلالا فاحتجوا في ذلك بخبر ساقط
موضوع ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقطع الأيدي في السفر " فكان هذا عجبا لأنهم أول
مخالف لهذا الخبر فيقطعون الأيدي في السفر فلا ندري من أين وقع لهم تخصيص
دار الحرب بذلك؟ ثم لو صح لهم ذلك لكان اسقاطهم القود والدية أو القود فقط
على ترك قطع الأيدي هوسا ظاهرا وقد أعاذ الله رسوله عليه الصلاة والسلام من
أن يريد النهى عن القود والدية في قتل نفس المسلم عمدا في أرض الحرب فيدع ذكر
ذلك ويقتصر على النهى عن قطع الأيدي في السفر هذا لا يضيفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الا كذاب ملعون متعمد للكذب عليه عليه الصلاة والسلام *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وأما قولنا يقتل قاتل العمد بأي شئ قتل به
فإنه قد اختلف الناس في كل ذلك فقالت طائفة كما قلنا كما روينا من طريق أبى بكر
ابن أبي شيبة نا حفص - هو ابن غياث - عن أشعث عن الشعبي قال: قال علي بن أبي
طالب العمد كله قود * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد الرحيم عن أشعث عن
370

الشعبي. والحسن. وابن سيرين. وعمرو بن دينار قالوا كلهم: العمد قود * ومن
طريق وكيع عن سفيان الثوري عمن سمع الشعبي يقول: إذا مثل بالرجل ثم قتله
فإنه يمثل به ثم يقتل * ومن طريق حماد بن سلمة عن اياس بن معاوية قال: كل
شئ يقتله فإنه يقاد به نحو الحجر العظيم والخشبة العظيمة التي تقتل * ومن طريق
حماد بن سلمة عن هشام بن عروة أنه حدثه ان ابنا لصهيب أخذ ابنا لحاطب بن أبي بلتعة
فضربه بخشبة معه حتى ظن أنه قد قتله فذكر الحديث وانه مات منها وأن الصهيبي دفع
إلى ولى حاطب فضربه بعصا معه في الرأس حيت تطايرت شؤون رأسه فمات، وعروة
ابن الزبير جالس لا ينكره، كان اسم الصهيبي الحسن بن عثمان وكان اسم الحاطبي
يزيد بن المغيرة * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة
عن أبي رجاء قال: قال قتادة ان قتل بحجر قتل بحجر وان قتل بخشبة قتل بخشبة وهو
قول أبان بن عثمان. وأبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم * ومن طريق حماد بن سلمة انا حميد عن
ميمون بن مهران أن يهوديا قتله مسلم بفهر فكتب ميمون في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز
فكتب إليه عمر يأمره بدفعه إلى أم اليهودي فدفعه إليها فقتلته بفهر * وبه يأخذ مالك.
والشافعي. وأبو ثور. وأحمد بن حنبل. وإسحاق. وابن المنذر. وأصحابهم. وغيرهم،
وقال مالك: إن قتله بحجر أو عصى أو بالنار أو بالتغريق قتل بمثل ذلك يكرر عليه
أبدا حتى يموت، وقال الشافعي: ان ضربه بحجر حتى مات ضربه بحجر أبدا حتى
يموت وان حبسه بلا طعام ولا شراب حتى يموت حبس مثل تلك المدة حتى يموت
فإن لم يمت قتل بالسيف، وهكذا ان غرقة وهكذا ان ألقاه من مهواة عالية، فان
قطع يديه ورجليه فمات قطعت يدا القاطع ورجلاه فان مات والا قتل بالسيف *
قال أبو محمد رضي الله عنه: ان لم يمت ترك كما هو حتى يموت لا يطعم ولا
يسقى، وكذلك ان قتله جوعا أو عطشا جوع وعطش حتى يموت ولا بد ولا
تراعى المدة أصلا، وقال ابن شبرمة: ان غمسه في الماء حتى يموت غمسته فيه حتى
يموت وان قتله ضربا ضربته مثل ضربه لا أكثر من ذلك، وقد كانوا يكرهون
المثلة ويقولون: السيف يجزئ من ذلك كله *
قال أبو محمد رضي الله عنه: بل اضربه حتى يموت، وقالت طائفة: لا يقتل
في كل ذلك الا بالسيف كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن
الحسن البصري أنه قال: لا قود إلا بحديدة * ومن طريق وكيع نا سفيان عن المغيرة عن
إبراهيم النخعي فيمن قتل بخشبة أو بالشئ قال: لا سيف محل ذلك * ومن طريق
371

شعبة عن المغيرة عن إبراهيم لا قود الا بالسيف * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة
نا وكيع عن محمد بن قيس عن الشعبي لا قود الا بحديدة، وروى نحو هذا عن سفيان،
وقال أبو حنيفة وأصحابه: بأي شئ قتله مما يوجب القود فلا يقاد الا بالسيف، وهو
قول أبى سليمان *
قال أبو محمد رضي الله عنه: ظاهر ما روينا عن الحسن. والشعبي ايجاب
القود بالسيف والرمح والسكين والمطرقة فنظرنا فيما احتجت به الطائفة الأولى فوجدنا هم
يحتجون بقول الله عز وجل: (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) وبقوله عز وجل: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وبقوله تعالى: (وان
عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) وبقوله عز وجل: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم
من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم
عذاب اليم) وبقوله عز وجل: (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله
فأولئك هم الظالمون) وبقوله تعالى: (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) قالوا:
فكلام الله تعالى كما أوردنا موجب ان الغرض القصاص في القتل فما دونه إنما هو
بمثل ما اعتدى به وأنه لا يحل تعدى ذلك إلى غير ما اعتدى به قالوا: فمن قتل بالسيف من
قتل متعديا بغير السيف فقاتله بما لم يقتل به متعد ظالم بنص القرآن عاص لله عز وجل
فيما أمر به، واحتجوا أيضا بما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: " ان دماءكم
وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " قالوا: فمن قتل أحدا بغير السيف ظالما
عامدا فبشرة غير القاتل (1) محرمة على المستقيد وغيره إذ قد صح تحريمها، ولم يأت نص ولا
اجماع باباحتها وإنما حل من بشرة القاتل ومن التعدي عليه مثل ما انتهك هو من
بشرة غيره ومثل ما تعدى عليه به فقط ومن خالف هذا فهو كمن أفتى من فقئت عيناه
ظلما بأن يجدع هو اشراف اذني فاقى عينيه ولافرق، ومن طريق مسلم نا هداب بن خالد
نا همام نا قتادة عن أنس بن مالك أن جارية قد وجد رأسها قد رضى بين حجرين فسألوها
من صنع هذا بك فلان فلان حتى ذكروا لها يهوديا فأومأت برأسها فاخذ اليهودي
فأقر فامر النبي صلى الله عليه وسلم أن ترض رأسه بين الحجارة (2) ورواه أيضا شعبة عن
هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس * ومن طريق
مسلم نا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له نا ابن علية عن الحجاج
ابن أبي عثمان نا أبو رجاء مولى أبى قلابة حدثني أنس بن مالك أن نفرا من عكل ثمانية قدموا

(1) في النسخة رقم 14 فبشرة عنق القاتل
(2) في النسخة رقم 14 يرض رأسه بالحجارة
372

على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الاسلام فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها
وألبانها؟ فقالوا بلى فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا
الإبل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فادركوا فجئ بهم فامر بهم فقطعت
أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا " قال مسلم: حدثني الفضل
ابن سهل الأعرج مروزي نا يحيى بن غيلان نا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس بن
مالك قال: إنما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء، فهذا
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره الذي لا يسع أحد الخروج عنه، ومن طريق أبى بكر
ابن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن سليمان نا إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العمد قود الا ان يعفو ولى المقتول " * ومن
طريق البخاري نا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - نا شيبان عن يحيى - هو ابن أبي
كثير - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما أن يودى واما أن يقاد " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: القود في لغة العرب المقارضة بمثل ما ابتدأه به
لا خلاف بين أحد في أن قطع اليد باليد والعين بالعين والانف بالأنف والنفس بالنفس
كل ذلك يسمى قودا فقد صح يقينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرنا بالقود فإنه
إنما أمرنا بأن يعمل بالمتعدى في القتل فما دونه مثل ما عمل هو سواء سواء، هذا أمر
تقتضيه الشريعة واللغة ولابد، ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الأخرى فوجدناهم
يعولون على ما روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا عيسى بن يونس عن أشعث. وعمرو
ابن عبيد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا قود الا بالسيف " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا مرسل ولا يحل الاخذ بمرسل، وقالوا: الخبران
عن أنس في الذين قتلوا الرعاء وفى الذي رضخ رأس الجارية فإنما كانا إذ كانت المثلة
مباحة ثم نسخها بتحريم المثلة، ويدل على ذلك أن في رواية أيوب عن أبي قلابة عن
أنس لذلك الخبر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات " *
قالوا: والرجم قد لا يصيب الرأس فقد قتله بغير ما قتل هو به الجارية وقد رويتم من
طريق أبى داود نا محمد بن المثنى نا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي عن قتادة عن الحسن
عن الصباح بن عمران - هو البرجمي - انه سمع سمرة بن جندب: وعمران يقولان:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة * وروينا نحوه أيضا من
373

طريق الحسن عن أبي برزة. وأبى بكرة. وأنس بن مالك. ومعقل بن يسار كلهم عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ما سمعناه عليه الصلاة والسلام قط خطبنا الا وهو يأمر
بالصدقة وينهى عن المثلة، نا أحمد بن عمر العذري نا أحمد بن علي بن الحسن الكسائي
نا علي بن غيلان الحراني أنا المفضل بن محمد نا علي بن زياد ثنا أبو قرة عن ابن جريج
أخبرني إسماعيل بن علية عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه أو رجع عن دينه فاقتلوه ولا تعذبوا
بعذاب الله أحدا يعنى بالنار " ونهى عليه الصلاة والسلام عن المثلة قالوا: والنهى
عن المثلة ثابت من طرق قالوا: وقد رويتم من طريق البخاري. نا موسى بن إسماعيل
نا همام عن قتادة عن أنس فذكر حديث الذين قتلوا الرعاء وقد أوردناه آنفا قال
قتادة: فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك كان قبل نزول الحدود *
قال أبو محمد رضي الله عنه: لم نخالفهم قط في أن المثلة لا تحل لكن قلنا: إنه
لأمثلة إلا ما حرم الله عز وجل وأما ما أمر به عز وجل وليس مثلة ليت شعري
ما الفرق عند هؤلاء القوم، بين من قتل عامدا ظالما بالحجارة فقتل هو كذلك فقالوا
هذه مثلة وبين من زنا وهو محصن فقتل بالحجارة فقالوا: ليس هو مثلة إلا أن
يستحى ذو دين من هذا الكلام الظاهر فساده * فان قالوا: ان الله عز وجل أمر
بالرجم في الزنا والاحصان، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: والله سبحانه وتعالى أمر
بالاعتداء على المعتدى بمثل ما اعتدى به وبالمعاقبة بمثل ما عوقب به ظالما، وقتل
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشدخ بالحجر من قتل ظالما كذلك، فهل من فرق؟ وليت شعري
على ما يعهد الناس أيكون مثلة أعظم من قطع اليد والرجل من خلاف وفق ء العينين
وجدع الانف والاذنين وبرد الأسنان وقطع الشفتين وهم موافقون لنا على أن كل
ذلك واجب ان يفعل بمن فعله بغيره ظالما فلو ترحموا التحكم لكان أولى، ولقد قالوا:
ان من قطع الطريق فقطعت يده ورجله من خلاف فان قطع بعد ذلك الطريق لم تقطع
يده الثانية ولا رجله ونظن انهم يقولون إنه من قطع يد آخر ورجله انه تقطع يده
ورجله، فان قالوا ذلك لاح تناقضهم وان لم يقولوه زادوا في الباطل ومنع الحق *
وأما قول ابن سيرين كان ذلك قبل نزول الحدود فخطأ وكلام من لم يحضر تلك
المشاهد ولا ذكر انه أخبره من شهدها فهو لا شئ، وحديث أنس الذي موهوا به لم
يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قط يخطب الا نهى عن المثلة أعظم حجة عليهم في كذبهم انه
ناسخ لفعله عليه الصلاة والسلام بالذين قتلوا الرعاء لان أنسا صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
374

ولازمه خادما له من حين قدم عليه السلام المدينة إلى حين موته صلى الله عليه وسلم فصح يقينا قطعا
بلا شك انه سمع انس خطبته عليه الصلاة والسلام ونهيه عن المثلة قبل فعله عليه الصلاة
والسلام بالذين قتلوا الرعاء فبطل ضرورة أن يكون المتقدم ناسخا للمتأخر وبالله ان
ضرب العنق بالسيف لأعظم مثلة ولقد شاهدناه فرأيناه منظرا وحشا وكأنه جسد
بأربعة أفخاذ فظهر فساد احتجاجهم بالمثلة وصح ان كل ما أمر به عليه الصلاة والسلام
فليس هو مثلة إنما المثلة من فعل ما نهاه الله تعالى عنه متعديا ولا مزيد، وأما قولهم إن
في رواية أيوب " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به فرجم بالحجارة حتى مات، فلا شك
ولا خلاف في أن تلك الروايات كلها هي في قصة واحدة في مقام واحد في انسان واحد
فقول أيوب عن أبي قلابة عن أنس فامر به فرجم حتى مات، وقول شعبة عن هشام
ابن زيد عن أنس فامر به فرض. رأسه بين حجرين وقول همام عن قتادة عن أنس فامر رسول
الله صلى الله عليه وسلم ان ترض رأسه بين الحجارة أخبار عن عمل واحد وإذا رض رأسه بين حجرين
فقد رض بالحجارة وقد رجم رأسه حتى مات فبطل تعلقهم باختلاف ألفاظ الرواة
إذ كلها معنى واحد ولله تعالى الحمد وكلهم ثقة وإنما هذا تعلل في مخالفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالباطل * واحتجوا أيضا بما روى من طريق أبى داود نا مسلم بن إبراهيم
نا شعبة، عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس قال:
خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم
فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا صحيح وغاية الاحسان في القتلة هو أن يقتله
بمثل ما قتل هو وهذا هو عين العدل والانصاف والحرمات قصاص، وأما من ضرب
بالسيف عنق من قتل آخر خنقا أو تغريقا أو شدخا فما أحسن القتلة بل إنه أساءها أشد
الإساءة إذ خالف ما أمر الله عز وجل به وتعدى حدوده وعاقب بغير ما عوقب به وليه
والا فكله قتل وما الايقاف لضرب العنق بالسيف بأهون من الغم والخنق وقد لا يموت
من عدة ضربات واحدة بعد أخرى هذا أمر قد شاهدناه ونسأل الله العافية، فعاد هذا الخبر
حجة عليهم * واحتجوا بما رويناه من طريق أبى داود نا أبو داود الطيالسي نا شعبة عن
هشام بن زيد عن أنس انه كان معه فقال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تصبر البهائم " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا من طريف ما موهوا به ومتى خالفنا هم في أن العبث
بالبهائم وبغير البهائم لا يحل إنما بهم ان يموهوا أنهم يحتجون وهم لا يأتون الا بما نهوا عنه
وأما بالباطل نعم صبر البهائم لا يحل الا حيث أمر الله تعالى به من الذبح والنخر والرمي
فيما شرد بالنبل والرماح وارسال الكلاب وسباع الطير عليها فهذا كله حلال حسن
375

باجماع منا ومنهم وكذلك لا يحل العبث بابن آدم فإذا عبث هو ظالما اقتص منه بمثل
فعله وكان حقا وعدلا، والعجب كله ان ضرب العنق صبر بلا شك والصلب أشنع الصبر
وهم يرون كل ذلك فلو راجعوا الحق لكان أولى بهم، وهكذا القول فيما موهوا به مما
رويناه من طريق عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن يعلى
قال: غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فقال أبو أيوب الأنصاري: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الصبر * وذكروا ما روينا من طريق
أبى داود نا سعيد بن منصور نا المغيرة بن عبد الرحمن الحذامي عن أبي الزناد حدثني
محمد بن حمزة الأسلمي عن أبيه " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية وقال:
ان وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ثم ناداني فرجعت إليه فقال: ان وجدتم فلانا
فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار الا رب النار " * ورويناه أيضا من طريق أبى
داود نا قتيبة بن سعيد ان الليث بن سعد حدثهم عن بكير بن الأشج عن سليمان بن
يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا صحيح ولا يحل ان يحرق أحد بالنار ابتداء حتى
إذا فعل المرء من ذلك ما حرمه الله تعالى عليه وجب القصاص عليه بمثل ما فعل كما
أمر الله عز وجل * وذكروا ما روينا من طريق شعبة عن عدى بن ثابت عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا شيئا فيه الروح
غرضا " * ومن طريق مسلم نا أبو كامل نا أبو عوانة عن أبي بشير عن سعيد بن جبير
قال: " مر ابن عمر بنفر قد نصبوا دجاجة يرمونها فقال ابن عمر: لعن الله من فعل
هذا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا "
قال أبو محمد رضي الله عنه: ونحن نقول: لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا
الا حيث أمر الله تعالى به من القصاص فمن استحق لعنة الله لفعله ذلك والاعتداء
عليه بمثل ما اعتدى هو به وهم يوافقوننا في رمى العدو بالنبل والمجانيق واتخاذهم غرضا
وهذا خراج عن ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا القول فيما ثبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى ان يقتل شئ من الدراب صبرا وقد علمنا أن نحر
الإبل وذبح الحيوان والقتل بالسيف في القصاص كل ذلك قتل صبر وكل ذلك خارج
عن قتل الصبر المنهى عنه وهكذا سائر وجوه القصاص التي أمر الله تعالى به ولا فرق *
وذكروا ما روينا من طريق أبى داود نا زياد بن أيوب نا هشيم عن سماك عن إبراهيم
عن هنئ بن نويرة عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
376

" اعف الناس قتلة أهل الايمان " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا وان لم يصح لفظه فان فيه هنى بن نويرة وهو
مجهول فمعناه صحيح ولا أعف قتلة ممن قتل كما أمره الله عز وجل فاعتدى بمثل ما اعتدى المقتص
منه على وليه ظلما وما اعف قط في قتلة من ضرب عنق من لم يضرب عنق وليه بل هو معتد
ظالم فاعل ما لم يبحه الله تعالى قط * وموهوا أيضا بما روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق
القاضي نا حجاج بن المنهال نا صالح المري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي
هريرة " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة رضي الله عنه حين استشهد فذكر
كلاما وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال: والله مع ذلك لأمثلن بسبعين منهم مكانك
فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعد بخواتيم
سورة النحل (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا لو صح ولم يكن من طريق صالح المري.
ويحيى الحماني وأمثالهما لكان حجة لنا عليهم لان فيه انه عليه الصلاة والسلام أمر أن
يعاقب بمثل ما عوقب به وهذه إباحة التمثيل بمن مثل بحمزة رضي الله عنه فإنما نهاه الله عز وجل
عن أن يمثل بسبعين منهم لم يمثلوا بحمزة وهذا قولنا لا قولهم *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وموهوا بخبر ساقط موضوع، وهو ما روى من
طريق أسد بن موسى عن سليمان بن حيان عن يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر " أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستانا بالجراح سنة " وأسد ضعيف، ويحيى بن أبي أنيسة كذاب، ثم هم
أول مخالف لهذا الخبر لأنهم لا يرون الاستينا بالجراح سنة فكيف يستحل مسلم أو من له
حياء أن يحتج بشئ هو أول مبطل له، وأول من لا يرى العمل بما فيه * وبحديث من
طريق ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يستقاد
من الجرح حتى يبرأ " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا باطل لان عنبسة هذا مجهول وليس هو عنبسة
ابن سعيد بن العاصي لان المبارك لم يدركه بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا * كما
نا أحمد بن محمد بن الجسور قال: نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة
نا إسماعيل بن علية عن أيوب السختياني عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: إن
رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقيد فقيل له حتى تبرأ فأبى وعجل
فاستقاد فعنتت رجله وبرئت رجل المستقاد منه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: ليس لك شئ
انك أبيت، فصح ان تعجيل القود أو تأخيره إلى المجني عليه، فهذا ما موهوا به من
377

الاخبار * واحتجوا من طريق النظر بأن قالوا: وجدنا من قطع يد آخر خطأ انه ان برئ
فله دية اليد وان مات فله دية النفس ويسقط حكم اليد فوجب أن يكون العمد كذلك
قياسا على الخطأ *
قال أبو محمد رضي الله عنه: القياس كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين
الباطل لان القياس عند القائلين به لا يجوز إلا على نظيره لا على خلافه وضده والعمد
ضد الخطأ فلا يجوز ان يقاس عليه عند من يقول بالقياس فكيف والقياس كله باطل *
وقالوا: يلزمكم ان رمى انسان آخر بسهم فقتله أن ترموه بسهم فإن لم يمت فبآخر ثم بآخر
وكذلك ان اجافه أن يوالي عليه بالجوائف حتى يموت وهذا أكثر مما فعل، وهذا لا يجوز
فقلنا: هذا تمويه فاسد وكلام محال بل يطعن بسهم مثله في الموضع الذي صادف فيه
سهمه ظلما حتى يموت، وكذلك يجاف بجائفة موقن انه يموت منها ولا فرق ثم نعكس
عليهم هذا السؤال فنقول لهم: ان ضرب بالسيف في عنقه فلم يقطع أو قطع قليلا فأعيد
عليه مرارا وهذا أشد مما قلتم وأمكن فهو امر مشاهد يقع كثيرا جدا، وقالوا: أرأيتم
ان استدبره بالأوتار فقلنا يستدبره بمثلها وما ذلك على الله بعزيز، فقالوا: فان نكحه حتى
يموت قلنا يستدبره بوتد حتى يموت لان المثل محرم عليه وبالله تعالى التوفيق *
(باب من الكلام في شبه العمد: وهو عمد الخطأ)
قال أبو محمد رضي الله عنه: وقد ذكرناه قبل ولم نوضح فساد الاخبار التي
موهوا بها وتناقض الطوائف الثلاث المالكيين والحنيفيين والشافعيين فيها فوجب أن
نستدرك ذلك كما فعلنا في سائر المسائل وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: شغب الحنيفيون والشافعيون القاتلون بعمد الخطأ بما روينا
من طريق شعبة وسفيان الثوري كلاهما عن جابر الجعفي عن أبي عازب عن النعمان
ابن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شئ خطأ إلا السيف وفى
كل خطأ أرش " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: جابر الجعفي كذاب وأول من شهد عليه بالكذب
أبو حنيفة ثم لم يبال بذلك أصحابه فاحتجوا بروايته حيث اشتهوا، ثم العجب كله أن
الحنيفيين والشافعيين مخالفون لهذا الخبر عاصون له فالشافعيون يرون القود في العمد بكل
ما يمكن أن يمات من مثله، والحنيفيون يرون القود على من ذبح بليطة القصب وعلى من
أحرق بالنار وعلى من خنق ثلاث مرات فصاعدا، وكل هذا ليس فيه قتل بالسيف فمن
378

أضل ممن يحتج بما هو أول مخالف له، وأما المالكيون فإنهم احتجوا بخلاف السنة
الثابتة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس جالسا آخر صلاة صلاها
بأصحابه رضي الله عنهم برواية جابر الجعفي الكذب المذكور المرسلة أيضا " لا يؤمن
أحد بعدي جالسا " ورأوه حينئذ حجة لازمة ترد به رواية أهل المدينة الثقات المسندة
وآخر عمله عليه الصلاة والسلام إذا وافق رأى مالك ثم لم يكبر عليهم تكذيب
جابر ورد روايته إذا خالف رأى ما لك فأي دين يبقى مع هذا، وهل هذا إلا اتباع
الهوى ولا مزيد؟ *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وقد روى هذا الخبر أيضا من طريق عبد الباقي بن قانع
راوي كل بلية وترك حديثه بآخرة عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن عقبة بن
مكرم عن يونس بن بكير عن قيس بن الربيع عن أبي حصين عن إبراهيم ابن بنت النعمان بن
بشير عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شئ خطأ إلا السيف ولكل
خطأ أرش " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: عبد الباقي لا شئ: وقيس بن الربيع ضعفه
ابن معين. ومعين. وعفان. ووكيع، وترك حديثه القطان. وعبد الرحمن بن مهدي وهو بعد
عن إبراهيم ابن بنت النعمان الذي لا يدرى أحد من هو * واحتجوا أيضا بما رويناه
من طريق أبى بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو
ابن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العمد قود اليد الا أن
يعفو ولى المقتول " وفيه فما كان من رمى أو ضربة بعصى أو رمية بحجر فهو مغلظ
في أسنان الإبل، ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن عمرو
ابن دينار عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل في رميا رميا بحجر
أو ضربا بعصى أو سوط فعليه عقل الخطأ ومن قتل اعتباطا فهو قود "، ومن
طريق ابن الاعرابي عن عبد الرزاق قال ابن الاعرابي: لعله عن ابن جريج أخبرني
ابن طاوس عن أبيه ان عنده كتابا جاء به الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قتل العمية
ديته دية الخطا الحجر والسوط والعصي ما لم يحمل سلاحا، ورويناه من طريق أحمد
ابن شعيب أخبرني هلال بن العلاء نا سعيد بن سليمان نا سليمان بن كثير نا عمرو بن
دينار عن طاوس عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل في عميا أو رميا يكون
بينهم بحجر أو بسوط أو بعصي فعقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فقود يديه "، ومن
طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن معمر بن كثير نا سليمان بن كثير عن عمرو بن
379

دينار عن طاوس عن ابن عباس رفعه بنحوه، وما رويناه من طريق البزار نا محمد بن
مسكين نا بكر بن مضر عن عمرو بن دينار قال: قال طاوس عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم " من قتل في عمية بحجر أو عصى فهو خطأ عقله عقل خطأ ومن قتل عمدا
فهو قود) *
قال أبو محمد رضي الله عنه: كل هذا لا حجة لهم فيه، أما الخبر الذي صدرنا
به من طريق ابن أبي شيبة ففيه إسماعيل بن مسلم وهو مخزومي مكي ضعيف ثم
لو صح لكانوا كلهم مخالفين له، أما الحنيفيون فان في هذا الخبر ما كان من رمى أو
ضربة بعصى أورمية بحجر فهو مغلظ في أسنان الإبل وهم يقولون من رمى بسهم
أو رمح ففيه القود ولم يخص في هذا الباب رميا من رمى بل فرق بين الرمي المطلق
والرمي بالحجر والضربة بالعصي فصح انه الرمي بالرمح والسهم وهم لا يقولون ذلك
وكذلك خالفه الشافعيون أيضا في الرمي من كل ما يمات من مثله، والمالكيون
مخالفون له جملة، وأما خبر عبد الرزاق أما الأول ففيه الحسن بن عمارة وهو هالك
وأما الثاني فمرسل ثم إنه لو صحا جميعا لكانوا أيضا قد خالفوهما لان فيهما ان عقله عقل
الخطا ولا يرى هذا أحد منهم، أما الحنيفيون والشافعيون فيغلظون فيه الدية في الإبل بخلاف
عقل الخطأ، وأما المالكيون فيرون فيه القود، وأما خبرا سليمان بن كثير. وبكر بن
مضر فصحيحان وبهما قول وهما خلاف قولهم لان فيهما ان من قتل في عمية أو
عميا فهو خطأ عقله عقل خطأ فهذا قتيل لا يعرف قاتله، وإذ هو كذلك فليس فيه
الا الدية وديته دية قتل الخطأ، وفيهما من قتل عمدا فهو قود فلم يخص عليه الصلاة
والسلام سيفا من غيره ولا حديدة من غيرها بل أوجب فيه القود بمثل ما أصاب
بيده وهو قولنا لا قولهم وبالله تعالى التوفيق * وموهوا أيضا بخبر رويناه من طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " شبه
العمد مغلظ ولا يقتل صاحبه " وذلك أن ينزو الشيطان (1) بين الناس فيكون
رميا في عمياء عن غير ضغينة ولا حمل سلاح *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا مرسل لا حجة فيه وجميع الطوائف نقضت
أصولها فيه، أما الحنيفيون فاقحموا فيه من تعمد قتل مسلم بالخنق أو بالتغريق أو
بشدخ رأسه (2) بحجر فيه قنطار وليس هذا مما فسر في هذا الخبر في شئ، وأما

(1) في النسخة رقم 16 " أن ينزل السلطان " وهو غلط
(2) الزيادة من النسخة رقم 16 وقوله في عمياء تأنيث الأعمى يريد بها الضلالة والجهالة وقوله من غير ضغينة أي حقد ولا عداوة
380

المالكيون فهم يقولون: المرسل كالمسند وهذا مرسل قد تركوه، والشافعيون
لا يرون الاخذ بالمرسل وأخذوا ههنا بمرسل، وبما رويناه من طريق أبى داود نا
محمد بن يحيى بن فارس نا محمد بن بكار بن بلال أرنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال عقل شبه العمد
مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه " قال محمد بن يحيى بن فارس: وزاد نا خليل
عن ابن راشد في هذا الخبر باسناده وذلك مثل ان ينزو الشيطان بين الناس فيكون
دما في عماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذه صحيفة مرسلة لا يجوز الاحتجاج بها، ثم إنهم
كلهم قد خالفوا ما في هذا الخبر، أما أبو حنيفة وأصحابه فيقحمون في هذا القسم
خلاف ما في الخبر لأنهم يجعلون من قتل في ضغينة وحمل سلاح فقتل بعمود حديد
عمدا قصدا حكمه حكم من ذكر في هذا الخبر وهو خلافه جهارا ولم يدخل الشافعيون
فيه من قتل في عميا قصدا بما قد يمات من مثله من عصا ونحوها وخالفه المالكيون
جملة، وموهوا أيضا بما روينا من طريق شعبة عن أيوب السختياني سمعت القاسم
ابن ربيعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قتل الخطأ شبه
العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا خبر مدلس سقط منه بين القاسم بن ربيعة
وبين عبد الله بن عمر رجل كما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا يحيى بن حبيب
ابن عربي نا حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن
أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر فيه هذا الخبر بعينه،
وعقبة بن أوس مجهول لا يدرى من هو، ولا يصح للقاسم بن ربيعة سماع من عبد الله
ابن عمرو. وقد رويناه أيضا عن القاسم بن ربيعة بخلاف هذا كما نا حمام نا عباس بن
أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب ثنى أبي ثنا ابن علية
عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن يعقوب بن أوس رجل من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: الا ان قتيل خطأ
العمد " قال خالد أو قال قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا منها أربعون في
بطونها أولادها " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: يعقوب بن أوس مجهول لا صحبة له كما روينا هذا
الخبر نفسه من طريق أحمد بن شعيب انا إسماعيل بن مسعود - هو الجحدري -
381

نا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن يعقوب بن أوس عن رجل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الخبر نفسه، وقد رويناه أيضا من طريق
أسقط من هذه كما روينا من طريق حماد بن سلمة. وسفيان بن عيينة قال حماد أرنا على
ابن زيد بن جدعان عن يعقوب السدوسي عن عبد الله بن عمرو هو ابن العاصي ان النبي
صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح فقال: " ألا ان دية العمد الخطأ بالسوط والعصا دية مغلظة
مائة من الإبل فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها، وقال سفيان نا ابن جدعان
سمعه من القاسم بن ربيعة عن ابن عمرو فذكره، وابن جدعان هذا هو علي بن زيد
ضعيف جدا، ويعقوب السدوسي مجهول ولم يلق القاسم بن ربيعة ابن عمرو قط
فسقط جملة والحمد لله رب العالمين، ومع ذلك فان الطوائف الثلاث نقضت فيه
أصولها، أما الحنيفيون حاشى محمد بن الحسن فلا يرون دية عمد الخطأ إلا خمسا
وعشرين بنت مخاض. وخمسا وعشرين بنت لبون. وخمسا وعشرين حقاقا (1) وخمسا
وعشرين جذعة بخلاف ما في هذا الخبر، وأما المالكيون فخالفوه كله، وأما الشافعيون
فلا يرون ذلك في العصا التي يمات من مثل ضربتها ولا في الضرب بالسوط عمدا
حتى يموت بل يرون في هذا القود خلافا لهذا الخبر مع أنهم لا يقولون إلا بالمسند
من رواية المشهورين، وليس هذا الخبر من هذا النمط، وشغبوا بخبر الهذليين المشهور
الثابت لما فيه يأن إحداهما ضربت الأخرى بحجر. وفى بعض الروايات بعمود فسطاط
فماتت هي وجنينها فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرة والدية على عاقلة الضاربة ثم افترقوا
فرقتين فقال أبو حنيفة ومن قلده: في هذا الخبر بيان ان من قتل آخر بعصا يمات من
مثلها أو بحجر يمات منه فلا قود ولكنه عمد خطأ على العاقلة. وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن. والشافعي. وأصحابه: في هذا الخبر بيان ان من مات بما لا يمات
من مثله ففيه الدية على العاقلة *
قال أبو محمد رضي الله عنه: أما قول من قال إن ذلك العمود والحجر كانا
مما لا يمات من مثله فقول ظاهر الفساد لان عمود فسطاط لا يمكن البتة أن يكون مما
لا يمات من الضرب في الشر بمثله فسقط هذا القول والحمد لله رب العالمين * وأما
القائلون بان في هذا الخبر دليلا على أن العمود والحجر الذين يمات من مثلهما لا قود
فيهما وان تعمد الضرب بهما في الشر لكن فيهما الدية على العاقلة فهذا ظن فاسد منهم
يبين ذلك ما رويناه من طريق أبى داود، وأحمد بن شعيب قال أبو داود * نا محمد بن

(1) في النسخة رقم 14 حقه
382

مسعود نا أبو عاصم عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار انه سمع طاوسا عن
ابن عباس عن عمر بن الخطاب انه سال عن قضية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقام حمل بن
مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطع فقتلتها
وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وان تقتل، وقال أحمد بن شعيب
أنا يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي نا حجاج - هو ابن محمد - عن ابن جريج أخبرني
عمر وبن دينار سمع طاوسا يحدث عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب فذكر مثله سواء
سواء الا أنه قال فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وان تقتل بها، فهذا اسناد في غاية
الصحة فقالوا: قد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية المضروبة على عاقلة القاتلة ولا يجوز
هذا فيما فيه القود قلنا: وقد صح انه عليه الصلاة والسلام أمر في ذلك بالقود، وكل أوامره
حق ولا يجوز ترك شئ منها لشئ بل الغرض الجمع بين جميعها ووجه ذلك بين وهو انه
عليه الصلاة والسلام حكم في ذلك بحكم العمد إذ حكم بالقود ثم حكم فيه بحكم قتل
الخطأ إذ حكم بالدية على العاقلة فلا يجوز أن يكون هذا الا بأنه أخبر عليه الصلاة
والسلام بأنها ضربتها فقتلتها فحكم بالقود على ظاهر الامر ثم صح ان ضربها لما كان
خطأ عن غير قصد فرجع عليه الصلاة والسلام إلى الحكم بما يحكم به في قتل الخطأ إذ
لا يحل أن يحمل حكمه عليه الصلاة والسلام إلا على الحق الذي لا يقتضى ما حكم عليه
الصلاة والسلام فيه غير ما حكم به، وقد ادعى قوم ان ابن جريج أخطأ فيه، وقالوا:
قد روى سفيان بن عيينة هذا الخبر عن عمرو بن دينار فلم يذكر فيه ما ذكر ابن جريج
فقلنا: بل المخطئ من خطا الأئمة برأيه الفاسد وإذ لم يرو ابن عيينة ما روى ابن
جريج فكان ماذا ابن جريج أجل من ابن عيينة وكلاهما جليل وابن جريج زاد على
ابن عيينة ما لم يعرفه ابن عيينة وزيادة العدل لا يحل ردها، وقد أتى قوم بما يملا
الفم فقالوا: حمل بن النابغة لا يحتج بروايته فقلنا: هذا حكم إبليس ترد رواية حمل
رضي الله عنه وهو صاحب ثابت الصحبة وقد أخذ عنه عمر أمير المؤمنين وكل من
بحضرته من الصحابة رضى الله عن جميعهم، ويؤخذ بتخليط أبي حنيفة الذي لا يساوي
الاشتغال به وحسبنا الله ونعم الوكيل * وقالوا قد قال بشبه العمد طائفة من الصحابة
رضي الله عنهم همر بن الخطاب. وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن مسعود.
وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري قالوا: ومثل هذا لا يقال بالرأي، وهو أيضا
قول الجمهور من الفقهاء بعد الصحابة رضي الله عنهم كالنخعي والشعبي وعطاء وطاوس
383

ومسروق والحكم بن عتيبة وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن المسيب وقتادة.
والزهري وأبى الزناد وحماد بن أبي سليمان، وهو أيضا قول جمهور الفقهاء كسفيان
الثوري وابن شبرمة وعثمان البتي والحسن بن حي والأوزاعي وأبي حنيفة.
والشافعي وأصحابهما *
قال أبو محمد رضي الله عنه: لا حجة في أحد دون (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا يصح في ذلك شئ عن أحد من الصحابة (2) رضي الله عنهم إلا عن علي بن أبي
طالب وعن زيد بن ثابت أما الرواية عن عمر بن الخطاب فمنقطعة لأنها من طريق
سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال في شبه العمد ثلاثون
حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة، وأما عن عثمان فإنها
من طريق عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد
ابن المسيب أن عثمان بن عفان قال في شبه العمد أربعون جذعة خلفة إلى بازل عامها
وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون، وعثمان بن مطر ضعيف، وأما عن علي فإنها من طريق
وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي قال شبه العمد
الضربة بالخشبة أو القذفة بالحجر العظيم * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان
الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي قال في الخطأ شبه العمد الضرب
بالخشبة والحجر الضخم ثلاث حقاق وثلاث جذاع وثلاث ما بين ثنية إلى بازل عامها،
وأما عن زيد بن ثابت فمن طريق وكيع نا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: قال زيد
ابن ثابت في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل
عامها كلها خلفة * ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق
الشيباني عن الشعبي عن زيد بن ثابت، وقد صح أيضا عن زيد بن ثابت غير هذا
لكن مثل ما روينا عن عثمان كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن اصبغ نا محمد بن
قاسم بن محمد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا محمد بن عبد الله الأنصاري
القاضي نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت أنه قال
في دية المغلظة: أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون، وأما الرواية
عن أبي موسى الأشعري فمنقطعة عنه لأنها من طريق ابن وهب عن سفيان الثوري عن
المغيرة بن مقسم، وسليمان هو أبو إسحاق الشيباني - كلاهما عن الشعبي أن أبا موسى
الأشعري قال: دية شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى

(1) في النسخة رقم 14 بعد
(2) في النسخة رقم 16 في ذلك شئ عن الصحابة
384

بازل عامها كلها خلفة والشعبي لم يدرك أبا موسى بعقله * واما ابن مسعود فرويناها عنه
من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم عن ابن مسعود أنه قال: العمد
السلاح وشبه العمد الحجر والعصا قال ابن جريج: وأخبرني محمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى ان ابن مسعود قال: شبه العمد الحجر والعصا والسوط والدفعة وكل شئ عمدته
به ففيه التغليظ، والخطأ أن يرمى شيئا فيخطئ به * ومن طريق وكيع وسعيد بن منصور
قال وكيع: نا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، وقال سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن
منصور بن المعتمر عن النخعي ثم اتفق الشعبي. والنخعي ان ابن مسعود قال في دية شبه العمد
أرباعا خمس عشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات مخاض
وخمس وعشرون بنات لبون *
قال أبو محمد رضي الله عنه: ولم يولد الشعبي. النخعي وابن أبي ليلى
وعبد الكريم إلا بعد موت ابن مسعود * وأما التابعون فروى عن النخعي والشعبي
رواية ساقطة فيها الحجاج بن أرطأة مثل قول على في دية شبه العمد، وقد صح عن عطاء.
والزهري مثل القول الذي روينا عن عمر بن الخطاب. وأبي موسى. واحد قولي
زيد بن ثابت، وصح أيضا عن طاوس. وعطاء والحسن البصري وعن الزهري مثل
القول الذي ذكرنا عن عثمان وأحد قولي زيد بن ثابت، وصح أيضا عن أبي الزناد من
طريق ابن وهب عن يونس بن عبيد عنه فيمن عمد بآخر لاعبا معه أو ضربه بسوط
أو عصا أو لاكزه أو رماه لاعبا فهذا هو شبه العمد فيه الدية مغلظة أرباعا كالذي
روينا آنفا عن ابن مسعود سواء سواء، هذا كل ما نعلمه جاء عن الصحابة والتابعين في دية
شبه العمد وعن الصحابة في صفة شبه العمد وجاء عن التابعين في صفة شبه العمد ما نذكره
إن شاء الله تعالى * صح عن إبراهيم شبه العمد كل شئ بعمد به بغير حديدة لكن بالحجر
والخشبة ولا يكون إلا في النفس، وقد صح عن إبراهيم خلاف هذا على ما نذكره
بعد هذا إن شاء الله عز وجل، وأما الحكم بن عتيبة فروينا عنه من طريق ساقطة في رجل
ضرب آخر ضربتين بعصا فمات قال: دية مغلظة، وصح عن الحكم بن عتيبة من طريق شعبة
عنه ان أعاد عليه الضرب بالعصا فمات فلا قود في ذلك وصح عن عطاء العمد السلاح
كذلك بلغنا وشبه العمد الحجر والعصا سواء في ذلك النفس وما دون النفس ما علمنا
غير ذلك، ولو أن رجلا كسر أسنان آخر بحجرا أو فقأ عينه بعود فإنه لا يقاد منه قال
ابن جريج وأنا أقول بل يقاد منه لأنه عمد وليس كمن شج آخر بحجر لا يريد قتله فمات
من ذلك، وصح عن عطاء الدفعة يستقيد بها الرجل غيره ليس هذا شبه العمد، وصح
385

عن طاوس العمد السلاح، وصح عن ابنه عبد الله بن طاوس من تعمد فضخ رأس آخر
بحجر هذا عمد، وروينا عن سعيد بن المسيب من طريق عبد الرزاق عن أبي بكر بن
عبيد الله عن عمرو بن سليم مولاهم عن المسيب قال العمد الحديدة ولو بإبرة فما فوقها
من السلاح، وروينا عن مسروق من طريق لا خير فيها ليس العمد إلا بحديدة،
وصح عن عمر بن عبد العزيز من دمغ آخر بحجر أقيد منه فان رماه بالحجر فلا قود،
وصح عن قتادة شبه العمد الضرب بالخشبة الضخمة والحجر العظيم، والخطأ أن
يرمى انسان فيصيب غيره أو يرمى شيئا فيخطئ به وصح عن الحسن البصري لا يقاد من
ضارب إلا أن يضرب بحديدة، وفى الخطأ شبه العمد دية مغلظة، وصح عن حماد
ابن أبي سليمان من خنق آخر حتى يموت فهو خطأ، ومن ضرب آخر بعصا فأعاد
عليه الضرب بها فمات فعليه القود، روى كل ذلك عنه شعبة، والذي وعدنا أن نذكره عن
إبراهيم. والشعبي فروينا عن الشعبي من طريق لا تصح من خنق آخر فلم يقلع عنه حتى
يموت أقيد منه فلو رفع عنه ثم مات فدية مغلظة وروى عنه إذا أعاد عليه الضرب
بالحجر والعاص فهو قود، وصح عن إبراهيم إذا خنقه حتى يموت أو ضربه بخشبة حتى
يموت أقيد به فان تعمد ضربه بحجر ففيه القود *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قولنا وأما فقهاء الأمصار فان ابن شبرمة قال:
الدية في شبه العمد في مال الجاني فإن لم يف ماله بها فعلى العاقلة وقال الأوزاعي:
كذلك وفسر شبه العمد انه ان يضرب آخر بعصا أو سوط ضربة واحدة فيموت
قال فان ثنى عليه فمات مكانه فهو قود، وقال الحسن بن حي مثل ذلك الا أنه قال:
ان ثنى عليه فلم يمت مكانه فهو شبه الحمد، والدية في ذلك على العاقلة، وقال سفيان
الثوري: العمد ما كان بسلاح وفيه القود في النفس فيما دونها وشبه العمد هو ان يضربه
بعصا أو سوط ضربة واحدة فيموت أو يحد عودا أو عظما فيجرح به بطن آخر فهذا
لا قود فيه وليس فيما دون النفس عنده شبه عمد، وقال أبو حنيفة: لا قود الا فيما قتل
بحديدة بقطع أو بليطة قصب أو أحرقه في النار حتى مات، ولو خنقه حتى يموت فلا
قود في ذلك الا ان يخنق الناس مرارا فيقاد منه فلو شدخ رأسه عمدا بحجر عظيم حتى
يموت أو غرقه في ماء بعيد القعر في نهر أو بحر أو بئر أو بركة حتى مات أو ضربه بخشبة
ضخمة ابدا حتى مات أو فتح فمه كرها ورمى في حلقه سما قاتلا فمات فلا قود عليه
في شئ من ذلك وإنما فيه الدية كدية العمد كما روينا عن ابن مسعود. وأبى الزناد
386

على العاقلة وفى ماله الكفارة كقتل الخطأ قال: فلو هدم عليه هدما فمات عامدا لذلك
فلا شئ عليه الا أن تقوم بينة بأنه كان حيا حين الهدم ففيه حينئذ الدية والكفارة ونرى
قوله كذلك فيمن طمس عليه بيتا حتى مات جوعا وجهدا *
قال أبو محمد رضي الله عنه: قول أبي حنيفة من تأمله علم أنه مخالف لكل
خبر روى في ذلك ولقول كل من ذكرنا إلا الرواية الساقطة عن ابن مسعود وما نعلم
أحدا وافق أبا حنيفة على ذلك الا أبا الزناد وخالفه في صفة شبه العمد وما نعلم مصيبة
ولا فضيحة على الاسلام أشد ممن لم ير (1) القود فيمن يقتل المسلمين بالصخر
والتغريق والشدخ بالحجارة ثم لا قود عليه ولا غرامة بل تكلف الديات في ذلك
عاقلته مع عظيم تناقضه إذ لم ير عمد الخطأ الا في النفس ولم يره فيما دونها فان
قال: لم ترد الاخبار إلا في النفس قلنا: قد خالفتها كلها فيما فيها كما بينا قبل وفساد
تقسيمه الذي لاخفاء به ولم ير في ذلك تغليظا إلا في أسنان الا بل خاصة لا في الدنانير
ولا في الدراهم فأين قياسه الذي يحرم به ويحلل ويترك له القرآن والسنن، ورأي
عثمان البتي الدية في ذلك في مال الجاني ولم ير - هو يعنى البتي - وأبو يوسف ومحمد بن
الحسن شبيه العمد الا من ضرب بما لا يمات من مثله، وأما ما يمات من مثله ففيه
عندهم القود وهو قول الشافعي، والدية عندهم في شبه العمد كما روينا آنفا عن عمر
ابن الخطاب. وأبي موسى الأشعري وزيد بن ثابت وعطاء وطاوس والحسن.
والزهري، وممن روى عنه نحو قولنا جماعة كما روينا من طريق أبى بكر ابن أبي شيبة
عن شريك بن عبد الله عن زيد بن جبير عن جروة بن حميل عن أبيه قال قال عمر
ابن الخطاب: يعمد أحدكم إلى أخيه فيضربه بمثل آكلة اللحم لا أوتى برجل فعل
ذلك فقتل الا اقدته به وروينا أيضا عنه انه أقاد من رجل جبذ شعر آخر حبذا
شديدا فورم عنقه فمات من يومه * ومن طريق معمر عن سماك بن الفضل ان عمر
ابن عبد العزيز أقاد من رجل خنق صبيا حتى مات، وصح عن عبيد بن عمير القود
ممن قتل بحجر أو عصا وهو قول ربيعة ومالك وعبد العزيز بن أبي سلمة وأبي سليمان
وأصحابنا *
قال أبو محمد رضي الله عنه: أما المالكيون فقد تناقضوا ههنا لان المرسل
عندهم كالمسند وخالفوا ههنا المراسيل وجمهور الصحابة وغيرهم، وأما قولنا: ان
أبى الولي الا أكثر من الدية لم يلزم القاتل ذلك الا بتراض منه مع الولي والا فلا فلانه

(1) في النسخة رقم 16 أشد من لا يرى
387

لم يوجب ذلك للولي قرآن ولا سنة وإنما ألزمنا القاتل ذلك إذا رضى به هو والولي
فللاثر الصحيح الذي ذكرنا من قوله عليه الصلاة والسلام: " أو يفادى "، فهذا فعل
من فاعلين فهو لازم بتراضيهما *
2023 مسألة: والدية في العمد والخطأ مائة من الإبل فان عدمت فقيمتها
لو وجدت في موضع الحكم بالغة ما بلغت من أوسط الإبل بالغة ما بلغت وهي
في الخطأ على عاقلة القاتل، وأما في العمد فهي في ما القاتل وحده وهي في كل ذلك
حالة العمد والخطأ سواء لا أجل في شئ منها فمن لم يكن له مال ولا عاقلة فهي في
سهم الغارمين في الصدقات وكذلك من لم يعرف قاتله والدية في العمد والخطأ أخماس
ولابد عشرون بنت مخاض وعشرون بنو لبون وعشرون بنات لبون وعشرون
حقة وعشرون جذعة لا تكون البتة من غير الإبل الحاضرة والبادية سواء فلو تطوع الغارم بان
يعطيها كلها إناثا فحسن وكذلك إذا أعطاها أرباعا لا أكثر، وأما قولنا ان الدية في العمد
والخطأ مائة من الإبل فلقول الله عز وجل: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة
مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) والخبر الثابت الذي قد أوردناه قبل من قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم " من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين اما أن يقاد وإما أن يأخذ
العقل " * من طريق أبي هريرة وأبى شريح الكعبي عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فصح وجوب الدية في العمد والخطأ ولا يمكن البتة أن يعلم معنى ما أمر الله
عز وجل به ورسوله عليه الصلاة والسلام إلا من بيان القرآن أو السنة قال الله عز وجل:
(لتبين للناس ما نزل إليهم) وليست لفظة العقل والدية من الألفاظ التي لها مقدار
محدود في اللغة أو جنس محدود في اللغة أو أمد محدود في اللغة فوجب الرجوع في كل
ذلك إلى النص فطلبنا ذلك فوجدنا الخبر الثابت المشهور الذي رويناه من طريق مسلم نا محمد
ابن عبد الله بن نمير نا أبى نا سعيد بن عبيد نا بشير بن يسار الأنصاري عن سهل بن أبي حثمة
الأنصاري أنه أخبره أن نفرا منهم انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا أحدهم
قتيلا وساق الحديث، وفيه " فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل
الصدقة " * ومن طريق مالك بن أنس قال: حدثني أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن
سهل عن سهل بن أبي حثمة انه أخبره عن رجال من كبراء قومه ان عبد الله بن سهل
ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فاتى محيصة فأخبر ان عبد الله بن سهل قد
قتل وطرح في عين أو فقير فاتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا: والله ما قتلناه
فذكر الخبر، وفى آخر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اما أن يدوا صاحبكم وإما أن
388

يؤذنوا بحرب فذكر كلاما وفى آخره " فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة أدخلت
عليهم الدار فلقد ركضتني منها ناقة حمراء " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: فصح أن الدية مائة من الإبل، هذا حكم منه
عليه الصلاة والسلام في دية حضري ادعى على حضريين لافى بدوي فبطل أن
تكون الدية من غير الإبل، وأيضا فقد صح ان الاجماع متيقن على أن الدية تكون من الإبل
واختلفوا في هل تكون من غير ذلك والشريعة لا يحل اخذها باختلاف لا نص فيه،
فان قيل فما وجه اعطائه صلى الله عليه وسلم الدية في هذا الخبر من إبل الصدقة ولم يدعى القتل إلا
على يهود قلنا: وجه ذلك بين لاخفاء به، وهو أن عبد الله بن سهل رضي الله عنه قد
صح قتله بلا شك ثم لاشك في أنه قتل عمدا أو خطأ لابد من أحدهما والدية واجبة
في الخطأ بكل حال بنص القرآن وواجبة في العمد إذا بطل القود لما قدمنا من أن
لوليه القود وقد بطل أو الدية وهي ممكنة والقود ههنا قد بطل لأنه لا يعرف قاتله
فصحت الدية فيه بكل حال، ثم لابد ضرورة من أن يكون قاتله مسلما أو غير مسلم،
ولسنا على يقين من أن قاتله غير مسلم والناس كلهم محمولون على الاسلام حتى يصح من
أحد منهم كفر لقول الله عز وجل: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر
الناس عليها) ولقوله عز وجل: (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم
وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن
هذا غافلين) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه: " كل مولود يولد على الملة وعلى هذه
الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه " وللخبر الثابت عن
عياض بن حمار المجاشعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: " خلقت
عبادي كلهم حنفاء فاجتالتهم (1) الشياطين عن دينهم " وقد ذكرنا كل ذلك باسناده
في كتاب الجهاد وغيره، فالواجب ان يحمل قاتل عبد الله على الاسلام ولابد حتى
يوقن خلافه ثم إن كان قاتل عبد الله قتله خطا فالدية على عاقلته وإن كان قتله عمدا
فالدية في ماله فهو غارم أو عاقلته وحق الغارمين في الصدقات بنص القرآن، قال الله
عز وجل: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعالمين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى
الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) فصح بهذا ما قلناه يقينا *
وممن روى عنه ان الدية في الإبل كقولنا ولم يرو عنه غير ذلك فطائفة كما روينا من طريق

(1) هو بجيم في أوله أي استخفتهم فجالوا معهم في الضلال، وفي النسخة رقم 14 فاختالتهم
الشياطين بالخاء المعجمة ويؤيد ما هنا ما جاء لابن الأثير
389

وكيع نا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن زيد بن ثابت. وعلي بن أبي طالب.
وعبد الله بن مسعود قالوا كلهم في الدية مائة من الإبل * ومن طريق عبد الرزاق عن
معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال في الدية مائة بعير أو قيمة ذلك من عسره *
قال أبو محمد رضي الله عنه: يعنى من عسره في وجود الإبل * ومن طريق عبد
الرزاق نا ابن جريج انا ابن طاوس عن أبيه انه كان يقول على الناس أجمعين أهل القرية
وأهل البادية مائة من الإبل فمن لم يكن عنده إبل فعلى أهل الورق الورق وعلى أهل البقر
البقر وعلى أهل الغنم الغنم وعلى أهل البز البز يعطون من أي صنف كان بقيمة
الإبل ما كانت ان ارتفعت أو انخفضت قيمتها يومئذ فمن اتقى بالإبل من الناس فهو
حق المعقول له الإبل * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ان عطاء بن أبي رباح
قال له: كانت الدية الإبل حتى كان عمر قال ابن جريج فقلت له فان شاء القروي
أعطى مائة ناقة أو مائتي بقرة أو الفي شاة فقال عطاء: ان شاء أعطى الإبل ولم يعط
ذهبا هذا هو الأمر الأول لا يتعاقل أهل القرى من الماشية غير الإبل هو عقلهم على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا عطاء لم يأخذ قضاء عمر وقد عرفه إذ رأى أنه رأى منه فقط لم يمضه
الا على من رضيه لنفسه فقط * ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا محمد بن المنهال
نا يزيد بن زريع نا شعبة عن قتادة قال في كتاب عمر بن عبد العزيز الدية مائة بعير
قيمة كل بعير مائة درهم فهذه صفة منه للإبل * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن
عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن
ابن مهدي نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال: كان يقتضى
بالإبل في الدية يقوم كل بعير عشرين ومائة درهم *
قال أبو محمد رضي الله عنه: فهذه صفة منه للإبل وهو قول الشافعي الذي ثبت
عليه وهو قول المزني وابن المنذر وأبي سليمان وجميع أصحابنا، وخالف ذلك قوم
فقالت طائفة: الدية على أهل الإبل الإبل وعلى أهل الذهب الذهب وعلى أهل الورق
الورق ولم يروا أن تكون الدية من غير هذه الأصناف، ثم اختلف هؤلاء فقالت
طائفة: هي على أهل الورق اثنا عشر ألف درهم، وقالت طائفة: بل عشرة آلاف
درهم اتفقت الطائفتان على أنها على أهل الذهب ألف دينار، وقالت طائفة: الدية
على أهل الإبل من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق الورق وعلى
أهل البقر مائتا بقره وعلى أهل الغنم ألفا شاة وعلى أهل الحلل ألفا حلة ولا تكون
الدية الا من هذه الأصناف، وقالت طائفة: بمثل ذلك وزادوا ان الدية على أهل
390

الطعام من الطعام فاما الذين قالوا على أهل الذهب ألف دينار فروينا من طريق إسماعيل
ابن إسحاق نا ابن أبي أويس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه في كتاب السبعة
انهم كانوا يقولون الدية على أهل الذهب ألف دينار * ومن طريق إسماعيل أيضا
نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد قال: قال مطر الوارق ثبتت الدية في الإبل والدنانير
والدراهم وسقطت في البقر *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وقول السبعة مقصور على ابن أبي الزناد وهو ضعيف
أول من ضعفه مالك فمن العار والمقت على أصحابه ان يحتجوا برواية كان من قلدوه
دينهم أول من أسقط روايته وأشار إلى تكذيبه، وأما قول مطر ففي غاية السقوط
ليت شعري ما الذي أثبت الدية في الدنانير والدراهم وأسقطها من البقر ان هذا
لعجب وهو قول أبي حنيفة وزفر ومالك والليث، وأما اختلافهم في مقدار الدية
من الورق فطائفة قالت: انها اثنا عشر ألف درهم، روينا ذلك من طريق ابن أبي الزناد
عن أبيه عن السبعة ورويناه أيضا من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه
أنه قال ذلك، وصح عن عروة بن الزبير والحسن البصري، وهو قول مالك.
واحمد وإسحاق (واما الذين قالوا): عشرة آلاف درهم فروينا من طريق حماد بن
سلمة عن حميد قال: كتب عمر بن عبد العزيز في الدية عشرة آلاف درهم وهو قول سفيان
الثوري. وأبي حنيفة وأصحابه وأبى ثور صاحب الشافعي وقالت طائفة: بل هي ثمانية آلاف
درهم على ما نورد بعد هذا إن شاء الله عز وجل * واما الذين قالوا: ان الدية أيضا تكون
من البقر والغنم والحلل فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء
الدية من البقر مائتا بقرة كان يقال على أهل البقر البقر وعلى أهل الشاء الشاء * ومن
طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة قالا جميعا: الدية من البقر مائتا
بقرة قال قتادة: الثنية فصاعدا قال قتادة على أهل الذهب الذهب وعلى أهل الورق
الورق وعلى أهل الغنم الغنم وعلى أهل البز الحلل، وهذا اسناد في غاية الصحة عن
الزهري وقتادة ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل مكحول في الدية
مائتا بقرة. ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار سمعت
طاوسا يقول: دية الحمير في ثلاثمائة حلة من حلل الثلاث، وقال ابن جريج: قلت لعطاء
البدوي صاحب البقر والشاة أله أن يعطى إبلا ان شاء وانى كره المتبع؟ فقال المعقول
له هو حقه له ماشية العاقل كائنة ما كانت لا تصرف إلى غيرها ان شاء * ومن طريق
حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: على أهل الإبل الإبل وعلى أهل البقر
391

البقر وعلى أهل الغنم الغنم وعلى أهل الحلل الحلل. ومن طريق وكيع نا زكريا بن أبي
زائدة عن الشعبي يعطى أهل المال المال وأهل الإبل الإبل وأهل الغنم الغنم في البعير
الذكر خمس عشرة شاة وفى الناقة عشرون شاة. ومن طريق وكيع نا أبو هلال عن
قتادة عن سعيد بن المسيب قال: كنا نأخذ عن البقر خمس شياه وعن الجزور عشر شياه،
وممن قال تكون الدية من الإبل ومن الذهب ومن الفضة ومن الغنم ومن البقر ومن
الحلل الحسن البصري وهو قول سفيان الثوري وأبى يوسف ومحمد بن الحسن *
قال أبو محمد رضي الله عنه: أما من اقتصر بالدية على الذهب والورق فقط
ولم يرها في بقر ولا غنم ولا حلل فإنهم شغبوا في ذلك بأن قالوا: قد أجمعوا على أن
الدية تكون من الذهب ولا فضة فصح بهذا انها توقيف وانها ليست ابدالا إذ لو كانت
ابدالا لوجب أن تراعى قيمة الإبل فتزيد وتنقص ولم يجمعوا على أن الدية تكون من
بقر أو من غنم أو حلل ولم تجب أن تكون دية الا ما أجمعوا عليه *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا كذب بحت وما أجمعوا قط على أن
الدية لا تكون من فضة ولا من ذهب ولا من غير الإبل، وقد ذكرنا قول على.
وزيد وابن مسعود وطاوس وعطاء، وقولهما ان الدنانير والدراهم في ذلك إنما
تكون بقيمة الإبل زادت أو نقصت، وقول الشافعي وغيره في ذلك، وقد ذكرنا
اختلاف قيمة الإبل في قول عمر بن عبد العزيز. وإبراهيم النخعي فبطل بذلك
دعواهم الكاذبة على جميع الأمة في دعواهم انهم أجمعوا بل الحق في هذا أن يقال: لما
صح الاجماع المتيقن والنص الثابت أن الدية تكون من الإبل واختلفوا فيما عدا
ذلك وجب أن لا تكون الدية الا مما أجمعوا عليه فقط، وموهوا أيضا بأن قالوا:
لما كانت الدية من الإبل ثم نقلت إلى الذهب والفضة على سبيل التقويم وكانت القيمة
المعهودة لا تكون الا من الذهب والفضة وجب ان لا تكون الدية إلا من الذهب والفضة *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا الباطل الثاني يكذب باطلهم الذي موهوا قبل
هذا به لان هنالك راموا أن يجعلوا الذهب والفضة في الدية توقيفا لابد لا بقيمة وهنا
أقروا انها بدل بقيمة فلو استحى هؤلاء القوم من المجاهرة بالتخليط في نصر الباطل لكان
خيرا لهم، ثم نقول لهم إذ قد أقررتم انها بدل بقيمة فهي على قدر ارتفاع القيمة
وانخفاضها ولا ندري أي شئ اتفقوا عليه في البدل والتقويم، وموهوا أيضا بأن قالوا لما
صح ان الدية لا تكون من الخيل ولا من الحمير ولا من العروض وجب أن لا تكون
أيضا من البقر ولا من الغنم ولا من الثياب *
392

قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قياس والقياس كله باطل، ثم نعكس عليهم
قياسهم الفاسد فنقول لهم: لما صح عندكم أن الدية تكون من غير الإبل وجب أن تكون
من كل شئ إلا مما اتفقتم على أن لا تكون منه، وأيضا فان الإبل حيوان تجب فيه الزكاة
وقد صح أن الدية تكون منها فوجب أن يقاس عليها البقر والغنم لأنهما حيوان يزكى،
والحق من هذا هو أنه لما صح ان الدية لا تكون من الخيل ولا من الحمير ولا من العروض
وجب أيضا أن لا تكون من الذهب ولا من الفضة ولا مما عدا ما جاء به النص والاتفاق،
والعجب أن الحنيفيين يقولون: ان ضعيف الأثر أولى من القياس وههنا نقضوا
هذا الأصل الذي صححوه وشغب المالكيون منهم بآثار نذكرها إن شاء الله تعالى،
وهي أثر رويناه من طريق زيد بن الحباب العكلي نا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار
عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدية اثنى عشر ألف درهم *
قال أبو محمد رضي الله عنه: محمد بن مسلم الطائفي ساقط لا يحتج بحديثه * ومنها
أثر رويناه من طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن ميمون نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن
دينار عن عكرمة سمعت مرة يقول عن ابن عباس " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باثني عشر
ألف درهم " - ويعني في الدية - *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا لا حجة فيه لان قوله في الخبر المذكور - يعنى
في الدية - ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في الخبر بيان انه من قول ابن عباس فالقطع
بأنه قوله حكم بالظن والظن أكذب الحديث فإن كان من قول من دون ابن عباس فلا
حجة فيه، وقد يقضى عليه الصلاة والسلام باثني عشر ألفا في دين أو في دية بتراضي الغارم
والمقتضى له فان ليس في هذا الخبر بيان انه قضاء منه عليه الصلاة والسلام بأن الدية
اثنا عشر ألف درهم فلا يجوز أن يقحم في الخبر ما ليس فيه، والقول على رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالظن كذب عليه، وهذا يوجب النار ونعوذ بالله مما أدى إليها، والذي رواه
مشاهير أصحاب بن عيينة عنه في هذا الخبر فإنما هو عن عكرمة لم يذكر فيه ابن عباس كما
رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: قتل
مولى لبنى عدى بن كعب رجلا من الأنصار فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في ديته باثني عشر ألفا.
والمرسل لا تقوم به حجة * وذكروا أيضا ما رويناه من طريق الأوزاعي عن عمرو
ابن سعيد عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لان أجلس مع قوم
يذكرون الله عز وجل من بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلى من أن
أعتق ثمانية من ولد إسماعيل دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفا " *
393

قال أبو محمد رضي الله عنه: يزيد الرقاشي ضعيف لا يحتج به، وذكروا
ما رويناه من طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من قرأ بخمسمائة إلى الف آية أصبح وله قنطار في الآخرة والقنطار دية أحدكم
اثنا عشر ألفا " *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا مرسل ولا حجة في مرسل الا ان الحنيفيين
نقضوا هاهنا أصولهم أقبح نقض لأنهم يقولون: المرسل والمسند سواء وكلاهما أولى
من النظر، وتركوا ههنا هذه المراسيل وهم يحتجون في نصر رأى أبي حنيفة بمثلها
وباسقط منها فصح انهم متلاعبون لا تحقيق عندهم إلا في نصر رأى أبي حنيفة الذي
رضوا به بدلا من القرآن ومن بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقالوا: لعل هذه الآثار إنما
أراد فيها بذكر الاثني عشر ألفا انها وزن كل عشرة منها وزن ستة مثاقيل *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا من أسخف كلام في الأرض لان العشرة
آلاف درهم عندهم لا يختلفون انها وزن سبعة آلاف مثقال ولا يختلف المالكيون في أن
الاثني عشر ألف درهم هي وزن ثمانية آلاف مثقال وأربعمائة فعاد قولهم لعلها وزن
ستة مثاقيل في العشرة هذيا نالم يعقل قط قديما ولا حديثا، وشغب المالكيون أيضا
بخبر رويناه من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل انا عبد الله بن عون الخراز نا عفيف بن
سالم الموصلي عن عبد الله بن المؤمل عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة بنت طلحة قالت: كان
حبان يطلع على عائشة أم المؤمنين فخرجت عليه مرة بعد مرة فأبى إلا أن يظهر فعدت
عليه بحديدة فقتلته فأتيت في منامها فقيل لها أقتلت فلانا اما انه قد كان شهد بدرا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يطلع عليك لا حاسرا ولا متجردا إلا أنه كان يسمع حديث
النبي صلى الله عليه وسلم فاخذها ما تقدم وما تأخر فذكرت ذلك لأبيها فقال: تصدقي باثني عشر
ألف درهم ديته *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا لا شئ عفيف بن سالم مجهول لا يدرى من هو،
وعبد الله بن المؤمل هو المكي ضعيف لا يحتج به، وأشبه ما في هذا الباب فخبر رويناه
من طريق يحيى بن سعيد القطان نا أبو يونس حاتم بن أبي صغيرة عن ابن أبي مليكة عن
عائشة بنت طلحة من عائشة أم المؤمنين انها قتلت جانا فاتيت في منامها وقيل لها والله
لقد قتلته مسلما قالت: لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل أو كان يدخل
عليك الا وعليك ثيابك فأصبحت فزعة فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلتها في
سبيل الله عز وجل *
394

قال أبو محمد رضي الله عنه: لا حجة لهم في هذا لأنه ليس في هذا الخبر انها
قصدت بذلك قصد دية وجبت عليها فزيادة ذلك عليها كذب لا يحل وإنما هي صدقة
تصدقت بها، ولا يختلف المالكيون في أن القتل ليس إلا عمدا أو خطأ فإن كان قتلها له
خطأ فليس فيه انها كفرت بعتق رقبة وهي المفترضة في القرآن لا الاثني عشر ألف درهم وإن كان
قتلها له عمدا فهم لا يختلفون في أنه لا دية في العمد إنما هو القود أو العفو أو ما تراضوا
عليه، ولا شك في أنها رضي الله عنها لم تراض مع عصبة الجنى على الاثني عشر ألف درهم
فبطل أن يكون للدية ههنا مدخل وإنما هي أحلام نائم لا يجوز أن تشرع بها
الشرائع، والأظهر انها من حديث النفس فصح انها صدقة تطوع منها رضي الله عنها
فقط لا يجوز غير ذلك أصلا، وموهوا بما روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق
نا إبراهيم بن الحجاج نا عبد الوارث بن سعيد التنوري نا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب
ان عمر بن الخطاب جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار وهذا منقطع. ومن
طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أيوب بن موسى عن مكحول قال: توفى رسول
الله صلى الله عليه وسلم والدية ثمانمائة دينار فخشي عمر من بعده فجعل الدية اثنى عشر ألفا
والف دينار *
قال أبو محمد رضي الله عنه: نشهد بشهادة الله عز وجل ان هذا كذب موضوع
وقد أعاذ الله تعالى عمر رضي الله عنه من أن يبدل ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
مستقر الحكم ثم مات أبو بكر رضي الله عنه عليه، وأحمق الحمق قول من وضع هذا
الخبر فخشي عمر بن بعده فجعلها ألف دينار واثنى عشر ألف درهم ليت شعري ماذا
خشي ممن بعده وكيف خشي من بعده ان ترك الدية ثمانمائة دينار ولم يخش من بعده
إذ بلغها ألف دينار أو اثنى عشر ألفا هل في النوك أكثر من هذا الكلام؟ ما شاء الله
كان لقد كيدت ملة الاسلام من كل وجه ويأبى الله الا ان يتم نوره، وتالله لو جاز
لعمر ان يزيد فيما مضى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بعده لتجوزن لمن بعد عمر
الزيادة على فعل عمر قطعا بل الزيادة على حكم عمر أخف من الزيادة على حكم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وحكم أبى بكر بعده، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذه الضلالة، وهذا عيب
المرسل فتأملوه * ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري ان عمر
ابن الخطاب لما رأى أثمان الإبل تختلف قال: لأقضين فيها بقضاء لا يختلف فيه بعدي
فقضى على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم *
قال أبو محمد رضي الله عنه: لم يولد يحيى بن سعيد الأنصاري إلا بعد موت عمر
395

بنحو نيف وأربعين عاما، وبالله الذي لا إله إلا هو ما قال عمر قط هذا الكلام وما كان
في فضله رضي الله عنه ليقطع على ما يكون بعده لا سيما وقد ظهر كذب هذا القول الذي
أضافوه إلى عمر فان الخلاف في ذلك لأظهر من أن يجهله من له أقل علم وهذا من عيوب
المرسل فاحذروه * وذكروا ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا يونس
ابن عبيد عن الحسن ان عمر بن الخطاب قوم الإبل في الدية عشرين ومائة درهم كل
بعير هذا مرسل، ثم إنما ذكر قسمة لاحدا محدودا، ثم قد روى عن عمر غير هذا
على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى * وذكروا ما روينا من طريق إسماعيل بن
إسحاق نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن ابن أبي نجيح عن أبيه ان امرأة قتلت في الحرم
فجعل عثمان بن عفان ديتها ثمانية آلاف درهم دية وثلث دية * ومن طريق حماد بن
سملة عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح ان امرأة قتلت في الحرم فجعل عثمان ديتها
ستة آلاف درهم وألفين للحرم *
قال أبو محمد رضي الله عنه: كلتا الطائفتين مخالفة لهذا الحكم مبطلة له فمن أضل
وأخزى ممن يموه في دين الله عز وجل بالاحتجاج بشئ هو أول مبطل له نعوذ بالله
من الضلال، وموهوا بما روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق نا سليمان بن حرب
نا حماد بن سلمة عن حماد أبى الحسن حدثني أبو سليمان انه شهد علي بن أبي طالب قضى
في ثنية امرأة على زوجها بثلاثمائة درهم قالوا: والثلاثمائة نصف عشر دية المرأة *
قال أبو محمد رضي الله عنه: أبو سليمان مجهول لا يدرى أحد من هو، وقد روى
أيضا من طريق الحارث الأعور عن علي والحارث كذاب، ومن طريق حماد بن سلمة عن محمد
ابن إسحاق عن الزهري ان رجلا بالكوفة قتل خطأ فقال أهل القاتل خذوا منا الإبل
وكانت الإبل يومئذ رخاصا بعشرين وثلاثين فكتب المغيرة بن شعيبة في ذلك إلى معاوية
فكتب إليه معاوية كيف أصنع بقضاء عمر في ذلك فقضى عليهم باثني عشر ألفا *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا مرسل من طريق ابن الجهم نا عبد الله بن
أحمد بن حنبل نا أبى نا إسماعيل بن عليه نا خالد هو الحذاء عن عكرمة قال قال
أبو هريرة انى لاسبح كل يوم ثنتى عشرة الف تسبيحة قدر ديتي. قال أبو محمد:
هذا لا حجة لهم فيه لان أبا هريرة لم يقل ان الدية إثنا عشر ألف درهم إنما قال في اثنتي عشرة
الف تسبيحة قدر ديتي ان انها يرجوان تكون فداءه من النار كما أن الدية فداء من القتل، ولا
يشك أحد في أن التسبيح ليس دية، ثم لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن
طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي زيد عن نافع بن جبير
396

قال: قتل رجل في البلد الحرام في شهر حرام فقال ابن عباس: ديته اثنا عشر ألف درهم وللشهر
الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف *
قال أبو محمد رضي الله عنه: الحنيفيون والمالكيون مخالفون لهذا الحكم عاصون
له فسقط أن يكون لهم تعلق بأحد من الصحابة رضي الله عنهم فعارضهم الحنيفيون فقالوا:
قد رويتم من طريق وكيع عن ابن أبي ليلى عن الشعبي عن عبيدة السلماني قال: وضع عمر بن
الخطاب الديات فوضع عل أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم *
قال أبو محمد رضي الله عنه: ابن أبي ليلى سيئ الحفظ فخبرهم ساقط كخبر
المالكيين وليس الذي رواه المالكيون بأولى من هذا الحديث فتدافعت هذه الأخبار
الساقطة مع تناقضها فوجب اطراحها وقال الحنيفيون قد صح اجماعنا على عشرة آلاف
ذرهم فقلنا كذبتم وأفكتم قد روينا من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن
مكحول ان عمر بن الخطاب جعل الدية ثمانية آلاف درهم فان قلتم هذا منقطع وعن
الحجاج وهو ضعيف قلنا: وابن أبي ليلى وسائر ما روى في ذلك عن عمر منقطع أو
ضعيف كما بينا قبل ولا فرق، وقالوا أيضا: قد صح ان الدينار في الزكاة بعشرة دراهم
فوجب أن يكون في الدية كذلك *
قال أبو محمد رضي الله عنه: قلنا كذبتم وافكتم لان ابن أبي ليلى وشريك بن
عبد الله. والحسن بن حي والشافعي وغيرهم لا يرون جمع الفضة إلى الذهب في الزكاة
أصلا ولا يختلفون في أن من كان معه عشرون مثقالا من ذهب غير حبة ومائتا درهم
فضة غير حبة وأقام كل ذلك عنده حولا كاملا فلا زكاة عليه في شئ من ذلك ثم
أبو حنيفة الذي قلدتموه دينكم لا يرى جمع الذهب إلى الفضة في الزكاة إلا بالقيمة بالغة
ما بلغت ولو أنها درهم بدينار أو ألف درهم بدينار وعطاء والزهري وسليمان بن حرب
وغيرهم يزكون الذهب بقيمة من الفضة بالغة ما بلغت فظهرت جرأتهم على الكذب نعوذ
بالله من سوء مقامهم، وأما المالكيون فتناقضوا ههنا أقبح تناقض بلا برهان إذ قدروا دينار
الدية ودينار القطع في السرقة ودينار الصداق برأيهم باثني عشر درهما وقدروا دينار
الزكاة بعشرة دراهم وهذا تلاعب لاخفاء به وشرع في الدين لم يأذن به الله تعالى
واستدركنا اعتراضا للحنيفيين والمالكيين وهو انهم قالوا لو كانت الدنانير والدراهم
ابدا لا من الإبل لكانت دينا بدين لان عمر قضى بها في ثلاث سنين قلنا: وعمر
قضى بالدية حالة في قصة المدلجي التي هي أصح عنه من توقيته فيها ثلاث سنين فما الذي جعل
رواية عنه لا تصح أولى من رواية عنه أخرى، والعجب انهم يأخذون بما روى عنه من
397

ابدال خمسين دينار أو خمسمائة درهم من الغرة ولم يروه دينا بدين، يقول الحنيفيون
فيمن تزوج على بيت وخادم ان لها في البيت خمسين دينارا وفى الخادم أربعين دينارا
ولم يروه دينا بدين وما ندري نصا منع دينا بدين أصلا إنما ندري النص الثابت المانع من
بيع ما لم يقبض *
قال أبو محمد: ثم نقول للطائفتين ان كانت الآثار السخيفة التي موهتم بها
حجة عندكم فإنكم قد افتضحتم في ذلك أقبح فضيحة لان بعضها وغيرها قد جاءت
بما خالفتموه وأخذ به غيركم من فقهاء المدينة والكوفة كما ذكرنا كسعيد بن المسيب.
وعروة بن الزبير والزهري والشعبي وأبى يوسف ومحمد بن الحسن القائلين بأن الدية
تكون من البقر والغنم والحلل كما أوردنا قبل فمن ذلك ما روينا من طريق سعيد بن
منصور نا هشيم انا محمد بن إسحاق سمعت عطاء بن أبي رباح يحدث " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرض الدية في أموال المسلمين ما كانت فجعلها في الإبل مائة بعير وفى البقر مائتي بقرة
وفى الغنم الفي شاة وعلى أهل الذهب الذهب وعلى أهل الورق الورق، وجعل في
الطعام شيئا لم يحفظه "، ومن طرق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عطاء بن أبي
رباح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على أهل الإبل مائة بعير وعلى أهل الحلل مائتي
حلة وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء الفي شاة، ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان عقله من الشاء فألفا شاة فهذه
مراسيل أحسن مما ذكرتم أو مثله، ومن طريق أبى داود السجستاني قرأت على سعيد
ابن يعقوب الطالقاني حدثكم أبو تميلة يحيى بن واضح نا محمد بن إسحاق نا عطاء عن
جابر بن عبد الله فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية على أهل الإبل مائة بعير وعلى أهل
الحلل مائتي حلة وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء الفي شاة وعلى أهل الطعام
شيئا لا أحفظه *
قال أبو محمد رضي الله عنه: لم يسنده إلا أبو تميلة يحيى بن واضح وليس
بالقوى ولو صح لقلنا به، ومن طريق أبى داود نا صاحب لنا ثقة نا شيبان نا محمد بن راشد
نا سليمان - هو ابن موسى - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أهل البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاء فالفا شاة، وفى المأمومة ثلث العقل
ثلاثة وثلاثون من الإبل وثلث أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء والجائفة
مثل ذلك ومن طريق أبى داود السجستاني نا يحيى بن حكيم نا عبد الرحمن بن عثمان نا الحسين
المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله
398

صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار ثمانية آلاف درهم دية أهل الكتاب يومئذ على النصف من
دية المسلم وكانت كذلك حيت استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام خطيبا
فقال ألا ان الإبل قد غلت ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنى
عشر ألف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء الفي شاة وعلى أهل الحلل
مائتي حلة وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من أهل الدية قالوا فهذه أحاديث أحسن
من التي موهوا بها في أن لدية تكون من الذهب والفضة فما الذي منعهم من أن
يأخذوا بها وهم يأخذون برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافقت أهواءهم
في تقليد مالك وأبي حنيفة كاحتجاجهم بها في أن المرأة أولى بحضانة ولدها ما لم تنكح.
والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم وفى الموضحة خمس وغير ذلك فأي دين يبقى مع هذا،
ونسأل الله تعالى التوفيق والعافية * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال:
كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير بكل أوقية بعير فذلك أربعة آلاف فلما
كان عمر رخصت الورق وغلت الإبل فجعلها عمر أوقية ونصفا ثم غلت الإبل
ورخصت الورق فجعلها عمر أوقيتين فذلك ثمانية آلاف ثم لم تزل الإبل ترخص وتغلو
حتى جعلها عمر اثنى عشر ألف درهم أو ألف دينار ومن البقر مائتي بقرة ومن الشاه
الفي شاة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة قضى أبو بكر الصديق
مكان كل بعير بقرتين - يعنى في الدية -، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عمرو بن شعيب قال: قال أبو بكر الصديق من كان عقله في الشاء فكل بعير بعشر شياه *
ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن مكحول ان عمر بن الخطاب
جعل الدية ثمانية آلاف وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء الفي شاة
وعلى أهل الحلل مائتي حلة * ومن طريق وكيع نا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن الشعبي عن عبيدة السلماني قال: وضع عمر بن الخطاب الديات فوضع على أهل
الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الإبل مائه من الإبل
وعلى أهل البقر مائتي بقرة ثنية ومسنة وعلى أهل الشاء الفي شاة وعلى أهل الحلل
مائتي حلة فهذا هو حديث الحنيفيين الذي لا حديث لهم غيره أفلا يستحيون من العار
حسبنا الله ونعم الوكيل * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد
العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال في كتاب أبيه أن عمر بن الخطاب شاور السلف حين جند
الأجناد فكتب ان على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق أثنى عشر ألف درهم
وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء الفي شاة
399

وعلى أهل البز من البز من نسج اليمن بقيمة خمسة خمسة يعنى دنانير مائتي حلة أو قيمة ذلك
مما سوى الحلل، وقضى عثمان بن عفان في تغليظ الدية بأربعة آلاف درهم، ومن طريق
عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال عمرو بن شعيب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيم الإبل على
أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق وبقيمتها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع
في ثمنها وإذا هانت نقص من قيمتها على أهل القرى على ثمانمائة وقضى عمر بن الخطاب
في الدية على أهل الورق اثنى عشر ألفا وقال إن أرى الزمان تختلف فيه الدية تختفض
فيه مرة من قيمة الإبل وترتفع مرة وانى أرى المال قد كثر وانى أخشى عليكم الحكام بعدي
فان يصاب الرجل المسلم فتهلك ديته بالباطل وأن ترتفع ديته بغير حق فتحمل على أقوام
مسلمين فتجتاحهم وليس على أهل القرى زيادة في تغليظ عقل ولا في الشهر الحرام ولا في
الحرمة ولا على أهل القرى فيه تغليظ لا يزاد فيه على اثنى عشر ألف درهم وعقل أهل
البادية على أهل الإبل مائة من الإبل على أسنانها كما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى
أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الشاء ألفا شاة ولم أقسم على أهل القرى إلا عقلهم
يكون ذهبا وورقا فيقام عليهم، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على أهل القرى في
الذهب الورق عقلا مسمى لا زيادة فيه أتبعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ولكنه كان يقيمه
على أثمان الإبل *
قال أبو محمد رضي الله عنه: هكذا في كتابي عن حمام قضى عمر في الدية على
أهل البقر اثنى عشر ألفا وهو وهم بلا شك وإنما هو قضى عمر في الدية على أهل الورق *
قال أبو محمد: رضي الله عنه: هذا حديث المالكيين الذي موهوا ببعضه وتركوا
سائره فان كانت تلك الميتات والنطائح حجة عندهم فهذه المنخنقات والموقوذات مثلها
وبتمامها وأحسن منها، وان موهوا هنالك مما لا يصح مما ذكر عن أبي بكر وعمر وعثمان
فهذا مثله عن أبي بكر وعمر وعثمان بالاحتجاج بذلك واطراح هذه ضلال وتلاعب بالدين
وكلها لا خير فيه الوضع ظاهر في جميعها فقالوا: لعل ما روى من ذكر البقر والشاء والحلل
إنما كان على التراضي من الفريقين قلنا فلعل ما روى من ذكر ما لا يصح من الذهب والورق
إنما كان على التراضي من الفريقين والا فما الفرق فصح ان لا دية إلا من الإبل أو قيمتها
ان عدمت لو وجدت فقط، ولو شئنا أن تحتج بأحسن مما احتجوا به لذكرنا الحديث
الذي أوردناه قبل من طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا الحكم بن موسى نا يحيى
ابن حمزة عن سليمان بن داود الجزري عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن
400

والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت باليمن وهذه نسختها فذكر فيه وفى النفس
مائة من الإبل ولم يذكر ذهبا ولا ورقا ولكن معاذ الله أن نحتج بما لا يصح وبالله
تعالى التوفيق (1) *
(بسم الله الرحمن الرحيم * رب يسر واختم بخير يا كريم)
2024 مسألة (2) من كتاب الايصال تكملة لما انتهى إليه أبو محمد من
كتاب المحلى قال: واما الدية في قتل الخطأ فعلى العصبة وهم العاقلة، وهذا مما لا خلاف
فيه إلا شئ ذكر عن عثمان البتي أنه قال: لا أدري ما العاقلة * قال أبو محمد: وقد يمكن أن
يحتج لهذا القول بقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا ترز وازره
وزر أخرى) *
قال أبو محمد: لولا أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان هذا القول الذي لا يجوز خلافه
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي ولاه الله البيان عن مراده تعالى فقال: (لتبين للناس
ما نزل إليهم) فوجدنا ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا قتيبة

(1) إلى هنا انتهى المجلد الخامس من كتاب المحلى لابن حزم رقم 14 من دار
الكتب المصرية الأهلية، وبه ينتهى ما كتبه الإمام العلامة أبو محمد علي بن حزم ومات
رحمه الله تعالى ولم يتمه، ووجد في آخر هذه النسخة ما نصه: تم الجزء الخامس من كتاب
المحلى بشرح المجلى وبتمامه انتهى تأليف الإمام الحافظ أبى محمد علي بن أحمد بن سعيد بن
حزم رحمه الله ورضى عنه آمين آمين *
وكانت وفاته رحمه الله في سلخ شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة، ويتلوه في الجزء
السادس إن شاء الله تعالى - مسألة من كتاب الايصال - تكملة لما انتهى إليه أبو محمد من
كتاب المحلى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما *
ووجد في آخر نسخة رقم 45 هنا انتهى تأليف الفقيه أبى محمد مؤلفه وفجئة الموت فلم
يتم تفسير المحلى وبقيت منه بقية يسيرة يجب انتساخها من الكتاب المسمى بالايصال
الذي هو هذا مختصر منه، أعان الله على القربة إليه باقتفاء آثار رسوله ما عاد من تعدى
حدوده منه انه منعم كريم * كمل هذا السفر المذكور بعون الله وتوفيقه، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما *
(2) وجد في هامش النسخة رقم 14 ما نصه: من هنا إلى آخر الجزء مختصر من كتاب
الايصال لأبي محمد بن حزم اختصره ولده أبو رافع وكمل به كتاب المحلى على ما ذكر عنه،
والله تعالى أعلم *
401

نا الليث بن سعد بن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في جنين امرأة من بنى لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها
بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها
فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقل على العصبة كما ترى فوجب الوقوف عند ذلك * وبالله
تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: فمن لم تكن له عصبة فعلى بيت المال على ما نذكره في بابه إن شاء الله
تعالى وبه نتأيد (اعتراض في قتل الذمي المسلم) قال أبو محمد: فان قال قائل: انكم
تقولون ان الذمي إذا قتل مسلما عمدا بطلت ذمته وعاد حربيا وقتل ولابد واستفى ماله
فكيف تقولون فيما حدثكم به عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا احمد
ابن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا إسحاق بن منصور أنا بشر بن عمر قال: سمعت
مالك بن أنس يقول: ني أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه
اخبره عن رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد
أصابهما فأبى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطوح في عين أو فقير فاتى يهود
فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا: والله ما قتلناه ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر ذلك لهم ثم
أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم وهو
الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة: كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم
تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إما أن يدوا صاحبكم وأما أن يؤذنوا بحرب وذكر
باقي الخبر، فهذا قتل كافر لمؤمن وفيه الدية *
قال أبو محمد: فجوابنا وبالله تعالى التوفيق اننا على يقين ولله الحمد من أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يلزم أحدا دية الا قاتلا عمدا أو عاقلة قاتل خطأ أو من بيت مال المسلمين عمن
لا عاقلة له فالزامه عليه السلام اليهود الدية لا يخلو بيقين لا إشكال فيه من أحد وجهين لا ثالث
لهما اما أن يكونوا قاتلي عمد أو اما أن يكونوا عاقلة قاتلي خطا هذا ما لا يمكن أن يكون
سواه فوجب أن ينظر أي الوجهين هو المراد في هذا المكان فنظر نا في ذلك فوجدنا حكم
قاتل العمد بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه عند غير نا القود أو العفو فقط أو ما تصالحوا
به وحكمه عند طائفة من أهل العلم أيضا بتخيير الولي بين القود أو العفو أو الدية وحكمه عندنا
التخيير بين القود أو العفو أو الدية أو ما تصالحوا عليه فالقود على كل هذه الأقوال حكم
قتل العمد والية بلا خلاف فيه في مال القاتل وحكم قاتل الخطأ الدية أو العفو عنها فقط
فلما وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر قودا أصلا في هذه الرواية وما كان رسول الله
402

صلى الله عليه وسلم ليغفل حقا للحارثيين إلا ويذكره لهم ولا يسكت عنه فيبطل حقهم علمنا أن حكمه
بالدية بذلك لا يخلو من أحد وجهين من أن يكون قتل عمد ولا يعرف قاتله فبحكم فيه بحكم
ناقض الذمة أو قتل خطأ فإن كان قتل عمد لا يعرف قاتله فنحن على يقين من أنه عليه السلام
لا يلزمهم دية لا تجب عليهم، ولا خلاف بين الحاضرين من خصومنا في أن العاقلة لا تؤدى
عن قاتل عمد ولا أوجب ذلك نص فبطل هذا الحكم ولم يبق ألا أنه الوجه الثاني وهو
قتل الخطأ، وهذا هو الحق لان القتل قد صح بلا شك، وممكن أن يكون بقصد وممكن أن
لا يكون بقصد فلا يجوز أن يحكم عليهم بأنهم قصدوه إلا ببرهان من بينة أو إقرار أو
نص موجب لذلك فبقي أنهم لم يقصدوه وهذا هو الخطأ نفسه، ثم قول النبي صلى الله عليه وآله:
" وإما أن يؤذنوا بحرب " دليل على صحة ما قلناه من أنهم بخروجهم عما يجب عليهم
ينقضون الذمة ويعودون حربيين *
قال على: فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم حكم الخطأ في القتل الموجود ان اعترفوا بذلك ثم
أعلمهم حكم العمد في غير هذه الرواية وأعلمهم أنهم ان حلفوا على رجل منهم أسلم إليهم
ولاح وجه الحديث، وبالله تعالى التوفيق * فان قال: فكيف تصنعون بالرواية الأخرى
التي حدثكم بها عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد
ابن علي نا مسلم بن الحجاج نا عبيد الله بن عمر القواريري نا حماد بن زيد نا يحيى بن سعيد
الأنصاري عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة. ورافع بن خديج أن محيصة بن مسعود.
وعبد الله بن سهل فذكر الحديث، وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: يقسم خمسون
منكم على رجل منهم فيدفع برمته قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف " وذكر باقي الخبر *
قال أبو محمد: فان هذا القول حق ومعاذ الله ان نخالفه، بل هو نص قولنا،
وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يدفع القاتل منهم برمته وهذا يقتضى قتله ويقتضي
أيضا استرقاقه لأنه عموم لا يخرجه منه شئ مما يقع عليه مقتضى لفظه إلا بنص
أو اجماع وبالله تعالى التوفيق *
(ديات الجراح (1) والأعضاء فيما دون النفس في العمد والخطأ)
2025 مسألة قال أبو محمد: فلنذكر الآن بعون الله تعالى وتأييده أن القصاص
واجب في كل ما كان بعمد من جرح أو كسر لا يحاب القرآن ذلك في كل تعد وفى كل
حرمة وفى كل عقوبة وفى كل سيئة وورود السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقى
الكلام هل في ذلك العمد دية يتخير (2) المجني عليه فيها أو في القصاص أم لا؟ وهل في

(1) في النسخة رقم 45 بسم الله الرحمن الرحيم * باب ديات الجراحة الخ
(2) في النسخة رقم 14 بتخيير
403

في الخطأ في ذلك دية مؤقتة أم لا؟ *
قال على: فنظرنا في هذا فوجدنا الله تعالى يقول: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم
به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * نا أحمد بن عمر بن أنس أنا الحسين بن عبد الله الجرجاني قال:
نا عبد الرزاق بن أحمد بن عبد الحميد الشيرازي قال: أخبرتنا فاطمة بنت الحسن بن الريان
المخزومي وراق بكار بن قتيبة نا الربيع بن سليمان المؤذن نا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن
عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله
تجاوز لي عن أمتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه " *
قال أبو محمد: وهذا حديث مشهور من طريق الربيع عن بشر بن بكر عن
الأوزاعي بهذا الاسناد متصلا، وبهذا اللفظ رواه الناس هكذا، وقال الله تعالى:
(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فصح بكل
ما ذكرنا ان الخطا كله معفو عنه لا جناح على الانسان فيه وإنما الأموال محرمة فصح
من هذا أن لا يوجب على أحد حكم في جناية خطأ إلا أن يوجب ذلك نص صحيح
أو اجماع متيقن والا فهو معفو عنه، وصح بذلك انه لا يجب على أحد غرامة في عمد
ولا في خطا إلا أن يوجب ذلك نص صحيح أو اجماع متيقن وإلا فالأموال محرمة
والغرامة ساقطة لما ذكرنا فان قال قائل: قد أوجب الله تعالى في قتل النفس خطا الدية
كاملة وتحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد فإذا كان حكم النفس في الخطا
تجب فيه الدية فما دونها في الخطا كذلك تجب أيضا قلنا: وبالله تعالى التوفيق * هذا
قياس والقياس كله باطل، ولو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل لوجوه
أربعة أو لها أنه خطأ في القياس على أصول أصحاب القياس لأنه يقال لهم: أنتم أصحاب
تعليل فماذا تقولون لمن قال لكم على أصولكم ان النفس لا شئ أعظم من قتلها بعد
الشرك عند الله تعالى فلذلك عظم أمرها وجعل في الخطا فيها كفارة وإن كان لا ذنب
لقاتل النفس خطا بلا خلاف، وأما ما دون النفس فليس له عظم النفس عند الله تعالى
ولا حرمتها فلا يجب في شئ من ذلك ما يجب في النفس إذ ليس فيما دون النفس العلة
التي في النفس، والثاني انكم قد نقضتم هذا القياس وتركتموه جملة ففي بعض الجنايات
جعلتم ديات مؤقتة وفى بعضها لم تجعلوا دية أصلا الا إما حكومة واما أجر الطبيب
واما لا شئ وهذا نقض منكم لقياسكم ما دون النفس على النفس ولا قياس أفسد
من قياس نقضه القائلون به، فان قلتم: إنما أوجبنا دية مؤقتة حيث جاء نص عن
404

رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا لهم: إن كان ذلك النص مما تقوم به الحجة
لصحة اسناده فالقول به فرض، والطاعة له واجبة، وإن كان مما لا يصح
كصحيفة عمرو بن حزم وصحيفة عمرو بن شعيب فلا حجة تقوم بشئ من
ذلك، وأول من يشهد بهذا فأنتم لأنكم تتركون كثيرا مما في تينك الصحيفتين، ومن
المحال أن تجعلوا بعض حكم جاء مجيئا واحدا حجة وبعضه ليس بحجة بلا دليل أصلا
الا توهين ذلك مرة إذا اشتهيتم ولم يوافق حكمها تقليدكم وتوثيقها مرة إذا اشتهيتم
ووافق تقليدكم حكمها ونحن نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى كل ذلك فصلا فصلا، وان قالوا:
إنما أوجبنا الدية المؤقتة حيث أوجبها الصحابة رضي الله عنهم قلنا وبالله تعالى التوفيق
إن كان أوجب ذلك جميع الصحابة رضي الله عنهم فالسمع والطاعة لاجماعهم لان
اجماعهم هو الحق المقطوع به على صحته وانه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى
وإن كان هو قولا عن بعض الصحابة فأنتم معشر الحاضرين من خصومنا مخالفون
لذلك فقد جاء عن بعض الصحابة فيما دون الموضحة تحديد دية وأنتم لا تقولون بذلك
فالاضراب عما صححتموه خطأ وافساد لاحتجاجكم فصح انكم لم تتعلقوا ههنا بقياس ولا
بقول صاحب ولا بنص صحيح ولا بنص تلتزمونه وان لم يصح وما كان من الأقوال هكذا
فهو غير صحيح بيقين مقطوع على أنه باطل عند الله تعالى بلا شك * والثالث انكم قد أبطلتم
هذا القياس أيضا لان لا نص في القرآن جاء في كفارة قتل النفس بالخطأ برقبة مؤمنة
أو بصيام شهرين متتابعين لمن لم يجد مع الدية، فمن عجائب الدنيا أن تقيسوا ما دون
النفس على النفس في ايجاب كفارة في بعض ذلك أو ايجاب بعض الدية في بعض ذلك
ثم لا تقيسوا ما دون النفس على النفس في ايجاب كفارة في بعض ذلك حيث تجب الدية
كاملة أو بعض كفارة في بعض ذلك حيث تجب بعض الدية فهذا تحكم في القياس
ما سمع بأسقط منه، ولئن كان قياس ايجاب الدية أو بعضها فيما دون النفس على وجوب
ذلك في النفس حقا فان قياس ايجاب الكفارة أو بعضها فيما دون النفس على وجوب
ذلك في النفس لحق ولئن كان أحد القياسين المذكورين باطلا لا يجوز فان القياس
الآخر باطل لا يجوز، وهذا ما لا خفاء به عن ناصح لنفسه لا سيما والكفارة أوجب
وأوكد من الدية لان الله تعالى لم يوجب الدية في القرآن الا وقد أوجب معها الكفارة
وقد أوجب الله تعالى الكفارة وأسقط الدية قال تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير
رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله الا أن يصدقوا) ثم قال تعالى: (فإن كان من قوم عدو
لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى
أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فأوجب تعالى الكفارة في قتل الخطا الذي ذكر في القرآن
405

فأوجب الدية (1) في موضعين وأسقط تعالى في الموضع الثالث، فان قالوا: ان الاجماع
قد صح على اسقاط الكفارة في ذلك قلنا لهم: إذا صح هذا فان الاجماع قد أبطل
هذا القياس فلا يجوز استعماله أصلا في الدية ولا في الكفارة إذ هو كله قياس واحد
وباب واحد، وأيضا فان جمهوركم لا يوجبون الكفارة في قتل العمد ولم يأت اجماع باسقاطها
فقد تركتم القياس في هذا المكان دون أن يمنع منه اجماع * والوجه الرابع ان الله
تعالى لم يوجب دية في كل قتل خطأ بل قد جاء قتل المؤمن خطا وهو من قوم عدو
لنا ولا دية فيه فمن أين وقع لكم الحكم بالقياس على القتل الذي أوجب الله تعالى
فيه دية دون أن تحكموا بالقياس على القتل الذي لم يوجب الله تعالى فيه دية؟ وما الفرق
بينكم وبين من قال: بل لا تجب دية في شئ مما دون النفس نصاب خطا قياسا على
قتل المؤمن خطا وهو من قوم عدو لنا فإذا كانت علتكم غير مطردة فالقياس على
أصولكم لا يجوز عليها فبطل أن يكون فيما دون النفس دية لا بقياس ولا بقول
صاحب ولا بنص صحيح لأنه غير موجود ولا ضمان الأموال في الخطا بنص ملتزم
وان لم يصح فان قال قائل: قال الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) قالوا: والجراح
وان كانت خطا فهي سيئة فجزاؤها مثلها والسيئة المماثلة قد تكون بغرامة المال، فإذا
لم يكن هناك قود كانت المماثلة بالغرامة قلنا: وبالله تعالى التوفيق * وأما قول الله تعالى
(وجزاء سيئة سيئة مثلها) فحق، وأما قولكم ان جناية الخطا سيئة فباطل ما السيئة
إلا ما نهى الله تعالى عنه وليس الخطا مما نهى الله تعالى عنه لان الله تعالى يقول:
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وبالضرورة ندري انه ليس في وسع أحد أن يمتنع
من فعل الخطأ الذي لم يتعمده ولا قصده، فان قيل: قد اجتمعت الأمة على ضمان
ما اتلف من الأموال بالخطأ وبالعدم فما الفرق بين ضمان الجنايات في الأموال وبين
ضمان الجنايات في الأعضاء والجراحات؟ قلنا: وبالله تعالى التوفيق: ان هذا قياس
والقياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لان الاجماع قد صح
على ابطال هذا القياس لان لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في تضمين كل ما أصيب
من الأموال قل أو كثر وليس كذلك الجنايات على الأعضاء والجراحات إذ
لا خلاف في أن كثيرا منها ليس فيه تضمين بدية مؤقتة [محدودة] (2) وكل قياس
لم يطرد في نظرائه وكل علة لم تجر في معلولاتها فهما خطا عند أصحاب القياس وان
المماثلة بين الأموال مدركة مضمونة معروفة اما بالقيمة واما بالكيل واما بالوزن

(1) في النسخة رقم 45 وأوجب الدية
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
406

وأما بالذرع وأما بالصفة، ولا تدرك المماثلة بين الأعضاء والجراحات وبين الأموال
أبدا الا بنص وارد من الله تعالى في ذلك، هذا أمر يعلم بالضرورة بل المماثلة ممتنعة
في ذلك جملة لأنه لا يجوز أن يمثل ما يتملك بما لا يحل تملكه فإذا الامر كذلك فلا
سبيل إلى الحكم بالمماثلة في ذلك إلا مما صح فيه نص أو اجماع ومن فعل ذلك فقد
أخطأ بيقين إذ حكم بالمثلية في شيئين ليس أحدهما مثلا للآخر وان تملك الأموال
بالخطأ ممكن واسترجاعها بأعيانها ممكن واسترجاع أمثالها ان فاتت أعيانها ممكن
والأعضاء والجراح لا يصح للجاني تملكها لا عمدا ولا خطأ ولا يصح استرجاعها
أصلا ولا استرجاع أمثالها فقياس أحد هذين الوجهين على الآخر قياس فاسد لأنه
قياس الضد على ضده في الحكم وإنما يقول أصحاب القياس بقياس الشئ (1) على
نظيره لاعلى ضده، وانهم قد أطبقوا على ابطال هذا القياس من حيث هو أقرب شبها
بما قاسوه عليه وذلك انهم لا يختلفون فيمن غصب حرا فتملكه واسترقه فمات في
تملكه فإنه لا يضمنه ولا يضمن فيه قيمة ولادية الا أنه روى عن مالك ان باعه ففات فلم
يقدر عليه أنه يودى ديته فإن كان غصب الحر لا يقاس على غصب المال لا في الخطأ
ولا في العمد بلا خلاف فالجراح وكسر العضو وقطعة أبعد من أن يقاس على الأموال،
وهذا لاخفاء به والحمد لله رب العالمين * فان ذكروا ما حدثناه أبو عمر أحمد بن قاسم
في منزله بمدينة قرطبة عند مسجد القصارين قال: حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم حدثني
جدي قاسم بن أصبغ نا عبد الله بن روح نا يزيد بن هارون نا محمد بن إسحاق عن
الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء السلمي عن أبي شريح الخزاعي قال قال.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح - فهو بالخيار
في احدى ثلاث اما ان يعفو واما ان يقتص واما ان يأخذ العقل فان أخذ شيئا من
ذلك ثم عدا بعد ذلك فان له النار خالدا فيها " * وحدثناه عبد الله بن ربيع قال نا
عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر البصري نا سليمان بن الأشعث نا موسى بن إسماعيل
نا حماد بن سلمة نا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء
عن أبي شريح الخزاعي ان النبي صلى الله عليه وآله قال: " من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار
احدى ثلاث اما أن يقتص وأما أن يعفو واما أن يأخذ الدية فان أراد الرابعة فخذوا
على يديه (2) فان اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد
ابن عبد الملك بن أيمن نا حبيب بن خلف نا أبو ثور إبراهيم بن خالد نا يزيد بن هارون

(1) في النسخة رقم 14 يقاس الشئ
(2) في النسخة رقم 45 على يده
407

نا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان عن أبي العوجاء عن أبي شريح
الخزاعي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصيب بقتل أو خبل - يعنى جراحا -
فهو بخير النظرين ان أحب أن يعفو عفا وان أحب ان يأخذ الدية أخذ " قلنا: هذا
لا يصح لأنه لم يروه أحد الا سفيان بن أبي العوجاء السلمي وهو مجهول لا يدرى من
هو ولا يعرف عنه غير هذا الحديث فلو صح لقلنا به منشرحة صدورنا بذلك ولما
تركناه لقول أحد، وأما إذا لم يصح فلا يجوز الاخذ به، ثم لو صح لكان حجة على
جميع الحاضرين ومخالفا لقولهم لأنه إنما جاء في جراح العمد وفيه القصاص منها
جملة لم يستثن شيئا وكلهم لا يرى القود منها فيما دون الموضحة وجمهورهم لا يرى
القود منها إلا في المواضحة فقد خالفوا هذا الحديث كما ترى، وأيضا انه قد جاء
في العمد فقط كما ذكرنا لان فيه التخيير بين القود والدية ولا خلاف بين أحد من
الأمة في أن القود ليس إلا في العمد فقط وفيه الخيار في الدية في العمد وكلهم أو
جمهورهم لا يرى في قطع الأعضاء في العمد الا القود فقط وقد خالفوا هذا الخبر في
هذا الوجه، وأيضا فان الحنيفيين والمالكيين لا يرون خيارا في قود أو دية في قتل
العمد، وأيضا انه ليس فيه حكم شئ من جراح الخطا فلو صح هذا الخبر لكان
وفاقه لنا أكثر من وفاقه لهم وكانوا مخالفين له من كل وجه *
قال أبو محمد: فبطل كل ما شغبوا به في هذا الباب والحمد لله رب العالمين * فاما جنايات
العمد وجراحه فان مالكا لا يرى فيها جملة إلا القود أو العفو فقط ولا يرى فيها (1)
دية فات القود أو لم يفت إلا في قليل منها فيرى فيها الدية لامتناع القود ويرى في
سائر جراحات الخطا الدية إلا قليلا منها فإنه لا يرى فيها دية لكن حكومة، وهذا
قول (2) أبي حنيفة. وأصحابه والشافعي وأصحابه إلا في فروع اختلفوا فيها نبينها
إن شاء الله تعالى، وهو أيضا قول أصحابنا وبه نأخذ إلا اننا لا نرى في شئ من ذلك
دية ولا حكومة أمكن القود أو لم يمكن إلا أن يأتي به نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
يثبت به اجماع متيقن وحتى لو غاب عنا في شئ من ذلك اجماع لم نعلمه لكنا بلا
شك عند الله اعذر وأسلم وأخلص إذ لم نقتحم ما لم ندر ولم نقف ما ليس لنا به
علم مما لو علمناه لقلنا به *
قال على: ونحن ذاكرون الآن إن شاء الله تعالى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ثم
ما جاء عن الصحابة رضى الله تعالى عنهم في ذلك ثم ما جاء عن التابعين رحمهم الله في ذلك ثم

(1) في النسخة رقم 14 فيه
(2) في النسخة رقم 45 وهكذا قول
408

ما تيسر من أقوال الفقهاء بعدهم إذ العمدة في الدين بعد القرآن وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما هو اجماع الصحابة رضي الله عنهم واختلافهم وليس كذلك من بعدهم * وقد روينا
من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عفان - هو ابن مسلم - نا حماد بن سلمه انا ثابت البناني
عن أنس " ان أخت الربيع أم حارثة جرحت انسانا فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: القصاص القصاص فقالت أم الربيع: يا رسول الله أيقتص من فلانة؟ والله
لا يقتص منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله قالت:
لا والله لا يقتص منها أبدا قال: فما زالت حتى قبلوا الدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان
من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق بن السليم
نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا مسدد نا المعتمر - هو ابن سليمان - عن حميد الطويل عن أنس
ابن مالك قال: " كسرت الربيع أخت أنس بن النضر ثنية امرأة فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقضى
بكتاب الله تعالى القصاص فقال أنس بن النضر: والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها اليوم
فقال: يا أنس كتاب الله القصاص فرضوا بأرش أخذوه فعجب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: النبي صلى الله عليه وسلم
ان من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " قال أبو داود: سألت أحمد بن حنبل كيف
يقتص من السن قال يبرده * وروينا من طريق البخاري نا محمد الفزاري - هو أبو إسحاق - عن
حميد الطويل عن أنس قال: " كسرت الربيع ونهى عمة أنس بن مالك ثنية جارية من
الأنصار فطلب القوم القصاص فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال
أنس بن النضر عم انس بن مالك: " والله لا تكسر ثنيتها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا أنس كتاب الله القصاص فرضى القوم وقبلوا الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان
من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " *
قال أبو محمد: فهما حديثان متغايران وحكمان اثنان في قضيتين مختلفتين لجارية
واحدة، أحد الحكمين في جراحة جرحتها أم الربيع انسانا فقضى عليه الصلاة والسلام
بالقصاص من تلك الجراحة فحلفت أمها انها لا يقتص منها فرضوا بالدية فأبر الله تعالى
قسمها، والحكم الثاني في ثنية امرأة كسرتها الربيع فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص
في ذلك فحلف أنس بن النضر أخوها أن لا يقتص منها فرضوا بأرش أخذوه وأبر الله
تعالى قسمه فلاح كما ترى انهما حديثان جراحة وثنية ودية وأرش وحلفت أمها في الواحدة
وحلف أخوها في الثانية وكان هذا قبل أحد لان أنس بن النضر رضي الله عنه قتل يوم أحد
بلا خلاف، وهذا الحديث بين واضح ان كل ما أخذه من له القصاص من جرح أو نفس
فهو دية سواء كان ذلك شيئا مؤقتا محدودا وكان قد تراضوا به في ترك القصاص الواجب *
409

برهان ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه في باب دية المكاتب فأغنى عن اعادته
بمقدار ما أدى دية حر وبمقدار ما لم يؤد دية عبد فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعطى
من قتل عبده دية وهو مختلف المقدار غير مؤقت فإذ ذلك كذلك فنحن على يقين من أن
الذي جرحته الربيع قد أخذ ما لا بد لاقتصاصه من الجرح ولم يأت قط ان الذي أخذ كان
عددا مؤقتا محدودا في ذلك الجرح فإذ لم يأت ذلك فنحن على يقين وثلج (1) من الله
تعالى انه لو كان في تلك الجراحة دية مؤقتة لا تزيد ولا تنقص وكان ذلك الحكم في جراحة
ما دون جراحة أخرى لما طمس الله تعالى عنا ذلك ولا عفى (2) أثره حتى لا ينقله أحد
حاش لله من هذا، وقد تكفل بأنه حافظ لذكر الذي أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام
وهو الوحي الذي لا ينطق صلى الله عليه وسلم في الشريعة إلا منه، فصح أن تلك الدية التي أخذ الذي
جرحت الربيع كان فداء عن القصاص فقط وبهذا نقول فوضح انه ليس في هذين
الخبرين إلا أن القود جائز في كل جراحة وفى كسر السن وان المفاداة في كل ذلك جائزة بما
تراضيا به على المجني عليه أو وليه والجاني لان القول في الدية المذكورة هو ما ذكرنا *
وأما حديث حميد في كسر السن فإنما فيه انهم رضوا بأرش أخذوه فقط وبالله تعالى
التوفيق * نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا سليمان بن الأشعث نا محمد
ابن داود بن سفيان نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلاحه رجل في صدقته فضربه
أبو جهم فشجه فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا
وكذا فلم يرضوا فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا وكذا فلم
يرضوا فقال لكم كذا وكدا فرضوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انى خاطب العشية على الناس
فمخبرهم برضاكم قالوا: نعم فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان هؤلاء الليثيين اتوني
يريدون القود ففرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أرضيتم؟ قالوا: لافهم المهاجرون
بهم فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم فكفوا عنهم فدعاهم فزادهم فقال أرضيتم؟
قالوا: نعم قال إني خاطب على المنبر فمخبرهم برضاكم قالوا: نعم فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال
أرضيتم فقالوا نعم " *
قال أبو محمد: فليس في هذا الحديث إلا ما جاء في حديث أنس الذي رواه ثابت وهو
المفاداة في الشجة التي وجب فيها القود ولا مزيد، وفى هذا الخبر عذر الجاهل وانه لا يخرج
من الاسلام بما لو فعله العالم الذي قامت عليه الحجة لكان كافر الان هؤلاء الليثيين

(1) يقال ثلجت نفسه اطمأنت وبابه دخل وطرب
(2) هو بالتشديد والتخفيف
410

كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه كفر مجرد بلا خلاف لكنهم بجهلهم واعرابيتهم عذروا
بالجهالة فلم يكفروا * ثنا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن سليمان
المنقري نا سليمان بن داود نا يزيد بن زريع نا سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن
عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في الأصابع عشر عشر " *
قال أبو محمد: هذا حديث صحيح لا داخلة فيه المنقري ثقة، وسليمان بن داود
هو الهاشمي أحد الأئمة من نظراء أحمد بن حنبل ويزيد بن زريع لا يسأل عنه وسماعه
من سعيد صحيح لأنه سمع من أيوب، وقد روينا من طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية
نا وكيع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذه
وهذه سواء " وجمع بين ابهامه وخنصره * ومن طريق أبى داود نا عباس بن عبد العظيم
العنبري نا عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري نا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن
عباس: " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأصابع سواء والأسنان سواء الثنية والضرس
سواء هذه وهذه سواء) *
قال أبو محمد: ما نعلم في الديات في الأعضاء أثرا يصح في توقيتها وبيانها إلا
هذا وسائر ذلك إنما يرجع فيه إلى الاجماع (1) والاستدلال منه ومن النص على ما نبين
إن شاء الله تعالى * نا أحمد بن محمد الطلمنكي نا محمد بن أحمد بن مفرج نا إبراهيم بن أحمد
ابن فراس نا محمد بن علي بن زيد نا سعيد بن منصور نا هشيم انا ابن أبي ليلى - هو محمد
ابن عبد الرحمن - عن عكرمة بن خالد المخزومي قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانف إذا
استؤصل بالدية وفى اللسان الدية وفى الذكر الدية وفى العين خمسين وفى الرجل خمسين
وفى الموضحة بخمس من الإبل وفى المنقلة بخمس عشرة وفى الجائفة ثلث دية النفس وفى
المأمومة ثلث دية النفس وفى الأسنان خمسا خمسا وفيما هنالك من الأصابع عشرا عشرا *
نا أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن اصبغ نا أحمد بن زهير ومحمد
ابن سليمان المنقري قالا جميعا: نا الحكم بن موسى نا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزري
عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن (2) والديات وبعث به مع
عمرو بن حزم فقرئت باليمن وهذه نسختها، وكان في كتابه من اعتبط مؤمنا قتلا
عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وفى النفس الدية مائة من الإبل، وفى
الانف إذا أوعب جدعا الدية وفى اللسان الدية وفى الشفتين الدية وفى البيضتين الدية

(1) في النسخة رقم 14 إنما يراجع فيه الاجماع
(2) في النسخة رقم 14 فيه القصاص والسنن
411

وفى الذكر الدية وفى الصلب الدية وفى العينين الدية وفى الرجل والواحدة نصف الدية
وفى المأمومة ثلث الدية وفى المنقلة خمسة عشر من الإبل وفى الجائفة ثلث الدية وفى كل
أصبع من الأصابع من اليد والرجل عشرة من الإبل وفى السن خمس من الإبل وان
الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار الدية " * وفى حديث أحمد بن شعيب أنا
عمرو بن منصور نا الحكم بن موسى - هو ابن صالح - ثقة نا يحيى بن حمزة عن سليمان
ابن داود حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث
به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن وهذه نسختها: " من محمد النبي إلى
شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر
وهمدان أما بعد " ثم ذكر نص الحديث حرفا حرفا لا زيادة فيه ولا نقص ولا تقديم
ولا تأخير إلا أنه قال في الرجل الواحد، وقال: قتلا عن بينة، وفى هذه الأحاديث
زيادة في الرواية وطول *
قال أبو محمد: فيجمع هذا كله كتاب ابن حزم ومرسل عكرمة وحديث عمرو
ابن شعيب وحديث زيد بن ثابت وحديث رجل من آل عمر، وحديث ابن طاوس
عن أبيه، فاما حديث مسروق بن أوس عن أبي موسى، وحديث أبي ثميلة عن
يسار المعلم عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس فلا حاجة بنا إليهما لأنه ليس
فيهما إلا ما في حديث يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن
عباس، والمعتمد عليه رواية شعبة. وسعيد لصحتهما فقط وبالله تعالى التوفيق *
أما حديث شعبة نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن
وضاح ناموسي بن معاوية نا وكيع نا شعبة عن غالب التمار عن مسروق بن أوس بن
مسروق عن أبي موسى قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الأصابع سواء " *
قال أبو محمد: لم يسمعه غالب من مسروق * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
نا أحمد بن شعيب انا عمرو بن علي نا محمد بن جعفر غندر نا سعيد بن أبي عروبة عن غالب التمار
عن حميد بن هلال عن مسروق عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأصابع سواء عشر " *
وأما حديث ابن حزم. وزيد بن ثابت ورجل من آل عمر وابن طاوس عن أبيه.
وخبر مكحول ومرسل عكرمة فإنه لا يصح منها شئ * أما حديث ابن حزم فإنه
صحيفة ولا خير في اسناده لأنه لم يسنده إلا سليمان بن داود الجزري وسليمان بن
قرم وهما لا شئ، وقد سئل يحيى بن معين عن سليمان الجزر ى الذي يحدث عن
412

الزهري روى عنه يحيى بن حمزة فقال: ليس بشئ، وأما سليمان بن قرم فساقط
بالجملة، وكذلك من طريق مالك بن عبد الله بن أبي بكر، ولا حجة في مرسل فسقط
ذلك الكتاب جملة *
قال أبو محمد: فظهر وهي هذه الأخبار كلها، وأما ما جاء في ذلك عن الصحابة
رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم * روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد
ابن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى
فيما أقبل من الأسنان بخمسة أبعرة، وفى الأضراس بعيرا بعيرا فلما كان معاوية وقعت
أضراسه فقال: أنا أعلم بالأضراس من عمر فجعلهن سواء * نا يوسف بن عبد الله
النمري نا أحمد بن محمد بن الجسور نا قاسم بن أصبغ نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير
نا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى لعمر بن الخطاب عن عمر
انه قضى في الضرس بجمل * وبه إلى مالك عن يحيى بن سعيد انه سمع سعيد بن المسيب
يقول: قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير بعير، وقضى معاوية بن أبي سفيان
في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة، قال سعيد: فالدية تنقص في قضاء عمر
وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية
سواء، وقد جاء عن عمر غير هذا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن جابر عن الشعبي عن شرح أن عمر كتب إليه (1) ان الأسنان سواء * ومن
طريق عبد الرزاق أيضا عن معمر عن ابن شبرمة ان عمر بن الخطاب جعل في كل
ضرس خمسا من الإبل * ومن طريق وكيع نا سفيان عن أبي إسحاق السبيعي عن
عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال في السن خمس من الإبل * وعن وكيع نا
مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الأسنان
سواء اعتبروها بالأصابع عقلها سواء * ومن طريق عبد الرزاق عن مالك عن داود
ابن الحصين عن أبي غطفان ان مروان أرسله إلى ابن عباس يسأله ماذا جعل في الضرس؟
قال: فيه خمس من الإبل قال فردني إلى ابن عباس قال: أتجعل مقدم الفم
كالأضراس (2) قال: لو لم نعتبر ذلك الا بالأصابع عقلها سواء *
قال أبو محمد: ادعى قوم ان معنى قول ابن عباس اعتبروها بالأصابع إنما هو
قيسوها بالأصابع وهذا باطل لأننا قد ذكرنا قبل هذه بنحو ورقتين في الآثار الرواية
الثابتة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الأصابع سواء وان الأضراس سواء وان

(1) في النسخة رقم 14 عن شريح انه كتب إليه
(2) في النسخة رقم 14 مثل الأضراس
413

الثنايا سواء، وقد ذكرنا آنفا اختلاف الصحابة في التفضيل بين الأسنان، وسنذكر في باب
الأصابع اختلافهم في الأصابع فمن الباطل البحت أن يأمر ابن عباس بقياس الأضراس
على الأصابع والنص قد جاء فيهما معا مجيئا واحدا والخلاف فيهما معا موجود وإنما معنى قول
ابن عباس اعتبروها بالأصابع إنما هو انه كانوا يخالفونه فيرون المفاضلة بين الأسنان
والأضراس لتفاضل منافعهما لا يرون ذلك في الأصابع وان كانت مختلفة المنافع
فكان يبكتهم ابن عباس بذلك ويريهم تناقضهم في تعليلهم ويبطل تعليلهم بذلك ويأمرهم
بأن يتفكروا فيها بقولهم في الأصابع لان العبرة في كلام العرب إنما هو التفكر والتعجب
والتدبر فقط * وأما التابعون فحدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم
ابن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا هشام بن عروة عن أبيه انه
كان يسوى بين الأسنان في الدية ويقول إن كان للثنية جمال فان للضرس منفعة * وبه
إلى وكيع نا شعبة عن سلمة بن كهيل عن شريح قال: الأسنان سواء * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. وقتادة قالا جميعا: في كل سن خمس من الإبل
الأضراس والأسنان سواء * وبه إلى عبد الرزاق [عن محمد بن راشد] (1) قال سمعت
مكحولا يقول. الأصابع سواء والأسنان سواء، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج
عن سليمان بن موسى قال في كتاب لعمر بن عبد العزيز: في الأسنان خمس خمس
من الإبل *
قال أبو محمد: وبهذا يقول أبو حنيفة. ومالك والشافعي واحمد.
وأبو سليمان وأصحابهم وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه، وهنا قول آخر كما
روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن طاوس عن أبيه
" ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السن بخمس من الإبل " قال طاوس: وتفضل كل سن
على التي تليها بما يرى أهل الرأي والمشورة * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي
طاوس قال: قلت لأبي من أين يبدأ؟ قال الثنيتان خير من الأسنان. قال ابن
جريج: وأخبرني عمرو بن مسلم انه سمع طاوسا يقول: يفضل الناب في أعلى الفم
وأسفله على الأضراس قال: وفى الأضراس صغار الإبل *
قال أبو محمد رضي الله عنه: وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
قال: قلت لعطاء بن أبي رباح الأسنان قال عطاء في الثنيتين والرباعيتين [والنابين] (2)
خمس خمس وفيما بقي بعيران بعيران أعلى الفم وأسفله سواء كل ذلك سواء والأضراس

(1) الزيادة من النسخة 45
(2) الزيادة من النسخة 45
414

سواء قال ابن جريج: قلت لعطاء أسنان المرأة تصاب جميعا قال خمسون *
قال على: فهذه الأقوال كما أوردنا قول عن عمر. وعلى. ومعاوية. وابن عباس
رضي الله عنهم أن دية السن والضرس وسواء خمس خمس وهو قول عروة بن الزبير.
وشريح والزهري وقتادة ومكحول وعمر بن عبد العزيز، وقول آخر ان
الثنايا (1) والرباعيات والأنياب خمس خمس وفى سائر الأضراس وهي الطواحين
بعير بعير وهو الثابت عن عمر بن الخطاب * وقول آخر ان الطواحين مفضلة على
الثنايا والرباعيات وهو قول صح عن معاوية كما أوردنا، قول رابع وهو قول
سعيد بن المسيب. ومجاهد وعطاء ان في الأسنان خمسا خمسا وفى الأضراس بعيران
بعيران، وقول آخر وهو ان في الثنية خمسا من الإبل ثم تفضل على التي تليها وتفضل
التي تليها على التي تليها وهكذا إلى آخر الفم وهو قول طاوس (2) *
قال على: فلم يحصل من هذه المسألة الا على اخبار مرسلة لا تصح ولو صحت
لكان الحاضرون من خصومنا مخالفين لها كما ذكرنا، ومن الباطل احتجاج المرء بخبر
لا يراه على نفسه حجة وهو عنده حجة لا حجة على من لا يراه حجة في شئ أصلا *
قال أبو محمد: لكنا نقول قول من يدرى ويوقن أن قوله وكتابه معروضان
عليه [في] (3) يوم القيامة وهو مسؤول عنهما ان الخطا في السكوت بالجهل أسلم من الخطأ
في الحكم في الدين بالجهل بل السكوت لمن لم يعلم فرض عليه واجب والقول بما لا يعلم
حرام على الناس فنقول وبالله تعالى التوفيق: وانه ان لم يصح في ايجاب الدية في الخطا
في السن اجماع متيقن فلا يجب في ذلك شئ أصلا لما قد ذكرناه من قول الله تعالى:
(وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ولقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلا يحل لاحد ايجاب غرامة على
أحد الا أن يوجبها نص صحيح أو اجماع متيقن فاما النص الصحيح فقد أمنا وجوده بيقين
ههنا فكل ما روى في ذلك منذ أربعمائة عام ونيف وأربعين عاما من شرق الأرض
إلى غربها قد جمعناه في الكتاب الكبير المعروف بكتاب الايصال ولله الحمد، وهو الذي
أوردنا منه ما شاء الله تعالى فان وجد شئ غير ذلك فما لا خير فيه أصلا لكن مما لعله (4)
موضوع محدث * واما الاجماع فلسنا نعرفه وقد قالت الملائكة لاعلم لنا الا
ما علمتنا، ولو صح عندنا في ذلك اجماع لبادرنا إلى الطاعة له وما ترددنا في ذلك

(1) في النسخة 45 وقال آخرون في الثنايا
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
(3) الزيادة من النسخة رقم 45
(4) في النسخة رقم 14 لكن بالعلة
415

طرفة عين فمن صح عنده في ذلك اجماع فليتق الله ولا يخالفه ومن لم يصح عنده اجماع
ولا نص ففرضه التوقف ولا يحل له ان يكذب فيدعى اجماعا *
قال أبو محمد: ثم نقول وبالله تعالى التوفيق انه لو صح في ذلك اجماع بان
فيه خمسا فوجه العمل في ذلك أنه لو صح الاجماع المتيقن على أن في الثنية خمسا
من الإبل فواجب كان (1) أن يكون في كل سن وكل ضرس خمس خمس لأنه قد صح
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الأسنان سواء الثنية والضرس سوء " وهذا العموم
لا يحل لاحد خلافه ولا تخصيصه فواجب حمله على ظاهره وانه في القصاص الذي أمر
الله تعالى به في القرآن وأمر هو به عليه الصلاة والسلام بلا شك، وأما في العمد
فجائز تراضى الكاسر والمكسور سنه. والقالع والمقلوع سنه على الفداء في ذلك على
ما صح وثبت في حديث الربيع وبالله تعالى التوفيق *
الضرس تسود وترجف
قال على: روينا من طريق عبد الرزاق عن الحجاج بن أرطأة عن مكحول عن
زيد بن ثابت قال في السن يستأنا بها سنة فان اسودت ففيها العقل كاملا والا فما اسود
منها فبالحساب * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم ان على
ابن أبي طالب قال في السن تصاب فيخشون أن تسود ينتظر بها سنة فان اسودت
ففيها قدرها وافيا وان لم تسود فليس فيها شئ، قال عبد الكريم: ويقولون: فان
اسودت بعد سنة فليس فيها شئ * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
عبد العزيز أن في كتاب لعمر بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب في السن خمس من
الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق فان اسودت فقد تم عقلها فان كسر منها إذ لم
تسود فبحساب ذلك، وعن سعيد بن المسيب إذا اسودت السن فقد تم عقلها فان
طرحت بعد ذلك ففيها العقل أيضا كاملا قال ابن وهب: وأخبرني يونس عن
ربيعة بمثله (2) قال ابن وهب: وسمعت حنظلة بن أبي سفيان يقول: سمعت
القاسم بن محمد يسأل عن سن كانت ترجف ولم تسود؟ قال: ففيها العقل كاملا * وعن
عمر بن عبد العزيز انه كتب إلى الأجناد ان السن إذا اسودت فقد تم عقلها وما كسر
منها بعد ذلك فبحساب ذلك، وعن ابن وهب أنه قال: أخبرني عمر بن قيس عن
عطاء بن أبي رباح انه سأله رجل عن رجل كسر سن رجل فاقيد منه فأخذ سنه

(1) في النسخة رقم 45 فكان واجب
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
416

فردها فثبت فخاصمه الآخر فقال: ليس له شئ * وعن شريح أنه قال: في السن إذا كسرت
يؤجل صاحبها سنة فان اسودت فديتها كاملة، وان لم تسود فبقدر ما نقص منها، وعن
عطاء قال: ان سقطت سن أو اسودت أو رجفت قومت قال ابن جريج: وقال لي ابن شهاب:
في السن إذا اسودت فقد تم عقلها وقال عبد العزيز بن أبي سلمة والليث إذا ضربت السن
فاسودت ففيها عقلها كاملا فان طرحت بعد ذلك ففيها العقل كاملا مرة أخرى، وقال مالك:
إذا اسودت السن فقد تم عقلها فان طرحت مرة أخرى فعقلها أيضا تام (1) وههنا
قول آخر عن ابن عباس ان عمر بن الخطاب قال في السن [السوداء] (2) إذا سقطت ثلث ديتها *
قال أبو محمد: وهذا هو الثابت عن عمر بن الخطاب لاتصال سنده، وجودة
روايته واتصاله، حدثنا يونس بن عبد الله نا حمد بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن
عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا هشام الدستوائي نا قتادة عن
عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب وبه يقول أحمد بن حنبل
وإسحاق بن راهويه، وعن سعيد بن المسيب أنه قال: في السن السوداء ثلث الدية، وعن
مجاهد أنه قال: إذا اسودت السن أو رجفت ثم طرحت فنصف قدرها، وإن كان فيها
قدرها أول مرة وذكر ابن أبي نجيح عن مجاهد في السن السوداء ربع ديتها، وعن يزيد بن
عبد الله بن قسيط أنه قال في السن السوداء إذا كسرت خمس ديتها وفى كل عضو *
قال أبو محمد: ففي اسودادها - كما ترى - أقوال اختلف فيها، أما التوقيت
بثلث الدية ونصفها وربعها فقول لا يعضده قرآن ولا سنة والا إجماع وما كان هكذا فلا
يجوز القول به فإذا كان سواد السن واخضرارها واحمرارها واصفرارها وصدعها
وكسرها إذا كان كل ذلك خطأ لا قرآن جاء فيه بايجاب غرامة ولا سنة صحيحة ولا سقيمة
ولا إجماع على شئ من ذلك أصلا لم يجز أن يوجب في ذلك شئ أصلا لان الخطأ
مرفوع بنص القرآن والأموال محرمة بالقرآن وبالسنة فلا يجوز البتة إيجاب غرامة في
ذلك لأنه إيجاب شرع والشرع لا يجب إلا بنص أو اجماع، وهذا مما لا يشك فيه ولا يتردد،
والحمد لله رب العالمين * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن مكحول قال: قال
زيد بن ثابت في السن الزائدة ثلث ديتها، وعن الحسن البصري قال: فيها حكم، وبهذا
يقول الثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم، وأما سن الصغير فروينا من
طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن الوليد بن أبي مالك (3)

(1) في النسخة رقم 14 " تاما "
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
(3) في النسخة رقم 14 الوليد بن مالك وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب
417

عن أخيه أن عمر بن الخطاب قضى في سن صبي كسرت قبل أن يثغر (1) ببعير، وروينا من
طريق عبد الرزاق عن أبي حنيفة قال: قال زيد بن ثابت في سن الصبي الذي لم يثغر عشرة دنانير *
قال أبو محمد: وهي قيمة البعير عندهم في الدية. قال عبد الرزاق قال معمر وهو
قول بعض علماء الكوفة * وعن الحسن قال في سن الصبي إذا لم يثغر قال: ينظر فيه ذوا عدل
فان نبتت جعل له شئ وان لم تنبت كان كسن الرجل * وعن سليمان بن يسار انه استفتى
في غلام لم يثغر أصيبت سنه هل فيها من عقل؟ قال: لا، وقال أبو حنيفة فيها حكومة، وقال
مالك. والشافعي: ان نبتت فلا شئ فيها، وقال مالك ان نبتت ناقصة أعطى بقدر نقصها عن التي
تليها فإن لم تنبت ففيها خمس فرائض، وهذا مما خالف فيه أبو حنيفة. ومالك. والشافعي عمر بن
الخطاب. وزيد بن ثابت رضي الله عنهما فيما روى عنهما في هذا الباب، ولا يعرف
لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم *
قال أبو محمد: فإذ قد صح الخلاف في ذلك فلا يجوز أن يكلف أحد غرامة إلا
بنص أو اجماع، ولا نص ولا إجماع في إيجاب شئ في سن الصبي فلا يجوز أن يجب في الخطأ
في ذلك شئ أصلا وبالله تعالى التوفيق *
(العين)
قال أبو محمد: قد ذكرنا ان دية العين والعينين لم يأت إلا في صحيفة عمرو بن حزم. وخبر
رجل من آل عمر وخبر مكحول. وطاوس وكلها لا يصح منها شئ لما ذكرنا ونذكر إن شاء الله
تعالى ما يسر الله عز وجل لذكره مما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وعن التابعين
رحمة الله عليهم * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان
الثوري ومعمر كلاهما عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال
في العين النصف * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
عن عمر بن الخطاب قال: في العين نصف الدية أو عدل ذلك من الذهب أو الورق وفى عين
المرأة نصف ديتها أو عدل ذلك من الذهب أو الورق، وأما عين الأعور ففي ذلك ما حدثناه
عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا احتجاج بن المنهال
نا حماد بن سلمة عن قتادة عن أبي مجلز قال: ان رجلا سأل ابن عمر عن أعور فقئت عينه
خطأ فقال عبد الله بن صفوان: قضى فيها عمر بالدية كاملة فقال الرجل انى لست إياك
اسأل إنما اسأل ابن عمر فقال ابن عمر يحدثك عن عمر وتسألني * وبه إلى حماد بن سلمة

(1) إذا سقطت رواضع الصبي قيل ثغر وهو مثغور فإذا نبتت قيل اثغر
418

انا قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض أنه قال في رجل أعور فقأ عين صحيح العينين عمدا
فقال قضى فيها الأمير بالدية كاملة - يعنى عثمان - لان لا يقتص من الأعور * حدثنا
عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب
عن ابن سمعان عن ابن عباس قال: دية عين الأعور ألف دينار، وأخبرني مالك عن ابن
شهاب انه كان يقول في عين الأعور الدية كاملة، قال مالك: بلغني عن سليمان بن يسار
انه كان يقول ذلك قال ابن وهب: وأخبرني يونس ومالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن
مثل قال ابن وهب: وأخبرني عمر بن قيس. ويزيد بن عياض. وابن لهيعة قال عمر بن
قيس عن عطاء عن علي بن أبي طالب، وقال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد
ابن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير، وقال يزيد بن عياض عن عبد الملك بن عبيد
عن سعيد بن المسيب قالوا كلهم: مثل ذلك، وقال ابن وهب أخبرني الليث بن سعد
عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: السنة ورأي الصالحين ان الأعور إذا فقئت
عينه ثمن عين الأعور ألف دينار، وانه إذا فقأ الأعور عين صحيح العينين غرم له ألف دينار *
وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في عين الأعور ألف دينار قال معمر:
وقال قتادة والزهري معا: إذا فقأ الأعور عين صحيح العينين عمدا أغرم ألف دينار،
وإذا فقأها خطأ أغرم خمسمائة دينار، وقال الزهري في رجل في احدى عينيه بياض
فأصيبت عينه الصحيحة قال: نرى أن يزاد في عقل عينيه ما نقص من الأخرى التي لم تصب *
وبه يأخذ الحسن البصري. ومالك. والليث. وأحمد بن حنبل. وإسحاق بن راهويه،
وقال آخرون: فيها نصف الدية كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
عبد العزيز عن الحكم بن عتيبة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال في عين الأعور خمسون *
وعن مسروق أنه قال: في عين الأعور نصاب أنا أدى قتيل الله فيها نصف الدية، وبه
يقول الشعبي * وعن عبد الله بن مغفل انه سئل عن الرجل يفقأ عين (1) الأعور قال:
ما أنا فقأت عينه الأخرى فيها نصف الدية * وعن عطاء بن أبي رباح قال في عين الأعور
نصف الدية * [وعن إبراهيم النخعي أنه قال في عين العور تفقأ عينه خطأ قال:
نصف الدية] (2) *
قال أبو محمد: قولنا في العين هو قولنا في السن سواء سواء، وانه إنما جاءت في
دية العين بالخطأ آثار وقد تقصيناها ولله الحمد ليس منها شئ يصح *
وأما قول الصحابة رضي الله عنهم في ذلك فإنما جاء ذلك عن عمر وعلى وعثمان وابن

(1) في النسخة رقم 14 " فقأ عين "
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
419

عمر. وابن عباس وبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقط، وعن نفر من التابعين نحو العشرة، ومثل
هذا لا يجوز أن يقطع به على جميع الأمة إلا غافل أو مستسهل للكذب والقطع مما لاعلم له
به فان صح اجماع متيقن في دية العين فنحن قائلون به، والا فقد حصلنا على السلامة
فالاجماع المتيقن في هذا بعيد ممتنع أن يوجد في مثل هذا لان الاجماع حجة من حجج
الله تعالى المتيقنة الظاهرة التي قد قطع الله تعالى به العذر وأبان بها الحجة وحسم فيها
العلة، ومثل هذا لا يستتر على أهل البحث والحقائق لا تؤخذ بالدعاوي فإذ لا اجماع
في ذلك فلا يجب في الخطا شئ لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن
ما تعمدت قلوبكم) *
قال أبو محمد: فاما قول مالك في أن في عين الأعور الدية فإنه وان تعلق بما جاء
وصح عن بعض الصحابة فإنه قد تناقض في القياس، والعجب أن قولا ينسبه بعض أصحابه
إليه من أنه يرى أن القياس أقوى من خبر الواحد ثم ههنا قد ترك القياس الذي لو صح
قياس في العالم (1) لكان هذا هو ذلك الذي يصح وهو انه فرق بين سمع امرئ
لا يسمع إلا باذن واحدة ويد انسان اقطع ورجل اقطع فلم ير في كل ذلك إلا نصف
الدية ورأي في عين الأعور الدية كاملة وليس لهم ان يدعوا في هذا اجماعا لان في هذا
اختلافا سنذكره إن شاء الله تعالى في باب يد الأقطع وسمع ذي الاذن الواحدة وبالله
تعالى نتأيد، فان قالوا: إنما قلنا ذلك لان عين الأعور هي بصره كله فالواجب في ذلك
ما يجب في البصر كله قلنا لهم: هذا يبطل عليكم من وجهين أحدهما انه إن كان كما تقولون
فيجب عليكم ان تقيدوه من عيني الصحيح معا لأنه بصر ببصر لا على قولكم وأنتم لا تقولون
ذلك (2) والثاني انه يقال لكم وسمع ذي الاذن الواحدة الصماء هو سمعه كله وهو له أنفع وأقوى
وأقرب من تمام السمع من عين الأعور فان الأعور لا يرى إلا من جهة واحدة فقط
فنما هو نصف بصره وكذلك يد الأقطع هي محل تصرفه ورجل الأقطع أيضا فاجعلوا
في كل ذلك دية وأنتم لا تفعلون ذلك، ووجه ثالث وهو انه لا يجب على أصلكم هذا أن
تقيدوا ذا عينين فقأ إحداهما أعور فأنتم تقيدون من الأعور ولا اجماع في هذا فقد أقدتم
بصرا كاملا بنصف بصر، وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن عثمان بن سعيد عن قتادة
عن أبي عياض ان عثمان بن عفان قضى في رجل أعور فقأ عين صحيح قال: لا قود عليه
وعليه دية عينه، وقال سعيد بن المسيب: لا يقاد من الأعور وعليه دية كاملة وإن كان
عمدا، وعن عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: الأعور يصيب عين انسان عمدا

(1) في نسخة في الأرض
(2) في النسخة رقم 14 لا تقولون بهذا
420

أيقاد منه؟ قال: ما أرى أن يقاد منه أرى له الدية وافية * وعن عبد الرزاق نا ابن جريج
عن محمد بن أبي عياض أن عمر. وعثمان اجتمعا على أن الأعور إذا فقأ عين آخر
فعليه مثل دية عينيه، وقال علي بن أبي طالب: أقام الله تعالى القصاص في كتابه العين بالعين
وقد علم هذا فعليه القصاص فان الله تعالى لم يكن لينسى شيئا *
قال أبو محمد: وأما الحنيفيون والشافعيون فإنهم يعظمون خلاف الصاحب
الذي يعرف له مخالف وهم قد خالفوا ههنا عمرو ابن عمر وعليا وابن عباس رضي الله عنهم
ولا يعرف لهم في هذا من الصحابة رضي الله عنهم مخالف الا رواية ضعيفة قد ذكرناها
عمن لم يسم فكل طائفة تنقض أصلها وتهدم ما تبنى وما ينبغي أن يرضى لنفسه بهذا ذو
ورع ونحمد الله تعالى على عظيم نعمه *
(وأما العين العوراء) قال على: نذكر الآن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية وقال بهذا طائفة من السلف
الطيب كما حدثنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام
الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا هشام هو الدستوائي نا قتادة عن عبد الله بن
بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قضى في العين العوراء إذا فضخت
واليد الشلاء إذا قطعت. والسن السوداء إذا سقطت ثلث ديتها * وعن ابن عباس في
العين العوراء إذا خسفت ثلث الدية، وقول آخر (1) روينا من طريق وكيع نا سفيان
الثوري عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري عن بكير بن عبد اللهب الأشج عن سليمان بن
يسار قال: قضى زي بن ثابت في العين القائمة إذا بخصت (2) بمائة دينار * وعن سعيد بن
المسيب يقول في العين القائمة تبخص عشر الدية وقال به غيره كما روينا من طريق الحجاج
ابن المنهال نا حماد بن سلمة نا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه قال في العين
القائمة إذا بخصت خمس ديتها وبه يقول الليث بن سعد وغيره وقول آخر كما روينا من
طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر قالا جميعا: نا ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال في العين القائمة التي لاتبصر ان ثقبت أو بخصت ففيها نصف قدر العين خمس
وعشرون بعيرا من الإبل وإن كان قد أخذ نذرها أول مرة * وقول آخر كما روينا
من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج نا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال في كتاب
عمر بن عبد العزيز: إن كان لطمت العين فدمعت دموعا لا ترقأ فلها ثلثا دية العين
وان كانت دمعة لا تجف دمعها وهي دون الدمعة الأولى فنصف دية العين وان
كانت دمعة من العين تسحل أحيانا وأحيانا يذهب فيها بصره ففيها خمسمائة دينار *

(1) في النسخة رقم 14 وقال آخرون
(2) بخص عينيه قلعها مع شحمتها وبابه قطع ولا نقل بخس
421

وعن إبراهيم النخعي قال في العين العوراء القائمة إذا أصيبت الدية فإذا كانت مفقوءة
قائمة فخسفت ففيها صلح * وعن إبراهيم النخعي من طريق جابر الجعفي في العين
العوراء حكم وبه يقول أبو حنيفة. ومالك. والشافعي. وأصحابهم، وهو قول الزهري
رويناه من طريق ابن وهب *
قال أبو محمد: هذا من عجائب الدنيا ان الحنيفيين والمالكيين يدعون انهم يقولون
برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافق أهواءهم وهم ههنا قد خالفوا رواية
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعمر بن الخطاب. وابن عباس
في قول ثابت عنهما *
قال على: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ [نا ابن
وضاح] (1) نا موسى بن معاوية نا وكيع نا هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن
المسيب قال في العين العوراء إذا تشترت ثلث الدية * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمراء الأجناد أن يكتبوا إليه بعلم علمائهم قال:
مما اجتمع عليه فقهاؤهم في شتر العين ثلث الدية * وروينا من طريق الحجاج بن المنهال
نا حماد بن سلمه عن قتادة قال في التشتر في العين ربع الدية *
قال أبو محمد: لو وجد المالكيون والحنيفيون أقل من هذا لما ترددوا وأي
اجماع على أصولهم يكون أقوى من هذا الاجماع بهذا السند (2) الثابت إلى أمير
المؤمنين عمر بن عبد العزيز يكتب إلى أمراء الأجناد يسألهم عن اجماعهم وهو خليفة
لا يشذ عن طاعته مسلم في شئ من أقطار الأرض كلها أولها عن آخرها من آخر الأندلس
وطنجة إلى بلاد السودان إلى آخر السند وآخر خراسان وآخر أرمينية وآخر اليمن فما
بين ذلك يجمع له فقهاؤهم على أن في شتر العين ثلث الدية ولكن ما على المهولين بالاجماع
مؤنة في خلاف هذا الاجماع فلا يرون في ذلك إلا حكومة، ولكن لله در الامام
أبى عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه إذ يقول ما حدثنا به حمام نا عباس بن أصبغ
نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول فيما
يدعى فيه الاجماع هذا الكذب من ادعى الاجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا ولم ينه
إليه فيقول لا نعلم الناس اختلفوا هذا دعوى بشر المريسي والأصم ولكن نقول لا نعلم
الناس اختلفوا ولم يبلغني ذلك *
قال أبو محمد: هذا هو الدين والورع لا الجسر بلا علم كما كان يقول الشعبي رحمه الله

(1) الزيادة من النسخة رقم 45
(2) في النسخة رقم 45 بهذا الاسناد
422

إذا سئل عن مسألة ماذا قال فيها الحكم البائس أجسر جسار اسميتك الفسفاس ان لم تقطع *
قال على: إلا ما لا يختلف فيه مسلمان في أن من خالفه فليس مسلما فهذا اجماع
صحيح كالاجماع على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله. وكالصلوات الخمس وشهر
رمضان والحج وجملة الزكاة، وما كان هكذا وما تيقن بلا شك علم جميع الصحابة
وقولهم به وبالله تعالى التوفيق *
(شفر العين)
وأما شفر العين فقد روينا من طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن مكحول
عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت أنه قال في جفن العين ربع الدية، وعن
الحسن البصري في كل شفر ربع الدية * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع لعمر
ابن عبد العزيز في شفر العين الاعلى إذا نتف نصف دية العين وفى شفر العين الأسفل
إذا نتف ثلث دية العين، قال عبد العزيز بن عمر: وكتب أبى إلى أمراء الأجناد أن
يكتبوا إليه بعلم علمائهم قال: وما اجتمع عليه فقهاؤهم في حجاج العين (1) ثلث
الدية * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال في كل شفر ربع الدية قطع ولم
ينبت شعره * وبه إلى معمر عن بعض أصحابه عن الشعبي قال في كل شفر ربع دية
العوض * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على
ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا داود بن أبي هند قال قال
الشعبي في الجفن الاعلى ثلث دية العين وفى الجفن الأسفل ثلثا دية لأنها ترد الحدقة وما
قطع منها فيقدر ذلك، وعن الشعبي قال: كانوا لا يوقنون في الشعر شيئا، وقال أبو حنيفة.
وسفيان الثوري. والشافعي وأصحابهم في كل جفن من أجفان العين نصف دية العين،
قال الشافعي: فان نتفت الأهداب فلم تنبت ففيها حكومة، وقال مالك وأصحابه:
ليس في شفر العين وحجابها الا اجتهاد الامام *
قال أبو محمد: أما قول مالك فمخالف لأصول أصحابه لأنهم يعظمون على
خصومهم خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف إذا وافق تقليدهم وههنا خالفوا
قول زيد بن ثابت ولا يعرف له من الصحابة مخالف، ويحتجون بقول عمر بن
عبد العزيز إذا خالف قول خصومهم ووافقهم وههنا خالفوا حكمه وقوله واجماع
فقهاء الأمصار وأهل عصره له لأصح اسناد يمكن أن يكون ثم أوجبوا غرامة حكومة

(1) حجاج العين بفتح أوله ويكسر عظم ينبت عليه الحاجب
423

في ذلك ولا يعرف هذا القول عن أحد قبلهم *
قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون كلام الله تعالى. وكلام
رسوله صلى الله عليه وسلم والا فالأموال محرمة فلا يجب ههنا في الخطأ شئ لقول الله تعالى:
(وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ولقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " *
(فقأ عين انسان ثم مات الفاقئ)
قال على: حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح
نا سخنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال
في رجل فقأ عين رجل فقام ابن عم له فقتل الفاقئ غضبا لابن عمه قال: يقتل القاتل
بمن قتل ولا شئ للمفقوءة عينه وقد فاته القود قال ابن وهب: وبلغني عن ربيعة أنه
قال في أعمى فقأ عين صحيح أو عينيه جميعا قال ما فيه مأخذ لقود عليه الدية *
قال علي: هاتان فتيتان متناقضتان لأنه أوجب الدية في عين فقئت عمد الأجل امتناع
القود في إحدى المسألتين ولم يوجب في الأخرى دية لأجل امتناع من القود أيضا
هذا تناقض ظاهر لا يؤيده نص ولا قياس ولا خبر عن صاحب، والحق من هذا
ان القود واجب ما أمكن كما أمر الله تعالى إذ يقول: (والحرمات قصاص) فإذا
تعذر (1) القصاص بموت أو بعدم العضو أو بامتناع أو بفرار فإن كان في ذلك دية
مؤقتة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه واجبة لمن أراده مكان قصاصه الفائت لان
النص أوجبها له وان لم تكن هناك دية مؤقتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة فلا شئ له لان
الأحكام لا يوجبها الا الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو اجماع متيقن فإذ ذلك
كذلك كما ذكرنا فاحدى فتيا ربيعة صواب والأخرى خطا فاما الصواب ففتياه في
الذي فقأ عين آخر فوثب ابن عم المفقوءة عينه فقتل الفاقئ ان على القاتل القود
[ولا شئ للمفقوءة عينه لأنه قد فاته القود ولم يكن له غير القود] (1) وأما الخطا
فقوله في أعمى فقأ عين صحيح أو عينيه انه لا قود عليه وإنما عليه الدية وذلك أنه
أوجب دية لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا قياس ولا نص صحيح ومنع
القود الذي أوجبه الله تعالى في نص القرآن وبالله تعالى التوفيق *
2026 مسألة: جنى على عين ثم فقئت قال على: نا عبد الله بن ربيع

(1) في النسخة رقم 14 فان تعذر
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
424

نا محمد بن عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال
نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة أن مسروقا وشريحا والشعبي وإبراهيم النخعي
قالوا في رجل فقئت عينه، وقد كان ذهب منها شئ انه يلقى عنه بقدر ما ذهب منها *
قال على: هذا ليس فيه قرآن ولا سنة ولا اجماع، وهذه رواية ساقطة لأنها عن
الحجاج بن أرطأة، ولو صحت فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد
قلنا: إن الأموال محرمة إلا بنص أو اجماع فإن كان كل ما ذكرنا خطأ فلا شئ فيه، وإن كان
عمدا فالقود ما أمكن وان أمكن ذهاب شئ من قوة البصر كما ذهب هو أنفذ ذلك
بدءوا أو بما أمكن وان لم يمكن ذلك فقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)
فالواجب في ذلك الأدب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده
ان استطاع " ولقول الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فإذا عجزنا عن المثل الأخص
لزمنا أن نأتى بأقصى ما نقدر عليه من التماثل الآية المذكورة والأدب والسجن سيئة
فيهما جزاء سيئة أخرى عجزنا عن مثلها من نوعها الأدنى، وبالله تعالى التوفيق *
2027 مسالة شج انسانا فذهب بصره فقال كان أعمى. قال على: روينا
من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا زيد بن الحباب عن سفيان الثوري عن خالد النيلي (1) عن الحكم بن عتيبة. وحماد بن أبي سليمان انهما قالا في رجل شج رجلا فذهبت عينه.
من غير تلك الشجة فقال الحكم: ان شهدوا انها ذهبت من الضربة فهو جائز، وقال حماد:
ان شهدوا أنه ضربه يوم ضربه وهي صحيحة فهو جائز *
قال على: وإن كان صحيحا فقد يمكن أن تذهب عينه من غير تلك الشجة فلابد
من الشهادة في ذلك كما قال الحكم انها ذهبت من تلك الشجة فان شهد الشهود بذلك وكان
عمدا فالقود في ذلك من كلا الامرين ومن العين فلابد من اذهاب عينه ومن شجه
كما شج *
قال على: برهان ذلك قول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) وهذا اعتداء منه بفعلين شجه واذهاب عين فلابد من القودين كليهما،
فان احتجوا بما رويناه من طريق أبى بكر بن أبي شية نا إسماعيل بن علية عن أيوب
السختياني عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فلم
النبي صلى الله عليه وسلم يستقيد فقيل له حتى تبرأ فأبى وعجل فاستقاد فعنتت رجله وبرئت رجل
المستقاد منه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ليس لك شئ قد أبيت، قلنا: هذا الخبر هو حجتنا

(1) هو خالد بن دينار النيلي بكسر النون بعدها تحتانية نسبة إلى النيل بلد بين واسط والكوفة
425

وعمدتنا وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره بالتأخير حتى يبرأ فيقاد له بما تبلغه تلك
الحال التي يبرأ عليها فأبى فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه فلما عنتت رجله - والعنت البرؤ على
عوج - (1) لم يمكن أن يستقيد من العوج أصلا فلا شئ له، ولولا وجوب القود من كل
ما يمكن لما كان لتأخيره معنى وبالله تعالى التوفيق *
2028 مسألة قول المتأخرين في جناية على عضو بطل منه عضو آخر *
قال على: قال أبو حنيفة: إذا شج آخر موضحة فذهبت عيناه أو قطعت أصبعه
فشلت أصبع له أخرى أو قطعت إحدى يديه فشلت الأخرى أيتهما كانت أو قطعت
أصبعه فشلت يده أو قطع بعض أصبعه فبطلت الإصبع كلها أو شجه موضحة فصارت
منقلة فلا قصاص في شئ من ذلك وعليه الأرش، وقال أبو يوسف. ومحمد بن الحسن
صاحباه: مثل هذا في العضو الواحد كالموضحة تصير منقلة أو قطع أنملة فشلت أصبعه قالا:
وأما إذا شج موضحة فبطلت عينه أو قطع أصبعه فبطلت أصبع أخرى أو يد أخرى فعليه
القصاص في الأولى وعليه الأرش في الأخرى، وقد روى عن أبي يوسف. ومحمد.
وأبي حنيفة أيضا انه ان قطع له أنملة فسقطت من المفصل أصبعه أو يده كلها من المفصل
أو كسر بعض سنه فسقطت السن كلها كان القصاص في السن كلها في جميع اليد وفى جميع
الأصابع وانه ان قطع أصبعه فسقطت الكتف من نصف الساعد وبرئ فلا قصاص له
كأنه ابتدأ قطعها من نصف الساعد، وفرقوا بين الشلل والسقوط، وقال عثمان البتي:
إذا فقأ عينه عمدا فذهبت العين الأخرى [اقتص منه] و (2) فقئت عينا الفاقى جميعا، وقال
مالك: إذا قطع أصبعه فشلت يده فعليه لا قصاص من الإصبع وهل الأرش في اليد،
ويجتمع في قوله العقل والقصاص جميعا في عضو واحد، وقال الشافعي: ان قطع
احدى انثيية فذهبت الأخرى اقتص منه في التي قطع وعليه الدية في الأخرى *
قال أبو محمد: الحكم في هذا كله ما تيقن انه تولد من جناية العمد فبالضرورة
ندري انه كله جناية عمد وعدوان فالواجب في ذلك القود أو المفاداة سواء في ذلك النفس
وما دونها، والعجب كله انهم كلهم أصحاب قياس بزعمهم وهم لا يختلفون في أن من قطع
أصبع آخر فمات منها فان عليه القود في النفس ثم يمنع من منع منهم فيمن قطع إصبع
آخر فذهبت كفه منها ان يقاد منه في الكف فهل في التناقض أفحش من هذا؟ وأما
إذا أمكن أن تتولد الجناية الأخرى من غير الأولى فلا شئ فيها لا قود ولاغيره
مثل أن يقطع له يدا فتشل له الأخرى فهذا ان لم يتيقن انه تولد من الجناية الأولى

(1) في النسخة رقم 45 على عرج
(2) الزيادة من النسخة رقم 45 وعليها فما بعدها تفسير لها
426

فلسنا على يقين من وجوب شئ على الجاني وإذا لم نكن على يقين من أنه يلزمه شئ
فلا يجوز أن يلزم شيئا لا في بشرته ولا في ماله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم
وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " *
قال على: وكان في أصحابنا فتى اسمه يبقى بن عبد الملك ضربه معلمه في صباه بقلم
في خده فيبست عينه فهذا عمد يوجب القود لان الضربة كانت في العصبة المتصلة بالناظر
وبالله تعالى التوفيق *
2029 مسألة من أمسك آخر حتى فقئت عينه أو قطع عضوه أو ضرب،
قال على: نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب
أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب انه كان يقول في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه
فيفقأ أحدهم عينه أو يكسر رجليه أو يديه أو أسنانه أو نحو هذا انه يقاد من الذي باشر
ذلك منه، وأما الآخرون الذين أمسكوه فيعاقبون عقوبة موجعة منكله فان استحب المصاب
الدية كانت الدية عليهم كلهم يغرمونها جميعا سواء قال يونس: وقال ربيعة ان أحب
الذي فقئت عيناه الدية فله اثنا عشر ألف درهم في عينيه فإن كان الذين أمسكوه إنما
أمسكوه ليفقأ عينيه فعليهم الدية جميعا وان كانوا أمسكوه ليصكه أو ليضربه لا يريدون
بذلك فق ء عينيه فالدية على الذي فقأ عينيه دون أصحابه، قال ابن وهب. قال ابن
سمعان: قال ربيعة. ان أراد القود أقيد منهم جميعا ممن باشر ذلك وممن أمسكه *
قال أبو محمد: أما إيجاب الدية عليهم كلهم والمنع من القود منهم كلهم فخطأ لا إشكال
فيه وتناقض ظاهر لأنهم لا يخلو من أن يكونوا كلهم فقأه أو لم يفقاه كلهم لكن من
باشره خاصة لا سبيل إلى قسم ثالث فان كانوا كلهم فقأ عينيه فالقود عليهم كلهم كما
الدية عليهم كلهم ولافرق، وان كانوا ليس كلهم فقأه لكن المباشر خاصة فالزام الدية
في ذلك من لم يفقأ ولا كسر ولا قطع خطا، وهذا لاخفاء به * وأما قول ربيعة في إيجاب
القود على جميعهم أو الدية على جميعهم فلم يتناقض ولكنه خطا لان الممسك آخر ليفقأ
عينيه أو ليقطع يده أو ليخصي أو ليجنى عليه أو ليضرب لا يقع عليه البتة في اللغة ولا
في الشريعة اسم فاقئ ولا اسم قاطع ولا اسم كاسر ولا اسم ضارب، وإذا لم يكن
شيئا من هذا فلا قود عليه في ذلك لان الله تعالى إنما قال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم) فبطل هذا القول بلا شك، وهذا مما خالف فيه مالك شيخيه
ربيعة والزهري، لأنهما جعلا في جناية العمد في العين الخيار بين القود أو الدية وهو
لا يرى فيها إلا القود فقط وهما كبشا المدينة *
427

قال على: والحكم في هذا هو أن يقتص من الفاقئ والكاسر والقاطع والضارب
بمثل ما فعل ويعزر الممسك ويسجن على ما يراه الحاكم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من
رأى منكم منكرا فليغيره بيده " ولامره صلى الله عليه وسلم بالتعزير في كل ما دون الحد عشرة
أسواط فأقل على ما نذكره في باب التعزير إن شاء الله تعالى من كتاب الحدود،
فان قال قائل: انكم تقولون فيمن أمسك آخر للقتل فقتل انه يسجن حتى يموت
فهذا خلاف لما قلتم ههنا أم لا فجوابنا وبالله تعالى التوفيق: انه ليس ذلك مخالفا
لشئ منه لان الحكم في هذا قول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) فكل من فعل فعلا يوصف به وكان به متعديا فإنه يجب أن يعتدى
عليه بمثله بأمر الله تعالى فالممسك آخر حتى قتل ممسك له وحابس حتى مات وليس
قاتلا فالواجب أن يحبس حتى يموت فهو مثل ما اعتدى به، ولا نبالي بطول المدة من
قصرها (1) إذ لم ا يأت بمراعاة ذلك نص ولا اجماع وبالله تعالى التوفيق *
2030 مسألة عين الدابة، قال على: نا أبو عمر أحمد بن قاسم نا أبي قاسم
ابن محمد بن قاسم أخبرني جدي قاسم بن اصبغ نا زكريا بن يحيى الناقد نا سعيد بن سليمان عن أبي
أمية بن يعلى نا أبو الزناد عن عمرو بن وهب عن أبيه عن زيد بن ثابت ان النبي صلى الله عليه وسلم
لم يقض في الرأس إلا في ثلاث. المنقلة والموضحة. والآمة. وفى عين الفرس بربع ثمنه * نا محمد
ابن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا
وكيع نا أبو جناب هو يحيى بن أبي حية الكلبي عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي عن
شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه في فرس فقئت عينه أن يقوم الفرس ثم يكون في عينه
ربع قيمته نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز
نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة انا عبد الملك بن عمير قال: ان دهقانا فقأ عين فرس
لعروة بن الجعد فكتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك فكتب
عمر إليه أن خير الدهقان فان شاء أخذ الفرس وأعطى الشروى وان شاء أعطى ربع
ثمنه فقوم الفرس عشرين ألفا فغرم خمسة آلاف، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
عن عبد الكريم أن علي بن أبي طالب قال في عين الدابة الربع يعنى ثمنها، عن محمد
ابن سيرين أن شريحا قال في الدابة إذا فقئت عينها لصاحبها الشروى فان رضى جبرها
بربع ثمنها، وعن ابن جريج قلت لعطاء عين الدابة قال الربع زعموا، ومن طريق
عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبي أن عمر بن الخطاب قضى في عين

(1) في النسخة رقم 14 من طول المدة بقصرها
428

جمل أصيبت بنصف ثمنه ثم نظر إليه بعد فقال ما أراه نقص من قوته ولا من هدايته
فقضى فيه بربع ثمنه، وعن الحسن بن حي في عين الدابة ربع ثمنها فان قطع ذنبها أغرم
ما نقصها، وقال أبو حنيفة. وزفر في الفرس والبعير والبقرة تفقأ عين كل واحد منهم
ربع ثمنه فان فقأ عين شاة فليس في ذلك [إلا ما نقصها وقال مالك. والشافعي. وزفر في
أحد قوليه ليس في كل ذلك] (1) إلا ما نقص من الثمن فقط، وهو قول أبى سليمان. وأصحابنا
وقال الليث: ان فقأ عين دابة أو كسر رجلها أو قطع ذنبها فعليه ثمنها كلها أو مثلها *
قال أبو محمد: أما الحديث المذكور فلا يصح لأنه من رواية أبى أمية إسماعيل
ابن يعلى الثقفي وليس بشئ، وأما الرواية في ذلك عن عمر بن الخطاب. وسعد بن أبي
وقاص. وشريح. وعطاء فثابتة، وأما الرواية عن علي بن أبي طالب أنه قضى
في ذلك بنصف القيمة وعن عمر بمثل ذلك فواهيتان أما التي عن علي فهي عمن
لا يدرى عن محمد ن بن جابر اليمامي وهو هالك عن جابر الجعفي وهو مفروغ منه * وأما
التي عن عمر بن الخطاب فمثل ذلك لأنها عن مجالد وهو ضعيف عن الشعبي عن عمر
ولم يولد الشعبي إلا بعد موت عمر بنحو عشرة أعوام *
قال أبو محمد: إلا أن المالكيين قد يحتجون باسقط من هذا الحديث إذا وافق
تقليدهم كاحتجاجهم " بلا يؤمن أحد بعدي جالسا " وبحديث حرام في الاستظهار
وبكثير جدا قد ذكرناه مفرقا وسنجمعه إن شاء الله تعالى *
قال على: وأما نحن فإنه لا حجة عندنا إلا في نص قرآن أو سنة ثابتة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أو اجماع متيقن لا خلاف فيه من أحد وليس في هذه المسالة شئ من
هذه البراهين فإذ ذلك كذلك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: " ان دماءكم وأموالكم
عليكم حرام " فلا يجوز الزام فاقئ عين الدابة الا ما أوجبه نص أو اجماع، وقد قال
الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فواجب بهذه الآية
الزامه قيمة ما نقص فقط وبالله تعالى التوفيق *
(الحاجب)
2031 مسألة: قال أبو محمد: قد اختلف الناس في الحاجبين نا حمام
ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن
شعيب قال: قضى أبو بكر الصديق في الحاجب إذا أصيب حتى يذهب شعره فقضى
فيه موضحتين عشرا من الإبل، وقال آخرون: غير هذا كما روينا بالاسناد المذكور

(1) الزيادة من النسخة رقم 45
429

إلى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا عبد الكريم انه بلغه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
في الحاجب يتحصص شعره أن فيه الربع وفيما ذهب منه بالحساب فان أصيب
الحاجب بما يوضح ويذهب شعره كان قدر الحاجب فقط ولم يكن للموضحة قدر فان
أصيب بمنقولة كان قدر الحاجب والمنقولة جميعا، وروى عن زيد بن ثابت أن في
الحاجب الواحد ثلث الدية، وقال الشعبي في الحاجبين الدية، وعن سعيد بن المسيب
قال في الحاجبين إذا استوعبا الدية وفى أحدهما نصف الدية، وعن إبراهيم النخعي
قال: كان يقال في كل اثنين من الانسان الدية وفى كل واحد النصف قلت الثنتين
قال: لعل ذلك قال وفى كل واحد من الانسان الدية، وعن الشعبي قال: في كل
اثنين من الانسان الدية * نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن
خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة انا الحجاج بن أرطأة
عن الحكم بن عتيبة أن شريحا قال في الحاجبين والشفتين واليدين والرجلين نصف
الدية يعنى في كل واحد منهما وفى كل فرد في الانسان الدية، وهو قول الحسن
البصري. وقتادة وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأصحابهم، وقال آخرون فيها
حكومة فقط، وهو قول مالك والشافعي وأصحابهما، وقال آخرون: لا شئ
فيها كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء بن أبي رباح الحاجب
يشتر قال لم أسمع فيه بشئ *
قال أبو محمد: أما الحنيفيون والمالكيون والشافعيون فقد نقضوا ههنا
أصولهم في تهويلهم بخلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وهم ههنا قد خالفوا ما روى
عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أقوال
لم تحفظ قط عن صاحب وهذا قبيح جدا فاما الحنيفيون فإنهم طردوا القياس ههنا
إذ جعلوا في كل اثنين في الانسان الدية قياسا على اليدين والحاجبان اثنان، وأما
قول مالك والشافعي فان أصحابهما لا مؤنة عليهم في ادعاء الاجماع من الأمة فيما
لا يعرفون فيه خلافا نعم حتى أنهم ليدعونه فيما فيه الخلاف مشهور كفعلهم في الموضحة
على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى، ولا نعلم أحدا قال قبل مالك بقوله في الحاجبين
حكومة. هذا ولم يتبع فيه نص قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا قياس فينبغي
لهم أن لا ينكروا على من قال بقول اتبع فيه القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما
أباح الله تعالى قط لمالك ولا لأبي حنيفة ولا للشافعي شيئا حرمه الله تعالى على غيرهم *
قال على: فإذ لا نص في الحاجبين يصح ولا اجماع فيما يتيقن فالواجب ان لا يجب
430

فيهما في العمد الا القود أو المفاداة، وأما في الخطأ فلا شئ لان الأموال محرمة إلا
بنص أو اجماع والحكومة غرامة فلا يجوز الزامها أحدا بغير نص ولا اجماع وهو
قول عطاء كما أوردنا *
(الانف)
2032 مسألة: قال على: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر
نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبي
إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة ن علي بن أبي طالب اله قال في الانف الدية *
وبه إلى وكيع نا إسرائيل عن جابر عن الشعبي قال في العرنين الدية * وبه إلى وكيع
نا سلام عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال في المارن الدية، وعن يزيد بن عبد الله
ابن قسيط أنه قال: في الانسان خمس ديات الانف واللسان والذكر والصل والفؤاد،
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عكرمة قال في الروثة النصف قال عبد الرزاق
أحسبه ذكره عن عمر، وعن معمر عن أبي نجيح عن مجاهد قال في روثة الانف
ثلث الدية * ومن طريق عبد الزراق عن ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد انه
كان يقول في الروثة الثلث فإذا بلغ من المارن العظم فالدية وافية فان أصيب من
الروثة الأرنبة أو غيرها لم يبلغ العظم فبحساب الروثة * وعن ابن جريج عن سليمان
ابن موسى أن عمر بن عبد العزيز قال: في الانف إذا أوعى جدعه الدية كاملة فما أصيب
من الانف دون ذلك فبحساب ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن أبيه عن الشعبي قال: ما ذهب من الانف فبحسابه * نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله
بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد
ابن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن مكحول أنه قال في روثة الانف ثلث دية الأنف
وفى الجنابتين إذا خرمتا ثم لم تلتئما في كل واحد منهما ثلث دية الأنف وفى الروثة
ثلث دية الأنف وفى قصبة الانف إذا انكسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة * نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن عثمان
ابن سليمان ان عبدا كسر احدى قصبتي أنف رجل فرفع ذلك إلى عمر بن عبد العزيز
فقال عمرك وجدنا في كتاب لعمر بن الخطاب أيما عظم كسر ثم جبر كما كان ففيه
حقتان فراجعه ابن سراقة فقال: أيما كسر أخذ من القصبتين فأبى عمر الا ان يجعل
فيه الحقتين * وبه إلى ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: ان
كسر الانف كسرا يكون شيئا فسدس ديته وإن كان المنخران منهما الشين فثلث دية
431

المنخرين وإن كان مارن الانف مهبورا هبرة فله ثلث الدية وإن كان مهشوما ملتطيا
يبح صوته كالعين فنصف الدية لعينيه وبحه خمسمائة دينار فإن كان ليس فيه عيب ولا
غش ولا ريح توجد منه فله ربع الدية، فان أصيب قصبة الانف فجافت وفيه شين
ولا ريح ولا يوجد ريح شئ فالدية مائة وخمسة وعشرون دينارا. وان ضرب أنفه
فبرأ غير أنه لا يجد ريحا طيبة ولا ريح شئ فله عشر الدية، سمعت مولى لسليمان بن
حبيب يحدث قال: قضى سليمان بن حبيب في الانف إذا وثن بعشرة دنانير وإذا
كسر بمائة دينار، وبه إلى ابن جريج قال قلت لعطاء في الانف جائفة؟ قال: نعم
قال ابن جريج: وأخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد انه كان يقول في جائفة الانف
ثلث الدية فان نفذت فالثلثان، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن عطاء الخراساني
في الانف إذا خرم مائة دينار *
قال أبو محمد: فحصل من هذا عن علي أن في الانف الدية وكذلك عن
الشعبي، وعن عمر بن عبد العزيز. وعن ابن قسيط. وعن إبراهيم ومجاهد
في المارن الدية وهو كل ما دون العظم، وعن عمر بن عبد العزيز في المارن ثلث دية الأنف
، وعن الشعبي في العرنين الدية وهو ما دون المارن، وعن مجاهد في الروثة
الثلث وهي دون العرنين وهو قول ابن حنبل وإسحاق وقتادة وفى الأرنبة بحساب
ذلك وهو طرف الأنف، وعن مجاهد مكحول في الروثة ثلث الدية وفى خرم جنبتي
الانف إذا لم يلتئما في كل واحد من الخرمين ثلث دية الأنف، وعن مكحول وإسحاق
في الوترة ثلث دية الأنف وهي الحاجزة بين ثقبت الانف، وفى قصبة الانف إذا
كسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة، وعن عمر بن الخطاب. وعمر بن عبد العزيز في
ذلك بعيران حقتان وفى كسر الثنتين عن عمر بن عبد العزيز سدس دية الأنف فإن كان
في كلا المنخرين فثلث دية الأنف وفى هشم الانف حتى يكون لاطيا يبح صوته
نصف دية النفس وان لم يكن فيه ريح منتة ولا رشح فربع دية النفس وفى جائفته
عشر دية وربع عشر دية، وفى جائفة الانف عن مجاهد ثلث دية النفس فان نفذت
فالثلثان، وعن عطاء الخراساني في خرم الانف عشر الدية، وقال مالك فيما دون
المارن من كل ما ذكرنا حكم، وبه قال الشافعي. وأبو حنيفة *
قال أبو محمد: وكل هذا لا يصح منه شئ والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق:
انه لا سبيل إلى أن يوجد في هذا خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا فقد بحث عنه
البحاث من أقصى خراسان إلى أدناها وأهل فارس وأصبهان وكرمان. وسجستان
432

والسند. والجبال. والري. والعراق. وبغداد. والبصرة. والكوفة وسائر مدنها. وأذربيجان
وأرمينية. والأهواز ومكة والمدينة واليمن والجزيرة ومصر والشام والأندلس فما
وجدوا شيئا مذ أربعمائة عام وأربعين سنة غير ما ذكرنا مما لا يصح عند أحد من أهل
العلم بالحديث فبطل أن يكون هنا خبر ثابت تقوم به الحجة ولا قرآن في ذلك أصلا
ونحن نوقن ان الله تعالى قد أقام الحجة من القرآن والسنن وأوضح الاجماع ايضاحا
لا يخفى على أحد من مبتداه إلى منتهاه، وهذه الصفة معدومة ههنا *
قال على: فقولنا ههنا الذي ندين الله تعالى به ونلقاه عليه أنه لو صح عندنا في ذلك أثر
لقلنا به ولما خالفناه ولو صح عندنا في ذلك اجماع لقلنا به ولما ترددنا في الطاعة له
فإذ لامنة في ذلك ولا اجماع فليس فيه الا القود في العمد أو المفاداة ولا شئ في
الخطأ لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم)
وبالله تعالى التوفيق *
(الشعر)
2033 مسألة: قال أبو محمد: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر
نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا منهال بن خليفة العجلي
عن أبي عبد الله سلمة بن تمام الشقري قال: مر رجل بقدر فوقعت منه على رأس رجل
فأحرقت شعره فرفع إلى علي بن أبي طالب فأجله سنة فلم ينبت فقضى علي عليه فيه بالدية *
ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية - هو الضرير - نا حجاج عن مكحول عن
زيد بن ثابت قال في الشعر الدية إذا لم ينبت، وقد احتجوا في كثير من هذه الأبواب بهذه
الرواية نفسها وهو قول الشعبي، وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والحسن بن حي.
وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في شعر الرأس إذا لم ينبت الدية وفى شعر
اللحية إذا لم ينبت الدية، وأما المالكيون والشافعيون فليس عندهم في ذلك إلا حكومة
وهذا مما نقضوا فيه أصولهم في تشنيعهم خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف
وقد جاء ههنا عن علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت ما لا يعرف عن أحد من الصحابة
ولا من التابعين مخالف، وهذا يريك انهم لا يضبطون أصلا وقد قال بعضهم: ليس
للشعر أصل يرجع إليه في السنة فيقال لهم: ولا في شئ مما أوجبتم فيه الدية من
الأعضاء أصل من السنة يصح حاش الأصابع فقط *
(الشاربان)
433

2034 مسألة: قال على (1) نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: اجتمع لعمر بن عبد العزيز أن من مرط الشارب
ففيه (2) ستون دينارا فان مرطا جميعا ففيهما مائة وعشرون دينارا، قال عبد الرزاق
وقال معمر: بلغني في الشاربين مائة وعشرون دينارا في كل واحد ستون دينارا *
قال على: عهدنا بهم يحتجون بعمر بن عبد العزيز في البتة وغيرها فما لهم لا يتبعونه
فيما اجتمع له عليه ههنا ولكنهم لا يتفق لهم قول الا في النادر وليس فيهما شئ عندنا
في الخطأ لأنه لا نص في ذلك ولا اجماع الا القود في العمد فقط، وبالله تعالى التوفيق *
(العقل)
2035 مسألة نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح
نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان - هو الثوري - عن عوف قال: سمعت شيخا
يحدث في المسجد فجلسته فقالوا ذاك أبو المهلب عم أبى قلابة قال: رمى رجل رجلا
بحجر في رأسه فذهب سمعه ولسانه وعقله ويبس ذكره فقضى فيه عمر بأربع ديات
وهو حي * وبه إلى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: في العقل الدية * ومن
طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن مكحول عن قبيصة بن ذوئيب عن زيد بن
ثابت قال في الرابية بعير وفى الباضعة بعيران وفى المتلاحمة ثلاثة أبعرة من الإبل وفى
السمحاق أربع وفى الموضحة خمس وفى الهاشمة عشر وفى المنقلة خمس عشرة وفى المأمومة
ثلث الدية وفي الرجل يضرب حتى يذهب عقله الدية كاملة أو يضرب حتى يغن فلم يفهم
الدية كاملة أو حتى يبح فلا يفهم الدية كاملة، وفى جفن العين ربع الدية، وفى حلمة
الثدي ربع الدية *
قال أبو محمد: وبه يقول سفيان الثوري. وأبو حنيفة. ومالك. والشافعي.
وابن حنبل وأصحابهم، وهذا كالذي قبله وما فيه عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم
الا أقل مما في العين العوراء وقد خالفه أبو حنيفة. ومالك والشافعي فليت شعري
أي فرق بين الامرين الا الدعوى الكاذبة المفتضحة في الاجماع؟ وقد خالف المالكيون
في هذا الخبر زيد بن ثابت في الدامية والباضعة والمتلاحمة والسمحاق والهاشمة وفى
جفن العين وحلمة الثدي فما الذي جعل بعض قوله حجة وبعضه لا حجة؟ ان هذا
لعجب، فان قالوا: أخذنا بقول عمر في ذلك قيل لهم: فهلا أخذتم بقول عمر في
العين العوراء والسن السوداء وسائر ما ذكرناه قبل؟ فمرة يكون قول عمر بن الخطاب

(1) سقط من النسخة رقم 45 لفظ قال على
(2) في النسخة رقم 45 ان مرط الشارب فيه
434

وزيد حجة ومرة يكون قولهما لا حجة فيه، ونعوذ بالله من التدين بمثل هذه الأقوال *
قال أبو محمد: فإذ لا نص في العقل ولا اجماع يثبت فيه فلا شئ في ذهابه
بالخطأ، وأما بالعمد فإنما هي ضربة كضربة ولا مزيد فإن لم يذهب عقل المتقص منه
فلا شئ عليه فقد اعتدى بمثل ما اعتدى به عليه، وأيضا فالخبر في هذا عن عمر
لا يصح لان أبا المهلب عبد الرحمن بن عمرو لم يدرك عمر بن الخطاب فزاد الامر
وهنا على وهن *
(اللحيان والذقن)
2036 مسألة: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد
نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن مكحول أنه قال: في
اللحيين إذا كسر ثم انجبر سبعة أبعرة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر وابن
جريج كلاهما عن رجل عن الشعبي في اللحى إذا كسر أربعون دينارا، وعن عبد الرزاق
عن معمر عن ابن جريج عن رجل عن سعيد بن المسيب قال في فقمى الانسان قال
يثنى ابهامه ثم تجعل قبضتهما السفلى ويفتح فاه فيجعلها بين لحييه فما نقص من فتحة فاه
من قصبة ابهامه السفلى فبالحساب *
قال على: وهذا أيضا كسائر ما سلف ولا فرق ولا شئ في ذلك بالخطأ وفيه
القود بالعمد *
(الأصابع)
2037 مسألة: قد ذكرنا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء كلامنا في
باب الأعضاء، وانه عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: " الأصابع سواء هذه
وهذه سواء " يعنى الخنصر والابهام وانه عليه الصلاة والسلام قال: " الأصابع عشر
عشر " فهذا نص لا يسع أحدا الخروج عنه *
قال أبو محمد: وباليقين ندري انه ليس ههنا الا عمد أو خطأ وقد صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رفع عن أمتي الخطا " وصح قول الله تعالى: (وليس
عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) فورد هذان النصان وكان
ممكنا أن يستثنى كل واحد منها من الآخر يمكن أن يكون المراد ليس عليكم جناح فيما
أخطأتم به ورفع عن أمتي الخطا الا في دية الأصابع. وكان ممكنا أن يكون المراد
في الأصابع عشر عشر في العمد خاصة لافى الخطا ولم يجز لاحد أن يصير إلى أحد
الاستثناءين الا بيقين نص أو اجماع لأنه خبر عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
435

ولا يحل الخبر عن الله تعالى الا بنص ثابت في القرآن أو عن رسوله المبين عنه عليه السلام، ونحن على بصيرة ويقين من الله تعالى لا يدعنا في عمى من هذا الحكم في
الدين لأنه تعالى يقول: (تبيانا لكل شئ وهدى) وقال تعالى: (لتبين للناس ما نزل
إليهم) فنظرنا في ذلك ضارعين إلى الله تعالى في أن يليح لنا الحق في ذلك فلا هدى إلا
من قبله تعالى فابتدأنا بالعمد فوجدنا الناس مختلفين فطائفة قالت: لا شئ في العمد
الا القود فقط ولا دية هنالك، وقالت طائفة: فيه القود أو الدية فوجدنا الاختلاف
في وجوب الدية في العمد في ذلك ثم رجعنا إلى الخطا في ذلك فلم نجد اجماعا متيقنا
على وجوب الدية في الخطا في ذلك ثم وجدنا القائلين بالدية في ذلك مختلفين فيما دون
الثلث فطائفة قالت: هي في مال الجاني وطائفة قالت: هي على عاقلته فلم نجد اجماعا
منهم أيضا في هذا ولم يجز أن يلزم الجاني غرامة لم يوجبها عليه نص ولا اجماع بل
قد أسقط الله تعالى عنه الجناح بيقين في ذلك، ولم يجز أيضا أن تلزم عاقلته غرامة في
ذلك بغير نص ولا اجماع بل النص مسقط عنهم ذلك بقول الله تعالى: (ولا تكسب
كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) فبطل بيقين أن يجب في الخطا في
ذلك شئ لأنه لا نص يبين هذه العشرة على من هي وإذا لم يبين النص ولا الاجماع على
من هي فمن الباطل المتيقن أن يكون الله تعالى يلزم غرامة من لا يبين لنا من هو الملزم إياها
هذا امر نقطع ونبت ان الله تعالى لم يفعل بنا ذلك قط وهو تعالى القائل متفضلا علينا: (وما
جعل عليكم في الدين من حرج) والآمر تعالى لنا إذ يقول: (ولا تحمل علينا إصرا كما حملته
على الذين من قبلنا) إلى قوله تعالى: (مالا طاقة لنا به) والقائل تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا
وسعها) وبيقين ندري انه ليس في وسع أحد ولا في طاقته ان يفهم مراد الله تعالى من غير أن
يفهمه الله تعالى إياه فسقط أن يكون في الخطأ غرامة أصلا فيما دون النفس فسقط أن
يكون في الخطأ في ذلك دية أصلا فرجعنا إلى العمد فلم يكن بد من ايجاب دية الأصابع كما
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اما على العامد واما على المخطئ أو على عاقلة المخطئ وقد سقط أن
يجب في ذلك على المخطئ أو على عاقلته شئ بنصوص القرآن التي أوردنا فلم يبق في ذلك
الا العامد فالدية في ذلك واجبة على العامد بلا شك إذ لم يبق الا هو، وأيضا فان الله
تعالى يقول: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وكان العامد مسيئا بسيئته فالواجب بنص القرآن
أن يساء إليه بمثلها والدية إذ أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفى إساءة مسئ
فهي مثل سيئة ذلك المسئ بلا شك، وكذلك الحدود إذا أمر الله تعالى بها أيضا فإذا
فاتت المماثلة بالقود في الأصابع وجبت المماثلة بالدية في ذلك *
436

(الخلاف في الأصابع)
2038 مسألة: قال أبو محمد: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد
ابن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن
سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الابهام والتي تليها نصف دية اليد وفى الوسطى
عشرة أبعرة وفى البنصر تسعة أبعرة وفى الخنصر ستة أبعرة * وبه إلى الحجاج بن
المنهال نا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الابهام
خمسة عشر بعيرا وفى السبابة عشرا وفى الوسطى عشرا وفى البنصر تسعا وفى الخنصر
ستا وقد وافقه على ذلك غيره كما روينا بالسند المذكور إلى حماد بن سلمة عن هشام بن
عروة عن أبيه أنه قال في الابهام والتي تليها نصف الدية وجاء عن عروة بيان زائد عن
أبيه قال: إذا قطعت الابهام والتي تليها ففيها نصف دية اليد وإذا قطعت إحداهما ففيها
عشر من الإبل، وعن علي بن أبي طالب قال: الأصابع عشر عشر، وعن الشعبي أنه قال:
جاء رجل من مراد إلى شريح فقال: يا أبا أمية ما تقول في دية الأصابع؟ قال سواء في كل أصبع
ما هنالك عشر من الإبل فجمع المرادي بين ابهاميه وخنصريه وقال: يا سبحان الله سواء
هاتان فقال شريح: نتبع ولا نبتدع. فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر يدك وأذنك في اليد
النصف وفى الاذن النصف والاذن يواريها الشعر والقلنسوة والعمامة وعن الشعبي
قال: أشهد على مسروق وشريح انهما قالا: الأصابع سواء عشر عشر من الإبل، وقد
روينا هذا القول عن ابن عباس قبل، وعن زيد بن ثابت رضي الله عنهم *
قال أبو محمد: وليعلم العالمون أنه لم يأت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أن
هذه الدية في الخطاء واعجب من ذلك من لا يرى هذه الدية في العمد أصلا ولا يراها إلا في
الخطأ فعكس الحق عكسا، ونحمد الله على السلامة *
قال على: وأما مفاصل الأصابع فقد روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة وعن رجل عن عكرمة عن عمر بن الخطاب في كل أنملة ثلث دية الإصبع، وعن عبد الرزاق
عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال في كتاب عمر بن عبد العزيز إلى الأجساد في كل قصبة
من قصب الأصابع قطعت أو شلت ثلث دية الأصابع (1) إلا ما كان من ابهامها فإنما
هي قصبتان ففي كل قصبة من الابهام نصف ديتها، وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري
عن منصور عن إبراهيم النخعي قال: في كل مفصل من الأصابع ثلث دية الإصبع إلا الابهام
فإنها مفصلان في كل مفصل النصف *

(1) في النسخة رقم 45 الإصبع
437

قال على: لا نعرف (1) في هذا خلافا والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق: هو ان النبي
صلى الله عليه وسلم وسلم حكم في كل أصبع بعشر من الإبل فواجب بلا شك ان العشر المذكورة مقابلة للإصبع
ففي كل جزء من الإصبع جزء من العشر فعلى هذا في نصف الإصبع نصف العشر وفى ثلث
الإصبع ثلث العشر وهكذا في كل جزء وبالله تعالى التوفيق، وأما الإصبع تشل فقد جاء
عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأصابع عشر عشر فهذا عموم لا يخرج عنه إلا ما أخرجه نص أو إجماع،
وقد قيل: إن في شلل الإصبع ديته كاملة فالواجب القول بذلك لعموم النص الذي ذكرنا،
وأما كسره فيفيق عنتا أو صحيحا إلا أنه لم يبطل فلا شئ في ذلك عندنا *
قال أبو محمد: فهذا النص الذي ذكرنا يقتضى ان أصابع اليدين والرجلين سواء
لعموم ذكره عليه الصلاة والسلام الأصابع * وروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
عن رجل عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال: في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع،
وقال معمر: بلغني ان في الإصبع الزائدة. والسن الزائدة ثلث ديتها وقال آخرون: فيها
حكومة، وقال آخرون: لا شئ فيها فنظرنا فوجد نا النص عن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح بأن
في الإصبع عشرا من الإبل، واسم أصبع يقع على زائدة ولم يخص عليه الصلاة
والسلام أصبعا زائدة من غيرها وما كان ربك نسيا، ولو أراد ذلك لبينه فواجب أن
يكون فيها ما في سائر الأصابع، وبالله تعالى التوفيق *
2039 مسألة: قال على: قد ذكرنا ما جاء في اليد تشل أو تقطع في كتاب ابن حزم
وتلك الصحيفة وانه لا يصح شئ من ذلك، روينا من طريق الحجاج بن منهال نا حماد بن
سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب قال: كان في كتاب أبى بكر وعمر رضي الله عنهما
، ان في الرجل إذا يبست فلم يستطع ان يبسطها أو بسطها فلم يستطع أن يقبضها
أو لم تنل الأرض ففيها نصف الدية فان نال منها شئ الأرض فبقدر ما نقص منها وفى
اليد إذا لم يأكل بها ولم يشرب بها ولم يأتزر بها ولم يستصلح بها: ففيها نصف الدية نا محمد بن
سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع
نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم عن علي بن أبي طالب قال في اليد النصف،
وحدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز
ابن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عمر بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب قال في اليد نصف
الدية فما نقصت فبالحساب، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن قتادة،
وعن رجل عن عكرمة في اليد إذا شلت ديتها كاملة *

(1) في النسخة رقم 14 لا نعلم
438

2040 مسألة في اختلافهم في موضع قطع اليد (1)، قال أبو محمد:
نا يونس بن عبد الله بن مغيث نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن
عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا أبو عوانة عن مغيرة بن مقسم
الضبي عن إبراهيم النخعي قال: ان قطعت اليد من الكف فنصف الدية، وان قطعت من
المنكب فالدية، وعن عامر الشعبي من رواية جابر الجعفي قال: إذا قطعت اليد من
المفصل ففيها نصف الدية، ومن المرفق ففيها الدية، وعن إبراهيم النخعي قال في اليد إذا
قطعت من البراجم ففيها الدية، وكذلك لو قطعت من الرسغ أو من المرفق أو من
المنكب كل ذلك الدية فقط * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه قال:
في اليد تستأصل خمسون من الإبل إذا قطعت من المنكب والرجل مثل ذلك قال ابن جريج
قلت له من أين أمن المنكب أو من الكف؟ قال: بل من المنكب، ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة قال: سواء قطعت اليد من المنكب أو مما دونه إلى موضع السوار *
قال أبو محمد: وهؤلاء الحاضرون من المخالفين من الحنيفيين والمالكيين والشافعيين.
لا يقولون بهذا الذي جاء عمن ذكرنا من الصحابة والتابعين فصح انه لا حجة في قولهم ولا
في قول غيرهم إلا ما صح به النص أو تيقن فيه الاجماع فقط، وقال مالك: ان
قطعت أصبع أو ذهبت ثم قطعت الكف فله دية ما بقي من الأصابع فقط فان قطعت
أنملة ثم قطعت الف فله دية الأصابع كلها *
قال على: هذا خطا ظاهر لان الأنملة عنده لها حظها من العقل كما للإصبع
فلأي شئ حظ (2) الإصبع ولم يحظ الأنملة، فان قالوا: لقلتها قيل لهم: القليل والكثير من
الحرام حرام [والكبير من الكثير حرام] (3) ولا يحل من أموال الناس قليل ولا
كثير الا بحق، ولا سيما إن كان الذي أصاب الأنملة فقضى عليه بعقلها هو الذي أصاب
الكف بعد ذلك فقد اغرموه في الكف دية كاملة وثلث خمس الدية *
(كسر اليد والزند)
2041 - مسألة - قال أبو محمد: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عكرمة بن خالد ان نافع بن علقمة أتى في رجل
رجل كسرت فقال: كنا نقضي فيها بخمسمائة درهم حتى أخبرني عاصم بن سفيان أن
سفيان بن عبد الله كتب إلى عمر بن الخطاب فكتب بخمس أواقي في اليد تكسر ثم
تجبر وتستقيم قلت لعكرمة: فلا يكون فيها عوج ولا شلل قال: نعم قلت: فقضى فيها

(1) في النسخة رقم 45 قطع اليدين
(2) في النسخة رقم 14 حط الإصبع بالطاء المهملة
(3) الزيادة من النسخة رقم 14
439

ابن علقمة بمائتي درهم، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن
عكرمة بن خالد عن رجل عن عمرانه قال: في الساق أو الذراع إذا انكسرت ثم جبرت
فاستوت في غير عثم عشرون دينارا أو حقتان، وبه إلى عبد الرزاق نا ابن جريج عن
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عمر بن عبد العزيز قال: كتب سفيان بن عبد الله
إلى عمر بن الخطاب - وهو عامله بالطائف - يستشيره في يد رجل كسرت فكتب إليه
عمر بن الخطاب ان كانت جبرت صحيحة فله حقتان، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة قال: إذا كسرت اليد أو الرجل وإذا كسرت الذراع أو العضد أو الفخذ أو الساق ثم
جبرت فاستوت ففي كل واحد عشرون دينارا فإن كان فيها عثم فأربعون دينارا، وبه
إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال لي عطاء في كسر الرجل واليد والترقوة
ثم تجبر في ذلك شئ وما بلغني ما هو، وكان شريح يقول: إذا جبرت فليس فيها شئ،
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج عن مكحول قال في الرجل
إذا كسر أحد زنديه ثم انجبر ففيه عشرة أبعرة، وهذا مما خالف فيه الحنيفيون
والمالكيون والشافعيون الرواية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهم يشنعون بخلاف
الصحاب إذا وافق تقليدهم وبالله تعالى التوفيق *
2041 - مسألة - من قطعت يده في سبيل الله أو في غيره * نا حمام نا ابن مفرج نا
ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: من قطعت يده في سبيل
الله تعالى ثم قطع انسان يده الأخرى غرم له ديتين، فان قطعت يده في حد وقطع
انسان يده الأخرى غرم له دية التي قطع، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري
في رجل مقطوع اليد قطعت الأخرى بعد ذلك قال: لو أعطى عقل بدين رأيت ذلك غير
بعيد من السداد ولم أسمع فيه سنة *
قال أبو محمد: كان يلزم من قال بقول مالك في أن في عين الأعور دية عينين أن
يقول بقول الزهري ولكنهم يتناقضون وأما نحن فلا نزيد على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
في دية الأصابع سواء قطعت الأخرى في سبيل الله تعالى أو في حد وما كان ربك نسيا، ولو أن
الله تعالى أراد ذلك لما أهمله ولا أغفله ولبينه *
(أصابع المرأة)
2042 - مسألة - وقد ذكرنا قبل اختلاف الناس في هذا وأن فيهم من رأى في أصبعها
عشرا من الإبل وفى اثنتين عشرين من الإبل، وفى الثلاثة ثلاثين من الإبل وفى الأربعة
عشرين من الإبل، وقول من رأى انها في كل ذلك على النصف من الرجل *
440

قال على: فوجب علينا ما افترضه الله تعالى عند التنازع من الرد إلى كتاب الله تعالى
وسنة نبيه عليه والصلاة والسلام ففعلنا فوجدناه صلى الله عليه وسلم قد قال: " الأصابع سواء هذه
وهذه سواء " فصح يقينا ان أصابع المرأة سواء بنص حكمه عليه الصلاة والسلام وأن
أصابع الرجل سواء بنص حكمه صلى الله عليه وسلم، فإذ ذلك كذلك، وقد صح الاجماع على أن في أربعة
أصابع من المرأة فصاعدا نصف ما في ذلك من الرجل بلا خلاف فإذ بلا شك في هذا
وقد حكم عليه الصلاة والسلام أن أصابعها سواء فواجب أن يكون في إصبعين نصف ما في
الأربع بلا شك، وفى الإصبع الواحدة نصف ما في الاثنين وبالله تعالى التوفيق *
(في اليد الشلاء)
2043 - مسألة - نا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد
نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا هشام الدستوائي نا قتادة
عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال في العين العوراء
إذا فضخت واليد الشلاء إذا قطعت والسن السوداء إذ سقطت: ثلث ديتها، ومن طريق
وكيع نا أبو هلال محمد بن سليم الراسبي عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس قال
في اليد الشلاء إذا قطعت: ثلث الدية، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن داود بن أبي
عاصم عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها وفى
الرجل الشلاء ثلث ديتها، وعن مجاهد قال في اليد الشلاء ثلث ديتها، وعن سعيد بن المسيب
مثل ذلك وهو قول ابن شبرمة، وعن عبد الرزاق أنه قال في الإصبع الشلاء تقطع: نصف
ديتها، وقال آخرون غير ذلك كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن محمد
ابن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال في اليد الشلاء إذا قطعت خمس ديتها، وعن
مسروق قال في اليد الشلاء حكم وعن النخعي مثل ذلك حكم، وعن ابن جريج قال في الإصبع
الشلاء تقطع شئ لجمالها، وبه يقول أبو حنيفة ومالك الشافعي. وأصحابهم *
قال أبو محمد: وقد جاء في هذا أثر كما روينا نا حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن
معاوية نا أحمد بن شعيب نا أحمد بن إبراهيم بن محمد نا ابن عائذ نا الهيثم بن حميد نا العلاء - هو
ابن الحارث - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في العين العوراء
السادة لمكانها إذا طمست ثلث ديتها "، وفى اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها، وفى
السن السوداء إذا نزعت ثلث ديتها *
قال على: فجاء هذا الخبر كما ذكرنا، والحنيفيون. والمالكيون والشافعيون
يحتجون به إذا وافق أهواهم وجاء بمثل ما فيه الأثر الصحيح عن عمر بن الخطاب وابن
441

عباس رضي الله عنهما، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة أصلا وقال بذلك سعيد بن
المسيب ومجاهد، وهم يهولون ويشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم *
في الرجلين
2044 - مسألة - وقد ذكرنا ما جاء عن ذلك في الأثر وانه لا يصح من ذلك شئ
إلا ما جاء في الأصابع بالقول في أصابع الرجل كما قلنا في أصابع اليد سواء سواء لا يفترق
شئ من الحكم في ذلك في جميع المسائل لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: " الأصابع سواء
وفى الأصابع عشر عشر يعنى كل واحدة "، حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد
ابن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن عاصم
ابن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال في الانف وفى اللسان الدية وفى الذكر الدية وفى العين
النصف وفى الاذن النصف وفى اليد النصف وفى الرجل النصف، وبه إلى الحجاج بن
المنهال نا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب قال: كان في كتاب أبى
بكر. وعمر أن في الرجل إذا يبست فلم يستطع أن يبسطها أو يبسطها فلم يستطع أن
يقبضها أو لم تنل الأرض فبقدر ما نقض منها، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: وفى الرجل نصف
الدية أو عدل ذلك من الذهب أو الورق فإذا نقصت فبالحساب وعن ابن جريج عن
عطاء في اليد تستأصل خمسون من الإبل إذا قطعت من المنكب والرجل كذلك *
قال على: الدية في ذلك للأصابع فقط على ما قلنا في اليد سواء سواء وبالله تعالى
التوفيق *
في اللسان
2045 مسألة قد ذكرنا الأثر في ذلك وانه لا يصح، نا حمام نا ابن مفرج نا ابن
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال قضى أبو بكر الصديق
رضي الله عنه في اللسان إذا قطع بالدية إذا نزع من أصله فان قطع من أسلته (1) فتكلم صاحبه
ففيه نصف الدية، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة قال: قضى أبو بكر
في اللسان إذا قطع الدية فان قطعت اسلته فبين بعض الكلام ولم يبين بعضه فنصف الدية،
وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن
عمر بن الخطاب قال في اللسان إذا استؤصل دية كاملة وما أصيب من اللسان فبلغ أن
بمنع الكلام ففيه الدية كاملة، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن أبي

(1) الاسلة مستدق اللسان والذراع كما في الصحاح
442

إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال في اللسان الدية، وعن إبراهيم النخعي مثل
ذلك * وعن سليمان بن موسى أنه قال في كتاب عمر بن عبد العزيز في الأجناد ما قطع
من اللسان فبلغ أن يمنع الكلام كله ففيه الدية كاملة وما نقص دون ذلك فبحسابه * وعن
مجاهد قال في اللسان الدية كاملة فان قطعت اسلته فتبين بعض الكلام فإنه بحسبه بالحروف
ان بين نصف الحروف فنصف الدية، وان بين الثلث فثلث الدية * وعن ابن جريج قال:
قلت لعطاء: اللسان يقطع كله؟ قال الدية قلت فقطع منه ما يذهب الكلام ويبقى من اللسان
قال: ما أرى إلا أن فيه الدية إذا ذهب الكلام * وعن ابن جريج أخبرني ابن أبي نجيح ان
اللسان إذا قطع منه ما يذهب الكلام ان فيه الدية قلت عمن؟ قال: هو قول القياس قال: فان
ذهب بعض الكلام وبقى بعض فبحساب الكلام والكلام من ثمانية وعشرين حرفا قلت
عمن؟ قال: لا أدري *
قال أبو محمد: وبايجاب الدية في اللسان وفى الكلام يقول أبو حنيفة. ومالك.
والشافعي وأحمد وأصحابهم، وأما الأثر في ذلك فلا يصح، وأما الرواية عن أبي بكر.
وعمر رضي الله عنهما فان صححوها فرواية أبى بكر قد خالفوها لأنه رضي الله عنه جعل في
ذهاب أسلة اللسان نصف الدية، ومثل هذا لا يجوز ان يقطع فيه على أنه اجماع إذ ليس
فيه إلا أثر ان عن أبي بكر وعمر منقطعان، وثالث عن علي وهم قد خالفوا أضعاف هذا في
غير ما موضع، من ذلك قول عمر وابن عباس في العين العوراء واليد الشلاء، وقول على في
السمحاق، وقول أبى بكر: وعمر وغيرهما في القود من اللطمة وغير ذلك كثير جدا،
فالواجب أن لا يجب في اللسان إذا كان عمدا إلا القود أو المفاداة لأنه جرح ولا مزيد،
وأما الخطا فمرفوع بنص القرآن وبالله تعالى التوفيق *
2046 - مسألة - في لسان الأعجم (1) والأخرس قال أبو محمد: حدثنا
أحمد بن عمر نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا ابن الجهم ناموسي
ابن إسحاق الأنصاري نا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن بكر عن ابن جريج عن قتادة قال في
لسان الأخرس الثلث مما في لسان الصحيح * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن مكحول قال: قضى عمر بن الخطاب في لسان
الأخرس يستأصل بثلث الدية، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال في لسان الأعجمي
ثلث الدية، وهو قول ابن شبرمة، وقد روى عن إبراهيم النخعي أن فيه الدية كلها، وقال
أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم ليس فيه إلا حكومة *

(1) الأعجم الذي لا يفصح ولا يبين وإن كان من العرب
443

قال أبو محمد: وهذا مما خالفوا فيه الرواية عن عمر التي يحتجون بأضعف
منها إذا وافق آراءهم ولا يروى في ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف لما
جاء فيه عن عمر وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق آراءهم *
قال على: لسان الأخرس كغيره والألم واحد، والقود واجب لقول الله تعالى:
(والحرمات قصاص) أو المفادات وكذلك لسان الصغير، وبالله تعالى التوفيق *
2047 - مسألة - فيمن قطع يدا فيها آكلة أو قلع ضرسا وجعة أو متأكلة بغير
اذن (1) صاحبها * قال أبو محمد: قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى
ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وقال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) فالواجب استعمال هذين النصين من كلام الله تعالى فينظر فان قامت بينة
أو علم الحاكم أن تلك اليد لا يرجى لها برؤ ولا توقف وانها مهلكة ولابد ولا دواء لها
إلا القطع فلا شئ على القاطع، وقد أحسن لأنه دواء، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمداواة، وهكذا القول في الضرس إذا كان شديد الألم قاطعا به عن صلاته ومصالح
أموره فهذا تعاون على البر والتقوى * نا محمد بن عمر العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الله
ابن محمد الصيدلاني ببلخ نا عبد الرحمن بن أبي حاتم نا الحسن بن عرفة نا وكيع عن
مسعر بن كدام وسفيان الثوري عن زياد بن علاقة عن يحيى بن أسامة بن شريك قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تداووا فان الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد
قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: الهرم " *
قال على: فمن داوى أخاه المسلم كما أمره الله تعالى على لسان نبيه عليه
الصلاة والسلام فقد أحسن قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) وأما إذا كان
يرجى للاكلة برؤ أو توقف وكان الضرس تتوقف أحيانا ولا يقطع شغله عن
صلاته ومصالح أموره فعلى القاطع والقالع القود لأنه حينئذ متعد، وقد أمر الله تعالى
بالقصاص في القود *
البحح والغنن والصعر والحدب
2048 - مسألة - قال أبو محمد: البحح هو خشونة تعرض من فضل
نازل في أنابيب الرئة فلا يتبين الكلام كل البيان وقد يزيد حتى لا تبين أصلا،
والغنن هو خروج الكلام من المنخرين، والصعر هو ميل الوجه كله إلى ناحية واحدة
بانفتال ظاهر، والحدب تقوس وانحناء في فقرات الصلب أو فقرات الصدر وقد

(1) في النسخة رقم 14 بغير إرادة
444

يجتمعان معا، وقد يعرض للكبير كما يعرض للصغير نسأل الله العافية * حدثنا عبد الله بن
ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال
نا حماد بن سلمة نا الحجاج عن مكحول ان زيد بن ثابت قال في الحدب الدية كاملة وفى البحح
الدية كاملة، وفى الصعر نصف الدية وفى الغنن بقدر ما غنن * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن غير واحد عن الحجاج عن مكحول عن زيد بن
ثابت قال في الصعر إذا لم يلتفت الدية كاملة، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال قال عمر بن عبد العزيز في الصعر إذا لم يلتفت الرجل الا
منحرفا نصف الدية خمسمائة دينار وبه يقول معمر، وقال أحمد بن حنبل في الصعر الدية *
قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس في ذلك الا حكومة وهذا
مما خالفوا فيه الرواية عن زيد بن ثابت ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلافه، وأما نحن
فنقول وبالله تعالى التوفيق: انه ان حديث كل ذلك من ضرب عمد اقتص بمثل ذلك بالغا ما بلغ
فان حدث مثل ذلك والا فلا شئ على الجاني أكثر من أن يعتدى عليه بمثل ما اعتدى ولا
يجوز أن يعتدى عليه بما لم يعتد هو به ولو قدرنا على أن نبلغه حيث بلغه هو بظلمه لفعلنا ولكن
إذ عجزنا عن ذلك فقد سقط عنا ما لا يقدر عليه لقول الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وقد أمرنا عليه الصلاة
والسلام بالقصاص جملة *
(في الظفر)
2049 مسألة: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على
ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت
قال في الظفر إذا أعور بعير وإذا ثبت فخمسا بعير وفى كل مفصل من مفاصل الإصبع إذا
انكسر ثم انجبر ثلثا بعير وفى قصبة الانف إذا انكسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة * وعن
ابن عباس أنه قال. في الظفر إذا أعور خمس دية الإصبع وبه يقول أحمد بن حنبل. وإسحاق،
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر وابن جريج قال معمر عن رجل عن عكرمة، وقال ابن
جريج عن عمرو بن شعيب ثم اتفق عكرمة. وعمرو ان عمر بن الخطاب قال في الظفر إذا
اعرنجم وفسد قلوص * وبه إلى ابن جريج عن بعد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ان عمر بن
عبد العزيز اجتمع له في الظفر إذا نزع فعر أو سقط أو اسود العشر من الدية عشرة دنانير *
قال أبو محمد: هذا القلوص على أصلهم لأنه عشر دية الإصبع من الإبل * وبه إلى
445

عبد الرزاق قال قال الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت في الظفر (1) يقلع ان خرج اسود
أو لم يخرج ففيه عشرة دنانير وان خرج ابيض خمسة دنانير، وعن مجاهد أنه قال إن اسود
الظفر أو أعور فناقة * وعن مجاهد انه كان يقول: ان لم ينبت الظفر فناقة * ومن طريق
عبد الرزاق نا ابن جريج نا محمد بن الحارث بن سفيان عن أذينة انه كان يقول في الظفر إذا
طرحت فلم تنبت بنت مخاض فإن لم يكن فابن لبون * وعن عطاء قال: سمعت في الظفر شيئا
لا أدري ما هو، وقال مالك والشافعي فيه حكومة *
قال على: وما نعلم أحدا قبل مالك روى عنه القول بالحكومة ههنا، وأما نحن فلا
حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ لا نص في هذا ولا اجماع فلا شئ
فيه الا القود في العمد فقط أو المفاداة فإنه جرح وأما في الخطا فلا شئ فيه وبالله
تعالى التوفيق *
(في الشفتين)
2050 مسألة نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد
نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا الحجاج عن مكحول عن زيد
ابن ثابت قال في الحاجب ثلث الدية وفى الشفة العليا ثلث الدية وفى الشفة السفلى ثلثا الدية
لأنها ترد الطعام والشراب * وعن سعيد بن المسيب مثل ذلك * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر في الشفتين الدية مائة من الإبل *
ومن طريق الحجاج المنهال نا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي
قال: في احدى الشفتين النصف يعنى نصف الدية * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء الشفتان قال: خمسون من الإبل * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال. في احدى الشفتين نصف الدية، وروينا أيضا عن
الشعبي وعن مجاهد قال: الشفتان سواء وإنما تفضل السفلى في الإبل *
قال على: هذا مكان اختلف فيه على. وزيد كما أوردنا ولا يصح في الشفتين نص
ولا اجماع أصلا ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والأموال محرمة، وأصحاب
أبي حنيفة، ومالك والشافعي قد خالفوا ههنا زيد بن ثابت وخالفوا في كثير من الأبواب
المتقدمة صحابة لا يعرف لهم مخالف منهم بلا حجة من قرآن ولا من سنة ولا من اجماع
فالواجب في الشفتين القود في العمد أو المفاداة لأنه جرح وأما في الخطأ فلا شئ لرفع الجناح
عن المخطئ وتحريم الأموال إلا بنص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم 14 في الضرس
446

(في السمع)
2051 مسألة: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن
وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان عن عوف قال: سمعت شيخا يحدث في المسجد
فجلسته فقالوا: ذاك أبو المهلب عم أبى قلابة قال: رمى رجل رجلا بحجر في رأسه فذهب
سمعه ولسانه وعقله ويبس ذكره فقضى فيه عمر بن الخطاب بأربع ديات *
قال على: ليس عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم شئ في السمع غير هذا وهو
لا يصح لان أبا المهلب لم يدرك عمر أصلا، ولا في السمع أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صحيح
ولا سقيم، ولا يعرف فيه ايجاب الدية عن أحد من التابعين إلا قتادة وحده وقد
خالفه غيره كما حدثنا حمام نا ابن مفرج عن ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
نا ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في ذهاب السمع خمسون * وبه إلى ابن
جريج عن عطاء قال لم يبلغني في السمع شئ وإنما جاء عن عمر بن عبد العزيز.
وإبراهيم النخعي وابن علاثة اختيار دعواه في أنه ذهب سمعه فقط لا إيجاب دية أصلا
ونذكره لئلا يموه به مموه كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: ما اجتمع
عليه لعمر بن عبد العزيز ان قال: لا أسمع في شئ يصاب به عمم به فاه ومنخريه
فان سمع صرير في الاذن فلا بأس، وجاء إلى عمر بن عبد العزيز رجل فقال:
ضربني فلان حتى صمت احدى أذني فقال له: كيف تعلم ذلك؟ قال: ادع الاطبة
فدعاهم فشموها فقالوا للصماء هذه الصماء * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري
قال: بلغني عن إبراهيم وغيره قال: يختبر فينظر هل يسمع أم لا؟ * وعن عبد الرزاق
عن معمر سألت ابن علاثة القاضي قلت الرجل يدعى على الرجل انه أصمه من ضربه
كيف له أن يعلم ذلك؟ قال: يلتمس غفلاته فان قدر على شئ والا استحلف ثم أعطى
فان ادعى صمما في احدى أذنيه دون الأخرى فإنه بلغني أنه تحشى التي لم تصم وتلتمس
غفلاته، وقال أبو حنيفية ومالك والشافعي وأصحابهم في ذهاب السمع الدية
وهذا لا نص فيه ولا اجماع لصحة وجود الخلاف كما ذكرنا، وقال أبو حنيفة في
ذهاب الشم: الدية *
قال أبو محمد: وهذا ايجاب شريعة والشرائع لا يوجبها إلا الله تعالى في القرآن
أو على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فلا شئ في ذهاب السمع بالخطأ لان
الأموال محرمة الا بنص أو اجماع، وأما في العمد فان أمكن القصاص منه بمثل ما ضرب
فواجب ويصب في أذنه ما يبطل سمعه مما يؤمن معه موته فهذا هو القصاص *
447

(الاذن)
2052 مسألة قد ذكرنا في صحيفة ابن حزم. وحديث مكحول في الاذنين
الدية وجاء في ذلك عن السلف، وقد روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان
ابن عيينة عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أن أبا بكر الصديق قضى في الاذن بخمس
عشرة فريضة ولم يقض فيها أحد قبله، وقال يواريها الشعر والعمامة والقلنسوة * وروينا من
طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة ان أبا بكر الصديق قضى
في الاذن خمسة عشر من الإبل وقال: إنما هو شئ لا يضر سمعا ولا ينقص قوة يغيبها
الشعر والعمامة * وبه إلى معمر عن قتادة قال: إذا قطعت الاذن قضى فيها أبو بكر
بخمسة عشر من الإبل فهذا قول * وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن
أبيه أن عمر بن الخطاب قضى في الاذن إذا استؤصلت بنصف الدية، قال عبد الرزاق
والناس عليه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال:
قضى عمر بن الخطاب في الاذن بنصف الدية أو عدل ذلك من الذهب والورق * ومن
طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي
طالب قال: في الانف الدية وفى اللسان الدية وفى الذكر الدية وفى العين النصف
وفى الاذن النصف وفى اليد النصف. وفى الرجل النصف. وفى احدى الشفتين
النصف * وعن الشعبي عن شريح قال في الاذن نصف الدية * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج قال قال عطاء في الاذن إذا استؤصلت خمسون من الإبل * وعن
مجاهد إذا استؤصلت نصف الدية * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن علقمة
ابن قيس قال قال ابن مسعود: كل زوجين ففيهما الدية وكل واحد ففيه الدية، وبه يقول
إبراهيم النخعي وأبو حنيفة ومالك والشافعي واحد وأصحابهم * ومن طريق
أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد الرحيم - هو ابن سليمان - وعبيد الله بن نمير كلاهما عن
حجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في شحمة الأذن ثلث دية الأذن *
قال أبو محمد: وعهدنا بالمالكيين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق
تقليدهم وهم ههنا قد خالفوا أبا بكر. وعمر وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد
ابن ثابت فلم يقولوا بشئ مما روى عنهم ونقضوا أصولهم وإنما أوردنا هذا لئلا
يقولوا لنا: إنما عنى هؤلاء الذين جاءت عنهم هذه الرويات بالاذن السمع فإنهم
كثيرا ما يتقحمون مثل هذا فاريناهم مالا عمل لهم به، ويقال لهم: الذي روى عن علي
في الانف الدية لعله أيضا إنما عنى الشم فقط لا الانف الظاهر والرواية عن زيد في
448

شحمة الأذن تبطل تأويلكم هذا *
قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا إلا في كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم
أو اجماع متيقن لا مدخل للشك فيه وليس ههنا شئ من ذلك فلا شئ في الاذنين إلا
القود أو المفاداة في العمد لأنه جرح ولا شئ في الخطأ في ذلك (1) لما ذكرنا *
(الذكر والأنثيين)
2053 مسألة: قد ذكرنا ما جاء في ذلك في صحيفة عمرو بن حزم وصحيفة
عمرو بن شعيب وخبر مكحول ورجل من آل عمر، وان كل (2) ذلك لا يصح منه
شئ ونحن ذاكرون إن شاء الله تعالى ما جاء في ذلك عن السلف الطيب رضي الله عنهم
* نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن
عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة
عن علي بن أبي طالب قال في الذكر الدية * نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن
نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح ناموسي بن معاوية نا وكيع عن سفيان عن
عوف عن شيخ عن عمر مثله * وبه إلى وكيع نا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم
ابن ضمرة عن علي في احدى البيضتين النصف * وبه إلى وكيع نا سفيان عن عوف قال
سمعت شيخا يحدث في المسجد فجلسته فقالوا: ذاك أبو المهلب عم أبى قلابة قال: رمى
رجل رجلا بحجر في رأسه فهذه بسمعه ولسانه وعقله ويبس ذكره فقضى عمر في
ذلك بأربع ديات * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن
ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر في ذكر الرجل مائة من الإبل * وبه
إلى عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي انه
قضى في الحشفة بالدية كاملة * وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو
ابن العاص عن عمر بن الخطاب انه حكم في البيضة يصاب صافيها الاعلى بسدس الدية،
وعن مكحول يقول: قضى عمر في اليد الشلاء ولسان الأخرس وذكر الخصي يستأصل
بثلث الدية. وعن عمرو بن شعيب ان عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب
يسأله عن امرأة أخذت بأنثى زوجها فجبذته فخرقت الجلد ولم تخرق الصفاق فقضى
عليها بسدس الدية، ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا محمد بن فضيل عن ليث عن
عمرو بن شعيب قال: كتب إلى عمر بن الخطاب في امرأة أخذت بأنثى زوجها
فخرقت الجلد ولم تخرق الصفاق فقال عمر لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اجعلها في

(1) في النسخة رقم 45 وليس في الخطأ في ذلك شئ
(2) في النسخة رقم 14 وإن كان
449

منزلة الجائفة قال عمر: لكني أرى غير ذلك أرى أن فيها نصف ما في الجائفة، وعن
ابن مسعود قال: كل زوجين ففيهما الدية وكل واحد ففيه الدية، وعن الشعبي عن
ابن مسعود قال: الأنثيان سواء، وعن زيد بن ثابت البيضتان سواء *
(وأما التابعون) فروينا من طريق الحجاج بن المنال نا حماد بن سلمة عن قتادة
عن سعيد بن المسيب قال في البيضة اليمنى ثلث الدية وفى اليسرى ثلثا الدية لان الولد
يكون منها، وعن الشعبي عن مسروق قال: البيضتان سواء ففيهما الدية، وعن عطاء أنه قال
في الحشفة الدية إذا أصيبت قلت فاستؤصل الذكر قال فالدية قلت: أرأيت أن
استؤصلت الحشفة ثم أصيب شئ مما بقي بعد؟ قال: جرح يرافيه قلت فذكر الذي
لا يأتي النساء قال: مثل ما في ذكر الذي يأتي النساء قلت: الكبير الذي قد ذهب ذلك
منه أليس يوفى قدره يعنى ديته قال: بلى قلت والبيضتان في كل بيضة خمسون خمسون
قال مجاهد: لا يفصل بينهما، وعن قتادة في ذكر الذي لا يأتي النساء ثلث دية ذكر
الذي يأتي النساء وكذلك يقيسه على لسان الأخرس والسن السوداء والعين القائمة،
وعن إبراهيم في ذكر الخصي حكم فحصل في هذا الباب روايات عن أبي بكر وعمر
وعلى وابن مسعود وزيد ان في الذكر الدية الا أن عمر جاء عنه وذكر الخصي ثلث
دية وفى صفاق البيض سدس دية، وعمن بحضرته من الصحابة ثلث الدية، وجاء عن علي
. وابن مسعود. وزيد التسوية بين البيضتين، وجاء عن التابعين ما ذكرناه،
وقال مالك: والثوري. وأبو حنيفة في ذكر الصبي حكومة، وقال أبو حنيفة
وأصحابه في ذكر [الذي لا يأتي النساء حكومة وقال الشافعي] (1) في ذكر الخصي
والصبي والهرم والعنين الدية كاملة *
قال أبو محمد: ليس في هذا الباب شئ الا عن خمسة من الصحابة رضي الله عنهم
لا يصح عن أحد منهم شئ من ذلك إلا عن علي وحده ومدعى الاجماع ههنا
مقدم على الكذب على جميع الأمة فان ذكروا في ذلك ما حدثناه حمام نا ابن مفرج
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه
ان عنده كتابا عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قطع الذكر ففيه مائة ناقة قد انقطعت شهوته وذهب
نسله فهذا منقطع وان صححوه فإنه يلزم به أن الدية لا تجب في ذكر العقيم ولا في
ذكر الشيخ الكبير وهم لا يقولون بهذا، وقد خالفوا عمر في ذكر الخصي وللعين

(1) الزيادة من النسخة رقم 45
450

العوراء واليد الشلاء ثلث الدية وخالفوا سعيد بن المسيب في قوله أن في البيضة اليسرى
ثلثي الدية وفى اليمنى ثلث الدية ولو كان هذا اجماعا لما استجاز ابن المسيب خلافه *
قال على. وأما قوله إن الولد من اليسرى فقد أخبرني أحمد بن سعيد بن حسان
ابن هداج العامري وكان ثقة مأمونا فاضلا انه أصابه خراج في البيضة اليسرى أشرف
منه على الهلاك وسالت كلها ولم يبق لها أثر أصلا ثم برئ وولد له بعد ذلك ذكر وأنثى
ثم أصابه خراج أيضا في اليمنى فذهب أكثرها ثم برى ولم يولد له بعدها شئ فإذ لا يصح
في الدية في الذكر والأنثيين شئ لا نص ولا اجماع فالواجب أن لا يجب في ذلك شئ
في الخطأ وأن يجب في ذلك القود في العمد أو المفاداة لأنه جرح وبالله تعالى التوفيق *
(الصلب والفقارات)
2054 مسألة نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر في صلب الرجل إذا كسر ثم
جبر بالدية كاملة إذا كان لا يحمل (1) له وبنصف الدية إن كان يحمل له * وبه إلى
ابن جريج ومعمر كلاهما عن رجل عن عكرمة ان أبا بكر. وعمر قضيا (2) في الصلب
إذا لم يولد له بالدية وان ولد له فنصف الدية * وبه إلى ابن جريج أخبرني محمد بن
الحرث بن سفيان ان محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة قال: حضرت
عبد الله بن الزبير قضى في رجل كسر صلبه فاحدودب هو ولم يقعده وهو يمشى محدودبا بثلثي
الدية * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال الشعبي: قضى زيد بن ثابت في
فقار الظهر كله بالدية كلها وهي ألف دينار وهي اثنتان وثلاثون فقارة في كل
فقارة احدى وثلاثون دينارا وربع دينار إذا كسرت ثم برئت على غير عثم فان
برئت على عثم ففي كسر أحد وثلاثون دينارا وربع دينار وفى العثم ما فيه من
الحكم المستقبل سوى ذلك * وعن مكحول أنه قال في كل فقار أحد وثلاثون دينارا
وربع دينار * وعن الزهري قال في الصلب إذا كسر الدية كاملة، وعن عطاء مثل
ذلك، وعن سعيد بن جبير مثل ذلك، وهو قول الحسن البصري يزيد بن قسيط
وبه يقول الثوري والشافعي إذا منعه المشي، وبه يقول (3) احمد. وإسحاق إذا لم
يولد له وقد جاء في هذا أثر كما حدثنا حمام بن أحمد نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا
الدبري نا عبد الرزاق نا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في الصلب إذا كسر

(1) في النسخة رقم 45 إن كان لا يحبل له
(2) في النسخة رقم 45 ان أبا بكر وعمر قضى
(3) في النسخة رقم 45 وبه قال
451

فذهب ماؤه الدية كاملة فإن لم يذهب الماء فنصف الدية قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: فهذه رواية عن أربعة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعلم لهم
من الصحابة مخالف أبو بكر. وعمر. وابن الزبير. وزيد وهي عن زيد غير صحيحة (1)
ولا يقول بهذا الحنيفيون ولا المالكيون وهو تناقض فلا يرون في ضرب الصلب
يقطع الولد شيئا ولا يرون في الفقارات أيضا ما جاء عن زيد بن ثابت فيها ولا يعرف
له من الصحابة في هذا مخالف وهو أيضا عن جماعة من التابعين، ولا فرق بين سائر
ما ذكرنا قبل، وفى هذا أيضا خبر مرسل كما أوردنا بالدية وان لم يولد له وبنصف
الدية ان ولد له وهم يدعون الاخذ بالمرسل ولا يبالون بالتناقض والتشنيع على
خصومهم (2) وهم يجعلون في كل واحد في الأسنان الدية قياسا على النفس وفى كل
اثنتين الدية وفى كل أربع الدية وفى كل عشرة الدية فما بالهم لا يجعلون في الفقارات
كذلك كما جاء عن زيد وهذا مما نقضوا فيه القياس *
قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا في مرسل ولا في قول أحد دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم وليس في هذا الباب خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يصح ولا اجماع متيقن والأموال
محرمة إلا ما أباحه نص أو اجماع والخطأ مرفوع كما قد تقدم فليس في الصلب ولا
في الفقارات في الخطأ شئ، وأما في العمد فالقود فقط ولا مفاداة فيه لأنه ليس
جرحا فإن كان ذلك جرحا ففيه القود أو المفاداة على ما ذكرنا *
(في الضلع)
2055 - مسألة - حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن سعيد بن حزم نا
عبيد الله بن يحيى نا أبى نا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى
عمر بن الخطاب قال: قضى في الضرس بجمل وفى الترقوة بجمل وفى الضلع بجمل،
ومن طريق وكيع نا سفيان عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر
ابن الخطاب قال: سمعت عمر يقول على المنبر في الضلع جمل وفى الضرس جمل وفى
الترقوة جمل * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال:
في الضلع إذا كسر بعير، وعن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
عن أبيه عن عمر بن الخطاب انه قضى في الضلع ببعير * ومن طريق الحجاج بن المنهال
نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب
أنه قال في الترقوة بعير وفى الضلع بعير، قال حماد: وأخبرنا قتادة أن عبد الملك بن

(1) في النسخة رقم 45 عن زيد صحيحة ويظهران النفي مرجوح
(2) في النسخة رقم 14 على خصمهم
452

مروان قضى في الضلع ببعير فإن كان فيها أجور فبعيران * ومن طريق عبد الرزاق
عن معمر عن قتادة في الضلع إذا كسرت ثم جبرت عشرون دينارا فإن كان فيها عثم
فأربعون دينارا وفى ضلع المرأة إذا كسرت عشرة دنانير، وعن مسروق في الضلع
حكم، وقال الشافعي في أحد قوليه. وأحمد بن حنبل. وإسحاق بن راهويه: في الضلع
بعير وفى الترقوة بعير، وقال مالك. وأبو حنيفة. وأصحابهما. والشافعي في أحد
قوليه (1) ليس في ذلك الاحكم *
قال أبو محمد: هذا اسناد في غاية الصحة عن عمر بن الخطاب يخطب به على المنبر
بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يوجد له منهم مخالف بأن الواجب في الضلع جمل، وفى
الضرس جمل وقال به كل من عرف له قول في ذلك من ذلك من التابعين حاش مسروقا. وقتادة فان
قتادة أضعف فيه الدية فزاد على قول عمر ولم يخالفه في إيجاب دية في ذلك فاستسهل
المالكيون: والحنيفيون خلاف كل ذلك بآرائهم، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه الرواية ليست إجماعا لأنه قد يسكت الصاحب (2)
لبعض المعاني، وقد يغيب النفر منهم، ولا اجماع الا ما تيقن ان كل واحد منهم علمه ودان
به كالصلاة والزكاة والحج وصوم رمضان وسائر الشرائع التي قد تيقنا اجماعهم عليها
فإذ لا نص ولا اجماع ههنا فلا شئ في الضلع إذا كان خطأ لان الخطأ مرفوع بنص القرآن
والسنة والأموال محرمة بنص القرآن والسنة فإن كان عمدا ففيه القود فقط إلا أن
يكون يجرح ففيه القود أو المفاداة على ما ذكرنا قبل، وبالله تعالى التوفيق *
(الترقوة)
2056 مسألة قد ذكرنا قول عمر في الترقوة جمل في الباب الذي قبل هذا
متصلا به وخطبته بذلك على المنبر فأغنى عن اعادته، وقول سعيد بن المسيب بمثل ذلك،
وبه يقول أحمد وإسحاق وقال به الشافعي في أحد قوليه، وقول آخر رويناه من طريق
الحجاج بن المنهال أبا الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال في الترقوة أربعة أبعرة،
وعن الشعبي ومجاهد قالا جميعا في الترقوة ان كسرت أربعون دينارا، وعن عبد الرزاق
في الترقوة عشرون دينارا، وقضى فيها عبد الملك بن مروان ببعيرين فان برئت وفيها
أجور فأربعة أبعرة وعن سعيد بن جبير: في كل شئ من الأعضاء حكومة الا الترقوة
ففيها بعيران *
قال أبو محمد: وهذا خلاف موجود ثابت في أنه ليس في شئ من الأعضاء

(1) في النسخة رقم 14 في قوله
(2) في النسخة رقم 45 يسكت الصحابة
453

دية مؤقتة: والعينان والأسنان أعضاء فبطل دعوى الاجماع في ذلك، وعن مسروق في
الترقوة حكم وفى الضرس حكم، وبه يأخذ أبو حنيفة ومالك والشافعي في أحد قوليه
وأصحابهم، أما الرواية عن زيد فواهية لأنه نقل الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ثم عن
مكحول عن زيد ومكحول لم يدرك زيدا، وأما الرواية عن عمر فثابتة قالها على المنبر
بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، وهذا قد خالفه المالكيون والحنيفيون بآرائهم *
قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس
ههنا نص فلا يجب في الترقوة شئ في الخطأ لما ذكرنا [وأما في العمد فالواجب في ذلك
القصاص فقط الا إن كان جرحا فالقود أو المفاداة لما ذكرنا] (1) قبل، وبالله
تعالى التوفيق *
(الثدي)
2057 مسألة نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد
نا على عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن مكحول
أن زيد بن ثابت قال في حلمة ثدي الرجل إذا قطعت ثمن دية الثندوة وفى حلمة ثدي
المرأة إذا قطعت ربع دية ثديها * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن محمد راشد عن مكحول عن قبيصة بن ذوئيب عن زيد بن ثابت قال في حلمة الثدي:
ربع الدية، وروينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة ان أبا
بكر الصديق جعل في حلمة ثدي الرجل خمسين دينارا، وفى حلمة ثدي المرأة مائة دينار قال
معمر: سمعت عطاء الخراساني يقول مثل ذلك، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر في ثدي المرأة بعشرة من الإبل إذا لم يصب الا حلمة
ثديها فإذا قطع من أصله فخمسة عشر من الإبل، وعن الزهري قال في حلمة ثدي الرجل
خمس من الإبل وعن عطاء قال كم في حلمة الرجل؟ قال: لا أدري، وعن الشعبي قال: في
أحد ثديي المرأة نصف ديتها، وعن إبراهيم النخعي قال: في ثدي المرأة الدية وفى ثدي
الرجل حكومة، ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن سليمان الشيباني عن الشعبي
قال في ثدي المرأة الدية، وبه يقول سفيان الثوري. ومالك. وأبو حنيفة. والشافعي. واحمد.
وأصحابهم، وقال هؤلاء في ثدي الرجل حكومة، وقال أحمد وإسحاق فيهما الدية كاملة *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب الرجوع إلى ما أمر الله تعالى
به الرجوع إليه من القرآن والسنة عند التنازع ففعلنا فلم نجد في ذلك نص قرآن ولا سنة

(1) الزيادة من النسخة رقم 45
454

لا صحيحة ولا سقيمة ولا اجماعا متيقنا وكل حكم لم يكن في هذه العمد فهو باطل [بيقين] (1)
وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في أقوال من
ذكرنا من صاحب أو تابع سنة ولا قرآن ولا اجماع، وقد ذكرنا أن الأموال محرمة
لقول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فوجب أن لا يجب في الثديين (2) غرامة أصلا
فان أصيبا خطا فلا شئ في ذلك لما ذكرنا وإن كان عمدا ففيه القود. وهذا قول
أبى سليمان وجميع أصحابنا وبه نأخذ *
قال على: فان قطع الرجل حلمة ثدي المرأة قطع ثديه كله لأنه كله حلمة لا ثدي
له فان قطعت هي ثديه قطعت حلمتها فان قطع جميع ثديها عمدا قطع من جلده ما حوالي ثديه
مقدار ذلك لقول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) *
(افضاء الرجل المرأة)
2058 - مسألة - نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس المرادي
نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا هشيم عن داود عن عمرو بن شعيب ان رجلا
استكره امرأة فأفضاها فضربه عمر بن الخطاب الحد وغرمه ثلت ديتها * نا حمام نا ابن
مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن رجل عن عكرمة قال: قضى عمر بن
الخطاب في المرأة إذا غلبت على نفسها فافضيت أو ذهبت عذرتها بثلث ديتها ولاحد عليها *
وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن قتادة في الرجل يصيب المرأة فيفضيها
قال ثلث الدية، وقول آخر كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن عبد الله بن
محرز عن قتادة أن زيد بن ثابت قال في المرأة يفضيها زوجها ان حبست الحاجتين
والولد فثلث الدية، وان لم تحبس الحاجتين والولد فالدية كاملة، وبه إلى عبد الرزاق عن
ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز [ان عمر بن عبد العزيز] (3) قال في افضاء
المرأة الدية كاملة من أجل انها تمتنع اللذة والجماع * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد
ابن سلمة أنا هشام بن عمرو الفزاري قال: شهدت عمر بن عبد العزيز إذ جاءه كتاب
من عامله بنجران فلما قرأه قال: ما ترون في رجل ذي جدة وسعة خطب إلى رجل ذي فاقة
بنته فزوجه إياها فقال: ادفعها إلى فانى أوسع لها فيما أنفق عليها فقال: إني أخافك عليها
أن تقع بها فقال: لا تخف لا أقربها فدفعها إليه فوقع بها فخرقها فهريقت دما وماتت؟ فقال
عبد الله بن معقل بن مقرن غرم والله وقال عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان غرم والله

(1) الزيادة من النسخة رقم 45
(2) في النسخة رقم 14 في الثدي
(3) الزيادة من النسخة رقم 45
455

فقال عمر بن عبد العزيز: أعقلا وصداقا، أعقلا وصداقا، وقال أبان بن عثمان بن عفان:
ان كانت أدركت ما أدرك النساء فلا دية لها، وان لم تكن أدركت ما أدرك النساء فلها
الدية فكتب عمر بذلك إلى الوليد بن عبد الملك ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا زيد
ابن الحباب عن خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن أبان بن عثمان أنه رفع إليه رجل تزوج
جارية فأفضاها فقال فيها هو. وعمر بن عبد العزيز: ان كانت ممن يجامع مثلها فلا شئ عليه
وان كانت ممن لا يجامع مثلها فعليه ثلث الدية، وعن ابن جريج إذا كان لا يستمسك الغائط
فعليه الدية كاملة وبه يقول سفيان الثوري وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: مثل ذلك
وزاد فإذا كان الغائط يستمسك فثلث الدية، ولا يعرف لمالك ولا للشافعي
فيها قول *
قال أبو محمد: أما المأثور في ذلك عن عمر بن الخطاب. وزيد بن ثابت رضي الله عنهما
فإنه توقيف، والتوقيف (1) لا يؤخذ الا عن الله تعالى على لسان نبية صلى الله عليه وسلم، ولقد
كان يلزم المالكيين المشنعين بقول الصاحب الذي لا يعرف له مخالف أن يقولوا ههنا
بقول عمر وزيد ولكن هذا مما تناقضوا فيه، وأما الحنيفيون فإنهم طردوا أصلهم
وقالوا ههنا بما روى عن عمر وزيد فهلا فعلوا ذلك في حلمة ثدي الرجل والمرأة،
ولكن هذا يريكم تناقض القوم وأنهم لا يحققون أصلا *
قال على: وأما نحن فنقول: إن كان ذلك وقع منه في زوجته من غير قصد
فعاشت وبرئت فلا شئ في ذلك لأنه مخطئ وقد أباح الله تعالى له وطئ زوجته فلم يتعد
حدود الله تعالى في ذلك، وإن كان فعل ذلك عامدا وهو يدرى انها لا تحمل أو فعل ذلك
بأمة كذلك أو بأجنبية فعليه القصاص ويفتق منه بحديدة مقدار (2) ما فتق منها متعديا
وعليه في الأجنبية مع ذلك الحد ولا غرامة في شئ من ذلك أصلا، الا أن فعل ذلك مخطئا
فماتت فالدية كاملة لأنها نفس وبالله تعالى التوفيق *
(من قطع من جلده شئ)
2059 - مسألة - نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد
نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج عن مكحول قال:
إذا اختلف من جلدة الوجه والرأس مثل الدرهم ففيه ثلاثة أبعرة وان اختلف، من
الجسد فبعير ونصف *
قال أبو محمد: هذا تحديد لم يأت به نص قرآن ولا سنة ولا اجماع فلا يجب

(1) في النسخة رقم 45 فإنه توقيت والتوقيت
(2) في النسخة رقم 14 بقدر
456

في ذلك شئ، وأما الحنيفيون. والمالكيون. والشافعيون فإنهم أصحاب قياس بزعمها
وهذا مكان يجب عليهم على أصولهم (1) أن يقيسوه على قولهم في الموضحة ولكنه مما تناقضو
فيه، وأما نحن فالقصاص في ذلك في العمد وليس في الخطا في ذلك شئ لقول الله تعالى
(وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وبالله تعالى التوفيق
(الكسر إذا انجبر)
2060 - مسألة - نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا
ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا قتادة عن سليمان بن يسار أن عمر
الخطاب قضى في رجل كسرت يده أو رجله أو فخذه ثم انجبرت فقضى فيها بحقتين
وعن حماد بن سلمة نا عمرو بن دينار قال: إن رجلا كسر أحد زندية ثم انجبر فقضى
فيه عمر بمائتي درهم، وعن حماد بن سلمة عن الحجاج عن عكرمة بن خالد المخزومي أن عمر
ابن الخطاب قضى فيه ببعيرين، والبعيران بإزاء المائتي درهم من حساب عشرة آلاف درهم
وعن حماد بن سلمة أنا أيوب السختياني وهشام بن حسان وحبيب بن الشهيد كلهم عن
محمد بن سيرين أن شريحا قضى في الكسر إذا انجبر قال لا يزيده ذلك الا شدة يعطي
أجر الطبيب وقدر ما شغل عن صنعته، وعن مكحول أنه قال في الصدع في العضد قد
انجبر ثمانية أبعرة فإذا انكسر أحد زنديه ثم انجبر فعشرة أبعرة، وفى كل مفصل من
مفاصل الإصبع إذا انكسر ثم انجبر ثلثا بعير، وفى الظفر إذا أعور بعير فإذا..
فخمسا بعير، فهذه آثار جاءت عن عمر بن الخطاب وعن شريح وعن مكحول
والحنيفيون والمالكيون والشافعيون قد خالفوا ما جاء عن عمر بآرائهم *
قال أبو محمد: وليس في ذلك عندنا الا القصاص في العمد فقط وأما في الخطا فلا
لما قد ذكرنا من قول الله تعالى ومن قول رسوله عليه الصلاة والسلام *
(المثانة إذا انفتقت)
2061 مسألة حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن
نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا قتادة عن أبي مجلز أنا
في المثانة إذا فتقت: ثلث الدية ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أزهر عن
عون محمد بن عبيد الله الثقفي عن شريح قال في الفتق ثلث الدية * نا حمام نا ابن مفرج نا
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الشعبي قال: في المثانة
خرقت: ثلث الدية قال عبد الرزاق قال ابن جريج وأنا أقول: إن فيها إذا لم تمسك

(1) في النسخة رقم 14 على أصلهم
457

الدية كاملة قاله أهل الشام، وقال سفيان الثوري مثل ذلك، قال على: ليس في ذلك إلا
القصاص في العمد أو المفاداة لأنه جرح وليس في الخطأ شئ لما ذكرنا *
(الورك)
2061 - مسألة - روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج عن
مكحول عن زيد بن ثابت قال في الورك إذا انكسرت ثم انجبرت: عشرة أبعرة وهو قول (1)
صاحب لا يعرف له مخالف من الصحابة، والحنيفيون والمالكيون والشافعيون يشنعون
خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وأما نحن فليس عندنا إلا القود في العمد فقط وأما في
الخطأ فلا شئ فيه *
(المقعدة الشفران والأليتان والعفلة (2) والمنكب)
2062 - مسألة - نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الزراق عن
ابن جريج عن عبد الكريم أنه قال في المقعدة إذا لم يستطع أن يمسك خلاه فالدية، وبه يقول
الثوري * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب أنه قال
في الأليتين إذا قطعتا حتى يبدو العظم الدية كاملة وفى أحداهما نصف الدية، وعن إبراهيم
النخعي في الأليتين الدية وبه إلى عبد الرزاق عن أبي جريج أخبرني محمد بن الحارث بن
سفيان قال: يقضى في شفر قبل المرأة إذا اوعب حتى يبلغ العظم نصف ديتها وفى شفريها
بديتها إذا بلغ العظم فان كانت عاقرا لا تحمل قال ابن جريج: واجتمع لعمر بن عبد العزيز
في ركب المرأة (3) إذا قطع بالدية من أجل انها تمتنع من لذة الجماع، وقال عطاء: ما علمت
في قبل المرأة شيئا ببلادنا قال ابن جريج: وأخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
قال: اجتمع العلماء لأبي في خلافته على أن في العفلة تكون من الضربة الدية كاملة
لأنها تمنع اللذة والجماع وعلى أن في المنكب إذا كسر ثم جبر في غير عثم (4)
أربعون دينارا *
قال على: وقال الشافعي في العفلة إذا بطل الجماع الدية وفى ذهاب الشفرين (5)
كذلك، وقال أبو حنيفة. والشافعي. واحمد. وأصحابهم في الأليتين: الدية، وكل هذا

(1) في النسخة رقم 14 وهذا قول
(2) العفلة والعفل - بالتحريك فيهما - شئ يخرج من قبل النساء وحياء الناقة شبيه بالأدرة التي للرجال والمرأة عفلاء، والأدرة نفحة الخصية
(3) الركب - بالتحريك - منبت العانة قيل هو للمرأة خاصة، وقيل لهما
(4) هو العظم المكسور إذا جبر على غير صحة
(5) تثنية شفر حرف كل شئ شفرة وشفيرة وبالضم واحد أشفار العين وهي حروف الأجفان
التي ينبت عليها الشعر وهو الهدب
458

لا نص فيه ولا اجماع فلا شئ في ذلك في الخطأ أما في العمد فالقصاص فيما أمكن (1)
أو المفاداة فيما كان جرحا وبالله تعالى التوفيق *
(العنق)
2063 - مسألة - نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن أزهر عن أبي عون عن شريح قال في العنق ثلث الدية * قال
على: لا شئ في ذلك في الخطا والقود في العمد ولا بد *
(الدرس لبطن آخر حتى يسلح)
2064 - مسألة - نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس
نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري
أن رجلين اختصما بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز فقال أحدهما لصاحبه ضربته
حتى سلح فقال: اشهدوا فقد والله صدق فأرسل عمر بن عبد العزيز إلى سعيد بن المسيب
يسأله عن رجل ضرب رجلا حتى سلح هل مضى في ذلك أثر أو سنة؟ فقال سعيد.
قضى فيها عثمان بثلث الدية قال سفيان وليس ذلك على العاقلة وقد روى عن عثمان في
ذلك غير هذا كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عمر بن
عبد الله بن طلحة الخزاعي قال: كان رجل يقال له أبو عقاب كان عظيما سمينا فاخذه
رجل قصير فوطئ في بطنه حتى خرئ فأرسل عمر بن عبد العزيز إلى سعيد بن
المسيب يسأله عن ذلك؟ فقال سعيد بن المسيب: قضى فيه عثمان بن عفان بأربعين
دينار أو بأربعين فريضة * وعن حماد بن سلمة عن أبي الخطاب عن حميد بن يزيد
عن نافع أن عثمان بن عفان قضى في ذلك بأربعين بعيرا يعنى الذي ضرب حتى سلح *
قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد ولا حكمه دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم وسلم فليس عندنا في ذلك الا القصاص ضرب كضرب ولا مزيد والحدث ليس
فعل الضارب بالمضروب فلا اعتداء عليه في ذلك والطبائع تختلف في الشدة والاسترخاء
وبالله تعالى التوفيق *
(الضرطة)
2065 مسألة: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن معمر عن إسماعيل بن أمية أن رجلا (2) كان يقص شارب عمر بن الخطاب
فأفزعه عمر فضرط الرجل فقال عمر: أما انا لم نرد هذا ولكن سنعقلها فأعطاه

(1) في النسخة رقم 14 ان أمكن
(2) إسماعيل هذا لم يدرك عمر، وان رجلا مجهول لا يدرى من هو *
459

أربعين درهما قال: واحسبه قال: شاة أو عناقا *
قال على: قد سمى عمر بن الخطاب الذي أعطى في ذلك عقلا والشافعيون.
والمالكيون والحنيفيون يخالفون هذا ولا يرونه أصلا وهذا تحكم وتلاعب في الدين
لا يحل، فإن كان ما روى عن الصاحب مما لا يعرف له مخالف حجة فليلتزموا كل هذا
وكل ما أوردناه فان فعلوا ذلك تركوا أكثر مذاهبهم وفارقوا من قلدوا دينهم وإن كان
ما روى عن الصاحب لا يعرف له منهم مخالف ليس حجة فهذا قولنا فليتركوا
التهويل على من خالف ذلك وليسقطوا الاحتجاج بما احتجوا به من ذلك *
(الجبهة)
2066 مسألة: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز [عن عمر بن عبد العزيز] (1)
أنه قال في الجبهة إذا هشمت وفيها غوص من داخل مائة وخمسون دينارا فإن كان
بين الحاجبين كسر شان الوجه ولم تنتقل منه العظام فربع الدية وان كسر ما بين الاذنين
يصيب ما ضغ اللحيين وقد أذاه الشعر في تخوص لم يضر في الجرح ولم ينقل منه
عظم ففيه مائة دينار *
قال على: هذا أصح سند كما ترى إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله فلئن كان
رأيا كما هو رأى بلا شك فلعمري أن رأى عمر بن عبد العزيز لاحق بالسداد بلا
شك من رأى أبي حنيفة ومالك والشافعي، ولئن كان يطلق في ذي فضل يقول مثل
هذا لا يقال بالرأي فهو توقيف فان عمر بن عبد العزيز لاحق بهذه المخرجة ممن ذكرنا،
وأما نحن فنقول: إن عمر رحمه الله وغيره ممن سلف معذورن فيما أخطأوا فيه مأجورون
في اجتهادهم ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا نص فيه ولا اجماع
فلا يجوز القول فيه وليس فيه الا القود في العمد فقط الا أن يكون جرحا فتكون فيه
المفاداة ولا شئ فيه في الخطا وبالله تعالى التوفيق *
(اللطمة)
2067 مسألة: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
قال: سمعت مولى لسليمان بن حبيب يخبر عن معمر قال: ان سليمان بن حبيب قضى في الصكة
إذا احمرت أو اسودت أو اخضرت بستة دنانير *
قال أبو محمد: هذا كالذي قبله ولا شئ في هذا الا القصاص فقط فلو قامت

(1) الزيادة من النسخة رقم 45
460

بينة في شئ مما ذكرنا انه أراد غيره مما أبيح له فهو خطا لا شئ فيه *
(الجراح وأقسامها)
2068 - مسألة - قال أبو محمد: أولها الحارضة. ثم الدامية ثم الدامعة ثم
الباضعة ثم المتلاحمة ثم السمحاق وهي أيضا الملطا ثم الموضحة ثم الهاشمة ثم المنقلة ثم
المأمومة وهي الآمة أيضا وفى الجوف وحده الجائفة وهي التي نفذت إلى الجوف،
والحارضة التي تشق الجلد شقا خفيفا يقال: حرض القصار الثواب إذا شقه شقا لطيفا،
والدامة هي التي ظهر فيها شئ من دم ولم يسل، والدامعة هي التي سال منها شئ من
دم كالدمع، والباضعة هي التي شقت الجلد ووصلت إلى اللحم، والمتلاحمة هي التي
شقت الجلد وشرعت في اللحم، والسمحاق هي الملطا وهي التي قطعت الجلد واللحم
كله ووصلت إلى القشرة الرقيقة التي على العظم، والموضحة التي شقت الجلد اللحم
وتلك القشرة وأوضحت عن العظم، والهاشمة التي قطعت الجلد واللحم والقشرة وأثرت
في العظم فهشمت فيه، والمنقلة وهي المنقولة أيضا التي فعلت ذلك كله وكسرت العظم
فصار يخرج منها العظام، والمأمومة التي نفذت ذلك كله وشقت العظم كله فبلغت أم
الدماغ، هذا الكلام كله هكذا حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور قال نا محمد بن عيسى بن
رفاعة قال نا علي بن عبد العزيز نا أبو عبيد عن الأصمعي وغيره فذكر كما ذكرنا *
قال أبو محمد: فقال بعض السلف: كما قدمنا لا قصاص في العمد في شئ منها
إلا في الموضحة وحدها وادعوا أن المماثلة في ذلك متعذرة، وقال آخرون: بل القصاص
في كلها والمماثلة ممكنة كما أمر الله تعالى وقد ذكرنا بطلان قول من منع من القصاص فيها
برأيه قبل فأغنى عن اعادته، يكفي من ذلك عموم قول الله تعالى: (والجروح
قصاص) برفع الحاء، وقال تعالى: (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا
عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وما كان ربك نسيا، فلو علم الله تعالى ان شيئا من ذلك
لا تكمن فيه مماثلة لما أجعل لنا أمره بالقصاص في الجروح حملة ولم يخص شيئا فنحن نشهد
بشهادة الله تعالى التامة الصادقة ونقطع قطع الموقن المصدق بكلام ربه تعالى أن ربنا
عز وجل لو أراد تخصيص شئ من الجروح بالمنع من القصاص في العمد لبينها لنا كما
أخبر تعالى عن كتابه انه أنزله تبيانا لكل شئ فإذ لم يفعل ذلك فنحن نقسم بالله تعالى
قسما برا انه تعالى ما أراد قط تخصيص شئ من الجروح بالمنع من القصاص منه إلا في
الاعتداء به وبالله تعالى التوفيق *
2069 - مسألة - من قتل عمدا فعفى عنه. وأخذ منه الدية أو المفاداة *
461

قال أبو محمد: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يجلد مائة وينفى سنة كما نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عباس بن
عبد الله أن عمر بن الخطاب قال في الذي يقتل عمدا انه لا يقع القصاص عليه بجلد
مائة قلت: كيف؟ قال في الحر يقتل عمدا أو في أشباه ذلك * وبه إلى ابن جريج عن
عمرو بن شعيب أن عمر جلد حرا قتل عبدا مائة ونفاه عاما * وبه إلى ابن جريج عن
إسماعيل بن أمية قال: سمعت أن الذي يقتل عبدا يسجن سنة ويضرب مائة * وبه إلى ابن
جريج عن ابن شهاب قال: ان قتل الحر عبدا عوقب بجلد وجيع وسجن وبعتق رقبة
فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ولم تكن عليه عقوبة. وقال الأوزاعي. والليث. ومالك:
من قتل عمدا فعفى عنه الأولياء أو فادوه بالدية فإنه يجلد مائة سوط مع ذلك وينفى سنة
إلى أن قال مالك في القسامة يدعى على جماعة انهم لا يقسمون الا على واحد فان أقسموا
عليه قتلوه وضرب الباقون كل واحد مائة سوط وينفوا كلهم سنة سنة. وقال آخرون:
لا شئ عليه كما نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن
مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال:
كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية قال الله تعالى: (كتب عليكم القصاص في
القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والاثنى بالاثني فمن عفى له من أخيه شئ)، فالعفو أن
تقبل الدية في العمد ذلك تخفيف من ربكم ورحمة قال: فعلى هذا أن يتبع بالمعروف وعلى ذلك
أن يؤدى إليه باحسان فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي.
وأحمد بن حنبل وأبو سلميان وأصحابهم، وبه يقول إسحاق بن راهويه وسائر أصحاب
الحديث فلما اختلفوا كما ذكر من نظرنا فيما احتجت به الطائفة الموجبة للأدب والنفي في
ذلك فوجدناهم يقولون أو من قال منهم: قال الله تعالى: (ولا يقتلون النفس التي حرم الله
إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد
فيه مهانا إلا من تاب) قال: فشبه الله تعالى القتل بالزنا ووجدنا الزنا فيه الرجم على
المحصن فإذا لم يكن محصنا سقط عنه العقل ووجب عليه مائة جلدة ونفى سنة قالوا:
فالواجب على من قتل فسقط عنه القتل مثل ذلك أيضا جلد مائة ونفى سنة، وذكروا
ما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس العذري نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد
نا محمد بن أحمد بن الجهم نا محمد بن عبدوس نا أبو بكر بن أبي شيبة نا إسماعيل بن عياش عن
إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب. وإبراهيم بن عبد الله بن حنين قال
عمرو بن عن أبيه عن جده وقال إبراهيم عن أبيه عن علي بن أبي طالب ثم اتفق على وجد عمرو
462

ابن شعيب كلاهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل عبده متعمدا فجلده مائة ونفاه سنة
ومحا سهمه من المسلمين ولم يقدمنه *
قال أبو محمد: ما لهم شبهة غير هذا إلا ما ذكرنا آنفا في صدر هذا الباب عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكل هذا لا حجة لهم فيه، أما تشنيعهم بذكر الله تعالى:
(ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) الآية وتنظيرهم ما يجب على القاتل
بما يجب على الزاني ففاسد جدا وتحريف لكلام الله تعالى وحكمه عن مواضعه خطأ بحت
من عدة وجوه، أولها أنه قياس والقياس كله باطل، والثاني أنه لو صح القياس لكان
هذا منه عين الباطل لان الله تعالى لم يسو قط بين القاتل والزاني في الحكم وإنما سوى بينهما
في وعيد الآخرة فقط وليست أحكام الدنيا كأحكام الآخرة لان من تاب من كل ذلك
فقد سقط عنه الوعيد في الآخرة ولم يسقط عنه حكم للدنيا باتفاقهم معنا، والثالث أنه
لا خلاف في أن حكم الزاني يراعى الاحصان في ذلك وعدم الاحصان ولا خلاف في أنه
لا يراعى ذلك في القتل * والرابع (1) ان حكم الزاني إذا وجب عليه القتل بلا خلاف
ممن يعتد به القتل بالرجم خاصة وليس ذلك حكم القاتل إذا استقيد منه بلا خلاف إلا
أن يكون قتل بحجر، والخامس أن الله تعالى قال في أول هذه الآية التي موهوا بايراد
بعضها دون بعض (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ويقتلون النفس التي حرم الله
الا بالحق ولا يزنون) فيلزمهم إذا ساووا بين حكم القاتل والزاني لان الله تعالى قد ذكرهما
معا في هذه الآية أن يساووا أيضا بين الكافر والقاتل والزاني لان الله تعالى قد ذكرهم
كلهم معا وساوى بينهم بينهم في وعيد الآخرة الا من تاب فيلزمهم إذا أسلم الكافر والمرتد فراجع
الاسلام أن يجلد مائة سوط وينفى سنة لان القتل قد سقط عنه كما قد سقط عن القاتل
المعفو عنه وعن الزاني غير المحض، فان قالوا: الاجماع منع من ذلك قيل لهم فقد
أقررتم بان الاجماع منع من قياسكم الفاسد وأبطله فظهر فساد كلامهم هذا (2) وبالله
تعالى التوفيق * وأما الخبر الذي تعلقوا به ففي غاية البطلان والسقوط لأنه عن
إسماعيل بن عياش وهو ضعيف جدا ولا سيما ما روى عن الحجازيين فلا خير فيه عند
أحد من أهل العلم، ثم هو عن إسحاق بن عبد الله بن فروة (3) وهو متروك الحديث
ولم يبق لهم الا التعلق بما روينا في ذلك عن عمر رضي الله عنه فنظرنا فيه فوجدناه
لا حجة لهم فيه لأنه لا يصح عن عمر أبدا لأنه اما عن عمرو بن شعيب أن عمر، واما

(1) في النسخة رقم 14 والثالث أنه لا خلاف في أنه لا يراعى ذلك في القتل والرابع الخ
(2) في النسخة رقم 45 كلامكم هذا
(3) في النسخة رقم 45 عبد الله بن أبي فروة
463

عن العباس بن عبد الله أن عمر وكلاهما لم يولد إلا بعد موت عمر رضي الله عنه بدهر
طويل، وأيضا فقد صح عن ابن عباس خلافه إذا صح الخلاف عن الصحابة رضي الله عنهم
فليس قول بعضهم أولى من قول بعض فالواجب حينئذ الرجوع إلى ما أمر
الله تعالى به عند التنازع إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول)
فكل قول عرى من الأدلة فهو باطل بيقين قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان
كنتم صادقين) ثم نظرنا في قول من لم ير على المعفو عنه بالدية أو المفاداة أو العفو
المطلق جلدا ولا نفيا فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع
بالمعروف وأداء إليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)
فأوجب الله تعالى نصا لاخفاء به أن من قتل عمدا فوجب عليه القصاص في القتل ثم عفى
عنه على مال فواجب على الولي العافي أن يتبع القاتل المعفو عنه بالمعروف وأوجب الله
تعالى على القاتل المعفو عنه أن يؤدى ما عفا عنه عليه باحسان وليس من المعروف
والاحسان الضرب بالسياط والنفي عن الأوطان سنة، ووجدنا هم أيضا يذكرون قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم واعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فصح أن بشرة
القاتل محرمة بتحريم الله تعالى فلا يحل جلده ولا نفيه إذ لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة
ولا اجماع ولا دليل من الأدلة أصلا، وذكروا ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح
نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن
حاتم نا سعيد بن سليمان نا هشيم نا إسماعيل بن سالم عن علقمة بن وائل بن حجر عن
أبيه قال: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد قتل رجلا فاقاد ولى المقتول منه فانطلق
به وفى عنقه نسعة يجرها فلما أدبر الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القاتل والمقتول في
النار " فاتى رجل إلى الرجل فقال له مقالة النبي صلى الله عليه وسلم فخلى عنه قال إسماعيل بن سالم:
فذكرت ذلك لحبيب بن أبي ثابت فقال: حدثني بن أشوع ان النبي صلى الله عليه وسلم إنما سأله
أن يعفو عنه فأبى * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن
بشار نا يحيى بن سعيد القطان عن عوف بن أبي جميلة (1) وجامع بن مطر الحبطى (2)
قال عوف: حدثني حمزة العائذي أبو عمر ثم اتفق جامع. وحمزة كلاهما عن علقمة بن
وائل بن حجر عن وائل قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم حين جئ بالقاتل يقوده ولى
المقتول في نسعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولى المقتول: " أتعفو عنه؟ قال: لا قال له
أتأخذ الدية؟ قال: لا قال: فتقتله؟ قال نعم: قال اذهب به فلما تولى من عنده دعاه

(1) في النسخة رقم 14 عن عوف بن جمبلة وهو غلط
(2) هو بفتح المهملة والموحدة بعدهما طاء مهملة
464

قال له: أتعفو عنه؟ قال لا قال له فتأخذ الدية؟ قال: لا قال: فتقتله؟ قال: نعم
قال اذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أما انك ان عفوت عنه يبوء باثمه واثم
صاحبك فعفا عنه وتركه قال فانا رأيته يجر نسعته "، قال يحيى بن سعيد القطان وقد
ذكر هذين الحديثين فقال عن حديث جامع هو أحسن منه يعنى أنه أحسن من
حديث حمزة *
قال على: وهو كذلك لان حمزة العائذي شيخ مجهول لا يعرف قاله ابن معين ولم
يوثقه أحد نعلمه، وأما جامع بن مطر فقال فيه أحمد بن حنبل: لا بأس به وما علمنا أحدا
جرحه وقد روى عنه أئمة. يحيى. وعبد الصمد بن عبد الوارث. وحفص بن عمر الحوضي
وغيرهم * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن منصور
نا حفص بن عمر - هو الحوضي - نا جامع بن مطر عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: كنت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا عنده إذ جاءه رجل في عنقه نسعة فقال: " يا رسول الله
ان هذا وأخي كانا في جب يحفرانها فرفع المنقار فضرب به رأس صاحبه فقتله فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعف عنه فأبى وقام فقال: يا نبي الله ان هذا وأخي كانا في بئر
يحفرانها فرفع المنقار فضرب بها رأس صاحبه فقتله قال: اعف عنه فأبى ثم قام فقال:
يا رسول الله هذا وأخي كانا في جب يحفرانها فرفع المنقار أراه قال فضرب به رأس
صاحبه فقتله قال اعف عنه فأبى قال: اذهب ان قتلته كنت مثله فخرج به حتى جاوز
فناديناه اما تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فقال: ان قتلته كنت مثله قال
نعم اعف عنه فخرج يجر نسعته حتى خفى علينا " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن
معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عيسى بن يونس الفاخوري نا ضمرة عن عبد الله بن
شوذب عن ثابت البناني عن أنس " ان رجلا أتى بقاتل وليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
له النبي عليه الصلاة والسلام: اعف عنه فأبى فقال: خذ الدية فأبى قال اذهب فاقتله فإنك
مثله فخلى سبيله فمر الرجل وهو يجر نسعته " *
قال أبو محمد: أما حديث إسماعيل بن سالم: وجامع بن مطر كلاهما عن علقمة فجيدان
تقوم الحجة بهما وفى كليهما اطلاق القاتل المعفو عنه ومسيره حتى غاب عنهم
وخفى عنهم لأضرب ولا نفى، فصح قول من رأى أن لاجلد على القاتل ولا نفى إذا
عفى عنه، وهو قول ابن عباس ولا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف
له أصلا، وهذا مما يستشنعه المالكيون إذا وافق تقليدهم وإذا خالفه لم يبالوا به، وأما
قول مالك بذلك في القسامة فما عرف قط عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وبالله
465

تعالى التوفيق *
2070 مسألة: في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأخبار " القاتل والمقتول
في النار وان قتلته كنت مثله " * قال على: قد أيقنا ولله الحمد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يقول الا الحق المتيقن، وأيقنا انه صلى الله عليه وسلم لا يقضى بباطل وهو يدرى أنه باطل فإذ
لاشك في هذين الوجهين فالواجب علينا طلب وجه حكمه عليه الصلاة والسلام
بالقود في هذه الأخبار واطلاقه على القتل في ذلك مع قوله الصادق ان قتله كان مثله
والقاتل والمقتول في النار فان للسائل أن يقول: كيف يقضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقود
لا يحل له وهو يدرى أنه لا يحل له حاش لله من هذا وإذ لا يجوز هذا فكيف يكون
في النار ومثلا للقاتل من استقادكما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اقتص بالحق *
قال أبو محمد: أما تفسير ابن أشوع الذي ذكرناه آنفا من طريق مسلم عنه ان
ذلك كان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله العفو عنه فأبى فإنه تفسير فاسد لا يجوز البتة لأنه
صلى الله عليه وسلم لا يخلو في ذلك من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أن يكون شافعا في العفو واما
أن يكون امرا بالعفو فإن كان شافعا فليس الممتنع من اسعاف شفاعته صلى الله عليه وسلم عاصيا
لله تعالى كما فعلت بريرة إذ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خيرها في البقاء مع زوجها
أو فراقه فاختارت فراقه لو راجعتيه فإنه أبو ولدك فقالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال:
لا إنما انا شافع فقالت. لا أرجع إليه أبدا، فلا خلاف بين أحد من الأمة أن بريرة
رضي الله عنها لم تكن عاصية بذلك فإن كان عليه الصلاة والسلام شافعا في هذا القاتل
فليس الممتنع عاصيا فإذ ليس عاصيا فليس في النار ولا هو مثل القاتل الظالم وإن كان
صلى الله عليه وسلم آمرا فهو بيقين لا يأمر الا بواجب فرض، ومن الباطل أن يأمر عليه الصلاة
والسلام بشئ ويطلق على خلافه ولا يمنع من الحرام الذي هو خلاف أمره وهذا هو
القضاء بالباطل وقد أبعده الله تعالى عن هذا، فان قالوا: هو أمر على الندب
قلنا: لإراحة لكم في هذا لان من ترك قبول الامر بالندب الذي ليس فرضا فليس
في النار ولا هو مثل القاتل الظالم فبطل تفسير بن أشوع، وهكذا القول فيما حدثنا عبد الله
ابن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال
نا حماد بن سلمة أنا علي بن الحكم البناني عن محمد بن زيد عن سعيد بن جبير قال: " ان الرجل
قال يا رسول الله قتل أخي فدخل النار وان قتلته دخلت النار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله انه قتل
أخاك فدخل النار بقتله إياه، وأنى نهيتك عن قتله فان قتلته دخلت النار بمعصيتك إياي " *
قال أبو محمد: وهذا مرسل، والمرسل لا تقوم به حجة، والقول في ابطاله
466

كالقول في حديث بن أشوع ولا فرق وبه إلى حماد عن حميد عن الحسن أنه كان يعنى بهذا الخبر
ان قتلته فأنت مثله كان يرى ذلك عاما، وكذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا ابن السليم نا ابن
الاعرابي نا أبو داود نا موسى بن إسماعيل نا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني عن عطاء بن أبي
ميمونة عن أنس بن مالك قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شئ فيه قصاص الا أمر فيه
بالعفو قال: فلو كان هذا أمر فرض وايجاب لحرم القصاص جملة، وهذا أمر متيقن أنه
لا يقوله أحد من أهل الاسلام فإن كان أمر ندب فلا يدخل النار ولا يكون ظالما من
ترك الندب غير راغب عنه، فان تركه راغبا عنه فهو فاسق وربما كفر *
قال على: والقول في هذا عندنا هو ما وجدناه في خبر آخر وهو الذي حدثناه عبد الله بن
ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني الكوفي.
وأحمد بن حرب واللفظ له قالا: نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:
قتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع القاتل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه إلى ولى المقتول فقال
القاتل يا رسول الله لا والله ما أردت قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولى المقتول: أما انه
إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار فخلى سبيله وكان مكتوفا فخرج يجر نسعته
فسمي ذا النسعة *
قال أبو محمد: فهذا بيان الأخبار الواردة في هذا الحكم لا يجوز غير ذلك البتة
وهو أنه حكم عليه الصلاة والسلام بالقود والقتل قصاصا بظاهر البينة أو الاقرار التام
وهذا هو الحق المفترض على الحكام (1) المتيقن أن الله تعالى أمرهم به ولم يكلفهم علم الغيب
فحكم النبي عليه الصلاة والسلام بالحق في ذلك فلما قال: ان لم أرد قتله وكان ذلك ممكنا أخبره
عليه الصلاة والسلام بأنه إن كان كذلك فقاتله في النار وهو مثله لأنه لا يحل له قتله حينئذ فصار
حكمه عليه الصلاة والسلام حقا وقوله حقا كما قال أيضا عليه الصلاة والسلام: " فمن قضيت
له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " وهو عليه الصلاة والسلام في ظاهر
الحكم بالبينة أو الاقرار أو اليمين حاكم بالحق المتيقن (2) لا بالظن لكن بما أمره الله تعالى
أن يحكم به ولابد وإن كان الباطن بخلاف ذلك مما لو علمه عليه الصلاة والسلام لم ينفذه ولا
تركه يمضى أصلا وبالله تعالى التوفيق، فان قيل: هذا وجه الجمع بين حكمه عليه الصلاة
والسلام وقوله في ذلك فما وجه حكمه عليه الصلاة والسلام بان القاتل والمقتول في النار وأنه
مثله وكيف يكون من قتل غير مريد للقتل في النار؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق * هذا اخبار من
النبي صلى الله عليه وسلم بغيب أعلمه الله تعالى إياه لأنه عليه الصلاة والسلام لا يقول البتة الا الحق ولا

(1) في النسخة رقم 14 على الحكم
(2) في النسخة رقم 14 بالحق اليقين
467

يقول بالظن قاصدا إلى ذلك ومن قال هذا عليه ونسبه إليه فهو كافر. فنقول. ان ذلك
القاتل الذي لم يعمد القتل كان فاسقا من أهل النار بعمله غير هذا القتل أطلع الله تعالى
نبيه صلى الله عليه وسلم على عاقبته فيه ولم يكن دمه يحل لهذا المستقيد لأنه لم يعمد قتل أخيه فلو قتله على هذا
الوجه لكان قاتلا بغير الحق ولاستحق النار ولكان ظالما كالمقتول إذ ليس كل ظالم يستحق
القتل وبالله تعالى التوفيق *
2071 مسألة من قتل في الزحام أو لم يعرف من قتله أو أصابه سهم أو حجر لا يدرى
من رماه أو هرب قاتله * قال على: نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا
بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي أن رجلا
قتل في الطواف فاستشار عمر الناس فقال على ديته على المسلمين أو في بيت المال * وبه إلى وكيع نا
وهب بن عقبة. ومسلم بن يزيد بن مذكور سمعاه من يزيد بن مذكور قال: ان الناس ازدحموا
في المسجد الجامع بالكوفة يوم الجمعة فافرجوا عن قتيل فوداه علي بن أبي طالب من بيت
المال * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن
الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود أن رجلا قتل في الكعبة فسأل عمر عليا، فقال:
من بيت المال يعنى ديته * ومن طريق ابن وهب حدثني سعيد بن عبد الله الثقفي عن أبيه عن
عمر بن عبد العزيز أنه كتب في رجلين ماتا في الزحام ان يوديا من بيت المال فإنما قتله يد أو
رجل، وقد روى هذا أيضا عن سعيد بن المسيب أيضا وعروة بن الزبير. وقد روى غير
هذا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: من قتل في زحام فان ديته على
الناس من حضر ذلك في جمعة أو غيرها *
قال على: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ننظر فيما تحتج به كل طائفة فوجدنا
أهل القول الأول يحتجون بما حدثنا حمام نا ابن مفرج الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن العزيز عن كتاب لعمر بن
عبد العزيز قال: بلغنا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن قتل يوم أضحى أو يوم فطر فان
ديته على الناس جماعة " لأنه لا يدرى من قتله، وهذا خبر مرسل ولا حجة في مرسل
والذي نقول به: ان من ضغط في زحام حتى مات من ذلك الضغط (1) فقد عرفنا أن
الجماعة تلك بعينها كلهم قتله إذ كلهم تضاغطوا حتى مات من ضغطهم فإذ قد عرف
قاتلوه فالدية واجبة على عواقلهم بلا شك، فان قدر على ذلك فهو عليهم وان
جهلوه فهم غارمون حيث كانوا وحق الغارمين واجب في صدقات المسلمين وفى سائر

(1) في النسخة رقم 14 من تلك الضغطة
468

الأموال الموقوفة لجميع مصالح المسلمين لقول الله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء
والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم) الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من
ترك دينا أو ضياعا فإلى وعلى " وإن كان مات من أمر لا يدرى من أصابة فديته واجبة
على جميع الأموال الموقوفة لمصالح المسلمين لان مصيبه غارم أو عاقلته ولابد، وهذا
هو نص الخبر وإن كان لا يحتج به بارساله لكن معناه صحيح بالنصوص التي ذكرنا وبالله
تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وقد حدثناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا
عبد الرزاق عن معمر قال: قضى هشام بن سليمان في قوم كانوا في ماء فتماقلوا فمات
واحد منهم في الماء فشهد اثنان على ثلاثة وثلاثة على اثنين فقضى بديته على جميعهم *
حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا
أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن أبي عدى عن أشعث عن الحسن أنه قال في قوم تناضلوا
فأصابوا انسانا لا يدرى أيهم أصابه؟ قال: الدية عليهم * ورويناه من طريق الحجاج
ابن المنهال نا حماد بن سملة انا سلمة بن كهيل وحماد بن أبي سليمان ان علي بن أبي
طالب قضى في ستة غلمة كانوا يتغاطون في النهر فغرق أحدهم فشهد اثنان على ثلاثة
انهم غرقوه وشهد ثلاثة على اثنين انهما غرقاه فجعل علي بن أبي طالب ثلاثة أخماس
الدية على الاثنين وخمسي الدية على الثلاثة *
قال على: أما الرواية عن علي بن أبي طالب فلا تصح ولو صحت لكان جميع الحاضرين
من خصومنا مخالفين لحكمه فيها، وأما القول عندنا فهو ان الله تعالى حرم الأموال الا
بيقين الحق لقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" ان دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام " فلا يصح قضاء بدية (1) على أحد
الا حيث أوجبها نص [قرآن أو سنة] عن رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم فإذا مات انسان
في تغاظ أو نضال أو في وجه ماء فإنه لا يحل أن يغرم من حضر شيئا من ديته ولا
عواقلهم لأننا لا ندري أجميعهم قتله أو بعضهم وإذ لا ندري من القاتل له فلا فرق بين
الحاضرين وبين العابرين على السبيل والزامهم ديته أو عواقلهم ظلم لاشك فيه بل نوقن
أن جميعهم لم يقتله فنحن على يقين من أن الزام جميعهم الدية ظلم لاشك فيه، فحق هذا
أن يودى من سهم الغارمين أو من الأموال الموقوفة لمصالح جميع المسلمين لان الله
تعالى افترض ديته بقوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى

(1) في النسخة رقم 14 فلا يحل قضاء بدية
(2) في النسخة رقم 14 أوجبها نص صحيح عن رسول الله
469

أهله) فلابد من دية مسلمة إلى أهله، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه باسناده في
مواضع من كتابنا هذا ولله الحمد " من قتل له قتيل بعد مقالتي هذه فأهله بين خيرتين بين
أن يقتلوا أو يأخذوا العقل " أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فالعقل واجب على كل حال
في العمد والخطأ ولا يخلو قتيل من أحد هذين الوجهين *
قال أبو محمد: وهكذا من أصابه حجر لا يدرى من رماه أو سهم كذلك ولا
فرق، ولو أن امرءا خرج إليه عدو في طريق فقتله وجماعة ثقات ينظرون إلى ذلك الا انهم
لا يعرفون القاتل من هو فلما رآهم القاتل هرب وصار خلف ربوة أو في بيت أو في خان
فاتبعته الجماعة فوجدوا خلف الرابية أو الخان أو البيت جماعة من الناس أو اثنين فصاعدا
فيهم ثقات وغير ثقات فسألوهم من دخل عندكم الساعة؟ فقال كل امرئ منهم لا ندري
كل امرئ منا مشغول بأمره فاما المالكيون يقولون: يقذف كل من كان في الخان وكل
من كان في البيت وكل من كان خلف الرابية في السجن الدهر الطويل حتى يكون موتهم
خيرا لهم من الحياة وهذا ظلم عظيم متيقن وخطا عند الله تعالى بلا شك لأنهم على يقين
من أنهم كلهم مظلمون الا واحدا فقد أقدموا على ظلم الف انسان بيقين وهم يدرون
أنهم ظالمون لهم خوف أن يفلت ظالم واحد لا يعرفونه بعينه *
قال أبو محمد: ويلزم من قال بهذا القول (1) على كل أن يقصد إلى أهل كل
سوق فيقذفهم في الحبس لأننا ندري أن فيهم آكل ربا بيقين وشارب خمر بيقين وكذلك
يلزمهم في قتيل وجد في مدينة أو جزيرة ان يسجنوا جميع أهل تلك المدينة وأهل الجزيرة
وإلا فقد تناقضوا أفحش تناقض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبطل هذا الحكم الفاسد بفعله (2)
في أهل خيبر إذ قتل فيهم عبد الله بن سهل رضي الله عنه فما سجن أحد منهم بل قنع منهم
بالايمان فقط على من ادعى عليه منهم أو بايمانهم *
قال أبو محمد: ويبطل هذا أيضا قول الله تعالى: (ان يتبعون الا الظن وما تهوى
الأنفس) وقوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا)، وقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث " فلا يحل لاحد الاقدام
على أحد بالظن فكيف وهم ههنا قد اقدموا بالجور المحض والظلم المتيقن، والواجب في
هذا أن لا يسجن واحد منهم لكن من ادعى عليه حلف المدعون على حكم القسامة فان
نكلوا حلف هو يمينا واحدة، وكذلك لو ادعوا على جماعة بأعيانهم كل واحد منهم يحلف
يمينا واحدة ويبرأ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء

(1) في النسخة رقم 14 هذا القول
(2) في النسخة رقم 14 بقوله
470

قوم وأموالهم ولكن اليمين على من ادعى عليه " وإن كان وجد في دار قوم أيضا حكم هناك
بحكم القسامة وبالله تعالى التوفيق *
2072 مسألة فيمن أمر آخر بقطع يده أو بقتل ولده أو عبده أو
بقتله نفسه * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على
ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سملة عن عمرو بن دينار قال إن رجلا قال لعبد:
اقطع أذني وأنت شريكي في الدية ففعل فاختصموا إلى ابن الزبير فقامت البينة على
قوله فأبطل ديته *
قال على: قد أوجب الله تعالى في النفس الدية ان أرادها ولى المقتول على
لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وأوجب الله تعالى أيضا كذلك دية الأصابع على ما ذكرنا قبل، وحرم
الله طاعة أحد من الناس في معصية الله تعالى، وقد ذكرنا كل ذلك باسناده فيما سلف
من ديواننا * حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد
نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا قتيبة نا ليث - هو ابن سعد - عن عبيد الله - هو ابن
عمر - عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " على المرء المسلم السمع والطاعة
فيما أحب أو كره، الا ان يؤمر بمعصية فان امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " * وبه إلى
مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن زبيد عن سعد بن عبيد عن أبي
عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما
الطاعة في المعروف " *
قال أبو محمد: فحرام على كل من أمر بمعصية أن يأتمر لها فان فعل فاسق عاص
لله تعالى وليس له بذلك عذر وكذلك الآمر في نفسه بما لم يصح الله تعالى له فهو عاص لله تعالى
فاسق ولا عذر للمأمور في طاعته بل الآمر والذي يؤمر سواء في ذلك فالواجب أن يجب
للآمر انسانا بقطع يد الآمر نفسه بغير حق أو بقتل عبده أو بقتل ابنه ما يجب له لو لم يأمر
بذلك من القود أو الدية لان وجود أمره بذلك باطل لا حكم له في الإباحة أصلا، وكذلك
من أباح لآخر أن يقتله ففعل فلأولياء المقتول القود أو الدية، وقد قال مالك من أمر
آخر بقتل عبده فقتله فلا شئ على المأمور، وقال الشافعي: من أمر آخر بقطع يد الآمر
فلا شئ على القاطع *
قال على: وهذان القولان في غاية الفساد لما ذكرنا، والعجب أنهم أصحاب
قياس بزعمهم وهم لا يختلفون فيمن أمر انسانا بأن يزنى بأمته نفسه ففعل أن الحد عليه، فان
قالوا: ان له بعد قطع يده وقتل أبيه وغلامه أن يعفو وليس له أن يعفو بعد الزنا بأمته قيل
471

لهم أن وقت العفو لم يأت بعد فليس له أن يعفو وهم لا يختلفون فيمن قال: من قتل ابن عمى
فلان بن فلان فقد عفوت عنه فقتله قاتل فان له القود فبطل تظيرهم، وبالله تعالى التوفيق *
2073 مسألة في قول الله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال الله تعالى:
(وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالاذن والسن
بالسن، والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) *
قال علي: من قرأ والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالاذن والسن
بالسن والجروح قصاص بالرفع في ذلك كله لا بالعطف على النفس بالنفس فهو حكم ثابت
علينا لازم لنا، ومن قرأها بالنصب في كل ذلك فهو معطوف على أن النفس بالنفس
وأن ذلك من حكم التوراة *
قال أبو محمد: وكلتا القراءتين حق مشهور من عند الله تعالى فكلا المعنيين حق
فكان ذلك مكتوبا في التوراة، وكل ذلك أيضا مكتوب علينا بحق فإذ ذلك كذلك فواجب
أن ينظر في معنى قوله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) فوجدنا ما ناه حمام نا عبد الله بن
محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس المرادي نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أي شيبة نا وكيع
عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن الهيثم بن الأسود عن عبد الله بن
عمرو في قوله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال: هدم عنه من ذنوبه مثل ذلك *
قال أبو محمد: فهذا يدل على أنه كفارة لذنوب المجروح المتصدق بحقه * وبه إلى
أبى بكر بن أبي شيبة نا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم النخعي في قوله تعالى: (فمن تصدق به
فهو كفارة له) قال للمجروح، وبه إلى أبى بكر بن أبي شيبة نا يزيد بن هارون عن سفيان بن
حسين عن الحسن قال: (فمن تصدق به فهو كفارة له) * قال للمجروح، وعن الشعبي قال
للذي تصدق به * على: وقيل غير هذا كما روينا بالسند المذكور إلى أبى بكر
ابن أبي شيبة نا الفضل بن دكين ويحيى بن آدم عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: (فهو كفارة له) قال للمجروح وأجر
المتصدق على الله تعالى * وعن جابر بن زيد قال للمجروح، وعن مجاهد في قوله تعالى:
(فهو كفارة له) وأجر المتصدق على الله * ومن طريق وكيع نا سفيان عن زيد بن أسلم انه
سمعه يقول: ان عفا عنه أو اقتص منه أو قبل منه الدية فهو كفارة له * ومن طريق ابن أبي
شيبة نا جرير ووكيع قال وكيع عن سفيان ثم اتفق جرير وسفيان كلاهما عن منصور عن
إبراهيم النخعي قال: كفارة للذي تصدق عليه واجر الذي أصيب على الله تعالى *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان نفعل ما أمرنا الله تعالى به
472

إذ يقول: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا نص قوله
تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) جاء بلغة العرب كما قال تعالى (بلسان عربي
مبين) ووجدنا في لغة العرب الضمير راجعا ولابد إلى أقرب مذكور الا بدليل ووجدنا
أقرب مذكور إلى (فهو كفارة له) الضمير الذي في تصدق به وهو ضمير المجني عليه
المتصدق فلا يجوز اخراجه عن هذا الا بدليل ولا دليل على ذلك وأما المتصدق عليه
فان الجاني فيما دون النفس إذا عفا عنه المجني عليه فان غفر له وتصدق بحقه عليه فلا
شك في أنه مغفور له ومكفر عنه لان صاحب الحق قد اسقط حقه قبله، واما إذا
لم يغفر له ولكنه أخر طلبه إلى الآخرة وأسقطه في الدنيا فبلا شك ندري ان حقه
باق له قبله وانه سيقتص يوم القيامة من حسناته، واما من قتل آخر فعليه حقان
حق المقتول في ظلمه إياه وحق الولي في اخذ القود. فان عفا الولي فإنما عفا عن حق
نفسه ولا عفو له في حق غيره - وهو المقتول - فحق المقتول باق عليه كما كان لقول الله
تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وكما اخبر صلى الله عليه وسلم * روينا من
طريق مسلم نا قتيبة. وابن حجر قالا جميعا: نا إسماعيل - هو ابن جعفر - عن العلاء هو
ابن عبد الرحمن - عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: ان المفلس
من أمتي يأتي يوم القيمة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا واكل
مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان
فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " *
ومن طريق البخاري نا عمر بن حفص بن غياث نا أبى نا الأعمش حدثني شقيق قال:
سمعت عبد الله بن مسعود يقول: " قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين
الناس في الدماء " * وبه إلى البخاري نا إسماعيل - هو ابن أبي أويس - نا مالك عن سعيد
ابن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من
كانت له مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل ان يؤخذ
لأخيه من حسناته فإن لم تكن له حسنات يؤخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه " *
ومن طريق البخاري نا الصلت بن محمد نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة عن أبي المتوكل الناجي ان أبا سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " يخلص المؤمنون من النار فيحسبون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص
473

لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول
الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى إلى منزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا "
قال على: وأما إذا قتل قودا فقد انتصف منه كما أمر الله تعالى فلا تبعة عليه، وبالله
تعالى التوفيق *
2074 - مسألة - في امرأة نامت بقرب أبنها أو غيره فوجد ميتا * قال على:
نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام
الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم
عن إبراهيم النخعي في امرأة شربت دواء فألقت ولدها قال: تكفر، وقال في امرأة
أنامت صبيها إلى جنبها فطرحت عليه ثوبا فأصبحت وقد مات قال أحب الينا أن
تكفر * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن
وضاح ناموسي بن معاوية نا وكيع نا مغيرة عن إبراهيم أنه قال في امرأة غطت وجه
صبي لها فمات في نومه فقال تعتق رقبة *
قال أبو محمد: ان مات من فعلها مثل أن تجر اللحاف على وجهه ثم ينام
فينقلب فيموت غما أو وقع ذراعها على فمه أو وقع ثديها على فمه أو رقدت عليه وهي
لا تشعر فلا شك انها قاتلته خطأ فعليها الكفارة وعلى عاقلتها الدية أو على بيت المال
وإن كان لم يمت من فعلها فلا شئ عليها في ذلك ولا دية أصلا فان شكت أمات من
فعلها أم من غير فعلها فلا دية في ذلك ولا كفارة لأننا على يقين من براءتها من دمه
ثم على شك أمات من فعلها أم لا والأموال محرمة الا بيقين والكفارة ايجاب شرع
والشرع لا يجب الا بنص أو اجماع فلا يحل أن تلزم غرامة ولا صياما ولا أن تلزم
عاقلتها دية بالظن الكاذب وبالله تعالى التوفيق *
2075 - مسألة - هل بين الأجير ومستأجره قصاص * قال على: روى عن
بعض التابعين ليس بين الأجير ومستأجره قصاص إلا أن يتعدى فيجب العقل بعد
القسامة وهذا خطا لان الله تعالى لم يفرق بين المستأجر وغيره وليس الا خطأ أو
عمد فلا شئ في الخطأ إلا ما أوجبه الله تعالى في النفس، وأما العمد ففيه القصاص
سواء الأجير والمستأجر كما قال الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم) *
2076 مسألة - في ميراث الدية * قال على: اختلف الناس في كيف تورث
الدية فقالت طائفة: الدية للعصبة، وقال آخرون: هي لجميع الورثة كما نا محمد بن سعيد
474

ابن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن
المثنى نا أبو معاوية محمد بن حازم الضرير عن ليس بن أبي سليم عن أبي عمرو العبدي
عن علي بن أبي طلب قال: تقسم الدية على ما يقسم عليه الميراث * وبه إلى قاسم بن
أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان عن عمار عمن سمع عليا يقول:
لقد ظلم من منع الاخوة من الام نصيبهم من الدية * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة
نا عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن سالم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب أنه قال:
يرث من الدية كل وارث والزوج والزوجة في الخطا والعمد * وبه إلى أبى بكر بن أبي
شيبة نا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال في الرجل يقتل عمدا فيعفو بعض الورثة
قال: لامرأته ميراثها من الدية * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا أسباط بن محمد
عن هشام عن الحسن قال: ترث المرأة من دم زوجها * ومن طريق أبى بكر بن بي
شيبة نا معن بن عيسى عن ابن أبي ذئب عن الزهري قالك إذا قبل العقل في العمد
كان ميراثا ترثه الزوجة وغيرها * وعن أبي قلابة انه كان يتحدث أن الدية سبيلها
سبيل الميراث * وعن الشعبي قال: الدية للميراث * وعن ابن جريج قال قلت لعطاء
العقل كهيئة الميراث؟ قال: نعم قلت وترث الاخوة من الام منه؟ قال: نعم * وعن
عمر بن عبد العزيز انه كتب في الاخوة من الام يرثون في الدية وكل وارث *
قال أبو محمد: والقول الثاني كما حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب:
ما أرى الدية إلا للعصبة لأنهم يعقلون عنه فهل سمع أحد منكم في ذلك من رسول الله
صلى الله عليه وسلم شيئا فقال الضحاك بن سفيان الكلابي - وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الاعراب -
كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فاخذ عمر بذلك،
وبه إلى عبد الرزاق نا معرم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
أنه كان لا يورث الاخوة من الام من الدية شيئا *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما اختلفوا فيه لنعلم حجة
كل طائفة منهم فتبع الحق حيث كان بعون الله تعالى فوجدنا حجة من قال: لا يرث
من الدية إلا العصبة ان ذكروا ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن
الاعرابي نا أبو داود نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان نا ابن أبي ذئب نا سعيد بن أبي سعيد
المقبري قال سمعت أبا شريج الكعبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فمن قتل له بعد
مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين بين أن يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا " *
475

قال على: فوجدنا هذا الخبر لا حجة لهم فيه لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية لمن له أن
يستقيد وأخبر أنهم أهله والإخوة للأم والزوج والزوجة يقع عليهم اسم أهل على ما
نذكر إن شاء الله تعالى في باب من له عن القود العفو أو القصاص، وقد صح النص
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قلتم كما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث - هو
ابن سعد - عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في جنين امرأة من بنى لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة غير أن المرأة التي قضى عليها
بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها [وزوجها] (1) وأن العقل
على عصبتها *
قال أبو محمد: فصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالميراث لغير من قضى عليه
بالعقل فبطل قولهم بيقين، وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الخطأ بان الدية لأهل
المقتول مسلمة، وأن الدية في العمد لأهل المقتول واجبة لهم ان أرادوا أخذها،
وصح انه ليس للقتل نوع الا عمد أو خطا فصحت الدية بيقين لأهل المقتول والزوجة
من أهله كما روينا من طريق البخاري نا الأويسي نا إبراهيم - هو ابن سعد - عن صالح بن
كيسان عن ابن شهاب قال أخبرني عروة. وابن المسيب. وعلقمة بن وقاص وعبيد الله
ابن عبد الله بن عتبة عن عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا قالت: ودعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما وهو يستشيرهما
في فراق أهله فاما أسامة فأشار بالذي يعلم من براءة أهله وأما على فقال: لم يضيق الله
عليك والنساء سواها كثير واسأل الجارية تصدقك فقال: هل رأيت من شئ ريبك
قالت: ما رأيت شيئا (2) أكثر من أنها جاريه حديثة السن تنام عن عجين أهلها
فتاتي الداجن فتأكله فقام على المنبر فقال: " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل
بلغني أذاه في أهلي وانه (3) ما علمت من أهلي الا خيرا " ومن طريق عروة قال: لما
أخبرت عائشة بالامر قالت: يا رسول الله أتأذن لي أن انطلق إلى أهلي؟ فاذن لها
وأرسل معها الغلام، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمى زوجته أهلا وأخبر انها أهله
وقد قالت له بريرة: تنام عن عجين أهلها وبلا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له في
ذلك العجين نصيب فهو عليه الصلاة والسلام أهلها أيضا، وقد استأذنته في الانطلاق
إلى أهلها وقد كان لها أخ لام معروف فصح أن هؤلاء كلهم داخلون في الأهل فإذ الدية
بنص القرآن ونص السنة للأهل والزوجة والزوج والإخوة للأم أهل فحظهم في الدية

(1) الزيادة من النسخة رقم 45
(2) في النسخة رقم 14 امرا
(3) في النسخة رقم 45 والله
476

واجب كسائر الورثة، ولا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن الدية موزونة على حسب
المواريث لمن وجبت له، وعلى هذا اعتماد نا في توريث من ذكرنا من الدية، وأما الأحاديث
الواردة في ذلك غير ما ذكرنا فواهية لا تصح وأحسن ما فيها حديث الضحاك بن سفيان
الضبابي الكلابي الذي ذكرنا آنفا وهو منقطع لم يسمعه منه سعيد بن المسيب *
قال أبو محمد: فلو أن امرءا نذر نذرا لله تعالى أن يتصدق بكل ما ورث عن
فلان ثم قتل ذلك الفلان خطأ أو عمدا فإنه لا يلزمه أن يتصدق بما يقع له من ديته في
العمد والخطأ لأنه لم يرثه عنه *
2077 مسألة فذكر ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في المقتتلين أن يحتجزوا *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن
راهويه - نا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي حدثني حصن حدثني أبو سلمة عن عائشة: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وعلى المقتتلين أن يحتجزوا الأول فالأول وان كانت امرأة " *
قال أبو محمد: فماج الناس في تفسير هذا الخبر، وحكى أحمد بن محمد الطحاوي
أنه سأل عن تفسير هذا الخبر محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. وأحمد بن أبي عمران. وإبراهيم
المزني فاما محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فلم يجبه بشئ واعترف له بأنه لا يدرى ما معناه،
وأما أحمد بن أبي عمران فقال له: هذا يخرج منه جواز عفو النساء عن الدم، وأما المزني
فقال له: معناه النهى عن القتال في غير الحق *
قال أبو محمد: أما ابن عبد الحكم فأحسن إذ سكت عن شئ لم يتبين له وجهه،
وأما ابن أبي عمران فقال قولا فاسدا لأنه لا يفهم أحد من قول قائل على المقتتلين أن
يحتجزوا الأول فالأول، وان كانت امرأة أنه يجوز عفو النساء من الدم أو لا يجوز وهذا
سمج جدا، وما يعجز أحد من أن يدعى فيما شاء ما شاء إذا لم يحجزه ورع أو حياء، وأما
المزني فإنه قال الكلام الصحيح الذي لا يجوز لاحد أن يقول غيره وهو مقتضى لفظ الخبر
ومفهومه الذي لا يفهم منه غيره وهو أنه واجب على المقتتلين أن ينحجز بعضهم عن
بعض فلا يقتتلون وان يبدأ بالانحجاز الأول فالأول لان الأولين من المقتتلين هم
المتصادمون قبل الذين من خلفهم فغرض الانحجاز واقع على الأول فالأول من
المقتتلين ولو أنه امرأة لان القتال فيما بيننا محرم، هذا على أن الخبر لا يصح
وحصن مجهول *
2078 مسألة فيمن له العفو عن الدم ومن لا عفو له * اختلف الناس في هذا
فقالت طائفة: العفو جائز لكل أحد ممن يرث وللزوجة والزوج وغيرهما ثان عفا أحد
477

ممن ذكر نا فقد حرم القصاص ووجبت الدية لمن لم يعف، وقال آخرون: العفو للرجال
خاصة دون النساء، وقالت طائفة: من أراد القصاص فذلك له ولا يلتفت إلى من أراد
الدية أو العفو ما لم يتفقوا على ذلك *
فالقول الأول كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا الأعمش عن زيد بن
وهب أن رجلا قتل امرأته ولها اخوة فعفا أحدهم فأجاز ذلك عمر بن الخطاب ورفع
عن القاتل نصيب الذي عفا وغرمه نصيب الذي لم يعف قال سعيد: ونا سفيان بن عيينة.
وأبو عوانة كلاهما عن الأعمش عن زيد بن وهب بمثله * وروينا من طريق أبو بكر بن أبي
شيبة نا وكيع نا الأعمش عن زيد بن وهب قال: رأى رجل مع امرأته
رجلا فقتلها فرفع إلى عمر بن الخطاب فوهب بعض أخوتها نصيبه له فامر عمر سائرهم
أن يأخذوا الدية * وعن إبراهيم النخعي في رجل قتل رجلا متعمدا فعفا بعض الأولياء
فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال لعبد الله بن مسعود: قل فيها فقال: أنت أحق
أن تقول: يا أمير المؤمنين فقال عبد الله: إذا عفا بعض الأولياء فلا قود يحط عنه
بحصة الذي عفا ولهم بقية الدية فقال عمر ذلك الرأي وافقت ما في نفسي * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن زيد بن وهب أن عمر بن الخطاب رفع إليه
رجلا قتل رجلا فجاء أولياء المقتول فأرادوا قتله فقالت أخت المقتول وهي امرأة
القاتل: قد عفوت عن حصتي من زوجي فقال عمر: عتق الرجل من القتل * وعن إبراهيم
قال: عفو كل ذي سهم جائز * وعن ابن جريج قال: قال عطاء في رجل قتل رجلا عمدا
فعفا أحد بنى المقتول وأب الآخر: فإنه يعطى الذي لم يعف شطر الدية * وعن قتادة
إذا عفا أحد الأولياء فإنما تكون دية ويسقط عن القاتل بقدر حصة الذي عفا * وعن
عمر بن عبد العزيز إذا عفا أحدهم فالدية *
وأما القول الثاني فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال:
العفو إلى الأولياء ليس للمرأة عفو * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا أبو خالد عن
أشعث عن الزهري قال: صاحب الدم أولى بالعفو، وعن قتادة لا عفو للنساء فإذا
كانت الدية فلها نصيبها * وعن الحسن البصري ليس للنساء عفو * وعن عمر بن عبد العزيز
لا عفو للمرأة في العمد * وعن إبراهيم النخعي ليس للزوج ولا للمرأة عفو * وعن
الزهري. وربيع. وأبى الزناد قال ربيعة: ليس للام عفو والولي ولى حيث كان
والبنت تعفو مع ولاة الدم ولا تعفو الولاة دونها، وقال الزهري: وليه أولى بذلك،
وقال أبو الزناد: أما العفو فلولي المقتول ان شاء قتل وان شاء عفا *
478

وأما المتأخرون فان أبا حنيفة. وسفيان الثوري. والحسن بن حي. والأوزاعي.
والشافعي قالوا بما روى عن عمر بن الخطاب. وابن مسعود أن لكل وارث عفوا ولا
يقتل الا باجتماعهم على قتله، وقال ابن شبرمة، والليث: ليس للنساء عفو وقال ابن أبي
ليلى لكل وارث عفو الا الزوج والزوجة فلا عفو لهما، وقال مالك: الامر المجتمع
عليه عندنا في الرجل يقتل عمدا وليس له ولاة الا النساء والعصبة فأراد العصبة أن
يعفو عن الدم وأبى بنات المقتول فإنه لا عفو للعصبة ويقتل به قاتله فان أراد بنات
المقتول أن يعفون وأبى العصبة فلا عفو للبنات والقول ما قال العصبة ويقتل القاتل
إذا لم يجتمع على العفو، وكذلك ان كانت له ابنة واحدة فأرادت القتل وعفا العصبة
فيقتل ولا عفو للعصبة، ورأي إذا كان للمقتول ابن وابنة أنه لا عفو للابنة مع الابن
ولكن ان عفا الابن جاز على الابنة ورأي عفو الأقرب فالأقرب من العصبة جائزا
على الابعد منهم *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائف لقولها لنعلم
الحق من ذلك فنظر نا فيما قالت به الطائفة القائلة بان عفو كل ذي سهم جائز فوجدناهم يقولون
بقول الله تعالى: (وان تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم) فلما كان العفو أقرب
للتقوى وجب أن من دعى إلى من هو أقرب للتقوى كان قول أولى، وذكروا في ذلك ما روى
عن أنس بن مالك أنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شئ فيه قصاص الا أمر بالعفو
قالوا: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر في كل قصاص رفع إليه بالعفو فوجب أن يكون العفو مغلبا
على القود، وهذا أيضا حكم قد جاء عن عمر. وابن مسعود بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ولا
يعرف لهما مخالف فهذا كل ما احتجوا به ما نعرف لهم شيئا غيره أصلا، ثم نظرنا في قول من
قال: العفو لجميع الورثة الا الزوج والزوجة فلم نجد لهم شبهة إلا أن يقولوا ليسا من العصبة ولا
يعقلان مع العاقلة، ونظرنا في قول من قال: العفو للرجال خاصة دون النساء فلم نجد لهم
شبهة أصلا الا ان يقولوا انهن لا يرثن الولاء ولا الولاية في الانكاح فكذلك لا عفو
لهن، وأما من قال بالفرق بين الزوجين وبين سائر الورثة من أجل ان الزوجين ليسا من
العصبة فقول في غاية الفساد، ومن أين خرج لهم ان هذا الامر للعصبة وهذا حكم ما جاء به
من عند الله تعالى أمر ولا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بالطل، واما انهما لا يعقلان مع
العاقلة فنعم فكان ما ذا وما الذي أدخل حكم العاقلة في حكم العفو من الدم؟ والعاقلة إنما هي في
القتل في الخطا خاصة والعفو إنما هو في العمد خاصة فما الذي جمع بين حكم العمد والخطأ؟ ثم نظرنا
في قول من رأى العفو للرجال دون النساء فوجدناه أيضا فاسدا لأنه قياس، والقياس
479

كله باطل ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه في غاية التناقض بلا دليل أصلا لأنه مرة
غلب من دعى إلى القتل وذلك في الابنة مع العصبة فرأى أن دعا العصبة إلى القتل وعفت
الابنة ان القول قول العصبة، واحتج بأنها قد يدخلها زوجها إلى العفو وأمرها
إلى الضعف وان عفا العصبة ودعت الابنة إلى القتل فالقول قول الابنة، واحتج
بأنها المصابة بأبيها فمرة راعى ضعفها وادخال زوجها لها إلى العفو ولم يراع مصيبتها
ومرة غلب من دعى إلى العفو، وذلك في البنين يعفو أحدهم دون الآخرين (1)
ومرة غلب الرجال على النساء وذلك في البنات مع الابن، وهذه أقوال ظاهرة التناقض
يهدم بعضها بعضا لا حجة لشئ منها لافى قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا قياس ولا
في اجماع ولا في قول صاحب، فكان هذا القول أسقط من سائر الأقوال، ثم نظرنا في
حجة من أجاز عند كل وارث وغلبه فوجدناهم يقولون قال الله تعالى: (وان تعفوا
أقرب للتقوى) وقال تعالى: (ولكم في القصاص حياة) فاعلي ما يريده أهل هذا القول
أن يكون العفو أعظم أجرا والقصاص بلا شك مباح وإذا كان كلاهما مباحا فلا يجوز
بلا خلاف أن يجبر على الأفضل من لا يريده غير راغب فبطل أن يكون في هذه الآية
دليل على سقوط حق من أراد القصاص إذا عفا أحد الورثة وهكذا القول في حديث
أنس ان صح انه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رفع إليه شئ فيه قصاص الا أمر فيه
بالعفو لأنه لم يختلف اثنان من الأمة في أنه ان صح فإنه امر ندب لا امر الزام فإذ
ذلك كذلك فلا خلاف في أنه لا يجوز أن يجبر على الأفضل من لا يريده غير راغب
عنه إذا أراد ما أبيح له فبطل أن يكون لهم في هذا الخبر تعلق *
قال أبو محمد: فلما سقطت هذه الأقوال كلها وتعرت من الأدلة وجب علينا
إذ تنازعوا أن نرجع إلى ما افترض الله تعالى علينا الرجوع إليه عند التنازع إذ يقول
تعالى (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى
قد قال: (ولكم في القصاص حياة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل له قتيل فأهله
بين خيرتين بين أن يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا) فجعل الله تعالى القصاص حقا
وجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام أهل القتيل بين خيرتين إما أخذ العقل وأما
القتل فساوى بين الامرين أيهما شاؤوا، وكما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن منصور
أنا بشر بن عمر - هو الزهراني - (2) سمعت مالك بن أنس يقول: حدثني أبو ليلى

(1) في النسخة رقم 14 عن الآخرين
(2) في النسخة رقم 14 بشر بن عمر وهو الزهري وهو
غلط صححناه من تقريب التهذيب
480

ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن أبي حثمة انه أخبره عن رجال من كبراء قومه
ان عبد الله بن سهل. ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم محيصة وأخبر أن عبد الله بن سهل قتل وطرح في عين أو فقير (1) فأتى
يهود فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا: والله ما قتلناه ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر
لهم ذلك ثم أقبل هو واخوه محيصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة
ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر اما ان يدوا صاحبكم
وأما أن يؤذنوا بحرب فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك فكتبوا انا والله ما قتلناه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم قولوا: لا وذكر الحديث *
وبه إلى مسلم حدثني عبيد الله بن عمر القواريري نا حماد بن زيد نا يحيى بن سعيد عن بشير
ابن يسار عن سهل بن أبي حثمة. ورافع بن خديج " أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن
سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود فجاء أخوه
عبد الرحمن وابنا عمه حويصة. ومحيصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر
أخيه وهو أصغر منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كبر الكبر أو قال: ليبدأ الأكبر
فتكلما في أمر صاحبهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقسم خمسون منكم على رجل عنهم فيدفع برمته
فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف " وذكر باقي الخبر، ففي هذا الخبر الثابت أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم جعل الحق في طلب الدم لابن العم [لسنه] (2) كما جعله للأخ للأب الوارث دون
ابن العم وانه عليه الصلاة والسلام بدأ ابن العم لسنه فبطل بهذا قول من راعى ان الحق
للأقرب فالأقرب أو للوارث دون غيره وصح أن الحق للأهل كما جاء في القرآن والسنة
الصحيحة وابن العم من الأهل بلا شك في لغة العرب وهذا هو الاجماع الصحيح لأنه
كان بعلم الصحابة بالمدينة إذ قتل مثل عبد الله بن سهل وقيام بنى حارثة في طلب دمه لا يمكن
استتار مثله عن أحد من قومه وعن المهاجرين فإذا الحق للجميع سواء فمن الباطل أن يغلب
أحدهم على الآخرين منهم الا بنص أو اجماع ولا نص ولا اجماع في ذلك، ثم نظرنا إذا
عفا أحد الأهل ولم يعف غيره منهم بعد صحة الاتفاق من اجماع الأمة على أنهم كهم ان
اتفقوا على القود نفذ وان اتفقوا على العفو نفذ وقيام البرهان على أنهم ان اتفقوا على
الدية أو المفاداة نفذ ذلك فوجدنا القود والدية قد ورد التخيير فيهما ورودا واحدا ليس
أحدهما مقدما على الآخر فلم يجز أن يغلب عفو العافي [على إرادة من أراد القصاص
ولا إرادة من أراد القصاص على عفو العاني] (3) إلا بنص أو اجماع ولا نص ولا اجماع

(1) هو البئر
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
(3) الزيادة من النسخة رقم 45
481

في تغليب العافي فنظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول (ولا تكسب كل نفس الا عليها
ولا تزر وازرة وزر أخرى) فوجب بهذه الآية أن لا يجوز عفو العافي عمن لم يعف
ووجدنا القاتل قد حل دمه بنفس القتل كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد
ابن بكر نا أبو داود سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي
أمامة بن سهل بن حنيف قال: كنا مع عثمان بن عفان رضي الله عنه - وهو محصور - فخرج
الينا وهو متغير لونه فقال: يتواعدوني بالقتل آنفا وبم يقتلونني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
" لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث رجل كفر بعد اسلامه أو زنى بعد احصان أو
قتل نفسا بغير نفس فيقتل فوالله ما زنيت في جاهلية ولا اسلام قط ولا أحببت أن لي بديني
بدلا مذ هداني الله تعالى ولا قتلت نفسا " *
قال أبو محمد: فصح بقول النبي صلى الله عليه وسلم أن من قتل نفسا فقد خرج دمه من التحريم
إلى التحليل بنفس قتله من قتل، فإذ صح هذا فالقاتل متيقن تحليل دمه والداعي إلى أخذ
القود داع إلى ما قد صح بيقين وذلك له والعافي مريد تحريم دم قد صح تحليله بيقين فليس له
ذلك الا بنص أو اجماع ومريد أخذ الدية دون من معه مريد إباحة أخذ مال والأموال
محرمة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " والنص قد جاء بإباحة
دم القاتل كما قلنا بيقين قتله ولم يأت نص بإباحة الدية الا بأخذ الأهل لها، وهذا لفظ
يقتضى اجماعهم على أخذها فالدية ما لم يجمع الأهل على أخذها لا يحل أخذها إذ لم يبحها
نص ولا اجماع فبطل بيقين وصح أن من دعا إلى القود فهو له وهو قول مالك في البنات
مع العصبة الا أنه ناقض في ذلك مع البنين والبنات وفى بعض البنين مع بعض *
قال أبو محمد: والذي نقول به أن كل ذلك سواء وان الحكم للأهل وهم الذين
يعرف المقتول بالانتماء إليهم كما كان يعرف عبد الله بن سهل بالانتماء إلى بنى حارثة وهم
الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقسم منهم خمسون ويستحقون القود أو الدية وان من
أراد منهم القود سواء كان ولدا أو ابن عم [أو ابنة] أو أختا أو غير ذلك من أم أو زوج
أو زوجة أو بنت عم أو عمة فالقود واجب ولا يلتفت إلى عفو من عفا ممن هو أقرب
أو أبعد أو أكثر في العدد لما ذكرنا فان اتفق الورثة كلهم على العفو فلهم الدية حينئذ
ويحرم الدم فان أراد أحد الورثة العفو عن الدية فله ذلك في حصته خاصة إذ هو مال من ماله
وبالله تعالى التوفيق *
2079 مسالة مقتول كان في أوليائه غائب أو صغير أو مجنون، اختلف
الناس في هذا فقال أبو حنيفة: إذا كان للمقتول بنون وفيهم واحد كبير وغيرهم صغار ان
482

للواحد الكبير أن يقتل ولا ينتظر بلوغ الصغار قال: فإن كان فيهم غائب لم يكن للحاضرين
أن يقتلوا (1) حتى يقدم الغائب وهو قول الليث بن سعد * وبه يقول حماد بن أبي سليمان،
وقال مالك مثل ذلك سواء سواء وزاد أن المقتول إذا كان له ولد صغير وأخ كبير أو
أخت كبيرة فللأخ أو للأخت أن يقتلا قودا ولا ينتظر بلوغ الصغير، وكذلك
للعصبة أيضا وهو قول الأوزاعي، ورأي مالك للعصبة إذا كان الولد صغير ان يصالحوا
على الدية وينفذ حكمهم، وقال ابن أبي ليلى: والحسن بن حي. وأبو يوسف. ومحمد.
والشافعي لا يستقيد الكبير من البنين حتى يبلغ الصغير، وروى هذا القول عن عمر بن
عبد العزيز *
قال أبو محمد: والظاهر من قولهم: ان المجنون كالصغير فلما اختلفوا كما ذكرنا
وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لنعلم الحق فنتبعه، فنظرنا في قول أبي حنيفة
فوجدناه ظاهر التناقض إذا فرق بين الغائب والصغير ووجدنا حجتهم في هذا أن الغائب
لا يولى عليه والصغير يولى عليه قالوا: وكما كان أحد الوليين (2) يزوج إذا كان
هنالك صغير من الأولياء فكذلك يقتل، وقالوا: قد قتل الحسن بن علي رضي الله عنهما
عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي ولعلي بنون صغار وهم بحضرة الصحابة رضي الله عنهم
دون مخالف يعرف له منهم *
قال على: أما احتجاجهم بفعل الحسن بن علي فهو لازم للشافعيين ولمن وافق
من الحنيفيين أبا يوسف. ومحمد بن الحسن لأنهم يعظمون مثل هذا إذا وافق
تقليدهم *
قال أبو محمد: فلئن كان مثل هذا اجماعا فلقد شهد الحنيفيون على شيخهم
بخلاف الاجماع فان كفروهما بهذا أو بدعوهما فما يحل لهم أخذ ديتهم عن كافر ولا
عن مبتدع وان عذروهما في ذلك فلنا من العذر ما ليعقوب ومحمد وقد بطل تشنيعهم في
الأبد بمثل هذا، وهذا واضح ولله الحمد *
قال أبو محمد: فكان من اعتراض الشافعيين ان قالوا: ان الحسن بن علي رضي الله عنهما
كان اماما فنظر في ذلك بحق الإمامة وقتله بالمحاربة لا قودا، وهذا ليس بشئ لان
عبد الرحمن بن ملجم لم يحارب ولا أخاف السبيل وليس للامام عند الشافعيين ولا للوصي
أن يأخذ القود لصغير حتى يبلغ فبطل تشنيعهم (3) إلا أن هذه القصة عائدة على الحنيفيين

(1) في النسخة رقم 45 للحاضر أن يقتل
(2) في النسخة رقم 14 أحد الأولياء
(3) في النسخة رقم 14 شغبهم
483

بمثل ما شغبوا به على الشافعيين سواء سواء لأنهم والمالكيون لا يختلفون في أن من
قتل آخر على تأويل فقود في ذلك ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن عبد الرحمن
ابن ملجم لم يقتل عليا رضي الله عنه الا متأولا مجتهدا مقدرا انه على صواب، وفى ذلك
يقول عمر ابن حطان شاعر الصفرية:
يا ضربة من تقى ما أراد بها * الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
انى لاذكره حينا فاحسبه * أو في البرية عند الله ميزانا
أي لا أفكر فيه ثم أحسبه، فقد حصل الحنيفيون من خلاف الحسن بن علي على مثل
ما شغبوا (1) به على الشافعيين وما ينقلون أبدا من رجوع سهامهم عليهم، ومن
الوقوع فيما حفروه فظهر تناقض الحنيفيين والمالكيين في الفرق بين الغائب والصغير،
وأما قولهم إن الصغير يولى عليه والغائب لا يول عليه فلا شبهة [لهم] (2) في هذا لان
الغائب يوكل له أيضا كما يولى على الصغير، وأيضا فان الوصي عندهم لا يقتص للصغير
فبطل تمويههم جملة *
قال أبو محمد: والذي نقول به قد قدمنا في الباب الذي قبل هذا ان القول قول
من دعى إلى القود فللكبير وللحاضر العاقل أن يقتل ولا يستأنا بلوغ الصغير ولا إفاقة
المجنون ولا قدوم الغائب فان عفا الحاضرون البالغون لم يجز ذلك على الصغير ولا على
الغائب ولا على المجنون بل هم على حقهم (3) في القود حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون فإذا كان
ذلك فان طلب أحدهم القود قضى له به وان اتفقوا كلهم على العفو جاز ذلك حينئذ لما ذكرنا
في الباب الذي قبل هذا وبالله تعالى التوفيق *
قال على: فان مات الصغير أو الغائب أو المجنون كان حينئذ رجوع
الامر إلى من بقي من الورثة ولا يلزم من عفا فلم ينفذ عفوه ذلك العفو الذي قد بطل
بل له الرجوع فيه لأنه لا حكم له في نص ولا اجماع وإنما العفو اللازم عفو صح بامضائه
نص أو اجماع فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ومن
عفا دون سائر الأهل فقد عمل عملا ليس عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وسلم فهو رد *
قال على: ومن مات من الأهل لم يورث عنه الخيار لان الخيار للأهل
بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كان من الأهل فله الخيار ومن لم يكن من الأهل فلا
خيار له أصلا إذ لم يوجب ذلك نص ولا اجماع والخيار ليس ما لا فيورث وإنما جعل

(1) في النسخة رقم 45 ما شنعوا
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
(3) في النسخة رقم 45 على فقههم
484

الله الميراث فيما ترك الموروث والخيار ليس مالا موروثا ولو كان الخيار مالا موروثا
لوجب فيه حق أهل الوصية بالثلث فدونه *
قال أبو محمد: فإن كان الوارث صغيرا أو مجنونا أو غائبا ولا وارث هنالك
غيره فقد وجب القود بلا شك ولا تجب الدية ولا المفادات الا برضى الوارث أو
بتراض منه ومن القاتل وقد علمنا أن الصغير والأحمق لارضى لهما والقود حق قد وجب
لهما بيقين فاخذه واجب على كل حال يأخذه لهما الولي أو السلطان، وهكذا الغائب
ولا فرق بين أخذ حظهم في القود وأخذ حظهم في الأموال والعفو جائز والابراء
للغائب في كلا الامرين جوازا واحدا إذ كل ذلك حق له تركه، وكذلك القول في الصغير
والمجنون سواء سواء وليس هذا قياسا ومعاذ الله من ذلك لكنه حكم واحد في حقين
وجبا وجوبا واحدا ووجب لمن يجوز أمره العفو عنهما سواء سواء وليس أحدهما
أصلا والثاني فرعا بل هما أصلان معا ولا أحدهما منصوصا عليه والآخر غير منصوص عليه
بل كلاهما منصوص عليه لوجوب الانتصاف من القود ومن المال وبالله تعالى التوفيق *
2080 - مسألة - عفو الأب عن جرح ابنه الصغير أو استقادته له أو في المجنون
كذلك * روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن أبي إسحاق
الشيباني عن الشعبي قال: إذا وهب الشجة الصغيرة التي تصيب ابنه جازت عليه *
قال على: تفريق الشعبي رحمه الله بين الشجة الصغيرة والكبيرة لا معنى له وقد
قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) وحق الصغير والمجنون قد وجب
فلا يجوز أن يسقطه له غيره لأنه كسب عليه وهذا مالا اشكال فيه، وقد أجمعوا على
أن للأب والولي أن يطلبا وأن يقتصا كل حق للصغير والمجنون في مالهما وأنه ليس
للأب ولا للولي في ذلك عفو ولا إبراء فهلا قاسوا أمر القصاص لهما على أمر المال
ولكنهم لا القياس يحسنون ولا النص يتبعون *
قال أبو محمد: والقول في ذلك ان الله تعالى قال: (والعين بالعين والانف
بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له)
وقال تعالى: (والحرمات قصاص) وقال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فصح
بهذه النصوص أن القود قد وجب ولا بد وان العفو لا يصح الا برضى المجني عليه والصبي
والمجنون لارضى لهما ولا عفو ولا أمر نافذ بصدقة فسقط هذا الوجه وبقى الذي
وجب بيقين من القود فيستقيد له أبوه أو وليه أو وصيه ولابد، فان أغفل ذلك حتى
بلغ الصبي وعقل المجنون كان له القود الذي قد وجب أخذه له بعد وحدث له جواز
485

العفو ان شاء وليس للأب ولا للولي أخذ الدية ولا أن يفادى في شئ من الجروح لان
كل هذا داخل على وجوب القود [والعفو] (1) لايكرن إلا برضى المجني عليه أو بتراض
من الجاني والمجني عليه *
2081 - مسألة - هل يجوز عفو المجني عليه جناية يموت منها خطأ أو عمدا عن ديته
وغيرها عن دمه أم لا؟ (2) * روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث
عن أشعث بن سوار عن أبي بكر بن حفص قال: كان بين قوم من بنى عدى وبين
حي من الاحياء قتال ورمى بالحجارة وضرب بالنعال فأصيب غلام من آل عمر فاتى
على نفسه فلما كان قبل خروج نفسه قال: انى قد عفوت رجاء الثواب والاصلاح
بين قومي فاجازه ابن عمر * وبه إلى أبى بكر بن أبي شيبة نا هشيم عن يونس بن عبيد
عن الحسن البصري قال: إذا عفا الرجل عن قاتله في العمد قبل أن يموت فهو جائز،
وعن أبي طاوس قلت لأبي يقتل عمدا أو خطأ فيعفو عن دمه قال: نعم، وعن
الشعبي قال: إذا قتل الرجل فعفا عن دمه فليس للورثة أن يقتلوا * وعن ابن جريج
قلت لعطاء: ان وهب الذي يقتل خطا ديته لمن قتله فإنما له منها ثلثها إنما هو مال
يوصى به * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قال: كتب
عمر بن عبد العزيز أن لا يتصدق الرجل بديته فان قتل خطأ فالثلث من ذلك جائز
إذا لم يكن له مال غيره * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن
عبيد عن الحسن فيمن يضرب بالسيف عمدا ثم يعفو عنه قبل أن يموت قال: هو
جائز وليس في الثلث، وقال هشام عن الحسن إذا كان خطا فهو في الثلث، ومن
طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا قبيصة بن عقبة نا سفيان عن ابن جريج عن أبي عبيد الله
عن ابن عباس في رجل قطعت يده فصالح عليها ثم انتقضت به فمات قال: الصلح
مردود ويؤخذ بالدية *
قال أبو محمد: وأما المتأخرون فان أبا حنيفة وزفر قالا: إذا عفا عن الجراحة العمد أو
الشجة وعما يحدث منها فهو جائز ولا شئ على القاتل فان عفا عن الجراحة أو القطع أو الشجة
ثم مات فعليه الدية، قال أبو يوسف. ومحمد: لا شئ على القاتل في كل ذلك، قالوا: فان عفا عن
ديته في الخطا فذلك في الثلث، وقال مال: من صالح من جراحة أو من قطع ثم مات بطل
الصلح ووجب القود فان عفا عن ديته في الخطأ فذلك في ثلثه، وقال سفيان الثوري: إذا

(1) الزيادة من النسخة رقم 45
(2) في النسخة رقم 14 خطأ أو عمدا عن دمه أو عن ديته أم لا الخ *
486

عفا عن الجراحة ثم مات فلا قود لكن يغرم الجاني الدية بعد أن يسقط منها أرش الجراحة،
وقال الشافعي: إذا عفى عن الجراحة وعما يحدث منها من عقل أو قود ثم مات فلا
قود، ثم اختلف قوله في الدية فمرة قال كقول سفيان الثوري الذي ذكرنا قبله ومرة قال
يؤخذ بجميع الدية، وقال الشافعي في أحد قوليه وبه يقول أبو ثور وأحمد وإسحاق:
لاعفو له في العمد *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك ليعلم (1) الحق فنتبعه
فوجدناهم يقولون قال الله تعالى: (والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له)
وقال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فاجره على الله) وقال تعالى:
(وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) الآية * وذكروا ما حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد
ابن الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا محمد بن بشر
نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن عروة بن مسعود الثقفي دعا قومه إلى الله ورسوله
فرماه رجل منهم بسهم فمات فعفا عنه فدفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز عفوه وقال:
هو كصاحب ياسين * نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن
حماد نا إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله نا عمران بن ظبيان عن عدى بن ثابت قال:
قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من تصدق بدم فما
دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق به) *
قال على: وقالوا: هذا حكم من عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ولا يعرف
له منهم مخالف وقالوا: هذا هو المجني عليه فهو أولى بنفسه فهذا كل ما أوردوه في ذلك
فنظرنا في الذي احتجوا به فوجدناه لا حجة لهم في شئ منه أصلا، أما قول الله تعالى:
(فمن تصدق به فهو كفارة له) فإنما قال تعالى ذلك عقب قول تعالى: (والعين بالعين)
إلى قوله تعالى: (فهو كفارة له)، وهذا كله كلام مبتدأ بعد تمام قوله تعالى: (وكتبنا
عليهم فيها ان النفس بالنفس) فإنما جاء نص الله تعالى على الصدقة بالجروح بالأعضاء
وهكذا نقول: إن للمجني عليه أن يتصدق بما أصيب به من ذلك فيبطل القود (2) جملة
في ذلك وليس في هذه الآية حكم الصدقة بالدم في النفس لان النفس بالنفس إنما هو في
التوراة بنص الآية وليس ذلك خطابا لنا وإنما خوطبنا بما بعده إذا قرئ كل ذلك
بالرفع خاصة فإذا قرئ بالنصب فليس خطابا لنا وكلا القراءتين حق من عند الله
تعالى فبطل تعلقهم بهذه الآية، وأما قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح

(1) في النسخة رقم 14 فلما اختلفوا في ذلك نظرنا لنعلم
(2) في النسخة رقم 14 فبطل القود
487

فاجره على الله) وقوله تعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) الآية فهي بنصها
بيان جلى بأنها إنما هي فيما دون النفس لافى النفس لان المخاطب فيها بأن يعاقب بمثل
ما عوقب به هو الذي عوقب نفسه هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحل صرفها عنه بالدعوى،
وهكذا نقول وليس فيها جواز العفو عن النفس أصلا وإنما فيها جواز الصبر عن أن
يعاقب بمثل ما عوقب به فقط، وأما قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) إلى قوله:
(فاجره على الله) فهو عموم يدخل في العفو عن النفس وما دونها وعفو الولي أيضا
داخل فيها فان وجدنا منها دليلا يخص منها ما ذكروه وجب المصير إليه وإلا فقد صح
قولهم * وأما حديث عروة بن مسعود رضي الله عنه فإنما قام يدعو قومه إلى الاسلام
وهم كفار حربيون قد حاربهم النبي صلى الله عليه وسلم ورجع عنهم وهم أطغى ما كانوا فتوجه إليهم
عروة داعيا إلى الاسلام كما في نص الحديث المذكور فرموه فقتلوه ولا خلاف بين
أحد من الأمة في أنه لا قود على قاتله إذا أسلم ولا دية، فأي معنى للعفو ههنا؟
وهكذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب ياسين فبطل أن يكون لهم متعلق به أصلا وإنما
هي تمويهات يرسلونها لا يفكرون في المخرج منها يوم الموقف بين يدي الله تعالى *
وأما حديث عدى بن ثابت فعهدنا بإسماعيل يرد المسند الصحيح عن عدى بن ثابت
إذا خالف رأيه فيمن سمع الاذان فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر
ويوهن روايته بأنه منكر الحديث، ومن أيقن أنه مسؤول عن كلامه لا سيما في الدين
ويفكر في قوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) لم يجترئ على مثل
هذا، وأقرب من هذه الفضيحة العاجلة عند من طالع أقوالهم والحمد لله على ما من
به من الاذعان للحق وترك العصبية للأقوال التي لا تغني عنا من الله شيئا لا هي ولا
القائل بها *
ثم نرجع إلى الحديث المذكور فنقول وبالله تعالى التوفيق: انه فيه عللا تمنع من
الاحتجاج به، أحدها انه من رواية عمر ان بن ظبيان وليس معروف العدالة
قال أحمد: فيه نظر، والثاني أنه منقطع لان عدى بن ثابت لم يذكر سماعه إياه من
الصاحب، والثالث اننا لا ندري ذلك الصاحب أصحت صحبته أم لا؟، والرابع أنه لو
لو صح لكان عموما كما قلنا في قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح
فاجره على الله) فان وجد دليل يخص من هذا العموم عفو المعقول عن دمه وديته
جاز ذلك ووجب المصير إليه وتخصيص هذا العموم والا فواجب حملهما على عمومهما
وبالله تعالى التوفيق * وأما قولهم إنه قول ابن عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم
488

فلا حجة لهم في هذا لوجوه * أولها اننا قد ذكرنا ما خالفوا فيه جمهور الصحابة
الذين لا يعرف له منهم مخالف إذ لم يوافق آراءهم وأقرب ذلك حكم عمر بن الخطاب.
وابن عباس رضي الله عنهم في اليد الشلاء تقطع والسن السوداء تكسر بثلث دية فقول
الصاحب إذا وافق أهواهم كان عندهم حجة لا يحل خلافها وإذا خالف أهواءهم وتقليدهم
لم يكن عندهم حجة وحل خلافه وهذا حكم لا طريق للتقوى ولا للحياء إلى قاتله *
وثانيها أنه عن أشعث بن سوار وهو ضعيف * وثالثها أنه منقطع أيضا لأنه عن أبي
بكر بن حفص ولم يدرك ابن عمر * ورابعها ان الامر لم يكن كذلك وهي قصة
مشهورة وإنما كان بين أولاد الجهم بن حذيفة العدوي شر ومقاتلة فتعصبت بيوتات
بنى عدى بينهم فاتى الغلام المذكور ليلا والضرب قد وقع بينهم في الظلام وهذا
الغلام هو زيد بن عمر بن الخطاب وأمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
فأصابه حجر لا يدرى من رماه وقد قيل ظنا إن خالد بن أسلم أخا زيد بن أسلم مولى
عمر بن الخطاب هو الذي ضربه وهو لا يعرف من هو في الظلمة وكان ابن عمر أخوه
يقول له عند الموت: اتق الله يا زيد فإنك لا تعرف من أصابك فإنك كنت في ظلمة
واختلاط فهكذا كانت قصته، وأما قولهم: انه هو المجني عليه فهو أولى بنفسه فتمويه
ضعيف لان الجناية عليه التي هو أولى بها إنما هي ما كان حاكما فيها بعد حلولها به وهذا
حق وإنما ذلك فيما عاش بعدها فاختار ماله أن يختار وأما بعد موته فهو غير موجود
عندنا بعد الموت ولا خيار له في جناية لم تحدث بعد *
قال أبو محمد: فلما لم يبق لهم متعلق إلا قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)
ومن تصدق بدم نظرنا في ذلك فوجدنا قوله تعالى في قتل الخطا (ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة) إلى قول تعالى (ودية مسلمة إلى أهله) ووجدناه تعال يقول في قتل
العمد (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) إلى قوله تعالى (انه كان منصورا) ولا
قتل إلا عمد أو خطأ فصح أن الدية في الخطأ فرض أن تسلم إلى أهله فإذ ذلك كذلك
فحرام على المقتول أن يبطل تسليمها الا من أمر الله تعالى بتسليمها إليهم وحرام على كل
أحد أن ينفذ حكم المقتول في ابطال تسليم الدية إلى أهله فهذا بيان لا اشكال فيه وصح
بنص كلام الله تعالى وحكمه الذي لا يرد ان الله تعالى جعل لولى المقتول سلطانا وجعل
إليه القود وحرم عليه أن يسرف فمن الباطل المتيقن أن يجوز للمقتول حكم في ابطال
السلطان الذي جعله الله تعالى لوليه ومن الباطل البحت انفاد حكم المقتول في خلاف
489

أمر الله تعالى، وهذا هو الحيف والاثم من الوصية، وكذلك جعل الله تعالى على
لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لأهل المقتول الخيار في القود أو الدية أو المفاداة فنشهد بشهادة
الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم انه لا يحل للمقتول أن يبطل خيارا جعله الله ورسوله
عليه الصلاة والسلام لأهله بعد موته وانه لا يحل لاحد انفاذ حكم المقتول في ذلك
وان هذا خطا متيقن عند الله تعالى، فكان بيقين عفو المقتول عن دية جعلها الله تعالى
لأهله بعده لاله وعفوه عن قود أو دية أو مفاداة جعل الله فيها السلطان لأهله بعده
لا له قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فكان عفو المقتول عن دية
أوجب الله تعالى تسليمها إلى أهله وعن دم أو مال خير الله تعالى فيهما أهله بعده
كسبا على أهله وهذا باطل بنص القرآن، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم
عليكم حرام " والدية إنما هي بنص القرآن وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المقتول
فحرام على المقتول التصرف في شئ من ذلك لأنها مال أهله *
قال أبو محمد: ولم يأت قط نص من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم على أن
للمقتول سلطانا في القود نفسه ولا ان له خيارا في دية أو قود ولا ان له دية واجبة
فبطل أن يكون له في شئ من ذلك حق أو رأى أو نظر أو أمر فإذ ذلك كذلك بلا شك
فقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فاجره على الله) إنما هو فيما جنى
عليه فيما دون النفس وفيما عفا عنه من جعل الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام
العفو إليه وهم الأهل بعد موت المقتول وهكذا يكون القول في الخبر المذكور لو صح،
وبرهان آخر أن لا دية عوض من القود بلا شك في العمد وعوض من النفس في الخطا
بيقين، ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن المقتول ما دام حيا فليس له حق في القود
فإذ لاحق له في ذلك فلا عفو له ولا أمر فيما لاحق له فيه، وكذلك من لم تذهب نفسه بعد
لان الدية في الخطا عوض منها فلم يجب له بعد شئ فلا حق له فيما لم يجب بعد، وبيقين
يدرى كل ذي عقل ان القود لا يجب ولا الدية الا بعد الموت وهو إذا لم يمت فلم يجب
له بعد على القاتل لا قود ولا دية ولا على العاقلة وبيقين يدرى كل ذي حس سليم انه
لاحق لاحد في شئ لم يجب بعد فإذا وجب كل ذلك بموته فالحكم حينئذ للأهل لاله *
قال أبو محمد: فبطل أن يكون لمقتول خطا أو عمدا عفو أو حكم أو وصية
في القود أو في الدية فإذ ذلك كذلك فإنما هي مال للأهل حدث لهم بعد موته ولم يرثوه
قط عنه إذ لم يجب له قط شئ منه في حياته فمن الباطل أن يقضى دينه من مال الورثة
الذي لم يملكه هو قط في حياته وان ينفذ فيه وصيته وهو وإن كان إنما وجب لهم من
490

أجل موته فهو كمال مولى له مات أثر موته فوجب للورثة من أجل الميت ولم يجب قط
للميت وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: فلو عفا الورثة أو أحدهم عن نصيبه من دية الخطا قبل موت
المقتول أو عفوا كلهم عن القود قبل موت المقتول فهو كله باطل وذلك لأنه لم يجب
لهم بعد شئ من ذلك وإنما يجب لم بموته فإذ ذلك كذلك فعقوهم لا شئ ولا
يلزمهم والدية واجبة لهم أو العافي بعد موت المقتول وكذلك القود واجب لهم
أيضا وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه وما نراه الا قول المالكيين والشافعيين أيضا،
فمن عجائب الدنيا أن يسقطوا عفو الورثة قبل أن يجب لهم القود أو الدية وهم أهل ذلك
ومستحقوه بلا خلاف ثم يجيزون عفو المقتول في شئ لم يجب له قط في حياته وهي الدية
والقود ولا يجب له أيضا بعد وفاته فهذا مقدار نظرهم وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وأما من جنى عليه جرح أو قطع أو كسر فعفا عنه فقط أو عنه
وعما يحدث عنه فعفوه عما يحدث منه باطل كما قدمنا لأنه لم يجب له بعد، أما عفوه
عما جنى عليه فهو جائز وهو له لازم وذلك لأنه قد وجب له القود في الكسر أو المفاداة
في الجراحة فان عفا فإنما عفا عن حقه الذي وجب له بعد فان مات من ذلك أو حدث عنه
بطلان عضو آخر فله القود في العضو الآخر لأنه الآن وجب له ولأوليائه القتل
بالسيف خاصة لا بمثل ما جنى على مقتولهم لان تلك الجنايات كان له القود فيها فعفا عنها
فسقطت وبقى قتل النفس فقط ولا عفو له فيه فهو للورثة فلهم قتله وإذ لهم قتله وبطل
أن يقتص منه بمثل ما جنى عليه فلا خلاف في أن الجناية لم يقد منها فإنما القتل بالسيف فقط،
وهكذا لو استقاد المجني عليه مما جنى عليه الجاني ثم مات الجنى عليه فان الجاني يقتل بالسيف
فقط لأنه قد استقيد منه في الجناية فلا يعتدى عليه بأخرى *
قال على: ولو أن جانيا جنى على انسان جناية قد يعاش منها أو لا سبيل إلى
العيش منها فقام ولى هذا المجني عليه فقتل الجاني قبل موت المجني عليه فلأولياء الجاني
المقتول قتل قاتل وليهم ثم إن مات المجني عليه فلا شئ في ذلك لان كل جناية لم يمت
صاحبها حتى مات الجاني فلا شئ فيها لان القود قد بطل بموته وقد صار المال في حياة
المجني عليه لغير الجاني وهم الورثة فهو مال من مالهم ولا حق له عندهم ولا مال
للجاني أصلا فجنايته باطل، قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها)
وبالله تعالى التوفيق *
2082 مسألة والولي بعفو أو يأخذ الدية ثم يقتل * قال على:
491

اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يقتل كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن
اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب نا يونس قال سألت ابن شهاب عن رجل قتل
رجلا ثم صالح فادى الدية ثم قتله؟ قال: نرى أن يقاد به صاغرا ولوليه أن يعفو عنه
ان شاء * حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد
نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن مهدي عن القاسم بن الفضل عن هارون عن عكرمة في رجل
قتل بعد أخذ الدية قال: يقتل أما سمعت قول الله تعالى: (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب
اليم) وقالت طائفة: لا يقتل كما روينا بالسند المذكور إلى أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد الرحمن
ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن فيمن قتل بعد أخذ الدية قال:
تؤخذ منه الدية ولا يقتل *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق
فنبتعه بعون الله تعالى ومنه فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: " من قتل
له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين إما أن يأخذوا العقل وإما أن يقتلوا "
أو كلاما هذا معناه، فصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل للأهل إلا أحد الامرين اما
الدية وإما القود (1) ولم يجعل الامرين معا فإذا تقل فلا دية له وإذا أخذ الدية فلا قتل له
هذا نص حكمه عليه الصلاة والسلام فوجدنا أهل المقتول لما عفوا وأخذوا الدية حلت
لهم وصارت حقهم وبطل من كان لهم من القود ليس لهم جميع الامرين بالنص فإذا بطل
حقهم في القد وبذلك حرم القود وحلت الدية، ولولا أن القود حرم لما حلت الدية فإذا
حرم القود فقد قتلوا نفسا محرمة حرمها الله تعالى وإذ قتلوا نفسا محرمة فالقود واجب
في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرى مسلم الا بإحدى ثلاث رجل كفر
بعد إيمانه أو زنى بعد احصانه أو قتل نفسا بغير نفس " فان قيل: هذا قتل نفسا بنفس
قيل له لا تحل النفس بالنفس إلا حيث أحلها الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وإنما أحلها
الله تعالى إذ اختاروا ذلك دون الدية، وأما إذا اختاروا الدية فقد حرم الله تعالى
عليهم تلك النفس إذ لم يجعل لهم الا أحد الامرين، ومن ادعى في ذلك شيئا صح تحليله
انه حرم فهو مبطل إلا أن يأتي (2) في دعواه ذلك بنص أو اجماع، وقد صح بيقين
كون الدية لهم حلالا ومالا من مالهم إذا أخذوها وصح تحريم القود عليهم بذلك بلا
خلاف إذ لا يقول أحد في الأرض انهم يجمعون الامرين معا (3) الدية والقود فإذ
لاشك فيما ذكرنا فمن ادعى ان الدم الذي قد صح تحريمه عليهم عاد حلالا لهم وأن

(1) في النسخة رقم 45 وأما العفوا
(2) في النسخة رقم 14 الا ان يدعى
(3) في النسخة رقم 14 جميعا
492

الدية التي أخذوا فحلت لهم قد حرمت عليهم لم يصدق إلا بقرآن أو سنة، ولا سبيل لهم إلى
وجود ذلك، وبالله تعالى التوفيق *
2083 مسألة وهل يستقاد في الحرم؟ قال على: اختلف الناس
في هذا فقالت طائفة: لا يقاد في الحرم كما حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري
نا عبد الرزاق نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: من قتل أو سرق في الحرم
أو في الحل ثم دخل الحرم فإنه لا يجالس ولا يكلم ولا يؤذى ويناشد حتى يخرج فيقام
عليه الحد ومن قتل أو سرق فاخذ في الحل ثم أدخل الحرم فأرادوا أن يقيموا عليه
ما أصاب أخرجوه من الحرم إلى الحل فان قتل في الحرم أو سرق أقيم عليه في الحرم، وعاب ابن
عباس على ابن الزبير في رجل أخذه في الحل ثم أدخله الحرم ثم أخرجه إلى الحل فقتله *
وبه إلى عبد الرزاق حدثني ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس فيمن
قتل في الحل ثم أدخل الحرم قال: لا يجالس ولا يكلم ولا يبايع ولا يؤذى يؤتى إليه فيقال
يا فلان اتق الله في دم فلان اخرج من المحارم * نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن
دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله بن المديني نا سفيان بن عيينة
أخبرني إبراهيم بن ميسرة وكان ثقة مأمونا قال: سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس
يقول: من أصاب حد ثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع ويأتيه الذي يطلبه فيقول:
أي فلان اتق الله في دم فلان أخرج عن المحارم فإذا خرج أقيم عليه الحد * وبه إلى
إسماعيل نا سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في قول الله
تعالى (مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) قال إذا أحدث الرجل حدث ثم دخل الحرم
لم يجالس ولم يبايع ولم يطعم ولم يسق حتى يخرج من الحرم فيؤخذ * ومن طريق عبد الرزاق
قال: قال ابن جريج سمعت ابن أبي حسين يحدث عن عكرمة بن خالد قال: قال عمر
ابن الخطاب: لو وجدت فيه - يعنى حرم مكة - قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه،
قال ابن جريج: وحدثني أبو الزبير قال قال ابن عمر: لو وجدت فيه يعنى حرم مكة قاتل
عمر ما ندهته، وعن عطاء عن ابن عباس قال: لو وجدت قاتل أبى في الحرم ما عرضته قال
عطاء: والشهر الحرام كذلك مثل الحرم في ذلك كله، وقال الزهري: من قتل في الحرم
قتل في الحرم ومن قتل في الحل ثم دخل الحرم أخرج إلى الحل فقتل في الحل قال
الزهري: تلك السنة وبه يقول أبو حنيفة. وأحمد بن حنبل وإسحاق *
قال أبو محمد: وقد روى عن قوم خلاف هذا [وشئ يظن أنه خلاف هذا] (1)

(1) الزيادة من النسخة رقم 14
493

وهو كما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل
ابن إسحاق نا عبد الله بن معاذ نا أبى نا أشعث - هو ابن عبد الملك - عن الحسن في قول الله تعالى:
(ومن دخله كان آمنا) قال: كان الرجل في الجاهلية يقتل الرجل ثم يعلق في رقبته
الصوفة ثم يدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول أو أبوه فلا يحركه * وعن قتادة في قول الله
تعالى: (ومن دخله كان آمنا) قال كان ذلك في الجاهلية فاما اليوم فلو سرق فيه أحد
قطع وان قتل قتل ولو قدر على المشركين فيه قتلوا، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن
أنه قال في رجل جرح رجلا في الحرم انه يقاد به وكذلك لو جرح في الحل أقيد به في الحرم
وحيث وجد، وبه يقول مالك والشافعي وأبو سليمان وأصحابهم *
قال أبو محمد: فهؤلاء من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن عباس.
وابن الزبير وأبو شريح على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ولا مخالف لهم من
الصحابة رضي الله عنهم، ومن التابعين عطاء وعبيد بن عمير ومجاهد وسعيد بن جبير.
والزهري وغيرهم، ويخبر بذلك عن علمائهم وهم التابعون من أهل المدينة ويخبر ان
السنة مضت بذلك فيما تعلق من تعلق بخلاف ذلك الا برواية (1) عن ربيعة وأما
قتادة والحسن فليس في قولهما خلاف لمن ذكرنا لان الحسن إنما أخبر عمن كان
في الجاهلية ولم يقل ان الاسلام جاء بخلاف ذلك الا به، واما قتادة فلم يقل. ان من
أصاب في الحل دما أقيد به في الحرم فبطل تعلقهم فبطل تعلقهم بقتادة والحسن *
قال أبو محمد: وجاهر بعضهم أقبح مجاهرة فذكر ما حدثناه أحمد بن عمر
نا عبد الله بن الحسين نا إبراهيم بن محمد نا محمد بن الجهم نا أحمد بن الهيثم نا عباد بن العوام عن
سفيان بن الحسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: آيتان نسختا من هذه السورة
- يعنى المائدة - آية القلائد (وان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فموه
بأن هذا اختلاف من قول ابن عباس *
قال أبو محمد: وهذا البهت الفاضح والكذب المجرد، ونعم أن قوله تعالى:
(لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام
يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) قد قيل إنه نسخ منه القلائد فقط كما حدثنا أبو سعيد
الجعفري نا محمد بن علي المقبري نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل نا أبو جعفر الطحاوي
نا سلمة بن شبيب نا عبد الرزاق نا معمر عن قتادة وذكر هذه الآية فقال: منسوخ
كان الرجل في الجاهلية إذا خرج إلى الحج يقلد من الشعر فلا يعرض له أحد وإذا

(1) في النسخة رقم 14 مضت بذلك فيما تعلق بذلك بخلاف الا برواية
494

تقلد قلادة شعر لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت فامر الله تعالى
أن لا يقاتل المشركون في الشهر الحرام ولا عند البيت ثم نسخها قول الله تعالى:
(فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وهذا نص قول قتادة فهبك انه قد صح نسخ
القلائد فأي شئ في ذلك مما يوجب أن من قال بنسخ القلائد فقد خالف ذلك من قوله
قول من قال لا يقام الحد في الحرم ولا يقتل أحد في الحرم لقد كان ينبغي لمن كان له
دين أن يستحى من أن يعمى هذا العمى وأن يتبع هواه في الباطل هذا الاتباع، والقلائد
ههنا إنما هي على ظاهرها قلائد الهدى التي لا يحل احلالها *
قال أبو محمد: وعهدنا بالمالكيين والشافعيين يعظمون خلاف الصاحب إذا
وافق تقليدهم وهم قد خالفوا ههنا خمسة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف وخالفوا
القرآن والسنة الثابتة على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى، واعجب من هذا كله
احتجاجهم بابن خطال وهو متعلق بأستار الكعبة فهذه قصة نص رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أنها له خاصة ولا تحل لاحد بعده كما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى *
قال على: قال الله تعالى: (مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا) وهذا أمر من الله
تعالى مخرجه مخرج الخبر هذا لا يخلو (1) القول من أن يكون خبرا أو أمرا فبطل أن
يكون خبرا لأننا قد وجدنا القرامطة الكفرة لعنهم الله قد قتلوا فيه أهل الاسلام
ووجدنا يزيد بن معاوية والفاسق الحجاج قد قتلا فيه النفوس المحرمة فصح يقينا أنه
أمر من الله تعالى إذ لم يبق غيره * وأن من ادعى أن هذا إنما هو خبر من الله تعالى عن
الجاهلية فقد كذب لأنه أخبر عن الله تعالى بما لم يقله قط وقد قال تعالى (وأن تشركوا
بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) وقال تعالى (إنما يأمركم بالسوء
والفحشاء وان تقولوا على الله مالا تعلمون) حاش لله أن يكون الحرم له فضل في الجاهلية
بخسه الله تعالى إياه في الاسلام بل ما زاد الله تعالى الحرم في الاسلام الا تعظيما وحرمة
واكراما * وقد روينا من طريق البخاري نا عبيد بن إسماعيل نا أسامة عن هشام
ابن عروة عن أبيه فذكر حديث الفتح وفيه " أن سعد بن عبادة قال لأبي سفيان: يا أبا
سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة المحرمة فلما مر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأبى سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال؟ قال قال كذا وكذا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى
فيه الكعبة " وذكر الحديث، واحتج بعضهم بما روينا من طريق البخاري نا محمد بن مقاتل أنا

(1) في النسخة رقم 45 إذ لا يخلو
495

عبد الله - هو ابن المبارك - نا يونس عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير قال " ان امرأة سرقت
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعون به (1) قال
عروة فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تكلمني في حد من حدود الله قال
أسامة فاستغفر لي يا رسول الله فلما كان الشعبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فاثنى على الله
تعالى بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنما هلك الناس قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم
الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو
أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت
يدها " وذكرت عائشة الحديث *
قال أبو محمد: وهذا لا متعلق لهم فيه لأنه ليس في هذا الخبر انها قطعت يدها
في الحرم فإذ ليس ذلك فيه فلا يجوز أن يعترض على نص القرآن ونص بيان السنن
بظن لا حقيقة فيه، ولعل أمرها كان في غير الحرم أو في الطريق قال الله تعالى: (ان
الظن لا يغنى من الحق شيئا) وأيضا فان هذا الخبر ظاهره الارسال، وقال بعض من
لا يبالي بما أطلق به لسانه إنما معنى قوله تعالى: (مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا)
إنما عن الصيد، وهذا مع أنه كذب على الله تعالى وجرأة على الباطل فضيحة (2)
في اللحن لأنه لا يخبر (3) في لغة العرب بلفظة من الا عمن يعقل لا عن الحيوان غير الآدمي،
فان قال قائل: إنما هذا (4) في المقام وحده بنص الآية قيل له: ان الله تعالى لا يكلم
عباده بالمحال ولا بما لا يمكن، وباليقين يدرى كل ذي حس سليم ان مقام إبراهيم حجر
واحد لا يدخله أحد ولا يقدر أحد على ذلك وإنما مقام إبراهيم الحرم كله كما قال مجاهد أنه قال
مقام إبراهيم الحرم كله، فان قال قائل ان الله تعالى قال: (ولا تقاتلوهم عند المسجد
الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم) قلنا: نعم هكذا قال الله تعالى وبهذا
نقول، ولا يحل قتال أحد لا مشرك ولاغيره في حرم مكة لكننا نخرجهم منه فان
خرجوا وصاروا في الحل نفذنا عليهم ما يجب عليهم من قتل أو أسر أو عقوبة فان
امتنعوا وقاتلونا قاتلناهم حينئذ في الحرم كما أمر الله تعالى وقاتلناهم فيه وهكذا نفعل
بكل باغ وظالم من المسلمين ولا فرق، فان قالوا: فقد قال الله تعالى. (فاقتلوا المشركين
حيث وجدتموهم) الآية قلنا: الذي قال هذا قال: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام
حتى يقاتلوكم فيه) وكلامه كله حق وعهوده كلها فرض ولا يحل ترك شئ من كلامه

(1) في النسخة رقم 14 يستشفعونه
(2) في النسخة رقم 14 وفضيحة
(3) في النسخة رقم 14 يجوز
(4) في النسخة رقم 14 ان هذا *
496

لشئ آخر إلا بنسخ متيقن فواجب علينا أن نستعمل مثل هذه النصوص ونجمعها
وتستثنى الأقل منها من الأكثر إذ لا يحل غير ذلك فنحن نقتل المشركين حيث
وجدنا هم الا عند المسجد الحرام فنحن إذا فعلنا هذا كنا على يقين من اننا قد أطعنا الله
تعالى في كل ما أمرنا به ومن خالف هذا العمل فقد عصى الله تعالى في احدى الآيتين
وهذا لا يحل أصلا وكما قلنا فعل أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فإنه لما
ابتدأه الفساق بالقتال في حرم مكة يزيد وعمرو بن سعيد والحصين بن نمير والحجاج
ومن بعثه ومن كان معهم من جنود السلطان قاتلهم مدافعا لنفسه وأحسن في ذلك
وبالله تعالى التوفيق * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا
الفربري نا البخاري نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن منصور بن المعتمر عن مجاهد
عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم افتتح مكة: " لا هجرة
ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا فان هذا بلد حرمه الله تعالى يوم خلق
السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة وانه لم يحل القتال فيه
لاحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد
شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها، قال العباس:
يا رسول الله الا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم قال الا الإذخر " * ومن طريق مسلم
ابن الحجاج نا زهير بن حرب نا الوليد بن مسلم نا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير
حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف نا أبو هريرة قال: " لما فتح الله تعالى على رسوله
صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ان الله تعالى حبس الفيل عن مكة
وسلط عليها رسوله والمؤمنين وانها لم تحل لاحد كان قبلي وانها حلت لي ساعة من نهار
وانها لن تحل لاحد بعدي فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها الا لمنشد "
وذكر باقي الحديث بذكر الإذخر، وقد روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد
نا ليث - هو ابن سعد - عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو
ابن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول
الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاء قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به
أنه حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: " ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل
لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان أحد
ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا: ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن
497

لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب "
قيل لأبي شريح: ماذا قال لك عمرو؟ قال قال: انا أعلم بذلك منك يا أبا شريح ان الحرم
لا يعيذ عاصيا ولافارا بخربة *
قال أبو محمد: ولا كرامة للطيم الشيطان شرطي الفاسق يريد أن يكون أعلم من
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمعه ذلك الصاحب رضي الله عنه من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وانا لله وانا إليه راجعون على عظيم المصاب في الاسلام ثم على تضاعف المصيبة بمن
شاهده يحتج في هذه القصة بعينها بقول الفاسق عمرو بن سعيد معارضة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم يتكلم في دين الله تعالى ويغر الضعفاء بأنه عالم وما العاصي لله تعالى ولرسوله
صلى الله عليه وسلم الا الفاسق عمر بن سعيد ومن ولاه وقلده، وما حامل الخربة في الدنيا والآخرة
الا هو ومن أمره وأيده وصوب قوله *
قال أبو محمد: فهذا نفق تراتر ثلاثة من الصحابة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو هريرة وابن عباس وأبو شريح كلهم يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ان مكة
حرمها الله تعالى) فبيقين ندري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرم مكة خصوصا القتال المحرم بالظلم
لأنه محرم في كل مكان في الأرض لكنه عليه الصلاة والسلام نص على أنه إنما حرم القتال المأمور
به في غيرها لأنه عليه الصلاة والسلام المقاتل في مكة ولا قتل إلا بحق ونهى عن ذلك القتال
بعينه غيره وحرم أن يحتج به في مثله وقطع الأيدي فيه سفك دم والقصاص كذلك فلا
يحل فيها البتة، وقد شغب قوم بما روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى قلت لما لك نا ابن
شهاب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال: ان
ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه) قال نعم: وهذا لا حجة لهم فيه لان هذا
كان حين دخوله مكة عام الفتح وهي الساعة التي أحلها الله تعالى له ثم خبر عليه الصلاة
والسلام في اليوم الثاني أنها قد عادت إلى حرمتها إلى يوم القيامة فإذ قد ارتفع الاشكال
وجب تأمين من دخل مكة جملة من كل قتل وقصاص وحد، وبالله تعالى التوفيق * فان قال
قاتل ممن يحتج لهذا القول إن الله تعالى يقول: (والحرمات قصاص) فمن انتهك حرمة في
الحرم وجب ان ينتهك منه مثل ذلك في الحرم قلنا له: هذا عموم يخصه قول الله تعالى: (ومن
دخله كان آمنا) ويخصه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمها أن لا يسفك فيها دم أصلا إلا من
قاتلنا فيه من المشركين وبالاجماع في الدفاع عن النفس الظلم فصح ان الله تعالى لم يرد قط
ان من انتهك حرمة الحرم أن ننتهكها نحن أيضا قصاصا منه وأنه لا يقام عليه حتى يخرج
498

إلى الحل، وهذا قول عمر بن الخطاب. وعبد الله بن عمر. وابن عباس. والشعبي. وسعيد بن
جبير. والحكم بن عتيبة، وروى أيضا عن عطاء وبه نأخذ، وأما نهى الناس عن مبايعته
ومكالمته فان الله تعالى يقول: (وأحل الله البيع وحرم الربا) فلا يجوز منعه من البيع
بغير نص ولا اجماع وكذلك امر الله تعالى بافشاء السلام فلا يجوز منعه الا بنص أو اجماع،
فان احتجوا بقول عبد الرحمن بن فروخ قال: اشترى نافع بن عبد الحارث عامل
عمر بن الخطاب على مكة من صفوان بن أمية بن خلف دار السجن بأربعة آلاف
فان رضى عمر فالبيع له، وان لم يرض عمر فلصفوان أربع مائة قلنا: قد جاء لبعض السلف
خلاف لهذا كما روى عن طاوس انه كره السجن بمكة، وقال: لا ينبغي أن يكون بيت عذاب
في بيت رحمة، وبهذا نأخذ، فان أنكروا علينا خلاف عمر ونافع وصفوان في ذلك قلنا
لهم: نحن لا ننكر هذا إذا أوجبه قرآن أو سنة، ولكن إذ تنكرون هذا ولا يحل عندكم
فكيف استجزتم خلافه في هذا الخبر نفسه في أنه نص عمر فله بيعه وإن لم يرض فلصفوان
أربع مائة، وهذا عند جميع الحاضرين من المخالفين ربا محض فعاد الاثم عليهم والعار
أيضا في خلافهم ما لا يستحلون خلافه إلى خلافهم عمر وابنه وأبا شريح وابن عباس
وابن الزبير في أن لا يقاد قوم بمكة أصلا ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم والقرآن
معهم والسنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يهتف بذلك على الناس ثاني يوم الفتح، فهذا هو
الاجماع الثابت المقطوع به على جميع الصحابة انهم قالوا به، وأما نحن فلا حجة عندنا
في قول أحد دون قول الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه، وبالله تعالى التوفيق *
2084 مسألة هل يقام القصاص أو الحدود في الشهر الحرام أم لا؟
قال على: قال الله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقال تعالى: (يسألونك عن الشهر
الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) إلى قوله تعالى: (والفتنة أكبر من القتل) *
قال أبو محمد: وق روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: أرأيت
الرجل يقتل في الحرم أين يقتل قاتله؟ قال حيث شاء أهل المتقول قال فان قتل في الحل ولم
يقتل في الحرم قال عطاء: وكذلك الشهر الحرام * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن
الزهري قال شهر الله الأصم رجب قال: فكان المسلمون يعظمون الأشهر الحرم لان الظلم
فيها أعظم قال: ومن قتل في شهر حلال أو جرح لم يقتل في شهر حرام حتى يجئ شهر حلال
قال الله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام)، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال:
أخبرني عطاء أن رجلا جرح في شهر حلال فأراد عثمان بن محمد بن أبي سفيان أن يقيده وهو
499

أمير في شهر حرام فأرسل إليه عبيد بن عمير وهو في طائفة من الدار لاتقده حتى
يدخل شهر حلال *
قال أبو محمد: فهذا عبيد بن عمير والزهري لا يريان أن يقاد في شهر حرام من
جنى في شهر حلال وعن عطاء بن أبي رباح يرى من قتل في شهر حرام أن يقتل في شهر حرام
فان قتل في شهر حلال لم يقد منه في شهر حرام فهؤلاء من أكابر التابعين وفقهاء
مكة والمدينة *
قال على: قال الله تعالى: (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق
السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) فإنما نهى الله تعالى
فيها عن الظلم فكان الظلم فيها أو كد من الظلم في غيرها ولا يحل أن يزاد على الله تعالى ما لم
يقل، ثم نظرنا في قوله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام) فكان موجب هذه الآية إن
من قتل أو جرح في شهر حرام فلم يظفر به إلا في شهر حلال فان ولى الاستقادة من الدم
أو الجرح مخير ان شاء تأخيره إلى شهر حرام فذلك له بنص الآية وان لم يرد ذلك فهو بعض
حقه تجافى عنه ولم تمنعه الآية من ذلك وبهذا نقول وبالله تعالى التوفيق وأما قوله تعالى:
(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) إنما هذا في القتال، وليس من القود في شئ *
قال أبو محمد: ويحبس الذي وجب عليه القود فاخره المجني عليه أو ولى الدم حتى
يأتي شهر حرام لأنه قد وجب أخذه بما جنى فلا ينبغي تسريحه بل يوقف بلا خلاف للقود
ويمنع من الانطلاق *
قال أبو محمد: وأما الحدود فتقام في الشهر الحرام كلها من رجم وغيره لان الله
تعالى لم يأت عنه نص بالمنع من ذلك ولا من رسوله عليه الصلاة والسلام وتعجيل
الطاعة المفترضة في إقامة الحدود واجب بيقين ندري ان الله تعالى لو أراد تأخير ذلك
عن الشهر الحرام لبينه تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك في الحرم بمكة فإذا لم يفعل
فنحن نشهد بشهادة الله تعالى أنه ما أراد قط أن لا تقاد الحدود إلا في الأشهر الحرم،
وهكذا القول في حرم المدينة وما كان ربك نسيا، وبالله تعالى التوفيق *
2085 مسألة مقاتلة من مر أمام المصلى * قال على: من أراد المرور
أمام المصلى إلى سترة أو غير سترة فأراد انسان أن يمر بينه وبين سترته أوبين يديه وان
لم يكن إلى سترة فليدفعه فان اندفع وإلا فليقاتله فان دفعه فوافقت منية المريد للمرور
فدمه هدر، ولا شئ فيه لا قود ولا دية ولا كفارة، وكذا إن كسر له عضو ولا فرق، فان
وافق في ذلك منية المصلى ففيه القود أو الدية أو المفاداة * برهان ذلك ما رويناه من
500

طريق أبى داود نا موسى بن إسماعيل نا سليمان - هو ابن المغيرة - عن حميد قال: قال
أبو صالح: أحدثك عما رأيت من أبي سعيد وسمعته منه دخل أبو سعيد على مروان
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا صلى أحدكم إلى ما يستره من الناس فأراد
أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره فان أبى فليقاتله فإنما هو شيطان * وروينا من
طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن محمد بن مصعب الصوري نا محمد بن المبارك
- هو الصوري - نا عبد العزيز زبن محمد - هو الدراوردي - عن صفوان بن سليم عن
عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أنه كان يصلى فأراد ابن لمروان أن يمر بين
يديه فدرأه فلم يرجع فضربه فخرج الغلام يبكى حتى أتى مروان فأخبره فقال مروان
لأبي سعيد: لم ضربت ابن أخيك؟ قال: ما ضربته إنما ضربت الشيطان سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا كان أحدكم في صلاته فأراد انسان يمر بين يديه فيدرأه ما استطاع
فان أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " * ومن طريق مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال فان أبى فليقاتله
فان معه القرين " ومن قاتل كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو محسن قال الله تعالى:
(ما على المحسنين من سبيل) فإذ هو محسن فليس متعديا وإذ ليس متعديا فلا قود عليه
ولا دية وليس قاتل خطا فتكون عليه كفارة فلو أمكنه دفعه فعمد قتله أقيد به لأنه
معتد حينئذ بما لم يؤمر، وأما المار بين يدي المصلى فمعتد بالمرور معتد بالمقاتلة
فعلية القود وبالله تعالى التوفيق *
2086 مسألة الجماعة تضرب الواحد فيقتل ولا يدرى من أصابه منهم
والمصطدمان ومن وقع على آخر ومن تعلق بآخر فسقط والحفارون والمتصارعان
والمتلاعبان *
قال أبو محمد: أما الجماعة تضرب الواحد فيموت ولا يدرى من منه اصابه
فإنه ان وجد مقتولا في دار قوم فادعى أهله على أهل تلك الدار وكان الذين ضربوه
من أهل تلك الدار ففيه حكم القسامة على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى، وإن كان
الذين ضربوه من غير أهل تلك الدار فليس ههنا حكم القسامة ولكن حكم التداعي
فالبينة ههنا على مدعى الدم فان جاء بها فله القود وان لم يأت بها حلفوا له ان
ادعى على جميعهم أو حلف له من ادعى عليه منهم وبرئوا وسنذكر هذا كله في باب القسامة *
2087 مسألة (1) وإذا اقتتل اثنان فقتل أحدهما الآخر فقد قال قوم
على الحي نصف الدية لأنه مات المقتول من فعله وفعل غيره وهذا ليس بشئ لان

(1) في النسخة رقم 45 قال على بدل مسألة
501

المقتول وإن كان عاصيا لله تعالى وفى النار لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا التقى المسلمان
بسيفيهما فالقاتل والمقتول في الناري فإنه ليس كل عاص يحل دمه ولا يغرم دية لكن
القاتل الحي هو قاتل الآخر بلا شك فإذ هو قاتله بيقين عليه ما على القاتل لما روينا من
طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال سئل ابن شهاب عن أول من جعل على المصطدمين
نصف عقله فقال ابن شهاب: نرى ان العقل تاما على الباقي منهما وتلك السنة فيما أدركنا *
قال أبو محمد: فان جنى المقتول على قاتله جناية مات منها بعد موت المقتول
فالقود واجب تعجيله على الحي إذ كانا ظالمين معا أو كان الحي منهما ظالما والمقتول مظلوما
فيستقاد من الحي في نفسه وفى الجراح التي جرح المقتول بها أو تؤخذ الدية منه أو من
ماله مات أو عاش ولا شئ في مال المقتول لا دية ولا غيرها الا إن كان قطع له إصبعا
أو أصابع أو يدا أو رجلا فالدية في ذلك في مال الميت * برهان ذلك ان ما وجب في
حياة الجاني من دية (1) فهي واجبة بعد فلا يسقطها موته إذ ما صح بيقين فلا يسقط بالدعوى
وأما ما لم يجب في حياته بعد فبيقين ندري ان ما له صار بموته لورثته أو للغراء بلا شك
فإذ صار لهم فهو مال من ما لهم والدية لا تجب الا بموت المقتول فإذا وجبت بموته
ولا مال للجاني فمن الباطل البحت المقطوع به ان تؤخذ دية من مال من لم يقتله ولا جنى
عليه وكذلك دية القاتل (2) الذي قد مات قبل وجوب الدية عليه، والأحكام لا تلحق
الموتى وإنما تلحق الاحياء وبالله تعالى التوفيق: فهذا حكم الظالمين، وأما إن كان القاتل
الحي مظلوما والمقتول ظالما فقد مضى إلى لعنة الله تعالى ولا شئ على القاتل الجارح
لا قود ولادية لما سنذكره في كتاب أهل البغي *
قال أبو محمد: وأما المصطدمان راجلين أو على دابتين أو السفينتين يصطدمان
فروى عن الشعبي في السفينتين يصطدمان لا ضمان في شئ من ذلك، وقال الشافعي:
لا يجوز فيه الا أحد قولين أما انه يضمن مدير السفينة نصف ما أصابت سفينته
لغيره أو أنه لا يضمن البتة الا أن يكون قادرا على صرفها بنفسه أو ممن يطيعه فلا
يفعل فيضمن والقول قوله مع يمينه أنه ما قدر على صرفها وضمان الأموال إذا ضمن في
ذمته وضمان النفوس على عاقلته *
قال أبو محمد: وقال بعض أصحابنا: إذا اصطدمت السفينتان بغير قصد من
ركابها لكن بغلبة أو غفلة فلا ضمان في ذلك أصلا فان حملا سفينتهما على التصادم
فهلكتا ضمن كل واحد نصف قيمة السفينة الأخرى لأنها هلكت من فعلها ومن فعل

(1) في النسخة رقم 14 من دمه
(2) في المسخة رقم 14 ولا جنى عليه وهم ودية القاتل
502

ركابها، وأما الفارسان يصطدمان فان أبا حنيفة. ومالكا. والأوزاعي والحسن بن
حي قالوا: ان ماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر كاملة وقال عثمان البتي وزفر.
والشافعي: على كل واحد منهما نصف دية صاحبه وقال بعض أصحابنا: بمثل قول
الشافعي في ذلك وكذلك أوجبوا ان هلكت الديتان أو إحداهما فنصف قيمتها
أيضا وكذلك لو رموا (1) بالمنجنيق فعاد الحجر على أحدهم فمات فان الدية على
عواقلهم وتسقط منها حصة المقتول لأنه مات من فعله وفعل غيره قالوا: فلو صدم أحدهما
الآخر فقط فمات المصدوم فديته على عاقلة الصادم إن كان خطا وفى مال القاتل ان قتلت
في العمد *
قال أبو محمد: والقول في ذلك وبالله تعالى التوفيق أن السفينتين إذا اصطدمتا
بغلبة ريح أو غفلة فلا شئ في ذلك لأنه لم يكن من الركبان في ذلك عمل أصلا ولم
يكسبوا على أنفسهم شيئا وأموالهم وأموال عواقلهم محرمة الا بنص أو اجماع فان كانوا
تصادموا وحملوا وكل أهل سفينة غير عارفة بمكان الأخرى لكن في ظلمة لم يروا شيئا
فهذه جناية والأموال مضمونة لأنهم تولوا افسادها وقال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة
مثلها) وأما الأنفس فعلى عواقلهم كلهم لأنه قتل خطأ وان كانوا تعمدوا فالأموال
مضمونة كما ذكرنا وعلى من سلم منهم القود أو الدية كاملة والقول في الفارسين أو
الرجلين يصطدمان كذلك، وكذلك أيضا الرماة بالمنجنيق تقسم الدية عليه وعليهم
وتودي عاقلته وعاقلتهم ديته سواء * برهان ذلك أنه في الخطأ قاتل نفسه مع من قتلها
وقد ذكرنا قبل أن في قاتل نفسه الدية بنص قول الله تعالى [في قاتل الخطأ فعم تعالى
كل مقتول ولم يخص خطا وما كان ربك نسيا] (2) *
قال أبو محمد: ثم نرجع إلى مسألتنا فنقول: اما قولهم في المصطدمين ان الميت
مات منهما من فعل نفسه ومن فعل غيره فهو خطأ والفعل إنما هو مباشرة الفاعل
وما يفعله فيه وهو لم يباشره بصدمة (3) غيره في نفسه شيئا ولا يختلفون فيمن دفع
ظالما إلى ظالما آخر ليقاتله فقتل أحدهما الآخر ان على القاتل منهما القود أو الدية
كلها ان فات القود ببعض العوارض وهو قد تسبب في موت نفسه بابتداء الفتال كما تسبب
في موت نفسه في الصدم ولا فرق وهذا تناقض منهم *
قال أبو محمد: وكذلك القول في المتصارعين والمتلاعبين ولافرق، وما أباح الله

(1) في النسخة رقم 45 وكذلك ان رموا
(2) الزيادة من النسخة رقم 45
(3) في النسخة رقم 14 فصدمه
503

تعالى في اللعب شيئا حظره في الجلد، وأما من سقط من علو على انسان فماتا جميعا أو
مات الواقع أو الموقوع عليه فان الواقع هو المباشر لاتلاف الموقوع عليه بلا شك
وبالمشاهدة لان الوقعة قتلت الموقوع عليه ولم يعمل الموقوع عليه شيئا فدية الموقوع
عليه ان ملك على عاقلة الواقع ان لم يتعمد الوقوع عليه لأنه قاتل خطأ فان تعمد
فالقود واقع عليه أن سلم أو الدية وكذلك الدية في ماله ان مات الموقوع عليه قبله فان
ماتا معا أو مات الواقع قبل فلا شئ في ذلك لما ذكر منا من أن الدية إنما تجب بموت
المقتول المجني عليه لاقبل ذلك فإذا مات في حياة قاتله فقد وجبت الدية أو القود في مال
القاتل وإذا مات مع قاتله أو بعد قاتله فلم يجب له بعد شئ لاقود ولا دية في حياة
القاتل فإذا مات فالقاتل غير موجود والمال قد صار للورثة، وهذا لاحق له عندهم
وليس هكذا قتل الخطأ لان الدية لا تجب في مال الجاني، وإنما تجب على عاقلته
فسواء مات القاتل قبل المقتول أو معه أو بعده لا يسقط بذلك وجوب الدية إما على
العاقلة ان علمت واما في كل مال المسلمين كما جاء في سهم الغارمين، وبالله تعالى التوفيق،
ولا شئ لوارث الواقع ان مات في جميع هذه الوجوه لا دية ولاغيرها لأنه لم يجن أحد
عليه شيئا، وسواء وقع على سكين بيد المدفوع عليه أو على رمح أو غير ذلك لا شئ في
ذلك أصلا لأنه ان عمد فهو قاتل نفسه عمدا ولا شئ في ذلك بلا خلاف وإن كان لم
يعمد فلم يباشر في نفسه جناية وإنما هو قتيل حجر أو حديدة أو نحو ذلك وما كان
هكذا فلا شئ في ذلك كله وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وأما المتماقلون في الماء فان عرف أيهم غطسه في الماء حتى
مات فإن كان عمدا فالقود وإن كان غير قاصد لكن غطس أحدهم فلما جاء ليخرج
لقى ساقى آخر فمنعتاه الخروج غير قاصد لذلك فالدية على عاقلته وعليه الكفارة لأنه باشر
ذلك فيه غير قاصد فهو قتل خطأ، فإن كان غطسه تغطيسة لا يمات البتة من مثلها
فوافق منيته فهذا لا شئ فيه لأنه لم يقتله لا عمدا ولا خطأ بل مات بأجله حتف أنفه
فان جهل من عمل ذلك به فمن ادعى عليه أحلف وبرئ وان لم تقم عليه بينة ولا
قسامة ههنا لأنه ليس مما حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة *
قال أبو محمد: والذي نقول به أن حكم القسامة واجب ههنا لأنه هو الذي حكم
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة لان كلتا الحالتين قتيل وجد ولم يقل عليه الصلاة والسلام انى
حكمت بالقسامة من أجل الدار ولا من غير أجل الدار فلا يجوز أن يقول عليه الصلاة
والسلام ما لم يقل لكن نحكم في نوع تلك الحال مثل حكمه فيها وبالله تعالى التوفيق *
504

وكذلك من قتل في اختلاط قتال أو ليلا أو أين قتل وبالله تعالى التوفيق، ولو أن
قوما حفروا في حائط بحق أو بباطل أو في معدن أو بئر فتردى عليهم الحائط أو
الجرف فماتوا أو مات بعضهم فان كانوا عامدين قاصدين إلى هدمه على أنفسهم فهو
قتل عمد والقود على من عاش أو دية كاملة لجميع من مات لكل واحد منهم دية لان
كل واحد منهم قاتل نفس وهذا حكم قاتل النفس عمدا وان كانوا لم يقصدوا إلا العمل
لا هدمه على أنفسهم فهم قتلة خطأ على عواقلهم كلهم دية دية لكل من مات فقط فإن لم
يكن لهم عواقل فمن سهم الغارمين أو من كل مال لجميع المسلمين ولو أن قوما وقفوا
على جرف فانهار بأحدهم فتعلق بمن يقربه وتعلق ذلك بآخر فسقطوا فماتوا فالمتعلق
بصاحبه قاتل خطأ فالدية على عاقلة المتعلق فكان زيدا تعلق بخالد وتعلق خالد بمحمد
فعلى عاقلة زيد دية خالد وعلى عاقلة خالد دية محمد فقط وكذلك أبدا لان المتعلق بانسان
إلى مهلكة قاتل خطأ إلا أن يتعمد بلا شبهة فهو قاتل عمد ليس فيه إلا لو خلص المتردى القود
أو الدية أو المفاداة، فلو تعلقوا هكذا فوقعوا على أسد أو ثعبان فقتلهم فإن كان خطأ
فلا شئ في ذلك لأنه ليس قاتل خطأ وإنما قتلت البهيمة وإن كان عمدا فعليه القود ان
خلص ويرمى إلى مثل البهيمة حتى تقتله كما فعل هو بأخيه لقول الله تعالى: (والحرمات
قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) *
قال أبو محمد: روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن سعيد
ابن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس قال: استأجر رجل أربعة رجال ليحفروا له
بئر فحفروها فانخسفت بهم البئر فمات أحدهم فرفع ذلك إلى علي بن أبي طالب فضمن
الثلاثة ثلاثة أرباع الدية وطرح عنه ربع الدية *
قال على: أما الأثر في وضع على الدية في قصة الحفارين فهي ثابتة عنه وهي
موافقة لقول الشافعي. وأصحابنا وهم يشنعون على من خالف الصاحب إذا وافق
آراءهم وهم قد خالفوا ههنا الرواية الثابتة عن علي ولا يعرف له في ذلك مخالف من
الصحابة رضي الله عنهم وهذا يوضح عظيم تناقضهم وبالله تعالى التوفيق، وأما نحن
فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والحفارون كلهم باشر هدم
ما انهار (1) على الذي هلك منهم فعلى عواقلهم كلهم عواقل الاحياء والأموات،
وكذلك لو ماتوا كلهم دية دية لكل (2) من مات يعنى أن في كل ميت دية واحدة

(1) في النسخة رقم 14 هدم ما انهدم
(2) في النسخة رقم 14 لكان
505

فقط تؤدى إلى عواقل جميعهم وعاقلة الميت في جملتهم وبالله تعالى التوفيق * ومن طريق
أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري انه سئل عن اجراء استؤجروا
ليهدموا حائطا فخر عليهم فمات بعضهم أنه يغرم بعضهم لبعض الدية على من بقي *
ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا وكيع ناموسي بن علي بن رباح عن أبيه قال: جاء
أعمى ينشد الناس في زمان عمر يقول: *
يا أيها الناس لقيت منكرا * هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
* خرا معا كلاهما تكسرا *
قال وكيع: كانوا يرون أن رجلا صحيحا كان يقود أعمى فوقعا في بئر فخر عليه
فاما قتله واما جرحه فضمن الأعمى * ومن طريق ابن وهب نا الليث بن سعد أن عمر
ابن الخطاب قضى في رجل أعمى قاده رجل فخرا معا في بئر فمات الصحيح ولم يمت
الأعمى فقضى عمر على عاقلة الأعمى بالدية فكان الأعمى يتمثل بأبيات شعر قالها وهي
التي ذكرناها آنفا قبل هذا، قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول في البصير يقود الأعمى
فيقع البصير في بئر ويقع الأعمى على البصير فيموت البصير فان دية البصير على
عاقلة الأعمى *
قال أبو محمد: الرواية عن عمر لا تصح في أمر الأعمى لأنه عن علي بن رباح.
والليث وكلاهما لم يدرك عمر أصلا، والقول في هذا عندنا ان من وقع على آخر فلا
يخلو من أحد ثلاثة أوجه اما أن يكون دفعه غيره فمات الواقع أو الموقوع عليه، وأما
أن يكون الموقوع عليه هو الذي جر الواقع فوقع عليه كبصير يقود أعمى وهو يمسكه
فوقع البصير وانجبذ بجبذه الأعمى أو المريض فوقع عليه فمات الأسفل أو الاعلى أو
يكون وقع من غير فعل أحد لكن عمد رمى نفسه أو لم يعمد لكن عثر إذ خر فان دفعه
غيره فالدافع هو القاتل فإن كان عمدا فعليه القود أو الدية أو المفاداة في أيهما مات فإن كان
خطأ فعلى عاقلته الدية وعليه الكفارة إذ هو القاتل خطأ والمدفوع حينئذ والحجر
سواء فهذا وجه، وإن كان المدفوع عليه وهو جبذ الواقع فإن كان عامدا فهو قاتل عمد
فان مات المجبوذ فعليه القود أو الدية أو المفاداة ووان مات هو فهو قاتل نفسه ولا
شئ على المجبوذ لأنه لم يعمد ولا أخطأ فإن كان لم يعمد جبذه ولكن استمسك به
فوقع فمات فعلى عاقلة الجابذ دية المجبوذ ان مات والكفارة لأنه قاتل خطأ فان مات هو
فليس على المجبوذ شئ ولا على لأنه ليس عامدا ولا مخطئا لكن على عاقلة الجابذ دية
نفسه لأنه فاتل نفسه خطأ فهذا وجه ثان، وإن كان وقع من غير فعل أحد فإن كان عمدا
506

فهو قاتل عمد ان سلم فالقود أو الدية أو المفاداة وان مات فهو قاتل نفسه عمدا ولا
شئ على الموقوع عليه وإن كان لم يعمد فهو قاتل خطا اما نفسه واما الآخر فالدية على
عاقلته ولا بد وعليه ان سلم هو ومات الآخر كفارة وبالله تعالى التوفيق * والأعمى
والبصير في ذلك سواء *
2088 - مسألة - من قال إن صوم الشهرين في كفارة قتل الخطا عوض
من الدية والعتق ان لم يجد: قال على: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم
ابن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون ناموسي بن معاوية نا وكيع نا زكريا عن الشعبي
قال: سئل مسروق عمن قتل مؤمنا خطأ (فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) إلى
قوله تعالى (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) عن الرقبة وحدها أم عن الدية
والرقبة؟ قال: من لم يجد فعن الدية والرقبة * وبه إلى وكيع نا إسرائيل عن جبر عن
عامر قال: من لم يجد فعن الدية والرقبة *
قال على: ذهب مسروق والشعبي ههنا إلى قول الله تعالى: (فمن لم يجد فصيام
شهري متتابعين) ان صح معناه فمن لم يجد الدية والرقبة *
قال على: ولولا دليل نذكره إن شاء الله تعالى لكان القول قولهما، وذلك
لأنه عموم لا يجوز ان يخص إلا بدليل لكن لما علمنا أن الدية في قتل الخطأ ليست على القاتل
وإنما هي على عاقلته بطل ما قاله مسروق. وعامر لان الدية لا نبالي وجدها القاتل أو لم
يجدها فصح بذلك أن مراد الله تعالى بقوله: (فمن لم يجد) إنما هو فيما ينظر فيه إلى وجود
المكلف لا فيما لا ينظر فيه إلى وجوده، وليس ذلك إلا في الرقبة التي هي واجبة عليه في صلب
ماله فإن لم يجدها فالصيام كما أمر الله تعالى *
قال أبو محمد: وأما من لا عاقلته له فالدية واجبة في ذلك على كل مال لجميع المسلمين
لان الله تعالى افترض في قتل الخطأ دية مسلمة إلى أهل المقتول، وقد قال تعالى: (وليس
عليكم جناح فيما أخطأتم به) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان "
ووجدنا الناس قد اختلفوا هل دية الخطأ على القاتل المخطئ أم لا؟ فوجب بقول الله تعالى:
(وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) انه لا يلزمه الدية، وأيضا فان الله تعالى إذ أوجب
الدية في ذلك لم يلزمها القاتل فلا سبيل إلى الزامه دية لم يلزمه الله تعالى إياها ولا رسوله
صلى الله عليه وسلم ولا إجماع الأمة وقد صح النص والاجماع على الزامه الكفارة بالعتق أو الصيام
فوقفنا عند النص والاجماع في ذلك وألزمنا الدية العاقلة بالنص والوارد في ذلك
على ما نذكر في أبواب العاقلة إن شاء الله تعالى وألزمناها في كل مال *
507

2089 مسألة من أمر غيره بقتل انسان فقتله المأمور * قال على:
اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يقتل الآمر وحده، وقالت طائفة: يقتل المأمور
وحده، وقالت طائفة: يقتلان جميعا، وقالت طائفة: لا يقتل واحد منهما فالقول الأول
كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج
ابن المنهال نا حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس أن علي بن أبي طالب قال: إذا أمر الرجل
عبده أن يقتل رجلا فقتله فهو كسيفه وسوطه، أما السيد فيقتل، وأما العبد فيستودع
في السجن * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء رجل أمر عبده
فقتل رجلا فقال على الآمر سمعت أبا هريرة يقول: الحر الآمر ولا يقتل العبد،
قال أبو هريرة. أرأيت لو أن رجلا بعث بهدية مع عبده إلى رجل من أهداها؟ قال ابن
جريج: فقلت فاجيره قال ذلك مثل عبده قلت فامر رجلا حرا أو عبدا لا يملكه وليسا
بأجيرين قال: على المأمور إذا لم يملكهما إذا أمر حرا فقتل رجلا فإنه يقتل القاتل
وليس على الآمر شئ * والقول الثاني كما روينا من طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية
نا وكيع نا شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة. وحماد بن أبي سليمان عن الرجل يأمر الرجل
فيقتل؟ فقالا جميعا: يقتل القاتل وليس على الآمر قود * وبه إلى وكيع نا سفيان الثوري
عن جابر عن عامر الشعبي في الذي يأمر عبده فيقتل رجلا قال يقتل العبد وللشعبي كلام
آخر زائد ويعاقب السيد * والقول الثالث هو قول قتادة أنهم يقتلان جميعا * والقول
الرابع روينا عن سليمان بن موسى قال: لو أمر رجل عبدا له فقتل رجلا لم يقتل الآمر،
ولكن يديه ويعاقب ويحبس فان أمر حرا فان الحر إن شاء أطاعه، وان شاء لا فلا
يقتل الآمر *
وأما المتأخرون فان سفيان الثوري قال: يقتل العبد ويعاقب (1) السيد الآمر، ولو
أمر رجل صبيا بقتل انسان فقتله الصبي فالدية في مال الصبي ويرجع بها على الذي أمره
ولا يقتل الآمر، وقال أحمد بن حنبل: إن أمر عبده بقتل انسان قتل الآمر ويؤدب العبد
فان أمر حرا فقتله فتل المأمور وحده، وبه قال إسحاق، وقال أبو حنيفة. ومحمد بن
الحسن في عبد محجور عليه أمر عبدا محجورا عليه أن يقتل رجلا فقتله فسيد القاتل
بالخيار إن شاء دفع عبده إلى أولياء المقتول وان شاء فداه فان أعتق العبد الآمر رجع سيد
المأمور عليه فاخذ منه قيمة عبده الذي أسلم أو الذي فداه، وقال أبو يوسف إذا أمر عبد
عبدا باتلاف نفس أو مال فإنه إذا أعتق الآمر لزمه المال المتلف بأمره ولم يلزمه الدم

(1) في النسخة رقم 14 ويؤدب
508

المتلف بأمره كما لو أقر بجناية أو دين في رقبة ثم أعتق فان الدين يلزمه ولا تلزمه الجناية.
وقال زفر والحسن بن زياد في عبد أمر صبيا بقتل انسان فقتله فعلى عاقلة الصبي الدية،
ثم رجع بها عاقلة الصبي على سيد العبد فيقال له: ادفع العبد إلى العاقلة أو افده بالدية،
وقال الشافعي: ان أمر حر عبد غيره بقتل انسان فقتله أو أمر بذلك صبيا أجنبيا فقتل
فإن كان العبد والصبي يميزان أنه أجنبي وان طاعته ليست عليهما عوقب الآمر
ولا قود عليه ولا دية، والقاتل ههنا هو العبد أو الصبي قال: فان كانا لا يميزان ذلك
فعلى الآمر القود *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب علينا أن ننظر في ذلك فنظرنا في
قول أبي حنيفة وأصحابه فوجدنا لا حجة لهم في شئ منه بل هي أقوال متخاذلة ثم نظرنا
في قول سفيان فوجدنا أيضا خطا لأنه فرق بين السيد يأمر عبده بقتل انسان
فينفذ أمره فجعل العبد هو القاتل ولم ير السيد الآمر قاتلا، وأما قول الشافعي وأحمد.
وأبي سليمان فداخلة في أقوال من ذكرنا قبل من الصحابة والتابعين فتركنا أن
نخصها بالذكر اكتفاء بكلامنا في تلك الأقوال الأربعة، وبالله تعالى التوفيق، وأما
قول سليمان بن موسى لا يقتل الآمر ولا المأمور فخطأ لان ههنا قتل عمد، وقد أوجب
الله تعالى فيه القود، وأما قول الحكم. وحماد والشعبي وإبراهيم وأبي سليمان فإنهم
احتجوا بان القاتل هو المتولي للقتل المباشر للقتل فهو الذي عليه القود خاصة،
وأما قول على. وأبي هريرة رضي الله عنهما فإنهما جعلا الآمر هو القاتل فهو الذي
عليه القود وجعلوا المأمور آلة له مصرفة هذه حجتهم *
قال أبو محمد: وقدموه أصحاب القياس ههنا بان هذا القول من على.
وأبي هريرة قياس يعنى قول على أن المأمور هو كسيف الآمر وسوطه وقول أبي هريرة
أرأيت لو أرسل معه هدية من المهدى لها، وهذا لا متعلق لهم به لا هو من القياس لا في ورد
ولا في صدر لان القياس عند جميع القائلين به إنما هو حكم لمسكوت عنه بحكم منصوص عليه
أو بحكم مختلف فيه بحكم مجمع عليه، وأن يرد الفرع إلى الأصل بنوع من الشبه، وليس
ههنا شئ من هذه الوجوه أصلا فبطل باقرارهم أن يكون قياسا إذ بيقين ندري أن
المأمور ليس حكمه حكم السيف والسوط لان علينا رأى على المأمور السجن، ولا خلاف
في أنه لاسجن على السيف ولا السوط فصح انه لم يحكم على قط للمأمور بالحكم في السيف
والسوط فبطل الايهام جملة * وأما قول أبي هريرة أرأيت لو أهدى معه هدية من الذي أهداها
فكذلك أيضا، وما حكم أبو هريرة قط للقاتل المأمور بمثل الحكم في حامل الهدية بل
509

الحكم فيهما مختلف بلا خلاف لان حامل الهدية ومهديها يشكران والآمر والقاتل يقتل
ويلامان، وهذا لو كان قياسا لكان قياسا للشئ على ضده ولو كان قياسا لا يوجب اتفاقا
في الحكم هذا هو ترك القياس حقا وإنما هو تشبيه فقط *
قال أبو محمد: ثم نرجع إلى المسألة التي كنا فيها فنقول انهم لما اختلفوا كما
ذكرنا وجب علينا أن نفعل ما افترض الله تعالى علينا إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في
شئ فردوه إلى الله والرسول) ففعلنا فوجدنا ما روينا من طريق مسلم نا أبو الطاهر.
وحرملة قالا جميعا: نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة أنه سمع عبد الله بن عباس يقول: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ان الله بعث محمدا بالحق فأنزل عليه الكتاب وكان مما أنزل الله عليه آية الرجم
قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده * ومن طريق مسلم أيضا
عن أبي هريرة " أنه أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنى زنيت "
فذكر الحديث وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: من هل أحصنت؟ قال: نعم فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه " * وعن إبراهيم النخعي قال: أراد الضحاك بن قيس أن
يستعمل مسروقا فقال له عمارة بن عقبة: أتستعمل رجلا من بقايا قتلة عثمان؟ فقال
مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل أبيك قال: من
للصبية؟ قال: النار قال مسروق: فرضيت لك ما جعل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم " * ومن طريق
مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يد المرأة التي سرقت فقطعت يدها " *
قال على: ففي هذه الأخبار ان الآمر يسمى في اللغة [التي بها نزل القرآن]
فاعلا في بعض الأحوال على حسب ما جاءت به اللغة فسمى عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة
وهم الحجة في اللغة من أمر برجم آخر فرجم راجما للمرجوم وسمى أيضا نفسه راجما،
وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم راجما وهو لم يحضر رجما كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية
نا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن سليمان الرهاوي نا يزيد بن هارون أنا محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة قال: جاء ما عن بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
انى قد زنيت فذكر الحديث، وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انطلقوا به فارجموه
فانطلقوا به فلما مسته الحجارة أدبر يشتد فلقيه رجل في يده لحي جمل فضربه فصرعه
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراره حين مسته الحجارة فقال: فهلا تركتموه؟ " *
قال أبو محمد: وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قاطعا يد السارق وإنما تولى القطع
غيره، ولا يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عقبة بن أبي معيط وإنما تولى قتله
510

غيره بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا جاء عن علي رضي الله عنه كما روينا عن الشعبي أن
عليا جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال: جلدتك بكتاب الله ورجمتك
بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال على: فإذ من أمر بالقتل وكان متولي القتل مطيعا للآمر منفذا لامره ولولا
أمره إياه لم يقتله يسمى في اللغة والشريعة قاتلا وقاطعا صح أنهما جميعا قاتلان
وقاطعان وجالدان فإذ ذلك كذلك فعليهما جميعا ما على القاتل والقاطع والجالد من القود
وسواء في ذلك المكره والآمر والمنطاع وهذا برهان ضروري لا محيد عنه *
قال أبو محمد: فسواء أمر عبده أو عبد غيره أو صبيا أو بالغا أو مجنونا إذا
كان متولي القتل أو الجناية بالقطع أو الكسر أو الضرب أو أخذ المال إنما فعل كل ذلك
بأمر الآمر ولولا أمره لم يفعله فالآمر والمباشر فاعلان لكل ذلك جميعا وأما إذا
أمره ففعل ذلك باختياره طاعة للآمر فالمباشر وحده القاتل والقاطع والكاسر والفاقئ
والجاني فعليه القود وحده ولا شئ على الآمر لأنه لا خلاف في أنه لا يقع عليه ههنا
اسم قاتل ولا قاطع ولا جالد ولا كاسر ولا فاقي، وإنما الأحكام للأسماء فقط، وأما
الصبي والمجنون فلا شئ عليهما والآمر هو القاتل القاطع الجالد الكاسر الفاقى فالقود
عليه وحده وأما من أمر عبدا له أو لغيره أو حرا وكانوا جهالا لا يذرون تحريم
ما أمرهم به فالآمر وحده هو القاتل الجاني في كل ذلك وعليه القود ولا شئ على الجاهل
قال الله تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ) *
قال أبو محمد: ولا فرق بين أمره عبده وبين أمر غيره ولا فرق بين أمر السلطان
بين أمر غير السلطان لان الله تعالى إنما افترض طاعة السلطان وطاعات السادات فيما
هو طاعة لله تعالى وحرم طاعة المخلوقين في معصية الخالق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما
الطاعة في الطاعة فإذا امر أحدكم بمعصية فلا سمع ولا طاعة "، وقد أوردناه باسناده في
غير ما موضع *
قال على: ومن أمر آخر بقتل نفسه فقتل نفسه بأمره فإن كان فعل ذلك في نفسه مطيعا
الآمر ولولا ذلك لم يقتل نفسه فالآمر قاتل وعليه القود كما قلنا في قتل غيره ولا فرق فلو
أمره فقال اقتلني فقتله مؤتمرا لامره فهو أيضا قاتل وعليه القود وبالله تعالى التوفيق *
2090 مسألة: هل على الممسك للقتل قود أم لا، وكذلك الواقف الناظر والربيئة
والمصوب (1) والدال والمتبع والباغي؟ * قال على: اختلف الناس في هذا فقالت

(1) في النسخة رقم 14 والمصرف
511

طائفة: يؤدب الممسك فقط وقالت طائفة: يقتل القاتل ويسجن الممسك حتى
يموت، وقالت طائفة: يقتل الممسك أيضا فالقائلون بحبسه حتى يموت كما روينا
من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي
كثير قال: ان علي بن أبي طالب اتى برجلين قتل أحدهما وأمسك الآخر فقتل الذي قتل
وقال للذي أمسك: أمسكت للموت فانا أحبسك في السجن حتى تموت، والقول الثاني
كما روينا عن الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان عن الممسك والقاتل فقالا جميعا:
يقتل القاتل، وعن ابن شهاب أنه كان يقول في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه
فيفقأ أحدهم عينيه أو يكسر رجليه أو يديه أو أسنانه أو نحو هذا منه أنه يقاد من الذي
يباشر ذلك منه ويعاقب الآخرون الذين أمسكوه عقوبة موجعة فان استحب المصاب
كانت الدية عليهم كلهم يغرمونها جميعا سواء، وقال أبو حنيفة. والشافعي: يقتل
القاتل ويعاب الممسك * وأما القول الثالث فكما روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة
نا محمد بن بكر عن ابن جريج قال: سمعت سليمان بن موسى يقول: الاجتماع فينا على
المقتول هو أن يمسك الرجل ويضربه الآخر فهما شريكان عندنا في دمه يقتلان جميعا،
وعن ربيعة أنه قال في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه فيفقأ أحدهم عينيه أو
يكسر رجليه أو يديه أو أسنانه أو نحو هذا منه أنه يقاد من الذي باشر ومن الذي أمسك
يقاد منهما جميعا، وبه يقول مالك في القتل ان أمسكة وهو يدرى انه يريد قتله فقتله
فالقود عليهما جميعا وبه يقول الليث بن سعد *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعرف صواب
ذلك من خطاه فوجدنا من قال بقتل الممسك يقول قد جاء عن عمر لو تمالا عليه أهل
صنعاء لقتلتهم *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه ذكر للممسك أصلا ونعم ونحن
نقول: لو باشر قتله أهل صنعاء لوجب قتلهم، والثاني أنه لا حجة في يقول أحد دون رسول
الله صلى الله عليه وسلم، والثالث أنا قد ذكرنا من أقوال عمر التي خالفوه فيها عشرات كخطبته على
المنبر في الضرس جملا وفى الضلع جملا وفى الترقوة جملا وحكمه في العين العوراء بثلث ديتها
وفى السن السوداء بثلث ديتها وفى اليد الشلاء بثلث ديتها كل ذلك عنه بأصح اسناد وأوضح
بيان، فمن عجائب الدنيا أن يكون ما قال عمر رضي الله عنه وخطب به وحكم به بحضرة
الصحابة لا يعرف له عنهم مخالف فيه لا يكون حجة ويكون ما لم يقل ولا دل عليه ولا
أشار إليه حجة، وقد خالفه في ذلك غيره من الصحابة رضي الله عنهم لم صح ذلك عنه فيكف
512

وهو لا يصح، فان قالوا: ان الممسك معين قلنا: نعم وما جاءت قط سنة ولا قرآن
ولا قياس ولا قول صاحب بان المعين يقتل فبطل هذا القول لتعريه من الحجج، ثم
وجدناه يبطله البرهان، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على أن لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى
ثلاث رجل ترك دينه أو زنى بعد احصان أو قتل نفسا، والممسك لا يسمى في اللغة ولا في
الشريعة قاتلا، ثم سألناهم عن الممسك للمرأة حتى يزنى بها غيره أعليه حد الزنا
ويسمى زانيا أم لا؟ فلا خلاف منهم في أنه ليس زانيا ولا يسمى زانيا ولا عليه
حد زنا فصح أنه لا يسمى الممسك باسم الفاعل على ما امسك له، فان ذكروا قول
الوليد بن عقبة:
فإن لم تكونوا قاتليه فإنه * سواء علينا ممسكوه وضاربه
قيل لهم هذا قول جائر متعد مخبر عن نيته فقط لاعن اللغة ولا عن الديانة، وبرهان
هذا قوله في هذا الشعر بعد هذا البيت:
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم * ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
بني هاشم كيف الهوادة بيننا * وعند على درعه ونجائبه
فإن لم تكونوا قاتليه فإنه * سواء علينا قاتلوه وسالبه
هم قتلوه كي يكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
قال أبو محمد: حاش لله ومعاذ الله. وأبى الله أن يكون عند على سلب
عثمان ودرعه ونجائبه كما قال الوليد الكاذب، ومعاذ الله أن يكون على قتل عثمان
لان يكون مكانه أو لشئ في الدنيا، وعلى اتقى لله من أن يقتل عثمان وعثمان اتقى لله
من أن يقتله على، ثم لو احتججنا بهذا البيت لكان حجة لنا عليهم لان فيه:
فإن لم تكونوا قاتليه فإنه * سواء علينا ممسكوه وضاربه
فقد اخبر أن الممسكين ليسوا قاتلين فهذا حجة عليهم وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: ثم نظرنا في غيره فوجدنا الممسك ليس قاتلا لكنه حبس
انسانا حتى مات، وقد قال الله تعالى: (والحرمات قصاص) فكان الممسك للقتل
سببا ومتعديا فعليه مثل ما فعل فواجب ان يفعل به مثل ما فعل فيمسك محبوسا
حتى يموت وبهذا نقول وهو قول علي بن أبي طالب ولا يعرف له مخالف من الصحابة
رضي الله عنهم، وقد روى في ذلك أثر مرسل كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله
ابن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع قال نا سفيان عن إسماعيل
ابن أمية قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل يمسكه رجل وقتله آخر بأن يقتل القاتل
513

ويحبس الممسك " * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية خبرا
أثبته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحبس الصابر للموت كما حبس ويقتل القاتل "
قال أبو محمد: تفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حكم الحابس وبين حكم القاتل بيان
جلى، وعهدنا بالحنيفيين والمالكيين يقولون إن المرسل والمسند سواء، وهذا مرسل
من أحسن المراسيل وقد خالفوه ويشنعون على من خالف قول الصاحب إذا وافق
أهواءهم وبالله تعالى التوفيق *
2091 مسألة هل في قتل العمد كفارة أم لا؟ قال على: اختلف الناس
في هذا فقالت طائفة: على قاتل العمد كفارة كما هي على قاتل الخطأ وهو وقول الحكم بن
عتيبة. والشافعي، وقال مالك. والليث: يعتق رقبة أو يصوم شهرين ويتقرب إلى الله
تعالى بما أمكنه من الخير، وقال أبو حنيفة وأبو سليمان وأصحابنا: لا كفارة في ذلك
ولكن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه ويكثر من فعل الخير *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق من ذلك
فنظرنا في قول مالك والليث فوجدناهما لا يخلو ان من أن يكونا رأيا ذلك واجبا أم لا فان
كانا لم يرياه واجبا فأي معنى لتخصيصهما عتق رقبة أو صوم شهرين دون سائر وجوه البر
من الجهاد وذكر الله تعالى والصدقة وإن كانا رأياه واجبا فقد خيراه بين العتق والصوم
وليست هذه صفة الكفارة التي أمر الله تعالى بها في قتل الخطأ لان تلك مرتبة وهم قد
خيروه فسقط هذا القول وبالله تعالى التوفيق، ثم نظرنا فيمن أوجب الكفارة في ذلك
فوجدناهم يحتجون بما ثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن
عبد الله بن يزيد المقرى نا أبى نا ابن المبارك نا إبراهيم بن علية (1) عن الغريف بن عياش عن
واثلة بن الأسقع قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بنى سليم فقالوا: ان صاحبا لنا قد أوجب
قال: فليعتق رقبة يفك الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " قال أحمد بن شعيب وأرنا الربيع
ابن سليمان المؤذن صاحب الشافعي نا عبد الله بن يوسف نا عبد الله بن سالم حدثني إبراهيم بن أبي
عليه قال: كنت جالسا باريحاء فمر بي واثلة بن الأسقع متوكئا على عبد الله بن الديلمي
فأجلسه ثم جاء إلى فقال: عجبت مما حدثني الشيخ - يعنى واثلة بن الأسقع - قلت ما حدثك؟
قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فاتاه نفر من بنى سليم فقالوا: ان صاحبا لنا (2)
قد أوجب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه

(1) في النسخة رقم 14 إبراهيم بن أبي علية
(2) في النسخة رقم 14 ان صاحبنا
514

من النار * وبما حدثنا (1) أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن
أيوب الصموت الرقى نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا الحسن بن مهدي نا عبد الرزاق
أنا إسرائيل عن النعمان عن عمر بن الخطاب قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله انى وأدت بنات لي في الجاهلية فقال: أعتق عن كل واحدة منهن
رقبة قال: يا رسول الله انى صاحب إبل قال: فانحر عن كل واحدة منهن بدنة، وقالوا:
لما أوجب الله تعالى على قاتل الخطأ - ولا ذنب له - كفارة في ذلك كان العامد المذنب
أحق بالكفارة *
قال أبو محمد: أما حديث واثلة فلا يصح لان الغريف مجهول، وقد ظن وقوم أنه
عبد الله بن فيروز الديلمي وهذا خطأ لان ابن المبارك نسب الغريف عن ابن علية فقال
ابن عياش ولم يكن في بنى عبد الله بن فيروز أحد يسمى عياشا وابن المبارك أوثق وأضبط
من عبد الله بن سالم، ثم لو صح هذا الخبر لما كانت لهم فيه حجة لأنه ليس فيه أنه كان قتل
عمدا فإذ ليس فيه ذلك فلا شبهة لهم في هذا الحديث أصلا. وإنما فيه أن صاحبا لنا قد
أوجب ولا يعرف في اللغة أن أوجب بمعنى قتل عمدا، فصار هذا التأويل كذبا مجردا
ودعوى على اللغة لا تعرف، وقد يكون معنى أوجب أي أوجب لنفسه النار بكثرة
معاصيه، ويكون معنى قد أوجب أي قد حضرت منيته فقد يقال هذا أوجب فلان
بمعنى مات فبطل قولهم، وقد قال قوم ان سكوت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر عن ذكر
الرقبة أن تكون مؤمنة وعن تعويض الشهرين دليل على بطلان قول من أوجب
الكفارة في قتل العمد *
قال أبو محمد: وأما خبر عمر بن الخطاب فلا يصح لان في طريقه إسرائيل
وهو ليس بالقوى وسماك بن حرب وكان يقبل التلقين، وأيضا فكان يكون في ايجاب
ذلك على كل من قتل نفسا في الجاهلية وهو كافر حربي كما كان قيس بن عاصم المأمور
بهذه الكفارة في هذا الحديث وهم لا يقولون بهذا أصلا فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وأما
الشافعي فإنه وإن كان اطرد منهم للخطأ في قولهم فقد أخطأ معهم فيه أيضا لان من
أصلهم أن لا يقاس الشئ الا على نظيره وما يشبه لا على ضده ومالا يشبه فأخطأ ههنا في
قياس العمد على الخطأ وهو ضده وأخطأ وا أيضا كلهم معه في قياسهم المخطئ في
الصيد يقتله محرما على المحرم يقتله عامدا فقاسوا أيضا هنالك الخطأ على العمد وهو
ضده، وأخطأ وا أيضا معه كلهم في قياسهم ترك الصلاة عمدا على تركها نسيانا وقد

(1) في النسخة رقم 14 بما ناه
515

شاركهما الشافعي أيضا في خطأ آخر في هذا الباب وهو قولهم كلهم: أن لا يقاس
متعمد التسليم من الصلاة قبل اتمامها في ايجاب السجدتين عليه على المسلم من الصلاة
قبل اتمامها نسيانا فهذه صفة القياس وصفة أقوالهم في قياساتهم كلها يهدم بعضها
بعضا وينقض بعضها بعضا *
قال أبو محمد: فإذ لا حجة في ايجاب الكفارة على قاتل العمد لامن قرآن ولا
من سنة فان الله تعالى يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقال تعالى: (اليوم
أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فصح أن الدين كل قد كمل وبينه
الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبيقين ندري أنه لو كان في قتل العمد كفارة محدودة
لبينها الله تعالى كما بين لنا الكفارة في قتل الخطأ، وكما بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجود
القود أو الدية أو المفاداة في ذلك فإذ لم يخبرنا الله تعالى بشئ من ذلك ولا أوجبه
هو ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فنحن نشهد بشهادة الله تعالى أنه ما أراد قط كفارة محدودة
في ذلك ولكن الله تعالى يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) إلى قوله
تعالى (وكفى بنا حاسبين) وقال تعالى: (ان الحسنات يذهبن السيئات) فمن ابتلى بقتل
مسلم عمدا فقد ابتلى بأكبر الكبائر بعد الشرك وترك الصلاة ففرض عليه أن
يسعى في خلاص نفسه من النار فليكثر من فعل الخير العتق والصدقة والجهاد والحج
والصوم والصلاة وذكر الله تعالى فلعله يأتي من ذلك بمقدار يوازى إساءته في القتل
فيسقط عنه ونسأل الله العافية *
2092 - مسألة - جارية أذهبت عذرة أخرى أو رجل فعل ذلك بجماع
أو غيره * قال أبو محمد: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن
خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا جعفر بن أبي وحشية
عن الشعبي ان جواري من أهل حمص كن يتزاورن ويتهادين فارن وأشرن فلعبن
الاخرقة فركبت واحدة على الأخرى ونخستها الثالثة فوقعت فذهبت عذرتها فسأل
عبد الملك بن مروان قبيصة بن ذؤيب. وفضالة بن عبيد عن ذلك؟ فقالا جميعا: الدية
ثلاثة أثلاث وتبقى حصتها لأنها أعانت على نفسها فكتب إلى العراق فسأل عبد لله
ابن معقل بن مقرن عن ذلك فقال برين من نطفها إلا من نخستها * وقال الشعبي مثل قول
عبد الله، وقال الشعبي: لها العقر * وبه إلى حماد بن داود عن عبد الله بن قيس أن ثلاث
جوار قالت إحداهن: أنا الزوج وقالت الأخرى: أنا الزوجة وقالت الأخرى: أنا
516

الأب فنخست التي قالت: أنا الزوج التي قالت أنا الزوجة فذهبت عذرتها فقضى
عبد الملك بن مروان بالدية عليهن، وقال الشعبي: لها العقر * وبه إلى حماد نا حميد
عن بكر بن عبد الله أن جاريتين دخلتا الحمام فدفعت إحداهما الأخرى فذهبت عذرتها
فقال شريح: لها عقرها، وبه إلى حماد أنا داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب أن رجلا
استكره جارية فافتضها فقال عمر بن الخطاب هي جائفة فقضى لها عمر بثلث الدية *
قال أبو محمد: هاتان مسألتان في إحداهما قول فضالة بن عبيد وهو صاحب
من قضاة الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف له في ذلك مخالف منهم، والأخرى فيها قول
عمر بن الخطاب ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة أيضا، وجميع الحاضرين
المخالفين من المالكيين والحنيفيين والشافعيين مخالفون لهما في ذلك وهم يعظمون خلاف
الصاحب إذا وافق تقليدهم ولا يبالون به إذا خالف تقليدهم *
قال على: أما المرأة تذهب عذرة المرأة بنخسة أو نحو ذلك فإنه عدوان يقتص
منها بمثل ذلك ان كانت بكرا فإن كان ثيبا فقد عدمت ما يقتص منها فيه فليس الا
الأدب * برهان ذلك قول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع "
فصح وجوب القود فيما قدر عليه وصح الأدب باليد انكارا وتغييرا للمنكر فيما عجز
عن القود فيه وبالله تعالى التوفيق، ولا غرامة في ذلك أصلا لان الأموال محظورة فلا
تحل غرامة (1) بغير نص ولا اجماع، وكذلك لا مدخل للعقر ههنا لان العقر هو
المهر والمهر إنما هو في النكاح لا فيما عداه، وبالله لقد علم الله تعالى أن هذه المسألة
ستقع وتكون ونحن نقسم بالله لو أراد الله تعالى أن تكون في ذلك غرامة لبينها ولما
أغفلها فإذ لم يفعل تعالى ذلك فما أراد أن يجعل فيها غرما أصلا ولا حجة في قول
أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى التوفيق *
2093 مسالة التنافس * قال على نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي
الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا المسعودي
عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أقبل رجل بجارية من القادسية فمر على رجل واقف
على دابة فنخس الرجل الدابة فرفعت الدابة رجلها فلم تخطئ عين الجارية فرفع إلى
سلمان بن ربيعة الباهلي فضمن الراكب فبلغ ذلك ابن مسعود فقال على الرجل إنما
يضمن الناخس، وعن شريح يضمنها الناخس، وعن الشعبي مثل ذلك *

(1) في النسخة رقم 14 فلا يجب ايجاب غرامة
517

قال أبو محمد: فهذه مسألة اختلفوا فيها كما ترى سلمان بن ربيعة ضمن الراكب
وابن مسعود ضمن الناخس * قال على: الناخس هو المباشر لتحريك الدابة فهو
ضامن ما أصابت ففي المال الضمان وأما في الرجل فإن كان قصدا إلى تحريكها لتضرب
انسانا بعينه أو بعض جماعة علم بها الناخس فهو قاتل عمد وجان عليه القود في ذلك
كله وعليه في النفس الدية أو المفاداة وإن كان لا يدرى أن هنالك أحدا فهو قاتل خطأ
والدية على العاقلة وعليه الكفارة وبالله تعالى التوفيق *
2094 مسألة فيمن قتل انسانا يجود بنفسه للموت * قال على: روينا من طريق
أبى بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن أزهر نا زهير عن جابر عن الشعبي في رجل قتل رجلا قد ذهيت
الروح من نصف جسده قال يضمنه * قال على: لا يختلف اثنان من الأمة كلها في أن
من قربت نفسه من الزهوق بعلة أو بجراحة أو بجناية بعمد أو خطأ فمات له ميت فإنه
يرثه وإن كان عبدا فاعتق فإنه يرثه ورثته من الأحرار وانه ان قدر على الكلام فاسلم وكان
كافرا وهو يميز بعد فإنه مسلم يرث أهله من المسلمين وانه ان عاين وشخص ولو يكن بينه
وبين الموت الأنفس واحد فمات من أوصى له بوصية فإنه قد استحق الوصية ويرثها
عنه ورثته فصح أنه حي بعد بلا شك إذ لا يختلف اثنان من أهل الشريعة وغيرهم في أنه
ليس إلا حي أو ميت ولا سبيل إلى قسم ثالث فإذ هو كذلك وكنا على يقين من أن
الله تعالى قد حرم اعجال موته وغمه ومنعه النفس فبيقين وضرورة ندري ان قاتله قاتل نفس
بلا شك فمن قتله في تلك الحال عمدا فهو قاتل نفس عمدا ومن قتله خطأ فهو قاتل خطأ
وعلى العامد القود أو الدية أو المفاداة وعلى المخطئ الكفارة والدية على عاقلته
وكذلك في أعضائه القود في العمد وبالله تعالى التوفيق *
2095 مسألة هل للولي عفو في قتل الغيلة أو الحرابة؟ قال على: اختلف
الناس في هذا فقالت طائفة: لاعفو في ذلك للولي حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج
نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب نا ابن أبي الزناد عن أبيه أنه قال
في قتل الغيلة إذا بلغ الامام فليس لولى المقتول أن يعفو وليس للامام أن يعفو
وإنما هو حد من حدود الله تعالى *
قال على: وبهذا يقول مالك، ورأي ذلك أيضا في قاتل الحرابه حتى أنه رأى في
ذلك أن يقتل المؤمن بالكافر، وقال آخرون: بل لوليه ما لولى غيره من القتل أو
العفو أو الدية كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سماك بن الفضل أن عروة كتب
518

إلى عمر بن عبد العزيز في رجل خنق صبيا على أوضاح له حتى قتله فوجدوه و الحبل
إلى يده فاعترف بذلك فكتب ان ادفعوه إلى أولياء الصبي فان شاءوا قتلوه، وبهذا
يقول أبو حنيفة. والشافعي. وأبو سليمان. وأصحابهم *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الصواب
إلى ذلك من الخطأ فوجدنا القائلين في ذلك بأنه ليس للولي عفو في ذلك يحتجون
بما روينا من طريق مسلم نا عبد بن حميد نا عبد الرزاق انا معمر عن أيوب السختياني
عن أبي قلابة عن أنس ان رجلا من اليهود قتل جارية من الأنصار على حلى لها ثم
لقاها في القليب ورضخ رأسها بالحجارة فاخذ واتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاقر فامر به ان يرجم فرجم حتى مات * ومن طريق مسلم نا هداب بن خالد نا همام
نا قتادة عن أنس بن مالك ان جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين فسألوها
من صنع هذا بك فلان فلان حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها فاخذ اليهودي
فاقر فامر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرضوا رأسه بالحجارة * ومن طريق مسلم في حديث
العرنيين فذكر الحديث وفيه " فقطعت أيديهم أرجلهم وسمل أعينهم ثم نبذوا في
الشمس حتى ماتوا " * وذكروا ما حدثناه أحمد بن عمر نا الحسين بن يعقوب نا سعيد
ابن فلحون نا يوسف بن يحيى المعافري نا عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن ابن أبي
ذئب عن مسلم بن حبب الهذلي ان عبد الله بن عامر كتب إلى عثمان بن عفان
ان رجلا من المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله فكتب إليه عثمان ان اقتله به فان
هذا قتل غيلة على الحرابة * وبه إلى عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن خاله الحارث
ابن عبد الرحمن ان رجلا مسلما في زمان أبان بن عثمان بن عفان قتل نبطيا بذى حميت
على مال معه فرأيت أبان بن عثمان امر بالمسلم فقتل بالنبطي لقتله إياه غيلة فرأيته حتى
ضربت عنقه * وعن عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن ابن أبي الزناد عن أبيه
انه شهد أبان بن عثمان إذ قتل مسلما بنصراني قتله قتل غيلة *
قال على: فقالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل اليهودي ولم يجعل ذلك خيارا
لأولياء المقتول (1) وكذلك قتل العرنيين الذين قتلوا الرعاء قتل حرابة وغيلة ولم يذكروا
أنه عليه الصلاة والسلام جعل في ذلك خيارا لأولياء الراعاء قالوا: وهذا عثمان رضى الله
تعالى عنه قد قتل المسلم بالكافر إذ قتله غيلة ولم يجعل في ذلك خيارا لوليه ولا يعرف له في
ذلك مخالف *

(1) في النسخة رقم 14 لأولياء الجارية
519

قال أبو محمد: ما نعلم لهم شيئا يشغبون به (1) الا هذا وكله لا حجة لهم في شئ منه
أما حديث اليهودي الذي رضخ رأس الجارية على أوضاحها فليس فيه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم يشاور وليها ولا انه شاوره ولا أنه قال اختار لولى المقتول في الغيلة أو الحرابة
فإذ لم يقل ذلك عليه الصلاة والسلام فلا يحل لمسلم أن ينسب ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيكذب عليه ويقول عليه ما لم يقل فكيف وهذا الخبر حجة عليهم فإنهم لا يختلفون (2)
في أن قاتل الغيلة أو الحرابة لا يجوز البتة أن يقتل رضخا في الرأس بالحجارة ولا رجما
وهذا مالا يقوله أحد من الناس فصح يقينا إذ قتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رضخا بالحجارة
انه إنما قتله قودا بالحجارة وإذ قتله قودا بها فحكم قتل القود أن يكون بالخيار في ذلك
أو العفو للولي وإذ ذلك كذلك بلا شك فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قتل له
قتيل فأهله بين خيرتين " إلى آخره، فنحن على يقين من أن فرضا على كل أحد أن يضم هذا
الحكم إلى هذا الخبر وليس سكوت الرواة عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وليها بمسقط
ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتل من تخيير وليه بل بلا شك في أنه عليه الصلاة والسلام
لم يخالف ما أمر به، ولا يخلو هذا مما ذكرنا من قبول الزيادة المروية في سائر النصوص
أصلا، ولو كان هذا الفعل تخصيصا أو نسخا لبينه عليه السلام فبطل تعلقهم، وبالله
تعالى التوفيق * وأما حديث العرنيين فلا حجة لهم فيه أيضا لما ذكرنا في هذا الخبر
سواء سواء من أنه ليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام لم يشاور أولياء الرعاء إن كان
لهم أولياء ولا أنه قال: لاخيار في هذا لولى المقتول فإذ ليس فيه شئ من هذا فلا
حجة لهم ولا لنا بهذا الخبر في هذه المسألة خاصة فوجب علينا طلب حكمها بموضع
آخر، ثم إن هذا الخبر حجة عليهم لما روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى التميمي
نا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب وحميد عن أنس أن ناسا من عرينة قدموا وذكر
الحديث وفيه أنهم قتلوا الرعاء وارتدوا عن الاسلام وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فبعث في آثارهم فاتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة
حتى ماتوا *
قال أبو محمد: فهؤلاء ارتدوا عن الاسلام والمالكيون هم على خلاف هذا
الحكم من وجوه ثلاثة، أحدها انه لا يقتل المرتد عندهم ولا عندنا هذه القتلة
أصلا، والثاني أنه لا يقتص عندهم من المرتد وإنما هو عندهم القتل أو الترك ان
تاب، والثالث انهم يقولون باستتابة المرتد وليس في هذا الحديث ذكر استتابته

(1) في النسخة رقم 14 يشنعون به
(2) في النسخة رقم 14 لأنهم لم يختلفوا
520

البتة فعاد حجة عليهم ومخالفا لقولهم في هذه المسألة وغيرها *
قال على: وأما الرواية عن عثمان فضعيفة جدا لأنها عن عبد الملك بن حبيب
وهو ساقط الرواية جدا ثم عن مسلم بن جندب ولم يدرك عثمان وأيضا فلا حجة في قول
أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكم قصة خالفوا فيها عثمان رضي الله عنه بأصح من هذا
السند؟ كقضائه في ثلث الدية فيمن ضرب آخر حتى سلح ولا يعرف له في ذلك مخالف
من الصحابة رضي الله عنهم، ومن المحال أن يكون ما لم يصح عنه حجة في إباحة
الدماء ولا يكون ما صح عنه حجة في غير ذلك *
قال أبو محمد: فإذ قد بطل تعلقهم بالخبرين بما ذكر نا وبأنه قد يكون للأنصارية
ولى صغير لاخيار له فاختار النبي صلى الله عليه وسلم القود هذا لو صح انه عليه الصلاة والسلام
لم يخير الولي فيكف وهو لا يصح أبدا، وكذلك الرعاء قد يمكن أن يكونوا غرباء لا ولى
لهم فالواجب الرجوع إلى قوله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إذ يقول تعالى: (فان
تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية فوجدنا الله تعالى يقول: (كتب
عليكم القصاص في القتلى) إلى قوله تعالى: (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) فعم
تعالى كل قتل كما ذكر تعالى وجعل العفو ذلك للولي، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال: " ومن قتل له قتيل بعد مقالتي هذه فأهله بين خيرتين " فذكر الدية أو القود
أو المفاداة والدية لا تكون الا بالعفو عن القود بلا شك فعم عليه الصلاة والسلام
ولم يخص ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله تعالى لو أراد أن يخص من ذلك قتل
غيلة أو حرابة لما أغفله ولا أهمله ولبينه صلى الله عليه وسلم، ووجدنا الله تعالى قد حد الحربة أن
يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض فلا
تخلو هذه الآية من أن تكون على الترتيب أو التخيير فان كانت على الترتيب
فالمالكيون لا يقولون بهذا وان كانت على التخيير - وهو قولهم - فليس في الآية
ما يدعونه من أن قاتل الحرابة والغيلة لاخيار فيه لولى القتيل فخرج قولهم عن أن
يكون له متعلق أو سبب يصح فبطل ما قالوه وبالله تعالى التوفيق *
2096 مسألة خلع الجاني * قال أبو محمد: نا عبد الرحمن بن عبد الله
ابن خالد الهمداني نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا قتيبة بن سعيد نا أبو بشر
إسماعيل بن إبراهيم الأسدي نا الحجاج بن أبي عثمان حدثني أبو رجاء من آل أبي
قلابة نا أبو قلابة أن عمر بن عبد العزيز جمع الناس وفيهم أبو قلابة فذكر حديثا وفيه
521

أن أبا قلابة قال لعمر بن عبد العزيز وقد كانت هذيل خلعت خليعا لهم في الجاهلية
فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله فجاءت هذيل
فاخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بن الخطاب بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا فقال: انهم قد
خلعوه فقال عمر: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه فاقسم تسعة وأربعون من هذيل
وقدم رجل منهم من الشام فسألوه أن يقسم فافتدى يمينه منهم بألف درهم فأدخلوا
مكانه رجلا آخر فدفعه عمر إلى أخي المقتول فقرنت يده بيده قال: فانطلقا والخمسون
الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخله أخذتهم السماء فدخلوا في غار في جبل فانهدم الغار
على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعا وأفلت القرينان فاتبعها حجر فكسر رجل
أخي المقتول فعاش حولا ثم مات * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب
السختياني عن أبي قلابة قال: خلع قوم من هذيل سارقا لهم كان يسرق الحجيج فقالوا
قد خلعناه فمن وجده بسرقة فدمه هدر فوجدته رفقة من أهل اليمن يسرقهم فقتلوه
فجاء قومه عمر بن الخطاب فحلفوا بالله ما خلعناه ولقد كذب الناس علينا فحلفهم عمر
خمسين يمينا ثم أخذ عمر بيد رجل من الرفقة فقال: اقرنوا هذا إلى أحدكم حتى يودى
دية صاحبكم ففعلوا فانطلقوا حتى إذا دنوا من أرضهم أصابهم مطر [شديد] واستتروا
بجبل طويل [وقد أمسوا] فلما نزلوا كلهم انقض عليهم الجبل فلم ينج منهم أحد ولا من ركابهم
الا الشريد وصاحبه فكان يحدث بما لقى قومه *
قال أبو محمد: وعندنا بالمالكيين والحنيفيين يعظمون خلاف الصاحب الذي
لا يعرف له مخالف إذا وافق أهواءهم ويقولون ان المرسل كالمسند، وهذا من أحسن
المراسيل إلى عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا مخالف له منهم ولا نكير
من أحدهم فيلزمهم على أصولهم أن يجيزوا خلع عشيرة الرجل له فلا يكون لهم طلب
بدمه ان قتل وهذا ما لا يقولونه أصلا فقد هان عليهم خلاف هذا الأصل، وأما نحن
فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ لم يأت عنه إجازة خلع فالخلع
باطل لا معنى له فكل جان بعمد فليس على عشيرته من جنايته تبعة، وكل جان
بخطأ فكذلك الا ما أوجبه نص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق *
2097 - مسألة - من استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات * قال على: روينا
من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن الأشعث عن الحسن ان
رجلا استسقى على باب قوم فأبوا ان يسقوه فأدركه العطش فمات فضمنهم عمر بن
الخطاب ديته *
522

قال أبو محمد: القول في هذا عندنا وبالله تعالى التوفيق هو ان الذين لم يسقوه ان
كانوا يعلمون انه لاماء له البتة الا عندهم ولا يمكنه ادراكه أصلا حتى يموت فهم قتلوه
عمدا (1) وعليهم القود بان يمنعوا الماء حتى يموتوا كثروا أو قلوا ولا يدخل في
ذلك من لم يعلم بأمره ولا من لم يمكنه أن يسقيه، فان كانوا لا يعلمون ذلك ويقدرون
أنه سيدرك الماء فهم قتلة خطأ وعليهم الكفارة وعلى عواقلهم الدية ولابد * برهان ذلك
قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وقال
تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقال تعالى: (والحرمات
قصاص)، وبيقين يدرى كل مسلم في العالم أن من استقاه مسلم وهو قادر على أن يسقيه فتعمد
أن لا يسقيه إلى أن مات عطشا فإنه قد اعتدى عليه بلا خلاف من أحد من الأمة وإذا اعتدى
فواجب بنص القرآن أن يعتدى على المعتدى بمثل ما اعتدى به فصح قولنا بيقين لا اشكال فيه
وأما إذا لم يعلم لذلك فقد قتله إذ منعه مالا حياة له الا به فهو قاتل خطأ فعليه ما على
قاتل الخطأ *
قال أبو محمد: وهكذا القول في الجائع والعاري ولا فرق وكل ذلك عدوان
وليس هذا كمن اتبعه سبع فلم يؤوه حتى أكله السبع لان السبع هو القاتل له ولم يمت
في جنايتهم ولا مما تولد من جنايتهم ولكن لو تركوه فأخذوه السبع وهم قادرون على انقاذه
فهم قتلة عمد، إذ لم يمت في شئ الا من فعلهم وهذا كمن أدخلوه في بيت ومنعوه حتى مات
ولا فرق، وهذا كله وجه واحد وبالله تعالى التوفيق *
2098 مسألة دية الكلب * قال أبو محمد: نا أحمد بن عمر نا أبو ذر الهروي
نا أحمد بن عبدان الحافظ النيسابوري في داره بالأهواز انا محمد بن سهل المقرى نا محمد
ابن إسماعيل البخاري نا أبو نعيم - هو أفضل بن دكين - قال لي قتيبة نا هشيم عن يعلى
ابن عطاء عن إسماعيل - هو ابن جساس - انه سمع عبد الله بن عمرو قضى في كلب الصيد أربعين
درهما * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يعلى بن عطاء عن إسماعيل بن جساس
قال كنت عند عبد الله بن عمرو فسأله رجل ما عقل كلب الصيد قال: أربعون درهما قال:
فما عقل كلب الغنم قال: شاة من الغنم قال: فما عقل كلب الزرع؟ قال: فرق من الزرع قال فما
عقل كلب الدار؟ قال فرق من تراب حق على القاتل ان يؤديه وحق على صاحبه أن يقبله
وهو ينقص من الاجر وفى الكلب الذي ينبح ولا يمنع زرعا ولا دارا ان طلبه صاحبه
ففرق من تراب والله انا لنجد هذا في كتاب الله تعالى *

(1) في النسخة رقم 14 قتلة عمد
523

قال أبو محمد: فهذا حكم صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف رضي الله عنه
الا في الصائد خاصة لا فيما سواه كما روينا عن عقبة بن عامر قال: قتل رجل في خلافة عثمان كلبا
لصيد لا يعرف مثله في الكلاب فقوم بثمانمائة درهم فالزمه عثمان تلك القيمة *
قال أبو محمد: وبقى كلب الغنم. وكلب الزرع وكلب الدار لا نعرف مخالفا
في شئ منه (1) لعبد الله بن عمرو بن العاص وهم يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف
له مخالف من الصحابة ولا سيما مثل هذا وهم قد خالفوا ههنا عبد الله بن عمرو كما ترى
بلا مؤونة، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في
الكلب إلا كلب مثله قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) إلا أن يكون اسود
ذا نقطتين فلا شئ فيه أصلا، وقد أحسن من قتله وكذلك إن كان كلبا لا يغنى زرعا ولا
ضرعا ولا صيدا فلا شئ فيه أصلا لان هذين ينهى عن اتخاذهما جملة، وبالله
تعالى التوفيق *
2099 - مسألة - إقالة ذي الهيئة عثرته * قال على: نا يوسف بن عبد الله
النمري نا يوسف بن أحمد نا العقيلي نا الحسن بن علي نا سعيد بن أبي مريم نا العطاف في
عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم " * نا أحمد بن عمر بن أنس نا أحمد
ابن علي الكسائي النحوي نا أحمد بن إبراهيم بن محمد السرى نا إسماعيل بن محمد بن قيراط
نا سليمان بن عبد الرحمن نا عثمان نا عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقيلوا
ذوي الهيئات عثراتهم " *
قال على عن العقيلي: لا يصح في هذا شئ، والعطاف ضعيف وعبد الرحمن بن
محمد مجهول ضعيف، وكذلك الاسناد الآخر أيضا ضعيف *
قال على: وليس فيه اسقاط حد ولا قصاص، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" المؤمنون تتكافؤ دماؤهم " وقال الله تعالى: (إنما المؤمنون اخوة) فإذا كانوا اخوة فهم
نظراء في الحكم كله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما هم كذلك بنو إسرائيل كانوا إذا سرق
فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفسي بيده لو
سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها أو كما قال عليه الصلاة والسلام " مما قد ذكرناه
باسناده فيما خلا وبالله تعالى التوفيق *

(1) في النسخة رقم 14 لا مخالف له يعرف في شئ منه
524

قال أبو محمد: فلو صح هذا وهو لا يصح لكان ذلك محمولا على ظاهره
في العثرة تكون مما لا يوجب حدا ولا حكما في قود أو قصاص وبالله تعالى التوفيق *
2100 - مسألة - قوم أقر كل واحد منهم بقتل قتيل وبرأ أصحابه * قال على:
روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل اتهم بقتله رجلان اخوان
فخاف أبوهما أن يقتلا فقال أبوهما: أنا قتلته فقال كل واحد من الأخوين أنا قتلته
وبرأ بعضهم بعضا فقال الزهري في ذلك إلى أولياء المقتول فيحلفون قسامة الدم
على أحدهم *
قال أبو محمد: لسنا نقول هذا بل نقول: إن أولياء المقتول ان صدقوهم كلهم
فلهم القود من جميعهم أو ممن شاءوا ولهم الدية على ما قدمنا أو المفاداة فان كذبوا
بعضهم وصدقوا بعضهم فلهم على من صدقوه القود أو الدية أو المفاداة وقد برئ
من كذبوه * برهان ذلك أنهم إذا صدقوهم كلهم فقد صح لهم حق القود أو الدية
باقرار كل واحد منهم وكل حق وجب فلا يسقط الا بنص أو اجماع ومن أقر بحق
فلا يجوز تحليف المقر له بالحق إذ إنما يحلف المدعى عليه إذا أنكر لا المدعى فلا يجوز
ههنا تحليف من صدقت دعواه وأما إذا كذبوا منهم بعضا فقد برؤوا من اكذبوه
وسقط حكم الاقرار إذا لم يصدقه المقر له كسائر الحقوق ولا فرق، وكذلك لو
كذبوهم كلهم فقد برى المقرون وبطل اقرارهم إذ قد أسقط المقر لهم حقهم في ذلك
وبالله تعالى التوفيق *
قال على: وقول المقر: انا وحدي قتلت فلانا ولم يقتله هذا معنى والآخر
منكر لتبرئته إياه ومقر بقتل ذلك المقتول فواجب ان يلزم كل واحد منهما ما أقر به
على نفسه لأنه اقرار تام وتكون تبرئته لمن أبرأ باطلا لأنه ليس عدلا فتقبل
شهادته وحتى لو كان عدلا لما جاز ههنا قبول شهادته لان الشهادة إنما تقبل في الايجاب
لافى النفي ولا يختلف اثنان في أن رجلا لو ادعى على زيد مالا أو حقا فشهد له
عدول بأنه لا شئ له عنده لكانت شهادته فاسدة لا تقبل ولا تبرئ المشهود له بها
الا بأن يزيدوا في شهادتهم ايجابا مثل أن يقولوا وذلك اننا ندري انه أبرأه من الحق
أو قد أداه إليه أو نحو هذا وبالله تعالى التوفيق *
2101 - مسألة - الخشبة تخرج من الحائط والقصار ينضح والقصاب كذلك
واخراج شئ في طريق المسلمين والرحا والخفان والنعلان في المسجد والقاعد فيه
والقنديل وظلال السوق ومن رش أمام بابه * *
525

قال أبو محمد: روينا عن إبراهيم النخعي إذا أخرج الرجل الصلاية أو الخشبة
في حائطة ضمن وعن وكيع نا سفيان عن عطاء بن السائب عن شريح أنه كان يضمن
بوري السوق وعموده، وعن وكيع نا سفيان عن جابر عن عامر قال: إذا نضج
القصار أو القصاب ضمن وعن الحسن أبى مسافر قال إن كنيفا وقع على صبي فقتله
أو جرحه قال شريح: لو أتيت به لضمنته، وعن محمد النفيلي أن رجلا أخرج
صلاية في حائطه فمزقت مزادة من ادم فضمنه شريح * ومن طريق الحجاج بن أرطأة
عن الحكم بن عتيبة عن علي بن أبي طالب قال: من أخرج رحا من ركن داره فعقرت
رجلا ضمن * وعن الحجاج بن أرطأة عن قتادة عن شريح مثله * ومن طريق
عبد الرزاق عن ابن مجاهد عن أبيه قال قال على: من حفر بئرا أو فرض غورا ضمن،
وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب قال: ضمن شريح البادى
وظلال أهل السوق إذا لم يكن في ملكهم، وضمن أهل العمود، وعن الحكم بن
عتيبة عن حماد بن أبي سليمان عن رجل توضأ وصب ماء في الطريق قال حماد: يضمن
وقال الحكم لا يضمن، وعن شعبة عن الحكم وحماد في الرجل السوقي ينضح بين يدي
بابه ماء فيمر به انسان فيزلق قال حماد: يضمن وقال الحكم: لا يضمن *
قال أبو محمد: فهذا عن علي وشريح والنخعي وحماد، وقال الحسن بن حي:
من أحدث في الطريق حدثا من نضح أو ماء أو حجر أو شيئا أخرجه من داره في
الطريق من ظلة أو جناح فهو ضامن لما عطيب فيه، وقال الأوزاعي من اخرج كنيفا
أو جذعا إلى الطريق فأعنت أحدا ضمن ذلك وقال الليث: ان اخرج عودا أو حجرا
أو خشبة من جداره فمر به انسان فجرحه أو قتله فإن كان لا يعرف من صنيع الناس ضمن به
وقال الشافعي: واضع الحجر في أرض لا يملكها ضامن وأما أبو حنيفة وأصحابه
فلهم ههنا أقوال طريفة نذكر منها ما يسر الله تعالى * فمنها أنه قال من قعد في مسجد
في غير صلاة فعطب به انسان ضمن فإن كان في صلاة لم يضمن وإن كان في غير صلاة
ضمن، وقال أبو يوسف ومحمد لا يضمن في كلا الوجهين، وقالوا كلهم من أخرج
من داره ميزابا فسقط على انسان فقتله فان اصابه ما كان خارجا من الحائط ضمن وان
أصابه ما كان في الحائط فلا شئ عليه فان جهل ما أصابه فالقياس أن لا يضمن ولكن
قالوا: ندع القياس ونستحسن فنضمنه وان وضع في الطريق حجرا ضمن ما أصابه
قالوا: فان استأجر رجلا على شئ يحدثه في فنائه فعطب به انسان ضمن المستأجر
فلو استأجره ليحفر في غير فنائه فان الضامن لما يتلف بذلك الأجير *
526

قال أبو محمد: أما عند أصحابنا فلا يضمن عندهم أحد في شئ من ذلك، فلما
اختلفوا كما ذكرنا وجب علينا أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من ذلك فنتبعه فنظرنا في
قول من قال بالتضمن فوجدناهم يذكرون ما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن
عيينة عن عمرو عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من اخرج من حده شيئا
فأصاب انسانا فهو ضامن " * حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن
أيوب الرقى نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا عمرو بن مالك الصائغ عن الحسن
عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أخرج عن حده شيئا فأصاب به انسانا فهو
ضامن "، وقد روى ذلك عن علي ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم *
قال أبو محمد: ما نعلم لهم شيئا غير هذا وكل هذا لا شئ، أما الخبر المذكور
فلا يصح لأنه مرسل عن الحسن والمرسل لا حجة فيه ولم يسنده أحد الا حماد بن مالك
وليس بالقوى قاله البزار وغيره فسقط التعلق به، وأما الرواية عن علي فباطلة لأنها
عن الحجاج بن أرطاة و عبد الوهاب بن مجاهد وكلاهما في غاية السقوط ثم عن
الحكم ومجاهد وكلاهما لم يدرك علي بن أبي طالب فسقط الخبر جملة الا عن إبراهيم
وشريح. وحماد. وقول عن الشافعي لا يصح، وقد صح عن الحكم في بعض ذلك أنه
لا يضمن * قال على: فلم يبقى للمضمنين حجة أصلا وقد صح أن الأموال محرمة فلا
يحل الزام أحد غرامة لم يوجبها نص أو اجماع فوجب أن لا ضمان في شئ من ذلك
وبالله تعالى التوفيق *
2102 مسألة: الحائط يقع فيتلف نفسا أو مالا * قال على: روينا من
طريق عبد الرزاق عن سفيان عن جابر الجعفي عن الشعبي عن شريح في الحائط إذا كان
مائلا قال إن شهدوا عليه ضمن وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في الجدار إذا
كان مائلا إذا شهدوا على صاحبه فوقع على انسان فقتله فإنه يضمن، وعن إبراهيم النخعي
مثل قول شريح في الجدار المائل، وقال آخرون غير هذا كما روينا من طريق ابن وضاح
نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في الرجل مال
جدار لجاره أو انصدع فقال له اكسر جدارك هذا فانا نخافه فأبى عليه ثم إن الجدار
سقط فقتل عبد الذي نهاه أو حرا من أهله قال لا نرى عليه شيئا وقد فرط وأساء، وأما
المتأخرون فان ابن أبي ليلى قال: ان علم صاحب الجدار بميله وضعفه فتركه فهو ضامن وان
لم يعلم لم يضمن، وبه يقول أبو ثور، وقال سفيان الثوري ان لم يشهدوا عليه لم يضمن
وإن كان معتدلا وهو مشقوق لم يجبر على نقضه، وقال إسحاق بن راهويه يضمن ما أصاب
527

جداره اشهد عليه أو لم يشهد، وقال أبو حنيفة ومالك وأصحابهما والحسن بن حي:
ان اشهد عليه بهذا ضمن وان لم يشهد عليه لم يضمن وقال الشافعي وأبو سليمان.
وأصحابهما: لا ضمان عليه اشهد عليه أو لم يشهد عليه، قال على: فلما اختلفوا كما
ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا
فيمن فرق بين حكم الاشهاد عليه وحكم ترك الاشهاد عليه فلم نجد لهما متعلقا لا من قرآن
ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا اجماع ولا قول صاحب ولا قياس ولا نظر إلا أنهم قالوا
قد روى عن جماعة من التابعين وهذا ليس بشئ لأننا قد أوردنا مما خالفوا فيه الطوائف من
الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف كثيرا جدا فكيف ما اختلف فيه نفر
من التابعين وقد أوردنا آنفا قول الزهري أنه لا ضمان عليه مع أن القوم بزعمهم أصحاب
قياس ولا يختلفون فيمن وضع دابة في ملكة فخرجت فقتلت من غير فعله انه لا ضمان
عليه اشهد أو لم يشهد عليه فما الفرق بين هذا وبين الجدار ينهدم من غير فعله فبطل هذا
القول وظهر فساده وبالله تعالى التوفيق، ولم يبق إلا قول من ضمن ما أصاب الجدار
أشهد عليه أو لم يشهد عليه أو قول من لم يضمنه ما أصاب أشهد عليه أو لم يشهد إذ قد
صح أن التفريق بين الاشهاد وغير الاشهاد لا معنى له البتة فنظرنا في ذلك فوجدنا صاحب
الجدار المائل لا يسمى قاتلا لم قتله الجدار في لغة العرب، وقد يكون غائبا بأقصى المشرق
والحائط بأقصى المغرب فإذ لا يسمى قاتل عمد ولا قاتل خطأ فلا دية في ذلك ولا كفارة
ولا ضمان لما تلف من مال إذ الأموال محرمة ولا يجوز الحكم بغرامة على أحد لم
يوجبها عليه نص ولا اجماع وبالله تعالى التوفيق *
2103 - مسألة - الجرة توضع إلى باب أو انسان يستند إلى باب فيفتح الباب فاتح
فيفسد المتاع أو يقع الانسان فيموت * قال على: قال قوم بالتضمين في هذا
وأسقط قوم فيه الضمان، والظاهر عندنا وبالله تعالى التوفيق انه ضامن للمتاع والدية على
عاقلته الكفارة على لأنه مباشر لاسقاط المتاع واسقاط المسند قاصدا إلى ذلك وان لم
يعلم بخلاف ما ذكرنا قبل مما لم يباشر الاتلاف فيه ولو أنه فعل هذا عمدا لكان عليه القود
وهذا والذي يزحم دابته في الطريق فيدفعها عن طريقه فتدوس انسانا أو تفسد متاعا فإنه
يضمن لأنه مباشر للافساد ولا نبالي بتعدى مسند الجرة والمتكئ إلى الباب لو كانا
متعديين فكيف ولا عدوان في هذا، ولو أن امرءا رقد ليلا في طريق فداسه انسان فقتله
فإنه قاتل خطا بلا شك وكذلك لو دخل دار انسان ليسرق فداسه صاحب المنزل فقتله
528

فهو مباشر لقتله فعليه القود في العمد لأنه لم يقتله محاربا له، والدية في ذلك والكفارة على
العاقلة في غير العمد، وبالله تعالى التوفيق
خاتمة الطبع
تم بعون الله تعالى وحسن هدايته الجزء العاشر من كتاب المحلى للامام
العلامة علامة المنقول والمعقول أبى محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
صاحب التصانيف المفيدة
وكان تمام طبعه سلخ شهر رجب سنة 1352 من سنى الهجرة النبوية
على صاحبها أفضل صلاة وأكمل تحية، ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء
الحادي عشر وبه يتم الكتاب، وافتتاحه على بعض النسخ التي جرينا عليها
(مسائل من هذا الباب) وأرجو الله إتمامه بحوله وقوته والشروع
بتكميل كتاب (الكامل في التاريخ) للامام المؤرخ الشهير عز الدين أبى
الحسن بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني
المعروف بابن الأثير الجزري
529