الكتاب: القواعد الفقهية
المؤلف: السيد البجنوردي
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٩٥
المجموعة: مصطلحات ومفردات فقهية
تحقيق: مهدي المهريزي - محمد حسين الدرايتي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٩ - ١٣٧٧ ش
المطبعة: الهادي
الناشر: نشر الهادي - قم - ايران
ردمك: ٩٦٤-٤٠٠-٠٣٠-٧
ملاحظات:

القواعد الفقهية
الجزء الثاني
آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
تحقيق
مهدي المهريزي - محمد حسن الدرايتي
1

القواعد الفقهية / ج 2
المؤلف: آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
المحققان: محمد حسين الدرايتي - مهدي المهريزي
الناشر: نشر الهادي
الطبع: مطبعة الهادي
الطبعة الأولى: 1419 ه‍ ق - 1377 ه‍ ش
الكمية: 1000 نسخة
شابك (ردمك) 7 - 030 - 400 - isbn 964
إيران قم، شارع الشهداء، پلاك 759، هاتف: 737001
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

14 - قاعدة
عدم ضمان الأمين
7

قاعدة عدم ضمان الأمين *
ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة قاعدة " عدم ضمان الأمين إلا مع التعدي
والتفريط ":
وفيها جهات من البحث:
(الجهة) الأولى
في مداركها
وهي أمور:
(الأول): عدم وجود السبب لضمانه، وذلك من جهة أن سبب
الضمان الواقعي - أي
المثل أو القيمة في غير الضمان المعاوضي والعقدي -
أمور كلها ليس فيما إذا تلف مال
الغير في يد الأمين بدون تعد ولا تفريط، لان أحد أسباب الضمان الواقعي هو الاتلاف
لقاعدة " من أتلف مال الغير فهو له ضامن " والمفروض في المقام هو التلف لا
الاتلاف.
الثاني: هو اليد وقد بينا في الجزء الأول من هذا الكتاب في شرح قاعدة اليد (1) أن

*. " القواعد والفوائد " ج 1، ص 342، " الحق المبين " ص 89، " مجموعة رسائل " ش 18، ص 48، " عناوين
الأصول " عنوان 65، " خزائن الأحكام " ش 31، " دلائل السداد در قواعد فقه واجتهاد " ص 68، " مجموعه
قواعد فقه " ص 168، " قواعد فقه " ص 95، " أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة " ص 107، " القواعد "
ص 17، " قواعد فقهي " ص 61 " القواعد الفقهية " (فاضل اللنكراني) ج 1، ص 28، " القواعد الفقهية "
(مكارم الشيرازي) ج 4، ص 251، " المبادئ العامة للفقه الجعفري " ص 284.
1 - " القواعد الفقهية "، ج 1، ص 177.
9

اليد التي تكون موجبة للضمان إما هي اليد المعنونة بعنوان العادية كما قيل، ومعلوم أن
يد الأمين - سواء كانت الأمانة مالكية كعين المستأجرة، أو المرهونة عند الملتقط
المرتهن، أو العارية عند المستعير وأمثال ذلك، أو كانت أمانة شرعية كاللقطة عند
أيام التعريف أو المال المجهول المالك أو أموال الغيب والقصر عند الحاكم الشرعي،
أو المأذون، أو المنصوب من قبله لأجل ذلك وغير ذلك مما هو مثلها - ليست يدا
عادية.
وإما هي يد غير المأذونة من قبل المالك أو من قبل الله تعالى كما هو الصحيح.
وأيضا معلوم أن يد الأمين إما مأذونة من قبل المالك - سواء كان الاستئمان لنفع
المالك كما في أنحاء الإجارات، أو لنفع الأمين كما في باب العارية - وإما مأذونة من قبل
الله تعالى.
الثالث: التغرير، كما ذكرنا وجهه في قاعدة الغرور في الجزء الأول من هذا
الكتاب (1).
ولا شك في أنه لا تغرير من طرف الأمين للمالك بالنسبة إلى المال الذي في يده، ولو
كان فهو ضامن ولا يضر بعموم هذه القاعدة لان المراد بها أن صرف تلف مال الغير
عنده وفي يده لا يكون موجبا للضمان بدون التعدي والتفريط أما لو وجد سبب آخر
فأجنبي عن المقام.
الثاني: من وجوه عدم الضمان هو الاخبار.
منها: ما في المستدرك عن أمير المؤمنين عليه السلام " ليس على المؤتمن ضمان " (2).
ومنها: ما في الوسائل عن أبان بن عثمان، عمن حدثه، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث
قال: وسألته عن الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فقال عليه السلام:

(1) " القواعد الفقهية " ج 1، ص 270.
(2) " مستدرك الوسائل " ج 13، ص 16، أبواب كتاب الوديعة، باب 4، ح 15978.
10

" ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا " (1).
وأيضا في الوسائل عن المقنع قال: سئل الصادق عليه السلام عن المودع إذا كان غير ثقة
هل يقبل قوله؟ قال: " نعم ولا يمين عليه " (2).
ومنها: أيضا في الوسائل عن قرب الإسناد: عبد الله بن جعفر، عن هارون بن
مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: ليس لك أن تأتمن من
خانك ولا تتهم من إئتمنت " 3.
وأيضا عنه عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليه السلام أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: " ليس لك أن تتهم من قد إئتمنته " 4.
ومنها: الخبر المعروف بينهم: " ليس على الأمين إلا اليمين ".
وفي عدم ضمان الأمين أخبار أخر في كتب الحديث في كتاب الوديعة العموم من
هذا التعليق لكل أمين سواء كان أمينا من طرف المالك أو من قبل الشرع.
وأما رواية مقنع فتدل على نفي الضمان بطريق أولى لأنها تنفي حتى اليمين
ويحكم عليه السلام بقبول قوله.
وكذلك روايتا قرب الإسناد كلتاهما مفادهما النهي عن اتهام الأمين.
وأما الخبر المعروف الجاري على الألسنة - إذا ثبت وجوده - فدلالته واضحة
لان المراد من نفي غير اليمين هو الضمان.
الثالث: الاجماع فان الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - يستندون لعدم
الضمان في موارد عديدة بأنه أمين ويرسلونه إرسال المسلمات من غير إنكار لاحد.

(1) " وسائل الشيعة " ج 13، ص 228، أبواب كتاب الوديعة، باب 4، ح 5، و ج 13، ص 237، أبواب كتاب
الوديعة، باب 1، ح 8.
(2) المصدر، ص 228، أبواب كتاب الوديعة، باب 4، ح 7.
(3) المصدر، ص 229، أبواب كتاب الوديعة، باب 4، ح 9.
(4) المصدر، ح 10.
11

فكأن هذه كبرى مسلمة عند الكل وهي أن الأمين لا يضمن
ونحن استشكلنا على أمثال هذه الاجماعات في هذا الكتاب فلا نعيد.
الرابع: أن الأمين المأذون من قبل المالك أو من قبل الشارع لنفع المالك محسن
إليه وقال تعالى: (وما على المحسنين من سبيل) 1 وحيث أن كلمة " سبيل " في الآية
الشريفة نكرة واقعة في سياق النفي يفيد العموم فكل سبيل منفي بالنسبة إلى المحسنين.
ولا شك أن كون الضمان على عهدة الأمين سبيل فبعد الفراغ عن كونه محسنا يكون
الضمان منفيا عنه.
ويمكن تقريب هذا الوجه بشكل يكون من الأحكام العقلية بان يقال:
بعد ما ثبت ان الأمين - بالبيان المتقدم - محسن إلى المالك ولم يكن من طرفه تعد
ولا تفريط والمال هلك بسبب سماوي مع كمال التوجه في حفظه من طرف الأمين
فالعقل في هذه الصورة يستقبح تغريم الأمين. فعدم غرم الأمين وكذلك عدم ضمانه
حكم عقلي.
وقوله تعالى: (وما على المحسنين من سبيل) تقرير وتثبيت لذلك الحكم العقلي.
ولكن هذا الوجه لا يجري في جميع الامناء والمأذونين ففي مثل العارية وإن كان
المستعير مأذونا من قبل المالك ولكن لا يعد محسنا إلى المالك بل تصرفه في مال
المالك لأجل مصلحة نفسه لا المالك.
الجهة الثانية
في شرح المراد من هذه القاعدة
فنقول: أما المراد من " الضمان " هو الضمان الواقعي أي المثل في المثليات والقيمة في

(1) التوبة (9): 91.
12

القيميات.
وان شئت قلت: إن في موارد اليد غير المأذونة - لا من قبل المالك ولا من قبل
الشارع - كل مال وقع تحت اليد اعتبره الشارع في ذمة ذي اليد وفي عهدته. وهذا
الأمر الاعتباري ثابت في ذمته وعهدته لا يرتفع إلا بأداء نفس المال الذي أخذه
ما دام نفس المال موجودا وبعد تلفه أيضا ذلك الأمر الاعتباري ثابت وباق في عالم
الاعتبار التشريعي ولا يرتفع إلا بأداء مثله في المثليات وقيمته في القيميات.
وأما وجه هذه الأمور: فذكرنا جملة منها في بعض مباحث قاعدة اليد 1 وتفصيله
مذكور في الفقه في كتاب الغصب وفي مسألة المقبوض بالعقد الفاسد في كتاب البيع.
وأما المراد من " الأمين " هو أن يكون مال الغير في يده باذن من المالك أو من الله
من غير خيانة له بالنسبة إلى ذلك المال من فعل أو ترك يوجب تلفه أو نقصا فيه.
فبهذا المعنى إن صدر منه تعد أو تفريط بالنسبة إلى ذلك المال يخرج عن كونه
أمينا فعدم التعدي والتفريط مأخوذان في حقيقة الأمين والاستثناء في القاعدة
مستدرك لأنه إذا صدر عنه التعدي أو التفريط فهو خائن وليس بأمين فإنهما ضدان.
فالائتمان عبارة عن تسليم ماله أو شئ آخر إليه واثقا منه بعدم خيانته في حفظه
أي يثق به أنه لا يفعل فعلا يضر بذلك المال أو ذلك الشئ ومثل هذا الفعل هو
التعدي. وأيضا يثق به أنه لا يترك أمرا وفعلا يكون ترك ذلك الفعل أو ذلك الامر
موجبا لضياعه وتلفه أو لورود نقص عليه وهذا هو التفريط.
وبناء على هذا يكون الائتمان مقابل الاتهام أي الظن بأنه يخون أو خان فعلا.
ويشير إلى هذا المعنى روايتا قرب الإسناد المقدم ذكرهما: " ليس لك أن تتهم من
قد إئتمنته ".

(1) " القواعد الفقهية " ج 1، ص 177.
13

و " ليس لك أن تأتمن من خانك ولا تتهم من إئتمنت ".
فالأمين هو الموثوق به عرفا في اعطاء ماله له بحيث يكون عنده محفوظا إلى أن
يرده إلى صاحبه.
وهذا الاعطاء قد يكون لمصلحة المالك وقد يكون لمصلحة الآخذ. فالأول
كالوديعة وما يشبهها.
فالوديعة عبارة عن ايداع ماله أو شئ آخر عند شخص لوثوقه به لكي يسترده
فيما بعد.
فالأمين هو الذي يثق المودع به في ايداع ماله عنده ولذلك كانوا في الجاهلية
يخاطبون نبينا صلى الله عليه وآله ب‍ " الأمين " قبل بعثته صلى الله عليه وآله ويودعون عنده الودائع لوثوق جميع
الناس به.
وأما تصرفات الأمين في المال الذي عنده الغير المأذون في تلك التصرفات فتكون
موجبة للضمان ولو لم تكن موجبة لتلف المال بل كانت موجبة لازدياد قيمته بل و
عينه من جهة خروج اليد عن كونها مأذونة فتكون من قبيل الغصب وتدخل تحت
قاعدة المعروفة " وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه " وذلك لان الخارج عنها هي اليد
المأذونة.
وأما المراد من " التعدي " و " التفريط " اللذان يوجبان الضمان ثم استثنائهما عن
قاعدة عدم ضمان الأمين: فلم يرد دليل شرعي لهذين العنوانين كي نتكلم في مفهوم
التعدي والتفريط من حيث موضوعيتهما للحكم الشرعي.
بل الذي يستفاد من الأدلة والموارد التي حكم الشارع فيها بالضمان كمورد
صحيحة أبي ولاد (1) وغيرها هو إما خروج ذي اليد عن كونه مأذونا في ذلك الفعل

(1) " الكافي " ج 5، ص 290، باب الرجل يكترى الدابة فيجاوز الحد...، ح 6، " تهذيب الأحكام " ج 7، ص
215، ح 943، باب الإجارات، ح 25، " الاستبصار " ج 3، ص 134، ح 483، باب من اكترى دابة إلى موضع
فجاز ذلك الموضع...، ح 2، " وسائل الشيعة "، ج 13، ص 255، أبواب الأحكام الإجارة، باب 17، ح 1، و
ج 17، ص 313، أبواب الغصب، باب 7، ح 1.
14

أو الترك الذي يصدر عنه بالنسبة إلى ذلك المال فإذا كان كذلك فمقتضى قاعدة على
اليد هو الضمان لان الخارج عنها هي اليد المأذونة والمفروض أنها غير مأذونة. وإما
صدور فعل أو ترك من ذي اليد على مال الغير بحيث يوجب إتلاف ذلك المال فان
الاتلاف سبب مستقل للضمان ولا ربط له بقاعدة على اليد.
فإذا كان التعدي والتفريط سببا لخروج اليد عن كونها مأذونة أو كانا سببين
لاتلاف المال فيكونان موجبين للضمان لما ذكرنا.
وما ذكرنا مناسب للمعنى العرفي لهذين اللفظين وذلك لان المتفاهم العرفي من
التعدي هو التجاوز ولا شك أن المؤتمن إذا تجاوز عما أذن له في فعل بالنسبة إلى ذلك
المال أو ترك فيخرج عن كونه مأذونا فلو تلف ذلك المال يكون ضامنا.
وهذا الامر صريح صحيحة أبي ولاد لأنه اكترى البغل إلى مكان معين فتجاوز
عما أذن له إلى مكان آخر ولذا حكم - عليه السلام - بضمانه لو تلف البغل.
والمتفاهم العرفي من التفريط هو التضييع ولا شك في أن تضييع مال الغير عبارة
أخرى عن إتلافه أو إيجاد نقص أو عيب فيه وكل ذلك من أسباب الضمان.
فالافراط مثل التعدي عبارة عن التجاوز والتفريط عبارة عن التضييع.
ولعل هذا المعنى هو المراد من قوله عليه السلام: " الجاهل إما مفرط أو مفرط " 1. أي إما
متجاوز عن الحد أو مضيع.
ثم إن الأمانة بالمعنى الذي تقدم وهو أن يكون المال عنده باذن صاحبه أو من
يكون إذنه معتبرا كاذن صاحبه من كونه وكيلا عنه أو وليا عليه.
فهذا الاذن قد يكون من قبل المالك فيسمى ب‍ " الأمانة المالكية ". والاذن من قبل

(1) " نهج البلاغة " ص 479، الحكمة 70: " لا ترى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا ".
15

المالك قد يكون من قبل نفسه وقد يكون من قبل وكيله.
فمورد الأمانة المالكية جميع المعاملات التي تصدر من المالك أو وكيله الواقعة على
ماله بدون نقل عين ماله إلى من يعطي ماله بيده سواء كان من جهة تمليك منفعته له
ويعطى العين له لاستيفاء تلك المنفعة كباب الإجارات أو تمليك الانتفاع مجانا كباب
العارية أو يعطيه للحفظ بدون تمليك منفعته أو الانتفاع به كباب الوديعة أو يعطيه
لان يعامل معه بحصة من الربح كباب المضاربة أو لان يزرع فيه بحصة من الحاصل
كباب المزارعة أو لان يسقيه بحصة من الثمرة كباب المساقاة أو يعطي ماله لان يحمل
من مكان إلى مكان بأجرة كالحمالين والمكارين.
ففي جميع هذه الموارد سواء صدرت المعاملة من نفسه أو من وكيله يكون المال
عند ذي اليد أمانة مالكية ولا يوجب تلفه الضمان إلا مع التعدي والتفريط.
وقد يكون الاذن من قبل الشارع وإن كان بدون التفات من قبل المالك إلى أن
ماله بيد فلان وهذه " أمانة شرعية " كالمعاملات التي تقع على أموال الغيب
والقصر بدون أن يكون فيها نقل العين
وذلك كجميع ما ذكرنا في الأمانة المالكية من الموارد غاية الأمر أن الفرق هو أن
في الأمانة المالكية كان الاذن من المالك أو من وكيله وفي الأمانة الشرعية من قبل
الله جل شأنه.
فلو آجر الحاكم الشرعي أو من يكون وكيلا أو مأذونا من قبله أموال الغيب
والقصر أو أودع عند أمين أو أعار فيما إذا كان فيها مصلحة للغيب أو القصر أو
أعطى أموالهم للحمالين أو المكارين أو سائر التصرفات التي يطول المقام بذكرها
فتلف ذلك المال في يد المأذون من قبلهم فلا يكون من وقع في يده التلف ضامنا لأنه
أمين ومأذون غاية الأمر أن الأمانة شرعية لا مالكية.
وكذلك الامر في اللقطة فان الواجد والملتقط ليس ضامنا لو تلف ما وجده في يده
16

ما دام مشغولا بالتعريف لأنه مأذون في أن يكون هذا المال الذي وجده عنده إلى أن
يتم التعريف سنة كاملة أو يحصل له اليأس من معرفة صاحبه فيتصدق به عن قبل
صاحبه.
والحاصل: أن الأمين أي المأذون من قبل المالك أو الشارع في كون مال تحت يده
لا يكون ضامنا لذلك المال لو تلف في يده إلا مع التعدي والتفريط بالمعنى المتقدم لما
تقدم.
واستشكل في عموم هذه القاعدة بموارد
منها: حكمهم بالضمان في المقبوض بالسوم مع أن قبضه ووقوعه تحت يده بإذن المالك.
وفيه: أولا: أن هذه المسألة خلافية وقد ذهب جمع إلى عدم الضمان معللا بأنه
أمانة مالكية.
وثانيا: على تقدير القول بالضمان يمكن أن يقال بأنه ليس القبض هناك بعنوان
الأمانة بل بعنوان أن يكون عند اختيار القابض للاشتراء مضمونا عليه بالعوض
المسمى.
وبعبارة أخرى: أخذه وقبضه يكون بعنوان المقدمية للشراء والضمان بالعوض
المسمى فهو خارج عن باب الأمانات بكلا قسميه مالكية وشرعية بالتخصص
لا بالتخصيص فلا تنخرم القاعدة به لأنه خارج عن موضوع الأمانة لان موضوعها
إما الأمانة المالكية أو الأمانة الشرعية بالمعنى الذي تقدم وكلاهما ليسا في المقام.
ومنها: حكمهم بالضمان في المقبوض بالعقد الفاسد فإنهم أجروه مجرى الغصب إلا
في الاثم إن كان جاهلا بالفساد مع أن القابض مأذون من قبل المالك سواء كان
المقبوض الثمن بالنسبة إلى البائع أو المثمن بالنسبة إلى المشتري.
17

وفيه: أن الاذن في القبض في المقبوض بالعقد الفاسد ليس باعتبار الاذن في قبض
مال المقبوض منه بل باعتبار قبض نفس مال القابض وانه ملك بالعقد فهو خارج
عن موضوع الأمانات لان الأمانة المالكية هو أن يأذن المالك للقابض في قبض مال
المالك الآذن لا ما هو مال نفس القابض.
إن قلت: إن ما نحن فيه أي باب المقبوض بالعقد الفاسد أيضا كذلك فان المال
واقعا ليس للقابض بل صرف تخيل منه أو منهما إذا كان القابض أو كانا جاهلين
بالفساد ولذا لو كان المالك عالما بالفساد فاذن في القبض فقد أذن في قبض ماله
فيكون ماله عند القابض أمانة مالكية.
قلنا: نعم الامر كما قلت فاذن المالك تعلق واقعا بمال نفس المالك لا القابض
ولكن حيث أنه جاهل بالفساد يأذن بعنوان أخذ مال نفسه أي نفس القابض ومثل
هذا الاذن لا تتحقق به الأمانة قطعا ولا تدخل يد القابض بمثل هذا الاذن تحت
عنوان يد المأذونة.
ولذلك لو قدم ماله إليه باعتقاد أنه ماله أي مال القابض فاتلفه القابض يكون
ضامنا لاتلافه مال الغير أي المعطي. ولا يكون مثل هذا الاذن مانعا عن تحقق
الضمان.
وكذلك أو قال لزيد: يا صديقي خذ هذا المال فهو لك حلال أو قال: يا صديقي
أدخل داري كل ذلك باعتقاد أنه صديقه وفي الواقع هو عدوه فليس له أن يأخذ
ذلك المال أو يدخل داره باعتبار ذلك الاذن الذي منشأه الاشتباه وتخيل أنه صديقه.
وإن قيل في هذا المقام: لو خاطب الشخص مثلا وقال: يا زيد أدخل داري باعتقاد
أنه صديقه يجوز له أن يدخل داره وإن لم يكن صديقه وكان صاحب الدار مشتبها
في أنه صديقه لان الاذن صدر منه وإن كان مشتبها في جهة الصدور.
وأما إن قال: يا صديقي أدخل ففيما لم يكن صديقا له في الواقع ليس له أن يدخل
18

لان الاذن تعلق بعنوان " الصديق " وهو ليس مصداقا لهذا العنوان على الفرض.
وعلى كل حال في المقبوض بالعقد الفاسد ليست يد القابض يد أمانة مع جهل
المعطي بالفساد فتدخل تحت قاعدة " وعلى اليد ما أخذت ".
وليس حكمهم بالضمان هناك تخصيص لهذه القاعدة أي قاعدة " عدم ضمان الأمين
إلا مع التعدي أو التفريط ".
هذا كله مضافا إلى أن إذن المعطي في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد ليس بان
يكون في يده بلا عوض بل الاذن مقيد بكونه في يده مع العوض غاية الأمر العوض
المسمى لا الضمان الواقعي.
وحيث إن الشارع لم يمض العوض المسمى فيكون عليه العوض الواقعي لأنه لم
يقدم على الاعطاء مجانا ولم يهتك احترام ماله. وقلنا: إن إذنه بكونه في يده مقيد
بكونه في يده مضمونا عليه لا مجانا، فهو أجنبي عن مسألة عدم الضمان على الأمين
بكلا قسميه أي الأمانة المالكية والأمانة الشرعية.
ومنها: حكمهم بضمان المبيع إن تلف في يد البائع قبل أن يقبض المشتري بعد تحقق
المعاملة ووقوعها بجميع شرائطها وأركانها وإن كان بقاؤه في يد البائع بإذن المالك
أي المشتري.
وفيه: أن هذا ليس من باب ضمان الأمين بل من جهة حكم الشارع بانفساخ
العقد آنا ما قبل التلف لكي يقع التلف في ملك البائع فليس من باب الضمانات وتلف
ملك الغير في يده وإلا لو كان كذلك فكان مقتضاه الضمان الواقعي أي المثل أو القيمة
كل واحد منهما في محله.
والدليل على انفساخ العقد ورجوع كل واحد من العوضين إلى ملك مالكه الأول
هي الأخبار الواردة في هذا الباب وقد ذكرناها مع سائر ما قيل أو يمكن أن يقال في
كونها دليلا على هذا الحكم في شرح قاعدة " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من
19

مال بائعه " 1.
ومنها: أن المالك إذا رضى أن يكون مال المغصوب باقيا في يد الغاصب واذن له
في ذلك أي في كونه أمانة فمع ذلك يكون الغاصب ضامنا لو تلف في يده.
وفيه: أنه لو كان الامر كذلك وكان بهذه الصورة أي قال إنه أمانة عندك والغاصب
أراد الرد وهو لم يقبل وجعله أمانة عنده.
فالحق أنه لا ضمان في هذه الصورة وإلا فبصرف الرضا بالبقاء لا تخرج يده عن
كونها يد الغاصب.
ومنها: أنهم قالوا في باب اللقطة ومجهول المالك: إن له أن يتصدق به عن طرف
مالكه ويده أمانة شرعية فمأذون من قبل الشارع ومع ذلك قالوا بالضمان إن وجد
صاحبه.
وفيه: أنه فرق بين أن يكون في يده أمانة ويحفظه وأن يكون له أن يتصدق عن
قبل مالكه.
ففي الصورة الأولى لو تلف لا ضمان عليه لأجل هذه القاعدة وبل لقاعدة
الاحسان لقوله تعالى (ما على المحسنين من سبيل) 2.
وأما في الصورة الثانية فالاذن في التصدق عن قبل صاحبه مشروط بان يكون
ضامنا له إن وجد.
وبعبارة أخرى: جعل الشارع له هذا الحكم مقيد بان يكون عليه الضمان على
تقدير ظهور صاحبه. هذا إن قلنا بالضمان وإلا فلا اشكال كي يجاب.
ومنها: الاكل في المخمصة فإنهم قالوا بأنها مأذون في هذا التصرف ومع ذلك

(1) سيأتي في هذه المجلدة، ص 79 - 100.
(2) التوبة (9): 91.
20

قالوا بالضمان.
وفيه: أنه لا دخل لهذه المسألة بباب الأمانة وأما الاذن من قبل الشارع بالنسبة
إلى مثل هذا التصرف وإن كان مسلما لكنه من أول الأمر مقيد بالاتلاف بعوض
لا مجانا.
فهذه المسألة أجنبية عن مسألتنا.
وأما الصانع والحمال والمكاري والأجير وأمثالهم من الذين مأذونون من طرف
المالك أو من كان بمنزلته كوكيله أو وليه أو الذين هم مأذونون من طرف الشارع بأن
يكون المال في يده فليس تلفه موجبا لضمانهم لأجل هذه القاعدة التي أثبتناها
بالأدلة المتقدمة. وأما إتلافهم لذلك المال فموضوع آخر غير التلف والضمان يكون
لاتلافه لو قلنا به في بعض المقامات.
فتلخص من مجموع ما ذكرنا من أول القاعدة إلى هاهنا أن قاعدة عدم ضمان
الأمين لو تلف ما في يده بدون تعد وتفريط قاعدة فقهية ثابتة بالأدلة. والنقوض التي
أوردوها لا يرد شئ منها عليها وان باب ضمان الاتلاف خارج عن مورد هذه
القاعدة فان موردها التلف وضمان اليد كما عرفت.
الجهة الثالثة
في موارد تطبيق هذه القاعدة
وموارد تطبيقها وان ظهرت مما ذكرناه وهو أن كل مورد يكون مال الغير بيد
شخص هو مأذون من قبل مالكه أو من قبل الشرع في أن يكون ذلك المال بيده
بغير تضمينه من قبل المالك أو بغير اشتراط الاذن من قبل الشارع بكونه ضامنا عند
التلف.
21

وبعبارة أخرى: يكون أمينا من قبل مالكه أو من قبل الشارع، ففي مثل هذا
المورد لو تلف ذلك المال في يده بدون تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه من ناحية يده.
فالموارد التي لا ضمان عليه من جهة إذن المالك في كونه بيده: ككونه وكيله في
أنواع المعاملات من بيع أو صلح أو إجارة أو الاخذ بالشفعة أو رهن أو أداء
دين أو إعطاء قرض أو مضاربة أو مزارعة أو مساقاة أو في شراء حاجة من
أمور معاشه أو في شراء ملك أو دار أو بستان أو يعطي ماله للحمالين أو المكارين
لحمله ونقله وكثير من الموارد الأخر التي تركناها لوضوحها بعد معرفة الضابط
فيها ولان لا تطول المقام.
والموارد التي لا ضمان عليه من جهة إذن الشارع: كاللقطة مدة التعريف ومجهول
المالك إلى أن يحصل اليأس من معرفة صاحبه وان يتصدق به عن طرف صاحبه بعد
حصول شرائط التصدق من وجود الفقير ومعرفته وتحصيل الاذن من الحاكم
الشرعي إن لم يكن هو بنفسه متصفا بهذه الصفة.
وكيد الحاكم الشرعي أو وكيله أو المأذون من قبله على أموال القصر والغيب.
وكيد الأب أو الجد على أموال صغارهما أو كيد الوصي أو القيم من قبلهما عليهم.
وكيد صاحب المال الذي تعلق به الخمس أو الزكاة إلى حصول المستحق ووجدان
الفقير وإمكان الايصال بهم عرفا أو المال الذي أنقذه من الغرق أو الحرق أو أخذه
من يد السارق بدون اطلاع المالك في الموارد الثلاثة.
ففي هذه الموارد وكثير من الموارد الأخر من أمثالها لو تلف المال في يد الأمين بلا
تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه من ناحية يده.
نعم لو تحقق أحد أسباب الضمان الاخر غير اليد فهو يكون على مقتضاه
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
22

15 - قاعدة -
الاتلاف
23

قاعدة الاتلاف *
ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة التي تمسك بها الفقهاء في موارد الضمان هي
قاعدة " من أتلف مال الغير بلا إذن منه فهو له ضامن ".
والبحث فيها من جهات ثلاث:
الجهة الأولى
في مداركها
أقول: إن هذه القاعدة مما اتفقت عليها الكل ولا خلاف فيها بل يمكن أن يقال إنها
مسلمة بين جميع فرق المسلمين وربما يقال إنها من ضروريات الدين.
واستدل عليها الشيخ وابن إدريس في المبسوط 1 والسرائر 2 بقوله تعالى: (ومن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) 3.
ولا شك في أن إتلاف مال الغير بدون إذنه ورضاه اعتداء عليه وتعبيره سبحانه

*. " الحق المبين " ص 87، " عناوين الأصول " عنوان 58، " خزائن الأحكام " ش 25، " مجموعه رسائل " ش
12 ص 474، " دلائل السداد وقواعد فقه واجتهاد " ص 94، " مجموعه قواعد فقه " ص 143، " قواعد فقه "
ص 91، " أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة " ص 110، " القواعد " ص 19، " قواعد فقه " ص 109
" قواعد الفقه " ص 137، " قواعد فقهي " ص 21، " القواعد الفقهية " (فاضل اللنكراني) ج 1 ص 45،
القواعد الفقهية " (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 193، " قواعد الفقهية " ش 41، ص 119، " المبادي العامة
للفقه الجعفري " ص 387، " مجله حقوقي دادگسترى " العام 1، ش 4 " ضمان تلف " مصطفى امامي.
(1) " المبسوط " ج 13، ص 60.
(2) " السرائر " ج 2، ص 480.
(3) البقرة (2): 194.
25

وتعالى عن أخذ المثل في المثليات والقيمة في القيميات الذي هو عبارة عن كونه
ضامنا بالاعتداء للمشاكلة كقوله تعالى: (جزاء سيئة سيئة مثلها) 1 وكقول الشاعر:
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه * قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
فالآية تدل دلالة واضحة على أن من أتلف مال الغير بدون إذنه ورضاه فهو له
ضامن.
وقال الشيخ في المبسوط: روى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " حرمة مال المسلم كحرمة دمه ". ولا شك في أن احترام المال
وانه بمنزلة دمه يدل على أنه لو أتلفه متلف لا يذهب هدرا بل يكون ضمانه عليه.
وروي الشيخ أيضا في المبسوط عن عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا من أخذ عصا أخيه
فليردها " 3.
وأيضا روي في المبسوط عن الحسين أو حسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " على
اليد ما أخذت حتى تؤدي " 4.
والرواية الأخيرة أي قوله صلى الله عليه وآله " وعلى اليد ما أخذت حتى تؤدي " وفي بعض
النسخ " حتى تؤديه " رويت عن طريق الخاصة أيضا 5.
كما أن ما رواه ابن مسعود أي قوله صلى الله عليه وآله " حرمة مال المسلم كحرمة دمه " أيضا
رواه الخاصة 6 وأيضا يدل عليه وقوله عليه السلام: " المغصوب مردود " 7.

(1) الشورى (42): 40.
(2) " المبسوط " ج 3، ص 59.
(3) المصدر.
(4) المصدر.
(5) " مستدرك الوسائل " ج 14، ص 7، أبواب كتاب الوديعة، باب 1، ح 15944، " عوالي اللئالي " ج 1، ص
224، ح 106، و ج 2، ص 389، ح 10، و ج 3، ص 246 و 251 ح 2 و 3.
(6) " عوالي اللئالي " ج 3، ص 473، ح 4.
(7) " الكافي " ج 1، ص 539، باب الفي والأنفال و...، ح 4، " تهذيب الأحكام " ج 4، ص 128، ح 366، باب
قسمة الغنائم، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 6، ص 365، أبواب الأنفال وما يختص للإمام عليه السلام، باب 1، ح 4. و
في الكافي والوسائل: " لأن الغصب كله مردود ". وفي التهذيب: " لان المغصوب كله مردود ".
26

وحكى في المستدرك عن دعائم الاسلام: روينا عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن
آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطب يوم النحر بمنى في حجة
الوداع وهو على ناقة العضباء فقال: أيها الناس إني خشيت أن لا ألقاكم بعد موقفي
هذا بعد عامي هذا فاسمعوا ما أقول لكم فانتفعوا به ثم قال أي يوم أعظم حرمة؟
قالوا: هذا اليوم يا رسول. قال: فأي الشهور أعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر يا
رسول الله. قال: فأي بلد أعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد يا رسول الله. قال: فان
حرمة أموالكم عليكم وحرمة دمائكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم
هذا إلى أن تلقوا ربكم فيسئلكم عن أعمالكم ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: " اللهم
أشهد " الحديث. 1
وأيضا عنه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في حديث: " فمن نال من رجل شيئا من
عرض أو مال وجب عليه الاستحلال من ذلك والانفصال من كل ما كان منه إليه
وإن كان قد مات فليتنصل من المال إلى ورثته وليتب إلى الله مما أتى إليه حتى يطلع
عليه عز وجل بالندم والتوبة والانفصال. ثم قال: - ولست أخذ بتأويل الوعيد في
أموال الناس ولكني أرى أن أؤدي إليهم إن كانت قائمة في يدي من اغتصبها ويتنصل
إليهم منها وإن فوتها المغتصب أعطى العوض منها فإن لم يعرف أهلها تصدق بها
عنهم على الفقراء والمساكين وتاب إلى الله عز وجل مما فعل " 2.
وأيضا في المستدرك عن دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه قضى فيمن قتل
دابة عبثا أو قطع شجرا أو أفسد زرعا أو هدم بيتا أو عور بئرا أو نهرا أن يغرم
قيمة ما استهلك وأفسد وضرب جلدات نكالا. وإن أخطأ ولم يتعمد ذلك فعليه الغرم

(1) " مستدرك الوسائل " ج 17، ص 87، أبواب كتاب الغصب، باب 1، ح 20816.
(2) " مستدرك الوسائل " ج 12، ص 105، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، باب 78، ح 13641، و ج 17، ص
87، أبواب كتاب الغصب، باب 1، ح 20817.
27

ولا حبس ولا أدب. وما أصاب من بهيمة فعليه ما نقص من ثمنها 1.
وأيضا يمكن استفادة هذا الحكم من صحيحة أبي ولاد التي ذكرها الشيخ
الأنصاري قدس سره في المكاسب 2.
ودلالة هذه الأخبار على ضمان المتلف لمال الغير بدون إذنه ورضاه في كمال
الوضوح مضافا إلى ما عرفت من الآية الشريفة.
وأما ما اشتهر في الألسن من قولهم " من أتلف مال الغير فهو له ضامن " فلم نجده
في كتب الحديث ولعل المتتبع الخبير يجده أو وجده.
وعلى كل حال ثبوت هذا الحكم عند عامة الفقهاء بدرجة تكون غنية عن
الفحص والبحث في مداركه.
الجهة الثانية
في بيان المراد من هذه القاعدة
أقول: الظاهر أن التلف بمعنى الهلاك والفناء فاتلاف المال عبارة عن إهلاكه
وافنائه والافناء قد يتعلق بذات المال وقد يتعلق بماليته مع بقاء ذاته مثلا لاشك في
أن الثلج له مالية في الصيف وأما في الشتاء فلا مالية له أي العقلاء لا يبذلون بإزائه
المال فإذا أفنى ذات ثلج الغير فهذا إتلاف مال الغير.
وأما إذا حبسه على صاحبه حتى دخل الشتاء كما لو غصب المثلج أي المكان
الذي يذخرون فيه الثلج لبيعه في الصيف فرد على صاحبه مع الثلج الذي فيه في
الشتاء فهذا إتلاف مالية الثلج لا نفسه.

(1) " مستدرك الوسائل " ج 17، ص 95 أبواب كتاب الغصب، باب 9، ح 20842، و ج 18، ص 199 أبواب
الدفاع، باب 6، ح 22495، و ج 18، ص 333، أبواب موجبات الضمان، باب 34، ح 22882.
(2) " المكاسب " ص 69.
28

والأمثلة لهذا القسم من الاتلاف أي إتلاف المالية دون نفس المال كثيرة.
والظاهر من إتلاف المال - سواء كان بعبارة " من أتلف مال الغير " كما هو معقد
الاتفاق والاجماع أو كان هو بعبارة " حرمة مال المسلم كحرمة دمه " - هو المعنى
الأول أي إفناء نفس المال لا إفناء ماليته وبناء على هذا المعنى فالضمان في موارد
إفناء المالية دون نفس المال يحتاج إلى التماس دليل آخر.
ويكفي في الحكم بالضمان في موارد إفناء المالية دون نفس المال قوله تعالى: (ومن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) بالتقريب الذي تقدم.
وأما المراد من " المال " فالظاهر هو أن كل شئ يكون مطلوبا ومرغوبا عند الناس
لأجل قضاء حوائجهم به ويكون دخيلا في معاشهم من المأكولات والمشروبات
والملبوسات والمساكن والمراكب والأشياء التي يتزينون بها أو شئ يحصل مطلوبهم
به كالنقود سواء كانت من ذهب أو فضة أو يكون من جنس آخر فهو المال.
والحاصل: أن " المال " عبارة عن كل شئ يكون للناس احتياج إليه في تدبير
أمورهم في حياتهم وعيشتهم في حال صحتهم ومرضهم بل في حال موتهم فالأدوية
التي يعالج بها المريض مال عند العرف والعقلاء والمعول 1 الذي يحتاجون إليه في دفن
موتاهم مال وأقسام النقود التي يحصلون بها ما يحتاجون إليه مال.
والمال بهذا المعنى قد يكون من قبيل الجواهر الموجودة مستقلا ولا في الموضوع
وذلك مثل كلية الأجسام التي تستعمل في رفع الحاجات كما أشرنا إلى بعضها وقد
يكون من قبيل العوارض كركوب الدابة وسكنى الدار والتزين بالذهب والفضة
والأحجار الكريمة أو غيرها.
ويسمى هذا القسم في اصطلاح الفقهاء تبعا للاطلاقات العرفية ب‍ " المنافع "
فالمنافع أيضا مال.

(1) المعول ج معاول: أداة لحفر الأرض.
29

فهذه الأمور كلها وأيضا كل ما يمكن به تحصيل بعض هذه الأمور مال غاية الأمر
أن نفس هذه الأمور أموال تكوينية ليست ماليتها بجعل في عالم الاعتبار.
وما يحصل به أحد هذه الأمور قد يكون مالا تكوينا وذلك كالمبادلات الجنسية
وقد يكون من الأموال الاعتبارية كالأوراق المالية الموجودة في هذه الاعصار فإنها
في حد نفسها ليست مما يستعمل في رفع حوائج الانسان أو الحيوان ولكن بعد
اعتبارها من ناحية من بيده الاعتبار يمكن تحصيل ما يرفع الحوائج بها وعليها الآن
مدار المعاملات والمعاوضات في الأسواق.
فتلخص من جميع ما ذكرنا أن مدار مالية المال على أحد أمرين:
أحدهما: كون الشئ بحيث يرفع به إحدى حاجات الانسان ولو كان علفا لدابته
أو بنزينا لسيارته فضلا عن أن يكون مأكولا أو مشروبا أو ملبوسا لنفسه.
والثاني: أن يكون مما يحصل به أحد هذه الأمور كالأوراق المالية والنقود الذهبية
والفضية أو أحد هذه الأمور فيما إذا وقع عوضا في المعاملة لجنس آخر من هذه
الأمور.
ومنه تعريف بعضهم البيع بمبادلة مال بمال وبهذا المعنى الثاني قد تكون مالية المال
من الأمور الاعتبارية وذلك كالأوراق المالية فهي بالاعتبار تصير مالا وكذلك
تسقط ماليتها باعتبار آخر ممن بيده الاعتبار.
فقوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) 1 المراد بالمال المذكور في الآية
الشريفة هو هذه الأمور التي تقضي بها الحوائج وأمور المعاش كلها - كما ذكرنا - أو ما
يمكن أن يحصل تلك الأمور به. والمال بهذا المعنى مدار الغناء والفقر وجودا وعدما.
وأما تعريفه كما صدر عن بعضهم بأنه ما يبذل بإزائه المال فهو تعريف لفظي وإلا
ففيه دور واضح.

(1) الكهف (18): 46.
30

وأما الضمان في هذه القاعدة: فالمتفاهم العرفي منه هو كون التالف بوجوده
الاعتباري في عهدة من أتلفه وهذا هو الضمان الواقعي.
وأما الضمان المسمى فهو الذي سماه الطرفان في العقود المعاوضية عوضا عن ما
يقابله من الطرف الآخر.
فحاصل معنى القاعدة المتسالم عليها هو أنه إن أفنى مال الغير بدون إذنه في ذلك
الأفناء يكون ذلك المال على عهدته بوجوده الاعتباري وإن لم يكن تحت يده فيجب
عليه الخروج عن عهدته باعطاء المثل في المثليات والقيمة في القيميات.
الجهة الثالثة
في موارد تطبيق هذه القاعدة
وقبل ذلك لابد من بيان مقدمة:
وهي أن الاتلاف قد يكون بالمباشرة وقد يكون بالتسبيب.
فالأول مثل أن يأكل ماله الذي من المأكولات أو يشرب ماله الذي من
المشروبات أو يحرق أثوابه وأمثال ذلك مما يصدر 1 فناء مال الغير عن نفسه بدون
توسيط فاعل إرادي أو غير إرادي آخر.
والثاني عبارة عن كل فعل صار سببا لوقوع التلف ولم يكن علة تامة للتلف أو
جزء الأخير من العلة التامة بل يكون بحيث لو لم يصدر عنه هذا الفعل لم يقع التلف.
ولهذا عرفوا السبب بأنه ما لا يلزم من وجوده الوجود وإلا فهو العلة التامة أو
الجزء الأخير منها ولكن يلزم من عدمه العدم.
فعلي هذا المعنى للتسبيب فلو حفر بئرا مكشوفة في الطريق فوقع فيها شئ وتلف

(1) الظاهر أنه غلط والصحيح: " يوجب " أو " يسبب " وأمثال ذلك.
31

فهو السبب.
فالقسم الأول يقينا إتلاف حقيقة فيكون موجبا للضمان قطعا لما ذكرنا من الأدلة
وعليه الاتفاق من المسلمين قاطبة بل عليه اتفاق جميع عقلاء العالم من المسلمين
وغير المسلمين من ذوي الأديان بل ومن غير ذوي الأديان.
وأما القسم الثاني أي ما يلزم من عدمه عدم التلف فأيضا يمكن تحصيل الاجماع
على كونه موجبا للضمان وقد ادعي في الجواهر 1 نفي الخلاف فيه.
هذا مضافا إلى دلالة الاخبار على هذا المعنى:
فمنها: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام سألته عن الشئ يوضع على الطريق
فتمر به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره؟ فقال عليه السلام: " كل شئ يضر بطريق المسلمين
فصاحبه ضامن لما يصيبه " 2.
ومنها: صحيح زرارة عنه عليه السلام أيضا قلت له: رجل حفر بئرا في غير ملكه فمر
عليها رجل فوقع فيها؟ فقال عليه السلام: " عليه الضمان لان كل من حفر في غير ملكه كان
عليه الضمان " 3.
ومنها: موثق سماعة: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحفر البئر في داره أو ملكه؟
فقال عليه السلام: ما كان حفر في داره أو ملكه فليس عليه ضمان وما حفر في الطريق أو في
غير ملكه فهو ضامن لما يسقط فيها " 4.

(1) " جواهر الكلام " ج 37، ص 46.
(2) " الكافي " ج 7، ص 349، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار، ح 2، " الفقيه " ج 4، ص 155، باب ما
جاء فيمن أحدث بئرا أو غيرها في ملكه...، ح 5347، " تهذيب الأحكام " ج 10، ص 223، ح 878، باب
ضمان النفوس وغيرها، ح 11، " وسائل الشيعة " ج 19، ص 181، أبواب موجبات الضمان، باب 9، ح 1.
(3) " الكافي " ج 7، ص 350، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار، ح 7، " تهذيب الأحكام " ج 10، ص
230، ح 907، باب ضمان النفوس وغيرها، ح 40، " وسائل الشيعة " ج 19، ص 179، أبواب موجبات
الضمان، باب 8، ح 1.
(4) " الكافي " ج 7، ص 350، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار، ح 4، " الفقيه " ج 4، ص 153، باب ما
جاء فيمن أحدث بئرا أو غيرها في ملكه، ح 5341، " تهذيب الأحكام " ج 10، ص 229، ح 903، باب
ضمان النفوس وغيرها، ح 36، " وسائل الشيعة " ج 19، ص 180، أبواب موجبات الضمان، باب 8، ح 3.
32

ومنها: خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أخرج
ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب
شيئا فعطب فهو له ضامن " 1.
وأيضا هناك روايات معتبرة في باب تغريم شاهد الزور حتى قتله في بعض
الصور 2 مثلا لو شهد شاهدان عدلان مرضيان بحسب الظاهر على أن فلانا قتل
فلانا فقتل المشهود عليه بواسطة هذه الشهادة ثم رجعا عن شهادتهما. فان قالوا:
أخطأنا فعليهما دية المقتول. وإن قالوا: تعمدنا الكذب فيقادان.
وخلاصة الكلام أن الروايات في باب ضمان المسبب - بالكسر مثل المباشر -
للاتلاف كثيرة وقد ذكرنا جملة منها في شرح قاعدة " المغرور يرجع إلى من غر " 3.
. ثم إن ظاهر الروايات التي ذكرناها بعضها فيه الاطلاق بالنسبة إلى قصد موجد
السبب لوقوع المسبب وعدم قصده بل ظاهرها هو الضمان. ولو كان حفره للبئر في
غير ملكه بقصد عدم وقوع أحد فيه وبرجاء ذلك، فإن كان مدرك الضمان في هذه
الصورة هو الاجماع يمكن أن يقال بأن المتيقن منه هو فيما إذا قصد بايجاد السبب وقوع
التلف.
ولكن إذا كان المدرك هي الروايات كما هو كذلك لما ذكرنا مرارا من أن مع وجود
دليل معتبر في المقام لا يبقى مجال للاجماع لان أحد مقدمات تحقق الاجماع المصطلح

(1) " الكافي " ج 7، ص 350، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار، ح 8، " الفقيه " ج 4، ص 154، باب ما
جاء فيمن أحدث بئرا أو غيرها في ملكه...، ح 5343، " تهذيب الأحكام " ج 10، ص 230، ح 908، باب
ضمان النفوس وغيرها، ح 41، " وسائل الشيعة " ج 19، ص 182، أبواب موجبات الضمان، باب 11، ح 1.
(2) راجع: " الكافي " ج 7، ص 383، باب من شهد ثم رجع عن شهادته، ح 2 - 5، و " وسائل الشيعة " ج 18، ص
238، أبواب الشهادات، باب 11 ح 1 و 2، و ج 19، ص 69، أبواب القصاص في النفس، باب 62، و ج 19،
ص 194، أبواب موجبات الضمان، باب 24.
(3) " القواعد الفقهية " ج 1، ص 270،
33

في الأصول - الذي هو من الأدلة وقلنا بحجيته - هو عدم وجود دليل معتبر يمكن أن
يكون هو منشأ ذلك الاطلاق، فلا شك في إطلاقها في كون إيجاد سبب الفناء والهلاك
بالمعنى الذي ذكرنا للسبب موجب الضمان قصد الموجد للسبب ترتب المسبب على
فعله أو لم يقصد.
نعم يلزم أن يصدق عليه ما أخذ موضوعا للضمان وهو عنوان " من حفر بئرا في
غير ملكه فوقع فيها شئ فهو ضامن " وان قصد العدم أي حفر برجاء عدم وقوع
أحد فيها.
ولو اجتمع السبب والمباشر فهل الضمان على المباشر أو السبب أو على كليهما
بالاشتراك؟ احتمالات:
قال المحقق في الشرائع: إذا اجتمع السبب والمباشر قدم المباشر في الضمان على ذي
السبب كمن حفر بئرا في ملك غيره عدوانا فدفع غيره فيها إنسانا فضمان ما يجنيه
الدفع على الدافع. 1
وادعى جمع - على هذا القول - عدم الخلاف والاجماع وكان تقديم المباشر على
السبب عندهم من المسلمات.
والامر في هذه الفرع الذي ذكره المحقق وإن كان كما ذكره لان الجناية مستند عرفا
بل عقلا إلى الدافع وحفر البئر بالنسبة إلى هذه الجناية من المعدات التي لا توجب
الضمان مع صدور الاتلاف عن الفاعل المختار وإلا كان صانع السيف ضامنا إذا قتل به
المباشر شخصا وهذا مما لم يقل به أحد ولا يصح القول به قطعا.
إلا أن جميع موارد اجتماع السبب والمباشر ليس من هذا القبيل مثلا لو وصف
الطبيب دواء وكان سما قاتلا والممرض أعطاه للمريض فاتلفه ذلك السم ففي هذا
المورد استناد الجناية إلى السبب أي الطبيب أقوى من المباشر خصوصا إذا كان

(1) " الشرائع " ج 3 ص 237.
34

الممرض جاهلا والطبيب عالما بأنه سم قتال.
نعم إذا كان الممرض عالما بأنه سم قتال فيكون هو الجاني.
وكذلك في باب شهادة الزور التي تصير سببا لاتلاف نفس المشهود عليه أو ماله
الضمان على السبب أي الشاهد الزور لاعلى المباشر أي الحاكم أو من يأتمر بأمره
وينفذ حكمه.
وخلاصه الكلام في هذا المقام - أي فيما إذا اجتمع السبب والمباشر - أن المباشر إذا
كان فاعلا مختارا عاقلا وكان ملتفتا إلى أن فعله هذا يترتب عليه التلف فلا شك في
اختصاصه بكونه ضامنا في هذه الصورة وليس على ذي السبب ضمان أصلا.
وأما لو يكن المباشر ذا إرادة وشعور فالضمان على ذي السبب وذلك كمن أجج
نارا في غير ملكه والريح نشر النار فأصابت النار مال غيره فاحترق أو حفر بئرا في
الطريق فدفعه حيوان أو مجنون إلى البئر ووقع فيها فتلف هو نفسه أو ماله ففي مثل
هذه الصورة الضمان على ذي السبب لأنه المتلف حقيقة والتلف حاصل بسبب فعله
بالمعنى الذي ذكرنا للسبب.
وأما إن كان عاقلا مختارا في فعله ولكن لم يكن يعلم بان فعله هذا يترتب عليه
التلف فإن لم يكن مغرورا ولا مكرها فأيضا الضمان عليه أي على المباشر لأن هذه
القاعدة مفادها أن من أتلف مال الغير فهو له ضامن سواء كان عالما بان فعله هذا
يترتب عليه الاتلاف أو لم يعلم لأن عدم العلم لا يؤثر في عدم الضمان إذ موضوع
كون الضمان عليه هو الاتلاف مطلقا لا الاتلاف مع العلم بأنه إتلاف. واما لو كان
مغرورا كالممرض الجاهل فيرجع - بما خسره من باب ضمان الاتلاف - إلى الغار. ولا
فرق في ذلك بين أن يكون الغار عالما أو جاهلا بتغريره لهذا التلف.
وأما إن كان مكرها فليس عليه ضمان إذا كان الاكراه في غير الدماء فإذا أكره
على الدفع في البئر فمات فيضمن الدية أو يقاد إذا كان الدفع في البئر من الأسباب
35

العادية للموت لأنه لا تقية في الدماء. وأما إذا أكره على إتلاف مال الغير فالضمان على
المكره - بالكسر - لا على المتلف الذي هو مكره - بالفتح - لان السبب هنا أقوى من
المباشر لان المباشر وإن كان فاعلا ولكن ليس بمختار.
ولذلك نقول ببطلان معاملات المكره من عقوده وايقاعاته والعرف والعقلاء
ينسبون الفعل إلى المكره - بالكسر - ويسندون إليه كما أنه لو أمر المكره بهدم دار
شخص خدامه وغلمانه الذين يخافون من مخالفته لا ينسب هدم الدار عند العرف إلا
إلى ذلك المكره والناس يقولون إن فلانا - الذي هو المكره - هدم دار فلان لأنه أمر
غلمانه بذلك.
وبناء على هذا لو أكره إنسانا على حفر البئر في الطريق فوقع فيها مال شخص
وتلف ماله بذلك الوقوع ليس على الحافر ضمان بل الضمان على الآمر المكره.
إذا ظهرت لك هذه المقدمة فنقول: ذكروا هيهنا فروعا كثيرة في كتبهم الفقهية
واختلفوا في الحكم بالضمان وعدمه في بعض الموارد وانه على السبب في بعضها وعلى
المباشر في موارد أخر ونحن نذكر جملة منها إن شاء الله تعالى وبتوفيقه:
منها: أنه قال في الشرائع: لو ألقي صبيا في مسبعة أو حيوانا يضعف عن الفرار
ضمن لو قتله السبع. 1
وهذا كلام حق لما ذكرنا من الضابط في كون الضمان على السبب دون المباشر وهو
أن لا يكون المباشر فاعلا عاقلا بل يصدر عنه الفعل بدون ترو وتفكر في عواقبه
لعدم قدرته على التروي والتفكر وان شئت عبر عن هذا بان السبب أقوى من
المباشر كما عبر به في الشرائع.
وبناء على هذا يكون لهذا الفرع نظائر كثيرة تشبهها في هذه العلة مثلا لو أعطى
سكينا بيد مجنون فجرح أو قتل أو فتح باب الحبس على سبع ففرس انسانا أو

(1) " الشرائع " ج 3، ص 237.
36

حيوانا أو ألقى حية على نائم أو من ليس بنائم ولكن لا يقدر على التحرز عنها بقتلها
أو فراره عنها فلدغته وأمثال ذلك من النظائر الكثيرة.
ففي جميع هذه الموارد يكون الضمان على السبب لما ذكرنا ولعدم إمكان كون
الضمان على المباشر لعدم العهدة في الحيوان أي السبع أو الحية المباشران للاتلاف حتى
يكون الضمان عليهما.
وأما ما ذكر في عنوان المسألة في الشرائع بأنه لو ألقى صبيا فلعله باعتبار ضمان
اليد وان الصبي يقع تحت اليد بخلاف الكبير أو لعل هذا التخصيص بلحاظ عدم قدرة
الصبي على الفرار أو الدفاع بخلاف الكبير.
فإن كان بلحاظ الوجه الأول فهو واضح البطلان لان الحر لا يقع تحت اليد
صغيرا كان أو كبيرا ولذلك لو أخذ ولدا صغيرا بالقهر عن وليه فمات حتف أنفه
بدون أي تعد أو تفريط في حقه لم يكن ضامنا بخلاف ما لو كان الولد عبدا ومات
ولو حتف أنفه وبآفة سماوية يكون ضامنا.
وإن كان بلحاظ الوجه الثاني فليس بمطرد ولا بمنعكس كما هو واضح ولا يحتاج
إلى البيان فالحق أنه لافرق في هذه المسألة بين الصغير والكبير والحر والعبد
والانسان والحيوان لان الكلام في ضمان الاتلاف لا ضمان اليد. فالمناط في الضمان
إمكان التحرز بالدفاع أو الفرار وعدم إمكانه.
ومنها: أيضا ما ذكر في الشرائع من أنه: لو غصب شاة فمات ولدها جوعا ففي
الضمان تردد وكذا لو حبس مالك الماشية عن حراستها فاتفق تلفها وكذا التردد لو
غصب دابة فتبعها الولد 1.
ومنشأ التردد هو الترديد في صدق التسبيب في هذه الموارد الثلاث وفتاوى
الفقهاء والأساطين مختلفة في هذه الموارد الثلاث ونظائرها جدا.

(1) " الشرائع " ج 3، ص 237.
37

فبعضهم يفتي بالضمان وبعضهم ينفي وبعضهم كصاحب الشرائع يقف عن الفتوى
ويظهر التردد.
وعلى كل حال أنت عرفت أن كون التسبيب موجبا للضمان مستفاد من تلك
الروايات التي ذكرنا فلا بد من الحكم بالضمان في صدق ما أخذ موضوعا للضمان في
تلك الروايات من دون أن ينجر إلى القياس.
والعناوين المأخوذة في تلك الروايات موضوعا للضمان:
أحدها: عنوان " كل شئ يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه ".
وهذا العنوان أجنبي عن الموارد الثلاث إلا أن يقال إن المناط في الضمان هو
الاضرار بالمسلمين ولا خصوصية لكونه من طريق الطريق وهو لا يخلو من تأمل.
الثاني: عنوان " من حفر بئرا في ملك غيره أو في الطريق فهو ضامن لما يسقط
فيها ".
ولا شك في أن هذه الموارد الثلاث ونظائرها ليست من مصاديق من حفر بئرا في
ملك غيره أو من مصاديق من حفر بئرا في الطريق. اللهم إلا أن يقال: لا خصوصية
لحفر البئر بل المراد إيجاد ما هو سبب تلف مال الغير في العادة مع وقوع التلف فعلا
وترتبه على السبب وليس ببعيد.
الثالث: ما جعل موضوعا للضمان في خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام من قول
رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أخرج ميزابا أو كنيفا " 1 إلى آخر ما ذكره من الأمور الخمسة.
والانصاف أنه يستظهر من هذه الرواية قاعدة كلية وهي أن كل فعل صدر من
فاعل عاقل مختار وكان سببا في العادة لوقوع تلف في مال المسلمين أو في نفسه ولم
يتوسط بين ذلك الفعل والتلف فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار بحيث يكون التلف

(1) " الشرائع " ج 30، ص 238.
38

مستندا إليه عند العرف والعقلاء فهو - أي فاعل السبب - ضامن. وهذا استظهار
لا قياس.
وبناء على هذا يكون تحقق الضمان وثبوته في الموارد الثلاثة هو الحق ولا وجه
للتردد.
اللهم إلا أن يقال: إن الرواية ضعيفة من حيث السند لاشتراك هذا اللقب - أي
السكوني - بين من هو موثوق إن كان المراد به إسماعيل بن مهران - وغير موثوق إن
كان المراد منه هو إسماعيل بن أبي زياد فإنه عامي.
نعم ظهر لك مما ذكرنا - من أن الضمان يثبت فيما إذا كان الفعل المذكور سببا في
العادة للتلف لا بصرف الاتفاق - أن حبس مالك الماشية لو كان سببا في العادة يكون
موجبا للضمان وإلا لو اتفق ذلك كما هو مفروض الشرائع في هذا المورد فايجابه
للضمان مشكل بل لا ينبغي القول به لعدم إطلاق في الرواية لكي يشمل مثل هذا
الفرض.
ومنها: ما قال في الشرائع أيضا من أنه: لو فك القيد عن الدابة فشردت أو عن
العبد المجنون فابق ضمن لأنه فعل يقصد به الاتلاف. وكذا لو فتح قفصا عن طائر
فطار مبادرا أو بعد مكث 1.
أما كون هذه الأمور سببا للضمان واضح بناء على استفادة تلك القاعدة الكلية من
الروايات، وهي أن كل فعل صدر من فاعل عاقل مختار - أي غير مكره على ذلك
الفعل - وكان سببا لوقوع التلف في العادة والأغلب ولم يتوسط بينه وبين التلف فعل
فاعل عاقل عن عمد واختيار فهو أي موجد السبب ضامن لذلك التآلف ولا شك أن
فك القيد عن الدابة الشرود خصوصا إذا كان حيوانا وحشيا مقيدا كالغزال من هذا
القبيل.

(1) " الشرائع " ج 3 ص 238.
39

ففك القيد عن الظبي المقيد عادة سبب لان يشرد ويتلف ولو بلحوقه إلى البرية
فيصير حاله حال سائر الظباء الموجودة في البر فاعتبار الملكية فيها لغو. وهكذا فتح
القفص من الطائر الوحشي وهكذا فك القيد عن العبد المجنون يوجب شروده وهو
يوجب تلفه عادة ولم يتوسط بين فعله والتلف في الموارد الثلاثة فعل فاعل عاقل
متعمد عن اختيار لان الدابة والطائر حال عدم عقلهما معلوم والثالث - أي المجنون -
كون فعله عن عقل خلاف الفرض.
نعم لو كان العبد المقيد الذي فك القيد عنه عاقلا فلا ضمان لأنه توسط بين فعله -
أي فك القيد عنه وتلفه - فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار فيكون هو بنفسه
مباشرا لاتلاف نفسه وذلك مثل أن فك القيد عنه فالقى نفسه عن عمد واختيار عن
السطح فمات.
ومنها: أيضا في الشرائع لو فتح بابا على مال فسرق أو أزال القيد عن عبد عاقل
فابق وكذا لو دل السارق على مال فسرق فلا ضمان في الجميع 1 لان في جميع هذه
الصور توسط بين فعله والتلف فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار فهو المباشر في
الاتلاف ومعه لا يسند التلف إلى السبب البعيد.
نعم هو بفتح الباب إن كان ملتفتا إلى أنه يمكن أن يوجب السرقة وبدون إذن
صاحب الباب وكذلك بالنسبة إلى إزالة القيد يكون آثما وكذلك في دلالته للسارق
آثم قطعا للإعانة على الاثم إن دله بقصد أن يسرق.
وحكى في الجواهر عن العلامة في الارشاد القول بالضمان فيما لو دل السارق. 2
والظاهر أنه متفرد في هذا القول ولم يوافقه أحد فيه.
ثم إن صاحب الجواهر ذكرها هنا فرعا 3 وهو أنه لو وجدت في البئر المذكورة -

(1) " الشرائع " ج 3، ص 238.
(2) " جواهر الكلام " ج 37، ص 68.
(3) المصدر.
40

أي البئر التي حفرها في الطريق أو في ملك غيره عدوانا وبدون إذن صاحبه - جثة
حيوان ميت لا يعلم أن سبب موته هل هو وقوعه فيها كي يكون حافر البئر ضامنا
له أو ألقيت ميتة فيها حتى لا يكون ضمان في البين؟ وحيث أن الضمان موضوعه موته
وتلفه بسبب وقوعه فيها فإذا شك فيه يكون مجرى أصالة البراءة عن الضمان،
واستصحاب حياته إلى زمان وقوعه مثبت.
وأما لو علم بان سبب الموت وقوعه فيها ولكن يحتمل أن يكون بدفع شخص
عن عمد واختيار بحيث يكون موجبا لسقوط الضمان عن ذي السبب وذلك لتوسط
فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار بين ذلك السبب والتلف فالضمان يكون على
المباشر المختار لا على ذي السبب.
فربما يتوهم كون الضمان على ذي السبب بتوهم أصالة عدم دفع أحد له.
ولكن أنت خبير بأنه مثبت لان لازم عدم دفع أحد عقلا هو وقوع التلف
والتردي بفعل ذي السبب خاصة. إلا أن يقال: إن موضوع الضمان مركب من كون
موته بوقوعه فيها مع عدم دفع أحد فأحد جزئي الموضوع وهو الوقوع في البئر
بالوجدان على الفرض والجزء الآخر أي عدم دفع أحد بالأصل فتأمل.
ومنها: ما قال في الشرائع أيضا: ولو أزال وكاء الظرف فسال ما فيه ضمن إذا لم
يكن يحبسه إلا الوكاء كما لو سال منه ما ألان الأرض تحته فاندفع ما فيه ضمن
بلا خلاف لان فعله سبب مستقل للاتلاف. أما لو فتح رأس الظرف فقلبته الريح أو
طائر أو ذاب بالشمس ففي الضمان تردد والأشبه أنه لا يضمن لان الريح والشمس
كالمباشر فيبطل حكم السبب. 1
أقول: أما الأول أي إزالة الوكاء الذي هو عبارة عن الرباط الذي يشد به رأس
القربة أو غيرها فالظاهر أنه من الاتلاف مباشرة فخارج عن محل الكلام لان فك

(1) " الشرائع " ج 3، ص 238.
41

الرباط عن القربة بحيث يكون موجبا لإسالة ما فيها من دهن أو لبن أو دبس أو
غيره من المايعات يكون من قبيل المسبب التوليدي كالالقاء في النار والاحراق.
ففك الرباط بعنوانه الأولي فك رباط وبعنوانه الثانوي هو إسالة المايع الذي في
تلك القربة. وان أنكرت ذلك فلا أقل من أنه من باب العلة التامة والمعلول.
هذا فيما إذا كان سيلان ما في الظرف مترتبا على إزالة الوكاء كما هو المفروض.
وإلا لو لم يكن كذلك بل كان سيلان ما فيه متوقفا على أمر آخر زائدا على إزالة
الوكاء كان يقلبه الريح أو طائر أو على إذابة الشمس له. فهو الشق الآخر الذي ذكره
وقال فيه بعدم الضمان معللا بان الريح والشمس كالمباشر فيبطل السبب. وإن كان هذا
الكلام أيضا محل تأمل بل إشكال لما ذكرنا وتقدم بان كل فعل صدر من فاعل عاقل
مختار وكان عادة سببا لوقوع التلف ولم يتوسط بين ذلك السبب والتلف فعل فاعل
عاقل مختار وان توسط أمر آخر وعلة أخرى كالريح والطائر والشمس فيكون
الضمان على ذي السبب. ولا يبطل حكم السبب إلا بتوسيط فعل فاعل عاقل مختار.
فتلخص مما ذكرنا أن الضمان في مسألة إزالة الوكاء يكون من باب الاتلاف
بالمباشرة وليس من قبيل الضمان بالتسبيب.
وأما في مسألة فتح رأس الظرف واسالة ما فيه من المايع بواسطة إذابة الشمس لما
فيه يكون من باب التسبيب.
نعم لو لم يكن فتح رأس الظرف سببا لوقوع التلف عادة وإنما وقع التلف من باب
الاتفاق كما أنه فتح رأس الظرف في الغرفة ومن باب الاتفاق دخل فيها طائر
وقلبتها فلا ضمان في هذه الصورة كما أن في صورة تقليب الريح أيضا كذلك لو لم يكن
الظرف في مهب الريح وعلى خلاف المتعارف والعادة هبت ريح وقلبته فأيضا لا
ضمان لما ذكرنا من أن في الضمان بالتسبيب لا بد وأن يكون فعل ذي السبب سببا
لوقوع التلف بحسب العادة لا بصرف الاتفاق.
42

وأما مسألة إلانة الأرض تحته لإسالة الماء منه بواسطة إزالة الوكاء فهذا من قبيل
معلول المعلول فإن كان إزالة الوكاء علة لإسالة الماء منه وإسالة الماء منه علة لإلانة
الأرض تحته وإلانة الأرض تحته علة لانقلابه وتلف ما فيه فبايجاد السبب الأول
تترتب عليه الأسباب الطولية ويكون حالها حال السبب الأول فيمكن أن يقال إن
هذا أيضا من الاتلاف مباشرة.
ومنها: أيضا ما هو في الشرائع قال قدس سره ولو أرسل في ملكه ماء فأغرق مال غيره
أو أجج نارا فأحرقته لم يضمن ما لم يتجاوز قدر حاجته اختيارا مع علمه أو غلبة
ظنه إن ذلك موجب للتعدي إلى الاضرار 1.
وفي هذه المسألة صور:
إحديها: هذه التي ذكرها في الشرائع.
الثانية: عين هذه الصورة إلا أنها مع التجاوز عن قدر الحاجة.
الثالثة: أن لا يكون له علم ولا غلبة الظن بالتعدي إلى الاضرار مع عدم التجاوز
عن قدر الحاجة.
الرابعة: فيما إذا تجاوز عن قدر الحاجة ولكن لا علم له ولا ظن بالتعدي.
الخامسة: عين هذه الصورة الرابعة ولكن مع العلم بعدم التعدي.
السادسة: عين هذه الصورة الخامسة ولكن مع عدم التجاوز عن قدر الحاجة.
وفي جميع هذه الصور الست المفروض وقوع التلف وإلا لم يكن محل للبحث في أنه
يضمن أو لا يضمن.
أقول: أقوال الفقهاء المحققين والأساطين في هذه المسألة مختلفة جدا فليس في
المسألة إجماع على الضمان ولا على عدمه فنتكلم فيما هو مقتضى القواعد

(1) " الشرائع " ج 3، ص 237.
43

الأولية فنقول:
أما الصورة الأولى التي ذكرها في الشرائع فمع علمه بالاضرار وان فعله هذا
يكون سببا لتلف مال الغير فلا وجه لتخيل عدم الضمان بصرف إذن الشارع في هذه
الفعل لان الإذن الشرعي لا يرفع الآثار الوضعية فلو أذن الشارع في أكل الميتة من
باب الاضطرار فلا يرفع هذا الاذن نجاستها.
بل يمكن أن يقال: إن هذه الصورة من مصاديق الاتلاف مباشرة وليس من
التسبيب لأنه إذا علم أنه يترتب على فعله هذا غرق مال الغير أو احتراقه أو
جفاف شجر الجار القريب من النار التي أججها ولو كانت النار في ملكه فهو من
مصاديق الاتلاف بالمباشرة حقيقة.
هذا مع أن كونه مأذونا في إرسال الماء في ملكه أو تأجيج النار فيه في هذه
الصورة كلام بيناه في قاعدة لا ضرر.
وأما القول بان قاعدة الاتلاف لم ترد بهذه الألفاظ في رواية من من طرقنا وان
اشتهرت في الألسنة والأفواه فليست دليلا لفظيا كي نتمسك باطلاقها كما ذكره
صاحب الجواهر. 1
ففيه أنه بينا في صدر البحث عن هذه القاعدة وقلنا إننا وان لم نجد رواية بهذه
الألفاظ لا من طرقنا ولا من طرق الجمهور، ولكن مضمون هذه القاعدة مروية
بالسنة مختلفة فتكون من القواعد المصطادة من الموارد المختلفة من الروايات مضافا
إلى كونها بهذه الألفاظ من المسلمات بين الخاصة والعامة ولا يزال يستدل الفقهاء
عموما بهذه القاعدة على الضمان في الموارد الجزئية المشكوكة.
فلو سلمنا أن مدركها الاجماع فقط يكون معقده مطلق فيكون حالها حال الدليل
اللفظي فيتمسك باطلاقها.

(1) " جواهر الكلام " ج 37، ص 60.
44

والانصاف أن هذه الفتوى من مثل المحقق قدس سره شيخ الفقهاء لا يخلو من غرابة وان
أسند هذا القول في المسالك إلى العلامة في القواعد والارشاد أيضا 1.
وأما الصورة الثانية فتكون سببا للضمان بطريق أولي ولا يحتاج إلى التوضيح
والبيان.
وأما الصورة الثالثة أي فيما لا يعلم بالتعدي ولا يظن ولم يتجاوز قدر الحاجة فهذه
الصورة على قسمين:
فتارة ترتب التلف على هذا الفعل ليس غالبيا وبحسب العادة وإنما قد يقع اتفاقا
لعارض كما أنه من باب الاتفاق هبت ريح بخلاف العادة والمتعارف فاثرت النار في
مال الجار.
فالظاهر عدم الضمان في هذه الصورة لا لأنه مأذون في هذا الفعل لما ذكرنا من أن
الاذن لا يرفع الضمان بل لما اشترطنا من أن الضمان لا يكون إلا فيما إذا كان الفعل
الصادر عن ذي السبب سببا في الأغلب وبحسب العادة.
وأخرى يكون غالبيا وبحسب العادة
فالظاهر أنه يضمن لان فعله سبب غالبي لوقوع التلف كما أنه في يوم هبوب الريح
لو أجج نارا ولكن لم يحصل له علم ولا ظن بالتعدي إلى الاضرار بالجار لغفلته أو
بلاهته مع أن التعدي في مثل ذلك اليوم لم يكن اتفاقيا بل كان أمرا عاديا متعارفا
ففعله هذا سبب عادي للتلف ولم يتوسط بينه وبين التلف فعل فاعل عاقل مختار
الذي هو الضابط في استناد التلف إلى السبب.
وأما الصورة الرابعة فيضمن بطريق أولي لأن المفروض أنه تجاوز عن قدر
الحاجة.

(1) " مسالك الأفهام " ص 257.
45

وأما الصورة الخامسة فعمدة الوجه في القول بعدم الضمان فيها هو العلم بعدم
التعدي. ولكن هذا العلم ليس له أثر لأنه على الفرض أوجد سبب التلف الذي هو
سبب الضمان ولكن باعتقاد أنه لا يتلف وقد تبين خطأ اعتقاده وانه جهل مركب فما
ذكرنا من الضابط في استناد التلف إلى فعله تحقق فيكون ضامنا.
واما الصورة السادسة وهي أن لا يتجاوز قدر الحاجة مع علمه بعدم التعدي فإذا
كان وقوع التلف اتفاقيا وليس فعله سببا غالبيا لوقوع التلف فلا يضمن لما بينا من
اشتراط الضمان بكون فعل ذي السبب سببا غالبيا وإذ ليس فليس. وأما لو كان سببا
غالبيا وهو علم بعدم التعدي لغفلته أو بلاهته فيضمن لما ذكرنا في القسم الثاني من
الصورة الثالثة.
ومنها: ما في التذكرة من أنه: لو فتح القفص أو حل قيد الفرس أو العبد المجنون
فبقيا واقفين فجاء إنسان ونفرهما فذهبا فالضمان على منفرهما لان سببه أخص
فاختص الضمان به كالدافع والحافر. 1
ولعل مراده بقوله: " لان سببه أخص " أن فعل المنفر لا ينفك عن فرارهما بخلاف
فتح القفص بالنسبة إلى الطائر وحل القيد بالنسبة إلى الفرس والعبد المجنون فإنه
يمكن أن لا يتعقب بفرار الطائر في فتح القفص وأن لا يتعقب بفرار الفرس والعبد
المجنون بالنسبة إلى حل قيدهما فكأنه أراد بذلك أن النفر جزء الأخير من العلة التامة
لفرارهما.
وأما فتح القفص بالنسبة إلى الطائر الواقف بعد الفتح وكذلك حل القيد بالنسبة
إلى الفرس والعبد المجنون الواقفين بعد حل القيد من قبيل المعد.
ولا شك في أن استناد المسبب إلى العلة التامة أو الجزء الأخير منها أولي من
استناده إلى المعد كما أن في مسألة الحافر والدافع يكون الامر كذلك أيضا فالاستناد

(1) " تذكرة الفقهاء " ج 2، ص 375.
46

إلى الدافع الذي هو الجزء الأخير من علة التلف أولى من استناده إلى المعد الذي هو
حفر الحافر.
هذا ما قاله في التذكرة مع ما فسرنا به كلامه قدس سره.
ولكن أنت عرفت مما ذكرنا في مقدمة هذه الفروع أن من شرائط كون الضمان على
السبب هو أن لا يتوسط بين فعل ذي السبب وبين التلف فعل فاعل عاقل مختار وإلا
ينسب إلى ذلك الفاعل لا إلى السبب وذلك واضح جدا.
وفيما نحن فيه وقع ذلك التوسط بين السبب الذي هو عبارة عن فتح القفص وعن
حل القيد وبين الفرار فعل الفاعل العاقل المختار وهو تنفير ذلك الانسان فينسب
الفرار إليه لا إلى فتح القفص أو حل القيد.
ومنها: أيضا ما في التذكرة من أنه: لو حل رباط سفينة فذهبت أو غرقت بالحل
ضمن لأنه سبب في الاتلاف سواء كان يعقب فعله أو تراخى. 1
ونظير هذا الفرع تقدم من أنه لو فك القيد عن الدابة فشردت أو عن العبد المجنون
فابق وقلنا: يستفاد من الروايات قاعدة كلية. وهي أن كل فعل صدر عن الفاعل
العاقل المختار وكان سببا لتلف شئ ولم يتوسط بينه وبين المسبب - أي التلف - فعل
فاعل عاقل مختار فيكون التلف مستندا إلى ذي السبب والضمان عليه.
فبناء على هذا حيث أن حل رباط السفينة يكون سببا لذهابها إلى عرض البحر
فيوجب غرقها أو ضياعها.
فبمقتضى تلك القاعدة يكون الضمان على الذي حل الرباط ولا فرق بين حدوث
حادث آخر كهبوب الرياح الشديدة والعواصف الموجبة لغرقها وبين عدم حدوث
حادث آخر يوجب ذلك وذلك لما بينا من الضابط في الاستناد إلى السبب فإنه
حاصل ولا يفرق في كلا المقامين. نعم لو لم يكن هذا الفعل - أي حل رباط السفينة -

(1) " تذكرة الفقهاء " ج 2 ص 375.
47

سببا للغرق أو الضياع في العادة بل حدث عاصفة شديدة من باب الاتفاق فيمكن
أن يقال بعدم الضمان في مثل هذه الصورة وقد تقدم جميع ذلك.
ومنها: ما ذكر في التذكرة أيضا من أنه لو وثبت هرة حال فتح القفص ودخلته
وقتلت الطائر لزمه الضمان لان الفتح يشتمل على إغراء الهرة كما في تنفير الطائر 1.
والتشبيه بالتنفير لا يخلو من تأمل لان التنفير في حال انفتاح القفص من قبيل
العلة التامة بالنسبة إلى طيرانه وفراره بخلاف فتح القفص فيما إذا لم تكن هرة هناك
ولكن من باب الاتفاق وجدت هرة حال الفتح.
اللهم إلا أن يقال: إن فرض المسألة في صورة وجود الهرة هناك قبل الفتح وهي
بحيث لا مانع من و ثوبها على الطائر إلا انسداد باب القفص فيكون التشبيه في محله.
وأما الضمان: ففي المفروض على فاتح القفص على كل حال لما ذكرنا من الضابط.
إلا أن يقال: إن فتح باب القفص ليس سببا غالبيا لو ثوب الهرة.
وجوابه: أن المفروض حضور الهرة حال فتح القفص وفي مثل هذه الصورة سببية
الفتح لوثوبها واتلاف الطائر غالبي.
ومنها: أيضا ما في التذكرة من أنه لو كان شعير في جراب وبجنبه حمار ففتح فاتح
رأسه فأكله الحمار في الحال لزمه الضمان. 2
وهذا الفرع من جميع الجهات التي ذكرناها مثل الفرع السابق فلا نعيد. ولا أرى
وجها لذكره بعد ذكر الفرع السابق كما لا أرى وجها لتقييد قوله: " فأكله الحمار "
بكلمة " في الحال " إلا تخيل أنه لو لم يكن أكله في الحال فليس الاكل مستندا إلى فتح
رأسه وإنما هو مستند إلى التفات الحمار بعد غفلته عنه أو إلى حدوث اشتهائه وهو
غريب.

(1) " تذكرة الفقهاء " ج 2، ص 375.
(2) المصدر.
48

ومنها: ما ذكره في التذكرة أيضا وهو أنه: لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فاتفق أن
افترسه سبع فلا ضمان عليه. 1 وذلك أن النقل إلى المضيعة ليس مثل النقل إلى المسبعة
لان النقل إلى المسبعة - أي محل السباع - سبب غالبي لافتراسه.
وأما النقل إلى المضيعة فليس سببا غالبيا ولو افترسه السبع كان من باب الاتفاق
وقد اشترطنا في السبب الموجب للضمان أن يكون سببا غالبيا للتلف لان المضيعة
عبارة عن محل الضياع وعدم الاعتناء بشأن من يسكنه وان تهمل شؤونه.
ومنها: ما ذكره في جامع المقاصد من أنه لو منع المالك من إمساك دابته المرسلة
حيث يتوقع تلفها مع بقائها مرسلة. كما أنه لو أرسلت في الليل في برية ولا تكون
تلك الدابة من الحيوانات القوية التي تقدر على حفظ نفسها من السباع أو لم تكن
الأرض مأمونة من الاخطار فحينئذ يكون إمساك المالك سببا لبقائها مرسلة
وبقاؤها مرسلة ربما ينتهي إلى افتراسها أو تلفها من جهة أخرى. 2
هذه جملة مما ذكره أساطين الفن من فروع الضمان بالتسبيب سواء لم يكن إتلاف
بالمباشرة في البين أصلا أو كان ولكن كان ضعيفا.
ولكن كل هذه الفروع كانت فيما إذا كان السبب واحدا. أما إذا تعدد السبب سواء
كانا اثنين أو أكثر فاما يكونان وجدا في عرض واحد وإما مترتبان في الوجود.
أما الأول: فهما أو كلهم إن كانوا أكثر من اثنين يشتركون في الضمان وذلك كما أنه
لو حفر جماعة بئرا في الطريق فوقع فيها دابة أو مال آخر لان اختصاص بعضهم
بالضمان دون بعض ترجيح بلا مرجح.
وأما الثاني: أي فيما إذا كانا مترتبين في الوجود فحوالة الضمان على أولهما وجودا
وذلك لان مع وجود أولهما تحقق ما هو سبب الضمان ولا يرفع حكمه - أي كونه سببا

(1) " تذكرة الفقهاء " ج 2، ص 376.
(2) " جامع المقاصد " ج 6، ص 219.
49

للضمان - إلا بتوسيط فعل فاعل عاقل مختار بينه وبين التلف والمفروض أنه ليس في
المقام.
فلو حفر أحدهما بئرا في الطريق أو في ملك غيره بدون إذنه ورضاه، فوضع بعد
ذلك شخص آخر حجرا في حافة تلك البئر فعثرت دابة بواسطة ذلك الحجر ووقعت
في تلك البئر فالضمان على الحافر لما ذكرنا من الضابط.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
50

16 - قاعدة
الاشتراك
51

قاعدة الاشتراك *
ومن جملة القواعد الفقهية قاعدة " اشتراك المكلفين في الحكم رجالا ونساء إلى
قيام يوم القيامة " أي ما دام بقاء هذه الشريعة المقدسة.
وبعبارة أخرى: إذا ثبت حكم لاحد المكلفين أو لطائفة منهم - سواء كان ثبوته
بخطاب لفظي أو دليل لبي من إجماع أو غيره - فيكون شاملا لجميع المكلفين في جميع
الأزمنة إلى قيام يوم القيامة إلا أن تكون مأخوذا في الموضوع خصوصية وقيد لا
ينطبق إلا على شخص خاص أو طائفة خاصة أو في زمان خاص كزمان حضور
الإمام عليه السلام مثلا
وفي هذه القاعدة جهات من البحث:
الجهة الأولى
في مداركها
وهي أمور:
الأول: الاستصحاب بضميمة عدم القول بالفصل بين الحاضرين في زمان التكليف
بمعنى أن الشارع إذا أمر شخصا أو طائفة بفعل من الافعال أو نهى عن ارتكاب أمر

*. " الأصول الأصلية والقواعد الشرعية " ص 310، " عناوين الأصول " عنوان 1، " أصول الاستنباط بين
الكتاب والسنة " ص 115، " القواعد " ص 41، " قواعد فقهي " ص 227، " القواعد الفقهية " (فاضل
اللنكراني) ص 295، " قواعد الفقيه " ش 32، ص 61.
53

كذلك فجميع الموجودين في ذلك الزمان محكومون بذلك الحكم.
فإذا قال الراوي السائل عن الإمام عليه السلام: نسيت أن في ثوبي أو بدني نجاسة وبعد
الفراغ ذكرت ذلك؟ فقال عليه السلام: إغسل ثوبك أو بدنك واعد الصلاة، نعلم بان جميع
الموجودين في زمان جواب الإمام عليه السلام محكومون بهذا الحكم وليس مختصا بنفس
السائل.
فإذا تبين اتحاد الموجودين في زمان صدور ذلك الحكم بالقطع واليقين الوجداني
فان حصل شك في بقاء ذلك الحكم في الأزمنة المتأخرة وبالنسبة إلى الموجودين بعد
ذلك الزمان يستصحب فيثبت بقاؤه تعبدا وبحكم الشارع.
وفيه: أولا: أن الخطاب إذا كان متوجها إلى شخص خاص أو طائفة مخصوصة
فمن أين نعلم باتحاد الموجودين في هذا الحكم وهو أول الكلام ومصادرة على
المطلوب.
وثانيا: إذا علمنا اتحاد الموجودين في ذلك الحكم مع من توجه إليه الخطاب فنعلم
باتحاد الجميع أي سواء كانوا موجودين أو معدومين لأنه لا خصوصية لوجودهم في
ذلك الزمان فلا يبقى مجال ومورد للاستصحاب لان موضوع الاستصحاب هو الشك
في البقاء وأما مع القطع بالبقاء فلا موضوع له حتى يجري.
وثالثا: أدلة اللفظية على بقاء أحكام هذه الشريعة إلى قيام يوم القيامة حاكمة
على هذا الاستصحاب.
الثاني: الاتفاق القطعي من الأصحاب على اشتراك الجميع في جميع الأعصار
والأمصار في الحكم المتوجه إلى بعض آحاد المكلفين فإنهم - رضوان الله تعالى
عليهم - يستدلون من الصدر الأول وأول زمان تأليف الفقه في كتبهم - ككتب ابن
الجنيد وابن أبي عقيل القديمين إلى زماننا هذا على الحكم الشرعي لكل واحد من
آحاد المكلفين وفي أي زمان كانوا بالخطابات الخاصة المتوجهة إلى شخص خاص
54

كقوله عليه السلام لزرارة أو محمد بن مسلم أو غيرهما في مورد خاص: " إغسل " أو " أعد
الصلاة " وأمثال ذلك.
والانصاف أنه يستكشف من هذا كشفا قطعيا بأنه كان من المسلم المقطوع عندهم
اتحاد جميع المكلفين في جميع الأحكام إلا أن يكون موضوع ذلك الحكم مقيدا بقيد
حاصل في البعض دون البعض كقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا) 1 فان موضوع وجوب الحج قيد بقيد وهو أن يكون الشخص
مستطيعا فمن لم يكن كذلك لا يجب عليه الحج ولكن بعد وجود موضوعه أي
الانسان العاقل البالغ الحر المستطيع يشترك في هذا الحكم جميع أفراد هذا الموضوع
ومصاديقه في أي عصر ومن أي مصر كانوا.
فليس المراد من الاشتراك إلا أن كل من ينطبق عليه عنوان " موضوع الحكم "
فهو محكوم بذلك الحكم وإلا فكيف يمكن أن يقال: إن من لا يكون من مصاديق
موضوع الحكم يثبت له هذا الحكم؟ وهل هذا إلا خلف ومناقضة؟!
ومثل هذا الاتفاق القطعي كاشف قطعي عن اتحاد حكم الجميع عندهم عليهم السلام.
ولذلك ترى لم يناقش أحد في استدلالهم بالقضايا والخطابات الشخصية لحكم
الجميع بل تلقوه بالقبول. نعم ربما يناقشون في أدلتهم من جهات أخر كما هو
المتعارف في الأبحاث الفقهية.
الثالث: ارتكاز عامة المسلمين حتى العوام بأن حكم الله في هذه الواقعة واحد
للجميع.
ولذلك ترى أن أحدهم لو سئل عن الإمام عليه السلام أو عن مقلده حكما شرعيا
لموضوع أو لفعل من الافعال وسمع ذلك الحكم غيره ممن هو مثله لا يتأمل ولا يتردد
في ثبوته في حقه ولا يحتمل أن يكون حكم الله في حق ذلك السائل غير حكم الله

(1) آل عمران (3): 97.
55

في حقه فهذا المعنى أي وحدة التكليف واشتراكه بين جميع المكلفين شئ مرتكز في
أذهان جميعهم ولا يمكن ذلك إلا بوصوله إليهم من مبدأ الوحي والرسالة ثم من
هؤلاء إلى من بعدهم وهكذا إلى زماننا.
ولعل إلى هذا ينظر كلام بعض المحققين حيث يقول: والقول بأن الكون في زمان
النبي صلى الله عليه وآله دخيل في اتحاد الصنف الذي هو شرط شمول الخطابات هدم لأساس
الشريعة وذلك من جهة أن الأحكام إن كانت مخصوصة بالحاضرين في مجلس
النبي صلى الله عليه وآله المخاطبين أو مطلق الموجودين في ذلك الزمان فقط فانتهى أمر الدين -
العياذ بالله - وتكون الناس بعد ذلك كالبهائم والمجانين. وهذا أمر باطل بالضرورة
لأنه يوجب هدم أساس الدين.
فادعاء الضرورة على اشتراك الجميع في التكاليف لا بعد فيه بل هو كذلك.
وهذا لا ينافي اختصاص بعض التكاليف ببعض الطوائف دون بعض بل ببعض
الأشخاص دون سائرين لان المراد من الاشتراك عدم اختصاص التكليف بمن توجه
الخطاب إليه كما أشرنا إلى ذلك وقلنا: إن قوله عليه السلام لزرارة أو محمد بن مسلم مثلا
" أعد " أو " اغسل " أو " لا يعيد " مثلا ليس من جهة اختصاص ذلك الحكم بهما
وأمثالهما من الرواة ونقلة الأحاديث بل توجيه الخطاب إليهما أو إلى غيرهما من باب
أنهم من مصاديق طبيعة المكلفين ويبينون حكم المسألة بهذه الصورة.
وهذا لا ينافي كون موضوع الحكم - أي المكلف - مقيدا ببعض القيود أو متصفا
ببعض الصفات أو كونه من طائفة خاصة من الطوائف أو كونه من النساء أو من
الرجال وأمثال هذه الاختلافات بل لابد منها لعدم كون الأحكام جزافية بل تابعة
للمصالح والمفاسد التي في متعلقاتها وموضوعاتها.
والموضوعات والمتعلقات تختلف من حيث المصلحة والمفسدة باعتبار اختلاف
قيودها وأوصافها وحالاتها كالحرية والرقية والاستطاعة وعدمها والسفر والحضر
56

وغير ذلك من العوارض والحالات الطارئة على المكلفين.
فباعتبار وجود صفة الاستطاعة مثلا يكون صدور الحج من المكلف له مصلحة
ملزمة فهذه الصفة توجب وجوب الحج على المكلف فلابد من تقييد الموضوع بهذا
القيد ولذلك قيد وجوب الحج في الآية الشريفة بهذا القيد وقال الله تعالى: (ولله
على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) 1.
وخلاصة الكلام في المقام أن اختلاف الأحكام بالنسبة إلى المكلفين باختلاف
القيود والصفات والحالات الطارئة على الموضوعات من أوضح الواضحات.
فليس المراد من قاعدة الاشتراك أن جميع المكلفين سواء كانوا واجدين لقيود
موضوع الحكم أم لم يكونوا واجدين حكمهم سواء لان بطلان هذا الكلام ضروري.
بل المراد أن الحكم الذي رتب على موضوع يشمل جميع من هو ينطبق عليه
الموضوع؟ أم مختص بمن توجه إليه الخطاب؟ أو بمن يكون موجودا في زمان
الخطاب؟ وكذلك القضايا الشخصية التي يسأل الراوي الفلاني عن حكمها هل يكون
جواب الإمام عليه السلام مختصا بنفس السائل؟ أو يكون عاما لكل من ينطبق عليه موضوع
الحكم الذي صدر عنه عليه السلام في مقام الجواب؟
وبعبارة أخرى: يكون الخطاب إلى السائل بعنوان أنه أحد مصاديق موضوع
الحكم لا بعنوانه الشخصي.
الرابع: الأخبار الواردة في هذا الباب الدالة على أن حكم الله تعالى مشترك بين
الكل وخصوصية الأشخاص - أي العوارض المشخصة لهم - لا دخل لها في كونهم
موضوعا للأحكام ككونه ابن فلان أو لونه كذا أو من الطائفة الفلانية وأمثال ذلك.
وبعبارة أخرى: الدين الاسلامي عبارة عن مجموع الأحكام المكتوبة في الكتب
الفقهية من الطهارات إلى الديات التي أساسها في القرآن الكريم مع شرح وايضاح

(1) آل عمران (3): 97.
57

وبيان من الأحاديث النبوية أو التفاسير التي صدرت عن الأئمة المعصومين صلوات
الله عليهم أجمعين.
وهذه الأحكام لم يجعل لشخص خاص أو لطائفة خاصة بل مجعولة لكافة
المسلمين بل لجميع ولد آدم من زمان بعثته صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة وليس مخصوصا
بزمان دون زمان. وهذا لا ينافي اختصاص النبي صلى الله عليه وآله ببعض الأحكام لان الأحكام -
كما قلنا - تابعة للمصالح والمفاسد وذلك الوجود المقدس لامتيازه عن سائر البشر
وبلوغه إلى أعلى مراتب الكمال صار موضوعا للأحكام الخاصة به صلى الله عليه وآله.
بل يمكن أن يقال: إن تلك الأحكام الخاصة أيضا ليس موضوعها شخص
النبي صلى الله عليه وآله بل لعنوان كلي وهو من بلغ إلى هذه المرتبة من الكمال غاية الأمر أن
الكلي منحصر في الفرد إذ غيره صلى الله عليه وآله لم يصل إلى هذه المرتبة ولن يصل إلى آخر
الدهر.
وهاهنا تحقيق دقيق في معنى الخاتمية وانها ليست قابلة للتعدد، ليس المقام مقام
ذكره.
وعلى كل حال كان كلامنا في ذكر الاخبار التي تدل على اشتراك الأحكام بين
جميع المكلفين وعدم اختصاصها بالمخاطبين أو الموجودين في زمان الخطاب:
فمنها: ما رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن
أبيه عن بكر بن صالح عن القسم بن يزيد الزبيدي عن أبي عمرو الزهري عن أبي
عبد الله عليه السلام في حديث طويل في كتاب الجهاد في باب من يجوز له جمع العساكر
والخروج بها إلى الجهاد قال عليه السلام فيه بعد كلام طويل في شرائط من يتصدى لجمع
العساكر للجهاد: " لان حكم الله عز وجل في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم
سواء إلا من علة أو حادث يكون والأولون والآخرون أيضا في منع الحوادث
شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون من أداء الفرائض عما يسأل عنه
58

الأولون ويحاسبون عما به يحاسبون " 1.
وظهور هذه الجملات والكلمات في اشتراك جميع المكلفين من الأولين والآخرين
في أحكام الله وفرائضه واضح لان كلمة " الأولين والآخرين " جمع معرف بالألف
واللام يفيد العموم فمعنى الحديث عبارة عن أن كل واحد من الأولين سواء في حكم
الله عز وجل مع كل واحد من الآخرين وجميع الفرائض عليهم - أي على جميع
الأولين والآخرين - واحدة. وهذا أفصح وأوضح عبارة لاتحاد حكم جميع الأمة من
الأولين والآخرين.
نعم المراد من الاتحاد أو الاشتراك اشتراك من كان من مصاديق موضوع الحكم
كما تقدم شرحه.
والظاهر أن هذا مراد من اعتبر في الاشتراك اتحاد الصنف.
ومنها: النبوي المشهور، قال صلى الله عليه وآله: " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " 2.
فان ظاهر هذه الجملة أن حكمي الذي هو حكم الله على أحدكم حكمي على
الجميع بمعنى أنه ما أخص أحدا بالحكم بل كلكم في حكمي سواء.
هذا هو المتفاهم العرفي والظاهر من هذا الحديث الشريف، ولا شك في حجية
ظواهر الألفاظ والجمل فيدل هذا الحديث المبارك على المطلوب وهو المطلوب.
ومنها: قوله عليه السلام في الخبر المشهور: " حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة وحرام
محمد حرام إلى يوم القيامة " 3.
تقريب الاستدلال بهذه الرواية أن بقاء الحلال والحرام إلى آخر الأزمنة من حياة

(1) " وسائل الشيعة " ج 11، ص 23، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب 9، ح 1.
(2) " بحار الأنوار " ج 2، ص 272، باب ما يمكن ان يستنبط من الآيات والاخبار...، ح 4، و ج 80، ص 199،
باب آداب الاستنجاء والاستبراء، ح 4.
(3) " الكافي " ج 1، ص 58، باب البدع والرأي والمقائيس، ح 19، و ج 2، ص 17، باب الشرائع، ح 2، " وسائل
الشيعة " ج 18، ص 124، أبواب صفات القاضي، باب 12، ح 47.
59

البشر معناه أن الناس في جميع الأزمنة سواء في أن حلاله على أهل الزمان المتقدم
حلال على أهل الزمان المتأخر وكذلك حرامه صلى الله عليه وآله.
فإذا كان مفاد الرواية وظاهرها اتحاد أهالي أزمنة المتأخرة مع أهالي أزمنة
المتقدمة في الحكم فتدل على اتحاد أهالي الزمان الواحد في الحكم بطريق أولى إذ
مرجع مفاد الرواية إلى أن خصوصيات الشخصية لافراد المكلفين ليست دخيلة فيما
هو الموضوع بعد اتحادهم في الصنف بالمعنى الذي تقدم.
وأما احتمال أن يكون مفاد الرواية هو الاتحاد في خصوص الحلية والحرمة لا في
جميع الأحكام فعجيب إذ الحلال والحرام كناية عن مطلق الأحكام مضافا إلى أن
مآل جميع الأحكام ومرجعها إلى الحلال والحرام لان الواجب تركه حرام وفعله
حلال بالمعنى الأعم كما أن المستحب والمكروه فعلهما وتركهما حلال بالمعنى الأعم كما
أن الحلال بالمعنى الأخص أيضا كذلك مثل المستحب والمكروه. فالحلال والحرام
يستوعبان جميع الأحكام التكليفية كما أن الأحكام الوضعية أيضا تنتهي من حيث
العمل إلى الحلال والحرام بالمعنى الذي ذكرنا لهما فافهم.
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: " فليبلغ الشاهد الغائب " 1.
ولا شك في دلالة هذا الحديث الشريف على اشتراك الغائبين مع الحاضرين وإلا
لو كان الحكم خاصا بالحاضرين لما كان وجه لتبليغهم لأنه كان من تبليغ حكم
غيرهم إليهم فلابد وأن يكون الحكم مشتركا بينهم حتى يأمر صلى الله عليه وآله وسلم الحاضرين بتبليغه
إلى الغائبين.
وأما احتمال أن يكون مخصوصا بجماعة خاصة من الغائبين مع الحاضرين لا عموم
الغائبين.

(1) " الكافي " ج 1 ص 187، باب فرض طاعة الأئمة، ح 10، و ج 1، ص 291، باب ما نص الله عز وجل على
الأئمة عليهم السلام واحدا فواحدا، ح 6، " تهذيب الأحكام " ج 4، ص 143، ح 399، باب الزيادات، ح 21، " وسائل
الشيعة " ج 5، ص 435، أبواب صلاة الجماعة، باب 36، ح 9.
60

يدفعه: أن ظاهر هذا الكلام هو الامر بتبليغ الحكم إلى عموم الغائبين بل وحتى
المعدومين في ذلك الزمان الذين يوجدون فيما بعد فضلا عن الغائبين الموجودين في
أماكن مختلفة ومن بلاد متعددة بعيدة أو قريبة.
والحاصل: أن المتفاهم العرفي من أمثال هذه العبارة أن الحاضر والغائب بل
الموجود فعلا ومن يوجد فيما بعد سواء وهو المطلوب.
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: " أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب
الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصلوا الرحم " 1.
وهذا الحديث نص في العموم ولكن ربما يستشكل بأنه لا يدل إلا على اشتراك
الأمة جميعا في هذا الحكم فقط أي وجوب أو استحباب صلة الرحم وأما الاشتراك
في سائر الأحكام فساكت عنه.
اللهم إلا أن يقال: لا خصوصية لصلة الرحم من بين سائر الفرائض أو يقال: هذا
اللسان - أي لسان الوصية إلى الأمة في حكم من الأحكام - هو لسان اشتراك الأمة
في الأحكام الشرعية وكلهم في ذلك سواء. ويمكن أن يستدل للمطلب ببعض الآيات
مثل قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) 2 ومثل قوله
تعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا
رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) 3، وكذلك بكثير من الروايات الواردة من أخذ معالم
الدين من يونس بن عبد الرحمن 4 وزكريا بن آدم 5 وأمثالهما من الثقات وارجاعهم
الناس إلى هؤلاء من الرواة ونقلة الحديث ولا شك في أن هؤلاء لم يتعلموا من
الإمام عليه السلام في كل موضوع إلا حكما واحدا متعلقا بالجميع وكانوا يذكرون ذلك

(1) " الكافي " ج 2، ص 151، باب صلة الرحم، ح 5.
(2) النساء (4): 11.
(3) " التوبة " (9): 122.
(4) " وسائل الشيعة " ج 18، ص 107، أبواب صفات القاضي، باب 11، ح 33، 34 و 35.
(5) " وسائل الشيعة " ج 18، ص 106، أبواب صفات القاضي، باب 11، ح 27.
61

الحكم الواحد لكل من يسأل عن ذلك الموضوع أو عن تلك الواقعة ومع ذلك أرجع
الإمام عليه السلام جمع الشيعة إليهم في أخذ أحكامهم الشرعية.
وهذه الروايات يمكن ادعاء القطع بصدور بعضها منهم عليهم السلام فما نسب إلى بعض
المحققين من ادعاء تواتر الاخبار على الاشتراك بالمعنى الذي هو الآن محل الكلام
ليس بكل البعيد بل المتتبع يجد ذلك من ملاحظة جميع الأخبار الواردة في هذا الباب.
الخامس: وهو الوجه الوجيه وما هو التحقيق عندنا: أن جعل الأحكام من الأزل
على الموضوعات المقدرة الوجود على نحو القضايا الحقيقية وليس من قبيل القضايا
الخارجية حتى يكون تسريته إلى غير الحاضرين في مجلس الخطاب أو غير
الموجودين في ذلك الزمان بدليل الاشتراك بل شموله للحاضرين والغائبين
والموجودين والمعدومين على نسق واحد.
وهذا هو شأن القضية الحقيقية الكلية سواء كان إخبارا أو إنشاء فإذا قلت: " كل
إنسان ضاحك بالقوة " لا فرق في شمول هذا الحكم لافراد الانسان بين من كان قبلا
موجودا من زمان آدم عليه السلام أو فعلا يكون موجودا أو من يوجد بعد إلى انقضاء
زمان حياة البشر ونفخ الصور ويوم البعث والنشور.
فكذلك في القضية الحقيقية الانشائية فقول الله تعالى: (ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا) 1 الذي في قوة أن يقال بصورة الجملة الخبرية: " كل
إنسان مستطيع يجب عليه الحج " يشمل الموجودين والمعدومين في عرض واحد لان
الحكم أي وجوب الحج ثابت على كل انسان مستطيع بمعنى أن كل شخص إذا وجد
في الخارج وكان مصداقا للانسان المستطيع يكون الحج واجبا عليه فالحكم على
الطبيعة السارية إلى جميع الافراد.
وبعبارة أخرى: حيث أن الله تعالى عالم في الأزل بوجود المصلحة الملزمة في الفعل

(1) آل عمران (3): 97.
62

الفلاني الصادر من شخص متصف بكذا وكذا - وهذا العلم علة لجعل الوجوب
المتعلق بذلك الفعل على ذلك الشخص المتصف بكذا وكذا - فلا محالة يحصل الجعل
فيكون الفعل الكذائي واجبا على كل شخص كان مصداقا لذلك العنوان مع القيود
المأخوذة فيه ونسبة الحكم إلى جميع المصاديق في عرض واحد ولو كان بين أفراد
ذلك الموضوع تقدم وتأخر بحسب الوجود.
فأفراد الانسان المستطيع وان لم تكن بحسب الوجود في عرض واحد بل كان بينها
تقدم وتأخر بل وإن كان بينها علية ومعلولية ولكن مع ذلك كله شمول الحكم
للجميع في عرض واحد لان الحكم على نفس الطبيعة المقدرة الوجود ولا نظر له
بالنسبة إلى الافراد الموجودة فعلا في الخارج.
ومعلوم أن نسبة الطبيعة إلى أفراد الموجودة فعلا والتي كانت موجودة في الماضي
والافراد التي يوجد فيما بعد على حد سواء فإذا كان موضوع الحكم تلك الطبيعة
السارية المقدرة الوجود فقهرا يشمل الحكم جميع الافراد الذي يكون من مصاديق
ذلك العنوان الذي أخذ موضوعا في القضية الحقيقية في عرض واحد. فلا يبقى محل
ومجال لدليل الاشتراك.
وفي الحقيقة هذا الوجه الخامس يوجب هدم هذه القاعدة ولا يبقى معه احتياج
إلى تلك القاعدة.
الجهة الثانية
في المراد من هذه القاعدة
فنقول: قد تبين من تضاعيف ما ذكرناه في الجهة الأولى أنه ما المراد منها ولكن
مع ذلك نقول: إن المراد منها: أن الحكم المتوجه إلى شخص أو طائفة خاصة بحيث أن
دليل ذلك الحكم لا يشمل غير ذلك الشخص أو غير تلك الطائفة فدليل الاشتراك
63

يوجب إثباته لكل من كان مصداقا لما أخذ موضوعا لذلك الحكم أي كان متحد
الصنف مع ذلك الشخص أو تلك الطائفة فيما إذا توجه الخطاب إليهما.
مثلا: يسأل الراوي عن الإمام عليه السلام أن فلانا صلى وبعد الفراغ علم أنه صلى في
النجس نسيانا لا جهلا؟ فيقول عليه السلام: " يعيد صلاته " 1 فهذا الحكم حسب الدليل لذلك
الشخص الذي سأل الراوي عن فعله ولكن بدليل الاشتراك يثبت لكل من كان
مصداقا لذلك العنوان أي علم بعد الفراغ أنه صلى في النجس نسيانا وهكذا الامر في
سائر الأحكام.
وكذلك يسأل الراوي مثلا أن رجلا شرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي؟ قال عليه السلام:
" لا بأس ". وأمثال ذلك كثيرة في جميع أبواب الفقه من أن مورد الحكم شخص خاص
أو طائفة خاصة فلشمول الحكم للسائرين لابد من التمسك بدليل الاشتراك.
وهذا فيما إذا لم نقل بان جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقية وإلا فلا حاجة
في تلك الموارد إلى التمسك بدليل الاشتراك بل شمول الحكم لجميع من ينطبق عليه
عنوان الموضوع في عرض واحد وبمناط واحد وهو ورود الحكم على الطبيعة
المرسلة السارية إلى جميع وجوداتها.
ففي جميع تلك الموارد التي توجه الخطاب إلى شخص خاص أو طائفة خاصة
يكون من باب أنه أحد مصاديق العام الذي هو موضوع الحكم في الحقيقة لا أنه
بخصوصه موضوع كي يحتاج ثبوته لغيره ممن هو مثله إلى دليل الاشتراك.
ولذلك قلنا إن الوجه الخامس الذي هو المعتمد عندنا يوجب هدم أساس دليل
الاشتراك إذ دليل الاشتراك في مورد اختصاص الحكم من حيث دلالة دليله بنفس
المورد وجعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقية معناه أن الحكم عام يشمل المورد و
ما هو مثله في عرض واحد فلا يبقى محل ومجال لأعمال دليل الاشتراك بل لا

(1) راجع: " وسائل الشيعة " ج 2، 1062، أبواب النجاسات، باب 42.
64

موضوع له.
الجهة الثالثة
في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة
فنقول: موارد تطبيقها كثيرة جذا من أول أبواب الفقه - أي من كتاب الطهارات -
إلى كتاب الديات فما من مسألة إلا ويكون مورد الدليل مختصا بشخص أو بطائفة
فيحتاج إثبات ذلك الحكم للآخرين إلى دليل الاشتراك.
مثلا: في أول كتاب الطهارة في فصل المياه وأقسامها وأول مسألة من هذا الفصل
وهو أن الماء الراكد القليل غير البالغ كرا ينفعل بملاقات النجس أو المتنجس وان بلغ
كرا فلا. فأدلة هذه المسألة عبارة عن أجوبة الإمام عليه السلام عن أسئلة عن أشخاص في
موارد خاصة فاثبات ذلك لأشخاص آخرين يحتاج إلى دليل الاشتراك.
وأيضا في مسألة تغير الماء بالنجاسة ونجاسته وعدم جواز التوضئ به - وأما لو
لم يتغير وغلب على النجس يجوز التوضئ به - الدليل عليه رواية حريز بن عبد الله
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب
فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب " 1.
فترى أنه عليه السلام جوز الوضوء والشرب لذلك الشخص الخاص كما أن في مورد
التغير نهى ذلك الشخص عن الوضوء والشرب فلابد من إثبات الحكم للآخرين من
التمسك بدليل الاشتراك.

(1) " الكافي " ج 3، ص 4، باب الماء الذي تكون فيه قلة والماء... "، ح 3 " تهذيب الأحكام " ج 1، ص 216، ح
625، باب المياه وأحكامها وما يجوز التظهر به وما لا يجوز، ح 8، " الاستبصار " ج 1، ص 12، ح 19، باب
حكم الماء الكثير إذا تغير أحد أوصافه، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 1، ص 102، أبواب الماء المطلق، باب 3،
ح 1.
65

وأما إذا قلنا إن هذا الحكم - أي جواز التوضئ والشرب من الماء غير المتغير
وعدم جوازهما من الماء المتغير - مجعول على نهج القضايا الحقيقية فشموله لذلك
الشخص المخاطب وآخرين في عرض واحد فلا يبقى موضوع لدليل الاشتراك.
وفي مسأله عدم تنجس ماء المطر بملاقات البول واختلاطه به حين ينزل المطر
روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي
عبد الله عليه السلام في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب
رجل " لم يضره ذلك " 1.
فاسراء هذا الحكم إلى غير ذلك الرجل يحتاج إلى قاعدة
الاشتراك لو لم نقل بجعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقية. وما ذكرنا كان من باب
النموذج وإلا فالاستقصاء في موارد تطبيق هذه القاعدة معناه أن نذكر أغلب دورة
الفقه مع مداركها من الروايات إذ كما ذكرنا في جميع أبواب الفقه من الطهارات إلى
الديات أغلب مسائلها من هذا القبيل.
وهم ودفع
أما الأول: هو أن هذه القاعدة ليس لها إطراد وانخرمت في مواضع عديدة:
منها: مسألة الجهر والاخفات فالمرأة والرجل مختلفان في هذه الحكم في الصلوات
الجهرية ولا اشتراك بينهما لأنه فيها يتعين على الرجل الجهر وعلى المرأة الاخفات.
وفي مسألة الوضوء يتعين على الرجل صب الماء ابتداء على ظهر اليد استحبابا
وعلى المرأة بالعكس لما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال: " فرض الله على النساء في الوضوء للصلاة أن يبدأن بباطن أذرعهن وفي

(1) " الكافي " ج 3، ص 12، باب اختلاط ماء المطر بالبول... ح 1، " تهذيب الأحكام " ج 1، ص 411، 1295،
باب المياه وأحكامها، ح 14، " وسائل الشيعة " ج 1، ص 109، أبواب الماء المطلق، باب 6، ح 4.
66

الرجال بظاهر الذراع " 1.
وفي الستر في الصلاة يجب على الرجل ستر العورتين فقط أي القبل والدبر وعلى
المرأة ستر تمام البدن ما عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين.
وأيضا هما مختلفان فيجوز لبس الذهب والحرير في الصلاة وفي غيرها للمرأة
ولا يجوزان مطلقا لا في الصلاة ولا في غيرها للرجل.
وأيضا هما مختلفان في كيفية القعود في الصلاة كما هو مذكور في الكتب الفقهية.
وأيضا هما مختلفان في حال الاحرام فيجوز لبس المخيط للمرأة دون الرجل.
وأيضا هما مختلفان في الجهاد وصلاة الجمعة فيجبان على الرجل مع وجود
شرائطهما ولا يجبان على المرأة مطلقا.
وأيضا هما مختلفان بالنسبة إلى قبول التوبة إذا ارتد كل واحد منهما عن فطرة
فتوبة الرجل لا تقبل من الجهات الثلاث - أي من جهة لزوم قتله وتقسيم أمواله على
الورثة وإبانة زوجته - وأما توبة المرأة فتقبل.
وكذلك مختلفان في حكم الزنا فعلى الرجل الجز والتغريب مدة عام وليس على
المرأة شئ من هذين.
وأيضا هما مختلفان في أن الرجل يجوز إمامته للنساء والمرأة لا يجوز إمامتها
للرجال.
وأيضا يحرم التظليل حال الاحرام على الرجل دون المرأة.
وخلاصة الكلام أن الفرق بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية وعدم
اشتراكهما كثير واستقصاء الجميع مما يطول المقام ولا أثر له والمقصود من ذكر ما

(1) " الكافي " ج 3، ص 28، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل، ح 6، " تهذيب الأحكام " ج
1، ص 76، ح 193، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه، ح 42، " وسائل الشيعة " ج 1،
ص 328، أبواب الوضوء باب 40، ح 1.
67

ذكرنا من الموارد هو النقض على اطراد هذه القاعدة وانخرامها بهذه الموارد ويكفي
لاثبات ذلك ما ذكرنا.
وأما الثاني أي دفع هذا الوهم: أن خروج هذه الموارد عن تحت هذه القاعدة ليس
من باب التخصيص وانخرامها بل من قبيل التخصص فلا يضر باطراد القاعدة ولا
يوجب انخرامها.
بيان ذلك: أن المراد من قاعدة الاشتراك ليس أن حكم كل واحد من أفراد البشر
متحد مع السائرين متصفا بأي صفة كانت وفي أي حال من الأحوال كان لان هذا
باطل بالضرورة إذ لا شك في أن حكم المسافر الافطار والتقصير بخلاف غير المسافر
وهكذا حكم المضطر إلى أكل الميتة مثلا أو المكره إليه الجواز واقعا - كما هو نص
القرآن في المضطر - ولكن لا يجوز لغيرهما وحرام وهكذا حكم المستطيع وغير
المستطيع فالأول يجب عليه الحج دون الثاني وهكذا حكم الفقير والغني في وجوب
زكاة الفطرة مثلا.
وخلاصة الكلام: أن اختلاف الأحكام باختلاف حالات المكلفين - من العسر
واليسر والسفر والحضر والضرر وعدمه والحرج وعدمه والاضطرار وعدمه
والاكراه وعدمه والحيض والاستحاضة وعدمهما والجنابة وعدمها إلى غير ذلك من
الاختلافات الكثيرة - مما لا يمكن أن ينكر ومن القطعيات بل من الضروريات.
بل المراد أنه في مورد اتحاد الصنف بالمعنى الذي ذكرنا له أي فيما إذا كان موضوع
الحكم المذكور في القضية ينطبق على من هو مورد الحكم رجلا كان أو امرأة واحدا
كان أو متعددا أو كان طائفة وعلى غير المورد من الآخرين ففي مثل هذا الحكم
المورد وغير المورد يشتركان.
كما أنه في أغلب الأحكام يسأل الراوي عن حكم موضوع فيقول مثلا: رجل أو
امرأة شك في عدد ركعات صلاته فيقول عليه السلام مثلا: يبني على الأكثر فليس موضوع
68

وجوب البناء على الأكثر هو ذلك الرجل أو تلك المرأة بل الموضوع هو الشاك في
عدد الركعات وذكر الرجل أو المرأة واحدا كان أو متعددا لبيان مصداق القضية
الواقعة فحينئذ احتمال اختصاص هذا الحكم بذلك المورد - أي بذلك الرجل أو بتلك
المرأة - مدفوع بقاعدة الاشتراك.
وأين هذا مما جعل الشارع موضوع حكمه خصوص الرجل أو خصوص المرأة
وكيف يمكن أن يدعي عاقل أن الحكم مع أن موضوعه خصوص الرجل مثلا ومع
ذلك هو مشترك بين الرجل والمرأة. وهل هذا إلا تخلف الحكم عن موضوعه وهو
محال. وما الفرق بين أن يكون اختلاف موضوع الحكم بالذكورة والأنوثة وبين أن
يكون اختلافهما بالاستطاعة وعدمها أو بالسفر والحضر أو بغير ذلك من العناوين
الكثيرة التي توجب اختلاف الأحكام.
وحاصل الكلام: أن القيود المأخوذة في جانب موضوع الحكم يوجب عدم اتحاد
الصنف ويكون خارجا عن موضوع قاعدة الاشتراك بالتخصص لا بالتخصيص
فلا يكون موجبا لعدم اطراد القاعدة فظهر أن موارد النقوض المذكورة في اختلاف
الرجل والمرأة كلها خارجة عن موضوع القاعدة ولا يكون نقضا عليها.
ثم إن هاهنا كلام في الخنثى المشكل هل له حكم النساء أو ما هو المخصوص
بالرجال أو ليس له شئ منهما؟
فنقول: إن الخنثى على قسمين: مشكل وغير المشكل. والثاني عبارة عمن يحكم
عليه بأنه من الرجال بواسطة الامارات التي جعلها الشارع أمارة التشخيص أو
يحكم عليها بأنها من النساء أيضا بواسطة الامارات التي جعلها الشارع أمارة كونها
مرأة فهذا ليس بمشكل لأنه بالتشخيص بواسطة الامارات يرتفع الاشكال.
فهذا القسم لا إشكال فيه لأنه ملحق بذلك القسم الذي حكم عليه أنه منهم
فيكون من ذلك القسم فإن كان ملحقا بالرجال بواسطة الامارات فعليه أن يجهر في
69

الصلوات الجهرية وهكذا بالنسبة إلى سائر الأحكام المختصة بالرجال وان كانت
ملحقة بواسطة تلك الامارات بالنساء فعليها أن تخفت في صلاتها وهكذا في سائر الأحكام
المختصة بالنساء.
وأما الأول: أي المشكل الذي لا يحكم بأنه رجل وكذلك لا يحكم عليه بأنه امرأة
لفقد أمارات الطرفين أو لتعارضها ففيه كلام وهو أنه إما أن نقول بان الاشكال إنما
هو في مقام الاثبات وإلا ففي مقام الثبوت فلا إشكال إذ هو إما في الواقع رجل أو
امرأة وإنما اشتبه الامر لفقد الامارة على تشخيصها أو لتعارضها وتساقطها وذلك
من جهة أن أفراد الانسان وطبيعة البشر لا تخلو ا من أحد هذين: إما رجل أو امرأة
وليس طبيعة أخرى وصنف ثالث في البين.
والدليل على ذلك قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) 1
وقوله تعالى: (خلق الزوجين الذكر والأنثى) 2 والظاهر من الآيتين حصر الموهوب
والمخلوق فيهما.
ومن جملة ما يؤيد أنه ليس طبيعة ثالثة بل إما ذكر أو أنثى قوله تعالى: (يوصيكم
الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) 3 ولو كان هناك طبيعة ثالثة فيرجع إلى أن
الله تبارك وتعالى أهمل قسما وصنفا من الأولاد ولم يبين حكمه مع أن صدر الآية
أي قوله تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم " يدل على أن الوصية من قبل الله على
عموم الأولاد فان جمع المضاف يفيد العموم فاهمال قسم من الأولاد في كمال
الاستبعاد.
ثم إن وجود خنثى المشكل مبني على فقد الامارات أو تعارضها كما ذكرنا ولكن
ورد في الاخبار المروية عنهم عليهم السلام أمارتان: إحديهما خروج البول من أي واحد من

(1) الشورى (42): 49.
(2) النجم (53): 45.
(3) النساء (4): 11.
70

الفرجين. ثم على تقدير خروجه من كليهما ينظر إلى أن الأول خروجا منه أي واحد
منهما فيحكم بالذكورية على تقدير خروجه من فرج الرجال وبالأنوثة على تقدير
خروجه من فرج النساء وعلى تقدير خروجه من كليهما ينظر إلى الأول خروجا منه
أي واحد منهما فإن كان فرج الرجال فرجل وإن كان فرج النساء فامرأة. وعلى
تقدير مقارنتها في الخروج والانقطاع فيعد أضلاعه في الأيمن والأيسر فان نقص
الأيسر فرجل وان لم ينقص فامرأة.
وبناء على هذه الروايات لا يبقى خنثى مشكل لأن هذه الامارات مترتبة ودائرة
بين النفي والاثبات فلا يتصور فقد جميع هذه الامارات بحيث لا يكون أحدها ولا
معارضها لأن هذه الامارات مترتبة ليست في عرض واحد كي يقع بينهما التعارض.
اللهم إلا أن يقال: لو كان البول يخرج من فرج النساء ولكن أضلاع طرف الأيسر
أنقص بواحد من الطرف الأيمن فيقع التعارض بين الامارتين. فمقتضى الأولى أنها
امرأة ومقتضى الثانية أنه رجل ولكن هذا مبني على عدم ترتب الامارات وهو
خلاف ظاهر الروايات.
أما إن قلنا بأنه يمكن أن لا يكون رجلا ولا امرأة فحينئذ ليس علم إجمالي في
البين بأنه إما رجل واما امرأة فليس مكلفا بما يختص بكل واحد منهما فتجري
البراءة عن الاثنين إلا فيما لا يمكن ارتفاعهما كالجهر والاخفات فقهرا في هذا القسم
يكون مخيرا بينهما.
وأما بناء على الأول أي بناء على العلم الاجمالي فيجب عليه الاحتياط بالجمع
بينهما أي العمل على وفق تكليف النساء تارة وعلى طبق تكليف الرجال مرة أخرى.
وقد عرفت أنه في مقام الثبوت إما رجل أو امرأة وليس هناك قسم آخر أي
طبيعة ثالثة في البين فالعلم الاجمالي محقق ويجب الاحتياط.
هذا فيما إذا لم نقل بالرجوع إلى الامارات وإلا لا يبقى شك واعضال كي تصل
71

النوبة إلى العلم الاجمالي والعمل بالاحتياط بل الامارات تعين أنه رجل أو امرأة
فيلحقه حكم ما عينته من كونه رجلا أو امرأة.
ولكن التحقيق أن الأخبار الواردة في مسألة الخنثى طائفتان:
الأولى: أنه يورث على الفرج الذي يبول منه فان بال منهما فمن حيث سبق البول
وان جاء منهما دفعة فيورث على ما انقطع أخيرا وان تساويا في الشروع والانقطاع
يعطي نصف ميراث الرجل ونصف ميراث المرأة.
وذلك مثل رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: المولود يولد له
ما للرجال وله ما للنساء؟ قال: " يورث من حيث يبول من حيث سبق بوله فان
خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث فان كانا سواء ورث ميراث الرجال وميراث
النساء " 1.
ورواية إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه عليه السلام أن عليا عليه السلام كان
يقول: " الخنثى يورث من حيث يبول فان بال منهما جميعا فمن أيهما سبق البول ورث
منه فان مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل " 2.
ومعلوم أن المراد من قوله عليه السلام " ورث ميراث الرجال وميراث النساء " في رواية
هشام ليس تمام ميراث الرجال وتمام ميراث النساء بحيث يكون إرثه كإرث اثنين:
أحدهما رجل والأخرى امرأة من حيث اشتماله لامرين أي الذكورة والأنوثة (وذلك)
من جهة أن الإرث للأشخاص باعتبار كون كل واحد منهم مذكرا أو مؤنثا والخنثى
شخص واحد لا شخصين فالمراد أنه يرث نصف مجموع الإرثين وهو فتوى المشهور

(1) " الكافي " ج 7، ص 157، باب ميراث الخنثى، ح 3، " تهذيب الأحكام " ج 9، ص 354، ح 1269، باب
ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 3، " وسائل الشيعة " ج 17، ص 574، أبواب ميراث الخنثى،
باب 2، ح 1.
(2) " الفقيه " ج 4، ص 326، باب ميراث الخنثى، ح 5701، " تهذيب الأحكام " ج 9، ص 354، ح 1270، باب
ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 4، " وسائل الشيعة " ج 17، ص 575، أبواب ميراث الخنثى،
باب 2، ح 2.
72

في إرث الخنثى بعد تساوي المبالين خروجا وانقطاعا.
وأيضا هذا المعنى صريح رواية إسحاق بن عمار حيث يقول عليه السلام: " فان مات ولم
يبل - أي عند فقد الامارة على التعيين - فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل "
والمراد بالعقل هو الميراث وإن كان في الأصل الدية. وأيضا هذا المعنى موافق لقاعدة
العدل والانصاف بعد فقد أمارات التمييز والتعيين كما في سائر الموارد من العلم
الاجمالي في الماليات.
الثانية: بعد تساوي المبال من جميع الجهات - أي شروعا وانقطاعا - يعد أضلاعه
فإن كان الطرف الأيسر أنقص من الطرف الأيمن فهو رجل وإلا فامرأة.
ولكن المشهور أعرضوا عن هذه الرواية ولم يعملوا بها فالمتعين هو الاخذ بقول
المشهور من توريثه بالمبال وعند تساوي المبالين من جميع تلك الجهات المذكورة في
الرواية يعطي نصف مجموع حق الرجل وحق المرأة.
وقال بعضهم بالقرعة بعد الاعتبار بالمبال وتساويهما من تلك الجهات المذكورة في
الروايات.
ولكن أنت خبير بان القرعة أمارة في مورد العلم الاجمالي في الشبهة الموضوعية
إذا كانت الشبهة من المعضلات لما حققنا في شرح قاعدة القرعة في الجزء الأول من
هذا الكتاب من أن القرعة أمارة حيث لا دليل لحل المشكلة وكان من المعضلات. 1
فما ذكره الشيخ قدس سره في الخلاف من العمل بالقرعة مدعيا عليه الاجماع والاخبار 2
لا وجه له. أما عدم الاجماع فلذهاب المشهور إلى خلافه لما قلنا أنهم يقولون عند
تساوي المبالين أخذا وانقطاعا أن له نصف حق الرجل ونصف حق المرأة.
وأما الاخبار فلا تدل إلا على أمارية القرعة في المعضلات من الشبهات

(1) " القواعد الفقهية " ج 1، ص 65.
(2) " الخلاف " ج 4، ص 106، كتاب الفرائض، مسالة 116.
73

الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي ومع وجود الروايات المعتبرة المعمول بها عند
المشهور كرواية هشام بن سالم ورواية إسحاق بن عمار اللتين تقدمتا على أنه يرث
عند تساوي المبالين نصف حق الرجل ونصف حق المرأة فلا يبقى إعضال وإشكال
حتى تصل النوبة إلى القرعة ففي مثل هذا المورد لا مجال للعمل بالقرعة.
نعم هيهنا قول آخر للمفيد والمرتضى - قدس سرهما - والحلي في السرائر وهو
عد أضلاعه فإن كان الطرف الأيسر أقل من الطرف الآخر فرجل وإلا فامرأة 1.
وبه رواية حاكية قضاء أمير المؤمنين عليه السلام بذلك 2 ولكن الرواية ضعيفة والمشهور
أعرضوا عن العمل بها. فالمعتمد هو القول المشهور وان احتجوا هؤلاء بالاجماع
ولكن ادعاء الاجماع مع مخالفة المشهور لا يخلو من غرابة.
وما استشكل على هذا القول بعدم إمكان تميز الأضلاع غالبا بحيث تطمئن النفس
به خصوصا في السمين كما في الجواهر 3 أغرب.
فخلاصة الكلام: أن الأخبار الواردة في باب ميراث الخنثى مفاد بعضها: أن الخنثى
يرث على المبال وساكت عما إذا تساوى المبالان من حيث الشروع والانقطاع بل
ساكت عما إذا خرج البول من كليهما.
وذلك كرواية داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام التي ينقلها عنه في الكافي قال:
سئل عن مولود ولد له قبل وذكر كيف يورث؟ قال عليه السلام: " إن كان يبول من ذكره فله
ميراث الذكر وإن كان يبول من القبل فله ميراث الأنثى " 4.
ورواها الشيخ باسناده عن الفضل بن شاذان مثله 5.

(1) " السرائر " ج 3، ص 279، 280.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 9، ص 354، ح 1271، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 5،
" وسائل الشيعة " ج 17، ص 575، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، باب 2، ح 3.
(3) " جواهر الكلام " ج 39، ص 284.
(4) " الكافي " ج 7، ص 156، باب ميراث الخنثى، ح 1.
(5) " تهذيب الأحكام " ج 9، ص 353، ح 1267، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 1.
74

وأيضا روى الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد عن طلحة بن زيد عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " كان أمير المؤمنين عليه السلام يورث الخنثى من حيث يبول " 1.
وعن الكافي أيضا عن طلحة بن زيد مثله. 2
ولا يخفى أن هذا القسم من الروايات التي ساكتة عن صورة الجريان عن الاثنين مع
تساوي المبالين من حيث الاخذ والانقطاع أو اختلافهما، لا تعارض الروايات التي
تبين حكم صورة تساويهما أو اختلافهما من حيث الاخذ والانقطاع مع الجريان عن
الاثنين ومفاد بعضها بيان حكم صورة الاختلاف في الشروع والانقطاع وانه يورث
بأسبقهما فان كانا متساويين في الشروع فبأبعدهما انقطاعا.
مثل ما رواه الكليني في رواية أخرى عن أبي عبد الله في المولود له ما للرجال وله
ما للنساء يبول منهما جميعا؟ قال عليه السلام: " من أيهما سبق " قيل: فان خرج منهما جميعا
قال عليه السلام: " فمن أيهما استدر " قيل فان استدرا جميعا؟ قال عليه السلام: " فمن أبعدهما " 3.
ومفاد بعضها في صورة التساوي في المبال من جميع الجهات المذكورة هو عد
الأضلاع فان نقص طرف الأيسر عن الأيمن بواحدة فيعطى نصيب الرجل وإلا
فنصيب المرأة.
وذلك مثل رواية رواها في التهذيب 4 والفقيه 5 في قضية مجئ خنثى إلى شريح
القاضي وبيان حاله له والرواية طويلة مذكورة في الوافي نقلا عن التهذيب والفقيه
وموضع الحاجة منها أنه بعد مراجعة شريح إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال عليه السلام: " على
بدينار الخصي - وكان معدلا - وبامرأتين " فأوتي بهم فقال عليه السلام لهم: " خذوا هذه المرأة

(1) " تهذيب الأحكام " ج 9، ص 353، ح 1268، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 2.
(2) " الكافي " ج 7، ص 156، باب ميراث الخنثى، ح 2.
(3) " الكافي " ج 7، ص 157، باب ميراث الخنثى، ح 5.
(4) " تهذيب الأحكام " ج 9، ص 354، ح 1271، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 5.
(5) " الفقيه " ج 4، ص 327، باب ميراث الخنثى، ح 5704.
75

إن كانت امرأة فأدخلوا بيتا وألبسوها نقابا وجردوها من ثيابها وعدوا
أضلاعها " ففعلوا ثم خرجوا إليه فقالوا له: عدد الجنب الأيمن إثنا عشر ضلعا
والجنب الأيسر أحد عشر ضلعا فقال علي عليه السلام: " الله أكبر إئتوني بحجام " فأخذ من
شعرها فأعطاها رداء وحذاء وألحقها بالرجال 1.
ومفاد بعضها أنه بعد تساوي المبالين يعطى نصف نصيب الرجل ونصف نصيب
المرأة.
وذلك مثل رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: المولود يولد له
ما للرجال وله ما للنساء؟ قال: " يورث من حيث يبول من حيث سبق بوله فان
خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث فان كانا سواء ورث ميراث الرجال وميراث
النساء " 2.
ورواية إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه عليه السلام: " إن عليا عليه السلام كان
يقول: الخنثى يورث من حيث يبول فان بال منهما جميعا فمن أيهما سبق البول ورث
منه فان مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل " 3.
وهذان القسمان الأخيران بينهما تعارض وقد ذكرنا أنه يجب الاخذ بهذه الطائفة
الأخيرة أي روايات التي مفادها أن له نصف نصيب الرجل ونصف نصيب المرأة
لعمل المشهور بها واعراضهم عن الطائفة الأولى أي التي يأمر فيها بعد الأضلاع
وجعل نقصانها في الطرف الأيسر أمارة الذكورية والرجولية وان كانت تلك
الروايات مروية بطرق متعددة حاكية لقضاء أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الواقعة
العجيبة.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

(1) " الوافي " ج 2، ص 141، أبواب المواريث، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره.
(2) سبق تخريجه في ص 72، رقم (1).
(3) سبق تخريجه في ص 72، رقم (2).
76

17 - قاعدة
تلف المبيع قبل القبض
77

قاعدة تلف المبيع قبل القبض *
ومن القواعد الفقهية المشهورة قاعدة " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال
بائعه ".
والكلام فيها من جهات:
الجهة الأولى
في مستندها
وهو أمور
الأول: الروايات:
منها: الحديث النبوي الشريف المشهور الذي حكاه في المستدرك عن عوالي
اللآلي: " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه " 1.
منها: رواية عقبة بن خالد التي رواها في الوسائل عنه عن أبي عبد الله عليه السلام في
رجل اشترى متاعا من آخر وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، وقال:
آتيك غدا إن شاء الله فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال عليه السلام: " من مال صاحب

*. " خزائن الأحكام " ش 26، " بلغة الفقيه " ج 1، ص 149، و 209، " القواعد " ص 105، " قواعد فقه " ص 189،
" قواعد فقهية " ص 287، " القواعد الفقهية " (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 351، " المبادي العامة للفقه
الجعفري " ص 226 " مجله كانون وكلاء " العام 2، ش 16، ص 9 - 14، محمد اعتضاد البروجردي.
" قاعده تلف مبيع قبل از قبض " ماجستير، " حقوق خصوصي "، محمد رضا قنبري، جامعة طهران.
(1) " مستدرك الوسائل " ج 13، ص 303، أبواب الخيار، باب 9، ح 15430.
79

المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته
فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه " 1.
ودلالة الحديث الشريف على هذه القاعدة واضحة، من جهة أنها مدلوله المطابقي.
وبعبارة أخرى: الحديث نص في هذه القاعدة، إذ مضمونه ومفاده عين هذه
القاعدة وليس هناك - حسب قانون المحاورة وبناء العقلاء في مقام الإفادة والاستفادة
من استكشاف المراد بظواهر الألفاظ والهيئة التركيبية للجملة - احتمال آخر غير هذه
القاعدة كي يكون هو المراد.
وأما حجية هذا الحديث: فهو وإن كان مرسلا ليس له سند معتبر لكن تلقى
الأصحاب له بالقبول واتفاقهم على الفتوى بمضمونه وكون مفاده من المسلمات
عندهم يوجب الوثوق بصدوره الذي هو موضوع الحجية، لا كونه خبر عدل أو ثقة.
وقد تكلمنا فيه وأثبتناه في كتابنا " منتهى الأصول " في مبحث حجية الخبر 2 فراجع.
فإذا كان الحديث الشريف من الجهتين - أي جهة الدلالة والحجية - لا قصور
فيه فيثبت به المطلوب وهو اعتبار هذه القاعدة وصحتها.
وأما الرواية: فهي أيضا من حيث السند لا احتياج لها إلى البحث عنها لما ذكرنا في
الحديث المبارك. وأما من حيث الدلالة فأيضا حالها حال الحديث الشريف لان
الحكم في كليهما على المبيع التالف عند البائع قبل أن يقبض المشتري بأنه من مال
البايع. نعم في الرواية هذا الحكم معنى بالقبض والاخراج من بيته وهذا أمر مسلم لا
يوجب فرقا في المقام بل التلف عند البائع قبل قبض المشتري يرجع إلى هذا المعنى
بل هو عينه.
وعلى كل حال الحكم في كليهما بان التلف من مال البائع فيه احتمالات ثلاث:

(1) " وسائل الشيعة " ج 2، ص 358، أبواب الخيار، باب 10، ح 1.
(2) " منتهى الأصول " ج 2، ص 112.
80

أحدها: أن يكون المراد منه أن القبض دخيل في حصول ملكية المبيع للمشتري
وإلا فهو باق على ملك البايع، كما أنه كذلك في بيع الصرف فان القبض في المجلس
دخيل وشرط لحصول ملكية العوضين وصحة العقد.
ولكن هذا الاحتمال معلوم البطلان إجماعا.
الثاني: أن تكون يد البائع يد ضمان فيكون الضمان بالمثل أو القيمة كسائر أبواب
الغرامات وأيدي العادية.
ولكن هذا الاحتمال أيضا باطل لأن المفروض أن اليد ليست يد ضمان بل أمانة
مالكية، وإلا لو كانت اليد يد ضمان أو أتلف البائع أو نفس المشتري مع عدم قبضه -
إن لم تكن الاتلاف قبضا - فليس مربوطا بهذه القاعدة، بل في الأول يكون ضمان
البائع ضمانا واقعيا بالمثل أو للقيمة وبقاعدة " على اليد " وفي الثاني أيضا ضمانا واقعيا
وبقاعدة " الاتلاف " وفي الثالث هو أتلف ماله فلا ضمان على البائع بهذه القاعدة لعدم
تحقق موضوعها وهو التلف قبل القبض لأنه إتلاف من قبل نفس المالك لا التلف
عند البائع قبل أن يقبض المشتري.
الثالث: انفساخ المعاملة آنا ما قبل التلف ليكون التلف في ملك البائع فيكون معنى
الضمان رجوع الثمن إلى ملك المشتري لا الضمان الواقعي.
وهذا الاحتمال - أي انفساخ المعاملة آنا ما قبل التلف - لا محذور فيه بعد وجود
الدليل عليه أي الملكية آنا ما للبائع من طرف الشارع فان الامر بيده وله نظائر في
الشرع.
منها: لو باع داره مثلا ببيع الخياري ففسخه وكان فسخه بأن باعها من غير
المشتري الأول أو وقفها فبناء على صحة البيع أو الوقف لابد وأن نلتزم بدخوله آنا ما
في ملك الفاسخ ثم يتحقق البيع أو الوقف لأنه لا بيع إلا في ملك.
ومنها: قوله أعتق عبدك عني بناء على صحة العتق ووقوعه عنه بصرف هذا
81

الكلام وذلك من جهة أنه لا يمكن وقوعه عنه إلا بأن يصير ملكا له آنا ما قبل وقوع
العتق عنه.
ومنها: فيما إذا اشترى من ينعتق عليه، فلابد من الالتزام بملكية المشتري آنا ما كي
يصح البيع فينعتق عليه، وهذا مقتضى الجمع بين دليلي صحة البيع وانعتاقه عليه.
ومنها: ما قيل في باب المعاطاة بناء على القول بالإباحة وجواز عتق من اشتراه
بالمعاطاة أو وقفه أو تعلق الزكاة والخمس به فان مقتضى الجمع بين أدلة هذه الأقوال
هو الالتزام بملكية آنا ما. والحاصل أنه بعد ورود الدليل على رجوع الثمن إلى المشتري
إذا تلف المبيع قبل القبض فلابد من الالتزام بانفساخ العقد ورجوع المبيع إلى ملك
البائع آنا ما، فوقوع التلف كان في ملكه.
الثاني: الاجماع على هذا الحكم، وقد ادعاه صريحا في التذكرة وحكى أيضا عن
جماعة 1 والظاهر عدم الخلاف واتفاق الأصحاب على هذا الحكم.
ولكن قد ذكرنا مرارا من أن مثل هذا الاتفاق والاجماع - الذي من المحتمل بل
المظنون بالظن القوي أن يكون مدركه الروايات الواردة في هذا الباب أو الاعتماد على
ما سنذكره من بناء العقلاء - ليس من الاجماع المصطلح في الأصول الذي بنينا على
حجيته.
الثالث: بناء العقلاء على انفساخ العقد لو وقع التلف قبل القبض ورجوع الثمن إلى
المشتري وذلك من جهة أن العقلاء في باب العقود المعاوضية وان كانوا ينشأون
المبادلة بين المالين - بمعنى أنهم في عالم الاعتبار يملكون أحد العوضين لصاحب
العوض الآخر - ولكن بعنوان المعاوضية وكون العوض الآخر عوضا وبدلا، وليس
من قبيل الهبة تمليكا مجانيا وبلا عوض وبلا بدل، فما دام كل واحد من العوضين باق
ويكون قابلا لان يعطي للآخر بدل ماله الذي أخذ منه هذا العقد باق.

(1) " تذكرة الفقهاء " ج 1، ص 473.
82

وأما إن سقط عن قابلية الاعطاء أو عن كونه بدلا فقهرا ينفسخ العقد ويرجع ما
هو باق إلى صاحبه. والذي وقع عليه التلف وذهب من البين، أو سقط ماليته في عالم
الاعتبار - فيما كان ماليته بصرف الاعتبار كالأوراق المالية التي تسقط عن الاعتبار -
يذهب من كيس صاحبه أي صاحبه قبل المعاوضة، وهذا من لوازم انفساخ العقد.
ولكن يرد على هذا الدليل أنه بناء عليه يكون الانفساخ في الرتبة المتأخرة من
التلف، إذ التلف صار سببا للانفساخ ولازم ذلك أن التلف وقع في ملك من هو
صاحبه بعد العقد لا من كان صاحبه قبل العقد، وهو خلاف مفاد القاعدة
ومضمونها كما سيأتي في بيان مفاد القاعدة أي في الجهة الثانية. وأيضا خلاف ما هو
ظاهر الروايات وما هو المسلم بين الأصحاب لان ما هو المسلم بينهم في المفروض
أن تلف المبيع يكون من مال صاحبه قبل العقد الذي هو البائع في المقام.
ويمكن أن يجاب عنه بان أصل انفساخ العقد ورجوع ما هو من العوضين باق ولم
يتلف إلى ملك من كان صاحبه قبل العقد يكون على القاعدة ومقتضى طبع المعاوضة
وبناء العقلاء في أبواب المعاملات المعاوضية والمبادلات المالية ولكن كونه آنا ما قبل
التلف ليكون التلف في ملك المالك قبل العقد حكم تعبدي ودليله الاجماع أو
الروايات.
فبناء على هذا هذه القاعدة لا تعبدي محض ولا أنها تكون مقتضى قواعد
المعاوضات فقط بل تكون مركبة من أمرين أي أصل الانفساخ فيما إذا وقع التلف
على أحد العوضين ليس تعبديا بل هو مقتضى طبع المعاوضات والمبادلات المالية
كما بينا مفصلا وأما كونه آنا ما قبل التلف فتعبدي صرف.
الجهة الثانية
في مفاد هذه القاعدة وما هو المراد منها وشرح ألفاظها
فنقول: أما " المبيع " و " التلف " فمعناهما معلومان ولا يحتاج إلى شرح وايضاح.
83

وأما ما يقال من أن المبيع في القاعدة هل يشمل الثمن أم لا فليس من جهة الترديد
في معنى لفظ المبيع لأنه من الواضح ظهوره عرفا في المثمن بل وكذلك لغة وإنما
احتمال شموله له من ناحية وحدة المناط والملاك خصوصا بناء على ما قلنا في الدليل
الثالث على هذه القاعدة من بناء العقلاء في باب المعاوضات على أن يكون الاخذ
والاعطاء الخارجيين بعنوان العوضية حالهما فلابد وأن يكون كل واحد منهما قابلا
للاعطاء إلى زمان حصول التقابض من الطرفين فلو تلف أحدهما سواءا كان هو
المثمن أو الثمن قبل أن يقبض فلا يمكن التقابض فقهرا يتفسخ المعاملة. ولا فرق في
حصول الانفساخ من هذه الجهة بين أن يقع التلف قبل القبض على الثمن أو المثمن.
نعم لو كان هذا الحكم صرف تعبد من حيث دلالة النبوي عليه فلا مجال للترديد
لان لفظ المبيع لا يشمل الثمن قطعا.
وأما ما يقال من أن التلف هل يشمل ما يجب إتلافه شرعا كمورد القصاص في
العبد الجاني أو مورد ارتداده الفطري حيث إنه محكوم شرعا بالاتلاف والقتل ولا
تقبل توبته من هذه الجهة وإن كان الأصح قبول توبته من غير الجهات الثلاث أي
القتل وتقسيم أمواله بين ورثته وإبانة زوجته عنه أو مورد صيرورته مقعدا.
والحاصل أن كل مورد يكون شرعا محكوما بالتلف أو بوجوب الاتلاف مع بقاء
العين تكوينا ووجدانا فليس هذا أيضا ترديدا في معنى التلف لان التلف عبارة عن
انعدام الشئ تكوينا إن كان من التكوينيات بل مرادهم أن هذه الأمور مشمولة
للتلف حكما لا موضوعا أم لا؟
وبعبارة أخرى: مناط التلف وهو عدم إمكان التقابض الذي قلنا إنه من مقتضيات
ذوات عقود المعاوضية فيها موجود وإلا فان الشئ الموجود بعينه كيف يمكن أن
يطلق التلف عليه حقيقة.
نعم لا مانع من إطلاق التلف عليه مجازا وبالعناية باعتبار سلب الآثار ونفيها عنه
84

أو نفي الأثر المطلوب.
وأما لفظ " القبض " الوارد في هذه القاعدة فهو بالمعنى الذي يذكره الفقهاء في باب
البيع أي استيلاء البايع على الثمن مثلا ووقوعه تحت يده بحيث لو أتى من يدعيه
يكون هو المدعى ويكون القابض هو المنكر لأنه يكون هو ذا اليد.
وأما كلمة " من مال بائعه " المذكورة في هذه القاعدة ففيها احتمالان:
الأول: أن يكون المراد منه أن التلف وقع في مال البائع وذلك بان يكون مرجع
ضمير " هو " هو التلف المعلوم من كلمة تلف المذكورة في هذه القاعدة بصورة الفعل
الماضي. ولا شك في أن ظاهر هذا الكلام بناءا على هذا أن التلف من مال البائع لا من
المشتري فلابد من القول بانفساخ المعاملة قبل التلف آنا ما حتى يمكن أن يكون
التلف من مال البائع وإلا فكيف يمكن أن يكون التلف الواقع في ملك المشتري من
مال البائع.
اللهم إلا أن يقال: إن المراد من كون التلف من مال البائع مع وقوعه في ملك
المشتري هو أن خسارته وضمانه الواقعي عليه.
ولكن أنت خبير بأن هذا خلاف ما هو ظاهر الكلام جدا نعم لو كان بدل كلمة
" من مال " لفظة " على بائعه " كان لهذا الاحتمال وجه.
وقد ظهر مما ذكرنا بطلان الاحتمال الثاني وهو أن يكون المراد من هذه الكلمة أي
كلمة " من مال بائعه " أن خسارة التالف وغرامته على البائع لا أن أصل وقوعه في
ملك البائع حتى يكون ملازما مع انفساخ العقد آنا ما قبل التلف وقوع التلف في ملك
البائع إلا أن يقال بعدم حصول الملكية لكل واحد من المتبايعين قبل وقوع القبض
من الطرفين كما أنه نسب ذلك إلى شيخ الطائفة قدس سره.
ولكن أنت خبير بعدم صحة هذا الكلام لما هو المذكور في محله واتفاق الكل على
خلافه.
85

فإذا ظهر لك ما ذكرنا من المراد من ألفاظ هذه القاعدة فنقول: إن معنى هذه
الجملة ومفاد هذه القاعدة في كمال الوضوح وهو عبارة عن أن كل مبيع من أي سنخ
من الأموال إنسانا كان أو حيوانا أو نباتا أو جمادا لو وقع عليه التلف قبل أن يقبضه
المشتري يوجب انفساخ البيع آنا ما قبل التلف فيكون من مال بائعه فيرجع الثمن إلى
المشتري.
وأما بناء على ذلك الاحتمال الآخر الذي قلنا إنه خلاف الظاهر وخلاف فتوى
المشهور بل خلاف الاجماع فيكون مفاد القاعدة أن كل مبيع تلف قبل قبضه أي قبل
استيلاء المشتري عليه يكون خسارته وضمانه على البائع فيكون البائع يعطي مثله
للمشتري إن كان مثليا ومثله موجودا ويعطي قيمته له إن كان قيميا أو كان مثليا
ولكن مثله ليس بموجودا وتحصيله متعذر أو متعسر وإن كان موجودا.
ثم إنه تختلف النتيجة في سعة انطباق القاعدة وفي ضيقه بحسب اختلاف المدرك.
فلو كان المدرك هو الروايات فالظاهر المستفاد منها هو الذي تقدم من انفساخ
البيع لو تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري ورجوع الثمن إلى ملك المشتري.
وأما شموله للثمن - أي لو تلف الثمن قبل أن يقبضه البائع فيكون موجبا لانفساخ
العقد - في غاية الاشكال لان لفظ المبيع لا يشمل الثمن لا بحسب الوضع اللغوي ولا
بحسب المتفاهم العرفي ولا لفظ البائع يشمل المشتري.
وأما شموله لما لو كان التالف بعض المبيع فسنتكلم فيه في الجهة الثالثة إن شاء الله
تعالى.
وأما لو كان المدرك هو الاجماع فأيضا يكون الحكم مثل ما إذا كان المدرك
الروايات إذا كان معقد الاجماع هو مفاده هذه القاعدة كما هو كذلك. اللهم إلا أن يقال:
إنه أوسع بناء على انعقاده في الثمن أيضا مثل المبيع.
وأما لو كان المدرك هو بناء العقلاء في باب المعاوضات على أن إنشاء المبادلة
86

والمعاوضة بين العوضين مبني على الاخذ والاعطاء خارجا بحيث يكون هذا المعنى
أي التعاطي والتقابض من الطرفين من مقومات المعاملة والعقود المعاوضية وداخلا في
حقيقتها. ومن هذه الجهة لو تلف أحد العوضين قبل أن يقبضه الذي صار صاحبه
بعدم وقوع المعاوضة فينفسخ المعاوضة قهرا لعدم إمكان تحقق مثل هذا المعنى بعد
تلف أحدهما.
وبناء على هذا لا اختصاص لهذه القاعدة بالبيع بل تجري في جميع العقود
المعاوضية وفي تلف كل واحد من العوضين إذا كانت المعاوضة والمعاملة واقعة على
الشخصيين لأنه لا معنى لتلف الكليين. نعم لو كان أحد العوضين كليا والآخر
شخصيا فالقاعدة تجري في تلك المعاملة لامكان وقوع التلف على ذلك العوض
الشخصي.
الجهة الثالثة
في موارد انطباق هذه القاعدة
وعرفت في الجهة الثانية أنها تختلف سعة وضيقا باعتبار اختلاف مدركها فنقول:
أما جريانها فيما إذا وقع التلف على تمام المبيع الشخصي قبل أن يقبضه المشتري أو
قبل ما كان في حكم القبض وهو كما إذا أتلفه المشتري مثلا فهو القدر المسلم على
جميع الاحتمالات أي سواء كان مدركها الروايات أو الاجماع أو مقتضى القواعد
الأولية.
وأما إذا وقع التلف على بعض المبيع فهل تشمله هذه القاعدة وينفسخ البيع
ويرجع تمام الثمن إلى المشتري أو لا ينفسخ أصلا أو يفصل بين ما إذا كان المبيع
يقسط عليه الثمن باعتبار الاجزاء وليس لهيئة الاجتماع أثر في مقدار السعر كما إذا باع
شاتين بعقد واحد أو منين من طعام متحد الجنس من حيث نوع الطعام ومن حيث
الجودة والردائة فإذا تلف أحد الغنمين أو أحد المنين من الحنطة أو الأرز مثلا
87

فينفسخ العقد بالنسبة إلى ذلك المقدار ويرجع ثمن ذلك المقدار إلى البائع وبين ما إذا
كان لهيئة الاجتماع أثر في ازدياد السعر أو في أصل السعر كزوج حذاء تلف أحد
فرديه احتمالات.
والأقوى هو الأخير سواء كان المدرك هو الروايات أو الاجماع أو ما ذكرنا من
بناء العقلاء وذلك من جهة أنه كما يصدق المبيع على الكل كذلك يصدق على جميع الأجزاء
ولذلك يقولون بصحة البيع بالنسبة إلى الجزء الذي مملوك إذا كان المبيع
مركبا مما يملكه ومما لا يملك أو كان مركبا مما يملك ومما لا يملك لأنه لا معنى لكون
الشئ مبيعا إلا تمليكه للغير بعوض مال ولا شك في أن البائع ملك كل جزء من
أجزاء المثمن في الصورتين المتقدمتين بمقدار من ذلك الثمن والعوض المذكور المسمى
في العقد فيصدق عليه أنه مبيع نعم لا يصدق عليه أنه مبيع مستقل بل هو مبيع في
ضمن كون الكل مبيعا ولكن نفي المقيد لا يستلزم منه نفي المطلق.
هذا بناء على أن يكون مدرك هذه القاعدة هو النبوي المشهور أو الرواية فواضح
لما ذكرنا من صدق المبيع على ذلك الجزء التالف نعم ينفسخ العقد بالنسبة إلى ذلك
الجزء التالف فقط لا بالنسبة إلى الجميع.
وأما لو كان المدرك هو الاجماع فإن كان معقد الاجماع ما هو الموضوع في القاعدة
أي " كل مبيع تلف " فالامر أيضا كما ذكرنا وأما لو كان معقده مهملا لا إطلاق فيه
فلابد وأن يؤخذ بالقدر المتيقن وهو تلف تمام المبيع قبل القبض لا بعضه اللهم إلا أن
يدعي الاجماع على الجزء أيضا.
وأما لو كان المدرك هو بناء العقلاء فشموله للجزء أوضح لان بناء العقلاء في
المعاملات المعاوضية كما بينا هو إنشاء المبادلة بين المالين لأجل الاخذ والاعطاء
والتقابض الخارجي فإذا خرج أحد العوضين أو كلاهما عن قابلية القبض
والاقباض والاخذ والاعطاء ولو كان بواسطة تلف بعض أحدهما فقهرا ينفسخ
88

المعاملة. ويمكن أن يقال باختصاص الانفساخ بالنسبة إلى ذلك المقدار التالف من
العوضين أو أحدهما.
هذا فيما إذا كان وقوع التلف على المبيع كلا أو بعضا.
وأما لو وقع التلف على الثمن فإن كان مدركها النبوي المشهور فلا تشمل الثمن
لظهور المبيع فيما هو مقابل الثمن وما هو حجة في باب الألفاظ والجمل الصادرة عن
الشارع في مقام بيان الأحكام ليس إلا ظهورات تلك الألفاظ والجمل التي هي
كاشفات عن مرادات المتكلم إذ طريقته في مقام بيان الأحكام ليست إلا طريقة أهل
المحاورة ولابد لشمول هذا الحكم للثمن من التماس دليل آخر من نقل أو إجماع أو
بناء العقلاء وسنتكلم فيها.
وأما إن كان مدركها رواية عقبة بن خالد فصدر الرواية وإن كان ظاهرا في
خصوص المبيع ولا يشمل الثمن - لأنه عليه السلام في مقام سرقة المتاع الذي هو المبيع يحكم
بان التلف من مال صاحبه الذي هو في بينه أي البائع فلا ربط له بتلف الثمن قبل أن
يقبضه البائع - ولكن ذيلها أي قوله عليه السلام: " فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه
حتى يرد إليه ".
ولا شك في أن ظاهر هذا الكلام أن البائع بعد ما أخرج المبيع من بيته أي أقبضه
وسلمه إلى المبتاع أي المشتري فيكون المبتاع أي المشتري ضامن لحقه أي البائع لأن المفروض
أنه أي المبتاع قبض المبيع فيكون ضامنا بالضمان المعاوضي لا الواقعي لأنه
قبض المبيع بضمان المعاوضي المسمى بضمان المسمى أي الثمن فلا يمكن له أداء حق
البائع أي عوض المبيع الذي هو عبارة عن الثمن فلا يمكن له إتمام المعاوضة والعمل
بها فقهرا يرجع المبيع إلى البائع إن كان موجودا وهذا معنى انفساخ العقد.
هذا ما أفاده شيخنا الأستاذ قدس سره في هذا المقام ولكن يمكن أن يقال: إن ما أفاده بان
معنى جملة " فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه " وإن كان كما ذكره وبيناه أي مفاد
89

هذه الجملة والمتفاهم العرفي منها هو أن المشتري بعد قبض المبيع ضامن للبائع بما هو
المسمى في عقد المعاوضة أي الثمن المعين في ذلك العقد ولكن بعد ما وقع التلف على
ذلك الثمن لا ملزم لرجوع المبيع إلى البائع وانفساخ العقد بل من الممكن أن يقال
ذهب الثمن من كيس البائع بلا عوض لان يد المشتري يد أمانة بعد قبض المبيع ولا
إتلاف في البين حتى يكون موجبا للضمان أو ينتقل ضمان المسمى إلى الضمان الواقعي
أي المثل إن كان مثليا أو القيمة إن كان قيميا إن كانت يده يد ضمان اللهم إلا أن يدل
دليل آخر على انفساخ العقد وسنذكره إن شاء الله تعالى.
وأما إن كان مدركها الاجماع فلابد وان ينظر إلى معقد الاجماع وانه هل في
خصوص تلف المبيع قبل قبضه قالوا بالانفساخ أو لا فرق في قولهم بالانفساخ بين
تلف المبيع قبل قبضه أو تلف الثمن قبل أن يقبضه البائع؟
والظاهر عدم الفرق في هذا الحكم بين المبيع والثمن والشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره
استظهر نفي الخلاف من عبارات الأصحاب في هذا المقام بالنسبة إلى الثمن أيضا 1.
وأما لو كان مدركها بناء العقلاء بالبيان المتقدم فلا فرق بين المبيع والثمن أصلا
لوجود ما هو مناط الانفساخ في تلف الثمن أيضا إذا كان الثمن شخصيا لأن المبيع
والثمن الكليين لا معنى لوقوع التلف عليهما نعم في المبيع الكلي أو الثمن الكلي يمكن أن
يكون فردا منحصرا به الكلي بحيث لا يكون مصداقا آخر للكلي غيره وتلف ذلك
المصداق. ولكن هذا أيضا ليس من تلف المبيع أو الثمن بل يكون من قبيل عدم
وجود المصداق لذلك الكلي الذي هو الثمن أو المثمن.
وعلى كل حال عرفت أن مناط الانفساخ بناء على هذا الوجه عدم إمكان
التقابض والتعاطي الذي هو من مقتضيات ذات العقد بل لا يتحقق حقيقة المعاملات
المعاوضية إلا به كما بينا مفصلا. وفي تحقق هذا المعنى أي امكان التقابض والاخذ

(1) " المكاسب " ص 314.
90

والاعطاء لا فرق بين تلف المبيع وبين تلف الثمن بل وبين تلف بعضه.
ثم إنه هل تختص هذه القاعدة بالبيع أو تشمل سائر العقود المعاوضية؟ فيه
تفصيل: وهو أنه لو كان مدركها الحديث الشريف أي النبوي المشهور أو رواية عقبة
بن خالد فالظاهر اختصاصها بالبيع وعدم شمولها لسائر المعاملات المعاوضية لان
موضوع الحكم فيها عنوان المبيع وهو عنوان مختص بالمثمن في خصوص البيع ولا
يشمل العوض ولا المعوض في سائر العقود والمعاملات وحينئذ التعدي إلى سائر
المعاملات المعاوضية يحتاج إلى دليل أو تنقيح مناط وإذ ليس في البين شئ منها
فالقول بشمولها لها في غاية الاشكال.
وأما لو كان مدركها الاجماع فقد حكى الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره عن التذكرة
عموم الحكم لجميع المعاوضات على وجه يظهر كونه من المسلمات 1 ولكن إثبات
عموم الحكم لجميع المعاوضات بالاجماع المصطلح الأصولي في غاية الاشكال لعدم
تحققه أولا بادعاء البعض خصوصا إذا كان بالاستظهار من كلام ذلك البعض من
دون تصريحه بذلك وعدم حجية مثل هذا الاجماع ثانيا على فرض تحققه. لما ذكرنا
مرارا من أن حجية الاجماع من باب الحدس القطعي برأيه عليه السلام من اتفاق الكل
وكشفه عنه وكون الاتفاق مسببا عن تلقيهم منه عليه السلام وذلك لا يكون إلا فيما إذا
لا يكون معتمد ومدرك آخر في البين يمكن أن يكون اتفاقهم مستندا إليه من بناء
العقلاء على التفصيل الذي ذكرنا والنبوي المشهور 2 ورواية عقبة بن خالد 3.
والانصاف أن الاجماع على شمول الحكم لجميع المعاملات المعاوضية كالإجارة
والصلح بعوض والدين بل الهبة المعوضة ممنوع صغرى وكبرى كما بينا.
وأما لو كان مدركها ما ذكرنا من بناء العقلاء والعرف والعادة على أن إنشاء العقود

(1) " المكاسب " ص 314.
(2) سبق تخريجه في ص 79، رقم (1).
(3) سبق تخريجه في ص 80، رقم (1).
91

المعاوضية والمبادلة في عالم الاعتبار والتشريع مبني على الاخذ والاعطاء الخارجي
بحيث لو لم يكن قابلا للاخذ والاعطاء الخارجي يكون المبادلة في عالم الاعتبار
والتشريع لغوا وعملا غير عقلائي فقابلية الاخذ والاعطاء الخارجي للعوضين
مأخوذة في حقيقة العقد حدوثا وبقاء أي حدوثها في حدوث العقد وبقاؤها في بقائه
فإذا سقط عن هذه القابلية بعد العقد وقبل القبض فقهرا ينفسخ العقد.
وأنت خبير بان مثل هذا المعنى ليس مختصا بالبيع بل يجرى في جميع المعاوضات.
ولعل من هذه الجهة جعل التلف قبل القبض في التذكرة في باب الإجارة موجبا
لانفساخ العقد وقال إنه من المسلمات. 1
هذا كله فيما إذا وقع التلف على أحد العوضين كلا أو بعضا.
وأما لو وقع التلف على صفة أحدهما قبل قبضه سواء كانت - تلك الصفة -
فقدانها موجبا لحدوث عيب في ذلك العوض أو لا بل كانت القاعدة صفة كمال بحيث
لا يقال لفاقد تلك الصفة أنه معيب وعلى كل حال هل تجري القاعدة في هذه الصورة
أم لا؟
أقول: أما جريان القاعدة بناء على أن يكون مدركها الروايات أو الاجماع فلا
وجه له أصلا لأنه لا يصدق على فوات الوصف - بكلا قسميه أي سواء كانت الصفة
صفة كمال فقط وان لم يكن فقدانها موجبا لحدوث عيب في المبيع أو كان كذلك - أنه
تلف المبيع الذي جعل موضوع الحكم في الروايات أو انعقد عليه الاجماع.
واما بناء على أن يكون مدركها بناء العقلاء بالبيان المتقدم فأيضا لا وجه
لجريانها إذ المناط في جريانها بناء على ذلك المدرك عدم إمكان التقابض
الخارجي بالنسبة إلى العوضين بما هما عوضان لان فوات الوصف لا يخرج الموصوف
عن كونه عوضا. ولا يقاس بتلف الجزء أي بعض أحد العوضين لان الجزء التالف

(1) " تذكرة الفقهاء " ج 2، ص 322.
92

عوض وبدل عن مقدار من العوض الآخر فلا يمكن التقابض والاخذ والاعطاء
بالنسبة إلى ذلك الجزء التالف ومقابله من العوض الآخر بخلاف الوصف فإنه
لا يقابل بحصة من العوض الآخر وإن كان ربما يوجب زيادة قيمة الموصوف به.
نعم يبقى فرع آخر وهو أن العيب الحادث قبل القبض هل هو مثل الحادث بعد
القبض حتى لا يكون فيه الخيار ولا الأرش أو مثل الحادث قبل العقد حتى يأتيان
أي الخيار أو الأرش؟
والحق فيه هو ثبوت الخيار دون الأرش وذلك لان الأرش حكم تعبدي على
خلاف مقتضى القواعد إذ مقتضى القواعد - حتى فيما إذا كان العيب قبل العقد - هو
كون من انتقل إليه المعيب مخيرا بين إبرام المعاملة أو حلها لأجل أن التزامه بهذه
المبادلة والمعاوضة كان فيما إذا لم يكن ما انتقل إليه فاقدا لوصف الصحة فلا التزام له
بهذا الموجود فهو مخير بين أن يقبل ما انتقل إليه بنفس العوض المسمى في العقد
وتمامه أو يفسخ.
وأما أخذ الأرش فهذا شئ دلت عليه الروايات وربما يقال في مورد عدم إمكان
الرد للتصرف المانع منه كوطئ الجارية المعيبة التي صارت حبلى وأم ولد.
والحاصل أن أخذ الأرش حكم تعبدي في خصوص العيب الحادث قبل العقد وفي
ملك صاحبه الأولي فيجب الوقوف في مورده ولا يجوز إسراؤه إلى العيب الحادث
بعد العقد وإن كان قبل القبض إلا أن يدل دليل على الاسراء واشتراك العيب الحادث
قبل العقد مع الحادث بعده إذا كان قبل القبض وإذ ليس فليس له أخذ الأرش بل له
الخيار فقط.
هذا كله بناء على أن يكون هذا الحكم - أي تلف المبيع قبل القبض من مال البائع
- من باب بناء العقلاء وإلا لو كان من باب الروايات أو الاجماع فقد عرفت عدم
جريانه في تخلف الوصف بكلا قسميه أي سواء كان الوصف الفاقد وصف كمال أو
93

كان وصف الصحة فلا يوجب إلا الخيار.
ينبغي التنبيه على أمور
الأول: في أن النماء الحاصل للمبيع التالف ما بين العقد والتلف هل يرجع مثل المبيع
التالف إلى ملك من انتقل عنه أو يبقى على ملك من انتقل إليه قبل التلف وبعد العقد؟
وكذلك يرجع العوض الذي للتآلف نفسه إلى ملك من انتقل عنه لانمائه بمعنى أن يتلف
أحد العوضين يرجع نفس العوض الآخر إلى مالكه قبل العقد انا ما لا نماؤه؟
والحق في هذا المقام بعد أن قلنا بحصول الملكية بنفس العقد وليس حصولها
متوقفا على القبض كما نسب إلى الشيخ قدس سره وقلنا إن التلف يوجب انحلال العقد آنا ما
قبل التلف لا من أول الأمر كما هو الصحيح والمختار فلا يبقى وجه لرجوع النماء
المنفصل إلى المالك قبل العقد لان النماء حصلت في ملك من انتقل إليه وليس سبب
ناقل في البين حتى نقول برجوعه ثانيا إليه.
الثاني: إن ضمان البائع بالنسبة إلى الثمن لو تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري هل
يسقط باسقاط المشتري؟ وكذلك ضمان المشتري للمبيع لو تلف الثمن قبل أن يقبضه
البائع هل يسقط باسقاط البائع أم لا؟ في كلتا الصورتين أي في صورة إسقاط
المشتري ضمان البائع للمبيع وفي صورة إسقاط البائع ضمان المشتري للثمن.
الظاهر عدم الاسقاط في كلتا الصورتين وذلك من جهة أن انحلال العقد ورجوع
العوض الموجود بعد تلف عوض الآخر إلى مالكه قبل العقد أمر قهري بناء على أن
يكون مدرك القاعدة هو بناء العقلاء الذي تقدم الكلام فيه وليس من فعل أحد
المتعاقدين حتى يكون من قبيل الخيار الذي هو حق حل العقد وإبرامه كي يكون
قابلا للاسقاط كسائر الحقوق القابلة للاسقاط.
وبعبارة أخرى ليس انفساخ العقد آنا ما قبل التلف من آثار حق المشتري على
94

حل العقد في تلف المبيع قبل القبض ولا من آثار حق البائع في تلف الثمن قبله حيث
أن بقاء العقد منوط عند العقلاء ببقاء قابلية كل واحد من العوضين على الاخذ
والاعطاء - كما ذكرنا مفصلا - وفي أي وقت خرج عن هذه القابلية ينحل العقد قهرا
فلا معنى لان يكون قابلا للاسقاط.
الثالث: أن لا يكون التلف المذكور في هذه القاعدة مسببا عن إتلاف شخص
سواء كان هو مالك أحد العوضين أو أجنبي عن هذه المعاملة لأنه إن كان المتلف هو
الذي انتقل إليه هذا التالف في هذه المعاملة فليس هذا من قبيل التلف قبل القبض
لان هذا الاتلاف من مالكه وهو بنفسه يكون قبضا نعم لو كان جاهلا بأنه ماله
وأوهمه آخر بأنه هبة لك أو مباح عليك فأكله مثلا فيدخل في قاعدة الغرور ويرجع
إلى من غره بضمانه الواقعي من المثل أو القيمة كل في محله ولا ينافي ذلك تمامية
المعاملة وكون هذا الاتلاف قبضا.
وأما لو كان الاتلاف من قبل غير المالك بعد العقد سواء كان هو المالك قبل العقد
أي الطرف الآخر للمعاملة أو كان من قبل ثالث أجنبي فبناء على المختار من كون
مدرك القاعدة هو بناء العقلاء ينحل العقد لا محالة ويرجع عوضه إلى مالكه قبل
العقد لعدم إمكان التقابض.
وأما بالنسبة إلى ضمان التالف فإن كان المتلف هو مالكه قبل العقد فلا ضمان في
البين أصلا لان الانسان لا يضمن لاتلاف مال نفسه لأنه بعد فرض انحلال العقد
آنا ما قبل التلف يرجع التالف إلى ملكه فيكون إتلافه واقعا على ملكه فلا ضمان.
وأما إن كان المتلف هو الأجنبي فيرجع المالك بعد الانحلال إلى ذلك المتلف الأجنبي
بضمانه الواقعي من المثل أو القيمة كل في محله.
الرابع: لو كان شخص وكيلا عن البائع والمشتري أو وليا عليهما والثمن والمثمن
كلاهما تحت يده أو كان هو البائع مثلا ولكن كان وليا على المشتري ففي جميع هذه
95

الصور لو تلف أحد العوضين بمحض وقوع العقد يكون من التلف بعد القبض لا قبله
لأن المفروض أن العوضين كلاهما في يده وأيضا المفروض أن يده يد الطرفين إذا كان
وكيلا عنهما أو وليا عليهما ويده يد الطرف الآخر إذا كان هو البائع وكان وليا على
المشتري أو بالعكس أي كان هو المشتري وكان وليا على البائع فلا يحتاج إلى قبض
جديد لأنه من قبيل تحصيل الحاصل.
نعم الشئ الذي يمكن أن يقال هو أنه هل يحتاج في حصول القبض إلى قصد
جديد ونية جديدة بمعنى أن الثمن مثلا كان عنده وفي يده باعتبار أنه ملك لهذا المولى
عليه وبعد وقوع العقد ينوي أن يكون عنده وتحت يده باعتبار صيرورته ملكا لذلك
المولى عليه الآخر وكذلك الامر في باقي الصور؟ أم لا يحتاج إلى تجديد القصد والنية؟
والتحقيق في هذا المقام هو أن في ما يده بالنسبة إلى نفسه قبض بلا إشكال بمعنى
أنه نفسه لو كان أحد طرفي المعاملة سواء كان الطرف الآخر موكله أو المولى عليه
له والمفروض أن المال المتعلق بأي واحد منهما في يده فالقبض حاصل ولا يحتاج إلى
قصد ونية جديدة وذلك لعدم اعتبار القصد والنية في صدق الافعال ولم يؤخذ لا في
مادتها ولا في هيأتها فالذي خطى خطوات يصدق أنه مشى سواء قصد المشي أو لم
يقصد.
نعم لو كان وكيلا عن شخص في كونه طرفا في معاملة أو وليا عليه فصدق القبض
عن قبله بدون القصد مشكل من جهة أن استناد فعل صادر من شخص إلى شخص
آخر إن لم يكن بتسبيبه وتحريكه فلابد وأن يكون بقصد النيابة عنه وإلا فكيف
يستند إلى شخص أجنبي آخر
اللهم إلا أن يقال: إن صدور القبض عن الوكيل أو عن الولي فيما إذا كان البيع أو
الشراء لهما يكفي من دون الاحتياج إلى استناد القبض إليهما.
وربما يشهد لذلك ما روى في الصحيح عن الصادق عليه السلام في رجل تصدق على ولد
96

له قد أدركوا فقال عليه السلام: " إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فان تصدق على من لم
يدرك من ولده فهو جائز لان الوالد هو الذي يلي أمره " 1.
فمفاد هذه الرواية هو عدم الاحتياج إلى القبض إن كان الواهب وليا على الموهوب
له واطلاقه يشمل صورتي القصد وعدم القصد فيدل على أن قبضه يكفي مطلقا
سواء قصد كونه عن طرف المولى عليه أم لا.
وعموم التعليل يوجب عدم الفرق بين الهبة وسائر أقسام التمليك فان قوله عليه السلام:
" لان الوالد هو الذي يلي أمره " لا اختصاص بمورد التمليك بالهبة ويستفاد منه أن
التصرف في جميع أموره راجع إلى الولي أبا كان أو جدا.
الخامس: لو فرط وكيل البائع في الاقباض بدون أي عذر فتلف المبيع فلا شك في
انفساخ العقد ورجوع المبيع إلى البائع آنا ما قبل التلف بناء على ما هو المختار في
مدرك هذه القاعدة لعدم إمكان التقابض بين العوضين بعد التلف بأي سبب كان
التلف بل ولو كان بالاتلاف إذا لم يكن من قبل من انتقل إليه بالعقد لما ذكرنا من أن
الاتلاف من قبله قبض فليس من التلف قبل القبض بل يكون من التلف بنفس
القبض.
نعم يبقى الكلام في رجوع البائع إلى الوكيل المفرط بناء على انحلال العقد ورجوع
المبيع آنا ما قبل التلف إلى ملك البائع فوقع التلف في ملك البائع بتفريط من الوكيل
فيكون ضامنا للبائع من جهة الاتلاف أو اليد؟ والصحيح هو الثاني لأنه لم يتلف
ولكن بسبب تأخيره وتفريطه في الاقباض صارت يده يد ضمان وخرج عن كونه يدا
أمانية فالضمان - أي ضمان الوكيل للبائع - يكون ضمانا واقعيا أي بالمثل أو القيمة كل
في مورده لا ضمان المسمى ولا وجه لاحتماله أصلا.

(1) " الفقيه " ج 4، ص 247، باب الوقف والصدقة والنحل، ح 5585، " تهذيب الأحكام " ج 9، ص 137، ح
577، باب الوقوف والصدقات، ح 24، " الاستبصار " ج 4، ص 102، ح 390، باب من تصدق على ولده
الصغار...، ح 6، " وسائل الشيعة " ج 13، ص 299،، أبواب الوقف والصدقات، باب 4، ح 5.
97

نعم فيما إذا كان قيمة المسمى أزيد من الضمان الواقعي للتالف يمكن أن يقال بتضمين
الوكيل المفرط بالنسبة إلى تلك الزيادة وهذا الامر ليس مختصا بالموكل المفرط بل
يأتي في كل متلف أجنبي عن المعاملة فينحل العقد لأجل عدم إمكان التقابض الذي
هو شرط بقاء العقد ويقع التلف في ملك من انتقل عنه التالف آنا ما قبل التلف
ويرجع عوضه إلى الطرف الآخر. والمالك آنا ما قبل التلف يرجع إلى المتلف الأجنبي
بالضمان الواقعي من المثل والقيمة.
ولو كان المسمى له زيادة على الضمان الواقعي يمكن أن يقال بالرجوع إليه في تلك
الزيادة لأجل تفويته تلك الزيادة على المالك.
ومما ذكرنا ظهر أنه لو كان مال تحت يده سواء كانت يده يد أمانة أو يد عادية
فاشتراه من مالكه لا يحتاج إلى قبض جديد ولا يكون تلفه بعد وقوع العقد وبمحض
وجوده إلا التلف بعد القبض لما ذكرنا من أن القبض عبارة عن اليد والسيطرة
الخارجية على شئ وهذا المعنى حاصل قبل وقوع العقد على الفرض.
السادس: فيما إذا تعارض هذه القاعدة مع قاعدة " التلف في زمن الخيار من مال
من لا خيار له " كما إذا وقع التلف قبل قبض المشتري للمبيع ولكن كان في زمان خيار
البائع دون المشتري فبمقتضى هذه القاعدة ينحل العقد ويكون تلف المبيع من مال
البائع بان يدخل في ملكه آنا ما قبل التلف فيقع التلف في ملكه وقهرا يرجع ثمن
المسمى إلى المشتري.
ومقتضى قاعدة " التلف في زمان الخيار من مال من لا خيار له " هو أن يكون
التلف في ملك المشتري ولا يرجع الثمن إليه. ولا يمكن الجمع بين مفادهما في عالم
الجعل والتشريع وهذا معنى التعارض بين الدليلين وحيث أن بينهما عموم من وجه
فمقتضى القاعدة تساقطهما في مورد الاجتماع والرجوع إلى الأصول العملية إن لم تكن
أمارة أخرى في البين.
98

وقد يقال بعدم كون النسبة بينهما عموم من وجه لان قاعدة " التلف في زمن
الخيار من مال من لا خيار له " مورد تشريعه بعد القبض فالتلف إذا كان قبل القبض
يكون من مال البائع وإن كان في زمان خيار البائع ولم يكن للمشتري خيار.
ويستشهد لذلك بقوله عليه السلام في مورد خيار الشرط للمشتري دون البائع في
صحيحة ابن سنان: " وإن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو
مال البائع " 1. ففرع عليه السلام ضمان البائع على الهلاك في يد المشتري الذي هو عبارة أخرى
عن كون التلف بعد القبض.
وكذلك قول الراوي في رواية عبد الرحمن " فماتت عنده " أي بعد أن قبضها
المشتري فجواب الإمام عليه السلام بأنه " ليس على الذي اشترى ضمان حتى بمضي
بشرطه " 2 ظاهر في أنه في نفس المورد أي بعد القبض وإذا كان هناك بين الأخبار الدالة
على هذه القاعدة مطلق فيقيد بهذين الخبرين والنتيجة أن التلف إذا كان بعد
القبض يكون من مال من لا خيار له فلا يقع تصادم ولا تعارض بين القاعدتين.
وذكروا وجوها أخر لتقديم قاعدة " التلف قبل القبض " على قاعدة " التلف في
زمن الخيار من مال من لا خيار له " تركنا ذكرها لئلا يطول المقام.
والأحسن بل التحقيق في هذا المقام أن يقال: بناء على ما هو التحقيق في مدرك
هذه القاعدة أي قاعدة " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه " من أن انحلال
العقد بتلف أحد العوضين أو كلاهما قهري لبناء المعاوضة على القبض والاقباض
الخارجي، فإذا خرج أحدهما أو كلاهما عن هذه القابلية تكون المعاوضة لغوا وغير
عقلاني.
فمتى لم يكن العوضان قبل أن يحصل القبض والاقباض قابلين للاخذ والاعطاء،

(1) " تهذيب الأحكام " ج 7، ص 24، ح 103، باب عقود البيع، ح 20.
(2) " الكافي " ج 5، ص 171، باب الشرط والخيار في البيع، ح 9، " تهذيب الأحكام " ج 7، ص 24، ح 104،
باب عقود البيع، ح 21، " وسائل الشيعة " ج 12، ص 351، أبواب الخيار، باب 5، ح 1.
99

العقلاء يرون مثل هذه المعاملة منحلة وباطلة، فالتلف قبل القبض - سواء أكان لكلا
العوضين أو لأحدهما - موجب وعلة لانحلال العقد قهرا ويترتب الانحلال على
التلف قبل القبض ترتب المعلول على علته.
ويكون في زمان التلف، وإلا يلزم الانفكاك الباطل بالضرورة فلا يبقى موضوع
لتلك القاعدة، لان موضوع تلك القاعدة، أي قاعدة " التلف في زمن الخيار من مال
من لا خيار له " هو زمن الخيار المتوقف على وجود العقد، وإلا فلا معنى للخيار مع
انحلال العقد وانعدامه والمفروض أن موضوع هذه القاعدة أي قاعدة " كل مبيع تلف
قبل قبضه فهو من مال بائعه " الذي هو التلف قبل القبض معدم لموضوع تلك
القاعدة فلا يبقى مجال للتعارض لان التعارض فرع وجود الموضوع ثم وجود حكمه
كي يتعارضان ولذلك اتفقوا على أنه لا تعارض بين الحاكم والمحكوم.
بل في المقام يمكن أن يقال بورود هذه القاعدة على تلك القاعدة لانحلال العقد
بالتلف قبل القبض واقعا لا تعبدا فقط بل يمكن القول بالتخصص لان الانحلال ليس
بتصرف من قبل الشارع بالتعبد به بل هو أمر تكويني.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
100

18 - قاعدة
ما يضمن بصحيحه
يضمن بفاسده
101

قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده *
ومن القواعد الفقهية المعروفة المشهورة قاعدة " كل ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده ".
وفيها جهات من البحث:
الجهة الأولى
في مدركها ومستندها
فنقول: وهو أمور ذكرها الفقهاء:
الأول: قاعدة الاقدام.
الثاني: قاعدة الاحترام.
الثالث: قاعدة اليد.
والرابع: الاجماع.
أما الأول أي قاعدة الاقدام فالمراد بها أن كلا المتعاقدين أقدما على أن يكون مال

*. " الحق المبين " ص 88 و 138، " عناوين الأصول " عنوان 63، " بلغة الفقيه " ج 1، ص 67، و 116، " مجموع
قواعد فقه " ص 71، " قواعد فقه " ص 90، " القواعد " ص 209، " قواعد فقه " ص 191، " قواعد الفقهية " ص
98، " قواعد فقهية " ص 105، " القواعد الفقهية " (مكارم الشيرازي) ج 4 ص 213، " قواعد الفقهية " ص
74، " مجله حقوقي " العام 2، ش 17، قاعدة كل عقد يضمن بصحيحه، " فصل نامه حق " دفتر 11 و 12،
العام 1366، قاعدة ما يضمن " بررسى فقهي حقوقي قاعده ما يضمن " ماجستير، مجيد فرخى مقدم،
مدرسة الشهيد مطهري العالية.
103

الآخر له بضمان لا مجانا وبلا عوض ولذلك لو كانت المعاملة صحيحة كان كل واحد
منهما ضامنا للمسمى حسب إقدامه والتزامه فالبائع مثلا يكون ضامنا للمبيع المسمى
بمعنى أنه في عهدته ويجب عليه تفريغ ما في ذمته باعطاء المبيع المسمى في العقد
للمشتري وكذلك الامر في طرف المشتري.
واستشكل على هذا الوجه أولا بان إقدام المتعاملين على أن يكون أخذ مال
صاحبه وإن كان مبنيا على أن يكون بعوض أي ما هو المسمى في العقد من الطرفين
ولكن كان هذا الاقدام والالتزام بالمسمى - والمفروض عدم إمضاء الشارع ما التزما
به وأقدما عليه - وهو أن يكون أخذ كل واحد منهما مال صاحبه بالعوض المسمى
فضمان كل واحد منهما لمال الآخر إذا تلف ولم يكن إتلاف في البين يحتاج إلى دليل
آخر غير الاقدام لعدم إقدامهما على ضمان المثل والقيمة.
ثانيا: أنه ما الدليل على أن إقدامه هذا ملزم له على ضمانه بالمثل أو القيمة فان
(أوفوا بالعقود) 1 ليس في البين لأن المفروض فساد العقد وعدم إلزام من طرف
الشارع على الوفاء بهذه المعاملة والعقد فلو فرضنا أنه أقدم على أصل الضمان وعينه
في المسمى والشارع لم يمض لزوم إعطاء المسمى مع التزامه هو بذلك وقلنا إن التزامه
بأصل الضمان باق غاية الأمر لم يلزمه الشارع باعطاء تلك الخصوصية وجوز له عدم
إعطائه لها لكن عليه العمل على طبق إقدامه فيما عدا تلك الخصوصية فيبقى السؤال -
بعد التسليم على أن إقدامه على أصل الضمان غير الاقدام على الخصوصية وهناك
إقدامان - عن أنه ما هو الملزم لوجوب العمل على طبق هذا الاقدام.
وبعبارة أخرى: إن هذا التزام ابتدائي لا يجب العمل به تكليفا ولا يوجب اشتغال
الذمة والعهدة وضعا الذي يسمى بالضمان.
وان شئت قلت: إن الالتزامات التي تقع بين الناس بصورة المعاوضة والمبادلة إن

(1) المائدة (5): 1.
104

أمضاها الشارع وحكم بلزوم الوفاء بها فيجب الوفاء وإلا فهو مخير بين الوفاء بها
وبين عدم الوفاء إن لم تكن المعاملة والوفاء بها محرما وإلا فإن كان محرما شرعا كبيع
الخمر أو البيع الربوي فلا يجوز الوفاء به والمفروض في المقام فساد العقد والمعاملة
وعدم إمضاء الشارع لها فلا قيمة لهذا الالتزام والاقدام.
ولكن يمكن أن يقال: إن العقلاء بناؤهم في أبواب معاملاتهم على أنه إذا أخذ شيئا
من الطرف بعنوان أن يعطي بدله وعوضه فان تراضيا على عوض معين وسمياه - وهو
الذي نسميه بالمسمى - فان تعذر ذلك المسمى فيرون المأخوذ مضمونا على الاخذ
بالضمان الواقعي أي المثل أو القيمة فلو تلف المأخوذ في يده يرونه ضامنا فإذا حكم
الشارع بفساد معاملة وعدم لزوم أداء المسمى لذلك الآخر فيرونه ضامنا بالضمان
الواقعي ولم يصدر ردع عن هذا البناء فيكون ضمان المقبوض بالعقد الفاسد إذا تلف
عند القابض على القاعدة ودليله بناء العقلاء مع عدم ردع الشارع الذي هو كاشف
عن الامضاء. فهذا يكون دليلا خامسا لهذه القاعدة.
وحاصل الكلام أن بناء العقلاء في معاملاتهم على أن الذي يأخذ ويقبض مال
الغير بعنوان المعاوضة والمبادلة وباعطائه له ما يساويه - وإن كان الاخذ بهذا القصد في
المعاملة غير الصحيحة عندهم لفقد ما هو مانع عندهم - لا يذهب ما أخذه هدرا
ولا يكون مجانا بل يرونه ضامنا لما أخذ ومشغولا ذمته بما قبض. نعم حيث أن
المعاملة الكذائية باطلة عندهم فلا يرون ذمته مشغولة بالمسمى.
وأما أصل اشتغال ذمته وكون ضمان ما قبض على عهدته فشئ مفروغ عنه ولعل
نظر شيخ الطائفة 1 أبو جعفر الطوسي قدس سره في استدلاله للضمان في المقبوض بالعقد
الفاسد وأمثاله من المتقدمين بأنه أقدم على الاخذ والقبض بالضمان إلى ما قلناه وإلا
فهذا الكلام بظاهره ظاهر الخلل.

(1) انظر: " المبسوط " ج 3، ص 64.
105

وأما الثاني: أي قاعدة الاحترام وهي عبارة عن احترام مال المؤمن وان حرمته
كحرمة دمه.
فتقريب دلالتها في المقام هو أنه بعد ما حكم الشارع بفساد هذه المعاملة وعدم
دخول كل واحد من العوضين في ملك الآخر لخلل في نفس العقد أو في المتعاقدين
أو في العوضين فقبض كل واحد من المتعاملين لمال الآخر بدون اشتغال ذمته بشئ
في قباله معناه أنه لا احترام لهذا المال ويذهب هدرا لو تلف بدون إتلاف من طرف
القابض وهذا مناف مع جعل الشارع حرمته كحرمة دم مالكه فكونه محترما معناه
أن القابض إذا لم يكن مالكا له لفساد المعاملة يكون ضامنا لدركه بمعنى أنه لو تلف
فعليه غرامته بالمثل أو القيمة لا أنه يجب عليه الرد فقط فصرف تكليف ولا ضمان في
البين هذا ما ذكروه.
ولكن الانصاف أن صرف كون المال محترما لا يدل على أنه بمحض القبض يكون
ضامنا ويكون المال في عهدته بل قضية احترامه عدم جواز التصرف فيه بدون إذنه
وانه لو تصرف فيه وأتلف أو نقص شئ منه بسبب تصرفه بدون إذن صاحبه
فيكون ضامنا لذلك التلف أو ذلك النقص وعليه غرامته إلا أن تكون يده يد ضمان.
وسنتكلم عنها ونقول إنها دليل مستقل بل هي العمدة في هذا الباب.
والحاصل: أن مفاد قاعدة الاحترام هو أن مال المؤمن محترم مثل دمه فكما أنه لو
جاء ضيف إليه فمات حتف أنفه عنده ليس على المضيف شئ فكذلك لو قبض ماله
لا بالقهر والغلبة - حتى تكون يده عادية - لا شئ عليه لو تلف بالتلف السماوي من
دون ارتباط إلى القابض لا مباشرة ولا تسبيبا.
ولا منافاة بين عدم الضمان والاحترام ولذلك قال الشيخ الأعظم 1 وشيخنا

(1) " المكاسب " ص 103.
106

الأستاذ 1 - قدس سرهما - أن الضمان في المقام مستند إلى اليد والمقصود من ذكر
قاعدة الاقدام وكذلك الاحترام عدم ما يوجب تخصيص قاعدة اليد بمعنى أن اليد
على مال الغير موجبة للضمان إلا في المال الذي لا احترام له كمال الكافر غير الذمي
وأيضا إلا فيما إذا أقدم على إعطائه مجانا وبلا عوض فقاعدة الاحترام لأجل عدم
وجود المخصص وهو عدم احترام المال والاقدام كذلك أيضا لان إقدامه على الاعطاء
مجانا وبلا عوض يوجب تخصيص قاعدة اليد بل تخصصه.
وأما الثالث: أي قاعدة اليد والمراد به النبوي المشهور أعني قوله صلى الله عليه وآله: " وعلى
اليد ما أخذت حتى تؤدي " 2.
وهذا الحديث الشريف من ناحية السند من جهة شهرته بين الفريقين غني عن
البحث والتكلم فيه من جهة أن هذه الشهرة توجب الوثوق بصدوره منه صلى الله عليه وآله وقد
تقرر في الأصول أن موضوع الحجية الخبر الموثوق الصدور.
وأما من ناحية الدلالة فنقول: الظاهر أن الظرف ظرف مستقر أي يكون عامله
من أفعال العموم ك‍ " مستقر " أو " ثابت " وأمثال ذلك لا أنه ظرف لغو كي يكون
عامله من أفعال الخصوص مثل " يجب " و " يلزم " وأمثالهما.
وذلك لجهات:
الأولى: من جهة أنه لو كان متعلقا بأحد أفعال الخصوص فلابد من تقدير كلمة
" الرد " أو " الأداء " وأمثال ذلك لان الموصول كناية عن المال المأخوذ. ويجب أو يلزم
ويحتم على اليد المال المأخوذ لا معنى له لان الوجوب واللزوم لابد وأن يتعلق
بالافعال لا بالذوات فلابد وأن يقدر كلمة " الرد " وما يشبهه حتى يكون معنى
الحديث يجب أو يلزم على اليد - أي على المسيطر - رد المال الذي أخذه أو أداؤه أو

(1) " منية الطالب " ج 1، ص 118.
(2) " مستدرك الوسائل " ج 14، ص 7، أبواب كتاب الوديعة، باب 1، ح 15944.
107

إعطاءه وأمثال ذلك حتى يستقيم المعنى ولا شك في أن التقدير خلاف الأصل.
الثانية: أنه لو كان الظرف ظرف لغو وكان متعلقا ب‍ " يجب " أو " يلزم " فيكون
الحكم معني في لسان دليله باتيان متعلقه وامتثاله وهذا ركيك إلى الغاية لان المعنى
بناء على هذا يصير هكذا: يجب رد ما أخذه المسيطر وأداؤه حتى يرد ويؤدي ومثل
هذا الكلام لا ينبغي أن ينسب إلى سوقي وهو من عامة الناس فضلا عمن هو رب
الفصاحة والبلاغة وافصح من نطق بالعناد.
الثالثة: أن ظاهر الكلام أن نفس ما أخذته اليد عليها لا ردها وأدائها ولا يمكن
أخذ هذا الظاهر إلا بان يكون العامل من أفعال العموم لأنه حينئذ يصير المعنى أن ما
أخذته اليد أي المال الذي وقع تحت سيطرة القابض يستقر ويثبت عليه وهذا عبارة
أخرى عن أن القابض ضامن لما قبضه لأن الضمان في المقام عبارة عن كون المال
المقبوض على عهدة القابض بوجوده الاعتباري لان وجوده التكويني تحت اليد
ويكون القابض مسيطرا عليه.
فالشارع اعتبر هذا المال الذي وقع تحت يد القابض وسيطرته على عهدته
فالوجود التكويني لذلك المال تحت اليد والوجود الاعتباري فوق اليد عهدته
مشغولة به ولا يرتفع عن العهدة إلا بأداء ما هو مصداق لذلك الوجود الاعتباري
ويحمل عليه بالحمل الشائع.
وهذا الذي ذكرناه من كون ذلك الوجود الاعتباري فوق اليد ومستقر وثابت في
العهدة يستفاد من ظهور كلمة " على " في الاستعلاء.
ومن الواضح البين أن ما أخذته أي المال المقبوض حيث أنه لا يمكن أن يكون
بوجوده الخارجي في العهدة - لان العهدة وعاء الموجودات في عالم الاعتبار بل هو
نفس تلك الموجودات الاعتبارية كما أن الذهن عبارة عن نفس تلك الموجودات
الذهنية لا أنه هناك ظرف ومظروف متغايران - فلابد وأن يكون في العهدة بذلك
108

الوجود الاعتباري.
وهذا الاعتبار سواء أكان من طرف الشارع أو من طرف العقلاء لا يزول ولا
ينعدم إلا بأداء ما هو مصداق لذلك الوجود الاعتباري بالحمل الشائع وهذا هو عين
الضمان إذ العرف لا يفهم من الضمان إلا هذا المعنى.
ولا شك في أنه ما دامت العين - أي نفس المال المقبوض الذي هو تحت اليد -
موجودة فيكون المصداق الحقيقي لذلك الوجود الاعتباري هو نفس المال الخارجي
إذ هو واجد للجهات الثلاث أي المقومات النوعية والصفات الصنفية والمشخصات
الخارجية وذلك كما أن صورة الذهنية لذلك المال الشخصي مصداقها الحقيقي أولا
وبالذات بدون عناية هو نفس ذلك المال الخارجي وأما إذا تلف المال فمصداقه المثل
مع وجوده وعدم تعذره بل وعدم تعسره لان المثل واجد لجهات نوعيته وصنفيته
وإن كان فاقدا لجهات شخصية المال.
نعم مع فقد المثل لا يمكن أداء التالف إلا من جهة ماليته وهذه الجهات الثلاث
مترتبة وطولية في مقام تفريغ الذمة عما ثبتت واستقرت على عهدته بمعنى أنه لا تصل
النوبة إلى المثل إلا بعد تعذر الشخص ولا إلى القيمة والمالية إلا بعد تعذر المثل وهذا
المعنى الذي ذكرنا للضمان هو المرتكز في أذهان العرف والعقلاء في باب الضمان.
وخلاصة الكلام أن الحديث الشريف يدل على أن مال الغير إذا وقع تحت يد
شخص وسيطرته يكون مستقرا وثابتا في عهدته حتى يؤديه على بعض النسخ أو
حتى يؤدي بدون الهاء في بعض النسخ الاخر.
وهذا الاختلاف في النسخ لا يؤثر في معنى الحديث وان احتمل بعض أن كلمة
" يؤديه " مع الهاء يؤيد أن الظرف ظرف مستقر لا أنه ظرف لغو حتى يكون عامله
من أفعال الخصوص مثل " يجب " و " يلزم " لأن هذه الكلمة مع الهاء معناه أنه يؤدي
ذلك الذي أخذه ونفس ما وقع تحت اليد ووجوب رد نفس ما وقع تحت اليد بعد
109

التلف غير معقول بل المعنى المعقول منه هو أن ذلك المأخوذ على عهدته ولا يفرغ
ذمته إلا بأداء ذلك الأمر الاعتباري الذي على عهدته بالترتيب الذي ذكرنا.
ولكن أنت خبير بأنه لا فرق من هذه الجهة بين أن يكون الظرف لغوا أو مستقرا
ومتعلقه من أفعال العموم أو الخصوص إذ بناء على الأخير أيضا لا مانع من أن
يكون المراد أنه يجب رد نفس ذلك الشئ الذي أخذ بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة.
كما أن ما احتمله بعض آخر - من أن مفاد الحديث بقرينة وجود هذا الضمير
عبارة عن وجوب الرد تكليفا ما دامت العين موجودة وقبل التلف إذ بعد التلف
لا يمكن رده فلا ربط له بباب الضمان أصلا - لا وجه له لما ذكرنا من أن معنى الحديث
وظاهره المتفاهم عرفا هو كون المأخوذ وما هو تحت اليد والسيطرة على عهدته
مستقرا وثابتا إلى أن يفرغ ذمته ويؤدي ذلك الشئ بأحد الوجوه الثلاثة المترتبة
الطولية المتقدمة.
وأما الرابع أي الاجماع فقد ادعاه جمع من أساتذة الفقه وأساطين هذا الفن
وأرسلوه إرسال المسلمات ولكن مع ذلك كله ليس من الاجماع المصطلح الأصولي
الذي بنينا على حجيته إذ الذي سلمنا حجيته كان عبارة عن اتفاق الكل أو الجل مع
عدم مستند في البين فحينئذ يكون مثل ذلك الاتفاق كاشفا عن تلقيهم الحكم عن
الامام المعصوم. وفيما نحن فيه على فرض تسليم الاتفاق حيث أن بعضهم تمسكوا
بقاعدة الاقدام وبعض آخر بقاعدة الاحترام وجمع آخر بحديث على اليد فيسقط
اتفاقهم عن الاعتبار ولابد من المراجعة إلى نفس المدارك.
وقد حكى الشيخ الأعظم عن شيخ الطائفة وفقيه عصره في شرح القواعد وابن
إدريس في السرائر - قدس أسرارهم - الاجماع على هذا الحكم 1. ولكن عرفت ما في
التمسك بالاجماع في هذا المقام.

(1) " المكاسب " ص 101.
110

الجهة الثانية
في مفاد هذه القاعدة ومعناها
فنقول: تارة يعبر عن هذه القاعدة بما جعلناه عنوان هذه الكلية في أول هذه
المسألة وهو " كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده " وأخرى يعبر عنها ب‍ " كل عقد
يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ". ولا شك في أن الأول أشمل من الثاني لشموله
الايقاعات أيضا بخلاف الثاني فإنه مخصوص بالعقود وذلك من جهة ظهور لفظة
" ما " الموصولة في الأعم من العقد والايقاع بخلاف لفظ " العقد " المذكور في الجملة
الأخيرة فإنه لا يمكن أن يكون أعم من نفسه ومن غيره.
فبناء على كون القاعدة الكلية هو الأول فيشمل الجعالة والخلع أيضا وبناء على
الثاني تكون مختصة بالعقود أعم من أن يكون لازما أو جائزا.
وأما الضمان فقد ذكرنا أن المتفاهم العرفي منه أن الشئ بماليته يكون على العهدة
وبينا معنى كون الشئ في العهدة وانه بوجوده الاعتباري هناك لا بوجوده الخارجي
فإنه غير معقول وهذا المعنى هو الجامع بين ضمان المسمى والضمان الواقعي غاية الأمر
في ضمان المسمى يعينون مالية ذلك في مقدار معين من النقود أو في عين من
الأعيان المتمولة وأما مع عدم تعيين مالية الشئ في نقد أو جنس من الطرفين - أي
الضامن والمضمون - فقهرا يكون الضمان عبارة عن اشتغال ذمته بذلك الشئ بواقع
ماليته على الترتيب الذي تقدم من الجهات الثلاث. فليس الضمان في الضمان الواقعي
مغايرا بحسب المفهوم والمعنى مع ضمان المسمى بل كلاهما بمعنى واحد غاية الأمر في
الضمان المسمى برضاية الطرفين بل بالتزامهما تعين في شئ فمع إمضاء العقلاء
والشارع يجب عليهما العمل بما التزما.
فظهر مما ذكرنا أنه بناء على تمامية هذه القاعدة واعتبارها فالضمان في الصحيح
111

والفاسد بمعنى واحد غاية الأمر في الصحيح حيث أن المتعاملين عينا ضمان كل واحد
من العوضين في الآخر والتزما بذلك وأمضى الشارع هذه المعاوضة والالتزام من
الطرفين فيجب على كل واحد منهما الوفاء بالتزامه.
وأما في الفاسد حيث أن الشارع لم يمض تلك المبادلة وذلك الالتزام الذي التزم به
الطرفان فلا يجب الوفاء فلا يبقى محل ومجال لضمان المسمى فان دلت هذه القاعدة -
كما هو مفادها - أن في الفاسد أيضا ضمان فلابد وأن يكون هو الضمان الواقعي أي
المثل أو القيمة بعد تعذر المثل أو تعسره فالضمان في الفاسد على تقدير ثبوته بعد تلف
المقبوض بالعقد الفاسد بالمثل أو القيمة يكون على طبق القاعدة.
وخلاصة الكلام أن مفاد هذه القاعدة هو أن المقبوض بالعقد الفاسد أو بالايقاع
الفاسد بناء على التعميم لا يذهب هدرا بل مضمون على القابض بمعنى أن نفس
المقبوض والمأخوذ بوجوده الاعتباري في عهدة القابض وفي ذمته ولا يفرغ إلا بأدائه
إلى صاحبه وأداؤه ما دام كان المال المأخوذ موجودا يكون بأداء نفس العين
المأخوذة ومع تلفه فبالمثل إن كان مثليا وبالقيمة إن كان قيميا.
فما ذكره ابن إدريس - من أن المقبوض بالعقد الفاسد يجري مجرى الغصب عند
المحصلين إلا في الاثم 1 لا يخلو من وجه.
ومدرك هذا الحكم الكلي هي قاعدة على اليد أي قوله صلى الله عليه وآله: " وعلى اليد ما
أخذت حتى تؤدي " وفي بعض النسخ " حتى تؤديه " وقد تقدم في الجهة الأولى كيفية
دلالة الحديث الشريف على الضمان نعم فيما إذا كان صاحب المال المقبوض أعطاه
مجانا بحيث لو كان هذا العقد الفاسد فعلا صحيحا لما كان على القابض شئ ولم يكن
ضامنا لا بالمسمى لأنه ليس مسمى في البين على الفرض ولا بالضمان الواقعي لأنه
لا سبب للضمان إلا ما ربما يتخيل من كونه هي اليد التي جعلها صلى الله عليه وآله في الحديث سببا

(1) " السرائر " ج 2، ص 326، وص 488.
112

للضمان ولكن المورد - أي فيما إذا لم يكن الاعطاء بعنوان العوض والمبادلة بل كان
تمليكا أو إباحة بلا عوض - خارج عن موضوع الحديث أي عن تحت قاعدة " وعلى
اليد " تخصيصا أو تخصصا بمعنى أنه لو أخذنا بظاهر عموم على اليد وقلنا بان لهذه
الجملة إطلاق شمولي يشمل كل يد سواء كانت مأذونة من قبل المالك أو من قبل الله
أو كانت غير مأذونة فالمورد خارج تخصيصا لأنه لا شك في خروج اليد المأذونة عن
هذا العموم وعدم شمول هذا الحكم أي الضمان لها.
وأما لو قلنا بان المراد من " اليد " التي جعلت في الحديث الشريف موضوعا
للضمان خصوص اليد العادية أو غير المأذونة فخارج بالتخصص وهو واضح.
ومن هنا يستخرج كلية أخرى عكس الكلية الأولى وهي " كل ما لا يضمن
بصحيحه لا يضمن بفاسده " وذلك من جهة أن العقد الذي لا يضمن بصحيحه - كالهبة
غير المعوضة والعارية غير المضمونة في غير الدرهم والدينار وأمثال المذكورات مما
لا ضمان في صحيحها - لابد وأن يكون بناء المتعاقدين على الاخذ والاعطاء مجانا
وبلا عوض فأما قاعدة على اليد فلا تشملها لما ذكرنا من خروج المذكورات عن
عمومها تخصيصا أو تخصصا. ولا إتلاف في البين لأن المفروض هو تلف المقبوض لا
إتلافه فليس موجب ضمان في البين أما الضمان الواقعي فقد عرفت أنه لا إتلاف على
الفرض ولا تشمله عموم على اليد وأما ضمان المسمى فعدمه من جهة عدم المسمى إذ
المفروض أنه لو كان صحيحا فلا ضمان فكيف يعقل أن يكون في فاسده ضمان
المسمى مع أنه بلا مسمى.
فتلخص أن مدرك الضمان هي قاعدة على اليد وهي جارية في الكلية الأولى أي
ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ولذلك نقول بالضمان وأما في الكلية الثانية فلا
تجري ولذلك نقول بعدم الضمان فيما لا يضمن بصحيحه فظهر صحة كلتا الكليتين
أصلا وعكسا.
113

وأما البحث في أن الباء في هذه الكلية هل للسببية أو الظرفية لا أثر له بعد وضوح
المراد وقد بينا المراد ومفاد الكليتين. ولا شك في استعمال الباء في كلا المعنيين في
الكتاب العزيز وفي كلام العرب الذين يستشهد بكلامهم على صحة الاستعمال ولا
ظهور في خصوص أحد المعنيين إلا بالقرينة وفي المقام يصح بكلا المعنيين.
أما الظرفية فواضح لأنه بناء عليها يكون المعنى كل عقد أو إيقاع يكون في
صحيحه ضمان ففي فاسده أيضا كذلك. وفي الكلية السلبية أيضا كذلك أي يكون
مفادها: كل ما ليس في صحيحه ضمان ففي فاسده أيضا ليس ضمان.
وأما السببية فليس المراد السبب التام أي العلة التامة بحيث يكون المؤثر في
الضمان هو العقد فقط ولا يكون لشئ آخر دخل فيه أصلا لان مثل هذا المعنى لا
يمكن الالتزام به حتى في الصحيح فضلا عن الفاسد إذ لا شك في مدخلية القبض فيه
أيضا في الضمان لما تقرر في محله من أن تلف المبيع بل الثمن أيضا قبل القبض من مال
صاحبه الذي كان له قبل وقوع المعاملة فالعقد في الصحيح أيضا ليس تمام الموضوع
لضمان كل واحد من المتعاملين لمال صاحبه بل الموضوع هو العقد مع القبض وفي
الفاسد أيضا العقد باعتبار كونه مصداقا للاقدام مع القبض باعتبار كونه مصداقا لليد.
وأما ما ذكره شيخنا الأستاذ قدس سره في هذا المقام من أن شرطية القبض لكون العقد
سببا للضمان 1 لا ينافي استناد الضمان إلى العقد إن كان مراده أن شرطية القبض لا
ينافي كون العقد تمام الموضوع وسببا تاما للضمان فلا يخلو من غرابة. وإن كان مراده
أنها لا ينافي اقتضاء العقد للضمان ومدخليته فيه فهذا شئ واضح ليس قابلا للانكار.
ولكن الطرف يدعى أن العقد الفاسد أيضا له تأثير ومدخلية في الضمان باعتبار
كونه مصداقا للاقدام كما بينا وتقدم.
ثم إن العموم في هذه الكلية أصلا وعكسا - سواء كان الأصل كل عقد يضمن أو

(1) " منية الطالب " ج 1، ص 120.
114

كل ما يضمن - هل هو باعتبار الأنواع أو الأصناف أو الأشخاص؟
الظاهر هو الأخير.
والاشكال عليه - بأن الشخص لا يمكن أن يكون مقسما للصحيح والفاسد بل إذا
كان صحيحا فهو صحيح دائما وإلى الأبد ولا يتغير عما هو عليه وإلا يصير شخصا
آخر وكذلك في العكس أي إذا كان فاسدا فهو لا يتغير عما هو عليه - لا يرد لأنه
ليس المراد أن هذا الشخص الخارجي الذي صحيح وفاسد صحيحه كذا وفاسده
كذا بل المراد أن كل عقد أو إيقاع كان بحيث أنه على تقدير أن يكون صحيحا فيكون
فيه الضمان فهو على تقدير فساده أيضا يكون فيه الضمان أي بعد القبض وكل عقد أو
إيقاع على تقدير صحته لا يوجب الضمان لأنه أقدم على أن يكون مجانا وبلا عوض
فهو على تقدير فساده أيضا لا يوجب الضمان لأنه أقدم على أن يكون بلا عوض
ومجانا فيكون بواسطة هذا الاقدام خارجا عن تحت عموم على اليد تخصيصا أو
تخصصا. وهذا الحكم عام يشمل جميع أشخاص طبيعة العقد أو الايقاع.
إن قلت: إن ظاهر الكلية هو أن كل شخص من أشخاص العقد بناء على أن يكون
العموم بلحاظ الأشخاص والافراد لا الأنواع والأصناف فعلا يكون مقسما
للقسمين أي كل واحد منهما فعلا واجد للصحة والفساد وهذا محال لاجتماع الضدين
أو النقيضين وكيف يكون عقد شخصي واحد متصفا بالصحة والفساد معا.
قلنا: ليست هذه الجملة بهذه الصورة وهذه الألفاظ واردة في آية أو رواية معتبرة
حتى تقول يجب الاخذ بظاهرها وظاهرها كذا وكذا بل لابد من الاخذ بها بمقدار ما
يدل عليه مدركها. ولا شك في أن مدركها بناء على ما تقدم أنه قاعدة على اليد
بضميمة عدم الاقدام مجانا كي يكون من باب تخصيص القاعدة أو تخصصها به بل
دخل في المعاملة وأقدم على الاعطاء بعنوان المبادلة والمعاوضة لا مجانا فكل مورد
انطبق عليه أحد هذين الضابطين يحكم بحكمه بمعنى أن كل عقد لا يكون بعنوان
115

المبادلة والمعاوضة بحيث لو كان صحيحا واجدا لجميع الاجزاء والشرائط المعتبرة فيه
شرعا وعرفا ولا يكون فيه مانع من الموانع فمع ذلك لا يوجب الضمان لأنه أقدم على
إعطاء ماله مجانا وبلا عوض فلا تؤثر اليد في الضمان فيكون فاسده أيضا كذلك. وكل
مورد يكون صحيحه موجبا للضمان لعدم إقدامه مجانا ففاسده أيضا كذلك.
وذلك من جهة أن الصحة والفساد لا دخل لها في الضمان وعدمه بل المناط كل
المناط هو وقوع اليد على مال الغير مع إقدام ذلك الغير على الاعطاء بعنوان المعاوضة
والمبادلة فيكون فيه الضمان أو بلا تعويض فليس فيه ضمان.
وأنت خبير بأن هذا حكم تقديري يشمل جميع أشخاص العقود كسائر القضايا
الحقيقية المقدرة الوجود ولا خصوصية لهذه القضية من بين سائر القضايا الحقيقية
حتى يقع مورد البحث والاحتمالات والنقض والابرام.
الجهة الثالثة
في موارد تطبيق هذه القاعدة
وقد عرفت جريانها في جميع العقود المعاوضية.
فمنها: البيع ففي صحيحه ضمان لأنه عبارة عن تمليك عين متمول بعوض مالي
وكذلك في فاسده لما ذكرنا مفصلا فلا نعيد.
نعم لو قال: بعتك بلا ثمن وقبض الطرف فهذه القاعدة تقتضي عدم الضمان لان
مثل هذا البيع على تقدير صحته لا ضمان فيه لأنه أقدم مجانا وبلا عوض.
ومنها: الإجارة ومعلوم أن صحيح الإجارة موجب للضمان بالنسبة إلى منافع العين
المستأجرة سواء استوفي المنافع أو لم يستوفها ولكن بعد قبض العين المستأجرة
فكذلك في فاسدها يكون ضامنا للمنافع بعد قبض العين التي استأجرها سواء
116

استوفى تلك المنافع أم لم يستوفها.
لا يقال: تلك المنافع غير المستوفاة لم تقع تحت اليد كي يكون ضمانها ضمان اليد ولا
استوفاها كي يكون ضمان الاستيفاء لقاعدة احترام مال المؤمن ولا العقد صحيح كي
يكون ضمان المسمى بواسطة لزوم الوفاء بالعقد فبأي وجه يكون ضامنا للمنافع غير
المستوفاة.
لأنا نقول: الضمان ضمان اليد لان اليد على العين يد على المنافع لأنه لا شك في أن
المراد من اليد ليس هي الجارحة المخصوصة حتى يقال إن المنافع غير المستوفاة
معدومة فكيف تقع تلك الأشياء المعدومة تحت الجارحة المخصوصة بل المراد من اليد
هو الاستيلاء ولا شك في أن المستولي على العين المستأجرة مستول على منافعه
الموجودة وغير الموجودة التي يمكن استيفاؤها.
هذا كله بالنسبة إلى المنافع وأما بالنسبة إلى نفس العين فالأقوال فيها مختلفة
وبعضهم قالوا بالضمان مع عدم الضمان في الصحيح منها لو تلفت العين المستأجرة بدون
تعد وتفريط لأنها أمانة مالكية سلمها إلى المستأجر لاستيفاء حقه من تلك العين
ويجب على المؤجر التسليم للزوم الوفاء بالعقد فيد المستأجر في الإجارة الصحيحة
يد مأذونة من قبل المالك ويد استحقاق لا يوجب الضمان. وأما في الفاسدة فليست يد
مأذونة واستحقاق بل تسليمها إلى المستأجر ليس إلا من جهة تخيل المؤجر
استحقاقه وهو في الواقع ليس بمستحق فتكون يده يد غصب وعدوان فيضمن
المقبوض.
ونسب هذا القول في الرياض إلى مجمع الفائدة للأردبيلي مدعيا أنه المفهوم من
كلمات الأصحاب 1 فبناء على هذا يكون هذا نقضا على الكلية السلبية أي جملة " ما
لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده " لان الإجارة الصحيحة لا يضمن فيها العين

(1) راجع: " رياض المسائل " ج 2، ص 8.
117

بالتلف السماوي بدون تعد وتفريط مع أنه في فاسدها ضمان بناء على هذا القول.
وبعض آخر قالوا بعدم الضمان وبه صرح العلامة قدس سره في التذكرة 1 وأيضا في جامع
المقاصد استظهر القول بعدم الضمان من كلمات الأصحاب حيث قال في باب الغصب:
إن الذي يلوح من كلامهم هو عدم ضمان العين المستأجرة فاسدة لكنه هو نفسه قال:
والذي ينساق إليه النظر هو الضمان لان التصرف فيه حرام لأنه غصب فيضمنه 2.
والتحقيق في هذا المقام هو أن يقال: إن كانت العين داخلة في مصب الإجارة فلا
ضمان لا في صحيحها ولا في فاسدها وذلك أما في صحيحها فمن جهة أن مالك العين
المستأجرة يلزم عليه تسليم العين المستأجرة إلى المستأجر فتكون يد المستأجر يد
مأذونة من قبل المالك ويد استحقاق فلا موجب للضمان وهو واضح وأما في فاسدها
فمن جهة أن العين حيث أنها مصب الإجارة فدخل المالك على عدم الضمان بهذا
الاستيلاء.
وقد عرفت أن إقدام المالك على تسليم ماله إلى الطرف بعنوان عدم الضمان يوجب
عدم تأثير اليد في الضمان بل يوجب تخصيصه أو تخصصه.
وأما إن لم تكن داخلة في مصب الإجارة بمعنى أن الإجارة تتعلق بالمنفعة لا بالعين
ففي الصحيح منها وإن كان أيضا لا ضمان بالنسبة إلى العين من جهة أن استيفاء المنفعة
حيث أنه متوقف على تسليم العين في مثل إجارة الدار للسكنى والدكان للاشتغال فيه
فيجب على المؤجر إعطائها وتسليمها إلى المستأجر من باب كونه مقدمة لتسليم
المنفعة إليه حيث أنه بدونه لا يمكن فليس يد المستأجر القابض يد ضمان.
ولكن عدم الضمان ليس من جهة أن هذا العقد ليس فيه ضمان حتى يقال في فاسده
أيضا لا ضمان بحكم الكلية الثانية أي الكلية السلبية لأنه أمر خارج عن

(1) " تذكرة الفقهاء " ج 2، ص 318.
(2) " جامع المقاصد " ج 1، ص 216.
118

مصب العقد.
وأما في الفاسدة فالضمان فيها بناء على هذا - أي بناء على عدم دخول العين في
مصب الإجارة - يكون على طبق القواعد الأولية لان يده وقعت على مال الغير من
دون كونه مقدما على إعطاء ماله لاستحقاق الطرف لأن المفروض أن الإجارة باطلة
ولا استحقاق للطرف أصلا. هذا على حسب كل واحد من الاحتمالين.
ولكن الظاهر في إجارة الأعيان أن العين داخلة في مصب الإجارة وحقيقة
الإجارة في إجارة الأعيان وان كانت عبارة عن تمليك منفعة العين بعوض مالي معلوم
ولكن تمليك المنفعة ليس بعنوانها مستقلة بل بعنوان أنها من صفات العين وعوارضها
فالإجارة متعلقة بالعين ومعنى إجارة العين تمليك منفعتها المعلومة بعوض معلوم
ولذلك يقول المؤجر في مقام إنشاء الإجارة " آجرت هذه الدار أو هذا الدكان مثلا
بكذا " ويفهم العرف من هذه العبارة أنه ملك منفعة الدار أو الدكان أو الانتفاع بهما
للمستأجر فالإجارة المتعلقة بالعين تفيد هذا المعنى حتى فيما تكون المنفعة من
الأعيان كالثمرة التي على الشجرة وكالحليب في الشاة المنحة تلاحظ في إجارة
الشجرة والشاة المنحة بوجودها التبعي أي الوصفي العرضي وإلا يكون بيعا للثمرة
والحليب لا إجارة.
وحاصل الكلام أن الإجارة تتعلق أولا وبالذات بالعين غاية الأمر باعتبار
وصفها وعرضها الكذائي.
ويمكن أن يقال في باب الأجير أيضا يكون الامر كذلك وإن كان الأجير حرا أي
تعلق الإجارة بنفس الحر باعتبار الانتفاع بعمله الكذائي والشاهد على ذلك أن في
عقد الإجارة الأجير يقول " آجرتك نفسي لعمل كذا " فتكون العين دائما في جميع
أقسام الإجارات داخلة في مصب الإجارة ومتعلقة لها ففي جميع أقسام الإجارات
الفاسدة يكون الضمان بالنسبة إلى العين تابعا للضمان في الصحيحة وحيث لا ضمان في
119

الصحيحة منها لما ذكرنا من أن يد المستأجر يد مأذونة ويد استحقاق فتكون يده
عليها بتسليم المالك لها إليه بواسطة لزوم الوفاء بالعقد فلا موجب للضمان وهذا
الحكم جار حتى في الأجير إذا كان عبدا أو أمة ففي جميعها تكون اليد يد أمانة
مالكية ولا ضمان للعين لو لم يكن تعد ولا تفريط في البين فالكليتان إيجابا وسلبا
أي قولهم " كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده " لا انتقاض فيهما.
وأما الأجير إذا كان حرا فلا معنى للضمان لا في الصحيح ولا في الفاسد.
ومنها: العارية فان في صحيحها في غير المضمونة وفي غير الذهب والفضة لا
ضمان وكذلك في فاسدها في غير ذينك الموردين لعين ما ذكرنا في الإجارة من أن
اليد والاستيلاء وقعت بإذن المالك مجانا وبلا تعويض فلا تكون اليد يد ضمان لاقدام
المالك على المجانية وعدم التعويض بخلاف العقود المعاوضية فان تسليم المالك ماله
إلى الطرف هناك بعنوان التعويض وأخذ البدل.
وأما في فاسدها فيما إذا كانت مضمونة كما إذا شرط المعير ضمانها أو كانت عارية
الذهب والفضة فمقتضى الكلية الايجابية أي " كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده "
هو الضمان في المذكورات ولكن بناء على ما ذكرنا في وجه الضمان من وقوع اليد على
مال الغير وعدم إقدامه على المجانية وعدم التعويض ففي القسم الأول من المذكورات -
أي فيما إذا اشترط الضمان - لابد وأن نقول بالضمان لو تلف بعد قبض المستعير كما هو
المفروض لان المالك لم يقدم على المجانية وعدم التعويض بل اشترط العوض.
وأما في الثاني - أي فيما إذا كانت عارية الذهب والفضة - فان قلنا بان الضمان حكم
تعبدي من قبل الشارع وإلا فالمالك لم يقصد التعويض بل قصد إعطاء ماله للمستعير
مجانا وبلا عوض فتكون يد المستعير يد أمانة ولا ضمان. وهذا هو الصحيح كما هو
واضح.
ومنها: الهبة وهي على قسمين: معوضة وغير معوضة
120

أما الثاني - أي غير المعوضة - فمن أوضح وأجلى مصاديق الكلية السلبية أي " ما
لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده " لاقدام المالك على المجانية وكون الاعطاء بلا
قصد تعويض فيد القابض يد مأذونة فلا ضمان.
وأما الأول - أي المعوضة - فإن كان العوض بإزاء الموهوب ففي الصحيح والفاسد
في كليهما الضمان لان المالك لم يقدم على الاعطاء مجانا فلا مخصص لعموم " على
اليد ".
وإن كان العوض بإزاء هبة الآخر الشئ الفلاني بمعنى أنه هبة بإزاء هبة لا
الموهوب بإزاء الموهوب فلا ضمان لا في الصحيح ولا في الفاسد لأنه لم يقصد باعطائه
المال الموهوب المبادلة والتعويض فهو في الحقيقة يرجع إلى أنه أعطاه مجانا وبلا
عوض غاية الأمر اشترط عليه أن يهبه الشئ الفلاني فإن لم يفعل يكون للواهب
خيار تخلف الشرط.
ومنها: الصلح وهو أيضا على قسمين: بلا عوض ومع العوض.
فالأول حاله حال الهبة غير المعوضة أي لا ضمان فيه لا في الصحيح منه ولا في
الفاسد.
وأما الثاني - أي الصلح مع العوض - فحكمه حكم البيع فيكون مشمولا لكلتا
القاعدتين أي الأصل والعكس.
أما الأصل: فلان المفروض أن صلح المال الفلاني بعوض مسمى معناه تضمينه
بذلك المسمى وتبديله به ولذلك ربما يقال إن الصلح الواقع على الأعيان المتمولة
بعوض مالي هو عين البيع وإن كان هذا غير صحيح لان المنشأ بعقد الصلح هو
عنوان التسالم ابتداء غاية الأمر التسالم على مثل هذه المبادلة وأما المنشأ بعقد البيع
ابتداء هو نفس المبادلة فالنتيجة أن إقدام المالك في مثل هذا الصلح ليس مجانا وبلا
عوض ففي صحيحه وفاسده الضمان.
121

ومنها: الرهن فان صحيحه لا يوجب الضمان لان الراهن يسلم المال المرهون إلى
المرتهن ليكون وثيقة لدينه ولا يقصد بذلك الاعطاء والتسليم المعاوضة والمبادلة
فتكون أمانة مالكية عند المرتهن فيد المرتهن على ذلك المال يد مأذونة ولا يوجب
الضمان وتكون خارجة عن مفاد " على اليد " تخصصا أو تخصيصا.
فكذلك فاسده أيضا لا يوجب الضمان وذلك لوحدة السبب فيهما وهي إقدامه في
إعطائه وتسليمه إلى المرتهن على عدم الضمان في كلتا الصورتين.
ومنها: عقد السبق ففي الصحيح منه يستحق السابق السبق فالعمل الذي يصدر
من السابق فيه ضمان المسمى أي السبق المعين وهذا مما لا شك فيه إذ ليس المراد من
الصحة إلا هذا المعنى فمقتضى هذه القاعدة أي قاعدة كل ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده أن يكون في فاسده أيضا ضمان غاية الأمر ليس الضمان ضمان المسمى لأنه
منوط بالصحة فلابد وأن يكون أجرة مثل عمله لان عمله محترم ولم يقدم على
إيجاده بدون عوض بل كان إقدامه على هذا العمل بعنوان أخذ السبق.
إن قلت: في هذا المورد ليست يد في البين كي تكون سببا للضمان.
قلنا: إن سبب الضمان هنا قاعدة احترام عمل المسلم حيث أن هذا العمل صدر
منه بسبب التزام الطرف باعطاء السبق له لو كان سابقا فعمله محترم وإن كان من
جهة فساد هذا العقد لا يستحق مال الذي عين للسابق أي المسمى ولكن عمله لا
يكون هدرا ولغوا إلا أن يكون من الأعمال المحرمة التي ألغى الشارع ماليتها أو من
أعمال السفهاء الذي لا اعتبار لها عند العقلاء كبعض ألاعيب السفهاء والصبيان.
وخلاصة الكلام هو أنه في كل عقد أو إيقاع كان في صحيحه الضمان - سواء كان
ضمان المسمى بدل المال الذي يسلمه إليه الطرف أو العمل الذي يعمله كعمل الأجير
في عقد الإجارة أو عمل العامل في الجعالة أو عمله في عقد السبق والرماية - ففي
فاسده الضمان أيضا إما من جهة اليد على مال الغير مع عدم الاقدام على المجانية من
122

قبل صاحب المال حتى تكون يده يد مأذونة ولا تكون سببا للضمان بل تكون
خارجة عن عموم على اليد تخصيصا أو تخصصا كما تقدم. وإما من جهة احترام عمل
المؤمن مع عدم إقدام العامل مجانا.
وأما لو لم يكن في صحيحه الضمان من جهة عدم قصد المبادلة والمعاوضة في إعطاء
ماله أو عدم قصد التعويض في عمله ففي فاسده لا ضمان أيضا لعدم تحقق سبب
الضمان لا قاعدة " وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه " ولا قاعدة " الاحترام ". وقد تقدم
شرحهما مفصلا.
ثم إن هيهنا نقوض أوردوها على الكلية السلبية والايجابية ولذلك قالوا بعدم
إطراد هاتين الكليتين في موارد:
منها: فيما إذا استعار المحرم صيدا من المحل فقالوا: إنه يجب على المحرم المستعير
إرساله فورا ويكون ضامنا لصاحب الصيد بالقيمة.
وهذا النقض مبني على فساد هذه العارية ووجوب إرساله لا وجوب رده إليه
فحينئذ يقال إن العارية لا يضمن بصحيحها في غير المضمونة وغير الذهب والفضة
ومع ذلك حكموا هيهنا في فاسدها بالضمان.
وأجيب عن هذا النقض بان الضمان ليس هيهنا مستندا إلى العقد بل من جهة
الاتلاف والاتلاف في العارية الصحيحة أيضا موجب للضمان. واما كون الضمان من
جهة الاتلاف لا التلف السماوي فلما قالوا بخروج الصيد عن ملك مالكه بمحض قبض
المحرم وأخذه إياه من يد المالك فيكون بناء على هذا نفس الاخذ والقبض إتلافا
ويكون خارجا عن مورد القاعدة.
وفي هذه المسألة وجوه واحتمالات أخر ليس هيهنا محل ذكرها والنقض والابرام
فيها.
ومنها: النقض على الكلية الايجابية - أي الأصل لا العكس - وهي " كل ما يضمن
123

بصحيحه يضمن بفاسده " بالنسبة إلى المنافع غير المستوفاة فإنها غير مضمونة في
البيع الصحيح ومضمونة في الفاسد.
وفيه: أن الضمان في الصحيح عبارة عن المسمى والمسمى في الصحيح موجود بدل
العين فبعوض ملكية العين يشتغل ذمته بالمسمى، والمنافع مطلقا سواء كانت
مستوفاة أو غير مستوفاة من توابع العين فإذا كانت العين مضمونة فالمنافع أيضا
مضمونة كما هو الظاهر من قوله صلى الله عليه وآله: " الخراج بالضمان " 1 أي المنافع التي للعين تكون
لمن انتقل إليه العين بواسطة ضمان المسمى فكان المسمى في البيع الصحيح عوض
العين ومنافعه فلا نقض.
ومنها: تلف الأوصاف فليس في العقد الصحيح لها ضمان لأن الضمان فيه بإزاء
العين ولم يجعل شئ من الثمن المسمى مقابل الأوصاف. وأما في الفاسد لو تلف
جميعها أو بعضها يكون القابض ضامنا لقاعدة " على اليد " بضميمة عدم كونه مأذونا
فتكون اليد يد ضمان.
ويمكن أن يقال هيهنا أيضا مثل ما قلنا في المنافع غير المستوفاة من أنها تابعة
للعين فكان ضمان العين ضمانها أيضا فهكذا صفات العين في الضمان تابعة للعين ولو
أنه ليس لها ضمان مستقل مقابل ضمان العين لكن ضمان العين ضمانها أيضا فبناء على
هذا في الصحيح أيضا لها ضمان فلا ينخرم القاعدة.
ومنها: فيما إذا كان المبيع حاملا فتلف الحمل في يد المشتري ففي الصحيح لا ضمان
لان ضمان المسمى وقع مقابل نفس المبيع والحمل مملوك بالتبع بناء على كونه مملوكا
للمشتري وإلا فبناء على بقائه على ملك البائع كما هو المشهور إلا مع شرط الدخول
فهو خارج عن محل كلامنا. وأما في الفاسد فللحمل ضمان غير ضمان نفس الحامل.
وفيه: أنه إن قلنا بان الحمل ليس داخلا في المبيع وباق على ملك البائع فهو

(1) " مستدرك الوسائل " ج 13، ص 302، أبواب الخيار، باب 7، ح 15428.
124

خارج عن مصب العقد وأجنبي عن المعاملة ولا ضمان له لا في الصحيح ولا في
الفاسد.
أما في الصحيح لأنه كما قلنا أجنبي عن المعاملة فلا ربط له بالعقد حتى يشمله
ضمان المسمى. وأما في الفاسد فلا ضمان له لأنه أمانة مالكية عنده لا يضمنه إلا
بالتعدي والتفريط.
وهذا كما لو اشترى البستان مع أشجاره المثمرة التي ثمرتها موجودة عليها فلو قلنا
بان الثمرة الموجودة ليست داخلة في المبيع وخارجة عنه انصرافا أو بواسطة تقييد
البائع ففي الصحيح والفاسد من هذه المعاملة لا ضمان للثمرة الموجودة على الشجرة
أما الصحيح لأنها خارجة عن المعاملة ومصب العقد فلا يكون شئ من المسمى
بإزائها وأما الفاسد لأنها أمانة مالكية وقد تلفت بدون تعد وتفريط على الفرض.
وأما إن قلنا بان الحمل وكذلك الثمرة الموجودة على الشجرة داخل في المبيع ففي
الصحيح والفاسد كلاهما ضمان أما في الصحيح فلان المسمى وقع بإزاء المجموع من
الحامل وحمله وأيضا في المثال الثاني بإزاء مجموع الشجرة وثمرتها. وأما في الفاسد
فلوقوع اليد على كليهما أي الحامل والحمل وكذلك على الشجرة والثمرة والمفروض
أن اليد ليست مأذونة ويد ضمان لان الكلام بعد الفراغ عن ضمان أصل الحامل
فكذلك الشجرة في المقبوض بالعقد الفاسد فلا نقض على اطراد القاعدتين أي الكلية
الايجابية والسلبية.
وهذا الحكم الذي ذكرنا إشكالا وجوابا جار في مطلق توابع المبيع كالحليب و
غيره فان قلنا بدخولها في المبيع فحالها حال نفس المبيع بالنسبة إلى الضمان في
الصحيح والفاسد وان قلنا بخروجها فلا ضمان لا في الصحيح ولا في الفاسد إلا بسبب
آخر. وأما تحقيق أن أيا منها داخل في المبيع وان أيا منها خارج فله محل آخر وهو
كتاب البيع في فصل ما يدخل في المبيع وما لا يدخل.
125

ثم إن شيخنا الأعظم قدس سره ذكر في هذا المقام أنه يمكن النقض أيضا بالشركة 1.
والظاهر أن مراده شركة الأموال بعقد الشركة فيكون النقض عبارة عن أن أحد
الشريكين مثلا في الشركة الصحيحة لو تصرف في المشترك وصار تحت يده - كما هو
المتعارف عند الشركاء - فتلف ذلك المال من دون تعد وتفريط لا يكون ذلك الشريك
ضامنا لحصة شريكه الآخر وهذا مقتضى صحة عقد الشركة وأما لو لم يكن العقد
صحيحا وكانت الشركة فاسدة فيكون ذلك الشريك ضامنا لقاعدة " وعلى اليد ما
أخذت حتى تؤديه " ولابد من فرض التلف في صورة عدم إذن ذلك الشريك الآخر
في التصرف فلا إذن من طرف المالك ولا أن جواز التصرف مقتضى عقد الشركة
فلا يكون المال لا أمانة مالكية ولا أمانة شرعية فتكون اليد يد ضمان.
وهذا بخلاف الصحيح فإنه وان لم يكن إذن من طرف الشريك حتى يكون المال
عنده أمانة مالكية ولكن الاذن من طرف الشارع بمقتضي صحة عقد الشركة فيكون
من قبيل الأمانة الشرعية فلا ضمان فلا تكون القاعدة مطردة.
وفيه: أن هذا مبني على جواز التصرف بصرف حصول الشركة الصحيحة وإن كان
بدون إذن الشريك الآخر وهو لا يخلو من إشكال.
ومما يمكن أن يكون نقضا على الكلية الايجابية التي نسميها بالأصل مقابل الكلية
السلبية التي نسميها بالعكس هو النكاح الدائم أو المتعة الفاسدين إذا كان الزوج
جاهلا بالفساد من جهة الموضوع وكانت المرأة عالمة به فقالوا إن الزوج في مثل
المفروض لا يضمن المهر مع أنه لو كان العقد صحيحا كان يضمن قطعا.
وقد يجاب أولا: عن هذا النقض بان هذا المفروض خارج عن محل البحث و
مورد القاعدة، لان موردها العقود المعاوضية التي يقع العوض فيها تحت اليد وما
نحن فيه من مورد النقض ليس كذلك وليس من العقود المعاوضية أولا وعلى

(1) " المكاسب " ص 103.
126

الفرض لا تقع المرأة تحت اليد ثانيا.
وفيه: أن ظاهر هذه القاعدة عام يشمل كل عقد سواء كان مما ذكر أو لم يكن.
وثانيا: بان عدم الضمان لدليل خارجي ولكونها بغيا لا ينافي اقتضاء العقد للضمان
في حد ذاته ونفسه ولذلك لو كانت المرأة أيضا جاهلة بالفساد فلها حق على الزوج.
وفيه: أن ظاهر الكلية أن كل عقد صحيح يكون فيه الضمان ففي فاسده بالفعل
ضمان لا أن في فاسده اقتضاء الضمان إلا أن يمنع مانع عنه أو يأتي دليل على عدمه
فلا يمكن الموافقة مع شيخنا لأستاذ قدس سره في كلا الجوابين 1.
ومما يتوهم أن يكون نقضا على الكلية الايجابية بيع الغاصب مال الغير فلو تلف
المبيع عند البائع الغاصب قالوا بعدم ضمان الغاصب الثمن للمشتري لو تلف الثمن عنده
لأنه أي المشترى سلط البائع الغاصب على الثمن مجانا إن كان عالما بان البائع غاصب
مع أنه في البيع الصحيح لو تلف الثمن عند البائع بعد تلف المبيع عنده يكون ضامنا
للمشتري بالثمن.
وفيه أولا: أن مثل هذه المعاملة ليست فاسدة بل فضولي موقوف على إجازة
المالك أي المغصوب منه فإذا أجاز تعد من المعاملات الصحيحة يترتب عليها جميع
آثار البيع الصحيح.
وثانيا: طرف المعاملة أي البائع في هذه المعاملة ليس هو الغاصب بل هو أجنبي
والثمن الذي أعطاه المشتري ليس ثمنا للمبيع مع علمه بأنه غاصب بل يكون مال له
أعطاه للغاصب مجانا وبلا عوض فلا يترتب على تلفه آثار تلف الثمن فلا يكون
نقضا على هذه الكلية أصلا.
ومما توهم أنه نقض على هذه الكلية بيع الشخص ماله من سفيه محجور عليه
فتلف المبيع عند السفيه فقالوا بعدم ضمان السفيه للمبيع مع أن تلف المبيع عند

(1) " منية الطالب " ج 1، ص 129.
127

المشتري بعد قبضه وعدم خيار للمشتري فقط دون البائع يوجب ضمانه للبائع في
البيع الصحيح.
وفيه: أنه بعد ما علم البائع أن المشتري محجور عليه ليس له التصرف في أمواله
مطلقا ولو بناقل شرعي فاعطاؤه المبيع لمثل هذا الشخص يكون إقداما منه على تلف
ماله وهتك احترامه فيكون إعطاؤه للسفيه وإن كان بعنوان البيع من قبيل إلقائه في
البحر واتلافه فلو كان عين ماله - أي المبيع - موجودا يمكن أن يقال بجواز استرداده
وأما مع تلفه فلا ضمان في البين.
ومن جميع ما ذكرنا من أول هاتين القاعدتين - أي الكليتين الايجابية والسلبية -
يظهر صحة كلتيهما واطرادهما وعدم ورود النقوض التي ذكروها في هذا المقام.
والحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
128

19 - قاعدة
التلف في زمن الخيار
129

قاعدة التلف في زمن الخيار *
ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة المسلمة عند الأصحاب قاعدة " التلف في زمن
الخيار من مال من لا خيار له ".
وفيها جهات من البحث:
الجهة الأولى
في مستندها
وهو أمور:
الأول: الاخبار:
منها: صحيحة ابن سنان: عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو
يومين، فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ فقال: " على
البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري شرط له أم لم
يشترط. وإن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال
البائع " 1.
ومنها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري مولى بنى شيبان قال: سألت

*. " الحق المبين " ص 80، " القواعد " ص 101 و 105، " قواعد فقه " ص 278، " القواعد الفقهية " (مكارم
الشيرازي) ج 4، ص 391، " المبادئ العامة للفقه الجعفري " ص 268.
(1) " تهذيب الأحكام " ج 7، ص 24، ح 103، باب عقود البيع، ج 20، " وسائل الشيعة " ج 12، ص 352، أبواب
الخيار، باب 5، ح 2.
131

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين، فماتت عنده، و
قد قطع الثمن على من يكون ضمان ذلك؟ قال: " ليس على الذي اشترى ضمان حتى
يمضي بشرطه " 1.
ومنها: النبوي المروى في الوسائل عن محمد بن الحسن باسناده عن جعفر بن
محمد عليهما السلام قال عليه السلام: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام
فمات العبد في الشرط؟ قال: يستحلف بالله ما رضيه ثم هو برئ من الضمان " 2.
ومنها: ما عن الوسائل عن الصدوق باسناده عن ابن فضال عن الحسن بن رباط
عن من رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام
فهو من مال البائع " 3.
وظاهر هذه الأخبار - كما هو واضح - أن تلف المبيع في يد المشتري - وهي عبارة
أخرى عن قبضه للمبيع إذا كان الخيار للمشتري فقط دون البائع - يكون من كيس
البائع أي: ممن ليس له الخيار، وهذا هو مفاد القاعدة أي: التلف في زمن الخيار من
مال من ليس له الخيار الذي هيهنا هو البائع.
نعم لا يدل على هذه القاعدة بطور الكلية، بل فيما إذا كان من له الخيار هو المشتري
دون البائع ولا يدل فيما إذا كان بالعكس أي: كان الخيار للبائع دون المشتري.
هذا أولا وثانيا: لا يدل فيما إذا كان الخيار غير خيار الشرط والحيوان إلا بتنقيح
المناط والقاء خصوصية خياري الحيوان والشرط.
وهو في غاية الاشكال لان هذا حكم مخالف للقواعد ورد التعبد به فيجب
الوقوف على مورده، ومورده خصوص هذين الخيارين وبالنسبة إلى المشتري فقط

(1) " الكافي " ج 5، ص 171، باب الشرط والخيار في البيع، ح 9، " تهذيب الأحكام " ج 7، ص 24، ح 104،
باب عقود البيع، ح 21، " وسائل الشيعة " ج 12، ص 351، أبواب الخيار، باب 5، ح 1.
(2) " وسائل الشيعة " ج 12، ص 352، أبواب الخيار، باب 5، ص 4. وفيه: " عن عبد الله بن الحسن... ".
(3) " وسائل الشيعة " ج 12، ص 352، أبواب الخيار، باب 5، ح 5.
132

فلا يشمل غيرهما وكذلك لا يشمل فيما إذا كان ذو الخيار غير المشتري.
الثاني: الاجماع - وقد ادعاه غير واحد كصاحب الرياض 1 ومفتاح الكرامة 2 -
قدس سرهما - ونفى الخلاف في الأخير في هذه القاعدة.
ولكن أنت خبير أنه على فرض تسليم وجود الاتفاق وتحققه على هذا الحكم -
أي كون التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له - لا اعتبار بهذا الاتفاق لاستناد
كثير منهم إلى هذه الروايات فلا يكون من الاجماع المصطلح الذي يكون مسببا عن
تلقيه من المعصوم عليه السلام أو يكون مسببا عن وجود دليل معتبر عند الكل وقد ضاع
عندنا، مع أن هذا الأخير لا يخلو عن إشكال.
فالعمدة في مستند هذه القاعدة هو هذه الروايات التي ذكرناها فلا بد من
ملاحظتها ومقدار دلالتها.
الثالث: كون هذا الحكم مقتضى القواعد الأولية، إذ من له الخيار فقط من
المتعاملين وليس للآخر يكون خروج العوض عن ملكه ودخول المقابل متزلزلا إذ
له أن يفسخ ويرجع ما خرج إليه بسبب فسخه فكان التلف يقوم مقام الفسخ فيرجع
ما خرج عن ملكه إليه ثانيا فالتالف يذهب من كيس من ليس له الخيار وهو مفاد
هذه القاعدة.
وأما كون التلف بمنزلة الفسخ فمن جهة أن العقلاء يرون في موارد ثبوت الخيار -
خصوصا في خيار الشرط وخيار الحيوان - أن ذا الخيار يتأمل وينظر في أنه هل
إبقاء هذه المعاملة من صلاحه أو لا بل صلاحه حله وفسخه؟ فإذا تلف أحد
العوضين فيما إذا كان التالف ما انتقل إلى ذي الخيار كما إذا كان الشرط للمشتري فقط
وتلف المبيع وكما في خيار الحيوان إذا كان المبيع حيوانا ووقع التلف عليه عند

(1) " رياض المسائل " ج 1، ص 528.
(2) " مفتاح الكرامة " ج 4، ص 599.
133

المشتري كما هو مورد الروايات بناء على اختصاص خيار الحيوان بالمشتري فيما إذا
كان المبيع حيوانا كما هو المشهور فلا يبقى مجال للتأمل والنظر وقهرا تنفسخ المعاملة
ويرجع الثمن إلى ملك من له الخيار أي المشتري ويذهب الثمن من كيس من ليس له
الخيار أي البائع.
وحاصل ما ذكرنا: أن ملكية ذي الخيار لما دخل في ملكه بسبب المعاملة متزلزل
وكذلك خروج ما خرج متزلزل متوقف على بقاء ما دخل في ملكه فإذا وقع عليه
التلف فقهرا تنفسخ المعاملة ولا يبقى مورد للتأمل والنظر حتى يختار الفسخ أو
الابرام فحكمة جعل الخيار في الحيوان ثلاثة أيام أو جعل الخيار والشرط من نفس
المتعاقدين تقتضي أن يكون الضمان - أي المسمى - ينتقل ثانيا ممن ليس له الخيار إلى
الذي له الخيار.
وفيه: أن هذا صرف استحسان لا يمكن أن يكون منشأ للحكم الشرعي ومقتضى
القواعد الأولية - حيث أن المعاملة بالقبض تمت وصار المبيع ملكا تاما للمشتري
وتلف في يده - أن لا يكون ضمان في البين أصلا ولا يكون المشتري ولا غيره ضامنا
أما المشتري فلان ماله تلف في يده على الفرض والانسان لا معنى لان يكون ضامنا
لنفسه بواسطة تلف ماله عنده وأما غيره - أي البائع - لان غيره أجنبي هيهنا فمن
جهة أن المعاملة والمعاوضة تمت ومال كل واحد منهما انتقل إلى الآخر بعوض مال
الآخر وما انتقل إلى المشتري تلف في يده فالبائع أجنبي عنه فلا وجه لان يكون
ضامنا لتلف مال شخص آخر في يد نفس ذلك الشخص.
نعم كان لذلك الشخص الآخر - أي المشتري مثلا وفي المفروض - خيار الفسخ لو
كان يعمله وكان يفسخ لكان الثمن يرجع إليه وأين هذا من ضمان البائع بصرف التلف
ومن دون الفسخ.
134

الجهة الثانية
في مفاد هذه القاعدة ومقدار دلالتها من حيث العموم والخصوص
فنقول: لو كانت هذه الجملة والكلية أي جملة " التلف في زمن الخيار من مال من
لا خيار له " بهذه الألفاظ واردة ومنصوصة أو كانت معقد إجماع لكانت شاملة للثمن
والمبيع وأيضا كانت تشمل ذا الخيار مطلقا سواء كان خيار الحيوان أو الشرط أو
غيرهما وذلك من جهة أن لفظ " الخيار " يشمل جميع الخيارات ولفظ " من لا خيار
له " يشمل البائع والمشتري ولفظ " التلف في زمن الخيار " يشمل المبيع والثمن.
ولكن الامر ليس كذلك أي هذه الجملة بهذه الألفاظ ليست مروية في خبر أو
حديث ولا مما انعقد الاجماع على هذا العنوان بحيث يكون معقد الاجماع هذه الجملة
بألفاظها حتى يمكن التمسك باطلاق تلك الألفاظ بل المدرك لهذه القاعدة ليس إلا
تلك الأخبار التي تقدمت فلابد من النظر والتأمل في ظهورها وتشخيص ما هو
المراد منها حتى يعرف مقدار سعة دلالتها وشمولها.
فالبحث فيها من جهات:
الأولى: في أنه هل مفادها ثبوت هذا الحكم مطلقا وفي أي خيار كان أو في
خصوص خيار الحيوان وخيار الشرط؟
أقول: أما صحيحة ابن سنان فقوله عليه السلام في صدرها " على البائع حتى ينقضي
الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري شرط له أم لم يشترط " ظاهر في خيار
الحيوان فقط. وأما ذيلها أي قوله عليه السلام " وإن كان بينهما شرط أيام معدودة فهلك في يد
المشتري فهو من مال البائع " ظاهر في خيار الشرط فالصحيحة صدرا وذيلا لا تدل
على ثبوت هذا الحكم إلا في خيار الحيوان وخيار الشرط. وكذلك الامر في سائر
الروايات الواردة في هذا الباب لا تدل على ثبوت هذا الحكم إلا في خيار الشرط أو
خيار الحيوان فاثباته في غيرهما من الخيارات يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.
135

وأما تسرية الحكم منهما إلى غيرهما من الخيارات بتنقيح المناط فأشبه بالقياس
فالحق أن هذا الحكم مختص بخياري الحيوان والشرط لا يشمل غيرهما وذلك من
جهة ما قلنا إن هذا الحكم تعبدي ومخالف للقواعد الأولية ولابد من الوقوف على
مورد النص وما هو الظاهر منه وقد عرفت أن ظاهر الروايات هو ثبوت هذا الحكم
في خياري الشرط والحيوان دون سائر الخيارات وأيضا فيما إذا كان التلف عند
المشتري والخيار له فيضمن البائع الذي ليس له الخيار.
وبعبارة أخرى: هذا الحكم في تلف المبيع عند المشتري لا تلف الثمن عند البائع
كل ذلك من أجل ظهور الروايات التي وردت في هذا المقام فيما ذكرنا من حصر مورد
القاعدة في خصوص خيار الحيوان أو الشرط بالنسبة إلى تلف المبيع عند المشترى لا
تلف الثمن عند البائع.
والحاصل: أن الخيار إما خيار شرط وحيوان وإما سائر الخيارات وهذه القاعدة
تجري فيهما دون سائر الخيارات وفي تلف المبيع عند المشتري دون تلف الثمن عند
البائع كل ذلك لأجل ظهور الروايات فيما ذكرنا بعد الفراغ عن عدم كون هذا الحكم
على مقتضى القواعد الأولية.
نعم ربما يقال بثبوت هذا الحكم أي شمول هذا القاعدة لخيار المجلس خصوصا إذا
كان للمشتري دون البائع كما إذا أسقط البائع خياره لأنه لو كان الخيار لكلاهما -
أي البيعان - فلا موضوع لهذه القاعدة لأنه ليس هناك من ليس له الخيار حتى يكون
ضمان التالف عليه فاتيان هذه القاعدة وشمولها لخيار المجلس - مع أنه مجعول في أصل
الشرع لكلا المتعاقدين - منوط بسقوط خيار أحدهما وهذا واضح معلوم.
فإذا فرضنا سقوط خيار البائع في خيار المجلس وبقاء خيار المشتري فقط فلو
قبض المشتري المبيع في المجلس وتلف في يده في نفس المجلس فلو قلنا بشمول هذه
القاعدة لخيار المجلس يكون الضمان على البائع لأنه ليس له الخيار على الفرض
136

فيرجع الثمن إلى المشتري بدون رجوع شئ إلى البائع.
واستظهر شيخنا الأعظم الأنصاري قدس سره من قوله عليه السلام في ذيل صحيحة ابن سنان
" حتى ينقضي شرطه ويصير المبيع للمشتري " شمولها لخيار المجلس إذا كان للمشتري
فقط دون البائع 1.
وتقريب استظهاره من هذه الفقرة هو أن ظاهر لفظ " الشرط " في الاخبار هو
خيار المجلس فيكون مفاد الصحيحة أن ضمان المبيع على البائع حق ينقضي الشرط
أي خيار المجلس الذي للمشتري فحينئذ أي بعد انقضاء خيار المجلس يخرج البائع
عن الضمان أما قبله فيكون الضمان عليه وان قبض المشتري المبيع في المجلس.
فالمناط في خروج البائع عن الضمان هو انقضاء خيار المشتري لا القبض بل
قوله عليه السلام بعد ذلك " ويصير المبيع للمشتري " يظهر منه أن المناط في سقوط ضمان
البائع هو صيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشتري بحيث لا يمكن له الفسخ ولو كان
هذا هو مناط سقوط ضمان البائع وخروجه عنه فتشمل القاعدة جميع الخيارات إذا
كان للمشتري ولا اختصاص لهذا الحكم بخياري الحيوان والشرط وخيار المجلس
لان العلة سارية في الجميع.
بل يمكن أن يقال بعدم الفرق بين البائع والمشتري في شمول هذا الحكم للبائع أيضا
بواسطة هذا التعليل والمناط وهو صيرورته ملكا مستقرا للمشتري بحيث لا يمكن
سلبه عن نفسه بفسخ المعاملة نعم لابد وأن يلغى خصوصية المشتري وكون التالف
هو المثمن بل لو كان التالف هو الثمن بعد قبض البائع ولكن كان الخيار للبائع فقط
فالضمان أيضا على من ليس له الخيار أي المشتري لأجل هذا التعليل أي عدم
استقرار ملكية الثمن للبائع بحيث لا يمكن سلبه عن نفسه بواسطة فسخ المعاملة إذ
المفروض أن خيار البائع موجود وله أن يفسخ فذلك الملاك والمناط - الذي كان في

(1) " المكاسب " ص 300.
137

صورة خيار المشتري فقط مع تلف المبيع عنده وفي يده موجودا في هذه الصورة أي
فيما إذا كان الخيار للبائع فقط مع تلف الثمن في يده موجود أيضا لان الثمن التالف في
يده وإن كان قبضه ولكن حيث أن خياره باق يمكن له الفسخ وسلبه عن نفسه فذلك
التعليل آت هنا أيضا.
وبعبارة أخرى: سقوط ضمان البائع في تلك الصورة كان منوطا بانقضاء الخيار
وصيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشترى بحيث لا يمكن أن يسلب عن نفسه بالفسخ،
وهذا المعنى متوقف على انقضاء الخيار فقبل انقضائه لا يسقط ضمان البائع للمثمن ولو
تلف في يد المشتري، بل يكون في ضمانه، فليكن سقوط ضمان المشتري أيضا إذا تلف
الثمن في يد البائع منوطا بانقضاء خيار البائع ويكون قبل انقضاء زمان خياره في
ضمان المشتري.
ولكن أنت خبير بأن هذا قياس محض.
واستشكل شيخنا الأستاذ قدس سره على هذا الوجه لتعميم هذه القاعدة وشمولها لجميع
الخيارات سواء أكان أحد هذه الثلاثة - أي خيار الحيوان أو خيار الشرط أو خيار
المجلس - أو كان غيرها من الخيارات، بأن كلمة " حتى " قلما تستعمل في العلية، بل
يكون معناها غالبا هي الغاية فلا تكون ظاهرة في العلية لكي تكون القاعدة شاملة
لجميع الخيارات، بل وللثمن والمثمن 1.
ولكنك خبير بأن معنى " حتى " وإن كان غالبا هو انتهاء الغاية - كما صرح بذلك
ابن هشام في المغنى 2 - ولكن هيهنا قرينة التعليل موجودة وهو قوله عليه السلام " ويصير
المبيع للمشتري " وفي الحقيقة جملة " حتى تنقضي الشرط " توطئة لذكر العلة التي هي
في الحقيقة قوله عليه السلام " ويصير المبيع للمشتري " المترتب على انقضاء الخيار ولما كان

(1) " منية الطالب " ج 2، ص 177.
(2) " مغني اللبيب " ج 2، ص 166.
138

صيرورة المبيع ملكا للمشترى ليس متوقفا على انقضاء الخيار أي خيار كان فلا بد
وأن يحمل على الملك المستقر الذي لا يمكنه أن يسلبه عن نفسه بان يفسخ المعاملة.
ومعلوم أن مثل هذا الملك موقوف ومترتب على انقضاء الخيار، ففي الواقع
علل عليه السلام سقوط الضمان عن البائع بصيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشتري.
والشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره أيضا يشير إلى هذا المعنى بأن يقول - بعد قوله: بناء
على أن المناط انقضاء الشرط الذي تقدم أنه يطلق على خيار المجلس - بل ظاهره أن
المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري واختصاصه به بحيث لا يقدر
على سلبه عن نفسه 1.
ثم إنه قدس سره يستشهد بكلام السرائر بما يؤيد ما ذكرنا من أن العلة استقرار الملك
لا انقضاء الشرط وإنما ذكر هو توطئة لذكر العلة فافهم.
ثم إن شيخنا الأستاذ قدس سره استشكل باشكالين آخرين على تعميم هذه القاعدة
بالنسبة إلى جميع الخيارات بواسطة هذا التعليل:
أولا: بأن هذه الجملة على فرض كونها علة لهذا الحكم تقيد التعميم لو كان علة
للمجعول لا للجعل والتشريع.
وثانيا: أن ظاهر قوله عليه السلام " وإن كان الشرط أياما معدودة " أن يكون الشرط
محدودا مضبوطا ففي هذه الصور يأتي هذا الحكم. ومعلوم أن هذا المعنى لا ينطبق
على غير خياري الحيوان والشرط، إذ فيهما فقط الشرط يكون محدودا مضبوطا،
فخيار الحيوان محدود بثلاثة أيام من طرف الشارع، وخيار الشرط محدود من طرف
المشروط له والمشروط عليه، وما عداهما حتى خيار المجلس ليس محدودا لان أمد
المجلس غير معين، والمجالس تختلف قصرا وطولا فلا تشمل القاعدة خيار المجلس

(1) " المكاسب " ص 300.
139

فضلا عن سائر الخيارات.
ولكنك خبير بما فيهما:
أما في إشكاله الأول بأنه لا شك في أن عدم صيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشتري
وامكان سلبه عن نفسه علة للمجعول أي كون الضمان على البائع وإن كان تلف عند
المشتري، كما أن صيرورته كذلك علة لسقوط الضمان ورفعه عن البائع، ولا ينبغي
التوهم لكونها علة لجعل الشارع هذا الحكم، بل لم نفهم معنى محصلا لكونها علة
للجعل.
وأما في إشكاله الثاني: فان قوله عليه السلام " وإن كان الشرط أياما معدودة " في مقام بيان
ثبوت هذا الحكم في خيار الشرط ولا شك في أن خيار الشرط محدود مضبوط
ولا ينافي كونه بصدد بيان خيار الشرط مع تسرية هذا الحكم إلى سائر الخيارات
بواسطة عموم التعليل والمناط.
ثم إن شيخنا الأعظم الأنصاري قدس سره استشكل على هذا الوجه الذي استظهره من
ذيل صحيحة ابن سنان على التعميم لجميع الخيارات بقوله: وفي الاعتماد على هذا
الاستظهار تأمل في مقابلة القواعد مع أنه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه
لان ظاهر الصحيحة الاختصاص بما إذا كان التزلزل وعدم كون المبيع لازما على
المشتري ثابتا من أول الأمر كما يظهر من لفظة " حتى " الظاهرة في الابتداء 2.
ومراده من هذا الكلام:
أولا أن هذا الاستظهار من جهة مقابلته للقواعد الأولية المستفادة من أدلة
الأحكام - مع أنه مخالف لها - لا يمكن الركون إليه إذ مقتضي القواعد الأولية أن مال
شخص لو تلف في يده وعند نفسه لا يكون ضمانه على غيره ففي ما نحن فيه مثلا إذا

(1) " منية الطالب " ج 2، ص 177.
(2) " المكاسب " ص 301.
140

تلف المبيع عند المشتري وبعد قبضه إياه لا وجه لان يكون ضمانه على البائع ولو كان
للمشتري الخيار فقط دون البائع فهذا الحكم - أي كون الضمان على البائع - مخالف
للقواعد المستفادة من الأدلة الأولية والخروج عن تلك القواعد المسلمة الثابتة
بالأدلة القطعية بمثل هذا الاستظهار مشكل.
وفيه: إن صح هذا الظهور فهذا حكم تعبدي مخالف للقواعد ودليله هذا الظهور
كما أنه في خياري الحيوان والشرط ثبت هذا الحكم مع أنه هناك أيضا مخالف
للقواعد. اللهم إلا أن ينكر مثل هذا الظهور فحينئذ لا يثبت هذا الحكم وان لم يكن
مخالفا للقواعد لان ثبوت كل حكم يحتاج إلى دليل.
وثانيا: مراده من قوله " إن ظاهر الصحيحة هو اختصاص هذا الحكم بما لو كان
التزلزل من أول الأمر " أن خياري الحيوان والشرط يوجب تزلزل المعاملة من أول
وجوده إلى انقضاء الخيار وسائر الخيارات ليس كذلك ولفظة " حتى " الغائية ظاهرة
في استمرار ما قبلها من أول وجوده إلى حصول تلك الغاية مثلا سرت حتى دخلت
البصرة أي سيري كان مستمرا من أول وجوده إلى حصول الغاية أي دخول
البصرة.
وفيما نحن فيه هذا المعنى متحقق بالنسبة إلى خياري الحيوان والشرط أي تزلزل
ملكية المشتري للمبيع متحقق من أول وجوده إلى انقضاء الخيار في هذين الخيارين
دون سائر الخيارات فلا عموم في البين كي يشمل سائر الخيارات أي خيار الغبن
والعيب والرؤية وغيرها.
وفيه: أن قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان " وعلى البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة
أيام ويصير المبيع للمشتري " مفاده كما هو الظاهر منه أن ضمان المبيع على البائع من
أول وجود المعاملة إلى انقضاء الشرط ثلاثة أيام أي خيار الحيوان وصيرورته المبيع
للمشتري بحيث لا يمكن له أن يسلبه عن نفسه بالفسخ فيكون كناية عن اللزوم.
141

وهذا المعنى - أي كون المبيع مثلا في ضمان البائع من أول وجود المعاملة مستمرا
إلى انقضاء الخيار وحصول اللزوم - لا مانع من الالتزام به في جميع الخيارات
فالالتزام بهذا الحكم في جميع الخيارات لا يكون مخالفا لما هو ظاهر كلمة " حتى " وان
قلنا بظهورها في استمرار وجود ما قبلها أي الحكم المغيى بها إلى حصول تلك الغاية.
وبعبارة أخرى: في غير هذين الخيارين - أي خياري الحيوان والشرط - كخيار
الغبن والعيب أيضا الخيار وعدم استقرار الملك بحيث يمكن أن يسلب عن نفسه من
أول وقوع العقد ووجوده موجود غاية الأمر لا يعلم بوجوده وبعد الاطلاع على أن
المبيع معيب أو لا يساوي الثمن الذي اشتراه بذلك الثمن أي بعد ظهور العيب والغبن
يعلم بوجود الخيار فظهور العيب أو الغبن كاشف عن وجود الخيار من أول الأمر لا
أنه سبب لحدوث الخيار فالتزلزل وعدم كون الملكية مستقرا حاصل من أول وجود
العقد ومستمر إلى انقضاء زمان الخيار.
نعم لو كان هناك قائل بأن ظهور العيب أو العلم بالغبن الفاحش موجب لحدوث
الخيار من حين العلم والظهور فلابد له من القول بعدم التعميم بناء على أن يكون هذا
التعليل علة للتعميم وشمول القاعدة لسائر الخيارات.
وحاصل الكلام: أنه بناء على أن ظهور الغبن والعيب كاشف عقلي من ثبوت
الخيار لا أنه شرط شرعي لحدوثه فلا يبقى مجال لاشكال شيخنا الأعظم قدس سره وتأمله
في استظهاره.
نعم هناك أمر آخر يوجب التأمل في استفادة العموم من التعليل وهو أن جعل
الضمان على البائع في خيار الحيوان مع قبض المشتري للمبيع وتلفه في يده من جهة
مراعاة من انتقل إليه الحيوان وانه قبل مضي ثلاثة أيام يمكن أن يخفى عليه بعض
نقائص المبيع فجعل القبض كالعدم وجعل مناط سقوط الضمان انقضاء الشرط
وحصول الملكية المستقرة بحيث لا يمكن أن يسلبه عن نفسه بالفسخ. ومع هذا
142

الاحتمال كيف يمكن أن يقال بتعميم المناط.
وأما خيار الشرط فشريك مع خيار الحيوان في هذه الجهة والنكتة ولذلك أطلق
على كليهما الشرط في الاخبار غاية الأمر أن الشرط في خيار الحيوان من قبل
الشارع وفي خيار الشرط من قبل المتعاملين وهذا ليس بفارق فيما هو المهم في المقام
من أن المناط لجعل الضمان في عهدة من ليس له الخيار حتى بعد قبض من له الخيار
من جهة مراعاة من انتقل إليه الحيوان أو المشروط له في خيار الشرط فيكون
التعليل مختصا بهذين الخيارين ولا يسري إلى خيار المجلس فضلا عن سائر
الخيارات.
وأما ما ربما يقال - في وجه عدم التعميم واختصاص هذه القاعدة بهذين الخيارين
دون غيرهما من أن قولهم: " التلف في زمن الخيار " يدل على أن الخيار المذكور في هذه
القاعدة لا بد وأن يكون من الخيارات الزمانية أي ما كان لها زمان محدود من طرف
الشارع كخيار الحيوان المحدود بثلاثة أيام أو من طرف المتعاملين كخيار الشرط
وليس في سائر الخيارات تحديد بحسب الزمان لا من طرف الشارع ولا من طرف
غيره فهذه القاعدة بقرينة كلمة " زمن الخيار " لا تشمل الخيارات غير الزمانية -
فعجيب.
وذلك من جهة أن كل حادث زماني لابد وأن يكون لوجوده زمان يمتد بامتداد
وجوده وكما أن لكل جسم مكان يحيط به كذلك لكل حادث في سلسلة الزمان وفي
وعائه زمان يحيط به وهذا الزمان هو عمر ذلك الشئ فكل شئ كان امتداد
وجوده في وعاء الزمان أكثر يكون عمره أطول وكل خيار سواء كان أحد هذين
الخيارين أو غيرهما حيث أنه حادث زماني فله زمان يحيط به من أول وجود هذا
الحق إلى آخره وانتهائه فقولهم: " التلف في زمن الخيار " أي ذلك الزمان المحيط
بالخيار لا الخيارات الزمانية كما توهم.
143

فتلخص من مجموع ما ذكرنا: أن مدرك هذه القاعدة هو الأخبار الواردة في
خياري الحيوان والشرط والظاهر اختصاصها بذينك الخيارين وعدم شمولها لسائر
الخيارات حتى خيار المجلس فافهم وذلك لعدم تنقيح المناط الذي ذكره شيخنا
الأعظم قدس سره بطور يوجب الاطمئنان حتى تحكم بالتعميم.
وأما شمولها لخيار المجلس - باعتبار إطلاق الشرط عليه في الاخبار مع اختصاص
مورد الروايات الواردة في هذا الباب بخياري الحيوان والشرط - فلا يخلو من نظر
وتأمل.
وأما شمولها للثمن والمثمن بالنسبة إلى التالف وللبائع والمشتري بالنسبة إلى من
لا خيار له فنقول:
إن صور المسألة أربع لان التلف المفروض أنه بعد القبض - وإلا يكون من
مصاديق قاعدة تلف المبيع قبل القبض ويكون خارجا عن دائرة انطباق هذه القاعدة
- إما يكون في يد البائع أو المشتري وفي كل واحدة من الصورتين إما أن يكون الخيار
للذي وقع التلف في يده فقط أو يكون للآخر الذي لم يقع التلف في يده.
الصورة الأولى: أن يكون التلف في يد البائع فقهرا يكون التالف هو الثمن لأن المفروض
أنه بعد القبض ويكون الخيار للآخر أي المشتري فلا ضمان لاحد لان
ملك البائع تلف في يده ويكون كسائر أمواله ولا وجه لان يكون تلفه موجبا لضمان
شخص آخر إلا بأحد أسباب الضمان المعروفة وليس شئ منها في البين.
الصورة الثانية: أن يكون التلف أيضا في يد البائع ولكن كان الخيار البائع فقط.
وهذه هي الصورة التي يكون الضمان على المشتري إن قلنا بتعميم القاعدة بالنسبة إلى
البائع والمشتري لأن الضمان يكون على من لا خيار له وهو هيهنا المشتري كما هو
المفروض.
الصورة الثالثة: أن يكون التلف في يد المشتري وكان الخيار للبائع فقط ولا شك
144

في أن الضمان لا يكون على أحد أصلا وذلك لان مال المشتري تلف في يده ولا وجه
لان يكون في ضمان شخص آخر إلا بأحد أسباب الضمان من إتلاف ذلك الآخر أو
كون يده يد ضمان أو غير ذلك من أسباب الضمان والمفروض أنه ليس شئ آخر في
البين.
الصورة الرابعة: أن يكون التلف في يد المشتري والخيار له فقط وهذه الصورة هي
التي مشمولة لهذه القاعدة نصا وفتوى إجماعا ويكون من المسلمات أن ضمان التالف
على البائع الذي ليس له الخيار فيما إذا كان الخيار الذي للمشتري خيار الحيوان أو
خيار الشرط وأما فيما عداهما من الخيارات فيأتي ذلك الكلام الطويل الذي تقدم.
بقي الكلام في أن الضمان المذكور في هذه القاعدة - وانه من مال من لا خيار له -
هل هو ضمان المسمى الذي هو أحد العوضين في المعاملة أو هو عبارة عن الضمان
الواقعي أي المثل والقيمة كل واحد منهما في محله ومورده؟
فنقول مبنى المسألة على أنه جعل الشارع قبض ذي الخيار في المفروض كالعدم
فالضمان الثابت قبل القبض باق لعدم ما يوجب رفعه فإذا كان الامر كذلك فلابد من
القول بأن الضمان ضمان المسمى لعدم الشك في كون الضمان السابق على القبض ضمان
المسمى.
وأما إن قلنا بأن الضمان إذا تلف في يد ذي الخيار بعد القبض حكم تعبدي لا من
جهة أن الشارع جعل القبض كلا قبض بل بقبض المشتري مثلا خرج المبيع عن
عهدة البائع وحصل القبض والاقباض الذي كان من مقتضيات العقد.
فقوله عليه السلام فيما إذا تلف المبيع في يد المشتري بعد القبض في زمن خيار الحيوان أو
الشرط " فهو من مال البائع " حكم تعبدي لا ربط له بضمان البائع قبل القبض الذي
كان عبارة عن اشتغال ذمته بتسليم المبيع المعين المسمى إلى المشتري لأن المفروض
أن ذلك حصل وتم ولا معنى للزوم حصوله ثانيا فلا معنى لبقائه بعد القبض
145

والتسليم فحينئذ لا طريق لمعرفة نوع الضمان إلا الاستظهار من هذه الجملة أي
قوله عليه السلام: " فهو من مال بايعه ".
فنقول: يمكن أن يكون المراد من هذه الجملة أن خسارته وغرامته على البائع
سواء فسخ المعاملة أم لم يفسخ بناء على أن تلف المبيع لا يكون مانعا عن جواز فسخ
المشتري في زمان خياره. نعم لو فسخ المشتري يسترد عين الثمن إن كان شخصيا و
كان باقيا وإن كان تالف فمثله أو قيمته كل واحد منهما في مورده وإن كان كليا
فيأخذ أحد مصاديقه. وان لم يفسخ فيكون البائع ضامنا للمبيع التالف في يد المشتري
بالضمان الواقعي أي المثل أو القيمة كل واحد في مورده لأنه معنى كون غرامة التالف
وخسارته على البائع هو أن ضمانه الواقعي عليه.
ويمكن أن يكون المراد منها أن التلف يقع من مال بائعه بمعنى أنه ينتقل إلى البائع
آنا ما فيتلف ولا شك في أنه لا ينتقل إلى البائع مجانا وبلا عوض فلابد وأن يكون
انتقاله إلى البائع إما ببدله الواقعي من المثل والقيمة كل في محله أو يكون بانفساخ
المعاملة آنا ما قبل التلف حتى يرجع كل واحد من العوضين إلى ملك مالكه الأول
أي إلى مالكه قبل وقوع المعاوضة كما قلنا في مسألة تلف قبل القبض. ونتيجة
الانفساخ القهري هو نتيجة الفسخ الاختياري - كما بيناه - فيرجع عين الثمن إلى
المشتري لو كان باقيا وإلا فعلى التفصيل الذي تقدم في صورة الفسخ.
هذه الاحتمالات كلها في مقام الثبوت.
وأما في مقام الاثبات: فالظاهر هو انفساخ المعاملة آنا ما قبل التلف وذلك من
جهة أن قوله قوله عليه السلام: " فهو من مال بائعه " ظاهر في أن التلف يقع في مال البائع أي
التالف يكون من أمواله لا أن خسارة التالف وغرامته عليه وهذا أي كون التلف
واقعا على ماله لا يمكن إلا بالانفساخ آنا ما قبل التلف حتى يرجع التالف إلى ملك
البائع فيكون التلف واقعا في ملكه.
146

فالصواب هو أن الضمان في هذه القاعدة هو ضمان المسمى لا الضمان الواقعي أي
المثل والقيمة.
وبعبارة أخرى: التلف بعد القبض - إذا كان التلف في يد من له الخيار فقط دون
صاحبه - في حكم التلف قبل القبض أي يكون ذلك الضمان الذي قبل القبض موجود
وفي عهدة البائع باقيا بعد القبض أيضا ومعلوم أنه كان ضمان المسمى وبهذا صرح
جمع من المحققين كالمحقق والشهيد الثانيين 1، ويظهر أيضا من الشهيد قدس سره في الدروس 2
حيث قال: وبالقبض ينتقل الضمان إلى القابض ما لم يكن له خيار. من جهة أن مفهوم
هذا الكلام هو أنه لو كان للقابض الذي هو المشتري في المفروض خيار فلا ينتقل
الضمان إليه بل يبقى على حاله.
وخلاصة الكلام: أن لفظ " الضمان " وإن كان ظاهرا في الضمان الواقعي أي كون
الشئ بوجوده الاعتباري في العهدة وارتفاعه عن العهدة ورفع اشتغال الذمة بأداء
ذلك الشئ وحيث أن الشئ بعد تلفه لا يمكن أداؤه بخصوصيته الشخصية فلابد
وأن يطبق ما في الذمة على ما هو أقرب إليه من غيره وهو مثله إن كان له المثل أي
كان من المثليات وقيمته وماليته إن كان من القيميات وذلك من جهة أن نظر العقلاء
في مقام تفريغ الذمة في الماليات والغرامات بعد تعذر الخصوصيات الشخصية اعتبار
وجود الجهات النوعية والمماثلات وبعد تعذر هذه الجهات أيضا لا يرون الخروج
عن العهدة إلا بأداء القيمة.
وبعبارة أخرى: لا فرق فيما هو المراد من الضمان بين باب التلف والاتلاف فإذا
حكم الشارع بالضمان في مورد من موارد التلف - كما فيما نحن فيه - يكون المراد منه
هو الضمان في باب الاتلاف.

(1) " جامع المقاصد " ج 4، ص 308، " مسالك الأفهام " ج 1، ص 181.
(2) " الدروس " ج 3، ص 210.
147

ولكن في المقام لم يقل الشارع إن من ليس له الخيار من المتعاملين ضامن لما تلف
في يد ذي الخيار وأيضا لم يقل إن التلف في يد ذي الخيار يكون بحكم إتلاف من
ليس له الخيار بل قال: التلف في زمن الخيار من مال من ليس له الخيار أو من مال
بائعه. وأنت خبير بأن هذه العبارات غير التعبير بأنه ضامن ولا تفيد ذلك المعنى
الذي يستفاد من لفظة " الضمان ".
نعم أورد شيخنا الأستاذ قدس سره هاهنا إشكالين على كون الضمان في هذه القاعدة هو
ضمان المسمى:
الأول هو أن في صحيحة ابن سنان حكم بضمان البائع لو تلف المبيع في يد المشترى
الذي له الخيار فقط دون البائع سواء كان التالف نفس المبيع أو صفة من أوصافها
حيث قال الراوي: فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من يكون ضمان
ذلك؟ فقال عليه السلام: " على البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ". ولا شك في أن الوصف
لا يقابل بشئ من المسمى وتمام الثمن بإزاء نفس العين.
نعم الأوصاف ربما توجب زيادة قيمة العين المتصفة بها وإلا فلا يقع شئ من
الثمن بإزاء الوصف ولذلك تخلف الوصف لا يوجب تبعض الصفقة بل يوجب الخيار
بقبول المعاملة بنفس الثمن أو يفسخ ويسترد الثمن تماما لا أنه يقبل ولا يرد المعاملة
ويسترد مقدارا من الثمن بإزاء فقدان الوصف.
فإذا كان الامر كذلك فلا يمكن أن يكون الضمان الذي حكم الإمام عليه السلام في مورد
حدوث الحدث بالعبد أو الدابة ضمان المسمى لأنه بالنسبة إلى الوصف ليس مسمى
في البين حتى يكون ضمانه ضمان المسمى فلابد وأن يحمل قوله عليه السلام: " فهو من مال
بائعه " على الضمان الواقعي حتى يشمل ضمان العين والوصف جميعا وإلا يلزم استعمال
اللفظ في أكثر من معنى واحد.
والثاني: هو أن ضمان المسمى ارتفع بالقبض لان ضمان المسمى عبارة عن اشتغال
148

ذمته بالمثمن إن كان بائعا وبالثمن إن كان مشتريا والمفروض في المقام أن البائع سلم
المثمن إلى المشتري وقبض المشتري فلا يبقى مورد ومجال لاشتغال ذمته ثانيا باعطاء
المثمن بل هو من تحصيل الحاصل المحال فلو تجدد ضمان بواسطة كون التلف في زمن
الخيار لابد وأن يكون هو الضمان الواقعي أي المثل أو القيمة لأنه الظاهر من لفظ " الضمان " 1.
والجواب: أما عن الاشكال الأول:
فأولا: أن المراد من حدوث الحدث في المبيع ليس هو فوات الوصف كما زعمه
المستشكل بل المراد به أيضا التلف والموت فهو من قبيل التفنن في العبارة أو المراد
به موت خاص كالفجاة مثلا فيكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام وكم له من
نظير وقد ورد في الاخبار بهذا المعنى.
وثانيا: فبان الضمان الواقعي أيضا لا يمكن أن يكون جامعا لان الانسان لا يضمن
بالمثل أو القيمة لتلف ماله في يده فلابد من حمل كلامه عليه السلام على معنى يلائم
مع الانفساخ وغيره وهو أن يقال: إن المراد من قوله عليه السلام " فهو من مال بائعه " هو أنه
خسارته على البائع ويذهب من كيسه سواء أكانت الخسارة التي عليه من جهة
انفساخ المعاملة ورجوع الثمن إلى المشتري من دون مقابل يرجع إلى البائع لأن المفروض
أن مقابل الثمن تلف في يد المشتري بدون أن يكون عليه شئ أو كانت من
جهة فسخ المشترى ورجوع الثمن بتمامه إليه ورجوع العين الناقصة إلى البائع ففقدان
الوصف خسارة واردة على البائع من غير تدارك.
وأما عن الاشكال الثاني: فبأن شخص ذلك الضمان وان ارتفع بالاعطاء والاقباض
وتسليم المثمن إلى المشتري ولكن لا مانع من إتيان الدليل على حدوث فرد آخر من
ضمان المسمى بواسطة التلف عند ذي الخيار تعبدا كما هو كذلك وجاء الدليل أي

(1) " منية الطالب " ج 2، ص 180.
149

قوله عليه السلام: " فهو من مال بائعه ".
ثم إنه هل يجري استصحاب بقاء الكلي الجامع بين الفردين الذين أحدهما ضمان
المسمى قبل القبض وثانيهما هو الفرد الآخر الذي بعد القبض إذا شككنا في بقاء
الضمان بعد القبض أي بقاء الجامع بين الفردين وإلا فالفرد منه الذي يقينا كان
موجودا ارتفع بالقبض يقينا ولكن حيث أنه من المحتمل حدوث فرد آخر منه أي
من ضمان المسمى بعد القبض في نفس زمان ارتفاع ذلك الفرد بواسطة الاقباض
والتسليم فيكون الكلي الموجود يقينا في ضمن الفرد الزائل قطعا موجودا بقاء
احتمالا في ضمن فرد آخر محتمل الحدوث؟ فيه إشكال فإنه من القسم الأول من
الأقسام التي للقسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي الذي بنينا تبعا لأكثر المحققين
على عدم جريانه.
اللهم إلا أن يقال: إنه ليس هيهنا وجودين من ضمان المسمى وأن يكون انعدم
أحدهما وحدث وجود آخر بل هناك وجود واحد من ضمان المسمى ممتد من أول
المعاملة إلى ما بعد تلف المبيع في يد المشتري في زمان خياره الخاص به حتى يخرج
عن عهدته بارجاع الثمن إلى المشتري بدون مقابل.
هذا في مفروض المسألة والمقام غاية الأمر بسببين: حدوث هذا الضمان بسبب
وبقاؤه بسبب آخر فحدوثه بسبب التزام المعاملي إلى زمان القبض وبعد حصول
القبض ووفائه بالتزامه لا تأثير للالتزام المعاملي لأنه كما ذكرنا يكون من قبيل
تحصيل الحاصل ولكن بقاؤه بعد القبض يكون بالتعبد من قبل الشارع والدليل على
هذا التعبد هو الاستصحاب.
لا يقال: بعد زوال العلة ينعدم المعلول فإذا جاءت علة أخرى لذلك الشئ فلابد
وأن يكون معلوله موجودا بوجود آخر فيعود الاشكال.
وذلك من جهة أنه يمكن أن يكون كل واحد من السببين في حد نفسه لو كان
150

وحده كاف في تأثيره في وجود المعلول غاية الأمر عند اجتماعهما يتداخلان فإذا
انعدم أحدهما يؤثر الآخر مستقلا كالخيمة القائمة بعمودين ولكن كل واحد منهما لو
انفرد كاف في قيام الخيمة به فإذا انعدم أحدهما يكون قيام الخيمة بقاء بذلك العمود
الباقي كما أنه هو كذلك بالوجدان.
فلو فرضنا قيام الخيمة حدوثا بأحد العمودين ثم في زمان ارتفاع ذلك العمود قام
عمود آخر مقامه فالحدوث مستند إلى علة وبقاء الخيمة إلى علة أخرى، لا أن تلك
الخيمة بواسطة ارتفاع العمود الأول تنعدم وتوجد خيمة أخرى، وفي الاعتباريات
تصويره وامكان وقوعه أسهل وأوضح، كما أن في باب الخيارات يمكن أن يكون
حدوث الخيار بموجب وبقاؤه بموجب آخر.
" والحاصل " أنه لا مانع من كون حدوث شئ بعلة وبقائه بعلة أخرى ولا يخرج
ذلك الشئ بواسطة تعدد العلة من حيث علة الحدوث والبقاء عن الوحدة.
ثم إنه على تقدير جريان هذا الاستصحاب هل يعارضه استصحاب عدم
الانفساخ - أي الأصل العدمي مقابل هذا الأصل الوجودي - أم لا فإنهما إذا تعارضا
يتساقطان فلا يبقى استصحاب حتى يقال ببقاء الضمان حتى بعد القبض؟
الظاهر عدم تعارض هذين الأصلين أي الأصل الوجودي والعدمي وذلك من
جهة حكومة الأصل الوجودي هيهنا على الأصل العدمي لأن الشك في الانفساخ
مسبب شرعا عن الشك في بقاء الضمان وذلك من جهة أن بقاء ضمان المسمى تعبدا
من إثارة الشرعي انفساخ المعاملة حتى يرجع الثمن إلى المشتري الذي له الخيار
وحده دون البائع ومعلوم أن الاستصحاب في جانب السبب يرفع موضوع
استصحاب المسبب تعبدا وفي عالم التشريع.
تذييل: وهو أن هذه القاعدة هل تختص بالمبيع والثمن الشخصيين أو تشمل
الكليين منهما؟
151

مثلا لو باع عبدا أو حيوانا ورفع الغرر بذكر الأوصاف بكذا درهم أو دينار أيضا
كليين لا الدرهم أو الدينار الشخصيين فالبائع سلم إلى المشتري مصداقا من
مصاديق ذلك الكلي وأقبضه إياه فتلف ذلك المصداق في يد المشتري في زمان خياره
المخصوص به.
فهل تشمل هذه القاعدة مثل هذه المورد فتجب على البائع رد مصداق الثمن الكلي
إن كان قبضه أو لا تشمل فلا تنفسخ المعاملة بل مال المشتري تلف في يده ولا ضمان
على أحد لا على المشترى ولا على غيره لان مال شخص تلف عند نفسه فلا وجه
للضمان لا المسمى ولا الواقعي؟
فنقول: الظاهر عدم شمولها للثمن أو المبيع الكليين.
أما أولا: فمن جهة ظهور قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان " فهلك في يد المشتري " في
أن يكون التالف في يد المشتري هو نفس المبيع لا الفرد المنطبق عليه المبيع الكلي و
قد عرفت أن العمدة في دليل هذه القاعدة هي الروايات وهي لا تدل على أزيد مما
كان المبيع شخصيا ففي المبيع الكلي يحتاج إتيان هذه القاعدة إلى دليل وهو مفقود في
المقام.
وأما ثانيا: فمن جهة أن المبيع إذا كان شخصيا فبعد قبض المشتري له وتلفه في يده
فان حكم الشارع بأنه - أي التلف من مال البائع - معناه أن التلف وقع في ملك البائع
وماله وهذا لا يمكن إلا بانفساخ العقد آنا ما قبل التلف حتى يكون التلف في ملك
البائع وإلا فمال المشتري تلف في يده ولا معنى لان يكون شخص آخر ضامنا له.
وإما إذا كان المبيع كليا وأعطى البائع مصداقا من ذلك الكلي للمشتري وتلف
ذلك الفرد المنطبق عليه الكلي في يده فلا يلزم منه انفساخ العقد إن حكم الشارع بان
التلف وقع في ملك البائع من جهة أن ذلك الفرد ليس هو المبيع حتى يكون العقد
برجوعه إلى البائع منفسخا بل العقد باق ويعطي فردا آخر للمشتري مع أن ظاهر
152

القاعدة في موارد انطباقها هو الانفساخ.
وأما القول بأن ذلك الفرد المنطبق عليه الكلي بعد انطباقه عليه يكون بالحمل
الشائع هو المبيع - فرجوعه إلى البائع معناه الانفساخ والانحلال - فعجيب لان المدار
في الانفساخ عدم إمكان تسليم البائع للمبيع إلى المشتري بعد تلف ما هو المبيع في يد
المشتري والمفروض ليس كذلك.
الجهة الثالثة
في موارد تطبيق هذه القاعدة
فنقول: القدر المسلم منها هو فيما إذا تلف المبيع في يد المشتري بعد قبضه إياه في
خيار الحيوان وخيار الشرط واما فيما عداهما أما خيار المجلس فيظهر من الشيخ
الأعظم الأنصاري قدس سره الميل إلى شموله له وان قال: " على إشكال " 1. وأما سائر
الخيارات المتصلة بالعقد فجريانها فيها في خصوص المثمن لا يخلو من وجه وهو
عبارة عن عموم التعليل في صحيحة ابن سنان المستفاد من قوله عليه السلام: " حتى ينقضي
الشرط ويصير المبيع للمشتري " وان تأمل الشيخ الأعظم في هذه الاستفادة 2، وعلى
أي حال تقدم تفصيل الكلام فيه في الجهة الثانية.
وأما الخيارات المنفصلة عن العقد كخيار الشرط إذا كان الشرط أي الخيار
المجعول منفصلا عن العقد فقد تقدم الاشكال في جريان القاعدة لظهور كلمة " حتى
ينقضي الشرط " في كونه من ابتداء المعاملة إلى انقضائه - أي الشرط - على كلام
واشكال منا تقدم في الجهة الثانية
وأما شمولها للثمن فقد تقدم أنه تابع لان يكون هذا الحكم الكلي - أي التلف في

(1) " المكاسب " ص 301.
(2) المصدر.
153

زمن الخيار من مال من لا خيار له - على طبق القواعد الأولية أم لا بل حكم تعبدي
مستنده الاجماع والاخبار. فبناء على الأول تشمل وبناء على الثاني فقوله عليه السلام: " فهو
من مال بائعه " أي تلف المثمن في أيام خيار المشتري في يده من مال البائع فاسراء
هذا الحكم إلى الثمن وتلفه في يد البائع في أيام خياره المختص به من مال المشتري
أشبه بالقياس بل هو نفسه وقد تقدم كل ذلك فلا نطول المقام.
وأما جريانها في المبيع الكلي فيما إذا طبق البائع على فرد ومصداق وأعطاه وسلمه
إلى المشتري فقد تقدم الكلام والاشكال في شمولها له فلا نعيد.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
154

20 - قاعدة
حرمة أخذ الأجرة
على الواجبات
155

قاعدة حرمة أخذ الأجرة على الواجبات *
ومن القواعد الفقهية المعروفة بين الفقهاء أنه " يحرم أخذ الأجرة على كل ما هو
واجب عليه ".
فنقول: اختلف الفقهاء في أنه هل يجوز أخذ الأجرة على الواجبات أم لا؟
فالمشهور ذهبوا إلى عدم الجواز مطلقا، بل ادعى جماعة الاجماع عليه كما في
الرياض 1، وجامع المقاصد 2 في بعض فروع المسألة، وذهب بعضهم إلى الجواز مطلقا،
وبعضهم فصل بين التعبدي والتوصلي فقال بالجواز في خصوص الثاني، وفصل
آخرون بين التعييني والتخييري، وجماعة أخرى بين الكفائي والعيني وبعضهم فصل
بين الكفائي والتوصلي فقال بالجواز ومنع في سائر الأقسام إلى سائر التفاصيل التي
يجدها المتتبع في كلام القوم لا يهمنا ذكرها وإنما المهم بيان ما هو الحق في المسألة و
يعلم منه قهرا حال سائر الأقوال.
فنقول: إن الحق في المقام هو عدم جواز أخذ الأجرة بل مطلق العوض - بأي
عنوان كان، سواء أكان من باب الإجارة أو من باب سائر العقود المعاوضية - على
مطلق ما هو واجب على الانسان فعله، سواء أكان واجبا عينيا أو كفائيا أو تعيينيا
أو تخييريا نفسيا أو غيريا تعبديا أو توصليا، إلا على احتمال في التخيير الشرعي.

*. " بلغة الفقيه " ج 2، ص 3 - 44، " رسالة في حرمة أخذ الأجرة على الواجبات " (أصفهاني) مع " الحاشية على
المكاسب، " أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة " ص 119، " قواعد فقهي " ص 149، " القواعد الفقهية "
(فاضل اللنكراني) ص 510.
(1) " رياض المسائل " ج 1، ص 505.
(2) " جامع المقاصد " ج 4، ص 36.
157

نعم هناك شئ يجب التنبيه عليه وهو أن هذا الذي نقول من عدم جواز أخذ
مطلق العوض على الواجبات فيما إذا كان الشئ واجبا بالمعنى الاسم المصدري وأما
إذا كان واجبا بالمعنى المصدري فلا مانع من أخذ الأجرة عليه، وسيأتي تفصيل هذا
الكلام وتحقيقه عند التكلم في الواجبات النظامية إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ما ذكرنا فلابد في تحقيق المقام من تمهيد مقدمة، وهي أنه يشترط في
صحة عقد الإجارة - بل في سائر العقود المعاوضية التي تقع على الأعمال - أمور:
الأول: أن لا يكون سفهيا، أي يكون في العمل منفعة محللة مقصودة للعقلاء تعود
إلى المستأجر، وإلا يكون أكل المال بإزائه أكل للمال بالباطل، وهذا واضح جدا.
الثاني: أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر لان حقيقة الإجارة هي تمليك
العمل للمستأجر بعوض مالي معلوم في إجارة الأعمال فإذا لم يكن هذا العمل قابلا
لان يملكه المستأجر فتكون هذه المعاوضة باطلة لان حقيقة المعاوضة بين شيئين لا
يتحقق إلا بعد إمكان أن يدخل كل واحد من العوضين في ملك الآخر، وهذا أمر زائد
على الشرط الأول لأنه من الممكن أن تعود منفعة العمل إلى شخص بدون دخول
العمل في ملكه.
الثالث: أن يكون العمل مقدورا للعامل تكوينا وتشريعا وفعلا وتركا.
أما اشتراط القدرة التكوينية في العمل المستأجر عليه بالنسبة إلى العامل فمعلوم
لأنه لو كان عاجزا عن العمل - والمفروض أن الإجارة وقعت على عمله مباشرة -
فلا يقدر على تسليم العمل الذي استؤجر عليه ومعلوم أن مثل هذه المعاملة لغو في
نظر العقلاء ويكون من قبيل " وهب الأمير ما لا يملكه ".
وأما اشتراط القدرة التشريعية فلان الشارع لو سلب القدرة في عالم التشريع عن
مثل هذا العمل فيرى العامل في عالم اعتباره التشريعي عاجزا فيرى المعاملة باطلة.
فظهر أن صحة المعاملة في باب إجارة الأعمال متوقفة على أن يكون الأجير قادرا
158

على فعل العمل وتركه تكوينا وتشريعا.
إن قلت: عرفنا لزوم القدرة على الفعل ولكن لماذا يلزم القدرة على الترك؟
قلنا: لان معنى مقدورية فعل من الافعال هو أن يكون الفعل والترك بإرادته و
تحت اختياره، وإلا لو كان الفعل ضروريا، كحركة الارتعاش في اليد مثلا لا يقال إن
هذا الفعل مقدور له.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إن الواجب بأقسامها فيما عدا الواجب التخييري
الشرعي التوصلي - على احتمال سيأتي - لو كان الواجب هو العمل بالمعنى الاسم
المصدري - أي يكون المطلوب منه العمل الصادر لا جهة إصدار العمل لان في
العمل جهتين: إحداهما نفس الصادر والثانية جهة إصداره أي فاعلية العامل لهذا
العمل. وربما يكون هذا هو المراد من قولهم: جهة انتساب الفعل إلى فاعل مأخوذ في
معنى المصدر، بخلاف اسم المصدر - فلا يمكن أخذ الأجرة عليه، لان الفعل والعمل
بواسطة الايجاب خرج عن تحت قدرته واختياره تشريعا لان الشارع في عالم
تشريعه يرى العمل ضروري الوجود وانه ليس للمكلف تركه، فكما أن في الحركة
الارتعاشية في عالم التكوين ليس له تركه وخارج عن تحت قدرته تكوينا كذلك في
جميع الواجبات في باب الأعمال إذا كانت واجبة بالمعنى الاسم المصدري تخرج عن
تحت قدرة المكلف تشريعا فليس بقادر على العمل تشريعا.
وقد ذكرنا في المقدمة إناطة صحة الإجارة على أن يكون العمل مقدورا تكوينا و
تشريعا، ولذا قلنا بعدم صحة الإجارة على الفعل المحرم.
فالحاصل أن العمدة في عدم صحة أخذ الأجرة على الواجبات بحيث يكون وافيا
بجميع أقسام الواجب - من التعبدي والتوصلي والعيني والكفائي والتعييني
والتخييري والنفسي والغيري - هو هذا الوجه، وإلا سائر الوجوه التي ذكروها إما
غير تام في حد نفسه أو أخص من المدعى.
159

ومن جملة الوجوه التي ذكروها في المقام هو الاجماع على عدم الصحة.
ولكن أنت خبير أولا بأن الاجماع في أمثال هذه المسائل التي مدرك المجمعين و
مستند المتفقين معلوم ليس من الاجماع المصطلح عند المتأخرين الذي بنينا على
حجيته، بل لابد من الرجوع إلى مداركهم والنظر فيها وانها هل صحيحة هي أم لا؟
وثانيا: كيف يمكن تحصيل الاجماع في مثل هذه المسألة التي اختلاف الأقوال فيها
بهذه الكثرة.
ومن جملتها منافاة أخذ الأجرة لقصد الاخلاص والقربة.
وأجاب عن هذا صاحب الجواهر قدس سره بأن الإجارة توجب تأكد الاخلاص لان
الوجوب يتضاعف بسبب الإجارة 1.
وأورد عليه شيخنا الأعظم قدس سره في مكاسبه، بأن العمل الذي ليس فيه أجر دنيوي
وكون الداعي على إتيانه فقط هو امتثال أمر الله تعالى، قطعا أخلص من العمل الذي
فيه أجر دنيوي ويكون تمام الداعي أو بعضه على الاتيان ذلك الاجر، بل إذا كان تمام
الداعي ذلك الاجر الدنيوي فلا إخلاص فيه أصلا، لا أن العمل المجرد أخلص فقط 2.
فالانصاف أن أخذ الأجرة في العباديات ينافي الاخلاص وقصد القربة، وانكاره
مكابرة.
ولكن هذا الدليل كما ذكره الشيخ الأعظم قدس سره أخص من المدعى، من جهة عدم
شموله للتوصليات، بل أعم من المدعي من وجه لجريانه في المندوبات التعبدية التي
هي مندوبة ومستحبة على نفس الأجير 3.
إن قلت: إن كان أخذ الأجرة ينافي الاخلاص فما تقول في العبادات المستأجرة

(1) " جواهر الكلام " ج 22، ص 117.
(2) " المكاسب " ص 62.
(3) المصدر.
160

التي كانت واجبة على المنوب عنه، وذلك كإجارته للحج عن قبل الميت أو للصلاة
عن قبله، فان جواز الإجارة مع وقوع العمل والعبادة صحيحا إجماعي فلو كان أخذ الأجرة
ينافي العبادية ووقوع العمل متقربا لما وقع صحيحا.
قلت: أجيب عن هذا الاشكال بوجوه:
منها: أن أخذ الأجرة من قبيل الداعي على الداعي أي يصير داعيا على أن يأتي
بالعمل بداعي أمره كما أن في باب الأمر بالمعروف رهبة وخوفا من الآمر بالمعروف
لكن يكون خوفه داعيا على أن يأتي بالعمل بداعي أمره، وإلا لا يكاد بتحقق الامر
بالمعروف إذا كان عبادة لأنه لو أنكرنا مسألة الداعي على الداعي فلا يقدر على إتيان
المعروف بعد ما كان الداعي على الاتيان هو الخوف عن الآمر بالمعروف.
وهكذا مورد إتيان العمل العبادي رغبة في أمور دنيوية مترتبة على العبادة كسعة
الرزق أو طول العمر أو الصحة والعافية وأمثال ذلك، فلو لم تكن هذه الأمور دواع
على إتيان العمل بداعي أمره وكان لا يعقل لما كان العمل صحيحا والعبادة واقعة إذا
أتى بأحد هذه الدواعي الدنيوية، مع أن صحتها ووقوعها على الظاهر من المسلمات،
بل ورد في بعض الروايات أنه أفعل كذا إذا أردت قضاء حاجتك الفلانية مثلا.
وهذا الوجه لو تم لا اختصاص له بباب أخذ الأجرة في النيابيات بل يجرى أيضا
في محل البحث أي في العبادات الواجبة على نفس الأجير.
ولكن أنت خبير بأن حديث الداعي على الداعي ليس إلا صرف عبارة. لسنا
نقول إن الداعي على الداعي لا يمكن، كيف وان الداعي على الداعي في الدواعي
الطولية أمر ضروري، مثلا يحفر القناة لأجل الماء ويريد الماء لأجل الزرع ويزرع
لأجل تحصيل الحنطة ويريد تحصيل الحنطة لأجل قوته وقوت عياله ففي الحقيقة
العلة المحركة لحفر القناة ليس إلا قوت نفسه وعياله بحيث لو كان قوته وقوت عياله
حاصلا لم يقدم على الحفر أصلا.
161

وبعبارة أخرى: في باب الدواعي الطولية الداعي الحقيقي والعلة الأصلية للعمل
هو الداعي الأول فإنه هو المحرك للفاعل على فعله بحيث لو لم يكن لم يقدم على الفعل
أصلا. فان اعترفت هيهنا أيضا بأنه لو لم يكن أجرة في البين لما كان يقدم على هذا
العمل فقد اعترفت بعدم تحقق الاخلاص ولعمري هذا واضح جلي اللهم إلا أن يراد
بقصد الاخلاص صرف الخطور بالبال، وما أظن أن يلتزم به هذا القائل.
وأما حديث الامر بالمعروف فنقول: في الفرض الذي فرضت إذا كان الداعي
على العمل ليس إلا الخوف فهذا العمل لا يقع عبادة البتة وإنما الامر إليه وجب في
الواجبات واستحب في المستحبات، إما لأجل أن نفس هذه الصورة محبوبة عند الله
تعالى لحكم ومصالح، وإما من جهة أنه يتمرن ويتعود حتى يسهل عليه العمل فيأتي
بداعي أمره بعد هذا، كما أنه المعروف من بعض أكابر العلماء في بعض البلاد حيث كان
يجبرهم على صلاة الجماعة لأجل أن يتعودوا فيعملوا فيما بعد بداعي أمره.
وأما إتيان العبادة بداعي الأثر الدنيوي المترتب عليه فقياسه على المقام فاسد لان
الآثار الدنيوية المترتبة على امتثال الامر قصدها لا ينافي قصد الامر وقصد القربة.
بيان ذلك: أن حقيقة قصد القربة واتيان العمل بقصد الاخلاص معناه إتيانه
لمحبوبيته عند الله تعالى، وذلك يحصل بأحد الأمور الثلاثة:
إما أن يكون محركه على الاتيان هو نفس أمره تعالى ولا شك أن هذا المعنى
محبوب له تعالى ومثل هذا العمل تعبد له.
وإما أن يكون الداعي له على إيجاد العمل ما هو واقع في سلسلة علل الامر
كالمصلحة الموجبة للامر، فلو أوجد العمل بداعي المصلحة التي هي موجبة للامر
لكان متقربا لان مثل هذا المعني محبوب له تعالى ولذلك أمر به.
وقد أجيب عما استشكل به البهائي قدس سره - في مبحث الضد من إنكاره الثمرة بأن
العبادة باطلة على كل حال، سواء قلنا بالاقتضاء أم لا، لعدم الامر واحتياج العبادة
162

إلى الامر لان التقرب المعتبر في العبادة لا يحصل إلا بقصد الامر بأن قصد المصلحة
كاف في تحقق العبادة.
وإما أن يكون الداعي ما هو واقع في سلسلة معاليل الامر سواء أكان من الأمور
الأخروية، كتحصيل الدرجات المترتبة على العبادة أو الفرار عن الدركات المترتبة
على عدمها، أو كان من الأمور الدنيوية كسعة الرزق أو برئ مرض وأمثال ذلك.
وأما إن كان المحرك لا يرجع إلى أحد هذه الثلاثة - بل كان أمرا دنيويا أجنبيا عن
العبادة بالمرة - فلا يمكن تحقق الاخلاص والعبادة بمثل هذا الداعي فتصحيح أخذ الأجرة
على الواجب العبادي على الأجير وعدم منافاته للاخلاص - بأنه من قبيل
الداعي على الداعي - مما لا يمكن المساعدة عليه ويقول شيخنا الأستاذ قدس سره: عد هذا
إشكالا أولى من عده جوابا عن الاشكال 1.
ومنها: أن فعل النائب والأجير فعل تسبيبي للمستأجر وبعبارة أخرى: العمل
الصادر من الأجير له نسبتان: نسبة إلى الأجير باعتبار أنه مباشر له ونسبة إلى
المستأجر باعتبار أنه مسبب له، فيصح إسناد العمل إلى كل واحد منهما وأن يقال لكل
واحد منهما: أنه فاعل لهذا العمل، فله فاعلان: فاعل تسبيبي وفاعل مباشري. وفي
وقوع الفعل على صفة العبادية يحتاج إلى قصد القربة من الفاعل، وهيهنا حيث
لا يمكن قصد التقرب من الفاعل المباشر فيقصد الفاعل الآخر أي الفاعل المسبب
أعني المستأجر.
وهذا الجواب أيضا لو صح لا اختصاص له بباب النيابة بل يجري فيما إذا كان
العمل المستأجر عليه هو الواجب على نفس الأجير.
وفيه: أن حديث وقوع العمل الصادر عن الأجير بصفة العبادية بواسطة صدور
قصد القربة من المستأجر من أعجب الأعاجيب لان العمل الذي يصدر من الفاعل

(1) " منية الطالب " ج 1، ص 17.
163

المباشر بداع شهواني مثلا كيف يعقل أن يصير عباديا بواسطة قصد القربة من
شخص آخر.
وأما حديث بناء المسجد الذي يصدر من البنا بداعي أخذ الأجرة وهو الفاعل
المباشر - ومع ذلك يصير قربيا بواسطة صدور قصد القربة من الفاعل التسبيي أي
الذي يعطي الأجرة - فهو أجنبي عن المقام لان العبادة هناك عبارة عن نفس
التسبيب وصرف الدراهم والدنانير لأجل بناء المسجد، فلو فعل هذه الأشياء بداع
شهواني كالشهرة والسمعة أو الرياء وأمثالها لا يقع عمله عبادة لا عمل الأجير
البناء فان عمله لا يقع عبادة إذا كان بداعي أخذ الأجرة سواء أكان معطى الأجرة
قاصدا للقربة في بذله أم لا.
وبعبارة أخرى: لو كان عمل الأجير في نفس المثل فرضا من العباديات وقد أتى
به بقصد أخذ الأجرة لا يقع صحيحا سواء قصد باذل الأجرة القربة أم لا. وحيث
أنه لا دليل على لزوم أن يكون البناء الصادر من البناء الذي يبني المسجد قربيا و
عباديا بل يكفي قصد القربة من الواقف لان فعله - أي الوقف - عبادي لا فعل البناء
فلا مانع للبناء الأجير أن يأخذ الأجرة لان فعله ليس بعبادة، ولا فرق بين أن
يشتغل في بناء خان أو دكان أو مسجد من جهة عدم كون عمله عبادة في الجميع.
ومنها: أن أخذ الأجرة في باب العبادات المستأجرة على إهداء الثواب إلى المنوب
عنه.
وهذا أعجب من سابقه وإن كان صادرا عن بعض الأعاظم (قدس سرهم) لأن المفروض
صحة الإجارة على العبادة الواجبة على الغير بحيث يشتغل ذمة الأجير بما
كان مشغولا ذمة المنوب عنه بعد الإجارة. ومسألة إهداء الثواب أجنبية عن هذا
الباب بالمرة فهو في الحقيقة اعتراف بالاشكال وعدم إمكان دفعه.
والصواب في الجواب هو ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره في الجواب عن هذا
164

الاشكال بابداء الفرق بين المقامين أي باب أخذ الأجرة على الواجب على غير
الأجير كما في باب النيابات وبين ما كان العمل المستأجر عليه واجبا على نفس
الأجير 1.
بيان ذلك وتوضيحه: أن في باب الإجارة على ما هو الواجب على نفس الأجير،
كما إذا آجر نفسه على أن يصلي صلاة الظهر لنفسه، فمتعلق الامر الإجاري ليس إلا
ذات العمل غاية الأمر مقيدا باتيانه بقصد القربة وكذلك متعلق الأمر العبادي ليس
إلا ذات العمل، إما وحده إذا قلنا بأن قصد الامر لا يمكن أن يؤخذ في متعلق الأمر لا
بأمر واحد ولا بأمرين بل يكون بحكم العقل، واما مقيدا بقصد الامر بناء على ما هو
التحقيق عندنا من إمكان أخذ قصد الامر في متعلقه بأمرين وجعلين يكون أحدهما
متمما للآخر.
وعلى كل فمتعلق كلا الامرين - أي العبادي والإجاري - واحد بالنسبة إلى ذات
العمل أعني نفس المقيد غاية الأمر بناء على ما هو التحقيق يكون المتعلق واحدا في
مجموع القيد والمقيد، وبناء على القول الآخر في خصوص نفس المقيد أي ذات العمل
وكلا الامرين متوجهان إلى الأجير وهذا واضح.
وأما في باب النيابات: فهما مختلفان من كلتا الجهتين: أما من جهة التوجه والمخاطب
- فالامر العبادي متوجه إلى المنوب عنه والامر الإجاري مخاطبه الأجير ويكون
متوجها إليه. وأما من جهة المتعلق فالامر العبادي المتوجه إلى المنوب عنه بالأعم من
المباشرة والنيابة متعلق بذات العمل إما وحده وإما مقيدا بقصد الامر على القولين.
والامر الإجاري متعلق بجعل نفسه نائبا عن الميت أو عن الحي الذي ناب عنه في
إتيانه هذا العمل بقصد الامر المتوجه إلى المنوب عنه لا المتوجه إلى نفسه.
وهذا الفرق أوجب صحة الإجارة في باب النيابيات وعدم الصحة فيما هو واجب

(1) " المكاسب " ص 65.
165

على نفس الأجير.
بيان ذلك: أن الأجير إذا أخذ الأجرة على إتيان ذات العمل بقصد الامر المتوجه
إلى نفسه - كما هو المفروض في باب إجارة ما هو الواجب على نفس الأجير - فلا
يمكن أن يكون صدور هذا العمل منه بداعي الامر المتوجه إليه لأن المفروض أن
المحرك له إلى العمل هو الامر الإجاري التوصلي.
وبعبارة أخرى: يكون صدور العمل لأجل الوفاء بالإجارة واعطاء حق الغير.
إن قلت: من الممكن أنه لا يعتني بأمر الإجاري، بل ليس غرضه من إيجاد العمل
إلا امتثال الامر العبادي المتوجه إليه بحيث لو لم يكن ذلك الامر العبادي في البين لم
يقدم على الاتيان أصلا، بل كان يعصي الامر الإجاري التوصلي.
قلنا: نعم إن هذا أمر ممكن في بعض الأحيان ولكنه لابد في الامر الإجاري أن
يكون المكلف بحيث لو أراد أن يوجد العمل المستأجر عليه بقصد الوفاء بذلك الامر
الإجاري لكان له ممكنا.
وبعبارة أخرى: لابد أن يكون ممكنا للأجير إتيان العمل بقصد تفريغ ذمته و
إعطاء حق الغير ومعلوم أن مثل هذا المعنى لا يمكن بالنسبة إلى ما هو الواجب على
نفس الأجير تعبديا لمنافاته للاخلاص.
وأما إذا أخذ الأجرة على جعل نفسه نائبا عن قبل الغير في إتيان عمل عبادي
كان واجبا عليه - أي على ذلك الغير لا على نفسه - فلا ينافي ذلك الاخلاص لان
أخذ الأجرة على جعل نفسه نائبا لا على إتيان العمل بقصد أمره حتى تقول إن
المحرك إلى العمل في الحقيقة هو أخذ الأجرة وجعل نفسه نائبا ليس أمرا عباديا بل
توصلي يقع بقصدها بأي داع كان.
وبعبارة أخرى: هاهنا أمران عرضيان ليس أحدهما في طول الآخر حتى يكون
من قبيل الداعي على الداعي:
166

أحدهما: جعل نفسه نائبا الذي قد يفعله تبرعا، وهذا أمر توصلي يقع بأي داع
كان، وهذا الامر يقع متعلقا للإجارة ولا يلزم منه محذور أصلا.
والثاني: إتيان العمل الذي كان واجبا على المنوب عنه، وهذا أمر عبادي لكن لم
تقع الإجارة عليه فما وقعت الإجارة عليه ليس بعبادي وما هو عبادي لم تقع
الإجارة عليه.
إن قلت: إذا كانت الإجارة على صرف جعل نفسه نائبا فيستحق الأجرة بصرف
هذا الجعل ولو لم يعمل وإن كان يشمل العمل أيضا فيعود المحذور.
قلنا: الإجارة على صرف جعل نفسه نائبا لكن في إتيان العمل الفلاني، ومعلوم أن
تحقق عنوان النيابة في العمل الفلاني مثل كونه نائبا عن شخص في الحج مثلا لا يمكن
وغير معقول بدون وجود العمل الفلاني، فوجود العمل الذي جعل نفسه نائبا عنه في
إتيان ذلك العمل عنه مقدمة لتحقق عنوان النيابة التي استؤجر عليها، لا أنه بنفسه
متعلق للإجارة أو قيد لمتعلقها.
قال الشيخ: الذي ينساق إليه النظر أن مقتضى القاعدة جواز أخذ الأجرة على كل
عمل كان له منفعة محللة مقصودة للعقلاء وإن كان ذلك العمل واجبا على الأجير. ثم
قال رحمه الله: إن ذلك العمل بعد وقوعه متعلقا للإجارة إما صالح لان يمتثل به
الواجب المذكور أو كان مما يسقط الواجب به أو عنده فقد حصل الأمران أي براءة
ذمته عن الواجب واستحقاقه للأجرة، وإلا يستحق الأجرة فقط ويبقى الواجب في
ذمته لو بقي له وقت يمكن إتيانه فيه أو كان مما له القضاء فيقضيه، والا يكون معاقبا
على تركه وعصيانه عن عمد 1.
وبعبارة أخرى: صرف وجوب الشئ ليس بمانع عن أخذ الأجرة عليه، بل هيهنا
تفصيل وهو أن الواجب على الأجير إما من قبيل الواجب العيني التعييني أم لا.

(1) " المكاسب " ص 63.
167

فالأول لا يصح أخذ الأجرة عليه ولو كان للعمل منفعة محللة مقصودة للعقلاء.
وحاصل ما أفاد في وجه المنع أن مثل هذا العمل ليس بمحترم، فأكل المال بإزائه
أكل بالباطل لأنه مقهور على إيجاده وليس له أن يتركه في عالم التشريع، بل لو أراد
أن يتركه يجبر على الاتيان من باب الأمر بالمعروف طاب نفسه على الاتيان أم لا، و
ما هذا شأنه خارج عن تحت قدرته واختياره في عالم التشريع فلا يصح أخذ الأجرة
عليه، لما ذكرنا في المقدمة من اشتراط صحة الإجارة بأمور ثلاثة:
أحدها: أن يكون الأجير قادرا على إتيان العمل الذي يؤجر نفسه عليه ولا فرق
بين عدم القدرة التكوينية والتشريعية. ثم يقول: لا فرق في هذا بين التعبدي
والتوصلي غاية الأمر الواجب التعبدي إذا كان عينيا تعيينيا يختص بوجه آخر.
مضافا إلى هذا الوجه وهو منافاة أخذ الأجرة مع الاخلاص وقصد القربة كما
تقدم.
ثم يجيب عن النقض الوارد عليه بجواز أخذ الأجرة للوصي على عمله بعد أن
أوقعه وعمل - مع أن العمل واجب عيني تعييني على الوصي بعد أن قبل الوصية أو
وصل الخبر إليه بعد موت الموصي - بأنه ليس من باب أخذ الأجرة وتحقق المعاملة
الخاصة، بل حكم شرعي أجاز الشارع أن يأخذ الوصي بدل عمله ولا ربط له
بباب الإجارة أصلا.
هذا حاصل ما ذكره قدس سره في الواجب العيني التعييني، وأما سائر شقوق الواجب
وأقسامه فسننقل كلامه مع ما فيه إن شاء الله.
وأنت خبير بأن ما ذكره شيخنا الأعظم قدس سره في مكاسبه في هذا المقام، الذي نقلناه
بطور الخلاصة والمعنى إلى هاهنا، فيه مواقع للنظر.
أما أولا: قوله: إن كل ماله منفعة محللة عقلائية يجوز أخذ الأجرة عليه نقول:
صرف هذا المعنى لا يكفي في صحة الإجارة بل يحتاج إلى أمرين آخرين:
168

أحدهما: أن يكون العمل تحت اختياره وقدرته بمعنى أن يكون الأجير قادرا على
الفعل والترك تكوينا وتشريعا فلو كان عاجزا عن الفعل أو الترك تكوينا أو
تشريعا كما أن المكلف عاجز عن الفعل تشريعا في المحرمات وعن الترك في
الواجبات، فلا يصح أخذ الأجرة على مثل هذا العمل لأنه بواسطة الوجوب مقهور
على الفعل وليس له أن يترك.
ثانيهما: أن يكون العمل قابلا للتمليك بحيث يمكن أن يصير ملكا للمستأجر، لان
حقيقة الإجارة هو تمليك منفعة أو عمل بعوض مالي معلوم.
إذا تبين هذا فنقول: إن قوله قدس سره: إن كل ماله منفعة محللة عقلائية يجوز أخذ الأجرة
عليه - ولو كان واجبا وصرف الوجوب ليس مانعا عن جواز أخذ الأجرة -
ليس كما ينبغي لان صرف الوجوب وطبيعته كان متخصصا بأي خصوصية و
تحقق في ضمن أي قسم من أقسامها أي سواء كان عينيا أم كفائيا، وسواء أكان
تعيينيا أم تخييريا، وسواء أكان نفسيا أم غيريا.
وكل واحد من هذه الأقسام تعبديا كان أم توصليا أصليا كان في مقام الاثبات
أم تبعيا مانع عن صحة الإجارة على نفس الواجب الذي هو محل الكلام، وأما تعلق
الإجارة بأمر خارج عما هو متعلق الوجوب فخارج عن محل الكلام.
والحاصل: أن ما تعلق به الوجوب خرج عن تحت قدرة الأجير على فعله وتركه
في عالم الاعتبار التشريعي، ويراه الشارع في عالم اعتباره التشريعي واجب الوجود
ولا يرضى بتركه، ويرى المكلف الأجير ملزما بفعله، فنفس طبيعة الوجوب منافية
لاخذ الأجرة غاية الأمر إذا كان تعبديا تنضم إليه جهة أخرى أيضا وهو منافاته
مع قصد القربة.
وأما ثانيا: ما يقول في استحقاق الأجير للأجرة على كل حال غاية الأمر إذا كان
العمل الواجب مما يمتثل به الواجب أو يسقط الواجب به أو عنده فيبرأ ذمته عن
169

الواجب أيضا علاوة على استحقاقه للأجرة، وإلا يبقى الواجب في ذمته لو بقي وقته
وإلا عوقب على تركه، فتصوير استحقاق الأجير للأجرة مع عدم سقوط الواجب في
غاية الاشكال لان الإجارة على الفرض وقعت على إتيان ما هو واجب على نفسه،
فلو أتى ما هو الواجب على نفسه سقط الوجوب واستحق الأجرة بناء على الجواز
وإلا لم يستحق الأجرة أيضا، فالتفكيك بينهما لا نعقله بل لو كان توصليا وقلنا
ببطلان الإجارة كما هو التحقيق يسقط الواجب ولا يستحق الأجرة.
نعم إذا كان تعبديا وقلنا بأن قصد القربة لا يتحقق منه فلا يحصل كلا الامرين
أي لا يسقط الواجب ولا يستحق الأجرة مع أنه هناك أيضا مقتضى بطلان الإجارة
وامكان تحقق قصد القربة سقوط الواجب بالامتثال وعدم استحقاقه للأجرة، وعلى
كل تقدير استحقاقه للأجرة مع عدم سقوط الوجوب شئ لا نعقله.
وأما ما ذكره من عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب العيني التعييني فحق لا
محيص عنه، وقد أجاد فيما أفاد في وجه ذلك فجزاه الله خير الجزاء.
وأما ما ذكره أخيرا من جواب النقض عليه بجواز أخذ الوصي أجرة عمله بأنه
حكم شرعي فعجيب لان ما يأخذه بعنوان أجرة عمله لا بعنوان التعبد وانه إلزام
من قبل الشرع باعطائه مجانا، فلو كان عمله غير محترم كما هو اعتراف شيخنا قدس سره في
هذا المقام فليس له أخذ شئ بعنوان بدل عمله فإنه أكل بالباطل كما هو مصرح به
في كلامه 1.
والثاني أي ما ليس من قبيل الواجب العيني التعييني، فهو إما من قبيل التخييري
ولو كان عينيا، أو من قبيل الكفائي ولو كان تعيينيا.
أما التخيري فهو إما توصلي أو تعبدي، فإن كان توصليا قال شيخنا الأعظم قدس سره:
لا أجد مانعا عن جواز أخذ الأجرة على أحد فرديه بالخصوص، ثم يمثل لذلك بما إذا

(1) " المكاسب " ص 63.
170

تعين دفن ميت على شخص وتردد الامر بين حفر أحد موضعين يكون أحدهما
راجحا عند الولي لغرض من الاغراض فيستأجره على حفر ذلك الموضع الخاص لم
يمنع من ذلك كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن 1.
وأنت خبير بأنه فرق واضح بين أن يستأجره لايجاد الخصوصية فقط - التي هي
خارجة عن متعلق الوجوب ولا يتحقق إلا فيما كان للخصوصية وجود مستقل ولو
كان ملازما ومنضما إلى الطبيعة دائما بحيث لا تنفك عنها - وبين أن يستأجره لايجاد
الطبيعة المتخصصة كما هو المفروض في مثال الشيخ.
ولا شك في أن في القسم الثاني الذي هو ظاهر كلام شيخنا الأعظم قدس سره يتحد متعلق
الوجوب والإجارة في نفس الطبيعة، وهذا موجب لبطلان الإجارة بعين البرهان
الذي تقدم في الواجب التعييني، بل هو عين التعييني لأنه ليس هناك واجب تعييني لا
يتطرق فيه التخيير العقلي إلا فيما شذ وندر أي فيما إذا تعلق الوجوب بشخص فعل
ممتنع الصدق على كثيرين كالصوم في شهر رمضان أو النذر المعين، مع أنه بالنسبة
إلى صوم شهر رمضان أيضا يعقل التخيير بالنسبة إلى الأمكنة. نعم في نذر المعين لو
عين جميع جهاته من الزمان والمكان وسائر الجهات يمكن فرض عدم مجئ التخيير
العقلي في البين أصلا.
نعم في القسم الأول لا مانع من أخذ الأجرة لكنه خارج عن موضوع البحث
لان كلامنا في أخذ الأجرة على الواجبات وفي ذلك الفرض الواجب شئ ومتعلق
الإجارة شئ آخر.
وبعبارة أخرى: موضوع البحث هو أن يكون معروض الوجوب ومتعلق
الإجارة شيئا واحدا بحيث لو قلنا بالجواز يحصل للأجير أمران: أحدهما: سقوط
الواجب عن ذمته.

(1) المصدر.
171

والثاني: استحقاقه للأجرة.
وقد تقدم الاشكال على شيخنا قدس سره حيث أنه قال بامكان التفكيك بين الاستحقاق
للأجرة وسقوط الواجب عن عهدة الأجير.
هذا كله فيما إذا كان توصليا وأما إذا كان تعبديا - وذلك كغسل الميت إذا تعين
على شخص وتردد الامر بين أن يكون بماء الفرات أو بماء آخر مثلا - قال شيخنا قدس سره
في هذا المقام أيضا: إن قلنا بكفاية الاخلاص في القدر المشترك ولو كان إيجاد
الخصوصية لداع آخر فيجوز أخذ الأجرة على الخصوصية وإلا فلا 1.
وأنت خبير بأنه لا وجه لعدم كفاية الاخلاص في القدر المشترك أترى أن أحدا
يمكن أن يستشكل فيما إذا اختار المصلي مكانا خاصا لصلاته من جهة برودة الهواء
وحسنها أو لداع آخر عقلائي فليس في المسألة إشكال من هذه الناحية أصلا، بل
الاشكال من الجهة التي تقدمت في التوصلي لان ذلك الاشكال مشترك بين التوصلي
والتعبدي.
والحاصل أن اتحاد الطبيعة مع الخصوصية في الوجود الخارجي لا يمنع من أن
يكون قصدها للاخلاص وقصد الخصوصية لغرض آخر.
هذا كله كان في التخيير العقلي وأما التخيير الشرعي كخصال الكفارة فهل يجوز
أخذ الأجرة على اختيار أحد الافراد أم لا؟
وليس في كلام شيخنا قدس سره تعرض لهذا القسم أصلا.
والتحقيق فيه: أنه إن قلنا بأن في التخيير الشرعي أيضا متعلق الوجوب هو
الجامع لامتناع قيام غرض واحد بالمتعدد بما هو متعدد - كما قيل - فمرجع التخيير
الشرعي حينئذ إلى العقلي بل هو هو، ويكون تسميته بالتخيير الشرعي من جهة
خفاء الجامع عن نظر العرف وتصريح الشارع بالمصاديق فحاله حال التخيير العقلي

(1) " المكاسب " ص 63.
172

- كما عرفت مفصلا - بل هو هو.
ولكن هذا القول بمعزل عن التحقيق كما حقق في محله في الأصول.
وان قلنا بان الواجب التخييري بالتخيير الشرعي عبارة عن تقييد إطلاق الواجب
بعدم الاشتغال بعدله بمعنى أن كل واحد من الافراد حقيقة متعلق الوجوب غاية الأمر
ليس وجوبه مطلقا بل مقيد بصورة عدم الاشتغال بسائر الافراد، مثلا يجب
إطعام ستين مسكين اما لا مطلقا حتى في صورة الاشتغال بأحد عدليه من صيام
شهرين متتابعين أو تحرير رقبة، بل مقيد بصورة عدم الاشتغال بأحدهما، فليس
ملزما باتيان أحد الافراد بالخصوص ولا جامع في البين حتى نقول ملزم باتيان ذلك
كما قلنا في التخيير العقلي، فإذا لم يكن إلزام مطلق في البين فيبقى احترام عمله على
حاله ولا يسقط بواسطة المقهورية.
وبعبارة أخرى: حيث أن الشارع لم يلزم المكلف بخصوص أحد الافراد بل جوز
الانتقال إلى بدله واختيار عدله، فاختيار أي واحد من الافراد والعدول يبقى على
احترامه ويجوز أخذ الأجرة عليه.
وأما الواجب الكفائي إن كان تعبديا فالامر فيه واضح أن أخذ الأجرة مناف
للاخلاص - كما بينا وعرفت - وإن كان توصليا قال الشيخ قدس سره لا مانع من أخذ الأجرة
ويقع العمل لباذل الأجرة لا للعامل 1.
ولكن أنت خبير بان الكلام في أخذ الأجرة على ما هو الواجب على نفس
الأجير يعني يأتي بما هو الواجب على نفسه ويأخذ الأجرة عليه فوقوع العمل
لغيره - أي المستأجر - مع أنه أتى بما هو واجب على نفسه خلف.
وبعبارة أخرى: لا يمكن أن يملك المستأجر العمل الذي واجب على الأجير ولو
كان الوجوب كفائيا بعين البرهان الذي تقدم في الواجب العيني التعييني، من أن

(1) " المكاسب " ص 63.
173

المكلف ملزم بهذا الفعل ولا يجوز له تركه إلا في صورة اشتغال الغير، وأما في صورة
عدم اشتغال الغير - كما هو المفروض في المقام - فهو مقهور في الفعل وليس له الترك،
حتى أنه لو ترك يجبر من باب الأمر بالمعروف فلا يبقى لعمله احترام على مذاق
شيخنا الأعظم قدس سره كما أفاد في مكاسبه 1، أو ليس بقادر على الفعل والترك في عالم
التشريع وهو الملاك في عدم صحة الإجارة عندنا.
والحاصل: أن كلما كان واجبا على المكلف سواء أكان وجوبه عينيا أو كفائيا،
تعيينيا أو تخييريا، نفسيا أو غيريا، تعبديا أو توصليا لا يجوز أخذ الأجرة عليه إلا
في بعض أقسام التخييري أي التخيير الشرعي كما تقدم، وما قلنا من جواز أخذ الأجرة
في التخيير الشرعي هو فيما إذا لم يكن تعبديا وأما التعبدي فلا يجوز مطلقا.
إذا عرفت ما ذكرنا - من عدم صحة أخذ الأجرة على جميع أقسام الواجبات -
فيرد الاشكال المشهور وهو أنه لا شك في جواز أخذ الأجرة على الصناعات التي
تجب كفاية على جميع المسلمين لاختلال سوقهم ونظام معاشهم بدون ذلك فكيف
التفصي عن هذا الاشكال مع قولكم بعدم جواز أخذ الأجرة على جميع أقسام
الواجب؟
وقد تفصى عنه بوجوه:
منها: خروج هذه الواجبات عن تحت تلك القاعدة بالاجماع والسيرة.
وفيه: استبعاد أن يكون أخذ الأجرة حكما تعبديا من طرف الشارع مخالفا
لقواعد باب الإجارة بل المعاملات جميعا.
منها: أن نقول في أصل المسألة بالفرق بين التعبدي والتوصلي بأنه يجوز أخذ الأجرة
في التوصلي دون التعبدي كما هو مسلك جماعة، والواجبات النظامية كلها -
إلا ما شذ وندر - توصلي فلا مانع من أخذ الأجرة عليها أصلا، ونلتزم فيما إذا كانت

(1) المصدر.
174

تعبدية بالعدم على فرض وجود التعبدي فيها.
وفيه: أن هذا الاشكال يجري ويرد على ما اخترناه من عدم جواز أخذ الأجرة
على الواجب مطلقا فلابد من التماس جواب آخر بالنسبة إلى من يختار مثل ما
اخترناه.
منها: اختصاص الجواز بصورة قيام من به الكفاية وفي تلك الصورة ليس
بواجب.
والجواب عنه أنه أولا: بقيام شخص آخر لا يسقط الوجوب ما لم يفعل فإذا فعل
فلا يبقى موضوع حتى يتكلم في أنه يجوز أخذ الأجرة عليه أم لا ففي ظرف جواز
أخذ الأجرة الذي هو ظرف عدم وجود الواجب من قبل ذلك الغير القائم به
الوجوب باق ولم يسقط عن الأجير فيأتي الاشكال.
مضافا إلى أنه من المسلمات جواز أخذ الأجرة على هذه الواجبات ولو لم يكن
أحد قائما بها، ولو تعين عليه بواسطة عدم وجود من به الكفاية.
منها: الفرق بين الواجبات التي مطلوبة لذاتها لوجود مصالح فيها فلا يجوز، وذلك
مثل دفن الميت وغسله وكفنه حيث أن في نفس هذه الأفعال مصالح ملزمة أوجبت
مطلوبيتها من قاطبة المكلفين كفاية وبين ما يكون مطلوبيتها لأجل عدم تحقق
اختلال النظام وعدم قيام السوق للمسلمين.
والجواب: أن هذا الفرق دعوى بلا برهان، بل ظاهر الدليل الذي يمنع عن جواز
أخذ الأجرة على الواجبات عدم الفرق بين هذين القسمين من الواجب الكفائي. هذا
مع أن نفس هذا التقسيم لا يخلو عن مناقشة.
ومنها: أن الوجوب في هذه الأمور مشروط بالعوض بمعنى أنه يجب على الخياط
مثلا الخياطة بشرط إعطاء العوض على عمله، وهكذا بالنسبة إلى الصنائع الاخر
ولا شك أن الواجب المشروط ليس بواجب عند عدم شرطه، وعند تحقق شرطه -
175

أي: إعطاء العوض بإجارة أو جعالة أو غيرهما - فرض عدم جواز أخذ الأجرة
خلف.
والجواب عنه: أنه كيف يمكن أن يكون الوجوب مشروطا بما ينافيه ويضاده؟
فلا بد من رفع المنافاة والمضادة بينهما أولا ثم القول باشتراط الوجوب بالعوض
بإجارة أو غيرها.
والتحقيق في الجواب عن هذا الاشكال هو أن الوجوب تارة يتعلق بفعل المكلف
بالمعنى المصدري وأخرى يتعلق به بالمعنى الاسم المصدري.
بيان ذلك: أنه لو تعلق الوجوب بجهة إصدار فعل عن المكلف لا بما هو الصادر -
أي كان المطلوب منه والذي يلزم به هو أن يصدر عنه هذا الفعل وان لا يمتنع عن
الاشتغال به وإلا فنفس الفعل وذاته يقع للفاعل ولا يخرج بهذا الطلب عن حيطة
سلطانه - فلا يمنع عن أخذ الأجرة عليه لأن المفروض أن المطلوب في هذا القسم هو
اشتغال المكلف بالفعل وعدمه امتناعه عنه، وهذا هو الذي ألزم به فما خرج عن تحت
قدرته في عالم التشريع ليس إلا صرف الاشتغال وعدم الامتناع عن العمل، وأما
نفس العمل الصادر فليس بمطلوب فلم تخرج عن ملكه وحيطة سلطانه فيكون
وجوب هذا القسم من الأعمال في باب الأعمال، كوجوب بيع الحنطة مثلا وعدم جواز
احتكاره في باب الأموال، فكما أنه هناك وجوب صدور البيع وعدم جواز الاحتكار
لا يخرج الحنطة عن ملكه وحيطة سلطانه فكذلك هيهنا وجوب صدور العمل عنه
لا يخرج ذات العمل عن ملكه وسلطانه، فيجوز أخذ العوض على العمل الصادر لا
على جهة الاصدار.
فما هو الواجب شئ - أي جهة الاصدار والمعنى المصدري - وما هو يؤخذ
العوض عليه شئ آخر أي نفس الصادر والمعنى الاسم المصدري.
هذا كله فيما إذا تعلق الوجوب بالمعنى المصدري كجميع الواجبات النظامية التي
176

بتركها عن الجميع وعدم اشتغال من به الكفاية بها يتحقق اختلال النظام.
وأما لو تعلق الوجوب بما هو الصادر أي تعلق بما هو الفعل بالمعنى الاسم
المصدري فيخرج ذات الفعل ونفس العمل الصادر عن تحت قدرته تشريعا ويكون
ملزما باتيانه، وليس له أن يتركه ولا يأتي به بل يجبر على الفعل إن أراد الترك من
باب الأمر بالمعروف. وقد بينا سابقا أن من شرائط صحة الإجارة - بل كل معاوضة
في باب الأعمال - أن يكون العمل تحت سلطانه وقدرته تكوينا وتشريعا، فلو خرج
عن ذلك لا يجوز أخذ الأجرة بل مطلق العوض بعنوان المعاملات المعاوضية.
فظهر مما ذكرنا وجه جواز أخذ الأجرة على الواجبات النظامية.
ولا يرد هذا الاشكال على القائل بعدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات مطلقا،
لما عرفت من أن جهة الوجوب في الواجبات النظامية غير جهة أخذ الأجرة، و
مسألة وجوب بذل المال للمضطر ووجوب الارضاع أيضا من هذا القبيل أي
الواجب في الموردين هو العمل بالمعنى المصدري، فلا ينافي وجوبهما جواز أخذ
عوض المال المبذول في الأول، وجواز أخذ الأجرة في الثاني كما هو صريح قوله
تعالى: (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) 1 ولا يردان نقضا على ما قلنا أيضا.
والحاصل: أن أخذ الأجرة بل مطلق العوض بعنوان المعاوضة لا يجوز بالنسبة إلى
العمل الذي يكون واجبا بالمعنى الاسم المصدري سواء أكان وجوبه تعبديا أم
توصليا، عينيا أم كفائيا تعيينيا أم تخييريا، نفسيا أم غيريا، إلا فيما إذا كان الواجب
واجبا تخييريا شرعيا، على احتمال أبديناه سابقا.
هذا تمام الكلام بالنسبة إلى أخذ العوض في باب الواجبات.
وأما المحرمات: فقد سبق الكلام في عدم جواز أخذ الأجرة عليها لان الممتنع
شرعا كالممتنع عقلا، فالعمل المحرم غير مقدور شرعا فلا يجوز أخذ الأجرة بل كل

(1) الطلاق (65): 6.
177

قسم من أقسام المعاوضة، وأما المباح والمكروه فلا مانع من التكسب بهما أصلا.
وأما المستحب: فالتحقيق فيه أنه إن كان تعبديا بالمعنى الأخص - يعني كان تحققه
وامتثاله متوقفا على إتيانه بقصد القربة - فلا يجوز أخذ العوض أيضا عليه، لما ذكرنا
في الواجب من منافاته مع الاخلاص المعتبر فيه فلا نعيد.
وأما إن لم يكن كذلك بل كان توصليا يمكن أن يؤتى به بدون قصد القربة فلا
وجه لعدم جواز المعاوضة عليه، وذلك كمسألة نيابة شخص عن غيره في عمل
مستحب أو واجب على ذلك الغير فيما إذا كانت النيابة عن الغير في تلك الأعمال
مستحبة ولكن لا يكون تعبديا، بل كان يمكن أن يجعل نفسه نائبا عن غيره في عمل
بدون قصد القربة وإن كان يمكن أن يقصد القربة ويستحق الثواب لكن ذلك ليس
بلازم، بل ذلك بأي داع كان سواء أكان بداعي التقرب أو بداعي أخذ الأجرة،
فحينئذ لا وجه للقول بعدم جواز أخذ الأجرة عليه لأن المفروض أنه ليس تعبديا
حتى يكون أخذ الأجرة منافيا للاخلاص، ولا بواجب كي يكون مقهورا ومجبورا
بالاتيان في عالم التشريع فيكون خارجا عن تحت قدرته تشريعا، فلا يكون واجدا
لاحد شروط صحة الإجارة كما تقدم الكلام فيه في الإجارة على الواجبات مفصلا.
نعم ربما يتوهم في باب النيابة في العبادات إذا استؤجر عليها إشكال آخر لا ربط
له بمسألة أخذ الأجرة على المستحبات التوصلية، وهو أن النيابة في العمل العبادي إذ
وقعت متعلقة للإجارة فقهرا يكون نفس العمل العبادي أيضا داخلا في المستأجر
عليه باعتبار كونه قيدا ومتعلقا للنيابة الخاصة فيكون أخذ الأجرة عليه منافيا
للاخلاص.
ونحن دفعنا هذا الاشكال فيما تقدم في الفرق بين أخذ الأجرة على ما هو واجب
على نفس الأجير وبين ما هو كان واجبا على الغير وهو يأتي بالعمل بعنوان النيابة
عنه بعدم الجواز في الأول والجواز في الثاني فلا نعيد.
178

والحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد
وأهل بيته الطاهرين المعصومين.
179

21 - قاعدة
البناء على الأكثر
181

قاعدة البناء على الأكثر *
ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة قاعدة " البناء على الأكثر عند الشك في عدد
الركعات إن كان الشك في الرباعية الواجبة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية ".
وفيها جهات من البحث:
الجهة الأولى
في مدركها
وهو عبارة عن الروايات المعتبرة الواردة في هذا المقام:
منها: موثقة عمار الواردة في حكم الشك عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام: " كلما دخل
عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر قال عليه السلام: فإذا انصرفت فأتم ما ظننت أنك نقصت " 1.
ومنها: موثقته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شئ من السهو في
الصلاة؟ فقال: " ألا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن
عليك شئ؟ " قلت: بلى، قال عليه السلام: " إذا سهوت فابن على الأكثر فإذا فرغت و
سلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه

*. " القواعد " ص 71، " المبادئ العامة للفقه الجعفري " ص 248.
(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 193، ح 762، باب أحكام السهو في - الصلاة...، ح 63، " الاستبصار " ج 1، ص
376، ح 1426، باب من شك فلا يدري صلى اثنتين أو ثلاثا، ح 4، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 318، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 4.
183

شئ وان ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت " 1.
ومنها: موثقة ثالثة عن عمار أيضا قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " يا عمار أجمع لك
السهو كله في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك
نقصت " 2.
ثم إن المراد من السهو - في الموثقتين الأخيرتين - هو الشك لا السهو بمعناه
الحقيقي أي النسيان وذلك أن الناسي إذا لم يلتفت إلى نسيانه لا في الصلاة ولا بعدها
فلا يتوجه إليه حكم بالنسبة إلى نسيانه، وان التفت إليه فإن كان في حال الصلاة
والمفروض أن متعلق النسيان هو ركعات الصلاة فإن كان ما أتى به ناقص فيجب أن
يأتي بالباقي متصلا لا منفصلا كما في صلاة الاحتياط وظاهر هذه الروايات وإن كان
ما أتى به من الركعات زائدا على الفريضة فتكون الصلاة باطلة ويجب إعادتها.
فالمراد بقرينة هذا الحكم - أي: قوله عليه السلام " فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما
ظننت أنك نقصت " إلى آخره - هو الشك، واطلاق السهو على الشك بعلاقة السببية
جائز لا ضير فيه، إذا المجاز بعلاقة السببية متعارف ومعهود في اللغة.
وأما كون السهو سببا للشك فأمر معلوم غني عن البيان، ودلالة الموثقات الثلاث
على هذا الحكم - أي البناء على الأكثر - واضح لا يحتاج إلى التكلم فيه.
الجهة الثانية
في شرح مفاد هذه القاعدة
وهو يتوقف على بيان أمور:

(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 349، ح 1448، باب أحكام السهو، ح 36، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 318،
أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 3.
(2) " الفقيه " ج 1، ص 340، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 992، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 317، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 1.
184

الأمر الأول: أن الشك في عدد الركعات الذي هو موضوع هذه المسألة قد تكون
في النافلة وقد تكون في الفريضة.
والأول خارج عن محل كلامنا لورود أدلة خاصة على نفي الشك في النافلة
كقوله عليه السلام " ليس في النافلة سهو " 1. وقد تكلمنا في هذه القاعدة - أي قاعدة نفي
الشك في النافلة - في هذا الكتاب 2، وقلنا بأنه مخير بين البناء على الأقل والبناء على
الأكثر.
والثاني قد يكون في الفريضة الثنائية مثل أن يكون الشك في فريضة الصبح بين
الواحد والاثنين أو غيرها من الصور، وقد يكون في الثلاثية مثل أن يشك في المغرب
بين الواحد أو الاثنين والثلاث أو غيرها من الصور - وقد يكون في الرباعية.
وهذا على قسمين: لأن الشك قد يكون قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية و
قد يكون بعده.
فالأول مثل أن يشك بين الاثنين والثلاث مثلا ولكن قبل إكمال السجدتين، مثل
أن يكون شكه هذا في حال القيام أو في حال السجدة الأولى من الركعة التي بيده.
والثاني مثل أن يكون شكه أيضا بين الاثنين والثلاث مثلا ولكن بعد إكمال
السجدتين من الركعة التي بيده.
وبعبارة أخرى: الشك في الفريضة الرباعية تارة يكون طرف الأقل من الشك أقل
من الركعتين التامتين وأخرى لا يكون كذلك بل يكون طرف الأقل هو حصول
الركعتين التامتين فما زاد كالشك بين الثلاث والأربع في أي حال كان من الحالات.
وأما الشك بين الاثنين فما زاد فلابد وأن يكون بعد تمامية السجدة الثانية، وإلا ليس

(1) " الكافي " ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته كلها ولم يدر...، ح 5 و 9، " تهذيب الأحكام " ج 3، ص
54، ح 187، باب أحكام الجماعة وأقل الجماعة...، ح 99، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 340، أبواب الخلل
الواقع في الصلاة، باب 24، ح 8.
(2) سيأتي في هذه المجلدة، ص 317.
185

الشك بعد إكمال السجدتين.
فالشك في الثنائية والثلاثية خارج عن تحت هذه القاعدة مطلقا وفي أي حال من
الأحوال كان، والشك في الرباعية أيضا خارج إن كان قبل إكمال السجدتين بالمعنى
الذي عرفت أي كون طرف الأقل من الشك أقل من الركعتين التامتين وذلك لما دل
على بطلان الصلاة بهذه الشكوك، وتلك الأدلة أخص من الموثقات فتخصص بها.
فبناء على هذا لو شك في الثلاثية أو في الثنائية الواجبة - كصلاة المغرب أو
الصبح، وفي السفر سواء أكانت ثنائية بالأصل أو صارت ثنائية بواسطة وجوب
التقصير في السفر وكصلاة الجمعة وصلاة الكسوف بل وصلاة العيدين بناء على
عدم شمول حكم النافلة لهما في عصر الغيبة وإلا تكون خارجة عن محل البحث -
تكون صلاته باطلة وليست مشمولة لهذه الموثقات.
والدليل على بطلانها - وتخصيص هذه الموثقات به - قوله عليه السلام في مصحح حفص
بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا شككت في المغرب فأعد وإذا شككت في
الفجر فأعد " 1.
وصحيح العلاء عن الصادق عليه السلام سألته عن الرجل يشك في الفجر؟
قال عليه السلام: " يعيد ". قلت: المغرب؟ قال عليه السلام: " نعم والوتر والجمعة " من غير أن أسأله 2.
وقوله عليه السلام في هذه الرواية " والوتر والجمعة " مبني على أن يكون الوتر ثلاثة
ركعات أي مجموع الشفع والوتر، وإلا لو كان الوتر عبارة عن الركعة الواحدة مقابل

(1) " الكافي " ج 3، ص 350، باب السهو في الفجر والمغرب والجمعة، ح 1، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص
178، ص 714، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة، ح 15 و 24، " الاستبصار " ج 1،
ص 365، ح 1390، باب الشك في فريضة الغداة، ح 1 و 7، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 304، أبواب الخلل
الواقع في الصلاة، باب 2، ح 1 و 5.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 180، ح 722، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة، ح
23، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 305، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 7، وص 331، أبواب الخلل الواقع
في الصلاة، باب 18، ح 3.
186

الشفع فتصوير الشك في عدد الركعات لا يخلو من نظر.
نعم يمكن الشك فيه بمعنى الشك في وجوده وعدمه.
وموثق سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ فقال عليه السلام: " إذا لم تدر واحدة
صليت أم ثنتين فأعد الصلاة من أولها، والجمعة أيضا إذا سها فيها الامام فعليه أن
يعيد الصلاة لأنها ركعتان، والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلى فعليه أن يعيد
الصلاة " 1.
ومصحح ابن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي ولا يدري
واحدة صلى أم ثنتين؟ قال: " يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم " 2.
ويظهر من موثق سماعة أن كون الصلاة التي وقع فيها الشك ركعتين موجب
للبطلان وذلك من جهة تعليله عليه السلام إعادة الجمعة التي وقع فيها السهو - أي الشك -
بقوله عليه السلام: " لأنها ركعتان " فيستفاد حكم كل فريضة ثنائية منها سواء أكانت ثنائية
بالأصل كالصبح والجمعة والعيدين وصلاة الآيات أو صارت ثنائية بواسطة السفر
كالتقصير في الرباعيات في السفر.
وعلى كل حال يظهر من هذه الروايات بطلان الصلاة في ثلاثة أقسام: أحدها
الثنائية الواجبة. الثاني: الثلاثية الواجبة. الثالث: أن يكون الشك بين الواحدة وما زاد.
وأما ما ذهب إليه الصدوق قدس سره 3 من التخيير بين الإعادة والبناء على الأقل فيما إذا

(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 179، ح 720، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 21، " الاستبصار " ج 1، ص
366، ح 1394، باب الشك في فريضة الغداة، ح 5، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 305، أبواب الخلل الواقع
في الصلاة، باب 2، ح 8.
(2) " الكافي " ج 3، ص 351، باب السهو في الفجر والمغرب والجمعة، ح 2، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص
179، ح 715، باب أحكام السهو في الصلاة و...، ح 16، " الاستبصار " ج 1، ص 365، ح 1391، باب الشك
في فريضة الغداة، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 304، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 2.
(3) حكى عنه العلامة في " المنتهى " ج 1، ص 410، وراجع: " الفقيه " ج 1، ص 351، باب أحكام السهو في
الصلاة، ذيل ح 1024.
187

شك بين الواحدة والاثنين، للجمع بين الروايات المتقدمة ورواية الحسين بن أبي العلاء
عن الرجل لا يدري أركعتين صلى أم واحدة؟ قال عليه السلام: " يتم " 1.
ففيه: بأن هذا الجمع لا شاهد له وليس جمعا عرفيا كما في الخاص والعام والحاكم
والمحكوم والظاهر والأظهر، ومضافا إلى أن هذه الرواية لم يعمل بها أحد، حتى أن
الوحيد وصاحب الحدائق 2 - قدس سرهما - أنكرا نقل هذا القول عن الصدوق.
وكذلك رواية عمار - عن رجل لم يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال عليه السلام:
" يتشهد وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة، فإن كان قد صلى ركعتين كانت هذه تطوعا،
وإن كان قد صلى ركعة كانت هذه تمام الصلاة ". قلت: فصلى المغرب فلم يدر اثنتين
صلى أم ثلاثا؟ قال عليه السلام: " يتشهد وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة فإن كان صلى
ثلاثا كانت هذه تطوعا وإن كان صلى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة " 3 - لم يعمل به
أحد وأعرض عنه الجميع.
وخلاصة الكلام أن بطلان الصلاة في الموارد الثلاثة المذكورة اتفاقي لم ينكره أحد
إلا الصدوق قدس سره فيما تقدم وقد عرفت الحال فيه.
وأما الشك في الرباعية قبل إكمال السجدتين: فيدل على بطلانها هو صحيح زرارة:
روى الصدوق باسناده عن زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه السلام: " كان الذي فرض
الله على العباد عشر ركعات وفيهن القراءة وليس فيهن وهم - يعني سهو - فزاد
رسول الله صلى الله عليه وآله سبعا وفيهن الوهم وليس فيهن قراءة، فمن شك في الأولتين أعاد

(1) " تهذيب الأحكام، ج 2، ص 177، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 11، " الاستبصار " ج 1، ص
364، ح 1387، باب السهو في الركعتين الأولتين، ح 11، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 303، أبواب الخلل
الواقع في الصلاة، باب 1، ح 20.
(2) " الحدائق الناضرة " ج 9، ص 193.
(3) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 182، ح 728، باب أحكام السهو في الصلاة و...، ح 29، " وسائل الشيعة " ج
5، ص 306، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 12.
188

حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم " 1.
وأيضا روى باسناده عن عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا سلمت
الركعتان الأولتان سلمت الصلاة " 2.
وأيضا باسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث
قال: " ليس في الركعتين الأولتين من كل صلاة سهو " 3.
وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا سهوت في الأولتين فأعدهما " 4.
ورواية موسى بن بكر قال: سأله الفضيل عن السهو؟ فقال: " إذا شككت في
الأولتين فأعد " 5.
هذه جملة مما يدل على بطلان الصلاة إذا كان الشك في الأولتين، وبهذا المضمون
روايات كثيرة فوق حد الاستفاضة.
وحاصل مفاد جميعها هو بطلان الصلاة ولزوم الإعادة مع احتمال نقص في
الأولتين، بل لابد في الحكم بصحة الصلاة من حفظ الأوليين بتمامهما وكمالهما، ولازم
هذا المعنى هو أن يكون الشك بعد إكمال السجدتين فالشك في الموارد الأربعة
المذكورة موجب للبطلان وخارج عن مفاد أخبار البناء على الأكثر حكومة

(1) " الفقيه " ج 1، ص 201، باب فرض الصلاة، ح 605، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 299، أبواب الخلل الواقع
في الصلاة، باب 1، ح 1.
(2) " الفقيه " ج 1، ص 346، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1010، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 299، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 3.
(3) " الفقيه " ج 1، ص 352، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1028، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 300، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 1 ح 4.
(4) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 177، ح 706، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 7، " الاستبصار " ج 1، ص
364، ح 1383، باب السهو في الركعتين الأولتين، ح 7، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 302، أبواب الخلل
الواقع في الصلاة، باب 1، ح 15.
(5) " الاستبصار " ج 1، ص 364، ح 1381، باب السهو في الركعتين الأولتين، ح 4، " وسائل الشيعة " ج 5، ص
302، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 19.
189

أو تخصيصا.
ثم إنه من موارد بطلان الصلاة بالشك في عدد ركعاتها - وعدم شمول هذه القاعدة
له - هو الشك بين الاثنتين والخمس أو الأكثر وإن كان بعد إكمال السجدتين وذلك
من جهة أنه لا طريق إلى تفريغ الذمة مما اشتغل به يقينا لا وجدانا ولا تعبدا.
أما وجدانا فواضح لأن المفروض أنه شاك في أن ما أتى به اثنتين أو الخمس أو
الأكثر فان سلم ولم يأت بشئ فاحتمال النقيصة والزيادة كلاهما موجود وليس
دليل تعبدي في البين يدل على عدم مضرية هذه الزيادة أو النقيصة على تقدير
وجودهما. ولو أتى بما يحتمل نقصانه فيبقى احتمال الزيادة وليس شئ يدل على عدم
مضرية هذا الاحتمال وتفريغ الذمة.
وأما تعبدا فمن جهة عدم شمول روايات البناء على الأكثر للمقام لأنها واردة فيما
إذا كان الأكثر صحيحا كي يكون موجبا لتفريغ الذمة.
وأما إذا كان البناء على الأكثر موجبا لفساد الصلاة فهو خارج عن محط نظر هذه الأخبار.
وبعبارة أخرى: هذه الروايات كلها ناظرة إلى علاج العمل وكيفية تصحيحه فلا
يشمل الامر الذي يوجب بطلان العمل فليس هذا المورد مشمولا لتلك الأخبار
العلاجية، أي البناء على الأكثر واتمام ما نقص منفصلا بصلاة الاحتياط.
وأما أخبار البناء على اليقين فأيضا لا تشمل المقام لأن الظاهر منها أيضا هو
البناء على الأكثر وتتميم ما نقص بصلاة الاحتياط كي يحصل اليقين بالبراءة على كل
واحد من التقديرين، وفيما نحن فيه لا يمكن ذلك لأنه على تقدير كونه في الواقع هو
الأقل يمكن التدارك بصلاة الاحتياط وتحصيل اليقين بتفريغ الذمة، وأما على تقدير
كونه هو الأكثر تكون الصلاة باطلة ولم يرد دليل بالخصوص على عدم كون الزيادة
على تقدير وقوعها مضرة.
190

وأما استصحاب عدم تحقق الزيادة على المقدار المعلوم وهو الاثنتين ففيه أولا: أنه
طرح الشارع إجراء الاستصحاب في باب الشك في عدد الركعات لحكمه بالبناء على
الأكثر. وثانيا أن الاستصحاب لا يثبت أن ما أتمه هي الركعة الثانية حتى يتشهد فيها
ولا الثاني من الركعتين التاليتين اللتين يأتي بهما بعد الاستصحاب أنها الرابعة فيأتي
فيها بالتشهد الأخير إلا على القول بالأصل المثبت.
مع أن صريح الاخبار أن ظرف التشهد الأول هو بعد رفع الرأس عن السجدة
الثانية في الركعة الثانية، والتشهد الثاني هو بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية من
الركعة الرابعة فلا طريق إلى تصحيح العمل وتفريغ ما في الذمة بالاستصحاب فلابد
من الإعادة.
وهذا معنى كون الشك موجبا للبطلان.
فظهر أن مورد الخامس من الشكوك المبطلة أيضا خارج عن عموم هذه القاعدة
وعلى هذا المنوال المورد السادس والسابع من موارد الشكوك المبطلة - أي الشك بين
الثلاث والست أو الأزيد أو الشك بين الأربع والست أو الأزيد - يكونان خارجين
عن عموم هذه القاعدة أي البناء على الأكثر.
أما المورد السادس فلعين ما ذكرنا في المورد الخامس حرفا بحرف.
وأما المورد السابع - أي: الشك بين الأربع والست أو الأزيد فقد قاسه بعضهم
- وهو ابن أبي عقيل 1 - بالشك بين الأربع والخمس فقال بالصحة قياسا على الشك
بين الأربع والخمس.
ولكن أنت خبير بأن الصحة هناك لدليل خاص لا يشمل المقام، فان قوله عليه السلام في
صحيح عبد الله بن سنان - " إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي

(1) " مختلف الشيعة " ج 2، ص 390.
191

السهو بعد تسليمك " 1 - حكم خاص في موضوع خاص أي الشك بين الأربع و
الخمس، فاسراء هذا الحكم إلى موضوع آخر - وهو الشك بين الأربع والست يشبه
القياس أو هو هو.
وأما كون المراد هو الشك بين ما هو تمام العدد الصحيح وما هو الزائد عليه - و
ذكر الخمس في الرواية من باب أحد المصاديق - دعوى بلا بينة بل خلاف ظاهر
الرواية.
وأما التمسك لصحته باستصحاب عدم تحقق الزائد على الأربع فقد بينا أنه لا يثبت
أن ما أتمه هي الركعة الرابعة إلا على القول بالأصل المثبت. مضافا إلى ما ذكرنا من أن
الشارع لم يعتن بالاستصحاب في تعيين عدد ركعات الصلاة بل أسقطه عن الاعتبار
بجعل البناء على الأكثر فيما إذا شك في أعداد الرباعية بعد إكمال الركعتين الأولتين.
وأما المورد الثامن من الشكوك المبطلة - وهو أن يكون شكه بحيث لا يدري أنه
كم صلى - فهو أيضا خارج عن عموم هذه الموثقات للاجماع على بطلان الصلاة
ولزوم الإعادة وللروايات المعتبرة الواردة في لزوم الإعادة إذا اتفق كون شكه هكذا
أي كان بحيث لا يدري أنه كم صلى واحدة أم اثنتين أم ثلاثا أم أربع.
منها: رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام: " إن كنت لا تدري كم صليت ولم يقع
وهمك على شئ فأعد الصلاة " 2.
هذا مضافا إلى أن مرجع هذا الشك إلى عدم حفظ الأوليين وقد تقدم أنه يبطل
الصلاة عند عدم حفظهما.

(1) " الكافي " ج 3، ص 355، باب من سها في الأربع والخمس...، ح 3، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 195، ح
767، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 68، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 314، أبواب الخلل الواقع في
الصلاة، باب 5، ح 2، وباب 14، ح 1.
(2) " الكافي " ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها...، ح 1، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 187، ح 744،
باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 45، " الاستبصار " ج 1، ص 373، ح 1419، باب من شك فلم يدر صلى
ركعة أو اثنتين...، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 327، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 1.
192

وخلاصة الكلام أن جميع الصور الثمانية التي تكون للشكوك المبطلة خارج عن
عموم هذه القاعدة وذلك من جهة أن أخبار البناء على الأكثر وردت في مقام علاج
الشك في عدد الركعات فإذا كان الشك غير قابل للعلاج - ولابد فيه من إعادة
الصلاة أو جاء دليل خاص على بطلان الصلاة بشك - فيكون خارجا عن عموم
هذه الموثقات.
وقد عرفت مما ذكرنا أن الشكوك المبطلة لا تخلو من أحد هذين الامرين: إما
لا يمكن العلاج فيها وإما دل دليل خاص على بطلان الصلاة بها.
هذا حال الشكوك المبطلة.
وأما الشكوك التي لا اعتبار بها كشك كثير الشك، وشك كل واحد من الإمام والمأموم
مع حفظ الآخر، والشك في النافلة، والشك في صلاة الاحتياط، فكلها
خارجة عن تحت هذه القاعدة وعموم هذه الموثقات حكومة أو تخصيصا.
وأما الشكوك التسعة الصحيحة فكلها مشمولة لهذه الموثقات كما سنبين فيما سيأتي
إن شاء تعالى.
الأمر الثاني: في أنه عليه السلام بصدد علاج الشك بقوله: " إذا سهوت فابن على الأكثر "
أو قوله: " كلما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر فإذا انصرفت
فأتم ما ظننت أنك نقصت " أو غيرهما مما هو بهذا المضمون.
ومعلوم أن هذا العلاج لا يتم فيما إذا كان الأكثر من طرفي الشك أو أطرافه زائدا
على الأربع.
فإذا كان الشك في الرباعية قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية تكون الصلاة
باطلة لما تقدم، وتكون هذه الصورة خارجة عن عموم هذه الأخبار لما تقدم أيضا.
وأما إن كان بعد تمامية الركعتين وسلامتهما، فلو كان أحد طرفي الشك أو أحد
أطرافه زائدا على الأربع، فالصلاة أيضا باطلة لعدم تطرق هذا العلاج وليس
193

علاج آخر.
نعم في خصوص الشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين جاء الدليل على
الصحة بالبناء على الأقل الذي هو الأربع - وسجدتي السهو للزيادة المحتملة - أو كان
هذا الشك في حال القيام حتى بهدمه يرجع الشك إلى الثلاث والأربع كي لا يكون
البناء على الأكثر مبطلا، وهذا يجري في كل مورد كان طرف الأكثر هو الخمس و
كان في حال القيام كي يرجع بالهدم إلى الأقل من الأربع والأربع فيمكن تطرق هذا
العلاج فتشمله هذه الأخبار.
الأمر الثالث: في صور الشك في الرباعية وهو على قسمين: مركب وبسيط.
والمراد بالشك البسيط هو أن يكون للشك طرفان فقط: الأقل والأكثر، كالشك
بين الاثنين والأربع، أو الثلاث والأربع.
والمراد بالمركب هو أن يكون أطراف الشك أكثر من الاثنين كالشك بين الاثنين
والثلاث والأربع.
وفي كل واحد من القسمين - أي البسيط والمركب - إما أن لا يكون طرف الأكثر
أكثر من الأربع أو يكون، والقسم الثالث هو أن يكون كلا طرفي الشك أكثر من
الأربع.
وان شئت قلت: تارة لا يكون كلا طرفي الشك أكثر من الأربع. وأخرى يكون
كلاهما أكثر من الأربع. وثالثة يكون أحد طرفيه أكثر دون الآخر.
أما الأول كالشك بين الثلاث والأربع. وأما الثاني كالشك بين الخمس والست.
وأما الثالث كالشك بين الأربع والخمس.
فمجموع الأقسام يصير ستة: اثنان منها البسيط والمركب في نفس الرباعية بمعنى
أن طرف الأكثر ليس زائدا على الأربعة، أو كلاهما - أي طرفا الشك في البسيط
والمركب - في الزائد على الأربعة، أو كلاهما - أي البسيط والمركب - فيما إذا كان أحد
194

طرفي الشك في الأربعة والطرف الآخر في الزائد عليها.
أما القسم الأول أي الشك البسيط في نفس الأربعة صوره ثلاث: وهي الشك بين
الاثنين والثلاث، والشك بين الاثنين والأربع، والشك بين الثلاث والأربع.
أما القسم الثاني أي: الشك المركب في نفس الأربعة فصورة واحدة وهي الشك
بين الاثنين والثلاث والأربع.
فهذه أربع صور للشك البسيط والمركب في نفس الأربعة، أي ليس طرف الأكثر
زائدا على الأربعة.
وأما القسم الثالث أي الشك البسيط فيما إذا كان طرفا الشك زائدا على الأربعة
كالشك بين الخمس والست.
وأما القسم الرابع أي الشك المركب في الزائد على الأربعة بحيث تكون أطراف
الشك زائدة على الأربعة كالشك بين الخمس والست والسبع.
وأما القسم الخامس أي الشك البسيط بحيث يكون أحد طرفيه في الأربعة
والطرف الآخر فيما زاد عليها كالشك بين الأربع والخمس.
وأما القسم السادس أي الشك المركب فيما إذا كان طرف الأقل داخلا في الأربعة
وطرف الأكثر زائدا عليها، كالشك بين الثلاث والأربع والخمس أو بين الأربع
والخمس والست.
إذا عرفت هذا فنقول:
أما حكم القسم الأول والثاني أي تلك الصور الأربع فواضح أي يجب البناء على
الأكثر، وتتميم ما يحتمل نقصه بصلاة الاحتياط كما هو صريح موثقات عمار.
195

نعم هاهنا أمران يجب أن يذكر:
الأمر الأول: أن مقتضى قوله عليه السلام - " فابن على الأكثر " لو لم يكن قوله عليه السلام: " فإذا
سلمت فأتم ما ظننت أنك نقصت " - هو المضي وعدم وجوب صلاة الاحتياط لان
معنى البناء على الأكثر عدم الاعتناء باحتمال الأقل عملا بل يجب عليه أن يجعل عمله
على طبق احتمال الأكثر.
لست أقول إنه - أي البناء على الأكثر - أمارة ومن باب تتميم الكشف لأن الشك
مأخوذ في موضوعه، ومثل ذلك لا يمكن أن يكون أمارة لان مفاد الامارة إلغاء
الشك، والموضوع لابد وأن يكون محفوظا حتى يأتي الحكم وتخلفه عن الموضوع
خلف محال، بل ولا نقول بأنه من الأصول المحرزة لان الأصل المحرز عبارة عن لزوم
العمل على طبق أحد طرفي الشك عمل المتيقن به ولذلك يكون حاكما على الأصل
غير المحرز لرفع موضوعه به تعبدا، وليس في أخبار الباب ما يدل على أن العمل
بالأكثر والبناء عليه باعتبار أنه عمل المتيقن بالأكثر.
وعلى كل حال فيكون معنى البناء على الأكثر ترتيب آثار الأكثر شرعا من
حيث العمل، ومن آثار الأكثر أنه ليس عليه شئ لا صلاة الاحتياط ولا غيرها،
فتشريع صلاة الاحتياط بملاحظة احتمال الأقل وتداركه ولذلك ربما يقال بأن جعل
صلاة الاحتياط مرجعه إلى البناء على الأقل لا البناء على الأكثر، وقوله عليه السلام " ابن علي
الأكثر " يكون باعتبار تصحيح محل التشهد والتسليم، وإلا فبحسب أصل كمية
صلاة الفريضة يكون البناء على الأقل.
ولذلك قال بعضهم: إن البناء على الأكثر في الصلاة ليس مخالفا للاستصحاب، بل
وجوب صلاة الاحتياط يكون نتيجة استصحاب عدم إتيان ما يحتمل عدم إتيانه،
وإلا لم يكن وجه لوجوب الاتيان بصلاة الاحتياط.
الأمر الثاني: في أن طرف الأقل من الشك في الرباعية إذا كان الاثنتين لابد وأن
196

يكون بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية لما تقدم من دلالة الروايات على لزوم
حفظ الأوليين بتمامهما وكمالهما، وان الشك في أي جزء منهما ما لم يكن دليل شرعي أو
عقلي على تماميتهما مبطل للصلاة فيقع الكلام في أنه ما المدار في إكمال السجدتين؟ هل
هو الدخول في السجدة الثانية مع الاستقرار فيها أو بعد الاتيان بذكر الواجب فيها أو
بعد رفع الرأس عنها؟ ونسب الأخير إلى المشهور.
ولكن الظاهر أن المدار في إكمالها هو الاتيان بالذكر الواجب في السجدة الثانية من
الركعة الثانية وذلك من جهة أن وجود المركب بوجود تمام أجزائه فإذا وجد الجزء
الأخير منه مع كونه مسبوقا بوجود سائر الأجزاء في المركب التدريجي الوجود
يصدق أنه وجد بتمامه وكماله، وأما الخروج عنه فليس جزء له كما هو واضح.
ومعلوم أن الركعة عبارة عن القيام والذكر الواجب فيه من القراءة أو التسبيح
والركوع والسجدتين، فإذا وجد هذه الأمور فقد وجد الركعة بتمامها واحتمال أن يكون
رفع الرأس من السجدة الثانية أيضا جزء للركعة بعيد بل مقطوع العدم، لعدم الدليل
عليه وإنما هو مقدمة للدخول في الركعة التي بعدها أو للتشهد والتسليم.
الجهة الثالثة
في موارد تطبيق هذه القاعدة
فنقول:
إذا عرفت هذه الأمور فلنرجع إلى التكلم في الشكوك الأربعة للقسم الأول
والثاني أي الشك البسيط والمركب من الشك في نفس الرباعية من دون أن يكون
طرف الأكثر زائدا على الأربعة.
الصورة الأولى: أي الشك بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين فهو يبنى
على الثلاث على المشهور بل ادعى عليه الاجماع، بل عن الأمالي: أنه من دين
197

الامامية 1.
والدليل عليه هي الموثقات العمار الثلاث التي تقدمت 2.
هذا هو الحكم الأول في هذا الشك والحكم الثاني هو الاتيان بصلاة الاحتياط
ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس بعد إتمام صلاته أي بعد إتيان الرابعة والتشهد
والتسليم.
والدليل على وجوب صلاة الاحتياط قبل الاجماع - لما قلنا مكررا من أن الاجماع
في أمثال هذه الموارد مما لها مدرك من الأخبار الصحيحة المعمول بها عند الأصحاب
لا وجه له - هو ذيل الموثقات الثلاث للعمار أي قوله عليه السلام: " فإذا انصرفت فأتم ما
ظننت أنك نقصت "، وما هو بمضمونه في الموثقتين الأخريين، فان ذيل هذه الموثقات
صريح في أن إتمام مظنون النقصان إنما هو بعد الفراغ من الصلاة والانصراف عنها
فيكون بصلاة مستقل وهو الذي نسميه بصلاة الاحتياط.
ثم إن هاهنا أمران:
الأمر الأول: إن في هذه المسألة أقوال أخر: البناء على الأقل وهو المحكي عن
الصدوق محمد بن علي بن بابويه في الفقيه 3، والتخيير بين البناء على الأقل والأكثر و
هو المحكي عن والده علي بن بابويه 4، والإعادة وهو المحكي عن المقنع 5. ومنشأ هذه
الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في هذا المقام فلنذكرها كي نرى ما هو المحصل
منها، فنقول:

(1) " أمالي الصدوق " ص 513.
(2) تقدم في ص 183 و 184.
(3) حكى عنه في " مدارك الأحكام " ج 4، ص 256.
(4) " فقه الرضا " ص 117 - 118.
(5) " المقنع " ص 101.
198

منها مصحح زرارة - أو حسنته - عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: رجل لا يدري
واحدة صلى أم اثنتين؟ قال: " يعيد ". قلت: رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال:
" إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى ولا شئ عليه
ويسلم " 1.
فربما يقال: بأن هذه الرواية دليل على قول الصدوق قدس سره أي البناء على الأقل و
ذلك من جهة أن قوله عليه السلام " مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى " معناه أن ما أتى به هو
اثنين وهذا الذي بيده هو الثالثة ويصلى الأخرى أي الركعة الرابعة الباقية متصلة و
يسلم ولا شئ عليه، لا الإعادة ولا صلاة الاحتياط، وهذا هو البناء على الأقل.
وبعبارة أخرى: ظاهرها أن الركعة التي يشك في أنها الثانية أو الثالثة هي التي
فرغ عنها ودخل في الثالثة، فالامر بالمضي في الثالثة وقوله عليه السلام بعد ذلك " ثم صلى
الأخرى - أي الرابعة - ويسلم " صريح في أنه أمر بالبناء على أن الركعة المشكوكة
التي فرغ عنها بالدخول في الثالثة هي الثانية وهذا هو البناء على الأقل، فيخصص
بها موثقات عمار المتقدمة لأنها أخص منها، والنتيجة هي قول الصدوق قدس سره أي البناء
على الأقل.
هذا أحد الاحتمالين في الرواية الذي موافق لما نسب إلى الصدوق وحكي أيضا
عن السيد - قدس سرهما - في المسائل الناصريات 2.
والاحتمال الآخر - الذي موافق لمذهب المشهور أي: البناء على الأكثر وأصر
عليه صاحب الحدائق 3 واستظهره من هذه الرواية - هو أن يكون اللام في قوله " إن

(1) " الكافي " ج 3، ص 350، باب السهو في الركعتين الأولتين، ح 3، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 192، ح
759، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 60، " الاستبصار " ج 1، ص 375، ح 1423، باب من شك فلا
يدري صلى اثنين أو ثلاثا، ح 1، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 300، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1،
ح 6، وباب 9، ح 1.
(2) " الناصريات " ضمن الجوامع الفقهية، ص 237.
(3) " الحدائق الناضرة " ج 9، ص 212.
199

دخله الشك " للعهد أي الشك المسؤول عنه إن عرض له بعد الدخول في الثالثة أي
الركعة التي قطعا ليس أقل من الثالثة، وإن كان من المحتمل أن تكون هي الرابعة.
وقوله عليه السلام بعد ذلك " مضى في الثالثة " أي يمضي في صلاته مع بنائه على أن تلك
الركعة المشكوكة المحتملة أن تكون الثانية أو تكون الثالثة هي الثالثة فتكون الركعة
التي بيده هي الرابعة فيكون المراد بقوله " ثم صلى الأخرى " هو أن يأتي بركعة
منفصلة أعني صلاة الاحتياط، وبعد أن أتم ما ظن نقصه بصلاة الاحتياط يسلم و
هذا كما ترى هو البناء على الأكثر في الركعة المشكوكة.
ومما يؤيد أن المراد بقوله عليه السلام " ثم صلى الأخرى " هي الركعة المنفصلة لا الموصولة
هي كلمة " ثم " التي للترتيب بانفصال، وإلا لو كان المراد هي الركعة الموصولة لكان
ينبغي أن يقول عليه السلام " مضى في الثالثة ويصلي الأخرى " بالواو لا بثم.
ثم إنه على تقدير أن لا يكون هذا الاحتمال أظهر من الاحتمال الأول لكن يكون
موجبا لاجمال الرواية فلا يكون دليلا على البناء على الأقل كما توهم.
ولكن الانصاف أن الاحتمال الأول - أي كون الامر بالمضي في الثالثة بمعنى أنه
يبنى على أن ما بيده الذي هو كان ظرف وجود الشك في أن الركعة التي خرج منه و
دخل في الثالثة هل هي الثانية أو الثالثة هي الثالثة - أظهر وذلك من جهة ظهور
قوله عليه السلام " ثم صلى الأخرى ولا شئ عليه ويسلم " في الركعة الموصولة.
ويؤيد هذا الظهور وقوع " يسلم " بعد هذه الجملة ولو كان المراد هي الركعة
المنفصلة وصلاة الاحتياط كان ينبغي أن يقدم هذه الكلمة ويقول " يسلم ثم صلى
الأخرى ".
اللهم إلا أن يقال: إن هذا التعبير منه عليه السلام إيهام إلى البناء على الأقل تقية، وفي
أخبار الباب يوجد كثيرا مثل هذا الخبر مما ظاهرها يوهم البناء على الأقل وظاهر
عليها أمارات التقية والتورية، وقد أشرنا إليها في بعض روايات باب الاستصحاب.
200

فقد ظهر مما ذكرنا أن هذه الرواية مجملة لا تدل على قول المشهور ولا على ما
حكي عن الفقيه وعن السيد من البناء على الأقل.
ومنها: رواية العلاء قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة؟
قال عليه السلام: " يبني على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلى ركعة بفاتحة الكتاب " 1
بناء على أن المراد من البناء على اليقين هو البناء على الأقل لأنه هو المتيقن.
ولكن أنت خبير بأنه ينفى هذا الاحتمال قوله عليه السلام: " فإذا فرغ تشهد وقام قائما
فصلى ركعة بفاتحة الكتاب " لان هذا ظاهر في صلاة الاحتياط أولا لتعيينه عليه السلام فاتحة
الكتاب في القراءة وثانيا بقرينة قوله عليه السلام " فإذا فرغ تشهد " لظهور هذا التشهد في
التشهد الثاني أي ما هو في الركعة الرابعة، فأمره عليه السلام - بعد هذا التشهد بالقيام و
صلاة ركعة بفاتحة الكتاب - صريح في صلاة الاحتياط لأنه لا مورد للركعة الموصولة
بعد التشهد الثاني كما هو واضح. وصلاة الاحتياط ركعة واحدة في مفروض المسألة
لا يلائم إلا على البناء على الأكثر.
هذا مضافا إلى أن مصطلح الاخبار هو تسمية البناء على الأكثر بالبناء على
اليقين، فهذه الرواية أيضا لا تدل على البناء على الأقل كما توهم.
ومنها: صحيحة عبيد عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم
ثلاثا؟ قال عليه السلام: " يعيد ". قلت: أليس يقال: لا يعيد الصلاة فقيه "؟ فقال عليه السلام: " إنما ذلك
في الثلاث والأربع " 2.
وبعد ما عرفت من الاجماع والروايات على عدم وجوب الإعادة وعدم بطلان

(1) " وسائل الشيعة " ج 5، ص 319، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 9، ح 2، " قرب الإسناد " ص 30، ح
99.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 193، ح 760، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 61، " الاستبصار " ج 1، ص
375، ح 1424، باب من شك فلا يدري صلى اثنتين أو ثلاثا، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 320، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 9، ح 3.
201

الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث إذا كان بعد إكمال السجدتين فلابد من حمل هذه
الصحيحة على وقوع الشك المذكور قبل إكمال السجدتين.
وأما الاستدلال للبناء على الأقل بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن
الأول عليه السلام قال: " إذا شككت فابن على اليقين " قال: قلت: هذا أصل؟ قال: " نعم " 1. و
بما هو بهذا المضمون من البناء على اليقين في أخبار كثيرة، فالظاهر أنه ليس المراد من
البناء على اليقين البناء على القدر المتيقن الذي هو الأقل، بل المراد اليقين بالامتثال
الذي هو البناء على الأكثر والآتيان بصلاة الاحتياط إتماما لما ظنه من النقصان.
وقد عبر في الاخبار عن هذا بالبناء على اليقين، كما في خبر قرب الإسناد في
رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة؟ قال: " يبني على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام و
صلى ركعة بفاتحة الكتاب ".
وأنت خبير بأن قوله عليه السلام وقام وصلى ركعة بفاتحة الكتاب " المراد به صلاة
الاحتياط وعدم ذكر التسليم بعد قوله عليه السلام " فإذا فرغ وتشهد " للنكتة التي نبهنا
عليها وهي الايهام للتقية، وصلاة الاحتياط معناها البناء على الأكثر، فعبر عن البناء
على الأكثر بالبناء على اليقين أي اليقين بالامتثال.
والحاصل: أن هذه الطائفة من الروايات إن لم تكن دليلا على البناء على الأكثر
فليست دليلا على البناء على الأقل.
وأما سائر الروايات التي ظاهرها البناء على الأقل - على تقدير وجودها وعدم
الاشكال في دلالتها - لابد من طرحها أو تأويلها بضرب من التأويل، لاعراض
الأصحاب عنها بل انعقاد الاجماع على خلافها، إذ لم ينقل الخلاف إلا عن السيد و
الصدوق - قدس سرهما - في الناصريات 2 وفي الفقيه 3، على إشكال في الأول، إذ

(1) " الفقيه " ج 1، ص 351، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1025، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 381، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 2.
(2) " الناصريات " ضمن الجوامع الفقهية، ص 237.
(3) حكى عنهما في " مدارك الأحكام " ج 4، ص 256.
202

المنقول عن انتصاره موافقته للمشهور 1. وأما الصدوق فالمنقول عنه تجويز البناء على
الأقل لا تعيينه مع أن المنقول عن مقنعه بطلان الصلاة ووجوب إعادتها 2.
ثم إنه استدل للقول المشهور أيضا بصحيحة محمد بن مسلم قال: " إنما السهو بين
الثلاث والأربع وفي الاثنتين بتلك المنزلة، ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أو أربعا و
اعتدل شكه قال: يقوم فيتم ثم يجلس ويتشهد ويسلم ويصلي ركعتين وأربع
سجدات وهو جالس، وإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهد وسلم ثم قرأ فاتحة
الكتاب وركع وسجد ثم قرأ وسجد سجدتين ثم تشهد وسلم. وإن كان أكثر و
همه اثنتين نهض فصلى ركعتين وتشهد وسلم " 3.
ودلالتها على المطلوب - أي البناء على الأكثر - متوقف على أن يكون المراد بقوله
" فلم يدر ثلاثا صلى أو أربعا " هي الركعة التي على وشك الشروع فيها ولم يشرع
بعد بأن يكون جالسا ويشك في أن الركعة التي يجب أن يقوم باتيانها هل هي الثالثة
أو الرابعة؟ فيقول عليه السلام في مقام الجواب عن هذا السؤال " يقوم ويتم " أي يبني على أن
هذه الركعة التي يريد أن يأتي بها هي الرابعة فيأتي بها بهذا العنوان ويجلس و
يتشهد ويسلم، فهذا معنى قوله " يقوم فيتم " وبيان له.
ثم يقول عليه السلام في علاج تدارك ما احتمل نقصه بعد البناء على الأكثر الذي هو
الأربع في المقام " ويصلي ركعتين " إلى آخر ما قال عليه السلام، فيعالج الشك بركعتين من
جلوس بدل ركعة من قيام، كما هو المذكور في سائر أخبار صلاة الاحتياط.
ولكن الانصاف أن هذا خلاف ظاهر جملة " فلم يدر ثلاثا صلى أو أربعا " جدا
بل ظاهرها أن ما أتى به لم يدر أنه ثلاث أو أربع؟ فقوله عليه السلام " يقوم فيتم " ظاهره

(1) " الانتصار " ص 156.
(2) " المقنع " ص 101.
(3) " الكافي " ج 3، ص 352، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 5، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 321، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 10، ح 4.
203

البناء على الأقل أي يبني على أن ما أتى به ثلاث فيقوم فيتم أي يأتي بالرابعة، وهذا
ظاهرها جدا.
لكن هذا الظاهر لا يلائم مع قوله عليه السلام فيما بعد هذه الجملة " ويصلي ركعتين " لأنه
بناء على أن ما أتى به ثلاث فقام واتى بالرابعة فلا يبقى مجال لصلاة الاحتياط لعدم
احتمال النقيصة بناء على هذا كي يحتاط.
اللهم إلا أن يقال: إن وجوب ركعتين من جلوس في المفروض حكم تعبدي و
ليس من باب تدارك ما نقص، وهو بعيد إلى الغاية.
وعلى كل حال إثبات البناء على الأكثر أو الأقل بهذه الرواية مشكل جدا
لاجمالها.
ولكن هذا الحكم - أي البناء على الأكثر في الشك بين الاثنتين والثلاث -
إجماعي ومدلول للروايات العامة التي مفادها البناء على الأكثر في أي شك في أعداد
الركعات في الفريضة الرباعية إذا لم يكن البناء على الأكثر موجبا لفسادها ولبطلان
الصلاة، وليس في البين ما يخصصها.
وقد عرفت حال سائر الأقوال من البناء على الأقل، والقول بالتخيير، والقول
بالبطلان ولزوم الإعادة.
هذا مضافا إلى الأدلة الخاصة أي الروايات الواردة في خصوص الشك بين
الاثنتين والثلاث التي مفادها البناء على الأكثر، كحسنة زرارة التي تقدمت 1، ورواية
قرب الإسناد في رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة؟ قال: " يبني على اليقين " بناء
على ما تقدم من أن المراد بالبناء على اليقين هو اليقين بالامتثال أي: البناء على
الأكثر، وتدارك ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط.
الأمر الثاني: هو بيان مدرك التخيير في صلاة الاحتياط في هذه الصورة بين إتيانها

(1) سبق ذكره في ص 199، رقم (1).
204

ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام فنقول:
ذكروا لذلك وجوها:
الأول: قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم: " ويصلي ركعتين وأربع سجدات و
هو جالس " ظاهر في أن تدارك ركعة محتمل الفوت بركعتين من جلوس. وفي رواية
قرب الإسناد بركعة من قيام.
ومقتضى الجمع الدلالي العرفي - الذي يرفع التعارض بينهما - هو الحمل على
التخيير، وهذا ليس من التخيير الذي هو مفاد أدلة التخيير في باب تعارض الخبرين
حتى يتكلم فيه أنه تخيير في المسألة الأصولية أو الفرعية، بل العرف يجمع بينهما
بالتخيير فيرتفع التعارض من البين.
وفيه: أنه لو كانت هاتان الروايتان واردتين في مورد الشك بين الاثنتين والثلاث
لكان لهذا الكلام وجه وجيه ولكن موردهما مختلف لان مورد الصحيحة هو الشك
بين الثلاث والأربع ومورد رواية قرب الإسناد هو الشك بين الاثنتين والثلاث
فيحتاج إلى تنقيح المناط.
وهذا وجه آخر سنتكلم فيه إن شاء الله.
الثاني: أن هذا الشك بعد البناء على الثلاث والقيام للركعة الرابعة مستلزم لشك
آخر وهو أن هذه الركعة التي قام إليها - أعني الرابعة البنائية - يشك وجدانا أنها
ثالثة أو رابعة، فكل شك بين الاثنتين والثلاث ينتهي بالأخرة إلى الشك بين الثلاث و
الأربع، وحكم صلاة الاحتياط فيه - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - هو التخيير
المذكور لمرسل جميل الآتي إن شاء الله، فمدرك التخيير في صلاة الاحتياط في الشك
بين الاثنتين والثلاث هو نفس مدرك التخيير في الشك بين الثلاث والأربع.
وفيه: أن ظاهر أدلة البناء على الأكثر هو باعتبار أول شك يحصل له، لا باعتبار
الشكوك اللازمة لهذا الشك غاية الأمر بشرط استقراره وعدم انقلابه إلى شك آخر.
205

وأما مسألة تتالي الشكوك الذي قاس شيخنا الأستاذ قدس سره المقام به 1 فليس من قبيل
ما نحن فيه لأنها من قبيل تبدل الشك الأول وانقلابه إلى شك آخر بعد زوال الشك
الأول، وما نحن فيه الشك الأول موجود وهذا الشك الثاني من لوازم الشك الأول.
والانصاف أن هذه المقايسة من شيخنا الأستاذ قدس سره غريب.
الثالث: تنقيح المناط بمعنى العلم بأن المقصود من صلاة الاحتياط هو تدارك ما
فات على تقدير فوته بعد البناء على الأكثر لكونه في الواقع هو الأقل.
وقد جوز الشارع وخير المكلف بين تدارك كل ركعة بركعة من قيام مثل ما
فات وبين تدارك كل ركعة بركعتين من جلوس.
فإذا صرح الشارع في مورد بمثل هذا التخيير - كما أنه صرح في الشك بين الثلاث
والأربع في مرسل جميل - نعلم بعدم خصوصية لذلك المورد، بل طريق تدارك ما فات
أحد الامرين.
ومرسل جميل عن الصادق عليه السلام هو هذا: قال فيمن لا يدري ثلاثا صلى أم أربعا و
وهمه في ذلك سواء؟ قال عليه السلام: " إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن
شاء صلى ركعة وهو قائم وان شاء ركعتين وأربع سجدات وهو جالس " 2.
فبناء على هذا لا فرق في التخيير في صلاة الاحتياط بين ركعتين من جلوس و
بين ركعة من قيام، بين أن يكون الشك بين الثلاث والأربع وبين أن يكون بين
الاثنتين والثلاث لوحدة المناط والملاك.
ولكن أنت خبير بان تنقيح المناط لا يفيد إلا في مورد القطع بالمناط والملاك و
إلا لا يخرج عن كونه قياسا باطلا.

(1) " كتاب الصلاة " ج 3، ص 92.
(2) " الكافي " ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 9، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 184، ح 734،
باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 35، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 320، أبواب الخلل في الصلاة، باب
10، ح 2.
206

الرابع: الاجماع وهو العمدة، واعتمد عليه في هذا الحكم جمع كثير.
ولكن أنت خبير بأن الاجماع الاصطلاحي الذي قلنا بحجيته في الأصول هو فيما
إذا لم يكن للمتفقين مستند معلوم، وأما في أمثال المقام مما ذكروا له مستندات فليس
من قبيل ذلك الاجماع الذي قلنا، بل لابد من الرجوع إلى نفس المدارك وقد عرفت
الحال فيها فلا ينبغي ترك الاحتياط في المقام بأن يأتي بركعة من القيام، والأحوط منه
أن يجمع بينهما وأحوط من ذلك إعادة الصلاة أيضا مضافا إلى ذلك الاحتياط.
والوجه في هذه الاحتياطات الثلاث واضح بعد الإحاطة على ما ذكرنا.
الصورة الثانية: من الصور الأربعة التي للشك البسيط والمركب في نفس الأربعة
بمعنى عدم خروج طرف الأكثر عن الأربعة أي لا يكون زائدا عليها وهي عبارة
عن الشك بين الثلاث والأربع في أي حال من الحالات كان في حال القيام أو الركوع
أو السجود يبني على الأكثر - أي الأربع - ويتم ويسلم بعد أن تشهد ثم يأتي بصلاة
الاحتياط مخيرا بين ركعتين من جلوس وبين ركعة من قيام.
أما البناء على الأكثر: فأولا لما مر من الأدلة العامة كموثقات الثلاث العمار 1 الدالة
على البناء على الأكثر في كل فريضة رباعية بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية فيما
إذا لم يكن البناء على الأكثر موجبا للفساد والبطلان كما أنه فيما نحن فيه كذلك أي ليس
موجبا للفساد والبطلان.
وثانيا للأخبار الخاصة في نفس المورد أي في الشك بين الثلاث والأربع:
فمنها: صحيحة عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس البقباق جميعا عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على
الثلاث، وان وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع فسلم وانصرف وان اعتدل

(1) سبق ذكرها في ص 183 و 184.
207

وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس " الحديث 1.
ومنها: مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فيمن لا يدري
أثلاثا صلى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء؟ قال: فقال عليه السلام: " إذا اعتدل الوهم في
الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم وإن شاء صلى ركعتين و
أربع سجدات وهو جالس " الحديث 2.
ومنها: صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: إذا لم يدر في ثلاث هو
أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه ولا ينقض
اليقين بالشك، ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض
الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات " 3.
ومنها: مصحح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال عليه السلام: " وان كنت
لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ فسلم ثم صل ركعتين و
أنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب، فان ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصل الركعة
الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو، وإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ثم
اسجد سجدتي السهو " 4.
ومنها: حسن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن استوى وهمه في
الثلاث والأربع سلم وصلي ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصر

(1) " الكافي " ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 7، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 184، ح 733،
باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 34، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 316، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،
باب 7، ح 1.
(2) سبق تخريجه في ص 206، رقم (2).
(3) " الكافي " ج 3، ص 351، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 3، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 186، ح 740،
باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 41، " الاستبصار " ج 1، ص 373، ح 1416، باب من شك في اثنتين و
أربعة، ح 3، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 321، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 10، ح 3.
(4) " الكافي " ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 8، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 321، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 10، ح 5.
208

في التشهد " 1.
ومنها: موثق أبي بصير فيمن لا يدري في الثالثة هو أم في الرابعة قال عليه السلام: " فما
ذهب وهمه إليه إن رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شئ سلم بينه وبين نفسه
ثم يصلي الركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب " 2.
وروايات أخر ذكرها في الوسائل في الباب الذي عقده لهذه المسألة 3 وإن شئت
فراجع.
فهذه الأخبار مضافا إلى الأخبار العامة دلالتها على البناء على الأكثر في هذه
الصورة من الشك - أي الشك بين الثلاث والأربع واتمام ما نقص بصلاة الاحتياط -
واضحة لا يحتاج إلى شرح وايضاح.
نعم في صحيحة زرارة ربما يقال بأنها تدل على البناء على الأقل لان قوله عليه السلام
" قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه " ظاهرها هي الركعة الموصولة فيكون
عبارة عن أنه ابن علي الثلاث الذي هو الأقل في المقام وقم وات بالرابعة ولا شئ
عليك.
ويؤيد هذا المعنى أيضا تطبيقه عليه السلام هذا الحكم على الاستصحاب بقوله " ولا
ينقض اليقين بالشك " أي اليقين بعدم الرابعة بالشك في وجوده، بل يجب عليه أن يبني
على العدم ويقوم ويأتي بالرابعة وهذا هو البناء على الأقل.
ولكن أنت خبير بأن ظاهر هذه الجملة وإن كان كما توهمه المتوهم ولكن ظاهر

(1) " الكافي " ج 3، ص 351، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 2، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 185، ح 736،
باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 37، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 321، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،
باب 10، ح 7.
(2) " الكافي " ج 3، ص 351، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 1، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 185، ح 735،
باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 36، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 322، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،
باب 10، ح 7.
(3) " وسائل الشيعة " ج 5، ص 320، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 10.
209

الجملات الآخر الست ما عدا قوله عليه السلام " ولا ينقض اليقين بالشك " أن المراد باليقين
هو اليقين بالامتثال وهو أن يبني على الأكثر ثم يأتي بصلاة الاحتياط لتدارك ما فات
على تقدير فوته منفصلا وإلا لو كان المراد هي الركعة الموصولة والتطبيق على
الاستصحاب لما كان لهذه التأكيدات وجه، فمن هذه التأكيدات يستكشف أنه عليه السلام
بصدد بيان البناء على الأكثر والآتيان بصلاة الاحتياط للتدارك منفصلا ولكن
بصورة البناء على الأقل كي لا يكون مخالفا للتقية ولرأي الجمهور.
والشاهد الآخر: أنه عليه السلام في صدر هذه الصحيحة يقول في جواب قول السائل:
قلت له: من لم يدر أنه في أربع هو أو ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال: " يركع ركعتين و
أربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب " 1.
ولا شك في أن جوابه عليه السلام بقوله " يركع ركعتين " إلى آخر ظاهر بل صريح في
البناء على الأكثر والآتيان بصلاة الاحتياط منفصلا وبعيد إلى الغاية أنه عليه السلام يحكم في
الصدر بالبناء على الأكثر وفي الذيل بالبناء على الأقل وإن كان هو في الشك بين
الاثنتين والأربع وهذا في الشك بين الثلاث والأربع.
ثم إن في هذه الصحيحة ناقشوا بعض المناقشات ليس مربوطا بمسألتنا وقد فصلنا
الكلام فيها في كتابنا " منتهى الأصول " 2.
وخلاصة الكلام: أن حمل الصحيحة على الركعة الموصولة بعيد وخلاف ظاهر
الفقرات الست، وأما ما رجحنا في كتابنا " منتهى الأصول " 3 من دلالة هذه الصحيحة
على حجية الاستصحاب فلا ينافي البناء على الأكثر لما ذكرنا هناك.

(1) " الكافي " ج 3، ص 351، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 3، " الاستبصار " ج 1، ص 373، ح 1416، باب
من شك في اثنتين وأربعة، ح 3، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 323، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 11،
ح 3.
(2) " منتهى الأصول " ج 2، ص 427.
(3) المصدر.
210

ثم إن في هذه الروايات في بعض فقراتها وجملها وإن كان ما يقتضي شرحها
والتكلم عنها ولكن أصل المطلب وما نحن بصدد إثباته حيث أنه معلوم - وبعبارة
أخرى: دلالتها على كلا الامرين أي البناء على الأكثر ووجوب التدارك بصلاة
الاحتياط حيث أنها واضحة - فلا يهمنا بيان سائر ما فيها والاشكالات التي
أوردوها عليها والجواب عنها.
نعم بقي أمر: وهو أن صلاة الاحتياط هيهنا هل الواجب هو ركعة من قيام أو
ركعتين من جلوس أو التخيير بينهما؟
ظاهر العماني 1 والجعفي 2 على المحكي عنهما تعيين ركعتين من جلوس 3، كما أن
المحكي عن بعض القدماء هو تعيين ركعة من قيام ولكن فتوى المشهور هو التخيير
وهو الصحيح.
أما أولا: فلمرسلة جميل التي تقدمت حيث يقول عليه السلام فيها: " إذا اعتدل الوهم في
الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم وان شاء ركعتين وأربع
سجدات وهو جالس " 4.
وضعفها منجبر بعمل الأصحاب.
وأما ثانيا: فمن جهة أن ظاهر موثقات عمار هو أن يكون الاحتياط بركعة من قيام

(1) هو الحسن بن علي بن عقيل أبو محمد العماني الحذاء، من فقهاء الشيعة في ابتداء الغيبة وهو من
مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه. تطلب ترجمته من: رجال النجاشي: ص 35. تنقيح المقال: ج 1، ص
291. معجم رجال الحديث: ج 5، ص 22.
(2) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الفضل الجعفي الكوفي ثم المصري كان من أفاضل قد ماء أصحابنا الإمامية
ممن أدرك الغيبتين له كتب كثيرة في الفقه وغيره منها كتاب الفاخر وكتاب تفسير معاني القران و
كتاب التوحيد والايمان إلى غير ذلك يروى عنه الشيخ والنجاشي بواسطتين وابن قولويه بلا واسطه.
" الكنى والألقاب " ج 2، ص 363. تطلب ترجمته من: رجال النجاشي: ص 264، تنقيح المقال: ج 2،
ص 65، معجم رجال الحديث: ج 14، ص 311.
(3) حكى عنهما الشهيد في " ذكرى الشيعة " ص 227، مضافا، حكى عن العماني في " مختلف الشيعة "
ج 2 ص 384
(4) تقدم تخريجه في ص 206، رقم (2).
211

لان ذلك مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: " وأتم ما ظننت أنك نقصت " 1، وخصوصا قوله عليه السلام
في موثقة الأخرى للعمار: " إذا سهوت فابن على الأكثر فإذا فرغت وسلمت فقم
فصل ما ظننت أنك نقصت " 2. فأمره عليه السلام بالقيام وصلاة الاحتياط بعد الفراغ و
التسليم للصلاة الأصلية له ظهور تام في أن صلاة الاحتياط لابد وأن تكون عن
قيام.
وظاهر هذه الروايات الخاصة بل صريح جميعها هو كونها ركعتين من جلوس
ومقتضى الجمع الدلالي العرفي بين الطائفتين وهو التخيير، مضافا إلى ادعاء الاجماع من
بعض في المسألة والشهرة المحققة لأنه لا مخالف من القدماء إلا العماني والجعفي.
نعم الأحوط هو الاخذ في مقام العمل بركعتين من جلوس خروجا عن خلاف
العماني والجعفي، ولان الروايات الواردة في نفس المسألة أغلبها - إن لم يكن جمعيها -
مفادها تعيين ركعتين من جلوس.
ولو احتاط بالجمع فالأحوط تقديم ركعتين من جلوس لأنه بناء على تعين
ركعتين من جلوس الذي احتماله ليس بعيدا فان قدم الركعة من قيام يكون فاصلا بين
الصلاة الأصلية وبين صلاة الاحتياط وهذا لا يجوز.
وأما القائلون بالتخيير بين البناء على الأقل والأكثر كالصدوق 3 من القدماء و
بعض المتأخرين فاستدلوا بأخبار الاستصحاب، وقالوا بأن مقتضاها هو البناء على
الأقل، ومقتضى موثقات عمار وهذه الأخبار الخاصة هو البناء على الأكثر فمقتضى
الجمع العرفي بين الطائفتين هو التخيير.
ولكن أنت خبير بأن هذه الأخبار بل وموثقات عمار أخص من أخبار
الاستصحاب فتخصص بها أخبار الاستصحاب، ولا موجب لرفع اليد عن ظهور

(1) تقدم تخريجه في ص 183 و 184.
(2) تقدم تخريجه في ص 184، رقم (1).
(3) حكى عنه في " مختلف الشيعة " ج 2، ص 384.
212

كليهما بالجمع بالتخيير.
وأما استدلالهم بصحيحة زرارة فقد عرفت الحال فيها وانها لا تدل على البناء على
الأقل كما توهموا، وعلى تقدير دلالتها يكون من باب التقية فلا حجية لها.
الصورة الثالثة: من الصور الأربع هو الشك بين الاثنتين والأربع بعد إكمال
السجدتين. فأيضا المشهور هو البناء على الأكثر - أي الأربع - والاحتياط بركعتين
منفصلتين عن الصلاة الأصلية قائما.
ويدل على قول المشهور:
أولا: موثقات عمار الثلاث المتقدمة 1.
وثانيا: الأخبار الخاصة في نفس المسألة:
منها: صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: " عن رجل صلى ركعتين
فلا يدرى ركعتان هي أو أربع؟ قال عليه السلام: " يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة
الكتاب فيشهد وينصرف وليس عليه شئ " 2.
ومنها: صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام، قال عليه السلام: " إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا
ولم يذهب وهمك إلى شئ فسلم ثم صل ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بأم
القرآن ثم تشهد وسلم، فان كنت إنما صليت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع وان
كنت صليت الأربع كانتا هاتان نافلة " 3.
ومنها: صحيح زرارة الذي تقدم ذكره حيث إن في صدره: من لم يدر في أربع هو
أو ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال عليه السلام: " يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة

(1) تقدم في ص 183 و 184.
(2) " الاستبصار " ج 1، ص 372، ح 1314، باب من شك في اثنتين وأربعة، ح 1، " وسائل الشيعة " ج 5، ص
324، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 11، ح 6.
(3) " الكافي " ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 8، " الفقيه " ج 1، ص 349، باب أحكام السهو
في الصلاة، ح 1015، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 322، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 11، ح 1.
213

الكتاب ويتشهد ولا شئ عليه " 1.
ومنها: خبر ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لا يدري ركعتين
صلى أم أربعا؟ قال عليه السلام: " يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات
يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم فإن كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة و
إن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع، وان تكلم فليسجد سجدتي السهو " 2.
فهذه الأخبار الخاصة بالشك بين الاثنتين والأربع، مضافا إلى الأخبار العامة تدل
دلالة واضحة في هذه الصورة على البناء على الأكثر أي الأربع وكذلك تدل على أن
صلاة الاحتياط فيها ركعتين من قيام، وهذه الأخبار كلها متفق في هذا الحكم
ولذلك لا خلاف بين القائلين بالبناء على الأكثر في هذه الصورة في هذا الحكم أي في
أن صلاة الاحتياط هيهنا ركعتان من قيام.
نعم ذهب بعض إلى البناء على الأقل ومستندهم في ذلك أخبار ربما يشعر بذلك
ولكن لابد من حملها على التقية أو طرحها من جهة مخالفتها لهذه الأخبار الصحيحة
الخاصة والعامة واعراض المشهور عنها بل ربما ادعى الاجماع على خلافها مضافا
إلى موافقتها للعامة ولذلك أخبار البناء على الأقل يجب أن تطرح أو يؤول.
وأما صحيح محمد بن مسلم - قال: سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم
أربعا؟ قال عليه السلام: " يعيد الصلاة " 3 فلم يفت أحد بمضمونه إلا ما حكي عن
الصدوق قدس سره في المقنع 4 على كلام فيه لأنه حكى عنه أيضا أنه قال: وروى أنه يسلم

(1) تقدم تخريجه في ص 210، رقم (1).
(2) " الكافي " ج 3، ص 352، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 4، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 186، ح 739،
باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 40، " الاستبصار " ج 1، ص 372، ح 1315، باب من شك في اثنتين و
أربعة، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 323، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 11، ح 2.
(3) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 186، ح 741، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 2، " الاستبصار " ج 1، ص
373، ح 1417، باب من شك في اثنتين وأربعة، ح 4، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 324، أبواب الخلل الواقع
في الصلاة، باب 11، ح 7.
(4) " المقنع " ص 102.
214

فيقوم فيصلي ركعتين 1. فلعله يقول بالتخيير بين البناء على الأكثر والإعادة، بل يمكن
استظهاره من هذا الكلام بناء على ما يقال: إن نقله لرواية علامة للعمل بها.
وللقول بالتخيير بين البناء على الأكثر والإعادة وجه، وهو أن البناء على الأكثر
على وجه الترخيص للعلاج وتصحيح العمل تخفيفا على المكلف. وحكي ذلك عن
الشهيد في الذكرى وعن العلامة أيضا 2 فإذا كان الامر كذلك فالإعادة مجزية بطريق
أولى.
اللهم إلا أن يقال: إن حرمة قطع العمل وابطاله مانع عن جواز الإعادة لا البناء
على الأكثر.
ولكن يمكن أن يقال: بأنه بناء على قول المشهور - أي البناء على الأكثر - أيضا
يجب أن يسلم ويخرج من الصلاة.
فهذه الرواية التي مفادها الإعادة متفقة مع روايات البناء على الأكثر في الخروج
عن الصلاة غاية الأمر أن مفاد روايات البناء على الأكثر هو العلاج باتمام ما نقص
بصلاة الاحتياط تخفيفا على المكلف، وهذه الرواية مفادها تفريغ الذمة بالإعادة
فالنتيجة هو التخيير بين الامرين، وعلى كل هذه الرواية بمعنى وجوب الإعادة تعيينا
معرض عنها للجميع فلابد من تأويلها أو طرحها.
الصورة الرابعة: هو الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد إكمال السجدتين من
الركعة الثانية والصور الثلاث التي تقدمت كانت من الشك البسيط في نفس الرباعية
بمعنى أن طرف الأكثر من الشك لم يكن زائدا على الأربع، وهذه الصورة تكون من
الشك المركب أيضا في نفس الرباعية بالمعنى المذكور.
وقد تقدم المراد من الشك المركب والبسيط ونقول:

(1) " الفقيه " ج 1، ص 349، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1015 و 1021، و " المقنع " ص 102.
(2) " ذكرى الشيعة " ص 225.
215

إن هذا الشك مركب أي في الحقيقة ليس شكا واحدا بل مركب من شكين فما زاد،
كما أن هذا الشك مركب من ثلاثة شكوك: الأول: بين الاثنين والأربع. والثاني: بين
الاثنين والثلاث. والثالث: بين الثلاث والأربع.
والحكم في هذه الصورة أيضا البناء على الأكثر - أي الأربع - وصلاة الاحتياط
يقرأ ركعتين من قيام لاحتمال أن يكون الاثنين، وركعتين من جلوس لاحتمال أن
يكون ثلاثا. واما احتمال أن يكون أربعا فلا يحتاج إلى تدارك لأنه تام فيكون ما صلى
احتياطا نافلة على هذا التقدير والاحتمالات منحصرة فيما ذكرنا.
ومستند هذا الحكم - مضافا إلى ادعاء الاجماع عن الانتصار 1 والغنية 2
والروايات العامة أي الموثقات الثلاث المتقدمة للعمار 3 - الروايات الخاصة الواردة في
خصوص هذه الصورة:
منها: صحيح ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى
أم ثلاثا أم أربعا؟ قال عليه السلام: " يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ثم يصلي ركعتين
من جلوس ويسلم، فان كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلا تمت الأربع " 4.
ومنها: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم عليه السلام: قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا؟ فقال: " يصلي ركعة من
قيام - على بعض نسخ الفقيه - وركعتين - على بعض نسخ الاخر - ثم يصلي ركعتين
وهو جالس " 5.

(1) " الانتصار " ص 156.
(2) " الغنية " ضمن الجوامع الفقهية، ص 504.
(3) تقدم ذكره في ص 183 و 184.
(4) " الكافي " ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والأربع، ح 6، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 187، ح 742،
باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 43، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 326، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،
باب 13 ح 4.
(5) " الفقيه " ج 1، ص 350، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1021، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 325، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 13، ح 1.
216

ودلالة هذه الروايات على أصل الحكم - أي البناء على الأكثر أي الأربع هاهنا
- واضحة ولا خلاف فيه أيضا إلا من ابن الجنيد 1 فإنه جوز البناء على الأقل وليس
له دليل على هذا التخيير إلا تخيل أنه مقتضى الجمع بين الأخبار الدالة على البناء على
الأقل والاخبار التي تدل على البناء على الأكثر.
وأنت خبير بما في هذا الكلام وان أخبار البناء على الأقل محمولة على التقية و
معرض عنها عند المشهور، بل عرفت ادعاء الاجماع عن الغنية والانتصار على
خلافها في خصوص هذا المورد.
فالانصاف أن أصل الحكم - أي: البناء على الأكثر وتدارك ما احتمل فوته بصلاة
الاحتياط - مما لا ينبغي أن يشك فيه.
نعم وقع الخلاف في كيفية صلاة الاحتياط من حيث الكمية ومن حيث الترتيب
بين الركعتين قائما والركعتين جالسا.
أما الأول أي الاختلاف من حيث الكمية فقد عرفت أن المشهور هو ركعتين من
قيام وركعتين من جلوس.
ومقابل هذا القول ما عن الصدوق 2 ووالده 3 - قدس سرهما - وقواه الشهيد قدس سره
أيضا في الذكرى 4 من حيث الاعتبار ركعة من قيام بدل ركعتين.
ودليلهم على هذا القول أمران:
الأول: موافقته للاعتبار ومن هذه الجهة قواه الشهيد وهو أنه كما أشرنا إليه أن
الاحتمالات في هذا الشك منحصرة في الثلاثة لأنه إما صلى اثنتين أو ثلاثا أو أربعا،
فان صلى أربعا فصلاته من حيث عدد الركعات تامة لا يحتاج إلى التدارك وصلاة

(1) " مختلف الشيعة " ج 2، ص 382.
(2) حكى عنه في " مختلف الشيعة " ج 2، ص 384.
(3) " فقه الرضا " ص 118.
(4) " ذكرى الشيعة " ص 226.
217

الاحتياط أصلا، وإن كان ما صلى ثلاثا فيكفي في التدارك ركعة واحدة قائما و
لا يحتاج إلى الاثنتين قائما بل هو مضر كما هو واضح، وإن كان اثنتين فمع انضمام تلك
الركعة الواحدة إلى الركعتين من جلوس يكفي في تدارك الاثنتين الفائتتين لان
الركعتين من جلوس تحسبان ركعة من قيام فلا يحتاج إلى ركعتين من قيام.
ولكن أنت خبير بأن هذا الاعتبار لا يقاوم تلك الأدلة الدالة على وجوب ركعتين
من قيام ويكون اجتهادا مقابل النص.
الثاني: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج بناء على أن يكون متن الرواية ركعة من
قيام لا ركعتين أي بناء على إحدى نسختي الفقيه.
وفيه أولا: أن اختلاف النسخة لا يوجب تعدد الرواية كي يدخل في باب تعارض
الخبرين فيشمله أخبار التخيير عند فقد المرجحات أو مطلقا بناء على حمل أخبار
الترجيح بالمزايا على الاستحباب أو على وجه آخر، بل كل واحد من محتملي الصدور
يسقط عن الحجية للشك في موضوع الحجة.
وثانيا: الظاهر من نفس كلام الفقيه هو أن عبارة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
" ويصلي ركعتين من قيام لا ركعة من قيام " كما في بعض النسخ وذلك من جهة أنه بعد
نقله هذه الصحيحة عن عبد الرحمن بن الحجاج وفيها على النسخة المخطوطة التي
عندي " يصلي ركعتين من قيام " يروى عن علي بن حمزة رواية وعن سهل بن اليسع
رواية ثم يقول بلا فصل: وقد روى أنه يصلي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس.
فلو كان في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج " يصلي ركعة واحدة من قيام " على
نقله لم يكن محل لان يقول: وقد روى أنه يصلي ركعة من قيام. فنقل هذه المرسلة
يوجب الاطمئنان بأن ما في صحيحة عبد الرحمن هو " ويصلي ركعتين من قيام ".
فيبقى مرسلة صدوق فقط وهو مع إعراض المشهور لا يصح أن تكون مستندا
لفتواهم فالصحيح ما هو عليه المشهور.
218

وأما تقديم ركعتين من قيام على ركعتين من جلوس فهو ظاهر هذه الأخبار
حيث أنه عليه السلام يقول فيها بعد الامر بصلاة ركعتين من قيام: " ثم يصلي ركعتين من
جلوس " ومعلوم أن كلمة " ثم " يفيد الترتيب والبعدية.
فما حكى من القول بالتخيير عن المرتضى في الانتصار 1 أو القول بوجوب تقديم
ركعتين من جلوس كما نسب القول به إلى بعض الأصحاب، لا وجه له.
وأضعف من هذين القولين القول بلزوم تقديم ركعة من ركعتي القيام دون كليهما إن
كان له قائل وقد نسبه الفقيه الهمداني إلى المفيد 2 - قدس سرهما -.
وذلك لان الوجه الاعتباري المتوهم - وهو أن الفائت لو كانت ركعة واحدة
تكون تلك الركعة الواحدة تداركا لها ولو كانت اثنتين تكون هي والركعتين من
جلوس اللتان تحسبان ركعة واحدة من قيام أو مع الركعة الواحدة الأخرى من قيام
تداركا للاثنتين الفائتتين - لا يأتي هاهنا. وفيه ما لا يخفى.
والذي ذكرنا من أقسام الشكوك الأربعة كان من أقسام الشك في نفس الأربعة
بمعنى أن طرف الأقل والأكثر كانا من نفس الأربعة وبعد إكمال السجدة الثانية من
الركعة الثانية سواء كان الشك بسيطا أو مركبا على التفسير المتقدم.
فهذه الشكوك الأربعة التي تقدم ذكرها قسمان من الأقسام الستة التي قسمنا
الشكوك إليها أي الشك البسيط والمركب في نفس الأربعة.
وأما لو كان طرف الأكثر من الشك زائدا على الأربعة فالصور كثيرة في قسميه
أي البسيط والمركب بحسب إمكان الوقوع وإن كان وقوعه نادرا.
وقد ذكر الشهيد الثاني في شرح الألفية 3: أن جميع صور الشك إما ثنائية أي

(1) " الانتصار " ص 156.
(2) " مصباح الفقيه " كتاب الصلاة، ص 568.
(3) " مقاصد العلية في شرح الألفية " ص 193.
219

للشك طرفين فقط أو ثلاثية أي: له ثلاثة أطراف أو رباعية أي له أربع أطراف. و
هذه الشكوك إما في الأربعة أو بزيادة الخامسة.
فالثنائية: ست صور. وهي:
الأول: الشك بين الاثنتين والثلاث.
والثاني: بين الاثنتين والأربع.
والثالث: بين الاثنين والخمس.
والرابع: بين الثلاث والأربع.
والخامس: بين الثلاث والخمس.
والسادس: بين الأربع والخمس.
والثلاثية: أربع صور:
الأول: بين الاثنتين والثلاث والأربع. الثاني: بين الاثنتين والثلاث والخمس.
الثالث: بين الاثنتين والأربع والخمس الرابع: بين الثلاث والأربع والخمس
فمجموعهما عشرة.
والرباعية واحدة وهي بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس.
فهذه كلها أحد عشر، وباعتبار حال عروض الشك في الركعة ينقسم إلى تسعة
أقسام:
الأول: بعد الاخذ في القيام. الثاني: بعد استيفائه وقبل الشروع في القراءة.
الثالث: أثناء القراءة.
الرابع: بعدها قبل الركوع. الخامس: بعد الانحناء وقبل رفع الرأس. السادس: بعد
رفع الرأس وقبل السجود. السابع: في السجود قبل الفراغ من ذكره الواجب الثامن:
220

بعد الفراغ عن الذكر وقبل الفراغ عن نفس السجدة.
التاسع: بعد الفراغ، فهذه تسعة حالات في كل ركعة يمكن عروض الشك في كل
واحد منها. وحيث أن الشكوك البالغة أحد عشر التي تقدم ذكرها يمكن وقوع كل
واحد منها في كل واحد من هذه الحالات التسع، فيكون مجموع صور الشك في
الرباعية تسع وتسعين حاصل من ضرب أقسام الشكوك الأحد عشر في الحالات
التسع.
فإذا كانت السادسة أيضا طرفا للشك فيصير مجموع الشكوك ستة وعشرين
لان بزيادة السادسة طرفا للشك يزيد على عدد الشكوك خمسة عشر، فبانضمامه إلى
تلك الأحد عشر يصير المجموع ستة وعشرين.
ومن ضرب هذا المجموع في الحالات التسع يحصل مأتين وأربع وثلاثين صورة
وكلما زاد في أطراف الشك، يزيد في عدد صور الشك وربما يبلغ إلى ما لا تحصى
كثرة ولكن صرف فرض لا تحقق لاغلبها في الخارج، وبعضها وإن كان ممكنا وقوعه
في الخارج ولكن في غاية الشذوذ والندرة.
ونحن نذكر منها خصوص الشكوك الصحيحة:
أقول: خمسة منهما وردت الروايات في موردها بالخصوص على صحتها، مضافا
إلى الأدلة العامة قد تقدم أربعة منها وذكرناها وبقي واحد منها وهو الشك بين
الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين وحكمه البناء على الأربع ثم يتشهد ويسلم ثم
بعد التسليم يسجد سجدتي السهو ويسلم بعدهما.
ويدل على هذا الحكم أخبار:
منها: صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام: " إذا كنت لم تدري
أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما " 1.

(1) " الكافي " ج 3، ص 355، باب من سها في الأربع والخمس...، ح 3، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 195، ح
767، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 68، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 314، أبواب الخلل الواقع في
الصلاة، باب 5، ح 2.
221

ومنها صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام أيضا: " إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم
نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما
تشهدا خفيفا 1.
ومنها: موثق أبي بصير عن الصادق عليه السلام أيضا قال: " إذا لم تدر خمسا صليت أم
أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما " 2.
ومنها: صحيحة زرارة - أو حسنته - قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: " قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو
جالس، وسماهما رسول الله صلى الله عليه وآله المرغمتين " 3 لأنهما يرغمان الشيطان أي يغضبانه
أو يرغمان أنفه.
ودلالة هذه الأخبار على هذا الحكم في هذا الشك واضحة لا يحتاج إلى الشرح و
البيان، فكل واحدة منها يدل على البناء على الأربع وإتمام الصلاة وبعد التسليم
والفراغ عن الصلاة على وجوب الاتيان بسجدتي السهو وهو جالس.
والظاهر من التقييد بكونه بعد الصلاة إتيانهما قبل أن يقوم من مكانه، وأما دلالتها
على أن مورد هذا الحكم بعد إكمال السجدتين هو التعبير بلفظ الماضي في قوله عليه السلام " إذا
لم تدر أربعا صليت أم خمسا " ولا يصدق مضي الأربع إلا برفع الرأس عن الركعة

(1) " الفقيه " ج 1، ص 350، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1019، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 196، ح
772، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 73، " الاستبصار " ج 1، ص 380، ح 1441، باب التسبيح و
التشهد في سجدتي السهو، ح 1، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 327، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب
14، ح 4.
(2) " الكافي " ج 3، ص 355، باب من سها في الأربع والخمس...، ح 6، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 326، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 14، ح 3.
(3) " الكافي " ج 3، ص 354، باب من سها في الأربع والخمس...، ح 1، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 326، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 14، ح 2.
222

الرابعة، وهذا واضح جدا.
نعم ظاهر صحيحة زرارة أو حسنته وكذلك ظاهر صحيح الحلبي عدم
اختصاص هذا الحكم بهذا الشك، بل يأتي في كل مورد احتمل الزيادة على الأربع أو
النقيصة عنه فلابد من تقييدها بالأدلة الخاصة الواردة في مورد كل شك بالنسبة إلى
النقيصة وبأدلة البطلان بالنسبة إلى الزيادة على الخمسة.
وأما الأربعة الهدمية من الشكوك الصحيحة الباقية فلم يرد فيها شئ من
الروايات، وإنما يستدل على صحتها بالقواعد العامة.
نعم زاد شيخنا الأستاذ قدس سره صورة أخرى على الشكوك المنصوصة فيصير مجموع
الشكوك المنصوصة عنده ستة وهي عبارة عن الشك بين الأربع والخمس والست
بعد إكمال السجدتين 1.
واستدل على صحته بمفهوم خبر زيد الشحام وفيه: سألته عن رجل صلى العصر
ست ركعات أو خمس ركعات قال عليه السلام: " إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد " 2.
ومفهومه أنه إذا لم يستيقن أنه صلى خمسا أو ستا فلا تجب الإعادة.
وأما أن مورده الشك بعد إكمال السجدتين، فلما تقدم من التعبير بلفظ الماضي.
وفيه: أن الاخذ بظاهر هذه الرواية مستلزم للقول بصحة الصلاة التي يشك فيها
بين الأربع والست بدون أن يأتي بسجدتي السهو بعد التسليم وهو بعيد.
وأما الشكوك الهدمية الأربعة التي قالوا فيها بهدم القيام كي يرجع إلى الشكوك
المنصوصة فيعمل بها عملها وهي الشك بين الأربع والخمس حال القيام، والشك بين
الثلاث والخمس حال القيام، والشك بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام، و

(1) " كتاب الصلاة " ج 3، ص 115.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 352، ح 1461، باب أحكام السهو، ح 49، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 311،
أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 3، ج 17.
223

الشك بين الخمس والست حال القيام.
فهذه الأربعة وان كانت ترجع إلى الشكوك المنصوصة بعد هدم القيام فيها إلا أن
الشأن في هدم القيام وانه ما الوجه فيها؟
والظاهر أن الهدم فيها بملاحظة كون الركعة التي فيها محكومة بالزيادة، فقبل أن
يدخل في الركن - كي لا تتحقق زيادة الركن وهو الركوع والقيام المتصل بالركوع
الذي لا يحصل إلا بالدخول في الركوع - لو التفت إلى هذه الزيادة يجب عليه أن يهدم
هذا القيام ويتم الصلاة على عدد الصحيح الذي هو الأربع.
والدليل على ذلك: أنه لو علم تفصيلا بأن الركعة التي هو فيها هي الخامسة، فلو
كان علمه هذا بعد الدخول في الركوع تكون صلاته هذه باطلة لزيادة ركنين: أحدهما
الركوع والثاني: قيام المتصل بالركوع.
وأما لو كان حصول علمه قبل الدخول في الركوع يجب هدم قيامه واتمام صلاته
لزيادة هذا القيام وهو زيادة غير ركنية عن نسيان فلا تكون مضرة.
فإذا كان الامر في مورد العلم الوجداني كذلك يقينا فكذلك الامر فيما إذا حكم
الشارع بالزيادة لوحدة الملاك فيهما وهي زيادة الركعة التي بيده.
وأما كونها محكومة بالزيادة شرعا فمن جهة أن الشك في أن ما بيده هي الخامسة
مستلزم للشك في أن الركعة السابقة على هذه التي بيده هل هي الثالثة أو الرابعة؟
فهيهنا في الحقيقة شكان بالفعل: أحدهما: بالنسبة إلى ما بيده وهي بين الرابعة
والخامسة. والثاني: بالنسبة إلى سابقة هذه الركعة وهي بين الثلاث والأربع.
والشك الأول وإن لم يكن فيه حكم إذا كان في حال القيام، إذ ليس فيه نص، ولكن
الشك الثاني أي الشك بين الثلاث والأربع من الشكوك المنصوصة ومشمول
للنصوص العامة. مضافا إلى أن فيه نص خاص، ومفاد تلك النصوص العامة هو
البناء على الأكثر فإذا بنى على الأكثر فقهرا ما بيده يكون خارجا عن الأربعة و
224

يكون زائدا فيجب هدمه، كما إذا علم وجدانا بأنها زائدة.
إذا عرفت هذا فنقول:
أما بالنسبة إلى ثلاث صور من الشكوك الهدمية فالامر في كمال الوضوح، وهي
الشك بين الأربع والخمس في حال القيام، والشك بين الثلاث والخمس في حال القيام،
والشك بين الثلاث والأربع والخمس في حال القيام،
وأما الصورة الرابعة، أي الشك بين الخمس والست في حال القيام فيعلم تفصيلا
بزيادة هذا القيام سواء أكان خمسا أو ستا فيجب هدم القيام والجلوس، فيرجع
شكه إلى أن ما صلى هل هو أربع أو خمس؟ وهذا هو الشك بين الأربع والخمس بعد
إكمال السجدتين وهو من الشكوك المنصوصة وحكمه البناء على الأربع وأن
يسجد سجدتي السهو.
وبعبارة أخرى: هاهنا شكوك فعلية موجودة قبل الهدم لا أنها تحصل بالهدم حتى
تقول ما هو مجوز الهدم؟ كي يرجع الشك إلى الشكوك المنصوصة، فليس تلك
الشكوك مسببة عن الهدم ومعلولة له بل الامر بالعكس أي يكون الهدم معلولا
لتلك الشكوك لأنه بواسطة حكم تلك الشكوك يحكم بزيادة ذلك القيام وخروجه
عن الصلاة وواقعا في وسط الصلاة فيجب هدمه.
فهذه الشكوك الأربعة في الحقيقة ترجع إلى الشكوك المنصوصة.
ثم لا يخفى أن ما ذكرنا من رجوع هذه الشكوك الأربعة الهدمية إلى الشكوك
المنصوصة ليس معناه انقلاب الشك غير المنصوص إلى المنصوص كما يوهمه ظاهر
عبارة الرجوع، بل المراد ما ذكرنا سابقا من أن الشك المنصوص موجود قبل الهدم و
هو بحكمه موجب للهدم.
إن قلت: إن ما ذكرت من أن البناء على الأكثر في هذه الشكوك الهدمية الأربعة
بالنسبة إلى الشك السابق على هذا الشك الأخير موجب للحكم بزيادة هذه الركعة
225

الأخيرة التي بيده وبنيت جواز الهدم على هذا، هو من الأصل المثبت الذي ليس
بحجة لان موضوع البناء على الأكثر هو الشك في عدد الركعات، فالخطاب متوجه
إلى الشاك وهذا أي أخذ الشك في الموضوع وكون الخطاب إلى الشاك هو المراد
بالأصل العملي.
قلنا أولا: إنه ربما يقال بأنه ليس بأصل عملي كي يكون هذا الحكم ظاهريا بل
هو حكم واقعي جعل للشاك في عدد الركعات ولذلك لو بنى على الأكثر واتى بصلاة
الاحتياط ثم تبين الخطأ وان ما أتى به كان هو الأقل لا تجب الإعادة.
وإن كانت هذه المقالة لا تخلو من نظر واشكال وسيأتي ما هو التحقيق في الأمر الثالث.
وثانيا: ليس الحكم بزيادة الركعة المشكوكة من اللوازم العقلية للبناء على الأكثر
بل معنى البناء على الأربع الذي هو الأكثر في المسائل المذكورة أن ركعات الصلاة تمت
وليس ما وراء هذه الركعة المبنية على كونها رابعة ركعة صلاتية، وهذه عبارة أخرى
عن زيادتها لا أن زيادتها من لوازم البناء على الأكثر.
وينبغي التنبيه على أمور
الأمر الأول: في أنه إذا كان الشك بين التمام والزيادة من الست فما فوق كالشك
بين الأربع والست أو السبع بعد الاكمال فهل يمكن تصحيحه باستصحاب عدم
الزيادة ويجري الاستصحاب أم لا لخلل فيه؟
فنقول: قد يقال في تقريب عدم جريان الاستصحاب: أن الشارع ألغى جريان
الاستصحاب في باب عدد الركعات.
أما في الأوليين فلجهة حكمه بلزوم كون الأوليين محفوظا وسالما بقوله: " إذا
226

سلمت الركعتان الأوليان سلمت الصلاة " 1 وبالاستصحاب لا يمكن إثبات عنوان
الحفظ والسلامة إلا بناء على القول بالأصل المثبت لان السلامة والحفظ من اللوازم
العقلية لعدم الركعة المشكوكة،
وأما في الأخيرتين فلعدم اعتناء الشارع بالاستصحاب وحكمه بالبناء على
الأكثر على خلاف الاستصحاب.
وأما في الزائد على الأخيرتين فلان الشارع لما جعل البناء على الأكثر في
الأخيرتين علمنا أن احتمال الزيادة في الصلاة مضر بالصحة ولذلك الغي
الاستصحاب، لان في الاستصحاب لا محالة احتمال الزيادة موجود في أي صورة من
الصور، ولذا حكم بالبناء على الأكثر وسد احتمال الزيادة بهذا البناء، وسد احتمال
النقيصة بصلاة الاحتياط.
وحاصل الكلام: أن احتمال الزيادة والنقيصة كلاهما موجب للإعادة للشك في
الامتثال وتحصيل الملاك، فمن جهة سد احتمال الزيادة سد باب الاستصحاب، وسد
احتمال النقيصة بجعل صلاة الاحتياط، فمناط سد باب الاستصحاب في الأخيرتين هو
بعينه موجود في جميع صور الشك فيما إذا كان أحد طرفي الشك هو احتمال الزيادة على
الأربعة
غاية الأمر في خصوص الشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين جاء
الدليل على الصحة وعدم مضرية احتمال الزيادة في هذا المورد بالخصوص وتداركه
بسجدتي السهو وأما فيما عداه فالاشكال بحاله فلابد من الإعادة إلا في بعض الصور
الذي يمكن استظهار صحته من مفهوم رواية زيد الشحام وقد تقدم تفصيله 2.
وفيه: أن كون مناط إلغاء الشارع للاستصحاب في الركعتين هو خصوص احتمال

1 - " الفقيه " ج 1، ص 346، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1010، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 299، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 3.
2 - تقدم في ص 223، رقم (2).
227

الزيادة غير معلوم وتنقيح المناط ظنا قياس باطل عندنا.
والشاهد على عدم كون المناط هو احتمال الزيادة هو أنه حكم في بعض الموارد
بالبناء على الأربع مع احتمال الزيادة كما في الشك بين الأربع والخمس مع احتمال كون
الركعات زائدة على الأربع وكذلك في الشك بين الأربع والخمس والست بناء على
الاخذ بمفهوم خبر زيد الشحام، وأيضا فيما إذا شك في إتيان الركوع مع عدم تجاوز
محله حكم بالبناء على العدم، مع أنه لو أتى به بعد هذا العدم يحتمل زيادة الركوع.
ولا فرق بين زيادة الركوع وبين زيادة الركعة لو كان احتمال زيادتها مضرا، إذ لو
كانت زيادة الركعة مضرة يكون باعتبار زيادة الركن أي الركوع فيها، وإلا فزيادة
أجزائها غير الركنية عن غير عمد فليس بمضر قطعا
وقد يقال بعدم جريان الاستصحاب لأنه لا أثر له إلا بناء على اعتبار الأصل
المثبت وهو مما نقحنا بطلانه في كتابنا " منتهى الأصول " 1. بيان ذلك: أنه إما أن يستصحب رابعية هذه الركعة التي بيده - التي هي مورد
الشك بين كونها رابعة أو أزيد فهذه ليست لها حالة سابقة متيقنة لأنها من أول
وجودها مشكوك الرباعية - واما أن يستصحب عدم وجود الزائد على الأربعة.
فهذه الاستصحاب وإن كان له مجرى من حيث تمامية أركانه من اليقين السابق
والشك اللاحق ولكن إن كان المراد منه صرف عدم تحقق الزائد على الأربع فلا أثر
له لأنه ليس لعدمه أثر شرعي، وإن كان المراد منه إثبات أن ما بيده رابعة فيتشهد و
يسلم فهذا مثبت لان كون ما بيده رابعة من اللوازم العقلية لعدم تحقق الزائد على
الأربع.
والحاصل: أنه وان يعلم بالوجدان أن الأربع لا بشرط عن وجود ركعة بعده
وعدم وجودها موجود ولكن الأثر للأربع بشرط لا وانطباقه على هذه الركعة التي

(1) " منتهى الأصول " ج 2، ص 477.
228

بيده مشكوك. وباستصحاب عدم الزائد على الأربع وإن كان يثبت أنه أي: الرابع
بشرط لا هو هذه الأخير لكنه مثبت لان كون الأخيرة كذلك من اللوازم العقلية
لعدم الزائد على الأربع لا من الآثار الشرعية له كما هو واضح.
فظهر مما ذكرنا بطلان الصلاة في جميع صور احتمال الزيادة على الأربع ولزوم
إعادتها إلا في ما إذا جاء دليل بالخصوص على الصحة، كما أنه جاء في الشك بين
الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين، وادعى في الشك بين الأربع والخمس والست
بعد إكمال السجدتين بمفهوم رواية زيد الشحام.
وأما بعض صور الشك في الزيادة واحتمال السادس إذا كان الشك في حال القيام
إن قلنا بصحتها فذلك من جهة هدم القيام ورجوع الشك إلى الشكوك المنصوصة كما
مر تفصيلا، وليس من جهة استصحاب عدم الزائد.
وقد أجاب عن هذا الاشكال شيخنا الأستاذ قدس سره بأن أجزاء الصلاة المترتبة في
الوجود يجب أن يوجد الجزء التالي بعد تحقق الجزء السابق عليه وعدم وجود الجزء
اللاحق، فالركعة الرابعة يجب أن توجد بعد تحقق الثالثة وعدم وجود الخامسة
ولا يلزم أن تتصف الركعة بالثالثة.
ففي المقام يجب التشهد والتسليم بعد إحراز وجود الرابعة وعدم وجود الخامسة،
ولا يلزم أن يتصف الركعة التي بعد رفع الرأس عن سجدتها الثانية يتشهد ويسلم
بكونها رابعة بل يكفي في صحة إتيان التشهد والتسليم إحراز وجود الرابعة واحراز
عدم الخامسة، وفي المفروض إحراز وجود الرابعة بالوجدان وإحراز عدم الخامسة
بالأصل 1 هذا ما ذكره قدس سره.
ولكن ظاهر أدلة التشهد والتسليم في الرباعية هو أن يتشهد في الرابعة وهذا
يقتضي أن يكون التشهد الثاني في الركعة التي أحرز أنها رابعة والتشهد الأول في

1 - " كتاب الصلاة " ج 3، ص 106.
229

الركعة التي أحرز أنها الثانية ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام: " إذا
جلست في الركعة الثانية فقل بسم الله " إلى آخر ما قال عليه السلام إلى أن قال عليه السلام: " فإذا
جلست في الرابعة قلت بسم الله وبالله " إلى آخر ما قال عليه السلام 1 فما ذكره قدس سره لا يخلو من
غرابة.
وأغرب منه قوله بأن استصحاب عدم الزيادة وإن كان تاما من ناحية تمامية
أركانه وتأثيره في صحة الصلاة التي يشك في زيادتها إلا أنه لا يجري لانصراف أدلة
الاستصحاب عن أمثال هذه الموارد.
الأمر الثاني: في أنه يجب التروي والفحص عند الشك في عدد الركعات أم لا بل
يبني على الأكثر بمحض حدوث الشك؟
فنقول: التروي والفحص عما في خزانة النفس قد يكون من جهة استعلام حال
الشك وانه يدوم أو يزول - وبعبارة أخرى: شك مستقر وثابت أم ليس له قرار و
ثبات بل يزول - وقد يكون لاستعلام حال الترديد الذي في خزانة النفس وانه هل
لاحد طرفي المحتمل ترجيح كي يكون ظنا أم لا حتى يكون شكا مقابل الظن
والوهم.
فإن كان بمعنى الأول: فالظاهر عدم لزومه في الموارد التي حكم الشارع بالبناء على
الأكثر وذلك من جهة أن موضوع هذا الحكم هو الشك في الركعتين الأخيرتين من
الرباعية، فمتى تحقق موضوعه يتحقق ذلك الحكم نعم لابد من الصدق العرفي، ولا
يبعد أن يكون التروي واجبا إذا كان بأدنى التفات والرجوع إلى خزانة النفس يتبين
الحال ولعله لعدم صدق الشك حينئذ عرفا.
وأما التروي بالمعنى الثاني: فالظاهر لزومه بناء على أن الظن حجة وامارة في

(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 99، ح 373، باب كيفية الصلاة وصفتها..، ح 141، " وسائل الشيعة " ج 4، ص
989، أبواب التشهد، باب 3، ح 2.
230

معرفة عدد الركعات وذلك من جهة أن الظن والشك بناء على هذا مختلفان موضوعا
وحكما، أما موضوعا فواضح وأما حكما فلان حكم الشك هو البناء على الأكثر و
حكم الظن هو الجري على طبق المظنون وعدم الاعتناء بالاحتمال المرجوح ولا فرق
في لزوم الجري على طبق المظنون أن يكون هو الأقل أو يكون هو الأكثر.
فلابد أن يفحص عما في خزانة نفسه ويفتش حتى يتبين الحال وان وظيفته هل
هو البناء على الأكثر أو الجري على طبق المظنون؟ سواء أكان هو الأقل أو الأكثر
لأنه لا معنى لترتب الحكم بدون معرفة الموضوع، هذا في الركعتين الأخيرتين وأما في
الركعتين الأوليين حيث أن الشك فيهما مبطل.
ومن المعلوم أن مبطليته ليس بمحض حدوثه بل يكون مراعى ببقائه فان زال
وانقلب إلى العلم أو إلى الظن - بناء على حجية الظن في عدد الركعات حتى في
الأوليين - فليست الصلاة باطلة، فالشك في زواله يكون شكا في القدرة على الاتمام،
كما أنه لو علم بزواله يعلم بأنه قادر على الاتمام فيمضي في صلاته، وكما أنه لو كان
عالما بعدم الزوال فتكون باطلة ولا يجب الفحص بل لا معنى للفحص مع العلم في
الصورتين أي في كلتا صورتي العلم بالزوال والعلم بعدم الزوال.
وأما في صورة عدم العلم بكلا الامرين واحتماله للزوال وعدمه فهو شاك في أنه
قادر على الاتمام أم لا وفي باب الشك في القدرة لا بد وأن يشتغل بالمأمور به و
يفحص حتى يتبين الحال وهذا حكم العقل في باب الشك في القدرة.
فظهر مما ذكرنا أنه فرق في لزوم التروي وعدمه بين الركعتين الأوليين والركعتين
الأخيرتين، وان للتروي معنيين، وانه لازم بمقدار الصدق العرفي وهو أن لا يكون
سريع الزوال بل يحتاج في الصدق العرفي إلى استقراره وان التروي بمعنى الفحص عن
أن ما في خزانة نفسه هل هو ظن أو شك هو لازم إلى أن يحصل له أحد الامرين أي
كونه ظنا أو شكا ليرتب عليه حكمه من البناء على الأكثر أو الجري على طبق
231

المظنون كان المظنون هو الأقل أو كان هو الأكثر.
الأمر الثالث: في أن البناء على الأكثر حكم ظاهري موضوعه الشك في عدد
الركعات في الفريضة الرباعية بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية وقد حققنا في
مبحث الاجزاء أن الحكم الظاهري امتثاله واتيان متعلقه لا يكون مجزيا عن الواقع لو
انكشف الخلاف، وان القول بالاجزاء ملازم مع القول بالتصويب، ففي المقام بعد البناء
على الأكثر لو تبين الخلاف وعلم أن ما صلى كان هو الأقل فمقتضى القاعدة هو
وجوب الإعادة وعدم الاعتناء بما صلى مع البناء على الأكثر.
ولكن فتوى المشهور هو أنه بعد البناء على الأكثر واتمام الصلاة والآتيان بصلاة
الاحتياط لا تجب الإعادة، مع أن جلهم قائلون بعدم إجزاء الامر الظاهري.
والسر في ذلك: هو أن الشارع لم يكتف بصرف البناء على الأكثر بل أمر بعد
الاتمام بصلاة الاحتياط لتكون تداركا لما فات على تقدير كون ما صلى هو الأقل.
وبعبارة أخرى: هاهنا حكمان: أحدهما البناء على الأكثر، والثاني: وجوب الاتيان
بصلاة الاحتياط وليس الثاني من مقتضيات الأول، بل مقتضى الأول هو إتمام الصلاة
مع البناء على الأكثر وعدم وجوب شئ آخر عليه.
فالحكم الثاني هو حكم مستقل لتتميم ما ظنه من النقص، فعدم وجوب الإعادة
مستند إلى امتثال هذا الحكم أي الاتيان بصلاة الاحتياط لا إلى البناء على الأكثر
ولذلك لو علم قبل الاتيان بصلاة الاحتياط أن الواقع هو الأكثر فلا تجب صلاة
الاحتياط قطعا، كما أنه لو علم قبل السلام بأن ما صلى هو الأقل يجب عليه أن يأتي
بالمقدار الذي يحتمل نقصه متصلة.
وأما لو علم بالنقص وان ما صلى هو الأقل بعد السلام وقبل الاتيان بصلاة
الاحتياط هل تجب عليه الإعادة أو له أن يكتفي بصلاة الاحتياط أو يأتي بالنقيصة
متصلة؟ لان السلام وقع في غير محله فليس بمخرج فيسجد سجدتي السهو للسلام
232

الواقع في غير محله بعد إتمام الصلاة. هذا فيما إذا لم يصدر منه بعد ذلك السلام الواقع في
غير محله ما هو المنافي عمدا وسهوا وإلا يتعين عليه الإعادة.
والظاهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأخير أي لزوم الاتيان بالنقيصة متصلة وسجدتي السهو للسلام الواقع في غير محله فيما إذا لم يصدر منه ما هو المنافي
عمدا أو سهوا وذلك من جهة أن حكم البناء على الأكثر موضوعه الشك، فإذا زال
الشك يزول حكمه ويجب عليه العمل على طبق علمه وهو كما ذكرنا عبارة عن
إتيان مقدار النقيصة متصلة وسجدتي السهو للسلام الواقع في غير محله.
فظهر مما ذكرنا أن الاكتفاء بصلاة الاحتياط لو انكشف الخلاف بعد البناء على
الأكثر وبعد صلاة الاحتياط ليس من جهة أن امتثال الامر الظاهري مفيد للاجزاء
بل يكون من جهة أن الشارع جعل صلاة الاحتياط متمما لما نقص على تقدير
نقصانه، وإلا فهي نافلة.
الأمر الرابع: لو شك المصلي جالسا لعجزه عن القيام فلا ينبغي أن يشك في شمول
عمومات البناء على الأكثر له، وإنما الكلام في أنه من كان وظيفته التخيير بين ركعتين
جالسا أو ركعة من قيام فهذا التخيير في حقه لا مورد له لعجزه عن أحد طرفي
التخيير أي عن إتيان ركعة قائما فهل يتعين عليه الطرف الآخر - أي الركعتين من
جلوس كما هو قانون باب التخيير - أو ركعة جالسا؟ لان القيام ساقط في حقه.
والظاهر هو الثاني لان المقام ليس من قبيل الواجبات التخييرية بالأصل لوجود
الملاك المطلوب في كل واحد من الطرفين واستوائهما في ذلك كي يقال إن تعذر أحد
الطرفين فيتعين الطرف الآخر بل المقصود الأصلي تدارك الركعة الفائتة على تقدير
فوتها وتدارك تلك الركعة بشكلين: أحدهما مثلها ركعة من قيام والثاني: ركعتين من
جلوس، وكان الشارع الأقدس جعل زيادة كمية الركعة في مقام التدارك بدلا عن
نقصان كيفيتها. - وان شئت قلت: بدلا عن تبدل وضعها - كما أن جعله في صلاة
233

النافلة أيضا كذلك أي جعل ركعتين جالسا بدل ركعة قائما.
ومعلوم أن هذا إنما يجري فيما إذا كان المبدل منه ركعة قائما وفيما نحن فيه ليس
الامر كذلك لان الفائتة وما هو المبدل منه ليس إلا ركعة جالسا، فبدلها أيضا يكون
مثلها ركعة واحدة جالسا ولا وجه للتعدد.
نعم لو قدر على القيام قبل الاتيان بصلاة الاحتياط وبعد السلام فعليه أن يأتي
بها قائما متصلة كما تقدم شرحه مفصلا.
الأمر الخامس: في أنه هل يجوز في الشكوك الصحيحة أن يرفع اليد عن صلاته و
يستأنف من جديد أم لا بل يجب البناء على الأكثر والآتيان بصلاة الاحتياط؟
ربما يقال بعدم جواز القطع والاستئناف لحرمة القطع.
وبناء على هذا هل يمكن الفرق في حرمة القطع بين القطع حال عروض الشك و
في الأثناء وبين القطع بعد التسليم أم لا؟
أقول: أما القطع والاستئناف قبل التسليم فالظاهر عدم جوازه لادعاء الاجماع
على الحرمة، وأما بعد التسليم وقبل صلاة الاحتياط فان قلنا إن التسليم الواقع في
غير محله ليس بمخرج ولو كان في محله البنائي فيكون مثل القطع في الأثناء لأنه على
تقدير النقصان وكون صلاة الاحتياط جزء للصلاة الأصلي يكون بعد في الصلاة
ولكن يمكن أن يقال: إن كونه قطعا مشكوك فتجري البراءة. والحاصل أن الحكم
بحرمة القطع بعد التسليم مشكل جدا.
وأما صحة الصلاة الأولى والثانية أو بطلانهما لو استأنف في الأثناء فالظاهر
بطلان الصلاة الأولى لأنه بعد استئنافها إما أن يأتي بصلاة الاحتياط أم لا، فإن لم
يأت فتكون الصلاة مشكوك التمام ومعلوم البطلان وأما إن أتى بصلاة الاحتياط بعد
الصلاة المستأنفة فلفوات الموالاة التي شرط في صحة الصلاة.
234

وأما الصلاة المستأنفة فقيل في وجه بطلانها وجوه:
[الوجه] الأول: أنها علة لابطال الأولى وهو حرام، وعلة الحرام حرام فتكون
باطلة لتعلق النهي بنفس العبادة، وقد تقرر في محله بطلان مثل هذه العبادة المنهى عن
نفسها.
وفيه: أن هذا مبني على مقدمتين وهما:
أولا: أن يكون الابطال حراما ولو كان بعد التسليم باعتبار كون صلاة الاحتياط
جزء من الصلاة.
وفيه نظر واضح فلو استأنف بعد التسليم وقبل صلاة الاحتياط لا يأتي هذا
الوجه.
وثانيا: أن يكون الاستئناف علة تامة أو كان هو جزء الأخير من العلة التامة
للحرام الذي هو الابطال.
وفيه أيضا نظر لان الابطال قد يكون لعدم المقتضى للاتمام أي إرادة الاتمام
فالابطال مستند إلى عدم إرادة الاتمام لا إلى وجود ضده أي الصلاة المستأنفة.
الوجه الثاني: سقوط الامر عن الاجزاء التي أتى بها، وإلا يكون من قبيل طلب
الحاصل فتكون الصلاة المستأنفة بالنسبة إلى تلك الأجزاء بدون الامر فلا تقع
عبادة.
وفيه: أن الامر بالطبيعة باق ما لم يأت بالمجموع، مضافا إلى ما قلنا من جواز تبديل
الامتثال بامتثال آخر.
الوجه الثالث: ظهور أدلة الشكوك الصحيحة في أن وظيفة الشاك هو العمل
بالوظيفة المعينة من البناء على الأكثر والآتيان بصلاة الاحتياط بعد التسليم وليس له
العمل بغير هذه الوظيفة.
235

وفيه: أن مرجع هذا الوجه إلى أن التكليف الواقعي انقلب في حق الشاك من
الأربعة الموصولة إلى الأربعة الملفقة من الثلاثة أو الاثنتين الموصولة وصلاة
الاحتياط، وهذا لا يخلو من غرابة، إذ الوظيفة المجعولة للشاك علاج للعلم باتيان
الأربعة الواقعية بلا زيادة ولا نقصان، من جهة التسهيل على المكلف الشاك لئلا يقع
في كلفة الإعادة، لا أن التكليف الواقعي انقلب إلى هذه الوظيفة كما توهم.
والحاصل: أن الصلاة المستأنفة خصوصا بعد السلام وقبل صلاة الاحتياط لا
وجه لبطلانها، وبناء على هذا لا يبقى وجه لاتيان صلاة الاحتياط بعدها.
هذا كله فيما لو استأنف قبل إتيان المنافي، أما لو استأنف بعد إتيان ما هو المنافي -
سواء أكان في الأثناء أو بعد التسليم ولكن قبل صلاة الاحتياط - فلا وجه لبطلان
المستأنفة بل يجب الاستئناف إن كان وجود المنافي في الأثناء، بل وكذلك إن قلنا
بلزوم عدم وجود المنافي بين الصلاة المبنية وصلاة الاحتياط والوجه واضح.
الأمر السادس: في أنه لو غفل عن شكه واستمر في الصلاة وأتمها فتبين مطابقة ما
أتى به للواقع فهذا إما في موارد الشكوك الصحيحة أو في موارد الشكوك الباطلة.
فإن كان من قبيل الأول - فبناء على ما قلنا في الامر السابق من عدم انقلاب
التكليف الواقعي إلى ما هو وظيفة الشاك غاية الأمر أن هذه الوظيفة التي عينت
للشاك علاج في مقام امتثال ذلك التكليف الواقعي بأنه أتى به، وفي المفروض قاطع
بأنه أتى به بدون أن يعمل بوظيفة الشاك بدون أي خلل في المأتى به وبعبارة أخرى
أوجد المأمور به تام الاجزاء والشرائط وفاقدا لجميع الموانع متقربا - فيسقط الامر
ويحصل الامتثال القطعي.
وأما إن كان من الشكوك الباطلة فمرجع الامر إلى أنه هل حدوث الشك فيها مثل
حدوث الحدث أو سائر القواطع المبطل؟ أو معنى البطلان فيها أنه لا تشملها أدلة
العلاج من البناء على الأكثر وسجدتي السهو وصلاة الاحتياط؟
236

فإن كان الأول فواضح أنه لا يمكن القول بصحتها ولو انكشف بعد الاتمام أن ما
أتى به تام المطابقة مع الواقع.
ولكن هذا المعنى واضح الفساد نعم الذي يمكن أن يقال: إنه إذا اعتبر في صحتها
الحفظ واليقين من أولها إلى آخرها، فإذا حصل الشك يفقد الشرط فتكون باطلة
بمحض حدوث الشك وتجب الإعادة، وأما إن كانت جهة البطلان عدم شمول أدلة
العلاج لها فتكون صحيحة في المفروض لأنها صحيحة وتام الاجزاء والشرائط.
وهذه الاحتمالات في مقام الثبوت.
وأما في مقام الاثبات: فالظاهر أن الشكوك الباطلة على قسمين:
فالثنائية والثلاثية والأوليين من الثلاثية والرباعية أعتبر فيها الحفظ واليقين في
جميع الحالات ولذلك بمحض حدوث الشك ووجوده عرفا - أي بعد استقراره -
تكون باطلة وحكم بالإعادة كما في صحيحة ابن أبي يعفور: " إذا شككت فلم تدر
أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد ولا تمض على الشك " 1.
وأما القسم الآخر: فالظاهر أن بطلانها من جهة عدم شمول أخبار العلاج لها،
كالشك بين الأربع وما فوق الست حيث أن بطلانها من جهة عدم العلاج.
ففي مثل هذا القسم لا وجه للبطلان بعد تبين أنها مطابق للواقع ولا يحتاج إلى
العلاج حتى تقول لا تشملها أخبار العلاج.
فالحق هو التفصيل بين هذين القسمين من الشكوك الباطلة.
الأمر السابع: المسافر في أحد أماكن التخيير لو نوى قصرا فشك بين الاثنتين
والثلاث مثلا أو أحد الشكوك الصحيحة الاخر لو كانت الصلاة رباعية فحيث أن

(1) - " الكافي " ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها..، ح 3، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 187، ح 743،
باب أحكام السهو في الصلاة، ح 44، " الاستبصار " ج 1، ص 373، ح 1418، باب من شك فلم يدر صلى
ركعة أو...، ح 1، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 328، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 15، ح 2.
237

الشك في الصلاة الثنائية مبطل فهل له أن يعدل بعد حدوث الشك إلى الاتمام فيبني
على الأكثر ويتمم صلاته ويأتي بعد أن أتم بصلاة الاحتياط فيكون قد عالج بذلك
شكه وصحح صلاته أم لا وليس له ذلك؟
وعلى تقدير أن يكون له ذلك فهل يجب عليه العدول أم لا بل يجوز فقط وهو
مخير بين العدول ورفع اليد عن صلاته لبطلانه على تقدير عدم العدول؟
فنقول: بعد الفراغ عن اشتراط العدول بأن يكون المعدول عنه صلاة صحيحة
بحيث لولا العدول وكان يتم تلك الصلاة التي يريد أن يعدل عنها لكانت تقع
صحيحة.
فالمسألة بناء على هذا مبنية على أن الشك في الصلوات التي يكون الشك مبطلا لها
موجب للبطلان بمحض حدوثه ويكون من قبيل القواطع أم لا بل معنى مبطلية
الشك عدم شمول أدلة العلاج لها؟
فإن كان من قبيل الأول فلا يبقى محل للعدول لان ما مضى من صلاته صار باطلا
وليس قليلا لان ينضم إليه ركعة أخرى حتى يصير المجموع صلاة رباعية صحيحة.
ولا أثر لكون صلاة القصر والاتمام حقيقة واحدة أو حقيقتين مختلفتين لان
العدول ليس متوقفا على أن يكون المعدول عنه والمعدول إليه حقيقة واحدة، إذ يصح
العدول من الظهر إلى العصر وكذلك العكس مع أنهما ليستا حقيقة واحدة قطعا بل
حقيقتين مختلفتين.
ولكن الظاهر جواز العدول لعدم كون الشك بمحض حدوثه مبطلا كالقواطع، بل
مبطليته من جهة اشتراط صحة الأوليين باليقين، واستصحاب عدم الزيادة في ظرف
الشك مما يقوم مقام اليقين الذي أخذ في موضوع الصحة.
إن قلت: إنكم في الامر السابق بنيتم على بطلان الصلاة الثنائية والثلاثية والأوليين
من الرباعية بمحض حدوث الشك.
238

قلنا: هناك بنينا على البطلان من جهة عدم جريان أصالة عدم الزيادة في الثنائية
والثلاثية للأدلة الخاصة التي مفادها الإعادة، وأما هاهنا فلا مانع من جريان
استصحاب عدم الزيادة لأنه لسنا نثبت باستصحاب عدم الزيادة صحة الصلاة
الثنائية بل نريد إثبات صحته من جهة شرطيته للعدول فقط لا صحته من حيث
ترتيب آثار الصحة عليه مطلقا وسقوط أمره والممنوع بالأدلة الخاصة هو المعنى
الثاني من الاستصحاب لا المعنى الأول. ومع ذلك كله صحة العدول لا تخلو من نظر
وتأمل.
وأما الشق الثاني من المسألة: وهو أنه على تقدير صحة العدول والبناء على
الأكثر هل يجب العدول أو يجوز فقط؟
ربما يقال بوجوبه من جهة حرمة الابطال.
وفيه: أن حرمة الابطال متوقف على صحة العمل في حد نفسه فيكون ابطاله
حراما وهاهنا العمل في حد نفسه باطل ويريد أن يصحح العمل بالعدول فعدم
العدول وتركه ليس إبطالا، بل هو عدم التصحيح مع إمكانه ولا دليل على وجوب
التصحيح وعلاج الشك مع إمكانه، وأدلة وجوب العلاج أي وجوب البناء على
الأكثر مع تعقيبه بصلاة الاحتياط موضوعه الشكوك الصحيحة، وهاهنا كون الشك
من الشكوك الصحيحة متوقف على العدول، فكيف يمكن أن يكون وجوب العدول
مستندا إلى تلك الأدلة؟ وهل هذا إلا تقدم الشئ على نفسه.
فالانصاف: أن وجوب العدول لا دليل عليه.
اللهم إلا أن يقال: قوله عليه السلام " لا يعيد الصلاة فقيه " 1 نهى عن الإعادة مع إمكان
العلاج، وهاهنا حيث يمكن العلاج بالعدول فيجب.

(1) - تقدم تخريجه في ص 201، رقم (2). وليس هذا نص كلام الإمام عليه السلام، بل يكون من كلام الراوي والسائل
وليكن الامام يقرر هذا الكلام ويبينه.
239

الأمر الثامن: فيما إذا انقلب شكه بعد الفراغ إلى شك آخر مثلا كان في الصلاة
شاكا بين الاثنتين والثلاث وبعد البناء على الثلاث واتمام الصلاة باتيان ركعة أخرى
والفراغ عنها تبدل هذا الشك بشك آخر - وهو الشك بين الثلاث والأربع قبل أن
يأتي بصلاة الاحتياط - فليس عليه شئ أي لا يجب عليه صلاة الاحتياط أعني
ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس بدل الركعة الفائتة على تقدير فوتها.
وذلك من جهة أن الشك الأول زال لأنه انقلب إلى شك آخر، وصرف حدوثه
لا يكفي في وجوب عمل الاحتياط، وأما الشك الثاني وإن كان باقيا ولكنه لا أثر له
لأنه شك بعد الفراغ وهو لا اعتبار به ويكون من الشكوك التي ألغى الشارع
اعتبارها. ولكن وهذا الذي ذكرنا من عدم الأثر بعد الانقلاب فيما إذا لم يكن عدم
العمل بالاحتياط وعدم الاعتناء بالشك موجبا للعلم بالزيادة أو النقيصة.
وإلا فقاعدة الفراغ لا أثر لها مع العلم بالاخلال زيادة أو نقيصة لأنها قاعدة
مجعولة للشاك، وان شكه في إتيان جزء أو ركعة لا اعتبار به.
وأما قاعدة " لا تعاد " فلا تشمل الأركان لأنها داخلة في عقد المستثنى مثلا لو
شك بين الاثنتين والأربع في حال الصلاة فبنى على الأربع وأتم الصلاة ثم بعد الصلاة
انقلب شكه إلى الاثنتين والثلاث فيعلم بالنقيصة لأنه يعلم بعدم الرابعة فإنه في
الشك الأول وإن كان يحتمل وجود الأربعة لأنها أحد المحتملين ولكنه زال وفي الشك
الثاني يعلم بعدمها فهذا هو العلم بالنقيصة.
وأما العلم بالزيادة فكما لو شك بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث واتى بركعة
وأتم الصلاة وبعد الفراغ انقلب شكه إلى الأربع والخمس بعد الاكمال فيعلم بزيادة
ركعة. وفي هذه الصور التي يعلم بالزيادة أو النقيصة يجب أن يعمل على طبق الشك
الأخير إن كان العلم بالنقيصة، بمعنى أنه يعلم بان السلام وقع في الصلاة فليس
بمخرج، فيجب أن يقوم ويأتي بالنقيصة ويأتي بسجدتي السهو للسلام في غير محله،
240

من جهة سهوه في الركعات.
وأما إذا كان العلم بالزيادة بواسطة انقلاب الشك كما مثلنا له فتجب إعادة الصلاة
لعدم علاج آخر، وأما الشك الأول فلا أثر له على كل حال لأنه زال وانعدم، وبقاء
الموضوع شرط عقلي لترتب حكمه.
وأما إذا علم إجمالا بعد الانقلاب بالزيادة أو النقيصة كما إذا شك بين الثلاث
والأربع في حال الصلاة فبنى على الأربع وأتم الصلاة ثم بعد الفراغ انقلب شكه إلى
الثلاث أو الخمس، فلا يخلو الامر حسب الشك الأخير أن ما صلى إما الثلاث -
فتكون ناقصة - وإما تكون الصلاة التي صلاها خمس فتكون زائدة فيها ركعة، ولا
طريق إلى العلم بالامتثال والفراغ اليقيني إلا بالإعادة فتجب.
الأمر التاسع: لو مات الشاك في الشكوك الصحيحة بعد أن بنى على الأكثر أو على
ما هو وظيفته، كما إذا كان شاكا بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين فبنى على
الأربع - كما تقدم وجهه - قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط في الشق الأول، وقبل أن يأتي
بسجدتي السهو في الثاني فهل يجب أن يقضي عنه الصلاة أم لا بل يجب صلاة
الاحتياط في الفرض الأول وسجدتي السهو في الفرض الثاني؟ أو يفصل بين
الفرضين بأن يقضي الصلاة في الفرض الأول ويقضي عنه سجدتا السهو فقط في
الفرض الثاني؟ وكذلك الامر لو كان المنسي بعض أجزاء الركعة التي لها قضاء
كالتشهد والسجدة الواحدة، فإنه يجب قضاؤها دون أصل الصلاة وجوه:
الأقوى: هو التفصيل بين الفرضين، ففيما إذا كان الفراغ والتسليم من جهة البناء
على الأكثر وكانت الوظيفة وجوب الاتيان بصلاة الاحتياط فاللازم أن يقضي عنه
أصل الصلاة لان ما أتى به - على تقدير كونه الأقل - بعض الصلاة، ويكون كما لو
مات في أثناء الصلاة وحيث أن الصلاة واجب ارتباطي فإذا لم يتعقب البعض الأول
ببعضها الباقي يبطل ذلك البعض الأول فيجب أن يقضي عنه مجموع الصلاة لان ما
241

أتى به بمنزلة العدم.
هذا مضافا إلى تشريع القضاء في بعض الواجب الارتباطي غير معهود من
الشرع ولم يرد دليل عليه.
هذا بالنسبة إلى الفرض الأول وأما في الفرض الثاني فقد أتى بتمام الصلاة وسقط
الامر ووجوب سجدتي السهو تكليف آخر وليس من أجزاء الصلاة فلا وجه لان
يقتضي عنه أصل الصلاة والقضاء تابع لفوت الفريضة والمفروض أن الفريضة لم تفت
عنه وإنما الفائت هو سجدتا السهو وهو ليس من أجزاء الفريضة بل هو واجب
مستقل فيجب قضائه لأنه فريضة فاتت.
الأمر العاشر: في أن في قاعدة البناء على الأكثر حيث أن روايات الباب كانت
مشتملة على حكمين:
أحدهما: هو البناء على الأكثر فيما كان موجبا لصحة الصلاة ولذلك سميت مثل
هذه الشكوك بالشكوك الصحيحة.
والثاني: هو تتميم ما احتمل نقصانه بصلاة مستقلة منفصلة تسمى بصلاة
الاحتياط.
ولما كانت صلاة الاحتياط من لواحق البناء على الأكثر فالمناسبة تقتضي أن نذكر
ها هنا شطرا من أحكام صلاة الاحتياط وكيفيتها وشرائطها وغير ذلك من
خصوصياتها حتى تكون القاعدة تامة الفائدة.
فنقول: وتوضيح هذه المسألة وبيان كيفيتها وأحكامها وشرائطها وموانعها
متوقف على بيان أمور:
[الامر] الأول: يشترط فيها جميع ما يشترط في الصلاة من الشرائط العامة كطهارة
البدن واللباس والستر والاستقبال وعدم غصبية المكان أي إباحته إلى غير ذلك
من شرائطها.
242

والدليل على ذلك أنها صلاة غاية الأمر مردد أمرها بين أن تقع نافلة أو متمما
للصلاة الأصلية، فكل أمر دل الدليل على اعتبار وجوده أو عدمه في الصلاة من
حيث صلاتيتة فهو معتبر وجودا أو عدما في صلاة الاحتياط.
وحيث أن الدليل دل على اعتبار النية في الصلاة بما أنها صلاة فتكون معتبرة في
صلاة الاحتياط لعين تلك الجهة أي أنها عبادة. ولا يمكن تحقق العبادة بدون قصد
القربة والنية وكذلك تكبيرة الاحرام، فان الدليل دل على أن الصلاة لها افتتاح و
اختتام، افتتاحها بالتكبير واختتامها بالتسليم وهذه الأمور التي ذكرناها بإضافة
الطهارة الحدثية من شرائط طبيعة الصلاة وكل ما صح على الطبيعة صح على جميع
الافراد والأصناف إلا أن يأتي دليل خاص على عدم اعتباره في فرد خاص أو
صنف مخصوص.
فمقتضى القاعدة الأولية وجود هذه الأمور وغيرها مما اعتبر في طبيعة الصلاة في
صلاة الاحتياط، وهكذا الامر بالنسبة إلى الموانع والقواطع ولا يحتاج إلى وجود
دليل خاص على اعتبار الوجود أو العدم.
ولكن ربما يستشكل في لزوم تكبيرة الاحرام بل في جوازها وذلك من جهة أن
صلاة الاحتياط ذات احتمالين وتقديرين.
فعلى تقدير عدم النقصان تقع نافلة، وعلى هذا التقدير تكون تكبيرة الاحرام
لازمة لان الصلاة ولو كانت نافلة غير معهود وقوعها بدون تكبيرة الاحرام.
وأما على تقدير النقصان يكون جزء للصلاة الأصلية فتكون تكبيرة الاحرام
وجودها مضرا للصلاة الأصلية، فيكون أمرها من قبيل دوران الامر بين محذورين
لأن عدم تكبيرة الاحرام مناف مع كونها نافلة مستقلة على تقدير عدم النقصان،
ووجودها مناف مع جزئيتها على تقدير النقصان لأنها زيادة ركن في الصلاة.
ولكن الذي يدفع هذا الاشكال أن وجوب تكبيرة الاحرام في صلاة الاحتياط
243

إجماعي، فيكون الاجماع دليلا على عدم مضرية هذه الزيادة على تقدير الجزئية أو
يقال: بأنه يستكشف من هذا الاجماع أنه صلاة مستقلة حتى على تقدير النقصان،
غاية الأمر يحصل بها ذلك المقدار الذي فات من المصلحة بواسطة النقصان.
ويمكن أن يستشهد لوجوب تكبيرة الاحرام في صلاة الاحتياط برواية زيد
الشحام التي تقدمت وفيها قال عليه السلام: " وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبر وهو
جالس ثم ليركع ركعتين بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد " 1.
ثم إنه ظهر مما ذكرنا من اعتبار جميع ما اعتبر في الصلاة فيها تعين قراءة فاتحة
الكتاب فيها، لأنها صلاة ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب.
مضافا إلى ورود أخبار تدل عليها، كرواية العلاء: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل
صلى ركعتين وشك في الثالثة؟ قال عليه السلام: " يبني على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام قائما
فصلى ركعة بفاتحة الكتاب " 2.
وكصحيحة الحلبي: " إن كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى
شئ فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب ". 3
وكصحيحة زرارة قال عليه السلام في ذيلها في بيان حكم من لم يدر في أربع هو أو في
ثنتين وقد أحرز الثنتين قال: " يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة
الكتاب " 4.
فهذه الأخبار وغيرها مما هو مثلها تدل على وجوب قراءة فاتحة الكتاب وتعينها
في صلاة الاحتياط.
ثم إنه هل يجب الاخفات فيها أو يجوز الجهر بها؟

(1) تقدم تخريجه في ص 223، رقم (2).
(2) تقدم تخريجه في ص 201، رقم (1).
(3) تقدم تخريجه في ص 208، رقم (4).
(4) تقدم تخريجه في ص 210، رقم (1).
244

وقال جماعة كما حكى عن الشهيد قدس سره 1 وغيره بالأول.
ولعل مستندهم أنها على تقدير النقصان تقوم مقام الركعتين الأخيرتين والحكم
فيهما الاخفات في القراءة لو اختارها دون التسبيح، فكذلك فيما يقوم مقامهما، بل في
الحقيقة صلاة الاحتياط هي الأخيرتين فيما كانت ركعتين أو إحديهما فيما كان النقصان
بواحد.
ولكن ظاهر الاخبار أنها صلاة مستقلة منفردة يتدارك بها المقدار الفائت من
مصلحة الصلاة الأصلية على تقدير النقصان.
وبناء على هذا حيث أنه لم يرد دليل على وجوب الاخفات أو الجهر فمقتضى
القاعدة هو التخيير، وإن كان الاخفات أحوط.
الأمر الثاني: في أنه لا أذان ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت فيها.
أما الأولان - أي عدم الأذان والإقامة فيها - فلان أمرها دائر بين أن تكون نافلة
فليس فيها الأذان والإقامة أو تكون جزءا للفريضة الأصلية ولم يشرعا في جزء
الفريضة. نعم لو قلنا بأن صلاة الاحتياط صلاة واجبة مستقلة وسبب وجوبها
تدارك مصلحة الفائتة بها على تقدير النقصان فيمكن أن يقال بشمول إطلاقات
أدلتهما لهذا المورد أيضا.
وفيه: أنه وان ورد في موثقة سماعة " لا صلاة إلا بأذان وإقامة " 2 ولكن لا يمكن
الاخذ بهذا الاطلاق وذلك للاتفاق على عدم مشروعيتهما في غير اليومية، فلو كانت
صلاة الاحتياط صلاة مستقلة ولم تكن من متممات اليومية فتشريع الاذان و
الإقامة فيها غير معلوم، ومقتضى الأصل عدم جوازهما.

(1) " الدروس " ج 1، 372، " البيان " ص 255.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 282، ح 1123، باب الأذان والإقامة، ح 25، " الاستبصار " ج 1، ص 300، ح
1109، باب الأذان والإقامة في صلاة المغرب...، ح 6، " وسائل الشيعة " ج 4، أبواب الأذان والإقامة، باب
35، ح 2.
245

نعم لو كانت مع أنها صلاة مستقلة جزء لليومية وبحكمها لكانا مشروعين فيها،
ولكن إثبات ذلك مشكل مع أنها لو كانت كذلك فأيضا لا يخلو عن إشكال لان
الفريضة اليومية منصرفة عن مثل هذه الصلاة فالأصح أن الأذان والإقامة لم يشرعا
فيها.
وأما السورة والقنوت فللاتفاق على عدم وجوبهما فيها ولا استحبابهما، وأيضا
لو كانا فيها واجبين أو كان خصوص السورة واجبا لكان عليه السلام ذكره في عداد
الواجبات، ونصوص الباب خالية عنهما مع ذكر سائر الواجبات فيها.
وأما القول بوجوب السورة بلحاظ وجوبها في سائر الصلوات الواجبة فلو قلنا
بأن صلاة الاحتياط صلاة واجبة مستقلة يتدارك بها ما فات من مصلحة الفريضة،
فالدليل على وجوبها في سائر الصلوات الواجبة دليل على وجوبها فيها.
وفيه: أن وجوب هذه الصلاة وإن كان من المسلم ولكن ليس وجوبا مستقلا
كسائر الواجبات لوجود ملاك ومصلحة في نفسها، بل وجوبها باعتبار تتميم ما
نقص من الفريضة الأصلية ولذلك لو تنبه في أثنائها بتمامية الفريضة الأصلية لا يجب
عليها إتمامها، ويجوز بل يجب العدول إلى النافلة لأنه لا موضوع بعد ذلك الالتفات
لاتيانها بصفة الوجوب لان موضوعها احتمال النقص في الصلاة الأصلية.
الأمر الثالث: فيما إذا صدر منه ما يبطل الصلاة قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط، كما
إذا صدر منه أحد القواطع فهل تبطل الصلاة ويجب إعادتها؟ إذ لا تأثير بعد ذلك في
صلاة الاحتياط، إذ بناء على أن صلاة الاحتياط متممة للنقص الذي حصل في
الصلاة الأصلية فالقاطع كالحدث مثلا وقع في الأثناء فليست صلاة الاحتياط
باعتبار أنها متممة للصلاة الأصلية قابلة لان تنضم إلى الصلاة الأصلية لان القاطع
قطع حبل الاتصال.
وبعبارة أخرى: القاطع قطع صورة الصلاتية، وبهذا الاعتبار يطلق عليه القاطع،
246

فالجزء الصوري الذي يكون المراد به الهيئة الصلاتية انعدمت بواسطة القاطع، فليست
الأجزاء الباقية بعد وجود القاطع قابلا لتشكيل الهيئة الصلاتية بواسطة انضامها إلى
الأجزاء السابقة، فقهرا تبطل الصلاة ويجب إعادتها.
ولكن هذا بناء على كون صلاة الاحتياط جزءا متمما للصلاة الأصلية على تقدير
النقصان.
وأما لو قلنا بأنها صلاة مستقلة شرعت لأجل تدارك ما فات من مصلحة الصلاة
الأصلية على تقدير النقصان، وهذا الامر من قبيل حكمة تشريعها، كما ورد في حكمة
تشريع النوافل التي هي رواتب الفرائض اليومية أنها شرعت لأجل جبران النقص
الذي ربما يقع في الفرائض الخمس بحيث يكون المجموع من الرواتب والفرائض
الناقصة وافيا بمصالح الفرائض الواقعية التامة، فوقوع الحدث مثلا قبل صلاة
الاحتياط وبعد الصلاة الأصلية لا يؤثر في بطلان الصلاة الأصلية لأنه وقع قبلها لا
في أثنائها.
ولكن التحقيق: أن مقتضى الجمع بين الأدلة هو أن هذه الصلاة لا مستقلة تماما
ولا جزء متمم بل فيها جهة الاستقلال باعتبار قوله عليه السلام في مرسل جميل: " إن شاء
صلى ركعة وهو قائم وان شاء صلى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس " 1.
وأيضا قوله عليه السلام: في صحيحة الحلبي: " ثم صل ركعتين وأنت جالس " 2.
وفيها جهة الجزئية.
وانها متمم لنقص الصلاة الأصلية لقوله عليه السلام في موثقة عمار " وأتمم ما ظننت أنك
نقصت " 3 فهي معنى متوسط بين الاستقلال والجزئية وليست أجنبية عن كليهما.

(1) تقدم تخريجه في ص 206، رقم (2)
(2) تقدم تخريجه في ص 208، رقم (4).
(3) تقدم تخريجه في ص 183 و 184.
247

وبناء على هذا - من حيث أنها صلاة مستقلة وتشريعها لأجل تدارك المصلحة
الفائتة على تقدير النقصان وليست جزء من الصلاة الأصلية - فالصلاة الأولية تمت
بواسطة البناء على الأكثر والفراغ منها بواسطة التسليم حصل فلم يقع القاطع في
أثنائها كي تبطل، والمصلحة الفائتة يتدارك فيما بعد بواسطة صلاة الاحتياط فلا يبقى
وجه للبطلان والإعادة.
ومن حيث أن فيها جهة كونها متمما للصلاة الأصلية تكون بحكم الجزء، فكان
القاطع وقع في الأثناء فتكون فاسدة فيكون حدوث القاطع موجبا للبطلان ولزوم
الإعادة.
ولكن أنت خبير بان ما قلنا: إن فيه جهة الجزئية ليس المراد منه أنها جزء
الصلاة الأصلية، بل المراد أنها جزء متمم لما هو ذو المصلحة فالصلاة الأصلية و
صلاة الاحتياط كلاهما مجموعا دخيلان في حصول المصلحة لا أن أحدهما جزء
للآخر، فوقوع الحدث بينهما لا يضر بكل واحد منهما.
الأمر الرابع: فيما إذا تذكر بعد الفراغ عن الصلاة الأصلية والبناء على الأكثر أن ما
صلى كان كذا من الركعة وارتفع الشك وحصل له اليقين.
فهذا لا يخلو حاله: إما أن يحصل له اليقين بالتمام أو بالنقصان.
فإن كان الأول وكان بعد الاتيان بصلاة الاحتياط فتكون صلاة الاحتياط نافلة
كما هو مفاد بعض الأخبار.
وإن كان قبل صلاة الاحتياط فلا يجب إتيانها لان وجوبها كان باعتبار تتميم ما
نقص، وبعد اليقين بالتمام وتذكره وارتفاع الشك الذي كان موضوع وجوب صلاة
الاحتياط لا يبقى مورد ومحل لوجوب إتيانها.
وإن كان التذكر في أثناء الاحتياط فله أن يقطع ويرفع اليد عنها لتبين عدم
وجوبها فلا مانع من قطعها. وله أن يتمها نافلة، فإن كان الاحتياط ركعة يضم إليها
248

ركعة أخرى ويتمها نافلة.
ولا يكتفي في جعلها نافلة بتلك الركعة الواحدة وذلك من جهة عدم معهودية كون
صلاة النافلة ركعة واحدة في غير الوتر.
اللهم إلا أن يقال: إن الدليل الذي مفاده جعل صلاة الاحتياط نافلة على تقدير
كون الصلاة الأصلية تامة يشمل باطلاقه ما إذا كان صلاة الاحتياط ركعة واحدة،
فيدل على صحة كون النافلة ركعة واحدة.
وإن كان الثاني تذكر نقصان الصلاة الأصلية فلها صور:
الصورة الأولى: أن يكون تذكره بعد الاتيان بصلاة الاحتياط وكان النقص
المنكشف مطابقا مع صلاة الاحتياط كما وكيفا فلا شئ عليه وقد أتى بما هو
وظيفته وصحت صلاته لما تقدم من قوله عليه السلام في موثقة عمار: " وان ذكرت أنك كنت
نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت " 1.
الصورة الثانية: هي عين الصورة الأولى لكن مع الاختلاف في الكم، مثل أن يكون
النقص المنكشف ركعتين والاحتياط ركعة واحدة كما إذا شك بين الثلاث والأربع،
فبعد استقرار الشك بنى على الأربع وصلى الاحتياط ركعة واحدة وبعد الفراغ عنها
تذكر أن صلاته الأصلية كانت ركعتين، ففي مثل هذا المورد من المحتمل القول بأنه
يضيف على الاحتياط ركعة أخرى كي يتم بها النقص المنكشف.
وهناك احتمالان آخران:
أحدهما: كفاية صلاة الاحتياط التي أتى بها وان كانت مخالفة مع النقص المنكشف
في الكم.
واختار شيخنا الأستاذ قدس سره هذا الاحتمال تمسكا باطلاق قوله عليه السلام: " وان ذكرت

(1) تقدم تخريجه في ص 184، رقم (1).
249

أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت " 1.
ولكن الظاهر أنه عليه السلام في مقام أن صلاة الاحتياط لا تذهب هدرا على كل تقدير،
بل إما أن تكون متمما للنقصان على تقدير النقص، وإما أن تكون نافلة على تقدير
التمام. وليس في مقام بيان أنه متمم على كل حال ولا يحتاج إلى شئ آخر، فلا مجال
للتمسك باطلاقه من هذه الجهة.
الثاني: بطلان الصلاة ووجوب الإعادة باعتبار عدم إمكان العلاج والشك في
الامتثال باتيان ركعة أخرى وتتميم ما نقص.
أما عدم إمكان العلاج فمن جهة عدم كون صلاة الاحتياط جابرة للنقص لكونها
أقل منه.
وأما تتميمها بركعة أخرى منفصلة فليس عليه دليل، إذ صلاة الاحتياط في مورد
الشك، والشك ارتفع، فلو أتى بركعة أخرى مضافا إلى صلاة الاحتياط وإن كان يتم
بها النقص من حيث عدد الركعات ولكن الانفصال والخروج عن الصلاة بالتسليم لا
علاج له.
ولا يقاس بصلاة الاحتياط، فإنها وان كانت منفصلة وبعد التسليم إلا أن عليها
دليل كموثقات عمار وغيرها، وتلك الأدلة لا تشمل المقام لان موضوع الحكم
بالاحتياط فيها هو الشك والمفروض أن الشك ارتفع فيما نحن فيه فيكون شكا في
الامتثال فتجب الإعادة لتحصيل القطع بالامتثال.
ومما ذكرنا ظهر لك أنه لا وجه للقول بأنه يعمل عمل المحتمل لهذا النقص
المنكشف والشاك فيه مثلا في المفروض أليس أنه انكشف أن صلاته التي صلاها
كانت ركعتين والنقص بركعتين فيعمل عمل الشك بين الاثنتين والأربع أي يأتي
بركعتين من قيام ويصرف النظر عن الاحتياط الذي عمل به.

(1) " كتاب الصلاة " ج 3، ص 198.
250

وهو احتمال غريب لأنه لم يشك مثل هذا الشك بل ليس له شك أصلا لان شكه
الذي كان بين الثلاث والأربع ارتفع وليس له شك آخر فيكون حكما بلا موضوع،
فالأظهر بل الأرجح هو الإعادة في صورة الاختلاف في الكم.
وأما إن كان اختلافهما في الكيف مثلا شك بين الاثنتين والثلاث فبنى على
الثلاث وأتم الصلاة ثم صلى صلاة الاحتياط ركعتين من جلوس فتذكر أن صلاته
كانت اثنتين فالظاهر أنه أتى بوظيفته. وركعتين من جلوس وان كانتا مخالفتين في
الكيف مع الركعة من قيام لكن الشارع جعلهما بدلا عن الركعة من قيام فحصل
الامتثال وسقط الامر.
هذا كله فيما إذا كان تذكره بعد صلاة الاحتياط.
وأما لو كان قبلها أي تذكر النقص وانه بركعة مثلا أو بركعتين قبل أن يأتي بصلاة
الاحتياط فهذه الصورة الثالثة من تذكر النقص.
وهنا احتمالات:
الأول: وهو الصحيح أن يأتي بالنقص المتيقن وذلك من جهة وقوع السلام في غير
محله فلم يخرج عن الصلاة بصرف السلام والمفروض أنه لم يأت بمناف أي أحد
القواطع من الحدث أو الاستدبار أو السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة أو
غيرها من القواطع وإلا فمعلوم أنه فيما إذا أتى بأحد القواطع فالصلاة باطلة وتجب
إعادتها.
فمقتضى القاعدة أن سلامه مثل السلام السهوي فبعد أن تذكر السهو يجب عليه
أن يقوم ويأتي بالبقية.
وهناك احتمالان آخران:
الأول: بطلان الصلاة ووجوب إعادتها وذلك من جهة أنه خرج عن الصلاة
بالتسليم وعلم بنقصان صلاته بركعة أو ركعتين والركعة مشتملة على الأركان
251

ونقيصة الركن غير مغتفر في الصلاة عمدا كانت أو سهوا.
وفيه: أن نقيصة الأركان وان كانت موجبة للبطلان ولكن النقيصة لا يتحقق إلا
بأحد أمرين: إما بخروجه عن الصلاة بايقاع السلام في محله أو بوجود أحد القواطع
وإلا بصرف عدم وجود شرط أو جزء ركني مع بقاء محله لا يصدق النقيصة.
هذا مضافا إلى ورود روايات معتبرة على أنه لو تذكر نقص صلاته بعد التسليم
وقبل صدور المنافي يجب عليه أن يأتي به.
منها: خبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في نقصان ركعتين في رجل صلى ركعتين
من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير
ركعتين؟ فقال عليه السلام: " يتم ما بقي من صلاته ولا شئ عليه " 1.
والفرق بين المقام وبين ذاك بأن مورد الرواية هو السلام باعتقاد الفراغ هناك
وهيهنا بحكم الشارع غير فارق فيما هو المناط وهو كونه في غير محله.
وقد شرحنا هذه المسألة أي تذكر النقص بعد السلام في المجلد الأول من هذا
الكتاب في شرح قاعدة " لا تعاد " 2 وان شئت فراجع.
وخلاصة الكلام: أن بطلان الصلاة بنقص ركعة أو ركعتين أن تذكر وانكشف له
بعد التسليم قبل إتيان ما هو المبطل لا وجه له بل يجب عليه التدارك واتيان ما نقص
بعنوان تتمة الصلاة لا صلاة الاحتياط.
الثاني: هو أنه يجب عليه صلاة الاحتياط كما أنه لو كان شكه باقيا ولم يتذكر
النقص فصلاته الأصلية مع صلاة الاحتياط موجبة للقطع بالامتثال وتوجب براءة
الذمة واسقاط الامر.

(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 191، ح 757، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 58، " الاستبصار " ج 1، ص
378، ح 1436، باب من تكلم في الصلاة ساهيا أو عامدا، ح 4، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 309، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 3، ح 9.
(2) " القواعد الفقهية " ج 1، ص 116.
252

وهذا احتمال غريب وبعيد إلى الغاية وذلك من جهة أن صلاة الاحتياط موضوعها
الشاك فإذا ارتفع الشك وتذكر النقص يخرج عن موضوع خطاب صلاة الاحتياط.
وأما إذا كان تذكره للنقص في أثناء صلاة الاحتياط فهذه هي الصورة الرابعة.
وفي هذه الصورة صور ربما يختلف حكمها فنقول:
الأولى: أن تكون صلاة الاحتياط مطابقة مع النقص الذي تذكره كما وكيفا مثلا
شك بين الاثنين والثلاث وبنى على الثلاث ثم تذكر أن صلاته ناقصة بركعة في أثناء
صلاة الاحتياط التي هي عبارة عن ركعة من قيام.
فهاهنا يجب عليه إتمام صلاة الاحتياط وليس عليه شئ.
والوجه واضح بعد اغتفار زيادة تكبيرة الاحرام فان المأمور به في حال الشك
بعد التسليم هي الركعة الواحدة من قيام غاية الأمر بزيادة التكبير وبعد تذكر
النقص وانه ركعة واحدة أيضا يكون المأمور به هو نفس ما كان حال الشك فلا وجه
لرفع اليد عنها وتجديدها ثانيا.
الثانية: أن تكون مخالفة مع النقص الذي تذكره في الكم والكيف أو في أحدهما.
فهذه الصورة الثانية تنقسم إلى ثلاث:
فالأول أي المخالف في الكم والكيف كما إذا شك بين الثلاث والأربع فبنى على
الأربع وشرع في صلاة الاحتياط واختار ركعتين من جلوس فتذكر في أثنائها أن
النقص ركعة واحدة فصلاة الاحتياط في هذا الفرض مخالف مع النقص المذكور كما
لأنه ركعة واحدة وصلاة الاحتياط ركعتين وكيفا من جهة أنه من قيام وصلاة
الاحتياط من جلوس.
فهنا احتمالات بل أقوال ثلاث:
الأول: بطلان الصلاة ولزوم الإعادة لان النقص فيها معلوم وليس له علاج ولا
253

يمكن تداركه لان التدارك إما بصلاة الاحتياط ولا يمكن بهذه التي هو فيها لمخالفتها
مع النقص المعلوم كما وكيفا أو برفع اليد عن الاحتياط والصلاة قائما بمقدار النقص
الذي تذكره أي يتمها لا بعنوان صلاة الاحتياط وهذا لا يمكن للفصل بين المتمم -
بالكسر - والمتمم - بالفتح - أولا ولزيادة الأركان المتعددة بناء على جزئية صلاة
الاحتياط للصلاة الأصلية ثانيا ومن جهة الخروج عن الصلاة بالتسليم ثالثا.
وأيضا لا يمكن تداركه بصلاة احتياط أخرى مطابقا للنقص المذكور لان صلاة
الاحتياط موضوعها الشك فإذا ارتفع - كما هو المفروض في المقام - لا يبقى مجال
لصلاة الاحتياط مطابقة للنقص الذي تذكره مرة أخرى فلابد من الإعادة.
الثاني: إتمام صلاة الاحتياط والاكتفاء بها وان كانت مخالفة للنقص المعلوم كما
وكيفا لاطلاق أدلة صلاة الاحتياط.
وفساد هذا الاحتمال واضح لما ذكرنا أن جابرية صلاة الاحتياط للنقص المعلوم
فيما إذا كانت مطابقة للنقص المعلوم وأما إذا لم يكن كذلك فكونه جابرا مع ارتفاع
الشك لا وجه له أصلا.
الثالث: إدخال هذه المسألة فيمن تذكر النقص بركعة أو ركعتين بعد التسليم سهوا
حيث أن في تلك المسألة دلت الاخبار على إتمام الصلاة بالمقدار الذي علم بالنقص.
وقد تقدم خبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام وانه عليه السلام قال: " يتم ما بقي من صلاته
ولا شئ عليه " 1 وقلنا هناك: إن الفرق بين المسألتين بأنه هناك - أي في مورد
الرواية - صدور السلام يكون سهوا وفيما نحن فيه عمدي وبحكم الشارع ليس
بفارق فيما هو مناط الحكم وهو وقوع السلام في غير محله.
والأرجح من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأخير كما ظهر مما تقدم وجهه.
الثالثة: أن تكون مخالفة للشك المحتمل وان كانت موافقة للنقص المعلوم كما وكيفا.

(1) - تقدم ذكره في ص 252، رقم (1).
254

والظاهر أنه مثل الصورة الأولى من الصورة الرابعة أي يمضي في الاحتياط ولا شئ
عليه إذ ما دام تكون صلاة الاحتياط موافقة مع النقض المعلوم لا أثر لمخالفتها لحكم
الشك المحتمل إذ الشك ارتفع وجاء مكانه القطع بالنقص فلابد من ملاحظة آثار هذا
القطع الموجود لا الشك الزائل كما أنه لو كانت موافقة للشك المحتمل ولكن كانت
مخالفة للنقص المعلوم لا أثر لموافقتها للشك المحتمل.
الصورة الخامسة: أن يكون تذكره للنقص بين الاحتياطين وذلك كما أنه في الشك
المركب كالشك بين الاثنتين والثلاث والأربع مثلا بنى على الأربع فهاهنا - كما تقدم
في أحكام الشكوك الصحيحة - يجب عليه الاحتياط بصلاتين: إحديهما ركعة واحدة
من قيام أو ركعتين من جلوس الثانية: ركعتين من قيام.
فلو حصل له اليقين بمقدار النقص بعد أن أتى بأحد الاحتياطين دون الآخر فإن كان
الاحتياط الذي أتى به موافقا مع النقص المعلوم مثلا علم بأن النقص ركعة إذ
تذكر أنه صلى ثلاث ركعات وهو أولا أتى بوظيفة الشك بين الثلاث والأربع أي
صلى صلاة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس فإن كان مختاره ركعة من
قيام فتم عمله وليس عليه شئ قطعا. وهذا واضح جدا.
وإن كان مختاره ركعتين من جلوس فالظاهر أنه أيضا كذلك لان جعل ركعتين
من جلوس في ظرف الشك بمنزلة ركعة من قيام ومجزيتين عنها كان مفاد الأدلة.
والحاصل: أنه إن كان الاحتياط الأول الذي أتى به موافقا مع النقص الذي تذكره
فصلاته صحيحة ولا شئ عليه لما ذكرنا فلا نعيد.
وأما إن كان مخالفا له في الكيف والكم أو الكم وحده فواضح أنه لا يجوز الاكتفاء
به لزيادتها إن كان الاحتياط الأول الذي أتى به أزيد من النقص الذي تذكره أو
لبقاء مقدار من النقيصة إن كان أقل. وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن تكون صلاة
الاحتياط الأولى جابرة للنقص المعلوم.
255

فلابد إما من صرف النظر عما أتى به من باب صلاة الاحتياط والآتيان بمقدار
النقص المعلوم من باب إدخال المسألة في مسألة تذكر نقص الصلاة بركعة أو ركعتين
بعد السلام بزعم الفراغ أو إعادة أصل الصلاة.
وقد تقدم الكلام فيما تقدم من نظير هذه المسألة إن تذكر في أثناء الاتيان بصلاة
الاحتياط إذا كان احتياطا واحدا كما في الشك البسيط.
وأما إن كان مخالفا في الكيف فقط فيمكن أن يقال بالاكتفاء بذلك الاحتياط
لجعله الشارع بدلا عما هو النقص الواقعي مثلا لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع
فهنا له وظيفتان: إحديهما: وظيفة الشك بين الثلاث والأربع وهي ركعتان من
جلوس. وأخرى: وظيفة الشك بين الاثنتين والأربع وهي ركعتان من قيام.
فلو قدم إتيان الوظيفة الأولى - أي الشك بين الثلاث والأربع - واختار ركعتين من
جلوس فتذكر بعد الاتيان بهذه الوظيفة وقبل الاتيان بالوظيفة الأخرى أن صلاته
التي صلاها كانت ثلاث ركعات والنقص بواحدة فحيث أن الشارع جعل ركعتين من
جلوس في ظرف الشك بدلا عن الركعة من قيام وقد أتى هو بها في ظرف الشك
فيكون مجزيا وليس عليه شئ. فالاختلاف في الكيف إذا أتى بها في ظرف الشك لا
أثر له إذا كان مطابقا في الكم.
وخلاصة ما ذكرنا في هذا الأمر الرابع - أي فيما تذكر النقص وارتفع الشك الذي
كان موضوعا لصلاة الاحتياط - أن تذكره وارتفاع شكه إما أن يكون قبل صلاة
الاحتياط أو بعدها أو في أثنائها أو في أثناء الاحتياطين.
أما الأول أي فيما إذا كان قبل صلاة الاحتياط فالأظهر هو الاتيان بالنقص
المعلوم لا البطلان وإعادة الصلاة ولا التدارك بصلاة الاحتياط لارتفاع موضوعها
وهو الشك.
وأما في الشقوق الثلاثة الأخيرة فإن كان ما أتى به بعنوان الاحتياط أو دخل فيه
256

كذلك موافقا في الكم والكيف أو في الكم فقط مع النقص المعلوم فيمضي في احتياطه
ولا شئ عليه وإلا فيجب إعادة صلاته.
وأما موافقة صلاة الاحتياط لحكم الشك المحتمل وعدم موافقتها له فلا أثر له بعد
بيان الواقع وكشفه وارتفاع الشك وحصول اليقين فالمناط كل المناط مطابقة صلاة
الاحتياط للنقص المعلوم وعدم مطابقتها.
ثم إنه كان جميع ما ذكرنا فيما إذا تذكر نقص الصلاة التي أتى بها وأما لو تذكر
زيادتها على ما هو الفرض بركعة أو أزيد فواضح بطلانها ولزوم إعادتها لعدم
علاج لزيادة الأركان وانها موجبة للبطلان عمدا كان أو سهوا.
الأمر الخامس: لو شك في إتيان صلاة الاحتياط بعد وجوبها وتنجزها عليه فإن كان
الشك بعد خروج الوقت فهذا من الشك بعد الوقت ولا اعتبار به لان حال
صلاة الاحتياط حال سائر أجزاء الصلاة الأصلية فيبني على الاتيان.
وأما لو كان حدوث الشك في الوقت فمقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الاتيان بها
إلا فيما يكون مجرى لقاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز فإذا كان جالسا في محل الصلاة
ولم يأت بما هو مناف ومبطل للصلاة حتى السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة
ولم يدخل في فعل آخر فلا مورد لجريان كلتا القاعدتين.
أما عدم إحراز مجرى قاعدة الفراغ فلأجل أن مجراها هو الشك في تمامية الموجود
وهاهنا يكون الشك في أصل الوجود.
واما قاعدة التجاوز فلأجل عدم التجاوز عن المحل الشرعي لصلاة الاحتياط بل
ولا العرفي.
أما لو أتى بالمنافي والمبطل أو دخل في فعل آخر فهل يكون داخلا في مجرى
القاعدتين أو إحديهما أو لا؟ فيه كلام.
وتفصيله عبارة عن أنه هل يصدق الفراغ بايجاد المنافي أم لا؟ وكذلك التجاوز؟
257

والظاهر أن المنافي إذا كان مثل الاستدبار أو السكوت الطويل مما يكون غالبا بعد
الفراغ عن الصلاة يصدق الفراغ به عرفا.
وأما الدخول في فعل آخر فلا شك في صدق الفراغ معه مضافا إلى أن موضوع
الحكم بعدم الاعتناء بالشك ليس هو عنوان الفراغ بل عنوان المضي والتجاوز
والخروج عن الشئ والدخول في غيره وهذه العناوين تصدق قطعا مع الدخول في
فعل آخر مناف للصلاة حتى مثل التعقيب.
فلو كان جالسا ويشتغل بالتعقيب وقلنا بوجوب صلاة الاحتياط عقيب التسليم
بلا فصل - كما هو مقتضى الجزئية على تقدير النقصان - فمع دخوله في التعقيب يصدق
التجاوز عن محل صلاة الاحتياط والفراغ عنها وعن الصلاة الأصلية ومع ذلك كله
لا ينبغي ترك الاحتياط باتيان صلاة الاحتياط لأنه وان كانت هاتان القاعدتان
حاكمتين على قاعدة الاشتغال بل وكذلك على استصحاب عدم الاتيان بها إلا أن
الشأن في جريانهما فإنه لا يخلو من إشكال وان رجحنا جريانهما في بعض صور
المسألة خصوصا إذا حصل الشك بعد دخوله في فعل مناف للصلاة.
الأمر السادس: في أنه لا سهو في سهو.
ويدل على هذا الحكم روايات:
منها: ما عن الشيخ في الصحيح - أو الحسن - عن حفص البختري عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: " ليس على الامام سهو ولا على من خلف الامام سهو ولا على السهو
سهو ولا على الإعادة إعادة " 1.
ومنها: ما عن الصدوق باسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره أنه سئل أبا
عبد الله عليه السلام عن إمام يصلي بأربع نفر أو بخمس فيسبح اثنان على أنهم صلوا ثلاثا
ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا يقول هؤلاء: قوموا ويقول هؤلاء: أقعدوا

(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 344، ح 1428، باب أحكام السهو، ح 16.
258

والامام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليهم؟ قال عليه السلام: "
ليس على
الامام سهو إذا حفظ عليه من خلف سهوه باتفاق منهم وليس على من خلف الامام
سهو إذا لم يسه الامام ولا سهو في سهو " الحديث 1.
وعن الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن رجل
عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه 2.
فلا إشكال في هذه الجملة من حيث اعتبار السند والصدور خصوصا مع تلقيها
الأصحاب بالقبول فالعمدة فهم المراد منها.
فنقول: الظاهر من قوله عليه السلام: " لا سهو " أن السهو - أي: السهو المنفي - بمعنى
الشك بقرينة نظائره في قوله عليه السلام " ليس على الامام سهو ولا على من خلف الامام
سهو ولا سهو في سهو وليس في المغرب سهو ولا في الركعتين الأوليين في كل صلاة
سهو ولا سهو في نافلة ".
فان كلمة " السهو " في جميع هذه الموارد المراد به الشك كما هو واضح وإن كان في
حد نفسه مع قطع النظر عن هذه القرينة فيها احتمالات ثلاث: خصوص الشك
وخصوص النسيان والأعم منهما. والمراد من السهو الثاني أي: ما هو الظرف للسهو
المنفي صلاة الاحتياط التي هي حكم الشك في عدد الركعات فيكون هذه الجملة
نظير " لا شك لكثير الشك " من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فمعناه أن حكم
الشك ليس في حكم الشك أي البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط ليس في صلاة
الاحتياط إذا شك في عدد ركعاتها فالسهو الأول والثاني - أي الظرف والمظروف -
بمعنى واحد.
ويمكن أن يكون المراد من السهو في كلا المقامين - أي الظرف والمظروف أعم من

" الفقيه " ج 1، ص 352، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1028.
(2) " الكافي " ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها ولم يدر زاد أو نقص..، ح 5.
259

الشك والنسيان أي حكم الشك الذي هو عبارة عن صلاة الاحتياط وحكم
النسيان الذي هو عبارة عن سجدتي السهو فقط في بعض الموارد ومع القضاء في
البعض الآخر ليس في حكم الشك وفي حكم النسيان فيكون معناه أن الشك في عدد
ركعات صلاة الاحتياط ليس فيه البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط وكذلك في
سجدتي السهو وقضاء بعض الأجزاء المنسية ليس سجدتي السهو ولا قضاء إذا نسي
شيئا منها.
ولكن هذا المعنى لا يناسب مع وحدة السياق فالظاهر تعين المعنى الأول وإلا
فبحسب الاحتمال تكون الاحتمالات تسعة حاصلة من ضرب ثلاثة احتمالات للسهو
المظروف في ثلاثة احتمالات السهو الذي هو ظرف ويكون مدخولا لحرف الجر
سواء كان هو " في " كما في بعض الروايات أو " على " كما في البعض الآخر.
ولا يتوهم أن المراد من السهو الأول وإن كان هو حكم الشك أي البناء على
الأكثر وصلاة الاحتياط لأنه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ولكن لا دليل
على أن يكون المراد من السهو الثاني الذي هو ظرف للسهو الأول أيضا حكم الشك
وذلك لعدم جريان دليل الأول - الذي هو عبارة عن نفي الحكم بلسان نفي الموضع -
فيه لأنه هناك ليس مقام نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فإنه لا نفي هناك أصلا لا نفي
الحكم ولا نفي الموضوع وذلك من جهة أنه لا يمكن أن يكون المراد منه نفس الشك
لأنه حينئذ يكون المعنى: ليس حكم الشك في الشك. اللهم إلا أن يكون متعلق الشك
هو عدد ركعات صلاة الاحتياط فيكون نفس المعنى وكر على ما فر.
ثم إن حكم الشك وان لم يكن منحصرا بالبناء على الأكثر ولا متعلقة منحصر
بعدد الركعات بل قد يتعلق بأفعال الصلاة أي إتيان إجزائها وشرائطها وترك موانعها
وقواطعها كما أن حكمه قد يكون إبطال الصلاة التي وقع فيها الشك كالفريضة الثنائية
والثلاثية والأوليين من الرباعية وقد يكون عدم الاعتناء بالشك والمضي في المشكوك
كالشك في النافلة وبعد الفراغ وبعد الوقت ولكن ظهور نفي حكم الشك بنفي
260

موضوعه وإن كان بواسطة غلبة الوجود وانس الذهن في نفي البناء على الأكثر ونفي
صلاة الاحتياط التي من آثار البناء على الأكثر لا يمكن أن ينكر.
الأمر السابع: لو شك في عدد ركعاتها فهل عليه البناء على الأكثر أو لا يجري
هذا الحكم في حقه؟
وقد عرفت في الامر السابق أن قوله عليه السلام: " لا سهو في سهو " ظاهر في أن حكم
الشك الذي هو البناء على الأكثر ليس في السهو أي فيما هو مسبب عن السهو أي
صلاة الاحتياط فالبناء على الأكثر لا وجه له لحكومة هذه الجملة على عمومات
البناء على الأكثر على فرض شمولها لصلاة الاحتياط.
فيبقى الكلام حينئذ في أنه هل يبنى على الأقل لاستصحاب عدم الزائد عليه؟ أو
الاستصحاب ألغاه الشارع في باب عدد الركعات فيكون أصل الصلاة باطلة لعدم
إمكان العلاج فتجب الإعادة لقاعدة الاشتغال؟
والظاهر عدم مانع من جريان الاستصحاب فيجب البناء على الأقل. ولكن
الاحتياط بالإعادة لا ينبغي تركه لاحتمال إلغاء الشارع اعتبار الاستصحاب في باب
عدد الركعات في الفرائض اليومية.
الأمر الثامن: لو نسي صلاة الاحتياط وشرع في صلاة أخرى فتذكرها في أثنائها
فهل يجب عليه العدول إليها فيما لم يجز عن محل العدول؟ أو يجب قطعها والشروع في
صلاة الاحتياط؟ أو يشرع في صلاة الاحتياط بدون قطع تلك الصلاة بمعنى أنه بعد
صلاة الاحتياط يبنى على ما كان من صلاته؟ أو يتم ما فيها ثم يشرع في صلاة
الاحتياط؟ وجوه واحتمالات:
أقول: إن الصلاة التي دخل فيها بعد أن نسي الاحتياط إما مرتبة على الصلاة التي
وجب الاحتياط لأجل الشك فيها واما لا وعلى التقدير الثاني إما فريضة أو
نافلة وعلى جميع التقادير إما جاز عن محل العدول أم لا.
261

والمراد من التجاوز عن محل العدول كون ركعات ما صلى في الصلاة الثانية أزيد
من صلاة الاحتياط مثلا صلاة الاحتياط ركعتين وهو تذكر نسيان صلاة الاحتياط
بعد أن دخل في الثالثة واتى بالركوع فلا يمكن العدول فإذا أمكن العدول وقلنا بأن
العدول موافق للقاعدة فيجب العدول.
وأما إن قلنا بعدم كونه على القاعدة أو لا يمكن العدول وقلنا بفورية الاحتياط
وعدم جواز تأخيره فان قلنا بجواز الصلاة في الصلاة وانها على القاعدة فيشرع في
صلاة الاحتياط في أثناء تلك الصلاة ثم بعد أن فرغ عن صلاة الاحتياط يبني على
تلك الصلاة ويتمها وإلا فيقطع تلك الصلاة ويشرع في صلاة الاحتياط ثم بعد إتمامها
يستأنف تلك الصلاة واما إن كانت تلك الصلاة نافلة فلا محذور في القطع على كل
حال.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
262

22 قاعدة
حجية الظن في الصلاة
263

قاعدة حجية الظن في الصلاة *
ومن القواعد الفقهية المعروفة قاعدة " حجية الظن في الصلاة ".
والبحث فيها من جهات:
الجهة الأولى
في مدركها
وهو أولا: الاجماع وقد ادعاه في الجملة جماعة وان قلنا مرارا إن دعوى الاجماع
في أمثال هذه المسائل مما لها مدارك نقلية لا وجه له أصلا وليس من الاجماع
المصطلح الأصولي الذي أثبتنا هناك حجبته.
وثانيا: الأخبار المستفيضة وفيها صحاح:
فمنها: النبوي العامي " إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أي ذلك أحرى إلى
الصواب فليبن عليه " 1.
والنبوي الآخر " إذا شك أحدكم فليتحر " 2.
والاحتمالات في هذا الحديث أربعة:

*. " القواعد " ص 111.
(1) " صحيح مسلم " ج 1، ص 401، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب 19، ح 90، " سنن النسائي " ج 3، ص
28، باب التحري، " سنن ابن ماجة " ج 1، ص 383، كتاب الإمامة، باب 133، ح 1211.
(2) " سنن البيهقي " ج 2، ص 330، باب لا تبطل صلاة المرء بالسهو فيها، " سنن النسائي " ج 3، ص 28، باب
التحري، مع تفاوت يسير.
265

الأول: أن يكون المراد من الشك في الصلاة هو الشك في إتيان الصلاة وامتثال
أمرها.
الثاني: أن يكون المراد منه الشك في عدد الركعات.
الثالث: أن يكون المراد منه هو الشك في أفعال الصلاة وأجزائها.
الرابع: أن يكون المراد الأعم من الافعال ومن الركعات.
والانصاف أن الظاهر من النبوي الأول هو هذا المعنى وأما النبوي الآخر على
فرض أن يكون حديثا آخر فالظاهر هو أن يكون المراد منه أيضا هذا المعنى أي إذا
شك في عدد الركعات أو الافعال فيجب التحري عن المشكوك.
هذا بناء على أن يكون متعلق الشك فيه أيضا هو الصلاة وإلا فلا يخلو عن إجمال
وأما الاحتمال الأول - وهو أن يكون المراد من الشك في الصلاة هو الشك في أصل
إتيان الصلاة وامتثال أمرها - وإن كان موجبا للخروج عن محل البحث ويكون
الحديث بناء عليه غير مرتبط بالمقام ولكن الاحتمال بعيد وذلك لعدم حجية الظن في
مقام الامتثال وهذا واضح جدا.
اللهم إلا أن يقال: بأن الشارع جعل الظن حجة في مقام الامتثال كما أنه قيل بناء
على الكشف وتمامية مقدمات الانسداد ولكن هذا يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.
ومنها: صحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السلام قال عليه السلام: " إن كنت لا تدري كم
صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة " 1.
ومفهوم هذه الصحيحة هو أنه لو وقع وهمك على شئ أي وقع ظنك على أحد
طرفي المحتملين فلا تجب الإعادة.

(1) " الكافي " ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها...، ح 1، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 187، ح 744،
باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 45، " الاستبصار " ج 1، ص 373، ح 1419، باب من شك فلم يدر صلى
ركعة أو...، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 327، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 15، ح 1.
266

وذلك من جهة أن المراد من الوهم لابد وأن يكون هو الظن أي: المحتمل الراجح
لان العلم أولا لا يعبر عنه بالوهم وثانيا حجية العلم ذاتي ومعلوم فلا يحتاج إلى
التفصيل.
ولا يمكن أن يكون المراد هو الشك المتساوي الطرفين لأنه موضوع التفصيل
والسؤال والوهم بمعنى مرجوحية المحتمل لا يناسب هذا التفصيل الظاهر من المنطوق
والمفهوم قطعا فلا بد وأن يكون المراد منه الظن وهو يناسب المقام وهذا التفصيل
لان معنى الصحيحة وما يحصل منها بناء على هذا هو أنه إن كان الشك والترديد
متساوي الطرفين ولم يحصل ترجيح لاحد المحتملين فتجب الإعادة واما إن كان أحد
المحتملين مظنونا وحصل ترجيحه على الطرف الآخر فلا تجب الإعادة بل يبني على
ما ظنه وهذا عين حجية الظن في عدد الركعات لان متعلق عدم الدراية هو عدد
الركعات في المنطوق والمفهوم تابع له في الموضوع والمورد فهده الصحيحة لا إطلاق
لها يشمل حجية الظن في الافعال.
ومنها: خبر عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس: " إذا لم تدر ثلاث صليت أو أربعا
ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث وان وقع رأيك على الأربع فسلم
وانصرف وان اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس " 1.
ولا شك في أن قوله عليه السلام: " ووقع رأيك على الثلاث " وهكذا قوله عليه السلام: " وإن وقع
رأيك على الأربع " المراد بوقوع الرأي على الثلاث ووقوع الرأي على الأربع هو الظن
لا العلم بقرينة قوله عليه السلام مقابل هذين القسمين " وإن اعتدل وهمك " لان مقابل
الاعتدال عدم الاعتدال وعدم الاعتدال حسب المتفاهم العرفي هو عبارة عن
ترجيح أحد الطرفين لا البت في طرف.
فلو كان وقوع الرأي قابلا في حد نفسه لانطباقه على العلم ولكن بهذه القرينة

(1) تقدم تخريجه في ص 208، رقم (1).
267

لابد من حمله على الظن ثم إنه من الواضح أنه لا خصوصية للمورد في هذه الرواية
فأية خصوصية يحتملها المستنبط في مقام الاستنباط للشك بين الثلاث والأربع
فالحكم عام في أي شك كان بل في أي صلاة كان.
وحاصل الكلام: أن مفاد هذه الرواية هو أن الشك إذا لم يكن متساوي الطرفين
وكان خارجا عن الاعتدال بأن وقع ظنه على أحد طرفي الشك كان ذلك ثلاثا أم
أربعا يبني عليه وهذا معناه حجية الظن وبالغاء خصوصية المورد يجري في كل شك
في كل صلاة ثنائية كانت أو ثلاثية أو رباعية وفي الرباعية كان في الأوليين أو كان
في الأخيرتين.
ومنها: خبر الحلبي: " وان كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك
إلى شئ فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس " 1.
وتقريب دلالته على حجية الظن في عدد الركعات مثل تقريب دلالة خبر
عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس البقباق وأيضا بالغاء الخصوصية يكون الحكم
عاما.
ومنها: صحيحة الحلبي " إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى
شئ فسلم ثم صل ركعتين " 2.
وهذه الأخبار بعد إلغاء خصوصية المورد دلالتها على اعتبار الظن في عدد
الركعات في الجملة واضحة.
وأما سند النبوي وهو وإن كان عاميا ولكن اشتهاره بين فقهائنا - رضوان الله
عليهم - وذكره في كتبهم وفي مدارك فتاويهم يوجب جبر ضعفه والوثوق بصدوره
الذي هو موضوع الحجية.

(1) تقدم تخريجه في ص 208، رقم (4).
(2) تقدم تخريجه في ص 213، رقم (3).
268

وأما الروايات المروية عن الأئمة الأطهار فمعتبرة وقد عمل بها الأصحاب وقد
عرفت أن بعضها صحيحة فإذا كان لها إطلاق يجب الاخذ به حتى يثبت التقييد.
الجهة الثانية
في أن الظن هل هو معتبر في الأوليين
أم يختص اعتباره بالأخيرتين من الرباعية
والحق اعتباره مطلقا سواء أكان في الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية وفي الأخير
سواء كان في الأوليين أو كان في الأخيرتين.
وذلك من جهة أن ما قيل في وجه عدم اعتباره في الأوليين هو أنه لابد فيهما من
الحفظ واليقين والدراية والسلامة وهذه العناوين الأربعة المأخوذة في لسان الدليل لا
يمكن تحصيلها بالظن ولا تتحقق به.
وفيه: أن المراد بهذه الأربعة معنى واحد وكلها يرجع إليه وهو اليقين.
وبعبارة أخرى: الحكم بصحة الصلاة في أية صلاة موقوف على اليقين بسلامة
الأوليين ولكن الظاهر أن اليقين المأخوذ في موضوع الحكم بالصحة مأخوذ على
وجه الطريقية لا الصفتية بل قلنا في مبحث حجية القطع من كتابنا " المنتهى " أنه لا
يوجد في الشرعيات مورد يكون القطع مأخوذا في موضوع الحكم الشرعي على نحو
الصفتية حتى في الشهادة.
فان اليقين المأخوذ في موضوع وجوب أو جواز أدائها هو على نحو الطريقية لا
الصفتية ولذا يقوم مقامه الاستصحاب وقد بينا هناك - أي في مبحث حجية القطع -
أن الامارات والأصول التنزيلية تقوم مقام القطع الذي أخذ في الموضوع على نحو
الطريقية لا الصفتية.
269

فإذا كان اليقين المأخوذ في موضوع الحكم بالصحة على نحو الطريقية وكان المراد
من قوله عليه السلام " إذا سلمت الأوليان سلمت الصلاة " هو اليقين واحراز سلامتهما وكذا
المراد من الدراية والحفظ هو اليقين بتحقق الأوليين وكان اعتبار الظن من جهة أن
الشارع جعله أمارة على وجود المظنون فيقوم مقام ذلك القطع المأخوذ في موضوع
الحكم بالصحة.
ويدل على أماريته قوله صلى الله عليه وآله: " إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أي ذلك أحرى
إلى الصواب فليبن عليه ".
وكذلك النبوي الآخر: " إذا شك أحدكم فليتحر " ظاهر في أن الأحرى إلى
الصواب طريق إلى ما هو الصواب وهكذا الامر بالتحري لا يبعد أن يكون من جهة
تحصيل الظن بالعدد لان تحصيل العلم غالبا في مورد الشك غير ممكن فهو صلى الله عليه وآله جعل
طريقا لرفع الشك تعبدا.
فتكون هذه الأدلة التي تدل على حجية الظن حاكمة على الأدلة التي مفادها إعادة
الصلاة في الثنائية مطلقا سواء كانت مستقلة كفريضة الصبح أو كانت الأوليين من
الرباعية وكذلك الثلاثية كصلاة المغرب.
والحاصل: أنه يستفاد من هذا الحديث الشريف أن الشارع الأقدس جعل الظن
أمارة لعدد الركعات.
وأما الضعف في سند الحديث فقد تكلمنا فيه فلا نعيد وكذلك الاخبار المروية عن
الأئمة الأطهار عليهم السلام تدل على أماريته كما هو يظهر بأدنى تأمل فحكمه عليه السلام - بالأربع
بذهاب الوهم إليه وكذلك بالثلاث بذهاب الوهم إليه - دليل واضح على أنه جعل
الظن بالثلاث أو الأربع أمارة عليهما ومعلوم أن الظن إذا كان أمارة يقوم مقام اليقين
الذي أخذ موضوعا للحكم بالصحة في الأوليين من الرباعية وكذلك في الثنائية
المستقلة كصلاة الصبح والثلاثية كصلاة المغرب.
270

هذا مضافا إلى أنه لم ينقل خلاف في هذا الحكم إلا من ابن إدريس 1 قدس سره وحكى
صاحب الجواهر دعوى إجماعات من جمع 2 وهو رحمه الله أصر اصرارا بليغا على قيام
الظن في هذا المورد - أي في عدد الركعات - مقام العلم حتى أنه حكى عن نفس ابن
إدريس الذي كان مخالفا في هذه المسألة الاعتراف بقيام الظن مقام العلم في
الشرعيات عند تعذره 3.
والحاصل: أنه ينبغي أن يعد حجية الظن في عدد الركعات مطلقا في الرباعية وفي
الثنائية من المسلمات.
[الجهة] الثالثة
في أن الظن هل هو حجة في الافعال
أيضا كما هو حجة في عدد الركعات أم لا؟
فنقول: المشهور بل ادعى المحقق الثاني نفي الخلاف عن قيامه مقام العلم بالنسبة
إلى الافعال أيضا والروايات المتقدمة المروية عن أهل البيت عليهم السلام كانت مخصوصة
بالظن في عدد الركعات.
وأما النبوي العامي فعام لان قوله صلى الله عليه وآله: " إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أي
ذلك أحرى ذلك إلى الصواب " يشمل الافعال والركعات جميعا فبضميمة دعوى نفي
الخلاف من المحقق الثاني والوجوه الاستحسانية التي ذكروها في هذا المقام التي
سنذكرها إن شاء الله تعالى ربما يوجب الاطمئنان بحجية الظن في الافعال أيضا
بمعنى أنه لو تعلق بوجود جزء أو شرط أو مانع تكون حجة على وجودها فلا تجب

(1) " السرائر " ج 1، ص 245.
(2) " جواهر الكلام " ج 12، ص 362.
(3) " جواهر الكلام " ج 12، ص 365.
271

إعادة ذلك الجزء أو الشرط ولو كان في صورة عدم تجاوز محلهما فيكون حاكما أو
مخصصا لمفهوم قاعدة التجاوز وكذلك حجة إذا تعلق بعدمهما فتجب الإعادة حتى مع
التجاوز عن محلهما وبعبارة أخرى: يكون حاله حال العلم.
وأما الوجوه الاستحسانية التي ذكروها:
فمنها: أن الظن إن كان حجة في إثبات الركعة وفي نفيها فبطريق أولى يكون
حجة في أبعاض الركعة لأنها مشتملة على ذلك البعض والابعاض الاخر فما يكون
طريقا إلى الكل فهو طريق إلى جزء ذلك الكل بطريق أولى لان مؤنة طريقية الشئ
إلى الكل أزيد من مؤنة الطريقية إلى الجزء.
وفيه: المنع أولا من الملازمة بين كون الشئ طريقا إلى الكل مع كونه طريقا إلى
جزئه مستقلا لا في ضمن الكل نعم طريقية شئ إلى الكل ووجوده ملازم مع كونه
طريقا إلى وجود كل جزء في ضمن الكل لا إلى وجوده مستقلا فإنه واضح البطلان.
وثانيا: على فرض كونه طريقا إلى وجود جزئه مستقلا فالأولوية ممنوعة ولا وجه
لها أصلا لأنه من الممكن أن يكون في شئ ملاك الطريقية إلى وجود مركب ولا
يكون فيه ملاك الطريقية إلى وجود بعض أجزائه وجودا مستقلا.
وبهذا يندفع ما توهمه بعض من دلالة اللفظ الذي يدل على طريقية الظن في
الركعة على طريقيته إلى أجزائها بمفهوم الموافقة.
ومنها: أن الشك في الأوليين موجب للبطلان لأنهما فرض الله فأهميتهما صارت
سببا لاعتبار العلم والحفظ والسلامة فيهما فإذا جعل الشارع الظن حجة فيهما - كما
هو المفروض - فيكون حجة في الاجزاء - وخصوصا غير الركنية منها - بطريق أولى.
وفيه: أن هذا صرف استحسان لا يصح أن يجعل مناط الحكم الشرعي والحجية
في الاجزاء يحتاج إلى دليل معتبر يدل عليه وتنقيح المناط القطعي لا يمكن والظني لا
يفيد.
272

ومنها: أن الصلاة عمل كثير الاجزاء والشرائط فلو لم يعتبر الشارع الظن فيها
يلزم الحرج وهو ينافي الآية والمستفيض من الرواية من نفي جعل الأحكام الحرجية
في الدين.
وفيه: أن أدلة نفي الحرج لا شك في حكومتها على إطلاقات وعمومات الأولية
ويرفع الحكم الحرجي ولكن ليس من شأنها إثبات الحكم ووضعه كما أن الامر في
قاعدة نفي الضرر أيضا كذلك فإنها تنفي الحكم الضرري ولا تثبت حكما يلزم من
عدم جعله الضرر وشرحنا هذه المسألة مفصلا في شرح هاتين القاعدتين في الجزء
الأول من هذا الكتاب.
نعم ربما يكون الحرج النوعي علة لجعل الحكم كالتيمم لمن لا يقدر على استعمال
الماء لفقده أو لمرض وكالتقصير المسافر ولكن ذلك يحتاج إثباته على وجود دليل
لمثل هذا الجعل وبصرف وجود حرج النوعي لا يمكن إثبات ذلك الحكم.
هذا مضافا إلى عدم تسليم الصغرى وانه يلزم الحرج من عدم اعتبار الظن في
الافعال وأي حرج يلزم مع وجود قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز من عدم حجية
الظن في أفعال الصلاة.
ومنها: أنه لا يجتمع اعتبار الظن في الركعة مع عدم اعتباره في أجزائها ويلزم
التناقض.
بيان ذلك: أن الركعة ليست إلا مجموع أجزائها وليست من المركبات الحقيقية
بحيث يحصل من اجتماع الاجزاء وامتزاجها صورة نوعية ووحدة حقيقية بل ليست
الركعة إلا مجموع الاجزاء المترتبة في الوجود فعدم اعتباره في هذه الاجزاء باعتبار
الجزئية واعتباره فيها باعتبار كونها ركعة متناقضان.
وفيه: أنه من الممكن أن يكون هذه الاجزاء بشرط الاجتماع على الترتيب المعين
موضوعا لاعتبار الظن فيها وبشرط عدم اجتماع الجميع على ذلك الترتيب تكون
273

موضوعا لعدم الاعتبار فلم يتحد الموضوعان فلا تناقض في البين.
ومنها: أنه كيف يعتبر الظن في الركعة التي لا تسقط بحال ولا يعتبر في السورة التي
تسقط بمجرد الاستعجال لقضاء حاجة.
وفيه: أنه ليس ملاك الاعتبار أهمية المظنون حتى يستدل على اعتباره بمثل هذه
الاستحسانات التي تشبه القياس بل هو هو.
ومنها: أنه لو فرضنا أن المصلي شاك بين الاثنتين والثلاث وكان شاكا في إتيان
السجدة من الركعة المشكوكة ولكنه ظان أنه على تقدير الاتيان بتلك السجدة تكون
الركعة المشكوكة هي الثالثة مثلا فظن باتيان السجدة فيظن بان الركعة المشكوكة هي
الثالثة ولازم ذلك - أي عدم اعتبار الظن في الافعال واعتباره في الركعات - هو
الاخذ بظنه في الركعة والبناء على أنها ثالثة وعدم الاخذ بظنه في الجزء فيبنى على
عدمه ويلزم أن يأتي بها.
وفيه: أنه لست أدرى أي مانع في أن يأخذ بالظن في الركعات ويبنى على الثلاث
ولا يعتني بالظن في وجود السجدة ويأتي بها لأنه شك في المحل وأي محذور يلزم من
ذلك؟
وأما ما ذكره المستدل بهذا الوجه من أنه يلزم في بعض موارد التفكيك بين اعتبار
الظن في الركعات واعتباره في الافعال بأن يقال بعدم اعتباره في الافعال فساد الصلاة
للعلم الاجمالي بزيادة الركن أو نقيصته.
فقيه: أنه على فرض لزوم ذلك في بعض الموارد ليس هذا محذورا بل يعمل في
ذلك المورد بمقتضى العلم الاجمالي ويعيد الصلاة.
ومنها: أن كل واحد من الإمام والمأموم يجب عليه متابعة الآخر في ظنه في
الافعال فكيف يمكن أن يكون ظن شخص آخر حجة عليه في فعله ولا يكون ظن
نفسه في فعله حجة.
274

وفيه: أنه إن قلنا إن الظن أيضا حفظ وفي مورد ظن كل واحد منهما بالنسبة إلى
الافعال أيضا يجب على كل واحد منهما الرجوع إلى الآخر كموارد علم كل واحد
منهما فالفارق هو النص إذ جاء الدليل - أي النص - هناك ولم يأت هيهنا دليل على
اعتبار ظن نفسه في أفعال الصلاة.
نعم لو قلنا بأن اعتبار ظن كل واحد منهما في حق الآخر من جهة كونه سببا
لحصول الظن لذلك الآخر فهذا يدل على حجية ظن نفسه ابتداء لكن كون الاعتبار
لأجل هذه الجهة ممنوع.
وخلاصة الكلام في هذا المقام: أن هذه الوجوه الكثيرة التي ذكروها لاعتبار الظن
في أفعال الصلاة كل واحد منها في حد نفسه ليس إلا استحسانا ولا يمكن أن يكون
مناطا للحكم الشرعي بالاعتبار.
نعم كما ذكرنا هذه الوجوه مؤيدات فبضميمتها إلى إطلاق النبوي الذي تقدم ذكره
يحصل الاطمئنان وركون النفس باعتبار الظن في الافعال.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
275

23 - قاعدة
لا شك للامام والمأموم
مع حفظ الاخر
277

قاعدة لاشك للامام والمأموم مع حفظ الآخر *
ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة أنه " لا شك للامام مع حفظ المأموم " وكذلك
بالعكس أي لا شك للمأموم مع حفظ الامام.
وفيها جهات من البحث:
الجهة الأولى
في مدركها
وهو أمران:
الأول: الروايات:
فمنها: مرسلة يونس عن الصادق عليه السلام المروية في الكافي والتهذيب عن يونس
عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام سألته عن الامام يصلي بأربعة أنفس أو خمسة
فيسبح اثنان على أنهم صلوا ثلاثة ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا ويقول
هؤلاء: قوموا ويقول هؤلاء: اقعدوا والامام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما
يجب عليه؟ قال عليه السلام: " ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق
منهم وليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام ولا سهو في سهو وليس في
المغرب سهو ولا في الركعتين الأوليين من كل صلاة سهو ولا سهو في نافلة فإذا
اختلف على الامام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والاخذ بالجزم " 1.

*. " القواعد " ص 241.
(1) " الكافي " ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها ولم يدر زاد أو نقص...، ح 5، " تهذيب الأحكام " ج
3، ص 54، ح 187، باب أحكام الجماعة...، ح 99 وفيهما: " بايقان منهم " بدل " باتفاق منهم ".
279

وخبر حفص بن البختري في الصحيح أو الحسن عنه أيضا قال عليه السلام: " ليس على
الامام سهو ولا على من خلف الامام ولا على السهو سهو ولا على الإعادة
إعادة " 1.
وهاهنا أخبار كثيرة ذكرها في الوسائل 2، ولكن أغلبها يفيد معنى آخر غير ما
نحن بصدده وان ذكرها صاحب الوسائل في هذا الباب.
وفيما ذكرناه خصوصا مرسلة يونس غنى وكفاية فإنها صريحة في أن المورد مورد
شك الامام إما متساوي الطرفين أو الامام مائل إلى أحد الطرفين فأجاب الإمام عليه السلام
بأنه " ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم " فهذه الجملة
تدل على عدم الاعتبار والاعتناء بشك الامام مع حفظ المأموم سهوه عليه فنزل عليه السلام
حفظ المأموم سهو الامام عليه منزلة حفظ نفس الامام سهوه، والجملة الثانية - أي
قوله عليه السلام: " وليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام " تدل على أنه لا اعتبار
بشك المأموم مع حفظ الامام سهوه عليه.
فالجملتان تدلان دلالة واضحة على طرفي هذه القاعدة أي: عدم الاعتناء بشك
الامام مع حفظ المأموم وعدم الاعتناء بشك المأموم مع حفظ الامام وحيث أن
العمل بهذه الرواية متفق عليه بين الأصحاب ولم يخالف أحد منهم، فلا مجال للقول
بأنها مرسلة وضعيف السند.
الثانية: الاجماع فإنه لم يخالف في هذا الحكم أحد من الأصحاب رضوان الله
تعالى عليهم أجمعين، وقد تكرر الاشكال في مثل هذه الاجماعات التي لها مدارك

(1) " الكافي " ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته ولم يدر زاد أو نقص...، ح 7، " تهذيب الأحكام " ج 2،
ص 344، ح 1428، باب أحكام السهو، ح 16، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 338، أبواب الخلل الواقع في
الصلاة، باب 24، ح 3.
(2) " وسائل الشيعة " ج 5، ص 338 - 341، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24: باب عدم وجوب شئ
بسهو الامام مع حفظ المأموم.
280

معينة فلا نعيد.
وقد يقال بوجه آخر لاعتبار هذه القاعدة من الطرفين وهو أنه يستفاد من
مجموع أخبار هذا الباب أن صلاة الامام مع صلاة المأموم كأنهما صلاة واحدة
وصادرة من شخص واحد وبعبارة أخرى: كان المصلي واحد، ولذلك تكون قراءة الإمام
بدلا عن قراءة المأموم فكأنه هو قرأ فبناء على هذا يكون حفظ أحدهما
حفظ الآخر فيجب على كل واحد منهما آثار حفظ نفسه - وإن كان شاكا - عند
حفظ الآخر، لما ذكرنا من أن حفظ كل واحد منهما يكون بمنزلة حفظ الآخر فيجب
على كل واحد منهما إلغاء شك نفسه وعدم الاعتناء بشكه إذا كان الآخر حافظا،
فيرتب آثار الحفظ مع أنه شاك ويلغي آثار الشك.
فلو شك أحدهما في الأوليين يلغي أثر الشك الذي هو البطلان ويراجع إلى حفظ
الآخر فيبني على صحة صلاته، مع أنه شك في الأوليين.
ولو شك في الأخيرتين يلغي أثر الشك وهو البناء على الأكثر والآتيان بصلاة
الاحتياط منفصلة ومستقلة، بل يرجع إلى حفظ الاخر ويتم صلاته ولا شئ عليه
لما ذكرنا من أن حفظ الآخر يحسب حفظه فكأنه ليس بشاك.
ولكن أنت خبير بأن هذا الكلام وإن كان استحسانا حسنا ولكن صرف
الاستحسان والظن بالملاك لا يمكن أن يكون مدركا للحكم الشرعي ويحتاج إلى
ورود دليل على ذلك وأن حفظ كل واحد منهما يحسب حفظا للآخر. نعم هذا الحكم
في الجملة مورد الاتفاق وظاهر الروايات المعتبرة التي ذكرنا بعضها.
[الجهة] الثانية
في مفادها وتوضيح المراد منها
وهو يتوقف على ذكر أمور:
281

الأول: في أنه هل يعتبر في رجوع الامام إلى المأموم أن يكون المأموم عادلا أو
يجب الرجوع إليه وإلغاء شكه إن كان حافظا وان لم يكن عادلا؟
وكذلك يعتبر في الرجوع إليه في شكه مع حفظه أن يكون رجلا أو يجب وإن كان
امرأة؟
وكذلك يعتبر في الرجوع إليه أن يكون بالغا أو يجب الرجوع إليه وإن كان صبيا؟
وحيث أن العمدة في دليل هذه القاعدة الأخبار الواردة في هذا الباب فلابد من
ملاحظتها أنه هل لها إطلاق يشمل الشقوق المذكورة الثلاثة أي كون المأموم فاسقا
أو امرأة أو صبيا أم لا إطلاق لها بالنسبة إلى الجميع أولها إطلاق بالنسبة إلى بعضها
دون بعض؟
فنقول: لا شك في أن قوله عليه السلام في مرسلة يونس: " ليس على الامام سهو إذا حفظ
عليه من خلفه سهوه " له إطلاق في حد نفسه يشمل الأقسام الثلاث أي الفاسق
والصبي والامرأة لان عنوان " من خلفه " عنوان عام ينطبق على الأصناف الثلاث
نحو انطباقه على ما يقابل هذه الأصناف.
فشمول " من خلفه " للعادل وغير العادل وللبالغ وغير البالغ إذا كان مميزا
خصوصا إذا قلنا بشرعية عباداته وللرجل والامرأة على نسق واحد ولا طريق
لانكار الاطلاق إلا دعوى الانصراف - في الموصول في من خلفه - إلى غير هذه
الأصناف الثلاثة وهو كما ترى، خصوصا الانصراف إلى المأموم العادل، مع أن الغلبة
في المأمومين في أغلب الأعصار والأمصار لغير العدول.
وأما ادعاء أن اشتراط كونهم عدول في رجوع الامام إليهم لأجل حصول الوثوق
والاطمئنان من قولهم - وغير العادل لا يحصل الوثوق من قوله - ففيه: أن الرجوع إلى
المأمومين ليس من باب الشهادة ولا من باب حصول الوثوق والاطمئنان من قولهم
ولذلك لو كانوا عدولا وكانوا حافظين على الامام سهوه يجب الرجوع إليهم ولو لم
282

يحصل الوثوق والاطمئنان من قولهم، بل ولو لم يحصل الظن من قولهم كما سيجئ
ونتكلم فيه إن شاء الله بل حكم تعبدي يمكن أن يكون حكمته ما تقدم من أن
صلاتهما كأنهما صدرت من شخص واحد ولذلك قراءة الإمام تكون بدلا عن قراءته،
فمن هذه الجهة جعل حفظ أحدهما بمنزلة حفظ الآخر ولو لم يحصل له ظن فضلا عن
الوثوق والاطمئنان.
والحاصل: أن ادعاء الانصراف إلى العدول أو كون مناط اشتراط كونهم عدولا
في الرجوع إليهم حصول الوثوق والاطمئنان من قولهم بعيد عن الصواب.
وأما الانصراف إلى البالغين وعدم شمول الموصول في " من خلفه " لغير البالغين
فان قلنا بعدم شرعية عبادات الصبي وإن كان مميزا عاقلا كاملا بل كان مجتهدا فهو
كلام حق لا محيص عنه لعدم كون صلاته صلاة حقيقية بل هو صرف صورة الصلاة
لأجل التمرين فليس بمأموم حقيقة حتى يرجع الإمام إليه.
نعم لو كان المناط حصول الوثوق ربما يحصل الوثوق من قول بعض الصبيان
أكثر ولكن عرفت أنه ليس بمناط فادعاء الانصراف عن غير البالغين - خصوصا إذا
كان أقل من زمان البلوغ بمدة قليلة مثل ساعة بل ومثل يوم - فلا شاهد له إنصافا
وأما الانصراف عن المرأة فالظاهر أنه لا وجه له إلا غلبة الوجود بمعنى أن
المأمومين غالبا هم الرجال والنساء قليلون.
وهو كما ترى لان غلبة الوجود ليس موجبا للانصراف كما حقق في محله.
فالحق شمول القاعدة للمأموم مطلقا عادلا كان أم غير عادل رجلا كان أو
امرأة صبيا كان أو بالغا فالمراد ب‍ " من خلفه " أعم من جميع ذلك
الثاني: أنه ما المراد من السهو في قوله عليه السلام: " لا سهو للامام " أو قوله: " لا سهو
للمأموم " المستفاد من روايات الباب.
فنقول: الظاهر من قوله عليه السلام " ليس على الامام سهو إذا حفظ من خلفه عليه
283

سهوه " في مرسلة يونس المراد به الشك يقينا لان الراوي سأل عن الامام المعتدل
الوهم بالنسبة إلى مقالة كلتا الطائفتين من المأمومين حيث أن طائفة منهم يقولون:
قوموا أي يدعون أن ما بيدهم هي الركعة الثالثة ولذلك يقولون: قوموا والطائفة
الأخرى يقولون: أقعدوا أي يدعون أن ما بيدهم هي الرابعة والامام إما مائل إلى
إحدى الطائفتين أو معتدل الوهم ومعلوم أن هذا فرض شك الامام لا فرض نسيانه
هذا أولا.
وثانيا: أنه لو كان المراد من السهو خصوص النسيان أو الأعم منه ومن الشك
فيكون مفاد " لا سهو " أي لا حكم لسهوه أي إذا نسي جزء أو شرطا ركنا كان أو
غيره فتذكر في المحل فلا يجب عليه أن يأتي به أو إذا كان له القضاء فلا يجب قضائه
أو إذا كان موجبا لسجدتي السهو فلا يجب على الامام وهكذا سائر أحكام النسيان.
وهذه الأمور مما لا يمكن الالتزام بها.
هذا مضافا إلى أن تعليق رفع حكم النسيان على حفظ المأمومين عليه نسيانه لابد
وأن يكون المراد منه أن الناسي يرجع إلى حفظ المأمومين كما أنه لو كان المراد من
السهو هو الشك معناه أنه لا يعتني بشكه بأن يعمل بحكم الشاك ويبني على الأكثر
بل يرجع إلى حفظ المأمومين ويعمل على طبق حفظ المأمومين سواء كانوا قاطعين
أو ظانين على تقدير صدق الحفظ على الظن.
فلو كان المراد من السهو خصوص النسيان أو الأعم من الشك والنسيان فمعنى
التعليق على حفظ المأمومين أنه يرجع فيما نساه إلى حفظهم.
وهذا بالنسبة إلى الناسي غير معقول لان الناسي لا يلتفت إلى نسيانه بخلاف
الشاك فإنه يلتفت إلى كونه شاكا فيبني على حفظ المأمومين أي على ما اعتقدوا من
عدد الركعات.
وخلاصة الكلام: أنه لا ينبغي الشك في أن المراد من السهو في هذه القاعدة هو
284

الشك فتكون هذه القاعدة حاكمة على أدلة البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة
أي يخرج شك الامام مع حفظ المأموم أو شك المأموم مع حفظ الامام عن موضوع
البناء على الأكثر تعبدا فيجب البناء من كل واحد من الإمام والمأموم على حفظ
الآخر سواء كان المحفوظ طرف الأقل من شكه أو طرف الأكثر.
الثالث: أن المراد بالحفظ هل هو خصوص اليقين أو يشمل الظن أيضا؟ فلو شك
الامام أو المأموم في عدد الركعات وظن الآخر قدرا معينا كالثلاث أو الأربع مثلا
فيجب رجوع الشاك منهما إلى الآخر الظان لا يبعد أن يكون المراد منه ما هو الأعم
من اليقين والظن وذلك من جهة حجية الظن في عدد الركعات إذا كان متعلقا بإحدى
الأخيرتين فإذا كان فالظن يقوم مقام العلم في إثبات متعلقه فيخرج في عالم الاثبات
عن الترديد ويثبت عنده ما تعلق به الظن من العدد وهذا هو الحفظ لان المراد من
الحفظ بالنسبة إلى عدد الركعات هو أن يكون العدد محفوظا عنده لا يحتمل أن
يكون أقل منه ولا أكثر منه.
وهذا المعنى في العلم وجداني وتكويني وفي الظن تعبدي وجعلي فهو - أي الظن -
أيضا مصداق للحفظ تعبدا فبناء على هذا فلو شك الامام أو المأموم في أنه كم صلى
يجب أن يرجع إلى ظن الآخر.
الرابع: في أنه هل هذه القاعدة تجري في الشك في الافعال أو مخصوصة بالشك في
عدد الركعات؟
قال في الجواهر: ويظهر من صاحب المدارك بل هو المنقول عن جده أيضا بل ربما
تبعه عليه بعض من تأخر عنه أنه لا فرق في الحكم بين الافعال والركعات. بل نسبه
في المدارك إلى الأصحاب وهو لا يخلو من تأمل للشك في شمول الأدلة لها انتهى 1.
ومراده قدس سره من الأدلة الاجماع والأخبار الواردة في هذا الباب.

(1) " جواهر الكلام " ج 12، ص 411.
285

أما الاجماع على تقدير صحة الاستدلال به والاغماض عما استشكلنا عليه فغير
معلوم التحقق في الشك في الافعال والقدر المتيقن على تقدير وجوده هو في الشك في
الركعات.
وأما الاخبار فعمدة الدليل منها على هذه القاعدة هو مرسلة يونس وصحيحة
علي بن جعفر ومورد كليهما خصوص مورد الشك في عدد الركعات لا الشك في
الافعال.
إن قلت: إن الجواب في المرسلة الذي هو مدرك استفادة هذا الحكم عام يشمل
الركعات والافعال لان قوله عليه السلام: " ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه
سهوه " وكذلك في طرف المأموم قوله عليه السلام: " وليس على من خلف الامام سهو إذا لم
يسه الامام " 1 لم يذكر متعلق السهو أنه خصوص الركعات أو الأعم منها ومن
الافعال فلفظ السهو مطلق سواء أكان متعلقه الركعات أو الافعال.
فمعنى رفع السهو - أي الشك - بناء على ما تقدم من معناه هو رفع الحكم المترتب
شرعا على الشك والحكم المترتب شرعا على الشك إن كان متعلق الشك هو
الركعات هو البناء على الأكثر إن كان الشك من الشكوك الصحيحة والخمسة
المعروفة.
فحفظ كل واحد منهما موجب لرفع وجوب البناء على الأكثر عن شك الآخر إذا
كان شكه متعلقا بعدد الركعات. والحكم المترتب شرعا على الشك في وجود جزء أو
شرط إذا كان الشك في المحل إتيان ذلك الجزء أو ذلك الشرط فحفظ كل واحد منهما
يرفع هذا الأثر عن شك الآخر فلا يجب الاتيان به ولو كان الشك في المحل فلا
قصور في دلالة المرسلة على العموم وشمولها للشك في الافعال أيضا.

(1) - تقدم تخريجه في ص 279، رقم (1).
286

نعم لا يستفاد العموم من صحيحة علي بن جعفر 1 لان السائل سأل عن مورد
خاص وانه هل هناك في مفروضه أثر لشكه؟ فأجابه عليه السلام بقوله: " لا " فلا عموم في
البين.
قلنا: إن ما ذكرت صحيح ولكن وحدة السياق قرينة على الاخذ بخصوصية
المورد وموجبة لعدم ظهوره في الاطلاق لان قوله عليه السلام بعد هذه الجملة: " لا سهو في
سهو وليس في المغرب سهو ولا في الركعتين الأوليين من كل صلاة سهو ولا سهو
في نافلة " كلها راجع إلى نفي حكم الشك في عدد الركعات أي صلاة الاحتياط ولا
ربط لها بحكم الشك في الافعال أي الاتيان بالجزء أو بالشرط الذين شك في إتيانهما
فليس دليل على رجوع الشاك منهما إلى الحافظ منهما في الافعال.
وهذا أي عدم الدليل على رجوع الشاك منهما إلى الحافظ منهما في الافعال هي
العمدة في اختصاص الرجوع بالشك في الركعات لأنه لا يصح الرجوع إلى شخص
آخر ورفع حكم الشك عن نفسه مع شمول عموم ما دل على لزوم إتيان ما شك في
وجوده إذا كان شكه لم يتجاوز المحل إلا بدليل يكون حاكما على تلك القاعدة أو
مخصصا فلو لم يكن دليل في البين لابد من الاخذ بذلك العموم.
وأما ما ربما يقال من الفرق بين الركعات والافعال بأن رجوع الشاك إلى الحافظ
في الأول موافق مع اعتبار دون الثاني وذلك من جهة اتحاد الركعة بين الإمام والمأموم
لان الركعة التي هي للامام هي بعينها ركعة المأموم وكذلك العكس فحفظ
أحدهما لركعته حفظ للآخر لأن هذه الركعة كما تكون له كذلك تكون للآخر.
وبعبارة أخرى: هذه الركعة التي بيد الامام وبيد المأموم المقتدي بذلك الامام
يحسب ركعة لكل منهما فهذه الركعة يصح أن ينسب إلى كل واحد منهما فحفظ كل

(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 350، ح 1453، باب أحكام السهو، ح 41، و ج 3، ص 279، ح 818، باب
فضل المساجد والصلاة فيها...، ح 138، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 338، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،
باب 24، ح 1.
287

واحد منهما لها يكون حفظا للآخر وهذا بخلاف الافعال فإنه بناء على عدم لزوم
المتابعة في الأقوال والافعال مع بقاء الاقتداء والجماعة فيمكن أن تكون السجدة
الأولى لأحدهما والثانية للآخر.
وفيه: أن المراد بوحدة الركعة التي يقتدي فيها المأموم مع الركعة التي يوجدها
الامام إن كان أن ما يصدر من الامام واحد مع ما يصدر من المأموم بصرف أنه يتبعه
في القيام والركوع فهذا واضح البطلان.
وإن كان المراد وحدتهما من حيث مرتبة العدد مثلا ثالثة الامام وثالثة المأموم
فهذا قد يكون وقد لا يكون لأنه قد يكون ثالثة الامام أو رابعته والثانية أو الأولى
من المأموم كما أنه لو اقتدى به والامام في الثالثة فيكون الأولى للمأموم والثالثة
للامام وما بعدها الرابعة للامام والثانية للمأموم فلا يمكن التفرقة بين الركعات
والافعال من هذه الجهة والقول بالرجوع في الأول دون الثاني.
كما أنه لا وجه للاستدلال للعموم وشمول الافعال كالركعات بوحدة الملاك والمناط
فيهما بأن يقال: مناط الرجوع في الركعات هو محفوظية الركعات عند الآخر فكأنه
حفظ الآخر علة لرجوع الشاك منهما إليه والعبرة بعموم العلة لا بسعة الموضوع
وضيقه.
لان هذا الكلام صحيح فيما إذا كان الكبرى المجعول والملقى إلى المكلف هي العلة
وإنما يلقى إليه الأعم أو الأخص من العلة لنكتة إما لأهمية ذلك الفرد أو الصنف
الملقي أو لخفاء مصداقيته للعلة أو لنكتة أخرى فقوله: " لا تشرب الخمر لأنه
مسكر " ففي الحقيقة الكبرى الملقى إلى الطرف لا تشرب المسكر وهذا في مقام
الاثبات لابد وأن يكون إما منصوص العلة بقوله " لأنه " أو قوله " فإنه " أو كان تنقيح
المناط قطعيا الذي يقال له المستنبط العلة وفيما نحن فيه ليس إلا صرف استحسان.
وبعبارة أخرى: يكون من باب تخريج المناط الظني فيكون حاله حال القياس
288

بل هو هو. فلا طريق إلى إثبات العموم والشمول للأفعال مثل الركعات إلا إطلاق
الأدلة - أي الروايات - أو إطلاق معقد الاجماع وقد عرفت أن كليهما مفقودان.
الخامس: في أنه هل تجري هذه القاعدة في الركعتين الأوليين أم مختصة
بالأخيرتين؟
الظاهر جريانها فيهما أيضا كالأخيرتين ولا وجه للمنع إلا ما ربما يتخيل من
لزوم سلامتهما وانهما لو سلمتا سلمت الصلاة وان الشك فيهما يوجب البطلان.
ولكن أنت خبير بأنه بعد حكم الشارع برجوع الشاك منهما إلى الحافظ منهما
فيكون حفظه حفظا للشاك وبعبارة أخرى: يكون حاكما على الأدلة التي تعتبر
سلامتهما وان الشك فيهما يوجب البطلان.
وأما الدليل على جريانها في الأوليين فهي الاطلاقات فان قوله عليه السلام: " ليس على
الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه وليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه
الامام " فيه إطلاق بالنسبة إلى الشك في الأوليين والأخيرتين.
ولا فرق بينهما في كون الشك من الامام أو المأموم مرفوع حكمه عن كل واحد
منهما مع حفظ الآخر غاية الأمر أن الحكم المرفوع في الركعتين الأخيرتين هو البناء
على الأكثر وفي الأوليين هو بطلان الصلاة وفي كلتا الصورتين يبني الشاك منهما على
ما حفظه الآخر.
السادس: هل يعتبر في رجوع الشاك منهما إلى الحافظ منهما حصول الظن للشاك
بما أخبر به الآخر الحافظ أو يجب الرجوع إليه سواء حصل له الظن أم لا بل بقي بعد
الرجوع أيضا على شكه؟
الظاهر بل المسلم عدم اعتبار حصول الظن من قوله لان موضوع وجوب
الرجوع هو كونه شاكا وكان هو الآخر حافظا ولم يعتبر الشارع شيئا آخر في
موضوع حكمه.
289

هذا مضافا إلى أنه لو حصل له الظن وارتفع شكه فنفس الظن بعدد الركعات
حجة وليس من باب رجوع الشاك إلى من هو حافظ للعدد.
وحاصل الكلام: أن أخبار الباب مطلقات من هذه الجهة مفادها وجوب رجوع
الشاك منهما إلى الآخر الذي هو حافظ للعدد سواء حصل له من رجوعه إليه الظن أم
لا.
السابع: هل إذا كان أحدهما ظانا والآخر متيقنا يجب رجوع الظان إلى المتيقن
كرجوع الشاك إليه أم لا؟
الظاهر عدم جواز الرجوع لان الظان هو بنفسه حافظ بواسطة حجية الظن في
عدد الركعات فرجوعه إلى غيره وإن كان ذلك الغير متيقنا يكون من قبيل تحصيل
الحاصل.
وبعبارة أخرى: هذه القاعدة حاكمة على قاعدة البناء على الأكثر فجريانها يكون
في مورد لو لم تكن هذه القاعدة تكون وظيفته البناء على الأكثر.
وهاهنا ليس الامر كذلك لان ظنه حجة، ولو لم تكن هذه القاعدة لم تكن وظيفته
البناء على الأكثر بل كان يجب أن يعمل بظنه.
واما احتمال أن يكون الحفظ منصرفا إلى الحفظ القطعي لا الظني مضافا إلى أن
هذا الادعاء باطل - لما تقدم في الأمر الثالث - لا ربط لها بالمقام لان هذا الكلام على
فرض صحته تكون نتيجته عدم جواز الرجوع إلى الظان لا وجوب رجوع الظان
إلى المتيقن الذي هو المدعى في المقام.
الثامن: لو كان كل واحد من الإمام والمأموم شاكا وقامت البينة على التعيين عند
أحدهما فهل يجب عليه البناء على ما قامت عليه البينة أم لا؟ ثم على تقدير وجوب
بنائه على طبق البينة فهل يجب على الآخر الشاك الرجوع إلى من قامت عنده البينة
أم لا؟
290

أقول: أما الأول - أي وجوب البناء على طبق البينة بالنسبة إلى من قامت البينة
عنده - فمما لا إشكال فيه أصلا وذلك لان دليل اعتبار البينة يخرجه عن كونه شاكا
تعبدا ويجعله عالما وحافظا.
وهذا معنى حكومة البينة على الأدلة المتكفلة لبيان أحكام الشاك فالشاك بعد
قيام البينة عنده على تعيين عدد ليس بشاك في عالم التشريع بل يكون عالما وحافظا
للعدد فيجب البناء على ما علم بتوسط قيام البينة.
ومما ذكرنا ظهر أنه يجب على الآخر الشاك الرجوع إليه لأنه بواسطة قيام البينة
عنده صار حافظا والمفروض أن مفاد الأدلة هو رجوع الشاك منهما إلى الحافظ منهما.
التاسع: أنه بعد الفراغ عن حجية الظن في عدد الركعات إذا قامت بينة عند الظان
منهما على خلاف ظنه هل له أن يعمل على طبق البينة ويترك العمل على طبق ظنه
أو لا يجوز بل يجب عليه العمل على طبق ظنه أو لا هذا ولا ذاك؟ لأنه من باب
تعارض الامارتين كما أنه إذا قامت عنده بينتان مختلفتان إحديهما تقول إن ما بيدك
هي الثالثة والأخرى تقول بأنها رابعة فيتساقطان وحينئذ إما يرجع إلى أمارة
أخرى إن كانت وإلا يعمل عمل الشاك فيبني على الأكثر؟ وجوه واحتمالات.
ولكن الظاهر منها هو التساقط لأنه حصل عنده أمارتان متعارضتان كان يجب
عليه العمل على طبق كل واحد منهما لولا التعارض فيتساقطان بعد عدم إمكان
الجمع بينهما وعدم جواز الترجيح بلا مرجح فالنتيجة أنه يبقى على شكه فيعمل عمل
الشاك.
هذا فيما إذا كان الذي هو ظان تقوم أمارة عنده على خلاف ظنه.
وأما لو كان أحدهما ظانا والآخر قامت عنده بينة على خلاف ما ظنه صاحبه
فليس لكل واحد منهما أن يرجع إلى الآخر بل كل واحد يعمل على طبق الامارة
التي عنده لأنه بناء على هذا كلاهما حافظان فلا معنى لوجوب الرجوع إلى الحافظ
291

فيكون حالهما كما إذا قطع كل واحد منهما على خلاف الآخر فيعمل كل واحد منهما
بقطعه.
العاشر: لا شك في وجوب رجوع الامام إلى المأمومين إن كانوا متفقين في الحفظ
بمعنى أن كلهم متفقون على أن ما بيدهم هي الركعة الثالثة أو الرابعة مثلا سواء كان
منشأ اتفاقهم هو القطع أو الظن أو البينة.
وأما إذا كانوا مختلفين فإن كان بعضهم شاكا وبعضهم الآخر قاطعا فلا شبهة في
وجوب رجوعه إلى القاطعين لأنهم الحافظون واما الشاكون فحالهم مثل حاله لا
حفظ لهم.
وما في ذيل مرسلة يونس من قوله عليه السلام " فإذا اختلف على الامام من خلفه فعليه
وعليهم في الاحتياط الإعادة والاخذ بالجزم " 1 ليس المراد من الاختلاف هذا المعنى
بل المراد اختلافهم في الحفظ بمعنى أن طائفة منهم قاطعون أو ظانون - بناء على أن
الظن أيضا حفظ - على أن الركعة التي بيدهم مثلا هي الثالثة وطائفة أخرى قاطعون
أو ظانون بأن ما في يدهم مثلا هي الرابعة وان كانوا كلهم حافظين ولكنهم مختلفون
في الحفظ فهل له الرجوع إلى إحدى الطائفتين مخيرا أو ليس له الرجوع إليهم
أصلا؟
أما الرجوع إلى إحديهما معينا أي خصوص الطائفة التي يعتقد بالأقل أو
خصوص الطائفة التي يعتقد بالأكثر فواضح البطلان لأنه ترجيح بلا مرجح.
الظاهر هو الثاني أما أولا: فلأنهم إذا كانوا مختلفين في الحفظ فكل طائفة كما أنه
يثبت ما اعتقده تنفي ما اعتقده الأخرى فبدلالة المطابقة إخباره بكون ما بيدهم مثلا
هي الثالثة يثبت كونه ثالثة وبدلالة الالتزام ينفي قول الطائفة الأخرى فكل واحدة
من الطائفتين لو كان حفظه واخباره حجه فتحصل عند الامام حجة على نفي الثالثة

(1) تقدم تخريجه في ص 279، رقم (1).
292

من قول طائفة وحجة أخرى على نفي الرابعة من طائفة أخرى والواقع لا يخلو من
أحدهما فيتكاذبان في النفي والاثبات فيتساقطان.
وأما ثانيا: فلما في مرسلة يونس من تقييد الرجوع إليهم بكونهم متفقين في الحفظ
ومع اختلافهم فعلى الامام وعلى المأمومين في الاحتياط الإعادة والاخذ بالجزم حيث
يقول عليه السلام فيها: " ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه باتفاق منهم وليس
على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام - إلى أن يقول عليه السلام - فإذا اختلف على
الامام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والاخذ بالجزم " 1.
بان هذه الرواية صريحة بأن رجوع الامام إلى المأمومين الحافظين على الامام مقيد بصورة اتفاقهم في الحفظ أي فيما قطعوا أو فيما ظنوا - بناء على أن الظن أيضا هو
حفظ وهو كذلك كما تقدم - وأما إذا اختلفوا فليس رجوع في البين بل على الامام
والمأمومين جميعا غير القاطعين الإعادة من باب الاحتياط وأخذا بالجزم أي الامتثال
اليقيني.
ثم إنه بعد ما ظهر مما تقدم أن المأمومين لو كان بعضهم متيقنين والآخرون شاكون
فالامام يرجع إلى المتيقنين منهم فهل بعد رجوع الامام إليهم وان صار حافظا
بحفظهم فالشاكون عليهم الرجوع إلى الامام لأنه صار حافظا بواسطة رجوعه إلى
الحافظين منهم - أي المتيقنين منهم - أو يجب على الشاكين الرجوع إلى نفس المتيقنين
أو لا هذا ولا ذاك؟ احتمالات:
أما الوجه الأول: أي الرجوع إلى الامام فلان مفاد الروايات كما تقدم رجوع
المأموم الشاك إلى الامام الحافظ للعدد فقد يقال: إن الامام في المفروض وإن كان
شاكا من قبل نفسه فهو مثل المأموم الشاك فكيف يرجع المأموم الشاك إليه ولكن
بعد رجوعه إلى تلك الطائفة المتيقنين من المأمومين يصير حافظا بواسطة الرجوع

(1) تقدم تخريجه في ص 279، رقم (1).
293

إليهم فيوجد موضوع رجوع المأموم الشاك إلى الامام الحافظ.
ولكن أنت خبير بأن ظاهر المرسلة هو نفي الشك عن المأموم إذا لم يسه الامام
لقوله عليه السلام: " وليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام " وهاهنا المفروض أن
الامام أيضا سهي مثل المأموم اللهم إلا أن يقال: إن الشارع بعد أن حكم برجوعه
إلى المتيقنين من المأمومين فكأنه ألغى سهوه وجعله في عالم التشريع غير شاك
وحافظا فتحقق موضوع الرجوع إليه.
وأما الوجه الثاني: أي رجوع المأمومين الشاكين إلى الطائفة الأخرى الذين هم
متيقنون هو أن مناط الرجوع كون ذلك الشخص منهم الذي يرجع إليه حافظا مع
اشتراكه مع الشاك في الركعة التي بيدهما ولا خصوصية لكون من يرجع إليه المأموم
هو الامام فإذا كان مناط الرجوع هو الذي ذكرنا فهو موجود في المأمومين المتيقنين
فيجب رجوع الشاكين منهم إليهم.
وفيه: أنه بعد ما كان المصلي شاكا في عدد ركعات صلاته وقد جعل الشارع له
حكما وهو البناء على الأكثر وتدارك ما يحتمل نقصه بصلاة الاحتياط فرفع اليد عن
هذا الحكم وصرف النظر عنه لابد وأن يكون بدليل حاكم عليه أو مخصص له.
والدليل الحاكم هيهنا عبارة عن هذه الروايات التي عرفت أن مفادها رفع السهو
والشك عن الامام مع حفظ المأموم وعن المأموم مع حفظ الامام وليس هيهنا دليل
يكون مفاده رفع الشك عن المأموم مع حفظ المأموم الآخر.
وبعبارة أخرى: رجوع المأموم إلى المأموم لا دليل عليه وإن كان أحدهما شاكا
والآخر متيقنا.
وأما وجه احتمال الثالث: هو عدم الدليل على رجوع المأموم الشاك إلى المأموم
الآخر وأيضا عدم الدليل على رجوعه إلى الامام الذي هو في حد نفسه شاك ويجب
عليه الرجوع إلى الغير فلا يجوز له الرجوع لا إلى الامام ولا إلى المأمومين المتيقنين.
294

والأوفق بالقواعد هو الاحتمال الثالث لان الدليل على رجوع كل واحد من الإمام والمأموم
إلى الآخر هذه الروايات لان الاجماع أيضا كما بينا بالآخرة ينتهي إلى هذه
الروايات وهي لا تدل إلا على رجوع المأموم الشاك إلى الامام لا إلى المأموم الآخر
المتيقن ولا إلى الامام الشاك ولو بعد رجوعه إلى المتيقنين من المأمومين كما شرحنا.
ولكن مع ذلك كله الاحتمال الأول لا يخلو عن قوة لأنه بعد رجوع الامام الشاك
إلى المأموم المتيقن الحافظ لعدد الركعات وحكم الشارع بأنه صار بمنزلة المتيقن
وألغى شكه فموضوع الرجوع إليه يوجد بحكم الشارع.
وأما الاحتمال الثاني - أي رجوع المأموم الشاك إلى المأموم المتيقن - فخارج عن
مدلول هذه الروايات قطعا لان مدلولها رجوع الامام إلى المأموم ورجوع المأموم إلى
الامام لكن في صورة كون الذي يرجع إليه إماما كان أو مأموما حافظا لعدد
الركعات واما رجوع المأموم إلى المأموم فلا أثر له في هذه الأخبار.
وليس هاهنا دليل آخر يدل على رجوع المأموم إلى المأموم وما ذكرنا في وجه
هذا الاحتمال ليس إلا استحسانا شبيها بالقياس.
ومما ذكرنا ظهر الحال فيما إذا قامت بينة على تعيين الركعات عند بعض المأمومين
دون بعضهم الآخر وأيضا قامت بينة عند الامام فهل المأموم الشاك الذي لم تقم
عنده بينة يرجع إلى الامام لأنه صار حافظا بواسطة قيام البينة أو يرجع إلى المأموم
الذي قامت عنده لأنه أيضا صار حافظا بواسطة قيام البينة أو لا إلى هذا ولا إلى
ذاك؟
وقد عرفت أن رجوع المأموم إلى المأموم لا دليل عليه إلا ما هو من قبيل
الاستحسان الذي هو شبيه بالقياس.
وأما احتمال الرجوع إلى الامام في هذا الفرض أقوى من الفرض السابق لان
الامام بواسطة قيام البينة عنده يصير حافظا واقعا لان البينة من الامارات وتقوم
295

مقام العلم ويجوز أن يشهد على طبق مؤداها وان يحلف على طبق مؤداها مع أن
الشهادة لا تجوز إلا عن علم والحلف أيضا هكذا لابد وأن يكون عن بت.
فالامام في هذا الفرض يصير حافظا بواسطة قيام البينة بلا كلام وموضوع
الرجوع إلى الامام هو أن يكون المأموم شاكا والامام حافظا والمفروض حصول كلا
الامرين لان المأموم شاك على الفرض والامام في حكم العالم بواسطة قيام البينة.
نعم لو قلنا بأن يقين المأموم بالعدد أمارة للامام على العدد فتصير الصورة المتقدمة
أيضا مثل هذه الصورة.
الحادي عشر: فيما إذا كان واحد منهما - أي الإمام والمأموم - شاكا من دون أن
يكون الآخر حافظا فإن كان الامام وجميع المأمومين متفقين في الشك مثلا يكون
شك كلهم بين الثلاث والأربع فجميعهم يعملون عمل الشك أي يبنون على الأكثر
أي الأربع ويتممون الصلاة جماعة بمعنى أن الجماعة والاقتداء يبقى ولا يبطل لعدم
اختلاف بينهما.
نعم بعد أن أتموا الصلاة وسلموا ووصلت النوبة إلى صلاة الاحتياط هل يأتون بها
أيضا جماعة أو فرادى؟ فهي مسألة أخرى لا نتكلم عنها الآن وعلى كل تقدير
لا رجوع في هذه الصورة لأحدهما إلى الآخر كما هو واضح.
وأما إن كانوا مختلفين مثلا كان شك الامام بين الاثنتين والثلاث وكان شك
المأمومين بين الثلاث والأربع.
والاختلاف على قسمين: تارة: تكون بينهما رابطة وأخرى: لا تكون.
فالأول: أي ما كان بينهما رابطة أي قدر مشترك في البين أي الأكثر في أحد
الشكين يكون من مراتب الأقل في الشك الآخر مثل أن يشك الامام مثلا بين الثلاث
والأربع والمأموم بين الأربع والخمس فالمأموم قاطع بوجود الأربع ولكن يحتمل
الزيادة.
296

والامام شاك في وجود الأربع فيرجع في ذلك إلى المأموم والامام قاطع بعدم
الخمسة والمأموم شاك فيه فيرجع إلى الامام فيبني على عدمه والنتيجة أن كلاهما
بعد رجوع كل واحد منهما فيما شك إلى ما تيقن به الآخر يبنون على الأربع ويتمون
الصلاة جماعة ولا شئ عليهما لا حكم شك الامام وهو صلاة الاحتياط ولا حكم
شك المأموم وهو سجدتا السهو إذا كان شكه بعد إكمال السجدتين.
وأما الثاني: أي ما لم يكن بينهما رابطة أي قدر مشترك مثل أن يشك الامام مثلا
بين الاثنتين والثلاث والمأموم بين الأربع والخمس فكل واحد منهما قاطع ببطلان
شك الآخر وعدم مطابقته للواقع في طرفي شكه ففي هذه الصورة حيث أن الشكين لا
رابطة بينهما أي ليس قدر مشترك بينهما بل كل واحد منهما أجنبي عن الآخر فكل
واحد منهما يرتب حكم الشك على شكه فالامام في المثل المفروض يبني على الثلاث
إذا كان شكه بعد إكمال السجدتين وإلا فصلاته باطلة والمأموم يبني على الأربع
ويسجد سجدتي السهو إذا كان شكه بعد إكمال السجدتين وقهرا ينفردان فالامام
يرتب حكم شكه في صلاة منفردا والمأموم أيضا كذلك.
ثم إن الانفراد وترتيب كل واحد منهما حكم الشك على شكه في هذا القسم من
المختلفين - أي ما لا رابطة بينهما بمعنى عدم قدر مشترك في البين - مسلم لا كلام فيه
إنما الكلام في القسم الأول - أي ما كان بينهما رابطة وقدر مشترك في البين - وانه هل
يرجع كل واحد منهما إلى ما تيقن به الآخر كما ذكرنا في المثال المتقدم أم لا بل لا
رجوع في البين. أو يفصل بين ما يرتفع الشك بواسطة وجود الرابط والقدر المشترك
بين الشكين كالمثال المذكور في القسم الأول من المختلفين وهو أن يكون الامام مثلا
شاكا بين الثلاث والأربع والمأموم بين الأربع والخمس فالأربع قدر مشترك بين
الشكين أي هو الطرف الأكثر من شك والأقل من شك آخر ففي هذا المثال بعد
رجوع كل واحد منهما إلى ما تيقن به الآخر لا يبقى شك في البين ففي مثل هذه
الصورة يقال بالرجوع - وبين ما لا يرتفع الشك بواسطة وجود الرابط أي القدر
297

المشترك في البين كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع والآخر بين
الثلاث والأربع فالثلاث هو المتيقن في الشك الثاني فإذا رجع إليه وبنى على الثلاث
لا يذهب شكه من البين بالمرة.
نعم معنى رجوعه إلى المتيقن الذي هو الثلاث في المفروض إلغاء احتمال الاثنتين
وأما احتمال الأربع لم يلغ وموجود فبعد الرجوع إلى قدر المتيقن من الشك الثاني
يصير الشك الأول مثل الشك الثاني بين الثلاث والأربع فيصير الشكان من
المتوافقين ففي مثل هذه الصورة يقال بعدم الرجوع.
أما وجه هذا التفصيل فمن جهة أن المقصود من رجوع الشاك إلى الحافظ هو
ارتفاع حكم الشاك وإلغائه وهذا إنما يكون فيما يرتفع الشك بالرجوع تعبدا حتى
يرتفع حكمه بارتفاع موضوعه.
وأما فيما لا يرتفع الشك ويبقى قهرا حكمه أيضا فلا أثر للرجوع ويكون لغوا مثلا
في المثال الذي ذكرنا وهو أن يكون أحدهما شك بين الاثنتين والثلاث والأربع
والآخر بين الثلاث والأربع فإذا رجع الأول إلى الثاني وألغى احتمال الاثنتين فعليه أن
يبني على الأربع مثل الثاني ويعمل عمل الشاك بين الثلاث والأربع أي يأتي بصلاة
الاحتياط فلم يترتب اثر على الرجوع وصار لغوا ولهذا فصل بين صورة بقاء الشك
بعد الرجوع فقيل بعدم الرجوع وصورة ارتفاع الشك فقيل بالرجوع.
ولكن أنت خبير بأنه لو كان هذا علة التفصيل فلا وجه له لان أثر الرجوع يظهر
في صلاة الاحتياط فبناء على الرجوع تكون صلاة الاحتياط عبارة عن ركعة واحدة
عن قيام وبناء على عدم الرجوع تكون عبارة عن صلاتين إحديهما ركعة عن قيام
والأخرى ركعتان عن قيام فلا يكون الرجوع لغوا وبلا فائدة.
نعم يبقى الكلام في أصل الرجوع، وإن كان فيما يرتفع الشك بالرجوع فنقول:
مبنى هذه المسألة على أن المدار في رجوع الشاك منهما - أي الإمام والمأموم إلى
298

الآخر كان حسب أخبار الباب - هو حفظ الآخر سهو الشاك عليه والظاهر أن
المراد من حفظ سهوه عليه هو اليقين فيما شك فيه.
فإذا شك شخص بين عددين مثل الثلاث والأربع أي يحتمل أن يكون المعدود
ثلاثا ويحتمل أن يكون أربعا فإذا كان الشاك تروى ولم يجزم بأحد المحتملين أي بقي
على احتماليه فإذا كان هناك من يعلم بأن ما أتى به هو المحتمل الفلاني مثلا هو الثلاث
أو هو الأربع جزما ولا ترديد عنده فهذا معنى حفظ سهوه عليه بحيث لو كان
إخباره حجة للشاك يخرج عن ترديده ويجزم جزما تعبديا بأحد المحتملين.
وبعبارة أخرى: الشك عبارة عن عدم الجزم بثبوت النسبة التي بين المحمول
والموضوع في القضية سواء أكانت القضية سالبة أو موجبة فمعنى الشك في عدد
الركعة التي بيد المصلي مثلا في أنها رابعة أي غير جازم بأنها رابعة ويحتمل أن يكون
خامسة فيكون الشك بين الأربع والخمس أو يحتمل أن تكون ثالثة فيكون الشك
بين الثلاث والأربع وإذا احتمل أن تكون خامسة أو ثالثة فيكون الشك بين الثلاث
والأربع والخمس وهكذا صعودا ونزولا.
ومعنى حفظ هذا الشك على صاحبه هو الجزم بأحد طرفيه أو أحد أطرافه ففي
المثل الذي ذكرنا أن الامام مثلا إذا شك بين الثلاث والأربع فمعنى حفظ شكه عليه أن
الحافظ يجزم بأحد محتمليه أي يجزم بأنه مثلا ثلاث أو يجزم بأنه أربع بحيث أنه لو
كان اعتقاده في هذه القضية اعتقاد الحافظ كان يجزم بأحد المحتملين ويذهب شكه.
والحاصل أن معنى حفظ سهوه عليه هو الجزم بتلك النسبة التي كان هو مرددا
فيها وأين هذا من أن يشك في المثل المذكور أي فيما إذا شك الامام بين الثلاث
والأربع والمأموم بين الأربع والخمس فيقال بأنه يعلم بأنها - أي الركعة المشكوكة -
ليست ثالثة والامام يعلم بأنها ليست خامسة فكل واحد منهما يرجع في أحد
محتمليه إلى الآخر كي يثبت بواسطة رجوع كل واحد منهما إلى الآخر أن الركعة
299

المشكوكة هي الرابعة.
والانصاف أنه لا يصدق على مثل هذين الشاكين أن كل واحد منهما حافظ لشك
الآخر كي يكونا مشمولين للروايات ويكون رجوع كل واحد منهما إلى الآخر واجبا
لاثبات القدر المشترك.
هذا كله فيما إذا لم يكن المأمومون مختلفين في شكوكهم.
واما لو اختلفوا فتارة يكون بين شكوكهم وشك الامام رابطة وأخرى لا يكون
قدر مشترك بين شكوكهم وشك الامام
فعلى الأول أي بناء على أن يكون بين شكوكهم وشك الامام رابطة أي قدر
مشترك كما إذا شك الامام بين الاثنتين والثلاث وبعض المأمومين شك بين الثلاث
والأربع وبعضهم الآخر شك بين الثلاث والخمس فالثلاث رابطة أي قدر مشترك
بين الشكوك الثلاثة.
فبناء على الرجوع والاغماض عما استشكلنا على صدق الحفظ على أمثال هذه
الموارد فكل واحد من المأمومين يرجع إلى الامام أحدهما في نفي الرابعة والآخر في
نفي الخامسة فقهرا يبقى لهما الثالثة وذلك لان الامام يعلم بعدم الرابعة والخامسة في
المفروض ومن ذلك الطرف كل واحد منهما يعلم بعدم كون الركعة المشكوكة هي
الثانية فالامام يرجع إليهما في الثانية.
والنتيجة أن كلهم يبنون على الثلاث ويتممون الصلاة مع بقاء القدوة ومن دون
الاحتياج إلى صلاة الاحتياط.
واما على الثاني أي بناء على عدم الرابطة بين شكوكهم وشك الامام وحينئذ إن
كان شكهم جميعهم موافقا للامام فكلهم يعملون عمل الشك من البناء والآتيان بصلاة
الاحتياط أو إتيان سجدتي السهو فيما فيه السجدتان ويبقى القدوه أيضا إلى إتمام
الصلاة.
300

واما إتيان صلاة الاحتياط جماعة أيضا فمبني على جواز الاقتداء والجماعة فيها
ولا يستبعد خصوصا بناء على أنها ليست صلاة مستقلة بل جزع للصلاة التي وقع
فيها الشك.
وإن كان بعضهم موافقا دون بعض فيبقى القدوة مع بعض الموافق واما البعض
المخالف فينفرد ويعمل عمل الشك كالمنفرد وان كانوا كلهم مخالفين في الشك مع الامام
والمفروض أنه لا رابطة أيضا بين شكهم وشك الامام فالجماعة تنحل من حين الشك
قهرا لعدم التوافق بينهم وكلهم يعملون عمل الشك من البناء وصلاة الاحتياط. أو
سجدتا السهو كل في محله المقرر له.
وخلاصة مجموع ما ذكرنا في هذا الامر الحادي عشر هو أنه إذا شك كل واحد من
الإمام والمأموم فإذا كان بين شكيهما رابطة - أي قدر مشترك - فكل واحد منهما
يرجع إلى ذلك القدر المشترك كما إذا كان ذلك القدر المشترك هو الأقل في أحد
الشكين والأكثر في الشك الآخر وتبقى القدوة ويتمون الصلاة جماعة.
وأما إذا لم يكن قدر مشترك بين الشكين إلا لبعض المأمومين دون جميعهم فالامام
يرجع إلى ذلك البعض وبعد رجوعه إلى ذلك البعض وصيرورته حافظا بواسطة
الرجوع إلى ذلك البعض يرجع إليه البعض الآخر ويتمون الصلاة لكن مع إشكال
قوى في رجوع الامام إلى ذلك البعض ورجوع البعض الآخر إليه.
وأما إن لم يكن بين شكوك المأمومين وشك الامام قدر مشترك ورابطة فحينئذ إما
أن تكون شكوكهم كلهم موافقة للامام من دون أن يكون قدر مشترك في البين فكل
واحد منهم من الإمام والمأموم يعمل عمل الشك مع بقاء القدوة حتى في صلاة
الاحتياط على الأصح.
واما أن تكون مخالفة معه كلهم ففي هذه الصورة ينفردون كلهم ويعملون عمل
الشك.
301

وإما أن يكون شك بعضهم مخالفا معه دون بعضهم الآخر فبالنسبة إلى الموافقين
تبقى الجماعة وأما المخالفون فينفردون ولكن كلهم الامام والمأمومون جميعهم الموافق
في شكه مع الامام والمخالف له يعملون عمل الشاك.
واعلم أنه لا فرق فيما ذكرنا من أحكام شك الإمام والمأموم بين أن يكونا من
الشكوك المبطلة أو كانا من الصحيحة أو كانا مختلفين مثلا كان شك الامام من
الشكوك الصحيحة وشك المأموم من الشكوك المبطلة أو كان بالعكس والوجه
واضح.
تذييل
هذا الذي ذكرنا من أول القاعدة إلى هنا كان حكم شك الإمام والمأموم.
وأما سهوه أو سهو المأموم - بمعنى النسيان لا بمعنى الشك - ففيه صور ثلاث:
سهو الامام وحده دون المأموم مثل أن ينسى الامام القراءة أو الركوع أو السجود
مثلا والمأموم أتى بها.
وسهو المأموم وحده من دون الامام كما إذا نسي المأموم أن يأتي بالمذكورات أو
ببعضها وقد أتى الامام بها.
وسهو هما معا كما إذا نسيا معا بعض المذكورات مثلا.
أما الصورة الأولى: أي فيما إذا كان السهو مخصوصا بالامام فعليه أن يعمل بما هو
وظيفة الناسي لو كان منفردا لأنه لا فرق في شمول حكم الناسي للمصلي بين أن
يكون إماما أو منفردا.
وأما قوله عليه السلام: " لا سهو للامام مع حفظ المأموم " تقدم أن المراد من السهو هو
الشك لا النسيان فان مورد الجواب بهذه العبارة هو السؤال عن حكم الشك وان
302

الامام مائل مع إحدى الطائفتين من المأمومين المختلفين في أن الركعة التي بيدهم هي
الثالثة أو الرابعة أو يكون معتدل الوهم.
مضافا إلى أن تقييد النفي بحفظ من خلفه عليه يلائم مع كون المراد من السهو هو
الشك لا النسيان.
فالأدلة التي مفادها لزوم إتيان الناسي بعد تذكره الجزء أو الشرط المنسيان لو لم
يتجاوز المحل - أي لم يدخل في الركن الذي بعد ذلك الجزء أو ذلك الشرط وإن كان
تجاوز محل التدارك فإن كان له القضاء كالتشهد يقضيه وان لم يكن له القضاء وكان
له سجدة السهو يسجد سجدتي السهو - تشمله.
والحاصل: أنه بعد ما عرفت أن هذه الجملة التي صدرت عن الإمام عليه السلام أي: " لا
سهو للامام مع حفظ من خلفه عليه " 1 لا ربط لها بالنسيان بل المراد منها حكم شك
الامام فلا فرق بين أن يكون الناسي إماما أو منفردا وتشمل العمومات كلاهما على
نسق واحد وقد عرفت أن حكم الناسي هو الاتيان بالمنسي إذا كان تذكره قبل تجاوز
المحل واما بعده فإن كان له قضاء أو سجدتا السهو فيجب عليه أن يأتي بهما وإلا فلا
شئ عليه لصحيحة: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " 2.
ثم إن المأموم الذي لم يسه هو بنفسه هل يجب عليه متابعة الامام الناسي حين ما
يريد أن يتدارك المنسي أو يأتي بقضاء المنسي أو يأتي بسجدتي السهو أم لا؟
فنقول: أما تدارك المنسي أو قضائه فلا موضوع لهما في حق المأموم الغير الناسي
ولم يقل به أحد. واما الاتيان بسجدتي السهو فربما يتوهم لزوم متابعة الامام في مقام

(1) تقدم تخريجه في ص 279، رقم (1). وفيه: " ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه ".
(2) " الفقيه " ج 1، ص 279، باب القبلة، ح 857، وص 339، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 991، " تهذيب الأحكام
" ج 2، ص 152، ح 597، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة...، ح 55، " وسائل الشيعة " ج 1،
ص 260، أبواب الوضوء، باب 3، ح 8.
303

الاتيان بهما لقوله عليه السلام: " وعلى المأموم أن يتبع الامام في الركوع والسجود " 1.
ولكن أنت خبير بأن المراد من هذا الكلام وما هو الظاهر منه هو أنه يجب على
المأموم متابعته فيما يجب على نفس المأموم من ركوعه وسجوده بمعنى أنه لا يأتي بما
يجب عليه مستقلا ومن دون تبعيته للامام وذلك من جهة أن هذا مقتضى طبع
الاقتداء والائتمام لان معنى الائتمام والاقتداء به في صلاته هو الاتيان بصلاته حال
كونه تابعا في أفعاله التي من هذه الصلاة للامام لا مستقلا ومن دون تبعية وليس
معناه أنه يجب عليه أن يأتي بكل ما يأتي به الامام ألا ترى لو أنه اقتدى في صلاته
المغرب بصلاة العشاء لا يجب عليه أن يأتي بالرابعة تبعا للامام بل لو أتى بها كانت
صلاته باطلة يقينا.
لا يقال: إن أمثال هذا المورد يكون من باب التخصيص بدليل خاص وإلا
فمقتضى دليل تبعية المأموم للامام أن يأتي بكل ما يأتي به الامام.
وذلك لما ذكرنا من أن المتفاهم العرفي من دليل التبعية وعنوان الائتمام والاقتداء هو
أن ما يجب عليه من أفعال صلاته - أي أجزائها - يأتي بها تبعا للامام لا مستقلا
ومن دون تبعيته للامام.
وبعبارة أخرى: لا يفهم العرف من دليل التبعية إلا كونه تابعا فيما يجب على نفسه
لا فيما يجب على الامام ولعمري أن هذا في كمال الوضوح بل ينبغي أن يعد القول
بمتابعة المأموم للامام في الموارد الثلاثة - أي إعادة المنسي إذا كان تذكر الامام في
المحل وقضاء المنسي إذا كان المنسي مما له القضاء وسجدتا السهو فيما يجب فيه ذلك مع
عدم نسيانه للمأموم - من المضحكات أو يذكر بعنوان المزاج.
وإلا فكيف يمكن أن يقال: إنه وجب عليه قضاء ما لم يفت منه أو إعادة ما لم ينسه
واتى به بعنوان أنه المنسي أو بوجوب سجدتا السهو عليه مع أنه لم يسه ما يوجبهما.

(1) لم نجدها في الكتب الأربعة ووسائل الشيعة وبحار الأنوار ومستدرك الوسائل.
304

نعم لا مانع من وجوب هذه الأمور تعبدا لا بعنوان المنسي والمسهو ولكن يحتاج
إلى دليل في مقام الاثبات وليس شئ في البين.
وأما التمسك لوجوبهما على المأموم بسبب سهو الامام بموثق عمار عن الرجل
يدخل مع الامام وقد سبقه الامام بركعة أو أكثر فسهى الامام كيف يصنع؟ فقال عليه السلام:
" إذا سلم الامام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه وإذا قام
وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي السهو " إلى آخره 1.
وتقريب الاستدلال به واضح فإنه بظاهره يدل على وجوب سجدتي السهو على
الرجل بسبب سهو الامام ولكن يمكن حمله على ما إذا كان الرجل أيضا سها تبعا
لسهو الامام وان أبيت عن حمله على اشتراك المأموم مع الامام في السهو وقلت إن
ظاهر نسبة السهو إلى الامام اختصاصه به فلابد من طرحه لاعراض المشهور عنه
وعدم أخذهم بمضمونه.
هذا كله فيما إذا كان السهو مختصا بالامام دون المأموم وقد عرفت أنه لا يجب على
المأموم متابعة الامام الساهي في إتيانه المنسي بعد تذكره في المحل ولا في قضائه
للمنسي إذا كان مما فيه القضاء ولا في سجوده للسهو إذا كان مما فيه سجود السهو.
أما الصورة الثانية: أي فيما إذا كان السهو مختصا بالمأموم فتارة نتكلم في وجوب
سجدتي السهو عليه أم لا وأخرى في وجوب تدارك الأجزاء المنسية إذا تذكرها قبل
تجاوز محلها وثالثة في قضائها إن تذكرها بعد تجاوز محلها إن كانت مما لها القضاء.
اما الأول: أي وجوب سجدتي السهو عليه فيما يوجبهما عليه لو كان منفردا ففيه
قولان:
الأول عدم الوجوب وبه قال جمع من أعاظم الفقهاء والشيخ ادعى الاجماع

(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 354، ح 1466، باب أحكام السهو، ح 54، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 339،
أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24، ح 7.
305

عليه 1.
وتدل عليه عدة من الاخبار:
منها: موثقة عمار عن الصادق عليه السلام عن الرجل سها خلف الامام بعد ما افتتح
الصلاة فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى يسلم؟ فقال عليه السلام: " قد
جاوزت صلاته وليس عليه شئ إذا سها خلف الامام ولا سجدتا السهو لان الامام
ضامن لصلاة من خلفه " 2.
ومنها: موثقته الأخرى عنه عليه السلام أيضا عن الرجل ينسى وهو خلف الامام أن
يسبح في السجود أو في الركوع أو نسي أن يقول شيئا بين السجدتين؟ فقال عليه السلام:
" ليس عليه شئ " 3.
ومنها: خبر محمد بن سهل عن الرضا عليه السلام: " الامام يحمل أوهام من خلفه إلا
تكبيرة الاحرام " 4.
وفي رواية الكليني بدل تكبيرة الاحرام " تكبيرة الافتتاح " 5.
هذا هو مستند القائلين بعدم الوجوب.
وأما القائلون بالوجوب فأيضا مستندهم أخبار كثيرة:

(1) " الخلاف " ج 1، ص 463، مسالة 206.
(2) " الفقيه " ج 1، ص 206، باب صلاة الجماعة، ح 1205، " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 278، ح 817، باب
فضل المساجد والصلاة فيها، ح 137، " الاستبصار " ج 1، ص 439، ح 1693، باب الامام إذا سلم ينبغي له
أن لا يبرح من مكانه...، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 339، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24،
ح 5.
(3) " الفقيه " ج 1، ص 405، باب صلاة الجماعة، ص 1203، " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 278، ح 816، باب
فضل المساجد والصلاة فيها..، ح 136، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 339، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،
باب 24، ح 4.
(4) " الكافي " ج 3، ص 347، باب السهو في افتتاح الصلاة، ح 3، " الفقيه " ج 1، ص 406، باب صلاة الجماعة،
ح 1206، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 144، ح 563، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة...، ح 21،
" وسائل الشيعة " ج 4، ص 716، أبواب تكبيرة الاحرام، ح 6.
(5) " الكافي " ج 3، ص 247، باب السهو في افتتاح الصلاة، ح 3.
306

منها: صحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام في السؤال عن الامام يضمن صلاة القوم؟
قال عليه السلام: " لا " 1.
ومنها: صحيحته الأخرى عن أحدهما عليهما السلام وفيها: " ليس على الامام ضمان " 2.
ومنها: صحيح أبي بصير عن الصادق عليه السلام في السؤال عن ضمان الامام الصلاة؟
قال عليه السلام: " لا ليس بضامن " 3.
ومنها: ما رواه في التهذيب والفقيه عن الصادق عليه السلام في السؤال عن القراءة خلف الإمام
؟ قال عليه السلام: " لا إن الامام ضامن للقراءة وليس يضمن الامام صلاة من خلفه
إنما يضمن القراءة " 4.
ومنها: صحيح معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام قال: قلت له عليه السلام: يضمن الامام
صلاة الفريضة فان هؤلاء يزعمون أنه يضمن فقال عليه السلام: " لا يضمن أي شئ يضمن
إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر " 5.
ومنها: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا

(1) " الكافي " ج 3، ص 377، باب الصلاة خلف من يقتدى به...، ح 5، " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 269، ح
769، باب فضل المساجد والصلاة فيها...، ح 89، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 421، أبواب صلاة الجماعة،
باب 30، ح 4.
(2) " الكافي " ج 3، ص 378، باب الرجل يصلى بالقوم...، ح 3، " الفقيه " ج 1، ص 406، باب صلاة الجماعة، ح
1208، " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 269، ح 772، باب فضل المساجد والصلاة فيها...، ح 92،
" الاستبصار " ج 1، ص 440، ح 1695، باب الامام إذا سلم ينبغي له...، ح 4، " وسائل الشيعة " ج 5، ص
433، أبواب صلاة الجماعة، باب 36، ح 2.
(3) " الفقيه " ج 1، ص 406، باب صلاة الجماعة، ح 1207، " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 279، ح 819، باب
فضل المساجد والصلاة فيها...، ح 139، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 421، أبواب صلاة الجماعة، باب 30،
ح 2.
(4) " الفقيه " ج 1، ص 378، باب صلاة الجماعة، ح 1103، " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 279، ح 820، باب
فضل المساجد والصلاة فيها...، ح 140.
(5) " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 277، ح 813، باب فضل المساجد والصلاة فيها...، ح 133، " وسائل الشيعة "
ج 5، ص 434، أبواب صلاة الجماعة، باب 36، ح 6.
307

في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم؟ قال عليه السلام: " يتم صلاته ثم يسجد سجدتين " 1.
ومنها: خبر منهال القصاب عن الصادق عليه السلام قال: قلت له عليه السلام: أسهو في الصلاة
وأنا خلف الامام فقال عليه السلام: " إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب " 2.
والظاهر أن قوله عليه السلام: " ولا تهب " أي لا تخف لان إتيانهما مخالف لما هو المشهور
عند المخالفين.
هذا بناء على أن يكون من هابه أي خافه واتقاه ويحتمل أن يكون من " هب "
فيكون معناه: لا تسرع بالحركة والقيام عن مكانك.
ثم إنه لا ينبغي أن يشك في أن الأقوى هو وجوب الاتيان بسجدتي السهو على
المأموم إذا سها فيما إذا كان سهوه مما كان موجبا لاتيانهما لو كان منفردا أما أولا لقوة
مستند هذا القول من الروايات الصحيحة لان خمسة من الروايات التي ذكرنا في
مستند هذا القول من الصحاح وهي: صحيحتا زرارة وصحيح أبي بصير وصحيح
معاوية بن وهب وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج.
وثانيا: من جهة موافقتها للمشهور وثالثا: من جهة مخالفتها للعامة.
وقد عرفت مما ظهر من هذه الروايات حال تدارك أجزاء المنسية إذا تذكر قبل
تجاوز المحل وهكذا حال قضائها بعد السلام إذا كان المنسي مما له القضاء وذلك من
جهة أن عمدة مدرك القائلين بعدم التدارك - إذا كان التذكر قبل التجاوز عن المحل أو
عدم وجوب القضاء فيما له القضاء إذا كان التذكر بعد التجاوز عن المحل - هو أن الامام
ضامن لما لم يأت بها المأموم. فلا يبقى موضوع للتدارك ولا القضاء بل ولا

(1) " الكافي " ج 3، ص 356، باب من تكلم في صلاته أو انصرف...، ح 4، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 191،
ح 755، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 56، " الاستبصار " ج 1، ص 378، ح 1433، باب من تكلم في
الصلاة ساهيا أو عامدا، ح 1، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 313، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 4، ح 1.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 353، ح 1464، باب أحكام السهو، ح 52، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 339،
أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24، ح 6.
308

لسجدتي السهو.
ولكن كان مفاد هذه الروايات الصحيحة عدم ضمان الامام فانظر إلى صحيحتي
زرارة وصحيح أبي بصير فإنها تصرح بعدم ضمان الامام فلابد وأن تحمل الطائفة
الأولى من الروايات - التي كان مفادها ضمان الامام أو أن الامام يحمل أوهام المأموم
أو أن المأموم ليس عليه شئ - على التقية.
كما هو صريح صحيح معاوية بن وهب: أنه سأل عن الصادق عليه السلام وقال: إن هؤلاء
يزعمون أنه يضمن - أي الامام ومعلوم أن المراد من " إن هؤلاء يزعمون " هم
المخالفون - فقال عليه السلام: " لا يضمن " إلى آخره.
فإذا قدمنا هذه الروايات للجهات التي تقدمت لا يبقى وجه للقول بعدم وجوب
هذه الأمور الثلاثة أي: التدارك إذا كان تذكره قبل تجاوز المحل والقضاء فيما له
القضاء إذا كان التذكر بعد التجاوز عن المحل وسجدتا السهو في نسيان ما يوجب
نسيانه سجدتي السهو.
وأما الاجماع الذي ادعاه الشيخ قدس سره على عدم وجوب هذه الأمور الثلاثة على
المأموم فموهون بذهاب المشهور إلى خلافه.
أما الصورة الثالثة: أي فيما إذا كان السهو مشتركان بينهما بمعنى أنهما معا سهوا عن
جزء من أجزاء الصلاة.
والكلام فيها في مقامين: أحدهما: في وظيفة كل واحد منهما بالنسبة إلى سهوه.
والثاني: بقاء القدوة وعدمه.
أما الأول: أي وظيفة كل واحد منهما بالنسبة إلى سهوه فيجب على كل واحد
منهما أن يعمل بوظيفة الساهي لو كان منفردا من التدارك في المحل والقضاء فيما إذا
كان تذكره بعد تجاوز المحل فيما له القضاء وسجود السهو فيما له سجدتا السهو.
309

ولا وجه لتوهم عدم وجوب الأمور الثلاثة على المأموم في هذه الصورة لأنه على
فرض كون الامام ضامنا لما يفوت من المأموم من الاجزاء - وكان لا يجب عليه
التدارك إذا كان تذكره قبل تجاوز المحل ولا القضاء إذا كان بعد تجاوز المحل ولا
سجدتا السهو إذا كان المنسي مما له سجدتا السهو - يكون مورد ضمانه فيما إذا أتى
الامام بذلك المنسي وأما إذا لم يأت به كما هو المفروض في المقام فالقول بكونه ضامنا
مع أنه يجب عليه نفسه هذه الأمور الثلاثة كل في محله لا يخلو من غرابة.
وأما الثاني: أي بقاء الجماعة والقدوة فإن كان بالنسبة إلى الأجزاء المنسية قبل
تجاوز محل تداركها فيرجعان ويأتيان بها جماعة ولا وجه لتوهم بطلان الجماعة
وعدم بقائها لعدم وجود شئ يكون مضرا بهذه الجماعة في هذه الصلاة مثلا إذا
نسيا آية من آيات فاتحة الكتاب فيرجعان ويقرءان تلك الآية وما بعدها لحصول
الترتيب.
وأما إن كان بعد تجاوز المحل ففيما له القضاء إذا أرادا قضاءه بعد الصلاة أو فيما إذا
أرادا سجدتي السهو إذا كان المنسي مما له سجدتا السهو فهل يجوز فيهما - أي في
القضاء وفي سجدتي السهو - أن يأتيا بهما جماعة أم لا؟ كما أن هذا الكلام جار في
صلاة الاحتياط أيضا في مورد اشتراك شكهما أي: هل يجوز أن يأتيا بها جماعة
أم لا؟
فنقول: في جواز الاتيان بهذه الثلاثة جماعة وعدمه وفي التفصيل بين صلاة
الاحتياط وبين الأجزاء المنسية وسجدتي السهو فالجواز في الأول والعدم في
الآخرين أو بالعكس أو التفصيل بين الأجزاء المنسية فيقال فيها بالجواز والعدم
بالنسبة إلى سجدتي السهو وصلاة الاحتياط أو التفصيل بين صلاة الاحتياط فيقال
فيها بالجواز والآخرين فيقال فيها بالعدم إلى وجوه وأقوال.
فلنذكر كل واحد من هذه الثلاثة منفردا فنقول:
310

أما قضاء الأجزاء المنسية من هذه الصلاة التي صلاها جماعة واشترك هو في
السهو في هذه الصلاة مع هذا الامام فالأقوى هو جواز إتيانها جماعة مع هذا الامام
لأنه في الحقيقة من تتمة هذه الصلاة وهذه الجماعة لا أنه واجب آخر وجماعة أخرى.
غاية الأمر بواسطة السهو تبدل مكان الجزء المنسي ويجب الاتيان به خارج
الصلاة وبهذه الجهة سمى إتيانه بعد السلام بالقضاء فكما أن في فوت الوقت واتيان
الواجب في خارج وقته يسمى بالقضاء ففي فوت محله الذي عين له الشارع واتيانه في
خارج محله ومكانه أيضا سمى بالقضاء.
نعم لو كان قضاء هذا الجزء من صلاة أخرى صلاها منفردا أو جماعة مع إمام
آخر أو مع هذا الامام في جماعة أخرى لا يبعد عدم جواز إتيانه جماعة في هذه
الجماعة.
وأما سجدتا السهو فالظاهر عدم جواز إتيانهما جماعة مطلقا سواء كان في هذه
الجماعة مع هذا الامام أو في جماعة أخرى مع هذا الامام أو مع إمام آخر وسواء
كان سببهما سهو في هذه الصلاة أو في صلاة أخرى.
وذلك من جهة أن سجدتي السهو ليستا من أجزاء هذه الصلاة كي تعد الجماعة
فيهما من تبعات الجماعة في هذه الصلاة.
والقول بأنهما من لواحق هذه الصلاة أشبه بالخطابة وليس لأدلة الجماعة إطلاق
يدل على تشريعها في كل ما هو من لواحق الصلاة وتبعاتها بل الأدلة قامت على
استحباب الجماعة في الصلوات الواجبة.
وأما صلاة الاحتياط فالاتيان بها جماعة ابتداء - بمعنى أن عليه ركعتين مثلا لأنه
شك بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين ففي مقام أداء صلاة الاحتياط يقتدي
بامام يصلي فريضة - لا يخلو عن إشكال لعدم إطلاق في أدلة الجماعة يتمسك به
لجوازه.
311

وأما ما يقال: من أن قوله عليه السلام في صحيحة زرارة والفضيل: " الصلوات فريضة
وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ولكنه سنة " 1 وأمثاله يدل على استحباب
في جميع الصلوات كلها إلا ما خرج بالدليل وهي النافلة.
ففيه أولا: أن هذه الصحيحة المراد من الصلوات فيها خصوص الفرائض اليومية
وان كانت في حد نفسها من ألفاظ العموم لأنه جمع معرف بالألف واللام لقوله عليه السلام في
صدر الحديث " الصلوات فريضة ".
ومعلوم أن المراد بها فرائض اليومية لان جميع الصلات ليست بفريضة قطعا
فالمراد بها في قوله عليه السلام: " وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها " أيضا هي
اليومية.
ومعلوم أن الاستدراك بكلمة " ولكنه سنة " بعد نفي الوجوب عن الاجتماع في
اليومية إثبات كونه سنة فيما نفي عنه الوجوب وقد عرفت أنها اليومية.
وثانيا: أن الاطلاقات سواء أكانت في هذا الرواية أو في غيرها - كما في صحيحة
ابن سنان: " الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة " 2
مسوقة لبيان تشريع الجماعة وفضلها وكثرة ثوابها وليس في مقام بيان أنها في أي
نوع من الصلاة مشروعة.
وثالثا: لا شك في ورود روايات معتبرة مستفيضة على عدم مشروعية الجماعة في
النافلة وصلاة الاحتياط - على تقدير عدم النقص في الصلاة الأصلية - نافلة
ووجوب الاتيان بها ليس لأنها واجبة على كل حال بل لتحصيل اليقين بامتثال ذلك
الواجب الأصلي ولذلك عبر عنها في الاخبار بالبناء على اليقين.

(1) " الكافي " ج 3، ص 372، باب فضل الصلاة في الجماعة، ح 6، " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 24، ح 83، باب
فضل الجماعة، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 371، أبواب صلاة الجماعة، باب 1، ح 2.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 25، ح 85، باب فضل الجماعة، ح 4، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 370، أبواب
صلاة الجماعة، باب 1، ح 1.
312

والحاصل: أنه لا شك في أنه مقتضى الأصل عدم جواز ترتيب آثار الجماعة على
صلاة إلا بعد إحراز تشريع الجماعة فيها واحراز تشريع الجماعة في صلاة الاحتياط
مشكل فمقتضى الأصل عدم جواز ترتيب آثار الجماعة.
ثم إنه لا يخفى أنه بناء على ما رجحنا من عدم مشروعية الجماعة في صلاة
الاحتياط لا فرق بين ائتمام الاحتياط بالفريضة أو بالاحتياط.
وأما اقتداء الفريضة اليومية صلاة كاقتداء صلاة الصبح بصلاة الاحتياط فيما إذا كانت
صلاة الاحتياط أيضا مثل صلاة الصبح ركعتين فهل يجوز أم لا؟
يمكن أن يقال بالجواز وذلك لتشريع الجماعة في فريضة اليومية يقينا.
ولكن وفيه: أن ظاهر أدلة تشريع الجماعة في الفريضة بعد انصرافها إلى اليومية لما
ذكرنا في بيان المراد من الصلوات في صحيحة زرارة وفضيل أن يكون كلاهما من
اليومية أي صلاة الامام وصلاة المأموم ومع الشك تجري أصالة عدم التشريع.
ولا فرق فيما ذكرنا من عدم جواز الجماعة في صلاة الاحتياط بين أن نقول بأنها
صلاة مستقلة يتدارك بها نقصان ملاك صلاة الأصلية على تقدير النقصان أو أصل
الملاك بضميمة صلاة الاحتياط إلى الأصلية أو نقول بأنها جزء للصلاة الأصلية على
تقدير النقصان وذلك من جهة عدم إحراز النقصان وكونها جزء منها واحتمال كونها
زائدة ونافلة.
هذا كله في الاقتداء ابتداء أما لو كان مقتديا وكان شكه مطابقا لشك الامام فبنى
الاثنان على الأكثر وأراد الامام أن يأتي بصلاة الاحتياط فلا يبعد الجواز في هذه
الصورة على إشكال أيضا.
313

الجهة الثالثة
في موارد تطبيقها
وقد عرفت جميعها مما تقدم فلا نعيد.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
314

24 - قاعدة
لا شك في النافلة
315

قاعدة لاشك في النافلة
ومن جمله القواعد الفقهية المشهورة هو أنه " لا شك في النافلة
وفيها جهات من البحث:
الجهة الأولى
في مدركها
وهو أمران:
الأول: الروايات: فمنها: قوله عليه السلام في حسنة البختري: " لا سهو في نافلة " 1 بعد الفراغ عن أن المراد
من السهو بقرينة سائر الفقرات هو الشك.
ومعلوم أن المراد من نفي الشك في النافلة هو نفيه تشريعا لا تكوينا والنفي
التشريعي للأمور التكوينية لابد وأن يكون بلحاظ الآثار التشريعية لذلك الشئ
وإلا فالشئ التكويني لا يمكن رفعه حقيقة في عالم الاعتبار كما أنه لا يمكن أن يوجد
في عالم الاعتبار والتشريع وإلا ينقلب الاعتبار تكوينا وهو خلف محال.
والأثر المجعول للشك في عدد الركعات في عالم التشريع هو البطلان في الثنائية

(1) " الكافي " ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها ولم يدر...، ح 5، " تهذيب الأحكام " ج 3، ص 54،
ح 187، باب أحكام الجماعة...، ج 99، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 340، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24، ح 8.
317

والثلاثية والبناء على الأكثر في الرباعية فإذا كانت صلاة النافلة أربع ركعات - كما في
صلاة الاعرابي وبعض الموارد الأخر المنصوصة - فمعنى نفي الشك فيها هو عدم
وجوب البناء على الأكثر بل إما البناء على الأقل بحكم الاستصحاب بعد سقوط
حكم الشك - أي البناء على الأكثر - بواسطة هذه الروايات غيرها من الأدلة واما
التخيير بين الأقل والأكثر بعد البناء على عدم حجية الاستصحاب في عدد ركعات
الصلاة إجماعا.
وإذا كانت أقل من أربع ركعات فحكم الشك هو البطلان للروايات المستفيضة
الواردة في هذا الباب فإذا ارتفع البطلان فالحكم إما البناء على الأقل لو قلنا بحجية
الاستصحاب في عدد الركعات أو التخيير بناء على عدم حجيته.
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في
النافلة؟ فقال عليه السلام: " وليس عليك شئ - وفي بعض النسخ - سهو " 1 وعلى كلتا
النسختين النتيجة واحدة وهي صحة الصلاة وعدم وجوب البناء على الأكثر.
ومنها: ما رواه في الكافي مرسلة وقال: وروى: " إذا سها في النافلة بنى على
الأقل " 2.
وظاهر هذه المرسلة هو تعين البناء على الأقل وبناء على ما قلنا - من عدم دلالة
الصحيحة على وجوب البناء على الأكثر بل لها دلالة على عدم البناء على الأكثر كما
أنه يجب ذلك أي البناء على الأكثر في الرباعيات من الفريضة فإن كان حكم الشك فيها
ومرفوع في النافلة - فلا تعارض بينها وبين المرسلة التي رواها الكليني فتكون
النتيجة هو البناء على الأقل.

(1) " الكافي " ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته...، ح 1، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 343، ح
1422، باب أحكام السهو، ح 10، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 331، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب
18، ح 1.
(2) " الكافي " ج 3، ص 395، باب من شك في صلاته كلها...، ح 6.
318

ولكن لما تحقق الاجماع على التخيير بل قال في الأمالي: إنه من دين الإمامية فلا
يمكن الالتزام بالبناء على الأقل.
وبعبارة أخرى: مقتضى الصحيحة هو المضي في الصلاة التي كانت نافلة وعدم
الاعتناء بالشك فيلاحظ المصلي ما هو صرفته فيبني عليه سواء كان هو الأقل أو
الأكثر فربما يكون صرفته في البناء على الأكثر فله أن يبني عليه كما أنه إذا كان
صرفته في البناء على الأقل له أن يبني عليه.
وهذا المعنى خلاف التخيير بل معناه لزوم البناء على الأقل في صورة ولزوم البناء
على الأكثر في صورة أخرى وظاهر المرسلة هو تعين البناء على الأقل مطلقا.
ولكن بواسطة هذا الاجماع المحقق لابد وأن يرفع اليد عن ظهور كل واحد في تعين
خصوص الأقل أو الأكثر أي يجمع بين الصحيحة والمرسلة هكذا.
وربما يقال: بأن ظاهر الصحيحة هو التخيير لان ظاهر قوله عليه السلام " ليس عليك
شئ " هو أنك لست ملزما بشئ فلو كان الواجب هو البناء على الأقل أو كان هو
البناء على الأكثر فيلزم أن يكون عليه شئ وهو وجوب البناء على خصوص الأقل
أو خصوص الأكثر فمقتضى نفي الشئ عليه هو التخيير.
هذا ولكن الظاهر من نفي الشئ هو صلاة الاحتياط أو سجود السهو إن كان
المراد من السهو خصوص النسيان أو الأعم منه ومن الشك.
والتحقيق: هو أنه لو لم يكن هذا الاجماع لكان مقتضى قوله عليه السلام: " لا سهو في
النافلة " - بناء على أن يكون المراد من السهو هو لشك - نفي حكم الشك الذي هو
البطلان في الثنائية والثلاثية والبناء على الأكثر في الرباعية وبعد نفي هذين الاثنين
فإما التخيير لو قلنا بعدم حجية الاستصحاب في الركعات كما أنه قيل أو البناء على
الأقل بناء على حجيته.
وأما خصوص البناء على الأكثر فلا يستفاد من هذه الرواية أصلا وأما الصحيحة
319

فقد عرفت أن ظاهرها هو البناء على الصرفة وأما المرسلة فقد عرفت أن ظاهرها
تعين البناء على الأقل واما تعين البناء على الأكثر فليس له أثر في الاخبار إلا إذا كان
فيه الصرفة.
والانصاف: أنه لو لم يكن هذا الجماع على التخيير كان المتعين هو الاخذ بالصرفة
الذي هو مفاد الصحيحة لان المرسلة وإن كان لا ينكر ظهورها في تعين البناء على
الأقل إلا أن مخالفتها للشهرة بل الاجماع المحقق توجبها ضعفا على ضعف، فلا يمكن
الالتزام بمؤداها.
وأما قوله عليه السلام في حسنة البختري " لا سهو في النافلة " فلا تعارض له مع مفاد
الصحيحة أي الاخذ بالصرفة لأنه في مقام ففي حكم الشك لا البناء على خصوص
الأقل أو الأكثر ولكن هذا الاجماع المحقق على التخيير يمنع عن تعين الاخذ بالأقل أو
الأكثر وإن كان فيه الصرفة.
وربما يقال: إن المراد من " لا سهو في النافلة " أو قوله عليه السلام " ليس عليه شئ " أي
ليس عليه الإعادة - من جهة الحكم بالبطلان كما هو كذلك في جملة من موارد الشك
في الفريضة التي حكم فيها ببطلان ما وقع الشك فيها كفريضة الصبح والمغرب أو
الذي لا يدري أنه كم صلى - أو أنه ليس عليه جبر مع البناء على الأكثر أي يبني
على الأكثر وليس عليه صلاة الاحتياط مثلا لو شك بين الواحد والاثنين فيبني على
الاثنين بدون تدارك ما احتمل فوته أي الركعة الثانية بالركعة المنفصلة احتياطا كما
أنه كان يجب الاحتياط في الفريضة.
واحتمل أن الكليني قدس سره فهم - من صحيحة محمد بن مسلم - عن أحدهما قال:
سألته عن السهو في النافلة؟ قال عليه السلام: " ليس عليه شئ أو في نسخة أخرى: ليس
عليه سهو " هذا المعنى أي ليس عليه الجبر بصلاة الاحتياط ويجب البناء على الأكثر
فقط بخلاف الفريضة لان فيها الجبر ويجب فيها البناء على الأكثر أيضا.
320

فمفاد الصحيحة بناء على هذا هو أن النافلة والفريضة مشتركان في البناء على
الأكثر والفرق بينهما هو أنه ليس في النافلة جبر ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط
بخلاف الفريضة فان فيها الجبر وحيث فهم من الصحيحة هذا المعنى أي البناء على
الأكثر مع عدم الجبر ذكر بعد ذلك تلك المرسلة التي تدل على البناء على الأقل كي
يجمع بينهما وبين الصحيحة بإرادة التخيير.
ولكن أنت خبير بما في هذا الاحتمال من الضعف والخلل وقد عرفت أن الظاهر
من الصحيحة هو البناء على الصرفة لأن الظاهر من كلمة " لا شئ عليه " أي يمضي
في صلاته بدون أن يكون عليه شئ من الإعادة أو الجبر بصلاة الاحتياط ولازم هذا
المعنى هو الاخذ بالصرفة التي قلنا بها في معنى الحديث.
الثاني: الاجماع وقد ادعاه جمع من الأعاظم كما في المعتبر 1 والرياض 2
والمصابيح والتهذيب 3 وعن مفتاح الكرامة نقلا عن الأمالي أنه من دين الإمامية 4
وعن الغنية والخلاف كما في الجواهر نقلا عنه حيث قال: لا سهو في النافلة وبه قال
ابن سيرين وقال باقي الفقهاء: حكم النافلة حكم الفريضة فيما يوجب السهو دليلنا:
إجماع الفرقة وأيضا الأصل البراءة فمن أوجب حكما فعليه الدليل واخبارنا في ذلك
أكثر من أن تحصى 5.
قد عرفت مرارا ما في الاستدلال بالاجماع في هذه الموارد فلا نعيد نعم هذه
الاجماعات المدعاة في أمثال المقام توجب الوثوق بصدور الرواية التي مفادها مفاد
هذه الاجماعات.

(1) " المعتبر " ج 2، ص 395.
(2) " الرياض " ج 1، ص 222.
(3) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 178، ذيل ح 713.
(4) " مفتاح الكرامة " ج 3، ص 345.
(5) " جواهر الكلام " ج 12، ص 424.
321

الجهة الثانية
في مفاد هذه القاعدة وبيان المراد منها
فنقول: إن توضيح هذا المطلب يتوقف على بيان أمور:
الأول: أن التخيير المدعى في المقام بين الأقل والأكثر من جهة الاجماع والقدر
المتيقن منه هو أن لا يكون البناء على الأكثر موجبا لفساد الصلاة وذلك لأنه بمناسبة
الحكم والموضوع يفهم أن هذا الحكم - أي التخيير - توسعة في مقام امتثال النوافل
ومن باب المسامحة فيها وان الاهتمام في حفظ النوافل وحدودها ليس مثل الاهتمام
بالفرائض وحدودها وكذلك الاهتمام بفرض الله أزيد من الاهتمام بفرض النبي
ويتسامح فيه بما لا يتسامح في فرض الله.
وبعبارة أخرى: التخيير للتسهيل فهو ينافي ما إذا كان موجبا لبطلان العمل ولزوم
الإعادة فظهر أن التخيير فيما إذا كان الشك بين الواحد والاثنين فيما إذا كانت النافلة
ثنائية كما هو كذلك في أكثر النوافل أو كان بين الاثنين والثلاث كما في نافلة الوتر بناء
على أن الشفع والوتر صلاة واحدة أو بين الثلاث والأربع كصلاة الاعرابي بناء على
أنها أربع ركعات متصلة.
والحاصل: أن لا يكون طرف الأكثر من شكه أزيد من الصلاة المشكوك فيها ففي
مثل هذه الموارد مخير بين البناء على الأقل والأكثر لان البناء على كل واحد منهما لا
ينافي مع صحة الصلاة فالقول بالتخيير مطلقا لا وجه له.
وأما إذا كان الشك بين الاثنين والثلاث فما زاد في الثنائية أو الثلاث والأربع فما
زاد في الثلاثية أو الأربع والخمس فما زاد في الرباعية كل ذلك بعد إكمال السجدتين
وفي حال الجلوس فليس له البناء على الأكثر بل يتعين عليه البناء على الأقل كي
تكون صلاته صحيحة.
وهذا معنى قوله عليه السلام: " لا شئ عليه " لأنه بناء على هذا لا إعادة عليه ولا عليه
322

صلاة الاحتياط بل إن كان طرف الأقل آخر ركعة صلاته الصحيحة فيتشهد ويسلم
وينصرف وإن كان غيرها فيقوم ويأتي بالباقي ركعة أو ركعات متصلة - لا مثل صلاة
الاحتياط منفصلة - ويتشهد ويسلم ولا يضر هاهنا زيادة ركعة أو ركعات واقعا
كما كان مضرا في الفريضة وذلك لما ذكرنا من عدم اهتمام الشارع بحفظ حدود
النوافل مثل اهتمامه بحفظ حدود الفرائض كل ذلك من جهة اختلاف المصالح الواقعية
فيهما.
الثاني: في أنه ما هو مقتضى الأصل لو شك في ثبوت هذا الحكم في مورد مثلا لو
شك في النافلة المنذورة كما إذا نذر أن يصلي صلاة الليل أو صلاة جعفر وانه هل
يشملها هذا الحكم أم لا؟ ومعلوم أنه لو كان إطلاق لدليل إلغاء الشك في النافلة بحيث
يشمل مورد الشك فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي مطلقا تنزيليا كان أم غير
تنزيلي لحكومة الاطلاقات اللفظية على الأصول العملية فان شك في شمول
الاطلاقات لمورد ربما يتوهم الرجوع إلى استصحاب عدم تحقق الأكثر من طرفي
الشك فتكون النتيجة البناء على الأقل ووجوب الاتيان بالباقي فمقتضى الأصل
صحة الصلاة ووجوب إتيان ما يحتمل عدم الاتيان به من ركعات الصلاة المنذورة
وهذا هو عين البناء على الأقل عملا.
وفيه: أنه لا شك في أن الصلاة إما نافلة بمعنى أنها مصداق حقيقي لمفهوم النافلة
واما ليست بنافلة والثاني إما رباعية أو غير رباعية فهذه ثلاثة أقسام.
أما غير الرباعية سواء كانت ثنائية أو ثلاثية وكذلك الرباعية إذا كان الشك في
تحقق الأوليين بمعنى أنه شك مثلا بين الواحد والاثنين ففي هذه الصور الثلاث الأدلة
تدل على بطلان الصلاة فلا مورد ولا مجال للاستصحاب.
وأما إذا كان الشك في الرباعية في الأخيرتين بعد إكمال السجدتين من الركعة
الثانية فالأدلة تدل على وجوب البناء على الأكثر فأيضا لا يبقى مورد
323

للاستصحاب لحكومة تلك الأدلة على الاستصحاب.
وأما إذا كان الشك في النافلة فألغى الشك بحكم الشارع فلا يبقى مورد
للاستصحاب في عدد الركعات مطلقا.
وبعد ما ظهر لك أنه لا مجال للاستصحاب في عدد الركعات فنقول:
إن أدلة الشكوك في الصلاة تدل على بطلان الصلاة في بعض الموارد وعلى البناء
على الأكثر في بعض الموارد الأخر ودليل " لا شك في النافلة " خصص هذين
الحكمين - أي البطلان في البعض والبناء على الأكثر في بعض آخر - بلسان الحكومة
بغير النافلة أي أخرج النافلة عن تحت هذين الحكمين لكن لا بلسان التخصيص بل
بلسان الحكومة.
وحيث أن لفظ النافلة مجمل مفهوما في هذا المقام كما هو المفروض ولا يعلم أن
المراد منه أن تكون نافلة بالذات وبالفعل - بمعنى أنها تكون نافلة بحسب الجعل
الأولى ولم يطرأ عليها ما يوجب صيرورتها واجبة بالعرض كأمر السيد أو الوالدين
أو بنذر أو حلف أو ما شابه ذلك - أو يكفي كونها نافلة بالعرض ولم تكن نافلة
بالذات أو يكفي كونها نافلة بالذات ولو لم تكن نافلة بالفعل وصارت واجبا
بالعرض؟
وخلاصة الكلام: أنه إذا حصل الشك ولم يكن استظهار في البين فالمرجع هو العام
لاجمال المخصص مفهوما كما هو محرر في الأصول والعام هاهنا أدلة الشكوك التي
مفادها إما بطلان الصلاة إذا كانت ثنائية أو ثلاثية أو كانت في الركعتين الأوليين من
الرباعية وإما البناء على الأكثر إن كانت الصلاة التي شك فيها رباعية وكان الشك
بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي لحكومة
الاطلاقات عليها.
الثالث: ما هو الذي يستظهر من الأدلة وهل نفي الشك عن النافلة يشمل
324

الأقسام الثلاثة للنافلة أو ظاهر في بعضها دون بعض؟
فنقول: أما الأقسام الثلاثة: فالأول: هو أن تكون نفلا بالذات وبالفعل كصلاة
الليل التي لم يطرأ عليها عنوان الوجوب بسبب من الأسباب وهذا هو القدر المتيقن
من مورد النفي.
والثاني: أن تكون نفلا بالذات ولكن صارت واجبة بالعرض.
والثالث: أن تكون واجبة بالذات ولكن صارت نفلا بالعرض.
وفي هذين القسمين - الأخيرين أي ما كان نفلا بالذات ولكن صار واجبا
بالعرض أو كان واجبا بالذات ولكن صار نفلا بالعرض - وقع الخلاف وان المدار في
هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك وإلغا - هل هو فعلية النفل وإن كان عرضيا
المدار فيه على كونها نفلا بالذات وان لم يكن نفلا فعلا أو المدار على اجتماع الامرين
أي يكون نفلا بالذات وبالفعل؟
اختار صاحب الجواهر قدس سره كونها نفلا بالذات وان صارت واجبة بالعرض 1 فبناء
على قوله لو نذر أن يصلي صلاة جعفر حيث أنها بالذات نافلة لو شك مثلا بين
الواحد والاثنين فيشمله قوله عليه السلام: " ليس في النافلة سهو " ويكون الشك ملغا ولا
تكون باطلة.
وقال آخرون: المدار على النافلة الفعلية سواء كانت بحسب الجعل الأولى أيضا
نافلة أو لم تكن بل كانت فريضة بالذات ولكن طرأ عليها أمر صارت نافلة كصلاة
العيدين في عصر عدم حضور الإمام عليه السلام أو عدم بسط يده وكصلاة المعادة جماعة
استحبابا أو كصلاة المعادة احتياطا استحبابيا ففي مثل هذه المذكورات لو حصل
الشك ففي مورد البطلان - لولا طرو هذا الاستحباب - لا تكون باطلة وفي مورد
البناء على الأكثر يكون مخيرا لأنه فعلا نافلة وظاهر الدليل هو نفي الشك عما هو

(1) " جواهر الكلام " ج 12، ص 427.
325

نافلة فعلا.
واستدل صاحب الجواهر قدس سره على ما اختاره 1 من أن المدار على كونه نفلا بالذات
بوجهين:
الأول: أن عنوان النافلة الذي جعل موضوعا لهذا الحكم إشارة إلى الذوات التي
تكون بحسب الجعل الأولي نافلة وليس لو صف النفل مدخلية في الحكم والقول
بانتفاء هذا الحكم عند انتفاء هذا الوصف استدلال بمفهوم الوصف وقد ثبت في محله
عدم مفهوم للوصف خصوصا في الوصف الغالبي والوصف الذي ليس معتمدا على
الموصوف كما في المقام لان قوله عليه السلام: " ليس في النافلة سهو " ليس من قبيل الوصف
المعتمد على الموصوف وأيضا الوصف غالبي لان تلك الذوات غالبا متصفة بالنفل
وقد يعرض عليها الوجوب بواسطة طرو عنوان آخر كالنذر أو أمر الوالدين أو
الإجارة أو غير ذلك من موجبات الوجوب.
وفيه: إننا لا نريد أن نستدل على نفي هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك عن
النافلة التي طرأ عليها الوجوب - بمفهوم الوصف حتى تقول بأنه لا مفهوم للوصف
خصوصا في الوصف الغالبي والوصف غير المعتمد على الموصوف بل نقول بأن
ظاهر كل عنان أخذ موضوعا لحكم هو أن يكون ذلك العنوان فعليا لا أنه كان
كذلك أو يكون فيما بعد.
هذا مضافا إلى أنه ثبت في محله أن المشتق مجاز فيما انقضى عنه المبدأ فيصح سلب
مفهوم النافلة عن النافلة التي طرأ عليها الوجوب فيكون من قبيل انتفاء الحكم
بانتفاء الموضوع لا من قبيل الاستدلال بالمفهوم.
الثاني: الاستصحاب وبيانه أن صلاة جعفر مثلا قبل نذرها كان الشك فيها ملغا لا
يعتنى به وبعد أن نذرها يشك في بقاء هذا الحكم فيستصحب وكذلك في العكس

(1) " جواهر الكلام " ج 12، ص 427 - 428.
326

أي صلاة الظهر التي صلاها فرادى فيعيدها جماعة استحبابا نقول هذه الصلاة قبل
أن تكون معادة كان الشك فيها أي في الركعتين الأخيرتين بعد إكمال السجدتين من
الركعة الثانية موجبا للبناء على الأكثر وبعد أن طرأ عليها الاستحباب يشك في بقاء
هذا الحكم فيستصحب.
وفيه: بعد الاغماض عن عدم اتحاد القضيتين بحسب الموضوع حتى عرفا أن
الاستصحاب فيما إذا لم يكن دليل اجتهادي في البين وهاهنا إطلاق دليل " لا سهو في
النافلة " لو شمل النافلة بالعرض فلا يبقى مجال للاستصحاب كما أنه لو لم يشمل وكان
مفهوم النافلة منصرفا عن مثل هذه الاستحبابات العرضية يكون مشمولا لاطلاقات
أدلة البناء على الأكثر في بعض الموارد ولأدلة البطلان في البعض الآخر وعلى كل
حال لا يبقى مجال ومحل للاستصحاب.
وخلاصة الكلام في المقام: هو أنه لابد وأن يرجع إلى العرف في تعيين مفهوم
النافلة وانه عبارة عن النوافل الأصلية التي جعلها الشارع نافلة بعنوانه الأولي - ولو
طرأ عليها عنوان الوجوب بعد ذلك لجهة أخرى وخرج عن كونه نافلة وصار واجبا
بالعرض كما يدعيه صاحب الجواهر قدس سره - أو لا؟ بل الظاهر والمتفاهم العرفي هو أن
يكون بالفعل متلبسا بمبدأ الاشتقاق كما هو الحال في سائر المشتقات فان كل ذات
كان متلبسا بمبدأ الاشتقاق فاطلاق المشتق عليه حال تلبسه حقيقي سواء كان
بحسب الجعل الأولي كذلك أو لم يكن. اللهم إلا أن يدعي الانصراف إلى النوافل
الأصلية أو كان مفهوم النافلة عنوانا مشيرا إلى تلك النوافل الأصلية التي جعلها
الشارع نافلة بعنوانها الأولي.
أو يقال بأن مفهوم النافلة غير مفهوم المستحب فان مفهوم المستحب مقابل
مفهوم الواجب فان الواجب هو المطلوب الذي لم يرخص الشارع في تركه
والمستحب هو المطلوب الذي رخص في تركه واما مفهوم النافلة عبارة عن الافعال
التي لها - بعناوينها الأولية - ملاكات ومصالح غير ملزمة فبناء على هذا إطلاق
327

النافلة على هذه المستحبات التي صارت مطلوبة بواسطة طرو بعض العناوين عليها
غير صحيح.
ولكن أنت خبير بأن هذه الدعاوي كلها خالية عن البينة والبرهان بل ظاهر
اللفظ هو أن يكون مستحبا فعلا خصوصا بمناسبة الحكم والموضوع لأن عدم
الاعتناء بالشك والمسامحة يناسب المستحب الذي يسامح فيه بأشياء لا يسامح في
الواجب كما أنه لم يعتبر القيام والسورة والاستقبال والاستقرار وغير ذلك.
فالأولى أن يقال: أن في ثبوت هذا الحكم - أي إلغاء الشك وعدم الاعتناء به -
لابد من اجتماع كلا الامرين: أي يكون نافلة في الأصل أي بالذات وبالفعل أيضا أي
لم يطرأ عليه الوجوب.
أما لزوم كونها بالفعل نافلة ولم يطرأ عليه لما عرفت من أن ظاهر كل عنوان أخذ
موضوعا للحكم هو أن يكون بالفعل كذلك أي متصفا بذلك العنوان واما ما يصح
سلبه عنه ومع ذلك يكون موضوعا فهو في غاية الركاكة فموضوع هذا الحكم في
لسان الدليل هو عنوان النافلة فقوله عليه السلام: " ليس في النافلة سهو " شموله لما ليس
بنافلة فعلا وما يصح سلب هذا المفهوم عنه في غاية البعد فلابد في شموله من كونه
نافلة بالفعل.
وأما لزوم كونها نافلة في الأصل وبالذات فمن جهة الشك في شمول قوله عليه السلام:
" ليس في النافلة سهو " للفريضة التي طرأ عليها النفل لاحتمال أن يكون عنوان النافلة
في الرواية عنوانا مشيرا إلى تلك النوافل الأصلية التي بالذات - أي بعنوانها الأولي -
جعلها الشارع نافلة وهذا الاحتمال يكون موجبا لعدم ظهور لفظ النافلة في مطلق
النافلة سواء كان نفلها بالذات أو بالعرض فإذا سقطت هذه الرواية عن ظهورها في
الاطلاق لأجل هذا الاحتمال يكون المرجع عموم أو إطلاق أدلة البناء على الأكثر في
بعض الموارد أو أدلة بطلان الصلاة بالشك في بعض الموارد الأخر ولا تصل النوبة
328

إلى الاستصحاب وذلك لحكومة الاطلاقات والعمومات التي هي أمارة على
الاستصحاب وقد تقدم تفصيل ذلك.
وخلاصة الكلام: أن ثبوت هذا الحكم أي التخيير بين البناء على الأقل والأكثر
وإلغاء الشك وعدم الاعتناء به مختص بما إذا كانت الصلاة التي وقع الشك فيها نافلة
بالفعل وبالذات وأما إذا كانت نافلة بالذات وطرأ عليها الوجوب كالنافلة المنذورة
أو كانت فريضة بالذات ولكن طرأ عليها النفل كالمعادة جماعة بعد ما أتى بها فرادى
فلا يشملهما هذا الحكم.
ثم إنهم ذكروا أمثلة وموارد للنفل بالذات والنفل بالعرض وكذلك للفرض بالذات
والفرض بالعرض لا يخلو بعضها عن المناقشة والخلط فها نحن نذكرها لتميز الصحيح
منها عن غير الصحيح.
وبعد ما عرفت واقع الامر تعرف أن حكمهم بعدم الاعتناء بالشك والتخيير بين
الأقل والأكثر في بعض الموارد والأمثلة وكذلك حكمهم بالاعتناء بالشك والبطلان أو
البناء على الأكثر في بعض الموارد والأمثلة الاخر لا وجه له بل خلط واشتباه.
فمن القسم الأول: وقولهم بجريان حكم النفل - أي عدم الاعتناء بالشك
والتخيير بين الأقل والأكثر - هو صلاة الطواف لمن اعتمر استحبابا يزعم أن الصلاة
فيها نفل بالذات عرض عليها الفرض.
وهذا الزعم باطل لان صلاة الطواف في العمرة المستحبة ليس مستحبة كي يقال
بأنها نافلة طرأ عليها الفرض بل هي واجبة فيها وان كانت العمرة في أصل شروعها
مستحبة ولكنه حيث يجب إتمامها بعد أن دخل فيها استحبابا فكل فعل يصدر من
المعتمر بعد الشروع فيها يقع بصفة الوجوب فصلاة الطواف فيها بهذا القيد - أي بعد
الشروع فيها وإن كان أصل الشروع فيها غير واجب - تكون أزلا وأبدا واجبة ولم
تكن في آن من الآنات نفلا كي يقال بأنها نفل بالذات عرض عليها الوجوب بل هي
329

فريضة بالذات دائما.
ومن القسم الثاني: صلاة العيدين في عصر الغيبة حيث أنهم يقولون بأنها كانتا
فريضتين بالذات فصارتا بواسطة غيبة الامام - عجل الله تعالى فرجه - نافلة
بالعرض فبناء على كون المدار في ثبوت هذا الحكم وعدمه هو النفل والفرض
الأصلي وان تغيرا بالعرض بواسطة طرو عنوان عليهما يقولون بالاعتناء بالشك
فيهما لأنهما بالذات من الفرائض فيحكمون ببطلانهما بوقوع الشك فيهما لأنهما ثنائية.
ولكن أنت خبير بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد وهي تختلف بحسب
اختلاف الحالات فيمكن أن تكون لصلاة العيدين في حال الحضور مصلحة ملزمة
وفي حال الغيبة لا تكون مصلحتهما ملزمة فيكون من قبيل التنويع فنوع منها - أي
في حال الحضور - واجب بالذات ونوع آخر منها - أي في حال الغيبة - تكون نافلة
بالذات فيكون الحكم فيهما في حال الغيبة هو التخيير بين البناء على الأقل أو الأكثر
لأنهما في هذا الحال نافلتين بالذات.
وكذلك نقول في عبادة الصبي - بناء على شرعيتها - أنها نافلة بالأصل وليس مما
هو واجب بالأصل فصار نافلة بالعرض لما ذكرنا من اختلاف المصالح والمفاسد
باختلاف الحالات بل الأزمنة وأيضا بطرو العناوين للأفعال كالقيام بعنوان تعظيم
المؤمن له مصلحة وبعنوان اهانته والاستهزاء به يصير ذا مفسدة فصلاة الظهر مثلا
في حال الكبر لها مصلحة ملزمة وتكون واجبة وفي حال الصغر ليست لها مصلحة
ملزمة ولذا لا تكون واجبة فإنها في تلك الحال إما ليس لها مصلحة أصلا فلا تكون
عبادته شرعية وهذا مبنى القول بعدم شرعية عبادات الصبي وإما لها مصلحة ولكن
ليست ملزمة فتكون نفلا وهذا مبنى القول بمشروعيتها.
وعلى كل حال: بناء على شرعية عباداته تكون عباداته نفلا بالذات وبالأصل لا
أن صلاة الظهر مثلا كانت واجبة بالأصل مطلقا فصارت بواسطة الصغر نفلا
330

بالعرض.
وهذا ليس بأولى من أن يقال: كانت صلاة الظهر نفلا بالذات فلما وصل إلى حد
البلوغ صارت فرضا بالعرض.
نعم فيما إذا كان فعل في حد نفسه وبعنوانه الأولي له مصلحة غير الملزمة أو
الملزمة فصار بعنوان ثانوي ما ليس له مصلحة ملزمة ذا مصلحة ملزمة أو بالعكس
صح أن يقال في الأول كان نفلا بالذات فصار فرضا بالعرض كصلاة الليل أو صلاة
جعفر حيث أنها بعنوانها الأولي ليست لها مصلحة ملزمة من أي شخص وفي أي
زمان أو مكان كانت ولكن لما تعنونت بعنوان الحلف أو النذر أو العهد تصير ذا
مصلحة ملزمة فيصح أن يقال كانت صلاة الليل أو صلاة جعفر مثلا أو سائر النوافل
نفلا بالذات وبالأصل وبواسطة النذر أو العهد أو الحلف صارت فرضا بالعرض
وصح أن يقال في الثاني - أي فيما له المصلحة الملزمة - كانت فرضا بالذات فصار
نفلا بالعرض.
ولكن ليس من هذا القبيل صلاة المعادة جماعة لمن صلاها فرادى وذلك من جهة
أن المعادة أيضا فرض مثل المبتدئة فرادى ولذلك يجب عليه أن ينوي أنه يريد أن
يأتي بما هو واجب عليه أي بالصلاة الواجبة غاية الأمر بمصداق آخر لتلك الطبيعة
التي تعلق بها الامر الوجوبي فيختار الله أحبهما إليه.
وكذلك الامر في صلاة المتبرع بها عن الغير فليست من الفرض الذي عرض له
النفل بل المتبرع يأتي بما هو واجب على غيره ولذلك يجب عليه أن يأتي بها بقصد
الامر الوجوبي المتوجه إلى ذلك الغير في حياته ولم يمتثله قصورا أو تقصيرا.
وكذلك النوافل المستأجرة عليها ليست من النفل الذي عرض عليها الفرض
بواسطة الإجارة بل هي باقية على نفليتها حتى بعد الإجارة والامر الذي يأتي من
قبل الإجارة وإن كان أمرا وجوبيا - أي يجب على المستأجر إتيان ما هو متعلق
331

الإجارة - ولكن ذلك الامر الوجوبي لم يتعلق بالصلاة بعنوان كونها صلاة، مثلا لو
استأجر على صلاة جعفر فليس الامر الآتي من قبل هذه الإجارة متعلقا بصلاة جعفر
بعنوان صلاة جعفر بل هي باقية على استحبابه وإنما الامر الوجوبي الآتي من قبل
الإجارة متعلق بالوفاء بهذا العقد.
وان شئت قلت: إن المستأجر ملك على ذمة الأجير هذا العمل ويجب على الأجير
تسليم ما ملكه المستأجر في ذمته إليه.
وربما يقال في النفل المنذور أيضا إن لله تعالى بواسطة النذر يتعلق حق بالمنذور
فيجب على الناذر إيصال ذلك الحق إليه تبارك وتعالى بالوفاء بنذره ولا تجب نفس
الصلاة المنذورة.
ولكن ما ذكرنا في باب النذر والحلف والعهد هو الصحيح وهو أن هذه الأمور
عناوين ثانوية توجب تغيير المصلحة في نفس الفعل فيطرأ عليه الوجوب ولذلك لو
نذر إتيان مستحب عبادي فهناك يتعلق بذلك الفعل أمران: أحدهما: واجب توصلي
وهو الامر الذي يأتي من قبل النذر والآخر: مستحب تعبدي وكل واحد من
الامرين يكتسب لونا من الآخر ويتحدان فالامر الاستحبابي العبادي يكتسب
الوجوب من الامر النذري والامر النذري يكتسب العبادية من الامر الاستحبابي
العبادي.
والنتيجة: أنه بعد كسب كل واحد منهما من الآخر ما قلنا يكون الفعل واجبا
عباديا.
والسر في ذلك: أن الامر النذري يتعلق بعين ما تعلق به الامر الندبي ويكون
الأمران وعرضيين لا طولية بينهما فقهرا يتحدان وإلا يلزم اجتماع الضدين أي
الوجوب والاستحباب.
وبعبارة أخرى: الامر الندبي يلغي حده الاستحبابي ويتلبس حد الوجوبي والامر
332

الوجوبي حيث توصلي يكتسب لون التعبدي من الامر الندبي فتصير النتيجة هو أن
يكون الفعل واجبا تعبديا فهيهنا من الموارد التي يطرأ الوجوب على النفل الأصلي.
وأما أمر السيد عبده باتيان صلاة النافلة أو أمر أحد الوالدين بها أو الاستئجار
عليها فليس من هذا القبيل.
بيان ذلك: أن متعلق الوجوب في هذه الأمور ليس ذات العمل بل متعلق
الوجوب في أمر الوالدين وأمر السيد هو عنوان الإطاعة أو في أمر الوالدين ليس
وجوب في البين بل يحرم مخالفتهما - أي العقوق - وعلى كل حال تحصل الإطاعة أو
يمتثل حرمة المخالفة باتيان ذلك المستحب الذي أمر كل واحد من السيد والوالدين به
ولم يتعلق أمر من قبل الله تبارك وتعالى بذات العمل لا ابتداء ولا من قبل أمر
هؤلاء.
فالنفل الأصلي باق على ما كان ولم يطرأ عليه وجوب أصلا وكذلك في باب
الإجارة المأمور به هو الوفاء بعقد الإجارة والوفاء يتحقق باتيان هذا العمل
المستحب.
هذا ما ذكره شيخنا الأستاذ قدس سرس سره وان الامر الآتي من قبل أمر الوالدين أو من قبل
الإجارة في طول الامر الندبي المتعلق بذات العمل وان الامر الآتي من قبل النذر في
عرض الامر الندبي المتعلق بذات العمل ففي مورد النذر يطرأ الوجوب على ما هو
نافلة بالأصل دون هذه الموارد الثلاث أي أمر السيد وأمر الوالدين وأمر الآتي من
قبل الإجارة 1.
ولكن أنت خبير بأن الفرق لا يخلو من مناقشة بل تحكم وخلاصة الكلام أن
الامر الآتي من قبل هذه الأمور لم يتعلق بالفعل بعنوان أنها صلاة بل بعنوان الوفاء
بالعقد أو العهد أو النذر أو الإطاعة كل في مورده وهذه العناوين أجنبية عن الصلاة.

(1) " كتاب الصلاة " ج 3، ص 187.
333

فالانصاف أن الصغرى لهاتين الكبريين - أي النفل الأصلي الذي طرأ عليه
الفرض أو بالعكس - إما لا توجد أو في غاية القلة فهذا البحث - أي أن موضوع
هذا الحكم هل هو اجتماع الامرين أي يكون نفلا ذاتا وبالفعل أو يكفي كونها ذاتا
وان لم يكن بالفعل أو يكفي كونها نفلا بالفعل وان لم يكن كذلك ذاتا - قليل الجدوى
أو لا جدوى فيه أصلا.
الرابع: الظاهر أن هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك وإلغائه في النافلة - فيما إذا
كان في عدد الركعات لا فيما إذا تعلق الشك بأفعال الصلاة، فلو شك في أنه كبر
تكبيرة الافتتاح أو قرأ فاتحة الكتاب أو ركع أو سجد أو تشهد أو سلم أو لا
فحال النافلة من هذه الجهة حال الفريضة فإذا كان شكه قبل تجاوز المحل يأتي به
لأصالة عدم الاتيان به. وإذا كان بعد تجاوز المحل فيمضي لقاعدة التجاوز.
وذلك من جهة أن المراد بالسهو في قوله عليه السلام: " ليس في النافلة سهو " هو خصوص
الشك من جهة وحدة السياق مع سائر الفقرات التي في الرواية والرفع تعبدي لان
الرفع التكويني أولا ليس من وظيفة الشارع في عالم التشريع وثانيا رفع التكويني
يحتاج إلى أسباب تكوينية ولا يتحقق بصرف النفي كما أنه لم يتحقق وموجود كثيرا
والرفع التشريعي مرجعه إلى رفع الآثار الشرعية التي للشئ.
والآثار الشرعية للشك المجعولة له من قبل الشارع هو البطلان لو كان الشك في
الثنائية أو الثلاثية أو كان في الرباعية ولكن في الأوليين قبل إكمال السجدتين أو
البناء على الأكثر لو كان في الرباعية بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية منها وكلا
الامرين في الشك في عدد الركعات ولا ربط لهما بالشك في أفعال الصلاة ولم يجعل
الشارع للشك في أفعال الصلاة إذا كان الشك في المحل حكم كي يرفع بقوله " ليس في
النافلة سهو " بل وجوب إتيانه لأصالة العدم ولو لم تكن أصالة العدم لكان وجوب
الاتيان بمقتضى قاعدة الشغل.
334

وأما إذا كان بعد التجاوز عن المحل فحينئذ وان حكم الشارع بعدم الاعتناء
والمضي فيها ولكن ارتفاع هذا الحكم معناه الاعتناء بالشك فيكون نقيض ما هو
المراد من القاعدة لأن الظاهر من القاعدة بمناسبة الحكم والموضوع هو المسامحة
والتسهيل وعدم الاهتمام بحفظ حدود النافلة كثيرا مثل الاهتمام بالواجبات والفرائض
وإلغاء الشك وفرضه كالعدم فيها فرفع حكم عدم الاعتناء بالشك إذا كان بعد
التجاوز عن المحل معناه عدم إلغائه والاعتناء به وهذا نقيض ما يستفاد من ظاهر
هذه القاعدة فاتضح عدم شمول هذه القاعدة للشك في الافعال.
الخامس: لا فرق في جريان هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك ورفع حكمه
من الابطال أو تعين البناء على الأكثر وتدارك ما احتمل نقصانه بصلاة الاحتياط أي
بالركعة أو الركعات المنفصلة والتخيير - بين أن تكون صلاة النافلة ثنائية - كما هو
الغالب بل دائما إلا في موردين - وبين أن تكون ثلاثية أو رباعية.
أما النافلة الثلاثية كصلاة الوتر بناء على أن الشفع والوتر صلاة واحدة وليس
بينهما تسليم بل يقوم بعد أن تشهد في الثانية ويأتي بالوتر والشاهد على ذلك بعض
الروايات الذي مفاده أن القنوت في الوتر في الثالثة.
وأما النافلة الرباعية فكصلاة الاعرابي مثلا فلو شك فيها بين الاثنين والثلاث أو
الثلاث والأربع أو غير ذلك من الأقسام الشك المتصور فيها فهو مخير بين البناء على
الأكثر أو الأقل فكذلك في صلاة الوتر لو شك بين ما هو الأقل وبين ما هو الأكثر
فهو مخير بين الأقل والأكثر.
ولكن تقدم أن هذا التخيير فيما إذا لم يكن البناء على الأكثر موجبا لبطلانه وإلا
ليس له التخيير وكذلك إذا شك في الثنائية التي كونها نافلة هو الغالب بل وكذلك لو
شك في الوتر بناء على أنها ركعة واحدة فلو شك في أنه أتى بالوتر ركعة واحدة أو
اثنتين لم تبطل صلاته ولكن ليس له هاهنا التخيير بل يتعين عليه البناء على الأقل
335

لان البناء على الأكثر موجب لفساده وبطلانه.
ودليل عدم الفرق بين أقسام الثلاثة من النافلة إطلاق قوله عليه السلام " ليس في النافلة
سهو " فيشمل باطلاقه النافلة مطلقا ثنائية كانت أو ثلاثية أو رباعية وليس مقيدا
يقيده أو يخصصه بقسم خاص منها.
نعم روى الشيخ قدس سره في الصحيح عن العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
الرجل يشك في الفجر؟ قال: " يعيد ". قلت: المغرب؟ قال: " نعم والوتر والجمعة " من
غير أن أسأله 1.
وعن الخصال في حديث الأربعمائة قال: " لا يكون السهو في الخمس: في الوتر
والجمعة والركعتين الأوليين من كل صلاة مكتوبة وفي الصبح والمغرب " 2.
وظاهر الصحيح أنه تجب إعادة الوتر إذا شك فيه كما أن ظاهر رواية الخصال
أيضا ذلك من باب وحدة السياق، لان المراد من نفي السهو في غير الوتر من الأربعة
التي يذكرها بعده هو البطلان فلابد وأن يكون المراد من نفي السهو في الوتر أيضا هو
البطلان بحكم وحدة السياق.
وقد يقال في توجيه الروايتين - بناء على قول المشهور من عدم بطلان الوتر -
بأنهما منزلان على الغالب وهو أن يكون في أصل وجود الوتر لا الشك في عدد
ركعاته.
وهو توجيه بعيد خصوصا بملاحظة وحدة السياق وقد حمل صاحب الوسائل
إعادة الوتر مع الشك في الصحيح على الاستحباب وهو حسن.
السادس: في أن هذا الحكم - أي عدم الاعتناء بالشك في عدد الركعات والمضي في
الصلاة وكونه مخيرا بين البناء على الأقل أو الأكثر - هل يختص بالشك أم يجري في

(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 180، ح 722، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 23، " الاستبصار " ج 1، ص
366، ح 1395، باب الشك في فريضة الغداة، ح 6.
(2) " الخصال " ص 828، أبواب الثمانين وما فوقه.
336

نسيان الركعة أو نسيان فعل من أفعال الصلاة؟ فيكون المراد من السهو هو الغفلة كي
يكون أعم من الشك والنسيان كما احتمله الوحيد البهبهاني قدس سره في قوله عليه السلام " ليس
سهو في النافلة " 1 فرفع النسيان ونفيه تشريعا عبارة عن عدم ترتب الأثر على
النسيان فيكون نفيه عبارة عن عدم بطلانها بالنسيان ونتيجته عدم لزوم الإعادة
وإن كان المنسي ركنا من الأركان؟
أقول: بعد ما عرفت أن المراد من السهو بقرينة وحدة السياق هو الشك - لا
خصوص النسيان ولا الأعم منه ومن الشك - فلا وجه لاسراء هذا الحكم إلى
النسيان.
وأما القول بأن مناط هذا الحكم في باب الشك - أي المسامحة والتسهيل في أمر
النافلة - موجود في النسيان أيضا فهو أشبه بالقياس ما لم يكن مدلولا لدليل لفظي.
السابع: يغتفر زيادة الركن في النافلة.
ويدل عليه خبر الحلبي: سألته عن الرجل سهى في ركعتين من النافلة فلم يجلس
بينهما حتى قام فركع في الثالثة؟ قال عليه السلام: " يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثم
يستأنف الصلاة " 2. وخبر الصيقل عن الصادق عليه السلام في الرجل يصلي الركعتين من
الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع؟ قال: " يجلس من ركوعه
فيتشهد ثم يقوم فيتم " قال: قلت: أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما يركع مضى
ثم يسجد سجدتين بعد ما ينصرف فيتشهد فيهما؟ قال عليه السلام: " ليس النافلة مثل
الفريضة " 3. هذا ما قيل.

(1) لم نجد هذه العبارة في الكتب الروائية والموجود هكذا: " سألته عن السهو في النافلة فقال ليس عليك
شئ ". " الكافي " ج 3، ص 359، ح 6، التهذيب " ج 2، ص 343، ح 10، باب 13، " وسائل الشيعة " ج 5،
ص 331، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 18، ح 1.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 189، ح 750، باب أحكام السهو في الصلاة..، ح 51، " وسائل الشيعة " ج 5،
ص 331، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 18، ح 4.
(3) " الكافي " ج 3، ص 448، باب صلاة النوافل، ح 22، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 189، ح 751، باب أحكام
السهو في الصلاة...، ح 52، " وسائل الشيعة " ج 4، ص 997، أبواب التشهد، باب 8، ح 1.
337

ولكن أنت خبير بأن ظاهر خبر الحلبي أنه يريد أن يأتي بنافلة الظهر مثلا ثمانية
ركعات ركعتين ركعتين وبعد كل ركعتين يجلس ويتشهد ويسلم ثم يقوم ويشرع في
الركعتين الأخريين وهكذا يجلس ويتشهد ويسلم ثم يقوم في الركعتين الآخريين
حتى يتم الصلاة أي نافلة الظهر التي هي ثماني ركعات فعلى هذا لم يزد ركنا في
النافلة وإنما أبطل صلاته الثاني لعدم إتمام الأول فالمراد بقوله عليه السلام " ثم يستأنف
الصلاة " أي الصلاة الثانية من النافلة.
وبعبارة أخرى: نافلة الظهر مثلا عبارة عن أربع صلوات كل واحدة منها ركعتين
مثل فريضة الصبح أو نافلته فإذا سهى أي نسي التشهد والتسليم من إحديهما وقام
للصلاة الأخرى وكبر وقرأ وركع ثم بعد أن ذكر بعد الركوع فيقول عليه السلام: يجلس
ويتشهد ويسلم ثم يستأنف أي يشتغل بصلاة أخرى من تلك الصلوات الأربع التي
هي نافلة الظهر فلم يزد في النافلة شئ لأنه دخل في صلاة أخرى لنسيان التشهد
والتسليم لا أنه مثلا كبر وقرأ وركع بعنوان أنه في الركعتين الأوليين من النافلة حتى
تكون زيادة الركن فيها وتكون مغتفرة.
والشاهد على ذلك أن قوله: " فلم يجلس بينهما " ليس المراد من ضمير التثنية هو
الركعتين أي عدم الجلوس بين نفس الركعتين حتى يكون معناه عدم الجلوس بين
الركعة الأولى والثانية إذ لا ارتباط بين عدم الجلوس بين نفس الركعتين والقيام
للثالثة.
فالمراد من " بينهما " أي بين الركعتين الأوليين وبين الركعتين الثانيتين أي النافلتين
وحينئذ يكون الامر كما وجهنا أي ليس ما زاد على الركعتين زيادة فيها بل من جهة
شروعه في نافلة أخرى لنسيان التشهد والتسليم في النافلة الأولى فلا ربط لهذه
الرواية باغتفار زيادة الركن في النافلة.
338

اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر قوله: " حتى قام فركع في الثالثة " أي بدون تكبيرة
الاحرام وبعنوان أنه يأتي بتتمة النافلة التي كان مشغولا بها وسها عن أن هذه هي
الركعة الثالثة بل يأتي بها بزعم أنها الثانية ثم بعد أن ركع التفت بأنها ثالثة
فقوله عليه السلام: " يجلس ويتشهد ويسلم " صريح في أن زيادة الركوع ليس بمضر.
نعم هذه الرواية لا تدل على أن زيادة غير الركوع من سائر الأركان أيضا ليس
بمضر إلا على سبيل القياس الباطل وأيضا لا تدل على عدم بطلان النافلة بنقيصة
الأركان بطريق أولي.
وأما خبر الصيقل: فعلى تقدير انفصال صلاة الوتر عن الشفع - كما هو المعروف -
وكونهما صلاتين مستقلتين فلا يدل على المطلوب. لان معنى قوله: " ثم يقوم فينسى
التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع " اشتغاله بصلاة الوتر بزعم إتمام صلاة الشفع
لنسيانه التشهد والتسليم ثم تذكر بعد أن ركع للوتر فقوله عليه السلام: " يجلس من ركوعه "
- إلى آخر ما قال عليه السلام - معناه أنه يرفع اليد عن الوتر ويتم الشفع ثم يقوم ويتم الوتر
فلم تقع زيادة في نافلة الشفع ولا في نافلة الوتر لأنه يرفع اليد عن المقدار الذي أتى
بنافلة الوتر ويأتي بالتشهد والتسليم لاتمام الشفع ثم يأتي بالوتر من أوله ويستأنف
أو يبني على ما أتى وعلى كل حال لم يأت بزيادة لا في الشفع ولا في الوتر.
وأما لو قلنا بأنهما - أي الشفع والوتر - صلاة واحدة ولابد أن يأتي بالوتر متصلة
فلا محالة يكون من زيادة الركوع في النافلة كما هو واضح.
ويشهد على ذلك أيضا قوله عليه السلام: " ليس النافلة كالفريضة " بعد سؤال الراوي
وقوله: " أليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعد ما يركع مضى ثم يسجد سجدتين بعد ما
ينصرف فيتشهد فيهما ".
فكلامه قدس سره يدل على أن زيادة الركوع في الفريضة توجب بطلان الصلاة ولذلك
بعد أن دخل في الركوع ليس له أن يرجع ويتشهد أي يرجع ويأتي بالمنسي لأنه بعد
339

أن أتى بالتشهد المنسي إما أن يأتي بما بعده مما أتى به وقت النسيان واما أن لا يأتي
ففي الصورة الأولى يلزم زيادة الركوع الذي هو ركن وفي الصورة الثانية يلزم ترك
جملة من أجزاء الصلاة عمدا وفيها الركن أعني الركوع.
وأما في النافلة وان لزم أيضا من إتيان المنسي زيادة الركوع الذي هو ركن ولكن
يفهم من هذه الرواية أن زيادة الركوع في النافلة ليس بمضر.
ثم إن المذكور في الروايتين وإن كان زيادة الركوع من جهة نسيان التشهد فهل
يشمل لو كانت الزيادة في غير الركوع من الأركان؟ لا يخلو من إشكال.
وأيضا هل يشمل ما إذا كان المنسي ابتداء هو نفس الركوع مثلا في الركعة السابقة
فيرجع ويأتي به ثم يأتي بما بعده وفيه الركوع؟
والانصاف أنه لا يخلو من إشكال وإن كان التعليل بعدم كون النافلة كالفريضة
يشعر بشمول كلتا الصورتين أيضا نعم لا يشمل النقيصة قطعا.
الثامن: أنه لا تجب سجدتا السهو في النافلة إذا طرأ عليها ما يوجبهما في الفريضة
ولا القضاء فيما فيه القضاء في الفريضة كنسيان السجدة والتشهد في النافلة وذلك
لاختصاص دليلها أي دليل القضاء بالفريضة اليومية فلا تجب في سائر الواجبات
فضلا عن النافلة وان شئت راجع أخبار الباب فان موردها فريضة اليومية وليس
لها إطلاق يتمسك به لوجوب القضاء في غير الفريضة اليومية.
الجهة الثالثة
في نسبة القاعدة مع الأدلة الأولية
التي دلت على ثبوت أحكام للشك وفي موارد تطبيقها
أما الأول: فدليل هذه القاعدة أي قوله عليه السلام: " ليس في النافلة سهو " له حكومة
340

على الأدلة التي مفادها بيان حكم الشك في عدد ركعات الصلاة والحكومة هاهنا
حكومة واقعية في جانب الموضوع بالتضييق وقد شرحنا الحكومة وأقسامها الثمانية
في كتابنا " منتهى الأصول " 1 وإن شئت فراجع وذلك من جهة أن الشك جعل
موضوعا للبناء على الأكثر في الصلوات الرباعية إذا كان في الركعتين الأخيرتين منها
أو جعل موضوعا للبطلان في الثنائية والثلاثية أو في الرباعية إن كان قبل إكمال
السجدتين من الركعة الثانية فدليل هذه القاعدة - الذي هو عبارة عن قوله عليه السلام:
" ليس في النافلة سهو " أي الشك - يرفع الشك تعبدا وهذا معنى تضييق الموضوع
تعبدا.
وأما الثاني: أي موارد تطبيق هذه القاعدة: فقد عرفت كثيرا منها ولا يحتاج إلى
ذكرها واعادتها وبطور الاجمال: إذا كان الشك في عدد ركعات النافلة أي نافلة
كانت ثنائية أو ثلاثية أو رباعية مخير بين البناء على الأقل والأكثر إلا إذا كان البناء
على الأكثر موجبا لبطلانها فيتعين البناء على الأقل.
والحمد لله أولا وآخرا وباطنا.

(1) " منتهى الأصول " ج 2، ص 535.
341

25 - قاعدة
لا شك لكثير الشك
343

قاعدة لاشك لكثير الشك *
ومن جملة القواعد الفقهية قاعدة " نفي الشك وعدم اعتباره من كثير الشك في
الصلاة ": أي حكمه، ولذلك قد يعبر عن هذه القاعدة بأنه: " لا حكم للسهو مع
كثرته ".
وفيها جهات من البحث:
الجهة الأولى
في مدركها
وهو الاخبار والاجماع.
أما الاجماع: فقد تكرر منا في هذا الكتاب أنه لا اعتبار بها في مثل هذا الموارد
التي وردت فيها أخبار معتبرة للظن بل العلم بأن مدرك المجمعين هو هذه الأخبار،
فلابد من الرجوع إليها وانها هل تدل على هذه القاعدة أم لا؟
وأما الاخبار:
فمنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا كثر عليك السهو
فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك إنما هو من الشيطان ". 1

* " القواعد " ص 243، " المبادئ العامة للفقه الجعفري " ص 251.
(1) " الكافي " ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته كلها...، ح 8، " الفقيه " ج 1، ص 339، باب أحكام السهو
في الصلاة، ح 989، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 343، ح 1422، باب أحكام السهو، ح 12، " وسائل
الشيعة " ج 5، ص 329، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 1.
345

ومنها: صحيحة زرارة وأبى بصير - أو حسنتهما - قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا
في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه؟ قال عليه السلام: " يعيد ". قلنا: فإنه يكثر
عليه ذلك كلما أعاد شكه؟ قال عليه السلام: " يمضي في شكه " ثم قال عليه السلام: " لا تعودوا الخبيث
من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فان الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض
أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه
الشك ". قال زرارة: ثم قال عليه السلام: " إنما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصى لم يعد إلى
أحدكم " 1.
محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن يعقوب مثله 2.
ومنها: باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن ابن سنان عن غير واحد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك " 3.
ومنها: موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة
فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا ويشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟
فقال عليه السلام: " لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا " الحديث 4.
ومنها: مرسلة الصدوق محمد بن علي بن الحسين قال: قال الرضا عليه السلام: " إذا كثر
عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك ولا تعد " 5.

(1) " الكافي " ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته ولم يدر زاد أو نقص، ح 2، " وسائل الشيعة " ج 5، ص
329، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 2.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 188، ح 747، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 48، " الاستبصار " ج 1، ص
374، ح 1422، باب من شك فلم يدر صلى ركعة...، ح 5.
(3) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 343، ح 1423، باب أحكام السهو، ح 11، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 329،
أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 3.
(4) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 153، ح 604، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة...، ح 62، " الاستبصار " ج
1، ص 362، ح 1372، باب من شك فلم يدر واحدة سجد أم اثنتين، ح 5، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 330،
أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 5.
(5) " الفقيه " ج 1، ص 339، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 998، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 330، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 6.
346

ومنها: ما رواه محمد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام قال: " إذا كان الرجل ممن يسهو
في كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو " 1.
ومنها: ما روى ابن إدريس في آخر السرائر منتهيا إلى أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " لا سهو على من أقر على نفسه بالسهو " 2.
هذه هي الأخبار الواردة في هذا الباب.
فنقول: أما دلالة صحيحة محمد بن مسلم على عدم اعتناء كثير الشك بشكه
واضح بناء عل أن يكون المراد من السهو هو الشك في قوله عليه السلام: " إذا كثر عليك
السهو فامض في صلاتك " وهو كذلك إذ لو كان المراد منه النسيان - بمعنى أنه يعلم
بنسيان الجزء الفلاني كالركوع أو السجود - فلا يمكن ردعه لان حجية العلم ذاتية
ليس قابلا للردع فلابد وأن يكون المراد منه الشك واحتمال عدم الاتيان لا القطع
بعدمه فالمراد من قوله عليه السلام: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك " هو أنه إذا كنت
شكاكا فلا تعتن بشكك واحتمال النقيصة فيما إذا كان شكك بالنسبة إلى عدم الاتيان
بجزء أو شرط ولا تعتن باحتمال الزيادة إذا كان شكك بالنسبة إلى وجود مانع
وامض في صلاتك وإلق احتمال عدم وجود شرط أو جزء أو احتمال وجود مانع في
صلاتك أي ابن علي تمامية ما أتيت به وعدم خلل فيه من حيث الزيادة والنقيصة.
والفرق بينها وبين أصالة الصحة أن الثانية تجري بعد الفراغ عن العمل وهذه
القاعدة في الأثناء وبينها وبين قاعدة التجاوز هو أن الثانية تجري بعد التجاوز عن
المحل وهذه تجري ولو كان في المحل.
وأما صحيحة زرارة وأبي بصير: فصدر الرواية ربما يوهم خلاف المقصود لان
جوابه عليه السلام بقوله " يعيد " - عن قولهما: الرجل يشك كثيرا في صلاته - يدل على

(1) " الفقيه " ج 1، ص 339، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 990، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 330، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 7.
(2) " كتاب السرائر " ج 3، ص 614.
347

الاعتناء بالشك ولو كان كثير الشك بل الحكم بالاعتناء والإعادة في نفس مورد كثير
الشك.
لكنه ليس كذلك إذ المراد بهذه الجملة يمكن أن يكون أن الرجل ليس ممن يحفظ
عدد الركعات دائما بل يشك كثيرا باعتبار الوقائع المتعددة، مثلا في كل أسبوع يشك
في عدد ركعات صلاته مرتين وإن كان لا يصل إلى حد يتصف بعنوان أنه كثير الشك
عرفا وانه يشك في صلاة واحدة ثلاث مرات أو يشك في ثلاث صلوات متواليات
في كل واحد منها مرة واحدة.
فإذا كانت الكثرة في صدر الرواية بهذا المعنى فلا تنافي بين صدر الصحيحة وذيلها
حيث يحكم عليه السلام في الصدر بوجوب الإعادة في موضوع كثير الشك ويحكم في الذيل
بعدم الاعتناء بالشك والمضي في صلاته أيضا في هذا الموضوع أي موضوع كثير
الشك لأنه كما عرفت ليس كثرة الشك في المقامين بمعنى واحد.
واحتمل بعضهم أن يكون المراد بكثرة الشك في الصدر باعتبار تعدد المتعلق في
تلك الواقعة الواحدة أي تعدد احتمالاته، مثلا يحتمل أن يكون ما بيده هي الركعة
الأولى وبعد لم يتمها ويحتمل أن تكون هي الثانية ويحتمل أن تكون هي الثالثة
وهكذا كثرة الاحتمالات بواسطة كثرة المحتمل مع أنه شك واحد في واقعة واحدة.
ولكن الانصاف أن هذا الاحتمال بعيد عن ظاهر قوله: " الرجل يشك كثيرا ".
واستظهر المقدس الأردبيلي قدس سره من هذه الصحيحة التخيير 1، بمعنى أن كثير الشك
مخير بين أن يعتني بشكه ويبني على عدم إيجاد المشكوك ويعيد الصلاة وبين أن لا
يعتني بشكه ويبني على وجود المشكوك ويمضي في صلاته فمفاد الصدر هو الشق
الأول من شقي التخيير ومفاد الذيل هو الشق الثاني.
وحكى في الجواهر عن المحقق الثاني أيضا التخيير بين البناء على وجود المشكوك

(1) " مجمع الفائدة والبرهان " ج 3، ص 142.
348

ووقوعه والبناء على الأقل بمعنى عدم الاتيان بالمشكوك 1.
وحكى عن الشهيد في ذكرى أيضا أن عدم اعتناء كثير الشك بشكه رخصة
فيجوز أن يعمل على مقتضى الشك فيتلافى إن كان في المحل مثلا.
ولكن أنت خبير بأن التخيير ينافي ظاهر هذه الروايات حيث أنه عليه السلام أمر بالمضي
في صلاته، والامر ظاهر في الوجوب خصوصا مع هذا التعليل وان المضي وعدم
الاعتناء بالشك رغما لأنف الشيطان وعصيان له وإذا عصى لا يعود ونهيه عليه السلام عن
تعويده بالاعتناء بالشك وانه إذا عصى لا يعود لان الخبيث يريد أن يطاع فلا يعود
إذا عصى ونهيه عليه السلام عن الاتيان بالمشكوك بقوله: " لا يسجد ولا يركع ويمضى في
صلاته حتى يستيقن يقينا " في خبر ابن سنان.
والحاصل: أن هذه الروايات لها ظهور تام في تعين المضي ووجوب عدم الاعتناء
بالشك وآبية عن التخيير بأي معنى كان مما ذكرنا، فما أفاده المقدس الأردبيلي -
ونسب إلى الشهيد في ذكرى وإلى المحقق الثاني في رسالته السهوية - مما لا يمكن
الموافقة معهم وليس كما ينبغي والانصاف أنه لا إشكال ولا غبار في دلالة هذه
الروايات على هذه القاعدة أي عدم الاعتناء بشك كثير الشك.
ثم إنه بناء على وجوب المضي وعدم الاعتناء بالشك إذا كان كثير الشك لو أراد أن
يتلافى المشكوك المحتمل العدم واتى به فالظاهر بطلان صلاته لأنه زيادة منهية عنها
في الصلاة إلا أن يكون المشكوك المحتمل العدم من الأشياء التي يجوز فعله في الصلاة
لكن لا بقصد الجزئية بل يأتي بها بقصد القربة المطلقة فالمتعين هو عدم الاعتناء
بالشك والمضي في الصلاة بأن يبني على وجود المشكوك إن كان من الاجزاء
والشرائط وعلى عدمه إن كان من الموانع لان هذا المعنى هو المتفاهم العرفي وما هو

(1) " جواهر الكلام " ج 12، ص 417.
(2) " ذكرى الشيعة " ص 223.
349

الظاهر من كلمة " يمضي " سواء كان بصوره الجملة الخبرية أو بصورة الانشاء
كقوله امض.
الجهة الثانية
في مفاد هذه القاعدة على تقدير اعتبارها
فنقول: إن بيان هذه الجهة منوط بذكر أمور:
الأول: أنه قد تقدم أنه المراد من السهو - في الروايات أو في كلامهم في مقام التعبير
عن هذه القاعدة كما في عبارة الشرائع " لا حكم للسهو مع كثرته " 1 - هو الشك لا
خصوص معناه الحقيقي أي النسيان ولا الأعم منه ومن الشك، إذا لو كان المراد منه
أحد هذين المعنين يلزم أن لا يكون اعتبار بنسيان كثير النسيان بمعنى أنه مثلا لو
سهى في صلاة واحدة - أي نسي الركوع والسجود كل واحد من ركعة ونسي أيضا
الركعة الأخيرة من تلك الصلاة بعينها - لا يكون عليه بأس وتكون تلك الصلاة
صحيحة مع العلم بفقدان المذكورات، ولا يمكن للفقيه أن يتفوه بمثل هذا بل ينبغي أن
يعد مثل هذا الكلام من الأعاجيب.
والحاصل: أنه فرق كثير بين الحكم بعدم الاعتناء باحتمال عدم الاتيان بالجزء أو
الشرط أو الحكم بعدم الاعتناء باحتمال وجود المانع الذي هو عبارة عن الحكم بعدم
الاعتناء بالشك إذا كان كثير الشك وبين الحكم بعدم الاعتناء بالعلم بعدم وجود
الجزء أو الشرط أو العلم بوجود المانع ولو كان ترك ذلك الجزء أو الشرط أو إيجاد
ذلك المانع سهوا لرجوع الأول إلى كفاية الامتثال الاحتمالي لمثل هذا الشخص - أي
كثير الشك - والثاني إلى كفاية الاتيان بما أتى مع العلم بعدم الاتيان بالمأمور به بتمامه.
إن قلت: أي إشكال في هذا أليس مفاد " لا تعاد " هو هذا في سهو غير الأركان

(1) " الشرائع " ج 1، ص 118.
350

ونسيانها فان مفاد صحيحة " لا تعاد " هو صحة الصلاة مع القطع بعدم الاتيان بتمام
الاجزاء والشرائط ومع القطع بايجاد الموانع ولكن كل ذلك في غير الأركان لدلالة
عقد المستثنى على ذلك.
قلنا: إن صحيحة " لا تعاد " كما تقول توسعة في مقام الامتثال بمعنى أن ما وقع فيه
الخلل - من عدم جزء أو شرط أو وجود مانع - يقبل بدل التام أو مفادها نفي
الجزئية والشرطية والمانعية في حال السهو والنسيان ولكن كل ذلك في غير الأركان
كما هو مفاد عقد المستثنى. ولكن في موضوع كثير الشك لو قلنا بأن المراد من السهو
خصوص معناه الحقيقي - وهو النسيان أو المراد أعم منه ومن الشك - فيشمل الأركان
وغيرها لا استثناء هاهنا والالتزام بهذا للفقيه مما لا يمكن.
ان قلت: تقع المعارضة بين قوله عليه السلام: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك "
وبين عقد المستثنى في صحيحة " لا تعاد " حيث أن عقد المستثنى في تلك الصحيحة
أخص من هذه الروايات فتخصص هذه الروايات به فيصير مفادها مفاد صحيحة
" لا تعاد " بعينه، فلا يبقى إشكال لان الصحيحة معمول بها عند كل الفقهاء.
قلنا: مرجع هذا الكلام إلى إلقاء خصوصية كثير الشك لان مفاد الصحيحة حكم
مشترك بين كثير الشك وغيره وهذا لا يلائم مع ظاهر هذه الأخبار مع هذا التعليل
الوارد فيها لعدم الاعتناء بالسهو وهو أنه لا تعودوا الخبيث أي الشيطان وهو يريد
أن يطاع فإذا عصى لا يعود وأمثال هذه العبارات والانصاف: أن الالتزام بأن السهو
في هذه الأخبار هو خصوص النسيان أو الأعم منه ومن الشك مما هو مردود عند
الذوق الفقهي.
وأما احتمال أن يكون المراد من نفي السهو في هذه الأخبار هو نفي الأثر الشرعي
الذي جعله الشارع لنفس السهو أعني سجدتي السهو - حتى يرجع معنى قوله عليه السلام
" إذا كثر عليك السهو فليس عليك سجدتا السهو " وجوب سجدتي السهو على غير
351

كثير السهو لا أن يكون المراد من نفي السهو هو عدم الاعتناء باحتمال عدم السهو أو
باليقين بعدمه.
فيدفعه أن هذا الاحتمال خلاف ظاهر هذه الأخبار لان قوله عليه السلام " إذا كثر عليك
السهو فامض في صلاتك " ظاهره أن كثرة السهو علة لعدم الاعتناء بعدم وجود
المسهو وانه يجب عليه المضي لا أن حكم نفس السهو والأثر المترتب عليه ساقط
عنه وهذا واضح جدا.
الثاني: الظاهر أن المراد من المضي في صلاته - بعد أن التفت إلى أنه كثير الشك -
عدم الاعتناء بالخلل الوارد على صلاته من ناحية هذا الشك سواء كان احتمال الخلل
من جهة احتمال عدم وجود ما يكون عدمه مضرا كالجزء والشرط أو احتمال وجود
ما يكون وجوده مضرا كالمانع فان هذا المعنى هو المناسب للتعليل بالنهي عن تعويد
الشيطان.
وحاصل معنى هذه الروايات أن كثير الشك يجب عليه أن لا يعتني باحتمال الخلل
مطلقا سواء كان ترك ركن أو الاجزاء والشرائط غير الركنية أو كان احتمال الخلل
لاحتمال وجود مانع حتى يصير الشيطان مأيوسا ويرى أن وسوسته لغو لا أثر له فلا
يعود، وإلا لو رأى أن الشك يرتب الأثر على شكه واحتماله - أي إذا كان احتمال عدم
وجود جزء أو شرط ولم يتجاوز المحل يأتي به وإذا كان بعد تجاوز المحل أو كان شكه
واحتماله احتمال وجود المانع يعيد الصلاة - فيطمع عدو الله فيه ويصر على الوسوسة
كي يوقعه في التعب الكثير حتى ينتهي بالآخرة إلى ترك الصلاة أو الاستخفاف بها
لعجزه عن العمل بكل ما يحتمل.
الثالث: أن هذا الحكم تعييني لا تخييري كما نسب إلى المقدس الأردبيلي 1،

(1) " مجمع الفائدة والبرهان " ج 3، ص 142.
352

والشهيد 1، والمحقق الثاني 2 - قدس أسرارهم - لكمال منافرة التعليل لوجوب المضي -
بأنه من باب ارغام أنف الشيطان كي لا يعود إلى وسوسته وايقاعه في الشك - مع
التخيير فان مناسبة الوجوب التعييني مع هذا التعليل في كمال الوضوح مضافا إلى أن
ظاهر الوجوب المستفاد من قوله: يمضى في صلاته هو الوجوب التعييني لأنه
مقتضى إطلاق الوجوب.
وقد تقدم منشأ قول هؤلاء الأكابر بالتخيير والجواب عنه فلا نعيد والانصاف أن
ذهاب هؤلاء الأعاظم إلى التخيير عجيب.
الرابع: أن هذا الحكم - أي عدم اعتناء كثير الشك بشكه - هل مختص بالصلاة أم
يجري في سائر العبادات أيضا؟ وعلى تقدير اختصاصه بالصلاة هل يجري في
مقدماتها الخارجية أم يختص بنفس الصلاة؟
ربما يقال بعدم اختصاصه بنفس الصلاة بل يجري في مقدماتها الخارجية
كالوضوء والغسل والتيمم بل يجري في سائر العبادات المركبة كالحج وأمثاله لوجوه:
الوجه الأول: لدليل نفي العسر والحرج الثابت بالكتاب والسنة إذ ترتيب كثير
الشك أثر الشك على شكه والاعتناء به حرج شديد عليه سواء كان في الصلاة أو في
غيرها من العبادات خصوصا في مثل الحج، مثلا لو شك في رمي الجمرات أو في
السعي أو في الطواف وكان كثير الشك فترتيب أثر الشك وتكرار هذه الأفعال ثانيا
وثالثا ورابعا مثلا في غاية الصعوبة وخصوصا إذا كان شكه مما يوجب إعادة العمل
في السنة المقبلة مع بعد بلد الشاك فهو يقينا من الحرج المنفي في الشريعة.
وفيه: أن الحرج ليس مختصا بكثير الشك بل يمكن أن يتحقق في غير كثير الشك
أيضا وعلى كل الحرج الشخصي الرافع للحكم الإلزامي إذا وجد وتحقق يرفع الحكم

(1) " ذكرى الشيعة " ص 223.
(2) " رسائل المحقق الكركي " ج 2، ص 142.
353

سواء كان كثير الشك أو قليله وسواء كان في الصلاة أو في غيرها من العبادات
وسواء كان في أجزاء الصلاة أو في مقدماتها الخارجية.
وأما إذا كان الحرج النوعي الذي هو حكمة التشريع للتسهيل على المكلفين - كما
هو كذلك في جعل وجوب الافطار والتقصير على المسافر والطهارة الترابية على
فاقد الماء وأمثال ذلك - فلا يطرد إطراد علة الحكم بحيث يستدل بوجوده لثبوت
الحكم في موضوع آخر بل يكون من قبيل القياس المنهى عنه في الدين وانه يوجب
محقه.
ففي هذا القسم أي فيما هو من قبيل حكمة التشريع لابد من إتيان الدليل على
الحكم وان حكمته التسهيل وعدم لزوم الحرج وهذا هو الفرق بين أن يكون الحرج
علة للحكم أو يكون من قبيل حكمة التشريع.
ففي القسم الأول: يكون هو مناط الحكم أين ما وجد ويكون من قبيل منصوص
العلة أو تنقيح المناط القطعي.
وفي القسم الثاني: إسراء الحكم إلى موضوع آخر لأجل وجود ذلك الحرج
النوعي من قبيل القياس المردود غير المقبول.
ولا شك أن ما نحن فيه من القسم الثاني فلا يصح إثبات الحكم بالحرج النوعي في
غير الصلاة من سائر العبادات.
الوجه الثاني: هو التعليل الذي في صحيحة زرارة وأبي بصير بعدم الاعتناء بالشك
بقوله عليه السلام: " لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه " 1 إلى آخر ما
قال عليه السلام لعدم اختصاص هذه العلة بالصلاة بل تجري في جميع العبادات المركبة بل في
المعاملات أيضا.
ويؤيد ما ذكرنا من عموم التعليل، وعدم اختصاصه بالصلاة وأجزائها ومقدماتها

(1) سبق تخريجه في ص 346، رقم (1).
354

الداخلية - صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: رجل مبتلى بالوضوء
والصلاة وقلت هو رجل عاقل؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: " وأي عقل له وهو يطيع
الشيطان؟ " فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال عليه السلام: " سله هذا الذي يأتيه من أي
شئ هو؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان " 1.
والظاهر أن قول القائل " رجل مبتلى بالوضوء " أي كثير الشك وشبيه
بالوسواسي فقول الإمام عليه السلام: " إنه يطيع الشيطان " تعليل لعدم عقله بالاعتناء بشكه
وسماه بإطاعة الشيطان فهو عليه السلام يشنع عليه الاعتناء بشكه وترتيب الأثر عليه
فيستفاد منها لزوم عدم الاعتناء بشكه مع أنه في الوضوء وهو من مقدمات الخارجية
للصلاة لا نفس الصلاة فالحكم بعدم الاعتناء بالشك إذا كان كثير الشك ليس مختصا
بالصلاة وأجزائها ومقدماتها الداخلية.
وفيه: أيضا أن هذا التعليل من قبيل حكمة التشريع فلا يكون مطردا إطراد العلة.
الوجه الثالث: الاجماع على جريان حكم كثير الشك أي عدم الاعتناء بشكه في
الوضوء.
وفيه: أولا: عدم تسليم اتفاق الكل. وثانيا: لو كان فليس هو الاجماع المصطلح
الذي قلنا بحجيته في الأصول، لان المظنون استناد المتفقين إلى الوجوه المذكورة فلا
أثر لهذا الاتفاق ولابد من الرجوع إلى نفس المدارك، وقد عرفت حالها فلا نعيد.
فظهر أن جريان هذه القاعدة في غير الصلاة في غاية الاشكال لورود الروايات في
مورد الصلاة فقوله عليه السلام: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك " لا يشمل غير
الصلاة وأجزاء وشرائطها الداخلية كالقبلة والستر والطمأنينة وأمثال ذلك.
وأما المقدمات الخارجية كالطهارات الثلاث فشمول القاعدة لها - مع أن موارد

(1) " الكافي " ج 1، ص 12، كتاب العقل والجهل، ح 10، " وسائل الشيعة " ج 1، ص 46، أبواب مقدمة
العبادات، باب 10، ح 9.
355

الروايات هو عدم الاعتناء بالشك والمضي في الصلاة - لا يخلو عن إشكال.
اللهم إلا أن يقال: إن الاعتناء بالشك فيها - إذا حصل الشك في أثناء الصلاة - عدم
المضي في الصلاة والشارع أمر بالمضي فيها فالمقدمات الخارجية حيث أن الشك فيها
ينتهي إلى الشك في إتيان الصلاة جامعة للاجزاء والشرائط فأمره عليه السلام بالمضي في
الصلاة وعدم الاعتناء بالشك يشملها من هذه الجهة.
ثم إنه لا فرق في الحكم بعدم الاعتناء بالشك إذا كان كثير الشك وفي شمول هذه
القاعدة بين أن يكون شكه في عدد الركعات أو الافعال وتشمل الجميع وذلك لان
قوله عليه السلام: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك " مطلق يشمل باطلاقه الشك في
الافعال وفي عدد الركعات.
هذا مضافا إلى أن موثق عمار نص في الافعال لقوله عليه السلام في جواب لا يدري
أركع أم لا؟ وهكذا في جواب لا يدري أسجد أم لا: " لا يركع ولا يسجد ويمضي في
صلاته ".
وصحيحة زرارة وأبي بصير ظاهرة في عدد الركعات لان قوله عليه السلام " يمضي في
شكه " في جواب ما سئلا عنه عليه السلام وهو أنه يشك كثيرا الظاهر أنه في عدد الركعات
كلما أعاد الشك، فالدليل - في جريان القاعدة في كلا الموردين - موجود ولا يحتاج إلى
التمسك بالاطلاق.
الخامس: في أنه لو كان كثير الشك في بعض أفعال الصلاة، مثلا كان كثير الشك في
خصوص الركوع أو السجود أو تكبيرة الاحرام فهل إذا شك في جزء آخر غير
الجزء الذي هو كثير الشك فيه أو غير كثير الشك في ذلك الشرط يجري فيه حكم
كثير الشك - أي عدم الاعتناء بشكه والبناء على وقوعه إذا كان المشكوك من
الاجزاء والشرائط والبناء على عدمه إذا كان من الموانع - أم لا يلحقه حكم كثير
الشك؟ وكذلك لو كان كثير الشك في خصوص عدد الركعات دون الاجزاء والشرائط
356

والموانع أو كان بالعكس كثير الشك في الاجزاء والشرائط والموانع دون عدد
الركعات فهل يسري حكم كثير الشك مما هو فيه كثير الشك إلى ما ليس فيه كذلك
فلو كان كثير الشك في الاجزاء دون عدد الركعات فهل يسري هذا الحكم إلى عدد
الركعات أو بالعكس أم لا يسري فيه؟
وجهان بل، قولان:
والأوجه هو عدم السراية مما هو كثير الشك فيه إلى غيره مما ليس فيه كثير
الشك فلو كان كثير الشك في خصوص تكبيرة الاحرام ولم يدخل بعد في القراءة أي
يكون الشك في المحل فبحكم هذه القاعدة يبني على وقوع تكبيرة الاحرام وايجاده
فلو شك بعد ذلك قبل أن يركع في أنه هل قرأ السورة أم لا ولكنه شك بدوي غير
مسبوق بالشك فيه أصلا فلا تجري القاعدة في السورة بل يجب عليه أن يأتي بها،
لان عمدة ما يمكن أن يتمسك به للسراية صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال:
" إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك " 1 فإنه مطلق لم يذكر فيه متعلقا لكثرة
السهو بل رتب حكم المضي في صلاة على كون المصلي كثير السهو فيمكن أن
يستفاد منها عدم الاعتناء بشكه في أي جزء من أجزاء الصلاة بمحض كون المصلي
من مصاديق مفهوم كثير الشك فإذا صح أن يقال: إن هذا المصلي كثير الشك فلا
عبرة بشكه في أي جزء أو شرط وقع الشك فيه بل ولا فرق بين أن يكون شكه في
عدد الركعات أو في أفعال الصلاة.
ولكن أنت خبير بأن هذه الاستفادة خلاف ظاهر الرواية لأنه ليس المراد من
قوله عليه السلام " إذا كثر عليك السهو " أن كثرة السهو في أي شئ كان سواء أكان مما هو
متعلق بالصلاة؟ كالأفعال وعدد الركعات أو كان متعلقا بشئ آخر مما هو أجنبي عن
الصلاة فامض في صلاتك يقينا وخصوصا مع ذلك التعليل المذكور في سائر الروايات

(1) تقدم تخريجه في ص 346، رقم (3).
357

من النهي عن تعويد الشيطان فلابد وأن يكون المراد أنه إذا كثر عليك السهو في شئ
من صلاتك فامض في صلاتك ولا تعتن بشكك في ذلك الشئ
فالظاهر من هذه العبارة حسب المتفاهم العرفي أن متعلق الشك الذي حكم
الشارع بالفائه وعدم الاعتناء به مع متعلق الشك الذي في " كثر عليك الوهم " شئ
واحد فيكون ظاهر صحيح ابن سنان كظاهر سائر الروايات إذا كثر شكك في شئ
من صلاتك سواء كان هو من الافعال أو كان عدد الركعات فلا تعتني بذلك الشئ.
ويؤيد هذا الاستظهار تعليل هذا الحكم بعدم تعويد الشيطان على العود إلى
الوسوسة وارغام أنفه بعصيانه وعدم اطاعته.
فظهر مما ذكرنا أنه لا يسري الحكم مما هو كثير الشك فيه إلى غيره سواء كان
ذلك الغير هو أحد الافعال من الاجزاء والشرائط أو عدد الركعات.
السادس: في أنه ما المراد من كثير الشك وكثير السهو؟
أقول: لا شك في أن الألفاظ المستعملة في كلام الشارع تحمل على المعاني العرفية
إلا أن يرد تصرف من قبل الشارع من نقل أو تحديد اما النقل فكالصلاة والصوم
والحج وأمثالها وأما التحديد فكالإقامة والسفر فان الشارع أو المتشرعة نقلوا ألفاظ
القسم الأول من المعاني العرفية إلى ماهيات مخترعة شرعية تعيينا أو تعينا وفي القسم
الثاني حدد السفر بثمانية فراسخ والإقامة بعشرة أيام.
وأما لو لم يكن نقل ولا تحديد في البين فلابد وأن يحمل على ما هو معناه عرفا
وهذا واضح جدا.
ومن جملة تلك الألفاظ والجمل التي جعلت موضوعا للحكم الشرعي في لسان
الشارع كلمة " كثير الشك " أو " كثير الوهم " وقد تقدم أنهما بمعنى واحد في هذا المقام
فلو لم يكن تصرف من قبل الشارع لابد من الرجوع إلى العرف في فهم المراد منه وما
هو معناه.
358

وعند العرف يحتمل أن يكون من حالات النفس وخلقا لها لا صرف كثرة وجود
الشك فحينئذ تعيينه بثلاث مرات في صلاة واحدة أو في ثلاث صلوات متواليات لا
أساس له بل لابد من وجود تلك الحالة والخلق في النفس سواء أكان حصولها
بنفس ذلك العدد المذكور أو بأقل أو بأكثر منه وطريق تشخيصه هو حكم العرف
من الآثار كالوسواسي والقطاع.
وأما إن كان عبارة عن كثرة وجود الشك والسهو بدون أن يكون من حالات
النفس فلابد من مراجعة العرف في حد الكثرة.
هذا كله إذا لم يكن تحديد من قبل الشرع وإلا فيجب الرجوع إلى ذلك الدليل
الذي يحدد موضوع حكمه لان تعيين موضوع حكمه بيده ونظره لا بنظر العرف.
وما يمكن أن يكون تحديدا من قبل الشارع هو ما رواه الصدوق باسناده عن محمد
بن أبي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إذا كان الرجل يسهو
في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو " 1.
والاحتمالات في هذه الرواية أربعة:
أحدها: أن يكون ما أضاف إليه لفظة " كل " هو لفظة الصلاة مقدرة فيكون المعنى
والتقدير أنه: إذا كان الرجل يسهو في كل صلاة ثلاث، فلو شك في كل صلاة مرتين
لا يكون كثير الشك بل لو شك في أغلب الصلوات ثلاث ولكن في بعضها القليل لم
يشك أصلا أو كان شكه أقل من ثلاث لا يكون كثير الشك.
وهذا الوجه مستبعد جدا ولم يقل به أحد.
ثانيها: أن يكون المحذوف أو المقدر هو الذي أضاف إلى لفظة ثلاث لا لفظة
" كل " كي يكون التقدير هكذا: إذا كان الرجل يسهو في كل ثلاث صلوات أي يسهو

(1) " الفقيه " ج 1، ص 339، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 990، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 330، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 7.
359

في الثالث والسادس والتاسع وهكذا فهو كثير الوهم. وهذا هو حد الأقل فلو كان
يسهو في كل اثنين منها فيكون كثير الشك بطريق أولى. ولا شك أن كل ثلاث بناء
على هذا المعنى من قبيل العام الاستغراقي أو الأصولي أي الحكم بكونه كثير الشك
موضوعه هو أن يشك في كل ثلاث من صلواته فلو شك في إحدى الصلوات الثلاث
الأولى مثلا - أي في الصلاة الأولى أو الثانية أو الثالثة - فهو كثير الشك ولم يشك بعد
ذلك في الرابعة والخامسة والسادسة فيخرج عن كونه كثير الشك. وبعد ذلك لو شك
في أحد الثلاث الآتية يدخل في كثير الشك وهكذا على هذا النسق خروجا ودخولا.
ثالثها: أن يكون المراد من كل أحد ثلاث من الصلوات الخمس وذلك بتقدير
لفظة " الاحد " المضاف إلى ثلاث وبتقدير من الصلوات الخمس اليومية بعد لفظة
" ثلاث " كي يكون كلمة " من الصلوات الخمس " متعلقا بثلاث فتكون النتيجة أنه لو
شك في إحدى صلوات الثلاث من الخمسة اليومية أي إما في الصبح أو في الظهر أو
في العصر.
هذا إذا جعلنا المبدأ صبحا وأما إذا جعلنا المبدأ ظهرا فيشك إما في الظهر أو
العصر أو المغرب. وان جعلنا المبدأ عصرا فيشك إما في العصر أو في المغرب أو في
العشاء.
رابعها: أن يكون المراد أن يشك في كل ثلاث من الخمسة في كل يوم ولو كان
الثلاث غير متواليات فلو شك مثلا في الصبح والعصر والعشاء يكون كثيرا الشك أما
لو شك في الاثنتين منها ولو كانتا متواليتين كالظهر والعصر أو العصر والمغرب أو
المغرب والعشاء فليس بكثير الشك. فالمدار في كونه كثير الشك بناء على هذا هو أن
يشك كل يوم وليلة في أكثر الفرائض اليومية سواء كانت الصلوات التي وقع فيها
الشك متواليات أو منفصلات وأول مراتب الأكثر في الخمسة هي ثلاث صلوات
منها.
360

والفرق بين هذا المعنى والمعنى الثاني هو أولا: أن المراد من الثلاث صلوات في
الثاني المتواليات وهاهنا أعم من أن يكون متواليات أو منفصلات.
وثانيا: أن المراد من الثلاث ثلاث من جميع الصلوات سواء كانت من يوم واحد
كالصبح والظهر والعصر من يوم واحد أو كانت من يومين كالعشاء من هذا اليوم مع
الصبح والظهر من غده، غاية الأمر متواليات وهاهنا الثلاث من الخمسة في يوم
واحد وان لم يكن متواليات كما شرحنا وذكرنا.
والانصاف أن الرواية لا تخلو من هذه الجهة - أي من جهة تعدد الاحتمالات - من
إجمال مضافا إلى أنه من المحتمل قريبا أن لا يكون قوله عليه السلام " إذا كان الرجل يسهو
في كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو - في مقام تحديد مفهوم كثير السهو بل بصدد
بيان بعض مصاديقه العرفية.
فإذا لم يكن تحديد من قبل الشارع لاحد الوجهين المذكورين - أي لاجمال
الرواية أو من جهة كونه عليه السلام بصدد بيان أحد مصاديقه العرفية - فلابد من الرجوع
إلى فهم العرف من هذه الجملة أي جملة " كثر عليك السهو ".
ولا يبعد أن يكون المراد منها حسب المتفاهم العرفي هو كون الشخص له حالة
وخلق يوجب شكه كثيرا فكما أن الوسواسي هو كونه ذا حالة توجب الوسوسة
فكذلك كونه كثير الوهم وشكاكا بل يمكن أن تكون كثرة الشك مرتبة نازلة من
الوسوسة وإذا كان هذا معنى كونه كثير الشك فلو عرض له حالة فجائية أوجب كثرة
الشك لاغتشاش حواسه لمصيبة أو لسرور زائد أو لاشتغال فكره بأمر مهم فلا
يكون من كثير الشك لأنه ليس خلقا له بل عارض يرتفع بسرعة.
والحاصل: أنك عرفت الاحتمالات وهي أربعة في الرواية.
واما احتمال الخامس: بأن يكون المراد وقوع الشك في كل صلاة ثلاث مرات فلا
تساعده قواعد النحو إذ مقتضاها أن يكتب ثلاثا بالألف كي يكون منصوبا وتمييزا
361

ومعلوم أنه لو كان ثلاثا بالألف كان هذا الاحتمال أظهر الاحتمالات وان لم يكن على
طبقه قول في الفقه لان معنى هذه الجملة بناء على هذا الاحتمال هو أن يسهو في كل
صلاة ثلاث مرات بنحو العام الاستغراقي.
ومثل هذا المعنى إما لا يوجد أصلا أو نادر الوجود إذ معناه أن يشك طول عمره
في كل صلاة من الصلوات التي يأتي بها ثلاث مرات لان هذا هو المعنى الذي يستفاد
من العام الاستغراقي. وما ذكرنا هو احتمالات الرواية.
وأما الأقوال في الفقه أيضا كالاحتمالات أربعة:
الأول: قول المشهور وهو إيكاله إلى العرف. وهو الصحيح عندنا لما ذكرنا من
إجمال الرواية أو لكونها بصدد بيان بعض مصاديقها الشائعة والأكثر وجودا.
الثاني: عروض الشك عليه ثلاث مرات متواليات سواء أكان في صلاة واحدة أو
كان في ثلاث صلوات متواليات.
الثالث: تعين هذه الثلاثة في صلاة واحدة.
الرابع: أن يسهو في كل ثلاث صلوات مرة واحدة بنحو العام الأصولي. وهذا
القول هو مختار شيخنا الأستاذ قدس سره وقد حمل الرواية على هذا المعنى وجعله أظهر
الاحتمالات فيها.
ثم إنه بناء على المختار من كونه عبارة عن حالة وخلق نفساني يوجب كثرة وقوع
الشك فلو حصل الشك في وجود مثل هذه الحالة في نفسه فيجري استصحاب عدم
وجودها لأن هذه الحالة ليست من ذاتيات الانسان ولا من عوارضه اللازمة غير
المفارقة كي لا يكون لعدمها النعتي حالة سابقة. وعدمها المحمولي وإن كان له حالة
سابقة ولكن لا أثر له لان الأثر - أي إلقاء حكم الشك وهو البناء على الأكثر إذا
كان الشك في عدد الركعات ولزوم الاتيان بالمشكوك إذا كان الشك في الافعال وقبل
تجاوز المحل - مترتب على وجودها النعتي لا الوجود المحمولي فعدمها النعتي له الأثر
362

أي ثبوت هذين الحكمين كل في محله.
والحاصل: حيث أن هذه الحالة من العوارض المفارقة فلا مانع من استصحاب
عدمها فيكون حالها حال سائر الحالات والملكات كالعدالة والاجتهاد يستصحب
عدمها عند الشك في وجودها.
واما لو كان عبارة عن كثرة وجود الشك وكان منشأ الشك هي الأمور الخارجية
فأيضا يجري استصحاب عدم ذلك المقدار.
وأما إن كان منشأ الشك هو ترديد المفهوم بين الأقل والأكثر فلا يجري
الاستصحاب لعدم الحالة السابقة لذلك المفهوم المردد وعلى تقدير وجود الحالة
السابقة لا يثبت أنه الأقل أو الأكثر فلابد من الرجوع إلى العام لان المخصص
المنفصل المجمل مفهوما لا يمنع ولا يضر بالتمسك بعموم العام.
والمسألة محررة مشروحة في الأصول وقد حققنا وأوضحناها في كتابنا " منتهى
الأصول " 1 وان شئت فراجع والعموم هنا في الشك في عدد الركعات هو البناء على
الأكثر وفي الشك في الافعال هو لزوم الاتيان بالمشكوك إذا كان الشك قبل تجاوز
المحل.
السابع: في أن كثير الشك لو شك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين فلو لم
يكن كثير الشك فالحكم هو البناء على الأربع والآتيان بسجدتي السهو وأما أنه
حيث يكون كثير الشك فيبنى على الأربع بدون أن يأتي بسجدتي السهو. فان هذا
معنى المضي وعدم الاعتناء بالشك وكذلك الحكم لو كان شكه بين الأربع والخمس
قبل إكمال السجدتين لعين الدليل.
وأما لو عرض له هذا الشك في حال القيام فلو لم يكن كثير الشك كانت وظيفته
هدم القيام حتى يرجع الشك إلى الثلاث والأربع فيبني على الأربع فيأتي بصلاة

(1) " منتهى الأصول " ج 1، ص 449 - 457.
363

الاحتياط. واما لو كان كثير الشك - كما هو المفرض - فهل يجب عليه أن يبني على
الأربع ويتم وليس عليه صلاة الاحتياط؟ كما هو مقتضى عدم الاعتناء بشكه بحكم
هذه الأخبار فان مفادها كما ذكرنا عدم الاعتناء باحتمال العدم إذا كان العدم مضرا
ومفسدا وباحتمال الوجود إن كان الوجود مفسدا ومضرا والمقام من الأخير لان
وجود الخامسة مضر فإذا احتمل وجودها يبني على العدم، أولا بل يجب عليه أن
يهدم القيام حتى يرجع شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع.
حكى عن الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره الثاني ولكن الأول هو الصحيح وذلك لما
سنذكر من حكومة دليل عدم الاعتناء بشك كثير الشك على أدلة البناء على الأكثر
إذا كان الشك في عدد الركعات فإذا شك في الركعات بين الأربع والخمس فلا يأتي
دليل البناء على الأكثر لان دليل البناء على الأكثر إنما ورد لتصحيح الصلاة لا
لافسادها ولذلك لا تشمل هذا الشك فالحكم بصحة الصلاة والبناء على الأربع
لدليل خاص إذا كان بعد إكمال السجدتين.
وأما إذا كان في حال القيام فليس دليل خاص في البين فمقتضى القاعدة ابتداء هو
الفساد بالنظر البدوي وذلك لعدم شمول دليل البناء على الأكثر له لما ذكرنا ولا دليل
على عدم الاعتناء بشك كثير الشك لعدم حكم له كي يكون حاكما عليه وليس دليل
خاص في البين كما هو المفروض.
هذا ولكن عند التأمل هذا الشك مستلزم لشك آخر وهو أن الركعة السابقة
مرددة بين الثلاث والأربع وله حكم وهو البناء على الأربع وحيث أنه كثير الشك
ويجب عليه عدم الاعتناء بشكه أي يلغي احتمال كونها رابعة والبناء على كونها ثالثة
فإذا بني على كونها ثالثة فيكون ما بيده - المحتمل كونها خامسة وجدانا - حسب
الحكم الشرعي هي الرابعة فيتمها من دون وجوب هدم القيام بل لا يجوز ذلك
لحكم الشارع بأنها رابعة فيتمها ولا شئ عليه حتى سجدة السهو لأنها منصوصة
في مورد خاص.
364

اللهم إلا أن يقال: إن حكم الشارع بالمضي وعدم الاعتناء بالشك في نفس المورد
الذي وقع الشك لا ما يلازم هذا الشك ففي نفس المورد لابد وأن يكون للشك حكم
حتى يرفعه دليل عدم الاعتناء بشك كثير الشك ووجوب المضي في الصلاة. وهاهنا
ليس في نفس المورد حكم في البين كي يكون دليل وجوب عدم اعتناء كثير الشك
بشكه حاكم عليه.
فلابد من هدم القيام حتى يرجع الشك إلى الشك بين الثلاث والأربع فيبني على
الأربع ويتم الصلاة وليس عليه صلاة الاحتياط لان الشارع ألغى احتمال عدم وجود
الرابعة لأنه كثير الشك.
وفيه: أن وجود الشك بين الثلاث والأربع في الركعة السابقة على ما بيده وجداني
وتكويني وحكم ذلك الشك مع قطع النظر عن دليل عدم اعتناء كثير الشك بشكه هو
أن السابقة رابعة وهذه التي بيده خامسة فيجب هدمها.
ولكن حيث أن المفروض أنه كثير الشك فلا يأتي هذا الحكم - أي كون هذه التي
بيده خامسة - في المقام بل يجب عليه المضي في صلاته وإلغاء احتمال الخامسة لما
ذكرنا أن مفاد أدلة عدم اعتناء كثير الشك بشكه والمضي في صلاته هو عدم الاعتناء
باحتمال العدم فيما يكون عدمه مضرا وعدم الاعتناء باحتمال الوجود فيما يكون
وجوده مضرا.
وان شئت قلت: بأن مفاد أخبار الباب هو الحكم بالصرفة وإرغام أنف الشيطان
ولا شك في أن الصرفة في المقام تقتضي عدم الاعتناء باحتمال وجود الخامسة فلا
يجوز الهدم بل يجب البناء على الأربع واتمام الصلاة بدون أن يكون عليه شئ من
صلاة الاحتياط أو غيرها فلا يبقى وجه لما حكى عن الشيخ الأعظم قدس سره من وجوب
هدم ما بيده.
الثامن: في أنه هل يلحق كثير الظن بكثير الشك في هذا الحكم أم لا؟ بعد الفراع
365

عن عدم إلحاق كثير القطع به يقينا بل عدم إمكانه لعدم إمكان سلب الحجية عن
القطع ولو كان قطاعا أي كثيرا ما يحصل له القطع من أسباب لا توجب القطع عند
أهل العرف والمتعارف من الناس بخلاف الظن فإنه يمكن تقييد حجيته بما إذا كان
حاصلا من أسباب متعارفة عند أغلب الناس.
فالدليل الذي يدل على حجية الظن في عدد الركعات أو في أفعال الصلاة وان قلنا
بأنه يمكن أن يقيد بالظن المتعارف لا مطلق الظن ولكن صرف الامكان لا يثبت
كونه - أي كثير الظن - مثل كثير الشك وان لا يعتني بظنه مثلا لو كان كثير الظن
وظن بعدم الركوع مع عدم التجاوز عن المحل فيحكم بعدم اعتبار هذا الظن ويقال
بوجود الركوع وصحة الصلاة بل يحتاج اتحاد كثير الظن مع كثير الشك في هذا
الحكم - أي عدم الاعتناء باحتمال العدم إذا كان العدم مضرا بالصحة وعدم الاعتناء
باحتمال الوجود إذا كان الوجود مضرا بالصحة - إلى دليل على ذلك والأخبار المتقدمة
- التي كانت دالة على عدم الاعتناء بالشك إذا كان كثير الشك - لا تدل على
ذلك لخروج كثير الظن عن موضوع كثير الشك.
هذا إذا كان الظن حجة وأما إذا لم يكن حجة فهو في حكم الشك بل هو هو لأنه
ليس المراد من الشك تساوي الاحتمالين كي لا يشمل الظن فإنه معنى اصطلاحي عند
المنطقيين والأصوليين وإلا ففي العرف الشك خلاف اليقين فيشمل الظن والوهم.
فبناء على هذا لو قلنا بعدم حجية الظن في أفعال الصلاة فلو ظن بعدم القراءة
مثلا وكان في المحل أي كان قبل الدخول في قراءة السورة ظن بعدم قراءة فاتحة
الكتاب أو ظن بعدم قراءة السورة قبل الدخول في الركوع فلو لم يكن كثير الظن
فمقتضى الشك في المحل أن يأتي بالمشكوك وأما لو كان كثير الظن والمفروض عدم
حجية الظن في الافعال فيجب المضي في الصلاة وعدم الاعتناء بالظن بالعدم لشمول
قوله عليه السلام: " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ".
366

نعم إذا قلنا بحجية الظن في أفعال الصلاة - كحجيته في عدد الركعات - قامت
الحجة على العدم في المثل المذكور فكيف يمكن أن يقال بعدم الاعتناء بمثل هذه
الحجة.
اللهم إلا أن يقال: إن دليل وجوب المضي في الصلاة وعدم الاعتناء بالشك في
مورد كثير الشك حاكم على دليل اعتبار الظن في أفعال الصلاة أي يخرج كثير الظن
عن تحت دليل اعتبار الظن وحجيته تعبدا فكأنه قيد دليل اعتبار الظن بعدم كونه من
كثير الظن.
وننكر ما اعتذرنا سابقا لعدم الحكومة بخروج كثير الظن عن موضوع كثير الشك
وهذا الانكار في محله وصحيح لما قلنا من أن الشك لغة وعرفا يشمل الظن والوهم
لأنه خلاف اليقين.
التاسع: في أنه لو كان كثير الشك في أصل وجود الصلاة - بمعنى أنه كثيرا يشك
مثلا في أنه صلى صلاة الظهر أم لا وهكذا في سائر الصلوات - فهل تجري هذه
القاعدة أي يحكم بوجود تلك الصلاة أم لا؟
الظاهر عدم الجريان لان قوله عليه السلام " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك " أن
كثرة الشك تكون في صلاته لا في أصل وجود الصلاة. وهذا بقرينة الحكم المترتب
على هذا الموضوع لان الحكم قد يضيق الموضوع مع سعته في حد نفسه مثل " لا
تمش مع أحد " فان لفظ " أحد " بحسب مفهومه اللغوي والعرفي يشمل الاحياء
والأموات ولكن بقرينة الحكم - أي لا تمش - يختص في المثل المذكور بالاحياء.
وهاهنا جملة " إذا كثر عليك السهو " حيث لم يذكر فيها متعلق السهو ففيه اطلاق
يشمل السهو في أفعال الصلاة وعدد ركعاتها وأصل وجود الصلاة ولكن حكمه عليه السلام
بقوله: " فامض في صلاتك " يخصصه بأفعال الصلاة وركعاتها لأنه إذا شك في أصل
الصلاة فلا يبقى مورد لقوله عليه السلام: " امض في صلاتك " وهذا واضح جدا.
367

وأما مسألة عموم التعليل فالتمسك به لا مجال له لما ذكرنا من أنه حكمة التشريع
وليس من قبيل علة الحكم وإلا فكان الواجب إجرائها في كل مركب عبادة كانت
أو معاملة في أجزائها وشرائطها ومقدماتها الخارجية وأصل وجود كل شئ يكون
للحكم بوجوده أثر شرعي مركبا كان أو بسيطا وليس الامر كذلك قطعا.
وتقدم الكلام في هذا الموضوع عندما تكلمنا في جريان هذه القاعدة وعدمه في
سائر المركبات غير الصلاة والمقدمات الخارجية للصلاة واخترنا عدم الجريان.
العاشر: في أنه وردت روايات فيها الامر بالادراج أي التخفيف في الصلاة كي لا
يقع في الشك كثيرا وكذلك الامر بالاحصاء بالحصى لأجل هذه الجهة وكذلك
استحسان التخفيف في الصلاة من أجل السهو فهل هذه الأمور واجبة أم لا؟
فالأول: أي الامر بالادراج كما في خبر الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
السهو؟ قلت: فإنه يكثر علي فقال عليه السلام: " أدرج صلاتك إدراجا " قلت: وأي شئ
الادراج؟ قال: " ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود " 1.
وأما الثاني: فكما في خبر حبيب الخثعمي قال: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام كثرة
السهو في الصلاة فقال: " أحص صلاتك بالحصى " أو قال: " احفظها بالحصى " 2.
والثالث: كما عن الحلبي أيضا في خبره الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ينبغي
تخفيف الصلاة من أجل السهو " 3.
والاحتمالات في هذه الروايات إما الحمل على الارشاد من دون أن يكون أمر

(1) " الكافي " ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته كلها...، ح 9، " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 344، ح
1425، باب أحكام السهو، ح 13، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 335، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب
22، ح 3.
(2) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 348، ح 1444، باب أحكام السهو، ح 32، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 343،
أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 28، ح 1.
(3) " الفقيه " ج 1، ص 567، باب نوادر الصلوات، ح 1566، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 335، أبواب الخلل
الواقع في الصلاة، باب 22، ح 2.
368

مولوي في البين ولو استحبابيا أو الحمل على الاستحباب أو الحمل على بعض
مراتب الشك النازلة عن مرتبة كثير الشك المأمور بعدم الاعتناء بذلك الشك وذلك
لان الاحصاء والتخفيف نوع اعتناء.
أما الحمل على الوجوب المولوي فلا يلائم مع قوله عليه السلام في رواية الحلبي الثانية
" ينبغي " لان كلمة " ينبغي " ظاهرة في عدم الوجوب بل وكذلك كلمة " لا بأس " في
خبر المعلي سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له: إني رجل كثير السهو فما احفظ صلاتي إلا
بخاتمي أحوله من مكان إلى مكان؟ فقال عليه السلام: " لا بأس " 1.
والظاهر من هذه الاحتمالات هو الارشاد إلى طريق تسلم صلاته من وقوع الخلل
والنقصان فيها.
الجهة الثالثة
في بيان نسبة هذه القاعدة مع الأدلة الأولية وموارد تطبيقها
فنقول: أما نسبتها مع الأدلة الأولية فهي الحكومة من جهة أن المراد من الأدلة
الأولية في المقام هي الأدلة التي مفادها ترتب حكم على الشك ففي الشك في عدد
الركعات عبارة عن الأدلة التي مفادها البناء على الأكثر ثم تدارك ما احتمل نقصه
بصلاة الاحتياط وفي الشك في أفعال الصلاة من الاجزاء والشرائط عبارة عن الأدلة
التي مفادها إتيان المشكوك إذا كان الشك في المحل.
ودليل القاعدة لو كان نفي الشك عن كثير الشك كما هو المشهور والمتداول في
الألسنة لكانت حكومته على الأدلة الأولية في جانب الموضوع واضحة لان موضوع
الأدلة الواقعية هو الشك إما الشك في عدد الركعات أو الشك في الافعال لكن قبل

(1) " الفقيه " ج 1، ص 255، باب ما يصلي فيه وما لا يصلي فيه من الثياب...، ح 781، " وسائل الشيعة " ج 5،
ص 343، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 28، ح 2.
369

تجاوز المحل، ودليل القاعدة يرفع الشك تعبدا وهو معنى الحكومة بالتضييق في جانب
الموضوع من الأقسام الثمانية للحكومة.
وقد شرحنا الحكومة وأقسامها في كتابنا " منتهى الأصول " 1 ومن أراد فيراجع.
ولكن لم نجد في أدلة القاعدة وأخبار الباب ما يكون لسانه نفي الشك عن كثير
الشك صريحا وإنما الموجود في أخبار الباب التي هي أدلة عدم الاعتناء بشك كثير
الشك ثلاث عبارات: أحدها: " يمضي في شكه ". ثانيهما: " امض في صلاتك " أو
" فليمض في صلاته " بصورة أمر الحاضر تارة وأمر الغائب أخرى. ثالثها: " يمضي في
صلاته " بصورة الجملة الخبرية.
والفرق بين الثالث والأول هو أن الأول كانت العبارة " يمضى في شكه " والثالث
" يمضي في صلاته " وإلا فالاثنان بصورة الجملة الخبرية والمستفاد من العبارات
الثلاث هو المضي وعدم الاعتناء بالشك إذا كان كثير الشك فإذا كان معنى المضي
وعدم الاعتناء بالشك هو نفي الشك ورفعه في عالم التشريع فتكون هذه الأخبار -
التي هي أدلة القاعدة - حاكمة على الأدلة الأولية.
وأما إذا كان معناه رفع حكم الشك عن كثير الشك بدون تصرف في كونه شاكا
ولو تعبدا فيكون تخصيصا لا حكومة والظاهر هو الأول.
وأما موارد تطبيقها: أما بطور الاجمال: ففي كل مورد شك في أي جزء من أجزاء
الصلاة أو شرائطها أو أي مقدمة من مقدماتها الداخلية وكان الشك فبل تجاوز المحل
الذي مقتضى القواعد الأولية لزوم تداركها فإذا كان كثير الشك لا يعتنى بشكه
ويمضي في شكه. وكذلك في عدد الركعات لا يعتني بشكه ويمضي في صلاته بمعنى ما
ذكرنا من أنه يبني على عدم ما يضر وجوده بالصحة وعلى وجود ما يضر عدمه بها
فهذا هو معنى المضي في صلاته وهذا هو البناء على الصرفة.

(1) " منتهى الأصول " ج 2، ص 535.
370

وأما بطور التفصيل: فقد يكون الشك في عدد الركعات وقد يكون في الافعال.
أما الأول: فلو شك في صلاة الصبح مثلا بين الواحد والاثنين بمعنى أن ما بيده هل
هي الركعة الأولى أو الثانية وحيث أن مرجع هذا الشك إلى احتمال عدم الاتيان
بالثانية وأيضا حكم الشك في الثنائية والثلاثية كالصبح والمغرب هو البطلان فمعنى
عدم اعتنائه بشكه لأنه كثير الشك فرض الشك كالعدم فبطلان الصلاة الذي كان
حكم الشك يرتفع بارتفاع موضوعه في عالم التشريع.
وأيضا معنى رفع هذا الشك تعبدا وفي عالم التشريع يرجع إلى رفع احتمال عدم
الثانية وهذا معناه وجود الثانية تعبدا فلو شك في صلاة الصبح بين الواحد والاثنين
فالصلاة ليست باطلة بل يجب عليه أن يبني على الاثنتين ويتم الصلاة.
ولا فرق في كون حدوث هذا الشك في حال الجلوس أي بعد رفع الرأس عن
السجدة الثانية أو كان في حال القيام.
ولو كان هذا الشك - أي الشك بين الواحد والاثنتين - في صلاة المغرب أيضا
يكون الامر كما ذكرنا في صلاة الصبح أي هذه القاعدة ترفع البطلان واحتمال عدم
الثانية فيجب عليه البناء على صحة الصلاة والاثنتين.
وأما لو كان هذا الشك في غير صلاة الصبح وغير المغرب أي كان في الرباعيات
وحيث أن حكم الشك أيضا فيها البطلان - لان الشكوك الصحيحة في الرباعيات بعد
إحراز الاثنتين وبعد إكمال السجدتين - فالامر كما في صلاة الصبح والمغرب أي ترفع
هذه القاعدة كلا الامرين من البطلان واحتمال عدم الثانية فالصلاة صحيحة ويبني
على الاثنتين.
هذا كله فيما إذا كان شك كثير الشك بين الواحد والاثنين.
واما لو كان بين الاثنين والثلاثة فإن كان في صلاة الصبح فيبني على الاثنين بناء
على ما ذكرنا من أن مفاد القاعدة رفع احتمال العدم إذا كان العدم مضرا ورفع احتمال
371

الوجود إذا كان الوجود مضرا لان هذا معنى المضي وعدم الاعتناء بالشك وحيث أن
في صلاة الصبح وجود الثالثة مضر فهذا الاحتمال ملغي فيبنى على الاثنين والصحة أما
الاثنين لما ذكرنا من أن احتمال وجود الثالثة حيث أنه مضر فملغا. وأما الصحة فلان
حكم الشك في الثنائية - أي صلاة الصبح - والثلاثية - أي صلاة المغرب - هو
البطلان فهده القاعدة ترفع هذا الحكم برفع موضوعه تعبدا وفي عالم التشريع.
وأما إن كان هذا الشك - أي بين الاثنين والثلاث - في صلاة المغرب فيبني على
الثلاث والصحة أما الصحة فلما ذكرنا في صلاة الصبح عينا واما البناء على الثلاث
فلان هاهنا احتمال العدم مضر فيبني عل وجودها فهذا الشك في صلاة المغرب يكون
بعكس صلاة الصبح لأنه كان في الصبح يبني على الاثنين وفي المغرب يجب البناء
على الثلاث لما ذكرنا من أنه يجب البناء على الصرفة لان المتفاهم العرفي من " يمضي
في صلاته " أو " يمضي في شكه " هو هذا المعنى.
وأما لو كان هذا الشك - أي بين الاثنتين والثلاث - بعد إكمال السجدتين في
الرباعيات كالظهر والعصر والعشاء فحيث أن حكم الشك ليس فيها البطلان فهذه
القاعدة لا تثبت الصحة لأنها صحيحة مع قطع النظر عن هذه القاعدة وأيضا ليس
أثر هذه القاعدة في هذه الصورة هو البناء على الثلاث فقط لان هذا أيضا كان مع
قطع النظر عن هذه القاعدة فالمرفوع بهذه القاعدة في هذه الصورة هو وجوب صلاة
الاحتياط لأنه كان أثر هذا الشك لو لم يكن كثير الشك فيرتفع هذا الأثر بهذه
القاعدة.
وأما إذا شك بين الثلاث والأربع فإن كان في صلاة الصبح وكان بعد الدخول في
الركوع فهي باطلة لزيادة الركوع بل الركعة يقينا. واما إن كان قبل الدخول في
الركوع فيجب عليه هدم القيام لعدم كون هذا القيام من الصلاة قطعا وإنما هو زيادة
سهوية فلا يضر من هذه الجهة وبعد هدمه القيام يرجع شكه إلى ما بين الاثنتين
والثلاث بعد إكمال السجدتين وحكم هذا الشك وإن كان في حد نفسه هو البطلان
372

لأنه شك في الثنائية - أي صلاة الصبح - ولكن حيث أنه كثير الشك فيرتفع الحكم
ببطلان هذه الصلاة لحكومة هذا القاعدة على ذلك الدليل.
ولما ارتفع الحكم بالبطلان فاحتمال الثلاثة أيضا يرتفع بهذه القاعدة لان وجودها
مضر لصلاة الصبح فإذا ارتفع احتمال الثلاثة بحكم الشارع فالنتيجة صحة الصلاة
والبناء على الاثنتين.
وأما إذا كان هذا الشك في صلاة المغرب ولما كان حكم الشك فيها هو البطلان
كصلاة الصبح فيرتفع بهذه القاعدة، ولما كان احتمال الأربعة مضرا فهو أيضا يرتفع
فالنتيجة صحة الصلاة والبناء على الثلاث.
وأما لو كان هذا الشك في الرباعيات - أي صلاة الظهر أو العصر أو العشاء -
فحيث أن حكم الشك في نفسه مع قطع النظر عن كونه كثير الشك هي الصحة فمن
هذه الجهة لا أثر لكونه كثير الشك كما أن حكم الشك في هذه الصورة هو البناء على
الأربع فمن هذه الجهة أيضا غير كثير الشك وكثير الشك متوافقان لما قلنا أن معنى
عدم الاعتناء بالشك والمضي فيه هو البناء على وجود ما يكون عدمه مضرا فاللازم
البناء على وجود الرابعة فمن هاتين الجهتين لا فرق بينهما وهما متوافقان.
نعم الفرق بينهما أن في الشك المتعارف يجب أن يأتي بصلاة الاحتياط منفصلا
ومستقلا لتدارك ما احتمل فوته وهذا كمال الاعتناء بالشك ففي كثير الشك الذي
حكم الشارع بعدم الاعتناء بالشك لا يجب عليه شئ أصلا وهذا الحكم - أي
وجوب صلاة الاحتياط - مرفوع عنه.
وأما الشك بين الأربع والخمس ففي صلاة الصبح والمغرب موجب للبطلان قطعا
ووجهه واضح في الشك المتعارف وكثير الشك نعم لو كان في حال القيام يمكن أن
يقال بوجوب هدم القيام في صلاة المغرب لان هذا القيام ليس من الصلاة قطعا فإذا
هدم يرجع الشك إلى ما بين الثلاث والأربع فيبني في كثير الشك على الثلاث ويلغي
373

احتمال الرابعة لان وجودها مضر كما تقدم شرحه واما في الشك المتعارف فالصلاة
باطلة ووجهه معلوم.
ومما ذكرنا عرفت أنه لو كان أحد طرفي الشك أو أحد أطرافه هو الأربع والطرف
الآخر أي عدد كان زائدا على الأربع وكان في حال القيام فالعلاج هدم القيام
وتصحيح الصلاة إذا كان كثير الشك في صلاة المغرب وأما في الرباعيات فيبني على
الأربع في أي حال كان إذا كان كثير الشك. وأما في الشك المتعارف فقد تقدم الكلام
فيه في قاعدة البناء على الأكثر.
هذا كله في الشك في عدد الركعات.
وأما الثاني: أي الشك في الافعال: فكذلك أيضا يجب عليه عدم الاعتناء بشكه
والبناء على وجود المشكوك إن كان عدمه مضرا والبناء على عدمه إن كان وجوده
مضرا فلو شك في أنه كبر وكان كثير الشك يبني على أنه كبر تكبيرة الاحرام ولا
يجوز له أن يكبر ثانيا بقصد تكبيرة الاحرام لأنها زيادة عمدية مبطلة. نعم لو أتى
بها من باب الاحتياط وبرجاء إدراك الواقع ثم تبين أنه لم يأت بها فالظاهر أن
صلاته صحيحة ولا تجب الإعادة.
ولو شك في أنه قرأ فاتحة الكتاب أو السورة فإن كان الشك في فاتحة الكتاب قبل
الدخول في السورة والشك في السورة كان قبل الدخول في الركوع في الركعة الأولى
أو قبل الدخول في القنوت في الركعة الثانية - وبعبارة أخرى كان قبل تجاوز المحل -
فيبني على وجود المشكوك إذ عدمه مضر بالصحة فيبني على وجوده وإن كان الشك
في المحل.
ولو شك في الركوع فيبني على إتيانه وإن كان في المحل لعين ما ذكرنا من وجوب
عدم اعتناء كثير الشك بشكه مضافا إلى ورود النص في المقام وفي الشك في السجود
بقوله عليه السلام في موثق عمار عن الصادق عليه السلام: " لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى
374

يستيقن يقينا " 1.
ولو شك في السجود سواء أكان المشكوك سجدة واحدة أو سجدتين يبني على
الاتيان. وقد عرفت آنفا النهي عن الاتيان بها أو بهما ثانيا في خبر عمار وهكذا الحال
لو شك في التشهد والتسليم أو في جزء منهما بعين ذلك الدليل.
ولو شك في وجود مانع كالتكلم بكلام الآدمي أو تنجس بدنه أو لباسه مثلا أو
وجود حدث أو استدبار مثلا وكان كثير الشك فيبني على عدمه لان هذا معنى عدم
الاعتناء بالشك والمضي فيه حسب المتفاهم العرفي لان العرف يفهم من عدم الاعتناء
بالشك والمضي فيه أن ما هو مشكوك الوجود إذا كان شئ مضر وجوده يبني على
عدمه وإذا كان مضرا عدمه يبني على وجوده وبعبارة أخرى: معنى عدم الاعتناء
إلغاء احتمال المضر.
هذا في الاجزاء والموانع والقواطع.
أما الشرائط: فالداخلية منها حالها حال الاجزاء فلو شك كثير الشك في الستر
أو طهارة البدن أو اللباس أو الاستقبال أو الجهر في الجهرية أو الاخفات في
الاخفاتية أو الموالاة أو الترتيب أو غير ذلك من الشرائط الداخلية فيبني على
وجودها فان هذا معنى المضي في الصلاة وعدم اعتنائه بشكه.
وأما الشرائط الخارجية: والمراد بها ما يكون لها وجود مستقل في خارج الصلاة
كالوضوء والغسل والتيمم مقابل الشرائط الداخلية التي ليس لها وجود مستقل
خارج الصلاة مثلا الوقت الذي من شرائط الصلاة عبارة عن كون صلاة الظهر
والعصر بين الحدين أي بين زوال الشمس عن دائرة نصف النهار وبين استتارها في
الأفق أو ارتفاع الحمرة المشرقية إلى ما فوق الرأس وهذا المعنى لا يمكن أن يوجد

(1) " تهذيب الأحكام " ج 2، ص 153، ح 604، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة...، ح 62، " الاستبصار " ج
1، ص 362، ح 1372، باب من شك فلم يدر واحدة سجد أم اثنتين، ح 5، " وسائل الشيعة " ج 5، ص 330،
أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 16، ح 5.
375

إلا في نفس الصلاة.
فان قلنا بعدم شمول هذه القاعدة لها فلا كلام وان قلنا بشمولها لها إذا كان الشك
فيها في حال الصلاة، مثلا إذا شك أنه تطهر عن الحدث الأكبر بالغسل أو التيمم كل
واحد منهما في محله أو تطهر عن الحدث الأصغر بالوضوء أو التيمم كل في محله
أيضا وكان شكه هذا في حال اشتغاله بالصلاة فيبني على وجودها لشمول قوله عليه السلام:
" يمضي في صلاته " أو " يمضي في شكه " لمثل هذه الشروط الخارجية لكن في حال
الصلاة لأنه في ذلك الحال يشبه الشروط والمقدمات الداخلية ولها بالنسبة إلى
الصلاة وجود تبعي.
وبعبارة أخرى: الشروط الخارجية بالمعنى الذي ذكرنا لها في حال الصلاة ترجع
تقريبا إلى الشروط الداخلية فيلحقها حكمها تبعا لان معنى شكه في الوضوء في حال
الصلاة هو أن صلاته مع الطهارة أم لا غاية الأمر أنه من أوصاف المصلي مثل ستر
العورة والاستقبال. نعم لو شك قبل الصلاة في أنه تطهر من الحدث الأكبر أو الأصغر
فلا تشمله القاعدة كما تقدم الكلام فيها فلا نعيد.
تنبيهان
التنبيه الأول: هو أن هذا الحكم - أي حكم الشارع بوجوب عدم اعتناء كثير
الشك بشكه والمضي في صلاته بمعنى أنه لو شك في وجود جزء أو شرط يبني على
وجوده ولا يعتنى باحتمال عدمه وانه لو شك في وجود مانع أو قاطع يبني على عدمه
ولا يعتني باحتمال وجوده - حكم ظاهري فإذا بنى على الوجود فظهر وتبين عدم
وجوده أو بني على العدم فتبين وجوده فيعمل بمقتضى ما ظهر وتبين.
فإن كان ما بنى على وجوده وظهر خلافه ركنا من الأركان ولم يبق محل تداركه
فصلاته باطلة لان نقيصة الركن عمدا وسهوا موجبة للبطلان.
376

وأما إن لم يكن ركنا فإن كان محل تداركه باقيا يجب عليه إن يتدارك ما فات وان
لم يكن باقيا فإن كان مما فيه القضاء فيجب عليه القضاء وإن كان مما فيه سجدة
السهو فيجب عليه سجدتا السهو وإلا فلا شئ عليه ولا إعادة لحديث " لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة " 1.
وأما إن بنى على العدم فبان وجوده يعمل بمقتضى وجوده كل ذلك من جهة أن
مفاد هذه القاعدة حكم ظاهري والحكم الظاهري - كما حققناه في كتابنا " منتهى
الأصول " في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي 2 - حكم إثباتي لا ثبوت ولا واقع
له وهو كسراب يحسبه الجاهل حكما ولذلك قلنا في مبحث الاجزاء أنه لا يفيد
الاجزاء. والحق ما أفاده الشيخ الشهيد قدس سره أن القول بالاجزاء ملازم مع القول
بالتصويب.
التنبيه الثاني: إذا كان كثير الشك في شئ لاحكم له، إما من جهة كون الشك فيه
بعد تجاوز المحل وإما من جهة قيام أمارة على لزوم عدم الاعتناء بذلك الشك،
فالأول: كما إذا كان شكه وكثرته في السجدة الثانية دائما بعد الدخول في التشهد.
والثاني: كما لو كانت كثرة شك الامام أو المأموم في جزء مثلا مع حفظ الآخر فاتفق
في الأول وقوع شكه في ذلك الشئ - أي السجدة الثانية مثلا قبل التشهد - وفي الثاني
لو شك الامام مثلا من باب الاتفاق في جزء مع عدم حفظ من خلفه عليه فهل يجب
الاعتناء بهذا الشك - لعدم كونه كثير الشك في هذا الشك بالخصوص وما كان فيه
كثير الشك لم يكن له حكم - أم لا يجب الالتفات والاعتناء بهذا الشك؟ لكونه كثير
الشك في هذا الجزء ولو في غير هذا الحال أي في غير عدم التجاوز في الأول
وفي حال عدم الحفظ في الثاني وجوه وأقوال.
قول بالالتفات مطلقا، وقول بالعدم مطلقا، وقول بالتفصيل بين القسمين، ففيما كان

(1) تقدم تخريجه في ص 303، رقم (2).
(2) " منتهى الأصول " ج 2، ص 535.
377

من قبيل القسم الأول أي لا حكم له في حد نفسه يجب الالتفات، فإذا اتفق وقوع
الشك لكثير الشك في ذلك الجزء قبل تجاوز المحل يجب عليه أن يأتي به.
وأما فيما إذا كان من القسم الثاني، أي فيما إذا كانت أمارة على إلغاء الشك وعدم
الاعتناء به فلا يجب الالتفات إليه.
واختار شيخنا الأستاذ قدس سره هذا التفصيل - معللا بأن الشك في القسم الأول نوعان
بخلاف القسم الثاني - وهو عجيب، والظاهر هو عدم الاعتناء مطلقا لكونه كثير
الشك.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
378