الكتاب: الشرح الكبير
المؤلف: عبد الرحمن بن قدامه
الجزء: ٧
الوفاة: ٦٨٢
المجموعة: فقه المذهب الحنبلي
تحقيق:
الطبعة: جديدة بالأوفست
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: بعناية جماعة من العلماء

الشرح الكبير
على متن المقنع تأليف الشيخ الإمام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد
بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 682 ه‍.
كلامهما على مذهب إمام الأئمة (أبي عبد الله أحمد بن محمد بن
حنبل الشيباني) مع بيان الخلاف سائر الأئمة وأدلتهم رضي الله عنهم
الجزء السابع
دار الكتاب العربي
للنشر والتوزيع
1

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الفرائض
وهي قسمه المواريث روى أبو داود باسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة " وعن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شئ ينزع من أمتي " أخرجه ابن
ماجة ويروى عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تعلموا الفرائض وعلموه الناس فاني امرؤ مقبوض وان العلم سيقبض
حتى يختلف الرجلان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما " وروى سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن
الأعمش عن إبراهيم قال قال عمر تعلموا الفرائض فإنها من دينكم وعن جرير عن عاصم الأحول عن
مورق العجلي قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلموا الفرائض واللحن والسنة كما تعلمون القرآن
وقال ثنا أبو الأحوص ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال من تعلم القرآن فليتعلم
2

الفرائض وروى جابر بن عبد الله قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد
فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وان عمهما أخذ مالهما
ولا ينكحان الا ولهما مال فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما قال " أعط ابنتي سعد الثلثين
وأمهما الثمن وما بقي فهو لك " رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه الترمذي وأبو داود
(مسألة) (وأسباب التوارث ثلاثة رحم ونكاح وولاء لا غير)
لأن الشرع ورد بالتوارث بها بقوله تعالى (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقوله
سبحانه (يوصيكم الله في أولادكم) وقوله (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ولهن - الربع مما تركتم)
الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " وعنه انها تثبت بالموالاة والمعاقدة لقول الله تعالى (والذين
عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) والموالاة كالمعاقدة وباسلامه على يديه روي ذلك عن عمر رضي الله عنه
لما روى راشد بن سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أسلم على يديه رجل فهو مولاه ويرثه ويدي عنه "
رواه سعيد وروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أسلم على يده رجل فهو مولاه يرثه ويدي
عنه " وعن تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين؟
فقال " هو أولى الناس بمحياه ومماته " رواه سعيد في سننه ورواه الترمذي وقال لا أظنه متصلا
3

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " فأما أحاديثهم فحديث راشد مرسل وحديث
أبي أمامة فيه معاوية الصدفي وهو ضعيف، وحديث تميم ليس بصريح في الميراث وقيل يثبت بكونهما
من أهل الديوان ولا عمل عليه، وهذا كان في بدء الاسلام ثم نسخ بقوله تعالى (وأولو الأرحام
بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)
(فصل) إذا مات الانسان بدئ بتكفينه وتجهيزه مقدما على ما سواه كما يقدم المفلس بنفقته
على ما سواه، ثم تقضى ديونه لقوله سبحانه (من بعد وصية يوصى بها أو دين) قال علي رضي الله عنه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الدين قبل الوصية ولان الدين تستغرقه حاجته فقدم كمؤنة تجهيزه ثم تنفذ
وصيته للآية ثم ما بقي قسم على الورثة للآيات الثلاث المذكورة في سورة النساء
(مسألة) (والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابنه وان نزل والأب وأبوه وان
علا والأخ من كل جهة وابن الأخ من الأم والعم وابنه كذلك والزوج ومولى النعمة، ومن النساء
سبع: البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والمرأة ومولاة النعمة)
أكثر هؤلاء ثبت توريثهم بالكتاب والسنة، فالابن والبنت ثبت ميراثهما بقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين ويدخل في ذلك ولدا لابن والأبوان بقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس
4

والجد يحتمل أن يتناوله هذا النص كما دخل ولد الابن في عموم أولادكم، والأخ والأخت من الأبوين
أو الأب ثبت ارثهما بقوله سبحانه (وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد) والأخ
والأخت من الأم ثبت ارثهما بقوله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس وأما ابن
الأخ للأبوين أو للأب والعم وابنه وعم الأب وابنه فثبت ميراثهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أبقت الفروض
فلاولى رجل ذكر " ولم يدخل فيهم ولد الأم ولا العم للام ولا ابنه ولا الخال ولا أبو الأم لأنهم ليسوا
من العصبات. وأما المولى المعتق والمولاة فثبت ارثهما بقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق "
والجدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس، والزوج ثبت ارثه بقوله تعالى (ولكم نصف
ما ترك أزواجكم) والزوج بقوله تعالى (ولهن الربع مما تركتم) الآية، وجميعهم ذووا فرض وعصبة
فالذكور كلهم عصبات الا الزوج والأخ من الأم والأب والجد مع الابن، والإناث كلهن إذا انفردن
عن اخوتهن ذوات فروض الا المعتقة والا الأخوات مع البنات. ومن لا يسقط بحال خمسة: الزوجان
والأبوان وولد الصلب لأنهم يمتون بأنفسهم من غير واسطة بينهم وبين الميت يحجبهم، ومن سواهم من
الوارث إنما يمت بواسطة سواه فيسقط بمن هو أولى بالميت منه
(مسألة) (والوارث ثلاثة ذوو فرض وعصبات وذوو رحم.)
5

باب ميراث ذوي الفروض
وهم عشرة الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنت وبنت الابن والأخت من كل جهة والأخ
من الأم فللزوج النصف إذا لم يكن للميتة ولد ولا ولد ابن والربع إذا كان معه أحدهما، وللزوجة الربع مع
عدم الولد وولد الابن والثمن مع أحدهما، وهذا اجماع من أهل العلم لقول الله تعالى (ولكم نصف
ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين
ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين)
وولد الابن ولد بدليل قوله تعالى يا بني آدم ويا بني إسرائيل وإنما جعل لجماعة الزوجات مثل الواحدة لأنه لو جعل
لكل واحدة الربع وهن أربع لأخذن جميع المال وزاد فرضهن على فرض الزوج، ومثل هذا في
الجدات للجماعة مثل ما للواحدة لأنه لو أخذت كل واحدة السدس لأخذن النصف إذا كن ثلاثة
وزدن على ميراث الجد. فأما سائر أصحاب الفروض كالبنات وبنات الابن والأخوات المتفرقات كلهن
فإن لكل جماعة منهن مثل ما للابنتين على ما يذكر في موضعه وزدن على فرض الواحدة لأن الذكر
الذي يرث في درجتهن لا فرض له الا ولد الأم فإن ذكرهم وأنثاهم سواء لأنهم يرثون بالرحم
وقرابة الأم المجردة.
6

(فصل) قال رضي الله عنه (وللأب ثلاثة أحوال حال يرث فيها بالفرض المجرد وهي مع ذكور
الولد أو ولد الابن ويرث السدس والباقي للابن ومن معه)
لا نعلم في هذا خلافا لقول الله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد)
(وحال) يرث فيها بالتعصيب المجرد وهي مع عدم الولد وولد الابن فيأخذ المال ان انفرد، وإن كان معه
ذو فرض غير الولد كزوج أو أم أو جدة فلذي الفرض فرضه وباقي المال له لقول الله تعالى (فإن لم يكن
له ولد وورثة أبواه فلأمه الثلث أضاف الميراث إليهما ثم جعل للأم الثلث فكان الباقي للأب ثم قال
(فإن كان له اخوة فلأمه السدس) فجعل للام مع الاخوة السدس ولم يقطع إضافة الميراث إلى الأبوين
ولا ذكر للاخوة ميراثا فكان الباقي كله للأب (الحال الثالث) يجتمع له الفرض والتعصيب وهي مع
إناث الولد أو ولد الابن فيأخذ السدس لقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما
ترك إن كان له ولد) ولهذا كان للأم السدس مع البنت اجماعا ثم يأخذ ما بقي بالتعصيب لما روى ابن
عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر "
متفق عليه والأب أولى رجل بعد الابن وابنه وهذا كله مجمع عليه ليس فيه خلاف نعلمه
(فصل) (قال وللجد ثلاثة أحوال الأب الثلاثة إلا أنه يسقط بالأب لا يدلي به ويسقط عن رتبة
الأب في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فيفرض للام فيهما ثلث جميع المال وله حال رابع مع الاخوة
7

والأخوات من الأبوين والأب فإنه يقاسمهم كأخ إلا أن يكون الثلث خيرا له فيأخذه والباقي لهم، فإن
كان معهم ذو فرض أخذ فرضه ثم للجد الا حظ من المقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس جميع
المال وسوف نذكر الاختلاف فيه إن شاء الله تعالى، فروى أبو داود باسناده عن عمران بن حصين
أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن ابن ابني مات فمالي من ميراثه؟ قال لك السدس فلما أدبر دعاه فقال إن لك
سدسا آخر فلما أدبر دعاه فقال إن لك السدس الآخر طعمة " قال قتادة فلا ندري مع أي شئ ورثه قال قتادة
أقل شئ ورث الجد السدس وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال أيكم يعلم ما ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم
الجد؟ فقال معقل بن يسار أنا ورثه رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس قال مع من؟ قال لا أدري قال
لا دريت فما يغنى إذا رواه سعيد في سننه. قال أبو بكر بن المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب. وانزلوا الجد في الحجب
والميراث منزلة الأب في جميع المواضع إلا في ثلاثة أشياء (أحدها) زوج وأبوان (والثانية) زوجة وأبوان
للام ثلث الباقي فيهما مع الأب وثلث جميع المال مع الجد (والثالثة) اختلفوا في الجد مع الاخوة
والأخوات للأبوين أو للأب ولا خلاف بينهم في اسقاط بني الاخوة وولد الأم ذكرهم وأنثاهم، فذهب
الصديق رضي الله عنه إلى أن الجد يسقط جميع الاخوة والأخوات من جميع الجهات كما يسقطهم
الأب وبه قال ابن عباس وابن الزبير وروي ذلك عن عثمان وعائشة وأبي بن كعب وأبي الدرداء
ومعاذ بن جبل وأبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهم، وحكي أيضا عن عمران بن حصين وجابر بن عبد الله وأبي
8

الطفيل وعبادة بن الصامت وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وبه قال قتادة وإسحاق وأبو ثور ونعيم
ابن حماد وأبو حنيفة والمزني وابن شريح وابن اللبان وداود وابن المنذر وكان علي بن أبي طالب
وابن مسعود وزيد بن ثابت يورثونهم معه ولا يحجبونهم به وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو
يوسف ومحمد لأن الأخ ذك يعصب أخته فلم يسقطه الجد كالابن ولان ميراثهم ثبت بالكتاب فلا يحجبون
إلا بنص أو إجماع أو قياس وما وجد شئ من ذلك فلا يحجبون ولأنهم تساووا في سبب الاستحقاق
فيتساوون فيه، فإن الأخ والجد يدليان بالأب الجد أبوه والأخ ابنه وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة
الأبوة بل ربما كانت أقوى منها، فإن الابن يسقط تعصيب الأب ولذلك مثله علي رضي الله عنه بشجرة
أنبتت غصنا فانفرق منه غصنان كل منهما أقرب منه إلى أصل الشجرة، ومثله زيد بواد خرج منه نهر
وانفرق منه جد ولان كل واحد منهما إلى الآخر أقرب منه إلى الوادي، واحتج من ذهب مذهب أبي
بكر رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر "
متفق عليه والجد أولى من الأخ بدليل المعنى والحكم، اما المعنى فإن له قرابة إيلاد وبعضية كالأب وأما
الحكم فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ دونه ولا يسقطه أحد إلا الأب، والأخ والأخوات
يسقطون بثلاثة، ويجمع له بين الفرض والتعصيب كالأب وهم ينفردون بواحد منهما، ويسقط ولد الأم،
9

وولد الأب يسقطون بهم بالاجماع إذا استغرقت الفروض المال وكانوا عصبة. وكذلك ولد الأبوين في
المشركة عند الأكثرين ولأنه لا يقتل بقتل ابن ابنه ولا يحد بقذفه ولا يقطع بسرقة ماله وتجب عليه
نفقته ويمنع من دفع زكاته إليه كالأب سواء فدل ذلك على قربه، فإن قيل فالحديث حجة في تقديم
الأخوات لأن فروضهن في كتاب الله تعالى فيجب أن تلحق بهن فروضهن ويكون للجد ما بقي، فالجواب
أن هذا الخبر حجة في الذكور المنفردين وفي الذكور مع الإناث أو نقول هو حجة في الجميع، ولا
فرض لولد الأب مع الجد لأنهم كلالة، والكلالة اسم للوارث مع عدم الولد والوالد فلا يكون لهم معه
إذا فرض. حجة أخرى قالوا الجد أب فيحجب ولد الأب كالأب الحقيقي، ودليل كونه أبا قوله تعالى
(ملة أبيكم إبراهيم) وقول يوسف (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق) وقوله (كما أتمها على أبويك من
قبل إبراهيم وإسحاق) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا " وقال
" سام أبو العرب وحام أبو الحبش " وقال " نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا
وقال الشاعر
انا بني نهشل لا ندعي لأب * عنه ولا هو بالأبناء يشرينا
فوجب أن يحجب الإخوة كالأب الحقيقي يحقق هذا أن ابن الابن وان سفل يقوم مقام ابنه
في الحجب كذلك أبو الأب يقوم مقام ابنه ولذلك قال ابن عباس ألا يتقي الله زيد؟ يجعل ابن الابن
10

ابنا ولا يجعل أبا الأب أبا ولان بينهما إيلادا وبعضية وجزئية وهو يساوي الأب في أكثر أحكامه
فيساويه في هذا الحجب، يحققه أن أبا الأب وان علا يسقط بني الاخوة ولو كانت قرابة الأخ والجد
واحدة لوجب أن يكون أبو الجد مساويا لبني الأخ لتساوي درجة من أدليا به ولا تفريع على هذا
القول لوضوحه.
(فصل) واختلف القائلون بتوريثهم معه في كيفية توريثهم، فكان علي رضي الله عنه يفرض للأخوات
فروضهن والباقي للجد إلا أن ينقصه ذلك من السدس فيفرضه له، فإن كانت أخت لأبوين واخوة
لأب فرض للأخت النصف وقاسم الجد الاخوة فيما بقي إلا أن تنقصه المقاسمة من السدس فيفرضه
له فإن كان الاخوة كلهم عصبة قاسمهم الجد إلا السدس فإن اجتمع ولد الأب وولد الأبوين مع الجد
سقط ولد الأب ولم يدخلوا في المقاسمة ولا يعتد بهم، وان انفرد ولد الأب قاموا مقام ولد الأبوين
مع الجد، وصنع ابن مسعود في الجد مع الأخوات كصنع علي وقاسم به الاخوة إلى الثلث فإن كان
أصحاب الفرائض أعطي أصحاب الفرائض فرائضهم ثم صنع صنيع زيد في اعطاء الاحظ من المقاسمة
أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال، وعلي يقاسم به بعد أصحاب الفرائض إلا أن يكون أصحاب
الفرائض بنتا أو بنات فلا يزيد الجد على الثلث ولا يقاسم به، وقال بقول علي الشعبي والنخعي والمغيرة
ابن مقسم وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وذهب إلى قول ابن مسعود مسروق وعلقمة وشريح، فأما
مذهب زيد فهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح وذكره الخرقي وسنشرحه ان
11

شاء الله تعالى واليه ذهب أحمد وبه قال أهل المدينة والشام والثوري والأوزاعي
والنخعي والحجاج بن أرطأة ومالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو عبيد وأكثر أهل العلم.
فمذهب زيد في الجد مع الاخوة والأخوات للأبوين أو للأب أنه يقاسمهم كأخ الا أن يكون ثلث
المال أحظ له، فإن نقصته المقاسمة عن الثلث فله الثلث والباقي لهم، فعلى هذا إذا كان معه اخوان أو أربع
أخوات أو أخ وأختان فالثلث والمقاسمة سواء، فإن نقصوا عن ذلك فالمقاسمة أحظ له فقاسم به لا غير
وان زادوا فأعطه الثلث، فإن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه وكان للجد الاحظ من المقاسمة كأخ أو
ثلث الباقي أو سدس جميع المال، اما كونه لا ينقص عن سدس جميع المال فلانه لا ينقص عن ذلك مع
الولد الذي هو أقوى فمع غيرهم أولى، واما اعطاؤه ثلث الباقي إذا كان أحظ فلان له الثلث مع عدم
الفروض فما اخذ بالفروض كأنه معدوم قد ذهب من المال فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال
وأما المقاسمة فهي له مع عدم الفروض فكذلك مع وجودها، فعلى هذا متى زاد الاخوة عن اثنين أو
من يعدلهم من الإناث فلا حظ له في المقاسمة وان نقصوا عن ذلك فلا حظ له في ثلث الباقي ومتى
زادت الفروض عن النصف فلا حظ له في ثلث الباقي، وان نقصت عن النصف فلا حظ له في السدس
وإن كان الفرض النصف فقط استوى السدس وثلث الباقي، وإن كان الاخوة اثنين والفرض النصف
استوى المقاسمة وثلث الباقي وسدس جميع المال
12

(فصل) ولا ينقص الجد عن سدس المال أو تسميته إذا زادت السهام، هذا قول عامة أهل العلم الا
أنه روي عن الشعبي أنه قال إن ابن عباس كتب إلى علي في ستة اخوة وجد فكتب إليه اجعل الجد
سابعهم وامح كتابي هذا وروي عنه في سبعة أخوة وجد أن الجد ثامنهم وحكي عن عمران بن حصين
والشعبي المقاسمة إلى نصف سدس المال
ولنا ان الجد لا ينقص عن السدس مع البنين وهم أقوى ميراثا من الاخوة فإنهم يسقطون بهم فلان لا
ينقص عنه مع الاخوة أولى ولان النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجد السدس فلا ينبغي ان ينقص منه، وقولنا أو
تسميته إذا زادت السهام هو إذا عالت المسألة فإنه يسمى له السدس وهو ناقص عن السدس فإذا
كان زوج وأم وابنتان وجد له السدس ونعطيه سهمين من خمسة عشر وهما ثلثا الخمس
(مسألة) (فإن لم يفضل عن الغرض الا السدس فهو له ويسقط من معه من الاخوة والأخوات
كأم وابنتين وجد وأخت أو أخ)
فإن للأم السدس وللابنتين الثلثان يبقى السدس للجد ويسقط الاخوة الا في الأكدرية وهي
زوج وأم وأخت وجد فإن للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس ثم يقسم
13

سدس الجد ونصف الأخت بينهما على ثلاثة وتصح من سبعة وعشرين: للزوج تسعة وللأم ستة وللجد
ثمانية وللأخت أربعة ولا يعول من مسائل الجد غيرها، ولا يفرض لأخت مع جد الا في هذه المسألة
وتسمى الأكدرية سميت بذلك لتكديرها أصول زيد في الجد فإنه أعالها ولا عول عنده في مسائل
الجد وفرض للأخت معه ولا يفرض لأخت مع جد، وجمع سهامه وسهامها فقسمها بينهما ولا نظير
لذلك، وقيل سميت أكدرية لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا اسمه الاكدر فأفتى فيها على مذهب
زيد وأخطأ فيها فنسبت إليه، واختلف أهل العلم فيها فمذهب أبي بكر الصديق وموافقيه اسقاط الأخت
ويجعل للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للجد، وقال عمر وابن مسعود للزوج النصف وللأخت النصف
وللجد السدس وللأم السدس وعالت إلى ثمانية وجعلوا للأم السدس لكيلا يفضلوها على الجد، وقال
علي وزيد للزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس وأعالاها إلى تسعة ولم يحجبا
الأم عن الثلث لأن الله تعالى إنما حجبها بالولد والاخوة وليس ههنا ولد ولا اخوة، ثم إن عمر وعليا
وابن مسعود أبقوا النصف للأخت والسدس للجد وزيد ضم نصفها إلى سدس الجد فقسمه بينهما
لأنها لا تستحق معه الا بحكم المقاسمة، وإنما حمل زيدا على إعالة المسألة ههنا أنه لو لم يفرض للأخت
لسقطت وليس في الفريصة من يسقطها وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال ما قال ذلك زيد وإنما
قاس أصحابه على أصوله ولم يبين هو شيئا، فإن قيل فالأخت مع الجد عصبة والعصبة تسقط باستكمال
الفروض قلنا إنما يعصبها الجد وليس بعصبة مع هؤلاء بل يفرض له ولو كان مكان الأخت أخ لسقط
لأنه عصبة في نفسه ولو كان مع الأخت أخت أخرى أو أخ أو أكثر من ذلك لانحجبت الأم إلى
14

السدس وبقي لهما السدس فأخذوه ولم تعل المسألة، وأصل المسألة في الأكدرية ستة عالت إلى تسعة
وسهام الأخت والجد أربعة بينهما على ثلاثة لا تصح فتضرب ثلاثة في تسعة تكن سبعة وعشرين ثم
كل من له شئ من أصل المسألة مضروب في الثلاثة التي ضربتها في المسألة للزوج في ثلاثة
تسعة وللأم اثنان في ثلاثة ستة يبقى اثنا عشر بين الجد والأخت على ثلاثة للجد ثمانية وللأخت
أربعة، ويعايا بها فيقال أربعة ورثوا مالا فأخذ أحدهم ثلثه والثاني ثلث ما بقي والثالث ثلث ما بقي
والرابع ما بقي، ويقال امرأة جاءت قوما فقالت اني حامل فإن ولدت ذكرا فلا شئ له وان ولدت
أنثى فلها تسع المال وثلث تسعه، وان ولدت ولدين فلهما السدس ويقال أيضا ان ولدت ذكرا فلى
ثلث المال وان ولدت أنثى فلي تسعاه وان ولدت ولدين فلي سدسه وأنشد شيخنا في ذلك لنفسه
ماذا تقولون في ميراث أربعة * أصاب أكبرهم جزءا من المال
ونصف ذلك للثاني ونصفهما * لثالث ترب للخير فعال
ونصف ذلك مجموعا لرابعهم * فخبروني فهذي جملة الحال
أكبرهم الجد له ثمانية ونصفها للأخت أربعة ونصفهما ستة للام صارت ثمانية عشر ونصف الجميع
للزوج وذلك تسعة
15

(فصل) زوجة وأم وأخت وجد للزوجة الربع وللأم الثلث والباقي بين الأخت والجد على ثلاثة
أصلها من اثني عشر للزوجة ثلاثة وللأم أربعة يبقى خمسة بين الجد والأخت على ثلاثة، وتصح من
ستة وثلاثين، فإن كان مكان الأخت أخ فالباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة وعشرين، وان كانا أختين
قاسمهما وتصح من ثمانية وأربعين فإن كان أخ وأخت أو ثلاث أخوات حجبوا الأم إلى السدس
وقسموا الباقي بينهم على خمسة وصحت من ستين، فإن زادوا على ذلك استوى ثلث الباقي والمقاسمة
فافرض له ثلث الباقي واضرب المسألة في ثلاثة تكن ستة وثلاثين ويبقى له ولهم أحد وعشرون
يأخذ ثلثها سبعة والباقي لهم، فإن لم تصح عليهم ضربتهم ووفقهم في سته وثلاثين فما بلغ فمنه تصح فإن
كانوا من جهتين اختص بالباقي ولد الأبوين
(فصل) زوجة وأخت وجد وجدة فهي كالتي قبلها في فروعها الا في أن للجدة السدس مع الأخت
الواحدة والأخ الواحد، فإن كانوا أكثر من واحد فحكم الجدة والأم واحد، وان لم يكن معهم جدة
فهي من أربعة للزوجة الربع ويبقى ثلاثة للجد سهمان وللأخت سهم فإن كان معها أخت أخرى
فالباقي بينهم على أربعة وتصح من ستة عشر وإن كان مكانها أخ صحت من ثمانية فإن كان أخ وأخت أو ثلاث
أخوات فالباقي بينهم على خمسة وتصح من عشرين وان زادوا على هذه فاعطه ثلث الباقي سهما وأقسم الثاني
على الباقين، فإن كانوا من الجهتين فلا شئ لولد الأب لأن الباقي بعد نصيب الجد لا يزيد على النصف
وهو أقل فرض لولد الأبوين
16

(مسألة) (فإن لم يكن في الأكدرية زوج فهي أم وأخت)
وجد للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة للام ثلاثة وللجد أربعة
وللأخت سهمان وإنما سميت الخرقا لكثرة اختلاف الصحابة فيها فكان الافوال خرقتها قيل فيها سبعة
أقوال قول الصديق وموافقيه للأم الثلث وللجد الباقي، وقول زيد وموافقيه للأم الثلث والباقي بين الجد
والأخت على ثلاثة وقول علي للأخت النصف وللأم الثلث وللجد السدس، وعن عبد الله للأخت النصف
وللأم ثلث ما بقي وللجد الباقي وعن ابن مسعود للأم السدس والباقي للجد وهو مثل القول الأول في
المغني وعن ابن مسعود أيضا للأخت النصف والباقي بين الأم والجد نصفين فتكون من أربعة وهي
إحدى مربعات ابن مسعود وقال عثمان المال بينهم أثلاثا لكل واحد منهم ثلث وهي مثلثة عثمان وتسمى
المسبعة لأن فيها سبعة أقوال ومسدسة لأن معنى الأقوال يرجع إلى ستة وسأل الحجاج الشعبي عنها
فقال قد اختلف خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له عثمان وعليا وابن مسعود
وزيدا وابن عباس رضي الله عنهم
(مسألة) (وولد الأب كولد الأبوين في مقاسمة الجد)
إذا انفردوا لأنهم شاركوهم في بنوة الأب التي ساووا بها الجد فإذا اجتمعوا عاد ولد الأبوين الجد
17

بولد الأب ثم اخذوا ما حصل لهم هذا مذهب زيد واما علي وابن مسعود فإنهما يقاسمان به ولد الأبوين
ويسقطان ولد الأب ولا يعتدان به لأنه محجوب فلا يعتد به كولد الأم فإذا كان جد واخ من أب وأم
واخ لأب قسما المال في هذه المسألة بينهما نصفين وزيد يجعلها من ثلاثة للجد سهم ولكل أخ سهم ثم يرجع
الأخ من الأب والأم على ما في يد أخيه لأبيه فيأخذه وان شئت فرضت للجد ثلث المال والباقي للأخ
من الأبوين ومتى زاد الاخوة على اثنين فرضت للجد الثلث والباقي لولد الأبوين ووجه مذهب زيد ان
الجد والد فإذا حجبه اخوان وارثان جاز ان يحجبه أخ وارث واخ غير وارث كالأم ولان ولد الأب
يحجبونه إذا انفردوا فيحجبونه مع غيرهم كالأم ويفارق ولد الأم فإن الجد يحجبهم فلا ينبغي ان يحجبوه
بخلاف ولد الأب فإن الجد لا يحجبهم فجاز ان يحجبوه إذا أحجبهم غيره كما يحجبون الأم ان كانوا محجوبين
بالأب واما الأخ من الأبوين فإنه أقوى تعصيبا من الأخ من الأب فلا يرث معه شيئا كما لو انفرد عن الجد
فيأخذ ميراثه كما لو اجتمع ابن وابن ابن فإنه يحجبه ويأخذ ميراثه فإن قبل فالجد يحجب ولد الأم ولا
يأخذ ميراثهم والاخوة يحجبون الأم وان لم يأخذوا ميراثها قلنا الجد وولد الأم يختلف سبب استحقاقهم للميراث
وكذلك سائر من يحجب ولا يأخذ ميراث المحجوب وههنا سبب استحقاق الاخوة للميراث الاخوة
والعصوبة فأيهما قوي حجب الآخر واخذ ميراثه وقد مثلت هذه المسألة بمسألة في الوصايا وهي إذا
وصى لرجل يثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة وكان ثلث المال مائتين فإن الموصى
18

له بالمائة يزاحم صاحب الثلث بصاحب التمام في حال الرد فيقاسمه الثلث نصفين ثم يختص صاحب المائة
بها ولا يحصل لصاحب التمام شئ
(مسألة) (الا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ تمام النصف وما فضل فهو لهم ولا يتفق
هذا في مسألة فيها فرض غير السدس
لأن أدنى ما يأخذ الجد الثلث من الباقي والأخت النصف فالباقي بعدهما هو السدس فإذا كان جد
وأخت من أبوين وأخت من أب فالمال بينهم على أربعة للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم رجعت الأخت
من الأبوين على أختها لأبيها فأخذت ما في يدها جميعه لتستكمل النصف لأن المقاسمة ههنا أحظ للجد من
ثلث المال فإن كان معهم أخ من أب فللجد الثلث وللأخت النصف يبقى للأخ وأخته السدس بينهما على ثلاثة
وتصح من ثمانية عشر وتستوي ههنا المقاسمة وثلث المال
(مسألة) (فإن كان معهم أم فلها السدس وللجد ثلث الباقي ولا ثلث له فتضربها في ثلاثة تكن
ثمانية عشر للام ثلثه وللجد ثلث الباقي خمسة وللأخت للأبوين تسعة يبقى للأخ وأخته سهم وتصح
من أربعة وخمسين وتسمي مختصرة زيد)
19

لأن ثلث الباقي والمقاسمة في هذه المسألة سواء فإن أعطيت الجد ثلث الباقي صحت من أربعة
وخمسين على ما ذكرنا وان قاسم الاخوة أعطيت الأم السدس سهما يبقى خمسة مقسومة على الجد والأخ
وأختين على ستة فتضربها في أصل المسألة تكن ستة وثلاثين للام ستة وللجد عشرة وللأخت للأبوين
ثمانية عشر يبقى سهمان على الأخ من الأب وأخته لا يصح فإذا ضرب ثلاثة في ستة وثلاثين تكن مائة
وثمانية ويرجع بالاختصار إلى نصفها أربعة وخمسين لأنها تتفق بالنصف فلهذا سميت مختصره زيد ولو كان
معهم أخ آخر من أب صحت من تسعين وتسمي تسعية زيد لأنا ندفع إلى الأم ثلاثة والى الجد ثلث الباقي
خمسة والى الأخت للأبوين تسعة يبقى سهم لأولاد الأب على خمسة لا تصح عليهم إذ ضربتها في ثمانية
عشر تكن تسعين وهذا التفريع كله على مذهب زيد لكونه يورث الاخوة مع الجد
(فصل) أم أو جدة وأختان وجد المقاسمة خير للجد ويبقي خمسة على أربعة وتصح من أربعة
وعشرين أم واخ وأخت وجد تصح من ستة للجد سهمان أم واخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات
20

وجد المقاسمة وثلث الباقي سواء فإن زادوا على ذلك فرض للجد ثلث الباقي وصحت من ثمانية
عشر للام ثلاثة وللجد خمسة يبقي عشرة للاخوة والأخوات فتصح عليهم، بنت وأخت وجد للبنت النصف
وما بقي بين الأخت والجد على ثلاثة أسهم للجد سهمان وللأخت سهم لأن المقاسمة ههنا أحظ له
وفي قوله رضي الله عنه للبنت النصف وللجد السدس والباقي للأخت وعند ابن مسعود الباقي بين الجد
والأخت نصفين لأن كل واحد منهما إذا انفرد اخذ المال بالتعصيب فإذا اجتمعا اقتسما كما لو كان مكانها
أخ واما علي فبني على أصله في أن الأخوات لا يقاسمن الجد وإنما يفرض لهن فلم يفرض لها ههنا لأن
الأخت مع البنت عصبة وأعطي الجد السدس كما لو انفرد معها وجعل الباقي لها
ولنا ان لجد يقاسم الأخت فيأخذ مثليها إذا كان معها أخ فكذلك إذا انفردت وهذه إحدى
مربعات ابن مسعود
(فصل) بنت واخ وجد للبنت النصف والباقي بين الأخ والجد نصفين وإن كان معه أخته فالباقي
بينهم على خمسة وإن كان اخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات استوى ثلث الباقي والسدس والمقاسمة
فإن زادوا فلا حظ له في المقاسمة ويأخذ السدس والباقي لهم فإن كانوا من الجهتين فليس لولد الأب
21

شئ والباقي لولد الأبوين بنت وأختان وجد الباقي بين الجد والأختين على أربعة وتصح من ثمانية
فإن كن ثلاث أخوات فالباقي بينهم على خمسة فإن كن أكثر من أربع فله الثلث أو سدس الباقي والباقي لهن
(فصل) بنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن وأخت وجد للبنتين الثلثان والباقي بين الجد
والأخت على ثلاثة وتصح من تسعة وإن كان مكانها أخ فالباقي بينهما نصفين وتصح من ستة وإن كان
مكانه أختان صحت من اثني عشر ويستوي في هاتين المسئلتين السدس والمقاسمة فإن زادوا عن أخ
أو عن أختين فرضت للجد السدس وكان الباقي لهم فإن كان معهم أم أو جدة فللجد السدس ولا شئ
للاخوة والأخوات
(فصل) زوج وأخت وجد للزوج النصف والباقي بينهما على ثلاثة وعند علي وابن مسعود للأخت
النصف وللجد السدس وعالت إلى سبعة وإن كان مع الأخت أخرى فالباقي بينهم على أربعة وعندهما
لهما الثلثان وتعول إلى ثمانية وإن كان مكانهما أخ فالباقي بينهما نصفين وإن كان أخ وأخت أو ثلاث
أخوات قاسمهم الجد وإن كان اخوان أو من يعدلهما استوى السدس والمقاسمة فإن زادوا فرضت له
السدس والباقي لهم فإن كان زوج وبنت وأخت وجد فللزوج الربع وللبنت النصف والباقي بينهما على
22

ثلاثة ويستوي السدس ههنا والمقاسمة فإن زادوا على أخت فرضت للجد السدس والباقي لهم وإن كان
مع الزوج بنتان أو بنت وبنت ابن أو بنت وأم أو جدة سقط الاخوة والأخوات وفرضت للجد السدس
وعالت إلى ثلاثة عشر
(فصل) زوجة وبنت وأخت وجد الباقي بين الجد والأخت على ثلاثة وتصح من ثمانية فإن
كان مكان الأخت أخ أو أختان فالباقي بينهم نصفين وتصح مع الأخ من ستة عشر ومع الأختين
من اثنين وثلاثين وإن زادوا فرض للجد السدس وانتقلت المسألة إلى أربعة وعشرين ثم تصح على
المنكسر عليهم وإن كان مع الزوجة ابنتان أو أكثر أو بنت وبنت ابن أو بنت وأم وجدة فرضت
للجد السدس ويبقى للاخوة والأخوات سهم من أربعة وعشرين
(فصل) قال رضي الله عنه وللأم أربعة أحوال (حال) لها السدس وهي مع وجود الولد وولد الابن
أو اثنين من الاخوة والأخوات (وحال) لها الثلث وهي مع عدم هؤلاء (وحال) لها ثلث ما بقي وهي
زوج وأبوان وامرأة وأبوان لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين (وحال) رابع وهي إذا لم يكن لولدها أب
لكونه ولد زنا أو منتفيا بلعان فإنه ينقطع بعصبته من جهة من نفاه فلا يرثه هو ولا أحد من عصباته،
23

وجملته أن الأم لها الأربعة الأحوال المذكورة اما استحقاقها الثلث مع عدم الولد وولد الابن والاثنين
من الاخوة والأخوات من أي الجهات كانوا فلا نعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم، وقد دل عليه
قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) وأما استحقاقها السدس إذا كان للميت ولد
أو ولد ابن أو ابنين من الأخوات فهو قول الجمهور، وقال ابن عباس لا يحجب الأم عن الثلث إلى
السدس من الاخوة والأخوات الا ثلاثة، وحكي ذلك عن معاذ لقول الله تعالى (فإن كان له إخوة
فلأمه السدس) وأقل الجمع ثلاثة وروي أن ابن عباس قال لعثمان رضي الله عنهما ليس الاخوان إخوة
في لسان قومك فلم تحجب بهما الأم؟ فقال لا أستطيع أن أرد شيئا كان قبلي ومضى في البلدان وتوارث الناس به
ولنا قول عثمان هذا فإنه يدل على الاجماع ثم هو قبل مخالفة ابن عباس ولان كل حجب تعلق
بعدد كان أوله اثنين كحجب البنات بنات الابن والأخوات من الأبوين الأخوات من الأب والاخوة
يستعمل في الاثنين قال الله تعالى (فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) وهذا
24

الحكم ثابت في أخ وأخت ومن أهل اللغة من يجعل الاثنين جمعا حقيقة ومنهم من يستعمله مجازا
فيصرف إليه بالدليل ولا فرق في حجبها بين الذكر والأنثى لقوله تعالى (اخوة) وهذا يقع على الجميع
لقوله تعالى (وإن كانوا اخوة رجالا ونساء) ففسرهم بالرجال والنساء، واما استحقاقها ثلث الباقي
في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فهاتان المسئلتان تسمى العمريتين لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك
فاتبعه عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وروي ذلك عن علي، وبه قال الحسن والثوري ومالك
والشافعي وأصحاب الرأي وجعل ابن عباس ثلث المال كله للام في المسئلتين لأن الله تعالى فرض لها الثلث
عند عدم الولد والاخوة وليس ههنا ولد ولا اخوة ويروى ذلك عن علي ويروى عن شريح ذلك في
زوج وأبوين، وقال ابن سيرين كقول الجماعة في زوج وأبوين وكقول ابن عباس في امرأة وأبوين
وبه قال أبو ثور لأننا لو فرضنا للام ثلث المال في زوج وأبوين لفضلناها على الأب ولا يجوز ذلك وفي
25

مسألة الزوجة لا يؤدي إلى ذلك واحتج ابن عباس بعموم قوله تعالى (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه
فلأمه الثلث) وقوله عليه السلام " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر " والأب ههنا عصبة
فيكون له ما فضل عن ذوي الفروض كما لو كان مكانه جد
قال شيخنا: والحجة معه لولا انعقاد الاجماع من الصحابة على مخالفته ولان الفريضة إذا جمعت
أبوين وذا فرض كان للام ثلث الباقي كما لو كان معهم بنت ويخالف الأب الجد لأن الأب في درجتها
والجد أعلى منها، وما ذهب إليه ابن سيرين تفريق في موضع أجمع الصحابة على التسوية فيه ثم إنه
مع الزوج يأخذ مثل ما أخذت الأم، كذلك مع المرأة قياسا عليه، فأما الحال الرابع وهي إذا كان
ولدها منفيا بلعان فإن الرجل إذا لاعن امرأته وانتفى منه ولدها وفرق الحاكم بينهما انتفى ولدها عنه
وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن فلم يرثه هو ولا أحد من عصباته وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم
وينقطع التوارث بين الزوجين لا نعلم بين أهل العلم في هذه المسألة خلافا فأما ان مات أحدهم قبل تمام
26

اللعان بين الزوجين ورثه الآخر في قول الجمهور، وقال الشافعي إذا أكمل الزوج لعانه لم يتوارثا
وقال مالك إن مات الزوج بعد لعانه فإن لاعنت المرأة لم ترث ولم تحد، وان لم تلاعن ورثت وحدت
وإن ماتت هي بعد لعان الزوج ورثها في قول جميعهم إلا الشافعي فإن تم اللعان بينهما فمات أحدهما قبل
تفريق الحاكم بينهما لم يتوارثا في إحدى الروايتين، وهو قول مالك وزفر، وروي نحو ذلك عن
الزهري وربيعة والأوزاعي وداود لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد فلم يعتبر في حصول الفرقة به
التفريق بينهما كالرضاع (والثانية) يتوارثان ما لم يفرق الحاكم وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه لأن النبي
النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين، ولو حصل التفريق باللعان لم يحتج إلى تفريقه وان فرق الحاكم بينهما
قبل تمام اللعان لم تقع الفرقة ولم ينقطع التوارث في قول الجمهور، وقال أبو حنيفة وصاحباه ان فرق
بينهما بعد أن تلاعنا ثلاثا وقعت الفرقة وانقطع التوارث لأنه وجد منهما معظم اللعان وان فرق بينهما
قبل ذلك لم ينقطع التوارث ولم تقع الفرقة.
27

ولنا أنه تفريق قبل تمام اللعان أشبه التفريق قبل الثلاث وهذا الخلاف في توارث الزوجين،
فاما الولد فالصحيح أنه ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم لأن انتفاءه
بنفيه لا بقول الحاكم فرقت بينكما فإن لم يذكره في اللعان لم ينتف عن الملاعن ولم ينقطع التوارث
بينهما، وقال أبو بكر ينتفي بزوال الفراش لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولد عن الملاعن وألحقه
بأمه ولم يذكره الرجل في لعانه، يحقق ذلك أن الولد كان حملا في البطن فقال النبي صلى الله عليه وسلم
" انظروها فإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة حمش الساقين فلا أراه إلا قد كذب عليها، وإن جاءت به
جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به " فأتت به على النعت المكروه.
(مسألة) (وعصبته عصبة أمه وعنه أنها هي عصبته)
اختلف أهل العلم في ميراث الولد المنفي باللعان فروي عن أحمد فيه روايتان. (إحداهما): ان
عصبته عصبة أمه، نقلها الأثرم، وحنبل يروي ذلك عن علي وابن عباس وابن عمر، وبه قال الحسن
28

وابن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والنخعي والحكم وحماد والثوري والحسن ابن صالح
إلا أن عليا يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له وقدم الرد على غيره. (والرواية
الثانية): ان الأم عصبته فإن لم تكن فعصبتها عصبته، نقلها أبو الحارث ومهنا، وهذا قول ابن مسعود،
وروي عن علي ومكحول والشعبي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم
جعل ميراث ابن الملاعنة لامه ولورثتها من بعدها ورواه أيضا مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم
مرسلا وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تحوز المرأة ثلث مواريث عتيقها
ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كتبت إلى صديق لي من أهل
المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي إني
سألت فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لامه هي بمنزلة أبيه وأمه رواهن أبو داود ولأنها
قامت مقام أمه وأبيه في انتسابه إليها فقامت مقامهما في حيازة ميراثه ولان عصبات الأم أدلوا بها
29

فلم يرثوا معها كأقارب الأب معه وكان زيد بن ثابت يورث من ابن الملاعنة كما يورث من غير ابن الملاعنة
ولم يجعلها عصبة ابنها ولا عصبتها عصبته، فإن كانت أمه مولاة لقوم جعل الباقي من ميراثها لمولاها
فإن لم تكن مولاة جعل لبيت المال، وعن ابن عباس نحوه وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وسليمان
ابن يسار وعمر بن عبد العزيز والزهري وربيعة وأبو الزناد ومالك وأهل المدينة والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه
وأهل البصرة إلا أن أبا حنيفة وأهل البصرة جعلوا الرد وذوي الأرحام أحق من بيت المال لأن الميراث إنما يثبت
بالنص ولا نص في توريث الأم أكثر من الثلث ولا في توريث أخ من أم أكثر من السدس ولا في
توريث أبي الأم وأشباهه من عصبات الأم ولا قياس أيضا فلا وجه لاثباته ووجه الرواية الأولى
قول النبي صلى الله عليه وسلم " الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر " وأولى الرجال به أقارب أمه
وعن عمر رضي عنه أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن علي رضي الله عنه أنه لما رجم المرأة دعا أولياءها
فقال: هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وان جنى جناية فعليكم، حكاه الإمام أحمد عنه ولان الأم لو كانت
عصبة كأبيه لحجبت اخوته ولان مولاها مولى أولادها فيجب أن يكون عصبتها عصبته كالأب
(مسألة) (فإذا خلف أما وخالا فللام الثلث بلا خلاف والباقي للخال)
30

لأنه عصبة أمه، وعلى الرواية الأخرى الكل للام وهذا قول علي وابن مسعود وأبي حنيفة
وموافقيه الا أن ابن مسعود يعطيها إياه لكونها عصبته والباقون بالرد وعن زيد الباقي لبيت المال فإن
كان معها أخ لام فله السدس والباقي له ان قلنا إنه العصبة على الرواية الأولى وعلى الأخرى الكل
للام ولا شئ للخال على الروايتين، فإن كان معهما مولى أم فلا شئ له عندنا وقال زيد ومن وافقه
وأبو حنيفة الباقي له وان لم يكن لامه عصبة الا مولاها فالباقي له إذا قلنا عصبتها عصبته وعلى الرواية
الأخرى هو للام وهو قول ابن مسعود لأنها عصبة ابنها
(فصل) فإن لم يخلف الا أمه فلها الثلث فرضا والباقي بالرد وهو قول علي وسائر من يرى الرد
وفي الرواية الأخرى لها الباقي بالتعصيب فإن كان مع الأم عصبة لها فهل يكون الباقي لها أو له على
روايتين ذكرناهما فإن كان لها عصبات فهو لأقربهم منها على الرواية الأولى فإذا كان معها أبوها وأخوها
فهو لأبيها فإن كان مكان الأب جد فهو بين أخيها وجدها نصفين فإن كان معهم ابنها وهو اخوه لامه
فلا شئ لأخيها ويكون لامه الثلث ولأخيه السدس ولأخيه الباقي أو ابن أخيه وان خلف أمه وأخاه
وأخته فلكل واحد منهم السدس والباقي لأخيه دون أخته وان خلف ابن أخيه وبنت أخيه أو خاله
31

وخالته فالباقي للذكر وان خلف أخته وابن أخته فلأخته السدس والباقي لابن أخته وعلى الرواية
الأخرى الكل للام في هذا الموضع
(فصل) ابن ملاعنة مات وترك بنتا وبنت ابن ومولى أمه الباقي لمولى الأم في قول الجمهور وقال
ابن مسعود الرد أولى من المولى فإن كان معهم أم فلها السدس وفي الباقي روايتان (إحداهما) للمولى وهو
قول الأكثرين (والثانية) للام وهو قول ابن مسعود فإن لم يكن معهم مولى فالباقي مردود عليهم
في إحدى الروايتين والأخرى هو للام فإن كان معهم أخ فلا شئ له بالفرض وله الباقي في رواية
والأخرى هو للام، بنت وأخ أو ابن أخ أو خال أو أبو أم أو غيرهم من العصبات للبنت النصف
والباقي للعصبة في قول العبادلة وإن كان معها أخ أو أخت أو ابن أخ وأخته أو خال وخالة فالباقي
للذكر وحده في قولهم وقال أبو حنيفة وأصحابه المال للبنت بالفرض والرد ورووا ذلك عن علي عليه
السلام أنه جعل ذا السهم أحق ممن لا سهم له وانه ورث ابن ملاعنة ذوي أرحامه كما يرثون من
غيره قال ابن اللبان وليس هذا محفوظا عن علي إنما المشهور عنه قوله لأولياء المرجومة عن ابنها: هذا
ابنكم ترثونه ولا يرثكم فإن جنى جناية فعليكم وفسر القاضي قول أحمد ان لم يكن أم فعصبتها عصبته
بتقديم الرد على عصبة الأم كقوله في أخت وابن أخ المال كله للأخت قال شيخنا وهذا تفسير للكلام
بضد ما يقتضيه وحمل للفظ على خلاف ظاهره وإنما هذه الرواية كمذهب ابن مسعود ورواية الشعبي
32

عن علي وعبد الله أنهما قالا عصبة ابن الملاعنة أمه ترث ماله أجمع فإن لم يكن أم فعصبتها عصبته: امرأة
وجدة وأختان وابن أخ للمرأة الربع وللجدة السدس وللأختين الثلث والباقي لابن الأخ في الروايتين
جميعا، وقال أبو حنيفة الباقي يرد على الأختين والجدة وهو قول القاضي في الرواية الثانية: أبو أم
وبنت وابن أخ وبنت أخ الباقي لابن الأخ وحده ويحتمل يكون لأب الأم سدس باقي المال وخمسة
أسداسه لابن الأخ، وقال أبو حنيفة المال بين أبي الأم والبنت على أربعة بالفرض والرد
(فصل) فإن لم يترك ابن الملاعنة ذا سهم فالمال لعصبة أمه في قول الجماعة وقد روي ذلك عن علي وقال
أبو حنيفة وأصحابه هو بين ذوي الأرحام كميراث غيره، ورووه عن علي وذلك مثل خال وخالة وابن
أخ وأخته المال للذكر وفي قول أبي حنيفة هو بينهما في المسئلتين نصفين خالة لأب وأم وخال لأب
المال للخال وقال أبو حنيفة هو للخالة: خالة وبنت بنت المال بينهما على أربعة، وإذا لم يخلف ابن الملاعنة
الا ذا رحم فحكمهم في ميراثه كحكمهم في ميراث غيره على ما نذكره
(فصل) وإذا قسم ميراث ابن الملاعنة ثم أكذب الملاعن نفسه لحقه الولد ونقصت القسمة، وقال أبو حنيفة
لا يلحقه النسب بعد موته الا ان يكونا توأمين مات أحدهما واكذب نفسه والأخ باق فيلحقه نسب الباقي
والميت معا وقد مضى الكلام معه في غير هذا الموضع
(فصل) ولو كان المنفى باللعان توأمين ولهما أخ آخر من الزوج لم ينفه فمات أحد التوأمين فميراث توأمه
منه كميراث الآخر في قول الجمهور وقال مالك يرثه توأمه كميراث أخ لأبوين لأنه أخوه لأبويه بدليل أن
33

الزوج لو أقر بأحدهما لحقه الآخر وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي
ولنا أنهما توأمان لم يثبت لهما أب ينتسبان إليه فأشبها توأمي الزانية ولا خلاف في توأمي الزانية
وفارق هذا ما إذا استلحق أحدهما لأنه ثبت باستلحاقه أنه أبوهما
(فصل) قولهم ان الأم عصبة ولدها أو ان عصبتها عصبته إنما هو في الميراث خاصة كقولنا في
الأخوات مع البنات. فعلى هذا لا يعقلون عنه ولا تثبت لهم ولاية التزويج ولا غيره هذا قول الأكثرين
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لأولياء المرجومة في ولدها هذا ابنكم ترثونه ولا يرثكم وان
جنى فعليكم وروي هذا عن عبد الله وإبراهيم
ولنا انهم إنما ينتسبون إليه بقرابة الأم فلم يعقلوا عنه ولم تثبت لهم ولاية التزويج كما لو علم أبوه ولا
يلزم من التعصيب في الميراث التعصيب في العقل والتزويج بدليل الأخوات مع البنات، فاما ان أعتق
ابن الملاعنة عبدا ثم مات ثم مات المولى وخلف أم مولاه واخا مولاه احتمل ان يثبت لهما الإرث
بالولاء لأن التعصيب ثابت وحكي ذلك عن أبي يوسف، وهل يكون للام أو للأخ؟ على الروايتين، ويحتمل
ان لا يثبت لهما ميراث لأن النساء لا يرثن من الولاء الا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن فكذلك من يدلى
بهن وما ذكرناه للاحتمال الأول يبطل بالأخوات مع البنات ومن عصبهن أخوهن من الإناث
(مسألة) (وإذا مات ابن الملاعن وخلف أمه وجدته فلأمه الثلث والباقي للجدة على إحدى
34

الروايتين وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها)
إذا مات ابن ابن الملاعنة وخلف أمه وأم أبيه فلأمه الثلث والباقي لها بالرد وهذا قول علي وعلى الرواية
الأخرى الباقي لام أبيه لأنها عصبة أبيه وهذا قول ابن مسعود، ويعايا بها فيقال: جدة ورثت مع أم أكثر منها
وان خلف جدتيه فالمال بينهما بالفرض والرد على قول على وفي قول ابن مسعود لهما السدس فرضا
بينهما وباقي المال لام أبيه: أم أم وخال أب، لام الأم السدس وفي الباقي قولان (أحدهما) انه لها بالرد
(والثاني) لخال الأب وفي قول علي الكل للجدة: خال وعم وخال أب وأبو أم أب المال للعم لأنه ابن
الملاعنة فإن لم يكن عم فلأبي أم الأب لأنه أبوها فإن لم يكن فلخال الأب فإن لم يكن فللخال لأنه ذو
رحمه: بنت وعم للبنت النصف والباقي للعم وفي قول علي الكل للبنت لأنه يقدم الرد على توريث عصبة
أمه: بنت وأم وخال المال بين البنت والأم على أربعة بالفرض والرد ولا شئ للخال لأنه ليس بعصبة
الملاعنة، ولو كان بدل الخال خال أب كان الباقي له لأنه عصبة الملاعنة، فاما ابن ابن ابن الملاعنة فإذا
خلف عمه وعم أبيه فالمال لعمه لأنه عصبته وهذا ينبغي أن يكون اجماعا، وقد قال بعض الناس يحتمل
أن يكون عم الأب أولى لأنه ابن الملاعنة وهذا غلط بين لأن العصبات إنما يعتبر أقربهم من الميت لا من
آبائه، وإن خلف ثلاث جدات متحاذيات فالسدس بينهن والباقي يرد عليهن في إحدى الروايتين وهو
قول علي وفي الثانية لام أبي أبيه وهو قول ابن مسعود وان خلف انه وجدته وجدة أبيه فلأمه الثلث
35

ولا شئ لجدته وفي الباقي روايتان (إحداهما) يرد على الأم (والثانية) لجدة أبيه، وان خلف خاله
وخال أبيه وخال جده فالمال لحال جده فإن لم يكن فلخاله ولا شئ لخال أبيه، فأما ولد بنت الملاعنة
فليست الملاعنة عصبة لهم في قول الجميع لأن لهم نسبا معروفا من جهة أبيهم وهو زوج بنت الملاعنة
ولو أعتقت بنت الملاعنة عبدا ثم مات المولى وخلفت أم مولاته ورثة مال المولى لأنها عصبة لبنتها
والبنت عصبة لمولاها في أحد الوجهين وقد ذكرناهما في ابن الملاعنة
(فصل) والحكم في ميراث ولد الزنا في جميع ما ذكرنا كالحكم في ولد الملاعنة على ذكرنا
من الأقوال والاختلاف إلا أن الحسن بن صالح قال عصبة ولد الزنا سائر المسلمين لأن آمه ليست
فراشا بخلاف ولد الملاعنة، والجمهور على التسوية بينهما لانقطاع نسب كل واحد منهما من أبيه إلا أن ولد
الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور، وقال الحسن وابن
سيرين يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه وقال إبراهيم يلحقه إذا جلد الحد أو ملك الموطوءة
وقال إسحاق يلحقه وذكر عن عروة وسليمان بن يسار نحوه وروي علي بن عاصم عن أبي حنيفة
أنه قال لا أرى بأسا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد والد له
وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش رجل فادعاه أنه لا يلحقه وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ولأنه لا يلحق به إذا لم يستلحقه
36

فلم يلحق به بحال كما لو كانت أمه فراشا أو كما لو لم يجلد الحد عند من اعتبره والله أعلم
(فصل) قال رحمه الله (وللجدات السدس واحدة كانت أو أكثر إذا تحاذين)
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم تكن أم للميت وحكى غيره رواية
شاذة عن ابن عباس أنها بمنزلة الأم لأنها تدلي بها فقامت مقامها عند عدمها كالجد يقوم مقام الأب
ولنا ما روى قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب ميراثها فقال مالك في كتاب
الله شئ وما أعلم لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن شيئا ارجعي حتى أسأل الناس فقال
المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال هل معك غيرك؟ فشهد له محمد
ابن مسلمة فأمضاه لها أبو بكر رضي الله عنه، فلما كان عمر رضي الله عنه جاءت الجدة الأخرى فقال
مالك في كتاب الله شئ وما كان القضاء الذي قضي به إلا في غيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا
ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعتما فهو لكما وأيكما خلت به فهو لها، رواه مالك في الموطأ والترمذي
وقال حديث حسن صحيح، وأما الجد فلا يقوم مقام الأب في جميع أحواله على ما ذكرناه وأجمع
أهل العلم على أن الأم تحجب الجدات من جميع الجهات، وعن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم
جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم رواه أبو داود وهذا يدل على أنها لا ترث معها شيئا، ولان
الجدة تدلي بالام فسقطت بها كسقوط الجد بالأب وابن الابن به فأما أم الأب فإنها إنما ترث ميراث
37

أم لأنها أم ولذلك ترث وابنها حي ولو كان ميراثها من جهته ما ورثت مع وجوده
(فصل) ولا يزيد ميراثهن على السدس فرضا وان كثرن أجمع على هذا أهل العلم لما روينا من
الخبر فإن عمر شرك بينهما وروي ذلك عن أبي بكر رضي الله عنه فروى سعيد باسناده عن القاسم بن
محمد قال جاءت الجدتان إلى أبي بكر رضي الله عنه فأعطى أم الأم الميراث دون أم الأب فقال له
عبد الرحمن بن سهل بن حارثة وكان شهد بدرا يا خليفة رسول الله أعطيت التي ان ماتت لم يرثها
ومنعت التي لو ماتت ورثها فجعل أبو بكر السدس بينهما، ولأنهن ذوات عدد لا يشاركهن ذكر فاستوى
كثيرهن وواحدتهن كالزوجات وإنما يشتركن في السدس إذا تحاذين لتساويهن في الدرجة
(فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في توريث جدتين أم الأم وأم الأب وكذلك ان علتا وكانتا
في القرب سواء كأم أم أم وأم أم أب وحكي عن داود أنه لا يورث أم أم الأب شيئا لأنه لا يرثها فلا
ترثه ولأنها غير مذكورة في الخبر
ولنا ما روى سعيد عن ابن عيينة عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث
جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وأخرجه أبو عبيد والدارقطني ومن ضرورته أن
تكون منهن أم أم الأب أو من هي أعلى منها، وما ذكره داود فهو قياس وهو لا يقول بالقياس ثم هو
باطل بأم الأم فإنها ترثه ولا يرثها وقوله ليست مذكورة في الخبر قلنا وكذلك أم أم الأم. واختلفوا
38

في توريث ما زاد على الجدتين فذهب أبو عبد الله إلى توريث ثلاث جدات من غير زيادة عليهن روي
ذلك عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله عنه وروي نحوه عن مسروق والحسن وقتادة وبه
قال الأوزاعي وإسحاق وروي عن سعد بن أبي وقاص ما يدل على أنه لا يورث أكثر من جدتين
وحكي أيضا عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسليمان بن يسار وطلحة بن عبيد الله
ابن عوف وربيعة وابن هرمز ومالك وابن أبي ذئب وأبي ثور وداود وقاله الشافعي في القديم وحكي
عن الزهري أنه قال لا نعلم ورث في الاسلام الا جدتين، وحكي عن سعد بن أبي وقاص أنه أوتر
بركعة فعابه ابن مسعود فقال سعد أتعيبني وأنت تورث ثلاث جدات وروي عن ابن عباس انه ورث
الجدات وان كثرن إذا كن في درجة واحدة الا من أدلت بأب غير وارث كأم أبي الأم قال ابن سراقة
وبهذا قال عامة الصحابة الا شاذا واليه ذهب الحسن وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة وأصحابه
وهو رواية المزني عن الشافعي وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه سمي ثلاث جدات متحاذيات ثم قال
وان كثرن فعلى ذلك ويحتمل قول الخرقي وان كثرن لا يرث إلا ثلاث جدات وهن المتحاذيات
المذكورات بعد كما روي عن أحمد رحمه الله. واحتجوا بأن الزائدة جدة أدلت بوارث فوجب
ان ترث كإحدى الثلاث.
ولنا حديث سعيد الذي ذكرناه وروى سعيد أيضا عن إبراهيم أنهم كانوا يورثون من الجدات
39

ثلاثة ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وهذا يدل على التحديد بثلاث وانه لا يرث أكثر منهن
(مسألة) (فإن كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن وعنه ان القربى من جهة الأب
لا تحجب البعدى من جهة الأم) أما إذا كانت إحدى الجدتين أم الأخرى فلا خلاف بين أهل العلم
في أن الميراث للقربى وتسقط البعدى بها، وان كانتا من جهتين والقربى من جهة الأم فالميراث لها
وتحجب البعدى في قول عامتهم الا ما روي عن ابن مسعود ويحيى بن آدم وشريك ان الميراث بينهما
وعن ابن مسعود ان كانتا من جهتين فهما سواء وان كانتا من جهة واحدة فهو للقربى يريد ان الجدتين إذا
كانتا من جهة الأب إحداهما أم الأب والأخرى أم الجد سقطت أم الجد بأم الأب وسائر أهل العلم على أن
القربى من جهة الأم تحجب البعدى من جهة الأب، فاما القربى من جهة الأب فهل تحجب البعدى
من جهة الأم؟ فيه روايتان (إحداهما) انها تحجبها ويكون الميراث للقربى وهذا قول علي عليه السلام
واحدى الروايتين عن زيد وبه قول أبو حنيفة وأصحابه وهو قول أهل العراق وهو قول الشافعي
(والرواية الثانية) هو بينهما وهي الرواية الثابتة عن زيد وبه قال مالك والأوزاعي وهو أحد قولي
الشافعي لأن الأب الذي تدلي به الجدة لا يحجب الجدة من قبل الأم فالتي تدلي به أولى ان لا يحجبها
وبهذا فارقتها القربى من قبل الأم فإنها تدلي بالام وهي تحجب جميع الجدات
ولنا انها جدة قربى فتحجب البعدى كالتي من قبل الأم ولان الجدات أمهات يرثن ميراثا واحدا
40

من جهة واحدة فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن كالآباء والأبناء والاخوة وكل قبيل إذا اجتمعوا فالميراث
للأقرب وقولهم إن الأب لا يسقطها قلنا لأنهن لا يرثن ميراثه وإنما يرثن ميراث الأمهات لكونهن
أمهات ولذلك أسقطتهن الأم والله أعلم
(مسائل) (من ذلك أم أم وأم أم أب فالمال للأولى إلا في قول ابن مسعود هو بينهما، أم أب
وأم أم أم المال للأخرى في إحدى الروايتين وهو قول الخرقي وفي الأخرى هو بينهما، أم أب وأم أم وأم
جد المال للأوليين في قول الجميع إلا شريك ومن وافقه هو بينهن أم أب وأم أم وأم أم أم وأم أبي أب
هو للأوليين في قول الجميع
(مسألة) (ولا يرث أكثر من ثلاث جدات أم الأم وأم الأب وأم الجد ومن كان من أمهاتهن
وان علت درجتهن) فلهن السدس إذا تحاذين في الدرجة لما روي سعيد باسناده عن إبراهيم ان النبي
صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وقال إبراهيم كانوا
يورثون ثلاث جدات وهذا يدل على أنه لا يرث أكثر من ثلاث وفي ذلك اختلاف ذكرناه فأما أم
أبي الأم فلا ترث لأنها تدلي بغير وارث وكذلك كل جدة تدلي بغير وارث وهذا اجماع من أهل العلم
الا ما حكي عن بن عباس وجابر بن زيد ومجاهد وابن سيرين انهم قالوا ترث وهو قول شاذ
لا نعلم اليوم به قائلا لأنها تدلي بغير وارث فلم ترث كالأجانب واما أم أبي الجد ومن أدلت بأكثر من
ثلاثة آباء وهؤلاء الجدات المختلف فيهن وقد ذكرنا ذلك
41

(أمثلة ذلك) ذلك أم أم، وأم أب السدس بينهما اجماعا) أم أم أم، وأم أم أب وأم أبي أب
وأم أبي أم السدس للثلاث الأول إلا عند مالك وموافقيه فإنه للأوليين، وعند داود هو للأولى
وحدها ولا ترث الرابعة إلا في القول الشاذ عن ابن عباس وموافقيه، أم أم أم أم، وأم أم أم أب،
وأم أم أبي أب، وأم أبي أبى أب، وأم أم أبي أم وأم أبى أم أم، وأم أبى أبى أم، وأم أبى أم أب،
السدس للأولى عند داود، وللأوليين عند مالك وموافقيه، وللثلاث الأول عند احمد وموافقيه،
وللأربع الأول عند أبي حنيفة وموافقيه وتسقط الأربع الباقيات إلا في الرواية الشاذة، وفي الجملة
لا يرث من قبل الأم إلا واحدة، ولا من قبل الأب إلا اثنتان، وهما اللتان جاء ذكرهما في الخبر
إلا عند أبي حنيفة وموافقيه فإنهما كلما علون درجة ازداد في عددهن من قبل الأب واحدة.
(مسألة) (والجدات المتحاذيات أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، وأن كثرن فعلى ذلك)
يعني بالتحاذيات المتساويات في الدرجة بحيث لا تكون واحدة أعلى من الأخرى ولا أنزل منها
لأن الجدات إنما يرثن كلهن إذا كن في درجة واحدة ومتى كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث
لأقربهن، وفيه اختلاف ذكرناه فإذا قيل نزل جدتين وارثتين على أقرب المنازل فهما أم أم، وأم أب،
وان قيل نزل ثلاثا فهن أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، واحدة من قبل الأم واثنتان من
قبل الأب وفي درجتهما أخرى من قبل الأم غير وارثة وهي أم أبي أم ولا يرث أبدا من قبل الأم إلا
42

واحدة وهي التي كل نسبها أمهات لا أب فيهن فاحفظ ذلك فإن قيل نزل أربعا فهن أم أم أم أم،
وأم أم أم أب، وأم أم أبي أب، وفي درجتهن أربع غير وارثات، وقد ذكرناهن فيما قبل إلا
أن أحمد لا يورث أكثر من ثلاث جدات وهن الثلاث الأول، ومن قال بتوريث زيادة على الثلاث
ورث في الدرجة الرابعة أربعا، وفي الخامسة خمسا، وفي السادسة ستا، وهو قول أبي حنيفة وموافقيه،
فإذا أردت تنزيل الجدات الوارثات وغيرهن فاعلم أن للميت في الدرجة الأولى جدتين: أم أمه،
وأم أبيه، وفي الثانية أربع لأن لكل واحد من أبويه جدتين فهما أربع بالنسبة إليه. وفي الثالثة
ثمان لأن لكل واحد من أبويه أربعا على هذا الوجه يكون لولدهما ثمان وعلى هذا كلما علون تضاعف
عددهن ولا يرث منهن عند أحمد إلا ثلاث.
(مسألة) (وترث الجدة وابنها حي وعنه لا ترث)
وجملته أن الجدة من قبل الأب إذا كان ابنها حيا وارثا فإن عمر وابن مسعود وأبا موسى وعمران
ابن حصين وأبا الطفيل رضي الله عنهم ورثوها مع ابنها، وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وجابر
ابن زيد والعنبري وإسحاق وابن المنذر، وهو ظاهر مذهب أحمد وقال زيد بن ثابت لا ترث وروي
ذلك عن عثمان وعلي رضي الله عنهما، وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي
وأبو ثور وأصحاب الرأي، وهو رواية عن أحمد رواه عنه جماعة من أصحابه ولا خلاف في توريثها
مع ابنها إذا كان عما أو عم أب لأنها لا تدلي به واحتج من أسقطها بابنها بأنها تدلي به ولا ترث معه
كالجد مع الأب وأم الأم مع الأم
43

ولنا ما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس
أم أب مع ابنها وابنها حي، أخرجه الترمذي ورواه سعيد بن منصور إلا أن لفظه أطعمت السدس أم أب
مع ابنها وقال ابن سيرين أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس أم أب مع ابنها
ولان الجدات أمهات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب فلا يحجبن به كأمهات الأم
(مسائل) (أم أب وأب السدس لها والباقي للأب وعلى القول الآخر الكل له دونها)
أم أم وأم أب السدس بينهما على القول الأول وعلى الثاني السدس لام الأم والباقي للأب وقيل
لام الأم نصف السدس والباقي للأب لأن الأب لو عدم لم يكن لام الأم إلا نصف السدس فلا يكون لها
مع وجوده إلا ما يكون لها مع عدمه والأول أصح لأن الاخوة مع الأبوين يحجبون الأم عن نصف
ميراثها ولا يأخذون ما حجبوها عنه بل يتوفر ذلك على الأب كذا ههنا ثلاث جدات متحاذيات
وأب السدس بينهن على القول الأول ولام الأم على القول الثاني وعلى الثالث لام الأم ثلث السدس
والباقي للأب فإن كان مع المتحاذيات جد لم يحجب إلا مع أب، وأم أب، وأم أم أم السدس لام الأب
ومن حجب الجدة بابنها أسقط أم الأب ثم اختلف القائلون بذلك فقيل السدس كله لام أم الأم لأن
التي تحجبها أو تزاحمها قد سقط حكمها فصارت كالمعدومة وقيل بل لها نصف السدس على قول زيد لأنه
44

يورث البعدى من جهة الأم مع القربى من جهة الأب فكان لها نصف السدس وقيل لا شئ لها لأنها
انحجبت بأم الأب ثم انحجبت أم الأب بالأب فصار المال كله للأب.
(مسألة) (فإن اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى فقياس قول احمد ان السدس بينهما
أثلاثا لذات القرابتين ثلثاه وللأخرى ثلثه) كذلك قال أبو الحسن التميمي وأبو عبد الله الوني ولعلهما
اخذا ذلك من قوله في توريث المجوس بجميع قراباتهم وهذا قول يحيى بن آدم والحسن بن صالح ومحمد
ابن الحسن والحسن بن زياد وزفر وشريك وقال الثوري والشافعي وأبو يوسف السدس بينهما نصفين
وهو قياس قول مالك لأن القرابتين إذا كانا من جهة واحدة لم ترث بهما جميعا كالأخ من الأب والأم
ولنا انها شخص ذو قرابتين ترث بكل واحدة منهما منفردة لا ترجح بهما على غيرها فوجب ان
ترث بكل واحد منهما كابن العم إذا كان أخا لام أو زوجا وفارق الأخ من الأبوين فإنه يرجح بقرابتيه
على الأخ من الأب ولا يجمع بالترجيح بين القرابة الزائدة والتوريث بهما فإذا وجد أحدهما انتفى
الآخر ولا ينبغي ان يخل بهما جميعا بل إذا انتفى أحدهما وجد الآخر وههنا قد انتفى الترجيح
فيثبت التوريث وصورة ذلك أن يتزوج ابن ابن المرأة بنت بنتها فيولد لهما ولد فتكون المراة أم أم أمه
وهي أم أبي أبيه وان يتزوج ابن بنتها بنت بنتها فهي أم أم أمه أو أم أم أبيه فإن أدلت الجدة بثلاث
45

جهات ترث بها لم يمكن ان يجمع معها جدة أخرى وارثة عند من لا يورث أكثر من ثلاث.
(فصل) قال رحمه الله (وللبنت الواحدة النصف)
لا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين لقول الله تعالى فإن كانت واحدة فلها النصف ولان النبي
صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت ان للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت
وان كانتا ابنتين فصاعدا فلهما الثلثان، أجمع أهل العلم على أن فرض البنتين الثلثان الا رواية شذت عن
ابن عباس ان فرضهما النصف لقول الله تعالى (فإن كن نسا فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) فمفهومه ان ما
دون الثلث ليس لهما الثلثان والصحيح قول الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخي سعد بن الربيع " أعط
ابنتي سعد الثلثين " وقال الله تعالى في الأخوات (فإن كانتا ثنتين فلهما الثلثان مما ترك وهذا تنبيه على
أن للبنتين الثلثين لأنهما أقرب ولان كل من يرث منهم الواحد النصف فللاثنين منهما الثلثان كالأختين
من الأبوين أو من الأب وكل عدد يختلف فرض أحدهم وجماعتهم فللاثنين منهم مثل فرض الجماعة
كولد الأم فاما الثلاث من البنات فما زاد فلا خلاف في أن فرضهن الثلثان وأنه ثابت بقول الله تعالى
(فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) واختلفت فيما ثبت به فرض الاثنتين فقيل بهذه الآية
والتقدير فإن كن اثنتين وفوق صلة كقوله تعالى (فاضربوا فوق الأعناق) أي اضربوا الأعناق وقيل
معناه فإن كن نساء اثنتين فما فوق وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية لأجل
46

سعد بن الربيع " أعط ابنتي سعد الثلثين " وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم تفسير للآية وبيان لمعناها
والفظ إذا فسر كان الحكم ثابتا بالمفسر لا بالتفسير ويدل على ذلك أيضا أن سبب نزول الآية قصة
ابنتي سعد بن الربيع وسؤال أمهما عن شأنهما في ميراث أبيهما وقيل ثبت بهذه السنة الثابتة وقيل بل
ثبت بالتنبيه الذي ذكرناه وقيل بل ثبت بالاجماع وقيل بالقياس وفي الجملة فهذا حكم قد أجمع عليه
وتواترت عليه الأدلة التي ذكرناها فلا يضرنا أيها أثبته
(مسألة) (وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات)
أجمع أهل العلم على أن بنات الابن بمنزلة البنات عند عدمهن في إرثهن وحجبهن لمن يحجبه البنات
وفي جعل الأخوات معهن عصبات إلا ما روي عن ابن عباس أنه كان لا يورث الأخوات مع البنات وفي
أنهن إذا استكملن الثلثين سقط من أسفل منهن من بنات ابن الابن وغير ذلك والأصل في ذلك قول
الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك
وإن كانت واحدة فلها النصف) وولد البنين أولاد لقوله تعالى (يا بني آدم) يخاطب بذلك أمة محمد
صلى الله عليه وسلم وقال (يا بني إسرائيل) يخاطب بذلك من في عصر النبي صلى الله عليه وسلم منهم. وقال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأجانب
47

(مسألة) (فإن كانت بنت وبنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك
السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين) أما
استحقاق البنت الواحدة النصف فلا خلاف فيه، وقد ذكرناه فإن كان معها بنت ابن أو أكثر فلها
النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين وهذا مجمع عليه أيضا، وقد دل عليه قوله تعالى (فإن كن
نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) ففرض للبنات كلهن الثلثين وبنات
الصلب وبنات الابن كلهن نساء من الأولاد فكان لهن الثلثان بفرض الكتاب لا يزدن عليه واختصت
بنت الصلب بالنصف لأنه مفروض لها والاسم يتناولها حقيقة فبقي السدس لبنات الابن وهو تمام
الثلثين ولهذا قال الفقهاء لهن السدس تكملة الثلثين
قد روى هزيل بن شرحبيل الأودي قال سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت فقال للابنة
النصف وما بقي فللأخت فأتى ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا وما أنا من
المهتدين ولكن أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين
وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني عن شئ ما دام هذا الحبر
فيكم متفق عليه بنحو هذا المعنى
(فصل) فإذا كان مع بنات الابن ذكر في درجتهن فإنه يعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين
48

في قول جمهور الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم الا ابن مسعود ومن تابعه فإنه خالف الصحابة فيها وهذه
المسألة انفرد بها عن الصحابة فقال لبنات الابن الا ضربهن من المقاسمة أو السدس فإن كان السدس
أقل مما يحصل لهن بالمقاسمة فرضه لهن وأعطى الباقي للذكر، وإن كان الحاصل لهن بالمقاسمة أقل قاسم
بهن وبنى ذلك على أصله في أن بنت الابن لا يعصبها أخوها إذا استكمل البنات الثلثين الا أنه ناقص في
المقاسمة إذا كانت أضر بهن وكان ينبغي أن يعطيهن السدس على كل حال
ولنا قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولأنه يقاسمهما لو لم يكن
غيرهما فقاسمهما مع بنت الصلب كما لو كانت المقاسمة أضربهن ولا يصح أصله الذي بني عليه كما قدمنا
(مسألة) (وإن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر
فيعصبهن فيما بقي)
أجمع أهل العلم على ذلك لأن الله تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين قليلات كن
أو كثيرات وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد وقد ذهب الثلثان لولد الصلب فلم يبق لهن
شئ ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب لأنهن دون درجتهن فإن كان مع بنات الابن ابن في درجتهن
كأخيهن أو ابن عمهن أو أنزل منهن كابن أخيهن أو ابن ابن عمهن أو ابن ابن ابن عمهن عصبهن في
الباقي فجعل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا قول عامة العلماء يروى ذلك عن علي وزيد وعائشة
49

رضي الله عنهم، وبه قال مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وبه قال سائر الفقهاء
إلا ابن مسعود ومن تبعه فإنه خالف الصحابة في ست مسائل من الفرائض هذه إحداهن فجعل الباقي
للذكر دون أخواته وهو قول أبي ثور لأن النساء من الأولاد لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو
انفردن وتوريثهن ههنا يفضي إلى توريثهن أكثر من ذلك
ولنا قول الله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وهؤلاء يدخلون في عموم
هذا اللفظ بدليل تناوله لهم لو لم يكن بنات وعدم البنات لا يوجب لهم هذا الاسم ولان كل ذكر وأنثى
يقتسمان المال إذا لم يكن معهم ذو فرض يجب أن يقتسما الفاضل عنه كأولاد الصلب والاخوة مع
الأخوات وما ذكروه فهو في الاستحقاق للفرض فأما في مسئلتنا فإنما يستحقون بالتعصيب فكان
معتبرا بأولاد الصلب والاخوة والأخوات ثم يبطل ما ذكروه بما إذا خلف ابنا وست بنات فإنهن
يأخذن ثلاثة أرباع المال، وإن كن ثمانيا أخذن أربعة أخماسه وإن كن عشرا أخذت خمسة أسداسه
وكلما زدن في العدد زاد استحقاقهن
(فصل) وحكم بنات ابن الابن مع بنات الابن حكم بنات الابن مع بنات الصلب في جميع ما ذكرنا
في هاتين المسئلتين وفي أنه متى استكمل من فوق السفلى الثلثين سقطت إذا لم يكن لها من يعصبها
سواء كمل الثلثان لمن في درجة واحدة أو للعليا والتي تليها، وكذلك كل من نزلت درجته مع
من هو أعلى منه.
(فصل) وفروض الأخوات من الأبوين كفرض البنات سواء إلا أنه لا يعصبهن إلا أخوهن
50

يعني أن للواحدة من الأخوات للأبوين النصف وللأختين فما زاد الثلثان، فإن كانت الأخت لأبوين
وأخت أو أخوات لأب فلهن باقي الثلثين وذلك السدس تكملة الثلثين كبنات الابن مع البنات فيما
ذكرنا، وان لم يكن للميت أخوات لأبوين وكان له أخوات لأب فلهن حكمهن للواحدة النصف وللأختين
فما زاد الثلثان وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، فإن استكمل الأخوات للأبوين الثلثين سقط الأخوات
للأب الا أن يكون معهن أخوهن فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وخالف ابن مسعود في
ذلك ومن تبعه من سائر الصحابة والفقهاء فقال إذا استكمل الأخوات للأبوين الثلثين فالباقي للذكور من
ولد الأب دون الإناث فإن كانت أخت لأبوين وأخوة وأخوات لأب جعل للإناث من ولد الأب
الا ضربهن من المقاسمة أو السدس وجعل الباقي للذكور كما فعل في ولد الابن مع البنات وقد ذكرناه
وأما فرض الثلثين للأختين فصاعدا والنصف للواحدة المفردة فثابت بقول الله تعالى (يستفتونك قل
الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) وهو يرثها ان لم يكن لها
ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) والمراد بهذه الآية ولد الأبوين وولد الأب باجماع أهل
العلم، وعن جابر قال: قالت يا رسول الله كيف أصنع في مالي ولي أخوات؟ قال فنزلت آية الميراث
(يستفتونك قل الله يفتيكم) الآية رواه أبو داود وروي أن جابرا اشتكى وعنده سبع أخوات فقال
النبي صلى الله عليه وسلم " قد أنزل الله عز وجل في أخواتك فبين لهن الثلثين وما زاد على الاثنتين في حكمهما "
لأنه إذا كان للأختين الثلثان فالثلاث أختان فصاعدا واما سقوط الأخوات من الأب باستكمال ولد
الأبوين الثلثين فلان الله تعالى إنما فرض للأخوات الثلثين فإذا أخذه ولد الأبوين لم يبق مما فرضه
51

الله للأخوات شئ يستحقه ولد الأب فإن كانت واحدة من أبوين فلها النصف بنص الكتاب وما
بقي من الثلثين المفروضة للأخوات سدس يكمل به الثلثان فيكون للأخوات للأب ولذلك قال الفقهاء
لهن السدس تكملة الثلثين فإن كان ولد الأب ذكورا وإناثا فالباقي بينهم لقول الله تعالى (وان كانوا
إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) ولا يفارق ولد الأب مع ولد الأبوين ولد الابن مع
ولد الصلب الا في أن بنت الابن يعصبها ابن أخيها وهو أنزل منها وابن عمها والأخت من الأب
لا يعصبها الا أخوها فلو استكمل الأخوات من الأبوين اثنتين وثم الأخوات لأب وابن أخ لهن
لم يكن للأخوات للأب شئ وكان الباقي لابن الأخ لأن ابن الابن وان نزل ابن وابن الأخ ليس بأخ
(مسألة) (والأخوات مع البنات عصبة يرثن ما فضل كالاخوة وليست لهن معهن فريضة مسماة)
المراد بالأخوات ههنا الأخوات من الأبوين أو من الأب لأن ولد الأم يسقطن بالولد وولد
الابن وسنذكر ذلك أن شاء الله تعالى وهذا قول عامة أهل العلم يروى ذلك عن عمر وعلي وزيد
وابن مسعود ومعاذ وعائشة رضي الله عنهم واليه ذهب عامة الفقهاء الا ابن عباس ومن تابعه فإنه روي عنه
أنه لا يجعل الأخوات مع البنات عصبة وقال في بنت وأخت للبنت النصف ولا شئ للأخت فقيل له ان
عمر قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف فقال ابن عباس أنتم أعلم أم الله؟ يريد قوله سبحانه وتعالى
(ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) فإنما جعل لها الميراث بشرط عدم الولد
والحق فيما ذهب إليه الجمهور فإن ابن مسعود قال في بنت وبنت ابن وأخت لأقضين فيها بقضاء
52

رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي فللأخت رواه البخاري وغيره
واحتجاج ابن عباس لا يدل على ما ذهب إليه بل يدل على أن الأخت لا يفرض لها النصف مع الولد
ونحن نقول به فإن ما يأخذه مع البنت ليس بفرض وإنما هو بالتعصيب كميراث الأخ وقد وافق ابن عباس
على ثبوت ميراث الأخ مع الولد مع قوله تعالى (وهو يرثها ان لم يكن لها ولد) وعلى قياس قوله ينبغي
أن يسقط الأخ لاشتراطه في توريثه منها عدم الولد وهو خلاف الاجماع. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين
لكلام الله تعالى وقد جعل للأخت مع البنت وبنت الابن الباقي عن فرضهما وهو الثلث ولو كان
ابنتان وبنت ابن سقطت بنت الابن وكان للأخت الباقي وهو الثلث فإن كان معهم أم فلها السدس
ويبقى للأخت السدس فإن كان بدل الأم زوج فالمسألة من اثني عشر للزوج الربع وللبنتين الثلثان
وبقي للأخت نصف السدس فإن كان معهم أم عالت إلى ثلاثة عشر وسقطت الأخت
(فصل) وللواحد من ولد الأم السدس ذكرا كان أو أنثى فإن كانا اثنين فصاعدا فلهم الثلث بينهم
بالسوية أما استحقاق الواحد من ولد الأم السدس فلا خلاف فيه ذكرا كان أو أنثى لقول الله تعالى (وإن كان
رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء
في الثلث) يعني ولد الأم باجماع أهل العلم وفي قراءة سعد وعبد الله (وله أخ أو أخت من أم) وأما التسوية
بين ولد الأم فلا نعلم فيه خلافا الا رواية شذت عن ابن عباس أنه فضل الذكر على الأنثى لقول الله
(فهم شركاء في الثلث) وقال في آية أخرى (وان كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين)
ولنا قول الله تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) فسوى بين الذكر والأنثى
53

وقوله (فهم شركاء في الثلث) من غير تفضيل يقضي التسوية بينهم كما لو وصى لهم بشئ أو أقر لهم
به، وأما الآية الأخرى فالمراد بها ولد الأبوين وولد الأب بدليل أنه جعل للواحدة النصف
وللاثنين الثلثين وجعل الأخ يرث أخاه الكل وهذا مجمع عليه فلا عبرة بقول شاذ
(فصل) في الحجب قال رحمه الله (يسقط الجد بالأب وكل جد بمن هو أقرب منه)
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن
الميراث غير الأب وكذلك كل جد يسقط بمن هو أقرب منه لأنه يدلي به فهو كاسقاط الجد بالأب
وتسقط الجدات بالام. قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم ولأنهن
أمهات فسقطن بالام كما يسقط الأب الجد ويسقط ولد الابن بالابن لأنه إن كان أباه فهو يدلي وإن
كان عمه فهو أقرب منه فسقط به كما يسقط الجد بالأب وإن كان عمه فهو أقرب منه لقوله عليه الصلاة
والسلام " الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر "
(مسألة) (ويسقط ولد الأبوين بثلاثة بالابن وابنه والأب)
أجمع أهل العلم على ذلك بحمد الله ذكره ابن المنذر وغيره والأصل في هذا قوله تعالى (يستفتونك
قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن
54

لها ولد) الآية والمراد بذلك الاخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب بغير خلاف بين أهل العلم
وقد دل ذلك على قوله تعالى (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) وهذا حكم العصبة فاقتضت الآية أنهم
لا يرثون مع الولد والوالد لأن الكلالة من لا ولد له ولا والد خرج من ذلك البنات والأم لقيام الدليل
على ميراثهم معهما بقي فيما عداهما على ظاهره فيسقط ولد الأبوين ذكرهم وأنثاهم بالثلاثة المذكورين
وإن نزل ولد الابن وهم الأب لأنهم يدلون به والابن لأنهم يأخذون الفاضل عن فرض البنات والابن
لا يفضل عنه شئ، وكذلك ابن الابن وإن نزل لأنه ابن ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة وبالأخ
من الأبوين لما روى علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني
الأم يتوارثون دون بني الغلات يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. أخرجه الترمذي
(مسألة) (ويسقط ولد الأم بأربعة بالولد ذكرا كان أو أنثى وولد الابن والأب والجد)
أجمع على هذا أهل العلم فلا نعلم أحدا خالف فيه إلا رواية واحدة شذت عن ابن عباس في
أبوين وأخوين لام للأم الثلث وللأخوين الثلث وقيل عنه لهما ثلث الباقي وهذا بعيد جدا فإنه يسقط
الاخوة كلهم بالجد فكيف يورثهم مع الأب؟ ولا خلاف بين سائر أهل العلم في أن ولد الأم يسقطون
بالجد فكيف يورثون مع الأب؟ والأصل في هذه الجملة قول الله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة
وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) والمراد بهذه
55

الآية الأخ والأخت من الأم باجماع أهل العلم. وفي قراءة سعد بن أبي وقاص (وله أخ أو أخت من أم)
والكلالة في قول الجمهور من ليس له ولد ولا والد فشرط توريثهم عدم الولد والوالد والولد يشتمل
على الذكر والأنثى والوالد يشمل الأب والجد وولد الابن ولد
(فصل) واختلف أهل العلم في الكلالة فقيل الكلالة اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين نص
عليه أحمد وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال الكلالة من عدا الوالد والولد واحتج من ذهب إلى
هذا بقول الفرزدق في بني أمية:
ورثتم قناة المجد لأن عن كلالة * عن أبني مناف عبد شمس وهاشم
واشتقاقه من الإكليل الذي يحيط بالرأس ولا يعلو عليه فكان الورثة ما عدا الولد والوالد وقد
أحاطوا بالميت من حوله لا من طرفيه أعلاه وأسفله كإحاطة الإكليل بالرأس فأما الولد والوالد فهما طرفا
الرجل فإذا ذهبا كان بقية النسب كلالة قال الشاعر:
فكيف بأطرافي إذا ما شتمتني؟ * وما بعد شتم الوالدين صلوح
وقالت طائفة الكلالة الميت نفسه الذي لا ولد له ولا والد يروى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود
وقيل الكلالة قرابة الأم واحتجوا ببيت الفرزدق الذي أنشدناه عنى إنكم ورثتم الملك عن آبائكم
لا عن أمهاتكم ويروى عن الزهري أنه قال الميت الذي لا ولد له ولا والد كلالة ويسمى وارثه كلالة
56

والآيتان في سورة النساء المراد بالكلالة فيهما الميت ولا خلاف في أن اسم الكلالة يقع على الاخوة
من الجهات كلها وقد دل على صحة ذلك قول جابر يا رسول الله كيف الميراث؟ إنما يرثني كلالة فجعل
الوارث هو الكلالة ولم يكن لجابر يومئذ ولد ولا والد، وممن ذهب إلى أنه يشترط في الكلالة عدم
الولد والوالد زيد وابن عباس وجابر بن زيد والحسن وقتادة والنخعي وأهل المدينة والبصرة
والكوفة ويروى عن ابن عباس أنه قال الكلالة من لا ولد له، ويروى ذلك عن عمر
والصحيح عنهما قول الجماعة
(باب العصبات)
العصبة الوارث بغير تقدير وإذا كان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه قل أو كثر وإن انفرد أخد المال
كله وإن استغرقت الفروض المال سقط، وهم كل ذكر من الأقارب ليس بينه وبين الميت أنثى وهم
عشرة: الابن وابنه والأب وأبوه الأخ وابنه إلا من الأم، والعم وابنه كذلك ومولى النعمة ومولاة
النعمة، وأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط من بعد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحقوا الفرائض باهلها فما
بقي فلاولى
رجل ذكر " متفق عليه وأخرجه الترمذي. وفي رواية " ما أبقت الفروض فلاولى رجل ذكر "
57

وأقربهم الابن ثم ابنه وان نزل لأن الله سبحانه قال (يوصيكم الله في أولادكم) والعرب تبدا بالأهم
فالأهم، ثم الأب لأن سائر العصبات يدلون به، ثم الجد أبو الأب وإن علا لأنه أب ما لم يكن اخوة لأب
أو لأبوين فإن اجتمعوا فلهم فصل مفرد قد ذكرناه وذكرنا اختلاف أهل العلم في ذلك وفي كيفية
توريثهم، معه ثم بنو الأب وهم الاخوة، ثم بنوهم وإن نزلوا، ثم بنو الجد وهم الأعمام وإن نزلوا ثم أعمام
الأب ثم أبناؤهم ثم أعمام الجد ثم أبناؤهم كذلك أبدا لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منهم وإن
نزلت درجتهم لما ذكرنا من الحديث، وأولى ولد كل أب أقربهم إليه فإن استووا فأولاهم من كان لأبوين
لما ذكرنا من حديث علي رضي الله عنه وهذا كله مجمع عليه.
(مسألة) (فإذا انقرض العصبة من النصب ورث المولى المعتق ثم عصباته الأقرب فالأقرب) لقوله
عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " وسنذكره في بابه إن شاء الله تعالى
(مسألة) (وأربعة من الذكور يعصبون أخواتهم فيمنعونهن الفرض ويقتسمون ما ورثوا للذكر
مثل حظ الأنثيين وهم الابن وابنه والأخ من الأبوين والأخ من الأب ومن عداهم من العصبات)
ينفرد الذكور بالميراث دون الإناث وهم بنو الاخوة والأعمام وبنوهم وذلك لقول الله تعالى
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فهذه الآية تناولت الأولاد وأولاد الابن وقال
تعالى (فإن كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين) فتناولت ولد الأبوين وولد الأب
58

وإنما اشتركوا لأن الرجال والنساء كلهم وارث فلو فرض للنساء فرض أفضى إلى تفضيل الأنثى على
الذكر أو مساواتها إياه أو اسقاط بالكلية فكانت المقاسمة أولى وأعدل، وسائر العصبات ليس أخواتهم
من أهل الميراث فإنهن لسن بذوات فرض ولا يرثن منفردات فلا يرثن مع اخوتهن شيئا وهذا
لا خلاف فيه بحمد الله ومنه
(مسألة) (وابن ابن الابن يعصب من بإزائه من أخواته وبنات عمه وبنات عم أبيه على كل
حال إذا لم يكن لهن فرض ويسقط من هو أنزل منه كبناته وبنات أخيه وبنات ابن عمه وكلما نزلت
درجته زاد فيمن يعصبه قبيل آخر)
فلو خلف الميت خمس بنات ابن بعضهن أنزل من بعض لا ذكر معهن وعصبة كان للعليا النصف
وللثانية السدس وسقط سائرهن والباقي للعصبة وإن كان مع العليا أخوها أو ابن عمها فالمال بينهما على
ثلاثة وسقط سائرهن، وإن كان مع الثانية عصبة كان للعليا النصف والباقي بينه وبين الثانية على ثلاثة
وإن كان مع الثالثة فللعليا النصف وللثانية السدس والباقي بينه وبين الثالثة وإن كان مع الربعة فللعليا النصف
وللثانية السدس والباقي بينه وبين الثالثة والرابعة على أربعة، وإن كان مع الخامسة فالباقي بعد فرض الأولى
والثانية بينه وبين الثالثة والرابعة والخامسة على خمسة وتصح من ثلاثين، وإن كان أنزل من الخامسة
فكذلك قال شيخنا ولا أعلم في هذا خلافا بين القائلين بتوريث بنات الابن مع بني الابن بعد استكمال الثلثين
59

(مسألة) (ومتى كان بعض بني الأعمام زوجا أو أخا لام أخذ فرضه وشارك الباقين في تعصيبهم)
وجملة ذلك أنه إذا كان ابنا عم أحدهما أخ لام فللأخ للأم السدس والباقي بينهما نصفين هذا
قول جمهور الفقهاء. يروى عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك ويروى ذلك عن علي وزيد
وابن عباس وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم، وقال ابن مسعود المال للذي هو أخ من
أم، وبه قال شريح والحسن وابن سيرين وعطاء والنخعي وأبو ثور لأنهما استويا في قرابة الأب
وفضله هذا بأم فصارا كأخوين أو عمين أحدهما لأبوين والآخر لأب ولان ابن العم لأبوين يسقط
ابن العم للأب كذلك هذا فإذا كان قربه بكونه من ولد الجدة قدمه فكونه من ولد الأم أولى
ولنا أن الاخوة من الأم يفرض له بها إذا لم يرث بالتعصيب وهو إذا كان معه أخ من أبوين
أو من أب أو عم وما يفرض له به لا يرجح به كما لو كان أحدهما زوجا، ويفارق الأخ من الأبوين
والعم وابن العم إذا كانا من أبوين فإنه لا يفرض له بقرابة أمه شئ فرجح به ولا يجتمع في إحدى
القرابتين ترجيح وفرض
(فصل) فإن كان معهما أخ لأب فللأخ من الأم السدس والباقي للأخ من الأب وكذلك إن كان
معهما أخ لأبوين فإن كان ابن عم لأبوين وابن عم هو أخ لام فعلى قول الجمهور للأخ السدس
والباقي للآخر وعلى قول ابن مسعود المال كله لابن العم الذي هو أخ لام
60

(فصل) فإن كان ابنا عم أحدهما أخ لام وبنت أو بنت ابن فللبنت أو بنت الابن النصف والباقي
بينهما نصفين وسقطت الاخوة من الأم بالبنت ولو كان الذي ليس بأخ ابن عم من أبوين أخذ الباقي
كله لذلك وعلى قول ابن مسعود الباقي للأخ في المسئلتين بدليل ان الأخ من الأبوين يتقدم على
الأخ من الأب بقرابة الأم، وإن كان في الفريضة بنت تحجب قرابة الأم وحكي عن سعيد بن جبير
ان الباقي لابن العم الذي ليس بأخ وإن كان من أب لأنه يرث بالقرابتين ميراثا واحدا فإذا كان
في الفريضة من يحجب أحدهما سقط ميراثه كما لو استغرقت الفروض المال سقط الأخ من الأبوين ولم
يرث بقرابة الأم بدليل المسألة المشركة
ولنا على ابن مسعود ان الثلث يسقط الميراث بقرابة الأم فيبقى التعصيب منفردا فيرث به وفارق
ولد الأبوين فإن قرابة لام ثم يرجح بها ولا يفرض لها فلا تؤثر فيها بحجبها وفي مسئلتنا يفرض له
بها فإذا كان في الفريضة من يحجبها سقطت ولأنه لو كان مع ابن العم الذي هو أخ أخ من أب وبنت
لحجبت البنت قرابة الأم ولم ترث بها شيئا وكان للبنت النصف والباقي للأخ من الأب ولولا البنت لورث
بكونه أخا من أم السدس وإذا حجبته البنت مع الأخ من الأب وجب أن تحجبه في كل حال لأن
الحجب بها لا بالأخ من الأب وما ذكره سعيد بن جبير ينتقض بالأخ من الأبوين مع البنت وبابن العم
إذا كان زوجا ومعه من يحجب بني العم، ولا نسلم انه يرث ميراثا واحدا بل يرث بقرابتيه ميراثين
كشخصين فصار كابن العم الذي هو زوج، وفارق الأخ من الأبوين فإنه لا يرث الا ميراثا واحدا فإن
قرابة الأم لا يرث بها منفردة
61

(فصل) فحصل خلاف ابن مسعود في مسائل ست هذه الواحدة (والثانية) في بنات وبنات ابن
وابن ابن الباقي عنده لابن الابن دون أخواته (الثالثة) في أخوات لأبوين وأخ وأخوات لأب الباقي
عنده للأخ دون أخواته (الرابعة) بنت وابن ابن وبنات ابن لبنات الابن الاضر بهن من السدس
أو المقاسمة (الخامسة) أخت لأبوين واخ وأخوات لأب للأخوات عنده الاضر بهن من ذلك (السادسة)
كان يحجب الزوجين والأم بالكفار والعبيد والقاتلين ولا يورثهم
(فصل) ابن ابن عم هو أخ لام وابن ابن عم آخر للأخ السدس والباقي بينهما وعند ابن
مسعود الكل للأخ وسقط الآخر فإن كان أحدهما ابن أخ لام فلا شئ له بقرابة الاخوة لأن ابن الأخ
للام من ذوي الأرحام، وإن كان عمان أحدهما خال لام لم يرجح بخؤولته، وقيل على قياس قول ابن
مسعود وجهان (أحدهما) لا يرجح بها (والثاني) يرجح بها على العم الذي هو من أب فيأخذ المال
لأنه ابن الجد والجدة والآخر ابن الجد لا غير، وإن كان العم الآخر من أبوين فالمال بينهما لأن كل
واحد منهما يدلي بجده وهما ابنا الجد وهكذا القول في ابني عم أحدهما خال أو ابني ابني عم أحدهما
خال فأما على قول عامة الصحابة فلا أثر لهذا عندهم
(فصل) ابنا عم أحدهما زوج للزوج النصف والباقي بينهما نصفين عند الجميع فإن كان الآخر
أخا لام فللزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهما أصلها من ستة للزوج أربعة وللأخ اثنان
62

وترجع بالاختصار إلى ثلاثة وعند ابن مسعود الباقي للأخ فتكون من اثنين لكل واحد منهما سهم
ثلاثة بني عم أحدهم زوج والاخر أخ لام للزوج النصف وللأخ السدس والباقي بينهم على
ثلاثة أصلها من ستة تضرب فيها الثلاثة تكن ثمانية عشر للزوج تسعة وللأخ ثلاثة يبقى ستة بينهم
على ثلاثة فيحصل للزوج أحد عشر وهي النصف والتسع وللأخ خمسة وهي السدس والتسع وللثالث
التسع سهمان، فإن كان الزوج ابن عم من أبوين فالباقي له، وإن كان هو والثالث من أبوين فالثلث
الباقي بينهما، وتصح من ستة للزوج الثلثان ولكل واحد من الأخوين سدس وعند ابن مسعود أن الباقي
بعد فرض الزوج للذي هو أخ من أم
(فصل) أخوان من أم أحدهما ابن عم فالثلث بينهما والباقي لابن العم وتصح من ستة لابن
العم خمسة وللآخر سهم، ولا خلاف في هذه المسألة فإن كانوا ثلاثة إخوة أحدهم ابن عم فالثلث
بينهم على ثلاثة والباقي لابن العم وتصح من تسعة، وإن كان اثنان منهم ابني عم فالباقي بعد الثلث
بينهما وتصح من تسعة
(فصل) ثلاثة إخوة لام أحدهم ابن عم وثلاثة بني عم أحدهم أخ لام فاضمم واحدا من كل عدد
إلى العدد الآخر يصر معك أربعة بني عم وأربعة إخوة فهم ستة في العدد، وفي الأحوال ثمانية ثم
اجعل الثلث للاخوة على أربعة والثلثين لبني العم على أربعة فتصح من اثنى عشر لكل أخ مفرد
63

سهم ولكل ابن عم مفرد سهمان ولكل ابن عم هو أخ ثلاثة فيحصل لهما النصف وللأربعة الباقين النصف،
وعلى قول عبد الله للاخوة الثلث والباقي لابني العم الذين هما اخوان
(مسألة) (وإذا اجتمع ذو فرض وعصبة بدئ بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة)
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض باهلها فما أبقت الفروض فلاولى رجل ذكر "
(مسألة) (وإن استغرقت الفروض المال فلا شئ للعصبة)
كزوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأبوين أو لأب فللزوج النصف وللأم السدس وللاخوة للأم الثلث
وسقط سائرهم وإلى هذا ذهب احمد رحمه الله فأسقط الاخوة من الأبوين لأنهم عصبة، وقد
تم المال بالفروض ويروى هذا القول عن علي وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبي موسى
رضي الله عنهم، وبه قال الشعبي والعنبري وشريك وأبو حنيفة وأصحابه ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد
وأبو ثور وابن المنذر ويروى عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أنهم شركوا بين ولد
الأبوين وولد الأم في الثلث فقسموه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ الأنثيين وبه قال مالك والشافعي
وإسحاق لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة التي يرثون بها فيجب أن يساووهم في الميراث فإنهم جميعا
من ولد الأم، وقرابتهم من جهة الأب ان لم تزدهم قربا واستحقاقا فلم تسقطهم، ولهذا قال بعض ولد
الأبوين أو بعض الصحابة لعمر وقد أسقطهم هب ان أباهم كان حمارا فما زادهم ذلك إلا قربا فشرك
64

بينهم، وحرر بعض أصحاب الشافعي فيها قياسا فقال فريضة جمعت ولد الأب والأم وولد الأم وهم
من أهل الميراث فإذا ورث ولد الأم وجب أن يرث ولد الأب والأم كما لو لم يكن فيها زوج
ولنا قول الله تعالى، وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما
السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، ولا خلاف في أن المراد بهذه الآية ولد الأم
على الخصوص فمن شرك بينهم فلم يعط كل واحد منهما السدس وهو مخالفة لظاهر القرآن ويلزم منه
مخالفة ظاهر الآية الأخرى وهي قوله (فإن كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين)
يراد بهذه الآية سائر الاخوة والأخوات وهم يسوون بين ذكرهم وأنثاهم وقوله عليه الصلاة والسلام " الحقوا
الفرائض بأهلها فما بقي فلاولى رجل ذكر " ومن شرك فلم يلحق الفرائض بأهلها، ومن جهة المعنى أن
ولد الأبوين عصبة لا فرض لهم وقد نم المال بالفروض فوجب أن يسقطوا كما لو كان مكان ولد الأم
ابنتان وقد انعقد الاجماع على أنه لو كان في هذه المسألة واحد من ولد الأم ومائة من ولد الأبوين
لاختص الواحد من ولد الأم بالثلث وللمائة السدس الباقي لكل واحد منهم عشر عشره فإذا جاز
أن ينقص ولد أبوين عن ولد الأم هذا النقص كله فلم لا يجوز اسقاطهم بالاثنين، وقولهم تساووا في
قرابة الأم قلنا فلم لم يساووهم في الميراث في هذه المسألة وعلى انا نقول إن ساووهم في قرابة الأم فقد
65

فارقوهم بكونهم عصبة من غير ذوي الفروض وهذا الذي افترقوا فيه هو المقتضي لتقديم ولد الأم
وتأخير ولد الأبوين فإن الشرع ورد بتقديم ذي الفرض وتأخير العصبة ولذلك يقدم ولد الأم على
ولد الأبوين في المسألة المذكورة وشبهها وهلا إذا تساووا في قرابة الأم شاركوا الأخ من الأم في
سدسه فاقتسموه بينهم ولأنه لو كانت قرابة الأم مستقلة بالميراث مع قرابة الأب لوجب أن يجتمع
لهم الفرض والتعصيب كقولنا في أخ من أم هو ابن عم ولوجب أن يشاركوا ولد الأم في الثلث في
كل موضع وينفردوا بالتعصيب فيما بقي، ولا خلاف في أنهم لا يشاركونهم في غير هذا الموضع، ويلزمهم
أن يقولوا في زوج وأخت لأبوين وأخت لأب معها أخوها إنه يسقط الأخ وترث أخته السدس لأن
قرابتها مع وجوده كقرابتها مع عدمه وهو لا يحجبها فهلا عدوه حمارا وورثوا أخته ما كانت ترث
عند عدمه؟ وما ذكروه من القياس طردي لا معنى تحته، قال العنبري القياس ما قال علي والاستحسان
ما قال عمر قال الخبري وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة وهو كمال قال إلا أن الاستحسان المجرد
ليس بحجة فإنه وضع للشرع بالرأي والتحكم من غير دليل ولا يجوز الحكم به مع عدم المعارض فكيف
وهو في مسئلتنا يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس؟ قال شيخنا ومن العجب ذهاب الشافعي إليه
ههنا مع تخطئة الذاهبين إليه في غير هذا الموضع، وقوله من استحسن فقد شرع ولا أظنه اعتمد في
هذا إلا لموافقة زيد بن ثابت فإنه اتبعه في جميع الفرائض وموافقة كتاب الله تعالى وسنة رسوله أولى
66

(فصل) ولو كان مكان ولد الأبوين في هذه المسألة عصبة من ولد الأب سقطوا ولم يورثهم أحد من
أهل العلم فيما علمنا لأنهم لم يشاركوا ولد الأم في قرابة الأم
(فصل) وتسمى هذه المسألة المشركة والحمارية إذا كان فيها أخوة لأبوين وكذلك كل مسألة
اجتمع فيها زوج وأم أو جدة وابنان فصاعدا من ولد الأم وعصبة من ولد الأبوين وإنما سميت المشركة
لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبوين وولد الأم في فرض ولد الأم فقسمه بينهم بالسوية
وتسمى الحمارية لأنه يروى أن عمر رضي الله عنه أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم يا أمير المؤمنين
هب أن أبانا كان حمارا أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم وقيل قال ذلك بعض الصحابة فسميت
الحمارية لذلك والله أعلم
(فصل) إذا قيل امرأة خلفت اما وابني عم أحدهما زوج والآخر أخ لام وثلاثة إخوة مفترقين
قيل هذه المشركة: للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث وسقط الاخوان من الأبوين
أو الأب، ومن شرك جعل للأخ من الأبوين التسع ولكل واحد من الأخوين للام تسعا
ومن مسائل ذلك زوج وأم وأختان لام واخ لأبوين تصح من ستة ومن شرك فهي من ثمانية
عشر: زوج وجدة وأخ وأخت لام وأخ وأخت لأبوين كالتي قبلها، ومن شرك فمن اثنى عشر
زوج وأم وأخوان وأختان لام وأخوان وثلاث أخوات لأب وأم من اثنى عشر ومن شرك فمن أربعة وخمسين
(مسألة) (ولو كان مكانهم أخوات لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة وسميت ذات الفروخ)
67

يعني إذا كان مع الزوج والأم والاخوة من الأم أخوات أو أختين لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة
لأن أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم وللاخوة للأم الثلث سهمان وللأخوات
الثلثان أربعة فتصير عشرة وسميت ذات الفروخ لأنها عالت بثلثيها وهي أكثر ما تعول إليه الفرائض
شبهت الأربعة الزائدة بالفروخ والستة بالام وتسمى الشريحية لأن رجلا أتى شريحا وهو قاض بالبصرة
فقال له ما نصيب الزوج من زوجته؟ فقال النصف مع غير الولد والربع مع الولد فقال إن امرأتي ماتت
وخلفتني وأمها وأختيها لامها وأختيها لأبيها وأمها فقال لك إذا ثلاثة من عشرة فخرج الرجل من
عنده وهو يقول لم أر كقاضيكم قلت له ما يصيب الزوج؟ قال النصف أو الربع فلما شرحت له قضيتي
لم يعطني ذلك ولا هذا فكان شريح يقول إذا لقيه انك تراني حاكما ظالما وأراك فاسقا فاجرا لأنك
تكتم القصة وتشيع الفاحشة
(فصل) ومعني العول ازدحام الفرائض بحيث لا يتسع لها المال كهذه المسألة فيدخل النقص عليهم
كلهم ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص لضيق ماله عن
وفائهم ومال الميت بين أرباب الديون إذا لم يف بها والثلث بين أرباب الوصايا إذا عجز، وهذا
قول عامة الصحابة ومن معهم من العلماء يروى ذلك عن عمر وعلي والعباس وابن مسعود وزيد وبه
قال مالك في أهل المدينة والثوري في أهل العراق والشافعي وأصحابه ونعيم بن حماد وأبو ثور وسائر
أهل العلم الا أن ابن عباس وطائفة شذت يقل عددها فنقل ذلك عن محمد بن الحنفية ومحمد بن علي
68

ابن الحسين وعطاء وداود فإنهم قالوا لا تعول المسائل فروي عن ابن عباس أنه قال في
زوج وأخت وأم من شاء باهلته أن المسائل لا تعول ان الذي أحصى رمل عالج عددا أعدل من أن
يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا هذان نصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فسميت هذه مسائل المباهلة
لذلك وهي أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي الله عنه فجمع الصحابة للمشورة فيها فقال العباس
رضي الله عنه أرى أن يقسم المال بينهم على قدر سهامهم فاخذ به عمر واتبعه الناس على ذلك حتى
خالفهم ابن عباس فروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لقيت زفر بن أوس البصري
فقال قضي إلى عبد الله بن عباس فتحدت عنده فأتيناه فتحدثنا عنده فكان من حديثه ان قال سبحان
الذي احصى رمل عالج عددا ثم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا ذهب النصفان بالمال فأين موضع
الثلث وثم والله لو قدموا من قدمه الله وأخروا من أخره الله ما عالت فريضة أبدا، فقال زفر فمن الذي
قدمه ومن الذي أخره الله؟ فقال الذي أهبطه من فرض إلى فرض فذلك الذي قدمه والذي أهبطه من
فرض إلى ما بقي فذلك الذي أخره الله، فقال زفر فمن أول من أعال الفرائض؟ قال عمر بن الخطاب
فقلت الا أشرت عليه فقال هبته وكان امرأ مهيبا. قوله من أهبطه الله من فريضة إلى فريضة فذلك
الذي قدمه الله يريد ان الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص
منه وأما من أهبطه من فرض إلى ما بقي يريد البنات والأخوات فإنهن يفرض لهن فإذا كان معهن
إخوتهن ورثوا بالتعصيب فكان لهم ما بقي قل أو كثر فكان مذهبه أن الفروض إذا ازدحمت رد
النقص على البنات والأخوات
ولنا ان كل واحد من هؤلاء لو انفرد أخذ فرضه فإذا ازدحموا وجب أن يقتسموا على قدر
69

الحقوق كأصحاب الديون والوصايا، ولان الله تعالى فرض للأخت النصف كما فرض للزوج النصف
وفرض للأختين الثلثين كما فرض للأختين للأم الثلث فلا يجوز اسقاط فرض بعضهم مع نص الله تعالى
عليه بالرأي والتحكم، ولا يمكن الوفاء بها فوجب ان يتساووا في النقص على قدر الحقوق كالوصايا والديون
ويلزم ابن عباس على قوله مسألة فيها زوج وأم واخوان من أم فإن حجب الأم إلى السدس خالف
مذهبه في حجب الأم بأقل من ثلاثة من الاخوة وان نقص الأخوين من الأم رد النقص على من لم يهبطه
الله من فرض إلى ما بقي وان أعال المسألة رجع إلى قول الجماعة وترك مذهبه ولا نعلم اليوم قائلا
بمذهب ابن عباس ولا نعلم خلافا بين فقهاء العصر في القول بالعول بحمد الله ومنه
(فصل) حصل خلاف ابن عباس للصحابة في خمس مسائل اشتهر قوله فيها (إحداها) زوج وأبوان
(والثانية) امرأة وأبوان للام ثلث الباقي عندهم وجعل هو لها ثلث المال منها (الثالثة) لا يحجب الأم
الا بثلاثة أخوة (الرابعة) لم يجعل الأخوات مع البنات عصبة (الخامسة) لم يعل المسائل فهذه
الخمس صحت الرواية عنه فيها واشتهر القول عنه بها وشذت عنه رويات سوى هذه ذكرنا
بعضها فيما مضى.
70

(باب أصول المسائل)
معنى أصول المسائل المخارج التي تخرج منها فروضها
(مسألة) (الفروض ستة ذكرها الله تعالى في كتابه وهي نوعان النصف والربع والثمن
والثلثان والثلث والسدس)
ومخارج هذه الفروض مفردة خمسة لأن الثلث والثلثين مخرجهما واحد وهي تخرج من سبعة
أصول أربعة لا تعول وثلاثة تعول لأن كل مسألة فيها فرض مفرد فأصلها من مخرجه وان اجتمع معه
فرض من نوعه فأصلها من مخرج أقلهما لأن مخرج الكثير داخل في مخرج الصغير فالنصف وحده من
اثنين والثلث وحده أو مع الثلثين من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو
مع النصف من ثمانية فهذه التي لا تعول لأن العول فرع ازدحام الفروض ولا يوجد ذلك ههنا، وأما
التي تعول فهي التي يجتمع فيها فروض أو فرضان من نوعين فإذا اجتمع مع النصف السدس أو الثلث
أو الثلثان فأصلها من ستة لا ن مخرج النصف من اثنين ومخرج الثلث من ثلاثة إذا ضربت أحدهما
في الآخر كانت ستة وذلك أصل المسألة وهي مخرج السدس، ويدخل العول في هذا الأصل فتعول
إلى سبعة وإلى ثمانية وإلى تسعة وإلى عشرة وهو أكثرها عولا. والعول زيادة في السهام ونقصان
في أنصباء الورثة.
71

وأمثلة ذلك زوج وأم وأخت لأم أصلها من ستة ومنها تصح: زوج وأم واخوان من أم: بنت
وأم عم، ثلاث أخوات مفترقات وعصبة، أبوان وابنتان، العول زوج وأختان لأبوين أو لأب أو إحداهما
من أبوين والأخرى من أب أو أم أو أخت من أب وأخت من أم، أصلها من ستة وتعول إلى سبعة:
زوج وأخت وجدة أو أخ لام، ست أخوات مفترقات وأم: عول ثمانية زوج وأخت وأم للزوج النصف
وللأخت النصف وللأم الثلث تعول إلى ثمانية وهي مسألة المباهلة فإن كان معهم أخت أخرى من أي
جهة كانت أو أخ من أم فهي ثمانية أيضا. عول تسعة زوج وست أخوات مفترقات تعول إلى تسعة
وتسمى الغراء، وكذلك زوج وأم وثلاث أخوات مفترقات. عول عشرة زوج وأم وست أخوات
مفترقات للزوج النصف وللأم السدس وللأختين للأم الثلث وللأختين للأبوين الثلثان وسقطت
الأختان للأب ومتى عالت المسألة إلى تسعة أو عشرة لم يكن الميت الا امرأة لأنها لابد فيها من زوج
ولا يمكن أن تعول المسألة إلى أكثر من هذا، وطريق العمل في العول أن تأخذ الفروض من أصل المسألة
وتضم بعضها إلى بعض فما بلغت السهام فإليه تنتهي
(مسألة) قال (وان اجتمع مع الربع أحد الثلاثة فهي من اثنى عشر وتعول على الافراد إلى سبعة
عشر ولا تعول إلى أكثر من ذلك)
إنما كان أصل هذه المسألة من اثنى عشر لأن مخرج الربع أربعة ومخرج الثلث ثلاثة ولا موافقة
72

بين المخرجين فإذا ضربت أحدهما في الآخر كان اثني عشر فإن كان مع الربع سدس فبين الستة
والأربعة موافقة بالانصاف فإذا ضربت وفق أحدهما في الآخر كان اثني عشر ولابد في هذا الأصل
من أحد الزوجين لأنه لا بد فيها من ربع ولا يكون فرضا لغيرهما
وأمثلة ذلك زوج وأبوان وخمس بنين، للزوج الربع ثلاثة وللأبوين السدسان أربعة يبقى خمسة
لكل ابن سهم، زوج وابنتان وأخت أو عصبة امرأة وأختان لأبوين أو لأب أو أختان لام وعصبة
امرأة واخوان لام وسبعة إخوة لأب العول زوج وابنتان وأم تعول إلى ثلاثة عشر امرأة وثلاث
أخوات مفترقات، زوج وأبوان وابنتان تعول إلى خمسة عشر، امرأة وأختان من أب وأختان من
أم، امرأة وأم وأختان لأبوين أو لأب وأختان لام تعول إلى سبعة عشر ثلاث نسوة وجدتان وأربع
أخوات لأم وثمان لأب أو لأبوين تعول إلى سبعة عشر ويحصل لكل واحدة منهن سهم وتسمى أم
الأرامل ويعايا بها فيقال سبعة عشر امرأة من جهات مختلفة اقتسمن مال ميت بالسوية لكل امرأة
منهن سهم وهي هذه ولا يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذه ولا يمكن أن يكمل هذا الأصل بفروض
من غير عصبة ولا عول ولا يمكن ان تعول الا على الافراد لأن فيها فرضا يباين سائر فروضها وهو
73

الربع فإنه ثلاثة وهو فرد وسائر فروضها أزواج فالنصف ستة والثلث أربعة والثلثان ثمانية والسدس
اثنان ومتى عالت إلى سبعة عشر لم يكن الميت فيها إلا رجلا
(مسألة) (وان اجتمع مع الثمن سدس أو ثلثان فأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة
وعشرين ولا تعول إلى أكثر منها إنما كان أصلها من أربعة وعشرين لأنك تضرب مخرج الثمن في
مخرج الثلثين أو في وفق مخرج السدس فتكون أربعة وعشرين ولم يذكر الثلث مع الثمن لأنه لا
يجتمع معه لأن الثمن لا يكون إلا للزوجة مع الولد ولا يكون الثلث في مسألة فيها ولد لأنه لا يكون إلا
لولد الأم والولد يسقطهم أو للام بشرط عدم الولد
(مسائل ذلك) (امرأة وأبوان وبنت أو بنون وبنات امرأة وابنتان وأم وعصبة ثلاث نسوة
وأربع جدات وست عشرة بنتا وأخت امرأة وبنت وبنت ابن وجدة وعم العول امرأة وأبوان وابنتان تعول
إلى سبعة وعشرين وتسمى البخيلة لأنها أقل الأصول عولا لم تعل إلا بثمنها وتسمى المنبرية لأن عليا
رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال صار ثمنها تسعا ومضى في خطبته يعني ان المرأة كان لها
الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين صار لها بالعول ثلاثة من سبعة وعشرين وهي التسع ولا يكون الميت
في هذا الأصل إلا رجلا
(فصل) ولا يمكن ان يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذا الا على قول ابن مسعود فإنه يحجب
74

الزوجين بالولد الكافر والقاتل والرقيق ولا يورثه فعلى قوله إذا كانت امرأة وأم وست أخوات
مفترقات وولد كافر فللأخوات الثلث والثلثان وللأم والمرأة السدس والثمن سبعة فتعول
إلى أحد وثلاثين.
(والمسائل) (على ثلاثة اضرب عادلة وعائلة ورد، ذكرنا العادلة وهي التي يستوي مالها وفروضها
والعائلة هي التي تزيد فروضها عن مالها والرد هي التي يفضل مالها عن فروضها ولا عصبة فيها وهي
التي نذكرها في هذا الفصل.
(فصل في الرد) إذا لم تستوعب الفروض المال ولم يكن عصبة رد الفاضل على ذوي الفروض
بقدر فروضهم الا الزوج والزوجة.
وجملة ذلك أن الميت إذا لم يخلف وارثا الا ذوي فروض كالبنات والأخوات والجدات فإن الفاضل
عن ذوي الفروض يرد عليهم على قدر فروضهم الا الزوج والزوجة يروى ذلك عن عمر وعلى وابن
مسعود رضي الله عنهم وحكي ذلك عن الحسن وابن سيرين وشريح وعطاء ومجاهد والثوري وأبي حنيفة
وأصحابه قال ابن سراقة وعليه العمل اليوم في الأمصار الا أنه يروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرد
على بنت ابن مع بنت ولا على أخت من أب مع أخت من أبوين ولا على جدة مع ذي سهم وروى
75

ابن منصور عن أحمد أنه كان لا يرد على ولد الأم مع الأم ولا على الجدة مع ذي سهم والقول الأول
أظهر في المذهب وأصح وبه قال عامة أهل الرد لأنهم تساووا في السهام فيجب أن يتساووا فيما يفرع
عليها ولان الفريضة لو عالت لدخل النقص على الجميع فالرد ينبغي أن ينالهم أيضا وأما الزوجان فلا
يرد عليهما باتفاق من أهل العلم الا أنه يروى عن عثمان رضي الله عنه أنه رد على زوج ولعله كان عصبة
أو ذا رحم فأعطاه لذلك وأعطاه من بيت المال لا على سبيل الرد وسبب ذلك إن شاء الله تعالى أن
أهل الرد كلهم من ذوي الأرحام فيدخلون في قوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) في كتاب
الله والزوجان خارجان من ذلك وذهب زيد بن ثابت إلى أن الفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال
ولا يرد على أحد فوق فرضه وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي لأن الله تعالى قال في الأخت فلها
نصف ما ترك ومن رد عليها جعل لها الكل ولأنها ذات فرض مسمى فلا تزاد عليه كالزوج
ولنا قول الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقد ترجحوا بالقرب إلى الميت
فيكونون أولى من بيت المال لأنه لسائر المسلمين وذوو الرحم أحق من الأجانب عملا بالنص وقال النبي
صلى الله عليه وسلم " من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فالي - وفي لفظ - من ترك دينا فالي ومن ترك مالا فللوارث " متفق عليه
وهذا عام في جميع المال وروى واثلة ابن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " تحوز المرأة ثلاث مواريث
لقيطها وعتيقها وولدها الذي لاعنت عليه رواه ابن ماجة فجعل لها ميراث ولدها المنفي باللعان خرج من
76

ذلك ميراث غيرها من ذوي الفروض بالاجماع بقي الباقي على مقتضى العموم ولأنها من وراثة بالرحم
فكانت أحق بالمال من بيت المال كعصباته فاما قوله تعالى (فلها نصف ما ترك) فلا ينفي أن يكون لها زيادة
عليه بسبب آخر كقوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد) لا ينفي أن يكون
للأب السدس وما فضل عن البنت بجهة التعصيب وقوله (ولكن نصف ما ترك أزواجكم) لم ينف أن
يكون للزوج ما فضل إذا كان ابن عم أو مولى وكذلك الأخ من الأم إذا كان ابن عم والبنت وغيرها
من ذوي الفروض إذا كانت معتقة كذا ههنا تستحق النصف بالقرض والباقي بالرد وأما الزوجان
فليسا من ذوي الأرحام.
(مسألة) (فإن كان المردود عليه واحدا أخذ المال كله بالفرض والرد كأم أو جدة أو بنت
أو أخت وان كانوا جماعة من جنس واحد كبنات أو أخوات أو جدات اقتسموه كالعصبة من البنين
والاخوة وسائر العصبات فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الرد
(مسألة) (وان اختلفت أجناسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة فاجعله أصل مسئلتهم إنما كان
كذلك لأن الفروض كلها تخرج من أصل الستة إلا الربع والثمن وليسا لغير الزوجين وليسا من
أهل الرد وينحصر ذلك في أربعة أصول (أحدها) أصل اثنين كجدة وأخ من أم للجدة السدس وللأخ
السدس أصلها اثنان ثم يقسم المال عليهما فيصير لكل واحد منهما نصف المال أصل ثلاثة أم وأخ من
أم، أم واخوان لام للأم السدس وللأخوين الثلث بينهما
77

(أصل) أربعة أخت لأبوين وأخت لأب أو لام أو أخ، لام أو جدة بنت وأم أو جدة بنت وبنت ابن
(أصل) خمسة ثلاث أخوات مفترقات للأخت للأبوين النصف ولكل واحدة من الآخرتين
السدس، أم وأخت لأبوين أو لأب، أم وأخت لأبوين وأخت لأب أو لام بنتان وجدة لا تزيد على
هذا أبدا لأنها لو زادت سدسا آخر لكمل المال ولم يبق منه شئ يرد
(مسألة) (فإن انكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم لأنه أصل مسئلتهم وإنما كان
عدد سهامهم أصل مسئلتهم كما صارت السهام في العول هي المسألة التي يضرب فيها العدد بيان ذلك في
أصل اثنين أربع جدات واخ من أم للجدات سهم لا ينقسم عليهن فتضرب عددهن في أصل المسألة
تكن ثمانية للأخ من الأم أربعة ولكل واحدة من الجدات سهم
(أصل) ثلاثة أم وثلاثة اخوة من أم للاخوة سهمان لا تصح عليهما اضرب عددهم في أصل
المسألة تصر تسعة ومنها تصح
(أصل) أربعة أخت لأبوين وأربع أخوات لأب تضرب عددهن في أصل المسألة وهو أربعة
تكن ستة عشر ومنها تصح.
(أصل) خمسة أم وأخت لأبوين وأربع أخوات لأب لهن سهم لا يصح عليهن تضرب عددهن
في خمسة تكن عشرين ومنها تصح وسنذكره في باب تصحيح المسائل مفصلا
78

(مسألة) (فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه من أصل مسئلته وقسمت الباقي على
مسألة الرد وهي فريضة أهل الرد وهو ينقسم إذا كانت زوجة ومسألة الرد من ثلاثة كامرأة وأم
وأخ لام أو أم وأخوين لام فللمرأة الربع سهم من أربعة يبقى ثلاثة على فريضة أهل الرد وهي ثلاثة
وتصح المسئلتان من أربعة، فإن انكسر على عدد منهم كاربع زوجات وأم وأخ لام، ضربت أربعة في
مسألة الزوجة تكن ستة عشر ومنها تصح فإن لم تنقسم فاصل مسألة الزوج على مسألة الرد لم يمكن أن
يوافقها لأنه إن كانت مسألة الزوج من اثنين فالباقي بعد نصيبه سهم لا يوافق شيئا وإن كانت من أربعة
فالباقي بعد ميراثه ثلاثة ومن ضرورة كون للزوج الربع أن يكون للميتة ولد، ولا يمكن أن تكون
مسألة الرد مع الولد من ثلاثة وإن كان الزوج امرأة فالباقي بعد الثمن سبعة ولا توافق السبعة عددا
أقل منها ولا يمكن أن تكون مسألة الرد سبعة أبدا لأن مسألة الرد لا تزيد على خمسة أبدا، إذا ثبت
هذا فاضرب فريضة أهل الرد في فريضة أحد الزوجين فما بلغ فإليه تنتقل المسألة فإذا أردت القسمة
فلاحد الزوجين فريضة الرد ولكل واحد من أهل الرد سهامه من مسئلته مضروب في الفاضل عن
فريضة الزوج فما بلغ فهو له إن كان واحدا وإن كانوا جماعة قسمته عليهم فإن لم ينقسم ضربته أو وفقته
فيما انتقلت إليه المسألة وتصحح على ما نذكره في باب التصحيح وينحصر ذلك في خمسة أصول.
(أحدها): زوج وجدة وأخ لام للزوج النصف أصلها من اثنين له سهم يبقى سهم على مسألة
79

الرد وهي اثنان أيضا فاضرب اثنين في اثنين تكن أربعة ولا يقع الكسر في هذا الأصل إلا على
حين واحد وهو الجدات
(الأصل الثاني): زوجة وجدة وأخ لام مسألة الزوجة من أربعة ثم تنتقل إلى ثمانية ولا يكون
الكسر إلا على الجدات أيضا.
(الأصل الثالث) زوج وبنت وبنت ابن، مسألة الزوج من أربعة ثم تنتقل إلى ستة عشر وكذلك
زوجة وأخت لأبوين وأخت لأب، أو أخت لأم، أو جدة، أو جدات، ومثلها زوجة وأخت لأب
وأخت لام أو جدة.
(الأصل الرابع) زوجة وبنت وبنت ابن أو أم أو جدة، مسألة الزوجة من ثمانية ثم تنتقل
إلى اثنين وثلاثين.
(الأصل الخامس) زوجة وبنت وبنت ابن وجدة، أو ابنتان وأم، أصلها من ثمانية ثم تنتقل
إلى أربعين وفي جميع ذلك إذا انكسرت سهام فريق منهم عليهم ضربته فيما انتقلت إليه المسألة. ومثال
ذلك أربع زوجات واحدي وعشرون بنتا وأربع عشر جدة، مسألة الزوجات من ثمانية، فتضرب
فيها فريضة الرد وهي خمسة تكن أربعين للزوجات فريضة أهل الرد خمسة لا تصح عليهن ولا توافق
يبقى خمسة وثلاثون للجدات خمسها سبعة على أربع عشرة توافق بالاسباع فرجعن إلى اثنين ويبقى
80

للبنات ثمانية وعشرون توافق بالاسباع أيضا فيرجعن إلى ثلاث والابنتان يدخلن في عدد الزوجات
فتضرب ثلاثة في أربعة تكن اثني عشر ثم في أربعين تكن أربعمائة وثمانين.
(فصل) ومتى كان مع أحد الزوجين واحد منفرد ممن يرد عليه فإنه يأخذ الفاضل عن الزوج ولا تنتقل
المسألة كزوجة وبنت للزوجة الثمن والباقي للبنت بالفرض والرد وإن كان معه فريق واحد من أهل الرد
كالبنات أو الأخوات قسمت الفاضل عليهم كالعصبة فإن انكسر عليهم ضربت عددهم في مسألة الزوج والله أعلم
باب تصحيح المسائل
إذا لم ينقسم سهم فريق من الورثة عليهم قسمة صحيحة فاضرب عددهم في أصل المسألة وعولها
ان كانت عائلة ثم يصير لكل واحد من الفريق مثل ما كان لجماعتهم إلا أن يوافق عددهم سهامهم بنصف
أو ثلث أو غير ذلك من الاجزاء فيجزيك ضرب وفق عددهم في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة
فما بلغ فمنه تصح ثم يصير لكل واحد من الفريق وفق ما كان لجماعتهم، فإذا أردت القسمة فكل من
له شئ من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة وهو الذي يسمى جزء السهم فما بلغ
فهو له إن كان واحدا وإن كانوا جماعة قسمته عليهم. مثاله زوج وأم وثلاثة اخوة أصلها من ستة للزوج
النصف ثلاثة وللأم السدس سهم يبقى للاخوة سهمان لا تنقسم عليهم ولا توافقهم فاضرب عددهم وهو
81

ثلاثة في أصل المسألة وهو ستة تكن ثمانية عشر سهما للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم سهم في ثلاثة
ثلاثة وللاخوة سهمان في ثلاثة ستة لكل واحد سهمان وهو ما كان لجماعتهم فإن كان الاخوة أربعة
فإن سهامهم توافقهم بالنصف فتضرب نصفهم وهو اثنان في المسألة تكن اثني عشر فإذا أردت القسمة
ضربت سهام كل وارث في وفق عددهم وهو اثنان
(مسألة) (وان انكسر على فريقين أو أكثر لم يخل من أربعة أقسام (أحدها) أن يكونا
متماثلين كثلاثة وثلاثة فيجزيك ضرب أحدهما في المسألة وطريق قسمتها مثل طريق القسمة فيما إذا
كان الكسر على فريق واحد سواء.
مثاله ثلاثة اخوة لام وثلاثة لأب لولد الأم الثلث والباقي لولد الأب أصلها من ثلاثة لولد الأم سهم
على ثلاثة لا ينقسم ولولد الأب اثنان على ثلاثة لا ينقسم ولا يوافق فتضرب أحد العددين وهو ثلاثة
في أصل المسألة تكن تسعة لولد الأم سهم في ثلاثة بثلاثة لكل واحد سهم ولولد الأب اثنان في ثلاثة
ستة لكل واحد سهمان مثل ما كان لجماعتهم ولو كان ولد الأب ستة وافقت سهامهم بالنصف فرجع
عددهم إلى ثلاثة وكان العمل فيها كما ذكرنا سواء
(القسم الثاني) أن يكون العددان متناسبين وهو أن ينتسب إلى الآخر بجزء من أجزائه كنصفه
أو ثلثه أو نحو ذلك فيجزيك ضرب الأكثر منها في المسألة وعولها.
82

مثاله جدتان وأربعة اخوة لأب للجدتين السدس وللاخوة ما بقي أصلها من ستة وعددهم لا يوافق
سهامهم وعدد الجدات نصف عدد الاخوة فاجتز بالأكثر وهو أربعة واضربه في أصل المسألة تكن
أربعة وعشرين للجدات سهم في أربعة وللاخوة خمسة في أربعة وعشرين لكل واحد خمسة ولو كان
عدد الاخوة عشرين لوافقتهم سهامهم بالأخماس فيرجع عددهم إلى أربعة والعمل على ما ذكرنا
(القسم الثالث): أن يكون العددان متباينين لا يماثل أحدهما صاحبه ولا يناسبه ولا يوافقه
فتضرب أحدهما في جميع الآخر فما بلغ فهو جزء السهم فاضربه في المسألة فما بلغ فمنه تصح ثم كل من له شئ
من أصل المسألة مضروب في جزء السهم.
مثاله أم وثلاثة اخوة لام وأربعة لأب أصلها من ستة لولد الأم سهمان لا يوافقهم ولولد الأب ثلاثة
لا توافقهم والعددان متباينان فاضرب أحدهما في الآخر تكن اثني عشر ثم في أصل المسألة تكن
اثنين وسبعين ومنها تصح للأم سهم في اثني عشر ولولد الأم سهمان في اثني عشر أربعة وعشرون لكل
واحد ثمانية ولولد الأب ثلاثة في اثني عشر ستة وثلاثون لكل واحد تسعة إن وافق أحد العددين سهامه
دون الآخر اخذت وفق الموافق وضربته فيما لم يوافق وعملت على ما ذكرنا. وان وافقا جميعا سهامهما
رددتهما إلى وفقهما وعملت في الوفقين عملك بالعددين الأصليين
(فصل) فإن أردت أن تعرف ما لأحدهم قبل التصحيح فاضرب سهام فريقه في الفريق الآخر
فما خرج فهو له فإذا أردت أن تعلم ما لكل واحد من ولد الأم فلفريقه من أصل المسألة سهمان اضربهما
في عدد الفريق الآخر وهو أربعة تكن ثمانية فهي لكل واحد من ولد الأم ولفريق ولد الأب
ثلاثة اضربها في عدد ولد الأم تكن تسعة فهي لكل واحد منهم.
83

(القسم الرابع) أن يكون العددان متفقين بنصف أو ثلث أو ربع أو غير ذلك من الاجزاء
فإنك ترد أحد العددين إلى وفقه ثم تضربه في جميع الأجزاء فما بلغ ضربته في المسألة.
ومثال ذلك زوج وست جدات وتسعة اخوة فيتفقان بالثلث فترد الجدات إلى ثلثهن اثنين وتضربها
في عدد الاخوة تكن ثمانية عشر ثم تضرب ذلك في أصل المسألة تكن مائة وثمانية ومنها تصح
(فصل) فإن كان الكسر على ثلاثة أحياز نظرت فإن كانت متماثلة كثلاث جدات وثلاث بنات
وثلاثة أعمام ضربت أحدها في المسألة فما بلغ فمنه تصح المسألة ولكل واحد منهم بعد التصحيح مثل
ما كان لجماعتهم وإن كانت متناسبة كجدتين وخمس بنات وعشرة أعمام اجتزأت بأكثرها وهي العشرة
فضربتها في المسألة تكن ستين ومنها تصح، وإن كانت متباينة مثل أن يكون الأعمام في هذه المسألة
ثلاثة ضربت بعضها في بعض تكن ثلاثين ثم ضربتها في المسألة تكن مائة وثمانين وإن كانت متوافقة
كست جدات وتسع بنات وخمسة عشر عما ضربت وفق عدد منها في جميع الأجزاء فما بلغ وافقت
بينه وبين الثالث وضربت وفقه في جميع الثالث فما بلغ ضربته في أصل المسألة ومنها تصح وإن تماثل
اثنان منها وباينهما الثالث أو وافقهما ضربت أحد المتماثلين في الثالث أو في وفقه ان وافق فما بلغ ضربته في
المسألة وإن تناسب اثنان وباينهما الثالث ضربت أكثرهما في جميع الثالث أو في وفقه إن كان موافقا
84

ثم في المسألة وإن توافق اثنان وباينهما الثالث ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الثالث
وإن تباين اثنان ووافقهما الثالث كاربعة أعمام وست جدات وتسع بنات اجزاك ضرب أحد المتبانيين
في الآخر ثم تضربه في المسألة ويسمى هذا الموقوف المقيد لأنك إذا رددت وقف أحدهما لم تقف
الا الستة ولو وقفت غيرها مثل أن تقف التسعة وترد الستة إلى اثنين لدخلا في الأربعة وأجزأك ضرب
الأربعة في التسعة ولو وقفت الأربعة رددت الستة إلى ثلاثة ودخلت في التسعة وأجزأك ضرب الأربعة
في التسعة فأما إن كانت الاعداد الثلاثة متوافقة فإنه يسمى الموقوف المطلق وفي عملها طريقان (أحدهما)
ما ذكرنا من قبل وهو طريق الكوفيين (والثاني) طريق البصريين وهو أن تقف أحد الثلاثة وتوافق
بينه وبين الآخرين وتردهما إلى وفقهما ثم تنظر في الوقفين فإن كانا متماثلين ضربت أحدهما في الموقوف
وإن كانا متناسبين ضربت أكثرهما وان كانا متبانيين ضربت أحدهما في الآخر ثم في الموقوف وان كانا
متوافقين ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الموقوف فما بلغ ضربته في المسألة
ومثال ذلك عشر جدات واثنا عشر عما وخمس عشرة بنتا فقف العشرة توافقها الاثنا عشر بالنصف
فتر جع إلى ستة وافقها الخمس عشرة بالأخماس فترجع إلى ثلاثة وهي داخلة في الستة فتضرب الستة في
العشرة تكن ستين ثم في المسألة تكن ثلاثمائة وستين وان وقفت الاثني عشر رجعت العشرة إلى نصفها
خمسة والخمس عشرة إلى ثلثها خمسة وهما متماثلان فتضرب الخمسة في الاثني عشر ستين وإن وقفت الخمس
عشرة رجعت العشرة إلى اثنين والاثنا عشر إلى أربعة ودخل الاثنان في الأربعة فتضربها في الخمس
عشرة ثم في المسألة
85

(فصل) في معرفة الموافقة والمناسبة والمباينة الطريق في ذلك أن تلقي أقل العددين من أكثرهما
مرة بعد أخرى فإن فني به فالعددان متناسبان وان لم يفن ولكن بقيت منه بقية ألقيتها من العدد الأقل
فإن بقيت منه بقية ألقيتها من البقية الأولى ولا تزال كذلك تلقي كل بقية من التي قبلها حتى تصل إلى
عدد يفنى الملقى منه غير الواحد فأي بقية فني بها غير الواحد فالموافقة بين العددين بجزء تلك البقية ان
كانت اثنين فبالأنصاف وان كانت ثلاثة فبالأثلاث وان كانت أربعة فبالأرباع وان كانت أحد عشر
أو اثني عشر أو ثلاثة عشر فنحو ذلك وان بقي واحد فالعددان متباينان ومما يدلك على تناسب
العددين أنك إذا زدت على الأقل مثله أبدا ساوى الأكثر ومتى قسمت الأكثر على الأقل انقسم
قسمة صحيحة ومتى نسبت الأقل إلى الأكثر انتسب إليه بجزء واحد ولا يكون ذلك الا في المنتصف فما دونه
باب المناسخات
ومعناها أن يموت بعض ورثة الميت قبل قسم تركته ولها ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون ورثة
الثاني يربونه على حسب ميراثهم من الأول مثل أن يكونوا عصبة لهما فاقسم المال بين من بقي منهم ولا
تنظر إلى الميت الأول.
86

مثال ذلك أربع بنين وثلاث بنات ماتت بنت ثم ابن ثم بنت أخرى ثم ابن آخر وبقي ابنان
وبنت فاقسم المسألة على خمسة ولا يحتاج إلى عمل مسائل وكذلك نقول في أبوين وزوجة وابنين
وبنتين ماتت بنت ثم ماتت الزوجة ثم مات ابن ثم مات الأب ثم الأم فقد صارت المواريث كلها بين
الابن والبنت الباقيين أثلاثا واستغنيت عن عمل المسائل وبها اختصرت المسائل بعد التصحيح بالموافقة
بين السهام فإذا صححت المسألة نظرت فيها فإن كان لجميعها كسر يتفق فيه جميع السهام رددت المسألة
إلى ذلك الكسر ورددت سهام كل وارث إليه ليكون أسهل في العمل
مثاله زوجة وابن وبنت ماتت البنت تصح المسئلتان من اثنين وسبعين للزوجة بحقها ستة عشر
وللابن ستة وخمسون تنفق سهامهما بالأثمان فتردها إلى ثمنها تسعة للزوجة سهمان وللابن سبعة (الحال الثاني)
أن يكون ما بعد الميت الأول من الموتى لا يرث بعضهم بعضا كاخوة خلف كل واحد منهم بنته
فاجعل مسائلهم كعدد انكسرت عليهم سهامهم وصحح على ما ذكرنا في باب التصحيح
مثال ذلك رجل توفي وترك أربعة بنين فمات أحدهم عن اثنين والثاني عن ثلاثة والثالث عن
أربعة والرابع عن ستة فالمسألة الأولى من أربعة ومسألة الابن الأول من اثنين ومسألة الثاني من
ثلاثة ومسألة الثالث من أربعة ومسألة الرابع من ستة فاجعلها كأعداد أربعة فالاثنان تدخل في الأربعة
والثلاثة في الستة والأربعة توافق الستة بالانصاف فتضرب نصف إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر
87

ثم تضربها في المسألة الأولى تكن ثمانية وأربعين لورثة كل ابن اثنا عشر فلكل واحد من بني الأول
ستة ولكل واحد من بني الثاني أربعة ولكل واحد من بني الثالث ثلاثة ولكل واحد من بني
الرابع سهمان (الحال الثالث) ما عدا ذلك وهي ثلاثة أقسام (أحدها) أن تقسم سهام الميت الثاني على مسألة
الثاني (الثاني) أن لا ينقسم عليها بل يوافقها (الثالث) لا ينقسم عليها ولا يوافقها فالطريق في ذلك
أن تصحح مسألة الأول ثم انظر ما صار للثاني منها فاقسمه على مسئلته بعد أن تصححها فإن انقسم صحت
المسئلتان مما صحت منه الأولى كرجل خلف امرأة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت وخلفت زوجا وبنتا وعما
فإن لها من المسألة الأولى أربعة ومسألتها من أربعة فصحت المسئلتان من ثمانية وصار للأخ أربعة من
أخيه ثلاثة ومن بنت أخيه سهم
ومن ذلك أم وعم مات العم وخلف بنته وعصبة المسألة الأولى من ثلاثة والثانية من اثنين فصحت
المسئلتان من ثلاثة. ثلاث أخوات مفترقات ماتت الأخت من الأبوين وخلفت ابنتين ومن خلفت
تصح المسئلتان من خمسة. بنت وبنت ابن وأخ ماتت البنت وتركت ابنتين وعمها صحت المسئلتان
من ستة وصار للأخ ثلاثة. زوج وجدة وابنتا ابن من ثلاثة عشر ماتت إحداهما عن أربعة وتركت
زوجا وبنتا وأختها صحت المسئلتان من ثلاثة عشر وصار للأخ خمسة. زوجة وأم وابن ماتت الأم
وتركت زوجا وبنتا وابن ابن من أربعة وعشرين. زوجة وأم وعم مات العم وترك ثلاث بنين وبنتا
من اثني عشر تصح المسئلتان
88

(القسم الثاني) أن توافق سهام الميت الثاني مسئلته فالطريق فيها أن تضرب وفق مسئلته في الأولى
ثم كل من له شئ من المسألة الأولى مضروب في وفق الثانية ومن له شئ من المسألة الثانية مضروب
في وفق سهام الميت الثاني كرجل خلف امرأة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت وخلفت زوجا وبنتا وأمها
وهي الزوجة وعما فإن المسألة من ثمانية للبنت النصف أربعة ومسئلتها من اثني عشر توافق سهامها.
بالربع فتضرب ثلاثة في ثمانية أربعة وعشرون فكل من له شئ من ثمانية مضروب في ثلاثة وهو
وفق المسألة الثانية ومن له شئ من الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني وهو سهم ومن ذلك أم
وابنان وبنت مات أحد الابنين وخلف من خلف الأولى من ستة للابن منها سهمان وقد خلف جدته
وأخاه وأخته فمسئلته من ثمانية عشر توافق سهميه بالنصف فاضرب نصف مسئلته تسعة في الأولى وهي ستة
تكن أربعة وخمسين للام من الأولى سهم في تسعة وفق الثانية ولها من الثانية ثلاثة في سهم صار لها
اثنا عشر وللابن الباقي سهمان في تسعة ثمانية عشر ومن الثانية عشرة في سهم صار له ثمانية وعشرون
ولأخيه أربعة عشر.
(القسم الثالث) أن لا ينقسم سهام الثاني على مسئلته ولا يوافقها فالطريق فيها أن تضرب المسألة
الثانية في الأولى ثم كل من له شئ من المسألة الأولى مضروب في الثانية ومن له شئ من الثانية مضروب
في سهام الميت الثاني.
89

مثاله رجل خلف امرأة وبنتا وأخا فهي من ثمانية للبنت أربعة ثم ماتت البنت وتركت زوجا وأما
وابنتين فإن مسئلتها تعول إلى ثلاثة عشر لا تنقسم عليها سهامها ولا توافقها فإذا ضربت المسألة الأولى وهي
ثمانية في الثانية وهي ثلاثة عشر كانت مائة وأربعة فكل من له شئ من الأولى مضروب في ثلاثة عشر
ومن له شئ من ثلاثة عشر مضروب في أربعة ومثل ذلك زوج وأم وست أخوات مفترقات ماتت
إحدى الأختين من الأم وخلفت من خلفت فالأولى من عشرة والثانية من ستة لأنها خلفت اما وأختا
لأبوين وأختين من أم تضربها في الأولى تكن ستين ومنها تصح
(فصل) وربما اختلف الحكم بكون الميت الأول رجلا أو امرأة فيحتاج إلى السؤال عن ذلك
مثال ذلك إذا قيل أبوان وابنتان لم تنقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين إن كان الميت الأول
رجلا فالأب جد وارث في الثانية لأنه أبو أب وتصح المسئلتان من أربعة وخمسين وإن كان الميت
الأول امرأة فالأب أبو الأم في الثانية لا يرث لأنه من ذوي الأرحام وتصح المسئلتان من اثني عشر
وتسمى المأمونية لأن المأمون سأل عنها يحيى بن أكثم حين أراد توليته القضاء ليختبر فهمه فقال يا أمير
المؤمنين من الميت الأول فعلم أنه فهمها
(مسألة) (فإن مات ثالث جمعت سهامه مما صحت منه الأوليان وعملت فيها عملك في مسألة الثاني
مع الأول وكذلك تصنع في الرابع ومن بعده)
90

ومثال ذلك زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات. المسألة الأولى، من خمسة عشر، ماتت الأخت
من الأبوين وخلفت زوجا ومن خلفت فمسئلتها من ثمانية وسهامها ستة يتفقان بالنصف فتضرب نصف
مسئلتها في الأولى تكن ستين ثم ماتت الأم وخلفت زوجا وأختا وبنتها وهي الأخت من الأم،
مسئلتها من أربعة ولها من المسئلتين أحد عشر سهما لا توافق مسئلتها تضرب مسئلتها في الأوليين تكن
مائتين وأربعين ومنها تصح الثلاث.
ومثال الأربعة زوجة وأبوان وابنتان، لم يقسموا حتى مات الأب وخلف أخا لأب وأم، ومن
خلف ثم ماتت الأم وخلفت أما وعما ومن خلفت ثم ماتت إحدى البنتين وخلفت زوجا ومن خلفت
تصح الأولى من سبعة وعشرين، والثانية من أربعة وعشرين، توافق تركة الأب بالأرباع ثم ماتت الأم
عن سبعة وعشرين وخلفت أما وبنتي ابن وعما فمسئلتها من ستة وتركتها توافقها بالأثلاث ثم ماتت إحدى
البنتين عن مائة وثلاثين وتركت زوجا وأما وأختا فمسئلتها من ثمانية وتركتها توافقها بالانصاف فتصح
المسائل الأربع من الف ومائتين وستة وتسعين للزوجة من الأولى والرابعة مائتان وأربعة وسبعون
وللبنت الباقية من المسائل الأربع سبعمائة وخمسة عشر، ولأخي الميت الباقي أربعون، ولام الثالثة
ستة وثلاثون، ولعمها كذلك، ولزوج الرابعة مائة وخمسة وتسعون، زوج، وأم، وست أخوات
91

مفترقات، ماتت الأم وتركت أبويها ومن خلفت، ثم ماتت أخت من أب وأم وتركت زوجا وجدة
ومن خلفت ثم ماتت أخت من أم وخلفت زوجا وجدة ومن خلفت الأولى عشرة والثانية من ستة
فتصير الاثنتان من ستين والثالثة من عشرين وماتت عن ثلاثة عشر لا توافق فتضرب عشرين في ستين
تكن ألفا ومائتين والرابعة من ثمانية وماتت عن مائة وستة وستين توافقها بالانصاف فتضرب أربعة
في الف ومائتين تكن أربعة آلاف وثمان مائة.
(باب قسم التركات)
إذا خلف تركة معلومة فأمكنك نسبة نصيب كل وارث من المسألة فاعطه مثل تلك النسبة من
التركة، مثال ذلك زوج وأبوان وابنتان المسألة من خمسة عشر والتركة أربعون دينارا، فللزوج ثلاثة
وهي خمس المسألة فله خمس التركة ثمانية دنانير ولكل واحد من الأبوين ثلثا خمس المسألة فله ثلثا
الثمانية وذلك خمسة دنانير وثلث دينار ولكل واحدة من البنتين مثل ما للأبوين كليهما وذلك عشرة
وثلثان وإن شئت قسمت التركة على المسألة وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فما بلغ فهو
نصيبه فإذا قسمت التركة على المسألة ههنا كان الخارج بالقسم دينارين وثلثين إذا ضربتها في نصيب
الزوج وهو ثلاثة كان ثمانية دنانير وإذا ضربتها في نصيب كل واحد من الأبوين كانت خمسة وثلثا
92

وإذ أضربتها في نصيب كل واحدة من البنتين كانت عشرة دنانير وثلثين، وإن شئت ضربت نصيب
كل وارث في التركة وقسمته على المسألة فما خرج فهو نصيبه ففي هذه المسألة إذا ضربت نصيب الزوج
وهو ثلاثة في التركة كان مائة وعشرين إذا قسمتها على المسألة وهي خمسة عشر خرج بالقسم ثمانية
وإذا ضربت نصيب أحد الأبوين في التركة كان ثمانين فإذا قسمتها على المسألة خرج خمسة وثلث وإذا
ضربت نصيب كل واحدة من البنتين في التركة كانت مائة وستين إذا قسمتها على المسألة خرج بالقسم
عشرة وثلثان كما ذكرنا
(فصل) فإن كانت المسألة من الاعداد الصم لم يمكن العمل بالطريق الأول لأنه لا نسبة فيها
فاعمل بالطريقين الآخرين.
مثال ذلك زوج وأم وابنتان، والتركة خمسون دينارا، المسألة من ثلاثة عشر إذا قسمت عليها
التركة خرج بالقسم لكل سهم ثلاثة دنانير وأحد عشر جزءا من ثلاثة عشر جزءا من دينار، تضرب
في ذلك سهام الزوج وهي ثلاثة يجتمع له أحد عشر دينارا وسبعة أجزاء وتضرب نصيب الا تكن
سبعة وتسعة أجزاء ولكل بنت ضعف ذلك وإن ضربت سهام كل وارث في الخمسين وقسمتها على
على المسألة خرج ما قلنا.
(مسألة) وإن شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى ثم أخذت نصيب
93

الثاني فقسمته على مسئلته وكذلك الثالث فإن كان بين التركة والمسألة موافقة رددتهما إلى وفقهما وقسمت
وفق التركة على وفق المسألة واعمل على ما ذكرنا.
مثال زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات، المسألة من خمسة عشر والتركة عشرون دينارا، ماتت
الأم وخلفت أبوين ومن خلفت المسألة الأولى من خمسة عشر، والثانية من ستة للام من الأولى
سهمان لا تنقسم على الثانية وتوافقها بالنصف فتضرب نصف الستة في المسألة الأولى تكن خمسة
وأربعين، فإن شئت نسبت نصيب كل وارث من المسألة وأعطيته من التركة مثل تلك النسبة فللمرأة
تسعة وهي خمس المسألة، فلها خمس التركة أربعة دنانير وللأخت من الأم ثمانية، وهي ثمانية أتساع
الخمس، فلها من التركة ثمانية أتساع خمسها، وهو ثلاثة دنانير، وخمسة أتساع دينار وللأخت من
الأبوين عشرون وهي أربعة أتساع المسألة، فلها أربعة أتساع التركة وهي ثمانية دنانير وثمانية أتساع
دينار، وللأخت من الأب ستة وهي تسع المسألة وخمس تسعها فلها من التركة ديناران وثلثان، وإن
شئت قسمت العشرين على خمسة وأربعين وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فيخرج
ما ذكرناه وان شئت ضربت سهام كل وارث في التركة وقسمت ما بلغ على المسألة فما خرج فهو نصيبه
ان شئت وافقت بين التركة والمسألة وهي توافقها بالأخماس فترد المسألة إلى تسعة والتركة إلى أربعة
وتضرب سهام كل وارث في أربعة وتقسمه على تسعة يخرج ما ذكرناه.
(مسألة) (وان أردت القسمة على قراريط الدينار فاجعل عدد القراريط كالتركة المعلومة
94

واعمل على ما قلنا، وقراريط الدينار في عرف بلدنا أربعة وعشرون قيراطا فإن كانت السهام كثيرة
وأردت أن تعلم سهم القيراط فانظر ما يتركب منه العدد فإنه لابد أن يتركب من ضرب عدد في عدد
فانسب أحد العددين إلى أربعة وعشرين فإن كان أقل منها فخذ من العدد الآخر مثل تلك النسبة،
فما كان فهو لكل قيراط وإن كان أكثر من أربعة وعشرين قسمته عليها فما خرج بالقسم فاضربه
في العدد الآخر فما بلغ فهو نصيب القيراط
ومثال ذلك ستمائة أردت قسمتها على القراريط فهي متركبة من ضرب عشرين في ثلاثين وأنسب
العشرين إلى أربعة وعشرين تكن نصفها وثلثها فخذ نصف الثلاثين وثلثها خمسة وعشرون فهي سهم
القيراط وإن قسمت الثلاثين على أربعة وعشرين خرج بالقسم سهم وربع فاضربها في العشرين تكن
خمسة وعشرين وهي سهم القيراط فإذا عرفت سهم القيراط فانظر كل من له سهام فاعطه بكل سهم من سهام
القيراط قيراطا فإن بقي له من السهام ما لا يبلغ قيراطا فانسبه إلى سهام القيراط وأعطه منه مثل تلك
النسبة فإن كان في سهام القيراط كسر بسطتها من جنس الكسر ثم كل من له سهام بعدد مبلغ السهام فله
بعدد مخرج الكسر قراريط وتضرب بقية سهامه في مخرج الكسر وتنسبها منها
مثال ذلك زوج وأبوان وابنتان ماتت الأم وخلفت أما وزوجا وأختا من أبوين وأختين من أب
وأختين من أم فالأولى من خمسة عشر والثانية من عشرين فتضرب وفق إحداهما في الأخرى تكن
95

مائة وخمسين وسهم القيراط ربع ابسطها أربعا تكن خمسة وعشرين فهذه سهام القيراط فللبنت من
الأولى أربعة في عشرة أربعون فلها بخمسة وعشرين أربعة قراريط يبقى خمسة عشر اضربها في مخرج
الكسر تكن ستين واقسمها على خمسة وعشرين تكن اثنين وخمسين فصار لها ستة وخمسان وللأب من
الأولى والثانية ستة وعشرون فله بخمسة وعشرين أربعة وابسط السهم الباقي أرباعا يكن أربعة أخماس
خمس ولزوج الأولى ثلاثون فله بخمسة وعشرين سهما أربعة قراريط وابسط الخمسة الباقية تكن
عشرين وهي أربعة أخماس قيراط ولام الثانية سهمان ابسطها أرباعا تكن خمس قيراط وثلاثة أخماس
قيراط وكذلك لكل أخت من أم وللأختين للأب مثل ذلك وللأخت للأبوين ستة ابسطها أرباعا
تكن أربعة أخماس قيراط
(مسألة) (وإن كانت التركة سهاما من عقار كثلث وربع ونحو ذلك)
فإن شئت ان تجعلها من قراريط الدينار وتقسمها على ما قلنا وإن شئت وافقت بينها وبين المسألة
وضربت المسألة أو وفقها في مخرج سهام العقار أو في وفقها فما كان فانسبه من المبلغ فما خرج فهو
نصيبه إذا كانت التركة ربع دار وثلثها جمعتها من مخرجها قراريط فكانت أربعة عشر قيراطا وجعلتها
[كأنها دنانير وعملت على ما سبق وان شئت اخذتها من مخرجها وقسمتها على المسألة فإن انقسمت بغير
ضرب. مثال ذلك زوج وأم وثلاث أخوات مفترقات والتركة ربع دار وخمسها المسألة من تسعة
96

ومخرج سهام العقار عشرون الموروث منها تسعة منقسمة على المسألة للزوج منها ثلاثة وهي عشر الدار
ونصف عشرها وللأخت من الأبوين مثل ذلك ولكل واحدة من الباقيات نصف عشر فإن لم تنقسم
لكن وافقت السهام الموروثة المسألة رددت المسألة إلى وفقها ثم ضربته في مخرج سهام العقار ثم كل من
له شئ من المسألة مضروب في وفق السهام الموروثة من العقار
مثاله زوج وأبوان وابنتان والتركة ربع دار وخمسها المسألة من خمسة عشر توافق السهام الموروثة
من العقار بالثلث لأنها تسعة فترد المسألة إلى ثلثها خمسة ثم تضربها في مخرج سهام العقار وهي عشرون تكن
مائة فللزوج من المسألة ثلاثة في وفق سهام العقار ثلاثة تسعة من مائة وهو نصف عشر الدار وخمس
خمسها ولكل واحد من الأبوين سهمان في ثلاثة سنة وهي ثلاثة أخماس عشر الدار ولكل بنت
ضعف ذلك وهو عشر وخمس عشر، وان لم توافق السهام الموروثة المسألة ضربت المسألة جميعها في مخرج
سهام العقار ثم كل من له شئ من المسألة مضروب في السهام الموروثة من العقار فما بلغ فانسبه من
مبلغ سهام العقار وان شئت نسبت سهام كل وارث من المسألة فما بلغ أعطيته منها بقدر نسبة السهام
الموروثة إلى سهام العقار فتقول في هذه المسألة للزوج من المسألة الخمس فله خمس التركة وكذلك
تفعل في بقية الورثة على ما سبق
97

(فصل) في المجهولات زوج وأم وأختان لأب وأم أخذ الزوج بميراثه خمسة وأربعين دينارا كم
جميع التركة؟ فالطريق في ذلك أن تقسم الدنانير التي أخذها على سهامه تخرج خمسة عشر فاضربها
في سهام المسألة وهي ثمانية تكن مائة وعشرين وهي التركة وان شئت ضربت ما أخذ في سهام المسألة
تكن ثلاثمائة وستين وقسمت ذلك على سهامه فما خرج فهو التركة وان شئت قلت سهام من بقي مثل سهامه
مرة وثلاثين فيجب أن يكون الباقي خمسة وسبعين زوج وأم وست أخوات مفترقات والتركة ستة وخمسون
دينارا وثوب أخذ الزوج بميراثه الثوب كم قيمته؟ فالطريق أن تقسم العين على سهام من بقي من الورثة تخرج
ثمانية تضربها في سهام الزوج تكن أربعة وعشرين وان شئت قلت سهام الزوج من سهام الباقي ثلاثة أسباعها
فخذ ثلاثة أسباع العين تكن ما ذكرنا وبالجبر تجعل قيمة الثوب شيئا فإذا أخذه الزوج بثلاثة أسهم وجب أن
يأخذ باقي الورثة سبعة أسهم شيئين وثلثا وذلك يعدل العين فالشئ ثلاثة أسباعها في ثلاثة أسباع العين
تكن أربعة وعشرين وان بسطت الشيئين والثلث أثلاثا كانت سبعة وقسمت عليها العين يخرج الشئ أربعة
وعشرين زوج وأم وست أخوات مفترقات والتركة خمسة وثلاثون دينارا وثوب أخذت إحدى الأختين
للأب والأم الثوب وثلاثة دنانير فألق ما أخذت من العين فاقسم الباقي على سهام باقي الورثة وهي
ثمانية يخرج بالقسم أربعة دنانير وهي نصيب السهم فلأختين بسهمين ثمانية دنانير فإذا ألقيت منها
ثلاثة دنانير بقي خمسة وهي قيمة الثوب والتركة جميعها أربعون دينارا أو بالجبر تجعل قيمة الثوب شيئا
98

فتقول إذا أخذت الأخت بسهمين ثوبا وثلاثة دنانير وجب أن يأخذ بقية الورثة أربعة أشياء واثنى
عشر دينارا وذلك يعدل ما حصل لهم وهو اثنان وثلاثون دينارا فألق اثني عشر بمثلها يبقى أربعة
أشياء تعدل عشرين دينارا فقيمة الثوب خمسة دنانير كما قلنا فإن كانت المسألة بحالها والتركة ثلاثون
دينارا وعبدان متساويا القيمة أخذت إحدى الأختين للأبوين أحد العبدين فأسقط سهمها من
المسألة وأسقط بمثلها العبد الآخر يبقى ستة تقسم العين عليها يخرج للسهم خمسة فقيمة العبد عشرة
وبالجبر تجعل قيمة كل عبد شيئا فإذا أخذت بسهمين شيئا وجب أن يكون لباقي الورثة أربعة أشياء
وذلك يعدل ما معهم وهو شئ وثلاثون دينارا فألق المشترك يعدل الشئ عشرة كما قلنا
(باب ذوي الأرحام)
وهم كل قرابة ليست بذي فرض ولا عصبة وهم أحد عشر صنفا ولد البنات وولد الأخوات وبنات
الاخوة وبنات الأعمام وبنو الاخوة من الأم والعم من الأم والعمات والأخوال والخالات وأبو الأم
وكل جدة أدلت باب بين أمين أو باب أعلى من الجد ومن أدلى بهم فهم يسمون ذوي الأرحام وكان
أبو عبد الله يورثهم إذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة الا الزوج والزوجة روي هذا القول عن عمر وعلي
وعبد الله وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء رضي الله عنهم وبه قال شريح وعمر
99

ابن عبد العزيز وعطاء وطاوس وعلقمة ومسروق وأهل الكوفة وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي
لبيت المال وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وداود وابن جرير لأن عطاء بن يسار
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير الله في العمة والخالة فأنزل الله عز وجل أن لا ميراث
لهما رواه سعيد في سننه ولان العمة وبنت الأخ لا ترثان مع اخوتهما فلا ترثان منفردتين كالأجنبيات
وذلك لأن انضمام الأخ إليهما يؤكدهما ويقويهما بدليل أن بنات الابن والأخوات من الأب يعصبهن
أخوهن فيما بقي بعد ميراث البنات والأخوات من الأبوين ولا يرثن منفردات فإذا لم يرث هاتان
مع أخيهما فمع عدمه أولى ولان المواريث أنما ثبتت نصا ولا نص في هؤلاء
ولنا قول الله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) أي أحق بالتوارث في حكم الله
قال أهل العلم كان التوارث في ابتداء الاسلام بالحلف فكان الرجل يقول للرجل دمي دمك،
ومالي مالك، تنصرني وأنصرك، وترثني وأرثك، فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك فيتوارثان به
دون القرابة وذلك قوله تعالى (والذين عقدت ايمانكم فآتوهم نصيبهم) ثم نسخ ذلك وصار التوارث
بالاسلام والهجرة فإذا كان له ولد ولم يهاجر ورثه المهاجرون دونه، وذلك قوله عز وجل (والذين
آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) ثم نسخ ذلك بقوله تعالى (وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض) في كتاب الله.
100

وروى الإمام أحمد باسناده عن سهل بن حنيف ان رجلا رمى رجلا بسهم فقتله ولم يترك الا خالا
فكتب فيه أبو عبيدة إلى عمر فكتب إليه عمر: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الخال وارث
من لا وارث له ". قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وروى المقدام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
" الخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه " أخرجه أبو داود وفي لفظ مولى من لا مولى له،
يعقل عنه ويفك عانيه، فإن قيل المراد به أن من ليس له الا خال فلا وارث له، كما يقال الجوع زاد
من لا زاد له، والماء طيب من لا طيب له، والصبر حيلة من لا حيلة له، أو انه أراد بالخال السلطان
قلنا هذا فاسد لوجوه ثلاثة.
(أحدها): أنه قال يرث ماله وفي لفظ يرثه
(والثاني): أن الصحابة فهموا ذلك، فكتب عمر هذا جوابا لأبي عبيدة حين سأله عن ميراث
الخال وهم أحق بالفهم والصواب من غيرهم
(والثالث) أنه سماه وارثا، والأصل الحقيقة وقولهم ان هذا يستعمل للنفي قلنا والاثبات كقولهم
يا عماد من لا عماد له، يا سند من لا سند له، يا ذخر من لا ذخر له.
وروى سعيد باسناده عن واسع بن حيان قال: توفي ثابت بن الدحداحة ولم يدع وارثا ولا عصبة
فرفع شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر،
101

ورواه أبو عبيدة في الأموال الا أنه قال لم يخلف الا ابنة أخ له، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بميراثه لابنة أخيه
ولأنه ذو قرابة فيرث كذوي الفروض، وذلك لأنه ساوى الناس في الاسلام، وزاد عليهم بالقرابة،
فكان أولى منهم، ولهذا كان أحق في الحياة بصدقته وصلته، وبعد الموت بوصيته، فأشبه ذوي
الفروض والعصبات المحجوبين إذا لم يكن من يحجبهم وحديثهم مرسل ثم يحتمل أنه لا ميراث لهما مع
ذوي الفروض والعصبات، ولذلك سمي الحال وارث من لا وارث له، أي لا يرث الا عند عدم الوارث
وقولهم لا يرثان مع اخوتهما قلنا لأنهما أقوى منهما وقولهم ان الميراث إنما ثبت نصا قلنا قد ذكرنا
نصوصا ثم التعليل واجب مهما أمكن وقد أمكن ههنا فلا يصار إلى التعبد المحض.
(فصل) والرد يقدم على ميراث ذوي الأرحام فمتى خلف البيت عصبة أو ذا فرض من أقاربه
أخذ جميع التركة، هذا قول عامة من ورث ذوي الأرحام قال الخبري لم يختلفوا أن الرد أولى منهم
إلا ما روي عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنهما ورثا الحال مع البنت فيحتمل أنهما ورثاه
لكونه عصبة أو مولى لئلا يخالف الاجماع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الخال وارث من لا وارث له " ومن
مسائل ذلك أبو أم وجدة، المال للجدة، بنت ابن وبنت بنت ابن ابن أخ وابن أخت عم وعمة
بني اخوة مفترقين لا شئ لذوي الرحم في جميع ذلك
(فصل) وكذلك المولى المعتق وعصباته يقدمون على ذوي الأرحام، وهو قول عامة من ورثهم
102

من الصحابة وغيرهم وقول من لا يورثهم أيضا، وروي عن ابن مسعود تقديمهم على المولى، وبه قال
ابنه أبو عبيدة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعلقمة، والأسود، وعبيدة، ومسروق، وجابر
ابن زيد، والشعبي، والنخعي، والقاسم بن عبد الرحمن، وعمر بن عبد العزيز، وميمون بن مهران،
والأول أصح، لقوله عليه الصلاة والسلام " الخال وارث من لا وارث له " والمولى وارث ولان المولى
يعقل وينصر أشبه العصبة من النسب.
(مسألة) (ويورثون بالتنزيل فيجعل كل وارث بمنزلة من أدلى به) فيجعل ولد البنات والأخوات
كأمهاتهم، وبنات الاخوة، والأعمام، وولد الاخوة من الأم كآبائهم، والأخوال، والخالات،
وأبو الأم كالأم، والعمات، والعم من الأم كالأب، وعنه كالعم ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به
مذهب أبي عبد الله رحمه الله في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل وهو ان ينزل كل واحد
منهم منزلة من يمت به من الورثة فتجعل له نصيبه فإن بعدوا نزلوا درجة درجة حتى يصلوا إلى من
103

يمتون به فيأخذون ميراثه فإن كان واحدا أخذ المال كله وإن كانوا جماعة قسمت المال بين من يمتون به
فما حصل لكل واحد جعل لمن أمت به فإن بقي من سهام المسألة شئ رد عليهم على قدر سهامهم،
هذا قول علقمة ومسروق والشعبي والنخعي وحماد ونعيم وشريك وابن أبي ليلي والثوري وسائر من
من ورثهم غير أهل القرابة، وروي عن علي وعبد الله رضي الله عنهما أنهما نزلا بنت البنت منزلة
البنت وبنت الأخ منزلة الأخ، وبنت الأخت منزلة الأخت، والعمة منزلة الأب، والخالة منزلة الأم.
وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه في العمة والخالة. وعن علي أنه نزل العمة بمنزلة العم. وروي ذلك
عن علقمة ومسروق، وهي الرواية الثانية عن أحمد وعن الثوري وأبي عبيد، انهما نزلاها منزلة الجد
مع ولد الاخوة والأخوات ونزلها آخرون منزلة الجدة وإنما صار هذا الاختلاف في العمة لادلائها بأربع جهات
وارثات، فالأب والعم أخواها، والجد والجدة أبواها، ونزل قوم الخالة جدة لأن الجدة أمها.
والصحيح من ذلك تنزيل العمة أبا، والخالة أما، لوجوه ثلاثة.
(أحدها): ما روى الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب،
والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم " رواه الإمام أحمد.
(والثاني): انه قول عمر وعلي وعبد الله في الصحيح عنهم ولا مخالف لهم في الصحابة.
(الثالث): ان الأب أقوى جهات العمة والأم أقوى جهات الخالة فتعين تنزيلهما بهما دون غيرهما
104

كبنت الأخ وبنت العم فإنهما ينزلان بمنزلة أبويهما دون اخوتهما ولأنه إذا اجتمع لهما قرابات ولم يمكن
توريثهما بجميعها ورثناهما بأقواها كالمجوس عند من لا يورثهم بجميع قراباتهم وكالأخ من الأبوين فانا نورثه
بالتعصيب وهي جهة أبيه دون قرابة أمه، وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم ورثوهم على ترتيب العصبات،
فجعلوا أولاهم من كان من ولد الميت وإن سفلوا ثم أبويه أو أحدهما وإن سفلوا ثم ولد أبوي أبويه وان
سفلوا كذلك أبدا لا يرث بنو أب أعلى وهناك بنو أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم، وعن أبي
حنيفة أنه جعل أبا الأم وان علا أولى من ولد البنات ويسمى مذهبهم مذهب أهل القرابة
ولنا أنهم فرع في الميراث على غيرهم فوجب الحاقهم بمن هم فرع له وقد ثبت أن ولد الميت من
الإناث لا يسقط ولد أبيه فأولى أن لا يسقطهم ولده
(مسائل ذلك) بنت بنت وبنت بنت ابن، المال بينهما على أربعة فإن كان معهما بنت أخ فالباقي لها
وتصح من ستة فإن كان معهما خالة فلبنت البنت النصف ولبنت بنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللخالة
السدس، والباقي لبنت الأخ، فإن كان مكان الخالة عمة حجبت بنت الأخ وأخذت الباقي لأن العمة
كالأب فتسقط من هو بمنزلة الأخ ومن نزلها عما جعل الباقي لبنت الأخ وأسقط بها العمة ومن نزلها
جدا قاسم بها ابنة الأخ الثلث الباقي بينهما نصفين ومن نزلها جدة جعل لها السدس ولبنت الأخ الباقي
105

وفي قول أهل القرابة لا ترث بنت الأخ مع بنت البنت ولا مع بنت بنت الابن شيئا.
(مسألة) (فإن أدلى جماعة منهم بواحد واستوت منازلهم فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم وأنثاهم
سواء، وعنه للذكر مثل حظ الأنثيين إلا ولد الأم وقال الخرقي يسوى بينهم إلا الخال والخالة)
اختلفت الرواية عن أحمد في توريث الذكور والإناث من ذوي الأرحام إذا كانوا من أب واحد
وأم واحدة فنقل الأثرم وحنبل وإبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية في جميع ذوي
الأرحام اختاره أبو بكر وهو مذهب أبي عبيد وإسحاق ونعيم بن حماد لأنهم لا يرثون بالرحم المجرد
فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الأم، ونقل يعقوب بن بختان إذا ترك ولد خالة خالته اجعله بمنزلة الأخ
والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك ولد العم والعمة ونقل عنه المروذي فيمن ترك خاله وخالته للخال
الثلثان وللخالة الثلث فظاهر هذا التفضيل وهو قول أهل العراق وعامة المنزلين لأن ميراثهم معتبر
بغيرهم فلا يجوز حملهم على ذوي الفروض لأنهم يأخذون المال كله ولا على العصبة البعيد لأن ذكرهم
ينفرد بالميراث دون الإناث فوجب اعتبارهم بالقريب من العصاب والاخوة والأخوات
ويجاب عن هذا بأنهم معتبرون بولد الأم وإنما يأخذون كل المال بالفرض والرد واتفق الجميع
على التسوية بين ولد الأم لأن أباهم يسوي ذكرهم وأنثاهم الا في قول من أمات السبب فإن عنده
للذكر مثل حظ الأنثيين فأما الذي نقل عنه الخرقي انه يسوى بين الجميع إلا الخال والخالة قال شيخنا
106

فلا أعلم موافقا على هذا القول ولا علمت وجهه والخلاف إنما هو في ذكر وأنثى أبوهما وأمهما واحد فاما
إذا اختلف آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المفترقين والعمات المفترقات أو إذا أدلى كل واحد منهم
بغير من أدلى به الآخر كابن بنت وبنت بنت أخرى فلذلك موضع يذكر فيه إن شاء الله تعالى
(مسائل ذلك) ابن أخت معه أخته وابن بنت معه أخته المال بينهما نصفين عند من سوى وعند
أهل القرابة وسائر المنزلين المال بينهما على ثلاثة: ابنان وابنتا أخت لأبوين وثلاث بني وثلاث بنات
أخت لأب وأربع بني وأربع بنات أخت لأم أصل المسألة من خمسة للأخت من الأبوين ثلاثة بين
ولدها على أربعة وللأخت من الأب سهم بين ولدها على ستة وللأخت من الأم سهم بين ولدها على
ثمانية والأربعة داخلة فيها والستة توافقها بالنصف فتضرب نصفها في ثمانية تكن أربعة وعشرين ثم في
خمسة تكن مائة وعشرين ومن فضل أبقى ولد الأم بحالهم وجعل ولد الأخت من الأبوين ستة توافقهم
سهامهم بالثلث فيرجعون إلى اثنين فيدخلان في الثمانية وولد الأخت من الأب تسعة تضربها في ثمانية
تكن اثنين وسبعين ثم في خمسة تكن ثلاثمائة وستين، وان كانوا أولاد عمات أو خالات مفترقات فكذلك
وان كانوا أولاد بنات أو أولاد أخوات من أبوين أو من أب فهي من اثنين وسبعين عند من سوى ومن
مائة وثمانية عند من فضل وقول أهل العراق هي من سبعة وعشرين كأولاد البنين
(فصل) إذا كان معك أولاد بنات أو أخوات قسمت المال بين أمهاتهن على عددهن فما أصاب
107

كل واحدة منهن فهو لولدها بالسوية عند من سوى وعند من فضل جعله بينهم على حسب ميراثهم
واختلف أصحاب أبي حنيفة فذهب أبو يوسف إلى قسم المال على عددهم دون مراعاة أمهاتهم إذا
استووا ممن يدلون به من الآباء والأمهات إلى بنات الميت للذكر مثل حظ الأنثيين كأولاد البنين، وجعل
محمد بن الحسن من أدلى بابن ابنا وان كانت أنثى ومن أدلى ببنت بنتا وإن كان ذكرا وجعل المدلى
بهم بعدد المدلين ثم قسم بينهم على عددهم فما أصاب ولد الابن قسمه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وما
أصاب ولد الأنثى قسمه بينهم كذلك
(مسائل) من ذلك بنت ابن بنت وابن بنت بنت قول من سوى المال بينهما نصفين وقول من
فضل ان كانا من ولد بنين فكذلك وان كانا من ولد بنت واحدة فالمال بين ابنها وبنتها للابن ثلثاه
ولبنتها ثلثه فما أصاب ابنها فهو لبنته وما أصاب بنتها فهو لابنها فيصير للبنت سهمان وللابن سهم وكذلك
قول محمد وقول أبي يوسف للابن سهمان وللبنت سهم كابن الميت وبنته: ابنا بنت بنت وابن ابن بنت
قول من سوى لابن ابن البنت النصف والباقي بين الباقين على ثلاثة سواء كانوا من ولد بنت أو من
ولد بنين وقول المفضلين ان كانوا من ولد بنتين فلابن ابن البنت النصف والنصف الآخر بين الباقين
على خمسة وان كانوا من ولد بنت فلابن ابن البنت الثلثان والثلث الباقي للباقين على خمسة لأن المال كان
للبنت الأولى فقسم بين ابنها وبنتها أثلاثا للابن سهمان فهما لابنه وللبنت سهم فهو لولدها قول محمد يقسم بينهم على
108

خمسة لابن الابن سهمان لأنه يدلي بابن وللباقين ثلاثة لأنهم يدلون بأنثى وقول أبي يوسف يقسم بينهم
على سبعة لكل ابن سهمان وللبنت سهم. ابنا بنت بنت وبنتا ابن بنت قول من سوى المال بينهم على أربعة
بكل حال قول المفضلين ان كانوا من ولد بنتين فكذلك وان كانوا من ولد واحدة فلابنها الثلثان بين
ابنتيه ولابنتها الثلث بين ابنيها قول أبي يوسف المال بينهم على ستة لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم
قول محمد لكل ذكر سهم ولكل أنثى سهمان. ابنا وابنتا ابن أخت وثلاثة بني وثلاث بنات بنت أخت
قول من سوى النصف بين الأولين على أربعة والنصف الثاني بين الآخرين على ستة وتصح من
أربعة وعشرين. قول من فضل ان كانوا من ولد واحدة فللأولين الثلثان سهم على ستة وللآخرين
الثلث سهم على تسعة وتصح من أربعة وخمسين، وان كانوا من ولد ابنتين صحت من ستة وثلاثين، قول
أبي يوسف للذكر مثل حظ الأنثيين وتصح من خمسة عشر وقول محمد ولد ابن الأخت بمنزلة أربعة
ذكور وولد بنت الأخت كست إناث فيقسم المال بينهم على أربعة عشر فلولد ابن الأخت منها ثمانية
أسهم بينهم على ستة وللآخرين ستة بينهم على تسعة وتصح من اثنين وأربعين وترجع بالاختصار إلى
أحد وعشرين: ابنتا أخ وابن وابنة أخت لابنتي الأخ الثلثان في قول المنزلين جميعهم وقول محمد والثلث
لولدي الأخت بينهما بالسوية عند من سوى ومن فضل جعله بينهما أثلاثا وهو قول محمد وقال أبو يوسف
لابن الأخت سهمان ولكل واحد من الباقين سهم وتصح من خمسة
109

(فصل) بنت بنت وبنت بنت ابن هي من أربعة عند المنزلين جميعهم وعند أهل القرابة أيضا هو
لبنت البنت لأنها أقرب فإن كان معهما بنتا بنت ابن أخرى فكأنهم بنتا ابن وبنت فمسئلتهم من ثمانية وتصح
ستة عشر: ابن بنت ابن وبنت ابن بنت المال للابن لأنه أقرب إلى الوارث وهذا قول عامة من ورثهم
الا ما حكي عن ابن سالم أنه ينزل البعيد حتى يلحق بوارثه فيكون المال بينهما على أربعة للبنت ثلاثة
وللابن سهم كبنت وبنت ابن بنت بنت ابن وبنت بنت ابن ابن وبنتا بنت ابن ابن آخر للأولى ثلاثة أرباع
المال والربع الباقي بين الباقيات على أربعة فتضربها في أصل المسألة تكن من ستة عشر: ابن وبنت بنت
وثلاث بنات بنت وابنا بنت ابن لا شئ لهذين في قول الجميع لأن أمهما تسقط باستكمال البنات الثلثين
ويكون النصف بين الابن وأخته على اثنين والنصف الآخر على ثلاث، وتصح من اثنى عشر عند من
سوى ومن فضل جعلها بينهم على ستة وهو قول أهل القرابة أيضا. بنت بنت بنت وبنت ابن بنت أخرى
وبنت بنت ابن ابن المال لهذه الا في قول أهل القرابة فإنه للأوليين، وقول من أمات السبب ورث البعيد
مع القريب المال بين بنت ابن بنت وبنت بنت ابن ابن علي أربعة وتسقط الأخرى لأن هذه وارثة
الابن في أول درجة: بنت بنت وبنت بنت بنت أخرى وبنت بنت ابن المال بين الأولى والأخيرة على
أربعة عند المنزلين وقال أهل القرابة وهو للأولى قول ابن سالم هو للأوليين وتسقط الثالثة
(مسألة) (وإذا كان ابن وبنت أخت وبنت أخت أخرى فلبنت الأخت وحدها النصف
وللأخرى وأخيها النصف بينهما)
110

لا خلاف بين المنزلين في أن لولد كل أخت ميراثها وهو النصف فمن سوى جعل النصف بين الأخت وأخته
نصفين والنصف الآخر لبنت الأخرى وتصح من أربعة، ومن فضل جعل النصف بينهما على ثلاثة
وتصح من ستة وقال أبو يوسف للابن النصف ولكل بنت الربع وتصح من أربعة وقال محمد لولد
الأخت الأولى الثلثان بينهما على ثلاثة وللأخرى الثلث وتصح من تسعة وإذا انفرد ولد كل أخ أو
أخت فالعمل فيه على ما ذكرنا في أولاد البنات، ومتى كان الأخوات والاخوة من ولد الأم فاتفق
الجميع على التسوية بين ذكرهم وأنثاهم إلا الثوري ومن أمات السبب: ثلاث بنات أخ وثلاثة بني أخت
إن كانا من أم فالمال بينهم على عددهم وان كانا من أب أو من أبوين فلبنات الأخ الثلثان ولبني الأخت
الثلث وتصح من تسعة عند المنزلين ومحمد وفي قول أبي يوسف يجعل لبني الأخت الثلثين ولبنات الأخ
الثلث: ابن وبنت أخت لأبوين وابن أخت لأم هي من أربعة عند من فضل وعند من سوى تصح من
ثمانية، قول محمد كأنهما أختان من أبوين وأخت من أم وتصح من خمسة عشر فإن كان ولد الأم أيضا
ابنا وابنة صحت عند جميعهم من ثمانية إلا الثوري فإنه يجعل للذكر من ولد الأم مثل حظ الأنثيين فتصح
عنده من اثنى عشر وعند محمد هي من ثمانية عشر: ابنا أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا
أخت أخرى لأب من ثمانية في قول عامتهم وتصح من اثنين وثلاثين عند من سوى، وعند من فضل
من ثمانية وأربعين، وقول محمد يسقط ولد الأب ويتفق قوله وقول أبي يوسف في أن المال لابن
111

الأخت من الأبوين: ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأم وابنا وابنتا أخت أخرى لام قول المنزلين
من عشرين الثوري من ثلاثين محمد من ستين
(فصل) ثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات مذهب احمد وسائر المنزلين ان المال يقسم بين
الأخوات على قدر سهامهن فما أصاب كل أخت فهو لولدها والمال في هذه المسألة بين الأخوات على
على خمسة فيكون بين أولاد هن كذلك، والحكم في ثلاث بنات عمات مفترقات كذلك لأنهن أخوات
الأب فميراثه بينهن على خمسة، وكذلك ثلاث خالات مفترقات لأنهن أخوات الأم وقدم أهل القرابة
من كان لأب وأم من جميعهم ثم من كان لأب ثم من كان لام إلا محمد بن الحسن فإنه قسم ميراث أولاد
الأخوات على أعدادهم وأقامهم مقام أمهاتهم كأنهم أخوات
(مسائل) من ذلك ست بنات ثلاث أخوات مفترقات المال بين الأخوات على خمسة فما أصاب
كل واحدة فهو لبنيها وتصح من عشرة وعند أبي يوسف المال كله لولد الأبوين وعند محمد لهما الثلثان
ولولد الأم الثلث وتصح من ستة: ست بنات ست أخوات مفترقات لبنتي الأختين من الأبوين الثلثان
ولولد الأم الثلث وتصح من ستة هذا قول محمد. ابن أخت لأبوين وابن وابنة أخت لأب وابنا وابنتا
أخت أخرى لأب وثلاثة بني وثلاث بنات أخت لأم هي من مائة وعشرين عند من سوى ومن ستين
عند من فضل ومن أربعة وخمسين عند محمد، فإن كان معهم أربعة بني وأربع بنات أخت أخرى لام
112

صحت من مائة وأربعة وأربعين عند المنزلين كلهم، قول محمد كأنهم أخت لأبوين وست أخوات لأب
وأربع عشرة أختا لأم سهم ولد الأب بينهم على تسعة فتصح من ثلاثمائة وثمانية وسبعين، فإن كان ولد
الأخت من الأبوين ابنا وبنتا صحت كذلك عند المنزلين وعند محمد كأنهما أختان لأبوين فيسقط ولد
الأب وتصح من مائة وستة وعشرين والقول في العمات المفترقات والخالات المفترقات وأولادهن كالقول
في ولد الأخوات المفترقات
(فصل) فإن كن ثلاث بنات ثلاث اخوة مفترقين فلبنت الأخ من الأم السدس والباقي لبنت
الأخ من الأبوين هذا قول جميع المنزلين لأن الاخوة المفترقين يسقط ولد الأب منهم ولد الأبوين
وللأخ للأم السدس والباقي كله للأخ للأبوين، ثم ما صار لكل أخ فهو لولده وكذلك الحكم في
الأخوال المفترقين لأنهم إخوة الأم
(مسائل) من ذلك ست بنات ستة اخوة مفترقين لولد الأم الثلث والباقي لولد الأبوين: ست
بنات ثلاثة اخوة مفترقين لولد الأم السدس والباقي لولد الأبوين قول محمد لولد الأم الثلث: بنت أخ
لأبوين وابن أخ لام وبنت أخ آخر لام، ابن وبنت بنت أخ لأب وابنا وابنتا ابن أخ لام وثلاث بني
113

وثلاث بنات بنت أخ لام تصح من اثنين وسبعين عند المنزلين، فإن كان مكان الأخ من أب أخت كانت
من ستين فإن كان معهم ابن بنت أخت من أبوين عادت إلى اثنين وسبعين
(فصل) بنت أخ لام وبنت ابن أخ لأب للأولى السدس والباقي للثانية عند المنزلين وفي القرابة
هي للأولى لأنها أقرب إلى الميت. بنت بنت أخ لأبوين وبنت ابن أخ لأبوين المال لهذه في قول الجميع:
بنت ابن أخ لام وبنت بنت أخ لأبوين وابن بنت أخ لأب الأولى السدس والباقي للثانية، وقال أبو
يوسف الكل للثانية: بنت أخ لام وبنت بنت أخ لأب المال للأولى إلا في قول الثوري وابن سالم وضرار
للأولى السدس والباقي للثانية لأنهم يورثون البعيد مع القريب، وان كانا من جهة واحدة: ابن وبنت
أخت لأبوين وبنتا أخ لأب وثلاثة بني أخت لأب وخمس بني أخت لأم وعشر بنات أخ لام أصلها
من ثمانية عشر وتصح من خمسمائة وأربعين في قول المنزلين النصف من ذلك بين ولدي الأخت للأبوين بالسوية
عند من سوى وأثلاثا عند من فضل ولولد الأم الثلث وهو مائة وثمانون لولد الأخ تسعون ولولد الأخت
تسعون ولولد الأب تسعون ولولد الأخ ستون ولولد الأخت ثلاثون: ثلاث بنات اخوة مفترقين وثلاث
بنات أخوات مفترقات لولدي الأم الثلث بينهما بالسوية والباقي لولدي الأبوين لبنت الأخ ثلثاه ولبنت
الأخت ثلثه وإن كان معهم ثلاث بني أخوال مفترقين فلهم السدس لابن الخال من الأم سدسه
114

وباقيه لابن الخال من الأبوين ويبقى النصف لبنت الأخ من الأبوين ثلثاه ولبنت الأخت ثلثه
وتصح من ستة وثلاثين.
(مسألة) (وان اختلفت منازلهم من المدلى به جعلته كالميت وقسمت نصيبه بينهم على ذلك
كثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين الخالات على خمسة والثلثان بين العمات
كذلك فاجتز بإحداهما واضربها في ثلاثة تكن خمسة عشر للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة
أسهم وللخالة التي من قبل الأب سهم وللتي من قبل الأم سهم وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم
وللتي من قبل الأب سهمان وللتي من قبل الأم سهمان، إنما كان كذلك لأن الخالات بمنزلة الأم والعمات
بمنزلة الأب فكأن الميت خلف أباه وأمه فلأمه الثلث والباقي للأب فما صار للام بين أخواتها على خمسة
لأنهن أخوات لها، مفترقات فيقسم نصيبها بينهن بالفرض والرد على خمسة كما يقسم مال الميت بين أخواته
المفترقات، وما صار للأب قسم بين أخواته على خمسة فصار الكسر في الموضعين على خمسة وإحداهما
تجزئ عن الأخرى لأنهما عددان متماثلان، فتضرب إحداهما في أصل المسألة وهي ثلاثة تكن خمسة
عشر، فللخالات سهم في خمسة مقسومة بينهن كما ذكر وللعمات سهمان في خمسة مقسومة بينهن على
خمسة كما ذكر وهذا قول عامة المنزلين وعند أهل القرابة للعمة من الأبوين الثلثان وللخالة من الأبوين
115

الثلث وسقط سائرهن، وقال نعيم وإسحاق الخالات كلهن سواء فيكون نصيبهن بينهن على ثلاثة وكذلك
نصيب العمات بينهن على ثلاثة يتساوين فيه فتكون هذه المسألة من تسعة، فإن كان مع الخالات خال من
أم ومع العمات عم من أم فسهم كل واحد من الفريقين بينهم على ستة وتصح من ثمانية عشر عند المنزلين
(مسألة) (فإن خلف ثلاثة أخوال مفترقين فللخال من الأم السدس والباقي للخال من الأبوين)
كما لو خلف ثلاثة اخوة مفترقين ويسقط الخال من الأب كما يسقط الأخ من الأب في الاخوة
المفترقين بالأخ من الأبوين، وكذلك ثلاثة أخوال، مفترقين مع ثلاث خالات مفترقات كثلاث بنات
اخوة مفترقين مع ثلاث بنات أخوات مفترقات كما ذكر
(مسألة) (فإن كان معهم أبو أم أسقطهم) كما يسقط الأب الاخوة وأولادهم
(فصل) ثلاثة أخوال مفترقين معهم أخواتهم وعم وعمة من أم الثلث بين الأخوال والخالات على
ستة للخال والخالة من الأم الثلث بينهما بالسوية وثلثاه للخال والخالة من الأبوين بينهما على ثلاثة عند
من فضل وهو قول أكثر المنزلين واحدى الروايتين عند احمد وذكرها الخرقي في الخال والخالة خاصة
والرواية الأخرى هو بينهما على السوية، والثلثان بين العم والعمة بالسوية: ثلاث عمات وثلاث بنات
عم، وثلاث خالات، وثلاثة بني خال، الميراث للعمات والخالات وسقط الباقون ويكون للخالات
الثلث والباقي للعمات، فإن كان معهم ثلاث بنات اخوة فللخالات السدس والباقي للعمات لأنهن بمنزلة الأب
116

فيسقط منهن بنات الاخوة لأنهن بمنزلة الاخوة ويحتمل أن يجعل أولاد الإخوة والأخوات من جهة
الأبوة فيقدم ولد الأبوين وولد الأب على العمات لأنهن أولاد بنيه والعمات أخواته، ووجه هذا الاحتمال
أننا إذا جعلنا الاخوة جهة والأبوة جهة أخرى مع ما تقرر من أصلنا أن البعيد والقريب إذا كانا من
جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لا لزم منه سقوط بنات الاخوة ببنات العم
من الأم لأنهن من جهة الأب ويلزم من هذا أن يسقطن ببنات العمات وبنات الأعمام كلهم، فاما إن كان
مكان العمات والخالات بناتهن فللخالات السدس بين بناتهن على خمسة والباقي لبنات الاخوة لبنت الأخ
من الأم السدس والباقي لبنت الأخ من الأبوين، وتصح المسألة من ثلاثين فإن لم يكن بنات أخوة من
أبوين ولا من أب فالباقي لبنت العم من الأبوين.
(فصل) خالة وابن عمة للخالة الثلث والباقي لابن عمته، وهذا قول الثوري ومن ورث البعيد مع
القريب، وفي قول أكثر المنزلين وأهل القرابة: المال للخالة لأنها أقرب وكذلك إن كان مكان الخالة
خال عمة وابن خال معه أخته الثلث بين ابن الخال وأخته بالسوية إن كان أبوهما خالا من أم وإن
كان من أب أو من أبوين ففيه روايتان (إحداهما) هو بينهما بالسوية أيضا (والثانية) على ثلاثة
والباقي للعمة وعند أكثر الفرضيين المال للعمة: بنت عم وابن عمة وبنت خال وابن خالة الثلث بين بنت
الخال وابن الخالة بالسوية إن كانا من أم وان كانا من أبوين أو من أب فهل هو بالسوية أو على ثلاثة؟
117

فيه روايتان. وإن كان ابن الخالة من أم والخال من أب فلابن الخالة سدس الثالث والباقي لبنت الخال
وإن كانت بنت الخال من أم وابن الخالة من أب فالثلث بينهما على أربعة والباقي لابن العمة وعند
أكثر المنزلين المال كله لبنت العم لأنه أسبق إلى الوارث: خالة وبنت عم ثلث وثلثان وعند أهل القرابة
هو للخالة: عمة وبنت عم من نزل العمة أبا جعل المال لها ومن نزلها عما جعله بينهما نصفين وكذلك من
أمات السبب: بنت ابن عم لأب وبنت عمة لأبوين المال لبنت ابن العم: ابن خال من أم وبنت خالة من
أب وبنت عم من أم وابن عمة من أب الثلث من أربعة والثلثان من أربعة أيضا وتصح من اثنى عشر وفي
القرابة الثلث لبنت الخالة والثلثان لابن العمة وتصح من ثلاثة.
(فصل) خالة وخال وأبو أم المال لأبي الأم فإن كان معهم ابنة عم أو عمة فالثلث لأبي الأم والباقي
لابنة العم أو العمة فإن كان مكان أبي الأم أمه فلا شئ لها لأن الخالة أسبق إلى الوارث والجهة واحدة:
خالة وأبو أم أم، المال للخالة، لأنها بمنزلة الأم وهي تسقط أم الأم: ابن خال وابن أخ من أم،
المال بينهما على ثلاثة كأنهما أم وأخ من أم وعند المنزلين هو لابن الأخ فإن كان معهما ابن أخت من
أب فالمال بينهم على خمسة لابن الأخت ثلاثة أخماسه ولكل واحد منهما الخمس، فإن كان معهم بنت
أخ من أبوين فلها النصف ولكل واحد من الباقين السدس. وعند المنزلين لا شئ لابن الخال، والمال
بين الباقين على خمسة: خال، وابن ابن أخت لأم، المال بينهما على ثلاثة، وعند المنزلين هو للخال
118

بنت بنت أخت لأبوين، وابن ابن أخ لام، وبنت ابن أخ لأب وبنت خالة، لهذه السدس، والباقي
لبنت ابن الأخ. وعند المنزلين المال كله لها
(فصل) عمة وابنة أخ، المال للعمة عند من نزلها أبا ولابنة الأخ عند من نزلها عما، وبينهما عند من
نزلها جدا. بنت عم وبنت عمة وبنت أخ من أم وبنت أخ من أب، لبنت الأخ من الأم السدس، والباقي
لبنت الأخ من الأب، فإن لم يكن بنت أخ من أب فالباقي لبنت العم، ويجئ على قول من نزل البعيد حتى
يلحق بوارثه وجعل الأبوة جهة والاخوة جهة أن يسقط أولاد الإخوة فإن جعل الأبوة جهة والعمومة
جهة أخرى أسقط بنت العم ببنت العمة، وقيل إن هذا قول ابن سالم وهو بعيد. بنت عم وبنت خال
وبنت أخ من أب لبنت الخال الثلث والباقي لبنت الأخ وعند أكثر المنزلين الكل لبنت الأخ. ثلاث
بنات أخوات مفترقات وثلاث بنات عمات مفترقات السدس الباقي بين بنات العمات على خمسة وتصح
من ثلاثين فإن كان معهم خال أو خالة أو واحد من أولادهما فله السدس ولا شئ لولد العمات إلا على
قول ابن سالم وأصحابه فإنه يورثهم ويسقط ولد الأخوات ويقتضيه قول أبي الخطاب. خالة وعمة وست
بنات ثلاث أخوات مفترقات، للخالة السدس والباقي للعمة ومن نزلها عما فلبنتي الأخت من الأبوين
النصف ولبنتي الأخت من الأب السدس ولبنتي الأخت من الأم السدس فإن كن بنات ست أخوات
مفترقات عالت على هذا إلى سبعة
119

(مسألة) وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها)
أكثر أهل التنزيل على هذا وهو قول أهل القرابة، وقال الثوري المال بين بنت العم من الأبوين وبنت
العم من الأم على أربعة وقال أبو عبيد لبنت العم من الأم السدس والباقي لبنت العم من الأبوين كبنات
الاخوة. قال شيخنا ولا يصح شئ من هذا لأنهن بمنزلة آبائهن، ولو كان آباؤهن أحياء لكان المال
للعم من الأبوين، وفارق بنات الاخوة لأن آباءهن يكون المال بينهم على ستة ويرث الأخ من الأم مع
الأخ من الأبوين بخلاف العمومة، وقيل على قياس قول محمد بن سالم المال لبنت العم من الأم لأنها بعد
درجتين بمنزلة الأب فيسقط به العم. قال الخبري وليس بشئ، وقد ذكر أبو الخطاب قولا من
رأيه يفضي إلى هذا فإنه ذكر أن الأبوة جهة والعمومة جهة أخرى، وأن البعيد والقريب من ذوي
الأرحام إذا كانا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لا، فيلزم على هذا
أن تنزل بنت العم من الأم حتى تلحق بالأب فيسقط بها بنتا العمين الآخرين. وأظن أبا الخطاب
لو علم افضاء هذا القول إلى هذا لم يذهب إليه لما فيه من مخالفة الاجماع ومقتضى الدليل واسقاط القوي
بالضعيف والقريب بالبعيد. قال شيخنا ولا يختلف المذهب أن الحكم في هذه المسألة على ما ذكرنا أولا
(ومن مسائل ذلك) بنت عم لأبوين وبنت عم لأب، المال للأولى. بنت عم لأب وبنت عم لام كذلك
120

بنت عم لأب وبنت ابن عم لأبوين كذلك: بنت ابن عم لأب وبنت عم لام المال للأولى عند المنزلين،
وللثانية عند أهل القرابة لأنها أقرب. بنت عم لام وبنت بنت عم لأبوين المال للأولى في قولهم جميعا.
بنت عم وابن عمة المال لبنت العم عند الجمهور. وحكي عن الثوري أن لبنت العم سهمين ولابن العمة سهم.
بنت بنت عم وبنت ابن عم. المال لهذه عند الجمهور، وقول ابن سالم هو للأولى. بنت عمة من أبوين وبنت
عم من أم، لبنت العم السدس، ولبنت العمة النصف ويرد عليهما الباقي فيكون بينهما على أربعة. ثلاث
بنات عمات مفترقات وبنت عم من أم المال بينهن على ستة فإن كان معهن بنت عم من أبوين أو أب
ورثت المال دونهن
(مسألة) (فإن أدلى جماعة منهم بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء فما صار
لكل وارث فهو لمن أدلى به)
إذا لم يسبق بعضهم بعضا فإن سبق بعضهم بعضا فالسابق إلى الوارث أولى كبنت بنت بنت وبنت
أخ لام المال لبنت بنت البنت لأن جدتها تسقط الأخ من الأم، ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ
والقول الأولى أولى، وإن كانوا من جهتين نزل البعيد حتى يلحق بوارثه فيأخذ نصيبه سواء سقط
121

القريب أو لم يسقط إذا كانوا من جهة واحدة كخالة وأم أبي أم الميراث للخالة لأنها تلقى لام بأولى
درجة، وإن أسقط بعضهم بعضا كأبي الأم والأخوال فأسقط الأخوال لأن الأب يسقط الاخوة
والأخوات. ونقل عن أحمد جماعة من أصحابه في خالة وبنت خالة وبنت ابن عم للخالة الثلث ولابنة
ابن العم الثلثان ولا تعطى بنت الخالة شيئا
ونقل حنبل عنه أنه قال: قال سفيان قولا حسنا إذا كانت خالة وبنت ابن عم تعطى الخالة الثلث
وبنت ابن العم الثلثين وظاهر هذا يدل على ما قلناه وهو قول الثوري ومحمد بن سالم والحسن بن صالح
وقال ضرار بن صرد إن كان البعيد إذا نزل أسقط القريب فالقريب أولى وان لم يكن يسقطه نزل
البعيد حتى نلحقه بالوارث، وقال سائر المنزلين الأسبق إلى الوارث أولى بكل حال ولم يختلفوا فيما
علمت في تقديم الأسبق إذا كانا من جهة واحدة الا نعيما ومحمد بن سالم فإنهما قالا في عمة وبنت عمة
المال بينها نصفين.
(فصل) فإن انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله في قول جميع من ورثهم فإن كانوا جماعة
فأدلوا بشخص واحد كخالة وأم أبي أم وابن خال فالمال للخالة لأنها تلقى الأم بأول درجة وهذا
قول عامة المنزلين الا أنه حكي عن النخعي وشريك ويحيى بن آدم في قرابة الأم خاصة أنهم أماتوا الأم
وجعلوا نصيبها لورثتها، ويسمى قولهم قول من أمات السبب واستعمله بعض الفرضيين في جميع ذوي
122

الأرحام فعلى قولهم يكون للخالة نصف ميراث الأم لأنها أخت، لام أبي الأم السدس لأنها جدة والباقي
لابن الخال لأنه ابن أخ.
ولنا أن الميراث من الميت لا من سببه ولذلك ورثنا أم أم الأم دون ابن عم الأم بغير خلاف
أيضا في أبي أم أم وابن عم أبي أم ان المال للجد لأنه أقرب، ولو كانت الأم الميتة كان وارثها ابن عم
أمها دون أبي أمها. خالة وأم أبي أم وعم أم المال للخالة وعندهم للخالة النصف وللجدة السدس والباقي للعم، فإن لم
يكن فيها عم أم فالمال بين الخالة وأم أبي الأم على أربعة، فإن لم يكن فيها جدة فالمال بين الخالة وعمها
نصفين. ابن خالة وابن عم أم المال لابن الخالة وعندهم لابن عم الأم
(مسألة) (والجهات أربع الأبوة والأمومة والبنوة والاخوة)
قال شيخنا لم أعلم أحدا من أصحابنا ولا من غيرهم عد الجهات وبينها إلا أبا الخطاب فإنه عدها خمس جهات
الأبوة والأمومة والبنوة الاخوة والعمومة، وهذا يفضي إلى أن بنت العم من الأم وبنت العمة تسقط بنت العم من
الأبوين. قال شيخنا ولم أعلم أحدا قال به وقد ذكر شيخنا في المغني أنه قياس قول محمد بن سالم لأنها تعد درجتين
بمنزلة الأب والأب يسقط العم، وكذلك بنت العم من جهة الأب وبنت العم من جهة العم، والصواب إذا
أن تكون الجهات أربعا الأبوة والأمومة والبنوة والاخوة، إلا أنا إذا جعلنا الاخوة جهة أفضى إلى
إسقاط بنت الأخ وبنات الأخوات وبنوهن ببنات الأعمام والعمات وهو بعيد أيضا لأن الأخ يسقط
123

العم فعلى هذا ينبغي أن تكون الجهات ثلاثة الأبوة والأمومة والبنوة وهو الذي اختاره شيخنا أخيرا
ذكره في كتاب العمدة، فعلى هذا يرث أسبقهم إلى الوارث وهو أولى إن شاء الله تعالى
(مسائل) من هذا بنت بنت بنت وبنت بنت بنت بنت وبنت أخ، المال بين الأولى والثالثة
وسقطت الثانية الا عند محمد بن سالم ونعيم فإنها تشاركهما، ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ لأنها أسبق
وعند أهل القرابة هو للأولى وحدها لأنها من ولد الميت وهي أقرب من الثانية. ان خال وبنت عم
ثلث وثلثان ومن ورث الأسبق جعله لبنت العم فإن كان معهما بنت عمة فلا شئ لها لأن بنت العم
أسبق إلى الوارث منهما وهما من جهة واحدة، وإن كان معهم عمة سقطت بنت العم لأن العمة بمنزلة الأب
وبنت العم بمنزلة العم. بنت بنت بنت وبنت بنت ابن المال للثانية عند الجميع الا ابن سالم ونعيم. بنت بنت
بنت وابن أخ لام المال للأولى، ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخ وهو قول ضرار لأن البعيد إذا
نزل أسقط القريب. بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما على أربعة عند جميع المنزلين وعند أهل القرابة
هو لبنت البنت لأنها أقرب. ابن بنت بنت وبنت أخ هو بينهما ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ وعند
أهل القرابة هو لابن بنت البنت. ابن بنت وابن ابن ابن أخت لأبوين المال بينهما وعند من ورث الأقرب
وأهل القرابة هو للأول. بنت أخ وبنت عم أو بنت عمة المال لبنت الأخ، وقياس قول أحمد في توريث
القريب مع البعيد ان كانا من جهتين أن يكون لبنت العم والعمة لأنها من جهة الأب وذلك قول ضرار
124

أيضا. ابن أخت وابن عم لام الميراث بينهما ومن ورث الأقرب جعله لابن الأخت وهو قول أهل
القرابة لأنها من ولد أبوي الميت ولان العم للام من ولد أبوي أبويه. بنت عم وبنت عم أب هو للأولى
عند الجميع الا ابن سالم ونعيم. بنت بنت بنت وأم أبي أم المال بينهما على أربعة. بنت بنت بنت وأبو أم
أب مثلها عندنا وعند من ورث الأقرب جعله للثاني. بنت بنت بنت ابن وعمة أو خالة. للأولى النصف
في الأولى ومع الخالة لها ثلاثة أرباع المال وعند من ورث الأقرب الكل للعمة أو للخالة
(فصل) في عمات الأبوين وأخوالهما وخالاتهما، مذهبنا تقديم الأسبق إلى الوارث إن كانا من جهة
واحدة وتنزيل البعيد حتى يلحق بوارثه إن كانا من جهتين. ثم يجعل لمن أدلى به ما كان له وأكثر
المنزلين يعطون الميراث للأسبق بكل حال، والمشهور عند أهل العراق أن نصيب الأم بين خالها وخالتها
وعمها وعمتها على ثلاثة ونصيب الأب بين عماته وخالاته كذلك
(ومن مسائل ذلك) ثلاث خالات أم مفترقات وثلاثة أعمام أم مفترقين وثلاث خالات أب مفترقات
فخالات الأم بمنزلة أم الأم وخالات الأب بمنزلة أم الأب فيكون المال بين هاتين الجدتين نصفين
ونصيب كل واحدة منهما بين أخواتها على خمسة ويسقط أعمام الأم لأنهم بمنزلة أبي الأم وهو غير
وارث فإن كان معهم عمات أب فلخالات الأب والأم السدس بينهما والباقي لعمات الأب لأنهن بمنزلة
الجد. عمة أب وعمة أم لعمة الأم الثلث والباقي لعمة الأب هذا قياس المذهب وهو قول أهل العراق
125

وقال القاضي المال لعمة الأب لأنها أسبق لكونها أخت الجد وهو وارث وهذا قول أكثر المنزلين لأنهم يورثون
الأسبق بكل حال. خالة أم وعمة أب للخالة السدس والباقي للعمة لأنها كجد وجدة وكذلك القول في
خالة أب وعمته. خالة أم وخالة أم أب المال لخالة الأم لأنهما بمنزلة أم أم وأم أم أب. خال أب وعم أم المال
للخال لأنه بمنزلة جدة. والجدات بمنزلة الأمهات. بنت خال أم وبنت عم أب لبنت الخال السدس ولبنت
العم ما بقي ومن ورث الأسبق جعل الكل لبنت العم. أبو أبي أم وأبو أم أب المال لأبي أم الأب فإن
كان معهما أبو أم أم فهو بينهما نصفين لأنهما بمنزلة جدتين متحاذيتين أبو أم أبي أم وأبو أبي أم أم
المال للثاني لأنه أسبق فإن كان معهما أبو أم أبي أب فالمال له لأنه بأول درجة يلقى الوارث. أب وأم أبي
أم لام أبي الأم الثلث والباقي للأب فإن كان معهما أبو أم أم فالمال له لأنه يدلي بوارث فإن كان معهم
أبو أم أب فالمال بين هذا والذي قبله نصفين
(مسألة) (ومن أمت بقرابتين ورث بهما باجماع من المورثين) الا شيئا يحكى عن أبي يوسف انهم
لا يرثون الا بقرابة واحدة، ولا يصح عنه ولا هو صحيح في نفسه لأنه شخص له جهتان لا يرجح بهما
فورث بهما كالزوج إذا كان ابن عم وابن العم إذا كان أخا لام، وحساب ذلك أن تجعل ذا القرابتين كشخصين
فتقول في ابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى وبنت بنت بنت أخرى للابن الثلثان وللبنت الثلث
فإن كانت أمهما واحدة فله ثلاثة أرباع المال عند من سوى ولأخته الربع ومن فضل جعل له النصف
126

والثلث ولأخته السدس وهذا قول أكثر المنزلين وقول أبي حنيفة ومحمد وقياس قول أبي يوسف له
أربعة أخماس ولأخته الخمس. بنتا أخت من أم إحداهما بنت أخ من أب وبنت أخت من أبوين هي
من أثنى عشر ستة لبنت الأخت من الأبوين وأربعة لذات القرابتين من جهة أبيها ولها سهم من
جهة أمها وللأخرى سهم. عمتان من أب إحداهما خالة من أم وخالة من أبوين هي من اثني عشر أيضا
لذات القرابتين خمسة وللعمة الأخرى أربعة وللخالة من الأبوين ثلاثة فإن كان معهما عم من أم وهو
خال من أب صحت من تسعين. ابن وبنت ابن عمة من أم البنت هي بنت عم من أم والعم هو خال
من أب. ابن وبنت ابن خال من أب الابن هو ابن بنت خال آخر من أب والخالات عمان من أم
هي من ثمانية عشر
(مسألة) (فإن اتفق معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه غير محجوب ولا معاول)
قال شيخنا لا أعلم خلافا عمن ورثهم أنهم يرثون مع أحد الزوجين ما فضل ميراثه من غير حجب
ولا معاولة لأن الله سبحانه فرض للزوج والزوجة ونص عليهما فلا يحجبان بذوي الأرحام وهم غير
منصوص عليهم وقسمت المال بينهم كما لو انفردوا
وروي ذلك عن إمامنا وبه قال أبو عبيد ومحمد بن الحسن واللؤلؤي وعامة من ورثهم ويحتمل
أن يقسم الباقي عن فرض الزوج كما يقسم بين من أدلوا به مع أحد الزوجين على الحجب والعول فيفرض
127

للزوج سهمه كاملا من غير حجب ولا عول ثم يقسم الباقي بينهم على قدر سهامهم وهذا قول يحيى بن آدم
وضرار: وإنما يقع الخلاف في مسألة فيها من يدلي بذي فرض ومن بدلي بعصبة فأما إن أدلى جميعهم بذي
فرض أو عصبة فلا خلاف فيه، فنقول في زوج وبنت بنت وبنت أخت لأبوين أو لأب للزوج النصف
والباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة على القول الأول وعلى الثاني من ستة للزوج ثلاثة ولبنت
البنت سهمان ولبنت الأخت سهم زوجة وابنتا ابنتين وابنتا أختين للزوجة الربع ولبنتي البنتين ثلثا
الباقي وهو النصف ولبنتي الأختين الباقي وهو الربع وتصح من ثمانية وعلى قول يحيى وضرار تفرض
المسألة من ثمانية للزوجة الثمن وللبنتين الثلثان وليس لها ثلثان فتضربها في ثلاثة تكن أربعة وعشرين
للزوجة الثمن ولبنتي البنتين الثلثان ستة عشر والباقي لبنتي الأختين وهو خمسة، ثم تعطي الزوجة الربع وتقسم
الباقي على أحد وعشرين للبنتين ستة عشر ولبنتي الأختين خمسة، والاحد وعشرون ثلاثة أرباع
فكملها بان تزيد عليها ثلثها تكن ثمانية وعشرين للزوجة سبعة وللبنتين ستة عشر يبقى خمسة لا تنقسم
على بنتي الأختين فتضربها في اثنين تكن سنة وخمسين ومنها تصح. زوج وبنت بنت وخالة وبنت
عم للزوج النصف والباقي بين ذوي الأرحام على ستة لبنت البنت ثلاثة وللخالة سهم ويبقى لبنت العم
سهمان وتصح من اثنى عشر، وفي قول يحيى وضرار تفرض المسألة من اثنى عشر للزوج ثلاثة وللبنت
ستة وللأم سهمان يبقى للعم سهم ثم يعطى الزوج النصف ويجمع سهام الباقين وهي تسعة لهم النصف
فتصح من ثمانية عشر، فإن كان مكان لزوج امرأة فعلى القول الأول للمرأة الربع والباقي بين ذوي
128

الأرحام على ستة وهي توافق باقي مسألة الزوجة بأثلاث فتردها إلى اثنين وتضربها في أربعة تكن
ثمانية للمرأة سهمان ولبنت البنت نصف الباقي ثلاثة وللخالة سهم ولبنت العم سهمان، وعلى قول يحيى
تفرضها من أربعة وعشرين لذوي الأرحام منها أحد وعشرون ثم تفرض للمرأة الربع من أربعة لها سهم
ولهم ثلاثة توافق سهامهم بالثلث فتضرب ثلثها في أربعة تكن ثمانية وعشرين ومنها تصح. امرأة وثلاث
بنات ثلاث أخوة مفترقين. امرأة وبنت بنت وثلاث خالات مفترقات وثلاث عمات مفترقات
(مسألة) (ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها)
وهي خالة أو غيرها ممن يقوم مقام الأم أو الجدة وست بنات ست أخوات مفترقات أو من
يقوم مقامهن ممن يأخذ المال بالفرض فإنها من ستة للخالة السدس ولبنتي الأختين من الأم الثلث
ولبنتي الأختين من الأبوين الثلثان أربعة تعول إلى سبعة لأن العول الزائد على هذا لا يكون إلا لاحد
الزوجين وليس ذلك في ذوي الأرحام
129

(باب ميراث الحمل)
(إذا مات عن حمل يرثه وطالب بقية الورثة بالقسمة وقفت له نصيب ذكرين إن كان نصيبهما أكثر
وإلا وقفت له نصيب ابنتين)
وجملة ذلك أن الانسان إذا مات عن حمل يرثه وقف الامر حتى يتبين فإن طالب الورثة بالقسمة
لم يعطوا كل المال بغير خلاف بين العلماء إلا ما حكي عن داود، والصحيح عنه مثل قول الجماعة ولكن
يدفع إلى من لا ينقصه كمال ميراثه وإلى من ينقصه أقل ميراثه ولا تدفع إلى من يسقطه شيئا، فأما
من يشاركه فأكثر أهل العلم قالوا يوقف للحمل شئ ويدفع إلى شركائه الباقي وبهذا قال أبو حنيفة
وأصحابه والليث وشريك ويحيى بن آدم وهو رواية الربيع عن الشافعي والمشهور عنه أنه لا يدفع إلى
شركائه شئ لأن الحمل لا حد له ولا نعلم كم يترك له
وقد حكى الماوردي قال: أخبرني رجل من أهل اليمن ورد طالبا للعلم وكان من أهل الدين والفضل
أن امرأة ولدت باليمن شيئا كالكرش فظن أن لا ولد فيه فألقي على قارعة الطريق فلما طلعت الشمس
وحمي بها تحرك فأخذ وشق فخرج منه سبعة أولاد ذكور وعاشوا جميعا وكانوا خلفا سويا إلا أنه كان
في أعضادهم قصر قال وصارعني أحدهم فصرعني فكنت أعير به فيقال صرعك سبع رجل
130

قال شيخنا وقد أخبرني من أثق به سنة ثمان وستمائة أو سنة تسع عن ضرير بدمشق أنه قال:
ولدت امرأتي في هذه الأيام سبعة في بطن واحد ذكورا وإناثا، قال وكان بدمشق أم ولد لبعض
كبرائها فتزوجت بعده من كان يقرأ عليها وكانت تلد ثلاثة في كل بطن، وقال غير الشافعي هذا نادر
لا يعول عليه فلا يجوز منع الميراث من أجله كما لو لم يظهر بالمرأة حمل.
(فصل) واختلف القائلون بالوقف فيما يوقف فعن أحمد أنه يوقف نصيب ذكرين إن كان ميراثهما
أكثر أو نصيب أنثيين إن كان أكثر وهذا قول محمد بن الحسن واللؤلؤي وقال شريك يوقف نصيب
أربعة فاني رأيت بني إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد محمد وعمر وعلي قال يحيى وأظن الرابع
إسماعيل وروى ابن المنذر هذا القول عن أبي حنيفة ورواه الربيع عن الشافعي، وقال الليث وأبو
يوسف يوقف نصيب غلام ويؤخذ ضمين من الورثة
ولنا أن ولادة التوأمين كثير معتاد فلم يجز قسم نصيبهما كالواحد وما زاد عليها نادر فلم يوقف
له شئ كالخامس والسادس
(مسألة) (فإذا وضع الحمل دفعت إليه نصيبه ورددت الباقي إلى مستحقه، وإن كان يرث الموقوف
كله أخذه، وإن أعوز شيئا رجع على من هو في بدء)
131

(مسائل من ذلك) امرأة حامل وبنت للمرأة الثمن، وللبنت خمس الباقي وفي قول شريك تسعه وفي قول
أبي يوسف ثلثه بضمين، ولا يدفع إليها شئ في المشهور عن الشافعي، فإن كان مكان البنت ابن دفع إليه ثلث الباقي
أو خمسه أو نصفه على اختلاف الأقوال، ومتى زادت الفروض على ثلث المال فميراث الإناث أكثر،
فإذا خلف أبوين وامرأة حاملا فللمرأة ثلاثة من سبعة وعشرين وللأبوين ثمانية منها ويوقف ستة عشر
ويستوي ههنا قول من وقف نصيب اثنين وقول من وقف بين أربعة وقول أبي يوسف تعطى المرأة
ثمنا كاملا والأبوان ثلثا كاملا ويؤخذ منهم ضمين، فإن كان معهم بنت دفع إليها ثلاثة عشر من مائة
وعشرين وفي قول شريك ثلاثة عشر من مائتين وستة عشر، وفي قول أبي يوسف ثلاثة عشر من اثنين
وسبعين، ويؤخذ من الكل ضمين من البنت لاحتمال أن يولد أكثر من واحد ومن الباقين لاحتمال
أن تعول المسألة، وعلى قولنا يوافق بين سبعة وعشرين وبين مائة وعشرين بأثلاث ويضرب ثلث إحداهما
في الأخرى تكن ألفا وثمانين للبنت ثلاثة عشر في تسعة، مائة وسبعة عشر، وللأبوين والمرأة أحد عشر
في أربعين وما بقي فهو موقوف زوج وأم حامل من الأب المسألة من ثمانية، للزوج ثلاثة، وللأم
سهم ويقف أربعة وقال أبو يوسف ندفع إلى الأم سهمين ونقف ثلاثة ونأخذ منها ضمينا، هكذا
حكى عنه الخبري وإن كان في المسألة من يسقط بولد الأبوين كعصبة أو أحد من ولد الأب لم يعط شيئا
ولو كان في هذه المسألة جد فللزوج الثلث، وللأم السدس، وللجد السدس، والباقي موقوف، وقال
132

أبو حنيفة: للزوج النصف، وللأم السدس، وللجد السدس، ويقف السدس بين الجد والأم ولا شئ
للحمل لأن الجد يسقطه، وأبو يوسف يجعلها من سبعة وعشرين ويقف أربعة أسهم. وحكي عن شريك
أنه كان يقول تعول على الجد فيقف ههنا نصيب الإناث فتكون عنده من تسعة تقف منها أربعة ولو لم يكن
فيها زوج كان للأم السدس، وللجد ثلث الباقي، ويقف عشرة من ثمانية عشر وعند أبي حنيفة للجد
الثلثان، وللأم السدس، ويوقف السدس بينهما، قول أبي يوسف يقف الثلث ويعطي كل واحد منهما
ثلثا ويؤخذ منهما ضمين، ومتى خلف ورثة وأما تحت الزوج فينبغي للزوج الامساك عن وطئها ليعلم أحامل
هي أم لا؟ كذا يروى عن علي وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي وقتادة في آخرين فإن وطئها
قبل استبرائها فأتت بولد لأقل من ستة أشهر ورث لأنا نعلم أنها كانت حاملا به وإن ولدته لأكثر من
ذلك لم يرث إلا أن يقر الورثة أنها كانت حاملا يوم موت ولدها.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإذا استهل المولود صارخا ورث وورث وفي معناه العطاس والتنفس
والارتضاع وما يدل على الحياة، فاما الحركة والاختلاج فلا يدل على الحياة)
وجملة ذلك أن الحمل لا يرث إلا بشرطين (أحدهما) انه كان موجودا حال الموت وبعلم ذلك
بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر فإن أتت به لأكثر من ذلك وكان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث
إلا أن يقر الورثة أنه كان موجودا حال الموت وإن كانت لا توطأ لعدم الزوج أو السيد أو لغيبتهما
133

أو اجتنابهما الوطئ عجزا أو قصدا أو غيره ورث ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل وهي أربع سنين في
إحدى الروايتين، وفي الأخرى سنتان (الشرط الثاني) أن تضعه حيا فإن وضعته ميتا لم يرث في قول
الجميع واختلف فيما يثبت به الميراث من الحياة فاتفقوا على أنه إذا استهل صارخا ورث وورث، لما روى
أبو داود باسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا استهل المولود ورث، وروى
ابن ماجة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله واختلفوا فيما سوى الاستهلال فقالت طائفة لا يرث
حتى يستهل ولا يقوم غيره مقامه، ثم اختلفوا في الاستهلال ما هو؟ فقالت طائفة لا يرث حتى يستهل
صارخا، والمشهور عن أحمد أنه لا يرث حتى يستهل، روي ذلك عن ابن عباس والحسن بن علي وأبي
هريرة وجابر وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح والحسن وابن سيرين والنخعي والشعبي وربيعة ويحيى
ابن سعيد وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبي عبيد وإسحاق لأن مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام
" إذا استهل المولود ورث " أنه لا يرث بغير الاستهلال، وفي لفظ ذكره ابن سراقة عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال في الصبي المنفوس " إذا وقع صارخا فاستهل ورث وتمت ديته وسمي وصلي عليه
وان وقع حيا ولم يستهل صارخا لم تتم دينه وفيه غرة عبد أو أمة على العاقلة " وإنما سمى الصراخ
من الصبي استهلالا تجوزا، والأصل فيه أن الناس إذا رأوا الهلال صاحوا عند رؤيته واجتمعوا فأراه
بعضهم بعضا فسمي الصوت عند استهلال الهلال استهلالا ثم سمي الصوت من الصبي المولود استهلالا
134

لأنه صوت عند وجود شئ يجتمع له ويفرح به. وروى يوسف بن موسى عن أحمد أنه قال: يرث
السقط ويورث إذا استهل، فقيل له ما الاستهلال؟ قال إذا صاح أو عطس أو بكى، فعلى هذا كل
صوت يوجد منه تعلم به حياته فهو استهلال، وهذا قول الزهري والقاسم بن محمد لأنه صوت
علمت به حياته فأشبه الصراخ وعن أحمد رواية ثالثة إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو
غيره ورث وثبت له أحكام الحياة وبهذا قال الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، فاما
الحركة والاختلاج فلا تدل على الحياة، فإن اللحم يختلج إذا خرج من مكان ضيق فتضامت أجزاؤه
ثم خرج إلى مكان فسيح فإنه يتحرك وان لم تكن فيه حياة، ثم إن كانت فيه حياة فلا يعلم كونها
مستقرة لاحتمال أن تكون كحركة المذبوح فإن الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة شديدة وهي
في حكم الميت.
(مسألة) (وان خرج بعضه فاستهل ثم انفصل ميتا لم يرث)
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وأصحابه ان خرج أكثره فاستهل ثم مات ورث، لقوله عليه
الصلاة والسلام " إذا استهل المولود ورث "
ولنا أنه لم يخرج جميعه فأشبه ما لو مات قبل خروج أكثره وعنه يرث الحديث المذكور ولأنه
قد علمت حياته، والأولى ظاهر المذهب لأنه لم نثبت له أحكام الدنيا وهو حي أشبه ما لو مات في بطن أمه
135

(مسألة) (وان ولدت توأمين فاستهل أحدهما واشكل، أقرع بينهما، فمن خرج سهمه فهو المستهل)
إذا أشكل أحد التوأمين أيهما المستهل، فإن كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكر وأنثى لا يختلف
ميراثهما فلا فرق بينهما، وإن كان ذكرا وأنثى يختلف ميراثهما فقال القاضي من أصحابنا من قال
يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهو المستهل كما لو طلق إحدى نسائه فلم تعلم بعينها ثم مات، وكذلك
النسوة إذا أراد السفر بإحداهن أو البداية بالقسم لها فإنه يقرع بينهن، وقال الخبري ليس في هذا
عن السلف نص، وقال الفرضيون تعمل المسألة على الحالتين ويعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي
حتى يصطلحوا عليه ويحتمل أن يقسم بينهم على حسب الاحتمال.
ومن مسائل ذلك رجل خلف أمه وأخاه وأم ولد حاملا منه فولدت توأمين ذكرا وأنثى فاستهل
أحدهما ولم يعلم بعينه فقل إن كان الابن المستهل فللأم السدس والباقي له ترث أمه ثلثه والباقي لعمه
فاضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشر، لام الميت ثلاثة، ولام الولد خمسة، وللعم عشرة، وان كانت
البنت المستهل فالمسألة من ستة وتموت البنت عن ثلاثة، لامها سهم، ولعمها سهمان والستة تدخل في
ثمانية عشر، فمن له شئ من ثمانية عشر مضروب في واحد ومن له شئ من ستة مضروب في ثلاثة
فسدس الأم لا يتغير، وللعم من الستة أربعة في ثلاثة اثنا عشر وله من الثمانية عشر عشرة في واحد،
فهذا اليقين فيأخذه، ولام الولد خمسة في سهم، وسهم في ثلاثة، فيأخذها ويقف سهمين بين الأخ
136

وأم الولد حتى يصطلحا عليهما، ويحتمل أن يقسم بينهما. امرأة حامل وعم ولدت المرأة ابنا وبنتا
فاستهل أحدهما ولم يعلم فالمسألتان من أربعة وعشرين إذا أعطيت كل واحد أقل نصيبه بقيت ثلاثة
موقوفة فإن كان معهما بنت فكل واحدة من المسئلتين من اثنين وسبعين والموقوف اثنا عشر امرأة
وعم وأم حامل من الأب ولدت المرأة ابنا وبنتا فاستهل أحدهما ولم يعلم فإن كان المستهل الأخ فهي
من ستة وثلاثين فإن كانت الأخت فهي من ثلاثة عشر والمسألتان متباينتان فاضرب إحداهما في الأخرى
تكن أربعمائة وثمانية وستين وكل من له شئ من إحدى المسئلتين مضروب في الأخرى فيدفع إلى كل
واحد أقل النصيبين يبقى أربعة عشر منها تسعة بين المرأة والعم، وخمسة بين الأم والعم، فإن كانت
المرأة والأم حاملين فوضعتا معا فاستهل أحدهما فكل واحدة منهما ترجع إلى ستة وثلاثين فيعطى
كل وارث أقل النصيبين ويبقى أحد عشر سهما، أربعة موقوفة بين الزوجة والأم وسبعة بين الأم والعم
(فصل) إذا ولدت الحامل توأمين فسمع الاستهلال من أحدهما ثم سمع مرة أخرى فلم يدر أهو
من الأول أو من الثاني؟ فيحتمل أن يثبت الميراث لمن علم استهلاله دون من شككنا فيه، لأن الأصل
عدم استهلاله فعلى هذا الاحتمال ان علم المستهل بعينه فهو الوارث وحده وان جهل كان كما لو استهل
واحد منهما لا بعينه، وقال الفرضيون تعمل على الأحوال فيعطى كل وارث اليقين ويوقف الباقي
137

من مسائل ذلك أم حامل وأخت لأب وعم ولدت الأم بنتين فاستهلت إحداهما ثم سمع الاستهلال مرة أخرى
فلم يدر أهل استهلت الأخرى أو تكرر من واحدة؟ فقل إن كان منهما جميعا فقد ماتتا عن أربعة من ستة ولا يعلم
أولهما موتا فحكمهما حكم الغرقى فمن ذهب إلى أنه لا ترث إحداهما من الأخرى قال قد خلفا أما وأختا
وعما فتصح من ثمانية عشر وإن كان الاستهلال من واحدة فقد ماتت عن ثلاثة من ستة فتصح من
اثني عشر وبينهما موافقة بالسدس فتصير من ستة وثلاثين للام واثنا عشر وللأخت كذلك وللعم تسعة
وتقف ثلاثة تدعي الأم منها سهمين والعم سهما وتدعيها الأخت كلها فيكون سهمان بينهما وبين الأم
وسهم بينها وبين العم زوج وجد وأم حامل ولدت ابنا وبنتا فاستهل أحدهما ثم سمع الاستهلال مرة
أخرى فلم يدر ممن هو؟ فإن كان الاستهلال تكرر من البنت فهي الأكدرية وماتت عن أربعة
بين أمها وجدها فتصح من أحد وثمانين وان تكرر من الأخ لم يرث شيئا والمسألة من ستة للجد منها
سهم وإن كان منهما فللأم السدس وللزوج النصف وللجد السدس ولهما السدس على ثلاثة فتصح من
ثمانية عشر والثلاثة التي لهما بين الجد والأم على ثلاثة فصار للام أربعة وللجد خمسة والثمانية عشر
توافق أحدا وثمانين بالاتساع فتصير مائة واثنين وستين للزوج حقه من الأكدرية أربعة وخمسون
وللأم تسعا المال من مسألة استهلالهما معا ستة وثلاثون وللجد السدس من مسألة استهلال الأخ وحده
سبعة وعشرون يبقى خمسة وأربعون يدعي منها الزوج سبعة وعشرين والأم ثمانية عشر ويدعي منها
138

الجد سبعة وثلاثين وتقول الثمانية الفاضلة للام فيحتمل أن تدفع إليها لأن الزوج
والجد يقران لها بها.
(فصل) وربما كان الحمل لا يرث إلا أن يكون ذكرا مثل أن يكون من جد الميت أو عمه أو
أخيه مثال ذلك بنت عم وعم وامرأة أخ حامل للبنت النصف والباقي موقوف في قولهم جميعا أم وعم
وامرأة جد حامل للأم الثلث وللعم تسعان أم وبنت وامرأة أخ وامرأة عم حاملان للأم السدس وللبنت النصف
ويوقف ثلث فإن ولدت امرأة العم ابنا لم يعط شيئا لجواز أن تلد الأخرى ابنا وان ولدت امرأة الأخ
أولا ابنا أخذ الموقوف
(فصل) وربما كان الحمل لا يرث إلا أن يكون أنثى
مثاله زوج وأخت لأبوين وامرأة أب حامل يوقف سهم من سبعة فإن ولدت أنثى أو إناثا أخذته
وان ولدت ذكرا أو ذكرين أو ذكرا وأنثى اقتسمه الزوج والأخت وكذلك ان تركت أختا لأب
لم يدفع إليها شئ لجواز أن تلد ذكرا فيسقطهما زوج وأبوان وبنت وامرأة ابن حامل تقف سهمين
من خمسة عشر فإن ولدت أنثى أو إناثا أخذتهما وإلا رجعت على الورثة فقسمته بينهم على ثلاثة عشر
ورجعت المسألة إلى ذلك وكذلك إن كان معهم بنت ابن جد وأم حامل من الأب من ثمانية عشر
تأخذ الأم ثلاثة والجد خمسة ويوقف عشرة فإن ولدت ذكرين فالعشرة لهما وان ولدت أنثيين
139

فلهما من العشرة سبعة ونصف وللجد اثنان ونصف وان ولدت ذكرا وأنثى أخذ الجد من العشرة
سهما وللذكر ستة وللأنثى ثلاثة وان ولدت أنثى أخذ الجد من العشرة ثلاثة والأنثى أربعة وللأم
ثلاثة وان ولدت ذكرا أخذت الأم ثلاثة وأخذ الجد سهما والأخ ما بقي وان لم تلد شيئا أخذت الأم
ثلاثة والجد ما بقي وإن كان معهم زوج فهي من ستة للزوج ثلاثة وللأم سهم وللجد سهم ويوقف
سهم وان ولدت ذكرين فالسهم لهما وتصح من أثني عشر وكذا ان ولدت ابنتين وان ولدت ذكرا
فالسهم للام وتصح من ستة وان ولدت أنثى فهي الأكدرية وان ولدت ذكرا وأنثى فالسهم الباقي
بينهما على ثلاثة وتصح من ثمانية عشر وإن لم تلد شيئا أخذت الأم السهم
باب ميراث المفقود
وهو نوعان أحدهما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتاجر والسائح وطالب العلم ولم
يعلم خبره ففيه روايتان إحداهما ينتظر به تمام تسعين سنة مع سنة يوم فقد وهذا قول عبد الملك ابن الماجشون
لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا والرواية الثانية لا يقسم ماله ولا تتزوج امرأته حتى يعلم
موته أو تمضى عليه مدة لا يعيش في مثلها وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم وهذا قول الشافعي ومحمد
140

ابن الحسن وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف لأن الأصل حياته والتقدير لا يضاف
إليه إلا بالتوفيق ولا توفيق ههنا فوجب التوقف عنه وقال عبد الله بن الحكم لينتظر به تمام سبعين
سنة مع سنه يوم فقد ولعله يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين " أو كما قال ولان
الغالب أن لا يعيش أكثر من هذا فأشبه التسعين وقال الحسن ابن زياد ينتظر به تمام مائة وعشرين سنة
وهو قول ابن عقيل فلو فقد وهو ابن ستين سنة وله مال لم يقسم حتى تمضي عليه ستون سنة أخرى
فيقسم ماله حينئذ بين ورثته ان كانوا أحياء وان مات بعض ورثته قبل مضي مائة وعشرين وخلف
ورثة لم يكن له شئ من مال المفقود وكان ماله للاحياء من ورثته ويوقف للمفقود حصة من مال موروثه
الذي مات في مدة الانتظار فإن مضت المدة ولم يعلم خبر المفقود رد الموقوف إلى ورثة موروث المفقود
ولم يكن لورثة المفقود قال اللؤلؤي وهذا قول أبي يوسف وحكى الخبري عن اللؤلؤي أنه قال وهو
الصحيح عندي والذي ذكرناه هو الذي حكاه ابن اللبان عن اللؤلؤي فقال لو ماتت امرأة المفقود
قبل تمام مائة وعشرين سنة بيوم أو بعد فقده بيوم أو تمت مائة وعشرون سنة لم يورث منه شئ ولم
يورث منها لأنا لا نعلم أيهما مات أولا وهذا قياس قول من قال في الغرقى إنه لا يرث أحدهم من
صاحبه ويرث كل واحد من الاحياء من ورثته قال القاضي هذا قياس قول أحمد واتفق الفقهاء على أنه
لا يرث المفقود الا الاحياء من ورثته يوم قسم ماله لا من مات قبل ذلك ولو بيوم، واختلفوا في
141

من مات وفي ورثته مفقود فمذهب أحمد وأكثر الفقهاء أنه يعطي كل وارث من ورثته اليقين ويوقف
الباقي حتى يتبين امره أو تمضي مدة الانتظار فتعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت وتضرب
إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها ان اتفقتا وتجتزئ بإحداهما ان تماثلتا وبأكثرهما ان
تناسبتا وتعطي كل واحد أقل النصيبين ومن لا يرث إلا من إحداهما لا تعطيه شيئا وتوقف الباقي
(النوع الثاني) أن يكون الغالب من حاله الهلاك كالذي يفقد من بين أهله كمن يخرج إلى الصلاة أو
في حاجة قريبة فلا يعود أو في مفازة مهلكة كالحجاز أو بين الصفين حال الحرب أو في البحر إذا
غرقت سفينته ولا يعلم له خبر فهذا ينتظر به أربع سنين لأنها أكثر مدة الحمل فإنه لم يظهر له خبر
قسم ماله واعتدت امرأته عدة الوفاة وحلت للأزواج نص عليه احمد وهذا اختيار أبي بكر وذكر
القاضي أنه لا يقسم ماله حتى تمضي عدة الوفاة بعد الأربع سنين لأنه الوقت الذي يباح لامرأته التزويج
فيه والأول أصح لأن العدة أنما تكون بعد الوفاة فإذا حكم بوفاته فلا وجه للوقوف عن قسم ماله
وقد روي عن أحمد رحمه الله التوقف عن أمره وقال قد هبت الجواب فيها وكأني أحب السلامة
والمذهب الأول ولم يفرق سائر أهل العلم بين هذه الصورة وبين سائر صور الفقدان فيما علمنا إلا أن
مالكا والشافعي في القديم وافقا في الزوجة انها تتزوج خاصة والأظهر من مذهبه مثل قول الباقين
142

فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك
في النوع الأول لأنه مفقود لا يتحقق موته أشبه التاجر والسائح
ولنا اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على تزويج امرأته على ما نذكره في العدد إن شاء الله تعالى
وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للابضاع ففي المال أولى ولان الظاهر هلاكه فأشبه ما لو مضت
مدة لا يعيش في مثلها.
(مسألة) (وان مات للمفقود من يرثه قبل الحكم بوفاته وقف للمفقود نصيبه من ميراثه ودفع
إلى كل وارث اليقين فإن كان حيا أخذ ميراثه ورد الفضل إلى أهله وان علم أنه مات بعد موت موروثه
دفع نصيبه مع ماله إلى ورثته وان علم أنه كان ميتا حين موت موروثه رد الموقوف إلى ورثة الأول
وان مضت المدة ولم يعلم خبره رد أيضا إلى ورثة الأول لأنه مشكوك في حياته حين موت موروثه
فلا نورثه مع الشك كالجنين الذي سقط ميتا هذا الذي ذكره شيخنا في المغني وذكر في هذا الكتاب
المشروح وفي الكافي انه يقسم على ورثة المفقود لأنه محكوم بحياته فعلى هذا يكون في المسألة روايتان
وان علمنا أن المفقود مات ولم ندر متى مات رد الموقوف له إلى ورثة الأول لأنه مشكوك
في حياته فلا نورثه مع الشك واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود إلا الاحياء من ورثته وقد مضى ذكره
143

(مسألة) (ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه فيقتسموه)
اختاره ابن اللبان لأنه لا يخرج عنهم وأنكر ذلك الوني وقال لا فائدة في أن ينقص بعض الورثة
عما يستحقه في مسألة الحياة وهي متيقنة ثم يقال له لك أن تصالح على بعضه بل إن جاز ذلك فالأولى
أن تقسم المسألة على تقدير الحياة ويقف نصيب المفقود لا غير قال شيخنا والأول أصح إن شاء الله
تعالى فإن الزائد عن نصيب المفقود من الموقوف مشكوك في مستحقه ويقين الحياة متعارض بظهور
الموت فينبغي أن يوقف كالزائد عن اليقين في مسائل الحمل والاستهلال فعلى هذا يجوز للورثة الموجودين
الصلح عليه لأنه حقهم لا يخرج عنهم وإباحة الصلح عليه لا تمنع وجوب وقفه كما تقدم في نظائره
ووجوب وقفه لا يمنع الصلح عليه كذلك ولان تجويز أخذ الانسان حق غيره برضاه وصلحه لا يلزم
منه جواز أخذه بغير إذنه وظاهر قول الوني هذا انه يقسم المسألة على أنه حي ويقف نصيب المفقود
لا غير وقال بعض أصحاب الشافعي يقسم المال على الموجودين لأنهم متحققون والمفقود مشكوك فيه
فلا يورث مع الشك وقال محمد بن الحسن القول قول من المال في يده فلو مات رجل وخلف ابنتيه
وابن ابن أبوه مفقود والمال في أيدي البنتين فاختصموا إلى القاضي: فإنه لا ينبغي للقاضي أن يحول
المال عن موضعه ولا يقف منه شيئا سواء اعترف البنتان بفقده أو ادعيا موته وإن كان المال في يد
ابن المفقود لم نعط الابنتين الا النصف أقل ما يكون لهما فإن كان المال في يد أجنبي فأقر بأن الابن
144

مفقود وقف له النصف على يديه وان قال قد مات المفقود لزمه دفع الثلثين إلى البنتين ويوقف الثلث
الا أن يقر ابن الابن بموت أبيه فيدفع إليه الباقي والجمهور على القول الأول
مسائل ذلك زوج وأم وأخت وجد وأخ مفقود مسألة الموت من سبعة وعشرين لأنها الأكدرية
ومسألة الحياة من ثمانية عشر وهما يتفقان بالاتساع فتضرب تسع أحداهما في الأخرى تكن أربعة
وخمسين للزوج النصف من مسألة الحياة والثلث من مسألة الموت فيعطى الثلث وللأم التسعان من
مسألة الموت والسدس من مسألة الحياة فتعطى السدس وللجد ستة عشر سهما من مسألة الموت وتسعة
من مسألة الحياة فيأخذ التسعة وللأخت ثمانية من مسألة الموت وثلاثة من مسألة الحياة فتأخذ ثلاثة
ويبقى خمسة عشر موقوفة ان بان الأخ حيا أخذ ستة وأخذ الزوج تسعة وان بان ميتا أو مضت المدة
قبل قدومه أخذت الأم ثلاثة والأخت خمسة والجد سبعة هذا على الرواية التي تقول إن الموقوف
للمفقود يرد إلى ورثة الأول واختار الخبري أن المدة إذا مضت ولم يتبين أمره أنه يقسم نصيبه من
الموقوف على ورثته وهو ستة يبقى تسعة وهي الرواية الثانية لأنه كان محكوما بحياته لأنها اليقين وإنما
حكمنا بموته بمضي المدة ووجه الأولى أنه مال موقوف لمن ينتظر ممن لا نعلم حاله فإذا لم تتبين حياته لم
يكن لورثته كالموقوف للحمل وللورثة أن يصطلحوا على التسعة قبل مضي المدة، زوج وأبوان وابنتان
145

مفقودتان مسألة حياتهما من خمسة عشر وفي حياة إحداهما من ثلاثة عشر وفي موتهما من ستة فتضرب
ثلث الستة وهي اثنان في خمسة عشر ثم في ثلاثة عشر تكن ثلاثمائة وتسعين ثم تعطي الزوج والأبوين
حقوقهم من مسألة الحياة مضروبا في اثنين ثم في ثلاثة عشر ويقف الباقي وإن كان في المسألة ثلاثة مفقودون
لهم أربع مسائل فإن كانوا أربعة عملت لهم خمس مسائل وعلى هذا فإن كان المفقود يحجب ولا يرث
كزوج وأخت لأبوين وأخت لأب وأخ لها مفقود وقفت السبع بينهما وبين الزوج والأخت من الأبوين
وقيل لا يوقف ههنا شئ وتعطى الأخت من الأب السبع لأنها لا تحجب بالشك كما لا تورث بالشك
والأول أصح لأن دفع السبع إليها توريث بالشك وليس في الوقف حجب يقينا إنما هو توقف عن صرف
المال إلى إحدى الجهتين المشكوك فيهما ويعارض قول هذا القائل قول من قال إن اليقين حياته فيعمل
على أنه حي ويدفع المال إلى الزوج والأخت والأبوين والتوسط بما ذكرناه أولى
(فصل) والأسير كالمفقود إذا انقطع خبره وإن علمت حياته ورث في قول الجمهور وحكي عن
سعيد بن المسيب والنخعي وقتادة أنه لا يرث لأنه عبد والصحيح الأول لأن الكفار لا يملكون
الأحرار والله سبحانه وتعالى أعلم
146

باب ميراث الخنثى
وهو الذي له ذكر وفرج امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول وينقسم إلى مشكل وغير مشكل
فمن تثبت فيه علامات الرجال أو النساء فيعلم أنه رجل أو امرأة فليس بمشكل وإنما هو رجل فيه
خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة وحكمه في ارثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه
والذي لا علامة فيه مشكل
(مسألة) ويعتبر بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ
عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول ان بال من حيث يبول الرجل فهو رجل وان
بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة روي ذلك عن علي ومعاوية وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد
وأهل الكوفة وسائر أهل العلم وقال بن اللبان روى الكلبي عن أبي صالح عن أبن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث قال " من حيث يبول " وروي أنه عليه الصلاة والسلام أني بخنثى
من الأنصار فقال " ورثوه من أول ما يبول منه " ولان خروج البول أعم العلامات لوجودها من الصغير
والكبير وسائر العلامات إنما توجد بعد الكبر مثل نبات اللحية وخروج المني والحيض وتفلك الثدي والحبل
(فصل) فإن بال منهما جميعا اعتبر بأسبقهما نص عليه أحمد وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وبه
147

قال الجمهور فإن خرجا معا اعتبر أكثرهما قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم يورث من المكان
الذي يبول منه أكثر وحكي هذا عن الأوزاعي وصاحبي أبي حنيفة ووقف في ذلك أبو حنيفة ولم
يعتبره أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وقال قوم إذا خرجا معا اعتبر بآخرهما انقطاعا فإن انقطعا
معا اعتبر أكثرهما وقيل الاعتبار بالكثرة
ولنا انها مزية لاحدى العلامتين فيعتبر بها كالسبق فإن استويا فهو حينئذ مشكل
(مسألة) (فإن مات له من يرثه وكان يرجى انكشاف حاله وهو الصغير فإن احتيج إلى قسم
الميراث أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي في قول الجمهور حتى يبلغ فيظهر فيه علامات الرجال
من نبات لحيته وخروج المني من ذكره وكونه مني رجل أو علامات النساء من الحيض والحمل وتفلك
الثديين نص عليه أحمد في رواية الميموني وحكي عن علي والحسن أنهما قالا تعد أضلاعه فإن أضلاع
المرأة أكثر من أضلاع الرجل بضلع قال ابن اللبان ولو صح هذا لما أشكل حاله ولا احتيج إلى
مراعاة البول وقال جابر بن زيد يوقف إلى جانب الحائط فإن بال عليه فهو رجل وان شلشل بين فخذيه
فهو امرأة وليس على هذا تعويل والصحيح ما ذكرناه إن شاء الله تعالى أنه يوقف أمره ما دام صغيرا
فإن احتيج إلى قسم الميراث أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي إلى حين بلوغه فتعمل المسألة على
أنه ذكر ثم على أنه أنثى وتدفع إلى كل وارث أقل النصيبين ويقف الباقي حتى يبلغ فإن مات قبل بلوغه
148

أو بلغ مشكلا ورث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى نص عليه أحمد وهو قول ابن عباس والشعبي
وابن أبي ليلى وأهل المدينة ومكة والثوري واللؤلؤ وشريك والحسن بن صالح وأبي يوسف ويحيى بن
آدم وضرار بن صرد ونعيم بن حماد وورثه أبو حنيفة بأسوأ حالاته والباقي لسائر الورثة وأعطاه الشافعي
ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يتبين أمره أو يصطلحوا وبه قال أبو ثور وداود وابن جرير
ورثه بعض أهل البصرة على الدعوى فيما بقي بعد اليقين وبعضهم بالدعوى من أصل المال وفيه أقوال
شاذة سوى هذه.
ولنا قول ابن عباس ولم يعرف له في الصحابة منكر ولان حالتيه تساويا فوجبت التسوية بين حكمهما
كما لو تداعا نفسان دارا بأيديهما ولا بينة لهما وليس توريثه بأسوأ أحواله بأولى من توريث من معه
بذلك فتخصيصه بهذا الحكم لا دليل عليه ولا سبيل إلى الوقف لأنه لا غاية له تنتظر وفيه تضييع
للمال مع يقين استحقاقهم له
(مسألة) (فإذا كان ابن وبنت وولد خنثى جعلت للبنت أقل عدد له نصف وهو سهمان وللذكر
أربعة وللخنثى ثلاثة فيكون معه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وهذا قول الثوري واللؤلؤي
في هذه المسألة وفي كل مسألة فيها ولد إذا كان فيهم خنثى قال شيخنا وهذا قول لا بأس به وذهب
أكثر من ورثه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى فتعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى
149

وتضرب إحداهما في الأخرى ان تباينتا أو في وفقها ان اتفقتا ويجتزئ بإحداهما ان ثماثلتا وبأكثرهما
ان تناسبتا وتضربها في اثنين ثم تجمع ما لكل واحد منهما ان تماثلتا وتضرب ما لكل واحد من إحداهما
في الأخرى ان تباينتا أو في وفقها ان اتفقتا، وهذا اختيار أصحابنا ويسمى مذهب المنزلين، وقول الثوري
يوافق قول أصحابنا في بعض المواضع ويخالفه في بعضها، وبيان اختلافهما اننا نجعل المسألة المذكورة
على قول الثوري من تسعة للخنثى الثلث وهو ثلاثة، وعلى قول أصحابنا مسألة الذكورية من خمسة
والأنوثية من أربعة ولا موافقة بينهما تضرب إحداهما في الأخرى تكن عشرين ثم في اثنين تكن
أربعين، للبنت سهم في خمسة وسهم في أربعة تسعة، وللذكر ثمانية عشر وللخنثى سهم في خمسة
وسهمان في أربعة ثلاثة عشر وهي دون ثلث الأربعين، وقوله من ورثه بالدعوى فيما بقي بعد
اليقين يوافق قول المنزلين في أكثر المواضع فإنه يقول في هذه المسألة للذكر الخمسان بيقين وذلك
ستة عشر من أربعين وهو يدعي النصف عشرين وللبنت الخمس بيقين ثمانية وهي تدعي الربع
وللخنثى الربع بيقين وهو يدعى الخمسين ستة عشر، والمختلف فيه ستة أسهم يدعيها الخنثى كلها
فتعطيه نصفها ثلاثة مع العشرة التي معه صار له ثلاثة عشر والابن يدعي أربعة فتعطيه
نصفها اثنين صار له ثمانية عشر والبنت تدعي سهمين فيدفع إليها سهما صار لها تسعة ومن ورثه
بالدعوى من أصل المال فعلى قولهم يكون الميراث في هذه المسألة من ثلاثة وعشرين لأن المدعى ههنا
150

نصف وربع وخمسان ومخرجها عشرون يعطي الابن عشرة وللبنت خمسة والخنثى ثمانية فتكون ثلاثة
وعشرين فإن لم يكن في المسألة بنت ففي قول الثوري هي من سبعة وكذلك قول من ورثهما بالدعوى
من أصل المال، وفي التنزيل من اثني عشر للابن سبعة وللخنثى خمسة وهو قول من ورثه بالدعوى فيما
عدا اليقين وان كانت بنت ولد خنثى ولا عصبة معهما فهي من خمسة في قول الثوري ومن اثني عشر
في التنزيل، وإن كان معهما عصبة فهي من ستة للخنثى ثلاثة وللبنت سهمان وللعصبة سهم في الأقوال
الثلاثة فإن كان معهما أم وعصبة فهي من ستة وثلاثين للام ستة وللخنثى ستة عشر وللبنت أحد عشر
وللعصبة ثلاثة وقياس قول الثوري أن يكون للخنثى والبنت ثلاثة أرباع المال بينهما على خمسة وللأم السدس
ويبقى نصف السدس للعصبة وتصح من ستين للام عشرة وللعصبة خمسة وللبنت ثمانية عشر
وللخنثى سبعة وعشرون فإن كان ولد خنثى وعصبة فللخنثى ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة إلا في
قول من ورثهما بالدعوى من أصل المال فإنه يجعل المال بينهم أثلاثا لأن الخنثى يدعي المال كله
والعصبة تدعي نصفه فتضيف النصف إلى الكل فيكون ثلاثة أنصاف لكل نصف ثلث بنت
وولد ابن خنثى وعم هي في التنزيل من اثني عشر وترجع بالاختصار إلى ستة للبنت النصف
وللخنثى الثلث وللعم السدس
(فصل) فإن كان الخنثى يرث في حال دون حال كزوج وأخت لأبوين وولد أب خنثى فمقتضى
151

قول الثوري أن يجعل للخنثى نصف ما يرثه في حال ارثه وهو نصف سهم فضمه إلى سهام الباقين وهي
ستة نبسطها انصافا ليزول الكسر فتصير ثلاثة عشر له منها سهم والباقي بين الزوج والأخت نصفين
وقد عمل أبو الخطاب هذه المسألة على هذا في كتاب الهداية، وأما التنزيل فيصح من ثمانية وعشرين
للخنثى سهمان وهي نصف سبع ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر وإن كان زوج وأم واخوان
من أم وولد أب خنثى فله في حال الأنوثية ثلاثة من تسعة فاجعل له نصفها مضموما إلى سهام باقي
المسألة ثم ابسطها تكن خمسة عشر له منها ثلاثة وهي الخمس وفي التنزيل له ستة من ستة وثلاثين وهي
السدس، وإن كانت بنت وبنت ابن وولد أخ خنثى وعم فهي من ستة للبنت النصف ولبنت الابن
السدس وللخنثى السدس وللعم ما بقي على القولين جميعا
(فصل) قال الخبري اعلم أن الذين يكونون خناثى من الورثة ستة. الولد وولد الابن والأخ
وولده والعم وولده فأما الزوجان والأبوان والجدان فلا يتصور ذلك فيهم. فالخلاف يقع في
ثلاثة لا غير الولد وولد الابن والأخ فاما الثلاثة الأخر فليس للإناث منهم ميراث فيكون للخنثى
منهم نصف ميراث ذكر بلا خلاف
(مسألة) (فإن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم في أحد الوجهين فتجعل للاثنين
أربعة أحوال وللثلاثة ثمانية وللأربعة ستة عشر وللخمسة اثنين وثلاثين حالا ثم تجمع ما لهم في الأحوال كلها
152

فتقسمه على عدد أحوالهم فما خرج بالقسم فهو لهم إن كانوا من جهة واحدة وان كانوا من جهات
جمعت ما لكل واحد منهم في الأحوال وقسمته على عدد الأحوال كلها فالخارج بالقسم هو
نصيبه. هذا قول ابن أبي ليلى وضرار ويحيى بن آدم، وقول محمد بن الحسن على قياس قول الشعبي
والوجه الآخر أنهم ينزلون حالين مرة ذكورا ومرة إناثا كما يصنع في الواحد وهو قول أبي يوسف
واختاره أبو الخطاب والأول أولى لأنه يعطى كل واحد يحسب ما فيه من الاحتمال فيعدل بينهم، وفي
الوجه الآخر يعطى بعض الاحتمالات دون بعض وهذا تحكم لا دليل عليه، وبيان ذلك في ولد
خنثى وولد أخ خنثى وعم ان كانا ذكرين فالمال للولد، وان كانا أنثيين فللبنت النصف والباقي للعم
فهي من أربعة عند من نزلهم حالين للولد ثلاثة أرباع المال وللعم ربعه، ومن نزلهم أحوالا زاد حالين
آخرين، هو أن يكون الولد وحده ذكرا وولد الأخ وحده ذكرا فتكون المسألة من ثمانية للولد المال
في حالين والنصف في حالين فله ربع ذلك وهو ثلاثة أرباع المال ولولد الأخ نصف المال في حاله فله
ربعه وهو الثمن وللعم مثل ذلك وهذا أعدل، ومن قال بالدعوى فيما زاد على اليقين قال للولد النصف
يقينا والنصف الآخر يتداعونه فيكون بينهم أثلاثا، وتصح من ستة وكذلك الحكم في أخ خنثى
وولد أخ، وفي كل عصبتين يحجب أحدهما الآخر ولا يرث المحجوب شيئا إذا كان أنثى ولو خلف
بنتا وولد أم خنثى وولد ابن خنثى وعصبة فمن نزلهما حالين جعلها من ستة الولد الخنثى ثلاثة وللبنت
153

سهمان والباقي للعم، ومن نزلهما أربعة أحوال جعلها من أثني عشر وجعل لولد الابن نصف السدس وللعم
مثليه، وهذا أعدل الطريقين لما في الطريق الآخر من اسقاط ولد الابن مع أن احتمال توريثه كاحتمال توريث
العم وهكذا تصنع في الثلاثة وما زاد ويكفي هذا القدر من هذا الباب فإنه نادر قل ما يحتاج إليه واجتماع
خنثيين وأكثر نادر النادر ولم يسمع بوجوده فلا حاجة إلى التطويل فيه
(فصل) قال شيخنا (وقد وجدنا في عصرنا شيئا شبيها لما يذكره الفرضيون ولم يسمعوا به فانا
وجدنا شخصين ليس لهما في قبلها مخرج ولا ذكر والا فرج اما أحدهما فذكروا أنه ليس له في قبله
الا لحمة نابته كالربوة ويرشح البول منها رشحا على الدوام وأرسل إلينا يسألنا عن الصلاة والتحرز من
النجاسة في ستة عشر وستمائة، الثاني ليس له الا مخرج واحد فيما بين المخرجين منه يتغوط ومنه
يبول وسألت من أخبرني عنه عن زيه فأخبرني أنه يلبس لباس النساء ويخالطهن ويغزل معهن ويعد
نفسه امرأة، قال وحدثت أن في بلاد العجم شخصا ليس له مخرج أصلا لا قبل ولا دبر وإنما يتقايأ ما يأكله
ويشربه فهذا وما أشبهه في معنى الخنثى لكنه لا يمكن اعتباره بمباله فإن لم يكن له علامة أخرى فهو مشكل ينبغي أن
يثبت له حكمه في ميراثه وأحكامه كلها والله أعلم
154

(باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم)
إذا مات متوارثان كالغرقى والهدمى وجهل أولهما موتا واختلفت وراثهما في السابق منهما فقد
نقل عن أحمد رحمه الله في امرأة وابنها ماتا فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته، وقال
أخوها مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها أنه يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ويكون
ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين ذكرها الخرقي، وهذا يدل على أن ميراث
كل ميت يقسم على الاحياء من ورثته دون من مات معه روي ذلك عن أبي بكر الصديق وزيد وابن
عباس والحسن بن علي رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد والزهري والأوزاعي
ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وروي ذلك عن عمر والحسن البصري وراشد بن سعد وحكيم
ابن عمير وعبد الرحمن بن عوف فيحتمل أن يكون ما روي عن أحمد في المسألة التي ذكرها الخرقي
أن يجعل هذا رواية عنه في جميع مسائل الباب، ويحتمل أن يكون هذا قوله فيما إذا ادعى وارث كل
ميت أن موروثه كان أخرهما موتا فأما مع الجهل فيورث كل واحد منهما من الآخر لأن مع التداعي
يتوجه اليمين على المدعى عليه فيحلف على ابطال دعوى صاحبه ويتوفر الميراث له كما في سائر الحقوق
بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل فلا يتوجه اليمين لأن اليمين لا يشرع في موضع اتفقوا على الجهل به،
155

وظاهر المذهب ان كل واحد منهما يرث صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه من الميت معه فيقدر
أحدهما مات أولا ويورث الآخر منه ثم يقسم ما ورثه على الاحياء من ورثته ثم يصنع بالثاني
كذلك قال أحمد اذهب إلى قول عمر وعلي وشريح وإبراهيم والشعبي هذا قول من ذكره الإمام أحمد
وهو قول اياس بن عبد الله المزني وعطاء والحسن وحميد الأعرج وعبد الله بن عتبة وابن أبي
ليلى والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم وإسحاق وحكي ذلك عن ابن مسعود. قال الشعبي وقع
الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه
فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض، ووجه الرواية الأولى ما روى سعيد قال ثنا إسماعيل بن عياش
عن يحيى بن سعيد ان قتلى اليمامة وقتلى صفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض ورثوا عصبتهم الاحياء
وقال ثنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها زيد
ابن عمر فالتقت الصيحتان في الطريق فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه فلم ترثه ولم يرثها، وأن أهل
صفين وأهل الحرة لم يتوارثوا، ولان شرط التوارث حياة الوارث بعد موت الموروث وليس بمعلوم
فلا يثبت التوريث مع الشك في شرطه ولأنه مشكوك في حياته حين موت مورثه فلم يرثه كالحمل إذا
وضعته ميتا ولان توريث كل واحد منهما خطأ قطعا لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معا أو يسبق
أحدهما به وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينا مخالف للاجماع فكيف يعمل به؟ فإن قيل ففي
156

قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت وهو خطأ أيضا قلنا هذا غير متيقن لأنه يحتمل موتهما معا
فلا يكون منهما مسبوق، وقد احتج أصحابنا لتلك الرواية بما روى اياس ابن عبد الله المزني أن
النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال يرث بعضهم بعضا، قال شيخنا والصحيح أن هذا
إنما هو عن إياس نفسه وأنه هو المسؤول وليس برواية عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا رواه سعيد في سننه
وحكاه الإمام أحمد وقال أبو ثور وابن شريح وطائفة من البصريين يعطى كل وارث اليقين ويوقف
المشكوك فيه حتى يتبين الامر أو يصطلحوا وقال الخبري هذا هو الحكم فيما إذا علم صوت أحدهما
قبل الآخر ولم يذكر فيه خلافا
(مسألة) قال (فلو غرق اخوان أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو فمن لم يورث أحدهما من
صاحبه جعل ميراث كل واحد لمولاه وهو أحسن)
ومن ورث أحدهما من الآخر جعل ما لكل واحد منهما لمولى الآخر ومن قال بالوقف وقف
مالهما، وإن ادعى كل واحد منهما أن مولاه آخرهما مرتا حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى لآخر
وأخذ مال مولاه على ما ذكره الخرقي، وإن كان لهما أخت فمن ورث كل أحد منهما من صاحبه جعل
لهما الثلثين من مال كل واحد منهما والنصف على القول الثاني، وان خلف كل واحد منهما بنتا وزوجة
فمن لم يورث بعضهم من بعض صححها من ثمانية لامرأته الثمن ولابنته النصف والباقي لمولاه ومن
ورثهم جعل الباقي لأخيه ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ثم ضربها في الثمانية الأولى فصحت من
157

أربعة وستين لامرأته ثمانية لابنته اثنان وثلاثون ولامرأة أخيه ثمن الباقي ثلاثة ولابنته اثنا عشر
ولمولاه الباقي تسعة: أخ وأخت غرقا ولهما أم وعم وزوجان فمن ورث كل واحد منهما من صاحبه
جعل ميراث الأخ بين امرأته وأمه وأخته على ثلاثة عشر فما أصاب الأخت منها فهو بين زوجها وأمها
وأمها وعمها على ستة فصحت المسئلتان من ثلاثة عشر لامرأة لأخ ثلاثة ولزوج لأخت ثلاثة وللأم
أربعة بميراثها من الأخ واثنان بميراثها من الأخت وللعم سهم وميراث الأخت بين زوجها وأمها
وأخيها على ستة لأخيها سهم بين امرأته وأمه وعمه على اثنى عشر تضربها في الأولى تكن اثنين وسبعين
والضرر في هذا القول على من يرث من أحد الميتين دون الآخر والنفع لم يرث منهما ثلاثة اخوة
لأبوين غرقوا ولهم أم وعصبة فقدر موت أحدهم أولا فلأمه السدس والباقي لأخويه فتصح من أثنى عشر
لكل واحد من اخوته خمسة بين أمه وعصبته على ثلاثة فتضربها في الأولى تكن ستة وثلاثين للام
من ميراث الأول ستة ومما ورثه كل واحد من الأخوين خمسة فصار لها ستة عشر والباقي للعصبة
ولها من ميراث كل واحد من الأخوين مثل ذلك ذكر هذه المسألة أبو بكر. ثلاثة اخوة مفترقين غرقوا
وخلف كل واحد منهم أخته لأبويه فقدر موت الأخ من الأبوين أولا عن أخته من أبويه واخوته
من أبيه واخوته من أمه فصحت مسئلته من ثمانية عشر لأخيه من أمه منها ثلاثة بين أخته من أبويه
وأخته من أمه على أربعة وأصاب الأخ منها اثنان بين أخيه من أبويه وأخيه من أبيه على أربعة فتجتزئ
بإحداهما وتضربها في الأخرى تكن اثنين وسبعين ثم قدر موت الأخ من الأم عن أخت لأبوين وأخ
158

وأخت من أم فمسئلته من خمسة، مات أخوه لامه عن ثلاث أخوات مفترقات وهي من خمسة أيضا
تضربها في الأولى تكن خمسة وعشرين ثم قدر موت الأخ من الأب عن أخته لأبويه وأخ وأخت لأبيه فهي من
ستة ثم مات أخوه لأبيه عن ثلاث أخوات مفترقات فهي من خمسة تضربها في الأولى تكن ثلاثين فإن خلف
بنتا وأخوين فلم يقتسموا التركة حتى غرق الاخوان وخلف أحدهما زوجة وبنتا وعما وخلف الآخر ابنين
وابنتين الأولى من أربعة مات أحدهما عن سهم ومسئلته من ثمانية لأخيه منها ثلاثة بين أولاده على ستة
رجعوا إلى اثنين تضربها في ثمانية تكن ستة عشر وفريضة لآخر من ستة يتفقان بالنصف فاضرب
نصف إحداهما في الأخرى تكن ثمانية وأربعين ثم في أربعة تكن مائة واثنين وتسعين للبنت نصفها ولأولاد
الأخ عن أبيهم ربعها وعن عمهم ثمانية عشر اجتمع لهم ستة وستون ولامرأة الأخ ستة ولبنته أربعة وعشرون
(فصل) وان علم أنهما ماتا معا في حال واحدة لم يرث أحدهما صاحبه وورث كل واحد الاحياء
من ورثته لأن توريثه مشروط بحياته بعده وقد علم انتفاء ذلك وإن علم أن أحدهما مات قبل صاحبه
بعينه ثم أشكل أعطي كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يتبين الامر أو يصطلحوا قال القاضي وقياس
المذهب أن يقسم على سبيل ميراث الغرقى الذين جهل حالهم والله أعلم.
(باب ميراث أهل الملل)
(لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم وقال جمهور الصحابة
والفقهاء لا يرث المسلم الكافر روى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأسامة بن زيد وجابر بن
159

عبد الله رضي الله عنهم، وبه قال عمرو بن عثمان وعروة والزهري وعطاء وطاوس والحسن وعمر بن
عبد العزيز وعمرو بن دينار والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة الفقهاء وعليه العمل
وروي عن عمر ومعاذ ومعاوية رضي الله عنهم أنهم ورثوا المسلم من الكافر ولم يورثوا الكافر من المسلم
فحكي ذلك عن محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وسعيد بن المسيب ومسروق وعبد الله بن معقل
والشعبي والنخعي ويحيى بن يعمر وإسحاق وليس بموثوق به عنهم فإن احمد قال: ليس بين الناس
اختلاف في أن المسلم لا يرث الكافر، وروي أن يحيى بن يعمر احتج لقوله فقال: حدثني أبو الأسود
أن معاذا حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الاسلام يزيد ولا ينقص " ولأنا ننكح نساءهم ولا
ينكحون نساءنا فكذلك نرثهم ولا يرثونا
ولنا ما روى أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر "
متفق عليه ولان الولاية منقطعة بين المسلم والكافر فلم يرثه كما لا يرث الكافر المسلم، فأما حديثهم فيحتمل
أنه أراد أن الاسلام يزيد بمن يسلم وبما يفتح من البلاد لأهل الاسلام ولا ينقص بمن يرتد لقلة من يرتد
وكثرة من يسلم وعلى أن حديثهم مجمل وحديثنا مفسر وحديثنا أصح فيتعين تقديمه " والصحيح أنه قال لا ترث
أهل الملل ولا يرثوننا " وقال في عمة الأشعث " يرثها أهل دينها "
(مسألة) (الا ان يسلم قبل قسم الميراث فيرثه وعنه لا يرث)
اختلفت الرواية فيمن أسلم قبل قسم ميراث موروثه المسلم فنقل الأثرم ومحمد بن الحكم أنه يرث
وروي نحو هذا عن عمرو وعثمان والحسن بن علي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد
160

والحسن ومكحول وقتادة وحميد وإياس بن معاوية وإسحاق فعلى هذا ان أسلم قبل قسم بعض المال
ورث مما بقي وبه قال الحسن ونقل أبو طالب فيمن أسلم بعد الموت: لا يرث قد وجبت المواريث
لأهلها وهو المشهور عن علي رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والزهري وسليمان
ابن يسار والنخعي والحكم وأبو الزناد وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأكثر أهل العلم لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم " ولان الملك قد انتقل بالموت إلى المسلمين فلم يشاركهم من أسلم
كما لو اقتسموا ولان المانع من الإرث متحقق حال وجود الموت فلم يرث كما لو كان رقيقا فاعتق
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم على شئ فهو له " رواه سعيد من طريقين عن عروة وابن أبي
مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود باسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل قسم
قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الاسلام فإنه على قسم الاسلام " وروى ابن عبد البر
في التمهيد باسناده عن زيد بن قتادة العنبري أن انسانا من أهله مات على غير الاسلام فورثته أختي
دوني وكانت على دينه ثم أن جدي أسلم وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا فتوفي فلبثت سنة وكان ترك ميراثا
ثم إن أختي أسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان فحدثه ابن أرقم أن عمر رضي الله عنهم قضي أنه
من أسلم على ميراث قبل ان يقسم فله نصيبه فقضى به عثمان فذهبت بذلك لأول وشاركتني في هذا
161

وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعا ولأنه لو تجدد له صيد بعد موته وقع في شبكته التي نصبها
في حياته ثبت له الملك فيه ولو وقع انسان في بئر حفرها لتعلق ضمانه بتركته بعد موته فجاز أن يتجدد
حق من أسلم من ورثته ترغيبا في الاسلام وحثا عليه فاما إذا قسمت التركة وتعين حق كل وارث ثم
أسلم فلا شئ له فإن كان الوارث واحدا فمتى تصرف في التركة واحتازها كان كقسمها.
(مسألة) وان عتق عبد بعد موت موروثه وقبل القسم لم يرث وجها واحدا)
نص عليه أحمد في رواية محمد بن الحكم وفرق بين الاسلام والعتق وعلى هذا جمهور الفقهاء من
الصحابة ومن بعدهم، وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل مات وترك أباه عبدا فاعتق قبل
ان يقسم ميراثه فقال له ميراثه، وحكي عن مكحول وقتادة أنهما ورثا من أعتق قبل القسمة لأن
المانع من الميراث زال قبل القسمة أشبه ما لو أسلم وقال أبو الحسن التميمي يخرج على قول من ورث
المسلم ان يورث العبد إذا أعتق وليس بصحيح فإن الاسلام قربة وهو أعظم الطاعات والقرب ورد
الشرع بالأليف عليها فورد الشرع بتوريثه ترغيبا له في الاسلام وحثا عليه والعتق لا صنع له فيه ولا
يحمد عليه فلم يصح قيامه عليه ولولا ما ورد من الأثر في توريث من أسلم لكان النظر يقتضي أن لا يرث
من لم يكن من أهل الميراث حين الموت لأن الملك ينتقل به إلى الورثة فيستحقونه فلا يبقى لمن حدث
شئ وإنما خالفناه في الاسلام للأثر وليس في العتق اثر يجب التسليم له ولا هو في معنى ما فيه الأثر
162

(فصل) ولو ملك ابن عمه فدبره فعتق بموته لم يرث لأنه رقيق حين الموت فإن قال أنت حر
في آخر حياتي عتق وورث لأنه حر حين الموت، ويحتمل ان لا يرث لأن عنقه وصية له فيفضي
إلى الوصية للوارث:
(مسألة) (ويرث أهل الذمة بعضهم بعضا ان اتفقت أديانهم)
وجملة ذلك أن الكفار يتوارثون إذا كان دينهم واحدا الا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا، ولا
فرق في ذلك بين أهل الذمة وغيرهم من الكفار لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا
الكافر المسلم " دليل على أن بعضهم يرث بعضا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " وهل ترك لنا عقيل من دار " دليل
على أن عقيلا ورث أبا طالب دون جعفر وعلي لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل على دين أبيه مقيما
بمكة فكذلك لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أين تنزل غدا؟ قال " وهل ترك لنا عقيل من رباع " وقال عمر في
عمة الأشعث بن قيس يرثها أهل دينها
(مسألة) (وهم ثلاث ملل اليهودية والنصرانية ودين سائرهم)
اختلفت الراوية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه حرب أن الكفر كله ملة واحدة اختارها
الخلال، وبه قال حماد وابن شبرمة وأبو حنيفة والشافعي وداود لأن توريث الآباء من الأبناء
والأبناء من الآباء مذكور في كتاب الله تعالى ذكرا عاما فلا يترك الا فيما استثناه الشرع وما لم يستثنه
يبقي على العموم ولان قول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) عام في جميعهم، وروي عن
163

احمد أن الكفر ملل مختلفة اختاره أبو بكر وهو قول كثير من أهل العلم لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا
يتوارث أهل ملتين شتى " ينفي توارثهما ويخص عموم الكتاب ولم نسمع عن أحمد تصريحا بذكر اقسام
الملل، وقال القاضي الكفر ثلاث ملل اليهودية والنصرانية ودين من عداهم لأن من عداهم يجمعهم
أنه لا كتاب لهم وهذا قول شريح وعطاء وعمر بن عبد العزيز والضحاك والحكم والثوري والليث وشريك
ومغيرة الضبي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح ووكيع وروي ذلك عن مالك وعن النخعي والثوري
القولان معا وما روي عن أحمد أنه قال الكفر ملل مختلفة ويحتمل ان أن يكون مللا كثيرة تزيد على
ثلاث فتكون المجوسية ملة وعبدة الأوثان ملة وعباد الشمس ملة فلا يرث بعضهم بعضا يروى ذلك عن
علي وبه قال الزهري وربيعة وطائفة من أهل المدينة وأهل البصرة وإسحاق وهو أصح الأقوال إن شاء الله
اختاره شيخنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " رواه أبو داود ولان كل فريقين منهم
لا موالاة بينهم ولا اتفاق في دين فلم يرث بعضهم بعضا كالمسلمين والكفار والعمومات في التوريث
مخصوصة فيخص منها محل النزاع بالخبر والقياس ولان مخالفينا قطعوا التوريث بين أهل الحرب وأهل
دار الاسلام فمع اختلافهم في الملة أولى وقول من خص الملة بعدم الكتاب لا يصح لأنه وصف عدمي
لا يقتضي حكما ولا جمعا ثم لابد لهذا الضابط من دليل يدل على اعتباره، وقد افترق حكمهم فإن المجوس
يقرون بالجزية وغيرهم لا يقرون بها وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم يستحل بعضهم
دماء بعض ويكفر بعضهم بعضا فكانوا مللا كاليهود والنصارى ولأنه قد روى الشعبي عن علي رضي الله عنه
أنه جعل الكفر مللا مختلفة ولم نعرف له مخالفا في الصحابة فيكون إجماعا
164

(مسألة) (وإن اختلفت أديانهم لم يتوارثوا)
لما روى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتوارث أهل ملتين شتى " رواه أبو داود،
وعنه يتوارثون لأن مفهوم قوله عليه السلام " لا يرث الكافر المسلم " يدل على أنهم يتوارثون، وهذا
يجئ على قولنا إن الكفر ملة واحدة على ما تقدم وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
(مسألة) (ولا يرث حربي ذميا، ولا ذمي حربيا)
ذكره القاضي لأن الموالاة منقطعة بينهم ويحتمل أن يتوارثا لأنهم من أهل ملة واحدة. قال
شيخنا قياس المذهب عندي أن الملة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم لأن العمومات من النصوص
يقتضي توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع ولا يصح فيهم قياس فيجب العمل بعمومها، ومفهوم
قوله عليه السلام " لا يتوارث أهل ملتين شتى " ان أهل الملة الواحدة يتوارثون وضبطه التوريث بالملة
والكفر الاسلام دليل على أن الاعتبار به دون غيره ولان مقتضى التوريث موجود فيجب العمل به
ما لم يقم دليل على تحقق المانع وقد نص أحمد في رواية الأثرم فيمن دخل إلينا بأمان فقتل، أنه يبعث
بديته إلى ملكهم حتى يدفعها إلى ورثته، وروي أن عمر وبن أمية الضمري كان مع أهل بئر معونة
فسلم ورجع إلى المدينة فوجد رجلين في طريقه من الحي الذين قتلوهم وكانا أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في أمانه
ولم يعلم عمرو فقتلهما فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه بعث بديتهما إلى أهلهما.
165

(فصل) فأما المستأمن فيرثه أهل الحرب وأهل دار الاسلام، وبهذا قال الشافعي، قال القاضي
ويرث أهل الحرب بعضهم بعضا سواء اتفقت ديارهم أو اختلفت، وقال أبو حنيفة إذا اختلفت ديارهم
بحيث كان لكل طائفة ملك، ويرى بعضهم قتل بعض لم يتوارثا لأنه لا موالاة بينهم فجعلوا اتفاق
الدار واختلافها ضابطا للتوريث وعدمه
ولا يعلم في هذا حجة من كتاب ولا سنة مع مخالفته لعموم النصوص المقتضي للتوريث ولم يعتبروا
الدين في اتفاقه ولا اختلافه، مع ورود الخبر فيه وصحت العبرة بها فإن المسلمين يرث بعضهم بعضا
وان اختلفت الدار بهم فكذلك الكفار
(مسألة) (والمرتد لا يرث أحدا إلا أن يسلم قبل قسم الميراث)
لا نعلم خلافا بين أهل العلم ان المرتد لا يرث أحدا، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي
وذلك أنه لا يرث المسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر "
ولا يرث الكافر لأنه يخالفه في حكم الدين لأنه لا يقر على كفره فلم يثبت له حكم الدين الذي انتقل
إليه ولهذا ولا تحل ذبيحته ولا نكاح نسائهم وان انتقلوا إلى دين أهل الكتاب، ولان المرتد تزول
166

أملاكه الثابتة له أو استقرارها فلان لا يثبت له ملك أولى ولو ارتد متوارثان فمات أحدهما لم يرثه
الآخر لأن المرتد لا يرث ولا يورث، فإن أسلم قبل قسم الميراث ورث، لما ذكرنا من الحديث وقد
ذكرناه والخلاف فيه
(فصل) (والزنديق كالمرتد فيما ذكرنا). والزنديق الذي يظهر الاسلام ويستسر الكفر
وهو الذي كان يسمى منافقا، في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمى اليوم زنديقا، قال أحمد:
مال الزنديق في بيت المال.
(مسألة) (وإن مات على ردته فماله فئ، وعنه أنه لورثته من المسلمين، وعنه أنه لورثته من
أهل الدين الذي اختاره)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في مال المرتد إذا مات أو قتل على ردته فروي عنه أنه يكون
فيئا في بيت مال المسلمين. قال القاضي وهو الصحيح في المذهب، وبه قال ابن عباس وربيعة ومالك
وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وابن المنذر
وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته من المسلمين يروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي وابن مسعود
رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء والشعبي
والحكم والأوزاعي والثوري وابن شبرمة وأهل العراق وإسحاق إلا أن الثوري وأبا حنيفة واللؤلؤي وإسحاق
167

قالوا ما اكتسبه في ردته يكون فيئا ولم يفرق أصحابنا بين تلاد ماله وطارقه ووجه ذلك أنه قول
الخليفتين الراشدين فإنه يروى عن زيد بن ثابت قال: بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن
أقسم مالهم بين ورثتهم المسلمين، ولان ردته ينتقل بها ماله فوجب أن ينتقل إلى ورثته من المسلمين
كما لو انتقل بالموت.
وروي عنه رواية ثالثة أنه يكون لأهل الدين الذي اختاره إن كان منهم من يرثه وإلا فهو فئ
وبه قال داود. وروي ذلك عن علقمة وسعيد بن أبي عروبة لأنه كافر فورثه أهل دينه كالحربي
وسائر الكفار والمشهور الأول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "
وقوله " لا يتوارث أهل ملتين شتى " ولأنه كافر فلا يرثه المسلم، كالكافر الأصلي ولان ماله مال مرتد
فأشبه الذي كسبه في ردته ولا يمكن جعله لأهل دينه لأنه لا يرثهم فلا يرثونه كغيرهم من أهل الأديان
ولأنه يخالفهم في حكمهم فإنه لا يقر على ما انتقل إليه ولا تؤكل ذبيحته ولا يحل نكاحه إن كان امرأة
فأشبه الحربي مع الذمي فإن قيل إذا جعلتموه فيئا فقد ورثتموه للمسلمين قلنا لا يأخذونه ميراثا بل
يأخذونه فيئا كما يأخذ مال الذمي الذي لم يخلف وارثا وكالعشور
(فصل) وقد ذكرنا أن الزنديق كالمرتد لا يرث ولا يورث وقال مالك في الزنديق الذي
168

يتهم بذمي ورثته عند موته: ماله لورثته من المسلمين مثل من يرتد إذا حضره الموت، قال: وترثه
زوجته سواء انقضت عدتها أو لم تنقض، كالذي يطلقها زوجها في مرض موته ليحرمها الميراث لأنه فار
من ميراث انعقد بسبب ميراثه فورثه كالمطلق في مرض الموت.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر "
قال شيخنا وقياس المذهب أن أحد الزوجين إذا ارتد في مرض موته ورثه الآخر لأنه فعل
ما يفسخ النكاح في مرض موته أشبه الطلاق، وفعل المرأة ما يفسخ نكاحها لا يسقط ميراث زوجها
ويخرج في ميراث سائر الورثة مثل ما في الزوجين فيكون مثل مذهب مالك، وقال أبو يوسف إذا
ارتدت المريضة فماتت في عدتها أو لحقت بدار الحرب ورثها زوجها.
وروى اللؤلؤي عن أبي حنيفة إذا ارتد الرجل فقتل على ردته أو لحق بدار الحرب بانت منه
امرأته، فإن كانت مدخولا بها ورثته في عدتها وإن كانت غير مدخول بها بانت ولم ترثه وإن ارتدت
المرأة في غير مرض فماتت لم يرثها زوجها لأنها عندهم لا تقتل فلم تكن فارة من ميراثه بخلاف الرجل
(فصل) (وارتداد الزوجين معا كارتداد أحدهما في فسخ نكاحهما وعدم ميراث أحدهما من الآخر
سواء لحقا بدار الحرب أو أقاما بدار الاسلام). وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة إذا ارتدا
معا لم ينفسخ النكاح ولم يتوارثا.
ولنا أنهما مرتدان فلم يتوارثا كما لو كانا في دار الاسلام ولو ارتدا جميعا ولهما أولاد صغار لم يتبعوهم
169

في ردتهم ولم يرثوا منهم شيئا ولم يجز استرقاقهم سواء ألحقوهم بدار الحرب أولا، وبهذا قال الشافعي
وقال أبو حنيفة وأصحابه من الحقوه بدار الحرب منهم يصير مرتدا يجوز سبيه ومن لم يلحقوه بدار
الحرب فهو في حكم الاسلام فاما من ولد بعد الردة بستة أشهر فذكر الخرقي ما يدل على أنه يجوز
استرقاقه وهو قول أبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، والقول الثاني لا يسبون وهو منصوص الشافعي
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ورثوا بجميع قراباتهم
إن أمكن ذلك).
نص عليه أحمد وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه، وبه قال
الثوري والنخعي وقتادة وابن أبي ليلي وأبو حنيفة وأصحابه ويحيى بن آدم وإسحاق وداود والشافعي
في أحد قوليه واختاره بن اللبان.
وعن زيد أنه ورثه بأقوى القرابتين وهي التي لا تسقط بحال، وبه قال الحسن والزهري
والأوزاعي ومالك والليث وحماد، وهو الصحيح عن الشافعي وعن عمر بن عبد العزيز ومكحول
والشعبي القولان جميعا واحتجوا بأنهما قرابتان لا يورث بهما في الاسلام فلا يورث بهما في غيره كما لو
أسقطت إحداهما الأخرى.
ولنا أن الله تعالى فرض للأم الثلث وللأخت النصف فإذا كانت الأم أختا وجب اعطاؤها ما فرض
الله تعالى لها في الاثنين كالشخصين ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما
الأخرى ولا يرجح بها فترث بهما مجتمعتين كزوج هو ابن عم، أو ابن عم هو أخ لام ولذوي الأرحام
170

المدلين بقرابتين وقياسهم فاسد لأن القرابتين في الأصل تسقط إحداهما الأخرى إذا كانا في شخصين
فكذلك إذا كانا في شخص واحد وقولهم لا يورث بهما في الاسلام ممنوع فإنه إذا وجد ذلك
من وطئ شبهة في الاسلام ورث بهما ثم إن امتناع الإرث بهما في الاسلام لعدم وجودهما فلو تصور
وجودهما ورث بهما بدليل انه قد ورث بنظيرهما في ابن عم هو زوج أو أخ من أم قال ابن اللبان
واعتبارهم عندي فاسد من قبل ان الجدة تكون أختا لأب فإن ورثوها بكونها جدة لكون الابن يسقط
الأخت دونها لزمهم توريثها لكونها أختا لكون الأم تسقط الجدة دونها وخالفوا نص الكتاب في فرض
الأخت وورثوا الجدة التي لا نص للكتاب في فرضها وهو مختلف فيهم فمنهم من قال هو طعمة وليس
بفرض مسمى ويلزمهم ان الميت إذا خلف أمه وأم أم هي أخت ان لا يؤتوها شيئا لأن الجدودة
محجوبة وهي أقوى القرابتين وجعلوا الاخوة تارة أقوى وتارة أضعف وان قالوا أقوى القرابتين الاخوة
لأن ميراثها أوفر لزمهم في أم هي أخت جعل الاخوة أقوى من جهة الأمومة ويلزمهم في اسقاط مع
الابن والأخ من الأبوين ما لزم القائلين بتقديم الجدودة مع الأم فإن قالوا توريثها بالقرابتين يفضي
إلي حجب الأم بنفسها إذا كانت أختا وللميت أخت أخرى قلنا وما المانع من هذا فإن الله تعالى حجب
الأم بالأختين بقوله فإن كان له اخوه فلأمه السدس من غير تقييد بغيرها ثم هم حجبوها عن ميراث الأخت
بنفسها فقد دخلوا فيما أنكروه بل هو أعظم لأنهم فروا من حجب التنقيص إلى حجب الاسقاط فأسقطوا
الفرض الذي هو أوكد بالكلية محافظة على بعض الغرض الأدنى وخالفوا مدلول أربعة نصوص من كتاب
الله تعالى لأنهم أعطوا الأم الثلث وإنما فرض الله تعالى لها مع الأختين السدس والثاني ان الله تعالى
171

إنما فرض لكل واحدة من الأختين ثلثا فاعطوا إحداهما النصف كاملا، والثالث ان الله تعالى فرض
للأختين الثلثين وهاتان أختان فلم يجعلوا لهما الثلثين الرابع ان مقتضى الآية أن يكون لكل واحدة من
الأختين الثلث وهذه أخت فلم يعطوها بكونها أختا شيئا هذا كله معنى كلام ابن اللبان
(فصل) والمسائل التي يجتمع فيها قرابتان ويصح الإرث بهما ست إحداهن في الذكور وهو عم هو
أخ لام وخمس في الإناث وهي بنت هي أخت أو بنت ابن وأم هي أخت وأم أم هي أخت لأب وأم
أب هي أخت لأم فمن ورثهم بأقوى القرابتين ورثهم بالبنوة والأمومة دون الاخوة وبنوة الابن واختلفوا
في الجدة إذا كانت أختا فمنهم من قال الجدودة أقوى لأنها جهة ولادة لا تسقط بالولد ومنهم من قال
الاخوة أقوى لأنها أكثر ميراثا وقال ابن شريح وغيره هو الصحيح ومن ورث بأقوى القرابتين
لم يحجب الأم بأخوة نفسها الا ما حكاه سحنون عن مالك انه حجبها بذلك والصحيح عنه الأول ومن
ورث بالقرابتين حجبها بذلك ومتي كانت البنت أختا والميت رجل فهي أخت لأم ومتى كان امرأة فهي
أخت لأب فإن قيل أم هي أخت لأم أو أم أم هي أخت لأم أو أم أب هي أخت لأب فهو محال
(مسألة) إذا خلف أمة وهي أخته من أبيه وعما فمن ورثها بقرابتين جعل لها الثلث بكونها أما
والنصف بكونها أختا لأب والباقي للعم فإن كان معها أخت أخرى لم ترث بكونها أما الا السدس
لأنها انحجبت بنفسها وبالأخت الأخرى ومن ورثها بأقوى القرابتين ورثها الثلث بكونها أما ولم يحجبها بنفسها
(مسألة) (ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم ولا بنكاح لا يقرون عليه، لو أسلموا)
المجوس ومن جرى مجراهم ممن ينكح ذوات المحارم إذا أسلموا وتحاكموا إلينا. قال شيخنا لا نعلم خلافا
172

في أنهم لا يرثون بنكاح ذوات المحارم فأما غيره من الأنكحة فكل نكاح اعتقدوا صحته وأقروا عليه بعد
إسلامهم توارثوا به سواء وجد بشروطه المعتبرة في نكاح المسلمين أولا وما لا يقرون عليه بعد اسلامهم
لا يتوارثون به والمجوس وغيرهم في هذا سواء فلو طلق الكافر امرأته ثم نكحها ثم أسلما لم يقرا عليه
وان مات أحدهما لم يرثه الآخر وكذلك إن مات أحدهما قبل اسلامهما لم يتوارثا في قول الجميع
وأصل الاختلاف في الميراث الاختلاف فيما يقران عليه ان أسلما أو تحاكما إلينا ونذكر ذلك في نكاح
الكفار إن شاء الله تعالى
(فصل) وإذا مات ذمي لا وارث له كان ماله فيئا وكذلك ما فضل من ماله عن وارثه كمن ليس
له وارث الا أحد الزوجين لأنه مال ليس له مستحق معين فكان فيئا كمال الميت المسلم الذي هو كذلك
مسائل من هذا الباب مجوسي تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما ابنتان ولا ترث
الكبرى بالزوجية في قول الجميع فإن ماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتا هي أخت لأب فلها النصف
بالبنوة والباقي بالاخوة وإن ماتت الصغرى أولا فقد تركت أما هي أخت لأب فلها النصف والثلث
بالقرابتين ومن ورث بأقوى القرابتين لم يورثها بالاخوة شيئا في المسئلتين وقال بن شريح يحتمل قول
الشافعي توريثها بالقرابتين في المسألة الأولى لأنه لم يمنع توريث الشخص بفرض وتعصيب لتوريثه
ابن العم إذا كان زوجا أو أخا لام وإنما منع الإرث بفرضين فإن كان المجوسي أولدها بنتين ثم مات
وماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتين هما أختان لأب وان لم تمت الكبرى بل ماتت إحدى الصغيرتين
فقد تركت أختا لأبوين وأما هي أخت لأب فلأمها السدس بكونها أما والسدس بكونها أختا لأب
173

وانحجبت بنفسها وأختها عن السدس وللأخت النصف على القول الآخر لها الثلث بالأمومة ولا شئ
لها بالاخوة ولا تنحجب بها وللأخت النصف فقد استوى الحكم في القولين وان اختلف طريقهما
وعلى ما حكاه سحنون لها السدس وتنحجب بنفسها وأختها وان أولدها المجوسي ابنا وبنتا ثم مات وماتت
الصغرى بعده فقد خلفت أما هي أخت لأب وأخا لأب وأم فلأمها السدس والباقي للأخ ولا شئ للام
بالاخوة لأن الأخ للأبوين يحجبها وعلى القول الآخر للأم الثلث كاملا إذا تزوج المجوسي أمه فأولدها
بنتا ثم مات فلأمه السدس ولابنته النصف ولا ترث أمه بالزوجية ولا ابنته بكونها أختا لأم شيئا وإن
ماتت الكبرى بعده فقد خلفت بنتا هي بنت ابن فلها الثلثان بالقرابتين وعلى القول الآخر لها النصف
وإن ماتت الصغرى بعده فقد تركت أما هي أم أب فلها الثلث بالأمومة لا غير على القولين جميعا وان
تزوج ابنته فأولدها بنتا ثم تزوج الصغرى فأولدها بنتا ثم مات وماتت الكبرى بعده فقد تركت أختيها
لأبيها إحداهما بنتها والأخرى بنت بنتها فلبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر لبنتها النصف
والباقي للصغرى وإن ماتت الوسطى بعده فقد تركت أختيها إحداهما أمها والأخرى بنتها فلأمها
السدس ولبنتها النصف والباقي بينهما وعلى القول الآخر الباقي للعصبة وإن ماتت الصغرى بعد فقد خلفت
أختيها إحداهما أمها والأخرى جدتها فلأمها السدس والثلثان بينهما وقد انحجبت الأم بنفسها وبأمها عن
السدس وعلى القول الآخر من جعل الاخوة أقوى فللكبرى النصف وللوسطى الثلث والباقي للعصبة
ومن جعل الجدودة أقوى لم يورث الكبرى شيئا لأنها لا ترث بالاخوة لكونها ضعيفة ولا بالجدودة
لكونها محجوبة بالأمومة وإن ماتت الصغرى بعد الوسطى فقد خلفت جدة هي أخت لأب فلها الثلثان
174

بالقرابتين ومن ورث بإحداهما فلها السدس عند قوم وعند ابن شريح ومن وافقه لها النصف وهي
اختيار الخبري، مجوسي تزوج أمه فأولدها بنتا ثم تزوج بنته فأولدها ابنا ثم تزوج الابن جدته
فأولدها بنتا ثم مات المجوسي ثم ماتت أمه فقد خلفت بنتا هي بنت ابن وبنتا أخرى هي بنت ابن ابن
وخلفت ابن ابن هو زوجها فلابنتيها الثلثان والباقي بين الكبرى وابنها على ثلاثة وتصح من تسعة
للكبرى أربعة وللصغرى ثلاثة وللذكر سهمان وعلى القول الآخر الباقي للذكر وحده فإن ماتت بعده
بنته فإن الكبرى جدتها أم أبيها وهي أختها من أمها فلها السدسان بالقرابتين وفي الثاني لها سدس بإحداهما
(فصل) وان وطئ مسلم بعض محارمه بشبهة أو اشتراها وهو لا يعرفها فوطئها وولدت له واتفق
مثل هذه لانسان فالحكم فيها مثل هذا سواء
(فصل) في التزويج في المرض والصحة، حكم النكاح في الصحة، والمرض سواء في صحة العقد وتوريث
كل واحد منهما من صاحبه في قول الجمهور وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك اي الزوجين
كان مريضا مرضا مخوفا حال عقد النكاح فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن يصيبها فيكون لها
المسمى في ثلاثة مقدما على الوصية وعن الزهري ويحيى بن سعيد مثله واختلف أصحاب مالك في
نكاح من لا يرث كالأمة والذمية فقال بعضهم يصح لأنه لا يتهم بقصد توريثها ومنهم من أبطله لجواز
أن تكون وارثة وقال ربيعة وابن أبي ليلى الصداق والميراث من الثلث وقال الأوزاعي النكاح صحيح
ولا ميراث بينهما وعن القاسم بن محمد والحسن ان قصد الاضرار بورثته فالنكاح باطل وإلا فهو صحيح
175

ولنا أنه عقد معاوضة يصح في الصحة فصح في المرض كالبيع ولأنه نكاح صدر من أهله في
في محله بشرطه فصح كحال الصحة وقد روينا أن عبد الرحمن بن أم الحكم تزوج في مرضه ثلاث نسوة
أصدق كل واحدة ألفا ليضيق بهن على امرأته ويشركنها في ميراثها فأجيز ذلك وإذا ثبت صحة النكاح
ثبت الميراث بعموم الآية
(فصل) ولا فرق في ميراث الزوجين بين ما قبل الدخول وبعده لعموم الآية ولان النبي صلى الله عليه وسلم
قضى في بروع بنت واشق أن لها الميراث وكان زوجها مات عنها قبل الدخول بها ولم يكن فرض لها صداقا
ولان النكاح صحيح ثابت فيورث به كما بعد الدخول
(فصل) فأما النكاح الفاسد فلا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي ومتى
اشتبه من نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فالمنصوص عن أحمد أنه قال فيمن تزوج أختين لا
يدري أيهما تزوج أول؟ أنه يفرق بينهما وتوقف عن أن يقول في الصداق شيئا قال أبو بكر يتوجه
على قوله أن يقرع بينهما فعلى هذا الوجه يقرع بينهما في الميراث إذا مات عنهما وعن النخعي والشعبي
ما يدل على أن الميراث يقسم بينهن على حسب الدعاوى والتنزيل كميراث الخناثى وهو قول أبي حنيفة
وأصحابه وقال الشافعي يوقف المشكوك فيه من ذلك حتى يصطلحن عليه أو يتبين الامر فلو تزوج
امرأة في عقد وأربعا في عقد ثم مات وخلف أخا ولم يعلم أي العقدين سبق ففي قول أبي حنيفة كل
واحدة تدعي مهرا كاملا ينكره الأخ فيعطي كل واحدة نصف مهر ويؤخذ ربع الباقي تدعيه الواحدة
والأربع فيقسم نصفه للواحدة ونصفه للأربع وعند الشافعي أكثر ما يجب عليه أربعة مهور فيأخذ
176

ذلك يوقف منها مهر بين النساء الخمس ويبقى ثلاثة تدعي الواحدة ربعها ميراثا ويدعي الأخ ثلاثة
أرباعها فيوقف منها ثلاثة أرباع مهر بين النساء الخمس وباقيها وهو مهران وربع بين الأربع والأخ ثم
يؤخذ ربع ما بقي فيوقف بين النساء الخمس والباقي للأخ
(فصل) فإن تزوج امرأة في عقد واثنتين في عقد وثلاثا في عقد ولم يعلم السابق فالواحدة نكاحها
صحيح فلها مهرها ويبقى الشك في الخمس، فعلى قول أهل العراق لهن مهران بيقين والثالث لهن في
حال دون حال فيكون لهن نصفه ثم يقسم ذلك بينهن لكل واحدة نصف مهر ثم يؤخذ ربع الباقي لهن
ميراثا فللواحدة ربعه يقينا وتدعي نصف سدسه فتعطى نصفه فيصير لها من الربع سدسه وثمنه وذلك
سبعة من أربعة وعشرين والاثنتان يدعيان ثلثيه وهو ستة عشر سهما فيعطين نصفه وهو ثمانية أسهم
والثلاث يدعين ثلاثة أرباعه وهو ثمانية عشر سهما فيعطين تسعه وهذا قول محمد بن الحسن، وعلى قول أبي
حنيفة وأبي يوسف تقسم السبعة بين الثلاث والاثنتين نصفين فيصير الربع من ثمانية وأربعين ثم تضرب
الاثنين في الثلاث ثم في ثمانية وأربعين تكن مائتين وثمانية وثمانين فهذا ربع المال، وعند الشافعي تعطى
الواحدة مهرها ويوقف ثلاثة مهور مهران منها بين الخمس ومهر تدعي الواحدة والاثنتان ربعه ميراثا
وتدعيه الثلاث مهرا وثلاثة أرباعه يدعيه الأخ ميراثا وتدعيه الثلاث مهرا ويؤخذ ربع ما بقي فيدفع ربعه
إلى الواحدة ونصف سدسه بين الواحدة والثلاث موقوف وثلثاه بين الثلاث والاثنتين موقوف فإن طلبت
واحدة من الخمس شيئا من الميراث الموقوف لم يدفع إليها شئ وكذلك إن طلبه أحد الفريقين لا يدفع
إليه شئ وان طلب واحدة من الثلاث وواحدة من الاثنتين دفع إليهما ربع الميراث وان طلبه واحدة
177

من الاثنتين واثنتان من الثلاث أو الثلاث كلهن دفع إليهن ثلاثة وان عين الزوج المنكوحات أولا
قبل تعيينه وثبت، وان وطئ واحدة منهن لم يكن ذلك تعيينا لها وهذا قول الشافعي، وللموطوءة الأقل
من المسمى أو مهر المثل ويكون الفضل بينهما موقوفا وعلى قول أهل العراق يكون تعيينا، فإذا كانت
الموطوءة من الاثنتين صح نكاحها وبطل نكاح الثلاث، وان كانت من الثلاث بطل نكاح الاثنتين
وان وطئ واحدة من الاثنتين وواحدة من الثلاث صح نكاح الفريق المبدوء بوطئ واحدة منه
وللموطوءة التي لم يصح نكاحها مهر مثلها، فإن أشكل أيضا أخذ منه اليقين وهو مهران مسميان ومهر
مثل ويبقى مهر مسمى تدعيه النسوة وينكره الأخ فيقسم بينهما فيحصل للنسوة مهر مثل ومسميان ونصف
منها مهر مسمى ومهر مثل يقسم بين الموطوءتين نصفين ويبقى مسمى ونصف بين الثلاث الباقيات
لكل واحدة نصف مسمى والميراث على ما تقدم، وعند الشافعي لا حكم للوطئ في التعيين وهل يقوم
تعيين الوارث مقام تعيين الزوج فيه قولان فعلى قوله يؤخذ مسمى ومهر مثل للموطوءتين تعطى كل الأقل
من المسمى أو مهر المثل ويقف الفضل بينهما ويبقى مسميان ونصف يقف أحدهما بين الثلاث اللاتي لم يوطأن وآخر
بين الثلاث والاثنتين، والميراث على ما تقدم، وحكي عن الشعبي والنخعي فيمن له أربع نسوة أبت طلاق إحداهن ثم
نكح خامسة ومات ولم يدر أيتهن طلق فللخامسة ربع الميراث وللأربع ثلاثة أرباعه بينهن وهذا مذهب
أبي حنيفة إذا كان نكاح الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة، ولو أنه قال بعد نكاح الخامسة إحدى
نسائي طالق ثم نكح سادسة ثم مات قبل ان يبين فللسادسة ربع الميراث وللخامسة ربع ثلاثة الأرباع
178

الباقية وما بقي بين الأربع الأول أرباعا وفي قول الشافعي ما أشكل من ذلك موقوف على ما تقدم
(باب ميراث المطلقة)
(إذا طلقها في صحته أو مرض غير مخوف طلاقا بائنا قطع التوارث بينهما)
وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق امرأته في صحته طلاقا بائنا أو رجعيا فبانت بانقضاء عدتها
لم يتوارثا إجماعا لزوال الزوجية التي هي سبب الميراث وكذلك ان طلقها في مرض غير مخوف لأن
حكم الطلاق فيه حكم الطلاق في الصحة، فإن طلقها في المرض المخوف فصح من مرضه ذلك ومات بعده
لم ترثه في قول الجمهور وروي عن النخعي والشعبي والثوري وزفر أنها ترثه لأنه طلاق في مرض مخوف
قصد به الفرار من الميراث فلم يمنعه كما لو لم يصح
ولنا أن هذه بائن بطلاق في غير مرض الموت فلم ترثه كالمطلقة في الصحة ولان حكم هذا
المرض حكم الصحة في العطايا والعتاق والاقرار فكذلك في الطلاق وما ذكروه يبطل بما إذا
قصد الفرار في الصحة
(مسألة) (وإن كان الطلاق رجعيا لم يقطعه ما دامت في العدة)
سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن
مسعود رضي الله عنهم وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك امساكها
بالرجعة بغير رضاها ولا ولى ولا شهود ولا صداق جديد
179

(مسألة) (وان طلقها في مرض الموت المخوف طلاقا لا يتهم فيه بأن سألته الطلاق أو علق طلاقها على
فعل لها منه بد ففعلته أو علقه على شرط في الصحة فوجد في المرض أو طلق من لا يرث كالأمة والذمية
فعتقت وأسلمت فهو كطلاق الصحيح في أصح الروايتين)
إذا سألته الطلاق في مرضه فأجابها فقال القاضي فيه روايتان (إحداهما) لا ترثه لأنه ليس بفار (والثانية) ترثه لأنه طلقها في مرضه وهو قول مالك، وكذلك الحكم إذا خالعها أو علق الطلاق على
مشيئتها فشاءت أو على فعل من جهتها لها منه بد ففعلته أو خيرها فاختارت نفسها، والصحيح في هذا كله
أنها لا ترثه لأنه لا فرار منه وهذا قول أبي حنيفة والشافعي فإن لم تعلم بتعليق طلاقها ففعلت ما علق
عليه ورثته لأنها معذورة فيه، ولو سألته طلقه فطلقها ثلاثا ورثته لأنه أبانها بما لم تطلبه منه فإن علق
طلاقها على شرط في الصحة فوجد في المرض كقدوم زيد ومجئ زيد وصلاتها الفرض بانت ولم ترثه
وذكر القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو قول مالك لأن الطلاق وقع في المرض والأول أصح
(مسألة) (فإن طلق الزوج المسلم امرأته الذمية أو الأمة في المرض طلاقا بائنا ثم أسلمت الذمية
وعتقت الأمة ثم مات في عدتهما لم يرثاه لأنه لم يكن عند الطلاق فارا)
وفيه رواية أخرى أنها ترث لأنه طلاق في مرض الموت فورثته كغيرها هكذا ذكره شيخنا
في الكتاب المشروح ولم يذكر في المغني والكافي هذه الرواية الأخيرة
(فصل) فإن قال لهما أنتما طالقتان غدا فعتقت الأمة وأسلمت الذمية لم يرثاه لأنه غير فار
(مسألة) (وان قال سيد الأمة أنت حرة غدا فطلقها اليوم وهو يعلم بقول السيد ورثته)
لأنه فار وان لم يعلم لم ترثه لعدم الفرار وبه قال أبو حنيفة والشافعي ولم أعلم فيه مخالفا
180

(فصل) إذا قال لامرأته في صحته إذا مرضت فأنت طالق فحكمه حكم طلاق المريض سواء
وان أقر في مرضه أنه كان طلقها في صحته ثلاثا لم يقبل اقراره عليها وكان حكمه حكم طلاقه في مرضه
وبه قال مالك وأبو حنيفة ويقبل عند الشافعي ولنا أنه أقر بما يبطل به حق غيره فلم يقبل كما لو أقر بمالها
(مسألة) (وإن كان متهما بقصد حرمانها الميراث مثل أن طلقها ابتداء أو علقه على فعل لابد
لها منه كالصلاة ونحوها ففعلته أو قال للأمة أو ذمية إذا أسلمت أو عتقت فأنت طالق أو علم أن سيد الأمة
قال لها أنت حرة غدا فطلقها اليوم ورثته ما دامت في العدة ولم يرثها)
وجملته أنه إذا طلقها في المرض المخوف طلاقا بائنا ثم مات من مرضه ذلك في عدتها ورثته ولم يرثها
ان ماتت يروى هذا عن علي وعمر وعثمان، وبه قال شريح وعروة والحسن والشعبي والنخعي والثوري
وأبو حنيفة في أهل العراق ومالك في أهل المدينة وابن أبي ليلى وهو قول الشافعي القديم، وروي
عن عبد الله بن الزبير لا ترث مبتوتة ويروى ذلك عن علي وعبد الرحمن بن عوف وهو قول الشافعي الجديد
لأنها بائن فلا ترث كالبائن في الصحة أو كما لو كان الطلاق باختيارها ولان أسباب الميراث محصورة في رحم
ونكاح وولاء وليس لها شئ من هذه الأسباب
ولنا أن عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكان طلقها في
مرضه فبتها واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان اجماعا ولم يثبت عن علي وعبد الرحمن خلاف هذا
بل قد روى عروة أن عمر قال لعبد الرحمن ان مت فلأورثنها منك قال قد علمت ذلك، وما روي عن ابن
181

الزبير ان صح فهو مسبوق بالاجماع ولأنه قصد قصد فاسدا في الميراث فعورض بنقيض قصده كالقاتل
القاصد استعجال الميراث يعاقب بحرمانه
(مسألة) (وان علق طلاقها على فعل لابد لها منه كالصلاة المكتوبة والصيام الواجب
ففعلته فحكمه حكم طلاقه ابتداء) في قول الجميع وكذلك لو علقه على كلامها لأبويها ولأحدهما
(مسألة) (وهل ترثه بعد العدة أو ترثه المطلقة قبل الدخول؟ على روايتين)
المشهور عن أحمد رحمه الله أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج قال أبو بكر لا يختلف قول
أبي عبد الله في المدخول بها أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج روي ذلك عن الحسن وهو قول
البتي وحميد وابن أبي ليلى وبعض البصريين وأصحاب الحسن ومالك في أهل المدينة، وذكر عن أبي
ابن كعب لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أباه طلق أمه وهو مريض فمات فورثته بعد انقضاء
العدة ولان سبب توريثها فراره من ميراثها وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة، وفيه رواية أخرى أنها
لا ترث بعد العدة وهذا قول عروة وأبي حنيفة وأصحابه وقول الشافعي القديم لأنها تباح لزوج آخر
فلم ترثه كما لو كان في الصحة ولان توريثها بعد العدة يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة فلم يجز كما
لو تزوجت، والمطلقة قبل الدخول في مرضه المخوف فيها روايتان كالتي انقضت عدتها إذا كانت
كل واحدة منهما لا عدة لها
(مسألة) (وان تزوجت في عدتها لم ترثه سواء كانت في الزوجية أو بانت من الزوج الثاني
182

هذا قول أكثر أهل العلم، وقال مالك في أهل المدينة ترثه لما ذكرنا للرواية الأولى في المسألة
قبلها ولأنها شخص يرث مع انتفاء الزوجية فورث معها كسائر الوارثين
ولنا أن هذه وارثة من زوج فلا ترث زوجا سواء كسائر الزوجات ولان التوريث في حكم
النكاح فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر كالعدة ولأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول فأشبه ما لو كان
فسخ النكاح من قبلها وهكذا لو ارتدت في عدتها ولم تسلم أو فعلت ما ينافي نكاح الأول
(فصل) إذا طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول في المرض فقال أبو بكر فيها أربع روايات (إحداهن)
لها الصداق كاملا والميراث وعليها العدة اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وعطاء وأبي عبيد لأن
الميراث ثبت للمدخول بها لفراره منه وهذا فار، وإذا ثبت الميراث ثبت وجوب تكميل الصداق، قال
شيخنا وينبغي أن تكون العدة عدة الوفاة لأنا جعلناها في حكم من توفي عنها وهي زوجة ولان الطلاق
لا يوجب عدة على غير المدخول بها (الثانية) لها الميراث والصداق ولا عدة عليها وهو قول عطاء لأن
العدة حق عليها فلا تجب بفراره (والثالثة) لها الميراث ونصف الصداق وعليها العدة وهذا قول مالك
في رواية أبي عبيد عنه لأن من ترث يجب أن تعتد ولا يكمل الصداق لقول الله تعالى (وان طلقتموهن
من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فلا يجوز مخالفة ذلك (والرابعة) لا ترث
ولا عدة عليها ولها نصف الصداق وهو قول جابر بن زيد والنخعي وأبي حنيفة والشافعي وأكثر أهل
العلم قال أحمد قال جابر بن زيد لا ميراث لها ولا عدة عليها، وقال الحسن ترث قال أحمد اذهب إلى
قول جابر لأن الله سبحانه نص على تنصيف الصداق ونفي العدة عن المطلقة قبل الدخول بقوله سبحانه
183

(وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وقال تعالى (يا أيها الذين
آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولا يجوز
مخالفة نص الكتاب بالرأي والتحكم، وأما الميراث فإنها ليست بزوجته ولا معتدة من نكاح أشبهت المطلقة
في الصحة فإن خلا بها وقال لم أطأها وصدقته فلها الميراث وعليها العدة للوفاة ويكمل لها الصداق لأن الخلوة
تكفي في ثبوت هذه الأحكام وهذا قول أبي حنيفة
(فصل) ولو طلق المدخول بها طلاقا رجعيا ثم مرض في عدتها ومات بعد انقضائها لم ترثه لأنه
طلاق صحة فإن طلقها واحدة في صحته وأبانها في مرضه ثم مات بعد انقضاء عدتها فحكمها حكم ما لو ابتدأ طلاقها في
مرضه لأنه فر من ميراثها وان طلقها واحدة في صحته وأخرى في مرضه ولم يبنها حتى بانت بانقضاء عدتها
لم ترث لأن طلاق المرض لم يقطع ميراثها ولم يؤثر في بينونتها
(فصل) وإذا طلقها ثلاثا في مرضه فارتدت ثم أسلمت ثم مات في عدتها ففيه وجهان (أحدهما) ترثه
وهو قول مالك لأنها مطلقة في المرض أشبه ما لو لم ترتد (والثاني) لا ترثه وهو قول أبي حنيفة والشافعي
لأنها فعلت ما ينافي النكاح أشبه ما لو تزوجت، ولو كان هو المرتد ثم أسلم ومات ورثته وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه، وقال الشافعي لا ترثه
ولنا أنها مطلقة في المرض لم تفعل ما ينافي نكاحها مات زوجها في عدتها أشبه ما لو لم ترتد ولو ارتد
أحد الزوجين بعد الدخول ثم عاد إلى الاسلام قبل انقضاء العدة ورثه الآخر لأن النكاح باق، وان
184

انقضت العدة قبل رجوعه انفسخ النكاح ولم يرث أحدهما الآخر، وان قلنا إن الفرقة تتعجل عند
اختلاف الدين لم يرث أحدهما الآخر ويتخرج أن يرثه الآخر إذا كان ذلك في مرض موته لأنه
تحصل به البينونة أشبه الطلاق وهو قول مالك وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا ارتدت المرأة ثم ماتت في
عدتها ورثها الزوج
(فصل) فإن علق طلاقها على فعل نفسه وفعله في المرض ورثته لأنه أوقع الطلاق بها في المرض
أشبه ما لو كان التعليق في المرض وإن قال في الصحة أنت طالق إن لم أضرب غلامي فلم يضربه
حتى مات ورثته ولا يرثها إن ماتت وإن مات الغلام والزوج مريض طلقت وكان كتعليقه على مجئ زيد
على ما ذكرنا وكذلك إن قال إن لم أوفك مهرك فأنت طالق فإن ادعى أنه وفاها مهرها فأنكرته صدق
الزوج في توريثه منها لأن الأصل بقاء النكاح ولم يصدق في براءته منه لأن الأصل بقاؤه في ذمته ولو
قال لها في الصحة أنت طالق إن لم أتزوج عليك فكذلك نص عليه أحمد وهو قول الحسن ولو قذف
المريض امرأته ثم لاعنها في مرضه فبانت منه ثم مات في مرضه ورثته وإن ماتت لم يرثها وإن قذفها في
صحته ثم لاعنها في مرضه ثم مات فيه لم ترثه نص عليه أحمد وهو قول الشافعي واللؤلؤي وذكر
القاضي رواية أخرى أنها ترث وهو قول أبي يوسف وإن آلى منها ثم صح ثم نكس في مرضه فبانت
منه بالايلاء لم ترثه
(مسألة) (وإن أكره الابن امرأة أبيه في مرض أبيه على ما يفسخ نكاحها لم يقطع ميراثها
185

إلا أن يكون له امرأة سواها إذا استكره الابن امرأة أبيه على ما يفسخ نكاحها من وطئ أو غيره في
مرض أبيه فمات أبوه من مرضه ذلك ورثته ولم يرثها إن ماتت وهو قول أبي حنيفة وأصحابه فإن
طاوعته على ذلك لم ترث لأنها مشاركة له فيما يفسخ نكاحها أشبه ما لو خالعته وسواء كان للميت بنون
سوى هذا الابن أو لم يكن فإن انتفت التهمة عنه بان لا يكون وارثا كالكافر والقاتل والرقيق أو
كان ابنا من الرضاعة أو ابن ابن محجوب بابن الميت أو بأبوين وابنتين أو كان للميت امرأة أخرى تحوز
ميراث الزوجات لم ترث لانتفاء التهمة ولو صار ابن الابن وارثا بعد ذلك لم ترث لانتفاء التهمة حال
الوطئ ولو كان وارثا حين الوطئ فعاد محجوبا عن الميراث ورثت لوجود التهمة حين الوطئ ولو
كان للمريض امرأتان فاستكره ابنه إحداهما لم ترث لانتفاء التهمة لكون ميراثها لا يرجع إليه وإن
استكره الثانية بعدها ورثت الثانية لأنه متهم في حقها ولو استكرههما معا دفعة واحدة ورثتا معا وهذا
كله قول أبي حنيفة وأصحابه وأما الشافعي فلا يرى فسخ النكاح بالوطئ الحرام وكذا الحكم فيما إذا
وطئ المريض من ينفسخ نكاحه بوطئها كأم امرأته فإن امرأته تبين منه وترثه إذا مات في مرضه
وسواء طاوعته الموطوءة أو لا لأن مطاوعتها ليس للمرأة فيه فعل يسقط به ميراثها فإن كان زائل العقل
حين الوطئ لم ترث امرأته منه شيئا لأنه ليس له قصد صحيح فلا يكون فارا من ميراثها وكذلك لو
وطئ بنت امرأته كرها لها وهو زائل العقل فإن كان صبيا عاقلا ورثت لأن له قصدا صحيحا وقال أبو
حنيفة هو كالمجنون لأن قوله لا عبرة به وللشافعي فيما إذا وطئ الصبي بنت امرأته وأمها قولان أحدهما
لا ينفسخ به نكاح امرأته لأنه لا يحرم والثاني تبين امرأته فلا ترثه ولا يرثها وفي القبلة والمباشرة دون
186

الفرج روايتان إحداهما تنشر الحرمة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه لأنها مباشرة تحرم في غير النكاح والملك
أشبهت الوط والثانية لا تنشره لأنه ليس بسبب للبعضية فلا ينشر الحرمة كالنظرة والخلوة وخرج
أصحابنا في النظر إلى الفرج والخلوة لشهوة وجها أنه ينشر الحرمة والصحيح انها لا تنشر
(مسألة) (وإن فعلت المرأة في مرض موتها ما يفسخ نكاحها لم يسقط ميراث زوجها وذلك بان
ترضع امرأة زوجها الصغيرة أو زوجها الصغير أو ارتدت فإن زوجها يرثها ولا ترثه وبهذا قال أبو
حنيفة، وقال الشافعي لا يرثها
ولنا انها أحد الزوجين فر من ميراث الآخر فأشبه الرجل
(فصل) وان أعتقت فاختارت نفسها أو كان الزوج عنينا فاجل سنة فلم يصبها حتى مرضت في
آخر الحول فاختارت فرقته وفرق بينهما لم يتوارثا في قولهم أجمعين ذكره ابن اللبان في كتابه وذكر القاضي
في المعتقة إذا اختارت نفسها في مرضها لم يرثها لأن فسخ النكاح في هذين الموضعين لدفع الضرر لا
للفرار من الميراث وإن قبلت ابن زوجها بالشهوة خرج فيه وجهان أحدهما ينفسخ نكاحها ويرثها إذا
كانت مريضة وماتت في عدتها وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه والثاني لا ينفسخ النكاح به وهو قول
الشافعي ولو أن رجلا زوج ابنة أخيه صغيرة ثم بلغت ففسخت النكاح في مرضها لم يرثها الزوج بغير
خلاف علمناه لأن النكاح من أصله فاسد في صحيح المذهب وهو قول الشافعي وروي عن أحمد ما يدل
على صحته ولها الخيار وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه لأن الفسخ لإزالة الضرر لا من اجل الفرار كما
لو فسخت المعتقة نكاحها
(مسألة) (وإن خلف زوجات نكاح بعضهن فاسد أقرع بينهن فمن أصابتها القرعة فلا ميراث لها)
187

قد ذكرنا أن النكاح الفاسد لا يثبت به التوارث بين الزوجين لأنه ليس بنكاح شرعي فإذا اشتبه من
نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح فقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يقرع بينهما في الميراث إذا مات
عنهما ذكره أبو بكر فمن خرجت لها القرعة فلا ميراث لها وكذلك لو طلق واحدة من نسائه وأنسيها
لأنه اشتبه المستحق بغيره فوجب المصير إلى القرعة كما لو أعتق في مرضه عبيدا فلم يخرج من الثلث إلا
أحدهم يروى ذلك عن علي رضي الله عنه وقد ذكرنا ذلك فيما قبل هذا الباب والاختلاف فيه والتفريع عليه
(مسألة) (إذا طلق أربع نسوة في مرضه فانقضت عدتهن ثم تزوج أربعا سواهن فالميراث
للزوجات وعنه أنه بين الثمان)
وجملة ذلك أن المريض إذا طلق امرأته ثم نكح أخرى ثم مات لم يخل من حالين أحدهما أن يموت
في عدة المطلقة فترثاه جميعا وهذا قول أبي حنيفة وأهل العراق واحد قولي الشافعي والقول الآخر
لا ترث المبتوتة فيكون الميراث كله للثانية وقال مالك الميراث كله للمطلقة لأن نكاح المريض عنده غير
صحيح وذكره بعض أصحابنا وجها في المذهب لأنها ترث منه ما كانت ترث قبل طلاقها وهو جميع
الميراث فكذلك بعده وليس هذا صحيحا فإنها إنما ترث ما كانت ترث لو لم يطلقها ولو تزوج عليها ولم
يطلقها لم ترث الا نصف ميراث الزوجات فكذلك إذا طلقها فعلى هذا لو تزوج ثلاثا في مرضه فليس
للمطلقة الأربع ميراث لزوجات ولكل واحدة من الزوجات ربعه
(الحال الثاني) أن يموت بعد انقضاء عدة المطلقة فيكون الميراث كله للزوجات في إحدي الروايتين
وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وفي الرواية الأخرى الميراث للأربع كما لو مات في عدة المطلقة
188

وعند مالك الميراث كله للمطلقة فإن كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا في مرضه ثم نكح أخرى
في عدة المطلقة أو طلق امرأة واحدة ونكح أختها في عدتها ومات في عدتها فالنكاح باطل والميراث بين
المطلقة وباقي الزوجات الأوائل وهذا قول أبي حنيفة ومالك وقال الشافعي النكاح صحيح والميراث
للجديدة مع باقي المنكوحات دون المطلقة ويجئ على قوله القديم وجهان (أحدهما) أن يكون الميراث بين
المطلقة وباقي الزوجات كقول الجمهور ولا شئ للمنكوحة (والثاني) أن يكون بينهن على خمسة لكل واحدة
خمسة فإن مات بعد انقضاء عدة المطلقة ففي ميراثها روايتان أحديهما لا ميراث لها فيكون الميراث لباقي
الزوجات وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق والثانية ترث معهن ولا شئ للمنكوحة وعند الشافعي
الميراث للمنكوحات ولا شئ للمطلقة فإن تزوج الخامسة بعد انقضاء عدة المطلقة صح نكاحها وهل
ترث المطلقة؟ على روايتين (أحديهما) لا ترث وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال يلزم من قال يصح النكاح
في العدة أن يرث ثمان نسوة وأن ترثه أختان فيكون مسلم يرثه ثمان أو أختان وتوريث المطلقات بعد
العدة يلزم من هذا أو حرمان الزوجات المنصوص على ميراثهن فيكون منكرا له غير قائل به فعلى
هذا يكون الميراث للزوجات دون المطلقة والرواية الثانية ترث المطلقة فيخرج فيه وجهان
(أحدهما) يكون الميراث بين الخمس، و (الثاني) يكون للمطلقة والمنكوحات الأوائل دون
الجديدة لأن المريض ممنوع من أن يحرمهن ميراثهن بالطلاق فكذلك يمنع من تنقيصهن منه.
قال شيخنا وكلا الوجهين بعيد، أما أحدهما فيرده نص الكتاب على توريث الزوجات فلا تجوز
مخالفته بغير نص ولا إجماع ولا قياس على صورة مخصوصة من النص في معناه، وأما الاخر
189

فلان الله لم يبح نكاح أكثر من أربع ولا الجمع بين الأختين فلا يجوز أن يجتمعن في ميراثه
بالزوجية وعلى هذا لو طلق أربعا في مرضه وانقضت عدتهن ونكح أربعا سواهن ثم مات من مرضه
فعلى القول الأول وهو المختار يرثه المنكوحات خاصة، وعلى الثاني يكون فيه وجهان. (أحدهما):
أنه بين الثماني. و (الثاني). أن الميراث كله للمطلقات، وهو قول مالك لأن نكاح المتجددات
غير صحيح عنده، وإن صح من مرضه ثم تزوج أربعا في صحته ثم مات فالميراث لهن في قول الجمهور
ولا شئ للمطلقات الا في قول مالك ومن وافقه وكذلك ان تزوجت المطلقات لم يرثن إلا في قول
مالك ومن وافقه.
(فصل) ولو طلق أربعا بعد دخوله بهن في مرضه وقال قد أخبرني بانقضاء عدتهن وكذبنه فله
أن ينكح أربعا سواهن إذا كان ذلك في مدة يمكن انقضاء العدة فيها ولا يقبل قوله عليهن في حرمان
الميراث. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف واللؤلؤي إذا كان بعد أربعة أشهر وقال زفر لا يجوز
له التزويج أيضا، والأول أصح لأن هذا الحكم فيما بينه وبين الله تعالى لا حق لهن فيه فقبل قوله
فيه فعلى هذا إن تزوج أربعا في عقد واحد ثم مات ورثه المطلقات دون المنكوحات إلا أن يمتن قبله
فيكون الميراث للمنكوحات وإن أقررن بانقضاء عدتهن وقلنا لا ميراث لهن بعد انقضاء العدة فالميراث
للمنكوحات أيضا، وإن مات منهن ثلاث فالميراث للباقية، وإن ماتت منهن واحدة ومن المنكوحات
واحدة أو اثنتان أو مات من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات واحدة فالميراث لباقي المطلقات وإن
مات من المطلقات واحدة ومن المنكوحات ثلاثة أو من المطلقات اثنتان ومن المنكوحات اثنتان أو
190

من المطلقات ثلاث ومن المنكوحات واحدة فالميراث بين البواقي من المطلقات والمنكوحات معا لأنه
لو استأنف العقد على الباقيات من الجميع جاز وكان صحيحا فإن تزوج المنكوحات في أربع عقود
فمات من المطلقات واحدة ورث مكانها الأولى من المنكوحات وإن مات اثنتان ورثت الأولى والثانية
وإن مات ثلاث ورثت الأولى والثانية والثالثة من المنكوحات مع من بقي من المطلقات وهذا على
قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف واللؤلؤي فأما زفر فلا يرى صحة نكاح المنكوحات حتى يصدقه
المطلقات، وأما الشافعي فيباح عنده التزويج في عدة المطلقات فعلى قوله إذا طلق أربعا ونكح أربعا
في عقد أو عقود ثم مات من مرضه فالميراث للمنكوحات وعلى قوله القديم يخرج فيه وجهان:
(أحدهما) ان الميراث بين الثمان. وعلى الثاني هو للمطلقات خاصة، وإن مات بعض المطلقات أو
انقضت عدتهن فللمنكوحات ميراث الميتات وإن ماتت واحدة فللزوجات ربع ميراث النساء وإن
مات اثنتان فللزوجات نصف الميراث، وان مات ثلاث فلهن ثلاثة أرباعه إن كان نكاحهن في عقد
واحد وإن كان في عقود متفرقة فإذا ماتت من المطلقات واحدة فميراثها للأولى من المنكوحات،
وميراث الثانية للثانية وميراث الثالثة للثالثة
(فصل) إذا قال الرجل لنسائه إحداكن طالق يعني واحدة بعينها طلقت وحدها ويرجع إلى
تعيينه ويؤخذ بنفقتهن كلهن إلى أن يعين، وإن كان الطلاق بائنا منع منهن إلى أن يعين فإن قال أردت
هذه طلقت وحدها وإن قال لم أرد هؤلاء الثلاث طلقت الرابعة فإن عاد فقال أخطأت إنما أردت
هذه طلقت الأخرى، وإن متن، أو إحداهن، قبل أن يبين رجع إلى قوله فمن أقر بطلاقها حرمناه
191

ميراثها وأحلفناه لورثة من لم يعينها، وهذا قول الشافعي وإن لم يعين بذلك واحدة بعينها أو مات قبل
التعيين أخرجت بالقرعة وكذلك إن طلق واحدة من نسائه بعينها وأنسيها فماتت أخرجت بالقرعة
فمن تقع عليها القرعة فلا ميراث لها.
روي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول أبي ثور، وروى عطاء عن ابن عباس أن رجلا سأله فقال
إن لي ثلاث نسوة وإني طلقت إحداهن فبتت طلاقها فقال ابن عباس إن كنت نويت واحدة بعينها
ثم أنسيتها فقد اشتركن في الطلاق وإن لم تكن واحدة بعينها طلق أيتهن شئت.
وقال الشافعي وأهل العراق يرجع إلى تعيينه في المسائل كلها فإن وطئ إحداهن كان تعيينا لها
بالنكاح في قول أهل العراق وبعض أصحاب الشافعي، وقول الشافعي لا يكون تعيينا فإن مات قبل
أن تتبين فالميراث بينهن كلهن في قول أهل العراق، وقال مالك يطلقن كلهن ولا ميراث لهن، وقال
الشافعي يوقف ميراثهن وإن كان الطلاق قبل الدخول دفع إلى كل واحدة نصف مهر ووقف الباقي
من مهورهن، وقال داود يبطل حكم طلاقهن لموضع الجهالة ولكل واحدة مهر كامل والميراث بينهن
وان متن قبله طلقت الأخيرة في قول أهل العراق وقال الشافعي يرجع إلى تعيينه على ما ذكرنا.
ولنا قول عمر رضي الله عنه ولا يعارضه قول ابن عباس لأن ابن عباس يعتر ف لعلي بتقديم قوله فإنه قال إذا
ثبت لنا عن علي قول لم نعده إلى غيره وقال ما علمي إلى علم علي إلا كالقرارة إلى المتعنخر ولأنه إزالة
ملك عن الآدمي فتستعمل فيه القرعة عند الاشتباه كالعتق وقد ثبت هذا في العتق بخبر عمر ان بن
حصين ولان الحقوق تساوت على وجه تعذر تعيين المستحق فيه من غير قرعة فينبغي أن تستعمل
192

فيه القرعة كالسفر والقسمة بين النساء، فاما قسم الميراث بين الجميع ففيه دفع إلى إحداهن مالا تستحقه
وتنقيص بعضهن حقا يقينا والوقف إلى غير غاية تضييع لحقوقهن وحرمان الجميع منع الحق
عن صاحبه يقينا.
(فصل) ولو كان له امرأتان فطلق إحداهما ثم ماتت إحداهما ثم مات أقرع بينهما فمن وقعت
عليها قرعة الطلاق لم يرثها ان كانت الميتة ولم ترثه ان كانت الأخرى، وفي قول أهل العراق يرث
الأولى ولا ترثه الأخرى، وللشافعي قولان أحدهما يرجع إلى تعيين الوارث فإن قال طلق الميتة لم
يرثها، وورثته الحية وان قال طلق الحية حلف على ذلك وأخذ ميراث الميتة ولم تورث الحية، والقول
الثاني يوقف من مال الميتة ميراث الزوج ومن مال الزوج ميراث الحية، وإن كان له امرأتان قد دخل
بإحداهما دون الأخرى فطلق إحداهما لا بعينها فمن خرجت لها القرعة فلها حكم الطلاق وللأخرى
حكم الزوجية. وقال أهل العراق للمدخول بها ثلاثة أرباع الميراث إن مات في عدتها وللأخرى ربعه
لأن للمدخول بها نصفه بيقين والنصف الآخر يتداعيانه فيكون بينهما وفي قول الشافعي النصف
للمدخول بها والباقي موقوف.
وإن كانتا مدخولا بهما فقال في مرضه أردت هذه ثم مات في عدتها لم يقبل قوله لأن الاقرار
بالطلاق في المرض كالطلاق فيه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال زفر يقبل قوله والميراث
للأخرى، وهو قياس قول الشافعي، ولو كان للمريض امرأة أخرى سوى هاتين فلها نصف الميراث
وللاثنتين نصفه، وعند الشافعي يوقف نصفه.
193

(فصل) ولو كان له أربع نسوة فطلق إحداهن غير معينة ثم نكح خامسة بعد انقضاء عدتها
ثم مات ولم يبين فللخامسة ربع الميراث والمهر ويقرع بين الأربع، وقال أهل العراق لهن ثلاثة أرباع
الميراث بينهن، وإن كن غير مدخول بهن فلهن ثلاثة مهور ونصف، وفي قول الشافعي يوقف ثلاثة أرباع
الميراث ومهر ونصف بين الأربع فإن جاءت واحدة تطلب ميراثها لم تعط شيئا، وإن طلبه اثنتان دفع إليهما ربع
الميراث وإن طلبه ثلاث دفع إليهن نصفه وإن طلبه الأربع دفع إليهن، ولو قال بعد نكاح الخامسة إحداكن طالق
فعلى قولهم للخامسة ربع الميراث لأنها شريكة ثلاث وباقيه بين الأربع كالأولى وللخامسة سبعة أثمان مهر
لأن الطلاق نقصها وثلثا معها نصف مهر ويبقى للأربع ثلاثة مهور وثمن بينهن في قول أهل العراق، فإن
تزوج بعد ذلك سادسة فلها ربع الميراث ومهر كامل وللخامسة ربع ما بقي وسبعة أثمان مهر وللأربع
ربع ما بقي وثلاثة مهور وثمن ويكون الربع مقسوما على أربعة وستين، فإن قال بعد ذلك إحداكن
طالق لم يختلف الميراث ولكن تختلف المهور فللسادسة سبعة أثمان مهر وللخامسة خمسة وعشرون جزءا
من اثنين وثلاثين جزءا من مهر ويبقى للأربع مهران وسبعة وعشرون جزءا من مهر وعند الشافعي
يوقف ربع الميراث بين الست وربع آخر بين الخمس وباقيه بين الأربع ويوقف نصف مهر بين الست
ونصف بين الخمس ونصف بين الأربع ويدفع إلى كل واحدة نصيب
(فصل) في الاشتراك في الطهر إذا وطئ رجلان امرأة في طهر واحد وطأ يلحق النسب من
مثله فأتت بولد يمكن أن يكون منهما كأن يطأ الشريكان جاريتهما المشتركة أو يطأ الانسان جاريته ثم
194

يبيعها قبل أن يستبرئها فيطؤها المشتري قبل استبرائها، أو يطؤها رجلان بشبهة، أو يطلق رجل امرأته
فيتزوجها رجل في عدتها ويطؤها، أو يطأ إنسان جارية آخر أو امرأته بشبهة في الطهر الذي وطئها
سيدها أو زوجها فيه ثم تأتي بولد يمكن أن يكون منهما فإنه يرى القافة معهما وهذا قول عطاء ومالك
والليث والأوزاعي والشافعي، فإن ألحقته بأحدهما لحق به وإن نفته عن أحدهما لحق الآخر، وسواء
ادعياه أو لم يدعياه أو ادعاه أحدهما وأنكره الآخر، وإن ألحقته القافة بهما لحق بهما وكان ابنهما وهذا
قول الأوزاعي والثوري وأبي ثور ورواه بعض أصحاب مالك عنه وعن مالك لا يرى ولد الحرة للقافة
بل يكون لصاحب الفراش الصحيح دون الواطئ بشبهة، وقال الشافعي لا يلحق بأكثر من واحد
وإن ألحقته القافة بأكثر من واحد كان بمنزلة ما لم يوجد قافة، ومتى لم يوجد قافة أو أشكل عليها أو
اختلف القائفان في نسبه فقال أبو بكر يضيع نسبه ولا حكم لاختياره ويبقى على الجهالة أبدا وهو
قول مالك وقال ابن حامد يترك حتى يبلغ فينتسب إلى أحدهما وهو قول الشافعي في الجديد وقال في
القديم يترك حتى يميز وذلك لسبع أو ثمان فينتسب إلى أحدهما ونفقته عليهما إلى أن ينتسب إلى أحدهما
فيرجع الآخر عليه بما أنفق، وإذا ادعى اللقيط اثنان أري القافة معهما وإن مات الولد المدعى في
هذه المواضع قبل أن يرى القافة وله ولد أري ولده القافة مع المدعين ولو مات الرجلان أري القافة
مع عصبتهما، فإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته القافة بهم لحق ونص أحمد على أنه يلحق بثلاثة ومقتضى
هذا أنه يلحق بهم وإن كثروا وقال القاضي لا يلحق بأكثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن
وروي عن أبي ثور وأبي يوسف وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين وروي أيضا عن أبي يوسف
195

وقال أبو حنيفة وأصحابه وشريك ويحيى بن آدم لا حكم للقافة بل إذا سبق أحدهما بالدعوى فهو
ابنه فإن ادعياه معا فهو ابنهما وكذلك إن كثر الواطئون وادعوه معا فإنه يكون لهم جميعا وروي أيضا
عن علي رضي الله عنه أنه قضى في ذلك بالقرعة مع اليمين وبه قال ابن أبي ليلى وإسحاق وعن أحمد
نحوه إذا عدمت القافة وقد ذكرنا أكثر هذه المسائل مشروحة مدلولا عليها في باب اللقيط والغرض
ههنا ذكر ميراث المدعي والتوريث منه وبيان مسائله
(مسألة) (إذا ألحق باثنين فمات وترك أما حرة فلها الثلث والباقي لهما وإن كان لكل
واحد منهما ابن سواه أو لأحدهما ابنان فلأمه السدس وإن مات أحد الأبوين وله ابن آخر فماله
بينهما نصفين فإن مات الغلام بعد ذلك فلأمه السدس والباقي للباقي من أبويه ولا شئ لاخوته لأنهما
محجوبان بالأب الباقي، فإن مات الغلام وترك ابنا فللباقي من الأبوين السدس والباقي لابنه وإن مات
قبل أبويه وترك ابنا فلهما جميعا السدس والباقي لابنه، فإن كان لكل واحد منهما أبوان ثم ماتا ثم
مات الغلام وله جدة أم أم وابن فلام أمه نصف السدس ولأمي المدعيين نصفه كأنهما جدة واحدة
وللجدين السدس والباقي للابن فإن لم يكن ابن فللجدين الثلث لأنهما بمنزلة جد واحد والباقي للأخوين
وعند أبي حنيفة الباقي كله للجدين لأن الجد يسقط الاخوة، وإن كان المدعيان أخوين والمدعى جارية
فماتا وخلفا أباها فلها من مال كل واحد نصفه والباقي للأب فإن مات الأب بعد ذلك فلها النصف
لأنها بنت ابن وحكى الخبري عن أحمد وزفر وابن أبي زائدة أن لها الثلثين لأنها بنت ابنته فلها
ميراث بنتي ابن، وإن كان المدعى ابنا فمات أبواه ولأحدهما بنت ثم مات أبوهما فميراثه بين الغلام
196

والبنت على ثلاثة وعلى القول الآخر على خمسة لأن الغلام يضرب بنصيب ابني ابن، فإن كان لكل
واحد منهما بنت فللغلام من مال كل واحد منهما ثلثاه وله من مال جده نصفه وعلى القول الآخر له
ثلثاه ولهما سدساه، وإن كان المدعيان رجلا وعمة والمدعى جارية فماتا وخلفا أبويهما ثم مات أبو الأصغر
فلها النصف والباقي لأبي العم لأنه أبوه، وإذا مات أبو العم فلها النصف من ماله أيضا وعلى القول
الآخر لها الثلثان لأنها بنت ابن وبنت ابن ابن، وإن كان المدعى رجلا وابنة فمات الابن فلها نصف ماله
وإذا مات الأب فلها النصف أيضا وعلى القول الآخر لها الثلثان، وقال أبو حنيفة إذا تداعى الأب
وابنه قدم الأب ولم يكن للابن شئ وان مات الأب أولا فماله بين أبيه وبينهما على ثلاثة وتأخذ نصف
مال الأصغر لكونها بنته والباقي لكونها أخته وفي كل ذلك إذا لم يثبت نسب المدعى وقف نصيبه
ودفع إلى كل وارث اليقين ووقف الباقي حتى يثبت نسبه أو يصطلحوا.
(فصل) وإذا كان المدعون ثلاثة فمات أحدهم وترك ابنا وألفا ثم مات الثاني وترك ابنا والفين
ثم مات الثالث وترك ابنا وعشرين ألفا ثم مات الغلام وترك أربعة آلاف وأما حرة وقد ألحقته القافة
بهم فقد ترك خمسة عشر ألفا وخمسمائة فلامه سدسها والباقي بين اخوته الثلاثة أثلاثا، وإن كان موتهم
قبل ثبوت نسبه دفع إلى الأم ثلث تركته وهو الف وخمسمائة لأن أدنى الأحوال أن يكون ابن صاحب
الألف فيرث منه خمسمائة وقد كان وقف له من مال كل واحد من المدعيين نصف ماله فيرد إلى ابن
صاحب الألف وابن صاحب الألفين ما وقف من مال أبويهما لأنه إن لم يكن أخا لهما فذلك لهما من
مال أبويهما وإن كان أخا أحدهما فهو يستحق ذلك وأكثر منه بإرثه منه ويرد على ابن الثالث تسعة
197

آلاف وثلث الف ويبقى ثلثا الف موقوفة بينه وبين الأم لأنه يحتمل أن يكون أخا فيكون قد مات عن
أربعة عشر ألفا لامه ثلثها ويبقى من مال الابن ألفان وخمسمائة موقوفة يدعيها ابن صاحب الألف كلها
ويدعي منها ابن صاحب الألفين الفين وثلثا فيكون ذلك موقوفا بينهما وبين الأم وسدس الألف
بين الأم وابن صاحب الألف، فإن ادعى اخوان ابنا ولهما أب فمات أحدهما وخلف بنتا ثم مات
الآخر قبل ثبوت نسب المدعى وقف من مال الأول خمسة أتساعه منها تسعان بين الغلام والبنت
وثلاثة أتساع بينه وبين الأب ويوقف من مال الثاني خمسة أسداس بينه وبين الأب، فإن مات الأب
بعدهما وخلف بنتا فلها نصف ماله ونصف ما ورثه عن ابنته والباقي بين الغلام وبنت الابن لأنه
ابن ابنه بيقين ويدفع إلى كل واحد منهم من الموقوف اليقين فنقدره مرة ابن صاحب البنت ومرة ابن
الآخر وينظر ماله من كل واحد منهم في الحلين فيعطيه أقلهما، فللغلام في حال كل الموقوف من مال
الثاني وخمس الموقوف من مال الأول وفي حال كل الموقوف من مال الأول وثلث الموقوف من
مال الثاني فله أقلهما، ولبنت الميت الأول في حال النصف من مال أبيها وفي حال السدس
من مال عمها. ولبنت الأب في حال نصف الموقوف من مال الثاني وفي حال ثلاثة أعشار من مال الأول
فيدفع إليها أقلهما ويبقى باقي التركة موقوفا بينهم حتى يصطلحوا عليه، ومن الناس من يقسمه بينهم على
حسب الدعاوي. فإن اختلفت أجناس التركة ولم يصر بعضها قصاصا عن بعض قومت وعمل في قيمتها
ما بينا في الدراهم ان تراضوا بذلك أو يبيع الحاكم عليهم ليصير الحق كله من جنس واحد لما فيه من
الصلاح لهم ويوقف الفضل المشكوك فيه على الصلح
198

(فصل) ولو ادعى اثنان غلاما فألحقته القافة بهما، ثم مات أحدهما وترك ألفا وعما وبنتا ثم مات الآخر
وترك الفين وابن ابن ثم مات الغلام وترك ثلاثة آلاف وأما كان للبنت من تركة أبيها ثلثها وللغلام
ثلثاها وتركة الثاني كلها له لأنه ابنه فهو أحق من ابن الابن، ثم مات الغلام عن خمسة آلاف وثلثي الف
فلامه ثلث ذلك ولأخته نصفه وباقيه لابن الابن لأنه ابن أخيه ولا شئ للعم، وإن لم يثبت نسبه فلابنه
الأول ثلث الألف ويوقف ثلثاها وجميع تركة الثاني، فإذا مات الغلام فلامه من تركته الف وتسعا
الف لأن أقل أحواله أن يكون ابن الأول فيكون قد مات عن ثلاثة آلاف وثلثي الف ويرد الموقوف
من مال أبي البنت على البنت والعم فيصطلحان عليه لأنه لهما اما عن صاحبهما أو الغلام ويرد الموقوف من
مال الثاني إلى ابن ابنه لأنه له اما عن جده واما عن عمه وتعطى الأم من تركة الغلام ألفا وتسعي الف
لأنها أقل مالها ويبقى الف وسبعة أتساع الف تدعي منها الأم أربعة أتساع الف تمام ثلث خمسة آلاف
ويدعي منها ابن الابن ألفا وثلثا تمام ثلثي خمسة آلاف وتدعي البنت والعم جميع الباقي فيكون ذلك موقوفا
بينهم حتى يصطلحوا، ولو كان المولود في يدي امرأتين وادعتاه معا أري القافة معهما فإن ألحقته بإحداهما
لحق بها وورثها وورثته في إحدى الروايات وان ألحقته بهما أو نفته عنهما لم يلحق بواحدة منهما وان
قامت لكل واحدة منهما بينة تعارضتا ولم نسمع بينتيهما وبه قال أبو يوسف واللؤلؤي وقال أبو حنيفة
يثبت نسبه منهما ويرثاه ميراث أم واحدة كما يلحق برجلين
ولنا أن إحدى البينتين كاذبة يقينا فلم تسمع كما لو علمت ومن ضرورة ردها ردهما لعدم العلم بعينها
ولان هذا محال فلم يثبت بينة ولا غيرها كما لو كان الولد أكبر منهما، ولو أن امرأة معها صبي ادعاه رجلان
199

كل واحد يزعم أنه ابنه منها وهي زوجته فكذبتهما لم يلحقهما وان صدقت أحدهما لحقه كما لو كان بالغا
فادعياه فصدق أحدهما، ولو أن صبيا مع امرأة فقال زوجها هو ابني من غيرك فقالت بل هو ابني منك
لحقهما جميعا وقد ذكرنا لحاق النسب في هذه المسائل والاختلاف فيه وإنما ذكرناه ههنا لأجل الميراث
لأنه مبني عليه والله سبحانه وتعالى أعلم
(باب الاقرار بمشارك في الميراث)
إذا أقر الورثة كلهم بوارث فصدقهم أو كان صغيرا أو مجنونا ثبت نسبه وارثه سواء كان الورثة
جماعة أو واحدا ذكرا أو أنثى وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وحكاه عن أبي حنيفة لأن الوارث
يقوم مقام الميت في ميراثه وديونه والديون التي عليه وبيناته ودعاويه والايمان التي له وعليه كذلك في
النسب وقد روت عائشة أن سعد بن أبي وقاص اختصم هو وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة فقال سعد
أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة ان أنظر إلي ابن زمعة واقبضه فإنه ابنه فقال عبد بن زمعة أخي
وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر
الحجر " فقضى به لعبد بن زمعة وقال " احتجي منه يا سودة " والمشهور عن أبي حنيفة أنه لا يثبت إلا
باقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك لا يثبت الا باقرار اثنين لأنه يحمل النسب على غيره فاعتبر
فيه العدد كالشهادة، والمشهور عن أبي يوسف أنه لا يثبت النسب الا باثنين ذكرين كانا أو أنثيين
عدلين أو غير عدلين.
ولنا أنه حق يثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين ولأنه قول لا تعتبر فيه العدالة فلا يعتبر فيه
العدد كاقرار الموروث واعتباره بالشهادة لا يصح لأنه لا يعتبر فيه اللفظ ولا العدالة ويبطل بالاقرار بالدين
200

(فصل) في شروط الاقرار بالنسب لا يخلو اما أن يقر على نفسه خاصة أو عليه، على غيره فإن أقر على
نفسه مثل أن يقر بولد اعتبر في ثبوت نسبه أربعة شروط (أحدها) أن يكون المقر به مجهول النسب
فإن كان معروف النسب لم يصح لأنه يقطع نسبه الثابت من غيره، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى
غير أبيه (والثاني) أن لا ينازعه فيه منازع لأنه إذا نازعه فيه غيره تعارضا فلم يكن الحاقه بأحدهما أولى
من الآخر (الثالث) أن يمكن صدقه بأن يكون المقر به يحتمل أن يولد لمثله (الرابع) أن يكون ممن
لا قول له كالصغير والمجنون أو يصدق المقر إن كان ذا قول وهو المكلف فإن كان غير مكلف لم يعتبر
تصديقه فإن كبر وعقل فأنكر لم يسمع انكاره لأن نسبه ثبت وجرى مجرى من ادعى ملك عبد صغير
في يده وثبت بذلك ملكه فلما كبر جحد ذلك، ولو طلب احلافه على ذلك لم يستحلف لأن الأب لو
عاد فجحد النسب لم يقبل منه، وان اعترف انسان بأن هذا أبوه فهو كاعترافه بأنه ابنه. فاما إن كان
اقرار عليه وعلى غيره كاقراره بأخ اعتبر مع الشروط الأربعة شرط خامس وهو كون المقر جميع الورثة،
فإن كان المقر زوجا أو زوجة ولا وارث معهما لم يثبت النسب باقرارهما لأن المقر لا يرث المال كله
فإن اعترف به الإمام معه ثبت النسب لأنه قائم مقام المسلمين في مشاركة الوارث وإن كان الوارث أما
أو بنتا أو أختا أو ذا فرض يرث جميع المال بالفرض والرد ثبت النسب بقوله كالابن لأنه يرث المال
كله وعند الشافعي لا يثبت بقوله نسب لأنه لا يرى الرد ويجعل الباقي لبيت المال، ولهم فيما إذا وافق
الإمام في الاقرار وجهان وهذا من فروع الرد وقد ذكرناه، فإن كانت بنت وأخت أو أخت وزوج
ثبت النسب بقولهما لأنهما يأخذان المال كله وإذا أقر بابن ابنه وابنه ميت اعتبرت فيه الشروط التي
201

تعتبر في الاقرار بالأخ وكذلك إن أقر بعم وهو ابن جده فعلى ما ذكرناه
(فصل) وإن كان أحد الولدين غير وارث لكونه رقيقا أو مخالفا لدين موروثه أو قاتلا فلا عبرة
به ويثبت النسب بقول الآخر وحده لأنه يجوز جميع الميراث ثم إن كان المقر به ير ث شارك المقر في
الميراث وان لم يكن وارثا لوجود مانع فيه ثبت نسبه ولم يرث وسواء كان المقر مسلما أو كافرا
(مسألة) (وسواء كان المقر به يحجب المقر أو لا يحجبه كأخ يقر بابن للميت أو ابن ابن يقر بابن
للميت أو أخ من أب يقر بأخ من أبوين فإنه يثبت نسبه بذلك ويرث ويسقط المقر)
هذا اختيار ابن حامد والقاضي وابن شريح وقال أكثر أصحاب الشافعي يثبت نسب المقر به
ولا يرث لأن توريثه يفضي إلى اسقاط توريثه فسقط لأنه لو ورث لخرج المقر عن كونه وارثا فيبطل
اقراره ويسقط نسب المقر به وتوريثه فيؤدي توريثه إلى اسقاط توريثه فأثبتنا النسب دون الميراث
ولنا أنه ابن ثابت النسب لم يوجد في حقه مانع من الإرث فيدخل في عموم قوله تعالى (يوصيكم
الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) أو فيرث كما لو ثبت نسبه ببينة ولان ثبوت النسب سبب
للميراث فلا يجوز قطع حكمه عنه ولا توريث محجوب به مع وجوده وسلامته من الموانع، وما احتجوا
به لا يصح لأنا إنما نعتبر كون المقر وارثا على تقدير عدم المقر به وخروجه عن الميراث
بالاقرار لا يمنع صحته بدليل أن الابن إذا أقر بأخ فإنه يرث مع كونه يخرج باقرار عن أن
يكون جميع الورثة. فإن قيل إنما يقبل اقراره إذا صدقه المقر به فصار اقرارا من جميع الورثة
وإن كان المقر به طفلا أو مجنونا لم يعتبر قوله فقد أقر كل من يعتبر قوله، قلنا ومثله ههنا
202

فإنه إن كان المقر به كبيرا فلابد من تصديقه فقد أقر به كل من يعتبر اقراره وإن كان صغيرا غير
معتبر القول لم يثبت النسب بقول الآخر كما لو كان اثنين أحدهما صغير فأقر البالغ بأخ آخر لم يقبل
ولم يقولوا به ولا يعتبر موافقته كذا ههنا، ولأنه لو كان في يد انسان عبد محكوم له بملكه فأقر به لغيره
ثبت للمقر له، وإن كان المقر يخرج بالاقرار عن كونه مالكا كذا ههنا
(مسألة) (وان أقر بعضهم لم يثبت نسبه إلا أن يشهد منهم عدلان أنه ولد على
فراشه أو ان الميت أقر به)
وجملته أنه إذا أقر أحد الوارثين بوارث مشارك لهم في الميراث لم يثبت النسب بالاجماع لأن
النسب لا يتبعض فلا يمكن اثباته في حق المقر دون المنكر ولا اثباته في حقهما لأن أحدهما منكر فلا يقبل
اقرار غيره عليه ولم توجد شهادة يثبت بها النسب، ولو كان المقر عدلان لأنه اقرار من بعض الورثة، وقال
أبو حنيفة يثبت إذا كانا عدلين لأنهما بينة فهو كما لو شهدا به
ولنا أنه اقرار من بعض الورثة فلم يثبت به النسب كالواحد، وفارق الشهادة لأنه يعتبر فيها العدالة
والذكورية والاقرار بخلافه. فاما ان شهد به عدلان أو شهدا أنه ولد على فراشه أو ان الميت أقر به ثبت
النسب وشاركهم في الإرث لأنهما لو شهدا على غير موروثهما قبل فكذلك إذا شهدا عليه
(مسألة) (وعلى المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه)
إذا أقر بعض الورثة ولم يثبت نسبه لزم المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده كمن خلف ولدين فأقر
أحدهما بأخ فله ثلث ما في يده وان أقر بأخت دفع إليها خمس ما في يده عن ميراثه هذا قول مالك
203

والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم ووكيع وإسحاق وأبي
عبيد وأبي ثور وأهل البصرة، وقال النخعي وحماد وأبو حنيفة وأصحابه يقاسمه ما في يده لأنه يقول
أنا وأنت سواء في ميراث أبينا وكأن ما أخذه المنكر تلف أو غصب فيستوي فيما بقي وقال الشافعي وداود
لا يلزمه في الظاهر دفع شئ إليه، وهل يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى؟ على قولين أصحهما لا يلزمه لأنه
لا يرث من لا يثبت نسبه وإذا قلنا يلزمه ففي قدره وجهان
ولنا على الشافعي أنه أقر بحق لمدعيه يمكن صدقه فيه ويد المقر عليه وهو متمكن من دفعه إليه فلزمه
ذلك كما لو أقر له بمعين ولأنه إذا علم أن هذا أخوه وله ثلث التركة وتيقن استحقاقه لها وفي يده بعضه وصاحبه
يطلبه لزمه دفعه إليه وحرم عليه منعه مه كما في سائر المواضع، وعدم ثبوت نسبه في الظاهر لا يمنع وجوب
دفعه إليه كما لو غصبه شيئا ولم يقم بينة بغصبه
ولنا على أبي حنيفة أنه أقر له بالفاضل عن ميراثه فلم يلزمه أكثر مما أقر به كما لو أقر له بشئ
معين ولأنه حق تعلق بمحل مشترك باقرار أحد الشريكين فلم يلزمه أكثر من قسطه كما لو أقر أحد
الشريكين بجناية على العبد ولان التركة بينهم أثلاثا فلا يستحق مما في يده الا الثلث كما لو ثبت نسبه
ببينة، ولأنه اقرار يتعلق بحصته وحصة أخيه فلا يلزمه أكثر مما يخصه كالاقرار بالوصية وكاقرار
أحد الشريكين على مال الشركة بدين ولأنه لو شهد معه أجنبي بالنسب ثبت ولو لزمه أكثر من حصته
لم تقبل شهادته لأنه يجربها نفعا إلى نفسه لكونه يسقط بعض ما يستحق عليه. فعلى هذا إذا خلف اثنين
فأقر أحدهما بأخ فللمقر له ثلث ما في يد المقر وهو سدس المال لأنه يقول نحن ثلاثة لكل واحد منا
204

الثلث وفي يدي النصف ففضل في يدي لك السدس فيدفعه إليه وهو ثلث ما في يده وفي قول أبي حنيفة
يدفع إليه نصف ما في يده وهو الربع، وان أقر بأخت دفع إليها خمس ما في يده لأنه يقول نحن اخوان
وأخت فلك الخمس من جميع المال وهو خمس ما في يدي وخمس ما في يد أخي فيدفع إليها خمس ما
في يده وفي قولهم يدفع إليها ثلث ما في يده، وفارق ما إذا غصب بعض التركة وهما اثنان لأن كل
واحد منهما يستحق النصف من كل جزء من التركة وههنا يستحق الثلث فافترقا
(فصل) إذا خلف ابنا واحدا فاقر بأخ من أبيه دفع إليه نصف ما في يده في قول الجميع فإن أقر
بعده بآخر فاتفقا عليه دفعا إليه ثلث ما في أيدهما في قولهم جميعا، فإن أنكر المقر به ثانيا المقر به أولا
لم يثبت نسبه قال القاضي هذا مثل للعامة أدخلني أخرجك، وليس له أن يأخذ أكثر من ثلث ما في
أيديهما لأنه لم يقر بأكثر منه. وقال الشافعي يلزم المقر أن يغرم له نصف التركة لأنه أتلفه عليه
باقراره الأول. قال شيخنا ويحتمل أن لا يبطل نسب الأول لأنه ثبت بقول من هو كل الورثة حال
الاقرار وإن لم يصدق المقر به الأول بالثاني لم يثبت نسبه ويدفع إليه المقر ثلث ما بقي في يده لأنه
الفضل الذي في يده، ويحتمل ان يلزمه ثلث جميع المال لأنه فوته عليه بدفع النصف إلى الأول وهو يقر
أنه لا يستحق إلا الثلث، وسواء دفعه إليه بحكم حاكم أو بغير حكمه لأن اقراره علة حكم الحال وسواء
علم بالحال عند اقراره بالأول أو لم يعلم لأن العمد والخطأ واحد في ضمان ما يتلف، وحكي نحو هذا من
شريك ويحتمل أنه ان علم بالثاني حين أقر بالأول وعلم أنه إذا أقر به بعد الأول لا يقبل ضمن لأنه
فوت حق غيره بتفريطه وان لم يعلم لم يضمن لأنه لا يجب عليه الاقرار بالأول إذا علمه ولا يحوجه إلى
205

حاكم ومن فعل الواجب فقد أحسن وليس بخائن فلا يضمن وقيل هذا قياس قول الشافعي، وقال أبو حنيفة
إن كان الدفع بحكم حاكم دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده لأن حكم الحاكم كالاخذ منه كرها وان
دفعه بغير حاكم دفع إلى الثاني ثلث جميع المال لأنه دفع إلى الأول ما ليس له تبرعا
ولنا على الأول أنه أقر بما يجب عليه الاقرار به فلم يضمن ما تلف به كما لو قطع الإمام يد السارق
فسرى إلى نفسه وان أقر بعدهما بثالث فصدقاه ثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد كل واحد منهم إذا كان
مع كل واحد ثلث المال وإن كذباه لم يثبت نسبه وأخذ ربع ما في يد المقر به وفي ضمانه له ما زاد التفصيل في
التي قبلها وعلى مثل قولنا قال ابن أبي ليلى وأهل المدينة وبعض أهل البصرة
(مسألة) (فإن لم يكن في يد المقر فضل فلا شئ للمقر به)
لأنه لم يقر له بشئ فإذا خلف أخا من أب وأخا من أم فأقرا بأخ من أبوين ثبت نسبه لأن كل الورثة
أقروا به وبأخذ جميع ما في يد الأخ من الأب لأنه يسقطه في الميراث، وان أقر به الأخ من الأب وحده
أخذ ما في يده لما ذكرنا ولم يثبت نسبه لأن الذي أقر به لا يرث المال كله، وان أقر به الأخ من الأم
وحده فلا شئ له لأنه ليس في يده فضل يقر له به وكذا ان أقر بأخ آخر من أمه لذلك فأما أن أقر
بأخوين من أم فإنه يدفع إليهما ثلث ما في يده لأن في يده السدس فباقراره اعترف أنه لا يستحق من
الميراث الا التسع فيبقى في يده نصف التسع وهو ثلث ما في يده، وقال أبو حنيفة في ثلاثة اخوة مفترقين
إذا أقر الأخ من الأم بأخ من أم فله نصف ما في يده وان أقر بأخ من أبوين فللمقر به خمسة أسباع
ما في يده وعلى قولنا لا يأخذ منه شيئا لأنه لا فضل في يده
206

(مسألة) (وطريق العمل فيها أن تضرب مسألة الاقرار في مسألة الانكار وتدفع إلى المقر سهمه
من مسأله الاقرار مضروبا في مسألة الانكار)
وللمنكر سهمه من مسألة الانكار مضروب في مسألة الاقرار وما فضل فهو للمقر به فلو خلف
ابنين فأقر أحدهما بأخوين فصدقه أخوه في أحدهما ثبت نسب المتفق عليه فصاروا ثلاثة ثم تضرب
مسألة الاقرار في مسألة الانكار تكن اثنى عشر للمنكر سهم من الانكار في الاقرار أربعة وللمقر
سهم من الاقرار في الانكار ثلاثة وللمتفق عليه ان صدق المقر مثل سهمه وان أنكر مثل سهم المنكر
وما فضل للمختلف فيه وهو سهمان في حال التصديق وسهم في حال الانكار، وقال أبو الخطاب لا
يأخذ المتفق عليه من المنكر في حال التصديق الأربع ما في يده وصححها من ثمانية للمنكر ثلاثة وللمختلف
فيه سهم ولكل واحد من الأخوين سهمان. إذا خلف ابنين فأقر الأكبر بأخوين فصدقه
الأصغر في أحدهما ثبت نسب المتفق عليه فصاروا ثلاثة، فمسألة الانكار إذا من ثلاثة ومسألة الاقرار
من أربعة فتضرب إحداهما في الأخرى تكن اثني عشر للأصغر سهم من مسألة الانكار في مسألة
الاقرار أربعة وللأكبر سهم من مسألة الاقرار في مسألة الانكار ثلاثة وللمتفق عليه ان أقر بصاحبه
مثل سهم الأكبر، وإن أنكر مثل سهم الأصغر، وذكر أبو الخطاب أن المتفق عليه إن صدق بصحابة
لم يأخذ من المنكر الأربع ما في يده لأنه لا يدعي أكثر منه ويأخذ هو والمختلف فيه من الأكبر
نصف ما في يده فتصح من ثمانية للمنكر ثلاثة أثمان وللمقر سهمان وللمتفق عليه سهمان وللآخر سهم وذكر ابن
اللبان أن هذا قياس قول مالك والشافعي، وفي هذا نظر لأن المنكر يقر أنه لا يستحق إلا الثلث وقد حضر
207

من يدعي الزيادة فوجب دفعها إليه ونظير هذا ما لو ادعى انسان دارا في يد رجل فأقر بها لغيره فقال
المقر له إنما هي لهذا المدعي فإنها تدفع إليه
وقد رد الخبري على ابن اللبان هذا القول وقال على هذا يبقى مع المنكر ثلاثة أثمان وهو لا يدعي
إلا الثلث وقد حضر من يدعي هذه الزيادة ولا منازع له فيها فيجب دفعها إليه، قال والصحيح أن
يضم المتفق عليه السدس الذي يأخذه من المقر به فيضمه إلى النصف الذي هو بيد المقر بهما فيقتسمانه
أثلاثا فتصح من تسعة، للمنكر ثلاثة، ولكل واحد من الأخوين سهمان، وهذا قول أبي
يوسف إذا تصادقا.
قال شيخنا ولا يستقيم هذا على قول من لا يلزم المقر أكثر من الفضل عن ميراثه لأن المقر بهما
والمتفق عليه لا ينقص ميراثه عن الربع ولم يحصل له على هذا القول إلا التسعان وقيل يدفع الأكبر
إليهما نصف ما في يده ويأخذ المتفق عليه من الأصغر ثلث ما في يده فيحصل للأصغر الثلث وللأكبر
الربع، وللمتفق عليه السدس والثمن، وللمختلف فيه الثمن، وتصح من أربعة وعشرين: للأصغر
ثمانية، وللمتفق عليه سبعة، وللأكبر ستة، وللمختلف فيه ثلاثة وفيها أقوال كثيرة سوى هذه
والأول أصح إن شاء الله تعالى.
(مسألة) (وإن خلف ابنا فأقر بأخوين بكلام متصل فتصادقا ثبت نسبهما فإن تجاحدا
فكذلك في أقوى الوجهين لأن نسبهما ثبت باقرار من هو كل الورثة قبلهما وفي الآخر لا يثبت لأن
الاقرار بكل واحد منهما لم يصدر من كل الورثة ويدفع إلى كل واحد منهما ثلث ما في يده، فإن صدق
208

صدق أحدهما بصاحبه وجحده الآخر ثبت نسب المتفق عليه وفي الآخر وجهان ويدفع إلى كل
واحد منهما ثلث ما في يده، وإن كانا توأمين ثبت نسبهما ولم يلتفت إلى إنكار المنكر منهما سواء
تجاحدا معا أو جحد أحدهما صاحبه لأنا نعلم كذبهما فإنهما لا يفترقان، ومتى أقر الوارث بأحدهما
ثبت نسب الآخر وإن أقر بنسب صغيرين دفعة واحدة ثبت نسبهما على الوجه الذي يثبت به نسب
الكبيرين المتجاحدين، وهل يثبت على الوجه الآخر؟ فيه احتمالان (أحدهما) يثبت لأنه أقر به
كل الورثة حين الاقرار ولم يجحده أحد فهو كالمنفرد (والثاني) لا يثبت لأن أحدهما وارث ولم يقر
بالآخر فلم يتفق كل الورثة على الاقرار به فلم تعتبر موافقة الآخر كما لو كان صغيرين.
(مسألة) (فإن أقر بأحدهما بعد الآخر أعطى الأول نصف ما في يده) بغير خلاف وثبت
نسبه لأنه أقر به كل الورثة ويقف ثبوت نسب الباقي على تصديقه لأنه صار من الورثة، ويعطى الثاني
ثلث ما بقي في يده لأنه الفضل فإنه يقول نحن ثلاثة
(مسألة) (وإن أقر بعض الورثة بامرأة للميت لزمه من ارثها بقدر حصته) يعني يلزمه ما يفضل
في يده لها عن حقه كما ذكرنا في الاقرار.
(مسائل) من هذا الباب إذا خلف ثلاثة بنين فأقر أحدهم بأخ وأخت فصدقه أحد أخويه
في الأخ والآخر في الأخت لم يثبت نسبهما ويدفع المقر بالأخ إليه ربع ما في يده ويدفع المقر بهما
209

إليهما ثلث ما في يده ويدفع المقر بالأخت إليها سبع ما في يده، فأصل المسألة ثلاثة أسهم، سهم المقر
يقسم بينهما وبينه على تسعة، له ستة ولهما ثلاثة، وسهم المقر بالأخ بينهما على أربعة له ثلاثة ولأخيه
سهم، وسهم المقر بالأخت بينه وبينها على سبعة، له ستة ولها سهم وكلها متباينة فاضرب أربعة في سبعة
في تسعة ثم في أصل المسألة تكن سبعمائة وستة وخمسون، للمقر بهما ستة في أربعة في سبعة مائة وثمانية
وستون، وللمقر بالأخت ستة في أربعة في تسعة مائتان وستة عشر، وللمقر بالأخ ثلاثة في سبعة في تسعة
مائة تسعة وثمانون، وللأخ المقر به سهمان في أربعة في سبعة ستة وخمسون وسهم في سبعة في تسعة
ثلاثة وستون فيجتمع له مائة وتسعة عشر، وللأخت سهم في أربعة في سبعة ثمانية وعشرون، وسهم
في أربعة في تسعة ستة وثلاثون، يجتمع لها أربعة وستون، ولا فرق بين تصادقهما وتجاحدهما لأنه لا فضل
في يد أحدهما على ميراثه، ولو كان في هذه المسألة ابن رابع لم يصدقه في واحد منهما كان أصل المسألة
من أربعة أسهم: سهم على أحد عشر وسهم على تسعة وسهم على خمسة وسهم ينفرد به الجاحد فتصح
المسألة من الف وتسعمائة وثمانين سهما وطريق العمل فيها كالتي قبلها.
(فصل) إذا خلف بنتا وأختا فأقرتا بصغيرة فقالت البنت هي أخت وقالت الأخت هي بنت فلها
ثلث ما في يد الأخت لا غير.
وهذا قول أبن أبي ليلى ولمحمد بن الحسن واللؤلؤي ويحيى بن آدم تخبيط كثير يطول ذكره
وإن خلف امرأة وبنتا وأختا فأقررن بصغيرة فقالت المرأة هي امرأة وقالت البنت هي بنت وقالت
الأخت هي أخت فقال الخبري تعطى ثلث المال لأنه أكثر ما يمكن أن يكون لها ويؤخذ من المقرات
210

على حسب اقرارهن وقد أقرت لها البنت بأربعة أسهم من أربعة وعشرين وأقرت لها الأخت بأربعة
ونصف، وأقرت لها المرأة بسهم ونصف وذلك عشرة أسهم لها منها ثمانية وهي أربعة أخماسها فخذ لها
من كل واحدة أربعة أخماس ما أقرت لها به واضرب المسألة في خمسة تكن مائة وعشرين ومنها
تصح، فإذا بلغت الصغيرة فصدقت إحداهن أخذت منها تمام ما أقرت لها به وردت على الباقيتين
ما أخذته مما لا تستحقه، وهذا قول أبي حنيفة. وقال ابن ليلى يؤخذ لها من كل واحدة ما أقرت
لها به فإذا بلغت فصدقت إحداهن أمكست ما أخذ لها منها وردت على الباقيتين الفضل الذي لا تستحقه
عليها، وهذا القول أصوب إن شاء الله لأن فيه احتياطا على حقها.
ثلاثة اخوة لأب ادعت امرأة أنها أخت الميت لأبيه وأمه فصدقها الأكبر وقال الأوسط هي
أخت لأم وقال الأصغر هي أخت لأب فإن الأكبر يدفع إليهما نصف ما في يده ويدفع إليها الأوسط
سدس ما في يده ويدفع إليها الأصغر سبع ما في يده وتصح من مائة وستة وعشرين لأن أصل مسئلتهم
ثلاثة، فمسألة الأكبر من اثنين ومسألة الثاني من ستة والثالث من سبعة والاثنان تدخل في الستة
فتضرب ستة في سبعة تكن اثنين وأربعين فهذا ما في يد كل واحد منهم فتأخذ من الأكبر نصفه أحدا
وعشرين ومن الأوسط سدسه سبعة ومن الأصغر سبعه ستة صار لها أربعة وثلاثون وهذا قياس قول
ابن أبي ليلى، وفي قول أبي حنيفة تأخذ سبع ما في يد الأصغر فيضم إلى نصف ما بيد أحدهما
وتضيفه إلى ما بيد الآخر وتقاسم الأوسط على ثلاثة عشر له عشرة ولها ثلاثة فتضم الثلاثة إلى ما بيد
211

الأكبر وتقاسمه على ما بيده على أربعة لها ثلاثة وله سهم فاجعل ما في يد الأصغر أربعة عشر ليكون
لسبعه نصف صحيح واضربها في ثلاثة عشر تكن مائة واثنين وثمانين فهذا ما بيد كل واحد منهم تأخذ
من الأصغر سبعه وهو ستة وعشرون تضم إلى ما بيد كل واحد من اخوته ثلاثة عشر فيصير معه مائة
وخمسة وتسعون وتأخذ من الأوسط منها ثلاثة من ثلاثة عشر وهي خمسة تضمها إلى ما بيده الأكبر
يصر معه مائتان وأربعون فتأخذ ثلاثة أرباعها وهي مائة وثمانون ويبقى له ستون ويبقى للأوسط مائة
وخمسون وللأصغر مائة وستة وخمسون وترجع بالاختصار إلى سدسها وهو أحد وتسعون
(فصل) إذا خلف ابنا فأقر بأخ ثم جحده لم يقبل جحده ولزمه أن يدفع إليه نصف ما بيده، فإن
أقر بعد جحده بآخر احتمل ان لا يلزمه له شئ لأنه لا فضل في يده عن ميراثه وهذا قول ابن أبي ليلى
وإن كان لم يدفع إلى الأول شيئا لزمه ان يدفع إليه نصف ما بيده ولا يلزمه للآخر شئ لما ذكرنا
ويحتمل ان يلزمه دفع النصف الباقي كله إلى الثاني لأنه فوته عليه وهو قول زفر وبعض البصريين
ويحتمل ان يلزمه ثلث ما في يده للثاني لأنه الفضل الذي في يده على تقدير كونهم ثلاثة فيصير كما لو
أقر بالثاني من غير جحد الأول، وهذا أحد الوجود لأصحاب الشافعي، وقال أهل العراق إن كان دفع
إلى الأول بقضاء دفع إلى الثاني نصف ما بقي في يده وإن كان دفعه بغير قضاء دفع إلى الثاني ثلث
جميع المال، وان خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ ثم جحده ثم أقر بآخر لم يلزمه للثاني شئ لأنه لافضل في
يده وعلى الاحتمال الثاني يدفع إليه نصف ما بقي في يده وعلى الاحتمال الثالث يلزمه دفع ما بقي في يده
ولا يثبت نسب واحد منهما في هذه الصورة ويثبت نسب المقر به الأول في المسألة الأولى دون الثاني
212

(فصل) إذا مات رجل وخلف ابنين فمات أحدهما وترك بنتا فاقر الباقي بأخ له من أبيه ففي يده
ثلاثة أرباع المال وهو يزعم أن له ربعا وسدسا فيفضل في يده ثلث يرده على المقر به فإن أقرت به البنت
وحدها ففي يدها الربع وهي تزعم أن لها السدس يفضل في يدها نصف السدس تدفعه إلى المقر له وهذا
قول ابن أبي ليلى، وقال أبو حنيفة ان أقر الأخ دفع إليه نصف ما في يده وان أقرت البنت دفعت إليه خمسة
أسباع ما في يدها لأنها تزعم أن له ربعا وسدسا وذلك خمسة من اثنى عشر ولها السدس وهو سهمان
فيصير الجميع سبعة لها منها سهمان وله خمسة. بنتان وعم ماتت إحداهما وخلفت ابنا وبنتا فأقرت البنت
بخالة ففريضة الانكار من تسعة وفريضة الاقرار من سبعة وعشرين لها منها سهمان وفي يدها ثلاثة
فيدفع إليها سهما، وان أقر بها الابن دفع إليها سهمين، وان أقرت بها البنت الباقية دفعت إليها التسع وان
أقر بها العم لم يدفع إليها شيئا، وان أقر الابن بخال له فمسألة الاقرار من اثني عشر له منها سهمان وهما
السدس يفضل في يده نصف تسع، وان أقرت به أخته دفعت إليه ربع تسع، وان أقرت به البنت الباقية
فلها الربع وفي يدها الثلث فتدفع إليه نصف السدس، وان أقر به العم دفع إليه جميع ما في يده. ابنان مات
أحدهما عن بنت ثم أقر الباقي منهما بأم لأبيه ففريضة الانكار من أربعة للمقر منها ثلاثة أرباعها وفريضة
الاقرار من اثنين وسبعين للمقر منهما أربعون يفضل في يده أربعة عشر سهما يدفعها إلى المرأة التي أقر بها
وترجع بالاختصار إلى ستة وثلاثين للمقر منها عشرون وللبنت تسعة وللمقر لها سبعة، وان أقرت بها البنت
فلها من فريضة الاقرار خمسة عشر سهما وفي يدها الربع وهو ثمانية عشر يفضل في يدها ثلاثة تدفعها
إلى المقر لها، وان أقر الابن بزوجة لأبيه وهي أم الميت الثاني فمسألة الاقرار من ستة وتسعين لها منها
213

ستة وخمسون وفي يده ثلاثة أرباع ففضل معه ستة عشر سهما يدفعها إلى المقر لها ويكون له ستة وخمسون
ولها ستة عشر وللبنت أربعة وعشرون وترجع بالاختيار إلى اثنى عشر لأن سهامهم كلها تتفق بالأثمان
فيكون للمقر سبعة وللمقر لها سهمان وللبنت ثلاثة، وما جاء من هذا الباب فهذا طريقه. أبوان وابنتان
اقتسموا التركة ثم أقروا ببنت للميت فقالت قد استوفيت نصيبي من تركة أبي فالفريضة في الاقرار من
ثمانية عشر للأبوين ستة ولكل بنت أربعة فاسقط منها نصيب البنت المقر بها يبقى أربعة عشر للأبوين
منها ستة وإنما اخذا ثلث الأربعة عشر وذلك أربعة أسهم وثلثا سهم فيبقى لهما في يد البنتين سهم وثلث
يأخذانها منهما فاضرب ثلاثة في أربعة عشر تكن اثنين وأربعين فقد اخذ الأبوان أربعة عشر وهما يستحقان
ثمانية عشر يبقى لهما أربعة، يأخذانها منهما ويبقى للابنتين أربعة وعشرون، وان قالت قد استوفيت نصف
نصيبي فاسقط سهمين من ثمانية عشر يبقى ستة عشر قد اخذا ثلثها خمسة وثلثا وبقي لهما ثلثا سهم فإذا
ضربتها في ثلاثة كانت ثمانية وأربعين قد اخذا منها ستة عشر يبقى لهما سهمان
(مسألة) (إذا قال مات أبي وأنت أخي فقال هو أبي ولست بأخي لم يقبل انكاره لأنه نسب
الميت إليه بأنه أبوه وأقر بمشاركة المقر له في ميراثه بطريق الاخوة فلما أنكر اخوته لم يثبت اقراره به
وبقيت دعواه انه أبوه دونه غير مقبولة كما لو ادعى ذلك قبل الاقرار. فاما ان قال مات أبوك وانا أخوك
فقال لست بأخي فالمال للمقر له وذلك لأنه بدأ بالاقرار بان هذا الميت أبوه فثبت ذلك له ثم ادعى
مشاركته بعد ثبوت الأبوة للأول فإذا أنكر الأول اخوته لم تقبل دعوى هذا المقر
(مسألة) (فإن قال ماتت زوجتي وأنت أخوها فقال لست بزوجها فهل يقبل انكاره؟ على وجهين)
214

وهذه المسألة تشبه الأولى من حيث إنه نسب الميتة إليه بالزوجية في ابتداء اقراره كما نسب الأبوة إليه
في قوله مات أبي وتفارقها في أن الزوجية من شرطها الاشهاد، ويستحب الاعلان بها واشهارها فلا تكاد
تخفى ويمكن إقامة البينة عليها بخلاف النسب فإنه إنما يشهد عليه بالاستفاضة غالبا
(فصل) إذا أقر من أعيلت له المسألة بمن يزيل العول كزوج وأختين أقرت إحداهما بأخ لها
فاضرب مسألة الاقرار وهي ثمانية في مسألة الانكار وهي سبعة تكن ستة وخمسين للمنكرة من مسألة
الانكار سهمان في مسألة الاقرار ستة عشر وللمقرة سهم من مسألة الاقرار في مسألة الانكار سبعة
يبقى في يدها تسعة، فإن أنكر الزوج دفعتها إلى أخيها المقر به وتعطي الزوج ثلاثة من مسألة الانكار
في مسألة الاقرار أربعة وعشرون، فإن أقر الزوج به فهو يدعى تمام النصف أربعة والأخ يدعى أربعة
عشر تكن ثمانية عشر والسهام المقر بها تسعة فإذا قسمتها على الثمانية عشر فللزوج منها سهمان وللأخ سبعة
فإن أقرت الأختان به وأنكر الزوج دفع إلى كل أخت سبعة والى الأخ أربعة عشر يبقى أربعة يقران
بها للزوج وهو ينكرها، ففي ذلك ثلاثة أوجه (أحدها) ان تقر في يد من هي في يده لأن اقراره بطل
لعدم تصديق المقر له (والثاني) يصطلح عليها الزوج والأختان له نصفها ولهما نصفها لأنها لا تخرج عنهم
ولا شئ فيها للأخ لأنه لا يحتمل أن يكون له فيها شئ بحال (الثالث) يؤخذ إلى بيت المال لأنه مال لم يثبت له
مالك، ومذهب أبي حنيفة في الصورة الأولى ان أنكر الزوج اخذت المقرة سهميها من سبعة فقسمتها بين
أخيها وبنتها على ثلاثة فتضرب ثلاثة في سبعة تكن إحدى وعشرين لهما منها ستة لها سهمان ولأخيها أربعة
وان أقر الزوج ضم سهامه إلى سهمها تكن خمسة واقتسماها بينهم على سبعة للزوج أربعة وللأخ سهمان
215

وللأخت سهم واضرب سبعة في سبعة تكن تسعة وأربعين ومنها تصح للمنكرة سهمان في سبعة أربعة عشر
وللزوج أربعة في خمسة وللأخ سهمان في خمسة وللمقرة سهم في خمسة
(مسألة) (فإن كان معهم أختان من أم فمسألة الانكار من تسعة ومسألة الاقرار من أربعة
وعشرين وهما يتفقان بالأثلاث إذا ضربت وفق إحداهما في الأخرى تكن اثنين وسبعين للزوج
من مسألة الانكار ثلاثة في وفق مسألة الاقرار أربعة وعشرون وللأختين من الأم سهمان
في ثمانية ستة عشر وللمنكرة كذلك وللمقرة سهم من مسألة الاقرار في وفق مسألة الانكار
ثلاثة يبقى في يدها ثلاثة عشر للأخ منها ستة ضعف سهمها يبقى سبعة أسهم لا يدعيها أحد ففيها
الأوجه الثلاثة التي ذكرناها)
(أحدها) تقر في يد المقرة (والثاني) تؤخذ إلى بيت المال (والثالث) يقسم بين الزوج
والمقرة والأختين من الأم على حسب ما يحتمل انه لهم لأن هذا المال لا يخرج عنهم فإن المقرة ان كانت
صادقة فهو للزوج والأختين من الأم وإن كذبت فهو لها وإن كان لهم لا يخرج عنهم قسم بينهم على
قدر الاحتمال كما قسمنا الميراث بين الخنثى ومن معه على ذلك. فعلى هذا يكون للمقرة النصف وللزوج
والأختين النصف بينهم على خمسة لأن هذا في حال للمقرة وفي حال لهما فقسم بينهم نصفين ثم جعل
نصف الزوج والأختين بينهم على خمسة لأن له النصف ولهما الثلث وذلك خمسة من ستة فتقسم السبعة
الأسهم بينهم على عشرة للمقرة خمسة وللزوج ثلاثة وللأختين سهمان، فإذا أردت تصحيح المسألة
فاضرب المسألة وهي اثنان وسبعون في عشرة، ثم كل من له شئ من اثنين وسبعين مضروب في عشرة
216

ومن له شئ من عشرة مضروب في سبعة وان صدقها الزوج فهو يدعي اثني عشر تمام النصف والأخ
يدعي ستة تكن ثمانية عشر والثلاثة عشر لا تنقسم عليها ولا توافقها فاضرب المسألة في ثمانية عشر
تكن ألفا ومائتين وستة وتسعين ثم كل من له شئ من اثنين وسبعين مضروب في ثمانية عشر ومن له
شئ من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر فللزوج أربعة وعشرون في ثمانية عشر أربعمائة واثنان
وثلاثون وللأختين من الأم مائتان ثمانية وثمانون وللمنكر كذلك وللمقرة ثلاثة في ثمانية عشر أربعة
وخمسون وللأخ ستة في ثلاثة عشر ثمانية وسبعون وللزوج اثنا عشر في ثلاثة عشر مائة وستة وخمسون
وترجع بالاختصار إلى مائتين وستة عشر لأن السهام كلها تتفق بالأسداس وعلى هذا تعمل ما ورد عليك
من هذه المسائل إذا فهمتها إن شاء الله تعالى
(فصل) امرأة وعم ووصى لرجل بثلث ماله فأقرت المرأة والعم أنه أخو الميت فصدقهما ثبت
نسبه واخذ ميراثه وان أقرت المرأة وحدها فلم يصدقها المقر به لم يؤثر اقرارها شيئا وإن صدقها الأخ
وحده فللمرأة الربع بكماله الا أن تجيز الوصية وللعم النصف ويبقى الربع يدفع إلى الوصي وان صدقها
العم ولم يصدقها الوصي فله الثلث وللمرأة الربع والباقي يقر به العم لمن لا يدعيه ففيه الأوجه الثلاثة
التي ذكرناها وإن أقربه العم وحده فصدقه الموصى له أخذ ميراثه وهو ثلاثة أرباع وللمرأة السدس
ويبقى نصف السدس فيحتمل أن يكون لها لأن الموصى له يعترف ببطلان الوصية أو وقوفها على إجازة
217

المرأة ولم تجزها ويحتمل الأوجه الثلاثة وإن لم يصدقه أخذ الثلث بالوصية وأخذت المرأة السدس بالميراث
ويبقى النصف في الأوجه الثلاثة والله سبحانه وتعالى أعلم
باب ميراث القاتل
(كل قتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة يمنع القاتل ميراث المقتول سواء كان القتل عمدا أو خطأ
بمباشرة أو سبب صغيرا كان القاتل أو كبيرا أو مجنونا)
لا يرث قاتل العمد وقد أجمع عليه أهل العلم إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب وابن جبير أنهما ورثاه
وهو رأي الخوارج لأن آية الميراث تتناوله بعمومها فيجب العمل بها ولا تعويل على هذا القول لشذوذه وقيام
الدليل على خلافه فإن عمر رضي الله عنه أعطى دية ابن قتادة المذحجي لأخيه دون أبيه وكان حذفه بسيف
فقتله واشتهرت هذه القصة بين الصحابة فلم تنكر فكانت اجماعا وقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليس
لقاتل شئ " رواه مالك في موطئه والإمام أحمد بسنده وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي
صلى الله عليه وسلم نحوه رواه ابن اللبان باسناده ورواهما ابن عبد البر في كتابه وروى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من قتل قتيلا فإنه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره وإن كان والده أو ولده فليس لقاتل ميراث "
رواه الإمام أحمد باسناده ولان توريث القاتل يفضي إلى تكثير القتل لأن الوارث ربما استعجل موت
موروثه ليأخذ ماله كما فعل الإسرائيلي الذي قتل عمه فأنزل الله تعالى فيه قصة البقرة ويقال ما ورث قاتل
بعد عاميل وهو اسم القتيل فأما القتل خطأ فذهب كثير من أهل العلم إلى أن القاتل لا يرث أيضا نص
218

عليه أحمد يروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس وروي نحوه عن أبي بكر رضي
الله عنهم وبه قال شريح وعروة وطاوس وجابر بن زيد والنخعي والثوري والشعبي وشريك والحسن
ابن صالح ووكيع ويحيى بن آدم والشافعي وأصحاب الرأي وذهب قوم إلى أنه يرث من المال دون
الدية روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب وعطاء والحسن ومجاهد والزهري ومكحول
والأوزاعي وابن أبي ذئب وأبي ثور وابن المنذر وداود وروي نحوه عن علي لأن ميراثه ثابت بالكتاب
والسنة تخصص قاتل العمد بالاجماع فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه
ولنا الأحاديث المذكورة ولان من لا يرث من الدية لا يرث من غيرها كقاتل العمد والمخالف
في الدين، والعمومات مخصصة بما ذكرناه فعلى هذا القتل المانع من الميراث هو القتل بغير حق كالعمد
وشبه العمد والخطأ وما أجري مجراه كالقتل بالسبب وقتل الصبي والمجنون والنائم وكل قتل مضمون
بقصاص أو دية أو كفارة.
(مسألة) (فأما ما لا يضمن بشئ من هذا القتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن نفسه وقتل العادل
الباغي والباغي العادل فلا يمنع وعنه لا يرث العادل الباغي ولا الباغي العادل فيخرج منه أن كل قاتل لا يرث)
وجملة ذلك أن القتل المانع من الإرث ما كان مضمونا على ما ذكرنا فأما ما ليس بمضمون فلا يمنع
الميراث كالقتل قصاصا وحدا ودفعا عن نفسه وقتل العادل الباغي أو من قصد مصلحة موليه بماله فعله
من سقي دواء أو بط خراج فمات أو من أمره انسان عاقل كبير ببط خراجه أو قطع سلعة منه فمات
بذلك ورثه في ظاهر المذهب قال أحمد إذا قتل الباغي العادل في الحرب يرثه وعن أحمد أن العادل
219

إذا قتله الباغي في الحرب لا يرثه ونقل محمد بن الحكم عن أحمد في أربعة شهود شهدوا على أختهم
بالزنا فرجمت فرجموا مع الناس يرثونها هم غير قتلة وعن أحمد رواية أخرى تدل على أن القتل يمنع
الميراث بكل حال فإنه قال في رواية ابنيه صالح و عبد الله لا يرث الباغي العادل ولا العادل الباغي وهذا
يدل على أن القتل يمنع الميراث بكل حال وهو ظاهر مذهب الشافعي أخذا بظاهر الحديث ولأنه قاتل
فأشبه الصبي والمجنون وقال أبو حنيفة وصاحباه كل قتل لا يأثم فيه لا يمنع الميراث كقتل الصبي والمجنون
والنائم والساقط على انسان من غير اختيار منه وسائق الدابة وقائدها وراكبها إذا قتلت بيدها أو فيها
فإنه يرثه لأنه قتل غير متهم فيه ولا اثم فيه أشبه القتل في الحد
ولنا على أبي حنيفة وأصحابه عموم الاخبار خصصنا منها القتل الذي لا يضمن ففي ما عداه تبقي على
مقتضاها ولأنه قتل مضمون فيمنع الميراث كالخطأ
ولنا على الشافعي أنه فعل مأذون فيه فلم يمنع الميراث كما لو أطعمه أو سقاه باختياره فأفضى إلى
تلفه ولأنه حرم الميراث في محل الوفاق كيلا يفضي إلى اتحاد القتل المحرم وزجرا عن اعدام النفس
المعصومة وفي مسئلتنا حرمان الميراث يمنع إقامة الحدود الواجبة واستيفاء الحقوق المشروعة ولا يفضي
إلى ايجاد قتل محرم فهو ضد ما ثبت في الأصل ولا يصح القياس على قتل الصبي والمجنون لأنه قتل
محرم وتفويت نفس معصومة والتوريث يفضي إليه بخلاف مسئلتنا إذا ثبت هذا فالمشارك في القتل في
الميراث كالمنفرد لأنه يلزمه من الضمان بحسبه فلو شهد على موروثه مع جماعة ظلما فقتل لم يرثه وان
شهد بحق ورثه لأنه غير مضمون
220

(فصل) أربعة اخوة قتل أكبرهم الثاني ثم قتل الثالث الأصغر سقط القصاص عن الأكبر لأن ميراث الثاني
صار للثالث والأصغر نصفين فلما قتل الثالث الأصغر لم يرثه وورثه الأكبر فرجع إليه نصف دم نفسه وميراث
الأصغر جميعه فسقط عنه القصاص لميراثه بعض دم نفسه وله القصاص على الثالث ويرثه في ظاهر المذهب فإن اقتص
منه ورثه وورث أخوته الثلاثة ولو أن اثنين قتل أحدهما أحد أبويهما وهما زوجان ثم قتل الآخر أبا الآخر
سقط القصاص عن الأول ووجب على القاتل الثاني لأن الأول لما قتل أباه ورث ماله ودمه أخوه وأمه
فلما قتل الثاني أمه ورثها قاتل الأب فصار له من دم نفسه ثمنه فسقط القصاص عنه لذلك وله القصاص
على الآخر فإن قتله ورثه في ظاهر المذهب وان جرح أحدهما أباه والآخر أمه وما نافي حال واحدة ولا
وارث لهما سواهما فلكل واحد منهما مال الذي لم يقتله ولكل واحد منهما القصاص على صاحبه ولذلك
لو قتل كل واحد منهما أحد الأبوين ولم يكونا زوجين فلكل واحد منهما القصاص على أخيه الا أنه لا
يمكن أحدهما الاستيفاء الا بابطال حق الآخر فيسقطان وان عفي أحدهما عن الاخر فللآخر قتل العافي
ويرثه في الظاهر إن بادر أحدهما فقتل أخاه سقط القصاص عنه وورثه في الظاهر ويحتمل أن لا يرثه
ويجب القصاص عليه لأن القصاصين لما تساويا وتعذر الجمع بين استيفائهما سقط فلم يبق لهما حكم فيكون
المستوفي منهما متعديا باستيفائه فلا يرث أخاه ويجب القصاص عليه بقتله وان أشكل كيفية موت الأبوين
وادعى كل واحد منهما أن قتيله أولهما موتا خرج في توريثهما ما ذكرنا في الغرقى من توريث كل واحد
من الميتين من الآخر ثم يرث كل واحد منهما بعض دم نفسه فيسقط القصاص عنهما ومن لا يرى ذلك
221

فالجواب فيها كالتي قبلها ويحتمل أن يسقط القصاص بكل حال للشبهة والله أعلم ويكون لكل واحد
منهما دية الآخر وماله
باب ميراث المعتق بعضه
لا يرث العبد ولا يورث سواء كان قنا أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد. قال شيخنا لا أعلم
خلافا في أن العبد لا يرث إلا ما روي عن ابن مسعود في رجل مات وترك أبا مملوكا يشترى من
ماله ويعتق ويرث وقاله الحسن وحكي عن طاوس أن العبد يرث ويكون ما ورثه لسيده ككسبه وكما
لو وصى له ولأنه تصح الوصية له فيرث كالحمل
ولنا أن فيه نقصا منع كونه موروثا فمنع كونه وارثا كالمرتد ويفارق الوصية فإنها تصح لمولاه ولا
ميراث له وقياسهم ينتقض بمختلفي الدين، وقول ابن مسعود لا يصح لأن الأب رقيق حين موت ابنه
فلم يرثه كسائر الأقارب وذلك لأن الميراث صار لأهله بالموت فلم ينتقل عنهم إلى غيرهم وأجمعوا على
أن المملوك لا يورث لأنه لا مال له فإنه لا يملك، ومن قال أنه يملك بالتمليك فملكه ناقص غير مستقر
يزول إلى سيده بزوال ملكه عن رقبته بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " من باع عبدا وله مال فماله
للبائع إلا أن يشترط المبتاع " ولان السيد أحق بمنافعه واكتسابه في حياته فكذلك بعد مماته وممن روي
عنه أن العبد لا يرث ولا يورث ولا يحجب علي وزيد والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، والأسير
الذي عند الكفار يرث إذا علمت حياته في قول عامة الفقهاء الا سعيد بن المسيب فإنه قال لا يرث لأنه عبد
ولا يصح لأن الكفار لا يملكون الأحرار بالقهر وهو باق على حريته فيرث كالمطلق
222

(فصل) والمدبر وأم الولد كلفن لأنه رقيق بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا، وأم الولد مملوكة
يجوز لسيدها وطؤها بحكم الملك واجارتها وحكمها حكم الأمة في جميع أحكامها الا فيما ينقل الملك فيها
أو يراد له كالرهن فاما المكاتب فإن لم يملك قدر ما عليه فهو عبد لا يرث ولا يورث، وان ملك قدر
ما يؤدي ففيه روايتان (إحداهما) أنه عبد ما بقي عليه درهم لا يرث ولا يورث روي ذلك عن عمر
وزيد بن ثابت وابن عمر وعائشة وأم سلمة وعمر بن عبد العزيز والشافعي وأبي ثور وعن ابن المسيب
وشريح والزهري نحوه لما روى أبو داود باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيما عبد كاتب على مائة
أوقية فأداها الا عشر أواق فهو عبد وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها الا عشرة دنانير فهو عبد "
وعن محمد بن المنكدر وعبد الله مولى عفرة وعبد الله بن عبيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتاب بن أسيد " من
كاتب مكاتبا فهو أحق به حتى يقضي كتابته " وقال القاضي وأبو الخطاب إذا أدى المكاتب ثلاثة
أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأن ذلك يجب إيتاؤه للمكاتب فلا يجوز ابقاؤه على الرق لعجزه
عما يجب ورده إليه (والرواية الثانية) أنه إذا ملك ما يؤدي صار حرا يرث ويورث فإذا مات له من
يرثه ورث، وان مات فلسيده بقية كتابته والباقي لورثته لما روى أبو داود باسناده عن أم سلمة قالت
قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه " وروى
الحكم عن علي وابن مسعود وشريح يعطى سيده من تركته ما بقي من كتابته فإن فضل شئ كالورثة
المكاتب وروي نحوه عن الزهري وبه قال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن والنخعي
223

والشعبي والحسن ومنصور ومالك وأبو حنيفة الا أن مالكا جعل من كان معه في كتابته أحق ممن
لم يكن معه فإنه قال في مكاتب هلك وله أخ معه في الكتابة وله ابن قال ما فضل من كتابته لأخيه
دون ابنه وجعله أبو حنيفة عبدا ما دام حيا وان مات أدي من تركته باقي كتابته والباقي
لورثته، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر انكم مكاتبون مكاتبين فأيهم أدى النصف
فلا رق عليه وعن علي إذا أدى النصف فهو حر وعن عروة نحوه وعن الحسن إذا أدى الشطر فهو
غريم، وعن ابن مسعود وشريح مثله وعن ابن مسعود إذا أدى ثلثا أو ربعا فهو غريم وعن ابن عباس
إذا كتب الصحيفة فهو غريم وعن علي قال: تجري العتاقة في المكاتب في أول نجم يعني يعتق منه
بقدر ما أدى وعنه أنه قال يرث ويحجب ويعتق منه بقدر ما أدى، وروى حماد بن سلمة عن أيوب
عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أصحاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب
ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه، وفي رواية يؤدي المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر
وقدر مارق منه دية العبد. قال يحيى بن أبي كثير وكان علي رضي الله عنه ومروان بن الحكم يقولان
ذلك وقد روي حديث ابن عباس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والحديث الذي روياه لقولنا أصح
ولا نعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا وما ذكرناه أولى إن شاء الله
(مسألة) (فأما المعتق بعضه فما كسبه يجزئه الحر فهو لورثته ويرث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية)
وجملة ذلك أن المعتق بعضه إذا اكتسب مالا ثم مات وخلفه فإن كان قد كسبه يجزئه الحر مثل
أن يكون قد هايأ سيده على منفعته فاكتسب في أيامه أو ورث شيئا فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه
224

الحر أو كان قد قاسم سيده في حياته فتركته كلها لورثته لا حق لمالك باقيه فيها، وقال قوم جميع ما خلفه
بينه وبين سيده قال ابن اللبان هذا غلط لأن الشريك إذا أخذ حقه من كسبه لم يبق له حق في الباقي
ولا سبيل له على ما كسبه بنصف الحر كما لو كان بين الشريكين فاقتسما كسبه لم يكن لأحدهما حق في
حصة الآخر، والعبد يخلف أحد الشريكين فيما عتق منه فأما ان لم يكن كسبه بجزئه الحر خاصة ولا
اقتسما كسبه فلمالك باقيه من تركته بقدر ملكه فيه والباقي لورثته فإن مات له من يرثه فإنه يرث ويورث
ويحجب على قدر ما فيه من الحرية هذا قول على وابن مسعود رضي الله عنهما وبه قال عثمان التيمي
وحمزة الزيات وابن المبارك والمزني وأهل الظاهر، وقال زيد بن ثابت لا يرث ولا يورث وأحكامه
أحكام العبد وبه قال مالك والشافعي في القديم وجعلا ماله لمالك باقيه قال ابن اللبان هذا غلط لأنه
ليس لمالك باقيه على ما عتق منه ملك ولا ولاء ولا هو ذو رحم قال ابن شريح يحتمل على قول الشافعي
القديم أن يجعل في بيت المال لأنه لا حق له فيما كسبه يجزئه الحر، وقال الشافعي في الجديد ما كسبه
يجزئه الحر لورثته ولا يرث هو ممن مات شيئا وبه قال طاوس وعمرو بن دينار وأبو ثور وقال ابن
عباس هو كالحر في جميع أحكامه في توريثه والإرث منه وغيرهما وبه قال الحسن وجابر بن زيد
والشعبي والنخعي والحكم وحماد وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد واللؤلؤي ويحيى بن آدم
وداود وقال أبو حنيفة إن كان الذي لم يعتق استسعى العبد فله من تركته سعاية وله نصف ولاية وإن كان
غرم الشريك فولاؤه كله للذي أعتق بعضه
225

ولنا ما روى عبد الله بن أحمد ثنا الرملي عن يزيد بن هارون عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال في العتيق بعتق بعضه " يرث ويورث على قدر ما عتق منه " ولأنه يجب أن يثبت
لكل بعض حكمه كما لو كان الآخر مثله وقياسا لأحدهما على الآخر إذا ثبت هذا فالتفريع على قولنا
لأن العمل على غيره واضح وكيفية توريثه أن يعطى من له فرض بقدر ما فيه من الحرية من فرضه
وإن كان عصبة نظر ماله مع الحرية الكاملة فأعطي بقدر ما فيه منها فإذا خلف أما وبنتا نصفهما حر
وأبا حرا فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها وهو الربع وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث والسدس
مع حرية البنت فقد حجبتها بحريتها عن السدس فبنصف حريتها تحجبها عن نصفه يبقى لها الربع
لو كانت حرة فلها بنصف حريتها نصفه وهو الثمن والباقي للأب وإن شئت نزلتهم أحوالا كتنزيل
الخناثي فنقول إن كانتا حرتين فالمسألة من ستة للبنت ثلاثة وللأم السدس سهم والباقي للأب، وإن
كانا رقيقين فالمال للأب، وإن كانت البنت وحدها حرة فلها النصف والمسألة من اثنين وإن كانت
الأم وحدها حرة فلها الثلث وهي من ثلاثة وكلها تدخل في الستة فتضربها في الأربعة الأحوال تكن
أربعة وعشرين للبنت ستة وهي الربع لأن لها النصف في حالين وللأم الثمن وهو ثلاثة لأن لها السدس
في حال والثلث في حال والباقي للأب ويرجع بالاختصار إلى ثمانية.
(مسألة) (وإن كان عصبتان نصف كل واحد منهما حر كالأخوين فهل تكمل الحرية فيما؟
يحتمل وجهين، وإن كان أحدهما يحجب الآخر كابن وابن ابن فالصحيح أنها لا تكمل)
إذا كان عصبتان لا يحجب أحدهما الآخر كابنين نصفهما حر ففيه وجهان
(أحدهما) تكمل الحرية فيهما بان تضم الحرية من أحدهما إلى ما في الآخر منهما فإن كمل منهما
226

واحد ورثا جميعا ميراث ابن حر لأن نصفي شئ، شئ كامل، ثم يقسم ما ورثاه بينهما على قدر
ما في كل واحد منهما فإذا كان ثلثا أحدهما وثلث الآخر كان ما ورثاه بينهما أثلاثا فإن نقص ما فيهما
من الحرية عن حر كامل ورثا بقدر ما فيهما وإن زاد على حر واحد وكان الحران فيهما سواء قسم
ما يرثانه بينهما بالسوية، وإن اختلفا أعطي كل واحد منهما بقدر ما فيه قال الخبري قال الأكثرون
هذا قياس قول علي رضي الله عنه
(والوجه الثاني) لا تكمل الحرية فيهما لأنها لو كملت لم يظهر للرق أثر وكانا في ميراثهما كالحرين
وإن كان أحدهما يحجب الآخر فقيل فيهما وجهان والصحيح أن الحرية لا تكمل ههنا لأن الشئ
لا يكمل بما يسقطه ولا يجمع بينه وبين ما ينافيه وورثهم بعضهم بالخطاب وتنزيل الأحوال وحجب
بعضهم لبعض على مثال تنزيل الخناثى وهو قول أبي يوسف وقد ذكرناه.
(مسائل) ذلك (ابن نصفه حر له نصف المال فإن كان معه ابن آخر نصفه حر فلهما المال في أحد
الوجهين وفي الآخر لهما نصفه والباقي للعصبة أو لبيت المال ان لم يكن عصبة ويحتمل أن يكون لكل
منهما ثلاثة أثمان المال لأنهما لو كانا حرين لكان لكل واحد منهما النصف ولو كانا رقيقين لم يكن لهما
شئ ولو كان الأكبر وحده حرا كان له المال ولا شئ للأصغر، ولو كان الأصغر وحده حرا
فكذلك، فلكل واحد منهما في الأحوال الأربعة مال ونصف فله ربع ذلك وهو ثلاثة أثمان فإن
كان معهما ابن آخر ثلثه حر فعلى الوجه الأول يقسم المال بينهم على ثمانية كما تقسم مسأله المباهلة
وعلى الثاني يقسم النصف بينهم على ثمانية، وفيه وجه آخر يقسم الثلث بينهم أثلاثا ثم يقسم السدس بين
227

صاحبي النصفين نصفين وعلى تنزيل الأحوال يحتمل أن يكون لكل واحد ممن نصفه حر سدس المال
وثمنه، ولمن ثلثه حر ثلثا ذلك وهو تسع المال ونصف سدسه لأن لكل واحد المال في حال ونصفه
في حالين وثلثه في حال فيكون له مالان وثلث في ثمانية أحوال فيعطيه ثمن ذلك وهو سدس وثمن
ويعطى من ثلثيه، وهو تسع المال ونصف سدسه ابن حر وابن نصفه حر المال بينهما على ثلاثة على
الوجه الأول وعلى الثاني النصف بينهما نصفان والباقي للحر فيكون للحر ثلاثة أرباع وللآخر
الربع ولو نزلتهما بالأحوال أفضى إلى هذا لأن للحر المال في حال والنصف في حال فلهما نصفهما وهو
ثلاثة أرباع وللآخر نصفه في حال فله نصف ذلك وهو الربع ولو خاطبتهما لقلت للحر: لك المال،
لو كان أخوك رقيقا ونصفه لو كان حرا فقد حجبك بحريته عن النصف فبنصفها يحجبك عن الربع
يبقى لك ثلاثة أرباع، ويقال للآخر لك النصف لو كنت حرا فإذا كان نصفك حرا فلك نصفه وهو
الربع ابن ثلثاه حر وابن ثلثه حر على الأول المال بينهما أثلاثا وعلى الثاني الثلث بينهما وللآخر ثلث
فيكون له النصف وللآخر السدس وقيل الثلثان بينهما أثلاثا فانا بالخطاب نقول لمن ثلثاه حر لو كنت
وحدك حرا كان لك المال، ولو كنتما حرين كان لك النصف فقد حجبك بحريته عن النصف فبثلثها
يحجبك عن السدس يبقى لك خمسة أسداس لو كنت حرا فلك بثلثي حرية خمسة أتساع، ويقال للاخر
يحجبك أخوك بثلثي حرية عن ثلثي النصف وهو الثلث يبقى لك الثلثان فله بثلث حريته ثلث ذلك وهو
التسعان ويبقى التسعان لعصبته إن كان أو ذي رحم وإلا لبيت المال ابن حر وبنت نصفها حر للابن
خمسة أسداس المال وللبنت سدسه في الخطاب والتنزيل جميعا ومن جمع الحرية أفضى قوله إلى أن له
228

أربعة أخماس المال ولها الخمس فإن كانت البنت حر والابن نصفه حر وعصبة فللابن الثلث ولها ربع
وسدس ومن جمع الحرية فيهما جعل المال بينهما نصفين، ابن وبنت نصفهما حر وعصبة فمن جمع الحرية
فثلاثة أرباع المال بينهما على ثلاثة وقال بعض البصريين النصف بينهما على ثلاثة ومن ورث بالتنزيل
والأحوال قال للابن المال في حال وثلثاه في حال فله ربع ذلك ربع وسدس وللبنت نصف ذلك
ثمن ونصف سدس والباقي للعصبة، وان شئت قلت إن قدرناهما حرين فهي من ثلاثة وان قدرنا
البنت وحدها حرة فهي من اثنين وإن قدرنا الابن وحده حرا فالمال له وإن قدرناهما رقيقين فالمال
للعصبة فتضرب الاثنين في ثلاثة تكن ستة ثم في أربعة أحوال تكن أربعة وعشرين فللابن المال
في حال ستة وثلثاه في حال أربعة صار له عشرة وللبنت النصف في حال خمسة وللعصبة المال في حال
ونصفه في حال تسعة فإن لم تكن عصبة جعلت للبنت في حال حريتها المال كله بالفرض والرد فيكون لها
مال وثلث فيجعل لها ربع ذلك وهو الثلث وإن كان معهما امرأة وأم حرتان كملت الحرية فيهما
فحجبا الأم إلى السدس والمرأة إلى الثمن لأن كل واحد منهما لو انفرد لحجب نصف الحجب فإذا
اجتمعا اجتمع الحجب ومن ورث بالأحوال والتنزيل قال للأم السدس في ثلاثة أحوال والربع في
حال فلها ربع ذلك وهو سدس وثلث ثمن وللمرأة الثمن في ثلاثة أحوال والربع في حال فلها ربع
ذلك وهو الثمن وربع الثمن وللابن الباقي في حال وثلثاه في حال فله ربعه وللبنت ثلث الباقي في حال
والنصف في حال فلها ربعه وإن لم يكن في المسألة عصبة فللبنت بالفرض والرد أحد وعشرون من اثنين
وثلاثين مكان النصف وللأم سبعة مكان سدس وتصح المسألة إذا لم يكن فيها رد بالبسط من مائتين
229

وثمانية وثمانين سهما للام منها ستون وللمرأة خمسة وأربعون وللابن خمسة وثلاثون وللبنت ثلاثة
وخمسون والباقي للعصبة وقياس قول من جمع الحرية في الحجب أن يجمع الحرية في التوريث
فيكون لهما ثلاثة أرباع الباقي وقال ابن اللبان لهما سبعة عشر من ثمانية وأربعين لأنهما لو كانا حرين
لكان لهما سبعة عشر من أربعة وعشرين فيكون لهما بنصف حريتهما نصف ذلك وهذا غلط لأنه جعل
حجب كل واحد منهما لصحابه بنصف حريته كحجبه إياه بجميعها ولو ضاع ذلك لكان لهما حال انفرادهما
النصف بينهما من غير زيادة، ابن وأبوان نصف كل واحد منهما حر إن قدرناهم أحرارا فللابن الثلثان وإن
قدرناه حرا وحده فله المال وإن قدرنا معه أحد الأبوين حرا فله خمسة أسداس فبجمع ذلك تجده ثلاثة أموال
وثلثا فله ثمنها وهو ربع وسدس وللأب المال في حال وثلثاه في حال وسدساه في حالين فله ثمن ذلك ربع
وللأم الثلث في حالين والسدس في حالين فلها الثمن والباقي للعصبة وان عملتها بالبسط قلت إن قدرناهم
أحرارا فهي من ستة وان قدرنا الابن وحده حرا فهي من سهم وكذلك الأب وان قدرنا الأم وحدها
حرة وقدرناها مع حرية الأب فهي من ثلاثة وان قدرنا الابن مع الأب أو مع الأم فهي من ستة
وان قدرناهم رقيقا فالمال للعصبة وجميع المسائل تدخل في ستة فتضربها في الأحوال وهي ثمانية تكن
ثمانية وأربعين للابن المال في حال ستة وثلثاه في حال أربعة وخمسة أسداسه في حالين عشرة فذلك
عشرون سهما من ثمانية وأربعين وللأب المال في حال ستة وثلثاه في حال أربعة وسدساه في حالين
230

وذلك اثنا عشر وللأم الثلث في حالين والسدس في حالين وذلك ستة وهي الثمن وإن كان ثلث كل
واحد منهما حرا زدت على الست نصفها تصر تسعة وتضربها في الثمانية تكن اثنين وسبعين فللابن عشرون
من اثنين وسبعين وهي السدس والتسع وللأب اثنا عشر وهي السدس وللأم ستة وهي نصف السدس
ولم تتغير سهامهم وإنما صارت منسوبة إلى اثنين وسبعين وإن كان ربع كل واحد منهم حرا زدت على
الستة مثلها وقيل فيما إذا كان نصف كل واحد منهم حرا للام الثمن وللأب الربع وللابن النصف ابن
نصفه حر وأم حرة للام الربع وللابن النصف وقيل له ثلاثة أثمان وهو نصف ما يبقى فإن كان بدل
الأم أختا حرة فلها النصف وقيل لها نصف الباقي لأن الابن يحجبها بنصفه عن نصف فرضها فإن كان
نصفها حرا فلها الثمن على هذا القول وعلى الأول لها الربع فإن كان مع الابن أخت من أم أو أخ من
أم فلكل واحد منهما نصف السدس وإن كان معه عصبة حر فله الباقي كله
(فصل) ابن نصفه حر وابن ابن حر المال بينهما نصفين في قول الجميع الا الثوري قال لابن
الابن الربع لأنه محجوب بنصف الابن عن الربع فإن كان نصف الثاني حرا فله الربع وإن كان معهما
ابن ابن ابن نصفه حر فله الثمن وقيل للأعلى النصف وللثاني النصف لأن فيهما حرية ابن وهذا قول
أبي بكر وقال سفيان لا شئ للثاني والثالث لأن ما فيهما من الحرية محجوب بحرية الابن فإن كان معهم أخ
231

حر أو غيره من العصبات فله الباقي وإن كان نصفه حرا فله نصف ما بقي الا على الوجهين الآخرين
ابن نصفه حر وابن ابن ثلثه حر واخ ثلاثة أرباعه حر للابن النصف وللثاني ثلث الباقي وهو السدس
وللأخ ثلاثة أرباع الباقي وهو الربع وعلى القول الآخر للابن النصف ولابن الابن الثلث والباقي
للأخ ثلاثة اخوة مفترقين نصف كل واحد حر للأخ من الأم نصف السدس وللأخ من الأبوين
نصف الباقي وللأخ من الأب نصف الباقي وتصح من ثمانية وأربعين للأخ من الأم أربعة وللأخ من
الأبوين اثنان وعشرون وللأخ من الأب أحد عشر وعلى القول الآخر للأخ من الأم نصف سدس
وللأخ من الأبوين النصف وللأخ من الأب ما بقي فإن كان معهم بنت حرة فلها النصف ولا شئ للأخ
من الأم وللأخ من الأبوين الربع وللأخ من الأب الثمن والباقي للعصبة وعلى القول الآخر الباقي
للأخ من الأبوين وحده فإن كان نصف البنت حرا فلها الربع وللأخ من الأم ربع السدس وللأخ من
الأبوين نصف الباقي وللأخ من الأب الباقي
(فصل) بنت نصفها حر لها الربع والباقي للعصبة فإن لم يكن عصبة فلها النصف بالفرض والرد
والباقي لذي الرحم فإن لم يكن فلبيت المال فإن كان معها أم حرة فلها الربع لأن البنت الحرة تحجبها
عن السدس فنصفها يحجبها عن نصفه وإن كان معها امرأة فلها الثمن ونصف الثمن وإن كان معها أخ
من أم فله نصف السدس فإن كان معها بنت ابن فلها الثلث لأنها لو كانت كلها رقيقة لكان لبنت
232

الابن النصف ولو كانت حرة لكان لها السدس فقد حجبتها حريتها عن الثلث فنصفها يحجبها عن السدس
وكل من ذكرنا إذا كان نصفه حرا فله نصف ماله في الحرية فإن كان ثلثه حرا فله ثلثه فإن كان
معها بنت أخرى حرة فلهما ربع المال وثلثه بينهما على ثلاثة عند من جمع الحرية فيهما لأن لهما بحرية
نصفا وبنصف حرية نصف كمال الثلثين وفي الخطاب والتنزيل للحرة ربع وسدس وللأخرى سدس
لأن نصف إحداهما يحجب الأخرى الحرة عن نصف السدس فيبقي لها ربع وسدس والحرة تحجبها
عن سدس كامل فيبقى لها سدس فإن كان نصفهما رقيقا ومعهما عصبة فلهما ربع المال وسدسه بينهما
233

لأنهما لو كانتا حرتين لكان لهما الثلثان ولو كانت الكبرى وحدها حرة كان لها النصف وكذلك
الصغرى ولو كانتا أمتين كان المال للعصبة فقد كان لهما مال وثلثان فلهما ربع ذلك وهو
ربع وسدس. وطريقهما بالبسط ان تقول لو كانتا حرتين فالمسألة من ثلاثة ولو كانت
الكبرى وحدها حرة فهي من اثنين وكذلك إذا كانت الصغرى وحدها حرة وان كانتا أمتين فهي
من سهم فتضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة ثم في الأحوال الأربعة تكن أربعة وعشرين للكبرى نصف المال
في حال ثلاثة وثلثه في حال سهمان صار لها خمسة من أربعة وعشرين وللأخرى مثل ذلك وللعصبة
234

المال في حال والنصف في حالين والثلث في حال وذلك أربعة عشر سهما من أربعة وعشرين سهما
ومن جمع الحرية فيهما جعل لهما النصف والباقي للعصبة فإذا لم تكن عصبة نزلتهما على تقدير الرد فيكون
حكمهما حكم اثنين نصف كل واحد منهما حر على ما بيناه ثلاث بنات ابن متنازلات نصف كل واحدة
حر وعصبة للأولى الربع وللثانية السدس لأنها لو كانت حرة كان لها الثلث وللثالثة نصف السدس في
قول البصريين لأنك تقول للسفلى لو كانتا أمتين كان لك النصف ولو كانت إحداهما حرة كان لك
235

السدس فنصفهما ثلث فتحجبك العليا عن ربع والثانية عن نصف سدس فيبقى لك سدس لو كنت حرة
فإذا كان نصفك حرا كان لك نصفه، وفي التنزيل للثالثة نصف الثمن وثلثه وذلك لأننا لو نزلنا كل واحدة
حرة وحدها كان لها النصف، فهذه ثلاثة أحوال من اثنين اثنين، ولو كن إماء كان المال للعصبة ولو كن
أحرارا كان للأولى النصف وللثانية السدس والثلث للعصبة، ولو كانت الأولى والثانية حرتين فكذلك
ولو كانت الثانية والثالثة حرتين فللثانية النصف وللثالثة السدس والثلث للعصبة فهذه أربعة أحوال من
ستة ستة، والمسائل كلها تدخل فيها فتضربها في ثمانية أحوال تكن ثمانية وأربعين للعليا النصف في أربعة
236

أحوال اثنا عشر وهي الربع وللثانية النصف في حالين والسدس في حالين وهي ثمانية وذلك هو السدس
وللثالثة النصف في حال والسدس في حالين وهي خمسة وهي نصف الثمن وثلثه، وقال قوم تجمع الحرية
فيهن فيكون منهن حرية ونصف لهن بها ثلث وربع للأولى والثانية ربعان وللثالثة نصف سدس فإن كان
معهن رابعة كان لها نصف سدس آخر. ثلاث أخوات مفترقات نصف كل واحدة حر وأم حرة وعم
للتي من قبل الأبوين الربع وللتي من قبل الأب السدس وللتي من قبل الأم نصف السدس وللأم
الثلث لأنها لا تنحجب الا باثنين من الاخوة والأخوات ولم تكمل الحرية اثنتين وللعم ما بقي،
وهكذا لو كانت أخت حرة وأخرى نصفها حر وأم حرة فللام الثلث لما ذكرناه قال الخبري للام
237

الربع وحجبها بالحر كما يحجب بنصف البنت، والفرق بينهما أن الحجب بالولد غير مقدر بل هو مطلق
في الولد والجزء منه وفي الاخوة مقدر باثنين فلا يثبت بأقل منهما ولذلك لم يحجب بالواحد عن شئ أصلا
وهذا قول ابن اللبان وحكى القول الأول عن الشعبي وقال هذا غلط، وفي الباب اختلاف كثير وفروع
قلما تتفق وقل مسألة تجئ إلا ويمكن عملها بقياس ما ذكرنا
(باب الولاء)
الأصل فيه قوله تعالى (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) يعني الأدعياء وقول
النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " متفق عليه وعن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن بيع الولاء وهبته وقال عليه السلام " لعن الله من تولى غير مواليه " قال الترمذي هذا حديث
حسن صحيح وقال صلى الله عليه وسلم " مولى القوم منهم " حديث صحيح، وروى الخلال باسناده
عن ابن أبي أوفي قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب
(مسألة) (كل من أعتق عبدا أو عتق عليه برحم أو كتابة أو تدبير أو استيلاد أو وصية
238

بعقته فله عليه الولاء وعلى أولاده من زوجة معتقة أو من أمه وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم
ومعتقهم أبدا ما تناسلوا)
أجمع أهل العلم على أن من أعتق عبدا أو عتق عليه ولم يعتقه سائبة ولا من زكاته أو نذره أو كفارته
أن له عليه الولاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " متفق عليه
(فصل) وان أعتق حربي حربيا فله عليه الولاء لأن الولاء مشبه بالنسب والنسب ثابت بين
أهل الحرب فكذلك الولاء وهذا قول عامة أهل العلم الا أهل العراق فإنهم قالوا: العتق في دار
الحرب والكتابة والتدبير لا يصح
ولنا أن ملكهم ثابت بدليل قول الله تعالى (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) فنسبها إليهم فصح
عتقهم كأهل الاسلام وإذا صح عتقهم ثبت الولاء لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق "
فإن جاءنا المعتق مسلما فالولاء بحاله وان سبي مولى النعمة لم يرث ما دام عبدا فإن أعتق فعليه الولاء
لمعتقه وله الولاء على عتيقه، وهل يثبت لمعتق السيد ولاء على معتقه؟ يحتمل أن يثبت لأنه مولى مولاه
ويحتمل أن لا يثبت لأنه ما حصل منه انعام عليه ولا سبب لذلك، فإن كان الذي اشتراه مولاه فأعتقه
فكل واحد منهما مولى صاحبه يرثه بالولاء، وان أسره مولاه فأعتقه فكذلك فإن أسره مولاه وأجنبي
فأعتقاه فولاؤه بينهما نصفين فإذا مات بعده المعتق الأول فلشريكه نصف ماله لأنه مولى النصف مولاه
على أحد الاحتمالين والآخر لا شئ له لأنه لم ينعم عليه، وان سبي المعتق فاشتراه رجل فأعتقه بطل
239

ولاء الأول وصار الولاء للثاني وهو قول مالك والشافعي وقيل الولاء بينهما واختاره ابن المنذر لأنه
ليس أحدهما أولى من الآخر وقيل الولاء للأول لأنه أسبق
ولنا أن السبي يبطل ملك الحربي الأول فالولاء التابع له أولى ولان الولاء بطل باسترقاقه فلم يعد
باعتاقه وان أعتق ذمي عبدا كافرا فهرب إلى دار الحرب فاسترق فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أعتقه
الحربي سواء. وان أعتق مسلم كافرا فهرب إلى دار الحرب ثم سباه المسلمون فذكر أبو بكر والقاضي
أنه لا يجوز استرقاقه وهو قول الشافعي لأن في استرقاقه ابطال ولاء المسلم المعصوم قال ابن اللبان ولان
له أمانا بعتق المسلم إياه.
قال شيخنا والصحيح إن شاء الله جواز استرقاقه لأنه كافر أصلي كتابي فجاز استرقاقه كمعتق
الحربي وكغير المعتق، وقولهم في استرقاقه ابطال ولاء المسلم قلنا لا نسلم بل متى أعتق عاد الولاء للأول
وإنما امتنع عمله في حال رقه لمانع وان سلمنا أن فيه ابطال ولائه ولكن ذلك غير ممتنع كما لو قتل
بكفره فإنه يبطل ولاؤه به فكذلك بالاسترقاق ولان القرابة يبطل عملها بالاسترقاق فكذلك
وقول ابن اللبان له أمان لا يصح فإنه لو كان له أمان لم يجز قتله ولا سبيه، فعلى هذا ان استرق احتمل
أن يكون الولاء للثاني لأن الحكمين إذا تنافيا كان الثابت هو الآخر منهما كالناسخ والمنسوخ واحتمل أن
240

يكون للأول لأن ولاءه ثبت وهو معصوم فلا يزول بالاستيلاء كحقيقة الملك ويحتمل أنه بينهما وأيهما مات
كان للثاني وان أعتق مسلم مسلما أو أعتقه ذمي فارتد ولحق بدار الحرب فسبي لم يجز استرقاقه وان اشتري
فالشراء باطل ولا يقبل منه الا التوبة أو القتل
(مسألة) (أو عتق عليه برحم)
يعني إذا ملكه فعتق عليه بالملك كان له ولاؤه لأنه يعتق من ماله بسبب فعله فكان ولاؤه له
كما لو باشر عتقه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو ارث أو غنيمة أو غيره لا نعلم بين أهل العلم فيه
اختلافا (أو كتابة أو تدبير) يعني إذا كاتبه فأدى إلى مكاتبه وعتق أو عتق بالتدبير فولاؤه لسيده
في قول عامة الفقهاء وبه يقول الشافعي وأهل العراق.
وحكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار وأبي ثور أنه لا ولاء على المكاتب لأنه اشترى نفسه من
سيده فلم يكن له عليه ولاء كما لو اشتراه أجنبي فأعتقه، وكان قتادة يقول من لم يشترط ولاء المكاتب
فللمكاتب أن يوالي من يشاء وقال مكحول أما المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته فجائز
ولنا أن السيد هو المعتق للمكاتب لأنه يبيعه بماله وماله وكسبه لسيده فجعل ذلك له ثم باعه به حتى
عتق فكان هو المعتق وهو المعتق للمدبر أيضا بلا اشكال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " ويدل على
ذلك أن المكاتبين يدعون موالي مكاتبيهم فيقال أبو سعيد مولى أبي أسيد وسيرين مولى أنس
241

وسليمان بن يسار مولى ميمونة وكانوا مكاتبين، ويدل على ذلك حديث بريرة أنها جاءت إلى عائشة
فقالت يا أم المؤمنين اني كاتبت أهلي على تسع أواق فأعينيني فقالت عائشة ان شاء وأعددت لهم عدة
واحدة ويكون ولاؤك لي فعلت، فأبوا أن يبيعوها الا أن يكون الولاء لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي
لهم الولاء " وهذا يدل على أن الولاء كان لهم لو لم تشترها منهم عائشة.
(فصل) وإن اشترى العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق والولاء لسيده لأنه يبيع ماله بماله
فهو مثل المكاتب سواء والسيد هو المعتق لهما فكان الولاء له عليهما.
(مسألة) (أو استيلاد أو وصية بعتقه)
يعني إذا عتقت أم الولد بموت سيدها فولاؤها له يرثها أقرب عصبته وهذا قول عمر وعثمان رضي
الله عنهما وبه قال عامة الفقهاء. وقال ابن مسعود تعتق من نصيب ابنها فيكون ولاؤها له، ونحوه عن
ابن عباس وعن علي لا تعتق ما لم يعتقها وله بيعها، وبه قال جابر بن زيد وأهل الظاهر، وعن ابن
عباس نحوه ولذكر الدليل على ذلك موضع يذكر إن شاء الله تعالى في بابه، ولا خلاف بين القائلين
بعتقها أن ولاءها لمن عتقت عليه. ومذهب الجمهور أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال فيكون
ولاؤها له لأنها عتقت بفعلها من ماله فكان ولاؤها له كما لو عتقت بقوله ويختص ولاؤها الذكور من
عصبة السيد كالمدبر والمكاتب
242

(فصل) ومن أوصى أن يعتق عنه بعد موته فأعتق فالولاء له وكذلك إن أوصى به ولم يقل عني
فأعتق كان الولاء له لأن الاعتاق عنه من ماله فإن أعتق عنه ما يجب عتقه ككفارة ونحوها ففيه
اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى.
(فصل) ويثبت الولاء للمعتق على المعتق لما ذكرنا وعلى أولاده من زوجة معتقة أو من أمته
لأنه ولي نعمتهم وعتقهم بسببه ولأنهم فرع والفرع يتبع أصله بشرط أن يكونوا من زوجة معتقه أو من
أمته فإن كانت أمهم حرة الأصل فلا ولاء على ولدها لأنهم يتبعونها في الحرية والرق فيتبعونها في عدم
الولاء إذ ليس عليها ولاء وكذلك إن كان أبوهم حر الأصل إذا لم يمسسهم رق، فإن كان قد ثبت
ملك فأعتقوا فولاؤهم لمعتقهم للحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام " الولاء لمن أعتق " ويثبت الولاء
للمعتق على معتقي معتقته، ومعتقي أولاده، ومعتقهم أبدا ما تناسلوا، لأنه ولي نعمتهم وبسببه عتقوا
فأشبه ما لو باشرهم بالعتق.
(مسألة) (ويرث به عند عدم العصبة من النسب، فمتى كان للمعتق عصبة أو ذوي فروض
تستحق فروضهم المال فلا شئ للمولى)
لا نعلم في هذا خلافا فإن لم يكن له عصبة ولا ذو فرض يرث المال كله فهو للمولى وإن كان
ذو الفرض لا يرث جميع المال فالباقي للمولى لما روى الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
243

" الميراث للعصبة فإن لم يكن عصبة فللمولى "، وعنه أن رجلا أعتق عبدا فقال للنبي صلى الله عليه وسلم
ما ترى في ماله؟ قال " ان مات ولم يدع وارثا فهو لك " ولان النسب أقوى من الولاء بدليل أنه
يتعلق به التحريم والنفقة وسقوط القصاص ورد الشهادة ولا يتعلق ذلك بالولاء.
(مسألة) (ثم يرث به عصباته الأقرب فالأقرب)
وجملة ذلك أن العتيق إذا لم يخلف من نسبه من يرثه كان ماله لمولاه، فإن كان مولاه ميتا فهو
لأقرب عصبته سواء كان ولدا أو أخا أو عما أو أبا أو غيره من العصاب، وسواء كان المعتق ذكرا
أو أنثى فإن لم يكن له عصبة من أقاربه كان الميراث لمولاه ثم لعصباته الأقرب فالأقرب ثم لمولاه
وكذلك أبدا. روي هذا عن عمر رضي الله عنه وبه قال الشعبي والزهري وقتادة ومالك والثوري
والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه، وروي عن علي رضي الله عنه ما يدل على أن مذهبه في امرأة
ماتت وخلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها أن ميراث مواليها لأخيها وابن أخيها دون ابنها، وروي عنه
الرجوع إلى مثل قول الجماعة، فوري عن إبراهيم أنه قال اختصم علي والزبير في موالي صفية بنت
عبد المطلب فقال علي: أنا أحق بهم أنا أرثهم وأعقل عنهم، وقال الزبير: هم موالي أمي وأنا أرثهم، فقضى
عمر
للزبير بالميراث والعقل على علي رواه سعيد ورواه أبو معاوية بن عبيدة الضبي عن إبراهيم وقال ثنا هشيم
حدثنا الشيباني عن الشعبي قال قضى بولاء موالي صفية للزبير دون العباس وقضى في أم هاني بنت أبي
244

طالب لابنها جعدة بن هبيرة دون علي: وروى الإمام باسناده عن زياد بن أبي مريم أن
امرأة أعتقت عبدا لها ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها ثم توفى مولاها من بعهدها فأتى أخو المرأة
وابنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام " ميراثه لابن المرأة " فقال أخوها يا رسول الله
لو جر جريرة كانت على ويكون ميراثه لهذا؟ قال " نعم " وروى باسناده عن سعيد بن المسيب ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال المولى أخ في الدين ومولى نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق. إذا ثبت هذا فإن المعتقة لو خلفت
ابنها وأخاها أو ابن أخيها ثم مات مولاها فميراثه لابنها، وان مات ابنها بعدها وقبل مولاها
وترك عصبة كأعمامه وبنى أعمامه ثم مات العبد وترك أخا مولاته وعصبة ابنها فميراثه لأخي مولاته لأنه
أقرب عصبة المعتق فإن المرأة لو كانت هي الميتة لورثها أخوها وعصبتها، فإن انقرض عصبتها كان بيت
المال أحق به من عصبة ابنها يروى هذا عن علي وبه قال إبان بن عثمان وقبيصة بن عثمان
وعطاء وطاوس والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأهل العراق، وروي عن علي رواية أخرى
انه لعصبة الابن وروي ذلك عن عمرو ابن عباس وسعيد بن المسيب وبه قال شريح، وهذا مبني على أن
الولاء يورث كما يورث المال وقد روي عن أحمد نحو هذا، واحتجوا بان عمرو بن شعيب روى عن
أبيه عن جده ان رئاب بن حذيفة تزوج امرأة فولدت له ثلاثة غلمة فماتت أمهم فورثوا عنها ولاء مواليها
وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها فأخرجهم إلى الشام فماتوا فقدم عمرو بن العاص ومات مولاها وترك
245

مالا فخاصمه اخوتها إلى عمر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحرز الوالد والولد فهو لعصبته
من كان " قال وكتب له كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت ورجل آخر فنحن
فيه إلى الساعة رواه أبو داود وابن ماجة، والصحيح الأول فإن الولاء لا يورث على ما نذكره إن شاء الله
تعالى، وإنما يورث به وهو باق للمعتق يرثه به أقرب عصباته ومن لم يكن من عصبة أمه لم يرث شيئا
وعصبة الابن غير عصبة أمه فلا يرث الأجانب منها بولائها دون عصباتها، وحديث عمرو بن شعيب غلط
قال احمد الناس يغلطون عمرو بن شعيب في هذا الحديث. فعلى هذا لا يرث المولى العتيق من أقارب معتقه
الا عصباته الأقرب منهم فالأقرب على ما ذكرنا في ترتيب العصبات، ولا يرث ذو فرض بفرضه ولا ذو
رحم الا أن يكون الأب والجد مع البنين والجد مع الاخوة على ما نذكره، فإن اجتمع لرجل منهم فرض
وتعصيب كالأب والجد والزوج والأخ من الأم إذا كانا ابني عم ورث بما فيه من التعصيب دون الفرض
فإن كانا عصبات في درجة واحدة كالبنين وبنوهم والاخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم اقتسموا الميراث
بالسوية وهذا كله لا خلاف فيه سوى ما ذكرنا من الأقوال الشاذة
(فصل) ويقدم المولى في الميراث على الرد وذوي الأرحام في قول جمهور العلماء من الصحابة
والتابعين ومن بعدهم فإذا مات رجل فخلف بنته ومولاه فلبنته النصف والباقي لمولاه وان خلف ذا رحم
246

ومولاه فالمال لمولاه خاصة، وعن عمر وعلي يقدم الرد على المولى ولعلهم يحتجون بقول الله تعالى (وأولوا
الأرحام بعضهم أولى بعض في كتاب الله) ولنا حديث عبد الله بن شداد وحديث الحسن ولأنه عصبة
يعقل عن مولاه فيقدم على الرد وذوي الرحم كأبن العم
(مسألة) (وعنه في المكاتب إذا أدى إلى الورثة ان ولاءه لهم)
لأنه انتقل إليهم أشبه ما لو اشتروه وان أدى إليهما فولاؤه بينهما لأنهما اشتركا في أدائه إليهما فاشتركا
في استحقاق ولائه كالشريكين والرواية الأخرى ولاؤه للمكاتب لأن عتقه بكتابته وهي من سيده
(مسألة) (ومن كان أحد أبويه الحرين حر الأصل فلا ولاء عليه)
وجملته انه إذا كان أحد الزوجين حر الأصل فلا ولاء على ولدهما سواء كان الآخر عربيا أو مولى لأن الأم
ان كانت حرة الأصل فالولد يتبعها فيما إذا كان الأب رقيقا في انتفاء الرق والولاء فلان يتبعها في نفى الولاء وحده
أولى وإن كان الأب حر الأصل فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه ولاء بحيث يصير الولاء عليه لمولى أبيه فلان يتبعه
في سقوط الولاء عنه أولى وهذا قول أكثر أهل العلم، وقال أبو حنيفة إن كان الأب أعجميا والأم
مولاة ثبت الولاء على ولده وليس بصحيح لأنه حر الأصل فلم يثبت الولاء على ولده كما لو كان عربيا
247

وسواء كان مسلما أو ذميا أو حربيا مجهول النسب أو معلومه وهذا قول أبي يوسف ومالك وابن
شريح وقال القاضي إن كان مجهول النسب ثبت الولاء على ولده لمولى الأم ان كانت مولاة قال ابن
اللبان هذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال الخبري هذا قول أبي حنيفة ومحمد واحمد لأن مقتضى ثبوته لمولى
الأم موجود، وإنما امتنع في محل الوفاق لحرية الأب فإذا لم تكن معلومة فقد وقع الشك في المانع فيبقى
على الأصل ولا يزول اليقين بالشك ولا يترك العمل بالمقتضي مع الشك في المانع
ولنا ان الأب حر محكوم بحريته أشبه معروف النسب ولان الأصل في الآدميين الحرية وعدم
الولاء فلا يترك هذا الأصل بالوهم في حق الولد كما لم يترك في حق الأب، وقولهم مقتضى ثبوته لمولى
الأم موجود ممنوع فإنه إنما يثبت لمولى الأم بشرط رق الأب وهذا الشرط منتف حكما وظاهرا وان
سلمنا وجود المقتضى فقد ثبت المانع حكما فإن حرية الأب ثابتة حكما فلا تعويل على ما قالوه، فاما إن كان
الأب مولى والأم مجهولة النسب فلا ولاء عليه في قولنا، وقياس قول القاضي والشافعي ثبوت الولاء عليه
لمولى أبيه لأنا شككنا في المانع من ثبوته
ولنا ما ذكرناه في التي قبلها ولان الأم لا تخلوا من أن تكون حرة الأصل فلا ولاء على ولدها أو أمة فيكون
ولدها عبدا أو مولاة فيكون على ولدها الولاء لمولى أبيه، والاحتمال الأول راجح لوجهين أحدهما انه محكوم به
في الأم فيجب الحكم به في ولدها الثاني انه معتضد بالأصل فإن الأصل الحرية ثم لو لم يترجح هذا الاحتمال لكان
248

الاحتمال الذي صاروا إليه معارض باحتمالين كل واحد منهما مساو له فنرجحه عليهما بحكم لا يجوز المصير
إليه بغير دليل وهذا وارد عليهم في المسألة الأولى أيضا
(مسألة) (ومن أعتق سائبة في نذره أو زكاته أو كفارته ففيه روايتان (إحداهما) له عليه الولاء والثانية
لا ولاء له عليه وما رجع من ميراثه رد في مثله يشتري به رقابا يعتقهم)
قال احمد في رواية عبد الله الرجل يعتق عبده سائبة هو الرجل يقول لعبده قد أعتقتك سائبة كأنه يجعله
لله لا يكون ولاؤه له قد جعله لله وسلمه وعن أبي عمروا الشيباني عن ابن مسعود والسائبة يضع ماله حيث
شاء وقال احمد قال عمر قال الصدقة والسائبة ليومهما ومتى قال الرجل لعبده أعتقتك سائبة أو أعتقتك
ولا ولاء لي عليك لم يكن له عليه ولاء فإن مات وخلف مالا ولم يدع ورثة اشترى بماله رقاب فأعتقوا
في المنصوص عن أحمد وأعتق ابن عمر عبدا سائبة فمات فاشترى ابن عمر بماله رقابا فأعتقهم
والراية الثانية الولاء للمعتق وهو قول الشعبي والنخعي وابن سيرين وراشد بن سعد وضمرة
ابن حبيب والشافعي وأهل العراق لقوله عليه الصلاة والسلام " الولاء لمن أعتق " وقوله " الولاء
لحمة كلحمة النسب " ولعل أحمد ذهب إلى شراء الرقاب استحبابا لفعل ابن عمرو قال عمر بن عبد العزيز
والزهري وأبو العالية ومكحول ومالك يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين وعن عطاء قال إذا قال أنت حر
سائبة يوالي من شاء، والقول بثبوت الولاء للمعتق أظهر للأحاديث ولان الولاء لحملة كلحمة النسب،
249

وكما لا يزول نسب انسان ولا ولد عن فراش بشرطه لا يزول ولاء عن معتق ولذلك لما أراد أهل بريرة
اشتراط ولائها على عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن
أعتق " يريد أن اشتراط تحويل الولاء عن المعتق لا يفيد شيئا ولا يزيل الولاء.
وروى مسلم باسناده عن هزيل ابن شرحبيل قال جاء رجل إلى عبد الله فقال إني أعتقت عبدا لي
وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد اله إن أهل الاسلام لا يسيبون وان أهل الجاهلية
كانوا يسيبون وأنت ولي نعمته فإن تأثمت وتخرجت عن شئ فنحن نقبله ونجعله في بيت المال وقال
سعيد ثنا هشيم عن بسر عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق سوائب فماتوا فكتب إلى عمر رضي الله
عنه فكتب عمر ان ادفع مال الرجل إلى مولاه فإن قبله ولاء فاشتر به رقابا فأعتقهم عنه وثنا هشيم
عن منصور أن عمر وابن مسعود قالا في ميراث السائبة هو للذي أعتقه قال شيخنا وهذا القول أصح
في الأثر والنظر لما ذكرنا وفي المواضع التي جعل الصحابة ميراثه لبيت المال أو في مثله كان لتبرع المعتق
وتورعه عن ميراثه كفعل ابن عمر في ميراث عتيقه وفعل ابن عمر وابن مسعود في الميراث الذي تورع
سيده عن أخذ ماله وقد روي أن سالما مولى أبي حذيفة أعتقه لبني بنت يعار سائبة فقتل وترك
ابنة فأعطاها عمر نصف ماله وجعل النصف في بيت المال وعلى القول المنصوص عن أحمد الذي ذكره
الخرقي إذا خلف السائبة مالا اشتري به رقاب فأعتقوا فإن رجع من ميراثه شئ اشتري به أيضا رقاب
250

فأعتقوا وان خلف السائبة ذا فرض لا يستغرق ماله أخد فرضه واشتري بباقيه رقاب فأعتقوا
ولا يرد على أهل الفرض.
(فصل) فإن أعتق من زكاته وعن كفارته أو نذره فقال أحمد في الذي يعتق من زكاته ان ورث
منه شيئا جعله في مثله وقال هذا قول الحسن وبه قال إسحاق وعلى قياس ذلك العتق من الكفارة
والنذر لأنه واجب عليه وقد روي عن أحمد أنه قال في الذي يعتق في الزكاة ولاؤه للذي جرى عتقه
على يديه وقال العنبري ومالك ولاؤه لسائر المسلمين يجعل في بيت المال وقال أبو عبيد ولاؤه لصاحب
الصدقة وهو قول الجمهور في العتق في النذر والكفارة لقول النبي صلى عليه وسلم " إنما الولاء لمن
أعتق " ولان عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة بشرط العتق فأعتقتها فكان ولاؤها لها وشرط العتق
يوجبه ولأنه معتق عن نفسه فكان الولاء له لمن شرط عليه العتق فأعتق
ولنا أن الذي أعتق من الزكاة أعتق من غير ماله فلم يكن الولاء له كما لو دفعها لي الساعي فاشترى
بها وأعتق وكما لو دفع إلى المكاتب مالا فأداه في كتابته وفارق الذي اشترط عليه العتق فإنه إنما أعتق
ماله والعتق في الكفارة والنذر واجب عليه فأشبه العتق من الزكاة
(مسألة) (ومن أعتق عبده عن حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق)
هذا قول الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف وداود وروي عن ابن عباس
251

أن ولاءه للمعتق عنه وبه قال الحسن ومالك وأبو عبيد لأنه أعتقه عن غيره فكان الولاء للمعتق
عنه كما لو أذن له.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " ولأنه أعتق عبده من غير اذن غيره له
فكان الولاء له كما لو لم يقصد شيئا
(مسألة) (وان أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه)
وهذا قول جميع من حكينا قوله في المسألة الأولى الا أبا حنيفة ووافقه محمد بن الحسن وداود
فقالوا الولاء للمعتق الا أن يعتقه عنه بعوض فيكون له الولاء ويلزمه العوض ويصير كأنه اشتراه ثم
وكله في اعتاقه أما إذا كان عن غير عوض فلا يصح تقدير البيع فيكون الولاء للمعتق لما ذكرنا من الحديث
وعن أحمد مثل ذلك.
ولنا أنه وكيل في الاعتاق فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أخذ عوضا فإنه كما يجوز تقدير البيع فيما إذا
أخذ عوضا يجوز تقدير الهبة إذا لم يأخذ عوضا فإن الهبة تجوز في العبد كما يجوز البيع والخبر مخصوص
بما إذا أخذ عوضا وسائر الوكلاء فنقيس عليه محل النزاع
(مسألة) (وإذا قال أعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففعل فالثمن عليه والولاء للمعتق عنه)
252

قال شيخنا لا نعلم خلافا في هذه المسألة وان الولاء للمعتق عنه لكونه أعتقه عنه بعوض ويلزمه
الثمن لأنه أعتقه عنه بشرط العوض فنقدر ابتياعه منه ثم توكيله في عتقه ليصح عتقه عنه فيكون الثمن عليه
والولاء له كما لو ابتاعه منه ثم وكله في عتقه
(مسألة) (ولو قال أعتقه والثمن علي ففعل فالثمن عليه)
والولاء للمعتق إنما كان الثمن عليه لأنه جعل له جعلا على اعتاقه عبده فلزمه ذلك بالعمل كما لو قال
من بني لي هذا الحائط فله دينار فبناه إنسان استحق الدينار وإنما كان الولاء للمعتق لأنه لم يأمره
باعتاقه عنه ولا قصد به المعتق ذلك فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه فيبقى للمعتق عملا بقوله عليه السلام
" إنما الولاء لمن أعتق "
(مسألة) (وان قال الكافر لرجل أعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه ففعل فهل يصح على وجهين)
(أحدهما) لا يصح لأنه يلزم منه أن يتملك الكافر ولذلك لا يجوز لأنه اضرار بالمسلم (والثاني)
يصح ويعتق لأنه إنما يتملكه زمنا يسيرا ولا يتسلمه فيتحمل هذا الضرر اليسير لأجل تحصيل الحرية للأبد
(مسألة) (وان أعتق عبدا يباينه في دينه فله ولاؤه وهل يرث به؟ على روايتين)
(إحداهما) لا يرث لكن إن كان له عصبة على دين المعتق ورث فإن أسلم الكافر منهما ورث المعتق
رواية واحدة إذا اختلف دين السيد وعتيقه فالولاء ثابت لا نعلم فيه خلافا لعموم قوله عليه السلام
253

الولاء لمن أعتتى " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " والنسب يثبت مع اختلاف الدين فكذلك
الولاء ولان الولاء إنما ثبت له عليه لأنعامه باعتاقه وذلك ثابت مع اختلاف دينهما ويثبت الولاء للأنثى
على الذكر وللذكر على الأنثى وكل معتق لعموم الخبر والمعنى ولحديث عبد الله بن شداد في بنت حمزة
وقد ذكرناه وهل يرث السيد مولاه مع اختلاف الدين؟ على روايتين (إحداهما) يرثه يروى ذلك عن
علي وعمر بن عبد العزيز وبه قال أهل الظاهر واحتج أحمد بقول علي الولاء شعبة من الرق وقال
مالك يرث المسلم مولاه النصراني لأنه يصلح له ملكه ولا يرث النصراني مولاه المسلم لأنه لا يصلح
له تملكه وجمهور الفقهاء على أنه لا يرثه مع اختلاف دينهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث
المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " ولأنه ميراث فمنعه اختلاف الدين كميراث النسب ولان اختلاف
الدين مانع من الميراث بالنسب فمنع الميراث بالولاء كالقتل والرق يحققه أن الميراث بالنسب أقوى
فإذا منع الأقوى فالأضعف أولى ولان النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الولاء بالنسب بقوله " الولاء
لحمة كلحمة النسب " فكما يمنع اختلاف الدين التوارث مع صحة النسب وثبوته فكذلك يمنع مع
صحة الولاء وثبوته.
(مسألة) (فإن كان السيد عصبة على دين المعتق ورثه دون سيده وقال داود لا يرث عصبته في حياته)
ولنا أنه بمنزلة ما لو كان الأقرب من العصبة مخالفا لدين الميت والابعد على دينه ورث البعيد
254

دون القريب فإن اجتمعا على الاسلام توارثا كالمتناسبين لزوال المانع
(فصل) (قال الشيخ رحمه الله ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن وكاتبن
أو كاتب من كاتبن)
وعنه في بنت المعتق ترث خاصة والأول أصح معنى قوله من الولاء أي بالولاء لأن الولاء لا يورث
على ما نذكره ظاهر المذهب أن النساء لا يرثن بالولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أوجر
الولاء إليهن من أعتقن والكتابة كذلك فإنها اعتاق قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد والرواية التي
ذكرها الخرقي في بنت المعتق ما وجدتها منصوصة عن أحمد وقد قال في رواية بن القاسم وقد سأله هل
كان لحمزة أو لابنته؟ فقال لابنته فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها لأنها هي المعتقة وهذا
قول الجمهور واليه ذهب مالك والشافعي وأهل العراق وداود والصحيح الأول لاجماع الصحابة ومن
بعدهم عليه ولان الولاء لحمة كلحمة النسب والمولى كالنسيب من الأخ والعم ونحوهما فولده من العتيق
بمنزلة ولد أخيه وعمه ولا يرث منهم الا الذكور خاصة
فأما الرواية المذكورة في ميراث بنت المعتق التي ذكرها الخرقي فوجهها ما روى إبراهيم النخعي
أن مولى لحمزة مات وخلف بنتا فورث النبي صلى الله عليه وسلم بنته النصف وجعل لبنت حمزة النصف والصحيح
أن المولى كان لبنت حمزة قال عبد الله بن شداد كان لبنت حمزة مولى أعتقته فمات وترك ابنته ومولاته
255

بنت حمزة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى ابنه النصف وأعطى مولاته بنت حمزة النصف
قال عبد الله بن شداد أنا أعلم بها لأنها أختي من أمي أمنا سلمى رواه ابن اللبان باسناده وقال هذا أصح ما
روى إبراهيم ولان البنت من النساء فلا ترث بالولاء كسائر النساء فأما توريث المرأة من معتقها
فليس فيه اختلاف بين أهل العلم وقد دل عليه حديث عائشة حين أرادت شراء بريرة لتعتقها ويكون
ولاؤها لها فأراد أهلها اشتراط ولائها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن
أعتق " متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام " تحوز المرأة ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت
عليه " قال الترمذي هذا حديث حسن ولان المعتقة منعمة بالاعتاق كالرجل فوجب أن تساويه في
الميراث وفي حديث بنت حمزة الذي ذكرناه تنصيص على توريث المعتقة وأما معتق أبيها فهو بمنزلة
عمها أو عم أبيها فلا ترثه ويرثه أخوها كالنسب
ومن مسائل ذلك رجل مات وخلف ابن معتقه الميراث لابن معتقه خاصة
وعلى الرواية الأخرى يكون الملك بينهما أثلاثا فإن لم يخلف إلا بنت معتقه فلا شئ لها وماله لبيت
المال وعلى الرواية الأخرى يكون الملك لها وإن خلف أخت معتقة فلا شئ لها رواية واحدة وكذلك
إن خلف أم معتقه أو جدة معتقه أو غيرهما وإن خلف أخا معتقه وأخت معتقه فالميراث للأخ ولو خلف بنت
معتقه وابن عم معتقه أو معتق معتقه أو ابن المعتق معتقه فالميراث له دون البنت إلا على الرواية الأخرى
256

فإن لها النصف والباقي للعصبة وإن خلف بنته ومعتقه فلبنته النصف والباقي لمعتقه كما في قضية مولى بنت
حمزة حين مات وخلف بنته وبنت حمزة التي أعتقته فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم بنته النصف والباقي لبنت حمزة
فإن خلف ذا فرض سوى البنت كالأم والجدة أو الأخت أو الأخ من الأم أو الزوج أو الزوجة أو
من لا يستغرق فرضه المال أو مولاه أو مولاته فلذي الفرض فرضه والباقي لمولاه أو مولاته في قول جمهور
العلماء رجل وابنته أعتقوا عبدا ثم مات الأب وخلف ابنيه وبنته فماله بينهما أثلاثا ثم مات العتيق فللبنت
النصف لأنها مولاة نصفه والباقي لابن المعتق خاصة الا على الرواية الضعيفة فإن الباقي يكون بينهما أثلاثا
فيصير للبنت الثلثان ولأخيها الثلث وإن ماتت البنت قبل العتيق وخلفت ابنا ثم مات العتيق فلابنها النصف
والباقي لأخيها ولو لم تخلف البنت إلا بنتا كان الولاء كله لأخيها دون بنتها الا على الرواية الأخرى
فإن لبنتها النصف والباقي لأخيها وان مات الابن قبل العتيق وخلف بنتا ثم مات العتيق وخلف معتقة
نصفه وبنت أخيها فللمعتقة نصف ماله وباقيه لبيت المال وعلى الرواية الأخرى لها لنصف باعتاقها
ونصف الباقي بأنها بينت معتق النصف والباقي لعصبة أبيها ولو كانت البنت ماتت أيضا قبل العتيق وخلفت
ابنها ثم مات العتيق فلابنها النصف ولا شئ لبنت أخيها، امرأة أعتقت أباها ثم أعتق أبوها عبدا ثم مات
الأب ثم العبد فما لهما لها فإن كان أبوها خلف بنتا أخرى معها فلهما ثلثا مال الأب بالنسب والباقي للمعتقة
257

بالولاء ومال العبد جميعه للمعتقة دون أختها ويتخرج على الرواية الأخرى أن يكون لهما ثلثا مال العبد
أيضا وباقيه للمعتقة ولو كان الأب خلف مع المعتقة ابنا فمال الأب بينها أثلاثا بالبنوة ومال العبد كله للابن
دون أخته المعتقة لأنه يرث بالنسب والنسب مقدم على الولاء، ولو خلف الأب أخا أو عما أو ابن عم
مع البنت فللبنت نصف ميراث أبيها وباقيه لعصبته ومال العبد لعصبته ولا شئ لبنته فيه لأن العصبة
من النسب مقدم على المعتق في الميراث إلا على رواية الخرقي فإن للبنت نصف ميراث العبد لكونها بنت
المعتق وباقيه لعصبته
(مسألة) (ولا يرث من الولاء ذو فرض إلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن)
نص أحمد على هذا في رواية جماعة من أصحابه وكذلك قال في جد المعتق وابنه وقال ليس الجد والأخ
والابن من الكبر في شئ يجر بهم على الميراث وهذا قول شريح والنخعي والأوزاعي والعنبري إسحاق
وأبي يوسف وروي عن زيد أن المال للابن وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي والحسن والحكم
وقتادة وحماد والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد والشافعي وأكثر الفقهاء لأن الابن أقرب
العصبة والأب والجد يرثان معه بالفرض ولا يرث بالولاء ذو فرض بحال
ولنا أنه عصبة وارث فاستحق من الولاء كالأخوين ولا نسلم أن الابن أقرب من الأب بل هما في
القرب سواء وكلاهما عصبة لا يسقط أحدهما صاحبه وإنما يتفاضلان في الميراث فكذلك في الإرث بالولاء
258

ولذلك يقدم الأب على الابن في الولاية والصلاة على الميت وغيرهما وحكم الأب مع ابن الابن وان سفل
وحكم الجد وان علا مع الابن وابنه سواء
(مسألة) والجد يرث الثلث مع الاخوة إن كان أحظ له إذا خلف المعتق أخاه وجده فالولاء
بينهما نصفين
وبه قال عطاء والليث ويحيى الأنصاري وهو قول للشافعي وقول الثوري وأبي يوسف ومحمد
والذين جعلوا الجد أبا جعلوه أولى من الأخ وورثوه وجده وروي عن زيد أن المال للأخ وهو قول
مالك والشافعي لأن الأخ ابن الأب والجد أبوه والابن أحق من الأب
ولنا أنهما عصبتان يرثان المال نصفين فكان الولاء بينهما نصفين كالآخرين وإن ترك جد مولاه
وابن أخي مولاه فالمال للجد في قول الجميع إلا مالكا جعل الميراث لابن الأخ وإن سفل وقاله
الشافعي أيضا لأن ابن الابن يقدم على الأب وإن سفل وليس هذا صوابا فإن الجد يقدم على ابن
الأخ في الميراث فكيف يقدم عليه ههنا؟ ولان الجد أولى بالمعتق من ابن الأخ فيرث مولاه لقول النبي
صلى الله عليه وسلم " المولى أخ في الدين وولي نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق " والدليل على أن الجد أولى
أنه يرث ابن ابنه دون ابن الأخ فيكون أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحقوا الفرائض بأهلها فما
أبقت الفروض فلاولي رجل ذكر " وفي لفظ " فلاولي عصبة ذكر " ولان الجد أب فيقدم على ابن الأخ
259

كالأب الحقيقي فإن اجتمع اخوة وجد فميراث المولى بينهم كمال سيده إن زادوا على اثنين فللجد ثلث
ماله لأنه أحظ له وإن اجتمع أخوة من أبوين واخوة من أب عاد الاخوة من الأبوين الجد بالاخوة
من الأب ثم يأخذ ولد الأبوين ما حصل لولد الأب كالميراث وقال ابن شريح يحتمل أنه بينهم على عددهم
ولا يعاد ولد الأبوين الجد بولد الأب.
ولنا أنه ميراث بين الجد والاخوة أشبه الميراث بالنسب فإن كان مع الاخوة أخوات لم يعتد بهن
لأنهن لا يرثن منفردات فلا يعتد بهن كالاخوة من الأم وإن انفرد ولد الأب مع الجد فهم كولد الأبوين
(فصل) فإن ترك جد مولاه وعم مولاه فهو للجد وكذلك إن ترك جد أبي مولاه أو جد جد
مولاه وعم مولاه فهو للجد وبه يقول الثوري والأوزاعي وأهل العراق وقال الشافعي هو للعم وبنيه
وان سفلوا دون الأب وهو قياس قول مالك قال الشافعي ومن جعل الجد والأخ سواء فجد الأب
والعم سواء وهو أولى من ابن العم
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " يرثه أولى الناس بالمعتق " فالجد أولى بالمعتق بدليل أنه أولى
الناس بماله وولايته ويقدم في تزويجه والصلاة عليه وغير ذلك والعجب أن الشافعي رحمه الله تعالى ترك
الجد أبا في ولاية المال والاجبار على النكاح ووافق غيره في وجوب الانفاق عليه وله وعتقه على ابن
ابنه وعتق ابن ابنه عليه وانتفاء القصاص عنه بقتل ابن ابنه والحد بقذفه وغير ذلك من أحكام الأب ثم
جعل أبعد العصبات أولى منه بالولاء
260

(مسألة) (والولاء لا يورث وإنما يورث به)
وهذا قول الجمهور روي نحو ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وأبي
مسعود البدري وأبي ابن كعب وبه قال عطاء وطاوس وسالم والزهري والحسن وابن سيرين وقتادة
والشعبي وإبراهيم ومالك والشافعي وأهل العراق وداود وشذ شريح فجعله موروثا كالمال لأنه روي عن
عمر رضي الله عنه أنه قال ما أحرزه الولد والوالد فهو لعصبته من كان
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " والنسب
يورث به ولا يورث فكذلك الولاء ولان الولاء إنما يحصل بانعام السيد على عبده بالعتق وهذا المعنى
لا ينتقل عن المعتق فكذلك الولاء ورواه حنبل ومحمد بن الحكم عن أحمد وغلطهما أبو بكر وهو كما قال
فإن الجماعة رووا عن أحمد مثل ما ذكرنا من قو الجمهور وقد روى سعيد باسناده عن الزهري عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال " المولى أخ في الدين ومولى نعمة " وأولى الناس بميراثه أقربهم من المعتق " ولأنه
قول من سمينا من الصحابة ولم يظهر عنهم خلافه ولا يصح قياسه على المال لأن الولاء لا يورث بدليل
أنه لا يرث منه ذوو الفروض بخلاف المال فعلى هذا ينظر أقرب العصبات إلى المعتق يوم موت العتيق
فيكون هو الوارث للمولى دون غيره كما أن السيد لو مات في تلك الحال ورثه وحده
261

(مسألة) (ولا يباع ولا يوهب)
لا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا أن يأذن لمولاه فيوالي من شاء روى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود
وابن عباس وابن عمر وبه قال سعيد بن المسيب وطاوس وإياس بن معاوية والزهري ومالك والشافعي
وأبو حنيفة وأصحابه وكره جابر بن عبد الله بيع الولاء وروى سعيد باسناده عن عبيد الله أنه قال إنما
الولاء كالنسب فيبيع الرجل نسبه وقد روى سعيد باسناده عن سفيان عن عمرو ابن دينار ان
ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان مكاتبا وروي أن ميمونة وهبت مواليها للعباس
وولاؤهم اليوم لهم وان عروة ابتاع ولاء طهمان لورثة مصعب بن الزبير وقال ابن جريح قلت لعطاء
أذنت لمولاي أن يوالي من شاء فيجوز؟ قال نعم
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته وقال " الولاء لحمة كلحمة النسب " وقال لعن
الله من تولى غير مواليه ولأنه معنى يورث به فلا ينتقل كالقرابة وفعل هؤلاء شاذ يخالف قول الجمهور
وترده السنة فلا يعول عليه فعلى هذا لا ينتقل الولاء عن المعتق لموته ولا يرثه ورثته إنما يرثون المال
به مع بقائه للمعتق وهذا قول الجمهور على ما ذكرنا
(مسألة) (وهو للكبر فإذا مات المعتق وخلف عتيقة وابنين فمات أحد الابنين عن ابن ثم مات
المولى فالميراث لابن معتقه
262

لأن الولاء للكبر ولو مات الابنان بعده وقبل العتيق وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة كان الولاء
بينهم على عددهم لكل واحد عشرة وهذا قول أكثر أهل العلم قال أحمد روي هذا عن عمر وعثمان
وعلي وزيد وابن مسعود وروي سعيد ثنا هشيم ثنا أشعث بن سوار عن الشعبي ان عمر وعليا وابن
مسعود وزيدا كانوا يجعلون الولاء للكبر وروي ذلك عن ابن عمر وأبي بن كعب وأبي مسعود
البدري وأسامة بن زيد وبه قال عطاء وطاوس وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي
والنخعي والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وداود كلهم
قالوا الولاء للكبر وتفسيره أنه يرث المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه وأولاهم بميراثه يوم موت
العبد قال ابن سيرين إذا مات المعتق نظر إلى أقرب الناس إلى الذي أعتقه فيجعل ميراثه له وإذا
مات السيد قبل مولاه لم ينتقل الولاء إلى عصبته لأن الولاء كالنسب لا ينتقل ولا يورث وإنما يورث
به فهو باق للمعتق أبدا لا يزول عنه بدليل قوله عليه الصلاة والسلام الولاء لمن أعتق وقوله الولاء
لحمة كلحمة النسب وإنما يرث عصبة السيد مال مولاه بولاء معتقه لا نفس الولاء ويتضح ذلك بالمسألتين
اللتين ذكرناهما ههنا وهما إذا مات رجل عن ابنين ومولى فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات
المولى ورثه ابن معتقه دون ابن ابن معتقه لأن ابن المعتق أقرب عصبة سيده فلو مات السيد وخلف
ابنه وابن ابنه ورثه ابنه دون ابن ابنه فكذلك إذا مات المولى والمسألة الأخرى إذا مات الابنان
263

بعد السيد وقبل مولاه وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة ثم مات المولى كان ميراثه بينهم على عددهم
لأن السيد لو مات كان ميراثه بينهم كذلك ولو كان الولاء موروثا لاختلف الحكم في المسئلتين وكان
الميراث في المسألة الأولى بين الابن وابن الابن نصفين لأن الابنين ورثوا الولاء عن أبيهما ثم ما صار
إلى الابن الذي مات انتقل إلى ابنه وفى المسألة الثانية يصير لابن الابن المنفرد نصف الولاء بميراثه
ذلك عن أبيه ولبني الابن الآخر النصف بينهم على عددهم وذهب شريح إلى أن الولاء موروث
كالمال يورث عن المعتق فمن ملك شيئا في حياته فهو لورثته وحكي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس
وابن المسيب وروي عن أحمد نحوه والمشهور عنه مثل قول الجمهور قال أبو الحارث سألت أبا عبد الله
عن الولاء للكبر قال كذى روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود وقد ذكرنا ذلك عن شريح
واجبنا عنه ولم يصح عن أحد من الصحابة خلاف هذا القول وان لم يخلف عصبة من نسب مولاه
فماله لمولي مولاه ثم لأقرب عصباته ثم لمولى مولى مولاه فإذا انقرض العصبات والموالي وعصباتهم
فماله لبيت المال.
(مسألة) (وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما عتق عليهما بالملك ثم اشترى عبدا فأعتقه
ثم مات العتيق ثم مات مولاه ورثه الرجل دون أخته)
إذا اشترى رجل وأخته أباهما وأخاهما عتقا عليهما بالملك ثم اشترى عبدا فأعتقه ثم مات الأب أو
264

فميراثه بينهما أثلاثا بالنسب فإذا مات العبد ورثه الرجل دون أخته لأنه ابن المعتق أو أخوه فورثه
بالنسب وهي مولاة المعتق، وعصبة المعتق مقدم على مولاه، وعلى الرواية التي تقول إن بنت المعتق ترث إذا
اشتريا أباهما يكون ميراث العبد بينهما أثلاثا، فإن اشتريا أخاهما فعتق عليها ثم اشترى عبدا فأعتقه ومات الأخ
المعتق قبل موت العبد وخلف ابنه ثم مات العبد فميراثه لابن أخيها دونها لأنه ابن أخي المعتق فإن لم يخلف الأخ
إلا بنته فنصف مال العبد للأخت لأنها معتقة نصف معتقه ولا شئ لبنت الأخ رواية واحدة والباقي لبيت المال
(فصل) إذا خلف الميت بنت مولاه ومولى أبيه فماله لبيت المال لأنه ثبت عليه الولاء من أجل
مباشرته بالعتق ولم يثبت عليه باعتاق أبيه، وإذا لم يكن لمولاه إلا بنت لم ترث لأنها ليست عصبة وإنما
يرث عصبات المولى فإذا لم يكن له عصبة لم يرجع إلى معتق أبيه وكذلك إن كان له معتق أب ومعتق
جد ولم يكن هو معتقا فميراثه لمعتق أبيه إن كان ابن معتقه ثم لعصبة معتق أبيه ثم لمعتق معتق أبيه
فإن لم يكن له أحد منهم فالبيت المال ولا يرجع إلى معتق جده، وان كانت أمه حرة الأصل فلا ولاء
عليه وليس لمعتق أبيه شئ
(فصل) امرأة حرة لا ولاء عليها وأبواها رقيقان أعتق إنسان أباها ويتصور هذا في موضعين
أحدهما أن يكونوا كفارا فتسلم هي ويسبي أبواها فيسترقا والثاني أن يكون أبوها عبدا تزوج أمة على
265

أنها حرة فولدتها ثم ماتت وخلفت معتق أبيها لم يرثها لأنه إنما يرث بالولاء وهذه لا ولاء عليها وهكذا
الحكم فيما إذا تزوج عبد حرة الأصل فأولدها ولدا ثم أعتق العبد ومات ثم مات الولد فلا ميراث
لمعتق أبيه لأنه لا ولاء عليه، ولو كان ابنتان على هذه الصفة اشترت إحداهما أباها فعتق عليها فلها ولاؤه
وليس لها ولاء على أختها فإذا مات أبوها فلهما الثلثان بالنسب ولها الباقي بالولاء فإذا ماتت أختها فلها
نصف ميراثها بالنسب وباقيه لعصبتها فإن لم يكن لها عصبة فالباقي لأختها بالرد ولا ميراث لها منها
بالولاء لأنها لا ولاء عليها
(فصل) في جر الولاء: قال الشيخ رضي الله عنه (كل من باشر العتق أو عتق عليه لا ينتقل
عنه الولاء بحال لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " فأما ان تزوج العبد معتقة فأولدها
فولدها منه أحرار وعليهم الولاء لمولى أمهم يعقل عنهم ويرثهم إذا ماتوا لكونه سبب الانعام عليهم
بعتق أمهم فصاروا لذلك أحرارا فإن أعتق العبد سيده ثبت له عليه الولاء وجر إليه ولاء أولاده عن
مولى أمهم لأن الأب لو كان مملوكا لم يكن يصلح وارثا ولا وليا في نكاح فكان ابنه كولد الملاعنة
ينقطع نسبه عن أبيه فيثبت الولاء لمولى أمه وانتسب إليها فإذا أعتق العبد صلح للانتساب إليه وعاد
وارثا عاقلا وليا فعادت النسبة إليه والى مواليه بمنزلة ما لو استحق الملاعن ولده هذا قول جمهور الصحابة
والعلماء يروى هذا عن عمر وعثمان وعلي والزبير وعبد الله وزيد بن ثابت ومروان وسعيد بن المسيب
266

والحسن وابن سيرين وعمر ابن عبد العزيز والنخعي وبه قال مالك والثوري والأوزاعي والليث وأبو
حنيفة وأصحابه والشافعي وإسحاق وأبو ثور ويروى عن رافع بن خديج أن الولاء لا ينجر من موالي
الأم وبه قال مالك بن أوس بن الحدثان والزهري وميمون بن مهران وحميد بن عبد الرحمن وداود
لأن الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يزول عمن ثبت له فكذلك الولاء وقد روي عن
عثمان وزيد نحو هذا وأنكرهما ابن اللبان وقال مشهور عن عثمان أنه قضى بجر الولاء للزبير
عن رافع بن خديج.
ولنا أن الانتساب إلى الأب فكذلك الولاء ولذلك لو كانا حرين كان ولاء ولدهما لمولى أبيه
فلما كان مملوكا كان الولاء لمولى الأم ضرورة فإذا أعتق الأب زالت الضرورة فعادت النسبة إليه
والولاء إلى مواليه وروى عبد الرحمن عن الزبير أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعسا فأعجبه ظرفهم
وجمالهم فسأل عنهم فقيل موالي رافع بن خديج وأبوهم مملوك لآل الحرقة فاشترى الزبير أباهم فاعتقه
وقال لأولاده انتسبوا إلي فإن ولاءكم لي فقال رافع بن خديج الولاء لي فإنهم عتقوا بعتقي أمهم
فاحتكموا إلى عثمان فقضى بالولاء للزبير فاجتمعت الصحابة عليه، اللعس سواد في الشفتين تستحسنه
العرب ومثله اللمى قال ذو الرمة
لمياء في شفتيها حوة لعس * وفي اللثات وفي أنيابها شنب
267

(فصل) وحكم المكاتب يتزوج في كتابته ثم يعتق حكم العبد القن في جر الولاء وكذلك
المدبر والمعلق عتقه بصفة لأنهم عبيد فإن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم
(فصل) وإذا انجر الولاء إلى موالي الأب ثم انقرضوا عاد الولاء إلى بيت المال ولم يعد إلى
موالي الأم بحال في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن ابن عباس أنه يعود إلى موالي الأم والأول
أصح لابن الولاء جرى مجرى الانتساب ولو انقرض الأب وآباؤه لم تعد النسبة إلى الأم كذلك الولاء
إذا ثبت هذا فولدت بعد عتق الأب كان ولاء ولدها لموالي أبيه بلا خلاف فإن نفاه باللعان عاد ولاؤه
إلى موالي الأم لأنا تبينا أنه لم يكن له أب ينتسب إليه فإن عاد فاستلحقه عاد الولاء إلى موالي الأب.
(فصل) ولا ينجر الولاء إلا بشروط ثلاثة.
(أحدها) أن يكون الأب عبدا حين الولادة فإن كان حرا وزوجته مولاة لم يخل إما أن
يكون حر الأصل فلا ولاء على ولده بحال وإن كان مولى ثبت الولاء على ولده لمواليه أبدا ولا جر فيه
(الثاني) أن تكون الأم مولاة فإن لم تكن كذلك لم يخل إما أن يكون حر الأصل فلا ولاء
على ولدها بحال وهم أحرار بحريتها أو تكون أمة فولدها رقيق لسيدها فإن أعتقهم فولاؤهم له لا ينجر
عنه بحال سواء أعتقهم بعد ولادتهم أو أعتق أمهم حاملا بهم فعتقوا بعتقها لأن الولاء ثبت بالعتق
مباشرة فلا ينجر عن المعتق لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " وإن أعتقها المولى
268

فأتت بولد لدون ستة أشهر فقد مسه الرق وعتق بالمباشرة فلا ينجر ولاؤه وإن أتت به لأكثر من
ستة أشهر مع بقاء الزوجية لم يحكم بمس الرق له وانجر ولاؤه لأنه يحتمل أن يكون حادثا بعد العتق
فلم يمسه الرق ولم يحكم برقه بالشك وإن كانت المرأة بائنا وأتت بولد لأربع سنين من حين الفرقة
لم يلحق بالأب كان من نكاح أو سفاح عربيا كان الزوج أو أعجميا وهذا قول عامة الفقهاء. وعن
عمر إن كان زوجها عربيا فولده حر وعليه قيمته ولا ولاء عليه. وعن أحمد مثله وبه قال ابن المسيب
والثوري والأوزاعي وأبو ثور والشافعي في القديم ثم رجع عنه والأول أولى لأن أمهم أمة فكانوا
عبيدا كما لو كان أبوهم أعجميا.
(الثالث) أن يعتق العبد سيده فإن مات على الرق لم ينجر الولاء بحال وهذا لا خلاف فيه
فإن اختلف سيد العبد ومولى الأم في العبد بعد موته فقال سيده مات حرا بعد جر الولاء وأنكر
ذلك مولى الأم فالقول قول مولى الأم ذكره أبو بكر لأن الأصل بقاء الرق وهذا مذهب الشافعي.
(مسألة) (وإن أعتق الجد لم يجر ولاءهم في أصح الروايتين وعنه يجره)
قال احمد رحمه الله الجد لا يجر الولاء ليس هو كالأب وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه وعن
أحمد أنه يجره وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي وأهل المدينة وابن أبي ليلى والحسن بن صالح
وابن المبارك وأبو ثور وضرار بن صرد والشافعي في أحد قوليه فإن أعتق الأب بعد ذلك جره عن
269

موالي الجد إليه لأن الجد يقوم مقام الأب في التعصيب وأحكام النسب كذلك في جر الولاء وقال زفر
إن كان الأب حيا لم يجر الجد الولاء وإن كان ميتا جره وهو القول الثاني للشافعي
ولنا أن الأصل بقاء الولاء لمستحقه وإنما خولف هذا الأصل للاتفاق على أنه ينجر بعتق الأب
والجد لا يساويه بدليل أنه لو عتق الأب بعد الجد جره عن مولى الجد إليه ولأنه لو أسلم الجد
لم يتبعه ولد ولده ولان الجد يدلي بغيره ولا يستقر الولاء عليه فلم يجر الولاء كالأخ وكونه يقوم مقام
الأب لا يلزم أن ينجر إليه الولاء كالأخ، وإن قلنا إنه ينجر فلا فرق بين القريب والبعيد لأن البعيد
يقوم مقام القريب ويقتضي هذا أنه متى عتق البعيد فجر الولاء ثم عتق من هو أقرب منه جر الولاء
إليه ثم إن عتق الأب جر الولاء لأن كل واحد يحجب من فوقه ويسقط تعصيبه وارثه وولايته، ولو لم يعتق
الجد لكن كان حرا وولده مملوك فتزوج مولاة قوم فأولدها أولادا فولاؤهم لمولى أمهم وعند من يقول
بجر الجد الولاء يكون لمولى الجد فإن لم يكن الجد مولى بل كان حرا الأصل فلا ولاء على ولد ابنه فإن
أعتق أبوه بعد ذلك لم يعد على ولده ولاء لأن الحرية ثبتت له من غير ولاء فلم يتجدد عليه ولاء كالحر الأصلي
(فصل) إذا تزوج معتق بمعتقة فأولدها ولدين فولاؤهما لمولى أبيهما فإن نفاهما باللعان عاد ولاؤهما
إلى مولى أمهما فإن مات أحدهما فميراثه لامه ومواليها فإن أكذب أبوهما نفسه لحقه نسبهما واسترجع
الميراث من مولى الأم، ولو كان أبوهما عبدا أو لم ينفهما وورث موالي الأم الميت منهما ثم أعتق الأب
270

لم يجر الولاء إلى موالي الأب ولم يكن لهم ولا للأب استرجاع الميراث لأن الولاء إنما ثبت لهم عند إعتاق
الأب ويفارق الأب إذا أكذب نفسه لأن النسب يثبت من حين خلف الولد.
(مسألة) (وإن اشترى الابن أباه عتق عليه وله ولاؤه وولاء اخوته ويبقى ولاؤه لمولى أمه
لأنه لا يجر ولاء نفسه)
وهذا قول جمهور الفقهاء مالك في أهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل العراق والشافعي وشذ عمرو
ابن دينار المدني فقال يجر ولاء نفسه فيصير حرا لا ولاء عليه، قال ابن شريح ويحتمله قول الشافعي
ولا تعويل على هذا القول لشذوذه ولأنه يؤدي إلى أن يكون الولاء ثابتا على أبويه دونه مع كونه
مولودا لهما في حال رقهما أو في حال ثبوت الولاء عليهما وليس لنا مثل هذا في الأصول ولا يمكن أن
يكون مولى نفسه يعقل عنها ويرثها ويزوجها
(مسألة) (وإن اشترى هذا الولد عبدا فأعتقه ثم اشترى العبد أبا معتقه فأعتقه فإنه يجر ولاء سيده)
فيكون لهذا الولد على معتقه الولاء باعتاقه إياه وللعتيق ولاء معتقه بولائه على أبيه فصار كل واحد
منهما مولى الآخر، مثل ذلك لو أعتق الحربي عبدا فأسلم ثم أسر سيده فأعتقه صار كل واحد منهما
مولى الآخر من فوق ومن أسفل ويرث كل واحد منهما الآخر بالولاء فإنه كما جاز أن يشتركا في
النسب فيرث كل واحد منهما صاحبه كذلك الولاء
(فصل) وان تزوج ولد المعتقة معتقة وأولدها ولدا فاشترى جده عتق عليه وله ولاؤه ويجر إليه
271

ولاء أبيه وسائر أولاد جده وهم عمومته وعماته وولاء جميع معتقهم ويبقى ولاء المشتري لمولى أم أبيه
وعلى قول عمرو بن دينار يبقى حرا لا ولاء عليه
(فصل) وان تزوج عبد بمعتقة فأولدها ولدا فتزوج الولد بمعتقة رجل فأولدها ولدا فولاء هذا
الولد الآخر لمولى أم أبيه في أحد الوجهين لأن له الولاء على أبيه فكان له عليه كما لو كان مولى
جده، ولان الولاء الثابت على الأب يمنع ثبوت الولاء لمولى الأم (والوجه الثاني) ولاؤه لمولى أمه لأن
الولاء الثابت على أبيه من جهة أمه ومثل ذلك ثابت في حق نفسه وما ثبت في حقه أولى مما ثبت في
حق أبيه ألا ترى أنه لو كان له مولى ولأبيه مولى كان مولاه أحق به من موالي أبيه فإن كان له
مولى أم ومولى أم أب ومولى أم جد وجد أبيه مملوك فعلى الوجه الأول يكون لمولى أم الجد وعلى
الثاني يكون لمولى الأم.
(فصل) ولو تزوج معتق بمعتقة فأولدها بنتا وتزوج عبد بمعتقة فأولدها ابنا فتزوج هذا الابن
بنت المعتقين فأولدها ولدا فولاء هذا الولد لمولى أم أبيه لأن له الولاء على أبيه وان تزوجت بنت
المعتقين بمملوك فولاء ولدها لمولى أبيها لأن ولاءها له، فإن كان أبوها ابن مملوك ومعتقة فالولاء لمولى
أم أبي الأم على الوجه الأول لأن مولى أم أبي الأم يثبت له الولاء على أبي الأم فكان مقدما على
أمها وثبت له الولاء عليها
272

(مسألة) (وإذا ماتت امرأة وخلفت ابنها وعصبتها ومولاها فولاؤها لابنها وعقله على عصبتها
لما روى إبراهيم قال اختصم علي والزبير في مولى صفية فقال علي مولى عمتي وأنا اعتقل عنه وقال الزبير
مولى أمي وأنا أرثه فقضى عمر للزبير بالميراث وقضى على علي بالعقل ذكره الإمام أحمد ورواه سعيد
في سننه وهي قصة مشهورة وعن الشعبي قال قضى بولاء صفية للزبير دون العباس وقضى بولاء أم هانئ
لجعدة بن هبيرة دون علي، ولا يمتنع كون العقل على العصبة والميراث لغيرهم كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم في
ميراث التي قتلت هي وجنينها لابنها وعقلها على العصبة وقد روى زياد بن أبي مريم ان امرأة أعتقت
عبدا ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها ثم توفي مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام " ميراثه لابن المرأة " فقال أخوها لو جر جريرة كانت علي ويكون
ميراثه لهذا؟ قال " نعم " وإنما ذكرنا هذا الحكم فيما إذا كانت المعتقة امرأة لأن المرأة لا تعقل وابنها
ليس من عشيرتها فلا يعقل عن معتقها ويعقل عنها عصباتها من عشيرتها ولان الاخبار التي رويناها إنما
وردت في المرأة. أما الرجل المعتق فإنه يعقل عنه معتقه لأنه عصبة من أهل العقل ويعقل ابنه وأبوه
لأنهما من عصباته فلا يلحق ابنه في نفي العقل عنه بابن المرأة
(فصل) فإن كان المولى حيا وهو رجل عاقل موسر فعليه من العقل وله الميراث لأنه عصبة معتقه
273

وإن كان صبيا أو معتوها فالعقل على عصباته والميراث له لأنه ليس من أهل العقل فأشبه ما لو جنوا
جناية خطأ كان العقل على عصباتهم ولو جنبي عليهم كان الأرش لهم
(فصل) ولا يرث المولى من أسفل معتقه في قول عامة أهل العلم وحكي عن شريح وطاوس أنهما
ورثاه لما روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له وارث الا غلام له هو أعتقه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه
رواه الترمذي وقال حديث حسن وروي عن عمر مثل هذا ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم
" إنما الولاء لمن أعتق " ولأنه لم ينعم عليه فلم يرثه كالأجنبي واعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له ميراثه قضية في
عين تحتمل أنه كان وارثا بغير جهة الاعتاق، ويكون فائدة الحديث أن اعتاقه إياه لم يمنعه ميراثه ويحتمل
أنه أعطاه صلة وتفضلا وإذا ثبت أنه لا يرثه فلا يعقل عنه وقال الشافعي في القديم يعقل عنه لأن سيده
أنعم عليه فجاز أن يغرم عنه
ولنا أن العقل على العصبات وليس هو منهم وما ذكروه لا أصل له وينعكس بسائر العاقلة فإنه
لم ينعم عليهم ويعقلون عنه وينتقض بما إذا قضى انسان دين آخر فقد غرم عنه وأنعم عليه ولا يعقل عنه
274

(فصل في دور الولاء) قال الشيخ رضي الله عنه (إذا اشترى ابن وبنت أباهما عتق عليهما
وصار ولاؤه بينهما نصفين وجر كل واحد نصف ولاء صاحبه ويبقى نصفه لمولى أمه)
فإن مات الأب ورثاه أثلاثا فإن ماتت البنت بعده ورثها أخوها بالنسب ثم إذا مات أخوها فميراثه
لمواليه وهم أخته وموالي أمه فلموالي أمه النصف والنصف الآخر لموالي الأخت وهم أخوها وموالي
أمها فلموالي الأم نصف ذلك وهو الربع ويبقى الربع وهو الجزء الدائر لأنه خرج من الأخ وعاد إليه
ففيه وجهان (أحدهما) أنه لموالي الأم لأن مقتضى كونه دائرا أن يدور أبدا وفي كل دورة يصير لمولى
الأم نصفه، ولا يزال كذلك حتى ينفد وهو قول الجمهور (والثاني) يجعل في بيت المال قال القاضي
لأنه مال لا مستحق له نعلمه وهذا قول محمد بن الحسن وقياس قول مالك والشافعي والأول أولى
إن شاء الله تعالى.
275

(فصل) فإن كانت المسألة بحالها الا ان مكاتب الابن بنت فاشترت أباها عتق عليها وجر إليها ولاء
أختها فإذا مات الأب فلابنتيه الثلثان بالنسب والباقي لمعتقه بالولاء فإن ماتت التي لم تشتره بعد ذلك فمالها
لأختها نصفه بالنسب ونصفه بأنها مولاة أبيها، ولو ماتت التي اشترته فلأختها النصف والباقي لموالي أمها
فإن اشترت البنتان أباهما نصفين عتق عليهما وجر إلى كل واحدة نصف ولاء أختها فإذا مات الأب فماله
بين بنتيه بالنسب والولاء فإن ماتت إحداهما بعد ذلك فلأختها النصف بالنسب ونصف الباقي بما جر
الأب إليها من ولاء نصفها فصار لها ثلاثة أرباع مالها والربع الباقي لمولى أمها، فإن كانت إحداهما
276

ماتت قبل أبيها فمالها له ثم إذا مات الأب فللباقية نصف ميراث أبيها لكونها بنته ونصف الباقي وهو
الربع لكونها مولاة نصفه يبقى الربع لموالي البنت التي ماتت قبله فنصفه لهذه البنت لأنها مولاة نصف
أختها صار لها سبعة أثمان ميراثه ولمولى الأم الميتة الثمن فإن ماتت البنت الباقية بعد هما فمالها لمواليها نصفه
لموالي أمها ونصفه لموالي أختها الميتة وهم أختها ومولى أمها فنصفه لمولى أمها وهو الربع والربع الباقي
يرجع إلى هذه الميتة فهذا الجزء دائر لأنه خرج من هذه الميتة ثم دار إليها ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما
وهاتان المسئلتان أصل في دور الولاء وفيها أقوال شاذة سواهما وهذا أصح ما قيل فيها إن شاء الله تعالى
277

فإن اشترت الابنتان أباهما ثم اشترى أبوهما هو والكبرى جدهما ثم مات الأب فماله بينهم أثلاثا ثم إذا
مات الجد وخلف ابنتي ابنه فلهما الثلثان وللكبرى نصف الباقي لكونها مولاة نصفه يبقى السدس لموالي
الأب لأنه مولى نصف الجد وهما ابنتاه فيحصل للكبرى ثلث المال وربعه وللصغرى ربعه وسدسه فإن
كانت بحالها فاشترت الكبرى وأبوها أخاهما لأبيهما فالجواب فيها كالتي قبلها
(فصل) فإن اشترى ثلاث بنات أمهاتهن معتقات أباهن أثلاثا عتق عليهن وجر إلى كل واحدة ثلث
ولاء أختها فإن مات الأب كان ماله بينهن أثلاثا بالنسب والولاء، فإن ماتت إحداهن بعده كان لأختيها
الثلثان بالنسب وثلثا ما بقي بالولاء والباقي لموالي أمها وتصح من تسعة، ولو ماتت إحداهن ثم مات
278

الأب قسم ماله على سبعة وعشرين لهما الثلثان بالنسب وثلثا ما بقي بالولاء ويبقى التسع وهو حصة الميتة
فلهما ثلثاه لأن لهما ثلثي ولائها ولموالي أمها السدس والسدس الباقي للميتة قبلها لأن لها ثلث ولائها أيضا
فيكون هذا السدس بين مولى أم الميتة الأولى والأختين على ثلاثة فاضرب ستة في ثلاثة تكن ثمانية
عشر لموالي أم الميتة الأولى ثلاثة سهم للحية وسهم لموالي أمها وسهم يعود إلى الميتة الثانية لأن لها ثلث
ولائها فهذا هو السهم الدائر لأنه خرج من الثانية إلى الأولى ثم رجع إليها
279

(باب الوديعة)
والأصل فيها الكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى (ان الله يأمركم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها) وقوله تعالى (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أوتمن أمانته) وأما السنة فقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " رواه أبو داود
والترمذي وقال حديث حسن وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كانت عنده ودائع فلما أراد الهجرة
أودعها عند أم أيمن وأمر عليا أن يردها على أهلها، وأما الاجماع فأجمع علماء كل عصر على جواز
الايداع والاستيداع والعبرة تقتضيها لحاجة الناس إليها فإنه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم
280

ويحتاجون إلى من يحفظها لهم والوديعة فعيلة من ودع الشئ إذا تركه أي هي متروكة عند المودع واشتقاقها
من السكون يقال ودع يدع فكأنها ساكنة عند المودع مستقرة وقيل في مشتقة من الحفظ والدعة
فكأنها في دعة عند المودع وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة لأن فيه قضاء حاجة أخيه المؤمن
ومعاونته وهي عقد جائز من الطرفين متى أراد المودع أخذ وديعته لزم المستودع ردها للآية وان
ردها المستودع على صاحبها لزمه القبول لأن المستودع متبرع بامساكها فلا يلزمه التبرع في المستقبل
(مسألة) (وهي أمانة لا ضمان عليه فيها الا أن يتعدى وان تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح
الروايتين) وجملة ذلك أن الوديعة أمانة إذا تلفت من غير تعد ولا تفريط من المودع فليس عليه
281

ضمان سواء ذهب معها شئ من مال المودع أو لم يذهب هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن
أبي بكر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وبه قال شريح والنخعي ومالك وأبو الزناد والثوري
والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية ان ذهبت الوديعة من بين ماله ضمنها لما روي عن عمر
رضي الله عنه أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله قال القاضي والأول أصح لأن الله
تعالى سماها أمانة والضمان ينافي الأمانة وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس على المودع ضمان " ولان المستودع إنما يحفظها لصاحبها متبرعا من
غير نفع يرجع إليه فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من الاستيداع وذلك مضر لما بيناه من الحاجة إليها
وما روي عن عمر محمول على التفريط من انس في حفظها فلا ينافي ما ذكرناه فإن تعدى المودع فيها
282

أو فرط في حفظها ضمنها بغير خلاف علمناه لأنه متلف لمال غيره فضمنه كما لو أتلفه من غير استيداع
(فصل) فإن شرط المودع على المستودع ضمان الوديعة فقبله قال أنا ضامن لها لم يضمن قال
أحمد في المودع إذا قال أنا ضامن فسرقت فلا شئ عليه وكذلك كل ما أصله الأمانة كالمضاربة ومال
الشركة والرهن والوكالة وبه قال الثوري وإسحاق وابن المنذر وذلك لأنه شرط ضمان ما لم يوجد
سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو شرط ضمان ما يتلف في يد مالكه
(مسألة) (ويلزمه حفظها في حرز مثلها)
إذا أودع وديعة ولم يعين المودع له موضعا لها فإن المودع يلزمه حفظها في حرز مثلها كما يحفظ ماله
وحرز مثلها يذكر في باب القطع في السرقة فإن لم يحفظها في حرز مثلها ضمنها لأنه فرط فيها فإن وضعها
283

في حرز مثلها ثم نقلها عنه إلى حرز مثلها لم يضمنها سواء نقلها إلى مثل الأول أو دونه لأن صاحبها رد
حفظها إلى رأيه واجتهاده واذن له في احرازها بما شاء من احراز مثلها ولهذا لو تركها في الثاني أو لا
لم يضمنها فكذلك إذا نقلها إليه ولو كانت العين في بيت صاحبها فقال لرجل احفظها في موضعها فنقلها عنه
من غير خوف ضمنها لأنه ليس بمودع إنما هو وكيل في حفظها وليس له اخراجها من ملك صاحبها
ولا من موضع استأجره لها الا ان يخاف عليها فعليه اخراجها لأنه مأمور بحفظها وقد تعين حفظها في
اخراجها ويعلم ان صاحبها لو حضر في هذه المال أخرجها ولأنه مأمور بحفظها على صفة فإذا تعذرت الصفة
لزمه حفظها بدونها كالمستودع إذا خاف عليها
284

(مسألة) (وان عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن)
وجملة ذلك أن المودع إذا أمر المستودع يحفظها في مكان عينه فحفظها فيه ولم يخش عليها فلا ضمان
عليه بغير خلاف لأنه ممتثل غير مفرط وان أحرزها في دونه ضمن لأنه مخالف ولان صاحبها لم يرضه
(مسألة) (وان أحرزها في مثله أو فوقه لم يضمن) وكذلك ان نقلها إلى مثل ذلك الحرز لغير
حاجة هذا قول القاضي وهو مذهب الشافعي لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله كمن اكترى أرضا
لزرع الحنطة فله زرعها وزرع مثلها في الضرر ولان من رضي حرزا رضي مثله أو فوقه وقيل يضمن
ويحتمله كلام الخرقي لأن الامر بشئ يقتضي تعينه فلا يعدل عنه الا بدليل وان نقلها إلى أحرز منه
فهو كما لو نقلها إلى مثله وان فعله لحاجة لم يضمن لما نذكره
285

(مسألة) وان نهاه المالك عن اخراجها فاخرجها لغشيان شئ الغالب منه التوى لم يضمن وان
تركها فتلفت ضمنها وان أخرجها لغير خوف ضمن)
إذا نهاه المالك عن اخراجها من ذلك المكان فالحكم فيه حكم ما لو لم ينهه على ما ذكرنا من الخلاف فيه فإن
أخرجها لشئ الغالب منه التوى مثل ان خاف عليها نهبا أو هلاكا لم يضمنها لأنه غير مفرط في حفظها لأن حفظها نقلها
وتركها تضييع لها وان نقلها في هذه الحال إلى دون الحرز فإن أمكنه احرازها في مثله أو أعلى منه ضمنها لتفريطه وان
لم يمكنه لم يضمن لأن احرازها بذلك احفظ لها وليس في وسعه سواه وان تركها فتلفت ضمن سواء تلفت بالامر
المخوف أو بغيره لأنه مفرط في حفظها لأن حفظها في نقلها وتركها تضييع لها وفيه وجه آخر انه لا يضمن لأنه
امتثل أمر صاحبها أشبه ما لو قال لا يخرجها وان خفت عليها فإن أخرجها لغير خوف ضمن سواء أخرجها
286

إلى مثل الحرز أو دونه أو فوقه لأنه خالف نص صاحبها لغير فائدة وهذا ظاهر كلام الشافعي وفيه قول
آخر انه لا يضمن كما لو لم يعين له حرزا وقد ذكرناه وهو قول القاضي وقال أبو حنيفة ان نهاه عن نقلها
من بيت فنقلها إلى بيت آخر من الدار لم يضمن لأن البيتين من دار واحدة حرز واحد وطريق أحدهما
طريق الآخر فأشبه ما لو نقلها من زاوية إلى زاوية وان نقلها من دار إلى دار أخرى ضمن
ولنا انه خالف أمر صاحبها بما لا مصلحة فيه فيضمن كما لو نقلها من دار إلى دار ولا يصح هذا
الفرق لأن بيوت الدار تختلف فمنها ما هو أقرب إلى الطريق أو إلى الانهدام أو إلى موضع الوقود أو
أسهل فتحا أو أضعف حائطا أو أسهل نقبا أو يكون المالك يسكن به أو غيره وأشباه هذا مما يؤثر في
الحفظ أو في عدمه فلا يجوز تفويت غرض رب الوديعة من تعيينه من غير ضرورة
287

(مسألة) (فإن قال لا تخرجها وان خفت عليها فاخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن)
إذا أخرجها في هذه الحال من غير خوف ضمنها لأنه مخالف شرط صاحبها لغير حاجة وان أخرجها عند خوفه
عليها أو تركها لم يضمن إذا تلفت مع خوف الهلاك نص فيه وتصريح به فيكون مأذونا في تركها في تلك
الحال فلم يضمنها لامتثاله أمر صاحبها أشبه ما لو اذن له في اتلافها ولا يضمن إذا أخرجها لأنه زاده
خيرا وحفظا فلم يضمن كما لو أذن له في إتلافها فلم يفعل حتى تلفت
(فصل) إذا أخرج الوديعة المنهي عن اخراجها فتلفت فادعى أنه أخرجها لغشيان نار أو سيل أو أمر ظاهر
وأنكر صاحبها وجوده فعلى المستودع البينة انه كان في ذلك الموضع ما ادعاه لأنه مما لا تتعذر إقامة البينة عليه
لظهوره فإذا ثبت ذلك كان القول قوله في التلف مع يمينه ولا يحتاج إلى بينة لأنه تتعذر إقامة البينة فلم يطالب بها
288

كما لو ادعى تلفها بأمر خفي وهذا قول الشافعي والحكم في اخراجها من الخريطة والصندوق حكم
اخراجها من البيت على ما ذكرنا من التفصيل
(فصل) ولو أمره أن يجعلها في منزله فتركها في ثيابه وخرج بها ضمها لأن البيت أحرز لها وإن
جاءه بها في السوق فقال احفظها في بيتك فقام بها في الحال فتلفت لم يضمن وإن تركها في دكانه أو ثيابه
ولم يحملها إلى بيته مع إمكانه فتلفت ضمنها لأن بيته أحرز لها هكذا قال أصحابنا
قال شيخنا ويحتمل أنه متى تركها عنده إلى وقت مضيه إلى منزله فيصطحبه معه لم يضمن لأن
المودع عالم بهذه العادة راض بها ولو لم يرض بها لشرط عليه خلافها وأمره بتعجيل حملها فاما ان
يقبلها بهذا الشرط أو يردها
289

(مسألة) (وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمنها إلا أن ينهاه المالك عن علفها)
إذا أودعه بهيمة ولم يأمره بعلفها لزمه ذلك وبه قال الشافعي ويحتمل أن لا يلزمه وبه قال أبو حنيفة
لأنه استحفظه إياها ولم يأمره بعلفها والعلف على مالكها فإذا لم يعلفها كان هو المفرط
290

ولنا أنه لا يجوز اتلافها ولا التفريط فيها فإذا أمره بحفظها تضمن ذلك علفها وسقيها فإن ترك
علفها حتى تلفت ضمنها لأنه مفرط فيها فإن أمره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك لحرمة صاحبها لأنه
أخذها منه على ذلك ولحرمة البهيمة فإن الحيوان يجب احياؤه بالعلف والسقي ويحتمل أن لا يلزمه
علفها إلا أن يقبل ذلك لأن هذا تبرع به فلا يلزمه بمجرد أمر صاحبها كغير الوديعة والأول أولى ثم
ينظر فإن قدر المستودع على صاحبها أو وكيله طالبه بالانفاق عليها أو يردها عليه أو يأذن وله في
الانفاق عليها ليرجع به فإن عجز عن صاحبها أو وكيله رفع الامر إلى الحاكم فإن وجد لصاحبها مالا
أنفق عليها منه وإن لم يجد مالا فعل ما يرى لصاحبها الحظ فيه من بيعها أو بيع بعضها أو انفاقه عليها
أو إجارتها أو الاستدانة على صاحبها ويدفع إلى المودع لينفقه عليها أو إلى غيره فينفق عليها إن رأى
291

ذلك ويجوز أن يأذن للمودع أن ينفق عليها من ماله ويكون قابضا من نفسه لنفسه ويكل ذلك إلى
اجتهاده في قدر ما ينفق ويرجع به على صاحبها فإن اختلفا في قدر النفقة قبل قول المودع إذا ادعى
النفقة بالمعروف وإن ادعى زيادة لم يقبل وإن اختلفا في قدر المدة فالقول قول صاحبها لأن الأصل
عدم ذلك وإن لم يقدر على الحاكم فانفق عليها محتسبا بالرجوع على صاحبها وأشهد على الرجوع رجع
بما أنفق لأنه مأذون فيه عرفا ولا تفريط منه إذا لم يجد حاكما وإن فعل ذلك مع امكان استئذان الحاكم
من غير إذنه ففيه روايتان نص عليهما فيما إذا أنفق على البهيمة المرهونة من غير إذن الراهن (إحداهما)
يرجع لأنه مأذون فيه عرفا (والثانية) لا يرجع لأنه مفرط بترك استئذان الحاكم وإن أنفق من غير
إشهاد مع العجز عن استئذان الحاكم أو مع امكانه ففي الرجوع أيضا وجهان وجههما ما ذكرنا ومتى
292

علف البهيمة أو سقاها في داره أو غيرها بنفسه أو أمر غلامه أو صاحبه ففعل ذلك كما يفعل في بهائمه
على ما جرت به العادة فلا ضمان فيه لأن هذا مأذون فيه عرفا لجريان العادة به فأشبه المصرح به
(فصل) فإن نهاه المالك عن علفها وسقيها لم يجز له ترك علفها لأن للحيوان حرمة في نفسه يجب
احياؤه لحق الله تعالى فإن علفها وسقاها فهو كما لو لم ينهه وإن تركها حتى تلفت لم يضمنها وهو قول
أكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم يضمن لأنه تعدى بترك علفها أشبه ما إذا لم ينهه وهو قول ابن
المنذر لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فيصير أمر مالكها وسكوته سواء
ولنا أنه ممتثل قول صاحبها فلم يضمنها كما لو أمره بقتلها ففعل وكما لو قال لا تخرج الوديعة وإن خفت عليها
فخاف عليها ولم يخرجها أو امره بالقائها في نار وبهذا ينتقض ما ذكروه ومنع ابن المنذر الحكم فيما إذا
293

امره باتلافها فاتلفها ولا يصح لأنه نائب صاحبها فلم يغرم كما لو استنابه في مباح والتحريم اثره في بقاء حق
الله تعالى وهو الاثم اما حق الآدمي فلا يبقي مع اذنه في تفويته ولأنها لم تتلف بفعله وإنما تلفت بترك
العلف المأذون فيه أشبه ما إذا نهاه عن اخراجها مع الخوف فلم يخرجها
(مسألة) (وان قال اترك الوديعة في جيبك فتركها في كمه ضمن)
لأنه ربما نسي فسقط الشئ من كمه وكذلك ان تركها في يده لأن الجيب أحرز وان قال اتركها
في كمك فتركها في جيبه لم يضمن لأن الجيب أحرز على ما ذكرنا وان قال اتركها في كمك فتركها في
يده احتمل وجهين
إحداهما يضمن لأن سقوط الشئ من اليد مع النسيان أكثر من سقوطه من الكم
(والثاني) لا يضمن لأن اليد لا ينبسط عليها الطرار بالبط بخلاف الكم ولان كل واحد منهما
أحرز من وجه فتساويا ولمن نصر الأول أن يقول متى كان كل واحد منهما أحرز من
294

وجه وجب أن يضمن لأنه فوت الوجه المأمور بالحفظ به وأتى بما لم يؤمر به فضمن لمخالفته وعلى هذا
لو أمره بتركها في يده فجعلها في كمه ضمن كذلك وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة والكم أحرز عند
عدم المغالبة فعلى هذا إن أمره بتركها في يده فشدها في كمه من غير حال المغالبة فلا ضمان عليه وإن فعل
ذلك عند المغالبة ضمن وإن أمره بحفظها مطلقا فتركها في جيبه أو شدها في كمه لم يضمنها وإن تركها
في كمه غير مشدودة وكانت خفيفة لا يشعر بها إذا سقطت ضمنها لأنه مفرط وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم
يضمنها لأن هذا عادة الناس في حفظ أموالهم وإن شدها على عضده لم يضمن لأن ذلك احفظ لها وقال
القاضي إن شدها من جانب الجيب لم يضمنها وان شدها من الجانب الآخر ضمن لأن الطرار يقدر
علي بطها بخلاف ما إذا شدها مما يلي الجيب وهذا يبطل بما إذا تركها في جيبه أو ربطها في كمه فإن الطرار
295

يقدر على بطها ولا يضمن وليس امكان حرزها بأحفظ الحرزين مانعا من احرازها بما دونه إذا كان
حرزا لمثلها وشدها على العضد حرز لها كيفما كان لأن الناس يحرزون به أموالهم فأشبه شدها في الكم
وتركها في الجيب لكن لو أمره بشدها مما يلي الجيب فشدها من الجانب الآخر ضمن وإن أمره بشدها
مما يلي الجانب الآخر فشدها مما يلي الجيب لم يضمن لأنه أحرز وأن أمره بشدها علي عضده مطلقا أو
أمره بحفظها معه فشدها من أي الجانبين كان لم يضمن لأنه ممتثل أمر مالكها محرز لها بحرز مثلها وإن
شدها على وسطه فهو أحرز لها وكذلك إن تركها في بيته في حرزها
(مسألة) وإن أمره أن يجعلها في صندوق وقال لا تقفل عليها ولا تنم فوقها فخالفه أو قال لا تقفل
296

عليها الا قفلا واحد فجعل عليها قفلين فلا ضمان عليه ذكره القاضي وهو ظاهر مذهب الشافعي وحكي
عن مالك أنه يضمن لأنه خالف ربها في شئ له فيه غرض يتعلق بحفظها أشبه ما لو نهاه عن اخراجها عن
منزله فأخرجها لغير حاجة وذلك لأن النوم عليها وترك قفلين وزيادة الاحتفاظ ينبه اللص عليها ويحثه
على الجد في سرقتها والاحتيال لاخذها
ولنا أن ذلك أحرز لها فلم يضمن بفعله كما لو أمره بتركها في صحن الدار فتركها في البيت وبهذا ينتقض ما ذكروه
(فصل) وإن قال اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فأدخل إليه قوما فسرقها أحدهم ضمنها لأنها
ذهبت بتعديه ومخالفته وسواء سرقها حال ادخالهم أو بعده لأنه ربما شاهد الوديعة في دخوله البيت وعلم
موضعها وطريق الوصول إليها وإن سرقها من لم يدخل البيت فقال القاضي لا يضمن لأن فعله لم يكن
297

سببا لاتلافها ويحتمل ان يضمن لأن الداخل ربما دل عليها من لم يدخلها ولأنها مخالفة توجب الضمان
إذا كان سببا لاتلافها فأوجبته وإن لم يكن سببا كما لو نهاه عن اخراجها فأخرجها لغير حاجة، وإن
قال ضع هذا الخاتم في الخنصر فوضعه في البنصر لم يضمن لأنها أغلظ وأحفظ له الا أن لا يدخل فيها
فيضعه في أنملتها العليا أو ينكسر لغلظها عليه فيضمنه في الموضعين لأن مخالفته سبب لتلفه
(مسألة) (وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ما له كزوجته أو عبده لم يضمن)
نص على هذا أحمد وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي يضمن لأنه سلم الوديعة إلى من لم يرض به
صاحبها فضمنها كما لو دفعها إلى أجنبي
298

ولنا أنه حفظها بما يحفظ به ماله أشبه ما إذا حفظها بنفسه وكما لو دفع الماشية إلى الراعي أو البهيمة
إلى غلامه ليسقيها، ويفارق الأجنبي فإن دفعها إليه لا يعد حفظا منه
(مسألة) (وإن دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن وليس للمالك مطالبة الأجنبي وقال القاضي له ذلك)
إذا دفع الوديعة إلى غيره لغير عذر فعليه الضمان بغير خلاف في المذهب الا أن يدفعها إلى من
جرت عادته بحفظ ماله وقد ذكرناه في المسألة قبلها وذكرنا الخلاف فيه، وقال شريح ومالك والشافعي
وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق متى دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن، وقال ابن أبي ليلى لا ضمان عليه لأن
عليه حفظها واحرازها وقد أحرزها عند غيره وحفظها به ولأنه يحفظ ماله بايداعه فإذا أودعها فقد
حفظها بما يحفظ به ماله فلم يضمنها كما حفظها في حرزه
299

ولنا أنه خالف المودع فضمنها كما لو نهاه عن ايداعها فإنه أمره بحفظها بنفسه فلم يرض لها غيره فإن
فعل فتلفت عند الثاني مع علمه بالحال فله تضمين أيهما شاء لأنهما متعديان، ويستقر ضمانها على الثاني لأن
التلف حصل عنده وقد دخل على أنه يضمن وإن لم يعلم الحال فله تضمين الأول، وليس للأول الرجوع
على الثاني لأنه دخل معه في العقد على أنه أمين لا ضمان عليه، وان أحب المالك تضمين الثاني فليس له
تضمينه في ظاهر كلام أحمد قاله القاضي لأن أحمد ذكر الضمان على الأول فقط وهذا مذهب أبي حنيفة
لأنه قبض قبضا موجبا للضمان على الأول فلم يوجب ضمانا آخر، ويفارق القبض من الغاصب فإنه لم يوجب
الضمان على الغاصب إنما لزمه الضمان بالغصب. قال شيخنا ويحتمل أن له تضمين الثاني أيضا وهو قول
القاضي ومذهب الشافعي لأنه قبض مال غيره على وجه لم يكن له قبضه ولم يأذن له مالكه فيضمنه
300

كالقابض من الغاصب، وذكر أحمد الضمان على الأول لا ينفى الضمان عن الثاني كما أن الضمان يلزم الغاصب
ولا ينفي وجوبه على القابض منه، فعلى هذا يستقر الضمان على الأول فإن ضمنه لم يرجع على أحد وان
ضمن الثاني رجع على الأول وهذا القول أقرب إلى الصواب وما ذكرنا للقول الأول لا أصل له ثم هو
منتقض بما إذا دفع الوديعة إلى انسان عارية أو هبة
(مسألة) (وان أراد سفرا أو خاف عليها عند ردها إلى مالكها أو وكيله في قبضها ان قدر على ذلك)
ولم يجز له دفعها إلى الحاكم ولا إلى غيره لأنه ليس للحاكم ولاية على الحاضر فإن فعل ضمنها
لأنه دفعها إلى غير مالكها بغير اذنه من غير عذر فضمنها كالصورة الأولى
301

(مسألة) (فإن لم يجده حملها معه إن كان أحفظ لها)
إذا أراد السفر بها وقد نهاه صاحبها عنه ضمنها لمخالفته وان لم ينهه لكن الطريق مخوف أو البلد
الذي يسافر إليه مخوف ضمنها لأنه فرط في حفظها، وان لم يكن كذلك فله السفر بها نص عليه أحمد
سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي ان سافر بها مع القدرة
على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو امين ضمنها لأنه سافر بها من غير ضرورة أشبه ما لو كان السفر مخوفا
ولنا أنه نقلها إلى موضع مأمون فلم يضمها كما لو نقلها إلى البلد ولأنه سافر بها سفرا غير مخوف أشبه
ما لو لم يجد أحدا يدعها عنده. قال شيخنا ويقوى عندي أنه متى سافر بها مع القدرة على مالكها أو وكيله
فيها بغير اذنه فهو مفرط عليه الضمان لأنه يفوت على صاحبها امكان استرجاعها ويخاطر بها فإن النبي صلى
302

الله عليه وسلم قال " المسافر وماله على قلت الا ما وقى الله " أي على هلاك ولا يلزم من الاذن في امساكها
على وجه لا يتضمن هذا الخطر ولا يفوت امكان ردها على صاحبها الاذن فيما يتضمن ذلك فأما مع غيبة
المالك ووكيله فله السفر بها إذا كان أحفظ لها لأنه موضع حاجة فيختار ما فيه الحظ وهذا الذي ذكره
شيخنا في الكتاب المشروح.
(مسألة) (فإن لم يجد صاحبها ولا وكيله فله دفعها إلى الحاكم سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن)
لأنه متبرع بامساكها فلا يلزمه استدامته والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته فإن أودعها مع قدرته على الحاكم ضمنها
لأن غير الحاكم لا ولاية له، ويحتمل ان يجوز له ايداعها لأنه قد يكون احفظ لها وأحب إلى صاحبها وان لم
يقدر على الحاكم فأودعها ثقة لم يضمنها لأنه موضع حاجة، وذكر القاضي ان ظاهر كلام احمد انه
303

يضمنها ثم تأول كلامه على أنه أودعها من غير حاجة أو مع قدرته على الحاكم
(مسألة) (فإن تعذر ذلك أودعها ثقة أو دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار فإن دفنها ولم يعلم بها
أحدا أو اعلم بها من لا يسكن الدار ضمنها)
إذا دفنها في موضع واعلم بها ثقة يده على الموضع وكانت مما لا يضرها الدفن فهو كايداعها عنده، وان لم يعلم
بها أحدا ضمنها لأنه فرط في حفظها فإنه لا يامن ان يموت في سفره فلا تصل إلى صاحبها وربما نسي
مكانها أو أصابها آفة من هدم أو حرق أو غرق فتضيع، وإن أعلم بها غير ثقة ضمنها لأنه ربما أخذها
وكذلك إن أعلم بها ثقة لا يدله على المكان لأنه لم يودعها إياه ولا يقدر على الاحتفاظ بها.
(فصل) وإن حضره الموت فحكمه حكم السفر على ما مضى من أحكامه إلا في أخذها معه لأن كل
واحد منهما سبب لخروجها عن يده
304

(مسألة) (وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب أو أخذ الوديعة ليستعملها أو
ليخزن فيها ثم ردها إلى موضعها بنية الأمانة ضمن لتعديه ولم يزل عنه الضمان بردها)
وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة يبرأ لأنه ممسك لها باذن مالكها فأشبه ما قبل التعدي
ولنا أنه ضمنها بعدوان فبطل الاستئمان كما لو جحدها ثم أقر بها وبهذا يبطل ما ذكره
(مسألة) (فإن جحدها ثم أقر بها فتلفت ضمنها)
لأنه بجحدها خرج عن الاستئمان عليها فلم يزل عنه الضمان بالاقرار بها لأن يده صارت يد عدوان
(مسألة) (فإن كسر ختم كيسها أو كانت مشدودة فحل الشد ضمن)
سواء أخرج منها شيئا أو لم يخرج لأنه هتك الحرز بفعل تعدى به فإن خرق الكيس فوق
305

الشد فعليه ضمان ما خرق خاصة لأنه ما هتك الحرز وقال أبو حنيفة إذا كسر ختم الكيس لم يلزمه
ضمان الوديعة لأنه لم يتعد في غيره
ولنا أنه هتك حرزها فضمنها إذا تلفت كما لو أودعه إياها في صندوق مقفل ففتحه وتركه مفتوحا
ولا نسلم أنه لم يتعد في غير الختم
(مسألة) (وان خلطها بما لا تتميز منه ضمنها)
إذا خلطها بما لا تتميز منه من ماله أو من مال غيره ضمنها سواء خلطها بمثلها أو دونها أو أجود
من جنسها أو من غير جنسها مثل أن يخلط الدراهم بدراهم أو دهنا بدهن كالزيت بالزيت أو السمن أو بغيره
306

وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن القاسم ان خلط دراهم بدراهم على وجه الحرز لم
يضمن وحكي عن مالك لا يضمن الا أن تكون دونها لأنه لا يمكنه ردها إلا ناقصة
ولنا أنه خلطها بماله خلطا لا يتميز فوجب أن يضمنها كما لو خلطها بدونها ولأنه إذا خلطها بما لا
يتميز فقد فوت على نفسه امكان ردها فلزمه ضمانها كما لو ألقاها في لجة بحر فإن أمره صاحبها بخلطها
بماله أو بغيره ففعل ذلك فلا ضمان عليه لأنه فعل ما أمر به فكان نائبا عن المالك فيه وقد نقل مهنأ
عن أحمد في رجل استودع عشرة دراهم واستودعه آخر عشرة وأمره أن يخلطها فخلطها فضاعت الدراهم
فلا شئ عليه، فإن أمره أحدهما بخلط دراهمه ولم يأمره الآخر فعليه ضمان دراهم من لم يأمره دون
الأخرى، وإن اختلطت هي بغير تفريط منه فلا ضمان عليه كما لو تلفت بغير تفريطه وإن خلطها عيره
307

فالضمان على من خلطها لأن العدوان منه أشبه ما لو أتلفها
(مسألة) (وإن خلطها بتمييز أو ركب الدابة ليسقيها لم يضمن أما إذا خلطها بما تتميز منه مثل
ان خلط دراهم بدنانير لم يضمن)
لأنها تتميز منها فلا يعجز بذلك عن ردها فلم يضمنها كما لو تركها في صندوق فيه أكياس له
وبهذا قال الشافعي ومالك ولا نعلم فيه خلافا وكذلك الحكم إذا خلط بيضا بسود وقد حكي عن
أحمد فيمن خلط دراهم بيضا بسود يضمنها ولعله قال ذلك لكونها تكتسب منها سوادا ويتغير لونها
فتنقص قيمتها فإن لم يكن فيه ضرر فلا ضمان عليه وإن ركب الدابة ليسقيها أو يعلفها لم يضمن لأن
ركوبها لذلك مأذون فيه عرفا وشرعا لأنه مأذون له في سقيها كما لو أذن له في علفها والعادة أن
308

من يسقيها يركبها فالاذن في السقي اذن في الركوب المعتاد ولهذا لو قال لوكيله اسق الدابة فإنه يفهم منه اركبها له)
(مسألة) (وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده اختاره الخرقي وعنه يضمن الجميع
وجملة ذلك أن من أودع شيئا فأخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذ لتعديه فإن رده أو مثله لم يزل
عنه وبهذا قال الشافعي وقال مالك لا ضمان عليه إذا رده أو مثله وقال أصحاب الرأي ان لم ينفق ما
أخذه ورده لم يضمن وإن أنفقه ثم رده أو مثله ضمن
ولنا أن الضمان تعلق بذمته بالأخذ بدليل أنه لو تلف في يده قبل رده ضمنه فلا يزول الا برده
إلى صاحبه كالغصوب، فأما سائر الوديعة فينظر فيه فإن لم تكن الدراهم في كيس أو كانت في كيس
غير مشدود أو كانت ثيابا فأخذ منها واحدا ثم رده بعينه لم يضمن غيره لأنه لم يتعد في غيره وكذلك
309

ان رد بدله متميزا لما ذكرنا وان لم يكن متميزا فظاهر كلام الخرقي أنه لا يضمن غيره لأن التعدي
اختص به فاختص الضمان به وخلط المردود بغيره لا يقضي ضمان الجميع لأنه يجب رده معها فلم يفوت
على نفسه امكان ردها بخلاف ما إذا خلطه بغيره، ولو أذن له صاحب الوديعة في الاخذ منها ولم يأمره
برد بدله فأخذ ثم رد بدل ما أخذ فهو كرد بدل ما لم يؤذن في أخذه وقال القاضي يضمن الكل
وهو قول الشافعي لأنه خلط الوديعة بما لا تتميز منه فضمن الكل كما لو خلطها بغير البدل، وقد ذكرنا
فرقا بين البدل وغيره فلا يصح القياس، وان كانت الدراهم في كيس مختوم أو مشدود فكسر الختم أو
حل الشد ضمنها وقد ذكرناه
(فصل) وإذا ضمن الوديعة بالاستعمال أو بالجحد ثم ردها إلى صاحبها زال عنه الضمان فإن ردها
310

صاحبها إليه فهو ابتداء استئمان وان لم يردها إليه ولكن جدد له الاستئمان أو أبرأه من الضمان برئ
في ظاهر المذهب لأن الضمان حقه فإذا أبرأه منه برئ كما لو أبرأه من دين في ذمته وإذا جدد له
استئمانا فقد انتهى القبض المضمون به فزال الضمان وقد قال أصحابنا إذا رهن المغصوب عند الغاصب
أو أودعه عنده زال عنه ضمان الغصب فههنا أولى
(مسألة) (وإن أودعه صبي وديعة ضمنها ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه)
وجملة ذلك أنه لا يصح الايداع الا من جائز التصرف فإن أودع طفل أو معتوه انسانا وديعة
ضمنها بقبضها لأنه أخذ ما له بغير اذن شرعي أشبه ما لو غصبه، ولا يزول الضمان عنه بردها إليه وإنما
يزول بدفها إلى وليه الناظر في ماله، فإن كان الصبي مميزا صح ايداعه لما أذن له في التصرف فيه لأنه
كالبائع بالنسبة إلى ذلك فإن خاف أنه إذا لم يأخذه منه أتلفه لم يضمنه بأخذه لأنه قصد تخليصه من
الهلاك فلم يضمنه كما لو وجده في سيل فأخرجه منه
311

(مسألة) (وان أودع الصبي أو المعتوه وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن فإن أتلفها أو أكلها
ضمنها في قول القاضي)
وظاهر مذهب الشافعي، ومن أصحابنا من قال لا ضمان عليه وهو قول أبي حنيفة لأنه سلطه على
اتلافها بدفعها إليه فلا يلزمه، الا ترى أنه إذا دفع إلى صغير سكينا فوقع عليها كان ضمانه على عاقلته
ولنا أن ما ضمن باتلافه قبل الايداع ضمنه بعد الايداع كالبالغ ولا يصح قولهم انه سلطه على
اتلافها وإنما استحفظه إياها، وفارق دفع السكين فإنه سبب للاتلاف ودفع الوديعة بخلافه
(مسألة) (وان أودع عبدا وديعة فأتلفها خرج على الوجهين في الصغير)
إذا تلفت الوديعة فإن قلنا لا يضمن الصبي كانت في ذمته وان قلنا يضمن كانت في رقبته
312

(فصل) وإذا أودعه شيئا ثم سأله دفعه إليه في وقت أمكنه ذلك فلم يفعل حتى تلف ضمنه ولا نعلم
خلافا في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها فأمكن أداؤها إليه بغير ضرورة وقد أمر الله تعالى
بذلك فقال تعالى (ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أد الأمانة
إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " يعني عند طلبها ولأنها حق لمالكها لم يتعلق بها حق غيره فلزم أداؤها
إليه كالمغصوب والدين الحال فإن امتنع من دفعها في هذه الحال فتلفت ضمنها لأنه صار غاصبا لأنه أمسك
مال غيره بغير اذنه بفعل محرم أشبه الغاصب فاما ان طلبها في وقت لم يمكن دفعها لبعدها أو لمخافة في
طريقها أو للعجز عن حملها أو غير ذلك لم يكن متعديا بترك تسليمها لأن الله تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها
فإن تلفت لم يضمنها لعدم عدوانه وان قال أمهلوني حتى اقضي صلاتي أو آكل فاني جائع أو أنام فاني
ناعس أو ينهضم عني الطعام فاني ممتلئ امهل بقدر ذلك
313

(فصل) وليس على المستودع مؤنة الرد وحملها إلى ربها إذا كانت مما لحملها مؤنة قلت المؤنة أو كثرت
لأنه قبض العين لمنفعة مالكها على الخصوص فلم تلزمه الغرامة عليها كما لو وكله في حفظها في ملك
صاحبها وإنما عليه التمكين من اخذها، فإن سافر بها بغير اذن ربها ردها إلى بلدها لأنه بعدها بغير اذن
ربها فلزمه ردها كالغاصب
(فصل) إذا مات الرجل وثبت ان عنده وديعة لم توجد بعينها فهي دين عليه تغرم من تركته
فإن كان عليه دين سواها فهما سواء ان وفت تركته بهما والا اقتسماها بالحصص وبه قال الشعبي والنخعي
وداود وابن أبي هند ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وروي ذلك عن شريح ومسروق وعطاء
وطاوس والزهري وأبي جعفر محمد بن علي وروي عن النخعي الأمانة قبل الدين وقال الحارث العكلي
الدين قبل الأمانة
314

ولنا انهما حقان وجبا في ذمته فتساويا كالدينين وسواء وجد في تركته من جنس الوديعة أو لم يوجد
وهذا إذا أقر المودع ان عندي وديعة أو على وديعة لفلان أم ثبتت بينة انه مات وعنده وديعة فأما ان
كانت عنده وديعة في حياته ولم توجد بعينها ولم يعلم هل هي باقية عنده أو تلفت؟ ففيه وجهان (أحدهما)
وجوب ضمانها لأن الوديعة يجب ردها الا أن يثبت سقوط الرد بالتلف من غير تعد ولم يثبت ذلك ولان
الجهل بعينها كالجهل بها وذلك لا يسقط الرد (والثاني) لا ضمان عليه لأن الوديعة أمانة والأصل عدم اتلافها
والتعدي فيها فلم يجب ضمانها وهذا قول ابن أبي ليلى واحد الوجهين لأصحاب الشافعي والأول ظاهر المذهب لأن
الأصل وجود الرد فيبقى عليه ما لم يوجد ما يزيله
(فصل) قال الشيخ رحمه الله والمودع امين والقول قوله فيما يدعيه من رد أو تلف أو اذن في
315

دفعها إلى انسان إذا ادعى المستودع تلف الوديعة فالقول قوله بغير خلاف قال ابن المنذر أجمع كل من
نحفظ عنه من أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر انها ضاعت ان القول قوله وقال أكثرهم
مع يمينه وان ادعى ردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي
وإسحاق وبه قال مالك إن كان دفعها إليه بغير بينة وإن كان أودعه إياها ببينة لم يقبل قوله في الرد
الا ببينة وحكاه القاضي أبو الحسين رواية عن أحمد
ولنا انه امين لا منفعة له في قبضها فقبل قوله في الرد بغير بينة كما لو أودع بغير بينة وان قال
دفعتها إلى فلان بأمرك فأنكر مالكها الاذن في دفعها فالقول قول المودع نص عليه احمد في رواية ابن
منصور وهو قول ابن أبي ليلى وقال مالك والثوري والعنبري وأصحاب الرأي القول قول المالك لأن
الأصل عدم الإذن وله تضمينه
316

ولنا انه ادعى دفعا يبرأ به من الوديعة فكان القول قوله كما لو ادعى ردها على مالكها ولو اعترف
المالك بالاذن ولكن قال لم يدفعها فالقول قول المستودع أيضا ثم ينظر في المدفوع إليه فإن أقر بالقبض
وكان الدفع في دين فقد برئ الكل وان أنكر فالقول قوله مع يمينه وقد ذكر أصحابنا ان الدافع يضمن
لكونه قضي الدين بغير بينة ولا يجب اليمين على صاحب الوديعة لأن المودع مفرط لكونه اذن له في
قضاء يبرئه من الحق ولم يبرأ بدفعه فكان ضامنا سواء صدقه أو كذبه وإن أمره بدفعه وديعة لم يحتج
إلى بينة لأن المودع يقبل قوله في التلف والرد فلا فائدة في الاشهاد عليه فعلى هذا يحلف المودع ويبرأ
ويحلف الآخر ويبرأ أيضا ويكون ذهابها من مالكها وان ادعي عليه خيانة أو تفريطا فالقول قوله مع
يمينه لأن الأصل عدم ذلك أشبه الوكيل
317

(مسألة) (وان قال لم تودعني ثم أقر بها أو ثبتت ببينة ثم ادعي الرد أو التلف لم يقبل قوله
وان أقام بينة ويحتمل ان تقبل بينته)
إذا ادعي على رجل وديعة فأنكر ثم ثبت انه أودعه فقال أودعتني وهلكت من حرزي لم يقبل قوله وعليه
ضمانها وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي لأنه مكذب لانكاره الأول ومعترف على
نفسه بالكذب المنافي للأمانة وان أقر صاحبها له بتلفها من حرزه قبل جحدها فلا ضمان عليه وان
أقر انها تلفت بعد جحوده لم يسقط عنه الضمان لأنه خرج بجحوده عن الأمانة فصار ضامنا كمن
طولب بالوديعة فامتنع من ردها وكذلك إن أقام بينة بتلفها بعد الجحود لذلك وان شهدت بتلفها قبل الجحود
من الحرز فهل تسمع بينته؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تسمع لأنه مكذب لها بانكاره الايداع (والثاني) تسمع
318

لأن صاحبها لو أقر بذلك سقط عنه فتسمع البينة به فإن شهدت بالتلف من الحوز ولم تعين الجحود
ولا بعده واحتمل الامرين لم يسقط الضمان لأن الأصل وجوبه فلا ينتفي بأمر متردد
(مسألة) (وان قال مالك عندي شئ قبل قوله في الرد والتلف) إذا قامت بينة بالابداع أو أقر به
المودع بعد قوله مالك عندي شئ أولا حق لك علي ثم قال ضاعت من حرزي كان القول قوله مع
يمينه ولا ضمان عليه لأن قوله لا ينافي ما شهدت به البينة ولا يكذبها فإن من تلفت الوديعة من
حرزه بغير تفريطه لا شئ لمالكها عنده ولا يستحق عليه شيئا
(فصل) فإن نوى الخيانة في الوديعة بالجحود أو الاستعمال ولم يفعل ذلك لم يصر ضامنا لأنه لم
319

يحدث في الوديعة قولا ولا فعلا فلم يضمن كما لو لم ينو وقال ابن شريح يضمن لأنه أمسكها بنية الخيانة
فضمنها كاللقطة بقصد التمليك
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم
به أو تعمل به " ولأنه لم يخن فيها بقول ولا فعل فلم يضمنها كالذي لم ينو وفارق الملتقط بقصد التمليك فإنه
عمل بها باخذها ناويا للخيانة فيها فوجب الضمان بفعله المنوي لا بمجرد النية ولو التقطها قاصدا لتعريفها
ثم نوى بعد ذلك امساكها لنفسه كانت كمسئلتنا وان أخرجها بنية الاستعمال فلم يستعملها ضمنها وبهذا قال
الشافعي وقال أبو حنيفة لا يضمنها الا بالاستعمال لأنه لو أخرجها لنقلها لم يضمنها ولنا انه تعدى باخراجها
أشبه ما لو استعملها بخلاف ما إذا نقلها
320

(مسألة) (وان مات المودع فادعى وارثه التسليم لم يقبل الا ببينة) لأن صاحبها لم يأتمنه عليها فلا
يقبل قوله عليه بخلاف المودع فإنه ائتمنه فقبل قوله بغير بينة
(مسألة) (فإن تلفت عنده قبل امكان ردها لم يضمنها)
321

لأنه لا تفريط منه ولا تعد وإن كان بعد الامكان فتلفت ففيه وجهان (أحدهما) يضمنها لتأخر
ردها مع امكانه والآخر لا يضمنها لأنه غير متعد في اثبات يده عليها إنما حصلت في يده بغير فعله
(فصل) إذا مات المودع وعنده وديعة معلومة بعينها فعلى وارثة تمكين صاحبها من أخذها فإن لم
322

يفعل ضمن كالمودع فإن لم يعلم صاحبها بموت المودع فعلى الورثة اعلامه وليس لهم امساكها قبل ان يعلم
بها ربها لأنه لا يأتمنهم عليها وإنما حصل مال غيرهم بأيديهم بمنزلة من أطارت الريح إلى داره ثوبا وعلم
به فعليه اعلام صاحبه به فإن أحرز ذلك مع الامكان ضمن كذا هاهنا
323

(فصل) ولا تثبت الوديعة الا باقرار من الميت أو ورثته أو بينة وان وجد عليها مكتوب وديعة
لم يكن حجة عليهم لجواز أن يكون الوعاء كانت فيه وديعة قبل هذه أو كان وديعة لموروثهم عند غيره
أو كانت وديعة فابتاعه ا وكذلك لو وجد في رزمانج أبيه ان لفلان عندي وديعة كذا لم يلزمه بذلك
لجواز أن يكون قد ردها ونسي الضرب على ما كتب أو غير ذلك وهذا قول أصحاب الشافعي وحكي القاضي
324

أبو الحسين ان المذهب وجوب الدفع إلى من هو مكتوب باسمه اومأ إليه أحمد كما لو وجد في رزمانج
أبيه دينا على غيره يخط أبيه كان له ان يعمل على خطه ويحلف على استحقاقه بالخط فإذا وجد دينا
عليه كان ألوى وأحوط
(مسألة) (وان ادعى الوديعة اثنان فاقر بها لأحدهما فهي له مع يمينه) لأن يده دليل على ملكه بدليل
325

انه لو ادعاها لنفسه كان القول قوله فكذلك إذا أقر بها لغيره ويلزمه ان يحلف للآخر لأنه منكر لحقه فإن
حلف برئ وان نكل لزمه ان يغرم له قيمتها لأنه فوقتها عليه وكذلك لو أقر لها بها بعد أن أقر بها للأول
فإنها تسلم إلى الأول ويغرم قيمتها للثاني نص عليه احمد
(مسألة) (وان أقر بها لهما جميعا فهي بينهما) ويلزمه اليمين لكل واحد منهما في نصفها وان قال لا اعرف
326

صاحبها فاعترفا له بجهله بعين المستحق لها فلا يمين عليه وان ادعيا معرفته لزمته يمين واحدة انه لا يعلم
ذلك وقال أبو حنيفة يحلف يمينين كما لو أنكرها
ولنا ان الذي يدعي عليه أمر واحد وهو العلم بعين المالك فكفاه يمين واحدة كما لو ادعياها
فأقر بها لأحدهما ويفارق ما إذا أنكرهما لأن كل واحد منهما يدعى عليه انها له فهما دعويان فإن حلف
327

أقرع بينهما وسلمت إلى من تقع له القرعة وقال الشافعي يتحالفان ويوقف الشئ بينهما حتى يصطلحا
وهذا قول ابن أبي ليلى لأنه لا يعلم المالك منهما وللشافعي قول آخر انها تقسم بينهما كما لو أقر بها لهما
وهذا الذي حكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى وهو قول أبي حنيفة وصاحبه فيما حكي عنهم قالوا ويضمن
المودع نصفها لكل واحد منهما لأنه فوت ما استودع بجهله
328

ولنا انهما تساويا في الحق فيما ليس بأيديهما فوجب ان يقرع بينهما كالعبدين إذا اعتقهما في
مرضه فلم يخرج من الثلث الا أحدهما أو كما لو أراد السفر بإحدى نسائه، وقول أبي حنيفة لا يصح فإن
329

العين لم تتلف ولو تلف بغير تفريط منه فلا ضمان عليه وليس في جهله تفريط إذ ليس في وسعه
أن لا ينسى ولا يجهل
330

(مسألة) (ون أودعه الثنان مكيلا أو موزونا فطلب أحدهما نصيبه سلمه إليه) لأن قسمته ممكنة
بغير غبن ولا ضرار واختاره أبو الخطاب وفيه وجه آخر انه لا يجوز في غيبة الشريك الا أن يحكم بها حاكم قاله القاضي
(مسألة) (وان غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها؟ على وجهين) (أحدهما) له المطالبة بها لأنه
331

مأمور بحفظها وذلك من حفظها (والثاني) ليس له ذلك لأنه لم يؤمر به ولا ضمان على المودع سواء أخذت من
يده قهرا أو أكره على تسليمها فسلمها بنفسه لأن الاكراه عذر له يبيح دفعها فلم يضمنها كما لو أخذت من
يده قهرا والله سبحانه وتعالى اعلم
332

(كتاب النكاح)
النكاح في الشرع عقد التزويج فعند اطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل وقال القاضي
الأشبه بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطئ جميعا لقولنا بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج استدلالا
بقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقيل بل هو حقيقة في الوطئ مجاز في العقد تقول
العرب أنكحنا الفرى فسترى أي اضربنا فحل حمر الوحش أمه فسترى ما يتولد منهما يضرب مثلا للامر
يجتمعون عليه ثم يتفرقون عنه قال الشاعر:
ومن أيم قد أنكحتنا رماحها * وأخرى على خال وعم تلهف
قال شيخنا والصحيح ما قلنا لأن الأشهر استعمال لفظة النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنة ولسان
أهل العرف وقد قيل ليس في الكتاب لفظة نكاح بمعنى الوطئ الا قوله (حتى تنكح زوجا غيره) ولأنه
333

يصح نفيه عن الوطئ لأنه يقال هذا سفاح وليس بنكاح وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولدت من
نكاح لا من سفاح " ويقال عن السرية ليست بزوجة ولا منكوحة ولان النكاح أحد اللفظين اللذين
ينعقد بهما عقد النكاح فكان حقيقة فيه كاللفظ الآخر وما ذكره القاضي يفضي إلى كون اللفظ مشتركا
وهو على خلاف الأصل وما ذكره الآخرون يدل على الاستعمال في الجملة والاستعمال فيما قلنا أكثر
وأشهر ثم لو قدر كونه مجازا في العقد لكان اسما عرفيا يجب صرف اللفظ إليه عند الاطلاق لشهرته
كسائر الأسماء العرفية
(فصل) والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى (فانكحوا ما
طاب لكم من النساء) وقوله (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم) وأما السنة فقول
النبي صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن
للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " متفق عليه وقال عليه السلام " اني أتزوج النساء
فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقال سعد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون
التبتل ولو أذن له لاختصينا متفق عليه والتبتل ترك النكاح. وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع
334

(مسألة) (والنكاح سنة لما ذكرنا من أدلة الكتاب والسنة وأدناها الاستحباب)
(مسألة) (والاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة الا أن يخاف على نفسه مواقعة
المحظور بتركه فيجب)
الناس في النكاح على ثلاثة أضرب (أحدها) من يخاف على نفسه مواقعة المحظور ان ترك النكاح فهذا يجب
عليه في قول عامة الفقهاء لأنه يلزمه اعفاف نفسه وصرفها عن الحرام وطريقه النكاح (الثاني) من يستحب له وهو
من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور فهذا الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة وهو قول
أصحاب الرأي وظاهر أقوال الصحابة رضي الله عنهم وفعلهم قال ابن مسعود لو لم يبق من أجلي
الا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوما لي فيهن طول النكاح لتزوجت مخافة الفتنة، قال ابن
عباس لسعيد بن جبير تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء، وقال إبراهيم بن ميسرة قال لي طاوس
لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد ما يمنعك عن النكاح الا عجز أو فجور قال أحمد في
رواية المروذي ليست العزبة من أمر الاسلام في شئ ومن دعا إلى غير التزويج فقد دعا إلى غير
الاسلام ولو تزوج بشر كان قد تم أمره. وقال الشافعي التخلي لعبادة الله أفضل لأن الله تعالى مدح
335

يحيى عليه السلام بقوله تعالى (وسيدا وحصورا) والحصور الذي لا يأتي النساء فلو كان النكاح أفضل
لما مدح بتركه وقال تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) وهذا في معرض الذم ولأنه
عقد معاوضة فكان الاشتغال بالعبادة أفضل منه كالبيع
ولنا ما تقدم من أمر الله ورسوله به وحثهما عليه وقوله عليه الصلاة والسلام " لكني أصوم
وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقول سعد: لقد رد النبي صلى الله عليه وسلم
على عثمان بن مظعون التبتل ولو أحله له لاختصينا متفق عليهما وعن أنس قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول " تزوجوا الودود الولود فاني
مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " رواه سعيد وهذا حث على النكاح شديد ووعيد على تركه
يقربه إلى الوجوب والتخلي منه إلى التحريم، ولو كان التخلي أفضل لانعكست الأحكام ولان النبي صلى
الله وعليه وسلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك أصحابه ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الا
بالأفضل ولا يجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى، ومن العجب ان من يفضل التخلي
لم يفعله فكيف اجمعوا على النكاح في فعله وخالفوا في فضله فما كان فيهم من يتبع الأفضل عنده ويعمل
336

بالأولى ولان مصالح النكاح أكثر فإنه يشتمل على تحصين الدين واحرازه وتحصين المرأة وحفظها
والقيام بها وإيجاد النسل وتكثير الأمة وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المصالح
الراجح أحدها على نقل العبادة فمجموعها أولى وقد روينا في اخبار المتقدمين ان قوما ذكروا لنبي لهم
فضل عابد لهم فقال اما انه لتارك لشئ من السنة فبلغ العابد فأتي فسأله عن ذلك فقال إنك تركت
التزويج فقال يا نبي الله وما هو الا هذا؟ فلما رأي النبي احتقاره لذلك قال أرأيت لو ترك الناس كلهم
التزويج من كان يقوم بالجهاد وينفي العدو أو يقوم بفرائض الله وحدوده وأما ما ذكر عن يحيى فهو
شرعه وشرعنا بخلافه فهو أولى والبيع لا يشتمل على مصالح النكاح ولا يقاربها (القسم الثالث) من لا شهوة له
اما لأنه لا شهوة له كالعنين أو ذهبت شهوته لمرض أو كبر ونحوه ففيه وجهان (أحدهما) يستحب له النكاح
لما ذكرنا (والثاني) التخلي له أفضل فإنه لا يحصل مصالح النكاح ويمنع زوجته من التحصين بغيره ويضربها
بحبسها عن نفسه ويعرض نفسه لواجبات وحقوق ولعله لا يقوم بها ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة
فيه والاخبار تحمل على من له شهوة لما فيها من القرائن الدالة عليها
(فصل) وظاهر كلام احمد انه لا فرق بين القادر على الانفاق والعاجز عنه فإنه قال ينبغي للرجل
337

ان يتزوج فإن كان عنده ما ينفق أنفق وان لم يكن عنده صبر ولو تزوج بشر كان قدتم امره واحتج بان
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح وما عندهم شئ ويمسي وما عندهم شئ ولان النبي صلى الله عليه وسلم
زوج رجلا لم يقدر الا على خاتم حديد ولا وجد الا ازاره ولم يكن له رداء أخرجه البخاري قال احمد
في رجل قليل الكسب يضعف قبله عن العيال الله يرزقهم، التزويج أحصن له ربما اتي عليه وقت لا يمكن
قلبه الصبر وهذا في حق من يمكنه التزويج فاما من لا يمكنه فقد قال الله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون
نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)
(مسألة) (وعن أحمد ان النكاح واجب على الاطلاق) اختاره أبو بكر عبد العزيز وحكاه عن أحمد
وحكي عن أحمد انه يجب في العمر مرة للآية والخبر والمشهور في المذهب انه ليس بواجب الا ان
يخاف على نفسه الوقوع في محضور بتركه فيلزمه اعفاف نفسه وهو قول أكثر الفقهاء لأن الله تعالى حين
أمر به علقه على الاستطابة بقوله (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) والواجب لا يقف على الاستطابة
(وقال مثنى وثلاث ورباع) ولا يجب ذلك بالاتفاق فدل على أن المراد بالامر الندب وكذلك الخبر يحمل
على الندب أو على من يخشى على نفسه الوقوع في المحظور بترك النكاح قال القاضي وعلى هذا يحمل كلام
احمد وأبي بكر في ايجاب النكاح والله أعلم
338

(مسألة) (ويستحب تخير ذات الدين الولود البكر الحسيبة الأجنبية)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لما لها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظهر بذات الدين تربت يداك " متفق
عليه والأولى ان لا يزيد على امرأة واحدة ذكره في المحرر لقول الله تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)
ولقوله سبحانه (ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) ويختار الولود لما روى أنس قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تزوجوا الولود الودود فأنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة رواه سعيد
وروى معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنى أصبت امرأة ذات حسب ومنصب
الا انها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه ثم اتاه الثانية فنهاه ثم اتاه الثالثة فقال " تزوجوا الولود الودود فاني مكاثر بكم "
رواه النسائي وعن علي بن الحسين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا بني هاشم عليكم بنساء الأعاجم فالتمسوا
أولادهن فإن في أرحامهن البركة " قال ويختار البكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أتزوجت يا جابر؟ "
قال قلت نعم قال " بكرا أم ثيبا " قال قلت بل ثيبا قال " فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك " متفق عليه وعن عطاء
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " عليكم بالابكار فإنهن أعذب أفواها وأنقى أرحاما وأرضى باليسير "
339

وفي رواية " وافتح أرحاما " رواه الإمام أحمد ويختار الحسيبة ليكون ولدها نجيبا فإنه ربما أشبه أهلها ونزع البهم
وكان يقال إذا أردت ان تتزوج امرأة فانظر إلى أبيها وأخيها وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم " ويختار الأجنبية فإن ولدها أنجب ولهذا
يقال أغربوا لا تضووا يعني انكحوا الغراب كي لا تضعف أولادكم وقيل الغراب انجب وبنات العم أصبر
ولأنه لا يؤمن العداوة في النكاح وافضاءه إلى الطلاق وإذا كان في قرابة أفضي إلى قطيعة الرحم المأمور
بصلتها ويختار الجميلة لأنه أسكن لنفسه وأغض لبصره وأكمل لمودته ولذلك شرع النظر قبل النكاح
وروي عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنما النساء
لعب فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها " وعن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله أي النساء خير؟ قال " التي
تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره " رواه الإمام أحمد والنسائي وعن
يحيى بن جعدة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد اسلامه امرأة جميلة
تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها " رواه سعيد ويختار ذات العقل
ويجتنب الحمقاء لأن النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها وربما تعدي
معها ذلك إلى ولدها وقد قيل اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها صياع وصحبتها بلاء
340

(مسألة) (ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها من غير خلوة بها)
وعنه له النظر إلى ما يظهر غالبا كالرقبة واليدين والقدمين قال شيخنا لا نعلم بين أهل العلم في إباحة
النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها خلافا لما روى جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا خطب
أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى
رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها رواه أبو داود وفيه أحاديث كثيرة سوى هذا ولان النكاح
عقد يقتضي التمليك فكان للعاقد النظر إلى المعقود عليه كالأمة المستامة ولا بأس بالنظر إليها باذنها وغير
اذنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالنظر وأطلق ومن حديث جابر فكنت أتخبأ لها وفي حديث المغيرة
ابن شعبة أنه استأذن أبوبها في النظر إليها فكرهاه فأذنت له المرأة رواه سعيد ولا تجوز الخلوة بها لأنها
محرمة ولم يرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ولاته لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور فإن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان " ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ولا لريبة
قال أحمد في رواية صالح ينظر إلى الوجه ولا تكون على طريق لذة وله تكرار النظر إليها وتأمل محاسنها
لأن المقصود إنما يحصل بذلك
341

(فصل) ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن
وموضع النظر ولا يباح له النظر إلى ما يظهر عادة وحكي عن الأوزاعي أنه ينظر إلى مواضع اللحم
وعن داود أنه ينظر إلى جميعها لظاهر قوله عليه السلام " انظر إليها " ولنا قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن
الا ما ظهر منها) روى عن ابن عباس أنه قال هو الوجه وباطن الكف ولان النظر أبيح للحاجة
فيختص بما تدعوا الحاجة إليه والحديث مطلق ومن نظر إلى وجه انسان سمي ناظرا إليه ومن رآه
وعليه ثيابه سمى رائيا له قال الله تعالى (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) فأما ما يظهر غالبا سوى الوجه
والكفين والقدمين ونحو ذاك مما تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان إحداهما لا يباح النظر إليه لأنه
عورة فلم يبح النظر إليه كالذي لا يظهر فإن عبد الله روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المرأة عورة " حديث حسن
ولان الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه فبقي ما عداه على التحريم والثانية له النظر إلى ذلك قال أحمد في
رواية حنبل لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة وقال الشافعي ينظر إلى الوجه والكفين ووجه
جواز النظر إلى ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها علم أنه أذن في النظر
إلى جميع ما يظهر غالبا إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور ولأنه يظهر غالبا
342

فأبيح النظر إليه كالوجه ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها من الشارع فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات
المحارم وقد روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال خطب عمر بن الخطاب ابنة علي
فذكر منها صغرا فقالوا له اثما ردك فعاوده فقال ارسل بها إليك تنظر إليها فرضيها فكشف عن ساقها
فقالت ارسل لولا انك أمير المؤمنين للطمت عينك
(مسألة) (وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة ومن ذوات محارمه
وعنه لا ينظر من ذوات محارمه الا إلى الوجه والكفين) يجوز له النظر إلى ذلك من الأمة المستامة
كما يجوز إلى من يريد خطبتها قياسا عليها بل الأمة المستامة أولى لأنها تراد للاستمتاع وغيره من
التجارة فيها وحسنها يزيد في ثمنها فأما ذوات المحارم فيجوز النظر منهن إلى ما يظهر غالبا كالرقبة والرأس
والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى مالا يظهر غالبا كالصدر والظهر ونحوهما قال الا ثرم
سألت أبا عبد الله عن الرجل ينظر إلى شعر امرأة أبيه وصدرها قال لا ما يعجبني ثم قال انا أكره أن
ينظر من أمه وأخته إلى مثل هذا والى كل شئ لشهوة وذكر القاضي أن حكم الرجل مع ذوات
محارمه حكم الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة وقال أبو بكر كراهية أحمد النظر إلى ساق أمه وصدرها
343

على التوقي لأنه يدعو إلى الشهوة يعني أنه يكره ولا يحرم ومنع الحسن والشعبي والضحاك النظر إلى
شعر ذوات المحارم وهو إحدى الروايتين عن أحمد، بنت المهلب قالت قلت للحسن ينظر الرجل إلي قرط
أخته أو إلى عنقها قال لا ولا كرامة وقال لو دخلت على أمي لقلت أيتها العجوز غطى شعرك والصحيح
إباحة النظر إلى ما يظهر غالبا لقول الله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) الآية وقالت سهلة بن
سهيل يا رسول الله انا كنا نرى سالما ولدا فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلا
وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرضعيه " فأرضعته خمس رضعات فكان
بمنزلة ولدها رواه مسلم بمعناه وأبو داود وهذا دليل على أنه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالبا فإنها
قالت يراني فضلا ومعناه في ثياب البذلة التي لا تستر أطرافهما قال امرؤ القيس
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل
ومثل هذا يظهر منه الأطراف والشعر وكان يراها كذلك إذا اعتقدته ولدا ثم دلهم النبي صلى الله عليه وسلم
على ما يستديمون به ما كانوا يعتقدونه ويفعلونه وروى الشافعي في مسنده عن زينب بنت أبي مسلمة
انها ارتضعت من أسماء امرأة قالت فكنت أراه أبا وكان يدخل علي وأنا أمشط رأسي فيأخذ
ببعض قرون رأسي ويقول أقبلي علي ولان التحرز من هذا لا يمكن فأبيح كالوجه وما لا يظهر غالبا
344

لا يباح لأن الحاجة لا تدعو إليه ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور فحرم النظر إليه كما تحت السرة
(فصل) وذوات محارمه كل من حرم نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو تحريم المصاهرة
بسبب مباح لما ذكرنا من حديث سالم وزينب وعن عائشة أن أفلح أخا أبي القيس استأذن عليها بعد
ما أنزل الحجاب فأبت أن تأذن له فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إيذني له فإنه عمك تربت يمينك " وقد ذكر الله
آباء بعولتهن كما ذكر آباءهن وأبنائهن في ابداء الزينة لهم، وتوقف أحمد عن النظر إلى شعر أم المرأة
وبنتها لأنهما غير مذكورتين في الآية قال القاضي إنما حكى قول سعيد بن جبير ولم يأخذ به وقد صرح
في رواية المروذي أنه محرم يجوز له المسافرة بها وقال في رواية أبي طالب ساعة يعقد عقدة النكاح
تحرم عليه أم امرأته فله أن يرى شعرها ومحاسنها ليست مثل التي سرى بها لا يحل له أبدا أن ينظر
إلى شعرها ولا إلى شئ من جسدها وهي حرام عليه
(فصل) فأما أم المزني بها وابنتها فلا يحل له النظر إليهن وان حرم نكاحهن لأن تحريمهن بسبب
345

محرم فلم يفد إباحة النظر كالحرمة باللعان وكذلك بنت الموطوءة بشبهة وأمها ليست من ذوات محارمه
وكذلك الكافر ليس بمحرم لقرابته المسلمة، وقال أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت بنته لا يسافر بها
ليس هو محرما لها في السفر اما النظر فلا يجب عليها الحجاب منه لأن أبا سفيان أتى المدينة وهو مشرك
فدخل على ابنته أم حبيبة فطوت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يجلس عليه ولم تحتجب منه ولا أمرها
به رسول الله صلى الله عليه وسلم
(مسألة) (وللعبد النظر إليهما من مولاته)
يعنى إلى الوجه والكفين لقول الله تعالى (أو ما ملكت أيمانهن) ولما روت أم سلمة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم " قال إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه " قال الترمذي هذا حديث
حسن صحيح، وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا
قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما تلقى قال " انه ليس عليك بأس إنما هو أبوك ورواه أبو داود وأما النظر إلى شعرها فكرهه أبو غلامك "
346

عبد الله وسعيد بن المسيب وطاوس ومجاهد والحسن، واباحه ابن عباس لما ذكرنا من الآية والخبرين
ولان الله تعالى قال (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات - إلى قوله -
ليس عليكم لا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) ولأنه يشق التحرز منه فأبيح له ذلك
كذوي المحارم وجعله بعض أصحابنا كالأجنبي، والصحيح ما قلنا إن شاء الله تعالى
(مسألة) (ولغير أولي الإربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما النظر إلى ذلك وعنه لا يباح)
من لا شهوة له من الرجال كالمخنث ومن ذهبت شهوته لكبر وعنة أو مرض لا يرجى
برؤه والشيخ الخصي فحكمه حكم ذي المحرم في النظر لقول الله تعالى (والتابعين غير أولي
الإربة من الرجال) أي غير أولي الحاجة إلى النساء قاله ابن عباس وعنه هو المخنث الذي لا يقوم
إربه وعن مجاهد وقتادة الذي لا إرب له في النساء، فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه
حكم غيره، لأن عائشة قالت دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير
أولي الإربة فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا
أدبرت أدبرت بثمان فقال " لا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا " فحجبوه رواه أبو داود
347

وغيره قال ابن عبد البر ليس المخنث الذي تعرف فيه الفاحشة خاصة وإنما التخنيث شدة التأنيث في
الخلقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنغمة والنظر والعقل، فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء
أرب وكان لا يفطن لأمور النساء فهو من غير أولي الإربة الذين لم يبح لهم الدخول على النساء
الا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع ذاك المخنث من الدخول على النساء فلما سمعه يصف ابنة
غيلان وفهم أمر النساء أمر بحجبه، وعنه لا يباح لأنه ذكر بالغ أجنبي فلم يبح له ذلك كالذي له إرب
(مسألة) (وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها)
لتكون الشهادة واقعة على عينها قال أحمد لا يشهد على امرأة الا أن يكون قد عرفها بعينها
وكذلك من يقابل المرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها ليعرفها بعينها فيرجع عليها بالدرك
وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ولعله كرهه من يخاف الفتنة أو يستغني
عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس
(مسألة) (وللطيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره إليه من بدنها من العورة وغيرها فإنه
موضع حاجة وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعدا في بني قريظة كان يكشف عن
348

مؤتزرهم وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق فقال " انظروا إلى مؤتزره " فلم يجدوه أنبت الشعر فلم يقطعه
(مسألة) (وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى المرأة إلى ما فوق السرة وتحت الركبة في
إحدى الروايتين)
لأن الله تعالى قال (ليس علكيم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) وقال
(إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) فدل على التفريق بين البالغ وغيره
قال أبو عبد الله. حجم أبو طيبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، والرواية الأخرى حكمه
حكم ذي المحرم في النظر إذا كان ذا شهوة لقول الله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات
النساء) قيل لأبي عبد الله متى تغطي المرأة رأسها من الغلام قال: إذا بلغ عشر سنين
(مسألة) (فإن كان ذا شهوة فهو كذي المحرم)
لقوله تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) الآية وعنه أنه كالأجنبي لأنه في معنى البالغ في الشهوة
وهو المعنى المقتضي للحجاب وتحريم النظر ولقوله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات
النساء) فأما الغلام الطفل غير المميز فلا يجب الاستتار منه في شئ
349

(مسألة) (وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة وعنه
أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي)
يجوز للرجل مع الرجل النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة وفيها روايتان (إحداهما) ما بين
السرة والركبة والأخرى الفرجان وقد ذكرناهما في باب ستر العورة ولا فرق بين الأمرد ذي اللحية
الا أن الأمرد إذا كان جميلا يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز تعمد النظر إليه، فقد روي عن الشعبي قال
قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى
الله عليه وسلم وراء ظهره رواه أبو حفص، قال المروذي سمعت أبا بكر الأعين يقول قدم علينا انسان
من خراسان صديق لأبي عبد الله ومعه غلام ابن أخت له وكان جيملا فمضى إلى أبي عبد الله فحدثه
فلما قمنا جاء إلى الرجل وقال له من هذا الغلام منك؟ قال ابن أختي قال: إذا جئتني لا يكون معك
والذي أرى لك أن لا يمشي معك في طريق. فأما الغلام قبل السبع فلا عورة له يحرم النظر إليها وقد
روي عن ابن أبي ليلى قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال فجاء الحسن " فجعل يتمرغ
عليه فرفع مقدم قميصه أراه قال فقبل استه " رواه أبو حفص
350

(فصل) وحكم المرأة مع المرأة والرجل مع الرجل سواء ولا فرق بين المسلمتين بين والمسلمة والكافرة
كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر، وقال أحمد ذهب بعض الناس إلى أنها
لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية وأما أنا فاذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ولا تقبلها حين
تلد وعن أحمد رواية أخرى أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ولا تدخل معها الحمام وهو قول
مكحول وسليمان بن أبي موسى لقوله تعالى (أو نسائهن) والأول أولى لأن النساء من اليهوديات
وغيرهن قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن يحجبن ولا أمرن بحجاب وقد
قالت عائشة جاءت يهودية تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وذكر الحديث، وقالت أسماء قدمت على أمي وهي راغبة يعني عن الاسلام فسألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم أفأصلها؟ قال " نعم " ولان الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة
والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي ولان الحجاب اما أن يجب بنص أو قياس
ولم يوجد واحد منهما وأما قوله ((أو نسائهن) فيحتمل أن يكون أراد جملة النساء
(مسألة) (ويباح للمرأة النظر من الرجل إلى غير العورة وعنه لا يباح)
351

وهذه إحدى الروايتين والأخرى لا يباح لها النظر من الرجل الا إلى مثله ما ينظر إليه منها
اختاره أبو بكر وهو أحد قولي الشافعي لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت كنت قاعدة
عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم
" احتجبن منه " فقلت يا رسول الله انه ضرير لا يبصر قال " أفعمياوان أنتما لا تبصرانه؟ " رواه أبو
داود وغيره ولان الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به ولأنهن أحد نوعي الآدمين
فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال يحققه أن المعني المحرم على الرجال خوف الفتنة
وهذا في المرأة أبلغ لأنها أشد شهوة وأقل عقلا فتسارع الفتنة إليها أكثر
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس " اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمي
تضعين ثيابك فلا يراك " وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر
إلى الحبشة يلعبون في المسجد متفق عليهما، ولما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة العيد مضى إلى
النساء فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما
وجب على النساء لئلا ينظرون إليهم فأما حديث نبهان فقال أحمد نبهان روى حديثين عجيبين هذا
352

الحديث والآخر " إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه " كأنه أشار إلى ضعف حديثه إذ لم
يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول وقال ابن عبد البر. نبهان مجهول لا يعرف إلا برواية الزهري
عنه هذا الحديث وحديث فاطمة صحيح فالحجة به لازمة ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج رسول الله
صلى الله عليه وسلم كذلك قال أحمد وأبو داود قال الأثرم قلت لأبي عبد الله كان حديث نبهان لأزواج
رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وحديث فاطمة لسائر الناس؟ قال نعم وان قدر التعارض فتقديم
الأحاديث الصحيحة أولى من الاخذ بحديث مفرد في اسناده مقال
(مسألة) (ويجوز النظر إلى الغلام لغير شهوة)
فأما النظر إليه لشهوة فلا يباح لأنها تدعوا إلى الفتنة وقد ذكرنا ذلك
(مسألة) (ولا يجوز النظر إلى أحد ممن ذكرنا لشهوة لما ذكرنا من خوف الفتنة)
ومعنى الشهوة انه يتلذذ بالنظر إليه والله أعلم
(مسألة) (ولكل واحد من الزوجين النظر إلي جميع بدن الآخر ولمسه وكذلك السيد مع أمته)
لما روى بهز بن حكيم قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما ندع؟ قال " احفظ عورتك الامن
353

زوجتك أو ما ملكت يمينك " رواه الترمذي وقال حديث حسن ولا فرق بين الفرج وغيره لعموم الحديث
ولان الفرج يباح الاستمتاع به فجاز النظر إليه ولمسه كبقية البدن وقيل يكره النظر إلي الفرج لقول
عائشة ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رواه ابن ماجة وفي لفظ قالت ما رأيته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رآه مني قال احمد في رواية جعفر بن محمد في المرأة تقعد بين يدي
زوجها وفي بيتها مكشوفة في ثياب رقاق. فلا بأس به قلت تخرج من الدار إلى بيت مكشوفة الرأس
وليس في الدار الا هي وزوجها مرخص في ذلك
(فصل) وحكم السيد حكم الزوج فيما ذكرنا وسواء في ذلك سريته وغيرها لأنه يباح له الاستمتاع
بجميع بدنها فأبيح له النظر إليه فأما ان زوج أمته حرم عليه الاستمتاع بها والنظر منها إلي ما بين السرة
والركبة لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا زوج
أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة فإنه عورة " رواه أبو داود
ومفهومه إباحة النظر إلى ما عداه واما تحريم الاستمتاع بها فلا خلاف فيه فإنها قد صارت مباحة للزوج
ولا تحل امرأة لرجلين فإن وطئها اثم وعليه التعزير لأنه فعل محرما فإن أولدها فقال أحمد لا يلحقه
354

نسبه لأنها فراش لغيره فلم يلحقه ولدها كالأجنبية قلت وقد ذكر في باب حكم أمهات الأولاد انه يلحقه
النسب لأنه وطئ سقط فيه الحد لشبهة الملك أشبه وطئ الجارية المرهونة
(فصل) واما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فيحرم عليه النظر إلي جميعها في ظاهر كلام
احمد فإنه قال لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له ان ينظر إليها كيف يأكل معها ينظر إلى كفها؟
لا يحل له ذلك وقال القاضي يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لأنه عورة ويباح له النظر
إليهما مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر بغير شهوة وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى (ولا يبدين
زينتهن الا ما ظهر منها) قال ابن عباس الوجه والكفان وروت عائشة ان أسماء بنت أبي بكر دخلت علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثياب رقاق فأعرض عنها وقال يا أسماء " ان المرأة إذا بلغت المحيض لم
تصلح ان يرى منها الا هذا وهذا " وأشار إلى وجهه وكفيه رواه أبو بكر وغيره ولأنه ليس بعورة فلم
يحرم النظر إليه من غير ريبة كوجه الرجل
ولنا قول الله تعالى (وإذا سألتموهن متاعا فاسئلوهن من وراء حجاب) وقول النبي صلى الله عليه وسلم
" إذا كان لاحدا كن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه " وكان الفضل ابن عباس رديف رسول الله
355

صلى الله عليه وسلم فجاءته الخثعمية تستفتيه وتنظر إليه فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه عنها، وعن
جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني ان أصرف بصري
حديث صحيح وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتبع النظرة النظرة
فإنما لك الأولى وليس لك الآخرة) رواهما أبو داود وفي إباحة النظر إلى المرأة إذا أراد تزويجها
دليل على التحريم عند عدم ذلك إذ لو كان مباحا على الاطلاق فما وجه التخصيص لهذه الحال وأما
حديث أسماء ان صح فيحتمل انه كان قبل نزول الحجاب فيحمل عليه
(فصل) فأما العجوز التي لا تشتهى فلا بأس بالنظر إلى ما يظهر منها غالبا لقول الله تعالى (والقواعد
من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) الآية قال ابن عباس في قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
وقال للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) نسخ واستثني من ذلك (القواعد من النساء اللاتي لا يرجون
نكاحا) الآية وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى
(فصل) والأمة يباح النظر منها إلى ما يظهر غالبا كالوجه والرأس واليدين والساقين لأن عمر رضي
الله عنه رأى أمة متكممة فضربها بالدرة وقال يا لكاع تشتبهين بالحرائر وروى أبو حفص اسناده ان
356

عمر كان لا يدع أمة تقنع في خلافته وقال إنما القناع للحرائر ولو كان نظر ذلك منها محرما لم يمنع
من ستره بل أمر به وقد روى انس ان النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية قال الناس أجعلها أم
المؤمنين أم أم ولد؟ فقالوا إن حجبها فهي أم المؤمنين وان لم يحجبها فهي أم ولد فلما ركب وطأ لها خلفه
ومد الحجاب بينه وبين الناس متفق عليه وهذا دليل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضا بينهم
مشهورا وأن الحجب لغيرهن كان معلوما وقال أصحاب الشافعي يباح النظر منها إلى ما ليس بعورة وهو
ما فوق السرة وتحت الركبة وسوى بعض أصحاب الشافعي بين الحرة والأمة لقول الله تعالى (ولا يبدين
زينتهن الا ما ظهر منها) الآية ولان العلة في تحريم النظر الخوف من الفتنة والفتنة المخوفة يستوي فيها
الحرة والأمة فإن الحرية لا تؤثر في الامر الطبيعي وقد ذكرنا ما يدل على التخصيص ويوجب الفرق
بينهما وان لم يفترقا فيما ذكروه افتراقا في الحرمة ومشقة السير لكن ان كانت المرأة جميلة يخاف الفتنة
بها حرم النظر إليها كما يحرم إلى الغلام الذي لم تخش الفتنة بالنظر إليه قال احمد في الأمة إذا كانت
جميلة تنقب ولا ينظر إلى المملوكة كم من نظره ألقت في قلب صاحبها البلابل
(فصل) والطفلة التي لا تصلح للنكاح لا بأس بالنظر إليها قال أحمد في رواية الأثرم في الرجل
357

يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره ويقبلها فإن كان يجد شهوة فلا وإن كان لغير شهوة فلا بأس وقد روى
أبو بكر باسناده عن عمر بن حفص المديني ان الزبير بن العوام أرسل بابنة له إلى عمر بن الخطاب مع
مولاة له فأخذها عمر بيده وقال ابنة أبي عبد الله فتحركت الأجراس من رجلها فأخذها عمر فقطعها
وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مع كل جرس شيطان " فأما إذا بلغت حدا يصلح للنكاح فإن
عورتها مخالفة لعورة البالغة بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار " يدل على
صحة صلاة من لم تحض مكشوفة فيحتمل أن يكون حكمها حكم ذوات المحارم كقولنا في الغلام المراهق
مع النساء وقد روى أبو بكر عن ابن جريج قال قالت عائشة دخلت علي ابنة أخي فدخل علي النبي
صلى الله عليه وسلم فأعرض فقلت يا رسول الله انها ابنة أخي وجارية فقال " إذا عركت المرأة لم يجز لها ان تظهر
الا وجهها وما دون هذا " وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضتيه وبين الكف مثل قبضة أخرى أو نحوها
احتج أحمد بهذا الحديث وتخصيص الحائض بهذا التحديد دليل على إباحة أكثر من ذلك في حق غيرها
(مسألة) (ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة ولا التعريض بخطبة الرجعية)
358

أما التصريح بخطبة المعتدة فلا يجوز لأن قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة
النساء) دليل على تحريم التصريح لأن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن ان يحملها الحرص عليه
على الاخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها والتعريض بخلافه
(مسألة) (فأما الرجعية فلا يجوز لاحد التعريض لخطبتها ولا التصريح لأنها في حكم الزوجات
فهي كالتي في صلب نكاحه)
(مسألة) (ويجوز في عدة الوفاة وفي البائن بطلاق ثلاث)
المعتدات على ثلاثة اضرب وحكمها حكم من هي في صلب النكاح وقد ذكرناها (الثاني) المعتدة
من وفاة أو طلاق ثلاث أو فسح لتحريمها على زوجها كالفسخ برضاع أو لعان ونحوه مما لا يحل بعدة
لزوجها فهذه يجوز التعريض بخطبتها للآية ولما روت فاطمة بنت قيس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها
لما طلقها زوجها ثلاثا " إذا حللت فآذنيني " وفي لفظ " لا تسبقين بنفسك " وهذا تعريض لخطبتها في عدتها
(مسألة) (وهل يجوز في عدة البائن بغير الثالث؟ على وجهين)
هذا الضرب الثالث كالمختلفة والبائن بفسخ لعيب أو اعسار أو نحوه فلزوجها التصريح بخطبتها
359

والتعريض لأنه مباح له نكاحها في عدتها فهو كغير المعتدة وهل يجوز لغيره التعريض بخطبتها؟ فيه
وجهان وللشافعي فيه قولان (أحدهما) يجوز لعموم الآية ولأنها بائن أشبهت المطلقة ثلاثا (والثاني)
لا يجوز لأن الزوج يملك أن يستبيحها فهي كالرجعية والمرأة في الجواب كالرجل في الخطبة مما يحل
ويحرم لأن الخطبة للعقد فلا يختلفان في حله وحرمته
(مسألة) (والتعريض قوله اني في مثلك لراغب ولا تفوتيني بنفسك وما أحوجني إلى مثلك)
وقال الزهري أنت مرغوب فيك وأنت جميلة وإذا حللت فآذنيني ونحو ذلك قال مجاهد مات رجل
وكانت امرأته تشيع الجنازة فقال لها رجل لا تسبقينا بنفسك فقالت سبقك غيرك
(مسألة) (وتجيبه المرأة ما يرغب عنك وإن قضى شئ كان وما أشبهه)
(فصل) فأما التصريح فهو اللفظ الذي لا يحتمل غير النكاح نحو قوله زوجيني نفسك فإذا انقضت
عدتك تزوجتك ويحتمل أن هذا معنى قوله تعالى (لا تواعدوهن سرا) فإن النكاح يسمى سرا
قال الشاعر:
فلم تطلبوا سرها للغني * * ولن تسلموها لأزهادها
360

وقال الشافعي السر الجماع وأنشد لامرئ القيس
ألا زعمت بسباسة القوم أنني * * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
ومواعدة السر أن يقول عندي جماع يرضيك فنهى عنه لما فيه من الهجر والفحش والدناءة والسخف
(فصل) فإن صرح بالخطبة أو عرض في موضع يحرم التعريض ثم تزوجها بعد حلها صح نكاحه
وقال مالك يطلقها تطليقة ثم يتزوجا ولا يصح هذا لأن هذا المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر فيه كما في النكاح
الثاني أو كما لو رآها متجردة ثم تزوجها
(مسألة) (ولا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه أن أجيب وان رد حل وان لم يعلم
الحال فعلى وجهين)
الخطبة بالكسر خطبة الرجل للمرأة ليتزوجها وبالضم حمد الله والتشهد ولا يخلو حال المخطوبة من
ثلاثة أقسام (أحدها) أن تسكن إلى الخاطب لها فتجيبه أو تأذن لوليها في إجابته فهذه يحرم على غيره
خطبتها لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " وعن أبي
361

هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك "
متفق عليهما ولان في ذلك افسادا على الخاطب الأول وايقاع العداوة بين الناس ولا نعلم في هذا
خلافا بين أهل العلم الا أن قوما حملوا النهي على الكراهة، والأول أولى (القسم الثاني) أن ترده لا
تركن إليه فتجوز خطبتها لما روت فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن معاوية وأبا جهم
خطباها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه،
انكحي أسامة بن زيد " متفق عليه فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم بعد اخبارها إياه بخطبة معاوية وأبي جهم لها
ولان تحريم خطبتها على هذا الوجه اضرار بها فإنه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة الا منعها بخطبة إياها
وكذلك لو عرض لها في عدتها بالخطبة فقال لا تفوتيني بنفسك وأشباه هذا لم تحرم خطبتها لأن في قصة
فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تفوتينا بنفسك " ولم يذكر خطبة أبي جهم ومعاوية لها
وذكر ابن عبد البر أن ابن وهب روى باسناده عن الحارث بن سعيد عن أبي رئاب أن عمر بن الخطاب
خطب امرأة على جرير بن عبد الله وعلى مروان بن الحكم وعلى عبد اللبن عمر فدخل على المرأة
وهي جالسة في بيتها فقال عمر: ان جرير بن عبد الله خطب وهو سيد أهل المشرق ومروان يخطب
وهو سيد شباب قريش وعبد الله بن عمر وهو من قد علمتم وعمر بن الخطاب فكشفت المرأة الستر
362

فقالت أجاد أمير المؤمنين؟ فقال نعم فقالت قد أنكحت أمير المؤمنين فأنكحوه فهذا عمر قد خطب على
واحد بعد واحد قبل أن يعلم ما تقول المرأة في الأول (القسم الثالث) أن يوجد من المرأة ما يدل
على الرضى والسكون تعريضا لا تصريحا كقولها ما أنت الأرضي وما عنك رغبة فهذه في حكم الأول
لا تحل لغيره خطبتها هذا ظاهر كلام الخرقي وظاهر كلام أحمد فإنه قال إذا ركن بعضهم إلى بعض فلا
يحل لاحد أن يخطب والركون يستدل عليه بالتعريض تارة وبالتصريح أخرى قال القاضي ظاهر كلام
أحمد إباحة خطبتها وهو مذهب الشافعي في الجديد لحديث فاطمة حيث خطبها النبي صلى الله عليه وسلم
وزعموا أن الظاهر من كلامها ركونها إلى أحدهما، واستدل القاضي بخطبته لها قبل سؤالها هل وجد
منها ما يدل على الرضى أو لا
ولنا عموم قوله عليه الصلاة والسلام " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " ولأنه وجد منها ما دل
على الرضى فحرمت خطبتها كما لو صرحت، بذلك وأما حديث فاطمة فلا حجة لهم فيه فإن فيه ما يدل
على أنها لم تركن إلى واحد منهما من وجهين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان قال لها
" لا تسبقيني بنفسك " وفي رواية " إذا حللت فآذنيني " فلم تكن لتصاب بالإجابة قبل اذنه (الثاني)
363

أنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالمستشيرة له فيهما أو في العدول عنهما وليس في الاستشارة
دليل على أحد الامرين ولا ميل إلى أحدهما على أنها إنما ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
لترجع إلى قوله ورأيه وقد أشار عليها بتركهما لما ذكر من عيبهما فجرى ذلك مجرى ردها لهما وتصريحها
بمنعهما، ومن وجه آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهما بخطبتها تعريضا بقوله لها
ما ذكرنا فكانت خطبتة لها مبنية على الخطبة السابقة بخلاف ما نحن فيه، فإن لم يعلم الحال فعلى وجهين
(أحدهما) لا يجوز لعموم النهي (والثاني) يجوز لأن الأصل عدم الا جبة المحرمة
(مسألة) (والتعويل في الإجابة والرد عليها ان لم تكن مجبرة وان كانت مجبرة فعلي الولي)
أما إذا لم تكن مجبرة فلأنها أحق بنفسها من وليها فإن أجاب هو ورغبت عن النكاح كان الامر
أمرها فإن أجاب وليها فرضيت فهو كإجابتها وان سخطت فلا حكم لاجابته لأن الحق لها ولو أجاب
الولي في حق المجبرة فكرهت المجاب واختارت غيره سقط حكم إجابة وليها لكون اختيارها مقدما
على اختياره وان كرهته ولم تختر سواه فينبغي أن يسقط حكم الإجابة أيضا لأنه قد أمر باستئمارها فلا
ينبغي له أن يكرهها على من لا ترضاه، وان أجابت ثم رجعت على الإجابة وسخطته زال حكم الإجابة لأن
364

لها الرجوع وكذلك إذا رجع الولي المجبر عن الإجابة زال حكمها لأن له النظر في أمر موليته ما لم
يقع العقد، وان لم ترجع هي ولا وليها لكن ترك الخاطب الخطبة وأذن فيها جازت خطبتها لما روي
في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى
يأذن أو يترك رواه البخاري
(فصل) وخطبة الرجل على خطبة غيره في موضع النهي محرمة قال أحمد: لا يحل لاحد أن يخطب
في هذه الحال وقال أبو حفص العكبري هي مكروهة غير محرمة وهذا نهى تأديب
ولنا ظاهر النهي فإن مقتضاه التحريم ولأنه نهى عن الاضرار بالآدمي المعصوم فكان على
التحريم كالنهي عن أكل ماله فإن فعل فنكاحه صحيح نص عليه أحمد فقال لا نفرق بينهما وهذا
مذهب الشافعي وروي عن مالك وداود أنه لا يصح وهو قياس قول أبي بكر لأنه قال في البيع على
بيع أخيه هو باطل وهذا في معناه لأنه نكاح منهي عنه فكان باطلا كنكاح الشغار
ولنا أن المحرم لم يقارن العقد فلم يؤثر كما لو صرح بالخطبة في العدة
(فصل) ولا يكره للولي الرجوع إذا رأى المصلحة لها في ذلك لأن الحق لها وهو نائب عنها
365

في النظر لها فلم يكره له الرجوع إذا رأى المصلحة كما لو ساوم في بيع دارها ثم رأى المصلحة في تركها
ولا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب لأنه عقد عمر يدوم الضرر فيه فكان لها الاحتياط
لنفسها والنظر في خطبتها وان رجعا عن ذلك لغير غرض كره لما فيه من اخلاف الوعد والرجوع عن
القول ولم يحرم لأن الحق بعد لم يلزمها كمن ساوم بسلعته ثم بدا له أن لا يبيعها
(فصل) فإن كان الخاطب الأول ذميا لم تحرم الخطبة على خطبته نص عليه أحمد فقال لا يخطب على
خطبة أخيه ولا يساوم على سوم أخيه إنما هو للمسلمين، ولو خطب على خطبة يهودي أو نصراني أو
ساوم على سومهم لم يكن داخلا في ذلك لأنهم ليسوا باخوة للمسلمين وقال ابن عبد البر لا يجوز أيضا
لأن هذا أخرج مخرج الغالب لا لتخصيص المسلم به
ولنا أن لفظ النهي خاص في المسلمين والحاق غيره به إنما يصح إذا كان مثله وليس الذمي كالمسلم
ولا حرمته كحرمته ولذلك لم تجب اجابتهم في دعوة الوليمة ونحوها، وقوله خرج مخرج الغالب قلنا
متى كان في المخصوص معنى يصلح أن يعتبر في الحكم لم يجز حذفه ولا تعدية الحكم بدونه والاخوة
الاسلامية لها تأثير في وجوب الاحترام وزيادة الاحتياط في رعاية حقوقه وحفظ قلبه واستيفاء
مودته فلا يجوز حذف ذلك
366

(مسألة) (ويستحب عقد النكاح مساء يوم الجمعة)
لأن جماعة من السلف استحبوا ذلك منهم ضمرة بن حبيب وراشد بن سعيد وحبيب بن عنية ولأنه يوم شريف
ويوم عيد وفيه خلق آدم عليه السلام، والمساء أولى فإن أبا حفص روى باسناده عن أبي هريرة قال " قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " مسوا بالاملاك فإنه أعظم للبركة " ولأنه أقرب إلى مقصوده وأقل لانتظاره
(مسألة) (ويستحب ان يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود)
خطبة العاقد أو غيره قبل الايجاب والقبول مستحبة ثم يكون العقد بعد ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كل
أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع " وقال " كل خطبة ليس فيها شهادة فيها شهادة فهي كاليد الجذماء "
رواهما ابن المنذر، ويجزئ من ذلك أن يحمد الله تعالى ويتشهد يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب ان
يخطب بخطبة ابن مسعود التي قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة
قال التشهد الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل
فلا هادي له واشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات (اتقوا الله حق
تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون * واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا * اتقوا
367

الله وقولوا قولا سديدا يصلح) الآية رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، قال الخلال ثنا
أبو سليمان إمام طرسوس قال كان أحمد بن حنبل إذا حضر عقد نكاح فلم يخطب فيه بخطبة ابن مسعود
قام وتركهم وهذا كان من أبي عبد الله على طريق المبالغة باستحبابها لا على الايجاب لها فإن حرب بن
إسماعيل قال قلت لأحمد فيجب أن تكون خطبة النكاح مثل قول ابن مسعود فوسع في ذلك وقد روى
عن ابن عمر أنه كان إذا دعى لتزويج قال لا تغصوا علينا الناس الحمد لله وصلى الله على محمد ان فلانا
يخطب إليكم فإن أنكحتموه فالحمد لله وان رددتموه فسبحان الله، والمستحب خطبة يخطبها الولي أو الزوج
أو غيرهما فقال الشافعي المسنون خطبتان هذه التي ذكرناها في أوله وخطبة من الزوج قبل قبوله والمنقول
عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف خطبة واحدة وهو أولى ما اتبع
(فصل) وليست الخطبة واجبة عند أحد من أهل العلم الا داود فإنه أوجبها لما ذكرناه
ولنا ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم زوجنيها فقال رسول الله صلى الله عليه زوجتكها بما
معك من القرآن متفق عليه ولم يذكر خطبة وخطب إلى ابن عمر مولاة له فما زاد على أن قال قد
368

أنكحتك على ما أمر الله على امساك بمعروف أو تسريح باحسان وقال جعفر بن محمد عن أبيه إن كان
الحسين ليزوج بعض بنات الحسن وهو يتعرق العرق رواهما ابن المنذر وروى أبو داود باسناده عن
رجل من بنى سليم قال خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبدا لمطلب فانكحني من
غير أن يتشهد ولأنه عقد معاوضة فلم تجب فيه الخطبة كالبيع وما استدلوا به يدل على عدم الكمال بدون
الخطبة لا على الوجوب
(مسألة) (يستحب ان يقال للمتزوج بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية)
وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي على عبد الرحمن ابن عوف صفرة فقال " ما هذا؟ " قال إني
تزوجت على وزن نواة قال " بارك الله لك أو لم ولو يشاة " متفق عليه قال بعض أهل العلم وزن نواة خمسة دراهم وذلك
ثلاثة مثاقيل ونصف من الذهب وقال المبرد الصواب عند أهل العربية ان يقال نواة فحسب فإن النواة
369

عندهم اسم خمسة دراهم كما أن الأوقية أربعون درهما والنش عشرون
(مسألة) (ويقول إذا زفت إليه اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه)
لما روى صالح بن أحمد في مسائله عن أبيه ثنا داود عن أبي نضرة عن أبي أسعد مولى أبي أسيد قال تزوج فحضره
عبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة
فقدموه وهو مملوك فصلى بهم ثم قالوا له إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين ثم خذ رأس أهلك فقل
اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في وارزقهم منى وارزقني منهم ثم شأنك وشأن أهلك وروى أبو داود باسناده
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذ تزوج امرأة واشترى
خادما فليقل اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا
اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك
(باب أركان النكاح وشروطه)
أركانه الايجاب والقبول فلا ينعقد الا بلفظ النكاح والتزويج بالعربية لمن يحسنها وبمعناهما الخاص
بكل لسان لم لا يحسنهما
370

وجملته ان النكاح ينعقد بلفظ النكاح والتزويج والجواب عنهما اجماعا وهما اللذان ورد بهما نص
الكتاب في قوله سبحانه (زوجناكها) وقوله (ولا تنكحوا ما نكح اباؤكم من النساء) وسواء اتفقا من
الجانبين أو اختلفا مثل ان يقول زوجتك ابنتي فيقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج ولا ينعقد
بغير هذين اللفظين وبه قال عطاء وسعيد بن المسيب والزهري وربيعة والشافعي وقال الثوري والحسن
ابن صالح وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأبو عبيد ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع والتمليك وفي لفظ
الإجارة عن أبي حنيفة روايتان وقال مالك ينعقد بذلك إذا ذكر المهر واحتجوا بان النبي صلى الله
عليه وسلم زوج رجلا امرأة فقال " ملكتكها بما معك من القرآن " رواه البخاري ولأنه لفظ ينعقد به
تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فانعقد به نكاح أمته كلفظ الانكاح والتزويج ولأنه أمكن تصحيحه
بمجازه فوجب تصحيحه كايقاع الطلاق بالكنايات
ولنا قوله تعالى (وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي - إلي قوله - خالصة لك من دون المؤمنين) فذكر ذلك
خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه لفظ ينعقد به غير النكاح فلم ينعقد به النكاح كلفظ الإجارة والإباحة والاحلال
ولأنه ليس بصريح في النكاح فلا ينعقد به كالذي ذكرنا وهذا لأن الشهادة شرط في النكاح والكتابة إنما
371

تعمل بالنية ولا يمكن الشهادة على النية لعدم اطلاعهم عليها فيجب ان لا ينعقد وبهذا فارق بقية العقود
والطلاق واما الخبر فقد روى " زوجتكها وأنكحتكها وزوجناكها " من طرق صحيحة والقصة واحدة فالظاهر أن
الراوي روى بالمعنى ظنا منه ان معناهما واحد فلا يكون حجة وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم
جمع بين الألفاظ فلا حجة لهم فيه لأن النكاح انعقد بأحدها والباقي فضلة
(فصل) ومن قدر على لفظ النكاح بالعربية لم يصح عقده بغيرها وهذا أحد أقوال الشافعي وعند
أبي حنيفة ينعقد لأنه اتى بلفظه الخاص فانعقد به كما ينعقد بالعربية
ولنا انه عدل عن لفظ الانكاح والتزويج مع القدرة عليه فلم يصح كلفظ الاحلال ولان الشهادة شرط
في النكاح وهي واقعة على اللفظ وغير هذا اللفظ ليس بموضوع للنكاح وإنما يصرف إليه بالنية ولا
شهادة عليها فيخلو النكاح عن الشهادة وما قاله أبو حنيفة أقيس قياسا على سائر العقود وما ذكروه
من تعذر الشهادة على غير العربية ملغي بما إذا لم يحسن العربية
(فصل) فأما من لا يحسن العربية فيصح منه عقد النكاح بلسانه لأنه عاجز عما سواه فسقط عنه
372

كالأخرس ويحتاج إلى أن يأتي بمعناهما الخاص بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي
(مسألة) (فإن قدر على تعلمها بالعربية لم يلزمه ذلك)
وفيه وجه ذكره أبو الخطاب انه يلزمه لأن ما كانت العربية شرطا فيه لزمه ان يتعلمها
مع القدرة كالتكبير
ولنا ان النكاح غير واجب فلم يجب تعلم أركانه بالعربية كالبيع بخلاف التكبير
(مسألة) (والقبول ان يقول قبلت هذا النكاح أو ما يقوم مقامه في حق من لا يحسن)
فإن كان أحد المتعاقدين يحسن العربية دون الاخر أتى الذي يحسن العربية بها والاخر يأتي بلسانه
فإن كان أحدهما لا يحسن لسان الآخر احتاج ان يعلم أن اللفظة التي أتى بها صاحبه لفظة الانكاح
بان يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعا
(فصل) وأما الأخرس فإن فهمت إشارته صح نكاحه بها لأنه معنى لا يستفاد الا من جهته فصح بإشارته
كبيعه وطلاقه ولعانه وفي إشارة القادر على النطق وجهان ذكرهما في المجرد أولهما عدم الصحة
للاستغناء عنها ان لم تفهم إشارته لم يصح منه كما لا يصح غيره من التصرفات القولية ولان النكاح عقد
373

بين شخصين فلابد من فهم كل واحد منهما ما يصدر عن صاحبه ولو فهم ذلك صاحبه العاقد معه لم
يصح حتى يفهم الشهود أيضا لأن الشهادة شرط ولا يصح على ما لا يفهم قال أحمد لا يزوجه وليه يعني
إذا كان بالغا لأن الخرس لا يوجب الحجر كالصمم
(مسألة) (فإن اقتصر على قوله قبلت بأن يقول الولي زوجتك ابنتي فيقول قبلت صح وانعقد النكاح)
وقال الشافعي في أحد قوليه لا ينعقد حتى يقول قبلت هذا النكاح أو هذا التزويج لأنه كناية في
النكاح يفتقر إلى النية والاضمار فلم ينعقد به كلفظ الهبة والبيع
ولنا أن القبول صريح في الجواب فانعقد به كما ينعقد به البيع وسائر العقود وقولهم يفتقر إلى
النية ممنوع فإنه جواب لا ينصرف الا إلى الذكور وكذلك ان قال الخاطب للولي أزوجت؟ قال نعم وللمتزوج
أقبلت؟ قال نعم صح. ذكره الخرقي ويحتمل أن لا يصح لأن النكاح إنما يصح بلفظ الانكاح والتزويج
ولا نطق الولي بواحد منهما ولا نطق المتزوج بالقبول وقال الشافعي لا ينعقد حتى يقول معه زوجتك
374

بنتي ويقول الزوج قبلت هذا التزويج لأن هذين ركنا العقد فلا ينعقد بدونهما
ولنا أن نعم جواب لقوله زوجتك وقبلت والسؤال مضمر في الجواب معاد فيه فيكون معنى نعم
من الولي زوجته ابنتي ومعنى نعم من المتزوج قبلت هذا التزويج ولا احتمال فيه فيجب أن ينعقد به
ولذلك لما قال الله تعالى (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا نعم) كان اقرارا منهم بوجدان ذلك
أنهم وجدوا ما وعدهم ربهم حقا، ولو قيل لرجل لي عليك ألف درهم قال نعم كان إقرارا صريحا
لا يفتقر إلى نية ولا يرجع في ذلك إلى تفسيره وبمثله تقطع اليد في السرقة وهو حد يدرأ بالشبهات
فوجب أن ينعقد به التزويج كما لو لفظ بذلك
(مسألة) (فإن تقدم القبول الايجاب لم يصح)
سواء كان بلفظ الماضي مثل أن يقول تزوجت البنت فيقول زوجتك أو بلفظ الطلب كقوله زوجني
ابنتك فيقول زوجتكها وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يصح فيهما جميعا لأنه قد وجد الايجاب والقبول
فصح كما لو تقدم الايجاب
ولنا أن القبول إنما يكون للايجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولا لعدم معناه فلم يصح كما لو تقدم
375

بلفظ الاستفهام ولأنه لو تأخر عن الايجاب بلفظ الطلب لم يصح فإذا تقدم كان أولى لصيغة الاستفهام
ولأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال قبلت هذا النكاح فقال الولي زوجتك ابنتي لم يصح فلان
لا يصح إذا أتى بغيرها أولى فإن قالوا يصح كالبيع والخلع قلنا البيع لا يشترط فيه صيغة الايجاب بل
يصح بالمعاطاة ولا يتعين فيه لفظ بل يصح بأي لفظ كان إذا أدى المعنى ولا يلزم الخلع لأنه يصح
تعليقه على الشروط ويحتمل أن يصح إذا تقدم بلفظ الطلب لأن في حديث المرأة التي وهبت نفسها
للنبي صلى الله عليه وسلم فقامت طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم
" زوجتكها بما معك من القرآن " وهو حديث صحيح رواه البخاري ولم ينقل أنه قال قبلت ولا ما يؤدي معناه
والظاهر أنه لو وجد منه لفظ لنقل وعلى قياس ذلك إذا تقدم بلفظ الماضي
(فصل) إذا عقد النكاح هزلا أو تلجئة صح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث هزلهن جد وجدهن
جد الطلاق والنكاح والرجعة " رواه الترمذي، وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نكح لاعبا
أو طلق لاعبا أو أعتق لاعبا جاز " وقال عمر أربع جائزات إذا تكلم بهن الطلاق والعتاق والنكاح والنذر،
وقال علي أربع لا لعب فيهن الطلاق والعتاق والنكاح والنذر
376

(مسألة) (وان تراخى القبول عن الايجاب صح ماداما في المجلس ولم يتشاغلا عنه بغيره)
لأن حكم المجلس حكم حالة العقد بدليل صحة القبض فيما يشترط القبض فيه وثبوت الخيار
في عقود المعاوضات
(مسألة) (فإن تفرقا قبله بطل الايجاب)
لأنه لا يوجد معناه فإن الاعراض قد وجد من جهته بالتفرق فلا يكون قبولا وكذلك إذا تشاغلا
بما قطعه لأنه معرض عن العقد بالاشتغال عن قبوله، وعنه لا يبطل فإن أبا طالب نقل عن أحمد في رجل
مشى إليه قوم فقالوا له زوج فلانا قال قد زوجته على الف فرجعوا إلى الزوج فأخبروه فقال قد قبلت
هل يكون هذا نكاحا؟ قال نعم. قال القاضي: هذا محمول على أنه وكل من قبل التزويج
في المجلس، وقال أبو بكر مسألة أبي طالب تتوجه على قولين، واختار أنه لابد من القبول في المجلس
وهو الصحيح إن شاء الله تعالى
(فصل) فإن أوجب النكاح ثم زال عقله بجنون أو إغماء بطل حكم الايجاب ولم ينعقد
377

بالقبول بعده لأنه ما لم يضامه القبول لم يكن عقدا فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل
بالموت والجنون وهذا مذهب الشافعي وان نام لم يبطل حكم الايجاب لأنه لا يبطل العقود
الجائزة فكذلك هذا
(فصل) ولا يثبت الخيار في النكاح وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط ولا نعلم أحدا
خالف في هذا لأن الحاجة غير داعية إليه فإنه لا يقع في الغالب الا بعد روية وفكرة ومسألة كل واحد
من الزوجين عن صاحبه والمعرفة بحاله بخلاف البيع الواقع في الأسواق من غير فكر ولا روية ولان
النكاح ليس بمعارضة محضا ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية ولا صفة ويصح من غير تسمية العوض
ومع فساده ولان ثبوت الخيار فيه يفضي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة وفي فسخه بعد العقد ضرر بالمرأة ولذلك
أوجب الطلاق قبل الدخول نصف الصداق
(فصل) قال رضي الله عنه (وشروطه خمسة (أحدها) تعيين لزوجين) لأن كل عاقد ومعقود عليه يجب
تعيينهما كالمشتري والمبيع فإن كانت المرأة حاضرة فقال زوجتك هذه صح فإن الإشارة تكفى في التعيين
فإن زاد على ذلك بنتي هذه أو هذه فلانة كان تأكيدا
(مسألة) (فإن قال زوجتك بنتي وله بنات لم يصح حتى يشير إليها أو يسميها أو يصفها بما تتميز
378

به، وان لم يكن له الا ابنة واحدة صح)
إذا كانت المعقود عليها غائبة فقال زوجتك ابنتي وليس له سواها جاز فإن سماها كان تأكيدا
فإن كان له أكثر من بنت واحدة فقال زوجتك ابنتي لم يصح حتى يضم إلى ذلك ما تتميز به من اسم
أو صفة فيقول زوجتك ابنتي الكبرى أو الوسطى أو الصغرى فإن سماها مع ذلك كان تأكيدا،
وان قال زوجتك ابنتي عائشة أو فاطمة صح فإن كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فقال زوجتك فاطمة
لم يصح ولان هذا الاسم مشترك بينها وبين سائر الفواطم حتى يقول مع ذلك بنتي، وقال بعض الشافعية
يصح إذا نوياها جميعا، ولا يصح هذا لأن النكاح يعتبر فيه الشهادة على وجه يمكن أداؤها أداء
يثبت به العقد وهذا متعذر في النية، ولذلك لو قال زوجتك بنتي وله بنات لم يصح حتى يميزها بلفظه
ولو قال زوجتك فاطمة ابنة فلان احتاج أن يرفع في نسبها حتى يبلغ ما تتميز به عن النساء
(فصل) فإن كانت له ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فقال زوجتك ابنتي
عائشة وقبل الزوج ذلك وهما ينويان الصغرى لم يصح ذكره أبو حفص، وقال القاضي يصح في التي
نوياها وهذا غير صحيح لوجهين (أحدهما) أنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه فأشبه ما لو
379

قال زوجتك عائشة فقط أو ما لو قال زوجتك ابنتي ولم يسمها وإذا لم يصح فيما إذا لم يسمها ففيما
إذا سماها بغير اسمها أولى أن لا يصح (الثاني) أنه لا يصح النكاح حتى تذكر المرأة بما تتميز به ولم يوجد
ذلك فإن اسم أختها لا يميزها بل يصرف العقد عنها، وإن كان الولي يريد الكبرى والزوج يقصد
الصغرى لم يصح كما إذا خطب امرأة وتزوج غيرها لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الايجاب
فيه ويحتمل أن يصح إذا لم يتقدم ذلك ما يصرف القبول إلى الصغرى من خطبة ونحوها فإن العقد
بلفظه متناول للكبرى ولم يوجد ما يصرفه عنها فصح كما لو نوياها، ولو نوى الولي الصغرى والزوج
الكبرى أو نوى الولي الكبرى ولم يدر الزوج أيتهما هي فعلى الأول لا يصح التزويج لعدم النية
منهما في التي تناولها لفظهما وعلى الاحتمال الذي ذكرناه يصح في المعينة باللفظ لما ذكرنا
(فصل) فإن كان له ابنة واحدة فقال الرجل زوجتك ابنتي وسماها بغير اسمها فقال القاضي
يصح وهو قول أصحاب الشافعي لأن قوله بنتي آكد من التسمية لأنها لا مشاركة فيها والاسم مشترك
ولو قال زوجتك هذه وأشار إليها وسماها بغير اسمها صح على هذا التعليل
(مسألة) (وان قال إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها لم يصح لأنه تعليق للنكاح على
380

شرط والنكاح لا يتعلق على شرط ولان هذا مجرد وعد لا ينعقد به عقد وكذلك لو قال زوجتك
حمل هذه المرأة لم يصح لأنها لم يثبت لها حكم البنات قبل الظهور في غير الإرث والوصية ولأنه لا
يتحقق أن في البطن بنتا فأشبه ما لو قال زوجتك من في هذه الدار وهما لا يعلمان ما فيها
(فصل) فإن خطب امرأة فزوج بغيرها مثل أن يخطب الرجل امرأة بعينها فيجاب إلى ذلك ثم يوجب
له النكاح في غيرها وهو يعتقد أنها التي خطبها فيقبل ولا ينعقد النكاح لأن القبول انصرف إلى
غير من وجد الايجاب فيه فلم يصح كما لو ساومه بثوب وأوجب العقد في غيره بغير علم المشتري فلو
علم الحال بعد ذلك فرضي لم يصح قال أحمد رجل خطب جارية فزوجوه أختها ثم علم بعد يفرق بينهما
وبكون الصداق على وليها لأنه غره ويجهز إليه أختها التي خطبها بالصداق الأول فإن كانت تلك قد
ولدت منه لحق به الولد
قال شيخنا وقوله يجهز إليه أختها يعني والله أعلم بعقد جديد بعد انقضاء عدة هذه إن كان أصابها
لأن العقد الذي عقده لم يصح في واحدة منهما لأن الايجاب صدر في إحداهما أيهما كان جاز، وقال
أحمد في رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه أختها لها المهر بما أصاب منها ولأختها المهر قيل يلزمه مهران
381

قال نعم ويرجع على وليها، هذه مثل التي بها برص أو جذام علي بقول ليس عليه غرم، وهذا ينبغي أن
يكون في امرأة جاهلة بالحال أو بالتحريم أما إذا علمت أنها ليست زوجة وانها محرمة عليه وأمكنته
من نفسها فلا ينبغي أن يجب لها صداق لأنها زانية مطاوعة فأما ان جهل الحال فلها المهر ويرجع به على
من غره وروي عن علي رضي الله عنه في رجلين تزوجا امرأتين فزفت كل امرأة إلى زوج الأخرى
لهما الصداق ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها وبه قال النخعي والشافعي وأصحاب الرأي
(فصل) قال رضي الله عنه (الثاني رضا الزوجين فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح)
رضا الزوجين أو من يقوم مقامهما شرط في صحة العقد لأن العقد لهما فاعتبر تراضيهما به كالبيع
فإن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح العقد لفوات شرطه
(مسألة) (إلا الأب له تزويج أولاده الصغار والمجانين وبناته الابكار بغير إذنهم)
وأما الغلام العاقل فلا نعلم من أهل العلم في أن لأبيه تزويجه كذلك قال ابن المنذر وهذا قول الحسن
والزهري وقتادة ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق والشافعي وأصحاب الرأي ولما روي أن ابن عمر
زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا رواه الأثرم وأما الغلام المعتوه فلأبيه تزويجه وقال
382

الشافعي لا يجوز لأنه يلزمه بالتزويج حقوق من المهر والنفقة مع عدم حاجته فلم يجزله كغيره من الأولياء
ولنا أنه غير بالغ فملك الأب تزويجه كالعاقل ولأنه إذا جاز تزويج العاقل مع أن له عند احتياجه
إلى التزويج رأيا ونظرا لنفسه فلان يجوز تزويج من لا يتوقع فيه ذلك أولى، ووصي الأب يقوم مقامه
في ذلك كوكيله إذا قلنا بصحة الوصية في النكاح وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى
(فصل) وليس لغير الأب أو وصيه تزويج الغلام قبل بلوغه وقال القاضي في المجرد للحاكم
تزويجه لأنه يلي ماله وقال الشافعي يملك ولي الصبي تزويجه ليألف حفظ فرجه عند بلوغه وليس
بسديد فإن غير الأب لا يملك تزويج الجارية الصغيرة فالغلام أولى، وفارق لأب ووصيه فإن لهما تزويج
الصغيرة وولاية الاجبار وسواء أذن الغلام في تزويجه أو لم يأذن لأنه لا اذن له
(فصل) وللأب تزويج البالغ المعتوه في ظاهر كلام أحمد والخرقي مع ظهور امارات الشهوة
وعدمها، وقال القاضي إنما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه وهو مذهب
الشافعي لأن في تزويجه مع عدم حاجته اضرارا به بالزامه حقوقا لا مصلحة له في الزامها وقال أبو بكر
383

ليس للأب بحال لأنه رجل فلم يجز اجباره على النكاح كالعاقل وقال زفر ان طرأ عليه الجنون بعد البلوغ
لم يجز وإن كان مستداما جاز
ولنا أنه غير مكلف فجاز لأبيه تزويجه كالصغير فإنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته
في الحال وتوقع نظره فعند الحاجة أولى
ولنا على التسوية بين الطارئ والمستدام أنه معنى يثبت الولاية فاستوى طارئه ومستدامه كالرق
ولأنه جنون يثبت الولاية على ماله فأثبتها عليه في نكاحه كالمستدام، فاما اعتبار الحاجة فلابد منها فإنه
لا يجوز لوليه تزويجه الا إذا رأى مصلحة فيه غير أن الحاجة لا تنحصر في قضاء الشهوة بل قد تكون
حاجه إلى الايواء والحفظ وربما كان دواء له يترجى به شفاؤه فجاز التزويج له كقضاء الشهوة
(فصل) ومن يجن في الأحيان لا يجوز تزويجه الا باذنه لأن ذلك ممكن ومن أمكن أن يتزوج
لنفسه لم تثبت الولاية عليه كالعاقل ولو زال عقله ببرسام أو مرض مرجو الزوال فهو كالعاقل فإن
ذلك لا يثبت الولاية على ماله فعلى نفسه أولى وان لم يرج زواله فهو داخل فيما ذكرناه
(فصل) وليس لغير الأب ووصيه تزويج المعتوه البالغ وبه قال مالك وقال أبو عبد الله بن حامد
للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة للنساء بأن يتبعهن وهذا مذهب الشافعي لأن ذلك من مصالحه وليس
384

له حال ينتظر فيها اذنه وسنذكر ذلك في تزويج المجنون وينبغي أن يجوز تزويجه إذا قال أهل الطب
إن في ذلك ذهاب علته لأنه من أعظم مصالحه
(فصل) وإذا زوج الصغير والمجنون فإنه يقبل لهما النكاح ولا يأذن لهما في قبوله لأنهما ليسا من
أهل التصرفات فإن كان الغلام ابن عشر وهو مميز فقياس المذهب جواز تفويض القبول إليه حتى يتولاه
بنفسه كما يفوض أمر المبيع إليه وان تزوج له الولي جاز كما يجوز أن يبتاع له وهذا على الرواية التي تقول
بصحة بيعه ووقوع طلاقه فإن قلنا لا يصح ذلك منه فهذا أولى
(فصل) وذكر القاضي أنه لا يجوز أن يتزوج لهما بأكثر من مهر المثل لأنه معاوضة في حق الغير
فلم تجز الزيادة فيها على عوض المثل كبيع ماله وهذا مذهب الشافعي وإذا قلنا إن للأب تزويج أمته
بدون صداق مثلها فهذا مثله فإنه قد يرى المصلحة في ذلك فجاز له بذل المال فيه كما يجوز في مداواته
بل الجواز هاهنا أولى فإن الغالب أن المرأة لا ترضى بتزويج المجنون الا أن ترغب بزيادة على مهر
مثلها فيتعذر الوصول بدون ذلك بخلاف المرأة وذكر القاضي في المجردان قياس المذهب أنه لا يتزوج
385

بأكثر من امرأة واحدة لعدم حاجته إلى زيادة عليها فيكون بذلا لماله فيما لا حاجة به إليه وذكر في
الجامع أنه له تزويج ابنه الصغير بأربع لأنه قد يرى المصلحة فيه وليس له تزويجه معيبة عيبا يرد
به النكاح فإن فيه ضررا به وتفويت ماله فيما لا مصلحة له فيه فإن فعل خرج في صحة النكاح
وجهان فإن قلنا يصح فهل للولي الفسخ في الحال؟ على وجهين يذكر توجيههما في تزويج الصغيرة بمعيب
فإن لم يفسخ حتى بلغ الصبي أو عقل المجنون فلهما الفسخ وليس له تزويجه بأمة لأن اباحتها مشروطة
بخوف العنت وهو معدوم في حق الصبي غير معلوم في حق المجنون
(فصل) فأما الإناث فللأب تزويج ابنته البكر الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين بغير خلاف
إذا وضعها في كفاءة قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته الصغيرة
جائز إذا زوجها من كف ء يجوز له ذلك مع كراهتها وامتناعها وقد دل على جواز تزويج الصغيرة
قول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم
يحضن) فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر الا من طلاق في نكاح أو
فسخ فدل ذلك على تزويج وتطلق ولا اذن لها يعتبر وقالت عائشة تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة
ست وبنابي وأنا ابنة تسع متفق عليه ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر اذنها وروي الأثرم
أن قدامة ابن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست فقيل له ابنة الزبير فقال إن مت ورثتني وان
386

عشت كانت امرأتي وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
(فصل) وفي البكر البالغة العاقلة روايتان (إحداهما) له إجبارها على النكاح وهو مذهب
مالك وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق (والثانية) ليس له ذلك اختارها أبو بكر وهو مذهب الأوزاعي
والثوري وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها؟
قال " أن تسكت " متفق عليه وروى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي
صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها جائزة التصرف في مالها فلم
يجز إجبارها كالثيب والرجل ووجه الأولى ما روي ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الأيم أحق
بنفسها من وليها، والبكر تستأمر واذنها صماتها " رواه أبو داود فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق
لأحدهما دل على نفيه عن الآخر وهو البكر فيكون وليها أحق منها بها ودل الحديث على أن الاستئمار
ههنا والاستئذان في حديثهم مستحب غير واجب كما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" أمروا النساء في بناتهن " رواه أبو داود وحديث التي خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل ويحتمل
387

أنها التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسه فتخييرها لذلك ولأنه مما لا يشترط في نكاح
الكبيرة كالنطق، وعن أحمد لا يجوز تزويج ابنة تسع سنين بغير إذنها اختلفت الرواية عن أحمد في
الجارية إذا بلغت تسع سنين فالمشهور عنه أنها كمن لم يبلغ تسعا نص عليه في رواية الأثرم وهو قول
مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر الفقهاء قالوا حكم بنت تسع حكم بنت ثمان لأنها غير بالغة ولان
إذنها لا يعتبر في سائر التصرفات فكذلك في النكاح (والرواية الثانية) حكمها حكم البالغة نص عليه
في رواية ابن منصور لمفهوم الآية ولدلالة الخبرين بعمومهما على أن اليتيمة تنكح باذنها، وان أبت
فلا جواز عليها، وقد انتفى الاذن فيما دونها فيجب حمله على من بلغت تسعا فعلى هذه الرواية يجوز
لغير الأب تزويجها باذنها وحكمها حكم البالغة في جواز إجبارها للأب فيه الروايتان، وقد روى
الإمام أحمد باسناده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ورواه
القاضي باسناده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه والله أعلم في حكم المرأة ولأنها بلغت سنا يمكن
فيه حيضها وتحدث لها حاجة إلى النكاح فيباح تزويجها كالبالغة إذا زوجت وقد خطب عمر أم كلثوم
388

بنت أبي بكر بعد موته إلى عائشة فأجابته وهي لدون عشر ولأنها إنما ولدت بعد موت أبيها وإنما كانت
ولاية عمر عشر فكرهته الجارية فزوجها طلحة بن عبيد الله ولم ينكره منكر فدل ذلك على اتفاقهم على
صحة تزويجها قبل بلوغها بولاية غير أبيها
(مسألة) (وهل له تزويج الثيب الصغيرة؟ على وجهين)
أما الثيب الكبيرة فلا يجوز للأب ولا لغيره تزويجها إلا باذنها في قول عامة أهل العلم إلا الحسن
فإنه قال له تزويجها وان كرهت، والنخعي قال يزوج بنته إذا كانت في عياله فإن كانت بائنة في بيتها
مع عيالها استأمرها قال إسماعيل بن إسحاق لا أعلم أحدا قال في الثيب بقول الحسن وهو قول شاذ
خالف فيه أهل العلم والسنة الثابتة فإن الخنساء ابنة حذام الأنصارية روت ان أباها زوجها وهي ثيب
فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه رواه البخاري وغيره. قال ابن عبد البر هذا الحديث
389

مجمع على صحته والقول به ولا نعلم مخالفا له إلا الحسن وكانت الخنساء من أهل قباء تحت أنيس بن
قتادة فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فكرهته فشكت ذلك إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" لا تنكح الأيم حتى تستأمر " متفق عليه وقال الآيم أحق بنفسها من وليها " وروى ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس للولي مع الثيب أمر " رواهما النسائي وأبو داود ولأنها رشيدة عالمة بالمقصود
من النكاح مختبرة فلم يجز إجبارها عليه كالرجل
(فصل) فأما الثيب الصغيرة ففيها وجهان (أحدهما) لا يجوز تزويجها وهو ظاهر قول الخرقي
واختيار ابن حامد وابن بطة والقاضي ومذهب الشافعي لعموم الاخبار ولان الاجبار يختلف بالبكارة
والثيوبة لا بالصغر والكبر كما اختلف في صفة الاذن ولان في تأخيرها فائدة وهي أن تبلغ فتختار
لنفسها ويعتبر اذنها بخلاف البكر (الوجه الثاني) ان لأبيها تزويجها ولا يستأمرها اختاره أبو بكر
عبد العزيز وهو قول مالك وأبي حنيفة لأنها صغيرة فجاز إجبارها كالبكر والغلام يحقق ذلك أنها
لا تزيد بالثيوبة على ما حصل للغلام بالذكورية. ثم الغلام يجبر إذا كان صغيرا فكذلك هذه،
390

والاخبار محمولة على الكبيرة فإنه جعلها أحق من وليها، والصغيرة لا حق لها ويتخرج وجه ثالث وهو
أن ابنة تسع يزوجها وليها باذنها، ومن دون ذلك على ما ذكرنا من الخلاف لما ذكرناه في البكر والله أعلم
(مسألة) (وللسيد تزويج إمائه الثيبات والابكار وعبيده الصغار بغير إذنهم)
لا نعلم خلافا في السيد إذا زوج أمته بغير اذنها أنه يصح ثيبا كانت أو بكرا صغيرة أو كبيرة
وذلك لأن منافعها مملوكة له والنكاح عقد على منفعة فأشبه عقد الإجارة ولذلك ملك الاستماع بها ولهذا
فارقت العبد ولأنه ينتفع بذلك لما يحصل له من مهرها وولدها وتسقط عنه نفقتها وكسوتها بخلاف العبد
والمدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد كالأمة في اجبارها على النكاح وقال مالك في آخر أمره ليس له
تزويج أم ولده بغير إذنها وكرهه ربيعة وللشافعي قولان وقد ذكرنا ذلك فيما مضى
ولنا أنها مملوكته يملك الاستماع بها وإجازتها فملك تزويجها كالقن إذا ملك أخته من الرضاع أو
مجوسية فله تزويجها وان كانتا محرمتين عليه لأن منافعهما ملكه وإنما حرمتا عليه لعارض فاما التي
بعضها حر فلا يملك اجبارها لأنه لا يملك اجبار المكاتبة لأنها بمنزلة الخارجة عن ملكه ولذلك لا يملك
اجبارها ولا تلزمه نفقتها ولا يصل إليه مهرها
(فصل) إذا اشترى عبده المأذون له وركبته ديون ملك سيده تزويجها وبيعها واعتاقها نص عليه
391

أحمد وذكره أبو بكر وقال وللسيد وطؤها وقال الشافعي ليس له شئ من ذلك لما فيه من الاضرار
بالغرماء وأصل الخلاف ينبني على دين المأذون له في التجارة فعندنا يلزم العبيد فلا يلحق الغرماء ضرر ويتصرف
السيد في الأمة فإن الدين ما تعلق بها وعنده أن الدين تعلق بالعبد وبما في يده فيلحقهم الضرر والكلام
على هذا مذكور في موضعه
(فصل) وليس للسيد اكراه أمته على التزويج بمعيب عيبا يرد به في النكاح لأنه يؤثر في الاستمتاع
وذلك حق لها ولذلك ملكت الفسخ بالجب والعنة والامتناع من الفيئة دون السيد وفارق بيعها لمعيب
لأنه لا يراد للاستمتاع ولهذا ملك شراء الأمة المحرمة عليه ولم تملك الفسخ لعيبه ولعنته ولا ايلائه فإن
زوجها من معيب فهل يصح؟ على وجهين فإن قلنا يصح فلها الفسخ فإن كانت صغيرة فهل لها الفسخ في الحال
أو ينتظر بلوغها؟ على وجهين ومذهب الشافعي هكذا في هذا الفصل كله
(فصل) وللسيد تزويج عبده الصغير بغير اذنه في قول أكثر أهل العلم الا أن بعض الشافعية قال
فيه قولان وقال أبو الخطاب يحتمل أن لا يملك تزويجه
ولنا أنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير فعبده مع ملكه إياه وتمام ولايته عليه أولى وكذلك الحكم
في عبده الصغير المجنون
392

(مسألة) (ولا يملك اجبار عبده الكبير إذا كان عاقلا)
وبهذا قال الشافعي في أحد قوليه وقال مالك وأبو حنيفة له ذلك لقول الله تعالى (وأنكحوا
الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) ولأنه يملك رقبته فملك اجباره على النكاح كالأمة ولأنه
يملك اجارته فأشبه الأمة
ولنا انه مكلف يملك الطلاق فلا يجبر على النكاح كالحر ولان النكاح خالص حقه ونفعه له فأشبه الحر
والامر بانكاحه مختص بحال طلبه بدليل عطفه على الأيامى وإنما يزوجن عند الطلب ولان مقتضى الامر
الوجوب وإنما يجب تزويجه عند طلبه واما الأمة فإنه يملك منافع بضعها والاستمتاع بها بخلاف العبد،
ويفارق النكاح الإجارة لأنها عقد على منافع بدنه وهو يملك استيفاءها ويحتمل مثل ذلك في الصغير أيضا قياسا
على الكبير ويقوى الاحتمال في حق المميز إذا قلنا بصحة طلاقه لأنه عاقل مميز يملك الطلاق أشبه البالغ
(فصل) والمهر والنفقة على السيد سواء ضمنهما أولا وسواء باشر العقد بنفسه أو اذن لعبده فعقده
مأذونا له في التجارة أو محجورا عليه نص عليه أحمد وعنه ما يدل على أن ذلك يتعلق بكسبه فإنه قال
393

نفقته من ضريبته وقيل إن كان بقيمة ضريبته أنفق عليها ولا يعطي المولى وان لم يكن عنده ما ينفق
يفرق بينهما وهذا قول الشافعي، وفائدة الخلاف ان من الزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه وان لم يكن
للعبد كسب وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه الاكتساب ومن علقه بكسبه
فلم يكن له كسب فللمرأة الفسخ وليس للسيد منعه من التكسب
ولنا انه حق تعلق بالعقد برضا سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو رهنه بدين، فعلى هذا لو
باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه، لأنه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه كأرش
جنايته فاما النفقة فإنها تتجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري أو على العبد إذا عتق
(فصل) ويجوز ان يتزوج السيد لعبده باذنه وان يأذن للعبد فيتزوج لنفسه لأنه مكلف يصح
طلاقه فكان من أهل مباشرة العقد كالحر ويجوز ان يأذن له مطلقا ومعينا فإن عين له امرأة أو نساء
بلد أو قبيلة أو حرة أو أمة فيتزوج غيرها لم يصح لأنه متصرف بالاذن فينفذ تصرفه فيما اذن له فيه
كالوكيل، وان اذن له مطلقا فله ان يتزوج من شاء لكن ان تزوج امرأة من بلدة أخرى فلسيده منعه
من الخروج إليها، وان كانت في البلد فعلى سيده ارساله ليلا للاستمتاع وان أحب سيده ان يسكنها في
مسكن من داره فله ذلك إذا كان مسكن مثلها ولا يلزمه ارساله نهارا لأنه يحتاج إلى استخدامه وليس
394

النهار محلا للاستمتاع غالبا ولسيده السفر به فإن حق امرأة العبد عليه لا يزيد على حق امرأة الحر
والحر يملك السفر وان كرهت امرأته كذا ههنا
(فصل) وللسيد ان يعين له المهر وله ان يطلق فإن تزوج بما عينه أو دونه أو بمهر المثل عند الاطلاق
أو دونه لزم المسمى وان تزوج أكثر من ذلك لم تلزم الزيادة وهل يتعلق برقبة العبد أو ذمته يتبع
بها بعد العتق؟ على روايتين على استدانة العبد المحجور عليه وقد ذكرنا ذلك في كتاب الحجر
(فصل) وإذا تزوج أمة ثم اشتراها باذن سيده لسيده لم يؤثر ذلك في نكاحه وان اشتراها لنفسه
وقلنا انه لا يملك بالتمليك انفسخ النكاح كما لو اشترى الحر امرأة وله وطؤها يملك اليمين باذن سيده فإن
كان بعضه حرا فاشتراها في ذمته أو بما يختص بملكه انفسخ نكاحه لأنه ملكها وحلت له بملك يمينه
وان ملك بعضها انفسخ نكاحه ولم تحل له لأنه لا يملك جميعها وان اشتراها بعين مال مشتركة بينه وبين
سيده بغير اذنه وقلنا انه لا تفرق الصفقة لم يصح البيع والنكاح بحاله وان قلنا بتفريقها صح في قدر ماله
وانفسخ النكاح لملكه بعضها
395

(فصل) وليس لسائر الأولياء تزويج كبيرة الا باذنها الا المجنونة لهم تزويجها إذا ظهر لهم منها
الميل إلى الرجال وليس لسائر الأولياء غير الأب تزويج كبيرة بغير اذنها جدا كان أو غيره وبه قال
مالك وأبو عبيد والثوري وابن أبي ليلى وهو قول الشافعي الا في الجد فإنه جعله كالأب فإن ولايته
ولاية ايلاد فملك الاجبار كالأب
ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا
تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يا رسول الله فكيف اذنها؟ قال " أن تسكت " متفق عليه ولان الجد
قاصر عن الأب فلم يملك الاجبار كالعم ولأنه يدلي بغيره فأشبه سائر العصبات، وفارق الأب فإنه يدلي
بغير واسطة ويسقط الجد ويحجب الأم عن ثلث المال إلى ثلث الباقي في زوج وأبوين أو امرأة وأبوين فأما
المجنونة فلهم تزويجها إذا ظهر لهم منها الميل إلى الرجال ذكره أبو الخطاب وقال القاضي لا يزوجها إلا
الحاكم لأنه الناظر لها في مالها دونهم فيجب أن يختص بالولاية ووجه الأول أن ولايتهم مقدمة على
ولاية الحاكم لو كانت عاقلة فكذلك إذا كانت مجنونة وقال الشافعي لا يجوز تزويجها الا أن يقول
أهل الطلب ان علتها تزول بذلك
396

ولنا أنها محتاجة إليه لدفع ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل النفقة والمهر فجاز تزويجها
تحصيلا لهذه المصالح كغيرها
(فصل) في تزويج المجنونة ان كانت ممن يجبر أو كانت عاقلة جاز تزويجها لمن يملك اجبارها لأنه
إذا ملك اجبارها مع عقلها وامتناعها فمع عدمه أولى، وان كانت ممن لا يجبر فهي ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون
وليها الأب أو وصيه كالبنت الكبيرة فهذه يجوز لوليها تزويجها ذكره القاضي وهو ظاهر كلام
الخرقي ولأنه جعل للأب تزويج المعتوه فالمرأة أولى وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة ومنع منه
أبو بكر لأنها ولاية اجبار وليس على البنت ولاية اجبار والأول أصح فإن ولاية الاجبار إنما انتفت عن
العاقلة بحصول المباشرة منها والخيرة وهذه بخلاف ذلك، وكذلك الحكم في البنت الصغيرة إذا قلنا بعدم
الاجبار في حقها إذا كانت عاقلة (القسم الثاني) أن يكون وليها الحاكم وفيها وجهان أحدهما ليس له بحال
لأن هذه ولاية اجبار فلا يثبت لغير الأب بحال عضلها والثاني له تزويجها إذا ظهر منها شهوة الرجال
كبيرة كانت أو صغيرة وهو اختيار ابن حامد وأبي الخطاب وقول أبي حنيفة لأن لها حاجة إليه لدفع
397

ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور وتحصيل المهر والنفقة والعفاف وصيانة العرض ولا سبيل إلى اذنها
فأبيح تزويجها كالثيب مع أبيها وكذلك ينبغي ان يملك تزويجها ان قال أهل الطب علتها تزول بتزويجها
لأن ذلك من أعظم مصالحها وقال الشافعي لا يملك تزويج صغيرة بحال ويملك تزويج الكبيرة إذا قال
أهل الطب ان علتها تزول بتزويجها
ولنا ان المعنى المبيح للتزويج وجد في حق الصغيرة فأبيح تزويجها كالكبيرة إذا أظهرت شهوة
الرجال ففي تزويجها مصلحتها ودفع حاجتها، وتعرف شهوتها من كلامها من قرائن أحوالها كتتبعها
الرجال وميلها إليهم وأشباه ذلك (القسم الثالث) من وليها غير الأب والحاكم فقال القاضي لا يزوجها
الا الحاكم فيكون حكمها حكم القسم الثاني على ما بينا وقال أبو الخطاب لهم تزويجها في الحال التي يملك
الحاكم تزويج موليته فيها وهذا قول أبي حنيفة لأن ولايتهم مقدمة على ولاية الحاكم فقدموا عليه في
التزويج كما لو كانت عاقلة، ووجه قول القاضي أن الحاكم هو الناظر في مالها دونهم فكان وليا دونهم
كتزويج أمتها ولان هذا دفع حاجة ظاهرة فكانت إلى الحاكم كدفع حاجة الجوع والعرى فإن كان
وصيا في مالها لم يملك تزويجها لأنه لا ولاية له والحكم في تزويجها حكم من وليها غير الأب
والحاكم كما ذكرناه
398

(مسألة) (وليس لهم تزويج صغيرة بحال)
لما روى أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر فرفع ذلك إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال " انها يتيمة ولا تنكح الا باذنها " لا اذن لهؤلاء وعن أحمد ان لهم ذلك ولها الخيار إذا بلغت
وهو قول الحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وقتادة وابن شبرمة والأوزاعي وأبي حنيفة
وقال هؤلاء عن أبي حنيفة إذا زوج الصغيرين غير الأب فلهما الخيار إذا بلغا لقول الله تعالى (وان
خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) مفهومه أنه إذا لم يخف فله تزويج اليتيمة،
واليتيمة التي لم تبلغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتم بعد احتلام " قال عروة سألت عائشة
عن قول الله تعالى (وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى) قالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر
وليها يعجبه مالها وجمالها يريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره نهوا عن نكاحهن
الا ان يقسطوا فيهن ويبلغوا أعلى سنتهن في الصداق. متفق عليه وروت عائشة ان جارية بكرا زوجها
أبوها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث مرسل (والثالثة) لهم تزويجها إذا بلغت تسع سنين
399

لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت
فلا جواز عليها " رواه أبو داود وقد انتفى الاذن فيمن لم تبلغ تسع سنين فيجب حمله على
من بلغت تسعا.
(فصل) ويستحب للأب استئذان ابنته البكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ونهى عن الانكاح
بدونه، وأقل أحوال ذلك الاستحباب ولان فيه تطييب قلبها وخروجا من الخلاف وقالت عائشة
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها تستأمر أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " نعم تستأمر " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استأمروا النساء في ابضاعهن فإن البكر
تستحيي فتسكت فهو اذنها " متفق عليهما وروي عن عطاء قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر
بناته إذا أنكحهن قال كان يجلس عند خدر المخطوبة فيقول " إن فلانا يذكر فلانة " فإن حركت الخدر
لم يزوجها وان سكتت زوجها. ويستحب استئذان المرأة في تزويج ابنتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم
" آمروا النساء في بناتهن " ولأنها تشاركه في النظر لبنتها وتحصيل المصلحة لها لشفقتها عليها وفي استئذانها
تطييب قلبها وارضاؤها فيكون أولى
400

(مسألة) (واذن الثيب الكلام واذن البكر الصمات)
اما الثيب فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن اذنها الكلام للخبر وان اللسان هو المعبر عما في القلب
وهو المعتبر في كل موضع يعتبر فيه الاذن غير أشياء يسيرة أقيم الصمت فيها مقامه لعارض، واما
البكر فاذنها صماتها في قول عامة أهل العلم منهم شريح والشعبي والنخعي والثوري والأوزاعي وابن شبرمة
وأبو حنيفة، ولا فرق بين كون الولي أبا أو غيره وقال أصحاب الشافعي في صمتها في حق غير الأب
وجهان (أحدهما) لا يكون إذنا لأن الصمات عدم الإذن فلا يكون اذنا ولأنه محتمل للرضا وغيره فلا
يكون اذنا كما في حق الثيب وإنما اكتفى به في حق الأب لأن رضاها غير معتبر، وهذا شذوذ عن
أهل العلم وترك للسنة الصحيحة الصريحة يصان الشافعي عن اضافته إليه وجعله مذهبا له مع كونه من
اتبع الناس لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرج منصف على هذا القول وقد تقدمت روايتنا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن "
فقالوا يا رسول الله فكيف اذنها؟ قال " ان تسكت " وفي رواية عن عائشة انها قالت يا رسول الله إن
401

البكر تستحي قال " رضاؤها صمتها " متفق عليه، وفي رواية " تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو اذنها "
وهذا صريح في غير ذات الأب والاخبار في هذا كثيرة ولان الحياء عقلة على لسانها يمنعها النطق بالاذن
ولا تستحى من آبائها وامتناعها فإذا سكتت غلب على الظن انه كرضاها فاكتفى به وما ذكروه يفضي إلى أن
لا يكون صمتها إذنا في حق الأب أيضا لأنهم جعلوا وجوده كعدمه فيكون إذا ردا على النبي صلى الله
عليه وسلم بالكلية واطراحا للاخبار الصريحة الجلية وخرقا لاجماع الأمة
(فصل) فإن أذنت بالنطق فهو وأبلغ وأتم، وان ضحكت أو بكت فهو بمنزلة سكوتها، وقال أبو يوسف
ومحمد ان بكت فليس باذن لأنه يدل على الكراهة وليس بصمت فيدخل في عموم الحديث.
ولنا ما روى أبو بكر باسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تستأمر
402

اليتيمة فإن بكت أو سكتت فهو رضاها وان أبت فلا جواز عليها " ولأنها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها
للاستئذان فكان اذنا منها كالصمات والضحك والبكاء يدل على فرط الحياء لا على الكراهة ولو كرهت
لامتنعت فإنها لا تستحي من الامتناع والحديث يدل بصريحة على أن الصمت أذن وبمعناه على ما في معناه
من الضحك والبكاء ولذلك أقمنا الضحك مقامه
(مسألة) (ولا فرق بين الثيوبة بوطئ مباح أو محرم)
وجملته ان الثيب المعتبر نطقها هي الموطوءة في القبل سواء كان الوطئ مباحا أو محرما وهذا مذهب
الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة في المصابة بالفجور حكمها حكم البكر في إذنها وتزويجها لأن علة
الاكتفاء بصمات البكر الحياء من الشئ ولا يزول الا مباشرته وهذه لم تباشر الاذن في النكاح فبقي
حياؤها منه بحاله.
ولنا قوله عليه السلام " البكر تعرب عن نفسها " ولان قوله عليه السلام " لا تنكح الأيم حتى تستأمر
403

ولا تنكح البكر حتى تستأذن واذنها ان تسكت " يدل على أنه لابد من نطق الثيب لأنه قسم النساء
قسمين فجعل السكوت اذنا لأحدهما فوجب أن يكون الآخر بخلافه وهذه ثيب فإن الثيب الموطوءة في
القبل وهذه كذلك ولأنه لو وصى لثيب النساء دخلت في الوصية ولو وصى للأبكار لم تدخل ولو شرطها
في التزويج أو الشراء فوجدها مصابة بالزنا ملك الفسخ، ولأنها موطوءة في القبل اشبهت الموطوءة بشبهة
والتعليل بالحياء لا يصح فإنه أمر خفي لا يمكن اعتباره بنفسه وإنما يعتبر بمظنته وهي البكارة ثم هذا التعليل
يفضى إلى ابطال منطوق الحديث فيكون باطلا في نفسه، ولا فرق بين المكرهة والمطاوعة، وعلى هذا ليس
لأبيها إجبارها إذا كانت بالغة، وفي تزويجها إن كانت صغيرة وجهان قولهم انها لم تباشر الاذن قلنا يبطل
بالموطوءة بشبهة وبملك يمين والمزوجة وهي صغيرة.
(مسألة) (فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة فلا يغير صفة الاذن)
404

إذا ذهبت بكارتها بغير الوطئ كالوثبة أو شدة حيضة أو أصبع أو عود فحكمها حكم الابكار ذكره
ابن حامد لأنها لم يجر المقصود ولا وجد وطؤها في القبل فأشبهت من لم تزل عذرتها وكذلك لو وطئت في
الدبر لأنها غير موطوءة في القبل.
(فصل) إذا اختلف الزوج والمرأة في إذنها قبل الدخول فالقول قولها في قول أكثر الفقهاء وقال
زفر في الثيب كقول الجماعة وفي البكر القول قول الزوج لأن الأصل السكوت والكلام حادث والزوج
يدعى الأصل والقول قوله.
ولنا أنها منكرة للاذن والقول قول المنكر ولأنه يدعي أنها استؤذنت وسمعت فصمتت والأصل عدم
ذلك وهذا جواب عن قوله، وان اختلفا بعد الدخول فقال القاضي قول الزوج لأن التمكين من
الوطئ دليل على الاذن وصحة البكارة فكان الظاهر معه، وهل تستحلف المرأة إذا قلنا القول قولها؟
قال القاضي: قياس المذهب أنه لا يمين عليها كما لو ادعى زوجيتها فأنكرته وبه قال أبو حنيفة والشافعي
وأبو يوسف ومحمد تستحلف فإن نكلت فقال أبو يوسف ومحمد ثبت النكاح وقال الشافعي يستحلف
الزوج ويثبت النكاح.
405

ولنا أنه اختلاف في زوجيته فلا يثبت بالنكول كما لو ادعى الزوج أصل التزويج فأنكرته، فإن
كانت المرأة ادعت أنها أذنت وأنكرته ورثة الزوج فالقول قولها لأنه اختلاف في أمر مختص بها
صادر من جهتها فكان القول قولها فيه كما لو اختلفوا في نيتها فيما تعتبر فيه نيتها ولأنها تدعي صحة العقد
وهم يدعون فساده فالظاهر معها
(فصل) في المحجور عليه للسفه والكلام في نكاحه في ثلاثة أحوال:
(أحدها) أن لوليه تزويجه إذا علم حاجته إلى النكاح لأنه نصب لمصالحه وهذا من مصالحه
لأنه يصون به دينه وعرضه ونفسه. فإنه ربما تعرض بترك التزويج للإثم بالزنا
الموجب الحد وهتك العرض، وسواء علم بحاجته بقوله أو بغير قوله وسواء كانت حاجته إلى
الاستمتاع أو إلى الخدمة فيزوجه امرأة لتحل له لأنه يحتاج إلى الخلوة بها وان لم يكن به حاجة إليه لم
يجز تزويجه لأنه يلزمه بالنكاح حقوق من المهر والنفقة والعشرة والمبيت والسكنى فيكون تضييعا لماله
ونفسه في غير فائدة فلم يجز كتبذير ماله وإذا أراد تزويجه استأذنه في تزويجه فإن زوجه بغير اذنه
فقال أصحابنا يصح لأنه عقد معاوضة فملكه الولي في حق المولي عليه كالبيع ولأنه محجور عليه أشبه
406

الصغير والمجنون، ويحتمل أن لا يملك تزويجه بغير اذنه لأنه يملك الطلاق فلم يجبر على النكاح كالرشيد
والعبد الكبير وذلك لأن اجباره على النكاح مع ملك الطلاق مجرد اضرار فإنه يطلق فيلزمه الصداق
مع فوات النكاح ولأنه قد يكون له غرض في امرأة ولا يكون له في أخرى فإذا أجبر على من
يكرهها لم يحصل له المصلحة منها وفات عليه غرضه من الأخرى فيحصل مجرد ضرر مستغنى عنه وإنما
جاز ذلك في حق المجنون والطفل لعدم امكان الوصول إلى ذلك من قولهما ولا يتعذر ذلك ههنا فوجب
أن لا يفوت ذلك عليه كالرشيد (الحال الثاني) أن للولي أن يأذن له في التزويج في الحال التي للولي
تزويجه فيها وهي حالة الحاجة لأنه من أهل النكاح فإنه عاقل مكلف وكذلك يملك الطلاق والخلع
فجاز أن يفوض إليه ذلك وهو مخير بين أن يعين له امرأة أو يأذن له مطلقا أو قال بعض الشافعية
يحتاج إلى التعيين له لئلا يتزوج شريفة يكثر مهرها ونفقتها فيتضرر بذلك
ولنا أنه أذن في النكاح فجاز من غير تعيين كالاذن للعبد وبهذا يبطل ما ذكروه، ولا يتزوج الا
بمهر المثل فإن زاد على مهر المثل بطلت الزيادة لأنها محاباة بماله وهو لا يملكها وان نقص عن مهر
المثل جاز لأنه تزوج من غير خسران (الحال الثالث) إذا تزوج بغير اذن فقال أبو بكر يصح النكاح
407

أومأ إليه أحمد قال القاضي يعني إذا كان محتاجا فإن عدمت الحاجة لم يجز لأنه اتلاف لماله في غير فائدة
وقال أصحاب الشافعي ان أمكنه استئذان وليه لم يصح الا باذنه لأنه محجور عليه فلم يصح منه التصرف
بغير اذنه كالعبد وان طلب منه النكاح فأبى أن يزوجه ففيه وجهان
ولنا أنه إذا احتاج إلى النكاح فحقه متعين فيه فصح استيفاؤه بنفسه كما لو استوفى دينه الحال عند
امتناع وليه من استيفائه، فأما ان تزوج من غير حاجة لم يصح وإن وطئ فعليه مهر المثل للزوجة لأنه
أتلف بضعها بشبهة فلزم عوض ما أتلف كاتلاف مالها
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (الثالث الولي فلا نكاح الا بولي)
فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح ولا تملك توكيل غير وليها فإن فعلت لم يصح روي هذا
عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم واليه ذهب سعيد بن المسيب
والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد
الله العنبري وإسحاق وأبو عبيد، وروي عن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبي يوسف
لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فإن فعلت كان موقوفا على إجازته وقال أبو حنيفة لها أن تزوج
نفسها وغيرها وتوكل في الانكاح لأن الله تعالى قال (ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) أضاف
408

النكاح إليهن ونهى عن منعهن ولأنه خالص حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها كبيع أمتها
ولأنها إذا ملكت بيع أمتها وهو تصرف في رتبتها وسائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على
بعض نفعها أولى.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا نكاح الا بولي " روته عائشة وأبو موسى وابن عباس
قال المروذي سألت أحمد ويحيى عن حديث " لا نكاح الا بولي " فقالا صحيح وروي عن عائشة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أيما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل
فإن أصابها فله المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لاولي له " رواه الإمام أحمد
وأبو داود وغيرهما فإن قيل فإن الزهري رواه وقد أنكره قال ابن جريح سألت الزهري عنه فلم يعرفه
قلنا لم ينقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية كذلك قال الإمام أحمد ويحيى ولو لم يثبت هذا لم يكن
فيه حجة لأنه قد نقله ثقات عنه فلو نسيه الزهري لم يضره لأن النسيان لم يعصم منه انسان قال النبي
صلى الله عليه وسلم " نسي آدم فنسيت ذريته " ولأنها مولى عليها في النكاح فلا تليه كالصغيرة فأما
409

الآية فإن عضلها الامتناع من زواجها وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي وهذا يدل على أنها نزلت
في شأن معقل بن يسار حين امتنع من التزويج فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها وأضافه إليها لأنها تحل له إذا
ثبت هذا فإنه لا يجوز لها تزويج
(مسألة) (وعن أحمد أن لها تزويج أمتها ومعتقتها)
وهذا يدل على أنه يصح اعتبارها في النكاح فيخرج منه أن لها تزويج نفسها باذن وليها وغيرها
بالوكالة وهو مذهب محمد بن الحسن وينبغي أن يكون قولا لابن سيرين ومن معه لأن قول النبي صلى
الله عليه وسلم " أيما امرأة أنكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل " يدل بمفهومه على صحته
باذنه ولأنها إنما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه
المفسدة وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها والمذهب الأول لعموم قوله " لا نكاح الا بولي " وهذا يقدم
على دليل الخطاب والتخصيص ههنا خرج مخرج الغالب فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها الا بغير اذن
وليها والعلة في منعها صيانتها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال وذلك ينافي
حال أهل الصيانة والمروءة
410

(فصل) فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه وكذلك سائر الأنكحة
الفاسدة وخرج القاضي وجها في هذا خاصة أنه ينقض وهو قول الإصطخري من أصحاب الشافعي
لأنه خالف نصا والأول أولى لأنها مسألة مختلف فيها ويسوغ فيها الاجتهاد فلم يجز نقض الحكم به كما
لو حكم بالشفعة للجار وهذا النص متأول وفي صحته كلام وقد عارضته ظواهر
(مسألة) (وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها)
إنما قيد المرأة بالحرة لأن الأمة لا ولاية لأبيها عليها بغير خلاف علمناه وأولى الناس بتزويجها
أبوها لأنه لا ولاية لاحد معه وبهذا قال الشافعي وهو المشهور عن أبي حنيفة وقال مالك والعنبري وأبو
يوسف وإسحاق وابن المنذر الابن أولى وهي رواية عن أبي حنيفة لأنه أولى منه بالميراث وأقوى
تعصيبا لأنه يسقط تعصيب جده
ولنا أن الولد موهوب لأبيه قال الله تعالى (ووهبنا له يحيى) وقال زكريا (رب هب لي من لدنك
ذرية طيبة) وقال إبراهيم (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) وقال النبي صلى الله
عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " واثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس ولان الأب
411

أكمل نظرا وأشد شفقة فوجب تقديمه في الولاية كتقديمه على الجد ولان الأب يقوم على ولده في صغره
وسفهه وجنونه فيليه في سائر ما تثبت الولاية عليه فيه بخلاف الابن ولذلك اختص بولاية المال وجاز
له أن يشتري لها من ماله وله من مالها إذا كانت صغيرة بخلاف غيره ولان الولاية احتكام وأحكام
الأصل على فرعه أولى من العكس وفارق الميراث فإنه لا يعتبر له النظر ولهذا يرث الصبي والمجنون وليس فيه
احتكام ولا ولاية على الموروث بخلاف ما نحن فيه
(مسألة) (ثم أبوه وان علا)
يعني أن الجد أبا الأب وإن علت درجته أحق بالولاية من الابن وسائر الأولياء
وهو قول الشافعي وعن أحمد رواية أخرى ان الابن مقدم على الجد وهو قول مالك ومن وافقه
لما تقدم وعن أحمد رواية ثالثة ان الأخ يقدم على الجد لأن الجد يدلي بأبوة الأب والأخ يدلي بالبنوة
والبنوة مقدمة وعنه رواية رابعة ان الأخ والجد سواء لاستوائهما في الميراث بالتعصيب واستواؤهما في
القرابة يوجب استواءهما في الولاية كالأخوين ولأنهما عصبتان لا يسقط أحدهما الآخر فاستويا
412

في الولاية كالاخرين
ولنا ان الجد له ايلاد وتعصيب فيقدم عليهما كالأب ولان الابن والأخ يقادان بها والأخ يقطع
بسرقة مالها بخلاف الجد والجد لا يسقط في الميراث الا بالأب والأخ يسقط به وبالابن وابنه، وإذا ضاق
المال وفي المسألة جد واخ سقط الأخ وحده فوجب تقديمه عليهما كالأب وكتقديمه على العم وسائر
العصبات إذا ثبت هذا فالجد وان علا أولى من جميع العصبات غير الأب وأولى الأجداد
أقربهم كالجد مع الأب
(مسألة) (ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل متى عدم الأب وآباؤه)
وأولى الناس بتزويج المرأة ابنها ثم ابنه بعده وإن نزلت درجته الأقرب فالأقرب منهم وبه قال
أصحاب الرأي وقال الشافعي لا ولاية للابن إلا أن يكون ابن عم أو مولى أو حاكما فيلي بذلك لا بالنبوة
لأنه ليس بمناسب لها ولا يلي نكاحها لحالها ولان طبعه ينفر من تزويجها فلا ينظر لها
ولنا ما روت أم سلمة انها لما انقضت عدتها ارسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فقالت يا رسول الله
ليس أحد من أوليائي شاهدا قال " ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره " ذلك فقالت قم يا عمر فزوج
413

فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه رواه النسائي قال الأثرم قلت لأبي عبد الله فحديث عمر بن أبي سلمة
حين زوج النبي صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة أليس كان صغيرا؟ قال ومن يقول كان صغير أليس فيه بيان عدل من
عصباتها فيثبت له ولاية تزويجها كأخيها وقولهم ليس بمناسب لها ممنوع وان سلم فهو يبطل بالحاكم والمولى
قولهم ان طبعه ينفر من تزويجها قلنا هذا معارض في الفرع ليس له أصل ثم يبطل بما إذا كان ابن عم
أو مولى أو حاكما إذا ثبت هذا فإنه يقدم على الأخ ومن بعده بغير خلاف نعلمه عند من يقول بولايته
لأنه أقوى منه تعصبا وقد استويا في عدم الايلاد
(مسألة) (ثم أخويها لأبيها)
لا خلاف في تقديم الأخ بعد عمودي النسب لكونه أقرب العصبات بعدهم فإن ابن الأب أقواهم
تعصيبا واحقهم بالميراث واختلفت الرواية عن أحمد في الأخ للأب إذا اجتمعا فعنه انهما سواء اختارها
الخرقي وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم لأنهما استويا في الادلاء بالجهة التي تستفاد بها العصوبة وهي
جهة الأب فاستويا في الولاية كما لو كانا من أب وإنما رجح في الميراث جهة الأم ولا مدخل لها في الولاية
لم يرجح بها كالعمين أحدهما خال وابني عم أحدهما أخ من أم (والرواية الثانية) الأخ من
414

الأبوين أولى اختارها أبو بكر وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو صحيح إنشاء الله تعالى لأنه
حق يستفاد بالتعصيب فيقدم فيه الأخ من الأبوين كالميراث وكاستحقاق الميراث بالولاء فإنه لا مدخل
للنساء فيه وقد قدم الأخ للأبوين فيه وبهذا يبطل ما ذكر في الرواية الأولى وهكذا الخلاف في بني
الاخوة والأعمام وبنينهم وأما إذا كان ابنا عم لأب أحدهما أخ لام فهما سواء لأنهما استويا في التعصيب
والإرث به وقال القاضي فيهما من الخلاف مثل ما في ابن عم من الأبوين وابن عم من أب لأنه يرجح
من جهة أمه وليس كذلك لأن جهة أمه يرث بها منفردة وما ورث بها منفردا لم يرجح به وكذلك لم
يرجح به في الميراث بالولاء ولا في غيره فعلى هذا إذا اجتمع ابن عم من أبوين وابن عم من أب
هو أخ من أم فالولاية لابن العم من الأبوين عند من يرى تقديم ولد الأبوين
(مسألة) (وعنه تقديم الابن على الجد والتسوية بين الجد والاخوة وبين الأخ للأبوين
والأخ للأب وقد ذكرناه)
(مسألة) (ثم بنوا الاخوة وإن سفلوا ثم العم ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من العصبات
على ترتيب الميراث)
415

وجملة ذلك أن الولاية بعد الاخوة تترتب على ترتيب الميراث بالتعصيب فأحقهم بالميراث أحقهم بالولاية
فبعد الاخوة بنوهم وان سفلوا ثم بنوا الجد وهم أعمام الأب ثم بنوهم وان سفلوا ثم بنو جد الجد ثم
بنوهم وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلي من بني أب أقرب منه وان نزلت درجتهم وأولى ولد كل أب
أقربهم إليه لأن مبنى الولاية على النظر والشفقة وذلك معتبر بمظنته وهي القرابة فأقربهم أشفقهم ولا نعلم
في هذا خلافا بين أهل العلم
(فصل) ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والحال وعم الأم وأبي الأم ونحوهم
نص عليه الإمام أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة والثانية ان كل
من يرث بفرض أو تعصيب يلي لأنه يرثها فوليها كعصباتها
ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه انه إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى يعنى إذا أدركن
رواه أبو عبيد في القريب ولأنه ليس من عصباتها أشبه الأجنبي
(مسألة) (ثم المولى المنعم ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب)
ثم السلطان إذا لم يكن للمرأة عصبة من نسبها فوليها موليها يزوجها ولا نعلم خلافا في أن العصبة
416

المناسبة أولى منه وذلك لأنه عصبة مولاته يرثها ويعقل عنها عند عدم عصباتها فكذلك يزوجها وقدم
عليه المناسبون كما قدموا عليه في الإرث والعقل فإن عدم المولى أو لم يكن من أهل الولاية كالمرأة
والطفل والكافر فعصباته الأقرب منهم فالأقرب على ترتيب الميراث ثم مولى المولى ثم عصباته من بعده
كالميراث سواء فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه فالابن أولى لأنه أحق بالميراث وأقوى بالتعصيب وإنما
قدم الأب المناسب على الابن المناسب لزيادة شفقته وفضيلة ولادته وهذا معدوم في أب المعتق فيرجع
فيه إلى الأصل ثم السلطان لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها
أو عضلهم وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم
" فالسلطان ولي من لا ولي له " وروى أبو داود باسناده عن أم حبيبة ان النجاشي زوجها رسول الله صلى
الله عليه وسلم وكانت عنده ولان للسلطان ولاية عامة بدليل انه يلي المال ويحفظ الضوال فكانت له
الولاية في النكاح كالأب
(فصل) والسلطان ههنا هو الإمام أو الحاكم أو من فوضا إليه ذلك واختلفت الرواية عن أحمد في
417

والي البلد فقال في موضع يزوج والى البلد وقال في الرستاق يكون فيه الوالي وليس فيه قاض قال يزوج
إذا احتاط لها في المهر والكف ء أرجو أن لا يكون به بأس لأنه ذو سلطان فيدخل في عموم الحديث
وقال في موضع آخر في المرأة إذا لم يكن لها ولي فالسلطان المسلط على القاضي يقضي في الفروج
والحدود والرجم وصاحب الشرطة إنما هو مسلط في الأدب والجناية وقال ما للوالي وذا؟ إنما هو إلى
القاضي وتأول القاضي الرواية الأولى على أن الوالي أذن له في التزويج ويحتمل أنه جعل له
ذلك إذا لم يكن في موضع ولايته قاض فكأنه قد فوض إليه النظر فيما يحتاج إليه في ولايته وهذا منها
(فصل) إذا استولى أهل البغي على بلد جر حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك مجرى الإمام وقاضيه
لأنه أجري مجراه في قبض الصدقات في الجزية والخراج فكذلك في هذا
(فصل) واختلفت الرواية في المرأة تسلم على يد رجل فقال في موضع لا يكون وليا لها ولا يزوج
حتى يأتي السلطان لأنه ليس من عصبتها ولا يعقل عنها ولا يرثها فأشبه الأجنبي وقال في رواية حرب
في امرأة أسلمت على يد رجل يزوجها هو وهو قول إسحاق وروي عن ابن سيرين أنه
418

لا يفعل ذلك حتى يأتي السلطان وعن الحسن أنه كان لا يرى بأسا في أن يزوجها نفسه وذلك لما روى
أبو داود باسناده عن تميم الداري أنه قال يا رسول الله ما السنة في الرجل يسلم على يد الرجل من المسلمين؟
قال " هو أولى الناس بمحياه ومماته " الا أن هذا الحديث ضعفه احمد وقال رواية ابن عبد العزيز يعني ابن
عمر بن عبد العزيز وليس هو من أهل الحفظ والاتقان.
(فصل) وإن لم يوجد للمراة ولي ولا ذو سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل
باذنها فإنه قال في دهقان قرية يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر إذا لم يكن في الرستاق
قاض قال ابن عقيل أحد قوم من أصحابنا من هذه الرواية إن النكاح لا يقف على ولي قال وقال
القاضي نصوص أحمد تمنع من ذلك قال شيخنا، والصحيح أن هذا من القول حال عدم الولي والسلطان
لأنه شرط أن لا يكون في الرستاق قاض، وجهه أن اشتراط الولي ههنا يمنع النكاح بالكلية فلم يجز كاشتراط
المناسب في حق من لا مناسب لها وروي عنه أنه لا يجوز النكاح الا بولي لعموم الاخبار فيه
419

(مسألة) (وولي الأمة سيدها إذا كان من أهل ولاية التزويج) لا نعلم فيه خلافا لأنه مالكها
وله التصرف في رقبتها بالبيع ففي التزويج أولى ولا يزوجها الا باذنها
(مسألة) (فإن كانت لامرأة فوليها ولي سيدتها وقد ذكرنا ذلك)
اختلفت الرواية عن أحمد فيمن يزوج أمة المرأة فروي عنه أنه يلي نكاحها ولي
سيدتها قال القاضي هذا هو الصحيح اختاره الخرقي وهو مذهب الشافعي لأن مقتضى الدليل كون
الولاية لها فامتنعت في حقها لقصورها فثبتت لأوليائها كولاية نفسها ولأنهم يلونها لو عتقت ففي حال رقها
أولى فإن كانت سيدتها رشيدة لم يجز تزويج أمتها الا باذنها لأنها مالها ولا يجوز التصرف في مال رشيد
بغير اذنه وبغير نطقها بذلك وان كانت بكرا لأن صماتها إنما اكتفي به في تزويج نفسها لحيائها ولا
تستحي من تزويج غيرها وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو سفيهة ولوليها ولاية على مالها فله تزويج أمتها أن
كان الحظ في تزويجها والا لم يملك تزويجها وكذلك الحكم في أمة ابنه الصغير وقال بعض الشافعية ليس
له تزويجها بحال لأنه فيه الحظ لأن الكلام فيه فجاز كسائر التصرفات الجائزة واهمال الحظر مرجوح
بما فيه من تحصيل مهرها وولدها وكفاية مؤنتها وصيانتها عن الزنا الموجب للحد في حقها ونقص قيمتها
420

والمرجوح كالمعدوم فإن كان وليها في مالها غير ولي تزويجها فولاية تزويجها للولي في المال دون ولي
التزويج لأنه المتصرف في المال وهي مال وروي عن أحمد رواية ثانية ان للمرأة أن تولي أمر أمتها
رجلا لتزويجها نقلها عن أحمد جماعة لأن سبب الولاية الملك وقد تحقق في المرأة وامتنعت المباشرة
لنقص الأنوثية فملكت التوكيل كالرجل والمريض والغائب ونقل عن أحمد كلام يحتمل رواية ثالثة
وهو أن سيدها يزوجها فإنه قيل له تزوج أمتها؟ قال قد قيل ذلك هي مالها وهذا يحتمل انه ذهب إليه
وهو قول أبي حنيفة لأنها تملكها وولايتها تامة عليها فملكت تزويجها كالسيد ولأنها تملك بيعها واجارتها
فملكت تزويجها كسيدها ولان الولاية إنما ثبتت على المرأة لتحصيل الكفاءة صيانة لحظ الأولياء في
تحصيلها فلا تثبت عليها الولاية في أمتها لعدم اعتبار الكفاءة وعدم الحق للأولياء فيها ويحتمل أن
أحمد قال هذا حكاية لمذهب غيره فإنه قال في سياقها أحب إلي أن تأمر زوجها لأن النساء لا يعقدن
وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تنكح المرأة المرأة " وقالت عائشة
421

زوجوا فإن النساء لا يزوجن واعقدوا فإن النساء لا يعقدن ولأن المرأة لا تملك تزويج
نفسها فغيرها أولى.
(فصل) ويزوج عتيقتها من يزوج أمتها ذكره الخرقي وفيها روايتان (إحداهما) لمولاتها أن توكل
رجلا في تزويجها لأنها عصبتها وترثها فأشبهت المعتق (والثانية) يزوجها ولي سيدتها وهي أصح لأن
هذه ولاية لنكاح والمرأة ليست من أهل ذلك فيكون إلى عصبتها لأنهم الذين يعقلون عنها ويرثونها
بالتعصيب عند عدم سيدتها فكانوا أولياءها كما لو تعذر على المعتق تزويج عتيقته، وقد ذكرنا أنه
إذا انقرض العصبة من النسب ولي المولى المعتق ثم عصباته الأقرب فالأقرب كذا ههنا الا ان الظاهر
من كلام الخرقي ههنا تقديم أبي المعتقة على ابنها لأنه أولى بتزويجها وقد يزوج معتقتها من يزوج أمتها
ويزوج أمتها من يزوجها، وقد ذكرنا ان ابن المعتقة أولى بتزويج عتيقتها من أبيها ويعتبر في ولايتها
شرطان (أحدهما) عدم العصبة من النسب لأن المناسب أقرب من المعتق وأولى منه (الثاني) اذن المزوجة
422

لأنها حرة وليست له ولاية اجبار فإنه أبعد العصبات ولا يعتبر اذن مولاتها لأنه لا ولاية لها ولا ملك
فأشبهت القريب الطفل إذا زوج البعيد
(فصل) فإن كان للأمة مولى فهو وليها وإن كان لها موليان اشتركا في الولاية وليس الواحد منهما
الاستقلال بها بغير اذن صاحبه لأنه لا يملك الا بعضها وان اشتجرا لم يكن للسلطان ولاية لأن تزويجها
تصرف في المال بخلاف الحرة فإن نكاحها حق لها ونفعه عائد إليها ونكاح الأمة حق لسيدها نفعه
عائد إليه فلم ينب السلطان عنه فيه فإن أعتقاها ولها عصبة مناسب فهو أولى منهما وان لم يكن لها عصبة
ولياها ولا يستقل أحدهما بالتزويج لأن ولايته على بعضها فإن اشتجرا أقام الحاكم مقام الممتنع منهما
لأنها صارت حرة وصار نكاحها حقا لها وإن كان المعتق أو المعتقة واحدا وله عصبتان كالابنين والأخوين
423

فلاحدهما الاستقلال بتزويجها كما يملك تزويج سيدتها.
(مسألة) (ويشترط في الولي الحرية والذكورية واتفاق الدين والعقل)
وجملته أنه يعتبر لثبوت الولاية ستة شروط العقل والحرية والاسلام إذا كانت المرأة مسلمة
والذكورية والبلوغ، والعدالة على اختلاف نذكره فاما العقل فهو شرط بغير خلاف لأن الولاية إنما
ثبتت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره
أولى وسواء في هذا من لا عقل له لصغره أو من ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ إذا أفند قال
424

القاضي والشيخ الذي قد كبير فلا يعرف موضع الحظ لها لا ولاية له، فأما الاغماء فلا يزيل الولاية لأنه
يزول عن قريب فهو كالنوم، وكذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الأنبياء ومن كان يجن في الأحيان
لم تزل ولايته لأنه لا يدوم زوال عقله فهو كالاغماء
(الشرط الثاني) الحرية فلا ولاية لعبد في قول جماعة أهل العلم فإن العبد لا ولاية له على نفسه فعلى
غيره أولى، وقال أصحاب الرأي يجوز أن يزوجها العبد باذنها بناء منهم على أن المرأة تزوج نفسها وقد مضى
الكلام في هذه المسألة.
(الشرط الثالث) الاسلام فلا يثبت للكافر ولاية على مسلمة، وهو قول عامة أهل العلم قال ابن
المنذر أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وفيه وجه ان الكافر يزوج أم ولده المسلمة وسوف
نذكره إن شاء الله تعالى، قال أحمد بلغنا ان عليا أجاز نكاح أخ ورد نكاح الأب وكان نصرانيا
(الشرط الرابع) الذكورية وهو شرط للولاية في قول الجميع لأنه يعتبر فيها الكمال والمرأة ناقصة
قاصرة تثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها فلان لا يثبت لها ولاية على غيرها أولى، وعن أحمد أنها
تلي نكاح أمتها ومعتقتها وقد ذكرناه.
425

(الشرط الخامس) البلوغ وهو شرط في ظاهر المذهب قال أحمد لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس
له أمر هذا قول الثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأبى ثور
وروي عن أحمد أنه إذا بلغ عشرا زوج وتزوج وطلق وأجهزت وكالته في الطلاق ويحتمله كلام
الخرقي لتخصيصه المسلوب الولاية بكونه طفلا، ووجه ذلك أنه يصح بيعه وطلاقه ووصيته فثبتت له
الولاية كالبالغ، والأول اختيار أبي بكر وهو الصحيح لأن الولاية يعتبر لها كمال الحال لأنها تفيد
التصرف في حق غيره واعتبرت نظرا له والصبي مولى عليه لقصوره فلا تثبت له الولاية كالمرأة
والأصول المقيس عليها ممنوعة.
(السادس) العدالة وفي كونها شرطا روايتان (إحداهما) هي شرط قال احمد إذا كان القاضي
مثل ابن الحلبي وابن الجعد استقبل النكاح، فظاهر هذا أنه أفسد النكاح لانتفاء عدالة المتولي له
وهذا قول الشافعي لما روي عن ابن عباس أنه قال لا نكاح الا بشاهدي عدل وولي مرشد. قال
أحمد أصح شئ في هذا قول ابن عباس يعني وقد روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا نكاح
إلا بولي وشاهدي عدل وأيما امرأة انكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل " وروى البرقاني
باسناده عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل " ولأنها
ولاية نظر فلا يستبد بها الفاسق كولاية المال
426

(والرواية الأخرى) ليست شرطا، نقل مثنى ابن جامع انه سأل أحمد إذا تزوج بولي وشهود
غير عدول فلم ير أنه يفسد من النكاح شئ وهذا ظاهر كلام الخرقي لأنه ذكر الطفل والعبد والكافر ولم
يذكر الفاسق وهو قول مالك وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي لأنه يلي نكاح نفسه فثبتت له الولاية على
غيره كالعدل ولأنه يثبت الولاية للقرابة وشرطها النظر وهذا قريب ناظر فيلي كالعدل
(فصل) ولا يشترط أن يكون بصيرا لأن شعيبا زوج ابنته وهو أعمى ولان المقصود في النكاح
يعرف بالسماع والاستفاضة فلا يفتقر إلى النظر ولا يشترط النطق بل يجوز أن يلي الأخرس إذا
فهمت إشارته لأنها تقوم مقام نطقه في سائر العقود والأحكام فكذلك النكاح
(مسألة) (فإن كان الأقرب طفلا أو كافرا أو عبدا زوج الابعد) لأن الولاية لا تثبت لطفل
ولا عبد ولا كافر على مسلمة فعند ذلك يكون وجودهم كعدمهم فتثبت الولاية لمن أبعد منهم إذا كملت
فيه الشروط كما لو ماتوا.
(مسألة) (وإن عضل الأقرب زوج الابعد وعنه يزوج الحاكم)
العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه،
427

فمتى وجد ذلك انتقلت الولاية إلى الابعد نص عليه احمد وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان وهو
اختيار أبي بكر وذكر ذلك عن عثمان بن عفان وشريح وبه قال الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن
اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولى له " ولان ذلك حق عليه امتنع من أدائه فقام الحاكم مقامه كما لو
كان عليه دين فامتنع من قضائه
ولنا أنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فملكه الابعد كما لو جن ولأنه يفسق بالعضل فتنتقل
الولاية عنه كما لو شرب الخمر، فإن عضل الأولياء كلهم زوج الحاكم، والحديث حجة لنا لقوله " السلطان
ولي من لاولي له " وهذه لها ولي ويمكن حمله على ما إذا عضل الكل فإنه قوله " فإن اشتجروا " ضمير
جمع يتناول الكل والولاية تخالف الدين من وجوه ثلاثة (أحدها) انها حق للولي والدين عليه.
(الثاني) ان الدين لا ينتقل عنه والولاية تنتقل عنه لعارض من جنون الولي وفسقه (الثالث) أن الدين
لا تعتبر في بقائه العدالة والولاية يعتبر لها ذلك وقد زالت العدالة بما ذكرنا، فإن قيل لو زالت ولايته
لما صح منه التزويج إذا أجاب إليه قلنا فسقه بامتناعه فإذا أجاب فقد نزع عن المعصية وراجع الحق
428

فزال فسقه فكذلك صح تزويجه، وقد روى عن معقل بن يسار قال: زوجت أختا لي من رجل
فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت
تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به فكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله
هذه الآية (فلا تعضلوهن) فقلت الآن أفعل يا رسول الله قال " فزوجها إياه " رواه البخاري
(فصل) وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال
أبو حنيفة له منعها من التزويج بدون مهر مثلها لأن عليهم في ذلك عارا وفيه ضرر على نسائها لنقص مهر مثلهن
ولنا أن المهر خالص حقها وعوض يختص بها فلم يكن لهم الاعتراض عليها فيه كثمن عبدها
وأجر دارها، ولأنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كله فبعضه أولى ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أراد
ان يزوجه " التمس ولو خاتما من حديد " وقال لامرأة زوجت بنعلين " أرضيت من نفسك بنعلين؟ " قالت
نعم: فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم فيه عار عليهم ليس كذلك فإن عمر قال لو كان مكرمة في الدنيا أو
تقوى عند الله كان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى غلو الصداق فإن رغبت في رجل بعينه وهو كف ء
فأراد تزويجها لغيره من أكفائها وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا لها فإن طلبت التزويج
بغير كف ء، فله منعها منه ولا يكون عاضلا بذلك لأنها لو زوجت بغير كفئها كان له فسخ،
النكاح فلان يمنع منه ابتداء أولى
429

(مسألة) (وان غاب غيبة منقطعة زوج الا بعد وهي ما لا تقطع الا بكلفة ومشقة في ظاهر كلام
احمد وقال الخرقي ما لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجب عنه وقال القاضي ما لا تقطعه القافلة
في السنة الا مرة، وقد قال احمد إذا كان الأب بعيد السفر زوج الابعد. قال أبو الخطاب فيحتمل
أنه أراد بالسفر البعيد ما تقصر فيه الصلاة)
الكلام في هذه المسألة من أمرين (أحدهما) أن الأقرب إذا غاب غيبة منقطعة زوج الابعد
دون الحاكم وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي يزوجها الحاكم لأنه تعذر الوصول إلى النكاح من الأقرب
مع بقاء ولايته فيقوم الحاكم مقامه كما لو عضلها ولان الابعد محجوب بولاية الأقرب فلا يجوز له التزويج كما
لو كان حاضرا، ودليل بقاء ولايته أنه لو زوج من حديث هو أو كل صح
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " السلطان ولي من لاولي لها " وهذه لها ولي فلا يكون السلطان وليا لها
ولان الأقرب تعذر حصول التزويج منه فتثبت الولاية لم يليه من العصبات كما لو جن أو مات ولأنها حالة يجوز
فيها التزويج لغير الأقرب فكان ذلك للأبعد كالأصل وإذا عضلها فهي كمسئلتنا
(الفصل الثاني) في الغيبة المنقطعة التي يجوز للأبعد التزويج في مثلها ففي قول الخرقي هي مالا
430

يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه لأن مثل هذا يتعذر مراجعته بالكلية فتكون منقطعة أي
تنقطع عن امكان تزويجها، وقال القاضي يجب أن يكون حد المسافة أن لا تردد القوافل فيه في السنة
الا مرة لأن الكفء ينتظر سنة ولا ينتظر أكثر منها فيلحق الضرر بترك تزويجها، وقد قال احمد
في موضع إذا كان الأب بعيد السفر زوج الأخ. يحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة لأن ذلك هو السفر
البعيد الذي علقت عليه الأحكام وذكر أبو بكر وجوها (أحدها) ما لا يقطع الا بكلفة ومشقة لأن أحمد قال
إذا لم يكن ولي حاضر من عصبتها كتب إليهم حتى يأذنوا إلا أن تكون غيبة منقطعة لا تدرك الا بكلفة
ومشقة فالسلطان ولي من لا ولي له، قال شيخنا وهذا القول إن شاء الله أقربها إلى الصواب فإن التحديدات
بابها التوقيف ولا توقيف في هذه المسألة فترد إلى ما يتعارفه الناس بينهم مما لم تجر العادة بالانتظار فيه
ويلحق المرأة الضرر بمنعها من التزويج في مثله فإنه يتعذر في ذلك الوصول إلى المصلحة من نظر الأقرب
فيكون كالمعدوم والتحديد بالعام كثير فإن الضرر يلحق بالانتظار في مثل ذلك ويذهب الخاطب،
ومن لا يصل منه كتاب أبعد ومن هو على مسافة لا تلحق المشقة بمكاتبته فكان التوسط أولى، واختلف
431

أصحاب أبي حنيفة في الغيبة المنقطعة فقال بعضهم كقول القاضي وبعضهم قال من الري إلى بغداد
وقال بعضهم من الرقة إلى البصرة، وهذا القولان يشبهان قول أبي بكر، واختلف أصحاب الشافعي
في الغيبة التي بزوج فيها الحاكم فقال بعضهم مسافة القصر، وقال بعضهم يزوجها الحاكم، وإن كان
الولي قريبا وهو منصوص الشافعي، وظاهر كلام احمد أنه إذا كانت الغيبة غير منقطعة انه ينتظر
ويراسل حتى يقدم أو يوكل
(فصل) فإن كان القريب أسيرا أو محبوسا في مسافة قريبة لا يمكن مراجعته فهو كالبعيد فإن
البعد لم يعتبر لعينه بل لتعذر الوصول إلى التزويج بنظره وهذا موجود ههنا وكذلك إن كان غائبا لا
يعلم أقريب هو أم بعيد أو علم أنه قريب ولم يعلم مكانه فهو كالبعيد
(مسألة) (ولا يلي كافر نكاح مسلمة بحال الا إذا أسلمت أم ولده في وجه)
أما الكافر فليس له ولاية على مسلمة بحال وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي
قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وذكر شيخنا ههنا أن فيه وجها أن
الكافر يلي نكاح أم ولده إذا أسلمت وذكره أبو الخطاب لأنها مملوكته فيلي نكاحها كالمسلم، ولأنه عقد
432

عليها فيليه كإجارتها (والثاني) لا يليه لقول الله تعالى (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولأنها مسلمة
فلا يلي نكاحها كابنته فعلى هذا يزوجها الحاكم وهذا الوجه أولى لما ذكرنا من الاجماع
(مسألة) (ولا يلي مسلم نكاح كافرة الا سيد الأمة وولي سيدها أو السلطان لقول الله تعالى
(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ولان مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر ولا يعقل عنه فلم
يل عليه كما لو كان أحدهما رقيقا فأما سيد الأمة الكافرة فله تزويجها الكافر لكونها لا تحل للمسلمين
وكذلك سيد الأمة الكافرة يلي تزويجها لكافر لأنها ولاية بالملك فلم يمنعها كون سيد الأمة الكافرة
مسلما كسائر الولايات ولأن هذه تحتاج إلى التزويج ولا ولي لها غير سيدها. فأما السلطان فله الولاية
على من لاولي لها من أهل الذمة لأن ولايته عامة على أهل دار الاسلام وهذه من أهل الدار فثبتت له
الولاية عليها كالمسلمة
وتثبت الولاية للكافر على أهل دينه على حسب ما ذكرنا في المسلمين وتعتبر فهم الشروط
المعتبرة في المسلمين
(مسألة) (ويلي الذمي نكاح موليته الذمية من الذمي لقوله تعالى (والذين كفروا بعضهم
433

أولياء بعض (وهل يليه من مسلم؟ على وجهين)
(أحدهما) يليه ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة لأنه وليها فصح تزويجه لها كما لو زوجها
كافرا ولأنها امرأة لها ولي مناسب فلم يجز أن يليها غيره كما لو تزوجها ذمي (والثاني) لا يزوجها الا
الحاكم قاله القاضي لأن أحمد قال: لا يعقد يهودي ولا نصراني عقد نكاح لمسلم ولا مسلمة ووجهه أنه
عقد يفتقر إلى شهادة مسلمين فلم يصح بولاية كافر كنكاح المسلمين والأول أصح والشاهدان يرادان
لاثبات النكاح عند الحاكم بخلاف الولاية
(مسألة) (وإذا زوج الابعد من غير عذر للأقرب أو زوج الأجنبي لم يصح وعنه يصح
ويقف علي إجازة الولي)
الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) أنه إذا زوج الا بعد مع حضور الأقرب واجابته إلى تزويجها
من غير اذنه لم يصح وبهذا قال الشافعي وقال مالك يصح لأن هذا ولي فصح أن يزوجها باذنها كالأقرب
ولنا أن هذا مستحق بالتعصيب فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث وبهذا فارق القريب البعيد
434

(الفصل الثاني) أن هذا العقد يقع فاسدا على الإجازة ولا يصير بالإجازة صحيحا وكذلك
الحكم إذا زوج الأجنبي أو زوجت المرأة المعتبر اذنها بغير اذنها أو تزوج العبد بغير إذن سيده
فالنكاح في هذا كله باطل في أصح الروايتين نص عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي وأبي عبيد
وأبى ثور وعن أحمد رواية أخرى أنه يقف على الإجازة فإن أجازه جاز وان لم يجزه فسد قال أحمد
في صغير زوجه عمه فإن رضي به في وقت من الأوقات جاز وان لم يرض فسخ وإذا زوجت اليتيمة فلها
الخيار إذا بلغت وقال إذا تزوج العبد إذن سيده ثم علم السيد فإن شاء أن يطلق عليه فالطلاق
بيد السيد فإن أذن في التزويج فالطلاق بيد العبد وهذا قول أصحاب الرأي في كل مسألة يعتبر فيها
الاذن وروي ذلك في النكاح بغير ولي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن القاسم بن محمد
والحسن بن صالح وإسحاق وأبي يوسف ومحمد لما روي أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن
أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود وابن ماجة وروي أن فتاة جاءت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسة قال فجعل الامر إليها فقالت قد
أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم أن للنساء من الامر شيئا ولأنه عقد يقف على الفسخ
435

فوقف على الإجازة كالوصية ووجه الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها
فنكاحها باطل - وقال - إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل) رواه أبو داود وابن ماجة الا أن
أبا داود قال هو موقوف على ابن عمر ولأنه عقد لا تثبت فيه أحكامه من الطلاق والخلع واللعان
والتوارث فلم ينعقد كنكاح المعتدة فأما حديث المرأة التي خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرسل عن عكرمة
رواه الناس كذلك ولم يذكروا ابن عباس قاله أبو داود ثم يحتمل أن هذه المرأة هي التي قالت
زوجني أبي من ابن أخيه ليرفع به خسيسته فتخييرها لتزويجها من غير كفئها وهذا يثبت الخيار ولا
يبطل النكاح والوصية يتراخى فيها القبول وتجوز بعد الموت فهي معدول بها عن سائر التصرفات ولا
تفريع عليه هذه الرواية لوضوحها فأما عليا لرواية الأخرى فإن الشهادة تعتبر في العقد لأنها شرط له
فيعتبر وجودها معه كالقبول ولا تعتبر في الإجازة لأنها ليست بعقد ولأنها إذا وجدت أسند الملك إلى
حالة العقد حتى لو كان في الصداق بما ملك من حين العقد لا من حين الإجازة وان مات أحدهما قبل
الإجازة لم يرثه الآخر لأنه عقد تلزمه إجازته فهو كالصحيح وإن كان مما لا يجزه لم يرثه
(فصل) ومتى تزوجت المرأة بغير اذن وليها والأمة بغير اذن سيدها فقد ذكره أصحابنا من
436

الروايتين قال شيخنا والصحيح عندي أنه لا يدخل فيها لتصريح النبي صلى الله عليه وسلم فيه
بالبطلان ولان الإجازة إنما تكون العقد صدر من أهله في محله فأما ما لا يصدر من الأهل كالذي
عقده المجنون أو الطفل فلم يقف على الإجازة وهذا عقد لم يصدر من أهله فإن المرأة ليست أهلا له
بديل أنه لو أذن لها فيه لم يصح مع الاذن القارن فأن لا يصح بالإجازة المتأخرة أولى ولا تفريع
على هذا القول وأما على القول الآخر فمتى توجت بغير اذن الولي فيرفع إلى الحاكم لم يملك إجازته
والامر فيه إلى الولي فمتى رده بطل لأن من وقف بالحكم على اجازته بطل برده كالمرأة إذا زوجت
بغير اذنها وفيه وجه آخر أنه إذا كان الزوج كفؤا أمر الحاكم الولي بإجازته فإن لم يفعل إجازة
الحاكم لأنه لو امتنع صار عاضلا فانتقلت الولاية عنه إلى الحاكم في ابتداء العقد ومتى حصلت الإصابة
قبل الإجازة ثم أجيز فالمهر واحد إما المسمى واما مهر المثل ان لم يكن مسمى فإن الإجازة
مسندة إلى حالة العقد فيثبت الحل والملك من حين العقد كما ذكرنا في البيع ولذلك لم يجب الحد ومتى
تزوجت الأمة بغير اذن سيدها ثم خرجت من ملكه قبل الإجازة إلى من تحل له انفسخ النكاح ولأنه
قد طرأت استباحة صحيحة على موقوفة فأبطلتها لأنها أقوى فأزالت الأضعف كما لو طرأ ملك اليمين
437

على الملك النكاح وان خرجت إلى من تحل له كالمرأة أو اثنتين فكذلك أيضا لأن العقد إذا وقف
على إجازة شخص لم يجز بإجازة غيره كما لو باع أمة غيره ثم باعها المالك فأجازها المشتري الثاني مع
الأجنبي وفيه وجه آخر انه يجوز بإجازة المالك الثاني لأنه يملك ابتداء العقد فملك اجازته كالأول
ولا فرق بين أن يخرج ببيع أو هبة أو ارث أو غيره فأما ان أعتقها السيد احتمل أن يجوز النكاح
لأنه إنما وقف لحق المولى فإذا أعتق سقط حقه فصح واحتمل أن لا يجوز لأن ابطال حق الولي ليس
بإجازة ولان حق المولى ان بطل من الملك لم يبطل من ولاية التزويج فإنه يليها بالولاء
(فصل) وإذا تزوجت التي يعتبر اذنها بغير اذنها وقلنا يقف على اجازتها فإجازتها بالنطق أو ما
يدل على الرضا من التمكين من الوطئ والمطالبة بالمهر أو النفقة ولا فرق في ذلك بين البكر والثيب
لأن أدلة الرضا تقوم مقام النطق به ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لبريرة (ان وطئك زوجك
فلا خيار لك) جعل تمكينها دليلا على اسقاط حقها والمطالبة بالمهر أو النفقة والتمكين من الوطئ
دليل على الرضا لأن ذلك من خصائص العقد الصحيح فوجوده من المرأة دليل رضاها به
(مسألة) (ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا ووصيه في النكاح بمنزلته)
438

يجوز التوكيل في النكاح سواء كان الولي حاضرا أو غائبا مجبرا أو غير مجبر لأنه روي أن النبي
صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة ووكل عمرو بن أمية الضمري في تزويجه أم حبيبة
ولأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل ولأصحاب الشافعي في توكيل غير الأب والجد وجهان (أحدهما) لا
يجوز لأنه يلي بالاذن فلم يجز له التوكيل كالوكيل
ولنا أنه بلي شرعا فكان له التوكيل كالأب ولا يصح قولهم إنه يلي بالاذن فإن ولايته ثابتة قبل
إذنها وإنما إذنه شرط لصحة تصرفه فأشبه ولاية الحاكم عليها ولا خلاف في أن للحاكم ان يستنيب
في التزويج من غير إذن المرأة ولأن المرأة لا ولاية لها على نفسها فكيف ثبتت الإنابة من قبلها؟
(فصل) ويجوز التوكيل مطلقا ومقيدا فالمقيد التوكيل في تزويج رجل بعينه والمطلق التوكيل
في تزويج من يرضاه أو من شاء قال أحمد في رواية عبد الله في الرجل يولى على أخته وابنته تقول
إذا وجدت من أرضاه فزوجه فتزويجه جائز ومنع بعض الشافعية التوكيل المطلق ولا يصح فإنه روى أن
رجلا من العرب ترك ابنته عند عمر وقال إذا وجدت لها كفؤا فزوجه ولو بشراك نعله فزوجها
عمر عثمان بن عفان فهي أم عمر بن عثمان واشتهر ذلك فلم ينكر ولأنه اذن في النكاح فجاز مطلقا
439

كأذن المرأة أو عقد فجاز التوكيل فيه مطلقا كالمبيع
(فصل) ولا يعتبر في الوكالة إذن المرأة في التوكيل سواء كان الموكل أبا أو غيره ولا يفتقر إلى
حضور شاهدين وقال بعض الشافعية لا يجوز لغير المجبر التوكيل إلا بأذن المرأة وخرجه القاضي على
الروايتين في توكيل الوكيل من غير إذن الموكل وحكي عن الحسن بن صالح أنه لا يصح الا بحضرة
شاهدين لأنه يراد بحل الوطئ فافتقر إلى الشهادة كالنكاح
ولنا أنه إذن من الولي في التزويج فلم يفتقر إلى إذن المرأة ولا إشهاد كاذن الحاكم وقد بينا أن
الولي ليس بوكيل المرأة ولو كان وكيلها لتمكنت من عزله وهذا التوكيل لا يملك به البضع فلم يفتقر إلى
إشهاد بخلاف النكاح ويبطل ما ذكره الحسن بن صالح بالتوكيل في شراء الإماء للتسري
(فصل) ويثبت للوكيل ما يثبت للموكل فإن كان للمولى الاجبار ثبت ذلك لوكيله ان كانت ولايته
ولاية مراجعة احتاج الوكيل إلى ما رجعة المرأة لأنه نائب فيثبت له مثل ما ثبتت للمنون عنه وكذلك
الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج فيكون المأذون له قائما مقامه
(فصل) واختلفت الرواية عن أحمد هل تستفاد ولاية النكاح بالوصية؟ فروي انها تستفاد بها
اختارها الخرقي وهذا قول الحسن وحماد بن أبي سليمان ومالك وروي عنه لا تستفاد بالوصية وبه قال
الثوري والشعبي والنخعي والحارث العكلي وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر ولأنها ولاية تنتقل إلى
440

غيره شرعا فلم يجز ان يوصى بها كالحضانة ولأنه لا ضرر على الوصي في تضييعها ووضعها عند من
لا يكافئها فلا تثبت له الولاية كالأجنبي ولأنها ولاية نكاح فلم تجز الوصية بها كولاية الحاكم وقال أبو
عبد الله بن حامد إن كان لها عصبة لم تجز الوصية بنكاحها لأنه يسقط حقهم بوصيته وإن لم يكن عصبة
جاز لعدم ذلك
ولنا أنها ولاية للأب فجازت وصيته بها كولاية المال وما ذكروه يبطل بولاية المال ولأنه يجوز أن
يستنيب فيها في حياته فيكون نائبه قائما مقامه فجاز أن يستنيب فيها بعد موته كولاية المال فعلى هذا
تجوز الوصية بالنكاح من كل ذي ولاية سواء كان مجبرا بالأب أو غير مجبر كالأخ ووصي كل ولي
يقوم مقامه فإن كان الولي له الاجبار فكذلك لوصيه وإن كان يحتاج إلى إذنها فوصيه كذلك لأنه قائم
مقامه فهو كالوكيل وقال مالك ان عين الأب الزوج ملك اجبارها صغيرة كانت أو كبيرة وان لم يعين
الزوج وكانت بنته كبيرة صحت الوصية فاعتبر اذنها وان كانت صغيرة انتظرنا بلوغها فإذا أذنت جاز
ان يزوجها بأذنها
ولنا ان من ملك التزويج إذا عين له الزوج ملك مع الاطلاق كالوكيل ومتى زوج وصي الأب
الصغيرة فبلغت فلا خيار لها لأن الوصي قائم مقام الموصى فلم يثبت في تزويجه خيار كالوكيل
441

(فصل) ومن لم نثبت له الولاية لا يصح توكيله لأن وكيله قائم مقامه فإن وكله الولي في تزويج
موليته لم يصح لأنها ولاية ليس هو من أهلها ولأنه لما لم يملك تزويج مناسبة بولاية النسب فلان لا
يملك مناسبة غيره بالتوكيل أولى ويحتمل ان يصح توكيل العبد والفاسق والصبي المميز في العقد لأنهم
من أهل اللفظ به وعباراتهم فيه صحيحة ولذلك صح قبولهم النكاح لأنفسهم وإنما سلبوا الولاية لأنه
يعتبر لها الكمال ولا حاجة إليه في اللفظ وان وكله الزوج في قبول النكاح صح وكذلك انه وكله
الأب في قبول النكاح لابنه الصغير لأنه يصح قبولهم لأنفسهم فجاز ان ينوبوا فيه عن غيرهم كالبيع
وقال بعض أصحابنا لا يصح لأنه أحد طرفي العقد أشبه الايجاب والأول أولى
(مسألة) (وإذا استوي الأولياء في الدرجة كالاخوة والأعمام وبنيهم صح التزويج من كل
واحد منهم لأن سبب الولاية موجود في واحد منهم)
(مسألة) (والأولى تقديم أكبرهم وأفضلهم)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدم محيصة وحويصة وعبد الرحمن بن سهل فتكلم عبد الرحمن بن سهل
وكان أصغرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كبر كبر) اي قدم الأكبر فتكلم حويصة ولأنه أحوط للعقد
في اجتماع شروطه والنظر في الحظ فإن تشاحوا أقرع بينهم لأنهم تساووا في الحق وتعذر الجمع فيقرع
442

بينهم كالمرأس وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه لتساوي
حقوقهن كذا هذا
(مسألة) (فإن سبق غير من وقعت له القرعة فزوج صح تزويجه في أقوى الوجهين إذا زوج
كفؤا باذن المرأة)
لأنه تزويج صدر من ولي كامل الولاية بأذن موليته فصح كما لو انفرد وإنما القرعة
لإزالة المشاحنة وفيه وجه اخر انه لا يصح ذكره أبو الخطاب فلم يصح تزويجه كالأبعد مع الأقرب
(مسألة) (وإذا زوج الوليان اثنين ولم يعلم السابق منهما فسخ النكاحان)
وجملة ذلك أن المرأة إذا كان لها وليان فاذنت لكل واحد منهما في تزويجها جاز سواء أذنت في
رجل معين أو مطلقا فإذا زوجها الوليان لرجلين وعلم السابق منهما فالنكاح له سواء دخل بها الثاني
أو لم يدخل وهذا قول الحسن والزهري وقتادة وابن سيرين والأوزاعي والثوري والشافعي وأبى عبيد
وأصحاب الرأي وبه قال عطاء ومالك ما لم يدخل بها الثاني فإن دخل بها الثاني صار أولى لقول عمر
رضي الله عنه إذا أنكح الوليان فالأول أحق ما لم يدخل بها الثاني فإن دخل بها الثاني صار أولى ولان
الثاني اتصل بعقده القبض فكان أحق
ولنا ما روى سمرة وعقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول
443

أخرج حديث سمرة أبو داود والترمذي وأخرجه النسائي عنه وعن عقبة وروي نحو ذلك عن علي
وشريح ولان الثاني تزوج امرأة في عصمة زوج فكان باطلا كما لو علم الحال ولأنه نكاح باطل لو عري
عن الدخول فكان باطلا وإن دخل كنكاح المعتدة وأما حديث عمر فلم يصححه أصحاب الحديث
وقد خالفه قول علي وجاء على خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكروه من القبض لا معنى له فإن
النكاح يصح بغير قبض مع أنه لا أصل له فيقاس عليه ثم يبطل كسائر الأنكحة الفاسدة
(فصل) فإن دخل بها الثاني وهو يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما وكان لها عليه مهر مثلها ولم يصبها
زوجها حتى تحيض ثلاث حيض بعد وطئها من الثاني فأما ان علم الحال قبل وطئ الثاني لها فإنها تدفع
إلى الأول ولا شئ عليا لثاني لأن عقده عقد باطل لا يوجب شيئا فإن وطئها الثاني وهو لا يعلم فهو
وطئ بشبهة يجب لها به المهر وترد إلى الأول ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها وهو قول قتادة
والشافعي وابن المنذر قال أحمد لها صداق بالمسيس وصداق من هذا ولا ترد الصداق الذي يوجد من
الداخل بها على من دفعت إليه إلى فسخ لأنه باطل ولا يجب لها المهر الا بالوطئ دون مجرد الدخول
والوطئ دون الفرج لأنه نكاح باطل لا حكم له ويجب مهر المثل لأنه يجب بالإصابة لا بالتسمية وذكر
أبو بكر أن الواجب المسمى قال القاضي هو قياس المذهب والأول هو الصحيح لما قلنا
444

(مسألة) (فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان)
ولا فرق بين أن لا يعلم كيفية وقوعها أو يعلم أن أحدهما قبل الآخر لا بعينه أو يعلمه بعينه ثم يشكل
والحكم في جميعها واحد وهو ان يفسح الحاكم النكاحين جميعا نص عليه أحمد في رواية الجماعة ثم يتزوج
من شاه منهما أو من غيرهما وعن أحمد رواية أخرى أنه يقرع بينهما فمن وقعت له القرعة أمر صاحبه
بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه لأنه ان كانت زوجته لم يضره تجديد النكاح وان كانت زوجة الآخر
بانت بالطلاق وصارت زوجة هذا بعقده الثاني لأن القرعة تدخل لتمييز الحقوق عند التساوي كالسفر
بإحدى نسائه والبداية بالمبيت عند إحداهن وتعتبر الانصباء في القسمة وقال الثوري وأبو ثور يخيرهما
السلطان على أن يطلق كل واحد منهما طلقة فإن أبيا فرق بينهما وهو قريب من القول الأول لأنه
تعذر امضاء العقد الصحيح فوجب إزالة الضرر بالتفريق، وقال الشافعي وابن المنذر النكاح مفسوخ
لأنه تعذر امضاؤه ولا يصح هذا فإن العقد الصحيح لا يبطل بمجرد اشكاله كما لو اختلف المتبايعان في
قدر الثمن امضاؤه ولا يصح هذا فإن العقد الصحيح لا يبطل بمجرد اشكاله كما لو اختلف المتبايعان في
قدر الثمن فإن العقد لا يزول الا بفسخ كذا ههنا، وروي عن شريح وعمر بن عبد العزيز وحماد بن
أبي سليمان أنها تخير فأيهما اختارته فهو وجها وهذا فاسد فإن أحدهما ليس بزوج لها فلم تخير بينهما
كما لو لم يعقد الا أحدهما أو كما لو أشكل على الرجل امرأته في النساء أو على المرأة زوجها إلا أن
يريدوا بقولهم إنها إذا اختارت أحدهما فرق بينهما وبين الآخر ثم عقد المختار نكاحها فهذا حسن فإنه
445

فإنه يستغني بالتفريق بينهما وبين أحدهما عن التفريق بينها وبينهما جميعا ويفسخ أحد النكاحين عن
فسخهما فإن أبت ان تختار لم تجبر وكذلك ينبغي إذا قرع بينهما فوقعت القرعة لأحدهما لم تجبر على
نكاحه لأنه لا يعلم فيتعين إذا فسخ النكاحين ولها أن تتزوج من شاءت منهما أو من غيرهما في الحال إن كان
قبل الدخول وبعد انقضاء العدة إن كان دخل بها أحدهما.
(فصل) فإن ادعى كل واحد منهما أنه السابق بالعقد ولا بينة لهما لم يقبل قولهما
فإن أقرت المرأة لأحدهما لم يقبل اقرارها نص عليه أحمد، وقال أصحاب الشافعي يقبل
كما لو أقرت ابتداء
ولنا أن الخصم الزوج الآخر في ذلك فلم يقبل في ابطال حقه كما لو أقرت عليه بطلاق فإن ادعى
الزوجان على المرأة أنها تعلم السابق منهما فأنكرت لم تستحلف لذلك وقال أصحاب الشافعي تستحلف
بناء منهم على أن اقرارها مقبول فإن فرق بينهما وبين أحدهما لاختيارها لصاحبه أو لوقوع
القرعة له وأقرت لفه أن عقده سابق فينبغي ان يقبل اقرارهما لأنهما على ذلك من غير خصم منازع
فأشبه ما لو لم يكن صاحب عقد آخر
(فصل) وان علم أن العقدين وقعا لم يسبق أحدهما الآخر فهما باطلان لا حاجة إلى فسخهما لأنهما
باطلان من أصلهما ولا مهر لها على واحد منهما ولا ميراث لها منهما ولا يرثها واحد منهما لذلك وان لم يعلم
446

ذلك فسخ نكاحهما فروي عن أحمد أنه يجب لها نصف المهر ويقترعان عليه لأن عقد أحدهما صحيح
وقد انفسخ بنكاحه قبل الدخول فوجب عليه نصف مهرها كما لو خالفها وقال أبو بكر لا مهر لها لأنهما
مجبران على الصداق فلم يلزمهما مهر كما لو فسخ الحاكم نكاح رجل لعسرته أو غيبته وان ماتت قبل الفسخ
أو الطلاق فلاحدهما نصف ميراثها فيوقف الامر حتى يصطلحا عليه وقيل يقر بينهما فمن خرجت
له القرعة حلف انه المستحق وورث وان مات الزوجان فلها ربع ميراث أحدهما فإن كانت قد أقرت
أن أحدهما سابق بالعقد فلا ميراث لها من الآخر وهي تدعي ميراث من أقرت له فإن كان أحدهما
قد ادعي ذلك أيضا دفع إليها ربع ميراثه وان لم يكن ادعى ذلك وأنكر الورثة فالقول قولهم مع ايمانهم
فإن نكلوا قضي عليهم وان لم تكن المراة أقرت بسبق أحدهما احتمل أن يحلف ورثة كل واحد منهما
واحتمل ان يقرع بينهما فمن خرجت فلها ربع ميراثه وقد روى حنبل عن أحمد أنه سئل عن رجل له
ثلاث بنات زوج إحداهن من رجل ثم مات الأب ولم يعلم أيتهن زوج يقرع بينهم فأيتهن أصابتها
القرعة فهي زوجته وان مات الزوج فهي التي ترثه
(فصل) فإن ادعى كل واحد منهما أنه السابق فأقرت لأحدهما ثم فرق بينهما وقلنا بوجوب
المهر وجب على المقر له دون صاحبه لاقراره لها به واقرارها ببراءة صاحبه وان ماتا ورثت المقر له
دون صاحبه لذلك وان ماتت هي قبلها احتمل ان يرثها المقر له كما ترثه واحتمل ان لا يقبل اقرارها
له كما لم يقبله في نفسها وإن لم تقر لأحدهما الابعد موته فهو كما لو أقرت في حياته وليس لورثة
447

واحد منهما الانكار لاستحقاقها لأن موروثه قد أقر لها بدعوى صحة نكاحها وسبقه بالعقد عليها
وان لم تقر لواحد منهما أقرع بينهما وكان لها ميراث من تقع القرعة عليه وإن كان أحدهما قد أصلبها
وكان هو المقر له أو كانت لم تقر لواحد منهما فلها فلها المسمى لأنه مقر لها به وهي لا تدعي سواه،
وان كانت مقرة للآخر فهي تدعي مهر المثل وهو يقر له بالمسمى فإن استويا أو اصطلحا
فلا كلام، وإن كان مهر المثل أكثر حلف على الزائد وسقط وإن كان المسمى لها أكثر فهو مقر لها
بالزيادة وهي تنكرها فلا تستحقها
(مسألة) (وإذا زوج السيد عبده الصغير من أمته جاز أن يتولى طرفي العقد لأنه ملك بحكم الملك
لا بحكم الاذن في قولهم جميعا.
فإن كان مالكا لاحد طرفي العقد فوكله ملك الطرف الآخر فيه أو وكله المولي في الايجاب والزوج
في القبول خرج فيه وجهان بناء على الروايتين اللتين نذكرهما في المسألة التي تليها لأنه ملك ذلك بالاذن
وان زوج ابنته الكبيرة عبده الصغير لم يجز ذلك إلا برضاها لأنه يكافئها ويخرج فيه أيضا وجهان وان زوجه
ابنته الصغيرة لم يجز لأنه لا يجوز له تزويجها ممن لا يكافئها وعنه يجوز
448

(مسألة) (وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم والمولى والحاكم إذا أذنت له في تزوجها وعنه لا يجوز
حتى توكل في أحد الطرفين)
وجملة ذلك أن ولي المرأة التي يحل له نكاحها إذا أذنت له أن يتزوجها فله ذلك وهل له أن يلي
طرفي العقد بنفسه؟ فيه روايتان (إحداهما) له ذلك وهو قول الحسن وابن سيرين وربيعة ومالك والثوري
وأبي حنيفة وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر لما روى البخاري قال: قال عبد الرحمن بن عوف لام
حكيم امرأة قارض أتجعلين أمرك إلى؟ قالت نعم قال قد تزوجتك لأنه يملك الايجاب والقبول فجاز أن
يتولاهما كما لو زوج أمته عبده الصغير ولأنه عقد وجد فيه الايجاب من ولي ثابت الولاية والقبول من
زوج هو أهل للقبول فصح كما لو وجدا من رجلين، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية
وجعل عتقها صداقها، فإن قيل فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل نكاح لا يحضره أربعة
فهو سفاح: زوج وولي وشاهدان) قلنا هذا لا تعرف صحته ولو صح كان مخصوصا بما إذا زوج السيد عبده
الصغير أمته فيتعدى التخصيص إلى مح النزاع وهو يفتقر إلى ذكر الايجاب والقول، وهل يكتفي بمجرد
449

الايجاب؟ فيه وجهان (أحدهما) يحتاج أن يقول زوجت نفسي فلانة وقبلت هذا النكاح لأن ما افتقر
إلى الايجاب افتقر إلى القبول كسائر العقود (والثاني) يكفيه ان يقول زوجت نفسي فلانة أو تزوجت فلانة وهو
قول مالك وأبي حنيفة لحديث عبد الرحمن بن عوف، ولان ايجابه يتضمن القبول فأشبه إذا تقدم الاستدعاء
ولهذه قلنا إذا قال لأمته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك انعقد النكاح بمجرد هذا القول (والرواية الثانية) لا يجوز
ان يتولى طرفي العقد ولكن يوكل رجلا يزوجه إياها باذنها ذكرها الخرقي قال أحمد في رواية ابن منصور لا يزوج
نفسه حتى يولي رجلا على حديث المغيرة بن شعبة وهو ما روى أبو داود باسناده عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن
شعبة أمر رجلا يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه ولأنه عقد ملكه بالاذن فلم يجز أن يتولى طرفيه كالبيع
ولهذا فارق ما إذا زوج أمته عبده الصغير وعلى هذه الرواية لو وكل من يقبل النكاح له وتولى هو الايجاب
جاز وقال الشافعي في ابن العم والمولى لا يزوجهما الا الحاكم ولا يجوز أن يتولى طرفي العقد ولا أن يوكل
من يزوجه لأن وكيله بمنزلته وهذا عقد ملكه بالاذن فلا يتولى طرفيه كالبيع ولا يجوز أن يزوجه
من هو أبعد منه من أوليائهما لأنه لا ولاية لهم مع وجوده
ولنا ما ذكرنا من فعل الصحابة ولم يظهر خلافه ولان وكيله يجوز ان يلي العقد عليها لغيره
450

فصح أن يليه عليها له إذا كانت نحل له كالإمام إذا أراد أن يتزوج موليته ولأن هذه امرأة لها ولى
حاضر غير عاضل فلم يليه الحاكم كما لو أراد أن يزوجها غيره، ومفهوم قوله عليه الصلاة والسلام (السلطان
ولي من لا ولي له) أنه لا ولاية له على هذه والبيع ممنوع فإن الوكيل يجوز أن يشتري ما وكل في بيعه باذن الموكل
(فصل) فما إن أذنت له في تزويجها ولم تعين الزوج لم يجز أن يزوجها نفسه لأن اطلاق الاذن
يقتضي تزويجها غيره ويجوز تزويجها لولده لأنه غيره فإن زوجها لابنه الكبير قبل لنفسه وان زوجها
لابنه الصغير فقيه الروايتان في تولي طرفي العقد فإن قلنا لا يتولاه فوكل رجل يزوجها لولده وقبل هو
النكاح له افتقر إلى اذنها للوكيل على ما قدمنا في أن الوكيل لا يزوجها الا باذنها وان وكل رجلا يقبل
النكاح لولده وأوجب هو النكاح لم يحتج إلى اذنها لأنها قد أذنت له
(مسألة) (وان قال السيد لامته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح فإن طلقها قبل الدخول
رجع عليها بنصف قيمتها وكذلك ان قال جعلت عتق أمتي صداقها)
ظاهر المذهب أن الرجل إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها فهو نكاح صحيح نص عليه أحمد
في رواية جماعة روي ذلك عن علي رضي الله عنه وفعله أنس بن مالك وبه قال سعيد بن المسيب وأبو
451

سنة بن عبد الرحمن والحسن والزهري وإسحاق
(فصل) وعنه لا يصح حتى يستأنف نكاحها باذنها فإن أبت فعليها قيمتها قال الأوزاعي يلزمها
أن تتزوجه وروى المروذي عن أحمد إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها يوكل رجلا يزوجه، فظاهر
هذا انه لم يحكم بصحة النكاح قال أبو الخطاب هي الصحيحة واختارها القاضي وابن عقيل وهو قول
أبي حنيفة والشافعي ومالك لأنه لم يوجد ايجاب وقبول فلم يصح لعدم أركانه كما لو قال أعتقتك وسكت
ولأنها بالعتق تملك نفسها فيجب أن يعتبر رضاها كما لو فصل بينهما ولان العتق يزيل ملكه عن الاستمتاع
بحكم الملك فلا يجوز أن يستبيح الوطئ بنفس المسمى فإنه لو قال بعتك هذه الأمة على أن تزوجنيها بالثمن لم يصح
ولنا ما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها متفق عليه وفي لفظ
أعتقها وتزوجها فقلت يا أبا حمزة وما أصدقها؟ قال نفسها عتقها وروى الأثرم باسناده عن صفية قالت
أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي وباسناده عن علي رضي الله عنه انه كان يقول إذا أعتق
الرجل أم ولده فجعل عتقها صداقها فلا بأس بذلك. ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح لأن الصداق
لا يتقدم النكاح ولو تأخر العتق عن النكاح لم يجز فدل على أنه انعقد بهذا اللفظ ولأنه لم ينقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأنف عقدا ولو استأنفه لظهر ونقل كما نقل غيره ولان من جاز له تزويج امرأة
452

لغيره من غير قرابة جاز له ان يتزوجها كالإمام وقولهم لم يوجد ايجاب ولا قبول عديم الأثر فإنه لو
وجد لم يحكموا بصحته وعلى أنه إذا لم يوجد فقد وجد ما يدل عليه وهو جعل العتق صداقا فأشبه
ما لو تزج امرأة هو وليها ولو قال الخاطب للولي أزوجت قال نعم صح عند أصحابنا وكما لو أتي بالكنايات
عند أبي حنيفة ومن وافقه
(فصل) ولا فرق بين أن يقول أعتقتك وجعلت عتقك صداقك وتزوجتك أولا يقول وتزوجتك
وكذلك قوله وجعلت عتقك صداقك وجعلت صداقك عتقك كذلك ذكره الخرقي ونص أحمد في
رواية صالح إذا قال جعلت عتقك صداقك أو صداقك عتقك كان ذلك جائزا، ويشترط لصحة النكاح
أن لا يكون بينهما فصل فلو قال أعتقتك وسكت سكوتا يمكنه الكلام فيه أو تكلم بكلام أجنبي لم يصح
النكاح لأنها صارت بالعتق حرة فتحتاج إلى أن يتزوجها برضاها بعقد وصداق جديد ولابد من
حضور شاهدين إذا قلنا باشتراط الشهادة في النكاح نص على ذلك في رواية الجماعة لقوله لا نكاح
إلا بولي وشاهدين.
(فصل) وإذا قلنا بصحة النكاح فطلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها لأن الطلاق قبل
453

الدخول يوجب الرجوع في نصف ما فرض لها وقد فرض لها نفسها ولا سبيل إلى الرجوع في الرق
بعد زواله فرجع بنصف قيمة نفسها وبهذا قال الحسن والحاكم وقال الأوزاعي يرجع بقيمتها
ولنا أنه طلاق قبل الدخول فأوجب الرجوع بالنصف كسائر الطلاق وتعتبر القيمة حالة الاعتاق
لأنها حالة الاتلاف فإن لم تكن قادرة على نصف القيمة فهل تستسعى فيها أو يكون دينا تنظر به إلى
حالة القدرة؟ على روايتين، وان قلنا إن النكاح لا ينعقد بهذا القول فعليها قيمة نفسها لأنه أزال ملكه
بعوض لم يسلم له فرجع إلى قمية المفوت كالبيع الفاسد وكذلك ان قلنا إن النكاح العقد به
فارتدت قبله أو فعلت ما ينفسخ به نكاحها مثل أن أرضعت زوجة له صغيرة ونحو ذلك انفسخ نكاحها
وعليها قيمة نفسها.
(مسألة) (وان قال لامته أعتقتك على أن تزوجيني نفسك ويكون عتقك صداقك أو لم يقل
ويكون عتقك فقبلت عتقك ولم يلزمها أن تزوجه نفسها)
لأنه سلف في نكاح فلم يلزمها كما لو أسلف حرة ألفا على أن يتزوجها ولأنه أسقط حقه من
الخيار قبل وجود سببه فلم يسقط كالشفيع يسقط شفعته قبل البيع ويلزمها قيمة نفسها أومأ إليه أحمد
454

في رواية عبد الله وهو مذهب الشافعي لأنه أزال ملكه منها بشرط عوض لم يسلم فاستحق الرجوع
بقيمته كالبيع الفاسد إذا تلفت السلعة في يد المشتري والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول ويحتمل أن
لا يلزمها شئ بناء على ما إذا قال لعبده أعتقتك على أن تعطيني ألفا وهذا قول مالك وزفر لأن هذا
ليس بلفظ شرط فأشبه ما لو قال أعتقتك وزوجيني نفسك. وتعتبر القيمة حال العتق ويطالبها في الحال
ان كانت قادرة عليها وان كانت معسرة فهل تنظر إلى الميسرة أو تجبر على الكسب؟ على وجهين أصلهما
في المفلس هل يجبر على الكسب؟ على روايتين
(فصل) وان اتفق السيد والأمة على أن يعتقها وتزوجه نفسها فتزوجها على ذلك صح ولا مهر
لها غير ما شرط من العتق وبه قال أبو يوسف وقال أبو حنيفة والشافعي لا يكون العتق صداقا لكن
ان تزوجها على القيمة التي له في ذمتها وهما يعلمان القيمة صح الصداق
ولنا أن العتق صداقا في حق النبي صلى الله عليه وسلم فيجز وفي حق أمته كالدراهم ولأنه يصلح
عوضا في البيع فإنه لو قال أعتق عبدك على ألف جاز فلان يكون عوضا في النكاح أولى فإن النكاح لا
يقصد فيه العوض، وعلى هذا لو تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه أحمد في رواية عبد الله
455

إذا ثبت هذا فإن العتق يصير صداقا كما لو دفع إليها مالا ثم تزوجها عليه فإن بذلت له نفسها ليتزوجها
فامتنع لم يجبر وكانت له القيمة لأنها إذا لم تجبر على تزويجه نفسها لم يجبر هو على قبولها وحكم
المدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد حكم الأمة القن في جميع ما ذكرنا
(فصل) ولا بأس أن يعتق الرجل الأمة ثم يتزوجها سواء أعتقها لوجه الله تعالى أو أعتقها ليتزوجها
وكره أنس تزويج من أعتقها لوجه الله تعالى قال الأثرم قلت لأبي عبد الله روى شعبة عن قتادة عن
أنس أنه كره أن يعتق الأمة ثم يتزوجها قال نعم ذاك إذا أعتقها لله كره ان يرجع لي في شئ
ولنا ما روى أبو موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن
إليها ثم أعتقها وتزوجها فذلك له أجران) متفق عليه ولأنه إذا تزوجها فقد أحسن إليها باعفافها
وصيانتها فلم يكره ما لو زوجها غيره وليس في هذا رجوع فيما جعل الله فإنه إنما يتزوجها بصداقها فهو
بمنزلة من اشترى منها شيئا
(فصل) وإذا قال أعتق عبدك على أن أزوجك ابنتي فاعتقه لم يلزمه ان يزوجه ابنته لأنه سلف
في نكاح وعليه قيمة عبد وقال الشافعي في أحد القولين لا يلزمه شئ لأنه لا فائدة له في العتق
456

ولنا انه أزال ملكه عن عبده بعوض شرطه فلزمه عوضه كما لو قال أعتق عبدك عنى وعلي ثمنه وكما
لو قال طلق زوجتك على الف فطلقها أو الق متاعك في البحر وعلي ثمنه وبهذه الأصول يبطل قولهم
انه لا فائدة له في العتق
(فصل) قال رضي الله عنه (الرابع الشهادة فلا ينعقد الا بشاهدين عدلين بالغين عاقلين وان كانا ضريرين)
المشهور عن أحمد ان الشهادة شرط لصحة النكاح روي ذلك عن عمر وعلي وهو قول ابن
عباس وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن والنخعي وقتادة والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب
الرأي وعن أحمد أنه يصح بغير شهود فعله ابن عمر والحسن بن علي وابن الزبير وسالم وحمزة ابنا
ابن عمر وبه قال عبد الله بن إدريس وعبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون والعنبري وأبو ثور
وابن المنذر وهو قول الزهري ومالك إذا أعلنوه قال ابن المنذر لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر
وقال ابن عبد البر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نكاح الا بولي وشاهدين عدلين)
من حديث ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر الا ان في نقلة ذلك ضعيفا فلم أذكره قال ابن المنذر وقد
457

أعتق النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيى وتزوجها بغير شهود قال أنس بن مالك اشترى رسول
الله صلى الله عليه وسلم جارية بسبعة أرؤس قال الناس ما ندري أتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جعلها
أم ولد فلما أراد ان يركب حجبها فعلموا انه تزوجها متفق عليه قال فاستدلوا على تزويجها بالحجاب وقال
يزيد بن هارون أمر الله بالاشهاد في البيع دون النكاح فاشترط أصحاب الرأي الشهادة في النكاح ولم
يشترطوها في البيع، ووجه الأولى انه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نكاح الا بولي
مرشد وشاهدي عدل) رواه الخلال باسناده وروى الدارقطني عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال (لابد في النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدين) ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو
لولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه بخلاف البيع فأما نكاح النبي صلى الله عليه
وسلم بغير ولى وشهود فمن خصائصه في النكاح فلا يلحق به غيره
(فصل) ويشترط في الشهود الذكورية والعدالة والعقل والبلوغ والاسلام، فأما الذكورية فقال احمد
إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز ذلك لما روي أبو عبيد في الأموال عن الزهري قال مضت السنة من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق
ولأنه عقد ليس بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يثبت بشهادتهن
458

كالحدود (والثاني العدالة) ففي انعقاد النكاح بشهادة الفاسقين روايتان (إحداهما) لا ينعقد وهو مذهب الشافعي
للخبر ولان النكاح لا يثبت بشهادتهما فلم ينعقد بحضورهما كالمجنونين (والثانية) ينعقد بشهادتهما وهو
قول أبي حنيفة لأنه تحمل فصحت من الفاسق كسائر التحملات، وعلى كلتا الروايتين لا تعتبر حقيقة
العدالة بل ينعقد بشهادة مستوري الحال لأن النكاح يكون في القرى والبوادي وبين عامة الناس مما
لا يعرف حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق فاكتفى بظاهر الحال وكون الشاهد مستورا لم يظهر فسقه
فإن تبين بعد العقد انه كان فاسقا لم يؤثر في العقد لأن الشرط العدالة ظاهر وهو ان لا يكون ظاهر
الفسق وقد تحقق ذلك وقيل تبين ان النكاح كان فاسدا لعدم الشرط ولا يصح لأنه لو كانت
العدالة الباطنة شرطا لوجب الكشف عنها لأنه مع الشك فيها يكون الشرط مشكوكا فيه فلا ينعقد النكاح
ولا تحل المرأة مع الشك في صحة نكاحها، وان حدث الفسق فيهما لم يؤثر في صحة النكاح لأن الشرط
إنما يعتبر حالة العقد ولو أقر رجل وامرأة انهما نكحا بولي وشاهدي عدل قبل منهما وثبت النكاح
بشهادتهما (الثالث العقل) فلا ينعقد بشهادة مجنونين ولا طفلين لأنهما ليسا من أهلا الشهادة ولا لهما قول
يعتبر (الرابع البلوغ) فلا ينعقد بشهادة صبيين لأنهما ليسا من أهل الشهادة أشبها الطفل وعنه انه ينعقد
459

بشهادة مراهقين عاقلين بناء على أنهما من أهل الشهادة (الخامس الاسلام) فلا ينعقد النكاح بشهادة كافرين
سواء كان الزوجان مسلمين أن الزوج مسلما وحده نص عليه أحمد وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة
إذا كانت المرأة ذمية صح بشهادة ذميين ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الرواية التي تقول بقبول شهادة
بعض أهل الذمة على بعض والأول أصح لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا نكاح الا بولي
وشاهدي عدل) ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة ذميين كنكاح المسلمين
(فصل) وينعقد بشهادة ضريرين وللشافعية في ذلك وجهان
ولنا أنها شهادة على قول فقبلت من الضرير كالشهادة بالاستفاضة، ويعتبر ان يتيقن الصوت على
وجه لا يشك فيهما كما يعلم ذلك من رآهما وينعقد بشهادة عبدين وقال أبو حنيفة والشافعي لا ينعقد
والخلاف في ذلك مبني على الخلاف في قبول شهادتهما في سائر الحقوق وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله
، (وعنه ينعقد بحضور فاسقين) وقد ذكرنا ذلك (ورجل وامرأتين) ظاهر المذهب ان النكح لا ينعقد
برجل وامرأتين وهو قول النخعي والأوزاعي والشافعي وعن أحمد أنه قال إذا تزوج بشهادة نسوة
لم يجز فإن كان معهن رجل فهو أهون فيحتمل ان هذا رواية أخرى في انعقاده بذلك وهو قول أصحاب
460

الرأي وروي عن الشعبي لأنه عقد معاوضة فانعقد بشهادتهن بالرجال كالبيع
ولنا الخبر المذكور ولأنه عقد ليس المقصود منه المال ويحضره الرجال فلم يقبل فيه شهادة النساء
كالحدود ولهذا فارق البيع
(مسألة) (وعنه ينعقد بحضور مراهقين عاقلين) وقد ذكرناه
(مسألة) (ولا ينعقد نكاح المسلم بشهادة ذميين ويتخرج ان ينعقد إذا كانت المرأة
ذمية وقد ذكرنا ذلك)
(مسألة) (ولا ينعقد بحضور أصمين ولا أخرسين)
لأن الأصمين لا يسمعان والأخرسين يتعذر الأداء منهما، وفي انعقاده بشهادة أهل الصنائع الرديئة
كالحجام ونحو وجهان بناء على قبول شهادتهم
(مسألة) (وهل ينعقد بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما؟ على وجهين)
أحدهما ينعقد اختاره أبو عبد الله بن بطة لعموم قوله (وشاهدي عدل) ولأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج
فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول (والثاني) لا ينعقد لأن العدو لا تقبل شهادته على عدوه والابن لا تقبل
461

شهادته لوالده وعنه ان الشهادة ليست من شروط النكاح وقد ذكرنا الخلاف في ذلك والله أعلم
(فصل) قال رحمه الله (الخامس) كون الرجل كفؤا لها في أحدي الروايتين فلو رضيت المرأة والأولياء
بغيره لم يصح) اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الكفاءة لصحة النكاح فروي عنه انها شرط فإنه
قال إذا تزوج المولى العربية فرق بينهما وهذا قول سفيان قال احمد في الرجل يشرب الشراب ما هو
بكفء لها يفرق بينهما وقال لو كان المتزوج حائكا فرقت بينهما لقول عمر رضي الله عنه لأمنعن تزويج
ذوات الأحساب الامن الأكفاء رواه الخلال باسناده وعن أبي إسحاق الهمداني قال خرج سلمان
وجرير في سفر فأقيمت الصلاة فقال جرير لسلمان تقدم فقال سلمان بل أنت تقدم فإنكم معشر العرب
لا نتقدم في صلاتكم ولا تنكح نساءكم ان الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله فيكم ولان
التزويج مع فقد الكفاءة تصرف في حق من يحدث في الأولياء بغير اذنه فلم يصح كما لو زوجها بغير اذنها
وقد روي الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تنكحوهن إلا الأكفاء ولا يزوجهن
إلا الأولياء) إلا أن ابن عبد البر قال: هذا ضعيف لا أصل له ولا يحتج بمثله، ولو رضيت المرأة
والأولياء بغير كف لم يصح النكاح لفوات شرط وهذا اختيار الخرقي وإذا قلنا باشتراطها فإنما يعتبر
462

وجودها حال العقد فإن عدمت بعده يبطل النكاح فإن كانت معدومة حال العقد فهو فاسد حكمه
حكم العقود الفاسدة على ما نذكره إن شاء الله تعالى
(والثانية) ليست شرطا في النكاح وهي أصح، وهو قول أكثر أهل العلم روى نحوه عن عمر
وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن عمير وحماد بن أبي سليمان وأبى سبرين وابن عون ومالك
والشافعي وأصحاب الرأي لقول الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وقالت عائشة ان أبا حذيفة
ابن عتبة بن ربيعة تبني سالما وأنكحه ابنة أخيه هند ابنة الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من
الأنصار، أخرجه البخاري وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد
مولاه فنكحها بأمره متفق عليه وزوج زيد بن حارثة ابنة عمه زينب بنت جحش الأسدية، وقال
ابن مسعود لأخيه أنشدك الله أن لا تزوج إلا مسلما وإن كان أحمر روميا أو أسود حبشيا ولان الكفاءة
لا تخرج عن كونها حقا للمرأة أو للأولياء أولهما فلم يشترط وجودها كالسلامة من العيوب
وروي أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا بني
بياضة انكحوا أبا هند وانكحوا إليه) رواه أبو داود إلا أن أحمد ضعفه وأنكره إنكارا شديدا.
463

قال شيخنا والصحيح أنها غير مشروطة، وما روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة ولا يلزم منه اشتراطها
(مسألة) (لكن إن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم فلمن لم يرض الفسخ)
لأن للزوجة ولكل واحد من الأولياء فيها حقا ومن لم يرض منهم فله الفسخ ولذلك لما زوج
رجل ابنته من أبن أخيه ليرفع بها خسيسه جعل لها النبي صلى الله عليه وسلم الخيار فاختارت ما صنع
أبوها ولو فقد الشرط لم يكن لها خيار.
(فصل) وإذا قلنا ليست شرطا فرضيت المرأة والأولياء جميعهم صح النكاح، وإن لم يرض
بعضهم فقد روي عن أحمد أن العقد يقع باطلا من أصله لأن الكفاءة حق لجميعهم والعاقد متصرف
فيها بغير رضاهم فلم يصح كتصرف الفضولي وهذا أحد قولي الشافعي وظاهر المذهب أن العقد يقع
صحيحا ويثبت لمن لم يرض الفسخ لما ذكرنا من حديث المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أن أبها زوجها بغير كف خيرها ولم يبطل النكاح من أصله ولان العقد وقع بالاذن والنقص
الموجود فيه لا يمنع صحته وإنما يثبت الخيار كالعيب من العنة وغيرها فعلى هذه الرواية يثبت الفسخ
لمن لم يرض، وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة إذا رضيت المرأة وبعض الأولياء
464

لم يكن لباقي الأولياء فسخ لأن هذا الحق لا يتجزأ وقد أسقط بعض الشركاء بعضه
فسقط جميعه كالقصاص.
ولنا أن كل واحد من الأولياء يعتبر رضاه فلم يسقط برضا غيره كالمرأة مع الولي. فأما
القصاص فلا يثبت بكل واحد كاملا فإذا سقط بعضه تعذر استيفاؤه وههنا بخلافه ولأنه
لو زوجها بدون مهر مثلها ملك الباقون عند غيرهم الاعتراض مع أنه خالص حقها فههنا مع
أنه حق لهم أولى.
(مسألة) (فلو زوج الأب بغير كف ء برضاها فللاخوة الفسخ)
نص عليه أحمد وقال مالك والشافعي ليس لهم فسخ إذا زوج الأقرب لأنه لا حق للأبعد معه
فرضاها لا يعتبر كالأجنبي ولنا انه ولي في حال يلحقه العار بعدم الكفاءة فملك الفسخ كالمتساويين
(مسألة) (والكفاءة الدين والمنصب يعني بالمنصب النسب)
اختلف الرواية عن أحمد في شرط الكفاءة فعنه أنها شرطان الدين والمنصب لا غير وعنه خمسة
هذان والحرية والصناعة واليسار، وذكر القاضي في المجرد ان فقد هذه الثلاثة لا يبطل النكاح رواية
واحدة إنما الروايتان في الشرطين الأولين قال ويتوجه أن المبطل عدم الكفاءة في النسب لا غير لأنه
465

نقص لازم وما عداه غير لازم ولا يتعدى نقصه إلى الولد وذكر في الجامع الروايتين
في جميع الشروط وذكره أبو الخطاب أيضا وقال مالك الكفاءة في الدين لا غير قال ابن عبد البر
هذا جملة مذهب مالك وأصحابه وعن الشافعي كقول مالك، وقول آخر انها الخمسة التي ذكرناها
والسلامة من العيوب الأربعة فتكون سنة وكذلك قول أبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح
إلا في الصنعة والسلامة من العيوب ولم يعتبر محمد بن الحسن الدين إلا أن يكون ممن يسكر ويخرج
ويسخر منه الصبيان فلا يكون كفؤا لأن الغالب على الحنث الفسق ولا يعد ذلك نقصا، والدليل على
اعتبار الدين قول الله تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) ولان الفاسق مرذول مردود
الشهادة والرواية غير مأمون على النفس والمال مسلوب الولايات ناقص عند الله وعند خلقه قليل الحظ
في الدنيا والآخرة فلا يجوز أن يكون كفؤا لعفيفة ولا مساويا لها لكن يكون كفؤا لمثله. فأما الفاسق
من الحنث فهو ناقص عند أهل الدين والمروءات والدليل على اعتبار النسب في الكفاءة قول عمر لأمنعن
تزويج ذوات الأحساب الا من الأكفاء قال قلت وما الاكتفاء؟ قال في الحسب رواه أبو بكر عبد العزيز
باسناده ولان العرب يعدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك نقصا وعارا فإذا
أطلقت الكفاءة وجب حملها على المتعارف ولان في فقد ذلك نقصا وعارا فوجب أن تعتبر في الكفاءة
466

كالدين، فعلى هذا لاتزوج العفيفة بفاجر لما ذكرنا ولا عربية بعجمي فلا يكون المولى ولا العجمي كفؤا
لعربية لما ذكرنا من قول عمر رضي الله عنه وقال سلمان لجرير معشر العرب لا تقدم في صلاتكم ولا تنكح
نساءكم ان الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله فيكم
(مسألة) (والعرب بعضهم لبعض اكفاء وسائر الناس بعضهم لبعض اكفاء وعنه لا تزوج قرشية
لغير قرشي ولا هاشمية لغير هاشمي)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه ان غير قريش لا يكافئها وغير بني هاشم
لا يكافئهم، وهو قول بعض أصحاب الشافعي لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله اصطفى كنانة
من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) ولان العرب
فضلت الأمم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش أخص به من سائر العرب وبنو هاشم أخص به من
قريش ولذلك قال عثمان وجبير بن مطعم ان إخواننا من بني هاشم لا تنكر فضلهم علينا لمكانك الذي وضعك
الله به منهم، وقال أبو حنيفة لا يكافي العجم العرب ولا العرب قريشا وقريش كلهم أكفاء لأن ابن عباس
قال قريش بعضهم لبعض اكفاء (والرواية الثانية) ان العرب بعضهم لبعض اكفاء والعجم بعضهم لبعض
اكفاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته عثمان وزوج أبا العاص بن الربيع زينب وهما من بني
عبد شمس وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة ابنة الحسين
467

ابن علي وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة وتزوجها أيضا عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام وتزوج
المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وزوج أبو بكر رضي الله عنه أخته أم فروة
الأشعث بن قيس وهما كنديان وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية، ولان
العجم والموالي بعضهم لبعض أكفاء وان تفاضلوا وشرف بعضهم على بعض فكذلك العرب وهذه
الرواية الصحيحة إن شاء الله تعالى
(مسألة) (وعنه ان الحرية والصناعة واليسار من شروط الكفاءة فلا تزوج حرة بعبد ولا بنت بزاز
بحجام ولا بنت بان بحائك ولا موسرة بمعسرة)
أما الحرية فالصحيح أنها من شروط الكفاءة فلا يكون العبد كفؤا الحرة لأن النبي صلى الله
عليه وسلم خير بريرة حين عتقت تحت عبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الطارئة فبالحرية المقارنة أولى
ولان نقص الرق كبير وضرره بين فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده ولا ينفق نفقة الموسرين ولا
ينفق على ولده وهو كالمعدوم بالنسبة إلى نفسه ولا يمنع صحة النكاح فإن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لبريرة (لو راجعتيه) قالت يا رسول الله أتأمرني؟ قال (إنما أنا شفيع) قالت: فلا حاجة لي فيه
رواه البخاري ومراجعتها إياه ابتداء نكاح فإن نكاحها قد انفسخ باختيارها ولا يشفع إليها النبي
468

صلى الله عليه وسلم في أن تنكح عبدا إلا والنكاح صحيح
فأما اليسار ففيه روايتان (إحداهما) هو شرط لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحسب المال)
وقال (إن أحساب الناس بينهم هذا المال) وقال لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أن معاوية خطبها
(أما معاوية فصعلوك لا مال له) ولان على الموسرة ضررا في اعسار زوجها لاخلاله بنفقتها ومؤونة
أولاده ولهذا ملكت الفسخ باخلاله بالنفقة فكذلك إذا كان مقارنا ولان ذلك معدود نقصا في عرف
الناس يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب وأبلغ قال نبيه بن الحجاج السهمي
سألتاني الطلاق ان وأتاني * قال مالي قد جئتماني بنكر
ويكأن من له نسب يحبب * ومن يفتقر يعيش عيش ضر
فكان من شروط الكفاءة كالنسب (والثانية) ليس بشرط لأن الفقر شرف في الدين، وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا) وليس هو لازما فأشبه العافية من
من الرمض، واليسار المعتبر ما يقدر به على الانفاق عليها حسب ما يجب لها ويمكنه أداء مهرها
وأما الصناعة ففيها أيضا روايتان (أحداهما) انها شرط فمن كان من أهل الصنائع الدنيئة كالحائك
والحجام والحارس والكساح والدباغ والقيم والحمامي والزبال فليس بكفء لبنات ذوي المروءات كأصحاب
469

الصنائع الجليلة كالتجارة والبناية لأن ذلك نقص في عرف الناس فأشبه نقص النسب وقد جاء في حديث
(العرب بعضهم لبعض أكفاء الا حائكا أو حجاما.)
قيل لأحمد وكيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال العمل عليه يعنى أنه ورد موافقا لأهل العرف.
وروي أن ذلك ليس بنقص ويروي نحو ذلك عن أبي حنيفة لأن ذلك ليس بنقص في الدين ولا
هو لازما فأشبه الضعف والمرض. قال بعضهم:
ألا إنما التقوى هي العزو الكرم * وحبك للدنيا هو الذل والسقم
وليس على عبد تقى نقيصة * إذا حقق التقوي وان حاك أو حجم
وأما السلامة من العيوب فليست من شروط الكفاءة فإنه لا خلاف أنه لا يبطل النكاح بها،
ولكنها تثبت الخيار للمرأة دون الأولياء لأن ضرره يختص بها ولوليها معها من نكاح المجنون
والأبرص والمجذوم وما عدا هذا فليس بمعتبر في الكفاءة
(فصل) ومن أسلم أو أعتق من العبيد فهو كف ء لمن له أبوان في الاسلام والحرية وقال أبو
حنيفة ليس بكفء، ولا يصح ذلك لأن الصحابة أكثرهم أسلموا وكانوا أفضل الأمة فلا يجوز أن يقال إنهم
غير أكفاء للتابعين
470

(فصل) وولد الزنا قد قيل إنه كف ء لذات نسب وعن أحمد أنه ذكر له أنه ينكح وينكح إليه
فكأنه لم يجب ذلك لأن المرأة تعير به وهي وأولياؤها ويتعدى ذلك إلى ولدها وليس هو كفؤ للعربية
بغير اشكال فيه لأنه أدنى حالا من المولى.
(فصل) والموالي اكفاء بعضهم لبعض وكذلك العجم قال أحمد في رجل من بني هاشم له مولاة
يتزوجها الخراساني وقول النبي صلى الله عليه وسلم ((مولى القوم منهم) هو في الصدقة فأما في النكاح فلا وذكر
القاضي رواية عن أحمد ان مولى القوم يكافئهم لهذا الخبر ولان النبي صلى الله عليه وسلم زوج زيدا وأسامة
عربيتين ولان موالي بني هاشم ساووهم في حرمان الصدقة فساووهم في الكفاءة، وهذا لا يصح فإنه
يوجب أن يكون الموالي أكفاء للعرب فإن المولي إذا كان كفؤا لسيده كان كفؤا لمن يكافئه سيده فيبطل
اعتبار المنصب ولهذا لا يساووهم في استحقاق الخمس ولا في الإمامة ولا في أشرف، وأما زيد وأسامة فقد
استدل بنكاحهما عربيتين على أن فقد الكفاءة لا يبطل النكاح واعتذر أحمد عن تزويجهما بأنهما من
كلب فهما عربيان وإنما طرأ عليهما رق فعلى هذا يكون حكم كل عربي الأصل كذلك.
(فصل) فأما أهل البدع فإن أحمد قال في الرجل يزوج الجهمي يفرق بينهما وكذلك إذا زوج
الواقفي إذا كان يخاصم ويدعو وإذا زوج أخته من هؤلاء اللفظية وقد كتب الحديث فهذا شر من
جهمي يفرق بينهما وقال لا يزوج بنته من حروري مرق من الدين ولامن الرافضي ولا من القدري فإذا
471

كان لا يدعو فلا بأس وقال من لم يربع بعلي في الخلافة فلا تناكحوه ولا تكلموه قال القاضي المقلد منهم
يصح تزويجه ومن كان داعية منهم فلا يصح تزويجه
(فصل) وإنما تعتبر الكفاءة في الرجل دون المرأة فإن النبي صلى الله عليه وسلم
لا مكافئ له وقد تزوج من
أحياء العرب وتزوج صفية بنت حي وتسرى بالإماء، وقال (من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن
تعليمها وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران) متفق عليه ولان الولد يشرف بشرف أبيه
لا بأمه فلم يعتبر ذلك في الأم
(باب المحرمات في النكاح)
وهن ضرابان محرمات على الأبد وهن أربعة أقسام:
(أحدها) المحرمات بالنسب وهن سبع ذكرهن سبحانه في قوله (حرمت عليك أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم
وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت) فأما الأمهات فهن كل من انتسبت إليها بولادة سواء وقع
عليها اسم الأم حقيقة وهي التي ولدتك أو مجازا وهي التي ولدت من ولدتك وان علت ومن ذلك جدتا
أم أمك وأم أبيك وجدتا أمك وجدتا أبيك وجدات جداتك وجدات أجدادك وان علون وارثات
كن أو غير وارثات كلهن أمهات محرمات ذكر أبو هريرة هاجر أم إسماعيل فقال تلك أمكم يا بني ماء السماء
472

وفي الدعاء المأثور اللهم صل على أبينا آدم وأمنا حواء والبنات وهن كل أنثى انتسب إليك بولادتك
كابنة الصلب. وبنات البنين والبنات وان نزلت درجتهن وارثات أو غير وارثات كلهن بنات محرمات
لقوله تعالى (وبناتكم) فإن كل امرأة بنت آدم كما أن كل رجل ابن آدم قال الله تعالى (يا بني آدم)
والأخوات من الجهات الثلاث من الأبوين أو من الأب أو من الأم لقول الله تعالى (وأخواتكم)
ولا تفريع عليهن. والعمات أخوات الأب من الجهات الثلاث وأخوات الأجداد من قبل الأب ومن
قبل الأم قريبا كان الجد أو بعيدا وارثا أو غير وارث لقول الله تعالى (وعماتكم) والخالات أخوات
الأم من الجهات الثلاث وأخوات الجدات وان علون وقد ذكرنا ان كل جدة أم فكذلك كل أخت
لجدة خالة محرمة لقول الله تعالى (وخالاتكم) وبنات الأخ كل امرأة انتسبت إلى أخ بولادته فهي بنت
أخ محرمة من أي جهة كان الأخ لقول الله تعالى (وبنات الأخ) وبنات الأخت كذلك أيضا محرمات لقوله
تعالى (وبنات الأخت) فهؤلاء المحرمات بالنسب
(فصل) ولا فرق بين النسب الحاصل بنكاح أو ملك يمين أو وطئ شبهة أو حرام فتحرم عليه
ابنته من الزنا لدخولها في عموم اللفظ ولأنها مخلوقة من مائة فحرمت كتحريم الزانية على ولدها وتحريم
المنفية باللعان لأنها منفية ولاحتمال أن تكون ابنته وفيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى
473

(القسم الثاني) المحرمات بالرضاع فيحرم به ما يحرم من النسب سواء والذي ذكره الله تعالى اثنتان
بقوله الله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) فالأمهات اللاتي أرضعنك
وأمهاتهن وجداتهن وإن علت درجتهن على حسب ما ذكرناه في النسب محرمات بالآية، وأما الأخوات فهي
كل امرأة أرضعتك أمها أو أرضعتها أمك أو أرضعتك وإياها امرأة واحدة أو ارتضعت أنت وهي من لبن رجل
واحد كرجل له امرأتان لها منه لبن أرضعتك إحداهما وأرضعتها الأخرى فهي أختك محرمة عليك
بالآية وكذلك كل امرأة حرمت عليك حرم مثلها من الرضاع كالعمة والخالة والبنت وبنت الأخ
وبنت الأخت على ما ذكرنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) متفق عليه
وفي رواية لمسلم (الرضاع يحرم ما تحرم الولادة) ولان الأمهات والأخوات منصوص عليهن والباقيات
يقسن عليهن ولا نعلم في هذا خلافا
(القسم الثالث) تحريم المصاهرة وهن أربع: أمهات النساء فمن تزوج امرأة حرم عليه كل أم لها
من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة بمجرد العقد نص عليه احمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم ابن
مسعود وابن عمر وجابر وعمران بن حصين وكثير من التابعين وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي
وحكي عن علي رضي الله عنه أنها لا تحرم الا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها الا بالدخول بها
ولنا قول الله تعالى (وأمهات نسائكم) والمعقود عليها من نسائه فتدخل أمها في عموم الآية قال
474

ابن عباس ابهموا ما ابنهم القرآن يعني عمموا حكها في كال حال ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها
وروي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من تزوج امرأة فطلقها قبل ان يدخل
بها لا بأس أن يتزوج ربيبته ولا يحل له أن يتزوج أمها) رواه أبو حفص باسناده وقال زيد تحرم
بالدخول أو بالموت لأنه يقوم مقام الدخول وقد ذكرنا ما يوجب التحريم مطلقا سواء وجد الدخول
أو الموت أو لم يوجد ولأنها حرمت بالمصاهرة بقول مبهم فحرمت بنفس العقد كحليلة الابن والأب
(الثانية) حلائل الآباء يعني أزواجهم سميت امرأة الرجل حليلة لأنها محل ازار زوجها وهي محللة له
فتحرم على الرجل امرأة أبيه وقريبا كان أو بعيدا وراثا أو غير وارث من نسب أو رضاع لقوله
تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقال البراء بن عازب لقيت خالي ومعه الراية قال أرسلني
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضر عنقه أو أقتله رواه النسائي وفي رواية
لقيت عمي الحارث بن عمرو ومعه الراية وذكر الخبر رواه كذلك سعيد وغيره وسواء في هذا امرأة
أبيه أو امرأة جده لأبيه وجده لامه قرب أم بعد وليس في هذا بين أهل العلم اختلاف فيما علمنا
وتحرم من وطئها أبوه بملك يمين أو شبهة كما يحرم عليه من وطئها في عقد نكاح قال ابن المنذر الملك في
هذا والرضاع بمنزلة النسب وممن حفظنا ذلك عنه عطاء وطاوس والحسن وابن سيرين ومكحول وقتادة
475

والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي ولا تحفظ عن أحد خلافهم (الثالثة) حلائل الأبناء
فتحرم على الرجل زوجة ابنه وابن ابنته من نسب أو رضاع قريبا كان أو بعيدا بمجرد العقد لقوله
تعالى (وحلائل أبنائكم) ولا نعلم في هذه خلافا، ولا تحرم بناتهن فيحل له نكاح ربيبة ابنه وأبيه لقوله
تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (الرباعة) بنات النساء اللاتي دخل بهن وهن الربائب فلا يحرمن الا
بالدخول بأمهاتهن وهن كل بنت للزوجة من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة وارثة أو غير وارثة على
حسب ما ذكرنا في البنات فإذ دخل بالام حرمت عليه سواء كانت في حجرة أو لم تكن في حجره وهو
قول داود لقوله تعالى (وربائبكم اللاتي في حجوركم) قال ابن المنذر وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف
هذا القول وذكرنا حديث عمرو بن شعيب في هذا وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)
ولان التربية لا تأثير هلا في التحريم كسائر المحرمات، فأما لآية فلم تخرج مخرج الشرط وإنما وصفها
بذلك تعريفا لها بغالب حالها وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه، وان لم يدخل بالمرأة لم
تحرم عليه بناتها في قول عامة علماء الأمصار إذا بانت من نكاحه
(مسألة) (فإن متن قبل الدخول فهل تحرم بناتهن على روايتين)
(إحداهما) تحرم ابنتها وبه قال زيد بن ثابت وهي اختيار أبى بكر ولان الموت أقيم مقام الدخول
في تكميل العدة والصداق فيقوم مقامه في تحريم الربيبة
476

(والثانية) لا تحرم وهو قول علي وعامة العلماء قال ابن المنذر أجمع عوام علماء الأمصار أن الرجل إذا
تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حدل له أن يتزوج ابنتها كذلك قال مالك والثوري
والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ومن تبعهم لأن الله تعالى قال (فإن لم تكونوا دخلتم
بهن فلا جناح عليكم) وهذا نص لا يترك بقياس ضعيف وقد ذكرنا حديث عمرو بن شعيب ولأنها فرقة
قبل الدخول فلم تحرم الربيبة كفرقة الطلاق والموت لا يجري مجرى الدخول في الاحصان والاحلال
وقيامه مقامه من وجه ليس بأولي من مفارقته إياه من وجه آخر ولو قام مقامه من كل وجه فلا يترك
نص الله تعالى ولا نص رسوله لقياس ولا غيره، ذا ثبت هذا فإن الدخول بها وطؤها كنى عنه بالدخول
فإن خلا بها ولم يطأها لم تحرم ابنتها لأنها غير مدخول بها
(مسألة) (ويثبت تحريم المصاهرة بالوطئ الحلال والحرام)
فإذا زني بامرأة حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وابنتها كما لو وطئها بشبهة أو حلالا ولو
وطئ أم امرأته أو ابنتها حرمت عليه امرأته نص احمد على هذا في رواية جماعة وروي نحو ذلك
عن عمران بن حصين وبه قال الحسن وطاوس ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي
وروي عن ابن عباس ان وطئ الحرام لا يحرم وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وعروة
والزهري ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لما روى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحرم الحرام
477

الحلال) ولأنه وطئ لا تصير به الموطوءة فراشا كوطئ الصغيرة
ولنا قوله سبحانه (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) والوطئ يسمى نكاحا قال الشاعر إذا
زينت فأجد نكاحا فيدخل في عموم الآية وفي الآية قرينة تصرفه إلى الوطئ وهو قوله سبحانه (انه
كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) وهذا التغليظ إنما يكون في الوطئ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا
ينظر الله عز وجل إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) وروي الجوز جاني باسناده عن وهب بن
منبه قال ملعون من نظر امرأة وابنتها فذكرته لسعيد بن المسيب فأعجبه، ولان ما تعلق من التحريم
بالوطء تعلق بالمحظور كوطئ الحائض ولان النكاح عقد يفسده الوطئ بالشبهة فأفسده الوطئ الحرام
كالاحرام وحديثهم لا تعرف صحته وإنما هو من كلام ابن اشوع بعض قضاة العراق كذلك قال احمد
وقيل إنه من قول ابن عباس ووطئ الصغيرة ممنوع لم يبطل بوطئ الشبهة
(فصل) والوطئ على ثلاثة اضرب: مباح وهو الوطئ من نكاح صحيح أو ملك ليمين فيتعلق به
تحريم المصاهرة بالاجماع ويصير محرما لمن حرمت عليه لأنها حرمت عليه على التأييد بسبب مباح
أشبه النسب (الثاني) الوطئ بالشبهة وهو الوطئ في نكاح فاسد أو شراء فاسد أو وطئ امرأة ظنها
امرأته أو أمته أو وطئ الأمة التي فيها شرك وأشباه ذلك فيتعلق به التحريم كتعلقه بالوطئ المباح اجماعا
قال ابن المنذر أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا وطئ امرأة بنكاح فاسد
478

أو شراء فاسد انها تحرم على أبيه وابنه وأجداده وولد ولده وهذا مذهب مالك والأوزاعي والشافعي
واحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي لأنه وطئ يلحق بها لنسب فأثبت التحريم كالوطئ المباح
ولا يصير به الرجل محرما لمن حرمت عليه ولا يباح له النظر الها بذلك والوطئ ليس بمباح والمحرمية
تتعلق بكمال حرمة الوطئ لأنها إباحة ولان الموطوءة لم يستبح النظر الهيا فلان لا يستبيح النظر إلى
غيرها أولى (الثالث) الحرام المحض وهو الزنا فيثبت به التحريم على الخلاف المذكور ولا تثبت به المحرمية
ولا إباحة النظر لأنها إذا لم تثبت بوطئ الشبهة فبالحرام المحض أولى ولا يثبت به النسب ولا يجب به
المهر بالمطاوعة إذا كانت حرة
(فصل) ويستوي في ذلك الوطئ في القبل والدبر لأنه يتعلق به التحريم إذا وجد في الزوجة
والأمة فكذلك في الزنا
(مسألة) (فإن كانت الموطوءة ميتة أو صغيرة لا يوطأ مثلها فعلى وجهين)
أحدهما ان وطئ الميتة ينشر الحرمة لأنه معنى ينشر الحرمة المؤبدة فلم يختص بالحياة كالرضاع
والثاني لا ينشرها وهو وقول أبي حنيفة والشافعي لأنه ليس بسبب للبضعية ولان التحريم معلق
باستيفاء منفعة الوطئ والموت يبطل المنافع وأما الرضاع فيحرم ما يصحل به من انبات اللحم وانشاز
العظم وهذا يحصل من لبن الميتة، وفي وطئ الصغيرة أيضا، وجهان (أحدهما) ينشروه وقول أبى يوسف
479

لأنه وطء لآدمية حية في القبل أشبه وطئ الكبير (والثاني) لا ينشرها وهو قول أبي حنيفة لأنه ليس
بسبب للبضعية أشبه وطئ الميتة.
(مسألة) (وان باشرا امرأة أو نظر إلى فرجها أو خلا بها لشهوة فعلى روايتين)
إذا باشر فيما دون الفرج لغير شهوة لم ينشر الحرمة بغير خلاف نعلمه وإن كان لشهوة وكان في
أجنبية لينشر الحرمة أيضا قال الجوزجاني سألت أحمد عن رجل نظر إلى أم امرأته من شهوة أو
قبلها أو باشرها فقال انا أقول لا يحرم شئ من ذلك الا الجماع وكذلك نقل أحمد القاسم وإسحاق بن
منصور وان كانت المباشرة لامرأة محللة له كامرأته ومملوكته لم تحرم عليه ابنتها قال ابن عباس لا يحرم
الربيبة الا الجماع وبه قال طاوس وعمرو بن دينار لأن الله تعالى قال (فإن لم تكونوا دخلتم بهن
فلا جناح عليكم) وهذا ليس بدخول فلا يترك النص الصريح من أجله. وأما تحريم أمها وتحريمها على
أبى الرجل المباشر لها وابنه فإنها في النكاح تحرم بمجرد العقد قبل المباشرة ولا يظهر للمباشرة أثر،
وأما الأمة فمتى باشرها دون الفرج لشهوة فهل يثبت تحريم المصاهرة؟ فيه روايتان (أحداهما) ينشرها روي
ذلك عن ابن عمر وابن عمرو ومسروق وبه قال القاسم والحسن ومكحول والنخعي والشعبي ومالك
والأوزاعي وأبو حنيفة وعلي بن المديني وهو أحد قولي الشافعي لأنه نوع استمتاع فيتعلق به تحريم
المصاهرة كالوطئ (والثانية) لا يثبت بها التحريم لأنها ملامسة ولا توجب الغسل فلم يثبت بها التحريم كما
لو لم تكن شهوة ولان ثبوت التحريم اما أن يكون بنص أو قياس على المنصوص ولا نص في هذا ولا
480

هو في معني المنصوص عليه ولا المجمع عليه فإن الوطئ يتعلق به من الأحكام استقرار المهر والاحصان
والاغتسال والعدة وافساد الاحرام والصيام بخلاف اللمس وذكر أصحابنا الروايتين في جميع الصور من
غير تفصيل قال شيخنا وهذا الذي ذكرنا أقرب للصواب إن شاء الله تعالى
(فصل) ومن نظر إلى فرج امرأة لشهوة فهو كلمسها لشهوة فيه أيضا روايتان (إحداهما) ينشر الحرمة في
موضع ينشرها المس روي عن عمر وابن عمر وعامر بن زمعة وكان بدريا وعبد الله بن عمرو فيمن يشتري
الخادم ثم يجردها أو يقبلها لا يحل لأبيه وطؤها وهو قول القاسم والحسن ومجاهد ومكحول وحماد بن
أبي سليمان وأبي حنيفة لما روي عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نظر إلى فرج امرأة لم
تحل له أمها وبنتها - وفي رواية - لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها) والثانية لا يتعلق به التحريم
وهو قول الشافعي وأكثر أهل العلم لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولأنه نظر من غير مباشرة
فلم يوجب التحريم كالنظر إلى الوجه والخبر ضعيف قال الدارقطني: وقيل هو موقوف على ابن مسعود
ثم يحتمل انه كنى بذلك عن الوطئ وأما النظر إلى سائر البدن فلا ينشر حرمة وقال بعض أصحابنا
لا فرق بين النظر إلى الفرج وسائر البدن لشهوة والصحيح خلاف هذا فإن غير الفرج لا يقاس عليه لما
بينهما من الفرق ولا خلاف نعلمه في أن النظر إلى الوجه لا يثبت الحرمة فكذلك غيره ولا خلاف أيضا
481

في أن النظر إلى الوجه لا يثبت الحرمة فكذلك غيره ولا خلاف أيضا ان النظر إذا وقع من غير شهوة
لا ينشر الحرمة لأن اللمس الذي هو أبلغ منه لا يؤثر إذا لم يكن لشهوة فالنظر أولى وموضع الخلاف في
اللمس والنظر فيمن بلغت تسع سنين فما زاد فاما الطفلة فلا يثبت فيها ذلك وقد روي عن أحمد في بنت
سبع إذا قبلها حرمت أمها قال القاضي هذا عندي محمول على السن الذي توجد معه الشهوة
(فصل) فإن نظرت المرأة إلى فرج رجل لشهوة فحكمه في التحريم حكم نظره إليها نص عليه
أحمد لأنه معنى يوجب التحريم فاستوى فيه الرجل والمرأة كالجماع وكذلك ينبغي أن يكون حكم لمسها له
وقبلتها إياه لشهوة لما ذكرنا
(فصل) والصحيح ان الخلوة بالمرأة لا تنشر الحرمة وقد روي عن أحمد: إذا خلا بالمرأة وجب
الصداق والعدة ولا يحل له ان يتزوج أمها وابنتها قال القاضي هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة
مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين اللتين ذكرناهما فاما مع خلوه من ذلك فلا يؤثر في تحريم
الربيبة لما في ذلك من مخالفة قوله تعالى (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) وأما الخلوة بأجنبية
أو أمته فلا ينشر تحريما لا نعلم في ذلك خلافا
(مسألة) (ومن يلوط بغلام حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته)
قاله بعض أصحابنا قال ونص عليه أحدهم وهو قول الأوزاعي لأنه وطئ في الفرج فنشر الحرمة
482

كوطئ المرأة ولأنها بنت من وطئه أو أمه فحرمتا عليه كما لو كانت الموطوءة أنثى وقال أبو الخطاب
يكون كالمباشرة فيما دون الفرج فيكون فيه الرايتان والصحيح ان هذا لا ينشر الحرمة فإن هؤلاء
غير منصوص عليهن في التحريم فيدخل في عموم قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولأنهن غير
منصوص عليهن ولا هو في معنى المنصوص عليه فوجب ان لا يثبت حكم التحريم فيهن فإن المنصوص
عليهن في هذا حلائل الأبناء ومن نكحهن الآباء وأمهات النساء وبناتهن وليس هؤلاء منهن ولا في
معناهن ولان الوطئ في المرأة يكون سببا للبضعية ويوجب المهر ويلحق به النسب وتصير به المرأة
فراشا وتثبت أحكاما لا يثبتها اللواط فلا يجوز الحاقه بهن لعدم العلة وانقطاع الشبه ولذلك لو أرضع
الرجل طفلا لم يثبت به حكم التحريم فههنا أولى وان قدر بينهما شبه من وجه ضعيف فلا يجوز
تخصيص عموم الكتاب به واطراح النص بمثله
(فصل) ويحرم على الرجل نكاح ابنته من الزنا وأخته وبنت انبه وبنت بنته وبنت أخيه وأخته
من الزنا في قول عامة الفقهاء وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه يجوز له لأنها أجنبية منه ولا
تنسب إليه شرعا ولا يجرى التوارث بينهما ولا تعتق عليه إذا ملكها ولا يلزمه نفقتها فلم تحرم
عليه كسائر الأجانب
483

ولنا قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) وهذه بنته فإنها مخلوقة من مائه وهذه حقيقة
لا تختلف بالحل والحرمة ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة هلال بن أمية انظروه (يعني
ولدها - فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء) يعني الزاني ولأنها مخلوقة من مائه فأشبهت
المخلوقة من وطئ الشبهة ولأنها بضعة منه فلم تحل له كبنته من النكاح وتخلف بعض الأحكام لا ينفي
كونها بنتا كما لو تخلف لرق أو اختلاف دين إذا ثبت هذا فلا فرق بين علمه بكونها منه مثل ان يطأ
امرأة في طهر لم يصبها فيه غيره ثم يحفظها حتى تضع أو يشترك جماعته في وطئ امرأة فتأتي بولد لا يعلم
هل هو منه أو من غيره؟ فإنه يحرم على جميعهم لوجهين أحدهما انها بنت موطوءتهم الثاني انا نعلم أنها بنت
بعضهم فتحرم على الجميع كما لو زوج الوليان ولم يعلم السابق منهما وتحرم علي أولادهم لأنها ابنة بعضهم غير
معلوم فإن ألحقتها القافة بأحدهم حلت لأولاد الباقين
(القسم الرابع) الملاعنة تحرم على الملا عن علي التأبيد أما إذ لم يكذب نفسه فلا نعلم أحدا
قال بخلاف ذلك الا قولا شاذا فإن كذب نفسه فالمشهور في المذهب انها باقية على التحريم المؤبد
وعن أحمد رواية شاذة أنها تحل له وتعود فراشا له إذا لم يكن وجد منه ما يثبتها لأنه رجع عن
المعني المحرم فزال التحريم ولذلك يحد ويلحقه نسب الولد وهذه الرواية شذبها حنبل عن أصحابه وتفرد بها
484

والعمل على الرواية الأولى وهذا يذكر في باب اللعان مبسوطا إن شاء الله تعالى.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (الضرب الثاني المحرمات إلى أمد وهن نوعان)
(أحدهما) المحرمات لأجل المع فيحرم الجمع بين الأختين سواء كانتا من نسب أو رضاع حرتين
كانتا أو أمتين أو حرة وأمة من أبوين كانتا أو من أب أو أم وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده
لعموم قوله تعالى (وان تجمعوا بين الأختين)
(مسألة) (ويحرم الجمع بين المراة وعمتها أو خالتها)
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على القول به وليس بحمد الله اختلاف إلا أن بعض أهل البدع
ممن لا تعد مخالفته خلافا وهم الرافضة، والخوارج لم يحرموا ذلك ولم يقولوا بالسنة الثابتة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهي ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجمعوا بين
المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها) متفق عليه، وفي رواية أبي داود (لا تنكح المرأة على عمتها
ولا العمة على بنت أختها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها، لا تنكح الكبري على الصغرى
ولا الصغرى على الكبري) ولان العلة في تحريم المع بين الأختين إيقاع العداوة بين الأقارب وافضاؤه
إلى قطيعة الرحم المحرم، فإن احتجوا بعموم قوله سبحانه (وأحل لكم ما وراء ذلكم) خصصناه
بما رويناه وبلغنا أن رجلين من الخوارج اتيا عمر بن عبد العزيز فكان مما أنكر عليه رجم الزانيين والجمع
485

بين المرأة وعمتها وبنتها وبين خالتها، وقالا ليس هذا في كتاب الله تعالى، فقال لهما: كم فرض الله
عليكم من الصلاة؟ قالا: خمس صلوات في اليوم والليلة. وسألهما عن عدد ركعاتها فأخبراه بذلك.
وسألهما عن مقدار الزكاة ونصبها فأخبراه. فقال وأين تجدان ذلك في كتاب الله؟ قالا لا نجده في كتاب
الله. قال فمن أين صرتما؟ فقالا فعله رسوله الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده قال فكذلك هذا
ولا فرق بين الحالة والعمة حقيقة أو مجازا كعمات آبائها وخالاتهم، وعمات أمهاتها وخالاتهن وإن علت
درجتهن من نسب كان ذلك أو رضاع وكل شخصين لا يجوز لأحدهما أن يتزوج الآخر لو كان أحدهما
ذكرا والآخر أنثى لأجل القرابة لا يجوز الجمع بينهما لتأدية ذلك إلى قطع الرحم القريبة لما في الطباع
من التنافس والغيرة من الضرائر، ولا يجوز الجمع بين المرأة وأمها في العقد لما ذكرناه ولان الأم إلى
بنتها أقرب من الأختين فإذا لم يجمع بنى الأختين فالمرأة وبنتها أولى
(فصل) ولا يحرم الجمع بين ابنتي الخال في قول عامة أهل العم لعدم النص فيهما
بالتحريم ودخولهما في عموم قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ولان إحداهما تحل لها الأخرى
لو كانت ذكرا وفي كراهة ذلك روايتان (إحداهما) يكره روي ذلك عن ابن مسعود وبه قال جابر
ابن زيد وعطا والحسن وسعيد بن عبد العزيز، وروى أبو حفص باسناده عن عيسى بن طلحة قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج المرأة على ذي قرابتها مخافة القطيعة ولأنه مفض إلى قطيعة
486

الرحم المأمور بصلتها فأقل أحواله الكراهة (والأخرى) لا يكره وهو قول سليمان بن يسار والشعبي
وحسن بن حسن والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي عبيد لأنهما ليست بينهما قرابة تحرم الجمع
فلا يقتضي كراهة كسائر الأقارب
(مسألة) (فإن جمع بينهما في عقد واحد لم يصح)
إذا جمع بين الأختين في عقد واحد أو جمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في عقد عليهما معا لم يصح
العقد في واحدة منهما لأنه لا يمكن تصحيحه فيهما ولا مزية لأحدهما على الأخرى فيبطل فيهما كما لو زوجت
المرأة لرجلين وكذا لو تزوج خمسا في عقد واحد بطل في الجميع لذلك
(مسألة) (وإن تزوجهما في عقدين أو تزوج إحداهما في عدة الأخرى سواء كانت بائنا
أو رجعية فنكاح الثانية باطل. أما إذا تزوجهما في عقدين وعلم الأولى فنكاحه صحيح لأنه لا جمع فيه
ونكاح الثانية باطل لأن الجمع يحصل به وبالعقد على الأولى تحرم الثانية فلا يصح عقده عليها حتى تبين
الأولى وتنقضي عدتها
(فصل) (فإن لم يعلم أولاهما فعليه فرقتهما معا)
قال أحمد في رجل تزوج أختين لا يدري أيتهما تزوج أولا؟ يفرق بينه وبينهما لأن إحداهما محرمة
عليه ونكاحها باطل ولا يعرف المحللة له فقد اشتبها عليه ونكاح إحداهما صحيح ولا يتيقن بينونتها منه
487

لا بطلاقهما جميعا أو فسخ نكاحهما فوجب ذلك كما لو زوج الوليان ولم يعرف الأول منهما وان أحب
أن يفارق إحداهما ثم يجدد عقد الأخرى ويمسكها فلا بأس وسواء فعل ذلك بقرعة أو بغيرها ولا
بخلو من ثلاثة أقسام:
(أحدها) أن لا يكون دخل بواحدة منهما فله ان يعقد على إحداهما في الحال بعد فراق الأخرى
(الثاني) إذا دخل بإحداهما فإن أراد نكاحها فارق التي لم يصبها بطلقة ثم ترك المصابة حتى تنقضي
عدتها ثم نكحها لأنا لا نأمن أن تكون هي الثانية فيكون قد أصابها في نكاح فاسد فلهذا اعتبرنا انقضاء
عدتها ويحتمل جواز العقد عليها في الحال لأن النسب لاحق به فلا يصان ذلك عن مائة فإن أحب نكاح
الأخرى فارق المصابة بطلقة ثم انتظرها حتى تقضي عدتها ثم تزوج أختها
(القسم الثالث) إذا دخل بهما فليس له نكاح واحدة منهما حتى يفارق الأخرى وتنقضي عدتها
من حين فارقها وتنقضي عدة الأخرى من حين أصابها، وان ولدت إحداهما أو هما جميعا فالنسب
لاخوته لأنه اما من نكاح صحيح أو نكاح فاسد وكلاهما يلحق النسب فيه وان لم يرد نكاح واحدة
منهما فارقهما بطلقة طلقة
(فصل) فأما المهر فإن لم يدخل بواحدة منهما فلإحداهما نصف المهر ولا نعلم من يستحقه منهما
فيصطلحان عليه فإن لم يفعلا أقرع بينهما فكان لمن خرجت قرعتها مع يمينها وقال أبو بكر اختياري
488

أن يسقط المهر إذا كان مجبرا على الطلاق قبل الدخول فإن دخل بواحدة منهما أقرع بينهما فإن وقعت
لغير المصابة فلها نصف المهر وللمصابة مهر المثل بما استحل من فرجها وان وقعت على المصابة فلا
شئ للأخرى وللمصابة المسمى جميعه وان أصابهما فلإحداهما المسمى وللأخرى مهر المثل يقرع
بينهما فيه ان قلنا الواجب في النكاح الفاسد مهر المثل وان قلنا بوجوب المسمى فيه وجب ههنا
لكل واحد منهما.
(فصل) قال أحمد إذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها ودخل بها اعتزل زوجته حتى تنقضي عدة
الثانية إنما كان كذلك لأنه لو أراد العقد على أختها في الحال لم يجز له حتى تنقضي عدة الموطوءة فلذلك
لا يجوز له وطئ امرأته حتى تنقضي عدة أختها التي أصابها
(مسألة) (وان اشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها صح)
لأن الشراء يراد للاستمتاع ولغيره وكذلك صح شراء من لا تحل له كالمجوسية وأخته من الرضاع
ولا يحل له وطؤها حتى يطلق امرأته وتنقضي عدتها لئلا يكون جامعا بينهما في الفراش أو جامعا
ماءه في رحم أختين وذلك لا يحل لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يجمع ماءه في رحم أختين
489

(مسألة) (وإن اشتراهن في عقد واحد صح لما ذكرنا)
ولا نعلم حلافا في ذلك ولو اشتري جارية ووطئها حل له شراء أختها وعمتها وخالتها وقد ذكرناه كما
لا يحل له شراء المعتدة والمزوجة مع أنها لا تحل له
(مسألة) (وله وطئ إحداهما لأن الأخرى لم تصر فراشا)
وهذا قول أكثر أهل العلم وقال الحكم وحماد لا يقرب واحدة منهما وروي ذلك عن النخعي وذكره
أبو الخطاب مذهبا لأحمد
ولنا أنه لم يجمع بينهما في الفراش فلم يجز كما لو كان في ملكه إحداهما وحدها
(فصل) وليس له الجمع بين الأختين من إمائه في الوطئ نص عليه أحمد في راية الجماعة وكرهه عمر وعثمان وعلي
وعمار وابن عمرو ابن مسعود وممن قال بتحريمه عبد الله بن عتبة وجابر بن يزد وطاوس ومالك والأوزاعي وأبو
حنيفة والشافعي وروي عن ابن عباس أنه قال أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله وروي ذلك عن علي أيضا
يريد بالمحرمة قوله تعالى (وأن تجمعوا بين الأختين) وبالمحللة قوله تعالى (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)
وروى ابن منصور عن أحمد وأسأله عن الجمع بين الأختين المملوكتين أحرام هو؟ قال لا أقول حرام ولكن ينهى عنه
وظاهر هذا أنه مكروه غير محرم وقال داود وأهل الظاهر لا يحرم استدلالا بالآية المحللة لأن حكم الحرائر في الوطئ
مخالف لحكم الإماء ولهذا تحرم الزيادة على أربع في الحرائر وتباح في الإماء بغير حصر والمذهب تحريمه للآية
490

المحرمة فإنه يريد بها الوطئ والعقد جميعا بدليل أن سائر المذكورات في الآية يحرم وطؤهن والعقد
عليهن وآية الحل مخصوصة بالمحرمات جميعهن وهذا منهن ولأنها امرأة صارت فراشا فحرمت أختها كالزوجة.
(مسألة) (وإن وطئ إحداهما فليس له وطئ الأخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه
باخراج عن ملكه أو تزويج)
هذا قول على وابن عمر والحسن والأوزاعي وإسحاق والشافعي فإن رهنها لم تحل له أختها لأن
منعه من وطئها لحق المرتهن لا لتحريمها ولهذا يحل له بإذن المرتهن فيه ولأنه يقدر على فكها متى شاء
واسترجاعها إليه، وقال قتادة ان استبرأها حلت له أختها لأنه قد زال فراشه ولهذا لو أتت بولد فنفاه
بدعوى الاستبراء انتفى فأشبه ما لو زوجها.
ولنا قول علي وابن عمر ولأنه لم يزل ملكه عنها ولا أحلها له فأشبه ما لو وطئت بشبهة فاستبرأها
من ذلك الوطئ ولان ذلك لا يمنعه وطأها فلا بأس من عوده إليها فيكون ذريعة إلى الجمع بينهما وان
حرم إحداهما فظاهر كلام الخرقي أنه لا تحل له الأخرى وهو مقتضى كلام شيخنا في الكتاب المشروح
وقال أصحاب الشافعي تحل له الأخرى لأنها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه فأشبه التزويج ولنا أنه
نشأ من إباحتها بما لا يقف على غيرهما
(فصل) وإذا أخرجها من ملكه لم تحل له أختها حتى يستبرئ المخرجة وتعلم براءتها من الحمل
491

فإن كانت حاملا منه لم تحل لم أختها حتى تضع حملها لأنه يكون جامعا في رحم أختين فهو بمنزلة
نكاح الأخت في عدة أختها
(مسألة) (فإن عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى)
متى زال ملكه عن الموطوءة زوالا أحل له أختها فوطئها ثم عادت الأولى إلى ملكه فليس له
وطئ إحداهما حتى يحرم الأخرى باخراج عن ملكه أو تزويج نص عليه أحمد وقال أصحاب الشافعي
لا ترحم عليه واحدة منهما لأن الأولى لم تبق فراشا فأشبه ما لو وطي أمة ثم اشترى أختها
ولنا أن هذه صارت فراشا وقد رجعت إليه التي كانت فراشا فحرمت كل واحدة منهما بكون أختها فراشا
كما لو انفردت به فأما إذا وطئ أمة ثم اشترى أختها فإن المشتراة لم تكن فراشا له لكن هي محرمة
عليه باستفراش أختها ولو اخرج الموطوءة عن ملكه ثم عادت إليه قبل وطئ أختها فهي حلال
وأختها محرمة عليه لأن أختها فراشه وقد روي عن أحمد ان الجمع بين الأختين في الوطئ بملك اليمين
لا يحرم بل ينهي عنه فيكون مكروها وقد ذكرناه والمذهب ان ذلك حرام والله أعلم
(فصل) فإن وطئ أمتيه الاثنتين معا فوطئ الثانية محرم ولاحد فيه لأنها ملكه ولان في حلها
492

حلها اختلافا وله سبيل إلى استباحتها بخلاف أخته من الرضاع المملوكة له ولا يحل له وطئ واحدة
حتى يحرم الأخرى ويستبرئها وقال القاضي وأصحاب الشافعي الأولى باقية على الحل لأن الوطئ الحرام
لا يحرم الحلال الا ان القاضي قال لا يطؤها حتى يستبرئ الثانية
ولنا أن الثانية قد صارت فراشا له يلحقه نسب ولدها فحرمت عليه أختها كما لو وطئها ابتداء وقولهم
ان الحرام لا يحرم الحلال ليس بخبر صحيح وهو متروك بما لو وطئ الأولى في حيض أو نفاس أو حرام
فإن أختها تحرم عليه ويحرم عليه أمها وابنتها على التأبيد وكذلك لو وطئ بشبهة في هذه الحال ولو
وطئ امرأته حرمت عليه ابنتها سواء وطئها حراما أو حلالا
(فصل) وحكم المباشرة من الإماء فيما دون الفرج والنظر إلى الفرج لشهوة فيما يرجع إلى تحريم
الأخت كحكمه في تحريم الربيبة والصحيح انها لا تحرم ولان الحل ثابت بقوله تعالى (أو ما ملكت أيمانكم)
ومخالفة ذلك إنما تثبت بقوله (وان تجمعوا بين الأختين) والمراد به الجمع في العقد أو الوطئ ولم يوجد
واحد منهما ولا في معناهما.
(مسألة) (وان وطئ أمته ثم تزوج أختها لم يصح عند أبي بكر)
وقد سئل أحمد عن هذا فقال لا يجمع بين الأختين الأمتين فيحتمل أنه أراد ان النكاح لا يصح
وهو إحدى الروايات عن مالك قال القاضي هو ظاهر كلام أحمد لأن النكاح تصير به المرأة فراشا
493

فلم يجز ان ترد على فراش الأخت كالوطئ ولأنه فعل في الأخت ما ينافي إباحة أختها فلم يجز كالوطئ
وظاهر كلام أحمد أنه يصح ذكره أبو الخطاب ولا يطؤها حتى يحرم الموطوءة وهو مذهب أبي حنيفة
لأنه سبب يستباح به الوطئ فجاز ان يرد على وطئ ولا يبيح كالشراء، وقال الشافعي يصح النكاح
وتحل له المنكوحة وتحرم أختها لأن النكاح أقوى من الوطئ بملك اليمين فإذا اجتمعا وجب تقديم
الاقوي ووجه الأولى ما ذكرناه ولان وطئ مملوكته معنى يحرم أختها لعلة الجمع فمنع صحة النكاح كالزوجة
ويفارق الشراء فإنه لا ينحصر في الوطئ ولهذا صح شراء الأختين ومن لا تحل له وقولهم النكاح أقوى
من الوطئ ممنوع وان سلم فالوطئ أسبق فيقدم ويمنع صحة ما طرأ عليه مما ينافيه كالعدة تمنع ابتداء
نكاح الأخت وكذلك وطئ الأمة يحرم نكاح ابنتها وأمها ولان هذا بمنزلة نكاح الأخت في عدة أختها
لكونه لم يشتر الموطوءة فإن عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى إذا قلنا
بصحة النكاح لأن الأولى عادت إلى الفراش فاجتمعا فيه فلم يستبح واحدة منهما قبل اخراج
الأخرى عن الفراش
(فصل) فإن زوج الأمة الموطوءة أو أخرجها عن ملكه فله نكاح أختها فإن عادت الأمة إلى ملكه
فالزوجية بحالها وحلها باق لأن النكاح صحيح وهو أقوى ولا تحل الأمة وعنه أنه ينبغي أن يجرم
إحداهما لأن أمته التي كانت فراشا قد عادت إليه والمنكوحة مستفرشة فأشبه أمتيه اللتين وطئ إحداهما
494

بعد تزويج الأخرى ثم يطلقا لزوج أختها فإن تزوج امرأة ثم اشترى أختها صح الشراء ولم تحل له
لأن النكاح كالوطئ فأشبه ما لو وطئ أمته ثم اشترى أختها فإن وطئ أمتيه حرمتا عليه حتى يستبرئ
الأمة ثم تحل له زوجته دون أمته لأن النكاح أقوى واسبق وإنما وجب الاستبراء لئلا يكون جامعا
جاه في رحم أختين ويحتمل ان تحرما عليه جمعيا حتى يحرم إحداها كالأمتين وحكم عمة المرأة وخالتها
كأختها في تحريم الجمع بينهما في الوطئ والتفصيل فيها كالتفصيل في الأختين على ما ذكر
(مسألة) (ولا بأس ان يجمع بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها)
هذا قول أكثر أهل العلم يرون الجمع بين المرأة وبينها في النكاح فعله عبد الله بن جعفر وعبد الله
ابن صفوان بن أمية وهو قول سائر الفقهاء إلا الحسن وعكرمة وابن أبي ليلى فإنهم كرهوه لأن إحداهما
لو كانت ذكرا حرمت عليه الأخرى فأشبه المرأة وعمتها
ولنا قول الله تعالى (وأحل لكم) ما وراء ذلكم ولأنها لا قرابة بينهما فاشبها الأجنبيتين ولان الجمع
حرم خوفا من قطيعة الرحم القريبة بين المتناسبين ولا قرابة بين هاتين، وبهذا يفارق ما ذكروه
(فصل) ولو كان لرجل ابن من غير زوجته ولها بنت من غيره أو كان له بنت ولها ان جاز تزويج
495

أحدهما من الآخر في قول عامة الفقهاء وحكي عن طاوس كراهيته إذا كان ما ولدته المرأة بعد وط
الزوج لها والأول أولى لعموم الآية والمعني الذي ذكرناه فإنه ليس بينهما قرابة ولا سبب يقتضي التحريم
وكونه أخا لأختها لم يرد الشرع بأنه سبب للتحريم فيبقي على الإباحة لعموم الآية ومتى ولدت المرأة من
ذلك الرجل ولدا صار عما لولديهما وخالا
(فصل) إذا تزوج امرأة لم ترحم أمها ولا ابنتها على أبيه ولا ابنه فمتى تزوج امرأة وزوج أباه أمها جاز
لعدم أسباب التحريم فإذا ولد لكل واحد ولد كان ولد الأب عم ولد الأم وولد الابن خال ولد الأب
ويروي ان رجلا أنى عبد الملك بن مروان فقال يا أمير المؤمنين أنى تزوجت امرأة وزوجت أبني
أمها فأخبرنا فقال عبد الملك ان أخبرتني بقرابة ولدك من ولد أبيك أخبرتك فقال الرجل: يا أمير
المؤمنين هذا العريان ابن الهيثم الطي وليته قائم سيفك ان علم ذلك فلا تخبرني فقال العريان أحدهما
عم الآخر والآخر خاله.
(فصل) إذا تزوج رجل امرأة وزوج ابنه بنتها أو أمها فزفت امرأة كل واحد منهما إلى صاحبه
فوطئها فإن وطئ الأول يوجب عليه مهر مثلها لأنه وطئ شبهة ويفسخ به نكاحها من زوجها لأنها
صارت بالوطئ حليلة أبيه أو ابنه ويسقط به مهر الموطوءة عن زوجها لأن الفسخ من قبلها بتمكينها من
وطئها ومطاوعتها عليه ولا شئ لزوجها على الواطي لأنه لا يلزمه شئ يرجع به ولأن المرأة مشاركة
496

في افساد نكاحها بالمطاوعة فلم يجب على زوجها شئ كما لو انفردت به ويحتمل أن يجب عليه لزوجها
نصف مهر مثلها لأنه أفسد نكاحها قبل الدخول أشبه المرأة تفسد نكاحه بالرضاع وينفسخ نكاح
الواطئ أيضا لأن امرأته صارت اما للموطوءة ان بنتا لها ولها نصف المسمى فأما وطئ الثاني فيوجب مهر
المثل للموطوءة خاصة فإن أشكل الأول انفسخ النكاحان ولكل واحدة مهر مثلها على واطئها ولا
يثبت رجوع أحدهما على الآخر ويجب لامرأة كل واحد منهما على الآخر نصف المسمى ولا يسقط بالشك
(مسألة) (ولا يحل للحران أن يجمع بين أكثر من أربع ولا للعبدان أن يتزوج أكثر من
اثنتين فإن طلق إحداهن لم يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها)
أجمع أهل العم على أن الحر لا يحل له ان يجمع بين أكثر من أربع زوجات لا نعلم أحدا منهم
خالف في ذلك الا شيئا يحكي عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعا لقول الله تعالى (مثنى وثلاث ورباع)
والواو للجمع ولان النبي صلى الله عليه وسلم مات عن تسع وهذا خرق للاجماع وترك للسنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشرة نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) وقال نوفل بن معاوية
أسلمت وتحتي خمس نسوة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم (فارق واحدة منهن) رواهما الشافعي في مسنده وإذا
497

منع من استدامة زيادة على أربع فالابتداء أولى والآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع كما
قال (أولي أجنحه مثنى وثلاث ورباع) ولم يردان لكل ملك تسعة أجنحة ولو أراد ذلك لقال تسعة
ولم يكن للتطويل معنى ومن قال غير ذلك فقد جهل اللغة العربية وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمخوص بذلك ألا
ترى أنه جمع بين أكثر من تسع
(فصل) وليس للعبد أن يزيد على اثنتين ولا خلاف في جواز الجمع بين اثنتين له واختلفوا في
إباحة الأربع له فمذهب أحمد أنه لا يباح له الاثنتان وهذا قول عمر بن الخطاب وعلي وعبد الرحمن
ابن عوف رضي الله عنهم وبه قال عطاء والحسن والشعبي وقتادة والثوري والشافعي وأصحاب الرأي
وقال القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وطاوس ومجاهد ومالك وأبو ثور وداود له نكاح أربع لعموم
الآية ولان هذا طريقه اللذة والشهوة فساوى العبد فيه الحر كالمأكول
ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة ولم يرعف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا وقد روى ليث
ابن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة قال أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا ينكح أكثر
من اثنتين ويقوى هذا ما روى الإمام أحمد باسناده عن محمد بن سيرين ان عمر سأل الناس كم يتزوج
العبد؟ فقال عبد الرحمن بن عوف ثنتين وطلاقه ثنتين فدل هذا على أن ذلك كان بمحضر من الصحابة
وغيرهم فلم ينكر وهذا محض عموم الآية على أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار وهو قوله تعالى أو ما)
498

ملكت أيمانكم ويفارق النكاح المأكول فإنه مبني على التفضيل ولهذا فارق النبي صلى الله عليه وسلم فيه أمته ولان
فيه ملكا والعبد ينقص في الملك عن الحر
(فصل) إذا تزوج الرجل امرأة حرمت عليه أختها وعمتها وخالتها وبنت أختها وكذلك إذا
تزوج الحر أربعا حرمت الخامسة تحريم جمع وان تزوج العبد اثنتين حرمت الثالثة تحريم جمع فإذا
طلق زوجته طلاقا رجعيا فالتحريم باق بحاله في قولهم جميعا وإن كان الطلاق بائنا أو فسخا فكذلك
حتى تنقضي عدتها يروي ذلك عن علي وابن عباس وزيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب ومجاهد
والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وقال القاسم بن محمد وعروة وابن أبي ليلى ومالك والشافعي وأبو
عبيد وابن المنذر له نكاح جميع من سمينا في تحريم وروي ذلك عن ثابت لأن المحرم الجمع بينهما في
النكاح بدليل قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم) أي نكاحهن وقال (وأن تجمعوا بين الأختين)
معطوفا عليه والبائن ليست في نكاحه ولأنها بائن فأشبهت المطلقة قبل الدخول بها
ولنا قول علي وابن عباس وروي عن عبيدة السلماني أنه ما أجمعت الصحابة على شئ كاجماعهم
على أربع قبل الظهر وان لا تنكح المرأة في عدة أختها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين) وروي عن أبي الزناد قال كان للوليد بن عبد
الملك أربع نسوة فطلق واحدة البتة وتزوج قبل ان تحل فعاب ذلك كثير من الفقهاء وليس كلهم عابة
499

قال سعيد بن منصور إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأي شئ يبقي؟ ولأنها محبوسة عن النكاح لحقه أشبه
ما لو كان الطلاق رجعيا وفارق المطلقة قبل الدخول بها
(فصل) ولو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية أو انفسخ النكاح بين الزوجين يخلع أو رضاع أو فسخ
بعيب أو اعسار أو غيره لم يكره له ان يتزوج أحدا ممن يحرم الجمع بينه وبين زوجته حتى تنقضي
عدتها سواء قلنا تتعجل الفرقة أولم نقل فإن أسلمت زوجته فتزوج أختها في عدتها ثم أسلما اختار منهما
واحدة كما لو تزوجهما معا وان أسلم بعد انقضاء عدت الأولى بانت وثبت نكاح الثانية
(فصل) إذا أعتق أم ولده أو أمة كان يصيبها فليس له ان يتزوج أختها حتى ينقضي استبراؤها
نص عليه أحمد في أم الولد وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن يجوز لأنها ليست بزوجة ولا في عدة من نكاح
ولنا انها معتدة منه فلم يجز له نكاح أختها كالمعتدة من نكاح أو وطئ بشبهة ولأنه لا يأمن أن
يكون ماؤه في رحمها فيكون داخلا في عموم من جمع ماءه في رحم أختين ولا يمنع من نكاح أربع سواها
ومنعه زفر وهو غلط لأن ذلك جائز قبل إعتاقها فبعده أولى
(فصل) ولا يمنع من نكاح أمة في عدة حرة بائن ومنعه أبو حنيفة كما يحرم عليه أن يتزوجها
في صلب نكاحها.
ولنا انه عادم للطول خائف للعنت فأبيح له نكاحها لقول سبحانه (ومن لم يستطع منكم طولا ان
500

ينكح المحصنات المؤمنات) الآية ولا يسلم انه لا يجوز في طلب نكاح الحرة بل يجوز إذا تحقق الشرطان
(فصل) وان زنى بامرأة فليس له ان يتزوج أختها حتى تنقضي عدتها وحكم العدة من الزنا والعدة
من وطئ الشبهة حكم العدة من النكاح على ما نذكره إن شاء الله تعالى فإن زنى بأخت امرأته فقال احمد
يمسك عن وطئ امرأته حتى تحيض ثلاث حيضات وعنه حيضة ويحتمل ان لا تحرم بذلك أختها ولا
أربع سواها لأنها ليست منكوحة ومجرد الوطئ لا يمنع بدليل الوطئ في ملك اليمين فإنه لا يمنع أربعا سواها
(فصل) إذا ادعى رجل ان امرأته أخبرته بانقضاء عدتها مدة يجوز انقضاؤها فيها وكذبته
أبيح له نكاح أختها وأربع سواها في الظاهر وأما في الباطن فيبني على صدقه في ذلك لأنه حق فيما
بينه وبين الله تعالى فيقبل قوله فيه ولا يصدق في نفي نفقتها وسكناها وتعين النسب لأنه حق لها
ولودها فلا يقبل قوله فيه وبه قال الشافعي وغيره وقال زفر لا يصدق في شئ لأنه قول واحد لا يصدق
في بعض حكمه فلا يصدق في البعض الآخر قياسا للبعض على البعض وذلك لأنه لا يمكن أن
يكون القول الواحد صدقا كذبا
ولنا انه قول يتضمن إبطال حق لغيره وحقا له لا ضرر على غيره فيه فوجب ان يصدق في إحداهما
دون الآخر كما لو اشتدي عبدا ثم أقران البائع كان أعتقه صدق في حريته ولم يصدق في الرجوع
501

بثمنه وكذلك لو أقر ان امرأته أخته من الرضاع قبل الدخول صدق في بينونتها وتحريمها عليه ولم
يسقط مهرها إذا كذبته
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (النوع الثاني) محرمات لعارض بزول فيحرم عليه نكاح زوجة
غيره بغير خلاف لقول الله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله) وتحرم المستبرئة منه
لذلك ولان تزويجها يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وسواء في ذلك المعتدة من وطئ مباح
أو محرم أو من غير وطئ لأنه لا يؤمن أن تكون حاملا فلو أبحنا تزويجها لاختلط نسب المتزوج بنسب
الواطئ الأول ولا يجز نكاح المرتابة بعد العدة بالحل لذلك
(مسألة) (وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها)
إذا زنت المرأة لا يحل نكاحها لمن لم يعلم ذلك إلا بشرطين (أحدهما) انقضاء عدتها بوضع الحمل من الزنا
ولا يحل نكاحها قبل الوضع وبهذا قال مالك وأبو يوسف وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وقال في الأخرى
يحل نكاحها ويصح وهو مذهب الشافعي لأنه وطئ لا يلحق به النسب فلم يحرم النكاح كما لو لم تحمل
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماء زرع غيره يعني وطئ الحامل
وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا توطأ حامل حتى تضع) حديث صحيح وهو عام وروي عن سعيد بن المسيب ان
رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما وجعل لها الصداق
502

وجلدها مائة رواه سعيد ورأي النبي صلى الله عليه وسلم امرأة على باب فسطاط فقال لعله يريد ان يلم بها قالوا
نعم قال (لقد همت ان العنه لعنة تدخل معه قبره كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ أم كيف يورثه وهو لا يحل
له؟) أخرجه مسلم ولأنها حامل من غيره فحرم عليه نكاحها كسائر الحوامل وإذا ثبت هذا لزمتها العدة
وحرم النكاح فيها لأنها في الأصل لمعرفة براءة الرحم ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملا فلم يصح
نكاحها كالموطوءة بشبهة وقال أبو حنيفة والشافعي لا عدة عليها لأنه وطئ لا تصير به فراشا أشبه وطئ الصغير
ولنا ما ذكرناه وإذا لم يصح نكاح الحامل فغيرها الولي ولان وطئ الحامل لا يفضي إلى اشتباه
النسب وغيرها يحتمل أن يكون ولدها من الأول ويحتمل أن يكون من الثاني فيفضي إلى اشتباه الأنساب
فكان التحريم أولى ولأنه وطئ في القبل فأوجب العدة كوطئ الشبهة ولا يسلم وطئ الصغير الذي
يمكنه الوطئ (والشرط الثاني) ان تتوب من الزنا وبه قال قتادة وإسحاق وأبو عبيد وقال أبو حنيفة
ومالك والشافعي لا يشترط ذلك لا روي أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنا وحرص ان يجمع بينهما
فأبي الرجل وروي ان رجلا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية فقال يجوز أرأيت لو سرق من كرم ثم
ابتاعه أكان يجوز
ولنا قول الله عز وجل وحرم ذلك على المؤمنين وهي قبل التوبة في حكم الزنا فإذا ثابت زال
503

ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له - وقوله - التوبة تمحوا الحوبة) وروي ان مرثد
الغنوي دخل مكة فرأي امرأة فاجرة يقال لها عناق فدعته الين نفسها فلم يجبها فلما قدم المدينة سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال له أنكح عناق؟ فلم يجبه فنزل قوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة والزانية
لا ينكحها الا زان أو مشرك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلي عليه الآية وقال لا تنكحها ولأنها لو كانت مقيمة
على الزنا لا يأمن ان تلحق به ولدا من غيره وتفسد فراشه وأما حديث عمر فالظاهر أنه استتابهما
وحديث ابن عباس ليس فيه بيان ولا تعرض له بمحل النزاع إذا ثبت هذا فعدة الزانية كعدة المطلقة
لأنه استبراء لحرة أشبه عدة الموطوءة بشبهة وحكى ابن أبي موسي عن أحمد انها تستبرأ بحيضة لأنه
ليس من نكاح ولا شبهة نكاح فأشبه استبراء أم الولد إذا عتقت وأما التوبة فهي الاستغفار والندم
والاقلاع عن الذنب كالتوبة من سائر الذنوب وروي عن أبن عمر انه قيل له كيف تعرف توبتها؟ قال
يريدها على ذلك فإن طاوعته فلم تتب وان أبت فقد تابت فصار احمد إلى قول ابن عمر اتباعا له
قال شيخنا والصحيح الأول فإنه لا ينبغي لمسلم ان يدعوا امرأة إلى الزنا ويطلبه منها فإن طلبه
منها أنما يكون في خلوة ولا تحل الخلوة بأجنبية ولو كان في تعليمها القرآن فكيف في مراودتها على
الزنا؟ ثم لا يأمن ان أجابته إلى ذلك أن يعود إلى المعصية فلا يحل التعريض لمثل هذا ولان التوبة من
سائر الذنوب في حق سائر الناس إلى سائر الأحكام على غير هذا الوجه فكذلك هذا
504

(فصل) وإذا وجد الشرطان حل نكاحها للزاني وغيره في قول أكثر أهل العلم منهم أبو بكر
وعمر وابنه ابن عباس وجابر وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن والزهري والثوري والشافعي وابن
المنذر وأصحاب الرأي وقد روى عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة انها لا تحل للزاني بحال
قالوا لا يزالا زانيين ما اجتمعا لعموم الآية والخبر فيحتمل انهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة
أو قبل استبرائها فيكون كقولنا، فاما تحريمها على الاطلاق فلا يصح لقول الله تعالى (وأحل لكم ما وراء
ذلكم) ولأنها محللة لغير الزاني فحلت له كغيرها
(فصل) فإن زنت امرأة رجل أو زنى زوجها لم يفسخ النكاح سواء كان قبل الدخول أو بعده في
قول عامة أهل العلم منهم عطاء والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وعن جابر بن
عبد الله ان المرأة إذا زنت يفرق بينهما وليس لها شئ وكذلك روي عن الحسن وروي عن علي رضي
الله عنه انه فرق بين رجل وامرأته زنى قبل أن يدخل بها واحتج لهم بأنه لو قذفها ولاعنها بانت
منه لتحققه الزنا عليها فدل على أن الزنا يبينها
ولنا ان دعوى الزنا عليها لا يبينها ولو كان النكاح ينفسخ به لا نفسخ بمجرد دعواه كالرضاع ولأنها
505

معصية لا تخرج عن الاسلام فأشبهت السرقة، فأما اللعان فإن يقتضي الفسخ بدون الزني بدليل انها إذا
لاعنته فقد قابلته فلم يثبت زناها ولذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الحد على من قذفها والفسخ واقع ولكن
احمد استحب للزوج مفارقة امرأته إذا زنت وقال لا أرى ان يمسك مثل هذه لأنه لا يؤمن ان تفسد
فراشه وتلحق به ولدا ليس منه، قال ابن المنذر لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه
التحريم فيكون مثل قول أحمد ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض لما روي رويفع بن ثابت قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماء زرع غيره) يعنى اتيان الحبالى
ولأنها ربما تأتي بولد من الزنا فينسب إليه، والأولى انه يكفي ان يستبري بحيضة واحدة لأنها تكفي
في استبراء الإماء وفي أم الولد إذا عتقت بموت سيدها أو باعتاقه فكفي ههنا ولان المقصود مجرد
الاستبراء وقد حصل بحيضة فاكتفى بها
(فصل) إذا علم الرجل من أمته الفجور فقال احمد لا يطؤها لعلها ان تلحق به ولدا ليس منه قال ابن مسعود
أكره ان أطأ أمتي وقد بغت، وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان ينهى أن يطأ الرجل
أمته وفي بطنها ولد جنين لغيره قال ابن عبد البر هذا مجمع على تحريمه وكان ابن عباس يرخص في وطئ الأمة
الفاجرة وروي ذلك عن سيعد بن المسيب ولعل من كره ذلك كرهه قبل الاستبراء إذا لم يحصنها ويمنعها من
الفجور ومن اباحه أباحه بعدهما فيكون القولان متفقين والله أعلم.
506

(مسألة) (وتحرم مطلقته ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره)
لقول الله تعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) بعد قوله (الطلاق مرتان)
وسنذكر هذا في باب الرجعة بأبسط من هذا إن شاء الله تعالى
(مسألة) (وتحرم المحرمة حتى تحل)
يحرم نكاح المحرمة ويحرم على المحرم أن يعقد النكاح في حال احرامه فإن عقد أحد نكاحها
لمحرم أو على محرمة أو عقد المحرم نكاحا لنفسه أو لغيره لم يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينكح المحرم
ولا ينكح ولا يخطب) رواه مسلم وعنه أن عقد المحرم النكاح لغيره صحيح لأنه حرم عليه
لكونه من دواعي الوطئ ولا يحصل ذلك بكونه وليا والأول أولى لعموم الخبر وقد ذكرنا هذه المسألة
في الحج وذكرنا الاختلاف فيها
(مسألة) (ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال) لقول الله تعالى (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)
ولقوله سبحانه (لا هن حل لهم) ولا نعلم خلافا في ذلك.
(مسألة) (ولا يحل لمسلم نكاح كافرة بحال الا حرائر أهل الكتاب)
ليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حل نساء أهل الكتاب للمسلم وممن روي عنه ذلك
عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم قال ابن المنذر لا يصح عن أحد من الأوائل أنه
حرم ذلك، وروى الخلال باسناده ان حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبدي تزوجوا نساء
507

من أهل الكتاب وبه قال سائر أهل العلم ولم ينقل تحريمه الا عن الإمامية تمسكا بقوله تعالى (ولا تنكحوا
المشركات ولا تمسكوا بعصم الكوافر)
ولنا قول الله تعالى (اليوم أحل لكم الطيبات - إلى قوله - والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب
من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) وإجماع الصحابة. فأما قول سبحانه (ولا تنكحوا المشركات)
فروي عن ابن عباس أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية
الأخرى لأنهما متقدمتان والآية التي في المائدة متأخرة عنها، وقال آخرون ليس هذا نسخا فإن لفظة
المشركين باطلاقها لا تتناول أهل الكتاب بدليل قوله سبحانه (لم يكن الذين كفروا من أهل
الكتاب والمشركين منفكين) وقال (ان الذين كفروا من أهل الكتاب) وقال (لتجدن أشد الناس
عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) وقال (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين)
وسائر آي القرآن تفصل بينهما فدل على أن لفظة المشركين باطلاقها لا تتناول أهل الكتاب وهذا
معنى قول سعيد بن جبير وقتادة ولان ما احتجوا به عام في كل كافر وما بينا خاص في حل نساء أهل الكتاب
والخاص يجب تقديمه إذا ثبت هذا فالأولى أن لا يتزوج كتابية لأن عمر قال للذين تزوجوا نساء
أهل الكتاب طلقوهن ففعلوا الا حذيفة فقال له عمر طلقها قال أتشهد انها حرام؟ قال هي حرة طلقها قال
تشهد انها حرام قال هي حرة قال قد علمت أنها حرة ولكنها لي حلال فلما كان بعد طلقها فقيل له
508

الا طلقتها حين أمرك عمر قال كرهت ان يرى الناس اني ركبت أمرا لا ينبغي لي، ولأنه ربما مال إليها
قلبه ففتنته وربما كان بينهما ولد فيميل إليها
(فصل) وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم أهل التوراة والإنجيل قال الله تعالى (ان تقولوا إنما
أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) فإن أهل التوراة اليهود والسامرة وأهل الإنجيل النصاري ومن
وافقهم من الأرمن وغيرهم، وأما الصابئون فاختلف فيهم السلف كثيرا فروي عن أحمد انهم جنس من النصاري
ونص عليه الشافعي وعلق القول فيهم في موضع آخر وعن أحمد قال بلغني انهم يسبتون فهؤلاء إذا
يشبهون اليهود والصحيح فيهم انهم ان كانوا يوافقون اليهود أو النصاري في أصل دينهم ويخالفونهم في
فروعه فهم ممن وافقوهم وان خالفوهم في أصل الدين فليس هم منهم، فأما من سوى هؤلاء من الكفار مثل
المتمسك بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فليسوا باهل كتاب لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم وهذا
قول الشافعي وذكر القاضي فيه وجها آخر أنهم من أهل الكتاب تحل ذبائحهم ونكاح نسائهم
ويقرون بالجزية لأنهم تمسكوا بكتاب من كتاب الله فأشبهوا اليهود والنصارى
ولنا قول الله تعالى (ان تقولوا إنما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ولان تلك الكتب كانت مواعظ
وأمثالا فيها أحكام فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على الأحكام
(فصل) فأما المجوس فليس لهم كتاب ولا تحل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم نص عليه أحمد وهو قول
509

عامة العلماء الا أبا ثور فإنه أباح ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) ولأنه يروي أن
حذيفة تزوج مجوسية ولأنهم يقرون بالجزية فأشبهوا اليهود والنصارى
ولنا قول الله تعالى (ولا تنكحوا المشتركات) وقوله (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) فحص ذلك أهل
الكتاب فمن عداه يبقى على العموم ولا يثبت أن للمجوس كتابا وسئل أحمد أيصح ان للمجوس كتابا
فقال هذا باطل واستعظمه جدا ولو ثبت أن لهم كتابا فقد بينا أن حكم أهل الكتاب لا يثبت بغير أهل
الكتابين، وقوله عليه الصلاة والسلام (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) دليل على أنه كتاب لهم وإنما
أراد النبي صلى الله عليه وسلم في حقن دمائهم واقرارهم بالجزية لا غير وذلك أنهم لما كانت لهم شبهة كتاب غلب ذلك
في تحريم دمائهم فيجب أن يغلب حكم التحريم لنسائهم وذبائحهم فانا إذا غلبنا الشبهة في التحريم فتغليب
الدليل الذي عارضته الشبهة في التحريم أولى، ولم يثبت أن حذيفة تزوج مجوسية وقال أبو وائل يقول
تزوج بيهودية وهو أوثق ممن روى عنه أنه تزوج مجوسية وقال ابن سيرين كانت امرأة حذيفة نصرانية
ومع تعاض الروايات لا يثبت حكم إحداهن إلا بترجيح ولو ثبت عن حذيفة لم يجز الاحتجاج به مع
مخالفة الكتاب وقول سائر العلماء، أما اقرارهم بالجزية فلأننا غلبنا حكم التحريم لدمائهم فيجب ان
نغلب حكم التحريم في ذبائحهم ونسائهم.
510

(مسألة) (فإن كان أحد أبويها غير كتابي أو كانت من نساء بني تغلب فهل تحل
له؟ على روايتين)
إذ كان أحد أبوي الكافرة كتابيا والآخر غير كتابي لم يحل نكاحها في إحدى الروايتين اختارها
الخرقي سواء كان وثنيا أو مجوسيا أو مرتدا، وبهذا قال الشافعي فيما إذا كان الأب غير كتابي لأن
الولد ينسب إلى أبيه ويشرف بشرفه وينسب إلى قبيلته وان كانت الأم فله فيه قولان
ولنا أنها غير متمحضة من أهل الكتاب أشبه ما لو كان أبوها وثنيا ولأنها متولدة بين من يحل ومن لا
يحل فلم يحل كالسمع والبغل وفيه رواية ثانية انها تحل بكل حال لدخولها في عموم الآية المبيحة ولأنها
كتابية فأشبهت من أبواها كتابيان وعلى هذا فالحكم فيمن أبواها غير كتابين كالحكم فيمن أحد
أبويها غير كتابي لأنها إذا حرمت بكون أحد أبويها وثنيا فلان تحرم إذا كانا وثنين أولى وعلى الرواية
التي تقول لا تحرم فهو متحقق وإن كان أبواها وثنيين اعتبارا بحال نفسها دون أبويها
(فصل) فإن كانت من نساء بني تغلب ففيها أيضا روايتان (إحداهما) تحل وهي أصح لدخولها
في قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهم اليهود والنصارى) والثانية تحرم نساء بني
تغلب لأنا لا نعلم دخولهم في دينهم قبل تبديل كتابهم
(فصل) وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار والشجر
511

والحيوان فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم وذلك لما ذكرنا من الآيتين وعدم
المعارض لهما، والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت لأنه لم يثبت لها حكم أهل الدين الذي انتقلت
إليه باقرارها عليه ففي حلها أولى
(مسألة) (وليس للمسلم وإن كان عبدا نكاح أمة كتابية وعنه يجوز)
ظاهر مذهب احمد ان ذلك لا يجوز رواه عنه جماعة، وهو قول الحسن والزهري ومكحول
ومالك والشافعي والثوري والأوزاعي والليث وإسحاق، وروي ذلك عن عمر وابن مسعود
ومجاهد وقال أبو ميسرة وأبو حنيفة يجوز للمسلم نكاحها لأنها تحل يملك اليمين فحلت بالنكاح كالمسلمة
ونقل ذلك عن أحمد قال لا بأس بتزويجها الا ان الخلال رد هذه الرواية وقال إنما توقف احمد
فيها ولم ينفد له قول ومذهبه أنها لا تحل لقول الله تعالى (فمما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات)
فشرط في إباحة نكاحهن الايمان ولم يوجد، وتفارق المسلمة لأنه لا يؤدي إلى استرقاق الكافر
ولدها لأن الكافر لا يقر ملكه على مسلة والكافرة تكون ملكا لكافر ويقر ملكه عليها وولدها
مملوك لسيدها ولأنه عقد اعتوره نقصان نقص الكفر والملك فإذا اجتمعا منعا كالمجوسية لما اجتمع فيها
نقص الكفر وعدم الكتاب لم يبح نكاحها، ولا فرق بين الحر والعمد والعبد في تحريم نكاحها لعموم ما ذكرنا
512

من الدليل ولان ما حرم على الحرد ذبحه من أجل دينه حرم على العبد كالمجوسية
(مسألة) (ولا يحل لحر نكاح أمة مسلمة الا ان يخاف العنت ولا يجد طولا لنكاح حرة ولا ثمن أمة)
الكلام في هذا المسألة في فصلين
(إحداهما) انه يحل له نكاح الأمة المسلمة إذا وجد فيه الشرطان: خوف العنت وعدم الطول
وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم فيه اختلافا لقول الله سبحانه (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية
والصبر عنها مع ذلك خير وأفضل لقول الله تعالى (وان تصبروا خير لكم)
(الفصل الثاني) إذا عدم الشرطان أو أحدهما لم يحل نكاحها لحر روي ذلك عن جابر وابن عباس
وبه قال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن دينار ومكحول ومالك والشافعي وإسحاق، وقال مجاهد
مما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة وإن كان موسرا وبه قال أبو حنيفة الا أن يكون تحته حرة
لأن القدرة على النكاح لا تمنع من النكاح كما يمنعه وجود النكاح كنكاح الأخت والخامسة، وقال قتادة
والثوري إذا خاف العنت حل له نكاح الأمة وان وجد الطول لأن إباحتها لضرورة خوف العنت وقد
وجدت ولا يندفع الا بنكاح الأمة فأشبه عدم الطول
ولنا قول الله سبحانه وتعالى (ومن سلم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت
أيمانكم من فتياتكم المؤمنات - إلى قوله - ذلك لمن خشي العنت) فشرط في نكاحها عدم استطاعة الطول
513

فلم يجز مع الاستطاعة لفوات شرطه وكالصوم في كفارة الظهار مع استطاعة الاعتاق، ولان في تزويج
الأمة ارقاق ولده مع الغني عنه فلم يجز كما لوك ان تحته حرة، وقياسهم لا يصح لأن نكاح الخامسة والأخت
إنما حرم لأجل الجمع وبالقدرة على الجمع لا يصير جامعا، والعلة ههنا هو الغني عن ارقاق ولده وذلك
يحصل بالقدرة على نكاح الحرة، وأما من يجد الطول ويخاف العنت فإن كان ذلك لكونه لا يجد إلا حرة
صغيرة أو غائبة أو مريضة لا يمكن وطؤها أو وجد مالا ولم يزوج لقصور نسبه فله نكاح الأمة نص
عليه أحمد في الغائبة وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يجوز لوجدان الطول
ولنا أنه غير مستطيع للطول إلى حرة تعفه فأشبه من لا يجد شيئا ألا ترى أن الله سبحانه نزل
ابن السبيل الذي له اليسار في بلده فقيرا لعدم قدرته عليه في الحال وان كانت له حرة يتمكن من وطئها
والعفة بها فليس بخائف العنت
(فصل) فإن قدر على شراء أمة تعفه فهو كما لو وجد طول الحرة لا يحل له نكاح الأمة لأنه أمكنه
صيانة ولده عن الرق فأشبه القادر على طول الحرة وكذلك ان قدر على تزويج كتابية تعفه وهذا
ظاهر مذهب الشافعي وذكروا وجها آخر أنه لا يجوز لقول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن
ينكح المحصنات المؤمنات) وهذا غير مستطيع لذلك
514

ولنا قول الله تعالى (ذلك لمن خشي العنت منكم) وهذا غير خائف له لأنه قدر على صيانة ولده من
الرق فلم يجز له ارقاقه كما لو قدر على نكاح مؤمنة
(فصل) ومن كانت تحته حرة يمكن أن يستعف بها لم يجز له نكاح أمة لا نعلم في هذا خلافا ولا
فرق بين المسلمة والكتابية في ذلك لما ذكرنا من قبل
(فصل) ومن لم يجد طولا لكن وجد من يقرضه ذلك لم يلزمه لأن عليه ضررا في بقاء الدين
في ذمته ولصاحبه مطالبته بقرضه وكذلك ان بذل له باذن أن يزنه عنه أو يهبه إياه لم يلزمه لما
عليه من ضرر المنة في نكاح الأمة، فإن لم يجد من يزوجه الا بأكثر من مهر المثل وكان قادرا عليه
ولا يجحف به لم يكن له نكاح الأمة، وقال أصحاب الشافعي له ذلك كما لو لم يجد الماء الا بزيادة
على ثمن المثل فله اليتيم.
ولنا قول الله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) وهذا مستطيع ولأنه قادر على نكاح حرة بما لا
يضره فلم يجز له ارقاق ولده كما لو كان بمهر مثلها، وما ذكروه ممنوع ثم إن هذا مفارق لليتيم من وجهين
(أحدهما) أن التيمم رخصة عامة وهذا أبيح للضرورة ومع القدرة على الحرة لا ضرورة (الثاني) أن
التيمم يتكرر فايجاب شرائه بزيادة على ثمن المثل يفضى إلى اجحاف به وهذا لا يتكرر فلا ضرر فيه
(فصل) فإن كان في يده مال فذكر أنه معسر وان المال لغيره فالقول قوله لأنه حكم بينه وبين
515

الله سبحانه وتعالى فقبل قوله فيما كما لو ادعى مخافة العنت، ومتى تزوج الأمة ثم ذكر أنه كان موسرا
حال النكاح فرق بينهما لأنه أقر بفساد نكاحه وهكذا ان أقر أنه لم يكن يخشى العنت فإن كان قبل
الدخول فصدقه السيد فلا مهر وان كذبه فله نصف المهر لأنه يدعي صحة النكاح والأصل معه وإن كان
بعد الدخول فعليه المسمى جميعها، فإن كان مهر المثل أكثر من المسمى فعلى قول من أوجب مهر
المثل في النكاح الفاسد يلزمه مهر لاقراره به وإن كان المسمى أكثر وجب وللسيد أن لا يصدقه فيما
قال فيكون له من المهر ما يجب في النكاح الفاسد وهل ذلك المسمى أو مهر المثل؟ على روايتين
(مسألة) (فإن تزوجها وفيه الشرطان ثم أيسر أو نكح حرة فهل يبطل نكاح الأمة؟ على روايتين)
أما إذا أيسر فظاهر المذهب أنه لا ينفسخ نكاح الأمة وهو الذي ذكره الخرقي وهو مذهب
الشافعي وفيه رواية أنه يفسد نكاح الأمة وهو قول المزني لأنه أبيح للحاجة فإن زالت الحاجة لم يجز
استدامته كمن أبيح له أكل الميتة للضرورة فإذا وجد الحلال لم يستدمه
ولنا أن فقد الطول أحد شرطي إباحة نكاح الأمة فلم يعتبر استدامته لخوف العنت، ويفارق أكل
الميتة فإن أكلها بعد القدرة ابتدأ الاكل وهذا لا يبتدئ النكاح إنما يستديمه والاستدامة للنكاح تخالف
ابتداءه بدليل أن العدة والردة وامن العنت يمنعن ابتداءه دون استدامته (فصل) فإن تزوج على الأمة حرة صح وفى بطلان نكاح الأمة روايتان
516

(إحداهما) لا يبطل وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والشافعي وأصحاب الرأي وروي معنى ذلك
عن علي رضي الله عنه.
(والثانية) ينفسخ نكاح الأمة وهو قول ابن عباس ومسروق وإسحاق والمزني، ووجه الروايتين
ما تقدم في المسألة قبلها وقال النخعي إن كان له من الأمة ولد لم يفارقها والا فارقها ولا يصح لأن ما
كان مبطلا للنكاح في غير ذات الولد ابطله في ذات الولد كسائر مبطلاته ولان ولده منها مملوك لسيدها
ونفقته عليه، وقد استدل على بقاء النكاح بما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال إذا تزوج الحرة
على الأمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة ولأنه لو بطل بنكاح الحرة لبطل بالقدرة عليه فإن القدرة على
المبدل كاستعماله بدليل الماء مع التراب
(مسألة) (وان تزوج حرة وأمة فلم تعفه ولم يجد طولا لحرة أخرى فهل له نكاح أمة
أخرى؟ على روايتين)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في إباحة أكثر من أمة إذا لم تعفه فعنه أنه قال إذا خشي العنت
تزوج أربعا إذا لم يصبر كيف يصنع؟ وهذا قول الزهري والحارث العكلي وما لك وأصحاب الرأي وعنه أنه قال
لا يعجبني أن يتزوج الا أمة واحدة يذهب إلى حديث ابن عباس قال الحر لا يتزوج من الإماء الا واحدة
وقرأ (ذلك لمن خشي العنت منكم) وبه قال قتادة والشافعي وابن المنذر كأن من له زوجة يمكنه وطؤها لا يخاف
517

العنت، ووجه الأولى قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية وهذا داخل في عمومها ولأنه عادم
للطول خائف للعنت فجاز له نكاح أمة كالأولى، وقولهم لا يخشى العنت قلنا الكلام فيمن يخشاه وقول ابن
عباس يحمل على من لم يخش العنت وكذلك الرواية الأخرى عن أحمد، فإن كان تحته حرة لم تنفه ففيها
الروايتان أيضا مثل نكاح الأمة ذكرهما أبو الخطاب إذا لم تعفه الأمة لما ذكرنا، فإن كانت الحرة تعفه
فلا خلاف في تحريم نكاح الأمة خ الأخرى، فإن نكح أمتين في عقد وهو يستعف بواحدة فنكاحهما باطل
لأنه يبطل في إحداهما وليست بأولى من الأخرى فبطل كما لو جمع بين أختين
(مسألة) (قال الخرقي وله ان يتزوج من الإماء أربعا إذا كان الشرطان فيه قائمين) لما ذكرنا
(مسألة) (وللعبد نكاح الأمة وان فقد فيه الشرطان) لأنه مساو لها فلم يعتبر فيه هذان الشرطان
كالحر مع الحرة وله نكاح أمتين معا وواحدة بعد واحدة لأن خشية العنت غير مشروطة فيه
(مسألة) (وهل له أن ينكحها على حرة على روايتين)
(إحداهما) له ذلك وهو قول مالك والشافعي لأنها مساوية له فلم يشترط لصحة نكاحها عدم الحرة
كالحر مع الحرة ولأنه لو اشترط عدم الحرة لاشترط عدم القدرة عليها كما في حق الحر (والثانية) لا يجوز
وهو قول أصحاب الرأي لأنه يروي عن سعيد بن المسيب أنه قال تنكح الحرة على الأمة ولا تنكح الأمة
على الحرة ولأنه مالك لبضع حرة فلم يكن له ان يتزوج أمة كالحر
518

(مسألة) (وان جمع بينهما في العقد جاز)
لأن كل واحدة منهما يجوز افرادها في العقد فجاز الجمع بينهما كالأمتين هذا إذا قلنا ليست حرية
الزوج شرطا في نكاح الحرة، ويتخرج ان لا يجوز بناء على قوله لا يجوز نكاح الأمة على حرة ولأنه لا يجوز
نكاح الأمة على الحرة فحرم عليه الجمع بينهما كالأختين
(مسألة) (وليس للعبد نكاح سيدته)
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن نكاح المرأة عبدها باطل لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض
إذ ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها وسفره بسفرها وطاعته إياها، ونكاحه إياها يوجب عكس
ذلك فيتنافيان ولما روى الأثرم باسناده عن أبي الزبير عن جابر أنه سأله عن العبد ينكح سيدته فقال
جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية وقد نكحت عبدها فانتهرها عمر وهم ان
يرجمها وقال لا يحل لك
(مسألة) (وليس للحر ان يتزوج أمته)
لأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه ولا يجوز، أن يتزوج
أمة له فيها ملك ولا يتزوج مكاتبته لأنها مملوكته
(مسألة) (ولا يجوز للحر ان يتزوج أمة ابنه لا ن له فيها شبهة ملك)
وهذا قول أهل الحجاز وقال أهل العراق له ذلك لأنها ليست مملوكة له ولا تعتق باعتاقه إياها
519

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) ولأنه لو ملك جزءا من أمة لم يصح نكاحه لها فما هي
مضافة بجملتها شرعا أولى بالتحريم وكذلك لا يجوز للعبد نكاح أمة سيده وسيدته مع ما ذكرنا من الخلاف
(فصل) ويجوز للعبد نكاح أمة ابنه لأن الرق قطع ولايته عن ابنه وماله وهذا لا يلي ماله ولا
نكاحه ولا يرث أحدهما صاحبه فهو كالأجنبي منه
(فصل) وللابن نكاح أمة أبيه لأنه لا ملك له فيها ولا شبهة ملك فأشبه الأجنبي وكذلك سائر
القرابات ويجوز للرجل ان يزوج ابنته لمملوكه، وإذا مات الأب فورث أحد الزوجين صاحبه أو جزء أمنه
انفسخ النكاح وكذلك ان ملكه أو جزءا منه بغير الإرث لا نعلم فيه خلافا الا ان الحسن قال إذا اشترى
امرأته للعتق فاعتقها حين ملكها فهما على نكاحهما ولا يصح لأنهما متنافيان فلا يجتمعان قليلا ولا كثيرا
بمجرد الملك لها انفسخ نكاحها سابقا على عتقها
(فصل) وان اشترى الحر زوجته أو جزءا منها ملكه بغير الشراء انفسخ نكاحها وكذلك ان
ملكت المرأة زوجها أو جزءا منه ولا نعلم في ذلك اختلافا لما ذكرناه، وان اشتراها ابنه فعلى وجهين
(إحداهما) ينفسخ النكاح لأن ملك الابن كملكه في اسقاط الحد وحرمة الاستيلاء فكان كملكه في
ابطال النكاح (والثاني) لا يبطل لأنه لا يملكها بملك الابن فلم يبطل نكاحه كالأجنبي
(فصل) وإذا ملكت المرأة زوجها أو بعضه فانفسخ نكاحها فليس ذلك طلاقا فمتى أعتقته ثم
520

تزوجها لم تحتسب بتطليقة وبهذا قال الحكم وحماد ومالك والشافعي وابن المنذر وإسحاق وقال الحسن
والزهري وقتادة والأوزاعي تحتسب هي بتطليقة ولا يصح لأنه لم يلفظ بطلاق صريح ولا كناية
وإنما فسخ النكاح بوجود ما ينافيه فأشبه انفساخه باسلام أحدهما
(فصل) ولو ملك الرجل بعض زوجته انفسخ نكاحها وحرم وطؤها في قول عامة المفتين حتى
يستخلصها فيحل له وطؤها بملك اليمين وروي عن قتادة انه لم يزده ملكه فيها إلا قربا وليس بصحيح
لأن النكاح لا يبقى في بعضها وملكه لم يتم عليها ولا يثبت الحل فيما لا يملكه ولا نكاح فيه
(مسألة) (ومن جمع بين محللة ومحرمة في عقد واحد فهل يصح فيمن تحل؟ على روايتين)
وإذا عقد النكاح على أخته وأجنبية معا بان يكون لرجل أخت وابنة عم إحداهما رضيعة للمتزوج
فيقول له زوجتكهما فيقبل ذلك فالمنصوص صحة نكاح الأجنبية فيما ذكره الخرقي ونص فيمن تزوج
حرة وأمة أنه يثبت نكاح الحرة ويفارق الأمة وذكر شيخنا فيه روايتين إحداهما يفسد فيهما وهو أحد
قولي الشافعي واختاره أبو بكر لأنه عقد واحد جمع حلالا وحراما فلم يصح كما لو جمع بين أختين
والثانية يصح في الحرة وهو أظهر الروايتين وهو قول مالك والثوري وأصحاب الرأي لأنها محل قابل
521

للنكاح وأضيف إليها عقد صادر من أهله لم يجتمع معها فيه مثلها فصح كما لو انفردت به وفارق العقد على
الأختين لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى وهاهنا قد تعينت التي بطل النكاح فيها فعلى هذا القول يكون
لها من المسمى بقسط مهر مثلها منه وفيه وجه آخر ان لها نصف المسمى وأصل هذين الوجهين إذا
تزوج امرأتين يجوز له نكاحهما بمهر واحد هل يكون بينهما على قدر صداقهما أو نصفين؟ على وجهين
يأتي ذكر هما انشاء الله تعالى
(فصل) ولو تزوج يهودية ومجوسية أو محللة أو محرمة في عقد واحد فسد في المجوسية والمحرمة
وفي الأخرى وجهان وان نكح أربع حرائر وأمة فسد في الأمة وفي الحرائر وجهان وان نكح العبد
حرتين وأمة بطل نكاح الجميع وان تزوج امرأة وابنتها فسد فيهما لأن الجمع بينهما محرم فلا
يصح فيهما كالأختين
(مسألة) (وكل من حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين الا إماء أهل الكتاب)
الكلام في هذه المسألة في فصلين (أحدهما) ان أهل الكتاب حلال وهذا قول عامة أهل العلم الا
الحسن فإنه كرهه لأن الأمة الكتابية يحرم نكاحها فحرم التسري بها كالمجوسية
ولنا قول الله تعالى (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) ولأنها ممن يحل نكاح
حرائرهم فحل له التسري بها كالمسلمة فأما نكاحها فيحرم لأنه فيه ارقاق ولده وابقاؤه مع كافرة بخلاف
522

التسري (الفصل الثاني) ان من حرم نكاح حرائرهم من المجوسيات وسائر الكوافر سوى أهل
أهل الكتاب لا يباح وطئ الإماء منهن بملك اليمين في قول أكثر أهل العلم منهم الزهري وسعيد بن
جبير والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي قال ابن عبد البر على هذا جماعة فقهاء الأمصار
وجمهور العلماء وما خالفه فشذوذ لا يعد خلافا ولم يبلغنا إباحة ذلك الا عن طاوس لقول تعالى (والمحصنات
من النساء الا ما ملكت أيمانكم) وقوله (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت
ايمانهم) الآية وروى أبو سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم خيبر بعثها قبل أن طاس فأصابوا لهم
سبايا فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرجون من غشيانهن من أجل أزواجهن
من المشركين فأنزل الله عز وجل في ذلك (والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم) قال فهن
لهم حلال إذا انقضت عدتهن وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سببا أو طاس (لا توطأ حامل حتى
تضع ولا ذات حليل حتى تحيض حيضة) رواهما أبو داود وهذا صحيح وهم عبدة الأوثان وهذا ظاهر
في إباحتهن ولان الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر سباياهم من كفار العرب وهم عبدة الأوثان
فلم يكونوا يرون تحريمهن لذلك ولا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهن ولا أمر الصحابة باجتنابهن وقد
دفع أبو بكر إلى سلمة بن الأكوع امرأة من بعض السبي نفله إياها وأخذ عمر وابنه من سبي هوازن
وكذلك غيرهما من الصحابة وأم محمد بن الحنفية من سبي بني حنيفة وأخذ الصحابة سبايا فارس وهم
523

مجوس فلم يبلغنا أنهم اجتنبوهن وهذا ظاهر في إباحتهن لولا اتفاق سائر أهل العلم على خلافه وقد
أجبت عن حديث أبي سعيد بأجوبة منها أنه يحتمل أنهن أسلمن كذلك روى عن أحمد حين سأله
محمد بن الحكم قال قلت لأبي عبد الله أليس كانوا عبدة أوثان؟ قال لا أدري كانوا أسلموا أولا؟ وقال
ابن عبد البر إباحة وطئهن منسوخة بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)
(فصل) قال رحمه الله ولا يحل نكاح خنثى مشكل حتى يتبين أمره نص عليه في رواية الميموني
وذكره أبو إسحاق مذهبا للشافعي وذلك لأنه لم يتحقق وجود ما يبيح له النكاح فلم يصح له كما لو
اشتبهت عليه أخته بنسوة ولأنه قد اشتبه المباح بالمحظور في حقه فحرم لما ذكرنا وقال الخرقي إذا قان
أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء ولم يكن له ان ينكح بغير ذلك بعد وان قال أنا امرأة لم ينكح إلا
رجلا وذلك لأنه لا يخلو من أن يكون رجلا أو امرأة قال الله تعالى (وانه خلق الزوجين الذكر
والأنثى) وقال تعالى (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) وليس ثم خلق ثالث فإذا كان مشكلا لم
يظهر فيه علامات الرجال ولا النساء فقد اختلف فيه أصحابنا واختار الخرقي أنه يرجع إلى قوله قال
ذكر انه رجل وانه بميل طبعه إلى نكاح النساء فله نكاحهن وان ذكر انه امرأة بميل إلى طبعه إلى
524

الرجال زوج رجل لأنه معنى لا يتوصل إليه إلا من جهته وليس فيه إيجاب حق إلى غيره فقبل قوله فيه
كما يقبل قول المرأة في حيضها وعدتها وقد يعرف نفسه بميل طبعه إلى أحد الصنفين وشهوته له فإن
الله تعالى أجرى العادات في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى وميلها إليه وهذا الميل أمر في النفس
والشهوة ولا يطلع عليه غيره وقد تعذرت علينا معرفة علاماته الظاهرة فيرجع فيه إلى الأمور الباطنة
فيما يختص هو بحكمه وأما الميراث والدية فإن أقر على نفسه بما يقلل ميراثه أوديته قبل منه وان ادعى
ما بزيد ذلك لم يقبل لأنه متهم فيه فلا يقبل قوله على غيره وما كان من عباداته وسترته وغير ذلك
فينبغي أن يقبل قوله فيه لأنه حكم بينه وبين الله تعالى قال القاضي ويقبل قوله في الإمامة وولاية
النكاح وما لا يثبت حقا على غيره وإذا زوج امرأة ورجلا ثم عاد فقال خلاف قوله الأول لم يقبل قوله
في التزويج بغير الجنس الذي زوجه أولا لأنه مكذب لنفسه ومدع ما يوجب الجمع بين
تزويج الرجال والنساء
(مسألة) (فإن تزوج امرأة فقال أنا امرأة انفسخ نكاحه) لاقراره ببطلانه ولزمه نصف المهر
إن كان قبل الدخول وجميعه إن كان بعده ولا يحل له بعد ذلك أن ينكح لأنه أقر بقوله أنا رجل بتحريم
الرجال وأقر بقوله انا امرأة بتحريم النساء
(مسألة) (وان تزوج رجلا ثم قال أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ نكاحه) لأنه لا حق عليه
525

فإذا أزال نكاحه فلا مهر له لأنه يقر أنه لا يستحقه وسواء دخل أو لم يدخل ويحرم النكاح
بعد ذلك لما ذكرنا.
باب الشروط في النكاح
وهي قسمان صحيح وفاسد فالصحيح نوعان (أحدهما) يقتضيه العقد كتسليم المرأة إليه وتمليكه
من الاستمتاع بها فهذا لا يؤثر في العقد وجوده كعدمه (الثاني) شرط ما تنتفع به المرأة كزيادة على مهرها
أو نقد معين فهو صحيح يجب الوفاء به كالثمن في المبيع
(مسألة) (فإن شرط ان لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى
فهو صحيح لام فإن وفي به وإلا فلها الفسخ)
يروي ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم
وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاوس والأوزاعي وإسحاق وأبطل هذه الشروط
الزهري وقتادة وهشام بن عروة ومالك والليث والثوري والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال
أبو حنيفة والشافعي يفسد المهر ولها مهر المثل واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في
كتاب
الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) وهذا ليس في كتاب الله لأن الشرع لا يقتضيه وبقول النبي
526

صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) وهذا يحرم الحلال وهو التزويج
والتسري والسفر ولان هذا شرط ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه ولم بين على التغليب والسراية
فكان فاسدا كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أحق ما وفيتم به الشروط ما استحللتم به الفروج) رواه سعيد - وفي لفظ -
(ان أحق الشروط أن توفوا بهاما استحللتم به الفروج)) متفق عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على
شروطهم) ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا وروي
الأثرم بأسناده أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال لها شرطها
فقال الرجل إذا يطلقننا فقال عمر مقاطع الحقوق عند الشروط ولأنه شرط له فيه منفعة ومقصود لا يمنع
المقصود من النكاح فكان لازما كما لو اشترطت زيادة في المهر أو غير نقد البلد وأما قوله صلى الله
عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أي ليس في حكم الله وشرعه وهذا مشروع قد ذكرنا
ما دل على مشروعيته وعلى من نفي ذلك الدليل وقولهم ان هذا يحرم الحلال قلنا لا يحرم حلالا وإنما
يثبت للمرأة خيار الفسخ ان لم يف لها به وقولهم ليس من مصلحة العقد ممنوع فإنه من مصلحة المرأة
وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة عقده كاشتراط الرهن والضمين ثم يبطل بالزيادة على مهر
527

المثل وإذا ثبت أنه شرط لازم فلم يف به فلها الفسخ ولهذا قال عمر للذي قضي عليه بلزوم الشرط حين
قال إذا يطلقننا مقاطع الحقوق عند الشروط ولم يلتفت إلى قوله ولأنه شرط لازم في عقد فيثبت حق
الفسخ في ترك الوفاء به كالرهن في البيع
(مسألة) (وان شرط لها طلاق ضرتها فقال أبو الخطاب هو صحيح)
لأنه شرط لا ينافي العقد ولها فيه فائدة فأشبه ما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها قال شيخنا ولم
أر هذا لغيره ويحتمل أنه باطل وهو الصحيح لما روى أبو هريرة قال نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تشرط المرأة
طلاق أختها وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في صفحتها ولتنكح
فإن لها ما قدر لها) رواهما البخاري والنهي يقتضي فساد المنهي عنه لأنها شرطت عيه فسخ عقده وابطال
حقه وحق امرأته فلا يصح كما لو شرطت فسخ بيعه وعلى قياس هذا ما لو شرطت عليه ببيع
(مسألة) قال رضي الله عنه (القسم الثاني فاسد وهو ثلاثة أنواع (أحدهما) ما يبطل النكاح وهو
ثلاثة أشياء (أحدها) نكاح الشغار وهو أن يتزوجه وليته على أو يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما)
قيل إنما سمي هذا النكاح شغارا لقبحه تشبيها برفع الكلب رجله ليبول في الفتح يقال شغر الكلب
إذا رفع رجله ليبول وحكي عن الأصمعي أنه قال الشغار الرفع فكان كل واحد منهما رفع رجله للآخر
528

عما يريد ولا تختلف الرواية عن أحمد في أن نكاح الشغار فاسد رواه عنه جماعة قال أحمد وروي عن
عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا فيه وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وحكي عن عطاء وعمرو بن دينار
ومكحول والزهري والثوري أنه يصح وتفسد التسمية ويجب مهر المثل لأن الفساد من قبل المهر لا يوجب
فساد العقد كما لو تزوج على خمر أو خنزير وهذا كذلك
ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن الشغار متفق عليه وروي أبو هريرة مثله
أخرجه مسلم وروي الأثرم باسناده عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا جلب
ولا جنب ولا شغار في الاسلام) ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح كما لو قال
يعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي قولهم ان فساده من قبل التسمية قلنا بل فساده من جهة أنه وقفه
على شرط فاسد ولأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج فإنه جعل تزوجيه إياها مهر للأخرى فكأنه
ملكه إياه بشرط انتزاعه منه إذا ثبت هذا فلا فرق بين ان يقول على أن صداق كل واحدة منهما
يضع الأخرى أو لم يقل ذلك وقال الشافعي هو أن يقول ذلك ولا يمسى لكل واحدة صداقا لما روى ابن
عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك
ويكون بضع كل واحدة منهما مهرا في الأخرى
529

ولنا ما روى ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على
أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق هذا لفظ الحديث الصحيح المتفق عليه وفي حديث أبي
هريرة والشغار ان يقول الرجل للرجل زوجني بنتك وأزوجك ابنتي وزوجني أختك وأزوجك
أختي رواه مسلم وهذا يجب تقديمه لصحته وعلى أنه قد أمكن الجمع بينهما بأن يعمل بالجميع ويفسد
النكاح بأي ذلك كان ولأنه إذا شرط في نكاح إحداهما تزويج الأخرى فقد جعل بضع كل واحدة منهما
صداق الأخرى ففسد كما لو لفظ
(فصل) فإن سميا مع ذلك مهرا فقال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة
منهما مائة أو مهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل أو أكثر فالمنصوص عن أحمد صحته وهو
قول الشافعي لما تقدم من حديث ابن عمر وكأنه قد سمي صداقا فصح كما لو لم يشرط ذلك وقال الخرقي
لا يصح لحديث أبي هريرة ولما روى أبو داود عن الأعرج ان العباس بن عبد الله ابن العباس أنكح
عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان
فأمره ان يفرق بينهما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه شرط نكاح
إحداهما لنكاح الأخرى فلم يصح كما لو لم يسميا صداقا يحققه أن عدم التسمية ليس بمفسد للعقد بدليل
530

نكاح المفوضة فدل على أن المفسد هو الشرط وقد وجد ولأنه متلف في عقد فلم يصح كما لو قال بعتك
ثوبي بعشرة على أن تبيعني ثوبك بعشرين وهذا لا اختلاف فيه إذا لم يصرح بالتشريك فأما إن قال
زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنك ومهر كل واحدة منهما مائة وبضع الأخرى فالنكاح فاسد
لأنه صرح بالتشريك فلم يصح العقد كما لم يذكر مسمى
(فصل) ومتى قلنا بصحة العقد إذا سميا صداقا ففيه وجهان (أحدهما) تفسد التسمية ويجب مهر
المثل، هذا قول الشافعي لأن كل واحد منهما لم يرض بالمسمى الا بشرط ان يتزوج مولية صاحبه
فنقص المهر لهذا الشرط وهو باطل فإذا احتجنا إلى ضمان النقض صار المسمى مجهولا فبطل (والوجه
الثاني) ذكره القاضي في الجامع أنه يجب المسمى لأنه ذكر قدرا معلوما يصح أن يكون مهرا فصح كما
لو قال زوجتك على الف على أن لي منها مائة
(فصل) فإن سمى لأحدهما مهرا دون الأخرى فقال أبو بكر يفسد النكاح فيهما لأنه فسد في
إحداهما ففسد في الأخرى والأولى انه يفسد في التي لم يسم لها صداقا لأن نكاحها خلا من صداق
سوى نكاح الأخرى ويكون في التي سمي لها صداقا روايتان فيه تسمية وشرطا فأشبه ما لو سمى
لكل واحدة منهما مهرا ذكره القاضي هكذا
(فصل) فإن قال زوجتك جاريتي هذه على أن تزوجني ابنتك ويكون عتقها صداق لابنتك لم يصح
تزويج الجارية في قياس المذهب لأنه لم يجعل لها صداقا سوى تزويج ابنته وإذا زوجه ابنته على
أن يجعل رقبة الجارية صداقا لها صح لأن الجارية تصلح أن تكون صداقا وإذا زوج عبده امرأة
وجعل رقبته صداقا لها لم يصح الصداق لأن ملك المرأة زوجها مع صحة النكاح فيفسد الصداق ويصح
531

(النكاح ويجب مهر المثل (الثاني) نكاح المحلل وهو أن يتزوجها على أنه إذا أحلها طلقها، نكاح المحلل
باطل حرام في قول عامة أهل العلم منهم الحسن والنخعي وقتادة ومالك والليث والثوري وابن المبارك والشافعي
وسواء قال زوجتكها إلى أن تطأها أو شرط أنه إذ أحلها فلا نكاح بينهما أو إذا أحلها للأول
طلقها وحكي عن أبي حنيفة أنه يصح النكاح يبطل الشرط وقال الشافعي في الصورتين الأولتين لا
يصح (وفي الثالثة) على قولين:
ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله المحلل والمحلل له) رواه أبو داود وابن ماجة
والترمذي قال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر
ابن الخطاب وعثمان وعبد الله بن عمر وهو قول الفقهاء من التابعين وروى ذلك عن علي وابن مسعود
وابن عباس وقال ابن مسعود المحلل والمحلل له ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وروى ابن ماجة عن
عقبة بن عامر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبركم بالتيس المستعار) قالوا بلي يا رسول لله قال (هو المحلل
لعن الله المحلل والمحلل له) رواه الأثرم باسناده عن قبيصة عن جابر قال سمعت عمر يخطب الناس
وهو يقول والله لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ولأنه نكاح إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاء
فأشبه نكاح المتعة.
(مسألة) (فإن نوى ذلك من غير شرط لم يصح أيضا في ظاهر المذهب وقيل يكره ويصح)
532

إذا تواطأ عليه قبل العقد ولم يذكر هل نواه أو نوي المحلل من غير شرط؟ فالنكاح باطل أيضا
قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة في نفسه أن يحلها لزوجها الأول ولم تعلم
المرأة بذلك قال هو محلل إذا أراد بذلك الاحلال وهو ملعون وهذا ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم
فروي نافع عن ابن عمر ان رجلا قال له امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم تأمرني ولم تعلم قال لا، نكاح
رغبة ان أعجبتك أمسكتها وان كرهتها فارقتها قال وان كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحا
وقال لا يزالا زانيين وان مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها، وهذا قول عثمان بن عفان
رضي الله عنه وجاء رجل إلى ابن عباس فقال إن عمي طلق امرأته ثلاث أيحلها له رجل؟ قال من يخادع
الله يخدعه، وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وقتادة بكر المزني والليث ومالك والثوري وإسحاق
وقال أبو حنيفة والشافعي العقد صحيح وذكر القاضي في صحته وجها مثل قولهما لأنه خلا عن شرط
يفسده فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الاحلال أو ما لو نوت المرأة ذلك ولان العقد إنما يبطل بما شرط
لا بما قصد بدليل ما لو اشتري عبدا بشرط ان يبيعه لم يصح ولو نوى ذلك لم يبطل ولأنه قد روي عن
عمر ما يدل على اجازته فروي أبو حفص باسناده عن محمد بن سيرين قال قدم مكة رجل
ومع اخوة له صغار وعليه إزار من بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة فسأل عمر فلم يعطه شيئا فبينما هو
كذلك إذا نزع الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها فقال لها هل لك أن تعطي ذا
533

الرقعتين شيئا ويحك لي؟ قالت نعم ان شئت فاخبروه بذلك قال نعم فتزوجها ودخل بها فلما أصبحت
أدخلت اخوته الدار فجاء القرشي يحوم حول الدار ويقول يا ويله غلب علي امرأتي فاتى عمر فقال
يا أمير المؤمنين غلبت على امرأتي قال من غلبك؟ قال ذو الرقعتين قال أرسلوا إليه فلما جاءه الرسول
قالت له المراة كيف موضعك من قومك؟ قال ليس بموضع بأس قالت إن أمير المؤمنين يقول لك طلق
امرأتك فقل له لا والله لا أطلقها فإنه لا يكرهك فألبسته حلة فما رآه عمر من بعيد قال الحمد الله الذي
رزق ذا الرقعتين فدخل عليه فقال أتطلق امرأتك، قال لا والله لا أطلقها قال عمر لو طلقتها لأوجعت
رأسك بالسوط ورواه سعيد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين نحوا من هذا وقال من أهل المدينة
وهذا قد تقدم فيه الشرط على العقد ولم يربه عمر بأسا.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) وقول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم
فيكون اجماعا ولأنه قصد به التحليل فلم يصح كما لو شرطه أما حديث ذي الرقعتين فقال أحمد ليس له اسناد يعني
أن ابن سيرين لم يذكر اسناده إلى عمر وقال أبو عبيد هو مرسل فأين هو من الذي سمعوه يخطب به
على المنبر لا أوتي بمحلل ولا محلل له الا رجمتهما؟ ولأنه ليس فيه ان ذا الرقعتين قصد التحليل ولا نواه
وإذا كان كذلك لم يتناول محل النزاع
(فصل) فإن شرط عليه أن يحلها قبل العقد فنوى بالعقد غير ما شرطوا عليه وقصد نكاح رغبة
534

صح العقد لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه فصح كما لو لم يذكر ذلك وعلى هذا يحمل حديث ذي
الرقعتين فإن قصدت المرأة أو وليها التحليل دون الزوج لم يؤثر ذلك في العقد وقال الحسن وإبراهيم
إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح قال أحمد كان الحسن وإبراهيم والتابعون يشددون قال أحمد الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم (أتريدين ان ترجعي إلى رفاعة) ونية المرأة ليس بشئ إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لعن
الله المحلل والمحلل له) ولان العقد إنما يبطل بنية الزوج لأنه الذي إليه المفارقة والامساك أما المرأة
فلا تملك رفع العقد فوجود نيتها وعدمها سواء وكذلك الزوج الأول لا يملك شيئا من العقد ولا من
رفعه فهو أجنبي كسائر الأجانب فإن قيل فكيف لعنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قيل إنما لعنه إذا رجع إليها بذلك
التحليل لأنها لم تحل له فكان زانيا فاستحق اللعنة لذلك.
(فصل) وان اشترى عبدا فزوجها إياه ثم وهبها العبد أو بعضه لينفسخ النكاح يملكها لم يصح قال
أحمد في رواية حنبل إذا طلقها ثلاثا وأراد أن يراجعها فاشترى عبدا وزوجها إياه فهذا الذي نهى عنه
عمر يؤدبان جميعا وهذا فاسد ليس بكفء وهو شبيه المحلل وعلل احمد فساده بشيئين (أحدهما) أنه
شبه المحلل لأنه إنما زوجها إياه لتحل له (والثاني) كونه ليس بكفء لها ويحتمل أن يصح النكاح إذا
لم يقصد العبد التحليل لأن المعتبر في الفساد نية الزوج لانية غيره
(فصل) ونكاح المحلل فاسد تثبت فيه أحكام العقود الفاسدة فإنه قن ولا يحصل به الاحصان
535

ولا الإباحة للزوج الأول كما لا يثبت في سائر العقود الفاسدة قيل فقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم محللا وسمى
الزوج محللا له ولو لم يحصل الحل لم يكن محللا ولا محللا له قلنا سماه محللا لأنه قصد التحليل في موضع
لا يحصل فيه الحل كما قال (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه)) وقال الله تعالى (يحلونه عاما ويحرمونه عاما)
ولو كان محللا في الحقيقة والا آخر محللا له لم يكونا ملعونين (الثالث) نكاح المتعة وهو وأن يتزوجها
إلى مدة مثل أن يقول زوجتك ابنتي شهرا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم وقدوم الحاج وشبهه سواء
كانت المدة معلومة أو مجهولة فهو باطل نص عليه أحمد فقال نكاح المتعة حرام وقال أبو بكر فيها رواية
أخرى أنها مكروهة غير حرام لأن ابن منصور سأل أحمد عنها فقال تجتنبها أحب إلي قال فظاهر هذا
الكراهة دون التحريم وغير أبي بكر من أصحابنا بمنع هذا ويقول المسألة رواية واحدة في تحريمها
وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء ومم روي عنه تحريمها عمر وعلي وبن مسعود وابن الزبير قال ابن
عبد البر وعلى تحريم المتعة مالك وأهل المدينة وأبو حنيفة في أهل الكوفة والأوزاعي في أهل الشام
والليث في أهل مصر والشافعي وسائر أصحاب الآثار وقال زفر يصح النكاح ويبطل الشرط وحكي
عن ابن عباس انا جائزة وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاوس وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن
أبي سعيد الخدري وجابر واليه ذهب الشبعة لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها وروي أن عمر قال
536

متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انا أنهي عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج ولأنه عقد
على منفعة فجاز مؤقتا كالإجارة
ولنا ما روى الربيع بن سبرة أنه قال اشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي في حجة الوداع وفي لفظ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء رواه أبو داود وفي لفظ رواه ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا أيها الناس
اني كنت أذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله قد حرمها إلى يوم القيامة) وروى سبرة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة فلم تخرج حتى نهانا عنها رواه مسلم وروي علي بن أبي طالب أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الخمر الأهلية متفق عليه رواه مالك في
الموطأ وأخرجه الأئمة النسائي وغيره
واختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين فقال قوم في
حديث علي تقديم وتأخير وتقديره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ونهي عن
متعة النساء ولم يذكر ميقات النهي عنها وقد بينه الربيع بن سبرة في حديثه أنه كان في حجة الوداع
حكاه الإمام أحمد عن قوم وذكره ابن عبد البر، قال الشافعي لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ثم أحله
ثم حرمه الا المتعة، فحمل الامر على ظاهره وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر ثم أحلها في
537

حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها ولأنه يتعلق به أحكام النكاح من الطلاق والظهار واللعان والتوارث
فكان باطلا كسائر الأنكحة الباطلة، أما قول ابن عباس فقد حكي عنه الرجوع فروى أبو بكر باسناده
عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس لقد أكثر الناس في المتعة حتى قال فيها الشاعر:
* أقول وقد طال الثواء بنا معا * يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس *
هل لك في رخصة الأطراف آنسة * تكون مثواك حتى مصدر الناس *
فقام خطيبا فقال إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال إنما
كانت المتعة في أول الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس فيها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يدري أنه
يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)
قال ابن عباس فكل فرج سواهما حرام رواه الترمذي فاما اذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقد ثبت
نسخه واما حديث عمر إن صح عنه فالظاهر أنه إنما قصد الاخبار عن تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها ونهيه عنها إذ لا يجوز
أن ينهى عما كان النبي صلى الله عليه وسلم اباحه وبقي على اباحته
(فصل) فإن تزوجها من غير شرط الا ان في نيته طلاقها بعد شهر أو إذا انقضت حاجته فالنكاح
صحيح في قول عامة أهل العلم الا الأوزاعي قال هو نكاح متعة والصحيح أنه لا بأس به ولا تضر نيته
وليس على الرجل أن ينوي حبس امرأته ان وافقته والا طلقها
538

(مسألة) (وكذلك ان شرط ان يطلقها في وقت بعينه)
فلا يصح النكاح سواء كان معلوما أو مجهولا مثل أن يشرط عليه طلاقها ان قدم أبوها أو أخوها
ويتخرج أن يصح النكاح ويبطل الشرط وهو قول أبي حنيفة وأظهر قولي الشافعي قاله في عامة كتبه لأن النكاح
وقع مطلقا وإنما شرط على نفسه شرطا وذلك لا يؤثر فيه كما لو شرط أن لا يتزوج عليها ولا يسافر بها.
ولنا أن هذا شرط مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة ولأنه شرط انتفاء النكاح في وقت بعينه
أشبه نكاح المتعة ويفارق ما قاسوا عليه فإنه لم يشرط قطع النكاح
(مسألة) (وان علق ابتداءه على شرط كقوله زوجتك إذا جاء رأس الشهر أو ان رضيت
أمها فهذا كله باطل من أصله)
لأنه عقد معاوضة فلم يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع ولأنه وقف النكاح على شرط ولا
يجوز وقفه على شرط وهو قول الشافعي وعن مالك نحوه وذكر أبو الخطاب فيا إذا شرط ان رضيت
أمها رواية ان النكاح صحيح لأنه يصح في الجهل بالعوض فلم يبطل بالشرط الفاسد كالعتق ويبطل
الشرط والأول أصح لما ذكرنا (النوع الثاني) ان شرط أنه لا مهر لها ولا نفقة أو يقسم لها أكثر
من امرأته الأخرى أو أقل فالشرط باطل ويصح النكاح وكذلك ان شرط أنه إن أصدقها رجع عليها
539

أو تشرط عليه أن لا يطأها أو يعزل عنها أو لا يكون عندها في الجمعة الا ليلة أو شرط لها النهار دون
الليل أو شرط على المرأة ان تنفق عليه أو تعطيه شيئا فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها لأنها تنافي
مقتضاه وتتضمن اسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، فأما
العقد في نفسه فهو صحيح لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر
الجهل به فلم يبطله كما لو شرط في العقد صداقا محرما ولان النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز ان
ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتاق وقد نص احمد فيمن تزوج امرأة وشرط عليها ان يبيت عندها في كل
جمعة ليلة ثم رجعت وقالت لا أرضى الا ليلة وليلة فقال: لها ان تنزل الا بطيب نفس منها فإن ذلك جائز وان
قالت لا أرضى الا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها تطالبه ان شاءت، ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة
ويشرط عليها ان يأتيها في الأيام يجوز الشرط وان شاءت رجعت، وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في
كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم النكاح جائز ولها ان ترجع في هذا الشرط ونقل عن أحمد كلام في بعض هذه
الشروط يحتمل إبطال العقد فنقل عنه المروذي في النهاريات والليليات ليس هذا من نكاح أهل
الاسلام وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن شبرمة، قال الثوري الشرط باطل
وقال أصحاب الرأي إذا سألته أن يعدل لها عدل وكان الحسن وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأسا
وكان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها ويجعل لها من الشهر أياما معلومة. قال شيخنا ولعل كراهة من
540

كره ذلك راجعة إلى ابطال الشرط وإجازة من أجازه راجعة إلى أصل النكاح فتكون أقوالهم متفقة
على صحة النكاح وابطال الشرط كما قلنا والله أعلم. وقال القاضي إنما كره احمد هذا النكاح لأنه يقع
على السر وهو منهي عنه فإن شرط عليه ترك الوطئ احتمل أن يفسد العقد لأنه شرط ما ينافي المقصود من
النكاح وهذا مذهب الشافعي، وكذلك إن شرط عليه ان لا نسلم إليه فهو بمنزلة من اشترى شيئا على أن
لا يقبضه، ان شرط عليها ان لا يطأ لم يفسد لأن الوطئ حقه عليها، ويحتمل ان يفسد لأن لها فيه
حقا ولذلك تملك مطالبته به إذا آلى والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة
(الثالث) أن يشرط الخيار إن جاءها بالمهر في وقت والا فلا نكاح بينهما فالشرط باطل وفي
صحة النكاح روايتان (إحداهما) النكاح صحيح والشرط باطل وبه قال أبو ثور فيما إذا شرط الخيار
وحكاه عن أبي حنيفة وزعم أن لا خلاف فيه، وقال ابن المنذر قال أحمد وإسحاق إذا تزوجها على أنه
إن جاء ها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما الشرط باطل والعقد جائز وهو قول عطاء
والثوري وأبي حنيفة والأوزاعي وروي ذلك عن الزهري ولان النكاح عقد لازم لا يدخله خيار لما في
ذلك من المفسدة والضرر على الحرائر لكونها ترد بعد ابتدائها بعقد النكاح والشناعة عليها بأنها ردت
رغبة عنها لدناءتها والشرط الآخر تعليق النكاح على شرط فهو معنى الخيار ويصح النكاح لأن النكاح
يصح في المجهول فلم يفسد بالشرط الفاسد كالعتق، وروي ابن منصور عن أحمد في هذا ان الشرط
541

والعقد جائزان لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المسلمون على شروطهم " وذكر القاضي في كتابه الروايتين
والوجهين، أما صحة العقد فلان اللفظ الذي يقتضي الدوام قد وجد وإنما حصل الشرط في المهر فلم
يؤثر في العقد، وأما المهر فإنها لما ملكت فسخ النكاح عند تعذر تسليم المهر جاز أن يشترط هذا المعني
في العقد ولا يؤثر فيه، والرواية الأخرى يعلل العقد في هذا كله لأن النكاح لا يكون إلا لازما
وهذا يوجب جوازه ولأنه وقفه على شرط ولا يجوز وقفه على شرط كالبيع وهذا قول الشافعي
ونحوه عن مالك وأبي عبيد
(فصل) فإن شرط الخيار في الصداق خاصة لم يفسد النكاح لأن النكاح منفرد عن ذكر
الصداق لا يفسد النكاح بفساده فلان لا يفسد بشرط الخيار أولى بخلاف البيع فإنه إذا فسد أحد
العوضين فسد الآخر، إذا ثبت هذا ففي الصداق ثلاثة أوجه (أحدها) يصح الصداق ويبطل شرط
الخيار كما يفسد الشرط في النكاح ويصح النكاح (والثاني) يصح ويثبت الخيار فيه لأن عقد الصداق
عقد منفرد يجري مجري الايمان ويثبت فيه الخيار كالبياعات (والثالث) يبطل الصداق لأنها لم ترض
به فلم يلزمها كما لو لم توافقه على شئ.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله تعالى (فإن تزوجها على أنها مسلمة فبانت كتابية فله الخيار)
لأنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد فأشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمة
542

(مسألة) (فإن شرطها كتابية فبانت مسلمة فلا خيار له) لأنها زيادة، وقال أبو بكر له ذلك
لأنه قد يكون له غرض في عدم وجوب العبادات عليها والأول أولى
(فصل) فإن شرطها أمة فبانت حرة وكان له نكاح الإماء فلا خيار له لأن ولده يسلم من الرق
ويتمكن من لاستمتاع بها ليلا ونهارا، وكذا لو شرطها ذات نسب فبانت أشرف منه أو على صفة
دينه فبانت خيرا من شرطه لأنها زيادة
(فصل) وان شرطها بكرا فبانت ثيبا فعن أحمد كلام يحتمل أمرين (أحدهما) لا خيار له لأن
النكاح لا يرد فيه بعيب سوى العيوب الثمانية ولا يثبت فيه الخيار فلا يرد بمخالفة الشرط (والثاني)
له الخيار كما لو شرط الحرية، وكذلك لو شرطها حسناء فبانت شوهاء أو ذات نسب فبانت دونه
أو بيضاء فبانت سوداء أو طويلة فبانت قصيرة خرج في ذلك كله وجهان ونحو هذا مذهب الشافعي
وكذلك لو شرط نفي العيوب التي لا ينفسخ بها النكاح كالعمى والخرس والصمم ونحو فبان بخلاف
ذلك ففيه وجهان. وممن ألزم لزوج من هذه صفتها الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي
حكاه ابن المنذر، وروي الزهري ان رجلا تزوج امرأة فلم يجدها عذراء وكانت الحيضة خرقت
عذرتها فأرسلت إليه عائشة ان الحيضة تذهب بالعذرة، وعن الحسن والشعبي وإبراهيم في الرجل
إذ لم يجد امرأته عذرا ليس عليه شئ للعذرة ان الحيضة تذهب العذرة والوثبة والتعبيس والحمل الثقيل
543

(فصل) إذا تزوج امرأة يظنها مسلمة فبانت كافرة فله الخيار وهذا قول الشافعي كما إذا شرط ذلك
(مسألة) (وإن تزوج أمة يظنها حرة أو على أنها حرة وولدت منه فالولد حر ويفديهم بمثلهم
يوم ولادتهم وبرجع بذلك على من غره، ويفرق بينهما ان لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء وإن كان
ممن يجوز له نكاح الإماء فله الخيار فإن رضي المقام معها فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق)
الكلام في هذه المسألة في فصول (أحدها) ان النكاح لا يفسد بالغرور وهو قول أبي حنيفة، وقال
الشافعي في أحد قوليه يفسد لأنه عقد على حرة ولم يوجد فأشبه ما لو قال بعتك هذا الفرش فإذا هو حمار
ولنا أن المعقود عليه في النكاح الشخص دون الصفات فلا يؤثر عدمها في صحته كما لو قال زوجتك
هذه الحسناء فإذا هي سوداء وكذا نقول في الأصل الذي ذكروه ان العقد صحيح لأن المعقود عليه
العين المشار إليها، وإن سلمنا فالفرق بينهما من وجهين (أحدهما) ان ثم الفائت الذات فإن ذات الفرس
غير ذات الحمار وههنا اختلفا في الصفات [والثاني] ان البيع يؤثر فيه فوات الصفات بدليل انه يرد
بفوات أي شئ كان فيه نفع منها والنكاح بخلافه
(الفصل الثاني) ان أولاده منها أحرار بغير خلاف نعلمه لأنه اعتقد حريتها فكان ولده أحرارا
كاعتقاده ما يقتضي حريتهم كما لو اشترى جارية يظنها ملكا لبائعها فبانت مغصوبة بعد أن أولدها
(الفصل الثالث) ان على الزوج فداء أولاده كذلك قضى عمر وعلي وابن عباس وهو قول
544

مالك والثوري والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى ليس عليه فداؤهم لأن
الولد ينعقد حر الأصل فلم يضمنه لسيده لأنه لم يملكه وعنه انه يقال له افتداء أولاده وإلا فهم يتبعون
الأم، فظاهر هذا انه خيره بين فدائهم وبين تركهم رقيقا لأنهم رقيق بحكم الأصل فلم يلزمه فداؤهم
كما لو وطئها وهو يعلم رقها، قال الخلال اتفق عن أبي عبد الله انه يفدي ولده وقاله إسحاق عنه في
موضع ان الولد له وليس عليه أن يندبهم، وأحسبه قولا أولا لأبي عبد الله والصحيح ان عليه فداءهم
لقضاء الصحابة به ولأنه تماء الأمة المملوكة فسبيله أن يكون مملوكا لمالكها وقد فوت رقه باعتقاد الحرية
فلزما ضمانهم كما لو فوت رقهم بفعله وفي فدائهم ثلاث مسائل (الأولى) في وقته وذلك حين وضع الولد
قضي بذلك عمر وعلي وابن عباس وهو قول الشافعي، وقال أبو بكر والثوري وأصحاب الرأي
يضمنهم بقيمتهم يوم الخصومة لأنه إنما يضمنهم بالمنع ولم يمنعهم الا حال للمخصومة
ولنا انه محكوم بحريته عند الوضع فوجب أن يضمنه حينئذ لأنه فات رقه من حينئذ ولان القيمة
التي تزيد بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الأمة فلم يضمنها كما بعد الخصومة فإن قيل فقد كان محكوما
بحريته وهو جنين قلنا أنه لم يكن تضمينه حينئذ لعدم قيمته والاطلاع عليه
أمكن تضمينه وهو حال الوضع
545

(المسألة الثانية) في صفة الفداء وفيها ثلاث روايات (إحداهن) بقيمتهم وهو أكثر الفقهاء لقول
النبي صلى الله عليه وسلم " من أعتق شقصا من عبد قوم عليه نصيب شريكه " ولان الحيوان من المقومات لا من
ذوات الأمثال فيجب ضمانه بقيمته كما لو أتلفه (والثانية) يضمنهم بمثلهم عبيدا الذكر بذكر والأنثى بأنثى
لما روى سعيد بن المسيب قال: بعت جارية لرجل من العرب وانتمت إلى بعض العرب فتزوجها
رجل من بني عذرة ثم إن سيدها دب واستاقها واستاق ولدها فاخصموا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
على أهل القرى ومن لم يجد غرة ستين دينارا ولان ولد المغرور حر فلا يضمن بقيمته كسائر الأحرار
فعلى هذه الرواية ينبغي أن ينظر إلى مثلهم في الصفات تقريبا لأن الحيوان ليس من ذوات الأمثال
ويحتمل ان يجب مثلهم في القيمة وهو قول أبى بكر (والثالثة) هو مخير بين فدائهم بمثلهم أو قيمتهم قال
أحمد في رواية الميموني اما القيمة أو رأس برأس لأنهما جميعا يرويان عن عمر ولكن لا أدري أي
الاسنادين أقوى؟ وهذا اختيار أبي بكر قال في المقنع الفدية غرة بقدر القيمة أو القيمة وأيهما اعطى
أجزأ ووجه ذلك أنه تردد بين الجنين الذي يضمن بغرة وبين الحاقة بغرة من المضمونات فاقتضي
التخيير بينهما والصحيح أنه يضمن بالقيمة كسائر المضمونات المتقومات وقول عمر قد اختلف عنه فيه قال
أحمد في رواية أبي طالب وعليه قيمتهم مثل قول عمر فإذا تعارضت الروايات عنه وجب الرجوع إلى القياس
546

(المسألة الثالثة) فيمن يضمن منهم من ولد حيا في وقت يعيش لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك
وقال مالك والثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي لا ضمان على الأب لمن مات منهم قبل الخصومة وهذا
يثبني على وقت وقد ذكرناه فأما السقط ومن ولد لوقت لا يعيش لمثله وهو دون ستة أشهر
فلا ضمان له لأنه لا قيمة له.
(فصل) في المهر ولا يخلو أن يكون ممن يجوز له نكاح الإماء أولا فإن كان ممن يجوز له ذلك وقد
نكحها نكاحا صحيحا فلها المسمى فإن كان لم يدخل بها واختار الفسخ فلا مهر لها لأن الفسخ لعذر
من جهتها فهي كالمعيبة يفسخ نكاحها وإن كان ممن لا يجوز لهم نكاح الإماء فالعقد فاسد من أصله ولا
مهر فيه إن كان قبل الدخول فإن دخل بها فعليه مهرها وهل يجب المسمى أو مهر المثل؟ على روايتين
يذكر ان في الواجب في النكاح الفاسد إن شاء الله تعالى وكذلك إن كان ممن يجوز له نكاح الإماء
لكن تزوجها بغير اذن سيدها أو نحو ذلك مما يفسد به النكاح
(الفصل الرابع) انه يرجع بما غرمه على من غره من المهر وقيمة الأولاد وهو اختيار الخرقي
ورواية عن أحمد قال ابن المنذر كذلك قضي عمر وعلي وابن عباس وبه قال الشافعي في القديم وفيه
رواية أخرى لا يرجع بالمهر اختاره أبو بكر قال وهو قول علي وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب
الرأي والشافعي في الجديد لأنه وجب عليه في مقابلة نفع وصل إليه وهو الوطئ فلم يرجع به كما لو اشترى
547

مغصوبا فأكله بخلاف قيمة الولد فإنه لم يحصل في مقابلته عوض لأنها وجبت بحرية الولد وحرية الولد
له لا لأبيه وقال القاضي الا ظهر انه لم يرجع بالمهر لأن أحمد قال كنت اذهب إلى حديث على ثم اني
هبته وكأني أميل إلى حديث عمر يعني في الرجوع ولان العاقد ضمن له سلامة الوطئ كما ضمن له سلامة
الولد فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يرجع بالمهر قال وعلى هذا وكان الغرور من السيد عتقت وإن كان
بلفظ غير هذا لم تثبت به الحرية فلا شئ له لأنه لا فائدة في أن يجب له ما يرجع به عليه وإن كان
الغرور من وكيله رجع عليه في الحال وكذلك إن كان من أجنبي وإن كان منها فليس لها في
الحال مال فيخرج فيها وجهان بناء على دين العبد بغير اذن سيده هل يتعلق برقبته أو بذمته يتبع به
بعد العتق؟ قال القاضي قياس قول الخرقي انه يتعلق بذمتها لأنه قال في الأمة إذا خالعت زوجها باذن
سيدها يتبعها به إذا عتقت كذا ههنا ويتبعها بجميعه وظاهر كلام احمد ان الغرور إذا كان من الأمة
لم يرجع على أحد فإنه قال إذا جاءت الأمة فقالت اني حرة فولت أمرها رجلا فزوجها على أنها حرة
فالفداء على من غره يروى هذا عن علي وإبراهيم وحماد وكذلك قال الشعبي وان قلنا يتعلق بها فالسيد
مخير بين فدائها بقيمتها ان كانت أقل مما يرجع به عليها أو تسليمها فإن اختار فداءها بقيمتها سقط قدر
ذلك عن الزوج فإنه لا فائدة في أن يوجبه عليه ثم يرده إليه وان اختار تسليمها سلمها وأخذ ما وجب
548

له وقال القاضي ان الغرور الموجب للرجوع أن يكون اشتراط الحرية قارنا للعقد فيقول زوجتكها على
أنها حرة وان لم يكن كذلك لم يملك الفسخ وهذا مذهب الشافعي والصحيح خلاف هذا فإن الصحابة
الذين قضوا بالرجوع لم يفرقوا بين أنواع الغرور ولم يستفصلوا والظاهر أن العقد لم يقع هكذا ولم
تجربه العادة في العقود ولا يجوز قضاؤهم المطلق على صورة نادرة لم تنقل ولان الغرر قد يكون من
المراة ولا لفظ لها في العقد ولأنه متى اخبره بحريتها أو أوهمه ذلك بقرائن تعلب على ظنه حريتها
فنكحها على ذلك ورغب فيها وأصدقها صداق الحرائر ثم لزمه الغرم فقد استضر بناء على قول المخبر
له والغار فتجب إزالة الضرر عنه باثبات الرجوع على من غره واضر به فعلى هذا إن كان الغرور من اثنين
أو أكثر فالرجوع على جميعهم وإن كان الغرور منها ومن الوكيل فعلى كل واحد منهما نصفه
(الفصل الخامس) انه إن كان الزوج ممن يحرم عليه نكاح الإماء فإنه يفرق بينهما لأنا تبينا
ان النكاح فاسد من أصله لعدم شرطه وهكذا إن كان تزوجها بغير اذن سيدها أو اختل شرط من
شروط النكاح فهو فاسد يفرق بينهما والحكم في الرجوع على ما ذكرنا وإن كان ممن يجوز له نكاح
الإماء وكانت الشرائط مجتمعة فالعقد صحيح وللزوج الخيار بين الفسخ والمقام على النكاح وهذا
549

معنى قول الخرقي وظاهر مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة لا خيار له لأن الكفاءة غير معتبرة في جانب
المرأة ولأنه يملك الطلاق فيستغني به عن الفسخ
ولنا انه عقد غر فيه أحد الزوجين بحرية الآخر فيثبت له الخيار كالآخر ولان الكفاءة وان لم
تعتبر فإن عليه ضررا في استرقاق ولده ورق امرأته وذلك أعظم من فقد الكفاءة فأما الطلاق فلا يندفع
به الضرر فإنه يسقط نصف المسمى والفسخ يسقطه جميعه فإذا فسخ قبل الدخول فلا مهر لها وان رضي
بالمقام معها فله ذلك لأنه يحل له نكاح الإماء وما ولدت بعد ذلك فهو رقيق لسيدها لأن المانع من
رقهم في الغرور اعتقاد الزوج حريتها وقد زال ذلك بالعلم ولو وطئها قبل العلم فعلقت منه ثم علم قبل
الوضع فهو حر لأنه وطئها معتقدا حريتها
(فصل) والحكم في المدبرة وأم الولد والمعتق نصفها كالأمة القن لأنها ناقصة بالرق الا ان ولد
أم الولد يقوم كأنه عبد له حكم أمه وكذلك من أعتق بعضها الا انه إذا فدى الولد لم يلزمه الافداء
ما فيه من الرق لأن بقيته حر بحرية أمه لا باعتقاد الواطئ فإن كانت مكاتبة فكذلك الا ان مهرها
لها لأنه من كسبها وكسبها لها وتجب قيمة ولدها على الرواية المشهورة قال أبو بكر ويكون ذلك تستعين
550

به في كتابتها فإن كان الغرور منها فلا شئ لها إذ لا فائدة في ايجاب لها يرجع به عليها وإن كان الغرر من
غيرها غرمه لها ورجع به على من غره
(فصل) ولا يثبت أنها أمة بمجرد الدعوى ويثبت بالبينة فإن أقرت انها أمة فقال أحمد في رواية
أبي الحارث لا يستحقها باقرارها لأن اقرارها يزيل النكاح عنها ويثبت حقا على غيرها فلم يقبل كاقرارها
بمال على غيرها وقال في رواية حنبل لا شئ حتى تثبت له أو تقر هي انها أمته فظاهر هذا انه يقبل اقرارها
لأنها مقرة على نفسها بالرق أشبه غير المزوجة والأول أولى ولا نسلم انه يقبل من غير ذات الزوج اقرارها
بالرق بعد اقرارها بالحرية لأنها أقرت بما يتعلق به حق الله تعالى
(فصل) فإن حملت المغرور بها فضربها ضارب فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة لأنه محكوم بحريته
ويرثها ورثته فإن كان الضارب أباه لم يرثه ولا يجب بذل هذا الولد للسيد لأنه إنما يستحق بذل حي
وهذا ميت ويحتمل ان يجب له عشر قيمة أمه لأن الواطئ فوت ذلك عليه باعتقاد الحرية
ولولاه لوجب ذلك له
(فصل) ويثبت له الخيار إذا ظنها حرة فبانت أمة كما إذا شرط ذلك وقال الشافعي لا خيار له
ووافقاه فيما إذا ظن أنها مسلمة فبانت كافرة انه يثبت له الخيار وقال بعضهم فيهما جميعا قولان
ولنا ان نقص الرق أعظم ضررا فإنه يؤثر في رق ولده ومنع كما استمتاعه فكان له
الخيار كما لو كانت كافرة
551

(مسألة) (وإن كان المغرور عبدا فولده أحرار ويفديهم إذا أعتق ويرجع به على من غره)
وذلك أن حكم العبد المغرور حكم الحرفي حرية أولاده، وقال أبو حنيفة ولده رقيق لأن أبويه
رقيق ولا يصح ذلك لأنه وطئها معتقدا حريتها فأشبه الحر فإن هذا هو العلة المقتضية للحرية
في محل الوفاق ولولا ذلك لكان رقيقا فإن علة رق الولد رق الأم خاصة ولا عبرة بالأب
بدليل ولد الحر من الأمة، وولد الحرة من العبد، وعلى العبد فداؤهم لأنه فوت رقهم باعتقاده
وفعله ولا مال له في الحال فيخرج في ذلك وجهان (أحدهما) يتعلق برقبته كجنايته (والثاني) بذمته
يتبع به بعد العتق وهو قول الخرقي فيكون بمنزلة الخلع من الأمة إذا بذلته بغير اذن سيدها وتفارق
الاستدانة والجناية لأنه إذا استدان أتلف مال الغريم فكان جناية منه وههنا لم يجن في الأولاد جناية
وإنما عتقوا من طريق الحكم وما حصل لهم منهم عوض فيكون ذلك في ذمته يتبع به بعد العتق ويرجع
به حين يغرمه فإنه لا ينبغي ان يجب له بذل ما لم يثبت عليه وأما الحرية فتتعجل في الحال وان قلنا إن
الفداء يتعلق برقبته وجب في الحال ويرجع به سده في الحال ويثبت للعبد الخيار كثبوته للحر الذي
يحل له نكاح الإماء لأن عليه ضررا في رق ولده ونقصا في استمتاعه فإنها لا تكون عنده ليلا ونهارا
ولم ترض به ويحتمل ان لا يثبت له خيار لأنه نقص صفة لا ينقص بها عن رتبته فأشبه ما لو شرط نسب
امرأة فبانت بخلاف لأنها مساوية لنسبه بخلاف تغرير الحر وقال بعض الشافعية لا خيار له وقال بعضهم
552

فيه قولان والأولى ما ذكرناه وإذا اختار الإقامة فالمهر واجب لا يرجع به على أحد وان اختار الفسخ
قبل الدخول فلا مهر وإن كان بعده والنكاح باذن سيده فالمهر واجب عليه وفي الرجوع اختلاف ذكرناه
فيما مضي وإن كان بغير إذنه فالنكاح فاسد فإن دخل بها ففي قدر ما يجب به وجهان (أحدهما) مهر المثل
(والثاني) الخمسان وهل يرجع به؟ على وجهين
(مسألة) (وان تزوجت المرأة عبدا على أنه حر أو ظنته حرا فبان عبدا فلها الخيار)
اما النكاح فهو صحيح وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأن اختلاف الصفة لا يمنع صحة
العقد كما لو تزوج أمه على أنها حرة وهذا إذا كملت شروط النكاح وكان باذن سيده وان كانت المرأة
حرة وقلنا الحرية ليست من شروط الكفاءة وان فقد الكفاءة لا يبطل النكاح فهو صحيح ولان
للمرأة الخيار بين الفسخ والامضاء فإن اختارت فلأوليائها الاعتراض عليها لعدم الكفاءة وان كانت
أمة فينبغي أن يكون لها الخيار أيضا لأنه لما ثبت الخيار للعبد إذا غر من أمة ثبت للأمة إذا غرت
بعبد وكل موضع حكمنا بفساد العقد به ففرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فلها مهر
المثل أو المسمى على ما قدمنا من الاختلاف وكل موضع فسخ النكاح مع القول بصحته قبل الدخول فلا
شئ لها وإن كان بعده فلها المسمى لأنه فسخ طرأ على نكاح فأشبه الطلاق
553

(فصل) فإن غرها بنسب فبان بدونه وكان ذلك مخلا بالكفاءة وقلنا بصحة النكاح فلها الخيار
فإن اختارت الامضاء فلأوليائها الاعتراض عليها وان لم تخل بالكفاءة فلا خيار لها لأن ذلك ليس
بمعتبر في النكاح فأشبه ما لو شرطته فقيها فبان بخلافه وكذلك ان اشترطت غير النسب فإن كان مما يعتبر
في الكفاءة فهو كما لو تبين أنه غير بمكافئ لها في النسب وان لم يعتبر في الكفاءة كالفقه والجمال وأشباه
ذلك فلا خيار لها لأن ذلك مما لا يؤثر في النكاح فلا يؤثر اشتراطه وذلك أنه إذا بان نسبه دون ما ذكره
وجه في ثبوت الخيار لها وان لم تخل بالكفاءة والأولى ما ذكرناه
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وان عتقت الأمة وزوجها حر فلا خيار لها في ظاهر المذهب)
هذا قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن وعطاء وسليمان بن يسار وأبي قلابة
وابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق وقال طاوس وابن سيرين ومجاهد والنخعي وحماد
ابن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي لها الخيار لما روى الأسود عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم خير
بريرة وكان زوجها حرا رواه النسائي ولأنها كملت بالحرية فكان لها الخيار كما لو كان زوجها عبدا
وروي عن أحمد ذلك.
ولنا أنها كافأت زوجها في الكمال فلم يثبت لها الخيار ما لو أسلمت الكتابية تحت المسلم فأما خبر
الأسود عن عائشة فقد روى عنها القاسم بن محمد وعروة أن زوج بريرة كان عبدا وهما أخص بها
554

من الأسود لأنهما ابن أخيها وابن أختها وقد روى الأسود عن إبراهيم عن عروة عن عائشة أن زوج
بريرة كان عبدا فتعارضت روايتاه، وقال ابن عباس كان زوج بريرة عبدا أسود لبني المغيرة يقال له
مغيث وراه البخاري وغيره وقالت صفية بنت أبي عبيد كان زوج بريرة عبدا قال احمد هذا ابن
عباس وعائشة قالا في زوج بريرة انه عبد برواية علماء المدينة وعملهم وإذا روى أهل المدينة حديثا وعملوا
به فهو أصح شئ وإنما يصح حرا عن الأسود وحده فأما غير فليس بذلك قال والعقد صحيح فلا يفسخ
بالمختلف فهي والحر فيه اختلاف والعبد لا اختلاف فيه، ويخالف الحر العبد لأن العبد ناقص فإذا كملت
تحته تضررت ببقائها عنده بخلاف الحر
(مسألة) (وإن كان عبدا فلها الخيار في فسخ النكاح)
أجمع أهل العلم على هذا ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما والأصل فيه حديث بريرة قالت
عائشة كاتبت بريرة فحيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها وكان عبدا فاختارت نفسها قال
عروة ولو كان حرا ما خيرها رواه مالك وأبو داود والنسائي، ولان عليها ضررا في كونها حرة
تحت العبد فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر فبان عبدا فإن اختارت الفسخ فلها فراقه
وان رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك لأنها أسقطت حقها وهذا مما لا خلاف فيه بحمد الله
555

(مسألة) (ولها الفسخ بنفسها من غير حاكم) لأنه فسخ مجمع عليه غير مجتهد فيه فلا يفتقر إلى
حكم حاكم كالرد بالعيب في المبيع بخلاف خيار العيب في النكاح فإنه مجتهد فيه فافتقر إلى حكم الحاكم
كالفسخ للاعسار وروى الحسن عن عمرو بن أمية قال سمعت رجالا يتحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما أيطأها إن شاءت فارقت فإن وطئها فلا خيار لها) رواه الإمام أحمد في السند
(فصل) فإن اختارت الفراق كان فسخا ليس بطلاق وبهذا قال أبو حنيفة والثوري والحسن بن
صالح والشافعي وذهب مالك والأوزاعي والليث إلى أنه طلاق بائن، قال مالك إلا أن تطلق نفسها
ثلاثا فتطلق ثلاثا، واحتج له بقصة زبراء حين طلقت نفسها ثلاثا فلم يبلغنا ان أحدا من الصحابة
أنكر ذلك ولأنهما تملك الفرق فملكت الطلاق كالرجل
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الطلاق لمن أخذ بالساق) ولأنها فرقة من قبل الزوجة فكانت فسخا
كما لو اختلف دينهما أو أرضعت من ينفسخ نكاح برضاعها، وفعل زبراء ليس بحجة ولم يثبت انتشاره
في الصحابة، فعلى هذا لو قالت اخترت نفسي أو فسخت النكاح انفسخ ولو قالت طلقت نفسي
ونوت المفارقة كان كناية عن الفسخ لأنه يؤدي معناه فصلح كناية عنه كالكناية بالفسخ عن الطلاق
(مسألة) (فإن أعتق قبل فسخها أو أمكنته من وطئها بطل خيارها)
أما إذ أعتق الزوج قبل خيارها سقط لأن الخيار لدفع الضرر بالرق وقد زال بعتقه فسقط كالبيع
556

إذا زال عيبه وهذا أحد قولي الشافعي وإن وطئها بطل خيارها علمت بالخيار أو لم تعلم نص عليه
أحمد واختاره الخرقي وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة ونافع والزهري وقتادة وحكاه
بعض أهل العلم عن فقهاء الشيعة وذكر القاضي ان لها الخيار إذا لم تعلم فإن أصابها بعد علمها فلا خيار
لها وهذا قول عطاء والحكم وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق لأنها إذا أمكنت من
وطئها قبل علمها لم يوجد منها ما يدل على الرضي فهو كما لو لم تصب، ووجه الأول ما تقدم من حديث
عمرو بن أمية، وروى مالك عن ابن شهاب عن عروة ان مولاة لبني عدى يقال لها زبراء أخبرته
انها كانت تحت عبد فعتقت قالت فأرسلت إلى حفصة فدعتني فقالت إن امرك بيدك ما لم يمسك
زوجك وإن مسك فليس لك من الامر شئ. فقلت هو الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثا،
وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن لها الخيار ما لم يمسها، ولأنه خيار عيب فيسقط
بالتصرف فيه مع الجهالة كخيار الرد بالعيب ولا تفريع على هذا القول. فأما على القول الآخر
فإذا وطئها وادعت الجهالة بالعتق وهي ممن يجوز خفاء ذلك عليها مثل أن يعتقها سيدها
في بلد آخر فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم ذلك وان كانت ممن لا يخفى عليها لكونهما في
بلد واحد واشتهر ذلك لم يقبل قولها لأنه خلاف الظاهر وإن علمت العتق وادعت الجهالة بثبوت الخيار
فالقول قولها لأن ذلك لا يعلمه الا خواص الناس فالظاهر صدقها وللشافعي في قبول قولها قولان
557

(مسألة) (وخيار المعتقة على التراخي ما لم يوجد منها ما يدل على الرضى ولا يمنع الزوج وطأها)
وممن قال إنه على التراخي مالك والأوزاعي وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة وبه
قال سليمان بن يسار ونافع والزهري وقتادة وقال أبو حنيفة وسائر العراقيين لها الخيار في مجلس العلم
وللشافعي ثلاثة أقوال أطهرها كقولنا والثاني انه على الفور كخيار الشفعة، والثالث أنه إلى ثلاثة أيام.
ولنا ما روى الإمام أحمد باسناده عن الحسن بن عمرو بن أمية قال سمعت رجالا يحدثون عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها إن شاءت فارقته وان وطئها فلا
خيار لها) ورواه الأثرم أيضا. وروى أبو داود أن بريرة عتقت وهي عنده مغيب عبد لآل بني أحمد فحيرها
النبي صلى الله عليه وسلم وقال لها (ان أقربك فلا خيار لك) ولأنه قول من سمينا من الصحابة قال
ابن عبد البر لا أعلم لابن عمر وحفصة مخالفا من الصحابة ولان الحاجة داعية إلى ذلك فثبت الخيار
كخيار القصاص أو خيار لدفع ضرر متحقق فأشبه ما قلنا
(مسألة) (فإن كانت صغيرة أو مجنونة فلها الخيار إذا بلغت أو عقلت)
ولا خيار لهما في الحال لأنه لا عقل لهما ولا قول معتبر ولا يملك وليهما الاختيار عنهما ليس له هذا
طريقه الشهوة فلا يدخل تحت الولاية كالاقتصاص فإذا بلغت الصغيرة وعقلت المجنونة فلهما الخيار
حينئذ لكونهما صارا على صفة لكل منهما حكم وهكذا الحكم لو كان عند زوجيتهما عيث بوجب الفسخ
558

فإن كان زوجاهما قد وطئاهما فظاهر كلام الخرقي انه لا خيار لهما فإن مدة الخيار انقضت، وعلى قول
القاضي وأصحابه لهما الخيار لأنه لا رأي لهما فلا يكون تمكينها من الوطئ دليلا على الرضى بخلاف الكبيرة
العاقلة ولا يمنع زوجاهما من وطئهما
(مسألة) (وان طلقت قبل اختيارها وقع الطلاق وبطل خيارها)
لأنه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح صحيح فيقدم كما لو لم يعتق، وقال القاضي طلاقه
موقوف فإن اختارت الفسخ لم يقع لأنه يتضمن إبطال حقها من الخيار وان لم تختر وقع، وللشافعي
قولان كهذين الوجهين وبنوا عدم الوقوع على أن الفسخ أسند إلى حالة العتق فيكون الطلاق واقعا في
نكاح مفسوخ وكذلك إن طلق الصغيرة أو المجنونة بعد العتق
ولنا أنه طلاق من زوج مكلف مختار في نكاح صحيح فوقع كما لو طلقها قبل عتقها أو كما لو لم يختر
والفسخ إنما يوجب الفرقة من حينه لأنه سببها ولا يجوز تقديم الفرقة عليه إذا الحكم لا يتقدم سببه
ولأن العدة تبدأ من حين الفسخ لا من حين العتق وما سبقه من الوطئ وطئ في نكاح صحيح يثبت به
الاحصان والاحلال للزوج الأول، ولو كان الفسخ سابقا لانعكست الحال قول القاضي انه يبطل
حقها من الفسخ غير صحيح فإن الطلاق يحصل به مقصود الفسخ مع وجوب نصف المهر وتقصير العدة
559

عليها فإن ابتداءها من حين طلاقه لا من حين فسخه ثم لو كان مبطلا لحقها لم يقع وان لم يختر الفسخ
كما لا يصح تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار سواء فسخ البائع أو لم يفسخ وهذا فيما إذا كان
الطلاق بائنا فإن كان رجعيا لم يسقط خيارها على ما نذكر فيما بعد، فعلى قولهم إذا طلقت قبل الدخول
ثم اختارت الفسخ سقط مهرها لأنها بانت بالفسخ وان لم تفسخ فلها نصف الصداق لأنها بانت بالطلاق
(مسألة) (وان أعتقت الأمة الرجعية فها الخيار)
لأن نكاحها باق يمكن فسخه ولها في الفسخ فائده فإنها لا تأمن رجعته إذا لم تفسخ، فإن قيل
فتفسخ حينئذ قلنا إذا تحتاج إلى عده أخرى لأنها معتدة من الطلاق والفسخ لا ينافيها فهو كما لو طلقها
طلقه أخرى وتبنى على عده حرة لأنها عتقت في عدتها وهي رجعية
(مسألة) (فإن اختارت المقام فهل يبطل خيارها؟ على وجهين)
(أحدهما) لا يبطل وهو قول الشافعي لأنها جارية إلى بينونته (والثاني) يبطل اختيارها لأنها
يصح فيها اختيار الفسخ فصح اختيار المقام كصلب النكاح وهو اختيار شيخنا، وان لم تختر شيئا لم
يبطل خيارها لأنه على التراخي ولان سكوتها لا يدل على رضاها لأنه يحتمل أنه كان تحريا بها إلى بينونة
اكتفاء منها بذلك فإن ارتجعها بلها الفسخ حينئذ وان فسخت ثم عدد فزوجها بقيت معه بطلقة واحدة
لأن طلاق العبد اثنتان وان تزوجها بعد أن عتق رجعت معه على طلقتين لأنه صار حرا فملك ثلاث
طلقات كسائر الأحرار
560

(مسألة) (ومتى اختارت المعتقة الفسخ بعد الدخول فالمهر للسيد)
وجملة ذلك أن المعتقة متى اختارت المقام مع زوجها قبل الدخول أو بعده فالمهر للسيد وكذلك
إن اختارت الفسخ بعد الدخول لأنه وجب بالعقد وإن اختارت المقام ولم يوجد له مسقط فاز فسخت
بعد الدخول فقد استقر المهر بالدخول فلم يسقط بثي وهو للسيد في الحالين لأنه وجب بالعقد في
ملكه والواجب المسمى في الحالين سواء كان الدخول قبل العتق أو بعده وقال أصحاب الشافعي إن
كان الدخول قبل العتق فكذلك وإن كان بعده فالواجب مهر المثل
ولنا أنه عقد صحيح فيه مسمى صحيح اتصل به الدخول قبل الفسخ وأوجب المسمى كما لو لم
يفسخ ولأنه لو وجب بالوطئ بعد الفسخ لكان المهر لها لأنها حره حينئذ، قولهم إن الوطئ في نكاح
فاسد غير صحيح لأنه كان صحيحا ولم يوجد ما يفسده ويثبت فيه أحكام الوطئ في النكاح الصحيح
من الا حلال للزوج الأول وكونه حلالا
(مسألة) (وان اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها)
نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أن للسيد نصف المهر اختاره أبو بكر لأنه وجب
للسيد فلا يسقط بفعل غيره
561

ولنا أن الفرقة جاءت من قبلها فيسقط مهرها كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من بفسخ نكاحها
وقوله وجب للسيد قلنا لكن بواسطتها ولهذا سقط نصفه بفسخها وجميعه باسلامها وردتها
(فصل) ولو كانت مفوضة ففرض مهر المثل فهو للسيد أيضا لأنه وجب بالعقد في ملكه لا بالفرض
ولذلك لو مات أحدهما وجب والموت لا يوجب فدل على أنه وجب بالعقد وإن كان الفسخ قبل
الدخول والفرض فلا شئ إلا على الرواية الأخرى ينبغي أن تجب المتعة لأنها تجب بالفرقة قبل
الدخول في موضع لو كان مسمى وجب نصفه
(مسألة) (وان أعتق أحد الشريكين وهو معسر فلا خيار لها)
وقال أبو بكر لها الخيار لأن عتق المعسر لا يسري بل يعتق منها ما أعتق وباقيها رقيق فلا تكمل
حريتها فلا يثبت لها الخيار حينئذ وهذا قول الشافعي وعن أحمد أن لها الخيار حكاها أبو بكر واختارها
لأنها أكمل منه فإنها ترث وتورث وتحجب بقدر ما فيها من الحرية، ووجه الرواية الأولى أنه لا نص
في المعتق بعضها ولا هي في معنى الحرة الكاملة لأن الحرة كاملة الأحكام ولان العقد صحيح فلا
يفسخ بالمختلف فيه وهذه مختلف فيها وعن أحمد رضي الله عنه إذا عتقت وزوجها حر بهذه العلة فأما إن كان
المعتق موسر اسرى إلى باقيها فعتقت كلها وثبت لها الخيار
562

(فصل) ولو زوج أمة قيمتها عشرة بصداق عشرين تم أعتقها في مرضه بعد الدخول بها ثم مات
ولم يملك غيرها وغير مهرها بعد استيفائه عتقت لأنها تخرج من الثلث وان لم يكن قبضه عتق في الحال
ثلثها وفي الخيار لها وجهان، فكلما اقتضي من مهرها شيئا عتق منها بقدر ثلثه فإذا استوفي كله عتقت كلها
ولها الخيار حينئذ عند من لم يثبت لها الخيار قبل ذلك، فإن كان زوجها وطئها قبل استيفاء مهرها بطل
خيارها عند من جعل لها الخيار حينئذ لأنها أسقطته بتمكينه من وطئها وعلى قول الخرقي لا يبطل لأنها مكنته
منه قول ثبوت الخيار لها فأشبه ما لو مكنت منه قبل عتقها فأما ان عتقت قبل الدخول بها فلا خيار لها
على قول الخرقي لأن فسخها للنكاح سقط به صداقها فيعجز الثلث عن كمال قيمتها ورق ثلثاها ويسقط
خيارها فيقضي إثبات الخيار لها إلى إسقاطه فيسقط وهذا مذهب الشافعي وعند أبي بكر لها الخيار
فعلى قول من أوجب لسيدها نصف المهر يعتق ثلثاها إذا استوفي وعلى قول من أسقط يعتق ثلثها
(فصل) وان أعتق زوج الأمة لم يثبت لها خيار لأن عدم الكمال في الزوجة لا يؤثر في النكاح
ولذلك لا تعتبر الكفاءة الا في الرجل دون المرأة، فلو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة لم يكن له الخيار ولو
تزوجت المرأة رجلا مطلقا فبان عبدا فلها الخيار فكذلك في الاستدامة لكن ان أعتق ووجد طول
الحرة فهل يبطل نكاحه؟ على وجهين مضى ذكرهما
(فصل) إذا أعتقت الأمة فقالت لزوجها زدني في مهري ففعل فالزيادة لها دون سيدها سواء كان
563

زوجها حرا أو عبدا وسواء عتق معها أو لقم يعتق نص عليه أحمد فيما إذا زوج عبده أو أمته ثم أعتقا جميعا
فقالت الأمة زدني في مهري فالزيادة للأمة لا للسيد فقيل أرأيت إن كان الزوج لغير السيد لمن تكون
الزيادة؟ قال للأمة وعنى قياس هذا لو زوجها سيدها ثم باعها فزادها زوجها في مهرها فالزيادة للثاني
وقال القاضي الزيادة لسيد المعتق في الموضعين على قياس المذهب لأن من أصلنا أن الزيادة في الصداق
تلحق بالعقد الأول فيكون كالمذكور فيه، قال شيخنا والذي قلنا أصح لأن الملك في الزيادة حال وجودها
بعد زوال ملك سيدها عنها فيكون لها كسبها والموهوب لها، وقولنا ان الزيادة تلحق بالعقد معناه
أنها تلزم ويثبت الملك فيها ويصير الجميع صداقا وليس معناه أنا تبينا ان الملك كان ثابتا فيه وكان لسيدها
فإن هذا محال لأن سبب ملك هذه الزيادة وجد بعد العتق فلا يجوز أن يتقدم الملك عليه لأنه يؤدي
إلى تقدم الحكم قبل سببه ولو كان الملك ثابتا للمعتق فيه حين التزويج لزمته زكاته وكان له نماؤه وهذا
أظهر من أن نطيل فيه.
(مسألة) (وان عتق الزوجان معا فلا خيار لها وعنه ينفسخ نكاحهما)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فالمشهور عنه أنه لا خيار لها والنكاح بحاله سواء
أعتقهما واحد أو اثنان نص عليه أحمد وعنه لها الخيار لأنها كملت بالحرية تحت من لم يسبق لم حرية
564

فملكت الفسخ كما لو عتقت قبله، والأول أولى لأن حرية العبد لو طرأت بعد عتقها منع فإذا قارنت كان أولى
أن يمنع كاسلام الزوجين، وعنه رواية ثالثة ان أعتقا انفسخ نكاحهما لأن العتق معنى يزيل الملك عنهما
لا إلى مالك فجاز ان تقع به الفرقة كالموت ولأنه لا يمتنع أن لا تحصل الفرقة بوجوده من أحدهما أو تحصل
بوجوده منهما كاللعان والإقالة في البيع. قال شيخنا: معناه والله أعلم أنه إذا وهب لعبده سرية وأذن له
في التسري بها ثم أعتقهما جميعا صارا حرين وخرجت عن ملكه فلم يكن له اصابتها الا بنكاح جديد
هكذا روى جماعة من أصحابه فيمن وهب عبده سرية أو اشترى له سرية ثم أعتقها لا يقربها الا بنكاح
جديد، واحتج احمد بما روى عن نافع عن ابن عمر ان عبد الله كان له سريتان فاعتقهما وأعتقه فنهاه
ان يقربهما إلا بنكاح جديد ولأنها باعتاقها خرجت عن أن تكون مملوكة فلم يبح له التسري بها كالحرة
الأصلية، وأما إذا كانت امرأة فعتقا لم ينفسخ نكاحه بذلك لأنه إذا لم ينفسخ باعتاقها وحدها فلان
لا ينفسخ باعتاقهما معا أولى ويحتمل ان أحمد إنما أراد بقوله انفسخ نكاحهما أن لها فسخ النكاح ويخرج
هذا على الرواية التي تقول لها الفسخ إذا كان زوجها حرا فعتقت عنه
(فصل) ويستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فأراد عتقهما البداية بالرجل لئلا يثبت للمرأة خيار
عليه فيفسخ نكاحه، وقد روى أبو داود والأثرم باسنادهما عن عائشة أنه كان لها غلام وجارية
فتزوجها فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم إني أريد أن اعتقهما؟ فقال لها " ابدئي بالرجل قبل المرأة "
565

وعن صفية بنت أبي عبيد أنها فعلت ذلك وقالت للرجل أني بدأت بعتقك لئلا يكون لها
عليك خيار والله أعلم.
(باب حكم العيوب في النكاح)
(العيوب المثبتة للفسخ ثلاثة أقسام (أحدها) ما يختص بالرجال وهو شيئان (أحدهما) أن يكون
الرجل مجبوبا قد قطع ذكره ولم يبق منه ما يمكن الجماع به)
الكلام في العيوب المثبتة لفسخ النكاح للمرأة والرجل إذ اختار ذلك في أربعة فصول:
(أحدها) ان خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين للعيب يجده في الآخر في الجملة وروي
ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد والشافعي وإسحاق
وروى عن علي لا ترد الحرة بعيب، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه إلا أن يكون الرجل مجبوبا أو عنينا
فإن للمرأة الخيار فإن اختارت الفراق فرق الحاكم بينهما بطلقة ولا يكون فسخا لأن وجود العيب لا يقتضي
فسخ النكاح كالعمي والزمانة وسائر العيوب
ولنا أن المختلف فيه يمنع الوطئ فأثبت الخيار كالجب والعنة ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح
فجاز ردها بعيب كالصداق، أو أحد العوضين في عقد النكاح فجاز رده بالعيب أو أحد الزوجين فيثبت
566

له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة، فاما العمي والزمانة ونحوهما فلا يمنع المقصود بعقد النكاح وهو
الوطئ بخلاف العيوب المختلف فيها، فإن قيل فالجذام والجنون والبرص لا يمنع الوطئ قلنا بل يمنعه فإن
ذلك يوجب نفرة تمنع من قربانه بالكلية ويخاف منه التعدي إلى نفسه ونسله والمجنون يخاف منه
الجناية فصار كالمانع الحمي
(الثاني) العيوب المجوزة للفسخ وهي ثمانية: اثنان يختصان الرجل وهما الجب والعنة وثلاثة تختص
المرأة وهي الفتق والقرن والعفل وثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي الجذام والجنون والبرص وهكذا
ذكرها الخرقي، وقال القاضي: هي سبعة جعل القرن والعفل شيئا واحدا وهو الرتق وذلك لحم ينبت
في الفرج، حكي ذلك أهل الأدب وحكي نحوه عن أبي بكر وذكره أصحاب الشافعي وقال الشافعي
القرن عظم في الفرج يمنع الوطئ وقال عن غيره لا يكون في الفرج عظم إنما هو لحم ينبت فيه وحكي
عن أبي حفص ان العفل كالرغوة في الفرج يمنع لذة الوطئ، وقال أبو الخطاب الرتق أن يكون الفرج
مسدودا يعني ملتصقا لا يدخل الذكر فيه والقرن والعقل لحم ينبت في الفرج فيسده فهما في معنى الرتق
الا أنهما نوع آخر، وأما الفتق فهو انخراق ما بين السبيلين وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني
وذكرها أصحاب الشافعي سبعة أسقطوا منها الفتق ومنهم من جعلها ستة وجعل القرن والعفل شيئا
567

واحدا وإنما اختص الفسخ بهذه العيوب لأنها تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح فإن الجذام والبرص
يثيران نفرة في النفس تمنع قربانه ويخشى تعديه إلى النفس والنسل فيمنع الاستمتاع، والجنون
يثير نفرة ويخشى ضرره والجب والرتق بتعذر معهما الوطئ والفتق يمنع لذة الوطئ وفائدته وكذلك
العفل على قول من فسره بالرغوة
(فصل) فإن اختلفا في وجود العيب كمن يجسده بياض يمكن أن يكون بهقا أو برصا واختلفا في كونه
برصا أو كانت به علامات الجذام من ذهاب شعر الحاجبين فاختلفا في كونه جذاما فإن كانت للمدعي
بينة من أهل الخبرة والثقة فيشهدان بما قال ثبت قوله وإلا حلف المنكر والقول لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(ولكن اليمين على المدعى عليه) وان اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات ويقبل فيه قول
امرأة واحدة فإن شهدت بما قال الزوج والا فالقول قول المرأة، وأما الجنون فإنه يثبت الخيار
سواء كان مطبقا أو كان يجن في الأحيان لأن النفس لا تسكن إلى من هذه حاله الا أن يكون
مريضا يغمى عليه ثم يزول فذلك مرض لا يثبت به خيار فإن زال المرض ودام الاغماء فهو
كالمجنون يثبت به الخيار.
(مسألة) (فإن اختلفا في امكان الجماع بما بقي من ذكره فالقول قول المرأة)
568

لأنه يضعف بالقطع والأصل عدم الوطئ ويحتمل ان القول قوله كما لو ادعى الوطئ في
العنة ولان له ما يمكن الجماع بمثله فأشبه من له ذكر قصير (الثاني) أن يكون عنينا العنين هو
العاجز عن ايلاج ذكره وهو مأخوذ من عن أي اعترض لأن ذكره يعن إذا أراد ايلاجه أي
يعترض قيل لأنه يعن لقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده فإذا كان الرجل كذلك فهو عيب
به وتستحق به المرأة فسخ النكاح بعد أن يضرب له مدة يختبر فيها ويعلم حاله بها،
وهذا قول عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء
وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان وعليه فتوى فقهاء الأمصار منهم مالك وأبو
حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وشذ الحكم وداود فقالا لا يؤجل
وهي امرأته وروي ذلك عن علي رضي الله عنه لأن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: ان
رفاعة طلقني فبت طلاقي فتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير وإنما له مثل هدية الثوب فقال (تريدين
أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته) ويذوق عسيلتك ولم يضرب له مدة
ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه اجل العنين سنة وروى ذلك الدارقطني عن عمرو ابن مسعود
والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم ورواه أبو حفص عن علي ولأنه عيب يمنع الوطئ فأثبت الخيار
كالجب في الرجل والرتق في المرأة فأما الخبر فلا حجة لهم فيه فإن المدة إنما تضرب له مع اعترافه
569

وطلب المرأة ذلك ولم يوجد واحد منهما وقد روي أن الرجل وقال إني لاعركها عرك
الأديم وقال بن عبد البر وقد صح ان ذلك كان بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة وصح ذلك في قول النبي
صلى الله عليه وسلم (تريدين ان ترجعي إلى رفاعة) ولو كان قبل طلاقه لما كان ذلك إليها وقيل إنها ذكرت
ضعفه وشبهته بهدبة الثوب مبالغة ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (حتى تذوقي عسيلته) والعاجز
عن الوطئ لا يحصل منه ذلك
(مسألة) (فإن ادعت ذلك أجل سنة منذ ترافعه)
وجملة ذلك أن المرأة إذا ادعت عجز زوجها عن وطئها لعنة سئل عن ذلك فإن أنكر وهي عذراء
فالقول قولها وان كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه في ظاهر المذهب لأن الأصل السلامة ولان هذا أمر
لا يعرف الا من جهته وقال القاضي هل يستحلف؟ على وجهين بناء على دعوى الطلاق
(مسألة) (فإن اعترف بذلك أو قامت بينة على اقراره به فأنكر فطلبت يمينه فنكل ثبت عجزه)
ويؤجل سنة في قول عامة أهل العلم وعن الحارث بن ربيعة أنه أجل رجلا عشرة أشهر
ولنا قول من سمينا من الصحابة ولان هذا العجز قد يكون لعنة وقد يكون لمرض فضرب له سنة
لتمر به الفصول الأربعة فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة وإن كان من رطوبة زال في فصل
570

اليبس وإن كان من برودة زال، في فصل الحرارة وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال
فإذا مضت الفصول الأربعة واختلفت عليه الاهوية فلم يزل علم أنه خلقة وحكي عن أبي عبيد أنه قال
أهل الطب يقولون الداء لا يستجن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر وابتداء السنة من يوم ترافعه قال
ابن عبد البر على هذا جماعة القائلين بتأجيله قال معمر في حديث عمر يؤجل سنة من يوم ترافعه فإذا
انقضت المدة فلم يطأ فلها الخيار في فسخ النكاح
(مسألة) (وان اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنينا)
أكثر أهل العلم على هذا يقولون متى وطئ امرأته مرة ثم ادعت عجزه لم تسمع دعواها ولم
تضرب له مدة منهم عطاء وطاوس والحسن ويحيى الأنصاري والزهري وعمرو بن دينار وقتادة ومالك
والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وقال أبو ثور إذا عجز عن عن وطئها أجل
له لأنه عجز عن وطئها فثبت حقها كما لو وجب بعد الوطئ
ولنا أنه قد تحققت قدرته على الوطئ في هذا النكاح وزوال عنته فلم تضرب له مدة كما لو لم يكن
لأن حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة ثبتت بوطئ واحد وقد وجد ما أوجبه فإنه يتحقق به العجز فافترقا
(فصل) وان علمت أن عجزه عن الوطئ لعارض من صغر أو مرض مرجوا لزوال لم تضرب له
مدة لأن ذلك عارض يزول والعنة لا تزول لأنها جبلة وخلقة وإن كان لكبر أو مرض لا يرجي
571

برؤه ضربت له المدة لأنه في معنى من خلق كذلك وإن كان لجب أو شلل ثبت الخيار في الحال لأن
الوطئ مأيوس منه فلا معنى لانتظاره وإن كان قد بقي من الذكر ما يمكن الوطئ به أولا رجع
إلى أهل الخبرة في ذلك.
(فصل) والوطئ الذي يخرج به من العنة هو تغيب الحشفة في الفرج لأن الأحكام المتعلقة بالوطئ
تتعلق به فإن كان الذكر مقطوع الحشفة كفاه تغييب قدرا لحشفة من الباقي في أحد الوجهين ليكون
ما يجري من المقطوع مثل ما يجري من الصحيح (والثاني) لا يخرج من العنة الا بتغييب جميع الباقي
لأنه لاحد ههنا يمكن اعتباره فاعتبر تغييب جميعه لأنه المعني الذي يتحقق به حصول حكم الوطئ
وللشافعي قولان كهذين.
(مسألة) (وان وطئها في الدبر أو وطئ غيرها لم تزل العنة ويحتمل أن تزول)
لأن الدبر ليس محلا للوطئ فأشبه الوطئ فيما دون الفرج ولذلك لا يتعلق به الاحلال للزوج الأول
ولا الاحصان وان وطئها في القبل حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة خرج عن العنة وذكر القاضي
أن قياس المذهب ان لا يخرج عن العنة لنص أحمد على أنه لا تحصل به الإباحة للزوج الأول ولأنه
وطئ محرم أشبه الوطئ في الدبر
572

ولنا أنه وطئ في محل الوطئ فحرج به عن العنة كما لو وطئها وهي مريضة يضرها الوطئ ولان
العنة العجز عن الوطئ فلا يبقى مع وجود الوطئ لأن العجز ضد القدرة فلا يبقى مع وجود ضده
وما ذكره غير صحيح لأن تلك الأحكام يجوز أن تبقى مع وجود سببها لمانع أو فوات شرط والعنة
في نفسها أمر حقيقي لا يتصور بقاؤه مع انتفائه وأما الوطئ في الدبر فليس وطأ في محله بخلاف
مسئلتنا وفيه قول أن العنة تزول به اختاره ابن عقيل لأنه أصعب فمن قدر عليه فهو على غيره أقدر
(فصل) فإن وطئ امرأة لم يخرج به من العنة في حق غيرها واختار ابن عقيل أنه يخرج عن
العنة في حق جميع النساء فلا تسمع دعواها عليه منها ولا من غيرها وهذا مقتضى قول أبي بكر وقول
من قال إنه يختبر بتزويج امرأة أخرى ويحكى ذلك عن سمرة وعمر بن عبد العزيز قالوا لأن العنة خلقة
وجبلة لا تتغير بغير النساء فإذا انتفت في حق امرأة لم تبق في حق غيرها
ولنا أن حكم كل امرأة معتبر بنفسها ولذلك لو ثبتت عنته في حقهن فرضي بعضهن سقط حقها
وحدها دون الباقيات ولان الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن وطئها وهو ثابت في حقها لا
يزول بوطئ غيرها وقوله كيف يصح العجز عن واحدة دون أخرى؟ قلنا قد تنهض شهوته في حق
إحداهما لفرط حبه إياها وميله إليها واختصاصها بكمال ولوجه دون الأخرى فعلى هذا لو تزوج امرأة
فأصابها ثم أبانها ثم تزوجها فعن أحمد لها المطالبة لأنه إذا جاز أن يعن عن امرأة دون أخرى ففي
573

نكاح دون نكاح أولى ومقتضى قول أبي بكر ومن وافقه لا يصح هذا بلى متى وطئ امرأة
لم تثبت عنته أبدا.
(فصل) وان ادعى أنه وطئها وقالت إنها عذراء فشهدت بذلك امرأة ثقة فالقول قولها والا فالقول
قوله. إذا ادعت المرأة عنه زوجها فادعى أنه وطئها وقالت إنها عذراء أريت النساء الثقات فإن شهدن
بعذرتها فالقول قولها ويقبل في بقاء عذرتها شهادة امرأة واحدة كالرضاع ويؤجل الرجل وبهذا قال
الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي لأن الوطئ يزيل العذرة فوجودها يدل على عدم الوطئ
فإن ادعى أن عذرتها عادت بعد الوطئ فالقول قولها لأن هذا بعيد جدا وإن كان متصورا وهل تستحلف
المرأة؟ يحتمل وجهين (أحدهما) تستحلف لإزالة هذا الاحتمال كما يستحلف سائر من قلنا القول قوله
والآخر لا يستحلف لأن ما يبعد جدا لالتفات إليه كاحتمال كذب البينة العادلة وكذب المقر في
اقراره وهل يقبل قول امرأة واحدة؟ على روايتين (إحداهما) تقبل شهادة واحدة كالرضاع
(والثاني) لا يقبل فيه الا اثنتان لأن ما يقبل فيه شهادة الرجال لا يقبل فيه الا اثنان فالنساء أولى
(فصل) وان لم يشهد لها أحد فالقول قوله لأن الأصل السلامة في الرجال وعدم العيوب ودعواه
تتضمن سلامة العقد وصحته ويسقط حكم قولها لتبين كذبها فإن ادعت ان عذرتها زالت بسبب أحد
فالقول قوله لأن الأصل عدم الأسباب
574

(مسألة) (وان كانت ثيبا فالقول قوله لما ذكرنا)
ولان هذا يتعذر إقامة البينة عليه فقبل قوله فيه مع يمينه وبهذا قال الثوري والشافعي، وأصحاب
الرأي وابن المنذر لأن هذا مما تتعذر إقامة البينة ويمينه أقوى فإن دعواه سلامة العقد وسلامة نفسه
من العيوب والأصل السلامة فكان القول قوله كالمنكر في سائر الدعاوي وعليه اليمين عليه صحة ما قال
وهذا قول من سمينا ههنا لأن قوله محتمل للكذب فقوينا قوله بيمينه كما في سائر الدعاوي التي يستحلف
فيها فإن نكل قضي عليه بنكوله ويدل علي وجوب اليمين قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمنى نعلي المدعى عليه)
قال القاضي ويتخرج ان لا يستحلف على انكاره دعوى الطلاق فإن فيها روايتين كذا ههنا والصحيح
انه يستحلف لدلالة الخبر والمعني عليه وروي عن أحمد ان القول قولها مع يمينها حكاها القاضي في
المجرد لأن الأصل عدم الإصابة فكان القول قولها لأنه موافق للأصل واليقين معها وقال الخرقي يخلو
معها في بيت ويقال له اخرج ماءك على شئ فإن ادعت انه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب
فهو مني وبطل قولها هكذا حكاه الخرقي عن أحمد فعلى هذا ان أخرج ماءه فالقول قوله لأن
العنين يضعف عن الانزال فإذا أنزل تبينا صدقه فيحكم به وهو مذهب عطاء فإن ادعت انه ليس
يمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني لأنه يشتبه ببياض البيض وذلك إذا وضع على النار يجتمع
ويبس وهذا يذوب فيتميز بذلك أحدهما من الآخر فيختبر به وعلى هذا متى عجز عن إخراج مائه
575

فالقول قول المرأة لأن الظاهر معها وفي كل موضع حكمنا بوطئه بطل حكم عنته فإن كان في ابتداء الامر
لم يضربه له مدة وإن كان بعد ضرب المدة انقطعت وإن كان بعد انقضائها لم يثبت له خيار وكل
موضع حكمنا بعدم الوطئ منه حكمنا بعنته كما لو أقر بها واختار أبو بكر انه يزوج امرأة لها حظ من
الجمال ويعطي صداقها من بيت المال ويخلى وتسأل عنه ويؤخذ بما تقول فإن أخبرت بأنه يطء كذبت
الأولى والثانية بالخيار بين الإقامة والفسخ وان كذبته فرق بينه وبينهما وصداق الثانية من ماله ههنا
لما روي أن امرأة جاءت إلى سمرة فشكت إليه انه لا يصل إليها زوجها فكتب إلى معاوية فكتب إليه
ان زوجه امرأة ذات جمال يذكر عنها الصلاح وسق إليها من بيت المال عنه فإن أصابها فقد كذبت
وان لم يصبها فقد صدقت ففعل ذلك سمرة فجاءت المرأة فقالت ليس عنده شئ ففرق بينهما وقال الأوزاعي
تشهده امرأتان ويترك بينهما ثوب ويجامع امرأته فإذا قام عنها نظرتا إلى فرجها فإن كان فيه رطوبة
الماء فقد صدق والا فلا وحكي عن مالك مثل ذلك الا انه اكتفي بواحدة والصحيح ان القول قوله لما
ذكرنا وكذا لو ادعى الوطئ في الايلاء واعتبار خروج الماء ضعيف لأنه قد يطأ ولا ينزل وقد
ينزل من غير وطئ فإن ضعف الذكر لا يمنع سلامة الطهر ونزول الماء وقد يعجز السليم القادر عن
الوطئ في بعض الأحوال وليس كل من عجز عن الوطئ في حال من الأحوال أو وقت من الأوقات
576

(فصل) يكون عنينا ولذلك جعلنا مدته سنة وتزويجه بامرأة ثانية لا يصح لذلك أيضا ولأنه قد يعن عن امرأة دون
أخرى ولان نكاح الثانية إن كان وقتا أو غير لازم فهو نكاح باطل والوطئ فيه حرام وإن كان
صحيحا لازما ففيه اضرار بالثانية ولا ينبغي ان يقبل قولها لأنها تريد بذلك تخليص نفسها فهي متهمة
فيه وليس بأحق ان يقبل قولها من الأولى ولان الرجل لو أقر بالعجز عن الوطئ في يوم أو شهر
لم تثبت عنته بذلك وأكثر ما في الذي ذكروه إن ثبت عجزه عن الوطئ في اليوم الذي اختبروه فيه
وإذا لم يثبت حكم عنته باقراره بعجزه فلان لا يثبت بدعوى غيره ذلك عليه أولى
(فصل) القسم الثاني يختص النساء وهو شيئان (الرتق) وهو كون الفرج مسدودا لا مسلك للذكر
فيه وكذلك القرن والعفل وهو لحم يحدث فيه يسده وقيل القرن عظم والعفل رغوة تحدث فيه تمنع لذة
الوطئ (الثاني) الفتق وهو انخراق ما بين السبيلين وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني
(فصل) قال رضي الله عنه (القسم الثالث) مشترك بينهما وهو الجذام والبرص والجنون وسواء كان مطبقا أو
يجن في الأحيان فهذه الأقسام يثبت بها خيار الفسخ رواية واحدة لما سبق وقد ذكرنا دليل ذلك والخلاف فيه
(فصل) واختلف أصحابنا في البخر وهو نتن في الفم وقال ابن حامد نتن في الفرج يثور عند
577

الوطئ واستطلاق البول والنجو والقروح السيالة في الفرج والخصاء وهو قطع الخصيتين والسل هو
سل البيضتين والوجى وهو رضهما وفي كونه خنثى وفيما إذ وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله أو حدث به
العيب بعد العقد هل يثبت الخيار؟ على وجهين (أحدهما) لا يثبت الخيار وهو المفهوم من كلام الخرقي ثم ذكر
العيوب التي تثبت الخيار في فسخ النكاح ولم يذكر شيئا من هذه لأن ذلك لا يمنع من الاستمتاع ولا
يخشى تعديه فلم يثبت به الخيار كالعمى والعرج ولان ذلك إنما يثبت بنص أو اجماع أو قياس ولا
نص فيها ولا اجماع ولا يصح قياسها على العيوب المثبتة للخيار لما بينهما من الفرق فإن الوطئ مع هذه
العيوب ممكن بل قد قيل إن الخصي أقدر على الجماع لأنه لا يعتبر بانزال الماء والخنثى فيه خلقة زائدة
لا تمنعه الجماع أشبه اليد الزائدة وإذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله فلا خيار لأنهما متساويان فلا مزية
لأحدهما على صاحبه والوجه (الثاني) له الخيار وقال أبو بكر وأبو حفص إذا كان أحدهما لا يستمسك
بوله ولا خلاه فللآخر الخيار ويتخرج على ذلك من به الباسور القروح السيالة في الفرج ذكره
أبو الخطاب لأنها تثير نقرة وتتعدى نجاستها وتسمى من لا يحبس نجوها الشريم ومن لا يحبس بولها الماشولة
ومثلها من الرجال الافين وقال أبو حفص والخصاء عيب يرد به وهو أحد قولي الشافعي لأن فيه نفصا
وعارا ويمنع الوطئ أو يضعفه وقد روي أبو عبيد باسناده عن سليمان بن يسار ان ابن سند تزوج
امرأة وهو خصي فقال له عمر أعلمتها؟ قال لا قال أعلمها ثم خيرها وفي البخر وكون أحد الزوجين خنثى
578

غير مشكل وجهان (أحدهما) يثبت الخيار لأن فيه نفرة ونقصا وعارا والبخر نتن وقال ابن حامد نتن
في الفرج يثور عند الوطئ وهذا ان أراد به انه يسمى بخرا ويثبت الخيار والا فلا معنى له فإن نتن الفم
يسمى بخرا ويمنع مقارنة صاحبه الا على كره وما عدا هذه من العيوب لا يثبت الخيار وجها واحدا
كالقرع والعمى والعرج وقطع اليدين والرجلين لأنه لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه ولا نعلم في هذا
بين أهل العلم خلافا الا ان الحسن قال إذا وجد أحدهما الآخر عقيما يخير وأحب احمد ان يبين امره
وقال عسى امرأته تريد الولد وهذا في ابتداء النكاح فأما الفسخ فلا يثبت به ولو ثبت لذلك لثبت في
الآيسة ولان ضده يعلم فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو شاب. ثم يولد له ولد وهو شيخ ولا يتحقق ذلك منهما
وأما سائر العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم والله أعلم
وأما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به مثله ففيه وجه ان يثبت الخيار لوجود سببه كما لو غر عبد
بأمة والآن الانسان قد يأنف من عيب غيره ولا يأنف من عيب نفسه
(فصل) وأما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيبا به عيب من غير جنسه كالأبرص يجد المرأة مجنونة
أو مجذومة فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه الا ان يجد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي ان يثبت لها
خيار لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع وإنما امتنع لعيب نفسه
(فصل) وان حدث العيب بعد العقد فيه وجهان (أحدهما) يثبت الخيار وهو ظاهر قول الخرقي
579

لأنه قال فإن جب قبل الدخول فلها الخيار في وقتها لأنه عيب في النكاح يثبت الخيار مقارنا فأثبته
كالاعسار والرق فإنه يثبت الخيار إذا قارن مثل ان تغر الأمة من عبد ويثبته إذا طرأت الحرية إذا عتقت
الأمة تحت العبد ولأنه عقد على منفعة فحدوث العيب بها يثبت الخيار كالإجارة (والثاني) لا يثبت الخيار
وهو قول أبى بكر وابن حامد ومذهب مالك لأنه عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد أشبه الحادث
بالمبيع والصحيح الأول وهذا ينتقض بالعيب الحادث في الإجارة، وقال أصحاب الشافعي ان حدث
بالزوج أثبت الخيار وإن حدث بالمرأة فكذلك في أحسد الوجهين ولا يثبته في الآخر لأن الرجل
يمكنه طلاقها بخلاف المرأة. ولنا انهما تساويا فيما إذا كان العيب سابقا فتساويا فيه لاحقا كالمتبايعين
(مسألة) (وإن علم بالعيب وقت العقد أو قال قد رضيت بها معيبة بعد العقد أو وجد منه
دلالة على الرضى من وطئ أو تمكين مع العلم بالعيب فلا خيار له لا نعلم فيه خلافا)
لأنه رضي به فأشبه مشترى المعيب، وإن ظن العيب يسيرا فبان كثيرا كمن ظن البرص في قليل من
جسدها فبان في كثير منه فلا خيار له أيضا لأنه من جنس ما رضي به، وان رضي بعيب فبان غيره فله الخيار
لأنه وجد بها عيبا لم يرض به ولا بجنسه فيثبت له الخيار كالمبيع إذا رضي بعيب فيه فوجد به غيره وان رضي
بعيب فزاد بعدا لعقد كأن كان قليل من البرص فانبسط في جلدها فلا خيار له لأن رضاه به رضا بما يحدث منه
580

(فصل) وخيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضي به من القول
والاستمتاع به من الزوج أو التمكين من المرأة، هذا ظاهر كلام الخرقي لقوله فإن علمت أنه عنين
فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك وذكر القاضي انه على الفور وهو مذهب الشافعي فمتى
أخر الفسخ مع العلم والامكان بطل خياره لأنه خيار الرد بالعيب فكان على الفور كرد المبيع المعيب
ولنا انه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي كخيار القصاص وخيار العيب في المبيع ممنوع
ثم الفرق بينهما ان ضرره في المبيع غير متحقق لأنه قد يكون المقصود ماليته أو خدمته ويحصل ذلك مع
عيبه وههنا المقصود الاستمتاع وذلك يفوت بعنته، وأما خيار الشفعة والمجلس فهو لدمع ضرر عبر متحقق
(مسألة) (ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم لأنه مجتهد فيه فهو كفسخ العنة والفسخ للاعسار
بالنفقة ويخالف خيار المعتقة لأنه متفق عليه)
(مسألة) فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر وان فسخ بعده فعليه لمهر المسمى وقبل عنه مهر المثل)
أما إذا فسخ قبل الدخول فلا مهر عليه سواء كان من الزوج أو من المرأة وهذا قال الشافعي
لأن الفسخ إن ان منها فالفرقة من جهتها فيسقط مهرها كما لو فسخته برضاع زوجة له أخرى، وإن كان
منه فإنما فسخ بعيب بها دلسته بالاخفاء فصار الفسخ كأنه منها فإن قيل فهلا جعلتم فسخها لعنته كأنه
منه لحصوله بتدليسه؟ قلنا العوض من الزوج في مقابلة منافعها فإذا اختارت فسخ العقد مع سلامة ما عقد
581

عليه رجع العوض إلى العاقد معها وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وإنما يثبت لها لأجل
ضرر يلحقها لا لتعذر ما استحققت عليه في مقابلته عوضا فافترقا
(فصل) وإن كان الفسخ بعد الدخول فلها المهر لأنه يجب بالعقد ويستقر بالدخول فلم يسقط
بحادث بعده ولذلك لا يسقط بردتها ولا بفسخ من جهتها ويجب المهر المسمى، وذكر القاضي في المجرد فيه
روايتين (إحداهما يجب المسمى (والأخرى) مهر المثل بناء على الروايتين في العقد الفاسد، وقال الشافعي
الواجب مهر المثل لأن الفسخ استند إلى العقد الفاسد
ولنا أنها فرقة بعد الدخول في نكاح صحيح فيه مسمى صحيح فوجب المسمى كغير المعيبة
كالمعتقة تحت عبد، والدليل على أن النكاح صحيح أنه وجد بشروطه وأركانه فكان صحيحا كما لو لم
يفسخه ولأنه لو لم يفسخه لكان صحيحا فكذلك إذا فسخه كنكاح الأمة إذا عتقت تحت عبد
ولأنه تترتب عليه أحكام الصحة من ثبوت الاحصان والإباحة للزوج الأول وسائر أحكام الصحيح
ولأنه لو كان فاسدا لما جاز بقاؤه وتعين نسخه وما ذكروه لا يصح فإن الفسخ يثبت حكمه من حينه غير
سابق عليه وما وقع على صفة يستحيل أن يكون واقعا على غيرها وكذلك لو فسخ البيع بعيب لم يصر
العقد فاسدا ولا يكون النماء لغير المشترى، ولو كان المبيع أمة فوطئها لم يجب به مهرها فكذلك النكاح
(مسألة) (ويرجع به على من غره من المرأة والولي وعنه لا يرجع)
582

المذهب انه يرجع وهو الذي ذكره الخرقي، وقال أبو بكر فيه رواية أخرى انه لا يرجع.
قال شيخنا: والصحيح ان المذهب رواية واحدة انه يرجع فإن أحمد قال كنت أذهب إلى قول علي
فهبته فملت إلى قول عمر: إذا تزوجها فرأى جذاما أو برصا فإن لها صداقها بمسيسته إياها ووليها ضامن
للصداق وهذا يدل على أنه يرجع إلى هذا القول وبه قال الزهري وقتادة ومالك والشافعي في القديم
وروي عن علي انه لا يرجع وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد لأنه ضمن ما استوفي بدله وهو الوطئ
فلا يرجع به على غيره وكما لو كان المبيع معينا فأكله
ولنا ما روى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن الخطاب: أيما رجل
تزوج امرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها. وذلك لزوجها غرم على وليها ولأنه غره
في النكاح بما يثبت الخيار فكان المهر عليه كما لو غره بحرية أمة، ذا ثبت هذا فإن كان الولي علم غرم
وإن لم يكن علم فالتغرير من المرأة فيرجع عليها بجميع الصداق وإن اختلفوا في علم الولي فشهدت عليه
بينة بالاقرار بالعلم وإلا فالقول قوله مع يمينه وقال الزهري وقتادة إن علم الولي غرم وإلا استحلف
بالله انه ما علم ثم هو على الزوج، وقال القاضي إن كان أبا أو جدا أو ممن يجوز له أن يراها فالتغرير
من جهته علم أو لم يعلم وإن كان ممن لا يجوز له أن يراها كابن العم والمولى وعلم غرم، وإن أنكر ولم تقم
البينة باقراره فالقول قوله مع يمينه ويرجع على المرأة بجميع الصداق، وهذا قول مالك إلا أنه قال إذا
583

ردت المرأة ما أخذت ترك لها قدر ما تستحل به لئلا تصير كالموهوبة والشافعي قولان كقول مالك والقاضي
ولنا على أن الولي إذا لم يعلم لا يغرم أن التغرير من غيره فلم يغرم كما لو كان ابن عم وعلى انه
يرجع بكل الصداق لأنه مغرور منها فرجع بكل الصداق كما لو غره الولي، وقولهم لا يخفي على من
يراها لا يصح فإن عيب الفرج لاطلاع له عليها ولا يحل له رؤيتها وكذلك العيوب تحت الثياب فصار
في هذا كمن لا يراها إلا في الجنون فإنه لا يكاد يخفي على من يراها الا أن يكون غائبا وأما الرجوع
بالمهر فإنه بسبب آخر فيكون بمنزله ما لو وهبته إياه بخلاف الموهوبة
(فصل) فإن طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب فعليه نصف الصداق ولا يرجع به لأنه
رضي بالتزامه فلم يرجع على أحد وان ماتت أو مات قبل العلم بالعيب فلها الصداق كاملا ولا يرجع به
على أحد لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد وههنا استقر الصداق بالموت ولا يرجع به
(فصل) ولا سكني لها ولا نفقة لأن ذلك إنما يجب لمن لزوجها عليه الرجعة وهذه تبين بالفسخ
كما تبين بالثلاث وليس لزوجها عليه رجعة فلم يجب لها نفقة ولا سكنى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة
بنت قيس (النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة) رواه النسائي، وهذا إذا كانت
حائلا فإن كانت حاملا فلها النفقة لأنها بائن من نكاح صحيح وهي حامل فكانت لها النفقة كالمطلقة
584

ثلاثا والمختلعة وفي السكني روايتان، وقال القاضي لا نفقة لها وإن كانت حاملا في أحد الوجهين لأنها
بائن من نكاح فاسد وكذلك قال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين وفي الآخر لها النفقة لأن النفقة
للحمل والحمل لاحق به وبنوه على النكاح الفاسد وقد بينا صحته فيما مضي
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وليس لولي صغيرة ولا مجنونة ولا سيد أمة تزويجها معيبا)
لأنه ناظر لهم بما فيه الحظ، ولاحظ لهم في هذا العقد فإن زوجهن مع العلم بالعيب لم يصح
النكاح وكذلك الحكم في الصغير لأنه عقد لهم عقدا لا يجوز عقده فلم يصح كما لو باع عقاره لغير
غبطة ولا حاجة، وان لم يعلم بالعيب صح كما لو اشترى لهم معيبا لا يعلم عيبه ويجب عليه الفسخ إذا علم
لأن عليه النظر لهم فيما فيه الحظ في الفسخ ويحتمل أن لا يصح النكاح لأنه زوجهم ممن لا يملك تزويجهم
إياه فلم يصح كما لو زوجهم ممن يحرم عليهم
(مسألة) (وليس له تزويج كبيرة بمعيب بغير رضاها) بغير خلاف نعلمه لأنها تملك الفسخ
إذا علمت به بعد العقد فالامتناع أولى
(مسألة) (فإن اختارت الكبيرة تزويج مجبوب أو عنين لم يملك منعها)
لأن الحق لها في أحد الوجهين. والوجه الثاني له أن يمنعها
585

قال احمد ما يعجبني أن يزوجها بعنين وان رضيت الساعة تكره إذا أدخلت عليه، لأن من
شأنهن النكاح، ويعجبهن من ذلك ما يعجبنا وذلك لأن الضرر في هذا دائم، والرضى غير موثوق
بدوامه ولا تتمكن من التخلص إذا كانت عالمة في ابتداء العقد وربما أفضى إلى الشقاق والعداوة
فيتضرر وليها وأهلها فملك الولي منعها كما لو أرادت نكاح من ليس بكفء
وقال القاضي: له منعها من نكاح المجنون، وليس له منعها من نكاح المجبوب والعنين لأن ضررهما
عليها خاصة، وفى الأبرص والمجنون وجهان (أحدهما) لا يملك منعها لأن الحق لها والضرر عليها أشبه المجبوب
والعنين و (الثاني) له منعها لأن عليه ضررا فيه فإنه يتغير به ويخشي تعديه إلى الولد فأشبه التزويج
بغير كف، وهذا مذهب الشافعي، والأولى أن له منعها لأن عليها فيه ضررا دائما وعارا عليها وعلى
أهلها فملك منعها منه كالتزويج بغير الكفء فاما ان اتفقا على ذلك ورضيا به جاز وصح النكاح لأن
الحق لهما لا يخرج عنهما ويكره لهما ذلك لما ذكره أبو عبد الله من أنها وإن رضيت الآن تكره فيما بعد
ويحتمل أن يملك سائر الأولياء الاعتراض عليها ومنعها من هذا التزويج لأن العار يلحق بهم وينالهم
الضرر فأشبه ما لو زوجها بغير كف ء
(مسألة) (فأما إن علمت العيب بعد العقد أو حدث به لم يملك اجبارها على الفسخ إذا رضيت)
لأن حق الولي في ابتداء العقد لا في دوامه ولهذا لو دعت وليها إلى تزويجها بعبد لم تلزمه اجابتها
ولو أعتقت عبدا لم يملك اجبارها على الفسخ
586

باب نكاح الكفار
وحكه حكم نكاح المسلمين فيما يجب بدون تحريم المحرمات
وجملة ذلك أن أنكحتهم يتعلق بها أحكام النكاح الصحيح من وقوع الطلاق والظهار والايلاء
ووجوب المهر والقسمة والإباحة للزوج الأول والاحصان وغير ذلك. وممن أجاز طلاق الكفار
عطاء والشعبي والنخعي والزهري وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ولم يجوزه
الحسن وقتادة وربيعة ومالك.
ولنا أنه طلاق من بالغ عاقل في نكاح صحيح فوقع كطلاق المسلم فإن قيل لا تسلم صحة
أنكحتهم قلنا دليل ذلك أن الله تعالى أضاف النساء إليهم فقال (وامرأته حمالة الحطب) وقال (امرأة
فرعون) وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة ولدت من نكاح لا من سفاح وإذا ثبتت صحتها
ثبتت أحكامها كأنكحة المسلمين فعلى هذا إذا طلق الكافر ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج وإصابة ثم أسلما
لم يقرا عليه وان طلق امرأته أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عنده على ما بقي من طلاقها وان نكحها
كتابي وأصابها حلت لمطلقها ثلاثا سواء كان المطلق مسلما أو كافرا وان ظاهر الذمي من امرأته
587

ثم أسلما فعليه كفارة الظهار لقول الله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم) الآية. فإن آلى ثبت
حكم الايلاء لقوله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) ويحرم عليهم ما يحرم في النكاح على المسلمين
على ما ذكرنا في باب المحرمات في النكاح
(مسألة) (ويقرون على الأنكحة المحرمة ما اعتقدوا حلها ولم يرتفعوا إلينا)
إنما يقرون بهذين الشرطين (أحدهما) أن لا يترافعوا إلينا (الثاني) أن يعتقدوا إباحة ذلك
في دينهم لأن ما لا يعتقدون حله ليس من دينهم فلا يقرون عليه كالزنا والسرقة، وقال الله تعالى (فإن
جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا) فيدل هذا على أنهم يخلون
وأحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا ولان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يتعرض
عليهم في أنكحتهم منع علمه انهم يستبيحون نكاح محارمهم ولأنه أسلم خلق كثير في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
فأقرهم على أنكحتهم ولم يكشف عن كيفيتها فإذا لم يرتفعوا لم نتعرض لهم لأنا صالحناهم على الاقرار
على دينهم. وعن أحمد في مجوسي تزوج كتابة أو اشترى نصرانية قال يحال بينه وبينها قيل من
يحول بينهما؟ قال الإمام قال أبو بكر لأن علينا ضررا في ذلك بتحريم أولاد النصرانية علينا ويجئ
على قوله في تزويج النصراني المجوسية فيخرج من هذا أنهم لا يقيمون على نكاح محرم وان يحال بينهم
وبين نكاح محارمهم فإن عمر كتب ان فرقوا بين كل ذي رحم من المجوس وقال أحمد في مجوسي ملك
أمة نصرانية يحال بينه وبينها ويجبر على بيعها لها دين وله دين فإن ملك نصراني مجوسية فلا بأس أن
يطأها وقال أبو بكر عبد العزيز لا يباح له وطؤها أيضا لما ذكرناه من الضرر
588

(مسألة) (وإن أسلموا أو ترافعوا إلينا في ابتداء العقد لم نمضه إلا على الوجه الصحيح مثل
أنكحة المسلمين بالولي والشهود والايجاب والقبول)
لأنه لا حاجة إلى عقد يخالف ذلك قال الله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) وإن كان
في إثباته لا يتعرض في كيفية عقدهم ولا تعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة
الايجاب والقبول وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن الزوجين
إذا أسلما معافي حال واحدة ان لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع وقد أسلم خلق
كثير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم نساؤهم فأقروا على أنكحتهم ولم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شروط
النكاح ولا كيفيته وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة فكان يقينا
(مسألة) (لكن ان كانت المرأة في هذه الحال ممن لا يجوز ابتداء نكاحها كأحد المحرمات بالنسب
أو السبب أو المعتدة أو المرتدة أو الوثنية والمجوسية والمطلقة ثلاثا لم يقرا)
لحديث عمر وان تزوجها في العدة واسلما بعد انقضائها أقرا لأنها مما يجوز ابتداء نكاحها وان
ترافعا إلينا في العدة فسخ نكاحهما لأنه لا يجوز ابتداء نكاحهما وإن كان بينهما نكاح متعة لم يقرا
عليه لأنه إن كان بعد المدة لم يبق بينهما نكاح وإن كان في المدة فهما لا يعتقدان تأييده والنكاح عقد
589

مؤبد الا أن يعتقد فساد الشرط وحده وإن كان خيار مدة فأسلما فيها لم يقرا لذلك وإن كان بعدها اقرا
لأنهما يعتقدان لزومه وكل ما اعتقدوه نكاحا فهو نكاح يقرون عليه ومالا فلا
(مسألة) (وإن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته أو اعتقداه نكاحا ثم أسلما اقرا عليه)
لأنه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه كالنكاح بلا ولي وان يعتقداه نكاحا
لم يقرا عليه لأنه ليس من أنكحتهم.
(مسألة) (وإذا كان المهر مسمى صحيحا أو فاسدا قبضته استقر وإن كان فاسدا فلم تقبضه
فرض لها مهر المثل)
(إذا أسلم الكفار وترافعوا إلينا بعد العقد والقبض لم نتعرض لما فعلوه وما قبضت من المهر فقد نفذ وليس
لها غيره حلالا كان أو حراما بدليل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا)
فأمر بترك ما بقي من دون ما قبض وقال تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى
الله) ولان التعرض للمقبوض بابطاله يشق لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام ففيه تنفيرهم عن الاسلام
فعفي عنه كما عفي عن ترك ما تركوه من الفرائض والواجبات ولأنهما تقابضا بحكم الشرك فبرئت ذمة من هو عليه
منه كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا وان لم يتقابضا وكان المسمى حلالا وجب ما سميا لأنه مسمى صحيح في نكاح
صحيح فوجب كتسمية المسلم وإن كان حراما كالخمر والخنزير بطل ولم يحكم به لأن ما سمياه لا يجوز
590

ايجابه في الحكم ولا يجوز أن يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم ويجب مهر المثل إن كان قبل
الدخول ونصفه أو وقعت الفرقة قبل الدخول وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وقال أبو حنيفة إن كان
أصدقها خمرا أو خنزيرا معينين فليس لها الا ذلك وان كانا غير معينين فلها في الخمر القيمة وفي
الخنزير مهر المثل استحسانا.
ولنا ان الخمر لا قيمة له في الاسلام فكان الواجب مهر المثل كما لو أصدقها خنزيرا
ولأنه محرم أشبه الخنزير
(فصل) وان قبضت بعض الحرام دون بعض سقط من المهر بقدر ما قبض ووجب بحصة ما بقي
من مهر المثل فإن كان الصداق عشرة زقاق خمر متساوية فقبضت منها خمسة سقط نصف المهر ووجب
لها نصف مهر المثل وإن كانت مختلفة اعتبر ذلك بالكيل في أحد الوجهين لأنه إذا وجب اعتباره
اعتبر ذلك بالكيل فيا له مثل يتأنى الكيل فيه (والثاني) يقسم على عددها لأنه لا قيمة لها فاستوي
كبيرها وصغيرها وإن أصدقها عشرة خنازير ففيه الوجهان (أحدهما) يقسم على عددها لما ذكرنا
(والثاني) تعتبر قيمتها كأنها مما يجوز كما تقوم شجاع الحر كأنه عبد، وإن أصدقها كلبا وخنزيرين وثلاث
زقاق خمر ففيه ثلاث أوجه (أحدها) يقسم على قدر قيمتها عندهم (والثاني يقسم على عدد الأجناس
فيجعل لكل جنس ثلث المهر (والثالث) يقسم على العدد فلكل واحد سدس المهر وللكلب سد
591

ولكل واحد من الخنزيرين والزقاق سدسه ومذهب الشافعي على نحو هذا
(فصل) فإن نكحها نكاحا فاسدا وهوما لا يقرون عليه إذا أسلموا كنكاح ذوات الرحم فأسلما
قبل الدخول أو ترافعوا إلينا فرق بينهما ولا مهر لها، قال احمد في المجوسية تكون تحت أخيها أو أبيها
فيطلقها أو يموت عنها فترتفع إلى المسلمين لا مهر لها وذلك لأنه نكاح باطل من أصله لا يقر عليه في
الاسلام وجدت فيه الفرقة قبل الدخول، وأما إن دخل بها فهل يجب مهر المثل؟ يخرج على روايتين
في المسلم إذا وطئ امرأة من محارمه بشبهة
(فصل) إذا تزوج ذمي ذمية على أن لا صداق لها أو سكت عن ذكره فلها المطالبة بفرضه إن كان
قبل الدخول وإن كان بعده فلها مهر المثل كما في نكاح المسلمين وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة
إن تزوجها على أنه لامهر لها فلا شئ لها وإن سكت عن ذكره فعنه روايتان (إحداهما لا مهر لها (والأخرى)
مهر المثل، واحتج بأن المهر يجب لحق الله وحقها وقد أسقطت حقها والذي يطالب به حق الله تعالى
ولنا ان هذا نكاح خلا عن تسمية فيجب للمرأة فيه مهر المثل كالمسلمة وإنما وجب المهر في حق
المسلمة لئلا تصير كالموهوبة والمباحة وهذا يوجد في حق الذمي
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه: إذا أسلم الزوجان معا أو أسلم زوج الكتابية فهما على
نكاحهما سواء كان قبل الدخول أو بعده وليس بين أهل العلم في هذا اختلاف بحمد الله، وذكر
ابن المنذر انه اجماع من أهل العلم وذلك لأنه لم يوجد منهم اختلاف وقد روي أبو داود عن ابن عباس
ان رجلا جاء مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءت امرأته بعده فقال يا رسول الله انها كانت أسلمت
592

معي فردها عليه، ويعتبر تلفظهما بالاسلام دفعة واحدة لئلا يسبق أحدهما صاحبه فيفسد النكاح.
ويحتمل أن يقف على المجلس كالقبض ونحوه فإن حكم المجلس كله حكم حالة العقد ولأنه يتعذر اتفاقهما
على النطق بكلمة الاسلام دفعة واحدة فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين قبل الدخول
إلا في النادر فيبطل الاجماع، وإذا أسلم زوج الكتابية قبل الدخول أو بعده أسلما معافا لنكاح
باق بحاله سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي لأن للمسلم ابتداء نكاح الكتابية فاستدامته أولى، ولا
خلاف في هذا بين القائلين بجواز نكاح الكتابية للمسلم
(مسألة) (فإن أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول تعجلت الفرقة سواء كان زوجها كتابيا أو
غير كتابي إذ لا يجوز لكافر نكاح المسلمة) قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم
(مسألة) (فإن كات هي المسلمة فلا مهر لها، وإن كان هو المسلم قبلها فلها نصف المهر وعنه لا مهر لها)
وجملة ذلك أن الفرقة إذا حصلت قبل الدخول باسلام المرأة فلا شئ لها لأن الفرقة من جهتها
وبهذا قال الحسن ومالك والزهري والأوزاعي وابن شبرمة والشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن لها
نصف المهر إذا كانت هي المسلمة اختارها أبو بكر وبه قال قتادة والثوري ويقتضيه قول أبي حنيفة
لأن الفرقة حصلت من قبله بامتناعه من الاسلام وهي فعلت ما فرض الله عليها فكان لها نصف ما فرض
593

الله لها كما لو علق طلاقها على الصلاة فصلت، ونقل عن أحمد في مجوسي أسلم قبل أن يدخل بامرأته
فلا شئ لها من الصداق لما ذكرنا، ووجه الأولى ان الفرقة حصلت باختلاف الدين وقد حصل
باسلامها فكانت الفرق حاصلة بفلها فلم يجب لها شئ كما لو ارتدت ويفارق تعليق الطلاق فإنه من
جهة الزج ولهذا لو علقه على دخولها فدخلت وقعت الفرقة ولها نصف المهر، فأما إن حصلت الفرقة
باسلام الزوج فللمرأة نصف المسمى إن كانت التسمية صحيحة أو نصف مهر المثل إن كانت فاسدة
مثل أن يصدقها خمرا أو خنزيرا لأن الفرقة حصلت بفعله وعنه لا مهر لها لأن الفرقة جاءت من
قلها لكونها امتنعت من الدخول في الاسلام
(فصل) إذا انفسخ النكاح بأحد الزوجين قبل الدخول مثل ان يسلم أحد الزوجين الوثنيين
أو المجوسيين تعجلت الفرقة على ما ذكرنا ويكون ذلك فسخا لا طلاقا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة
لا تتعجل الفرقة بل إن كان في دار الاسلام عرض على الآخر فإن أبي وقعت الفرقة حينئذ وإن كان في
دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها فإن لم يسلم الآخر وقعت الفرقة فإن كان الاباء من الزوج
كان طلاقا لأن الفرقة حصلت من قبله فكان طلاقا كما لو لفظ به وإن كان من المرأة كان فسخا لأن المرأة
لا تملك الطلاق وقال مالك ان كانت هي المسلمة عرض عليه الاسلام فإن أسلم والا وقعت الفرقة
وإن كان هو المسلم تعجلت الفرقة لقوله سبحانه (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)
594

ولنا انه اختلاف دين يمنع الاقرار على النكاح فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة كالردة
وعلى مالك كاسلام الزوج أو كما لو اتي الآخر للاسلام لأنه إن كان هو المسلم فليس له إمساك
كافرة لقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وان كانت هي المسلمة فلا يجوز ابقاؤها في نكاح مشرك
ولنا على أنها فرقة فسخ أنه فرقة باختلاف الدين فكانت فسخا كما لو أسلم الزوج وأبت المرأة ولأنها
فرقة بغير لفظ فكانت فسخا كفرقة الرضاع
(مسألة) (وان قالت أسلمت قبلي وأنكرها فالقول قولها)
لأن المهر وجب بالعقد والزوج يدعي ما يسقطه والأصل بقاؤه ولم يعارضه ظاهر فبقي وان اتفقا
على أن أحدهما قبل الآخر ولا يعلمان عينه فلها نصف الصداق ذكره أبو الخطاب لما ذكرنا
وقال القاضي ان لم تكن قبضت فلا شئ لها لأنها تشك في استحقاقها فلا تستحق بالشك وإن كان
بعد القبض لم يرجع عليها لأنه يشك في استحقاق الرجوع فلا يرجع مع الشك والأول أصح لأن
اليقين لا يزول بالشك وكذلك إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بني
على اليقين وهذه كان صداقها واجبا وشكا في سقوطه فيبقي على الوجوب
(مسألة) (وإن قال الزوج أسلمنا معا فنحن على النكاح فأنكرته فعلى وجهين)
595

قال القاضي القول قول المرأة لأن الظاهر معها إذا يبعد اتفاق الاسلام منهما دفعة واحدة والقول
قول من الظاهر معه وكذلك كن القول قول صاحب اليد وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب أن القول
قول الزوج لأن الأصل بقاء النكاح والفسخ طارئ عليه فكان القول قول من يوافق قوله الأصل كالمنكر
والشافعي قولان كهذين الوجهين
(فصل) فإن اختلفا بعد الدخول فقال الزوج أسلمنا معا أو أسلم الثاني منافى العدة فنحن على
النكاح وتقول هي بل أسلم الثاني بعد العدة فانفسخ النكاح ففيه وجهان (أحدهما) القول قوله لأن الأصل
بقاء النكاح (والثاني) القول قولها لأن الأصل عدم اسلام الثاني
(مسألة) (وان أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الامر على انقضاء العدة فإن أسلم الثاني قبل
انقضائها فهما على نكاحهما والا تبينا أن الفرقة وقعت من حين أسلم الأول)
روى عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة روايتان (إحداهما) أن الامر يقف على انقضاء العدة على
اما ذكرنا وهذه الرواية التي ذكرها الخرقي فعلى هذا إذا لم يسلم الثاني في العدة لا يحتاج إلى استئناف
العدة وهذا قول الزهري والليث والحسن بن صالح والأوزاعي والشافعي وإسحاق ونحوه عن عبد الله بن
عمر ومجاهد ومحمد بن الحسن (والثانية) تتعجل الفرقة كما قبل الدخول وهذا اختيار الخلال وصاحبه
وقول الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ونصره ابن المنذر
596

وقول أبي حنيفة ههنا كقوله فيما قبل الدخول الا أن المرأة إذا كانت في دار الحرب فانقضت عدتها
وحصلت الفرقة لزمها استئناف العدة وقال مالك ان أسلم الرجل قبل امرأته عرض عليها الاسلام فإن
أسلمت والا وقعت الفرقة وان كانت غائبة تعجلت الفرقة وان أسلمت المرأة قبله وقف الامر على انقضاء
العدة واحتج بتعجيل الفرقة بقوله سبحانه (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) ولان ما يوجب فسخ النكاح
لا يختلف بما قبل الدخول وبعده كالرضاع
ولنا ما روى مالك في موطئه عن ابن شهاب كان بين اسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد
ابن المغيرة نحو من شهر أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم
ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح قال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث
أقوى من اسناده وقال ابن شهاب أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن
فارتحلت حتى قدمت عليه اليمن فدعته إلى الاسلام فأسلم وقدم فبايع فثبتا على نكاحهما وقال ابن شبرمة
كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما
أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما ولان أبا سفيان خرج
فأسلم عام الفتح قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة ولم تسلم هند امرأته حتى فتح النبي صلى الله عليه وسلم
مكة فثبتا على النكاح وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن
597

أبي أمية عام الفتح فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم بالابواء فأسلما قبل نسائهما ولم يعلم أن النبي صلى الله
عليه وسلم فرق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته ويبعد أن يتفق اسلامهما معا ويفارق ما قبل الدخول
فإنه لا عدة لها فتتعجل البينونة كالمطلقة واحدة وههنا لها عدة فإذا انقضت تبينا وقوع الفرقة من حين
أسلم الأول فلا يحتاج إلى عدة ثانية لأن اختلاف الدين سبب الفرقة نحتسب الفرقة منه كالطلاق
فعلى هذه الرواية لو وطئها الزوج في عدتها ولم يسلم الثاني فيها فلها عليه المهر ويؤدب لأننا تبينا أنه
وطئها بعد البينونة وانفساخ النكاح فيكون واطئا في غير ملك وان أسلم فلا شئ لها لأننا تبينا أن النكاح
لم ينفسخ وانه وطئها في نكاحه فلم يكن عليه شئ
(فصل) فإن أسلم أحد الزوجين وتخلف الآخر حتى انقضت العدة انفسخ النكاح في قول عامة
العلماء قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في هذه الأشياء روي عن النخعي شذ فيه عن جماعة العلماء فلم
يتبعه عليه أحمد زعم أنها ترد إلى زوجها وان طالت المدة لما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم رد زينب على زوجها أبي العاص بنكاحها الأول رواه أبو داود واحتج به أحمد قيل له أليس
يروي أنه ردها بنكاح مستأنف؟ قال ليس لذلك أصل قيل كان بين اسلامها وردها إليه ثمان سنين
ولنا قوله تعالى (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) وقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)
والاجماع المنعقد على تحريم فروج المسلمات على الكفار وأما قصة أبى العاص مع امرأته فقال ابن
598

عبد البر لا يخلو اما أن يكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار فتكون منسوخة بما جاء بعدها أو
تكون حاملا استمر حملها حتى أسلم زوجها أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم أو تكون
ردت إليه بنكاح جديد فقد روى ابن أبي قتيبة في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي
صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص بنكاح جديد رواه الترمذي وقال سمعت عبد بن حميد يقول
سمعت يزيد بن هارون يقول حديث ابن عباس أجود اسناد أو العمل على حديث عمرو بن شعيب
(مسألة) (فإن أسلمت قبله فلها نفقة العدة)
لأنه يتمكن من الاستمتاع وابقاء نكاحها باسلامه معها فكانت لها النفقة كالرجعية وسواء أسلم في
عدتها أو لم يسلم فإن قيل إذا لم يسلم تبينا أنها بائن باختلاف الدين فكيف تجب النفقة للبائن؟ قلنا
لأنه كان يمكن الزوج تلافي نكاحها بل يجب عليه فكانت في معنى الرجعية وإن كان هو المسلم فلا
نفقة لها لأنه لا سبيل إلى تلافي نكاحها واستبقائها فأشبهت البائن وسواء أسلمت معه أم لا
(مسألة) (فإن اختلفا في السابق منهما فقال الزوج أسلمت قبلك فلا نفقة لك وقالت المرأة بل
أن المسلمة أولا فلي النفقة فالقول قولها في أحد الوجهين)
لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعى سقوطها (والثاني) أن القول قوله لأن النفقة إنما تجب
بالتمكين من الاستمتاع والأصل عدمه فإن قال أسلمت بعد شهرين من اسلامي فلا نفقة لك فيها وقالت
599

بعد شهر فالقول قوله لأن الأصل عدم اسلامها في الشهر الثاني فإن ادعى هو بفسخ النكاح
فأنكرته انفسخ النكاح لأنه يقر على نفسه بزوال نكاحه وسقوط حقه فأشبه ما لو ادعي أنها أخته
من الرضاع فكذبته.
(مسألة) (وعنه أن الفرقة تتعجل باسلام أحدهما كما قبل الدخول وقد ذكرناه)
(مسألة) (فأما الصداق فواجب بكل حال)
يعني إذا وقعت الفرقة باسلام أحدهما بعد الدخول فإنه يجب لها المهر كاملا لأنه استقر بالدخول
فلم يسقط بشئ فإن كان مسمى صحيحا فهو لها لأن أنكحة الكفار صحيحة تثبت أحكام الصحة
وإن كان محرما قبضته فليس لها غيره لأنا لا نتعرض إلى ما مضي من أحكامهم وان لم يكن قبضته فلها
مهر المثل لأن الخمر والخنزير لا يكون صداقا لمسلمة ولا في نكاح مسلم وقد صارت أحكامهم أحكام المسلمين
(فصل) وسواء مما ذكرنا اتفق الداران أو اختلفتا وبه قال مالك والليث والأوزاعي والشافعي
وقال أبو حنيفة ان أسلم أحدهما وهما في دار الحرب ودخلا دار الاسلام انفسخ النكاح ولو تزوج
حربي حربية ثم دخلا دار الاسلام وعقد العهد انفسخ نكاحه لاختلاف الدارين ويقتضي مذهبه أن أحد
الزوجين الذميين إذا دخل دار الحرب ناقضا للعهد انفسخ نكاحه لأن الدار انعقدت بهما فعلا وحكما
فوجب أن تقع الفرقة بينهما كما لو أسلمت في دار الاسلام قبل الدخول
600

ولنا أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته بمكة لم تسلم وهي دار حرب وأم حكيم أسلمت
بمكة وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن وامرأة صفوان بن أمية أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها ثم
أسلموا وأقروا على أنكحتهم مع اختلاف الدين والدار بهم، ولأنه عقد معاوضة فلم ينفسخ باختلاف
الدار كالبيع، ويفارق ما قبل الدخول فإن القاطع للنكاح اختلاف الدين المانع من الاقرار على
النكاح دون ما ذكروه، فعلى هذا لو تزوج مسلم مقيم بدار الاسلام حربية من أهل الكتاب صحح
نكاحه وعندهم لا يصح
ولنا قوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) ولأنها امرأة يباح نكاحها إذا
كانت في دار الاسلام فأبيح نكاحها في دار الحرب كالمسلمة
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وان ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر
ان كانت المرتدة، وإن كان هو المرتد فلها نصف المهر)
إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم انه حكى عن داود
انه لا ينفسخ بالردة لأن الأصل بقاء النكاح
ولنا قول الله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وقوله تعالى (فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هن حل
601

لهم ولا هم يحلون لهن) ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة فوجب فسخ النكاح كما لو أسلمت تحت كافر ثم
ننظر فإن كانت المرأة هي المرتدة فلا مهر لها لأن الفسخ من قبلها وإن كان الرجل هو المرتد فعليه نصف
المهر لأن الفسخ من جهته فأشبه ما لو طلق وان كانت التسمية فاسدة فعلية نصف مهر المثل
(مسألة) (وان كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة أو تقف على انقضاء
العدة؟ على روايتين)
اختلف الرواية عن أحمد فيما إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول حسب اختلافهما فيما إذا أسلم
أحد الزوجين الكافرين ففي إحداهما تتعجل الفرقة وهو قول أبي حنيفة ومالك وروي ذلك عن الحسن
وعمر بن عبد العزيز والثوري وزفر وأبي ثور وابن المنذر لأن ما أوجب فسخ النكاح استوي فيه
ما قبل الدخول وبعده كالرضاع (والثانية) يقف على انقضاء العدة فإن أسلم المرتد قبل انقضائها فهما على
النكاح وان لم يسلم حتى انقضت بانت منذ اختلاف الدينين وهذا مذهب الشافعي لأن لفظه تقع به الفرقة
فإذا وجد الدخول جازان يقف على انقضاء العدة كالطلاق الرجعي أو نقول اختلاف دين بعد الإصابة فلا
يوجب فسخه في الحال كاسلام الحربية تحت الحربي، وقياسه على الاسلام أحد الزوجين أقرب من قياسه
على الرضاع ولان الرضاع تحرم به المرأة على التأبيد فلا فائدة في تأخير الفسخ إلى بعد انقضاء العدة
(مسألة) (فإن كان هو المرتد فعليه نفقة العدة)
602

لأنه بسبيل إلى الاستمتاع بها بان يسلم ويمكنه تلافى نكاحها فكانت لها النفقة كزوج الرجعية وان
كانت هي المرتدة فلا نفقة لها لأنه لا سبيل للزوج إلى رجعتها وتلافي نكاحها فلم يكن لها نفقة كما بعد العدة
(فصل) فإن ارتد الزوجان معا فحكمهما حكم ما لو ارتد أحدهما إن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة
وإن كان بعده فهل تتعجل أو تقف على انقضاء العدة على روايتين وهذا مذهب الشافعي قال أحمد
في رواية ابن منصور إذا ارتدا معا أو أحدهما ثم تابا أو تاب المرتد منهما فهو أحق بها ما لم تنقض
العدة وقال أبو حنيفة لا ينفسخ النكاح استحسانا لأنه لم يختلف بهما الدين فأشبه ما لو أسلما
ولنا انها ردة طارئة على النكاح فوجب ان يتعلق بها فسخه كما لو ارتد أحدهما ولان كل ما زال
عنه ملك المرتد إذا ارتد وحده زال إذا ارتد غيره معه كما له وما ذكره يبطل بما إذا انتقل المسلم واليهودية
إلى دين النصرانية فإن نكاحهما ينفسخ وقد انتقالا إلى دين واحد، وأما إذا أسلما فقد انتقلا إلى دين
الحق ويقران عليه بخلاف الردة
(فصل) وإذا ارتد أحد الزوجين أو ارتدا معا منع من وطئها في عدتها فإن وطئها في عدتها وقلنا إن
الفرقة تعجلت فيكون عليه مهر مثلها وإن قلنا إن الفرقة تقف على انقضاء العدة فاسلم المرتد منهما أو أسلما جميعا
في عدتها وكانت الردة منها فلا مهر لها عليه بهذا الوطئ لأنا تبينا ان النكاح لم يزل وانه وطئها وهي
زوجته وان ثبتا أو ثبت المرتد منهما على الردة حتى انقضت العدة فلها عليه مهر المثل لهذا الوطئ لأنه وطئ
603

في غير نكاح بشبهة النكاح لأنا تبينا ان الفرقة وقعت منذ اختلف الدين وقد ذكرنا مثل ذلك فيما إذا
أسلم أحد الزوجين قبل الدخول فوطئها في العدة لأنه مثله
(فصل) إذا أسلم أحد الزوجين ثم ارتد نظرت فإن أسلم الآخر تبينا أن الفرقة وقعت من حين
اختلف الدينان وعدتها من حين أسلم المسلم منهما، وان أسلم الآخر منهما في العدة قبل ارتدادا الأول
اعتبر ابتداء العدة من حين ارتد لأن حكم اختلاف الدين بالاسلام الأول زال باسلام الثاني في العدة
ولو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه ثم ارتد لم يكن له ان يختار منهن لأنه لا يجوز ان يبتدئ
العقد عليهن في هذه الحال وكذلك لو ارتددن دونه أو معه لم يكن له ان يختار منهن كذلك
(فصل) إذا تزوج الكافر من لا يقر على نكاحها في الاسلام مثل ان جمع أختين أو بين عشر
نسوة أو نكح معتدة أو مرتدة ثم طلقها ثلاثا ثم أسلما لم يكن له ان ينكحها لأننا أجرينا أحكامهم
على الصحة فيما يعتقدونه في النكاح فكذلك في الطلاق ولهذا جاز له امساك الثانية من الأختين
والخامسة المعقود عليها آخرا
(مسألة) (وان انتقل أحد الكتابيين إلى دين لا يقر عليه فهو كردته)
إذا انتقل الكتابي إلى غير دين أهل الكتاب من الكفر لم يقر عليه لا نعلم في هذا خلافا لأنه
انتقل إلى دين لا يقر أهله بالجزية كعبادة الأوثان وغيرها مما يستحسنه فالأصلي منهم لا يقر علي دينه
604

فالمنتقل إليه أولى، وان انتقل إلى المجوسية لم يقر أيضا لأنه انتقل إلى دين انقص من دينه فلم يقر عليه
كالمسلم إذا ارتد، فأما إذا انتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب كاليهودي يتنصر ففيه روايتان
(إحداهما) لا يقر أيضا لأنه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه فلم يقر عليه كالمرتد (والثانية) يقر نص
عليه احمد وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره الخلال وصاحبه وقول أبي حنيفة لأنه لا يخرج عن دين أهل
الكتاب فأشبه غير المنتقل وللشافعي قولان كالروايتين، فأما المجوسي إذا انتقل إلى دين لا يقر أهله عليه
لم يقر كأهل ذلك الدين وان انتقل إلى دين أهل الكتاب خرج فيه الروايتان وسواء فيما ذكرنا
الرجل والمرأة لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (من بدل دينه فاقتلوه) ولعموم المعني
الذي ذكرناه فيهما جميعا
(فصل) وان انتقل إلى دين غير أهل الكتاب لم يقبل منه إلا الاسلام في إحدى الروايات عن أحمد
اختاره الخلال وهو أحد أقوال الشافعي لأن غير الاسلام باطلة قد أقر ببطلانها فلم يقر عليها كالمرتد
وعنه رواية ثانية لا يقبل منه الا الاسلام أو الذي كان عليه لأن دينه الأول قد أقررناه عليه مرة
ولم ينتقل إلى خير منه فنقره عليه ان رجع عليه ولأنه منتقل من دين يقر أهله على لقوله تعالى (حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وظاهر هذه الرواية ان الكتابي إذا انتقل إلى المجوسية أقر
وقد ذكرنا في أعلى هذه الصفحة أنه لا يقر ولعله أراد بقوله إلى دين يقر عليه إذا كان دين أهل الكتاب
605

ليكون موافقا لما ذكرناه أولا، وان انتقل إلى أهل الكتاب وقلنا لا يقر ففيه روايتان إحداهما
لا يقبل إلا الاسلام والأخرى لا يقبل إلا الاسلام أو الذي كان عليه
(فصل) وان قلنا لا يقر ففي صفة إجباره روايتان [إحداهما] أنه يقتل ان لم يرجع رجلا كان
أو امرأة لعموم الحديث ولأنه ذمي نقض العهد فأشبه ما لو نقضه بتركه أداء الجزية ويستناب في أحد
الوجهين لأنه يسترجع عن دين باطل أشبه المرتد والثاني لا يستتاب لأنه كافرا أصلي أبيح قتله فأشبه
لحربي، فعلى هذا ان بادر فأسلم أو رجع إلى ما يقر عليه عصم دمه وإلا قتل (والرواية الثانية) قال أحمد
إذا دخل اليهودي في النصرانية رددته إلى اليهودية ولم أدعه فيما انتقل إليه فقيل له أتقتله؟ قال لا ولكن
يضرب ويحبس، قال وإذا كان نصرانيا أو يهوديا؟ قال وإن كان يهوديا أو نصرانيا دخل في المجوسية
كان أغلظ لأنه لا تؤكل ذبيحته ولا تنكح له امرأة ولا نتركه حتى يرد إليها، فقبل له تقتله إذا لم يرجع؟
قال إنه لأهل لذلك وهذا نص في أن الكتابي المنتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب لا يقتل
بل يكره بالضرب والحبس.
(فصل) فإن تزوج مسلم ذمية فانتقلت إلى غير دين أهل الكتاب فهي كالمرتدة لأن غير أهل
الكتاب لا يحل نكاح نسائهم فإن كان قبل الدخول انفسخ نكاحها ولا مهر لها وإن كان بعده فهل
يقف على انقضاء العدة أو ينفسخ في الحال على روايتين وكذلك إذا انتقلت إلى دين باطل أو إلى
دين كانت تقر بطلانه فأشبهت المسلمة إذا تهودت أو تنصرت والله أعلم
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وان أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة اختار منهن
أربعا وفارق سائرهن)
606

وجملة ذلك أن الكافر إذا أسلم ومعه أكثر من أربع نسوة فأسلمن في عدتهن أو كن كتابيات
لم يكن له امساكهن كلهن بغير خلاف نعلمه ولا يملك امساك أكثر من أربع فإذا أحب ذلك أختار
أربعا منهن وفارق سائرهن سواء تزوجهن في عقد واحد أو عقود وسواء اختار الأوائل أو الأواخر
نص عليه احمد وبه قال الحسن ومالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن
الحسن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إن كان تزوجهن في عقد انفسخ نكاح جميعهن وإن كان في عقود
فنكاح الأوائل صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل لأن العقد إذا تناول أكثر من أربع فتحريمه
من طريق الجمع فلا يكون مخيرا فيه بعد الاسلام كما لو تزوجت المرأة زوجين في حال الكفر ثم أسلموا
ولنا ما روي قيس بن الحارث قال أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال
(اختر منهن أربعا) رواه الإمام أحمد وأبو داود، وروي محمد بن يزيد الثقفي أن غيلان بن سلمة
أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا، رواه الترمذي ورواه
مالك في موطئه عن الزهري مرسلا ورواه الشافعي في مسنده عن أبي عليه عن معمر عن الزهري
عن سالم عن أبيه إلا أنه غير محفوظ غلط فيه معمر وخالف فيه أصحاب الزهري. وكذلك قال الإمام أحمد
والترمذي وغيرهما ولان كل عدد جاز له ابتداء العقد عليه جاز له إمساكه بنكاح مطلق في حال
الشرك كما لو تزوجهن بغير شهود، وأما إذا تزوجت زوجين فنكاح الثاني باطل لأنها ملكته ملك غيرها
وان جمعت بينهما لم يصح لأنها لم تملكه جميع بضعها ولان ذلك ليس بشائع عند أحد من أهل الأديان
ولأن المرأة ليس لها اختيار النكاح وفسخه بخلاف الرجل
(فصل) ويجب عليه ان يختار أربعا ويفارق سائرهن أو يفارق الجميع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قيسا
وغيلان بالاختيار وأمره يقتضي الوجوب ولان المسلم لا يجوز اقراره على أكثر من أربع فإن أبي
607

أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يختار لأن هذا حق عليه يمكنه إيفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه كايفاء
الدين، وليس للحاكم أن يختار عنه كما يطلق على المولي إذا امتنع من الطلاق لأن الحق ههنا لغير
معين وإنما تتعين الزوجات باختياره وشهوته، وذلك لا يعرفه الحاكم فينوب عنه فيه، فإن جن خلي
حتى يعود عقله ثم يجبر على الاختيار
(مسألة) (وعليه نفقتهن إلى أن يختار) لأنهن محبوسات عليه ولأنهن في حكم الزوجات أيهن اختار جاز
(فصل) ولو زوج الكافر ابنه الصغير أكثر من أربع ثم أسلموا جميعا لم يكن له الاختيار قبل
بلوغه فإنه لا حكم لقوله وليس لأبيه الاختيار لأن ذلك حق يتعلق بالشهوة فلا يقوم غيره مقامه فيه
فإذا بلغ الصبي كان له أن يختار حينئذ وعليه النفقة إلى أن يختار فإن مات الزوج لم يقم وارثه مقامه
لما ذكرنا في الحاكم.
(فصل) وصفة الاختيار ان يقول اخترت هؤلاء أو امسكتهن أو اخترت حبسهن أو امساكهن
أو نكاحهن، أو أمسكت نكاحهن، أو أثبت نكاحهن، وإن قال لما زاد على الأربع: فسخت
نكاحهن كان اختيار للأربع.
(مسألة) (وإن طلق إحداهن كان اختيار لها)
لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة، وإن قال فارقت هؤلاء أو اخترت فراق هؤلاء فإن
لم ينو به الطلاق كان اختيار لغيرهن لقول النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان (اختر منهن أربعا وفارق سائرهن)
وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحا وكذا في حديث فيروز الديلمي قال فعمدت إلى أقدمهن
صحبة ففارقتها، وهذا الموضع اختص بهذه اللفظة فيجب أن يتخصص فيه بالفسخ فإن نوى به الطلاق
كان اختيار لهن دون غيرهن.
608

وذكر القاضي فيه عند الطلاق وجهين (أحدهما) أن يكون اختيارا للمفارقات لأن لفظ الفراق
صريح في الطلاق والأول أولى.
(مسألة) (وان وطئ إحداهن كان اختيارا لها في قياس المذهب)
لأنه لا يجوز إلا في ملك فيدل على الاختيار كوطئ الجارية المباعة بشرط الخيار
(مسألة) (وإن طلق الجميع أقرع بينهن فأخرج أربعا منهن بالقرعة فكن المختارات ووقع
طلاقه بهن وانفسخ نكاح البواقي وله نكاح البواقي فإن كان الطلاق ثلاثا فمتى انقضت عدتهن فله أن ينكح
من الباقيات لأنهن لم يطلقن منه ولا تحل له المطلقات إلا بعد زوج وإصابة، ولو أسلم ثم طلق الجميع
قبل اسلامهن ثم أسلمن في العدة أمر أن يختار أربعا منهن فإذا اختارهن تبينا أن طلاقه وقع بهن،
لأنهن زوجات ويعتددن من حين طلاقه وبان البواقي باختياره لغيرهن ولا يقع بهن طلاقه وله نكاح
أربع منهن إذا انقضت عدة المطلقات لأن هؤلاء غير مطلقات، والفرق بينهما وبين التي قبلها أن طلاقهن
قبل اسلامهن في زمن ليس له الاختيار فيه فإذا أسلمن تجدد له الاختيار حينئذ، وفي التي قبلها طلقهن
وله اختيار، والطلاق يصلح اختيار وقد أوقعه في الجميع وليس بعضهن أولى من بعض فصرن إلي
القرعة لتساوي الحقوق.
(مسألة) (وان ظاهر أو آلى من إحداهن فهل يكون اختيارا لها؟ على وجهين)
(أحدهما) لا يكون اختيارا لأنه يصح في غير زوجة (والثاني) يكون اختيارا لأن حكمه
لا يثبت في غير زوجة وإن قذفها لم يكن اختيارا لها لأنه يقع في غير زوجة
(فصل) وإن اختار منهن أربعا وفارق البواقي فعدتهن من حين اختار لأنهن بن منه بالاختيار
609

ويحتمل أن تكون عدتهن من حين أسلم لأنهن بين باسلامه وإنما يبين ذلك باختيار فيثبت حكمه من
حين الاسلام كما إذا أسلم أحد الزوجين فلم يسلم الآخر حتى انقضت عدتهن وفرقتهن فسخ لأنها تثبت
باسلامه من غير لفظ فيهن وعدتهن كعدة المطلقات لأنها عدة من فسخ نكاحها وان ماتت إحدى المختارات
وبانت منه وانقضت عدتها فله ان ينكح واحدة من المفارقات وتكون عنده على طلاق ثلاث لأنه لم
يطلقها قبل ذلك، وان اختار أقل من أربع أو اختار ترك الجميع أمر بطلاق أربع أو تمام الأربع لأن
الأربع زوجات لا يبن منه الا بطلاق أو ما يقوم مقامه فإذا طلق أربعا منهن وقع طلاقه وانفسخ
نكاح الباقيات لاختياره لهن وتكون عدة المطلقات من حين طلق وعدة الباقيات على الوجهين
(مسألة) (فإن مات فعلى الجميع عدة الوفاة)
هكذا ذكره في الكتاب المشروح والأولى ان من كانت منهن حاملا فعدتها بوضعه لأن ذلك
تنقضي به العدة في كل حال ومن كانت آيسة أو صغيرة فعدتها عدة الوفاة لأنها أطول العدتين في حقها
ومن كانت من ذوات القروء اعتدت أطول الأجلين من ثلاثة قروء وأربعة أشهر وعشر لتنقضي العدة
بيقين لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة أو مفارقة وعدة المختارة عدة الوفاة وعدة المفارقة
ثلاثة قروء فأحببنا أطولهما لتنقضي العدة كما قلنا فيمن نسي صلاة لا يعلم عينها عليه خمس صلوات
هذا الذي ذكره شيخنا في كتاب المغنى والكافي وهو مذهب الشافعي وهو الصحيح
والقول الأول لا يصح
(مسألة) (والميراث لأربع منهن بالقرعة في قياس المذهب)
وعند الشافعي يوقف حتى يصطلحن وسنذكر هذا في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى، وان
اخترن الصلح جاز كيفما اصطلحن لأن الحق لهن
610

(فصل) وإذا أسلم قبلهن وقلنا تتعجل الفرقة باختلاف الدين فلا كلام وان قلنا تقف على انقضاء العدة
فلم يسلمن حتى انقضت عدتهن تبينا انهن بن منذ اختلف الدينان فإن كان قد طلقهن قبل انقضاء عدتهن
تبينا ان طلاقه لم يقع بهن وله نكاح أربع منهن إذا أسلمن وان كن وطئهن تبينا انه وطئ غير نسائه
وان آلي منهن أو ظاهر أو قذف تبينا ان ذلك كان في غير زوجة وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك أجنبية
فإن أسلم بعضهن في العدة تبينا انها زوجة فوقع طلاقه بها وكان وطؤها وطأ لمطلقته وان كانت
المطلقة غيرها فوطؤه لها وطئ لامرأته وكذلك إن كان وطؤه قبل طلاقها، ان طلق الجميع فأسلم أربع منهن
أو أقل في عدتهن ولم يسلم البواقي تعينت الزوجية في المسلمات ووقع الطلاق بهن فإذا أسلم البواقي فله
ان يتزوج منهن لأنه لم يقع طلاقه بهن
(فصل) ولو أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم أربع منهن فله اختيارهن وله الوقوف إلى أن يسلم
البواقي فإن مات اللائي أسلمن ثم أسلم الباقيات فله اختيار الميتات وله اختيار الباقيات وله اختيار
بعض هؤلاء وبعض هؤلاء لأن الاختيار ليس بعقد وإنما هو تصحيح للعقد الأول فيهن والاعتبار في
الاختيار بحال ثبوته وحال ثبوته كن أحياء، وان أسلمت واحدة منهن وقال اخترتها جاز فإذا ختار أربعا على
هذا الوجه انفسخ نكاح البواقي وان قال للمسلمة اخترت فسخ نكاحها لم يصح لأن الفسخ إنما يكون فيما
زاد على الأربع والاختيار للأربع وهذه من جملة الأربع الا أن يريد بالفسخ الطلاق فيقع لأنه
كناية ويكون طلاقه لها اختيار لها، وان قال اخترت فلانة قبل أن تسلم لم يصح لأنه ليس بوقت
للاختيار لأنها جارية إلى بينونة فلا يصح امساكها وان فسخ نكاحها لم ينفسخ لأنه لما لم يجز الاختيار
لم يجز الفسخ وان نوى بالفسخ الطلاق أو قال أنت طالق فهو موقوف فإن أسلمت ولم يسلم زيادة على
أربع أو أسلم زيادة خ فاختارها تبينا وقوع الطلاق بها والا فلا
611

(فصل) وان قال كلما أسلمت واحدة اخترتها لم يصح لأن الاختيار لا يصح تعليقه على شرط
ولا يصح في غير معين، وان قال كلما أسلمت واحدة اخترت فسخ نكاحها لم يصح أيضا لأن الفسخ
لا يتعلق بالشرط ولا يملكه في واحدة حتى يزيد عدد المسلمات على الأربع، فإن أراد به الطلاق فهو
كما لو قال كلما أسلمت واحدة فهي طالق وفي ذلك وجهان (أحدهما) يصح لأن الطلاق يصح تعليقه
بالشرط ويتضمن الاختيار لها، وكلما أسلمت واحدة كان اختيارا لها وتطلق بطلاقه (والثاني) لا يصح
لأن الطلاق يتضمن الاختيار والاختيار لا يصح تعليقه بالشرط
(فصل) إذا أسلم ثم أحرم بحج أو عمرة ثم أسلمن فله الاختيار لأن الاختيار استدامة للنكاح
وتعيين للمنكوحة وليس ابتداء له، وقال القاضي ليس له اختيار وهو ظاهر مذهب الشافعي.
ولنا أنه استدامة نكاح لا يشترط له رضي المرأة ولا ولي ولا شهود ولا يتجدد به مهر فجاز
له في الاحرام كالرجعة.
(فصل) فإن أسلمن معه ثم متن قبل اختياره فله أن يختار منهن أربعا فيكون له ميراثهن، ولا
يرث الباقيات لأنهن لسن بزوجات له وان مات بعضهن فله الاختيار من الجميع فإن اختار الميتات فله
ميراثهن لأنهن متن وهن نساؤه، وان اختار غيرهن فلا ميراث له منهن لأنهن أجنبيات، وان لم
يسلم البواقي لزم النكاح في الميتات وله ميراثهن فإن وطئ الجميع قبل اسلامهن ثم أسلمن فاختار أربعا
منهن فليس لهن الا المسمى لأنهن زوجات ولسائرهن المسمى بالعقد الأول، ومهر المثل للوطئ
الثاني لأنهن أجنبيات، وان وطئهن بعد اسلامهن فالموطوءات أولا المختارات والبواقي أجنبيات
والحكم في المهر على ما ذكرنا
612

(فصل) وان أسلم وتحته أختان منهما واحدة. هذا قول الحسن والأوزاعي والشافعي
وإسحاق وأبي عبيد، وقال أبو حنيفة في هذه كقوله في عشرة نسوة
ولنا ما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان. قال
(طلق أيتهما شئت) رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما ولان أنكحة الكفار صحيحة وإنما حرم
الجمع في الاسلام وقد أزاله فصح كما لو طلق إحداهما قبل إلا سلامه ثم أسلم والاخري في حباله، وكذلك الحكم
في المرأة وعمتها وخالتها لأن المعني في الجميع واحد
(فصل) ولو تزوج وثانية فأسلمت قبله ثم تزوج في شركه أختها ثم أسلما في عدة الأولى فله أن
يختار منهما لأنه أسلم وتحته أختان، وإن أسلم هو قبلها لم يكن له أن يتزوج أختها في عدتها ولا أربعا
سواها فإن فعل لم يصح النكاح الثاني فإذا أسلمت الأولى في عدتها فنكاحها لازم لأنها انفردت به
(فصل) وإذا تزوج أختين فدخل بهما ثم أسلم وأسلمتا معه فاختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي
عدة الأخرى لئلا يكون واطئا لاحد الأختين في عدة الأخرى وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من
أربع قد دخل بهن فأسلمن معه وكن ثمانيا فاختار أربعا منهن وفارق أربعا لم يطأ واحدة من المختارات
حتى تنقضي عدة المفارقات لئلا يكون واطئا لأكثر من أربع، فإن كن خمسا ففارق إحداهن فله وطئ
ثلاث من المختارات ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي عدة المفارقة، وان كن ستا ففارق اثنتين فله وطئ
اثنتين من المختارات وان كن سبعا ففارق ثلاثا فله وطئ واحدة من المختارات ولا يطأ الباقيات حتى
تنقضي عدة المفارقات فكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطئ واحدة من
المختارات هذا قياس المذهب
613

(فصل) وإن تزوج أختين في حال كفره فأسلم وأسلمتا معا قبل الدخول فاختار إحداهما فلا
مهر للأخرى لأنا تبينا أن الفرقة وقعت باسلامهم جميعا فلا تستحق مهرا كما لو فسخ النكاح لعيب في
إحداهما ولأنه نكاح لا يقر عليه في الاسلام فلا يجب به مهر إذا لم يدخل بها كما لو تزوج المجوسي أخته
ثم أسلما قبل الدخول وهذا الحكم فيما زاد على الأربع إذا أسلموا جميعا قبل الدخول فاختار أربعا
وانفسخ نكاح البواقي فلا مهر لهن فيما ذكرنا والله أعلم
(مسألة) (وإن كانتا أما وبنتا لم يدخل بالام انفسخ نكاحها، وإن كان دخل بالام فسد نكاحهما)
أما إذا كان اسلامهم جميعا قبل الدخول فإنه يفسد نكاح الأم ويثبت نكاح البنت وهذا أحد
قولي الشافعي واختيار المزني، وقال في الآخر يختار أيتهما شاء لأن عقد الشرك إنما يثبت له حكم الصحة
إذا ضم إليه الاختيار فإذا اختار الأم فكأنه لم يعقد على البنت
ولنا قول الله تعالى (وأمهات نسائكم) وهذه أم زوجته فتدخل في عموم الآية ولأنها أم زوجته
فتحرم عليه كما لو طلق ابنتها في حال شركه، ولأنه لو تزوج البنت وحدها ثم طلقها حرمت عليه أمها
إذا أسلم فإذا لم يطلقها ويمسك بنكاحها أولى، وقولهم إنما يصح العقد بانضمام الاختيار إليه غير صحيح
فإن أنكحة الكفار صحيحة تثبت لها أحكام الصحة وكذلك لو انفردت كان نكاحها صحيحا لازما من
غير اختيار ولهذا فوض إليه الاختيار ههنا ولا يصح أن يختار من ليس نكاحها صحيحا وإنما اختصت
الأم بفساد نكاحها لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها على التأبيد فلم يكن له اختيارها والبنت لا تحرم
قبل الدخول بأمها فتعين النكاح في أمها بخلاف الأختين
(فصل) فإن كان دخل بالام أو بهما حرم نكاحهما على التأبيد الأم لأنها أم زوجته والبنت لأنها
ربيبة مدخول بأمها. قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم وهو قول الحسن
614

وعمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك وأهل الحجاز والثوري وأهل العراق والشافعي ومن تبعهم فإن دخل
بالبنت وحدها ثبت نكاحها وفسد نكاح أمها كما لو لم يدخل بهما، فإن لم يسلم معه إلا إحداهما كان الحكم
كما لو أسلمتا معه معا، فإن كانت المسلمة هي الأم فهي محرمة عليه على كل حال، وإن كانت البنت ولم يكن
دخل بأمها ثبت نكاحها وإن كان دخل بها فهي محرمة على التأبيد، وإن كان قد وطئ إحداهما حرمت
الأخرى على التأبيد ولم تحرم الموطوءة، وإن لم يكن وطئ واحدة منهما فله وطئ أيتهما شاء فإذا وطئها
حرمت الأخرى على التأبيد والله أعلم
(فصل) وإذا أسلم عبد وتحته زوجتان قد دخل بهما وأسلمتا في العدة فهما زوجتاه وإن كن أكثر
اختار منهم اثنتين لأنه حكم العبد فيما زاد على الأربع، فإذا أسلم وتحته زوجتان معه أو في عدتهما
لزم نكاحه حرتين كانا أو أمتين أو حرة وأمة لأن له الجمع بينهما في ابتداء نكاحه فكذلك في اختياره
وإن كن أكثر اختار منهم اثنتين بناء على ما مضي في الحر فلو كان تحته حرتان وأمتان فله أن يختار
الحرتين أو الأمتين أو حرة أو أمة وليس للحرة إذا أسلمت معه الخيار في فراقه لأنها رضيت بنكاحه
وهو عبد ولم يتجدد رقه بالاسلام ولا تجددت حريتها بذلك فلم يكن له اختيار كما لو تزوجت معيبا
تعلم عيبه ثم أسلما. وذكر القاضي وجها أن لها الخيار لأن الرق عيب تجددت أحكامه بالاسلام فكأنه
عيب حادث والأول أصح فإن الرق لم يزل عيبا ونقصا عن العقلاء ولم يتجدد نقصه بالاسلام
فهو كسائر العيوب
(فصل ولو أسلم وتحته أربع حرائر فأعتق ثم أسلمن في عدتهن أو أسلمن قبله ثم أعتق ثم أسلم
ثبت نكاح الأربع لأنه ممن يجوز له الأربع في وقت اجتماع اسلامهم لأنه حر، فأما أن أسلموا كلهم ثم
أعتق قبل أن يختار لم يكن له أن يختار الاثنين لأنه كان عبدا حين ثبت له الاختيار وهو حال اجتماعهم
على الاسلام فتغير حاله بعد ذلك لا يغير الحكم كمن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه ثم أيسر ولو أسلم معه
اثنتان ثم أعتق ثم أسلم الباقيتان لم يختر الا اثنتين لأنه ثبت له الاختيار باسلام الأوليين
(فصل) فإن تزوج أربعا من الإماء فأسلمن وأعتقن قبل اسلامه فلهن فسخ النكاح لأنهن عتقن
615

تحت عبد وإنما ملكن الفسخ وان كن جاريات إلى بينونة لأنه قد يسلم فيقطع جريانهن إلى البينونة
فإذا فسخن ولم يسلم الزوج بن بالاختلاف الدين من حين أسلمن وتبين أن الفسخ لم يصح، وإن أسلم
في العدة بن بفسخ النكاح وعليهن عدة الحرائر في الموضعين لأنهن ههنا وجبت عليهن العدة وهن
حرائر وفي التي قبلها عتقن في أثناء العدة التي يمكن لزوج تلافي النكاح فيها فأشبهن الرجعية فإن أخرن
الفسخ حتى أسلم لزوج فهن كالرجعية إذا عتقت وأخرت لنفسخ لأن تركهن الفسخ اعتماد على جريانهن
إلى البينونة فلم يتضمن الرضا بالنكاح، ولو أسلم قبلهن ثم أعتقن فاخترن الفسخ صح لأنهن إماء عتقن
تحت عبد وهذا ظاهر مذهب الشافعي.
وقال بعضهم لا خيار لهن لأنه لا حاجة بهن إلى الفسخ لكون يحصل بإقامتهن على الشرك بخلاف
التي قبلها وليس بصحيح فإن السبب متحقق وقد يبدو لهن الاسلام وهو واجب عليهن، فإن قيل فإذا
أسلمن اخترن الفسخ قلنا يتضررن بطول العدة فإن ابتداءها من حين الفسخ ولذلك ملكن الفسخ فيما
إذا أسلمن وعتقن قبله، فأما إن اخترن المقام وقلن قد رضينا الزوج فذكر القاضي أنه يسقط خيارهن
لأنها حالة صح فيها اختيار الفسخ فصح فيها اختيار الإقامة كحال اجتماعهم على الاسلام. وقال أصحاب
الشافعي لا يسقط اختيارهن لأن اختيارهن للإقامة ضد الحالة التي هي عليها وهي جريانهن إلى البينونة فأشبه
ما لو ارتدت الرجعية فراجعها الزوج حال ردتها وهذا يبطل بما إذا قال إذا جاء رأس الشهر فأنت
طالق ثم عتقت فاختارت زوجها
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (فإن أسلم وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على
الاسلام ممن تحل له الإماء فله الاختيار منهم والا فسد نكاحهن
إذا ان في حال اجتماعهم على الاسلام عادما للطول خائفا فله أن يختار منهن واحدة فإن
616

كانت لا تعفه فله أن يختار منهن من تعفه في إحدى الروايتين والأخرى لا يختار الا واحدة وهو مذهب الشافعي
وتوجيههما قد مضى ذكره وان عدم فيه الشرطان انفسخ النكاح في الكل ولم يكن له خيار وبهذا قال الشافعي
وقال أبو ثور له أن يختار منهن لأنه استدامه للعقد لا ابتداء له بدليل انه لا يشترط شروط العقد أشبه الرجعية
ولنا أن هذه امرأة لا يجوز ابتداء العقد عليها حال الاسلام فلم يملك اختيارها كالمعتدة من غيره
وذوات محارمه، وأما الرجعة فهي قطع جريان النكاح إلى البينونة وهذا اثبات النكاح في امرأة فإن
كان دخل بهن ثم أسلم ثم أسلمن في عدتهن فالحكم كذلك وقال أبو بكر لا يجوز له ههنا اختيار بل بين
بمجرد اسلامه لئلا يفضى إلى استدامة نكاح مسلم في أمة كافرة
ولنا أن اسلامهن في العدة كاسلامهن معه وان لم يسلمن الا بعد العدة انفسخ نكاحهن ان كن
كتابيات لأنه لا يجوز استدامة النكاح في أمة كتابية
(مسألة) (فإن أسلم وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر فله الاختيار منهن لأن شرائط النكاح
تعتبر في وقت الاختيار)
وان أسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر فليس له الاختيار لذلك وان أسلمت إحداهن وهو
موسر ثم أسلم البواقي بعد إعساره لم يكن له أن يختار منهن شيئا لأن وقت الاختيار دخل باسلام
الأولى ألا ترى أنه إذا كان معسر كان له اختيارها فإذا كان موسرا أبطل اختياره، وان أسلمت الأولى
وهو معسر فلم يسلم البواقي حتى أيسر لزم نكاح الأولى ولم يكن له الاختيار من البواقي لأن الأولى
اجتمعت معه في حال يجوز ابتداء نكاحها بخلاف البواقي، ولو أسلم وأسلمن معه وهو معسر فلم يختر
حتى أيسر كان أن يختار لأن ثبوت حال الاختيار كان له ذلك فتغير حاله لا يسقط ما ثبت كما لو تزوج
أو اختار ثم أيسر لم يحرم عليه استدامة النكاح
617

(مسألة) (وان أسلمت إحداهن بعده ثم عتقت ثم أسلم البواقي فله الاختيار منهن لأن العبرة
بحالة الاختيار وهي حالة اجتماعهم على الاسلام وحالة اجتماعهما على الاسلام كانت أمة، وان عتقت
إحداهن ثم أسلمت ثم أسلم البواقي لم يكن له أن يختار من الإماء لأنه ملك لعصمة حرة حين
اجتماعهما على الاسلام
(فصل) فإن أسلم وأسلمت معه واحدة منهن وهو ممن يجوز له نكاح الإماء فله أن يختار من
أسلمت معه لأن له أن يختارها لو أسلمن كلهن فكذلك إذا أسلمت وحدها وان أحب انتظار البواقي
جاز لأن له غرضا صحيحا وهو أن يكون عنده من هي أبر عنده من هذه فإن انتظرهن فلم يسمن
حتى انقضت عدتهن تبين أن نكاح هذه كان لازما وبن البواقي منذ اختلف الدينان وان أسلمن في
العدة اختار منهن واحدة وانفسخ نكاح الباقيات من حين الاختيار وعددهن من حين الاختيار، وان
أسلم بعض دون بعض بن اللاتي لم يسلمن منذ اختلف الدينان والبواقي من حين اختياره، وان
اختار التي أسلمت معه حين أسلمت انقطعت عصمة البواقي وثبت نكاحها، فإن أسلم البواقي في عدة
تبين انهن بن منه باختياره وعدتهن من حينئذ، وان لم يسلمن بن باختلاف الدين وعدتهن منه. وان
طلق التي أسلمت معه طلقت وكان اختيار لها وحكم ذلك حكم ما لو اختارها صريحا لأن ايقاع طلاقه
عليها يتضمن اختيارها، فأما ان اختار فسخ نكاحها لم يكن له لأن الباقيات لم يسلمن معه فما زاد
العدد على ماله امساكه في هذه الحال لا ينفسخ نكاحها. ثم ننظر فإن لم يسلم البواقي لزمه نكاحها وان
أسلمن واختار منهن واحدة انفسخ نكاح الأولى معهن. فإن اختار الأولى التي فسخ نكاحها صح
اختياره لها لأن فسخ لنكاحها ما صح
وفيه وجه آخر ذكره القاضي انه لا يصح اختياره لها لأن فسخ إنما لم يصح مع إقامة البواقي علي
618

الكفر حتى تنقضي العدة لأنا تبينا أن نكاحها كان لازما فإذا أسلمن لحق اسلامهن بتلك الحال فصار
كأنهن أسلمن في ذلك الوقت فإذ فسخ نكاح إحداهن صح الفسخ ولم يكن له أن يختارها.
وهذا يبطل بما لو فسخ نكاح إحداهن قبل اسلامها فإنه لا يصح ولا يجعل اسلامهن الموجود في
الثاني كالموجود سابقا كذلك ههنا.
(مسألة) (وان أسلم وتحته حرة وإماء فأسلمت الحرة في عدتها قبلهن أو بعدهن انفسخ نكاحهن)
إذا أسلم وتحته حرة وإماء ففيه ثلاث مسائل (إحداهن) أسلم وأسلمن معه كلهن فإنه يلزمه
نكاح الحرة وينفسخ نكاح الإماء لأنه قادر على الحرة فلا يختار أمة. وقال أبو ثور له أن يختار وقد
مضي الكلام معه (الثانية) أسلمت الحرة معه دون الإماء فثبت نكاحها وانقطعت عصمة الإماء
فإن لم يسلمن حتى انقضت عددهن بن باختلاف الدين وابتداء عددهن من حين أسلم، وان أسلمن في
عددهن بن من حين اسلام الحرة وعددهن من حين اسلامها. فإن ماتت الحرة بعد اسلامها لم يتغير الحكم
بموتها لأن موتها بعد ثبوت نكاحها وانفساخ نكاح الإماء لا يؤثر في إباحتهن
(الثالثة) أسلم الإماء دون الحرة وهو معسر فلا يخلو اما ان تنقضي عدتها قبل اسلامها فتبين
باختلاف الدين وله أن يختار من الإماء لأنه لم يقدر على الحرة أو تسلم في عدتها فيثبت نكاحها ويبطل
نكاح الإماء كما لو أسلمن دفعة واحدة ليس له أن يختار من الإماء قبل اسلامها وانقضاء عدتها لأنا
لا نعلم أنها لا تسلم فإن طلق الحرة ثلاثا قبل اسلامها ثم لم تسلم لم يقع الطلاق ولأنا تبينا أن النكاح
619

.
انفسخ باختلاف الدين وله الاختيار من الإماء، وان أسلمت في عدتها بان أن نكاحها كان ثابتا ووقع
فيه الطلاق وبن الإماء بثبوت نكاحها قبل الطلاق
(فصل) فإن أسلم وتحته إماء وحرة فأسلمن ثم عتقن قبل اسلامها لم يكن له أن يختار منهن لأن
نكاح الأمة لا يجوز لقادر على حرة وإنما يعتبر حالهن حال ثبوت الاختيار وهو حالة اجتماع اسلامه
واسلامهن ثم ينظر فإن لم تسلم الحرة فله الاختيار منهن ولا يختار الا واحدة اعتبارا بحالة اجتماع اسلامه
واسلامهن، وان أسلمت في عدتها ثبت نكاحهن وانقطعت عصمتهن فإن كان قد اختار واحدة من
المعتقات في عدة الحرة ثم لم تسلم فلا عبرة باختياره لأن الاختيار لا يكون موقوفا، فأما ان عتقن قبل
أن يسلمن ثم أسلمن واجتمعن معه على الاسلام وهن حرائر فإن كان جميع الزوجات أربعا فما
دون ثبت نكاحهن وان كن زائدات على أربع فله أن يختار منهن أربعا وتبطل عصمة الخامسة لأنهن
صرن حرائر في حالة الاختيار وهي حالة اجتماع اسلامه واسلامهن فصار حكمهن حكم الحرائر الأصليات
وكما لو أعتقن قبل اسلامه واسلامهن وان أسلمن قبله ثم أعتقن ثم أسلم فكذلك ويكون الحكم في هذا
كما لو أسلم وتحته خمس حرائر أو أكثر على ما مر تفصيله
(فصل) ولو أسلم وتحته خمس حرائر فأسلم معه منهن اثنتان احتمل أن يجبر على اختيار إحداهما
لأنه لا بد ان يلزمه نكاح واحدة منهما فلا معنى لاعتبار البواقي فإذا اختار واحدة ولم يسلم البواقي
620

لزمه نكاح الثانية وكذلك ان لم يسلم من البواقي الا اثنتان لزمه نكاح الأربع، وان أسلم الجميع في
العدة كلف أن يختار ثلاثا مع التي اختارها أولا وينفسخ نكاح الباقية، وعلى هذا لو أسلم معه ثلاث
كلف اختيار اثنتين، وان أسلم معه أربع كلف اختيار ثلاث منهن إذ لا معني لانتظاره الخامسة ونكاح
ثلاثة منهن لازم على كل حال، ويحتمل أن لا يجبر على الاختيار لأنه إنما يكون عند زيادة العدد على
أربع وما وجد ذلك، ولذلك لو أسلمت معه من الإماء لم يجبر على اختيارها كذا ههنا قال شيخنا
والصحيح ههنا أنه يجبر على اختيارها لما ذكرنا من المعني، وأما الأمة فقد يكون له غرض في اختيار
غيرها بخلاف مسئلتنا.
(مسألة) (وان أسلم عبد وتحته اما فأسلمن معه ثم أعتق فله أن يختار منهن) لأنه حالة اجتماعهم
على الاسلام كان عبدا يجوز له الاختيار من الإماء
(مسألة) (وان أسلم وأعتق ثم أسلمن فحكمه حكم الحر) لا يجوز أن يختار الا بوجود الشرطين
فيه لأنه حالة اجتماعهم في الاسلام كان حرا فيشرط في حقه ما يشترط في حق الحر
(تم بحمد الله وعونه الجزء السابع..)
621