الكتاب: كشاف القناع
المؤلف: البهوتي
الجزء: ٤
الوفاة: ١٠٥١
المجموعة: فقه المذهب الحنبلي
تحقيق: تقديم : كمال عبد العظيم العناني / تحقيق : أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٨ - ١٩٩٧ م
المطبعة:
الناشر: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

كشاف القناع
للشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي المتوفي سنة 51 - 1 ه‍ عن
متن الاقناع
للإمام موسى بن أحمد الحجاوي الصالحي المتوفي سنة. 96 ه‍.
قدم له
الأستاذ الدكتور كمال عبد العظيم العناني
حققه
أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي
الجزء الرابع
يحتوي على الكسب التالية:
تتمه الشريكة الوقف الوصايا الفرائض اليقين
منشورات
محمد على بيضوي
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

جميع الحقوق محفوظة
جميع حقوق الملكية الأربعة والفقيه محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة
أو إعادة تنضيد الكتاب كاملا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطه
كاسيت أو ادخاله على الكمبيوتر أو برمجته على أسطوانات
ضوئية الا بموافقة الناشر خطيا.
الطبعة الأولى
1418 ه‍ - 1997 م
دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
العنوان: رمل الظريف شارع البختي بناية ملكارت
تلفون وفاكس 366135 - 36135 - 602133 - (1 961).. صندوق بريد: 9424 - 11 بيروت - لبنان
2

فصل
(وإجارة العين تنقسم قسمين
أحدهما: أن تكون على مدة كإجارة الدار شهرا (1)، أو) إجارة (الأرض
عاما) (2)، أ (و) إجارة (الآدمي للخدمة أو للرعي)، أو للنسخ، أو للخياطة ونحوها مدة معينة
فعلم منه أن إجارة العين تارة تكون في الآدمي، وتارة تكون في غيره من المنازل
والدواب ونحوها، وقد حكاه ابن المنذر إجماعا (3) (ويسمى الأجير فيها الأجير الخاص
وهو) أي الأجير الخاص (من قدر نفعه بالزمن) لاختصاص المستأجر بمنفعته في مدة
الإجارة، لا يشاركه فيها غيره (وإذا تمت الإجارة وكانت على مدة ملك المستأجر
المنافع المعقود عليها فيها) أي في مدة الإجارة لأنه مقتضى العقد (وتحدث) المنافع
(على ملكه) أي المستأجر، سواء استوفاها أو تركها كالمبيع (ويشترط أن تكون المدة
معلومة) (4) لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه المعرفة له، فاشترط العلم بها
كالمكيلات ويشترط أيضا أن (يغلب على الظن بقاء العين فيها (5)، وإن طالت)
3

المدة، لأن المصحح له كون المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة منها غالبا. وظاهره:
ولو ظن عدم العاقد (1). قال في الرعاية: ولا فرق بين الوقف والملك، بل الوقف أولى.
قاله في المبدع. وفيه نظر (2) (فإن قدر المدة بسنة مطلقة حمل على السنة الهلالية)
لأنها المعهودة. فإن وصفها به كان تأكيدا، (وإن قال) سنة (عددية، أو) قال (سنة بالأيام ف‍)
- هي (ثلاثمائة وستون يوما، لأن الشهر العددي ثلاثون يوما)، والسنة اثنا عشر شهرا، (وإن قال)
سنة (رومية، أو شمسية، أو فارسية، أو قبطية. وهما يعلمانها جاز) ذلك (وهي ثلاثمائة
وخمسة وستون يوما وربع يوم) فإن الشهور الرومية: منها سبعة - أحد وثلاثون يوما وأربعة -
ثلاثون يوما. وواحد - ثمانية وعشرون يوما، وهو شباط. وزاده الحساب ربعا. وشهور
القبط كلها ثلاثون ثلاثون. وزادوها خمسة وربعا، لتساوي سنتهم السنة الرومية (3) (وإن
جهلا) أي المتعاقدان (ذلك) أي ما ذكر من السنين غير العربية، (أو) جهله (أحدهما. لم
يصح) العقد للجهل بمدة الإجارة (ولا يشترط أن تلي المدة) أي مدة الإجارة (العقد. فلو
أجره سنة خمس في سنة أربع صح) العقد، لأنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها. فجاز
العقد عليها مفردة كالتي تلي العقد (سواء كانت العين) المؤجرة (مشغولة وقت العقد بإجارة
أو رهن، أو غيرهما إذا أمكن التسليم عند وجوبه، أو لم تكن مشغولة) لأنه إنما يشترط
القدرة على التسليم عند وجوبه كالسلم لا يشترط وجود القدرة عليه حال العقد (فلا تصح
إجارة) أرض (مشغولة بغراس أو بناء للغير وغيرهما) إلا أن يأذن مالك الغراس، أو البناء.
فينبغي القول بالصحة.
وإذا كان الشاغل لا يدوم، كالزرع ونحوه. أو كان الشغل بما يمكن فصله عنه كبيت
4

فيه متاع. أو مخزن فيه طعام ونحوه. جازت إجارته لغيره وجها واحدا. قاله ابن
عبد الهادي في جمع الجوامع.
تتمة: لو كانت مشغولة في أول المدة ثم خلت في أثنائها. فقال ابن نصر الله: يتوجه
صحتها فيما خلت فيه من المدة بقسطه من الأجرة. ويثبت الخيار، بناء على تفريق الصفقة.
وكذا يتوجه فيما إذا تعذر تسليمها في أول المدة ثم أمكن في أثنائها (ولو أجره إلى ما يقع
اسمه على شيئين كالعيد) عيد فطر وأضحى (وجمادى) أولى وثانية (وربيع) أول وثاني (لم
يصح) العقد للجهالة (فلا بد من تعيين العيد فطرا) أ (وأضحى من هذه السنة أو من سنة كذا.
وكذا جمادى) لا بد من تعيينه، الأولى أو الثانية من هذه السنة أو سنة كذا (و) كذا (نحوه)
كربيع لا بد من تعيينه وتعيين سنته (وتقدم) ذلك (في السلم) بأوضح من هذا (وإن علقها)
أي الإجارة (بشهر مفرد كرجب، فلا بد أن يبين من أي سنة. و) إن علقها (بيوم) ف‍ (- لا
بد أن يبينه من أي أسبوع) دفعا للابهام (وليس لوكيل مطلق (1) الايجار مدة طويلة (2)، بل
العرف (3) كسنتين ونحوهما) كثلاث سنين. قاله في شرح المنتهى (4) (قاله الشيخ) لأن المطلق
يحمل على العرف (5) (وإذا أجره في أثناء شهر مدة لا تلي العقد. فلا بد من ذكر
ابتدائها كانتهائها) ليحصل العلم بها (وإن كانت) المدة (تليه) أي العقد (لم يحتج إلى ذكره)
أي الابتداء (ويكون) ابتداؤها (من حين العقد. وكذا إن أطلق، فقال آجرتك شهرا) أ (وسنة
أو نحوهما) كأسبوع. فيصح، ويكون ابتداؤها من حين العقد لقصة شعيب، وكمدة السلم.
اختاره في المغني (6)، ونصره في الشرح (7).
5

والمذهب: لا يصح نص عليه لأنه مطلق فافتقر إلى التعيين (1) (وإذا آجره سنة
هلالية في أولها، عد) المستأجر (اثني عشر شهرا بالأهلة، سواء كان الشهر تاما أو
ناقصا) لأن الشهر ما بين الهلالين (وكذلك إن كان العقد على أشهر) معلومة في ابتداء
الشهر، فيستوفيها بالأهلة، تامة كانت أو ناقصة أو مختلفة (وإن كان) العقد (في أثناء
شهر استوفى شهرا بالعدد ثلاثين) يوما (من أول المدة وآخرها: نص عليه في النذر) لأنه
قد تعذر إتمامه بالهلال فتممناه بالعدد، (و) يستوفى (باقيها بالأهلة) لأنه أمكن استيفاؤها
بالأهلة. وهي الأصل (وكذا حكم ما تعتبر فيه الأشهر كعدة وفاة، وشهري صيام
الكفارة، ومدة الخيار وغير ذلك) كأجل ثمن وسلم، لأنه ساوى ما تقدم معنى. قال
الشيخ تقي الدين: إلى مثل تلك الساعة (وإذا استأجر سنة أو سنتين أو شهرا. لم يحتج
إلى تقسيط الأجرة على كل سنة) فيما إذا استأجر سنتين ونحوهما، (أو شهر) فيما إذا
استأجر سنة (أو يوم) فيما إذا استأجر شهرا ونحوه.
(القسم الثاني: إجارتها) أي العين (لعمل معلوم، كإجارة دابة) معينة أو موصوفة
في الذمة (للركوب إلى موضع معين، أو يحمل عليها) شيئا معلوما (إليه) أي إلى محل
معين (فإن أراد) المستأجر (العدول إلى مثله) أي مثل المكان الذي استأجر إليه (في
المسافة والحزونة) أي الغلاظة، (و) هي ضد (السهولة، والامن، أو) كانت (التي يعدل
إليها أقل ضررا جاز) لأن المسافة عينت ليستوفي منها المنفعة، ويعلم قدرها بها. فلم
تتعين، كنوع المحمول الراكب.
قال في المغني: ويقوى عندي أنه متى كان للمكري غرض في تلك الجهة المعينة لم
يجز العدول إلى غيرها، مثل أن يكري جماله إلى مكة ليحج معها. فلا يجوز أن يذهب بها
إلى غيرها. ولو أكرى جماله جملة إلى بلد. لم يجز للمستأجر التفريق بينها، بالسفر
6

ببعضها إلى جهة وباقيها إلى جهة أخرى (1) (وإن سلك) المستأجر (أبعد منه) أي من المكان
الذي استأجر إليه، (أو) سلك (أشق) منه (ف‍) - عليه المسمى، و (أجرة المثل للزائد) لتعديه به
(ويأتي قريبا. وإن اكترى ظهرا) ليركبه (إلى بلد ركبه إلى مقره) من البلد (ولو لم يكن) مقره
(في أول عمارته) لأنه العرف.
قلت: إن دلت قرينة على ذلك، كمن معه أمتعة ونحوها. فواضح، وإلا فمحله إن
لم يكن للدواب موقف معتاد. كموقف بولاق ومصر القديمة ونحوهما. (وتصح إجارة
بقر لحرث مكان) لأنها خلقت له وقد أخرجاه في الصحيحين (2)، (أو) إجارتها ل‍ (- دياس
زرع) لأنها منفعة مباحة مقصودة كالحرث (أو استئجار آدمي) حر أو قن (ليدله على الطريق)
لأن النبي (ص) وأبا بكر استأجرا عبد الله بن الأريقط هاديا خريتا (3) وهو الماهر بالهداية.
ليدلهما على الطريق إلى المدينة، (أو) استئجار (رحى لطحن قفزان معلومة) لأنه منفعة
مقصودة (ويشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف) لأن العمل إذا لم يكن معروفا
مضبوطا بما ذكر يكون مجهولا. فلا تصح الإجارة معه، لأن العمل هو المعقود عليه،
فاشترط معرفته وضبطه كالمبيع (ولا تعرف الأرض التي يريد حرثها إلا بالمشاهدة)
لاختلافها بالصلابة والرخاوة (وأما تقدير العمل فيجوز بأحد شيئين: إما بالمدة كيوم، وإما
بمعرفة الأرض كهذه القطعة، أو) بقوله: (تحرث من هنا إلى هنا، أو بالمساحة كجريب أو
جريبين، أو كذا ذراعا في كذا) ذراعا (فإن قدره) أي الحرث (بالمدة فلا بد من معرفة البقر
التي يعمل عليها) لأن الغرض يختلف باختلافها (ويجوز أن يستأجر البقر مفردة ليتولى رب
الأرض الحرث بها، وأن يستأجرها مع صاحبها، و) أن يستأجرها (بآلتها وبدونها) أي بدون
7

آلة (وكذا استئجار البقر وغيرها لدياس الزرع، واستئجار غنم لتدوس له طينا أو زرعا)
معينا أو موصوفا. فإن قدره المدة فلا بد من معرفة الحيوان الذي يدوس به، لأن الغرض
يختلف بقوته وضعفه، وإن كان على عمل غير مقدر بمدة احتاج إلى معرفة نجس الحيوان،
لأن الغرض يختلف فمنه ما روثه طاهر، ومنه ما هو جنس، ولا يحتاج إلى معرفة عينه (1)
(وإن اكترى حيوانا لعمل لم يخلق له، كبقر للركوب، وإبل وحمر للحرث. جاز) لأنها
منفعة مقصودة. أمكن استيفاؤها من الحيوان، لم يرد الشرع بتحريمها. فجاز كالتي خلقت
له. وقولها: إنما خلقت للحرث أي معظم نفعها. ولا يمنع ذلك الانتفاع بها في شئ آخر
(وإن استأجر دابة لإدارة الرحى، اعتبر معرفة الحجر بمشاهدة أو صفة) لأن الغرض يختلف
بكبره وصغره، (و) اعتبر أيضا (تقدير العمل) إما بالمدة كيوم أو يومين، أو إناء الطعام،
كقفيز أو قفيزين، (و) اعتبر أيضا (ذكر جنس المطحون إن كان) المطحون (يختلف) بالسهولة
وضدها لزوال الجهالة (وإن اكتراها) أي الدابة (لإدارة دولاب، فلا بد من مشاهدته ومشاهدة
دلائه) لأنها تختلف (وتقدير ذلك بالزمن أو ملء الحوض، وكذلك إن اكتراها للسقي بالغرب)
بفتح الغين وسكون الراء دلو كبير معروف (فلا بد من معرفته. ويقدر) السقي (بالزمان)
كيوم، وأسبوع (أو بعدد الغروب أو بملء بركة)، و (لا) يصح تقديره (بسقي أرض) لأنه لا
ينضبط (وإن قدره) أي السقي (بشرب ماشية جاز، لأن شربها يتقارب في الغالب ك‍) - ما
يجوز تقديره (شيل تراب معروف) لهما لأنه معلوم بالعرف (وإن استأجر دابة ليسقي عليها،
فلا بد من من معرفة الآلة التي يستقي فيها، من راوية، أو قرب، أو جرار، إما بالرؤية أو
بالصفة) لأنها تختلف (ويقدر العمل بالزمان) كيوم وشهر (أو بالعدد، أو بملء شئ معين.
8

فإن قدره) أي العمل (بعدد المرات، احتاج إلى معرفة المكان الذي يستقي منه، و) معرفة
المكان (الذي يذهب إليه) بالماء ليصبه فيه (ومن اكترى زورقا) هو نوع من السفن (فزواه مع
زورق له فغرقا. ضمن، لأنها مخاطرة لاحتياجها إلى المساواة، ككفة الميزان، كما لو
اكترى ثورا لاستقاء ماء فجعله فدانا) أي قرنه بثور آخر (لاستقاء الماء فتلف. ضمن) لأنها
مخاطرة (وكل موضع وقع) العقد (على مدة، فلا بد من معرفة) الظهر (الذي يعمل عليه) لأنه
يختلف في القوة والضعف، والغرض يختلف باختلافه (وإن وقع) العقد (على عمل معين
لم يحتج إلى ذلك) أي إلى معرفة الظهر الذي يعمل عليه، لأن القصد والعمل وحيث ضبطا
حصل المطلوب (وإن استأجر رحى لطحن قفزان معلومة، احتاج إلى معرفة جنس
المطحون) فيعينه (برا، أو شعيرا، أو ذرة، أو غير ذلك، لأن ذلك يختلف) وتقدم، (ويجوز
استئجار كيال ووزان) وعداد، وذراع، ونقاد ونحوه (لعمل معلوم. أو في مدة معلومة) لأنه
نفع مباح مقصود، (و) يجوز (استئجار رجل ليلازم غريما يستحق ملازمته) لأن الظاهر أنه
بحق، فإن الحاكم في الظاهر لا يحكم إلا بحق (1). لكن قال الامام في رواية الفضل بن
زياد: غير هذا أعجب إلي.
قال في المغني: كرهه لأنه يؤول إلى الخصومة، وفيه تضييق على مسلم، ولا يأمن
أن يكون ظالما فيساعده على ظلمه (2)، (ويجوز) الاستئجار (لحفر الآبار والأنهار والقنى: ولا
بد من معرفة الأرض التي يحفر فيها) لأن الأرض تختلف بالصلابة وضدها (وإن قدره أي
الحفر (بالعمل فلا بد من معرفة الموضع بالمشاهدة، لكونها) أي الأرض (تختلف بالصلابة
والسهولة، و) لا بد أيضا من (معرفة دور البئر وعمقها وآلتها إن طواها) أي بناها، (و) لا بد
9

من معرفة (طول النهر وعرضه وعمقه) لأنه يختلف (وإن حفر بئرا) استؤجر لحفرها (فعليه
شيل ترابها منها) أي البئر لأنه لا يمكنه الحفر إلا به، فقد تضمنه العقد (فإن تهور) فيهما
(تراب من جانبهما. أو سقطت فيه) أي في المحفور من بئر أو نهر (بهيمة أو نحو ذلك)
فانهال بها تراب (لم يلزمه) أي الأجير (شيله) أي التراب (وكان) شيله (على صاحب البئر)
إن أراد تنظيفها، لأنه سقط فيها من ملكه، ولم يتضمن عقد الإجارة رفعه (وإن وصل)
الأجير في الحفر (إلى صخر أو جماد يمنع الحفر، لم يلزمه حفره لأن ذلك) الصخر أو
نحوه (مخالف لما شاهده من الأرض. فإذا ظهر فيها) أي الأرض (ما يخالف المشاهدة كان
له) أي الأجير (الخيار في الفسخ) والامضاء كخيار العيب في المبيع (فإن فسخ) الأجير
(كان له من الاجر بحصة ما عمل) لأن المانع من الاتمام ليس من قبله (فيقسط الاجر)
المسمى (على ما بقي) من العمل، (و) على (ما عمل) الأجير (فيقال: كم أجر ما عمل؟
وكم أجر ما بقي؟ فيسقط الاجر المسمى عليهما) فإذا فرضنا أن أجر ما عمل عشرة وما بقي
خمسة عشر، فله خمسان (ولا يجوز تقسيطه) أي الاجر (على عدد الأذرع لأن أعلى البئر
يسهل نقل التراب منه وأسفله يشق ذلك) أي نقل التراب (فيه) هذا ما جزم به في المغني (1)
والمبدع (2) وغيرهما خلاف ما ذكره في أوائل الباب تبعا للرعاية (وإن نبع منه) أي المحفور
من بئر أو نهر (ما منعه) أي الأجير (من الحفر فكالصخرة) له الفسخ، ويقسط المسمى على
ما عمل وما بقي، ويأخذ بالقسط
(ويجوز استئجار ناسخ) ينسخ له كتب فقه، أو حديث، أو شعرا مباحا، أو سجلات نص
عليه. ولا بد من تقديره بالمدة أو العمل (فإن قدره بالعمل ذكر عدد الورق وقدره وعدد
السطور في كل ورقة وقدر الحواشي، و) ذكر (دقة القلم وغلظه. فإن عرف الخط بالمشاهدة
10

جاز وإن أمكنه) ضبطه (بالصفة ذكره وإلا فلا بد من المشاهدة) لأن الاجر يختلف باختلافه
(ويصح تقدير الاجر بأجزاء الفرع وأجزاء الأصل) المنقول منه (وإن قاطعه على نسخ الأصل
بأجر واحد جاز) لأنه عمل معلوم (فإن أخطأ بالشئ اليسير) الذي جرت العادة به (عفي عنه)
لأن ذلك لا يمكن التحرز منه (وإن كان كثيرا عرفا) بحيث يخرج عن العادة (فهو عيب يرد
به. قال ابن عقيل: ليس له) أي الأجير للنسخ (محادثة غيره حالة النسخ ولا التشاغل بما
يشغل سره ويوجب غلطه، ولا لغيره تحديثه وشغله وكذلك الأعمال التي تختل بشغل السر
والقلب، كالقصارة والنساجة ونحوهما) (1) لأن فيه إضرارا بالمستأجر، (ويجوز أن يستأجر
سمسارا ليشتري له) أي للمستأجر (ثيابا) لأنه منفعة مباحة مباحة كالبناء (فإن عين العمل دون
الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا معلوما صح) العقد (وإن قال: كلما اشتريت ثوبا فلك
درهم، وكانت الثياب معلومة، أو مقدرة بثمن. جاز) (2) وإلا فلا للجهالة، (ويجوز أن يستأجره
ليبيع له ثيابا بعينها) لأنه نفع مباح تجوز النيابة فيه وهو معلوم. فجازت الإجارة عليه كشراء
الثياب (ونحوه) أي نحو ما ذكر من المنافع المباحة المقصودة المعلومة (3).
فصل:
(الضرب الثاني
(عقد على منفعة في الذمة في شئ معين، أو موصوف. مضبوطة بصفات، كالسلم
11

فيشترط تقديرها بعمل، أو مدة كخياطة ثوب أو بناء دار أو حمل إلى موضع معين) ليحصل
العلم بالمعقود عليه (ويلزم) الأجير (الشروع فيه) أي فيما استؤجر (عقب العقد) لجواز
مطالبته به إذن (فلو ترك) الأجير (ما يلزمه قال الشيخ بلا عذر فتلف) قال الشيخ بسببه
(ضمن) ما تلف بسببه، (ولا يجوز أن يكون الأجير فيها إلا آدميا) لأنها متعلقة بالذمة ولا ذمة
لغير الآدمي (جائز التصرف) لأنها معاوضة لعمل في الذمة. فلم تجز من غير جائز التصرف
(ويسمى الأجير المشترك) لأنه يتقبل أعمالا لجماعة فتكون منفعته مشتركة بينهم (1)، (وهو)
أي الأجير المشترك (من قدر نفعه بالعمل) بخلاف الأجير الخاص فنفعه مقدر بالزمن وتقدم
(ولا يصح الجمع بين تقدير المدة والعمل) وفي بعض النسخ على شئ (كقوله: استأجرتك
لتخيط لي هذا الثوب في يوم) (2) لأن الجمع بينهما يزيد الإجارة غررا لا حاجة إليه، لأنه
قد يفرغ من العمل قبل انقضاء اليوم. فإن استعمل في بقيته فقد زاد على ما وقع عليه
العقد. وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعضه فهذا غرر أمكن التحرز منه، ولم يوجد
مثله في محل الوفاق. فلم يجز العقد معه، (ويصح) الجمع بين تقدير المدة والعمل (جعالة)
لأنه يغتفر فيها ما لا يغتفر في الإجارة. فإذا تم العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في
بقيتها، كقضاء الدين قبل أجله.
وإن مضت المدة قبل العمل فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل فقط، كالمسلم إذا
صبر عند التعذر.
12

وإن فسخ قبل العمل سقط الاجر والعمل،
وإن كان بعد عمل بعضه، فإن كان الفسخ من الجاعل فللعامل أجر مثله، وإن كان
من العامل فلا شئ له. هذا مقتضى كلامهم لكن لم أره صريحا، (ويحرم، ولا تصح
إجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة وهو المسلم ولا يقع) ذلك العمل
(إلا قربة لفاعله كالحج أي النيابة فيه) أي في الحج (والعمرة والاذان ونحوها. كإقامة
وإمامة صلاة، وتعليم قرآن وفقه وحديث، وكذا القضاء. قاله ابن حمدان) لما روى عبادة
قال: علمت ناسا من أهل الصفة القرآن فأهدى لي رجل منهم قوسا. فذكرت ذلك
للنبي (ص) فقال: إن سرك أن يقلدك الله قوسا من نار فاقبلها رواه أبو داود بمعناه.
وعن أبي بن كعب: أنه علم رجلا سورة من القرآن فأهدى له خميصة أو ثوبا. فذكر
ذلك للنبي (ص) فقال: إنك لو لبستها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار رواه الأثرم. ولان
من شرط هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى. فلم يجز أخذ الأجرة، كما لو استأجر
قوما يصلون خلفه (1) (ويصح أخذ جعالة على ذلك. ك‍) - ما يجوز (أخذه) عليه (بلا
شرط. وكذا) حكم (رقية) لحديث أبي سعيد الخدري.
وأما حديث القوس والخميصة فقضيتان في عين فيحتمل أن النبي (ص) علم أنهما
فعلا ذلك خالصا. فكره أخذ العوض عنه من غير الله تعالى. ويحتمل غير ذلك. قاله
في المغني (2)، على أن أحاديثهما لا تقاوم حديث أبي سعيد. ففي إسنادهما مقال (وله
أخذ رزق على ما يتعدى نفعه) كالقضاء والفتيا والاذان والإمامة، وتعليم القرآن والفقه
والحديث ونحوها (ك‍) - ما يجوز أخذ (الوقف على من يقوم بهذه المصالح) المتعدى
نفعها، لأنه ليس بعوض، بل القصد به الإعانة على الطاعة، ولا يخرجه ذلك عن كونه
قربة. ولا يقدح في الاخلاص، لأنه لو قدح ما استحقت الغنائم (بخلاف الاجر) فيمتنع
13

أخذه على ذلك لما تقدم (وليس له أخذ رزق، و) لا (جعل، و) لا (أجر على ما لا
يتعدى) نفعه (كصوم وصلاة خلفه) بأن أعطى لمن يصلي مأموما معه جعلا أو أجرة أو
رزقا (وصلاته لنفسه وحجه عن نفسه، وأداء زكاة نفسه ونحوه) كاعتكافه وطوافه عن
نفسه، لأن الاجر عوض الانتفاع، ولم يحصل لغيره ههنا انتفاع. فأشبه إجارة الأعيان
التي لا نفع فيها، (ولا) يصح (أن يصلى عنه) وفي نسخ: عن غيره (فرضا ولا نافلة في
حياته، ولا في مماته) لأن الصلاة عبادة بدنية محضة. فلا تدخلها النيابة بخلاف الحج،
وتقدم أن ركعتي الطواف تدخل تبعا. وتقدم في آخر الصوم: من مات وعليه نذر صلاة
ونحوه. ولا يعارض هذا ما تقدم في أواخر الجنائز: كل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها
لحي أو لميت نفعه، لأن الصلاة ونحوها ليست واقعة عن الغير، بل للفاعل وثوابها
للمفعول عنه على ما تقدم، (فإذا وصى بدراهم لمن يصلي عنه تصدق بها عنه) أي الميت
(لأهل الصدقة) تحصيلا لغرضه في الجملة (وتجوز الإجارة على ذبح الأضحية والهدي،
كتفرقة الصدقة ولحم الأضحية) ولحم الهدي لأن ذلك عمل لا يختص فاعله أن يكون
من أهل القربة لصحته من الذمي، (وتصح) الإجارة (على تعليم الخط والحساب والشعر
المباح وشبهه) لأنه تارة يقع قربة وتارة يقع غير قربة. فلم يمنع الاستئجار لفعله،
كغرس الأشجار وبناء البيوت (فإن نسيه) أي ما تعلمه من شعر وحساب ونحوه (في
المجلس أعاد تعليمه) لأنه مقتضى العرف (وإلا) بأن نسيه بعد المجلس (فلا) يلزمه
إعادته لأنه ليس مقتضى العقد، (وتصح) الإجارة (على بناء المساجد وكنسها وإسراج
قناديلها، وفتح أبوابها ونحوه) كتجميرها (وعلى بناء القناطر ونحوها) كالربط والمدارس
والخوانك لما تقدم (وإن استأجره ليحجمه صح (1) ك‍) - ما لو استأجره ل‍ (فصد) لما
روى ابن عباس قال: احتجم النبي (ص) وأعطى الحجام أجره. ولو علمه حراما لم
يعطه متفق عليه (2)، ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فجاز
14

الاستئجار عليها كالبناء، ولان بالناس حاجة إليها ولا يجد كل أحد متبرعا بها، فجاز
الاستئجار عليها كالرضاع (ويكره للحر أكل أجرته ك‍) - ما يكره للحر (أخذ) أي أكل
(ما أعطاه) المحتجم (بلا شرط ويطعمه الرقيق (1) والبهائم) لقوله (ص): كسب الحجام
خبيث متفق عليه (2). وقال: أطعمه ناضحك ورقيقك رواه الترمذي وحسنه (3). فدل
على إباحته [وقيل: يكره] (4) إذ غير جائز أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله. فإن الرقيق
آدمي يمنع مما يمنع منه الحر. ولا يلزم من تسميته خبيثا التحريم فإنه (ص) قد سمى
البصل والثوم: خبيثين مع إباحتهما، وخص الحر بذلك تنزيها له، (ويصح استئجاره لحلق
الشعر) المطلوب أو المباح أخذه. (و) ل‍ (- تقصيره ولختان وقطع شئ من جسده
للحاجة إليه) أي إلى قطعه لنحو أكله، لأن ذلك منفعة مباحة مقصودة. ولا يكره أكل
أجرته. وقوله (ص): كسب الحجام خبيث يعني بالحجامة كما نهى عن مهر البغي، وكما
لو كسب بصناعة أخرى (ومع عدمها) أي عدم الحاجة إلى قطع شئ من جسده (يحرم)
القطع (ولا يصح) الاستئجار له، لما تقدم أن المنع الشرعي كالحسي.
قلت. ومثله حلق اللحية. فلا يصح الاستئجار له (ويصح أن يستأجر) الأرمد
(كحالا ليكحل عينيه) لأنه عمل جائز يمكن تسليمه (ويقدر ذلك بالمدة) دون البرء،
15

لأنه غير معلوم (ويحتاج إلى بيان عدد ما يكحله كل يوم) فيقول: (مرة أو مرتين. فإن
كحله في المدة فلم يبرأ استحق الأجرة) لأنه وفى بالعمل (وإن برئ) الأرمد (في
أثنائها) أي المدة (انفسخت الإجارة فيما بقي) من مدة الإجارة لتعذر استيفاء المعقود
عليه (وكذا لو مات) الأرمد في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي لما مر. ويستحق
من الأجرة بالقسط (فإن امتنع المريض من ذلك) أي من إتمام الكحل (مع بقاء المرض
استحق الطبيب الأجرة بمضي المدة) لأن الإجارة عقد لازم. وقد بذل الأجير ما عليه
(فإن قدرها) أي المدة (بالبرء لم يصح) ذلك (إجارة ولا جعالة) لأنه مجهول لا ينضبط
(ويأتي) أيضا (في الجعالة. ويصح أن يستأجر) المريض (طبيبا لمداواته والكلام فيه
كالكلام في الكحال، إلا أنه لا يصح اشتراط الدواء على الطبيب) بخلاف الكحل يصح
اشتراطه على الكحال، ويدخل تبعا للحاجة إليه. وجري العادة به في الكحيل دون
الدواء ويملك الأجرة ولو أخطأ في تطبيبه. ذكره ابن عبد الهادي في جمع الجوامع
قال: ويلزمه من العادة أن يباشره في وصف الأدوية وتركيبها وعملها. فإن لم يكن
عادته تركيبها لم يلزمه. ويلزمه أيضا ما يحتاج إليه من حقنة وفصد ونحوهما إن شرط
عليه، أو جرت العادة أن يباشره وإلا فلا (ويصح أن يستأجر من يقلع له ضرسه) عند
الحاجة إلى قلعه (فإن أخطأ فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه) لأنه جناية ولا فرق في
ضمانها بين العمد والخطأ إلا في القصاص وعدمه (وإن برئ الضرس قبل قلعه
انفسخت الإجارة) لأن قلعه لا يجوز (ويقبل قوله) أي المريض (في برئه) أي الضرس
لأنه أدرى به (وإن لم يبرأ) الضرس، (لكن امتنع المستأجر من قلعه لم يجبر) على قلعه،
لأنه إتلاف جزء من الآدمي محرم في الأصل، وإنما أبيح إذا صار بقاؤه ضررا. وذلك
مفوض إلى كل إنسان في نفسه إذا كان أهلا لذلك وصاحب الضرس أعلم بمضرته
ونفعه وقدر ألمه.
16

فصل:
(ويعتبر كون المنفعة)
المعقود عليها (للمستأجر. فلو اكترى دابة لركوب المؤجر لم يصح) العقد، لئلا يلزم
تحصيل الحاصل، لأن المنفعة ملك للمؤجر قبل العقد عليها. فلو صح استئجارها له لزم
تمليكه ما هو في ملكه. وإذا استأجر لنفسه كان له إعارتها للمؤجر كغيره (وللمستأجر
استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله بإعارة) أ (وغيرها) لأنه ملك المنفعة بالعقد، فكان له التسلط
على استيفائها بنفسه ونائبه (ولو شرط عليه) أي المستأجر (استيفاءها) أي المنفعة (بنفسه
فسد الشرط، ولم يلزم الوفاء به) (1) لأنه شرط ينافي مقتضى العقد، إذ مقتضاه الملك. ومن
ملك شيئا استوفاه بنفسه وبنائبه (ويعتبر كون راكب مثله) أي المستأجر أو دونه (في طول
وقصر وغيرهما) كسمن وهزال، لأن العقد اقتضى استيفاء المنفعة المقدرة بذلك الراكب،
لا بأطول أو أثقل منه ولأنه أكثر مما عقد عليه. و (لا) تعتبر مماثلته (في معرفة ركوب)
لأن التفاوت فيه يسير (ومثله) أي مثل شرط استيفاء المنفعة بنفسه في الفساد (شرط زرع بر
فقط) فلا يلزم الوفاء به وله زرع ما هو مثله ضررا أو أقل، لا أكثر (ولا يضمنها مستعير منه)
أي المستأجر (إن تلفت من غير تفريط) لأنه قام مقام المستأجر في الاستيفاء، فكان حكمه
كالمستأجر في عدم الضمان لأن يده كيده، (ويأتي) ذلك في العارية أيضا، (ولا يجوز)
للمستأجر ولا نائبه (استيفاء) المنفعة (بما هو أكثر ضررا ولا بما يخالف ضرره) أي
المستوفي (ضرره) أي المعقود عليه (وله أن يستوفي المنفعة ومثلها وما دونها في الضرر من
جنسها) (2) أي جنس المنفعة المعقود عليها. لا من غير الجنس، لأنه لم يملكه (وإذا اكترى
لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه) كالباقلاء والعدس ونحوه، مما هو مثل البر في الضرر
أو دونه، (وليس له زرع الدخن والذرة ونحوهما) كقطن وقصب، لأن ذلك أكثر ضررا من
17

البر (1) (ولا يملك الغرس ولا البناء) في الأرض التي استأجرها للزرع، لأنهما أكثر ضررا
منه (2) (وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر) أي إذا اكترى الأرض للغرس لم يملك
البناء، أو استأجرها للبناء لم يملك الغرس، لأن ضرر كل واحد منهما يخالف ضرر
الآخر، لأن الغرس يضر بباطن الأرض، والبناء يضر بظاهرها (3) (وإن اكتراها للغرس) ملك
الزرع، لأن ضرره أقل من ضرر الغرس. وهو من جنسه (أو) اكتراها لأجل (البناء) ملك
الزرع كما لو استأجرها للغرس. قدمه في الرعاية الكبرى.
وقال في المغني وشرح المنتهى: وإن اكتراها للبناء لم يكن له الزرع وإن كان
أخف ضررا، لأنه ليس من جنسه (4)، (أو) اكتراها (لهما) أي للغرس والبناء (ملك الزرع)
لأنه أخف ضررا (ولا تخلو الأرض من قسمين. أحدهما: أن يكون لها ماء دائم إما من
نهر لم تجر العادة بانقطاعه) كالأراضي التي تشرب من النيل والفرات ونحوهما، (أو) لها
ماء (لا ينقطع إلا مدة لا تؤثر في الزرع، أو) تشرب (من عين تنبع أو بركة من مياه
الأمطار يجتمع فيها الماء ثم تسقى به، أو) تشرب (من بئر تقوم بكفايتها، أو ما يشرب
بعروقه لنداوة الأرض وقرب الماء الذي تحت الأرض. فهذا كله دائم. ويصح استئجاره)
أي هذا القسم من الأرض (للغراس والزرع) قال في المغني: بغير خلاف علمناه:
(وكذلك التي تشرب من مياه الأمطار. وتكتفي بالمعتاد منه) لأن حصوله معتاد،
والظاهر وجوده (5). القسم (الثاني: أ) ن (لا يكون لها ماء دائم. وهي نوعان. أحدهما ما
18

يشرب من زيادة معتادة تأتي وقت الحاجة، كأرض مصر الشاربة من زيادة النيل، وما
يشرب من زيادة الفرات وأشباهه، وأرض البصرة الشاربة من المد والجزر) قال في
مختصر الصحاح: الجزر ضد المد، وهو رجوع الماء إلى خلف (وأرض دمشق الشاربة
من زيادة بردا) بفتحات (وما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر) المعتاد (فهذه
تصح إجارتها قبل وجود الماء الذي تسقى به) لأن حصوله معتاد. والظاهر وجوده.
ولان ظن القدرة على التسليم في وقته كاف في صحة العقد، كالسلم في الفاكهة إلى
أوانها (1). (النوع الثاني: أن يكون مجئ الماء) إليها (نادرا أو غير ظاهر كالأرض التي
لا يكفيها إلا المطر الشديد الكثير الذي يندر وجوده، أو يكون شربها من فيض واد مجيئه
نادرا، أو) يكون شربها (من زيادة) غير معتادة، بل (نادرة في نهر) أو غير غالبة. قاله في
المغني (2)، من نيل أو غير (فهذه إن أجرها بعد وجود ما يسقيها به صح) العقد (3)،
لأنها مشتملة على النفع المقصود منها، (و) إن أجرها قبله أي قبل وجود ما يسقيها
للزرع أو الغرس (قيل: لا يصح) (4) العقد، لأن الأرض لا تنبت الزرع أو الغرس بلا ماء.
وحصوله غير معلوم ولا مظنون. فأشبهت السبخة إذا أوجرت للزرع (وإن اكتراها على
أنها لا ماء لها صح، لأنه يتمكن بالانتفاع بها بالنزول فيها وغير ذلك) كوضع رحله
وجمع الحطب.
قلت: وهذا معنى استئجار الأرض مقيلا ومراحا. وقال الشيخ تقي الدين: وما لم
يرو من الأرض فلا أجرة له اتفاقا: وإن قال في الإجارة: مقيلا ومراحا وأطلق لأنه لا
يرد عليه عقد كالبرية (وإن حصل لها ماء قبل) فوات زمن (زرعها فله زرعها) لأنه من
منافعها الممكن استيفاؤها (وليس له أن يبني ولا يغرس) فيها، لأن ذلك يراد للتأبيد.
وتقدير الإجارة بمدة يقتضي تفريغها عند انقضائها. بخلاف ما إذا صرح بالغراس
19

والبناء. فإن تصريحه صرف التقدير عن مقتضاه. وكذا لو أطلق مع علمه بحالها. لا إن
ظن إمكان تحصيله (وإن اكترى دابة للركوب، أو الحمل. لم يملك الآخر) لأن ضرر كل
منهما مخالف لضرر الآخر. لأن الراكب يعين الظهر بحركته، لكن يقعد في موضع
واحد فيشتد على الظهر. والمتاع يتفرق على جنبيه، لكن لا حركة له يعين بها الظهر (1)
(وإن اكتراها ليركبها عريا لم يجز أن يركبها بسرج) لأنه زيادة عما عقد عليه (وإن
اكتراها ليركبها بسرج فليس له ركوبها عريا) لأنه يحمي ظهرها. فربما أفسده، (و) إن
استأجرها ليركبها بسرج (لا) يركبها (بسرج أثقل منه) لأنه زيادة عن المعقود عليه (ولا أن
يركب الحمار بسرج برذون إن كان أثقل من سرجه أو أضر) لما تقدم (لا إن كان أخف
أو أقل ضررا) من سرجه وكان الصواب أن يقول: أخف وأقل ضررا. كما في
المغني (2)، إذ أحدهما ليس بكاف (وإن اكتراه لحمل الحديد أو القطن. لم يملك
حمل الآخر) لاختلاف ضررهما، لأن القطن يتجافى، وتهب فيه الريح فيتعب الظهر.
والحديد يجتمع في موضع واحد فيثقل عليه (وإن أجره مكانا ليطرح فيه أردب قمح
فطرح فيه أردبين. فإن كان الطرح على الأرض فلا شئ له) للزائد، لأن ذلك لا يضر
بالأرض (وإن كان) الطرح (على غرفة ونحوها لزمه أجرة المثل للزائد) لتعديه به (وإن
اكتراه ليطرح فيه ألف رطل قطن. فطرح فيه ألف رطل حديد. لزمه أجرة المثل)
مقتضى التحقيق: أن يقال لزمه المسمى مع تفاوت أجرة المثل، كما يدل عليه كلامه في
المغني (3) والمبدع (4). ولما يأتي في قوله: وإن خالف في شئ مما تقدم الخ...
(وإن أجره الأرض ليزرعها أو يغرسها لم يصح، لأنه لم يعين أحدهما. وإن اكتراها
20

للزرع مطلقا) صح، (أو قال: لتزرعها ما شئت وتغرسها ما شئت. صح) العقد. وتقدم.
وله أن يزرعها كلها ما شاء، وأن يغرسها كلها ما شاء) قلت: وأن يزرع البعض ويغرس
الباقي، وإن أطلق، وتصلح لزرع وغيره، صح في الأصح، (وإن) أطلق. وتصلح للجميع.
أو (قال: لتنتفع بها ما شئت، فله الزرع والغراس والبناء كيف شاء) قاله الشيخ تقي
الدين، ولا يعارضه ما سبق في الأرض التي لا ماء لها، لأنه لم ينص في العقد على
الانتفاع كيف شئت، لكن يرد على ما إذا أطلق إلا أن يحمل ما تقدم على دلالة القرينة
(وإن خالف في شئ مما تقدم) بأن استأجرها لشئ وخالف (ففعل ما ليس له فعله) بأن
استأجرها للزرع فغرس ونحوه، لزمه المسمى مع تفاوت أجر المثل، فيقال فيمن اكترى
أرضا لزرع حنطة فزرعها قطنا: كم تساوي أجرتها مع الحنطة؟ فيقال، مثلا: عشرة،
ومع القطن؟ فيقال: مثلا خمسة عشر، فيأخذ ربها مع المسمى الخمسة. نص عليه في
رواية عبد الله، لأنه لما عين الحنطة لم تتعين. فإذا زرع ما هو أكثر ضررا فقد استوفى
المنفعة وزيادة عليها، فكان على المستأجر المسمي للمنفعة وأجرة المثل للتفاوت (أو
سلك) المستأجر (طريقا أشق مما عينها، لزمه المسمى) في العقد (مع تفاوت أجر
المثل) كما تقدم، (إلا فيما إذا اكترى) ظهرا (لحمل حديد فحمل) عليه (قطنا وعكسه
فإنه يلزم أجرة المثل) (1) لأن ضرر أحدهما مخالف لضرر الآخر، فلم يتحقق كون
المحمول مشتملا على المستحق بعقد الإجارة وزيادة عليه، بخلاف ما قبلها من
المسائل، قاله في المغني (2). وجزم في التنقيح، وتبعه في المنتهى (3) بأنه يلزمه
المسمى مع تفاوت أجر المثل من غير استثناء، (وإن اكتراها لحمولة شئ فزاد عليه)
لزمه المسمى مع أجرة المثل للزائد، (أو) استأجرها (لركوبه وحده فأردف غيره) لزمه
المسمى وأجرة المثل للرديف، (أو) استأجر ليركب، أو يحمل (إلى موضع فجاوزه فعليه
21

المسمى وأجرة المثل للزائد) لأنه متعد به (وإن تلفت الدابة) المؤجرة، وقد خالف
المستأجر ففعل ما لا يجوز له (ضمن قيمتها) كلها لتعديه (سواء تلفت في الزيادة، أو)
تلفت (بعد ردها إلى المسافة) لأن يده صارت ضامنة بمجاوزة المكان. فلا يزول
الضمان عنها إلا بإذن جديد. ولم يوجد (ولو كانت) الدابة تلفت (في يد صاحبها) بأن
كان معها ولم يرض بحمل الزائد على ما وقع عليه العقد، ولا بمجاوزة المكان ولو
كانت بعد ردها إلى المسافة لأن يده صارت ضامنة بمجاوزة المكان المعين في العقد،
لأن اليد للراكب وذي الحمل. وسكوت ربها لا يدل على رضاه. كما لو بيع متاعه وهو
ساكت. فإنه لا يمنعه الطلب به (إلا أن يكون له) أي للمستأجر (عليها) أي المؤجرة
(شئ وتتلف في يد صاحبها بسبب غير حاصل من الزيادة) بأن افترسها سبع، أو
سقطت منه في هوة، أو جرحها إنسان فماتت. فإنه لا ضمان على المكتري، لأنها لم
تتلف في يد عادية (وإن كان) التلف (بسببها) أي الزيادة (كتعبها من الحمل) الذي زاد
فيه، أ (والسير) الذي تجاوز فيه المسافة (فيضمن) المستأجر لأنها تلفت بسبب حاصل
من تعديه (كتلفها تحت الحمل) الزائد (والراكب) المتعدي (وكمن ألقى حجرا في
سفينة موقورة فغرقها) الحجر. فإنه يضمن قيمتها وما فيها جميعه (فإن اكترى) إنسان
(لحمل قفيزين، فحملهما فوجدهما ثلاثة. فإن كان المكتري تولى الكيل ولم يعلم
المكري بذلك) أي بأنها ثلاثة (فكمن اكترى لحمولة شئ فزاد عليه) يلزمه المسمى
وأجرة المثل للقفيز الزائد (وإن كان المكري) أي الأجير (تولى كيله، و) تولى (تعبيته
ولم يعلم المكتري) أو علم ولم يأذن (فلا أجر له في حمل الزائد) لتعديه بحمله، (وإن
تلفت دابته فلا ضمان) على المستأجر (لها) لأن تلفها بتعدي مالكها (وحكمه في ضمان
الطعام) إذا تلف (حكم من غصب طعام غيره) فتلف يضمنه بمثله (وإن تولى ذلك) أي
الكيل والتعبية (أجنبي ولم يعلما) أي المستأجر والأجير، أو علما ولم يأذنا (فهو متعد
عليهما. عليه لصاحب الدابة الاجر. ويتعلق به ضمانها) إن تلفت (وعليه لصاحب
22

الطعام ضمان) مثل (طعامه) إن تلف (وسواء كاله) أي الطعام (أحدهما ووضعه الآخر
على ظهر الدابة، أو كان الذي كاله وعبأه وضعه على ظهر الدابة) أي فالحكم منوط
بالكايل، لأن التدليس منه لا ممن وضعه على ظهر الدابة.
فصل:
(ويلزم المؤجر مع الاطلاق)
أي إطلاق عقد الإجارة (كل ما يتمكن به) المستأجر (من النفع مما جرت به عادة
وعرف) عبارة المنتهى، أو عرف (من آلات وفعل) بيان لما (كزمام مركوب) وهو الذي يقود
به، (ولجامه، ورحله، وقتبه، وحزامه، وثفره - وهو الحياصة - والبرة التي في أنف البعير
إن كانت العادة جارية بها، وسرجه، وإكافه) وهو البرذعة، (و) ك‍ (- شد ذلك) أي ما ذكر من
الأشياء السابقة (عليه) أي على المركوب (وتوطئة، وشد الأحمال، و) شد (المحامل) التي
يركب فيها (والرفع والحط) لأن هذا هو العرف وبه. يتمكن من المركوب (وقائد وسائق،
ولزوم البعير لينزل) الراكب (لصلاة الفرض ولو فرض كفاية، لا) لينزل (لسنة راتبة) لأنها
تصح على الراحلة بخلاف الفرض، (و) لا ل‍ (أكل وشرب) لأنه يمكن فعلهما على الراحلة
بلا مشقة (ويلزمه) أي المؤجر (حبسه) أي البعير (له) أي للمستأجر (لينزل لقضاء حاجة
الانسان) وهي البول والغائط، (و) يلزمه أيضا حبسه له لينزل لأجل (الطهارة، ويدع البعير
واقفا حتى يفعل ذلك) أي يقضي حاجته ويتطهر ويصلي الفرض، لأنه لا يمكنه فعل شئ
من ذلك على ظهر الدابة. ولا بد له منه، بخلاف نحو أكل وشرب مما يمكنه راكبا (فإن
أراد المكتري إتمام الصلاة فطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه) أي القصر، لأنه رخصة، (بل
تكون) الصلاة (خفيفة في تمام) جمعا بين الفرضين (ويلزمه) أي المؤجر (تبريكه) أي البعير
23

(لشيخ ضعيف، وامرأة، وسمين، ونحوهم) ممن يعجز عن الركوب والنزول والبعير واقف
(لركوبهم ونزولهم) لأنه المعتاد لهم، (و) يلزمه أيضا تبريكه لمن عجز عن الركوب والنزول
(لمرض ولو طارئا) على الإجارة، لأن العقد اقتضى ركوبه بحسب العادة. قاله في
المغني (1) والشرح (2) (فإن احتاجت الراكبة إلى أخذ يد أو مس جسم. تولى ذلك محرمها
دون الجمال) لأنه أجنبي (ولا يلزمه) أي المؤجر (محمل ومحارة ومظلة، ووطاء فوق
الرحل، وحبل قران بين المحملين والعدلين، بل) ذلك (على المستأجر كأجرة دليل) إن
جهلا الطريق، لأن ذلك كله من مصلحة المكتري وهو خارج عن الدابة وآلتها. فلم يلزم
المكري كالزاد. قال في القاموس. والمحمل كمجلس: شقتان على البعير يحمل فيهما،
العديلان (3). قال: والمظلة بالكسر والفتح: الكبير من الأخبية (4) (قال في الترغيب: وعدل
قماش على مكر إن كانت) الإجارة (في الذمة. وقال الموفق: إنما يلزم المؤجر ما تقدم
ذكره إذا كان الكري على أن يذهب معه المؤجر -. أما إن كان على أن يسلم الراكب البهيمة
ليركبها لنفسه. فكل ذلك عليه) لأن الذي على المكري تسليم البهيمة وقد سلمها (انتهى.
وهو متوجه في بعض دون بعض. والأولى أن يرجع في ذلك إلى العرف، والعادة، ولعله
مرادهم) لقولهم أولا: مما جرت به عادة أو عرف. قلت: حتى لو سافر معها ينبغي أن لا
يلزمه إلا ما هو العادة، أو العرف، لأنه يختلف باختلاف البلدان (فأما تفريغ البالوعة والكنيف
وما حصل في الدار من زبل وقمامة. فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة) لحصوله بفعله
كقماشه. قال في الانصاف: ويتوجه أن يرجع في ذلك إلى العرف (ويلزم مؤجر الدار
24

تسليمها منظفة) من زبل وقمامة، فارغة البالوعة والكنيف، (و) يلزمه أيضا (إزالة ثلج عن
السطح) المؤجرة، (و) عن (أرض) مؤجرة، (ولو) كان الثلج (حادثا) بعد الإجارة، ليتمكن
المستأجر من الانتفاع، و (لا) يلزم المؤجر لمكان يستقي منه (حبل، ودلو، وبكرة) كمكر أرضا
لزرع. فإن آلة الحرث ونحوها على المكتري (ويلزمه) أي المؤجر (مفاتيحها) أي المؤجرة
(وتسليمها إلى مكتر) لأنه بها يتوصل إلى الانتفاع ويتمكن منه، وتكون) المفاتيح (أمانة معه) أي
عند المكتري، كالعين المؤجرة (فإن تلفت) المفاتيح (من غير تفريط فعلى المؤجر بدلها)
ويكون أيضا أمانة، (ويلزمه) أي المؤجر (عمارتها) أي العين المؤجرة دارا كانت أو حماما أو
غيرهما (سطحا وسقفا بترميم) ما يحتاج إلى الترميم (بإصلاح منكسر، وإقامة مائل، وعمل
باب، وتطيين ونحوه) مما تدعو الحاجة إليه، لأنه به يتوصل إلى الانتفاع ويتمكن منه (فإن
لم يفعل) المؤجر ذلك (فللمستأجر الفسخ) إزالة لما يلحقه من الضرر بتركه، (ويلزمه) أي
المؤجر (تبليط الحمام وعمل أبوابه وبركه ومستوقده ومجرى الماء) لأنه لا ينتفع به إلا
بذلك (ولا يجبر) المؤجر (على تجديد) وتحسين وتزويق لأن الانتفاع ممكن بدونه، (ولو
شرط) مؤجر (على مكتري الحمام، أو الدار)، أو الطاحون ونحوها أن (مدة تعطيلها عليه) لم
يصح، لأنه لا يجوز أن يؤجره مدة لا يمكن الانتفاع في بعضها، (أو) شرط المؤجر (أن
يأخذ) المستأجر (بقدر مدة التعطيل بعد فراغ المدة) أي مدة الإجارة. لم يصح، لأنه يؤدي
إلى جهالة مدة الإجارة، (أو شرط) المؤجر (على المكتري النفقة الواجبة. لعمارة المأجور)
لم يصح، لأنه يؤدي إلى جهالة الإجارة (أو جعلها) أي النفقة على المأجور (أجرة. لم
يصح) لأنها مجهولة، (لكن لو عمر) المستأجر (بهذا الشرط، أو) عمر (بإذنه) أي المؤجر
(رجع) عليه (بما قال مكر) لأنه منكر. ووضحه بقوله (فإن اختلفا في قدر ما أنفقه)
المكتري، بأن قال: أنفقت مائة. وقال المكري: بل خمسين (ولا بينة) لأحدهما (فالقول
قول المكري) لأنه منكر (وإن أنفق) المستأجر (من غير إذنه لم يرجع بشئ) لأنه متبرع،
25

لكن له أخذ أعيان آلاته (ولا يلزم أحدهما) أي المؤجر، والمستأجر (تزويق. ولا تجصيص
ونحوهما) مما يمكن الانتفاع بدونه (بلا شرط) لأن الانتفاع لا يتوقف عليه (ولا يلزم الراكب
الضعيف، و) لا (المرأة المشي المعتاد عند قرب المنزل. وكذا قوي قادر) على المشي فلا
يلزمه، لأنه ليس مقتضى العقد، (لكن المروءة تقضي ذلك إن جرت به عادة) أمثاله، (ولو
اكترى بعيرا إلى مكة. فليس له الركوب إلى الحج أي إلى عرفة والرجوع إلى منى) لأنه
زيادة على المعقود عليه، (وإن اكترى) بعيرا (ليحج عليه. فله الركوب إلى مكة. و) الركوب
(من مكة إلى عرفة، ثم) الركوب (إلى مكة) لطواف الإفاضة (ثم إلى منى لرمي الجمار) لان
ذلك كله من أعمال الحج. وظاهره: أنه لا يركب بعد رمي الجمار إلى مكة بلا شرط، لان
الحج قد انقضى (وإذا كان الكري إلى مكة أو) في أو (إلى طريق لا يكون السير فيه إلى
المتكاريين. فلا وجه لتقدير السير فيه) لأن ذلك ليس إليهما ولا مقدورا عليه لهما (وإن
كان) الكري (في طريق السير فيه إليهما) أي المتكاريين (استحب ذكر قدر السير في كل
يوم) قطعا للنزاع (فإن أطلقا، والطريق منازل معروفة. جاز) لأنه معلوم بالعرف (ومتى
اختلفا في ذلك) أي في قدر السير، أ (و) اختلفا (في وقت السير ليلا، أو نهارا، أو) اختلفا (في
موضع المنزل، إما في داخل البلد، أو) في (خارج منه. حملا على العرف) لأن الاطلاق
يحمل عليه. وإن لم يكن للطريق عرف وأطلقا العقد.
لم يصح عند القاضي (1). وقال الموفق: الأولى الصحة، لأنه لم تجر العادة
بتقدير السير. ويرجع إلى العرف في غير تلك الطريق (2)، (وإن شرط) المستأجر (حمل
زاد مقدر، كمائة رطل وشرط) المستأجر (أن يبدل منها ما نقص بالاكل، أو غيره. فله
ذلك) لصحة الشرط (وإن شرط أن لا يبدله، فليس له إبداله) عملا بالشرط (فإن ذهب
26

بغير الاكل، كسرقة، أو سقوط) ضاع به (فله إبداله) أي إبدال ما سرق، أو ضاع (وإن أطلق
العقد) فلم يشترط إبدالا ولا عدمه (فله إبدال ما ذهب بسرقة وأكل ولو معتادا كالماء)
لأنه استحق حمل مقدار معلوم. فملكه مطلقا. وتقدم بعضه (ويصح كري العقبة، بأن
يركب شيئا ويمشي شيئا) لأنه إذا جاز اكتراؤها في الجميع جاز في البعض (وإطلاقها
يقتضي ركوب نصف الطريق) حملا على العرف (ولا بد من العلم بها) أي العقبة (إما
بالفراسخ) بأن يركب ميلا أو فرسخا ويمشي آخر (وإما بالزمان، مثل أن يركب ليلا
ويمشي نهارا، أو بالعكس، أو يمشي يوما ويركب يوما. فإن طلب) من استأجر ليركب
يوما ويمشي يوما (أن يمشي ثلاثة أيام ويركب ثلاثة) أيام (لم يكن له ذلك) بغير رضا
المؤجر (لأنه يضر بالمركوب) لتعب الراكب (فإن كان الراكب اثنين) بأن استأجرا
جملا يتعاقبان عليه جاز. و (كان الاستيفاء إليهما على ما يتفقان عليه) لأن الحق لا
يعدوهما (فإن تشاحا في البادي بالركوب) منهما (أقرع) بينهما، لأنه لا مرجح لأحدهما
على الآخر، فتعينت القرعة. وإن تشاحا في الركوب قسم بينهما، لكل واحد منهما
فراسخ معلومة، أو لأحدهما الليل وللآخر النهار. وإن كان لذلك عرف رجع إليه.
فصل:
(والإجارة عقد لازم من الطرفين)
لأنها عقد معاوضة كالبيع ولأنها نوع من البيع. وإنما اختصت باسم كالصرف
والسلم (يقتضي) عقدها (تمليك المؤجر الاجر) ة (و) تمليك المستأجر (المنافع) كالبيع ف‍
(- ليس لأحدهما فسخها بعد انقضاء الخيار) أي خيار المجلس، أو الشرط (إن كان)
خيار على ما تقدم تفصيله في باب الخيار (إلا أن يجد) المستأجر (العين معيبة عيبا لم
يكن) المستأجر (علم به) حال العقد (فله الفسخ) قال في المغني والمبدع. بغير خلاف
27

نعلمه، لأنه عيب في المعقود عليه. فأثبت الخيار كالعيب في المبيع (1).
وكذا لو حدث العيب عند مستأجر كما يأتي (والعيب الذي يفسخ به) في الإجارة
(ما تنقص به المنفعة ويظهر به تفاوت الأجرة) فيفسخ بذلك (إن لم يزل) العيب، (بلا
ضرر يلحقه) أي المستأجر كما تقدم في البيع. ثم ذكر أمثلة العيب، فقال: (كأن تكون
الدابة جموحا، أو عضوضا، أو نفورا أو شموسا أو بها عيب، كتعثر الظهر في المشي،
وعرج يتأخر به عن القافلة، وربض) أي بروك (البهيمة بالحمل، أو يجد) المستأجر
(المكتري للخدمة ضعيف البصرة، أو به جنون، أو جذام، أو برص، أو مرض، أو يجد)
المستأجر (الدار مهدومة الحائط، أو يخاف من سقوطها، أو انقطاع الماء من بئرها، أو
تغيره بحيث يمنع الشرب والوضوء) فيثبت له خيار الفسخ ولا يعارضه ما قدمته عن
الانتصار من أنه لا فسخ له بذلك. لامكان حمله على أنه لا يحصل الفسخ. بمجرد
ذلك بقرينة السياق، لأنه لو كان هو المعقود عليه لانفسخت الإجارة بمجرد انقطاعه.
لتعذر المعقود عليه، بخلاف ما إذا قلنا يدخل تبعا. فإنه لا ينافي ثبوت الخيار بانقطاعه
(وأشباه ذلك) من العيوب (فإن رضي) المستأجر (بالمقام ولم يفسخ) الإجارة (لزمه
جميع الأجرة) المسماة ولا أرش له (وإن اختلفا) أي المؤجر والمستأجر (في الموجود
هل هو عيب أو لا؟ رجع) فيه (إلى أهل الخبرة، مثل أن تكون الدابة خشنة المشي، أو
أنها تتعب راكبها. لكونها لا تركب كثيرا فإن قالوا) أي أهل الخبرة: (هو عيب فله
الفسخ، وإلا فلا) فسخ له: ويكفي فيه اثنان منهم، على قياس ما يأتي في الشهادات.
(هذا) أي ما ذكر من الفسخ (إذا كان العقد على عينها) أي عين المعيبة (فإن كانت)
المؤجرة (موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد) بردها لكونها معيبة (وعلى المكري
28

إبدالها) بسليمة كالمسلم فيه، لأن إطلاق العقد إنما يتناول السليم (فإن عجز) المكري
(عن إبدالها، أو امتنع منه) أي من إبدالها (ولم يمكن إجباره) عليه (فللمكتري الفسخ
أيضا) استدراكا لما فاته.
وعلم مما تقدم: إن الإجارة الصحيحة ليس للمؤجر ولا غيره فسخها لزيادة
حصلت، ولو كانت العين وقفا. قال الشيخ تقي الدين: باتفاق الأئمة.
وإذا التزم المستأجر بهذه الزيادة على الوجه المذكور لم تلزمه اتفاقا.
ولو التزمها بطيب نفس منه بناء على أن إلحاق الزيادة والشروط بالعقود اللازمة لا
تلحق. ذكره في الاختيارات (وإن فسخها المستأجر من غير عيب) ولا خيار غيره (وترك
الانتفاع بالمأجور قبل تقضي المدة لم تنفسخ) الإجارة (وعليه الأجرة، ولا يزول ملكه عن
المنافع،) بل تذهب على ملكه لما تقدم من أنها عقد لازم، (ولا يجوز للمؤجر التصرف فيها)
أي في العين المؤجرة، سواء ترك المستأجر الانتفاع بها أو لا، لأنها صارت مملوكة لغيره
كما لا يملك البائع التصرف في المبيع إلا أن يوجد منهما ما يدل على الإقالة (فإن تصرف)
المؤجر في العين المؤجرة (ويد المستأجر عليها بأن سكن) المؤجر (الدار، أو آجرها لغيره)
بعد تسليمها للمستأجر (لم تنفسخ) الإجارة بذلك لما مر، (وعلى المستأجر جميع الأجرة)
لأن يده لم تزل عن العين، (وله) أي المستأجر (على المالك أجرة المثل لما سكنه أو تصرف
فيه)، لأنه تصرف فيما ملكه المستأجر عليه بغير إذنه. فأشبه تصرفه في المبيع بعد قبض
المشتري له. وقبض العين هنا قام مقام قبض المنافع، (وإن تصرف المالك قبل تسليمها) أي
العين المؤجرة (أو امتنع منه) أي من التسليم (حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة) بذلك.
قال في المغني والشرح: وجها واحدا، لأن العاقد قد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه.
فأشبه تلف الطعام قبل قبضه (1)، (وإن سلمها) أي سلم المؤجر العين المؤجرة (إليه) أي
المستأجر (في أثنائها) أي المدة (انفسخت) الإجارة (فيما مضى) من مدة الإجارة (وتجب
29

أجرة الباقي بالحصة) أي بالقسط من المسمى (وإن حوله المالك قبل تقضي المدة)
المؤجرة. (أو منعه بعضها) أي بعض المدة (أو امتنع الأجير من تكميل العمل، أو من
التسليم في بعض المدة، أو المسافة لم يكن له) أي المؤجر ولا الأجير أجرة (لما فعل)
الأجير، (أو سكن) المستأجر (نصا) قبل أن يحوله المؤجر، لأن كلا منهم لم يسلم إلى
المستأجر ما وقع عليه عقد الإجارة. فلم يستحق شيئا. كمن استأجر إنسانا ليحمل له كتابا
إلى بلد معين فحمله بعض الطريق فقط. أو ليحفر له عشرين ذراعا فحفر له عشرة وامتنع
من حفر الباقي، (وإن هرب الأجير) قبل إكمال العمل لم تنفسخ الإجارة (أو شردت الدابة)
المؤجرة لم تنفسخ الإجارة، (أو أخذها) أي المؤجرة (المؤجر وهرب بها) لم تنفسخ الإجارة،
(أو منعه) أي منع المؤجر المستأجر (من استيفاء المنفعة من غير هرب، لم تنفسخ الإجارة)
بذلك للزومها، (ويثبت له) أي المستأجر (خيار الفسخ) استدراكا لما فاته (فإن فسخ فلا
كلام. وإن لم يفسخ) المستأجر الإجارة (وكانت) الإجارة (على مدة انفسخت) الإجارة
(بمضيها يوما فيوما) لفوات المعقود عليه (فإن عادت العين) المؤجرة (في أثنائها استوفى)
المستأجر (ما بقي) من المدة لبقاء الإجارة فيه (وإن انقضت) المدة كلها قبل عودها
(انفسخت) الإجارة لفوات المعقود عليه (1) (وإن كانت) الإجارة (على عمل في الذمة، ك‍)
- أن استؤجر ل‍ (- خياطة ثوب ونحوه) كبناء حائط، (أو) استؤجر ل‍ (- حمل) شئ (إلى
موضع معين) ثم هرب الأجير قبل إتمام العمل (استؤجر من ماله) أي استأجر الحاكم من
مال الأجير (من يعمله) كما لو أسلم إليه في شئ فهرب قبل أدائه، لأن له ولاية على
الغائب والممتنع، فيقوم عنهما بما وجب عليهما من مالهما (فإن تعذر) بأن لم يكن له مال
(فله) أي المستأجر (الفسخ) وله الصبر إلى أن يقدر عليه. فيطالبه بالعمل، لأن ما في ذمته
لا يفوت بهربه، (فإن لم يفسخ) المستأجر (وصبر) حتى وجد الأجير (فله مطالبته بالعمل متى
أمكن) لبقائه في ذمته (وكل موضع امتنع الأجير من) إتمام (العمل فيه) فلا أجرة له لما عمل،
(أو) أي وكل موضع (منع المؤجر المستأجر من الانتفاع) بالعين المؤجرة (إذا كان بعد عمل
30

البعض، فلا أجرة له فيه على ما سبق) لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الإجارة. فلم يستحق
شيئا (إلا أن يرد المؤجر العين) للمستأجر (قبل انقضاء المدة) فله الأجرة، لأنه سلم العين،
لكن يسقط منها أجرة المدة التي احتبسها المؤجر لانفساخ الإجارة فيه، كما تقدم، (أو) إلا
أن (يتمم لأجير العمل إن لم يكن) العقد (على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجرة ما
عمل) لكونه وفى بالعمل (فأما إن شردت الدابة، أو تعذر استيفاء المنفعة بغير فعل المؤجر
فله) أي المؤجر من الاجر (بقدر ما استوفى) المستأجر (بكل حال) سواء عادت العين في
المدة، أو لم تعد، لأن للمكري فيه عذرا (وإن هرب الجمال ونحوه بدوابه) في بعض الطريق
أو قبل، الدخول فيها (استأجر عليه الحاكم إلى أن يرجع وباع ما له في ذلك) إن وجد له
مالا، لأن له الولاية على الغائب (فإن تعذر) بأن لم يكن حاكم، أو كان وتعذر الاثبات، أو لم
يجد ما يكتريه، أو وجده ولم يجد ما يكتري به فللمستأجر الفسخ، (أو كانت) الدواب (معينة
في العقد فللمستأجر الفسخ) لأنه تعذر عليه قبض المعقود عليه، ولم يجز إبدالها، لأن العقد
وقع على عينها (ولا أجرة) للجمال ونحوه (لما مضى) قبل هربه. لكونه لم يوف المعقود
عليه. فإن فسخ وكان الجمال ونحوه قبض الأجرة. فهي دين في ذمته.
وإن اختار المقام وكانت على عمل في الذمة فله ذلك ومطالبته متى قدر عليه. وإن
كانت على مدة وانقضت في هربه انفسخت الإجارة. وإن كان العقد على موصوف غير معين
لم ينفسخ العقد ويرفع الامر إلى الحاكم فإن وجد له مالا اكترى به كما سبق، وإلا
اقترض عليه ما يكتري به، فإن دفعه له ليكتري لنفسه جاز، وإن كان القرض من المكتري جاز
وصار دينا في ذمة الجمال (وإن هرب) الجمال، أو نحوه، (أو مات وترك بهائمه وله مال.
أنفق عليها الحاكم من ماله) أي مال الجمال ونحوه (1)، إن كان (ولو ببيع ما فضل منها) أي
البهائم عما وقع عليه العقد (لأن علفها وسقيها عليه)، أي على مالكها وهو غائب، والحاكم
نائبه، ويستأجر الحاكم من مال الجمال من يقوم مقامه في الشد عليها وحفظها، وفعل ما
31

يلزمه فعله (فإن لم يمكن) بأن لم يوجد له مال (استدان) الحاكم (عليه) ما ينفقه عليها لأنه
موضع حاجة، (أو أذن) الحاكم (للمستأجر في النفقة) على البهائم، لأن إقامة أمين غير
المستأجر تشق وتتعذر مباشرته كل وقت، (فإذا انقضت) الإجارة (باعها) أي البهائم (الحاكم
ووفى المنفق) من مستأجر أو غيره ما أنفقته، لأن فيه تخليصا لذمة الجمال، وإيفاء لحق
صاحب النفقة، (وحفظ باقي ثمنها لصاحبها) لأن الحاكم يلزمه حفظ مال الغائب، (فإن لم
يستأذن) المنفق من مستأجر أو غيره (الحاكم وأنفق بنية الرجوع رجع) على ربها بما أنفقه،
لأنه قام عنه بواجب غير متبرع به، وتقدم في الرهن، (وإلا) ينو الرجوع (فلا) رجوع له، لأنه
متبرع (ولا يعتبر الاشهاد على نيته الرجوع. صححه في القواعد) وكذا لا يعتبر تعذر استئذان
الحاكم (وإذا رجع) رب البهائم (واختلفا فيما أنفق. وكان الحاكم قدر النفقة. قبل قول
المكتري في) إنفاق (ذلك) الذي قدره الحاكم، لأنه أمين (دون ما زاد) على ذلك. فلا يقبل
قوله فيه (وإن لم يقدر) الحاكم (له) أي المستأجر نفقة (قبل قوله) أي المستأجر (في قدر
النفقة بالمعروف) لأنه أمين (وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها) كعبد مات، لان
المنفعة زالت بالكلية بتلف المعقود عليه فانفسخت، سواء كان قبل قبضها أو عقبه. ولا
أجرة (1) (فإن تلفت) العين (في أثنائها انفسخت) الإجارة (فيما بقي) من المدة خاصة. وله
من المسمى بالقسط، (وتنفسخ) الإجارة للرضاع (بموت الصبي المرتضع) لأنه تعذر استيفاء
المعقود عليه، لكون غيره لا يقوم مقامه. لاختلافهم في الرضاع. وقد يدر اللبن على ولد
دون آخر (2).
فإن كان موته عقب العقد زالت الإجارة من أصلها. ورجع المستأجر بالاجر كله.
وإن كان بعد مضي مدة رجع بحصة ما بقي. وكذا لو امتنع الرضيع من الشرب من
لبنها. ذكره المجد، (و) تنفسخ أيضا (بموت المرضعة) لفوات المنفعة بهلاك محلها، (و)
32

تنفسخ أيضا ب‍ (- انقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برئه) لتعذر استيفاء المعقود عليه
كالموت (1) (ونحوه) كاستئجار طبيب ليداويه فيبرأ، أو يموت فتنفسخ، فيما بقي (2). فإن
امتنع المريض من ذلك مع بقاء المرض استحق الطبيب الأجرة بمضي المدة، وإن شارطه
على البرء فهي جعالة. ولا يستحق شيئا من أجرة حتى يوجد البرء. ذكره في الانصاف (3)
(كما تقدم في الباب)، و (لا) تنفسخ (بموت راكب. ولو لم يكن له من يقوم مقامه في
استيفاء المنفعة) بأن لم يكن له وارث، أو كان غائبا. كمن يموت بطريق مكة، لأن المعقود
عليه إنما هو منفعة الدابة دون الراكب. لما تقدم من أن مستأجر الدابة للركوب له أن يركب
من يماثله. وإنما ذكر الراكب لتقدر به المنفعة. كما لو استأجر دابة ليحمل عليها هذا
القنطار القطن فتلف. لم تنفسخ، وله أن يحملها من أي قطن كان (وإن اكترى دارا) ونحوها
(فانهدمت) في أثناء المدة انفسخت فيما بقي، (أو) اكترى (أرضا للزرع فانقطع ماؤها مع
الحاجة إليه. انفسخت) الإجارة (فيما بقي من المدة) لأن المقصود قد فات. أشبه ما لو
تلف (وكذا لو انهدم البعض) من الدار ونحوها انفسخت الإجارة فيما انهدم. وسقط عن
المستأجر قسطه من الأجرة (ولمكتر الخيار في البقية) لتفرق الصفقة عليه (فإن أمسك)
البقية (فبالقسط من الأجرة) فتسقط الأجرة على ما انهدم وعلى ما بقي. ويلزمه قسط الباقي
(وإن أجره أرضا بلا ماء) صح، لأنه يتمكن من زرعها رجاء الماء. ومن النزول ووضع
رحله، وجمع الحطب فيها، (أو) أجره أرضا (أطلق) بأن لم يقل ولا ماء لها (مع علمه) أي
المستأجر (بحالها) وأنه لا ماء لها (صح) لما سبق وفسر الاطلاق في شرح المنتهى بأن
قال: أجرتك هذه الأرض مدة كذا بكذا، ولم يقيد النفع، وقيد قوله قبلها: وإن أجره أرضا
بلا ماء ليزرعها المستأجر وهما يعلمان أن لا ماء لها (4). و (لا) تصح الإجارة إن أجره
أرضا لا ماء لها (إن ظن المستأجر إمكان تحصيل الماء)، أو لم يعلم أنها لا ماء لها، لأنه
ربما دخل في العقد بناء على أن المؤجر يحصل له ماء. وأنه يكتريها للزراعة مع تعذرها،
(وإن علم) وجود الماء بالأمطار ونحوها (أو ظن وجوده بالأمطار أو زيادة) النيل ونحوه
33

(صح) العقد، لأن حصوله معتاد. والظاهر وجوده (وتقدم) ذلك (في الباب) بأوضح من هذا.
فصل:
(ومتى زرع فغرق) الزرع
(أو تلف) الزرع (بحريق أو جراد، أو فأر، أو برد، أو غيره قبل حصاده، أو لم
تنبت. فلا خيار، وتلزمه الأجرة نصا) لأن التالف غير المعقود عليه. وسببه غير مضمون
على المؤجر (ثم إن أمكن المكتري الانتفاع بالأرض بغير الزرع أو بالزرع في بقية المدة فله
ذلك) لأنه ملك المنفعة إلى انقضاء مدته (وإن تعذر زرعها) أي المؤجرة (لغرق الأرض)
المؤجرة (أو قل الماء قبل زرعها أو بعده، أو عابت بغرق يعيب به بعض الزرع. فله
الخيار) لحصول ما نقص به منفعة العين المؤجرة. ثم إن اختار الفسخ وقد زرع بقي الزرع
في الأرض إلى الحصاد. وعليه من المسمى بحصته إلى حين الفسخ وأجر المثل، لما بقي
من المدة لأرض متصفة بالعيب الذي ملك الفسخ من أجله. والأرض الغارقة بالماء التي لا
يمكن زرعها قبل انحساره، وهو تارة ينحسر وتارة لا ينحسر لا يصح عقد الإجارة عليها
إذن، لأن الانتفاع بها في الحال متعذر لوجود المانع، وفي المآل غير ظاهر، لأنه لا يزول
غالبا (ولا تنفسخ) الإجارة (بموت المكري و) موت (المكتري) معا، (أو) بموت
(أحدهما) (1) لأنها عقد لازم. فلم تنفسخ بموت العاقد مع سلامة المعقود عليه، إلا إذا
مات الموقوف عليه وقد أجر، لكون الوقف عليه. ولم يشرط الواقف ناظرا. كما تقدم.
(ولا) تنفسخ أيضا (بعذر لأحدهما) أي المكري أو المكتري (مثل أن يكتري للحج فتضيع
نفقته، أو) يكتري (دكانا) يبيع فيه متاعه (فيحترق متاعه) لأنه عقد لا يجوز فسخه لغير
34

عذر. فلم يجز لعذر من غير المعقود عليه كالبيع. ويفارق الإباق. فإنه عذر في المعقود
عليه (1) (وتقدم بعضه) في الباب (وإن غصبت العين المستأجرة. فإن كانت) الإجارة (على
عين موصوفة في الذمة) بأن أجره دابة صفتها كذا وكذا، ثم سلمه عينا بتلك الصفات
فغصبت (لزمه) أي المؤجر (بدلها) لأن العقد على ما في الذمة لا عليها (فإن تعذر) بدلها
على المؤجر (فله) أي المستأجر (الفسخ) وله الصبر إلى القدرة عليها أو على بدلها، وتنفسخ
بمضي المدة إن كانت على مدة (وكذا لو تلفت) الموصوفة في الذمة (أو تعيبت) فيلزم
المؤجر بدلها. فإن تعذر فللمستأجر الفسخ، كما لو تعذر تسليم المبيع (وإن كانت) الإجارة
(على عين معينة لعمل) بأن أجر هذه الدابة ليركبها إلى كذا، أو هذه الأمة لتخيط له ثوبا
معلوما فغصبت (خير مستأجر بين فسخ وصبر إلى أن يقدر عليها) لأن الحق في ذلك له.
فإذا أخره جاز (وإن كانت) الإجارة (على) عين معينة إلى (مدة) معلومة بأن قال: أجرتك
هذا العبد للخدمة شهرا فغصب (خير) المستأجر (بين فسخ) العقد لتعذر تسليم المعقود عليه،
(و) بين (إمضاء) أي إبقاء العقد بلا فسخ، (ومطالبة غاصب بأجرة مثل)، ولا ينفسخ العقد
بمجرد الغصب، لأن المعقود عليه لم يفت مطلقا. بل إلى بدل. وهو القيمة. أشبه ما لو
أتلف الثمرة المبيعة آدمي وحيث ثبت له الخيار فله الفسخ ولو متراخيا (ولو بعد فراغ المدة)
لأنه فسخ لاستدراك ظلامة فهو كالفسخ لعيب في المبيع (فإن فسخ) المستأجر (فعليه أجرة
ما مضى) قبل الفسخ من المسمي لاستقراره عليه (وإن ردت العين) المغصوبة (في أثنائها)
أي مدة الإجارة (قبل الفسخ استوفى) المستأجر (ما بقي) من مدته (وخير فيما مضى) والعين
بيد الغاصب (وإن كان الغاصب هو المؤجر فلا أجرة) له، سواء كانت الإجارة على عمل أو
إلى مدة. وسواء كانت على عين معينة أو موصوفة وسواء كان غصبه لها قبل المدة أو في
أثنائها (فليس حكمه حكم الغاصب الأجنبي) حيث لم تكن يد المستأجر عليها كما تقدم،
(وقد علم) ذلك (مما تقدم) من قوله: (إذا حوله المالك قبل تقضي المدة) إلى قوله: لم يكن
له أجرة لما فعل أو سكن نصا، (ولو أتلف المستأجر العين) المؤجرة (ثبت ما تقدم من) ملك
35

(الفسخ) إذا كانت على موصوفة في الذمة وتعذر البدل، (أو الانفساخ) إذا كانت على معينة
لتعذر تسليم المعقود عليه (مع تضمينه) أي المستأجر (ما) أ (تلف) من العين (ومثله جب
المرأة زوجها تضمن) الدية (ولها الفسخ) للعيب وهو الجب، (ولو حدث خوف عام يمنع من
سكنى المكان الذي فيه المستأجرة، أو حصر البلد فامتنع خروج المستأجر إلى الأرض) التي
استأجرها ليزرعها (فله الفسخ) لأنه أمر غالب منع المستأجر استيفاء المنفعة. فيثبت به
الخيار كالغصب (وإن كان الخوف خاصا بالمستأجر، كمن خاف وحده لقرب أعدائه من
الموضع المأجور، أو حلولهم في طريقه، أو مرض أو حبس) ولو ظلم (لم يملك الفسخ)
لأنه عذر يختص به. لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية، لأن له أن يؤجر لمن يقوم مقامه (ولو
اكترى دابة ليركبها) إلى موضع معين، (أو) اكتراها ل‍ (- يحمل عليها إلى موضع معين
فانقطعت الطريق إليها) أي إلى جهة ذلك الموضع المعين (لخوف حادث، أو اكترى إلى مكة
فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق ملك كل منهما) أي من المؤجر والمستأجر
(فسخ الإجارة) لما تقدم (وإن اختارا) أي المؤجر والمستأجر (بقاءها) أي الإجارة (إلى
حين إمكان استيفاء المنفعة جاز) لأن الحق لا يعدوهما (ومن استؤجر لعمل شئ في
الذمة. ولم يشترط عليه مباشرته فمرض، وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله) ليخرج من
الحق الواجب في ذمته كالمسلم فيه (والأجرة عليه) أي على المريض، لأنها في مقابلة ما
وجب عليه. ولا يلزم المستأجر إنظاره لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل (إلا فيما يختلف
فيه القصد كنسخ. فإنه يختلف باختلاف الخطوط. ولا يلزم المستأجر قبوله) أي قبول عمل
غيره، لأن الغرض لا يحصل به (وإن تعذر عمل الأجير فله) أي المستأجر (الفسخ) لتعذر
وصوله إلى حقه (وإن شرط) المستأجر (عليه) أي على الأجير (مباشرته فلا استنابة إذن)
36

لوجود الشرط (وإن مات) الأجير (في بعضها) أي في أثناء مدة الإجارة (بطلت) الإجارة
(فيما بقي) لفوات المعقود عليه بهلاك محله (وإن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها)
بأن استأجر عبدا معينا، أو إنسانا معينا ليخيط له شهرا، أو ليبني له هذا الحائط (فمرض)
الأجير (لم يقم غيره مقامه) لوقوع العقد على عينه كالمبيع المعين (وإن وجد) المستأجر
(العين) المؤجرة (معيبة، أو حدث بها) عنده (عيب يظهر به تفاوت الأجرة. وتقدم التنبيه على
بعضه قريبا) فله للفسخ، لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا شيئا فشيئا. فإذا حدث العيب
فقد وجد قبل قبض الباقي من المعقود عليه. فأثبت الفسخ فيما بقي منها (أو استأجر دارا
جارها رجل سوء) أو امرأة كذلك (ولم يعلم) المستأجر (فله الفسخ) بذلك كالبيع (إن لم
يزل) العيب (سريعا بلا ضرر يلحقه) أي المستأجر.
فإن انسدت البالوعة فأراد المستأجر الرد فقال المؤجر: أنا أفتحها، وكان زمنا يسيرا
لا تتلف فيه منفعة تضر بالمستأجر. لم يكن له الخيار، (و) إذا فسخ المستأجر الإجارة للعيب
ف‍ (- عليه أجرة ما مضى) قبل الفسخ لاستقراره عليه (1)، (و) للمستأجر أيضا (الامضاء بلا
أرش) للعيب، لأنه رضي به ناقصا. وفيه وجه: له الأرش كالبيع.
قال ابن نصر الله: قد تعبنا فلم نجد بينهما فرقا (فلو لم يعلم) المستأجر بالعيب (حتى
انقضت المدة لزمته الأجرة،) كاملة (ولا أرش له) للعيب كما لو علم واختار الامضاء،
(ويصح بيع العين المؤجرة) سواء أجرها مدة لا تلي العقد باعها قبل دخولها، أو
باعها في أثناء المدة، لأن الإجارة عقد على المنافع فلا تمنع صحة البيع، كما لو زوج أمته
ثم باعها، (و) يصح أيضا (رهنها) لأنه يصح بيعها، (ولمشتريها) أي المؤجرة الخيار بين
(الفسخ والامضاء مجانا إذا لم يعلم) أنها مؤجرة.
وفي الرعاية: الفسخ أو الأرش.
قال أحمد: هو عيب. وهو ظاهر ما تقدم، (ولا تنفسخ) الإجارة (بشراء مستأجرها) (2) أي
37

العين المؤجرة لأنه كان مالكا للمنفعة، ثم ملك الرقبة. ولا تنافي بينهما، (ولا) تنفسخ الإجارة
أيضا (بانتقالها) أي العين المؤجرة (إليه) أي إلى المستأجر (بإرث أو هبة أو وصية أو
صداق، أو عوض في خلع أو صلح ونحوه) (1) كجعالة وطلاق وعتق، لعدم التنافي بين
ملك الرقبة والمنفعة (فيجتمع لبائع على مشتر) العين المؤجرة عليه (الثمن والأجرة) لان
عقد البيع لم يشمل المنافع الجارية في ملكه بعقد التاجر لأن شراء الانسان ملك نفسه محال
(وإن اشترى المستأجر العين) المؤجرة (فوجدها معيبة فردها) أي رد شراءها للعيب
(فالإجارة بحالها) لأنهما عقدان. فإذا فسخ أحدهما بقي الآخر (وإن كان المشتري) للعين
المؤجرة (أجنبيا) فالأجرة من حين البيع له. نص عليه في رواية جعفر بن محمد.
واستشكل بكون المنافع مدة الإجارة غير مملوكة للبائع. فلا تدخل في عقد البيع حتى إن
المشتري يكون له عوضها، وهو الأجرة.
وأجيب عن ذلك: بأن المالك يملك عوضها وهو الأجرة، ولم تستقر بعد، ولو
انفسخ العقد لرجعت المنافع إلى البائع، فيقوم المشتري مقام البائع فيما كان يستحقه
منها، وهو استحقاق عوض لمنافع مع بقاء الإجارة. قاله في شرح المنتهى (2).
وفي المغني: ما يقتضي أن الأجرة للبائع، وهو واضح لأنه ملكها بالعقد (3)، (ف‍) - إن (رد
المستأجر) الأجنبي (الإجارة) لعيب ونحوه (عادت المنفعة) في باقي المدة (إلى البائع) دون
المشتري، لأن عقده لم يتناولها لعدم ملك البائع لها إذ ذاك (ولو وهب) المعير (العين المستعارة) أو
باعها ونحوه (للمستعير بطلت العارية) لأنها عقد جائز بخلاف الإجارة (ولو باع) الوارث (الدار
التي تستحق المعتدة للوفاة سكناها وهي حامل. فقال الموفق: لا يصح بيعها (4). وقال المجد:
38

قياس المذهب الصحة. قال في الانصاف: وهو) أي قول المجد (الصواب) (1) كبيع
المؤجرة.
فصل:
(والأجير) قسمان: خاص (2) ومشترك
ف‍ (- الخاص: من قدر نفعه بالزمن) بأن استؤجر لخدمة أو عمل في بناء أو خياطة يوما
أو أسبوعا ونحوه (كما تقدم) في الباب (يستحق المستأجر نفعه في جميع المدة المقدر نفعه
بها) لا يشركه فيها أحد. فإن لم يستحق نفعه في جميع الزمن فمشترك كما يأتي (سوى)
زمن (فعل الصلوات الخمس في أوقاتها بسننها) (3) أي المؤكدات قاله في المستوعب،
(و) سوى (صلاة جمعة وعيد) فإن أزمنة ذلك لا تدخل في العقد، بل هي مستثناة شرعا.
قال المجد في شرحه: ظاهر النص: يمنع من شهود لجماعة إلا بشرط أو إذن (سواء
سلم نفسه للمستأجر) بأن (4) كان يعمل عند المستأجر (أو لا) بأن كان يعمل في بيت نفسه،
(ويستحق) الأجير الخاص (الأجرة بتسليم نفسه، عمل أو لم يعمل) لأنه بذل ما عليه كما
لو بذل البائع العين المبيعة (وتتعلق الإجارة بعينه) كالمبيع المعين (فلا يستنيب) الأجير
الخاص (وتقدم قريبا. ولا ضمان عليه فيما يتلف في يده) (5) نص عليه (6)، لأنه نائب
39

المالك في صرف منافعه إلى ما أمر به، فلم يضمن كالوكيل، ولان عمله غير مضمون
عليه، فلم يضمن ما تلف به كالقصاص (إلا أن يتعمد) الاتلاف، (أو يفرط) فيضمن لأنه إذن
كالغاصب، (وليس له) أي الأجير الخاص (أن يعمل لغيره) أي غير مستأجره، لأنه يفوت
عليه ما استحقه بالعقد (فإن عمل) الأجير الخاص لغير مستأجره (وأضر بالمستأجر فله) أي
المستأجر (قيمة ما فوته) من منفعته (عليه) بعمله لغيره. قال أحمد في رجل استأجر أجيرا
على أن يحتطب له على حمارين كل يوم. فكان الرجل ينقل عليهما وعلى حمير لرجل
آخر، ويأخذ منه الأجرة. فإن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة.
قال في المغني: فظاهر هذا: أن المستأجر يرجع على الأجير بقيمة ما استضر
باشتغاله عن عمله. قال: ويحتمل أنه أراد أنه يرجع عليه بقيمة ما عمله لغيره. وقال
القاضي: معناه يرجع بالاجر الذي أخذه من الآخر، لأن منافعه في هذه المدة مملوكة لغيره
فما حصل في مقابلتها يكون للذي استأجره (1) انتهى، وعلم منه: أنه إذا لم يستضر لا يرجع
بشئ لأنه اكتراه لعمل، فوفاه على التمام (والأجير المشترك من قدر نفعه بالعمل) كخياطة
ثوب وبناء حائط، وحمل شئ إلى مكان معين، أو على عمل في مدة لا يستحق نفعه في
جميعها، كالطبيب ونحوه الكحال، (ويتقبل الأعمال) لجماعة في وقت واحد يعمل لهم،
فيشتركون في نفعه. فلذلك سمي مشتركا (فتتعلق الإجارة بذمته) لا بعينه (ولا يستحق الأجرة
إلا بتسليم عمله) دون تسليم نفسه بخلاف الخاص (ويضمن) الأجير المشترك (ما
تلف بفعله، ولو بخطئه كتخريق القصار الثوب) من دقه أو مده أو عصره أو بسطه، (وغلطه)
أي الخياط (في تفصيله ودفعه إلى غير ربه) روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما، لان
عمله مضمون عليه لكونه لا يستحق العوض إلا بالعمل، فإن الثوب لو تلف في حرزه بعد
عمله لم يكن له أجرة فيما عمل فيه، بخلاف الخاص وما تولد منه يجب أن يكون مضمونا
كالعدوان بقطع عضو (ولا يحل لقابضه) أي الثوب (لبسه ولا الانتفاع به) إذا علم أنه ليس
ثوبه. وعليه رده إلى القصار (وإن قطعه) قابض (قبل علمه) أنه ثوب غيره (غرم أرش نقصه
40

و) أجرة (لبسه) لتعديه على ملك غيره (ويرجع) القابض (به) أي بما عرفه (على القصار)
لأنه غره ولرب الثوب الطلب بثوبه إن كان موجودا. وإن هلك ضمنه القابض ولربه
تضمين القصار لأنه حال بينه وبين ماله. هذا قياس كلامهم والله أعلم (وكزلق حمال
وسقوط) الحمل (عن دابته)، أو رأسه، (أو تلف) الحمل (من عثرته) أي الحامل من آدمي، أو
بهيمة فيضمن ذلك، كما تقدم. (و) يضمن أيضا (ما تلف بقوده، وسوقه، وانقطاع حبله الذي
يشد به حمله.
وكذا طباخ، وخباز، وحائك، وملاح سفينة ونحوهم) من الاجراء المشتركين فيضمنون
ما تلف بفعلهم لما تقدم سواء (حضر رب المال أو غاب) وسواء كان يعمل في بيت
المستأجر أو في بيته، لأن ضمانه لجنايته. واختار القاضي في المجرد وأصحابه أنه يضمن
إن عمل في بيت نفسه. لا في بيت المستأجر. ولو كان القصار ونحوه متبرعا بعمله لم
يضمن جناية يده. نص عليه، لأنه أمين محض. فإن اختلفا في أنه أجير، أو متبرع فقوله أنه
متبرع، ذكره المجد في شرحه (ولا ضمان عليه) أي الأجير المشترك (فيما تلف من حرزه)
بنحو سرقة، (أو) تلف (بغير فعله) إذا لم يفرط (1) لأن العين في يده أمانة. أشبه المودع (ولا
أجرة له) أي الأجير المشترك (فيما عمله) وتلف قبل تسليمه لربه (سواء عمله في بيت
المستأجر، أو) في (بيته) لأنه لم يسلم عمله للمستأجر. فلم يستحق عوضه كالمبيع من
الطعام إذا تلف في يد بائعه. لكن كلام المنتهى الآتي في الفصل بعده يخالفه (وإذا استأجر)
إنسان (قصابا) أي جزارا (يذبح له شاة فذبحها ولو يسم) عليها عمدا (ضمنها) لتحريم أكلها.
فإن تركها سهوا حلت ولا ضمان (وإن استأجر مشترك خاصا) كالخياط في دكان يستأجر
أجيرا فأكثر مدة معلومة يستعمله فيها (فلكل) من الخاص والمشترك (حكم نفسه)، فإذا تقبل
صاحب الدكان خياطة ثوب ودفعه إلى أجيره فخرقه، أو أفسده بلا تعد ولا تفريط لم يضمنه
لأنه أجير خاص، ويضمنه صاحب الدكان لمالكه، لأنه أجير مشترك (2)، (وإن استعان)
المشترك (به) أي بالخاص (ولم يعمل) المشترك (فله) أي المشترك (الأجرة لأجل ضمانه لا
41

لتسليم العمل) وتقدم في الشركة أن التقبل يوجب الضمان على المتقبل، ويستحق به الربح
(ولا ضمان على حجام ولا بزاغ، وهو البيطار، ولا ختان ولا طبيب ونحوهم) ككحال
(خاصا كان أو مشتركا إذا عرف منهم حذق) الصنعة (ولم تجن أيديهم) لأنه فعل فعلا
مباحا. فلم يضمن سرايته، كحده، لأنه لا يمكن أن يقال: أقطع قطعا لا يسري، بخلاف:
دق دقا لا يخرقه. فإن لم يكن لهم حذق في الصنعة ضمنوا، لأنهم لا يحل لهم مباشرة
القطع إذن. فإذا قطع فقد فعل محرما فضمن سرايته لقوله (ص): من تطبب بغير علم فهو
ضامن رواه أبو داود (1). ومحل عدم الضمان أيضا (إذا أذن فيه مكلف أو ولي غيره، حتى
في قطع سلعة ونحوها. ويأتي) في الجنايات. فإن لم يأذن فسرت ضمن لأنه فعل غير
مأذون فيه. فيضمن. واختار في الهدي: لا يضمن لأنه محسن (فإن) أذن فيه وكان حاذقا،
لكن (جنت يده ولو خطأ، مثل إن جاوز قطع الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها) أي الحشفة
(أو قطع في غير محل القطع، أو قطع سلعة فتجاوز موضع القطع، أو قطع بآلة كآلة يكثر
ألمها، أو في وقت لا يصلح القطع فيه، وأشباه ذلك. ضمن) لأن الاتلاف لا يختلف
ضمانه بالعمد والخطأ. قال ابن القيم في تحفة الودود: فإن أذن له أن يختنه في زمن حر
مفرط، أو برد مفرط، أو حال ضعف يخاف عليه منه. فإن كان بالغا عاقلا لم يضمنه، لأنه
أسقط حقه بالاذن فيه. وإن كان صغيرا ضمنه، لأنه لا يعتبر إذنه شرعا. وإن أذن فيه وليه.
فهذا موضع نظر، هل يجب الضمان على الولي أو الخاتن؟ ولا ريب أن الولي متسبب
والخاتن مباشر فالقاعدة: تقتضي تضمين المباشر، لأنه يمكن الإحالة عليه، بخلاف ما إذا
تعذر تضمينه (وإن ختن صبيا) ذكرا أو أنثى (بغير إذن وليه) ضمن سرايته، (أو قطع سلعة من
مكلف بغير إذنه) ضمن السراية، (أو) قطع سلعة (من صبي بغير إذن وليه، فسرت جنايته
ضمن) لأنه غير مأذون فيه، (وإن فعل ذلك الحاكم) بالصبي، (أو) فعله وليه، أو فعله (من
42

أذنا) أي الحاكم أو الولي (له فيه. لم يضمن) لأنه مأذون فيه من ذي الولاية، (ولا ضمان على راع
فيما تلف من الماشية إذا لم يتعد، أو يفرط في حفظها) لأنه مؤتمن على الحفظ. أشبه المودع،
ولأنها عين قبضت بحكم الإجارة. أشبهت العين المستأجرة (فإن فعل) أي فرط الراعي في
حفظها (بنوم أو غفلة، أو تركها تتباعد عنه. أو تغيب عن نظره وحفظه، أو) تعدى بأن (أسرف
في ضربها، أو ضربها في غير موضع الضرب، أو) ضربها (من غير حاجة إليه) أي الضرب (أو
سلك بها موضعا تتعرض فيه للتلف) لنحو خوف (وما أشبه ذلك. ضمن) الراعي التالف.
قال في المبدع: بغير خلاف (1). (وفي الفصول: يلزم الراعي توخي) أي تحري (أمكنة
المرعى النافع، وتوقي النبات المضر. و) يلزمه (ردها عن زرع الناس. و) يلزمه (إيرادها
الماء إذا احتاجت إليه على الوجه الذي لا يضرها شربه. ودفع السباع عنها. ومنع بعضها
عن بعض قتالا ونطحا. فيرد الصائلة عن المصول عليها. والقرناء عن الجماء والقوية عن
الضعيفة. فإذا جاء المساء وجب عليه إعادتها إلى أربابها انتهى) وهو واضح (وإن اختلفا)
أي رب الماشية والراعي (في التعدي) أو التفريط (وعدمه) بأن ادعى ربها أن الراعي تعدى
أو فرط فتلفت، وأنكر الراعي (ف‍) - القول (قول الراعي) بيمينه، لأنه أمين. ولأصل براءته
(فإن) فعل الراعي فعلا، و (اختلفا في كونه تعديا رجع) فيه (إلى أهل الخبرة) لأنهم أدرى به
(وإن ادعى) الراعي (موت شاة ونحوها قبل قومه قوله) بيمينه (ولو لم يأت بجلدها أو شئ منه)
لأنه مؤتمن، (ومثله) أي الراعي في قبول قوله في التلف وعدم التعدي أو التفريط، وفي عدم
الضمان ونحوه مما تقدم (مستأجر الدابة) إذا ادعى تلفها، أو أنه لم يفرط. قبل قوله، ولا
ضمان عليه لأنه مؤتمن، (ويجوز عقد الإجارة على رعي ماشية معينة) بأن يقول:
استأجرتك لترعى هذه الماشية (وعلى) رعي (جنس) موصوف (في الذمة) بأن يقول:
43

استأجرتك لرعي إبل، أو بقر، أو غنم، ويصفها (يرعاها) مدة معلومة (فإن كانت) الإجارة
(على) ماشية (معينة تعينت. فلا يبدلها) المستأجر بغيرها، كالمبيع المعين (ويبطل العقد
فيما تلف منها) لهلاك محل المنفعة. ويسقط من الأجرة قسط ما تلف (وله أجر ما بقي
بالحصة ونماؤها في يده أمانة) لا يضمنه إذا تلف إن لم يتعد، أو يفرط، (وإن عقد على)
رعي شئ (موصوف في الذمة ذكر جنسه ونوعه) فيقول: (إبلا، أو بقرا، أو غنما) ويقول في
الإبل: بخاتي أو عراب، وفي البقر: بقرا، أو جواميس، وفي الغنم: (ضأنا، أو معزا. و) يذكر
(كبره وصغره وعدده وجوبا) لأن الغرض يختلف باختلاف ذلك. فاعتبر العلم به إزالة
للجهالة، (ولا يلزمه) أي الراعي (رعي سخالها) سواء كانت على معينة أو موصوفة، لأن العقد
لم يتناولها (فإن أطلق ذكر البقر، و) ذكر (الإبل لم يتناول) العقد (الجواميس،
والبخاتي) حملا على العرف (وإن حبس الصانع الثوب على أجرته بعد عمله) أي قصره، أو
خياطته، أو صبغه ونحوه (فتلف) ضمنه، لأنه لم يرهنه عنده، ولا أذن له في إمساكه، فلزمه
الضمان كالغاصب، (أو أتلفه) أي أتلف الصانع الثوب بعد عمله. ضمنه، (أو عمل) الصانع
(على غير صفة شرطه) أي رب الثوب (ضمنه) الصانع لجنايته، (وخير مالك) لأن الجناية
على ماله. فكانت الخيرة إليه دون غيره (بين تضمينه) أي الصانع (إياه) أي الثوب (غير
معمول، ولا أجرة) لأن الأجرة إنما تجب بالتسليم. ولم يوجد (وبين تضمينه) الثوب
(معمولا ويدفع إليه الأجرة) لأنه لو لم يدفع إليه الأجرة لاجتمع على الأجير فوات الأجرة
وضمان ما يقابلها، ولان المالك إذا ضمنه ذلك معمولا يكون في معنى تسليم ذلك
معمولا. فيجب أن يدفع إليه الأجرة لحصول التسليم الحكمي، (ويقدم قول ربه) أي الثوب
و (في صفة عمله) أي إذا اختلفا في صفة العمل بعد تلف الثوب ليغرمه للعامل. فالقول قول
ربه، لأنه غارم (ذكره ابن رزين) واقتصر عليه في المبدع، (ومثله) أي ما ذكر (تلف) ما بيد
(أجير مشترك) بعد عمله، إذا تلف على وجه مضمون عليه، خير المالك بين تضمينه
معمولا ويدفع الأجرة، وتضمينه غير معمول ولا أجرة، (و) كذا (ضمان المتاع المحمول) إذا
44

تلف على وجه يضمنه الحامل (يخير ربه بين تضمينه) أي الحامل (قيمته في المواضع الذي
سلمه إليه) فيه (ولا أجرة له) لأنه لم يسلم عمله (وبين تضمينه في الموضع الذي أفسده)
الحامل، أو فسد بنحو تعديه (فيه وله) أي الحامل حينئذ (الأجرة إلى ذلك المكان) الذي
تلف فيه، لأن تضمينه قيمته فيه في معنى تسلمه فيه، (وإن أفلس مستأجر) أي لو اشترى ثوبا
مثلا ودفعه لصانع عمله، (ثم جاء بائعه يطلبه) بعد فسخه البيع لوجود متاعه عند من أفلس
(فللصانع حبسه) على أجرته، لأن العمل الذي هو عوضها موجود في عين الثوب. فملك
حبسه مع ظهور عسرة المستأجر، كمن أجر دابته، أو نحوها لانسان بأجرة حاله، ثم ظهرت
عسرة المستأجر، فإن للمؤجر حبسها عنده وفسخ الإجارة، ثم إن كانت أجرته أكثر مما
زادت به قيمته أخذ الزيادة وحاصص الغرماء بما بقي له من الأجرة. (والعين المستأجرة أمانة
في يد المستأجر إن تلفت بغير تعد ولا تفريط. لم يضمنها) (1) لأنه قبض العين لاستيفاء
منفعة يستحقها منها. فهو مؤتمن، كالموصى له بنفع عين (والقول قوله) بيمينه (في عدم
التعدي) لأنه الأصل (وإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين. فالشرط فاسد) لمنافاته
مقتضى العقد، (ف‍) - أما (إن شرط) المؤجر (أ) ن (لا يسير بها) المستأجر (في الليل، أو) أن لا يسير
بها (وقت القائلة، أو) أن (لا يتأخر بها عن القافلة، أو) أن (لا يجعل سيره في آخرها وأشباه
هذا مما فيه غرض فخالف) المستأجر (ضمن) لمخالفته الشرط الصحيح كما لو شرط عليه
أن لا يحملها إلا قفيزا فحملها قفيزين، (وإذا ضرب المستأجر الدابة، أو) ضربها (الرائض،
وهو الذي يعلمها السير بقدر العادة، أو كبحها) المستأجر، أو الرائض (باللجام، أي جذبها
45

لتقف، أو ركضها برجله لم يضمن) إذا تلفت (لأن له ذلك بما جرت به العادة) فإن زاد على
العادة ضمن، لأنه غير مأذون فيه نطقا وعرفا، (ويجوز له) أي المستأجر (إيداعها في الخان
إذا قدم بلدا وأراد المضي في حاجته. وإن لم يستأذن المالك في ذلك) نطقا، لأنه مأذون فيه
عرفا.
قلت: وكذلك إذا ذهب بها من حارة إلى حارة، (وإذا اشترى طعاما في دار رجل، أو)
اشترى (خشبا، أو ثمرة،) أو زرعا (في بستان. فله أن يدخل ذلك من الرجال والدواب من
يحول) له (ذلك، و) من (يقطف) له (الثمرة، وإن لم يأذن المالك) لأنه العرف والعادة،
(وكذا) يجوز للمستأجر (غسل الثوب المستأجر إذا اتسخ).
قلت: أو تنجس، لأنه العرف (ويأتي: إذا أدب ولده ونحوه) كزوجته وصبيه (في آخر
الديات) مفصلا، (وإن قال) الخياط لرب الثوب (أذنت لي في تفصيله قباء، فقال) رب الثوب:
(بل قميصا) فقول خياط، (أو) قال الخياط: أذنت في تفصيله (قميص امرأة، فقال) رب الثوب:
(بل قميص رجل. فقول خياط) بيمينه، لأن الأجير والمستأجر اتفقا على الاذن، واختلفا
في صفته. فكان القول قول المأذون كالمضارب. إذا قال: أذنت لي في البيع نساء،
ولأنهما اتفقا على ملك الخياط القطع. والظاهر أنه فعل ما ملكه واختلفا في لزوم الغرم له.
والأصل عدمه (بخلاف وكيل) إذا ادعى أنه أذن له في البيع ونحوه لم يقبل، لأن الأصل
عدم الإذن. وإن ثبتت وكالته واختلفا في صفة الاذن فقوله كما تقدم في الوكالة
كالمضارب، لأن الأصل براءته. وعبارته موهمة. والله أعلم، (وله) أي الخياط (أجرة مثله)
لأنه ثبت وجود فعله المأذون فيه. ولا يستحق المسمى، لأنه لا يثبت بمجرد دعواه، (ومثله)
أي الخياط (صباغ ونحوه) كصائغ وغيره من الاجراء (اختلف هو) أي الصباغ (وصاحب
الثوب في لون الصبغ) بأن قال: أذنت لي في صبغه أسود. قال رب الثوب: بل أحمر
ونحوه. فيقبل قول الصباغ وله أجرة مثله، (ولو قال) رب ثوب لخياط (إن كان الثوب
يكفيني) قميصا، أو قباء (فاقطعه وفصله فقال) الخياط (يكفيك. ففصله) الخياط (ولم يكفه
46

ضمنه) أي ضمن أرش تقطيعه، لأنه إنما أذنه في قطعه بشرط كفايته. فقطعه بدون شرطه،
(ولو قال: انظر هل يكفيني قميصا)، أو قباء (فقال: نعم. فقال: اقطعه فقطعه. فلم يكفه لم
يضمن) لأنه أذنه من غير اشتراط، بخلاف التي قبلها، (ولو أمره) أي أمر رب ثوب الخياط
(أن يقطع الثوب قميص رجل. فقطعه قميص امرأة فعليه غرم ما بين قيمته صحيحا
ومقطوعا) لتعديه بقطعه كذلك، (وإذا دفع إلى حائك غزلا فقال) رب الغزل: (انسجه لي عشرة
أذرع في عرض ذراع. فنسجه زائدا على ما قدره له في الطول والعرض فلا أجر له) أي
الحائك (في الزيادة) لأنه غير مأمور بها (وعليه ضمان ما نقص الغزل المنسوج فيها) لتعديه
(فأما ما عدا الزائد. فإن كان جاءه زائدا في الطول وحده ولم ينقص الأصل بالزيادة فله
المسمى) من الاجر. وإن جاء به زائدا في العرض وحده أو فيهما ففيه وجهان.
أحدهما: لا أجر له، لأنه مخالف لأمر المستأجر.
والثاني: له المسمى، لأنه زاد على ما أمر به. فأشبه زيادة الطول. ومن قال بالأول
فرق بين الطول والعرض: بأنه يمكن قطع الزائد في الطول. ولا يمكن ذلك في العرض.
وإن جاء به ناقصا في الطول والعرض،
أو في أحدهما ففيه وجهان أيضا.
أحدهما: لا أجر له. وعليه ضمان نقص الغزل لمخالفته.
والثاني: له بحصته من المسمى.
وإن جاء به زائدا في أحدهما ناقصا في الاخر، فلا أجر له في الزائد وهو في الناقص
على ما ذكرنا من التفصيل. قاله الموفق (1) (ولو ادعى) المستأجر (مرض العبد) المؤجر، (أو
إباقه، أو شرود الدابة) المؤجرة، (أو موتها بعد فراغ المدة، أو فيها) أي المدة، (أو) ادعى (تلف
المحمول قبل قوله) لأنه مؤتمن (ولا أجرة عليه إذا حلف أنه ما انتفع) بالعين المؤجرة (فإن
اختلفا) أي المؤجر والمستأجر (في قدر الأجرة) المسماة (فكاختلافهما في قدر الثمن في
47

البيع) فيتحالفان. وتقدم في البيع (وإن اختلفا في قدر مدة الإجارة كقوله: آجرتك سنة
بدينار قال) المستأجر: (بل سنتين بدينارين. فقول المالك) لأنه منكر للزائد. وكما تقدم إذا
اختلفا في قدر المبيع (وإن قال) المستأجر (آجرتنيها سنة بدينار، فقال) المؤجر: (بل بدينارين
تحالفا) لأنهما اختلفا في قدر الأجرة، (ويبدأ بيمين الآجر) ويجمع في يمينه إثباتا ونفيا،
فيقول: ما أجرتكها بدينار، بل بدينارين، ثم يعكس المستأجر لأن الإجارة نوع من البيع،
(فإن كان) التحالف (قبل مضي شئ من المدة فسخا) أو أحدهما (العقد ورجع كل واحد
منهما في ماله) لأن العقد ارتفع (وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر أقر العقد) لأنه لا
ينفسخ بالتحالف، بل بالفسخ بعده، (وإن فسخا) أو أحدهما (العقد بعد) مضي (المدة، أو)
مضي (شئ منها سقط المسمى ووجب أجر المثل) لتعذر رد المنفعة كما لو اختلفا في
المبيع بعد تلفه، (وإن قال) المؤجر: (آجرتكها سنة بدينار فقال) المستأجر: (بل سنتين بدينار
تحالفا وصارا كما لو اختلفا في العوض مع اتفاق المدة) لأنه لم يوجد الاتفاق منهما على
مدة بعوض، (وإن قال) رب الدار: (آجرتك الدار سنة بدينار فقال الساكن: بل استأجرتني على
حفظها بدينار. فقول رب الدار) بيمينه. إلا أن يكون للساكن بينة، لأن الأصل براءته.
والأصل في القابض لمال غيره الضمان. فيحلف كل منهما على نفي ما ادعاه الآخر. ويغرم
الساكن أجرة المثل لمدة سكناه فقط هذا مقتضى القواعد.
فصل:
(وتجب الأجرة بنفس العقد
فتثبت في الذمة وإن تأخرت المطالبة بها) لأنها عوض أطلق في عقد معاوضة.
فملك بمطلق العقد كالثمن والصداق (وله الوطئ إذا كانت الآجرة أمة) لأنه ملكها بالعقد
(سواء كانت) الإجارة (إجارة عين) كعبد، ودار معينة، (أو في الذمة) سواء اشترط الحلول، أو
48

أطلق، وسواء كانت المدة تلي العقد أو لا. وأما قوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن
أجورهن) * [الطلاق: 6]. وقوله (ص): ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره (1)
فيحتمل أنه أراد الايتاء عند الشروع في الرضاع أو تسليم نفسها. وكذلك الحديث. ويحققه أن
الايتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله. لقوله تعالى: * (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) *
[النساء: 24]. والصداق يجب قبل الاستمتاع. وهذا هو الجواب عن الحديث (2). ويدل له:
أنه إنما توعد على ترك الايفاء بعد الفراغ من العمل. وقد قلتم تجب الأجرة شيئا فشيئا. قال
في المغني: ويحتمل أنه توعده على ترك الايفاء في الوقت الذي تتوجه المطالبة فيه عادة،
(وتستحق) الأجرة (كاملة) أي يملك المؤجر المطالبة بها، (ويجب) على المستأجر (تسليمها
بتسليم العين) معينة كانت في العقد، أو موصوفة في الذمة (لمستأجر) لأن تسليم العين يجري
مجرى تسليم نفعها (أو بذلها له) بأن يأتي المؤجر بالعين للمستأجر ليستوفي ما وقع عليه عقد
الإجارة من منفعتها. فيمتنع من تسلمها لأنه فعل ما عليه. كما لو بذل البائع العين المبيعة (أو
بفراغ عمل بيد مستأجر ويدفعه إليه) أي إلى المستأجر (بعد عمله) هكذا في التنقيح. قال في
المغني: وإنما توقف استحقاق تسليمه على العمل، لأنه عوض. فلا يستحق تسليمه إلا مع
تسليم المعوض، كالصدق والثمن في البيع.
وعبارة المنتهى وشرحه: وتستقر [بعمل] (3) ما بيد مستأجر، كطباخ استؤجر لطبخ
شئ في بيت المستأجر فطبخه وفرغ منه (4)، (ويدفع غيره) أي غير ما بيد مستأجر، كما لو
اتفقا على أن الطباخ يطبخ ما استؤجر على طبخه في داره، فيستحق الأجرة عند إتيانه إلى
المستأجر معمولا، لأنه في الحالتين قد سلم ما عليه فاستحق تسليم عوضه، وهو الأجرة
انتهى. وهو معنى كلامه في المبدع (5). ومحل وجوب تسليم الأجرة (إن لم تؤجل) فإن
أجلت لم يجب بذلها حتى تحل، كالثمن والصداق (ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة
حتى يتسلمه) المستأجر. وإن وجبت بالعقد. وعلى هذا وردت النصوص، ولان الأجير
إنما يوفى أجره إذا قضى عمله، لأنه عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم العوض،
كالصداق والثمن. وفارق الإجارة على الأعيان، لأن تسليمها أجري مجرى تسليم نفعها
49

ومتى كانت على عمل في الذمة لم يحصل تسليم المنفعة. ولا ما يقوم مقامها، (وتستقر)
الأجرة (بمضي المدة) حيث سلمت إليه العين التي وقعت الإجارة عليها. ولا حاجز له عن
الانتفاع، ولو لم ينتفع، لأن المعقود عليه تلف تحت يده وهو حقه. فاستقر عليه بدله،
كثمن المبيع إذا تلف في يد المشتري، (أو) أي وتستقر الأجرة أيضا (بفراغ العمل) هكذا في
التنقيح. والمراد إن كان الأجير يعمل ببيت المستأجر وإلا فبتسليمه معمولا كما تقدم.
وتستقر الأجرة أيضا ببذل تسليم عين العمل في الذمة إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء
فيها. كما لو قال: اكتريت منك هذه الدابة لأركبها إلى بلد كذا بكذا ذهابا وإيابا وسلمها
إليه المؤجر ومضت مدة يمكن فيها ذهابه إلى ذلك البلد، ورجوعه على العادة ولم يفعل.
نقل ذلك في المغني عن الأصحاب، لأن المنافع تلفت تحت يده باختياره فاستقر الضمان
عليه (1)، (وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض) التي كانت مؤجرة (غراس أو بناء شرط قلعه عند
انقضائها) أي الإجارة. لزم قلعه مجانا، (أو) كان شرط قلعه (في وقت) معين (لزم)
المستأجر (قلعه) أي الغراس، أو البناء في محل الشرط، وفاء بموجب شرطه (2).
فإن قلت: إذا كان إطلاق العقد فيهما يقتضي التأبيد فشرط القلع ينافي مقتضى العقد
فيفسد.
أجيب: بأن اقتضاءه التأبيد إنما هو من حيث إن العادة تبقيتهما. فإذا أطلقا حمل على
العادة. فإذا شرط خلافه جاز، كما لو باع بغير نقد البلد وحينئذ يقلع (مجانا. فلا تجب
على رب الأرض غرامة نقص) الغراس، أو البناء، (ولا) يجب (على مستأجر تسوية حفر)
أرض، (ولا إصلاح أرض) لأنهما دخلا على ذلك لرضاهما بالقلع (إلا بشرط) لما تقدم، فإن
اتفقا على إبقائه بأجرة أو غيرها جاز إذا شرطا مدة معلومة (وإن لم يشترط قلعه) بأن أطلقا
الإجارة، (أو شرط بقاؤه) أي الغراس، أو البناء (فلمالك الأرض أخذه بالقيمة إن كان ملكه)
للأرض (تاما) (3)، ويأتي مفهومه. فيدفع قيمة الغراس، أو البناء فيملكه مع أرضه لأن الضرر
50

يزول بذلك (ويأتي في الشفعة: كيف يقوم الغراس) والبناء. وذلك بأن تقوم الأرض
مغروسة أو مبنية، ثم تقوم خالية، فما بينهما قيمة الغراس والبناء (وإن كان المستأجر شريكا
في الأرض شركة شائعة فبنى، أو غرس) بعد أن استأجر حصة شريكه (ثم انقضت المدة
فللمؤجر أخذ حصة نصيبه من الأرض والبناء والغراس) يعني إن كان يملك نصف الأرض
أخذ نصف الغراس أو البناء بنصف قيمته أو الربع. أخذ ربعها بربع القيمة وهكذا.
ولو قال: من البناء. لكان صوابا. كما هي عبارة ابن نصر الله التي هي أصله: (وليس
له) أي الشريك المؤجر (إلزامه) أي الشريك المستأجر (بالقلع)، ولو ضمن له نقص ما في
نصيبه (لاستلزامه قلع ما لا يجوز قلعه) لعدم تمييز ما يخص نصيبه من الأرض من الغراس
والبناء. والضرر لا يزال بالضرر. قاله ابن نصر الله، (ولا يتملكه) أي الغراس، أو البناء بعد
انقضاء مدة الإجارة (غير تام الملك كالموقوف عليه والمستأجر) والموصى له بالمنفعة
لقصور ملكه. ولذلك لا يأخذ بالشفعة. هذا تخريج لابن رجب وفي الفائق: لو كانت
الأرض وقفا لم يتملك إلا بشرط واقف، أو رضا مستحق.
وقال في التنقيح: بل إذا حصل به نفع كان له ذلك انتهى. ويأتي في الوقف أن
الموقوف عليه له تملك زرع الغاصب بالنفقة. ومقتضى كلامه أنه لا فرق. وكذلك جوز
ابن رجب أيضا أن يقال للمستأجر تملك الزرع بنفقته، إذ هو مالك المنفعة. وخرج أيضا
على ذلك ما إذا غصبت الأرض الموصى بمنافعها، أو المستأجرة وزرع فيها. فهل يتملك
الزرع مالك الرقبة أو مالك المنفعة؟ ذكره في القاعدة التاسعة والسبعين.
وقال في كتابه المسمى بأحكام الخراج: فيما إذا خرج من بيده الأرض الخراجية منها
وله غراس أو بناء فيها. فهل يقال: للامام أن يتملكه للمسلمين من مال الفئ إذا رآه
أصلح، كما يتملك ناظر الوقف ما غرس فيها، أو بني بالقيمة بعد انقضاء المدة؟ ولا يبعد
جوازه، بل أولى من ناظر الوقف، للاختلاف في ملك الموقوف عليهم لرقبة الوقف. وأما
المسلمون فإنهم يملكون رقبة أرض العنوة (1).
فظاهره جوازه للناظر مطلقا إذا رآه مصلحة انتهى، (و) لا يتملكه (مرتهن) لأنه لا ملك
له. وإنما له حق الاستيثاق. وقوله: (أو تركه بالأجرة أو قلعه) أي الغراس، أو البناء، (وضمان
51

نقصه) عطف على أخذه بقيمته، لما فيه من الجمع بين الحقين. (ولصاحب الشجر)، أو البناء
(بيعه لمالك الأرض ولغيره) لأن ملكه عليه تام. فله التصرف فيه بما شاء (فيكون) المشتري
غير مالك الأرض (بمنزلته) أي المستأجر (وفي التلخيص وغيره: إذا اختار المالك القلع
وضمان النقص ف‍) - مؤنة (القلع على المستأجر) وجزم به في المنتهى (1)، لأن عليه تفريغ
العين المؤجرة مما أشغلها به من ملكه (2). ولو كان ذلك بأمر المالك، (وليس عليه) أي
المستأجر (تسوية حفر لأن المؤجر دخل على ذلك انتهى. ومحل) كون (الخيرة في ذلك
لرب الأرض ما لم يختر مالكه قلعه. فإن اختاره) مالكه (فله ذلك)، وليس لمالك الأرض
منعه ليتملكه بقيمته، أو ليجب عليه أجر مثله بتبقيته، لأنه ملك مالكه. فكان له أخذه من
العين المؤجرة كغيره من المملوكات، (وعليه) أي المستأجر إن اختار القلع دون رب الأرض
(تسوية الحفر) لأنه أدخل نقصا على ملك غيره بغير إذنه، فكان عليه مؤنة إزالته (وظاهر
كلامهم، كما قاله صاحب الفروع: لا يمنع الخيرة من أخذ رب الأرض له، أو قلعه وضمان
نقصه، أو تركه بالأجرة: كون المستأجر) فاعل لا يمنع (وقف ما غرسه، أو بناه) ولو نحو
مسجد (فإذا لم يتركه) رب الأرض (في الأرض لم يبطل الوقف بالكلية، بل ما يؤخذ بسبب
قلعه وضمان نقصه، أو) أخذ بسبب (تملكه بالقيمة يكون بمثابة ما لو أتلف الوقف وأخذت
منه) أي المتلف (قيمته يشتري بها ما يقوم مقامه فكذا هنا) يشتري بالقيمة، أو بما أخذ من
أرش القلع ما يقوم مقامه. والظاهر: أن الآلات والغراس المقلوع باق على الوقف. فإن
أمكن وضعه في محل آخر وإلا بيع واشتري بثمنه ما يقوم مقامه، (وهو) أي الحكم (كما
قاله) صاحب الفروع (وهو ظاهر، وظاهر كلامهم: لا يقلع الغراس) والبناء (إذا كانت الأرض
52

وقفا) وتقدم أنه لا يتملك إلا تام الملك. وحينئذ فيبقى بأجرة المثل، (بل قال الشيخ: ليس لأحد
أن يقلع غراس المستأجر وزرعه صحيحة، كانت الإجارة أو فاسدة) لتضمنها الاذن في
وضعه، (بل إذا بقي فعليه) أي مالكه (أجرة المثل، وإن أبقاه) أي الغراس، أو البناء الموقوف
(بالأجرة فمتى باد بطل الوقف، وأخذ الأرض صاحبها. فانتفع بها) وقال الشيخ تقي الدين
فيمن احتكر أرضا بني فيها مسجدا، أو بناء وقفه عليه: متى فرغت المدة وانهدم البناء زال
حكم الوقف، وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها. وما دام البناء قائما فيها فعليه أجرة المثل. قال
في الانصاف: وهو الصواب ولا يسع الناس إلا ذلك، (ومحل الخيرة) بين ما تقدم (أيضا ما
لم يكن البناء مسجدا ونحوه) كسقاية وقنطرة (فلا يهدم ولا يتملك. وتلزم الأجرة إلى
زواله) (1) لأنه العرف إذ وضع هذه للدوام (2) (ولا يعاد) المسجد ونحوه لو انهدم (بغير رضا
رب الأرض) لزوال حكم الاذن بزوال العقد (ولو غرس أو بنى مشتر) فيما اشتراه (ثم فسخ
البيع بعيب) أو غبن أو إقالة أو خيار شرط ونحوه (كان لرب الأرض الاخذ) أي أخذ غراس
المشتري أو بنائه (بالقيمة أو القلع وضمان النقص) لأنه وضع بحق. وفي ذلك جمع بين
حق البائع والمشتري، (و) له (تركه) أي الغراس، أو البناء (بالأجرة) إن تراضيا عليها لان
الحق لا يعدوهما، (وأما المبيع بعقد فاسد إذا غرس فيه المشتري أو بنى، فحكمه حكم
المستعير إذا غرس أو بنى على ما يأتي في بابه) أي فلا يقلع غراسه، ولا بناءه مجانا، بل
لرب الأرض تملكه بقيمته، أو قلعه وضمان نقصه، لأن تعاطيه العقد معه، وإن كان فاسدا
يتضمن الاذن في الانتفاع. وكذا مستأجر بعقد فاسد (وإن كان فيها) أي الأرض التي
انقضت إجارتها (زرع بقاؤه بتفريط مستأجر مثل أن يزرع) المستأجر (زرعا لم تجر العادة
بكماله قبل انقضاء المدة. فحكمه حكم زرع الغاصب) لأن بقاءه فيها بعدوانه (ولمالك)
53

الأرض (أخذه) أي الزرع (بالقيمة) هكذا في المقنع (1) والمغني (2) والتنقيح والمنتهى (3).
وقال الموضح: وكزرع غاصب، قاله الأصحاب فيؤخذ بنفقته. قاله في الكافي (4)
وغيره انتهى. وهي مثل البذر وعوض لواحقه، لأنهم جعلوه حكم الغاصب، وهذا حكمه (ما
لم يختر مستأجر قلع زرعه في الحال، وتفريغ الأرض. فإن اختاره فله ذلك) أي قلعه، لأنه
يزيل الضرر ويسلم الأرض فارغة، (ولا يلزمه) أي المستأجر قلع زرعه ولو طلبه المالك في
هذه الحالة، لأن له حدا ينتهي إليه بخلاف الغرس، (وللمالك تركه) أي الزرع (بالأجرة)
كزرع غاصب، (وإن كان بقاؤه) أي الزرع بعد انقضاء المدة (بغير تفريط) المستأجر (مثل أن
يزرع زرعا ينتهي في المدة) الباقية من مدة الإجارة (عادة فأبطأ) أي تأخر انتهاؤه (لبرد أو
غيره لزمه) أي رب الأرض (تركه بأجرة مثله إلى أن ينتهي) لحصوله في أرضه بإذنه من غير
تفريط. أشبه ما لو أعاره أرضا فزرعها ثم رجع قبل كماله (وله المسمى) لمدة الإجارة
(وأجرة المثل لما زاد) عن مدة الإجارة. وتقدم بعضه (ومتى أراد المستأجر زرع شئ لا
يدرك مثله) عادة (في مدة الإجارة فللمالك منعه) لأنه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حق
(فإن زرع) ما لا يكمل عادة في المدة (لم يملك) رب الأرض (مطالبته بقلعه قبل انقضاء
المدة) لأنه في أرض يملك نفعها، ولأنه لا يملك ذلك بعد المدة. فقبلها أولى.
وإن زرع مؤجر في أرض أجرها قبل انقضاء مدة الإجارة زرعا يضر بالمستأجر، أو
غرس أو بنى. فذكر القاضي في خلافه أن الجميع يقلع الزرع هنا لأن مالك الأرض هو
الزارع. والمتعلق حقه بها لا يمكن تملكه لعدم ملكه. فتعين القلع.
قال ابن رجب: وفيه نظر، إذ يجوز أن يقال للمستأجر: تملك الزرع بنفقته
كالموقوف عليه، يتملك زرع الغاصب. ويحتمل تخريج ذلك على الوجهين في ملك
الموقوف عليه للشفعة في شركة الوقف.
54

هذا حاصل كلامه، لكن يفرق بين الموقوف عليه والمستأجر أن الموقوف عليه يملك
العين، لكن ملكا قاصرا بخلاف المستأجر. فإنه لا ملك له في العين (ولو اكترى أرضا لزرع
مدة لا يكمل) ذلك الزرع (فيها) عادة (وشرط) المستأجر (قلعه بعدها) أي مدة الإجارة
(صح) العقد لأنه لا يفضي إلى الزيادة على مدته. وقد يكون له غرض في ذلك لاخذه
قصيلا (1) أو غيره. ويلزمه ما التزم، (وإن شرط بقاءه) أي الزرع (ليدرك) بعد مدة الإجارة
فسدت، (أو سكت) فلم يشترط قطعا ولا بقاء (فسدت). أما في الأولى فلأنه جمع بين
متضادين، لأن تقديره المدة يقتضي التفريغ بعدها وشرط التبقية يخالفه، ولان مدة التبقية
مجهولة. وأما في الثانية فلأنه اكتراها لزرع شئ لا ينتفع بزرعه في مدة الإجارة. أشبه
إجارة أرض السبخة للزرع، (وإذا تسلم العين) المعقود عليها (في الإجارة الفاسدة حتى
انقضت المدة)، أو بعضها، أو مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها أولا (فعليه أجرة المثل) لمدة
بقائها في يده (2) (سكن، أو لم يسكن) لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم للمؤجر.
فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاه (وإن لم يتسلم) العين في الإجارة الفاسدة (لم يلزمه أجرة
ولو بذلها) أي العين (المالك) لأن المنافع لم تتلف تحت يده. والعقد الفاسد لا أثر له
بخلاف الإجارة الصحيحة، (وإن اكترى) المستأجر (بدراهم وأعطاه) أي المؤجر (عنها دنانير)،
أو ثيابا، أو حيوانا، أو عقارا، أو نحوه، (ثم انفسخ العقد) بالعيب أو نحوه (رجع المستأجر
بالدراهم) لأن العقد إذا انفسخ رجع كل من المتعاقدين في العوض الذي بذله. وعوض
العقد هو الدراهم والمؤجر أخذ الدنانير ونحوها بعقد آخر. ولم ينفسخ. أشبه ما إذا قبض
الدراهم ثم صرفها بدنانير، أو اشترى بها شيئا. وكذلك البيع ونحوه، وتقدم، (وإذا انقضت
المدة) أي مدة الإجارة أو استوفي العمل من العين المؤجرة (رفع المستأجر يده) عن العين
المؤجرة (ولم يلزمه) أي المستأجر (الرد ولا مؤنته كمودع) لأنه عقد لا يقتضي الضمان، فلا
55

يقتضي الرد ولا مؤنته، بخلاف العارية. وفي التبصرة يلزم المستأجر رد العين المؤجرة إذا
شرط عليه (وتكون) العين المؤجرة بعد انقضاء مدة الإجارة (في يده) أي المستأجر (أمانة)
كما كانت في المدة. ف‍ (- إن تلفت) المؤجرة قبل ردها (من غير تفريط) ولا تعد (فلا
ضمان عليه) كالوديعة، لكن متى طلبها ربها وجب تمكينه منها. فإن منعه لغير عذر صارت
مضمونة كالمغصوبة. ونماؤها كالأصل. فلو استأجر دابة فولدت عنده كان ولدها أمانة
كأمه. وليس له الانتفاع به، لأنه غير داخل في العقد.
وهل له إمساكه بغير إذن مالكه تبعا لأصله أم لا؟ كمن أطارت الريح إلى داره ثوب
غيره. خرجه القاضي وابن عقيل على وجهين: (ولا تقبل دعواه) أي المستأجر (الرد) أي رد
العين المؤجرة إلى مالكها إذا أنكره (إلا ببينة لأنه قبضه) أي المؤجر (لمنفعة نفسه) فهو
(كالمرتهن والمستعير) والمضارب.
تتمة: قال القاضي فيمن استأجر عبدا للخدمة: إن له المسافرة به في العقد المطلق.
قال: فإن شرط ترك المسافرة به لزم الشرط، وقال: ليس للسيد أن يسافر برقيقه إذا أجره.
باب السبق والمناضلة
السبق بسكون الباء بلوغ الغاية قبل غيره. والسباق فعال منه، و (السبق بفتح الباء)
والسبقة (الجعل الذي يسابق عليه (1). و) السبق (بسكونها) أي الباء مصدر سبق وهو
(المجاراة بين حيوان ونحوه) كسفن، (والمناضلة) من النضل يقال: ناضله مناضلة ونضالا،
ونيضالا وهي (المسابقة بالسهام) وهي النشاب والنبل (تجوز) المسابقة (بلا عوض على
الاقدام وبين سائر الحيوانات من إبل، وخيل وبغال، وحمير، وفيلة) جمع فيل، (وطيور حتى
بحمام) خلافا للآمدي (2)، (وبين سفن، ومزاريق) جمع مزراق بكسر الميم: رمح قصير أخف
من العنزة (3). قاله في حاشيته (ونحوها) كالرمح والعنزة (ومجانيق ورمي أحجار بيد
56

ومقاليع) لقوله تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) * [الأنفال: 6]. - الآية وصح من حديث
ابن عمر أن النبي (ص) سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع، وبين التي لم
تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق (1) قال موسى بن عقبة: من الحفياء إلى ثنية
الوداع ستة أميال أو سبعة. وقال سفيان: من الثنية إلى مسجد بني زريق ميل أو نحوه.
والخيل المضمرة هي المعلوفة القوت بعد السمن. قاله في القاموس (2). (ويكره الرقص
ومجالس الشعر وكل ما يسمى لعبا) ذكره في الوسيلة لحديث عقبة الآتي: (إلا ما كان معينا
على قتال العدو) لما تقدم، (فيكره لعبه بأرجوحة) ونحوها ذكره ابن عقيل وغيره (وكذا مراماة
الأحجار ونحوها. وهو أن يرمي كل واحد الحجر إلى صاحبه) قال الآجري في النصيحة
من وثب وثبة مرحا ولعبا بلا نفع فانقلب فذهب عقله عصى وقضى الصلاة، (وظاهر) كلام
(الشيخ: لا يجوز اللعب المعروف بالطاب والنقيلة) قال: ويجوز اللعب بما قد يكون فيه
مصلحة بلا مضرة (وقال: كل فعل أفضى إلى محرم كثير حرمه الشارع إذا لم يكن فيه
مصلحة راجحة، لأنه يكون سببا للشر والفساد. وقال أيضا: ما ألهى وشغل عما أمر الله به
فهو منهي عنه. وإن لم يحرم جنسه، كبيع وتجارة ونحوهما انتهى) وما روي: أن عائشة
وجواري معها كن يلعبن باللعب. والنبي (ص) يراهن (3) رواه أحمد وغيره وكانت لها
أرجوحة قبل أن تتزوج (4) رواه أبو داود بإسناد جيد. فيرخص فيه للصغار ما لا يرخص
57

للكبار. قاله الشيخ تقي الدين في خبر ابن عمر في زمارة الراعي. قلت: ولعب الجواري
باللعب غير المصورة فيه مصلحة للتمرن على ما هو المطلوب منهن عادة. ويتوجه كذا في
العيد ونحوه، لقصة أبي بكر وقوله (ص): دعهما فإنها أيام عيد (ويستحب اللعب بآلة
الحرب. قاله جماعة. والثقاف) لأنه يعين على قتال العدو (ويتعلم بسيف خشب لا حديد
نصا) نقله أبو داود. لقوله (ص): لا يشير أحدكم بحديد (1) (وليس من اللهو المحرم ولا)
اللهو (المكروه تأديب فرسه وملاعبته أهله ورميه عن قوسه) لحديث عقبة مرفوعا: كل شئ
يلهو به ابن آدم فهو باطل (2) ثم استثنى هذه الثلاثة، رواه أحمد وأبو داود والنسائي
والترمذي وحسنه. والمراد ما فيه مصلحة شرعية ويدخل فيه تعليم الكلب للصيد
والحراسة، وتعليم السباحة. ومنه ما في الصحيحين من لعب الحبشة بدرقهم وحرابهم
وتوثبهم بذلك على هيئة الرقص في يوم عيد في مسجد النبي (ص) وستر النبي (ص) عائشة
وهي تنظر إليهم ودخل عمر فأهوى إلى الحصباء يحصبهم فقال النبي (ص): دعهم يا
عمر (3) متفق عليه، (ويكره لمن علم الرمي أن يتركه كراهة شديدة) لقوله (ص): ومن علم
الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها (4) قال العلقمي: وردت من طرق صحيحة بألفاظ مختلفة،
والمعنى واحد. وسبب هذه الكراهة: أن من تعلم الرمي حصلت له أهلية الدفاع عن دين
الله ونكاية العدو. وتأهل لوظيفة الجهاد. فإذا تركه فقد فرط في القيام بما قد يتعين عليه،
(وتجوز المصارعة) لأنه (ص) صارع ركانة فصرعه (5) رواه أبو داود. (و) يجوز (رفع
58

الأحجار لمعرفة الأشد) لأنه في معنى المصارعة (وأما اللعب بالنرد، والشطرنج، ونطاح
الكباش، ونقار الديوك، فلا يباح بحال) أي لا بعوض ولا بغيره. ويأتي في الشهادات
موضحا (وهي) أي هذه الأشياء (بالعوض أحرم) أي أشد حرمة. ويأتي في الشهادات. (ولا
تجوز) المسابقة (بعوض إلا في الخيل، والإبل، والسهام للرجال) لقوله (ص): لا سبق إلا في
نصل، أو خف، أو حافر (1) رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجة أو نصل وإسناده حسن.
واختصت هذه الثلاثة بأخذ العوض فيها، لأنها من آلات الحرب المأمور بتعليمها
وأحكامها. وذكر ابن عبد البر: تحريم الرهان في غير الثلاثة إجماعا. وقوله: للرجال
أخرج النساء لأنهن لسن مأمورات بالجهاد (بشروط خمسة) متعلق بتجوز.
(أحدها: تعيين المركوبين بالرؤية) (2) سواء كانا اثنين، أو جماعتين (وتساويهما في
ابتداء العدو وانتهائه، وتعيين الرماة، سواء كانا اثنين أو جماعتين) لأن المقصود في
المسابقة معرفة سرعة عدو المركوبين اللذين يسابق عليهما. وفي المناضلة معرفة حذق
الرماة. ولا يحصل ذلك إلا بالتعيين بالرؤية، لأن المقصود معرفة عدو مركوب بعينه،
ومعرفة حذق رام بعينه. لا معرفة عدو مركوب في الجملة، أو حذق رام في الجملة. فلو
عقد اثنان مسابقة على خيل غير معينة، أو مناضلة ومع كل منهما نفر غير معين لم يجز،
(ولا يشترط تعيين الراكبين، ولا القوسين، ولا السهام) لأن الغرض معرفة عدو الفرس،
وحذق الرامي، دون الراكب، والقوس، والسهام، لأنها آلة المقصود منها، فلا يشترط
تعيينها كالسرج (ولو عينها لم تعين) لما تقدم. (وكل ما تعين لا يجوز إبداله، كالمتعين
في البيع وما لا يتعين يجوز إبداله لعذر وغيره)، فإن شرط أن لا يرمي بغير هذا القوس،
أو بغير هذا السهم، أو لا يركب غير هذا الراكب فهو فاسد، لأنه ينافي مقتضى العقد،
59

الشرط (الثاني: أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد) لأن التفاوت بين
النوعين معلوم بحكم العادة. أشبها الجنسين (فلا تصح) المسابقة (بين فرس عربي، وهجين)
وهو ما أبوه فقط عربي، (ولا) المناضلة (بين قوس عربية وفارسية) والعربية قوس النبل
والفارسية قوس النشاب. قاله الأزهري (1) (ولا يكره الرمي بالقوس الفارسية) ولا المسابقة
بها. وقال أبو بكر: يكره الرمي بها. لما روى ابن ماجة أن النبي (ص) رأى مع رجل قوسا
فارسية. فقال: ألقها فإنها ملعونة. ولكن عليكم بالقسي العربية، وبرماح القنا: فبها يؤيد
الله هذا الدين. وبها يمكن الله لكم في الأرض (2) ورواه الأثرم. والجواب: أنه يحتمل
أنه لعنها لحمل العجم لها في ذلك العصر قبل أن يسلموا ومنع العرب من حملها لعدم
معرفتهم بها. الشرط (الثالث: تحديد المسافة والغاية) بأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية
لا يختلفان فيها، لأن الغرض معرفة الأسبق، ولا يحصل إلا بتساويهما في الغاية (3)، لأن
أحدهما قد يكون مقصرا في ابتداء عدوه سريعا في آخره. وبالعكس، (و) تحديد (مدى
الرمي بما جرت به العادة) لأن الإصابة تختلف بالقرب والبعد (ويعرف ذلك) أي مدى
الرمي (بالمشاهدة) نحو: من هنا إلى هناك (أو بالذراع نحو مائة ذراع أو مائتي ذراع وما لم
تجربه عادة) وهو ما تتعذر الإصابة فيه غالبا (وهو ما زاد في الرمي على ثلاثمائة ذراع، فلا
يصح) لأنه يفوت به الغرض المقصود بالرمي. قيل: إنه ما رمى في أربعمائة ذراع إلا
عقبة بن عامر الجهني، (ولا يصح تناضلهما على أن السبق لأبعدهما رميا) لعدم تحديد
الغاية. الشرط (الرابع: كون العوض معلوما، إما بالمشاهدة، أو بالقدر، أو بالصفة (4)) لأنه مال
60

في عقد. فاشترط العلم به كسائر العقود، والمراد بمعرفته بالقدر إذا كان بالبلد نقد واحد، أو
أغلب، وإلا لم يكف ذكر القدر، بل لابد من وصفه، (ويجوز أن يكون) العوض (حالا
ومؤجلا. و) أن يكون (بعضه حالا وبعضه مؤجلا) كالثمن والصداق، (ويشترط أن يكون)
العوض (مباحا) (1) كالصداق والبيع. فلا تصح على خمر ونحوه، (وهو) أي بذل العوض
المذكور (تمليك) للسابق (بشرط سبقه) فلهذا قال في الانتصار: في شركة العنان، القياس:
لا يصح انتهى. قلت في كلامهم: إنه جعالة، فليس من قبيل التمليك المعلق على شرط
محض. الشرط (الخامس: الخروج عن شبه القمار) لأن القمار محرم فشبهه مثله. والقمار
بكسر القاف مصدر قامره فقمره، إذا راهنه فغلبه (بأن لا يخرج جميعهم) (2) لأنه إذا خرج
كل واحد منهم فهو قمار، لأنه لا يخلو، إما أن يغنم أو يغرم، ومن لم يخرج بقي سالما
من الغرم، (فإن كان الجعل من الامام من ماله أو من بيت المال) جاز، لأن في ذلك مصلحة
وحثا على تعليم الجهاد ونفعا للمسلمين، (أو) كان الجعل (من غيرهما، أو من أحدهما)
وحده، لأنه إذا جاز بذله من غيرهما فمن أحدهما أولى، وكذا لو كانوا ثلاثة، فأخرج اثنان
منهم. أو أربعة فأخرج ثلاثة منهم ونحوه (على أن من سبق أخذه جاز. فإن جاءا معا فلا
شئ لهما) لأنه لا سابق فيهما، (وإن سبق المخرج) للجعل (أحرز سبقه) بفتح الباء أي ما
أخرجه، (ولم يأخذ) السابق (من الآخر) المسبوق (شيئا) لأنه إن أخذ منه شيئا كان قمارا،
(وإن سبق من لم يخرج أحرز سبق صاحبه) فملكه، وكان كسائر ماله، لأنه عوض في
الجعالة، فملك فيها كالعوض المجعول في رد الضالة. فإن كان العوض في الذمة فهو دين
يقضى به عليه. ويجبر عليه إن كان موسرا، وإن أفلس ضرب به مع الغرماء (وإن أخرجا)
أي المتسابقان (معا لم يجز، وكان قمارا، لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم، أو
يغرم، وسواء كان ما أخرجاه متساويا أو متفاوتا، مثل إن أخرج أحدهما عشرة، و) أخرج
61

(الآخر خمسة إلا بمحلل لا يخرج شيئا) (1) لما روى أبو هريرة أن النبي (ص) قال: من
أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس قمارا، ومن أدخل فرسا بين فرسين
وهو آمن أن يسبق فهو قمار (2) رواه أبو داود: فجعله قمارا إذا أمن السبق. لأنه لا يخلو
كل واحد منهما أن يغنم، أو يغرم، وإذا لم يأمن أن يسبق لم يكن قمارا، لأن كل واحد
منهما يجوز أن يخلو من ذلك، (ويكفي) محلل (واحد (3) ولا تجوز الزيادة عليه) لدفع
الحاجة به. قال الآمدي. ويشترط في المحلل أن يكون (يكافئ فرسه فرسيهما، أو) يكافئ
(بعيره بعيرهما، أو) يكافئ (رميه رمييهما) للخبر السابق، (فإن سبقهما) أي سبق المحلل
المخرجين (أحرز) المحلل (سبقيهما) بفتح الباء لأنهما جعلا لمن سبق (وإن سبقاه) أي
المخرجان المحلل (أحرز سبقيهما) أي أحرز كل منها ما أخرجه، لأنه لا سابق منهما ولا
شئ للمحلل، لأنه لم يسبق واحدا منهما، (ولم يأخذا منه شيئا) لأنه لم يشترط عليه شئ
لمن سبقه، (وإن سبق أحدهما) أي المخرجين (أحرز السبقين) لأنهما جعلا لمن سبق (وإن
سبق معه) أي مع أحد المخرجين (المحلل) بأن جاء أحدهما والمحلل معا (أحرز السابق)
منهما (مال نفسه) لسبقه، (ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحلل نصفين) لأنهما قد
اشتركا في السبق، فوجب أن يشتركا في عوضه (وإن جاءوا) أي المخرجان والمحلل (الغاية
دفعة واحدة، أحرز كل واحد منهما سبق نفسه) لأنه لا سابق (ولا شئ للمحلل) لأنه لم
62

يسبق (فإن قال المخرج) للعوض (من غيرهما: من سبق أو صلى منكما فله عشرة، لم
يصح (1) إذا كانا اثنين) لأنه لا فائدة في طلب السبق إذن. فلا يحرص عليه لأنه سوى بينهما
(فإن كانوا أكثر) من اثنين صح، لأن كل واحد منهم يطلب أن يكون سابقا، أو مصليا، (أو
قال) المخرج غيرهما: من سبق فله عشرة و (من صلى أي جاء ثانيا فله خمسة. صح) لان
كلا منهما يجتهد أن يكون سابقا ليحرز أكثر العوضين. وسمي الثاني مصليا لأن رأسه تكون
عند صلو الأزل. والصلوان. هما العظمان الناتئان من جانب الذنب. وفي الأثر عن علي
قال: سبق أبو بكر وصلى عمر، وخبطتنا فتنة، (وكذا) يصح إذا فاوت العوض (على الترتيب
للأقرب إلى السبق) بأن جعل للأول عشرة وللثاني ثمانية. وللذي يليه خمسة، ثم للذي يليه
أربعة، وهكذا، (وخيل الحلبة) بفتح الحاء وسكون اللام (على الترتيب) وهي خيل تجمع
للسباق من كل أوب، لا تخرج من إصطبل واحد. كما يقال للقوم إذا جاءوا من كل أوب
للنصرة: قد أحلبوا. قاله في الصحاح. أولها (مجل) السابق، (فمصل) الثاني لما سبق، (فتال)
الثالث، لأنه يتلو المصلي، (فبارع) الرابع، (فمرتاح) الخامس، (فخطي) السادس، وهو بالخاء
المعجمة، (فعاطف) السابع، (فمؤمل) بوزن معظم الثامن، (فلطيم) التاسع، (فسكيت)
ككميت. وقد تشدد ياؤه العاشر آخر خيل الحلبة (ففسكل) كقنفذ وزبرج وزنبور، وبرذون
الذي يجئ آخر الخيل ويسمى القاشور والقاشر. وهذا الترتيب قدمه في التنقيح وتبعه
المصنف وصاحب المنتهى، (و) في بعضها اختلاف. ف‍ (- في الكافي وتبعه في المطلع:
مجل فمصل فمسل فتال فمرتاح - إلى آخره) وقال أبو الغوث: أولها المجلي وهو السابق،
ثم المصلي، ثم المسلي، ثم التالي، ثم العاطف، ثم المرتاح، ثم المؤمل، ثم الخطي، ثم
اللطيم، ثم السكيت. وهو الفسكل ذكره الجوهري (فإن جعل) من أخرج العوض (للمصلي
أكثر من السابق، أو جعل للتالي أكثر من المصلي، أو لم يجعل للمصلي شيئا) وجعل
للتالي عوضا (لم يجز) لأنه يفضي إلى أن لا يقصد السبق، بل يقصد التأخر فيفوت
المقصود، (وإن قال لعشرة: من سبق منكم فله عشرة. صح. فإن جاءوا معا فلا شئ لهم)
لعدم السبق (وإن سبق واحد فله العشرة) لسبقه، (أو) سبق (اثنان فهي) أي العشرة (لهما)
63

لأنهما السابقان، (وإن سبق تسعة، وتأخر واحد، فالعشرة للتسعة) لأنهم سبقوا، (وإن شرطا) أي
المتسابقان (أن السابق يطعم السبق) بفتح الموحدة (أصحابه، أو) يطعمه (بعضهم، أو) يطعمه
(غيرهم، أو) قال (إن سبقتني فلك كذا، أو لا أرمي أبدا أو شهرا. لم يصح الشرط) (1) لأنه
عوض على عمل فلا يستحقه غير العامل كالعوض في رد الآبق، (ويصح العقد) (2) أي عقد
المسابقة لأنها عقد لا تتوقف صحتها على تسمية بدل. فلم تفسد بالشرط الفاسد كالنكاح.
فصل:
(والمسابقة جعالة)
لأنها عقد على ما تتحقق القدرة على تسليمه. فكان جائزا، كرد الآبق (وهي عقد
جائز) لما مر (لا يؤخذ بعوضها رهن ولا كفيل) لعدم وجوبه. ولكل منهما فسخها (3).
ولو بعد الشروع فيها) لعدم لزومها (ما لم يظهر لأحدهما فضل) على صاحبه. مثل أن يسبق
بفرسه في بعض المسافة، أو يصيب بسهامه أكثر منه، (فإن ظهر) له عليه فضل (فله) أي
الفاضل (الفسخ) لأن الحق له (دون صاحبه) المفضول، لأنه لو جاز له ذلك لفات غرض
المسابقة. فلا يحصل المقصود، (وتبطل بموت أحد المتعاقدين) كوكالة، (و) تبطل بموت
(أحد المركوبين) لأن العقد تعلق بعينهما، (ولا يقوم وارث الميت مقامه، ولا يقيم الحاكم
من يقوم مقامه) (4) لأنها انفسخت بموته. و (لا) تبطل (بموت الراكبين أو أحدهما. ولا
تلف أحد القوسين)، أو هما، (والسهام) لأن هذه غير معقود عليها. فلم ينفسخ العقد بتلفها،
كموت أحد المتبايعين، (ويشترط) في المسابقة بعوض (إرسال الفرسين والبعيرين دفعة
واحدة) فليس لأحدهما أن يرسل قبل الآخر (ويكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما
64

ويرتبهما. وعند الغاية من يضبط السابق منهما) لئلا يختلفا في ذلك (ويحصل السبق بالرأس
في متماثل عنقه) من الخيل، (و) السبق (في مختلفه) أي العنق من الخيل، (و) السبق في
(إبل) مطلقا (بكتفه) (1) لأن الاعتبار بالرأس هنا متعذر فإن طويل العنق قد تسبق رأسه لطول
عنقه، لا بسرعة عدوه. وفي الإبل ما يرفع رأسه. وفيها ما يمد عنقه. فربما سبق رأسه لمد
عنقه لا بسبقه. فلذلك اعتبر بالكتف. فإن سبق رأس قصير العنق فهو سابق بالضرورة. وإن
سبق رأس طويل العنق بأكثر مما بينهما في طول العنق فقد سبق. وإن كان بقدره لم يسبق.
وإن كان أقل، فالآخر سابق (وإن شرط) المتسابقان (السبق بأقدام معلومة) كثلاثة فأكثر (لم
يصح) لأن هذا لا ينضبط، ولا يقف الفرسان عند الغاية بحيث يعرف مساحة ما بينهما
(فتصف الخيل في ابتداء الغاية صفا واحدا، ثم يقول المرتب لذلك: هل من مصلح للجام، أو حامل لغلام، أو طارح لجل؟ فإذا لم يجبه أحد كبر ثلاثا، ثم خلاها) أي أرسلها (عند)
التكبيرة (الثالثة) لأن عليا رضي الله عنه أمر سراقة بن مالك بذلك. لما جعل إليه ما جعله
النبي (ص) من أمر السبقة في خبر الدارقطني، (ويخط الضابط للسبق عند انتهاء الغاية خطا.
ويقيم رجلين متقابلين، أحد طرفي الخط بين إبهامي أحدهما والطرف الآخر بين إبهامي
الآخر. وتمر الخيل بين الرجلين ليعرف السابق) كما فعل علي رضي الله عنه فيما أخرجه
الدارقطني عنه، (ويحرم أن يجنب أحدهما) أي المتسابقين (مع فرسه) فرسا، (أو) يجنب
(وراءه فرسا لا راكب عليه يحرضه على العدو. و) يحرم أيضا (أن يجلب. وهو أن يصيح
به في وقت سباقه) لقوله (ص): لا جلب ولا جنب في الرهان (2) رواه أبو داود وغيره بإسناد
65

حسن عن عمران بن الحصين. والجلب - بفتح الجيم واللام - هو الزجر للفرس والصياح
عليه، حثا له على الجري.
فصل:
في المناضلة، من النضل
يقال: ناضله نضالا. ومناضلة. وسمي الرمي نضالا: لأن السهم التام يسمى نضلا.
فالرمي به عمل بالنضل. وهي ثابتة بالكتاب لقوله تعالى: * (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق) *،
[يوسف: 17]. وقرئ ننتصل والسنة شهيرة بذلك، (وحكم المناضلة في العوض حكم
الخيل) والإبل فيما تقدم تفصيله، (وتصح بين) شخصين (اثنين، و) بين (حزبين) كما تقدم،
(ويشترط لها) زيادة على ما سبق (شروط أربعة. أحدها: أن تكون على من يحسن
الرمي) (1) لأن الغرض معرفة الحذق به، ومن لا حذق له فوجوده كعدمه (فإن كان في أحد
الحزبين من لا يحسنه) أي الرمي (بطل العقد فيه، وأخرج من الحزب الآخر مثله) كالبيع إذا
بطل في البعض بطل فيما يقابله من الثمن، (ولهم) أي لكل حزب (الفسخ إن أحبوا) (2)
66

لتبعيض الصفة في حقهم، (فإن عقد النضال جماعة ليقتسموا بعد العقد حزبين برضاهم صح)
العقد. و (لا) يصح أن يعقداه ليقتسما (بقرعة) لأنها قد تقع على الحذاق دون غيرهم في
أحد الحزبين، (ويجعل لكل حزب رئيس. فيختار أحدهما) أي الرئيسين (واحدا) من النفر،
(ثم يختار) الرئيس (الآخر آخر حتى يفرغا) ليحصل التعادل بينهما (ولا يجوز أن يختار كل
واحد من الرئيسين أكثر من واحد) لأنه قد يؤدي إلى اختصاص أحدهما بالأحذق فلا يحصل
التساوي (وإن اختلفا) أي الرئيسان (فيمن يبدأ بالخيرة) منهما (اقترعا) لأنه لا مرجح غير
القرعة، (ولا يجوز جعل رئيس الحزبين واحدا) لأنه لا يضره أيهما غلب أو غلب. فلا
يحصل مقصود المناضلة، (ولا) جعل (الخيرة في تمييزهما) أي الحزبين (إليه) أي إلى
شخص واحد لما سبق (ولا أن يختار جميع حزبه أولا) لأنه ترجيح له بلا مرجح ويفضي
إلى عدم التساوي (ولا السبق) بسكون الباء بمعنى المسابقة بالخيل والإبل (عليه) أي على
ذلك المذكور، بأن يتسابقا على جعل رئيس الحزبين واحدا، وعلى أن الخيرة في تمييزهما
إليه ونحوه، (ولا يشترط) للمناضلة (استواء عدد الرماة) فلو كان أحد الحزبين عشرة والآخر
ثمانية ونحو ذلك صح، (وإن بان بعض الحزب كثير الإصابة، أو عكسه فادعى) الحزب الآخر
(ظن خلافه لم يقبل) أي لم يسمع منه ذلك، لأن شرط دخوله في العقد أن يكون من أهل
الصنعة دون الحذق، كما لو اشترى عبدا على أنه كاتب فبان حاذقا أو ناقصا. لم يؤثر.
الشرط (الثاني: معرفة عدد الرشق (1) - بكسر الراء - وهو) عدد (الرمي) وأهل العربية يخصونه
فيما بين العشرين والثلاثين وبفتحها الرمي. وهو مصدر رشقت الشئ رشقا. قال المصنف
في الحاشية: الرشق - بفتح الراء - الرمي نفسه. والرشق: الوجه من الرمي إذا رمى القوم
بأجمعهم جميع السهام. وقيل: الرشق السهام نفسها. وكذا في المستوعب والمطلع عن
الأزهري: الرشق - بكسر الراء - عدد الرمي. واشترط العلم به لأنه لو كان مجهولا أفضى
إلى الاختلاف، لأن أحدهما يريد القطع والآخر يريد الزيادة، (وليس له عدد معلوم. فأي
67

عدد اتفقوا عليه جاز) لأن الغرض معرفة الحذق، (و) تعتبر معرفة (عدد الإصابة. بأن يقول)
العاقد (الرشق: عشرون. والإصابة خمسة ونحوه) كستة أو ما يتفقان عليه لأن الغرض معرفة
الحذق. ولا يحصل إلا بذلك (إلا أنه لا يصح اشتراط إصابة تندر، كإصابة جميع الرشق،
أو تسعة من عشرة ونحوه) لبعد إصابة ذلك، (ويشترط استواؤهما) أي المتناضلين (في عدد
الرشق، والإصابة، و) في (صفتها) أي الإصابة من خوارق ونحوهما (وسائر أحوال الرمي) (1) لان
موضوعها على المساواة. فاعتبرت كالمسابقة على الحيوان (فإن جعلا رشق أحدهما عشرة،
و) رشق (الآخر عشرين). أو شرط أن يصيب أحدهما خمسة، (و) أن يصيب (الآخر ثلاثة،
أو شرطا إصابة أحدهما خواسق، والآخر خواصل) ويأتي معناهما (أو شرطا أن يحط
أحدهما من إصابته سهمين، أو) شرطا أن (يحط سهمين من إصابته بسهم من إصابة صاحبه،
أو (شرطا أن يرمي أحدهما من بعد، و) يرمي (الآخر من قرب، أو) أن (يرمي أحدهما وبين
أصابعه سهم والآخر بين أصابعه سهمان، أو أن يرمي أحدهما وعلى رأسه شئ والآخر خال
عن شاغل، أو) شرطا (أن يحط عن أحدهما واحد من خطئه لا عليه ولا له. وأشباه هذا مما
تفوت به المساواة. لم يصح) لمنافاته لموضوع المسابقة. وإذا عقدا ولم يذكرا قوسا. صح
لما تقدم. ويستويان في العربية والفارسية. الشرط (الثالث: معرفة) نوع (الرمي هل هو
مفاضلة، ومحاطة، أو مبادرة) (2) لأن غرض الرماة يختلف. فمنهم من إصابته في الابتداء
أكثر منها في الانتهاء، ومنهم من هو بالعكس. فوجب اشتراط ذلك ليعلم ما دخل فيه
(فالمفاضلة: أن يقولا: أينا فضل صاحبه بإصابة، أو إصابتين، أو ثلاث إصابات ونحوه من
عشرين رمية فقد سبق. فأيهما فضل صاحبه بذلك فهو السابق) لوجود الشرط (وتسمى)
68

المفاضلة (محاطة، لأن ما تساويا فيه من الإصابة محطوط غير معتد به) ذكره في الشرح.
وفي المنتهى: المحاطة أن يحط ما يتساويان فيه من إصابة من رمى معلوم مع تساويهما في
الرميات. فأيهما فضل بإصابة معلومة فقد سبق. قال في شرحه: والفرق بين المفاضلة
والمحاطة: أن المحاطة يقدر فيها الإصابة من الجانبين بخلاف المفاضلة (1). واستدل له
بكلام المجد في شرحه، (ويلزم) في المفاضلة (إكمال الرشق إذا كان فيه) أي في إكماله
فائدة. فإذا قالا: أينا فضل بثلاث إصابات من عشرين رمية فهو سابق، فرميا اثني عشر
سهما فأصابها أحدهما وأخطأها الآخر كلها. لم يلزم إتمام الرشق لأن أكثر ما يكون أن
يصيب الآخر الثمانية الباقية ويخطئها الأول. ولا يخرج الأول بهذا عن كونه سابقا. وإن
كان الأول إنما أصاب من الاثني عشر عشرا لزمهما أن يرميا بقية الثلاثة عشر. فإن أصابا، أو
أخطأ، أو أصابها الأول وحده فقد سبق. ولا يحتاج إلى إتمام الرشق. وإن أصابها الآخر
دون الأول فعليهما أن يرميا الرابع عشر على ما تقدم. ضابط ذلك: أنه متى بقي من عدد
الرمي ما يمكن أن يسبق به أحدهما صاحبه، أو يسقط به سبق صاحبه. لزم الاتمام وإلا فلا
(والمبادرة أن يقولا: من سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق. فأيهما سبق
إليها مع تساويهما في الرمي. فهو السابق) (2) لوجود الشرط، (ولا يلزم) إذا سبق إليها واحد
(إتمام الرمي) عشرين، لأن السبق قد حصل بسبقه إلى ما شرطا السبق إليه (وإن أصاب كل
واحد منهما خمسا. فلا سابق) فيهما (فلا يكملان الرشق) لأن جميع الإصابة المشروطة
وجدت واستويا فيها (ومتى كان النضال بين حزبين اشترط كون الرشق يمكن قسمه بينهم)
أي أهل كل حزب (بغير كسر. ويتساوون فيه. فإن كانوا ثلاثة وجب أن يكون له ثلث.
وكذا ما زاد) فإذا كانوا أربعة وجب أن يكون له ربع. أو خمسة وجب أن يكون له
خمس، لأنه إذا لم يكن كذلك بقي سهم أو أكثر بينهم لا يمكن الجماعة الاشتراك فيه (ولا
69

يجوز أن يقولوا: نقرع فمن خرجت قرعته فهو السابق. ولا إن من خرجت قرعته فالسبق
عليه) لأنه لا يحصل به الغرض المقصود من النضال، (ولا أن يقولوا: نرمي، فأينا أصاب
فالسبق على الآخر) لأنه يشبه القمار، (وإن شرطوا) أي المتناضلون (أن يكون فلان مقدم
حزب، وفلان مقدم) الحزب (الآخر، ثم فلان ثانيا من الحزب الأول، وفلان من الحزب
الثاني. كان) الشرط (فاسدا) لأنه لا يقتضيه العقد، (وإن تناضل اثنان وأخرج أحدهما
السبق، فقال أجنبي: أنا شريكك في الغرم والغنم، إن فضلك فنصف السبق علي وإن
فضلته فنصفه لي. لم يجز) ذلك. ولم يصح لما تقدم في شركة المفاوضة، (وكذلك لو
كان المتناضلون ثلاثة منهم اثنان أخرجا والثالث محلل، فقال رابع للمستبقين: أنا
شريككما في الغنم والغرم) لم يصح لما تقدم، (وإن فضل أحد المتناضلين صاحبه، فقال
المفضول) للفاضل: (اطرح فضلك وأعطيك دينارا. لم يجز) لأنه أخذ للمال في غير مقابلة
مال ولا ما في معناه، (وإن فسخا العقد وعقدا آخر جاز) لأن الحق لهما. وكذا لو فسخه
الفاضل، وأما المفضول فليس له فسخه وتقدم (وإذا أخرج أحد الزعيمين) أي الرئيسين
(السبق) بفتح الباء (من عنده، فسبق) بالبناء للمفعول (حزبه لم يكن على حزبه شئ) لأنه
لم يشترطه عليهم (وإن شرطه) أي السبق (عليهم فهو عليهم بالسوية. ويقسم) السبق
(على الحزب الآخر) وهم السابقون (بالسوية من أصاب ومن أخطأ) لأن مطلق الإضافة
تقتضي التسوية (وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت) لأن أي صفة كانت تدخل
في مسمى الإصابة. وفي المغني: إن صفة الإصابة شرط لصحة المناضلة. ومشى عليه
فيما تقدم، (فإن قالا: خواصل) بالخاء المعجمة والصاد المهملة فهو (بمعناه. ويكون
تأكيدا) لأنه اسم لها كيف كانت. قال الأزهري: الخاصل الذي أصاب القرطاس، وقد
70

أخصله إذا أصابه (1)، (ومن صفات الإصابة خواسق) بالخاء المعجمة والسين المهملة
(وهو ما خرق الغرض وثبت فيه وخوازق بالزاي، ومقرطس بمعناه) قال الأزهري
والجوهري: الخوازق بالزاي، لغة في الخاسق فهما شئ واحد (2). (وخوارق - بالراء
المهملة - وهو ما خرق الغرض. ولم يثبت فيه. ويسمى موارق وخواصر) بالخاء
المعجمة والصاد والراء المهملتين، (وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض) (3) ومنه قيل:
الخاصرة لأنها في جانب الانسان (وخوارم ما خرم جانب الغرض، وحوابي: ما وقع بين
يدي الغرض، ثم وثب عليه) ومنه يقال: حبى الصبي (فبأي صفة قيدوا) أي المتناضلون
(الإصابة تقيدت) الإصابة (بها) لأنه وصف وقع العقد عليه. فوجب أن يتقيد به ضرورة
الوفاء بموجبه (وحصل السبق بإصابته) أي إصابة ذلك المقيد على ما قيدوا به (وإن شرطا
إصابة موضع من الغرض كالدائرة فيه. تقيد) (4) السبق (به) لأن الغرض يختلف باختلاف
ذلك. فتعين أن تتقيد المناضلة به تحصيلا للغرض (وإذا كان شرطهم خواصل فأصاب)
الغرض (بنصل السهم حسب له كيف كان) لما تقدم أن الخاصل: الذي أصاب القرطاس
(فإن أصاب) السهم الغرض (بعرضه، أو بفوقه) وهو ما يوضع فيه الوتر (نحو أن ينقلب
السهم بين يدي الغرض فيصيب فوقه الغرض، أو انقطع السهم قطعتين فأصابت القطعة
الأخرى) الغرض (لم يعتد به) لأنه لا يعد إصابة. الشرط (الرابع: معرفة قدر الغرض
طولا وعرضا وسمكا وارتفاعا من الأرض) (5) لأن الإصابة تختلف باختلاف ذلك فوجب
71

العلم به. أشبه تعيين النوع، (وهو) أي الغرض (ما ينصب في الهدف من قرطاس، أو جلد،
أو خشب، أو غيرها) سمي غرضا لأنه يقصد (ويسمى شارة) وشتا. وفي القاموس:
القرطاس كل أديم ينصب للنضال (والهدف: ما ينصب الغرض عليه إما تراب مجموع، أو
حائط، أو غيرهما) كخشبة وحجر، (ولا يعتبر) لصحة النضال (ذكر المبتدئ) منهما
(بالرمي) خلافا للترغيب، لأنه لا أثر له. وكثير من الرماة يختار التأخر (فإن ذكراه) أي
المبتدئ (كان أولى) وفي شرح المنتهى: يستحب تعيين المبتدئ بالرمي عند عقد
المناضلة انتهى (1). أي لأنه أقطع للنزاع (وإن أطلقا) بأن لم يعينا المبتدئ عند العقد، (ثم
تراضيا بعد العقد على تقديم أحدهما جاز) لأن الحق لا يعدوهما (وإن تشاحا في
المبتدئ منهما) بالرمي (أقرع بينهما) لأنه لابد أن يبتدئ أحدهما بالرمي، لأنهما لو
رميا معا أفضى إلى الاختلاف، ولم يعرف المصيب منهما. وقد استويا في الاستحقاق
فصير إلى القرعة، (ولو كان لأحدهما مزية بإخراج السبق) بفتح الباء. فلا يقدم بذلك.
وقيل: يقدم بذلك لأن له نوعا من الترجيح، فعلى هذا: إن كان العوض من أحدهما قدم
صاحبه، (وإن كان المخرج) للعوض (أجنبيا قدم من يختاره منهما. فإن لم يختر وتشاحا
أقرع بينهما) وما ذكرته من أن ذلك مفرع على القول الثاني: صريح كلام المبدع. ففي
كلام المصنف نظر، لأنه يقتضي أن ذلك مفرع على المذهب (وأيهما كان أحق بالتقديم
فبدره الآخر فرمى. لم يعتد له بسهمه أخطأ، أو أصاب) لعموم قوله (ص): من عمل عملا
ليس عليه أمرنا فهو رد (2)، (وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في) الوجه (الثاني) تعديلا
72

بينهما، (فإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه. لم يصح) (1) لأن موضوع المناضلة
على المساواة، وهذا تفاضل، (وإن فعلا ذلك من غير شرط برضاهما. صح) لأن البداءة لا
أثر لها في الإصابة ولا في وجود الرمي (وإذا رمى البادئ بسهم رمى الثاني بسهم
كذلك، حتى يقضيا رمييهما) لأنه العرف، (وإن رميا سهمين سهمين فحسن) وكذا لو رميا
خمسا خمسا أو نحوه، (وإن شرطا أن يرمي أحدهما رشقة، ثم يرمي الآخر) رشقة جاز،
(أو) اشترطا أن (يرمي أحدهما عددا، ثم يرمي الآخر مثله جاز) وعمل به لحديث:
المؤمنون عند شروطهم (وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما من وجهين متواليين جاز)
لما تقدم، (والسنة أن يكون لهما غرضان، يرميان أحدهما، ثم يمضيان إليه فيأخذان
السهام، ثم يرميان الآخر) (2) لفعل الصحابة رضي الله عنهم. وقد روي مرفوعا: ما بين
الغرضين روضة من رياض الجنة (3) وقال إبراهيم التيمي رأيت حذيفة ينشد بين الهدفين
يقول: أنا بها في قميص وعن ابن عمر رضي الله عنهما مثل ذلك، (وإن جعلوا غرضا
واحدا جاز) لأن المقصود يحصل به، (وإذا تشاحا في) موضع (الوقوف) هل هو عن يمين
الغرض أو يساره؟ ونحو ذلك (فإن كان الموضع الذي طلبه أحدهما أولى، مثل أن يكون
في أحد الموقفين يستقبل الشمس، أو) يستقبل (ريحا يؤذيه استقبالها، ونحو ذلك. والآخر
يستدبرها) أي الشمس، أو الريح (قدم قول من طلب استدبارها) لأنه أحظ لهما (إلا أن
يكون في شرطها) أي المناضلة (استقبال ذلك، فالشرط أولى) بالاتباع لدخولهم عليه (كما
لو اتفقا على الرمي ليلا) فإنه يعمل بما اتفقا عليه (فإن كان الموقفان سواء) في استدبار
73

الشمس، أو الريح (كان ذلك) أي الوقوف (إلى الذي يبدأ فيتبعه الآخر، فإذا كان) أي صار
(في الوجه الثاني وقف الثاني، حيث شاء ويتبعه الأول) ليستويا (وإذا أطارت الريح
الغرض، فوقع السهم موضعه، فإن كان شرطهم خواصل احتسب له به) لأنه لو كان
الغرض موضعه لأصابه. وكذا لو كانا أطلقا الإصابة، ولو كان الغرض جلدا، وخيط عليه
شنبر كشنبر المنخل، وجعل له عرى وخيوطا تعلق به في العرى. فأصاب السهم الشنبر،
أو العرى وشرطهم خواصل اعتد به، لأن ذلك من الغرض. وأما المعاليق وهي الخيوط
فلا يعتد بإصابتها مطلقا لأنها ليست من الغرض. وإن أصاب السهم سهما في الغرض قد
علق نصله فيه وباقيه خارج منه لم يحتسب له به. ولا عليه، وإن كان السهم قد غرق في
الغرض إلى فوقه حسبت له إصابته، لأنه لو لم يكن لأصاب الغرض يقينا. وإذا تناضلا
على أن الإصابة حوابي (1) على أن من خسق منهما كان بحابين، أو على ما يقرب من
الشن، سقط الذي هو منه أبعد. جاز. قاله القاضي وابن عقيل، (وإن كان) شرطهم
(خواسق) وأطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه (لم يحتسب له) أي رامي السهم
(به ولا عليه) لأنا لا ندري هل كان يثبت في الغرض لو كان موجودا أو لا؟ (وإن وقع)
السهم (في غير موضع الغرض احتسب به على راميه) لتبين خطئه (وإن وقع) السهم (في
الغرض في الموضع الذي طار إليه) الغرض (حسبت) الرمية (عليه أيضا، إلا أن يكون
اتفقا على رميه في الموضع الذي طار إليه. وكذا الحكم لو ألقت الريح الغرض على
وجهه) إذا وقع السهم فيه حسب على راميه (وإن عرض) لأحدهما (عارض من كسر
قوس، أو قطع وتر، أو ريح شديدة لم يحتسب عليه ولا له بالسهم) لأن العارض كما
يجوز أن يصرفه عن الصواب إلى الخطأ يجوز أن يصرفه عن الخطأ إلى الصواب. وإن
حال حائل بينه وبين الغرض فنفذ منه وأصاب الغرض. حسب له، لأن هذا من سداد
74

الرمي وقوته (وإن عرض مطر، أو ظلمة) عند الرمي (جاز تأخير الرمي) لأن المطر يرخي
الوتر. والظلمة عذر لا يمكن معه فعل المعقود عليه، ولان العادة الرمي نهارا، إلا أن
يشترطاه ليلا. فيلزمه كما تقدم، (ويكره الأمين والشهود) وغيرهم ممن حضر (مدح
أحدهما، أو) مدح (المصيب وعيب المخطئ، لما فيه من كسر قلب صاحبه) (1) وغيظه.
قال في الفروع: ويتوجه في شيخ العلم وغيره مدح المصيب من الطلبة وعيب غيره
كذلك. وفي الانصاف: قلت: إن كان مدحه يفضي إلى تعاظم الممدوح، أو كسر قلب
غيره. قوي التحريم. وإن كان فيه تحريض على الاشتغال ونحوه قوي الاستحباب (2).
والله أعلم (ويمنع كل منهما من الكلام الذي يغيظ صاحبه، مثل أن يرتجز ويفتخر،
ويتبجح بالإصابة، ويعنف صاحبه على الخطأ، أو يظهر أنه يعلمه. وكذا الحاضر معهما)
يمنع من ذلك. وإن أراد أحدهما التطويل والتشاغل عن الرمي. بما لا حاجة إليه من
مسح القوس، والوتر، ونحو ذلك لعل صاحبه ينسى القصد الذي أصاب به، أو يفتر. منع
من ذلك وطولب بالرمي ولا يزعج بالاستعجال بالكلية، بحيث يمنع من تحري الإصابة،
(وإن قال قائل: ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم. وإن أخطأت فعليك درهم. لم
يصح) (3) ذلك (لأنه قمار) وإن قال من أراد رمي سهم لحاضره: إن أخطأت فلك درهم.
لم يجز لأن الجعل إنما يكون في مقابلة عمل. ولم يوجد من الحاضر عمل فيستحق به
شيئا، (وإن قال) إنسان لآخر: ارم هذا السهم، و (إن أصبت به فلك درهم). صح جعالة لا
نضالا، (أو قال) لآخر (ارم عشرة أسهم. فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك درهم)
صح جعالة، (أو قال) ارم عشرة أسهم، و (لك بكل سهم أصبت به منها درهم، أو) لك
(بكل سهم زائد على النصف من الصيبات درهم) صح جعالة (أو قال) ارم عشرة أسهم، ف‍
(- إن كان صوابك أكثر) من خطئك (فلك بكل سهم أصبت به درهم. صح) ذلك (وكان
75

جعالة) لأنه بذل مال على ما فيه غرض صحيح. ويلزمه الجعل بالإصابة التي شرطها (لا
نضالا) لأن النضال إنما يكون بين اثنين، أو جماعة على أن يرموا جميعا، ويكون الجعل
لبعضهم إذا كان سابقا (وإن شرطا أن يرميا) أي المتناضلان من اثنين، أو حزبين (أرشاقا) جمع
رشق، وتقدم معناه. (كثيرة معلومة جاز. وإن شرطا أن يرميا منها كل يوم قدرا اتفقا عليه جاز)
لحديث: المؤمنون عند شروطهم (1)، (وإن أطلقا العقد جاز، وحمل) الاطلاق (على التعجيل،
والحلول، كسائر العقود) نحو بيع وصداق (فيرميان من أول النهار إلى آخره) لأنه العادة (إلا
أن يعرض عذر من مرض، أو غيره. فإذا جاء الليل تركاه إلا أن يشترطا) الرمي (ليلا فيلزم)
الشرط. وتقدم، (فإن كانت الليلة مقمرة منيرة اكتفي بذلك) لحصول المقصود به، (وإلا) بأن
كانت مظلمة (رميا في ضوء شمعة أو مشعل) (2) ليتأتى تحري الإصابة.
باب العارية (3)
بتخفيف الياء وتشديدها. وأصلها من عار، إذا ذهب وجاء. ومنه قيل للبطال: عيار،
لتردده في بطالته. والعرب تقول: أعاره وعاره، كأطاعه وطاعة. قال الأصحاب، تبعا
76

للجوهري: هي مشتقة من العار. وفيه شئ، لأنه (ص) فعلها. وأصل المادة فيها قيل:
العري، وهو التجرد. فسميت عارية لتجردها عن العوض، كما تسمى النخلة الموهوبة
عرية، لتعريها عن العوض. وقيل: من التعاور. أي التناوب لجعل مالها للغير نوبة في
الانتفاع بها، (وهي) أي العارية (العين المعيرة) أي المأخوذة من مالكها، أو مالك منفعتها، أو
مأذونهما للانتفاع بها مطلقا، أو زمنا معلوما بلا عوض. وتطلق كثيرا على الإعارة مجازا.
ويرد على تعريفه الدور. والعارة بمعنى العارية. قال: تميم بن مقبل.
فأخلق وأتلف، إنما المال عارة وكله مع الدهر الذي هو آكله
(والإعارة: إباحة نفعها بغير عوض) من المستعير أو غيره. والإباحة رفع الحرج عن
تناول ما ليس مملوكا له، (وهي) أي الإعارة (مندوب إليها) (1) لأنها من البر والتقوى. وقال
تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * [المائدة: 2]. وقوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) *
[الماعون: 7]. قال ابن عباس وابن مسعود: هي العواري وقوله (ص): العارية مؤداة
والمعنى شاهد بذلك. فهي كهبة الأعيان، (ويشترط كونها) أي العين المعيرة (منتفعا بها مع
بقاء عينها) (2) كالدور، والعبيد، والثياب، والدواب ونحوها، لأن النبي (ص) استعار من أبي
طلحة فرسا، ومن صفوان أدراعا (3). وسئل عن حق الإبل؟ فقال: إعارة دلوها وإطراق
فحلها فثبت ذلك في المنصوص عليه. والباقي قياسا. وخرج بذلك ما لا ينتفع به إلا مع
تلف عينه كالأطعمة والأشربة. لكن إن أعطاها بلفظ الإعارة، فقال ابن عقيل: احتمل أن
يكون إباحة الانتفاع على وجه الاتلاف (وتنعقد) الإعارة (بكل قول، أو فعل يدل عليها.
كقوله: أعرتك هذا) الشئ (أو أبحتك الانتفاع به، أو يقول المستعير: أعرني هذا، أو أعطنيه
أركبه، أو أحمل عليه. فيسلمه) المعير (إليه ونحوه) كاسترح على هذه الدابة، وكدفعه
الدابة لرفيقه عند تعبه، وتغطيته بكسائه إذا رآه برد، لأنها من البر. فصحت بمجرد الدفع،
كدفع الصدقة ومتى ركب الدابة، أو استبقى الكساء عليه كان ذلك قبولا. قال في الترغيب:
77

يكفي ما دل على الرضا من قول، أو فعل، كما لو سمع من يقول: أردت من يعيرني كذا
فأعطاه كذا، لأنها إباحة لا عقد، (ويعتبر) أيضا (كون المعير أهلا للتبرع شرعا) لأن الإعارة
نوع من التبرع، لأنها إباحة منفعة فلا يعير مكاتب ولا ناظر وقف، ولا ولي يتيم من ماله،
(و) يعتبر أيضا (أهلية مستعير للتبرع له) بتلك العين. بأن يصح منه قبولها هبة. فلا تصح
إعارة المصحف لكافر، (وإن شرط) المعير (لها) أي الإعارة (عوضا معلوما في) عارية
(مؤقتة) بزمن معلوم (صح) ذلك، (وتصير إجارة) تغليبا للمعنى، كالهبة إذا شرط فيها ثواب
معلوم كانت بيعا، (وإن قال: أعرتك عبدي) أو نحوه (على أن تعيرني فرسك)، أو نحوه.
ففعلا، (فإجارة فاسدة غير مضمونة للجهالة) لأنهما لم يذكرا مدة معلومة، ولا عملا معلوما.
قال الحارثي: وكذا لو قال: أعرتك هذه الدابة لتعلفها، أو هذا العبد لتمونه انتهى. وإن عينا
المدة والمنفعة. صحت إجارة لما تقدم (وتصح إعارة الدراهم، و) إعارة (الدنانير للوزن)
وليعاير عليها. كإجارتها لذلك. وكذا المكيل والموزون (فإن استعارها) أي الدراهم
والدنانير (لينفقها)، أو أطلق، (أو استعار مكيلا، أو موزونا) ليأكله، أو أطلق (فقرض) تغليبا
للمعنى فملكه بالقبض (وتصح) الإعارة (في) ذي (المنافع المباحة) دون المحرمة. كالزمر،
والطبل، والغناء، (و) تصح (إعارة كلب صيد) أو ماشية، أو حرث، (و) إعارة (فحل للضراب)
لأن نفع ذلك مباح. ولا محظور في إعارتهما لذلك. والمنهي عنه، هو العوض المأخوذ
في ذلك. ولذلك امتنعت إجارته، (وتحرم إعارة بضع) بضم الباء أي فرج، لأنه لا يباح إلا
بملك، أو نكاح، (و) تحرم إعارة (عبد مسلم لكافر لخدمته خاصة (1).
ك‍) - ما تحرم (إجارته
لها) أي للخدمة. فإن أعاره، أو أجره لعمل في الذمة غير الخدمة صحتا. وتقدم في الإجارة،
(و) تحرم (إعارة صيد) لمحرم، لأن إمساكه له محرم، (و) تحرم إعارة (ما يحرم استعماله
في الاحرام) من نحو طيب (لمحرم) لأنه معاونة على الاثم والعدوان، (فإن فعل) بأن أعار
صيدا لمحرم (فتلف الصيد) بيد المحرم (ضمنه) المحرم (منه بالجزاء. وللمالك بالقيمة)
وتقدم في الاحرام توضيحه، (و) تحرم (إعارة عين لنفع محرم، وكإعارة دار لمن يتخذها
78

كنيسة، أو يشرب فيها مسكرا، أو يعصي الله فيها، وكإعارة سلاح لقتال في الفتنة وآنية
ليتناول بها محرما) من نحو خمر، (و) إعارة (أواني الذهب والفضة، و) إعارة (دابة ممن
يؤذى عليها محترما، و) إعارة (عبد، أو أمة لغناء، أو نوح، أو زمر ونحوه) لأن ذلك كله إعانة
على الاثم والعدوان المنهي عنه، وكإجارة ذلك، (وتجب إعارة مصحف لمحتاج إلى قراءة
فيه (1). ولم يجد غيره إن لم يكن مالكه محتاجا إليه) وخرج ابن عقيل وجوب الإعارة أيضا
في كتب للمحتاج إليها من القضاة والحكام وأهل الفتاوى. وقال ابن الجوزي: ينبغي لمن
ملك كتابا أن لا يبخل بإعارته لمن هو أهل له (2). وكذلك ينبغي إفادة الطالب بالدلالة على
الأشياخ وتفهيم المشكل.
فائدة: قال المروزي: قلت لأبي عبد الله: رجل سقطت منه ورقة فيها أحاديث
وفوائد. فأخذتها، ترى أن أنسخها وأسمعها؟ قال: لا، إلا بإذن صاحبها، (ولا تعار الأمة
للاستمتاع) بها في وطئ ودواعيه لأنه لا يباح إلا بملك، أو نكاح، (فإن وطئ) المستعير الأمة
المعارة (مع العلم بالتحريم فعليه الحد) لانتفاء الشبهة إذن، (وكذا هي) يلزمها الحد (إن
طاوعته) عالمة بالتحريم (وولده رقيق) تبعا لامه. ولا يلحقه نسبه لأنه ولد زنا، (وإن كان)
وطئ (جاهلا) بأن اشتبهت عليه بزوجته، أو سريته، أو جهل التحريم لقرب عهده بالاسلام
(فلا حد) عليه لحديث: ادرؤا الحدود بالشبهات (3) وكذا هي لا حد عليها إن جهلت، أو
أكرهت (وولده حر ويلحق به) للشبهة، (وتجب قيمته) يوم ولادته على المستعير (للمالك)
لأنه فوته عليه باعتقاده الحرية، (ويجب مهر المثل فيهما) وأرش البكارة، أي فيما إذا وطئ
79

عالما، أو جاهلا (ولو مطاوعة) لأن المهر للسيد فلا يسقط بمطاوعة الموطوءة (إلا أن يأذن
فيه) أي في الوطئ (السيد) فلا مهر ولا أرش ولا فداء للولد، لأنه أسقط حقه بإذنه، (وأما)
إعارة الأمة (للخدمة، فإن كانت برزة) أي تبرز للرجال لقضاء الحوائج، (و) كانت (شوهاء)
قبيحة المنظر (جاز) لسيدها أن يعيرها مطلقا للأمن عليها. والجواز يحتمل نفي التحريم
والكراهة (1). فلا ينافي أن أصل العارية الندب. ويحتمل أنه على ظاهره. فحينئذ تكمل
للعارية الأحكام الخمسة، (وكذا إن كانت) الأمة (شابة) يعني جميلة ولو كبيرة، (وكانت
الإعارة لمحرم، أو امرأة، أو صبي) لأنه مأمون عليها (وإن كانت) إعارة الشابة (لشاب كره،
خصوصا العزب) لأنه لا يؤمن عليها (وتحرم إعارتها) أي الأمة، (وإعارة أمرد وإجارتهما لغير
مأمون) لأنه إعانة على الفاحشة، (وقال ابن عقيل: لا تجوز إعارتها للعزاب الذين لا نساء
لهم من قرابات، ولا زوجات) لما فيه من التعرض للخلوة بالأجنبيات، (وتحرم الخلوة بها) أي
بالأمة المعيرة على ذكر غير محرم كغير المعيرة، (و) يحرم أيضا (النظر إليها بشهوة) كمؤجرة،
(وتكره استعارة أبويه)، وإن علوا من أب، وأم، وجد، وجدة، (للخدمة، لأنه يكره للولد
استخدامهما) (2) فكرهت استعارتهما لذلك، (وللمستعير الرد) أي رد العارية (متى شاء) لأنها
ليست لازمة، (ولمعير الرجوع) في عارية (متى شاء، مطلقة كانت) العارية (أو مؤقتة) لان
المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير، فلم يملكها بالإعارة، كما لو لم تحصل العين
الموهوبة في يده، ولان المنافع إنما تستوفى شيئا فشيئا، فكلما استوفى منفعة فقد قبضها.
والذي لم يستوفه لم يقبضه. فجاز الرجوع فيه كالهبة قبل القبض (ما لم يأذن) المعير (في
شغله) أي المعير بفتح الشين وسكون الغين المعجمة. مصدر شغل يشغل. وفيهما أربع
لغات (بشئ يستضر المستعير برجوعه) (3) أي المعير في العارية (مثل أن يعيره سفينة لحمل
80

متاعه، أو) يعيره (لوحا يرقع به سفينة فرقعها به ولجج في البحر. فليس له) أي المعير
(الرجوع) في العارية، (والمطالبة) بالسفينة واللوح (ما دامت) السفينة (في اللجة حتى ترسي)
لما فيه من الضرر. فإذا رست جاز الرجوع لانتفاء الضرر، (وله) أي المعير (الرجوع قبل
دخولها) أي السفينة (البحر) لانتفاء الضرر (ولا لمن أعاره أرضا للدفن) الرجوع (حتى يبلى
الميت ويصير رميما. قاله ابن البناء) لما فيه من هتك حرمته. وقال المجد في شرحه: بأن
يصير رميما ولم يبق شئ من العظام في الموضع المستعار وعبارة المقنع، وتبعها في
المنتهى وغيره: حتى يبلى الميت. قال في المبدع: وقال ابن البناء لا يرجع حتى يصير
رميما (1). ومقتضاه: أنهما قولان. ولعل الخلف لفظي، كما يعلم من كتب اللغة. قال في
الصحاح: والرميم البالي. وقال ابن الجوزي: تخرج عظامه. ويأخذ أرضه ولا أجرة له (2)،
(وله) أي المعير (الرجوع) في أرضه (قبل الدفن) لانتفاء الضرر، (ولا لمن أعاره حائطا ليضع
عليه) أي الحائط (أطراف خشبه، أو لتعلية سترة عليه) الرجوع في الحائط (ما دام) الخشب
أو بناء السترة (عليه) لما فيه من الضرر، (وله) أي رب الحائط (الرجوع) في حائطه (قبل
الوضع، و) له الرجوع (بعده) أي الوضع (ما لم يبن عليه) لانتفاء الضرر، (أو) أي إلا أن
(تكون العارية لازمة ابتداء) بأن احتاج إلى التسقيف. ولم يمكن إلا بوضع خشبه على جدار
جاره ولا ضرر وأعاره لذلك. فلا رجوع له. وتقدم في الصلح، (فإن خيف سقوط الحائط
بعد وضعه) أي الخشب (عليه لزم إزالته، لأنه يضر بالمالك) والضرر لا يزال بالضرر (وإن
لم يخف عليه) أي الحائط السقوط، (لكن استغنى) المستعير (عن إبقائه) أي الخشب (عليه)
أي الحائط (لم يلزم) المستعير (إزالته) فيها من الضرر، (فإن سقط) الخشب (عنه) أي عن
الحائط المعير لوضعه (لهدم) الحائط، (أو غيره) كسقوط الخشب مع بقاء الحائط (لم يملك)
المستعير (رده) أي إعادة الخشب، لأن العارية ليست بلازمة. وإنما امتنع الرجوع قبل
سقوطه لما فيه من الضرر بالمستعير بإزالة المأذون في وضعه وقد زال (إلا بإذنه) أي المعير،
81

(أو عند الضرورة) بأن لا يمكن تسقيف إلا به (إن لم يتضرر الحائط) لحديث أبي هريرة
(سواء أعيد) الحائط (بآلته الأولى أو غيرها. وتقدم في الصلح) مفصلا، (ولا لمن أعاره أرضا
للزرع) الرجوع فيها (قبل الحصاد) لما فيه من الضرر، (فإن بذل المعير قيمة الزرع ليتملكه لم
يكن له ذلك) (1) بخلاف الغراس، والبناء، (لأن له وقتا ينتهي إليه) بخلافهما (إلا أن يكون)
الزرع (مما يحصد قصيلا فيحصده) المستعير (وقت أخذه عرفا) لعدم الضرر إذن. قال
المجد: ولا أجرة عليه (وإذا أطلق) المعير (المدة في العارية) فلم يقيدها بزمن (فله) أي
المستعير (أن ينتفع بها) أي بالعارية (ما لم يرجع) المعير، (وإن وقتها) المعير (فله) أي
المستعير (أن ينتفع بها) أي بالعارية (ما لم يرجع) المعير، (أو) أي إلى أن (ينقضي الوقت) فلا
ينتفع إلا بإذن لانتهاء الإعارة، (فإن كان المعير أرضا) وانقضت مدة الإعارة (لم يكن له) أي
المستعير (أن يغرس، ولا يبني ولا يزرع بعد الوقت) الذي حدث به الإعارة، (أو) بعد
(الرجوع) في الإعارة (فإن فعل شيئا من ذلك) بأن غرس أو بنى أو زرع بعد الوقت، أو
الرجوع (فكغاصب) على ما يأتي تفصيله لعدوانه، (وإن أعارها) أي الأرض (لغرس، أو بناء،
وشرط) المعير (عليه) أي المستعير (القلع في وقت) عينه، (أو) شرط القلع (عند رجوعه ثم
رجع) المعير (لزمه) أي المستعير (القلع) أي قلع ما غرسه، أو بناه عند الوقت الذي ذكره،
أو عند رجوع المعير. وظاهره: ولو لم يأمره المعير بالقلع. لقوله (ص): المؤمنون عند
شروطهم (2) قال في الشرح: حديث صحيح، لأن المستعير دخل في العارية راضيا بالتزام
الضرر الذي دخل عليه (3). ولا يلزم رب الأرض نقص الغراس والبناء، (ولا يلزمه) أي
المستعير (تسوية الأرض) إذا حصل فيها حفر (إلا بشرط) المعير عليه ذلك لرضاه بذلك.
حيث لم يشترطه على المستعير. فإن شرطه عليه لزمه لدخوله على ذلك، (وإن لم يشرط)
المعير (عليه) أي المستعير (القلع) أي قلع غراسه وبنائه (لم يلزمه) أي المستعير القلع (إلا
82

أن يضمن له المعير النقص) لمفهوم قوله (ص): ليس لعرق ظالم حق والمستعير إنما حصل
غراسه، أو بناؤه في الأرض بإذن ربها. ولم يشترط عليه قلعه. فلم يلزمه لدخول الضرر عليه
بنقص قيمة ذلك، ولان العارية عقد إرفاق ومعونة. وإلزامه بالقلع مجانا يخرجه إلى حكم
العدوان والضرر. قال المجد في شرحه: ومتى أمكن القلع من غير نقص أجبر عليه
المستعير (فإن قلع) المستعير غرسه، أو بناءه باختياره (فعليه تسوية الأرض) من الحفر لأنها
حصلت بفعله لتخليص ماله كالمستأجر، (وإن أبى القلع في الحال التي لا يجبر فيها) بأن كان
عليه فيه ضرر، ولم يشترط عليه (فللمعير أخذه بقيمته بغير رضا المستعير، أو قلعه وضمان
نقصه) لأن ذلك شرع دفعا لضرره وضرر المستعير، وجمعا بين الحقين. ومؤنة القلع على
المستعير كالمستأجر. ولو دفع المستعير قيمة الأرض ليتملكها لم يكن له ذلك، لأنها
أصل. والغراس والبناء تابع، بدليل تبعهما لها في البيع دون تبعها لهما، (فأن أبى) المعير
(ذلك) أي الاخذ بالقيمة والقلع مع ضمان النقص لم يجبر عليه. فإن طلب أحدهما البيع
(بيعا) أي الأرض، والغراس، أو البناء (لهما) أي لمالكيهما أي عليهما. ويجبر الآخر، لان
ذلك طريق لتخلص كل منهما من مضارة الآخر، (فإن أبيا) أي المعير والمستعير (البيع ترك)
الغراس، أو البناء (بحاله واقفا) في الأرض حتى يتفقا، لأن الحق لهما. ومتى بيعا دفع لرب
الأرض قيمتها فارغة والباقي لرب الغراس، أو البناء، (وللمعير التصرف في أرضه على وجه لا
يضر بالشجر) (1) لأنه يملك عينها ونفعها. وليس له التصرف بما يضر الشجر، أو البناء،
لأنهما محترمان لوضعهما بإذنه، (وللمستعير الدخول لسقي وإصلاح وأخذ ثمرة) لأن الاذن
في فعل شئ إذن فيما يعود بصلاحه، (وليس له) أي المستعير (الدخول لغير حاجة من
التفرج ونحوه) (2) كمبيت فيها، لأنه لا يعود بصلاح ماله، لأنه ليس بمأذون فيه نطقا ولا
عرفا، (وأيهما) أي المعير، أو المستعير (طلب البيع وأبى الآخر) البيع (أجبر) الممتنع (عليه)
كما تقدم، إزالة للضرر عنهما، (ولكل منهما بيع ماله) من أرض، أو غراس، أو بناء (منفردا
لمن شاء) من صاحبه أو غيره لأنه ملكه (فيقوم المشتري) لشئ من ذلك (مقام البائع)
83

فمشتري الأرض بمنزلة المعير، ومشتري الغراس، أو البناء بمنزلة المستعير (ولا أجرة على
المستعير من حين رجوع) معير (في) نظير بقاء (غرس وبناء) (1) في معيرة، (و) لا أجرة
للمعير أيضا في (سفينة في لجة بحر، و) لا أجرة له من حين رجوع في (أرض) أعارها
لدفن (قبل أن يبلى الميت) لأن بقاء هذه بحكم العارية. فوجب كونه بلا أجرة كالخشب
على الحائط، ولأنه لا يملك الرجوع في عين المنفعة المذكورة لاضراره بالمستعير إذن،
فلا يملك طلب بدلها كالعين الموهوبة، (بل في زرع) أي إذا أعاره الأرض للزرع ثم رجع
المعير قبل أوان حصاده وهو لا يحصد قصيلا. فإن له مثل أجرة الأرض المعيرة من حين
رجع إلى حين الحصاد، لوجوب تبقيته في أرض المعير إلى أوان حصاده قهرا عليه، لكونه
لم يرض بذلك بدليل رجوعه، ولأنه لا يملك أن يأخذ الزرع بقيمته لأن له أمدا ينتهي إليه،
وهو قصير بالنسبة إلى الغرس، فلا داعي إليه. ولا أن يقلعه ويضمن نقصه لأنه لا يمكن
نقله إلى أرض أخرى بخلاف الغرس وآلات البناء، (ويجوز أن يستعير دابة ليركبها إلى
موضع معلوم. فإن جاوزه فقد تعدى) (2) لأنه بغير إذن المالك (وعليه أجرة المثل للزائد)
على المأذون فيه (خاصة) لأنه الذي حصل فيه التعدي دون ما استعار له، (وإن قال المالك:
أعرتكها) لتركبها، أو تحمل عليها (إلى فرسخ. فقال المستعير): بل أعرتنيها (إلى فرسخين
فالقول قول المالك) (3) لأنه منكر لإعارة الزائد. والأصل عدمها، كما لو أنكر الإعارة من
أصلها، (وإن اختلفا في صفة العين حين التلف) بأن قال المعير: كان العبد كاتبا، أو خياطا،
ونحوه. وأنكره المستعير، (أو) اختلفا (في قدر القيمة) أي قيمة العين المعيرة بعد تلفها (فقول
مستعير) بيمينه، لأنه غارم ومنكر لما يدعيه المعير من الزيادة، والأصل عدمها إلا أن يكون
للمعير بينة. وعلى قياس ما تقدم في غير موضع: إنما يقبل قول مستعير إن ساغ، (وإن حمل
السيل بذرا إلى أرض) لغير مالك البذر (فنبت فيها فهو) أي الزرع (لصاحبه) (4) أي البذر
84

لأنه نماء ملكه (مبقي إلى الحصاد) لعدم عدوان ربه. وإن كان يحصد قصيلا حصد.
قاله الحارثي (ولرب الأرض أجرة مثله) لأن إلزامه تبقية زرع لم يأذن فيه في أرضه
بغير أجرة إضرار به، فوجب أجر المثل، كما لو انقضت مدة الإجارة وفي الأرض
زرع بغير تفريطه. ولا يجبر رب الزرع على قلعه، (وإن أحب مالكه قلعه فله ذلك،
وعليه تسوية الحفر وما نقصت) لأنه أدخل النقص على ملك غيره لاستصلاح ملكه،
(وإن حمل) السيل (غرسا) إلى أرض آخر فنبت فيها (فكغرس مشتر شقصا فيه شفعة)
إذا أخذه الشفيع. فلرب الأرض أن يتملكه بقيمته، أو يقلعه، ويضمن نقصه كالشفيع.
وليس له قلعه مجانا، لأنه لم يحصل من ربه عدوان فيه (وكذا حكم نوى، وجوز، ولوز،
ونحوه) من بندق وفستق وشبههما (إذا حمله) السيل (فنبت) في أرض لآخر فلرب
الأرض تملكه بقيمته، أو قلعه مع ضمان نقصه. ولا يقلعه مجانا لعدم عدوان ربه
(وإن حمل) السيل (أرضا بشجرها فنبت في أرض أخرى كما كانت) قبل حملها (فهي)
أي الأرض ذات الشجر المحمولة (لمالكها)، و (يجبر) مالكها (على إزالتها) لأن في
بقائها إشغالا لملك الغير بما يدوم ضرره بغير اختياره (1). لكن تقدم في حكم الجوار
أن رب الشجر لا يجبر على إزالة عروق شجره وأغصانها من أرض جاره وهوائه لأنه
حصل بغير اختيار مالكها ولم يظهر لي الفرق بينهما، إلا أن يقال هنا: يمنع الانتفاع
بالكلية بخلاف الأغصان والعروق، (وإن ترك صاحب الأرض المنتقلة) بشجرها تلك
الأرض لصاحب الأرض المنتقلة إليها سقط عنه الطلب، (أو) ترك رب (الشجر)، أو
البناء، (أو الزرع)، أو النوى (ذلك) المذكور من أرض، أو شجر، أو بناء، أو زرع، أو نوى
(لصاحب الأرض التي انتقل إليها. لم يلزمه نقله ولا أجرة ولا غير ذلك) وسقط عنه
الطلب بسبب ذلك. لأنه حصل بغير تفريطه ولا عدوانه. وكانت الخيرة إلى صاحب
الأرض المشغولة به، إن شاء أخذه لنفسه، وإن شاء قلعه. ذكره في الشرح (2).
85

فصل:
(وحكم مستعير في استيفاء المنفعة كمستأجر)
لأنه ملك التصرف بإذن المالك. أشبه المستأجر، (فإن أعاره أرضا للغراس، والبناء، أو
لأحدهما فله ذلك) أي أن يفعل ما استعار له، (و) له (أن يزرع ما شاء) لأن الضرر أخف.
هكذا ذكره الأصحاب ههنا. وذكر في المغني في الإجارة إن أجرها للبناء امتنع الغرس،
والزرع (1)، لأن ضررهما يختلف. فتمتنع الزراعة ههنا كذلك. وهو الصحيح. قاله الحارثي
(وإن استعارها للزرع لم يغرس، ولم يبن) لأنهما أكثر ضررا، (وإن استعارها للغرس، أو البناء
فليس له الآخر) لأن ضررهما مختلف، (و) حكم مستعير (كمستأجر في استيفائها) أي
المنفعة (بنفسه وبمن يقوم مقامه) وهو وكيله لأنه نائبه، (و) مستعير كمستأجر أيضا (في
استيفائها) أي المنفعة (بعينها وما دونها في الضرر من نوعها)، فإذا أعاره لزرع البر، فله زرعه
وزرع ما دونه. لا ما فوقه ضررا، كدخن وذرة. وإذا أعاره للركوب لم يحمل وعكسه
(وغير ذلك) أي حكم المستعير حكم المستأجر في غير ما ذكر مما تقدم في الإجارة (إلا
أنهما) أي المستعير والمستأجر (يختلفان في شيئين. أحدهما) أن المستعير (لا يملك الإعارة
ولا الإجارة على ما يأتي) لأنه لا يملك المنفعة. بل الانتفاع. (والثاني: الإعارة لا يشترط لها
تعيين نوع الانتفاع) لأنها عقد جائز. فلا أثر للجهالة فيه للتمكن من قطعها بالفسخ،
بخلاف الإجارة (فلو أعاره مطلقا) أي أعاره عينا ولم يبين صفة الانتفاع بها (ملك) المستعير
(الانتفاع بالمعروف في كل ما هو) أي المعير (مهيأ) أي صالح (له كالأرض مثلا تصلح
للبناء، والغراس، والزراعة، والارتباط) فله الانتفاع بها في أي ذلك أراد، (وما كان غير مهيأ
له، وإنما يصلح لجهة واحدة كالبساط إنما يصلح للفرش. فالاطلاق فيه كالتقييد للتعيين)
86

أي لتعيين نوع الانتفاع (بالعرف) فيحمل الاطلاق عليه، (فله) أي المستعير (استنساخ الكتاب
المعير. و) له (دفع الخاتم المعير إلى من ينقش له على مثاله) لأن المنافع واقعة له، فهو
كالوكيل (وإذا أعاره) أرضا (للغرس، أو للبناء، أو للزراعة لم يكن له) أي المستعير (ما زاد
على المرة الواحدة) بلا إذن المعير لعدم تناول الاذن للزائد (فإن زرع) المستعير، (أو غرس)،
أو بنى (ما ليس له) زرعه، أو (غرسه) أو بناؤه (فكغاصب) لأنه تصرف بغير إذن المالك،
(واستعارة الدابة للركوب لا تفيد السفر بها) لأنه ليس مأذونا فيه نطقا ولا عرفا (والعارية
المقبوضة مضمونة) (1) روي عن ابن عباس وأبي هريرة. لما روى الحسن عن سمرة أن
النبي (ص) قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه (2) رواه الخمسة وصححه الحاكم. وعن
صفوان أنه (ص) استعار منه يوم حنين أدراعا فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية
مضمونة (3) رواه أحمد وأبو داود. وأشار أحمد إلى الفرق بين العارية والوديعة بأن العارية
أخذتها اليد. والوديعة دفعت إليك، ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفردا بنفعه من غير
استحقاق ولا إذن في إتلاف. فكان مضمونا كالغصب وقاسه في المغني (4) والشرح على
المقبوض على وجه السوم (5)، فيضمنها المستعير (بقيمتها يوم التلف) لأنه حينئذ يتحقق
فوات العارية فوجب اعتبار الضمان به إن كانت متقومة. ولعل المراد بيوم التلف: وقته ليلا
كان أو نهارا (بكل حال) أي لا فرق بين أن يتعدى فيها، أو يفرط فيها أو لا، (وإن شرط نفي
ضمانها) أي لم يسقط، لأن كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع،
فالشرط فاسد، (وإن كانت) العارية (مثلية) وتلفت (ف‍) - ضمانها (بمثلها) لأنه أقرب إليها من
87

القيمة (وكل ما كان أمانة) لا يزول عن حكمه بشرط ضمانه كالوديعة والرهن، (أو) كان
(مضمونا لا يزول عن حكمه بالشرط) لأن شرط خلاف مقتضى العقد فاسد (ولو استعار
وقفا ككتب علم وغيرها) كأدراع موقوفة على الغزاة (فتلفت بغير تفريط) ولا تعد (فلا
ضمان) قال في شرح المنتهى: ولعل وجه عدم ضمانها لكون قبضها ليس على وجه يختص
المستعير بنفعه، لكون تعلم العلم وتعليمه والغزو من المصالح العامة، أو لكون الملك فيه
ليس لمعين، أو لكونه من جملة المستحقين له. أشبه ما لو سقطت قنطرة موقوفة بسبب
مشيه عليها (1). والله أعلم. وفي التعليل الأول نظر. إذ عليه لا فرق بين الملك والوقف.
ومقتضى التعليلين الأخيرين: إن ذلك لو كان وقفا على معين وتلف ضمنه مستعيره
كالمطلق وهو ظاهر. ولم أره (وإن كان) استعار كتب العلم الموقوفة ونحوها (برهن) وتلفت (رجع) الرهن (إلى ربه) وعلى ما تقدم في الرهن لا يصح أخذ الرهن عليها لأنها
أمانة. فيرد الرهن لربه مطلقا، وإن فرط لفساده. ويضمن المستعير ما تلف منها بتفريطه، أو
تعديه (ولو أركب دابته متطوعا منقطعا لله تعالى فتلفت) الدابة (تحته لم يضمن) المنقطع الدابة إذ
المالك هو الطالب لركوبه تقربا إلى الله تعالى (2). وكذا لو غطى ضيفه بنحو لحاف فتلف لم
يضمنه (وكذا رديف ربها) بأن أركب إنسانا خلفه فتلفت الدابة تحتهما لم يضمن الرديف
شيئا، لأن الدابة بيد مالكها، (و) كذا (رائض) الدابة وهو الذي يعلمها السير إذا تلفت تحته
لم يضمنها لأنه أمين، (و) كذا (وكيله) أي وكيل رب الدابة إذا تلفت في يده لم يضمنها،
لأنه ليس بمستعير. وكذا حيوان موصى بنفعه إذا قبضه الموصى له وتلف في يده بغير
تفريط لم يضمنه، لأن نفعه مستحق لقابضه (ولو قال) آخذ الدابة: (لا أركب إلا بأجرة وقال)
الدافع: (لا آخذ أجرة ولا عقد بينهما) وأخذها (ف‍) - هي (عارية) تثبت لها أحكام العارية،
لأن ربها لم يبذلها إلا كذلك. وكذا لو استعمل المودع الوديعة بإذن ربها (وإن تلفت
أجزاؤها) باستعمالها بمعروف فلا ضمان، (أو) تلفت العارية (كلها باستعمال) لها (بمعروف،
كحمل منشفة وطنفسة) بكسر نون في اللغة العالية واقتصر عليها جماعة منهم ابن السكيت.
وفي لغة بفتحتين، وهي بساط له خمل دقيق (ونحوهما) لأن الاذن في الاستعمال تضمن
الاذن في الاتلاف الحاصل به. وما أذن في إتلافه لا يضمن كالمنافع. قال ابن نصر الله:
فعلى هذا لو تلفت بالانتفاع بالمعروف فلا ضمان. وعلم من قوله بمعروف: إنه لو حمل
88

في الثوب ترابا فتلف ضمنه لتعديه بذلك، (أو) تلفت العارية، أو جزؤها (بمرور الزمان فلا
ضمان) لأنه تلف بالامساك المأذون فيه أشبه تلفه بالفعل المأذون فيه. ولو جرح ظهر الدابة
بالحمل وجب الضمان، سواء كان الحمل معتادا أو لا، لأنه غير مأذون فيه، والاحتراز منه
ممكن عند الحمل بخلاف حمل المنشفة. ذكره الحارثي (وكذا لو تلف ولدها) أي العارية
الذي سلم معها لأنه لم يدخل في الإعارة ولا فائدة للمستعير فيه. أشبه الوديعة (1). فإن
قيل: تقدم أن الحمل وقت عقد مبيع فعليه هنا يكون معيرا. قلت: يفرق بينهما بأن العقد
في البيع على العين، بخلاف العارية فإنه على المنافع، ولا منفعة للحمل يرد عليها العقد،
(أو) تلفت (الزيادة) التي حصلت في العين المستعارة عند المستعير لم يضمنها، لأنه لم يرد
عليها عقد العارية. وعلم منه أن الزيادة لو كانت موجودة عند العقد كما لو كانت الدابة
سمينة، فهزلت عند المستعير أنه يضمن نقصها قلت: إن لم تذهب في الاستعمال
بالمعروف، أو بمرور الزمان. (وليس لمستعير أن يعير) (2) المعير، (ولا) أن (يؤجر) ه (إلا
بإذن) ربه، لأنه لا يملك منافعه. فلا يصح أن يبيحها ولا أن يبيعها بخلاف مستأجر وتقدم.
قال الحارثي: ولا يودعه، (ولا يضمن مستأجر منه) أي المستعير (مع الاذن) من المعير إذا
تلفت العين عنده بلا تفريط، كالمستأجر من ربها، (وتقدم في الإجارة. و) إذا أجر المستعير
بإذن المعير العارية ف‍ (- الأجرة لربها) لأنها بدل عما يملكه من المنافع (لا له) أي
المستعير، لأنه لا ملك له في المنافع. وإنما يملك الانتفاع (فإن أعار) المستعير (بلا إذن)
المعير (فتلفت) العارية (عند) المستعير (الثاني ضمن) رب العين (القيمة والمنفعة أيهما
شاء) (3) أما الأول فلأنه سلط غيره على أخذ مال غيره بغير إذنه. أشبه ما لو سلط على مال
غيره دابة فأكلته. وأما الثاني فلان العين والمنفعة فاتا على مالكهما في يده، (والقرار) في
ضمانهما (على الثاني) لأنه المستوفي للمنفعة بدون إذن المالك. وتلف العين إنما حصل
تحت يده. ومحل ذلك (إن كان) الثاني (عالما بالحال) أي بأن العين لها مالك لم يأذن في
إعارتها. وكذا لو أجرها بلا إذنه، (وألا) يكن الثاني عالما بالحال (استقر عليه ضمان العين)
لأنه قبضها على أنها عارية والعارية مضمونة، (ويستقر ضمان المنفعة على) المستعير (الأول)
89

لأنه غر الثاني بدفعها له على أن يستوفي بغير عوض، وعكس ذلك: لو أجرها لجاهل
بالحال فيستقر على المستأجر ضمان المنفعة. وعلى المستعير ضمان العين (وليس له) أي
المستعير (أن يستعمل ما استعاره في غير ما يستعمل فيه مثله، مثل أن يحشو القميص قطنا
كما يفعل بالجوالق) غرارة من شعر ونحوه، (أو يحمل فيه) أي القميص (ترابا أو يستعمل
المناشف والطنافس في ذلك) أي حشو القطن أو التراب، (أو يستظل بها من الشمس أو
نحوه) لأنه غير مأذون فيه لفظا ولا عرفا، (فإن فعل) ذلك (ضمن ما نقص من أجزائها بهذه
الاستعمالات) (1) لتعديه بها (فإن اختلفا) أي المعير والمستعير (فيما ذهبت به أجزاؤها فقال
المستعير) ذهبت (بالاستعمال المعهود) أي المعتاد (وقال المعير) ذهبت (بغيره ولا بينة،
فقول مستعير مع يمينه ويبرأ من ضمانها) (2) لأنه منكر. والأصل براءته، (ويجب) على
المستعير (الرد) للعارية (بمطالبة المالك) له بالرد، ولو لم ينقض غرضه منها، أو بمضي
الوقت، لأن الاذن هو المسلط لحبس العين وقد انقطع بالطلب، (و) يجب الرد أيضا
(بانقضاء الغرض من العين) المعيرة، لأن الانتفاع هو الموجب للحبس وقد زال (وبانتهاء
التأقيت) إن كانت العارية مؤقتة لانتهائها، (وبموت المعير أو المستعير) لبطلان العارية
بذلك، لأنها عقد جائز من الطرفين (وحيث تأخر الرد فيما ذكرنا ففيه) أي المعير (أجرة
المثل) لمدة تأخيره (لصيرورته) أي المعير (كالمغصوب. قاله الحارثي) لعدم الإذن فيه،
(وعلى مستعير مؤنة رد العارية إلى مالكها كمغصوب) لما تقدم من قوله (ص): على اليد ما
أخذت حتى تؤديه (3) وإذا كانت واجبة الرد وجب أن تكون مؤنة الرد على من وجب عليه
الرد. و (لا) يجب على المستعير (مؤنتها) أي العارية من مأكل ومشرب ما دامت (عنده)، بل
ذلك على مالكها كالمستأجرة، (وعليه) أي المستعير (ردها) أي العارية (إليه) أي المالك، أو
90

وكيله (إلى الموضع الذي أخذها منه) كالمغصوب (إلا أن يتفقا على ردها إلى غيره) قاله في
الشرح (1)، (ولا يجب على المستعير أن يحملها) أي العارية (له) أي المعير (إلى موضع آخر)
غير الذي استعاره فيه (فإذا أخذها) أي العارية (بدمشق وطالبه) مالكها بها (ببعلبك. فإن
كانت معه لزم الدفع) لعدم العذر، (وإلا) تكن معه ببعلبك (فلا) يلزمه حملها إليها، لان
الاطلاق إنما اقتضى الرد من حيث أخذ، إعادة للشئ إلى ما كان عليه. فلا يجب ما زاد
(وإن استعار ما ليس بمال ككلب مباح الاقتناء) قلت: أو جلد ميتة مدبوغ، (أو أبعد حرا
صغيرا) قلت: ومثله مجنون (عن بيت أهله لزمه ردهما، و) لزمه (مؤنة الرد) لعموم ما تقدم
من قوله (ص): على اليد ما أخذت حتى تؤديه (2) ولو مات الحر لم يضمنه، كما يأتي في
الباب عقبه وفي الديات، (فإن رد) المستعير (الدابة إلى إصطبل) بقطع الهمزة مكسورة وفتح
الطاء وسكون الباء غير عربي (مالكها، أو) إلى (غلامه، وهو القائم بخدمته وقضاء أموره عبدا
كان أو حرا) لم يبرأ بذلك، (أو) ردها إلى (المكان الذي أخذها منه، أو إلى ملك صاحبها)
ولم يسلمها لاحد. لم يبرأ بذلك، (أو) رد العارية (إلى عياله الذين لا عادة لهم بقبض ماله
لم يبرأ من الضمان) لأنه لم يردها إلى مالكها، ولا نائبه فيها فلم يبرأ كالأجنبي، (وإن ردها)
أي رد المستعير الدابة (أو) رد (غيرها) من العواري (إلى من جرت عادته بجريان ذلك) أي
الرد (على يده كسائس) رد إليه الدابة، (و) ك‍ (- زوجة متصرفة في ماله وخازن) إذا رد إليهما
ما جرت عادتهما بقبضه، (و) ك‍ (- وكيل عام في قبض حقوقه. قاله) القاضي (3) (في
المجرد: برئ) المستعير من الضمان لأنه مأذون في ذلك عرفا. أشبه ما لو أذن له فيه نطقا
(وإن سلم شريك إلى شريكه الدابة المشتركة. فتلفت بلا تفريط ولا تعد، بأن ساقها فوق
91

العادة) مثال للتعدي المنفي وقوله: (من غير انتفاع ونحوه) متعلق بسلم (لم يضمن. قاله
الشيخ) لأنه أمين، (وتأتي تتمته في الهبة) وإن ساقها فوق العادة ضمن. وإن سلمها إليه
ليعلفها ويقوم بمصلحتها ونحوه. لم يضمن. وإن سلمها إليه لركوبها لمصالحه وقضاء
حوائجه عليها فعارية، (ومن استعار شيئا ثم ظهر مستحقا فلمالكه أجر مثله) لأنه لم يأذن في
استعماله (يطالب به من شاء منهما) أما الدافع فلتعديه بالدفع. وأما القابض فلقبضه مال
غيره بغير إذنه (فإن ضمن المستعير رجع على المعير بما غرم) لأنه غره (ما لم يكن)
المستعير (عالما) بالحال. فيستقر عليه الضمان، لأنه دخل على بصيرة (وإن ضمن) المالك
(المعير) الأجرة (لم يرجع) بها (على أحد) إن لم يكن المستعير عالما وإلا رجع عليه لما
تقدم (ويأتي في الغصب) موضحا.
فصل:
(وإن دفع إليه دابة أو غيرها)
من الأعيان المنتفع بها مع بقائها، (ثم اختلفا) أي المالك والقابض (فقال) المالك:
(أجرتك، فقال) القابض: (بل أعرتني). وكان ذلك (عقب العقد) بأن لم يمض زمن له أجرة
عادة، (والدابة) أو غيرها (قائمة) لم تتلف (فقول القابض) (1) بيمينه، لأن الأصل عدم عقد
الإجارة، (و) حينئذ (ترد) العين (إلى مالكها) لأنه لا مستحق لها غيره (وإن كان) الاختلاف
(بعد مضي مدة لها أجرة) عادة (ف‍) - القول (قول مالك فيما مضى من المدة) مع يمينه (2)
لأنهما اختلفا في كيفية انتقال المنافع إلى ملك القابض. فقدم قول المالك، كما لو اختلفا
في عين. فادعى المالك بيعها والآخر هبتها، إذ المنافع تجري مجرى الأعيان (دون ما بقي)
من المدة. فلا يقبل قول المالك فيه، لأن الأصل عدم العقد، (و) إذا حلف المالك ف‍ (- له
أجرة مثل) لأن الإجارة لا تثبت بدعوى المالك بغير بينة وإنما يستحق بدل المنفعة، وهو
92

أجرة المثل (وإن كانت الدابة قد تلفت) وقال المالك: أجرتكها. وقال القابض: أعرتنيها. (لم
يستحق صاحبها المطالبة بقيمتها. لاقراره بما يسقط ضمانها) وهو الإجارة، (ولا نظر إلى
إقرار المستعير) بالعارية (لأن المالك رد قوله بإقراره) بالإجارة، (فبطل) إقراره (وإن قال)
المالك: (أعرتك) العين. (قال) القابض: (بل أجرتني، والبهيمة تالفة). فقول مالك، لأن الأصل
في القابض لمال غيره الضمان (أو اختلفا في ردها) بأن قال مستعير: رددتها. وأنكره المالك
(فقول مالك) بيمينه، لأن الأصل عدم الرد، وكالمدين إذا ادعى أداء الدين (وإن قال)
القابض: (أعرتني، أو أجرتني. قال) المالك: (بل غصبتني، فإن كان اختلافهما عقب العقد
والبهيمة قائمة أخذها مالكها. ولا شئ له) لأن الأصل عدم الإجارة والعارية. ولم يفت
منها شئ ليأخذ المالك عوضه، (وإن كان) اختلافهما، و (قد مضى مدة لها أجرة فقول
المالك) بيمينه لما تقدم من أن الأصل عدم الإجارة والعارية. وأن الأصل في القابض لمال
غيره الضمان (فتجب له أجرة المثل على القابض) للعين، حيث لا بينة له، لأن الأصل عدم
ما ادعاه (وإن تلفت الدابة) واختلفا (ففي مسألة دعوى القابض العارية) والمالك الغصب
(هما متفقان على ضمان العين) إذ كل من الغصب والعارية مضمون (مختلفان في الأجرة)
لأن المالك يدعيها لدعواه الغصب. والقابض ينكرها بدعواه العارية (والقول قول المالك)
لما تقدم، (ف‍) - يحلف. و (تحب له أجرة المثل) على القابض (كما تقدم. وفي دعواه) أي
القابض (الإجارة) مع دعوى المالك الغصب هما (متفقان على وجوب الأجرة، مختلفان في
ضمان العين. والقول قول المالك. فيغرم القابض قيمتها إذا كانت تالفة في الصورتين) أي
في دعوى الإجارة ودعوى العارية، حيث ادعى المالك الغصب فيهما. ويغرم القابض أيضا
أجرة مثلها إلى حين التلف فيهما، كما علم مما تقدم (وإن قال) المالك: (أعرتك. قال)
القابض: (بل أودعتني. فقول مالك) (1) بيمينه. لما تقدم (ويستحق) المالك (قيمة العين إن
93

كانت تالفة) ولا أجرة (وعكسها) بأن قال المالك: أودعتك. فقال القابض: أعرتني. (ف‍)
- القول (قوله) أي المالك (أيضا) لما تقدم، (فيضمن) القابض (ما انتفع به) أي أجرة انتفاعه
بالمقبوض. ويرد العين إن كانت باقية. وإلا فقيمتها أيضا. وإذا ادعى أنه زرعها عارية.
وقال ربها: إجارة. فقول ربها. ذكره الشيخ تقي الدين.
باب الغصب وجناية البهائم وما في معنى ذلك من الاتلافات
(الغصب حرام) إجماعا. لقوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * [النساء:
29]. وقوله (ص): لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه رواه ابن ماجة والدارقطني،
(وهو) أي الغصب: مصدر غصب الشئ يغصبه، بكسر الصاد، غصبا. واغتصبه يغتصبه
اغتصابا. والشئ مغصوب وغصب. وهو في اللغة (1): أخذ الشئ ظلما. قاله الجوهري
وابن سيده. وشرعا (استيلاء غير حربي عرفا) أي فعل بعد استيلاء عرفا (على حق غيره)
من مال، أو اختصاص (قهرا بغير حق) (2) فعلم منه أن الغصب لا يحصل بغير الاستيلاء.
ويأتي، وأن استيلاء الحربي على ما لنا ليس غصبا، لأنه يملكه بذلك كما تقدم في الغنيمة. وأن
السرقة والنهب والاختلاس ليست غصبا لعدم القهر فيها. وأن استيلاء الولي على مال موليه
ليس غصبا، لأنه بحق. قيل: قهرا زيادة في الحد، لأن الاستيلاء يدل عليه. قال في
المبدع: وفيه نظر، لأنه لا يستلزمه، مع أنه يخرج بقيد القهر ما تقدم من المسروق
والمنتهب والمختلس (3). ودخل في الحد: ما يؤخذ من الأموال بغير حق كالمكوس،
(وتضمن أم ولد) بغصب، لأنها تجري مجرى المال. بدليل أنها تضمن بالقيمة في
الاتلاف، لكونها مملوكة كالقن، بخلاف الحرة. فإنها ليست بمملوكة. فلا تضمن بالقيمة،
(و) يضمن (قن) بغصب، ذكرا كان أو أنثى، كسائر المال، (و) يضمن (عقار بغصب) لما
روى سعيد بن زيد: أن النبي (ص) قال: من اقتطع من الأرض شبرا ظلما طوقه الله يوم
94

القيامة من سبع أرضين (1) متفق عليه، ولان ما يضمن في الاتلاف يجب أن يضمن في
الغصب كالمنقول والعقار بفتح العين. قال أبو السعادات: هو الضيعة والنخل والأرض.
فيضمن الغاصب العقار (إذا تلف بغرق ونحوه) كسائر المغصوبات، (لكن لا تثبت يد على
بضع) بضم الباء، وجمعه أبضاع كقفل وأقفال. يطلق على الفرج والجماع والتزويج
والبضاع: الجماع لفظا ومعنى، ذكره في الحاشية (فيصح تزويج الأمة المغصوبة) قنا كانت،
أو أم ولد، أو مدبرة، أو مكاتبة، (ولا يضمن الغاصب مهرها لو حبسها عن النكاح حتى
فات) (2) نكاحها (بالكبر) أي كبرها، لأن النفع إنما يضمن بالتفويت إذا كان مما تصح
المعاوضة عليه بالإجارة. والبضع ليس كذلك، (ولا يحصل الغصب من غير استيلاء. فلو
دخل أرض إنسان أو داره، صاحبها فيها أو لا) سواء دخل (بإذنه أو بغير إذنه لم يضمنها
بدخوله) حيث لم يقصد الاستيلاء (كما لو دخل صحراة له) لأنه إنما يضمن بالغصب ما
يضمن بالعارية. وهذا لا يثبت به العارية. ولا يجب به الضمان فيها. فكذلك لا يثبت به
الغصب.
تنبيه: في قوله: صحراة نظر. قال في الصحاح: تقول هذه صحراء واسعة، ولا
تقول هذه صحراة. فتدخل تأنيثا على تأنيث.
فائدة: لا يشترط لتحقق الغصب نقل العين فيكفي مجرد الاستيلاء. فإذا ركب دابة
واقفة لانسان وليس هو عندها صار غاصبا. ولو دخل دارا قهرا وأخرج ربها فغاصب. وإن
أخرجه قهرا ولم يدخل، أو دخل مع حضور ربها وقوته فلا. وإن دخل قهرا ولم يخرجه فقد
غصب ما استولى عليه، وإن لم يرد الغصب فلا. وإن دخلها قهرا في غيبة ربها فغاصب.
ولو كان فيها قماشه. ذكره في المبدع، (وإن غصب كلبا يجوز اقتناؤه) وهو كلب صيد
وماشية وحرث لزمه رده، (أو) غصب (خمر ذمي مستورة)، أو خمر خلال لزمه ردها (3)، لأنها
غير ممنوع من إمساكها. وكذا لو غصب دهنا متنجسا، لأنه يجوز الاستصباح به في غير
95

مسجد، (أو تخلل خمر مسلم في يد غاصب. لزمه رده) لأنها صارت خلا على حكم
ملكه. فإن تلف ضمنه. وقوله: مسلم ليس بقيد، بل خمر الذمي إذا تخلل بيد
الغاصب يجب رده بطريق الأولى، لأنه كان يجب رده قبل التخلل، فبعده أولى (لا ما
أريق) من خمر مسلم. ولعل المراد غير خلال (فجمعه آخر فتخلل) في يد جامعه. فلا
يلزمه رده (لزوال يده هنا) بالإراقة (وإن أتلف) غاصب أو غيره (الكلب، أو الخمر ولو
كان المتلف ذميا لم تلزمه قيمتهما) لأنهما ليس لهما عوض شرعي (1)، لأنه لا يجوز
بيعهما (كخنزير. و) ك‍ (خمر غير مستورة) ولو لذمي (وتجب إراقة خمر المسلم)
غير الخلال لأنه لا يقر على اقتنائه، (ويحرم ردها) أي الخمر (إليه) أي المسلم غير
الخلال، لأنه إعانة له على ما يحرم عليه، (وإن غصب جلد ميتة نجسة. لم يلزمه) أي
الغاصب (رده) (2) ولو دبغه (لأنه لا يطهر بدبغه. ولا قيمة له) لأنه لا يصح بيعه.
واختار الحارثي: يجب رده حيث قلنا ينتفع به في اليابسات، لأن فيه نفعا مباحا
كالكلب المقتنى. وصححه في تصحيح الفروع. وهو القياس. وقطع به ابن رجب.
واختاره أيضا الموضح. وقال: وصرحوا بوجوب رده في الاقرار بالمجمل (وإن استولى
على حر لم يضمنه بذلك، ولو) كان (صغيرا) (3) لأنه ليس بمال، (ويأتي في الديات إن
شاء الله تعالى) بأوضح من ذلك. لكن تقدم في الباب قبله: إذا أبعده عن بيت أهله
يلزمه رده ومؤنته عليه. ولا يضمن دابة عليها مالكها الكبير ومتاعه، لأنها في يد
مالكها. نقله ابن رجب عن القاضي. وجزم به في المنتهى، (ويضمن) الغاصب (ثيابه)
أي ثياب حر صغير (وحليه) وإن لم ينزعه عنه، لأنه مال. أشبه ما لو كان منفردا (وإن
استعمله) أي الحر كبيرا كان أو صغيرا (كرها، أو حبسه مدة، فعليه أجرته) لأن منفعته
مال يجوز أخذ العوض عنها. فضمنت بالغصب (ك‍) - منافع (العبد. وإن منعه) أي منع
96

إنسان آخر (العمل من غير حبس. فلا) ضمان عليه في منافعه (ولو) كان الممنوع
(عبدا) لأن منافعه فاتت تحت يده. فلا يضمنها الغير.
فصل:
(ويلزمه) أي الغاصب
(رد المغصوب إلى محله) الذي غصبه منه (وإن بعد، إن قدر على رده) أي إن كان
باقيا لقوله (ص): على اليد ما أخذت حتى تؤديه رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وحسنه
الترمذي ولما روى عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا
أو جادا، ومن أخذ عصا أخيه فليردها (1) رواه أبو داود (ولو غرم) الغاصب (عليه) أي الرد
(أضعاف قيمته) لأنه هو المعتدي. فلم ينظر إلى مصلحته. فكان أولى بالغرامة (فإن قال
ربه) أي المغصوب المبعد: (دعه) مكانه (وأعطني أجرة رده) إلى مكانه (وإلا ألزمتك برده) لم
يلزمه، لأنها معاوضة فلا يجبر عليها، (أو طلب) رب المغصوب (منه) أي الغاصب (حمله
إلى مكان آخر في غير طريق الرد. لم يلزمه) أي الغاصب. ولو كان أقرب لأنها معاوضة
(وإن قال المالك: دعه) أي المغصوب (لي في المكان الذي نقلته إليه لم يملك الغاصب
رده) إلى المكان الذي غصبه منه. لأنه تصرف لم يؤذن له فيه (وإن قال) المالك: (رده) أي
المغصوب (إلى بعض الطريق) إلى الموضع الذي غصبه منه (لزمه) رده إليه، لأنه يلزمه إلى
جميع المسافة. فلزمه إلى بعضها، كما لو أسقط رب الدين عن المدين بعض الدين وطلب
منه باقيه (ومهما اتفقا عليه من ذلك) المذكور (جاز) لأن الحق لهما (وإن خلطه) أي
المغصوب (بما يمكن تمييزه منه، أو) يمكن (تمييز بعضه كحنطة) خلطها (بشعير أو
97

بسمسم، أو) خلط (صغار الحب بكباره) لو اتحد الجنس، (أو) اختلط (زبيب أحمر بأسود)
وما أشبهه (لزمه) أي الغاصب (تخليصه ورده) إلى مالكه (وأجرة المميز عليه) (1) أي
الغاصب، لأنه بسبب تعديه، فكان أولى بغرمه من مالكه. لكون الشارع لم ينظر إلى
مصلحة المتعدي، (وإن) اختلط المغصوب بغيره، و (لم يمكن تمييزه، فسيأتي في الباب.
وإن شغل المغصوب بملكه، كحجر بنى) الغاصب (عليه أو خيط خاط به ثوبه، أو نحوه، فإن
بلي الخيط وانكسر الحجر) بحيث لا ينتفع به وإلا رده مع أرشه، (أو كان مكانه خشبة
فتلفت) الخشبة (لم يجب رده) لأنه صار مستهلكا (ووجبت قيمته) كما لو أتلفه، (وإن كان)
الحجر، أو الخشبة، أو الخيط (باقيا بحاله) أو متغيرا (لزمه رده) مع أرش نقصه إن نقص (وإن
انتقض البناء) برد الحجر، أو الخشبة (وتفصل الثوب) برد الخيط، لأنه مغصوب أمكن رده.
فوجب كما لو لم يبن عليه أو يخيط به وإن وصل به (وإن سمر) الغاصب (بالمسامير)
المغصوبة (بابا لزمه) أي الغاصب (قلعها وردها) (2) للخبر. ولا أثر لضرره، لأنه حصل
بتعديه (وإن كانت المسامير من الخشبة المغصوبة، أو) كانت من (مال المغصوب منه، فلا
شئ للغاصب) في نظير عمله لتعديه به (وليس له) أي الغاصب (قلعها) لأنه تصرف لم
يؤذن له فيه (إلا أن يأمره المالك) بقلعها (فيلزمه) القلع، ولا أثر لضرره، لأنه حصل بتعديه
(وإن كانت المسامير للغاصب، فوهبها للمالك، لم يجبر المالك على قبولها) من الغاصب،
لما عليه من المنة (وإن استأجر الغاصب على عمل شئ من هذا الذي ذكرناه فالأجر عليه)
لأنه غر العامل. ولا شئ على المالك، لأنه لم يأذن فيه (وإن زرع) الغاصب (الأرض
فردها بعد أخذ الزرع. فهو للغاصب) قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، لأنه نماء ماله (3)
98

(وعليه) أي الغاصب (أجرتها) أي الأرض (إلى وقت تسليمها) لأنه استوفى نفعها. فوجب
عليه عوضه، كما لو استوفاه بالإجارة، ولان المنفعة مال. فوجب أن تضمن كالعين،
(و) عليه (ضمان النقص) إن نقصت كسائر الغصوب، (ولو لم يزرعها) أي المغصوبة
الغاصب (فنقصت لترك الزراعة، كأراضي البصرة، أو نقصت) المغصوبة (لغير ذلك.
ضمن) الغاصب (نقصها) لأنه نقص حصل بيده العادية، (وإن أدركها) أي الأرض
(ربها، والزرع قائم) لم يحصد (فليس له إجبار الغاصب على قلعه) (1) لما روى
رافع بن خديج أن النبي (ص) قال: من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع
شئ، وله نفقته (2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، ولأنه أمكن رد المغصوب
إلى مالكه من غير إتلاف مال الغاصب على قرب من الزمان فلم يجز إتلافه. كما لو
غصب سفينة فحمل فيها متاعه، وأدخلها لجة البحر، لا يجبر على إلقائه، فكذا هنا،
صيانة للمال عن التلف. وفارق الشجر لطول مدته. وحديث: ليس لعرق ظالم حق (3)
محمول عليه، لأن حديثنا في الزرع، فيحصل الجمع بينهما، (ويخير) مالك الأرض (بين
تركه) أ ى الزرع (إلى الحصاد بأجرته) أي أجرة مثله، وأرش نقصها إن نقصت (وبين
أخذه بنفقته) (4) لأن كل واحد منهما يحصل به غرضه. فملك الخيرة بينهما تحصيلا
لغرضه (فيرد) المالك إن اختار أخذ الزرع للغاصب (مثل البذر وعوض لواحقه، من
حرث وسقي وغيرهما) لقوله (ص) في الحديث السابق: وله نفقته قال الامام: إنما أذهب
99

إلى هذا الحكم استحسانا على خلاف القياس (1). وظاهره: ولو كان عمل الحرث
ونحوه بنفسه، لأن العمل متقوم استهلك لمصلحة الزرع فوجب رد عوضه، كما لو
استأجر من عمله. وهذا أحد احتمالين ذكرهما الحارثي (ولا أجرة) على الغاصب في
الأرض المغصوبة، إذا اختار المالك أخذ الزرع بنفقته (مدة مكثه) أي الزرع (في
الأرض) المغصوبة، لأن منافع الأرض في هذه المدة عادت إلى المالك. فلم يستحق
عوضها على غيره (ويزكيه) أي الزرع (رب الأرض إن أخذه قبل وجوب الزكاة) بأن
تملكه قبل اشتداده لوجوبها وهو في ملكه، (و) إن تملكه (بعد) ه أي بعد وجوب، بأن
تملكه بعد الاشتداد. فزكاته (على الغاصب) لأنه المالك وقت وجوبها. صححه في
الانصاف (2). قال في تصحيح الفروع: وهذا الصحيح. وقواعد المذهب تقتضيه.
والوجه الثاني: تزكية آخذه. وهو مقتضى المنصوص واختيار الخرقي، وأبي بكر، وابن
أبي موسى، والحارثي وغيرهم، لأنهم اختاروا أن الزرع من أصله لرب الأرض. ولكن
المذهب الأول. انتهى. ومقتضى كلامه في التنقيح والمنتهى في الزكاة: إن المذهب
الثاني (3). وإن قلنا الملك للغاصب إلى أخذه، ويفرق بين رب الأرض والمشتري، بأن
رب الأرض يتملكه بنفقته. فملكه استند إلى أول وجوده بخلاف المشتري، (وإن غرسها)
أي الأرض المغصوبة (الغاصب، أو بنى فيها ولو) كان الغاصب (شريكا) في الأرض
المغصوبة (أو فعله) أي غرس أو بنى في الأرض أجنبي، أو شريك (من غير غصب، بلا
إذن) رب الأرض (أخذ) أي ألزم (بقلع غراسه، و) قلع (بنائه) إذا طالبه رب الأرض
بذلك. لقوله (ص): ليس لعرق ظالم حق (4) رواه الترمذي وحسنه. وفي رواية أبي داود
100

والدارقطني من حديث عروة بن الزبير قال: ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث:
أن رجلين اختصما إلى النبي (ص)، غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر. فقضى لصاحب
الأرض بأرضه. وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها. فلقد رأيتها وإنها لتضرب
أصولها بالفؤوس، وإنها لنخل عم (1) قال أحمد: العم الطوال. (و) أخذ الغاصب أيضا
ب‍ (- تسوية الأرض، وأرش نقصها) لأنه ضرر حصل بفعله. فلزمه إزالته كغيره، (و) عليه
(أجرتها) أي أجرة مثل الأرض مدة احتباسها، لأن منافعها ذهبت تحت يده العادية.
فكان عليه عوضها كالأعيان، (ثم إن كانت آلات البناء من المغصوب) بأن كان فيه لبن أو
آجر، أو ضرب منه لبنا أو آجرا، أو بنى به فيه (ف‍) - عليه (أجرتها مبنية) لأن البناء
والأرض ملك للمغصوبة منه الأرض. ولا أجرة للغاصب لبنائه، (وألا) تكن آلات البناء
من المغصوب، بل كانت الآلات للغاصب فعليه (أجرتها غير مبنية) لأنه إنما غصب
الأرض وحدها. وأما بناؤه بآلاته فله، (فلو أجرها) أي أجر الغاصب الأرض المغصوبة
المبنية بآلاته مع ما بها من بناء (فالأجرة) المستقرة على المستأجر (لهما) أي مشتركة
بين الأرض ورب البناء (بقدر قيمتهما) أي قيمتي منفعتيهما. فينظر: كم أجرة الأرض مبنية، ثم أجرتها خالية؟ فما بينهما فهو أجرة البناء. فيوزع ما يؤخذ من المستأجر على
أجرة الأرض وأجرة البناء، فيختص كل واحد بأجرة ماله (ولو جصص الغاصب الدار)
ونحوها (أو زوقها، فحكمها كالبناء) لأنه شغل ملك غيره بما لا حرمة له (ولو غصب)
إنسان (أرضا وغراسا من شخص واحد فغرسه فيها، فالكل لمالك الأرض) ولا شئ
للغاصب في نظير فعله لتعديه. (فإن طالبه) أي الغاصب (ربها بقلعه) أي الغراس (وله
في قلعه غرض صحيح أجبر) الغاصب (عليه) لأنه فوت على المالك غرضا مقصودا
بالأرض. فأوخذ بإعادتها إلى ما كانت عليه، (وعليه) أي الغاصب. وفي نسخة: وعلى
(تسوية الأرض، و) أرش (نقصها، و) أرش (نقص الغراس) لحصوله بتعديه (2) (وإن لم
يكن) للمالك (في قلعه غرض صحيح لم يجبر) الغاصب على القلع لأنه سفه (وإن أراد
101

الغاصب قلعه) أي قلع الغراس أو البناء (ابتداء) من غير طلب من المالك (فله منعه) من
القلع، لأنهما ملكه. فليس لغيره التصرف عليه بغير إذنه (ويلزمه) أي الغاصب (أجرته)
أي المغصوب إذا بناه الغاصب بآلات من المغصوب (مبنيا) لأن البناء والأرض ملك
لربهما وتقدم. وإن غصب أرضا لرجل وغرسا من آخر وغرسه في الأرض، ثم وقع
النزاع في مؤنة القلع فكما لو حمل السيل غرسا إلى أرض آخر فنبت فيها، على ما تقدم
في العارية. وهذا معنى كلام المجد. فإذا قلنا: ليس له قلعه مجانا وغرم أرش النقص
رجع رب الأرض به على الغاصب، لأنه تسبب في غرمه، وكذا إذا زرع الأرض
المغصوبة ببذر الغير، هل له تبقيته بأجرة أو مجانا؟ على وجهين. فإذا قلنا: لا أجرة.
فهي على الغاصب. وعلى الوجه الآخر: تكون على صاحبه. هذا حاصل كلام المجد
(ورطبة ونحو) كنعناع وبقول مما يجرز مرة بعد أخرى، أو يتكرر حمله كقثاء وباذنجان
(كزرع فيما تقدم) في أن رب الأرض إذا أدركه قائما له أن يتملكه بنفقته، لأنه ليس له
أصل قوي. أشبه الحنطة والشعير (لا كغرس) أي ليس حكمه حكم الغرس وإذا غصب
الأرض فغرسها وأثمرت فأدركها ربها بعد أخذ الغاصب، فهي له. وكذا لو أدركها
والثمرة عليها، لأنها ثمرة شجره. فكانت له كأغصانها. قدمه في المغني (1)،
والشرح (2)، والفائق، والرعايتين، والحاوي الصغير، وابن رزين، والمبدع (3).
وصححه الحارثي. قال: والقياس على الزرع ضعيف. وعنه كالزرع، إن أدركها قبل
الجذاذ أخذها. وعليه النفقة. واختاره القاضي، (ولو أراد مالك الأرض) المغصوبة (أخذ
البناء والغراس) من الغاصب (مجانا، أو) أراد أخذهما (بالقيمة وأبى مالكه) أي الغراس
أو البناء الاعطاء (لم يكن له) أي مالك (ذلك) لأنه عين مال الغاصب، فلم يملك رب
الأرض أخذه، كما لو وضع فيها أثاثا أو نحوه. وقال المجد في شرحه: لصاحب
الأرض تملك البناء والغراس بقيمته مقلوعا، إذا كانت الأرض تنقص بقلعه (وإن اتفقا)
أي مالك الأرض ومالك الغراس، أو البناء (على تعويضه) أي على أن يعوض رب
102

الأرض رب الغراس، أو البناء (عنه جاز)، لأن الحق لا يعدوهما، (وإن وهب الغاصب
الغراس والبناء لمالك الأرض ليتخلص) الغاصب (من قلعه فقبله المالك جاز)
لتراضيهما (وإن أبى) مالك الأرض (قبوله) أي الغراس، أو البناء من الغاصب (وكان)
لرب الأرض (في قلعه غرض صحيح لم يجبر) رب الأرض (على قبوله) من
الغاصب لأنه يفوت غرضه الصحيح. فإن لم يكن في قلعه غرض صحيح ففيه
احتمالان (1). أحدهما: إنه يسقط الطلب عن الغاصب بقلعه، لأنه سفه. وقد زاد زيادة
تنفعه ولا تضره. والثاني: لا لأنه عقد يعتبر له الرضا، فلم يجبر عليه كالبيع. قال في
الانصاف (2): الأولى أن لا يجبر، (وإن أخذ) الغاصب، أو غيره (تراب أرض) بغير إذن
ربها (فضربه لبنا رده) لأنه عين مال رب الأرض (ولا شئ له) في نظير عمله لتعديه به
(إلا أن يجعل) الغاصب (فيه تبنا له) أي للغاصب (فله أن يحله) أي اللبن (ويأخذ تبنه)
قال الحارثي: لكن عليه ضمان اللبن، لأنه قد تمحض للمالك ملكا (إن كان يحصل منه
شئ) لأنه عين ماله. وإن لم يكن يحصل منه فليس له حله بغير إذن ربه، لأنه تصرف
في مال الغير لغير حاجة (وإن طالبه المالك بحله) أي اللبن (لزمه) أي الغاصب حله (إن
كان فيه) أي الحل (غرض صحيح) وإلا فلا، لأنه سفه (وإن جعله) أي التراب بعد
ضربه (آجرا) وهو اللبن المشوي (أو فخارا) بفتح الفاء (لزمه) أي الغاصب (رده)
للمالك (ولا أجر له لعمله) لأنه عدوان (وليس له) أي الغاصب (كسره) أي الآجر أو
الفخار (ولا للمالك إجباره عليه) أي الكسر، لأنه إضاعة مال بلا فائدة (3) (وإن غصب)
إنسان (فصيلا) أو مهرا ونحوه (فأدخله داره فكبر، وتعذر خروجه بدون نقض الباب،
أو) غصب (خشبة وأدخلها داره، ثم بنى الباب ضيقا) بحيث (لا تخرج) الخشبة (إلا
بنقضه. وجب نقضه) أي الباب، لضرورة وجوب الرد (ورد الفصيل والخشبة) لربهما.
103

ولا شئ على ربهما لأن المتعدي أولى بالضرر، (وإن كان حصوله) أي الفصيل (في
الدار من غير تفريط من صاحبها) بأن دخل الفصيل بنفسه أو أدخله ربه (نقض الباب،
وضمانه على صاحب الفصيل) لأنه لتحصيل ماله فيغرم مالكه أرش نقض البناء
وإصلاحه، (وأما الخشبة) إذا حصلت في الدار من غير تفريط صاحبها (فإن كان كسرها
أكثر ضررا من نقض الباب) بأن تنقض قيمتها بالكسر أكثر من أرش نقضه وإصلاحه
(فكالفصيل) فينقض الباب، ويغرم صاحبها أرش نقضه وإصلاحه (وإن كان) كسرها
(أقل) ضررا (كسرت) ولا شئ على صاحب الدار لعدم عدوانه (وإن كان حصوله) أي
ما ذكر من الفصيل أو الخشبة (في الدار بعدوان من صاحبه، كمن غصب دارا، وأدخلها
فصيلا أو خشبة، أو تعدى على إنسان، فأدخل داره فرسا ونحوها) بغير إذنه (كسرت
الخشبة، وذبح الحيوان) المأكول (وإن زاد ضرره على نقض البناء) لأن ربه هو الذي
أدخل الضرر على نفسه بعدوانه (1). وإن كان الحاصل من ذوات التركيب كالتوابيت
والأسرة. فكذلك إن فرط مالك الدار، نقض الباب من غير أرش. وإن فرط مالكه
فكك التركيب (وإن باع) إنسان (دارا وفيها ما يعسر إخراجه كخوابي) غير مدفونة
(وخزائن) غير مسمورة لما تقدم في البيع: إنه يتناول المتصل بها (أو حيوان، وكان نقض
الباب أقل ضررا من بقاء ذلك في الدار، أو) من (تفصيله) أي ما يتأتى تفصيله، كخزائن
(و) من (ذبح الحيوان) المأكول (نقض) الباب، (وكان) أرش نقضه و (إصلاحه على
البائع) لأنه لتخليص ماله. وكذا لو باع دارا وله فيها أسرة وتعذر الاخراج والتفكيك
(وإن كان) نقض الباب (أكثر ضررا) من بقاء ذلك في الدار ومن تفصيله، وذبح الحيوان
(لم ينقض) الباب لعدم فائدته (ويصطلحان على ذلك، بأن يشتريه مشتري الدار وغير
ذلك) بأن يهبه له البائع ونحوه. وهذا اختيار الموفق (2). وقال القاضي، وابن عقيل،
104

وصاحب التلخيص وغيرهم: بنقض الباب. وعلى البائع ضمان النقض، (وإن غصب
لوحا فرقع به سفينة لم يقلع وهي) أي السفينة (في اللجة حتى تخرج) السفينة (منها) أي
اللجة (وترسي إن خيف عليها) الغرق (بقلعه) لأن في قلعه إفسادا لمال الغير، مع
إمكان رد الحق إلى مستحقه بعد زمن يسير بدونه (1)، (ولو لم يكن فيها إلا مال
الغاصب، أو لم يكن فيها ذو روح محترم) خلافا لأبي الخطاب (2)، لأنه أمكن رد
المغصوب من غير إتلاف. كما لو كان فيها مال غيره (وعليه) أي الغاصب (أجرته) أي
اللوح (إليه) أي إلى رده، لذهاب منافعه بيده وأرش نقصه إن نقص (وإن كان اللوح في
أعلاها) أي السفينة (بحيث لا تغرق بقلعه. لزمه قلعه) ورده لربه كما لو كانت بالساحل
(ولصاحب اللوح طلب قيمته حيث تأخر القلع) لكونها في اللجة وخيف غرقها للحيلولة
(فإذا أمكن رد اللوح) إلى ربه (استرجعه ورد القيمة) لزوال الحيلولة. وعلى الغاصب
الأجرة إلى حين بذله القيمة فقط. ولا يملكه ببذلها بل يملكها ربه (وإن غصب خيطا
فخاط به جرح حيوان محترم) من آدمي، أو غيره (وخيف من قلعه) أي الخيط (ضرر
آدمي) لم يقلع وعليه قيمته، (أو) خيف من قلعه (تلف غيره) الآدمي (فعليه) أي الغاصب
(قيمته) أي الخيط، لأنه تعذر رد الحق إلى مستحقه. فوجب رد بدله. وهو القيمة. ولا
يلزمه القلع، لأن الحيوان آكد حرمة من بقية المال (3). وكذا لو شد بالمغصوب جرحا
يثغب دمه، أو جبر به نحو ساق مكسور (وغير المحترم) مبتدأ خبره (كالمرتد، والحربي،
والكلب العقور، والخنزير) فإذا خاط جرح ذلك بالخيط المغصوب وجب رده، لأنه لا
يتضمن تفويت ذي حرمة. أشبه ما لو خاط به ثوبا، (وإن كان) الحيوان (مأكولا) وخاط
105

جرحه بالخيط المغصوب وهو ملك (للغاصب ذبح) الحيوان ولو نقصت به قيمته أكثر
من ثمن الخيط، أو لم يكن معدا لاكل، كالخيل (ولزمه) أي الغاصب (رده) أي الخيط
لربه، لأنه متمكن من رده بذبح الحيوان والانتفاع بلحمه، ولا أثر لتضرره بذلك لتعديه
(وإن كان) الحيوان الذي خيط جرحه محترما (غير مأكول رد) الغاصب (قيمة الخيط)
لأن حرمة الحيوان آكد كما سبق (وإن مات الحيوان) الذي خيط جرحه بالخيط
المغصوب (لزمه) أي الغاصب. (رده) أي الخيط لربه. لزوال حرمة الحيوان بموته (إلا
أن يكون آدميا معصوما فيرد القيمة) أي قيمة الخيط، لأن حرمة الآدمي ميتا كحرمته حيا
(وإن غصب جوهرة فابتلعتها بهيمة. فحكمها حكم الخيط) الذي خاط به جرحها على
ما سبق تفصيله (ولو ابتلعت شاته) أي شاة إنسان (ونحوها) أي الشاة من كل ما يؤكل
(جوهرة آخر غير مغصوبة وتوقف إخراجها) أي الجوهرة (على ذبحها) أي الشاة ونحوها
(ذبحت بقيد كون الذبح أقل ضررا) من الضرر الحاصل بتركها (قاله الموفق (1) وغيره.
وقال الحارثي: واختار الأصحاب عدم القيد) لكون الذبح أقل ضررا على ما مر في مثله.
(وعلى مالك الجوهرة ضمان نقص الذبح) لأنه لتخليص ماله (إلا أن يفرط مالك الشاة
بكون يده عليها. فلا شئ له) مما نقصه الذبح (لتفريطه. ولو أدخلت البهيمة رأسها في
قدر ونحوه ولم يمكن إخراجه) أي الرأس (إلا بذبحها وهي) أي البهيمة (مأكولة. فقال
الأكثرون) منهم القاضي وابن عقيل: (إن كان) دخول رأسها (لا بتفريط من أحد كسر
القدر) لرد ما حصل فيه بغير عدوان لربه (ووجب الأرش على مالك البهيمة) لأنه
لتخليص ماله، (وإن كان) دخول رأسها (بتفريط مالكها بأن أدخل رأسها بيده) في نحو
القدر، (أو كانت يده عليها) حال الدخول (ونحوه. ذبحت من غير ضمان) على رب الاناء،
لأن التفريط من جهته. فهو أولى بالضرر ممن لم يفرط (وإن كانت) الفعلة (بتفريط
106

مالك القدر، بأن أدخله بيده أو ألقاها) أي القدر (في الطريق. كسرت) القدر أو نحوها
(ولا أرش) لها على رب الشاة ونحوها، لأن المفرط أولى بالضرر. وقال الموفق (1)
والشارح: يعتبر أقل الضررين. فإن كان الكسر هو الأقل تعين وإلا ذبح. والعكس
كذلك (2). ثم قال: من أيهما كان التفريط فالضمان عليه. وإن لم يحصل تفريط من
واحد منهما فالضمان على صاحب البهيمة إن كسر القدر. وإن ذبحت البهيمة فالضمان
على صاحب القدر، (ولو قال من عليه الضمان: أنا أتلف مالي ولا أغرم شيئا للآخر.
كان له ذلك) لأنه رضي بإضرار نفسه (وإن كانت) البهيمة التي أدخلت رأسها في نحو
القدر (غير مأكولة كسرت القدر. ولا تقتل البهيمة بحال. ولو اتفقا على القتل لم
يمكنا) منه، لأنه (ص) نهى عن ذبح الحيوان لغير مأكلة (3) ويحرم ترك الحال على ما
هو عليه، لما فيه من تعذيب الحيوان (ومن وقع في) نحو (محبرته دينار ونحوه)
كجوهرة لغيره (بتفريط صاحبها) أي المحبرة (فلم يخرج) الدينار منها (كسرت مجانا)
أي ولا شئ على رب الدينار لرب المحبرة، لأنه المفرط، (وإن لم يفرط) رب المحبرة
(خير رب الدينار) فرط، أو لم يفرط (بين تركه فيها) إلى أن تنكسر (وبين كسرها وعليه
قيمتها) لأنه لتخليص ماله (فإن بذل ربها بدله وجب قبوله) ولم يجز له كسرها، لأنه
بذل له ما لا يتفاوت به حقه، دفعا للضرر عنه. فلزمه قبوله لما فيه من الجمع بين
107

الحقين (فإن بادر) رب الدينار (فكسر) المحبرة (عدوانا. لم يلزمه أكثر من قيمتها) (1)
كسائر المتلفات (وإن كان السقوط لا بفعل أحد، بأن سقط من مكان، أو ألقاه طائر، أو
هر. وجب الكسر. وعلى رب الدينار الأرش) أي أرش ما نقص بالكسر، لأنه لتخليص
ماله، (فإن كانت المحبرة ثمينة) أي غالية الثمن (وامتنع رب الدينار من ضمانها في
مقابلة الدينار، فيقال له: إن شئت أن تأخذ) دينارك (فاغرم) أرش كسرها، (وإلا) تشاء أن
تأخذه (فاترك) الدينار حتى تنكسر (ولا شئ لك) بدله (2)، (ولو غصب) إنسان
(الدينار) أو نحوه (فألقاه في محبرة آخر) أو نحوها من كل إناء ضيق الرأس (أو سقط)
الدينار (فيها) أي المحبرة (بغير فعله) أي الغاصب (تعين الكسر) لرد عين المال
المغصوب من غير إضاعة مال (وعلى الغاصب ضمانها إلا أن يزيد ضرر الكسر على
التبقية فيسقط) الكسر، (ويجب على الغاصب ضمان الدينار) فيعطى رب الدينار بدله ولا
تكسر، لأن في كسرها إذن إضاعة للمال وهي منهي عنها. ولو بادر رب الدينار
وكسرها لم يلزمه إلا قيمتها وجها واحدا. قاله في الانصاف وغيره.
فصل:
(وإن زاد المغصوب) بيد الغاصب، أو غيره
(لزمه رده بزيادته، متصلة كانت، كالسمن وتعلم صنعة، أو منفصلة كالولد) (3) من
بهيمة. وكذا من أمة إلا أن يكون جاهلا، فهو حر، ويفديه بقيمته يوم الولادة ويأتي
(والكسب) لأنه من نماء المغصوب، وهو لمالكه، فلزمه رده كالأصل (ولو غصب جارحا)
فصاد به، (أو قوسا)، أو سهما. قاله في المغني (فصاد) الغاصب، أو غيره (به، أو) غصب
(شبكة، أو شركا) أو فخا ونحوه (فأمسك) الشرك، أو الشبكة (شيئا، أو) غصب (فرسا فصاد
108

عليه أو غنم، فهو لمالكه) أي فالصيد في الكل وغنم الفرس لمالك الجارح، والقوس،
والشبكة، والشرك، والفرس، لأن ذلك كله بسبب ملكه. فكان له كما لو غصب عبدا فصاد
(ولا أجرة له) أي لا يلزم الغاصب أجرة للجارح، أو القوس، أو الشبكة، أو الشرك، أو الفرس
(مدة اصطياده) وغزو الفرس، لأن منافع المغصوب في هذه المدة عادت إلى المالك. لم
يستحق عوضها على غيره، كما لو زرع الغاصب الأرض المغصوبة فأخذ المالك الزرع
بنفقته. وكذا لو غصب عبدا فصاد، أو كسب. فهو لسيده. ولا أجرة (1) للعبد على الغاصب
في مدة كسبه وصيده، لما تقدم. وإن غصب كلبا وصاد به ففي التلخيص هو للغاصب. (وإن
غصب منجلا فقطع) الغاصب غيره (به خشبا، أو حشيشا. فهو) أي الخشب، أو الحشيش
(للغاصب) لحصول الفعل منه (كالحبل) المغصوب (يربط به) الغاصب ما يجمعه من حطب
ونحوه. وكما لو غصب سيفا فقاتل به وغنم، (وإن غصب ثوبا فقصره) الغاصب بنفسه، أو
بأجرة، (أو) غصب (غزلا فنسجه، أو) غصب (فضة، أو حديدا فضربه أبرا، أو أواني أو غيرهما،
أو) غصب (خشبا فنجره بابا أو نحوه) كرفوف، (أو) غصب (شاة فذبحها وشواها) لزمه رد
ذلك وأرش نقصه، ولا شئ له في نظير عمله (2). لتعديه (وذبحه) أي الغاصب (إياها) أي
الشاة (لا يحرمها، بمعنى أنها ليس) هو أي الشأن أن الشاة (صارت كالميتة) لأنها مذكاة
ممن فيه أهلية الذكاة، (لكن لا يجوز) للغاصب ولا غيره (أكلها ولا التصرف فيها إلا بإذن
مالكها) كسائر الأموال (ويأتي في القطع في السرقة، أو) غصب (طينا فضربه لبنا)، أو آجرا،
(أو فخارا، أو) غصب (حبا فطحنه)، أو دقيقا فعجنه وخبزه ونحوه (رد ذلك) إلى مالكه،
109

لأنه عين ماله، ولأنه لو فعله بملكه لم يزل عنه. فكذا بملك غيره (بزيادته) إن زاد (وأرش
نقصه) إن نقص. لكونه حصل بفعله. ولا فرق بين نقص العين، أو القيمة، أو هما (ولا شئ
له) أي للغاصب بعمله المؤدي إلى الزيادة، لأنه تبرع في ملك غيره، فلم يستحق لذلك
عوضا، كما لو غلى زيتا فزادت قيمته، (لكن إن أمكن الرد إلى الحالة الأولى، كحلي ودراهم
ونحوهما) من أواني من حديد ونحوه وسكاكين ونعال (فللمالك إجباره) أي الغاصب (على
الإعادة) إلى الحالة الأولى، لأن عمل الغاصب في المغصوب محرم. فملك المالك إزالته
مع الامكان. وظاهر كلامهم هنا: وإن لم يكن فيه غرض صحيح، لكن مقتضى ما تقدم:
إنما يملك إجباره إذا كان فيه غرض صحيح. وجزم به الحارثي (وما لا يمكن) رده إلى
حالته الأولى (كالأبواب والفخار ونحوهما) كالآجر، والشاة إذا ذبحها وشواها، والحب طحنه،
(فليس للغاصب إفساده ولا للمالك إجباره عليه) لأنه إضاعة مال بغير منفعة (وتقدم بعضه،
وإن غصب أرضا فحفر فيها بئرا، أو شق) فيها (نهرا، أو نحوه) كقناة ودولاب (فلربها إلزامه
بطمها) أي البئر ونحوها (وإن كان) الطم (لغرض صحيح) لعدوانه بالحفر، ولأنه يضر
بالأرض، (وإن أراد الغاصب طمها فإن كان) الطم (لغرض صحيح كإسقاط ضمان ما يقع
فيها) أي البئر، (أو يكون) الغاصب (قد نقل ترابها إلى ملكه، أو) إلى (ملك غيره، أو إلى
طريق يحتاج إلى تفريغه - فله) أي الغاصب (طمها) (1) بترابها حيث بقي. فلو فات بسيل، أو
ريح ونحوه. فله الطم بغيره من جنسه، لا برمل أو كناسة ونحوها. ذكره الحارثي (من غير
إذن ربها) تخلصا من ذلك الضرر، (وإن لم يكن له) أي الغاصب (غرض) صحيح في الطم
(مثل أن يكون) الغاصب (قد وضع التراب في أرض مالكها، أو) وضعه (في موات وأبرأه)
المالك (من ضمان ما يتلف بها) أي البئر ونحوها (وتصح البراءة منه) قال في المغني (2)
والشرح: لأن الضمان إنما يلزمه لوجود التعدي. فإذا رضي صاحب الأرض زال التعدي
فيزول الضمان. وليس هذا إبراء مما لم يجب. وإنما هو إسقاط للتعدي برضاه به (3) (أو
110

منعه) المالك (منه) أي الطم (لم يملك) الغاصب (طمها) في هذه الصور، لأنه تصرف في
ملك الغير بغير إذنه لغير غرض صحيح، ومنعه من الطم رضى بالحفر. فيكون بمنزلة إبرائه
من ضمان ما يتلف بها (ولو كشط) الغاصب (تراب الأرض) المغصوبة (فطالبه المالك برده
وفرشه. لزمه) أي الغاصب (ذلك) أي الرد والفرش. وظاهره: وإن لم يكن فيه غرض
صحيح. وهو أحد وجهين أطلقهما في المبدع وغيره، (وإن أراده) أي فرش التراب كما كان
(الغاصب وأباه المالك. فله) أي الغاصب (فعله لغرض صحيح (1)، مثل إن كان) الغاصب
(نقله إلى ملك نفسه فيرده لينتفع بالمكان، أو) كان الغاصب (طرحه في ملك غيره، أو في
طريق يحتاج إلى تفريغه) أي ملك غيره، أو الطريق (وإن كان) الغاصب أراد فرش التراب
الذي كشطه (لا لغرض صحيح. فلا) يمكن منه بلا إذن المالك، لأن فيه تصرفا في ملك
الغير بغير إذنه لغير حاجة (وإن غصب حبا فزرعه، أو) غصب (بيضا فصار) البيض (فراخا،
أو) غصب (نوى) فغرسه (فصار غرسا، أو) غصب (غصنا) فغرسه (فصار شجرا. رده)
الغاصب لمالكه لأنه عين مال مالكه، (ولا شئ له) أي للغاصب في عمله، لأنه تبرع به،
(وإن نقص) المغصوب (ولو) كان نقصه (بنبات لحية عبد أمرد، أو) كان نقصه ب‍ (- ذهاب
رائحة مسك، أو قطع ذنب حمار ونحوه) كبغل وفرس (ضمن) الغاصب (نقصه) الحاصل
قبل رده، لأنه ضمان مال من غيره جناية. فكان الواجب ما نقص إذا القصد بالضمان: جبر
حق المالك بإيجاب قدر ما فوت عليه، ولأنه لو فات الجميع لوجبت قيمته. فإذا فات منه
شئ وجب قدره من القيمة، كغير الحيوان. ولا يضمن الغاصب ربحا فات بحبس مال
تجارة عن مالكه مدة يمكن أن يربح فيها، لأنه لا وجود له (ونص) الامام (أحمد في طيرة
جاءت إلى قوم فازدوجت عندهم وفرخت: إن الفراخ تبع للام ويرد على أصحاب الطيرة
فراخها) (2) كولد الأمة والبهيمة. قال في المبدع: ويرجع على ربها بما أنفقه إن نوى
الرجوع به. وإلا فلا (3). انتهى. هو واضح إن تعذر استئذانه كما تقدم، (وإن غصب شاة،)
111

أو بقرة، أو بدنة ونحوها (وأنزى عليها فحله، فالولد لمالك الام) كولد الأمة (ولا أجرة للفحل)
لعدم إذن ربها، ولأنه لا تصح إجارته لذلك قلت: وكذا لو غصب نخلة وحصل منها ودي
فإنه لمالكها، لأن من نمائها ككسب العبد وولد الأمة، (وإن غصب فحل غيره فأنزاه على شاته،
فالولد له) أي للغاصب (تبعا للام، ولا يلزمه أجرة الفحل) لأنه لا تصح إجارته لذلك، (لكن إن
نقص) الفحل بالانزاء، أو غيره (لزمه) أي الغاصب (أرش نقصه) لتعديه.
فصل:
(وإن نقص) المغصوب بيد الغاصب أو غيره
(لزمه) أي الغاصب (ضمانه) أي النقص (بقيمته) أي النقص. فيقوم صحيحا وناقصا.
ويغرم الغاصب ما بينهما، لأنه ضمان مال من غير جناية. فكان الواجب ما نقص، إذ
القصد بالضمان جبر حق المالك بإيجاب قدر ما فوت عليه، ولأنه لو فات الجميع لو جبت
قيمته. فإذا فات منه شئ وجب قدره من القيمة، (ولو) كان ما نقص (رقيقا أو بعضه) بأن
عمي أو خرس ونحوه، أو ذهبت يده، أو رجله ونحوهما بنحو أكلة. و (لا) يضمن ما ذهب
من الرقيق (بمقدر من الحر كيده) فلا يجب فيها نصف القيمة. ولا تجب القيمة في ذهاب
نحو بصره أيضا (إذا لم يجن) بالبناء للمفعول (عليه) أي الرقيق (وإن جني عليه) أي الرقيق
المغصوب من الغاصب، أو غيره (ضمنه) أي ضمن الغاصب الذاهب بالجناية (بأكثر
الامرين) (1) من أرش نقص قيمة المجني عليه، أو دية المقطوع، لأن سبب كل واحد منهما
وجد. فوجب أكثرهما. ودخل الآخر فيه. فإن الجناية واليد وجدا فيه جميعا. فلو غصب
عبدا قيمته ألف فزادت قيمته عنده إلى ألفين، ثم قطع يده. فصار يساوي ألفا وخمسمائة
كان عليه مع رده ألف وإن كان القاطع ليده غير الغاصب. وقد نقصت قيمته مائتين قبل.
112

وصار بعد القطع يساوي أربعمائة. كان على الجاني أربعمائة، لأن جنايته مضمونة بنصف
القيمة وهي حين القطع ثمانمائة. وعلى الغاصب مائتان، لأنها نقصت من قيمة العبد في
يده. وللمالك تضمين الغاصب ما عليه وعلى الجاني، لأن ما وجد في يده في حكم
الموجود منه (ويرجع غاصب غرم) الجميع لمالك (على جان بأرش جناية فقط) لاستقرار
ضمانه عليه، لأنه أرش جنايته. فلا يجب عليه أكثر منه. وللمالك تضمين الجاني أرش
الجناية. ولا يرجع به على أحد لأنه لم يضمنه أكثر مما وجب عليه. ويضمن الغاصب ما
بقي من النقص. ولا يرجع به على أحد (1) (فإن خصاه) أي خصى الغاصب، أو غيره العبد
المغصوب (ولو زادت قيمته) بالخصاء (أو قطع) الغاصب أو غيره (منه) أي المغصوب (ما
تجب فيه دية كاملة من الحر) كأنفه، أو ذكره، أو يديه (لزمه رده ورد قيمته، ولا يملكه
الجاني) لأن المتلف البعض. فلا يقف ضمانه على زوال الملك، كقطع خصيتي ذكر مدبر،
ولان المضمون هو المفوت. فلا يزول الملك عن غيره، بضمانه كما لو قطع تسع أصابع
(وإن كان) المغصوب (دابة) ونقصت بجناية، أو غيرها (ضمن) الغاصب (ما نقص من
قيمتها، ولو) كان النقص (بتلف إحدى عينيها) أي الدابة. فيغرم أرش نقصها فقط، لأنه
الذي فوته على المالك. وما روى زيد بن ثابت أن النبي (ص) قضى في عين الدابة بربع
قيمتها وروي عن عمر. قال في المبدع: لا نعرف صحته، بدليل احتجاج أحمد بقول عمر
دونه، مع أن قول عمر محمول على أن ذلك كان قدر نقصها. ولو كان تقدير الوجب في
العين نصف الدية، كعين الآدمي (2) (وإن نقصت قيمة العين) المغصوبة (بتغير السعر) بأن
نزل السعر لذهاب نحو موسم (لم يضمن) الغاصب ما نزل السعر (سواء ردت العين، أو
تلفت) لأن المغصوب لم تنقص عينه ولا صفته. فلم يلزمه شئ سوى رد المغصوب أو
بدله. والفائت إنما هو رغبات الناس، ولا تقابل بشئ، (وإن نقصت) قيمة المغصوب
(لمرض، ثم عادت) القيمة (ببرئه) رده. ولا شئ عليه، (أو ابيضت عينه) أي المغصوب من
عبد، أو أمة، (ثم زال بياضها ونحوه) بأن نسي صنعة. فنقصت قيمته، ثم تعلمها (رده)
الغاصب (ولم يلزمه شئ) لأن القيمة لم تنقص. فلم يلزمه شئ، (وإن استرده المالك معيبا
113

مع الأرش، ثم زال العيب في يد مالكه) أي المغصوب (لم يجب) على مالكه (رد الأرش
لاستقراره) أي الأرش (بأخذ العين ناقصة) عن حال غصبها نقصا أثر في قيمته (وكذا لو
أخذ) المالك (المغصوب) بعد تعيبه (بغير أرش، ثم زال) العيب (في يده) أي المالك (لم
يسقط الأرش) لاستقراره بالرد، بخلاف ما لو برئ قبل رده (وإن زادت) قيمة المغصوب
(لمعنى في المغصوب من كبر، وسمن، وهزال) عن سمن مفرط (وتعلم صنعة ونحو ذلك)
كزوال عجمة وتعلم علم، (ثم نقصت) القيمة بزوال ذلك (ضمن) الغاصب (الزيادة) لأنها
زادت على ملك مالكها. فلزم الغاصب ضمانها، كما لو كانت موجودة حال الغصب.
وفارق زيادة السعر، لأنها لو كانت موجودة حال الغصب لم يضمنها (1). والصناعة إن لم
تكن من عين المغصوب فهي صفة فيه. ولذلك يضمنها إذا طولب برد العين، (وإن عاد مثل
الزيادة الأولى من جنسها مثل إن) غصب عبدا ف‍ (- سمن فزادت قيمته، ثم نقصت) قيمته
(بزوال ذلك) السمن، (ثم سمن فعادت) قيمته كما كانت (لم يضمن) الغاصب (ما نقص) أو
لا ثم عاد، لأن ما ذهب من الزيادة عاد وهو بيده. أشبه ما لو مرضت فنقصت قيمتها، ثم
برئت فعادت القيمة. وكذا لو نسي صنعة ثم تعلمها، أو بدلها فعادت قيمته كما كانت. لم
يضمن شيئا، (وإن كانت) الزيادة الحاصلة (من غير جنسها) أي الزيادة الذاهبة مثل إن غصب
عبدا قيمته مائة فتعلم صنعة، فصار يساوي مائتين، ثم نسيها فصار يساوي مائة، ثم سمن
فصار يساوي مائتين (لم يسقط ضمانها) لأنه لم يعد ما ذهب بخلاف التي قبلها (وإن غصب
عبدا) أو أمة (مفرطا في السمن فهزل، فزادت قيمته) بذلك، (أو لم تنقص)، ولم تزد (رده)
الغاصب (ولا شئ عليه)، لأن الشرع إنما أوجب في مثل هذا ما نقص من قيمته ولم يقدر
بدله، ولم تنقص قيمته، فلم يجب عليه شئ غير رده (وإن نقص المغصوب) قبل رده
(نقصا غير مستقر) بأن يكون ساريا غير واقف (كحنطة ابتلت وعفنت) وطلبها مالكها قبل
بلوغها إلى حالة يعلم فيها قدر أرش نقصها (خير) مالكها (بين أخذ مثلها) من مال غاصب،
114

(وبين تركها) بيد غاصب (حتى يستقر فسادها فيأخذها. و) يأخذ (أرش نقصها) (1). لأنه لا
يجب له المثل ابتداء لوجود عين ماله. ولا أرش العيب. لأنه لا يمكن معرفته ولا ضبطه
إذن وحيث كان كذلك صارت الخيرة إلى المالك، لأنه إذا رضي بالتأخير سقط حقه من
التعجيل. فيأخذ العين عند استقرار فسادها لأنها ملكه. ويأخذ من الغاصب أرش نقصها
لأنه، حصل تحت يده العادية. أشبه تلف جزء من المغصوب. وقوله (فإن استقر) النقص
قبل رد المغصوب (أخذها) أي الحنطة مالكها، (و) أخذ (الأرش) لما سبق: ينبغي حمله
على ما إذا استقر قبل الطلب، لئلا يتكرر مع الذي قبله (وإن جنى) القن (المغصوب) قبل
رده (فعلى الغاصب أرش جنايته) لأن جنايته نقص فيه لتعلقها برقبته. فكان مضمونا على
الغاصب، كسائر نقصه. سواء في ذلك ما يوجب القصاص، أو المال. و (سواء جنى) القن
المغصوب (على سيده، أو) على (أجنبي) لأن جنايته على سيده من جملة (2) جناياته.
فكانت مضمونة على الغاصب كالجناية على الأجنبي، وكذا حكم ما أتلفه القن المغصوب
من مال أجنبي أو سيده لما سبق. ولا يسقط ذلك برد الغاصب له، لأن السبب وجد في
يده. فلو بيع في الجناية بعد الرد رجع ربه على الغاصب بالقدر المأخوذ منه لاستقراره عليه
(وجنايته) أي المغصوب (على غاصبه وعلى ماله هدر) لأنها جناية لو كانت على أجنبي
لوجب أرشها على الغاصب. فلو وجب له شئ لوجب على نفسه (إلا في قود) لأنه حق
تعلق بنفسه لا يمكن تضمينه لغيره. فاستوفى منه (فلو قتل) المغصوب (عبدا لأحدهما) أي
للغاصب، أو غيره من أجنبي، أو سيده (عمدا. فله) أي سيد المقتول (قتله به، ثم يرجع
السيد بقيمته على الغاصب فيهن) لأنه تلف في يده. أشبه ما لو مات بيده (وفي المستوعب
من استعان بعبد غيره بلا إذن سيده فحكمه) أي المستعين (حكم الغاصب حال استخدامه)
فيضمن جنايته ونقصه. وجزم به في المبدع (3)، وكذا في المنتهى في الديات، (ويضمن)
الغاصب (زوائد الغصب، كالثمرة) إذا تلفت، أو نقصت، (و) ك‍ (- الولد إذا ولدته أمه حيا، ثم
115

مات، سواء حملت) به أمه (عنده) أي الغاصب (أو غصبها حاملا) لأنه مال مغصوب حصل
في يده. فيضمنه بالتلف كأصل (وإن ولدته ميتا من غير جناية لم يضمنه) إن كان غصبها
حاملا، لأنه لم تعلم حياته. وإن كانت قد حملت به عنده وولدته ميتا فكذلك عند
القاضي (1)، وابن عقيل، وصاحب التلخيص. وقدمه في المغني (2) والشرح (3) والفروع
والفائق. وصححه في الانصاف (4). وعند أبي الحسين بن القاضي: يضمنه بقيمته لو كان
حيا (5). وقال الموفق (6) ومن تبعه: والأولى أنه يضمنه بعشر قيمة أمه (7). قال في تصحيح
الفروع عن اختيار الموفق وهو الصواب. ويحتمل الضمان بأكثر الامرين قال الحارثي: وهو
أقيس، (و) إن ولدته ميتا (بها) أي بجناية (يضمنه الجاني بعشر قيمة أمه) لما يأتي في
الجنايات، (وكذا ولد بهيمة) مغصوبة حكمه حكم أمه فيما سبق من التفصيل. لكن إذا ولدته
ميتا بجناية يضمن بما نقص أمه لا بعشر قيمتها. كما يأتي في الجنايات.
فصل:
(وإن خلط الغاصب المغصوب بماله)
على وجه يتميز فقد سبق الكلام عليه. وإن كان (على وجه لا يتميز) المغصوب عن
غيره (مثل إن خلط حنطة) بمثلها، (أو) خلط (دقيقا) بمثله، (أو زيتا) بمثله، (أو نقدا بمثله.
لزمه) أي الغاصب (مثله) أي المغصوب (منه) (8) أي المختلط من المغصوب وغيره، لأنه
116

قدر على دفع بعض ماله إليه مع رد المثل في الباقي فلم ينتقل إلى بدله في الجميع. كما لو
غصب صاعا فتلف بعضه، (ولا يجوز للغاصب أن يتصرف في قدر ماله منه) بدون إذن
المغصوب منه، لأنها قسمة. فلا تجوز بغير رضا الشريكين، (ولا) يجوز أيضا للغاصب
(إخراج قدر الحرام منه) أي المختلط (بدون إذن المغصوب منه، لأنه اشتراك) فلا يقاسم
نفسه (لا استهلاك) وأنكر الامام قول من قال: يخرج منه قدر ما خالطه هذا إن عرف ربه
وإلا تصدق به عن ربه. وما بقي حلال. وإن عبر الحرام الثلث. قال أحمد في الذي يعامل
بالربا: يأخذ رأس ماله ويرد الفضل إن عرف ربه وإلا تصدق به. ولا يؤكل عنده شئ.
وإن شك في قدر الحرام تصدق بما يعلم أنه أكثر منه. نص عليه (1) (وإن خلطه) أي
المغصوب (بدونه) من جنسه، (أو) خلطه (بخير منه) من جنسه، (أو) خلطه (بغير جنسه) مما
له قيمة (ولو بمغصوب مثله لآخر) وكان الخلط (على وجه لا يتميز) كزيت بشيرج (فهما)
أي مالكا المخلوطين (شريكان بقدر قيمتهما، فيباع الجميع ويدفع إلى كل واحد قدر حقه،
كاختلاطهما من غير غصب) لأنه إذا فعل ذلك وصل كل منهما إلى حقه. فإن نقص
المغصوب عن قيمته منفردا فعلى الغاصب ضمان النقص، لأنه حصل بفعله. وإن خلطه بما
لا قيمة له كزيت بماء. فإن أمكن تخليصه خلصه ورده ونقصه، وإلا أو كان يفسده فعليه
مثله (وإن اختلط درهم) لانسان (بدرهمين لآخر من غير غصب فتلف) درهمان (اثنان فما
بقي) وهو درهم فهو (بينهما نصفين) لأنه يحتمل أن يكون التالف الدرهمين فيختص
صاحب الدرهم به. ويحتمل أن يكون التالف درهما لهذا ودرهما لهذا. فيختص صاحب
الدرهمين بالباقي فتساويا. لا يحتمل غير ذلك. ومال كل واحد منهما متميز قطعا، بخلاف
المسائل المتقدمة. غايته أنه أبهم علينا ذكره في الانصاف (2). وقال في تصحيح الفروع:
قلت: ويحتمل القرعة وهو أولى. لأنا متحققون أن الدرهم لواحد منهما يشركه فيه غيره
وقد اشتبه علينا فآخر جناه بالقرعة، كما في نظائره. وهو كثير. ولم أره لاحد من
الأصحاب. فمن الله به فله الحمد، (وإن خلطه) أي المغصوب (بغير جنسه فتراضيا على أن
117

يأخذ) المغصوب منه (أكثر من حقه، أو أقل) منه (جاز) لأن بدله من غير جنسه. فلا تحرم
الزيادة بينهما، بخلاف ما لو خلطه بجيد أو ردئ واتفقا على أن يأخذ أكثر من حقه من
الردئ أو دون حقه من الجيد. لم يجز لأنه ربا. وإن كان بالعكس فرضي بأخذ دون حقه
من الردئ أو سمح الغاصب بدفع أكثر من حقه من الجيد جاز لأنه لا مقابل للزيادة، (وإن
غصب ثوبا فصبغه) الغاصب (بصبغه، أو) غصب (سويقا فلته) الغاصب (بزيته. فنقصت
قيمتهما) أي قيمة الثوب والصبغ أو قيمة الزيت والسويق، (أو) نقصت (قيمة أحدهما. ضمن
الغاصب النقص) لأنه حصل بتعديه فضمنه، كما لو أتلف بعضه. وإن كان النقص بسبب
تغير الأسعار لم يضمنه، (وإن لم تنقص) قيمتهما (ولو تزد، أو زادت قيمتهما فهما) أي رب
الثوب والصبغ، أو رب السويق والزيت (شريكان) في الثوب وصبغه، أو السويق وزيته (بقدر
ملكيهما) فيباع ذلك ويوزع الثمن على قدر القيمتين. وكذا لو غصب زيتا فجعله صابونا
(وإن زادت قيمة أحدهما) من ثوب، أو صبغ، أو سويق، أو زيت (فالزيادة لصاحبه) يختص
بها. لأن الزيادة تبع للأصل. هذا إذا كانت الزيادة لغلو سعر. فإن حصلت الزيادة بالعمل
فهي بينهما، لأن ما عمله الغاصب في العين المغصوبة لمالكها حيث كان أثرا. وزيادة مال
الغاصب له. قاله في شرح المنتهى (1): (وإن أراد أحدهما) أي مالك الثوب، أو الغاصب (قلع
الصبغ) من الثوب (لم يجبر الآخر عليه) لأن فيه إتلافا لملكه (2)، (وإن أراد المالك) للثوب
(بيع الثوب فله ذلك) لأنه ملكه وهو عين، وصبغه باق للغاصب (ولو أبى الغاصب) بيع
الثوب فلا يمنع منه مالكه، لأنه لا حجر له عليه في ملكه (وإن أراد الغاصب بيعه) أي
الثوب المصبوغ (لم يجبر المالك) لحديث: إنما البيع عن تراض (3) وإن بذل الغاصب لرب
الثوب قيمته ليملكه، أو بذل رب الثوب قيمة الصبغ للغاصب ليملكه. لم يجبر الآخر لأنها
118

معاوضة لا تجوز إلا بتراضيهما (1). وصحح الحارثي أن لمالك الثوب تملك الصبغ بقيمته،
ليتخلص من الضرر، (وإن وهب) الغاصب (الصبغ للمالك) للثوب، (أو) غصب دارا وزوقها،
ثم وهب (تزويق الدار ونحوهما) للمالك (لزمه) أي المالك (قبوله) لأنه صار من صفات
العين. فهو كزيادة الصفة في المسلم فيه (كنسج غزل، وقصر ثوب، وعمل حديد أبرا، أو
سيوفا، ونحوهما) كسكاكين، ونعالات، وأواني، و (لا) يلزم المالك إذا غصب منه خشبا
وجعله بابا، ثم وهبه المسامير قبوله (هبة مسامير سمر بها بابا مغصوبا) لأنها أعيان متميزة.
أشبهت الغراس (وإن غصب صبغا فصبغ به) الغاصب (ثوبه، أو) غصب (زيتا فلت به)
الغاصب (سويقه. فهما شريكان بقدر حقيهما) في ذلك. فيباعان ويوزع الثمن على قدر
الحقين، لأنه بذلك يصل كل منهما لحقه، (ويضمن) الغاصب (النقص) إن وجد لحصوله
بفعله. ولا شئ له إن زاد المغصوب في نظير عمله لتبرعه به، (وإن غصب ثوبا وصبغا) من
واحد (فصبغه به رده) الغاصب، (و) رد (أرش نقصه) إن نقص لتعديه به (ولا شئ له في
زيادته) بعمله فيه، لأنه متبرع (2) به وإن كانا من اثنين اشتركا في الأصل والزيادة بالقيمة،
وما نقص من أحدهما غرمه الغاصب (3). وإن نقص السعر لنقص سعر الثياب، أو الصبغ، أو
لنقص سعرهما لم يضمنه الغاصب، ونقص كل واحد منها من صاحبه. وإن أراد أحدهما
قلع الصبغ لم يجبر الآخر. وكذا لو غصب سويقا من واحد وزيتا من آخر ولته به، أو نشأ
وعسلا من اثنين وعقده حلوى (وإنقاء الثوب الدنس بالصابون) من الغاصب (وإن أورث
نقصا) في الثوب (ضمنه الغاصب) لحصوله بفعله (وإن زاد) الثوب (ف‍) - الزيادة (للمالك)
ولا شئ للغاصب في عمله لتبرعه (ولو غصبه) أي الثوب (نجسا لم يملك) الغاصب
(تطهيره بغير إذن) ربه كسائر التصرفات، (وليس للمالك) للثوب (تكليفه) أي الغاصب (به)
أي بتطهيره لأن نجاسته لم تحصل بيده (وإن كان) الثوب حين الغصب (طاهرا فنجس عنده)
أي الغاصب (لم يكن له) أي الغاصب (أيضا تطهيره بغير إذن) ربه لما سبق (وله) أي
المالك (إلزامه) أي الغاصب (به) أي بتطهيره لأنه تنجس تحت يده العادية (وما نقص) من
119

قيمة الثوب بسبب الغسل (فعليه) أي الغاصب (أرشه) لأنه نقص حصل في يده (ولو رده)
أي رد الغاصب الثوب (نجسا فمؤنة تطهيره على الغاصب) لأنه كالنقص الحاصل في يده.
فصل:
(وإن وطئ الغاصب الجارية المغصوبة
مع العلم بالتحريم) أي تحريم الوطئ (فعليه) أي الغاصب (الحد) أي حد الزنا.
لأنها ليست زوجة له، ولا ملك يمين، ولا شبهة تدرأ الحد (وكذا هي) أي الجارية يلزمها
الحد (إن طاوعت) على الزنا (وكانت من أهل الحد) بأن كانت مكلفة غير جاهلة بالتحريم
(وعليه) أي الغاصب بوطئها (مهر مثلها) بكرا، إن كانت بكرا كما صرح به الحارثي، وإلا
فثيبا (ولو) كانت (مطاوعة) لأنه حق للسيد فلا يسقط بمطاوعتها. كما لو أذنت في قطع
يدها، (و) على الغاصب أيضا (أرش البكارة) (1) التي أزالها. لأنه جزء منها، ولان كلا من
المهر والأرش يضمن منفردا، بدليل أنه لو وطئها ثيبا وجب مهرها. ولو افتضها بإصبعه
وجب أرش بكارتها. فلذلك يجب أن يضمنها إذا اجتمعا. ويأتي في النكاح أن أرش بكارة
الحرة يندرج في مهرها، (و) على الغاصب (ردها) أي الجارية (إلى سيدها) لما تقدم أول
الباب، (وإن ولدت) الجارية من غاصب عالم بالحال (فالولد رقيق للسيد) تبعا لامه، لأنه من
نمائها (ويضمن الغاصب نقص الولادة) لحصوله بتعديه (ولا ينجبر) نقص الولادة (بزيادة
الولد) (2) كما لا ينجبر به نقص غير الولادة، (وإن تلفت) الجارية (فعليه) أي الغاصب
(قيمتها. وإن ردها) أي رد الغاصب الجارية حاملا (فماتت في يد المالك بسبب الولادة.
وجب ضمانها) على الغاصب، لأنه أثر فعله، كما لو استرد الحيوان المغصوب وقد جرحه
الغاصب، فسرى الجرح إلى النفس عند المالك. فمات (وتقدم) قريبا (إذا ولدته ميتا) فلا
ضمان إن لم يكن بجناية، ويضمنه سقطا بعشر قيمة أمه (وإن كان) الغاصب (جاهلا
120

بالتحريم، ومثله يجهله) لقرب عهده بالاسلام، أو كونه نشأ ببادية بعيدة يخفى عليه مثل
هذا. وكذا جاهل الحال، بأن اشتبهت عليه بأمته، أو زوجته في نحو ظلمة. أو اشتراها من
الغاصب يظنها أمته، أو تزوجها منه على أنها حرة ونحوه (فلا حد عليه) أي الواطئ للشبهة
(وعليه المهر، وأرش البكارة) ونقص الولادة، لأن ذلك إتلاف. يستوي فيه الجاهل والعالم
(والولد حر) لاعتقاده الواطئ الإباحة (نسبه لاحق للغاصب) للشبهة (1). وكذا لو كان من
غير الغاصب جاهلا. وقوله: (إن انفصل حيا، وعليه فداؤه بقيمته يوم انفصاله) فيه تقديم
وتأخير. أي وعليه فداء الولد بقيمته يوم ولادته إن انفصل حيا. فيفديه الواطئ للسيد، لأنه
حال بينه وبين السيد ثبوت رقه باعتقاده. وإنما اعتبرت قيمته يوم الولادة، لأنه أول حال
إمكان تقويمه، لأنه لا يمكن تقويمه حملا، ولأنه وقت الحيلولة بينه وبين سيده (وإن
انفصل) المحكوم بحريته (ميتا من غير جناية. فغير مضمون) لأنه لم تعلم حياته قبل ذلك،
(و) إن انفصل ميتا (بجناية فعلى الجاني الضمان) لأن الاتلاف وجد منه (فإن كانت) الجناية
(من الغاصب ف‍) - عليه (غرة) عبد أو أمة قيمتها خمس من الإبل (موروثة عنه) أي عن
الجنين، لأنه كأنه ولد حيا، لأنه أتلف جنينا حرا. و (لا يرث الغاصب منها) أي الغرة
(شيئا) لو كان الولد منه، لأنه قاتل له، (وعليه) أي الغاصب (للسيد عشر قيمة الام) فيضمنه
له ضمان المماليك. ولهذا لو وضعته حيا قومناه مملوكا. وقد فوت رقه على سيده، (وإن
كانت) الجناية (من غير الغاصب. فعليه) أي الجاني (الغرة يرثها الغاصب) لأنه أبو الجنين
(دون أمه) لأنها رقيقة، (وعلى الغاصب عشر قيمة الام للمالك) لأنه يضمنه ضمان المماليك.
لكونه قد فوت رقه على السيد (وإن قتلها) الغاصب (بوطئه، أو ماتت) الأمة (بغيره فعليه)
أي الغاصب (قيمتها) أي الأمة. وتقدم (أكثر ما كانت) هكذا في المغني (2) والمبدع (3). قال
الحارثي: وهذا محمول على أن الكثرة كانت في مقابلة الأوصاف، لا لارتفاع الأسعار،
كما صار إليه في مثله، وإلا فهو بعينه مذهب الشافعي. مثاله: كانت القيمة ألفا فنقصت
121

بالافتضاض مائة، ثم بالولادة مائة، ثم ماتت وقيمتها ثمانمائة. فالواجب ألف لا ثمانمائة،
لأن الأوصاف مضمونة كالأعيان ووقع التضمين على هذا الاعتبار بأكثر ما كانت. ولو
نقصت القيمة لانخفاض السعر قبل الافتضاض، أو قبل الولادة، أو قبل الموت. فعلى
المذهب: الواجب ما استقر عليه الحال يوم تلف الوصف، أو تلف العين. وعلى قول
القائلين بأقصى القيم يكون الواجب ألفا انتهى. والمذهب، أنه يضمن المغصوب بقيمته يوم
التلف نقله الجماعة عن أحمد، (و) على ما نذكره (يدخل في ذلك) أي في قيمتها أكثر ما
كانت (أرش بكارتها، ونقص ولادتها) لأنها تقوم بكرا لا نقص بها، وعلى المذهب من أنها
تقوم يوم التلف لا يدخل ذلك، بل يضم إلى قيمتها (ولا يدخل فيه) أي قي قيمتها أكثر ما
كانت (ضمان ولدها) لو مات (ولا مهر مثلها)، بل يضم ذلك إلى القيمة على كلا القولين.
ومتى انتقلت العين المغصوبة عن يد الغاصب إلى غير المالك لها. فالمنتقلة إليه بمنزلة
الغاصب في كون المالك يملك تضمينه العين والمنفعة لأنه إن كان عالما بالحال كان غاصبا
وإن كان جاهلا فلعموم قوله (ص): على اليد ما أخذت حتى تؤديه (1) ولأن العين المغصوبة
صارت في يده بغير حق، فملك المالك تضمينه، كما يملك تضمين الغاصب، لكن إنما
يستقر عليه ما دخل ضمانه من عين. أو منفعة. وما عداه فعلى الغاصب إن لم يعلم. إذا
تقرر ذلك فالأيدي المترتبة على يد الغاصب عشرة تأتي مفصلة. فمن غصب أمة بكرا فباعها،
أو وهبها لانسان، أو زوجها له ونحوه، واستولدها ثم ماتت عنده، أو غصب دارا، أو بستانا،
أو عبدا ذا صناعة، أو بهيمة. ثم باع ذلك، أو وهبه ونحوه ممن استغله إلى أن تلف عنده، ثم
حضر المالك. فله تضمين أيهما شاء. وقد أشار إلى ذلك بقوله: (وإن باعها)، أي الجارية
(أو وهبها ونحوهما) بأن جعلها صداقا، أو عوضا في خلع، أو طلاق، أو عن قرض ونحو
ذلك (من كل قابض منه) أي من الغاصب تملكا بعوض أو غيره (لعالم بالغصب فوطئها)
القابض وأولدها (فللمالك تضمين أيهما شاء) أي الغاصب، أو القابض (نقصها) أي الجارية
(ومهرها، وأجرتها، وأرش بكارتها، وقيمة ولدها إن تلف) (2) ولدها، (فإن ضمن) المالك
(الغاصب) ذلك (رجع) الغاصب (على الآخر) وهو القابض منه بما ضمنه له المالك
(لحصول التلف في يده) العادية، حيث علم بالغصب (وإن ضمن) المالك (الآخر) أي
122

القابض من الغاصب العالم بالحال جميع ذلك (لم يرجع) القابض بما غرمه (على أحد)
لاستقرار ذلك عليه، لدخوله على بصيرة (والنقص والأجرة قبل البيع والهبة) ونحوهما (على
الغاصب) فليس للمالك تضمينهما للقابض، لأنهما لم يذهبا تحت يده (وإن لم يعلما) أي
المشتري والمتهب (بالغصب فهما كالغاصب في جواز تضمينها العين والمنفعة) من حين
القبض لما تقدم (لكنهما يرجعان على الغاصب بما لم يلتزما ضمانه) (1) أي بما لا يقتضي
العقد ضمانه، من عين أو منفعة، وكذا سائر الأيدي المترتبة على يد الغاصب فعقد البيع
يقتضي أن المبيع مضمون على المشتري بالثمن، حتى لو تلف فات مجانا، بخلاف
المنافع. فإنها تثبت للمشتري تبعا للعين لأن الخراج بالضمان. وعقد الإجارة يقتضي أن
المنفعة مضمونة على المستأجر دون العين، فإن المستأجر إنما أعطى الأجرة في مقابلة
المنفعة خاصة. فهي مضمونة عليه بالأجرة والعين معه أمانة لم يلتزم ضمانها، والوديعة
والهبة تقتضي عدم ضمان العين، والمنفعة والعارية تقتضي ضمان العين دون المنفعة.
وهكذا تقول في كل عقد بحسبه. إذا علمت ذلك.
فالأولى والثانية من الأيدي المترتبة على يد الغاصب يد المشتري، والمستعير وإليهما
أشار بقوله: (فإن ضمن) المالك (المشتري) العين والمنفعة، (أو) ضمن (المستعير) العين
والمنفعة (رجعا) أي المشتري والمستعير على الغاصب (بقيمة المنفعة) إذ هي غير مضمونة
عليهما (دون العين) فإنها تستقر عليهما لدخولهما في العقد على ضمانها.
الثالثة: يد المستأجر. (و) إليه الإشارة بقوله (المستأجر): إن جهل الغصب (عكسهما)
يستقر عليه ضمان المنفعة دون العين، لأنه دخل على ضمان المنفعة دون العين، فإن ضمن
المالك الغاصب العين والمنفعة رجع الغاصب على المستأجر بقيمة المنفعة، وإن ضمنهما
المستأجر رجع على الغاصب بقيمة العين.
الرابعة والخامسة: المملك بلا عوض والقابض بعقد أمانة. وقد ذكرهما بقوله. (وإن
ضمن) المالك (المودع) ولم يكن فرط (أو المتهب) ومثله المهدى إليه والمتصدق عليه:
العين والمنفعة (رجعا) أي المودع والمتهب (بهما) على الغاصب حيث لم يعلما لتغريره
لهما، ولأنهما لم يدخلا على ضمان شئ. ومثل المودع الوكيل والمرتهن، وما تقدم في
123

الرهن من أن الوكيل والأمين في الرهن إذا باعا وقبضا الثمن ثم بان المبيع مستحقا لم
يلزمهما شئ أي من الثمن، لأن حقوق العقد متعلقة بالموكل دون الوكيل، وليس معناه أن
المستحق للعين لا يطالب الوكيل بها كما نبه عليه ابن رجب (1). (وإن ضمن) المالك
(الغاصب رجع) الغاصب (على الآخر بما لم يرجع به) القابض (عليه لو ضمنه) (2) المالك
ابتداء. ففي مسألتي الوديعة والهبة إذا ضمن الغاصب لا يرجع على المتهب، ولا على
الوديع بشئ، لأنهما لم يدخلا على ضمان شئ وإن كانا عالمين استقر عليهما الضمان،
والموصى له بالمنافع كالمتهب، (ويسترد المشتري والمستأجر من الغاصب ما دفعا إليه من
المسمى) في البيع والإجارة (بكل حال) أي سواء جهلا أو علما بالغصب لانتفاء صحة
العقد فيهما، لأن البائع والمؤجر ليس مالكا ولا مأذونا. فلا يملك الثمن ولا الأجرة بالعقد
الفاسد. وظاهره: ولو أقرا بالملك للغاصب. وهو مقتضى ما يأتي في الدعاوى. ومفهوم
المنتهى: إن أقرا بالملك له لا رجوع لهما، مؤاخذة لهما بمقتضى إقرارهما (3). قال ابن
رجب في القواعد: لو أقر المشتري للبائع بالملك فلا رجوع له عليه، ولو أقر بصحة البيع
ففي الرجوع احتمالان. ذكرهما القاضي. وقد يخرج كذلك في الاقرار بالملك حيث علم
أنه مستند اليد. وقد بان عدوانها انتهى. ولو طالب المالك الغاصب بالثمن كله إذا كان أزيد
من القيمة قال ابن رجب: قياس المذهب، أن له ذلك كما نص عليه أحمد في المتجر في
الوديعة من غير إذن، أن الربح للمالك. (وإن ولدت) المغصوبة (من مشتر، أو) ولدت من
(متهب فالولد حر) حيث لم يعلما الحال للغرر (ويفديه) أبوه (بقيمته يوم وضعه) لما تقدم
(ويرجع) الغارم (بالفداء على الغاصب) لأنه غره، ولأنه لم يدخل على ضمانه (وإن تلفت)
الجارية (عند مشتر) جاهل بالحال (فعليه قيمتها. ولا يرجع بها ولا بأرش بكارة) على
الغاصب، لأنه دخل على ضمان العين، لأنه بذل الثمن في مقابلتها، (بل) يرجع المشتري
الجاهل بالحال على الغاصب (بثمن) أخذه الغاصب منه، (و) ب‍ (- مهر، وأجرة نفع، وثمرة)
124

بستان، (وكسب) قن، (وقيمة ولد كما تقدم) لأنه دخل على أن ذلك غير مضمون عليه، (و) كذا
(نقص ولادة ومنفعة فائتة) إذا غرمهما المشتري رجع بهما على الغاصب، كما تقدم، (وتقدم
حكم غير المشتري من كل قابض من الغاصب بما يرجع) الغاصب (به على القابض منه) إذا
غرمه المالك وما يرجع به القابض على الغاصب إن ضمنه المالك. فإن قلت: أين تقدم
ذلك؟ قلت: في قوله: لكنهما يرجعان على الغاصب بما لم يلتزما ضمانه، لأن معناه أن
المشتري والمتهب ونحوهما من كل قابض إذا غرمهما المالك يرجعان على الغاصب بما لا
يقتضي العقد أنه مضمون عليهما. وعلم منه أنه يستقر عليهما ما اقتضى العقد أنه مضمون
عليهما. كما تقدم، (وإن ردها) أي الجارية المشتري (حاملا فماتت من الوضع فهي مضمونة
على الواطئ) لأنها تلفت بسبب وطئه. وقد دخل على ضمانها. فإن كان موهوبا وغرم
القيمة رجع بها على الغصب لأنه غرم.
السادسة: يد المتزوج للأمة المغصوبة إذا تزوجها وولدت عنده وماتت (1). وقد
ذكرها بقوله: (وإن ولدت من زوج غير عالم) بالغصب (فالولد رقيق) تبعا لامه إن لم يشترط
حريته، أو يغر بحريتها (يجب) على الزوج (رده على المالك إن كان الولد حيا) كأمه (وإن
تلف) الولد (ففيه القيمة للمالك) كما تقدم (يأخذها) المالك (ممن شاء من الغاصب، أو
الزوج، فإن ضمن الزوج رجع على الغاصب) لأنه غره (وإن ضمن الغاصب لم يرجع عليه)
أي الزوج لاستقرار ذلك على الغاصب، (وإن ماتت) الجارية (في حبال الزوج، فقرار الضمان
على الغاصب) لأن مقتضى عقد النكاح عدم ضمانها على الزوج (فإن استخدمها الزوج
وغرم) للمالك (الأجرة لم يرجع بها على الغاصب) لأن عقد النكاح لا يقتضي استخدام
الزوج للزوجة، لأن المعقود عليه فيه منفعة البضع فقط. فلا تغرير (وإن أعارها) أي أعار
الغاصب العين المغصوبة (فتلفت ضمن مستعير غير عالم العين) لأنه مقتضى عقد العارية
دون المنفعة، (و) غرم (غاصب الأجرة) لأن المستعير دخل على أنها غير مضمونة عليه.
وكذا الحكم فيما تلف من الاجزاء بالاستعمال المعروف (وإلا) بأن كان المستعير عالما
بالغصب (ضمنها) أي العين والمنفعة (المستعير، كما تقدم) لأنه لا تغرير.
125

السابعة: يد المتصرف في المال بما ينميه، كالمضارب والشريك والمساقي والمزارع
إذا تلف ذلك بيد العامل ونحوه (1). فإن ضمنه المالك رجع على الغاصب بقيمة وأجرة
عمل، لأنهم دخلوا على أن لا ضمان عليهم إلا حصتهم من الربح والثمر ونحوه. فيستقر
عليهم ضمانها. وإن ضمن الغاصب رجع بما قبض عامل لنفسه من ربح وثمر وزرع بقسمته
معه، لأنه لا يستحق ما قبضه من ذلك لفساد العقد. وللعامل على الغاصب أجر مثله لأنه
غره.
الثامنة: يد القابض تعويضا بغير عقد البيع (2)، بأن يجعل المغصوب عوضا في نكاح،
أو خلع، أو طلاق، أو عتق، أو صلح، أو إيفاء دين ونحوه فإن غرم قابض ونحوه رجع بقيمة
منفعة. وإن غرم غاصب رجع بقيمة عين والدين بحاله.
التاسعة: يد المتلف للمغصوب نيابة عن الغاصب كالذابح للحيوان والطابخ له (3)
وهذا يرجع بما ضمنه له المالك على الغاصب إن لم يعلم بالحال، لوقوع الفعل للغاصب
فهو كالمباشر له، لكن إن أتلفه على وجه محرم، كأن قتل العبد، أو أحرق المال المغصوب
عالما تحريمه. ففي التلخيص: يستقر عليه الضمان لعلمه بالتحريم. ورجع الحارثي دخوله
في قسم المغرور لعدم علمه بالضمان.
العاشرة: يد الغاصب من الغاصب. فالقرار على الثاني مطلقا ولا يطالبه بما زاد على
مدته. وهذا كله يعلم مما ذكره بالتأمل. ومتى وجدت زيادة بيد أحدهما كسمن وتعلم
صنعة ثم زالت، فإن كانت في يد الثاني فكما لو كانت بأيديهما، وإن كانت بيد الأول
اختص بضمان تلك الزيادة. وأما الأصل فعلى ما سبق. (وإذا اشترى) إنسان (أرضا فغرسها،
أو بنى فيها فخرجت) الأرض (مستحقة وقلع غرسه وبناءه رجع المشتري على البائع بما
غرمه) (4) بسبب ذلك من ثمن أقبضه وأجرة غارس، وبان، وثمن مؤن مستهلكة وأرش نقص
بقلع ونحو ذلك وأجرة دار، لأن البائع غر المشتري ببيعه إياها وأوهمه أنها ملكه. وكان
سببا في غراسه وبنائه وانتفاعه. فرجع عليه بما غرمه و (لا) يرجع المشتري (بما أنفق على
العبد، والحيوان، ولا بخراج الأرض) إذا اشترى أرضا خراجية وغرم خراجها، ثم ظهرت
126

مستحقة. فلا يرجع المشتري بذلك على البائع (لأنه) أي المشتري (دخل في الشراء ملتزما
ضمان ذلك) لأن عقد البيع يقتضي النفقة على المبيع ودفع خراجه. قلت: وقياس ذلك أن
الزوج لا يرجع على الغاصب بما أنفقه على الزوجة إذا خرجت مغصوبة، كما أنه لا يرجع
على الحرة في النكاح الفاسد، وبيع الخراجية كما تقدم غير صحيح. فالمراد هنا إذا حكم
به من يراه أو المراد به النزول عنها لمن يقوم مقامه في الانتفاع ووزن الخراج كما يأتي في
إحياء الموات، (وإن أطعم) الغاصب (المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان على الآكل)
لأنه المباشر ولا غرر (وإن لم يعلم) الآكل بالغصب (ف‍) - قرار الضمان (على الغاصب) لأنه
غر الآكل، (ولو لم يقل) الغاصب: (كله فإنه طعامي) لأن الظاهر أن الانسان إنما يتصرف
فيما يملكه (1). (وإن أطعمه) أي أطعم الغاصب المغصوب (لمالكه، أو) أطعمه ل‍ (- عبده)
أي المالك، (أو دابته، فأكله) المالك (عالما أنه له) وكذا لو أكله عبده أو دابته بيده (ولو بلا
إذنه) أي المالك (برئ الغاصب) لأن المالك أتلف ماله عالما من غير تغرير. فلم يكن له
رجوع به على أحد، (وإن لم يعلم) المالك أنه طعامه لم يبرأ الغاصب (2)، لأنه لم يعده إلى
تصرفه التام وسلطانه المطلق، إذ لا يتمكن من بيعه ولا هبته ولا إطعامه غيره، (أو أخذه) أي
أخذ المالك المال المغصوب من غاصبه (بقرض، أو شراء، أو هبة، أو هدية، أو صدقة، أو إباحة)
الغاصب (له) أي للمالك ولم يعلم. لم يبرأ، (أو رهنه) الغاصب (عنده) أي مالكه (أو أودعه
إياه، أو أجره، أو استأجره على قصارته وخياطته. لم يبرأ) الغاصب (إلا أن يعلم) المالك أنه
ماله المغصوب منه. لأنه بالغصب أزال يد المالك وسلطته. وبالاطعام والهبة، أو الايداع، أو
نحوه لم يعد. إلا أنه إنما تسلمه على وجه الأمانة أو ثبوت بدله في ذمته أو تحمله منته.
وربما كافأه في الهبة، لكن القياس أن الغاصب يبرأ إذا أخذه المالك قرضا أو شراء من
127

العين، لأن مالكها دخل على أنها مضمونة عليه. وقد قالوا: لا شئ له. لما يستقر عليه لو
كان أجنبيا، كما في العارية وجزم به في المغني (1)، لكن المنصوص ما ذكر المصنف كما
قال الحارثي، لأنه سلمه إليه على بذل العوض، فلم يرد إليه على ما كان. وقد أشبعت
الكلام في ذلك في حاشية المنتهى.
تنبيه: قياس المذهب أن الغاصب يبرأ من المنفعة فيما إذا أجره لمالكه لدخوله على
ضمانها، كما أشار إليه المجد في شرحه. (وإن أعاره) أي أعار الغاصب المالك (إياه) أي
المغصوب (برئ) الغاصب (علم) المالك أنه ماله (أو لم يعلم) ذلك (2)، لأنه دخل على
أنه مضمون عليه، لكن له الرجوع بأجرة منفعته على الغاصب، لأنه دخل على أن المنفعة
غير مضمونة عليه، كما يشير إليه كلام المجد في شرحه، وإن صدر ما تقدم من مالك
الغاصب، بأن وهبه المغصوب، أو أودعه إياه ونحوه برئ الغاصب، كما لو زوجه
المغصوبة، ومن أخذ منه ما اشتراه ببينة بالملك المطلق رد بائعه ما أخذ، (ومن اشترى عبدا)
أو أمة (فأعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه) أي القن (منه، فصدقه أحدهما) أي البائع أو
المشتري (لم يقبل) تصديقه (على الآخر) المنكر، لأنه لا يقبل إقراره في حق غيره، (وإن
صدقاه) أي البائع والمشتري (مع العبد لم يبطل العتق) لأنه حق الله تعالى. بدليل أنه لو
شهد به شاهدان وأنكره العبد لم يقبل منه، وكذا إن صدقاه دون العبد كان حرا، لأنه تعلق
به حق لغيرهما (ويستقر الضمان على المشتري) لأن التلف حصل في يده، وللمالك تضمين
من شاء منهما قيمته يوم العتق. فإن ضمن البائع رجع على المشتري لما ذكرنا وإن ضمن
المشتري لم يرجع على البائع إلا بالثمن. قاله في المبدع (3) وغيره (فلو مات العبد وخلف
مالا فهو) أي المال (للمدعي) لاتفاقهم على أنه له (إلا أن يخلف) القن (وارثا) فالمال له.
للحكم بحريته (وليس عليه) أي القن (ولاء) لأن أحدا لا يدعيه (وإن أقام المدعي بينة بما
ادعاه) من أن البائع غصبه منه (بطل البيع) لأنه ليس من مالك ولا مأذون، (و) بطل (العتق)
لترتبه على البيع الباطل (ويرجع المشتري على البائع بالثمن) لبطلان البيع، (وإن كان
المشتري لم يعتقه) وادعى إنسان أن البائع غصبه منه (وأقام المدعي بينة بما ادعاه انتقض
128

البيع) أي تبينا عدم انعقاده، لأنه ليس من مالك ولا مأذونه (ورجع المشتري على البائع
بالثمن) لبطلان البيع، (وكذلك إن أقرا) أي البائع والمشتري (بذلك) أي بأن البائع غصبه من
المدعي فيبطل البيع ويرجع المشتري على البائع بما قبضه من الثمن، لأن الحق لا
يعدوهما، بخلاف ما إذا أعتقه (وإن أقر أحدهما) بما ادعاه المدعي من غصب القن (لم
يقبل) إقراره (على الآخر) (1). لأنه تعلق به حق لغيره (فإن كان المقر) هو (البائع لزمته
القيمة للمدعي) لأنه حال بينه وبين ملكه بغير حق (ويقر العبد في يد المشتري) لأنه ملكه
في الظاهر (وللبائع إحلافه) أنه لا يعلم صحة إقراره، فإن نكل قضى عليه بالنكول، (ثم إن
كان البائع لم يقبض الثمن. فليس له مطالبة المشتري) به لاقراره بما يسقطه، (وإن كان)
البائع (قد قبضه) أي الثمن (فليس للمشتري استرجاعه لأنه لا يدعيه. ومتى عاد العبد إلى
البائع بفسخ) (2) للبيع (أو غيره) من إرث، أو هبة، أو شراء ونحوها (لزمه) أي البائع (رده) أي
العبد (إلى مدعيه) لاعترافه له بالملك (وله استرجاع ما أخذ منه) في نظير الحيلولة لزوالها
(وإن كان إقرار البائع) بأنه غصبه منه (في مدة الخيار انفسخ البيع لأنه يملك فسخه) فقبل
إقراره بما يفسخه، وسواء كان خيار مجلس، أو خيار شرط لهما، أو للبائع وحده، لا
للمشتري وحده (وإن كان المقر) بأن البائع غصبه هو (المشتري وحده لزمه رد العبد)
للمدعي لاقراره بالملك (ولم يقبل إقراره على البائع ولا يملك) المشتري (الرجوع عليه) أي
البائع (بالثمن إن كان) البائع (قبضه، وعليه) أي المشتري (دفعه) أي الثمن (إليه إن لم يكن)
البائع (قبضه) لأنه ملكه في الظاهر (وإن أقام المشتري بينة ما أقر به) من غصب البائع للعبد
(قبلت) بينته لعدم ما ينافيها (وله الرجوع بالثمن) على البائع حينئذ لتبين بطلان البيع، (وإن كان
129

البائع) هو (المقر) بأنه غصبه من المدعي، (وأقام بينة) بما أقر به، (فإن كان) البائع (في حال
البيع قال: بعتك عبدي هذا، أو) قال: بعتك (ملكي. لم تقبل بينته) أي البائع (لأنه يكذبها)
بقوله: عبدي هذا، أو ملكي، (وإلا) يقل ذلك، بأن قال مثلا: بعتك هذا العبد (قبلت) بينته،
لأنه قد يبيع ملكه وغيره (وإن أقام المدعي البينة سمعت) بينته وبطل البيع. وكذا العتق إن
كان كما تقدم (ولا تقبل شهادة البائع له) (1) أي للمدعي بأنه غصبه منه، لأنه يجر بها إلى
نفسه نفعا (وإن أنكراه) أي أنكر البائع والمشتري مدعي العبد (جميعا. فله إحلافهما)
لحديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (2).
تتمة: قال أحمد في رجل يجد سرقته عند إنسان بعينها قال: هو ملكه، يأخذه (3). أذهب
إلى حديث سمرة عن النبي (ص): من وجد متاعه عند رجل فهو أحق به، ويتبع المبتاع من باعه (4)
رواه هشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سمرة وموسى بن السائب ثقة.
فصل:
(وإن تلف المغصوب)
بأن كان حيوانا فمات، أو متاعا فاحترق ونحوه. وشمل كلامه: لو غصبه مريضا
فمات في يده في ذلك المرض ضمنه كما جزم به الحارثي. واقتصر عليه في الانصاف، (أو
أتلفه الغاصب، أو) أتلفه (غيره) بأن قتل الحيوان المغصوب، أو أحرق المتاع المغصوب (ولو)
كان إتلاف غير الغاصب للمغصوب (بلا غصب) بأن أتلفه بيد الغاصب، أو بعد أن انتقل إلى
يده بشئ مما تقدم من نحو بيع، أو هبة، أو عارية، أو وديعة (ضمنه) الغاصب، أو من تلف بيده
(بمثله إن كان) المغصوب (مكيلا، أو موزونا) لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه (تماثلت
أجزاؤه، أو تباينت كالأثمان، ولو نقرة، أو سبيكة، وكالحبوب) من بر وشعير وأرز،
ودخن، وذرة، وعدس، وباقلا ونحوها (و) ك‍ (- الادهان) من سمن وشيرج وزيت. وكذا سائر
130

المائعات والثمار التي تجب فيها الزكاة، كتمر وزبيب وبندق ولوز ونحوها. وتقدم بيان
المكيلات، والموزونات في الربا مفصلة. فيضمن ذلك بمثله (إذا كان) حين التلف (باقيا
على أصله) أي حاله حين الغصب. قال أحمد في رواية حرب: ما كان من الدراهم
والدنانير، أو ما يكال أو ما يوزن فعليه مثله (1) انتهى، لأن المثل أقرب إلى المنضبط من
القيمة لكونه مماثلا له من طريق الصورة والمشاهدة. والمعنى بخلاف القيمة. فإنها مماثلة
من طريق الظن والاجتهاد. فقدم ما طريقه المشاهدة كالنص. فإنه لما كان طريقه الادراك
بالسماع كان أولى من القياس لأن طريقه الاجتهاد (فإن تغيرت صفته) أي المغصوب
(كرطب صار) وقت التلف (تمرا، أو سمسم صار) بعد الغصب (شيرجا، ضمنه) بتشديد الميم
(المالك) للغاصب ونحوه (بمثل أيهما أحب) لثبوت ملكه على كل واحد من المثلين. فإن
شاء ضمنه رطبا وسمسما. اعتبارا بحال الغصب، أو تمرا وشيرجا اعتبارا بحالة التلف
(والدراهم المغشوشة الرائجة مثلية) لتماثلها عرفا، ولان أخلاطها غير مقصودة. وكذا
الفلوس. وتقدم في القرض.
تنبيه: ينبغي أن يستثنى من ضمان المثلي بمثله: الماء في المفازة. فإنه يضمن بقيمته
في البرية ذكره في المبدع (2). وجزم به الحارثي. قلت: ويؤيده ما قالوه في التيمم: وييمم رب ماء مات لعطش رفيقه. ويغرم قيمته مكانه لورثته (وإن أعوز المثلي) قال في المبدع: في
البلد أو حوله (3) (لعدم، أو بعد، أو غلاء. فعليه) أي الغاصب ونحوه (قيمة مثله) أي
المغصوب المثلي، لأنها أحد البدلين. فوجب عند تعذر أصله كالآخر (يوم إعوازه) أي
المثل لأن القيمة وجبت في الذمة حين انقطاع المثل. فاعتبرت القيمة حينئذ كتلف المتقوم
(في بلده) أي الغصب لأنه مكان الوجوب (فلو قدر) الغاصب ونحوه (على المثل) بعد
تعذره (قبل أداء القيمة لا بعده لزمه المثل) لأنه الأصل. وقد قدر عليه قبل أداء البدل، حتى
ولو كان ذلك بعد الحكم عليه بأداء القيمة كالمأمور بالتيمم عند ضيق الوقت، وفقد الماء
إذا قدر عليه قبل انقضاء الصلاة، (و) إن قدر على المثل بعد أداء القيمة (لم يرد القيمة)
ليأخذ المثل، لأنه استقر البدل، كمن وجد الماء بعد الصلاة، (فإن كان) الموزون (مصوغا
131

مباحا) أي فيه صناعة مباحة (كمعمول ذهب، وفضة) من أساور وخلاخيل ودمالج ونحوها،
(و) كمعمول (نحاس، ورصاص، ومغزول صوف، وشعر ونحوه) كمغزول قطن، وكتان (أو) كان
(تبرا تخالف قيمته وزنه بزيادة أو نقص) ضمن بقيمته، لأن الصناعة تؤثر في القيمة. وهي
مختلفة. والقيمة فيه حصر (1)، وكذا ما لا يصح السلم فيه من جوهر ونحوه، (فإن كان)
المصوغ (من) أحد (النقدين) قوم بالآخر لئلا يؤدي إلى الربا فيقوم حلي الذهب بالفضة
وحلي الفضة بالذهب، (أو) كان المغصوب (محلى بأحدهما) أي النقدين (قومه بغير جنسه)
فيقوم المحلى بذهب بالفضة والمحلى بفضة بالذهب فرارا من الربا، (وإن كان) المغصوب
(محلى بهما) أي بالنقدين معا (قومه بما شاء منهما للحاجة) إلى التقويم بأحدهما، لأنهما
قيم للمتلفات. وليس أحدهما أولى من الآخر. فكانت الخيرة في ذلك إلى من يخير التقويم
(وأعطاه) أي أعطى الغاصب ونحوه مالك المحلى بهما (بقيمته عرضا) لأن أخذها من أحد
النقدين يفضي إلى الربا. وكذا لو كان مصوغا منهما، (وإن كان) المغصوب (محرم الصناعة
كأواني ذهب، وفضة، وحلي محرم) كسرج، وركاب (ضمنه) الغاصب ونحوه (بوزنه فقط) لان
الصناعة المحرمة لا قيمة لها شرعا (وفي الانتصار والمفردات: لو حكم حاكم بغير المثل
في المثلي وبغير القيمة في المتقوم. لم ينفذ حكمه ولم يلزم قبوله) واقتصر عليه في
المبدع (2) وغيره، (وإن لم يكن) المغصوب (مثليا) كالثوب، والعبد، والدابة، وتلف أو أتلفه
الغاصب أو غيره (ضمنه بقيمته) لقوله (ص): من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة
العدل (3) متفق عليه. فأمر بالتقويم في حصة الشريك، لأنها متلفة بالعتق. ولم يأمر
بالمثل، لأن هذه الأشياء لا تتساوى أجزاؤها وتختلف صفاتها. فالقيمة فيها أعدل وأقرب
إليها. فكانت أولى. فإن كان زرعا أخضر قوم على رجاء السلامة وخوف العطب كالمريض
والجاني وتعتبر القيمة (يوم (4) تلفه في بلد غصبه) لأن ذلك زمن الضمان وموضعه (من
132

نقده) أي نقد بلد الغصب، لأنه موضع الضمان (فإن كان به نقود فمن غاليها) (1) لأنه الذي
ينصرف إليه اللفظ عند الاطلاق. كما لو باع بدينار مطلق (وكذا متلف بلا غصب ومقبوض
بعقد فاسد) إذا تلف، أو تلف (وما أجري مجراه) أي مجرى المقبوض بعقد فاسد في
الضمان (مما لم يدخل في ملكه) أي القابض كالمقبوض على وجه السوم. فإن كانت مثلية
ضمنت بمثلها، أو متقومة فبقيمتها، لكن لو اشترى ثمرة شجرة شراء فاسدا وخلى البائع بينه
وبينه على شجرة لم يضمنه بذلك. لعدم ثبوت يده عليه. ذكره بعض أصحابنا محل وفاق.
قاله ابن رجب في القواعد، (فإن دخل) التالف (في ملكه) أي ملك متلفه (بأن أخذ معلوما
بكيل، أو وزن، أو) أخذ (حوائج من بقال ونحوه) كجزار، وزيات (في أيام) ولم يقطع سعرها
(ثم يحاسبه بعد) ذلك (فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه، لأنه ثبتت قيمته) في ذمته (يوم أخذه)
لتراضيهما على ذلك، ولا يرد المثل. ومقتضى قولهم: فإن دخل في ملكه أن العقد في
ذلك صحيح وإلا لما ترتب عليه الملك. ولذلك أخذ منه الشيخ تقي الدين صحة البيع بثمن
المثل. وعلى هذا يدخل في ملكه. وهذا العقد جار مجرى الفاسد. لكونه لم يعين فيه
الثمن لكنه صحيح، إقامة للعرف مقام النطق، وهذا وإن كان مخالفا لما تقدم من أن البيع
لا يصح إلا مع معرفة الثمن أولى من القول بأنه فاسد يترتب عليه الملك. لأن الفاسد لا
يترتب عليه أثر، بل يدعي أن الثمن في هذه معلوم بحكم العرف فيقوم مقام التصريح به
(ولا قصاص في المال مثل شق ثوبه ونحوه)، بل الضمان بالبدل، أو الأرش على ما تقدم
تفصيله (ولو غصب جماعة مشاعا) بين جماعة كعقار (فرد واحد منهم) أي الغاصبين (سهم
واحد) من المالكين (إليه لم يجز له) أي لم يطب له الانفراد بالمردود عليه (حتى يعطي
شركاءه) أي إلى أن يرد إلى شركائه مثل ما رد إليه، لأن نصيبه شائع فلا يختص بالمردود
(وكذا لو صالحوه عنه بمال) نقله حرب، أي فلا يطيب له الانفراد به (2). وقال في الفروع:
ويتوجه أنه بيع المشاع انتهى. أي فيصح ويطيب له المال. قلت: وهو ظاهر. ولعل رواية
حرب جرت فيما إذا صالحوه عن سهم معين. وكذا لو كان الغاصب لحصصهم واحدا.
133

ويصح غصب المشاع. فلو كانت أرضا أو دارا لاثنين في يدهما. فنزل الغاصب في الأرض
أو الدار فأخرج أحدهما وبقي الآخر معه على ما كان مع المخرج. فإنه لا يكون غاصبا إلا
نصيب المخرج، حتى لو استغلا الملك وانتفعا به لم يلزم الباقي منهما لشريكه المخرج
شئ. قاله المجد في شرحه (ولو تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه) بذلك (كزوجي
خف، ومصراعي باب تلف أحدهما، فعليه) أي الغاصب (رد الباقي، وقيمة التالف، وأرش
النقص) (1) فإذا كانت قيمتها مجتمعين ستة دراهم فصارت قيمة الباقي منهما درهمين رده
وأربعة دراهم، درهمان قيمة التالف ودرهمان أرش النقص، لأنه حصل بجنايته بخلاف
نقص السعر، لأنه لم يذهب به من المغصوب عين ولا معنى. وههنا فوت معنى، وهو
إمكان الانتفاع به، (وإن غصب ثوبا قيمته عشرة فلبسه) الغاصب، أو غيره (فأبلاه فنقص)
الثوب (نصف قيمته) وكذا لو نقص ذلك بغير استعمال (ثم غلت الثياب فعادت قيمته) أي
الثوب (نصف قيمته) وكذا لو نقص ذلك بغير استعمال (ثم غلت الثياب فعادت قيمته) أي
الثوب المغصوب إلى عشرة (كما كانت) قبل البلى (رده) الغاصب، (و) رد (أرش نقصه) لان
ما تلف قبل غلاء الثوب يثبت قيمته في الذمة. فلا يتغير ذلك بغلاء الثوب ولا رخصه، (وإن
رخصت الثياب فعادت قيمته إلى ثلاثة لم يلزم الغاصب إلا خمسة) أرش النقص (مع رد
الثوب) لمالكه لما تقدم. (وإن غصب عبدا فأبق، أو) غصب (فرسا فشرد، أو) غصب (شيئا
فتعذر رده مع بقائه، ضمن) الغاصب (قيمته) للحيلولة (فإذا أخذها المغصوب منه ملكها) (2)
بقبضها فيصح تصرفه فيها كسائر أملاكه من أجل الحيلولة لا على سبيل العوض، (و) لهذا
(لا يملك الغاصب العين المغصوبة بدفع القيمة) (3) لأنه لا يصح أن يتملكه بالبيع لعدم
القدرة على تسليمه. فلا يصح أن يتملكه بالتضمين كالتالف. قال في التلخيص: ولا يجبر
المالك على أخذها. ولا يصح الابراء منها ولا يتعلق الحق بالبدل فلا ينتقل إلى الذمة وإنما
134

يثبت جواز الاخذ دفعا للضرر. فتوقف على خيرته، (ولا) يملك الغاصب أيضا (أكسابها) أي
العين المغصوبة لأنه فرع ملكها (ولا يعتق) العبد الآبق (عليه) أي الغاصب ببذل قيمته
للمالك (إن كان) الآبق (قريبه) أي الغاصب لأنه لم يملكه (فإن قدر) الغاصب (عليه) أي
المغصوب (بعد) عجزه عن (رده، رده) لمالكه (بنمائه المتصل والمنفصل) لأنه تابع للأصل
(وأخذ) الغاصب (القيمة بزوائدها المتصلة فقط) من سمن ونحوه، لأنه إنما وجب دفعها من
أجل الحيلولة وقد زالت. ولا يرد المنفصلة بلا نزاع. قاله في الانصاف (1). قال المجد:
وعندي أن هذا لا يتصور لأن الشجر أو الحيوان لا يكون أبدا نفس القيمة الواجبة، بل بدل
عنها. وإذا رجع المغصوب رد القيمة لا بدلها ولا ثمراته، كمن باع سلعة بدراهم ثم أخذ
عنها ذهبا أو سلعة ثم رد المبيع بالعيب فإنه يرجع بدراهم لا ببدلها انتهى. قال في شرح
المنتهى: وهو كما قال (2):
قلت: وفيه شئ، لأن من باع بدراهم قد استقرت بذمته فيتأتى التعويض عنها. وهنا
لم تثبت القيمة بذمته كما تقدم عن صاحب التلخيص، فافترقا (إن كانت) القيمة (باقية.
وإلا) بأن لم تكن باقية أخذ (بدلها) وهو مثلها إن كانت مثلية، أو قيمتها إن كانت متقومة،
(وليس للغاصب حبس العين) المغصوبة إذا عادت إليه بعد أداء قيمتها للحيلولة (لاسترداد
القيمة كمن اشترى شراء فاسدا) وقبض المبيع وسلم الثمن. فإنه (ليس له حبس المبيع على
رد الثمن، بل يدفعان) أي المغصوب وقيمته، أو المبيع بيعا فاسدا وثمنه (إلى عدل) ينصبه
الحاكم (يسلم إلى كل واحد ماله) (3) قطعا للنزاع كما تقدم في البيع (وإن غصب عصيرا
فتخمر) عنده، (فعليه) أي الغاصب (مثله) أما ضمانه فلأنه صار في حكم التالف لذهاب
ماليته بتخمره. وأما كونه بالمثل فلأنه مثلي، (وإن انقلب) الخمر (خلا رده) الغاصب، (و) رد
(ما نقص من قيمة العصير، أو) نقص (منه ب‍) - سبب (غليانه) لأنه نقص حصل بيده. ومن
غصب صاعا من عصير وغلاه حتى ذهب نصفه فلم تنقص قيمته. فنقل المجد عن القاضي
وابن عقيل: لا يضمن شيئا، لأن الذاهب منه أجزاء مائية ورطوبات لا قيمة لها. وقدم في
135

الفروع عليه: مثل نقصه. وحكاه في الانصاف (1) عن الأصحاب، وكما لو كان زيتا ونحوه
(وإن غصب أثمانا) لا مؤنة لحملها (فطالبه مالكها بها في بلد آخر) غير بلد الغصب (وجب)
على الغاصب (ردها إليه) أي المالك لعدم الضرر (وإن كان المغصوب من المتقومات)
كالثياب والعبيد وطالب به مالكه في غير بلد الغصب (لزم) الغاصب (دفع قيمته في بلد
الغصب) للحيلولة، (وإن كان) المغصوب (من المثليات) ولحمله مؤنة، (وقيمته في البلدين)
أي بلد الغصب وبلد الطلب (واحدة، أو هي) أي القيمة (أقل في البلد الذي لقيه) المالك
وطلبه منه (فيه، فله) أي المالك (مطالبته بمثله) للحيلولة، مع أنه لا ضرر عليه (وإن كانت)
قيمته ببلد الطلب (أكثر) من قيمته ببلد الغصب (فليس له) أي المالك (المثل) لما فيه من
ضرر الغاصب (وله المطالبة بقيمته في بلد الغصب) لأنه لا ضرر فيها على الغاصب (وفي
جميع ذلك متى قدر) الغاصب (على المغصوب، أو) قدر (على المثل في بلد الغصب رده)
للمالك لأنه الواجب (وأخذ) الغاصب (القيمة) لأنها إنما وجبت للحيلولة وقد زالت.
فصل:
(وإن كان للمغصوب منفعة تصح إجارتها)
يعني إن كان المغصوب مما يؤجر عادة (فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده)
سواء (استوفى) الغاصب، أو غيره (المنافع، أو تركها تذهب) لأن كل ما ضمن بالاتلاف جاز
أن يضمنه بمجرد التلف في يده، كالأعيان (2) وحديث: الخراج بالضمان (3) وارد في البيع.
فلا يرد عليه الغاصب والقابض بعقد فاسد، أو سوم (وإن ذهب بعض أجزائه) أي المغصوب
(في المدة) أي مدة الغصب باستعمال أو لا (كحمل المنشفة لزمه) أي الغاصب (مع الأجرة
136

أرش نقصه) لأن كل واحد منهما ينفرد بالايجاب. فإذا اجتمعا وجبا والأجرة في مقابلة ما
يفوت من المنافع، لا في مقابلة الاجزاء (وإن تلف المغصوب فعليه) أي الغاصب (أجرته
إلى) حين (تلفه) لأنه من حين التلف. لم تبق له منفعة حتى توجب عليه ضمانها (1)، (ويقبل
قول الغاصب) أو القابض، (إنه تلف) لأنه لا يعلم إلا منه (فيطالب بالبدل) أي بمثله إن كان
مثليا وقيمته إن كان متقوما. ويقبل قوله أيضا في وقت التلف بيمينه لتسقط عنه الأجرة من
ذلك الوقت (وما لا تصح إجارته) أي لم تجر العادة بإجارته (كغنم، وشجر، وطير) ونحوه
(مما لا منفعة له) تؤجر عادة (لم يلزمه) أي الغاصب (له أجرة) لأن منافعه غير متقومة. ولا
يرد عليه صحة استئجار الغنم لدياس الزرع والشجر لنشر الثياب لندرة ذلك (وإن غصب
شيئا فعجز عن رده) كعبد أبق وجمل شرد (فأدى قيمته) للحيلولة (فعليه) أي الغاصب
(أجرته إلى وقت أداء القيمة) فقط (فإن قدر) الغاصب (عليه) أي المغصوب (بعد) أن كان
عجز عنه (لزمه رده) لمالكه (كما تقدم قريبا، ولا أجرة له) على الغاصب (من حين دفع)
الغاصب (بدله إلى رده) لأن المالك بقبض قيمته استحق الانتفاع ببدله الذي هو قيمته فلا
يستحق الانتفاع به وببدله الذي قام مقامه (ومنافع المقبوض بعقد فاسد) يجب الضمان في
صحيحه، كبيع وإجارة (كمنافع المغصوب تضمن بالفوات والتفويت) أي يضمنها القابض،
سواء استوفى المنافع، أو تركها تذهب لما تقدم، بخلاف عقود الأمانات كالوكالة، والوديعة،
والمضاربة. وعقود التبرعات كالهبة، والوصية، والصدقة. فلا ضمان في صحيحها. ولهذا
يرجع من غرم بسبب ذلك شيئا على الغاصب بما غرمه (ولو كان العبد المغصوب ذا صنائع
لزمه) أي الغاصب (أجرة أعلاها) صنعة (فقط) لأنه لا يمكن الانتفاع به في صنعتين معا في
آن واحد، ولان غاية ما يحصل لسيده به من النفع أن يستعمله في أعلى ما يحسنه من
الصنائع (وتقدم أول الباب: لو حبس حرا أو استعمله كرها) فله أجرة مثله. ولو كان ذا
صنائع وجب له أجرة أعلاها.
137

فصل:
(وتصرفات الغاصب الحكمية)
وكذا غير الغاصب (وهي) أي التصرفات الحكمية (مالها من صحة أو فساد) أي
ما توصف تارة بالصحة، وتارة بالفساد (كالحج من المال المغصوب وسائر العبادات) التي
تتعلق بالمغصوب إذ فعلها عالما ذاكرا. كما تقدم في والصلاة. كالصلاة بثوب مغصوب، أو
في مكان مغصوب، والوضوء من ماء مغصوب، وإخراج زكاته. بخلاف عبادة لا يحتاج
إليها كالصوم والذكر والاعتقاد (والعقود كالبيع والإجارة) للمغصوب (والانكاح، كأن أنكح)
الغاصب أو غيره (الأمة المغصوبة ونحوها) أي نحو المذكورات كالعتق، والهبة، والوقف
(تحرم، ولا تصح) (1) خبر قوله: وتصرفات الغاصب. لحديث: من عمل عملا ليس عليه
أمرنا فهو رد (2) أي مردود، (وتحرم) التصرفات (غير الحكمية) في المغصوب (كإتلاف)
المغصوب (واستعمال‍) - ه (كأكل) المغصوب (ولبس‍) - ه (ونحوهما) كركوبه وحمل عليه
وسكنى العقار. لحديث: إن أموالكم وأعراضكم حرام عليكم (3). (وإن أتجر) الغاصب
(بعين المال) المغصوب بأن كان دنانير أو دراهم فاتجر بها، (أو) أتجر بث‍ (- من عين
المغصوب) بأن غصب عبدا فباعه واتجر بثمنه وحصل ربح (فالربح، والسلع المشتراة
للمالك) نقله الجماعة. واحتج بخبر عروة بن الجعد (4). وسواء قلنا بصحة الشراء، أو
بطلانه وهذه المسألة مشكلة جدا على قواعد المذهب، لأن تصرفات الغاصب غير صحيحة
فكيف يملك المالك الربح والسلع؟ لكن نصوص أحمد متفقة على أن الربح للمالك.
138

فخرج الأصحاب ذلك على وجوه كلها ضعيفة. فبناه ابن (1) عقيل على صحة تصرف
الغاصب وتوقفه على الإجازة. وتبعه في (2) المغني، وبناه في التلخيص على أنها صحيحة
لا تتوقف على الإجازة، لأن ضرر الغصب يطول بطول الزمان. فيشق اعتباره. وخص ذلك
بما طال زمنه وحمله القاضي في بعض كتبه على أن الغاصب اشترى في الذمة، ثم نقد فيه
دراهم الغصب. وصرح بذلك أحمد في رواية المروزي. فيحمل مطلق كلامه على مقيده،
وحمله ابن رجب في فوائد القواعد على أن النقود لا تتعين بالتعيين فيصير كما لو اشترى
في ذمته. وحمله في المبدع على ما إذا تعذر رد المغصوب إلى مالكه ورد الثمن إلى
المشتري (وإن اشترى) الغاصب أو غيره (في ذمته، ثم نقدها) أي عين المال المغصوب أو
ثمنها (ولو من وديعة عبده، أو قارض بهما) أي بالوديعة والغصب (ولو) كان الشراء (بغير نية
نقده) أي الثمن من الغصب، أو الوديعة، (فالعقد) أي الشراء (صحيح) لأنه تصرف في ذمته،
وهي قابلة له، (والاقباض فاسد، أي غير مبرئ) لعدم إذن المالك فيه، (والربح، والسلع) في
المضاربة وغيرها (المشتراة للمالك) لقول ابن عمر: ادفع إليه دراهمه بنتاجها ولم يستفصل
عن عين، أو ذمة. قال الحارثي: وهذا القول يستلزم سلامة العقد للمالك. وفيه بحث. فإن
العقد إذا صح لكونه واقعا في ذمة العاقد فكيف يحصل لمن لم يقع في ذمته؟ ومأخذ
الصحة في أشهر الوجهين، أنه نتيجة ملكه. فكان كالمتولد من عينه. وهذا قضاء بالدخول
في الملك قهرا، كدخول الميراث بالإرث لا في العامل. ولا في غيره فيها. وليس على
المالك شئ من أجر العامل لأنه لم يأذن له، ثم إن كان المضارب عالما بالغصب فلا أجرة له
لتعديه بالعمل. وإن لم يعلم فعلى الغاصب أجرة مثله، لأنه استعمله بعوض لم يسلم له.
فلزمته أجرته كالعقد الفاسد، (وإن لم يبق درهم مباح) أي ومن لم يقدر على شئ مباح (أكل
139

عادته) لدعاء الحاجة إلى ذلك (لا ما له عنه غنى كحلوى وفاكهة. قاله في النوادر) واقتصر
عليه في الفروع إذ لا مبيح للزيادة على ما تندفع به الحاجة، (وإن اختلفا) أي الغاصب
والمالك (في قيمة المغصوب) بأن قال الغاصب: قيمته عشرة. وقال المالك: اثنا عشر.
فقول الغاصب لأنه غارم (1)، (أو) اختلفا (في زيادة قيمته، هل زادت قبل تلفه أو بعده؟ أو)
اختلفا (في قدره) أي المغصوب، (أو) اختلفا (في صناعة فيه، ولا بينة) لأحدهما، (فالقول قول
الغاصب) بيمينه، لأنه منكر لما يدعيه المالك عليه من الزيادة. وإن كان لأحدهما بينة عمل
بها (وإن اختلفا في رده) فقال الغاصب: رددته. وأنكره المالك فقول المالك، لأن الأصل
معه، (أو) اختلفا في (عيب فيه بعد تلفه) بأن قال الغاصب: كان العبد أعمى مثلا، وأنكره
المالك، (فقول المالك) بيمينه (2)، لأن الأصل السلامة، (لكن لو شاهدت البينة العبد معيبا
عند الغاصب، فقال المالك: حدث) العيب (عند الغاصب، وقال الغاصب: بل كان) العيب
(فيه، قبل غصبه، فقول الغاصب) بيمينه لأنه غارم. والظاهر أن صفة العبد لم تتغير (3)
(وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها فسلمها إلى الحاكم، ويلزمه) أي الحاكم
(قبولها برئ من عهدتها) لأن قبض الحاكم لها قائم مقام قبض أربابها لها، لقيامه مقامهم
(وله) أي الذي بيده المغصوب (الصدقة بها عنهم) أي أربابها، لأن المال يراد لمصلحة
المعاش أو المعاد. ومصلحة المعاد أولى المصلحتين. وقد تعينت ههنا لتعذر الأخرى
(بشرط ضمانها) (4) لأربابها إذا عرفهم، لأن الصدقة بدون الضمان إضاعة لمال المالك لا
على وجه بدل. وهو غير جائز. نقل المروزي: على فقراء مكانه، أي مكان الغاصب إن
عرفه، لأنه أقرب إلى وصول المال إليه إن كان موجودا، أو إلى ورثته. ويراعى الفقراء
لأنها صدقة. ونقل صالح أو بالقيمة. وله شراء عرض بنقد. ولا يجوز في ذلك محاباة
قريب أو غيره نصا (كلقطة) حرم التقاطها، أو لم يعرفها، فيتصدق بها عن ربها بشرط
الضمان، أو يدفعها للحاكم. وإذا أنفقت كانت لمن يأخذ بالحق مباحة، كما أنها من يأكلها
بالباطل محرمة. وبكل حال: ترك الاخذ أجود من القبول. وإذا صح الاخذ كان أفضل.
أعني الاخذ والصرف إلى الناس المحتاجين إلا إذا كان من الفاسد، فهناك الترك أولى.
140

ومن الصدقة بما ذكر. وقفه أو شراء عين به يقفها. كما ذكره الشيخ تقي الدين نصا (ويسقط
عنه) أي الغاصب (إثم الغصب) بدفعها للحاكم، أو الصدقة بها عن ربها بشرط ضمانها، لأنه
معذور عن الرد للمالك لجهله به. وإذا تصدق بها فالثواب لأربابها (1) (وكذا رهون، وودائع،
وسائر الأمانات، والأموال المحرمة) (2) كالسرقة والنهب إذا جهل ربها، دفعها للحاكم، أو
تصدق بها عن ربها بشرط ضمانها له، لأن في الصدقة بها عنهم جمعا بين مصلحة القابض
بتبرئة ذمته، ومصلحة المالك بتحصيل الثواب له. قال ابن رجب في القواعد: وعلى هذا
الأصل يتخرج جواز أخذ الفقراء من الصدقة من يدمن ماله حرام، كقطاع طريق. وأفتى
القاضي بجوازه، (وليس لمن هي) (3) أي الغصوب والأمانات المجهولة أربابها (عنده أخذ
شئ منها، ولو) كان (فقيرا) من أهل الصدقة. قال ابن رجب: الديون المستحقة كالأعيان
يتصدق بها عن مستحقها. نص عليه، مع أنه نص على أن من قال لغريمه: تصدق عني
بديني الذي لي عليك لم يبرأ بالصدقة. ونص في رواية أبي طالب فيمن عليه دين لرجل
مات وعليه ديون للناس يقضي عنه دينه بالدين الذي عليه أنه يبرأ باطنا. وإذا أراد من بيده
عين جهل مالكها أن يتملكها وأن يتصدق بقيمتها عن مالكها. فنقل صالح عن أبيه الجواز
فيمن اشترى آجرا وعلم أن البائع باعه ما لا يملك ولا يعرف له أرباب: أرجو إن أخرج
قيمة الآجر فتصدق به أن ينجو من إثمه وقد يتخرج فيه خلاف من جواز شراء الوكيل من
نفسه، و (إذا تصدق) الغاصب ونحوه (بالمال) المغصوب ونحوه المجهول ربه (ثم حضر
المالك خير بين الاجر وبين الاخذ) للبدل (من المتصدق. ف‍) - إن اختار الاجر فذاك و (إن اختار
الاخذ) من المتصدق (فله ذلك، والاجر للمتصدق) عما تصدق به (4). وعلم منه أنه ليس
لصاحبه إذا عرف رد ما فعله من كانت بيده مما تقدم. لثبوت الولاية له شرعا للحاجة.
كمن مات ولا ولي له ولا حاكم (ولو نوى) الغاصب ونحوه (جحد ما بيده من ذلك)
الغصب، أو الأمانة ونحوها في حياة ربه، (أو) نوى جحد (حق عليه في حياة ربه فثوابه له)
أي لربه. لأن نية جحده قائمة مقام إتلافه إذن. فكأنه لم ينتقل لورثة ربه بموته. فكان ثوابه
له (وألا) ينو جحد ما ذكر في حياة ربه، بل بعد موته (ف‍) - ثوابه (لورثته) لأنه إنما عدم
عليهم. وعلم من ذلك، أنه يثاب على ما فات عليه قهرا، مع أنه لم ينوه (ولو ندم)
141

الغاصب ونحوه على تعديه (ورد ما غصبه) أو سرقة ونحوه (على الورثة برئ) الغاصب
ونحوه من (إثمه) أي المال المغصوب أو المسروق ونحوه، لأنه وصل إلى مستحقه (لا من
إثم الغصب) فلا يبرأ منه، بل يبقى عليه إثم ما أدخل على قلب مالكه من ألم الغصب ومضرة
المنع من ملكه مدة حياته. فلا يزول إثم ذلك إلا بالتوبة. هذا معنى كلام ابن عقيل وذكر أبو
يعلى الصغير: إن بالضمان والقضاء بلا توبة يزول حق الآدمي. ويبقى مجرد حق الله. وذكر
المجد فيمن أدان على أن يؤديه فعجز: لا يطالب به في الدنيا ولا في الآخرة. وقال أبو يعلى
الصغير بما يقتضي أنه محل وفاق، (ولو رده) أي المال المغصوب ونحوه (وارث الغاصب) أو
السارق ونحوه (فللمغصوب منه)، أو المسروق منه ونحوه (مطالبته) أي الغاصب، أو السارق
ونحوه (في الآخرة نصا) لأن المظالم لو انتقلت لما استقر لمظلوم حق في الآخرة (1).
فصل:
فيما يضمن به المال من غير غصب
(ومن أتلف) من مكلف وغيره إن لم يدفعه إليه ربه (ولو) كان الاتلاف (خطأ، أو سهوا
مالا محترما لغيره بغير إذنه) أي المالك (ضمنه) أي ضمن المتلف ما أتلفه لأنه فوته عليه.
فوجب عليه ضمانة كما لو غصبه فتلف عنده. واحترز بالمال عن الكلب والسرجين النجس
ونحوهما (2) (سوى إتلاف حربي مال مسلم) وعكسه، وعادل مال باغ وعكسه، حال
الحرب. فلا يضمنه المتلف. ويأتي (وغير المحترم، كمال حربي، وصائل، ورقيق حال قطعه
الطريق ونحوهم) كآلات لهو، وآنية خمر، وآنية ذهب وفضة، وصليب، وصنم ونحوها (لا
يضمنه) متلفه لعدم احترامه. ويأتي (وإن أكره) إنسان (على إتلافه) أي المال المضمون
(ضمنه مكرهه) ولو كان مال المكره، لأن الاتلاف من المكره. وأما المكره فهو كالآلة
(ومن أغرى ظالما بأخذ مال إنسان ودله عليه) أي على الانسان أو ماله (ضمنه) المغري
142

لتسببه (1) (أفتى به ابن الزريراني) ولعله جواب سؤال. فلا يحتج بمفهومه وأنه يكتفي
بالاغراء أو الدلالة، لأنه يصدق عليه أنه تسبب في ظلمه فهو كالذي بعده. (وإن غرم)
إنسان (بسبب كذب عليه عند ولي الأمر فله) أي الغارم (تغريم الكاذب) لتسببه في
ظلمه. وله الرجوع على الآخذ منه لأنه المباشر، (وتقدم) ذلك (في الحجر) وتقدمت
له نظائر أيضا. ومثله من شكى إنسانا ظلما فأغرمه شيئا لحاكم سياسي، كما أفتى به
قاضي القضاة الشهاب بن النجار. ولم يزل مشايخنا يفتون به، بل لو غرمه شيئا
لقاض ظلما كان الرجوع به عليه، كما يعلم مما تقدم في الحجر فيما غرمه رب الدين
بمطل المدين ونحوه، لأنه بسببه، (وإن أذن رب المال في إتلافه) أو دفعه إلى محجور
عليه لحظه (فأتلفه لم يضمن المتلف) ما أتلفه لتسليط ربه له عليه (وإن فتح) إنسان
(قفصا عن طائر) مملوك محترم أو فتح إصطبل حيوان محترم (أو حل) إنسان (قيد
عبده، أو) حل قيد (أسير، أو دفع لأحدهما) أي العبد أو الأسير (مبردا فبرده) أي
القيد، (فذهبوا) أي الطائر، والعبد، والأسير. ضمن الفاتح والحال ودافع المبرد لتسببه
في الضياع، (أو حل) إنسان (رباط سفينة فغرقت بعصوف ريح، أو لا) ضمن، (أو فتح
إصطبلا) بقطع الهمزة (فضاعت الدابة، أو حل رباط فرس) ففاتت ضمنها (2)، (أو)
حل (وكاء) بكسر الواو. وهو الحبل الذي يربط به نحو القربة (زق) بكسر الزاي أي
ظرف (مائع) فاندفق، (أو) حل وكاء زق (جامد فأذابته الشمس) فاندفق ضمنه، فإن
قرب إليه شخص نارا فذاب بها. فقياس مذهبنا: يضمنه بقرب النار كالدافع مع
الحافر. قاله المجد، (أو بقي) الزق (بعد حله قاعدا فألقته ريح، أو) ألقته (زلزلة
فاندفق فخرج) ما فيه (كله في الحال، أو) خرج (قليلا قليلا، أو خرج منه شئ بل
أسفله) أي الزق (فسقط) فاندفق، (أو ثقل أحد جانبيه) أي الزق بعد حل وكائه (فلم
143

يزل يميل قليلا قليلا حتى سقط. ضمنه) (1) أي ضمن المتسبب في جميع ما ذكر ما تلف
بسبب تعديه، سواء (أعقب ذلك فعله، أو تراخى عنه) وسواء (هاج الطائر، أو الدابة حتى ذهبا،
أو لا) لأنه تلف بسبب فعله. فلزمه ضمانه. وكمن قطع علاقة قنديل فسقط فانكسر. قال في
الفنون: إلا ما كان من الطيور يألف الرواح. ويعتاد العود. فلا ضمان في إطلاقه إتلافا،
(ومثله لو أزال يد إنسان عن عبد، أو) عن حيوان (فهرب إذا كان الحيوان مما يذهب بزوال
اليد) عنه (كالطير، والبهائم الوحشية، والبعير الشارد، والعبد الآبق) فيضمنه من أزال يد ربه عنه
لتسببه في فواته (2)، (أو نفر الدابة بأن صرخ فيها حتى شردت، وإن لم يعلم ذلك) أي أنها تنفر
بصياحه. فيضمنها لأن الاتلاف يستوي فيه العمل والخطأ (وكذا لو أزال يده الحافظة) لمتاعه
(حتى ينهبه الناس، أو) حتى (الدواب أفسدته، أو) أفسدته (النار، أو) أفسده (الماء) فيضمنه
(بأن فتح بابه) تعديا (فيجئ غيره فينهب المال، أو يسرقه)، أو يفسده بحرق، أو غرق. فلرب
المال تضمين فاتح الباب لتسببه في الإضاعة (والقرار على الآخذ) لمباشرته. فإن ضمن رب
المال لم يرجع على أحد. وإن ضمن الفاتح رجع على الآخذ (ولو ضرب) إنسان (يد آخر،
وفيها) أي اليد (دينار فضاع) الدينار (ضمنه) الضارب لتسببه في إضاعته. (ولو خاصمه فأسقط
عمامته عن رأسه بيده، أو هزه حتى سقطت) عمامته عن رأسه (فتلفت) لوقوعها في نار
ونحوها (أو) سقطت (في زحام) بسبب هزه ونحوه (فضاعت، ضمنها) الذي سقطت بفعله
لتعديه (3).
قلت: فإن وقعت في نحو قذر ينقصها فعليه أرش النقص، (ولو أقام عمودا) ونحوه
(بجداره المائل) يمنعه من السقوط (فجاء آخر ورفع العمود) أو نحوه تعديا (فسقط الجدار
144

في الحال، ضمنه) الرافع للعمود ونحوه لتعديه (وإن وقع طائر إنسان على جدار فنفره آخر)
صاحب الجدار، أو غيره (فطار لم يضمنه) المنفر لأن تنفيره لم يكن سبب فواته. فإنه كان ممتنعا
قبل ذلك (وإن رماه) إنسان فقتله (ضمنه) الرامي. (وإن كان في داره) لأنه كان يمكن تنفيره
بغير قتله. (وإن قتله) أي الطائر (وهو مار في هواء داره، أو) وهو مار في (هواء دار غيره،
ضمنه) لأنه لا يمكن منع الطائر من الهواء، (ولو كانت الدابة المحلولة عقورا وجنت) بعد
حلها، أو فتح إصطبلها ونحوه (ضمن) الحال ونحوه (جنايتها) لأنه السبب فيها (1) (كما لو
حل سلسلة فهد، أو ساجور كلب فعقرا) فالضمان على الحال. لتسببه. والساجور: خشبة
تجعل في عتق الكلب. (وإن أفسدت) الدابة المحلولة (زرع إنسان فكإفساد دابة نفسه) زرع
غيره (على ما سيأتي) تفصيله في جنايات البهائم (ولو فتح) إنسان (بثقا) بتقديم الموحدة
وهو الجسر الذي يحبس الماء (فأفسد بمائة زرعا، أو بنيانا).
قلت: أو غراسا (ضمن) فاتح البثق ما تلف بسببه.
قلت: وعلى قياسه: لو فات به ري شئ من الأرض التي كانت تروى بسبب سده.
فيضمن فاتحه خراجه. وعلى قياسه: لو فرط من يلي سد البثق فيه فأزاله الماء عند علوه
وأتلف شيئا أو فات به ري شئ من الأراضي (كما لو أطلق دابة رموحا من شكال، أي
تضرب برجلها) بيان للرموح فيضمن من أطلقها ما تلف بها. (وإن رمى) أي ألقى (الزق الذي
بقي بعد حل وكائه قاعدا إنسان آخر اختص الضمان به) أي بالملقي للزق لأنه باشر الاتلاف.
(وإن بقي الطائر) بعد فتح قفصه، (و) بقي (الفرس) بعد حل قيده أو فتح إصطبله (بحالهما
فنفرهما آخر ضمنهما المنفر) وحده، لأن سببه أخص. فاختص الضمان به كدافع الواقع في
البئر مع حافرها. وكذا لو حل إنسان حيوانا وحرضه آخر فجنى. فإن ضمان جنايته على
المحرض، (وإن أتلف وثيقة لا يثبت) المال (إلا بها) وتعذر ثبوته، (ضمنه) متلفها، لأنه تسبب
في إضاعته (لا إن دفع) إنسان (مفتاحا إلى لص) فسرق اللص ما في الدار المدفوع مفتاحها
145

إليه. فالضمان على اللص دون الدافع لأن اللص مباشر والدافع متسبب. وإحالة الحكم
على المباشر أولا من المتسبب (1) (ولو حبس مالك دواب فتلفت) الدواب بسبب حبسه (لم
يضمن) حابس الدواب. قال في المبدع: وينبغي أن يفرق بين الحبس بحق أو غيره، (وإن
ربط دابة) في طريق ولو واسعا، (أو أوقفها في طريق، ولو) كان الطريق (واسعا ويده عليها)
بأن كان راكبا أو نحوه، (فأتلفت) الدابة (شيئا) ضمنه من ربطها، أو أوقفها، (أو جنت) الدابة
(بيد، أو رجل، أو فم) ضمن رابطها وموقفها. لحديث النعمان بن بشير مرفوعا: من أوقف
دابة في سبيل من سبل المسلمين، أو في سوق من أسواقهم فأوطأت بيد، أو رجل فهو
ضامن (2) رواه الدارقطني، ولان طبع الدابة الجناية بفمها أو رجلها. فإيقافها في الطريق
كوضع الحجر ونصب السكين فيه. وظاهره: لا يضمن جناية ذنبها، (أو ترك) أي ألقى (في
الطريق طينا، أو قشر بطبخ، أو رش فيه ماء، فزلق به إنسان) ضمنه ملقي الطين، أو القشر، أو
الراش. لكن لو كان الراش لتسكين الغبار على المعتاد فلا ضمان، على ما يأتي في
الجنايات، (أو) ألقى (خشبة، أو عمودا، أو حجرا) في الطريق لا في نحو مطر ليمشي عليه
الناس، (أو كيس دراهم، أو أسند خشبه إلى حائط) وظاهره: ولو مال إلى السقوط (فتلف به)
أي بواحد من المذكورات (شئ) من آدمي أو دابة أو غيرهما (ضمن) الملقي لذلك (ما
أتلف، أو تلف به) لحصول التلف بتعديه. (ومن ضرب دابة مربوطة في طريق ضيق فرفسته
فمات. ضمنه صاحبها. ذكره) ابن عقيل (في الفنون) وظاهره: لو كانت واسعة لا ضمان
لعدم حاجته إلى ضربها، فهو الجاني على نفسه. (وإن اقتنى كلبا عقورا بأن يكون له) أي
الكلب (عادة بذلك) العقر، (أو) اقتنى كلبا (لا يقتنى) بأن لا يكون كلب صيد ولا زرع ولا
ماشية، (أو) اقتنى كلبا (أسود بهيما، أو) اقتنى (كبشا معلما النطاح، أو) اقتنى (أسدا، أو نمرا،
أو نحوهما من السباع المتوحشة فعقرت، أو خرقت ثوبا) بمنزله أو خارجه ضمنه مقتنيها،
146

لأنه متعد باقتنائه (1)، (أو) اقتنى (هرا تأكل الطيور، وتقلب القدور في العادة مع علمه) بحالها
(بأن تقدم للهر عادة بذلك) المذكور من أكل الطيور وقلب القدور، (ضمن) لتعديه باقتنائها
إذن، (فإن لم يكن له) أي الهر (عادة بذلك لم يضمن صاحبه) ما أتلفه لعدم عدوانه باقتنائه ما
لا عادة له بذلك (كالكلب الذي ليس بعقور) إذا اقتناه لنحو صيد ولم يكن أسود بهيما. فإن
صاحبه لا يضمن جنايته، (ولا فرق) في ضمان إتلاف ما لا يجوز اقتناؤه مما تقدم (بين)
الاتلاف في (الليل والنهار) لأنه للعدوان بخلاف البهائم من إبل، وبقر، وغنم، ونحوها (إلا أن
يكون) المخروق ثوبه أو نحوه (دخل منزله بغير إذنه، أو) دخل (بإذنه ونبهه) رب المنزل
(أنه) أي الكلب ونحوه (عقور، أو غير موثوق) فلا يضمن رب المنزل، لأنه إذا دخل بغير
إذنه فهو المتعدي بالدخول وإن كان بإذنه ونبهه على أنه عقور، أو غير موثوق فقد أدخل
الضرر على نفسه على بصيرة، (ولا يضمن) مقتني المذكورات من الكلب العقور ونحوه (ما
أفسدت بغير ذلك) المذكور من عقر، أو خرق ثوب بأن أفسدت (ببول، أو ولوغ) في إناء،
لأن هذا لا يختص بالكلب العقور (وله قتل هر ب‍) - سبب (أكل لحم ونحوه كالفواسق)
وسائر ما فيه أذى دفعا لأذاه (وقيده ابن عقيل، ونصره الحارثي حين أكلها) (2) اللحم ونحوه
(فقط) إلحاقا لها بالصائل (ولو حصل عنده كلب عقور، أو سنور ضار) أي له عادة بأكل
الطيور وقلب القدور (من غير اقتناء. و) من غير (اختيار فأفسد) شيئا (لم يضمن) ما
أفسده، لأنه لا تعدي منه ولا تسبب، إذ لم يقتنه (وإن اقتنى حماما أو غيره من الطير،
فأرسله نهارا فلقط حبا) للغير (ضمن) المقتني. خرجه في الآداب على مسألة الكلب
العقور. وإن قلنا يحرم الاقتناء، وإلا ففيه نظر. وبعد الجزم بعدم الضمان. وفي المغني:
لا ضمان. وكذا نقله في الانصاف عن الحارثي واقتصر عليه.
147

فصل:
(وإن أجج نارا في موات أو) أججها في (ملكه)
بأن أوقد النار حتى صارت تلتهب في داره أو على سطحه (أو سقى أرضه) لشجر،
أو زرع بها، أو ليزرعها (فتعدى) ما ذكر من النار والماء (إلى ملك غيره، فأتلفه) أي أتلف
المتعدي من النار، أو الماء ملك غيره (لم يضمن) (1) الفاعل، لأن ذلك ليس من فعله ولا
تعديه ولا تفريطه وسئل أحمد: أوقد نارا في السفينة؟ فقال: لا بد له من أن يطبخ. وكأنه
لم يرد عليه (إذا كان) التأجيج أو السقي (ما) أي شيئا (جرت به العادة بلا إفراط ولا تفريط،
فإن فرط) بأن ترك النار مؤججة والماء مفتوحا، ونام فحصل التلف بذلك وهو نائم ضمن
لتفريطه، (أو فرط بأن أجج نارا تسري في العادة لكثرتها، أو) أججها (في ريح شديدة
تحملها) إلى ملك غيره، ضمن لتعديه (2). وكذا لو أججها قرب زرب أو حصيد. ذكره
الحارثي. و (لا) يضمن إن تعدت (بطريانها) أي الريح بعد أن لم تكن لعدم تفريطه. قال
في عيون المسائل: لو أججها على سطح دار، فهبت الريح فأطار الشرر لم يضمن، لأنه
في ملكه ولم يفرط. وهبوب الريح ليس من فعله (أو فتح ماء كثيرا يتعدى) عادة، (أو فتحه
في أرض غيره، أو أوقد) نارا (في ملك غيره) تعديا (فرط، أو أفرط) أي أسرف، (أو لا، ضمن
ما تلف به) لتعديه (وكذلك) يضمن (إن أيبست النار) التي أوقدها ولو في ملكه (أغصان
شجر غيره) لأن ذلك لا يكون إلا من نار كثيرة (إلا أن تكون الأغصان في هوائه، فلا
يضمن) لأنه لا يمنع من التصرف في ملكه (وإن ألقت الريح إلى داره ثوب غيره لزمه حفظه،
لأنه أمانة) بيده إلى أن يرده لربه (فإن لم يعرف) صاحب الدار (صاحبه) أي الثوب (فهو
لقطة) يعرفه حولا (وإن عرفه) أي عرف رب الدار صاحب الثوب (لزمه إعلامه) بالثوب فورا
(فإن لم يفعل) أي لم يعلم ربه به مع علمه (ضمنه) إن تلف بعد مضي زمن يتأتى فيه
148

إعلامه، لأنه لم يستحفظه، (وإن سقط طائر غيره في داره لم يلزمه) أي رب الدار (حفظه،
ولا إعلام صاحبه) لأنه لم يزل ممتنعا (إلا أن يكون) الطير (غير ممتنع) كالمقصوص جناحه
(فكالثوب) إن لم يعرف صاحبه فلقطة، وإن عرفه أعلمه فورا وإلا ضمن (وإن دخل) طير
مملوك (برجه، فأغلق عليه الباب) رب البرج (ناويا إمساكه لنفسه، ضمنه) لتعديه، (وإلا) بأن
لم يغلق عليه الباب، أو أغلقه غير ناو إمساكه لنفسه بأن لم يعلم به، أو نوى إمساكه لربه
(فلا ضمان عليه) لعدم تعديه. وهو في الأخيرة محسن، لكن عليه إعلامه فورا إن علمه كما
سبق (وإن حفر في فنائه) بكسر الفاء (وهو) أي الفناء (ما كان خارج الدار) ونحوها (قريبا
منها) قال في القاموس: فناء الدار ككساء. ما اتسع من أمامها، وجمعه أفنية وفنى (بئرا
لنفسه، ولو بإذن الإمام) ولو بلا ضرر، لأنه ليس له أن يأذن فيه كما يأتي (1). وكذا إن حفر
نصف البئر في حده ونصفها في فنائه (وكذا البناء) في فنائه، (ضمن ما تلف بها) أي البئر.
وكذا البناء، لأنه تلف حصل بسبب تعديه. أشبه ما لو نصب في فنائه سكينا فتلف به شئ،
إذ الأفنية ليست بملك ملاك الدور، وإنما هي من مرافقهم (ولو حفرها) أي البئر في الفناء
(الحر بأجرة أو لا، وثبت علمه أنها في ملك غيره) أي الآذن. (ضمن الحافر) ما تلف بها،
لأنه هو المتعدي (وإن جهل) الحافر أنها ملك الغير (ضمن الآمر) (2) لتغريره الحافر وكذا
لو جهل الباني. فلو أدعى الآمر علم الحافر أو الباني بالحال وأنكراه فقولهما، لأن الأصل
عدمه، (وإن حفرها) أي البئر في سابلة واسعة لنفع المسلمين بلا ضرر، (أو بنى مسجدا، أو
خانا، ونحوه) كبناء وقفه على مسجد. ذكره الشيخ تقي الدين. ونقله عنه ابن رجب في
القواعد (في سابلة) أي طريق مسلوك (واسعة لنفع المسلمين) كما لو حفرها ليجتمع فيه ماء
المطر، أو ينبع منها الماء ليشرب المارة (بلا ضرر بالمارة) لأن فعل ذلك (لنفع نفسه، ولو
بغير إذن إمام، لم يضمن ما تلف بها) لأنه محسن (كبناء جسر) بفتح الجيم وكسرها، وهو
149

القنطرة ليمر عليه الناس (وكذا لو حفرها) أي البئر (في موات لتملك، أو ارتفاق، أو انتفاع
عام) لأنه مأذون فيه شرعا، (وينبغي) لمن حفر بئرا بالطريق الواسع أو الموات (أن يجعل
عليها حاجزا تعلم به لتتوقى. قال الشيخ: ومن لم يسد بئره مسدا يمنع من الضرر ضمن ما
تلف بها، وإن فعله) أي ما ذكر من حفر البئر، وبناء المسجد، أو الخان ونحوه (بها) أي في
الطريق (لينفع نفسه، أو كان يضر بالمارة) بأن حفر البئر في القارعة، (أو) فعله (في طريق
ضيق ضمن سواء فعله لمصلحة عامة أو لا، بإذن الإمام أو لا، لأنه ليس له أن يأذن فيه) (1)
لما فيه من الضرر، ولو مات الحافر ثم تلف بها شئ من تركته. صرح به القاضي في
المجرد وابن عقيل في الفصول في باب الرهن، حتى قالا: لو بيعت التركة لفسخ في قدر
الضمان منها، لسبق سببه، ولو كانت التركة عبدا فأعتقه الورثة قبل الوقوع ضمنوا قيمة العبد
كالمرهون. صرح به القاضي في الخلاف. ذكره ابن رجب، (وفعل عبده) لما ذكر من الحفر،
والبناء بالفناء، والطريق الواسع، أو الضيق (بأمره) أي السيد (كفعل نفسه) لأن العبد كالآلة،
وسواء (أعتقه) سيده (بعد ذلك، أو لا) اعتبارا بحال الفعل. فيختص الضمان بالسيد، (و) إن
فعله العبد (بغير إذنه) أي السيد (يتعلق ضمانه) أي ضمان ما يتلف (برقبته) كسائر جناياته
التي لم يأذن فيها سيده، (ثم إن أعتقه) السيد بعد الحفر، أو البناء بغير إذنه، ثم تلف شئ
بسبب ذلك (فما تلف بعد عتقه، فعليه) أي العتيق (ضمانه) دون سيده، لاستقلاله بالجناية،
(ولو أمره) أي الحافر، أو الباني (السلطان بفعل ذلك) أي بالحفر، أو البناء (ضمن السلطان
وحده) وظاهره: سواء علم أن الأرض ملك لغير السلطان أو لا، لأنه لا تسعه مخالفته.
أشبه ما لو أكره على ذلك (2) (وإن فعل) إنسان في طريق (ما تدعو الحاجة إليه لنفع الطريق
وإصلاحها، كإزالة الطين والماء عنها، وتنقيتها مما يضر فيها) كقشر بطيخ (وحفر هدفة) أي
ربوة عالية (فيها) أي الطريق. بحيث تساوي غيرها (وقلع حجر) في الأرض (يضر بالمارة،
150

ووضع الحصى في حفرة فيها) أي في الأرض (ليملأها، وتسقيف ساقية فيها، ووضع حجر
في طين فيها ليطأ الناس عليه. فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به) لأنه إحسان ومعروف
(وإن بسط في مسجد حصيرا، أو بارية) وهي الحصير، كما في القاموس. لكن في عرف
الشام ما ينسج من قصب. ولعله المراد هنا ليحصل التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه،
(أو) بسط في المسجد (بساطا، أو علق فيه قنديلا، أو أوقده، أو نصب فيه) أي المسجد
(بابا، أو عمدا، أو بنى جدارا) يحتاج إليه المسجد (أو سقفه، أو جعل فيه رفا ونحوه لنفع
الناس، أو وضع فيه حصى. لم يضمن ما تلف به) لأنه محسن (1) (وإن جلس) في مسجد،
أو طريق واسع، (أو اضطجع) في مسجد أو طريق واسع، (أو قام في مسجد، أو طريق واسع
فعثر به حيوان) فتلف، أو نقص (لم يضمن) تلفه، ولا نقصه لأنه فعل مباحا لم يتعد به على
أحد في مكان له فيه حق. أشبه ما لو فعله بملكه. ويضمن إن كان الفعل محرما.
كالجلوس مع الحيض في المسجد، أو مع إضرار المارة في الطريق. قاله في شرح
المنتهى (2). ومقتضى كلام الحارثي: لا ضمان أيضا، لأن المنع لا لذات الجلوس، بل
لمعنى قارنه. وهو الجنابة، أو الحيض. فأشبه من جلس بملكه بعد نداء الجمعة (ويضمن) إن
جلس، أو اضطجع، أو قام (في طريق ضيق) لاضراره بالمارة (ويأتي في الديات) وإن أحدث
بركة للماء، أو كنيفا، أو مستحما فنز إلى جدار جاره فأوهاه وهدمه ضمنه، لأن هذه
الأسباب تتعدى. ذكره في الفصول والتلخيص. قالا: وللجار منعه من ذلك. إلا أن يبني
حاجزا محكما يمنع النز. زاد ابن عقيل: أو يبعد بحيث لا يتعدى النز إلى جدار جاره.
وقال أيضا: الدق الذي يهد الجدار مضمون السراية. لأنه عدوان محض، (وإن أخرج) إنسان
(جناحا) وهو الروشن، (أو ميزابا ونحوه) كساباط وحجر برز به، في البنيان (إلى طريق نافذ)
مطلقا إلا بإذن إمام أو نائبه في جناح، أو ساباط، أو ميزاب بلا ضرر، (أو) أخرج ما ذكر في
درب (غير نافذ بغير إذن أهله، فسقط على شئ فأتلفه، ضمن، ولو) كان سقوطه (بعد
151

بيعه، وقد طولب بنقضه لحصوله) أي التلف (بفعله) أي بسبب فعله الذي تعدى به.
ومفهومه، أنه إذا سقط بعد البيع ولم يكن طولب بنقضه لا يضمن (ما لم يأذن فيه) أي
الجناح والميزاب والساباط (إلى الطريق النافذ فقط إمام أو نائبه، ولم يكن منه ضرر) (1) على
المارة بإخراجه فلا ضمان، لأن النافذ حق للمسلمين. والامام وكيلهم. فإذنه كإذنهم. أشبه
ما لو أذن أهل غير النافذ له في ذلك، (وإن مال حائطه) بعد أن بناه مستقيما (إلى غير ملكه)
سواء كان مختصا كهواء جاره، أو مشتركا كالطريق (علم به) أي بميلان حائطه (أو لا، فلم
يهدمه حتى أتلف شيئا، لم يضمنه) ولو أمكنه نقضه وطولب به لعدم تعديه بذلك، لأنه بناه
في ملكه ولم يسقط بفعله فهو (كما لو سقط من غير ميلان. وعنه إن طولب) أي طالبه
مستحق (بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل) مع إمكانه (ضمن. واختاره جماعة) (2) لأن ترك
الهدم مع المطالبة تفريط.
وأجيب عن ذلك: بأنه لو وجب بسقوطه ضمان لم تشترط المطالبة بنقضه، كما لو بناه
ابتداء مائلا إلى ملك غيره. فإن عليه ضمان ما يتلف به ولو لم يطالب بنقضه (قال
الموفق (3) والشارح: والتفريع عليه) أي ما ذكر من الرواية الثانية، (والمطالبة: من كل مسلم
أو ذمي إذا كان ميله إلى الطريق) لأن الحق فيها لعامة الناس (كما لو مال إلى ملك جماعة
فطالب واحد منهم، ولكل منهم المطالبة) بالنقض لأن له حقا فيه، (وإن طالب واحد) ممن
لهم الحق (فاستأجله) أي استمهله (صاحب الحائط، أو أجله الامام لم يسقط عنه الضمان)
بذلك لوجوبه عليه على الفور مع الامكان. كما تقدم. فإن كان الامهال بقدر الحاجة إلى
تحصيل الآلات فلا ضمان لانتفاء التفريط. ذكره الحارثي (ولا أثر لمطالبة) المستحق
ل‍ (مستأجر الدار، ومستعيرها، ومستودعها، ومرتهنها) لأنهم لا يملكون النقض. ولا ولاية لهم
152

على المالك. وإن كان المالك محجورا عليه لسفه ونحوه فطولب، لم يلزمه لعدم أهليته. وإن
طولب وليه، أو الوصي فلم يفعل. ضمن المالك. قاله في المجرد، والمغني (1)، والشرح،
والحارثي، والمبدع (2)، وغيرهم. ونقله في الفروع عن المنتخب. وقال ابن عقيل: الضمان
على الولي. قال الحارثي: وهو الحق لوجود التفريط منه. وهو توجيه لصاحب الفروع (ولا
ضمان عليهم) لأنه لا أثر لطلبهم (وإن بناه) أي الحائط (مائلا إلى ملك غيره بإذنه، أو) بناه
مائلا (إلى ملك نفسه) لم يضمن لعدم تعديه (3)، (أو مال) الحائط (إليه) أي إلى ملك ربه (بعد
البناء لم يضمن) ربه ما تلف به (وإن بناه) أي الحائط (مائلا إلى الطريق) ضمن ما تلف به، (أو)
بناه مائلا (إلى ملك الغير بغير إذنه ضمن) ما تلف به. ولو لم يطالب بنقضه لتسببه، (وإن تقدم
إلى صاحب الحائط المائل) أي طولب (بنقضه فباعه مائلا. فسقط على شئ فتلف به. فلا
ضمان على البائع) فيما تلف لأن الحائط ليس ملكه حال السقوط. فزال تمكنه من هدمه. فلا
تفريط منه. قال ابن عقيل: إن لم يكن حيلة على الفرار من نقضه فيضمن، (ولا) ضمان (على
مشتر، لأنه لم يطالب بنقضه. وكذلك إن وهبه) أي الحائط المائل بعد الطلب (وأقبضه) ثم
سقط فأتلف شيئا لم يضمنه الواهب، لأنه ليس ملكه، ولا المتهب لأنه لم يطالب. وكذا لو
صالح به، أو جعله صداقا، أو عوضا في خلع، أو طلاق، أو عتق ونحوه مما ينقل الملك (وحيث
وجب الضمان) فيما تلف (والتالف آدمي فالدية على عاقلته) أي عاقلة رب الحائط، لأنها
تحمل دية قتل الخطأ وشبه العمد، (فإن أنكرت العاقلة كون الحائط لصاحبهم) الذي يعقلون
عنه (وأنكروا) أي العاقلة (مطالبته بنقضه) حيث اعتبرت، أو أنكر، وأتلف الآدمي بالجدار (لم
يلزمهم) شئ (إلا أن يثبت) ببينة لأن الأصل عدم الوجوب. وإن أبرأه من مال الحائط إلى
ملكه والحق له فلا ضمان، (وإن تشقق الحائط عرضا فكميله) فلا ضمان إن لم يطالب بنقضه.
وكذا إن طولب على المذهب. وعلى الرواية الثانية يضمن إذا طولب وأشهد عليه، (لا) إن
تشقق الحائط (طولا) وهو مستقيم. فإنه لا أثر له، لأنه لا ضرر فيه.
153

فصل:
في جناية البهائم
(وما أتلفته البهيمة) آدميا كان، أو مالا (ولو صيد حرم فلا ضمان على صاحبها) (1) فيه
لقوله (ص) العجماء جرحها جبار (2) متفق عليه، أي هدر (إذا لم تكن يده عليها) فإن كانت
ضمن ويأتي (إلا الضاربة) أي المعتادة بالجناية من البهائم والجوارح وشبهها. قال الشيخ
تقي الدين فيمن أمر رجلا بإمساكها: ضمنه إذا لم يعلمه بها، (ومن أطلق كلبا عقورا، أو دابة
رفوسا، أو عضوضا على الناس في طرقهم، ومصاطبهم، ورحابهم فأتلف مالا، أو نفسا ضمن
لتفريطه، وكذا إن كان طائر جارح كالصقر والبازي فأفسد طيور الناس وحيواناتهم. قاله)
ابن عقيل (في الفصول) قال في المبدع: وظاهر كلامهم أي عدم الضمان في غير الضاربة
إذا لم تكن يده عليها ولو كانت مغصوبة لأنه لا تفريط من المالك ولا ذمة لها فيتعلق بها.
ولا قصد يتعلق برقبتها بخلاف العبد والطفل انتهى. وهو معنى ما قدمه في الفروع قال:
وهذا فيه نظر. وحكي عن ابن عقيل ما يقتضي الضمان، (وإن كانت البهيمة في يد إنسان
كالسائق) المتصرف فيها، (والقائد) المتصرف فيها، (والراكب المتصرف فيها سواء كان) كل
من السائق، والقائد، والراكب المتصرف فيها (مالكا، أو غاصبا، أو أجيرا، أو مستأجرا، أو مستعيرا،
أو موصى له بالمنفعة)، أو مرتهنا (ضمن ما جنت يدها، أو فمها) أي جناية يدها، أو فمها (أو
وطئها برجلها، لا ما نفحت بها) (3) أي برجلها. لما روى سعيد مرفوعا: الرجل جبار وفي
154

رواية أبي هريرة رجل العجماء جبار (1) فدل على وجوب الضمان في جناية غيرها.
وخصص. بالنفح دون الوطئ لأن من بيده الدابة يمكنه أن يجنبها وطئ ما لا يريد أن تطأه
بتصرفه فيها، بخلاف نفحها. فإنه لا يمكنه أن يمنعها منه. وحيث وجب الضمان وكان
المجني عليه مما تحمله العاقلة فهي عليها، كما صرح به المجد في شرحه بما يقتضي أنه
محل وفاق. ومحل عدم ضمان ما نفحت برجلها (ما لم يكبحها) أي يجذبها باللجام (زيادة
على العادة، أو يضربها في وجهها) فيضمن لتسببه في جنايتها (2)، (ولو) فعل ذلك (لمصلحة)
تدعو إليه (ولا يضمن) الراكب ونحوه (ما جنت) الدابة (بذنبها) لأنه لا يمكن التحفظ منه
(ويضمن) أيضا الراكب ونحوه (ما جنى ولدها) ولو لم يفرط، لأنه تبعها وظاهره: سواء
جنى بيده، أو فمه، أو رجله، أو ذنبه. ولو قيل: يضمن منه ما يضمن منها فقط لكان له وجه
(ومن نفرها) أي البهيمة (أو نخسها ضمن وحده) (3) لأنه المتسبب في جنايتها (دونهم) أي
دون الراكب، والسائق، والقائد (فإن جنت) البهيمة (عليه) أي على من نفرها، أو نخسها (ف‍)
- الجناية (هدر) لأنه السبب في الجناية على نفسه، (وإن ركبها اثنان) وجنت جناية مضمونة
(ضمن الأول منهما) أي الراكبين، لأنه المتصرف فيها، والقادر على كفها (إلا أن يكون)
الأول (صغيرا، أو مريضا، ونحوهما) كالأعمى (والثاني متولي تدبيرها، فعليه) أي الثاني
(الضمان) وحده. لكونه المتصرف فيها (وإن اشتركا) أي الراكبان (في التصرف) في البهيمة
(اشتركا في الضمان) أي ضمان جنايتها المضمونة لاشتراكهما في التصرف (وكذا لو كان
معها) أي البهيمة (سائق، وقائد) وجنت جناية تضمن، فالضمان عليهما، (وإن كان معهما) أي
السائق والقائد راكب، (أو) كان (مع أحدهما راكب شاركهما) أي شارك الراكب السائق،
والقائد، أو أحدهما في ضمان جنايتها لاشتراكهم في التصرف، لأن كلا منهم لو انفرد مع
الدابة انفرد بالضمان، فإذا اجتمع مع غيره منهم شاركه في الضمان. وعلم مما تقدم، أنه لو
اجتمع الثلاثة، أو اثنان منهم، لكن انفرد واحد بالتصرف اختص بالضمان (والإبل، والبغال
المقطرة ك‍) - البهيمة (الواحد ة على قائدها الضمان) (4) لما جنت كل واحدة من القطار، لان
155

الجميع إنما تسير بسير الأول وتقف بوقوفه وتطأ بوطئه. وبذلك يمكنه حفظ الجميع عن
الجناية (وإن كان معه) أي القائد (سائق شاركه) أي شارك السائق القائد (في ضمان الأخير
فقط إن كان) السائق (في آخرها) لأنهما اشتركا في التصرف الأخير. ولا يشارك السائق
القائد فيما قبل الأخير لأنه ليس سائقا له ولا تابعا لما يسوقه، (وإن كان) السائق (في أولها)
أي أول المقطرة (شارك) السائق القائد (في) ضمان جناية (الكل) لأنه لو انفرد بذلك لضمن
جناية الجميع (1)، لأن ما بعد الأول تابع له سائر بسيره. فإذا كان معه غيره وجب أن
يشاركه في ذلك (وإن كان) السائق (فيما عدا الأول) من المقطرة (شارك) السائق القائد (في
ضمان ما باشر سوقه. وفي) ضمان (ما بعده) أي بعد الذي باشر سوقه، لأنه تابع له (دون)
ضمان (ما قبله) أي قبل الذي باشر سوقه فيختص به القائد ولا يشاركه فيه السائق، لأنه
ليس سائقا له ولا تابعا لما يسوقه (وإن انفرد راكب بالقطار وكان) الراكب (على أوله ضمن)
الراكب (جناية الجميع (2). قاله الحارثي) لأن ما بعد الراكب إنما يسير بسيره ويطأ بوطئه.
فأمكن حفظه عن الجناية. فضمن كالمقطور على ما تحته. قلت: فعلى هذا إن كان معه
سائق فعلى ما سبق من التفصيل إذا كان سائق وقائد. وإن كان المنفرد بالقطار راكبا، أو
سائقا على غير الأول ضمن جناية ما هو راكب عليه، أو سائق له وما بعده دون ما قبله (ولو
انفلتت الدابة ممن هي في يده وأفسدت) شيئا (فلا ضمان) على أحد. لحديث العجماء
جرحها جبار (3) وتقدم. فلو استقبلها إنسان فردها فقياس قول الأصحاب: الضمان. قاله
الحارثي، ثم قال: ويحتمل عدم الضمان لعموم الخبر، ولان يده ليست عليها. قال:
والبهيمة النزقة التي لا تنضبط بكبح ولا نحوه، ليس له ركوبها بالأسواق. فإن ركب ضمن
لتفريطه. وكذا الرموح والعضوض (ويضمن رب البهائم، ومستعيرها، ومستأجرها،
ومستودعها). قلت: وقياسه مرتهن وأجير لحفظها، وموصى له بنفعها (ما أفسدت من زرع،
وشجر، وغيرهما) (4) كثوب خرقته، أو مضغته، أو وطئت عليه ونحوه (ليلا) لما روى مالك عن
الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة: أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت، فقضى
156

النبي (ص) أن على أهل الأموال حفظها بالنهار، وما أفسدت فهو مضمون عليهم (1) قال ابن
عبد البر: هذا وإن كان مرسلا فهو مشهور. وحدث به الأئمة الثقات وتلقاه فقهاء الحجاز
بالقبول، ولان العادة من أهل المواشي إرسالها نهارا للرعي وحفظها ليلا. وعادة أهل
الحوائط حفظها نهارا. فإذا أفسدت شيئا ليلا كان من ضمان من هي بيده (إن فرط) في
حفظها (مثل ما إذا لم يضمها ونحوه ليلا، أو ضمها بحيث يمكنها الخروج، فإن ضمها) أي
ضم البهائم من هي بيده ليلا (فأخرجها غيره بغير إذنه، أو فتح) غيره (عليها بابها) فأتلفت
شيئا (فالضمان على مخرجها، أو فاتح بابها) لأنه السبب ولا ضمان على من كانت بيده لعدم
تفريطه (2)، (ولو كان ما أتلفته) البهائم المعيرة ونحوها ليلا (لربها ضمنه مستعير ونحوه)
كمستأجر ومستودع إن فرط، (وإن لم يفرط ربها ونحوه) كمستأجرها ومستعيرها بأن ضمها
ليلا بحيث لا يمكنها الخروج فخرجت فأتلفت شيئا (فلا ضمان) لعدم تفريطه (ولا يضمن)
ربها ومستعيرها ونحوه (ما أفسدت من ذلك) أي من زرع، أو شجر، أو غيرهما (نهارا) (3)
للحديث السابق (إذا لم تكن يد أحد عليها، سواء أرسلها بقرب ما تفسده أو لا) لعموم
الحديث السابق. قال القاضي: هذه المسألة محمولة على المواضع التي فيها مزارع
ومراع (4). فأما القرى العامرة التي لا مرعى فيها إلا بين مراحين كساقية وطرق زرع.
فليس له إرسالها بغير حافظ. فإن فعل لزمه الضمان لتفريطه، (وإن كان عليها) أي البهيمة
(يد) كقائد (ضمن صاحب اليد) ما أفسدت من زرع وشجر وغيرهما ولو نهارا. (قال
الحارثي: لو جرت عادة بعض) أهل (النواحي بربطها نهارا وإرسالها) ليلا (وحفظ الزرع ليلا،
فالحكم كذلك) أي إنه يضمن ربها ونحوه ما أفسدت ليلا إن فرط لا نهارا، (لأن هذا) العرف
(نادر، فلا يعتبر به في التخصيص) أي تخصيص الحديث السابق (ولو ادعى صاحب الزرع
157

أن غنم فلان نفشت) أي رعت (فيه) أي في زرعه (ليلا ووجد في الزرع أثر غنم ولم يكن
هناك غنم لغيره قضى بالضمان) على صاحب الغنم، عملا بالقرينة. وعبارة المنتهى: ومن
ادعى أن بهائم فلان (1). فلا تختص المسألة بالغنم. (قال الشيخ) تقي الدين (هذا من القيافة
في الأموال وجعلها) أي القيافة (معتبرة) في الأموال (كالقيافة في الانسان، ويضمن
غاصبها) أي البهائم (ما أفسدت ليلا، ونهارا) فرط أو لم يفرط، كانت يده عليها أو لا
لتعديه بإمساكها، (ومن طرد دابة من مزرعته لم يضمن) ما أفسدته من مزرعة غيره (إلا أن
يدخلها مزرعة غيره) فيضمن ما أفسدت منها لتسببه، (وإن اتصلت المزارع) لم يطردها، لان
ذلك تسليط على زرع غيره، و (صبر ليرجع على ربها) بقيمة ما تأكله حيث لا يمكنه منعها
إلا بتسليطها على مال غيره (ولو قدر أن يخرجها) من مزرعته (وله منصرف غير المزارع)
يخرجها منه (فتركها) في مزرعته (ف‍) - ما أفسدت منها (هدر) لا ضمان على ربها فيه، لان
رب الزرع هو المفرط إذن، (والحطب على الدابة إذا خرق ثوب آدمي بصير عاقل يجد
منحرفا) أي موضعا يتحول إليه، (ف‍) - الخرق (هدر) لا يضمنه الحطاب لتقصير رب الثوب
بعدم الانحراف.
قلت: وقياسه لو جرحه ونحوه، وكالحطب والحديد ونحوه، (وكذا لو كان) صاحب
الثوب (مستدبرا فصاح به) حامل الحطب (منبها له) ووجد منحرفا ولم ينحرف فخرق ثوبه،
فهدر. قلت: وكالمستدبر الأعمى إذا صاح عليه منبها له بالانحراف لموضع يمكنه
الانحراف إليه ولم يفعل (وإلا) بأن لم يجد منحرفا وهو مستقبل له أو لم ينبهه وهو مستدبر
(ضمنه) أي خرق الثوب (فيهما) حامل الحطب فيغرم أرشه (2). (ومن صال) أي وثب (عليه
آدمي) صغير، أو كبير، عاقل، أو مجنون قاله الحارثي. (أو غيره) من البهائم، والطيور (فقتله)
المصول عليه (دفعا عن نفسه لم يضمنه) (3) إن لم يندفع بغير القتل، لأنه قتله لدفع شره.
فكأن الصائل قتل نفسه (ولو دفعه) أي دفع إنسان الصائل (عن غيره، غير ولده) أي القاتل
158

(ونسائه) كزوجته، وأمه، وأخته وعمته، وخالته، (بالقتل) متعلق بدفعه (ضمنه) قال في القاعدة
السابعة والعشرين: لو دفع صائلا عليه بالقتل لم يضمنه. ولو دفعه عن غيره بالقتل ضمنه.
ذكره القاضي. وفي الفتاوى الرجبيات، عن ابن عقيل، وابن الزعفراني: لا ضمان عليه أيضا
انتهى. فما ذكره المصنف توسط بين القولين. قال الحارثي: وعن أحمد رواية بالمنع من
قتال اللصوص في الفتنة. فيترتب عليه وجوب الضمان بالقتل لأنه ممنوع منه إذن. وهذا لا
عمل عليه انتهى. قال في الانصاف: أما ورود الرواية بذلك فمسلم. وأما وجوب الضمان
بالقتل ففي النفس منه شئ (ويأتي) ذلك (في) باب (حد المحاربين) بأوضح من هذا، (وإذا
عرفت البهيمة بالصول وجب على مالكها، و) على (الامام، و) على (غيره) ممن يقدر على
إتلافها (إتلافها إذا صالت) وقوله: (على وجه المعروف) متعلق بإتلافها. أي وجب إتلافها
على وجه لا تعذيب فيه لها. لحديث: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة (1) أو أن هذا القتل من
المعروف. فلذلك لم يختص به ربها، بل خوطب به كل أحد، لأن الامر بالمعروف فرض
كفاية (ولا تضمن) البهيمة المعروفة بالصول إذا قتلت حال صولها، لأنها غير محترمة
(كمرتد) وزان محصن (ولو حالت بهيمة بينه وبين ماله ولم يصل إليه) أي ماله (إلا بقتلها
فقتلها لم يضمن‍) - ها لعدم احترامها لصولها (وإن اصطدمت سفينتان) واقفتان، أو مصعدتان،
أو منحدرتان (فغرقتا ضمن كل واحد منهما) أي من القيمين (سفينة الآخر وما فيها) من
نفس ومال (إن فرط) لأن التلف حصل بسبب فعليهما. فوجب على كل منهما ضمان ما
تلف بسبب فعله كالفارسين إذا اصطدما، (وإن لم يفرط) واحد منهما (فلا ضمان على واحد
منهما) لعدم مباشرته التلف وتسببه فيه، (وإن فرط أحدهما) دون الآخر (ضمن) المفرط
(وحده) ما تلف بتفريطه لتسببه في إتلافه (2)، (و) إذا اختلفا في التفريط فا (لقول قول القيم،
159

وهو الملاح مع يمينه في غلبة الريح) إياه (وعدم التفريط) لأنه منكر (1)، والأصل براءته
(والتفريط أن يكون قادرا على ضبطها، أو ردها عن الأخرى) فلم يفعل، (أو أمكنه أن يعدلها
إلى ناحية أخرى) لاصدم معها (فلم يفعل، أو لم يكمل) القيم (آلتها من الرجال والحبال
وغيرهما) كالمراسي، والأخشاب التي يحتاج إليها في حفظها (ولو تعمدا) أي القيمان (الصدم
ف‍) - هما (شريكان في) ضمان (إتلاف كل منهما) أي من السفينتين، (و) في ضمان إتلاف
(من فيهما) أي السفينتين من الأنفس والأموال، لأنه تلف حصل بفعلهما فاشتركا في
ضمانه. أشبه ما لو خرقاهما، وإن تلف بسبب ذلك آدمي محترم، (فإن قتل غالبا) ما وجد
من فعلهما (ف‍) - عليهما (القود) بشرطه من المكافأة ونحوها، لأنهما تعمدا القتل بما يقتل
غالبا. أشبه ما لو ألقياه في لجة البحر بحيث لا يمكنه التخلص فغرق، (وإلا) بأن لم يقتل
غالبا بأن فعلا قريبا من الساحل، (ف‍) - هو (شبه عمد) كما لو ألقاه في ماء قليل فغرق به، (ولا
يسقط فعل الصادم في حق نفسه مع عمد) أي مع تعمدهما الصدم، بل يعتد به. فكل منهما
شارك الآخر في قتل نفسه. فإن مات أحدهما فليس لورثته إلا نصف ديته. وإن ماتا وجب
لكل منهما نصف ديته من تركة الآخر، فإن استويا سقطا وإلا فيقدر الأقل. ومفهومه أنه
يسقط مع خطأ. فتجب الدية كاملة على العاقلة، (وإن خرقها) أي خرق السفينة إنسان (عمدا
فغرقت بمن فيها) من الأنفس والأموال (وهو) أي خرقه إياها (مما يغرقها غالبا، أو يهلك من
فيها) غالبا (لكونهم في اللجة، أو لعدم معرفتهم بالسباحة) وإن لم يكونوا في اللجة (فعليه)
أي الخارق لها (القصاص إن قتل) بسبب ذلك (من يجب القصاص بقتله) لأنه أهلكه بفعله،
(و) عليه أيضا (ضمان السفينة) لربها. فيغرم قيمتها إذا تلفت وأرش نقصها إن لم تتلف
(بما) أي مع ضمان ما (فيها من مال، أو نفس) من آدمي، أو حيوان محترم (2)، (وإن كان)
خرقها (خطأ) بأن كان بالسفينة محل يحتاج إلى الاصلاح فقلع منه لوحا ليصلحه، أو ليضع
160

عوضه في مكان لا يغرق به من فيها غالبا. فغرقوا بسبب ذلك (عمل بمقتضاه) (1). وكذا إن
كان شبه عمد بأن قلع اللوح من غير داع إلى قلعه، لكن في مكان قريب من الساحل لا
يغرق به من فيها غالبا. فغرق. فلا قصاص فيهما، لكن لكل منهما حكمه في الضمان على
ما يأتي تفصيله في الديات (2)، (وإن كانت إحدى السفينتين واقفة، و) كانت (الأخرى سائرة)
واصطدمتا فغرقتا (ضمن قيم) السفينة (السائرة) السفينة (الواقفة ان فرط) بأن أمكنه ردها ولم
يفعل، أو لم يكمل آلتها من رجال وحبال وغيرهما، لأن التلف حصل بتقصيره (3). أشبه ما
لو نام وتركها سائرة بنفسها حتى صدمتها. وأما قيم الواقفة فلا ضمان عليه، لأنه لم يوجد
منه تعد ولا تفريط. أشبه النائم في الصحراء إذا عثر به إنسان فتلف (ويأتي إذا اصطدم
نفسان في) كتاب (الديات) مفصلا (وإن كانت إحداهما منحدرة) والأخرى مصعدة (فعلى
صاحبها) أي المنحدرة (ضمان المصعدة) لأن المنحدرة تنحط على المصعدة من علو فيكون
ذلك سببا لغرقها ولا ضمان على قيم المصعدة، تنزيلا للمنحدرة منزلة السائرة وللمصعدة
منزلة الواقفة (إلا أن يكون) قيم المنحدرة (غلبه الريح) أو نحوه عن ضبطها، (أو) إلا أن
يكون (الماء شديدا). وفي نسخة: الشديد (الجرية، فلم يقدر على ضبطها) فلا ضمان
عليه، لأنه لا يدخل في وسعه. ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولان التلف يمكن
استناده إلى الريح أو شدة جريان الماء. قال الحارثي: وسواء فرط المصعد في هذه الحالة
أو لا على ما صرح به في الكافي. وأطلقه الأصحاب وأحمد. قال في المغني: إن فرط
المصعد بأن أمكنه العدول بسفينته والمنحدر غير قادر ولا مفرط فالضمان على المصعد،
لأنه المفرط. قال الحارثي: وهذا صريح في أن المصعد يؤاخذ بتفريطه (ولو أشرفت
السفينة على الغرق ف‍) - الواجب (على الركبان إلقاء بعض الأمتعة حسب الحاجة) أي يجب
إلقاء ما تظن به النجاة من المتاع ولو كله. دفعا لأعظم المفسدتين بأخفهما، لأن حرمة
الحيوان أعظم من حرمة المتاع (ويحرم إلقاء الدواب) المحترمة (حيث أمكن التخفيف
بالأمتعة) لما تقدم، (وإن ألجأت الضرورة إلى إلقائها) أي الدواب (جاز) إلقاؤها (صونا
161

للآدميين) لأنهم أعظم حرمة، (والعبيد) في وجوب الحفظ (كالأحرار) لاستوائهم في
الحرمة (1)، (وإن تقاعدوا) حال الاشراف على الغرق (عن الالقاء) عن المتاع، أو مع الدواب
(مع الامكان) ودعاء الضرورة إليه (أثموا) لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *
[البقرة: 195]. (ولا يجب الضمان فيه) أي فيما يلقيه من متاعه عند الاشراف على الغرق.
فلا يضمنه له أحد، (ولو ألقى متاعه ومتاع غيره) مع عدم امتناعه، (فلا ضمان على أحد) من
الملقي، أو غيره، لأنه محسن. (وإن امتنع) إنسان (من إلقاء متاعه فللغير إلقاؤه من غير رضاه)
لأنه قام عنه بواجب، (ويضمنه) أي المتاع الملقى مع امتناع ربه (الملقي) له لأنه أتلف مال
الغير بغير رضاه (2). (وتقدم بعض ذلك في الضمان) فليعاود (ومن أتلف) مزمارا ونحوه بأن
حرقه وألقاه في نحو بحر (أو كسر مزمارا) بكسر الميم، (أو طنبورا) بضم أوله، (أو صليبا، أو)
كسر (إناء ذهب، أو فضة) لم يضمنه (3). وأما إذا أتلفه فإنه يضمنه بوزنه ذهبا، أو فضة بلا
صناعة كما تقدم. قال الحارثي: لا خلاف فيه انتهى. والفرق بينه وبين آلة اللهو، أن
الذهب والفضة لا يتبعان الصنعة، بل هما مقصودان عملا أو كسرا. والخشب والدق
يصيران تابعين للصناعة، فالصناعة في الذهب والفضة كالغناء في الآدمية، لأن الصناعة أقل
من الأصل. والخشب والرق لا يبقى مقصودا بنفسه، بل يتبع الصورة. أشار إليه ابن عقيل،
(أو) كسر، أو شق (إناء فيه خمر مأمور بإراقتها) وهي ما عدا خمر الخلال وخمر الذمي
المستترة. لم يضمن إنائها تبعا لها، (ولو قدر على إراقتها بدونه) أي بدون كسر الاناء أو
شقه (4). لامره (ص) بكسر (5) دنانها رواه الترمذي وأمره بشق زقاقها (6). رواه أحمد، (أو)
أتلف إنسان (آلة لهو) بكسر أو حرق أو غيرهما (ولو) كانت (مع صغير) وآلة اللهو (كعود،
وطبل غير طبل حرب، (و) ك‍ (- دف بصنوج، أو حلق) لم يضمنه بخلاف دف لا حلق فيه ولا
162

صنوج وطبل حرب فيضمنهما متلفهما لاباحتهما، (أو) ك‍ (- نرد، أو شطرنج) قال في الفروع:
ظاهر كلام الأصحاب أن الشطرنج من آلة اللهو، قيل: بل هي من أعظمها. وقد عم البلاء بها،
(أو) أتلف بحرق، أو غيره (آلة سحر، أو تعزيم، أو تنجيم، أو) أتلف (صور خيال، أو) أتلف (أوثانا،
أو خنزيرا، أو) أتلف (كتب مبتدعة مضلة، أو) أتلف (كتب أكاذيب، أو سخائف لأهل الخلاعة،
والبطالة، أو) أتلف (كتب كفر) لم يضمنها لعدم احترامها، (أو حرق مخزن خمر) (1) قال في
الهدي: يجوز تحريق أماكن المعاصي وهدمها، كما حرق (ص) مسجد الضرار وأمر بهدمه،
(أو) أتلف (كتابا فيه أحاديث رديئة) أي تفرد بها وضاع، أو كذاب. قال في شرح المنتهى:
وظاهره ولو كان معها غيرها (2). ويؤيد ذلك. ما قاله في الفنون. وهو أنه يجوز إعدام الآية
من كتب المبتدعة لأجل ما هي فيه. وإهانة لما وضعت له ولو أمكن تمييزها، (أو) كسر
(حليا محرما على ذكر لم يستعمله) أي يتخذه (يصلح للنساء لم يضمنه) لعدم احترامه. وأما
إذا أتلفه فقد تقدم أن محرم الصناعة يضمن بمثله وزنا وتلغى صناعته. قال في الآداب
الكبرى: ولا يجوز تخريق الثياب التي عليها الصور، ولا الرقوم التي تصلح بسطا ومضارج
وتداس، ولا كسر الحلي المحرم على الرجل إن صلح للنساء. قال في موضع آخر: ولم
يستعمله الرجال، (وإن تلفت حامل، أو) تلف (حملها من ريح طبيخ علم ربه ذلك عادة
ضمن) ما تلف بسببه، فإن لم يعلمه عادة لها فلا ضمان. قلت: ويقبل قوله في عدم العلم،
لأن الأصل براءته، لكن إن طلبت وامتنع ضمن، لأنه إنما يعلم من قبلها (قال الشيخ:
وللمظلوم الاستغاثة بمخلوق) أي في دفع المظلمة عن نفسه (ف‍) - استعانته (بخالقه أولى)
من استعانته بالمخلوق، (وله) أي المظلوم (الدعاء بما آلمه) أي بسبب ما آلمه (بقدر ما يوجبه
ألم ظلمه)، و (لا) يجوز له الدعاء (على من شتمه، أو أخذ ماله بالكفر) لأنه فوق ما يوجبه
ألم ظلمه، (ولو كذب) ظالم (عليه) أي على إنسان (لم يفتر) أي لم يكذب (عليه) أي
الكاذب، (بل يدعو الله فيمن يفتري عليه نظيره، وكذا إن أفسد) إنسان (عليه دينه) فلا يفسد
هو عليه دينه، بل يدعو الله عليه فيمن يفسد عليه دينه. هذا مقتضى التشبيه والتورع عنه أولى
163

(قال أحمد: الدعاء قصاص، ومن دعا على من ظلمه فما صبر، يريد أنه انتصر) لنفسه لقوله
(ص): من دعا على من ظلمه فقد انتصر (1) رواه الترمذي عن عائشة، (ولمن صبر) فلم ينتصر،
(وغفر) تجاوزا، (إن ذلك) الصبر والتجاوز (لمن عزم الأمور) أي معزوماتها بمعنى المطلوبات
شرعا.
باب الشفعة (2)
بإسكان الفاء من الشفاعة أي الزيادة أو التقوية، أو من الشفع وهو أحسنها، فإن
الشفع هو الزوج، والشفيع كان نصيبه منفردا في ملكه فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه فصار
شفعا. والشافع هو جاعل الوتر شفعا. والشفيع فعيل بمعنى فاعل، وهي ثابتة بالسنة.
فروى جابر أن النبي (ص) قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم. فإذا وقعت الحدود وصرفت
الطرق فلا شفعة (3) رواه أحمد والبخاري، وحكى ابن المنذر الاجماع عليها، (وهي
استحقاق الشريك) في ملك الرقبة ولو مكاتبا (انتزاع حصة شريكه) إذا انتقلت إلى غيره (من
يد من انتقلت) حصة الشريك (إليه، إن كان) المنتقل إليه (مثله) أي الشفيع في الاسلام، أو
164

الكفر، (أو دونه) بأن كان الشفيع مسلما والمشتري كافرا. فإن كان بالعكس فلا شفعة.
ويأتي. وقوله (بعوض مالي) متعلق بانتقلت. وقوله (بثمنه) أي نصيب الشريك (الذي استقر
عليه العقد) متعلق بانتزاع. فخرج بقوله: الشريك الجار والموصى له بنفع دار إذا باعها أو
بعضها وارث، لأن الموصى له ليس بمالك لشئ من الدار. وقوله: بعوض مخرج
للموروث والموصى به والمرهون بلا عوض ونحوه. وقوله: مالي مخرج للمجعول عوضا
عن مهر، أو خلع، أو دم عمد. صلحا ونحوه. قال الحارثي: وأورد على قيد الشركة أنه لو
كان من تمام الحد لما حسن أن يقال: هل تثبت الشفعة للجار أو لا؟ انتهى. ويرد بأن
السؤال لا يكون ممن عرف هذا الحد. وإنما يكون من الجاهل به. فيجاب بأن الشفعة
استحقاق الشريك لا الجار (ولا يحل الاحتيال لاسقاطها) أي الشفعة. قال الإمام أحمد:
لا يجوز شئ من الحيل في إبطالها ولا إبطال حق مسلم (1). واستدل الأصحاب
بحديث أبي هريرة مرفوعا: لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل
قاله في المغني (2) وغيره. ورواه ابن بطة بإسناده. وقد حرم الله الحيل في كتابه في مواضع
(ولا تسقط) الشفعة (به) أي بالاحتيال لاسقاطها، لأنها وضعت لدفع الضرر فلو سقطت
بالتحيل للحق الضرر (والحيلة أن يظهرا) أي المتعاقدان (في البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة
معه، و) أن (يتواطآ في الباطن على خلافه) أي خلاف ما أظهراه (فمن صور الاحتيال أن
تكون قيمة الشقص) بكسر الشين أي النصيب (مائة وللمشتري عرض قيمته مائة فيبيعه) أي
فيتواطآن على بيع (العرض) لمالك الحصة (بمائتين، ثم يشتري الشقص منه بمائتين
فيتقاصان، أو يتواطآن على أن) يبيعه الشقص بمائتين، ثم (يدفع إليه عشرة دنانير عن المائتين،
وهي) أي العشرة الدنانير (أقل) قيمة (من المائتين) من الدراهم (فلا يقدم الشفيع عليه) أي
على أخذ الشقص (لنقصان قيمته عن المائتين، ومنها) أي صور الاحتيال (إظهار كون الثمن
مائة ويكون المدفوع) ثمنا باطنا (عشرين فقط (3)، ومنها أن يكون كذلك) أي أن يظهرا أن
165

الثمن مائة (فيبرئه) البائع (من ثمانين) من المائة ويأخذ عشرين، (ومنها) أي من صور
الاحتيال (أن يهبه) البائع (الشقص، ويهبه الموهوب له الثمن) بعد أن تواطأ على ذلك (ومنها
أن يبيعه الشقص بصبرة دراهم معلومة) ب‍ (- المشاهدة مجهولة المقدار) ليمنع الشفيع من
الشفعة لجهالة قدر الثمن، (أو) يبيعه الشقص (بجوهرة ونحوها) مما تجهل قيمته ليمنع أخذ
الشفيع بالشفعة (فالشفيع على شفعته في جميع ذلك) المذكور من الصور كما تقدم (فيدفع)
الشفيع إذا أخذ بالشفعة (في) الصورة (الأولى) وهي ما إذا كانت قيمة الشقص مائة
وللمشتري عرض قيمته مائة فأظهرا ببيع كل منهما بمائتين وتقاصا (قيمة العرض مائة) لأنها
الثمن حقيقة، (أو) يدفع فيما إذا كانت قيمة الشقص مائة وأظهرا البيع بمائتين، ثم عوضه عنها
عشرة دنانير (مثل العشرة دنانير) دون المائتين لأنها غير مقصودة باطنا، (و) يدفع (في)
الصورة (الثانية) وهي ما إذا أظهر أن الثمن مائة والمدفوع عشرون فقط عشرين، (و) في
(الثالثة) وهي ما إذا أظهرا أن الثمن مائة وأبرأه من ثمانين (عشرين) لأن ما زاد عليها ليس
مقصودا حقيقة (1)، (و) يدفع (في) الصورة (الرابعة) وهي ما إذا أظهرا التواهب (مثل الثمن
الموهوب له) أي للبائع (2)، (و) يدفع (في) الصورة (الخامسة) وهي ما إذا باعه بصبرة
دراهم مشاهدة مجهولة القدر حيلة، أو بجوهرة ونحوها مجهولة القيمة حيلة (مثل الثمن
المجهول) من الدراهم (أو قيمته) إذا كان جوهرة ونحوها (إن كان) الثمن (باقيا، ولو تعذر
معرفة الثمن) مع الحيلة (بتلف) الثمن المعقود عليه، (أو موت) العبد ونحوه المجعول ثمنا
(دفع) الشفيع (إليه) أي المشتري (قيمة الشقص) المشفوع، لأن الأصل في عقود
المعاوضات أن يكون العوض فيها بقدر القيمة، لأنها لو وقعت بأقل، أو أكثر لكانت محاباة.
والأصل عدمها.
تتمة: في الفائق: قلت ومن صور التحيل: أن يقفه المشتري، أو يهبه حيلة لاسقاطها.
فلا تسقط بذلك عند الأئمة الأربعة. ويغلط من يحكم بهذا ممن ينتحل مذهب أحمد.
وللشفيع الاخذ بدون حكم انتهى. قال في القاعدة الرابعة والخمسين: هذا الأظهر (وإن
166

تعذر) علم قدر الثمن (من غير حيلة) في إسقاط الشفعة (بأن قال المشتري لا أعلم قدر
الثمن) ولا بينة به (فقوله) أي المشتري (بيمينه) إنه لا يعلم قدر الثمن، (وإنه لم يفعله حيلة)
على إسقاط الشفعة، لأن الأصل عدم ذلك، (وتسقط الشفعة) حيث جهل قدر الثمن بلا حيلة
كما لو علم قدره عند الشراء، ثم نسي، لأن الشفعة لا تستحق بغير بدل، ولا يمكن أن يدفع
إليه ما لا يدعيه، ودعواه لا تمكن مع جهله، (فإن اختلفا) أي المشتري والشفيع (هل وقع
شئ من ذلك حيلة) على إسقاط الشفعة (أو لا) بأن قال الشفيع: وقع ذلك حيلة. وأنكره
المشتري، (ف‍) - القول (قول المشتري مع يمينه) أنه لم يقع حيلة، لأن الأصل عدمه، ولأنه
منكر (وتسقط) الشفعة إذا حلف المشتري، فإن نكل قضي عليه بالنكول (وإن خالف
أحدهما) أي المتعاقدين (ما تواطأ عليه) وأظهرا خلافه، كما لو تواطأ على أن الثمن عشرون
وأظهراه مائة (فطالب) البائع (صاحبه) أي المشتري (بما أظهراه) أي المائة (لزمه) دفع المائة
(في ظاهر الحكم) لأن الأصل عدم التواطؤ. قلت: إن لم تقم بينة بالتواطؤ، وله تحليف
البائع أنه لم يتواطأ معه على ذلك (ولا يحل في الباطن لمن غر صاحبه الاخذ) أي لا يحل
باطنا للبائع أن يأخذه من المشتري (بخلاف ما تواطأ عليه) بأن يأخذ منه زيادة، لأنه ظلم
(ولا تثبت) الشفعة (إلا بشروط خمسة. أحدها: أن يكون الشقص) المنتقل عن الشريك
(مبيعا، أو مصالحا به صلحا بمعنى البيع) بأن يقر له بدين أو عين، فيصالحه عن ذلك
بالشقص، (أو) يكون الشقص (مصالحا به عن جناية موجبة للمال) كقتل الخطأ وشبه العمد
وأرش الجناية ونحوها، (أو) يكون الشقص (موهوبا هبة مشروطا فيها الثواب) أي عوض
(معلوم) لأن الشفيع يأخذه بمثل الثمن الذي انتقل به إلى المشتري. ولا يمكن هذا في غير
المبيع. وألحق بالبيع المذكورات بعده، لأنها بيع في الحقيقة، لكن بألفاظ أخر (فلا شفعة
فيما) أي في شقص (انتقل) عن ملك الشريك (بغير عوض بحال) أي لا مالي ولا غيره
(كموهوب) بغير عوض (وموصى به، وموروث، ونحوه) كدخوله في ملكه بطلاق قبل
الدخول، بأن أصدقت امرأة أرضا وباعت نصفها، ثم طلقها الزوج قبل الدخول. فإنه يرجع
إليه النصف الباقي في ملكها. ولا شفعة للمشتري من المرأة عليه، (ولا) شفعة أيضا (فيما
167

عوضه غير مال كصداق، وعوض خلع)، أو طلاق، أو عتق (وصلح عن دم عمد) (1) لأن ذلك
ليس له عوض يمكن الاخذ به. فأشبه الموهوب والموروث. وفارق البيع لأنه يأخذ بعوضه.
فلو جنى جنايتين عمدا، أو خطأ. فصالحه منهما على شقص أخذ بها في نصف الشقص، أي
ما يقابل الخطأ دون باقيه، لأن الصفقة جمعت ما فيه شفعة وما لا شفعة فيه. فوجبت فيما
تجب فيه دون الآخر. كما لو باع شقصا وسيفا (2). ومن قال لام ولده: إن خدمت ولدي
حتى يستغني فلك هذا الشقص. فخدمته إلى الفطام استحقته ولا شفعة فيه، لأنه موصى به
بشرط، (و) لا شفعة أيضا في (ما) أي شقص (أخذه) المنتقل إليه (أجرة، أو جعالة، أو ثمنا في
سلم) إن صح جعل العقار رأس مال سلم (أو عوضا في كتابة) لأنه لا يمكن الاخذ بقيمة
الشقص ولأنها ليست بعوضه في المسائل الأربع، ولا بقيمة مقابلة من النفع والعين. وأيضا
الخبر وارد في البيع. وليست هذه في معناه. ورد الحارثي ذلك. وصحح جريان الشفعة
قولا واحدا، (ومثله) أي مثل ما عوضه غير مال (ما) أي شقص (اشتراه الذمي بخمر، أو خنزير)
لأنهما ليسا بمال، (ولا تجب) الشفعة (بفسخ يرجع به الشقص إلى العاقد) أي البيع (كرده) أي
رد المشتري الشقص (بعيب، أو إقالة، أو لغبن، أو اختلاف متبايعين) في الثمن أو خيار مجلس،
أو شرط، أو تدليس، لأن الفسخ رفع لعقد. فليس بيعا ولا في معناه.
فصل:
الشرط (الثاني: أن يكون) المبيع وما بمعناه
(شقصا مشاعا مع شريك ولو مكاتبا من عقار) بفتح العين يعني أرضا (ينقسم) أي
168

تجب قسمته بطلب بعض الشركاء (قسمة إجبار) (1) لقوله (ص): الشفعة فيما لم يقسم. فإذا
وقعت الحدود فلا شفعة رواه الشافعي. ولقوله (ص): الشفعة في كل ما لم يقسم. فإذا
وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (2) رواه أبو داود. فإن قيل: إنما نفى الشفعة
بصرف الطرقات. وهي للجار غير مصروفة. أجيب: بأن الطرقات التي تنصرف بالقسمة
مختصة باستطراق المشاع الذي يستطرق به الشريك ليصل إلى ملكه. فإذا وقعت القسمة
انصرف استطراقه في ملك شريكه. وأما غيره من الطرقات المستحقة فلا تنصرف أبدا، (فأما
المقسوم المحدود فلا شفعة لجاره فيه) لما تقدم وأما حديث: الجار أحق بصقبه (3) رواه
البخاري، وأبو داود. قال في القاموس: أي بما يليه ويقرب منه. وحديث: جار الدار أحق
بالدار (4) رواه الترمذي وقال حسن صحيح. وحديث: الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها إذا
كان غائبا وإذا كان طريقهما واحدا (5) رواه الترمذي وحسنه فقد أجيب عن الأول بوجهين.
أحدهما: إنه أبهم الحق ولم يصرح به. فلم يجز أن يحمل على العموم. والثاني: إنه
محمول على أنه أحق بالفناء الذي بينه وبين الجار ممن ليس بجار، أو يكون مرتفقا به.
وعن الثاني: بأن الحسن رواه عن سمرة. وأهل الحديث اختلفوا في لقاء الحسن له ومن
أثبت لقاءه إياه قال: إنه لم يرو عنه إلا حديث العقبة. ولو سلم لكان عنه الجوابان
المذكوران وعن الثالث: بأن شعبة قال: سمي فيه عبد الملك بن سليمان الذي الحديث من
روايته وقال الإمام أحمد: هذا الحديث منكر. وقال ابن معين: لم يروه غير عبد الملك.
وقد أنكر عليه. ثم يحتمل أن المراد بالجار في الأحاديث: الشريك، فإنه جار أيضا، لان
اسم الجوار يختص بالقريب. والشريك أقرب من اللصيق. فكان أحق باسم الجوار. وقد
أطلقت العرب على الزوجة جارة لقربها. قال الأعشى: أجارتنا بيني فأنت طالقة (ولا)
شفعة (في طريق نافذ) لقوله (ص): لا شفعة في فناء ولا في طريق ولا مثقبة رواه أبو عبيد
169

في الغريب. والمثقبة الطريق الضيق بين دارين لا يمكن أن يسلكه أحد، (فإن كان) طريق
(غير نافذ لكل واحد من أهله فيه باب فباع أحدهم داره فيه) أي في الطريق غير النافذ
(بطريقها، أو باع الطريق وحده وكان الطريق لا يقبل القسمة، أو) كان الطريق (يقبلها وليس
لدار المشتري طريق إلى داره سوى تلك الطريق، ولا يمكن فتح باب لها) أي لدار المشتري
(إلى شارع) أي طريق نافذ، (فلا شفعة) للحديث السابق. ولحصول الضرر على المشتري
بوجوبها، لأن الدار تبقى لا طريق لها (ولو كان نصيب المشتري) للدار بطريقها، أو لطريقها
(من الطريق أكثر من حاجته) في الاستطراق، لأن في وجوبها في الزائد تبعيض صفقة
المشتري. ولا يخلو من الضرر (وإن كان الطريق يقبل القسمة) لسعته (ولدار المشتري طريق
آخر إلى شارع) أو غيره، (أو) لم يكن لها طريق، لكن (أمكن فتح باب لها إلى شارع وجبت)
الشفعة في الطريق المشترك المذكور، لأنه أرض مشتركة تحتمل القسمة. فوجبت فيه
الشفعة كغيره (وكذا) أي كالطريق المشترك في وجوب الشفعة وعدمه على التفصيل المتقدم
(دهليز دار، وصحن دار مشتركان) والدهليز بكسر الدال ما بين الباب والدار. والصحن وسط
الدار. فإذا بيعت دار لها دهليز مشترك، أو بيت بابه في صحن دار مشترك. ولا يمكن
الاستطراق إلى المبيع إلا من ذلك الدهليز، أو الصحن فلا شفعة فيهما للضرر، وإن كان له
باب آخر، أو أمكن فتح باب له إلى شارع وجبت لوجود المقتضى وعدم المانع (ولا شفعة
بالشرب) بكسر الشين المعجمة وسكون الراء المهملة (وهو النهر، أو البئر)، أو العين (يسقي
أرض هذا، و) يسقي (أرض هذا، فإذا باع أحدهما أرضه) المفرزة (فليس للآخر الاخذ)
بالشفعة (ب‍) - سبب (حقه من الشرب) لعموم ما سبق، (ولا) شفعة (فيما لا تجب قسمته) إذا
طلبها أحد الشركاء (كحمام صغير، وبئر، وطرق، وعراص ضيقة) (1) ورحى صغيرة وعضادة.
لحديث أبي عبيد السابق. ولقول عثمان: لا شفعة في بئر ولا نخل (2) ولان إثبات الشفعة
في هذا يضر بالبائع، لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة. وقد
170

يمتنع المشتري لأجل الشفيع فيتضرر البائع (1). وقد يمتنع البيع فتسقط الشفعة. فيؤدي
إثباتها إلى نفيها. فإن كان الحمام كبيرا تمكن قسمته حمامين، أو أمكنت قسمة البئر بئرين،
أو كان مع البئر بياض أرض بحيث تحصل البئر في أحد النصيبين. وجبت الشفعة، وكذا
الرحى، (ولا) شفعة أيضا (فيما ليس بعقار كشجر) مفرد، (وحيوان، وبناء مفرد) (2) عن أرض،
(وجوهر، وسيف، ونحوها) كسفينة وزرع وثمرة، ولان من شرط وجوبها أن يكون المبيع
أرضا، لأنها هي التي تبقى على الدوام ويدوم ضررها (إلا أن الغراس والبناء يؤخذان تبعا
للأرض) (3) لقضائه (ص): بالشفعة في كل مشترك لم يقسم ريعه، أو حائطا (4)، وهذا يدخل فيه
البناء والأشجار، (وكذا نهر، وبئر، وقناة، ودولاب) فتؤخذ بالشفعة تبعا للأرض لا مفردة،
و (لا) يؤخذ بالشفعة تبعا ولا مفردا. (ثمرة) قال في المغني (5) والشرح (6): ظاهره (و) لا
(زرع) لأنهما لا يدخلان في البيع فلا يدخلان في الشفعة، كقماش الدار لأن الشفعة بيع في
الحقيقة، لكن الشارع جعل للشفيع سلطان الاخذ بغير رضا المشتري (فإن بيع الشجر) مع
أرض فيها شفعة وأخذ الشجر تبعا للأرض بالشفعة (وفيه) أي الشجر (ثمرة غير ظاهرة،
كالطلع غير المتشقق دخل) الثمر (في الشفعة) أي المشفوع تبعا له حيث أخذه الشفيع قبل
التشقق، لأنه يتبع في البيع، فتبع في الشفعة، لأنها بيع في المعنى، فإن لم يأخذه حتى
تشقق بقي الثمر لمشتر إلى أوان أخذه. ويأتي مفصلا، (وإن بيعت حصة من علو دار مشترك)
أي العلو (وكان السقف الذي تحته لصاحب السفل) وحده، (أو) كان السقف (لهما) أي
لصاحب السفل والعلو، (أو) كان السقف (لصاحب العلو، فلا شفعة في العلو) لأنه بناء مفرد،
(ولا) شفعة أيضا في (السقف) لأنه لا أرض له. فهو كالأبنية المفردة، (وإن كان السفل
171

مشتركا) بين اثنين فأكثر (والعلو خالص لاحد الشريكين، فباع رب العلو نصيبه من السفل.
فللشريك الشفعة في السفل فقط) دون العلو، لعدم الشركة فيه.
فصل:
الشرط (الثالث) للشفعة:
(المطالبة بها على الفور) ساعة يعلم بالبيع. لقوله (ص): الشفعة لمن واثبها رواه
الفقهاء في كتبهم. ورده الحارثي بأنه لا يعرف في كتب الحديث. ولقوله أيضا في رواية:
الشفعة كحل العقال (1) رواه ابن ماجة، ولان ثبوتها على التراخي ربما أضر بالمشتري
لعدم استقرار ملكه (بأن يشهد) الشفيع (بالطلب) بالشفعة (حين يعلم) بالبيع (إن لم يكن)
للشفيع (عذر) يمنعه من الطلب، (ثم) إذا أشهد على الطلب (له أن يخاصم) المشتري (ولو
بعد أيام)، أو أشهر، أو سنين، لأن إشهاده دليل على رغبته (ولا يشترط في المطالبة حضور
المشتري، لكن إن كان المشتري غائبا عن المجلس حاضرا في البلد. فالأولى أن يشهد على
الطلب) (2) خروجا من خلاف من اشترطه. كالقاضي في الجامع الصغير، وأبي حنيفة.
والمراد من عدم اشتراط حضور المشتري عند المطالبة: إنه لا تعتبر مواجهة الشفيع له. قال
الحارثي: المذهب الاجزاء. ونقله عن ابن الزاغوني. قال: وهو ظاهر ما نقله أبو طالب
عن أحمد. وهو قياس المذهب أيضا. وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في رؤوس مسائله
القاضي أبي الحسين في تمامه. وصرح به في المحرر، لكن بقيد الاشهاد. وهو
المنصوص من رواية أبي طالب والأثرم. وهذا اختيار أبي بكر. وإيراد المصنف أي -
الموفق - هنا يقتضي عدم الاجزاء وأن الواجب المواجهة. قال: وقد صرح به في العمدة
انتهى. والثاني مقتضى كلامه في المنتهى (و) لا على الأول: فالأولى أيضا أن (يبادر) الشفيع
(إلى المشتري) فيطالبه (بنفسه أو بوكيله) بالشفعة، خروجا من الخلاف، (فإن بادر هو) أي
172

الشفيع، (أو) بادر (وكيله) فطالب المشتري بالشفعة (من غير إشهاد) أنه على شفعته (فهو
على شفعته) (1) لعدم تأخيره الطلب (فإن كان) للشفيع (عذر) يمنعه الطلب (مثل أن لا يعلم)
بالبيع فأخر إلى أن علم وطالب ساعة علم (أو علم) الشفيع بالبيع (ليلا فأخره) أي الطلب
(إلى الصبح) مع غيبة مشتر عنه (أو) أخر الطلب (لشدة جوع، أو عطش حتى يأكل أو يشرب)
مع غيبة مشتر، (أو) أخر الطلب محدث (لطهارة) مع غيبة، (أو) أخره ل‍ (- إغلاق باب، أو
ليخرج من الحمام أو ليقضي حاجته) من بول، أو غائط، (أو ليؤذن، ويقيم، ويأتي بالصلاة
بسننها، أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها، ونحوه) كمن علم وقد انخرق ثوبه أو ضاع منه
مال فأخر الطلب ليرقع ثوبه، أو يلتمس ما سقط منه (لم تسقط) الشفعة، لأن العادة تقديم
هذه الحوائج ونحوها على غيرها. فلا يكون الاشتغال بها رضا بترك الشفعة، كما لو أمكنه
أن يسرع في مشيه، أو يحرك دابته فلم يفعل ومضى على حسب عادته (إلا أن يكون المشتري
حاضرا عنده) أي الشفيع (في هذه الأحوال) فتسقط بتأخيره، لأنه مع حضوره يمكنه مطالبته
من غير اشتغال عن أشغاله (إلا الصلاة) فلا تسقط الشفعة بتأخير الطلب للصلاة وسننها،
ولو مع حضور المشتري عند الشفيع، لأن العادة تأخير الكلام عن الصلاة، (وليس عليه) أي
الشفيع (تخفيفها) أي الصلاة، (ولا الاقتصار على أقل ما يجزئ) في الصلاة، لأن إكمالها لا
يدل على رغبته عن الشفعة (فإذا فرغ) الشفيع (من حوائجه مضى على حسب عادته إلى
المشتري) ليطالبه بالشفعة، (وليس عليه) أي الشفيع (أن يسرع في مشيه) إن مشى، (أو يحرك
دابته) إن ركب لأن الطلب المشروط هو الطلب بحكم العادة، (فإذا لقيه بدأه بالسلام، ثم
يطالب) لأنه السنة (2). وفي الحديث: من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه (3) رواه
173

الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر، (فإن قال) الشفيع (بعد السلام
متصلا: بارك الله لك في صفقة يمينك، أو دعا له) أي للمشتري (بالمغفرة، ونحو ذلك) كان
دعاء له بالمعونة (لم تبطل شفعته لأن ذلك يتصل بالسلام، فهو من جملته، والدعاء له) أي
للمشتري (بالبركة في الصفقة دعاء) من الشفيع (لنفسه، لأن الشقص يرجع إليه) أي الشفيع
إذا أخذه بالشفعة (فلا يكون) ذلك الدعاء (رضا) بترك الشفعة (1)، (فإن اشتغل) الشفيع
(بكلام آخر) غير الدعاء، (أو) سلم ثم (سكت لغير حاجة بطلت) شفعته لفوات شرطها وهو
الفور (ويملك) الشفيع (الشقص) المشفوع (بالمطالبة) بالشفعة (ولو لم يقبضه مع ملاءته
بالثمن) لأن البيع السابق سبب، فإذا انضمت إليه المطالبة كان كالايجاب في البيع إذا انضم
إليه القبول (فيصح تصرفه) أي الشفيع (فيه) أي الشقص المشفوع. لانتقال الملك إليه
(ويورث) الشقص (عنه) أي الشفيع إذا مات بعد الطلب كسائر أملاكه (ولا يعتبر) لانتقال
الملك إلى الشفيع (رضا مشتر) لأنه يؤخذ منه قهرا والمقهور لا يعتبر رضاه (ولفظ الطلب)
للاخذ بالشفعة أن يقول: (أنا طالب) بالشفعة، (أو) أنا (مطالب) بالشفعة، (أو) أنا (آخذ بالشفعة،
أو) أنا (قائم عليها) أي الشفعة (ونحوها مما يفيد محاولة الاخذ) بالشفعة. كتملكت
الشقص، أو انتزعته من مشتريه، أو ضممته إلى ما كنت أملكه من العين (فإن أخر) الشريك
(الطلب مع إمكانه) أي الطلب (ولو جهلا باستحقاقها) أي الشفعة. سقطت لأنه لا يعذر
بذلك لعدم خفائه غالبا، (أو) أخر الطلب (جهلا بأن التأخير مسقط لها، ومثله لا يجهله
سقطت) شفعته لعدم عذره (إلا أن يعلم) الشريك بالبيع (وهو غائب عن البلد. فيشهد على
الطلب بها، فلا تسقط) شفعته (ولو أخر المبادرة إلى الطلب بعد الاشهاد عند إمكانه) لان
إشهاده بالطلب دليل على الرغبة، وعلى أنه لا مانع له من الطلب إلا قيام العذر به،
174

وكالغائب مريض ومحبوس، (وتسقط) الشفعة (إذا) علم الشريك بالبيع وهو غائب، و (سار
هو) أي الشريك الغائب، (أو) سار (وكيله إلى البلد الذي فيه المشتري في طلبها) أي الشفعة،
(ولم يشهد) قبل سيره، (ولو) سار (بمضي) أي سير (معتاد) لأن السير يكون لطلب الشفعة
ولغيره. وقد قدر أن يبين كون سيره لطلب الشفعة بالاشهاد عليه، فإذا لم يفعل سقطت
كتارك الطلب مع حضوره، (وإن أخر) الشريك (الطلب والاشهاد لعجزه عنهما، أو) لعجزه
(عن السير) إلى المشتري فيطالبه، وإلى من يشهده على أنه مطالب (كالمريض، لا من
صداع وألم قليل) لأن ذلك لا يعجزه عن الطلب والاشهاد (وكالمحبوس ظلما، أو بدين لا
يمكنه أداؤه، أو من) أي غائب (لا يجد من يشهده، أو وجد من لا تقبل شهادته كالمرأة
والفاسق ونحوهما) كغير بالغ، (أو وجد مستوري الحال فلم يشهدهما) لم تسقط شفعته، لأنه
معذور بعدم شهادتهما (قال في تصحيح الفروع: ينبغي أن يشهدهما، ولو لم يقبلهما) الحاكم
(وهو على شفعته) إذا أشهد على الطلب عند زوال عذره (أو وجد) الغائب (من لا يقدم معه
إلى موضع المطالبة) فلم يشهده. لم تسقط شفعته. إذ لا فائدة في إشهاده، فإن وجد واحدا
فأشهده، أو لم يشهده لم تسقط. قاله في المغني (1) والشرح (2) ونصره. ورد الحارثي بأن
شهادة العدل يقضي بها مع اليمين، (أو) أخر الطلب، أو الاشهاد (لاظهارهم زيادة في الثمن،
أو) لاظهارهم (نقصا في المبيع، أو) لاظهارهم (أنه موهوب له) أي للمشتري، (أو)
لاظهارهم (أن المشتري غيره) أي غير المشتري باطنا، (أو أخبره) أي الشريك بالبيع (من لا
يقبل خبره) لفسقه (فلم يصدقه) ولم يطلب، أو يشهد، (أو) أظهر المتعاقدان (أنهما تبايعا
بدنانير، فتبين أنه بدراهم، أو بالعكس) بأن أظهرا أنهما تبايعا بدراهم فتبين أنه بدنانير، (أو
أظهر) المشتري (أنه اشتراه بنقده، فبان أنه اشتراه بعرض، أو بالعكس، أو) أظهر أنه اشتراه
175

(بنوع من العروض، فبان أنه) اشتراه (بغيره) أي غير ذلك النوع، كنقد أو نوع آخر (أو
أظهر) المشتري (أنه اشتراه له) أي لنفسه (فبان أنه اشتراه لغيره)، أو بالعكس بأن أظهر أنه
اشتراه لغيره فبان أنه اشتراه لنفسه، أو أظهر أنه اشتراه لانسان فبان أنه اشتراه لغيره، (أو
أظهر أنه اشترى الكل بثمن، فبان أنه اشترى نصفه بنصفه، أو) أظهر (أنه اشترى نصفه
بثمن، فبان أنه اشترى جميعه بضعفه، أو) أظهر (أنه اشترى الشقص وحده، فبان أنه اشتراه
هو وغيره، أو بالعكس) بأن أظهر أنه اشترى الشقص وغيره فبان أنه اشتراه وحده (فهو) أي
الشفيع (على شفعته) إذا علم الحال. فلا يكون ذلك مسقطا لشفعته، لأنه إما معذور أو غير
عالم بالحال على وجهه (1). كما لو لم يعلم مطلقا (فأما إن أظهر) المشتري (أنه اشتراه بثمن،
فبان أنه اشتراه بأكثر) فلا شفعة، لأن من لا يرضى بالقليل لا يرضى بأكثر منه (2). (أو) أظهر
(أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى به) أي بذلك الثمن (بعضه) أي بعض الشقص
(سقطت شفعته) لأن من لم يرض بأخذ الشقص كله بذلك الثمن، لا يرضى بأخذ بعضه به،
(وإن كان المحبوس حبس بحق يلزمه أداؤه وهو قادر عليه) أي على أدائه (فهو كالمطلق، إن
لم يبادر إلى المطالبة، ولم يوكل) من يطالب له فورا (بطلت شفعته) لأنه ليس بمعذور
كالمريض مرضا يسيرا لا يمنعه من طلب الشفعة، (وإن أخبره) أي الشفيع بالبيع (من يقبل
خبره، ولو عدلا واحدا عبدا، أو أنثى فلم يصدقه) الشفيع سقطت شفعته، لأنه خبر من عدل
يجب قبوله في الرواية والفتيا وسائر الأخبار الدينية. فسقطت الشفعة بتكذيبه (3)، (أو) أخبره
(من لا يقبل خبره كفاسق، وصبي، وصدقه ولم يطالب) سقطت شفعته، لأن تصديقه اعتراف
بوقوع البيع. فوجب سقوطها بتأخير الطلب، (أو قال) الشريك (للمشتري: بعني ما اشتريت،
أو صالحني) عنه (مع أنه لا يصح الصلح عنها) أي عن الشفعة، (أو) قال: (هبه لي، أو ائتمني
176

عليه، أو بعه ممن شئت، أو وله إياه) أي أعطه لمن شئت برأس ماله (أو هبه له) أي لمن
شئت، (أو أكرني، أو ساقني، أو قاسمني، أو اكتر مني، أو ساقاه، ونحوه) كاشتريت غاليا، أو بأكثر
مما أعطيت أنا. سقطت شفعته، لأن هذا وشبهه دليل على رضاه بالشركة وتركه للشفعة، وإن
قيل له: شريكك باع نصيبه من زيد فقال: إن باعني زيد، وإلا فلي الشفعة. كان ذلك كقوله
لزيد: بعني ما اشتريت. قدمه الحارثي (أو قدر معذور) لمرض، أو حبس ونحوه (على
التوكيل) في طلب الشفعة (فلم يفعله) بأن لم يوكل. سقطت شفعته لعدم عذره في التأخير،
(أو لقي) الشريك (المشتري في غير بلده، فلم يطالبه) سقطت شفعته (سواء قال: إنما
تركت المطالبة لأطالبه في البلد الذي فيه البيع، أو) لأطالبه في بلد (المبيع)، أولا، (أو) سواء
قال: إنما تركت المطالبة (لآخذ الشقص في موضع الشفعة، أو لم يقل، أو نسي المطالبة،
أو) نسي (البيع) لأنه مقصر بعدم الطلب فورا، (أو قال) الشريك للمشتري: (بكم اشتريت؟
قال:) اشتريت رخيصا، أو قال له (أي للشريك المشتري: بعتك، أو وليتك. فقبل) ذلك
(سقطت) شفعته، لأنه دليل تركه الشفعة، (وإن دله) الشريك في البيع (أي عمل دلالا، وهو
السفير) بين البائع والمشتري. والاسم الدلالة بفتح الدال وكسرها. قال ابن سيده: ما
جعلته للدليل والدلال. لم تسقط شفعته، (أو رضي) الشريك (به) أي بالبيع، (أو ضمن عنه)
الثمن لم تسقط شفعته، لأن ذلك سبب ثبوت الشفعة. فلا تسقط به (أو سلم) الشريك
(عليه، أو دعا بعده) أي بعد السلام متصلا به (ونحوه كما تقدم ولم يشغل بكلام آخر، أو لم
يسكت لغير حاجته) لم تسقط شفعته لما تقدم، (أو توكل) الشريك (لاحد المتبايعين، أو جعل
له الخيار فاختار إمضاء البيع، ف‍) - هو (على شفعته) لأن ذلك سبب ثبوت الشفعة، ولان
المسقط لها الرضا بتركها بعد وجوبها. ولم يوجد، (وإن قال) الشريك لشريكه: (بع نصف
نصيبي مع نصف نصيبك. ففعل) أي باع نصف النصيبين (ثبتت الشفعة لكل واحد منهما في
المبيع من نصيب صاحبه) لأن كلا منهما شريك، (وإن أذن) الشريك لشريكه (في البيع، أو
177

أسقط) الشريك (شفعته قبل: البيع لم تسقط) شفعته، لأنه إسقاط حق قبل وجوبه، فلم
يسقط، كما لو أبرأه مما سيقرضه له، (وإن ترك ولي، ولو) كان (أبى شفعة موليه، صغيرا كان،
أو مجنونا) أو سفيها (لم تسقط) شفعته، لأن الترك من غير الشفيع كالغائب إذا ترك وكيله
الاخذ بها (1). (وله) أي المحجور عليه (الاخذ بها) أي بالشفعة (إذا) بلغ، و (عقل، ورشد،
سواء كان فيها حظ أو لا) ولو كان الولي قد صرح بالعفو عنها، لأن المستحق للشفعة له
الاخذ بها سواء كان له حظ فيها أو لم يكن (2). (وقيل: لا يأخذ) المحجور عليه بعد أهليته
(بها إلا إن كان فيها) أي الشفعة (حظ له وعليه الأكثر) (3) بناء على أن عفو الولي عنها مع
عدم الحظ فيها صحيح، قياسا على الاخذ مع الحظ ورد بأنه لا يلزم من ملك استيفاء لحق
ملك إسقاطه بدليل سائر حقوق المحجور عليه، لأن في الاخذ تحصيلا له، (وأما الولي،
فيجب عليه الاخذ بها) أي بالشفعة (له) أي للمحجور عليه (إن كان) الاخذ (أحظ)
للمحجور عليه، بأن كان الشراء رخيصا أو بثمن المثل. وللمحجور عليه مال يشتري منه،
لأن عليه الاحتياط لموليه: وفعل الأحظ له، فإن ترك الولي الاخذ فلا غرم عليه، لأنه لم
يفوت شيئا من ماله (وإلا) يكن في الاخذ بالشفعة حظ للمحجور عليه، كما لو غبن
المشتري، أو كان الاخذ بها يحتاج إلى أن يستقرض، ويرهن مال المحجور عليه (تعين)
على الولي (الترك) كسائر ما لاحظ لموليه فيه (ولم يصح الاخذ) بالشفعة حينئذ. فيكون
باقيا على ملك المشتري (ولو عفا الولي عن الشفعة التي فيها حظ لموليه، ثم أراد) الولي
(الاخذ) بها (فله) أي الولي ذلك. لعدم صحة عفوه عنها. كما سبق (وإن أراد) الولي
(الاخذ) بالشفعة (في ثاني الحال، وليس فيها مصلحة) للمحجور عليه (لم يملكه) أي
الاخذ بالشفعة لعدم الحظ (وإن تجدد الحظ) للمحجور عليه (أخذ) الولي (له بها) لعدم
178

سقوطها بالتأخير، (وحيث أخذها) أي أخذ الولي بالشفعة (مع الحظ) للمحجور عليه (ثبت
الملك) في المشفوع (للصبي ونحوه) كالمجنون والسفيه، (وليس له) أي المحجور عليه
(نقضه بعد البلوغ)، أو العقل، أو الرشد، وكسائر تصرفات الولي اللازمة (وحكم المغمى
عليه، و) حكم (المجنون غير المطبق، حكم المحبوس، والغائب، تنتظر إفاقتهما) لأنهما
معذوران. ولا تثبت الولاية عليهما (وحكم ولي المجنون المطبق) بفتح الباء (وهو الذي لا ترجى إفاقته،
و) حكم ولي (السفيه حكم ولي الصغير) فيما تقدم (1). وسبقت الإشارة إليه، (وإذا مات
مورث الحمل) كأبيه (بعد المطالبة بها) أي الشفعة (لم يؤخذ له، لأنه لا يتحقق وجوده)
نقله ابن رجب عن الأصحاب (وفي المغني والشرح: إذا ولد وكبر فله الاخذ إذا لم يأخذ به
الولي كالصبي) قلت: الظاهر، أن هذا مفرع على أن الشفيع لا يملك الشقص بالطلب.
وأما على ما تقدم وهو المذهب فينتقل الملك للمورث قبل موته، فيورث عنه الشقص
كسائر تركته، ويوفى الثمن من التركة كسائر الديون (وللمفلس الاخذ بها) أي بالشفعة (و)
له (العفو) عنها، لأنه مكلف رشيد، (وليس للغرماء إجباره) أي المفلس (على الاخذ بها ولو
كان فيها حظ) له، لأن الحق له فلا يجبر على استيفائه (2)، (وللمكاتب الاخذ) بالشفعة
(والترك) كالحر (3)، (وللمأذون له من العبيد) في التجارة (الاخذ) بالشفعة (دون الترك) لان
الحق فيها لسيده لا له. فهو كولي المحجور عليه (ويأتي آخر الباب) هذا بحسب ما عزم
عليه، لكنه لم يف به (وإذا باع وصي الأيتام لأحدهم نصيبا في شركة الآخر، فله) أي الولي
(الاخذ للآخر بالشفعة) لأنه كالشراء له، (وإن كان الوصي شريكا لمن باع عليه) من الأيتام
الشقص المشفوع (فليس له) أي الوصي (الاخذ) بالشفعة، لأنه متهم في بيعه، ولأنه بمنزلة
179

من يشتري لنفسه من مال يتيمه (1) (ولو باع الوصي نصيبه كان له الاخذ) بالشفعة (لليتيم)
ونحوه (مع الحظ له) لأن التهمة منتفية، فإنه لا يقدر على الزيادة في ثمنه. لكون المشتري
لا يوافقه، ولان الثمن حاصل له من المشتري، كحصوله من اليتيم، بخلاف بيعه مال
اليتيم، فإنه يمكنه تقليل الثمن ليأخذ الشقص به (2). وإذا رفع الامر للحاكم فباع عليه
فللوصي الاخذ حينئذ لعدم التهمة، (فإن كان مكان الوصي أب فباع شقص ولده. فله الاخذ
بالشفعة لنفسه لعدم التهمة) ولذلك كان له أن يشتري من نفسه مال ولده (وإن بيع شقص في
تركة حمل لم يكن لوليه الاخذ) بالشفعة له، لأنه لا يمكن تمليكه بغير الوصية (فإذا ولد)
الحمل (ثم كبر) أي بلغ رشده (فله الاخذ) بالشفعة (كالصبي إذا كبر) ولم يكن وليه أخذ
بالشفعة (3)، ولوليه الاخذ بالشفعة بعد ولادته إذا كان فيها. حظ إذ لا مانع من تمليكه إذن.
فصل:
الشرط (الرابع) للاخذ بالشفعة:
(أن يأخذ) الشريك (جميع) الشقص (المبيع) لئلا يتضرر المشتري بتبعيض الصفقة في
حقه بأخذ بعض المبيع مع أن الشفعة تثبت على خلاف الأصل، دفعا لضرر الشركة. فإذا
أخذ البعض لم يندفع الضرر. وهذا الشرط كالذي قبله شرط لاستدامة الشفعة لا لثبوتها.
كما نبه عليه الحارثي (فإن طلب) الشريك (أخذ البعض) من المبيع (مع بقاء الكل أي لم يتلف
من المبيع شئ. سقطت شفعته) لأن حق الاخذ إذا سقط بالترك في البعض سقط في
الكل، كعفوه عن بعض قود يستحقه (4) (وإن تعدد الشفعاء ف‍) الشقص المبيع (بينهم على
180

قدر ملكهم كمسائل الرد) لأن الشفعة حق يستفاد بسبب الملك، فكان على قدر الأملاك
كالغلة (فدار بين ثلاثة) لواحد (نصف، و) لآخر (ثلث، و) لآخر (سدس. باع صاحب
الثلث) نصيبه (ف‍) أصل (المسألة من ستة) مخرج الكسور (الثلث بينهما) أي بين صاحب
النصف والسدس (على أربعة) لبسط النصف ثلاثة، ولبسط السدس واحد. ف‍ (لصاحب
النصف ثلاثة ولرب السدس واحد، ولا يرجح أقرب) الشفعاء على أبعدهم (ولا) ذو (قرابة)
من الشفعاء على أجنبي لأن القرب ليس هو سبب الشفعة، (وإن ترك أحدهم شفعته سقطت،
ولم يكن للباقين) من الشفعاء (أن يأخذوا إلا الكل، أو يتركوا) (1) الكل. قال ابن المنذر:
أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على هذا (2)، لأن في أخذ البعض إضرارا بالمشتري
بتبعيض الصفقة عليه. والضرر لا يزال بالضرر، و (كما لو كان بعضهم) أي الشفعاء (غائبا)
فإنه ليس للحاضر إلا أخذ الكل أو تركه، لأنه لم يعلم الآن مطالب سواه، ولان في أخذ
بعض الشقص تبعيضا لصفقة المشتري (3)، (فإن وهب بعض الشفعاء نصيبه من الشفعة لبعض
الشركاء، أو) وهبه ل‍ (غيره. لم تصح) الهبة (وسقطت) الشفعة، لأن ذلك دليل إعراضه
عنها، (فإن كان الشفعاء) كلهم (غائبين) لم تسقط الشفعة لموضع العذر (فإذا قدم أحدهم)
من سفره (فليس له أن يأخذ إلا الكل، أو يترك) الكل، دفعا لتبعيض الصفقة على المشتري،
(فإن امتنع) من حضر من الغائبين أو كان حاضرا وشريكاه غائبين (حتى يحضر صاحباه)
بطل حقه، لأن في تأخيره إضرارا بالمشتري، (أو قال: آخذ قدر حقي) فقط (بطل حقه) لما
فيه من إضرار المشتري بتبعيض الصفقة، (فإن) وفي نسخة: فإذا (أخذ) من حضر، أو كان
حاضرا من الشركاء (الجميع) أي جميع الشقص المشفوع (ثم حضر) شريك (آخر قاسمه إن
شاء، أو عفا. فبقي) الشقص (للأول) لأن المطالبة إنما وجدت منهما، (فإن قاسمه، ثم حضر
الثالث قاسمهما إن أحب) الاخذ بالشفعة، (وبطلت القسمة الأولى) لأنه تبين أن لهما شريكا.
181

لم يقاسم ولم يأذن (1)، (وإن عفا) الثالث عن شفعته (بقي) الشقص (للأولين) لأنه لا
مشارك لهما (فإن نما الشقص في يد الأول) قبل أخذ شريكه (نماء منفصلا) بأن أخذ أجرته
أو ثمرته (لم يشارك فيه واحد منهما) لأنه انفصل في ملكه. فأشبه ما لو انفصل في يد
المشتري قبل الاخذ بالشفعة (وكذلك إذا أخذ الثاني) نصيبه بعد قدومه من الأول (فنما في
يده) أي الثاني (نماء منفصلا. لم يشاركه الثالث فيه) لما تقدم (وإن ترك الأول شفعته أو
أخذ بها ثم رد ما أخذه بعيب توفرت الشفعة على صاحبيه الغائبين)، فإذا قدم الأول منهما
فله أخذ الجميع على ما ذكرنا في الأول، وإن أخذ الأول الشقص بالشفعة، ثم أعاده
للمشتري بنحو هبة. فلا شفعة للغائبين، لأنه عاد بغير السبب الذي تعلقت به الشفعة
بخلاف رده بعيب، لأنه رجع إلى المشتري بالسبب الأول. فكان لشريكه أخذه كما لو عفا،
(فإن خرج الشقص) لمشفوع (مستحقا) وقد أخذ الأول، ثم الثاني منه، ثم الثالث منهما
(فالعهدة على المشتري) لأن الشفعة مستحقة بعد الشراء وحصول الملك للمشتري، فكانت
العهدة عليه ف‍ (يرجع الثلاثة عليه ولا يرجع أحدهم على الآخر) بشئ (وإن أراد الثاني)
عند قدومه في غيبة الثالث (الاقتصار على قدر حقه فله ذلك) لأنه اقتصر على بعض حقه،
وليس فيه تبعيض الصفقة على المشتري. والشفيع دخل على أن الشفعة تتبعض عليه (2)،
(فإذا قدم الثالث فله أن يأخذ ثلث ما في يد الثاني، وهو التسع فيضمه إلى ما بيد الأول وهو
الثلثان، تصير سبعة أتساع، يقتسمانها) أي الأول والثالث (نصفين لكل واحد منهما ثلث
ونصف تسع، والثاني تسعان، وتصح من ثمانية عشر) حاصلة من ضرب تسعة في اثنين.
لكل واحد من الأول والثالث سبعة سبعة. وللثاني أربعة لأن الثاني ترك سدسا كان له
أخذه، وحقه منه ثلثاه وهو التسع، فتوفر ذلك على شريكيه في الشفعة (وإن كان المشتري
شريكا) لآخر غير البائع (فالشفعة بينه وبين الآخر) بحسب ملكيهما، لأنهما تساويا في
182

الشركة فتساويا في الشفعة. كما لو اشتراه غير الشريك. والمعنى: أن المشتري يستقر ملكه
على ما يقابل ما كان له. فلا ينتزع منه وإلا فلا شفعة له على نفسه (فإن ترك المشتري
شفعته ليوجب الكل على شريكه. لم يلزمه) أي الشريك (الاخذ) أي أخذ الكل (ولم يصح
إسقاطه) أي الشريك المشتري لنصيبه (لملكه له بالشراء) واستقراره (فلا يسقط بإسقاطه)
كالشفيعين إذا حضر أحدهما فأخذ الجميع، ثم حضر الآخر وطلب حقه منها فقال له الآخذ:
خذ الكل، أو دعه (1)، (وإذا كانت دار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه لأجنبي صفقتين، ثم علم
شريكه) ذلك (فله الاخذ بهما) أي بالعقدين، لأنه شفيع فيهما (و) له الاخذ أيضا (بأحدهما)
أيهما كان لأن كلا منهما بيع مستقبل بنفسه وهو يستحقهما، فإذا أسقط البعض كان له ذلك
كما لو أسقط حقه من الكل (2) (فإن أخذ) الشفيع (ب‍) البيع (الثاني شاركه مشتر في
شفعته) لأن ملك المشتري استقر في المبيع الأول بإسقاط الشفيع حقه فصار شريكه فيشاركه
في البيع الثاني، (وإن أخذ) الشفيع (ب‍) البيع (الأول لم يشاركه في شفعته أحد) لأنه لم
تسبق له شركة، (وإن أخذ) الشفيع (بهما) أي بالبيعتين (لم يشاركه في شفعته الأول ولا الثاني)
لأنه لم تسبق لهما شركة. هذا إذا تعددت العقود دون البائع والمشتري، (وإن) تعدد دون
العقد بأن (اشترى اثنان) حق واحد صفقة واحدة، (أو اشترى الواحد لنفسه ولغيره بالوكالة).
قلت: أو الولاية، أو بهما، بأن كان وكيلا لأحدهما، ووليا على الآخر (حق واحد فللشفيع أخذ
حق أحدهما) لأن الصفقة مع اثنين بمنزلة عقدين، فيكون للشفيع الاخذ بهما وبأيهما
شاء (3) وكذا إذا اشترى الواحد لنفسه وغيره لتعدد من وقع له العقد، (وإن اشترى واحد حق
اثنين) صفقة واحدة (أو اشترى واحد شقصين من أرضين صفقة واحدة والشريك واحد.
فللشفيع أخذ أحدهما) أي أحد الشقصين من أحد العاقدين لأن كلا منهما مستحق بسبب
غير الآخر، فجرى الشريكين، ولان الشفيع قد يلحقه الضرر بأرض دون أرض (وإن شاء
أخذهما) أي الشقصين معا، وإن كان الشريك متعددا أخذوا الجميع وقسموا الثمن على القيمة
183

ولمن شاء أخذ حصته بقسطها وافقه الآخر أو خالفه، (وإن باع اثنان نصيبهما من اثنين صفقة
واحدة فالتعدد واقع من الطرفين) إذ البائع اثنان والمشتري اثنان (والعقد واحد وذلك) العقد
(بمثابة أربع صفقات. فللشفيع أخذ الكل، أو أخذ نصفه وربعه منهما أو أخذ نصفه منهما)
فيبقى لهما نصفه (أو أخذ نصفه من أحدهما) ويبقى نصفه للآخر (أو أخذ ربعه من أحدهما)
فيبقى له ربعه وللآخر نصفه، وإن باع أحد الشركاء عن نفسه وعن شريكه بطريق الوكالة، أو
الولاية شقصا من واحد كان ذلك بمنزلة عقدين لتعدد من وقع منه العقد فللشفيع الاخذ
بهما وبأحدهما أيهما شاء، (وإن باع) إنسان (شقصا، وسيفا)، أو نحوه مما لا شفعة فيه (صفقة
واحدة) بثمن واحد (فللشفيع أخذ الشقص) بالشفعة (بحصته من الثمن) لأن ذلك العقد
بمثابة عقدين لتعدد المبيع (فيقسم الثمن على قيمتهما) أي الشقص والسيف أو نحوه. فلو
كانت قيمة الشقص ألفا وقيمة السيف مثلا خمسمائة وبيعا بألف ومائتين. أخذ الشفيع
الشقص بثمانمائة (1) (ولا يثبت للمشتري خيار التفريق) في هذه الصور لتعدد العقد معنى
(وإن تلف بعض المبيع) المشفوع بأمر سماوي، أو فعل آدمي (أو انهدم) بيت من الدار التي
بيع منها الشقص (ولو بفعل الله) تعالى كالمطر (فله) أي الشفيع (أخذ الباقي) من الشقص
(بحصته من الثمن) أي ثمن جميع الشقص (2). فلو كان الشقص المشفوع نصفا من الدار
والبيت الذي انهدم منها نصف قيمتها أخذ الشفيع الشقص فيما بقي من الدار بنصف ثمنه،
(فإن كانت الأنقاض موجودة أخذها) الشفيع (مع العرصة) والباقي من البناء (بالحصة) أي
حصتهما من الثمن (وإن كانت) الأنقاض (معدومة أخذ) الشفيع (العرصة وما بقي من البناء)
بحصته من الثمن لأنه تعذر عليه أخذ كل المبيع بتلف بعضه، فجاز له أخذ الباقي بحصته
184

كما لو تعذر عليه أخذ الكل ليكون معه شفيع آخر (1) (فلو اشترى دارا بألف تساوي ألفين
فباع) المشتري (بابها) فبقيت بألف (أو هدمها فبقيت بألف أخذها) الشفيع (بخمسمائة
بالقيمة من الثمن أي بالحصة من الثمن) والمراد بقوله: اشترى دارا أي شقصا من دار من
إطلاق الكل على البعض كقوله تعالى: * (يجعلون أصابعهم في آذانهم) *، [البقرة: 19].
(ويتصور أن تكون الشفعة في دار كاملة بأن تكون دور جماعة مشتركة فيبيع أحدهم
حصته من الجميع مشاعا، ويظهرا في الثمن زيادة تترك الشفعة لأجلها ويقاسم بالمهايأة
فيحصل للمشتري دار كاملة)، ثم يتبين الحال فيأخذها الشفيع أو بأن تكون دور جماعة
مشتركة فيبيع أحدهم حصته من الجميع مشاعا، و (يظهر انتقال الشقص من جميع الأملاك
بالهبة فيقاسم) المشتري شركاءه فيحصل له دار كاملة، (أو) بأن (يوكل الشريك وكيلا في
استيفاء حقوقه ويسافر، فيبيع شريكه حصته في الجميع) أي جميع الدور المشتركة (فيرى
الوكيل أن الحظ لموكله في ترك الشفعة فلا يطالب بها ويقاسم) المشتري الوكيل (بالوكالة
فيحصل للمشتري دارا كاملة فهدمها)، أو باع بابها فنقصت كما تقدم، (ثم علم الشفيع مقدار
الثمن بالبينة أو بإقرار المشتري. ذكره في المستوعب. ولو تعيب المبيع بعيب ينقص الثمن
مع بقاء عينه) كما لو انشق الحائط، أو تشعث الشجر، أو بارت الأرض (فليس له) أي
الشفيع (الاخذ إلا بكل الثمن، أو الترك) لأنه لم يذهب من المبيع شئ حتى ينقص من
الثمن في مقابلته، وإسقاط بعض الثمن إضرار بالمشتري. والضرر لا يزال بالضرر (2).
185

فصل:
الشرط (الخامس) للاخذ بالشفعة:
(أن يكون للشفيع ملك للرقبة سابق) على البيع لأن الشفعة ثبتت لدفع الضرر عن
الشريك، فإذا لم يكن له ملك سابق فلا ضرر عليه، فلا شفعة (1) (ولو) كان الشريك
(مكاتبا) لصحة ملكه كغيره. ف‍ (لا) شفعة ب‍ (ملك منفعة، كدار موصى بنفعها،
فباع الورثة نصفها، فلا شفعة للموصى له) لأن المنفعة لا تؤخذ بالشفعة فلا تجب بها
(ويعتبر) للاخذ بالشفعة (ثبوت الملك) للشفيع بالبينة، أو إقرار المشتري (فلا تكفي اليد)
لأنها مرجحة فقط عملا بالظاهر ولا تفيد الملك، كما يأتي في الدعاوى والبينات (فإن
لم يسبق) ملك (أحدهما كشراء الاثنين دارا صفقة واحدة فلا شفعة لأحدهما على صاحبه)،
لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر لاستوائهما في البيع في زمن واحد، (وإن ادعى كل
منهما) أي الشريكين (السبق فتحالفا، أو) أقاما بينتين، و (تعارضت بينتاهما فلا شفعة
لهما) أي لأحدهما على الآخر، لأنه لم يثبت السبق لواحد منهما (2) (ولا شفعة بشركة
وقف) (3) فدار نصفها وقف ونصفها طلق وأبيع الطلق لا شفعة للموقوف عليه ولو معينا
(لأن ملكه غير تام) أشبه مالك المنفعة.
186

فصل:
(وإن تصرف المشتري في) الشقص
(المبيع قبل الطلب) أي طلب الشفيع بالشفعة (بوقف) متعلق بتصرف (على معين)
كأن وقفه على ولده، أو ولد زيد (أولا) على معين، بأن وقفه على مسجد كذا، أو على الفقراء،
أو الغزاة ونحوهم، (أو) تصرف في الشقص ب‍ (هبة، أو صدقة) أو جعله عوضا في عتق، أو
طلاق، أو خلع، أو صلح عن دم عمد ونحوه مما لا شفعة فيه ابتداء (سقطت الشفعة) لأن في
الشفعة إضرارا بالموقوف عليه والموهوب له والمتصدق عليه ونحوه لأن ملكه يزول عنه
بغير عوض، لأن الثمن إنما يأخذه المشتري والضرر لا يزال بالضرر (1)، و (لا) تسقط
الشفعة (برهنه) أي رهن المشتري الشقص المشفوع، (و) لا ب‍ (إجارته) لبقاء المؤجر
المرهون في ملك المشتري وسبق تعلق حق الشفيع على المرتهن والمستأجر (وينفسخان)
أي الرهن والإجارة (بأخذه) أي أخذ الشفيع الشقص المرهون، أو المؤجر بالشفعة من حين
الاخذ، لأنهما يستندان إلى حال الشراء ولسبق حقه حقهما، وأيضا الفرق بين الاخذ
بالشفعة والبيع أن الشقص خرج من يد المشتري قهرا عليه في الاخذ بالشفعة بخلاف البيع،
(ويحرم) على المشتري تصرفه بعد الطلب (ولا يصح تصرفه بعد الطلب) لانتقال الملك إلى
الشفيع بالطلب في الأصح أو الحجر عليه به لحق الشفيع على مقابله، وإن نهى الشفيع
المشتري عن التصرف ولم يطالبه بها لم يصر المشتري ممنوعا، بل تسقط الشفعة على قولنا
على الفور (2). ذكره القاضي في خلافه. واقتصر عليه ابن رجب في القاعدة الثالثة
والخمسين (ولو وصى المشتري بالشقص، فإن أخذه الشفيع قبل القبول بطلت الوصية واستقر
187

الاخذ) للشفيع. لسبق حقه على حق الموصى له (1). والوصية قبل القبول بعد الموت جائزة
لا لازمة. فبطلت لفوات الموصى به قبل لزومها، (وإن طلب) الشفيع الاخذ بالشفعة قبل
قبول الوصية (ولم يأخذ بعد) الطلب حتى مات الموصي (بطلت الوصية) واستقر الاخذ
للشفيع سواء قبل الموصى له الوصية أو لا، لأنه ملكه قبل لزوم الوصية ففاتت الوصية على
الموصى له (ويدفع) الشفيع (الثمن إلى الورثة، لأنه ملكهم) إلى الاخذ (وإن كان الموصى
له قبل) الوصية بالشقص (قبل أخذ الشفيع) بالشفعة، (أو) قبل (طلبه) بها لزمت الوصية
واستقر للموصى له، و (سقطت الشفعة) لأن في الشفعة إضرارا بالموصى له، لأن ملكه
يزول عنه بغير عوض، وكما لو وهبه المشتري قبل الطلب، (وإن باع) المشتري الشقص قبل
الطلب (فللشفيع الاخذ بثمن أي البيعين شاء) لأن سبب الشفعة الشراء، وقد وجد من كل
منهما، ولأنه شفيع في العقدين (2)، وعلم من ذلك: صحة تصرف المشتري في الشقص
قبل الطلب، لأنه ملكه، وكون الشفيع له أن يتملكه لا يمنع من تصرفه فيه، كما لو كان
أحد العوضين في البيع معيبا، فإنه لا يمنع من التصرف في الآخر، وكالإبن يتصرف في
العين الموهوبة له، وإن جاز لأبيه الرجوع فيها (ويرجع من أخذه منه) يعني من أخذ الشفيع
الشقص ببيع قبل بيعه (على بائعه بما أعطاه) من الثمن لأنه لم يسلم له المعوض، (فإن أخذ)
الشفيع (ب‍) البيع (الأول رجع) المشتري (الثاني على) المشتري (الأول) بما دفعه له من
الثمن، وينفسخ البيع الثاني (وإن كان ثم) مشتر (ثالث) بأن لم يعلم الشفيع حتى تبايع ثلاثة
(فأكثر) وأخذ الشفيع الأول (رجع) المشتري (الثاني على الأول، و) المشتري (الثالث على
الثاني، وهلم جرا) وينفسخ ما بعد البيع الأول، وإن أخذ البيع الأخير فلا رجوع واستقرت
العقود، وإن أخذ بالمتوسط استقر ما قبله وانفسخ ما بعده (وإن فسخ البيع بعيب في
الشقص) المشفوع، (أو إقالة، أو تحالف) لاختلاف في الثمن (ثم علم الشفيع) بالبيع (فله
الاخذ بها) أي بالشفعة، لأن حقه سابق على ذلك كله، لأنه ثبت بالبيع (فينقض فسخه) أي
ينقض فسخ البيع بتلك المذكورات إذا أخذ الشفيع بالشفعة (ويأخذ) الشفيع الشقص في
فسخ البيع (بالإقالة، و) فسخه ب‍ (العيب) أي عيب الشقص (بالثمن الذي وقع عليه
188

العقد) لما يأتي، (و) يأخذ (في) الفسخ لأجل (التحالف بما حلف عليه البائع) لأن البائع مقر
بالثمن الذي حلف عليه، ومقر للشفيع باستحقاق الشفعة بذلك، فإذا بطل حق المشتري
بإنكاره لم يبطل حق الشفيع بذلك، فله أن يبطل فسخهما ويأخذ، لأن حقه أسبق، (وإن
فسخ البائع) البيع (لعيب في ثمنه) أي ثمن الشقص المشفوع (المعين) كما لو اشترى
الشقص بعبد معين، ثم علم البائع عيبه وفسخ البيع (فإن كان) الفسخ (قبل الاخذ بالشفعة فلا
شفعة) لما فيها من الاضرار بالبائع بإسقاط حقه من الفسخ الذي استحقه بوجود العيب،
والشفعة ثبتت لإزالة الضرر والضرر لا يزال بالضرر، ولان حق البائع في الفسخ أسبق لأنه
استند إلى وجود العيب وهو موجود حال البيع (1)، والشفعة تثبت بالبيع، ويفارق ما إذا كان
الشقص معيبا، فإن حق المشتري إنما هو في استرجاع الثمن. وقد حصل له من الشفيع فلا
فائدة في الرد. وفي مسألتنا حق البائع في استرجاع الشقص، ولا يحصل ذلك مع الاخذ
بالشفعة، و (إلا) بأن كان الفسخ بعد الاخذ بالشفعة (استقرت) للشفيع، لأنه ملك الشقص
بالأخذ، فلم يملك البائع إبطال ملكه كما لو باعه المشتري لأجنبي (وللبائع) إذا فسخ بعد
أخذ الشفيع (إلزام المشتري بقيمة شقصه) لأن الاخذ بالشفعة بمنزلة تلف الشقص (ويتراجع
المشتري والشفيع بما بين القيمة) أي قيمة الشقص (والثمن) الذي وقع عليه العقد. وهو
قيمة العبد، لأن الشفيع أخذه قبل الاطلاع على عيب العبد بقيمته، لأنه الثمن الذي وقع
عليه العقد، وبعد الاطلاع على عيب العبد وفسخ البيع وتعذر الشقص استقر العقد على
قيمة الشقص، والشفيع لا يلزمه إلا ما استقر عليه العقد وللمشتري المطالبة بما أداه زيادة
عليه (فيرجع دافع الأكثر منهما) على الآخر (بالفضل)، فإذا كانت قيمة الشقص مائة وقيمة
العبد الذي هو الثمن مائة وعشرين، وكان المشتري أخذ المائة والعشرين من الشفيع رجع
الشفيع عليه بالعشرين، لأن الشقص إنما استقر عليه بالمائة (2) (ولا يرجع شفيع على مشتر
بأرش عيب في ثمن عفا عنه بائع) أي لو أبرأ البائع مشتري الشقص من العيب الذي وجده
بالعبد مثلا. فلا رجوع للشفيع عليه بشئ، لأن من جهة المشتري لا يملك فسخه. أشبه ما
لو حط البائع عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد، وإن اختار البائع أخذ أرش العيب فله ذلك.
ولا يرجع مشتر على شفيع بشئ إن دفع إليه قيمة العبد سليما، وإلا رجع عليه ببدل ما
أدى إلى أرشه، وإن عاد الشقص بعد فسخ العقد لعيب الثمن وأخذ الشفيع إلى ملك
189

المشتري من الشفيع، أو غيره ببيع، أو هبة، أو إرث ونحوه لم يملك البائع استرجاعه بمقتضى
الفسخ السابق، لأن ملك المشتري زال عنه وانقطع حقه منه إلى القيمة، فإذا أخذها لم يبق
له حق، بخلاف غاصب تعذر عليه رد مغصوب فأدى قيمته ثم قدر عليه، فإنه يرده
ويسترجع القيمة، لأن ملك المغصوب منه لم يزل عنه (1)، (وإن أخذ الشفيع الشقص)
بالشفعة، (ثم ظهر) أي اطلع بالشقص (على عيب لم يعلماه) أي المشتري والشفيع (فله) أي
الشفيع (رده على المشتري، أو أخذ أرشه) منه لما تقدم من أن الاخذ بالشفعة في معنى البيع،
(و) يرجع (المشتري على البائع كذلك) أي بالثمن ويرد الشقص إن رده الشفيع عليه، أو
يأخذ الأرش (وأيهما) أي الشخصين من الشفيع والمشتري (علم به) أي بالعيب عند العقد،
أو قبله (لم يرده) أي الشقص المعيب. ولم يطالب بأرش، لأنه دخل على بصيرة، (ولكن إذا
علم الشفيع وحده فلا رد للمشتري) لخروج الشقص عن ملكه، (وله) أي المشتري (الأرش)
للعيب الذي لم يعلمه (وإن ظهر الثمن المعين مستحقا فالبيع باطل) لما تقدم في البيع، (ولا
شفعة) لأنها إنما تثبت في عقد ينقل الملك إلى المشتري، فإن كان الشفيع قد أخذ بالشفعة
لزمه ما أخذ على البائع، ولا يثبت ذلك إلا ببينة أو إقرار المتبايعين والشفيع (2)، فإن أقرا
وأنكر الشفيع لم يقبل قولهما عليه، وله الاخذ بالشفعة، ويرد البائع العبد لصاحبه، ويرجع
على المشتري بقيمة الشقص، وإن أقر الشفيع والمشتري دون البائع لم تثبت الشفعة ووجب
على المشتري رد قيمة العبد على صاحبه، ويبقى الشقص معه يزعم أنه للبائع والبائع
ينكره ويدعي عليه وجوب رد العبد، فيشتري الشقص منه ويتباريان، وإن أقر الشفيع والبائع،
وأنكر المشتري وجب على البائع رد العبد على صاحبه، ولم تثبت الشفعة. ولم يملك
البائع مطالبة المشتري بشئ لأن البيع صحيح في الظاهر. وقد أدى ثمنه الذي هو ملكه في
الظاهر، وإن أقر الشفيع وحده لم تثبت الشفعة، ولا يثبت شئ من أحكام البطلان في حق
المتبايعين، وإن كان اشترى الشقص بثمن في ذمته، ثم نقد الثمن فبان مستحقا كانت الشفعة
واجبة، لأن البيع صحيح، فإن تعذر قبض الثمن من المشتري لاعساره أو غيره، فللبائع
فسخ البيع، ويقدم حق الشفيع لأن بالأخذ بها يحصل للمشتري ما يؤديه ثمنا. فتزول عسرته
ويحصل الجمع بين الحقين. ذكره في المغني والشرح، (وإن ظهر بعضه) أي بعض الثمن
المعين (مستحقا بطل البيع فيه) أي فيما ظهر مستحقا، وما يقابله من الشقص فلا شفعة فيه.
190

وصح في الباقي، وتثبت فيه الشفعة، (وإن كان) الثمن (مكيلا، أو موزونا)، أو معدودا أو
مذروعا (فتلف قبل قبضه بطل البيع) لما تقدم (وانتفت الشفعة) إن كان التلف قبل الاخذ
بها، لأنه تعذر التسليم فتعذر أيضا العقد، فلم تثبت الشفعة كالفسخ بخيار، (فإن كان الشفيع
أخذ بالشفعة) قبل التلف (لم يكن لاحد استرداده) أي الشقص لاستقرار ملك الشفيع عليه،
ويغرم مشتريه لبائعه قيمة المبيع، ويأخذ من الشفيع بدل ما وقع عليه العقد، وتقدم في البيع
(ولو ارتد المشتري فقتل، أو مات) قبل علم الشفيع بالبيع (فللشفيع) إذا علم بالبيع (الاخذ)
بالشفعة (من بيت المال لانتقال ماله) أي المرتد (إليه) أي إلى بيت المال، لأنها وجبت
بالشراء وانتقاله إلى المسلمين بقتله، أو موته لا يمنع الشفعة، كما لو مات على الاسلام
فورثه ورثته، أو صار ماله إلى بيت المال لعدم ورثته (والمطالب) بفتح اللام (بالشفعة وكيل
بيت المال) لأنه نائب عن المسلمين الآيل إليهم الشقص (1) (ولا تصح الإقالة بين البائع،
والشفيع لأنه ليس بينه وبينه بيع، وإنما هو مشتر من المشتري) والإقالة إنما تكون بين المتبايعين، فإن باعه
إياه، صح لأن العقار يجوز التصرف فيه قبل قبضه، (وإن استغله) أي استغل المشتري
الشقص قبل أخذ الشفيع بالشفعة (بأن أخذ ثمرته، أو أجرته فهي له) أي للمشتري، (وليس
للشفيع مطالبة المشتري بردها) (2) لحديث: الخراج بالضمان (3) (وإن أخذه) أي الشقص
(شفيع وفيه زرع، أو ثمرة ظاهرة، أو) ثمرة (مؤبرة ونحوه) كلقطة ظاهرة من باذنجان ونحوه
(فهي وفي نسخة: فهو أي الزرع، والثمرة، واللقطة الظاهرتان (لمشتر) لأنه ملكه مبقي إلى
أوان أخذه بحصاد، أو جذاذ، أو غيرهما) كلقاط (بلا أجرة) لأنه زرعه في ملكه، ولان أخذه
بمنزلة بيع ثان، (وإن نما) الشقص (عنده) أي المشتري (نماء متصلا كشجر كبر، وطلع لم
191

يؤبر) يعني يتشقق (تبعه) أي الأصل (في عقد وفسخ) كالرد بعيب، فيأخذه الشفيع
بزيادته (1). لا يقال: فلم لا يكون حكمه حكم الزوج إذا طلق قبل الدخول، لأن الزوج
يقدر على الرجوع بالقيمة إذا فاته الرجوع في العين، وهنا يسقط حقه منها إذا لم يرجع في
الشقص، فافترقا، ولو كان الطلع موجودا حال الشراء غير مؤبر، ثم أبر عند المشتري، فهو
له أيضا مبقى إلى أوان جذاذه، لكن يأخذ الشفيع الأرض والنخل بحصتهما من الثمن، لأنه
فات عليه بعض ما شمله عقد الشراء، وهو الطلع الذي لم يؤبر حال العقد. فهو كما لو
شمل الشراء الشقص وعرضا معه، (وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع) في غيبة الشفيع (أو
قاسم) المشتري (الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن، أو) لكونه أظهر (أو بنى) فيما خرج
له بالقسمة (لم تسقط الشفعة) لأن الشفيع لم يترك الطلب بها إعراضا عنها، بل لما أظهره
المشتري (2)، وكذا لو كان الشفيع غائبا، أو صغيرا وطالب المشتري الحاكم بالقسمة فقاسم،
ثم قدم الغائب وبلغ الصغير، فلهما الاخذ (وللشفيع الاخذ بها إذا علم الحال، ويدفع قيمة
الغراس أو البناء) لربهما (حين تقويمه) أي الغراس، أو البناء (وصفة تقويمه: أن الأرض تقوم
مغروسة، أو مبنية، ثم تقوم خالية) من الغراس، أو البناء (فيكون ما بينهما قيمة الغراس، أو
البناء) لأن ذلك هو الذي زاد بالغراس، أو البناء (فيملكه) أي الغراس، أو البناء الشفيع بما بين
القيمتين، (أو يقلعه) أي الغراس، أو البناء إن أحب، (ويضمن نقصه من القيمة) المذكورة،
وهي ما بين قيمة الأرض مغروسة، أو مبنية وبين قيمتها خالية (بالقلع) متعلق بنقصه، وإن
غرس المشتري، أو بنى مع الشفيع، أو وكيله في المشاع ثم أخذه الشفيع فالحكم في أخذ
نصيبه من ذلك كالحكم في أخذ جميعه، (فإن اختار الشفيع أخذه) أي الغراس، أو البناء بقيمته
(وأراد المشتري ذلك) أي قلعه لأنهما ملكه على انفراده، (ولو مع ضرر) يلحق الأرض لأنه
تخليص عين ماله مما كان حين الوضع في ملكه، (ولا يضمن) مشتر (نقص الأرض) بقلع
غراسه، أو بنائه لانتفاء عدوانه، فيخير الشفيع بين أخذ الشقص ناقصا بكل الثمن أو تركه (3)،
192

(ولا يلزمه) أي المشتري (تسوية حفرها) إذا قلع غراسه، أو بناءه لعدم عدوانه، (ولا يلزم
الشفيع إذا أخذ الغراس، أو البناء دفع ما أنفقه) المشتري على الغراس والبناء (سواء كان) ما
أنفقه (أقل من قيمته أو أكثر) منها، بل تلزمه قيمته فقط، (وإن حفر) المشتري (فيها) أي
البقعة المشفوعة (بئرا) بعد المقاسمة لما تقدم، أو حفرها مع الشفيع، أو وكيله على ما تقدم
تفصيله في البناء، ثم أخذ الشفيع بالشفعة (أخذها) أي البئر (الشفيع) مع الشقص (ولزمه)
أي الشفيع للمشتري (أجرة المثل لحفرها) لأن المشتري لم يتعد بحفرها (1)، (وإن باع شفيع
ملكه) من الأرض التي بيع منها الشقص المشفوع، (أو) باع (بعضه) أي بعض ملكه منها (قبل
العلم) ببيع شريكه (لا بعده لم تسقط شفعته) لأنها تثبت له حين بيع شريكه، ولم يوجد
منه ما يدل على عفوه عنها، بخلاف ما لو باع بعد العلم، (وللمشتري الشفعة فيما باعه
الشفيع) سواء أخذ منه ما اشتراه بالشفعة أو لم يؤخذ، لأنه شريك في الرقبة. أشبه المالك
الذي لم تستحق عليه شفعة (2)، (وإن مات الشفيع) قبل الطلب بالشفعة مع القدرة، أو الاشهاد
مع العذر (بطلت) شفعته لأنها نوع خيار شرع للتمليك. أشبه القبول (3)، فإنه لو مات من
يريد القبول بعد إيجاب صاحبه لم يقم وارثه مقامه في القبول، ولأنا لا نعلم بقاءه على
الشفعة لاحتمال رغبته عنها، ولا ينتقل إلى الورثة ما شك في ثبوته (وإن طالب) الشفيع
بالشفعة قبل موته، أو أشهد مع القدرة أنه مطالب بها (فلا) سقوط بموته، بل تنتقل لورثته
خصوصا على القول بأنه يملك الشقص بمجرد الطلب، وهو المذهب (وتكون) الشفعة
(لورثته كلهم) إذا مات بعد الطلب (على حسب ميراثهم) كسائر حقوقه (4) (ولا فرق في
الوارث بين ذوي الرحم) أي الأقارب الوارثين بفرض، أو تعصيب، أو رحم (والزوج والمولى)
وهو المعتق وعصبته المتعصبون بأنفسهم (وبيت المال، فيأخذ الامام بها) أي بالشفعة إذا لم
193

يكن هناك وارث خاص يستغرق بفرض، أو تعصيب، أو رد، أو رحم (فإن ترك بعض الورثة
حقه) من الشفعة (توفر الحق على باقي الورثة، ولم يكن لهم أن يأخذوا إلا الكل، أو يتركوا)
الكل، لأن في أخذ البعض وترك البعض إضرارا بالمشتري، لكن على المذهب من أن
الشفيع يملك الشقص بالطلب لا يتأتى العفو بعده، بل ينتقل الشقص إلى الورثة كلهم على
حسب إرثهم قهرا عليهم، ويؤخذ ثمنه من التركة كسائر الديون، (وإذا بيع شقص له شفيعان
فعفا عنها) أي الشفعة (أحدهما وطالب بها الآخر، ثم مات الطالب) للشفعة (فورثه) الشريك
(العافي) عن الشفعة (فله أخذ الشقص بها) أي بالشفعة، لأن عفوه أولا عن حقه الثابت
بالبيع لا يسقط حقه المتجدد بالإرث، وإذا حققت النظر فالملك قد انتقل إلى الطالب
بالطلب، ثم إلى وارثه، فقوله: فله الاخذ: إنما هو مجازاة للخصم، أو على القول الثاني
إنه لا يملكه بالطلب، وإلا فهو ينتقل إليه قهرا.
فصل:
(ويأخذ الشفيع الشقص) المشفوع
(بلا حكم حاكم) لأنه حق ثبت بالاجماع. فلم يفتقر إلى حاكم حكم كالرد بالعيب
(بمثل الثمن الذي استقر عليه العقد) وقت لزومه (قدرا وجنسا وصفة) (1) لحديث جابر فهو
أحق به بالثمن رواه أبو إسحاق الجوز جاني في المترجم، ولان الشفيع إنما يستحق الشقص
بالبيع، فكان مستحقا له بالثمن كالمشتري. لا يقال: الشفيع استحق أخذ الشقص بغير رضا
مالكه، فكان ينبغي أن يأخذه بقيمته كالمضطر إلى طعام غيره، لأن المضطر استحقه بسبب
حاجته، فكان المرجع في بدله إلى قيمته، والشفيع استحقه بالبيع. فوجب أن يكون
بالعوض الثابت له (إن قدر) الشفيع (عليه) أي الثمن، (وإن طلب) الشفيع (الامهال) لتحصيل
الثمن (أمهل يومين، أو ثلاثة) أيام، لأنها حد جمع القلة (فإذا مضت) الأيام الثلاثة (ولم
يحضره) أي يحضر الشفيع الثمن (فللمشتري الفسخ) لأنه تعذر عليه الوصول إلى الثمن
194

فملك الفسخ، كبائع بثمن حال (من غير حاكم) لأن الاخذ بالشفعة لا يقف على حكم
حاكم، فلا يقف فسخ الاخذ بها عليه (1)، كالرد بالعيب، وحيث تقرر أن الشفيع يأخذ
الشقص بالثمن الذي استقر عليه العقد (فإن كان) الثمن (مثليا ف‍) إن الشفيع يأخذه (بمثله)
أي الثمن (وإلا) يكن الثمن مثليا، (ف‍) إن الشفيع يأخذه (بقيمته) أي الثمن، لأنها بدله في
القرض والاتلاف (2) (وقت لزومه) أي العقد، لأنه حين استحقاق الاخذ (وإن دفع) المشتري
لبائع (مكيلا) كبر وزيت (بوزن أخذ) من الشفيع (مثل كيله كقرض) أي كما لو أقرضه
مكيلا بوزن فإنه يسترد مثل كيله اعتبارا بمعياره الشرعي، وكذا عكسه (وإن كان الثمن) عن
الشقص المشفوع (عرضا متقوما موجودا قوم وأعطى) الشفيع المشتري (قيمته) لأنها بدله
كما تقدم (وإن كان) العرض المجعول ثمنا (معدوما وتعذرت معرفته كانت دعوى) المشتري
(جهله) أي جهل قيمته (كدعوا) ه (جهل الثمن على ما يأتي) أي مقبولة منه بيمينه، وتسقط
الشفعة حيث لا حيلة (فإن اختلفا) أي الشفيع والمشتري (في قيمته) أي قيمة العرض
المجعول ثمنا (والحالة هذه) أي وهو معدوم (فقول مشتر) بيمينه، لأنه أعرف بما عقد عليه
ولان الشقص ملكه، فلا ينزع منه بغير ما يدعيه بلا بينة، (وإن عجز) الشفيع (عن الثمن، أو)
عجز (عن بعضه سقطت شفعته كما تقدم. فلو أتى) الشفيع (برهن أو ضمين) لم يلزم
المشتري قبولهما. ولو كان الرهن محرزا والضمين مليئا لما على المشتري من الضرر
بتأخير الثمن، والشفعة شرعت لدفع الضرر (3). فلا تثبت معه (أو بذل) الشفيع (عوضا عن
الثمن) بأن كان نقدا فدفع عنه عرضا (لم يلزم المشتري قبوله) دفعا لما عساه أن يتضرر به
(والاخذ بالشفعة نوع بيع) كما تقدم، لأنه تملك للشقص بثمنه، (لكن لا خيار فيه) أي في
الاخذ بالشفعة لأنه قهري، (ولهذا) أي لكونه نوع بيع (اعتبر له) أي لصحة الاخذ بالشفعة
(العلم بالشقص) المأخوذ، (و) العلم (بالثمن) المأخوذ به كما يعتبر في البيع: العلم
بالعوضين (فلا يصح) الاخذ بالشفعة (مع جهالتهما) ولا مع جهالة أحدهما. هذا معنى ما
195

قطع به في المغني. ومشى عليه في الانصاف، وهو معنى ما قدمه في الفروع والمبدع،
وقال في التنقيح: ولا تعتبر رؤيته قبل تملكه أي الشقص انتهى. وهو معنى ما جزم به في
المنتهى، وهو معنى ما قدمه في الفروع عن الترغيب لكونه قهريا بخلاف البيع (وله) أي
للشفيع (المطالبة بها) أي بالشفعة (مع الجهالة) أي جهالة الشقص والثمن، (ثم يتعرف) مقدار
الثمن من المشتري أو غيره، ويتعرف المبيع فيأخذه بثمنه، وظاهر عطفه بثم: إنه لا يعتبر
الفور للتعرف والاخذ، اكتفاء بالمطالبة ولو مع الجهالة، وهو ظاهر ما تقدم أيضا، (ولا
يلزم المشتري تسليم الشقص) للشفيع (حتى يقبض الثمن) لأن الاخذ بالشفعة قهري والبيع
عن رضا (وإن أفلس الشفيع) بعد الاخذ بالشفعة (والثمن) كله (في الذمة) أي ذمة الشفيع
(خير مشتر بين فسخ الاخذ بالشفعة، (و) بين (ضرب مع الغرماء بالثمن كبائع) مع مشتر
أفلس (1). لحديث: من أدرك متاعه عند من أفلس فهو أحق به (2) وتقدم في الحجر (وما
يزاد في الثمن) في مدة الخيار يلحق به، (أو يحط منه) أي الثمن (في مدة الخيار) أي
المجلس، أو الشرط (يلحق به) أي بالعقد، لأن زمن الخيار كحالة العقد (3)، و (لا) يلحق به
(ما) زيد أو حط من الثمن (بعدها) أي مدة الخيار، لأن الزيادة حينئذ هبة يشترط لها
شروطها، والنقصان إبراء، فلا يثبت شئ منهما في حق الشفيع لكونه وجد بعد استقرار
العقد، أشبه ما لو وهب أحدهما الآخر عينا أخرى، (وإن كان الثمن) عن الشقص المشفوع
(مؤجلا أخذه) أي الشقص (الشفيع بالأجل إن كان) الشفيع (مليئا وإلا) بأن كان معسرا
(أقام الشفيع كفيلا مليئا) بالثمن، (وأخذ) الشفيع الشقص (به) أي بالثمن مؤجلا لأن الشفيع
يستحق الاخذ بقدر الثمن وصفته والتأجيل من صفته، واعتبرت الملاءة، أو الكفيل دفعا
لضرر المشتري (4) (فلو لم يعلم) الشفيع بالبيع (حتى حل) الثمن المؤجل (ف‍) الثمن
(كالحال) أي كما لو اشترى به حالا، (وإن اختلفا) أي الشفيع والمشتري (في قدره) أي الثمن
بأن قال المشتري: اشتريته بثلاثين. وقال الشفيع: بل بعشرين مثلا. (فالقول قول المشتري)
مع يمينه لأنه العاقد فهو أعلم بالثمن، ولان المبيع ملكه فلا ينزع منه بدعوى مختلف فيه (إلا
196

أن يكون للشفيع بينة) (1) والشفيع ليس بغارم، لأنه لا شئ عليه، وإنما يريد تملك الشقص
بثمنه بخلاف غاصب ومتلف (وإن أقام كل واحد منهما بينة) بما ادعاه (قدمت بينة الشفيع)
لأنها بمنزلة بينة الخارج (ولا تقبل شهادة البائع لواحد منهما) أي الشفيع أو المشتري لأنه
متهم، ويقبل عدل وامرأتان وشاهد ويمين (ويؤخذ بقول مشتر في جهله به) أي بالثمن لأنه
أعلم بنفسه (فيحلف أنه لا يعلم قدره) أي الثمن (ولا شفعة) لأنه لا يمكن الاخذ بغير ثمن،
ولا يمكن أن يدفع إليه ما لا يدعيه إلا أن يفعل ذلك تحيلا على إسقاطها فلا يسقط (فإن
اتهمه) الشفيع (أنه) أي المشتري (فعله حيلة) لاسقاط الشفعة (حلفه) أنه لم يفعله حيلة، (وإن
وقع) ذلك (حيلة دفع) الشفيع (إليه) أي المشتري مثل (ما أعطاه) للبائع إن علم (أو قيمة
الشقص) إن تعذرت معرفة الثمن وهذا معنى قوله، (فإن كان) الثمن (مجهولا كصبرة نقد
ونحوه) كصبرة بر أو شعير (وجوهرة، دفع) الشفيع (مثله) أي مثل المثلي (أو قيمته) أي
قيمة المتقوم إن علم ذلك (فإن تعذر) علمه لتلفه ونحوه (ف‍) للشفيع الاخذ ب‍ (قيمة
الشقص) حيث وقع ذلك حيلة (وتقدم بعضه) في الباب، (وإن اختلفا) أي الشفيع والمشتري
(في الغراس، والبناء) اللذين (في الشقص) المشفوع (فقال المشتري: أنا أحدثته، فأنكر
الشفيع) وقال: بل اشتريته مغروسا ومبنيا فقول المشتري بيمينه، لأنه ملك المشتري
والشفيع يريد تملكه عليه. فلا يقبل منه إلا ببينة، وإن أقاما بينتين قدمت بينة شفيع، (وإن قال
المشتري: اشتريته بألف، وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف) لأن المشتري مقر
له باستحقاقه بألف، فلم يستحق الرجوع بأكثر (2) (فإن قال المشتري: غلطت، أو نسيت، أو
كذبت) والبنية صادقة (لم يقبل قوله) (3) لأنه رجوع عن إقراره بحق لآدمي فلم يقبل كما لو
197

أقر له بدين، (وإن ادعى) الشفيع (أنك) أيها الواضع يدك على الشقص (اشتريته بألف) فلي
الشفعة احتاج إلى تحرير الدعوى، فيحدد المكان الذي فيه الشقص، ويذكر قدر الشقص
وثمنه، فإن اعترف لزمه، وإن أنكر (فقال) واضع اليد: (بل اتهبته، أو ورثته) فلا شفعة
(فالقول قوله مع يمينه) أنه اتهبه أو ورثه، لأن الأصل معه والمثبت للشفعة البيع ولم
يتحقق، وإن قال: لا تستحق علي شفعة. فالقول قوله مع يمينه. وهي على حسب جوابه، (فإن
نكل) المدعى عليه (عنها) أي اليمين، (أو قامت للشفيع بينة) بدعواه (فله أخذه) أي الشقص
بالشفعة، لأن البيع ثبت بالنكول لقيامه مقام الاقرار، أو بالبينة (1). وإذا ثبت تبعته حقوقه،
والاخذ بالشفعة من حقوقه، (و) حينئذ يعرض عليه الثمن فإن أخذه دفع إليه وإلا ف‍ (يبقى
الثمن في يده) يعني في ذمة الشفيع (إلى أن يدعيه المشتري) فيدفع إليه. وكذا لو ادعى
الشفيع أن واضع اليد اشتراه فأنكر وأقر البائع، ويأتي، ولو ادعى شريك على حاضر بيده
نصيب شريكه الغائب: إنه اشتراه وإنه يستحقه بالشفعة فصدقه المدعى عليه أخذه منه، وكذا
لو ادعى الشريك على الحاضر أنه باع نصيب الغائب بإذنه، فقال: نعم. فإذا قدم الغائب فأنكر
حلف وانتزع الشقص، وطالب بالأجرة من شاء منهما. وقرار الضمان على الشفيع وإن أنكر
واضع اليد أنه اشترى نصيب الغائب، وقال: بل أنا وكيل في حفظه، أو مستودع. فالقول
قوله مع يمينه، فإن نكل احتمل أن يقضى عليه، لأنه لو أقر لقضي عليه، واحتمل ألا
يقضى عليه، لأنه قضاء على غائب بلا بينة ولا إقرار. ذكره في المغني والشرح.
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل:
(ولا شفعة في بيع فيه خيار مجلس أو) خيار (شرط
قبل انقضائه) أي الخيار (سواء كان الخيار لهما) أي المتبايعين (أو لأحدهما) (2) لما
198

فيه الاخذ من إبطال خياره، وإلزام المشتري بالعقد قبل رضاه بالتزامه، وإيجاب العهدة
عليه، وتفويت حقه من الرجوع في عين الثمن إن كان الخيار له، وتفويت حق البائع من
الرجوع في عين المبيع إن كان الخيار له، (وبيع المريض) ولو مرض الموت المخوف (كبيع
الصحيح في الصحة) أي كون البيع صحيحا، (و) في (ثبوت الشفعة وغيرها) من الأحكام المترتبة
على البيع، لأنه من مكلف رشيد، لكن في المحاباة تفصيل يأتي بيانه في عطية
المريض (ويأخذ الشفيع الشقص) المشفوع (بما صح البيع فيه) إذا كان فيه محاباة من
المريض، على ما يأتي (وإن أقر بائع ببيع) شقص مشفوع (وأنكر مشتر) شراءه (وجبت (1)
الشفعة بما قال البائع) من الثمن، لأن البائع أقر بحقين: حق للشفيع، وحق للمشتري، فإذا
سقط حق المشتري بإنكاره ثبت حق الشفيع. كما لو أقر بدار لرجلين، فأنكر أحدهما
(فيأخذ الشفيع الشقص منه) أي من البائع (ويدفع) الشفيع (إليه الثمن إن لم يكن) البائع
(مقرا بقبضه) من المشتري (وإن كان) البائع (مقرا بقبضه) أي الثمن (من المشتري بقي في
ذمة الشفيع إلى أن يدعيه المشتري، وليس للشفيع، ولا للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع
في حقه) لعدم الحاجة إليه لوصول كل منهما إلى مقصوده بدون المحاكمة، (ومتى ادعى
البائع) الثمن دفع إليه، (أو) متى ادعى (المشتري الثمن دفع إليه، لأنه لأحدهما، وإن ادعياه)
أي الثمن (جميعا، فأقر المشتري بالبيع، وأنكر البائع القبض، فهو) أي الثمن (للمشتري)
فيأخذه من الشفيع، وطلب البائع حينئذ على المشتري بالثمن، ما لم يثبت دفعه إليه (وعهدة
الشفيع على المشتري) لأن الشفيع ملك الشقص من جهة المشتري، فهو كبائعه (وعهدة
199

المشتري على البائع) (1) لما ذكر (إلا إذا أقر البائع وحده بالبيع) وأنكر المشتري الشراء،
وأخذ الشفيع الشقص من البائع (فالعهدة عليه) أي على البائع لحصول الملك للشفيع من
جهته. قال الزركشي، والعمدة في الأصل كتاب الشراء، (والمراد بالعهدة هنا: رجوع من
انتقل الملك إليه) من شفيع أو مشتر (على من انتقل عنه) الملك من بائع، أو مشتر (بالثمن، أو
الأرش عند استحقاق الشقص، أو عيبه) فإذا ظهر الشقص مستحقا رجع الشفيع على المشتري
بالثمن، ثم المشتري على البائع، وإن ظهر الشقص معيبا، واختار الشفيع الامساك مع
الأرش، رجع بالأرش على المشتري، ثم المشتري على البائع لما تقدم (فإن أبى المشتري
قبض المبيع) ليسلمه للشفيع (أجبره الحاكم عليه) (2) أي على قبض الشقص، لأن القبض
واجب، ليحصل حق المشتري من تسليمه، ومن شأن الحاكم أن يجبر الممتنع، (وإن ورث
اثنان شقصا عن أبيهما)، أو أمهما، أو أخيهما ونحوه، (فباع أحدهما نصيبه) للآخر أو غيره
(فالشفعة بين أخيه، وشريك أبيه)، أو أمه، أو أخيه ونحوه، لأنهما شريكان حال ثبوت الشفعة،
فكانت بينهما، كما لو تملكاها بسبب واحد ولأنها تثبت لدفع ضرر الشريك الداخل على
شركائه بسبب شركته، وهو موجود في حق الكل وكذا لو اشترى اثنان نصف دار، ثم اشترى
اثنان نصفها الآخر، أو ورثاه، أو اتهباه، أو وصل إليهما بسبب ما من أسباب الملك، فباع
أحدهما نصيبه. وهذه المسائل وشبهها داخلة فيما سبق من قوله: وهي بين شركاء على
حسب أملاكهم، (ولا شفعة لكافر حين البيع، أسلم بعد) البيع (أو لا) أي لم يسلم (على
مسلم) (3) لقوله (ص): لا شفعة لنصراني (4) رواه الدارقطني في كتاب العلل، وأبو بكر وفي
إسنادهما بابل بن نجيح عن سفيان الثوري عن حميد عن أنس، وبابل ضعفه الدارقطني
وابن عدي، ولأنه معنى يختص به العقار أشبه الاستعلاء في البنيان (وتجب) أي تثبت
الشفعة (فيما) أي في شقص مشفوع (ادعى شراءه لموليه) أي محجوره، لأن الشفعة حق
ثبت لإزالة الضرر، فاستوى فيه مطلق التصرف والمحجور عليه. ويقبل إقرار وليه به،
كإقراره بعيب في مبيعه. وكذا ما ادعى أنه اشتراه لفلان الغائب، فإن الشفعة تثبت فيه،
ويأخذ الحاكم ويدفعه للشفيع والغائب على حجته إذا قدم، وأما لو أقر المدعى عليه
200

بمجرد الملك لمحجوره أو موكله الغائب، ثم أقر بالشراء بعد ذلك لم تثبت الشفعة
حتى تقوم بالشراء بينة، أو يقدم الغائب، أو ينفك الحجر عن المحجور ويعترفا
بالشراء، لأن الملك ثبت لهما بالاقرار، وإقراره بالشراء بعد ذلك إقرار في ملك
غيره، فلم يقبل، وإن لم يذكر سبب الملك لم يسأله الحاكم عنه، ولم يطالب ببيانه
لأنه لا فائدة في الكشف عنه، ذكره في المغني (1) والشرح (2)، (و) تثبت الشفعة (للمسلم)
على الكافر لعموم الأدلة، لأنها إذا ثبتت على المسلم مع عظم حرمته، فلان تثبت على
الذمي مع دناءته أولى، (و) تثبت الشفعة أيضا (لكافر على كافر) لاستوائهما كالمسلمين
(ولو كان البائع) للشقص المشفوع (مسلما) لأن الشفيع يأخذ الشقص من المشتري
المساوي له لا من البائع (ولو تبايع كافران بخمر، أو خنزير)، أو نحوهما، (وتقابضا) قبل
إسلامهما، أو ترافعهما إلينا (لم ينقض البيع)، وكذا سائر تصرفاتهم ولا شفعة، لأن الثمن
ليس بمال وتقدم (ولا شفعة لأهل البدع الغلاة على مسلم) لما تقدم من أنه لا شفعة
لكافر على مسلم، وأهل البدع الغلاة (كالمعتقد أن جبريل غلط في الرسالة إلى النبي
(ص)، وإنما أرسل إلى علي ونحوه) كمن يعتقد ألوهية علي، لأنها إذا لم تثبت للذمي الذي
يقر على كفره فغيره أولى، (وكذا حكم من حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق
القرآن) ونحوه، ويأتي في الشهادات قولهم: ويكفر مجتهدهم الداعية (وتثبت) الشفعة
(لكل من حكمنا بإسلامه منهم) أي من أهل البدع (كالفاسق بالأفعال) من زنا، ولواط،
وشرب خمر ونحوه (3)، (و) تثبت الشفعة (لكل من البدوي) أي ساكن البادية
(والقروي) أي ساكن القرى (على الآخر) لعموم الأدلة واشتراكهما في المعنى
المقتضى لوجوب الشفعة، (ولم ير) الامام (أحمد في أرض السواد شفعة) لأن عمر
وقفها (وكذا الحكم في سائر الأرض التي وقفها عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى
201

عنه (كأرض الشام، و) أرض (مصر، وغيرها مما لم يقسم بين الغانمين) قال في
المغني (1) والشرح: (إلا أن يحكم ببيعها حاكم، أو يفعله) أي بيعها (الامام أو نائبه،
فتثبت) الشفعة (فيه) (2) أي فيما حكم به الحاكم لو باعه الامام أو نائبه، لأنه مختلف
فيه. وحكم الحاكم ينفذ فيه، وفعله كحكمه قال الحارثي: ويخرج على القول بجواز
الشراء ثبوت الشفعة، لأنه فرع منه (ولا شفعة لمضارب على رب المال إن ظهر ربح)
لأنه يصير له جزء من مال المضاربة فلا تثبت له على نفسه، (وإلا) أي وإن لم يظهر ربح
(وجبت) الشفعة، لأنه أجنبي (وصورته: أن يكون للمضارب شقص في دار) تنقسم إجبارا
(فيشتري) المضارب (من مال المضاربة بقيتها) أي الدار (ولا) شفعة أيضا (لرب المال
على مضارب، وصورته: أن يكون لرب المال شقص في دار، فيشتري المضارب من مال
المضاربة بقيتها) لأن الملك لرب المال، فلا يستحق الشفعة على نفسه. (ولو بيع شقص)
مشفوع من عقار (فيه شركة مال المضاربة، فللعامل الاخذ) أي أخذ الشقص (بها) أي
بالشفعة للمضاربة (إذا كان الحظ فيها) أي في الشفعة أي في الاخذ بها. كما لو كان ثمنه
دون ثمن المثل، لأنه بمظنة أن يربح (فإن تركها) أي ترك العامل الاخذ بالشفعة لرأي رآه
من بيعه بأكثر من ثمن المثل ونحوه (فلرب المال الاخذ) بالشفعة، لأن مال المضاربة
ملكه، والشركة في الحقيقة إنما هي له (ولا ينفذ عفو العامل) عن الشفعة، لأن الملك
لغيره. أشبه العبد المأذون له في التجارة (ولو باع المضارب من مال المضاربة شقصا)
مشفوعا (في شركة نفسه. لم يأخذ) أي المضارب الشقص (بالشفعة) من نفسه (لأنه) أي
المضارب (متهم) أشبه شراءه من نفسه (3)، وتثبت الشفعة للسيد على المكاتب، لان
السيد لا يملك ما في يده ولا يزكيه ولهذا جاز أن يشتري منه، بخلاف العبد المأذون له،
وإن كان عليه دين فلا شفعة لسيده عليه، لأنه لا يصح شراؤه منه، لأن ما بيده ملك
لسيده، كما تقدم في آخر الحجر.
202

باب الوديعة (1)
وهي فعيلة، من ودع الشئ إذا تركه. إذ هي متروكة عند المودع. وقيل: مشتقة من
الدعة، فكأنها عند المودع غير مبتذلة للانتفاع. وقيل: من ودع الشئ إذا سكن، فكأنها
ساكنة عند المودع. وشرعا (اسم للمال)، أو المختص، ككلب الصيد (المودع) بفتح الدال،
أي المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض، فخرج بقيد المال، أو المختص الكلب الذي لا
يقتنى والخمر ونحوهما مما لا يحترم، وبقيد المدفوع ما ألقته الريح إلى دار من نحو
ثوب، وما أخذه بالتعدي، وبقيد الحفظ العارية ونحوها وبقيد عدم العوض الأجير
على حفظ المال، وبما ذكرته تعلم ما في كلامه من القصور والدور. قال الأزهري:
وسميت وديعة بالهاء لأنهم ذهبوا بها إلى الأمانة انتهى. والاجماع في كل عصر على
جوازها. وسنده قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * [النساء: 58].
مع السنة الشهيرة منها قوله (ص): أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك (2) رواه أبو
داود والترمذي وحسنه. والمعنى يقتضيها لحاجة الناس إليها، لأنه يتعذر عليهم حفظ جميع
أموالهم بأنفسهم (والايداع توكيل) رب المال جائز التصرف (في حفظه تبرعا) من الحافظ
(والاستيداع توكل) جائز التصرف (في حفظه) أي حفظ مال غيره (كذلك) أي تبرعا (بغير
تصرف) في المال المحفوظ (3)، ومحترز تلك القيود علم مما قدمته، (ويكفي القبض قبولا)
للوديعة كالوكالة (وقبولها) أي الوديعة (مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة) أي أنه ثقة قادر
على حفظها لقوله (ص): والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه (4) قال في
203

المبدع: ويكره لغيره إلا برضا ربها انتهى. قلت: ولعل المراد بعد إعلامه بذلك إن كان لا
يعلمه لئلا يغره (وهي) أي الوديعة بمعنى العقد (عقد جائز من الطرفين) لأنها نوع من الوكالة
(فإن أذن المالك) للمدفوع إليه المال (في التصرف) أي استعماله (ففعل) أي استعمله حسب
الاذن (صارت عارية مضمونة) كالرهن إذا أذن ربه للمرتهن في استعماله، فإن لم يستعملها
فهي أمانة، لأن الانتفاع غير مقصود ولم يوجد. فوجب تغليب ما هو المقصود، (ويشترط
فيها) أي الوديعة (أركان وكالة) أي ما يعتبر في الوكالة من البلوغ، والعقل، والرشد، (وتنفسخ)
الوديعة (بموت) أحد المتعاقدين (وجنون‍) - ه، (و) ب‍ (عزل مع علمه) بالعزل، فإن عزله
ربها ولم يعلم المودع بذلك لم ينعزل لعدم الفائدة فيه. إذ المال بيده أمانة لا يتصرف فيه،
بخلاف الوكيل (وهي) أي الوديعة (أمانة) لقوله تعالى: * (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي
ائتمن أمانته) * [البقرة: 283]. (لا ضمان عليه) أي المودع (فيها) أي الوديعة لما روى
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي (ص) قال: من أودع وديعة فلا ضمان عليه (1)
رواه ابن ماجة، ولان المستودع يحفظها لمالكها، فلو ضمنت لامتنع الناس من الدخول فيها،
وذلك مضر، لما فيه من مسيس الحاجة إليها (إلا أن يتعدى) الوديع (أو يفرط) أي يقصر
في حفظ الوديعة فيضمنها، لأن المتعدي متلف لمال غيره فضمنه، كما لو أتلفه من غير
إيداع، والمفرط متسبب بترك ما وجب عليه من حفظها (2)، (فإن عزل) الوديع (نفسه ف‍) قد
انعزل، لأنها جائزة أشبه ما لو عزله ربها، و (هي) أي الوديعة (بعده) أي بعد عزله نفسه
(أمانة. حكمها) ما دامت (في يده حكم الثوب الذي أطارته الريح إلى داره) لأنه لم يتعد
بوضع يده عليها، وإذن ربها له في حفظها بطل بعزله نفسه (يجب) عليه رده) إلى ربه فورا
مع التمكن لعدم إذن ربه في بقائه بيده، (فإن تلف) المال المودع عند الوديع بعد عزله نفسه،
أو الثوب الذي أطارته الريح إلى داره (قبل التمكن من رده فهدر) لا ضمان فيه. وفهم منه
أنه إن تلف بعد تمكنه من رده أنه يضمنه، لأنه متعد بإمساكه فوق ما يتمكن فيه من الرد،
(وإن تلفت) الوديعة (ولو لم يذهب) أي يتلف (معها شئ من ماله) أي الوديع (لم يضمن)
الوديع الوديعة (3) لعموم ما سبق وما روى سعيد حدثنا هشيم أخبرنا حميد الطويل عن أنس
204

أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ضمنه وديعة ذهبت من بين ماله محمول على
التفريط من أنس في حفظها، فلا منافاة (إلا أن يتعدى) الوديع (أو يفرط في حفظها) أي
الوديعة فتتلف، فيضمنها لما تقدم (وإن شرط) رب الوديعة (عليه) أي الوديع (ضمانها) أي
الوديعة لم يصح الشرط، ولا يضمنها الوديع، لأنه شرط ينافي مقتضى العقد. فلم يصح
وتقدم، (أو قال) الوديع: (أنا ضامن لها) أي الوديعة (لم يضمن) ما تلف بغير تعد أو تفريط،
لأن ضمان الأمانات غير صحيح، وتقدم فلذلك قال: (وكذلك كل ما أصله الأمانة) كالرهن
والعين المؤجرة والموصى بنفعها ونحوها لا يصح شرط ضمانها لما تقدم (ويلزمه) أي
الوديع (حفظها) أي الوديعة (بنفسه أو وكيله، أو من يحفظ ماله عادة، كزوجة وعبد، كما
يحفظ) الوديعة (ماله في حرز مثلها عرفا، كحرز سرقة) (1) لقوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن
تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * [النساء: 58]، ولا يمكن ذلك إلا بالحفظ كما ذكر. قال في
الرعاية: من استودع شيئا حفظه في حرز مثله عاجلا مع القدرة وإلا ضمن (إن لم يعين ربها
حرزا) فإن عينه تعين هو أو مثله. ويأتي (فإن لم يحرزها) الوديع (في حرز مثلها) مع عدم
التعيين ضمنها، لأنه مفرط (أو سعى) الوديع (بها إلى ظالم، أو دل) الوديع (عليها لصا
فأخذها) اللص (ضمنها) الوديع لتعديه، أو تفريطه، (وإن وضعها) الوديع (في حرز مثلها ثم
نقلها) الوديع (عنه إلى حرز مثلها، ولو كان) المنقول إليه (دون) الحرز (الأول لم يضمن)
الوديع الوديعة، لأن صاحبها رد حفظها إلى اجتهاده، ولم يحصل منه تفريط (ولو كانت
العين) المقصود حفظها (في بيت صاحبها، فقال) صاحبها (لرجل، بأجرة أو) ب‍ (لا) أجرة:
(احفظها في موضعها، فنقلها) المستحفظ (عنه) أي عن موضعها (من غير خوف ضمنها، لأنه
ليس بمودع) بفتح الدال (إنما هو وكيل في حفظها في موضعها) فهو متعد بنقلها، لأنه غير
مأذون فيه (إلا أنه يخاف) المستحفظ (عليها) التلف (فعليه إخراجها) لأنه من حفظها في
205

هذه الحالة، (وإن عين صاحبها) أي الوديعة (حرزا فجعلها) المودع (في) حرز (دونه ضمن)
الوديع (سواء ردها) المودع (إليه) أي إلى الحرز الذي عينه صاحبها (أو لا)، لأنه خالفه في
حفظ ماله، (وإن أحرزها بمثله) أي بحرز مثل الذي عينه صاحبها في الحفظ، (أو) بحرز
(فوقه) أي أحرز منه، كلبس خاتم في خنصر فلبسه في بنصر لا عكسه (لم يضمن)
الوديع (1) (ولو) أخرجها (لغير حاجة) لأن تعيينه الحرز إذن فيما هو مثله، كمن اكترى
لزرع حنطة فله زرعها وزرع مثلها في الضرر فما فوقه من باب أولى، (وإن نهاه) أي نهى
صاحب الوديعة المودع (عن إخراجها فأخرجها) الوديع (لغشيان نار، أو) غشيان (سيل، أو)
غشيان (شئ الغالب فيه التوى) بالمثناة الفوقية أي الهلاك (ويلزمه) أي الوديع إخراج
الوديعة (إذن) أي عند غشيان شئ الغالب منه الهلاك كالنهب (لم يضمن) الوديع الوديعة إن
تلفت إذن (إن وضعها) الوديع (في حرز مثلها، أو) في حرز (فوقه) لأن حفظها نقلها، وتركها
يضيعها، (فإن تعذرا) أي حرز مثلها وما فوقه عند غشيان ما الغالب منه الهلاك، (وأحرزها)
الوديع (في دونه) في هذه الحال (فلا ضمان) على الوديع لأن إحرازها به إذن أحفظ لها من
تركها بمكانها، وليس في وسعه حينئذ سواه، (وإن تركها) أي ترك الوديع الوديعة في الحرز
الذي عينه ربها مع غشيان ما الغالب منه الهلاك (فتلفت ضمن‍) ها الوديع (سواء تلفت
بالامر المخوف أو غيره) لأنه مفرط به، (وإن أخرجها) أي الوديعة من المكان الذي عينه ربها
ونهاه عن إخراجها منه (لغير خوف، ويحرم إخراجها). إذن، (ضمن) الوديع الوديعة (2)
(ولو) أخرجها (إلى حرز مثلها، أو) حرز (فوقه) لأنه خالف ربها لغير فائدة، فكان متعديا
بذلك (3)، بخلاف ما إذا لم ينهه كما تقدم قريبا، وإذا أخرج الوديعة المنهي عن إخراجها
وتلفت فادعى الوديع أنه أخرجها لغشيان شئ الغالب منه الهلاك، وأنكر صاحبها وجوده.
فعلى الوديع البينة أنه كان في ذلك الموضع ما ادعاه، لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه
لظهوره، فإذا ثبت قبل قوله في التلف به بيمينه، (وإن) عين رب الوديعة حرزا، و (قال)
206

للوديع (لا تخرجها) من ذلك الحرز، (وإن خفت عليها، فأخرجها عند الخوف) فتلفت لم
يضمنها، لأنه زيادة خير وحفظ، (أو تركها) عند الخوف فتلفت (لم يضمن‍) ها الوديع (1)،
لأنه ممتثل أمر صاحبها، كما لو قال له: أتلفها فأتلفها. والحكم في إخراجها من الخريطة
أو الصندوق كالحكم في إخراجها من البيت فيما تقدم تفصيله، (وإن أودعه بهيمة ولم يأمره)
ربها (بعلفها و) لا (سقيها) لزمه ذلك، لأنه من كمال الحفظ بل هو الحفظ بعينه، لان
العرف يقتضي علفها وسقيها فهو مأمور به عرفا (أو أمره) رب البهيمة (بذلك) أي بعلفها
وسقيها (لزمه) علفها وسقيها لأنه من حفظها، (فإن لم يعلفها) الوديع أو لم يسقها (حتى
ماتت) البهيمة المودعة جوعا، أو عطشا (ضمن‍) ها الوديع لتفريطه في حفظها وتعديه بترك
ما أمر به عرفا أو نطقا (2) (إلا أن ينهاه) أي الوديع (المالك عن علفها) أو سقيها فيتركه
فتتلف (فلا يضمن) الوديع لأن مالكها أذنه في إتلافها أشبه ما لو أمره بقتلها، (لكن يأثم)
الوديع بترك علفها وسقيها حتى مع الامر بتركهما لحرمة الحيوان (3)، (وإن قدر المستودع
على صاحبها) أي البهيمة، (أو) قدر على (وكيله طالبه بالانفاق عليها، أو) طالبه (بردها) أي
البهيمة (عليه) أي على مالكها، أو وكيله، (أو) طالبه بأن (يأذن له في الانفاق عليها ليرجع)
الوديع (به) أي بما أنفقه، لأن النفقة على الحيوان واجبة على مالكه، وهذه طريق الوصول
إليها منه، (فإن عجز) المستودع (عن صاحبها، و) عجز عن (وكيله) أولم يقدر على أن
يتوصل إلى أحدهما ليطالبه بالانفاق عليها أو استردادها أو أن يأذنه في النفقة (رفع)
المستودع (الامر إلى الحاكم، فإن وجد) الحاكم (لصاحبها مالا أنفق عليها منه) لأن للحاكم
ولاية على مال الغائب، (وإن لم يجد) الحاكم لصاحبها مالا (فعل) الحاكم (ما يرى فيه
الحظ) أي ما يؤديه إليه اجتهاده أنه أحظ (لصاحبها من بيعها) وحفظ ثمنها لربها، (أو بيع
بعضها وإنفاقه) أي ثمن البعض (عليها) أي على ما بقي منها، (أو إجارتها) وينفق من أجرتها
عليها ويحفظ الباقي (أو الاستدانة على صاحبها فيدفعه) أي ما يستدينه الحاكم (إلى المودع،
207

أو) إلى أمين (غيره فينفق) المدفوع إليه (عليها) منه بحسب الحاجة (1)، (ويجوز) للحاكم
(أن يأذن للمودع أن ينفق عليها من ماله) ليرجع على ربها إذا جاء (ويكون المودع) حينئذ
(قابضا من نفسه) لما ينفقه عليها (لنفسه) وتقدم نظيره في قبض المبيع ونحوه، (ويكل) أي
يفوض الحاكم (ذلك إلى اجتهاده) أي المودع (في قدر ما ينفق) على البهيمة المودعة مع
أمانته. قلت: والأحوط أن يقدر له ما ينفقه قطعا للنزاع بعد (ويرجع) المستودع (به) أي بما
أنفقه بإذن الحاكم (على صاحبها) لقيام إذن الحاكم مقام إذن (فإن اختلفا) أي المودع وربها
(في قدر النفقة) بأن قال المودع: أنفقت عشرة، وقال ربها: بل ثمانية (ف‍) القول (قول
المودع) بفتح الدال بيمينه (إذا ادعى النفقة بالمعروف) لأنه أمين (2) (وإن ادعى) المودع
(زيادة) عن النفقة بالمعروف، أو عما قدره له الحاكم إن قدر شيئا (لم تقبل) دعواه لمنافاة
العرف لها (وإن اختلفا) أي رب البهيمة والمودع (في قدر المدة) أي مدة الانفاق، بأن قال
ربها: أنفقت منذ سنة. فقال المستودع: بل من سنتين (فقول صاحبها) بيمينه، لأن الأصل
براءة ذمته مما ادعاه عليه من المدة الزائدة (3)، وتقدم نظيره في ولي اليتيم، (وإذا أنفق)
المستودع (عليها بإذن حاكم رجع به) أي بما أنفقه لما مر (وإن كان) المستودع أنفق (بغير
إذنه) أي الحاكم (مع تعذره) أي إذن الحاكم وغيبة ربها، أو العجز عن استئذانه (وأشهد)
المستودع (على الانفاق) أي على أنه أنفق ليرجع (رجع) بما أنفقه على صاحبها لقيامه عنه
بواجب، (وإن كان) المستودع أنفق على البهيمة (مع إمكان إذن الحاكم ولم يستأذنه) أي
الحاكم مع العجز عن استئذان ربها، (بل نوى الرجوع لم يرجع) على صاحبها بشئ مما
أنفقه (4). صححه هنا في الانصاف (5) لعدم إذن ربها، أو من يقوم مقامه مع قدرته عليه
208

(وقيل: يرجع) المستودع بما أنفقه عليها على ربها إذا تعذر استئذانه، ولو لم يستأذن حاكما
مع قدرته ولم يشهد (اختاره جمع) منهم ابن عبدوس في تذكرته، وجزم به في المنتخب
وصححه الحارثي وصاحب الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق. قال في
الانصاف (1): وهو الصواب انتهى. وجزم به المصنف وصاحب المنتهى وغيرهما في
الرهن، وقطع به ابن رجب في القاعدة الخامسة والسبعين، كما دل عليه السياق. فلا
تعارض بين الكلامين، لكن لا يناسبه قوله: وتقدم في الرهن، إلا أن يحمل ما هنا على ما
إذا لم ينهه عن علفها وما هناك على ما إذا نهاه عنه (وتقدم في الرهن. ومتى أودعه) إنسان
وديعة (وأطلق) فلم يأمره بوضعها في شئ بعينه (فتركها) المستودع (في جيبه) أي إذا كان
مزوردا أو ضيق الفم، فإن كان واسعا أو غير مزرود ضمن. ذكره المجد في شرحه، (أو) في
(يده أو شدها في كمه، أو) شدها في (عضده، أو ترك) المستودع (في كمه) مودعا (ثقيلا)
بحيث يشعر به إذا سقط (بلا شد) لم يضمنه حيث لم يعين ربه حرزا لجريان العادة به (أو
تركها) أي ترك المستودع الوديعة (في وسطه وأحرز) أي شد (عليها سراويله لم يضمن) إن
ضاعت، لأنه لا يعد مفرطا. وفي الفصول: إن تركها في رأسه أو غرزها في عمامته أو
تحت قلنسوته احتمل أنه حرز (وإن عين) رب الوديعة (جيبه) بأن قال للمستودع: اجعلها
في جيبك (ضمن) المستودع الوديعة إن ضاعت وقد جعلها (في يده، أو) في (كمه) لان
الجيب أحرز، وربما نسي فسقطت من يده، أو كمه، و (لا) يضمن في (عكسه) بأن عين يده
أو كمه فجعلها في جيبه لأنه أحرز (2)، (وإن قال) رب الوديعة للمستودع: (اتركها في كمك
فتركها في يده) ضمنها (3)، لأن اليد يسقط منها الشئ بالنسيان بخلاف الكم، (أو عكسه) بأن
قال: اتركها في يدك فتركها في كمه (ضمن) لأن الكم يتطرق إليه البسط بخلاف اليد، فكل
منهما أدنى من الآخر من وجه. فضمن لمخالفته. وقال القاضي: اليد أحرز عند المغالبة
والكم أحرز عند عدمها (4) (كما) يضمن المستودع (لو جاءه) رب الوديعة (بها في السوق،
209

وأمره) رب الوديعة (بحفظها ببيته فتركها) المستودع (عنده إلى مضيه إلى منزله) أو فوق ما
يمكنه الذهاب بها فتلفت قبل أن يمضي بها إلى بيته لأن البيت أحفظ وتركها فوق ما يذهب
بها تفريط، (وإن أمره) رب الوديعة (أن يجعلها في صندوق، وقال) رب الوديعة للمستودع: (لا
تقفل عليها) الصندوق (ولا تنم فوقها فخالفه) وقفل عليها أو نام عليها. فلا ضمان عليه لأنه
محسن (أو قال:) اجعلها في صندوق و (لا تقفل عليها إلا قفلا واحدا فجعل عليها قفلين.
فلا ضمان عليه) لما تقدم. (وإن قال) رب الوديعة: (اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا.
ف‍) جعلها في البيت، و (أدخل إليه قوما فسرقها أحدهم حال إدخالهم، أو بعده ضمنها) لان
الداخل ربما شاهد الوديعة في دخوله البيت وعلم موضعها وطريق الوصول إليها فسرقها،
وإن كان السارق من غيرهم، أو كان التلف بحرق أو غرق ففي الضمان وجهان: أحدهما لا
يضمن، اختاره القاضي. وقال في المبدع (1): إنه أصح. والثاني: يضمن اختاره ابن عقيل
والموفق (2)، ومال إليه الشارح (3)، وجزم به في المنتهى (4) لمخالفته (وإن أودعه خاتما،
وقال) ربه للمستودع: (اجعله في الخنصر، فلبسه) المستودع (في البنصر لم يضمن) الخاتم إن
ضاع لأن البنصر أغلظ، فهي أحرز، (لكن إن انكسر) الخاتم (لغلظها) أي البنصر ضمن،
لأنه أتلفه بما لم يأذن فيه مالكه، (أو جعله) أي الخاتم (في أنملتها) أي البنصر (العليا ضمن)
لأنه أدنى من المأمور به وعبارة الانصاف: ولم يدخل في جميعها، فجعله في بعضها
ضمن، (وإن قال: اجعله في البنصر فجعله في الخنصر) ضمن لأنه دون المأمور به، (أو) قال:
اجعله في البنصر فجعله (في الوسطى ولم يدخله) أي الخاتم (في جميعها ضمن) لما تقدم، (ولو
أمره) رب الوديعة (أن يجعلها في منزله فتركها) المستودع (في ثيابه) ولو شدها فيها (وخرج
بها ضمنها) لأن البيت أحرز.
210

فصل:
(وإن دفع) المستودع (الوديعة إلى من يحفظ ماله)
أي المستودع عادة، (أو) دفعها إلى من يحفظ (مال ربها عادة كزوجته، وعبده، وخادمه،
ونحوهم) كخازن (لم يضمن) المستودع إن تلفت (1)، لأنه قد وجب عليه حفظها. فله توليه
بنفسه وبمن يقوم مقامه، ولقيامه، ولقيامهم مقام المالك في الرد (كوكيل ربها) وكما لو
كانت الوديعة ماشية فدفعها للراعي، أو لغلامه ليسقيها (ولو دفعها) أي دفع المستودع الوديعة
(إلى الشريك) ربها في غيرها، أو فيها أو دفعها المستودع إلى شريكه نفسه (ضمن)
المستودع الوديعة إن تلفت (كالأجنبي المحض) الذي ليس بشريك، أما شريكا العنان فإن
جاز إيداع أحدهما فالظاهر أنه لا ضمان على المستودع في الرد للآخر على ما تقدم في
الشركة، والعين لاثنين إذا أو دعاها ليس للمستودع الرد على أحدهما إلا بإذن الآخر، فإن
فعل ضمن حصته، (وله) أي المستودع (الاستعانة بالأجانب في الحمل والنقل) أي في حمل
الوديعة ونقلها من موضع إلى آخر حيث جاز لجريان العادة به، (و) له الاستعانة بالأجانب
أيضا في (سقي الدابة) المودعة (وعلفها) لأن الانسان يفعل ذلك في ماله، فكذا في الوديعة
(وإن دفعها) أي دفع المستودع الوديعة (إلى أجنبي) لعذر لم يضمن، (أو) دفع الوديعة إلى
(حاكم لعذر) كمن حضره الموت، أو أراد سفرا وخاف عليها (لم يتعد ولم يفرط وإلا) بأن
دفعها لأجنبي، أو حاكم بلا عذر (ضمن) المستودع الوديعة لتعديه، لأن المستودع ليس له أن
يودع بلا عذر. قال في المبدع: ولعله غير ظاهر في الحاكم (2) انتهى، وفيه نظر. إذ الحاكم
لا ولاية له على مكلف رشيد حاضر (وللمالك) أي مالك الوديعة (مطالبته) أي المستودع
ببدل الوديعة، لأنه صار ضامنا بنفس الدفع والاعراض عن الحفظ، (و) لمالك الوديعة أيضا
(مطالبة الثاني) وهو القابض من المستودع، لأنه قبض ما ليس له قبضه أشبه المودع من
211

الغاصب (ولو كان) الثاني (جاهلا بالحال) بأن لم يعلم أنها وديعة لا عذر للمستودع في
إيداعها (ويستقر عليه) أي الثاني (الضمان إن كان عالما) بأنها وديعة لا عذر في إيداعها،
فإن ضمنه المالك ابتداء لم يرجع على المستودع، وإن ضمن المستودع رجع عليه، لان
التلف وجد في يده ولا تغرير، (وإلا) يكن عالما بأنها وديعة لا عذر في إيداعها (فلا) يستقر
عليه الضمان، بل على المستودع، فإن ضمن المالك المستودع ابتداء لم يرجع عليه، وإن
ضمنه رجع على المستودع لأنه غره، (وإن أراد) المستودع (سفرا، أو خاف عليها عنده، فله)
أي المستودع (ردها على مالكها الحاضر، أو من يحفظ ماله عادة) (1) كزوجته، وعبده، وخازنه،
(و) ردها إلى (وكيله) أي وكيل رب الوديعة (في قبضها إن كان) لربها وكيل في قبضها، أو
قبض حقوقه، لأن في ذلك تخليصا له من دركها، ومقتضاه: أنه إذا دفعها إلى الحاكم، إذن
يضمن، لأنه لا ولاية له على الحاضر ويلزمه مؤنة الرد لتعديه (وله) أي المستودع (السفر
بها والحالة هذه) أي وربها حاضر (إن لم يخف) المستودع (عليها، أو كان) السفر (أحفظ
لها) من إبقائها (ولم ينهه) رب الوديعة عن السفر بها (2). قال في المبهج والموجز:
والغالب السلامة، فعلى هذا لا يضمنها إن تلفت معه، سواء كان به ضرورة إلى السفر أو
لا، لأنه نقلها إلى موضع مأمون، فلم يضمنها كما لو نقلها في البلد، وكأب ووصي لا
كمستأجر لحفظ شئ (وإن لم يجد من يردها عليه منهم) أي من المالك ومن يحفظ ماله
ووكيله (حملها) المستودع (معه في سفره إن كان) السفر (أحفظ لها ولم ينهه) ربها عن
السفر بها (ولا ضمان) على المستودع إذا سافر بها مع كونه أحفظ ولم ينهه، (وإلا) بأن كان
السفر ليس أحفظ ولو استوى الأمران (فلا) يسافر بها، فإن فعل ضمن (وإن نهاه) أي نهى
رب الوديعة المستودع عن السفر بها (امتنع) عليه السفر بها (وضمن) إن سافر بها وتلفت
للمخالفة (إلا أن يكون السفر بها لعذر، كجلاء أهل البلد، أو هجوم عدو، أو حرق، أو غرق،
فلا ضمان) عليه إذا سافر بها وتلفت، لأنه موضع حاجة، فإن تركها إذن وتلفت فمقتضى ما
صححه في الانصاف: يضمن حيث ترك الأصلح (ولو أودع) رب وديعة (مسافرا فسافر) أي
212

سافر المستودع (بها وتلفت بالسفر، فلا ضمان عليه) لأن إيداع المالك في هذه الحالة يقتضي
الاذن في السفر بالوديعة، (فإن هجم قطاع الطريق عليه) أي على المسافر بوديعة حيث جاز
له السفر بها (فألقى المتاع) المودع (إخفاء له وضاع فلا ضمان عليه) لأن هذا عادة الناس
في حفظ أموالهم (فإن خاف) المستودع (المقيم عليها) أي الوديعة (إذا سافر بها ولم يجد)
المستودع (مالكها) ولا من يحفظ ماله عادة (ولا وكيله) في قبضها (دفعها) المستودع (إلى
الحاكم) المأمون، لأن في السفر بها غررا، لأنه عرضه للنهب وغيره، ولان الحاكم يقوم
مقام صاحبها عند غيبته (1)، وظاهره أنه إذا أودعها مع قدرته على الحاكم أنه يضمنها، (فإن
تعذر ذلك) أي دفعها إلى الحاكم المأمون (أودعها) المستودع (ثقة) لفعله (ص) لما أراد أن
يهاجر أودع الودائع التي كانت عنده لام أيمن. وأمر عليا رضي الله عنهما أن يردها إلى
أهلها، (أو دفنها) أي دفن المستودع الوديعة (إن لم يضرها الدفن، وأعلم) المستودع (بها)
أي بالوديعة المدفونة (ثقة يسكن تلك الدار) التي دفنها بها (فيكون) الدفن وإعلام الثقة
الساكن (كإيداعه) لأن الحفظ يحصل به، (فإن دفنها) المستودع (ولم يعلم بها أحدا، أو) دفنها،
و (أعلم بها غير ثقة، أو) أعلم بها (من لا يسكن الدار ولو ثقة ضمنها) لأنه فرط في الحفظ،
لأنه إذا لم يعلم أحدا قد يموت في سفره أو يضل عن موضعها فلا تصل لربها، وإذا أعلم
غير ثقة ربما أخذها، ومن لا يسكن الدار لا يتأتى حفظه ما فيها، وكذا لو كان الدفن
يضرها، (وحكم من حضرته الوفاة) وعنده وديعة (حكم من أراد سفرا في دفعها إلى الحاكم،
أو ثقة) (2)، أو دفنها وإعلام ساكن ثقة إن لم يجد ربها ولا من يحفظ ماله عادة ولا وكيله،
لأنه موضع حاجة. (والودائع التي جهل ملاكها يجوز) للمستودع (أن يتصدق بها بدون) إذن
(حاكم)، وأن يدفعها إلى الحاكم (وكذلك إن فقد مالكها ولم يطلع على خبره وليس له ورثة)
فيجوز للمستودع أن يتصدق بالوديعة بنية غرمها إذا عرفه، أو عرف وارثه، وأن يدفعها
للحاكم (وتقدم نظير ذلك في) باب (الغصب، و) في (آخر) باب (الرهن) مفصلا، (و) تقدم أيضا
213

(أنه يلزم الحاكم قبول ذلك) أي ما ذكر من الغصب والرهن والوديعة وكذا نحوها (إذا دفع
إليه) أي دفع ذلك إلى الحاكم من هو بيده من غاصب ومرتهن ووديع ونحوهم (وإن تعدى)
الوديع (فيها) أي في الوديعة (بانتفاعه) بها (فركب) الوديع (الدابة) المودعة (لغير نفعها) أي
علفها وسقيها، و (لبس الثوب) المودع لا لخوف عث ونحوه، (أو أخرجها لا لاصلاحها ك‍)
أن أخرجها ل‍ (إنفاقها، أو) أخرجها (ليخون فيها، أو) أخرجها (شهوة إلى رؤيتها، ثم ردها)
إلى حرزها (بنية الأمانة) بطلت وضمن لتصرفه في مال غيره بغير إذنه، (أو كسر) الوديع
(ختم كيسها) أي الوديعة (أو كانت) الوديعة (مشدودة فحل) الوديع (الشد، أو) كانت
(مصرورة في خرقة ففتح) الوديع (الصرة) أو مقفولة فأزاله ضمن سواء أخرج منها شيئا أو
لا، لهتكه الحرز بفعل تعد فيه (1)، (أو جحدها) أي الوديعة، (ثم أقربها) ضمن لأنه بجحدها
خرج عن الاستئمان عنها، فلم يزل عنه الضمان بالاقرار بها، لأن يده صارت يد عدوان، أو
منعها بعد طلب طالبها شرعا بأن طلبها مالكها، أو وليه، أو وكيله الثابتة وكالته بالبينة، (و) بعد
(التمكن من دفعها) إلى ذلك الطالب ضمن، لأن يده عادية إذن بمنعها، (أو خلطها بما لا
تتميز منه) كزيت بزيت أو شيرج، ودراهم بدراهم (ولو كان التعدي) بشئ مما سبق (في
إحدى عينين) مودعتين وكان فعل ما تقدم (بغير إذنه) أي المالك (بطلت) الوديعة (وضمن)
المستودع لأنه صيرها في حكم التالف وفوت على نفسه ردها أشبه ما لو ألقاها في بحر،
وسواء خلطها بماله أو مال غيره مثلها، أو دونها، أو أجود. في الرعاية: إذا خلط إحدى
وديعتي زيد بالأخرى بلا إذن وتعذر التمييز فوجهان (2) (ويأتي بعضه) في الباب (ولا تعود
وديعة) بعد التعدي فيها بشئ مما سبق (إلا بعقد) وديعة (جديد) لبطلان الاستئمان بالعدوان،
(و) حيث بطلت الوديعة (وجب الرد فورا) لأن يده صارت عادية كالغاصب، (وإن خلطها
غيره) أي خلط الوديعة غير المستودع بما لا تتميز منه (فالضمان عليه) أي الخالط دون
المستودع، لوجود العدوان من الخالط (ومتى جدد) المستودع (استئمانا) برئ فإن تلفت
214

بعد لم يضمن، لأنه لم يتعد في الاستئمان الذي تلفت فيه، والأول قد زال (أو أبرأه)
المالك (من الضمان) بتعديه (برئ) المستودع، فلا يضمنها إن تلفت بعد، لأنه ممسكها
بإذن ربها وزال حكم التعدي بالبراءة، (ولا يضمن) المستودع (بمجرد نية التعدي) الوديعة
(إذا تلفت) الوديعة بلا تعد ولا تفريط، بخلاف الملتقط الذي نوى التملك، والفرق: إن الايداع
عقد والنية ضعيفة فلا تزيله، بخلاف الالتقاط، (وإن خلطها) أي الوديعة مستودع (بمتميز
كدراهم بدنانير، أو دراهم بيض بسود) أو بر بشعير أو عدس لم يضمن لامكان
التمييز (1). فلا يعجز بذلك عن ردها. فلم يضمنها كما لو تركها في صندوق فيه أكياس له
(أو اختلط) مودع (غير متميز) كبر ببر، أو دقيق بدقيق (بغير تفريط منه) فلا ضمان، فإن
ضاع البعض جعل من مال المودع في ظاهر كلام أحمد. ذكره المجد في شرحه. وذكر
القاضي في الخلاف أنهما يصيران شريكين. قال المجد: ولا يبعد على هذا أن يكون
الهالك منهما. ذكره في القاعدة الثانية والعشرين، (أو ركب) المستودع (الدابة) المودعة
(لعلفها أو سقيها) لم يضمن، لأنه مأذون فيه عرفا، (أو لبس) المستودع (الثوب) من نحو
صوف خوفا عليه من عث جمع عثة بضم المهملة سوسة تلحس الصوف (ونحوه) بأن
كانت فرشا ونحوها ففرشها لخوف من عث، أو كانت آلة صناعة من خشب فاستعملها
لخوف من الأرضة (لم يضمن) لأنه محسن، (وإن أخذ) المستودع (درهما) بلا إذن من وديعة
غير مختومة ولا مشدودة ولا مصرورة، (ثم رده) وتلف ضمنه وحده (2)، (أو) أخذ منها
درهما، ثم رد (بدله متميزا) وضاعت ضمنه وحده، (أو أذن) المالك (له) أي المستودع (في
أخذه) درهما (منها) فأخذه (ورد) المستودع (بدله بلا إذن فضاع الكل ضمنه) أي الدرهم
المأخوذ (وحده) لأن الضمان تعلق بالأخذ، فلم يضمن غير ما أخذه (3)، بدليل ما لو تلفت
في يده قبل رده (إلا أن تكون) الوديعة دراهم (مختومة، أو مشدودة، أو مصرورة) فإن كانت
215

كذلك ضمن الجميع، لهتك الحرز بغير إذن ربه، (أو) إلا إن (رد بدله غير متميز وضاعت
الوديعة (فيضمن الجميع) لخلطه الوديعة بما لا تتميز منه (كما لو لم يدر أيهما ضاع) بأن
ضاع درهم مثلا ولم يدر أهو المردود أو غيره من الوديعة فيضمنه، لأن الأصل عدم براءته
(ولو خرق) المستودع (الكيس) المشدود على دارهم ونحوها (من فوق الشد لم يضمن إلا
الخرق) لأنه لم يهتك الحرز، (و) بخرق الكيس (من تحته) أي الشد (يضمن أرشه) أي
الخرق، (و) يضمن (ما فيه) من دراهم ونحوها إن ضاعت لهتكه الحرز (وإن أودعه صغير
مميز، أو لا وديعة)، أو أودعه مجنون، أو محجور عليه لسفه وديعة (فتلفت) عند المستودع ولو
بلا تعد ولا تفريط (ضمنها) المستودع. لأنه أخذ مال غيره بغير إذن شرعي أشبه ما لو
غصبه (ولا يبرأ) المستودع من صغير ونحوه (إلا بالتسليم إلى وليه) كدينه وتقدم في الحجر
(إلا أن يكون) المحجور عليه لحظة (مميزا مأذونا) له في الايداع، (أو يخاف) الاخذ لما معه
(هلاكها معه فيأخذها لحفظها) حتى يسلمها لوليه (حبسه. فلا) ضمان عليه (كالمال الضائع
والموجود في مهلكة إذا أخذه لذلك) أي ليحفظه لربه (وتلف) قبل التمكن من رده (وكذا لو
أخذ) إنسان (المال من الغاصب تخليصا) له (ليرده إلى مالكه) فتلف قبل التمكن لم يضمنه
لأنه محسن، (وإن أودع) جائز التصرف (الصغير) وديعة (ولو) كان المستودع الصغير (قنا،
أو) أودع جائز التصرف (المجنون، أو المعتوه، وهو المختل العقل) وديعة، (أو) أودع جائز
التصرف (السفيه، وديعة، أو أعارهم) أي أعار جائز التصرف الصغير، أو المجنون، أو المختل
العقل، أو السفيه (شيئا فأتلفوه) بأكل، أو غيره، (أو تلف بتفريطهم، لم يضمنوا) (1)، لأن المالك
سلطهم على الاتلاف بالدفع إليهم، (ويضمن ذلك) أي المودع والمعير (العبد المكلف) ومثله
المدبر، والمكاتب، والمعلق عتقه على صفة وأم ولد (في رقبته إذا أتلفه) لأنه مكلف (2)،
216

فصح استحفاظه، وبه يحصل الفرق بينه وبين الصبي، وكونها في رقبته، لأن إتلافه من
جنايته.
تنبيه: ظاهر قوله كغيره إذا أتلفه أنه لو تلف بيده لا ضمان، ولو بتعد، أو تفريط،
وهو كالصريح في قول التنقيح: ولا يضمن الكل أي الوديعة والعارية بتلفهما بتفريط، لكن
مقتضى تعليلهم بما تقدم: إنه يضمن إن تعدى، أو فرط ويكون كإتلافه، (وإذا مات إنسان
وثبت أن عنده وديعة)، أو مضاربة، أو رهنا ونحوها من الأمانات (ولم توجد) تلك الوديعة
ونحوها (بعينها) في تركته (فهي دين عليه تغرمها الورثة من تركته) لأنه لم يتحقق براءته
منها (كبقية الديون) فإن كان عليه دين سواها فهما سواء، وتقدم في المضاربة.
فصل:
(المودع أمين)
لأن الله تعالى سماها أمانة بقوله: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) *
[النساء: 58]. (والقول قوله مع يمينه فيما يدعيه من رد) لأنه لا منفعة له في قبضها، فقبل
قوله بغير بينة (1) (ولو) ادعى الرد (على يد عبده) أي عبد الملك (أو زوجته، أو خازنه)، أو
وكيله، أو حافظ ماله، لأن أيديهم كيده. قاله في القاعدة الرابعة والأربعين، وإن دفع
المستودع الوديعة لزوجته نفسه أو خازنه ونحوهما وادعوا الرد فقولهم بيمينهم قال في
المبدع بعد أن قدم ما جزم به المصنف سابقا من أن للمودع دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله
عادة كزوجته وخازنه وذكر مقابله: وعلى الأول يصدق في دعوى الرد، أو التلف كالمودع (2)
انتهى. وقال الأزجي: إن ادعى الرد إلى رسول موكل ومودع فأنكر الموكل ضمن لتعلق
الدفع بثالث، ويحتمل لا. وذكر المجد في شرحه. لو أودع أحد الشريكين حيث جاز
217

وادعى الوديع الرد إليه قبل، كما يقبل على المالك المحض. وإن ادعى الرد على الشريك
الآخر لم يقبل إلا ببينة، (أو) أدعى الرد (بعد موت ربها) أي الوديعة (إليه) أي إلى رب
الوديعة، بأن ادعى ورثة المالك على المودع بالوديعة، فقال: رددتها إليه بعد موته. قبل
قوله بيمينه، كما لو كان المالك هو المدعي وأنكر، (وكذا دعوى تلف) من مستودع فتقبل
بيمينه (ولو) كان التلف (بسبب خفي من سرقة أو ضياع ونحوه) لتعذر إقامة البينة على
ذلك، فلو لم يقبل قوله فيه لامتنع الناس من قبول الأمانات مع الحاجة إليه. قال ابن
المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن المستودع إذا أحرز الوديعة، ثم ذكر أنها ضاعت قبل
قوله مع يمينه (فإن ادعاه) أي ادعى المستودع التلف (بسبب ظاهر كحريق، وغرق، وغارة
ونحوها) كنهب جيش (لم يقبل) منه ذلك (إلا ببينة) تشهد (بوجود ذلك السبب في تلك
الناحية) (1) فإن عجز عن إقامة البينة بالسبب الظاهر ضمنها، لأنه لا تتعذر إقامة البينة به
والأصل عدمه (ويكفي في ثبوته) أي السبب الظاهر (الاستفاضة) قاله في التلخيص،
والرعايتين، والحاوي الصغير، وغيرها. فعلى هذا: إذا علمه القاضي بالاستفاضة قبل قول
الوديع بيمينه ولم يكلفه بينة تشهد بالسبب ولا يكون من القضاء بالعلم، كما ذكره ابن القيم
في الطرق الحكيمة في الحكم بالاستفاضة لا في خصوص هذه (فإذا ثبت) السبب الظاهر
بالبينة، أو الاستفاضة (فالقول قوله) أي الوديع (في التلف مع يمينه) فيحلف أنها ضاعت به
(وتقدم في الرهن، والوكالة) نحو ذلك، (ويقبل قوله) أي المستودع (في الاذن) أي أن المالك
أذن له (في دفعها) أي الوديعة (إلى إنسان) عينه، (وأنه دفع‍) ها إليه مع إنكار المالك الاذن
ولا بينة به، لأنه ادعى دفعا يبرأ به من الوديعة، فكان القول قوله فيه كما لو ادعى ردها إلى
مالكها (2)، ولا يلزم المدعى عليه للمالك غير اليمين لما لم يقر بقبضه. وهذه المسألة من
المفردات، ولو اعترف المالك بالاذن وأنكر الدفع قبل قول المستودع، ثم ينظر في المدفوع
إليه، فإن أقر له بالقبض، فلا كلام، وإن أنكر حلف وبرئ أيضا (3)، وفاتت على ربها إن
كان الثاني وديعا، وإن كان ذا دين قبل قوله مع يمينه وضمن الدافع إن لم يشهد لتقصيره،
صدقه المالك أو كذبه، وتقدم في الوكالة. (و) يقبل قول المستودع أيضا في نفي (ما يدعيه
عليه من خيانة، وتفريط) لأن الأصل عدمهما، (ولا تقبل دعواه) أي المستودع (الرد إلى ورثة
المالك، و) لا دعواه الرد إلى (الحاكم) إلا ببينة، لأنهم لم يأتمنوه، وكذا ورثة المودع لا
218

يقبل قولهم في الدفع إلى المالك ولا إلى غيره، لأنهم غير مؤتمنين عليها من قبل مالكها،
(فإن منع) المستودع (ربها) أي الوديعة (منها) أي من أخذها، (أو مطله) أي أخر دفعها إلى
مستحقها (بلا عذر، ثم ادعى تلفا) للوديعة (لم يقبل) منه ذلك (إلا ببينة) لأنه بالمنع، أو
المطل بطل الاستئمان. قلت: هو لا يزيد على الغاصب، وهو يقبل قوله في التلف بيمينه
ويضمن البدل، (ولو سلم) المستودع (وديعة إلى غير ربها كرها) لم يضمن (أو صاده سلطان
لم يضمن) الوديعة لأن الاكراه عذر يبيح له دفعها (كما لو أخذها) السلطان (منه) أي
المستودع (كرها) أي قهرا. وعند أبي الوفاء: إن ظن أخذها منه بإقراره كان دالا، ويضمن
(وإن آل الامر إلى الحلف) أي وإن طلب من المستودع أن يحلف أنه ليس عنده وديعة لفلان،
(ولا بد) أي ولم يجد بدا من الحلف بأن كان الطالب ليمينه متغلبا عليه بسلطنة، أو تلصص
ولا يمكنه الخلاص منه إلا بالحلف (حلف متأولا) فينوي لا وديعة عندي لفلان في موضع
كذا من المواضع التي ليست بها ونحوه، ولم يحنث. وقال القاضي في المجرد: له أخذها،
(فإن لم يحلف حتى أخذت منه وجب الضمان) لتفريطه بترك الحلف، (وإن حلف) المستودع
أنه لا وديعة لفلان عنده، (ولم يتأول أثم) لحلفه كاذبا، لكن إثم حلفه دون إثم إقراره بها،
(ووجبت الكفارة) لحنثه بالحلف بلا تأويل، (وإن أكره على اليمين بالطلاق) أنه لا وديعة
عنده لفلان (فكما لو، أكره على إيقاع الطلاق) أي فلا تنعقد، قاله أبو الخطاب، (قال
الحارثي) وفيه بحث: (وحاصله) أي البحث (إن كان الضرر الحاصل بالتغريم كثيرا يوازي
الضرر في صور الاكراه، فهو إكراه لا يقع، وإلا وقع) على المذهب انتهى، (وإن نادى
السلطان: أن من لم يحمل وديعة فلان عمل به كذا وكذا) من أنواع التهديد (فحملها من غير
مطالبة أثم وضمن). قال ابن الزاغوني: إن لم يعينه أو عينه وتهدده ولم ينله بعذاب أثم وضمن
وإلا فلا انتهى. وفيما إذا عينه وتهدده نظر إذا كان قادرا على الايقاع به لأنه إكراه، (وإن سلم)
المستودع (الوديعة إلى من يظنه صاحبها فتبين خطؤه ضمنها) لأنه فوتها على ربها (وإن)
أنكر المستودع الايداع بأن (قال: لم تودعني، ثم أقر بها) أي الوديعة، (أو ثبت) الايداع
219

(ببينة فادعى ردا، أو تلفا سابقين لجحوده لم يقبل) منه ذلك، (وإن أقام به بينة) لأنه صار
ضامنا بجحوده ومعترفا على نفسه بالكذب المنافي للأمانة (1)، ولأنه مكذب لبينته بجحوده،
(وإن كان) ما ادعاه من الرد، أو التلف (بعد جحوده) كما لو ادعى عليه بالوديعة يوم الخميس
فجحدها، ثم أقر بها يوم السبت، ثم ادعى أنه ردها، أو تلفت بغير تفريطه يوم الأربعاء وأقام
بذلك بينة (قبلت) بينته (بهما) أي بالرد، أو التلف، لأنه حينئذ ليس بمكذب لها (فإن شهدت
بينة بالتلف، أو الرد) بعد جحود الايداع (ولم يعين هل ذلك) التلف أو الرد (قبل جحوده، أو
بعده، واحتمل الامرين لم يسقط الضمان) لأن وجوبه متحقق فلا ينتفي بأمر متردد فيه،
(ويأتي. وإن قال) المدعى عليه بوديعة: (مالك عندي شئ، أو لا حق لك علي)، أو قبلي،
ثم أقر بالايداع، أو ثبت ببينة (قبل قوله في الرد والتلف) بيمينه (2)، لأنه لا ينافي جوابه،
لجواز أن يكون أودعه، ثم تلفت عنده بغير تفريط، أو ردها فلا يكون له عنده شئ، (لكن إن
وقع التلف بعد الجحود وجب الضمان) لاستقرار حكمه بالجحود فيشبه الغاصب. قلت:
وظاهره ولو أقام به بينة (ولو قال) إنسان لآخر: (لك) عندي (وديعة، ثم ادعى) المقر (ظن
البقاء) أي قال: كنت أظنها باقية، (ثم علمت تلفها. لم يقبل قوله) لأنه رجوع عن إقرار بحق
لآدمي. وقال القاضي: يقبل ويأتي في الاقرار ما فيه (وإن مات المودع وادعى وارثه الرد)
إلى المالك، أو غيره، (أو) ادعى الوارث (إن مورثه) كان (ردها) لم يقبل إلا ببينة، (أو ادعاه)
أي الرد (الملتقط، أو) ادعاه (من أطارت الريح إلى داره ثوبا لم يقبل إلا ببينة) لأن المالك
لم يأتمنهم، (ومن حصل في يده أمانة بغير رضا صاحبها كاللقطة ومن أطارت الريح إلى داره
ثوبا وجبت) عليه (المبادرة إلى الرد مع العلم بصاحبها، و) مع (التمكن منه، وكذا إعلامه)
أي الواجب عليه أحد أمرين إما الرد، أو الاعلام (ذكره جمع) منهم صاحب المغني (3)،
220

والمحرر، والمستوعب ونحوه، ذكره ابن عقيل، وحكاه في القواعد الفقهية (قال في
الانصاف (1): وهو مراد غيرهم) لأن مؤنة الرد لا تجب عليه، وإنما الواجب التمكين من
الاخذ. قاله في القاعدة الثانية والأربعين (وكذا الوديعة والمضاربة والرهن ونحوها) كالعين
المشتركة (إذا مات المؤتمن وانتقلت إلى وارثه) وجب على من هي بيده المبادرة إلى الرد
مع العلم بصاحبها والتمكن منه، أو إعلامه (لزوال الائتمان، وكذا لو فسخ المالك) في
حضرة الأمين، أو غيبته (عقد الائتمان في الأمانات كالوديعة، والوكالة، والشركة، والمضاربة.
يجب الرد على الفور لزوال الائتمان) قال في القواعد الفقهية: وظاهر كلامه أي القاضي،
أنه يجب فعل الرد، فإن العلم هنا حاصل للمالك انتهى. قلت: وفيه نظر، لأن مؤنة الرد لا
تجب عليه، ولو دخل حيوان لغيره، أو عبد له إلى داره فعليه أن يخرجه ليذهب كما جاء،
لأن يده لم تثبت عليهما بخلاف الثوب ذكره ابن عقيل. قاله في القاعدة الثالثة والأربعين
(وإن تلفت) الوديعة، أو نحوها (عند الوارث قبل إمكان ردها لم يضمنها) لأنه لم يفرط
(وإلا) بأن أخر الرد، أو الاعلام فوق ما يمكنه وتلفت (ضمنها) (2) لتفريطه بالتأخير (ويجب)
على المستودع (رد الوديعة إلى مالكها) أي تمكينه من أخذها لما يأتي (إذا طلبها، فإن أخره)
أي الرد (بعد طلبها بلا عذر ضمن) إن تلفت، أو نقصت كالغاصب، وإن طلبها في وقت لا
يمكن دفعها إليه لبعدها، أو لمخافة في طريقها، أو للعجز عن حملها، أو غير ذلك لم يكن
معتديا بترك تسليمها، ولم يضمنها لعدم عدوانه (ويمهل) المستودع إذا طلب منه الرد (لاكل،
وشرب، ونوم، وهضم طعام، ومطر كثير، ونحوه) كطهارة وصلاة (بقدره) أي بقدر ذلك، فلا
يضمنها إن تلفت زمن عذره. لعدم عدوانه (وكذا لو أمره بالرد) أي رد الوديعة (إلى وكيله،
فتمكن) المستودع من ردها للوكيل، (وأبى) ردها (ضمن) المستودع الوديعة إن تلفت، سواء
221

(طلبها الوكيل أم لا) لأنه أمسك مال غيره بغير إذنه، (ومثله) أي الوديعة (من أخر دفع مال
أمر بدفعه بلا عذر) وتلف، فيضمنه لما تقدم، (وليس على المستودع مؤنة الرد) أي رد
الوديعة، (و) لا مؤنة (حملها إلى ربها إذا كانت مما كانت لحمله مؤنة. قلت المؤنة، أو
كثرت)، بل الواجب عليه التمكين من الاخذ فقط، لأنه قبض العين لمنفعة مالكها على
الخصوص، بخلاف مستعير (فإن سافر) المستودع (بها) أي بالوديعة (بغير إذن ربها لزمه)
مؤنة (ردها إلى بلدها)، ولعل المراد في حال لا يجوز له السفر بها وإلا فقال القاضي: له ما
أنفق بنية الرجوع أي لأن مؤنة الرد على ربها، وقد قام بها عنه الوديع بنية الرجوع، (وتثبت
الوديعة بإقرار الميت) بأن كان أقر أنها لفلان، (أو) إقرار (ورثته، أو بينته) كسائر الحقوق (وإن
وجد عليها مكتوب: وديعة. لم يكن حجه) لأنه يحتمل أن الوعاء كانت فيه وديعة قبل
هذه، أو كان وديعة للميت عند غيره ونحوه ذلك. اختاره القاضي في المجرد وابن عقيل
والموفق وقدمه الشارح، ونصره. وجزم به في الحاوي الصغير والنظم، والصحيح من
المذهب، كما في الانصاف وغيره: إنه يعمل به وجوبا. وقطع به في التنقيح، وتبعه في
المنتهى، (وإن وجد) وارث (خط مورثه: لفلان عندي وديعة، أو) وجد (على الكيس ونحوه)
مكتوب (هذا لفلان، عمل) الوارث (به وجوبا) (1) كما يعمل بإقراره باللفظ، (وإن وجد)
وارث (خطه) أي خط مورثه (بدين له على فلان، جاز للوارث الحلف) إذا أقام به شاهدا
مثلا، وكان يعلم أن مورثه لا يكتب إلا حقا، وأنه صادق أمين، (ودفع) الدين (إليه) فيجوز
الحلف على ما لا تجوز الشهادة به. إذ لا يشهد على شهادة أبيه أو غيرها. إذا رآها بخطه،
(وإن وجد) وارث (خطه) أي خط مورثه (بدين عليه) لمعين (عمل) الوارث (به) وجوبا،
(ودفع) الدين (إلى من هو مكتوب باسمه) كالوديعة، (وإن ادعى الوديعة اثنان، فأقر)
المستودع (بها لأحدهما. فهي له) أي للمقر له (مع يمينه، ويحلف المودع أيضا لمدعي الآخر) لأن اليد كانت للمودع، وقد
222

نقلها إلى المدعي، فصارت اليد له، ومن كانت اليد له قبل قوله بيمينه (1)، ومن إفراد
ذلك: لو قال المودع: أودعنيها الميت، وقال هي لفلان. وقال ورثته: بل هي له. أفتى
الشيخ التقي: بأن القول قول المودع مع يمينه، (ويحلف المودع أيضا للمدعي الآخر) الذي
أنكره، لأنه منكر لدعواه، وتكون يمينه على نفي العلم. قاله في المبدع، (فإن) حلف برئ
وإن (نكل لزمه بدلها له لأنه فوتها) عليه، وكذا لو أقر له بها بعد أن أقر بها للأول فتسلم
للأول ويغرم قيمتها للثاني نصا، (وإن أقر بها لهما) معا (فهي لهما) أي بينهما، كما لو كانت
بأيديهما وتداعياها، (ويحلف لكل واحد منهما) يمينا على نصفها، (فإن نكل) عن اليمين (لزمه
بدل نصفها لكل واحد منهما) وإن نكل عن اليمين لأحدهما فقط لزمه لمن نكل عن اليمين
له عوض نصفها، (ويلزم كل واحد منهما الحلف لصاحبه) لأنه منكر لدعواه، (وإن قال)
المودع: هي (لأحدهما، ولا أعرف عينه، فإن صدقاه، أو سكتا) عن تصديقه وتكذيبه (فلا
يمين) عليه. إذ لا اختلاف، (ويقرع بينهما) فمن خرجت له القرعة سلمت إليه بيمينه (2)،
(وإن كذباه) بأن قالا: بل تعرف أينا صاحبها (حلف) لهما (يمينا واحدة أنه لا يعلم) عينه.
وكذا إن كذبه أحدهما وجحده (ويقرع بينهما، فمن قرع) أي خرجت له القرعة (حلف) أنها
له، لاحتمال عدمه (وأخذها) بمقتضى القرعة (3)، (فإن نكل) المودع عن اليمين أنه لا يعلم
صاحبها (حكم عليه) بالنكول (وألزم التعيين) أي تعيين صاحبها (فإن أبى) التعيين (أجبر
على القيمة) إذ كانت متقومة وعلى المثل إن كانت مثلية، (فتؤخذ القيمة،) أو المثل، (والعين
فيقترعان عليهما، أو يتفقان) عليهما. قال في التلخيص: وكذلك إذا قال: أعلم المستحق، ولا
أحلف، (ثم إن قامت بينة بالعين لاخذ القيمة سلمت إليه) العين للبينة وتقديمها على القرعة
(وردت القيمة إلى المودع، ولا شئ للقارع) على المودع، لأنه لم يفوت عليه شيئا، بل
223

المفوت البينة، (وإن أودعه اثنان مكيلا، أو موزونا ينقسم) إجبارا بأن لا ينقص بتفرقه (فطلب
أحدهما حقه) من المودع (لغيبة شريكه، أو) حضوره، و (امتناعه) من الاخذ ومن الاذن
لصاحبه في أخذ حقه (سلمه) المودع (إليه) أي إلى المطالب وجوبا، لأنه أمكن تمييز
نصيب أحد الشريكين من نصيب الآخر بغير غبن ولا ضرر، فإذا طلب أحدهما نصيبه لزم
دفعه إليه، كما لو كان متميزا (1)، وقال القاضي: لا يجوز ذلك إلا بإذن الحاكم (2)، لأن ذلك
يحتاج إلى قسمة، ويفتقر إلى حكم، أو اتفاق. وليس ذلك إلى المودع وهو مقتضى كلامه في
القسمة. وعلم مما تقدم أن ذلك لا يجوز في غير المثلي، لأن قسمته لا يؤمن فيها
الحيف، لافتقارها إلى التقويم، وهو ظن وتخمين (وإن غصبت الوديعة فللمودع المطالبة بها)
لأنه مأمور بحفظها، وذلك منه. وغير في الفروع بأنه يلزمه (وكذا مضارب ومرتهن
ومستأجر). قلت: ومستعير ومجاعل على عملها (وإن قال) رب الوديعة للمودع: (كلما خنت،
ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين. صح) لصحة تعليق الايداع على الشرط، كالوكالة.
باب إحياء الموات (3)
قال الأزهري: هو الأرض التي ليس لها مالك ولا بها ماء ولا عمارة ولا ينتفع بها
انتهى، وتسمى ميتة ومواتا بفتح الميم والواو، والموتان بضم الميم وسكون الواو: الموت
الذريع، ورجل موتان القلب - بفتح الميم وسكون الواو - يعني أعمى القلب لا يفهم. قاله
في المغني. وفي القاموس: الموات كغراب الموت، وكسحاب: ما لا روح فيه، وأرض لا
مالك لها، والموتان بالتحريك خلاف الحيوان، وأرض لم تحيا بعد، وبالضم: موت يقع
224

بالماشية. ويفتح (وهي الأرض المنفكة عن الاختصاصات أو ملك معصوم) مسلم أو كافر،
ويأتي بيان الاختصاصات. والأصل في إحياء الأرض: حديث جابر مرفوعا: من أحيا أرضا
ميتة فهي له قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وحديث سعيد بن زيد: من أحيا
أرضا ميتة فهي له. وليس لعرق ظالم حق (1) قال الترمذي حديث حسن. وروى مالك في
موطئه وأبو داود في سننه مثله. قال ابن عبد البر: هو مسند صحيح متلقى بالقبول عند
فقهاء المدينة وغيرهم. قال في المغني (2) والشرح (3): وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات
يهلك بالاحياء وإن اختلفوا في شروطه، (فإن كان الموات) أي الأرض لخراب الدراسة (لم
يجر عليه ملك لاحد، ولم يوجد فيه أثر عمارة. ملك بالاحياء) بغير خلاف بين القائلين
بالاحياء قاله في المغني (4)، والشرح (5). نقل أبو المظفر في أرض بين قريتين ليس فيها مزارع
ولا عيون وأنهار تزعم كل قرية أنها لهم في حرمهم، فإنها ليست لهؤلاء ولا لهؤلاء، حتى
نعلم أنهم أحيوها، فمن أحياها فله. ومعناها نقل ابن القاسم، ويأتي مفهوم قوله: ولم
يوجد فيه أثر عمارة، (وإن ملكها من له حرمة) من مسلم، أو ذمي، أو معاهد لم تملك بإحياء،
(أو) ملكها من (شك فيه) أله حرمة أم لا (فإن وجد) هو (أو أحد من ورثته لم يملك
بإحياء) قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا
يجوز إحياؤه لاحد غير أربابه انتهى. ومراده: ما ملك بشراء، أو هبة ونحوه بخلاف ما ملك
بإحياء، ثم دثر ففيه. خلاف فعندما ملك: يملك بالاحياء (وإن علم) مالكه، (ولم يعقب)، أو
لم يكن له ورثة (لم يملك) أيضا بالاحياء. لحديث عائشة ترفعه: من أحيا أرضا ليست
لاحد (6) (وأقطعه الامام من شاء) لأنه فئ، (وإن كان) الموات (قد ملك بإحياء، ثم ترك
حتى دثر وعاد مواتا لم يملك بإحياء إن كان لمعصوم) لأن ملك المحيي أو لا لم يزل
225

عنها بالترك بدليل سائر الأملاك (وإن علم ملكه) أي الدارس الخراب (لمعين غير معصوم)
بأن كان لكافر لا ذمة له، ولا أمان (فإن كان بدار حرب واندرس كان كموات أصلي يملكه
مسلم بإحياء) لأن ملك من لا عصمة له كعدمه، وإن كان بدار إسلام، فالصحيح، أنه لا
يملكه بالاحياء، فلا أثر لاحيائه، وإن ملكه بنحو شراء، بأن وكل غير المعصوم معصوما
ليشتري له مكانا فاشتراه، ثم ترك حتى درس، وصار مواتا. فالظاهر أنه لا يملك بالاحياء
فيكون فيئا بمنزلة ما جلوا عنه خوفا منا، لكن مقتضى التعليل أنه يملك بالاحياء، وظاهره
أيضا: أن الذمي لا يملكه بالاحياء، ولعله غير مراد، (وإن كان فيه) أي الخراب (أثر لملك
غير جاهلي، كالخراب التي ذهبت أنهارها واندرست آثارها) ولم يعلم الآن لها مالك (ملك
بالاحياء) لعموم ما سبق من الاخبار، وسواء كان بدار الاسلام، أو بدار الحرب، (وكذا إن
كان) أثر الملك به (جاهليا قديما كديار عاد) وآثار الروم، فيملكه من أحياه (1) لما سبق
وروى سعيد في سننه، وأبو عبيدة في الأموال عن طاوس عنه (ص): عادي الأرض لله
ولرسوله، ثم هو بعد لكم (2)، (فأما مساكن ثمود فلا تملك فيها لعدم دوام البكاء مع
السكنى، ومع (الانتفاع. قاله الحارثي) وظاهر كلام غيره تملك بالاحياء، ونقله في
الشرح (3)، بل صرح به في شرح (4) المنتهى عن جمع من الأصحاب، لعموم ما سبق،
(ويكره دخول ديارهم) أي ثمود (إلا لباك معتبر، لا يصيبه ما أصابهم) من العذاب للخبر،
(أو) كان أثر الملك به جاهليا (قريبا) فيملك بالاحياء، لأن أثر الملك الذي به لا حرمة له
أشبه آثار الجاهلي القديم، (أو تردد في جريان الملك عليه) ولم يتحقق ملكه لمعصوم ملك
بالاحياء لأن الأصل عدم جريان الملك عليه (ومتى أحيا أرضا ميتة فهي له) أي للمحيي
(مسلما كان) المحيي، (أو ذميا) وسواء أحياها (بإذن الإمام، أو) ب‍ (غير إذنه، في دار الاسلام
وغيرها) لعموم ما سبق من الاخبار، ولأنهما عين مباحة، فلم يفتقر ملكها إلى إذن الإمام،
226

كأخذ المباح، وهو مبني على أن عموم الاشخاص يستلزم عموم الأحوال (إلا موات الحرم)،
و (عرفات) فلا يملك بالاحياء مطلقا لما فيه من التضييق في أداء المناسك، واختصاصه
بمحل الناس فيه سواء. ومنى، ومزدلفة على الحرم كما سبق، فلا إحياء بهما (وموات العنوة)
كأرض مصر، والشام، والعراق (كغيره) مما أسلم أهله عليه، كالمدينة، وما صولح أهله على
أن الأرض للمسلمين (فيملك) موات العنوة بالاحياء (ولا خراج عليه) أي على من أحيا
موات العنوة. وما روي عن الامام ليس في أرض السواد موات معللا بأنها لجماعة، فلا
يختص بها أحدهم. حملها القاضي على العامر، ويحتمل أن أحمد قاله لكون السواد كان
عامرا في زمن عمر بن الخطاب، وحين أخذه المسلمون من الكفار (إلا أن يكون) المحيي
للعنوة (ذميا) فعليه الخراج، لأن الأرض للمسلمين، فلا تقر في يد غيرهم بدون الخراج
كغير الموات، وهل يملكه مع ذلك، عبارة الانصاف أو لا: تقتضي أنه يملكه. وثانيا
صريحة في أنه لا يملكه، بل يقر بيده بالخراج (ولا يملك مسلم) بالاحياء (ما) أي مواتا
(أحياه من أرض كفار صولحوا على أنها) أي الأرض (لهم، ولنا الخراج عليها) لأنهم
صولحوا في بلادهم، فلا يجوز التعرض لشئ منها، لأن الموات تابع للبلد، ويفارق دار
الحرب، لأنها على أصل الإباحة (1)، (ولا يملك بإحياء ما قرب) عرفا (من العامر وتعلق
بمصالحه، كطرقه وفنائه) ما اتسع أمامه (ومجتمع ناديه) أي جماعته (ومسيل مياهه، ومطرح
قمامته، وملقى ترابه، و) ملقى (آلاته) التي لا نفع بها، (ومرعاه، ومحتطبه، وحريم البئر، و)
حريم (النهر، و) حريم (العين، ومرتكض الخيل) أي المحل المعد لركضها، (ومدافن
الأموات، ومناخ الإبل، والمنازل المعتادة للمسافرين حول المياه، والبقاع المرصدة لصلاة
العيدين، و) لصلاة (الاستسقاء، و) لصلاة (الجنائز، و) البقاع المرصدة ل‍ (دفن الموتى)
ولو قبل الدفن (ونحوه. فكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه) قال في المبدع:
بغير خلاف نعلمه لمفهوم قوله (ص): من أحيا أرضا ميتة من غير حق مسلم فهي له (2) ولان
227

ذلك من مصالح الملك، فأعطى حكمه (1). وذكر القاضي أن مباح المرافق لا يملكها
المحيي بالاحياء، لكن هو أحق بها من غيره (2)، (ولا يجوز للامام إقطاع ما لا يجوز إحياؤه)
مما قرب من العامر وتعلق بمصالحه، لأنه في حكم المملوك لأهل العامر، (وما) قرب من
العامر، لكنه (لا يتعلق بمصالحه ملك بإحياء) كالبعيد عنه، لعموم ما سبق، مع انتقاء المانع،
وهو التعلق بمصالح العامر (وللامام إقطاعه) أي ما قرب من العامر ولم يتعلق بمصالحه لأنه
(ص): أقطع بلال بن الحرث العقيق (3) مع قربه من عامر المدينة، (ولو اختلفوا في الطريق
وقت الاحياء جعلت سبعة أذرع) للخبر، (ولا تغير) الطريق (بعد وضعها، وإن زادت على
سبعة أذرع، لأنها للمسلمين) (4) فلا يختص أحد منهم بشئ منها (ولا تملك معادن ظاهرة)
بإحياء (ولا تحجر) أي لا يجوز لاحد أن يتحجرها ليختص بها، (وهي) أي المعادن الظاهرة
(ما لا تفتقر إلى عمل) بأن كان يتوصل إلى ما فيها بلا مؤنة (كملح، وقار، ونفط، وكحل،
وجص، وياقوت، وماء، وثلج) في عدهما من المعادن نظر (وموميا، وبرام، وكبريت،
ومقاطع طين) في جعله من المعادن نظر (ونحوها) لأن فيه ضررا بالمسلمين، وتضييقا
عليهم، لأن النبي (ص): أقطع أبيض بن حمال معدن الملح فلما قيل له: إنه بمنزلة الماء العد
رده (5) كذا قال أحمد (ولا) تملك ولا تحتجر معادن (باطنة) وهي التي تحتاج في إخراجها
إلى حفر ومؤنة (ظهرت) الباطنة (أو لا. كحديد ونحوه) من نحاس وذهب وفضة، وجوهر
وشبهها (بإحياء) متعلق بلا تملك، لأن الاحياء الذي يملك به العمار التي يتهيأ بها المحيا
للانتفاع من غير تكرار عمل. وهذا حفر وتخريب يحتاج إلى تكرار عند كل انتفاع (ولا)
228

يملك بإحياء (ما نضب) أي غار (عنه الماء مما كان مملوكا وغلب) الماء (عليه ثم نضب)
الماء (عنه، بل هو باق على ملك ملاكه) قبل غلبة الماء عليه. ف‍ (لهم أخذه) لأنها لا
تزيل ملكهم عنه (أما ما نضب) أي غار (عنه الماء من الجزائر، والرقاق) بفتح الراء: أرض
لينة أو رمال يتصل بعضها ببعض. قاله في الحاشية. وقال بعضهم: أرض مستوية لينة
التراب تحتها صلابة (مما لم يكن مملوكا. فلكل أحد إحياؤه) بعدت أو قربت (كموات)
قال الحارثي: مع عدم الضرر. ونص عليه انتهى. وقال في التنقيح: لا يملك بالاحياء.
وتبعه في المنتهى. وقال أحمد، في رواية العباس بن موسى: إذا نضب الماء من جزيرة
إلى فناء رجل لم يبن فيها، لأن فيه ضررا وهو أن الماء يرجع، أي يرجع إلى ذلك المكان.
فإذا وجده مبنيا رجع إلى الجانب الآخر فأضر بأهله، ولان الجزائر منبت الكلأ والحطب،
فجرت مجرى المعادن الظاهرة (1) (وليس للامام إقطاع معادن ظاهرة، أو باطنة) لما فيه من
التضييق. وصحح في الشرح جوازه، لأن النبي (ص): أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية.
جليسها وغويرها (2) رواه أبو داود وغيره (فإن كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء
صار ملحا ملك بالاحياء. وللامام إقطاعه) لأنه لا تضيق على المسلمين بذلك، بل يحدث
نفعه بالعمل فيه. فلم يمنع منه، كبقية الموات. وإحباؤه بتهيئته لما يصلح له من حفر ترابه
وتمهيده، وفتح قناة إليه. يتهيأ بهذا للانتفاع به (3) (وإذا ملك المحيا) بأن أحيا ما يجوز له
إحياؤه (ملكه بما فيه من المعادن الجامدة، كمعادن الذهب، والفضة، ونحوهما) كالجوهر
(باطنة كانت) المعادن، (أو ظاهرة) تبعا للأرض، لأنه ملك الأرض بجميع أجزائها وطبقاتها.
وهذا منها. فدخل في ملكه على سبيل التبعية. ويفارق الكنز لأنه مودع فيها للنقل عنها.
فالباطنة كالذهب، والفضة والحديد، والرصاص. والظاهرة كالكحل، والجص، والزرنيخ،
والكبريت قاله في الشرح (4) والمبدع (5): ولو تحجر الأرض أو قطعها فظهر فيها المعدن
229

قبل إحيائها كان له إحياؤها، ويملكها بما فيها، لأنه صار أحق بتحجره وإقطاعه فلم يمنع
من إتمام حقه (وإن ظهر فيه) أي المحيا من الأرض (عين ماء، أو معدن جار إذا أخذ منه
شئ خلفه غيره، كنفط، وقار، أو) ظهر فيها (كلا، أو شجر. فهو أحق به بغير عوض) لأنه لو
سبق إلى المباح الذي ليس بأرضه كان أحق به لقوله (ص): من سبق إلى ما لم يسبق إليه
مسلم فهو له (1) رواه أبو داود. وفي لفظ فهو أحق به فهنا أولى (ولا يملكه) لحديث ابن
عباس الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار (2) رواه الحلال وابن ماجة وزاد
وثمنه حرام ولأنها ليست من أجزاء الأرض. فلم تملك بملكها كالكنز (وما فضل من مائه
الذي في قرار العين، أو) في قرار (البئر) عن حاجته وحاجة عياله وماشيته وزرعه (لزمه بذله
لبهائم غيره إن لم يوجد ماء مباح، ولم يتضرر) رب الأرض (به، سواء، اتصل) موضع الماء
(بالمرعى، أو بعد عنه. ويلزم) أيضا (بذله لزرع غيره ما لم يؤذه بالدخول) لحديث أبي هريرة
مرفوعا: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ متفق عليه. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده مرفوعا: من منع فضل مائه أو فضل كلأه منعه الله فضله يوم القيامة (3) رواه
أحمد. ولا يتوعد على ما يحل (فإن آذاه) بالدخول فله منعه. وكذا لو تضرر ببذله أو وجده
مباحا غيره، (أو كان له فيه) أي البئر (ماء السماء فيخاف عطشا فلا بأس أن يمنعه) لأنه
ملكه بالحيازة فلم يلزمه كسائر أملاكه. بخلاف العد (وكذا لو حازه) أي الماء العد (في إناء)
لم يلزمه بذله لغيره لما تقدم، إلا عند الاضطرار بشرطه (وعند الأذى يورد الماشية إليه) أي إلى
الماء العد الفاضل عن حاجة رب أرضه (فيجوز لرعاتها سوق فضل الماء إليها) لأن فيه
تحصيلا للمقصود بلا مفسدة (ولا يلزمه) أي من وجب عليه بذل الماء (بذل آلة الاستسقاء،
كالحبل، والدلو، والبكرة) لأنها تتلف بالاستعمال. أشبهت بقية ماله. لكن إن اضطر بلا ضرر
على ربها لزم بذلها. ويأتي في الأطعمة، (وإذا حفر بئرا ب‍) أرض (موات للسابلة) أي لنفع
المجتازين، (فالناس مشتركون في مائها، والحافر لها كأحدهم في السقي، والزرع، والشرب)
230

لأن الحافر لم يخص بها نفسه ولا غيره (وعند الضيق) أي التزاحم (يقدم الآدمي) في
السقي، لأنه أشد حرمة، (ثم) تقدم (البهائم) لأن لها حرمة، (ثم) يسقى (الزرع. وإن حفرها)
أي البئر (ليرتفق هو) أي الحافر (بمائها كحفر السفارة في بعض المنازل) بئرا ليرتفقوا
بمائها. وكحفر المنتجين (كالأعراب، والتركمان ينتجون أرضا فيحفرون لشربهم، وشرب
دوابهم لم يملكوها) لأنهم جازمون بانتقالهم عنها وتركها لمن ينزل منزلتهم، بخلاف الحافر
للتملك، (وهم أحق بمائها ما أقاموا) لسبقهم، (وعليهم بذل الفاضل) من الماء (لشاربه) للخبر
السابق. (وبعد رحيلهم تكون سابلة للمسلمين) لأنه ليس أحد ممن لم يحفرها أحق من
الآخر، (فإن عادوا) أي الحافرون (إليها كانوا أحق بها) من غيرهم، لأنهم لم يحفروها إلا
لأنفسهم. ومن عادتهم الرحيل والرجوع. فلم تزل أحقيتهم بذلك (قال في المغني) (1)،
والشرح (وعلى كل حال لكل أحد أن يستقي من الماء الجاري لشربه، وطهارته، وغسل ثيابه،
وانتفاعه به، في أشباه ذلك) أي المذكور من الشرب والطهارة وغسل الثياب (مما لا يؤثر
فيه من غير إذن) ربه (إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه. ولا يحل لصاحبه المنع من
ذلك) (2) لحديث أبي هريرة مرفوعا: ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم:
رجل كان بفضل ماء بالطريق فمنعه ابن السبيل (3) رواه البخاري. فأما ما يؤثر فيه كسقي
الماشية الكثيرة فإن فضل الماء عن حاجة صاحبه لزمه بذله لذلك. وإلا فلا. وتقدم (وقال
الحارثي: الفضل الواجب بذله ما فضل عن شفته وشفة عياله، وعجينهم، وطبيخهم،
وطهارتهم، وغسل ثيابهم، ونحو ذلك وعن مواشيه، ومزارعه، وبساتينه) لأن ذلك كله من
231

حاجته. وإن حفر البئر بموات تملكها. فهي له كما يأتي كما لو حفرها بملكه الحي.
فصل:
(وإحياء الأرض) الموات
(أن يحوزها بحائط منيع) بحيث (يمنع) الحائط (ما وراءه) (1) لقوله (ص): من أحاط
حائطا على أرض فهي له (2) رواه أحمد وأبو داود عن جابر. ولهما مثله عن سمرة بن
جندب (ويكون البناء مما جرت عادة) أهل (البلد البناء به) من لبن أو آجر أو حجر، أو
قصب، أو خشب ونحوه (سواء أرادها) المحيي (لبناء، أو زرع، أو) أرادها (حظيرة غنم، أو)
حظيرة (خشب ونحوهما. ولا يعتبر في ذلك) أي في الاحياء (تسقيف) ولا نصب باب،
لأنه لم يذكر في الخبر، والسكنى ممكنة بدونه (أو) أن (يجري لها ماء بأن يسوق إليها) ماء
نهر أو بئر (إن كانت لا تزرع إلا به) أي بالماء المسوق إليها، لأن نفع الأرض بالماء أكثر
من الحائط (أو) أن (يحفر فيها بئرا يكون فيها ماء. فإن لم يصل إلى الماء، فهو كالمتحجر
الشارع في الاحياء على ما يأتي) تفصيله. قال في التلخيص وغيره وإن خرج الماء استقر
ملكه إلا أن تحتاج إلى طي. فتمام الاحياء طيها، (أو) أن (يغرس فيها شجرا) بأن كانت لا
تصلح للغراس لكثرة أحجارها أو نحوها، فينقيها ويغرسها، لأنه يراد للبقاء كالحائط، (أو)
أن (يمنع) عن الموات (ما لا يمكن زرعها إلا بحبسه عنها، كأرض البطائح) لأن بذلك
يتمكن من الانتفاع بها. ولا يعتبر أن يزرعها ويسقيها (وإن كان المانع من زرعها كثرة
الأحجار كأرض اللجاة) ناحية بالشام (فإحياؤها بقلع أحجارها وتنقيتها، وإن كانت غياضا
وأشجارا كأرض الشعر فبأن يقلع أشجارها، ويزيل عروقها المانعة من الزرع) لأنه الذي
232

يتمكن به من الانتفاع بها (1). (ولا يحصل الاحياء بمجرد الحرث والزرع) لأنه لا يراد للبقاء
بخلاف الغرس، (ولا) يحصل الاحياء أيضا (بخندق يجعله عليها) أي حول الأرض التي يريد
إحياءها، (أو) ب‍ (شوك، وشبهه يحوطها به، ويكون تحجرا) لأن المسافر قد ينزل منزلا
ويحوط على رحله بنحو ذلك (وإن حفر) في موات (بئرا عادية) بتشديد الياء نسبة إلى عاد،
ولم يرد عادا بعينها. لكن لما كانت عاد في الزمن الأول وكانت لها آثار في الأرض نسب
إليها كل قديم. فلذا قال (وهي القديمة التي انطمت وذهب ماؤها، فجدد حفرها، وعمارتها،
أو انقطع ماؤها فاستخرجه ملكها وملك حريمها خمسين ذراعا من كل جانب، و) البئر (غير
العادية) حريمها (على النصف) من حريم العادية فهو خمسة وعشرون ذراعا من كل
جانب (2). لما روى أبو عبيد في الأموال عن سعيد بن المسيب قال: السنة في حريم القليب
العادي خمسون ذراعا، والبدئ خمسة وعشرون وروى الخلال والدارقطني نحوه مرفوعا.
وعلم من كلامه: أن البئر التي لها ماء ينتفع به الناس ليس لأحد احتجاره كالمعادن الظاهرة
(وحريم عين وقناة) من موات حولها (خمسمائة ذراع). قلت: لعل المراد بذراع اليد، لأنه
المتبادر عند الاطلاق (وحريم نهر من حافتيه ما يحتاج) النهر (إليه لطرح كرايته) أي ما يلقى
منه طلبا لسرعة جريه (وطريق شاوية) أي قيمه. قال في شرح المنتهى: والكراية والشاي لم
أجد لهما أصلا في اللغة بهذا المعنى. ولعلهما مولدتان من قبل أهل الشام (3) (وما يستضر
صاحبه بتملكه عليه وإن كثر) وكذا ما يرتفق بدخوله لأنه من مصالحه (وله) أي لصاحب
النهر (عمل أحجار طحن على النهر ونحوه، وموضع غرس، وزرع، ونحوهما) قاله في الرعاية.
قال: وإن كان بجنبه مسناة لغيره ارتفق بها في ذلك، أي في تنظيفه ضرورة (وحريم شجرة:
233

قدر مد أغصانها. و) الحريم (في النخل مد جريدها) لحديث أبي سعيد اختصم إلى النبي
(ص): في حريم نخلة. فأمر بجريدة من جرائدها فذرعت فكانت سبعة أذرع أو خمسة أذرع.
فقضى بذلك (1) رواه أبو داود (و) حريم (أرض) أحييت (لزرع) قدر (ما يحتاجه) زارعها
(لسقيها وربط دوابها، وطرح سبحها، ونحو ذلك) كمصرف مائها عند الاستغناء عنه، لأن ذلك
كله من مرافقتها، (وحريم دار من موات حولها مطرح تراب، وكناسة، وثلج، وماء، وميزاب، وممر
إلى بابها) لأن هذا كله يرتفق به ساكنها (2) (ولا حريم لدار محفوفة بملك الغير) من كل
جانب لأن الحريم من المرافق ولا يرتفق بملك غيره، لأن مالكه أحق به (ويتصرف كل
واحد) منهم (في ملكه وينتفع به بحسب ما جرت به العادة. فإن تعدى) العادة (منع)
التعدي، عملا بالعادة، (ومن تحجر مواتا) أي شرع في إحيائه من غير أن يتمه (بأن حفر بئرا
ولم يصل إلى مائها، أو أدار حول الأرض) التي أراد إحياءها (ترابا، أو أحجارا، أو جدارا
صغيرا) لا يمنع ما وراءه (أو سبق إلى شجر مباح كالزيتون، والخرنوب، ونحوهما فشفاه)
بالشين المعجمة والفاء أي قطع الأغصان الرديئة لتخلفها أغصان جيدة. كما ذكره في حاشية
التنقيح. وأطال فيه وذكرناه في حاشية المنتهى (وأصلحه ولم يركبه، ونحو ذلك) بأن خندق
حول الأرض أو حرثها أو أدار حولها شوكا أو نحوه لم يملكه بذلك (أو أقطعه له إمام لم
يملكه بذلك) لأن الملك إنما يكون بالاحياء. ولم يوجد (وهو) أي المتحجر (أحق به) (3)
لقوله (ص): من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له (4) رواه أبو داود، (و) كذا (وارثه
بعده) يكون أحق به من غيره. لقوله (ص): من ترك حقا أو مالا فهو لورثته (5) ولأنه حق
234

للموروث فقام وارثه مقامه فيه كسائر حقوقه، (وكذا من ينقله) المتحجر أو وارثه (إليه بغير
بيع) فيكون أحق به من غيره، لأن من له الحق أقامه مقامه فيه (وليس له) أي المتحجر أو
وارثه أو من انتقل إليه من أحدهما (بيعه) لأنه لم يملكه. وشرط المبيع أن يكون مملوكا
(فإن ركب، أي أطعم الزيتون، والخرنوب) بعد أن شفاه وأصلحه (ملكه) لأنه تهيأ بذلك
للانتفاع به لما يراد منه. فهو كسوق الماء إلى الأرض الموات، (و) ملك أيضا (حريمه) تبعا
له. وتقدم (فإن لم يتم إحياؤه) أي إحياء ما تحجر مما تقدم، (أو طالت لمدة عرفا كنحو
ثلاث سنين، قيل له) أي المتحجر: (إما أن تحييه) فتملكه، (أو تتركه) لمن يحييه، (إن حصل
متشوف للاحياء) لأنه ضيق على الناس في حق مشترك بينهم. فلم يمكن من ذلك، كما لو
وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينتفع ولا يدع غيره ينتفع (فإن طلب)
المتحجر (المهلة لعذر أمهل شهرين، أو ثلاثة، أو أقل على ما يراه الحاكم) لأنه يسير، (وإن لم
يكن له عذر فلا يمهل) بل يقال له: إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك. فإن لم يعمرها كان
لغيره عمارتها، (وإن أحياه غيره) أي غير المتحجر (في مدة المهلة، أو قبلها لم يملكه) (1)
لمفهوم قوله (ص): من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له (2) ولأنه إحياء في حق
غيره. فلم يملكه، ولان حق المتحجر أسبق فكان أولى، (و) إن أحياه أحد (بعدها) أي بعد
مضي مدة المهلة (ملكه) من أحياه. قال في الانصاف: لا أعلم فيه خلافا انتهى. وذلك لان
الأول لا ملك له، وحقه زال بإعراضه حتى مضت مدة الامهال، (ومن نزل عن وظيفة) من
إمامة أو خطابة أو تدريس ونحوه (لزيد وهو) أي زيد (لها) أي الوظيفة (أهل لم يتقرر غيره
فيها) لتعلق حقه بها، (فإن قرر هو) أي قرره من له الولاية كالناظر تم الامر له، (وإلا) بأن لم
235

يقرره من له ولاية التقرير (فهي) أي الوظيفة (للنازل) لأنه لم يحصل منه رغبة مطلقة عن
وظيفته، (وقال الشيخ: لا يتعين المنزول له، ويولي من له الولاية من يستحقها شرعا)
واعترضه ابن أبي المجد بأنه لا يخلو إما أن يكون نزوله بعوض أو لا وعلى كل لم يحصل
منه رغبة مطلقة عن وظيفته. ثم قال: وكلام الشيخ في قضية عين. فيحتمل أن المنزول له
ليس أهلا، ويحتمل عدمه. قال في المبدع: وفيه نظر. فإن النزول يفيد الشغور. وقد سقط
حقه بشغوره إذ الساقط لا يعود وقوله: في قضية عين: الأصل عدمه (1). وقال الموضح:
ملخص كلام الأصحاب: يستحقها منزول له إن كان أهلا. وإلا فللناظر تولية مستحقها شرعا
انتهى. ومما يشبه النزول عن الوظائف: النزول عن الاقطاع. فإنه نزول عن استحقاق
يختص به لتخصيص الامام له استغلاله. أشبه مستحق الوظيفة (2). وأخذ العوض عن ذلك
قريب من الخلع كما قاله ابن نصر الله وغيره. قلت: وإن لم يتم النزول فله الرجوع بما
بذله من العوض، لأن البدل لم يسلم له (وقال ابن القيم: ومن بيده أرض خراجية فهو أحق
بها بالخراج كالمستأجر) لأن عمر رضي الله عنه أقرها بأيدي أربابها بالخراج الذي ضربه
أجرة لها كل عام. فملكوا منافعها بالخراج الذي يبذلونه، (ويرثها ورثته كذلك) فيكونون أحق
بها بالخراج، (وليس للامام أخذها منه) أي ممن هي بيده ولا من ورثته (ودفعها إلى غيره)،
لأنه أحق بها من غيره (وإن نزل عنها، أو آثر بها) أحدا، (فالمنزول له) أحق بها، (والمؤثر أحق
بها) من غيره (وتقدم) في الأرضين المغنومة، (ومثله ما صححه صاحب الفروع وغيره: لو
آثر شخصا بمكانه في الجمعة لم يكن لغيره) أي المؤثر (سبقه إليه، لأنه أقامه مقامه، أشبه
من تحجر مواتا، أو سبق إليه) أي الموات (أو آثر به) فإنه ليس لأحد سبقه إليه. قال في
الفروع: ويتوجه مثله، أي المتحجر في أنه أحق به ومن ينقله إليه في نزول مستحق عن
وظيفة لزيد، هل يتقرر فيها غيره؟ (فمراد صاحب الفروع بالتشبيه المذكور: إنه لم يتم
النزول المذكور، إما لكونه قبل القبول من النزول له، أو قبل الامضاء إذا كان النزول معلقا
236

بشرط الامضاء ممن له ولاية ذلك، فإنه حينئذ يشبه المتحجر، فيجري فيه ما فيه من
الخلاف. أما إذا تم النزول إما بالقبول) من المنزول له، (أو الامضاء) ممن له ولاية ذلك
(ووقع) المنزول (الموقع) لأهلية المنزول له وانتفاء الموانع، (فليس لأحد التقرر) عن
المنزول له (ولا) لناظر ولا غيره (التقرير فيه) أي في المنزول عنه. لأن الحق انتقل إلى
المنزول له عاجلا بقبوله. ولا يتوقف على تقرير ناظر ولا مراجعته، إذ هو حق له نقله إلى
غيره وهو مطلق التصرف في حقوقه. ليس محجورا عليه في شئ منها. أشبه سائر حقوقه.
هذا وما ذكره المصنف قبله ملخص كلام ابن أبي المجد. وقد ذكره بطوله في شرح المنتهى
(وهو) أي المنزول عنه (حينئذ يشبه بالمتحجر) بفتح الجيم (إذا أحياه من تحجره، و) يشبه
(بالمؤثر بالمكان إذا صار فيه) ليس لأحد نزعه منه (لأنه لا ترفع يد المحيي عما أحياه، ولا
المؤثر يزال من المكان الذي أوثر به وصار فيه) بل هو أحق به.
فصل:
في الاقطاع
وقد قسمه الأصحاب إلى ثلاثة أقسام: إقطاع تمليك، وإقطاع استغلال، وإقطاع
إرفاق. وقسم القاضي إقطاع التمليك إلى موات، وعامر، ومعادن. وجعل إقطاع الاستغلال،
على ضربين: عشر، وخراج (1) (وللامام إقطاع موات لمن يحييه) لأنه (ص): أقطع بلال بن
الحارث العقيق. وأقطع وائل بن حجر أرضا (2) وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان وجمع من
الصحابة (ولا يملكه) أي الموات (بالاقطاع) لأنه لو ملكه ما جاز استرجاعه، (بل يصير)
237

المقطع (كالمتحجر الشارع في الاحياء) لأنه ترجح بالاقطاع على غيره. ويسمى تملكا لما
له إليه (1) (ولا ينبغي للامام أن يقطع إلا ما قدر) المقطع (على إحيائه) لأن في إقطاعه
أكثر من ذلك تضييقا على الناس في حق مشترك بينهم مما لا فائدة فيه (فإن أقطع) الامام
أحدا (أكثر منه) أي مما يقدر على إحيائه، (ثم تبين عجزه عن إحيائه استرجعه) الامام منه.
كما استرجع عمر من بلال بن الحارث ما عجز عن عمارته من العقيق الذي أقطعه أيام
الرسول (ص): (وله) أي للامام (إقطاع غير موات تمليكا وانتفاعا للمصلحة) لما تقدم (2).
(ويجوز الاقطاع من مال الجزية) المعروف في مصر بالجوالي (كما في الاقطاع من مال
الخراج، والظاهر أن مرادهم) أي الأصحاب (بالمصلحة) التي يجوز الاقطاع لأجلها
(ابتداء ودواما. فلو كان ابتداؤه) أي الاقطاع (لمصلحة، ثم في أثناء الحال فقدت) المصلحة
(فللامام استرجاعها) أي الأرض التي أقطعها لأن الحكم يدور مع علته، (وله) أي الامام
(إقطاع الجلوس في الطريق الواسعة و) في (رحاب المساجد المتسعة غير المحوطة) لأن له
في ذلك اجتهادا من حيث إنه لا يجوز الجلوس إلا فيما لا يضر بالمارة. فكان للامام
أن يجلس فيها (ما لم يضيق على الناس. فيحرم) عليه أن يجلس من يرى أنه يضر
بالمارة، (ولا يملك ذلك المقطع ويكون) (أحق بالجلوس فيها) بمنزلة السابق إليها بلا
انقطاع، لكن لا يسقط حقه بنقل متاعه بخلاف السابق (ما لم يعد الامام فيه) أي في
إقطاعه. لأنه كما أن له اجتهادا في الاقطاع له اجتهاد في استرجاعه (3). وعلم مما تقدم:
أن رحبة المسجد لو كانت محوطة لم يجز إقطاع الجلوس بها لأنها من المسجد (فإن لم
يقطعها) أي الطريق الواسعة ورحاب المسجد غير المحوطة (الامام) أحدا (فلمن سبق
إليها الجلوس فيها بغير إذنه) لقوله (ص): من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق
238

به (1) واتفق أهل الأمصار في سائر الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غير
نكير. ومحله ما لم يضيق أو يضر بالمارة (ويكون) السابق إليها (أحق بها ولو ليلا. ما لم
ينقل متاعه عنها) لما سبق (وإن أطال الجلوس فيها أزيل) (2) لأنه يصير كالمتملك. ويختص
بنفع يساويه فيه غيره. وإن قام وترك متاعه لم يجز لغيره إزالته. وإن نقل متاعه كان لغيره
الجلوس فيها. ولو لم يأت الليل (وإن) نقل متاعه لكن (أجلس غلامه، أو أجنبيا ليحفظ له
المكان حتى يعود، فهو كما لو ترك المتاع فيه) فليس لغيره الجلوس فيه، (وليس له) أي
الجالس بطريق واسع ونحوه (الجلوس بحيث يمنع جاره رؤية المعاملين لمتاعه، أو) يمنع
(وصولهم) أي المعاملين (إليه) أي إلى جاره، (أو يضيق عليه) أي على جاره (في كيل، أو
وزن، أو أخذ، أو إعطاء) لحديث لا ضرر ولا ضرار (3) (وله) أي الجالس بطريق واسع أو
رحبة مسجد غير محوطة (أن يظلل على نفسه فيها بما لا ضرر فيه من بارية) أي حصير،
(وكساء) لدعاء الحاجة إلى ذلك، (وليس له أن يبني دكة ولا غيرها) في الطريق ولو واسعا.
وتقدم في الصلح، ولا في رحبة المسجد لما فيه من التضييق (فإن سبق اثنان فأكثر إليها)
أي إلى الطريق الواسع أو إلى رحبة المسجد غير المحوطة، (أو) سبق (إلى خان مسبل، أو)
سبق إلى (رباط، أو) إلى (مدرسة، أو) إلى (خانكاه) ويقال: خانقاه، (ولم يتوقف فيها) أي
المذكورات من الرباط والمدرسة والخانكاه (على تنزيل ناظر) وضاق المكان عن انتفاع
جميعهم (أقرع) لأنهم استووا في السبق. والقرعة مميزة (ومن سبق إلى معدن مباح) غير
مملوك (فهو أحق بما يناله منه) باطنا كان المعدن أو ظاهرا. لحديث: من سبق إلى ما لم
239

يسبق إليه مسلم فهو له (1)، (ولا يمنع) السابق (ما دام آخذا) للحديث (ولو طال) مقامه، (و)
قال (في المغني (2) والشرح: فإن أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره منه منع
من ذلك) (3) لعدم دعاء الحاجة إليه، (فإن سبق اثنان فأكثر إليه) أي إلى المعدن المباح،
(وضاق المكان عن أخذهم جملة أقرع كطريق) أي كما لو سبق اثنان فأكثر إلى طريق واسع
وضاق عن جلوسهما. فيقرع بينهما كما سبق (4)، (وإن حفره) أي المعدن (إنسان من جانب
آخر) غير الذي حفر منه السابق (فوصل إلى النيل لم يكن له) أي السابق (منعه) لأن حقه
إنما تعلق بما وصل إليه دون غيره، (ومن سبق إلى مباح فأخذه مثل ما ينبت في الجزائر،
والرقاق، وكل موات من الطرفاء، والقصب، والشعر، وثمر الجبل، وغير ذلك من النباتات،
أو) سبق (إلى صيد ولو سمكا، أو) سبق إلى (عنبر، وحطب، وثمر) مباح، (ولؤلؤ، ومرجان،
ونحوه) كمسك، وعسل نحل، (وما ينبذه الناس رغبة عنه) كعظم به شئ من لحم رغب عنه،
ونثار في عرس ونحوه، وما يتركه الحصاد من الزرع واللقاط من الثمر رغبة عنه (ملكه)
آخذه مسلما كان أو ذميا للحديث السابق، (والملك مقصور فيه على القدر المأخوذ) فلا
يملك ما لم يحزه ولا يمنع غيره منه، (وإن سبق إليه) أي المباح (اثنان) فأكثر (قسم بينهما)
بالسوية. لأنهما استويا في السبب والقسمة ممكنة. وحذرا من تأخير الحق (ولو كان الآخذ
للتجارة، أو الحاجة) أي لا فرق بين الحاجة والتاجر، لأن الاستحقاق بالسبب لا بالحاجة،
(ولا يقترعان) بل يقتسمان لما سبق، (وكذا لو سبق) واحد أو اثنان فأكثر (إلى ما ضاع من
240

الناس مما لا تتبعه الهمة) أي همة أوساط الناس لأنه يملكه بمجرد الالتقاط. ولا يحتاج
لتعريف، (و) كذا من سبق إلى (ما يسقط من الثلج، والمن، وسائر المباحات) كاللاذن، (وإن
سبق) إنسان (إلى لقيط، أو) إلى (لقطة، أو) سبق (إلى طريق فهو أحق به) لحديث: من سبق
الخ. (فإن رأى اللقطة) أو اللقط (واحد وسبق آخر إلى أخذها) أو أخذه أي اللقيط، (فهي)
وهو أي اللقيط (لمن سبق) للحديث، (فإن) رآهما اثنان و (أمر أحدهما صاحبه بأخذها)، أو
أخذه (فأخذها)، أو أخذه (ونواه) أي الآخذ (لنفسه. فهي) أي اللقطة أو اللقيط (له) أي
للآخذ، لأنه السابق وقد عزل نفسه عن التوكيل بنية الاخذ له، (وإلا) بأن لم يأخذها لنفسه.
فاللقطة واللقيط (لمن أمره) بالأخذ له (في قول) من يقول بصحة التوكيل في الالتقاط.
وجزم به الموفق وغيره. والمذهب لا يصح. وتقدم في الوكالة. وتقدم الفرق بينه وبين
الاصطياد.
فصل:
في مسائل من أحكام الانتفاع بالمياه غير المملوكة ونحوها
(وإذا كان الماء في نهر) صغير (غير مملوك كمياه الأمطار، و) ك‍ (الأنهار الصغار،
وازدحم الناس فيه) أي الماء، (وتشاحوا فلمن في أعلاه) أي النهر (أن يبدأ) بالسقي، (فيسقي)
أرضه، (ويحبس الماء) بها (حتى يصل إلى كعبه، ثم يرسله إلى من يليه) فيسقي ويحبسه إلى
أن يصل إلى كعبه، ثم يرسله إلى من يليه فيفعل (كذلك) وهلم جرا (إلى آخرهم) (1)
لحديث عبادة أن النبي (ص): قضى في شرب النخل من السيل أن الأعلى يشرب قبل
241

الأسفل، ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه، وكذلك حتى
تنقضي الحوائط، أو يفنى الماء (1) رواه ابن ماجة وعبد الله بن أحمد. ومعناه قصة الزبير
مع الأنصاري في الصحيحين (فإن لم يفضل) من الماء (من الأول) شئ (أو) لم يفضل
(من يليه) أي الأول (شئ، فلا شئ للباقي) أي لم بعده لأنه ليس له إلا ما فضل. فهو
كالعصبة مع أصحاب الفروض في الميراث (2)، (وإن كان بعض أرض أحدهم مستقلا، و)
كان (بعضها مستعليا سقى كل واحدة على حدتها) أي انفرادها فيسقي الأعلى ثم يرسل الماء
إلى من يليه، ثم كذلك حتى يصل إلى الأسفل فيسقيه لما تقدم، (فإن استوى اثنان) فأكثر
(في القرب من أول النهر اقتسما الماء بينهما) على قدر الأرض (إن أمكن) قسمه لتساويهما
في الحق، (وإلا) بأن لم يمكن قسمه بينهم (أقرع، فإن كان الماء لا يفضل عن) سقي (أحدهما
سقى القارع) أولا (بقدر حقه من الماء، ثم يتركه) أي الماء (للآخر، وليس له أن يسقي
بجميع الماء لمساواة الآخر له) في استحقاق الماء، (وإنما القرعة للتقدم) في استيفاء الحق لا
في أصل الحق (بخلاف الأعلى مع الأسفل، فإنه ليس للأسفل حق إلا في الفاضل عن
الأعلى) كما تقدم، (وإن كانت أرض أحدهما أكثر من) أرض (الآخر قسم الماء بينهما على
قدر الأرض) فلو كان لأحدهما جريب وللآخر جريبان مثلا قسم بينهما أثلاثا. لذي الجريب
ثلث وللآخر ثلثان. وهكذا، لأن من أرضه أكثر مساواة للآخر في القرب. فاستحق جزءا من
الماء في نظير الزائد، (ولو احتاج الأعلى إلى الشرب) أي سقي أرضه (ثانيا قبل انتهاء سقي
الأرض لم يكن له ذلك) إلى أن ينتهي سقي الأراضي ليحصل التعادل. (ومن سبق إلى قناة لا
242

مالك لها وسبق آخر إلى بعض أفواهها من فوق، أو من أسفل، فلكل واحد منهما ما سبق
إليه) (1) لحديث من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له (2)، (ولمالك أرض منعه من
الدخول بها) أي بأرضه، (ولو كانت رسومها) أي القناة (في أرضه) فلا يدخل المحيي أرض
الغير بغير إذنه، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه. ولا يعارضه ما تقدم في الصلح من
دلالة الرسوم على المالك، لأن المحيي إنما يملك القناة بالاحياء. فوجود الرسوم لا يدل
على سبق ملكه بخلاف الجار ونحوه ممن ملكه ثابت، (وإنه) بكسر الهمزة على الاستئناف
(لا يملك) رب أرض (تضييق مجرى قناة في أرضه خوف لص، لأنه) أي مجراها
(لصاحبها) أي القناة فلا يتصرف غيره فيه بغير إذنه، (وإن كان النهر كبيرا لا يحصل فيه
تزاحم كالنيل، والفرات، ودجلة، فلكل أحد أن يسقي منه ما شاء متى شاء كيف شاء) لأنه لا
ضرر في ذلك، (فإن أراد إنسان إحياء أرض يسقيها منه) أي من السيل، (أو) يسقيها (من، غير
مملوك تجري فيه مياه الأمطار ولو كان أقرب إلى أول النهر لم يمنع) أي لم يمنعه من له
حق في هذا الماء من الاحياء لأن حقه في الماء لا في الموات (ما لم يضر بأهل الأرض
الشاربة منه) فيملكون منعه دفعا للضرر عنهم، (ولا يسقي) من أحيا بعدهم (قبلهم) لان
حقهم أسبق ولان من ملك أرضا ملكها بحقوقها ومرافقها. فلا يملك غيره إبطال حقوقها
وسبقهم إياه بالسقي من حقوقها (ولو أحيا سابق في أسفله) أي النهر الصغير، (ثم) أحيا (آخر
فوقه، ثم) أحيا (ثالث فوق الثاني سقي المحيي أولا، ثم) سقى (الثاني، ثم) سقى (الثالث) لان
المعتبر السبق إلى الاحياء لا إلى أول النهر (3) (ولو كان الماء بنهر مملوك كحفر نهر صغير
سيق الماء إليه من نهر كبير. فما حصل فيه من الماء ملك) للحيازة، (فلو كان) النهر
(لجماعة ف‍) الماء (بينهم) على قدر ملكهم في النهر. وذلك معنى قوله: (على حسب
243

العمل والنفقة) لأنه إنما ملك بالعمارة. والعمارة بالنفقة والعمل، (فإن لم يكفهم) الماء،
(وتراضوا على قسمته جاز) لأن الحق لا يعدوهم، (وإلا) أي لم يتراضوا على قسمته (قسمه
الحاكم) بينهم (على قدر ملكهم) أي قسم لكل واحد من الماء بقدر ما يملك من النهر
(فتؤخذ خشبة، أو حجر مستوي الطرفين والوسط، فتوضع على موضع مستو من الأرض في
مصدم الماء فيه) أي المذكور من الخشبة، أو الحجر (حزوز، أو ثقوب متساوية في السعة على
قدر حقوقهم يخرج من كل حز، أو ثقب إلى ساقيه مفردة لكل واحد منهم. فإذا حصل الماء
في ساقيته انفرد به) فيتصرف فيه بما أحب، لأنه انفرد بملكه (فإن كانت أملاكهم)
مستوية فواضح وإن كانت (مختلفة قسم) الماء (على قدر ذلك) أي أملاكهم (فإذا كان
لاحد نصفه، وللثاني ثلثه، وللثالث سدسه. جعل فيه ستة ثقوب، لصاحب النصف ثلاثة)
ثقوب (تصب في ساقيته، ولصاحب الثلث، اثنان) يصبان في ساقيته، (ولصاحب السدس،
واحد) يصب في ساقيته (1)، (فإذا أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في
موضع آخر لم يجز) له ذلك (بغير رضاه) لأنه يتصرف في ساقيته ويخرب حافتها ويخلط
حقه بحق غيره على وجه لا يتميز (2) (وما حصل لأحدهم في ساقيته تصرف فيه بما أحب
من عمل رحي عليها) أي الساقية، (أو) عمل (دولاب، أو عبارة) بالعين المهملة والباء
الموحدة، (وهي خشبة تمد على طرفي النهر، أو) عمل (قنطرة يعبر الماء عليها، أو غير ذلك من
التصرفات) لأنها ملكه لا حق لغيره فيها. (وأما النهر المشترك) بين جماعة، (فليس لأحدهم أن
يتصرف فيه بذلك) أي بما أحب، (فليس له) أي أحد الشركاء (فتح ساقية إلى جانبه) أي النهر
244

(قبل المقسم) بكسر السين أي موضع القسم وهو الحجر أو الخشبة التي بها الثقوب (يأخذ
حقه منها، ولا أن ينصب على حافتي النهر رحى تدور بالماء ولا غير ذلك) من نحو ما تقدم
(لأن حريم النهر مشترك، فلم يملك التصرف فيه بغير إذنهم) كسائر الحقوق المشتركة.
تتمة: نقل يعقوب فيمن غصب حقه من ماء مشترك للبقية أخذ حقهم (وإذا اقتسموا
ماء النهر المشترك بالمهايأة وكان حق كل واحد منهم معلوما مثل أن يجعلوا لكل حصة يوما
وليلة، أو لواحد من طلوع الشمس إلى الزوال)، وللآخر (من الزوال إلى الغروب ونحو ذلك)
جاز (أو اقتسموه بالساعات، وأمكن ضبط ذلك بشئ معلوم جاز إذا تراضوا به) لأن الحق لا
يتجاوزهم (1)، (وتقدم في الصلح: لو احتاج النهر) المشترك (ونحوه إلى عمارة، أو كرى) أي
تنظيف وأنه على الشركاء بحسب أملاكهم ومن سد له ماء لجاهه فلغيره السقي منه لحاجة ما
لم يكن تركه يرده على من سد عنه (ومن ترك دابة بمهلكة أو) ب‍ (فلاة لعجزه عن علفها،
أو) تركها بهما (لانقطاعها) أي عجزها عن المشي، (ويأسه منها ملكها مستنقذها نصا) لما
روى الشعبي مرفوعا: من وجد دابة عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له (2)
قال عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن فقلت: يعني للشعبي: من حدثك بهذا؟ قال غير
واحد من أصحاب النبي (ص). رواه أبو داود بإسناده والدارقطني ولان فيه إحياء لها وإنقاذا
من الهلاك وصونا للمال عن الضياع وحفظا لحرمة الحيوان (لا) إن أخذ (عبدا، أو متاعا
تركه) ربه (عجزا) عنه. فلا يملكه بذلك، اقتصارا على صورة النص. ولان العبد يمكنه في
العادة التخلص إلى الأماكن التي يعيش بها. والمتاع لا حرمة له في نفسه. ولا يخشى عليه
التلف كالخشية على الحيوان فإن الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى. وتأكله السباع،
والمتاع يبقى (ولا ما ألقي في البحر خوفا من الغرق) فلا يملكه آخذه قال الحارث نص
عليه. وقيل يملكه آخذه قدمه في الفائق والرعايتين. وصححه في النظم. وقطع به في
245

التنقيح والمنتهى. وتبعهم المصنف في اللقطة في ظاهر كلامه (أو انكسرت السفينة
وأخرجه) أي المتاع الذي كان فيها (قوم) فلا يملكونه (فيرجع آخذه) أي العبد على ربه
(بنفقة واجبة، و) ب‍ (أجرة حمل متاع) وإنقاذ العبد أو المتاع من البحر. وإن لم يأذن ربه
كما يأتي في الجعالة، لأن فيه حثا وترغيبا في إنقاذ الأموال من الهلكة (وللامام أن يحمي)
وفي نسخ: أن يحيي. والأول الصواب. كما في المقنع والفروع وغيرهما. ويدل عليه آخر
كلامه (أرض موات لرعي دواب المسلمين التي يقوم بحفظها من الصدقة والجزية ودواب
الغزاة، و) رعي (ماشية الضعفاء عن البعد للرعي وغير ذلك، ما لم يضيق على
المسلمين) (1) لقول عمر رضي الله تعالى عنه: المال مال الله، والعباد عباد الله. والله لولا
ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرش شبرا في شبر. رواه أبو عبيد. قال
مالك: بلغني أنه كان يحمل على أربعين ألفا من الظهر في سبيل الله وروى أيضا أن عثمان
حمى. واشتهر ولم ينكر. فكان كالاجماع (ليس ذلك) أي الحمي (لغيره) أي الامام لقيام
الامام مقام المسلمين، فيما هو من مصالحهم دون غيره (وما حماه النبي (ص) فليس لأحد)
من الأئمة أو غيرهم (نقضه، ولا تغييره) لا (مع بقاء الحاجة إليه، و) لا مع (عدمها، ولا
إحياؤه. فإن أحياه لم يملكه) (2) لأن النص لا ينقض بالاجتهاد، (وكان له (ص) فقط) دون غيره
(أن يحمي لنفسه) لقوله (ص): لا حمى إلا لله ولرسوله (3) رواه أبو داود. وذلك لان
صلاحه يعود إلى صلاح المسلمين، وما له كان يرده في المسلمين. ففارق الأئمة في ذلك.
وساووه فيما كان صلاحه للمسلمين (ولم يفعل) أي لم يحم (ص) لنفسه شيئا، وإنما حمى
للمسلمين، فروى ابن عمر قال: حمى النبي (ص) النقيع لخيل المسلمين رواه أبو عبيد.
والنقيع بالنون موضع ينتفع فيه الماء فيكثر فيه الخصب (وما حماه غيره) أي غير النبي (ص)
246

(من الأئمة جاز له) أي لذلك الحامي نقضه، (و) جاز (للامام غيره نقضه) لأن حمى الأئمة
اجتهاد في حماه في تلك المدة دون غيرها (1)، (و) ينبني على ذلك أنه (يملكه محييه) لان
ملك الأرض بالاحياء منصوص عليه، والنص مقدم على الاجتهاد، (وليس للأئمة أن يحموا
لأنفسهم شيئا) (2) لما تقدم من قوله (ص): لا حمى إلا لله ولرسوله ومن أخذ مما حماه إمام
عزر في ظاهر كلامهم لافتياته على الامام، (وظاهره، ولا ضمان) على من أخذ مما حماه
الامام شيئا، إلا أنه مباح، والمنع من حيث الافتيات فقط. ولا يجوز لاحد أن يأخذ من
أرباب الدواب عوضا عن مرعى موات أو حمى. لأنه (ص): شرك الناس فيه قاله في
الأحكام السلطانية. وإذا كان الحمى لكافة الناس تساوي فيه جميعهم. فإن خص به
المسلمين اشترك فيه غنيهم وفقيرهم. ومنع منه أهل الذمة. وإن خص به الفقراء منه من
الأغنياء وأهل الذمة. ولا يجوز أن يخص به الأغنياء، ولا أهل الذمة.
باب الجعالة (3)
بتثليث الجيم. روي عن ابن مالك، مشتقة من الجعل، بمعنى التسمية، لأن الجاعل
يسمي الجعل لمن يعمل له العمل، أو من الجعل بمعنى الايجاب. يقال: جعلت له كذا.
أي أوجبت، ويسمى ما يعطاه الانسان على أمر يفعله: جعلا، وجعالة، وجعيلة. قاله ابن
فارس، والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير) * [يوسف: 72].
وحديث اللديغ (وهي جعل شئ) من المال (معلوم كأجرة) بالرؤية أو الوصف، و (لا)
يشترط أن يكون معلوما إن كان (من مال حربي، فيصح) أن يجعل الامام من مال حربي
247

(مجهولا) كثلث مال فلان الحربي ونحوه، لمن يدل على قلعة ونحوها وتقدم في الجهاد
(لمن يعمل له عملا مباحا) متعلق بجعل، (ولو) كان العمل المباح (مجهولا) كخياطة ثوب
لم يصفها، ورد لقطة لم يعين موضعها، لأن الجعالة له جائزة لكل منهما فسخها، فلا
يؤدي إلى أن يلزمه مجهولا بخلاف إجارته (و) يصح أيضا أن يجاعل (على) أن يعمل له
(مدة ولو مجهولة) كمن حرس زرعي فله كل يوم كذا (سواء جعله لمعين، بأن يقول من
تصح إجارته) وهو جائز التصرف لزيد مثلا (إن رددت لقطتي فلك كذا، ف‍) يستحقه إن
ردها، و (لا يستحق من ردها سواه) أي سوى المخاطب بذلك، لأن ربها لم يجاعله على
ردها، وإن كانت بيد إنسان فجعل له مالكها جعلا ليردها لم يبح له أخذه. ذكره في المبدع
(أو) جعله ل‍ (غير معين بأن يقول: من رد لقطتي، أو وجدها) فله كذا، (أو) من (بنى لي هذا
الحائط، أو) من (رد عبدي) الآبق (فله كذا. فيصح العقد) (1) مع كونه تعليقا، لأنه في معنى
المعاوضة، لا تعليقا محضا، (ويستحق) العامل (الجعل بالرد) أي بعمل ما جوعل عليه، كرد
اللقطة أو العبد، وبناء الحائط ونحوه، (ولو كان) المسمى في رد الآبق (أكثر من دينار، أو)
أكثر من (اثني عشر درهما) فضة، لأنه قد استقر على الجاعل بالفعل، (وإن لم يكن) المسمى
(أكثر) من دينار أو اثني عشر درهما (فله) أي العامل (في) رد (العبد) الآبق (ما قدره
الشارع) دينارا أو اثني عشر درهما، وتلغى التسمية. قطع به الحارثي، وصاحب المبدع (2)،
لأن من أوجب عليه الشارع شيئا مقدرا من المال عند وجود سببه استقر عليه كاملا بوجود
سببه، كأداء ربع مال الكتابة للمكاتب عند أدائه مال كتابته، وقدم في الفروع أنه لا يستحق
إلا المسمى. قال في التنقيح وشرح المنتهى: وهو ظاهر كلام غيره، وأطلق الوجهين في
المنتهى (3) (فمن فعله) أي العمل المسمى عليه الجعل (بعد أن بلغه الجعل استحقه كدين)
أي كسائر الديون عن المجاعل، لأن العقد استقر بتمام العمل، فاستحق ما جعل له كالربح
في المضاربة، (و) من بلغه الجعل (في أثنائه) أي أثناء العمل الذي سمي الجعل لم عمله
248

(يستحق) من الجعل (حصة تمامه) أي العمل إن أتمه بنية الجعل، لأن عمله قبل بلوغ
الجعل وقف غير مأذون فيه. فلم يستحق عنه عوضا، لأنه بذل منافعه متبرعا بها، ويأتي من
فعله قبل أن يبلغه الجعل، (والجماعة) إن فعلت المجاعل عليه (تقتسمه) أي الجعل، لأنهم
اشتركوا في العمل الذي به استحق الجعل، بخلاف ما لو قال من دخل: هذا الثقب فله
دينار، فدخله جماعة استحق كل واحد منهم دينارا، لأنه دخل دخولا كاملا بخلاف رد
اللقطة ونحوه، فإنه لم يردها واحد منهم ردا كاملا (1)، ومن نحو ذلك لو قال: من نقب
السور فله دينار فنقبه ثلاثة نقبا واحدا اشتركوا في الدينار، وإن نقب كل واحد نقبا استحق
كل واحد دينارا، (وإذا رد) العامل اللقطة أو العبد ونحوهما (لم يكن له الحبس) أي حبس
المردود (على الجعل) فإن حبسه عليه وتلف ضمنه، (وإن تلف الجعل) بيد المجاعل (كان
له) أي العامل (مثله إن كان مثليا، وإلا) بأن لم يكن مثليا (فقيمته) إذا رد، (فإن فاوت بينهم)
أي بين الجماعة العاملين (فجعل لواحد) على رده (دينارا، و) جعل (لآخر) دينارين (اثنين،
و) جعل (لآخر ثلاثة) دنانير (جاز) على ما تراضوا عليه (فإن) رده واحد استحق جعله.
وإن (رده الثلاثة فلكل واحد ثلث جعله) وإن رده اثنان منهم، فلكل منهما نصف جعله،
وإن جعل لأحدهم دينارا وللآخرين عوضا مجهولا فردوه، فلصاحب الدينار ثلثه وللآخرين
أجرة عملهما (2)، (وإن جعل) رب العبد الآبق مثلا (لواحد معين) كزيد (شيئا في رده،
فرده) زيد (هو وآخران معه، وقالا: رددناه معاونة له) أي لزيد مثلا (استحق) زيد (جميع
الجعل، ولا شئ لهما) لأنهما تبرعا بعملهما، (وإن قالا: رددناه لنأخذ العوض لأنفسنا، فلا
شئ لهما) لأنهما عملا من غير جعل، (وله) أي زيد (ثلث الجعل) لأنه عمل ثلث العمل
(وإن نادى غير صاحب الضالة، فقال: من ردها فله دينار، فردها رجل) أو امرأة (فالدينار
على المنادي، لأنه ضمن) أي التزم (العوض) ولا شئ على ربها، لأنه لم يلتزمه، (وإن قال)
المنادي غير رب الضالة (في النداء: قال فلان: من رد ضالتي فله دينار) ولم يكن ربها قال
249

ذلك (فردها رجل لم يضمن المنادي) لأنه لم يلتزم (العوض) والراد مقصر بعدم الاحتياط،
(وإن رده) أي العبد ونحوه (من دون المسافة المعينة، كأن قال) رب آبق: (من رد عبدي من
بلد كذا فله كذا، فرده) إنسان (من بعض طريقه) أي طريق البلد المسمى (ف‍) إنه يستحق
(بالقسط) من الجعل المسمى، فإن كان المحل الذي رد منه نصف المسافة استحق نصف
المسمى، وإن كان أقل أو أكثر فبحسابه (و) إن رده (من) موضع (أبعد منها) أي من البلدة
المسماة (له المسمى فقط) (1) لأنه لم يجعل للزائد على المسافة عوضا، فلم يستحق الراد
في مقابلته شيئا، (وإن رده) العامل (من غير البلد المسمى) ومن غير طريقه (فلا شئ له) لان
ربه لم يجعل على رده من غير البلد الذي عينه عوضا، فالراد متبرع بعمله (كما لو جعل)
رب آبقين (له في رد أحد عبديه) كسالم شيئا (معينا، فرد) العبد (الآخر) فلا يستحق
المعين. قلت بل ما قدره الشارع، وكذا التي قبلها، (وإن قال) رب آبقين: (من رد عبدي فله
كذا، فرد أحدهما فله نصف الجعالة) لأنه رد نصفها، ويأتي: لو هرب قبل تسليمه لم
يستحق شيئا، (ومن فعله) أي العمل المجاعل عليه (قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه) أي
الجعل، ولا شئ منه لأنه متبرع بعمله (2) (وحرم) عليه (أخذه) أي الجعل، لأنه من أكل
المال بالباطل (وسواء رده) قبل بلوغ الجعل أو بعده، إذ الجعل في مقابلة العمل لا
التسليم. أي سلم المردود ونحوه. (ويصح الجمع بين تقدير المدة والعمل) كأن يقول: من
خاط لي هذا الثوب في يوم فله كذا، فإن أتى به فيها استحق الجعل ولم يلزمه شئ آخر.
وإن لم يف به فيها، فلا يلزمه شئ له. قاله في الشرح، بخلاف الإجارة، فالجعالة وإن
كانت نوع إجارة، لكن تخالفها في أشياء، منها هذه المسألة ومنها أن الفاعل لم يلتزم
الفعل، وأن العقد قد يقع لا مع معين، كمن فعل كذا فله كذا (وكل ما جاز أن يكون عوضا
في الإجارة جاز أن يكون عوضا في الجعالة) (3) فيصح أن يجعل لعامل نفقته وكسوته،
كاستئجاره بذلك مفردا أو مع دراهم مسماة. وتزيد الجعالة بجعل مجهول من مال حربي.
250

وتقدم: (وكل ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة من الأعمال جاز أخذه) أي العوض (عليه
في الجعالة، وما لا يجوز أخذ العوض عليه في الإجارة. كالغناء، والزمر، وسائر المحرمات.
لا يجوز أخذ الجعل عليه) لقوله تعالى: * (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * [المائدة: 2].
(وما يختص أن يكون فاعله من أهل القربة) بأن اشترط إسلام فاعله (مما لا يتعدى نفعه
فاعله كالصلاة، والصيام لا يجوز أخذ الجعل عليه) كما تقدم في الإجارة (فأما ما يتعدى نفعه
كالاذان ونحوه) كتعليم فقه وقرآن، وقضاء، وإفتاء على تفصيل يأتي في القضاء ورقية (فيجوز)
لحديث أبي سعيد، (وتقدم في الإجارة) مفصلا، (وإن جعل) لمن عمل له عملا (عوضا
مجهولا كقوله: من رد عبدي الآبق فله نصفه، أو من رد ضالتي، فله ثلثها، أو فله ثوب، ونحوه)
من المجهولات (أو) جعل له عوضا (محرما كالخمر، فله في ذلك كله أجرة المثل) لأنه
عمل بعوض لم يسلم له، (وإن قال من داوى لي هذا) الجريح (حتى يبرأ من جرحه، أو) داوى
هذا المريض حتى يبرأ من (مرضه، أو) داوى هذا الأرمد حتى يبرأ من (رمده فله كذا لم
يصح) العقد فيها مطلقا صححه في الانصاف وغيره. (وهي) أي الجعالة (عقد جائز) من
الطرفين. قال في الشرح: لا نعلم في ذلك خلافا (لكل واحد منهما) أي من الجاعل
والمجعول له المعين (فسخها) متى شاء كسائر العقود الجائزة، (فإن فسخها العامل) ولو بعد
شروعه في العمل (لم يستحق) لما عمله (شيئا) لأنه فوت على نفسه حيث لم يأت بما
شرط عليه، كعامل المساقاة، (وإن فسخها الجاعل) قبل شروع العامل لم يلزمه شئ و (بعد
الشروع فعليه للعامل أجرة) مثل (عمله) لأنه عمل بعوض ولم يسلم له فكان له أجرة عمله
وما عمله بعد الفسخ لا أجرة له عليه لأنه غير مأذون فيه. وإن زاد الجاعل أو نقص
من الجعل قبل الشروع في العمل جاز وعمل به لأنها عقد جائز فجاز فيه ذلك
كالمضاربة (1) (وإن اختلفا في أصل الجعل) أي التسمية بأن أنكرها أحدهما (فقول من ينفيه)
251

لأن الأصل عدمه، (و) إن اختلفا (في قدره) أي الجعل، (أو) اختلفا في قدر (المسافة) بأن قال
الجاعل: جعلت ذلك لمن رده من عشرة أميال، فقال العامل: بل من ستة أميال مثلا (فقول
جاعل) لأنه منكر لما يدعيه العامل زيادة عما يعترف به. والأصل براءته منه وكذا لو اختلفا
في عين العبد الذي جعل العوض في رده (ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شئ له)
لأنه بذل منفعته من غير عوض فلم يستحقه، ولئلا يلزم الانسان ما لم يلتزمه ولم تطب
نفسه به (1) (إن لم يكن) العامل (معدا لاخذ الأجرة، فإن كان) معدا لذلك (كالملاح،
والمكاري، والحجام، والقصار، والخياط، والدلال، ونحوهم) كالنقاد والكيال والوزان وشبههم
(ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل وأذن له) المعمول في العمل (فله أجرة المثل) (2) لدلالة
العرف على ذلك. (وتقدم معناه في الإجارة إلا في تخليص متاع غيره من بحر، أو فم سبع،
أو فلاة، ولو) كان المخلص (عبدا فله) أي العامل (أجرة مثله) وإن لم يأذن له ربه لأنه يخشى
هلاكه وتلفه على مالكه بخلاف اللقطة. وكذا لو انكسرت السفينة فخلص قوم الأموال من
البحر. فتجب لهم الأجرة على الملاك لأن فيه حثا وترغيبا في إنقاذ الأموال من الهلكة.
فإن الغواص إذا علم أن له الأجرة غرر بنفسه وبادر إلى التلخيص بخلاف ما إذا علم أنه لا
شئ له (وإلا في رد آبق من قن، ومدبر، وأم ولد إذا كان) الراد (غير الامام فله ما قدره الشارع
دينار، أو اثني عشر درهما) روي عن عمر وعلي وابن مسعود. وروى ابن أبي مليكة
وعمرو بن دينار مرسلا أن النبي (ص) جعل في رد الآبق إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا
والمعنى فيه الحث على حفظه على سيده وصيانة العبد عما يخاف من لحاقه بدار الحرب
والسعي في الأرض بالفساد. ونقل ابن منصور: سئل أحمد عن جعل الآبق؟ فقال: لا
أدري. قد تكلم الناس فيه. لم يكن عندي فيه حديث صحيح. وعلى الأول فإن رده الامام
فلا شئ له في رده نصا لانتصابه للمصالح، وله حق في بيت المال على ذلك (سواء رده)
252

أي الآبق (من داخل المصر أو خارجه (1)، قربت المسافة أو بعدت، وسواء كان) الآبق
(يساوي المقدار) الذي قدره الشارع (أو لا. وسواء كان) الراد (زوجا للرقيق) الآبق (أو ذا
رحم في عيال المالك أو لا) لعموم ما سبق.
تنبيه: يقال: أبق العبد، إذا هرب من سيده - بفتح الباء - يأبق، بكسرها وضمها فهو
آبق وقال الثعالبي: في سر اللغة: لا يقال للعبد آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف، ولا
كد في العمل، وإلا فهو هارب، (وإن مات السيد قبل وصول المدبر، وأم الولد) إليه (عتقا) إن
خرج المدبر من الثلث، (ولا شئ له) أي لرادهما في نظير الرد، لأن العمل لم يتم لان
العتيق لا يسمى آبقا (2) (ويأخذ) راد الآبق (منه) أي من سيده أو تركته (ما أنفق عليه، و) ما
أنفق (على دابة) يجوز التقاطها (في قوت، وعلف، ولو لم يستأذن) المنفق (المالك) في
الانفاق (مع القدرة عليه) أي على الاستئذان لأن الانفاق مأذون فيه شرعا، لحرمة النفس
وحثا على صون ذلك على ربه، بخلاف الوديعة ونحوها (حتى ولو هرب) المنفق عليه
(منه) أي من واجده (في طريقه، أو مات فله الرجوع عليه بما أنفق عليه قبل هربه) أو موته،
لأن النفقة عليه مأذون فيها شرعا. أشبه ما لو أنفق بإذن مالكه قال في الفروع: ويرجع
بنفقته ولو لم يستحق جعلا كرده من غير بلد سماه أو هربه منه. نص عليه وإنما يرجع بما
أنفق (ما لم ينو التبرع) فلا نفقة له. وكذا لو نوى بالعمل التبرع، ولا أجرة له ومقتضاه لا
تعتبر نية الرجوع، بخلاف الوديعة ونحوها، (لكن لا جعل له إذا هرب) الآبق منه (قبل
تسليمه) لسيده، (أو مات) الآبق قبل تسليمه لأنه لم يتم العمل (ولو أراد) واجد الآبق
(استخدامه بدل النفقة لم يجز) ذلك (كالعبد المرهون) وأولى (ومن أخذ الآبق، أو) أخذ
(غيره) من المال الضائع ليرده لربه (فهو أمانة في يده. إن تلف) قبل التمكن من رده (من
253

غير تفريط) ولا تعد (فلا ضمان عليه) فيه لأنه محسن بأخذه، (وإن وجد) راد الآبق (صاحبه
دفعه إليه إذا اعترف العبد أنه سيده، إن كان كبيرا) لأنه إذا استحق أخذه بوصفه إياه
فبتصديقه على أنه مالكه أولى. وأما الصغير فقوله غير معتبر، (أو أقام) صاحبه (بينة) أنه له
فيدفعه إليه، (فإن لم يجد) واجد الآبق (سيده دفعه إلى الامام، أو) إلى (نائبه، فيحفظه
لصاحبه) إلى أن يجده، (أو يبيعه) الامام، أو نائبه (إن رأى المصلحة فيه) أي في بيعه ويحفظ
ثمنه لربه لانتصابه لذلك (فإن باعه الامام، أو نائبه لمصلحة رآها، فجاء سيده فاعترف أنه كان
أعتقه) قبل بيع الامام أو نائبه (قبل قوله وبطل البيع) لأنه لا يجر به إلى نفسه نفعا ولا يدفع
عنها ضررا. ولم يصدر منه ما ينافيه (1)، (وليس لواجده) أي العبد (بيعه، ولا تملكه بعد
تعريفه) لأن العبد يتحفظ بنفسه، (فهو كضوال الإبل) لكن جاز التقاطه لأنه لا يؤمن لحاقه
بدار الحرب وارتداده واشتغاله بالفساد (ومتى كان العمل في مال الغير إنقاذا له من التلف
المشرف عليه كان جائزا) بغير إذن مالكه، لأنه إحسان إليه (كذبح الحيوان المأكول إذا
خيف موته، ولا يضمن ما نقص بموته) أي ذبحه لأنه محسن به (ولو وقع الحريق بدار
ونحوها فهدمها غير صاحبها بغير إذنه على النار لئلا تسري) النار (أو هدم قريبا منها إذا لم
يقدر على الوصول إليها وخيف تعديها وعتوها لم يضمن. ذكره) ابن القيم (في الطرق
الحكمية)، ثم قال: (قال: ولو رأى السيل يقصد الدار المؤجرة فبادر وهدم الحائط ليخرج السيل
ولا يهدم الدار كان محسنا ولا يضمن انتهى) وكذا في أعلام الموقعين، (وإن وجد فرسا
لرجل من المسلمين مع أناس من العرب أي من البدو، فأخذ الفرس منهم، ثم إن الفرس
مرض بحيث لم يقدر على المشي جاز للآخذ بيعه، بل يجب عليه في هذه الحالة أن يبيعه
254

لصاحبه. وإن لم يكن وكله في البيع. وقد نص الأئمة على هذه المسألة ونظائرها. ويحفظ
الثمن) لربه (قاله الشيخ. وهي) أي هذه المسألة (في) الجزء (الخامس من الفتاوى
المصرية).
باب اللقطة (1)
قال في القاموس: اللقطة محركة وكحرمة وهمزة وثمامة: ما التقط انتهى وقوله:
محركة أي مفتوحة اللام والقاف. وحكى عن الخليل: اللقطة بضم اللام وفتح القاف الكثير
الالتقاط. وحكى عنه في الشرح: إنها اسم للملتقط لأن ما جاء على فعله فهو اسم
الفاعل (2)، كالضحكة والهمزة واللمزة (وهي اسم لما يلتقط من مال) ضائع، (أو مختص
ضائع) كالساقط من ربه بغير علمه (وما في معناه) أي معنى الضائع، كالمتروك قصدا لأمر
يقتضيه (لغير حربي) فإن كانت لحربي ملكها واجدها، كالحربي إذا ضل الطريق فوجده
إنسان فأخذه ملكه وتقدم (يلتقطه غير ربه) فإن التقطه ربه لم يسم لقطة عرفا. والأصل في
اللقطة: ما روى زيد بن خالد الجهني. قال: سئل النبي (ص) عن لقطة الذهب والورق فقال:
اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك. فإن
جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه. وسأله عن ضالة الإبل فقال: ما لك ولها؟ معها
سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها. وسأله عن الشاة؟ فقال:
خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب (3) متفق عليه. وأركانها ثلاثة: ملتقط وملقوط
255

والتقاط (وينقسم) المال الضائع ونحوه (ثلاثة أقسام: أحدها: ما لا تتبعه همة أوساط الناس)
قال في القاموس: الهمة بالكسر وتفتح ما هم به من أمر ليفعل (كالسوط) ما يضرب به.
وفي شرح المهذب هو فوق القضيب ودون العصا. وفي المختار هو سوط لا ثمرة له
(والشسع) أحد سيور النعل الذي يدخل بين الإصبعين (والرغيف، والكسرة، والثمرة، والعصا،
ونحو ذلك) كالخرقة والحبل وما لا خطر له. قال في المبدع: والمعروف في المذهب
تقييده بما لا تتبعه همة أوساط الناس ولو كثر. ونص في رواية أبي بكر بن صدقة أنه يعرف
الدرهم. قال ابن عقيل: لا يجب تعريف الدانق، وحمله في التلخيص على دانق الذهب
نظرا لعرف العراق (1) (وما قيمته كقيمة ذلك. فيملك بأخذه، وينتفع به آخذه بلا تعريف)
لحديث جابر رخص النبي (ص) في العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به (2) رواه
أبو داود (والأفضل أن يتصدق به) ذكره في التبصرة (ولا يلزمه) أي الملتقط (دفع بدله إن
وجد ربه) لأن لاقطه ملكه بأخذه، (ولعل المراد إذا تلف) قال في الشرح: إذا التقطه إنسان
وانتفع به وتلف فلا ضمان (فأما إن كان) ما التقطه مما لا تتبعه الهمة (موجودا، ووجد)
ملتقطه (ربه فيلزمه دفعه إليه) ويؤيده: تعبيرهم بالبدل إذ لا يعدل إليه إلا عند تلف المبدل.
ولهذا قال الموضح: ظاهر كلامهم يلزم دفع عينه، (وكذا لو لقي كناس ومن في معناه)
كالمقلش (قطعا صغارا مفرقة) من الفضة فإنه يملكها بأخذها ولا يلزمه تعريفها ولا بدلها إن
وجد ربها (ولو كثرت) بضم بعضها إلى بعض لأن تفرقها يدل على تغاير أربابها (3) (ومن
ترك دابة بمهلكة أو فلاة ترك إياس لانقطاعها) أي عجزها عن المشي (أو) تركها ل‍ (عجزه
عن علفها. ملكها آخذها) لحديث الشعبي. وتقدم بخلاف عبد ومتاع (إلا أن يكون تركها
ليرجع إليها، أو ضلت منه) فلا يملكها آخذها، (وتقدم آخر إحياء الموات) موضحا، (وكذا ما
256

ألقي خوف الغرق) في البحر فيملكه آخذه لأن مالكه ألقاه باختياره. فأشبه المنبوذ رغبة عنه
كما في التنقيح والمنتهى وغيرهما فهو مخالف لما قدمه في إحياء الموات ويحتمل أن
المراد التشبيه في تقدم حكمه أو أنه مشبه بالمستثنى. فلا مخالفة وتقدم توضيح ذلك في
إحياء الموات وبيان الخلاف فيه. القسم (الثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع. مثل
ثعلب، وذئب، وابن آوى، وولد الأسد) والضوال جمع ضالة وهي اسم حيوان خاصة. ويقال
لها الهوامي والهوافي والحوامل وامتناعها إما لكبر جثثها (كإبل، وخيل، وبقر، وبغال، و) إما
لطيرانها ك‍ (طيور تمتنع بطيرانها، و) إما بسرعة عدوها ك‍ (ظباء) وإما بنابها (كفهود معلمة)
أو قابلة للتعليم، وإلا فليست مالا، كما يعلم مما تقدم في البيع (وك‍) إبل (حمر) أهلية
(وخالف الموفق فيها) فقال: الأولى إلحاقها بالشاة لمساواتها لها في العلة (فهذا القسم غير
الآبق يحرم التقاطه) (1) لما تقدم في الحديث من قوله (ص): لما سئل عن ضالة الإبل ما لك
ولها. دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها (2)
وحذاؤها خفها لأنه لقوته وصلابته يجري مجرى الحذاء وسقاؤها بطنها لأنها تأخذ فيه ماء
كثيرا فيبقى معها يمنعها العطش. ولقوله (ص): لا يؤوي الضالة إلا ضال (3) رواه أحمد
وغيره. وأما الآبق فيجوز التقاطه صونا له عن اللحوق بدار الحرب وارتداده وسعيه
بالفساد. وتقدم (و) هذا القسم (لا يملكه) ملتقطه (بتعريفه) لأنه متعد بأخذه كالغاصب لعدم
إذن المالك والشارع سواء كان زمن أمن أو فساد، (وإن أنفق) الملتقط (عليه) أي على ما ذكر
في هذا القسم (لم يرجع) على ربه بما أنفقه عليه (لتعديه) بالتقاطه وإمساكه، (فإن تبع شئ
منها) أي الضوال المذكورة (دوابه فطرده) فلا ضمان عليه، (أو دخل) شئ منها (داره
فأخرجه. فلا ضمان عليه حيث لم يأخذه، ولم تثبت يده عليه، لكن لامام ونائبه فقط) دون
غيرهما (أخذ ذلك) أي ما ذكر من الضوال (ليحفظه لربه) لأن لهما نظرا في حفظ مال
الغائب وفي أخذها على وجه الحفظ مصلحة لربها لصونها و (لا) يجوز لهما كغيرهما
257

أخذها (على سبيل الالتقاط) لما تقدم، (ولا يلزمهما) أي الامام أو نائبه (تعريفه) أي تعريف
ما أخذه من الضوال ليحفظه لربه، لأن عمر رضي الله عنه لم يكن ليعرف الضوال، ولأنه
إذا عرف من الامام حفظ الضوال فمن كانت له ضالة جاء إلى موضع الضوال فمن عرف
ماله أقام البينة عليه (1) (ولا تكفي فيه الصفة) لأن الضالة كانت ظاهرة للناس حين كانت
في يد مالكها فلا يختص بمعرفة صفاتها دون غيره. وإقامة السنة عليها ممكنة لظهورها
للناس (ومن أخذه) أي ما يمتنع من صغار السباع، (ولم يكتمه ضمنه إن تلف أو نقص) قبل
رده (كالغاصب) قبل أدائه لأن التقاطه غير مأذون فيه، (وإن كتمه، وتلف ضمنه) الكاتم (بقيمته
مرتين) لربه (إماما كان) الملتقط، (أو غيره) قال أبو بكر في التنبيه: ثبت خبر عن النبي (ص)
أنه قال: في الضالة المكتومة غرامتها ومثلها معها قال: وهذا حكم رسول الله (ص) فلا يرد
(وإن لم يتلف) ما التقطه من الضوال (رده) إلى ربه إن وجده بلا غرم إن لم ينقص. وإلا
فأرش نقصه. وتقدم (فإن دفعه إلى إمام، أو نائبه) ليحفظه لربه زال عنه الضمان لأن للامام
نظرا فيها، (أو أمره) الامام، أو نائبه (برده إلى مكانه زال عنه الضمان) (2) لما روى الأثرم بسنده
أن عمر قال لرجل وجد بعيرا: أرسله حيث وجدته ولان أمره برده كأخذه منه، فإن رده
إلى مكانه بغير إذن الإمام أو نائبه وتلف ضمنه، لأنه بأخذه لزمه حفظه وتركه تضييع له،
(وكذا من أخذ من نائم، أو) أخذ من (ساه) أي غافل (شيئا لا يبرأ برده) له نائما أو ساهيا،
(بل بتسليمه لربه بعد انتباهه) من النوم والسهو، لأن الآخذ متعد بالأخذ فهو سارق أو
غاصب. فلا يبرأ من عهدته إلا برده في حال يصح قبض مالكه له فيها (أو) بتسليمه (لامام،
أو نائبه) ليحفظه لربه فيبرأ بذلك وفيه نظر، إذ لا ولاية لحاكم على نائم وساه. ولذلك لم
يذكره في المنتهى ولو أره لغيره. (ويجوز التقاط الكلب المعلم) الصيد عند القاضي وغيره.
قال الحارثي: وهو أصح لأنه لا نص في المنع وليس في معنى الممنوع (وينتفع به في
الحال) بلا تعريف لأنه ليس بمال. وقدم في شرح المنتهى (3) أنه يحرم التقاطه وجزم به في
258

التنقيح تبعا للمغني (1) وغيره لكن لا ضمان، (ويسم الامام) من الوسم وهو العلامة (ما
يحصل عنده من الضوال) وقوله (بأنها ضالة) متعلق بيسم، (ويشهد عليها) لاحتمال تغيره، (ثم
إن كان له حمى يرعى فيه) ما يجتمع عنده من الدواب (تركها) ترعى (فيه إن رأى ذلك، وإن
رأى) المصلحة في (بيعها، أو لم يكن له حمى باعها بعد أن يحليها، ويحفظ صفاتها، ويحفظ
ثمنها لصاحبها) لأن ذلك أحفظ لها لأن تركها يفضي إلى أن تأكل جميع ثمنها. (ويجوز
التقاط الصيود المتوحشة التي إذا تركت رجعت إلى الصحراء بشرط عجز ربها عنها) لان
تركها أضيع لها من سائر الأموال، والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها في نفسها، ولو
كان القصد حفظها في نفسها لما جاز التقاط الأثمان، فإن الدينار دينار حيثما كان ولا
يملكها بالتعريف لأن الشرع لم يرد بذلك فيها، ومثله ملى ما ذكره في المغني (2) وغيره، لو
وجد الضالة في أرض مسبعة، يغلب على الظن أن الأسد يفترسها إن تركت، أو قريبا من
دار الحرب يخاف عليها من أهلها، أو بمحل يستحل أهله أموال المسلمين كوادي التيم، أو
في برية لا ماء فيها ولا مرعى. فالأولى جواز أخذها للحفظ، ولا ضمان. ويسلمها لنائب
الامام، ولا يملكها بالتعريف. قال الحارثي: وهو كما قال. قال في الانصاف: لو قيل
بوجوب أخذها والحالة هذه، لكان له وجه (3)، (وأحجار الطواحين) مبتدأ (الكبيرة،
والقدور الضخمة، والأخشاب الكبيرة) وقوله: (ملحقة بإبل) خبره، أي فلا يجوز التقاطها،
لأنها لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تبرح من مكانها. فهي أولى بعدم التعرض من الضوال.
(ويجوز التقاط قن صغير ذكرا كان) القن، (أو أنثى) كالشاة، (ولا يملك بالالتقاط) ولو عرفه
حولا (قال الموفق: لأنه) أي اللقيط (محكوم بحريته) لأنها الأصل على ما يأتي في اللقيط.
القسم (الثالث: سائر) أي باقي (الأموال، كالأثمان والمتاع، وما لا يمتنع من صغار السباع،
كالغنم، والفصلان) بضم الفاء وكسرها. جمع فصيل، وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه
259

(والعجاجيل) جمع عجل، وهو ولد البقرة، (وجحاش الحمير، والأفلاء) بالمد: جمع فلو،
بوزن سحر وجرو وعدو وسمو، وهو الجحش والمهر إذا فطما أو بلغا السنة. قاله في
القاموس، (والإوز، والدجاج ونحوها) كالخشبة الصغيرة، وقطعة الحديد والنحاس،
والرصاص، والزق من الدهن أو العسل، والغرارة من الحب والكتب، وما جرى مجرى
ذلك، والمريض من كبار الإبل ونحوه، كالصغير (سواء وجد ذلك بمصر، أو بمهلكة لم
ينبذه ربه رغبة عنه) فإن نبذه كذلك، ملكه آخذه. وتقدم في إحياء الموات (فمن لا يأمن
نفسه عليها) أي اللقطة (لا يجوز له أخذها بحال) لما فيه من إضاعتها على ربها، فهو
كإتلافها، وكما لو نوى تملكها في الحال أو كتمانها، (فإن أخذها) أي اللقطة (بهذه النية) أي
بنية الخيانة (ضمنها) إن تلفت، (ولو تلفت بغير تفريط) لأنه أخذ مال غيره على وجه لا
يجوز له أخذه فضمنه، كالغاصب (ولم يملكها) أي اللقطة، إذا أخذها وهو لا يأمن نفسه
عليها، أو نوى تملكها في الحال أو كتمانها (وإن عرفها) لأن السبب المحرم لا يفيد الملك
بدليل السرقة (1)، (ومن أخذها) أي اللقطة (بنية الأمانة، ثم طرأ) له (قصد الخيانة لم يضمن)
اللقطة إن تلفت بلا تفريط في الحول. كما لو كان أودعه إياها، (ومن أمن نفسه عليها) أي
اللقطة (وقوي على تعريفها، فله أخذها) لحديث زيد بن خالد المذكور أول الباب في
النقدين، وقيس عليهما كل متمول غير الحيوان، وفي الحيوان، لا يمتنع بنفسه من صغار
السباع، وظاهره لا فرق بين الامام وغيره (والأفضل) لمن أمن نفسه عليها وقوى على
تعريفها (تركها) أي عدم التعرض لها. قال أحمد: الأفضل ترك الالتقاط (2)، وروي معناه
عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم (ولو وجدها بمضيعة) لأن في الالتقاط تعريضا
بنفسه لاكل الحرام وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الأمانة فيها، فترك ذلك أولى وأسلم
(وإن عجز عن تعريفها، فليس له أخذها) ولو بنية الأمانة، لأنه لا يحصل به المقصود من
وصولها إلى ربها، (ومتى أخذها) أي أخذ الملتقط اللقطة، (ثم ردها إلى موضعها) ضمنها، (أو
فرط فيها) فتلفت (ضمنها) لأنها أمانة حصلت في يده، فلزمه حفظها كسائر الأمانات،
260

وتركها والتفريط فيها تضييع لها (إلا أن يكون) الملتقط (ردها بإذن الإمام، أو نائبه) إلى
موضعه، فلا يضمنها، لأن للامام نظرا في المال الذي لا يعلم مالكه، وكذا لو التقطها
ودفعها للامام أو نائبه (1) (ولو) كان الملتقط (ممتنعا) من صغار السباع، ورده إلى مكان
بإذن الإمام أو نائبه، فإنه يبرأ من ضمانها (كما تقدم، وإن ضاعت اللقطة من ملتقطها في
حول التعريف بغير تفريط) منه، (فلا ضمان عليه) لأنها أمانة في يده فلم يضمنها، كالوديعة،
(فإن) ضاعت منه ف‍ (التقطها آخر فعلم) الثاني (أنها ضاعت من الأول فعليه) أي الثاني
(ردها إليه) أي الأول. لأنه قد ثبت له حق التمول وولاية التعريف والحفظ، فلا يزول ذلك
بالضياع، (فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرفها حولا ملكها) لأن سبب الملك وجد منه من
غير عدوان، (ولا يملك الأول انتزاعها منه) لأن الملك مقدم على حق التملك، (فإذا جاء
صاحبها أخذها من الثاني، وليس له مطالبة الأول) لأنه لم يفرط، (وإن علم الثاني بالأول
فردها إليه فأبى) الأول (أخذها، وقال) للثاني: (عرفها أنت. فعرفها) الثاني حولا (ملكها
أيضا) لأن الأول ترك حقه فسقط، (وإن قال) الأول للثاني: (عرفها وتكون ملكا لي. ففعل)
الثاني (فهو نائبه في التعريف، ويملكها الأول) لأنه وكله في التعريف. فصح. كما لو كانت
بيد الأول (وإن قال) الأول للثاني (عرفها وتكون بيننا، ففعل) أي عرفها (صح أيضا،
وكانت بينهما) لأنه أسقط حقه من نصفها، ووكله في الباقي، (وإن غصبها غاصب من
الملتقط، وعرفها) الغاصب (لم يملكها) لأنه متعد بأخذها، ولم يوجد منه سبب تملكها، فإن
الالتقاط من جملة السبب، ولم يوجد منه، بخلاف ما لو التقطها ثان، فإنه وجد منه
الالتقاط (واللقطة) التي أبيح التقاطها، ولم تملك به وهو. القسم الثالث (على ثلاثة
أضرب: أحدها حيوان) مأكول، كفصيل وشاة ودجاجة (فيلزمه) أي الملتقط (فعل الأحظ)
261

لمالكه (من) أمور ثلاثة (1) (أكله وعليه قيمته) في الحال. لقوله (ص) وسئل عن لقطة الشاة:
هي لك أو لأخيك أو للذئب (2) فجعلها له في الحال، لأنه سوى بينه وبين الذئب،
والذئب لا يستأني بأكلها، ولان في أفل الحيوان في الحال إغناء عن الانفاق عليه وحراسته
لماليته على صاحبه إذا جاء، فإنه يأخذ قيمته بكمالها (أو) من (بيعه) أي الحيوان، لأنه إذا
جاز أكله، فبيعه أولى (و) إذا باعه (حفظ ثمنه لصاحبه (3)، وله) أي الملتقط (أن يتولى ذلك
بنفسه ولا يحتاج إلى إذن الإمام في الاكل) لظاهر الحديث السابق، (و) لا يحتاج إلى إذن الإمام
أيضا في (البيع) لأنه إذا جاز أكله بلا إذنه، فبيعه أولى (يلزمه) أي الملتقط (حفظ
صفتها) أي اللقطة (فيهما) أي فيما إذا أراد الاكل أو البيع ليتمكن من الرد إذا وصفها ربها،
(أو) من (حفظه) أي الحيوان (والانفاق عليه من ماله) لما في ذلك من حفظه على مالكه
(ولا يتملكه) أي لا يصح أن يتملك الملتقط الحيوان، ولو بثمن. كولي اليتيم، لا يبيع من
نفسه، (فإن تركه) أي ترك الحيوان، (ولم ينفق عليه) حتى تلف (ضمنه) لأنه مفرط (4)،
(ويرجع) الملتقط (به) أي بما أنفقه على الحيوان (ما لم يتعد) بأن التقطه لا ليعرفه، أو بنية
تملكه في الحال ونحوه، (وإن نوى الرجوع) على مالكه إن وجده بما أنفق كالوديعة (وإلا)
بأن أنفق ولم ينو الرجوع (فلا) رجوع له بما أنفق لأنه متبرع، (فإن استوت) الأمور (الثلاثة)
في نظر الملتقط، ولم يظهر له الأحظ منها (خير بينها) لجواز كل منها مع عدم ظهور
الأحظ (قال الحارثي: وأولى الأمور: الحفظ مع الانفاق، ثم البيع وحفظ الثمن، ثم الاكل
وغرم القيمة) وفي الترغيب: لا يبيع بعض الحيوان. (و) الضرب (الثاني: ما يخشى فساده) بتبقيته
(كطبيخ، وبطيخ، وفاكهة، وخضروات ونحوها. فيلزمه) أي الملتقط (فعل الأحظ من
أكله، وعليه قيمته وبيعه) ولو (بلا حكم) أي إذن (حاكم، وحفظ ثمنه) لأن في كل منهما
262

حفظا لماليته على ربه، وكالحيوان، (ولو تركه) أي ترك الملتقط ما يخشى فساده بلا أكل ولا
بيع (حتى تلف. ضمنه) لأنه مفرط، (فإن استويا) في نظر الملتقط (خير بينهما) فأيهما فعل
جاز له، (وقيده) أي ما ذكر من البيع والاكل (جماعة، بعد تعريفه بقدر ما يخاف معه فساده،
ثم هو بالخيار) بين أكله وبيعه (إلا أن يمكن تجفيفه) أي تجفيف ما يخشى فساده (كالعنب،
فيفعل) الملتقط (ما يرى الحظ فيه لمالكه من الاكل) بقيمته، (والبيع) مع حفظ ثمنه،
(والتجفيف) لأنه أمانة بيده وفعل الأحظ في الأمانة متين، (وغرامة التجفيف) إن احتيج إليها
(منه فيبيع) الملتقط (بعضه في ذلك) أي في تجفيفه لأنه من مصلحته، فإن أنفق من ماله
رجع به في الأصح. قاله في المبدع وإن تعذر بيعه ولم يمكن تجفيفه تعين أكله (1).
الضرب (الثالث: سائر الأموال) أي ما عدا الضربين المذكورين كالأثمان والمتاع ونحوه،
(ويلزمه) أي الملتقط (حفظ الجميع) من حيوان وغيره، لأنه صار أمانة في يده بالتقاطه، (و)
يلزمه (تعريفه على الفور) لظاهر الامر لأن مقتضاه الفور ولان صاحبها يطلبها عقب ضياعها
(حيوانا كان) الملتقط (أو غيره) سواء أراد الملتقط تملكه، أو حفظه لصاحبه (2)، لأنه (ص)
أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولم يفرق. ولا حفظها لصاحبها إنما يفيد بوصولها
إليه. وطريقه التعريف. ويكون التعريف (بالنداء عليه) أي الملتقط (بنفسه) أي الملتقط (أو
بنائبه) ويكون النداء (في مجامع الناس كالأسواق، والحمامات، وأبواب المساجد أدبار
الصلوات) لأن المقصود إشاعة ذكرها، (ويكره) النداء عليها (فيها) أي في المساجد (3)
لحديث أبي هريرة مرفوعا: من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك
فإن المساجد لم تبن لهذا (4) والانشاد دون التعريف فهو أولى (ويكثر منه) أي التعريف (في
موضع وجدانها) لأنه مظنة طلبها، (و) يكثر أيضا منه (في الوقت الذي يلي التقاطها) لان
263

صاحبها يطلبها عقب ضياعها، فالاكثار منه إذن أقرب إلى وصولها إليه. ويكون التعريف
(حولا كاملا) لحديث زيد بن خالد وهو قول عمر وعلي وابن عباس (نهارا) لأنه مجمع
الناس وملتقاهم (كل يوم مرة أسبوعا) أي سبعة أيام لأن الطلب فيه أكثر (ثم) لا يجب
تعريفها بعد أسبوع متواليا بل على عادة الناس، قطع به في المنتهى وغيره، وقدم في
الترغيب والتلخيص والرعاية وغيرها (مرة من كل أسبوع من شهر، ثم مرة في كل شهر) حتى
يتم الحول، (ولا يصفه) أي لا يصف ما يعرفه، (بل يقول: من ضاع منه شئ، أو) من ضاع
منه (نفقة) قاله في المحرر. وفي المغني (1) والشرح فيقول: من ضاع منه ذهب، أو فضة، أو
دنانير، أو دراهم، أو ثياب ونحو ذلك انتهى (2)، لكن اتفقوا على أنه لا يصفها لأنه لا يؤمن أن
يدعيها بعض من سمع صفتها فتضيع على مالكها، ومقتضى قولهم: لا يصفها أنه لو
وصفها فأخذها غير مالكها بالوصف ضمنها الملتقط لمالكها كما لو دل الوديع على الوديعة
من سرقها، (وإن سافر) الملتقط في حول التعريف، (وكل من يعرفها) عنه حتى يحضر فينوب
نائبه منابه، (فإن التقط) اللقطة (في صحراء عرفها في أقرب البلاد من الصحراء) التي التقطها
فيها لأنه مظنة طلبها (وأجرة المنادي على الملتقط) لأنه سبب في العمل. فكانت أجرته عليه
كما لو اكترى شخصا يقلع له مباحا، (ولا يرجع) الملتقط (بها) أي بأجرة المنادي على رب
اللقطة ولو قصد حفظها لمالكها خلافا لأبي الخطاب لأن التعريف واجب على الملتقط
فأجرته عليه (ولا تعرف كلاب) ولو معلمة، (بل ينتفع بالمباح منها) فيجوز التقاطه كما تقدم
لأنه لا نص في المنع. وليس في معنى الممنوع وفي أخذه حفظه على مستحقه أشبه الأثمان
وأولى من جهة أنه ليس مالا فيكون أخف (وإن كان لا يرجى وجود صاحب اللقطة) ومنه لو
كانت دراهم أو دنانير ليست بصرة ولا نحوها على ما ذكره ابن عبد الهادي في معنى ذوي الأفهام
حيث ذكر أنه يملكها ملتقطها بلا تعريف (لم يجب تعريفها في أحد القولين) نظرا إلى
أنه كالعبث. وظاهر كلام التنقيح والمنتهى وغيرهما: يجب مطلقا (ولو أخر) الملتقط
(التعريف عن الحول الأول) أثم وسقط (أو) أخره (بعضه) أي بعض الحول الأول (أثم)
الملتقط بتأخيره أي التعريف لوجوبه على الفور كما تقدم، (وسقط) التعريف لأن حكمة
التعريف لا تحصل بعد الحول الأول، فإذا تركه في بعض الحول عرف بقيته فقط (ك‍) ما
يأثم ب‍ (التقاطه بنية تملكه، أو) بالتقاط (ما لم يرد تعريفه) وتقدم (ولا يملكها) أي اللقطة إذا
264

لم يعرفها في الحول الأول (بالتعريف بعد الحول الأول) لأن شرط الملك التعريف فيه ولم
يوجد وهل يتصدق بها أو يحبسها عنده أبدا؟ على روايتين (وكذا لو تركه) أي التعريف
(فيه) أي الحول الأول (عجزا كمريض، ومحبوس، أو) تركه فيه (نسيانا) فلا يملكها به بعده
لأن تعريفها في الحول الأول سبب الملك والحكم ينتفي لانتفاء سببه سواء انتفى لعذر أو
غيره وهذا أحد وجهين قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وشرح ابن رزين، والوجه الثاني
يملكها (1) بتعريفها حولا بعد زوال العذر، لأنه لم يؤخر التعريف عن وقت إمكانه. فأشبه
ما لو عرفها في الحول الأول ومفهوم كلام التنقيح: إنه المذهب ذكره في شرح المنتهى (2)،
(أو تركه) أي التعريف (في بعض الحول) لعذر أو غيره على ما تقدم، فلا يملكها ولو عرفها
بعده لما تقدم (أو وجدها صغير ونحوه) كسفيه (فلم يعرفها وليه) الحول الأول فلا يملكها
لانتفاء سبب الملك كما تقدم (أو ضاعت) اللقطة (فعرفها) الملتقط (الثاني مع علمه ب‍)
الملتقط (الأول، ولم يعلمه) بها لم يملكها، (أو أعلمه) أي أعلم الثاني الأول، (وقصد) الثاني
(بتعريفها لنفسه) دون الأول ولم يأذنه الأول (لم يملكها) الثاني لأن ولاية التعريف للأول
وهو معلوم. فأشبه ما لو غصبها من الملتقط غاصب فعرفها. والوجه الثاني: يملكها لان
سبب الملك وجد منه والأول لم يملكها قدمه ابن رزين في شرحه وقطع به في التنقيح
وتبعه في المنتهى، لكن توهم في شرحه (3) أن الأول هو الذي يملكها وهو مخالف لكلام
الأصحاب، لأنهم إنما حكوا الوجهين في ملك الثاني لها وأما الأول فلم يوجد منه تعريف
لا بنفسه ولا بنائبه والتعريف هو سبب الملك والحكم ينتفي لانتفاء سببه، (وليس خوفه) أي
الملتقط (أن يأخذها) أي اللقطة (سلطان جائر) عذرا في ترك تعريفها، (أو) خوفه أن (يطالبه
بأكثر عذرا في ترك تعريفها) قال في الفروع، (فإن أخره) أي التعريف لذلك الخوف (لم
يملكها إلا بعده) أي التعريف. ذكره أبو الخطاب وابن الزاغوني. ومرادهم والله أعلم أنه
ليس عذرا حتى يملكها بلا تعريف. ولهذا ذكروا أنه يملكها بعده. وقد ذكروا أن خوفه على
نفسه أو ماله عذر في ترك الواجب. وقال أبو الوفاء تبقى بيده فإذا وجد أمنا عرفها حولا
انتهى فيؤخذ من هذا أن تأخير التعريف للعذر لا يؤثر. وتقدم أن فيه وجهين وأن كلام
المصنف: إنه لا يملكها بعد، فيتعارض كلامه إلا أن يقال: هذا متأخر عما تقدم، فكأنه
رجع إلى هذا، (وإذا عرفها) أي عرف الملتقط اللقطة الجائز التقاطها حولا كاملا فورا (فلم
265

تعرف دخلت) اللقطة (في ملكه) أي الملتقط غنيا كان أو فقيرا (بعد الحول) لقوله عليه
السلام في حديث زيد بن خالد: فإن لم تعرف فاستنفقها (1) وفي لفظ وإلا فهي كسبيل
مالك وفي لفظ ثم كلها وفي لفظ فانتفع بها وفي لفظ فشأنك بها وفي حديث أبي
بكر بن كعب فاستنفقها وفي لفظ فاستمتع بها وهو حديث صحيح، قاله في المغني (2).
وقال: ويملك اللقطة ملكا مراعى يزول بمجئ صاحبها. قال والظاهر أنه يملكها بغير
عوض يثبت في ذمته، وإنما يتجدد وجوب العوض بوجود صاحبها، كما يتجدد وجوب
نصف الصداق أو بدله للزوج بالطلاق (حكما كالميراث) (3) لما تقدم من الأحاديث، ولان
الالتقاط والتعريف سبب التملك. فإذا تما وجب أن يثبت الملك حكما كالاحياء
والاصطياد. فلا يقف على قوله ولا اختياره (ولو) كانت اللقطة (عروضا) فهي (كأثمان)
لعموم الأحاديث التي في اللقطة جميعها. وروى الجوزجاني والأثرم عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال: أتى رجل رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله كيف ترى متاعا يوجد
في الطريق الميتاء؟ أو في مسكونة؟ فقال: عرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا فشأنك به، (و)
لو كانت اللقطة (لقطة الحرم) فإنها تملك بالتعريف حكما كلقطة الحل (4). وروي عن ابن
عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، لعموم الأحاديث، ولأنه أحد الحرمين. فأشبه
حرم المدينة، ولأنها أمانة فلم يختلف حكمها بالحل والحرم كالوديعة. وقوله (ص):
لا تحل ساقطتها إلا لمنشد (5) متفق عليه يحتمل أن يريد إلا لمن عرفها عاما،
وتخصصها بذلك لتأكدها لا لتخصيصها كقوله (ص): ضالة المسلم حرق
النار (6) وضالة الذمي مقيسة عليها.
266

تتمة: قال أبو عبيد: المنشد المعرف. والناشد الطالب.
(أو كان سقوطها) أي اللقطة (من صاحبها ب‍) سبب (عدوان غيره) عليه، لعموم ما
سبق.
فصل:
(ولا يجوز له)
أي الملتقط (التصرف فيها) أي اللقطة بعد تعريفها الحول ولو بخلط بما لا تتميز
منه (حتى يعرف وعاءها، وهو ظرفها، كيسا كان أو غيره) كخرقة مشدودة فيها وقدر،
وزق فيه اللقطة المائعة ولفافة على ثياب، (و) حتى يعرف (وكاءها) بالمد (وهو الخيط)
أو السير (الذي تشد به) فيعرف كونه خيطا أو سيرا وكون الخيط من إبريسم أو قطن أو
كتان ونحوه، (و) حتى يعرف (عفاصها) بكسر العين المهملة (وهو الشد، والعقد أي
صفتهما) فيعرف الربط هل هو عقدة أو عقدتان وأنشوطة أو غيرها للاتفاق على الامر
بمعرفة صفاتها. وهذه منها. والأنشوطة قال في القاموس: كأنبوبة عقدة يسهل انحلالها
كعقدة التكة. وقال في العفاص: ككتاب: الوعاء فيه النفقة، جلدا أو خرقة. وغلاف
القارورة والجلد تغطي به رأسها انتهى. فالعفاص مشترك لكن لما ذكر مع الوعاء حمل
على ما يغايره لأنه الأصل في العطف، (و) حتى يعرف (قدرها) أي اللقطة بمعيارها
الشرعي من كيل أو وزن أو ذرع أو عد، (و) حتى يعرف (جنسها، وصفتها) التي تتميز
بها، وحتى نوعها ولونها (1). لحديث زيد وفيه فإن جاء صاحبها فعرف وعاءها
ووكاءها فأعطها إياه وإلا فهي لك (2) رواه مسلم وفي حديث أبي بن كعب: فإن جاء
أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه (3) (أي تجب معرفة ذلك عند إرادة
267

التصرف فيها) أي في اللقطة لما تقدم، ولان دفعها إلى ربها يجب بما ذكر. فلا بد من
معرفته نظرا إلى ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولأنه إذا عدم ذلك لم يبق سبيل
إلى معرفتها، (ويسن ذلك) أي أن يعرف وعاءها وعفاصها وجنسها وصفتها وقدرها (عند
وجدانها) لأن فيه تحصيلا للعلم بذلك، (و) يسن للملتقط أيضا (إشهاد عدلين عليها) (1)
لقوله (ص): من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل (2) رواه أبو داود. و (لا)
يسن الاشهاد (على صفتها) أي اللقطة لاحتمال شيوعه، فيعتمده المدعي الكاذب. قال
في الشرح والمبدع ويستحب كتب صفاتها ليكون أثبت لها مخافة نسيانها (فمتى جاء
طالبها) ولو بعد الحول (فوصفها) بالصفات السابقة (لزم دفعها إليه إن كانت عنده، ولو
بلا بينة ولا يمين، ظن صدقه أو لا) (3) لقوله (ص): فإن جاء طالبها يوما
من الدهر فأدها إليه (4) ولأنه يتعذر إقامة البينة عليها غالبا لسقوطها حال الغفلة
والسهو، فلو لم يجب دفعها بالصفة لما جاز التقاطها، (فإن وجدها) طالبها (قد خرجت
عن) ملك (الملتقط ببيع أو غيره) بأن باعها الملتقط أو وهبها أو وقفها (بعد ملكها) أي
بعد أن عرفها حولا كاملا (فلا رجوع) لطالبها في عينها، لأن تصرف الملتقط وقع
صحيحا لدخولها في ملكه، (وله) أي لطالبها (بدلها) على الملتقط أي مثلها إن كانت
مثلية وإلا فقيمتها لتعذر ردها لما تقدم، (فإن أدركها) طالبها (مبيعة بيع الخيار) بأن بيعت
بشرط الخيار (للبائع أو لهما) أي البائع والمشتري، وقوله: (في زمنه) متعلق بإدراكها أي
زمن الخيار (وجب) على البائع (الفسخ) ليردها لربها لقدرته عليه زمن خيار وترد له.
وعلم من كلامه: إنه لو كان الخيار للمشتري وحده فليس لربها إلا البدل ما لم يختر
المشتري الفسخ ولا يلزمه (أو) أدركها ربها بعد الحول (مرهونة) ولو مقبوضة (فله
انتزاعها) من المرتهن أو نائبه، لقيام ملكه وانتفاء إذنه قاله الحارثي. وقال في الانصاف:
268

قلت يتوجه عدم الانتزاع لتعلق حق المرتهن به (1). ويؤيده قوله في الشرح (2). وسائر
أحكام الرجوع ههنا كحكم رجوع الزوج على ما نذكره إن شاء الله، (فإن صادفها ربها قد
رجعت إليه) أي الملتقط بعد خروجها عن ملكه (بفسخ أو غيره أخذها) لأنه وجد عين
ماله في يد الملتقط. فكان له أخذها كالزوج إذا طلق قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع
إلى المرأة. وحيث أخذ اللقطة طالبها فإنه يأخذها (بنمائها المتصل) لأنه ملك مالكها ولا
يمكن انفصالها عنه، ولأنه يتبع في العقود والفسوخ (فأما) النماء (المنفصل قبل مضي
الحول ف‍) هو (لمالكها) لأنه نماء ملكه، (و) النماء المنفصل (بعده) أي بعد حول
التعريف (لواجدها) لأنه ملك اللقطة بمضي الحول. فنماؤها إذن نماء ملكه، ولأنه يضمن
النقص بعد الحول فتكون له الزيادة ليكون الخراج بالضمان، بخلاف المفلس فإنه لا
يضمن النقص لغيره، (ووارث ملتقط كهو) أي كالملتقط (في تعريف وغيره) لقيامه مقامه.
فإن مات قبل تمام الحول قال وارثه في إتمام تعريفها ودخلت في ملكه بعد تمام
التعريف. وإن مات بعد الحول ورثها ورثته كسائر أمواله، (فإن مات الملتقط بعد تمام
الحول، ثم جاء صاحبها أخذها من الوارث) إن كانت موجودة كما يأخذها من المورث،
(وإن كانت) اللقطة (معدومة فصاحبها غريم بها) أي بمثلها إن كانت مثلية أو بقيمتها
فيأخذ ذلك من تركته. وإن ضاقت زاحم الغرماء (3)، (وإن كان تلفها بعد الحول بفعله)
أي الوارث، (أو بغير فعله) لأنها قد دخلت في ملكه بمضي الحول (وإن تلفت) اللقطة، (أو
نقصت، أو ضاعت قبل مضي الحول لم يضمنها) الملتقط ولا وارثه (إن لم يفرط، لأنها في
يده أمانة، و) إن تلفت، أو نقصت، أو ضاعت (بعد الحول يضمنها، ولو لم يفرط) لدخولها في
ملكه أذن (بمثلها إن كانت مثلية، وإلا) تكن مثلية ضمنها (بقيمتها يوم عرف بها، سواء
تلفت بفعله أو بغير فعله) لصيرورتها بملكه بعد حول التعريف (4) وإذا مات الملتقط ولم
269

يعلم تلف اللقطة ولم توجد في تركته فصاحبها غريم بها، سواء كان قبل الحول أو بعده،
لأن الأصل بقاؤها. (ولا يكفي تصديق عبد) ولا أمة (ملتقط) أي لو كان بيد قن عين وجاء
طالبها وقال: هي لقطة ووصفها لم يكف تصديق القن (لواصف) على أنها لقطة، (بل لا بد
من بينة، لأن إقرار العبد لا يصح فيما يتعلق بنفسه) أي برقبته، لأنه إقرار على سيده
بخلاف إقراره بنحو طلاق، (فإن وصفها) أي اللقطة (اثنان) فأكثر (معا، أو وصفها الثاني)
بعد الأول لكن (قبل دفعها إلى الأول) أقرع بينهما، (أو أقاما بينتين) باللقطة (أقرع
بينهما) (1) لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، (فمن قرع) أي خرجت له القرعة، (حلف)
أن اللقطة له لاحتمال صدق صاحبه (وأخذها) لأن ذلك فائدة القرعة (و) إن وصفها إنسان
(بعد دفعها) لمن وصفها أولا (لا شئ للواصف الثاني) لأن الأول استحقها بوصفه إياها
مع عدم المنازع له حين أخذها. وثبتت يده عليها، ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه.
فوجب بقاؤها له كسائر ماله (ولو ادعاها) أي اللقطة (كل واحد منهما فوصفها أحدهما
دون الآخر حلف) واصفها (وأخذها) لترجحه بوصفها. (ومثله وصفه مغصوبا، ومسروقا)
ومنهوبا ونحوه فإنه (يستحقه بالوصف) لا يكلف بينة تشهد به (ذكره القاضي وأصحابه
على قياس قوله) أي الامام (إذا اختلف المؤجر والمستأجر في دفن الدار) بكسر الدال أي
المدفون بها (من وصفه فهو له) لترجحه بالوصف. قال في القاعدة الثامنة والتسعين: من
ادعى شيئا ووصفه دفع إليه بالصفة، إذا جهل ربه ولم تثبت عليه يد من جهة مالكه، وإلا
فلا، (ولا يجوز) للملتقط (دفعها) أي اللقطة لطالبها (بغير وصف ولا بينة، ولو ظهر
صدقه) لاحتمال كذبه، ويضمن الدافع إن جاء آخر ووصفها، وقرار الضمان على الآخذ.
وللملتقط مطالبة آخذها بها، إن لم يأت أحد، لأنه لا يأمن مجئ ربها وطلبه بها، ولأنها
بيده أمانة، (وإن) وصفها إنسان ودفعها إليه ثم (أقام آخر بينة أنها له، أخذها من الواصف)
270

لأن البينة أقوى من الوصف (1)، (فإن تلفت عند الواصف ضمنها) الواصف، لأن يده
عادية كالغاصب، (ولم يضمن الدافع، وهو الملتقط، إن كان الدافع بإذن حاكم) لأن الدفع
إذن واجب عليه، فكأنه بغير اختياره فلم يضمن. كالمكره، (ولا يرجع الواصف عليه) أي
على الملتقط بما يغرمه لمن أقام البينة. بل يستقر عليه ضمانه، (وكذا لو كان الدفع) من
الملتقط للواصف (بغير إذن حاكم) لأنه بإذن الشرع، فلا ضمان على الملتقط (لوجوبه)
أي الدفع (عليه) لمن وصفها لما تقدم. وإن كان الواصف أخذ بدلها لتلفها عند الملتقط
لم يطالبه ذو البينة، وإنما يرجع على الملتقط. ثم يرجع الملتقط على الواصف، لأنه لم
يكن أقر له (ومؤنة ردها) أي اللقطة (على ربها) إن احتاجت لذلك كالوديعة (ولو قال
مالكها) أي اللقطة (بعد تلفها) في حول التعريف بلا تفريط: (أخذتها لتذهب بها) لا لتعرفها
فأنت ضامن. (وقال الملتقط: بل) أخذتها (لا عرفها. فقوله:) أي الملتقط (مع يمينه) لأنه
منكر والأصل براءته، (وإن وجد) مشتر (في حيوان اشتراه، كشاة ونحوها نقدا. ف‍) هو
(لقطة لواجده يعرفها) أي يلزمه تعريفها كسائر الأموال الضائعة، (ويبدأ) في التعريف
(بالبائع، لأنه يحتمل أن تكون) الشاة (ابتلعتها في ملكه، كما لو وجد صيدا مخضوبا أو
في أذنه قرط، أو في عنقه حرز) فإنه لقطة لأن ذلك الخضاب ونحوه يدل على ثبوت اليد
عليه قبل ذلك، (وإن اصطاد سمكة من البحر فوجد في بطنها درة غير مثقوبة فهي) أي
الدرة (له) للصائد لأن الظاهر ابتلاعها من معدنها لأن الدر يكون في البحر (2) قال تعالى
: * (وتستخرجون منه حلية تلبسونها) *، [النحل: 14]. (وإن باعها) أي السمكة (غير
عالم بها) أي بالدرة (لم يزل ملكه) أي الصياد (عنها) أي الدرة (فترد إليه) لأنه إذا علم ما
في بطنها لم يبعه ويرض بزوال ملكه عنه فلم يدخل في البيع (3) (كما لو باع دارا له فيها
مال) مدفون (لم يعلم به، وإن وجد) الصياد (في بطنها) أي السمكة (ما لا يكون للآدمي
271

كدراهم، أو دنانير، أو) وجد فيه (درة أو غيرها مثقوبة، أو متصلة بذهب، أو فضة، أو غيرهما)
فلقطة لا يملكها الصياد بل يعرفها، (أو) وجد ما ذكر (في عين، أو نهر ولو) كان النهر
(متصلا بالبحر فلقطة على الصياد تعريفها) عملا بالقرائن (وإن وجدها) أي الدراهم أو
الدنانير أو الدرة المثقوبة ونحوها (المشتري) للسمكة (فالتعريف عليه) لأنه الملتقط (وإن
اصطادها) السمكة (من عين، أو نهر غير متصل بالبحر، فكالشاة في أن ما وجد في بطنها من
درة مثقوبة لقطة) لأن العين والنهر غير المتصل ليس معدنا للدر. وعلم منه أنه إن كان
متصلا بالبحر وكانت الدرة غير مثقوبة أنها للصياد، (وإن وجد) إنسان (عنبرة على الساحل
فحازها فهي له) لأن الظاهر أن البحر قذف بها فهي مباحة، ومن سبق إلى مباح فهو له.
وإن لم تكن على الساحل فلقطة يعرفها (ومن أخذ متاعه، كثياب في حمام) وترك له بدله
فلقطة، (أو أخذ مداسه وترك بدله فلقطة) لا يملكه بذلك، لأن سارق الثياب ونحوها لم
يجر بينه وبين مالكها معاوضة تقتضي زوال ملكه عنها. فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره،
ولا يعرف صاحبه فيعرفه كاللقطة. (ويأخذ) رب الثياب ونحوها (حقه منه) أي مما ترك له
(بعد تعريفه) من غير رفعه إلى حاكم. قال الموفق: هذا أقرب إلى الرفق بالناس لأن فيها
نفعا لمن سرقت ثيابه بحصول عوض عنها، ونفعا للآخر إن كان سارقا بالتخفيف عنه عن
الاثم وحفظا لهذه الثياب عن الضياع. فلو كانت الثياب المتروكة أكثر قيمة من المأخوذ
فإنما يأخذ منها بقدر قيمة ثيابه، لأن الزائد فاضل عما يستحقه ولم يرض صاحبها بتركها
عوضا عما أخذه ويتصدق بالباقي، (ومن وجد لقطة بدار حرب وهو) أي الواجد (في
الجيش عرفها سنة، ابتداؤها) أي السنة (في الجيش) لاحتمال أن تكون لأحدهم، (و)
يعرفها (بقيتها) أي بقية السنة (في دار الاسلام، ثم) إذا تم تعريفها (وضعها) أي اللقطة (في
المغنم) لأنه وصل إليها بقوة الجيش فأشبهت مباحات دار الحرب إذا أخذ منها شيئا (1)،
(وإن كان) الملتقط (دخل) دار الحرب (بأمان عرفها) أي اللقطة (في دارهم) حولا، لان
أموالهم محرمة عليه، (ثم هي) أي اللقطة (له) لواجدها (إلا أن يكون في جيش،
272

فكالتي قبلها) أي يضعها في المغنم لما تقدم، وإن دخل إليهم متلصصا فوجد لقطة عرفها
في دار الاسلام، لأن أموالهم مباحة له. ثم يكون حكمها حكم غنيمته. ويحتمل أن تكون
غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف، لأن الظاهر أنها من أموالهم قاله في المغني: (وإن وجد لقطة
في غير طريق مأتي) أي مسلوك (فهي لقطة) تعرف، كالتي في الطريق المسلوك.
فصل:
(ولا فرق)
في وجوب تعريف اللقطة حولا، وملكها بعده (بين كون الملتقط غنيا، أو فقيرا،
مسلما، أو كافرا، عدلا، أو فاسقا، يأمن نفسه عليها) لأن الالتقاط نوع اكتساب، فاستووا فيه
كالاحتشاش والاصطياد. وأما من لا يأمن نفسه عليها فيحرم عليه أخذها وتقدم (ويضم)
أي يضم الحاكم إذا علم بها (إلى الكافر، والفاسق أمين في تعريفها وحفظها) قطع به في
المغني (1) وغيره. لأنهما لا يؤمنان على تعريفها، ولا يؤمن أن يخلا في التعريف بشئ من
الواجب عليهما. قاله في المغني (2) والشرح في المشرف: على الكافر وقالا: وإن لم يمكن
المشرف حفظها منه انتزعت من يده وتركت في يد عدل. فإذا عرفها وتمت السنة ملكها
ملتقطها، لأن سبب الملك وجد منه (3)، (وإن وجدها) أي اللقطة (صغير، أو سفيه، أو مجنون)
صح التقاطه لأنه نوع تكسب كالاصطياد. و (قام وليه بتعريفها) لأنه قد ثبت لواجدها حق
التملك فيها فكان على وليه القيام بها (فإن عرفها) الولي (فهي لواجدها) لأن سبب الملك
تم بشرطه. ولو كان الصغير مميزا فعرفها بنفسه قال الحارثي: فظاهر كلامه في المغني عدم
273

الاجزاء (1). والأظهر الاجزاء لأنه يعقل التعريف، فالمقصود حاصل. انتهى وإن لم يعرفها
الصغير ولا الولي. فنص الامام إن وجد صاحبها دفعها إليه وإلا تصدق بها. قد مضى أجل
التعريف فيما تقدم من السنين. وهذا يؤيد ما جزم به المصنف فيما تقدم أن تأخير التعريف
لعذر كتأخيره بلا عذر، لأن الصغير من أهل العذر، (وإن تركها الولي بيده) أي يد الصغير أو
السفيه أو المجنون (بعد علمه) أي الولي بها (ضمنها الولي) لأنه المضيع لها. لأنه يلزمه
حفظ ما يتعلق به حق موليه، (وإن تلفت) اللقطة (بيد أحدهم) أي الصغير، أو المجنون، أو
السفيه (بغير تفريط) من أحد منهم. ولا من الولي (فلا ضمان عليه) لأنها كالأمانة، (وإن
فرط) فيها واجدها الصغير أو السفيه أو المجنون فتلفت (ضمنها في ماله كإتلافه (2)
وكعبد. وللعبد التقاطها) لعموم الأحاديث ولان الالتقاط سبب يملك به الصغير ويصح منه،
فصح من الرقيق، (و) للعبد إذا التقطها (تعريفها بلا إذن سيده كاحتطابه واحتشاشه واصطياده)
لأنه فعل حسي فلم يمكن رده (وله) أي العبد (إعلام سيده العدل بها إن أمنه) عليها (وإلا)
يأمن سيده عليها (لزم) العبد (سترها عنه) أي عن سيده، لأنه يلزمه حفظها. وذلك وسيلة
إليه ويسلمها للحاكم ليعرفها. ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان (3) (ولسيده العدل أخذها
منه) ليعرفها فإن عرفها وأدى الأمانة فيها. فتلفت في الحول الأول بغير تفريط فلا ضمان
فيها، لأنها لم تتلف بتفريط أحدهما (أو تركها) أي ولسيده تركها (معه) أي العبد (ليعرفها
إن كان) العبد (عدلا) فيكون السيد مستعينا به في حفظها كما يستعين به في حفظ سائر
ماله. وإن كان العبد غير أمين كان السيد مفرطا بإقرارها في يده فيضمنها إن تلفت كما لو
أخذها من يده ثم ردها إليه، لأن يد العبد كيده، وإن أعتق السيد عبده بعد التقاطه كان له
انتزاع اللقطة من يده لأنها من كسبه (فإن أتلفها) أي اللقطة (العبد، أو تلفت) اللقطة (بتفريطه
قبل الحول، أو بعده ففي رقبته) ضمانها، لأنه أتلف مال غيره فكان ضمانه في رقبته كغير
اللقطة (4) (ومثله) أي العبد فيما تقدم (أم ولد، ومدبر، ومعلق عتقه بصفة، لكن إن تلفت)
274

اللقطة (بتفريط أم الولد فداها سيدها بالأقل من قيمتها، أو قيمة ما أتلفته) كسائر إتلافاتها،
(والمكاتب) في التقاط (كالحر) لأن المكاتب يملك أكسابه، وهذا منها، ومتى عاد قنا
بعجزه كانت كلقطة القن، (و) لقطة (من بعضه حر بينه وبين سيده) على قدر ما فيه من
الحرية والرق كسائر أكسابه، (ولو كان بينهما) أي بين المبعض وسيده (مهايأة) أي موافقة
على أن يكون كسبه لنفسه مدة معلومة، ولسيده مدة معلومة. (وكذا حكم نادر من كسبه كهبة،
وهدية، ووصية، وركاز، ونحوه) كنثار يقع في حجره، لأن الكسب النادر لا يعلم وجوده، ولا
يظن فلا يدخل في المهايأة. وإن كان الرقيق الملتقط بين شركاء فاللقطة بينهم على قدر
حصتهم منه (ولو استيقط نائم) أو مغمى عليه (فوجد في ثوبه مالا لا يدري من صره) أو وجد
في كيسه. قلت: أو جيبه ما لا يدري من وضعه فيه (فهو) أي المال (له) أي للنائم ونحوه
(ولا تعريف) عليه لأن قرينة الحال تقتضي تمليكه له.
باب اللقيط (1)
اللقيط: فعيل بمعنى مفعول، كقتيل وجريح، والأنثى لقيطة (وهو) أي اللقيط (طفل) لا مميز
(لا يعرف نسبه ولا) يعرف (رقه، نبذ) بالبناء للمفعول أي طرح في شارع. أو باب مسجد
ونحوه، (أو ضل) الطريق ما بين ولادته (إلى سن التمييز) قال في الانصاف: فقط على
الصحيح من المذهب (وقيل والمميز) لقيط أيضا (إلى البلوغ وعليه الأكثر) قاله في التنقيح.
قال في الفائق: وهو المشهور. قال الزركشي هذا المذهب. قال في التلخيص: والمختار
عند أصحابنا أن المميز يكون لقيطا (2)، لأنهم قالوا: إذا التقط رجل وامرأة معا من له أكثر
275

من سبع سنين أقرع ولم يخبر بخلاف الأبوين. وعلم مما تقدم أنه لو نبذ أو ضل طفل
معروف النسب أو معلوم الرق فرفعه من يعرفه أو غيره فهو لقيط لغة لا شرعا (والتقاطه
فرض كفاية) (1) لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * [المائدة: 2]. ولان فيه إحياء
نفسه فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر، وإنجائه من نحو غرق. فلو تركه جميع من رآه أثموا،
ويحرم النبذ لأنه تعريض بالمنبوذ للتلف (ويستحب للملتقط الاشهاد عليه) كاللقطة ودفعا
لنفسه لئلا تراوده باسترقاقه، (و) يستحب أيضا للملتقط الاشهاد (على ما معه) أي اللقيط من
مال، صونا لنفسه عن جحده، (وهو) أي اللقيط (حر في جميع أحكامه) حتى في قذف وقود
لأنها الأصل في الآدميين. فإن الله خلق آدم وذريته أحرارا وإنما الرق لعارض، فإذا لم يعلم
ذلك العارض فله حكم الأصل، وهو أيضا (مسلم) لظاهر الدار، وتغليب الاسلام فإنه يعلو
ولا يعلى عليه (إلا أن يوجد) اللقيط (في بلد كفار حرب، ولا مسلم فيه) أي في بلد الحرب،
(أو فيه مسلم كتاجر، وأسير، فكافر رقيق) لأن الدار لهم وإذا لم يكن فيها مسلم كان أهلها
منهم، وإن كان فيها قليل من المسلمين غلب فيها حكم الأكثر من أجل كون الدار لهم.
قال في الرعاية: وإن كان فيها مسلم ساكن فاللقيط مسلم، وإلى ذلك أشار الحارثي، فقال:
مثل الأصحاب في المسلم هنا بالتاجر والأسير، واعتبروا إقامته زمنا، حتى صرح في
التلخيص أنه لا يكفي مروره مسافرا (فإن كثر المسلمون) في دار الحرب (ف‍) اللقيط
(مسلم) قلت: حر لما تقدم (وإن وجد) اللقيط (في دار الاسلام في بلد كل أهلها) أهل (ذمة
فكافر) لأن تغليب حكم الاسلام إنما يكون مع الاحتمال وهذه لا مسلم فيها يحتمل كونه
منه. وقال القاضي وابن عقيل: مسلم لأن الدار للمسلمين، ولاحتمال كونه من مسلم يكتم
إيمانه (2) (وإن كان فيه) أي بلد الاسلام الذي كل كان أهله ذمه (مسلم) ولو واحدا (ف‍)
اللقيط (مسلم إن أمكن كونه) أي اللقيط (منه) أي من المسلم بها تغليبا للاسلام ولظاهر
الدار، وإن لم يبلغ من قلنا بكفره تبعا للدار حتى صارت دار إسلام. فمسلم (ولا تجب
نفقته) أي اللقيط (على ملتقطه) لأنه لا يرثه (وينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه) أي
اللقيط (ما ينفق عليه) لما روى سعيد عن سنين أبي جميلة قال: وجدت ملقوطا فأتيت به
276

عمر رضي الله عنه فقال عريفي: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟
قال نعم. قال: فاذهب هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته أو رضاعه (فإن تعذر) الانفاق عليه
من بيت المال لكونه لا مال فيه أو لكون البلد ليس بها بيت مال ونحوه (اقترض حاكم على
بيت المال) وظاهره: ولو مع وجوده متبرع بها، لأنه أمكن الانفاق عليه بدون منة تلحقه في
المستقبل. أشبه الاخذ لها من بيت المال. قاله في شرح المنتهى (1)، (فإن تعذر) على الحاكم
الاقتراض على بيت المال أو كان لا يمكن الاخذ منه (فعلى من علم حاله الانفاق) عليه
(مجانا) للامر بالتعاون على البر والتقوى وبالعدل والاحسان، ولأنه إحياء معصوم وإنقاذ له
من التلف. فوجب كإنقاذ الغريق (ولا يرجع) المنفق بما أنفقه عليه (لأنها فرض كفاية) إذا
قام بها البعض سقطت عن الباقين، لحصول المقصود، وإن ترك الكل أثموا، ولأنها وجبت
للمواساة. فهي كنفقة القريب وقري الضيف، (وإن اقترض الحاكم ما أنفق عليه) أي اللقيط،
(ثم بان رقيقا، أو له أب موسر رجع) الحاكم (عليه) أي على سيد الرقيق، وأبى الحر
الموسر، لأن النفقة حينئذ واجبة عليهما. قلت: وقياس الأب وارث موسر. ويؤيده قوله،
(فإن) اقترض الحاكم على اللقيط و (لم يظهر له أحد) تجب عليه نفقته (وفى) الحاكم ما
اقترضه (من بيت المال) لأن نفقته حينئذ واجبة فيه، وإن كان للقيط مال تعذر الانفاق منه
لمانع أو ينتظر حصوله من وقف أو غيره. فلمن أنفق عليه بنية الرجوع أن يرجع لأنه في
هذه الحالة غني عن مال الغير. هذا معنى كلام الحارثي. وقال وإذا أنفق الملتقط أو غيره
نفقة المثل بإذن الحاكم ليرجع فله الرجوع. وقال في المغني (2) والشرح: وإن لم يتبرع أحد
بالانفاق عليه فأنفق عليه الملتقط أو غيره بنية الرجوع إذا أيسر بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك
إذا كانت النفقة قصدا بالمعروف (3)، وبغير أمر الحاكم فقال أحمد: يؤدي النفقة من بيت
المال (4) (وما وجد معه) أي اللقيط (من فراش تحته) كوطاء، وبساط، ووسادة، وسرير، (أو
ثياب)، أو حلي أو غطاء عليه، (أو مال في جيبه، أو تحت فراشه)، أو وسادته، (أو مدفونا تحته
طريا، أو) وجد (مطروحا قريبا منه كثوب موضوع إلى جانبه، أو حيوان مشدود بثيابه فهو له)
277

وكذا ما طرح فوقه، أو ربط به، أو بثيابه، أو سريره وما بيده من عنان دابة، أو مربوط عليها، أو
مربوطة به، أو بثيابه قاله الحارثي، لأن يده عليه. فالظاهر أنه له كالمكلف، ويمنع التقاطه
بدون التقاط المال الموجود لما فيه من الحيلولة بين المال ومالكه (وإن كان) اللقيط (في
خيمة) أو نحوها، (أو دار فهي له) إذا لم يكن فيها غيره. فإن كان ثم بالغ في جميع ما تقدم
فهو به أخص، إضافة للحكم إلى أقوى السببين. فإن يد اللقيط ضعيفة بالنسبة إلى يد
البالغ. وإن كان الثاني لقيطا فهو بينهما نصفين لاستواء يدهما إلا أن توجد قرينة تقتضي
اختصاص أحدهما بشئ دون شئ، فيعمل بها وما وجد بعيدا عنه أو مدفونا تحته غير
طري فلقطة (وأولى الناس بحضانته) واجده لأنه سبق إليه، فكان أولى به، (و) أولى الناس
ب‍ (حفظ ماله واجده) لأنه وليه (إن كان أمينا) (1) لما تقدم عن عمر رضي الله عنه (مكلفا)
لأن غير المكلف لا يلي أمر نفسه فلا يلي أمر غيره (رشيدا) لأن السفيه لا ولاية له على
نفسه فغيره أولى (حرا) تام الحرية لأن كلا من القن والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة
منافعه مستحقة لسيده فلا يصرفها في غير نفعه إلا بإذنه، وكذا المكاتب ليس له التبرع بماله
ولا منافعه إلا بإذن سيده (عدلا) لأن عمر رضي الله عنه أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين
قال له عريفه: إنه رجل صالح (ولو) كان (ظاهرا) أي لم تعلم عدالته باطنا كولاية النكاح
والشهادة فيه وأكثر الاحكام (وله) أي لواجده المتصف بما تقدم (الانفاق عليه مما وجد معه
بغير إذن حاكم) لأنه وليه بخلاف من أودع ما لا وغاب وله ولد فلا ينفق الوديع على ولده
من الوديعة لأنه لا ولاية له. بل تقوم امرأته إلى الحاكم حتى يأمره بالانفاق لاحتياجه إلى
نظر الحاكم (والمستحب) لواجد اللقيط الانفاق (بإذنه) أي الحاكم (إن وجد) لأنه أبعد من
التهمة وأقطع من الظنة وفيه خروج من الخلاف وحفظ لماله من أن يرجع عليه بما أنفق
(وينبغي) لولي اللقيط (أن ينفق عليه بالمعروف ك‍) ولي (اليتيم فإن بلغ اللقيط واختلفا) أي
اللقيط وواجده (في قدر ما أنفق) واجده عليه فقول المنفق عليه فقول المنفق بيمينه (2) (أو)
اختلفا (في التفريط في الانفاق) بأن قال اللقيط: أنفقت فوق المعروف وأنكره واجده (فقول
278

المنفق) بيمينه لأنه أمين، والأصل براءته (وله) أي واجد اللقيط (قبول هدية له)، وهبة،
(وصدقة، ووصية) وزكاة، وكفارة، ونذر كولي اليتيم ولان القبول محض مصلحة، فكان له
كحفظه وتربيته (1). قلت: ولعل المراد تجب إذا لم يضر باللقيط كما تقدم في الحجر فيما
إذا وهب لليتيم رحمة أنه يجب القبول إن لم تلزم نفقته وإنما عبروا باللام في مقابلة من منع
ذلك وجعله للحاكم (ولا يقر) اللقيط (بيد صبي، و) لا بيد (مجنون، و) لا بيد (سفيه، و) لا
بيد (فاسق) ظاهر الفسق لما تقدم، (ولا) يقر أيضا بيد (كافر، واللقيط مسلم) لانتفاء ولاية
الكافر على المسلم ولا يؤمن فتنته في الدين، (ولا) يقر اللقيط أيضا (بيد رقيق بلا إذن سيده)
لانتفاء أهليته للحضانة والولاية على الأحرار (وليس له) أي القن (التقاطه بغير إذن سيده)
لأنه مستحق المنفعة للسيد (إلا أن لا يجد) الرقيق (من يلتقطه فيجب) على الرقيق (التقاطه
لأنه تخليص له) أي اللقيط (من الهلكة) وهو واجب في هذه الحال لانحصاره فيه، (فإن أذن
له سيده) في التقاطه (فهو نائبه) فلا ينزع منه لأن التقاطه إذن للسيد والعبد نائب عنه. قال
ابن عقيل: وليس للسيد الرجوع في الاذن (2)، (والمدبر، وأم الولد، والمعلق عتقه) بصفة،
(والمكاتب، ومن بعضه حر كالقن) لقيام الرق (ولا يقر) اللقيط (بيد بدوي يتنقل في
المواضع) لأنه إتعاب للطفل بتنقله، فيؤخذ منه ويدفع إلى من في قرية، لأنه أرفه له وأخف
عليه (ولا) يقر أيضا بيد (من وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية) لأن مقامه في الحضر
أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له وأرجى لكشف نسبه وظهور أهله (فإن التقطه في البادية
مقيم في حلة) بكسر الحاء المهملة وهي بيوت مجتمعة للاستيطان أقر معه لأن الحلة كالقرية
في كون أهلها لا ترحل لطلب الماء والكلأ (وأراد) أي وأراد واجد اللقيط ببادية (النقلة) به
(إلى الحضر أقر) اللقيط (معه) لأنه أرفق به، (ويصح) أي يجوز (التقاط ذمي لذمي، ويقر)
الذمي (بيده) أي الذمي لقوله تعالى: * (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) *، [الأنفال:
73]. (ولو التقط) اللقيط (الكافر مسلم، وكافر فهما سواء) لاستوائهما في الالتقاط وللكافر
279

على الكافر الولاية (وقيل: المسلم أحق. اختاره جمع) منهم صاحب المغني (1) والشرح (2)
والناظم. قال الحارثي وهو الصحيح بلا تردد. لأنه عند المسلم ينشأ على الاسلام ويتعلم
شرائع الدين فيفوز بالسعادة الكبرى (وإن التقطه في الحضر من يريد النقلة إلى بلد آخر) لم
يقر بيده (أو) التقطه في الحضر من يريد النقلة (من بلد إلى قرية، أو من محلة إلى محلة) أي
من حلة إلى حلة (لم يقر بيده) (3) لأن بقاءه في بلده، أو قريته، أو حلته أرجى لكشف نسبه
وكالمنتقل به إلى البادية (ما لم يكن البلد الذي كان فيه) واجد اللقيط (وبيئا) أي وخيما
(كغور بيسان) بكسر الباء الموحدة يليها ياء مثناة تحت ساكنة ثم سين مهملة بلد بأرض الشام
(ونحوه) كالجحفة فإن كان البلد وبيئا أقر اللقيط بيد المنتقل عنه إلى بلد لا وباء به أو دونه
في الوباء لأنه مصلحة وإن أراد السفر به لغير نقلة، فإن عرفت عدالته وظهرت أمانته أقر
بيده. وإن كان مستور الحال ففيه وجهان (وحيث يقال بانتزاعه) أي اللقيط (من الملتقط فيما
تقدم) من المسائل، (فإنما ذلك) الانتزاع (عند وجود الأولى به) من الملتقط (فأما إذا لم
يوجد) أولى منه (فإقراره في يده أولى كيف كان) لرجحانه بالسبق إليه، (ويقدم موسر ومقيم
من أهل الحضانة إذا التقطاه) أي الموسر وضده أو المقيم وضده (معا على ضدهما) فيقدم
الموسر على المعسر لأنه أحظ للقيط ويقدم المقيم على المسافر لأنه أرفق باللقيط، (فإن
تساويا) أي الملتقطان في اليسار أو الإقامة (وتشاحا) بأن لم يرض أحدهما بإسقاط حقه
وتسليم اللقيط إلى صاحبه (أقرع بينهما) لقوله تعالى: * (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم
أيهم يكفل مريم) * [آل عمران: 44]. ولأنه لا مرجح لأحدهما والحضانة لا تتبعض
والمهايأة فيها إضرار بالطفل، لأنه تختلف عليه الأغذية والأنس والألف (والبلدي، والكريم،
وظاهر العدالة وضدهم) أي البلدي والقروي سواء، والكريم والبخل سواء، وظاهر العدالة
ومستورها سواء، لاستهوائهما في الأهلية (والرجل والمرأة سواء) فلا تتقدم عليه بخلاف
280

الحضانة لأنهما أجنبيان عن الطفل فيستويان فيه وإنما قدمت في الحضانة لقرابتها المقتضية
للشفقة وكون الرجل إنما يحضن بأجنبية (والشركة في الالتقاط أن يأخذاه جميعا) أي معا
(ووضع اليد عليه كالأخذ ولا اعتبار بالقيام المجرد) عن الاخذ ووضع اليد (عنده) أي عند
اللقيط لأن الالتقاط حقيقة في الاخذ، وفي معناه وضع اليد. فلا يوجد بدونهما (إلا أن
يأخذه) الملتقط (للغير بأمره فالملتقط هو الامر في قول) من يقول بصحة التوكيل في
الالتقاط (والآخذ نائب عنه) أي الآمر فهو كاستنابته في أخذ المباح وتقدم في الوكالة لا
تصح في الالتقاط فالملتقط هو الآخذ لا الآمر، (فإن نوى) المأمور (أخذه لنفسه فهو أحق به)
ولو قلنا بصحة الوكالة لأنه بنية أخذه لنفسه عزل نفسه، (وإن اختلفا في الملتقط منهما) بأن
ادعى كل منهما إنه الذي التقطه وحده (قدم من له بينة) به (سواء كان في يده أم في يد
غيره) إعمالا لبينته، (فإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا) لأن الثاني إنما أخذ
ممن ثبت الحق له. قال الحارثي وهذا التعليل يقتضي أن اللقيط لا يقبل الانتقال من شخص إلى
شخص وليس كذلك، فإنه جائز في بعض الحالات فهو كالمال. فيجري فيه ما في بينة
المال من رواية اعتبار سبق التاريخ ورواية تساويهما أعني البينتين (فأن اتحدتا تاريخا، أو
أطلقتا، أو أرخت إحداهما، وأطلقت الأخرى تعارضتا، وسقطتا) (1) فيصيران كمن لا بينة لهما لم
يكن بيد أحدهما فإن كان بيد أحدهما فكدعوى المال فتقدم بينة خارج، (وإن لم تكن لهما
بينة قدم صاحب اليد مع يمينه) لأن اليد تفيد، الملك فأولى أن تفيد الاختصاص، (فإن كان)
اللقيط (في أيديهما أقرع بينهما) لتساويهما في موجب الاستحقاق، ولا سبيل إلى اشتراكهما
في كفالته كما تقدم (فمن قرع) أي خرجت له القرعة (سلم إليه مع يمينه، وإن لم يكن لهما
يد فوصفه أحدهما بعلامة مستورة في جسده) بأن يقول: بظهره أو بطنه أو كتفه أو فخذه
281

شامة أو أثر جرح أو نار ونحوه فكشف ووجد كما ذكر (قدم) على من لم يصفه به. لان
هذا نوع من اللقطة مقدم بوصفها كلقطة المال ولأنه يدل على سبق يده عليه (فإن وصفاه
جميعا) بما تقدم (أقرع بينهما) لانتفاء المرجح لأحدهما على الآخر (وإن لم يكن) اللقيط
(في أيديهما، ولا في يد واحد منهما، ولا بينة لهما، ولا لأحدهما، ولا وصفاه، ولا) وصفه
(أحدهما. سلمه القاضي إلى من يريد منهما، أو من غيرهما) (1) لأنه لا يد لهما ولا بينة،
فاستويا وغيرهما فيه، كما لو لم يتنازعاه. وقال في المغني: الأولى أن يقرع بينهما (2) (ولا
تخيير للصبي) إذ لا مستند له. بخلاف اختياره أحد الأبوين، لأنه يستند إلى تجربة تقدمت.
قاله في التلخيص: (ومن أسقط حقه) من المتنازعين فيه، أو ممن التقطاه معا (منه) أي من
اللقيط (سقط) حقه، لأن الحق لهما. فكان لكل منهما تركه للآخر. كالشفيعين.
فصل:
(وميراث اللقيط) إن مات لبيت المال
إن لم يخلف وارثا. ولا يرثه الملتقط، لأنه إذا لم يكن رحم ولا نكاح، فالإرث
بالولاء. وقد قال النبي (ص): إنما الولاء لمن أعتق (3) والملتقط ليس معتقا وحديث
وائلة بن الأسقع. قال: قال رسول الله (ص): المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها،
وولدها الذي لا عنت عليه (4) أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن. قال ابن
282

المنذر: لا يثبت. وقول عمر: ولك ولاؤه أي ولايته (وديته) أي اللقيط (إن قتل لبيت
المال) لأنها من ميراثه كسائر ماله (إن لم يخلق) اللقيط (وارثا) بفرض أو تعصيب (1). فإن
كانت له زوجة فلها الربع، والباقي لبيت المال، وإن ماتت لقيطة لها زوج، فله النصف
والباقي لبيت المال. وإن كان له بنت أو بنت ابن، أو ابن بنت أخذ جميع المال لأن الرد
والرحم مقدم على بيت المال (وولاء عليه) أي اللقيط لقوله (ص): إنما الولاء لمن أعتق
ولأنه لم يثبت عليه رق، ولا ولاء على آبائه. فلم يثبت عليه كالمعروف نسبه. ولأنه إن
كان ابن حرين، فلا ولاء عليه. وإن كان ابن معتقين، فلا يكون عليه ولاء لغير معتقهما
(وإن قتل) اللقيط (عمدا، فوليه الامام) (2) لقوله (ص): السلطان ولي من لا ولي له (3) ولان
المسلمين يرثونه، والسلطان ينوب منابهم، ف‍ (إن شاء) الامام (اقتص، وإن شاء أخذ
الدية) حسب الأصلح، لأنه حر معصوم، والاستحقاق منسوب إلى جهة الاسلام، لا إلى
أحاد المسلمين، حتى يمنع منهم كون فيهم صبيان ومجانين (وإن قطع طرفه) أي اللقيط
(عمدا، انتظر بلوغه مع رشده) ليقتص أو يعفو، لأن مستحق الاستيفاء المجني عليه، وهو
حينئذ لا يصلح للاستيفاء، فانتظرت أهليته، وفارق القصاص في النفس، لأن القصاص
ليس له، بل لوارثه، والامام المتولي عليه (فيحبس الجاني) على طرف اللقيط (إلى أوان
البلوغ، والرشد) لئلا يهرب (إلا أن يكون) اللقيط (فقيرا، ولو) كان اللقيط (عاقلا، فيجب
على الامام العفو على مال) فيه حظ للقيط (ينفق عليه) دفعا لحاجة الانفاق. وما جزم به
المصنف من التسوية بين المجنون والعاقل. قال في شرح المنتهى: إنه المذهب (4)، وقال
في الانصاف: هو الصحيح من المذهب (5)، ويأتي في باب استيفاء القصاص: إن لولي
المجنون العفو لأنه لا أمد له ينتهي إليه، بخلاف ولي العاقل، وقطع به في الشرح (6) هنا،
283

(وإن ادعى الجاني عليه) أي على اللقيط رقه، (أو) ادعى (قاذفه، وكذبه اللقيط بعد بلوغه،
فالقول قول اللقيط) لأنه موافق للظاهر، لأنه محكوم بحريته، ولأنه لو قذف إنسانا لوجب
عليه حد الحر، فللقيط طلب حد القذف، واستيفاء القصاص من الجاني، وإن كان حرا،
وإن أوجبت الجناية مالا، طالب بما يجب في الحر، وإن صدق اللقيط قاذفه أو الجاني
عليه على كونه رقيقا لم يجب عليه إلا ما يجب في قذف الرقيق أو جنايته عليه، (وإن جنى
اللقيط جناية تحملها العاقلة ف‍) أرشها (على بيت المال) لأن ميراثه ونفقته في بيت المال،
فكان عقله فيه كعصباته، (وإن كانت) الجناية (لا تحملها العاقلة) كالعمد المحض وإتلاف
المال (فحكمه) أي اللقيط (فيها حكم غير اللقيط) (1) ف‍ (إن كانت) الجناية (توجب
القصاص، وهو) أي اللقيط (بالغ عاقل اقتص منه) مع المكافأة، (وإن كانت) الجناية من
اللقيط (موجبة للمال، وله) أي اللقيط (مال استوفي) ما وجب بالجناية (منه) أي من ماله،
(وإلا) بأن لم يكن له مال (كان) ما وجب بالجناية (في ذمته، حتى يوسر) كسائر الديون،
(وإن ادعى أجنبي) أي غير الملتقط (أن اللقيط مملوكه) وهو في يده، صدق بيمينه إن كان
اللقيط طفلا أو مجنونا، (أو) ادعى إنسان أن (مجهول النسب غيره) أي اللقيط (مملوكه وهو
في يده، صدق) المدعي، لدلالة اليد على الملك (مع يمينه) لامكان عدم الملك، ثم إذا
بلغ وقال: أنا حر. لم يقبل. قاله الحارثي، (وإلا فلا) أي وإن لم يكن اللقيط أو مجهول
النسب بيد المدعي، فلا يصدق، لأن دعواه تخالف الأصل والظاهر (فلو شهدت له) أي
لمدعي اللقيط غير ملتقطة، أو لمدعي مجهول النسب (باليد بينة) بأن قالا: نشهد أنه كان
بيده حكم له باليد فيحلف أنه ملكه، ويحكم له بملكه، لأن اليد دليل الملك، (أو) شهدت
ب‍ (الملك، أو) شهدت (أنه عبده، أو مملوكه)، أو قنه، أو رقيقه (ولو لم تذكر البينة سبب
الملك) حكم له به كما لو شهدا بملك دار أو ثوب، (أو) شهدت (أن أمته) أي المدعي
(ولدته في ملكه، حكم له به) لأن الغالب أنها لا تلد في ملكه إلا ملكه، (وإن) شهدت أنه
284

ابن أمته، أو أن أمته ولدته، و (لم تقل في ملكه لم يحكم له) به، لأنه يجوز أن تكون
ولدته قبل ملكه لها. فلا يكون له، مع كونه ابن أمته، وكونها ولدته، هل يكفي في البينة
التي تشهد أن أمته ولدته في ملكه امرأة واحدة أو رجل واحد، لأنه مما لا يطلع عليه في
غالب الأحوال رجال؟ وبه جزم في المغني (1). أو لا بد في ذلك من رجلين أو رجل
وامرأتين. كما ذكره القاضي؟ فيه وجهان. قال الحارثي عن قول القاضي: إنه أشبه بالمذهب
(وإن ادعاه) أي ملك اللقيط (الملتقط، لم يقبل إلا ببينة) تشهد بملكه، أو أن أمته ولدته في
ملكه، ولا تكفي يده، ولا بينة تشهد له باليد، لأن الأصل الحرية، ويده عن سبب لا يفيد
الملك. فوجودها كعدمها، بخلاف المال. فإن الأصل فيه الملك (وإن كان المدعى) بفتح
العين أنه مملوك من لقيط أو مجهول نسب (بالغا عاقلا) وكذا إن كان مميزا، كما يأتي في
الدعاوى (فأنكر) أنه رقيق، وقال: أنا حر (فالقول قوله: أنا حر) (2) لأن الأصل معه (وإن
كان للمدعى) رق اللقيط أو مجهول النسب (بينة) بدعواه (حكم) له (بها) أي ببينته، (فإن كان
الملتقط) بفتح القاف، وفي نسخ: اللقيط. قد (تصرف قبل ذلك) أي قبل أن يحكم به
لمدعي رقه ببينة (ببيع، أو شراء) أو هبة ونحوها (نقضت تصرفاته) لأنه بان أنه كان تصرف
بغير إذن سيده، (وإن أقر) اللقيط أو مجهول النسب (بالرق بعد بلوغه، لم يقبل إقراره. سواء
تقدم إقراره تصرف ببيع، أو شراء، أو تزويج، أو إصداق ونحوه، أو لم يتقدمه) تصرف،
(بل) كان (أقر بالرق جوابا) لدعوى مدع، (أو) أقربه (ابتداء. ولو صدقه المقر له) بالرق،
لأنه يبطل به حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها، فلم يصح (كما لو تقدمه إقرار بحريته)
ولان الطفل المنبوذ لا يعلم رق نفسه ولا حريتها، ولم يتجدد له رق بعد التقاطه، (وإن أقر
اللقيط أنه كافر وقد حكمنا بإسلامه من طريق الظاهر، تبعا للدار) بأن كان وجد في دار
إسلام، فيه مسلم، يمكن كونه منه (لم يقبل قوله) إنه كافر بعد بلوغه، لأن دليل الاسلام
وجد عريا عن المعارض وثبت حكمه واستقر، فلم يجز إزالته حكمه بقوله، كما قال ذلك
285

ابن مسلم. وقوله لا دلالة فيه أصلا لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه، ولا ما كان
دينه، وإنما يقول ذلك من تلقاء نفسه (وحكمه حكم المرتد) يستتاب ثلاثا. فإن تاب، وإلا
قتل (كما لو بلغ سنا يصح إسلامه فيه) كسبع سنين (ونطق بالاسلام) وهو يعقله، (ثم قال: إنه
كافر) فإنه يستتاب بعد بلوغه ثلاثا. فإن تاب وإلا قتل، لأن إسلامه متيقن (1).
فصل:
(وإن أقر إنسان أنه) أي اللقيط (ولده)
وقوله: (مسلم، أو ذمي) صفة لانسان (يمكن كونه) أي اللقيط (منه) أي المقر (حرا
كان) المقر (أو رقيقا، رجلا كان، أو امرأة، ولو) كانت (أمة، حيا كان اللقيط، أو ميتا ألحق
به) (2) لأنه استلحاق لمجهول النسب ادعاه من يمكن أنه منه من غير ضرر فيه ولا دافع عنه
ولا ظاهر يرده. فوجب اللحاق، ولأنه محض مصلحة للطفل لوجوب نفقته وكسوته
واتصال نسبه، فكما لو أقر له بمال، (ولا تجب نفقته) أي اللقيط (على العبد) إذا ألحقناه به
لأنه لا يملك، (ولا حضانة له) أي للعبد على من استلحقه لاشتغاله بالسيد فيضيع فلا يتأهل
للحضانة كما قال الحارثي، وإن أذن السيد جاز لانتفاء مانع الشغل، (ولا) تجب نفقة من
استلحقه العبد (على سيده لأنه) أي اللقيط (محكوم بحريته) والسيد غير نسيب له، (وتكون)
نفقته (في بيت المال) لأنه للمصالح العامة (3)، (ولا يلحق) اللقيط (بزوج المرأة المقرة به
بدون تصديقه) أي الزوج، لأن إقرارها لا ينفذ على غيرها فلا يلحقه بذلك نسب لم يقر به (4)،
286

(ولا) يلحق اللقيط (بالرقيق) إذا استلحقه (في رقه) لأنه خلاف الأصل وإضرار بالطفل (بدون
بينة الفراش فيهما) فإن أقامت المرأة بينة أنها ولدته على فراش زوجها لحق به. وكذا لو
أقيمت بنية برقه بأن تشهد أنه عبده أو قنه أو أن أمته ولدته في ملكه على ما تقدم (كما لو
استلحق) حر (رقيقا) فيثبت نسبه دون حريته إلا ببينة تشهد أنه ولد على فراشه، (ولا) يلحق
اللقيط (بزوجة المقر بدون تصديقها) لأن إقراره لا يسري عليها، (ويلحق) اللقيط (الذمي) إذا
استلحقه (نسبا) كالمسلم (لا دينا) لأنه محكوم بإسلامه فلا يتأثر بدعوى الكافر، ولأنه مخالف
لظاهر وفيه إضرار باللقيط، (ولا حق له) أي الذمي (في حضانته) أي اللقيط الذي استلحقه لأنه
ليس أهلا لكفالة مسلم. ولا تؤمن فتنته عن الاسلام ونفقته في بيت المال (ولا يسلم إليه إلا
أن يقيم) الذمي (بينة أنه ولد على فراشه فيلحقه دينا) لثبوت أنه ولد ذميين كما لو لم يكن
لقيطا (بشرط استمرار أبويه على الحياة، والكفر) (1) إلى بلوغه عاقلا. فإن مات أحدهما أو
أسلم قبل بلوغه الحكم بإسلامه، (والمجنون كالطفل) إذا أقر إنسان أنه ولده لحق به (إذا أمكن
أن يكون منه وكان) المجنون (مجهول النسب) لأن قول المجنون غير معتبر فهو كالطفل، (وكل
من ثبت إلحاقه بالاستلحاق لو بلغ)، أو عقل، (وأنكر لم يلتفت إلى قوله) لنفوذ الاقرار عليه في
صغره أو جنونه لمستند صحيح. أشبه الثابت بالبينة (وإن ادعاه) أي نسب اللقيط (اثنان، أو
أكثر) سمعت لأن كل واحد لو انفرد صحت دعواه. فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى ولا فرق
بين المسلم، والكافر، والحر، والعبد. فإن كان (لأحدهما بينة قدم بها) لأنها تظهر الحق
وتبينه (2)، (وإن كان) اللقيط المدعي نسبه (في يد أحدهما وأقاما بينة قدمت بينة خارج) كالمال،
(وإن كان) اللقيط (في يد امرأة) وادعت نسبه وأقامت به بينة (قدمت على امرأة ادعته بلا بينة)
لأن البينة موضحة (وإن تساووا في البينة) بأن أقام كل منهم بينة والطفل بأيديهم أوليس بيد
واحد منهم (أو) تساووا في (عدمها عرض) اللقيط (معهما) أي المدعيين إن ادعياه معا وإلا
لحق بالأول، إلا أن تلحقه القافة بالثاني فيلحق به وينقطع نسبه عن الأول لأنها بينة في إلحاق
287

النسب فيزول بها الحكم الثابت بمجرد الدعوى (على القافة) (1) بالتخفيف جمع قائف.
ويأتي معناه. وكان إياس بن معاوية قائفا وكذا شريح قاله في المبدع (أو) عرض (مع أقاربهما
إن ماتا) أي المدعيين (كالأخ، والأخت، والعمة، والخالة فإن ألحقته) القافة (بأحدهما لحق به)
لحديث عروة عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله (ص) ذات يوم وهو مسرور فقال: أي
عائشة ألم تري لي مجزز المدلجي؟ دخل فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما
وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض وفي لفظ دخل قائف والنبي (ص)
شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض، فسر
بذلك النبي (ص) وأعجبه وأخبر به عائشة (2) متفق عليهما. وبه قال عمر وأبو موسى وابن
عباس وأنس وقضى به عمر بحضرة الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكان إجماعا (وإن ألحقته)
القافة (بهما) أي المدعيين (لحق) نسبه (بهما) لما روى سعيد عن عمر في امرأة وطئها
رجلان في طهر فقال القائف: قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما وبإسناده عن الشعبي قال:
وعلي يقول: هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه ورواه الزبين بن بكار عن عمر (فيرث)
الملحق بأبوين (كل واحد منهما إرث ولد كامل، ويرثانه إرث أب واحد) لما تقدم، (وإن وصي
له) أي الملحق باثنين (قبلا) الوصية له (جميعا) لأنهما بمنزلة أب واحد. وعلى قياس ذلك
سائر التصرفات من نكاح وقبول هبة ونحوها. قال الموضح: وهما وليان في غير ذلك كنكاح
وغيره (وإن خلف) الملحق باثنين (أحدهما فله إرث أب كامل، ونسبه ثابت من الميت) كما أن
الجدة إذا انفردت أخذت ما يأخذه الجدات والزوجة كالزوجات (ولأمي أبويه مع أم أمه نصف
288

السدس) لأنهما بمنزلة أم أب مع أم، (ولها) أي لام أمه (نصفه) أي السدس (ولو توقفت القافة
في إلحاقه بأحدهما أو نفته عن الآخر لم يلحق بالذي توقفت فيه) لأنه لا دليل له (ولا يلحق)
الولد (بأكثر من أم واحدة) لأنه يستحيل أن يكون من أمين (1)، (فإن ألحقته القافة بأكثر من أم
سقط قولها) ولم يلحق بواحدة منهما لتبين خطأ القافة وليست إحداهما أولى من الأخرى، (وإن
ادعى نسبه رجل، وامرأة ألحق بهما) لأنه لا تنافي بينهما لامكان كونه منهما بنكاح أو وطئ شبهة
فيكون ابنهما بمجرد دعواهما كالانفراد، (فإن قال الرجل: هو ابني من زوجتي وادعت زوجته
ذلك) أي أنه ابنها منه وادعت امرأة أخرى أنه ابنها، (فهو ابنه) و (ترجح زوجته على الأخرى)
لأن زوجها أبوه فالظاهر أنها أمه، (والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه) جمع قائف (ولا يختص
ذلك بقبيلة معينة) كبني مدلج، (بل من عرف منه المعرفة بذلك وتكررت منه الإصابة، فهو قائف)
قال في الصحاح: يقال قفت وقفوت وقاف واقتاف أثره إذا اتبعه وهو أقوف الناس اه‍
والقائف كالحاكم. فلو ألحق بواحد لم يصح إلحاقه منه أو من غيره بعد ذلك بآخر وإن أقام
بينة أنه ولده حكم له به. وسقط قول القائف، لأنه بدل، فيسقط بوجود الأصل (وإن ادعاه)
أي نسب للقيط ونحوه (أكثر من اثنين) كثلاثة فأكثر (فألحق) أي ألحقته القافة (بهم لحق،
وإن كثروا) لأن المعنى الذي لأجله ألحق باثنين موجود فيما زاد عليه قياسا (2). وقولهم إن
إلحاقه باثنين على خلاف الأصل ممنوع، وإن سلمناه، لكن ثبت لمعنى موجود في غير،
فيجب تعدية الحكم إليه (والحكم كما تقدم) من أنه يرث كل واحد منهم ولد كامل ويرثونه
إرث أب واحد ويقبلون له الوصية ونحوها (لا يرجح أحدهم بذكر علامة في جسده) لأنه قد
يطلع عليها الغير فلا تحصل الثقة بذكرها، (وإن نفته القافة عنهم، أو أشكل عليهم، أو لم توجد
قافة) يمكن الذهاب إليها (ولو بعيدة فيذهبون إليها) ضاع نسبه لأنه لا دليل لأحدهم. أشبه من
لم يدع نسبه (3)، (أو اختلف قائفان، أو) اختلف (اثنان وثلاثة فأكثر ضاع نسبه) لعدم المرجح
لاحد المدعيين كما لو تعارضت بينتاهما، (وإن اتفق) قائفان (اثنان وخالفهما) قائف (ثالث أخذ
بهما) لكمال النصاب إن اعتبر التعدد وإلا فتعارض القائفين يقتضي تساقطهما، والثالث خلا
289

عن معارض فيعمل به، (ومثله طبيبان، وبيطاران في عيب) خالفهما ثالث فيقدمان عليه (ولو
رجعا) بعد التقويم بأن قوماه بعشرة ثم رجعا إلى اثني عشر أو ثمانية لم يقبل. قال الحارثي
وينبغي حمله على بعد الحكم ولو رجع من ألحقته به القافة عن دعواه لم يقبل منه ومع عدم
إلحاقها بواحد من اثنين فرجع أحدهما يلحق بالآخر (ولو ألحقته) القافة (بواحد لانفراده
بالدعوى، ثم عادت فألحقته بغيره) كان للأول، (أو ألحقته قافة بواحد فجاءت قافة أخرى فألحقته
بآخر كان للأول) لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. كحكم الحاكم وإن أقام الآخر بينة أنه
ولده حكم له به وسقط قول القائف لأنه بدل فسقط بوجود الأصل، (وإن ولدت امرأة ذكرا و)
ولدت (أخرى أنثى وادعت كل واحدة منهما أن الذكر ولدها دون الأنثى عرضتا مع الولدين
على القافة، فيلحق كل واحد منهما بمن ألحقته به) القافة كما لو لم يكن لها ولد آخر، (فإن لم
توجد قافة اعتبر باللبن خاصة، فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته. وقد قيل إن
لبن الابن أثقل من لبن الأنثى. فمن كان لبنها لبن الابن فهو ولدها والبنت للأخرى (1). وإن
كان الولدان ذكرين، أو أنثيين، وادعتا أحدهما تعين عرضه) أي الولد المتنازع فيه (على القافة)
كما تقدم. وإن أدعى اثنان مولودا فقال أحدهما: هو ابني، وقال الآخر: هو ابني، نظر إن
كان ذكرا فلمدعيه وإن كان أنثى فلمدعيها سواء كان هناك بينة أو لا، لأن كل واحد منهما لا
يستحق سوى ما ادعاه، وإن كان خنثى. مشكلا عرض معهما على القافة، لأنه ليس قول
أحدهما أولى من الآخر (وإن وطئ اثنان امرأة بشبهة، أو) وطئا (جارية مشتركة بينهما في طهر
واحد، أو وطئت زوجة رجل، أو) وطئت (أم ولده، وأتت بولد يمكن أن يكون منه) أي الواطئ
(فادعى الزوج أنه من الواطئ أري) الولد (القافة معهما) أي الواطئين إن كانا موجودين وإلا
فمع أقاربهما، كاللقيط، وألحق بمن ألحقوه به منهما (سواء ادعياه، أو جحداه، أو) ادعاه
290

(أحدهما) وجحده الآخر. وقد ثبت الفراش. ذكره القاضي وغيره وهو المذهب (1). قاله
الحارثي. فقول المصنف: فادعى الزوج أنه من الواطئ تبعا لأبي الخطاب والمقنع
والمستوعب: فيه نظر، إذ لا يلائم آخر كلامه لكنه تبع صاحب الانصاف (2). وعبارة المبدع
أيضا موهمة (3)، وعلى قول أبي الخطاب ومتابعيه إن ادعاه الزوج وحده اختص به لقوة
جانبه. ذكره في المحرر وكذا لو تزوجها كل منهما تزويجا فاسدا، أو كان أحدهما صحيحا
والآخر فاسدا أو بيعت أمته فوطئها المشتري قبل الاستبراء. وليس لزوج ألحق به اللعان لنفيه
(ونفقة المولود) المشتبه نسبه (على الواطئين) لاستوائهما في إمكان لحوقه بهما، (فإذا ألحق)
الولد (بأحدهما رجع) من لم يلحق به (على الآخر بنفقته) لتبين أنه محل الوجوب، (ويقبل قول
القائف في غير بنوة، كأخوة، وعمومة) وخؤولة لحديث عروة عن عائشة أن النبي (ص) قال: إذا علا
ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه (4) ذكره
الحارثي. ولا يختص بالعصبات كما تقدم، لأن المقصود معرفة شبه المدعي للميت بشبه
مناسبيه وهو موجود فيما هو أعم من العصبات (ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا
في الإصابة) لأن قوله حكم. فاعتبرت له هذه الشروط (ولا تشترط حريته) قال في الانصاف:
هذا المذهب (5) وقدمه في الفروع. قال الحارثي: وهذا أصح لأن الرق لا يخل بالمقصود،
فلا يمنع القبول كالرواية والشهادة، وكالمفتي، بجامع العمل بالاجتهاد. وقيل تشترط حريته
جزم به القاضي وصاحب المستوعب والموفق (6) والشارح (7). وذكره في الترغيب عن
الأصحاب. قال في القواعد الأصولية: الأكثرون على أنه كحاكم، فتعتبر حريته. وقدمه في
الرعاية الكبرى والحاوي الصغير. وجزم به في المنتهى. قال في المبدع ولا الاسلام (8). وفي
المستوعب: لم أجد أحدا من أصحابنا اشترط إسلام القائف. وعندي أنه يشترط. وجزم
291

باشتراطه في شرح المنتهى أخذا من اشتراط العدالة قلت: مقتضى قول الأصحاب إنه كحاكم
أو شاهد اعتبار الاسلام قطعا والله أعلم (ويكفي قائف واحد) لما روي عن عمر أنه استقاف
المصطلقي وحده. وكذلك ابن عباس استقاف ابن كلدة وحده، واستلحق به، ولأنه حكم
فقبل الواحد فيه كالحاكم (وهو كحاكم فيكفي مجرد خبره والله سبحانه وتعالى) لقصة مجزز.
تنبيه: قوله: مجربا في الإصابة أي كثير الإصابة. فمن عرف مولودا بين نسوة ليس
فيهن أمه ثم وهي فيهن فأصاب كل مرة فقائف وقال القاضي: يترك الصبي بين عشرة رجال
غير مدعية فإن ألحقه بأحدهم سقط قوله. وإن نفاه عنهم ترك مع عشرين منهم مدعيه. فإن
ألحقه به علمت إصابته وإلا فلا (1). وهذه التجربة عند عرضه على القائف للاحتياط في
معرفة إصابته ولو لم تجربه بعد أن يكون مشهورا بالإصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة
جاز وقضية إياس بن معاوية في ولد الشريف من جارية شاهدة بذلك.
292

كتاب الوقف (1)
(وهو) مصدر وقف بمعنى حبس وأحبس وسبل. قال الحارثي: وأوقف لغة لبني
تميم، وهو مما اختص به المسلمون. قال الشافعي: لم يحبس أهل الجاهلية وإنما حبس
أهل الاسلام. والأصل فيه: ما روى عبد الله بن عمر قال: أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى
النبي (ص) يستأمره فيها. فقال: يا رسول الله إني أصبت مالا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس
عندي منه، فما تأمرني فيه؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنه لا يباع
أصلها ولا يوهب ولا يورث قال: فتصدق بها عمر على الفقراء وذي القربى والرقاب وفي
سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم
صديقا غير متمول فيه - وفي لفظ - غير متأثل (2) متفق عليه. وقال جابر: لم يكن أحد من
أصحاب النبي (ص) ذو مقدرة إلا وقف قال القرطبي: لا خلاف بين الأئمة في تحبيس
القناطر والمساجد. واختلفوا في غير ذلك. والوقف (تحبيس مالك) بنفسه أو وكيله (مطلق
التصرف) وهو المكلف الحر الرشيد (ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف
وغيره في رقبته) أي المال قال الحارثي: معنى تحبيس الأصل إمساك الذات عن أسباب
التملكات مع قطع ملكه فيها (يصرف ريعه) أي المال (إلى جهة بر) هذا معنى قولهم:
293

وتسبيل المنفعة أي إطلاق فوائد العين الموقوفة من غلة وثمرة وغيرها للجهة المعينة.
وقوله: (تقربا إلى الله تعالى) تبع فيه صاحب المطلع والتنقيح. ولعل المراد اعتبار ذلك لترتب
الثواب عليه لا لصحة الوقف، فكثير من الواقفين لا يقصد ذلك، بل منهم من يقصد قصدا
محرما، كمن عليه ديون وخاف بيع عقاره فيها، كما أشار إليه في شرح (1) المنتهى، أو
يقال: هذا بيان أصل مشروعية الوقف. وسمي وقفا لأن العين موقوفة، وحبيسا لأن العين
محبوسة (وهو مسنون) لقوله تعالى: * (وافعلوا الخير) * [الحج: 77]. ولفعله (ص) وفعل
أصحابه، (ويصح) الوقف (بقول)، ويأتي صريحه وكنايته، (و) يصح الوقف أيضا ب‍ (فعل) مع
(دال عليه) أي الوقف (عرفا) كالقول، لاشتراكهما في الدلالة عليه وذلك (مثل أن يجعل
أرضه مقبرة، ويأذن في الدفن فيها) إذنا عاما لأن الاذن الخاص قد يقع على غير الموقوف فلا
يفيد دلالة الوقف، (أو يبني بنيانا على هيئة مسجد ويأذن للناس في الصلاة فيه إذنا عاما) لما
تقدم (أو أذن، أو أقام فيه) أي فيما بناه على هيئة المسجد بنفسه، أو بمن نصبه لذلك، لان
الأذان والإقامة فيه كالاذن العام في الصلاة فيه. قال الشيخ تقي الدين: ولو نوى خلافه (2).
نقله أبو طالب انتهى. أي أن نيته خلاف ما دل عليه الفعل لا أثر لها. قال الحارثي: وليس
يعتبر للاذن وجود صيغة، بل يكفي ما دل عليه من فتح الأبواب، أو التأذين، أو كتابة لوح
بالاذن أو الوقف. انتهى. وكذا لو أدخل بيتا في المسجد. وأذن فيه (أو بنى بيتا لقضاء
حاجة الانسان) أي البول والغائط (والتطهير ويشرعه) أي يفتح بابه إلى الطريق (لهم) أي
للناس (أو يملأ خابية) أو نحوها (ماء على الطريق) أو في مسجده ونحوه، لدلالة الحال
على تسبيله (ولو جعل سفل بيته مسجدا، وانتفع بعلوه) أي البيت صح، (أو عكسه) بأن جعل
علو بيته مسجدا وانتفع بسفله صح، (أو) جعل (وسطه) أي البيت مسجدا وانتفع بعلوه وسفله،
(ولو لم يذكر استطراقا) إلى ما جعله مسجدا (صح) الوقف (3)، (ويستطرق) إليه (كما لو
باع) بيتا من داره (أو أجر بيتا من داره) ولم يذكر له استطراقا فإنه يصح البيع والإجارة
ويستطرق إليه على العادة، (وصريحة) أي القول: (وقفت، وحبست، وسبلت ويكفي أحدها)
294

فمن أتي بكلمة من هذه الثلاث صح بها الوقف لعدم احتمال غيره، بعرف الاستعمال
المنضم إليه عرف الشرع، لأنه (ص) قال لعمر: إن شئت حبست أصلها
وسبلت ثمرتها (1) فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ التطليق في الطلاق، وإضافة
التحبيس إلى الأصل، والتسبيل إلى الثمرة لا يقتضي المغايرة في المعنى، فإن الثمرة محبسة
أيضا على ما شرط صرفها إليه (وكنايته: تصدقت، وحرمت، وأبدت) لعدم خلوص كل
لفظ منها عن الاشتراك. فإن الصدقة تستعمل في الزكاة، وهي ظاهرة في صدقة التطوع،
والتحريم صريح في الظهار والتأبيد يستعمل في كل ما يراد تأبيده من وقف وغيره (ولا
يصح) الوقف، (بالكناية إلا أن ينويه) المالك (2)، فمتى أتى بإحدى هذه الكنايات واعترف أنه
نوى بها الوقف، لزمه في الحكم لأنها بالنية صارت ظاهرة فيه، وإن قال: ما أردت بها
الوقف، قبل قوله، لأنه أعلم بما في ضميره لعدم الاطلاع على ما في الضمائر، (أو يقرن
به) أي بلفظة الكناية (أحد الألفاظ الخمسة) وهي الكنايتان والصرائح الثلاث، (فيقول:
تصدقت) بكذا (صدقة موقوفة، أو) تصدقت به صدقة (محبسة، أو) صدقة (مسبلة، أو)
صدقة (مؤبدة، أو) صدقة (محرمة، أو يقول: هذه) العين (محرمة موقوفة، أو) محرمة
(محبسة، أو) محرمة (مسبلة، أو) محرمة (مؤبدة، أو يصفها) أي الكناية (بصفات الوقف،
فيقول): تصدقت به صدقة (لا تباع)، أ (ولا توهب)، أ (ولا تورث (3)، أو) يقرن الكناية
بحكم الوقف كأن (يقول: تصدقت بأرضي على فلان والنظر لي أيام حياتي أو) والنظر
(لفلان ثم من بعده لفلان، وكذا لو قال: تصدقت به على فلان، ثم من بعده على ولده، أو)
تصدقت به على فلان، ثم (على فلان، أو تصدقت به على قبيلة كذا، أو) تصدقت به على
(طائفة كذا) كالفقراء أو الغزاة لأن هذه الألفاظ ونحوها لا تستعمل فيما عدا الوقف، فأشبه
295

ما لو أتى بلفظه الصريح، (ولو قال) رب دار: (تصدقت بداري على فلان، ثم قال) المتصدق
(بعد ذلك: أردت الوقف ولم يصدقه فلان) وقال: إنما هي صدقة، فلي التصرف في رقبتها
بما أريد (لم يقبل قول المتصدق في الحكم) لأنه خلاف الظاهر قال في الانصاف فيعايى
بها (1) قال في الاختيارات: ومن قال قريتي التي بالثغر لموالي الذين به ولأولادهم صح
وقفا. ونقله يعقوب بن بختان عن أحمد. وإذا قال واحد أو جماعة: جعلنا هذا المكان
مسجدا أو وقفا صار مسجدا أو وقفا بذلك، وإن لم يكملوا عمارته. وإذا قال كل منهم
جعلت ملكي للمسجد، أو في المسجد ونحو ذلك صار بذلك وقفا للمسجد انتهى. فيؤخذ
منه أن الوقف يحصل بكل ما أدى معناه وإن لم يكن من الألفاظ السابقة ووقف الهازل،
ووقف التلجئة إن غلب على الوقف جهة التحرير من جهة أنه لا يقبل الفسخ، فينبغي أن
يصح كالعتق والاتلاف، وإن غلب عليه شبه التمليك فيشبه الهبة والتمليك. وذلك لا يصح من
الهازل على الصحيح. قاله في الاختيارات، (ولا يصح) الوقف (إلا بشروط) خمسة (أحدها:
أن يكون في عين معلومة يصح بيعها) (2) بخلاف نحو أم ولد (غير مصحف) فيصح وقفه
وإن لم يصح بيعه على ما فيه من خلاف وتقدم، (و) يعتبر في العين الموقوفة أيضا أن (يمكن
الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها عرفا كإجارة واستغلال ثمرة ونحوه) لأن الوقف يراد للدوام
ليكون صدقة جارية ولا يوجد ذلك فيما لا تبقى عينه، وأشار بقوله: كإجارة إلى آخره إلا أن
المنتفع به تارة يراد منه ما ليس عينا كسكنى الدار، وركوب الدابة وزراعة الأرض، وتارة يراد
منه حصول عين كالثمرة من الشجر، والصوف، والوبر، والألبان، والبيض من الحيوان (عقارا
كان) الموقوف كأرض، (أو شجرا، أو منقولا كالحيوان) كفرس وقفه على الغزاة (و) ك‍
(الأثاث) كبساط يفرش في مسجد ونحوه (و) ك‍ (السلاح) كسيف، أو رمح أو قوس على
الغزاة، (والمصحف، وكتب العلم، ونحوه) أما العقار فلحديث عمرو. أما الحيوان فلحديث
أبي هريرة مرفوعا: من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا. فأن شبعه وروثه وبوله
في ميزانه حسنات (3) رواه البخاري وأما الأثاث والسلاح فلقوله (ص): أما خالد فقد حبس
296

أدراعه وأعتاده في سبيل الله (1) متفق عليه. وفي لفظ البخاري: وأعتده قال الخطابي:
الأعتاد ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة الجهاد. وما عدا ذلك فمقيس عليه، لان
فيه نفعا مباحا مقصودا فجاز وقفه كوقف السلاح، (ويصح وقف المشاع) كنصف أو سهم من
عين يصح وقفها (2) لحديث ابن عمر: أن عمر قال: المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالا
قط أعجب إلي منها، فأردت أن أتصدق بها فقال النبي (ص): حبس أصلها وسبل ثمرتها (3)
رواه النسائي وابن ماجة. ويعتبر أن يقول: كذا سهما من كذا سهما قاله أحمد، (فلو وقفه)
أي المشاع (مسجدا ثبت فيه حكم المسجد في الحال) عند التلفظ بالوقف (فيمنع منه
الجنب) والسكران ومن عليه نجاسة تتعدى، (ثم القسمة متعينة هنا) أي فما إذا وقف المشاع
مسجدا (لتعينها طريقا للانتفاع بالموقوف) قال في الفروع: توجيها وكذا ذكره ابن الصلاح
(ويصح وقف الحلي للبس، والعارية) لما روى نافع: أن حفصة ابتاعت حليا بعشرين ألفا
حبسته على نساء آل الخطاب، فكانت لا تخرج زكاته رواه الخلال، (ولو أطلق) واقف
الحلي (وقفه) فلم يعينه للبس، أو عارية (لم يصح) وقفه، لأنه لا ينتفع به في غير ذلك إلا
باستهلاكه (ولا يصح الوقف في الذمة، كقوله: وقفت عبدا أو دارا. ولا) وقف (مبهم غير
معين كأحد هذين) العبدين لأن الوقف نقل ملك على وجه الصدقة فلم يصح في غير معين
كالهبة، فإن كان المعين مجهولا مثل أن يقف دارا لم يرها (4) قال أبو العباس: منع هذا
بعيد، وكذلك هبته، (ولا) يصح أيضا (وقف أم ولد) لأنه لا يصح بيعها. ولا يصح أيضا
الوقف عليها، ويأتي، (فإن وقف على غيرها) كعلى زيد (على أن ينفق عليها) أي على أم
ولده (منه مدة حياته، أو) وقف على زيد مثلا على أن يكون (الريع لها) أي لام ولده (مدة
حياته صح) الوقف لأن استثناء المنفعة لام ولده كاستثنائها لنفسه (ولا) يصح أيضا (وقف
كلب، وحمل منفرد، ومرهون، وخنزير، وسباع البهائم التي لا تصلح للصيد، وكذا جوارح الطير)
297

التي لا تصلح للصيد. لأنه لا يصح بيعها ولا وقف منفعة يملكها كخدمة عبد موصي له
بها، ومنفعة أم ولده في حياته، ومنفعة العين المستأجرة. ومال الشيخ تقي الدين إلى صحته،
(ويصح وقف المكاتب) لأنه يصح بيعه (فإذا أدى) ما عليه عتق و (بطل الوقف) لأن الكتابة
عقد لازم فلا تبطل بوقفه كبيعه وهبته، (و) يصح (وقف الدار ونحوها وإن لم يذكر حدودها
إذا كانت معروفة) للواقف وتقدم لك كلام أبي العباس، و (لا) يصح (وقف ما لا ينتفع به مع
بقائه دائما كالأثمان) كحلقة فضة تجعل في باب مسجد، وكوقف الدراهم والدنانير لينتفع
باقتراضها لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة وما لا ينتفع به إلا بالاتلاف لا يصح فيه
ذلك، فيزكي النقد ربه ببقائه في ملكه (إلا) إذا وقف الأثمان (تبعا كفرس بسرج ولجام
مفضضين فيباع ذلك) (1) أي ما في السرج واللجام المفضضين من الفضة لأن الفضة فيه
لا ينتفع بها، (وينفق) ما حصل من ثمنه (عليه) أي على الفرس الحبيس لأنه من مصلحته
(نص عليه في الفرس الحبيس) ذكره في الاختيارات، وقال في رواية بكر بن محمد: وإن
بيع الفضة من السرج واللجام وجعل في وقف مثله فهو أحب إلي، لأن الفضة فيه لا ينتفع
بها، ولعله يشتري بتلك الفضة سرج ولجام، فيكون أنفع للمسلمين قيل:
فتباع الفضة وتجعل في نفقته؟ قال: لا. قال في المغني: فأباح أن يشتري بفضة السرج
واللجام سرجا ولجاما لأنه صرف لها في جنس ما كانت عليه حين لم ينتفع بها فيه. فأشبه
الفرس الحبيس إذا عطب فلم ينتفع به في الجهاد جاز بيعه وصرف ثمنه في مثله. ولم يجز
إنفاقها على الفرس، لأنه صرف لها إلى غير جهتها، (ولا) يصح وقف (مطعوم، ومشروب غير
ماء، ولا) وقف (شمع ورياحين) لما تقدم. وأما الماء فيصح وقفه نص عليه قاله في الفائق
وغيره. وقد نقلنا كلام الحارثي وغيره فيه الحاشية (ولو وقف قنديل نقد على مسجد) أو
نحوه (لم يصح) الوقف لأنه لا ينتفع به مع بقاء عينه (وهو) أي القنديل (باق على ملك
صاحبه فيزكيه) لبطلان وقفه (2) (ولو تصدق بدهن على مسجد ليوقد فيه جاز) لأن تنوير
298

المسجد مندوب إليه (وهو من باب الوقف قاله الشيخ) كوقف الماء. الشرط (الثاني: أن يكون) الوقف (على بر) وهو اسم جامع للخير وأصله الطاعة لله تعالى. والمراد اشتراط
معنى القربة في الصرف إلى الموقوف عليه، لأن الوقف قربة وصدقة. فلا بد من وجودها
فيما لأجله الوقف إذ هو المقصود (1) سواء كان الوقف (من مسلم، أو ذمي) لأن ما لا يصح
من المسلم الوقف عليه لا يصح من الذمي كالوقف على غير معين. قال أحمد في نصارى
وقفوا على البيعة وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا والضياع بيد النصارى، فلهم أخذها،
وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم. لا يقال: ما عقده أهل الكتاب وتقابضوه
ثم أسلموا أو ترافعوا إلينا لا ينقض. لأن الوقف ليس بعقد معاوضة وإنما هو إزالة ملك عن
الموقوف على وجه القربة فإذا لم يقع صحيحا لم يزل الملك فيبقى بحاله كالعتق والقربة قد
تكون على الآدمي (كالفقراء، والمساكين)، والغزاة، والعلماء، والمتعلمين، (و) قد تكون على
غير آدمي ك‍ (الحج، والغزو، وكتابة الفقه، و) كتابة (العلم، و) كتابة (القرآن، و) ك‍ (السقايات)
جمع سقاية بكسر السين وهي في الأصل الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم
وغيرها وتطلق على ما بني لقضاء الحاجة. قال في المبدع وليس منصوصا عليه في كتب
اللغة والغريب (والقناطر، وإصلاح الطرق، والمساجد، والمدارس، والبيمارستانات) وإن كانت
منافعها تعود على الآدمي فيصرف في مصالحها عند الاطلاق، (و) من النوع الأول (الأقارب)
فيصح الوقف على القريب (من مسلم وذمي ونحو ذلك من القرب) كالربط والخانات لأبناء
السبيل، (ولا يصح) الوقف (على مباح) كتعليم شعر مباح، (و) لا على (مكروه) كتعليم منطق
لانتفاء القربة، (و) لا على (معصية) ويأتي أمثلته لما فيه من المعونة عليهما، (ويصح) الوقف
(على ذمي) معين (غير قريبه) ولو من مسلم لجواز صلته (وشرط استحقاقه ما دام ذميا لا غير
ويستمر له إذا أسلم) بطريق الأولى (2) (كمع عدم هذا الشرط، ولا يصح وقف الستور) وإن
لم تكن حريرا (لغير الكعبة) كوقفها على الأضرحة لأنه ليس بقربة (ويصح وقف عبده على
299

حجرة النبي (ص) لاخراج ترابها وإشعال قناديلها وإصلاحها) لأن فيه قربة في الجملة، و (لا)
يصح وقف العبد (لاشعالها وحده وتعليق ستورها الحرير، والتعليق، وكنس الحائط ونحو ذلك.
ذكره في الرعاية) لأن ذلك غير مشروع. قال في الاختيارات: وينبغي أن يشترط في الواقف
أن يكون ممن يمكن من تلك القربة فلو أراد الكافر أن يقف مسجدا منع منه، (ولا يصح)
الوقف (على كنائس، وبيوت نار، وبيع، وصوامع، وديورة، ومصالحها) كقناديلها، وفرشها، ووقودها،
وسدنتها لأنه معونة على معصية (1) (ولو) كان الوقف على ما ذكر (من ذمي) فلا يصح لما
تقدم من أن ما لا يصح من المسلم لا يصح من الذمي. قال في أحكام أهل الذمة، وللامام
أن يستولي على كل وقف وقف على كنيسة، وبيت نار، أو بيعة ويجعلها على جهة قربات
انتهى. والمراد إذا لم يعلم ورثة واقفها وإلا فللورثة أخذها كما تقدم، (بل) يصح الوقف
(على من ينزلها) أي الكنائس والديورة ونحوها (من مار ومجتاز بها فقط) لأن الوقف عليهم
لا على البقعة والصدقة عليهم جائزة (ولو كان) الوقف على من يمر بها أو يجتاز من أهل الذمة
فقط فيصح الوقف. نقله في الفروع عن المنتخب والرعاية وقاله في المغني في بناء
بيت يسكنه المجتاز منهم (2). قال في الانصاف: ولم أر ما قاله عن الرعاية فيها في مظنته،
بل قال فيها: فيصح منها على من يمر بها، أو ينزلها، أو يجتاز لا راجلا أو راكبا (3). قال
الحارثي: إن خص المارة منهم لم يصح لما ذكرنا من بطلان الوقف على اليهود
والنصارى. قال في شرح المنتهى: وهو المذهب (4) (ولا) يصح الوقف (على كتابة
التوراة والإنجيل، ولو) كان الوقف (من ذمي) لوقوع التبديل والتحريف. وقد روي من غير
وجه أن النبي (ص) غضب لما رأى مع عمر صحيفة فيها شئ من التوراة وكذا كتب بدعة،
(ووصية كوقف في ذلك) المذكور مما تقدم فتصح فيما يصح الوقف عليه. وتبطل فيما لا
يصح عليه (ولا) يصح الوقف أيضا (على) طائفة (الأغنياء، وقطاع الطريق، وجنس الفسقة،
والمغاني، ولا على التنوير على قبر، و) لا على (تبخيره، ولا) على (من يقيم عنده، أو يخدمه، أو
300

يزوره (1). قاله في الرعاية) لأن ذلك ليس من البر، لكن في منع الوقف على من يزوره
نظر. فإن زيارة القبور للرجال سنة إلا أن يحمل على زيارة فيها سفر، (ولا) يصح الوقف
أيضا (على بناء مسجد عليه) أي القبر، (ولا وقف البيت الذي فيه القبر مسجدا) لقول ابن
عباس: لعن رسول الله (ص) زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد، والسرج (2) أخرجه أبو
داود والنسائي والترمذي. قاله الحارثي (ولا) يصح الوقف أيضا (على حربي، و) لا على
(مرتد) لأن ملكه تجوز إزالته والوقف يجب أن يكون لازما ولان إتلاف أنفسهما والتضييق
عليهما واجب، فلا يجوز فعل ما يكون سببا لبقائهما والتوسعة عليهما. وفي الانصاف: لو
نذر الصدقة على ذمية لزمه (3) (ولا) يصح وقف الانسان (على نفسه) عند الأكثر. نقل
حنبل، وأبو طالب ما سمعت بهذا ولا أعرف الوقف إلا ما أخرجه الله. ووجهه أن الوقف
تمليك إما للرقبة أو المنفعة، وكلاهما لا يصح هنا، إذ لا يجوز له أن يملك نفسه من نفسه
كبيعه ماله من نفسه، (فإن فعل) بأن وقف على نفسه، ثم على من يصح الوقف عليه كولده
(صرف) الوقف (في الحال إلى من بعده) لأن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه،
فيكون كأنه وقف على من بعده ابتداء، فإن لم يذكر غير نفسه فملكه بحاله، ويورث عنه،
وعنه يصح الوقف على النفس اختارها جماعة قال في الانصاف: عليها العمل في زمننا
وقبله عند حكامنا من أزمنة متطاولة وهو الصواب وفيه مصلحة عظيمة وترغيب في فعل
الخير، وهو من محاسن المذهب (4). قال في الفروع: ومتى حكم به حاكم حيث يجوز له
الحكم فظاهر كلامهم ينفذ حكمه ظاهرا. قال في شرح المنتهى ويؤخذ منه جواز القضاء
بالمرجوح من الخلاف (5) انتهى. قلت: هذا في المجتهد كما يشعر به قوله حيث يجوز له
الحكم أما المقلد فلا، (وإن وقف) الانسان (على غيره) كأولاده أو مسجد (واستثنى كل الغلة
له) أي لنفسه صح، (أو) وقف على نحو مسجد واستثنى الغلة (لولده، أو غيره، مدة حياته، أو
301

مدة معينة، أو استثنى الاكل) مما وقفه، (أو) استثنى (النفقة عليه وعلى عياله) مما وقفه، (أو)
شرط (الانتفاع لنفسه وعياله ونحوهم ولو) كان الانتفاع (بسكنى مدة حياتهم، أو) شرط (أن
يطعم صديقه صح) الوقف على ما قال (سواء قدر ذلك) أي ما يأكله هو، أو عياله، أو صديقه
ونحوه، (أو أطلقه) (1) لقول عمر رضي الله عنه لما وقف: لا جناح على من وليها أن يأكل
منها أو يطعم صديقا غير متمول فيه وكان الوقف في يده إلى أن مات (فلو مات) الواقف
(المشروط له) نحو السكنى (في أثناء المدة المعينة) لنحو السكنى (فلورثته) السكنى ونحوها
(باقي المدة، ولهم) أي ورثته (إجارتها للموقوف عليه ولغيره) كما لو باع دارا واستثنى سكناها
سنة. قلت: فيؤخذ منه صحة إجارة ما ملك منفعته وإن لم يشترطها الواقف له (2) (ولو
وقف) شيئا (على الفقراء فافتقر) الواقف (شمله) الوقف (وتناول) الواقف (منه) لأنه لم
يقصد نفسه، وإنما وجدت الجهة التي وقف عليها (ولو وقف) إنسان (مسجدا، أو مقبرة،
أو بئرا، أو مدرسة لعموم الفقهاء، أو لطائفة منهم) كالحنابلة، (أو) وقف (رباطا، أو غيره
للصوفية)، أو نحوهم (مما يعم، فهو) أي الواقف (كغيره في الاستحقاق والانتفاع) بما وقفه.
لقول عثمان رضي الله عنه: هل تعلمون أن رسول الله (ص) قدم المدينة، وليس بها ماء
يستعذب. غير بئر رومة فقال: من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين
بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي. فجعلت فيها دلوي مع دلاء المسلمين.
قالوا: اللهم نعم والصوفي المتبتل للعبادة وتصفية النفس من الأخلاق المذمومة، (لكن من
كان من الصوفية جماعا للمال، ولم يتخلق بالأخلاق المحمودة، ولا تأدب بالآداب الشرعية
غالبا، لا آداب وضعية) أي لا أثر لتأديبهم بآدابهم الموضوعة لهم غير المطلوبة شرعا، (أو)
كان (فاسقا، لم يستحق شيئا) من الوقف على الصوفية (قاله الشيخ) لعدم دخوله فيهم (3).
(وقال: الصوفي الذي يدخل في الوقف على الصوفية يعتبر له ثلاثة شروط: الأول: أن يكون
302

عدلا في دينه. الثاني: أن يكون ملازما لغالب الآداب الشرعية في غالب الأوقات، وإن لم
تكن) الآداب (واجبة: كآداب الاكل، والشرب، واللباس، والنوم، والسفر، والصحبة
والمعاملة مع الخلق إلى غيره ذلك من آداب الشريعة قولا وفعلا ولا يلتفت إلى ما أحدثه
بعض المتصوفة من الآداب التي لا أصل لها في الدين. من التزام شكل مخصوص في
اللبسة ونحوها. مما لا يستحب في الشريعة) الشرط (الثالث: أن يكون قانعا بالكفاية من
الرزق بحيث لا يمسك ما يفضل عن حاجته في كلام طويل) ذكره (في كتاب الوقف من
الفتاوى المصرية، ولا يشترط في الصوفي لباس الخرقة المتعارفة عندهم من يد شيخ) إذ لا
دليل على اشتراطه في الشرع، (ولا رسوم اشتهر تعارفها بينهم) عبارة الحارثي، ولمتأخري
مشايخ الصوفية رسوم اشتهر تعارفها بينهم (فما وافق منها الكتاب والسنة فهو حق. وما لا
فهو باطل، ولا يلتفت إلى اشتراطه) وإن كان مائة شرط. قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق
(قاله الحارثي).
الشرط (الثالث:) من شروط الوقف (أن يقف على معين) من جهة، كمسجد كذا
أو شخص: كزيد (يملك ملكا مستقرا) لأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل تحبيسا لا
تجوز إزالته، ومن ملكه غير ثابت تجوز إزالته، والوقف على المساجد ونحوها وقف
على المسلمين إلا أنه عين في نفع خاص لهم (1)، (فلا يصح) الوقف (على مجهول
كرجل، ومسجد، ونحوهما) كسقاية، ورباط ولا على أحد هذين الرجلين، أو المسجدين
لتردده، (ولا) يصح الوقف (على ميت، وجني ورقيق قن، ومدبر، وأم ولد، ومكاتب)،
303

ومعلق عتقه بصفة، لأن الوقف تمليك، فلا يصح على من لا يملك، والمكاتب ملكه
ضعيف غير مستقر، (ولا) يصح الوقف أيضا (على حمل أصالة) كوقفت داري على ما في
بطن هذه المرأة. فلا يصح، لأنه تمليك إذن، والحمل لا يصح تمليكه بغير الإرث
والوصية، (لا) إن وقف على الحمل (تبعا) لم يصح الوقف عليه (ك‍) وقفت (على
أولادي، أو) على (أولاد فلان) وفيهم حمل فيشمله الوقف على ما يأتي، (أو) قال: وقفت
هذا على أولادي، ثم أولادهم أبدا، أو أولاد زيد ثم أولادهم أبدا ونحوه. ف‍ (انتقل
الوقف إلى بطن من أهل الوقف، وفيهم حمل فيستحق) معهم (بوضعه من ثمر وزرع ما
يستحق مشتر) على ما سبق تفصيله في بيع الأصول والثمار، ونقل جعفر. يستحق من
زرع قبل بلوغه الحصاد، ومن نخل لم يؤبر. فإن بلغ الزرع الحصاد، أو أبر النخل لم
يستحق منه شيئا، وقطع به في المبهج والقواعد، (ولا يصح) الوقف (على معدوم أصلا)
أي أصالة (ك‍) قوله: وقفت هذا على (من سيولد) لي أو لفلان (أو) على من (يحدث
لي، أو لفلان) لأنه لا يصح تمليك المعدوم، (ويصح) الوقف على المعدوم (تبعا) كوقفت
على أولادي ومن سيولد لي، أو على أولاد زيد ومن يولد له، أو على أولادي، ثم
أولادهم أبدا (1)، (ولا) يصح الوقف (على ملك) بفتح اللام أحد الملائكة (كجبريل
ونحوه، ولا على بهيمة) لما تقدم (3) (وإن قال: وقفت كذا وسكت ولم يذكر مصرفه،
فالأظهر بطلانه لأن الوقف يقتضي التمليك) فلا بد من ذكر المملك (ولان جهالة
المصرف) مع ذكره (مبطلة، فعدم ذكره أولى) بالابطال. وقال في الانصاف: الوقف
صحيح عند الأصحاب، وقطعوا به (3)، وقال في الروضة على الصحيح عندنا. فظاهره
أن في الصحة خلافا. انتهى. ومقتضاه: أن صاحب الانصاف لم يطلع فيه على خلاف
للأصحاب، وكذا لم يحك الحارثي في صحته خلافا بين الأصحاب. قال: ولنا أنه
304

إزالة ملك على وجه القربة، فصح مطلقا كالأضحية والوصية. أما صورة المجهول:
فالفرق بينهما أن الاطلاق يفيد مصرف البر، لخلو اللفظ عن المانع منه، وكونه متعارفا
فالصرف إليه ظاهر في مطابقة مراده، ولا كذلك التقييد بالمجهول. فإنه قد يريد معينا
غير ما قلنا من المتعارف، فيكون إذن الصرف إلى المتعارف غير مطابق لمراده. فينتفي
الصرف بالكلية فلم يصح. الشرط (الرابع: أن يقف ناجزا) غير معلق ولا مؤقت، ولا
مشروط بنحو خيار. (فإن علقه) أي الوقف (بشرط غير موته. لم يصح) (1) (الوقف.
سواء كان التعليق لابتدائه. كقوله: إذا قدم زيد، أو ولد لي ولد، أو جاء رمضان،
فداري وقف على كذا، أو كان التعليق لانتهائه، كقوله: داري وقف على كذا إلى أن
يحضر زيد، أو يولد لي ولد ونحوه. لأنه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب
والسراية، فلم يجز تعليقه بشرط في الحياة كالهبة، (وإن قال: هو وقف بعد موتي. صح)
لأنه تبرع مشروط بالموت فصح. كما لو قال: قفوا داري بعد موتي على كذا، واحتج
الامام بأن عمر وصى، فكان في وصيته: هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين
إن حدث به حدث أن ثمغا صدقة وذكر بقية الخبر، وروى نحوه أبو داود. قال في
القاموس: وثمغ بالفتح مال بالمدينة لعمر وقفه، (ويكون) الوقف المعلق، بالموت (لازما)
من حين قوله: هو وقف بعد موتي، ونص أحمد في رواية الميموني على الفرق بينه
وبين المدبر. قال الحارثي: والفرق عسر جدا وإن كان الموقوف نحو أمة، ففي
القواعد: صارت كالمستولدة، فينبغي أن يبيعها ولدها انتهى. وأما الكسب ونحوه.
فالظاهر أنه للواقف وورثته إلى الموت، لأنه ملك قبل الموت لقول الميموني للامام،
والوقوف إنما هي شئ وقفه بعده، وهو ملك الساعة، (ويعتبر) الوقف المعلق بالموت
(من ثلثه) لأنه في حكم الوصية. فإن زاد على الثلث توقف لزوم الوقف في الزائد على
إجازة الورثة، وإذا قال: داري وقف على موالي بعد موتي. دخل أمهات أولاده
ومدبروه، لأنهم من مواليه حقيقة إذن. قاله الحارثي: (وإن شرط) الواقف في الوقف
(شرطا فاسدا كخيار فيه) بأن قال: وقفته بشرط الخيار أبدا أو مدة معينة. لم يصح (2)،
أ (و) بشرط (تحويله) أي الوقف عن الموقوف عليه إلى غيره بأن قال: وقفت داري
على كذا، على أن أحولها عن هذه الجهة، أو عن الوقفية بأن أرجع فيها متى شئت. لم
305

يصح الوقف، (و) كشرطه (تغيير شرطه، و) كشرط (بيعه) متى شاء، (و) شرطه (هبته، و)
شرطه (متى شاء أبطله ونحوه لم يصح الوقف) لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف، (ولو
شرط البيع عند خرابه) أي الوقف (وصرف الثمن في مثله، أو شرطه للمتولي بعده) وهو
من ينظر في الوقف (فسد الشرط فقط) وصح الوقف مع إلغاء الشرط كما في الشروط
الفاسدة في البيع، وهذا وجه حكاه الحارثي عن القاضي وابن عقيل، وحكي قبله عنهما
وعن ابن البناء وغيرهم: يبطل الوقف. ثم قال بعد ذكر الوجه بصحة الوقف وإلغاء
الشرط، ولا يصح، فإن إلغاء الشرط إبطال للعمل بموجبه، والبيع عند الخراب ثابت،
والثابت اشتراطه تأكيد له. الشرط (الخامس أن يكون الواقف ممن يصح تصرفه في ماله
وهو المكلف الرشيد) فلا يصح من صغير، أو سفيه كسائر تصرفاته المالية (1). قال في
الاختيارات: ويجوز للانسان أن يتصرف فيما في يده بالوقف وغيره. حتى تقوم بينة
شرعية أنه ليس ملكا له لكن لا يحكم بالوقف حتى يثبت الملك.
فصل:
(وإذا كان الوقف على غير معين كالمساكين) والغزاة والعلماء
(أو) كان الوقف على (من لا يتصور منه القبول كالمساجد، والقناطر. لم يفتقر) الوقف
(إلى القبول من ناظرها) أي المساجد ونحوها (2) (ولا) إلى القبول من (غيره) كنائب
الامام، لأنه لو اشترط لامتنع صحة الوقف عليها، (وكذا إن كان) الوقف (على آدمي معين)
كزيد. فلا يفتقر إلى قبوله، لأنه إزالة ملك يمنع البيع. فلم يعتبر فيه القبول كالعتق. والفرق
بينه وبين الهبة والوصية أن الوقف لا يختص المعين، بل يتعلق به حق من يأتي من البطون
في المستقبل. فيكون الوقف على جميعهم إلا أنه مرتب. فصار كالوقف على الفقراء. قال
306

ابن المنجا: وهذا الفرق موجود بعينه في الهبة انتهى. قلت: فيه نظر. فإن الوقف يتلقاه كل
بطن من واقفه، والهبة تنتقل إلى الوارث من مورثه لا من الواهب (ولا يبطل) الوقف على
معين (برده كسكوته) عن القبول والرد كالعتق. (ومن وقف شيئا) على أولاده ونحوهم (فالأولى
أن يذكر في مصرفه جهة تدوم كالفقراء ونحوهم) خروجا من خلاف من قال يبطل الوقف
إن لم يذكر في مصرفه جهة تدوم، (فإن اقتصر) الواقف على (ذكر جهة تنقطع كأولاده) لأنه
بحكم العادة يمكن انقراضهم (صح) الوقف، لأنه معلوم المصرف. فيصح كما لو صرح
بمصرفه (ويصرف) وقف (منقطع الابتداء كوقفه على من لا يجوز) الوقف عليه كعبد، (ثم
على من يجوز) كعلى أولاده، وأولاد زيد، أو الفقراء إلى من بعده في الحال، (أو الوسط)
أي ويصرف منقطع الوسط (في الحال) بعد من يجوز الوقف عليه (إلى من بعده) (1) فلو
وقف داره على زيد ثم على عبده ثم على المساكين. صرفت بعد زيد للمساكين لأن وجود
من لا يصح الوقف عليه كعدمه فيكون كأنه وقف على الجهة الصحيحة من غير ذكر
الباطلة. ولأننا لما صححنا الوقف مع ذكر من لا يجوز الوقف عليه فقد ألغيناه. فإنه يتعذر
التصحيح مع اعتباره (وإن وقف على من لا يصح الوقف عليه ولم يذكر له مآلا صحيحا)
كأن يقول: وقفته على الأغنياء أو الذميين أو الكنيسة ونحوها (بطل الوقف) لأنه عين
المصرف الباطل واقتصر عليه، (ويصرف منقطع الآخر كما لو وقف على جهة تنقطع) كأولاده
(ولم يذكر له مآلا) إلى ورثة الواقف نسبا بعد من عينهم، (أو) وقف (على من يجوز) الوقف
عليه كأولاده، (ثم على من لا يجوز) أي يصح الوقف عليه ككنيسة. فيصرف إلى ورثة
الواقف نسبا بعد من يجوز الوقف عليه، (وكذا ما وقفه وسكت إن قلنا يصح) الوقف حينئذ
فإنه يصرف (إلى ورثة الواقف) حين الانقراض، كما يعلم من الرعاية (نسبا) لأن الوقف
مصرفه البر، وأقاربه أولى الناس ببره. لقوله (ص): إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن
تدعهم عالة يتكففون الناس (2) ولأنهم أو الناس بصدقاته النوافل والمفروضات. فكذا
307

صدقته المنقولة، ولان الاطلاق إذا كان له عرف صح وصرف إليه. وعرف المصرف
هنا أولى الجهات به. فكأنه عينهم لصرفه. بخلاف ما إذا عين جهة باطلة. كقوله:
وقفت على الكنيسة، ولم يذكر بعدها جهة صحيحة. فإنه عين المصرف واقتصر
عليه (غنيهم وفقيرهم) أي ورثته لاستوائهم في القرابة (بعد انقراض من يجوز
الوقف عليه) إن كان. ويكون (وقفا عليهم) لأن الملك زال عنه بالوقف. فلا يعود
ملكا لهم. ويقسم بينهم (على قدر إرثهم) من الواقف (فيستحقونه كالميراث. ويقع
الحجب بينهم) (1) كالميراث. وعلم منه: أنه لا يصرف منه لمن يرثه بنكاح أو ولاء
(فلبنت مع ابن الثلث) وله الباقي (ولأخ من أم مع أخ لأب السدس) وله الباقي
(وجد وأخ لأبوين، أو لأب يقتسمان) ريع الوقف المذكور (نصفين) كالميراث
(وأخ) لغير أم، (وعم) لغير أم (ينفرد به الأخ، وعم) لغير أم، (وابن عم ينفرد به العم)
كالميراث، (فإن لم يكن له) أي الواقف (أقارب) فللفقراء، (أو كان له) (فانقرضوا ف‍)
صرف وقفه (للفقراء، والمساكين موقوفا عليهم) (2) لأن القصد بالوقف الثواب
الجاري على وجه الدوام. وإنما قدموا الأقارب على المساكين لكونهم أولى. فإذا
لم يكونوا فالمساكين أهل لذلك، (وإن انقطعت الجهة الموقوف عليها في حياة
الواقف) بأن وقف على أولاده، أو أولاد زيد فقط. فانقرضوا في حياته (رجع)
الموقف (إليه) أي الواقف (وقفا عليه) قال ابن الزغواني في الواضح: الخلاف في
الرجوع إلى الأقارب أو إلى بيت المال أو إلى المساكين مختص بما إذا مات
الواقف. أما إن كان حيا فانقطعت الجهة فهل يعود الوقف إلى ملكه أو إلى عصبته؟
فيه روايتان. انتهى. وجزم ابن عقيل في المفردات بدخوله. وكذلك لو وقف على
أولاده وأنسالهم أبدا على أنه من توفي منهم عن غير ولد رجع نصيبه إلى أقرب
الناس إليه، فتوفي أحد أولاده عن غير ولد والأب الواقف حي. فهل يعود نصيبه
إليه لكونه أقرب الناس إليه أو لا؟ يخرج على ما قبلها. والمسألة ملتفتة إلى دخول
المخاطب في خطابه. قال ابن رجب (ويعمل في) وقف (صحيح الوسط فقط) بأن
وقف داره على عبده ثم على زيد ثم على الكنيسة (بالاعتبارين) فيصرف في الحال
308

لزيد. ويرجع بعده إلى ورثة الواقف نسبا وقفا على قدر إرثهم ثم المساكين، (وإن قال: وقفته)
أي العبد أو الدار أو البستان ونحوه (سنة) لم يصح (1)، (أو) قال وقفته (إلى سنة) لم يصح،
(أو) قال وقفته (إلى يوم يقدم الحاج ونحوه) أي نحو ما ذكر مما فيه تأقيت الوقف (لم يصح)
الوقف لأن مقتضاه التأبيد والتأقيت ينافيه، (وهو) أي الوقف المذكور (الوقف المؤقت. وإن
قال): وقفت داري مثلا (على أولادي سنة، أو مدة حياتي، ثم على الفقراء. صح) الوقف.
لاتصاله ابتداء وانتهاء وكذا لو وقفه على ولده سنة ثم على زيد سنة ثم على عمرو سنة ثم على
المساكين. (وإن قال): وقفت (على الفقراء، ثم على أولادي. صح للفقراء فقط) لأن ثم
للترتيب. فلا يصرف لأولاده إلا بعد انقراض الفقراء. والعادة لم تجر بانقراضهم، (ولا يشترط
للزومه) أي الوقف (إخراجه) أي الموقوف (عن يده) أي الواقف، (بل يلزم) الوقف (بمجرد
اللفظ، ويزول ملكه عنه) لحديث عمر السابق. ولأنه تبرع يمنع البيع والهبة. فيلزم بمجرده
كالعتق. وعلم من كلامه: أن إخراجه عن يده ليس شرطا في صحته بطريق الأولى.
فصل:
(يزول ملك الواقف عن العين الموقوفة) بمجرد الوقف
(وينتقل الملك فيها إلى الله تعالى إن كان الوقف على مسجد ونحوه) كمدرسة، ورباط،
وقنطرة، وخانكاه، وفقراء، وغزاة، وما أشبه ذلك. وكذا بقاع المساجد، والمدارس، والقناطر،
والسقايات، وما أشبهها. قال الحارثي: بلا خلاف (و) ينتقل الملك في العين الموقوفة (إلى
الموقوف عليه) (2) تلك العين (إن كان) الموقوف عليه (آدميا معينا) كزيد، وعمرو، (أو) كان
309

(جمعا محصورا) كأولاده أو أولاد زيد. لأنه سبب يزيل التصرف في الرقبة. فملكه المنتقل
إليه كالهبة. وفارق العتق من حيث إنه إخراج عن حكم المالية. ولأنه لو كان تمليكا
للمنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى وقول أحمد فيمن وقف على ورثته في مرضه:
يجوز لأنه لا يباع ولا يورث. ولا يصير ملكا للورثة: يحتمل أنه أراد أنهم لا يملكون
التصرف في الرقبة جمعا بين قوليه. لا يقال عدم ملكه التصرف فيها يدل على عدم ملكه
لها، لأنه ليس بلازم بدليل أم الولد، فإنه يملكها ولا يملك التصرف في رقبتها (فينظر فيه)
أي الوقف (هو) أي الموقوف عليه إن كان مكلفا رشيدا، (أو) ينظر فيه (وليه) إن كان
الموقوف عليه صغيرا، أو مجنونا، أو سفيها (بشرطه) الآتي في الكلام على الناظر. وقال ابن
أبي موسى: ينظر فيه الحاكم. قال الحارثي: وإن قلنا ملكه للموقوف عليه لعلاقة حق من
يأتي بعده (وله) أي الموقوف عليه (تزويج الأمة) الموقوفة (إن لم يشترطه) الواقف (لغيره)
بأن وقف الأمة على زيد وشرط تزويجها لعمرو، فيعمل بشرطه، (ويلزمه) أي الموقوف عليه
أو من شرطه الواقف له تزويج الأمة الموقوفة أن يزوجها (بطلبها) (1) كغير الموقوفة. لأنه
حق لها طلبته فتعينت الإجابة (ويأخذ) الموقوف عليه (المهر) إن زوجت أو وطئت بشبهة
أو زنا. لأنه بدل المنفعة وهو يستحقها كالأجرة. والصوف واللبن والثمرة (ولا يتزوجها)
أي لا يتزوج الموقوف عليه الأمة الموقوفة عليه. ولو وقفت عليه زوجته انفسخ النكاح
لوجود الملك (ولا يعتقه) أي لا يصح من الموقوف عليه عتق الرقيق الموقوف بحال (فإن
أعتقه لم ينفذ) عتقه، لأنه تعلق به حق من يؤول الوقف إليه ولان الوقف عقد لازم لا يمكن
إبطاله. (وفي القول بنفوذ عتقه إبطال له (2) إن كان) العبد (نصفه وقفا ونصفه طلقا)
خالصا (فأعتق صاحب الطلق) نصيبه منه عتق. و (لم يسر عتقه إلى الوقف) لأنه إذا لم
يعتق بالمباشرة، فلان لا يعتق بالسراية أولى. وعلم منه: أن الواقف لا يسري إلى باقي
العبد وكذلك لا يصح عتق الواقف ولا الحاكم للموقوف، (و) يجب (عليه) أي الموقوف
عليه (فطرته) أي الرقيق الموقوف عليه، لأنه ملكه وكنفقته. وأما إذا اشترى عبدا من غلة
الوقف لخدمة الوقف فإن الفطرة توجب قولا واحدا لتمام التصرف فيه قاله أبو المعالي، (و)
تجب عليه أيضا (زكاته) أي الموقوف (كالماشية) بأن كان إبلا، أو بقرا، أو غنما سائمة وحال
عليها الحول، وتقدم في الزكاة وكذا الشجر الموقوف تجب الزكاة في ثمره على الموقوف
310

عليه وجها واحدا، (و) على الموقوف عليه (نفقته) أي الحيوان الموقوف، لأنه ملكه (إن لم
يكن له كسب) فإن كان أنفق عليه منه، (ويقطع سارق الوقف) (1) إن كان على معين، (و) يقطع
أيضا (سارق نمائه إذا كان الوقف على معين) ولا شبهة للسارق، بخلاف الوقف على غير
معين (ويملك الموقوف عليه نفعه) أي الوقف، (و) يملك (صوفه ونحوه) كوبره، وشعره،
وبيضه، (و) يملك (غلته، وكسبه، ولبنه، وثمرته) بغير خلاف نعلمه، لأنه نماء ملكه. قاله في
الشرح. فيستوفيه بنفسه وبالإجارة والإعارة ونحوها إلا أن يعين في الوقف غير ذلك. قاله
في المبدع (وليس له) أي الموقوف عليه (وطئ الأمة ولو أذن فيه الواقف) لأن ملكه ناقص.
ولا يمكنه منع حبلها فتنقص أو تتلف أو تخرج من الوقف بأن تبقى أم ولد. (فإن وطئها) أي
وطئ الموقوف عليه الموقوفة (فلا حد) عليه للشبهة (ولا مهر) عليه، لأنه لو وجب لوجب
له. ولا يجب للانسان شئ على نفسه، (و) إن ولدت ف‍ (ولده حر) لأنه من وطئ شبهة
(وعليه) أي الواطئ (قيمته يوم الوضع يشتري بها قن يقوم مقامه) لأنه فوت رقه، ولان
القيمة بدل عن الوقف فوجب أن ترد في مثله (وتصير) الموقوفة (أم ولد) ه لأنه أحبلها بحر
في ملكه، (وتعتق بموته) كسائر أمهات الأولاد، (وتجب قيمتها في تركته) إن كانت، لأنه أتلفها
على من بعده من البطون (يشتري بها مثلها) لينجبر على البطن الثاني ما فاتهم (فتكون)
المشتراة (وقفا بمجرد الشراء) كبدل أضحية (2) (وله) أي الموقوف عليه (تملك زرع
غاصب) للأرض الموقوفة إذا زرعها وأدركه الموقوف عليه (بالنفقة) أي مثل البذر وعوض
اللواحق (حيث يتملك رب الأرض) بأن كان قبل الحصاد (ويتلقاه) أي الوقف (البطن
الثاني) من الموقوف عليهم من الواقف، (و) يتلقاه (من بعده) كالبطن الثالث والرابع، وهلم
جرا (من أهل الوقف من الواقف من البطن الذي قبله) لأن الوقف صادر على جميع أهل
الوقف من حينه، فمن وقف شيئا على أولاده ثم أولادهم ما تناسلوا. كان الوقف على
جميع نسله إلا أن استحقاق كل بطن مشروط بانقراض من فوقها، (فإذا امتنع البطن الأول)
311

والثاني أو من بعده (من اليمين مع شاهده) بالوقف (لاثبات الوقف فلمن بعدهم) من البطون
ممن لم يؤول الوقف إليه إذن (الحلف) مع الشاهد لثبوت الوقف، لأنهم من جملة
الموقوف عليهم (1) (وإذا وطئ) الأمة (الموقوفة أجنبي) أي غير الموقوف عليه (ولو عبدا
بشبهة يظنها حرة)، أو أمته، (فإن أولدها فهو) أي ولده (حر) لاعتقاد الواطئ الإباحة وحريته،
(وعليه) أي الواطئ (المهر لأهل الوقف) لأن منفعة البضع لهم والمهر بدلها، (و) على
الواطئ أيضا (قيمة الولد) يوم وضعه (تصرف في مثله) (2) لأنها بدل عن الوقف. فوجب
أن ترد في مثله. وإن وطئها الواقف وجب المهر للموقوف عليه كيف كان، ووجب الحد.
والولد رقيق ما لم نقل ببقاء ملكه. ذكره الحارثي. قلت: الظاهر عدم وجوب الحد، لشبهة
الخلاف في بقاء ملكه، (وإن كان) ولد الموقوفة (من زوج، أو زنا فهو وقف معها) تبعا لامه،
(وإن تلفت) الموقوفة (به) أي بالوطئ، (أو أتلفها متلف ولو من أهل الوقف، أو) أتلف
(بعضها) أي الموقوفة (كقطع طرف) وإذهاب منفعة (فعليه القيمة) (3) أي قيمتها إن أتلفها
وإن أتلف بعضها فعلى ما يأتي تفصيله في الجنايات (يشتري بها مثلها) لأنها بدل عنها، (أو)
يشتري بها (شقص) من رقيق إن لم يمكن شراؤه كله (يكون) المثل أو الشقص (وقفا بمجرد
الشراء) كبدل أضحية (ويأتي. وإن قتل) رقيق موقوف عبدا كان أو أمة (ولو) كان القتل
(عمدا فليس له) أي الموقوف عليه (عفو) مجانا، (ولا قود) لأنه لا يختص بالموقوف. فهو
كعبد مشترك، (بل يشتري بقيمته) أي الموقوف إذا قتل (بدله) أي مثله. قال الحارثي: اعتبار
المثلية في المبدل المشترى بمعنى وجوب الذكر في الذكر والأنثى في الأنثى والكبير في
الكبير وسائر الأوصاف التي تتفاوت الأعيان بتفاوتها. لا سيما الصناعة المقصودة في الوقف
والدليل على الاعتبار: أن الغرض جبران ما فات. ولا يحصل بدون ذلك، (فإن قطعت يده)
أي الموقوف (أو) قطع (بعض أطرافه عمدا. فللقن) الموقوف (استيفاء القصاص لأنه حقه)
لا يشركه فيه أحد (وإن عفا) الرقيق الموقوف عن الجناية عليه، (أو كان القطع) أو الجرح (لا
312

يوجب القصاص) لعدم المكافأة أو لكونه خطأ أو جائفة ونحوه (وجب نصف قيمته) فيما إذا
كان المقطوع يدا أو رجلا أو نحوهما مما فيه نصف الدية وإلا فبحسابه على ما يأتي في
الجنايات مفصلا. ويشتري بالأرش مثله أو شقص بدله، (وإن جنى الوقف خطأ فالأرش
على موقوف عليه إن كان) (1) الموقوف عليه (معينا) كسيد أم الولد (ولم يتعلق) الأرش
(برقبته) أي الموقوف لأنه لا يمكن تسليمه (كأم الولد. ولم يلزم الموقوف عليه أكثر من
قيمته) أي الموقوف (كأم الولد) فيلزم أقل الأمرين من القيمة أو أرش الجناية، (وإن كان)
الموقوف عليه (غير معين ك‍) العبد الموقوف على (المساكين إذا جنى ف‍) أرش جنايته
(في كسبه) لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الأرش عليه. ولا يمكن تعلقها برقبته
فتعين في كسبه، (وإن جنى) الموقوف (جناية توجب القصاص وجب) القصاص، لعموم * (أن
النفس بالنفس) * [المائدة: 45]. الآية (فإن قتل بطل الوقف) كما لو مات حتف أنفه. وإن عفا
مستحقه فعلى ما سبق من التفصيل في الأرش (وإن وقف على ثلاثة) كزيد، وعمرو، وبكر، (ثم
على المساكين، فمن مات منهم رجع نصيبه إلى من بقي) منهم (2)، لأنه الموقوف عليه
أولا. وعوده إلى المساكين مشروط بانقراضهم، إذ استحقاق المساكين مرتب بثم، (فإذا
ماتوا) أي الثلاثة (فللمساكين) عملا بشرطه، (وإن وقف على ثلاثة) كزيد، وعمرو، وبكر (ولم
يذكر له مآلا فمن مات منهم) أي الثلاثة (فحكم نصيبه حكم المنقطع كما لو ماتوا جميعا)
قاله الحارثي (3). قال: وعلى ما في الكتاب - أي المقنع - يصرف إلى من بقي انتهى. وقد
قوى الحارثي ما ذكر في الكتاب سابقا. فعلى هذا يكون كلام الحارثي موافقا لما في
القواعد واختار الثاني في القواعد. قال في المبدع: وهو أظهر. قال في التنقيح: وهو
313

قوي. وجزم به في المنتهى. (وإن قال: وقفته) أي العبد أو الدار أو الكتاب ونحوه (على
أولادي وعلى المساكين، فهو بين الجهتين نصفين) يصرف لأولاده النصف وللمساكين
النصف (لاقتضاء الإضافة التسوية) مع انتفاء مقتضى التفاوت.
فصل:
(ويرجع) بالبناء للمفعول عند التنازع في شئ من أمر الوقف
(إلى شرط واقف) كقوله: شرطت لزيد كذا، ولعمرو كذا، لأن عمر شرط في وقفه
شروطا ولو لم يجب اتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة، ولان ابن الزبير وقف على
ولده وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها. فإذا استغنت بزوج فلا
حق لها فيه، ولان الوقف متلقى من جهته فاتبع شرطه. ونصه كنص الشارع (فلو تعقب)
الشرط ونحوه (جملا عاد) الشرط ونحوه (إلى الكل) أي إلى جميع الجمل. وكذا الصفة إذا
تعقبت جملا عادت إلى الكل. قال في القواعد الأصولية. في عود الصفة للكل: لا فرق
بين أن تكون متقدمة أو متأخرة. قال بعض المتأخرين. والمتوسطة المختار اختصاصها بما
وليته انتهى. قلت: بل مقتضى ما ذكره المصنف عوده للكل. وقال الشيخ تقي الدين.
موجب ما ذكره أصحابنا أي في عود الشرط ونحوه للكل: أنه لا فرق بين العطف بالواو.
أو بالفاء، أو بثم على عموم كلامهم (واستثناء كشرط) فيرجع إليه. فلو وقف على جماعة
كأولاده أو قبيلة كذا واستثنى زيدا لم يكن له شئ (وكذا مخصص من صفة) كما لو وقف
على أولاده الفقهاء أو المشتغلين بالعلم. فإنه يختص بهم فلا يشاركهم من سواهم، (و) من
(عطف بيان) لأنه يشبه الصفة في إيضاح متبوعه وعدم استقلاله. فمن وقف على ولده أبي
عبد الله محمد، وفي أولاده من كنيته أبو عبد الله غيره اختص به محمد، (و) من (توكيد)
فلو وقف على أولاده بنفسه لم يدخل أولاد أولاده، (و) من (بدل) كمن له أربعة أولاد وقال:
وقفت على ولدي فلان وفلان وفلان أولاد أولادي. فإن الوقف يكون على أولاده الثلاثة،
وأولاد الأربعة، لأنه أبدل بعض الولد وهو فلان وفلان وفلان من اللفظ المتناول للجميع،
وهو ولدي. فاختص البعض المبدل، لأنه المقصود بالحكم (1)، كقوله تعالى: * (ولله على
314

الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * [آل عمران: 97]. لما خص المستطيع بالذكر
اختص الحكم به (ونحوه) كالغاية. كعلى أولادي حتى يبلغوا. والإشارة بلفظ ذلك
والتمييز، (وجار ومجرور نحو) وقفت هذا (على أنه) من اشتغل بالعلم من أولادي صرف إليه،
(و) كذا إن قال: وقفته (بشرط أنه) من تأدب بالآداب الشرعية صرف إليه (ونحوه)، فيرجع
إلى ذلك كله (1). كالشرط (ويجب العمل به) أي الشرط (في عدم إيجاره) أي الوقف، (و)
في (قدر المدة) فإذا شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة لم تجز الزيادة عليها. لكن عند الضرورة
يزاد بحسبها. ولم يزل عمل القضاة في عصرنا وقبله عليه. بل نقل عن أبي العباس رحمه
الله. وهو داخل في قوله الآتي: والشروط إنما يلزم الوفاء بها إذا لم تفض إلى الاخلال
بالمقصود الشرعي. وأفتى به شيخنا المرداوي. ولم نزل نفتي به. إذ هو أولى من بيعه
إذن. قال الحارثي: وعن بعضهم جواز الزيادة بحسب المصلحة. وهو يحتاج عندي إلى
تفصيل، (و) يرجع إلى شرط الواقف في (قسمه) أي الريع (على الموقوف عليه) بمعنى أنه
يرجع إلى شرطه (في تقدير الاستحقاق) كعلى أن للأنثى سهما، وللذكر سهمين أو
بالعكس، أو على أن للمؤذن كذا، وللامام كذا، وللخطيب كذا، وللمدرس كذا ونحوه، (و)
يرجع أيضا إلى شرطه في (تقديم كالبداءة ببعض أهل الوقف دون بعض (2)، نحو وقفت
على زيد، وعمرو، وبكر، ويبدأ بالدفع إلى زيد، أو وقفت على طائفة كذا، ويبدأ بالأصلح،
أو الأفقه، أو نحوه) فيرجع إلى ذلك، (و) يرجع أيضا إلى شرطه في (تأخير، وهو عكس
التقديم) كوقفت على زيد، وعمرو، وبكر، ويؤخر زيد، أو وقفت على طائفة كذا، ويؤخر
بطئ الفهم ونحوه، (و) يرجع أيضا إلى شرطه في (جمع، كجعل الاستحقاق مشتركا في
حالة واحدة) كأن يقف على أولاده وأولادهم، (و) يرجع إلى شرطه أيضا (في ترتيب.
كجعل استحقاق بطن مرتبا على آخر) (3) كأن يقف على أولاده، ثم أولادهم، (فالتقديم بقاء
أصل الاستحقاق للمؤخر على صفة أن له ما فضل) عن المقدم (وإلا) بأن لم يفضل عن
المقدم شئ (سقط) المؤخر (والمراد إذا كان للمقدم شئ مقدر) كمائة مثلا (فحينئذ إن
315

كانت الغلة وافرة حصل بعده) أي بعد المقدر للمقدم (فضل) فيأخذه المؤخر (وإلا) بأن
كانت الغلة غير وافرة (فلا) يفضل بعده فضل، فلا شئ للمؤخر (والترتيب عدم استحقاق
المؤخر مع وجود المقدم) فضل عنه شئ أو لا، (و) يرجع أيضا إلى شرطه في (تسوية،
كقوله: الذكر والأنثى سواء ونحوه. و) يرجع أيضا إلى شرطه في (تفضيل كقوله: للذكر مثل
حظ الأنثيين ونحوه) والتسوية والتفضيل هو معنى قوله: في قسمه (ولو جهل شرط
الواقف) وأمكن التآنس بصرف من تقدم ممن يوثق به رجع إليه لأنه أرجح مما عداه.
والظاهر صحة تصرفه ووقوعه على الوقف. فإن تعذر وكان الوقف على عمارة، أو إصلاح
صرف بقدر الحاجة. قاله الحارثي. وإن كان على قوم (عمل بعادة جارية) أي مستمرة إن
كانت (ثم) عمل ب‍ (عرف) مستقر في الوقف (في مقادير الصرف كفقهاء المدارس) لان
الغالب وقوع الشرط على وفقه. وأيضا فالأصل عدم تقييد الواقف. فيكون مطلقا والمطلق
منه يثبت له حكم العرف. قاله الحارثي: (ثم) إن لم يكن عرف ف‍ (التساوي) فيسوى
بينهم. لأن التشريك ثابت والتفضيل لم يثبت. فإن لم تعرف أرباب الوقف جعل كوقف
مطلق لم يذكر مصرفه. ذكره في التلخيص، (وإن شرط) الواقف (إخراج من شاء) من أهل
الوقف (بصفة وإدخاله) أي من شاء (بصفة. ومعناه) أي الاخراج والادخال بصفة (جعل
الاستحقاق والحرمان مرتبا على وصف مشترط، فترتب الاستحقاق كالوقف) على أولاده مثلا بشرط كونهم فقراء، أو صلحاء، وترتب
الحرمان) بالوصف (أن يقول): هذا وقف على أولادي أو أولاد زيد مثلا، (ومن فسق منهم، أو
استغنى ونحوه) كترك الاشتغال بالعلم (فلا شئ له) صح على ما قال (1)، (أو) شرط
الواقف (إخراج من شاء من أهل الوقف، وإدخال من شاء منهم. صح) لأنه ليس بإخراج
للموقوف عليه من الوقف. وإنما علق الاستحقاق بصفته. فكأنه جعل له حقا في الوقف إذا
اتصف بإرادته أعطاه، ولم يجعل له حقا إذا انتفت تلك الصفة فيه، وليس هو تعليق للوقف
بصفة، بل وقف مطلق والاستحقاق له صفة.
316

تنبيه: ظاهر كلامه كالتنقيح والمنتهى: أنه لا فرق بين أن يشترط الواقف ذلك لنفسه
أو للناظر بعده. وفرضها في الشرح (1) والفروع والانصاف (2) فيما إذا شرطه للناظر بعده
لكن التعليل يقتضي التعميم. و (لا) يصح الوقف إن شرط فيه (إدخال من شاء من غيرهم)
أي أهل الوقف وإخراج من شاء منهم، لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف فأفسده. قاله
الموفق. ومن تابعه. وتقدمت الإشارة إلى الفرق بين هذه والتي قبلها في كلام المصنف
(كشرطه) أي الواقف (تغيير شرط) فيفسد الوقف كما تقدم، (وكما لو شرط) الواقف (أن لا
ينتفع) الموقوف عليه (به) أي بالوقف فيفسد الوقف لمنافاة الشرط مقتضاه (ولو وقف) شيئا
(على أولاده وشرط) الواقف (أن من تزوج من البنات فلا حق لها) في الوقف صح لما تقدم
عن ابن الزبير، (أو) وقف (على زوجته ما دامت عازبة. صح) على ما قال قياسا على التي
قبلها، (ويأتي في الحضانة بأتم من هذا. قال الشيخ: كل متصرف بولاية إذا قيل يفعل ما
يشاء، فإنما هو إذا كان فعله لمصلحة شرعية حتى لو صرح الواقف بفعل ما يهواه) مطلقا، (أو
ما يراه مطلقا فشرط باطل على الصحيح المشهور) لمخالفته الشرع (3) (قال: وعلى الناظر
بيان المصلحة) أي التثبت والتحري فيها بدليل قوله (فيعمل بما ظهر) له أنه مصلحة (ومع
الاشتباه إن كان) الناظر (عالما عادلا ساغ له اجتهاده، وقال: لو شرط الصلوات الخمس
على أهل مدرسة في القدس كان الأفضل لأهلها أن يصلوا في) المسجد (الأقصى الصلوات
الخمس، ولا يقف استحقاقهم على الصلاة في المدرسة. وكان يفتي به ابن عبد السلام
وغيره انتهى). وقال: إذا شرط في استحقاق ريع الوقف العزوبة فالمتأهل أحق من المتعزب
317

إذا استويا في سائر الصفات. وقال: إذا وقف على الفقراء فأقارب الواقف الفقراء أحق من
الفقراء الأجانب مع التساوي في الحاجة. وإذا قدر وجود فقير مضطر كان دفع ضرورته
واجبا، وإذا لم تندفع ضرورته إلا بتشقيص كفاية أقارب الواقف من غير ضرورة تحصل لهم
تعين ذلك. (وإن خصص) الواقف (المدرسة بأهل مذهب) كالحنابلة أو الشافعية تخصصت،
(أو) خصص المدرسة بأهل (بلد، أو) خصصها، ب‍ (قبيلة تخصصت. وكذلك الرباط،
والخانقاه كالمقبرة) إذا خصصها بأهل مذهب أو بلد أو قبيلة تخصصت إعمالا للشرط إلا
أن يقع الاختصاص بنقلة بدعة. قاله الحارثي. (وأما المسجد فإن عين لإمامته، أو) عين
ل‍ (نظره، أو الخطابة) فيه (شخصا تعين) فلا يصح تقرير غيره، إعمالا للشرط، (وإن خصص
الإمامة) في المسجد، أو رباط، أو مدرسة - وفي نسخ -، أو الخطابة (بمذهب تخصصت به) (1) لما
تقدم (ما لم يكن) المشروط له الإمامة (في شئ من أحكام الصلاة مخالفا لصريح السنة،
أو) مخالفا ل‍ (ظاهرها سواء كان) خلافه (لعدم الاطلاع) على السنة، (أو) ل‍ (تأويل)
ضعيف. إذ لا يجوز اشتراط مثل هذا قاله الحارثي (وإن خصص المصلين فيه) أي المسجد
ونحوه (بمذهب لم يختص) بهم، لأن إثبات المسجدية تقتضي عدم الاختصاص، كما في
التحرير، فاشتراط التخصيص ينافيه (خلافا لصاحب التلخيص) حيث قال: تختص بهم على
الأشبه، لاختلاف المذاهب في أحكام الصلاة، ويصير كما لو كان مدرسة، أو رباطا (قال
الشيخ: قول الفقهاء نصوص الوقف كنصوص الشارع يعني في الفهم والدلالة لا في وجوب
العمل) وهذا مقابل لما تقدم فالصحيح أنه في وجوب العمل (مع أن التحقيق أن لفظه) أي
الواقف (ولفظ الموصي، والحالف، والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي
يتكلم بها، وافقت لغة العرب، أو لغة الشارع أو لا. وقال: والشروط إنما يلزم الوفاء بها
إذا لم تفض إلى الاخلال بالمقصود الشرعي. ولا تجوز المحافظة على بعضها مع فوات
318

المقصود) الشرعي (بها. وقال: ومن شرط في القربات أن يقدم فيها الصنف المفضول فقد
شرط خلاف شرط الله كشرطه في الإمامة) تقديم (غير الأعلم، وقال: لا يجوز أن ينزل
فاسق في جهة دينية كمدرسة وغيرها مطلقا) (1) سواء شرطه الواقف أو لا (لأنه يجب الانكار
وعقوبته. فكيف ينزل، وقال أيضا: إن نزل مستحق تنزيلا شرعيا لم يجز صرفه) عما نزل
فيه (بلا موجب شرعي) لأنه نقض للاجتهاد بالاجتهاد، (وقال في واقف، وقف مدرسة، وشرط
أن لا يصرف ريعها لمن له وظيفة بجامكية، ولا مرتب في جهة أخرى أي جامكية في مكان
آخر: إن لم يكن في الشرط مقصود شرعي خالص، أو راجح. كان) الشرط (باطلا. كما لو
شرط عليهم نوعا من المطعم، والملبس، والمسكن الذي لم تستحبه الشريعة. ولا يمنعهم
الناظر من تناول كفايتهم من جهة أخرى) هم (مرتبون فيها. وليس هذا إبطالا للشرط، لكنه
ترك للعمل به انتهى. وإن شرط) الواقف (أن لا ينزل) في وقفه (فاسق، ولا شرير، ولا متجوه،
ونحوهم) (2) كمبتدع (عمل به) أي الشرط وجوبا (قال الشيخ: الجهات الدينية مثل الخوانك،
والمدارس، وغيرها لا يجوز أن ينزل فيها فاسق، سواء كان فسقه بظلمه الخلق وتعديه عليهم
بقوله وفعله) من نحو سب أو ضرب، (أو) كان (فسقه بتعديه حدود الله. يعني ولو لم يشرطه
319

الواقف) وتقدم معناه قريبا، (وهو) أي ما قاله الشيخ (صحيح) موافق للقواعد. قال الحارثي:
الشرط المباح الذي لا يظهر قصد القربة منه، هل يجب اعتباره؟ ظاهر كلام الأصحاب:
والمعروف عن المذهب الوجوب. وهو مذهب الأئمة الثلاثة وغيرهم. واستدل له إلى أن
قال: ولا يلزم من انتفاء جعل المباح جهة للوقف انتفاء جعله شرطا فيه لأن جعله أصلا في
الجهة مخل بالمقصود وهو القربة، وجعله شرطا لا يخل به. فإن الشرط إنما يفيد تخصيص
البعض بالعطية وذلك لا يرفع أصل القربة. وأيضا فإنه من قبيل التوابع. والشئ قد يثبت له
حال تبقيته ما لا يثبت له حال أصالته. (وقال) الشيخ (لو حكم حاكم بمحضر لوقف فيه
شروط، ثم ظهر كتاب الوقف غير ثابت وجب ثبوته.. والعمل به إن أمكن) إثباته (وقال
أيضا: لو أقر الموقوف عليه أنه لا يستحق في هذا الوقف إلا مقدارا معلوما، ثم ظهر شرط
الواقف بأنه يستحق أكثر) مما قال (حكم له بمقتضى شرط الواقف ولا يمنع من ذلك الاقرار
المتقدم انتهى) لأنه معذور بعدم علمه إياه. وقوله: ثم ظهر له شرط الواقف إلخ يفهم منه.
أنه لو كان عالما بشرط الواقف، وأقر بأنه لا يستحق إلا كذا يؤاخذ بإقراره لأنه لا عذر له.
فإن انتقل استحقاقه بعده لولده مثلا فله الطلب بما في شرط الواقف من حين الانتقال إليه،
لأن إقراره لا يسري على ولده. وذكر التاج السبكي الشافعي في كتابه الأشباه والنظائر:
الصواب أنه لا يؤاخذ، سواء علم شرط الواقف وكذب في إقراره أم لم يعلم. فإن ثبوت
هذا الحق له لا ينتقل بكذبه انتهى. قال المحب بن نصر الله: ومما يؤيده أن شرط صحة
الاقرار كون المقر يملك نقل الملك في العين التي يقربها ومستحق الوقف لا يملك ذلك
في الوقف. فلا يملك الاقرار به. ولا يملك نقل الملك في ريعه إلا بعد حصوله في يده
فلا يملك الاقرار به قبل قبضه أو جواز بيعه. ولا يصح منه، ولو صح الاقرار بالربع قبل
ملك المستحق له لاتخذ ذلك وسيلة إلى إيجاره مدة مجهولة بأن يأخذ المستحق عوضا من
شخص عن ريعه أو عن رقبته ويقر له به فيستحقه مدة حياة المقر، أو مدة استحقاق المقر،
فلا يجوز اعتبار إقرار المستحق بالوقت ولا بريعه إلا بشرط ملكه للريع ولم أزل أفتى بهذا
قديما وحديثا من غير أن أكون قد وقفت على كلام قاضي القضاة تاج الدين، ولا رأيت فيه
كلاما لغيره، ولكني قلته تفقها ولا أظن من له نظر تام في الفقه يقول بخلاف ذلك، والله
أعلم. (ولو سبل ماء للشرب لم يجز الوضوء منه ولا الغسل) ولا إزالة النجاسة ونحوها (1)،
320

لأنه لو لم يجب اتباع تعيينه لم يكن له فائدة (قال في الفروع: فشرب ماء موقوف للوضوء
يتوجه عليه وأولى) وقال الآجري في الفرس الحبيس: لا يعيره ولا يؤجره إلا لنفع الفرس،
ولا ينبغي أن يركيه في حاجته إلا لتأديبه. وجمال للمسلمين ورفعة لهم أو غيظة للعدو
وسئل عن التعليم بسهام الغزو؟ فقال: هو منفعة للمسلمين. ثم قال: أخاف أن تكسر. ولا
يجوز إخراج حصر المسجد ونحوها لمنتظر جنازة أو غيره. (ويجوز للأغنياء الشرب من
الماء الذي يسقى في السبيل) لأن العادة لم تجر بتخصيصه بالفقراء، (ويجوز ركوب الدابة)
الحبيس (لسقيها، وعلفها) ونحوهما مما فيه منفعة للفرس، أو المسلمين (1) على ما سبق عن
الآجري.
فصل: (ويرجع إلى شرطه) أي الواقف (أيضا في الناظر فيه)
أي الوقف سواء شرطه لنفسه أو للموقوف عليه أو لغيرهما إما بالتعيين: كفلان، أو
بالوصف، كالأرشد، أو الأعلم، أو الأكبر، أو من هو بصفة كذا، فمن وجد فيه الشرط ثبت له
النظر عملا بالشرط. وفي وقف علي رضي الله عنه، شرط النظر لابنه الحسن، ثم لابنه
الحسين رضي الله عنهما، (و) يرجع أيضا إلى شرطه في (الانفاق عليه) إذا كان حيوانا أو
غيره وخرب، بأن يقول ينفق: عليه أو يعمر من جهة كذا، (و) يرجع أيضا إلى شرطه في
(سائر أحواله) (2) لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه، (فإن عين) الواقف (الانفاق عليه
من غلته، أو) من (غيرها عمل به) رجوعا إلى شرطه، (وإن لم يعينه) أي الانفاق عليه واقف
(وكان) الموقوف (ذا روح) كالرقيق والخيل - إنه ينفق عليه (من غلته) لأن الوقف
يقتضي تحبيس الأصل وتسبيل منفعته. ولا يحصل ذلك إلا بالانفاق عليه. فكان ذلك من
321

ضرورته (فإن لم يكن له) أي الموقوف (غلة) لضعف به ونحوه (ف‍) نفقته (على الموقوف
عليه المعين) لأنه ملكه، (فإن تعذر) الانفاق من الموقوف عليه لعجزه أو غيبته ونحوهما
(بيع) الوقف (وصرف) ثمنه (في عين أخرى تكون وقفا لمحل الضرورة) (1) أي لأجل
حلول الضرورة إن لم تمكن إجارته. فإن أمكنت أجر بقدر نفقته، لاندفاع الضرورة
المقتضية البيع بها، (فإن عدم الغلة لكونه ليس من شأنه أن يؤجر كالعبد) الموقوف عليه ل‍
(- يخدمه، والفرس يغزو عليه، أو يركبه، أوجر بقدر نفقته) دفعا للضرورة (وكذا لو احتاج
خان مسبل) إلى مرمة، (أو) احتاجت (دار موقوفة لسكني الحاج، أو الغزاة)، أو أبناء السبيل
ونحوهم (إلى مرمة) أي إصلاح (أوجر منه بقدر ذلك) أي ما يحتاج إليه في مرمته لمحل
الضرورة، (وإن كان الوقف على غير معين كالمساكين ونحوهم) كالفقهاء (فنفقته) أي
الموقوف (في بيت المال) لانتفاء المالك المعين فيه فهو كالحر، (فإن تعذر) الانفاق عليه من
بيت المال (بيع كما تقدم) في الموقوف على معين، (وإن مات العبد) الموقوف (فمؤنة
تجهيزه على ما قلنا في نفقته على ما تقدم) تفصيله، (وإن كان) الوقف (ما لا روح فيه كالعقار
ونحوه) من سلاح ومتاع وكتب (لم تجب عمارته على أحد إلا بشرط) واقف عمارته
(كالطلق) ذكره الحارثي وغيره، مع أنه قال بعد في عمارة الوقف: تجب إبقاء للأصل،
ليحصل دوام الصدقة. وهو معنى قول الشيخ تقي الدين: تجب عمارة الوقف بحسب
البطون، (فإن شرط الواقف عمارته عمل به) أي الشرط (مطلقا) أي سواء شرط البداءة
بالعمارة أو تأخيرها. فيعمل بما شرط (2)، لكن إن شرط تقديم الجهة عمل به قال
الحارثي: ما لم يؤد إلى التعطيل. فإذا أدى إليه قدمت العمارة حفظا لأصل الوقف وقال:
اشتراط الصرف إلى الجهة في كل شهر كذا في معنى اشتراط تقديمه على العمارة (مع
الاطلاق) أي إطلاق الواقف شرط العمارة بأن لم يذكر البداءة بها ولا تأخرها (تقدم) العمارة
(على أرباب الوظائف) قال في التنقيح: ما لم يفض إلى تعطيل مصالحه. فيجمع بينهما
322

حسب الامكان (وقال الشيخ: الجمع بينهما حسب الامكان أولى) بل قد يجب (وللناظر
الاستدانة على الوقف بلا إذن حاكم) كسائر تصرفاته (لمصلحة، كشرائه للوقف نسيئة، أو
بنقد لم يعينه) (1) لأن الناظر مؤتمن مطلق التصرف. فالاذن والائتمان ثابتان، (ويتعين
صرف الوقف إلى الجهة التي عينها الواقف) حيث أمكن. لأن تعيين الواقف لها صرف عما
سواها، (ويجوز صرف الموقوف على بناء المسجد لبناء منارته وإصلاحها، وبناء منبره، وأن
يشتري منه سلم للسطح، وأن يبني منه ظلة) لأن ذلك من حقوقه ومصالحه، (ولا يجوز)
صرف الموقوف على بناء مسجد (في بناء مرحاض) وهو بيت الخلاء وجمعه مراحيض
لمنافاته المسجد وإن ارتفق به أهله، (و) لا يجوز صرفه أيضا في (زخرفة مسجد) بالذهب أو
الاصباغ، لأنه منهي عنه. وليس ببناء. بل لو شرط لما صح. لأنه ليس قربة ولا داخلا في
قسم المباح، (ولا في شراء مكانس، ومجارف) لأنه ليس بناء ولا سببا له فانتفى دخوله في
الموقوف عليه (قال الحارثي: وإن وقف على مسجد، أو مصالحه جاز صرفه في نوع العمارة
وفي مكانس)، وحصر، (ومجارف مساحي، وقناديل، ووقود) بفتح الواو كزيت، (ورزق أمام،
ومؤذن، وقيم) لدخول ذلك كله في مصالح المسجد وضعا أو عرفا انتهى بالمعنى (وفي
فتاوى الشيخ: إذا وقف على مصالح الحرم وعمارته فالقائمون بالوظائف التي يحتاج إليها
المسجد من التنظيف والحفظ والفرش وفتح الأبواب وإغلاقها ونحو ذلك يجوز الصرف
إليهم وما يأخذ الفقهاء من الوقف كرزق من بيت المال لا كجعل ولا كأجرة في أصحها)
أي الأقوال الثلاثة. قال في التنقيح. ولذلك لا يشترط العلم بالقدر. وينبني على هذا: إن
القائل بالمنع من أخذ الأجرة على نوع القرب لا يمنع من أخذ المشروط في الوقف. قاله
323

الحارثي في الناظر. وقال الشيخ تقي الدين: وما يؤخذ من بيت المال فليس عوضا وأجرة،
بل رزق للإعانة على الطاعة (وكذلك المال الموقوف على أعمال البر والموصى به، أو
المنذور) له ليس كالأجرة والجعل انتهى وقال القاضي، في خلافه: ولا يقال إن منه ما
يؤخذ أجرة عن عمل كالتدريس ونحوه. لأنا نقول أولا: لا نسلم أن ذلك أجرة محضة بل
هو رزق وإعانة على العلم بهذه الأموال انتهى. قال في شرح المنتهى: وعلى الأقوال حيث
كان الاستحقاق بشرط فلا بد من وجوده انتهى. يعني إذا لم يكن الوقف من بيت المال.
فإن كان منه كأوقاف السلاطين من بيت المال فليس بوقت حقيقي، بل كل من جاز له
الاكل من بيت المال جاز له الاكل منها كما أفتى به صاحب المنتهى موافقة للشيخ الرملي
وغيره في وقف جامع طولون ونحوه، (وقال) الشيخ (أيضا: من أكل المال بالباطل قوم لهم
رواتب أضعاف حاجاتهم) أي من بيت المال (وقوم لهم جهات معلومها كثير يأخذونه
ويستنيبون) في الجهات (بيسير) من المعلوم لأن هذا خلاف غرض الواقفين. (قال) الشيخ:
(والنيابة في مثل هذه الأعمال المشروطة) من تدريس وإمامة وخطابة وأذان وغلق باب
ونحوها (جائزة ولو عينه الواقف) وفي عبارة أخرى له: ولو نهى الواقف عنه (إذا كان
النائب مثل مستنيبه) في كونه أهلا لما استنيب فيه، (وقد يكون) هكذا في الفروع
والاختيارات. قال ابن عقيل: صوابه إذا لم يكن (في ذلك مفسدة راجحة) هكذا هو في
فتاوى الشيخ. انتهى. وكذا ذكر معناه في تصحيح الفروع. وجواز الاستنابة في هذه
الأعمال (كالأعمال المشروطة في الإجارة على عمل في الذمة) كخياطة الثوب وبناء الحائط.
فصل:
(فإن لم يشترط الواقف ناظر أو شرطه) أي النظر
(لانسان فمات) المشروط له (فليس للواقف ولاية النصب) أي نصب ناظر لانتفاء
324

ملكه فلا يملك النصب ولا العزل كما في الأجنبي (ويكون النظر للموقوف (1) عليه إن كان)
الموقوف عليه (آدميا معينا) كزيد، (أو جمعا محصورا) كأولاده أو أولاد زيد (كل واحد)
منهم ينظر (على حصته) كالملك المطلق، عدلا كان أو فاسقا. لأنه ملكه وغلته له، (و)
الموقوف عليه (غير المحصور كالوقف على جهة لا تنحصر كالفقراء، والمساكين) والعلماء،
والغزاة نظره للحاكم، (أو) الموقوف (على مسجد، أو مدرسة، أو رباط، أو قنطرة ونحو ذلك)
كسقاية (ف‍) - نظره (للحاكم، أو من يستنيبه) (2) الحاكم على بلد الوقف، لأنه ليس له مالك
معين (ووظيفة الناظر: حفظ الوقف، وعمارته، وإيجاره، وزرعه، ومخاصمة فيه، وتحصيل ريعه
من أجرة، أو زرع، أو ثمر، والاجتهاد في تنميته وصرفه في جهاته من عمارة، وإصلاح، وإعطاء
مستحق) وتقدم في الوكالة: يقبل قول الناظر المتبرع في دفع لمستحق. وإن لم يكن متبرعا
لم يقبل قوله إلا ببينة (ونحوه) كشراء طعام، أو شراب شرطه الواقف لأن الناظر هو الذي
يلي الوقف وحفظه وحفظ ريعه وتنفيذ شرط واقفه، وطلب الحظ فيه مطلوب شرعا. فكان
ذلك إلى الناظر، (وله) أي الناظر (وضع يده عليه) أي الوقف وعلى ريعه، (و) له (التقرير في
وظائفه ذكروه في ناظر المسجد فينصب من يقوم بوظائفه من إمام، ومؤذن، وقيم وغيرهم، كما
أن للناظر الموقوف عليه نصب من يقوم بمصلحته) أي الوقف (من جاب ونحوه) كحافظ.
قال الحارثي: ومتى امتنع من نصب من يجب نصبه نصبه الحاكم، كما في عضل الولي في
النكاح انتهى. قلت: وكذا لو طلب جعلا على النصب، (وإن أجر الناظر) العين الموقوفة ب‍
(أنقص من أجرة المثل صح) عقد الإجارة (وضمن) الناظر (النقص) عن أجرة المثل إن
كان المستحق غيره، وكان أكثر مما يتغابن به في العادة كالوكيل إذا باع بدون ثمن المثل، أو
أجر بدون أجرة المثل وفيه وجه بعدم الصحة. قال الحارثي: وهو الأصح لانتفاء الاذن فيه
325

(ولا تنفسخ الإجارة) حيث صحت (لو طلب) الوقف (بزيادة) عن الأجرة الأولى، وإن
لم يكن فيها ضرر. لأنها عقد لازم من الطرفين وتقدم (قال المنقح: لو غرس)
الموقوف عليه، (أو بنى) لنفسه (فيما هو وقف عليه وحده. فهو) أي الغراس والبناء
(له) أي الغارس أو الباني (محترم) لأنه وضعه بحق. قلت: فلو مات وانتقل الوقف
لغيره فينبغي أن يكون كغرس وبناء مستأجر انقضت مدته، (وإن كان) الغارس أو الباني
(شريكا) فيما غرس أو بنى فيه، بأن كان الوقف عليه وعلى غيره، (أو) كان (له النظر فقط)
دون الاستحقاق (ف‍) - غرسه أو بناؤه (غير محترم) فلباقي الشركاء المستحقين هدمه،
(ويتوجه إن أشهد) أي فغرسه أو بناؤه له محترما أو غير محترم على ما سبق تفصيله، (وإلا)
بأن لم يشهد أنه له (ف‍) - غرسه وبناؤه (للوقف) تبعا للأرض (ولو غرسه) الناظر أو بناه
(للوقف أو من) مال (الوقف فوقف ويتوجه في غرس أجنبي) ومثله بناؤه. والمراد
بالأجنبي غير الناظر والموقوف عليه (أنه للوقف بنيته انتهى) والتوجيهان لصاحب الفروع.
قال الشيخ تقي الدين: يد الواقف ثابتة على المتصل به، ما لم تأت حجة تدفع موجبها
كمعرفة كون الغارس غرسها له بحكم إجارة أو إعارة، أو غصب. ويد المستأجر على
المنفعة. فليس له دعوى البناء بلا حجة. ويد أهل عرصة مشتركة ثابتة على ما فيها بحكم
الاشتراك إلا مع بينة باختصاصه ببناء ونحوه (ويأكل ناظر الوقف الوقف بمعروف نصا،
وظاهره ولو لم يكن محتاجا قاله في القواعد. وقال الشيخ: له أخذ أجرة عمله مع فقره.
وتقدم في الحجر. ويشترط في الناظر المشروط إسلام) إن كان الموقوف عليه مسلما، أو
كانت الجهة كمسجد ونحوه (1)، لقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين
سبيلا) * [النساء: 141]. فإن كان الوقف على كافر معين جاز شرط النظر فيه لكافر كما
لو وقف على أولاده الكفار وشرط النظر لأحدهم أو غيرهم من الكفار، فيصح كما في
وصية الكافر لكافر على كافر. أشار إليه ابن عبد الهادي وغيره، (و) يشترط أيضا في
الناظر المشروط (تكليف) لأن غير المكلف لا ينظر في ملكه المطلق. ففي الوقف أولى،
326

(و) يشترط أيضا فيه (كفاية في التصرف وخبرة فيه) أي التصرف (وقوة عليه) لأن مراعاة
حفظ الوقف مطلوبة شرعا وإن لم يكن الناظر متصفا بهذه الصفة لم يمكنه مراعاة حفظ
الوقف. و (لا) تشترط فيه (الذكورية) لأن عمر أوصى بالنظر إلى حفصة رضي الله عنهما،
(ولا) تشترط أيضا فيه (العدالة) ويضم إلى الفاسق عدل. ذكره ابن أبي موسى والسامري
وغيرهما، لما فيه من العمل بالشرط وحفظ الوقف (ويضم إلى) ناظر (ضعيف قوي
أمين) (1) ليحصل المقصود سواء كان ناظرا بشرط أو، موقوفا عليه، (فإن كان النظر لغير
الموقوف عليه) بأن وقف على الفقراء أو ولى الحاكم ناظرا من غيرهم (أو) كان النظر
(لبعضهم) أي الموقوف عليهم، (وكانت ولايته من حاكم) بأن كان وقف على الفقراء وولى
الحاكم منهم ناظرا عليه، (أو) من (ناظر) أصلي (فلا بد من شرط العدالة فيه) لأنها ولاية
على مال. فاشترط لها العدالة كالولاية على مال اليتيم (2)، (فإن لم يكن) الأجنبي المولى من
حاكم أو ناظر أصلي (عدلا. لم تصح ولايته) لفوات شرطها وهو العدالة (وأزيلت يده) عن
الوقف حفظا له، (فإن) تولى الأجنبي وهو عدل ثم (فسق) أزيلت يده (أو أجر) صوابه:
أصر، كما هي عبارة الشيخ تقي الدين (متصرفا بخلاف الشرط الصحيح عالما بتحريمه فسق
وأزيلت يده) لأن ما منع التولية ابتداء منعها دواما، (فإن عاد إلى أهليته عاد حقه) من النظر
المشروط له (كما لو صرح) الواقف (به) أي بأنه إذا عاد إلى أهليته عاد حقه، (وكالموصوف)
بأن قال: النظر للأرشد ونحوه فإذا زال هذا الوصف عنه أزيلت يده فإن عاد عاد حقه، (قاله
الشيخ) وهذا في الناظر المشروط مرجوح. والذي جزم به في المنتهى وغيره أنه إذا فسق
يضم إليه أمين جمعا بين الحقين ولا تزال يده إلا أنه لا يمكن حفظ الوقف منه فتزال
ولايته، لأن مراعاة حفظ الوقف أهم من إبقاء ولاية الفاسق عليه (3) (قال) الشيخ: (ومتى
فرط) الناظر (سقط مما له) أي من المعلوم (بقدر ما فوته) على الوقف (من الواجب) عليه
من العمل فيوزع ما قدر له على ما عمل وعلى ما لم يعمله، ويسقط قسط ما لم يعمله.
ويؤيده ما ذكره بقوله: (وفي الأحكام السلطانية في العامل يستحق ما) جعل (له إن كان)
327

الجعل (معلوما فإن قصر) العامل (فترك بعض العمل لم يستحق ما قابله) أي ما قابل بعض
العمل المتروك، (وإن كان) العمل قد وجد، لكن (بجناية) أي مع جناية (منه) أي العامل
(استحقه) أي الجعل لوجود العمل، (ولا يستحق الزيادة) على الجعل وإن كان عمله يساوي
أكثر مما جعل له، لأن الجاعل لم يلتزمها، (وإن كان) الجعل (مجهولا) ولم يكن من مال
كفار فالجعالة فاسدة، وللعامل (أجرة مثله) كما تقدم في الجعالة، (فإن كان) أي الجعل
(مقدرا في الديوان وعمل به) أي بذلك المقدار (جماعة) من العمال (فهو أجرة المثل)
يستحقه ذلك العامل الذي لم يسم له شئ لأن الظاهر موافقته للواقع، (وإن شرط) الواقف
(لناظر أجرة) أي عوضا معلوما فإن كان المشروط لقدر أجرة المثل اختص به وكان مما
يحتاج إليه الوقف من أمناء وغيرهم من غلة الوقف، وإن كان المشروط أكثر (فكلفته) أي
كلفة ما يحتاج إليه الوقف من نحو أمناء وعمال (عليه) أي على الناظر يصرفها من الزيادة
(حتى يبقى) له (أجرة مثله) ألا أن يكون الواقف شرطه له خالصا وهذا المذكور في الناظر
نقله الحارثي عن الأصحاب وقال ولا شك أن التقدير بقدر معين صريح في اختصاص
الناظر به فتوقف الاختصاص على ما قالوا لا معنى له - إلى أن قال - وصريح المحاباة لا
يقدح في الاختصاص به إجماعا (وإن لم يسم) الواقف (له) أي الناظر (شيئا فقياس المذهب
إن كان مشهورا بأخذ الجاري) أي أجر المثل (على عمله) أي معدا لاخذ العوض على عمله
(فله جاري) أي أجرة مثل (عمله وإلا) بأن لم يكن معدا لاخذ العوض على عمله (فلا شئ
له) لأنه متبرع بعمله. وهذا في عامل الناظر واضح. وأما الناظر فقد تقدم إذا لم يسم له
شئ يأكل بالمعروف، إلا أن يكون هذا من تتمة كلام القاضي في الأحكام السلطانية فيكون
مقابلا لما تقدم، (وله) أي الناظر (الأجرة من وقت نظره فيه) أي الوقف لأنها في مقابلته فلا
يستحق إلا بقدره (فإن كانت ولايته) أي الناظر (من واقف وهو) أي الناظر (فاسق) حال
الولاية، (أو عدل ففسق صح) كونه ناظرا (وضم إليه أمين) سواء كان أجنبيا أو بعض
الموقوف عليهم جمعا بين الحقين كما قدمته، (وإن كان النظر للموقوف عليه إما بجعل
الواقف النظر له) بأن قال وقفته على زيد ونظره له، (أو لكونه أحق به لعدم ناظر) شرطه
الواقف (فهو) أي الموقوف عليه (أحق به بذلك) أي بالنظر (إذا كان مكلفا رشيدا رجلا
328

كان) الموقف عليه (أو امرأة عادلا، أو فاسقا لأنه) يملك الوقف فهو (ينظر لنفسه) مقتضاه:
ولو كافرا كما مال إليه في شرح المنتهى (1)، (وإن كان الوقف لجماعة) محصورين (رشيدين
فالنظر للجميع لكل إنسان) منهم ينظر (في حصته) في الطلق وقال الحارثي: إن الواحد منهم
في حال الشرط لا يستقل بحصته، لأن النظر مسند إلى الجميع فوجب الشرط في مطلق
النظر فما من نظر إلا وهو مشترك (فإن كان الموقوف عليه صغيرا، أو سفيها، أو مجنونا) ولم
يشترط النظر لغيره (قام وليه في النظر مقامه) لأنه يملكه فهو (كملكه الطلق ولو شرط
الواقف النظر لغيره) من موقوف عليه أو أجنبي، (ثم عزله لم يصح عزله) كإخراج بعض
الموقوف عليهم (إلا أن يشترطه) أي عزل الناظر الواقف (لنفسه) فإن اشترطه ملكه بالشرط،
(فإن شرط) الواقف (النظر لنفسه ثم جعله) أي النظر (لغيره، أو أسنده، أو فوضه) أي النظر
(إليه) بأن قال: جعلت النظر، أو فوضته أو أسندته إلى زيد (فله) أي الواقف (عزله) أي
المجعول، أو المفوض، أو المسند إليه لأنه نائبه. أشبه الوكيل (2) (ولناظر بالأصالة وهو
الموقوف عليه) المعين (والحاكم) فيما وقف على غير معين ولم يعين الواقف غيره (نصب
ناظر وعزله) نال ابن نصر الله: أي نصب وكيل عنه وعزله، انتهى لأصالة ولايته، أشبه
المتصرف في مال نفسه، (وأما الناظر المشروط فليس له نصب ناظر ولا الوصية بالنظر) لان
نظره مستفاد بالشرط ولم يشرط له شئ من ذلك (ما لم يكن مشروطا له) أن ينصب من
شاء أو يوصي، لكن لو كان الموقوف عليه هو المشروط له، فالأشبه أن له النصب لأصالة
ولايته، إذ الشرط كالمؤكد لمقتضى الوقف عليه، (ولو أسند) الواقف (النظر إلى اثنين) من
الموقوف عليهم أو غيرهم (فأكثر، أو جعله) أي النظر (الحاكم، أو الناظر) الأصلي (إليهما)
أي إلى اثنين فأكثر (لم يصح تصرف أحدهما مستقلا) عن الآخر (بلا شرط) لأن الواقف لم
329

يرض بواحد، وإن لم يوجد إلا واحد وأبى أحدهما، أو مات أقام الحاكم مقامه آخر، (وإن
شرطه) أي النظر (لكل منهما صح) تصرف أحدهما منفردا (1)، وإذا مات أحدهما أو أبى لم
يحتج إلى إقامة آخر (واستقل) الموجود منهما (به) أي بالنظر، لأن البدل مستغنى عنه.
واللفظ لا يدل عليه (ولو تنازع ناظران في نصب إمام نصب أحدهما) أي الناظرين (زيدا، و)
نصب (الآخر عمرا إن لم يستقلا) أي إن لم يشرط لكل منهما الاستقلال بالتصرف (لم
تنعقد) ولاية (الإمامة) لأحدهما لانتفاء شرطها، (وإن استقلا وتعاقبا) بأن سبق نصب أحدهما
الآخر (انعقدت للأسبق) منهما دون الثاني، لأن ولايته لم تصادف محلا، (وإن اتحدا
واستوى المنصوبان) بأن لا يكون لأحدهما مرجح (قدم أحدهما بقرعة) لعدم المرجح (ولا
نظر لحاكم مع ناظر خاص) قال في الفروع: ويتوجه مع حضوره، فيقرر حاكم في وظيفة
خلت في غيبته لما فيه من القيام بلفظ الواقف في المباشرة ودوام نفعه انتهى. وعلى هذا لو
ولى الناظر الغائب إنسانا وولى الحاكم آخر قدم الأسبق تولية منهما، (لكن للحاكم النظر
العام فيعترض عليه) أي على الناظر الخاص (إن فعل) الخاص (ما لا يسوغ) له فعله لعموم
ولايته، (وله) أي الحاكم (ضم أمين إليه) أي إلى الخاص (مع تفريطه، أو تهمته ليحصل
المقصود) من حفظ الوقف (2). والظاهر أن الأول يرجع إلى رأي الثاني ولا يتصرف إلا
بإذنه ليحصل الغرض من نصبه. وكذا إذا ضم إلى ضعيف قوي معاون له، فلا يزال يد
الأول عن المال ولا نظره. والأول هو الناظر دون الثاني. هذا قياس ما ذكره في الموصى
له، (وإن شرط الواقف ناظرا، ومدرسا، ومعيدا، وإماما لم يجز أن يقوم شخص بالوظائف كلها
وتنحصر فيه) وإن جمع بين بعض ما لا يتعذر قيامه به لم يمتنع (وقال الشيخ: إن أمكن أن
يجمع) الناظر (بين الوظائف لواحد فعل) الناظر ذلك (وما بناه أهل الشوارع والقبائل من
المساجد فالإمامة) فيه (لمن رضوا به لا اعتراض للسلطان عليهم) في أئمة مساجدهم (وليس
لهم بعد الرضا به عزله) لأن رضاهم به كالولاية له فلم يجز صرفه (ما لم يتغير حاله) بنحو
330

فسق، أو ما يمنع الإمامة، (وليس له أن يستنيب إن غاب) قاله في الأحكام السلطانية. لان
تقديم الجيران له ليس ولاية. وإنما قدم لرضاهم به. ولا يلزم من رضاهم به الرضا بنائبه
كما في الوصي بالصلاة على ميت، بخلاف من ولاه الناظر أو الحاكم، لأن الحق صار له
الولاية. فجاز أن يستنيب (قال الحارثي): فيجعل نصب الإمام في هذا النوع لأهل المسجد
أي جيرانه والملازمين له (والأصح إن للامام النصب أيضا) لأنه من الأمور العامة، (لكن لا
ينصب إلا برضا الجيران) عبارته: لا ينصب إلا من يرضاه الجيران، (وكذلك الناظر الخاص
لا ينصب من لا يرضاه الجيران) لما في كتاب أبي داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمرو أن
النبي (ص) كان يقول: ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة. من تقدم قوما وهم له كارهون (1) وذكر
بقية الخبر، (وقال أيضا) الحارثي ما معناه: ظاهر المذهب (ليس لأهل المسجد مع وجود
إمام، أو نائبه تنصيب ناظر في مصالحه) أي المسجد، (ووقفه) أي الموقوف عليه كما في غير
المسجد، (فإن لم يوجد) القاضي (كالقرى الصغار، والأماكن النائية) أي البعيدة، (أو وجد)
القاضي، (وكان غير مأمون، أو) وجد القاضي. وهو مأمون لكنه (ينصب غير مأمون فلهم)
أي أهله (النصب تحصيلا للغرض ودفعا للمفسدة. وكذا ما عداه) أي المسجد (من الأوقاف
لأهله نصب ناظر فيه لذلك) أي لعدم وجود القاضي المأمون ناصبا لمأمون، (وإن تعذر
النصب من جهة هؤلاء فلرئيس القرية، أو) رئيس (المكان النظر والتصرف) لأنه محل
حاجة. وقد نص أحمد على مثله. انتهى كلامه، (وإن نزل مستحق تنزيلا شرعيا لم يجز
صرفه منه) أي مما نزل فيه (بلا موجب شرعي) من نحو فسق ينافيه أو تعطيل عمل مشروط
(وتقدم قريبا. ومن لم يقم بوظيفته) غيره عزله (من له الولاية لمن يقوم بها) تحصيلا لغرض
331

الواقف (إذا لم يثبت الأول ويلتزم الواجب) قبل صرفه. قال في النكت: ولو عزل من
وظيفة للفسق ثم تاب لم يعد إليها. قاله في المبدع، (ولا يجوز أن يؤم في المساجد
السلطانية وهي) المساجد (الكبار) أي الجوامع وما كثر أهله (إلا من ولاه السلطان، أو نائبه،
لئلا يفتات عليه فيما وكل إليه) وإن ندب له إمامين وخص كلا منهما ببعض الصلوات
الخمس جاز. كما في تخصيص أحدهما بصلاة النهار والآخر بصلاة الليل. فإن لم
يخصص فهما سواء وأيهما سبق كان أحق ولم يكن للآخر أن يؤم في تلك الصلاة بقوم
آخرين. واختلف في السبق فقيل: بالحضور في المسجد. وقيل: بالإمامة. وإن حضرا معا
وتنازعا احتمل القرعة واحتمل الرجوع إلى اختيار أهل المسجد. قاله في الأحكام السلطانية
. وعمل الناس على خلافه (قال القاضي: وإن غاب من ولاه) السلطان، أو نائبه،
(فنائبه أحق) لقيامه مقامه، (ثم) إن لم يكن له نائب (من رضيه أهل المسجد لتعذر إذنه، وإن
علق الواقف الاستحقاق بصفة استحق من اتصف بها، فإن زالت منه زال استحقاقه) وإن
عادت عاد استحقاقه (فلو وقف) شيئا (على المشتغلين بالعلم استحق من اشتغل به، فإن ترك
الاشتغال زال استحقاقه، فإن عاد) إلى الاشتغال (عاد استحقاقه) لأن الحكم يدور مع علته
وجودا وعدما. قال الحارثي: (وإن شرط الواقف في الصرف نصب الناظر للمستحق
كالمدرس، والمعيد، والمتفقهة) أي الطلبة (بالمدرسة مثلا. فلا إشكال في توقف الاستحقاق
على نصب الناظر له) أي المدرس ونحوه عملا بالشرط، (وإن لم يشترط) الواقف نصب
الناظر للمستحق، (بل قال: ويصرف الناظر إلى مدرس، أو معيد، أو متفقهة بالمدرسة لم
يتوقف الاستحقاق على نصب) الناظر ولا الامام، (بل لو انتصب مدرس، أو معيد بالمدرسة
وأذعن له الطلبة بالاستفادة وتأهل لذلك استحق. ولم تجز منازعته لوجود الوصف المشروط)
أي التدريس والإعادة (وكذا لو قام طالب بالمدرسة متفقها، ولو لم ينصبه ناصب) استحق
لوجود التفقه (وكذا لو شرط الصرف المطلق إلى إمام مسجد، أو مؤذن، أو قيمه فأم إمام
332

ورضيه الجيران)، أو أذن فيه مؤذن، (أو قام بخدمة المسجد قائم ونحو ذلك) كان مستحقا
لوجود الشرط انتهى (قال الشيخ: ولو وقف على مدرس وفقهاء فللناظر، ثم الحاكم تقدير
أعطيتهم. فلو زاد النماء فهو لهم. وليس تقدير الناظر أمرا حتما كتقدير الحاكم بحيث لا
يجوز له أو لغيره زيادته ونقصه لمصلحة) وقريب منه تغيير أجرة المثل ونفقته وكسوته، لأنه
يختلف باختلاف الأزمان والأحوال. وليس من نقض الاجتهاد بالاجتهاد بل عمل بالاجتهاد
الثاني لتغير السبب، (وإن قيل: إن المدرس لا يزاد ولا ينقص بزيادة النماء ونقصه للمصلحة
كان باطلا، لأنه لهم. فالحكم بتقديم مدرس أو غيره باطل لم نعلم أحدا يعتد به، أو قال به ولا
بما يشبهه ولو نفذه حاكم، وإنما قدم القيم ونحوه لأن ما يأخذه أجرة) عمله (ولهذا يحرم
أخذه فوق أجرة مثله بلا شرط. قال في الفروع: وجعل) أي الشيخ تقي الدين (الامام
والمؤذن كالقيم، بخلاف المدرس، والمعيد، والفقهاء) أي المتفقهة (فإنهم من جنس واحد.
وقال الشيخ أيضا: لو عطل مغل مسجد سنة تقسطت الأجرة المستقبلة عليها) أي على السنة
التي تعطل مغلها (وعلى السنة الأخرى) التي لم يتعطل مغلها (لتقوم الوظيفة فيهما) أي
السنتين (فإنه خير من التعطيل ولا ينقص الامام بسبب تعطيل الزرع. بعض العام قال في
الفروع: فقد أدخل) أي الشيخ تقي الدين (مغل سنة في سنة. وأفتى غير واحد منا) أي
الحنابلة (في زمننا فيما نقص عما قدره الواقف كل شهر أنه يتمم مما بعد، وحكم به بعضهم
بعد سنين، ورأيت غير واحد لا يراه انتهى. ومن شرط) بالبناء للمفعول (لغيره النظر إن
333

مات) بأن قال الواقف: النظر لزيد فإن مات فلعمرو مثلا (فعزل) زيد (نفسه، أو فسق) وقلنا
ينعزل (فكموته لأن تخصيصه) أي الموت (للغالب) أي خرج مخرج الغالب فلا يعتد بمفهومه
وإن أسقط حقه من النظر لغيره فليس له ذلك لأنه إدخال في الوقف لغير أهله (1)، فلم يملكه.
وحقه باق. فإن أصر على عدم التصرف انتقل إلى من يليه كما لو عزل نفسه فإن لم يكن من
يليه أقام الحاكم مقامه كما لو مات. هذا ما ظهر لي ولم أره مسطورا. وقد عمت البلوى بهذه
المسألة، (وإن شرط النظر للأفضل من أولاده) أو أولاد زيد (فهو) أي النظر (له) أي للأفضل
منهم عملا بالشرط، (فإن أبى) الأفضل (القبول انتقل) النظر (إلى من يليه) كأنه لم يكن، (فإن
تعين أحدهم أفضل، ثم صار فيهم من هو أفضل انتقل) النظر (إليه لوجود الشرط فيه، فإن استوى
اثنان) في الفضل (اشتركا) في النظر، (وللامام النصب) أي نصب ناظر، ولعل المراد حيث لا
شرط (لأجل المصالح العامة. قال الشيخ: إن أطلق) الواقف شرط (النظر لحاكم) بأن لم
يقيده بحنبلي ولا غيره (شمل) لفظ الحاكم (أي حاكم، سواء كان مذهبه مذهب حاكم البلد
زمن الواقف أو لا، وإلا) أي وإن لم نقل بذلك (لم يكن له نظر إذا انفرد وهو باطل اتفاقا
انتهى) واقتصر عليه في الفروع وجزم به في المنتهى، (فإن تعدد الحكام كان للسلطان أن
يوليه) أي النظر (من شاء من المتأهلين) لذلك أفتى به الشيخ نصر الله الحنبلي والشيخ
برهان الدين ولد صاحب الفروع، ووافقهما السراج البلقيني والشهاب الباعوني وابن الهايم،
والتفهني الحنفي، والبساطي المالكي، (ولو فوضه) أي النظر (حاكم) لانسان (لم يجز ل‍)
- حاكم (آخر نقضه) قال في شرح المنتهى (2). ولعل وجهه أن الأصحاب قاسوا التفويض
على حكم الحاكم قبله انتهى. وقد تقدم أن الحاكم له نصب ناظر وعزله إلا أن يحمل ما
هنا على ما إذا تعددت الحكام وما تقدم على ما إذا لم يكن إلا حاكم واحد بقرينة السياق،
أو يقال النصب بمعنى التوكيل والتفويض إسناده إليه على وجه يستقل به. ولو ولي كل من
حاكمين النظر شخصا وتنازعا وقدم ولي الأمر أحقهما (وتعين مصرف الوقف) أي يتعين
334

صرف الوقف إلى الجهة التي عينها الواقف كما تقدم (فلا يصرف) الوقف (في غيره) أي
غير ما شرطه الواقف وإلا لم يكن لتعيينه فائدة (1) (وإن شرط الواقف أن لا يؤجر وقفه
صح) الشرط (واتبع شرطه) وتقدم (كذا لو شرط أن لا يزاد في عقد الإجارة على مدة
قدرها) فيتبع شرطه وتقدم الضرورة فيجوز بقدرها (ولا اعتراض لأهل الوقف على من ولاه
الواقف أمر الوقف إذا كان) المولى (أمينا. ولهم) أي أهل الوقف (مساءلته) أي الناظر (عما
يحتاجون إلى علمه من أمور وقفهم حتى يستوي علمهم فيه وعلمه) وهو ظاهر (ولهم) أي
أهل الوقف (مطالبته بانتساخ كتاب الوقف لتكون نسخه في أيديهم وثيقة) لهم، (وله) أي
الناظر (انتساخه) أي كتاب الوقف (2) (والسؤال عن حاله وأجرة تسجيل كتاب الوقف من)
مال (الوقف) كما هو العادة (ولولي الأمر أن ينصب ديوانا مستوفيا لحساب أموال الأوقاف
عند المصلحة، كما له) أي ولي الأمر (أن ينصب دواوين لحساب الأموال السلطانية كالفئ
وغيره) مما يؤول إلى بيت المال من تركات ونحوها، (وله) أي ولي الأمر (أن يفرض له) أي
للمستوفي على حساب أموال الأوقاف أو غيرها (على عمله ما يستحقه مثله من مال يعمل)
فيه (بمقدار ذلك المال) الذي يعمل فيه، (وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما
فرض له) وإن لم يقم به لم يستحقه ولم يجز له أخذه. ولا يعمل بالدفتر الممضي منه
المعروف في زمننا بالمحاسبات في منع مستحق ونحوه إذا كان بمجرد إملاء الناظر.
والكاتب على ما اعتيد في هذه الأزمنة. وقد أفتى به غير واحد في عصرنا (ولو وقف)
إنسان (داره على مسجد وعلى إمام يصلي فيه كان للامام نصف الربع) وللمسجد نصفه (كما
لو وقفها على زيد وعمرو) لأن مطلق الإضافة يقتضي التسوية (ولو وقفها) أي الدار (على
335

مساجد القرية وعلى إمام يصلي في واحد منها كان الريع بينه) أي الامام (وبين كل المساجد
نصفين) قاله في نوادر المذهب. واقتصر عليه الحارثي.
فصل:
(وإن وقف على ولده) ثم على المساكين
(أو) وقف على (أولاده)، ثم على المساكين (أو) وقف على (ولد غيره) أو على أولاد
غيره، (ثم على المساكين فهو) أي الوقف (لولده الذكور والإناث، والخناثى) لأن الولد يقع
على الواحد والجمع والذكر والأنثى، كما قاله أهل اللغة. ويكون (بينهم بالسوية) (1) لأنه
جعله لهم وإطلاق التشريك يقتضي التسوية، كما لو أقر لهم بشئ ولا يدخل فيهم المنفي
بلعان. ثم لا فرق بين صفة الولد والأولاد في استقلال الموجود منهم بالوقف واحدا كان
أو اثنين أو أكثر لأن علم الواقف بوجود ما دون الجمع دليل إرادته من الصيغة، (وإن حدث
للواقف ولد بعد وقفه استحق) الحادث (كالموجودين) حال الوقف تبعا لهم (اختاره ابن أبي
موسى وأفتى به ابن الزاغوني وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل وجزم به في المنهج)
والمستوعب (خلافا لما في التنقيح) وتبعه في المنتهى حيث قال دخل الموجودون فقط
(ويدخل) أيضا في الوقف على ولده، وأولاده، أو ولد غيره، أو أولاده (ولد بنيه) مطلقا (وجدوا)
أي ولد البنين (حالة الوقف أو لا) وإن سفلوا. لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الأنثيين) * [النساء: 11]. فدخل فيه ولد البنين وإن سفلوا، وكذلك كل
موضع ذكر الله فيه الولد دخل فيه ولد البنين. فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة
ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ويفسر بما يفسر به. ولان ولد ولده ولد له
336

بدليل قوله تعالى: * (يا بني آدم) * و * (يا بني إسرائيل) * وقوله (ص): ارموا بني إسماعيل فإن
أباكم كان راميا (1) وقوله: نحن بنو النضر بن كنانة (2) والقبائل كلها تنتسب إلى جدودها
(ولا يدخل ولد البنات) في ولده ولا في أولاده إذا وقف عليهم (3) (كوصية) أي كما لو
وصى ولد زيد أو أولاده فيدخل فيها أولاد بنيه لما تقدم دون أولاد بناته وأولاد بنات بنيه
وبنات بني بنيه. فليس لهم شئ في الوقف ولا في الوصية لأنهم من رجل آخر. ولعدم
دخولهم في قوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم) * [النساء: 11]. وكذا كل ولد ذكر في
القرآن في الإرث أو الحجب لا مدخل لهم فيه، ولان أولاد البنات ينتسبون إلى آبائهم على
ما قاله الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
(ويستحقونه) أي يستحق أولاد البنين الوقف (مرتبا) بعد آبائهم (كقوله) وقفته على
أولادي (بطنا بعد بطن) أو الأقرب فالأقرب أو الأول فالأول ونحوه ما لم يكونوا قبيلة أو
يأتي بما يقتضي التشريك كعلى أولادي وأولادهم فلا ترتيب ذكره في شرح المنتهى، (وإن
قال وقفت على ولدي وولد ولدي ما تناسلوا وتعاقبوا، الأعلى فالأعلى، أو الأقرب فالأقرب،
أو الأول فالأول، أو البطن الأول، ثم البطن الثاني، أو على أولادي، ثم على أولاد أولادي، أو
على أولادي، فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولادي فترتيب جملة على) جملة (مثلها لا يستحق
البطن الثاني شيئا قبل انقراض) البطن (الأول) (4) لأن الوقف ثبت بقوله، فيتبع فيه مقتضى
كلامه، (وكذا قوله: قرنا بعد قرن. قاله في التلخيص، ولو قال بعد الترتيب على أولاده) بأن
337

قال مثلا: هذا وقف على أولادي، ثم أولادهم، (ثم على أنسالهم وأعقابهم استحقه أهل
العقب مرتبا) لقرينة الترتيب فيما قبله و (لا) يستحقونه (مشتركا) مع الأنسال نظرا إلى
عطفهم بالواو لمخالفته لقرينة السياق. قال في الاختيارات: الواو كما لا تقتضي الترتيب لا
تنفيه لكن هي ساكتة عنه نفيا، وإثباتا، ولكن تدل على التشريك وهو الجمع المطلق. فإن
كان في الوقف ما يدل على الترتيب مثل إن رتب أولا عمل به ولم يكن ذلك منافيا لمقتضى
الواو (ولو رتب) واقف (بين أولاده وأولادهم بثم) فقال: هذا وقف على أولادي، ثم
أولادهم، (ثم قال: ومن توفي عن ولد فنصيبه لولده، استحق كل ولد بعد أبيه نصيبه) لأنه
صريح في ترتيب الافراد، (ولو قال) وقفت (على أولادي، ثم على أولاد أولادي على أنه من
توفي منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل درجته، استحق كل ولد نصيب أبيه بعده (1) ك‍)
- المسألة (التي قبلها) بقرينة قوله. عن غير ولد. فهذا دال على إرادة ترتيب الافراد، وإن
مات عن ولد فنصيبه له، (ومتى بقي واحد من البطن الأول كان الجميع) من ريع الوقف (له)
أي من وجد من البطن الأعلى، حيث كان الوقف على ولده، أو أولاده، أو ذكر ما يقتضي
الترتيب، (وكذا حكم وصية) في تناول الولد أو الأولاد لأولاد البنين، وإن نزلوا (إذا وجدوا
قبل موت الموصي) فإذا وصى لولد فلان بكذا، ووجد له ولد ابن بعد الوصية، وقبل موت
الموصي دخل في الوصية، وإن لم يوجد له ولد إلا بعد موت الموصي، بطلت الوصية،
لعدم الموصي له عند موت الموصي (فإن) وقف على ولده أو ولد غيره، و (كان ولده أو
ولد غيره قبيلة ليس فيهم واحد من صلبه) فلا ترتيب، (أو قال): وقفت (على أولادي، أو)
على (ولدي، وليس له إلا أولاد أولاد) فلا ترتيب (أو قال): وقفت على أولادي، أو ولدي
(ويفضل الولد الأكبر، أو الأفضل، أو الأعلم على غيرهم) فلا ترتيب، وفيه نظر، (أو قال):
هذا وقف على ولدي أو أولادي (فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين) فلا
338

ترتيب، وفيه نظر، (أو قال): هذا وقف (على ولد ولدي، غير ولد البنات، أو غير ولد فلان)
فلا ترتيب، (أو قال): هذا وقف على ولدي أو أولادي (يفضل البطن الأعلى على الثاني: أو
عكسه) أي يفضل البطن الثاني على الأول، فلا ترتيب (أو) قال: (يفضل الأعلى فالأعلى)
وأشباه ذلك مما يدل على التعميم فلا ترتيب، عملا بالقرينة في ذلك كله، (أو قال): هذا
وقف (على أولادي وأولادهم، فلا ترتيب) لأن الواو لا تقتضيه (واستحقوا مع آبائهم) لما
تقدم، (وإن قال: على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا، على أنه من مات منهم عن ولد
عاد ما كان جاريا عليه على ولده كان) قوله: على أن من مات إلى آخره (دليلا على الترتيب
بين كل والد وولده) (1) لأنه لو اقتضى التشريك لاقتضى التسوية، ولو جعلنا لولد الولد
سهما مثل سهم أبيه، ثم دفعنا إليه سهما صار له سهمان ولغيره سهم. وهذا ينافي التسوية.
ولأنه يفضي إلى تفضيل ولد الابن على الابن، (فإذا مات) من أهل وقف واحد، أو أكثر (عن
ولد انتقل إلى ولده سهمه) أي نصيبه الأصلي والعائد (سواء بقي من البطن الأول أحد، أو
لم يبق) منه أحد. لعموم قوله: من مات عن ولده فنصيبه لولده (2) (وإن رتب) الواقف
(بعضهم) أي بعض الموقوف عليهم (دون بعض. فقال): وقفت (على أولادي، ثم على أولاد
أولادي وأولادهم ما تناسلوا وتعاقبوا، أو) قال: وقفت (على أولادي، وأولا أولادي، ثم
على أولادهم ما تناسلوا، ففي المسألة الأولى يختص به الأولاد) لاقتضاء ثم الترتيب (فإذا
انقرضوا) أي الأولاد (صار مشتركا بين من بعدهم) من أولادهم وأولاد أولادهم، وإن نزلوا،
لأن العطف فيهم بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب. فإن قيل قد رتب أولا، فهلا حمل عليه
ما بعده؟ قلت: قد يكون غرض الواقف تخصيص أولاده لقربهم منه. (وفي) المسألة (الثانية)
وهي: ما إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده، ثم على أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا
(يشترك البطنان الأولان) للعطف بالواو (دون غيرهم) فلا يدخل معهم في الوقف لعطفه بثم
339

(فإذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم)، لما تقدم، (وإذا قال): وقفت (على ولدي وولد ولدي، ثم
على المساكين) وقلنا إن: الولد لا يتناول أولاد الابن (دخل البطن الأول والثاني ولم يدخل)
البطن (الثالث. وإن قال): وقفت (على ولدي وولد ولد ولدي، دخل ثلاثة بطون دون من
بعدهم) (1) بناء على أن الولد لا يتناول أولاد الابن، وهو خلاف المذهب، وما ذكرته من
أن المسألتين مفرعتان على خلاف المذهب هو ما ذكره في المغني، وأقره عليه الحارثي
وصاحب الانصاف والمنتهى وغيرهم. لكن كلامه في القواعد الفقهية يقتضي خلافه. فكان
الأولى للمصنف التنبيه على ذلك أو حذفهما كما حذف الرواية التي هي أصلهما (ولو كان
له) أي الواقف (ثلاثة بنين. فقال: وقفت على ولدي) بكسر الدال (فلان وفلان، وعلى ولد
ولدي كان الوقف على المسميين وأولادهما، وأولاد الثالث الذي لم يذكره لدخوله في عموم
ولدي، ولا شئ للثالث) جعلا لتسميتهما بدلا للبعض من الكل، فاختص الحكم به.
كقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * [آل عمران: 97].
ولان خلوه عن أداة العطف دليل إرادة التفسير والتبيين، بخلاف عطف الخاص على العام،
فإنه يقتضي معنى التأكيد. فوجب حمل ما نحن فيه على التفسير والتبيين، (وكذا) لو قال:
وقفت (على ولدي فلان وفلان) فلا يشمل المسكوت عنه من أولاده عملا بالبدل و (يشمل
ولد ولده) الذي لم يدخل كما في التي قبلها، ولا يختص بأولاد المسميين، وهذا احتمال
للموفق (2) مستدلا له بقول أحمد: إن قوله: وقفت على ولدي يتناول نسله وعقبه كلهم،
لكن مقتضى ما قدمه عدم دخول أولاد أولاده اعتبارا بالبدل، وقد سئلت عنها بالحرمين،
وأفتيت فيها: بأن الوقف بعد ولديه يصرف مصرف المنقطع ووافقني على ذلك من يوثق به
(وإذا وقف على فلان، فإذا انقرض أولاده فعلى المساكين، كان) الوقف (من بعد موت فلان
لأولاده) لدلالة قول الواقف فإذا انقرض أولاده فعلى المساكين. وإلا لم يكن لتوقف
استحقاق المساكين على انقراضهم فائدة، (ثم من بعدهم للمساكين، ولا يدخل ولد البنات)
340

في الوقت على ولده، أو أولاده أو ذريته ونحوه (إلا بصريح. كقوله): وقفت على ولدي
وأولادهم (على أن لولد الإناث سهما، ولولد الذكور سهمين ونحوه أو بقرينة. كقوله: من
مات منهم عن ولد) ه (فنصيبه لولده، أو قال): وقفت (على ولدي فلان وفلان وفلانة وأولادهم،
أو قال: فإذا خلت الأرض ممن ينسب إلي، من قبل أب، أو أم، فللمساكين، أو قال: على
البطن الأول من أولادي، ثم على الثاني، والثالث، وأولادهم، والبطن الأول بنات ونحو ذلك)
مما يدل على دخول أولاد البنات فيدخلون بلا خلاف، (فإن قيد) الواقف بما يقتضي عدم
دخول أولاد البنات (فقال): وقفت (على أولادي لصلبي، أو) على (من ينتسب إلي لم يدخلوا)
أي ولد البنات بلا خلاف. قاله الحارثي، وقد تقدم أن الولد للصلب يطلق على الولد الذي
لا واسطة بينه وبينه على ولد البنين، (وإن رتب بين أولاده وأولادهم بثم، ثم قال: ومن مات
عن ولد فنصيبه لولده استحق كل ولد بعد أبيه نصيب أبيه الأصلي والعائد (1). مثل أن
يكون) الموقوف عليهم (ثلاثة أخوة فيموت أحدهم عن ولد) انتقل نصيبه إليه (ويموت الثاني
عن غير ولد فنصيبه لأخيه الثالث، فإذا مات) الأخ (الثالث عن ولد استحق) الولد (جميع ما
كان في يد أبيه من) الثلث (الأصلي، و) الثلث (العائد إليه من أخيه) لعموم: فنصيبه لولده
لأنه مفرد مضاف لمعرفة فيعم (وبالواو للاشتراك) لما تقدم من أنها لا تقتضي الترتيب بلا
قرينة، (فإذا زاد) الواقف في شروط وقفه (على أنه إن توفي أحد من أولاد الموقوف عليه
ابتداء في حياة والده) أي قبل دخوله في الوقف (وله ولد ثم مات الأب عن أولاده لصلبه
وعن ولده لصلبه الذي مات أبوه قبل استحقاقه فله) أي ولد الابن (معهم) أي مع أعمامه (ما
341

لأبيه لو كان حيا، فهو) أي قول الواقف ما ذكر. وفي نسخ وهو (صريح في ترتيب الافراد)
وإذا مات واحد من مستحقي الوقف وجهل شرط الواقف صرف إلى جميع المستحقين
بالسوية. ذكره في الاختيارات. (وإن قال) واقف (على أن نصيب من مات عن غير ولد لمن
في درجته والوقف مرتب) بثم أو نحوها، (فهو) أي نصيب من مات منهم عن غير ولد (لأهل
البطن الذي هو منهم) دون بقية البطون (من أهل الوقف) (1) دون غيرهم عملا بسوابق
الكلام. فلو كان البطن الأول ثلاثة فمات أحدهم عن ابن، ثم مات الثاني عن ابنين، ثم
مات أحد الابنين وترك أخاه وابن عمه وعمه وابنا لعمه الحي كان نصيبه لأخيه وابن عمه
الذي مات أبوه دون عمه وابنه. وكذا لو وقف على ثلاثة من بنيه الأربع. على أن نصيب
من مات عن غير ولد لمن في درجته فمات أحد الثلاثة عن غير ولد. كان نصيبه بين أخويه
من أهل الوقف دون الثالث، (وكذا) الحكم (إن كان) الوقف (مشتركا بين البطون) وشرط إن
مات من غير ولد فنصيبه لمن في درجته فيختص به أهل البطن الذي هو منهم من أهل
الوقف وإلا لم يكن في اشتراط الواقف لهذا الشرط فائدة. والظاهر أنه قصد شيئا يفيد، (فإن
لم يوجد في درجته) أي درجة من مات عن غير ولد (أحد فكما لو لم يذكر الشرط) لأنه لم
يوجد ما تظهر فائدته فيه (فيشترك الجميع) من أهل الوقف (في مسألة الاشتراك) لان
التشريك يقتضي التسوية (ويختص) البطن (الأعلى به) أي بنصيب المتوفى الذي لم يوجد
في درجته أحد (في مسألة الترتيب) لأن الواقف قد رتب فيعمل بمقتضاه، حيث لم يوجد
الشرط المذكور (وإن كان الواقف على البطن الأول) كما لو قال: وقفت على أولادي (على
أن نصيب من مات منهم عن غير ولد لمن في درجته فكذلك) أي كما تقدم من أن نصيب
من مات عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منهم من أهل الوقف. فإن لم يكن في درجته
أحد اختص به الأعلى لأن الوقف مرتب (فيستوي في ذلك كله) أي في جميع ما تقدم من
الصور من كان من أهل درجته وهم (أخوته، وبنو عمه، وبنو عم أبيه، ونحوهم) كبني بني
بني عم أبيه لأنهم في درجته في القرب إلى الجد الذي يجمعهم والاطلاق يقتضي
342

التسوية. وكذا إناثهم حيث لا مخصص للذكور (1). (إلا أن يقول) الواقف: (يقدم الأقرب
فالأقرب إلى المتوفى ونحوه) كأن يقول: يقدم ولد الظهر مثلا (فيختص) الأقرب أو ولد
الظهر (به) أي بنصيب الميت عملا بالشرط، (وليس من الدرجة من هو أعلى) من الميت
كعمه، (ولا) من هو (أنزل) منه كابن أخيه، (وإن شرط) الواقف (أن نصيب المتوفى عن غير
ولد لمن في درجته استحقه) أي النصيب (أهل الدرجة وقت وفاته) عملا بالشرط (وكذا من
سيوجد منهم) (2). لأنه من أهل الدرجة فالشرط منطبق عليه (ف‍) - على هذا (إن حدث من
هو أعلى من الموجودين وكان الشرط في الوقف استحقاق الأعلى فالأعلى) كما لو وقف
على أولاده ومن يولد له، ثم أولادهم، ثم أولاد أولادهم ما تناسلوا ومات أولاده وانتقل
الوقف لأولادهم ثم ولد له ولد (أخذه) أي أخذ الولد الوقف (منهم) أي من أولاد إخوته،
لأنه أعلى منهم درجة فلا يستحقون معه. فائدة: لو قال على أن من مات قبل دخوله في
الوقف عن ولد وإن سفل وآل الحال في الوقف إلى أنه لو كان المتوفى موجودا لدخل قام
ولده مقامه في ذلك وإن سفل واستحق ما كان أصله يستحقه من ذلك أنه لو كان موجودا
فانحصر الوقف في رجل من أولاد الواقف ورزق خمسة أولاد مات أحدهم في حياة ولداه
وترك ولد ثم مات الرجل عن أولاده الأربعة وولد ولده، ثم مات من الأربعة ثلاثة عن غير
ولد وبقي منهم واحد مع ولد أخيه استحق الولد الباقي أربعة أخماس ريع الوقف وولد أخيه
الخمس الباقي. أفتى به البدر محمد الشهاوي الحنفي وتابعه الناصر الطبلاوي الشافعي
والشهاب أحمد البهوتي الحنبلي ولد عم والدي. ووجهه أن قول الواقف: على أن من مات
منهم قبل دخوله في هذا الوقف إلى آخره مقصور على استحقاق الولد لنصيب والده
المستحق له في حياته لا يتعداه إلى من مات من إخوة والده عن غير ولد بعد موته، بل ذلك
إنما يكون للإخوة الاحياء عملا بقول الواقف: على أن من توفي منهم عن غير ولد إلى
آخره. إذ لا يمكن إقامة الولد مقام أبيه في الوصف الذي هو الإخوة حقيقة بل مجازا.
والأصل حمل اللفظ على حقيقته. وفي ذلك جمع بين الشرطين وعمل بكل منهما في محله
وذلك أولى من إلغاء أحدهما.
343

فصل:
(والمستحب)
للواقف (أن يقسم الوقف على أولاده للذكر مثل حظ الأنثى) لأن القصد القربة على
وجه الدوام وقد استووا في القرابة، (واختار الموفق) (1) وتبعه في الشرح (2) والمبدع وغيره:
يستحب أن يقسمه بينهم للذكر (مثل حظ الأنثيين) على حسب قسمة الله تعالى في الميراث
كالعطية والذكر في مظنة الحاجة غالبا بوجوب حقوق ترتبت عليه بخلاف الأنثى، (فإن فضل)
الواقف (بعضهم على بعض، أو خص بعضهم بالوقف دون بعض، فإن كان على طريق
الأثرة) بأن لم يكن لغرض شرعي (كره) لأنه يؤدي إلى التقاطع بينهم (3) (وإن كان) التفضيل
أو التخصيص (على أن بعضهم) أي لأجل أن المفضل أو المخصص (له عيال، أو به حاجة)
كمسكنة، أو عمى ونحوه، (أو خص) أو فضل (المشتغلين بالعلم، أو ذا الدين دون الفساق، أو)
خص، أو فضل (المريض، أو) خص، (أو) فضل (من له فضيلة) ما من الفضائل (من أجل
فضيلته فلا بأس) (4) بذلك نص عليه، لأنه لغرض مقصود شرعا (وإن وقف على بنيه أو بني
فلان اختص به الذكور) لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة. قال تعالى: * (أصطفى البنات
على البنين) * [الصافات: 153]. * (المال والبنون الحياة الدنيا) * [الكهف: 46]. فلا
يدخل فيه الخنثى. لأنه لا يعلم كونه ذكرا. وكذلك لو وقف على بناته. اختص به الإناث
ولا يدخل فيهن الخنثى لما تقدم. قال في الشرح: نعلم فيه (5) خلافا (إلا أن يكونوا
344

قبيلة) كبيرة قاله في الرعاية. كبني هاشم، وتميم، وقضاعة (فيدخل فيه النساء) لقوله تعالى:
* (ولقد كرمنا بني آدم) * [الاسراء: 70]. ولان اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها. وروي أن
جواري من بني النجار قلن: نحن جواري من بني النجار. يا حبذا محمدا من جار (دون
أولادهن من غيرهم) لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة الموقوف عليها بل إلى غيرها. وكما لو
قال: المنتسبين إلي. ويدخل أولادهن منهم لوجود الانتساب حقيقة ولا يشمل مواليهم،
(والحفيد) ولد الابن، والبنت، (والسبط ولد الابن، و) ولد (البنت)، قاله ابن سيده (ولا يدخل
مولى بني هاشم في الوصية لهم) ولا في الوقف عليهم (لأنه ليس منهم حقيقة) فلا يتناوله
اللفظ والوقف والوصية يعتبر فيهما لفظ الواقف ولفظ الموصي بخلاف لفظ صاحب
الشريعة يعتبر فيه المعنى (ولو قال الهاشمي) وقفت (على أولادي وأولاد أولادي الهاشميين
لم يدخل من أولاد بنته من ليس هاشميا) لعدم وجود الوصف الذي اعتبره الواقف فيه. وأما
الهاشمي ففي دخوله وجهان، بناهما القاضي على الخلاف في أصل المسألة. وقال
الموفق: الأولى الدخول لوجود الشرطين (1). (ويجدد حق حمل بوضعه) فلا استحقاق له
قبل انفصاله، لأنه إذن لا يسمى ولدا (من ثمر وزرع كمشتر) فيستحق من ثمر لم يتشقق
ومن أصول نحو بقل، بخلاف ثمر تشقق وزرع لا يحصد إلا مرة، فلا شئ له منه لأنه لا
يتبع أصله بخلاف نحو الثمرة قبل التشقق، لأنها تتبع أصلها فيستحقها مستحق الأصل،
(وتقدم أول الباب ويشبه الحمل) فيما يستحقه من زرع وثمر (إن قدم) إنسان (إلى ثغر
موقوف عليه فيه، أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه. وقياسه من نزل في مدرسة ونحوه)
وقال في الاختيارات: يستحق بحصته من المغل. ومن جعله كالولد فقد أخطأ. وللورثة من
المغل بقدر ما باشر مورثهم. انتهى. قال في القواعد الفقهية. وأعلم أن ما ذكرناه في
استحقاق الموقوف عليه ههنا إنما هو إذا كان استحقاقه بصفة محضة، مثل كونه ولدا أو
فقيرا ونحوه. أما إن كان استحقاقه الوقف عوضا عن عمل وكان المغل كالأجرة فيقسط
على جميع السنة، كالمقاسمة القائمة مقام الأجرة حتى من مات في أثنائه استحق بقسطه،
وإن لم يكن الزرع قد وجد. قال: وبنحو ذلك أفتى الشيخ تقي الدين. وأفتى الشيخ شمس
345

الدين بن أبي عمر: بأن الاعتبار في ذلك سنة المغل دون السنة الهلالية في جماعة مقررين
في قرية حصل لهم حاصل في قريتهم الموقوفة عليهم. فطلبوا أن يأخذوا ما استحقوه عن
الماضي وهو مغل سنة خمس وأربعين مثلا، فهل يصرفه إليهم الناظر بحساب سنة خمس
الهلالية، أو بحساب سنة المغل مع أنه قد تنزل بعد هؤلاء المتقدمين جماعة شاركوا في
حساب سنة المغل فإن أخذ أولئك على حساب السنة الهلالية لم يبق للمتقررين إلا شئ
يسير؟ أجاب بأنه لا يحتسب إلى بسنة المغل دون الهلالية. ووافقه جماعة من الشافعية
والحنفية على ذلك (وشجر الجوز الموقوف إن أدرك أوان قطعه في حياة البطن الأول فهو له)
أي للبطن الأول، (وإن مات) البطن الأول (وبقي) الحور (في الأرض مدة حتى زاد) الحور
(كانت الزيادة حادثة من منفعة الأرض التي للبطن الثاني، ومن الأصل الذي لورثة الأول، فإما
أن تقسم الزيادة على قدر القيمتين وإما أن يعطى الورثة أجرة الأرض للبطن الثاني) والأول
قياس ما تقدم في بيع الأصول والثمار (وإن غرسه) أي الحور (البطن الأول من مال الوقف ولم
يدرك) أو إن قطعه (إلا بعد انتقاله إلى البطن الثاني فهو لهم) أي للبطن الثاني، (وليس لورثة
الأول فيه شئ) لأنه يتبع أصله في البيع فتبعه في انتقال الاستحقاق كما تقدم في الثمر غير
المشقق (قاله الشيخ) رحمه الله. (وإن وقف) إنسان (على عقبه)، أو عقب غيره، أو نسله، أو ولد
ولده، أو ذريته (دخل فيه) أي الوقف (ولد البنين، وإن نزلوا) لتناول اللفظ لهم، (ولا يدخل) فيه
(ولد البنات بغير قرينة) لأنهم لا ينتسبون إليه (كما تقدم) وعنه يدخلون قدمها في المحرر
والرعاية، واختارها أبو الخطاب في الهداية، لأن البنات أولاده وأولادهن أولاد أولاده (1).
حقيقة لقوله تعالى: * (ومن ذريته داود) * إلى قوله: * (وعيسى) * [الانعام: 84]. وهو ولد بنته.
وقوله (ص): إن ابني هذا سيد الحديث يعني الحسن. رواه البخاري قال في الشرح: والقول
بدخولهم أصح وأقوى دليلا انتهى وأجيب عن الحديث بأنه على المجاز بدليل قوله تعالى:
* (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * [الأحزاب: 40]. وعن الآية بأن إدخال عيسى في
الذرية لأنه لا أب له. وأصل النسل من النسالة وهي شعر الدابة إذا سقط عن جسدها. وأعقب
الرجل ترك عقبا وعقب إذا خلف. والذرية من ذرأ الله الخلق أي خلقهم، أبدلت الهمزة ياء
346

وقيل: من ذري الله الخلق أي نشرهم. وقيل غير ذلك، (وإن وقف على قرابته، أو) على (قرابة
فلان فهو) أي الوقف (للذكر والأنثى من أولاده، وأولاد أبيه، و) أولاد (جده، و) أولاد (جد أبيه
أربعة آباء) (1) فقط لأن النبي (ص) لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوو القربى، فلم يعط منه لمن
هو أبعد، كبني عبد شمس وبني نوفل شيئا. ولا يقال: هما كبني المطلب فإنه (ص) علل الفرق
بينهم وبين من ساواهم ممن سواهم في القرب بأنهم لم يفارقوا في جاهلية ولا إسلام (يستوي
فيه) أي في الوقف على القرابة (ذكر، وأنثى، وصغير، وكبير، وغني، وفقير) لعموم القرابة لهم،
(ولا يدخل فيه) أي في الوقف على القرابة (من يخالف دينه دينه) أي الواقف فإن كان
الواقف مسلما لم يدخل في قرابته كافرهم. وإن كان كافر لم يدخل المسلم في قرابته إلا
بقرينة (كما يأتي قريبا، ولا) يدخل في الوقف على قرابته (أمه، ولا قرابته من قبلها) لأنه (ص)
لم يعط من سهم ذوي القربى قرابته من جهة أمه شيئا (إلا أن يكون في لفظه) أي الواقف
(ما يدل على إرادة ذلك) أي الدخول (كقوله: ويفضل قرابتي من جهة أبي على قرابتي من
جهة أمي، أو قوله: إلا ابن خالتي فلانا، أو نحو ذلك) فيعمل بمقتضى القرينة، (أو) وجدت
(قرينة تخرج بعضهم، عمل بها، ويأتي في الوصايا حكم أقرب قرابته، أو الأقرب إليه)
مفصلا، (وأهل بيته) إذا وقف عليهم كقرابته، (وقومه) كقرابته، (ونسباؤه) كقرابته، (وأهله)
كقرابته، (وآله كقرابته) لقوله (ص): لا تحل الصدقة لي ولا أهل بيتي وفي
رواية إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة (2) فجعل سهم ذوي القربى لهم عوضا عن الصدقة
التي حرمت عليهم. فكان ذوي القربى الذين سماهم الله تعالى هم أهل بيته. احتج بذلك
الامام. وروي عن ثعلب أن أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولادهم كالأجداد والأعمام
وأولادهم (والعترة: العشيرة وهي) أي العشيرة (قبيلته) قال الصديق رضي الله عنه في محفل
من الصحابة: نحن عترة رسول الله (ص) وبيضته التي تفقأت عنه ولم ينكره أحد وهم أهل
347

اللسان (وذوو رحمه قرابته من جهة أبويه) وأولاده وأولادهم وإن نزلوا، لأن الرحم
يشملهم (1). (ولو جاوزوا أربعة آباء، فيصرف) الوقف على ذوي رحمه (إلى كل من يرث
بفرض، أو عصبة، أو بالرحم) لشموله لهم. (والاشراف أهل بيت النبي (ص) قال الشيخ: وأهل
العراق كانوا لا يسمون شريفا إلا من كان من بني العباس، وكثير من أهل الشام وغيرهم)
كأهل مصر، (لا يسمون شريفا إلا من كان علويا انتهى) بل لا يسمون شريفا إلا من كان من
ذرية الحسن والحسين. ولو وقف على آل جعفر وآل علي، فقال أبو العباس: أفتيت أنا
وطائفة من الفقهاء أنه يقسم بين أعيان الطائفتين. وأفتى طائفة أنه يقسم نصفين فيأخذ آل
جعفر النصف وإن كانوا واحدا وهو مقتضى أحد قولي أصحابنا انتهى. قلت: هو مقتضى
ما تقدم في مواضع (وجمع المذكر السالم كالمسلمين وضميره) وهو الواو (يشمل
النساء) (2) لقوله تعالى: * (قد أفلح المؤمنون) * [المؤمنون: 1]. (لا عكسه) وهو جمع
المؤنث السالم وضميره، فلا يشمل الذكر، إذ لا يغلب غير الأشرف عليه، (وإن قال): هذا
وقف (لجماعة) من الأقرب إليه، (أو) هذا وقف (لجمع من الأقرب إليه فثلاثة) ويشمل أهل
الدرجة وإن كثروا لعدم المخصص (ويتمم) الجمع ثلاثة (مما بعد الدرجة الأولى) إذا لم
يكن فيها ثلاثة. فإذا كان له ولدان وأولاد ابن تمم الجمع بواحد من أولاد الابن يخرج
بقرعة (والأيامى) يشمل الذكر والأنثى قال تعالى: * (وأنكحوا الأيامى منكم) * [النورة: 32].
(والعزاب) يشمل الذكر والأنثى (3) يقال: رجل عزب وامرأة عزب. قال ثعلب: وإنما سمي
عزبا لانفراده، وكل شئ انفرد فهو عزب. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر وكنت شابا
أعزب (4) ولا فرق في ذلك بين البكر وغيره. قال في الفروع: والعزب والأيم غير المتزوج
(والبكر) يشمل الذكر والأنثى (والثيب) يشمل الذكر والأنثى (والعانس) يشمل الذكر والأنثى
348

(والإخوة) يشمل الذكر والأنثى (والعمومة يشمل الذكر والأنثى (1)، والأخوات للإناث)
خاصة (فالأيامى والعزاب من لا زوج له من رجل وامرأة، والأرامل النساء اللاتي فارقهن
أزواجهن بموت أو حياة) لأنه المعروف بين الناس. قال جرير:
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟
فأطلق الأول حيث أراد به الإناث، لأنه موضوع له، ووصفه في الثاني بالذكر، لأنه
لو أطلقه لم يفهم. وفي تعليق القاضي: الصغيرة لا تسمى أيما ولا أرملة عرفا وإنما ذلك
صفة للبالغ (وبكر من لم يتزوج) (2) من رجل وامرأة، (و) يقال: (رجل ثيب وامرأة ثيبة إذا كانا
قد تزوجا. والثيوبة زوال البكارة) بالوطئ (ولو من غير زوج) كسيد ووطئ شبهة وزنا
(والرهط، ما دون العشرة من الرجال خاصة لغة) لا واحد له من لفظه، والجمع أرهط
، وأرهاط، وأراهط، وأراهيط. وقال في كشف المشكل: الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة، وكذا
قال: النفر من ثلاثة إلى عشرة. قاله في الفروع (وأهل الوقف المتناولون له. والعلماء حملة
الشرع) وهم أهل التفسير والحديث والفقه أصوله وفروعه (من غني، وفقير لا ذو أدب، ونحو،
ولغة، وتصريف، وعلم كلام، وطب، وحساب، وهندسة، وهيئة، وتعبير رؤيا، وقراءة قرآن، وإقرائه،
وتجويده، وذكر ابن رزين فقهاء ومتفقة كعلماء). قلت مدلول فقهاء: العلماء بالفقه
والمتفقهة طلبة الفقه، (وأهل الحديث من عرفه ولو حفظ أربعين حديثا لا من سمعه) من غير
معرفة، (والقراء الآن) أي في عرف هذا الزمان (حفاظ القرآن، و) القراء (في الصدر الأول هم
الفقهاء، وأعقل الناس الزهاد) لأنهم أعرضوا عن الفاني للباقي (قال ابن الجوزي: وليس من
الزهد ترك ما يقيم النفس ويصلح أمرها ويعينها على طريق الآخرة، فإنه زهد الجهال، وإنما
349

هو) أي الزهد (ترك فضول العيش، و) هم (ما ليس بضرورة في بقاء النفس) أي نفسه (و) نفس
عياله (على هذا كان النبي (ص) وأصحابه) ويؤيده قوله (ص): كفى بالمرء إثما
أن يضيع من يعول (1) (واليتيم من لم يبلغ ولا أب له) من ذكر أو أنثى ولا يدخل فيه ولد
زنا، (ولو جهل بقاء أبيه فالأصل بقاؤه في ظاهر كلامهم، وإن وقف على أهل قريته، أو) على
(إخوته ونحوهم) كأعمامه أو جيرانه، (أو وصى لهم) بشئ (لم يدخل فيهم من يخالف دينه)
أي دين الواقف أو الموصي، لأن الظاهر من حال الواقف أو الموصي أنه لم يرد من
يخالف دينه، سواء كان كافرا أو مسلما (إلا بقرينة) تدل على دخولهم فيدخلون (كالصريح)
أي كما لو صرح بدخولهم. ومن القرينة ما ذكره بقوله: (وإن كانوا كلهم كفارا) دخلوا لأن عدم
دخولهم يؤدي إلى رفع اللفظ بالكلية (وفيهم) أي أو كان فيهم (مسلم واحد والباقي
كفار والواقف مسلم دخلوا) لأن حمل اللفظ العام على واحد بعيد جدا، (وإن كان) الواقف
كافرا و (فيهم كافر على غير دين الواقف الكافر لم يدخل) الكافر المغاير لدينه كما لا يرثه،
(وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم) كبنيه أو بني فلان وليسوا قبيلته أو
مواليه أو موالي غيره (وجب تعميمهم) بالوقف (والتسوية بينهم) فيه لأن اللفظ يقتضي ذلك
وأمكن الوفاء به. فوجب التعميم بمقتضاه (2). (كما لو أقر لهم) بمال، (وإن أمكن حصرهم
في ابتدائه) أي الوقف، (ثم تعذر) بكثرة أهله (كوقف علي رضي الله عنه، عمم من أمكن
منهم) بالوقف (وسوى بينهم) فيه، لأن التعميم والتسوية كانا واجبين في الجميع. فإذا تعذرا
في بعض وجبا فيما لم يتعذرا فيه، كالواجب الذي تعذر بعضه، (وإن لم يمكن حصرهم
ابتداء كالمساكين والقبيلة الكبيرة كبني هاشم، وبني تميم جاز التفضيل) بينهم (والاقتصار
على واحد منهم) (3) لأن مقصود الواقف عدم مجاوزة الجنس، وذلك حاصل بالدفع إلى
350

واحد منهم وإذا جاز الاقتصار على واحد فالتفضيل أولى و (كالوقف على المسلمين كلهم،
أو على) أهل (إقليم كالشام، و) على أهل (مدينة كدمشق) فيجوز التفضيل والاقتصار على
واحد، (وإن وقف على الفقراء أو المساكين تناول الآخر) فهما صنفان حيث اجتمعا. فإن افترقا
اجتمعا، (و) متى كان الوقف على أصناف كالفقراء وأبناء السبيل والغزاة ونحوهم ف‍ (- من
وجد فيه صفات) بأن كان ابن سبيل غازيا غارما (استحق بها) أي بالصفات كالزكاة، (ولو
وقف على أصناف الزكاة، أو) على (صنفين فأكثر) من أصناف الزكاة (أو) وقف على (الفقراء،
أو المساكين جاز الاقتصار على صنف كزكاة) لما تقدم من أن مقصود الواقف عدم
مجاوزتهم، وذلك حاصل بالدفع إلى صنف منهم، بل إلى شخص واحد (ولا يعطى فقير)
ولا غيره من أهل الزكاة (أكثر مما يعطاه من زكاة) (1) إن كان الوقف على صنف من أصناف
الزكاة كالرقاب والغارمين، لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المعهود في الشرع.
فيعطى فقير ومسكين تمام كفايتهما مع عائلتهما سنة، ومكاتب وغارم ما يقضيان به دينهما
وابن سبيل ما يحتاجه لعوده لبلده وغاز ما يحتاجه لغزوه وهكذا (وإن وقف على مواليه وله
موال من فوق) فقط وهم من أعتقوه اختص الوقف بهم، (أو) وقف على مواليه وله موال
(من أسفل) فقط وهم عتقاؤه (اختص الوقف بهم، وإن كان له موال من فوق، و) موال (من
أسفل تناول) الوقف (جميعهم فيستوون فيه) (2). لأن الاسم يتناولهم على السواء، ومتى
انقرض مواليه فلعصبتهم (وإن عدم الموالي) بأن لم يكن له موال حين قال: وقفت على
موالي (كان) الوقف لموالي العصبة) لأن الاسم يشملهم مجازا مع تعذر الحقيقة. فإن كان
له موال ثم انقرضوا لم يرجع من الوقف شئ لموالي عصبته، لأن الاسم يتناول غيرهم،
فلا يعود إليهم إلا بعقد جديد. ولم يوجد. قال في الفروع. ولا شئ لموالي عصبته إلا
مع عدم مواليه ابتداء (والشاب والفتى من البلوغ إلى الثلاثين، والكهل من حد الشباب) وهو
الثلاثون (إلى الخمسين، والشيوخ منها) أي الخمسين (إلى السبعين، والهرم منها) أي
351

السبعين (إلى الموت. وأبواب البر: القرب كلها) لأن البر اسم جامع لأنواع الخير، (وأفضلها
الغزو) لما تقدم في صلاة التطوع (ويبدأ به) أي بالعزو لأنه الأفضل (والوصية كالوقف في‍)
- ما ذكر في (هذا الفصل) لأن مبناها على لفظ الموصي أشبهت الوقف (1). قال في
الفروع: والأصح دخول وارثه في وصيته لقرابته، خلافا للمستوعب ومن لم يجز من الورثة
بطل في نصيبه ولو وصى بعتق أمة فأثنى والعبد ذكر. ولو وصى بأضحية ذكر أو أنثى
فضحوا بغيره خيرا منه جاز. وعلله ابن عقيل بزيادة خير في المخرج (ويأتي في باب
الموصى له ذكر ألفاظ لم تذكر هنا كلفظ الجيران، وأهل السكة، وغير ذلك. فليراجع هناك
لأن الوقف كالوصية) قال في الانصاف: لكن الوصية أعم من الوقف على ما يأتي.
فصل:
(والوقف عقد لازم)
قال في التلخيص وغيره: أخرجه مخرج الوصية أو لم يخرجه (لا يجوز فسخه بإقالة
ولا غيرها) لأنه عقد يقتضي التأبيد، فكان من شأنه ذلك (ويلزم) الوقف (بمجرد القول
بدون حكم حاكم) (2). لقوله (ص): لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث (3) قال الترمذي:
العمل على هذا الحديث عند أهل العلم. وإجماع الصحابة على ذلك، وكالعتق. وقوله:
بمجرد القول جري على الغالب، وإلا فالفعل مع الدال على الوقف يلزم بمجرده أيضا.
ويحرم (ولا يصح بيعه ولا هبته ولا المناقلة به) أي إبداله ولو بخير منه (نصا) للحديث
السابق وقد صنف الشيخ يوسف المرداوي كتابا لطيفا في رد المناقلة وأجاد وأفاد (إلا أن
تتعطل منافعه) أي الوقف (المقصودة منه بخراب) (4) له أو لمحلته (أو غيره) مما يأتي التنبيه
352

عليه (بحيث لا يورد) الوقف (شيئا) على أهله (أو يورد شيئا لا يعد نفعا) بالنسبة إليه (وتتعذر
عمارته وعود نفعه) بأن لا يكون في الوقف ما يعمر به (ولو) كان الخارب الذي تعطلت
منفعته وتعذرت إعادته (مسجدا حتى بضيقه على أهله) المصلين به (وتعذر توسيعه) في
محله (أو) كان مسجدا وتعذر الانتفاع به ل‍ (- خراب محلته) أي الناحية التي بها المسجد
(أو كان موضعه) أي المسجد (قذرا فيصح بيعه) ويصرف ثمنه في مثله، للنهي عن إضاعة
المال وفي إبقائه إذن إضاعة، فوجب الحفظ بالبيع ولان المقصود انتفاع الموقوف عليه
بالثمرة لا بعين الأصل من حيث هو منع البيع إذن مبطل لهذا المعنى الذي اقتضاه الوقف
فيكون خلاف الأصل، ولان فيما نقول بقاء للوقف بمعناه حين تعذر الابقاء بصورته فيكون
متعينا. وعموم لا يباع أصلها مخصوص بحالة تأهل الموقوف للانتفاع المخصوص لما
ذكرناه قال ابن رجب: ويجوز في أظهر الروايتين عن أحمد أن يباع ذلك المسجد ويعمر
بثمنه مسجد آخر في قرية أخرى إذا لم يحتج إليه في القرية الأولى. والوقف على قوم
بعينهم أحق بجواز نقله إلى مدينتهم من المسجد (و) يصح بيع (شجرة) موقوفة (يبست، و)
بيع (جذع) موقوف (انكسر أو بلي، أو خيف الكسر أو الهدم) قال في التلخيص: إذا أشرف
جذع الوقف على الانكسار أو داره على الانهدام وعلم أنه لو أخر لخرج عن كونه منتفعا به
فإنه يباع رعاية للمالية أو ينقض تحصيلا للمصلحة. قال الحارثي: وهو كما قال. قال:
والمدارس، والربط، والخانات المسبلة ونحوها جائز بيعها عند خرابها على ما تقدم وجها
واحد، (و) يصح (بيع ما فضل من نجارة خشبه ونحاتته) أي الموقوف لما تقدم (ولو شرط)
الواقف (عدمه) أي البيع (إذن) أي في الحال التي قلنا يباع فيها (فشرط فاسد) لحديث: ما بال
أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله (1) إلى آخره (و) حيث يباع الوقف فإنه
(يصرف ثمنه في مثله) لأن في إقامة البدل مقامه تأبيدا له وتحقيقا للمقصود فتعين وجوبه
(أو بعض مثله) إن لم يمكن في مثله ويصرف في (جهته وهي مصرفه) لامتناع تغيير
المصرف مع إمكان مراعاته (فإن تعطلت) جهة الوقف التي عينها الواقف (صرف في جهة
353

مثلها فإذا وقف على الغزاة في مكان فتعطل فيه الغزو صرف) البدل (إلى غيرهم من
الغزاة في (1) مكان آخر كما سيأتي قريبا) تحصيلا لغرض الواقف في الجملة حسب
الامكان (ويجوز نقل آلة المسجد الذي يجوز بيعه) لخرابه أو خراب محلته أو قذر محله
(و) نقل (أنقاضه إلى مثله إن احتاجها) مثله (2). واحتج الامام بأن ابن مسعود رضي الله
عنه قد حول مسجد الجامع من التمارين أي بالكوفة (وهو) أي نقل آلاته وأنقاضه إلى
مثله (أولى من بيعه) لبقاء الانتفاع من غير خلل فيه وعلم من قوله: إلى مثله أنه لا
يعمر بآلات المسجد مدرسة ولا رباط، ولا بئر، ولا حوض، ولا قنطرة وكذا آلات كل
واحد من هذه الأمكنة لا يعمر بها ما عداه، لأن جعلها في مثل العين ممكن فتعين لما
تقدم. قاله الحارثي (ويصير حكم المسجد) بعد بيعه (للثاني) الذي اشترى بدله. وأما
إذا نقلت آلته من غير بيع فالبقعة باقية على أنها مسجد. قال حرب: قلت لأحمد رجل
بنى مسجدا فأذن فيه ثم قلعوا هذا المسجد وبنوا مسجدا آخر في مكان آخر ونقلوا
خشب هذا المسجد العتيق إلى ذلك المسجد؟ قال: يرموا هذا المسجد الآخر العتيق قال
الحارثي: فلم يمنع النقل منع البيع وإخراج البقعة عن كونها مسجدا، (ويصح بيع بعضه)
أي الوقف (لاصلاح ما بقي) منه لأنه إذا جاز بيع الكل عند الحاجة فبيع البعض مع بقاء
البعض أولى (إن اتحد الواقف كالجهة) الموقوف عليها (إن كان) الموقوف (عينين)
على جهة واحدة من واقف واحد فتباع إحداهما لاصلاح لأخرى لما تقدم (أو) كان
الموقوف (عينا) يجوز بيع بعضها لاصلاح باقيها لما تقدم (و) محل ذلك إن (لم تنقص
القيمة) أي قيمة العين المبيع بعضها (بتشقيص) أي ببيع بعضها (وإلا) بأن نقضت بذلك
(بيع الكل) كبيع وصي لدين أو حاجة بل هذا أسهل لجواز تغيير صفاته لمصلحة وبيعه على
قول قاله في الفروع وإن توقفت عمارة المسجد على بيع بعض آلاته جاز لأنه الممكن من
المحافظة على الصورة مع بقاء الانتفاع ولا يعمر وقف من آخر ولو على جهته (وأفتى
عبادة) من أئمة أصحابنا (بجواز عمارة وقف على آخر أي من ريعه على جهته) ذكره ابن
354

رجب في طبقاته. قال في الانصاف: وهو قوي بل عمل عليه. لكن قال شيخنا، يعني ابن
قندس في حواشي الفروع: إن كلامه في الفروع أظهر (1). أي لا يعمر وقفا من ريع آخر.
وإن اتحدت الجهة (ويجوز اختصار آنية) موقوفة متعطلة (إلى أصغر منها وإنفاق الفضل على
الاصلاح) محافظة على بقاء عين الوقف. فإن تعذر اختصارها بيعت وصرف ثمنها في آنية
مثلها رعاية للنفع الذي لأجله وقفت (ويجوز تجديد بناء المسجد لمصلحة) لحديث عائشة
أن النبي (ص) قال لها: لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه
ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابا شرقيا، وبابا غربيا، فبلغت به أساس
إبراهيم (2) رواه البخاري. و (لا) يجوز (قسمه) أي المسجد (مسجدين ببابين إلى دربين
مختلفين) لأنه تغيير لغير مصلحة له. قال في الاختيارات وجوز جمهور العلماء تغيير صورة
الوقف للمصلحة. كجعل الدور حوانيت والحكورة المشهورة (ويجوز نقض منارته) أي
المسجد (وجعلها في حائطه لتحصينه) (3) من نحو كلاب. نص عليه في رواية محمد بن
الحكم (وحكم فرس حبيس) أي موقوف على الغزو (إذا لم يصلح) الفرس (لغزو كوقف
فيباع ويشترى بثمنه ما) أي فرسا (يصلح للغزو) (4) قال في رواية أبي داود: الذي يعجف
يعني من الدواب التي تحبس فلا ينتفع به في بلاد الروم لا ينفع إلا للطحن أو نحوه، يباع
ثم يجعل ثمنه في حبيس.
تنبيه: عبارة المصنف وغيره: يباع أو بيع ونحوه فيما تقدم. قال الحارثي: وما في
عبارة أحمد من ذلك كله يقتضي وجوب البيع حال التعطل، وبه صرح في المغني (5)
والتلخيص (وبمجرد شراء البدل) أي بدل ما بيع من الوقف أو أتلف ونحوه (يصير) البدل
(وقفا كبدل أضحية و) بدل (رهن أتلف) قال ابن قندس في حواشي المحرر: الذي يظهر
355

أنه متى وقع الشراء لجهة الوقف على الوجه الشرعي ولزم العقد أنه يصير وقفا لأنه
كالوكيل في الشراء والوكيل يقع شراؤه للموكل فكذا هنا يقع شراؤه للجهة المشترى لها.
ولا يكون ذلك إلا وقفا انتهى. فيؤخذ منه أنه لو قصد الشراء لنفسه بمال الوقف لم يكن ما
اشتراه وقفا، ويطالب بالثمن ليشتري به ما يكون وقفا وأنه لا يصير وقفا إذا اشتراه للوقف
إلا بعد لزوم البيع بأن ينقضي الخيار (والاحتياط وقفه) لئلا بنقضه بعد ذلك من لا يرى
وقفيته بمجرد الشراء (ويبيعه) أي الوقف (حاكم) بلده (إن كان) الوقف (على سبل
الخيرات) لأنه فسخ لعقد لازم مختلف فيه اختلافا قويا فتوقف على الحاكم، كما قيل في
الفسوخ المختلف فيها (وإلا) يكون على سبل الخيرات، بأن كان على شخص معين أو
جماعة معينين أو من يؤم أو يؤذن في هذا المسجد ونحوه. قاله في شرح المنتهى (ف‍)
- يبيعه (ناظره الخاص) إن كان (والأحوط إذن حاكم له) أي للناظر الخاص في بيعه، لأنه
يتضمن البيع على من سينتقل إليهم بعد الموجودين الآن. أشبه البيع على الغائب (فإن عدم)
الناظر الخاص (ف‍) - يبيعه (حاكم) لعموم ولايته (ويجوز بيع آلته) أي الوقف (وصرفها في
عمارته) إن احتاج إلى ذلك لما تقدم (وما فضل عن حاجة المسجد من حصره، وزيته، ومغله
وأنقاضه، وآلته، وثمنها) إذا بيعت (جاز صرفه إلى مسجد آخر محتاج) إليه، لأنه صرف في
نوع المعين (و) جازت (الصدقة بها) أي بالمذكورات (على فقراء المسلمين) (1) لأنه في
معنى المنقطع، قال الحارثي: وإنما لم يرصد لما فيه من التعطل فيخالف المقصود، ولو
توقعت الحاجة في زمن آخر ولا ريع يسد مسدها لم يصرف في غيرها لأن الأصل الصرف
في الجهة المعينة، وإنما سومح بغيرها حيث لا حاجة حذرا من التعطل وخص أبو الخطاب
والمجد الفقراء بفقراء جيرانه لاختصاصهم بمزيد ملازمته والعناية بمصلحته. قال الحارثي:
والأول أشبه (قال الشيخ): يجوز صرف الفاضل في مثله (وفي سائر المصالح، و) في (بناء
مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته وفضل غلة موقوف على معين استحقاقه مقدر) من
الوقف (بتعين إرصاده، ذكره) القاضي محمد (أبو الحسين واقتصر عليه الحارثي) قال: وأما
356

فضل غلة الموقوف على معين أو معينين أو طائفة معينة فتعين إرصاده. ذكره القاضي أبو
الحسين في فضل غلة الموقوف على نفقة إنسان وإنما يتأتى إذا كان الصرف مقدرا أما عند
عدم التقدير فلا فضل إذ الغلة مستغرقة. قال في الانصاف (1): وهو واضح وقطع به في
المنتهى (2) و (قال الشيخ: إن علم أن ريعه يفضل دائما وجب صرفه لأن بقاءه فساد) له
(وإعطاؤه) أي المستحق (فوق ما قدره له الواقف جائز) لأن تقديره لا يمنع استحقاقه (قال: ولا
يجوز لغير الناظر صرف الفاضل) لأنه افتيات على من له ولايته. قلت: والظاهر لا ضمان
كتفرقة هدي وأضحية (ومن وقف على ثغر فاختل) الثغر (صرف) الموقوف (في ثغر مثله) (3)
أخذا من مسألة بيع الوقف إذا خرب، إذ المقصود الأصلي هنا الصرف إلى المرابط،
فإعمال شرط الثغر المعين معطل له، فوجب الصرف إلى ثغر آخر. قال في التنقيح (وعلى
قياسه مسجد ورباط ونحوهما) وهو ما صرح به الحارثي. قال: والشرط قد يخالف للحاجة
كالوقف على المتفقه على مذهب معين، فإن الصرف يتعين عند عدم المتفقهة على ذلك
المذهب إلى المتفقهة على مذهب آخر أخذا من مسألة بيع الوقف إذا خرب. قال: ولو وقف
على مسجد أو حوض وتعطل الانتفاع بهما صرف إلى مثلهما ولو نذر التصدق بمال في يوم
مخصوص من السنة وتعذر فيه وجب متى أمكن، (ونص) أحمد (فيمن وقف على قنطرة
فانحرف الماء أو انقطع: يرصد لعله) أي الماء (يرجع) (4) فيحتاجون إلى القنطرة. وقدم
الحارثي: يصرف إلى قنطرة أخرى لما تقدم (ويحرم حفر بئر) في مسجد لأن منفعته
مستحقة للصلاة فتعطيلها عدوان. ونص على المنع في رواية المروذي (و) يحرم (غرس
شجرة في مسجد) لما تقدم (فإن فعل) بأن حفر أو غرس (قلعت) الشجرة (وطمت) البئر لما
تقدم (فإن لم تقلع) الشجرة (فثمرها لمساكين المسجد) وقال الحارثي: التقييد بأهل
المسجد فيه بحث، والأقرب حله لغيرهم من المساكين أيضا (ويتوجه جواز حفر بئر) في
المسجد (إن كان فيه مصلحة ولم يحصل به ضيق. قال في الرعاية: لم يكره أحمد حفرها
357

فيه) أي المسجد، لكن يرده ما تقدم من رواية المروذي (وإن كانت الشجرة مغروسة قبل
بنائه) أي المسجد (ووقفها معه فإن عين) الواقف (مصرفها عمل به) كسائر الشروط (وإلا)
يعين مصرفها (فكوقف منقطع) تصرف ثمرتها لورثة الواقف نسبا وقفا. فإن انقرضوا
فلمساكين (ولا يجوز نقل المسجد) ولا بيعه (مع إمكان عمارته بدون العمارة الأولى) (1) لان
الأصل المنع، فيجوز للحاجة وهي منتفية هنا (ويجوز رفعه) أي المسجد (إذا أراد أكثر أهله
ذلك) أي رفعه (وجعل تحت سفله سقاية وحوانيت) نص عليه في رواية أبي داود. ومنع منه
الموفق وابن حامد. وتأولا نص الرفع لأجل السقاية على حالة إنشاء المسجد، وسمياه
مسجدا بما يؤول إليه، وصححه في الشرح ورده الحارثي من وجوه كثيرة (قال) ابن عقيل
(في الفنون: لا بأس بتغيير حجارة الكعبة إن عرض لها مرمة، لأن كل عصر احتاجت) الكعبة
(فيه إليه) أي إلى تغيير الحجارة (قد فعل ولم يظهر نكير، ولو تعينت الآلة لم يجز) التغيير
(كالحجر الأسود) فلا يجوز تغييره، (ولا يجوز نقله) من موضعه إلى موضع آخر (ولا يقوم
غيره مقامه) مع وجوده (ولا ينتقل النسك معه) (2) إذا نقل من موضعه إلخ (ويكره نقل حجارتها
عند عمارتها إلى غيرها) أي الكعبة ولعل المراد يحرم لقوله: (كما لا يجوز ضرب تراب
المساجد لبناء في غيرها) أي المساجد (بطريق الأولى) لما تقدم من أنه يتعين صرف الوقف
للجهة المعينة (قال) في الفنون: (ولا يجوز أن تعلى أبنيتها زيادة على ما وجد من علوها) وأنه
يكره الصك فيها وفي أبنيتها إلا بقدر الحاجة (قال في الفروع: ويتوجه جواز البناء على
قواعد إبراهيم (ص) يعني إدخال الحجر في البيت) وجعل بابين له (لأن النبي (ص) لولا
المعارض في زمنه) وهو أن قومه حديث وعهد بالجاهلية (لفعله، كما في حديث عائشة)
السابق (قال ابن هبيرة فيه) أي حديث عائشة: (يدل على جوز تأخير الصواب لأجل قالة
358

الناس. ورأي مالك والشافعي تركه) أي ترك البناء على قواعد إبراهيم (ص) (لئلا يصير البيت
ملعبة للملوك) وهو ظاهر.
خاتمة: قال الشيخ تقي الدين: والأرزاق التي يقدرها الواقفون ثم يتغير النقد فيما
بعد نحو أن يشرط مائة درهم ناصرية، ثم يحرم التعامل بها وتصير الدراهم ظاهرية. فإنه
يعطي المستحق من نقد البلد ما قيمته قيمة المشروط. وقد أوسعنا العبارة في ذلك في
الحاشية.
باب الهبة والعطية
الهبة (1) مصدر وهب الشئ يهبه هبة ووهبا بإسكان الهاء وفتحها وموهوبا والاسم
الموهوبة. وعن بعضهم: والموهوب بكسر الهاء فيهما. وقد تطلق الهبة على الموهوب كما
في الخبر: لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة ثم يرجع فيها إلا لوالد (2) وفي
المحكم: لا يقال وهبكه. وعن السيرافي: أن بعض الاعراب قال: انطلق معي أهبك نبلا.
وأصلها من هبوب الريح أي مروره والاتهاب قبول الهبة، والاستيهاب سؤالها وأوهبه له
أعده له. و (الهبة تمليك جائز التصرف) وهو الحر المكلف الرشيد (مالا معلوما) منقولا (أو)
عقارا (مجهولا تعذر علمه) بأن اختلط مال اثنين على وجه لا يتميز فوهب أحدهما الآخر
ماله (موجودا مقدورا على تسليمه، غير واجب في الحياة) متعلق بتمليك (بلا عوض) (3)
متعلق أيضا به. فخرج بالمال الاختصاصات وتأتي، وبالمعلوم المجهول الذي لا يتعذر
359

علمه. فلا تصح هبته كبيعه، وبالموجود المعدوم كعبد في ذمته. وبالمقدور على تسليمه
الحمل وبغير الواجب الديون والنفقات ونحوها. ويفي الحياة الوصية. ولا عوض عقود
المعاوضات. وقوله: (بما يعد هبة عرفا) متعلق بتمليك، والباء للسببية (من لفظ هبة وتمليك
ونحوهما) من كل قول وفعل دل عليها كما يأتي، وهو بيان لما يعد هبة (وتنعقد) الهبة
(بإيجاب وقبول) بأي لفظ دل عليهما (وبمعطاة بفعل يقترن بما يدل عليها) (1) أي الهبة
(فتجهيز ابنته) أو أخته ونحوها (بجهاز إلى) بيت (زوجها تمليك) لها (وتقدم) ذلك (أول
البيع. والعطية تمليك عين) مالية موجودة مقدور على تسليمها معلومة ومجهولة تعذر علمها
(في الحياة بلا عوض) ومحترز هذه القيود معلوم مما سبق. فالعطية على هذا مصدر،
وليس عند أهل اللغة كذلك فيما علمت. قاله الحارثي قال: بل نفس الشئ المعطى،
والجمع عطايا وأعطية، وجمعوا أعطية على أعطيات. وأما المصدر فالاعطاء والاسم
العطاء، ويقال أيضا على الشئ المعطى (وهبة التلجئة باطلة بحيث توهب في الظاهر
وتقبض مع اتفاق الواهب والموهوب له على أنه ينزعه منه إذا شاء ونحو ذلك من الحيل التي
تجعل طريقا إلى منع الوارث، أو الغريم حقوقهم) لأن الوسائل لها حكم المقاصد (وأنواع
الهبة صدقة، وهدية، ونحلة وهي العطية، ومعانيها متقاربة) وكلها تمليك في الحياة بلا
عوض. قاله في المغني (2) (تجري فيها أحكامها) أي الاحكام كل واحدة من هذه المذكورات
تجري في البقية (فإن قصد بإعطائه ثواب الآخرة فقط فصدقة، وإن قصد) بإعطائه (إكراما
وتوددا ومكافأة) والواو بمعنى أو كما في المنتهى (فهدية، وإلا) بأن لم يقصد بإعطائه شيئا مما
ذكر (فهبة وعطية ونحلة وهي) أي المذكورات من صدقة، وهدية، وعطية (مستحبة إذا قصد بها
وجه الله تعالى، كالهبة للعلماء، والفقراء، والصالحين وما قصد به صلة الرحم) قال الحارثي:
360

وجنس الهبة مندوب إليه لشموله معنى التوسعة على الغير ونفي الشح. قال: والفضل فيها
يثبت بإزاء ما قصد به وجه الله تعالى، كالهبة للصلحاء والعلماء ونحو ذلك، ولا خير فيما
قصد به رياء أو سمعة و (لا) تستحب إن قصد بها (مباهاة، ورياء، وسمعة) الواو بمعنى أو
(فتكره) لقوله (ص): من يسمع يسمع الله به ومن يراء يراء الله به (1) متفق عليه. وتقدم أن
الصدقة على قريب أفضل من عتق، لما في الصحيحين عن ميمونة أنها أعتقت وليدة في
زمان رسول الله (ص) فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فقال: لو أعطيتها لأخوالك كان أعظم
لاجرك (2). (قال الشيخ: والصدقة أفضل من الهبة) لما ورد فيها مما لا يحصر (إلا أن يكون
في الهبة معنى تكون) الهبة (به أفضل من الصدقة مثل الاهداء لرسول الله (ص) محبة له، ومثل)
هذا (الاهداء لقريب يصل به رحمه، أو) الاهداء (لأخ له في الله. فهذا قد يكون أفضل من
الصدقة) أي على غيره (انتهى. ووعاء هدية كهي) في أنها لا ترد (مع عرف كقوصرة التمر)
فتتبعه اعتبارا بالعرف (ومن أهدى) شيئا (ليهدى له أكثر) منه (فلا بأس) (3) به (لغير النبي
(ص)) فكان ممنوعا منه لقوله تعالى: * (ولا تمنن تستكثر) * [المدثر: 6].
أي لا تعط شيئا
لتأخذ أكثر منه. قال ابن عباس وغيره: هو خاص بالنبي (ص) لأنه مأمور بأشرف الأخلاق
وأجلها (ويعتبر) في الهبة (أن تكون من جائز التصرف) فلا تصح من صغير، ولا سفيه، ولا
عبد ونحوهم كسائر التصرفات (وهي كبيع في تراخي قبول) عن إيجاب فتصح ما داما في
المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعها، فإن تفرقا قبل القبول، أو تشاغلا بما يقطعها بطل، (و) هي
كبيع أيضا في (تقدمه) أي تقدم القبول على الايجاب. فتصح في الحال التي يصح فيها البيع
وتبطل فيما يبطل فيه أ (و) هي كبيع أيضا في (غيرهما) كانعقادها بكل لفظ أدى معناها
361

وبالمعاطاة كما تقدم (ولا تقتضي) الهبة (عوضا ولو مع عرف كأن يعطيه) أي يعطي الأدنى
أعلى منه (ليعاوضه أو يقضي له حاجة) ولم يصرح له بذلك لأن مدلول اللفظ انتفاء العوض
والقرينة لا تساويه فلا يصح إعمالها، ولهذا لم نلحقه بالشرط، (وإن شرط) الواهب (فيها)
أي الهبة (عوضا معلوما صارت) الهبة (بيعا (1). فيثبت فيها خيار) مجلس ونحوه، (و) يثبت
فيها (شفعة) إن كان الموهوب شقصا مشفوعا (ونحوهما) كالرد بالعيب واللزوم قبل
التقابض، وضمان الدرك ووجوب التساوي مع التقابض قبل، التفرق في الربوي المتحد،
لأنه تمليك بعوض معلوم. أشبه ما لو قال: بعتك أو ملكتك هذا بهذا (وإن شرط) في الهبة
(ثوابا مجهولا لم تصح الهبة) لأنه عوض مجهول في معاوضة. فلم تصح كالبيع (وحكمها)
أي الهبة بثواب مجهول (حكم البيع الفاسد) فيضمنها الموهوب له إن قبضها وتلفت بمثلها
إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت متقومة (ويردها الموهوب له) إن بقيت (بزيادتها المتصلة
والمنفصلة) لأنها نماء ملك الواهب (وإن اختلفا في شرط عوض) بأن قال الواهب. شرطنا
العوض وأنكره موهوب له (فقول منكر) بيمينه لأن الأصل عدمه وبرئت ذمته (وإن قال)
قابض: (وهبتني ما بيدي وقال) مقبض: بل (بعتكه، ولا بينة) لواحد منهما (حلف كل)
واحد (منهما على ما أنكر ولا يصح) أي لا يثبت (البيع ولا الهبة) لأن الأصل عدمها.
تتمة: قال في المنتهى: وتصح وتملك بعقد فيصح تصرف قبل قبض (2) انتهى. وهو
الذي قدمه في الانصاف (3). وقال المجد في شرح الهداية: إن الملك في الموهوب لا
يثبت بدون القبض. وكذا صرح ابن عقيل بأن القبض ركن من أركان الهبة كالايجاب في
غيرها. وكلام الخرقي (4) يدل عليه أيضا. وعن ابن حامد وجه أن الملك في الهبة يقع
مراعيا فإن وجد القبض تبينا أنه كان للموهوب بقوله وإلا فهو للواهب. قلت: وهو وجه
362

حسن (ويصح أن يهب شيئا) من دار أو عبد ونحوهما (ويستثني نفعه مدة معلومة) كالبيع
والعتق، (و) يصح (أن يهب أمة ويستثني ما في بطنها) كالعتق (وتلزم) الهبة (بقبضها بإذن
واهب)، و (لا) تلزم (قبلهما) أي قبل القبض بإذن الواهب (ولو) كانت الهبة (في غير مكيل
ونحوه) لما روى مالك عن عائشة: أن أبا بكر نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية
فلما مرض قال: يا بنية كنت نحلتك جذاذ عشري وسقا ولو كنت جذذتيه، أو قبضته كان
ذلك، فإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله تعالى (1) وروي ابن عيينة عن
عمر نحوه. وروي أيضا نحوه عن عثمان، وابن عمر وابن عباس ولم يعرف لهم مخالف من
الصحابة. واختار ابن عقيل وغيره تلزم في المتميز غير المكيل ونحوه بمجرد العقد (2) (إلا ما
كان في يد متهب كوديعة وعارية وغصب ونحوه) كشركة (فيلزم) عقد الهبة فيه (ب‍) - مجرد
(عقد ولا يحتاج إلى) مضي (مدة يتأتى قبضه فيها ولا إلى إذن) واهب (في القبض) لان
قبضه مستدام، فأغنى عن الابتداء كما لو باعه سلعة بيده (ولا يصح قبض) الهبة (إلا بإذن
واهب) (3) لأنه قبض غير مستحق عليه، فلم يصح إلا بإذنه، كأصل العقد وكالرهن (والاذن
لا يتوقف على اللفظ بل المناولة) إذن (والتخلية إذن) لدلالة الحال، وكذا الامر بأكل الطعام
الموهوب. (ولواهب) أذن لمتهب في قبض هبة (الرجوع في إذن) قبل القبض لبقاء الملك،
وليس الرجوع عنه رجوعا في الهبة لأن إبطال الاذن إعدام له وعدمه لا يوجب رجوعا. قاله
الحارثي (و) لواهب أيضا الرجوع في (هبة قبل قبض) (4) لأن عقد الهبة لم يتم فلا يدخل
تحت المنع قال الحارثي: وعتق الموهوب وبيعه وهبته قبل القبض رجوع لحصول المنافاة
(مع الكراهة) خروجا من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد (ويبطل إذن الواهب) في
القبض (بموت أحدهما) أي الواهب أو الموهوب له. لأن إذنه فيه وكالة وهي تبطل بذلك،
(ويقبض لطفل) وهبه وليه هبة (أبوه فقط من نفسه، فيقول: وهبت ولدي كذا وقبضته له)
363

فإن لم يقل: وقبضته له لم يكف على ظاهر رواية حرب، لتغاير القبضين، فلا بد من تمييز
لأن اليد التي لجهة المتهب هنا هي نفس يد الواهب. فلا يؤمن أن يدعيه في ثاني الحال أو
يدعيه الورثة تركة فيذهب على الطفل (ولا يحتاج) أب وهب طفله (إلى قبول) (1) للاستغناء
عنه بقرائن الأحوال (ولا يصح قبض الطفل) أي غير بالغ (ولو) كان غير البالغ (مميزا ولا
قبض مجنون لأنفسهما ولا قبولهما) الهبة لانتفاء أهلية التصرف، (بل) يقبل ويقبض لهما
(وليهما) لأنه المتصرف عليهما فالأب (الأمين) أي العدل ولو ظاهرا (يقوم مقامهما) (2) في
ذلك (ثم) عند عدمه (وصي، ثم حاكم أمين كذلك أو من يقيمونه مقامهم وعند عدمهم) أي
الأولياء (يقبض له من يليه من أم وقريب وغيرها نصا) قال ابن الحكم: سئل أحمد أيعطي
من الزكاة الصبي؟ قال: نعم يعطي أباه أو من يقوم بشأنه. وروى المروزي أيضا نحوه. قال
الحارثي: وهو الصحيح لأنه جلب منفعة ومحل حاجة، (وتقدم آخر باب ذكر أهل الزكاة
لكن يصح منهما) أي الصغير والمجنون (قبض المأكول الذي يدفع مثله للصغير) لحديث
أبي هريرة: كان الناس إذا رأوا أول الثمار جاءوا به إلى رسول الله (ص) فإذا أخذه قال: اللهم
بارك لنا في ثمرنا، يعطيه أصغر من يحضره من الولدان (3) أخرجه مسلم. (وإن كان
الواهب لهما) أي للصغير والمجنون (أحد الثلاثة غير الأب بأن كان الواهب الوصي أو
الحاكم (لم يتول طرفي العقد) كالبيع، (ووكل من يقبل) بخلاف الأب، لأن له أن يتولى
طرفي البيع (ويقبض هو) أي الولي. قال في المغني: والصحيح عندي أن الأب وغيره في
هذا سواء. لأنه عقد جار صدوره منه ومن وكيله فجاز له تولي طرفيه كالأب (4)، وفارق
البيع فإنه عقد معاوضة ومرابحة فتحصل التهمة في العقد لنفسه والهبة محض مصلحة لا
تهمة فيها، فجاز له تولي طرفيها كالأب. قال الحارثي: وبه أقول انتهى والسفيه فيما تقدم
364

كالصغير (وإن كان الأب غير مأمون) قبل الحاكم الهبة للصغير ونحوه (1)، (أو) كان
الأب (مجنونا) قبل الحاكم الهبة لولده، (أو) كان الأب قد مات و (لا وصي له قبل له
الحاكم) لأنه وليه إذن (ولو اتخذ الأب دعوة ختان وحملت هدايا إلى داره فهي له) لأنه
الظاهر (إلا أن يوجد ما يقتضي الاختصاص بالمختون فيكون له، وهذا كثياب الصبيان
ونحوها مما يختص بهم وكذا لو وجد ما يقتضي اختصاص الام) بشئ (فيكون لها
مثل كون المهدي من أقاربها أو معارفها) حمل على العرف (وخادم الفقراء الذي
يطوف لهم في الأسواق ما حصل له لا يختص به) لأنه في العرف إنما يدفع إليه
للشركة فيه، وهو إما كوكيلهم أو وكيل الدافعين فينتفي الاختصاص (وما يدفع من
صدقة إلى شيخ زاوية أو) شيخ (رباط، الظاهر أنه لا يختص به) لأنه في العادة لا
يدفع إليه اختصاصا به، فهو كوكيل الفقراء أو الدافعين كما تقدم (وله التفضيل في
القسم بحسب الحاجة) لأن الصدقة يراد بها سد الخلة مع أنه لم يصدر إليه ما يقتضي
التسوية. والظاهر تفويض الامر إليه في ذلك (وإن كان الشئ يسيرا لم تجر العادة
بتفريقه اختص هو به) لأن الاعطاء صدر إليه ولا قرينة تصرف عنه (ذكره الحارثي والهبة
من الصبي لغيره باطلة) لأنه محجور عليه (ولو أذن فيها الولي) لم تصح لأنه متبرع،
(وكذا السفيه) لا تصح هبته ولو أذن فيها وليه (وتجوز) الهبة (من العبد بإذن سيده)
لأن الحجر عليه لحق سيده. فإذا أذنه انفك بخلاف الصغير ونحوه، (وله) أي العبد (أن
يقبل الهبة بغير إذنه) (2) أي سيده لأنه تحصيل منفعة كالاحتشاش والاصطياد
365

وتكون لسيده إلا المكاتب (وإن مات واهب قبل إقباض ورجوع) لم تبطل الهبة، لأنه
عقد مآله إلى اللزوم، فلم ينفسخ بالموت كالبيع في مدة الخيار. و (قام وارثه مقامه
في إذن) في قبض (و) في (رجوع) في الهبة (1). (وتبطل) الهبة (بموت متهب قبل
القبض) لقيام قبضه مقام القبول. أشبه ما لو مات من أوجب البيع ونحوه قبل القبول.
قال الحارثي وهو مشكل. وقدم إنه كموت الواهب (ولو وهب) إنسان (لغائب هبة
وأنفذها) الواهب (مع رسول الموهوب له أو) مع (وكيله ثم مات الواهب، أو) مات
(الموهوب له قبل وصولها) إليه (لزم حكمها وكانت للموهوب له لأن قبضهما) أي
قبض رسوله ووكيله (كقبضه) فيكون الموت بعد لزومها بالقبض فلا يؤثر، (وإن أنفذها
الواهب مع رسوله نفسه، ثم مات) الواهب (قبل وصولها إلى الموهوب له، أو مات
الموهوب له بطلت) الهبة (وكانت للواهب، أو ورثته لعدم القبض) لحديث أم كلثوم
بنت أبي سلمة قالت: لما تزوج رسول الله (ص) وسلم أم سلمة قال: لها إني قد أهديت إلى
النجاشي حلة وأواقي مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا
مردودة علي. فإن ردت فهي لك. قالت فكان كما قال رسول الله (ص): وردت عليه
هديته فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك
والحلة (2) رواه أحمد. وبطلان الهبة إذا مات الواهب بعد بعث رسوله بالهدية لعدم
القبول كما يأتي، بخلاف ما تقدم (وليس للرسول حملها) أي الهبة (بعد موت الواهب
إلى الموهوب له إلا أن يأذن) له (الوارث) (3) لأن الحق صار إليه (وكذا حكم هدية)
وصدقة لأنهما نوعان من الهبة (وإن مات المتهب، أو الواهب قبل القبول أو ما يقوم
مقامه بطل العقد) لأنه لم يتم، وكذا لو جن أو أغمي عليه كما يأتي في النكاح.
تتمة: إذا تفاسخا عقد الهبة صح ولا يفتقر إلى قبض الموهوب له، وتكون العين أمانة
في يد المتهب. قاله في الاختيارات.
366

فصل:
(وإن أبرأ غريم غريمه من دينه) صح أو تصدق به عليه
صح، (أو وهبه له) صح، (أو أحله منه) صح، (أو أسقطه عنه) صح (أو تركه) له صح
(أو ملكه له) صح (أو تصدق به عليه) صح (أو عفا عنه صح، وبرئت ذمته) (1) وكذا لو قال:
أعطيتكه ونحوه ويكون ذلك إبراء وإسقاطا. ولفظ الهبة والصدقة والعطية ينصرف إلى معنى
الابراء، لأنه لا عين موجودة يتناولها اللفظ. قال الحارثي: ولهذا لو وهبه دينه هبة حقيقية لم
يصح لانتفاء معنى الاسقاط وانتفاء شرط الهبة. ومن هنا امتنع هبته لغير من هو عليه، وامتنع
إجزاؤه عن الزكاة لانتفاء حقيقة الملك انتهى، ويصح الابراء من الدين بالألفاظ السابقة (ولو
كان) الدين (المبرأ منه مجهولا لهما) أي لرب الدين والمدين (أو) كان مجهولا (لأحدهما)
و (سواء جهلا قدره أو) جهلا (وصفه أو) جهلا (هما) أي القدر والوصف، ويصح الابراء
من المجهول (ولو لم يتعذر علمه) لأنه إسقاط حق فينفذ مع العلم والجهل كالعتق والطلاق
(أو) أي ويصح الابراء من الدين ولو (لم يقبله المدين) لأنه إسقاط حق فلا يتوقف على
قبول كإسقاط القصاص والشفعة (أو رده) أي يصح الابراء من الدين ولو رده المدين، لأنه لو
ارتد بالرد للزم وجوب الاستيفاء، أو إبقاء الحق وهو ممتنع (أو كان) الابراء (قبل حلول
الدين) لأن تأجيله لا يمنع ثبوته في الذمة (وإن أبرأه ونحوه) بأن وهبه له أو تصدق به عليه
أو تركه له و (يعتقد أنه لا شئ له عليه) كقوله: أبرأتك من مائة يعتقد عدمها (ثم تبين أنه)
كان (له عليه صحت البراءة) لمصادفتها الحق (كما تصح) البراءة (من المعلوم) وكذا لو
أبرأ من دين أبيه مع ظن أنه حي فبان ميتا، كبيع مال مورثه الميت مع ظن الحياة (وظاهر
كلامهم) أي الأصحاب (عمومه) أي عموم صحة الابراء من المجهول (في جميع الحقوق
367

المجهولة، وصرح به في الفروع آخر القذف، لكن لو جهله ربه) أي الدين (وعلمه من عليه
الحق وكتمه) المدين عن رب الدين (خوفا من أنه) أي رب الدين (لو علمه) أي الدين (لم
يبرئه) أي رب الدين منه (لم تصح البراءة) (1) لأن فيه تغريرا للمبرئ وقد أمكن التحرز منه
(وإن أبرأه) أي أبرأ رب الدين مدينا (من درهم إلى ألف صح) الابراء (فيه) أي الألف
(وفيما دونه) أي دون الألف (ولا يصح الابراء من الدين قبل وجوبه) لقوله (ص): لا طلاق
إلا فيما تملك ولا عتق إلا فيما تملك (2) والابراء في معناهما (ومن صور البراءة من
المجهول لو) كان له على إنسان دينان و (أبرأه من أحدهما) لا بعينه (أو) كان له دينان على
شخصين و (أبرأ أحدهما) لا بعينه (ويؤخذ) ه أي يرجع إلى المبرئ (بالبيان) قاله الحلواني
والحارثي. قال في التنقيح: (و) المذهب (لا يصح) الابراء (مع إبهام المحل، كأبرأت أحد
غريمي) أو من أحد ديني، كما لو قال: وهبتك أحد هذين العبدين، أو ضمنت لك أحد
الدينين (ولا تصح هبة الدين لغير من هو في ذمته) لما تقدم من أن الهبة تقتضي وجود معين
وهو منتف هنا (3) (وتقدم آخر السلم وتصح هبة المشاع من شريكه ومن غيره منقولا كان)
كجزء من نحو فرس (أو غيره) كجزء من عقار (ينقسم) كالثوب (أولا) كالعبد لما في
الصحيح أن وفد هوازن لما جاءوا يطلبون من رسول الله (ص) أن يرد عليهم ما غنم منهم
فقال رسول الله (ص): ما كان لي ولبني المطلب فهو لكم (وإن وهب) أرضا (أو تصدق)
بأرض (أو وقف) أرضا (أو وصى بأرض) يعني بجزء منها (أو باعها احتاج أن يحدها
كلها) بأن يقول كذا سهما من كذا سهما لقوله في رواية صالح وسأله عن رجل بينه وبين
قوم بيت مشاع غير مقسوم فتصدق أحدهم على بعضهم بحصته مشاعا غير مقسوم هل
368

يجوز ذلك قال: إذا كان سهم من كذا وكذا سهما فهو جائز فإن قال ثلثها أو نحوه صح
قال في رواية أبي داود وسئل عمن يهب لرجل ربع داره قال هو جائز وأيضا قيل له:
وهبت منك نصيبي من الدار قال: إن كان يعلم كم نصيبه فهو جائز (ويعتبر لقبضه) أي
المشاع إن كان منقولا (إذن الشريك) لأنه لا يمكن قبضه إلا بقبض نصيب شريكه وهذا
بالنسبة لجواز القبض لا للزوم الهبة فتلزم به وإن لم يأذن شريكه كما أشار إليه ابن نصر
الله (وتقدم آخر الخيار في البيع) مفصلا (ويكون نصفه) أي القابض (مقبوضا تملكا
ونصف الشريك) مقبوضا (أمانة) هذا إذا كانت الهبة في نصفه ولو عبر بنصيبه لكان
أوضح فإن أبى الشريك أن يسلم نصيبه قيل للمتهب: وكل الشريك في قبضه لك ونقله
فإن أبى نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله فيحصل القبض لأنه لا ضرر على
الشريك في ذلك (وإن أذن) شريكه (له في التصرف) أي الانتفاع (مجانا فكعارية) في
ضمانه إذا تلف ولو من غير تفريط (وإن كان) أذن له في التصرف (بأجرة ف‍) - إن
شقصه يكون في يد القابض أمانة (كمأجور) فلا ضمان فيه إن تلف بلا تعد ولا تفريط
ولو كانت الأجرة مجهولة كأن استعمله وأنفق عليه مثلا بقصد المعاوضة لأن فاسد
العقود كصحيحها في الضمان وعدمه وتقدم (وإن تصرف) الشريك (بلا إذن) شريكه
(ولا الإجارة) فكغاصب (أو قبضه بغير إذن الشريك فكغاصب) لأن يده عادية (وتصح هبة
مصحف) وإن قيل: بمنع بيعه قال الحارثي: ولا أعلم فيه خلافا (و) هبة (كل ما يصح بيعه
فقط) لأنها تمليك في الحياة فصحت فيما صح فيه البيع وما لا يصح بيعه لا تصح هبته
على المذهب اختاره القاضي وقدمه في الفروع (واختار جمع وكلب) أي تصح هبته
جزم به في المغني (1) والكافي (2) (ونجاسة مباح نفعهما) أي الكلب والنجاسة جزم به
الحارثي والشارح لأنه تبرع أشبه الوصية به قال في القاعدة السابعة والثمانين: وليس بين
القاضي وصاحب المغني خلاف في الحقيقة لأن نقل اليد في هذه الأعيان جائز كالوصية
وقد صرح به القاضي في خلافه (ولا تصح هبة مجهول لا يتعذر علمه كالحمل في
369

البطن واللبن في الضرع والصوف على الظهر) (1) للجهالة وتعذر التسليم (ومتى أذن)
رب شاة (له) أي لانسان (في جز الصوف وحلب الشاة كان إباحة) لصوفها ولبنها لا هبة
(وإن وهب دهن سمسمه) وهو الشيرج قبل عصره (أو زيت زيتونه أو جفته قبل
عصرهما) أي الزيتون والسمسم (لم يصح) كاللبن في الضرع وأولى لكلفة الاعتصار
ولو قال: خذ من هذا الكيس ما شئت كان له أخذ ما به جميعا (ولو قال: خذ من هذه
الدراهم ما شئت لم يملك أخذها كلها) إذ الكيس ظرف فإذا أخذ الظرف حسن أن يقال:
أخذ من الكيس ما فيه ولا يحسن أن يقال: أخذت من الدراهم كلها قاله ابن الصيرفي في
النوادر (ولا تصح هبة المعدوم كالذي تحمله أمته أو شجرته) لأن المعدوم ليس بشئ
فلا يقبل العقد (فإن تعذر علم المجهول) كزيت اختلط بزيت أو شيرج (صحت هبته
كصلح) عنه للحاجة (ولا) تصح (هبة ما لا يقدر على تسليمه) كآبق وشارد وطير في
الهواء وسمك بماء ومرهون لأن ذلك لا يتأهل للقبض والقبض من ماهية العقد فلا يقع
العقد عليه والمرهون يتعذر تسليمه شرعا (ولا) يصح (تعليقها) أي الهبة (على شرط
مستقبل) (2) كإذا جاء رأس الشهر أو قدم فلان فقد وهبتك كذا قياسا على البيع وقوله
(ص) لام سلمة في الحلة المهداة إلى النجاشي: إن رجعت إلينا فهي لك (3) قال الموفق
على معنى العدة وخرج بالمستقبل الماضي والحال فلا يمنع التعليق عليه الصحة كإن
كانت ملكي ونحوه فقد وهبتكها فتصح (4). (غير الموت) فيصح تعليق العطية به وتكون
وصية وكالهبة الابراء فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل غير الموت (نحو إن مت بفتح
التاء فأنت في حل) فلا يبرأ (فإن ضم التاء صح) الابراء عند وجود شرطه (وكان)
الابراء على الوجه المذكور (وصية) لأنه متبرع بما بعد الموت وهو حقيقة الوصية (ولا)
يصح أيضا (شرط ما ينافي مقتضاها) أي الهبة (نحو) اشتراط الواهب على المتهب (أ) ن
370

(لا يبيعها) أي العين الموهوبة (ولا يهبها) وأن لا ينتفع بها (أو) وهبه عينا و (يشرط أن
يبيعها أو يهبها) فلا يصح الشرط إذ مقتضى الملك التصرف المطلق فالحجر فيه مناف
لمقتضاه وقوله: (أو) يهبه شيئا بشرط (أن يهب فلانا شيئا) تبع فيه المبدع وغيره. قلت:
والذي يظهر بطلان الهبة فيه لأنه من قبيل بيعتين في بيعة المنهي عنه (وتصح هي) أي
الهبة المشروط فيها ما ينافي مقتضاها كالشروط الفاسدة في البيع (ولا يصح توقيتها) أي
الهبة (كقوله وهبتك هذا سنة) أو شهرا فلا تصح لأنها تمليك عين فلا توقت كالبيع (إلا
العمرى والرقبى) فيصحان (وهما نوعان من أنواع الهبة يفتقران إلى ما تفتقر إليه سائر
الهبات) من الايجاب والقبول والقبض ويصح توقيتها سميت عمري لتقييدها بالعمر
وسميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه قال: أهل اللغة يقال: أعمرته
وعمرته مشددا إذا جعلت له الدار مدة عمره أو عمرك (كقوله: أعمرتك هذه الدار أو)
أعمرتك هذه (الفرس، أو) أعمرتك هذه (الجارية أو أرقبتكها) قال القطاع أرقبتك أعطيتك
وهي هبة ترجع إلى المرقب إن مات المرقب وقد نهي عنه (أو جعلتها) أي الدار أو
الفرس أو الجارية (لك عمرك أو حياتك أو ما حييت أو ما عشت أو نحو هذا أو) جعلتها لك (عمري أو) جعلتها لك (رقبى أو) جعلتها
لك (ما بقيت، أو أعطيتكها عمرك ويقبلها) الموهوب له (فتصح) (1). الهبة في جميع ما
تقدم وهي أمثلة العمرى (وتكون) العين الموهوبة (للمعمر بفتح الميم) وللمرقب بفتح
القاف (ولورثته من بعده) إن كانوا (كتصريحه) بأن يقول هي لك ولعقبك من بعدك (فإن
لم يكن له) أي الموهوب له (ورثة فلبيت المال) كسائر الأموال المختلفة لقوله (ص):
أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمري فهي للذي
أعمرها حيا وميتا ولعقبه (2) أخرجه مسلم وفي المتفق عليه عن جابر: قضى النبي (ص)
بالعمرى لمن وهبت له (3) واللفظ للبخاري وخرج مسلم عن جابر: العمرى ميراث
371

لأهلها. وقوله (ص): لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر عمري فهي للذي
أعمرها حيا وميتا وعقبه إنما ورد على سبيل الاعلام لهم بنفوذها بدليل السياق ويؤيده
الحديث الأول ولو أريد به حقيقة النهي لم يمنع الصحة لأن الضرر فيها على فاعلها وما
كان كذلك النهي عنه لا يقتضي فساد كالطلاق في الحيض (وإن أضافها) أي الهبة (إلى
عمر غيره) بأن قال: وهبتك الدار ونحوها عمر زيد (لم تصح) الهبة لأنها مؤقتة وليست
من العمرى ولا الرقبى (ونصه لا يطأ) الموهوب له (الجارية المعمرة) نقل يعقوب وابن
هانئ من يعمر الجارية أن يطأ قال لا أراه (وحمل) القاضي النص المذكور (على
الورع) لأن الوطئ استباحة فرج وقد اختلف في صحة العمرى وجعلها بعضهم تمليك
المنافع فلم ير الامام له وطأها لهذا وبعد ابن رجب ما ذكره القاضي ثم قال: والصواب
حمله على أن الملك بالعمرى قاصر ولهذا نقول على رواية إذا شرط عودها إليه بعده
صح فيكون تمليكا مؤقتا (وإن شرط) واهب (رجوعها) أي الهبة (بلفظ الأقارب أو غيره
إلى المعمر بكسر الميم) أي الواهب (عند موته) أي الموهوب له (أو) شرط الواهب
رجوع الهبة (إليه إن مات) الموهوب له (قبله أو) شرط الواهب رجوعها (إلى غيره) إن
مات الموهوب له قبله نحو أن يقول: وهبتك هذه الدار أو هي لك عمرك على أنك إن
مت قبلي عادت إلى ولدي فلان، وإن مت أو مات قبلك استقرت عليك (فهي الرقبى)
لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه (أو) شرط الواهب (رجوعها) أي الهبة (مطلقا) أي
من غير تقييد بموت أو غيره إلى الواهب (أو إلى ورثته أو قال) الواهب: (هي) أي هذه
الدار أو الأمة ونحوها (لآخرنا موتا صح العقد دون الشرط (1) و) معنى ذلك أن العين
(تكون للمعمر بفتح الميم ولورثته من بعده) فإن لم يكونوا فلبيت المال (كالأول) أي
كالمذكور أولا من صور العمرى (ولا ترجع) العين (إلى المعمر) بكسر الميم (و) لا إلى
(المرقب) بكسر القاف لقوله (ص): لا ترقبوا ولا تعمروا فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو
372

لورثته (1) قال الحارثي والسند صحيح بلا إشكال وخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما
وروى أحمد وغيره من طرق مختلفة فهذه نصوص تدل على ملك المعمر والمرقب مع
بطلان شرط العود لأنه إذا ملك العين لم تنتقل عنه بالشرط ولأنه شرط ينافي مقتضى
العقد فصح وبطل الشرط كشرطه في البيع أن لا يبيع ولو جعل اثنان كل منهما داره
للآخر على أنه إن مات قبله عادت إليه فرقبى من الجانبين (ولا يصح إعمار المنفعة ولا
إرقابها (2) فلو قال) رب دار: (سكنى هذه الدار لك عمرك أو) قال: (غلة هذا البستان)
لك عمرك (أو) قال: (خدمة هذا العبد) لك عمرك (أو) قال: (منحتك) أي ما ذكر من
الدار أو البستان أو العبد ونحوه (عمرك فعارية له الرجوع فيها متى شاء في حياته) أي
الممنوح (وبعد موته) لأنها هبة منفعة (ويصح إعمار منقول و) يصح أيضا (إرقابه من
حيوان كعبد وجارية ونحوهما) كبعير وشاة (و) من (غير حيوان) كثوب وكتاب لعموم
ما تقدم من قوله (ص): فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته (3).
فصل:
في التعديل بين الورثة في الهبة
(ويجب على الأب و) على (الام و) على (غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل
بين من يرث بقرابة من ولد وغيره) كأب وأم وأخ وابنه وعم وابنه (في عطيتهم) (4)
لحديث جابر قال: قالت امرأة بشير لبشير أعط ابني غلاما وأشهد لي رسول الله (ص)
فأتى رسول الله (ص) فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي قال: له إخوة؟ قال:
نعم. قال: كلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال: لا. قال: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا
373

على حق (1) رواه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير
وقال فيه: لا تشهدني على جور إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم وفي لفظ
لمسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فرجع أبي في تلك الصدقة وللبخاري مثله لكن
ذكره بلفظ العطية فأمر بالعدل بينهم وسمى تخصيص أحدهم دون الباقين جورا والجور
حرام فدل على أن أمره بالعدل للوجوب وقيس على الأولاد باقي الأقارب بجامع القرابة
وخرج منه الزوجات والموالي فلا يجب التعديل بينهم في الهبة و (لا) يجب التعديل
بينهم (في شئ تافه) لأنه يتسامح به فلا يحصل التأثر والتعديل الواجب أن يعطيهم
(بقدر إرثهم) منه (2) اقتداء بقسمة الله تعالى وقياسا لحالة الحياة على حال الموت قال
عطاء: فما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى.
فائدة: نص أحمد في رواية صالح وعبد الله وحنبل فيمن له أولاد زوج بعض بناته
فجهزها وأعطاها، قال: يعطي جميع ولده مثل ما أعطاها وعن جعفر بن محمد: سمعت أبا
عبد الله يسأل عن رجل له ولد يزوج الكبير وينفق عليه ويعطيه، قال: ينبغي له أن يعطيهم
كلهم مثل ما أعطاه أو يمنحهم مثل ذلك وروى عنه المروذي وغيره معنى ذلك أيضا وقد
استوعبها الحارثي رحمه الله (إلا في نفقة وكسوة فتجب الكفاية) (3) دون التعديل ونقل أبو
طالب لا ينبغي أن يفضل أحدا من ولده في طعام وغيره. قال إبراهيم: كانوا يستحبون التسوية
بينهم حتى في القبل. قال في الفروع: فدخل فيه نظر وقف (قال الشيخ: لا يجب على المسلم
التسوية بين أولاد الذمة) أي الذميين (انتهى) وكلام غيره لا يخالفه لأنهم غير وارثين منه
(وله) أي لمن ذكر من الأب والأم وغيرهما (التخصيص) لبعض أقاربه الذين يرثونه (بإذن
الباقي) منهم لأن العلة في تحريم التخصيص كونه يورث العدواة وقطيعة الرحم وهي منتفية
مع الاذن (فإن خص بعضهم) بالعطية (أو فضله) في الاعطاء (بلا إذن) الباقي (أثم) لما تقدم
374

(وعليه الرجوع) فيما خص أو فضل به حيث أمكن (أو إعطاء الآخر ولو في مرض الموت)
المخوف (حتى يستووا) (1) بمن خصه أو فضله، قال في الاختيارات: وينبغي أن يكون على
الفور (كما لو زوج أحد ابنيه في صحته وأدى عنه الصداق ثم مرض الأب) مرض الموت
المخوف (فإنه يعطي ابنه الآخر كما أعطى الأول) ليحصل التعديل بينهما ولا يمكن الرجوع
هنا لأن الزوجة ملكت الصداق بالعقد (ولا يحسب) ما يعطيه الأب لابنه الثاني (من الثلث)
مع أنه عطية في مرض الموت (لأنه تدارك للوجوب أشبه قضاء الدين) ويجوز للأب تملك
ما يعطيه للتسوية بلا حيلة قدمه الحارثي وصاحب الفروع ونقل ابن هانئ: لا يعجبني أن
يأكل منه شيئا (وإن مات) المخصص أو المفضل (قبل التسوية) بين ورثته (ثبت) أي استقر
الملك (للمعطى) فلا يشاركه فيه بقية الورثة لأنها عطية لذي رحم فلزمت بالموت كما لو
انفرد (ما لم تكن العطية في مرض الموت) المخوف فحكمها كالوصية ويأتي (والتسوية هنا)
بين الأولاد والإخوة لغير أم ونحوهم (القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين) (2) وتقدم ذلك في
قوله بقدر إرثهم وهو أوضح من هذا (والرجوع المذكور) أي رجوع المخصص أو المفضل
بعد القبض (يختص بالأب دون الام وغيرها) كالجد والابن والإخوة والأعمام (وتحرم
الشهادة على التخصيص والتفضيل تحملا وأداء ولو) كان الأداء (بعد موت المخصص
والمفضل إن علم) الشاهد بالتخصيص أو التفضيل لما تقدم من قوله (ص) في حديث
النعمان بن بشير لا تشهدني على جور فإن قيل فقد ورد بلفظ فاشهد على هذا غيري وهو
أمر وأقل أحواله الاستحباب فكيف تحرم الشهادة فالجواب أنه تهديد كقوله تعالى: * (اعملوا
ما شئتم) * [فصلت: 40]. ولو لم يفهم هذا المعنى بشير لبادر إلى الامتثال ولم يرد العطية
(وكذا كل عقد مختلف فيه فاسد عند الشاهد) كنكاح بلا ولي وبيع غير ملئ ولا موصوف
ونحوه إن لم يحكم به من يراه حرم على الحنبلي أن يشهد به تحملا وأداء قياسا على ما
سبق (وتكره) الشهادة (على عقد نكاح) من (محرم بنسك) حج أو عمرة والمراد إذا كان
النكاح صحيحا بأن كان الزوجان والولي حلالا وإلا حرمت الشهادة لأن النكاح فاسد
(وتقدم في محظورات الاحرام) بأوضح من هذا ولا فرق في امتناع التخصيص والتفضيل بين
كون البعض ذا حاجة أو زمانة أو عمى أو عيال أو صلاح أو علم أو لا ولا بين كون البعض
الآخر فاسقا أو مبتدعا أو مبذرا أو لا وهو ظاهر كلام الأصحاب ونص عليه في رواية
يوسف بن موسى في الرجل له الولد البار الصالح وآخر غير بار لا ينيل البار دون الآخر
375

(وقيل إن أعطاه لمعنى فيه من حاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو لاشتغاله بالعلم
ونحوه) كصلاحه (أو ومنع بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه
جاز التخصيص) والتفضيل بالأولى (اختاره الموفق (1) وغيره) استدلالا بتخصيص الصديق
عائشة رضي الله عنهما وليس إلا لامتيازها بالفضل ولنا عموم الامر بالتسوية وفعل الصديق
يحتمل أنه نحل معها غيرها أو أنه نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه المرض ونحوه
(ولا يكره) للانسان (قسم ماله بين وراثه) على فرائض الله تعالى (ولو أمكن أن يولد له)
لأنها قسمة ليس فيها جور فجازت في جميع ماله كبعضه (فإن حدث له وارث) بعد قسم
ماله (سوى بينه وبينهم) بما تقدم (وجوبا) ليحصل التعديل (وإن ولد له) أي لمن قسم ماله
بين وراثه في حياته (ولد بعد موته استحب للمعطى أن يساوي المولود الحادث بعد أبيه) لما
فيه من الصلة وإزالة الشحناء (ويستحب) لمن أراد أن يقف شيئا على أولاده أو غيرهم من
أقاربه (التسوية بينهم في الوقف) بأن لا يفضل ذكرا على أنثى (وتقدم) ذلك (في باب
الوقف) موضحا (وإن وقف) شخص (ثلثه) فأقل (في مرضه) المخوف (على بعض وراثه)
جاز (أو وصى بوقفه) أي الثلث (عليهم) أي على بعض وراثه (جاز) (2) قال أحمد: في رواية
جماعة منهم الميموني يجوز للرجل أن يقف في مرضه على ورثته فقيل له: أليس تذهب أنه
لا وصية لوارث فقال: نعم والوقف غير الوصية لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة
أي ملكا طلقا. واحتج في رواية أحمد بن الحسن بحديث عمر رضي الله عنه حيث قال: هذا
ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حادث أن ثمغا صدقة والعبد الذي
فيه، والسهم الذي بخيبر، رقيقه، والمائة وسق الذي أطعمني محمد (ص) تليه حفصة ما
عاشت، ثم يليه ذوي الرأي من أهله، لا يباع ولا يشترى، تنفقه حيث ترى من السائل
والمحروم وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو اشترى رقيقا رواه أبو داود
بنحو من هذا (ويجري) الوقف على ورثته (مجرى الوصية) في أنه ينفذ إن خرج من الثلث
كالوصية به لا في توقفه على الإجازة، كما تقدم (ولا يصح وقف مريض) مرض الموت
376

المخوف (على أجنبي) بزيادة على الثلث (أو) على (وارث بزيادة على الثلث) أي ثلث ماله.
كالعطية في المرض، والوصية. قال في التنقيح: ولو حيلة. كعلي نفسه ثم عليه. انتهى.
لأن الحيل غير جائزة إذا كانت وسيلة المحرم (ولا يجوز لواهب، ولا يصح أن يرجع في
هبته (1)، ولو صدقة وهدية ونحلة، أو نقوطا وحمولة في عرس ونحوه) لقوله (ص): العائد في
هبته كالكلب يقئ، ثم يعود في قيئه (2) متفق عليه وفي رواية لأحمد: قال قتادة: ولا أعلم
القئ إلا حراما (3). وسواء عوض عنها أو لم يعوض. لأن الهبة المطلقة لا تقتضي
الثواب، وتقدم (أو) أي ولو (تعلق بالموهوب رغبة الغير بأن ناكح) إنسان (الولد) الموهوب
لوجود ذلك وهبه له والده، بأن زوجه إن كان ذكرا أو تزوجه إن كان أنثى لذلك (أو
داينه) أي باعه أو أقرضه، أو أجره ونحوه (لوجود ذلك) الذي وهبه أبوه له فإن ذلك لا
يمنع رجوع الأب فيما وهبه لولده، أو أخره بعد قوله إلا الأب الأقرب لكان أوضح.
وقوله: (بعد لزومها) أي الهبة بأنواعها، بالقبض متعلق بقوله. ولا يجوز لواهب، ولا يصح
أن يرجع. وأما الرجوع قبل لزومها فجائز مطلقا (كالقيمة) أي كما لا يجوز للواهب الرجوع
في قيمة العين الموهوبة ولو تلفت عنده (إلا الأب الأقرب) (4) لحديث ابن عمر وابن عباس
يرفعانه قال: ليس لأحد أن يعطي عطية ويرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده (5) رواه
الترمذي وحسنه وفي بعض ألفاظ حديث بشير المتقدم، من قوله (ص) لبشير: فاردده وروي
فارجعه رواه مالك، ولا فرق بين أب يقصد برجوعه التسوية بين أولاده، وبين غيره، ولو
377

وهب كافر لولده الكافر شيئا ثم أسلم الولد، فلأبيه الرجوع في هبته خلافا للشيخ تقي الدين
(ولو أسقط) الأب (حقه من الرجوع) فله الرجوع، لأنه حق ثبت له بالشرع، فلم يسقط
بإسقاطه، كما لو أسقط الولي حقه من ولاية النكاح، وقال في المنتهى: يسقط رجوعه،
لأنه مجرد حقه، وقد أسقطه (1)، والفرق بينه وبين ولاية النكاح أن ولاية النكاح حق عليه
لله تعالى، وللمرأة بدليل إثمه بالعضل بخلاف الرجوع، فإنه حق للأب (ولو ادعى اثنان
مولودا) مجهول النسب، كل يقول: هو ابني (فوهباه أو وهبه أحدهما شيئا فلا رجوع)
لانتفاء ثبوت الدعوى (وإن ثبت اللحاق بأحدهما، ثبت) له (الرجوع) لثبوت الأبوة (ويشترط
لرجوع الأب) أي لجوازه وصحته فيما وهبه لولده (شروط ثلاثة: أحدها: أن تكون) الهبة
(عينا باقية في ملك الابن) إلى رجوع أبيه (فلا رجوع) للأب (في دينه على الولد بعد
الابراء) منه لأنه إسقاط لا تمليك (ولا في منفعة أباحها له) أبوه (بعد الاستيفاء. كسكنى دار
ونحوها) لأنه إباحة واستيفاء المنفعة بمنزلة إتلافها (فإن خرجت العين) الموهوبة (عن ملكه)
أي الابن (ببيع أو هبة أو وقف) ظاهره ولو على نفسه، ثم غيره خصوصا إذا قلنا ينتقل في
الحال لمن بعده (أو) خرجت (بغير ذلك) بأن جعلها صداقا لامرأة أو عوضا على صلح
ونحوه (ثم عادت) العين (إليه) أي الابن (بسبب جديد كبيع) ولو مع خيار (أو هبة أو وصية
أو إرث أو نحوه) كأن أخذها عوضا عن أرش جناية، أو قيمة متلف (لم يملك) الأب
(الرجوع) فيها، لأنها عادت إلى الولد بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه، فلم يملك
إزالته، كما لو لم تكن موهوبة (وإن عادت) العين للولد بعد بيعها (كفسخ البيع بعيب)
فيها، أو في الثمن (أو) عادت ب‍ (- إقالة، أو) عادت بفسخ ل‍ (- فلس المشتري) بالثمن (أو
بفسخ خيار الشرط، أو المجلس) ملك الأب الرجوع فيها، لعود الملك بالسبب الأول،
فكأنه ما انتقل، وبه فارق العود بيع أو هبة أو نحوهما (أو دبر) الولد (العبد) الموهوب له
378

من والده (أو كاتبه ملك) الأب (الرجوع) (1) في العبد، لأن التدبير والكتابة لا يمنعان
التصرف في الرقبة بالبيع ونحوه فلم يمنعا الرجوع، كما لو زوجه أو أجره (وهو) أي العبد
الذي كاتبه الولد، ثم رجع أبوه فيه (مكاتب) أي باق على كتابته للزومها، فإذا أدى إلى
الأب باقي مال الكتابة عتق، وإن عجز رق، كما لو باعه الابن (وما أخذه الابن من دين
الكتابة) قبل رجوع الأب (لم يأخذه منه أبوه) (2) لاستقرار ملكه عليه. الشرط (الثاني: أن
تكون العين باقية في تصرف الولد، فإن تلفت) العين (فلا رجوع) للأب (في قيمتها) وتقدم
(وإن استولد) الابن (الأمة) التي وهبها له أبوه لم يملك الرجوع لامتناع نقل الملك في أم
الولد (أو كان) الأب (وهبها له للاستعفاف لم يملك) الأب (الرجوع) فيها، وإن استغنى أو
لم يستولدها، لأن إعفافه واجب عليه (وإن رهن) الابن (العين) التي وهبها له أبوه
وأقبضها. فكذلك (أو أفلس) الابن (وحجر عليه. فكذلك) أي فلا رجوع لأبيه (3)، لتعلق
حق المرتهن والغرماء بالعين، وفي الرجوع إبطال لذلك.
تنبيه: ما ذكره المصنف من أن الحجر عليه لفلس مانع من الرجوع. قال الحارثي:
أنه الصواب بلا خلاف كما في الرهن ونحوه، وبه صرح في المغني وصاحب المحرر
وغيرهما. انتهى. ومقتضى ما قدره في المقنع: أنه غير مانع، وتبعه في المنتهى، لأنه لم
يخالفه في التنقيح. فإن أفلس ولم يحجر عليه، ففيه روايتان أطلقهما في الشرح، فإن حمل
كلام المقنع والمنتهى على فلس لا حجر معه، وافق ما ذكره الحارثي والشارح (فإن زال
المانع) بأن انفك الحجر والرهن (ملك) الأب (الرجوع) لأن ملك الابن لم يزل، وإنما طرأ
معنى قطع التصرف مع بقاء الملك فمنع الرجوع، فإذا زال المانع (وكل تصرف لا يمنع
الابن التصرف في الرقبة، كالوصية والهبة قبل القبض) والرهن قبل القبض (والوطئ المجرد
عن الاحبال والتزويج) للرقيق (والإجارة والمزارعة عليها وجعلها مضاربة في عقد شركة لا
يمنع) الأب (الرجوع) (4) لبقاء ملك الابن. وسلطنة تصرفه (وكذلك العتق المعلق) على
379

صفة قبل وجودها فلا يمنع الرجوع (وإذا رجع) الأب في العين (وكان التصرف لازما،
كالإجارة والتزويج والكتابة، فهو) أي التصرف (باق بحاله) كاستمراره مع المشتري من
الولد. لكن تقدم أن الاخذ بالشفعة تنفسخ به الإجارة والفرق أن للأب فعلا في الإجارة،
لأن تمليكه لولده تسليط له على التصرف فيه، ولا كذلك الشفيع. هذا ما ظهر لي والله
أعلم (وإن كان) التصرف (جائزا، كالوصية والهبة قبل القبض) والمزارعة والمضاربة
والمشاركة (بطل) ذلك التصرف، لأن استمرار حكمه مقيد ببقاء المعقود عليه وقد فات
بخلاف الأول (والتدبير والعتق المعلق بصفة، لا يبقى حكمهما في حق الأب) لأنهما لم
يصدرا منه (ومتى عاد) المدبر أو المعلق عتقه بصفة (إلى) ملك (الابن عاد حكمهما) لعود
الصفة (وإن وهبه الولد ولده لم يملك) الواهب الأول (الرجوع) لأن فيه إبطالا لملك غير ابنه
وهو لا يملك (إلا أن يرجع هو) أي الواهب الثاني في هبته لابنه. فيملك الأول الرجوع
حينئذ لأنه فسخ في هبته برجوعه فعاد إليه الملك بسببه الأول. الشرط (الثالث: أن لا
تزيد) العين الموهوبة عند الولد (زيادة متصلة تزيد في قيمتها كالسمن والكبر والحمل وتعلم
صنعة أو) تعلم (كتابة أو قرآن) لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم تنتقل إليه من
جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة (1) وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع في الأصل لئلا
يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص ولأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب في
عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح أو نصفه بالطلاق أو رجوع
البائع في المبيع لفلس المشتري وقد يفارق الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري وقد
رضي ببذل الزيادة (وإن زاد) الموهوب (ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع) كسائر
الزيادات (وإن اختلف الأب وولده في حدوث زيادة) بأن قال الولد: حدث فيه زيادة فمنعت
الرجوع وأنكر الأب (فقول الأب) لأن الأصل عدم الزيادة (ولا تمنع) الزيادة (المنفصلة)
380

الرجوع (كولد البهيمة وثمرة الشجرة وكسب العبد) (1) لأن الرجوع في الأصل دون النماء
(والزيادة) المنفصلة (للولد) لأنها حادثة في ملكه ولا تتبع في الفسوخ فكذا هنا (فإن كانت)
الزيادة (ولد أمة) بأن حملت الأمة وولدت عند الولد (امتنع الرجوع) في الام (لتحريم
التفريق) (2). بين الام وولدها (وإن وهبه) أي وهب الأب ولده أمة أو بهيمة (حاملا فولدت
في يد الابن فالولد زيادة متصلة) أي باعتبار الكبر، (وإن وهبه) أمة أو بهيمة (حائلا ثم رجع)
الأب (فيها حاملا فإن زادت قيمتها) بالحمل (فزيادة متصلة) تمنع الرجوع (وإن وهبه نخلا
فحملت فقبل التأبير زيادة متصلة) تمنع الرجوع (وبعده) أي التأبير والمراد التشقق
(منفصلة) (3) لا تمنع الرجوع نقله الحارثي عن الموفق واقتصر عليه (وإن تلف بعض العين)
لم يمنع الرجوع في الباقي منها (أو نقصت قيمتها) لم يمنع الرجوع (أو أبق العبد) الموهوب
لم يمنع الرجوع لبقاء الملك (أو ارتد الولد) الموهوب له (لم يمنع الرجوع) لبقاء الملك (ولا
ضمان على الابن فيما تلف منها ولو) كان التلف (بفعله) لأنه في ملكه (وإن جنى العبد)
الموهوب للولد (جناية يتعلق أرشها برقبته فللأب الرجوع فيه) لبقاء ملك ولده عليه (ويضمن)
الأب (أرش الجناية) لتعلقه برقبة العبد فيفديه أو يسلمه أو يبيعه فيها (فإن جني على العبد)
الموهوب للولد (فرجع الأب فيه فأرش الجناية عليه للابن) لأنها زيادة منفصلة (وصفة
الرجوع) من الأب فيما وهبه لولده (أن يقول قد رجعت فيها) أي الهبة (أو) يقول: (ارتجعتها
أو رددتها ونحوه) كعدت فيها أو أعدتها إلى ملكي ونحو ذلك (من الألفاظ الدالة على
الرجوع) (4) قال الحارثي: والأكمل رجعت فيما وهبته لك من كذا ومن الناس من قسمه إلى
صريح وكناية بنية لا بأس به وسواء (علم الولد) برجوع أبيه (أو لم يعلم) به (ولا يحتاج)
381

الرجوع (إلى حكم حاكم) لثبوته بالنص كفسخ معتقة تحت عبد (وإن تصرف الأب
فيه) أي فيما وهبه لولده (بعد قبض الابن) لم يكن رجوعا بغير قول (أو وطئ) الأب
(الجارية) التي وهبها لولده وأقبضها له (ولو نوى) الأب (به) أي بالتصرف أو الوطئ
(الرجوع لم يكن) ذلك (رجوعا بغير قول) (1) لأن ملك الموهوب له ثابت يقينا فلا
يزول إلا بيقين وهو صريح القول: (وإن سأل) زوج (امرأته هبة مهرها فوهبته) له ثم
ضرها فلها الرجوع (أو قال) زوج لزوجته: (أنت طالق إن لم تبرئيني فأبرأته) من مهرها
(ثم ضرها بطلاق أو غيره فلها الرجوع) فيما وهبته من المهر أو أبرأته منه لأن شاهد
الحال يدل أنها لم تطب به نفسا وإنما أباحه الله عن طيب نفسها بقوله: * (فإن طبن
لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) * [النساء: 4]. وغير الصداق كالصداق. قاله
في شرح المنتهى ويؤيده قول عمر: إن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة فأيما امرأة
أعطت زوجها شيئا ثم أرادت أن تعتصره فهي أحق به. رواه الأثرم وقال الحارثي
المشهور عنه أي عن الامام أن لا رجوع لواحد من الزوجين فيما وهب للآخر إلا أن
تهب المرأة مهرها لسؤال منه ونحوه ذلك فترجع (إلا إن تبرعت به) أي بمهرها (من
غير مسألة) الزوج فلا رجوع لها نصا واحتج في رواية أحمد بن إبراهيم الكوفي بقوله
تعالى: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا) * [النساء: 4].
فصل:
(ولأب فقط إذا كان)
الأب (حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء) قال في الاختيارات ما لم يتعلق به حق
كالرهن والفلس وإن تعلق به رغبة كالمداينة والمناكحة وقلنا يجوز الرجوع في الهبة ففي
382

التملك نظر (مع حاجة الأب) إلى تملك مال ولده (و) مع (عدمها في صغر الولد وكبره وسخطه
ورضاه وبعلمه وبغيره) (1) لما روى سعيد والترمذي وحسنه عن عائشة قالت: قال: رسول الله (ص)
: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم (2) وروى الطبراني في معجمه عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: إن أبي احتاج مالي فقال:
أنت ومالك لأبيك (3) ولان الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع وما كان موهوبا له كان له أخذ
ماله كعبده يؤيده أن سفيان بن عيينة قال في قوله تعالى: * (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من
بيوتكم) * [النور: 61]. - الآية. ذكر الأقارب دون الأولاد لدخولهم في قوله من بيوتكم لأن بيوت
أولادهم كبيوتهم ولان الرجل يلي مال ولده من غير تولية كمال نفسه (دون أم وجد وغيرهما) من
سائر الأقارب لأن الأصل المنع خولف في الأب لدلالة النص وبقي ما عداه على الأصل
(بشروط) ستة متعلق بيتملك (أحدها: أن يكون) ما يتملكه (فاضلا عن حاجة الولد لئلا
يضره) (4) بتملكه وهو منفي بقوله (ص): لا ضرر ولا ضرار (5) (فليس له) أي الأب (أن
يتملك سريته وإن لم تكن) سريته (أم ولد) للابن (لأنها ملحقة بالزوجات (6) ولا) يتملك
أيضا (ما تعلقت حاجته به) كآلة حرفة يتكسب بها ورأس مال تجارة لأن حاجة الانسان
مقدمة على دينه فلان تقدم على أبيه بطريق الأولى. الشرط (الثاني: أ) ن الأب (لولد
آخر) (7) فلا يتملك من مال ولده زيد ليعطيه لولده عمرو لأنه ممنوع من تخصيص بعض
ولده بالعطية من مال نفسه فلان يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى.
383

الشرط (الثالث: أ) ن (لا يكون) التملك (في مرض موت أحدهما) أي الأب أو الولد لأنه
بالمرض قد انعقد السبب القاطع للتملك. الشرط (الرابع: أن لا يكون الأب كافرا والابن
مسلما لا سيما إذا كان الابن كافرا ثم أسلم قاله الشيخ) قال في الانصاف (1) وهذا عين
الصواب انتهى لحديث الاسلام يعلو ولا يعلى (وقال) الشيخ أيضا (الأشبه أن الأب
المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئا) (2) لانقطاع الولاية والتوارث. الشرط
(الخامس: أن يكون) ما يتملكه الأب (عينا موجودة) فلا يتملك دين ابنه لأنه لا يملك
التصرف فيه قبل قبضه (ويحصل تملكه) أي الأب لمال ولده (بقبض) ما يتملكه (مع قول)
تملكته أو نحوه (أو نية) قال في الفروع: ويتوجه أو قرينة، لأن القبض أعم من أن يكون
للتملك أو غيره فاعتبر القول أو النية ليتعين وجه القبض (وهو) أي القبض مع ما ذكر:
الشرط (السادس: ولا يصح تصرفه) أي الأب (فيه) أي في مال ولده (قبل ذلك) أي قبل
القبض مع القول أو النية (ولو عتقا) لأن ملك الابن تام على مال نفسه يصح تصرفه فيه
ويحل له وطئ جواريه. ولو كان الملك مشتركا لم يحل له الوطئ كما لا يجوز له وطئ
الجارية المشتركة. وإنما للأب انتزاعها منه كالعين التي وهبها إياه (ولا يملك) أب (إبراء
نفسه) من دين ولده، (ولا) يملك الأب أيضا (إبراء غريم ولده ولا) يملك الأب (تملكه ما
في ذمة نفسه، ولا) تملك ما في (ذمة غريم ولده، ولا) يملك (قبضه) أي الدين (منهما)
أي من نفسه وغريم ولده (لأن الولد لم يملكه) قبل قبضه (ولو أقر) الأب (بقبض دين
ولده) من غريمه (فأنكر الولد) أن يكون أبوه قبض (أو أقر) بالقبض (رجع) الولد (على
غريمه) بدينه لعدم براءته بالدفع إلى أبيه (ورجع الغريم على الأب) بما أخذه منه إن كان
باقيا وببدله إن كان تالفا، لأنه قبض ما ليس له قبضه لا بولاية ولا بوكالة. فقول الإمام
في رواية مهنا: ولو أقر بقبض دين ابنه فأنكر رجع على غريمه وهو على الأب: لا يعول
على مفهومه من أنه لو أقر لا يرجع، لأنه يمكن أن يكون جوابا عن سؤال سائل. فلا
384

يحتج بمفهومه (قال الشيخ: لو أخذ) الأب (من مال ولده شيئا ثم انفسخ سبب استحقاقه)
أي الشئ المأخوذ (بحيث وجب رده إلى الذي كان مالكه، مثل أن يأخذ) الأب (صداق
ابنته ثم يطلق الزوج) قبل الدخول، أو ينفسخ النكاح على وجه يسقط الصداق (أو يأخذ)
الأب (ثمن السلعة التي باعها الولد ثم ترد السلعة أو يأخذ) الأب (المبيع الذي اشتراه الولد
ثم يفلس) الولد (بالثمن) ويحجر عليه ويفسخ البائع (ونحو ذلك) كما لو فسخ البائع لعيب
الثمن بعد أخذ الأب المبيع من ولده (فالأقوى في جميع) هذه (الصور: أن للمالك الأول
الرجوع على الأب) لسبق حقه على تملك الأب (ويأتي في الصداق: لو تزوجها على ألف
لها وألف لأبيها) أن ذلك يصح، وأن الأب يملك بالقبض مع نية التملك وأنه إذا طلقها
الزوج أو انفسخ النكاح قبل الدخول على وجه يسقطه رجع عليها لا على أبيها، وهو
يقتضي أن المذهب خلاف ما قاله الشيخ (وإن وطئ) أب (جارية ولده) قبل تملكها
(فأحبلها صارت أم ولد له) أي للأب لأن إحباله لها يوجب نقل الملك إليه وحينئذ يكون
الوطئ مصادفا للملك، فإن لم تحبل فهي باقية على ملك الولد (وولده) أي الأب من جارية
ولده (حر) لأنه من وطئ انتفى فيه الحد للشبهة (ولا تلزمه قيمته) لولده المنتقل عنه ملك
الجارية لصيرورتها أم ولد للأب ودخولها في ملكه بالاحبال. فلم تأت بالولد إلا في ملك
الأب (ولا) يلزمه (مهر) لأن الوطئ سبب نقل الملك فيها، وإيجاب القيمة للولد، والوطئ
الموجوب للقيمة كالاتلاف فلا يجتمع معه المهر (ولا حد) (1). لشبهة الملك (ويعذر) (2) لأنه
وطئ وطئا محرما. أشبه وطئ الأمة المشتركة بينه وبين غيره (ويلزمه) أي الأب (قيمتها) (3)
385

أي قيمة الأمة التي أولدها لولده لأنه أتلفها عليه، لكن ليس له مطالبته بها. ومحل انتقال
الملك فيها للأب (إن لم يكن الابن وطئها) لأنه بالوطئ تصير كحلائل الأبناء. فتحرم على
الأب (ولا ينتقل الملك فيها إن كان الابن استولدها فلا تصير أم ولد للأب) إذا أم الولد لا
ينتقل الملك فيها (وإن كان الابن وطئها ولو لم يستولدها لم يملكها الأب) بالاحبال (ولم
تصر أم ولد له) لأنها بالوطئ. صارت ملحقة بالزوجة فلا يصح أن يتملكها بالقول كما
تقدم. فلا يملكها بالاحبال (وحرمت عليهما) أي على الأب لأنها من موطوءات ابنه، وعلى
الابن لأنها موطوءة أبيه (ولا يحد) الأب بوطئه للأمة في هذه الحال لشبهة أنت ومالك
لأبيك (وإن وطئ) الابن (أمة أحد أبويه لم تصر أم ولد) له إن حملت منه (وولده قن
ويحد) إن علم التحريم لأن الابن ليس له التملك على أحد من أبويه (1). فلا شبهة له في
الوطئ (وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين قرض ولا ثمن مبيع ولا قيمة متلف ولا أرش
جناية ولا) بأجرة (ما انتفع به من ماله) لما روى الخلال: أن رجلا جاء إلى النبي (ص) بأبيه
يقتضيه دينا عليه، فقال: أنت ومالك لأبيك ولان المال أحد نوعي الحقوق. فلم يملك
مطالبة أبيه به كحقوق الأبدان (ولا) للابن (أن يحيل عليه) أي الأب (بدينه) لأنه لا يملك
طلبه به فلا يملك الحوالة عليه (ولا) مطالبة للولد على والده (بغير ذلك) من سائر الحقوق
لما تقدم (إلا بنفقته) أي الولد (الواجبة) على الأب لفقر الابن وعجزه عن التكسب، فله
الطلب بها (زاد في الوجيز وحبسه عليها) لقوله (ص) لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف
(وله) أي الولد (مطالبته) أي الأب (بعين مال له) أي الولد (في يده) أي الأب (ويجري
الربا بينهما) (2) أي بين الوالد وولده لتمام الملك الولد على ماله واستقلاله بالتصرف فيه،
ووجوب زكاته عليه، وحل الوطئ وتوريث ورثته، وحديث: أنت ومالك لأبيك على معنى
386

سلطة التملك ويدل عليه إضافة المال للولد (ويثبت له) أي الولد (في ذمته) أي الوالد
(الدين) من بدل قرض وثمن مبيع وأجرة ونحوها (ونحوه) كأرش الجنايات وقيم المتلفات
إعمالا للسبب. فإن ملك الولد تام. والسبب إما إتلاف فلمال الغير وإما قرض ونحوه فعقد
يدخل تحت قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * [المائدة: 1]. (قال في الموجز: لا يملك)
الولد (إحضاره) أي الأب (في مجلس الحكم: فإن أحضره فادعى) الولد عليه (فأقر) الأب
بالدين (أو قامت) به (بينة لم يحبس) لما تقدم من حديث الخلال (وإن وجد) الولد (عين
ماله الذي أقرضه) لأبيه (أو باعه) له (ونحوه) كعين ما غصبه منه (بعد موته فله) أي الولد
(أخذه) أي ما وجده من عين ماله (إن لم يكن انتقد ثمنه) لتعذر العوض. قاله في
التلخيص، ولعله مبني على القول بأن الدين لا يثبت في ذمة الأب لولده، فلما تعذر عليه
العوض رجع بعين المال. والمذهب أنه يثبت فيطالب بالعوض (ولا يكون) ما وجد من
عين مال الولد بعد موت أبيه (ميراثا) لورثة الأب (بل) هو (له) أي للولد المأخوذ منه (دون
سائر الورثة) قال في تصحيح الفروع: هذا إذا صار إلى الأب بغير تمليك ولا عقد
معاوضة. فأما إن صار إليه بنوع من ذلك فليس له الاخذ قولا واحدا. والله أعلم انتهى.
قلت: فكيف تصور المسألة حينئذ مع قولهم، عين ما أقرضه أو باعه. وما قدمته أولى (ولا
يسقط دينه الذي عليه) أي الأب (بموته. فيؤخذ من تركته) كسائر الديون (وتسقط جنايته)
أي أرشها بموت الأب قال في شرح المنتهى: ولعل الفرق بينها وبين دين القرض وثمن
المبيع ونحوهما: كون الأب أخذ عن هذا عوضا، بخلاف أرش الجناية. وعلى هذا ينبغي
أن يسقط عنه أيضا دين الضمان إذا ضمن غريم ولده (1). (ولو قضى الأب الدين الذي عليه
لولده في مرضه أو وصى بقضائه فمن رأس ماله) لأنه حق ثابت عليه لا تهمة فيه. فكان من
رأس المال كالدين الأجنبي (ولولد الولد مطالبة جده بماله في ذمته) من دين وأرش جناية
وغيرهما كسائر الأقارب، إن لم يكن انتقل إليه من أبيه لما تقدم أنه ليس لورثة الولد مطالبة
أبيه بدينه (وكذا الام) تطالب بدين ولدها (ولا اعتراض للأب على تصرف الولد في مال
نفسه بعقود المعاوضات وغيرها) لتمام ملك الولد.
387

(والهدية تذهب الحقد) لحديث أبي هريرة مرفوعا: تهادوا فإن الهدايا تذهب وحر
الصدر (1) والوحر - بفتح الحاء المهملة - الحقد والغيظ (و) الهدية (تجلب المحبة) لحديث
أبي هريرة مرفوعا: تهادوا تحابوا (2) (ولا ترد) أي يكره رد الهدية (وإن قلت: كذراع أو
كراع) بضم الكاف وتخفيف الراء وآخره عين مهملة مستدق الساق من الرجل، ومن حد
الرسغ في اليد. وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير، ووظيف البعير:
خفه، وهو كالحافر للفرس. لحديث أبي هريرة عن النبي (ص): لو أهدي إلي ذراع أو كراع
لقبلت (3) (خصوصا الطيب) لحديث: ثلاثة لا ترد فعد منها الطيب وقوله: (مع انتفاء مانع
القبول) متعلق بلا ترد (ويسن) لمن أهديت إليه (أن يثيب عليها) لحديث عائشة: كان
رسول الله (ص) يقبل الهدية ويثيب عليها (4) أخرجه البخاري (فإن لم يستطع) أن يثيب عليها
(فليذكرها، و) ل‍ (يثن على صاحبها) الذي أهداها (ويقول: جزاك الله خيرا) لحديث جابر:
من أعطي عطاء فوجد فليجزه، فإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه
فقد كفره (5) أخرجه أبو داود. ولحديث أسامة بن زيد مرفوعا: من صنع إليه معروف فقال:
جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء (6) رواه الترمذي. وقال حسن غريب (ويقدم في الهدية
الجار القريب بابه على) الجار (البعيد) بابه. لحديث عائشة، قالت: قلت يا رسول الله إن
لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا (7) (ويجوز ردها) أي الهدية (لأمور
388

مثل أن يريد أخذها بعقد معاوضة. لحديث جابر في جمله) قال له النبي (ص): بعني جملك
هذا. قال: قلت: لا، بل هو لك. قال: لا، بل بعنيه رواه مسلم (أو يكون المعطى لا يقنع
بالثواب المعتاد) لما في القبول من المشقة حينئذ (أو تكون) الهدية (بعد السؤال واستشراف
النفس لها) لحديث عمر: إذا جاءك من هذا المال شئ وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه
وما لا فلا تتبعه نفسك وإشراف النفس فسره إبراهيم الحربي بأنه تطلب للشئ وارتفاع له
وتعرض إليه (أو لقطع المنة) إذا كان على الآخذ فيه منة (وقد يجب الرد كهدية صيد
لمحرم) لأنه (ص): رد على الصعب ابن جثامة هدية الحمار الوحشي،
وقال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم (1) كذا إن علم أنه أهدى حيا حرم القبول. نقله في
الآداب عن ابن الجوزي وجزم به في المنتهى.
فصل:
في (عطية المريض) وما يلحق به
(في عطية المريض في غير مرض الموت ولو) كان المرض (مخوفا) كصحيح (أو في)
مرض (غير مخوف كرمد ووجع ضرس وصداع) (2) أي وجع رأس (وجرب وحمى يسيرة
ساعة أو نحوها، والاسهال اليسير من غير دم ونحوه) بأن يكون منحرفا لا يمكنه منعه ولا
إمساكه فإن كان كذلك فهو مخوف ولو ساعة، لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه. ذكره
في المغني (ولو مات) المعطى (به) أي بذلك المرض (أو صار) المرض (مخوفا ومات به
389

ك‍) - عطية (صحيح) لأنه في حكم الصحة، لكونه لا يخاف منه في العادة (و) عطيته (في
مرض الموت المخوف كالبرسام) بفتح الموحدة بخار يرتقي إلى الرأس ويؤثر في الدماغ،
فيختل عقل صاحبه وقال عياض: ورم في الدماغ يتغير منه عقل الانسان ويهذي (ووجع
القلب و) وجع (الرئة) فإنها لا تسكن حركتها فلا يندمل جرحها (وذات الجنب) قروح
بباطن الجنب (والطاعون في بدنه) قال في شرح مسلم: الطاعون وباء معروف وهو بثر
وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حوله يخضر ويحمر حمرة بنفسجية ويحصل
معه خفقان القلب (أو وقع) الطاعون (ببلده) لأنه مخوف إذا كان به (أو هاجت به الصفراء)
لأنها تورثه يبوسة (أو البلغم) لأنه يورثه شدة برودة (والقولنج) بأن ينعقد الطعام في بعض
الأمعاء ولا ينزل عنه (والحمى المطبقة والرعاف الدائم) لأنه يصفي الدم (والقيام المتدارك
وهو الاسهال المتواتر) الذي لا يستمسك. وكذا إسهال معه دم لأنه يضعف القوة (والفالج)
استرخاء لاحد شقي البدن لانصباب خلط بلغمي تفسد منه مسالك الروح. فلج كعني، فهو
مفلوج قاله في القاموس (في) حال (ابتدائه والسل) بكسر السين المهملة داء معروف (في)
حال (انتهائه) ويأتي مقابله (وما قال مسلمان عدلان من أهل الطب لا) ما قال: (واحد ولو
لعدم) غيره (عند إشكاله) أي المرض (إنه مخوف) قال في الاختيارات. ليس معنى المرض
المخوف الذي يغلب على القلب الموت منه، أو يتساوى في الظن جانب البقاء، والموت
لأن أصحابنا جعلوا ضرب المخاض من الأمراض المخوفة. وليس الهلاك غالبا ولا مساويا
للسلامة، وإنما الغرض أن يكون سببا صالحا للموت فيضاف إليه ويجوز حدوثه عنده.
وأقرب ما يقال: ما يكثر حصول الموت منه (فعطاياه ولو) كانت (عتقا ووقفا ومحاباة) بأن
باع بدون ثمن المثل أو اشترى بأكثر (كوصية في أنها لا تصح لوارث بشئ غير الوقف)
للثلث فأقل (ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة فيهما) (1) أي فيما إذا كانت
لوارث بشئ. وما إذا كانت لأجنبي بزيادة على الثلث. لحديث أبي هريرة يرفعه: إن الله
تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم (2) رواه ابن ماجة فمفهومه
ليس لكم أكثر من الثلث يؤيد ما روى عمران بن حصين أن رجلا أعتق في مرضه ستة
390

أعبد لم يكن له مال غيرهم، فاستدعاهم النبي (ص) فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق
اثنين وأرق أربعة (1) رواه مسلم. وإذا لم ينفذ العتق مع سرايته فغيره أولى. ولأن هذه
الحال الظاهر منها الموت. فكانت عطيته فيها في حق ورثته لا تتجاوز الثلث كالوصية (إلا
الكتابة) لرقيقه أو بعضه بمحاباة (فلو حاباه) سيده المريض مرض الموت (فيها) أي الكتابة
(جاز وتكون) المحاباة حينئذ (من رأس المال) (2) هذا معنى كلامه في الانصاف (3) والتنقيح
والمنتهى (4)، لكن كلام المحرر والفروع والحارثي وغيرهم يدل على أن الذي يصح من
رأس المال هو الكتابة نفسها لأنها عقد معاوضة كالبيع من الغير. قال الحارثي: ثم إن
وجدت محاباة فالمحاباة من الثلث. وقد ناقش شارح المنتهى صاحب الانصاف وعارضه
بكلام المحرر والفروع. وذكرا أنه لم يقف على كلام الحارثي وقد ذكرته لك. فوقع
الاشتباه على صاحب الانصاف والتنقيح وتبعه من تبعه. والحق أحق أن يتبع (وكذا لو
وصي بكتابة بمحاباة) فتكون المحاباة من رأس المال. وفيه ما تقدم (وإطلاقها يكون بقيمته)
أي لو وصي السيد أن يكاتب عبده وأطلق بأن لم يقل على كذا. كوتب على قيمته لأنه
العدل (وفرع في المستوعب على العتق. فقال وينفذ العتق في مرض الموت في الحال
ويعتبر خروجه) أي العتيق (من الثلث) بعد الموت (لا حين العتق. فلو أعتق في مرضه)
المخوف (أمة تخرج من الثلث حال العتق لم يجز أن يتزوجها) لاحتمال أن لا تخرج من
الثلث عند الموت فلا تعتق كلها (إلا أن يصح) المريض (من مرضه) فيصح تزوجها لنفوذ
العتق قطعا (وإن وهبها) أي وهب المريض أمة (حرم على المتهب وطؤها حتى يبرأ الواهب
أو يموت) فيتبين أنها خرجت من الثلث. وذكر القاضي في خلافه يجوز للمتهب وطؤها أي
391

قبل البرء والموت. واستبعده الشيخ تقي الدين، لأنه يتوقف على إجازة الورثة، فكيف
يجوز قبلها؟ وقد يقال: هو في الظاهر ملكه بالقبض وموت الواهب وانتقال الحق إلى ورثته
مظنون، فلا يمنع التصرف. قاله في القاعدة الثالثة والخمسين (والاستيلاد في المرض)
المخوف (لا يعتبر من الثلث فإنه من قبيل الاستهلاك في مهور الأنكحة وطيبات الأطعمة
ونفائس الثياب والتداوي ودفع الحاجات ويقبل إقرار المريض به) أي بالاستيلاد ونحوه
لتمكنه من إنشائه (ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض) لغير وارث (ف‍) - ما وهبه يعتبر
(من الثلث) اعتبارا بوقت القبض لأنه وقت لزومها (فأما الأمراض الممتدة كالسل) في غير
حال انتهائه (والجذام وحمى الربع) وهي التي تأخذ يوما وتذهب يومين وتعود في الرابع
(والفالج في دوامه، فإن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة وإلا) بأن لم يصر صاحبها
صاحب فراش (فعطاياه كصحيح (1) والهرم إن صار صاحب فراش فكمخوف) أي كالمريض
مرضا مخوفا (ومن كان بين الصفين عند التحام حرب هو فيه واختلطت الطائفتان للقتال
سواء كانتا متفقتين في الدين أو لا) لوجود خوف التلف (وكانت كل واحدة منهما) أي من
الطائفتين (مكافئة للأخرى أو) كانت (إحداهما مقهورة وهو منها فكمرض مخوف) (2) لان
توقع التلف هنا كتوقع المريض أو أكثر فوجب أن يلحق به (فأما) من كان من (القاهرة بعد
ظهورها أو كان) من إحدى الطائفتين و (كل من الطائفتين متميزة) عن الأخرى (لم
يختلطوا) للحرب (وبينهما رمي سهام أو لا فليس) حاله (ب‍) - منزلة مرض (مخوف) لأنه لا
يتوقع التلف قريبا (ومن كان في لجة البحر عند هيجانه) أي ثورانه بهبوب الريح العاصف
فكمرض مخوف لأن الله تعالى وصف هذه الحالة بشدة الخوف بقوله: * (وظنوا أنهم أحيط
بهم) * [يونس: 22]. (أو قدم ليقتل قصاصا أو غيره) فكمرض مخوف وأولى لظهور التلف
وقربه (أو أسر عند من عادته) م (القتل) فكمرض مخوف لأنه يترقبه وإن لم تكن عادتهم القتل
392

فعطاياه كصحيح (أو حامل عند مخاض) أي طلق (1) (حتى تنجو من نفاسها مع ألم ولو)
كان الطلق (بسقط تام الخلق) فكمرض مخوف للخوف الشديد (بخلاف المضغة) إذا
وضعتها فعطاياها كعطايا الصحيح (إلا أن يكون ثم مرض أو ألم) قاله: في المغني فعطاياها
إذن كالمريض المخوف (أو حبس ليقتل) فكمرض مخوف (أو جرح جرحا موحيا مع ثبات
عقله فكمرض مخوف) لأن عمر رضي الله عنه لما جرح سقاه الطبيب لبنا فخرج من جرحه
فقال له الطبيب: أعهد إلى الناس فعهد إليهم ووصى فاتفق الصحابة على قبول عهده
ووصيته. وعلي رضي الله عنه بعد ضرب ابن ملجم أوصى وأمر ونهى فلم يحكم ببطلان
قوله. ومع عدم ثبات عقله لا حكم لعطيته بل ولا لكلامه (وحكم من ذبح) كميت (أو
أبينت حشوته وهي أمعاؤه لا خرقها فقط) من غير إبانة (كميت) (2) فلا يعتد بكلامه. قال
المرفق في فتاويه إن خرجت حشوته ولم تبن ثم مات ولده ورثه، وإن أبينت فالظاهر يرثه
لأن الموت زهوق النفس وخروج الروح ولم يوجد، ولان الطفل يرث ويورث بمجرد
استهلاله. وإن كان لا يدل على حياة أثبت من حياة هذا. قال في الفروع: وظاهر هذا من
الشيخ أن من ذبح ليس كميت مع بقاء روحه (ولو علق صحيح عتق عبد) على صفة كقدوم
زيد أو نزول مطر ونحوه (فوجد شرطه) أي ما علق العتق عليه (في مرضه) المخوف (ولو)
كان وجوده (بغير اختياره ف‍) - عتق العبد يعتبر (من ثلثه) اعتبارا بوقت وجود الصفة، لأنه
وقت نفوذ العتق (وإن اختلف الورثة وصاحب العطية هل أعطيها في الصحة) فتكون من
رأس المال (أو) أعطيها في (المرض) فتعتبر من ثلثه (ف‍) - القول (قولهم) نقله عن الفروع
في شرح المنتهى. وقال: نقله مهنا، في العتق ذكره أخره العطية. وجزم به في (3) المبدع في
مسألة العتق في تعارض البينتين. وقال الحارثي: إذا اختلف الوارث والمعطي هل المرض
مخوف أم لا؟ فالقول قول المعطي، إذ الأصل عدم الخوف وعلى الوارث البينة. انتهى
393

فمسألتنا أولى (وإن كانت) العطية (في رأس الشهر واختلفا) أي الوارث والمعطي (في مرض
المعطي فيه) أي في رأس الشهر (فقول المعطى) بفتح الطاء: أن المعطي بكسرها كان
صحيحا لأن الأصل عدم المرض (وإن عجز الثلث عن التبرعات المنجزة بدئ بالأول
فالأول منها) لأن السابق استحق الثلث، فلم يسقط بما بعده. والتبرع إزالة ملك فيما ليس
بواجب بغير عوض، واحترز بالمنجزة عن الوصية بالتبرع (ولو كان فيها) أي التبرعات
(عتق) فهو كغيره من التبرعات. وعنه يقدم عتق (فإن تساوت) التبرعات المنجزة (بأن وقعت
دفعة واحدة) وضاق الثلث عنها ولم تجزها الورثة (قسم الثلث بين الجميع بالحصص)
لأنهم تساووا في الاستحقاق فيقسم بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس. قال في
المغني فإن كانت كلها عتقا أقرعنا بينهم فكملنا العتق كله في بعضهم (1) لحديث عمران بن
حصين، ولان القصد بالعتق تكميل الاحكام بخلاف غيره. وتبعه الحارثي وغيره (وإذا قال
المريض). مرض الموت المخوف (إن أعتقت سعدا فسعيد حر ثم أعتق) المريض (سعدا
عتق سعيد إن خرج من الثلث) لوجود الصفة (وإن لم يخرج من الثلث (إلا أحدهما عتق
سعد وحده، ولم يقرع بينهما) لسبق عتق سعد (ولو رق بعض سعد لعجز الثلث عن) قيمة
(كله فات إعتاق سعيد) لعدم وجود شرطه (وإن بقي من الثلث بعد إعتاق سعد ما يعتق به
بعض سعيد) عتق (تمام الثلث منه) أي من سعيد لوجود شرط عتقه (وإن قال) المريض: (إن
أعتقت سعدا فسعيد وعمرو حران ثم أعتق سعدا ولم يخرج من الثلث إلا أحدهم عتق سعد
وحده) لما تقدم (وإن خرج من الثلث اثنان أو) خرج (واحد وبعض آخر عتق سعد) لما تقدم
(وأقرع بين سعيد وعمرو فيما بقي من الثلث) لايقاع عتقهما معا من غير تقدم لواحد على
الآخر (ولو خرج من الثلث اثنان وبعض الثالث) عتق سعد كاملا بلا قرعة لما تقدم
394

و (أقرعنا بينهما) أي بين سعيد وعمرو (لتكميل الحرية في أحدهما وحصول التشقيص في
الآخر) لما تقدم (وإن قال) مريض: (إن أعتقت سعدا فسعيد حر) في حال إعتاقي فالحكم
سواء (أو) قال: إن أعتقت سعدا (فسعيد وعمرو حران في حال إعتاقي فالحكم سواء) فيما
تقدم من غير فرق لجعله عتق سعد شرطا لعتق سعيد وحده أو مع عمرو (ولو رق بعض
سعد لفات شرط عتقهما فإن كان الشرط في الصحة والاعتاق) أي وجود الصفة (في المرض
فالحكم على ما ذكرناه) اعتبارا بوقت الاعتاق (وإن قال) مريض: (إن تزوجت فعبدي حر
فتزوج في مرضه بأكثر من مهر المثل فالزيادة محاباة فتعتبر من الثلث) لما تقدم (فإن لم
يخرج من الثلث إلا المحاباة أو العبد قدمت المحاباة) لسبقها إن لم ترث المرأة الزوج
لمانع، أما إن ورثته فعلى المذهب: نتبين أن المحاباة لم تثبت إلا أن يجيزها الورثة، فيتعين
تقديم العتق للزومه من غير توقف على إجازة، فيكون سابقا. قاله الحارثي والشارح (1).
(وإن اجتمعت عطية ووصية وضاق الثلث عنهما، ولم تجز) الورثة (جميعهما قدمت العطية)
لأن العطية لازمة في حق المريض فقدمت على الوصية، كعطية الصحة (ولو قضى مريض
بعض غرمائه) دينه (صح) القضاء (ولم يكن لبقية الغرماء الاعتراض عليه) لأنه تصرف من
جائز التصرف في محله وليس بتبرع (ولم يزاحم المقضي الباقون) من الغرماء (ولو لم تف
تركته ببقية الديون) لأنه أدى واجبا عليه كأداء ثمن المبيع (وما لزم المريض في مرضه من
حق لا يمكن دفعه، وإسقاطه كأرش جناية عبده) وأرش جنايته (وما عاوض عليه بثمن
المثل) بيعا أو شراءا أو إجارة ونحوها (ولو مع وارث) فمن رأس المال، لأنه لا تبرع فيها
ولا تهمة (وما يتغابن الناس بمثله) عادة (فمن رأس المال) لأنه يندرج في ثمن المثل،
395

لوقوع التعارف به (ولا يبطل تبرعه) أي المريض (بإقراره بعده) أي التبرع (بدين) لأن الحق
ثبت بالتبرع في الظاهر (ولو حابى) المريض (وارثه بطلت) تصرفاته (في قدرها) أي المحاباة
(إن لم تجز الورثة) (1) لأن المحاباة كالوصية وهي لوارث باطلة فكذا المحاباة (وصحت في
غيرها) وهو ما لا محاباة فيه (بقسطه) لأن المانع من صحة البيع المحاباة، وهي هنا
مفقودة. فعلى هذا لو باع شيئا بنصف ثمنه فله نصفه بجميع الثمن لأنه تبرع له بنصف
الثمن. فبطل التصرف فيما تبرع به (وللمشتري الفسخ) لأن الصفقة تبعضت في حقه فشرع
له ذلك دفعا للضرر، فإن فسخ وطلب قدر المحاباة أو طلب الامضاء في الكل، وتكميل
حق الورثة من الثمن لم يكله ذلك (وإن كان له) أي الوارث المحابي (شفيع فله) أي
الشفيع (أخذه) أي الشقص الذي وقعت فيه المحاباة، لأن الشفعة تجب بالبيع الصحيح.
وقد وجد (2). (فان أخذه) الشفيع (فلا خيار للمشتري) (3) لزوال الضرر عنه، لأنه لو فسخ
البيع رجع بالثمن وقد حصل له من الشفيع (ولو باع المريض أجنبيا) شقصا (وحاباه) في
ثمنه (وله) أي الأجنبي (شفيع وارث أخذها) لما تقدم (إن لم يكن حيلة) على محاباة
الوارث، فإن كان كذلك لم يصح لأن الوسائل لها حكم المقاصد. وقوله: (لأن المحاباة
لغيره) (4) أي الوارث متعلق بأخذها على أنه علة له كما لو وصى لغريم وارثه، ولأنه إنما
منع منها في حق الوارث لما فيها من التهمة من إيصال المال إلى بعض الورثة المنهي عنه
شرعا، وهذا معدوم فيما إذا أخذ بالشفعة. وإن أجر المريض نفسه وحابى المستأجر وارثا
كان أو غيره، صح مجانا بخلاف عبيده وبهائمه (ويعتبر الثلث عند الموت) لأن العطية
معتبرة بالوصية. والثلث في الوصية معتبر بالموت، لأنه وقت لزومها وقبولها وردها فكذلك
في العطية (فلو أعتق) مريض (عبدا لا يملك غيره ثم ملك) المريض (مالا فخرج) العبد (من
ثلثه تبينا أنه عتق كله) لخروجه من الثلث عند الموت (وإن صار عليه) أي المريض (دين
يستغرقه) أي العبد (لم يعتق منه شئ) لأن الدين مقدم على الوصية، والعتق في المرض
396

في معناها، فإن مات قبل سيده مات حرا. قاله في المبدع (1).
فصل:
حكم العطية في مرض الموت حكم الوصية في أشياء كما تقدم
منها: أنه يقف نفوذها على خروجها من الثلث، أو إجازة الورثة. ومنها: أنها لا
تصح لوارث إلا بإجازة الورثة. ومنها: أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة. ومنها: أنها
تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كتزاحم الوصايا، ومنها: أن خروجها من الثلث
يعتبر حال الموت لا قبله ولا بعده (وتفارق العطية) في المرض (الوصية في أربعة أشياء.
أحدها أن يبدأ بالأول فالأول منها) لوقوعها لازمة (والوصية يسوى بين متقدمها ومتأخرها) (2)
لأنها تبرع بعد الموت فوجد دفعة واحدة (الثاني: لا يصح الرجوع في العطية) بعد القبض
لأنها لازمة في حق المعطي، ولو كثرت وإنما منع من التبرع بزيادة على الثلث لحق الورثة
(بخلاف الوصية) (3) فإنه يملك الرجوع فيها، لأن التبرع فيها مشروط بالموت فقبل الموت
لم يوجد. فهي كالهبة قبل القبول (الثالث: يعتبر قبوله للعطية عند وجودها) لأنها تمليك في
الحال (والوصية بخلافه) (4) فإنها تمليك بعد الموت، فاعتبر عند وجوده (الرابع: أن الملك
يثبت في العطية من حينها) بشروطها لأنها إن كانت هبة فمقتضاها تمليكه الموهوب في
الحال كعطية الصحة. وكذا إن كانت محاباة أو إعتاقا (ويكون) الملك (مراعى) لأنا لا نعلم
هل هو مرض الموت أم لا؟ ولا نعلم هل يستفيد مالا أو يتلف شئ من ماله؟ فتوقفنا لنعلم
عاقبة أمره لنعمل بها. قال في الاختيارات: ذكر القاضي أن الموهوب له يقبض الهبة
ويتصرف فيها مع كونها موقوفة على الإجازة. وهذا ضعيف. والذي ينبغي أن تسليم
397

الموهوب إلى الموهوب له يذهب حيث يشاء، وإرسال العبد المعتق وإرسال المحابي لا
يجوز، بل لا بد أن يوقف أمر التبرعات على وجه يتمكن الوارث من ردها بعد الموت إذا
شاء (فإذا خرجت) العطية (من ثلثه عند موته تبينا أنه) أي الملك (كان ثابتا من حينه) (1) أي
الاعطاء لأن المانع من ثبوته كونه زائدا على الثلث. وقد تبين خلافه (فلو أعتق) رقيقا في
مرضه (أو وهب رقيقا) لغير وارثه (في مرضه فكسب) الرقيق (ثم مات سيده فخرج) الرقيق
(من الثلث كان كسبه له إن كان معتقا) لأنا تبينا حريته من حين العتق (و) كان كسب الرقيق
(للموهوب له إن كان موهوبا) لأن الكسب تابع لملك الرقبة (وإن خرج بعضه) من الثلث
(فلهما) أي المعتق والموهوب له (من كسبه بقدره) أي بقدر ذلك البعض الخارج من الثلث
(فلو أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب) العبد (مثل قيمته قبل موت سيده فقد عتق منه شئ
وله من كسبه شئ) (2) لأن الكسب يتبع ما تنفذ فيه العطية دون غيره فيلزم الدور لأن للعبد
من كسبه بقدر ما عتق وباقيه لسيده، ثم التركة اتسعت بحصة الرق لأن حصة العتق ملك
للعبد بجزئه الحر. فلا تدخل في التركة وإذا اتسعت التركة اتسعت الحرية فتزيد حصتها من
الكسب ومن ضرورة هذا نقصان حصة التركة من الكسب فتنقص الحرية فتزيد التركة فتزيد
الحرية. فتدور زيادته على زيادته ونقصانه ولاستخراج المقصود وانفكاك الدور طرق حسابية
اقتصر المصنف منها على طريق الجبر فتقول عتق من العبد شئ وله من كسبه شئ (ولورثة
سيده شيئان فصار العبد وكسبه نصفين) لأن العبد لما استحق بعتقه شيئا وبكسبه شيئا كان له
في الجملة شيئان وللورثة شيئان (فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه) غير محسوب عليه، لأنه
استحقه بجزئه الحر لا من جهة سيده (وللورثة نصفهما) (3) وذلك مثلا ما عتق (فلو كان
العبد يساوي عشرة فكسب قبل الوفاة مثلها) عشرة (عتق منه شئ وله من الكسب شئ
وللورثة شيئان فيعتق نصفه ويأخذ خمسة) لا تحسب عليه (وللورثة نصفه) أي العبد
398

(وخمسة) من كسبه ذلك مثلا ما عتق (وإن كسب مثلي قيمته صار له) من كسبه (شيئان
وعتق منه شئ وللورثة شيئان فيعتق منه ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس من كسبه والباقي)
منه ومن كسبه (للورثة) (1). وإن كسب ثلاثة أمثال قيمته فقد عتق منه شئ وله ثلاثة أشياء
من كسبه وللورثة شيئان فيعتق منه ثلثاه وله ثلثا كسبه وللورثة الباقي (وإن كسب نصف قيمته
عتق منه شئ له نصف شئ من كسبه وللورثة شيئان) فالجميع ثلاثة أشياء ونصف، أبسطها تكن
سبعة له ثلاثة أسباعها (فيعتق منه ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي) أربعة أسباع
كسبه (للورثة (2). وإن كان) العبد (موهوبا لانسان فله) أي الموهوب له (من العبد بقدر ما
عتق منه) في المسائل السابقة (وبقدره من كسبه) لأن الكسب يتبع الملك، ولو كانت قيمته
مائة وكسب تسعة فاجعل له من كل دينار شيئا فقد عتق منه مائة شئ وله من كل دينار
شئ. فقد عتق منه مائة شئ وله من كسبه تسعة أشياء ولهم مائتا شئ، فيعتق منه مائة
جزء وتسعة أجزاء من ثلاثمائة وتسعة وله من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا جزء من نفسه
ومائتا جزء من كسبه فإن كسبه كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرف من
العبد ومن كسبه ما يقضى منه الدين وما بقي منهما يقسم على ما تعمل في العبد الكامل
وكسبه (وإن أعتق جارية ثم وطئها بنكاح أو غيره) كشبهة (ومهر مثلها نصف قيمتها فكما لو
كسبت نصف قيمتها) لأن مهور النساء كسب لهن (يعتق منها ثلاثة أسباعها سبع بملكها له
بمهرها) ولا ولاء عليها لاحد. قاله في المبدع (3). ونقله الحارثي عن بعض الأصحاب ولم
يسمه (وسبعان) يعتقان (بإعتاق المتوفى) قال في المبدع: وفي التشبيه نظر من حيث إن
الكسب يزيد به ملك السيد وذلك يقتضي الزيادة في العتق والمهر ينقصه وذلك يقتضي
نقصان العتق ونقله الحارثي عن بعض متأخري الأصحاب، وقال هو كما قال: (ولو وهبها)
المريض (لمريض آخر لا مال له فوهبها الثاني للأول) وماتا (صحت هبة الأول في شئ
399

وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه وبقي لورثة الآخر ثلثا شئ وللأول) أي ورثته (شيئان) فأضربها
في ثلاثة ليزول الكسر تكن ثمانية أشياء تعدل الأمة الموهوبة (فلهم) أي لورثة الأول (ثلاثة
أرباعها) ستة (ولورثة الثاني ربعها) (1) شيئان وإن شئت قلت: المسألة من ثلاثة لأن الهبة
صحت في ثلث المال وهبة الثاني صحت في الثلث، فتكون من ثلاثة، أضربها في أصل
المسألة تكن تسعة، أسقط السهم الذي صحت فيه الهبة الثانية بقيت المسألة من ثمانية
(ولو باع مريضا قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة وهما) أي القفيزان
من (جنس واحد فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه مع التخلص من الربا) لكونه يحرم
التفاضل بينهما (فأسقط) عشرة (قيمة الردئ من) ثلاثين قيمة (الجيد ثم أنسب الثلث إلى
الباقي وهو عشرة من عشرين تجده نصفها. فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الردئ)
لأن ذلك مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميع الثمن. أشبه ما
لو اشترى سلعتين بثمن فانفسخ البيع في إحداهما بعيب أو غيره (ويبطل) البيع (فيما
بقي) (2). لانتفاء المقتضي للصحة ولم يصح في الجيد بقيمة الردئ ويبطل في غيره (حذرا
من ربا الفضل) لكونه بيع ثلث الجيد بكل الردئ وذلك ربا (ولا شئ للمشتري سوى
الخيار) لتفريق الصفقة (وإن شئت في عملها) أي عمل الأخير (فانسب ثلث الأكثر) وهو
ثلاثون وثلثه عشرة فأنسبها (من المحاباة) وهي عشرون تكن النصف (فيصح البيع فيهما
بالنسبة وهو هنا نصف الجيد بنصف الردئ. وإن شئت فاضرب ما حاباه) به وهو عشرون
(في ثلاثة) مخرج الثلث (يبلغ ستين ثم انسب قيمة الجيد) ثلاثين (إليها فهو نصفه فيصح
بيع نصف الجيد بنصف الردئ وإن شئت فقل قدر المحاباة الثلثان ومخرجهما ثلاثة فخذ
400

للمشتري سهمين منه) أي من المخرج وهو ثلاثة (وللورثة أربعة) مثلا ما للمشتري (ثم
انسب المخرج) وهو الثلاثة (إلى الكل) وهو الستة تجده (بالنصف فيصح بيع نصف أحدهما
بنصف الآخر وب‍) - طريق (الجبر) يقال (يصح بيع شئ من الأعلى بشئ من الأدنى) ف‍ (- قيمته
ثلث شئ من الأعلى فتكون المحاباة بثلثي شئ منه) أي الجيد (فألقها منه يبقى قفيز الا
ثلثي شئ يعدل مثل المحاباة منه، وهو شئ وثلث شئ. فإذا جبرت قابلت عدل شيئين
فالشئ نصف قفيز) فإن كان الأدنى يساوي عشرين صحت في جميع الجيد بجميع
الردئ، وإن كان الأدنى يساوي خمسة عشر فاعمل على ما تقدم يصح بيع الجيد بثلثي
الردئ. ويبطل فيما عداه (1) (فلو لم يفض إلى الربا كما لو باعه عبدا يساوي ثلاثين لا
يملك غيره بعشرة ولم تجز الورثة) المحاباة (صح بيع ثلثه) أي العبد (بالعشرة والثلثان
كالهبة، فيرد الأجنبي نصفهما وهو عشرة. ويأخذ عشرة بالمحاباة، وإن كانت المحاباة مع
وارث صح البيع في ثلثه) أي العبد بالعشرة (ولا محاباة) حيث لم تجز الورثة (ولهما) أي
الأجنبي والوارث (فسخه) أي البيع لتفريق الصفقة (وإذا أفضى إلى إقالة بزيادة أو) أفضى إلى
(ربا فضل فكالمسألة الأولى) فلو أسلف عشر في كر حنطة، ثم أقاله في مرضه وقيمته
ثلاثون صحت في نصفه بخمسة، وبطلت فيما بقي، لئلا يفضي صحتها في أكثر من ذلك
إلى الإقالة في السلم بزيادة إلا أن يكون وارثا (وقدم في الفروع وغيره في المسألة الأولى)
وهي ما إذا باع المريض قفيزا يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة (أن له) أي المشتري (ثلثه)
أي الجيد (بالعشرة وثلثه بالمحاباة لنسبتهما من قيمته. فيصح بقدر النسبة. وإن أصدق)
مريض (امرأة عشرة لا مال له غيرها وصداق مثلها خمسة فماتت قبله ثم مات) فيدخلها
401

الدور (ف‍) - نقول: (لها بالصداق خمسة) وهي مهر مثلها (وشئ بالمحاباة رجع إليه
نصف ذلك) إرثا (بموتها) إن لم يكن لها ولد (صار له سبعة ونصف إلا نصف شئ)
لأنه كان له خمسة الأشياء وورث اثنين ونصفا ونصف شئ (يعدل شيئين) لأنه مثلا
ما استحقته المرأة بالمحاباة وذلك شئ (أجبرها بنصف شئ) ليعلم (وقابل) أي
يزاد على الشيئين نصف شئ ليقابل ذلك النصف المزاد أي يبقى سبعة ونصف
يعدل شيئين ونصفا (يخرج الشئ ثلاثة، فلورثته ستة) لأن لهم شيئين (ولورثتها
أربعة) (1). لأنه كان لها خمسة وشئ وذلك ثمانية، رجع إلى ورثته نصفها وهي
أربعة. والطريق في هذا أن تنظر ما بقي في يد ورثة الزوج فخمساه هو الشئ الذي
صحت المحاباة فيه. وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا والشئ هو
خمساها، وإن شئت أسقطت خمسة وأخذت نصف ما بقي (وإن مات قبلها ورثته)
لأنها زوجته (وسقطت المحاباة) (2) لأنها لوارث فلا تصح. فإن قام بها مانع نحو
كفر لم تسقط لعدم الإرث (ولو وهبها) أي وهب المريض زوجته (كل ماله فماتت
قبله) ثم مات (فلورثته أربعة أخماسه ولورثتها خمسة) وطريق ذلك بالجبر أن تقول.
صحت الهبة في شئ وعاد إليه نصفه بالإرث يبقى لورثته المال كله إلا نصف شئ
يعدل ذلك شيئين. فإذا جبرت وقابلت خرج الشئ خمسي المال وهو ما صحت فيه
الهبة فيحصل لورثته أربعة أخماس ولعصبتها خمسه (ويأتي في الخلع له تتمة إن شاء
الله) تعالى.
(وللمريض لبس الناعم وأكل الطيب لحاجة) لأن حق وارثه لم يتعلق بعين ماله (وإن
فعله لتفويت الورثة منع من ذلك) لأنه لا يستدرك كإتلافه. قال في الاختيارات: ودعوة
المريض فيما خرج عن العادة ينبغي أن يعتبر من الثلث.
402

فصل:
(لو ملك)
في صحته (ابن عمه فأقر في مرضه أنه) كان (أعتقه في صحته) عتق من رأس ماله (أو
ملك) المريض (من يعتق عليه) كأبيه وعمه (بهبة أو وصية عتق من رأس ماله) (1) لأنه لا
تبرع فيه إذ التبرع بالمال إنما هو بالعطية أو الاتلاف أو التسبب إليه. وهذا ليس بواحد
منها، والعتق ليس من فعله، ولا يتوقف على اختياره، فهو كالحقوق التي تلزم بالشرع،
وقبول الهبة ونحوها ليس بعطية ولا إتلاف لماله وإنما هو تحصيل لشئ تلف بتحصيله.
فأشبه قبوله لشئ لا يمكنه حفظه وفارق الشراء فإنه تضييع لماله في ثمنه (وورث) لأنه لا
مانع به من موانع الإرث (فلو اشترى) مريض (ابنه) ونحوه (بخمسمائة وهو يساوي ألفا
فقدر المحاباة) الحاصلة للمريض من البائع وهو خمسمائة (من رأس ماله) أي فلا يحتسب
بها في التركة ولا عليها. ويحسب الثمن من ثلثه وكذا ثمن كل من يعتق عليه لأنه عتق في
المرض (2) (ولو اشترى) مريض (من) أي قريبه الذي إن مات (يعتق على وارثه) كمريض
ورثه ابن عم له فوجد أخا ابن عمه يباع فاشتراه (صح) الشراء (وعتق على وارثه) أخيه عند
موت المشتري (وإن دبر) مريض (ابن عمه) أو ابن عم أبيه ونحوه (عتق) بموته (ولم يرث)
لأن الإرث شرطه الحرية ولم تسبقه فلم يكن أهلا للإرث (ولو قال: أنت حر آخر حياتي) ثم
مات السيد (عتق وورث) لسبق الحرية الإرث (وليس عتقه وصية له) أي فلا يتوقف على
إجازة الورثة لأنه حال العتق غير وارث وإنما يكون وارثا بعد نفوذه (ولو اشترى) مريض
(من يعتق عليه ممن يرث) منه كأبيه وابن عمه عتق من الثلث وورث لما تقدم (أو أعتق
بمباشرة أو تعليق (ابن عمه) ونحوه (في مرضه عتق) إن خرج (من الثلث وورث) لعدم
المانع وتقدم (وإن لم يخرج) ثمن من يعتق عليه أو قيمة من أعتقه (من الثلث عتق منه
بقدره) أي بقدر الثلث لأنه تبرع (ويرث بقدر ما فيه من الحرية) لما سيأتي في إرث المبعض
403

فلو اشترى أباه بكل ماله وترك ابنا عتق ثلث الأب على الميت وله ولاؤه وورث من نفسه
بثلثه الحر ثلث سدس باقيها المرقوق ولا ولاء على هذا الجزء لاحد وبقية الثلثين تعتق على
الابن وله ولاؤها ولو كان الثمن تسعة دنانير وقيمته ستة فقد حصل منه عطيتان محاباة البائع
بثلث المال وعتق الأب فيتحاصان لتقارنهما لأن ملك المريض لأبيه مقارن لملك البائع
لثمنه فللبائع ثلث الثلث محاباة وثلثاه للأب عتقا يعتق به ثلث رقبته ويرد دينارين وثلثا الأب
مع الدينارين تركة. وقوله في شرح المنتهى، للابن فيه نظر بل للأب بثلثه الحر ثلث
السدس والباقي للابن على ما تقدم (ولو أعتق) مريض (أمته وتزوجها في مرضه) المخوف
ثم مات (ورثته) (1) لعدم المانع (وتعتق إن خرجت من الثلث ويصح النكاح وإلا) بأن لم
تخرج من الثلث (عتق) منها (قدره وبطل النكاح) أي تبينا بطلانه لأنه نكح مبعضة يملك
بعضها فيبطل إرثها لبطلان سببه وهو النكاح (ولو أعتقها) في مرضه (وقيمتها مائة ثم تزوجها
وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهما مهر مثلها ثم مات صح العتق) والنكاح (ولم تستحق
الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها) (2) لأنها إذا استحقت الصداق لم يبق
له سوى قيمة الأمة المقدر بقاؤها فلا ينفذ العتق في كلها للحجر عليه فيما زاد على الثلث
وإذا بطل العتق في البعض بطل النكاح وإذا بطل الصداق ولو أعتقها وأصدق
المائتين أجنبية وهما مهر مثلها ومات قبل أن يتجدد له مال صح الاصداق وبطل العتق في
ثلثي الأمة لأن الخروج من الثلث معتبر بحال الموت وحال الموت لم يبق له مال وكذا لو
تلفت المائتان قبل موته (وإن تبرع) مريض (بثلث ماله ثم اشترى أباه من الثلثين صح الشراء
ولم يعتق) منه شئ لسبق التبرع بالثلث (فإذا مات) المشتري (عتق) أبوه (على الورثة إن
كانوا ممن يعتق عليهم) كالأولاد والإخوة لأب لأنهم ملكوا من يعتق عليهم (ولا يرث)
الأب من ابنه شيئا (لأنه لم يعتق في حياته) ومن شرط الإرث حرية الوارث عند الموت.
404

كتاب الوصايا
يقال: وصى توصية وأوصى إيصاء والاسم الوصية والوصاة والوصاية بفتح الواو
وكسرها والوصايا: جمع وصية كقضايا: جمع قضية وأصله وصائي بهمزة مكسورة بعد المد
يليها ياء متحركة هي لام الكلمة فتحت هذه الهمزة العارضة في الجمع وقلبت الياء ألفا
لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار وصاءا، فكرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة فقلبوها ياء فصار
وصايا. قال في المبدع: ولو قيل: إن وزنه فعالى وإن جمع المعتل خلاف جمع الصحيح
لكان حسنا انتهى وهي مأخوذة من وصيت الشئ أصية إذا وصلته فإن الميت وصل ما كان
فيه من أمر حياته بما بعده من أمر مماته، (الوصية) لغة الامر (1) قال تعالى: * (ووصى بها
إبراهيم بنيه ويعقوب) * [البقرة: 132]. وقال: * (ذلكم وصاكم به) * [الانعام: 151]. ومنه
قول الخطيب: أوصيكم بتقوى الله وطاعته. وشرعا (2) (الامر بالتصرف بعد الموت) كأن
يوصي إلى إنسان بتزويج بناته أو غسله أو الصلاة عليه إماما أو الكلام على أصغار أولاده أو
تفرقة ثلثه ونحوه، والأصل فيها الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: * (كتب
عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) * [البقرة: 180]. وأما السنة فقوله
(ص): ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده (3) متفق
عليه وأوصى أبو بكر بالخلافة لعمر ووصى بها عمر إلى أهل الشورى وخرج بقوله: بعد
405

الموت الوكالة (ولا تجب) الوصية لأجنبي لعدم دليل وجوبها ولا لقريب وآية * (كتب
عليكم إذا حضر أحدكم الموت) * [البقرة: 180]. منسوخة أخرجه أبو داود عن ابن عباس
(إلا على من عليه دين) بلا بينة (أو عنده وديعة) بلا بينة (أو عليه واجب) من زكاة أو حج
أو كفارة أو نذر فيجب عليه أن (يوصي بالخروج منه) لأن أداء الأمانات والواجبات واجب
وطريقة الوصية والحد السابق لاحد نوعي الوصية وذكر الثاني بقوله: (والوصية بالمال التبرع
به) أي بالمال (بعد الموت) أخرج به الهبة (وتصح) الوصية (من البالغ الرشيد سواء كان
عدلا أو فاسقا رجلا أو امرأة مسلما أو كافرا) (1) لأن هبتهم صحيحة فالوصية أولى والمراد
ما لم يعاين الموت قاله: في الكافي لأنه لا قول له والوصية قول قال: في الآداب الكبرى
ولعل المراد ملك الموت فيكون كقول الرعاية وتقبل أي التوبة ما لم يعاين التائب الملك
وقيل ما دام مكلفا وقيل ما لم يغرغر أي تبلغ روحه حلقومه (و) تصح الوصية (من
المحجور عليه لفلس) وتقدم في الحجر لأن الحجر عليه لحط الغرماء ولا ضرر عليهم لأنه
إنما تنفذ وصيته في ثلثه بعد وفاء ديونه (و) تصح (من العبد والمكاتب والمدبر وأم الولد في
غير المال) لأن لهم عبادة صحيحة وأهلية تامة (و) أما وصيتهم (في المال) ف‍ (إن ماتوا
على الرق فلا وصية تصح لهم) لانتفاء ملكهم (ومن عتق منهم ثم مات ولم يغير وصيته
صحت) وصيته (لأن الوصية تصح مع عدم المال كالفقير إذا أوصى ولا شئ) من المال (له
ثم استغنى) صحت وصيته (وتصح) الوصية (من المحجور عليه لسفه بمال) لأنها تمحضت
نفعا له من غير ضرر، فصحت منه كعباداته ولأنه إنما حجر عليه لحفظ ماله وليس في
الوصية إضاعة له، لأنه إن عاش كان ماله له وإن مات كان ثوابه له، وهو أحوج إليه من
غيره. و (لا) تصح الوصية من المحجور عليه لسفه (على أولاده) لأنه لا يملك أن يتصرف
عليهم بنفسه فوصيته أولى (و) تصح الوصية (من مميز عاقل) (2) للوصية لأنها تصرف
تمحض نفعا له فصح منه كالإسلام والصلاة. و (لا) تصح الوصية (من سكران ومجنون)
مطبق (ومبرسم وطفل دون التمييز) لأنه لا حكم لكلامهم (ولا) تصح الوصية (ممن اعتقل
406

لسانه بإشارة ولو فهمت إذا لم يكن مأيوسا من نطقه كقادر) على الكلام. وفي مصنف ابن
أبي شيبة بسند صحيح عن قتادة عن خلاس أن امرأة قيل: لها في مرضها أوصي بكذا أوصي
بكذا، فأومأت برأسها. فلم يجزه علي بن أبي طالب (ولا) تصح الوصية (من أخرس لا
تفهم إشارته فإن فهمت) إشارته (صحت) لأن تعبيره إنما يحصل بذلك عرفا. فهي كاللفظ
من قادر عليه، وفيه تنبيه على صحتها منه بالكتابة (وتصح) الوصية (في إفاقة من يخنق في)
بعض ال‍ (- أحيان) لأنه في إفاقته عاقل (والضعيف في عقله إن منع) ضعفه (ذلك رشده في ماله
فكسفيه) تصح وصيته في ماله لا على ولده، وإن لم يمنع رشده فهو جائز التصرف (وإن
وجدت وصيته بخطه الثابت) أنه خطه (بإقرار ورثته أو بينة تعرف خطه صحت) الوصية
(وعمل بها) (1) قال في الاختيارات: وتنفذ الوصية بالخط المعروف وكذا الاقرار إذا وجد
في دفتره. وهو مذهب الإمام أحمد انتهى لقوله (ص): ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين إلا
ووصيته مكتوبة عنده (2) ولم يذكر أمرا زائدا على الكتابة فدل على الاكتفاء بها. واستدل
أيضا بأنه (ص) كتب إلى عماله وغيرهم (3) ملزما للعمل بتلك الكتابة وكذلك الخلفاء
الراشدون من بعده ولان الكتابة تنبئ عن المقصود فهي كاللفظ. قال القاضي في شرح
المختصر ثبوت الخط يتوقف على معاينة البينة أو الحاكم لفعل الكتابة. وقال الحارثي: وقول
أحمد إن كان عرف خطه وكان مشهور الخط ينفذ ما فيها يخالف ما قال. فإنه أناط الحكم
بالمعرفة والشهرة من غير اعتبار لمعاينة الفعل وهو الصحيح إلى أن قال: ولا شك أن
المقصود حصول العلم بنسبة الخط إليه وذلك موجود بحيث يستقر في النفس استقرارا لا
تردد معه، فوجب الاكتفاء به (ما لم يعلم رجوعه عنها) أي الوصية فتبطل لأنها جائزة كما
يأتي. فله الرجوع عنها. وإذا لم يعلم رجوعه عنها عمل بها (وإن تطاولت مدته وتغيرت
أحوال الموصي، مثل أن يوصي في مرض فيبرأ منه ثم يموت بعد) ذلك (أو يقتل لان
407

الأصل بقاؤه) أي الموصي على وصيته (وعكسها) أي عكس المسألة (ختمها) أي الوصية
(والاشهاد عليها ولم يعرف أنه خطه) فلا يعمل به (لكن لو تحقق أنه خطه من خارج عمل
به) أي بالخط (لا بإشهاد عليها) مختومة لأنه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه فلم يجز أن
يشهد عليه ككتاب القاضي إلى القاضي (وعكس الوصية الحكم فإنه لا يجوز) للقاضي
الحكم (برؤية خط الشاهد) احتياطا للحكم (ولو رأى الحاكم حكمه بخطه تحت ختمه ولم
يذكر أنه حكم به أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة لم يجر للحاكم إنفاد
الحكم بما وجده) بخطه تحت حكمه (ولا للشاهد الشهادة بما رأى خطه به) (1) على
الصحيح احتياطا. والفرق بين ذلك والوصية أنها سومح فيها بصحتها مع الغرر والخطر
وبالمعدوم والمجهول. فجازت المسامحة فيها بالعمل بالخط كالرواية بخلاف الحكم
والشهادة (ويأتي) ذلك (في باب كتاب القاضي إلى القاضي و) يأتي (أيضا آخر الباب الذي
قبله) مفصلا (ويسن أن يكتب الموصي وصيته) للحديث السابق (و) يسن أن (يشهد)
الموصي (عليها) بعد أن يسمعوها منه أو تقرأ عليه فيقر بها قطعا للنزاع (ويستحب أن يكتب
في صدرها: هذا ما أوصى) به (فلان) ابن فلان (أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله
يبعث من في القبور وأوصى أهلي أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن
كانوا مؤمنين وأوصيهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين
فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (2). لما ثبت عن أنس بن مالك قال: هكذا كانوا يوصون (3)
أخرجه الدارمي أخرجه أيضا سعيد بن منصور وفي أوله كانوا يكتبون في صدور وصاياهم
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصي.
408

فصل:
(والوصية ببعض المال ليست واجبة) لما قدمنا
(بل مستحبة) (1) لأنها بر ومعروف وعن معاذ بن جبل أن النبي (ص) قال: إن الله
تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زكاة في
أعمالكم (2). رواه الدارقطني (لمن ترك خيرا وهو) أي الخير (المال الكثير عرفا) فلا
يتقدر بشئ لأنه لا نص في تقديره (بخمس ماله) روي عن أبي بكر وعلي رضي الله
عنهما قال أبو بكر: رضيت بما رضي الله تعالى لنفسه يعني في قوله تعالى: * (واعلموا
أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول) * [الأنفال: 41]. (لقريب فقير لا يرث)
لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين فخرج منه الوارثون بقوله (ص): لا وصية
لوارث (3) وبقي سائر الأقارب على الوصية لهم وأقل ذلك الاستحباب ولان الصدقة
عليهم في الحياة أفضل فكذا بعد الموت (فإن كان القريب غنيا فلمسكين وعالم ودين
ونحوهم) كالغزاة (وتكره) الوصية (لغيره) أي غير من ترك مالا كثيرا (إن كان له وارث)
محتاج كما في المغني (4). لقوله (ص): أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة (5)
قال: ولان إعطاء القريب المحتاج، خير من إعطائه الأجنبي. فمتى لم يبلغ الميراث غناهم
كان تركه لهم، كعطيتهم إياه فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم، فعلى هذا يختلف
الحال باختلاف الورثة، في كثرتهم وقلتهم وغناهم وفقرهم (ومن لا وارث له بفرض أو
409

عصبة أو رحم تجوز وصيته بكل ماله) (1) روي عن ابن مسعود، لأن منع مجاوزة الثلث ثبت
لحق الورثة. بدليل قوله (ص): إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة فحيث لا
وارث ينتفي المنع لانتفاء علته (فلو مات وترك زوجا أو زوجة لا غير، و) كان قد (أوصى
بجميع ماله) لزيد أو الفقراء (ورد) الوصية أحد الزوجين (بطلت) الوصية (في قدر فرضه من
الثلثين) فإن كان الراد زوجا بطلت في الثلث، لأن له نصف الثلثين، وإن كان زوجة
بطلت في السدس، لأن لها ربع الثلثين (فيأخذ الموصى له الثلث) لأنه لا يتوقف على
إجازة (ثم يأخذ أحد الزوجين فرضه من الباقي، وهو الثلثان فيأخذ ربعهما) وهو سدس (إن
كان) الراد (زوجة ونصفهما) وهو ثلث (إن كان) الراد (زوجا، ثم يأخذ الموصى له) من
(الباقي من الثلثين) لأن الزوجين لا يرد عليهما، فلا يأخذان من المال أكثر من فرضيهما
(ولو أوصى أحد الزوجين للآخر بماله كله. وليس له) أي الموصي (وارث غيره أخذ)
الموصى له (المال كله إرثا ووصية) لما تقدم (وتحرم الوصية) على الصحيح من المذهب.
نص عليه. قاله في الانصاف (2) (وقيل تكره) قال في الانصاف (وهو الأولى) ولو قيل
بالإباحة لكان له وجه (3) (اختاره جمع) وجزم به في التبصرة والهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والخلاصة، والرعاية الصغرى، والحاوي الصغير والنظم وغيرهم
(على من له وارث غير أحد الزوجين بزيادة على الثلث، لأجنبي، وبشئ) مطلقا (لوارث)
سواء وجدت في صحة الموصي أو مرضه. لقوله (ص): لسعد حين قال: أوصي بمالي كله؟
قال: لا قال: فالشطر. قال: لا. قال: الثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر
ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس (4) متفق عليه. ولقوله (ص): إن الله
أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث (5) رواه الخمسة، إلا النسائي (وتصح) هذه
410

الوصية المحرمة (وتقف على إجازة الورثة) لحديث ابن عباس مرفوعا: لا تجوز وصية
لوارث، إلا أن يشاء الورثة (1) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: لا وصية
لوارث إلا أن يجيز الورثة (2) رواهما الدارقطني، والاستثناء من النفي إثبات. فيكون ذلك
دليلا على صحة الوصية عند الإجازة، ولو خلا عن الاستثناء. فمعناه: لا وصية نافذة أو
لازمة وما أشبه ذلك، وهذان الحديثان مخصصان لما تقدم من العموم، ولان المنع من
ذلك، إنما هو الورثة، فإذا رضوا بإسقاطه سقط (إلا إذا أوصى بوقف ثلثه على بعض
الورثة، فيجوز وتقدم في الباب قبله، وإن أسقط) مريض (عن وارثه دينا) فكوصية (أو ان
أوصى بقضائه) أي قضاء دين عن وارثه (أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها) فكوصية (أو
عفا عن جناية موجبها المال) في مرضه المخوف (فكالوصية) يتوقف على إجازة باقي
الورثة، لأنه تبرع في المرض فهو كالعطية فيه (وإن أوصى لولد وارثه) بالثلث فما دون
(صح) ذلك، لأنها وصية لغير وارث (فإن قصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين
الله) لأن الوسائل لها حكم المقاصد وتنفذ حكما كما تقدم (وتصح وصية) من صحيح
ومريض (لكل وارث بمعين) من المال (بقدر إرثه (3)، ولو لم تجز الورثة، كرجل خلف ابنا
وبنتا. و) خلف (عبدا قيمته مائة وأمة قيمتها خمسون فوصى له به) أي للابن بالعبد (و)
وصى (لها بها) أي للبنت بالأمة، فيصح، لأن حق الوارث في القدر لا في العين بدليل ما
لو عاوض المريض بعض ورثته أو أجنبيا جميع ماله بثمن مثله، فإن ذلك يصح. ولو
تضمن فوات عين جميع المال (وكذا وقفه) أي المريض الثلث فأقل على بعض ورثته، وكذا
وصيته بوقف الثلث فأقل على بعض ورثته، وتقدم في الوقف، فإن وقف أكثر من الثلث.
صح (لكن بالإجازة فيما زاد على الثلث، ولو كان الوارث) الموقوف عليه (واحدا) لأنه
411

يملك رده إذا كان على غيره فأحرى على نفسه (وإن لم يف الثلث بالوصايا.
ولم تجز الورثة تحاصوا فيه) (1) أي الثلث، فيدخل النقص على كل منهم بقدر وصيته
(ولو) كانت وصية بعضهم (عتقا كمسائل العول) لأنهم تساووا في الأصل، وتفاوتوا في
المقدار، فوجب أن يكون كذلك (والعطايا المعلقة بالموت. كقوله: إذا مت فأعطوا
فلانا كذا، أو) إذا مت ف‍ (- أعتقوا فلانا. ونحوه. وصايا كلها) لأنها تبرع بعد الموت،
وهذا معنى الوصية كما تقدم (ولو كانت) الوصايا والعطايا المعلقة بالموت (في حال
الصحة) أو بعضها في الصحة وبعضها في المرض، فيسوي بينهم (ويسوي بين مقدمها
ومؤخرها) لأنها تبرع بعد الموت، فوجد دفعة واحدة. وتقدم (و) يسوي أيضا بين
(العتق وغيره) فلا يتقدم على غيره كما تقدم في العطايا (وإذا أوصى بعتق عبده) المعين
وخرج من الثلث (لزم الوارث إعتاقه) لصحة الوصية ولزوم الوفاء بها ولا يعتق قبل
إعتاقه (ويجبره الحاكم عليه) أي إعتاقه (إن أبى) أن يعتقه كسائر الحقوق عليه (وإن
أعتقه الوارث أو الحاكم) عند عدمه أو امتناعه (فهو) أي العبد (حر من حين أعتقه) (2)
لا من الموت. قال في الفرع: ويتوجه مثله في موصى بوقفه. وفي الروضة: الموصى
بعتقه ليس بمدبر، وله حكم المدبر في كل أحكامه (وولاؤه للموصي) (3) لأنه السبب
(فإن كانت الوصية بعتقه إلى غيره الوارث، كان الاعتاق إليه) أي إلى من عينه الموصي
(ولم يملك ذلك غيره) أي غير من عينه الموصي (إذا لم يمتنع) من الاعتاق، فإن
امتنع فالظاهر أن الوارث يقوم مقامه فإن امتنع فالحاكم (وما كسب الموصى بعتقه بعد
الموت وقبل الاعتاق. فله) أي للموصى بعتقه لاستحقاق الحرية فيها استحقاقا لازما.
قال في الانصاف: على الصحيح من المذهب (4) وكره القاضي، وابن عقيل، وصاحب
المحرر، وغيرهم. وقدمه في القاعدة الثانية والثمانين. وقال في المغني في آخر باب
412

العتق: كسبه للورثة كأم الولد انتهى (1)، والثاني جزم به في المنتهى في آخر باب
الموصى له. قال الحارثي: وهو الصحيح (وإن أراد الورثة ما يقف على إجازتهم) كالزائد
على الثلث لأجنبي، أو لوارث بشئ (بطلت الوصية فيه) أي فيما توقف على الإجازة
فقط. دون غيره. فلو أوصى لأجنبي بالنصف فردوها بطلت في السدس خاصة لما تقدم
ونفذت في الثلث.
فصل:
(وإجازتهم) أي الورثة لما زاد على الثلث
للأجنبي، وللوارث بشئ (تنفيذ) لقول الموصي: (لا هبة) أي ليست إجازتهم هبة
مبتدأة. كما يقوله: من قال: ببطلان الوصية (فلا تفتقر) الإجازة (إلى شروطها) أي الهبة،
والمراد بالشروط هنا: ما تتوقف عليه الصحة وإن كان داخل الماهية، فيتناول الأركان بدليل
قوله: (من الايجاب والقبول والقبض ونحوه) كالعلم بما وقعت فيه الإجازة والقدرة على
تسليمه (ولا تثبت أحكامها) أي الهبة فيما وقعت فيه الإجازة (فلو كان المجيز أبا للمجاز له
لم يكن له الرجوع) (2) فيما أجازه لابنه، لأن الأب إنما يملك الرجوع فيما وهبه لابنه،
والإجازة تنفيذ لما وهبه غيره لابنه (ولا يحنث بها) أي بالإجازة (من حلف لا يهب) شيئا،
فأجاز الوصية به، لأن الإجازة ليست بهبة (ولا يعتبر) لصحة الإجازة (أن يكون المجاز
معلوما) لأنه ليس هبة (ولو كان المجاز عتقا كان الولاء للموصي تختص به) أي بالإرث به
(عصبته) (3) دون باقي ورثته. لأن الإجازة تنفيذ لفعل الميت (ولو كان الموصى بعتقه أمة
فولدت قبل العتق وبعد الموت تبعها الولد) في العتق (كأم الولد) والمدبرة (ولو قبل
413

الموصى له الوصية المفتقرة إلى الإجازة) لمجاوزتها الثلث أو لكونها لوارث (قبل الإجازة
ثم أجيزت) الوصية بعد قبولها (فالملك ثابت له من حين قبوله) الوصية ولا يحتاج إلى قبول
الإجازة لأنها تنفيذ لقول الموصي لا ابتداء عطية (وما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز)
للموصي له (زاحم به من لم يجاوز الثلث كوصيتين إحداهما مجاوزة الثلث والأخرى غير
مجاوزة ك‍) - وصية (بنصف و) وصية ب‍ (- ثلث فأجاز الورثة الوصية المجاوزة للثلث خاصة)
وهي وصية النصف (فإن صاحب النصف يزاحم صاحب الثلث بنصف كامل فيقسم الثلث
بينهما على خمسة) وهي بسط النصف والثلث من مخرجهما وهو ستة (لصاحب النصف
ثلاثة أخماسه) أي الثلث (وللآخر) صاحب الثلث (خمساه ثم يكمل لصاحب النصف) نصفه
(بالإجازة) وإن قلنا: إنها عطية فإنما يزاحمه بثلث خاصة، إذ الزيادة عليه عطية محضة من
الورثة لم تتلق من الميت، فلا يزاحم بها الوصايا فيقسم الثلث بينهما نصفين ثم يكمل
لصاحب النصف بالإجازة وإنما مثل المصنف لهذه لاشكالها على كثير. ولذلك تممت بذكر
المقابل (ولو أجاز المريض في مرض موته وصية موروثه جازت غير معتبرة من ثلثه) لأنها
تنفيذ لا عطية. هذه طريقة أبي الخطاب، وخالف في المنتهى تبعا للقاضي في خلافه
وصاحب المحرر. فقال: تعتبر من ثلثه لأنه بالإجازة قد ترك حقا ماليا كان يمكنه أن لا
يتركه، فهو كمحاباة صحيح في بيع خيار له ثم مرض زمنه (1) (وإن كان) المجاز (وقفا على
المجيزين صح) (2) ولزم لأن الوقف ليس صادرا من المجيز ولا منسوبا إليه وإنما هو منفذ
له (ويكفي فيها) أي الإجازة (قول الوارث: أجزت أو أمضيت أو أنفذت ونحو ذلك)
كرضيت بما فعله (فإذا قال) الوارث: (ذلك لزمت الوصية) لأنها ليست بعطية وإلا لانعكست
414

هذه الأحكام (وإن أوصى أو وهب لوارث) ظاهرا كأخ (فصار عند الموت غير وارث)
لتجدد ابن (صحت) الوصية والعطية إن خرجتا من الثلث، لأن الاعتبار في الوصية بحال
الموت، لأنه الذي يحصل به الانتقال إلى الوارث والموصى له. والعطية ملحقة بالوصية في
ذلك (وعكسه) بأن أوصى له وهو غير وارث كأخيه مع وجود ابنه، فصار عند الموت وارثا
لنحو موت ابنه (بعكسه) أي فتتوقف على إجازة باقي الورثة (لأن اعتبار الوصية بالموت) لما
تقدم والعطية ملحقة بها (ولا تصح إجازتهم) أي الورثة حيث اعتبرت إلا بعد الموت (و) لا
يصح (ردهم) حيث ساغ (إلا بعد موت الموصي) لأنه حق لهم حينئذ. فيصح منهم الإجازة
والرد كسائر الحقوق (فلو أجازوا قبل ذلك) أي موت الموصي (أو ردوا) قبله (أو أذنوا
لمورثهم في صحته أو) في (مرضه) ب‍ (- الوصية بجميع ماله) ولو (لأجنبي أو) أذنوا له بالوصية
بشئ (لبعض ورثته فلهم الرد بعد موته) ولا عبرة بما صدر منهم قبله، لأن الحق لم يكن
له وقته، كالمرأة تسقط مهرها قبل النكاح، والشفيع يسقط شفعته قبل البيع (ومن أجاز
الوصية) لوارث أو أجنبي (إذا كانت) الوصية (جزءا مشاعا من التركة كنصفها، ثم قال: إنما
أجزت لأنني ظننت المال قليلا) بأن كانت ستة آلاف فقال: ظننته ثلاثة آلاف (فالقول قوله:)
أي المجيز لأن الغالب أن المجيز إنما يترك الاعتراض للموصى له في الوصية لأنه لا يرى
المنازعة في ذلك القدر ويستخفه فإذا ادعى أنه إنما أجاز لظنه قلة المال. كان الظاهر معه
فصدق (مع يمينه) (1) لأنه يحتمل كذبه (وله) أي المجيز (الرجوع فيما زاد على ظنه) لأن ما
هو في ظنه قد أجازه فلا اعتراض له فيه. فبقي ما ليس في ظنه، فيرجع به. ففي المثال
يرجع بخمسمائة ويحصل للموصى له ألفان وخمسمائة (إلا أن يكون المال ظاهرا لا يخفى)
فلا يقبل قول المجيز أنه ظنه قليلا لأنه خلاف الظاهر (أو تقوم بينة بعلمه) أي المجيز
(بقدره) أي المال. فلا يقبل قوله ولا رجوع له عملا بالبينة (2). (وإن كان المجاز عينا كعبد
أو فرس أو) معين (يزيد على الثلث) وصى به أو وهبه المريض فأجاز الوارث (وقال) بعد
الإجازة (ظننت المال كثيرا تخرج الوصية من ثلثه فبان) المال (قليلا أو ظهر عليه دين لم
415

أعلمه) لم يقبل قوله (أو كان المجاز مبلغا معلوما) كمائة درهم أو عشرة دنانير أو خمسة
أوسق من بر تزيد على الثلث أوصى بها وأجازها الوارث ثم قال: ظننت الباقي كثيرا فبان
قليلا، أو ظهر عليه دين لم أعلمه (لم يقبل قوله) ولم يملك الرجوع لأن المجاز معلوم لا
جهالة فيه وقال الشيخ تقي الدين: وإن قال ظننت قيمته ألفا فبان أكثر قبل. وليس نقصا
للحكم بصحة الإجازة ببينة أو إقرار. وقال وإن أجاز وقال: أردت أن أصل الوصية قبل (1).
(ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف) بخلاف الصبي والمجنون لأنها تبرع بالمال
أشبهت الهبة (إلا المفلس والسفيه) فتصح الإجازة منهما لأنها تنفيذ لا ابتداء عطية.
فصل:
(ولا يثبت الملك)
في الوصية (للموصى له إلا بقبوله بعد الموت إن كان) الموصى له (واحدا) كزيد (أو
جمعا محصورا) كأولاد عمر، ولأنه تمليك مال فاعتبر قبوله كالهبة. قال أحمد: الهبة
والوصية واحدة (فورا أو تراخيا) أي يجوز القبول على الفور والتراخي (ولا عبرة بقبوله).
الوصية قبل الموت (و) لا عبرة ب‍ (- رده) الوصية (قبل الموت) (2). لأنه قبله لم يثبت له
حق (ويحصل القبول باللفظ) كقبلت (وبما قام مقامه من الاخذ والفعل الدال على الرضا)
كالبيع والهبة (ويحصل الرد بقوله) أي الموصى له: (رددت الوصية أو ما أقبلها أو ما أدى هذا
المعنى) نحو أبطلتها (ويجوز التصرف في الموصى به بعد ثبوت الملك بالقبول وقبل
القبض) ولو كان مكيلا ونحوه، لأن الملك استقر فيه بالقبول فلا يخشى انفساخه ولا رجوع
ببدله على أحد كالوديعة بخلاف المبيع لأنه يخشى انفساخ البيع فيه (وإن كانوا) أي
الموصى لهم (غير محصورين) كالفقهاء (والعلماء والفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصرهم كبني تميم أو
416

على مصلحة كمسجد وحج لم يشترط القبول ولزمت) الوصية (بمجرد الموت) لأن اعتبار
القبول منهم متعذر فسقط اعتباره كالوقف عليهم. ولا يتعين واحد منهم فيكتفي به (ولو كان
فيهم ذو رحم من الموصى به مثل أن يوصى بعبد للفقراء وأبوه) أي العبد (فقير لم يعتق
عليه) لأن الملك لم يثبت لكل منهم إلا بالقبض (وإن مات الموصى له قبل موت الموصي)
بطلت لأنها عطية صادفت المعطى ميتا فلم تصح كما لو وهب ميتا، إلا أن يكون أوصى
بقضاء دينه. فلا تبطل كما يأتي (أو رد) الموصى له (الوصية بعد موته) أي الموصي
(بطلت) (1) الوصية لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه. أشبه عفو الشفيع عن
الشفعة بعد البيع (وإن ردها) أي الموصى له (بعد موته) أي الموصي (وبعد قبوله) لم تبطل
(ولو) كان الرد (قبل القبض ولو في مكيل ونحوه) كموزون ومعدود ومذروع لأن الملك
يحصل فيه بالقبول من غير قبض، فلا يملك رده كسائر أملاكه (أو مات الموصى له بقضاء
دينه قبل موت الموصي لم تبطل) الوصية لأن تفريغ ذمة الميت المدين بعد موته كتفريغها
قبله لوجود الشغل في الحالين كما لو كان حيا (وإذا لم يقبل) الموصى له الوصية (بعد
موته) أي الموصي (ولا رد) الوصية (حكم عليه بالرد وبطل حقه من الوصية) (2) لأنها إنما
تنتقل إلى ملكه بالقبول ولم يوجد (وكل موضع صح فيه الرد بطلت فيه الوصية ويرجع
الموصى به إلى التركة ويكون للوارث ولو خص به الراد واحدا منهم) لم يتخصص، وكان
بين الكل، لأن المردود عاد إلى ما كان قبل الوصية فلا اختصاص (وكل موضع امتنع الرد
فيه) أي الموصى به (لاستقرار ملكه) أي الموصى له (عليه) أي الموصى به (فله أن يخص
به بعض الورثة) فيكون ابتداء تمليك، لأن له تمليكه لأجنبي فله تمليكه لوارث. وإذن لو
417

قال: أردت الوصية لفلان فلا أثر لذلك إلا أن يقترن به ما يفيد تمليك فلان فيصح. وفي
المغني والمجرد يقال: له ما أردت؟ فإن قال: أردت تمليكه إياها وتخصيصه بها فقبلها اختص
بها وإن قال: أردت ردها إلى جميعهم ليرضى فلان بما رددت إلى جميعهم إذا قبلوها فإن
قبلها بعضهم فله حصته انتهى وفيه بحث قاله الحارثي: (ويستقر الضمان على الورثة بمجرد
موت مورثهم إذا كان المال) المتروك (عينا حاضرة يتمكن) الوارث (من قبضها) وتلفت (فلو
ترك) الميت (مائتي دينار وعبدا قيمته مائة) دينار (موصى به لرجل) كزيد (فسرقت الدنانير
بعد موت الموصي) وتمكن الورثة من قبضها (فقال) الامام (أحمد) في رواية ابن منصور:
(وجب العبد للموصى له وذهبت دنانير الورثة) لأن ملكهم استقر بثبوت سببه، إذ هو لا
يخشى انفساخه، ولا رجوع لهم بالبدل على أحد. فأشبه المودع ونحوه بخلاف المملوك
بالعقود.
تنبيه: أركان الوصية أربعة: موص وتقدم الكلام عليه، وموصى به وموصى له
ويأتيان. وصيغة وتقدمت الإشارة إليها وذكره أيضا بقوله: (وتنعقد الوصية بقوله: وصيت لك)
بكذا (أو) وصيت (لزيد بكذا أو: أعطوه من مالي بعد موتي كذا أو ادفعوه إليه) بعد موتي (أو
جعلته له) بعد موتي (أو هو له بعد موتي، أو هو له من مالي بعد موتي ونحو ذلك) مما
يؤدي معناها، كملكته له بعد موتي (ولا تصح الوصية مطلقة ومقيدة. فالمطلقة أن يقول: إن
مت فثلثي للمساكين أو لزيد. والمقيدة أن يقول: إن مت من مرضي هذا أو في هذه البلدة
أو في هذه السفرة فثلثي للمساكين) (1) كالوكالة والجعالة (فإن برئ) الموصي (من مرضه أو
قدم) الموصي (من سفره أو خرج من البلدة ثم مات بطلت) أي لم تنعقد (الوصية) لعدم
وجود شروطها (وإن مات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول) للوصية (قام
وارثه مقامه في القبول والرد) (2) للوصية لأنه حق ثبت للموروث فينتقل إلى الوارث بعد موته
418

لقوله (ص): من ترك حقا فلورثته (1) وكخيار العيب، ولان الوصية عقد لازم من أحد
الطرفين فلم تبطل بموت من له الخيار، كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما،
وبهذين فارقت الهبة والبيع قبل القبول وأيضا الوصية لا تبطل بموت الموجب لها فلم تبطل
بموت الآخر (فإن كان وارثه جماعة اعتبر القبول والرد من جميعهم فمن قبل منهم) فله
حكمه من لزوم الوصية في نصيبه (أو رد) منهم (فله حكمه) (2) من سقوط حقه من نصيبه
وعوده لورثة الموصي (فإن كان فيهم من ليس له التصرف) وهو المحجور عليه (قام وليه
مقامه) في ذلك (فيفعل ما فيه الحظ) (3) للمحجور عليه كسائر حقوقه (وإن فعل) الولي
(غيره) أي غير ما فيه الحظ (لم يصح) فإذا كان الحظ في قبولها لم يصح الرد، وكان له
قبولها بعد ذلك، وإن كان الحظ في ردها لم يصح قبوله لها لأن الولي لا يملك التصرف
في مال المولي عليه بغير ماله الحظ فيه (فلو وصى لصبي) ذكر أو أنثى أو مجنون (بذي
رحم يعتق بملكه له) كأبيه وابنه وأخيه وعمه (وكان على الصبي ضرر في ذلك) أي في قبول
الوصية له (بأن تلزمه نفقة الموصى به لكونه) أي الموصى به (فقيرا لا كسب له والمولى
عليه موسر) قادر على الانفاق عليه (لم يكن له) أي الولي (قبول الوصية) لأنه لاحظ
لمحجوره في قبولها (وإن لم يكن عليه) أي المحجور (ضرر لكون الموصى به ذا كسب
ولكون المولى عليه فقيرا لا تلزمه نفقته تعين القبول) لأن فيه منفعة بلا مضرة وتقدم في
الحجر وحيث تقرر أنه لا يثبت الملك للموصى له المعين إلا بقبوله بعد الموت (فما حصل
من كسب أو نماء منفصل فيه) أي في الموصى به (بعد موت الموصي وقبل القبول) والنماء
المنفصل (كالولد والثمرة والكسب فللورثة لأنه) أي الموصى به (ملكهم) (4) فنماؤه لهم
وتتبعها الزيادة المتصلة (ولو كانت الوصية) لزيد مثلا (بأمة فوطئها الوارث) الموصي (قبل
419

القبول وأولدها صارت أم ولد له) بمجرد الاحبال لأنها ولدت من مالكها (ولا مهر عليه،
وولده) حر (لا تلزمه قيمته) لأنه من مالك (وعليه) أي الواطئ (قيمتها للموصى له إن
قبلها) (1) بعد ذلك كما لو أتلفها وإنما وجب له قيمتها بإتلافها قبل دخولها في ملكه بالقبول
إذا قبلها بعد ذلك لثبوت حق التملك له فيها بموت الموصي، فإن قيل كيف قضيتم بكونها
أم ولد له وهي لا تعتق بإعتاقه أجيب بأن الاستيلاد أقوى ولذلك يصح من المجنون
والشريك المعسر وإن لم يصح إعتاقه (وإن وطئها) أي الأمة (الموصى له) بها بعد موت
الموصي (كان ذلك قبولا) لأنه إنما يباح في الملك فتعاطيه دليل اختيار الملك (كالهبة
فيثبت له الملك به) كقبوله باللفظ (وكوطئ الرجعية) تحمل به الرجعة (ولو وصى له) في
نسخة لحر (بزوجته فقبلها) الموصى له (انفسخ النكاح) لأن النكاح لا يجتمع مع ملك
اليمين (فإن أتت بولد كانت حاملا به وقت الوصية فهو موصى به معها) تبعا لها (وإن
حملت به بعد الوصية وولدته في حياة الموصي فهو) أي الولد (له) أي للموصي تبعا لامه
(و) إن ولدته بعد موته (قبل القبول ف‍) - الولد (للورثة) لأنه نماء ملكهم (و) يكون الولد
(لأبيه إن ولدته بعده) أي بعد القبول تبعا لامه (وكل موضع كان الولد للموصى له فإنه يعتق
عليه) بالملك لأنه ابنه (وإن حملت) الموصى بها (به بعد موت الموصي ووضعته قبل القبول
ف‍) - الولد (للورثة) (2) لأنه نماء ملكهم (و) إن حملت به (بعده) أي بعد القبول فالولد
(لأبيه) حر الأصل (وأمه أم ولد) لأنها كانت مملوكة له حال إحباله (هذا كله إن خرجت من
الثلث وإن لم تخرج) كلها من الثلث (ملك) الموصى له منها (بقدره) أي الثلث إن لم تجز
الورثة (وانفسخ النكاح) لحصول الملك في البعض (وكل موضع يكون الولد لأبيه فإنه يكون
له منه هاهنا بقدر ملكه من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان) الموصى له (موسرا) بقيمة
420

باقية (وإلا) بأن لم يكن موسرا بقيمة باقية عتق (ما ملك منه فقط) ولا سراية لعدم وجود
شرطها (وكل موضع قلنا تكون أم ولد) هناك (فإنها تصير أم ولد هنا موسرا كان) الموصى
له (أو معسرا) لأن الاستيلاد من قبيل الاستهلاك وتقدم (وإن وصى له) أي لزيد مثلا (بأبيه
فمات) زيد (قبل القبول) والرد (فقبل ابنه) الوصية (صح) القبول لقيامه مقامه (وعتق عليه
الجد) بالملك (ولم يرث) العتيق (من ابنه شيئا) لأن حريته إنما حصلت حين القبول بعد أن
صار الميراث لغيره. ولو كان الموصى به ابن أخ للموصى له وقد مات بعد موت الموصي
فقبل ابنه لم يعتق عليه ابن عمه، لأن القابل إنما تلقي الوصية من جهة الموصي لا من جهة
أبيه. ولذا لا تقضى ديون موصى له مات بعد موص وقبل قبول من وصيته إذا يقبل وارثه
(ولو وصى له) أي لزيد مثلا (بأرض فبنى الوارث فيها وغرس قبل القبول ثم قبل الموصى له
فكبناء المشتري الشقص المشفوع وغرسه) (1) فيكون محترما يتملكه الموصى له بقيمته أو
يقلعه ويغرم نقصه، لأن الوارث بنى وغرس في ملكه فليس بظالم. فلعرقه حق سواء علم
بالوصية أو لا (ولو بيع شقص في شركة الورثة و) شركة (الموصى له) على تقدير قبوله وكان
البيع (قبل قبوله) الوصية (ثم قبل فلا شفعة (2) له) لأنه لم يكن مالكا للرقبة حال البيع
وتختص الورثة بالشفعة لاختصاصهم بالملك (ولو كان الموصى به) نصابا (زكويا وتأخر
القبول مدة تجب الزكاة فيها في مثله) بأن يكون نقدا فيحول عليه الحول أو ماشية فتسوم
الحول أو زرعا أو ثمرا فيبدو صلاحه قبل قبوله (فلا زكاة فيه) على الموصى له، لأنه لم
يكن في ملكه وقت الوجوب. وظاهر كلامهم ولا على الوارث. قال في الانصاف وهو
أولى، لأن ملكه عليه غير تام وتردد فيه ابن رجب (وأما اعتبار قيمة الموصى به) عند تقويمه
(ف‍) - تعتبر (يوم الموت) (3) لأن حق الموصى له تعلق بالموصى به تعلقا قطع تصرف الورثة
فيه، فيكون ضمانه عليه كالعبد الجاني وزيادته المتصلة تابعة له كسائر العقود والفسوخ
(ويأتي) آخر (باب الموصى به).
421

فصل:
(ويجوز الرجوع في الوصية وفي بعضها ولو بالاعتاق)
لقول عمر رضي الله عنه يغير الرجل ما شاء في وصيته ولأنها عطية تنجز بالموت
فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه (1)، وتفارق التدبير
فإنه تعليق على شرط فلم يملك تغييره كتعليقه على صفة في الحياة (فإذا قال) الموصي: (قد
رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غيرتها) أو فسختها، بطلت لأنه صريح في الرجوع (أو قال)
الموصي (في الموصى به هو لورثتي، أو) هو (في ميراثي فهو رجوع) عن الوصية لأن ذلك
ينافي كونه وصية (وإن قال: ما أوصيت به لزيد فهو لعمرو وكان لعمرو ولا شئ) منه (لزيد)
لرجوعه عنه وصرفه إلى عمرو وأشبه ما لو صرح بالرجوع (وإذا أوصى لانسان) كزيد
(بمعين من ماله) وكعبد سالم (ثم أوصى به لآخر) فهو بينهما لتعلق حق كل واحد منهما
على السواء، فوجب أن يشتركا فيه كما لو قال هو بينهما (أو وصى له) أي لزيد (بثلثه) مثلا
(ثم وصى لآخر بثلثه) فهو بينهما عند الرد للتزاحم وإن أجيز لهما أخذ كل الثلث لتغايرهما
(أو وصى له بجميع ماله ثم وصى به) أي بجميع ماله (لآخر فهو بينهما) للتزاحم (2) (ومن
مات منهما) أي من الموصى لهما بشئ واحد (قبل موت الموصي) كان الكل للآخر (أو رد
بعد الموت) أي موت الموصى له (كان الكل للآخر لأنه اشتراك تزاحم) وقد زال المزاحم.
وعلم من قوله قبل موت الموصي: أنه لو مات بعده قام وارثه مقامه وتقدم. وعلم من قوله:
رد بعد الموت أن رده قبله لا أثر له وتقدم (وإذا أوصى بعبد لرجل و) أوصى (لآخر بثلثه
فهو) أي العبد (بينهما أرباعا) بقدر وصيتهما كما يأتي في عمل الوصايا (وإن وصى به) أي
بالعبد ونحوه (لاثنين فرد، أحدهما وصيته) وقبل الآخر (فللآخر نصفه) أي العبد لأنه
422

الموصى له به (وإن وصى لاثنين بثلثي ماله فرد الورثة ذلك) لمجاوزته الثلث (ورد أحد
الوصيين وصيته فللآخر الثلث كاملا) لأنه موصى له به ولا مزاحم له فيه (وإذا أقر الوارث
أن أباه وصى بالثلث لرجل وأقام آخر بينة إن أباه وصى له بالثلث فرد الوارث الوصيتين وكان
الوارث رجلا عدلا وشهد بالوصية حلف معه الموصى له واشتركا في الثلث) لأن المال يثبت
بشاهد ويمين (وإن كان) الوارث (المقر ليس بعدل أو كان) المقر (امرأة فالثلث لمن شهدت
له البينة) لثبوت وصيته دون المقر له (وإن لم يكن لواحد منهما بينة فأقر الوارث أنه أقر
لفلان بالثلث أو) أقر له (بهذا العبد وأقر لآخر به بكلام متصل فالمقر به بينهما) لقيام
المقتضى، وإن كان منفصلا فإما أن يكون في مجلسين فلا يقبل للمتأخر لتضمنه رفع ما
ثبت للمتقدم بإقراره وإن كان في مجلس واحد فالألف بينهما قدمه في المغني (وإن باع
الموصي ما أوصى به أو وهبه أو تصدق به) فرجوع لأنه إزالة ملك وهو ينافي الوصية، (أو
رهنه) فرجوع لأنه يراد للبيع (أو أكله أو أطعمه أو أتلفه أو أوجبه في بيع أو هبة ولم يقبل)
المبتاع أو المتهب (فيهما) فرجوع (1) (أو عرضه) الموصي (لبيع أو رهن أو وصى ببيعه أو)
وصى ب‍ (- عتقه أو وهبته) فرجوع (2) لدلالته عليه (أو أصدقه) لامرأة نكحها لنفسه أو غيره (أو
جعله عوضا في خلع) أو صلح أو جعالة أو عتق ونحوها (أو) جعله (أجرة في إجارة)
فرجوع لما فيه من إزالة ملكه عنه (أو كان) الموصى به (قطنا فحشى به فراشا أو) كان
(مسامير فسمر بها بابا) فرجوع (أو قال: ما أوصيت به لفلان فهو حرام عليه) فرجوع (أو كاتب العبد)
الموصى به (أو دبره) فرجوع (أو خلطه) أي الموصى به (بغيره على وجه لا يتميز) كزيت
بزيت أو شيرج (ولو) كان الموصى به (صبرة) فخلطها (بغيرها) على وجه لا تتميز فرجوع
423

(أو أزال اسمه أو زال هو) أي زال اسمه بغير فعله (أو بعضه) أي أزال اسم بعضه أو زال
اسم بعضه (فطحن الحنطة أو خبز الدقيق وعجنه أو جعل الخبز فتيتا أو غزل القطن والكتان
أو نسج الغزل أو عمل الثوب قميصا وفصله) أي الثوب (أو كان) الموصى به (جارية
فأحبلها أو ضرب النقرة) الموصى بها (دراهم أو ذبح الشاة) الموصى بها (أو بنى أو غرس)
ما أوصى به بأن كان حجرا أو آجرا فبناه أو نوى ونحوه فغرسه فرجوع. ولو غرس الأرض
الموصى بها أو بناها فرجوع أيضا في أصح الوجهين لأنه للدوام فيشعر بالصرف على الأول
بخلاف الزراعة ذكره الحارثي (أو نجر الخشبة) الموصى بها (بابا) أو نحوه، (أو انهدمت
الدار) الموصى بها (أو) انهدم (بعضها وزال اسمها) فرجوع (1) (أو أعادها) أي أعاد الموصي
دارا انهدمت (ولو بآلتها القديمة) أو جعلها حماما ونحوه (فرجوع) لأن ذلك دليل على
اختيار الرجوع (لا إن جحد) الموصي (الوصية) فإن ذلك ليس رجوعا لأنها عقد، فلا تبطل
بالجحود كسائر العقود (أو أجر) الموصي العين الموصى بها (أو زوج) الأمة الموصى بها
(أو زرع) الأرض الموصى بها (أو وطئ الأمة) الموصى بها (ولم تحمل) من وطئه فليس
رجوعا، لأنه لا يزيل الملك (أو خلطه) أي خلط الموصي الموصى به (بما يتميز منه) كبر
بباقلاء (أو لبس) الموصي الثوب الموصى به: (أو سكن) الموصى المكان (الموصى به) فلا
رجوع لأنه لا يزيل الملك ولا الاسم ولا يمنع التسليم (أو أوصى بثلث ماله فتلف المال)
الذي كان يملكه حين الوصية بإتلافه وغيره (أو باعه ثم ملك مالا) غيره فلا رجوع لان
الوصية بجزء مشاع من المال الذي يملكه حين الموت فلم يؤثر ذلك فيها (أو انهدمت)
الدار الموصى بها (ولم يزل اسمها أو غسل الثوب) الموصى به علم الرقيق الموصى به
424

صنعة ونحو ذلك مما لا يزيل الملك ولا الاسم ولا يمنع التسليم (وإن وصى له بقفيز من
صبرة ثم خلط) الموصي (الصبرة ب‍) - صبرة (أخرى لم يكن ذلك رجوعا سواء خلطها بمثلها
أو بخير منها أو) ب‍ (- دونها) (1). مما لا تتميز منه لأن القفيز كان مشاعا وبقي على إشاعته
(وإن زاد) الموصي (في الدار عمارة لم يستحق الموصى له العمارة وتكون) العمارة
(للوارث) لأن الزيادة لم توجد حين العقد فلم تدخل في الوصية (لا المنهدم) المنفصل
(منها) أي من الدار قبل قبول الوصية فإنه يكون للموصى له عند قبول الوصية (2). (لان
الأنقاض منها) فتدخل في الوصية (وإن أوصى له بدار دخل فيها) أي الدار (ما يدخل) فيها
(في البيع) وتقدم في بيع الأصول والثمار (وإن علق الوصية على صفة بعد موته إذا كان
يرتقب وقوعها كقوله أوصيت له بكذا إذا مر شهر بعد موتي) صح (أو) قال: وصيت (لفلانة
بكذا إذا وضعت بعد موتي صح) التعليق لقوله (ص): المسلمون على
شروطهم (3) وثبت عن غير واحد من الصحابة تعليقها. ولان الوصية لا تتأثر بالفور فأولى
أن لا تتأثر بالتعليق لوضوح الامر وقلة الغرر، فإن كانت الصفة لا يرتقب وقوعها بعد
الموت ففي التعليق عليها نظر، والأولى عدم جوازه لما فيه من إضرار الورثة بطول الانتظار
لا إلى أمد يعلم (وإن وصى لزيد) بمعين (ثم قال) الوصي (إن قدم عمرو فهو) أي ما وصى
به لزيد (له) أي لعمرو (فقدم) عمرو (في حياة الموصي فهو له عاد) عمرو (إلى الغيبة أو لم
يعد) لوجود الشرط (وإن قدم) عمرو (بعد موته) أي الموصي (ف‍) - الموصى به (لزيد) (4)
425

لثبوته له بالموت والقبول لأنه لم يوجد إذ ذاك ما يمنعه فلم يؤثر وجود الشرط بعد ذلك.
كما لو علق إنسان عتقا أو طلاقا على شرط فلم يوجد إلا بعد موته (وإن أوصى له) أي
لعمرو مثلا (بثلثه وقال) الموصي لعمرو: (إن مت قبلي أو رددته ف‍) - هو (لزيد ومات) عمرو
(قبله) أي الموصي (أو رد) الوصية (فعلى ما شرط) الموصي فتكون لزيد عملا بالشرط.
فصل:
(وتخرج الواجبات التي على الميت من رأس المال أوصى بها)
قبل موته (أو لم يوص، كقضاء الدين والحج والزكاة) والنذر والكفارة. لحديث علي
رضي الله عنه: أن النبي (ص) قضى بالدين قبل الوصية (1) أخرجه الإمام أحمد في المسند
والترمذي وابن ماجة وروى نحوه أبو الشيخ في كتاب الفرائض والوصايا عن عبد الله بن
بدر عن أبيه مولى رسول الله (ص)، ولقوله (ص): اقضوا الله فالله أحق بالوفاء (2) رواه
البخاري مختصرا. والحكمة في تقديم ذكر الوصية في الآية قبل الدين أنها لما أشبهت
الميراث في كونها بلا عوض فكان في إخراجها مشقة على الوارث فقدمت حثا على
إخراجها. قال الزمخشري: ولذلك جئ بكلمة أو التي للتسوية أي فيستويان في الاهتمام
وعدم التضييع وإن كان مقدما عليها. وقال ابن عطية: الوصية غالبا تكون لضعاف فقوي
جانبها بالتقديم في الذكر، لئلا يطمع ويتساهل فيها بخلاف الدين، وتقدم أن مؤنة التجهيز
تقدم مطلقا (فإن وصى معها) أي الواجبات (بتبرع اعتبر الثلث من الباقي بعد إخراج الواجب
كمن تكون تركته أربعين فيوصي بثلث ماله وعليه دين عشرة فتخرج العشرة أولا ويدفع إلى
الموصى له عشرة وهي ثلث الباقي بعد الدين) (3) لما تقدم من تقديمه عليها (وإن لم يف
426

ماله) أي الميت (بالواجب الذي عليه تحاصوا) أي وزع ما تركه على جميع الديون
بالحصص سواء كانت دين آدمي أو لله أو مختلفة (والمخرج بذلك) أي الواجبات والتبرعات
(وصيه) إن كان (ثم وارثه) إن كان أهلا (ثم الحاكم) إن لم يكن وارث أو كان صغيرا ولا
وصي له أو أبى الوارث إخراجه (وإن أخرجه) أي الواجب (من لا ولاية له من ماله أجزأ)
كقضاء الدين عن حي بلا إذنه (كما لو كان) القضاء (بإذن حاكم، وإن قال) الموصي:
(أخرجوا الواجب من ثلثي، أخرج من الثلث، وتمم) الواجب (من رأس المال) لما تقدم من
وجوب إخراج الواجبات من رأس ماله (فإن كان معها) أي الواجبات (وصية تبرع، فإن
فضل منه) أي الثلث (شئ ف‍) - هو (لصاحب التبرع) (1). لأن الدين تجب البداءة به قبل
الميراث والتبرع فإذا عينه في الثلث وجبت البداءة به، وما فضل للتبرع (وإلا) بأن لم يفضل
شئ من الثلث بعد إخراج الواجب منه (بطلت الوصية) (2) بالتبرع، كما لو رجع عنها. إلا
أن تجيز الورثة، فيعطى ما أوصي له به.
باب الموصى له
هو الركن الثالث للوصية (تصح الوصية) من المسلم والكافر (لكل من يصح تمليكه
من مسلم وكافر معين) لقوله تعالى: * (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) * [الأحزاب: 6].
قال محمد ابن الحنفية: هو وصية المسلم لليهودي والنصراني، ولان الهبة تصح لهم
فصحت لهم الوصية (ولو) كان الكافر (مرتدا أو حربيا ولو) كان (بدار حرب) كالهبة له.
قال في المغني: الآية، أي * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) * [الممتحنة:
8]. إلى آخرها، حجة لنا فيمن لم يقاتل. فأما المقاتل فإنما نهي عن توليه لا عن بره،
والوصية له (3). وقال الحارثي: الصحيح من القول: أنه إذا لم يتصف بالقتال، أو المظاهرة
427

صحت، وإلا لم تصح (فلا تصح) الوصية (ل‍) - كافر (غير المعين. ك‍) - الوصية ل‍
(- ليهود والنصارى ونحوهم) كالمجوس، أو لفقراء اليهود ونحوهم. كالوقف عليهم (ولا)
تصح الوصية (لكافر بمصحف، ولا بعبد مسلم، ولا بسلاح) (1) لأنه لا يصح تمليكه ذلك
(ولا) تصح الوصية لكافر (بحد قذف) يستوفيه للمسلم المقذوف، لأنه لا يملك استيفاءه
لنفسه، فلغيره أولى (فلو كان العبد) الموصى به لكافر (كافرا ثم أسلم) العبد (قبل موت
الموصي، أو بعده) أي بعد موت الموصي (قبل القبول. بطلت) الوصية. لأنه يمنع من
تعاطي ملكه (وتصح) الوصية (للمكاتب) لأنه يصح تمليكه (ولو) كان الموصي (مكاتبه) أي
مكاتب الموصي (بجزء شائع) كثلث ماله وربعه (أو) بشئ (معين) كعبد وثوب. لأنه معه
كأجنبي في المعاملة، ولهذا جاز زكاته إليه (فإن قال) لورثته: (ضعوا عنه بعض كتابته،
أو) قال: ضعوا عنه (بعض ما عليه، وضعوا ما شاءوا) لأن اللفظ مطلق (فإن قال: ضعوا عنه
نجما، فلهم أن يضعوا عنه أي نجم شاءوا) سواء (اتفقت النجوم أو اختلفت) لصدق اللفظ
بذلك (وإن قال) الموصي: (ضعوا عنه ما شاء فالكل) يوضع عنه (إذا شاء) ذلك لدخول
الشرط على مطلق، ولو قال: ضعوا ما شاء من مال الكتابة لم يوضع الكل، لأن من
للتبعيض. قاله القاضي والموفق (2). ونظر فيه الحارثي بأنه لا يمتنع أن تكون لبيان الجنس،
فيوضع الكل (وإن قال: ضعوا عنه) أي المكاتب (أي نجم شاء رجع) بالبناء للمفعول (إلى
مشيئته) عملا بقول: الموصي (وإن قال: ضعوا عنه) أي عن المكاتب (أكبر نجومه وضعوا
أكثرها مالا) (3) لأنه أكبرها قدرا، (وإن قال): ضعوا عنه (أكثرها بالمثلثة، وضعوا عنه أكثر من
نصفها، فإن كانت النجوم خمسة وضعوا) منها (ثلاثة. وإن كانت نجومه ستة وضعوا) منها
(أربعة) لأن أكثر الشئ يزيد على نصفه (4) (ولو أوصى له بأوسط نجومه، وكانت النجوم
428

شفعا متساوية القدر تعلق الوضع بالشفع المتوسط. كالأربعة) النجوم (المتوسط منها الثاني
والثالث والستة المتوسط منها: الثالث والرابع) لأنه الأوسط (وإن كانت) النجوم (وترا
متساوية القدر والأجل. ك‍) - ما لو كانت النجوم (خمسة تعين) النجم (الثالث. أو سبعة،
ف‍) - النجم (الرابع) لأنه أوسطها (وإن كانت) النجوم (مختلفة المقدار. فبعضها مائة،
وبعضها مائتان، وبعضها ثلاثمائة. فأوسطها المائتان. فيتعين) وضعه، وإن تعدد (وإن كانت
متساوية القدر. مختلفة الاجل، مثل أن يكون) نجمان (اثنان إلى شهر، و) نجم (واحد
إلى شهرين، و) نجم (واحد إلى ثلاثة أشهر، تعينت الوصية في الذي إلى شهرين) لأنه
الأوسط (وإن اتفقت هذه المعاني) أي معاني الأوسط (في واحد) بأن اتفق أنه أوسط في
العدد والقدر والأجل (تعين) وضعه بلا إشكال (وإن كان لها أوسط في القدر، وأوسط في
الاجل، وأوسط في العدد، يخالف بعضها بعضا. رجع إلى قول الورثة) (1) فيتعين ما
يضعونه عنه لصدق الكلام بكل منها وإن اختلف المكاتب والورثة في مراد الموصي
فالقول قولهم (مع أيمانهم لا يعلمون ما أراد الموصي منها) (2) لأن الأصل عدم علمهم به،
ولو قال: ضعوا ما يخف أو ما يكثر أو ما يثقل، اعتبر تقدير الورثة، لأن القليل كثير بالنسبة
إلى ما دونه والكثير قليل بالنسبة إلى ما فوقه. فهو كالاقرار بمال عظيم أو جليل أو قليل
يعتبر له تفسير المقر. قال الحارثي: وفيه نظر، فإن المقر أعلم بمراده. فتفسيره معتبر
وتقدير الوارث يتعلق بمراد غيره، وهو لا يعلم مراده بدون إعلامه، وإعلامه غير معلوم،
وقد يجاب عنه بأنه لما كان اللفظ محتملا وتعذر العلم بالمراد منه، رجع إلى تقدير الورثة
بأقل ما يحتمله، لأنه المتعين، وما زاد مشكوك فيه. وإن قال: ضعوا عنه أكثر ما عليه،
429

ومثل نصفه بذلك ثلاثة أرباع أو أدنى زيادة. وإن قال: ضعوا ما عليه ومثله. فذلك الكتابة
كلها وزيادة عليها، فتصح في الكتابة، وتبطل في الزيادة لعدم محلها (وتصح الوصية
لمدبره) لصيرورته حرا عند لزومها، فيقبل التمليك (لكن لو ضاق الثلث عن المدبر وعن
وصيته بدئ) بالبناء للمفعول (ب‍) - المدبر (نفسه، فيقدم عتقه على وصيته) لأنه أهم، وبطل
ما عجز عنه الثلث (وتصح) الوصية (لام ولده) لوجود الحرية عند الموت فتقبل التمليك
(كوصيته أن ثلث قريته وقف عليها ما دامت على ولدها) أي ما دامت حاضنة لولدها منه.
نقله المروذي (فإن) وصى لها بشئ، و (شرط عدم تزويجها، فلم تتزوج، وأخذت
الوصية، ثم تزوجت، ردت ما أخذت من الوصية) لبطلان الوصية بفوات شرطها، وفرق
بينه وبين العتق بتعذر رفعه (ولو دفع لزوجته مالا على أ) ن (لا تتزوج بعد موته، فتزوجت.
ردت المال إلى ورثته. نصا) (1) نقله أبو الحارث، لفوات الشرط (وإن أعطته مالا على أ) ن
(لا يتزوج عليها. رده إذا تزوج) (2) نقله أبو الحارث (وإذا أوصى بعتق أمته، على أ) ن (لا تتزوج.
فمات) الموصي (فقالت) الأمة: (لا أتزوج. عتقت) لوجود الشرط (فإن تزوجت) بعد ذلك
(لم يبطل عتقها) (3) لأن العتق لا يمكن رفعه بعد وقوعه، وبحث فيه الحارثي بأنا لا نسلم
الوقوع، فإن الحكم بوقوعه لا يستلزم الوقوع في نفس الامر. ألا ترى أنه لو حكم بعتق
عبد في وصية، ثم ظهر دين يستغرق لرد إلى الرق. وقال عن الرد إلى الرق: هو الأظهر،
لأن شرط ألا تتزوج. نفي يعم الزمان كله فإذا تزوجت تبين انتفاء الشرط فيتبين انتفاء
الوصية (وتصح الوصية لعبد غيره ولو قلنا لا يملك) صرح به ابن الزغواني في الواضح وهو
ظاهر في كلام كثير من الأصحاب قاله في الانصاف (4): وهو مقتضى ما نقله الحارثي عن
430

الأصحاب من أن الوصية للسيد لأنها من أكساب العبد وأكسابه لسيده، وسواء استمر في
رق الموجود حين الوصية أو انتقل إلى آخر. وقدم في الفروع أنها لا تصح إلا إذا قلنا
يملك وتبعه في التنقيح والمنتهى (1). وما قاله المصنف ظاهر كالهبة ولم يحك الحارثي فيه
خلافا مع سعة اطلاعه وكذا الشارح (2) لم يحك فيه خلافا وأي فرق بين الوصية والهبة
(ويعتبر قبوله) أي قبول العبد للوصية لما تقدم (فإذا قبل ولو بغير إذن سيده) لأنه نوع كسب
فلا يفتقر إلى إذن ككسب المباح (فهي) أي الوصية (لسيده) وقت القبول (ككسبه) المباح
(وإن قبل سيده) الوصية (دونه لم يصح) قبوله لأن الخطاب لم يجر مع السيد فلا جواب له
(وإن كان) العبد الموصى له (حرا وقت موت الموصي أو بعده قبل القبول ثم قبل فهي له)
أي العتيق (دون سيده) لأن العتيق هو المقصود بالوصية (ووصيته لعبد وارثه كوصيته لوارثه)
فتقف على إجازة باقي الورثة (و) وصيته (لعبد قاتله ك‍) - وصيته ل‍ (- قاتله) لما تقدم من أن
الوصية إذا قبلها لسيده (وتصح) الوصية (لعبده) أو أمته (بمشاع يتناوله) (3) أي العبد (فلو
وصى له بربع ماله) صح لأنه ربع المال أو بعضه فالوصية تنحصر فيه اعتبارا للعتق فإنه يعتق
بملكه نفسه وإذا أوصى له بالربع (وقيمته مائة وله) أي الموصي (سواه) أي العبد (ثمانمائة
عتق وأخذ مائة وخمسة وعشرين) لأن مجموع المال تسعمائة وربعها مائتان وخمسة
وعشرون عتق منها العبد بمائة يبقى له ما ذكر فيأخذه وإن كانت الوصية بالربع وله سواه
ثلاثمائة عتق فقط، وإن كان له سواه مائتان عتق منه ثلاثة أرباعه وهكذا والحاصل أنه إن
كانت الوصية وفق قيمته عتق أو أزيد فالزيادة له، أو أنقص فيعتق بقدره منه (وإن وصى له)
أي لقنه (بنفسه أو برقبته عتق بقبوله إن خرج من ثلثه) كما لو وصى له بعتقه وعلم منه أنه لم
يقبل لم يعتق لاقتضاء الصيغة القبول كما لو قال: وهبت منك نفسك أو ملكتك نفسك فإنه
يحتاج إلى القبول في المجلس (وإلا) بأن لم يخرج من ثلثه عتق منه (بقدره) أي الثلث إن
لم تجز الوراثة (وإن وصى له بمعين لا يتناول شيئا منه كثوب ومائة) دينار أو درهم (لم
يصح) لأنه يصير للورثة، فكأنه وصى لهم بما يرثونه (ولو وصى بعتق نسمة بألف فأعتقوا)
431

أي الورثة (نسمة بخمسمائة لزمهم عتق) نسمة (أخرى بخمسمائة) حيث احتمل الثلث الألف
استدراكا لباقي الواجب (وإن قال) الموصي: أعتقوا (أربعة) أعبد (بكذا) كخمسمائة (جاز
الفضل بينهم) بأن يشتري واحد بمائة وآخر بمائتين وآخر بمائة وعشرين وآخر بثمانين لان
لفظه يحتمل ذلك (ما لم يسم) الموصي (ثمنا معلوما) لكل واحدة منهم فيتعين على ما قاله
(وتصح) الوصية (للحمل) لأنه يرث وهي في معنى الإرث من جهة الانتقال عن الميت
مجانا (إن كان موجودا حال الوصية) (1) لأنها تمليك فلا تصح لمعدوم (بأن تضعه حيا لأقل
من ستة أشهر من حين الوصية فراشا كانت لزوج أو سيد أو بائنا) لأن أقل مدة الحمل ستة
أشهر كما يأتي فإذا وضعته لأقل منها وعاش لزم أن يكون موجودا حينها (أو) تضعه (لأقل
من أربع سنين إن لم تكن فراشا أو كانت فراشا لزوج أو سيد إلا أنه لا يطؤها لكونه غائبا
في بلد بعيد أو مريضا مرضا يمنع الوطئ أو كان أسيرا أو محبوسا أو علم الورثة أنه لم
يطأها أو أقروا) إقرارا (بذلك) (2) للحاقه بأبيه والوجود لازم له، فوجب ترتب الاستحقاق
ووطئ الشبهة نادر وتقدير الزنا إساءة ظن بمسلم والأصيل عدمها فإن وضعته لأكثر من أربع
سنين لم يستحق لاستحالة الوجود حين الوصية.
تنبيه: قوله: أو أقروا صوابه: وأقروا لأن علمهم مع عدم إقرارهم به لا وصول إلى
الاطلاع عليه (ويثبت الملك له) أي الحمل (من حين قبول الولي) الوصية (له) أي للحمل
(بعد موت الموصي) هذا أحد قولي ابن عقيل وقال تارة أخرى تبعا لشيخه القاضي: إن
الوصية له تعليق على خروجه حيا والوصية قابلة للتعليق بخلاف الهبة انتهى. ومقتضاه أن
الملك إنما يثبت بعد الولادة قال الحارثي: وقبول الولي يعتبر بعد الولادة لا قبل، لأن أهلية
الملك إنما تثبت حينئذ، (وإن انفصل) الحمل الموصى له (ميتا بطلت الوصية) لانتفاء أهلية
الملك ولا فرق بين موته بجناية جان وغيرها لانتفاء إرثه (ولو وصى لحمل امرأة من زوجها
أو سيدها صحت الوصية له إن لحق) له (به) أي بالزوج أو السيد (وإن كان) الحمل (منفيا
432

بلعان أو دعوى الاستبراء فلا) تصح الوصية لعدم شرطه المشروط في الوصية (ولو وصى
لحمل امرأة) بوصية (فولدت ذكرا أو أنثى تساويا فيها) أي الوصية لأن ذلك عطية وهبة.
أشبه ما لو وهبها شيئا بعد الولادة (وإن فاضل بينهما) بأن جعل لأحدهما أكثر من الآخر
(فعلى ما قال:) كالوقف (وإن ولدت أحدهما منفردا فله وصيته) لتحقق المقتضي (ولو قال)
الموصي: (إن كان في بطنك ذكر فله كذا وإن كان فيه أنثى ف‍) - لها (كذا فكانا فيه) بأن
ولدت ذكرا وأنثى (فلهما ما شرط) (1) لأن الشرط وجد فيهما (وإن كان) حملها (خنثى
ففي الكافي له ما للأنثى) (2) أي إن كان أقل مما جعل للذكر لأنه المتيقن (حتى يتبين أمره)
وتتبين ذكوريته فيأخذ الزائد (وإن ولدت ذكرين أو) ولدت (أنثيين فللذكرين ما للذكر
وللأنثيين ما للأنثى) (3) إذ لا مزية لأحدهما على الآخر (وإن قال) الموصي: (إن كان حملك
أو ما في بطنك ذكرا فله كذا وإن كان) حملك أو ما في بطنك (أنثى فله كذا فولدت
أحدهما منفردا فله وصيته) لوجود شرطه (وإن ولدت ذكرا وأنثى فلا شئ لهما لأن أحدهما
ليس هو كل الحمل ولا كل ما في البطن) بل بعضه فلم يوجد الشرط (وإن وصى لمن
تحمل هذه المرأة لم تصح) الوصية (لأنه وصية لمعدوم وكذا المجهول) لا تصح الوصية له
(كأن يوصي بثلثه لاحد هذين) الرجلين أو المسجدين ونحوهما (أو قال:) أوصيت بكذا
(لجاري) فلان (أو) ل‍ (- قريبي فلان باسم مشترك) لأن تعيين الموصى له شرط فإذا قال:
لاحد هذين فقد أبهم الموصى له وكذا الجار والقريب لوقوعه على كل من المسميين (ما لم
تكن قرينة تدل على أنه أراد معينا من الجار والقريب) فيعطى من دلت القرينة على إرادته
433

(فإن قال أعطوا ثلثي أحدهما صح) كما لو قال: أعتقوا أحد عبدي (وللورثة الخيرة) فيمن
يعطوه الثلث من الاثنين والفرق بين هذه والتي قبلها أن قوله: أعطوا ثلثي أحدهما أمر
بالتمليك فصح جعله إلى اختيار الورثة كما لو قال لوكيله: بع سلعتي من أحد هذين بخلاف
قوله: وصيت ونحوه فإنه تمليك معلق بالموت فلم يصح لمبهم (وإن قال: عبدي غانم حر وله
مائة وله) أي الموصي (عبدان بهذا الاسم عتق أحدهما بقرعة) (1) لأنه عتق استحقه واحد
منهما فأخرج بالقرعة كما لو أعتقهما فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما ولم تجز الورثة
عتقهما (ولا شئ له) (2) أي لمن خرجت له القرعة من الدراهم ولو خرجت الثلث لان
الوصية بها وقعت لغير معين فلم تصح قال في الاختيارات: وإن وصف الموصى له أو
الموقوف عليه بخلاف صفته مثل أن يقول على أولادي السود، وهم بيض أو العشرة وهم
اثنا عشر فههنا الأوجه إذا علم ذلك أنه يعتبر الموصوف دون الصفة.
فصل:
(وإن قتل الوصي) أي الموصى له
(الموصي) قتلا مضمونا بقصاص أو دية أو كفارة كما قال ابن نصر الله (ولو) كان
القتل (خطأ، أو قتل مدبر سيده بطلت الوصية) (3) والتدبير لأن القتل يمنع الميراث الذي هو
آكد منها. فالوصية أولى ومعاملة له بنقيض قصده (وإن أوصى لقاتله لم تصح) الوصية لما
تقدم (وإن جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح لم تبطل) (4) وصيته لأنها صدرت من أهلها
في محلها لم يطرأ عليها ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت فإن القتل طرأ عليها فأبطلها (وكذا
434

فعل مدبر بسيده) فإن جنى على سيده ثم دبره ومات السيد لم يبطل تدبيره لما تقدم
بخلاف ما لو دبره ثم جنى عليه فإنه يبطل تدبيره وتقدم قال الحارثي وكذلك العطية
المنجزة في المرض إذا وجد القتل من المعطى (وإن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو
لجميع الأصناف) الثمانية (صح) الايصاء لأنهم من أبواب البر ولأنهم يملكون بدليل
الزكاة والوقف (ويعطون بأجمعهم) بخلاف الزكاة والفرق بينهما حيث يجوز الاقتصار
في الزكاة على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها بيان من يجوز الدفع إليه والوصية
أريد بها من يجب الدفع إليه قال في المغني (وينبغي أن يعطي كل صنف) حيث أوصى
لجميعهم (ثمن الوصية كما لو وصى لثمان قبائل ويكفي من كل صنف) شخص
(واحد) (1) لتعذر الاستيعاب بخلاف الوصية لثلاثة عينوا حيث تجب التسوية لإضافة
الاستحقاق إلى أعيانهم (ويستحب إعطاء من أمكن منهم) والدفع على قدر الحاجة،
(وتقديم أقارب الموصي) لما فيه من الصلة (ولا يعطى إلا المستحق من أهل بلده) أي
الموصي كالزكاة فإن لم يكن بالبلد فقير تقيد بالأقرب إليه (ولا تجب التسوية) بينهم
فيجوز التفضيل كما لا يجب التعميم (ويعطى كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من
الزكاة) على قدر الحاجة (وإن وصى للفقراء دخل فيه المساكين وكذا العكس) فإذا
أوصى للمساكين دخل فيه الفقراء لأنهم كنوع واحد فيما عدا الزكاة لوقوع كل من
الاسمين على الآخر (إلا أن يذكر الصنفين جميعا) فعلى ما تقدم في الزكاة (ويستحب
تعميم من أمكن منهم و) يستحب (الدفع إليهم على قدر الحاجة والبداءة بأقارب
الموصي كما تقدم) والوصية في سبيل الله المشهور عنه اختصاصها بالغزو وعنه دخول
الحج في ذلك قال الحارثي: وهو الصحيح (وإن وصى لكتب القرآن أو) كتب (العلم)
النافع (صح) لأنه جهة قربة (وتصح) الوصية (لمسجد وتصرف في مصالحه) وكذلك
435

الوصية لقنطرة وسقاية ونحوها لأنها قربة (1) (وإن وصى بشراء عين) كعبد وثوب
(وأطلق أو) وصى ب‍ (- بيع عبده وأطلق) فلم يقل لزيد ونحوه ولا بشرط عتق (فالوصية
باطلة) لخلوها عن قربة (فإن وصى ببيعه بشرط العتق صحت الوصية) لأن عتقه قربة
(وبيع كذلك) أي بشرط العتق (فإن لم يوجد من يشتريه كذلك بطلت) الوصية لتعذر
الوفاء بها (وإن وصى ببيعه لرجل يعينه بثمن معلوم بيع به) أي بالثمن الذي عينه لذلك
الرجل لأنه يقصد الرفق إما بالعبد لحسن معاشرة الرجل، أو بالرجل لنفع العبد له
(وإن) وصى ببيعه لرجل معين و (لم يسم ثمنا بيع) له (بقيمته) لأنه العدل (فإن تعذر
بيعه للرجل) لمانع ما (أو أبى) الرجل (أن يشتريه بالثمن) المعين (أو بقيمته إن لم
يعين) الموصي (الثمن بطلت الوصية) لتعذر الوفاء (وإن وصى في أبواب البر صرف في
القرب كلها ويبدأ بالغزو) (2). لأنه أفضلها (وإن قال: ضع ثلثي حيث أراك الله فله صرفه
في أي جهة من جهات القرب والأفضل) صرفه (إلى فقراء أقاربه) لأنها صدقة وصلة
(فإن لم يجد) الوصي أقارب فقراء غير وارثين للموصى له (فإلى محارمه من الرضاع)
كأبيه وأخيه وعمه ونحوهم من رضاع (فإن لم يجد) له محارم من رضاع (فإلى
جيرانه) (3). الأقرب فالأقرب ولا يجب ذلك، لأنه جعل ذلك إلى ما يراه فلا يجوز
تقييده بالتحكم ولو وصى بفكاك الأسرى أو وقف مالا على فكاكهم صرف من يد
الوصي أو وكيله وله أن يقترض عليه ويوفيه منه وكذلك في سائر الجهات. ومن افتك
أسيرا غير متبرع جاز صرف المال إليه وكذلك لو اقترض غير الوصي مالا فك به أسيرا
جاز توفيته منه. وما احتاج إليه الوصي في افتكاكهم من أجره صرف من المال، ولو
تبرع بعض أهل الثغر بفدائه واحتاج الأسير إلى نفقة الإياب صرف من مال الأسرى،
وكذا لو اشترى من المال الموقوف على افتكاكهم أنفق عليه منه إلى بلوغ محله قاله في
الاختيارات (ويأتي في باب الموصى إليه إذا قال: ضع ثلثي حيث شئت، إذا قال: يخدم
436

عبدي فلانا سنة ثم هو حر صحت الوصية) على ما قال الموصي (فإن لم يقبل الموصى
له بالخدمة) الوصية (أو وهب له) أي العبد (الخدمة لم يعتق إلا بعد السنة) قاله في
المغني والشرح وفي المنتهى وغيره يعتق في الحال.
فرع: قال أبو بكر: لو قال الموصي: أعتق عبدا نصرانيا فأعتق مسلما أو ادفع ثلثي إلى
نصراني فدفعه إلى مسلم ضمن قال أبو العباس وفيه نظر (وإذا أوصى أن يشتري عبد زيد
بخمسمائة فيعتق فلم يبعه سيده أو امتنع) سيده (من بيعه بالخمسمائة أو تعذر شراؤه بموته)
أي العبد (أو لعجز الثلث عن ثمنه فالخمسمائة للورثة) (1) وبطلت الوصية لتعذر الايفاء بها
(ولا يلزمهم شراء عبد آخر) لأن الوصية تعلقت بعين الموصى به (وإن اشتروه) أي العبد
(بأقل) مما قال الموصي: كما لو اشتروه بأربعمائة (فالباقي) من الثمن (للورثة) لأنه لا
مصرف له (وإذا أوصى أن يشتري عبد بألف فيعتق فلم يخرج من ثلثه اشترى عبد بالثلث)
إن لم يجز الورثة (ولا يشترط في صحة الوصية القربة) كالهبة بخلاف الوقف لأنه للدوام
بخلافهما (قال الشيخ: لو جعل الكفر أو الجهل شرطا في الاستحقاق لم تصح) الوصية (فلو
وصى لأجهل الناس لم يصح) انتهى (وإن وصى من لا حج عليه أن يحج عنه بألف صرف)
الوصي (من ثلثه مؤنة حجة بعد أخرى) لمن يحج (راكبا أو راجلا يدفع) الوصي (لكل واحد
قدر ما يحج به) من النفقة (حتى ينفذ) (2) أي يفرغ الألف لأنه وصى بجميعه في جهة قربة
فوجب صرفه فيها، كما لو وصى به في سبيل الله ولا يجوز أن يدفع إلى واحد أكثر من نفقة
المثل، لأنه أطلق التصرف في المعاوضة فاقتضى ذلك عوض المثل كالتعويض في البيع
والشراء (فلو لم يكف الألف) للحج حج به من حيث يبلغ (أو) صرف منه في حجة بعد
أخرى وبقي بقية ولم تكف (البقية) للحج (حج به) أي الباقي (من حيث يبلغ) لأن الموصي
437

قد عين صرف ذلك في الحج فصرف فيه بقدر الامكان (ولا يصح حج وصي
بإخراجها) (1) أي الألف في الحج (لأنه منفذ فهو كقوله) لانسان (تصدق عني) بكذا
(لم) يجز للمأمور أن (يأخذ منه) شيئا لما تقدم في الوكالة (ولا) يصح أيضا حج
(وارث) لأن ظاهر كلام الموصي جعله لغيره فإن عين الموصي أن يحج عنه الوارث
بالنفقة جاز (ويجزى أن يحج عنه) أي عمن أوصى بالحج ولا حج عليه (من الميقات)
حملا على أدنى الحالات. والأصل عدم وجوب الزائد، ولان اللفظ إنما تناول
الحج، وفعله إنما هو من الميقات، وقطع ما قبله من المسافة ليس منه (وإن قال:
حجوا عني بألف ولم يقل واحدة لم يحج عنه إلا حجة واحدة وما فضل للورثة) هكذا
في الانصاف (2) وهو مشكل على ما تقدم. ولو أسقط بألف لكان موافقا لنصوص
الامام. قال في رواية عبد الله وحرب إن قال: حجوا عني ولم يسم دراهم فما فضل
رده إليهم. قال الحارثي أما إيجاب المثل فلان الاطلاق يقتضيه كما في نظائره، وأما
أن الفضل للوارث فلحصول الموصى به وهو الحج والانفاق فيه فوجب كونه للوارث
وأما وجوب حجة واحدة عند الاطلاق فلان اللفظ إنما اقتضى وجود الماهية وهو
حاصل بالمرة والأصل عدم إرادة الموصي الزيادة انتهى. ويمكن تخريج كلام
المصنف على اختيار أبي محمد الجوزي أنه إن أوصى بألف يحج بها يصرف في كل
حجة قدر نفقة حتى ينفذ ولو قال: حجوا عني بألف فما فضل للورثة، لكن صاحب
الانصاف حكاه مقابلا لما قدم أنه الصحيح (وإن قال): حجوا عني (حجة بألف دفع
الألف إلى من يحج عنه) (3) حجة واحدة بمقتضى وصيته وتنفيذا لها (فإن عينه)
الموصي (أولا في الوصية فقال: يحج عني فلان) حجة (بألف فهو وصية له إن حج)
وله أخذه قبل التوجه لأنه مأذون في التجهز به ومن ضرورته الاخذ قبله لكن لا يملكه
بالأخذ لأن المال جعل له على صفة فلا يملك بدون تلك الصفة. فلا يضمنه إن تلف
أو ضاع بلا تفريط (ولا يعطى) المال (إلا أيام الحج) (4) احتياطا للمال ولأنه معونة في
438

الحج، فليس مأذونا فيه قبل وقته (فإن أبى) المعين (الحج وقال: اصرفوا الفضل لم
يعطه وبطلت الوصية في حقه) (1) لأن الوصية به إنما هي بصفة الحج فلا يستحق
بدونها، وسواء فيه حج الفرض ونقله (ويحج عنه بأقل ما يمكن من النفقة) لمثله
(والبقية للورثة) لأنه لا مصرف لها (وله تأخيره) أي للنائب تأخير الحج (لعذر)
كمرض ونحوه (ولو قال: من عليه حج) أي قال: حجوا عني بألف أو حجة بألف
(صرف الألف كما سبق) إن لم يقل حجة صرف في حجة بعد أخرى حتى ينفذ، وإن
قال حجة وكان أوصى لمعين دفع إليه إن قبل (وحسب من الثلث الفاضل عن نفقة
المثل) لحجة الفرض لأنه تبرع، (وإن قال: حجوا عني حجة ولم يذكر قدرا من المال
دفع إلى من يحج قدر نفقة المثل فقط) (2) لأن الاطلاق لا يقتضي الزيادة عليها (فإن
تلف المال في الطريق) بيد النائب (فهو من مال الموصي) غير مضمون على النائب
لأنه مؤتمن بالاذن في إثبات يده. أشبه المودع. والتصرف بالانفاق لا يوجد ضمانا
ولا يزيل ائتمانا لأنه مأذون فيه كما في إنفاق المضارب بالاذن (وليس على النائب
إتمام الحج) ولا يضمن ما كان أنفق لوجود الاذن وكذا لو مات أحصر أو مرض أو
ضل الطريق للاذن فيه وإن رجع خشية أن يمرض وجب الضمان لأنه صحيح والعذر
موهوم وللمعذور ممن ذكر نفقة الرجوع وإن مضى من ضاعت منه النفقة فما أنفق من
ماله أو مال استدانه رجع به على التركة إذا عاد إن كان واجبا وإن مضى هذا الضائع
منه النفقة للحج عن آخر بنفقة يأخذها جاز لانقطاع علقه عن الأول بنفاد نفقته
ولانتفاء اللزوم على الوصي استنابة ثقة لأن في الحج أمانة فإن مما تتوقف الصحة
عليه النية ولا تعلم إلا من جهته فما لم يكن ثقة لا يبرأ به عن العهدة (ولو وصى
بثلاث حجج إلى ثلاثة صح صرفها) إلى ثلاثة (في عام واحد) (3) لاطلاق الوصية
وإمكان الفعل قال القاضي: وابن عقيل وكان أولى من التأخير (وأحرم النائب بالفرض
439

أولا إن كان عليه) أي الموصي (فرض) لتقدمه فإن أحرم بغيره قبله وقع عن الفرض
وتقدم في الحج (وإن وصى) بثلاث حجج و (لم يقل إلى ثلاثة) وكذا لو قال:
حجوا عني بألف وأمكن أن يستناب بها جماعة في عام ويكون معنى قولهم صرف في
حجة بعد أخرى أي بعد الصرف في حجة أخرى كما يميل إليه كلام الحارثي وإنما لم
يحصل بالمباشرة إلا حجة واحدة لأنه لا يتسع لأكثر ولا يستلزم ذلك أن لا يحصل
بالنائب أكثر لأن النائب إذا تعدد أمكن الاتساع فأمكن تعدد الوقوع (والوصية
بالصدقة) بمال (أفضل من الوصية بحج التطوع) لما تقدم في صلاة التطوع أن صدقة
التطوع أفضل من حجه (وإن وصى لأهل سكته) بكسر السين (أو) وصى (لقرابته أو)
وصى (لأهل بيته أو لجيرانه ونحوه لم يدخل من وجد بين الوصية والموت كمن وجد
بعد الموت وإن أوصى بمال في كيس معين لم يتناول المتجدد فيه) بعد الوصية
(وأهل سكته هم أهل دربه أي زقاقه) (1) بضم الزاي والجمع أزقة قال الأخفش والفراء:
أهل الحجاز يؤنثون الزقاق والطريق والسبيل والصراط والسوق وتميم تذكر قال
الحارثي: والوصية لأهل خطه بكسر الخاء وكثير من العرف يقوله بالضم يستحقها أهل
دربه وما قاربه من الشارع الذي يكون به لأن العرف والوصية لأهل محلته كالوصية
لأهل حارته.
تتمة: أهل العلم من اتصف به وأهل القرآن حفظته ذكره في حاشيته (و) لو وصى
(لجيرانه يتناول أربعين دارا من كل جانب) (2) لقوله (ص): الجار أربعون دارا هكذا وهكذا
وهكذا وهكذا (3) رواه أحمد (ويقسم المال) الموصى به (على عدد الدور وكل حصة دار
تقسم على سكانها) لأن مطلق الإضافة يقتضي التسوية (وجيران المسجد من يسمع النداء)
440

لحديث: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد (1) رواه الدارقطني عن جابر وأبي هريرة
مع قوله (ص): للأعمى لما سأله أن يرخص له في الصلاة في بيته: هل تسمع النداء قال: نعم،
قال: فأجب (2) رواه مسلم (و) إن وصى (لأقرب قرابته أو) وصى بشئ ل‍ (أقرب الناس
إليه أو) وصى بشئ ل‍ (- أقربهم به رحما لا يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب فأب وابن
سواء) لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه من غير واسطة (وأخ من أبوين أولى من أخ لأب)
لأن من له قرابتان أقرب ممن له قرابة واحدة (وكل من قدم) على غيره (قدم ولده) فيقدم
ابن أخ لأبوين على ابن أخ لأب (إلا الجد فإنه يقدم على بني إخوته) أي الموصي مع أنه
يستوي مع آبائهم (و) إلا (أخاه لأبيه) فإنه (يقدم على ابن أخيه لأبويه) كما في الإرث مع أن
الأخ لأبوين مقدم على الأخ لأب كما تقدم (والذكور والإناث فيها) أي القرابة (سواء) فابن
وبنت سواء، وأخ وأخت سواء، وعم وعمة سواء، وعلم مما تقدم أن الأب أولى من ابن الابن
ومن الجد ومن الإخوة على الصحيح قاله: في شرح المنتهى (وأخ) لأبوين أو لأب
(وجد) لأب (سواء) لأن كلا منهما يدلي بالأب بلا واسطة (ولا يدخل في القرابة من كان
من جهة الام) كالإخوة لام والجد والخال والخالة (وتقدم) ذلك (في الوقف) بأوضح من
هذا (ويقدم الابن على الجد والأب على ابن الابن) (3) لأن من يدلي بلا بواسطة أقرب ممن
يدلي بواسطة (والطفل من لم يميز) قال في البدر المنير الطفل: الولد الصغير من الانسان
والدواب قال بعضهم: ويبقى هذا اسم للولد حتى يميز ثم لا يقال له بعد ذلك: طفل بل
صبي وحزور ومراهق وبالغ (وصبي وغلام ويافع ويتيم من لم يبلغ) قال في شرح المنتهى:
يعني أن هذه الألفاظ تطلق على الولد من حين ولادته إلى حين بلوغه بخلاف الطفل فإنه
يطلق إلى حين تمييزه (4) فقط فهذه الأسماء أعم من لفظ الطفل قال في فتح الباري في
441

حديث: علموا الصبي الصلاة ابن سبع يؤخذ من إطلاق الصبي على ابن سبع الرد على من
زعم أنه لا يسمى صبيا إلا إذا كان رضيعا ثم يقال له: غلام إلى أن يصير ابن تسع سنين ثم
يصير يافعا إلى عشر ويوافق الحديث قول الجوهري الصبي الغلام انتهى وقوله: ويتيم من لم
يبلغ يعني ولا أب له وفي غير الناس من لا أم له فإن مات الأبوان فالصغير لطيم فإن ماتت
أمه فالصغير عجيم قاله في الحاشية: (ولا يشمل اليتيم ولد الزنا) ولا منفيا بلعان لأن اليتيم
من فقد أباه بعد أن كان وهذا لم يكن له أب (ومراهق من قارب البلوغ) قال في القاموس:
راهق الغلام قارب الحلم (وشاب وفتى منه) أي البلوغ (إلى الثلاثين) سنة (وكهل منها) أي
الثلاثين (إلى خمسين) سنة (وشيخ منها) أي الخمسين (إلى سبعين) سنة (ثم هرم) إلى آخر
عمره قال في القاموس: الكهل من وخطه الشيب ورؤيت له بجالة أو من جاوز الثلاثين أو
أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين انتهى والبجالة مصدر بجل كعظم (وتقدم) ذلك (في
الوقف) أيضا.
فصل:
(ولا تصح الوصية لكنيسة ولا لحصرها وقناديلها ونحوه)
(ولا) ل‍ (- بيت نار و) لا ل‍ (- بيعة وصومعة و) لا (دير ولا لاصلاحها وشعلها
وخدمتها ولا لعمارتها) ولو من ذمي لأن ذلك إعانة على معصية (ولا لكتب التوراة والإنجيل
والزبور والصحف ولو) كانت الوصية (من ذمي لأنها كتب منسوخة والاشتغال بها غير
جائز) (1) لما فيها من التغيير والتبديل (وإن وصى ببناء بيت يسكنه المجتازون) أي المارون
(من أهل الذمة وأهل الحرب صح) لأن بناء مساكنهم ليس بمعصية (ولا) تصح الوصية
(لملك) بفتح اللام أحد الملائكة (ولا لميت ولا لجني ولا لبهيمة إن قصد تمليكها) لأنه
442

تمليك فلم يصح لهم كالهبة (وتصح) الوصية (لفرس حبيس) لأنه جهة قربة (ما لم يرد
تمليكه) فلا تصح الوصية لاستحالة تمليكه (وينفق الموصى به) للفرس الحبيس (إليه)
لأنه مصلحة (فإن مات الفرس) الحبيس (رد الموصى به) إن لم يكن أنفق منه شئ (أو)
رد (باقيه على الورثة) لأنه لا مصرف له (وإن شرد) الفرس الموصى له (أو سرق ونحوه)
بأن غصب (انتظر عوده) لأنه ممكن (وأن أيس منه) أي من عود (رد) الموصى به (إلى
الورثة) إذ لا مصرف له (ولو وصى بشراء فرس للغزو ب‍) - قدر (معين) كألف (ومائة
نفقة له فاشترى) الفرس (بأقل منه) أي مما عينه (فباقيه نفقة) للفرس (لا إرث) لأنه
أخرج الألف والمائة في وجه واحد وهو الفرس. فهما مال واحد بعضه للثمن وبعضه
للنفقة عليه. وتقدير الثمن لتحصيل صفة. فإذا حصلت فقد حصل الغرض فيخرج الثمن
من المال وتبقى بقيته نفقة (وتصح) الوصية (لفرس زيد ولو لم يقبله) أي الموصى به
زيد (ويصرفه) أي الموصى به للفرس (في علفه) رعاية لقصد الموصي (فإن مات) الفرس
قبل إنفاق الكل عليه (فالباقي للورثة) (1) أي ورثة الموصي. لا لمالك الفرس لأنها إنما
تكون له على صفة، وهي الصرف في مصلحة دابته. رعاية لقصد الموصي. قال
الحارثي. بحيث يتولى الموصي أو الحاكم الانفاق لا المالك (وإن وصى لحي وميت
يعلم) الموصي (موته أو لم يعلم) موته (فللحي النصف، ولو لم يقل) الموصي أن
الموصى به (بينهما) لأنه أضاف الوصية إليهما فإذا لم يكن محلا أحدهما للتمليك.
بطل في نصيبه وبقي نصيب الحي وهو النصف (وكذا إن وصى لحيين فمات أحدهما)
قبل موت الموصي قال في المبدع بغير خلاف نعلمه: (وإن وصى لوارثه وأجنبي بثلث
ماله فأجاز سائر الورثة وصية الوارث فالثلث بينهما نصفين) لأن مطلق الإضافة يقتضي
التسوية (وإن وصى لكل واحد منهما) أي من وارثه وأجنبي (بمعين قيمتهما الثلث فأجاز
سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصيتان لهما) على ما قال الموصي: لعدم المانع (وإن
443

ردوا بطلت وصية الوارث) (1) لعدم إجازة الورثة (وللأجنبي المعين له) لأنه لا اعتراض
للورثة عليه وبطلت (ولو وصى لهما) أي لوارثه وأجنبي (بثلثي ماله فرد الورثة نصف
الوصية وهو ما جاوز الثلث فللأجنبي السدس) وللوارث السدس، لأن الوارث يزاحم
الأجنبي مع الإجازة. فإذا ردوا تعين أن يكون الباقي بينهما كما لو تلف بغير رد (ولو
ردوا نصيب الوارث وأجازوا للأجنبي فله الثلث كإجازتهم للوارث) (2) فيكون له الثلث
لأن لهم أن يجيزوا لهما ويردوا عليهما فلهم أن يجيزوا لأحدهما ويردوا على الآخر
(وإن ردوا وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي فله) أي الأجنبي (السدس) لأن لهم أن
يجيزوا الثلث لهما فيشتركان فيه. فإذا رجعوا فيما للوارث لم يزد الأجنبي على ماله
حال الإجازة للوارث. ولو أرادوا نقص الأجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك،
أجازوا للوارث أو ردوا (ولو وصى له ولجبريل) بثلث ماله (أو له ولحائط بثلث ماله فله
جميع الثلث) لأن من أشركه معه لا يملك فلم يصح التشريك (ولو وصى له وللرسول
(ص) بثلث ماله قسم بينهما نصفين ويصرف ما للرسول (ص) في المصالح العامة) (3)
كخمس خمس الغنيمة (ولو وصى له ولله) سبحانه وتعالى (أو له ولإخوته) بشئ (قسم
نصفين) وصرف ما لله في المصالح العامة (ولو وصى لزيد وللفقراء بثلثه قسم) الثلث
(بين زيد والفقراء نصفين نصفه له) أي لزيد (ونصفه للفقراء) لأنه قابل بينه وبينهم،
فاستويا في قدر الاستحقاق كما في قوله لزيد وعمرو ولو قال: لزيد والفقراء والعلماء
فلزيد الثلث ولهما الثلثان لذلك (ولو كان زيد فقيرا لم يستحق من نصيب الفقراء شيئا)
444

لاقتضاء العطف المغايرة. وكذا لو وصى لزيد وجيرانه بشئ لم يشاركهم زيد بكونه
جارا. ولو وصى لقرابته والفقراء فلقريب فقيرا سهمان ذكره أبو المعالي لأن المراعي
في الاستحقاق وصفه فجاز تعدد استحقاقه بتعدد وصفه (وإن وصى به) أي بالثلث (لزيد
وللفقراء والمساكين فله) أي زيد (تسع فقط والباقي لهما) أي الفقراء والمساكين (ولا
يستحق معهم بالفقر والمسكنة) (1) شيئا لما تقدم (ولو وصي بماله لابنيه وأجنبي) ولا
وارث غير ابنيه (فردا وصيته فله) أي الأجنبي (التسع) لأنه بالرد رجعت الوصية إلى
الثلث والموصى له ابنان وأجنبي فيكون للأجنبي التسع لأنه ثلث الثلث (ولو وصى
بدفن كتب العلم لم تدفن) قاله أحمد، ولعل وجهه أن الغرض نشر العلم لا إخفاؤه
(ولو وصى بإحراق ثلث ماله صح وصرف في تجهيز الكعبة وتنوير المساجد ولو وصى
بجعل ثلثه في التراب صرف في تكفين الموتى و) لو وصى (بجعله) أي الثلث (في الماء صرف
في عمل سفن الجهاد) محافظة على تصحيح كلام المكلف مهما أمكن، وإن أوصى
بجعله في الهواء قال ابن نصر الله: يتوجه أن يعمل به باد هنج لمسجد ينتفع به
المصلون. قال تلميذه صاحب المبدع وفيه شئ انتهى. ولو قيل: يعمل به نبل ونشاب
للجهاد لم يبعد (ولو وصى بكتب العلم لآخر صح) لأنه إعانة على طاعة (ولا تدخل
كتب الكلام) في كتب العلم (لأنه) أي الكلام (ليس من العلم) (2) قال أحمد في رواية
أبي الحارث: الكلام ردئ لا يدعو إلى خير. لا يفلح صاحب كلام، تجنبوا أصحاب
الجدال والكلام وعليك بالسنن وما كان عليه أهل العلم. فإنهم كانوا يكرهون الكلام.
وعنه لا يفلح صاحب كلام أبدا. ولا ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل.
وكذلك روى ابن مهدي عن مالك فيما حكى البغوي: لو كان الكلام علما لتكلم فيه
الصحابة والتابعون كما تكلموا في الاحكام والشرائع ولكنه باطل. قال ابن عبد البر
أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام لا يعدون في طبقات العلماء
وإنما العلماء أهل الفقه والأثر (ولا تصح الوصية لكتبه) أي الكلام (ولا) الوصية (لكتب
البدع المضلة و) لا لكتب (السحر والتعزيم والتنجيم ونحو ذلك) من العلوم المحرمة
445

لأنها إعانة على معصية (وتصح) الوصية (بمصحف ليقرأ فيه) لأنه قربة (ويوضع بجامع
أو موضع حريز) ليحفظه.
باب الموصى به
وهو المتمم لأركان الوصية الأربعة (يعتبر فيه) أي الموصى به (إمكانه فلا تصح
بمدبرة) ولا بأم ولده لأنهما يعتقان بالموت فلا يمكن دخولهما في ملك الموصى له (1) (و)
يعتبر فيه أيضا اختصاصه أي الموصى به ف‍ (- لا) تصح الوصية (بمال الغير ولو ملكه بعد)
بأن قال: وصيت بمال زيد، فلا تصح الوصية ولو ملك الموصي مال زيد بعد الوصية لفساد
الصيغة بإضافة المال إلى غيره (وتصح) الوصية (بما لا يقدر على تسليمه وللوصي السعي
في تحصيله كآبق وشارد وطير في هواء وحمل في بطن ولبن في ضرع) (2) وسمك في لجة.
قال الحارثي: على التمثيل ههنا باللبن في الضرع مناقشة فإنه يمكن التسليم بالحليب. لكنه
من نوع المجهول أو المعدوم لتجدده شيئا فشيئا (و) تصح الوصية أيضا (بمعدوم كالذي
تحمل أمته) قال أبو العباس في تعاليقه القديمة: ويظهر لي أنه لا تصح الوصية بالحمل نظرا
إلى علة التفريق إذ ليس التفريق مختصا بالبيع، بل هو عام في كل تفريق إلا العتق وافتداء
الأسير (أو) تحمل (شجرته أبدا أو مدة معينة) (3) كسنة وسنتين (فإن حصل شئ فله) لان
الوصية أجريت مجرى الميراث وهذا يورث، فصحت الوصية به إلا حمل الأمة فيعطى
مالك الأمة قيمته لحرمة التفريق، فإن وطئت بشبهة فعلى الواطئ قيمة الولد لو وصى له
به، وإن لم تحمل حتى صارت حرة بطلت الوصية ولا يلزم الوارث السقي لأنه لم يضمن
تسليمها بخلاف بائع (وإلا) بأن لم يحصل شئ مما وصى به (بطلت) الوصية لفوات محلها
(ومثله) أي ما تقدم في الصحة الوصية (بمائة لا يملكها فإن قدر) الموصي (عليها عند
الموت أو) قدر (على شئ منها) صحت واعتبرت من الثلث (وإلا) بأن لم يقدر على شئ
446

منها (بطلت) الوصية لما تقدم (وتصح) الوصية (بإناء ذهب وفضة) (1) لأنه مال يباح الانتفاع
به على غير هذا الوجه بأن يكسره ويبيعه أو يغيره عن هيئته، بأن يجعله حليا يصلح للنساء
أو نحو ذلك. فصحت الوصية به. كالأمة المغنية (و) تصح الوصية لانسان (بزوجته) الأمة
وينفسخ النكاح بقبوله بعد الموت (و) تصح الوصية (بما فيه نفع مباح من غير المال،
ككلب صيد، و) كلب (ماشية، و) كلب (زرع وجر) وحرث، (ولما يباح اقتناؤه منها) لأن فيه نفعا
مباحا، وتقر اليد عليه، والوصية تبرع. فصحت في غير المال كالمال (ويأتي في الصيد)
بأوضح من هذا (وكزيت متنجس) فتصح الوصية به (لغير مسجد) لأن فيه نفعا مباحا، وهو
الاستصباح به، ولا تصح الوصية به لمسجد لأنه لا يجوز الاستصباح به فيه (2). وتقدم
(وله) أي الموصى له بالكلب المباح أو الزيت المتنجس (ثلث الكلب، و) ثلث (الزيت)
المتنجس الموصى به (إن لم تجز الورثة، ولو كان له مال كثير) لأن موضوع الوصية على
أن يسلم ثلثا التركة للورثة، وليس من التركة شئ من جنس الموصى به (وإن وصى لزيد
بكلابه، و) وصى (لآخر بثلث ماله، فللموصى له بالثلث ثلث المال وللموصى له بالكلاب
ثلثها إن لم يجز الورثة) لأن ما حصل للورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله
من حق الموصى له. وهو ثلث المال. ولم يحتسب على الورثة بالكلاب، لأنها ليست
بمال (ولو وصى بثلث ماله، ولم يوص بالكلاب دفع إليه) أي الموصى له بالثلث (ثلث
المال، ولم تحتسب الكلاب على الورثة) لأنها ليست بمال (وتقسم) الكلاب (بين الوراث)
بالعدد (و) تقسم أيضا بين الوراث وبين (الموصى له) بها إن لم تجز الورثة أو بعضها بالعدد
(أو) أي وتقسم الكلاب (بين اثنين) فأكثر (موصى لهما بها على عددها، لأنه لا قيمة لها،
فإن تشاحوا في بعضها) بأن طلب كل منهم أن يكون له (فينبغي أن يقرع بينهم) قاله في
447

الشرح، لأنه لا مرجح لأحدهم على غيره. وعبارته في المبدع والانصاف وغيرهما: فإن
تشاحوا أقرع بينهم (ولا تصح) الوصية (بما لا يباح اتخاذه منها) كالأسود البهيم والعقور،
وما لا يصلح للصيد، ولا للزرع، ولا للماشية (ولا بالخنزير، ولا بشئ من السباع) من
البهائم والطيور (التي لا تصلح للصيد) لعدم نفعها (ولا بما لا نفع فيه مباح كالخمر والميتة)
المحرمة (ونحوها) كالدم، لأن الوصية تمليك فلا تصح بذلك كالهبة. وقد حث الشارع
على إراقة الخمر وإعدامه فلم يناسب صحة الوصية به. وظاهره: ولو قلنا: يباح الانتفاع
بجلدها بعد الدباغ (وتصح) الوصية (بمجهول) (1) كعبد وثوب، لأن الموصى له شبيه
بالوارث من جهة انتقال شئ من التركة إليه مجانا، والجهالة لا تمنع الإرث. فلا تمنع
الوصية (ويعطى ما يقع عليه الاسم) لأنه مقتضى اللفظ (فإن اختلف الاسم بالحقيقة)
الوضعية (والعرف. كالشاة هي في) الحقيقة للذكر والأنثى من الضأن والمعز. والهاء
للوحدة. وفي العرف للأنثى الكبيرة من الضأن والمعز غلب العرف كالايمان) والبعير
بفتح الياء وكسرها والثور هو في العرف للذكر الكبير من الإبل أو البقر وفي الحقيقة
للذكر والأنثى غلب العرف كالايمان اختاره الموفق (2). وجزم به في الوجيز والتبصرة لأن الظاهر
إرادته، ولأنه لو خوطب قوم بشئ لهم فيه عرف وحملوه على عرفهم لم يعدوا
مخالفين (وصحح المنقح أنه تغلب الحقيقة) وهو قول القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل
وغيرهم من الأصحاب وجزم به في المنتهى (3)، لأنها الأصل ولهذا يحمل عليها كلام الله
وكلام رسوله (ص) (فيتناول) اللفظ مما ذكر (الذكور والإناث والصغار والكبار، فيعطى ما يقع
عليه الاسم من ذكر وأنثى كبير وصغير) لصلاحية اللفظ له (وحصان) بكسر الحاء المهملة
لذكر (وجمل) بفتح الميم وسكونها لذكر (وحمار وبغل وعبد لذكر) فقط قال تعالى:
* (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) * [النور: 32]. والعطف يقتضي
المغايرة ولأنه المفهوم من إطلاق اسم العبد فلو وكله في شراء عبد فليس له شراء أمة
448

(وأتان) الحمارة. قال في القاموس والأتانة قليلة (وناقة وبكرة وقلوص) الأنثى (وحجر)
بكسر الحاء وسكون الجيم الأنثى من الخيل. قال في القاموس وبالهاء لحن (وبقرة لأنثى
وكبش للذكر الكبير من الضأن، وتيس للذكر الكبير من المعز وفرس) لذكر وأنثى (ورقيق
لذكر وأنثى) قال في شرح المنتهى: ويكونان للخنثى أيضا (1). (والدابة اسم للذكر والأنثى
من الخيل والبغال والحمير) لأن ذلك هو المتعارف قال الحارثي: والقائلون بالحقيقة لم
يقولوا ههنا بالأعم، كأنهم لحظوا غلبة استعماله في الأجناس الثلاثة بحيث صارت الحقيقة
مهجورة (فإن قرن به) أي بذكر الدابة في الوصية (ما يصرفه إلى أحدها) أي أحد الأجناس
الثلاثة (كقوله:) أعطوا له (دابة يقاتل عليها انصرف إلى الخيل) وكذا لو قال: دابة يسهم لها
لاختصاصها بذلك (وإن قال): أعطوا له (دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال) والذكر
لانتفاء النسل فيهما (ولو قال:) أعطوه (عشرة) أو عشرا (من إبلي أو غنمي فللذكر والأنثى)
لأنه قد يلحظ في التذكير معنى الجمع وفي التأنيث معنى الجماعة. وأيضا اسم الجنس
يصح تذكيره وتأنيثه (وإن أوصى له بعبد مجهول) بأن أوصى له بعبد (من عبيده) ولم يعينه
(صح ويعطيه الورثة ما شاءوا منهم) (2) لأن لفظه تناول واحدا فيلزم الموصى له قبول ما
يدفعه الوارث من صحيح أو معيب جيد أو ردئ لتناول الاسم له (فإن لم يكن له عبيد لم
تصح (3) الوصية إن لم يملك الموصي عبيدا قبل الموت) لأن الوصية تقتضي عبدا من
الموجودين حين الموت أشبه ما لو أوصى له بما في الكيس ولا شئ فيه أو بداره ولا دار
له (فلو ملك) الموصي شيئا من العبيد (قبله) أي الموت (ولو واحدا أو كان له) عبد (واحد
صحت) الوصية وتعين كونه للموصى له. لأنه لم يكن للوصية محل غيره (وإن كان له) أي
الموصي (عبيد فماتوا قبل موت الموصي بطلت) الوصية لفوات محلها (ولو تلفوا بعد موته
449

من غير تفريط) من الورثة (فكذلك) أي بطلت الوصية بمعنى أنه فات على الموصى له إذ لا
موجب للضمان لحصول التركة في أيديهم بغير فعلهم (وإن ماتوا) أي العبيد (إلا واحدا
تعينت الوصية فيه) (1) لأنه لم يبق غيره وقد تعذر تسليم الباقي. وهذا إن حمله الثلث. قاله
في الرعاية (وإن قتلوا) أي العبيد (كلهم فله) أي الموصى له (قيمة أحدهم وهو من يختار
الورثة بذله للموصى له على قاتله) كما يلزم القاتل قيمته وإن لم يكن موصى به (ومثله) أي
العبد في الوصية (شاة من غنمه) وثوب من ثيابه وأمة من إمائه وأتان من حميره وفرس من
خيله ونحوها على ما سبق تفصيله بلا فرق (ولو وصى أن يعطي) زيد مثلا (مائة من أحد
كيسي فلم يوجد فيهما شئ استحق مائة) اعتبارا للمقصود وهو أصل الوصية لا صفتها
بخلاف ما لو وصى له بعبد من عبيده ولا عبد له فتبطل، قال الحارثي وقد يفرق بينهما بأن
القدر الفائت في صورة المائة صفة محل الوصية لا أصل المحل، فإن كيسا يؤخذ منه مائة
موجود ملكا، فأمكن تعلق الوصية به والفائت في صورة البعد أصل المحل وهو عدم العبيد
بالكلية فالتعلق متعذر. انتهى وقد ذكرت في الحاشية الفرق بينهما عن ابن نصر الله أيضا،
وإن قال: أعطوه عبدا من مالي ولم يكن له عبد اشترى له (وإن وصى له بقوس وله أقواس
قوس نشاب: وهو الفارسي، وقوس نبل: وهو العربي، أو قوس بمجرى وهو) القوس (الذي
يوضع السهم) الصغير (في مجراه فيخرج) السهم (من المجرى) ويقال: له قوس حسبان،
وهي السهام الصغيرة قاله الحارثي (و) قوس (جرخ) وهو الذي يرمي به الروم (أو) قوس
(بندق وهو قوس جلاهق) بضم الجيم وكسر الهاء وهو اسم للبندق وأصله بالفارسية جله
وهي كبة غزل والكبير جلها (أو) قوس (ندف) يندف به القطن (فله) أي الموصى له بقوس
مطلق (قوس النشاب بغير وتر لأنه أظهرها) (2) أي أسبق إلى الفهم فله واحد من المتعارف
يعينه الوارث (فإن لم يكن له) أي الموصي (إلا قوس واحد من هذه القسي تعينت الوصية
450

فيه) إذ لا محل لها غيره (وإن كان في لفظه) أي الموصي (أو حاله قرينة تصرفه إلى
أحدها) أي الأقواس (انصرف إليه (1). مثل أن يقول: قوس يندف به، أو) قوس
(يتعيش به أو نحو ذلك، فهذا يصرفه إلى قوس الندف) عملا بالقرينة (وإن قال:
قوس يغزو به خرج قوس الندف والبندق) لأنهما لا يقاتل بهما (وإن كان الموصى له)
بقوس (ندافا لا عادة له بالرمي. أو بندقانيا لإعادة له بالرمي عن سواه، أو يرمي بقوس
غيره. ولا يرمي بسواه انصرفت الوصية إلى القوس الذي يستعمله عادة) لأن ذلك
قرينة تخصص ذلك النوع لأن الظاهر إرادة الانتفاع (فإن كان له) أي الموصي (أقواس
من النوع الذي استحق الوصي) قوسا منها (أعطى أحدها بقرعة) قياس ما تقدم، أنه
يعطي ما يختاره الورثة (وإن وصى له بطبل حرب صحت) الوصية، لأن فيه نفعا مباحا
ومثله على ما ذكره الحارثي: طبل صيد وطبل حجيج لنزول وارتحال و (لا) تصح
الوصية (بطبل لهو. ولا تصلح للحرب وقت الوصية) (2) لأنه لا منفعة فيه مباحة، فإن
كان الطبل يصلح للحرب واللهو معا، صحت الوصية به لقيام المنفعة المباحة به (وإن
كان) الطبل (من جوهر نفيس ينتفع برضاضه) بضم الراء، أي فتوته وكل شئ كسرته
فقد رضضته (كالذهب والفضة صحت) الوصية به (نظرا إلى الانتفاع بجوهرهما دون
جهة التحريم) كآنية الذهب والفضة. وقياس ذلك صحة بيعه (وإن كان له طبلان
أحدهما مباح) والآخر محرم ووصى بطبل. انصرفت الوصية إلى المباح (3) (أو وصى
له بكلب وله كلبان أحدهما مباح) والآخر محرم (انصرفت الوصية إلى المباح) لان
وجود المحرم كعدمه شرعا. فلا يشمله اللفظ عند الاطلاق (وكذا الدف) أي لو كان
له دف مباح ودف محرم بحلق أو صنوج. وأوصى بدف انصرف إلى المباح دون
المحرم. لما تقدم (وتصح الوصية بالبوق لمنفعته في الحرب) قاله القاضي: (وإن كان
451

له) أي الموصي (طبول تصح الوصية بجميعها) لكونها كلها تصلح للحرب ووصي
بأحدها وأطلق (فله) أي الموصى له (أحدها بالقرعة) قياس ما تقدم له أحدها باختيار
الورثة. قال الحارثي وإن تعدد المباح فله أحدها إما بالقرعة أو اختيار الورثة على
الاختلاف فيه (ولا تصح) الوصية (بمزمار وطنبور وعود لهو كذا آلات اللهو كلها
ولو لم يكن فيها أوتار) (1) لأنها مهيأة لفعل المعصية أشبه ما لو كانت بأوتارها وقياس
ما تقدم: إن كانت من جوهر نفيس ينتفع برضاضه كالذهب والفضة صحت نظرا إلى
الانتفاع بجوهرها دون جهة التحريم (وتنفيذ الوصية فيما علم) الموصي (من ماله وما
لم يعلم) منه لعموم اللفظ فإن المال يعم معلومه ومجهوله وقياسا على نذر الصدقة
بالثلث (فإذا أوصى بثلثه) لنحو زيد أو مسجد (فاستحدث مالا ولو بنصب أحبولة قبل
موته فيقع فيها صيد بعد موته دخل ثلثه) أي المستحدث (في الوصية ويقضي منه دينه
وإن قتل وأخذت ديته دخلت) ديته (في الوصية فهي) أي الدية (ميراث تحدث على
ملك الميت) لأنها بدل نفسه ونفسه له، فكذلك بدلها ولان دية أطرافه في حال حياته
له، فكذلك دية نفسه بعد موته (فيقضي منها) أي الدية (ديته ويجهز منها إن كان)
أخذها (قبل تجهيزه) (2) وإنما يزول ملكه عما يستغني عنه. فأما ما تعلقت به حاجته
فلا ووصيته من حاجته (ولو وصى ب‍) - نحو عبد (معين بقدر نصف الدية حسبت
الدية على الورثة من ثلثيه) لأنها تركة ويأخذ العبد الموصى له به.
452

فصل:
(وتصح الوصية بالمنفعة المفردة)
عن الرقبة لأنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة، فصحت الوصية بها كالأعيان وقياسا
على الإعارة (1). (ك‍) - ما لو أوصى لانسان ب‍ (- خدمة عبد وغلة دار وثمرة بستان أو) ثمرة
(شجرة سواء وصى بذلك) أي بما ذكر من المنفعة (مدة معلومة أو) وصى (بجميع الثمرة
والمنفعة في الزمان كله) لأن غايته جهالة القدر وجهالة القدر لا تقدح. ولو قال: وصيت
بمنافعه. وأطلق أفاد التأبيد أيضا لوجود الإضافة المعممة. ولو وقت شهرا أو سنة، وأطلق
وجب في أول زمن لظهور معنى الابهام بقوله من السنين (و) إذا كانت الوصية بثمرة بستان
أو شجرة أبدا أو مدة معينة (لا يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على
السقي) لعدم الموجب لذلك (فإن أراد أحدهما سقيها بحيث لا يضر بصاحبه لم يملك
الآخر منعه) من السقي. فإن تضرر منع. لحديث: لا ضرر ولا ضرار (2). (وإن يبست
الشجرة) الموصي بثمرتها (فحطبها للوارث) إذا لا حق للموصى له في رقبتها (وإن لم
يحمل) الشجر الموصي بثمرته لزيد سنة مثلا (في المدة المعينة. فلا شئ للموصى له)
لفوات محل الوصية (وإن قال) الموصي لزيد: (لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها
ذلك العام) تنفيذا للوصية (وإن وصى له بلبن شاته وصوفها. صح) كسائر المنافع (ويعتبر
خروج ذلك من الثلث) (3) كسائر الوصايا (وإلا) بأن لم يخرج من الثلث (أجيز منها بقدر
الثلث) إن لم تجز الورثة الباقي (وإذا أريد تقويمها) أي المنفعة (وكانت الوصية) بالمنفعة
453

(مقيدة بمدة) معلومة (قوم الموصي بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة ثم تقوم المنفعة في
تلك المدة فينظر كم قيمتها) مثاله: لو وصى له بسكنى دار سنة. فتقوم الدار مستحقة المنفعة
سنة. فإذا قيل: قيمتها عشرة مثلا قومت بمنفعتها. فإذا قيل: قيمتها اثنا عشر. فالاثنان قيمة
المنفعة الموصى بها إذا خرجا من الثلث نفذت الوصية. وإلا فبقدر ما يخرج منهما. وهذا
أحد الوجهين. واختاره في المستوعب. قال هذا الصحيح عندي. والوجه الثاني: يعتبر
خروج العين بمنفعتها من الثلث. وجزم به المصنف فيما يأتي. قال في الانصاف: وهو
الصحيح (1). وقال في تصحيح الفروع حكمها حكم المنفعة على التأبيد وعليه الأكثر، منهم
القاضي. وقدمه في الخلاصة والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وشرح الحارثي
وغيرهم من الأصحاب، (وإن كانت الوصية) بالمنفعة (مطلقة في الزمان كله فإن كانت منفعة
عبد ونحوه فتقوم الرقبة بمنفعتها لأن عبدا لا منفعة له لا قيمة له (2). وإن كانت المنفعة)
الموصى بها (ثمرة بستان قومت الرقبة على الورثة و) تقوم (المنفعة على الوصي لأن الشجر
ينتفع بحطبه إذا يبس فإذا قيل: قيمة الشجرة عشرة وبلا ثمرة درهم علمنا أن قيمة المنفعة
تسعة) فيعتبر خروجها من الثلث (ولو وصى بمنافع عبده أو) بمنافع (أمته أبدا أو مدة معينة)
كسنة (صح) لما تقدم (وللورثة عتقها) لأنها مملوكة لهم (لا عن كفارة) لعجزها عن
الاستقلال بنفعها فهي كالزمنة (ومنفعتها باقية للموصى له ولا يرجع على المعتق بشئ) لأنه
لم يفوت عليه شيئا (وإن أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق) لأن العتق للرقبة وهو لا يملكها
(فإن وهب صاحب المنفعة) وهو الموصى له بها (منافعه للعبد أو أسقطها) عنه (فللورثة
الانتفاع به لأن ما يوهب العبد يكون لسيده) فعلى هذا إن كان ذلك بعد العتق فليس لهم
الانتفاع به (ولهم) أي الورثة (بيعها) أي الرقبة (من الموصى له) بمنافعها ولغيره (لان
454

المشتري قد يرجو الكمال بحصول منافعها له من جهة الوصي إما بهبة أو وصية أو مصالحة
بمال وقد يقصد تكميل المصلحة لمالك المنفعة بتمليكها له) أي تمليك الرقبة للموصى له
وفي نسخة بتكميلها (وقد يعتقها فيكون له الولاء) ولان الرقبة مملوكة لهم فصح بيعها
كغيرها. وتباع مسلوبة المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه (وإن جنت) الأمة
الموصي بمنافعها أو العبد (سلموها) لولي الجناية مسلوبة المنفعة (أو فدوها مسلوبة) المنفعة
(ويبقى انتفاع الوصية بحاله) لأن جنايتها تتعلق برقبتها لا بمنفعتها (ولهم) أي الورثة
(كتابتها) أي الأمة الموصى بمنافعها وكذا العبد الموصى بمنافعه كبيعه (و) لهم (ولاية
تزويجها. وليس لهم تزويجها إلا بإذن مالك المنفعة) لأنه يتضرر به فإن اتفقا على ذلك جاز
(ويجب) تزويجها (بطلبها) لأنه حق لها (والمهر في كل موضع وجب) سواء كان بنكاح أو
شبهة أو زنا (للموصى له) لأنه بدل بضعها، وهو من منافعها (وإن وطئت) الأمة الموصي
بنفعها (بشبهة، فالولد حر) (1) لاعتقاد الواطئ أنه وطئ في ملك، كالمغرور بأمة (وللورثة
قيمته) أي الولد (عند الوضع على الواطئ) جبرا لما فاتهم من رقه، لأنه فوته عليهم (وإن
قتلها) أي الأمة (وارث أو غيره. فلهم) أي الورثة (قيمتها) (2) دون الموصى له، لأن الاتلاف
صادف الرقبة، وهم مالكوها، وفوات المنفعة حصل ضمنا (وتبطل الوصية) لفوات محلها.
كالإجارة (ويلزم القاتل قيمة المنفعة) أي فتقوم العين غير مسلوبة المنفعة، ويغرم قيمتها
للورثة. كما تقدم. وليس معناه يغرمها للموصى له، كما قدمته لك. فلا مخالفة فيه لكلام
الأصحاب، وفي الانتصار، إن قتلها وارثها فعليه قيمة المنفعة. قال في الانصاف: وعموم
كلام المصنف وغيره من الأصحاب: إن قتل الوارث كقتل غيره (3)، وقطع في المنتهى بما
455

في الانتصار (1) (وللموصى له) بخدمة أمة ونحوها (استخدامها حضرا وسفرا، و) له
(المسافرة بها، وإجارتها، وإعارتها) لأنه إذا ملك النفعة جاز له استيفاؤه بنفسه وبمن
يقوم مقامه، وكذا حكم العبد الموصى بنفعه (وليس لواحد منهما) أي الوارث والموصى
له بالنفع (وطؤها) لأن مالك المنفعة ليس بزوج ولا مالك للرقبة، والوطئ لا يباح
بغيرهما، ومالك الرقبة لا يملكها ملكا تاما، ولا يأمن أن تحمل منه، وربما أفضى إلى
هلاكها (فإن وطئها أحدهما أثم ولا حد عليه) لأنه وطئ شبهة، لوجود الملك لكل منهما
(و) إن ولدت من أحدهما ف‍ (- ولده حر) لما تقدم (فإن كان الواطئ صاحب المنفعة)
وأولدها (لم تصر أم ولد له) لأنه لا يملكها (وعليه قيمة ولدها يوم وضعه) للورثة لما تقدم
(ولا مهر عليه) لأنه لو وجب لكان له (وحكمها على ما ذكر، فيما إذا وطئها أجنبي بشبهة)
على ما سبق (وإن كان الواطئ مالك الرقبة، صارت أم ولد له) لأنها علقت منه بحر في
ملكه (وعليه المهر) للموصى له بالنفع (وتجب عليه قيمة الولد، يأخذ شركاؤه حصتهم
منها) (2) لكونه فوته عليهم (وإن كان) الواطئ (هو الوارث وحده سقطت عنه) قيمة الولد،
إذ لو وجبت لكانت له، ولا يجب للانسان على نفسه شئ (وإن ولدت) الموصى بنفعها
(من زوج) لم يشرط الحرية (أو زنا فالولد لمالك الرقبة، لأنه جزء منها) وليس من النفع
الموصى به (ونفقتها على مالك نفعها) لأنه يملك نفعها. فكانت النفقة عليه. كالزوج
(وكذلك سائر الحيوانات الموصى بمنفعتها) تكون نفقتها على الموصى له بمنفعتها (ويعتبر
خروج جميعها) أي الأمة الموصى بنفعها، وكذلك كل عين موصى بنفعها (من الثلث) سواء
كانت الوصية أبدا أو مدة معينة، وهذا الصحيح كما تقدمت الإشارة إليه (فتقوم) الأمة
(بمنفعتها) فما بلغت اعتبر من الثلث، فإن ساواه أو نقص نفذ، وإلا فبقدره، ويتوقف الزائد
على الإجازة (وإن وصى لرجل برقبتها، و) وصى (لآخر بمنفعتها. صح) ذلك (وصاحب
الرقبة كالوارث فيما ذكرنا) من الاحكام، لأنه مالك الرقبة (ولو مات الموصى له بنفعها،
أو) مات (الموصى له برقبتها) أو ماتا (فلورثة كل واحد منهما ما كان له) لأن من مات عن
456

حق فهو لورثته (وإن وصى لرجل بحب زرعه وللآخر بتبنه صح. والنفقة بينهما) على قدر
المالين (ويجبر الممتنع منهما) على الانفاق مع الآخر، لأن الترك ضرر عليهما، وإضاعة
للمال (وتكون النفقة) بينهما (على قدر قيمة كل واحد منهما) في الحب والتبن. كالشريكين
في أصل الزرع (وإن وصى له) أي لزيد (بخاتم، و) وصى (لآخر بفصه. صح) ذلك، لان
فيه نفعا مباحا (وليس لواحد منهما الانتفاع به) أي بالخاتم (إلا بإذن الآخر) كالمشترك
(وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه، وأجبر الآخر عليه) لتمييز حقه (وإن وصى
له بمكاتبه صح) لأنه يصح بيعه (ويكون) الموصى له به (كما لو اشتراه) (1) لأن الوصية
تمليك. أشبهت الشراء، فإن أدى عتق والولاء له. كالمشتري، وإن عجز عاد رقيقا له، وإن
عجز في حياة الموصي لم تبطل الوصية، لأن رقه لا ينافيها، وإن أدى إليه بطلت، فإن
قال: إن عجز ورق فهو لك بعد موتي. فعجز في حياة الموصي صحت، وإن عجز بعد
موته بطلت. وإن قال: إن عجز بعد موتي فهو لك، ففيه وجهان. لكن قياس ما تقدم
الصحة (وإن وصى له بمال الكتابة) كله (أو بنجم منها صح) (2) لأنها تصح بما ليس بمستقر
كما تصح بما لا يملكه في الحال كحمل الجارية (وللموصى له الاستيفاء) عند حلوله
(والابراء) منه (ويعتق) المكاتب (بأحدهما) بالاستيفاء أو الابراء (والولاء للسيد) لأنه المنعم
عليه (3). (فإن عجز) المكاتب (فأراد الوارث تعجيزه وأراد الموصى له إنظاره أو عكسه) بأن
أراد الموصى له تعجيزه وأراد الوارث إنظاره (فالحكم للوارث) لأن حق الموصى له إنما
يثبت عند قيام العقد والقدرة على الأداء فإذا عجز كان العقد مستحق الإزالة فيملك الوارث
الفسخ والانظار (وتقدم في الباب قبله ذكر الوصية للمكاتب) مفصلة (وإن وصى برقبته) أي
457

المكاتب لرجل (و) وصى (بما عليه لآخر صح) على ما قاله: لأن كلا منهما تصح الوصية به
مفردا فجاز مجتمعا (فإن أدى) المكاتب (لصاحب) وصية (المال أو أبرأه منه عتق وبطلت
الوصية برقبته) لانتفاء شرطها (وإن عجز) المكاتب عن أداء مال الكتابة كله أو بعضه (فسخ
صاحب الرقبة كتابته وكان رقيقا له) (1) عملا بالوصية (وبطلت وصية صاحب المال) لفوات
محلها (وإن كان) الموصى له بالمال (قبض من مال الكتابة شيئا فهو له) ولا يرجع به عليه
(وإن كانت الكتابة فاسدة فأوصى لرجل بما في ذمة المكاتب لم يصح) لأنه لا شئ في ذمته
(فإن قال: أوصيت لك بما أقبضه من مال الكتابة صح) لأن الأداء في الفاسدة كالأداء في
الصحيحة من ترتب العتق عليه. وإن أوصى برقبته صح، لأنه إذا صح في الصحيحة نفي
الفاسدة أولى (وإذا قال: اشتروا بثلثي رقابا فأعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين) لأنه
أوصى بالشراء لا بالدفع إليهم، وإن اتسع الثلث لثلاثة لم يجز شراء أقل منها. فإن قدر أن
يشتري أكثر من ثلاثة فهو أفضل، وإن أمكن شراء ثلاثة رخيصة وحصة من رابع، فثلاثة
غالية أولى. ويقدم من به ترجيح من عفة ودين وصلاح. ولا يجزي إلا رقبة مسلمة سالمة
من العيوب كالكفارة. وإن وصى بكفارة أيمان فأقله ثلاثة. نقله حنبل لأنها أقل الجمع.
فصل:
(ومن أوصى له بشئ معين) كعبد وثوب
(فتلف قبل موت الموصي. أو) تلف (بعده قبل القبول، بطلت الوصية) حكى ابن
المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم (2). لأن الموصى له إنما يستحق المعين، فإذا
ذهب زال حقه كما لو تلف في يده. والتركة في يد الورثة غير مضمومة عليهم. لأنها
458

حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريط منهم فلم يضمنوا شيئا (وإن تلف المال كله غيره)
أي غير المعين الموصى به (بعد موت الموصي، فهو للموصى له) (1) لأن حقوق الورثة لم
تتعلق به لتعيينه للموصى له بدليل أنه يملك أخذه بغير رضاهم، فتعين حقه فيه دون سائر
ماله. قال ابن حمدان: إن كان عند الموت قدر الثلث أو أقل. وإلا ملك منه بقدر الثلث
(وإن لم يأخذه) أي يأخذ الموصى له الموصى به (زمانا قوم وقت الموت) لأنه حال لزوم
الوصية فيعتبر قيمة المال فيه. قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه (لا وقت الاخذ) هو تأكيد
فينظركم كان الموصى به وقت الموت. فإن كان ثلث التركة أو دونه استحق الموصى له.
وإن زادت قيمته حتى صارت مثل المال أو أكثر أو هلك المال سواه اختص به ولا شئ
للورثة، وتقدم وإن كان حين الموت زائدا على الثلث فللموصى له قدر الثلث، وإن كان
نصف المال فله ثلثاه، وإن كان ثلثيه فله نصفه، وإن كان نصف المال وثلثه فله خمساه ولا
عبرة بالزيادة أو النقصان بعد ذلك وكذا لو وصى بعتق عبد معين (وإن لم يكن له) أي
الموصي (سوى المال المعين إلا مال غائب. أو) لم يكن له سوى المال المعين إلا (دين
في ذمة موسر. أو) ذمة (معسر فللموصى له ثلث الموصى به) (2) لأن حقه في الثلث متيقن.
فوجب تسليم ثلث المعين إليه. وليس له أخذ المعين قبل قدوم الغائب وقبض الدين. لأنه
ربما تلف فلا تنفذ الوصية في المعين كله وكما لو لم يخلف غير المعين (وكلما اقتضى من
الدين شئ أو حضر من الغائب شئ ملك) الموصى له (من الموصى به قدر ثلثه حتى
يملكه كله) (3) لأنه موصى له به يخرج من ثلثه. وإنما منع قبل ذلك لأجل حق الورثة وقد
زال. فلو خلف ابنا وتسعة عينا أوصى بها لشخص وعشرين دينارا دينا فللوصي ثلثها ثلاثة.
فإذا اقتضى ثلاثة فله من التسعة واحد وهكذا حتى يقتضي ثمانية عشر فتكمل له التسعة،
وإن تعذر استيفاء الدين. فالستة الباقية للابن ولو كان الدين تسعة فالابن يأخذ ثلث العين
والوصي ثلثها ويبقى ثلثها ويبقى ثلثها موقوفا كلما استوفى من الدين شيئا فللوصي من العين قدر ثلثه،
فإذا استوفي الدين كمل للوصي ستة وهي ثلث الجميع. وإن كانت الوصية بنصف العين
أخذ الوصي ثلثها والابن نصفها ويبقى سدسها موقوفا، فمتى اقتضى من الدين ثلثيه كملت
459

وصيته (وكذلك الحكم في المدبر) أي يعتق في الحال ثلثه وكلما اقتضى من الدين شئ أو
حضر من الغائب عتق منه بقدر ثلثه حتى يعتق جميعه إن خرج من الثلث (وتعتبر قيمة
الحاصل بسعر يوم الموت) لأنه وقت لزوم الوصية لا يوم القبض (على أدنى صفته من يوم
الموت إلى حين الحصول) لأنه غير مضمون على الورثة قبل قبضه. وكذا إن وصى بعتق
عبد معين (وإن وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله) أي الموصى له (ثلثه الباقي إن خرج
من الثلث) (1) لأنه موصى به خرج من الثلث فاستحقه كما لو كان معينا (وإلا) بأن لم يخرج
من الثلث فلم يكن له مال غيره (فله تسعه) أي العبد (إن لم تجز الورثة ومثله لو وصى بثلث
صبرة من مكيل أو موزون فتلف) ثلثاها (أو استحق ثلثاها) فللموصي له الثلث الباقي إن
خرج من الثلث وإلا فالتسع (وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان أو ماتا فله ثلث)
العبد (الباقي) (2) لأنه لم يوص له منه بأكثر من ثلثه. وقد شرك بينه وبين ورثته في استحقاقه
(وإن وصى له) أي لزيد مثلا (بعبد قيمته مائة. و) وصى (لآخر) كعمرو مثلا (بثلث ماله
وملكه غير العبد مائتان) أي إذا وصى لشخص بمعين من ماله ولآخر بجزء مشاع منه كثلثه
فأجيز لهما انفرد صاحب المشاع بوصيته من غير المعين ثم شارك صاحب المعين فيه،
فيقسم بينهما على قدر حقهما فيه. ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر وصيته
كمسائل العول. وقد نبه عليه بقوله (فأجاز الورثة) الوصيتين (فللموصى له بالثلث ثلث
المائتين) (3) وهو ستة وستون، وثلثان لا يزاحمه الآخر فيها (وربع العبد) لدخوله في المال
الموصى له بثلثه فأبسط الكامل من جنس الكسر وهو الثلث يصير العبد ثلاثة واضمم إليها
الثلث الذي للآخر تصير أربعة ثم أقسم عليها فيصير الثلث ربعا كمسائل العول فيخرج
لصاحب الثلث ربع (وللموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه). ثم انتقل إلى حال الرد فقال: (وإن
ردوا فللموصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد وللموصى له بالعبد نصفه) (4) لان
460

الوصيتين متساويتان لأن العبد قيمته مائة وثلث جميع المال مائة فيكون الثلث بينهما نصفين
إلا أن الموصى له بالعبد يأخذ نصيبه كله منه والموصى له بالثلث يأخذ من جميع المال
سدسه (وإن كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فأجازوا لصاحب النصف مائة) لأنها نصف
المائتين اللتين لا مزاحم له فيهما (وثلث العبد) لأنه موصى له بنصفه لدخوله في جملة
المال وموصى للآخر بكله وذلك نصفان ونصف فاقسمه على ثلاثة يرجع النصف إلى ثلث
(ولصاحب العبد ثلثاه) (1) لما تقدم (وفي الرد) تقسم الثلث على وصيتهما وهي مائتان
وخمسون قيمة العبد مائة ونصف المال مائة وخمسون يكون (لصاحب النصف خمس
المائتين وخمس العبد) ستون من ثلاثمائة وذلك خمسا وصيته (ولصاحب العبد خمساه)
أربعون من ثلاثمائة وذلك خمسا وصيته (والطريق فيهما) أي في المسألتين (أن تنسب الثلث)
وهو مائة (إلى وصيتهما جميعا وهما) أي الوصيتان (في) المسألة (الأولى مائتان) لأنهما
بالعبد وقيمته مائة وبثلث المال وهو مائة فيكون نصفا (وفي) المسألة (الثانية مائتان
وخمسون) لأنهما بالعبد وقيمته مائة، وبنصف المال وهو مائة وخمسون. فيكون خمسين
(ويعطي كل واحد) من الموصى لهما (مما له في الإجازة مثل تلك النسبة) يخرج له ما تقدم
(وإن وصى له) أي لزيد مثلا (بثلث ماله و) وصى (لآخر بمائة و) وصى (لثالث بتمام الثلث
فلز يزد الثلث على المائة فلم يزد الثلث على المائة) بأن المال ثلاثمائة (بطلت وصية صاحب التمام) لأنه لم يوص له
بشئ. أشبه ما لو وصى له بداره ولا دار له (وقسم الثلث بين الآخرين على قدر
وصيتهما) (2) بالمحاصة (لكل واحد) منهما (خمسون) إن رد الورثة ولو كان الثلث خمسين
كان كأنه أوصى بمائة وبخمسين فيقسم الثلث بينهما أثلاثا ولو كان الثلث أربعين قسم بينهما
أسباعا للموصى له بالمائة خمسة أسباعه وللموصى له بالثلث سبعاه (وإن زاد) الثلث (على
461

المائة) بأن كان المال أكثر من ثلاثمائة صحت وصية صاحب التمام أيضا ثم ينظر (و) إن
(أجاز الورثة) لهم (نفذت الوصية على ما قال الموصي) لأنه لا مانع من ذلك فلو كان الثلث
مثلا مائتين أخذهما الموصى له بالثلث وأخذ كل واحد من الآخرين مائة (وإن ردوا) أي
الورثة (فلكل واحد) من الموصى لهم (نصف وصيته) (1) سواء جاوز الثلث مائتين أو لا لان
وصية المائة وتمام الثلث مثل الثلث، وقد أوصى مع ذلك بالثلث فصار كأنه وصى بالثلثين
فيرد ذلك إلى الثلث لرد الورثة إلى ما زاد عليه فيدخل النقص بالنصف على كل واحد من
الأوصياء بقدر وصيته فترد كل وصية إلى نصفها (وإن ترك ستمائة ووصى لأجنبي بمائة
ولآخر بتمام الثلث فلكل واحد منهما مائة وإن رد الأول وصيته فللآخر مائة) كما لو لم يرد
(وإن وصى للأول بمائتين وللآخر بباقي الثلث فلا شئ للثاني) لأنه لا يبقى بعد المائتين من
الثلث شئ فلم يوص له بشئ (سواء رد الأول وصيته أو قبلها وإذا أوصى لشخص بعبد
ولآخر بتمام الثلث عليه) أي العبد (فمات العبد قبل الموصي قومت التركة بدونه) أي العبد
اعتبارا بحال موت الموصي (ثم ألقيت قيمته من ثلثها) أي التركة لأن الموصي جعل له تتمة
الثلث بعد العبد (فما بقي) من الثلث (فهو) لصاحب (وصية التمام) (2) وإن لم يبق شئ
فلا شئ له ولو وصى لشخص بثلث ماله ويعطي زيد منه كل شهر مائة حتى يموت صح
فإن مات وبقي شئ فهو للأول نص عليه ذكره في المبدع.
باب الوصية بالأنصباء والاجزاء
الأنصباء: جمع نصيب كالأنصبة وهو الحظ من الشئ وأنصبه جعل له نصيبا وهم
يتناصبونه أي يقتسمونه. والاجزاء جمع جزء وهو الطائفة من الشئ. والجزء بالفتح لغة
وجزأت الشئ جزءا وجزأته تجزئة جعلته أجزاء. وقال ابن سيده جزءا المال بينهم - مشدد
لا غير - قسمه وعبر عن هذا الباب في المحرر بباب حساب الوصايا. وفي الفروع بباب
عمل الوصايا. والغرض منه العلم بنسبة ما يحصل لكل واحد من الموصى لهم إلى أنصباء
462

الورثة إذا كانت الوصية منسوبة إلى جملة التركة أو إلى نصيب أحد الورثة. ولذلك طرق
نبين ما تيسر منها. وتنقسم مسائل هذا الباب ثلاثة أقسام قسم في الوصية بالأنصباء، وقسم
في الوصية بالاجزاء وقسم في الجمع بين النوعين وتأتي مرتبة فالقسم الأول هو المشار إليه
بقوله (إذا أوصى له) أي لزيد مثلا (بمثل نصيب وارث معين) بالتسمية أو الإشارة ونحوها
كقوله: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني فلان أو ابني هذا أو أختي ونحوه (أو) وصى له
(بنصيبه) أي الوارث المعين (فله) أي الموصى له (مثل نصيبه) أي الوارث المعين (مضموما
إلى المسألة) (1) أي مسألة الورثة لو لم تكن وصية وعلم منه صحة الوصية لما روى ابن أبي
شيبة عن أنس أنه أوصى بمثل نصيب أحد ولده ولان المراد تقدير الوصية فلا أثر لذكر
الوارث، وفيما إذا أوصى بنصيب ابنه ونحوه المعنى بمثل نصيبه صونا للفظ عن الالغاء فإنه
ممكن الحمل على المجاز بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ومثله في الاستعمال
كثير وأيضا فيبعد حصول نصيب الابن للغير فيتعين الحمل على إضمار لفظة المثل (فإذا
أوصى بمثل نصيب ابنه أو بنصيب ابنه) بإسقاط لفظة مثل (وله ابنان) وارثان (فله) أي
الموصى له (الثلث) لأن ذلك مثل ما يحصل لابنه لأن الثلث إذا خرج بقي ثلثا المال لكل
ابن ثلث (وإن كانوا) أي البنون (ثلاثة فله) أي الموصى له (الربع) لما تقدم (فإن كان معهم)
أي البنين الثلاثة (بنت فله تسعان) (2) لأن المسألة من سبعة لكل ابن سهمان وللبنت سهم،
ويزاد عليها مثل نصيب ابن فتصير تسعة والاثنان منها تسعان (و) إن وصى له (بمثل نصيب
ولده وله ابن وبنت فله مثل نصيب البنت) لأنه المتيقن (و) إن أوصى لزيد مثلا (بضعف
نصيب ابنه فله مثله مرتين) لقوله تعالى: * (لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) *
[الاسراء: 75]. وقوله: * (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا) * [سبأ: 37]. وقوله:
* (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) * [الروم: 39]. ويروى عن
عمر أنه أضعف الزكاة على نصارى بني تغلب فكان يأخذ من المائتين عشرة. قال
الأزهري: الضعف المثل فما فوقه. فأما قوله: إن الضعفين المثلان فقد روى ابن الأنباري
عن هشام بن معاوية النحوي قال العرب: تتكلم بالضعف مثنى فتقول: إن أعطيتني درهما
فلك ضعفاه، أي مثلاه وإفراده لا بأس به إلا أن التثنية أحسن (و) إن وصى (بضعفيه) أي
ضعفي نصيب ابنه فللموصى له (ثلاثة أمثاله) وإن وصى له (بثلاثة أضعافه) فله (أربعة
463

أمثاله وهلم جرا) (1). أي كلما زاد ضعفا زاد مثلا لأن التضعيف ضم الشئ إلى مثله مرة
بعد أخرى. قال أبو عبيدة معمر بن المثني: ضعف الشئ هو ومثله، وضعفاه هو ومثلاه
وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله ولولا أن ضعفي الشئ ثلاثة أمثاله لم يكن فرق بين الوصية
بضعف الشئ وبضعفيه والفرق بينهما مراد ومقصود وإرادة المثلين من قوله تعالى: قوله
تعالى: * (يضاعف لها العذاب ضعفين) * [الأحزاب: 30]. إنما فهم من لفظ يضاعف لان
التضعيف ضم الشئ إلى مثله. من المثلين المنضمين ضعف كما قيل لكل واحد من
الزوجين زوج، والزوج هو الواحد المضموم إلى مثله (وإن وصى بمثل نصيب ابنه وهو لا
يرث لرقه أو لكونه مخالفا لدينه) أي للوارث (أو) وصى له (بنصيب أخيه وهو محجوب
عن ميراثه فلا شئ للموصى له) لأنه لا نصيب للابن أو الأخ المذكورين فمثل أحدهما لا
شئ له (وإن وصى بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه) أي يعينه بأن قال: أوصيت لفلان
بمثل نصيب أحد ورثتي فله مثل ما لأقلهم لأنه المتيقن وما زاد مشكوك فيه (أو) وصى له
(بمثل نصيب أقلهم ميراثا كان له مثل ما لأقلهم ميراثا) (2) عملا بوصيته (فلو كانوا) أي
الورثة (ابنا وأربع زوجات صحت) مسألتهم (من اثنين وثلاثين) لأن أصلها ثمانية للزوجات
سهم عليهن لا ينقسم ولا يوافق فاضرب عددهن في ثمانية تبلغ ذلك (لكل امرأة سهم)
والباقي للابن (وللموصى له سهم) كنصيب إحدى الزوجات (يزاد عليها) أي المسألة
(فتصير من ثلاثة وثلاثين) للموصى له سهم ولكل امرأة سهم وللابن ما بقي (وإن قال):
أوصيت لزيد (بمثل نصيب أكثرهم ميراثا فله ذلك) أي مثل نصيب أكثرهم إن خرج من
الثلث أو أجيز (مضافا إلى المسألة فيكون له في هذه المسألة ثمانية وعشرون) مثل نصيب
الابن لأنه أكثرهم (تضم إلى المسألة) اثنين وثلاثين (فتكون) الجملة (ستين سهما) مع
الإجازة ومع الرد له الثلث والثلثان للورثة (وإن وصى) لزيد مثلا (بمثل نصيب وارث لو
464

كان) موجودا (فله) أي الموصى له بذلك مع عدم الوارث المقدر وجوده (مثل ما له لو
كانت الوصية وهو موجود) (1) بأن ينظر ما يكون للموصى له مع وجود الوارث فيكون
له مع عدمه. وطريق ذلك إن تصحح مسألة عدم الوارث ثم تصحح مسألة وجود
الوارث ثم تضرب إحداهما في الأخرى ثم تقسم المرتفع من الضرب على مسألة وجود
الوارث فما خرج بالقسمة أضفه إلى ما ارتفع من الضرب فيكون للموصى له، وأقسم
المرتفع بين الورثة (فإن خلف ابنين ووصى بمثل نصيب) ابن (ثالث لو كان فللموصى
له الربع) وتصح من ثمانية لأن مسألة وجود الوارث من ثلاثة ومسألة عدمه من اثنين
والحاصل بالضرب ستة. فإذا قسمتها على ثلاثة خرج اثنان فأضفها للستة تبلغ ثمانية
فللموصى له سهمان ولكل ابن ثلاثة (وإن خلف ثلاثة بنين) ووصى بمثل نصيب رابع لو
كان (فله) أي الموصى له (الخمس) وتصح من خمسة عشر ة للموصى له ثلاثة ولكل ابن
أربعة (وإن كانوا) (2) أي البنون (أربعة) ووصى بمثل نصيب خامس لو كان (ف‍)
- للموصى (له السدس) وتصح من أربعة وعشرين للموصى له أربعة ولكل ابن خمسة
(ولو كانوا) أي الأبناء (أربعة وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا مثل نصيب ابن خامس لو
كان فقد أوصى له بالخمس لا السدس بعد الوصية فيكون له سهم يزاد على ثلاثين
سهما) لأنه استثنى السدس من الخمس فاضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر يكن
ثلاثين خمسها ستة وسدسها خمسة، فإذا طرحت الخمسة من الستة بقي سهم للموصى له
فزده على الثلاثين ثم أعط الموصى له سهما يبقى ثلاثون على البنين الأربعة لا تنقسم
وتوافق بالنصف فرد الأربعة إلى اثنين واضربهما في الاحد والثلاثين (فتصح من اثنين
وستين سهما له) أي الموصى له (منها سهمان ولكل ابن خمسة عشر) (3) سهما (وإن
465

قال) من له أربعة أبناء: أوصيت لزيد (بمثل نصيب) ابن (خامس لو كان إلا مثل نصيب)
ابن (سادس لو كان فقد أوصى له بالسدس لا السبع وهو سهم من اثنين وأربعين سهما)
وطريقته إن تضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر ستة في سبعة تكن اثنين وأربعين
سدسها سبعة أسقط منه السبع ستة يبقى سهم للوصية (فيزاد) ذلك (السهم على الاثنين
وأربعين) سهما يجتمع ثلاثة وأربعون للموصى له سهم والباقي للبنين الأربعة لا ينقسم
ويوافق بالنصف فرد الأربعة إلى نصفها اثنين واضربهما في ثلاثة وأربعين ف‍ (- تصح من
ستة وثمانين للموصى له سهمان ولكل ابن أحد وعشرون) سهما (وإن خلفت) المرأة
(زوجا وأختا) شقيقة أو لأب (وأوصت بمثل نصيب أم لو كانت فللموصى له الخمس
لأن للام الربع لو كانت) وتعود المسألة إلى ثمانية للأم سهمان وللزوج ثلاثة وللأخت
ثلاثة فزد عليها سهمين مثل ما للام، للموصى له تكن عشرة للموصى له سهمان يبقى
ثمانية للزوج أربعة وللأخت أربعة ثم ترد نصيب كل واحد منهم إلى نصفه للموافقة
(فيجعل) للموصى (له سهم مضافا إلى أربعة) الورثة وللزوج سهمان وللأخت سهمان
(يكون) ما للموصى له (خمسا) لما علمت (وإن خلف) الموصي (بنتا فقط ووصى بمثل
نصيبها، فللموصى له النصف) مع الإجازة لأنها تستوعب المال بالفرض والرد فهو
(كما لو وصى بمثل نصيب ابن ليس له) وارث (غيره) ومن لا يرى الرد يقتضى قوله أن
يكون للموصى له الثلث ولها نصف الباقي وما بقي لبيت المال. وإن خلف أختين
ووصى بمثل نصيب إحداهما فهي من ثلاثة عندنا، (وإن خلف ثلاثة بنين ووصى لثلاثة
بمثل أنصبائهم فالمال بينهم على ستة إن أجازوا) للبنين ثلاثة وللموصى لهم ثلاثة (و)
المال بينهم (من تسعة إن رودا) للموصى ألهم الثلث، لكل واحد سهم وللبنين ستة لكل
واحد منهم سهمان (1).
466

فصل:
(في الوصية بالاجزاء، وإن وصى له)
أي لزيد مثلا (بجزء أو حظ أو قسط أو نصيب أو شئ أعطاه الوارث ما شاء) قال
في المغني: ولا أعلم فيه خلافا لأن كل شئ جزء ونصيب وحظ شئ وكذلك إن قال:
أعطوا فلانا من مالي أو ارزقوه لأن ذلك لا حد له في اللغة ولا في الشرع (1). (مما يتمول)
لأن القصد بالوصية بر الموصى له وإنما وكل قدر الموصى به وتعينه إلى الورثة وما لا
يتمول شرعا لا يحصل به المقصود (وإن وصى له بسهم من ماله فله سدس (2). بمنزلة
سدس مفروض فإن لم تكمل فروض المسألة) كزوجة وعم. أعطى الموصى له بالسهم
سدسا (أو كانوا) أي الورثة (عصبة) كبنين وإخوة وأعمام (أعطى) الموصى له (سدسا كاملا)
والورثة ما بقي (وإن كملت فروضها أعيلت به كزوج وأخت لأبوين أو لأب) مع وصية
بسهم من ماله. فتعول إلى سبعة (وأعطى) الموصى له (السبع) واحدا من سبعة، والزوج
ثلاثة ولأخت ثلاثة من السبعة (وإن كانت عائلة كأن كان معها جدة زاد عولها به) أي بالسهم
الموصى به (فيعطى) الموصى له به (الثمن) والجدة سهما وكل من الزوج والأخت ثلاثة
ثلاثة. قال أحمد في رواية ابن منصور. فكان معنى الوصية: أوصيت لك بسهم من يرث
السدس، انتهى. لما روى ابن مسعود: أن رجلا أوصى لرجل بسهم من ماله. فأعطاه النبي
467

(ص) السدس ولان السهم في كلام العرب السدس. قاله إياس بن معاوية فتنصرف الوصية
إليه ولأنه قول علي وابن مسعود ولا مخالف لهما من الصحابة، ولان السدس أقل سهم
مفروض لذي قرابة فتنصرف الوصية إليه (وإن وصى له) أي لزيد مثلا (بجزء معلوم. كثلث
أو ربع أخذته من مخرجه) ليكون صحيحا (فدفعته إليه) أي إلى الموصى له به (وقسمت
الباقي على مسألة الورثة) لأنه لهم. فمن أوصى بثلثه وله ابنان فالمسألة من ثلاثة، وإن كانوا
ثلاثة فهي من تسعة، للموصى له الثلث ثلاثة ولكل ابن سهمان (إلا أن يزيد) الجزء المعلوم
الموصى به (على الثلث. ولا يجيزوا) أي الورثة (له) أي للموصى له (فتفرض له الثلث
وتقسم الثلثين عليهما) أي على مسألة الورثة. كما لو وصى له بالثلث. فلو وصى له بالنصف
وله ابنان. فردا. فللموصى له الثلث والباقي للابنين. وتصح من ثلاثة، (فإن لم ينقسم)
الباقي بعد الثلث على مسألة الورثة (ضربت المسألة) أي مسألة الورثة إن باينها الباقي (أو)
ضربت (وفقها) إن وافقها الباقي (في مخرج الوصية فما بلغ فمنه تصح) (1). مثال المباينة:
ما لو وصى بنصف وله ثلاثة بنين. فردوا مخرج الوصية من ثلاثة، للموصى له سهم منها
يبقى اثنان تباين عدد البنين. فاضرب ثلاثة في ثلاثة تصح من تسعة. ومثال الموافقة لو كان
البنون أربعة فقد بقي له سهمان توافق عددهم بالنصف فردهم لاثنين واضربهما في ثلاثة.
تصح من ستة للموصى له سهمان ولكل ابن سهم (وإن) وصى (بجزأين أو أكثر) كثمن
وتسع وعشر (أخذتها) أي الكسور (من مخرجها) الجامع لها (وقسمت الباقي على
المسألة) (2) أي مسألة الورثة، فإن لم تنقسم فعلى ما تقدم (فإن زادت) الاجزاء الموصى بها
(على الثلث وردوا) أي الورثة (جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال) يقسم عليهم
بلا كسر (وقسمت الثلثين على الورثة) (3) إن انقسم وإلا فعلى ما تقدم سواء كان في
الموصى لهم من جاوزت وصيته الثلث أولا. وتقدمت الإشارة إليه (فلو وصى لرجل بثلث
ماله و) وصى (لآخر بربعه. وخلف ابنين أخذت الثلث والربع من مخرجهما سبعة من اثني
عشر) لأن مخرج الثلث من ثلاثة والربع من أربعة وثلاثة وأربعة متباينان ومسطحهما اثنا
468

عشر. فهي المخرج وثلثها أربعة وربعها ثلاثة فمجموع البسطين سبعة للوصيين (يبقى خمسة
للابنين إن أجازا) للوصيين لا تنقسم عليهما وتباين عددهما فاضرب اثنين في اثني عشر ف‍
(- تصح من أربعة وعشرين) ثم أقسم. فللموصى له بالثلث ثمانية وبالربع ستة وللابنين
عشرة لكل ابن خمسة (وإن ردا) أي الابنان الوصيتين (جعلت السبعة ثلث المال) وقسمتها
بين الوصيين على قدر وصيتهما (فتكون) المسألة (من أحد وعشرين، للوصيين الثلث سبعة
لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة ولكل واحد من الابنين سبعة (1). وإن أجازا) أي
الابنان (لأحدهما) أي الوصيين (دون الآخر أو أجاز أحدهما لهما دون) الابن (الآخر أو
أجاز كل واحد من الابنين لواحد) من الوصيين فاعمل مسألة الإجازة مسألة الرد وانظر
بينهما بالنسب الأربع، فإن تباينتا فاضرب إحداهما في الأخرى وإن توافقتا كما في المثال
فإن مسألة الإجازة فيه من أربعة وعشرين ومسألة الرد من أحد وعشرين، وهما متوافقتان
بالثلث (فاضرب وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية في مسألة الرد وهي أحد وعشرون تكن مائة
وثمانية وستين) ثم اقسمها بينهم (للذي أجيز له) منهما (سهمه من مسألة الإجازة مضروبة في
وفق مسألة الرد والمردود عليه) منهما (سهمه من مسألة الرد مضروبا في
وفق مسألة الإجازة والباقي للورثة) (2). فإن كانت الإجازة لصاحب الثلث وحده فسهمه من
مسألة الإجازة ثمانية تضرب في وفق الرد وهو سبعة يحصل ستة وخمسون. ولصاحب
الربع نصيبه من مسألة الرد ثلاثة مضروب في وفق مسألة الإجازة يبلغ أربعة وعشرين فصار
مجموع ما للوصيين في هذه الصورة ثمانين سهما والباقي وهو ثمانية وثمانون بين الابنين
لكل ابن أربعة وأربعون سهما وإن كانت الإجازة منهما لصاحب الربع وحده. فله من مسألة
الإجازة ستة تضرب في وفق مسألة الرد سبعة يحصل اثنان وأربعون. ولصاحب الثلث من
مسألة الرد أربعة تضرب في ثمانية وفق مسألة الإجازة اثنان وثلاثون (3)، يصير مجموع ما
للوصيين إذن أربعة وسبعين والباقي وهو أربعة وتسعون للابنين لكل ابن سبعة وأربعون.
هذا إن أجاز لأحدهما ورد الآخر (و) إن أجاز أحد الابنين لهما وردهما الآخر فللابن
469

(للذي كان أجاز لهما سهمه من مسألة الإجازة) خمسة مضروبا (في وفق مسألة الرد) سبعة
بخمسة وثلاثين (وللآخر) أي ابن الراد (سهمه من مسألة الرد) سبعة (في) وفق (مسألة
الإجازة) ثمانية بستة وخمسين. فيكون مجموع ما للوالدين أحدا وتسعين (والباقي) سبعة
وسبعون (بين الوصيين على سبعة) (1). لصاحب الثلث أربعة وأربعون، ولصاحب الربع
ثلاثة وثلاثون. وعلم مما تقدم أن الابنين إذا أجازا لصاحب الثلث وحده كان له ستة
وخمسون وإذا ردا عليه كان له اثنان وثلاثون. فقد نقصه ردهما أربعة وعشرين فينقصه رد
أحدهما اثني عشر، وإن أجازا لصاحب الربع وحده كان له اثنان وأربعون، وإن ردا عليه
كان له أربعة وعشرون فقد نقصه ردهما ثمانية عشر، فينقصه رد أحدهما تسعة، وأما الابنان
فالذي أجاز لصاحب الثلث إن أجاز لهما معا كان له خمسة وثلاثون، وإن رد عليهما كان
له ستة وخمسون. فنقصته الإجازة لهما أحدا وعشرين، لصاحب الثلث منها اثنا عشر، يبقى
للابن الذي أجاز لصاحب الثلث أربعة وأربعون والذي أجاز لصاحب الربع إذا أجاز لهما
معا كان له خمسة وثلاثون. وإذا رد عليهما كان له ستة وخمسون فنقصته الإجازة لهما أحدا
وعشرين منها تسعة لصاحب الربع يبقى للابن الذي أجاز لصاحب الربع سبعة وأربعون.
فصل:
(وإن زادت الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول)
بأن تجعل وصاياهم كالفروض التي فرضها الله تعالى للورثة إذا زادت على المال (فإذا
وصى بنصف وثلث وربع وسدس أخذتها من اثني عشر) لأنه مخرجها (وعالت إلى خمسة
عشر. فيقسم المال كذلك) أي على خمسة عشر (إن أجيز لهم أو) يقسم (الثلث) كذلك
(إن رد عليهم) (2). فتصح مسألة الرد من خمسة وأربعين. وأصله ما روى سعيد بن
منصور. حدثنا أبو معاوية حدثنا أبو عاصم الثقفي قال: قال لي إبراهيم النخعي: ما تقول
470

في رجل أوصى بنصف ماله وثلث ماله وربع ماله؟ قال: قلت: لا يجوز. قال: قد أجازوه.
قلت: لا أدري. قال: أمسك اثني عشر فأخرج نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة وأقسم
المال على ثلاثة عشر، (وإن أوصى لرجل) أو امرأة (بجميع ماله و) وصى (لآخر بنصفه وله
ابنان فالمال بين الوصيين على ثلاثة إن أجيز لهما والثلث) بين الوصيين (على ثلاثة مع
الرد) (1). لأنك تبسط المال من جنس الكسر يكون نصفين فإذا ضممت إليهما النصف
الآخر صارت ثلاثة، وصار النصف ثلثا، كزوج وأم وثلاث أخوات مفترقات (فإن أجيز
لصاحب المال وحده فلصاحب النصف التسع) لأن الثلث بينهما على ثلاثة لصاحب النصف
ثلثه وهو التسع (والباقي) وهو ثمانية أتساع (لصاحب المال) (2). لأنه موصى له بالمال كله.
وإنما منع من ذلك في حال الإجازة لمزاحمة صاحبه له. فإذا زالت المزاحمة في الباقي كان
له (وإن أجازا) أي الابنان (لصاحب النصف وحده فله النصف) (3). لأنه موصى له به وإنما
منع منه في حال الإجازة للمزاحمة (ولصاحب المال تسعان) لأنهما ثلثا الثلث (وإن أجاز
أحدهما) أي الابنين (لهما، قسمه بينهما على ثلاثة) وحينئذ فلا شئ للمجيز. وللابن
الآخر الثلث والثلثان بين الوصيين على ثلاثة. فتصح من تسعة للموصى لها ثلاثة من
الأصل، يبقى ستة، لكل ابن ثلاثة. ثم تقسم نصيب المجيز لهما، فيصير لهما ستة مقسومة
بينهما أثلاثا، لصاحب المال أربعة ولصاحب النصف سهمان. ويبقى للراد ثلاثة أسهم
يختص بها (وإن أجاز) أحد الابنين (لصاحب المال وحده دفع) المجيز (إليه كل ما في
يده) (4). فيصير معه خمسة أتساع ولصاحب النصف تسع وللراد ثلاثة (وإن أجاز) أحد
471

الابنين (لصاحب النصف وحده، دفع إليه نصف ما في يده ونصف سدسه) وهو ثلث ما بيده
وربعه. وتصح من ستة وثلاثين، للذي لم يجز اثنا عشر، وللمجيز خمسة، ولصاحب
النصف أحد عشر، ولصاحب المال ثمانية وذلك لأن سبيل الرد من تسعة، لصاحب النصف
منها سهم. فلو أجاز له الابنان كان له تمام النصف ثلاثة ونصف. فإذا أجاز له أحدهما
لزمه نصف ذلك سهم ونصف وربع، فتضرب مخرج الربع في تسعة تكن ستة وثلاثين.
فصل:
(في الجمع بين الوصية بالاجزاء والأنصباء
إذا خلف ابنين ووصى لزيد بثلث ماله ولعمرو بمثل نصيب أحد ابنيه فلكل منهما
الثلث مع الإجازة) (1). أما زيد فظاهر، وأما عمرو فلما تقدم أنه يفرض له مثل نصيب ابن
ويضم إليهما أشبه ما لو يكن معه وصى آخر (و) لكل منهما (السدس مع الرد) لأنه موصى
لهما بثلثي ماله. وقد رجعت وصيتهما بالرد إلى نصفها. وتصح من ستة (والابنان بالعكس)
فلكل منهما السدس مع الإجازة والثلث مع الرد (وإن كان الجزء الموصى به لزيد النصف
وأجازا) أي الابنان للوصيين (فهو) أي النصف (له) أي لزيد (ولعمرو الثلث ويبقى سدس
بين الابنين وتصح من اثني عشر) لزيد ستة ولعمرو أربعة، ولكل ابن سهم (وإن ردوا ف‍)
- تصح (من خمسة عشر) لأن الثلث يقسم بينهما على خمسة فتضربها في ثلاثة بخمسة عشر
472

(لزيد ثلاثة ولعمرو اثنان) ولكل ابن خمسة (وإن كان الموصى به لزيد الثلثين) ولعمرو بمثل
نصيب ابن (صحت مع الإجازة من ثلاثة) مخرج الثلثين والثلث للتماثل (لزيد سهمان
ولعمرو سهم ومع الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة. وتصح من تسعة) لزيد تسعان ولعمرو
تسع ولكل ابن ثلاثة (وإن وصى لرجل بمثل نصيب أحدهما) أي الابنين (و) وصى (لآخر
بثلث باقي المال فلصاحب النصيب ثلث المال) كما لو لم يكن معه وصى آخر (وللآخر ثلث
الباقي) وهو (تسعان مع الإجازة) فتصح من تسعة، لصاحب النصيب ثلاثة وللآخر تسعان،
ولكل ابن تسعان (ومع الرد الثلث) بين الوصيين (على خمسة والباقي للورثة) (1) وتصح من
خمسة عشر، لصاحب النصيب ثلاثة وللآخر سهمان ولكل ابن خمسة (وإن كانت وصية
الثاني بثلث ما يبقى من النصف ف‍) - إنها تصح (من ثمانية عشر) لأن مخرج الثلث والنصف
ستة وثلثها اثنان فإذا طرحته من نصفها ثلاثة بقي واحد، ولا ثلث له صحيح. فتضرب الستة
في مخرج الثلث يبلغ ثمانية عشر (لصاحب النصيب الثلث ستة وللآخر ثلث ما بقي من
النصف) والباقي منه ثلاثة وثلثها (سهم، يبقى أحد عشر للابنين) لا تنقسم عليهما، فتضرب
اثنين في ثمانية عشر (وتصح) المسألة (من ستة وثلاثين لصاحب النصيب اثنا عشر وللآخر
سهمان، ولكل ابن أحد عشر إن أجاز إليهما ومع الرد الثلث) بين الوصيين (على سبعة وتصح
473

من أحد وعشرين للأول ستة) أسهم (وللآخر سهم ولكل ابن سبعة) أسهم (وإن خلف أربعة
بنين و) كان قد (وصى لزيد بثلث ماله إلا مثل نصيب أحدهم فأعط زيدا وابنا الثلث و) أعط
(الثلاثة) البنين (الثلثين) فتصح من تسعة (لكل ابن تسعان ولزيد تسع) لأن مخرج الوصية
ثلاثة مضروب في ثلاثة تكن تسعة لزيد ثلثها والباقي ستة على ثلاثة بنين لكل ابن تسعان
والمستثنى من الثلث مثل نصيب أحد بنيه الأربعة وهو اثنان. وإذا أسقطهما من ثلاثة بقي
سهم لزيد وهو التسع، ولأنه جعل لزيد الثلث واستثنى منه نصيب ابن فتعين أن يأخذ أحد
البنين نصيبه من الثلث وبقية البنين يختصون الثلثين بينهم سوية فما حصل لواحد منهم من
الثلثين أخذ من الثلث نظيره. ويبقى باقي الثلث لزيد (ولو وصى لزيد بمثل نصيب أحدهم)
أي البنين الأربعة (إلا سدس جميع المال و) وصى (لعمرو بثلث باقي الثلث بعد النصيب
صحت) المسألة (من أربعة وثمانين) لأنك تضرب مخرج الثلث في عدد البنين تبلغ اثني
عشر لكل ابن ثلاثة ويزاد لزيد مثل نصيب ابن ثلاثة استثن من هذه الثلاثة اثنين لأنهما
سدس جميع المال وهو الاثنا عشر وزدهما عليها تبق أربعة عشر اضربها في مخرج السدس
ليخرج الكسر صحيحا تبلغ أربعة وثمانين (لكل ابن تسعة عشر) وهي النصيب (ولزيد
خمسة) لأنها الباقي من النصيب بعد سدس جميع المال وهو أربعة عشر (ولعمرو ثلاثة)
لأنها ثلث باقي الثلث بعد النصيب لأن ثلثها ثمانية وعشرون، والنصيب تسعة عشر. فباقي
الثلث تسعة وثلثها ثلاثة (وإن خلف أما وبنتا وأختا) لأبوين أو لأب (وأوصى) لواحد (بمثل
نصيب الام وسبع ما بقي و) وصى (لآخر بمثل نصيب الأخت وربع ما بقي و) وصى (لآخر
بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي. فمسألة الورثة من ستة) (1) لأن فيها نصفا وسدسا وما بقي
البنت ثلاثة، وللأم سهم وللأخت سهمان (تعطي الموصى له بمثل نصيب البنت ثلاثة وثلث
ما بقي ما الستة سهم) فيجتمع له أربعة (وللموصى له بمثل نصيب الأخت سهمان وربع ما
بقي) من الستة (سهم) فيجتمع له ثلاثة (وللموصى له بمثل نصيب الام سهم وسبع ما بقي)
474

من الستة (خمسة أسباع سهم فيكون مجموع الموصى به لهم ثمانية أسهم وخمسة أسباع
سهم يضاف) ذلك (إلى مسألة الورثة وهي ستة يكن) الحاصل (أربعة عشر سهما وخمسة
أسباع) سهم (تضرب في سبعة ليخرج الكسر صحيحا يكن مائة وثلاثة. فمن له شئ من
أربعة عشر سهما وخمسة أسباع مضروب في سبعة فللبنت أحد وعشرون) سهما حاصلة من
ضرب ثلاثة في سبعة (وللأخت أربعة عشر) حاصلة من ضرب اثنين في سبعة (وللأم سبعة)
حاصلة من ضرب واحد في سبعة (وللموصى له بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي ثمانية
وعشرون) حاصلة من ضرب أربعة في سبعة (وللموصى له بمثل نصيب الأخت وربع ما
بقي أحد وعشرون) حاصلة من ضرب ثلاثة في سبعة (وللموصى له بمثل نصيب الام وسبع
ما بقي اثنا عشر) حاصلة من ضرب واحد وخمسة أسباع في سبعة. هذا كله مع الإجازة.
ومع الرد تجمع سهام الأوصياء وتقسم الثلث عليها، وإن عملت على الإجازة بطريق
المنكوس كما في المقنع فقل الستة التي هي مسألة الورثة بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل
نصفه ثلاثة تكن تسعة ثم زد عليه مثل نصيب البنت وهو ثلاثة تكن اثني عشر وهي بقية مال
ذهب ربعه، فزد عليه ثلثه وهو أربعة ومثل نصيب الأخت أيضا يكن ثمانية عشر وهي بقية
مال ذهب تسعه فزد عليه سدسه ومثل نصيب الام أيضا يكن اثنين وعشرين فتدفع إلى
الموصى له بمثل نصيب الام سهما وسبع ما بقي ثلاثة تبقى ثمانية عشر تدفع إلى الموصى
له بمثل نصيب الأخت سهمين وربع الباقي أربعة، فيحصل له ستة، ويبقى اثنا عشر تدفع
إلى الموصى له بمثل نصيب البنت ثلاثة، يبقى تسعة تدفع إليه ثلثها يصير له ستة يبقى ستة
للورثة. لكن الطريق الذي ذكره المصنف أصح وطريق المنكوس على الوجه المذكور
محلها إذا رتبها كما ذكره، لأنه لو أعطى الموصى له بمثل نصيب الأخت أو الام أولا
لاختلف مقدار ما لهم كما أشار إليه في التنقيح (وهكذا تفعل بكل ما ورد عليك من هذا
475

الباب) لأنها طريقة صحيحة موافقة للصواب والقواعد (وإذا خلف ثلاثة بنين وأوصى بمثل
نصيب أحدهم إلا ربع المال فخذ مخرج الكسر) المستثنى وهو الربع (أربعة ورد عليه) أي
الأربعة (ربعه يكن) المجتمع (خمسة فهو نصيب كل ابن) من الثلاثة (وزد على عدد البنين
واحدا) يكن أربعة (واضربه في مخرج الكسر) المستثنى وهو أربعة (يكن) الحاصل (ستة
عشر، أعط الموصى له) من ذلك (نصيبا وهو خمسة، واستثن منه ربع المال أربعة يبقى له
سهم ولكل ابن خمسة (1)، وإن شئت خصصت كل ابن بربع) المال لأنه مستثنى من النصيب
فيعطى كل ابن أربعة من الستة عشر (وقسمت الربع الباقي) وهو أربعة (بينهم) أي البنين
(وبينه) أي الموصي له (على أربعة) لكل ابن سهم فيجتمع لكل ابن خمسة وللموصى له
سهم وعلى هذا فتعلم انتفاء ورود السؤال وهو أن المثل مع الثلاثة ربع. فكيف يستثنى منه
الربع وهو مستغرق؟ لأن الوصية ليست له بالربع بل بمثل نصيب الابن ونصيبه هو ما يستقر
له وهو أزيد من ربع المال واستثن من هذا النصيب المستقر ربع المال كما علمت لكن يرد
عليه وعلى نظائره مما سبق أن استثناء الأكثر لا يصح على المذهب. وأجاب عنه أبو
الخطاب: بأنه ليس من باب الاستثناء وإنما كأنه وصى له بشئ ثم رجع عن بعضه.
وأجاب بعضهم أيضا بأن استثناء الأكثر إنما يمتنع في العدد خاصة. وقد أوضحت ذلك في
حاشية المنتهى (وإن قال) الموصي: أوصيت لفلان بمثل نصيب أحد بني الثلاثة (إلا ربع
الباقي بعد النصيب فزد على سهام البنين سهما وربعا) ليكون الباقي بعد النصيب من المبلغ
الحاصل بعد الضرب ربعا صحيحا (واضربه) أي الحاصل من عدد البنين والمزاد عليه وهو
أربعة وربع (في أربعة) مخرج الكسر المستثنى (يكن) حاصل الضرب (سبعة عشر للموصى
له سهمان) لأن النصيب خمسة فإذا أسقطها من سبعة عشر بقي اثنا عشر فإذا سقط منها
ربعها وهو ثلاثة بقي من النصيب سهمان للوصية (ولكل ابن خمسة (2). و) إن أردت عملها
(ب‍) - طريق (الجبر تأخذ مالا وتدفع منه نصيبا إلى الوصي واستثن منه) أي النصيب (ربع
476

الباقي وهو ربع مال إلا ربع نصيب صار معك مال وربع إلا نصيبا وربعا يعدل) ذلك (أنصباء
البنين وهو ثلاثة، أجبر وقابل) يحصل معك مال وربع يعدل أربعة أنصباء وربع نصيب،
فابسط الكل أرباعا يبلغ خمسة أموال تعدل سبعة عشر نصيبا. فاقلب وحول بأن تجعل
المال موضع النصيب والنصيب موضع المال (يخرج النصيب خمسة والمال سبعة عشر (1).
وإن قال): أوصيت لفلان بمثل نصيب أحد بني الثلاثة (إلا ربع الباقي بعد الوصية فاجعل
المخرج ثلاثة وزد عليه) أي المخرج (واحدا يكن) الحاصل (أربعة فهي النصيب وزد على
سهام البنين) الثلاثة (سهما) ليكون النصيب أربعة (و) زد أيضا (ثلثا) لأجل الوصية (واضربه)
أي المجتمع وهو أربعة وثلث (في ثلاثة) التي هي المخرج (تكن ثلاثة عشر سهما له) أي
الموصى له (سهم ولكل ابن أربعة) (2). وإن شئت قلت المال كله ثلاثة أنصباء ووصية
والوصية هي نصيب إلا ربع المال الباقي بعدها وذلك ثلاثة أرباع نصيب فيبقى ربع نصيب
وهي الوصية. وتبين أن المال كله ثلاثة وربع. فألق من واحد ربعها وهو ثلاثة أرباع يبقى
ربع وهو الوصية. زد على ثلاثة يبلغ ثلاثة وربعا وهو المال فابسط الكل أرباعا ليزول
الكسر يبلغ ثلاثة عشر، للوصية واحد ولكل ابن أربعة. وفي أكثر ما تقدم من الصور طرق
أخرى أعرضنا عنها خوف الإطالة واعتمادا على ما وضع في هذا الفن من الكتب المختصرة
والمطولة. وقد أطال الأصحاب الكلام على هذه المسائل وزادوا عليها صورا تناسبها، لكن
أضربنا عن ذلك لما شاهدناه من قصور الهمم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
باب الموصى إليه
(وهو المأمور ب‍) - ال‍ (- تصرف بعد الموت الدخول في الوصية للقوي عليها قربة) مندوبة
لفعل الصحابة رضي الله عنهم فروي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر
وأوصى إلى الزبير ستة من الصحابة منهم عثمان وابن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف رضي
477

الله عنهم ولأنه معونة للمسلم فيدخل تحت قوله تعالى: * (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) *
[النحل: 90]. وقوله * (وتعاونوا على البر والتقوى) * [المائدة: 2]. وقوله (ص): أنا وكافل
اليتيم في الجنة كهاتين. وقال بأصبعه السبابة والتي تليها (1) أخرجه البخاري (و) قال في
المغني قياس مذهب أحمد أن (تركه) أي ترك الدخول في الوصية (أولى) لما فيه من الخطر
وهو لا يعدل بالسلامة (2) شيئا انتهى. (في هذه الأزمنة) إذ الغالب فيها العطب وقلة السلامة.
لكن رد الحارثي ذلك وقال: لأن الوصية إما واجبة. أو مستحبة، وأولوية ترك الدخول
يؤدي إلى تعطيلها. قال فالدخول قد يتعين فيما هو معرض للضياع أما لعدم قاض أو غيره
لما فيه من درء المفسدة وجلب المصلحة (وتصح وصية المسلم إلى كل مسلم) لأن الكافر
لا يلي مسلما (مكلف) فلا تصح إلى طفل ولا مجنون ولا أبله، لأنهم لا يتأهلون إلى
تصرف أو ولاية (رشيد) فلا تصح إلى سفيه لأنه لا يصح توكيله (عدل ولو مستورا أو أعمى
أو امرأة أو أم ولد، أو عدو الطفل الموصى عليه) لأنهم أهل للائتمان (و) كذا (لو) كان
(عاجزا) لأنه أهل للائتمان (ويضم إليه) أي الضعيف (قوى أمين معاون ولا تزال يده عن
المال ولا) يزال (نظره) عنه، لأن الضعيف أهل للولاية والأمانة (وهكذا إن كان) حال
الوصاية (قويا فحدث فيه) بعدها (ضعف) أو علة ضم إليه الحاكم يدا أخرى (و) يكون
(الأول هو الوصي دون الثاني) فإنه معاون لأن ولاية الحاكم إنما تكون عند عدم الوصي.
قال في الارشاد: وللحاكم أن يجعل معه أمينا يحتاط على المال إذا كان متهما أو عاجزا ولا
يخرجه من الوصية (وتصح) الوصية (إلى رقيقه) أي الموصي (و) إلى (رقيق غيره) (3) بأن
يوصي رقيقه أو رقيق زيد على أولاده ونحوه. لأنه أهل للرعاية على المال. لقوله (ص):
والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه (4) والرعاية ولاية فوجب ثبوت الصحة، ولأنه
478

أهل للعدالة والاستنابة في الحياة. فتأهل للاسناد إليه. وأما أنه لا يلي على ابنه فلا أثر له
بدليل المرأة، وكون عبد الغير يتوقف تصرفه على إذن سيده. لا أثر له أيضا بدليل توقف
التنفيذ للقدر المجاوز للثلث على إذن الوارث (ولا يقبل) عبد الغير الوصية أي لا يتصرف
(إلا بإذن سيده) لأن المنافع له فلا بد من إذنه فيها (ويعتبر وجود هذه الصفات) أي الاسلام
والتكليف والرشد والعدالة (عند الوصية إليه) لأنها شروط لصحتها فاعتبر وجودها حالها
(و) يعتبر وجود هذه الصفات (عند موت الموصي) (1). لأنه الوقت الذي يملك الموصى
إليه التصرف فيه بالايصاء (فإن تغيرت) هذه الصفات (بعد الوصية ثم عادت قبل الموت
عاد) الموصى إليه (إلى عمله) لعدم المانع (وإن زالت) هذه الصفات (بعد الموت) انعزل
لوجود المنافي (أو) زالت (بعد الوصية ولم تعد قبل الموت انعزل) من الوصية (ولم تعد
وصيته) لو عادت الصفات بعد (إلا بعقد جديد) إن أمكن بأن قال الموصي مثلا: إن انعزلت
لفقد صفة ثم عدت إليها فأنت وصي. وقال في المنتهى: ومن عاد إلى حاله من عدالة
وغيرها عاد إلى عمله (وينعقد الايصاء بقول الموصي: فوضت) إليك كذا (أو وصيت إليك)
بكذا (أو) وصيت (إلى زيد بكذا، أو أنت) وصي (أو هو) أي زيد وصي في كذا (أو جعلته)
أي زيدا وصي (أو جعلتك وصيي) على كذا (ولا تصح) الوصية (إلى فاسق (2) ولا) إلى
(صبي ولو مراهقا ولا إلى مجنون) لأنهم ليسوا أهلا للولاية والأمانة وتقدم (ولا إلى كافر
من مسلم ولا إلى سفيه) لما تقدم (ولا نظر لحاكم مع وصي خاص إذا كان) الوصي (كفئا في
ذلك) التصرف الذي أسند إليه لأن الوصية تقطع نظر الحاكم لكن له الاعتراض عليه إن فعل
479

ما لا يسوغ، على ما تقدم في ناظر الوقف (وتصح وصية المنتظر) أي الذي تنتظر أهليته
(بأن يجعله وصيا بعد بلوغه أو بعد حضوره من غيبته ونحوها) نحو أن يقول: هو وصي إذا
أفاق من جنونه أو زال فسقه أو سفهه أو أسلم ونحوه (و) كذا إن قال: وصيت إلى فلان ف‍
(- إن مات فلان ففلان وصيي أو) قال (وهو وصيي سنة ثم فلان بعدها) أي السنة (فإذا قال:
أوصيت إليك فإذا بلغ ابني فهو وصيي صح) ذلك (فإذا بلغ ابنه صار وصيه ومثله) في الصحة
إذا قال: (أوصيت إليك فإذا تاب ابني من فسقه أو صح من مرضه أو اشتغل بالعلم أو صالح
أمه أو رشده فهو وصيي صحت) الوصية في الصور كلها (ويصير) المذكور (وصيا عنه بوجود
الشرط) للخبر الصحيح أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله بن رواحة والوصية
كالتأمير. وإن قال الامام. الخليفة بعدي فلان فإن مات في حياتي أو تغير حاله ففلان صح
وكذا في ثالث ورابع لا للثاني وإن قال: فلان ولي عهدي فإن ولي ثم مات ففلان بعده وإن
علق ولي أمر ولاية حكم أو وظيفة بشرط شغورها أو غيره فلم يوجد حتى قام غيره مقامه
صار الاختيار له (وإذا أوصى إلى واحد، و) أوصى (بعده إلى آخر، فهما وصيان) (1). ولم
يكن عزلا للأول، لأن اللفظ لا يدل عليه مطابقة ولا تضمنا، ولا يستلزمه. فإن الجمع
ممكن (كما لو أوصى إليهما جميعا في حالة واحدة. إلا أن يقول قد أخرجت الأول) فإن
قاله أو نحوه. مما يدل عليه، انعزل لحصول العزل ممن يملكه (وليس لأحدهما) أي
الوصيين (الانفراد بالتصرف) لأن الموصي لم يرض إلا بتصرفهما، وانفراد أحدهما يخالف
ذلك (إلا أن يجعله) أي التصرف (الموصي لكل منهما) فلكل منهما الانفراد حينئذ، لرضا
الموصي بذلك (أو يجعله) أي التصرف (لأحدهما) واليد للآخر (فيصح تصرفه منفردا) (2).
عملا بالوصية (وإذا تصرفا) أي أرادا التصرف (فالظاهر أن المراد) باجتماعهما ليس معناه
تلفظهما بصيغ العقود معا. بل (صدوره) أي التصرف (عن رأيهما) واجتهادهما (ثم لا فرق
480

بين أن يباشر أحدهما) التصرف وحده (أو) يباشره (الغير بإذنهما، ولا يشترط توكيلهما) أي
أن يوكل أحدهما الآخر، وإن اختلفا في شئ وقف الامر، حتى يتفقا (وإن مات أحدهما أو
جن، أو غاب، أو وجد منه ما يوجب عزله) كسفه، وعزله نفسه (ولم يكن الموصي جعل
لكل منهما الانفراد بالتصرف أقام الحاكم مقامه) أي الميت أو المجنون ونحوه (أمينا)
ليتصرف مع الآخر (وإن أراد الحاكم أن يكتفي بالباقي منهما، لم يجز له) الاكتفاء به، لان
الموصي لم يكتف بأحدهما، فلا يقتصر عليه. إذ الوصية تقطع نظر الحاكم واجتهاده (فإن
جعل الموصي لكل منهما الانفراد بالتصرف، أو جعله) أي التصرف (لأحدهما صح تصرفه
منفردا) (1). وتقدم (فإن مات أحدهما والحالة هذه) لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه (أو خرج)
أحدهما (عن أهلية التصرف) والحالة هذه (لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه، واكتفى بالباقي)
منهما لرضا الموصى به (إلا أن يعجز) الباقي (عن التصرف وحده) فيضم الحاكم إليه أمينا
يعاونه (2) (ولو حدث) لأحدهما (عجز لضعف أو كثرة عمل ونحوه، ولم يكن لكل واحد
منهما التصرف منفردا، ضم أمين) أي ضم الحاكم أمينا لمن عجز يعاونه. والوصي هو
الأول كما تقدم (وإذا اختلف الوصيان) وليسا مستقلين (عند من يجعل المال منهما) بأن
طلب كل أن يكون المال تحت يده أو تحت يد الآخر (لم يجعل عند واحد منهما) (3) لعدم
رضا الموصي بذلك (ولم يقسم) المال (بينهما) لأن من لوازم الشركة في التصرف الشركة
في الحفظ، لأنه مما وصى به فلا يستقل ببعض الحفظ، كما لا يستقل ببعض التصرف
(وجعل) المال (في مكان تحت أيديهما) لكل واحد منهما عليه نحو قفل. فإن تعذر ذلك
481

ختما عليه ودفع إلى أمين القاضي، وإن كانا مستقلين احتمل ذلك واحتمل القسمة ذكره
الحارثي (وإن نصب) الموصي (وصيا ونصب) الموصى (عليه ناظرا يرجع الوصي إلى رأيه
ولا يتصرف) الوصي (إلا بإذنه جاز). قلت: فإن خالف لم ينفذ تصرفه، لأن الموصي لم
يرض برأيه وحده (وإن فسق الوصي انعزل) لوجود المنافي، ولا يعود إلى الأهلية إلا بعقد
جديد على ما تقدم في كلامه. وتقدم كلام المنتهى. وكذا منصوب القاضي بخلاف الأب
إذا فسق تعود ولايته الأهلية، لأن ولايته عن سبب الأبوة، وهو ثابت، وولاية الوصي
والأمين عن الايصاء وتوليه، وقد بطل. فلا بد في العود من مثل ذلك السبب، ثم ما
تصرف بعد البطلان مردود، لصدوره من غير أهله. لكن رد الودائع، والغصوب،
والعواري، وقضاء الديون التي جنسها في التركة تقع موقعها. لأن المقصود من هذه
الأمور: وصولها إلى أهلها، وهو حاصل بذلك وإذا أعيد وكان أتلف مالا. فقياس المذهب
براءته بالقبض من نفسه. فإن ذلك ثابت للأب وقد نص من رواية أبي داود: على أن
الوصي بمنزلة الأب في كل شئ، إلا في النكاح. قاله الحارثي (وأقام الحاكم مقامه) أي
الفاسق (أمينا) (1) ليتصرف (ويصح قبول) الوصي (الايصاء إليه في حياة الموصي) لأنه إذن
في التصرف، فصح قبوله بعد العقد. كالوكالة. بخلاف الوصية بالمال، فإنها تمليك في
وقت. فلم يصح القبول قبله (و) يصح القبول أيضا (بعد موته) (2) لأنها نوع وصية، فيصح
قبولها إذن كوصية المال (فمتى قبل صار وصيا) قال الحارثي: ويقوم فعل التصرف مقام
اللفظ. كما في الوكالة قال ابن رجب: هو الأظهر (وله) أي الوصي (عزل نفسه متى شاء
مع القدرة والعجز في حياة الموصي وبعد موته، و) في (حضوره وغيبته) (3) لأنه متصرف
بالاذن، كالوكيل، ونقل الأثرم وحنبل: له عزل نفسه إن وجد حاكما كما قدمه في المحرر،
وقطع به الحارثي لأن العزل تضييع للأمانة وإبطال لحق المسلم، وكذا إن تعذر تنفيذ
الحاكم للموصى به لعدم ثبوته عنده أو نحوه، أو غلب على الظن أن الحاكم يسند إلى من
ليس بأهل، أو أن الحاكم ظالم. ذكره الحارثي (وللموصي عزله متى شاء) كالموكل (وليس
482

للوصي) عند الاطلاق (أن يوصي) لأنه قصر توليه فلم يكن له التفويض. كالوكيل.
وسبق في الوكالة: له أن يوكل فيما لا يباشره مثله، أو يعجز عنه فقط. قال الحارثي:
والأمراض المعتادة كالرمد والحمى تلحق بنوع ما لا يباشره، وما ليس كذلك كالفالج
وغيره. يلتحق بنوع ما يباشره (إلا إن لم يجعل إليه) الموصي (ذلك) (1) أي أن يوصي
(نحو أن يقول) الموصي للوصي (أذنت لك أن توصي إلى من شئت، أو) يقول (كل من
أوصيت) أنت (إليه فقد أوصيت) أنا (إليه، أو) يقول: كل من أوصيت أنت إليه (فهو
وصيي) فله أن يوصي لأن الموصي رضي رأيه، ورأي من يراه، ولأنه تصرف مأذون
فيه. فكان كغيره من التصرفات (ويجوز أن يجعل) الموصي أو الحاكم (للوصي جعلا)
معلوما كالوكالة (ومقاسمة الوصي للموصى له جائزة) أي نافذة (على الورثة، لأنه نائب
عنهم) ففعله كفعلهم (ومقاسمته) أي الوصي (للورثة على الموصى له لا تجوز) لأنه
ليس نائبا عنه، كتصرف الفضولي.
فصل:
(ولا تصح الوصية إلا في) تصرف (معلوم)
ليعلم الوصي ما وصى به إليه، ليحفظه ويتصرف فيه (يملك الموصي فعله: كقضاء
الدين، وتفريق الوصية والنظر في أمر غير مكلف) (2) رشيد من طفل ومجنون وسفيه (ورد
الودائع) إلى أهلها (واستردادها) ممن هي عنده (ورد غصب وإمام بخلافه، وحد قذف) لان
الوصي يتصرف بالاذن، فلم يجز إلا في معلوم يملكه الموصي كالوكالة (فهو يستوفيه
483

لنفسه) أي للموصي نفسه (لا للموصى إليه) وإنما صحت الوصية بما تقدم (لأنه) أي
الموصي (يملك ذلك) أي ما ذكر من قضاء الدين وتفريق الوصية إلى آخرها (فملكه وصية)
لقيامه مقامه (ويصح الايصاء بتزويج مولاته) كبنته (ولو كانت صغيرة) دون تسع (وله) أي
وصي الأب (إجبار ها) إذا كانت بكرا أو ثيبا دون تسع (كالأب) لأنه نائبه كوكيله (ويأتي في
باب أركان النكاح) مفصلا (ولا يقضى) الوصي (الدين إلا) إذا ثبت (ببينة) إذ لا يقبل قول
الوصي ولا مدعي الدين بغير بينة (غير ما يأتي) التنبيه عليه (فأما) الوصية ب‍ (- النظر على
ورثته في أموالهم فإن كان) الموصي (ذا ولاية عليهم) في المال (كأولاده الصغار والمجانين
ومن لم يؤنس) أي يعلم (رشده) منهم (فله أن يوصي إلى من ينظر في أموالهم بحفظها
ويتصرف لهم فيها بما لهم الحفظ فيه) (1) لقيام وصيه مقامه (ومن لا ولاية له) أي الموصي
(عليهم كالعقلاء الراشدين) من أولاده وغيرهم (و) ك‍ (- غير أولاده من الإخوة) مطلقا (أو
الأعمام) مطلقا وبنيهم وبناتهم كذلك (وأولاد ابنه وسائر من عدا أولاده لصلبه. فلا تصح
الوصية عليهم، ولا من المرأة على أولادها) إذ لا ولاية لغير الأب كما تقدم (ولا) تصح
الوصية (باستيفاء دينه مع بلوغ الوارث ورشده ولو مع غيبته) لأن المال انتقل عن الميت إلى
ورثته الذين لا ولاية له عليهم. فلم تصح الوصية باستيفائه كما لو لم يكونوا وارثين.
تتمة: قال الشيخ تقي الدين: ما أنفقه وصي متبرع بالمعروف في ثبوت الوصية فمن
مال اليتيم انتهى. وعلى قياسه كل ما فيه مصلحة له (وإذا أوصى إليه في شئ لم يصر
وصيا في غيره) (2) لأنه استفاد التصرف بالاذن من جهته، فكان مقصورا على ما أذن فيه
كالوكيل. فإن وصى إليه في تركته وأن يقوم مقامه فهذا وصي في جميع أموره، يبيع
ويشتري إذا كان نظرا لهم، وإن خصصها بشئ لم يتعده (مثل أن يوصي إليه بتفريق ثلثه)
484

فيفعله (دون غيره أو) يوصي إليه (بقضاء ديونه أو بالنظر في أمر أطفاله) أو تزويجهم فلا
يتجاوزه (وإن جعل لكل واحدة من هذه الخصال وصيا جاز) على ما قال (ويتصرف كل
واحد منهم فيما جعل) الموصى (إليه) خاصة لما تقدم (وإذا أوصى إليه بتفرقة ثلثه وقضاء
دينه، فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم أو جحدوا ما في أيديهم وأبوا قضاء الدين أو
جحدوه وتعذر ثبوتهما قضى) الوصي (الدين باطنا) (1) أي من غير علم الورثة، لأنه تمكن
من إنقاذ ما وصي إليه بفعله. فوجب عليه كما لو لم يجحده الورثة، ولأنه لاحق لهم إلا
بعد وفاء الدين (وأخرج) الوصي (بقية الثلث) الموصى إليه بتفرقته (مما في يده) لأن حق
الموصي لهم بالثلث متعلق بأجزاء التركة، وحق الورثة مؤخر عن الوصية ووفاء الدين
فوجب تقديمها، ومحل كونه يجب على الوصي ذلك (إن لم يخف تبعة) أي رجوع الورثة
عليه بما دفعه في الدين أو الوصية وينكروهما ولا بينة بهما. فلا يجب عليه ذلك للعذر
(ويبرأ مدين باطنا بقضاء دين يعلمه على الميت) (2) فيسقط عن ذمته بقدر ما يقضي عن
الميت كما لو دفعه إلى الوصي بقضاء الدين فدفعه في دين الميت إذ لا فرق بينهما سوى
توسط الوصي بينهما (ولو ظهر دين يستغرق التركة) لم يضمن الوصي ما صرفه في الوصية
(أو جهله موصى له فتصدق) الوصي (بجميع الثلث هو أو حاكم ثم ثبت ذلك) أي
الموصى له (لم يضمن) الوصي ولا الحاكم لرب الدين ولا للموصى له بالثلث شيئا لأنه
معذور بعدم العلم. وفي الرعاية الكبرى قلت: بل يرجع به لوفاء الدين. وقال ابن نصر
الله: لو كان فيها أي التركة عين مستحقة فباعها وتصدق بثمنها ضمنها لتعلق حق صاحبها
بعينها بخلاف الدين (ولو أقام الذي له الحق) من دين أو وديعة ونحوها (بينة شهدت بحقه)
عند الموصي (لم يشترط الحاكم بل تكفي الشهادة عند الموصي) فله قضاء الحق لأن البينة
حجة له. قال ابن أبي المجد في مصنفه: لزمه قضاؤه بدون حضور حاكم على الأصح.
485

وقدمه ابن رزين في شرحه وجعل في المغني (1) والشرح (2) الروايتين في جواز الدفع لا
لزومه، وهو الأليق بقوله (والأحوط) أن تشهد البينة (عند الحاكم) خروجا من الخلاف
وقطعا للتهمة. ولمدين دفع دين موصى به لمعين إليه من غير حضور الوصي والورثة وله
دفعه إلى وصي في تنفيذ وصاياه. ويبرأ وإن لم يوص به أو كان للميت عين ولم يوص
بقبضها فأبى وارث ووصي معا. وإن صرف أجنبي الموصى به لمعين في جهته لم يضمنه.
وإن وصى بإعطاء مدع عينه دينا بيمينه نفذه الوصي من رأس ماله قاله الشيخ تقي الدين
ونقل ابن هانئ ببينة ونقله عبد الله ونقل عقيل مع صدق المدعي ذكره في الفروع (وتصح
وصية كافر إلى مسلم إن لم تكن تركته خمرا أو خنزيرا ونحوهما) كالسرجين النجس فإن
كانت تركته كذلك لم تصح الوصية إلى مسلم بالنظر فيها العدم إمكانه (و) تصح الوصية أيضا
من كافر (إلى من) أي كافر إن (كان عدلا في دينه) (3). لأنه يلي على غيره بالنسب فيلي
بالوصية كالمسلم (وإذا قال) الموصي للوصي: (ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه) لمن شئت (أو
تصدق به على من شئت لم يجز له) أي الوصي (أخذه) أي الثلث لنفسه لأنه تمليك ملكه
بالاذن فلا يكون قابلا له كالوكيل وقيل: يعمل بالقرينة (ولا) يجوز للوصي أيضا (دفعه) أي
الثلث (إلى أقاربه) أي الوصي (الوارثين) له (ولو كانوا فقراء) لأنه متهم في حقهم قال
الحارثي والمذهب جواز الدفع إلى الولد والوالد ونحوهم. واختاره صاحب المحرر (4)
لاندراجه تحت اللفظ والتهمة لا أثر لها فإن هذه العبارة تستعمل في الرضا بصرف الوصي
إلى من يختاره كيف كان (ولا) يجوز للوصي أيضا دفع الثلث (إلى ورثة الموصي) أغنياء
كانوا أو فقراء لأن الوصي نائب الميت فلم يكن له الدفع إلى من لا يدفع المستنيب إليه وإن
قال: اصنع في مالي ما شئت أو هو بحكمك افعل فيه ما شئت ونحو ذلك من ألفاظ الإباحة
لا الامر قال أبو العباس: أفتيت أن هذا الوصي له أن يخرج ثلثه وله أن لا يخرجه فلا يكون
الاخراج واجبا ولا حراما، بل موقوفا على اختيار الوصي (ومن أوصي إليه بحفر بئر بطريق
مكة، أو) بحفر بئر (في السبيل فقال: لا أقدر. فقال الموصي: افعل ما ترى لم يجز)
للوصي (حفرها بدار قوم لا بئر لهم لما فيه من تخصيصهم) نقله ابن هانئ. لأن ظاهر
486

الوصية حفرها بموضع يعمم نفعه (ولو أمره ببناء مسجد فلم يجد) الوصي (عرصة) أي
أرضا يبنيها مسجدا (لم يجز شراء عرصة يزيدها في مسجد صغير) نص عليه. لأنه ليس
فعلا لما أمر به (ولو قال) الموصي: (يدفع هذا إلى يتامى بني فلان فإقرار بقرينة وإلا) أي وإن
لم تكن هناك قرينة (فهو وصية) لهم. قاله الشيخ تقي الدين (وإن دعت حاجة إلى بيع بعض
العقار) المخلف عن الميت (لقضاء دين) عن الميت (مستغرق) ماله غير العقار، واحتاج إلى
تتمة من العقار (أو) دعت الحاجة لبيع بعض العقار (لحاجة صغار وفي بيع بعضه ضرر.
مثل أن ينقص الثمن على الصغار باع الوصي) العقار كله (على الصغار، وعلى الكبار إن
أبوا) أي الكبار (البيع أو كانوا غائبين) (1). لأن الوصي قائم مقام الأب، وللأب بيع الكل.
فالوصي كذلك، ولأنه وصي يملك بيع البعض. فملك بيع الكل، كما لو كان الكل
صغارا، أو الدين مستغرقا، ولان الدين متعلق بكل جزء من التركة، ولهذا لو تلف بعضها
وفي من الباقي (وإن كان شريكهم) أي الصغار (غير وارث لم يبع) الوصي (عليه) لان
الوصي فرع الميت وهو لا يبيع على شريكه بغير إذنه فنائبه أولى (ولو كان الكل) من الورثة
(كبارا) رشيدين (وعلى الميت دين أو وصية تستغرق باعه الموصى إليه إذا أبوا بيعه) أو
غابوا (وكذا لو امتنع البعض) أو غاب باع الوصي على الكل لما تقدم وكذا لو كان الدين أو
الوصية لا يستغرق العقار لكن في بيع بعضه ضرر فله الكل لما تقدم من أنه نائب
الموصي وأنه يملك بيع البعض فملك بيع الكل كما يعلم من كلام أكثر الأصحاب
(والحكم) المذكور من جواز البيع على الكبار إذا أبوا أو غابوا وكان في بيع البعض ضرر
في المسألتين (لا يتقيد بالعقار بل يثبت فيما عداه إلا الفروج) احتياطا لها (نص عليه) قال
يعقوب بن بختان سألت أبا عبد الله عن الوصي يبيع على البالغ الغائب فقال: إنما الوصي
بمنزلة الأب إذا كان من طريق النظر. قلت لأبي عبد الله فإن كان فرج قال ما أحب أن يبيعه
وإنما خص العقار بالذكر لأن إبقاءه أحظ لليتيم فثبوت الحكم فيه منبه على الثبوت فيما
دونه في ذلك (قال الحارثي: وإن مات إنسان لا وصي له) بأن لم يوص إلى أحد أو لم يقبل
487

الموصى إليه (ولا حاكم ببلده) الذي مات فيه (أو مات) إنسان (ببرية) بفتح الباء أي صحراء
(ونحوها) كجزيرة لا عمران بها (جاز لمسلم ممن حضره أن يحوز تركته وأن يتولى أمره)
أي تجهيزه على ما يأتي (ويفعل الأصلح فيها) أي التركة (من بيع وغيره) (1) كحفظها،
وحملها للورثة، لأن ذلك موضع ضرورة لحفظ مال المسلم عليه، إذ في تركه إتلاف له
(ولو كان في التركة) إ (ماء) أي فله بيعها، لأنه موضع ضرورة (وقال) الامام (أحمد أحب إلى
أن يتولى بيعهن) أي الإماء (حاكم) قاله في الشرح (2)، وإنما توقف عن بيعهن على طريق
الاختيار احتياطا، لأن بيعهن يتضمن إباحة فرجهن. انتهى. وهو معنى كلام القاضي
(ويكفنه) أي المسلم الذي حضره (منها) أي من تركته (إن كانت) تركته (وأمكن)، تكفينه منها
(وإلا) بأن لم يكن له تركة، أو كانت، ولم يمكن تجهيزه منها (ف‍) - إنه يجهزه (من عنده
ويرجع) بما جهزه بالمعروف (عليها) أي على تركته حيث كانت (أو) يرجع به (على من
يلزمه كفنه) أن لم يترك شيئا لأنه قام عنه بواجب (إن نواه) أي الرجوع (مطلقا) أي سواء
استأذن حاكما أو لا أشهد على نية الرجوع أو لا (أو استأذن حاكما) (3) في تجهيزه فله
الرجوع على تركته أو على من يلزمه كفنه لأنه لو لم يرجع إذن لامتنع الناس من فعله مع
حاجة الناس إليه (ما لم ينو التبرع) فإن نواه فلا رجوع له وكذا لو لم ينو تبرعا ولا رجوعا
فإنه لا رجوع له على مقتضى قوله: إن نراه وهو قياس ما تقدم فيمن قام عن غيره بدين
واجب.
تنبيه: قول المصنف أو على من يلزمه كفنه أولى من قول المنتهى يلزمه نفقته إذ
الزوج يلزمه نفقة زوجته ولا يلزمه كفنها فلا يرجع عليه بل على أبيها أو نحوه والله أعلم.
488

كتاب الفرائض
جمع فريضة بمعنى مفروضة والهاء فيها للنقل من المصدر إلى الاسم كالحفيرة ونحوها
والغرض التوقيت ومنه * (فمن فرض فيهن الحج) * [البقرة: 197]. والجزء من الشئ
كالتفريض ومن القوس موضع الوتر وما أوجبه الله كالمفروض والقراءة والسنة يقال: فرض
رسول الله (ص) أي سن ونوع من التمر والجند يفترضون والترس وعود من أعواد البيت والعطية
الموسومة وما فرضته على نفسك فوهبته ومن الزند حيث يقدح منه أو الجزء الذي فيه
و * (سورة أنزلناها وفرضناها) * [النور: 1] جعلنا فيها فرائض الاحكام وبالتشديد أي جعلنا
فيها فريضة بعد فريضة أو فصلناها وبيناها. قاله في القاموس (1). (وهي) شرعا (2) (العلم بقسمة
المواريث) جمع ميراث وهو الحق المخلف عن الميت وأصله موارث قلبت الواو ياء لانكسار
ما قبلها ويقال: له أيضا التراث وأصل التاء فيه واو والإرث لغة البقاء وانتقال الشئ من قوم إلى قوم
آخرين ويطلق بمعنى الميراث ويسمى القائم بهذا العلم فارضا وفريضا وفرضيا بفتح الراء
وسكونها وفراضا وفرائضيا (وموضوعه التركات) لأنها التي يبحث فيه عن عوارضها (لا
العدد) فإنه موضوع علم الحساب (والفريضة نصيب مقدر شرعا لمستحقه) وقد رويت
أحاديث تدل على فضل هذا العلم والحث على تعلمه وتعليمه فمنها قوله (ص):
العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة (3) رواه
ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو بن العاص وقوله (ص): تعلموا الفرائض وعلموها الناس
فأني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا
489

يجدان من يفصل بينهما (1) رواه أحمد والترمذي والحاكم ولفظه له عن ابن مسعود وعن
عمر تعلموا الفرائض فإنها من دينكم (2) وعنه أيضا تعلموا الفرائض واللحن والسنة
كما تعلمون القرآن (3) وعن أبي هريرة مرفوعا: تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف
العلم وهو ينسى وهو أول علم ينزع من أمتي (4) رواه ابن ماجة والدارقطني من رواية
حفص بن عمر وقد ضعفه جماعة. واختلف في معناه فقال: أهل السلامة لا نتكلم فيه بل
يجب علينا اتباعه وقال: قوم هي نصف العلم باعتبار الحال فإن للناس حالتين حياة ووفاة
فالفرائض تتعلق بالثاني وباقي العلوم بالأول وقيل باعتبار الثواب لأن له بتعليم مسألة
واحدة من الفرائض مائة حسنة وبغيرها من العلوم عشر حسنات. قيل: وأحسن. الأقوال أن
يقال: أسباب الملك نوعان اختياري وهو ما يملك رده كالشراء والهبة ونحوها وقهري
وهو ما لا يملك رده وهو الإرث. وحكي أن الوليد بن مسلم رأى في منامه أنه دخل
بستانا فأكل من ثمره إلا العنب الأبيض فقصه على شيخه الأوزاعي فقال: تصيب من
العلوم كلها إلا الفرائض فإنها جوهر العلم كما أن العنب الأبيض جوهر العنب. والأصل
فيها الكتاب والسنة. وسنقف على ذلك مفصلا (وإذا مات) ميت (بدئ من تركته بكفنه
وحنوطه ومؤنة تجهيزه) بالمعروف (و) مؤنة (دفنه بالمعروف من صلب ماله سواء) قد (كان
تعلق به) أي المال (حق رهن أو أرش جناية أو لم يكن) تعلق به شئ من ذلك، كحال
الحياة إذ لا يقضي دينه إلا بما فضل عن حاجته. وتقدم (وما بقي بعد ذلك) أي بعد مؤنة
تجهيز بالمعروف (يقضي منه ديونه) سواء وصى بها أولا. وتقدم ويبدأ منها بالمتعلق
بعين المال، كدين برهن، وأرش جناية برقبة الجاني ونحوه ثم الديون المرسلة في الذمة
(سواء كانت) الديون (لله) تعالى (كزكاة المال و) صدقة (الفطر والكفارات والحج
الواجب) والنذر (أو) كانت (لآدمي كالديون) من قرض وثمن وأجرة وجعالة استقرت
ونحوها (والعقل) بعد الحول (وأرش الجنايات والغصوب وقيم المتلفات وغير ذلك) لما
490

تقدم من أنه (ص) قضى بالدين قبل الوصية. فإن ضاق المال تحاصوا. وتقدم (وما بقي
بعد ذلك تنفذ وصاياه) لأجنبي (من ثلثه. إلا أن تجيزها الورثة فتنفذ) وإن زادت على
الثلث، أو كانت لوارث (من جميع الباقي. ثم يقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته) لقوله
تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * [النساء: 11]. (وأسباب) جمع سبب، وهو
لغة ما يتوصل به لغيره. كالسلم لطلوع السطح. واصطلاحا ما يلزم من وجوده الوجود،
ومن عدمه العدم لذاته (التوارث ثلاثة فقط) فلا يرث ولا يورث بغيرها كالموالاة. أي
المؤاخاة والمعاقدة، وهي المحالفة. وإسلامه على يديه، وكونهما من أهل ديوان
واحد. والتقاط لحديث: إنما الولاء لمن أعتق (1) واختار الشيخ تقي الدين: أنه يورث
بها عند عدم الرحم والنكاح والولاء (2). وتبعه في الفائق (رحم وهو القرابة) لقوله
تعالى: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * [الأنفال: 75] (و) الثاني
(نكاح) لقوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * [النساء: 12]. الآية (وهو عقد
الزوجية الصحيح) سواء دخل أو لا (فلا ميراث في النكاح الفاسد) لأن وجوده كعدمه (و)
الثالث (ولاء عتق) فيرث به المعتق. وعصبته من عتيقه. ولا عكس. لحديث: الولاء
لحمة كلحمة النسب (3) رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه، شبه الولاء
بالنسب والنسب يورث به. فكذا الولاء. ووجه التشبيه: أن السيد أخرج عبده بعتقه إياه
من حيز المملوكية التي ساوى بها البهائم إلى حيز المالكية التي ساوى بها الأناسي فأشبه
بذلك الولادة التي أخرجت المولود من العدم إلى الوجود (وموانعه) أي التوارث (ثلاثة:
القتل، والرق، واختلاف الدين. وتأتي في أبوابها) مفصلة. وأركانه ثلاثة: وارث،
ومورث، وحق موروث. وشروطه ثلاثة: تحقق حياة الوارث أو إلحاقه بالاحياء،
وتحقق موت المورث أو إلحاقه بالأموات، والعلم بالجهة المقتضبة للإرث. وتعلم مما
يأتي (والنبي (ص) لم يورث، وكانت تركته صدقة) وكذا سائر الأنبياء. لحديث: إنا
معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة (4) (والمجمع على توريثهم من الذكور
491

عشرة: الابن وابنه وإن نزل) بمحض الذكور. لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في
أولادكم) * [النساء: 11]. الآية وابن الابن ابن. لقوله تعالى: * (يا بني آدم) * * (يا بني
إسرائيل) * (والأب وأبوه، وإن علا) بمحض الذكور. لقوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد
منهما السدس) * [النساء: 11]. الآية والجد تناوله النص لدخول ولد الابن في الأولاد.
وقيل: ثبت فرضا بالسنة، لأنه (ص) أعطاه السدس (والأخ من كل جهة) شقيقا كان أو
لأب، أو لام. أما الذي لام فلقوله تعالى: * (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما
السدس) * [النساء: 12]. فإنها في الإخوة للأم كما يأتي. وأما الذي لأبوين أو لأب
فلقوله تعالى: * (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد) * [النساء: 176]. (وابن الأخ إلا) إن
كان الأخ (من الام) فقط فابنه من ذوي الأرحام (والعم) لا من الام (وابنه كذلك) لقوله
(ص): ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر (1) وأما العم لام. فمن
ذوي الأرحام (والزوج) لقوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * [النساء: 12].
(ومولى النعمة) وهو المعتق والعصبة المتعصبون بأنفسهم. لحديث: الولاء لحمة
كلحمة النسب (و) المجمع على توريثهن (من الإناث سبع: البنت وبنت الابن وإن
سفل) بتثليث الفاء (أبوها) بمحض الذكور (والأم والجدة) من قبلها، أو من قبل الأب
على تفصيل يأتي (والأخت من كل جهة) أي سواء كانت شقيقة أو لأب أو لام
(والزوجة) هي بالتاء لغة سائر العرب ما عدا أهل الحجاز. اقتصر الفقهاء والفرضيون
عليها للايضاح وخوف اللبس (ومولاة النعمة) (2) وهي المعتقة ومعتقتها وإن علت.
ودليل ذلك يعلم مما تقدم ومما يأتي مفصلا في أبوابه (والوارث ثلاثة ذو فرض) أي
نصيب مقدر شرعا لا يزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول (وعصبات) يرثون بلا تقدير
492

(و) ذو (رحم) يرثون عنه عدم العصبات وأصحاب الفروض غير الزوجين على ما يأتي
بيانه (والفروض) القرآنية (ستة: النصف والربع، والثمن والثلثان والثلث والسدس) وإن
شئت قلت: النصف والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما أو الثمن والسدس وضعفهما
وضعف ضعفهما أو الربع والثلث وضعف كل ونصف كل وثلث الباقي. ثبت باجتهاد الصحابة
رضي الله تعالى عنهم (وأصحابها) أي الفروض (عشرة الزوجان) على البدلية (والأبوان)
مجتمعين ومفترقين (والجد) لأب (والجدة) لام أو أب (والبنت، وبنت الابن) وإن نزل
أبوها (والأخت من كل جهة والأخ لام) وتسمى الإخوة والأخوات لأبوين بني الأعيان
لأنهم من عين واحدة، للأب فقط بني العلات جمع علة بفتح العين المهملة وهي
الضرة. قال في القاموس: وبنو العلات بنو أمهات شتى من رجل لأن الذي يتزوجها
على أولى قد كان قبلها ناهل ثم عل من هذه انتهى. وللأم فقط بني الأخياف بالخاء
المعجمة تليها مثناة تحتية سموا بذلك لأن الأخياف الأخلاط فهم من أخلاط الرجال
ليسوا من رجل واحد، وإن أردت تفصيل أحوال أصحاب الفروض (فللزوج الربع إن
كان لها ولد) ذكر أو أنثى منه أو من غيره لم يقم به مانع (أو ولد ابن) وإن سفل أبوه
بمحض الذكور (و) له (النصف مع عدمهما) أي عدم الولد وولد الابن (ولزوجة فأكثر
الثمن إن كان له ولد) ذكر أو أنثى واحد أو متعدد منها أو من غيرها (أو ولد ابن) وإن
سفل (والربع مع عدمهما) إجماعا (1) لقوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) *
[النساء: 12]. الآية (وولد البنت لا يحجب الزوج من النصف إلى الربع ولا) يحجب
(الزوجة من الربع إلى الثمن) ولو ورثناه (ويأتي في باب ذوي الأرحام) لأنه لم يدخل
في مسمى الولد ولم ينزله الشرع منزلته. ومن قام به مانع من الأولاد أو أولاد الابن
فوجوده كعدمه، وكذا سائر من قام به مانع، وإنما بدأ بالزوجين لقلة الكلام فيهما،
وإنما جعل للجماعة من الزوجات مثل ما للواحدة، لأنه لو جعل لكل واحدة الربع
وهن أربع أخذن جميع المال وزاد فرضهن على فرض الزوج وكذا الجدات إذا تعددن
فلهن مثل ما للواحدة لأنه لو أخذت كل واحدة السدس لزاد ميراثهن على ميراث الجد،
493

وإما بقية أصحاب الفروض كالبنات وبنات الابن والأخوات المفترقات، فإن لكل
جماعة مثل ما للاثنتين منهن وإنما زدن على فرض الواحدة لأن الذكر الذي يرث في
درجتهن لا فرض له إلا ولد الام، فإن ذكرهم وأنثاهم سواء لأنهم يرثون بالرحم
وبالقرابة المجردة (ويرث أب) من ابنه أو بنته (وجد مثله إن عدم الأب مع ذكورية ولد)
للميت (أو) مع ذكورية (ولد ابن) وإن نزل (بالفرض سدسا) (1) للآية السابقة (و) يرث
أب من ولده وجد من ولد ابنه (بفرض وتعصيب مع أنوثيتهما) أي الولد وولد الابن كما
لو مات عن أب وبنت ابن (فيأخذ) الأب (السدس فرضا) لقوله تعالى: * (ولأبويه لكل
واحد منهما السدس) * [النساء: 11]. الآية - وتأخذ البنت أو بنت الابن النصف ثلاثة (ثم)
يأخذ الأب (ما بقي إن بقي شئ) كما في المثال (بالتعصيب) لقوله (ص): ألحقوا
الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر (2) وروى أن الحجاج: سأل الشعبي عن
هذه المسألة فقال: للبنت النصف والباقي للأب. فقال له الحجاج: أصبت في المعنى
وأخطأت في اللفظ، هلا قلت للأب السدس وللبنت النصف والباقي للأب؟ فقال:
أخطأت وأصاب الأمير ولا يرث بفرض وتعصيب معا بسبب واحد إلا الأب والجد.
وأما بسببين فكثير. من ذلك زوج هو معتق وأخ لام هو ابن عم وزوجة معتقة (و) يرث
الأب أو الجد عند عدم الأب (بالتعصيب) فقط (مع عدمهما) أي الولد وولد الابن
فيأخذ المال كله أو ما أبقت الفروض.
فصل:
في الجد مع الإخوة أو الأخوات لأبوين أو لأب منفردين
أو مع ذي فرض. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله (ص) أن الجد
أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب (3)، وأنزلوا الجد في الحجب أو الميراث منزلة
494

الأب في جميع المواضع إلا في ثلاثة أشياء. أحدها زوج وأبوان. والثانية زوجة وأبوان
للام فيهما ثلث الباقي مع الأب وثلث جميع المال لو كان مكان الأب جد. والثالثة اختلفوا
في الجد مع الإخوة والأخوات للأبوين أو لأب. ولا خلاف بينهم في إسقاطه بني الإخوة
وولد الام ذكرهم وأنثاهم. وذهب الصديق رضي الله تعالى عنه إلى أن الجد يسقط الإخوة
والأخوات من جميع الجهات كما يسقط الأب وبذلك قال ابن عباس وابن الزبير وروي عن
عثمان وعائشة وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وأبي الطفيل وعبادة بن الصامت رضي الله
تعالى عنهم. وبه قال أبو حنيفة (1) وغيره وكان علي ابن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن
مسعود رضي الله تعالى عنهم يورثونهم معه فلا يحجبونهم به. وبه قال مالك (2) والأوزاعي
والشافعي (3) وأحمد (4) وأبو يوسف ومحمد لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون
فيه. فإن الجد والأخ يدليان بالأب الجد أبوه والأخ ابنه. وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة
الأبوة، بل ربما كانت أقوى. فإن الابن يسقط تعصيب الأب. ولذلك مثله علي بشجرة
أنبتت غصنا فانفرق منها غصنان كل منهما إلى الآخر أقرب منه إلى أصل الشجرة. ومثله
زيد بواد خرج منه جدولان كل واحد منهما إلى الآخر أقرب منه إلى الوادي. واختلف
القائلون بتوريثهم معه في كيفية توريثهم على مذاهب منها مذهب زيد بن ثابت وهو قول
أهل المدينة والشام والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم، وهو ما أشار إليه المصنف بقوله:
(والجد لأب وإن علا) بمحض الذكور (مع الإخوة) أي الأخ فأكثر لأبوين أو لأب (و) مع
(الأخوات) أي الأخت فأكثر كذلك (لأبوين أو لأب يقاسمهم كأخ منهم ما لم يكن الثلث
خيرا له) من المقاسمة (فيأخذه والباقي لهم) أي للإخوة، للذكر مثل حظ الأنثيين. فإذا
لم يكن معهم ذو فرض فله خير الامرين: المقاسمة أو ثلث المال، والمقاسمة خير له إن
نقصوا عن مثليه. وذلك في خمس صور: جد وأخ، جد وأخت، جد وأختان جد وأخ
وأخت، جد وثلاث أخوات. والثلث خير له إن زادوا على مثليه كجد وثلاث إخوة فأكثر أو
جد وخمس أخوات فأكثر. ولا حصر لصوره ويستوي له الامر ان إذا كانوا مثليه. وذلك في
ثلاث صور: جد وأخوان، جد وأخ وأختان، جد وأربع أخوات. وحيث استوى له الأمران
قسم له ما شئت منهما ذكره في شرح المنتهى (فإن كان معهم) أي الجد والإخوة (ذو فرض)
من زوج أو زوجة أو بنت أو بنت ابن أو أم أو جدة (أخذ) ذو الفرص واحدا كان أو أكثر
495

(فرضه ثم للجد الأحظ من) أمور ثلاثة وهي (المقاسمة) للإخوة (كأخ وثلث الباقي وسدس
جميع المال ولو عائلا) فالمقاسمة خير له في نحو جدة وجد وأخ. وثلث الباقي خير له في
نحو جدة وجد وثلاث إخوة. والسدس خير له في نحو أم وبنت وجد وأخوين ومتى زاد
الإخوة عن مثليه فلا حظ له في المقاسمة ومتى نقصوا عنه فلا حظ له في ثلث الباقي.
ومتى زادت الفروض عن النصف فلا حظ له في ثلث ما بقي. وإن نقصت عن النصف فلا
حظ له في السدس وإن كان الفرض النصف وحده استوى له سدس المال وثلث الباقي وإن
كان الإخوة اثنين استوى ثلث الباقي والمقاسمة. وقد تستوي له الأمور الثلاثة. وذلك إذا
كان الفرض النصف والإخوة اثنين كزوج وجد وأخوين، ويعطى له السدس إذا كان خيرا له
ولو عائلا (كزوج وبنتين وأم وجد) وأخ فأكثر (فتعطيه سهمين من خمسة عشر) وتسقط
الإخوة لاستغراق الفروض التركة (فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس فهو له) (1) أي الجد
(ويسقط الإخوة كأم وبنتين وجد وأخت) فأكثر (أو أخ) فأكثر (ف‍) - إنها تصح من ستة (للأم السدس
واحد وللبنتين الثلثان) أربعة (و) يبقى (السدس) واحد (للجد وتسقط الإخوة) ذكورا
كانوا أو إناثا لأن الجد لا ينقص أبدا عن سدس المال ولو اسما بالعول لأنه لا ينقص عن
ذلك مع الولد الذي هو أقوى فمع غيره أولى (إلا) الأخت (في الأكدرية وهي زوج وأم
وأخت وجد) (2) سميت بذلك قيل لتكديرها لأصول زيد في الجد، فإنه أعالها ولا عول
عنده في مسائل الجد والإخوة وفرض للأخت مع الجد ولم يفرض لأخت مع جد ابتداء في
غيرها وجمع سهامها وسهامه فقسمها بينهما ولا نظير لذلك. وقيل: لأن زيدا كدر على
الأخت ميراثها بإعطائها النصف واسترجاع بعضه منها. وقيل: لأن عبد الملك بن مروان
سأل عنها رجلا اسمه أكدر فأفتى فيها على مذهب زيد وأخطأ فنسبت إليه وقيل: لأن الميتة
كان اسمها أكدرة وقيل: بل كان اسم زوجها أكدر وقيل: بل كان السائل، وقيل: بل سميت
بذلك لكثرة أقوال الصحابة فيها وتكدرها (فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس
وللأخت النصف) فتعول إلى تسعة (ثم يقسم نصف الأخت وسدس الجد) وهما أربعة من
496

تسعة (بينهما) أي الجد والأخت (على ثلاثة) لأنها لا تستحق معه إلا بحكم المقاسمة،
وإنما أعالها زيد لأنه لو لم يفرض لها لسقطت وليس في الفريضة من يسقطها. فإن
قيل: هي عصبة بالجد فتسقط باستكمال الفروض. فالجواب أنه إنما يعصبها إذا كان
عصبة وليس الجد بعصبة مع هؤلاء بل يفرض له، والأربعة لا تنقسم على ثلاثة
(فاضربها) أي الثلاثة (في المسألة وعولها) وذلك تسعة (تكن سبعة وعشرين) ومنها
تصح (للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة) (1) ويعايى بها فيقال: أربعة
ورثوا مال ميت فأخذ أحدهم ثلثه والثاني ثلث ما بقي والثالث ثلث باقي الباقي والرابع
ما بقي. ونظمها بعضهم فقال:
ما فرض أربعة يوزع بينهم ميراث ميتهم بفرض واقع؟
فلو أحد ثلث الجميع وثلث ما يبقى لثانيهم بحكم جامع
ولثالث من بعدهم ثلث الذي يبقى وما يبقى نصيب الرابع
ويقال أيضا: امرأة جاءت قوما فقالت: إني حامل، فإن ولدت ذكرا فلا شئ له، وإن
ولدت أنثى فلها تسع المال وثلث تسعه، وإن ولدت ولدين فلهما السدس ويقال أيضا: إن
ولدت ذكرا فلي ثلث المال، وإن ولدت أنثى فلي تسعاه، وإن ولدت ولدين فلي سدسه (ولا
يعول من مسائل الجد مع الإخوة غيرها ولا يفرض لأخت معه) أي الجد (ابتداء إلا فيها) (2)
أي الأكدرية وخرج بقوله ابتداء مسائل المعادة فإنه يفرض لها فيها بعد المقاسمة وتأتي ثم
أخذ في بيان محترز أركانها فقال: (فإن كان مكان الأخت أخ سقط لأنه عصبة في نفسه) فلا
يمكن أن يفرض له وقد استغرقت الفروض التركة (وصحت) المسألة (من ستة) ولا عول.
للزوج ثلاثة وللأم سهمان وللجد سهم (وإن كان مع الأخت أخت أخرى) انحجبت الام إلى
السدس. وتصح من اثني عشر. للزوج ستة وللأم اثنان وللجد كذلك ولكل أخت واحد
(أو) كان مع الأخت (أخ أو أكثر) من أخت أو أخ (انحجبت الام إلى السدس) وأخذ الزوج
النصف والأم السدس والجد السدس (وبقي السدس لهما) أي الأخ والأخت على ثلاثة.
فتصح من ثمانية عشر (ولا عول) فيها (وإن لم يكن مع الأخت إلا أخ لام) أو أخت لأم (لم
497

يرث) ولد الام لحجبه بالجد إجماعا وتقدم (وانحجبت الام إلى السدس) لوجود عدد من
الإخوة (وإن لم يكن في الأكدرية زوج) بل كان فيها أم وجد وأخت (فللأم الثلث) ومخرجه
من ثلاثة فلها واحد (وما بقي) اثنان (بين الجد والأخت على ثلاثة) (1) لا تنقسم وتباين (ف‍)
- اضرب ثلاثة في ثلاثة ف‍ (- تصح من تسعة) للام ثلاثة، وللجد أربعة، وللأخت اثنان
(وتسمى) هذه المسألة (الخرقي، لكثرة اختلاف الصحابة فيها) فكأن الأقوال خرقتها
(وتسمى) أيضا (المسبعة) لأن فيها سبعة أقوال: قول زيد، وهو المذكور في المتن. وقول
الصديق وموافقيه: للأم الثلث والباقي للجد. وقول علي: للأخت النصف، وللأم الثلث،
وللجد السدس وقول عمر: للأخت النصف وللأم ثلث الباقي، وللجد ثلثاه. وقول ابن
مسعود: للأخت النصف وللأم السدس والباقي للجد. وهو في المعنى مثل الذي قبله. إلا
أنه سمي للام في هذا السدس، وفي الذي قبله ثلث الباقي. ويروى عن ابن مسعود أيضا:
للأخت النصف والباقي بين الجد والام نصفين. فتكون المسألة من أربعة، وهي إحدى
مربعات ابن مسعود. وقول عثمان: للأم الثلث وللأخت الثلث وللجد الثلث (و) وتسمى
(المسدسة) لأن الأقوال فيها ترجع في المغني إلى (2) ستة. وتقدمت الإشارة إليه (و) تسمى
(المخمسة) لاختلاف خمسة من الصحابة فيها: عثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس،
وزيد. (و) تسمى (المربعة) لما تقدم من أنها إحدى مربعات ابن مسعود (و) تسمى (المثلثة)
لقسم عثمان لها من ثلاثة (و) لذلك سميت (العثمانية) أيضا (و) تسمى أيضا (الشعبية
والحجاجية) لأن الحجاج امتحن بها الشعبي فأصاب. فعفا عنه. (وولد الأب) ذكرا كان أو
أنثى، واحدا أو أكثر (كولد الأبوين في مقاسمة الجد إذا انفردوا) عن ولد الأبوين، لاستواء
درجتهم بالنسبة إلى أبي الميت (فإن اجتمعوا) أي اجتمع ولد الأبوين وولد الأب مع الجد
(عاد ولد الأبوين الجد بولد الأب) (3) أي زاحمه به، وحسبه عليه من عداد الرؤوس، لان
الجد والد. فإذا حجبه أخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث وأخ غير وارث، كالأم،
ولان ولد الأب يرثون معه إذا انفردوا، فيعدون عليه مع غيرهم بخلاف ولد الام، فإن الجد
يحجبهم، فلا يعدون عليه. ثم المعادة إنما تكون عند الاحتياج إليها، فلو استغنى عنها،
498

كجد وأخوين. لأبوين وأخ من أب، فلا معادة، لأن للجد هنا أن لا يقاسم، ويأخذ ثلث
المال. فلا فائدة فيها (ثم) بعد عدهم أولاد الأب على الجد، وأخذ الجد نصيبه يرجعون
إلى المقاسمة على حكم ما لو لم يكن معهم جد. فإن كان أولاد الأبوين ذكرا فأكثر أو إناثا
(أخذوا) أي أولاد الأبوين (منهم) أي أولاد الأب (ما حصل لهم) (1) فجد وأخ لأبوين، وأخ
لأب. المسألة من ثلاثة: للجد واحد. ويأخذ الأخ للأبوين السهم الذي حصل لأخيه.
وكذلك جد وأختان لأبوين، ولأخ لأب يأخذ الجد ثلثا ثم الأختان الثلثين، ويسقط الأخ.
كما لو لم يكن جد واستغرقت الفروض التركة، فإن قيل: الجد يحجب ولد الام ولا يأخذ
ميراثه، والإخوة يحجبون الام، ولا يأخذون ميراثها؟ أجيب: بأن الجد وولد الام يختلف
سبب استحقاقهما للميراث. وكذلك سائر من يحجب ولا يأخذ ميراث المحجوب. وهنا
سبب استحقاق الإخوة للميراث واحد وهو الإخوة والعصوبة، فأيهما أقوى حجب الآخر وأخذ
ميراثه (إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ تمام النصف) كما لو لم يكن جد (وما
فضل) عن الأحظ للجد وعن النصف الذي فرض لها. فهو (لولد الأب) (2) واحدا كان أو
أكثر. ذكرا أو أنثى (ولا يتفق هذا) أي أن يبقى لولد الأب بقية بعد نصيب الجد ونصف
الأخت لأبوين (في مسألة فيها فرض غير السدس) لأنه لا يكون في مسائل المعادة فرض،
إلا السدس أو الربع أو النصف، لأن الثلث إنما هو للام مع عدم الولد والعدد من الإخوة
أو الأخوات، والثلثان للبنات أو بنات الابن، والثمن للزوجة مع الولد، ولا معادة في
ذلك، وإذا انتفى الثلثان والثلث، والثمن بقي النصف والربع والسدس. ومع الربع متى
كانت المقاسمة أحظ له، بقي للإخوة أقل من النصف، فهو لولد الأبوين، وإلا وجب أن
يكون الربع للجد، لأنه ثلث الباقي، ولا يجوز أن ينقص عنه فيبقى للإخوة النصف، فهو
للأخت لأبوين، لأنه فرضها، ولا يبقى لولد الأبوين شئ، وإن كان الفرض هو النصف،
فالباقي بعده، وبعد ما يأخذه الجد على كل حال دون النصف فتأخذه الأخت لأبوين ولا
يبقى لولد الأب شئ. فوجب إن كان فرض أن لا يكون غير السدس، وإن لم يكن في
مسائل المعادة فرض لم يفضل عن الأخت لأبوين مع ولد أب وجد أكثر من السدس لان
أدنى ما للجد الثلث، وللأخت النصف والباقي بعدهما هو السدس، وتارة لا يبقى شئ
(فجد وأخت لأبوين وأخت لأب) المسألة (من أربعة) عدد رؤوسهم (له) أي الجد (سهمان)
499

لأن المقاسمة إذن أحظ له (ولكل أخت سهم) لأنهما كأخ (ثم ترجع الأخت لأبوين، فتأخذ
ما في يد أختها كله) (1) لتستكمل فرضها وهو النصف. كما لو كان مع الأختين بنت
فأخذت البنت النصف وبقي النصف، فإن الأخت لأبوين تأخذه جميعه، وتسقط الأخت
لأب، وترجع المسألة المذكورة بالاختصار لاثنين: للجد سهم، وللأخت لأبوين سهم (وإن
كان معهم) أي الجد والأخت لأبوين والأخت لأب (أخ من أب ف‍) - المسألة من ستة، لان
فيها نصفا، وثلثا وما بقي (للجد الثلث) اثنان (وللأخت النصف) ثلاثة (يبقى للأخ وأختيه
السدس) واحد (على ثلاثة) لا ينقسم ويباين، فاضرب الثلاثة في الستة (تصح من ثمانية
عشر) (2) للجد ستة، وللأخت للأبوين تسعة، وللأخت لأب سهم، وللأخ لأب سهمان
وكذا جد وأخت لأبوين، وثلاث أخوات لأب تصح من ثمانية عشر. للجد ستة وللتي
لأبوين تسعة، وللباقيات لكل واحدة سهم (وإن كان معهم) أي مع الجد والأخت لأبوين،
والأخ لأب، والأخت لأب (أم: فلها السدس) لوجود العدد من الإخوة (وللجد ثلث
الباقي) لأنه أحظ له إذن (وللأخت) لأبوين (النصف) لأنه فرضها (والباقي لولدي الأب)
على ثلاثة فالمسألة من ثمانية عشر: للام ثلاثة، وللجد خمسة وللتي لأبوين تسعة، يبقى
لولدي الأب واحد لا ينقسم عليهما. فاضرب ثلاثة في ثمانية عشر (تصح من أربعة
وخمسين) (3) للام تسعة، وللجد خمسة عشر، وللتي لأبوين سبعة وعشرون، وللأخ لأب
سهمان ولأخته سهم (وتسمى مختصرة زيد) (4) بن ثابت بن الضحاك الخزرجي كاتب
الوحي رضي الله عنه وفضله أشهر من أن يذكر لأنه صححها من مائة وثمانية وردها
بالاختصار إلى ما ذكر وبيانه أن المسألة من مخرج فرض الام من ستة للام واحد يبقى
خمسة على ستة بعدد رؤوس الجد. والإخوة لا تنقسم وتباين. فتضرب عددهم ستة في
أصل المسألة ستة، يحصل ستة وثلاثون للام ستة وللجد عشرة وللتي لأبوين ثمانية عشر
سهمان لولدي الأب على ثلاثة، لا تنقسم وتباين فتضرب ثلاثة في ستة وثلاثين تبلغ مائة
وثمانية. ومنها تصح للام ثمانية عشر وللجد ثلاثون وللشقيقة أربعة وخمسون وللأخ لأب
أربعة وللأخت لأب سهمان والأنصباء تتفق بالنصب فترد المسألة إلى نصفها ونصيب كل
500

وارث إلى نصفه فترجع إلى ما ذكر أولا، ولو اعتبرت للجد فيها ثلث الباقي لصحت ابتداء
من أربعة وخمسين كما أشير إليه أولا (فإن كان معهم) أي مع الام والجد والشقيقة والأخ
والأخت لأب (أخ آخر من أب صحت) المسألة (من تسعين) لأن للأم السدس ثلاثة من
ثمانية عشر وللجد ثلث الباقي خمسة وللشقيقة النصف تسعة يفضل واحد لأولاد الأب على
خمسة فاضرب خمسة في ثمانية عشر بتسعين ثم أقسم، فللأم خمسة عشر وللجد خمسة
وعشرون وللشقيقة خمسة وأربعون لكل أخ لأب سهمان ولأختهما سهم (وتسمى تسعينية
زيد) (1) لأنه صححها من تسعين (فإن اجتمع مع الجد أختان لأبوين وأخت لأب ف‍)
- المسألة (من خمسة) عدد رؤوسهم (للجد سهمان) لأن المقاسمة خير له (وللأختين لأبوين
سهمان وهما ناقصان عن الثلثين فيستردان ما في يد الأخت للأب وهو سهم فلا تكمل
الثلثان) لهما (فيقتصر على استرداد ذلك) ولا عول لأن الجد يعصب الأخوات وإذا قسمت
الثلاثة على الشقيقتين لم تنقسم فاضرب اثنين في خمسة (وتصح من عشرة) للجد أربعة
ولكل شقيقة ثلاثة (ومن الملقبات) الفرضية: (اليتيمتان) وهما: (زوج وأخت لأبوين أو) أخت
(لأب) تشبيها بالدرة اليتيمة إذ ليس لنا مسألة يورث فيها المال كله بفرضين متساويين
غيرهما (و) من الملقبات (المباهلة) وهي (زوج وأم وأخت لأبوين أو لأب) (2) لقول ابن
عباس فيها: من شاء باهلته أن المسألة لا تعول إن الذي أحصى رمل عالج عددا أعدل من
أن يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا هذان نصفان ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ ومعنى
المباهلة الملاعنة والتباهل التلاعن وهذه أول فريضة عالت في الاسلام (و) من الملقبات
(الغراء والمروانية) وهي: (زوج وولد أم وأختان) لغيرها لأنها حدثت بعد المباهلة في زمن
مروان فاشتهر العول بها (و) من الملقبات (أم الأرامل) وهي (ثلاث زوجات وجدتان وأربع
أخوات لأم وثمان) أخوات (لأبوين أو لأب) لأنوثية جميع الورثة، وتسمى السبعة عشرية
والدينارية الصغرى. إذ كانت التركة فيها سبعة عشر دينارا (و) من الملقبات (عشرية زيد)
501

بفتح العين والشين وهي: (جد وأخت لأبوين وأخ لأب) (1) أصلها من خمسة عدد رؤوسهم
لأن المقاسمة أحظ للجد فله سهمان ثم يفرض للأخت النصف فتضرب مخرجه اثنين في
الخمسة وتصح من عشرة للجد أربعة وللأخت خمسة وللأخ لأب واحد، وعشرينية زيد:
جد وأخت لأبوين وأختان لأب أصلها خمسة، للجد سهمان وللشقيقة النصف سهمان
ونصف والنصف الباقي للأختين من الأب لكل واحدة ربع فتضرب مخرجه أربعة في
الخمسة بعشرين ومنها تصح للجد ثمانية وللشقيقة عشرة ولكل أخت لأب سهم (و) من
الملقبات (مربعة الجماعة) وهي: (زوجة وأخت) لأبوين أو لأب (وجد) لاجماعهم على أنها
من أربعة وإن اختلفوا في كيفية القسمة ومذهب زيد ومن وافقه للزوجة الربع والباقي بين
الجد والأخت أثلاثا (و) من الملقبات (الدينارية) الكبرى (والركابية) وهي (زوجة وأم وبنتان
واثني عشر أخا وأخت) لغير أم، أصلها أربعة وعشرون وجزء سهمها رؤوس الإخوة خمسة
وعشرون وتصح من ستمائة للزوجة خمسة وسبعون وللبنتين أربعمائة وللأم مائة ولك أخ
اثنان وللأخت واحد. روي أن امرأة أخذت بركاب علي وقالت له: إن أخي من أبي وأمي
مات وترك ستمائة دينار وأنا بني منه دينارا واحدا فقال: لعل أخاك خلف من الورثة كذا وكذا،
قالت: نعم قال: قد استوفيت حقك (و) من الملقبات (المأمونية) وهي: (أبوان وابنتان ماتت
بنت) منهما (قبل القسمة) امتحن بها المأمون يحيى بن أكثم حين سأله أن يوليه القضاء
(وتأتي آخر المناسخات) موضحة (و) من الملقبات (مسألة الامتحان) وهي (أربع زوجات
وخمس جدات وسبع بنات وتسعة أخوة) أصلها أربعة وعشرون وجزء سهمها ألف ومائتان
وستون. وتصح من ثلاثين ألفا ومائتين وأربعين (والمذهب لا يرث أكثر من ثلاث جدات)
كما يأتي فلا تتمشى مسألة الامتحان على قواعدنا (و) من الملقبات (مسألة الالزام) وهي
(زوج وأم وأخوان لام) وتسمى أيضا مسألة المناقصة لأن ابن عباس لا يرى حجب الام من
الثلث إلى السدس إلا مع وجود ثلاثة من الإخوة أو الأخوات ولا يرى العول ويرد النقص
مع ازدحام الفروض على من يصير عصبة في بعض الأحوال بتعصيب ذكر لهن وهن البنات
والأخوات لغير أم فألزم بهذه المسألة، لأنه إن أعطى الام الثلث لكون الإخوة أقل من ثلاثة
502

وأعطى الأخوين الثلث عالت المسألة وهو لا يرى العول وإن أعطاها سدسا فقد ناقض
مذهبه في حجبها بأقل من ثلاثة: وإن أعطاها ثلثا وأدخل النقص على ولدي الام فقد خالف
مذهبه في إدخال النقص على من لا يصير عصبة بحال (وتأتي العمريتان) ويقال لهما: الغروان
زوج وأبوان وزوجة وأبوان (و) تأتي (المشركة وهي الحمارية) زوج وأم وأخوان لام وإخوة
لهما لأبوين (1) لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبوين وولد الام في الثلث وقال:
هب أباهم حمارا فما زادهم إلا قربا وهي رواية نقلها حرب (و) تأتي (أم الفروخ)، بالخاء
المعجمة زوج وأم وإخوة لأم وأختان فأكثر (2) لغيرها سميت بذلك لكثرة عولها شبهوا
أصلها بالأم وعولها بفروخها، وليس في الفرائض مسألة تعول بثلثيها سواه (وهي
الشريحية) لحدوثها زمن القاضي شريح، وله قصة فيها مشهورة يأتي ذكرها (و) تأتي
(المنبرية) زوجة وأبوان وابنتان. سئل عنها علي وهو على المنبر يخطب فقال: صار ثمن
المرأة تسعا ومضى في خطبته (وهي البخيلة) لقلة عولها.
فصل:
(وللأم أربعة أحوال)
ثلاثة منها يختلف ميراثها بسبب اختلافها وأما الرابع فإنما يظهر تأثيره على المذهب
في عصبتها كما يأتي (ف‍) - إذا كانت (مع الولد) ذكر أو أنثى واحدا أو متعددا (أو) مع (ولد
الابن) كذلك (أو) مع (اثنين ولو محجوبين من الإخوة والأخوات كاملي الحرية) ف‍ (- لها
سدس) (3) لقوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) *
وقوله: * (فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * [النساء: 11]. وروى الحاكم وقال: صحيح
الاسناد أن ابن عباس قال لعثمان رضي الله تعالى عنهم: ليس الاخوان إخوة في لسان
503

قومك. فلم تحجب بهما الام؟ فقال: لا أستطيع أن أرد شيئا كان قبلي ومضى في البلدان
وتوارث الناس به وهذا من عثمان يدل على إجماع الناس على ذلك قبل مخالفة ابن
عباس. قال الزمخشري: لفظ الإخوة هنا يتناول الأخوين لأن المقصود الجمعية المطلقة من
غير كمية. انتهى. ولان كل حجب تعلق بعدد كان أوله اثنين كحجب البنات لبنات الابن
والأخوات من الأبوين للأخوات من الأب وشمل قوله: ولو محجوبين ما إذا حجبا بالأب أو
بالجد كالإخوة للام. وما إذا كان أحدهما وارثا والآخر محجوبا كأخ شقيق وأخ لأب (و)
للام (مع عدمهم) أي عدم الولد وولد الابن والعدد من الإخوة والأخوات (ثلث) (1) لقوله
تعالى: * (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) *
[النساء: 11]. وهذا هو الحال الثاني (و) الحال الثالث أشار إليه بقوله (في أبوين وزوج أو
زوجة وهما العمريتان) والغروان (لها ثلث الباقي بعد فرضيهما) (2) أي الزوجين، قضى
بذلك عمر فتبعه عليه عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وبه قال الجمهور. وقال ابن
عباس: لها ثلث المال كله في المسألتين لظاهر الآية والحجة معه لولا انعقاد الاجماع من
الصحابة على خلافه، ووجهه أنهما استويا في السبب المدلي به وهو الولادة وامتاز الأب
بالتعصيب بخلاف الجد. فلو أعطينا الزوج فرضه وأخذت الام الثلث لزم تفضيل أنثى على
ذكر من حيز واحد في مرتبة واحدة أو أعطينا الزوجة فرضها والام الثلث كاملا لزم أن لا
يفضل عليها التفضيل المعهود مع اتحاد الجهة والرتبة. فلذلك استدركوا هذا المحذور
وأعطوا الام ثلث الباقي والأب ثلثيه مراعاة لهذه المصلحة (و) الحال (الرابع: إذا لم يكن
لولدها أب لكونه ولد زنا أو ادعته) أي ادعت أنه ولدها (والحق بها) ولو كانت ذات زوج
دون زوجها الجاحد له. وتقدم (أو) لكونه (منفيا بلعان، فإنه ينقطع تعصيبه) أي الولد (ممن
نفاه) باللعان (ونحوه) كجحد زوج المقرة به (فلا يرثه هو) أي الباقي (ولا أحد من
عصبته) (3) لانقطاع السبب وهو النسب، وكذا الزاني وعصبته لا يرثون ولد الزنا وكذا زوج
المقرة وعصبته لا يرثون من أقرت به إن لم يصدقوها لانقطاع نسبه (ولو) كان التعصيب
(بإخوة من أب إذا ولدت توأمين) من زنا أو زوج نفاهما باللعان. فإذا مات أحدهما (فلا
يرث الأخ من الأب) الذي هو توأمه بإخوته من الأب شيئا (ولا يحجب) توأمه أحدا ممن
504

يحجبه الأخ لأب (لأنه لا نسب له) إذ ليس لواحد منهما أب ينتسب إليه (ترث أمه) منه
فرضها (و) يرث (ذو فرض منه) أي من ولد زنا ومنفي بلعان ونحوه (فرضه) كغيره، لان
كونه لا أب له لا تأثير له في منع ذي فرض من فرضه (وعصبته) أي عصبة من لا أب له
شرعا (عصبة أمه) (1) روي عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم: إلا أن
عليا يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له. ووجه قولنا قوله (ص): ألحقوا
الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر (2) متفق عليه. وقد انقطعت العصوبة من
جهة الأب فبقي أولى الرجال به أقارب أمه، فيكون ميراثه بعد أخذ ذوي الفروض فرضهم
له وفي حديث سهل بن سعد في المتلاعنين: فجرت السنة أنه يرثها وأنها ترث منه ما فرض
الله لها (3) رواه الشيخان ومفهومه أنها لا ترث أكثر من فرضها فيبقى الباقي لذوي قرابته
وهم عصبتها وعلى هذا فإن كانت أمه مولاة فما بقي لمولاها، فإن لم يكن لامه عصبة فلها
الثلث فرضا والباقي ردا في قول علي وسائر من يرى الرد (في إرث فقط. كقولنا في
الأخوات مع البنات عصبة فلا يعقلون) أي عصبة أمه (عنه ولا يثبت لهم) عليه (ولاية
التزويج) لو كان أنثى (ولا غيره) كولاية المال لأنهم ينتسبون إليه بقرابة الام وهي ضعيفة،
ولا يلزم من التعصيب في الميراث التعصيب في غيره كما في الأخوات مع البنات وتقدمت الإشارة
إليه. واختار أبو بكر عبد العزيز أن عصبته نفس أمه فإن لم تكن فعصبته عصبتها وهو قول
ابن مسعود وروي نحوه عن علي ومذهب زيد بن ثابت أنها ليست بعصبة ولا عصبتها
عصبة له وهو مقتضى القياس وظاهر القرآن ولعل الامام لم يقل به لمخالفة من تقدم من
الصحابة له فلولا أن معهم توقيفا في ذلك لما صاروا إليه لأنه ليس مما يقال بالرأي فيكون
معهم زيادة علم في ذلك لم يعلمها غيرهم فيكون قولهم أرجح لذلك. قال ابن نصر الله في
الحاشية له على المغني ولو أر من نبه على ذلك وهو أصل كبير ينبغي النظر فيه وهو أن
الصحابة إذا اختلفوا على قولين وكان أحدهما موافقا للقياس والآخر مخالفا له وليس مما
يقال بالرأي: يؤخذ بالقول المخالف للقياس أي لأن الظن منهم صدوره عن توقيف بهم
505

ومحل كون عصبة الام عصبة له (إن لم يكن له) أي لولد الزنا والمنفي بلعان ونحوه (ابن
ولا ابن ابن وإن نزل) بمحض الذكور (ويكون الميراث) أي الباقي بعد الفروض إن كانت
(لأقربهم) أي العصبة (منها) أي الام (فإن خلف) ولد الزنا والمنفي بلعان ونحوه (أمه وأباها
وأخاها فلها الثلث) إجماعا (والباقي لأبيها) على المذهب لأنه أقرب عصبتها (وإن كان مكان
الأب جد) فالمسألة أم وجدها وأخوها (ف‍) - للأم الثلث و (الباقي بين أخيها وجدها نصفين)
لاستوائهما في القرب منها وتصح من ثلاثة (وإن خلف) ولد الزنا ونحوه (أما وخالا) لغير أم
(فلها الثلث والباقي للخال) (1) لأنه عصبة أمه (وإن كان معهما) أي الام والخال (أخ لام ف‍)
- للأم الثلث و (له) أي الأخ لام (السدس فرضا والباقي تعصيبا ويسقط الخال) (2) لأن الابن
أقرب من الأخ (ويرث أخوه) أي المنفي بلعان وولد ونحوه (لامه مع بنته بالعصوبة فقط)
فإذا مات عن بنت وأخ لام فلبنته النصف والباقي لأخيه لامه عصوبة ولا شئ له بالفرض
لسقوطه بالبنت و (لا) ترث (أخته لامه) مع بنته شيئا لأنها محجوبة بالبنت عن الفرض ولا
عصوبة لها (فإذا خلف) ولد زنا ونحوه (بنتا وأخا) لام (وأختا لام فلبنته النصف) فرضا
(والباقي للأخ) تعصيبا لأنه أقرب عصبة أمه (وبدون البنت لهما الثلث فرضا والباقي للأخ)
عصوبة ومن هنا تعلم أن المراد بعصبة الام العصبة بنفسه فقط (وإذا قسم ميراث ابن
الملاعنة ثم أكذب الملاعن نفسه لحقه الولد) وإن لم يكن له ولد ولا قوم لأنه أقر بحق عليه
ولا نظر للتهمة (ونقضت القسمة) كما لو اقتسموا في غيبة بعضهم (وإذا مات ابن ابن ملاعنة
وخلف أمه وجدته أم أبيه وهي الملاعنة) ولا عصبة (فالكل لامه فرضا وردا) لأن الجدة لا
ترث مع الام (وينقطع التوارث بين الزوجين إذا تم اللعان) لانقطاع النكاح الذي هو سببه
(وإن مات أحدهما قبل إتمامه) أي اللعان (ورثه الآخر) لبقاء النكاح إلى الموت وعدم
المانع.
506

فصل:
في إرث الجدة
(ولجدة فأكثر) إلى ثلاث (إذا تحاذين) أي تساوين في الدرجة (السدس) إجماعا ذكره
في المغني (1) لحديث عبادة بن الصامت أن النبي (ص) قضى للجدتين في الميراث بالسدس
بينهما رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (و) الجدة (القربى ولو) كانت (من جهة
الأب تحجب) الجدة (البعدى) لأنها جدة قربى فتحجب البعدى كالتي من قبل الام، ولان
الجدات أمهات يرثن ميراثا واحدا من جهة واحدة فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن كالآباء
والأبناء والإخوة والبنات وقال مالك والشافعي في الصحيح عنه: لا تحجب القربى من جهة
الأب البعدى من الام لقوتها (ولا يرث أكثر من ثلاث جدات) وهن (أم الام وأم الأب وأم
الجد) أبي الأب فقط (ومن كان من أمهاتهن وإن علون أمومة). روى ذلك عن علي وزيد
وابن مسعود لما روى سعيد في سننه عن إبراهيم النخعي أن النبي (ص) ورث ثلاث جدات
ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الام (2) وأخرجه أبو عبيد والدارقطني. وروى سعيد
أيضا عن إبراهيم أنهم كانوا يورثون من الجدات ثلاثا (3) ثنتين من قبل الأب وواحدة من
قبل الام، وهذا يدل على التحديد بثلاث وإنه لا يورث من فوقها (والجدات المتحاذيات أم
أم أم وأم أم أب وأم أبي أب) وكذا أم أم أم أم أم وأم أم أم أب وأم أم أبي أب (4). وإن أردت
تنزيل الجدات الوارثات وغيرهن فاعلم أن للميت في الدرجة الأولى جدتين أم أمه وأم أبيه.
وفي الثانية أربعا. لأن لكل واحد من أبويه جدتين، فهما أربع بالنسبة إليه. وفي الثالثة ثمان
لأن لكل واحد من الأبوين أربعا على هذا الوجه فيكون لولدهما ثمان. وعلى هذا كلما
علت درجة يضاعف عددهن ولا يرث منهن إلا ثلاث (وترث الجدة) أم الأب (و) ترث (أم
507

الجد وابنهما حي سواء كان أبا أو جدا) فلا يحجب الأب أم نفسه ولا أم أبيه وكذلك الجد
لا يحجب أمه (كما لو كان عما) روي عن ابن عمر وابن مسعود وأبي موسى وعمران بن
حصين وأبي الطفيل رضي الله تعالى عنهم لما روى ابن مسعود أول جدة أطعمها رسول
الله (ص) السدس أم أب مع أبيها وابنها حي (1) أخرجه الترمذي ورواه سعيد بن منصور إلا
أن لفظه أول جدة أطعمت السدس أم أب مع ابنها وقال ابن سيرين: أول جدة أطعمها
رسول الله (ص) السدس أم أب مع ابنها (2) ولان الجدات أمهات يرثن ميراث الام لا ميراث
الأب، فلا يحجبن به كأمهات الام (وإن اجتمعت جدة ذات قرابتين مع) جدة (أخرى) ذات
قرابة واحدة (فلها) أي ذات القرابتين (ثلثا السدس) ولذات القرابة ثلثه (3) لأنها شخص ذو
قرابتين يرث بكل واحدة منهما منفردة لا يرجح بهما على غيره. فوجب أن ترث بكل
واحدة منهما كابن العم إذا كان أخا لام أو زوجا وفارقت الأخ لأبوين لأنه رجح بقرابته على
الأخ الأب ولا يجمع بين الترجيح بالقرابة الزائدة والتوريث بها فإذا وجد أحدهما انتفى
الآخر ولا ينبغي أن يخل بهما جميعا وههنا قد اتفق الترجيح فيثبت التوريث وقال الشافعي
وأبو يوسف: السدس بينهما نصفين وهو قياس قول مالك (فلو تزوج بنت عمته) فأتت بولد
(فجدته أم أم أم ولدهما وأم أبي أبيه) فترث معها أم أم أبيه ثلث السدس (أو) تزوج (بنت
خالته) فولدت ولدا (فجدته أم أم أم وأم أم أب) فترث معها أم أم أبيه ثلث السدس (وقد
تدلي جدة بثلاث جهات ترث بها) كما لو تزوج هذا الولد بنت خالة له فأتت بولد منه
فالجدة المذكورة بالنسبة إليه أم أم أم أم وأم أم أم أب وأم أم أبي أب (ف‍) - هذه الجدة في
هذه الصورة (ينحصر السدس فيها) لأنا لا نورث أكثر من ثلاث جدات (وأما أم أبي الام
وأم أبي الجد فلا يرثان بأنفسهما فرضا من ذوي الأرحام) بل يرثان بالتنزيل عند توريث ذوي
الأرحام. وكذا كل جدة أدلت بذكر بين أنثيين اتفاقا أو أدلت بجد أعلى، لأن القرابة كلما
بعدت ضعفت والجدودة جهة ضعيفة (وتقدم لو ادعى اللقيط رجلان فألحقته القافة بهما فهما
508

أبواه) أي وطئ اثنان امرأة بشبهة فألحق ولدها بهما فهما أبواه (لأبيهما إذا مات) الملحق
بهما (مع أم أم نصف السدس ولها) أي أم الام (نصفه) وكذا لو ألحق بأكثر من أب لأمهات
الآباء نصف السدس بينهن سوية ولام الام نصفه.
فصل:
في إرث البنات وبنات الابن والأخوات
(وللبنت الواحدة النصف) بلا خلاف لقوله تعالى: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) *
[النساء: 11]. (ولا بنتين فصاعدا الثلثان) (1) لقوله تعالى: * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن
ثلثا ما ترك) * [النساء: 11]. ولأنه (ص) أمر بإعطاء ابنتي سعد الثلثين (2) رواه أبو داود
وصححه الترمذي والحاكم. وقياسا على الأختين. وشذ عن ابن عباس أن البنتين فرضهما
النصف لظاهر الآية، لكن قال الشريف الأرموي: صح عن ابن عباس رجوعه عن ذلك
وصار إجماعا (وبنات الابن إذا لم تكن بنات) أي لا واحدة ولا أكثر (بمنزلتهن) فلبنت ابن
نصف ولبنتي ابن فأكثر الثلثان قياسا على بنات الصلب أو لدخول أولاد الابن في الأولاد
على ما تقدم في الوقف (فإن كانت بنت) واحدة (وبنت ابن فأكثر فللبنت النصف. ولبنت
الابن فصاعدا السدس تكملة الثلثين) (3) إجماعا، لما روى هذيل بن شرحبيل قال سئل أبو
موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت. فقال: للابنة النصف وما بقي فللأخت. فأتى ابن مسعود
وأخبره بقول أبي موسى فقال: قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى به
رسول الله (ص) للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين. وما بقي فللأخت فأتينا
أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود. فقال: لا تسألوني ما دام هذا الخبر فيكم (4) رواه
509

البخاري. ولأنه قد اجتمع من بناته أكثر من واحدة لأن بنات الصلب وبنات الابن كلهن
نساء من الأولاد، فكان لهن الثلثان واختصت بنت الصلب بالنصف لأنها أقرب فبقي تمام
الثلثين (إلا أن يكون مع بنات الابن) الواحدة فأكثر (ابن) فأكثر (في درجتهن كأخيهن أو ابن
عمهن فيعصبهن فيما بقي) بعد فرض البنت (للذكر مثل حظ الأنثيين) لدخولهم في قوله
تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * [النساء: 11]. ولا يعصبهن
من هو أنزل منهن متى كان لهن شئ من الثلثين لعدم احتياجهن إليه خلافا لما في شرح
المنتهى (وإن استكمل البنات الثلثين) بأن كن ثنتين فأكثر (سقط بنات الابن) لمفهوم قول ابن
مسعود فيما سبق السدس تكملة الثلثين وكذا بنت ابن ابن نازلة فأكثر مع بنتي ابن أعلى
منها تسقط (إلا أن يكون معهن في درجتهن ذكر ولو) كان (غير أخيهن أو) كان الذكر
(انزل منهن فيعصبهن فيما بقي) (1) لأنه إذا عصب من في درجته فمن هي أعلى منه عند
احتياجها إليه أولى (وبنت الابن مع بنات ابن الابن كالبنت مع بنات الابن) (2) فللعليا النصف
وللآتي يلينها السدس تكملة الثلثين. وإذا استوفى العاليات الثلثين سقط من دونهن إن لم
يعصبها ذكر بإزائها أو أنزل منها (ويمكن عول المسألة بسدس بنت الابن كزوج وأبوين
وبنت وبنت ابن. اجعلها من اثني عشر) لأن فيها ربعا وسدسا وما عداهما مماثل أو داخل
فيهما (وتعول إلى خمسة عشر) للزوج ثلاثة ولكل من الأبوين اثنان وللبنت ستة ولبنت الابن
اثنان (فلو عصبها أخوها والحالة هذه فهو الأخ المشؤوم لأنه) أ (ضر) أخته (نفسها وما انتفع)
لأنهما ساقطان لاستغراق الفروض التركة (وكذا أخت لأب) فأكثر لها السدس تكملة الثلثين
(مع الأخت) الواحدة (لأبوين) قياسا على بنت الابن مع بنت الصلب (وكذا في بنات ابن
الابن) واحدة كانت أو أكثر لها السدس (مع بنت الابن) الواحدة وكذا كل نازلة مع أعلى
منها من بنات الابن وإن نزل أبوهن (وفرض الأخوات من الأبوين) كفرض البنات (3) عند
510

عدمهن وعدم بنات الابن للواحدة النصف وللثنتين فأكثر الثلثان إجماعا. لقوله تعالى: * (إن
أمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) * [النساء: 176]. - الآية (أو) أي وفرض
الأخوات (من الأب عند عدمهن) أي عدم البنات وبنات الابن والشقيقات مثل فرض
البنات) للواحدة النصف وللثنتين فأكثر الثلثان للآية السابقة، أجمعوا على أنها نزلت في
الإخوة لغير أم (والأخوات من الأب معهن) أي الشقيقات (كبنات الابن مع البنات سواء)
ففي شقيقة وأخت لأب فأكثر للشقيقة النصف وللتي لأب فأكثر السدس تكملة الثلثين كما
تقدم. فإن كان الشقيقات ثنتين فأكثر سقطت الأخوات لأب ما لم يعصبهن (إلا أنه لا
يعصبهن إلا أخوهن) (1) دون ابنه لأنه لا يعصب من في درجته من بنات الأخ فمن هي أعلى
منه أولى (وأخت فأكثر لأبوين أو لأب مع بنت فأكثر أو بنت ابن فأكثر عصبة يرثن ما فضل)
عن ذوي الفروض (كالإخوة) لحديث ابن مسعود السابق في بنت وبنت ابن وأخت حيث
قال وللأخت ما بقي (فبنت وبنت ابن وأخت) لأبوين أو لأب من ستة (للبنت النصف
ولبنت الابن السدس) تكملة الثلثين (والباقي للأخت) لما تقدم (ولو كان ابنتان وبنت ابن
وأخت) لغير أم (ف‍) - المسألة من ثلاثة (للبنتين الثلثان والباقي للأخت) عصوبة (ولا شئ
لبنت الابن) لاستغراق البنتين الثلثين (فإن كان معهن) أي مع البنتين وبنت الابن والأخت
(أم فلها السدس) وللبنتين الثلثان (ويبقى للأخت سدس) تأخذه عصوبة (فإن كان بدل الام
زوج فالمسألة من اثني عشر، للزوج الربع وللبنتين الثلثان وبقي للأخت نصف السدس)
تأخذه تعصيبا (وإن كان معهم) أي الزوج والبنتين والأخت (أم عالت) المسألة (إلى ثلاثة
عشر) للزوج ثلاثة وللبنتين ثمانية وللأم سهمان (وسقطت الأخت) لاستغراق الفروض التركة
511

(وسواء كانت الأخت في هذه المسائل لأبوين أو لأب فإن اجتمع مع) البنت فأكثر أو مع
بنت الابن فأكثر و (الأخت لأبوين: ولد أب فالباقي عن البنتين أو البنات) أو بنت الابن أو
بنات الابن عن البنت وبنت الابن كما تقدم (للأخت لأبوين) لأنها عصبة مدلية بقرابتين
كالأخ الشقيق (وسقط) بها (ولد الأب أختا كانت أو أخا أو إخوة أو أخوات وأخوة) لما
تقدم (وللأخ الواحد لام السدس ذكرا كان أو أنثى فإن كان اثنين) ذكرين أو أنثيين أو خنثيين
أو مختلفين (فصاعدا فلهم الثلث بينهم بالسوية) (1) إجماعا لقوله تعالى: * (وإن كان رجل
يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس. فإن كانوا أكثر من ذلك
فهم شركاء في الثلث) * [النساء: 12]. أجمعوا على أنها في الإخوة للأم وقرأ ابن مسعود
وسعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت من أم والكلالة الورثة غير الأبوين والولدين نص
عليه (2). وهو قول الصديق. وقيل: الميت الذي لا ولد له ولا والد: وروي عن عمر وعلي
وابن مسعود وقيل: قرابة الام.
فصل:
في الحجب وهو المنع من الإرث بالكلية أو من أوفر الحظين
مأخوذ من الحجاب ومنه حاجب السلطان لأنه يمنع من أراد الدخول إليه وحاجب
العين لأنه يمنع ما ينحدر إليها. وهو ضربان حجب نقصان كحجب الزوج من النصف إلى
الربع بالولد والزوجة من الربع إلى الثمن به، وبنت الابن عن النصف إلى السدس وبنت
الصلب ونحوه مما تقدم: وحجب حرمان وهو المراد هنا. و (حجب النقصان، يدخل على
كل الورثة) كالأم عن الثلث إلى السدس بالولد، والأب عن المال إلى السدس بالابن،
والزوجين على ما تقدم والبنت عن النصف إلى المقاسمة بالابن، والابن عن الاستقلال إلى
المشاركة بمن في درجته من الأولاد. وهكذا تفعل في كل واحد من الورثة بما يناسبه
(وحجب الحرمان) تارة يكون بالوصف كالرق والكفر فيمكن دخوله على جميع الورثة وتارة
512

يكون بالشخص ف‍ (- لا يدخل على خمسة) من الورثة (الزوجين والأبوين والولد)
وضابطهم: من أدلى إلى الميت بنفسه غير المولى (ويسقط الجد بالأب) إجماعا (1) لأنه
يدلى به (و) يسقط (كل جد) أعلى (بمن هو أقرب منه) لادلائه به (و) تسقط (الجدات من
كل جهة) أي من جهة الأب أو الام (بالأم) لأن الجدات يرثن بالولادة فكانت الام أولى
منهن لمباشرتها الولادة (و) يسقط (ولد الابن) ذكرا كان أو أنثى (بالابن) لقربه وكذا كل ولد
ابن ابن نازل بابن ابن أعلى منه (و) يسقط (الأخ) لأبوين (و) تسقط (الأخت لأبوين) بثلاثة
(بالابن وابنه) وإن نزل (والأب) حكاه ابن المنذر إجماعا (ويسقط الأخ للأب) والأخت
للأب (بهؤلاء الثلاثة) الابن وابنه والأب (وبالأخ الشقيق) (2) وبالشقيقة إذا صارت عصبة مع
البنت أو بنت الابن وتقدم (وتسقط الإخوة لام) ذكورا كانوا أو إناثا (بالولد ذكرا كان أو أنثى
وبولد الابن ذكرا كان أو أنثى وبالأب و) ب‍ (- الجد لأب) (3) وإن علا (ويسقط الأخ)
وشقيقا كان أو لأب (بالجد) وإن علا (ومن لا يرث لمانع فيه من رق أو قتل أو اختلاف دين
لم يحجب) أحدا لا حرمانا بل ولا نقصانا ووجوده كعدمه (وكذا لو كان ولد زنا) أو منفيا
بلعان لا يحجب زوجة الزاني والملاعن عن الربع إلى الثمن. لأن نسبه غير لاحق به فلا أثر
له. ويحجب زوج الزانية والملاعنة عن النصف إلى الربع لأنه ولدها، وكذا يحجب مع أخ
له آخر أمه من الثلث إلى السدس فكلام المصنف ليس على إطلاقه بدليل السوابق.
باب العصبات
جمع عصبة وهم جمع عاصب من العصب. وهو الشد ومنه عصابة الرأس لأنه
يعصب بها أي يشد. والعصب لأنه يشد الأعضاء. وعصابة القوم لاشتداد بعضهم ببعض.
وهذا يوم عصيب أي شديد فسميت القرابة عصبة لشدة الأزر (العصبة من يرث بغير
513

تقدير) (1) لأنه متى لم يكن معه ذو فرض أخذ المال كله. وإن كان معه ذو فرض أخذ
الباقي واختص التعصيب بالذكور غالبا لأنهم أهل الشدة والنصرة ولما اختلفت أحوالهم في
الشدة بالقرب والبعد كان الأقرب أولى ومتى أطلق العاصب فالمراد العاصب بنفسه. وله
ثلاثة أحكام و (إن انفرد أخذ المال كله) تعصيبا لقوله تعالى: * (وهو يرثها إن لم يكن لها
ولد) * [النساء: 76]. وغير الأخ كالأخ (وإن كان معه) أي العاصب (ذو فرض) واحد أو
أكثر (أخذ) العاصب (ما فضل عنه) لحديث ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل
ذكر (2) (وإن استوعبت الفروض المال سقط) العاصب لمفهوم الحديث المذكور (وهم) أي
العصبة بالنفس (كل ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى) غير الزوج فخرج الأخ للام لأنه يدلي
بأنثى (وهم) أي العصبة المذكورة (الابن وابنه) وإن نزل (والأب وأبوه) وإن علا (والأخ)
شقيقا كان أو لأب (وابنه) كذلك (إلا من الام) فإن الأخ للام من ذوي الفروض وابنه من
ذوي الأرحام (والعم) كذلك (وابنه كذلك) أي إلا من الام (ومولى النعمة) (3) وهو المعتق
ذكرا كان أو أنثى وعصبته المتعصبون بأنفسهم (وأحقهم) أي العصبة (بالميراث أقربهم) إلى
الميت وهو المراد بقوله (ص) فلأولى رجل ذكر وقوله ذكر بعد رجل للإشارة إلى أن
المراد به ما قابل الأنثى بالغا عاقلا كان أو لا (ويسقط به) أي الأقرب (من بعد) من
العصبات. وجهات العصوبة ستة بنوة ثم أبوة ثم جدودة وأخوة ثم بنو الإخوة ثم العمومة
ثم الولاء. وإذا اجتمع عاصبان فلو كانت الإخوة للزوجة، وهم بنو ابنه سبعة ورثوه أي
المال سواء لها فأكثر قدم الأقرب جهة، فإن استووا فيها فالأقرب درجة. فإن استووا فيها
فمن لأبوين على من لأب. وهذا معنى قوله (وأقربهم الابن ثم ابنه وإن أنزل) فلا يرث أب
ولا جد مع فرع ذكر وارث بالعصوبة بل السدس فرضا. وتقدم لقوله تعالى: * (ولأبويه لكل
واحد منهما السدس) * [النساء: 11]. - الآية ولأنه جزؤه وجزء الشئ أقرب إليه من أصله (ثم
الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا فهو أولى من الإخوة لأبوين أو لأب في الجملة) لأنه أب
514

وله إيلاد، ولذلك يأخذ السدس مع الابن، وإذا بقي السدس فقط أخذه وسقطت الإخوة،
وإذا بقي دون السدس أو لم يبق شئ أعيل له بالسدس، وسقطت الإخوة كما تقدم (فإن
اجتمعوا معه، فقد تقدم حكمهم) أي حكم الجد والإخوة مجتمعين (ثم الأخ من الأبوين)
لترجحه بقرابة الام (ثم) الأخ (من الأب ثم ابن أخ من الأبوين ثم) ابن أخ (من الأب) لان
ابن كل أخ يدلي بأبيه (ثم أبناؤهم) (1). أي أبناء بني الإخوة (وإن نزلوا) يقدم الأقرب
فالأقرب مع الاستواء، وإلا فمن يدلي بالأخ لأبوين على من يدلي بالأخ لأب (ثم الأعمام
ثم أبناؤهم كذلك) يقدم العم الشقيق ثم العم للأب، ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب
وإن نزلوا (ثم أعمام الأب، ثم أبناؤهم كذلك) يقدم من لأبوين على من لأب (ثم أعمام
الجد ثم أبناؤهم كذلك) (2) يقدم من لأبوين على من لأب، ثم أعمام أبي الجد ثم أبناؤهم
كذلك (أبدا لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منهم، وإن نزلت درجتهم) لما روى ابن
عباس أن النبي (ص) قال: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر (3) متفق عليه.
وأولى هنا بمعنى أقرب لا بمعنى أحق. لما يلزم عليه من الابهام والجهالة. فإنه لا
يدري من هو الأحق (فمن تزوج امرأة، و) تزوج (أبوه ابنتها) وولد لكل منهما ابن (فولد
الأب عم) لابن الابن لأنه أخو أبيه لأبيه (وولد الابن خال) لابن الأب، لأنه أخو أمه لامها.
فإن مات ابن الأب وخلف خاله هذا (ف‍) - إنه (يرثه) مع عم له (خاله هذا دون عمه) لان
خاله هذا ابن أخيه وابن الأخ يحجب العم (ولو خلف الأب) في هذه الصورة (أخاله وابن
ابنه هذا وهو أخو زوجته ورثه) ابن ابنه (دون أخيه) لأنه محجوب بابن الابن (و) يعايى
بها. ف‍ (- يقال فيها: زوجة ورثت ثمن التركة وأخوها الباقي) (4)، مثل ما لكل واحد منهم
515

(ف‍) - يعايى بها (وكانت الإخوة سبعة ورثوه سواء، ولو كان الأب نكح الام) وابنة ابنتها (فولده) أي الأب (عم ولد ابنه وخاله)
فيعايى بها (ولو تزوج رجلان كل منهما أم الآخر) وولد لكل منهما ابن (فولد كل منهما عم
الآخر) (1) وهما القائلتان مرحبا بابنينا وزوجينا، ولو تزوج كل واحد منهما بنت الآخر،
فولد كل منهما خال ولد الآخر. ولو تزوج زيد أم عمرو، وعمرو بنت زيد فابن زيد عم
ابن عمرو وخاله، ولو تزوج كل منهما أخت الآخر فولد كل منهما ابن خال ولد الآخر
(وأولى ولد كل أب أقربهم إليه) فإذا خلف ابن عم وابن ابن عم فالأول أولى بالميراث لأنه
أقرب إلى الجد الذي يجتمعان إليه (فإن استووا) في الدرجة (فأولادهم من كان لأبوين) (2)
فأخ شقيق أولى من أخ لأب، وابن أخ شقيق أولى من ابن أخ لأب، وعم شقيق أولى من
عم لأب، وابن عم شقيق أولى من ابن عم لأب، والأخ من الام ليس من العصبات فلا
يتناوله كلامه. ويأخذ فرضه مع الشقيق، وأخت شقيقة مع بنت أو بنت ابن كأخ شقيق.
فتسقط الإخوة لأب، وبني الإخوة أشقاء أو لأب، وكذا الأخت لأب يسقط بها مع البنت
بنو الإخوة كذلك. إذا العصوبة جعلتها في معنى الأخ (فإن عدم العصبة من النسب ورث
المولى المعتق، ولو) كان (أنثى) لقوله (ص) الولاء لمن أعتق (3) متفق عليه. ولقوله (ص)
الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب (4) رواه الخلال، والنسب يورث به. فكذا
الولاء. وروى سعيد بسنده عن عبد الله بن شداد قال: كان لبنت حمزة مولى أعتقته
فمات، وترك ابنته ومولاته فأعطى النبي (ص) بنته النصف، وأعطى مولاته بنت حمزة
النصف (5) وروى أيضا عن الحسن قال: قال رسول الله (ص) الميراث للعصبة، فإن لم يكن
عصبة فللمولى (6) (ثم عصباته) أي المعتق إن لم يكن موجودا (من بعده، الأقرب فالأقرب
كنسب) لما روى أحمد عن زياد بن أبي مريم أن امرأة أعتقت عبدا لها، ثم توفيت وتركت
ابنا لها وأخاها، ثم توفي مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله (ص) في
ميراثه. فقال (ص): ميراثه لابن المرأة. فقال أخوها: يا رسول الله لو جر جريرة كانت علي
516

ويكون ميراثه لهذا؟ قال: نعم (1) ولأنه صار بين العتيق ومعتقه مضايفة النسب، فورثه
عصبة المعتق لأنهم يدلون به (ثم مولاه) أي مولى المولى (كذلك) أي يقدم مولى المولى،
ثم عصبته الأقرب فالأقرب، ثم مولى مولى المولى، ثم عصبته الأقرب فالأقرب، وهكذا
(ثم) إن عدم ذو الولاء وإن بعد (الرد) على ذوي الفروض غير الزوجين. كما يأتي. لقوله
تعالى: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) *. [الأنفال: 75]. فإن لم يرد الباقي على ذوي
الفروض لم تتحقق الأولوية فيه، لأنا نجعل غيرهم أولى به منهم. ثم الفروض، إنما قدرت
للورثة حالة الاجتماع لئلا يزدحموا. فيأخذ القوي ويحرم الضعيف. ولذلك فرض للإناث.
وفرض للأب مع الولد دون غيره من الذكور. لأن الأب أضعف من الولد أقوى من بقية
الورثة. فاختص في موضع الضعف بالفرض وفي موضع القوة بالتعصيب (ثم) إذا عدم ذوو
الفروض (ذوو الأرحام) (2) للآية المذكورة، ولان سبب الإرث القرابة، بدليل أن الوارث من
ذوي الفروض والعصبات إنما ورثوا لمشاركتهم الميت في نسبه. وهذا موجود في ذوي
الأرحام، فيرثون كغيرهم (ولا يرث المولى من أسفل) وهو العتيق من حيث كونه عتيقا من
معتقه. لحديث: إنما الولاء لمن أعتق (3) (وأربعة من الذكور يعصبون أخواتهم، ويمنعونهن
الفرض، ويقتسمون ما ورثوا: للذكر مثل حظ الأنثيين، وهم الابن) (4) فأكثر يعصب
البنت فأكثر. لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * [النساء:
11]. (و) الثاني (ابنه وإن نزل) فيعصب بنت الابن فأكثر أخته كانت أو بنت عمة للآية
المذكورة (و) الثالث (الأخ من الأبوين) فأكثر يعصب الأخت لأبوين فأكثر (و) الرابع (الأخ
من الأب) يعصب أخته لقوله تعالى: * (وإن كانوا إخوة رجالا ونساء، فللذكر مثل حظ
الأنثيين) * [النساء: 176]. والجد يعصب الأخت فأكثر كما تقدم. ويعصب ابن الابن بنت
عمه أيضا كما يعصب أخته (فيمنعها الفرض، لأنها في درجته) سواء كان لها شئ في
الثلثين أو لا وتقدم (وابن ابن الابن يعصب من بإزائه من أخواته وبنات عمه) مطلقا (و)
517

يعصب (من) هي (أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه إذا لم يكن لهن فرض) من نصف أو
ثلثين أو سدس أو مشاركة فيهما (ولا يعصب من) هي (أنزل منه) بل يحجبها. وتقدم
(وكلما نزلت درجته زاد في تعصيبه قبيل آخر) (1) من بنات الابن والعم وابنه وابن الأخ وابن
المعتق وأخوه وعمه ونحوهم. ينفرد بالميراث دون أخواته، لأن أخوات هؤلاء من ذوي
الأرحام. والعصبة تقدم على ذي الرحم والولاء إنما يرث به العصبة بالنفس (ومتى كان
بعض بني الأعمام زوجا) للميتة، وانفرد أخذ المال كله فرضا وتعصيبا (أو) كان بعض بني
الأعمام (أخا من أم) للميت وانفرد (أخذ المال كله فرضا وتعصيبا. فإن كان معه عصبة غيره
أخذ) الذي هو زوج أو أخ لام (فرضه) لوجود مقتضيه (وشارك الباقين في تعصيبهم) (2)
لوجود المقتضى وعدم المانع. ويفارق الأخ من الأبوين والعم وابن العم إذا كانا من أبوين.
فإنه لا يفرض له بقرابة أمه شئ، فرجح بها. ولا يجتمع في إحدى القرابتين ترجيح
وفرض. ولو ماتت امرأة عن بنت وزوج هو ابن عم، فتركتها بينهم بالسوية. وإن تركت
معه بنتين فالمال بينهم أثلاثا، وثلاثة إخوة لأبوين أصغرهم زوج لبنت عمهم الموروثة له
ثلثان ولهما ثلث. وقد نظمها بعضهم فقال:
ثلاثة إخوة لأب وأم وكلهم إلى خير فقير
فحاز الأكبر ان هناك ثلثا وباقي المال أحرزه الصغير
(وإذا كان زوج وأم) أو جدة (وإخوة لأم) اثنان فأكثر (وإخوة لأبوين أو لأب) ذكر
فأكثر أو ذكور وإناث (ف‍) - المسألة من ستة (للزوج النصف) ثلاثة (وللأم) أو الجدة
(السدس) واحد (وللإخوة من الام الثلث) اثنان (وسقط سائرهم) أي باقيهم لاستغراق
الفروض التركة (وتسمى) هذه المسألة (المشركة والحمارية إذا كان فيها إخوة لأبوين) (3).
ذكر فأكثر، منفردا أو مع إناث، لأنه يروى عن عمر أنه أسقط ولد الأبوين. فقال بعضهم:
يا أمير المؤمنين، هب أن أبانا كان حمارا، أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم ويقال: إن
بعض الصحابة قال ذلك. وسقوط الأشقاء إذن. روي عن علي وابن مسعود وأبي بن كعب
518

وابن عباس وأبي موسى رضي الله عنهم. وبه قال أبو حنيفة عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت
أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الام في الثلث، فقسموه بينهم بالسوية، للذكر مثل حظ
الأنثى. وبه قال مالك والشافعي (وإن كان مكانهم) أي مكان الإخوة لأبوين أو لأب
(أخوات لأبوين أو لأب) ثنتان فأكثر مع الزوج والام أو الجدة والإخوة للام (عالت) المسألة
(إلى عشرة) للزوج النصف ثلاثة وللأم أو الجدة السدس واحدة، وللإخوة لام الثلث اثنان،
وللأخوات لأبوين أو أب الثلثان أربعة (و) تسمى هذه المسألة (أم الفروخ) (1) بالخاء المعجمة
لكثرة عولها وتقدم (وتسمى) أيضا (الشريحية) لحدوثها زمن القاضي شريح روى: أن رجلا
أتاه وهو قاض بالبصرة، فقال: ما نصيب الزوج من زوجته؟ قال: النصف مع غير الولد،
والربع معه. فقال: امرأتي ماتت وخلفتني وأمها وأختيها لامها وأختيها لأبيها وأمها. فقال:
لك إذن ثلاثة من عشرة. فخرج من عنده وهو يقول: لم أر كقاضيكم هذا لم يعطني نصفا
ولا ثلثا. فكان شريح يقول له إذا لقيه: إذا رأيتني ذكرت حاكما جائرا. وإذا رأيتك ذكرت
رجلا فاجرا. إنك تكتم القضية وتشيع الفاحشة.
باب أصول المسائل والعول والرد
أصل المسألة: هو مخرج فرضها وفروضها. العول: مصدر عال الشئ إذا زاد أو
غلب. قال في القاموس: والفريضة عالت في الحساب زادت وارتفعت، وعلتها أنا وأعلتها
(تخرج الفروض من سبعة أصول) (2) لأن الفروض القرآنية ستة كما تقدم، ومخارجها مفردة
خمسة. لأن الثلث والثلثين مخرجهما واحد. فالنصف من اثنين، والثلث والثلثان من
ثلاثة، والربع من أربعة، والسدس من ستة، والثمن من ثمانية، والربع مع الثلث أو الثلثين
أو السدس من اثني عشر، والثمن مع السدس أو الثلثين أو معهما من أربعة وعشرين.
فصارت سبعة. وإذا نظرت لثلث الباقي الثابت بالاجتهاد زدت على هذه السبعة أصلين في
باب الجد والإخوة كما هو معلوم في كتب الفرائض عند الحذاق من متأخري الشافعية
(أربعة) من الأصول (لا تعول، وهي ما كان فيه فرض واحد، أو) كان فيه (فرضان من نوع)
519

واحد (وهي) أي الأصول الأربعة (أصل اثنين، و) أصل (ثلاثة، و) أصل (أربعة و) أصل
(ثمانية. فالنصف والربع والثمن نوع) لأن مخرج أقلها مخرج لها (والثلثان والثلث والسدس
نوع) كذلك (فالنصف وحده مع الباقي كزوج وأخ) أو بنت أو بنت ابن أو أخت لأبوين أو
لأب مع عم من اثنين مخرج النصف (أو نصفان كزوج وأخت لأبوين أو لأب: من اثنين)
مخرج النصف والنصف لتساويهما، وتسميان باليتيمين (1) وتقدم وبالنصفيتين (والثلث وحده
مع الباقي كأم وأب) من ثلاثة مخرج الثلث للام واحد والباقي للأب (أو الثلث مع الثلثين
كأخوات) ثنتين فأكثر (لأبوين أو لأب وأخوات لأم) ثنتين فأكثر، أو إخوة لام كذلك من
ثلاثة مخرج الثلثين والثلث لتماثلهما (أو الثلثان مع الباقي كبنتي ابن وعم من ثلاثة) مخرج
الثلثين (والربع وحده) مع الباقي من أربعة، كزوجة وعم أو زوج وابن (أو) الربع (مع
النصف) كزوجة وأخت لأبوين وعم، أو زوج وبنت وعم (من أربعة) مخرج الربع ومخرج
النصف داخل فيها (والثمن وحده) مع الباقي كزوجة وابن من ثمانية (أو) الثمن (مع النصف)
كزوجة وبنت وعم (من ثمانية) مخرج الثمن والنصف داخل فيها. فهذه الأصول الأربعة لا
عول فيها لأن العول ازدحام الفروض. ولا يتصور وجوده في أصل من هذه الأربعة
(وتسمى المسألة التي لا عول فيها ولا رد) ولا عاصب (العادلة، وهي التي استوى مالها
وفروضها) سميت بذلك لمساواة فروضها للمال. فهي بعدله أي قدره. فإن كان فيها
عاصب فناقصة. وأصل اثنين وثلاثة تارة يكون عادلا، وتارة يكون ناقصا. وأصل أربعة
وثمانية لا يكون إلا ناقصا (وثلاثة) من الأصول (تعول) إذا زادت فروضها (والعول)
اصطلاحا (زيادة في السهام ونقصان في أنصباء الورثة. وهي) أي الأصول الثلاثة (أصل ستة
و) أصل (اثني عشر و) أصل (أربعة وعشرين. وهي التي يجتمع فيها فرضان) فأكثر (من
نوعين) أي في الجملة، وإلا فالسدس وما بقي من ستة مع أنه لم يجتمع فيها فرضان (فإذا
اجتمع مع النصف سدس) فمن ستة كبنت وأم وعم (أو) اجتمع مع النصف (ثلث) كأخت
520

لأبوين وأم وعم فمن ستة (أو) اجتمع مع النصف (ثلثان) كزوج وأختين لغير أم (فمن ستة) (1)
لأن مخرج النصف اثنان ومخرج الثلثين أو الثلث ثلاثة وهما متباينان. فتضرب أحدهما في
الآخر يبلغ ستة. وأما النصف مع السدس فإنه يكتفي بمخرج السدس لدخول مخرج النصف
فيه (وتعول) الستة (إلى سبعة) كالمثال الأخير وكزوج وأخت لغير أو وجدة (و) تعول (إلى
ثمانية) كالمباهلة زوح وأم وأخت لغيرها (و) تعول إلى (تسعة) كزوج وولدي أم وأختين
لغيرها (و) تعول إلى (عشرة فقط) (2) فلا تتجاوزها كأم الفروخ، زوج وأم وولداها وأختان
لغيرها وتقدمت. وعلم منه أن الستة تكون عادلة وعائلة وناقصة (وإن اجتمع مع الربع أحد
الثلاثة) وهي الثلث والثلثان والسدس (فمن اثني عشر) لأن مخرج الربع من أربعة، ومخرج
الثلث والثلثين من ثلاثة وهما متباينان. فتضرب أربعة في ثلاثة تبلغ اثني عشر. وأما الربع
والسدس فبين مخرجيهما - وهما ستة وأربعة - توافق بالنصف، فإذا ضرب نصف أحدهما في
الآخر حصل ذلك الأمثلة زرج وأم وعم. زوجة وابنتان وعم زوج وأم وابن. وقس عليها
(وتعول) الاثنا عشر (على الافراد إلى) ثلاثة عشر وخمسة عشر و (سبعة عشر فقط) (3) دون
الاشفاع، وهي أربعة عشر وستة عشر ونحوهما (ولا بد في هذه الأصول أن يكون الميت أحد
الزوجين) بشهادة الاستقراء. مثال عولها إلى ثلاثة عشر: زوج وبنتان وأم، وإلى خمسة
عشر زوج وبنتان وأبوان، وإلى سبعة عشر: أم الأرامل ثلاث زوجات وجدتان وأربع
أخوات لأم وثمان أخوات لغيرها وتقدمت وتسمى أم الفروج بالجيم (وإن اجتمع مع الثمن
سدس) فمن أربعة وعشرين، كزوجة وأم وابن لأن مخرج الثمن من ثمانية والسدس من ستة
وهما متوافقان بالنصف. فإذا ضربت نصف أحدهما في الآخر حصل ما ذكر، للزوجة ثلاثة
وللأم أربعة وللابن سبعة عشر (أو) اجتمع مع الثمن (ثلثان) كزوجة وبنتين وعم فمن أربعة
وعشرين، لأن مخرج الثلثين ثلاثة تباين الثمانية فتضرب أحدهما في الآخر يحصل ما ذكر.
للزوجة ثلاثة وللبنتين ستة عشر وللعم ما بقي خمسة (أو) اجتمع مع الثمن (سدس وثلثان)
كزوجة وأم وبنتين وعم (فمن أربعة وعشرين) (4) للزوجة ثلاثة وللأم أربعة وللبنتين ستة عشر
وللعم واحد. وإنما كانت من أربعة وعشرين لأن مخرج الثلثين داخل في مخرج السدس،
521

وبين مخرج السدس والثمن توافق كما تقدم. فتضرب نصف أحدهما في كامل الآخر
يحصل المذكور وتصح بلا عول كما تقدم (وتعول) الأربعة والعشرون (إلى سبعة وعشرين
فقط) كزوجة وأبوين وابنتين (وتسمى البخيلة) لقلة عولها (والمنبرية) لما تقدم أن عليا سئل
عنها وهو على المنبر فقال: صار ثمن المرأة تسعا ومضى في خطبته (ولا يكون الميت
فيها) أي في المسألة من أربعة وعشرين (إلا زوجا) (1) بدليل الاستقراء. ولان الثمن لا يكون
إلا لزوجة فأكثر مع فرع وارث. وعلم مما تقدم أن أصل اثني عشر وأربعة وعشرين لا
يكون عادلا أبدا. إما ناقص أو عائل كما تقدمت أمثلته.
فصل:
(في الرد) وقد اختلف فيه والقول به
وروي عن عمر وعلي وابن عباس وكذا عن ابن مسعود في الجملة. وبه قال أبو
حنيفة وأصحابه، ونص عليه إمامنا في رواية الجماعة. وسواء انتظم بيت المال أولا وعليه
الفتوى عند الشافعية إن لم ينتظم بيت المال. ومذهب زيد ومالك لا يرد على أحد بدليل
تقدم الفروض وتقدم جوابه. ولنا قوله تعالى: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله) * [الأنفال: 75]. وهؤلاء من ذوي رحمه. وقد ترجحوا بالقرب، فهم أولى من
بيت المال لأنه لسائر المسلمين. وذو الرحم أحق من الأجانب وقال (ص) من ترك مالا
فلورثته ومن ترك كلا فإلي وفي لفظ: من ترك دينا فإلي ومن ترك مالا فلوارث (2) متفق
عليه. وهو عام في جميع المال و (إذا لم تستوعب الفروض المال) كما لو كان الوارث بنتا
وبنت ابن ونحو ذلك (ولم يكن عصبة) مع ذوي الفروض (رد الفاضل) عن الفروض (على
ذوي الفروض بقدر فروضهم) كالغرماء يقتسمون مال المفلس على قدر ديونهم (إلا الزوج
والزوجة فلا رد عليهما) لأنهما ليسا من ذوي القرابة. وروي عن عثمان. بأنه رد على زوج
قال في المغني: ولعله كان عصبة وذا رحم، فأعطاه لذلك أو أعطاه من بيت المال لا على
522

سبيل الميراث (1). (فإن كان المردود عليه) شخصا (واحدا) كأم أو بنت ابن أو أخت أو ولد
أم ونحوهم (أخذ المال كله) (2) فرضا وردا لأن تقدير الفروض إنما شرع لمكان المزاحمة
ولا مزاحم هنا (وإن كان) المردود عليه (جماعة من جنس واحد كبنات) أو بنات ابن أو
أخوات أو أولاد أم (أو جدات اقتسموه) أي الميراث بالسوية لاستوائهم في موجب الميراث
(كالعصبة من البنين والإخوة وغيرهم) كبني الإخوة والأعمام وبنيهم لاستوائهم في موجب
الميراث (وإن اختلفت أجناسهم) أي محلهم من الميت كبنت وبنت ابن أو أم وأخت (فخذ
عدد سهامهم من أصل ستة أبدا) إذ ليس في الفروض كلها ما لا يوجد في الستة إلا الربع
والثمن ولا يكونان لغير الزوجين وليسا من أهل الرد (واجعله) أي اجعل ما أخذته من أصل
ستة من عدد السهام (أصل مسألتهم) (3) كما صارت السهام في المسألة العائلة هي المسألة
التي يضرب فيها جزء السهم (فإن كان) عدد سهامهم (سدسين كجدة وأخ من أم فهي) أي
مسألة الرد (من اثنين) لأن فرض كل منهما السدس والسدسان من ستة اثنان فيكون المال
بينهما نصفين لاستواء فرضهما. ولو كانت الجدات فيها ثلاثا فاضرب عددهن في الاثنين.
وتصح من ستة، للأخ من الام ثلاثة وللجدات ثلاثة لكل واحدة واحد (وإن كان مكان
الجدة أم) بأن كانت المسألة أما وأخا لام (فمن ثلاثة) لأن فرض الام الثلث وهو اثنان من
ستة وفرض الأخ لام السدس واحد فيكون المال بينهما أثلاثا للام ثلثاه ولولدها ثلثه (وإن
كان مكانها) أي الام (أخت من أبوين) أو أب (فمن أربعة) لأن فرض الأخت النصف ثلاثة
من ستة وفرض الأخ من أم واحد فيكون المال بينهما أرباعا للأخت ثلاثة أرباعه ولولد الام
ربعه. وكذا بنت وأم للبنت وأم للبنت ثلاثة أرباعه فرضا وردا وللأم ربعه كذلك وكذا بنت وبنت ابن
(وإن كان معهما) أي الأخت لأبوين والأخ لام (أخت لأب ف‍) - المسألة (من خمسة) (4) لان
فرض الأخت لأبوين النصف والأخت لأب السدس تكملة الثلثين والأخ لام السدس.
فيقسم المال بينهم أخماسا للتي لأبوين ثلاثة أخماسه وللتي ولأب خمسه وللولد الام خمسه
523

(ولا تزيد) مسائل الرد (على هذا) أي على خمسة (أبدا لأنها لو زادت) على الخمسة (سدسا
آخر لكمل المال) فلم يبق منه شئ يرد (فإن انكسر على فريق منهم) أي من الورثة المردود
عليهم سهامه (ضربته) أي عدد الفريق إن باينته سهامه أو وفقه إن وافقته (في عدد سهامهم
لأنه أصل مسألتهم) (1). دون الستة كما تضرب في المسألة بعولها إذا عالت دون أصلها مثال
المباينة: جدتان وأخت لأبوين، أصلها بالرد من أربعة للجدتين سهم لا ينقسم عليهما
ويباينهما فتضرب اثنين في أربعة بثمانية ومنها تصح، للجدتين سهمان وللأخت ستة. ومثال
الموافقة ست أخوات لأبوين وأخ لام، أصلها بالرد من خمسة للأخوات منها أربعة على
ستة لا تنقسم وتوافق بالنصف فرد الستة إلى ثلاثة واضربها في خمسة تصح من خمسة عشر
للأخوات اثنا عشر لكل واحدة سهمان وللأخ للام ثلاثة وقس على ذلك (وإن كان معهم)
أي مع الذين يرد عليهم من أصحاب الفروض (أحد الزوجين فأعطه فرضه من مسألته) أي
مسألة أحد الزوجين (وأقسم الباقي) بعد فرض أحد الزوجين (على مسألة الرد. فإن انقسم
كزوجة وأم وأخوين لام فللزوجة الربع) واحد من أربعة مخرج الربع (والباقي ثلاثة تنقسم
على مسألة الرد) (2) وهي ثلاثة (صحت المسألتان من مسألة الزوجية) للزوجة سهم وللأم
سهم ولكل واحد من الأخوين سهم وكذا زوجة وأم وأخ لام للزوجة سهم والباقي للام
وولدها أثلاثا لها مثلا ماله سهمان وله سهم (وإن لم ينقسم) الباقي بعد فرض الزوجية (على
مسألة الرد ولم يوافقها فاضرب مسألة الرد في مسألة الزوجية) فما حصل صحت منه
المسألتان (ثم) تقسمه ف‍ (- من له شئ من مسألة الزوجية أخذه مضروبا في مسألة الرد)
لأنها التي ضربت فيها (ومن له شئ من مسألة الرد أخذه مضروبا في الفاضل عن) فرض
أحد الزوجين من (مسألة الزوجية) لأنه المستحق لهم. وينحصر ذلك في خمسة أصول
أحدها ما ذكره بقوله (فزوج وجدة وأخ من أم مسألة الزوج من اثنين) مخرج النصف
(ومسألة الرد من اثنين) فللزوج واحد يبقى واحد على اثنين لا ينقسم ويباين ف‍ (- اضرب
إحداهما في الأخرى يكن) الحاصل (أربعة) (3) للزوج واحد في اثنين باثنين ولكل من الجدة
524

والأخ لام واحد في واحد بواحد (وإن كان مكان الزوج زوجة) فتكون الورثة زوجة وجدة
وأخا لام، مسألة الزوجية من أربعة لها، واحد يبقى ثلاثة لا تنقسم على مسألة الرد، وهي
اثنان فتباينها (فاضرب مسألة الرد) اثنين (في) مسألة الزوجية (أربعة تكن ثمانية) للزوجة
واحد في اثنين باثنين ولكل من الجدة والأخ لام واحد في ثلاثة بثلاثة (وإن كان مكان
الجدة أخت من الأبوين) فالورثة زوجة وأخت لأبوين وأخ لام مسألة الرد من أربعة للأخت
ثلاثة وللأخ للام واحد يفضل لهم عن فرض الزوجة ثلاثة تباين الأربعة فإذا ضربت أربعة
في أربعة (انتقلت) المسألة (إلى ستة عشر) (1) للزوجة أربعة وللأخت تسعة وللأخ ثلاثة (وإن
كان مع الزوجة بنت وبنت ابن) فمسألة الزوجية من ثمانية ومسألة الرد من أربعة والفاضل
عن الزوجة سبعة لا تنقسم على الأربعة وتباينها فإذا ضربت أربعة في ثمانية (انتقلت)
المسألة (إلى اثنين وثلاثين) للزوجة أربعة وللبنت أحد وعشرون ولبنت الابن سبعة (وإن
كان معهن) أي الزوجة والبنت وبنت الابن (جدة صارت من أربعين) (2) لأن مسألة الرد من
خمسة والباقي بعد فرض الزوجة سبعة فاضرب الخمسة في الثمانية يحصل ما ذكر للزوجة
خمسة وللبنت أحد وعشرون ولبنت الابن سبعة وللجدة سبعة (وإن كان مع أحد الزوجين
واحد منفرد ممن يرد عليه) من الورثة (أخذ الفاضل عن الزوج) أو الزوجة (كأنه عصبة ولا
تنتقل المسألة) لعدم المقتضى للنقل (كزوجة وبنت، للزوجة الثمن) واحد من ثمانية (والباقي
للبنت فرضا وردا. وإن وافق الباقي) بعد فرض الزوجية (مسألة الرد بجزء) كنصف وربع
وثمن (فارجع مسألة الرد إلى وفقها) واعتبر الأوفق إن تعدد (ثم اضرب في مسألة الزوجية
ثم من له شئ من مسألة الزوجية أخذه مضروبا في وفق مسألة الرد) لقيامه مقامها (ومن له
شئ من مسألة الرد أخذه مضروبا في وفق الفاضل عن) أحد الزوجين من (مسألة الزوجية)
لقيام وفقه مقامه (كأربع زوجات وثلاث جدات) متحاذيات (وثمان بنات، فمسألة الزوجية)
525

أصلها ثمانية للزوجات، واحد لا ينقسم عليهن ويباين. فاضرب أربعة في ثمانية تصح (من
اثنين وثلاثين) للزوجات أربعة، ويفضل ثمانية وعشرون (ومسألة الرد من ثلاثين، لأن)
أصلها خمسة. للجدات واحد لا ينقسم عليهن ويباين، و (سهام البنات) أربعة (توافق
عددهن) وهو ثمانية (بالربع فرجعن إلى اثنين، ثم اضرب اثنين في عدد الجدات) للتباين
بين المثبتين من عدد الفريقين (فكان) الحاصل (ستة، ثم) اضرب الستة (في أصل مسألة
الرد، وهو خمسة تبلغ ثلاثين للجدات ستة) لكل واحدة سهمان (وللبنات أربعة وعشرون)
لكل واحدة ثلاثة (وبين الثلاثين) التي صحت منها مسألة الرد (وبين الفاضل عن الزوجات)
من مسألة الزوجية (وهو ثمانية وعشرون موافقة بالأنصاف. فارجع الثلاثين إلى) نصفها
(خمسة عشر. ثم اضربها) أي الخمسة عشر (في مسألة الزوجية) اثنين وثلاثين (تبلغ
أربعمائة وثمانين، ومنها تصح (1). ثم) تقسم ف‍ (- كل من له شئ من مسألة الزوجية أخذه
مضروبا في وفق مسألة الرد، وهو خمسة عشر. ومن له شئ من مسألة الرد أخذه مضروبا
في وفق الفاضل عن مسألة الزوجية، وهو أربعة عشر، فللزوجات أربعة في خمسة عشر
بستين لكل زوجة خمسة عشر، وللجدات ستة في أربعة عشر) نصف الثمانية والعشرين
(بأربعة وثمانين. لكل واحدة ثمانية وعشرون، وللبنات أربعة وعشرون في أربعة عشر بثلاثمائة
وستة وثلاثين لكل بنت اثنان وأربعون) وإن شئت صحح مسألة الرد ثم زد عليها الفرض
الزوجية للنصف مثلا وللربع ثلثا وللثمن سبعا، وابسط من جنس كسر ليزول، ففي بنت
وبنت ابن وزوجة مسألة الرد من أربعة فزد عليها الثمن. الزوجة سبعا. تصير أربعة وأربعة
أسباع أبسط الكل أسباعا تكن اثنين وثلاثين، ومنها تصح كما تقدم (ومال من لا وارث له)
526

بفرض أو تعصيب أو رحم وما فضل عن فرض أحد الزوجين (لبيت المال، وليس بيت
المال وارثا، وإنما يحفظ المال الضائع وغيره) كالفئ (فهو جهة ومصلحة) وفاقا
للحنفية (1)، وعليه الفتوى عند الشافعية (2) إن لم ينتظم، ومال إليه بعض متأخري
المالكية (3).
باب تصحيح المسائل
أي طريق تحصيل أقل عدد يخرج منه نصيب كل وارث صحيحا بلا كسر. ويتوقف
على أمرين أحدهما معرفة أصل المسألة. وتقدم. والثاني معرفة جزء السهم ويأتي بيانه.
ثم الانكسار إما أن يكون على فريق واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة عند غير المالكية ولا
يتجاوزها في الفرائض اتفاقا (فإذا) علمت ذلك فمتى (انكسر سهم فريق) واحد (من الورثة)
والفريق والحزب والحيز جماعة اشتركوا في فرض أو ما أبقيت الفروض (عليهم) متعلق
بانكسر (فاضرب عددهم إن باين) عددهم (سهامهم) في المسألة بعولها (أو) اضرب (وفقه)
أي الفريق (لها) أي السهام (إن وافقها) بجزء كنصف وعشر ونصف ثمن واعتبر الأدق
محافظة على الاختصار إن وافقها (في المسألة وعولها إن كانت عائلة فما بلغ) الضرب
(صحت منه الفريضة ثم من له شئ من أصل المسألة يأخذه مضروبا فيما ضربت فيه
المسألة) (4) من عدد الفريق أو وفقه (وهو الذي يسمى جزء السهم) أي حظ السهم من أصل
المسألة من المصحح. وذلك لأنك إذا قسمت المصحح على أصل المسألة خرج لكل سهم
527

منها ذلك المضروب فيها وكذا كل عددين ضربت أحدهما في الآخر إذا قسمت الحاصل
على أحدهما خرج الثاني. والجزء والحظ والنصيب بمعنى (فما بلغ) من ضرب سهامه في
جزء السهم (فهو له ويصير لكل واحد من الفريق من السهام) في التصحيح (عدد ما كان
لجماعتهم) (1) من السهام في أصل المسألة عند التباين (و) يصير لكل واحد من الفريق من
السهام عدد (وفق ما كان لجماعتهم) عند التوافق (فاقسمه عليهم) يخرج ما لكل واحد منهم
(مثال ذلك: زوج وأم وثلاثة أخوة، أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم،
ويبقى للإخوة سهمان لا تنقسم عليهم ولا توافقهم) وكل عددين متواليين متباينان (فاضرب
عددهم وهو ثلاثة في أصل المسألة) ستة (تكن ثمانية عشر سهما) ومنها تصح وكل من له
شئ من ستة أخذه مضروبا في جزء السهم ثلاثة ف‍ (- للزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللأم
سهم في ثلاثة بثلاثة وللإخوة سهمان في ثلاثة بستة لكل واحد منهم سهمان) مثل ما كان
لجماعتهم من أصل المسألة (ولو كان الإخوة ستة وافقتهم سهامهم) هي اثنان (بالنصف
فردهم إلى نصفهم ثلاثة، وتعمل فيها كعملك في الأولى) بأن تضرب الثلاثة في الستة تبلغ
ثمانية عشر ثم تقسم كما تقدم للزوج تسعة وللأم ثلاثة وللإخوة ستة (ويصير لكل واحد من
الإخوة سهم) وهو وفق ما كان لجماعتهم من أصل المسألة (وإن انكسر على فريقين أو
أكثر) كثلاث فرق أو أربع فرق، فانظر أولا بين كل فريق وسهامه. فإما أن توافقه سهامه أو
تباينه سهامه. فرد الموافق إلى وفقه وأبق المباين بحاله (و) انظر ثانيا بين المتباينان فإن
(كانت متماثلة بعد اعتبار موافقتها السهام) إن كان بينهما موافقة (كثلاثة وثلاثة اجتزأت
بأحدها) (2) أي المتماثلات (وضربته في أصل المسألة) بلا عول أو بعولها إن عالت: (كزوج
528

وثلاث جدات وثلاثة إخوة لأبوين أو لأب) أو لام، أصلها من ستة للزوج ثلاثة وللجدات
السدس واحد لا ينقسم عليهن ويباين. وللإخوة مما بقي اثنان لا ينقسم ويباين وثلاثة
وثلاثة متماثلان فاكتف بإحداهما واضربها في ستة (تصح من ثمانية عشر) للزوج ثلاثة في
ثلاثة بتسعة، وللجدات واحد في ثلاثة بثلاثة لكل واحد سهم وللإخوة اثنان في ثلاثة بستة
لكل واحد سهمان وكذا لو كانت الإخوة لام (وإن كانت) أعداد الفرق (متناسبة وتسمى
متداخلة) لكن الأصغر داخل في الأكبر، ولا عكس فالتسمية اصطلاحية (وهو) أي تناسب
العددين (أن تنسب الأقل إلى الأكثر: بجزء واحد من أجزائه كنصفه أو ثلثه أو ربعه) كاثنين
وأربعة أو وستة أو وثمانية. وخرج بقوله واحد الأربعة والستة، فإن نسبتها إليها بالثلثين،
وذلك كسر مكرر واصطلاح الحساب أن جزء الشئ كسره الذي إذا سلط عليه أفناه وكسره
أعم. فواحد تأكيد لدفع توهم أنه مساو للكسر (أو) أن تنسب الأقل إلى الأكثر (بجزء من
أحد عشر) كأحد عشر واثنين وعشرين (ونحوه) كسبعة عشر وأربعة وثلاثين (اجتزأت
بأكثرها) أي المتناسبات (وضربته في المسألة وعولها) إن عالت فما بلغ فمنه تصح (1). (ثم
كل من له شئ من الأصل) أي أصل المسألة (أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة) وهو
أكبر المتناسبين هنا كزوج وثلاثة إخوة لام وستة أعمام، أصلها ستة وجزء سهمها ستة عدد
الأعمال لدخول عدد الإخوة فيه. وتصح من ستة وثلاثين. للزوج ثلاثة في ستة بثمانية
عشر. وللإخوة لام اثنان في ستة باثني عشر، لكل واحد أربعة وللأعمام واحد في ستة لكل
واحد سهم (وإن كانت) أعداد الفرق (متباينة كخمسة وستة وسبعة ضربت بعضها في بعض)
حتى تنتهي (فما بلغ) فهو جزء السهم (اضربه في المسألة وعولها) فما بلغ فمنه تصح (ثم
كل من له شئ من الأصل أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة) (2) كبنت وخمس بنات
ابن وثلاث جدات وسبعة أعمام. المسألة من ستة، للبنت ثلاثة ولبنات الابن السدس تكملة
الثلثين واحد. لا ينقسم عليهن ويباين. وللجدات السدس واحد لا ينقسم ويباين.
وللأعمام الباقي كذلك فاضرب ثلاثة في خمسة والحاصل خمسة عشر في سبعة بمائة
وخمسة وهي جزء السهم، فاضربها في ستة تبلغ ستمائة وثلاثين، ومنها تصح. فاضرب
للبنت ثلاثة في مائة وخمسة بثلاثمائة وخمسة عشر ولكل فريق من باقي الورثة واحد في مائة
وخمسة لكل واحدة من بنات الابن أحد وعشرون ولكل واحدة من الجدات خمسة وثلاثون.
529

ولكل واحد من الأعمام خمسة عشر. وقس على ذلك (وإن كانت) أعداد الفرق (موافقة
كأربعة وستة وعشرة) فإنها متوافقة بالأنصاف (أو كاثني عشر وثمانية عشر وعشرين) فلك
طريقان. إحداهما طريق الكوفيين. وهي التي أشار إليها بقوله: (وفقت) أي حصلت الوفق
(بين أي عددين شئت منها من غير أن تقف شيئا) منها (ثم) إذا عرفت الوفق بين اثنين منها
(ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر. فما بلغ فاحفظه. ثم انظر بينه) أي المحفوظ (وبين
الثالث. فإن كان) الثالث (داخلا فيه) أو مماثلا له (لم تحتج إلى ضربه واجتزأت بالمحفوظ)
فهو جزء السهم. فاضربه في أصل المسألة، فما بلغ فمنه تصح (وإن وافقه) أي وافق الثالث
المحفوظ (ضربت وفقه فيه) فما حصل فهو جزء السهم (أو باينه) أي باين الثالث المحفوظ
(ضربت كله) أي الثالث (فيه) أي المحفوظ. فما بلغ فهو جزء السهم (ثم) اضربه (في
المسألة. فما بلغ فمنه تصح) المسألة. وأقسم كما سبق. ففي أربع زوجات وتسع شقيقات
واثني عشر عما. المسألة من اثني عشر. وسهام كل فريق تباينه. وإذا نظرت بين تسعة
واثني عشر فهما متوافقان بالثلث. فاضرب ثلث أحدهما في الآخر بستة وثلاثين. وانظر بينه
وبين عدد الزوجات تجد عدد الزوجات داخلا فيه. فالستة والثلاثون جزء السهم، اضربه
في اثني عشر أصل المسألة تصح من أربعمائة واثنين وثلاثين، ثم تقسمها للزوجات ثلاثة
في ستة وثلاثين بمائة وثمانية لكل واحدة سبعة وعشرون، وللشقيقات ثمانية في ستة
وثلاثين بمائتين وثمانية وثمانين. لكل واحدة اثنان وثلاثون، وللأعمام واحد في ستة
وثلاثين، لكل واحد ثلاثة (وإن تماثل عددان وباينهما الثالث) كثلاث أخوات لأبوين،
وثلاث جدات وأربعة أعمام (أو وافقهما) الثلث كأربع زوجات وستة عشر أخا لام وستة
أعمام لأن نصيب أولاد الام يوافق عددهم بالربع فتردهم إلى ربعهم أربعة. وهي مماثلة
لعدد الزوجات. وكلاهما يوافق عدد الأعمام بالنصف (ضربت أحد المتماثلين في جميع
الثالث) إن باينهما كالمثال الأول (أو) ضربت أحد المتماثلين (في وفقه) أي الثالث (إن كان
موافقا) كالمثال الثاني (فما بلغ) فهو جزء السهم. فإذا أردت تتميم العمل (ضربته في
530

المسألة) (1) فما حصل صحت منه المسألة، وقسمته كما سبق (وإن تناسب اثنان وباينهما
الثالث. كثلاث جدات وتسع بنات ابن وخمسة أعمام) أصل المسألة ستة من ستة. للجدات
السدس واحد على ثلاثة لا ينقسم ويباين. ولبنات الابن الثلثان أربعة على ثلاثة، لا تنقسم
وتباين، وللأعمام الباقي واحد على خمسة لا ينقسم ويباين. والثلاثة داخلة في التسعة
والخمسة مباينة لهما (ضربت أكثرهما وهو التسعة في جميع الثالث وهو خمسة) يحصل
خمسة وأربعون فهي جزء السهم (ثم) اضربها (في المسألة) وهي ستة (وتصح من مائتين
وسبعين) (2) للجدات خمسة وأربعون لكل واحدة خمسة عشر، ولبنات الابن مائة وثمانون
لكل واحدة عشرون وللأعمام خمسة وأربعون لكل واحد تسعة (وإن توافق اثنان) من أعداد
الفرق (وباينهما الثالث) كأربعة وخمسة وستة (ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم)
ضربت الحاصل (في) العدد (الثالث) المباين. فالحاصل جزء السهم اضربه في أصل
المسألة ثم اقسمه كما مر (وإن تباين اثنان ووافقهما الثالث) أي في التباين. وفي نسخة
وتبعهما، فالثلاثة متباينة بدليل قوله (فاضرب أحدهما في الآخر ثم) اضرب (الخارج في
الثالث إن باينه كأربع زوجات وثلاث أخوات لأبوين أو لأب وخمسة أعمام) أصل المسألة:
اثنا عشر، للزوجات الربع ثلاثة على أربعة لا تنقسم، وتباين. وللأخوات الثلثان ثمانية على
ثلاثة لا تنقسم وتباين. وللأعمام: الباقي واحد لا ينقسم ويباين والأعداد الثلاثة متباينة
وحاصل ضربها في بعضها ستون. فهي جزء السهم تضرب في الاثني عشر (وتصح من
سبعمائة وعشرين) للزوجات مائة وثمانون، لكل واحدة خمسة وأربعون وللأخوات أربعمائة
وثمانون، لكل واحدة مائة وستون. وللأعمام ستون لكل واحد اثنا عشر (لا إن ماثله) أي
ماثل حاصل ضرب المتباينين الثالث، كاثنين وثلاثة وستة. فإن حاصل ضرب الاثنين في
الثلاثة ستة، وهي مماثلة للستة. فتكتفي بها وتضربها في أصل المسألة (أو ضرب وفقه إن
وافقه) أي إذا ضربت أحد المتباينين في الآخر ووافق الحاصل الثالث، كاثنين وثلاثة.
531

وتسعة إذا ضربت الاثنين في الثلاثة وقابلت بين الحاصل وبين التسعة، وجدتهما متوافقين
بالأثلاث. فرد أحدهما إلى ثلثه واضربه في كامل الآخر (كما تقدم في الصور كلها) وتمم
العمل على ما تقدم. هذا كله في الانكسار على ثلاث فرق (وكذا لو انكسر على أكثر من
ثلاث فرق) بأن كان الانكسار على أربع فرق فتنظر بين اثنين منها، وتحصل أقل عدد ينقسم
على كل منهما. ثم تنظر بين الحاصل والثالث، وتحصل أقل عدد ينقسم على كل منهما،
ثم تنظر بين الحاصل والرابع وتحصل أقل عدد ينقسم على كل منهما ولا يتجاوزها في
الفرائض، بخلاف الوصايا وغيرها وأقل عدد ينقسم على كل من عددين مثل أحدهما إن
تماثلا وأكبرهما إن تداخلا. وسطح ضرب أحدهما في وفق الآخر إن توافقا أو في كله إن
تباينا (وهذه) الطريقة (طريقة الكوفيين. وقدمها في المغني والشرح وغيره. وقوله في التنقيح
والانصاف: في اثني عشر وثمانية عشر وعشرين تقف الاثني عشر لا غير، ف‍) - هو (على
طريقة البصريين) وهي أن تقف واحدا وتوفق بينه وبين الآخرين فترد كلا منهما إلى وفقه.
فإذا وفقت الاثني عشر ونظرت بينهما وبين الثمانية عشر رددت الثمانية عشر لسدسها ثلاثة.
ثم نظرت بينها وبين العشرين فتردها لربعها خمسة. ثم تنظر في الوفقين فإن تباينا - كما هنا -
ضربت أحدهما في الآخر، فتضرب الثلاثة في الخمسة تبلغ خمسة عشر، ثم في
الموقوف وهو الاثنا عشر بمائة وثمانين. وإن كان بين الوفقين موافقة أيضا ضربت وفق
أحدهما في الآخر، ثم الحاصل في الموقوف. وإن كانا متناسبين ضربت أكبرهما في
الموقوف. وإن كانا متماثلين ضربت أحدهما في الموقوف. وكذا لو وقفت الثمانية عشر في
المثال، ونظرت بينهما وبين الاثني عشر ورددتها إلى سدسها اثنين، ثم نظرت بينها وبين
العشرين ثم رددتها إلى نصفها عشرة. ثم قلت الاثنان داخلان في العشرة فاجتزأت بها
وضربتها في الثمانية عشر، يحصل المقصود وكذا لو وقفت العشرين ووقفت بينها وبين
الثمانية عشر فرددتها إلى نصفها تسعة ثم بينها وبين الاثني عشر فرددتها إلى ربعها ثلاثة ثم
بينها بين الثلاثة والتسعة فاكتفيت بالتسعة. لأنها الأكبر وضربتها في العشرين لحصل ذلك.
فلا يتعين واحد منها للايقاف لحصول الغرض على كل تقدير. فتخصيصه في الانصاف
والتنقيح الوقف بالاثني عشر لا يتأتى أيضا على طريقة البصريين، بل المنقول عنهم: إيقاف
الأكبر، لكن نوقش فيه بأن المطلوب حاصل على كل حال، إلا أن يظهر له أثر باختصار
العمل أو سهولته. ولذلك لم يتابعه في المنتهى. وإنما يتعين وقف معين منها إذا كان يوافق
الآخرين. وهما متباينان، كستة وأربعة وتسعة. فتقف الستة فقط ويسمى الموقوف: المقيد،
فتنظر بينه وبين الأربعة فتردها إلى اثنين، ثم بينه وبين التسعة فتردها إلى ثلاثة، ثم تضرب
الاثنين في الثلاثة والحاصل في الستة بستة وثلاثين. وإن شئت اكتفيت بضرب المتباينين كما
هو أحد الوجهين في ذلك (وطريقة الكوفيين أسهل منها) فلذلك اقتصر المصنف عليها.
532

فصل:
تماثل العددين أن يكون أحدهما مثل الآخر
كأربعة وأربعة وخمسة وخمسة. وذلك ظاهر (والطريقة إلى معرفة الموافقة والمناسبة
والمباينة: أن تلقى أقل العددين من أكثرهما مرة بعد أخرى. فإن فنى) الأكثر (به) أي بالأقل
كأربعة وثمانية أو وستة عشر (فالعددان متناسبان) ويقال: متداخلان. وتقدم (وإن لم يفن)
الأكثر بالأقل (لكن بقيت منه بقية فألقها من العدد الأقل، فإن بقيت منه بقية فألقها من البقية
الأولى، ولا تزال) تفعل (كذلك، تلقى كل بقية من التي قبلها حتى تصل إلى عدد يفنى
الملقى منه غير الواحد. فأي بقية فنى بها غير الواحد فالموافقة بين العددين بجزء تلك البقية)
ف‍ (- إن كانت) البقية (اثنين ف‍) - الموافقة (بالأنصاف: وإن كانت) البقية (ثلاثة ف‍) - الموافقة
بينهما (بالأثلاث. أو) فنى الأكبر (بأحد عشر أو غيره من الاعداد الصم الأوائل) أي غير
المركبة من ضرب عدد في آخر كالثلاثة عشر والسبعة عشر والثلاثة والعشرين (ف‍) - الموافقة
بينها (يجزئ ذلك) العدد الأصم. مثال الأول: تسعة واثنا عشر تسقط التسعة من الاثني عشر
مرة يبقى ثلاثة تسقطها من التسعة ثلاث مرات تفنى. فهما متوافقان بالثلث. ومثال الثاني:
سبعة وخمسون وستة وسبعون الباقي منه بعد طرح الأول تسعة عشر، تفنى الأول في ثلاث
مرات فهما متوافقان يجزء من تسعة عشر (وإن بقي) بعد الطرح المذكور (واحد) كأربعة
وتسعة (فالعددان متباينان) وقدمت لك أن كل عددين متواليين متباينان. ومن أراد تحقيق علم
الحساب والفرائض فعليه بكتبهما المخصوصة. فإن الفقهاء إنما يذكرون من ذلك نبذا
قليلة. ولما انتهى الكلام على التصحيح بالنسبة إلى ميت واحد شرع في بيان العمل فيما إذا
مات اثنان فأكثر. فقال:
533

باب المناسخات
جمع مناسخة، من النسخ بمعنى الإزالة أو التغيير أو النقل. يقال: نسخت الشمس
الظل أي أزالته. ونسخت الرياح الديار غيرتها. ونسخت الكتاب نقلت ما فيه (ومعناها) عند
الفقهاء والفرضيين (أن يموت بعض ورثة الميت قبل قسم تركته) (1) سميت بذلك لزوال
حكم الميت الأول ورفعه. وقيل: لأن المال تناسخته الأيدي. وهذا الباب من عويص
الفرائض. وما أحسن الاستعانة عليه بمعرفة رسالة الشباك لابن الهائم، لأنه أضبط (ولها)
أي المناسخة (ثلاثة أحوال أحدها: أن يكون ورثة الثاني يرثونه على حسب ميراثهم من
الأول مثل أن يكونوا عصبة لهما) كالأولاد فيهم ذكر الإخوة والأعمام (فاقسم المال بين من
بقي منهم، ولا تنظر إلى الميت الأول) (2) لأنه لا فائدة في النظر في مسألة الميت الأول
(كميت خلف أربعة بنين وثلاث بنات ثم ماتت بنت ثم) مات (ابن ثم) ماتت (بنت أخرى
ثم) مات (ابن آخر. وبقي ابنان وبنت. فاقسم المال) بينهم (على) عدد رؤوسهم (خمسة.
ولا تحتاج إلى عمل مسائل) لأنه تطويل بلا حاجة (وكذلك تقول: في أبوين وزوجة وابنين
وبنتين منها، ماتت بنت ثم) ماتت (الزوجة ثم) مات (ابن، ثم) مات (الأب، ثم) ماتت
(الام فقد صارت المواريث كلها بين الابن والبنت الباقيين أثلاثا) (3) ولا تحتاج إلى عمل
مسائل وقد يتفق ذلك في أصحاب الفروض في مسائل قليلة كرجل مات عن زوجة وثلاث
بنين وبنت منها. ثم مات أحد البنين قبل القسمة. فإن للمرأة من الأولى سهما مثل سهم
البنت ومثل نصف سهم الابن. وكذلك لها من الثانية فاقسم المسألة على ورثة الميت.
الثاني، ولا تنظر إلى الأول وهذا هو الاختصار قبل العمل (وربما اختصرت المسائل بعد)
534

العمل و (التصحيح ب‍) - سبب (الموافقة بين السهام) بأن كان بين جميع السهام موافقة بجزء
ما. فترد المسألة إلى وفقها ونصيب كل وارث إلى وفقه، كما أشار إليه بقوله (فإذا صححت
المسألة فإن كان لجميعها) أي المسألة (كسر تتفق فيه جميع السهام رددت المسألة إلى ذلك
الكسر ورددت سهام كل وارث إليه) أي إلى ذلك الكسر (ليكون أسهل في العمل. كزوجة
وابن وبنت ماتت البنت) عن أمها وأخيها. فالأولى من أربعة وعشرين والثانية من ثلاثة.
وسهام الميتة سبعة لا تنقسم عليها ولا توافقها. فاضرب الثانية في الأولى (تصح المسألتان
من اثنين وسبعين) وتسمى الجامعة (للزوجة ستة عشر، وللابن ستة وخمسون، وتتفق
سهامهما بالأثمان. فرد المسألة إلى ثمنها تسعة) ونصيب كل منهما إلى ثمنه. فيكون
(للزوجة سهمان وللابن سبعة) وقس على ذلك ما أشبهه (الحال الثاني: أن يكون ما بعد
الميت الأول من الموتى لا يرث بعضهم بعضا، كإخوة خلف كل واحد) منهم (بنيه)
منفردين أو مع إناث (فاجعل) لكل واحد منهم مسألة واجعل (مسائلهم كعدد انكسرت عليه
سهامهم وصحح على ما ذكر في باب التصحيح) (1) يحصل المطلوب (مثاله: رجل خلف
أربعة بنين. فمات أحدهم عن ابنين و) مات (الثاني عن ثلاثة) بنين (و) مات (الثالث عن
أربعة) بنين (و) مات (الرابع عن ستة) بنين (فالمسألة الأولى من أربعة) عدد البنين (ومسألة
الابن الأول من اثنين و) مسألة الابن (الثاني من ثلاثة و) مسألة الابن (الثالث من أربعة و)
مسألة الابن (الرابع من ستة) عدد البنين لكل منهم. فالحاصل من مسائل الورثة اثنان وثلاثة
وأربعة وستة (فالاثنان تدخل في الأربعة والثلاثة) تدخل (في الستة) فاسقط الاثنين والثلاثة
يبقى أربعة وستة وهما متوافقان (فاضرب وفق الأربعة في الستة تكن اثني عشر ثم) تضربها
535

(في المسألة الأولى) وهي أربعة (تكن ثمانية وأربعين لورثة كل ابن اثني عشر) حاصلة من
ضرب واحد في الاثني عشر (فلكل واحد من ابني الابن الأول ستة. ولكل واحد من ابني)
الابن (الثاني أربعة. ولكل واحد من ابني) الابن (الثالث ثلاثة. ولكل واحد من ابني) الابن
(الرابع سهمان) وهذا واضح، لأن كل صنف منهم يختص بتركة مورثة (الحال الثالث ما عدا
ذلك) المذكور في الحالين قبل، بأن تكون ورثة الثاني لا يرثونه كالأول. ويكون ما بعد
الميت الأول من الموتى يرث بعضهم بعضا (وهو ثلاثة أقسام) لأنك إذا عملت مسألة الأول
وصححتها وعملت مسألة الثاني كذلك وأخذت سهامه من الأولى وعرضتها على مسألته لم
تخل من حال من أحوال ثلاثة (الأول: أن تنقسم سهام الميت الثاني على مسألته. فتصح
المسألتان مما صحت منه الأولى، كرجل خلف زوجة وبنتا وأخا) لغير أم (ثم ماتت البنت
وخلفت زوجا وبنتا وعما فإن) مسألة الأول من ثمانية. للزوجة واحد وللبنت أربعة وللأخ
الباقي ثلاثة. ومسألة البنت من أربعة لزوجها واحد ولبنتها اثنان ولعمها واحد. و (لها) من
الأولى (أربعة. ومسألتها من أربعة) كما عرفت. فهي منقسمة عليها. فتصح المسألتان من
ثمانية. للزوجة واحد وللأخ الذي هو عم في الثانية أربعة ولزوج الثانية واحد ولبنتها اثنان
(الثاني أ) ن (لا تنقسم) سهام الثاني (عليها) أي على مسألته (بل توافقها ف‍) - رد مسألته إلى
وفقها و (اضرب وفق مسألته في) كل (الأولى) فما بلغ فهو الجامعة للمسألتين (ثم كل من
له شئ من المسألة الأولى مضروب في وفق الثانية. ومن له شئ من الثانية مضروب في
وفق سهام الميت الثاني) هذا طريق العلم بما لكل واحد من المسألتين (مثل أن تكون
الزوجة أما للبنت في مسألتنا) المذكورة (فإن مسألتها) تكون (من اثني عشر) لأن فيها نصفا
للبنت وربعا للزوج وسدسا للام (توافق سهامها) من الأولى وهي أربعة (بالربع فترجع) الاثنا
عشر (إلى ربعها ثلاثة، فاضربها في الأولى) وهي ثمانية (تكن أربعة وعشرين) للمرأة التي
536

هي زوجة في الأولى أم في الثانية سهم من الأولى مضروب في وفق الثانية، وهو ثلاثة
بثلاثة، ومن الثانية سهمان في وفق سهام الميتة باثنين. فيكون لها خمسة وللأخ من الأولى
ثلاثة في وفق الثانية ثلاثة بتسعة، وله بكونه عما في الثانية واحدة في واحد بواحد. فيجتمع
له عشرة ولزوج البنت من الثانية ثلاثة في واحد بثلاثة ولبنتها منها ستة في واحد بستة.
ومجموع السهام أربعة وعشرون (الثالث: أ) ن (لا تنقسم سهام الميت الثاني على مسألته ولا
توافقها. فاضرب) المسألة (الثانية في) كل المسألة (الأولى) فما حصل فهو الجامعة (ثم كل
من له شئ من الأولى مضروب في الثانية، ومن له شئ من الثانية مضروب في سهام
الميت الثاني) وذلك (كأن تخلف البنت) التي مات أبوها عنها وعن زوجة وأخ (بنتين)
وزوجا وأما (فإن) الأول من ثمانية كما تقدم وسهام البنت منها أربعة و (مسألتها تعول إلى
ثلاثة عشر) للبنتين ثمانية وللزوج ثلاثة وللأم اثنان والأربعة لا تنقسم عليها ولا توافقها ف‍
(- اضربها في) المسألة (الأولى تكن) الجامعة (مائة وأربعة) للمرأة التي هي أم في الثانية
زوجة في الأولى سهم من الأولى في الثانية بثلاثة عشر، ولها من الثانية سهمان في سهام
الميتة من الأولى أربعة بثمانية مجتمع لها أحد وعشرون، ولأخي الميت الأول ثلاثة من
الأولى في الثانية بتسعة وثلاثين ولا شئ له من الثانية لاستغراق الفروض المال، وللزوج
من الثانية ثلاثة في سهام الميتة الأربعة باثني عشر، ولبنيها من الثانية ثمانية في أربعة باثنين
وثلاثين. ومجموع السهام مائة وأربعة (فإن مات ثالث) قبل القسمة (جمعت سهامه مما
صحت منه الأوليان، وعملت فيها عملك في مسألة الثاني مع الأولى) بأن تنظر بين سهامه
ومسألته. فإن انقسمت عليها لم تحتج لضرب، وإلا فإما أن توافق أو تباين. فإن وافقت
رددت الثالثة لوفقها وضربته في الجامعة. وإن باينت ضربت الثالثة في الجامعة. ثم من له
شئ من الجامعة يأخذه مضروبا في وفق الثالثة عند التوافق، أو كلها عند التباين. ومن له
شئ من الثالثة يأخذه مضروبا في وفق سهام مورثه من الجامعة عند الموافقة أو في كلها
عند المباينة. مثاله مات عن زوجة وأم وثلاث أخوات مفترقات. أصل المسألة من اثني
عشر، وتعول إلى خمسة عشر ماتت الأخت من الأبوين عن زوجها وأمها وأختها لأبيها
وأختها لامها. أصل مسألتها من ستة، وتعول إلى ثمانية. وسهامها من الأولى ستة متفقان
بالنصف. فاضرب نصف الثانية أربعة في الأولى تبلغ ستين، وأقسم على ما تقدم، للزوجة
من الأولى ثلاثة في أربعة باثني عشر، وللأم من الأولى اثنان في أربعة بثمانية ومن الثانية
537

واحد في ثلاثة. فيجتمع لها أحد عشر، ولأخت الأول لأبيه اثنان في أربعة بثمانية، ولها
من الثانية ثلاثة بتسعة. يجتمع لها سبعة عشر، وللأخت للام من الأولى اثنان في أربعة
بثمانية. ومن الثانية واحد في ثلاثة يجتمع لها أحد عشر. ولزوج الثانية من الثانية ثلاثة في
ثلاثة بتسعة. ثم ماتت الام وخلفت زوجا وأختا وبنتا وهي الأخت لام. فمسألتها من أربعة
ولها من الجامعة أحد عشر لا تنقسم ولا توافق، فتضرب مسألتها أربعة في الجامعة وهي
ستون تبلغ مائتين وأربعين، ومنها تصح الثلاث، للزوجة من الجامعة اثنا عشر في أربعة
بثمانية وأربعين، وللأخت لأب سبعة عشر في أربعة بثمانية وستين، وللأخت لام من
الجامعة أحد عشر في أربعة بأربعة وأربعين، ومن الثالثة اثنان في أحد عشر وهي سهام
الثالثة باثنين وعشرين. فيجتمع لها ستة وستون ولزوج الثانية تسعة من الجامعة في أربعة
بستة وثلاثين، ولزوج الثالثة منها واحد في أحد عشر بأحد عشر. وكذا أختها (وكذلك
تصنع في) الميت (الرابع) بأن تعمل له مسألة وتقابل بينها وبين سهامه من الجامعة للثلاث
قبلها. فإما أن تنقسم أو توافق أو تباين وتتم العمل على ما تقدم (و) كذا تصنع في (من)
مات (بعده) من خامس أو أكثر بأن تعمل للخامس مسألة وتقابل بينها وبين سهامه من
الجامعة للأربع قبلها، ثم تعمل للسادس مسألة وتقابل بينهما وبين سهامه من التي قبلها.
وهكذا فتكون الجامعة كالأولى. ومسألة الميت كالثانية وتتمم العمل على ما تقدم.
والاختيار يجمع الأنصباء فإن ساوى حاصلها الجامعة فالعمل صحيح وإلا فأعده (وإذا
قيل ميت مات عن أبوين وبنتين ثم لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين) عمن في
المسألة فقط أو مع زوج (احتيج) أي احتاج المسؤول (إلى السؤال عن الميت الأول)
أذكر هو أم أثنى (فإن كان) الميت الأول (رجلا فالأب) في الأولى (جد وارث في الثانية
لأنه أبو أب. وتصح المسألتان من أربعة وخمسين) حيث ماتت عمن في المسألة فقط.
لأن الأولى من ستة لكل من الأبوين سهم، ولكل من البنتين سهمان والثانية من ثمانية
عشر، للجدة السدس ثلاثة وللجد عشرة وللأخت خمسة وسهام الميت اثنان لا تنقسم
على الثمانية عشر لكن توافقها بالنصف فردها لتسعة واضربها في ستة تبلغ أربعة وخمسين،
للام من الأولى واحد في تسعة بتسعة ومن الثانية ثلاثة في واحد، يجتمع لها اثنا عشر.
وللأب من الأولى واحد في تسعة بتسعة ومن الثانية عشرة في واحد بعشرة، يجتمع له تسعة
عشر. وللبنت من الأولى سهمان في تسعة بثمانية عشر ومن الثانية خمسة في واحد،
ومجموعها ثلاثة وعشرون. ومجموع سهام الكل أربعة وخمسون (وإن كانت امرأة فالأب)
في الأولى (أبو أم، في الثانية لا يرث) والأخت إما أن تكون شقيقة أو لام. و (تصح
المسألتان من اثني عشر) إن كانت الأخت شقيقة لأن الأولى من ستة كما علمت والثانية من
538

أربعة بالرد للجدة واحد وللشقيقة ثلاثة وسهام الميتة اثنان لا تنقسم على الأربعة لكن
توافقها بالنصف فترد الأربعة لاثنين، وتضر بها في ستة باثني عشر ثم تقسمها، للأب من
الأولى واحد في اثنين باثنين ولا شئ له من الثانية. وللبنت من الأولى اثنان في اثنين
بأربعة ومن الثانية ثلاثة في واحد بثلاثة، وللأم من الأولى واحد في اثنين باثنين، ومن
الثانية واحد في واحد فلها ثلاثة ومجموع السهام اثنا عشر. وإن كانت الأخت لام فمسألة
الرد من اثنين وسهام الميتة من الأولى اثنان. فتصح المسألتان من الستة للأب واحد وللبنت
ثلاثة وللجدة اثنان (وهي) أي المسألة المسؤول عنها بأبوين وابنتين لم تقسم التركة حتى
ماتت إحدى البنتين (المأمونية) (1) لأن المأمون سأل عنها يحيى بن أكثم - بالثاء المثلثة - لما
أراد أن يوليه القضاء. فقال له يحيى: الميت الأولى ذكر أو أنثى؟ فعلم أنه قد فطن لها.
فقال له: إذا عرفت التفصيل فقد عرفت الجواب، وولاه.
باب قسمة التركات
القسمة معرفة نصيب الواحد من المقسوم عليه، أو معرفة عدد ما في المقسوم من
أمثال المقسوم عليه ولهذا إذا ضربت الخارج بالقسمة في المقسوم عليه ساوى حاصله
المقسوم. فمعنى أقسم ستة وثلاثين على تسعة، أي كم نصيب الواحد من التسعة؟ أو كم
في الستة وثلاثين مثل التسعة؟ فإذا ضربت الخارج بالقسمة وهو أربعة في التسعة ساوى
المقسوم وقسمة التركات هي: الثمرة المقصودة من علم الفرائض. وتنبني على الاعداد
الأربعة المتناسبة التي نسبة أولها إلى ثانيها كنسبة ثالثها إلى رابعها كالاثنين والأربعة والثلاثة
والستة فنسبة الاثنين إلى الأربعة كنسبة الثلاثة إلى الستة وكذلك نسبة نصيب كل وارث من
المسألة إليها كنسبة ماله من التركة إليها. وهذه الاعداد الأربعة أصل كبير في استخراج
المجهولات. وإذا جهل أحدهما ففي استخراجه طرق أحدها: طريق النسبة. وقد أشار إليها
بقوله: (وإذا كانت التركة معلومة) وصححت المسألة على ما تقدم (وأمكن نسبة كل وارث
من المسألة) إلى المسألة (فله) أي للوارث (من التركة مثل نسبته) (2) أي نسبة سهمه إلى
المسألة. وذلك (كزوج وأبوين وابنتين، المسألة) أصلها من اثني عشر وعالت (إلى خمسة
539

عشر، والتركة أربعون دينارا. فللزوج) من مسألة (ثلاثة وهي خمس المسألة. فله خمس
التركة ثمانية دنانير. ولكل واحد من الأبوين) اثنان وهما (ثلثا خمس المسألة. فله ثلثا
الثمانية) خمسة وثلث (ولكل واحدة من البنتين مثل ما للأبوين كليهما) يعني لكل واحدة
أربعة نسبتها إلى الخمسة عشر خمس وثلث خمس، فخدلها من التركة مثل ذلك (وذلك
عشرة) دنانير (وثلثان) وهذه أحسن الطرق حيث سهلت الثانية: المشار إليها بقوله: (وإن
شئت قسمت التركة على المسألة وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث) من المسألة
(فما اجتمع) بالضرب (فهو نصيبه) من التركة. ففي المثال: إذا قسمت الأربعين على
الخمسة عشر خرج اثنان وثلثان، فاضرب فيها نصيب الزوج ثلاثة يخرج له ثمانية. واضرب
فيها اثنين لكل واحد من الأبوين يخرج خمسة وثلث. واضرب فيها أربعة لكل واحدة
البنتين يخرج لها عشرة وثلثان. الطريق الثالث، ما ذكره بقوله: (وإن شئت قسمت المسألة
على التركة) وإن كانت التركة أكثر كما في المثال نسبت المسألة إليها (فما خرج) بالقسمة
(قسمت عليه نصيب كل وارث بعد بسطه من جنس الخارج فما خرج ف‍) - هو (نصيبه) (1) ففي
المثال: نسبة الخمسة عشر إلى الأربعين ثلاثة أثمان. فتقسم عليها نصيب كل وارث بعد
بسطه أثمانا بأن تضربه في ثمانية مخرج الثمن، ثم تقسم على ثلاثة. فللزوج ثلاثة تضربها
في ثمانية بأربعة وعشرين. ثم تقسمها على ثلاثة يخرج له ثمانية دنانير. ولكل من الأبوين
اثنان في ثمانية بستة عشر تقسمها على ثلاثة يخرج خمسة وثلث. ولكل واحدة من البنتين
أربعة في ثمانية باثنين وثلاثين. ثم تقسمها على ثلاثة يخرج لها عشرة وثلثان. الطريق
الرابع: ذكره بقوله: (وإن شئت قسمت المسألة على نصيب كل وارث ثم قسمت التركة على
خارج القسمة فما خرج) له (ف‍) هو (نصيبه) ففي المثال إذا قسمت الخمسة عشر على
ثلاثة الزوج خرج خمسة، أقسم عليها الأربعين يخرج له ثمانية. وإذا قسمت الخمسة عشر
على اثنين لكل من الأبوين خرج سبعة ونصف، أقسم عليها الأربعين يخرج لكل منهما
خمسة وثلث، وأقسم الخمسة عشر على أربعة كل من البنتين يخرج ثلاثة وثلاثة أرباع أقسم
عليها الأربعين بعد البسط يخرج عشرة وثلثان الطريق الخامس: أشار إليه بقوله: (وإن شئت
540

ضربت سهامه) أي كل وارث (في التركة وقسمتها على المسألة. فما خرج فنصيبه) ففي
المثال: للزوج ثلاثة تضر بها في التركة أربعين بمائة وعشرين وتقسم على المسألة خمسة
عشر يخرج له ثمانية. ولكل من الأبوين اثنان تضربهما في أربعين بثمانين وتقسمها على
الخمسة عشر يخرج خمسة وثلث. فهي له. وتضرب لكل من البنتين أربعة في أربعين بمائة
وستين وتقسمها على الخمسة عشر يخرج عشرة وثلثان. وقس على ذلك (وإن شئت في
مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى، ثم أخذت نصيب) الميت (الثاني
فقسمته على مسألته وكذلك) تفعل في (الثالث) تقسم نصيبه على ورثته ثم في الرابع.
وهكذا حتى ينتهوا. فلو مات (إنسان عن أربعة بنين وأربعين دينارا. ثم مات أحدهم عن
زوجته وإخوته. فإذا قسمت التركة على المسألة الأولى خرج لكل واحد عشرة، ثم تقسم
نصيب المتوفى وهو عشرة على مسألته أربعة فتعطى الزوجة دينارين ونصفا. ولكل أخ
كذلك) ثم إن مات آخر عن زوجته وأخويه فله من التركتين اثنا عشر ونصف دينار،
فللزوجة ثلاثة دنانير وثمن دينار، ولكل من الأخوين أربعة ونصف دينار وثمن دينار ونصف
ثمن دينار. وقس على ذلك (وإن كان بين المسألة والتركة موافقة) كما في المثال السابق،
لأن الأربعين توافق الخمسة عشر بالخمس (ف‍) - رد كلا منهما إلى خمسة و (أقسم وفق
التركة على وفق المسألة) (1) إذا عملت بالطريق الثاني لأن القسم إذا أسهل (وإن أردت
القسمة على قراريط الدينار وهي أربعة وعشرون) في اصطلاح أهل مصر والشام ومن
وافقها، وعند المغاربة عشرون (فاجعل عدد القراريط كالتركة واعمل ما ذكرنا) (2) فيما
تقدم (فإن كانت السهام كثيرة وأردت أن تعلم سهم القيراط) منها (فاقسم ما صحت منه
541

المسألة على أربعة وعشرين فما خرج فهو سهم القيراط فإذا قسمت عليها) أي الأربعة
والعشرين (ستمائة ف‍) - حل الأربعة والعشرين إلى ما تركبت منه. وهو ثمانية وثلاثة أو ستة
وأربعة و (اقسمها) أي لستمائة (على ستة لأنها أحد ضلعي القيراط يخرج) بالقسمة (مائة
اقسمها على الضلع الآخر وهو أربعة يخرج خمسة وعشرون وهي سهم القيراط، وإن شئت
قسمت وفق السهام) أي سهام المسألة يعني نفس المسألة (على وفق القيراط) يحصل
المطلوب (فتأخذ سدس الستمائة، وهو مائة فتقسمه على سدس الأربعة وعشرين وهو أربعة
فيخرج خمسة وعشرون) وهو المطلوب (وإن شئت أخذت ثمن الستمائة وخمسة وسبعين
وقسمته على ثمن الأربعة وعشرين وهو ثلاثة يخرج خمسة وعشرون، وكذلك كل عدد قسمته
على عدد آخر) إذا كان بينهما موافقة رددت كلا منهما إلى وفقه وقسمت وفق المقسوم على
وفق المقسوم عليه يخرج المطلوب (وإن شئت) إذا قسمت على الأربعة وعشرين (فانظر
عددا إذا ضربته في الأربعة وعشرين ساوى حاصله المقسوم أو قاربه، فإن بقيت منه بقية
ضربتها في عدد آخر حتى يبقى أقل من المقسوم عليه، ثم تجمع العدد الذي ضربته إليه
وتنسب تلك البقية من المقسوم عليه فتضمها إلى العدد، فيكون ذلك العدد سهم القيراط.
مثاله في الستمائة أن تضرب عشرين) هوائية (في أربعة وعشرين) هي المقسوم عليها (تكون
أربعمائة وثمانين) يبقى من المقسوم مائة وعشرون، وهي أكثر من الأربعة وعشرين (فتضرب
خمسة أخرى) هوائية (في الأربعة وعشرين تكون مائة وعشرين) ولا يبقى المقسوم شئ
(وتضم الخمسة إلى العشرين، فيكون ذلك سهم القيراط، ومن عرف علم الحساب هان
عليه ذلك) وغيره من الأعمال مفرضية (فإذا عرفت سهم القيراط فكل من له سهام فأعطه بكل
542

سهم من سهام القيراط قيراطا، فإن بقي له شئ من السهام لا يبلغ قيراطا فانسبه إلى سهم
القيراط وأعطه منه مثل تلك النسبة، وإن كان في سهام القيراط كسر فابسط القراريط
الصحاح من جنس الكسر وضم الكسر إليها واحفظ المجتمع، ثم كل من له شئ من
المسألة اضربه في مخرج الكسر واحسب له بكل قدر عدد البسط قيراطا، وإن بقي) أو خرج
(مالا يبلغ مجموع البسط فانسبه منه) أي البسط (وأعطه مثل تلك النسبة) مثاله، زوج وأم
وستة أعمام. تصح المسألة من ستة وثلاثين، إذا قسمتها على مخرج القيراط أربعة وعشرين
خرج واحد ونصف، فبسط ذلك ثلاثة احفظها ثم اضرب للزوج ثمانية عشر في مخرج
الكسر اثنين بستة وثلاثين، واجعل له بكل ثلاثة قيراطا يخرج له اثنا عشرة قيراطا، واضرب
للام اثني عشر في اثنين بأربعة وعشرين وأعطها بكل ثلاثة قيراطا يخرج لها ثمانية قراريط،
واضرب لكل عم واحدا في اثنين وسهما من الثلاثة يكن له ثلثا قيراط (وإن كانت سهام
التركة) أي المسألة (دون الأربعة وعشرين فانسبها إليها) أي الأربعة والعشرين (واحفظ بسط
الكسر) الخارج بالنسبة (ثم كل من له شئ من المسألة اضربه في مخرج الكسر، واحسب
له بكل قدر عدد البسط قيراطا) بأن تقسم الحاصل على البسط يخرج ماله (مثاله، زوج
وثلاثة إخوة وأختان لأبوين) أصل المسألة من اثنين للزوج واحد يبقى واحد للإخوة على
ثمانية فتضرب ثمانية في اثنين ف‍ (- تصح من ستة عشر) وهي أقل من أربعة وعشرين
و (نسبتها إلى الأربعة والعشرين ثلثان فمخرج) ذلك (الكسر ثلاثة وبسطه اثنان للزوج) من
الستة عشر (ثمانية اضربها في ثلاثة) مخرج الثلث (بأربعة وعشرين واحسب له كل اثنين
بقيراط) بأن تقسم الأربعة والعشرين على اثنين وهي بسط الثلثين (يكن) الخارج (اثني عشر
قيراطا) للزوج (وكذا الإخوة) فلكل أخ سهمان في ثلاثة بستة احسب له كل اثنين بقيراط
يكن له ثلاثة قراريط ولكل أخت واحد في ثلاثة بثلاثة فلها قيراط ونصف قيراط (وإن كانت
543

التركة سهاما من عقار كثلث وربع ونحوه) كخمس وسدس من دار أو بستان ونحوه. فلك
طريقان (فإن شئت اجمعها) أي الكسور (من قراريط الدينار، واقسمها على ما قلنا) فيما
سبق (فثلث دار وربعها أربعة عشر قيراطا فاجعلها كأنها دنانير واعمل على ما سبق) لك
(فإذا خلفت) امرأة (زوجا وأما وأختا لأبوين أو لأب فالمسألة من ثمانية للزوج ثلاثة هي) أي
الثلاثة (ربعها وثمنها) أي المسألة (فإذا قسمت السهام على المسألة فللزوج ربع أربعة عشرة
قيراطا وثمنها وهو خمسة قراريط وربع) قيراط (من جميع الدار، وللأم سهمان هما ربع
التركة فتعطيها) ربع الأربعة عشرة (ثلاثة ونصفا، وللأخت مثل الزوج) والطريق الثاني ذكره
بقوله (وإن شئت) أخذت السهام من مخرجها و (وافقت بينها) أي السهام (وبين المسألة)
بأن تنظر هل بينهما موافقة أو مباينة (وضربت المسألة إن باينت السهام) في مخرجها (أو)
ضربت (وفقها) أي المسألة (إن وافقتها) السهام (في مخرج سهام العقار، ثم كل من له شئ
من المسألة أضر به في السهام الموروثة من العقار) عند المباينة (أو) في (وفقها) عند
الموافقة (فما بلغ فانسبه من مبلغ سهام العقار فما خرج فهو نصيبه (1). ففي المسألة
المذكورة) وهي زوج وأم وأخت لغيرها والتركة ثلث دار وربعها، المسألة من ثمانية وبسط
الثلث والربع من مخرجهما سبعة و (ليس بين الثمانية والسبعة موافقة فاضرب الثمانية في
مخرج السهام وهو اثنا عشر تكن ستة وتسعين للزوج من المسألة ثلاثة مضروبة في سبعة
تكون أحدا وعشرين فانسبها إلى ستة وتسعين تجدها ثمنها وثلاثة أرباع ثمنها) الاثنا عشر
ثمنها والتسعة ثلاثة أرباعه (فله من الدار مثل تلك النسبة. وللأخت مثله، وللأم) من المسألة
544

(سهمان في سبعة بأربعة عشر، وهي ثمن الستة وتسعين وسدس ثمنها. فلها من الدار مثل
تلك النسبة) هذا مثال المباينة (ومثال الموافقة: زوج وأبوان وابنتان والتركة ربع دار
وخمسها: فالمسألة من) اثني عشر، وتعول إلى (خمسة عشر) للزوج ثلاثة ولكل من
الأبوين سهمان، ولكل بنت أربعة (ومخرج السهام عشرون) وبسطها تسعة كما سيشير إليه
(فالمسألة توافق السهام الموروثة من العقار بالثلث، لأنها) أي السهام والموروثة (تسعة فترد
المسألة إلى ثلثها خمسة) للموافقة (ثم تضربها في مخرج سهام العقار وهو عشرون تكن
مائة) وتمم العمل على ما سبق (فللزوج من المسألة) التي هي خمسة عشر (ثلاثة في وفق
سهام العقار ثلاثة تبلغ تسعة: انسبها إلى المائة تكن تسعة أعشار وعشرها. فله من الدار تسعة
أعشار عشرها. ولكل واحد من الأبوين سهمان في ثلاثة تبلغ ستة، وهي ستة أعشار عشر)
المائة. فله بمثل تلك النسبة ستة أعشار عشر (الدار. ولكل بنت) من المسألة (أربعة في
ثلاثة) وفق السهام تبلغ (اثني عشر. وهي عشر) المائة وعشرا عشرها. فلها عشر (الدار
وعشرا عشرها) والأولى أن تقول: وخمس عشرها لأنه أخص. هذا كله إن لم تنقسم
السهام على المسألة (وإن انقسمت سهام العقار على المسألة فاقسمها من غير ضرب في
شئ. مثال ذلك: زوج وأم وثلاث أخوات متفرقات) إحداهن شقيقة والأخرى لأب والثالثة
لام (والتركة ربع دار وخمسها) أصل (المسألة من) ستة، وتعول إلى (تسعة) للزوج ثلاثة
وللشقيقة مثله، ولكل واحدة من الباقيات سهم (ومخرج سهام العقار عشرون، الموروث
منها تسعة) لأن ربعها خمسة وخمسها أربعة والمجموع تسعة (منقسمة على المسألة، للزوج
منها ثلاثة وهي عشر) العشرين ونصف عشرها فله عشر (الدار ونصف عشرها وللأخت من
الأبوين مثل ذلك. ولكل واحدة من الباقيات) واحد وهو نصف عشر العشرين فلها (نصف
545

عشرها) أي الدار. وقس على ذلك ما أشبهه (وإذا قال بعض الورثة: لا حاجة لي بالميراث
اقتسمه بقية الورثة. ويوقف) له (سهمه) نصا، لأن الإرث قهري (ولو قال قائل: إنما يرثني
أربعة بنين ولي تركة. أخذ الأكبر دينارا وخمس ما بقي، وأخذ الثاني دينارين وخمس ما
بقي، وأخذ الثالث ثلاثة دنانير وخمس ما بقي، وأخذ الرابع جميع ما بقي. والحال أن كل
واحد منهم أخذ حقه من غير زيادة ولا نقصان. كم كانت التركة؟ الجواب: كانت ستة عشر
دينارا) وقد أخذ كل واحد منهم أربعة دنانير وهي نصيبه (وإن خلف بنين ودنانير فأخذ
الأكبر دينارا وعشر الباقي و) أخذ (الثاني دينارين وعشر الباقي و) أخذ (الثالث ثلاثة) دنانير
(وعشر الباقي و) أخذ (الرابع أربعة) دنانير (وعشر الباقي واستمروا كذلك. ثم أخذ الأصغر
الباقي واستوت سهامهم. فكم البنين والدنانير؟ فخذ مخرج العشر وهو عشرة وأنقصه واحدا
فالباقي) تسعة وهي (عدد البنين فاضرب عددهم) تسعة (في مثله) تسعة (والمرتفع) بالضرب
هو (عدد الدنانير وهو واحد وثمانون) وأخذ كل واحد تسعة دنانير (ولو قال إنسان صحيح
لمريض: أوص. فقال) المريض: للصحيح (إنما يرثني امرأتاك وجدتاك وأختاك وعمتاك
وخالتاك. فالجواب: أن كل واحد منهما تزوج بجدتي الآخر أم أمه وأم أبيه فأولد المريض
كلا منهما) أي من جدتي الصحيح (بنتين فهما من أم أبي الصحيح عمتا الصحيح. ومن أم
أمه خالتاه. وقد كان أبو المريض تزوج أم الصحيح فأولدها بنتين) فالورثة زوجتان وهما
جدتا الصحيح وجدتان. وهما زوجتا الصحيح، وأربع بنات العمتان والخالتان وأختان لأب
546

هما أختا الصحيح لامه. فأصل المسألة من أربعة وعشرين (وتصح من ثمانية وأربعين) لان
ثمن الزوجتين لا ينقسم عليهما ويباينهما. وكذلك نصيب الأختين واثنان واثنان متماثلان.
فتكتفي بأحدهما وتضربه في أصل المسألة يبلغ ما ذكر. فللزوجتين الثمن ستة لكل واحدة
ثلاثة. وللجدتين ثمانية لكل واحدة أربعة وللبنتين اثنان وثلاثون لكل واحدة ثمانية.
وللأختين ما بقي وهو اثنان لكل واحدة منهما واحد.
تتمة: قوله تعالى: * (وإذا حضر القسمة أولو القربى) * [النساء: 8]. - الآية قال ابن المسيب:
إنها منسوخة. كانت قبل الفرائض ونقل ابن منصور: أنه ذكر هذه الآية. فقال: أبو موسى
أطعم منها وعبد الرحمن بن أبي بكر فدل ذلك على أنها محكمة. وذكر القاضي وغيره:
أن هذا مستحب، وأنه عام في الأموال. واحتج بأن محمد بن الحكم سأل أحمد عنها
فقال: اذهب إلى حديث أبي موسى، يعطي قرابة الميت من حضر القسمة.
باب ذوي الأرحام وكيفية توريثهم
الأرحام: جمع رحم. قال صاحب المطالع: هي معنى من المعاني. وهو النسب
والاتصال الذي يجمعه والد، فسمي المعنى باسم ذلك المحل، تقريبا للأفهام. ثم يطلق
الرحم على كل قرابة (وهم) أي ذو الأرحام اصطلاحا في الفرائض (كل قرابة ليس بذي
فرض ولا عصبة) واختلف في توريثهم. فروي عن عمر وعلي و عبد الله وأبي عبيدة ابن
الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء رضي الله عنهم توريثهم. عند عدم العصبة، وذوي
الفروض غير الزوجين. وبه قال أبو حنيفة (1) وأحمد (2) والشافعية (3). إذا لم ينتظم بيت
المال. وكان زيد لا يورثهم. ويجعل الباقي لبيت المال. وبه قال مالك (4) وغيره. ولنا قوله
تعالى: * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * [الأنفال: 75]. وحديث
سهل بن حنيف: أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله. ولم يترك إلا خالا. فكتب فيه أبو عبيدة
547

لعمر، فكتب إليه عمر: إني سمعت النبي (ص) يقول: الخال وارث من لا وارث له (1) رواه
أحمد. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وروى المقداد عن النبي (ص) أنه قال: الخال
وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه (2) أخرجه أبو داود (وهم أحد عشر صنفا) الأول
(ولد البنات وولد بنات الابن) وإن نزل (و) الثاني (ولد الأخوات) سواء كن لأبوين أو لام
(و) الثالث (بنات الإخوة) سواء كانوا لأبوين أو لأب (و) الرابع (بنات الأعمام) لأبوين أو
لأب (و) الخامس (أولاد الإخوة من الام) سواء كانوا ذكورا أو إناثا (و) السادس (العم من
الام) سواء كان عم الميت أو عم أبيه أو عم جده (و) السابع (العمات) سواء كن شقيقات
أو لأب أو لام، وسواء في ذلك عمات الميت وعمات أبيه وعمات جده وإن علا (و)
الثامن (الأخوال والخالات) أي إخوة الام وأخواتها، سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لام،
وكذا خالات أبيه وأخواله وأخوال أمه وخالاتها وأخوال وخالات جده وإن علا من قبل
الأب أو الام (و) التاسع (أبو الأم) وأبوه وجده وإن علا (و) العاشر (كل جدة أدلت بأب
بين أمين) كأم أبي الام (أو) أدلت (بأب أعلا من الجد) كأم أبي أبي أبي الميت (و) الحادي
عشر (من أدلى بهم) أي بصنف من هؤلاء كعمة العمة وخالة الخالة وعمة العم لام وأخيه
وعمه لأبيه وأبي أبي الام وعمه وخاله ونحو ذلك. واختلف القائلون بتوريثهم في كيفيته على
مذاهب، هجر بعضها والباقي لم يهجر مذهبان. أحدهما مذهب أهل القرابة. وهو أنهم
يورثون على أنهم يورثون على ترتيب العصبة. وهو قول أبي حنيفة (3) وأصحابه. وهو رواية
عن الامام (4) (و) المذهب الثاني: وهو المختار أنهم (يورثون بالتنزيل (5). وهو أن تجعل
كل شخص) منهم (بمنزلة من أدلى به. فولد البنات) وإن نزل كالبنات (وولد بنات الابن)
كبنات الابن (وولد الأخوات كأمهاتهم) شقيقات كن أو لأب أو لام (وبنات الإخوة)
548

كالإخوة أشقاء كانوا أو لأب أو لام (و) بنات (الأعمام لأبوين أو لأب) كالأعمام كذلك (أو
لأب. وبنات بنيهم) أي بني الإخوة أو بني الأعمام كآبائهم. فبنت ابن الأخ بمنزلة ابن الأخ
وبنت ابن العم بمنزلة ابن العم (وولد الإخوة من الام) ذكورا كانوا أو إناثا (كآبائهم.
والأخوال) كالأم (والخالات) كالأم (وأبو الام كالأم والعمات) مطلقا كالأب (والعم من الام
كالأب. وأبو أم أب. وأبو أم أم وأخواتهما) مطلقا (وأختاهما) كذلك (وأم أبي جد
بمنزلتهم، ثم تجعل نصيب كل وارث) بفرض أو تعصيب (لمن أدلى به) روي عن علي
وعبد الله أنهما نزلا بنت البنت بمنزلة البنت، وبنت الأخ بمنزلة الأخ وبنت الأخت منزلة
الأخت، والعمة منزلة الأب، والخالة منزلة الام. وروي ذلك عن عمر في العمة والخالة.
وروى الزهري أن رسول الله (ص) قال: العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب. والخالة
بمنزلة الام إذا لم يكن بينهما أم (1) رواه أحمد (فإن انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال
كله) لأنه ينزل منزلة من أدلى به، فإما أن يدلي بعصبة فيأخذه تعصيبا أو بذي فرض فيأخذه
فرضا وردا (وإن أدلى جماعة منهم) أي من ذوي الأرحام (بواحد واستوت منازلهم منه بلا
سبق) كأولاده وإخوته (فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم كأنثاهم) (2) بلا تفضيل (ولو خالا
وخالة) فلا يفضل عليها لأنهم يرثون بالرحم المجردة فاستوى ذكرهم وأنثاهم كولد الام
(فابن أخت معه أخته) المال بينهما نصفين (أو ابن بنت معه أخته) المال بينهما نصفين (أو
خال وخالة المال بينهما نصفين) لما تقدم (فإن أسقط بعضهم بعضا، كأبي الام والأخوال.
549

فأسقط الأخوال لأن الأب يسقط الإخوة والأخوات) كما لو ماتت الام عنهم (فإن كان
بعضهم) أي ذوي الأرحام (أقرب من بعض، فالميراث لأقربهم. ويسقط البعيد منهم كما
يسقط البعيد من العصبات بقربهم، كخالة وأم أبي أم أو) خالة و (ابن خال، فالميراث
للخالة لأنها تلقى الام بأول درجة) بخلاف أم أبيها وابن أخيها. وكذا بنت بنت بنت وبنت
بنت ابن المال لبنت بنت الابن لأنها تلقى الوارثة بالفرض، وهي بنت الابن بأول درجة
(فإن اختلفت منازلهم من المدلى به جعلته) أي المدلى به (كالميت وقسمت نصيبه بينهم
على ذلك) (1) أي على حسب منازلهم منه (كثلاث خالات متفرقات) إحداهن لأبوين
والأخرى لأب والأخرى لام (وثلاث عمات متفرقات) فالخالات كالأم والعمات كالأب
(فالثلث) الذي كان للام (بين الخالات على خمسة) لأنهن يرثن الام كذلك لو ماتت عنهن
(والثلثان) اللذان كانا للأب (بين العمات كذلك) أي على خمسة لأنهن يرثن الأب كذلك لو
مات عنهن. فأصل المسألة من ثلاثة للخالات واحد لا ينقسم على الخمسة ويباينها
وللعمات اثنان كذلك والخمسة والخمسة متماثلان (فاجتزئ بإحداهما واضربها في ثلاثة
تكن خمسة عشر) ومنها تصح للخالات خمسة (للخالة التي هي من قبل الأب والام ثلاثة.
وللتي من قبل الأب سهم. وللتي من قبل الام سهم، و) للعمات عشرة (للعمة التي من قبل
الأب والام ستة. وللتي من قبل الأب سهمان. وللتي من قبل الام سهمان) (2). ولو كان مع
الخالات خال من أم ومع العمات عم من أم فالثلث بين الخال والخالات على ستة.
والثلثان بين العم والعمات على ستة. وتصح من ثمانية عشر (وإن خلف ثلاثة أخوال
مفترقين) أي أحدهم أخو الام لأبويها والآخر لأبيها والآخر لامها (فللخال) الذي (من الام
السدس) كما يرثه من أخته لو ماتت (والباقي للخال من الأبوين) (3) لأنه يسقط الأخ للأب.
550

وتصح من ستة وتقدم أنه يسقطهم أبو الأم (وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين) أي
بنت عم لأبوين وبنت عم لأب وبنت عم لام (فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها) لأنهن
أقمن مقام آبائهن. ولو خلف ثلاثة أعمام مفترقين لكان جميع الميراث للعم من الأبوين
لسقوط العم من الأب به مع كونه من العصبات. فالعم من الام مع كونه من ذوي الأرحام
أولى بالسقوط وإن خلف بنت عم لأب وبنت عم لأبوين أو بنت عم لام وبنت بنت عم
لأبوين فالمال للأولى لأنها أقرب وبنت عم وبنت عمة المال لبنت العم في قول الجمهور،
(وإن أدلى جماعة منهم) أي من ذوي الأرحام (بجماعة قسمت المال) الموروث (بين المدلى
بهم كأنهم أحياء فما صار لوارث) بفرض أو تعصيب (فهو لمن أدلى به) (1) من ذوي
الأرحام لأنهم وراثه (فابن أخت معه أخته وبنت أخت أخرى) مساوية للأخت الأولى في
كونها لأبوين أو لأب أو لام (فلبنت الأخت وأخيها حق أمهما النصف بينهما نصفين)
لتنزلهما منزلتها (ولبنت الأخت الأخرى حق أمها النصف) لقيامها مقامها، وتصح من أربعة،
(وإن كان بنت بنت وبنت بنت ابن ف‍) - المسألة (من أربعة) بالرد كما لو مات عن بنت
وبنت ابن (لبنت البنت ثلاثة حق أمها) لقيامها مقامها (ولبنت بنت الابن سهم حق أمها) ولو
كان ثلاث بنات لأبوين وثلاث بنات أخت لأب وثلاث بنات أخت لأم وثلاث بنات عم
لأبوين أو لأب قسم المال بين المدلى بهم من ستة. للأخت للأبوين النصف وللأخت
للأب السدس تكملة الثلثين وللأخت للأم السدس يبقى سهم للعم، ثم أقسم نصيب كل
وارث على ورثته. فنصيب الأخت لأبوين على بناتها صحيح عليهن. ونصيب الباقين على
بناتهم مباين. والأعداد متماثلة. فاجتز بأحدهما واضربه في أصل المسألة ستة تكن ثمانية
عشر، لبنات الأخت لأبوين تسعة لكل واحدة ثلاثة ولبنات الأخت للأب ثلاثة لكل واحدة
سهم ولبنات الأخت للأم كذلك ولبنات العم كذلك (وإن كان ثلاث بنات ثلاث أخوات
مفترقات) كما تقدم (وبنت عم) لأبوين أو لأب (فاقسم المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء
ف‍) - المسألة من ستة (للأخت لأبوين النصف) ثلاثة (وللأخت للأب السدس) تكملة الثلثين
551

واحد (وللأخت للأم السدس وللعم السدس) الباقي واحد (وتصح من) أصلها (ستة فأعط بنت
الشقيقة ثلاثة) أمها (و) أعط (بنت الأخت لأب سهما) وهو ما كان لامها (و) أعط (بنت
الأخت للأم سهما) كما كان لامها (و) أعط (بنت العم سهما) لقيام كل واحدة منهن مقام من
أدلت به (وإن أسقط بعضهم) أي المدلى بهم (بعضا عملت على ذلك) (1) وأسقطت
المحجوب (كما إذا كان في مسألتنا بدل بنت الأخت لأبوين بنت أخ لأبوين) وبدل بنت الأخت
لأب بنت أخ لأب ويدل بنت الأخت لام بنت أخ لام، بدليل كلامه الآتي (فهي) أي المسألة
(أيضا من ستة) لأن الورثة بنت أخت لأم وبنت أخ لأبوين ففيها سدس وما بقي (لبنت الأخ
للأم سهم) أبيها (والباقي) خمسة (لبنت الأخ لأبوين) لقيامها مقام أبيها (وسقط بنت الأخ لأب
وبنت العم) لأن الأخ لأبوين يسقطهما (فإن كان بعضهم) أي ذوي الأرحام (أقرب من بعض
في السبق إلى الوارث ورث) الأقرب (وأسقط غيره إذا كانوا من جهة واحدة كبنت بنت وبنت
بنت البنت) المال للأولى لقربها، (وإن كانوا) أي ذوو الأرحام (من جهتين) فأكثر (ف‍) - إنه
(ينزل البعيد حتى يلحق بوارثه، سواء سقط به القريب أو لا. كبنت بنت بنت وبنت أخ من
أم المال لبنت بنت البنت) (2) لأن جدتها وهي البنت تسقط الأخ لام ونص في رواية جماعة
في خالة وبنت خالة وبنت ابن عم: للخالة الثلث ولابنة ابن العم الثلثان. ولا تعطى بنت
الخالة شيئا. ومن خلف ثلاث خالات أب مفترقات وثلاث عمات أم مفترقات وثلاث
خالات أم مفترقات. فخالات الام بمنزلة أم الام وخالات الأب بمنزلة أم الأب. ولو خلف
الميت هاتين الجدتين. كان المال بينهما نصفين، فيكون نصيب كل واحدة منهما بين
أخواتها على خمسة. وتصح من عشرة. وتسقط عمات الام لأنهن بمنزلة أبي الام، وهو
غير وارث. فلو كان معهن عمات أب كان لخالات الأب والام السدس بينهما نصفين لما
تقدم أنها بمنزلة الجدتين. والباقي لعمات الأب لأنهن بمنزلة الجد وخالة أب وأم أبي أم
552

الكل للثانية لأنها بمنزلة الام. والأولى بمنزلة الجدة (والجهات) التي ترث بها ذوو الأرحام
كلهم (ثلاثة) (1) إحداها (أبوة) ويدخل فيها فروع الأب من الأجداد والجدات السواقط
وبنات الإخوة وأولاد الأخوات وبنات الأعمام والعمات وبناتهن وعمات الأب وعمات
الجد وإن علا (و) الثانية (أمومة) ويدخل فيها فروع الام من الأخوال والخالات وأعمام الام
وأعمام أبيها وأمها، وعمات الام وعمات أبيها وأمها وأخوال الام، وأخوال أبيها وأمها
وخالات الام وخالات أبيها وأمها (و) الثالثة (بنوة) ويدخل فيها: أولاد البنات وأولاد
بنات الابن، ووجه الانحصار في الثلاثة أن الواسطة بين الانسان وسائر أقاربه أبوه وأمه
وولده، لأن طرفه الأعلى أبواه لأنه ناشئ منهما. وطرفه الأسفل أولاده لأنه مبدؤهم. ومنه
نشأوا. فكل قريب إنما يدلي بواحد من هؤلاء. وتسقط بنت بنت أخ ببنت عمه لأن بنت
العمة تلقى الأب بثاني درجة وبنت بنت الأخ تلقاه بثالث درجة (ومن أدلى بقرابتين) من
ذوي الأرحام (ورث بهما فتجعل ذا القرابتين كشخصين) لأنه شخص له قرابتان لا يرجع
بهما. فورث بهما كزوج هو ابن عم (كابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى ومعه بنت بنت بنت
أخرى. فللابن الثلثان) جعلا له بمنزلة اثنين (وللبنت الثلث) وتصح من ثلاثة (فإن كانت
أمها واحدة فله ثلاثة أرباع المال) لأن له نصف ما كان لجدته لامه وهو الربع، وله جميع ما
كان لجدته لأبيه. وهو النصف. ولأخته لامه نصف ما كان لامها وهو الربع. ومن أمثلة
ذلك: بنتا أخت لأم إحداهما بنت أخ لأب وبنت أخت لأبوين. المسألة من اثني عشر،
لبنت الأخت من الأبوين ستة ولذات القرابتين أربعة من جهة أبيها وواحد من جهة أمها
وللأخرى واحد عمتان من أب أحدهما خالة من أم وخالة من أبوين هي من اثني عشر لذات
القرابتين خمسة وللعمة الأخرى أربعة وللخالة من الأبوين ثلاثة فإن كان معهما عم من أم
هو خال من أب صحت من تسعين لهذا العم الذي هو خال سبعة عشر وللعمة التي هي
553

خالة تسعة وعشرون وللعمة فقط أربعة وعشرون، وللخالة لأبوين عشرون (وإن اتفق معهم) أي
ذوي الأرحام (أحد الزوجين فأعطه فرضه) بالزوجية (غير محجوب) فلا يحجب الزوج من
النصف إلى الربع ولا الزوجة من الربع إلى الثمن بأحد من ذوي الأرحام (ولا يعادل) (1)
لأن فرض الزوجين بالنص وارث ذوي الأرحام غير منصوص عليه فلا يعارضه. ولذلك لا
يرث ذو الرحم مع ذي فرض. وإنما ورث مع أحد الزوجين لأنه لا يرد عليه. فيأخذ الزوج
أو الزوجة فرضه تاما (وأقسم الباقي) في أحد الزوجين (بينهم) أي ذوي الأرحام (كما لو
انفردوا) (2) عن أحد الزوجين (فإذا خلفت) المرأة (زوجا وبنت بنت وبنت أخت) لأبوين أو لأب
أو بنت أخ كذلك (فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين) كما لو انفردتا (وتصح من
أربعة) للزوج اثنان ولكل منهما واحد (وإن كان معه) أي الزوج (خالة وعمة أو) كان مع
الزوج (خالة وبنت عم أو) كان مع الزوجة خالة و (بنت ابن عم فللزوج النصف والباقي
للخالة ثلثه والعمة والعمة أو بنت العم أو بنت ابن العم ثلثاه) مخرج النصف من اثنين
للزوج واحد يبقى واحد لا ينقسم على ثلاثة ويباين فاضرب الثلاثة في اثنين (وتصح من
ستة) للزوج ثلاثة وللخالة واحد وللعمة أو بنت العم أو بنت ابن العم اثنان (وإن خلفت
زوجا وابن خال أبيها وبنتي أخيها) لغير أم (فللزوج النصف والباقي كأنه التركة بين ذوي
الأرحام. فابن خال أبيها يدلي بعمته وهي جدة الميتة. فيرث ميراثها وهو السدس) لقيامه
مقامها (فيكون له سدس الباقي) بعد فرض الزوج (ولبنتي أخيها باقية) لقيامها مقام الأخ
(وهو) أي الباقي (خمسة بينهما نصفين) فلا تنقسم فاضرب اثنين في (اثني عشر وتصح
من أربعة وعشرين للزوج) نصفها (اثنا عشر ولابن خال أبيها) سدس الباقي (سهمان
554

ولكل واحدة من بنتي الأخ خمسة ولا يعول هنا) أي في باب ذوي الأرحام من أصول
المسائل (إلا أصل ستة) ولا يعول إلا (إلى سبعة) لأن العول الزائدة على ذلك لا يكون
إلا لاحد الزوجين. وليس في مسائل ذوي الأرحام (كخالة وست بنات وست أخوات
مفترقات) للخالة السدس ولبنتي الأختين لأبوين الثلثان أربعة ولبنتي الأختين لام الثلث
اثنان ولا شئ لبنتي الأختين لأب مع الأختين لأبوين (وكأبي أم وبنت أخ لام وثلاث
بنات وثلاث أخوات مفترقات) لبنت الأخت لأبوين ثلاثة ولبنت الأخ لأب السدس تكملة
الثلثين واحد ولبنت الأخت لام وبنت الأخ لام الثلث اثنان لكل واحدة واحد ولأبي الام
السدس واحد ومجموع ذلك سبعة.
باب ميراث الحمل
بفتح الحاء ويطلق على كل ما في بطن كل حبلى. والمراد به هنا ما في بطن الآدمية
من ولد، ويقال: امرأة حامل وحاملة إذا كانت حبلى. فإذا حملت شيئا على ظهرها أو
رأسها فهي حاملة لا غير. وحمل الشجر ثمره بالفتح والكسر (يرث الحمل) بلا نزاع في
الجملة (ويثبت له الملك له بمجرد موت موروثه بشرط خروجه حيا) (1) قال في القواعد
الفقهية: الذي يقتضيه نص أحمد في الانفاق على أمه من نصيبه أنه يثبت له الملك بالإرث
من حين موت أبيه. وصرح بذلك ابن عقيل وغيره من الأصحاب. ونقل عن أحمد ما يدل
على خلافه، وإنه لا يثبت له الملك إلا بالوضع قال قبل ذلك وهذا تحقيق قول من قال:
هل الحمل له حكم أم لا؟ (فإذا مات) إنسان (عن حمل يرثه) ومع الحمل من يرث أيضا
ورضي بأن يوقف الامر إلى الوضع (وقف الامر) (2) إليه وهو أولى لتكون القسمة مرة واحدة
(فإن طلب بقية الورثة) قلت: أو بعضهم (القسمة لم) يجبروا عليه ولم (يعطوا كل المال
ووقف للحمل الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين) (3) لأن ولادة التوأمين كثيرة معتادة. فلا
555

يجوز قسم نصيبهما كالواحد. وما زاد عليهما نادر فلم يوقف له شئ كالخامس والسادس
(مثال كون الذكرين نصيبهما أكثر: لو خلف زوجة حاملا وابنا) فيدفع للزوجة ثمنها ويوقف
للحمل نصيب ذكرين، لأنه أكثر من نصيب أنثيين. وتصح من أربعة وعشرين، للزوجة
الثمن ثلاثة، وللابن سبعة. ويوقف للحمل أربعة عشر. وبعد الوضع لا يخفى الحال
(ومثاله في الأنثيين. كزوجة حامل مع أبوين) فالمسألة من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة
وعشرين إن كان الحمل أنثيين، فيوقف منها للحمل ستة عشر، ويعطى كل واحد من
الأبوين أربعة والزوجة ثلاثة (ومتى زادت الفروض على الثلث فميراث الإناث أكثر) لأنه
يفرض لهن الثلثان ويدخل النقص على الكل بالمحاصة. وإن نقصت كان ميراث الذكرين
أكثر، وإن استوت كأبوين وحمل استوى ميراث الذكرين والأنثيين (ومن لا يحجبه) الحمل
(يأخذ إرثه كاملا) كزوج أو زوجة مع أم حامل (و) يعطى (من ينقصه) الحمل (شيئا اليقين)
كأم في المثال تعطى السدس لاحتمال أن يكون حملها عددا فيحجبها عن الثلث إلى
السدس. وكذا من مات عن زوجة حامل تعطى الثمن لأنه اليقين (ومن سقط به) أي الحمل
(لم يعط شيئا) فمن مات عن حمل منه وعن أخ أو أخت أو عم لم يعط شيئا (فإذا ولد)
الحمل (وورث الموقوف كله دفع إليه) لأنه ميراثه والمراد إلى وليه (وإن زاد) ما وقف له
عن ميراثه (رد الباقي لمستحقه وإن أعوز شيئا) بأن وقف له نصيب ذكرين فولدت ثلاثة
(رجع على من هو في يده) بباقي ميراثه وربما لا يرث الحمل إلا إذا كان أنثى كزوج وأخت لأبوين وامرأة أب حامل يوقف له سهم من سبعة، فإن ولدته أنثى فأكثر من الإناث أخذته،
وإن ولدته ذكر أو ذكر وأنثى فأكثر، اقتسمه الزوج والأخت. وربما لا يرث إلا إذا كان ذكرا
كبنت وعم وامرأة أخ حامل فإنه يوقف له ما فضل عن إرث البنت وهو ونصف. فإن ظهر
ذكرا أخذه وأنثى أخذه العم (ولو مات كافر) بدارنا (عن حمل منه لم يرثه للحكم بإسلامه
قبل وضعه) نص عليه. قاله في المحرر (1) وهذا هو الذي أشار إليه ابن رجب فيما سبق
بقوله: ونقل عن أحمد ما يدل على خلافه. لأن هذا يقتضي أنه إنما يحكم بإرثه بالوضع
وأن الاسلام سبق، فيكون مخالفا لدين مورثه. فلا يرثه. وأما إذا قلنا: يرث بالموت. فلا
يمنع الاسلام الطارئ بعد لأنه متأخر عن الحكم بالإرث ولذلك قال في الفروع: وقيل
556

يرثه وهو أظهر وهو مقتضى ما قدمه المصنف أول الباب (وكذا لو كان) الحمل (من كافر
غيره) أي الميت (فأسلمت أمه قبل وضعه مثل أن يخلف) كافر (أمه) الكافرة (حاملا من غير
أبيه) ثم تسلم فيتبعها حملها ولا يرث للحكم بإسلامه قبل الوضع. وعلى مقتضى القول بأنه
يرثه بالموت يرث هنا أيضا لتأخر الاسلام عنه (ويرث طفل حكم بإسلامه بموت أحد أبويه
منه) (1) أي من الذي حكم بإسلامه بموته، لأن المانع لم يتقدم الحكم بالإرث، وإنما
قارنه. وهذا يرجع إلى ثبوت الحكم مع مقارنة المانع له، لأن الاسلام سبب المنع والمنع
يترتب عليه، والحكم بالتوريث سابق على المنع لاقترانه بسببه (ويرث الحمل ويورث) عنه
ما ملكه بنحو إرث أو وصية (بشرطين. أحدهما: أن يعلم أنه كان موجودا حال موت
مورثه، بأن تأتي به أمه لأقل من ستة أشهر) (2) فراشا كانت أو لا إذ هي أقل مدة الحمل.
فحياته دليل أنه كان موجودا قبل: (فإن أتت به) أمه (لأكثر من ذلك) أي من ستة أشهر (وكان
لها زوج) يطؤها (أو) لها (سيد يطؤها لم يرث) لاحتمال تجدده بعد الموت (إلا أن تقر
الورثة أنه كان موجودا حال الموت) فيلزمهم دفع ميراثه إليه مؤاخذة لهم بإقرارهم (وإن
كانت) التي وضعت الحمل (لا توطأ لعدمهما) أي السيد والزوج (أو غيبتهما أو اجتنابهما
الوطئ عجزا أو قصدا أو غيره ورث، ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل أربع سنين) إناطة للحكم
بسببه الظاهر. وتقدم نظيره في الوصية الشرط (الثاني: أن تضعه حيا كما تقدم. وتعلم
حياته إذا استهل بعد وضع كله صارخا) (3) لحديث أبي هريرة مرفوعا: إذا استهل المولود
صارخا ورث (4) رواه أحمد وأبو داود. وروى ابن ماجة بإسناده مرفوعا مثله (5). قال في
القاموس: واستهل الصبي رفع صوته بالبكاء كأهل. وكذا كل متكلم رفع صوته أو خفض
557

انتهى. فصارخا حال مؤكدة. كقوله تعالى: * (فتبسم ضاحكا) * [النمل: 19]. (أو عطس) بفتح
الطاء في الماضي وضمها وكسرها في المضارع (أو بكى أو ارتضع أو تحرك طويلة أو
تنفس، وطال زمن التنفس ونحو ذلك مما يدل على حياته) كسعال لأن هذه الأشياء دالة على
الحياة المستقرة. فيثبت له أحكام الحي كالمستهل (لا) ب‍ (- حركة يسيرة أو اختلاج أو تنفس يسير)
لأنها لا تدل على حياة مستقرة. ولو علمت الحياة إذن، لأنه لا يعلم استقرارها لاحتمال
كونها كحركة المذبوح فإن الحيوان يتحرك بعد ذبحه شديدا وهو كميت.
قلت: فيؤخذ منه أن المولود لدون ستة أشهر لا يرث بحال. للقطع بعدم استقرار
حياته فهو كالميت (وإن خرج بعضه حيا فاستهل) أي صوت (ثم انفصل ميتا. لم يرث) (1) وكان
كما لو لم يستهل (وإن جهل مستهل من توأمين) ذكر وأنثى و (إرثهما مختلف) بأن كانا من
غير ولد الام (عين) المستهل (بقرعة) كما لو طلق واحدة من نسائه ولم تعلم عينها بعد موته.
وقال الخيري: ليس في هذا عن السلف نص. وقال بعض الفرضيين: تعمل المسألة على
الحالين. ويعطى كل وارث اليقين. ويوقف الباقي حتى يصطلحوا عليه. ومن خلف أما
وزوجة وورثته لا تحجب ولدها لم توطأ حتى تستبرأ ليعلم أحامل أو لا، فإن وطئت وولدته
بعد فقد تقدم في الشرط الأول (ولو زوج أمته بحر) بشرطية ولم يشترط حرية ولده (فأحبلها
فقال السيد: إن كان حملك ذكرا فأنت وهو رقيقان. وإلا فأنتما حران) فعلى ما قال: فإن
ولدت ذكرا لم تعتق ولم يعتق، وإن ولدت أنثى تبينا أنها عتقت من حين التعليق، لكن قوله،
إن ولدت ذكرا فأنت وهو رقيقان لا أثر له، وإنما الأثر لما بعده و (هي القائلة إن ألد ذكرا
لم أرث ولم يرث) لبقائهما في الرق (وإلا) أي وإن ولدت أنثى (ورثنا) (2) أي ورثت
وورثت لأنهما حران حال الموت (ومن خلفت زوجا وأما وأخوة لام) اثنين فأكثر (وامرأة
أب حامل. فهي القائلة، إن ألد أنثى ورثت لا ذكرا) (3) لأنها إن ولدت أنثى واحدة أعيل لها
558

بالنصف فتعول المسألة إلى تسعة، وإن ولدت أنثيين أعيل لهما بالثلثين. وتعول إلى عشرة
وتقدمت، وإن ولدت ذكرا فأكثر أو مع أنثى فأكثر لم يرثوا لأنهم عصبة. وقد استغرقت
الفروض التركة. وكذا الحكم لو كانت أمها هي القائلة على المذهب من أن عصبة الأشقاء
لا يرث في المشركة. ومن مات عن بنتين وبنت ابن حامل من ابن ابن له آخر مات قبله
فهي القائلة: إن ألد ذكرا ورثنا لا أنثى.
باب ميراث المفقود
من فقدت الشئ أفقده فقدا وفقدانا، بكسر الفاء وضمها. والفقد: أن تطلب الشئ
فلا تجده والمراد به هنا: من لا تعلم له حياة ولا موت، لانقطاع خبره. وهو قسمان.
الأول (من انقطع خبره ولو) كان (عبدا لغيبة ظاهرها السلامة، كأسر) فإن الأسير معلوم من
حاله، أنه غير متمكن من المجئ إلى أهله (وتجارة) فإن التاجر قد يشتغل بتجارته عن
العودة إلى أهله (وسياحة) فإن السائح قد يختار المقام ببعض البلاد النائية عن بلده (و) الذي
يغلب على الظن في هذه الأحوال ونحوها ك‍ (- طلب علم) السلامة (انتظر به تتمة تسعين
سنة منذ ولد) لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا. وهذا المذهب نص عليه. وصححه
في المذهب (1) وغيره. وعنه ينتظر به حتى يتيقن موته أو تمضي عليه مدة لا يعيش من
مثلها. وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم. وبه قال الشافعي (2) ومحمد بن الحسن وهو
المشهور عن أبي (3) حنيفة ومالك (4) وأبي يوسف. لأن الأصل حياته (فإن فقد ابن تسعين
اجتهد الحاكم) في تقدير مدة انتظاره. القسم الثاني: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك
وهو المشار إليه بقوله (وإن كان غالبها) أي غالب أحوال غيبته (الهلاك، كمن غرق مركبه
فسلم قوم دون قوم، أو فقد من بين أهله، كمن يخرج إلى الصلاة) فلا يعود (أو) يخرج
559

(إلى حاجة قريبة فلا يعود، أو) فقد (في مفازة مهلكة، كمفازة الحجاز) قال في المبدع:
مهلكة بفتح الميم واللام، ويجوز كسرهما حكاهما أبو السعادات، ويجوز ضم الميم مع
كسر اللام اسم فاعل. من أهلكت فهي مهلكة، وهي أرض يكثر فيها الهلاك انتهى.
وتسميتها مفازة تفاؤلا (أو) فقد (بين الصفين حال التحام القتال انتظر تمام أربع سنين منذ
فقد) لأنها مدة يتكرر فيها تردد المسافرين والتجار، فانقطاع خبره عن أهله مع غيبته على
هذا الوجه يغلب ظن الهلاك إذ لو كان باقيا لم ينقطع خبره إلى هذه الغاية. فلذلك حكم
بموته في الظاهر (فإن لم يعلم خبره) بعد التسعين في القسم الأول أو الأربع في القسم
الثاني (قسم ماله) (1) بين ورثته (واعتدت امرأته عدة الوفاة وحلت للأزواج) (2) لاتفاق الصحابة
على ذلك (ويأتي) ذلك (في العدد) موضحا (ويزكى ماله لما مضى قبل قسمه) لأن الزكاة
حق واجب في المال. فيلزم أداؤها (ولا يرثه) أي المفقود (إلا الاحياء من ورثته وقت قسم
ماله) وهو عند تتمة المدة من التسعين. أو الأربع على ما تقدم، لما سبق أن من شروط
الإرث: تحقق حياة الوارث عند موت الموروث، وهذا الوقت بمنزلة وقت موته. و (لا)
يرث من المفقود (من مات) من ورثته (قبل ذلك) أي الوقت الذي يقسم ماله فيه. لأنه
بمنزلة من مات في حياته لأنها الأصل (فإن قدم) المفقود (بعد قسمه) أي المال (أخذ ما
وجده) من المال (بعينه) بيد الوارث أو غيره، لأنه قد تبين عدم انتقال ملكه عنه (ورجع
على من أخذ الباقي) (3) بعد الموجود بمثل مثلي وقيمة متقوم، لتعذر رده بعينه (وإن مات
مورثه) أي من يرثه المفقود (في مدة التربص) وهي المدة التي قلنا ينتظر به فيها (أخذ كل
وارث) غير المفقود من تركة المتوفى (اليقين) وهو مالا يمكن أن ينقص عنه من حياة
المفقود أو موته (ووقف الباقي) (4) حق يتيقن أمره أو تمضي مدة الانتظار، لأنه مال لا يعلم
الآن مستحقه. أشبه الذي ينقص نصيبه بالحمل (وطريق العمل في ذلك) أي في معرفة
560

اليقين (أن تعمل المسألة على أنه) أي المفقود (حي) وتصححها (ثم) تعمل المسألة (على أنه
ميت) وتصححها (ثم تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو) تضرب إحداهما (في وفقها)
أي الأخرى (إن اتفقتا، وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا، و) تجتزئ (بأكثرهما إن تداخلتا)
وفائدة هذا العمل: تحصيل أقل عدد ينقسم على المسألتين ليعلم اليقين (وتدفع إلى كل
وارث اليقين. وهو أقل النصيبين) لأن ما زاد عليه مشكوك في استحقاقه له (ومن سقط في
إحداهما) أي إحدى المسألتين (لم يأخذ شيئا) (1) لأن كلا من تقدير الحياة أو الموت
معارض باحتمال ضده. فلم يكن له شئ متيقن. ومن أمثلة ذلك: لو مات أبو المفقود
وخلف ابنه المفقود وزوجة وأما وأخا. فالمسألة على تقدير الحياة من أربعة وعشرين.
للزوجة ثلاثة. وللأم أربعة وللابن المفقود سبعة عشر، ولا شئ للأخ. وعلى تقدير الموت
من اثني عشر، للزوجة ثلاثة. وللأم أربعة، وللأخ خمسة. والمسألتان متناسبتان. فتجتزئ
بأكثرهما. وهي أربعة وعشرون للزوجة منها على تقدير الحياة ثلاثة، وهي الثمن من أربعة
وعشرين. وعلى تقدير الموت لها ثلاثة من اثني عشر، وهي الربع مضروبة في مخرج
النسبة بين المسألتين وهي اثنان. لأن نسبة الاثني عشر إلى الأربعة والعشرين نصف.
ومخرج النصف اثنان. والحاصل من ضرب ثلاثة من اثنين ستة. فتعطيها الثلاثة لأنها أقل،
وللأم على تقدير الحياة أربعة من أربعة وعشرين وهي السدس، وعلى تقدير الموت أربعة
من اثني عشر. في اثنين بثمانية. فتعطيها الأربعة، وللأخ من مسألة الموت وحدها خمسة
في اثنين بعشرة، ولا شئ له من مسألة الحياة. فلا تعطيه شيئا. وتقف السبعة عشر (فإن
بان) المفقود كالابن في المثال (حيا يوم موت موروثه فله حقه) وهو السبعة عشر الموقوفة
في المثال، لأنه قد تبين أنها له (والباقي) إن كان (لمستحقه) من الورثة (وإن بان) المفقود
(ميتا) ولو لم يتحقق أنه قبل موت مورثه. فالموقوف لورثة الميت الأول. لانتفاء شرط إرثه
(أو مضت مدة تربصه ولم يبن حاله) بأن لم تعلم حياته بقدومه أو غيره حين. موت
موروثه، ولم يعلم موته حين ذاك (فالموقوف لورثة الميت الأول) قطع به في المغني (2)،
وقدمه في الرعايتين، والمذهب أنه إن لم يعلم موت المفقود حين موت مورثه. فحكم ما
561

وقف له كبقية ماله، فيورث عنه ويقضى منه دينه في مدة تربصه، وينفق منه على زوجته
وبهيمته. لأنه لا يحكم بموته إلا عند انقضاء زمن تربصه. صححه في الانصاف (1)
والمحرر (2) والنظم. وقطع به في الكافي (3) والوجيز وشرح ابن منجا والمنتهى (4) (والباقي
الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه) أي المفقود (فيقتسموه) لأن الحق فيه لا يعد
وهم (كأخ مفقود في الأكدرية) بأن ماتت أخت المفقود زمن تربصه عن زوج وأم وأخت
وجد وأخيها المفقود (مسألة الحياة) من ثمانية عشر، للزوج تسعة، وللأم ثلاثة. وللجد
ثلاثة، وللأخت واحدة، وللمفقود اثنان (و) مسألة (الموت من) سبعة وعشرين للزوج
تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة، وبين المسألتين موافقة بالاتساع،
فتضرب تسع أحدهما في الأخرى تبلغ (أربعة وخمسين، للزوج ثلث المال) ثمانية عشر لأنه
اليقين (وللأم سدس) المال تسعة لأنه أقل ما ترثه من المسألتين (وللجد تسعة) بتقديم التاء
على السين وهي السدس (من مسألة الحياة) لأنه أقل ما يرثه في الحالين (وللأخت منها) أي
من مسألة الحياة (ثلاثة) لأنها اليقين (ويبقى خمسة عشر موقوفة) حتى يتبين الحال، أو
تمضي مدة التربص (للمفقود بتقدير حياته ستة) لأن له مثل ما للأخت (وتبقى تسعة زادت
عن نصيبه) أي المفقود بين الورثة لا حق له فيها فلهم أن يصطلحوا عليها لأنها لا تخرج
عنهم (ولهم) أي الورثة (أن يصطلحوا على كل الموقوف إذا لم يكن للمفقود فيه حق، بأن
يكون) المفقود (ممن يحجب غيره) من الورثة (ولا يرث. كما لو خلف الميت أما وجدا
وأختا لأبوين وأختا لأب مفقود) فعلى تقدير الحياة للأم السدس، والباقي بين الجد
والأختين على أربعة. وتصح من أربعة وعشرين للأم السدس أربعة وللجد عشرة، ولكل
واحدة من الأختين خمسة. ثم تأخذ الأخت من الأبوين ما سمي لأختها فيصير معها عشرة
لما تقدم في مسائل المعادة. وعلى تقدير الموت للأم الثلث، ويبقى الثلثان بين الجد
والأخت على ثلاثة. وتصح من تسعة للام ثلاثة، وللجد أربعة وللأخت سهمان. وبين
562

المسألتين توافق بالأثلاث. فاضرب ثلث إحداهما في الأخرى يبلغ اثنين وسبعين، للام اثنا
عشر، وللجد ثلاثون، وللأخت ستة عشر، يبقى أربعة عشر موقوفة بينهم لا حق للمفقود
فيها (وكذا إن كان) المفقود (أخا لأب عصب أخته مع زوج وأخت لأبوين) فمسألة الحياة
من اثنين للزوج واحد، وللشقيقة واحد. ومسألة الموت من ستة. وتعول إلى سبعة. للزوج
ثلاثة والشقيقة ثلاثة، وللأخت لأب واحد فتضرب اثنين في سبعة للتباين بأربعة عشر للزوج
ستة، وللشقيقة مثله يبقى اثنان موقوفان لا حق للمفقود فيها، (وإن حصل لأسير) شئ (من
ريع وقف عليه حفظه وكيله ومن ينتقل الوقف إليه) جميعا. قاله الشيخ تقي الدين (ولا
ينفرد أحدهما بحفظه) قال في الفروع: ويتوجه وجه يكفي وكيله. قال في الانصاف:
ويتوجه أن يحفظه الحاكم إذا عدم الوكيل (1) (ومن أشكل نسبه) من عدد محصور ورجى
انكشافه (فكمفقود) (2) إذا مات أحد من الواطئين لامه وقف له نصيبه منه على تقدير إلحاقه
به، وإن لم يرج زوال أشكاله بأن عرض على القافة فأشكل عليهم ونحو ذلك، لم يوقف له
شئ (ومفقودان فأكثر كخناثى في التنزيل) بعدد أحوالهم لا غير، دون العمل بالحالين قاله
في الرعاية الكبرى فزوج وأبوان وابنتان مفقودتان مسألة حياتهما من خمسة عشر وحياة
إحداهما من ثلاثة عشر وموتهما من ستة فتضرب ثلث الستة في خمسة عشر، ثم في ثلاثة
عشر، تكن ثلاثمائة وتسعين، ثم تعطي الزوج والأبوين حقوقهم من مسألة الحياة مضروبة
في اثنين، ثم في ثلاثة عشر وتقف الباقي قاله في المغني والشرح بعد ذكرهما هذا المثال.
وإن كان في المسألة ثلاثة مفقودون عملت لهم أربع مسائل. وإن كانوا أربعة عملت خمس
مسائل وعلى هذا (ولو قال رجل) أو امرأة عن مجهولي النسب: (أحد هذين ابني) مع
إمكان كونهما منه (ثبت نسب أحدهما) منه مؤاخذة له بإقراره (فيعينه) أي فيؤمر بتعيينه لان
في تركه تضييعا لنسبه. وإن كان توأمان ثبت نسبهما كما يعلم مما يأتي فيما يلحق من
النسب (فإن مات) قبل أن يعينه (عينه وارث) لقيامه مقام مورثه (فإن تعذر) الوارث أو كان
لا يعلمه (أري القافة) كل منهما. فمن ألحقته به تعين (فإن تعذر) أن يرى القافة بأن مات
أيضا أو لم توجد، أو أشكل عليها (عين أحدهما بالقرعة) (3) أي أقرع بينهما فمن خرجت
563

له القرعة عتق إن كانا رقيقه، كما لو قال: أحدهما حر ثم مات قبل أن يعينه. وقد تبع
المصنف الفروع في العبارة، قال في شرح المنتهى: وفي بعض نسخ الفروع عين بالبناء
للمفعول من التعيين. والظاهر أنه تصحيف، وأن الصواب عتق أو أن معناها عين المعتق.
فإن قال عقب ذلك (ولا مدخل للقرعة في النسب على ما يأتي) ولا يرث ولا وقف ويصرف
نصيب ابن لبيت المال (1). ذكره في المنتخب عن القاضي للعلم باستحقاق أحدهما.
باب ميراث الخنثى المشكل
من خنث الطعام إذا اشتبه فلم يخلص طعمه (وهو الذي له) شكل (ذكر) رجل (و)
شكل (فرج امرأة، أو) له (ثقب مكان الفرج يخرج منه البول وينقسم) الخنثى (إلى مشكل
وغير مشكل) من أشكل الامر التبس (فإن ظهرت فيه علامات الرجال من نبات لحيته،
وخروج المني من ذكره) قال في المغني والشرح (وكونه مني رجل ف‍) - الخنثى (رجل)
عملا بالعلامة للزوم اطرادها (أو) ظهرت فيه (علامات النساء من الحيض والحمل وسقوط
الثديين أو تفلكهما) قال في القاموس: وفلك ثديها، وأفلك، وتفلك. استدار (فهو
امرأة) (2) عملا بالعلامة (وليس بمشكل فيهما إنما هو رجل، فيه خلقة زائدة) في الأولى (أو
امرأة فيها خلقة زائدة) في الثانية (وحكمه) أي المتضح (في إرثه وغيره) كالنكاح ونقض
الوضوء وإيجاب الغسل والعورة وغيرها (حكم من ظهرت علامته) من رجل أو امرأة (و)
الخنثى (الذي لا علامة فيه) على ذكورية أو أنوثية (مشكل) لالتباس أمره (ولا يكون)
المشكل (أبا ولا أما ولا جدا ولا جدة) وإلا لاتضحت ذكوريته أو أنوثيته (ولا) يكون
المشكل أيضا (زوجا ولا زوجة) لما يأتي في النكاح: أنه لا يصح تزويجه ما دام مشكلا
(وينحصر إشكاله في الإرث في الولد وولد الابن والأخ لغير أم وولد الأخ لغير أم والعم
564

وولده والولاء) إذ كل واحد من المذكورين يمكن أن يكون ذكرا وأن يكون أنثى (فإن بال)
من ذكره فذكر، أو من فرجه فأنثى، حكاه ابن المنذر إجماعا (1). (أو سبق بوله من من ذكره
فذكر، أو عكسه فأنثى) قال ابن اللبان: روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن
النبي (ص) سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث؟ قال: من حيث يبول وروى أنه (ص)
أتى بخنثى من الأنصار، فقال: ورثوه بأول ما يبول منه (2) (وإن خرجا) أي خرج البول من
الفرجين (معا اعتبر أكثرهما) (3) خروجا منه. قال ابن حمدان قدرا وعددا لأن له تأثيرا.
انتهى، لأن الكثرة مزية لإحدى العلامتين فيعتبر بها كالسبق (فإن استويا) أي استوى
المحلان في قدر ما يخرج من كل واحد منهما من البول (ف‍) - الخنثى (مشكل) لأنه أشكل
أمره بعدم تمييزه بشئ مما تقدم (فإن كان يرجى انكشاف حاله وهو الصغير) الذي لم يبلغ
(أعطي هو ومن معه اليقين) من التركة، وهو ما يرثه على كل تقدير (ومن سقط به) أي
بالخنثى (في إحدى الحالتين، لم يعط شيئا) كولد خنثى مع أخ لغير أم، يعطى الخنثى
النصف لاحتمال أنوثيته. ولا يعطى الأخ شيئا لاحتمال ذكورة الولد (ويوقف الباقي حتى
يبلغ) الخنثى (فتظهر فيه علامات الرجال، أو) علامات (النساء) فيزول الاشكال (وإن يئس
من ذلك) أي من ظهور العلامات فيه (بموته) أي الخنثى (أو عدم العلامات بعد بلوغه) بأن
بلغ بلا أمارة تظهر بها ذكوريته أو أنوثيته (فإن ورث) الخنثى (بكونه ذكرا فقط) أي لا بكونه
أنثى (كولد أخي الميت، أو) ك‍ (- عمه) أو ولد عمه (فله نصف ميراث ذكر فقط. كزوج
وبنت وولد أخ خنثى) (4) صفة لولد (تصح) المسألة (من ثمانية) لأن مسألة الذكورية من
565

أربعة، ومسألة الأنوثية من أربعة، للزوج الربع واحد، والباقي للبنت فرضا وردا، والأربعة
والأربعة متماثلان. فتكتفي بإحداهما وتضربها في اثنين عدد حالي الخنثى، يحصل ما ذكر
(للزوج سهمان، وللبنت خمسة، وللخنثى سهم. وإن ورث) الخنثى (بكونه أنثى فقط. فله
نصف ميراث أنثى فقط. كزوج وأخت لأبوين وولد أب خنثى) مسألة الذكورية من اثنين،
ومسألة الأنوثية من سبعة بالعول. وهما متباينتان وحاصل ضرب اثنين في سبعة، أربعة عشر
تضربها في الحالين (تصح من ثمانية وعشرين. للخنثى سهمان) لأن له من السبعة واحدا في
اثنين باثنين. ولا شئ له من الاثنين (ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر) لأن لكل واحد
منهما واحدا من اثنين في سبعة بسبعة وثلاثة من سبعة في اثنين بستة، ومجموعها ما ذكر
(وإن ورث بهما) أي بالذكورة والأنوثة (متساويا كولد الام فله السدس) بكل حال (وإن كان)
الخنثى (معتقا فهو عصبة) لأنه إما ذكر أو أنثى. والمعتق لا يختلف إرثه من عتيقه باعتبار
ذلك (وإن ورث) الخنثى (بهما) أي بالذكورة والأنوثة (متفاضلا. فطريق العمل: أن تعمل
المسألة على أنه) أي الخنثى (ذكر، ثم) تعمل المسألة أيضا (على أنه أنثى. ويسمى هذا)
المذهب (مذهب المنزلين) وهو اختيار الأصحاب (ثم اضرب إحداهما في الأخرى إن
تباينتا، أو) اضرب (وفقها) أي وفق إحداهما في الأخرى (إن اتفقتا واجتز بإحداهما إن
تماثلتا، و) اجتز (بأكثرهما إن تداخلتا، ثم اضرب الحاصل) من ضرب إحدى المسألتين في
الأخرى، وضرب وفقها في الأخرى، أو إحداهما إن تماثلتا أو أكثرهما عند التداخل (في
حالين) فما بلغ فمنه تصح (ثم) تقسم ف‍ (- من له شئ من إحدى المسألتين اضربه في
الأخرى إن تباينتا، أو) اضربه (في وفقها إن توافقتا واجمع ماله فيهما إن تماثلتا) (1) فما
اجتمع فله (ومن له شئ من أقل العددين) المتداخلين (اضربه في) مخرج (نسبة أقل
المسألتين إلى الأخرى، ثم يضاف إلى ماله من أكثرهما إن تباينتا) فما اجتمع فله (فإن كان
ابن وبنت وولد خنثى) مشكل، وعملت بهذا الطريق (فمسألة ذكوريته من خمسة) عدد
566

رؤوس الابنين والبنت (و) مسألة (أنوثيته من أربعة) عدد رؤوس الابن والبنتين والخمسة
والأربعة متباينتان (فاضرب إحداهما في الأخرى لتباينهما تكن عشرين، ثم) اضرب العشرين
(في الحالين، أي في اثنين) عدد حال الذكورة وحال الأنوثة (تكن أربعين) ومنها تصح
(للبنت سهم من أربعة في خمسة) بخمسة (و) لها (سهم من خمسة في أربعة) بأربعة فأعطها
(سبعة، وللذكر سهمان) من أربعة (في خمسة) بعشرة (و) له (سهمان) من خمسة (في
أربعة) بثمانية يجتمع له (ثمانية عشر) أعطه إياها (وللخنثى) من مسألة الأنوثة (سهم في
خمسة) وهي مسألة الذكورية (و) له (سهمان) من خمسة (في أربعة) يجتمع له (ثلاثة عشر)
واجمع السهام تكن أربعين هذا مثال التباين (ومثال التوافق: زوج وأم وولد أب خنثى.
مسألة الذكورية من ستة) للزوج ثلاثة، وللأم اثنان، ولولد الأب الباقي (ومسألة الأنوثية من)
ستة، وتعول إلى (ثمانية) للزوج ثلاثة وللأم سهمان، وللخنثى ثلاثة و (بينهما) أي
المسألتين (موافقة بالأنصاف، فاضرب ستة في أربعة تكن أربعة وعشرين، ثم) اضربها (في
حالين) أي اثنين (تكن ثمانية وأربعين) ثم اقسمها على ما تقدم، للزوج من الستة ثلاثة في
أربعة. وله من الثمانية ثلاثة في ثلاثة. فله أحد وعشرون، وللأم اثنان من ستة في أربعة
واثنان من ثمانية في ثلاثة أربعة عشر، وللخنثى واحد من ستة في أربعة وثلاثة من ثمانية في
ثلاثة عشر (ومثال التماثل: زوجة وولد خنثى وعم مسألة الذكورية) من (ثمانية) للزوجة
واحد، وللخنثى الباقي سبعة. ولا شئ للعم (ومسألة الأنوثة كذلك) من ثمانية للزوجة
واحد، وللخنثى أربعة، وللعم الباقي ثلاثة (فاجتز بإحداهما) للتماثل (ثم اضربها في حالين
تكن ستة عشر) للزوجة اثنان، وللخنثى أحد عشر، وللعم ثلاثة (ومثال التناسب: أم وبنت
وولد خنثى وعم. مسألة الذكورية من ستة) مخرج السدس، للام واحد، وللبنت والخنثى ما
بقي على ثلاثة لا ينقسم، ولا يوافق فاضرب ثلاثة في ستة (وتصح من ثمانية عشر) للام
ثلاثة وللبنت خمسة، وللخنثى عشرة (ومسألة الأنوثية من ستة وتصح منها) للام واحد،
وللبنت اثنان، وللخنثى اثنان، ويبقى للعم واحد والستة داخلة في الثمانية عشر (فاجتز
567

بالثمانية عشر ثم اضربها في حالين تكن ستة وثلاثين) ثم اقسمها، للام من مسألة الذكورية
ثلاثة ومن مسألة الأنوثية واحد مضروب في ثلاثة وهي مخرج الثلث. لأن نسبة الستة إلى
الثمانية عشر ثلث فلها ستة، وللبنت من مسألة الذكورية خمسة، ومن مسألة الأنوثية اثنان
في ثلاثة بستة فلها أحد عشر، وللخنثى من مسألة الذكورية عشرة ومن مسألة الأنوثية
اثنان في ثلاثة بستة عشر، وللعم من مسألة الأنوثية واحد في ثلاثة بثلاثة. ولك في العمل
طريق آخر: وهو أن تنسب ما لكل واحد من الورثة من الخنثى ومن معه إلى التركة على
كلا التقديرين، ثم خذ له نصفه وابسط الكسور التي تجتمع معك من مخرج مجمعها يحصل
المطلوب. ففي المثال الأخير: للام من الذكورية السدس ومن الأنوثية السدس أيضا،
ومجموعهما ثلث فأعطها نصفه وهو سدس، وللبنت من مسألة الأنوثية ثلث ومن الذكورية
سدس وثلثا سدس، يجتمع نصف وثلثا سدس. أعطها نصفها ربعا وثلث سدس، وللخنثى
ثلثان وتسعان في الحالين ونصفها ثلث وتسع، وللعم من مسألة الأنوثية السدس. ولا شئ
له من الذكورية فأعطه نصفه ومخرج الكسور المتحصلة ستة وثلاثون وبسطها منه ما تقدم
في العمل الأول (وإن كانا خنثيين فأكثر نزلتهم بعدد أحوالهم. فتجعل للاثنين أربعة أحوال
وللثلاثة ثمانية) أحوال (وللأربعة ستة عشر) حالا (وللخمسة اثنين وثلاثين) حالا، واجعل
لكل حال مسألة وانظر بينها. وحصل أقل عدد ينقسم عليها كما تقدم في الانكسار على
فرق (فما بلغ من ضرب المسائل) بعضها في بعض مع اعتبار الموافقة والتناسب والتماثل إن
كان (اضربه في عدد أحوالهم. واجمع ما حصل لهم في الأحوال كلها مما صحت منه قبل
الضرب في عدد الأحوال هذا إن كانوا من جهة واحدة) كابن وولدين خنثيين فلها أربعة
أحوال، حال ذكورية وهي من ثلاثة، وحال أنوثية من أربعة، وحال ذكرين وأنثى، وحال
ذكرين وأنثى أيضا من خمسة خمسة فتضرب ثلاثة في أربعة والحاصل في خمسة تبلغ ستين
وتسقط الخمسة الثانية للتماثل، ثم اضرب الستين في عدد الأحوال أربعة تبلغ مائتين
وأربعين، للابن في الذكورية ثلث الستين عشرون، وفي مسألة الأنوثية نصفها ثلاثون، وفي
مسألتي ذكرين وأنثى خمسان أربعة وعشرون وأربعة وعشرون يجتمع له ثمانية وتسعون،
وللخنثيين في مسألة الذكورية الثلثان أربعون وفي الأنوثية نصفها ثلاثون، وفي مسألتي ذكرين
وأنثى ثلاثة أخماس ستة وثلاثون، فمجموع ما لهما مائة واثنان وأربعون لكل خنثى أحد
وسبعون (وإن كانوا) أي الخناثى (من جهات) أي من جهتين فأكثر (جمعت ما لكل واحد)
568

من الورثة (من الأحوال وقسمته على عدد الأحوال كلها. فالخارج بالقسم نصيبه) نحو: ولد
خنثى وولد أخ خنثى وعم. فإن كان الولد وولد الأخ ذكرين فالمال للولد، وإن كانا أنثيين
فللولد النصف والباقي للعم. وإن كان الولد ذكرا وولد الأخ أنثى فالمال للولد. وإن كان ولد
الأخ ذكرا والولد أنثى كان للولد النصف والباقي لولد الأخ. فالمسألة في حالين من واحد.
وفي حالين من اثنين فتكتفي باثنين وتضربها في عدد الأحوال أربعة تبلغ ثمانية. ومنها تصح،
للولد المال في حالين والنصف في حالين ومجموع ذلك أربعة وعشرون اقسمها على أربعة
عدد الأحوال يخرج له ستة، ولولد الأخ أربعة في حال فقط فاقسمها على أربعة يخرج له
واحد وكذلك العم (ولو صالح الخنثى المشكل من منعه) من الورثة (على ما وقف له صح)
الصلح (إن كان) الصلح (بعد بلوغه) (1) ورشده لأنه إذن جائز التصرف (قال الموفق) في
المغني (وجدنا في عصرنا) شيئا شبيها بهذا لم يذكره الفرضيون ولم يسمعوا به. فإنا وجدنا
(شخصين ليس لهما في قبلهما مخرج لا ذكر ولا فرج) أما (أحدهما) فذكروا أنه (ليس له في
قبله إلا لحمة كالزبرة يرشح البول منها) رشحا (على الدوام. والثاني ليس له إلا مخرج واحد
فيما بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول) (2) وسألت من أخبرني عنه عن زيه فأخبرني أنه إنما
يلبس لباس النساء ويخالطهن ويغزل معهن ويعد نفسه امرأة (وقال: وحدثت أن في بلاد العجم
شخصا ليس له مخرج أصلا، لا قبل ولا دبر، وإنما يتقيأ ما يأكله ويشربه. قال: فهذا وما
أشبهه في معنى الخنثى، لكنه لا يكون اعتباره بمباله. فإن لم يكن له علامة أخرى فهو مشكل
ينبغي أن يثبت له حكمه في ميراثه وأحكامه كلها) (3).
باب ميراث الغرقى ومن عمي أي خفي موتهم
بأن لم يعلم أيهم مات أولا، كالهدمى. والغرقى جمع غريق (إذا مات متوارثان بغرق
569

أو هدم) بأن انهدم عليهما بيت ونحوه (أو غير ذلك) كطاعون (وجهل أولهما موتا أو علم)
أولهما موتا (ثم نسي أو جهلوا عينه) بأن علم السبق وجهل السابق، أو جهل الحال (ولم
يختلفوا في السابق) بأن لم يدع ورثة كل سبق موت الآخر (ورث كل واحد من الموتى
صاحبه) (1) هذا قول عمر وعلي. قال الشعبي وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل
البيت يموتون عن آخرهم، فكتب في ذلك إلى عمر، فأمر عمر. أن ورثوا بعضهم من
بعض قال أحمد: اذهب إلى قول عمر. وروي عن إياس المزني: أن النبي (ص) سئل عن
قوم وقع عليهم بيت؟ فقال: يرث بعضهم بعضا (من تلاد ماله) والتلاد بكسر التاء:
القديم، ضد الطارئ. وهو الحادث، أي الذي مات وهو يملكه (دون ما ورثه من الميت)
معه، لئلا يدخله الدور (فيقدر أحدهما مات أولا، فيورث الآخر منه، ثم يقسم ما ورثه منه
على الاحياء من ورثته، ثم يصنع بالثاني كذلك. فإذا غرق أخوان) ولم يعلم الحال (أحدهما
مولى زيد، والآخر مولى عمرو، صار مال كل واحد منهما لمولى الآخر) وفي زوج وزوجة
وابنهما غرقوا ونحوه وخلف امرأة أخرى وأما وخلفت ابنا من غيره وأما. فمسألة الزوج من
ثمانية وأربعين، لزوجته الميتة ثلاثة. ومسألتها من ستة لأبيها السدس ولابنها الحي الباقي
ترد مسألتها إلى وفق سهامها بالثلث اثنين ولابنه أربعة وثلاثون لام أبيه سدس ولأخيه لامه
سدس، ولعصبته الباقي فمسألته من ستة توافق سهامه بالنصف فردها لثلاثة واضربها في
اثنين وفق مسألة الام، ثم في المسألة الأولى ثمانية وأربعين تكن مائتين وثمانين. ومنها
تصح ومسألة الزوجة من أربعة وعشرين للزوج منها ستة تقسم على باقي ورثته فمسألته من
اثني عشر، لزوجته ربعها، ولأمه ثلثها والباقي لعصبته. فرد الاثني عشر إلى سدسها اثنين
للموافقة. ومسألة الابن منها من ستة لجدته سدس ولأخيه لامه سدس ولعصبته الباقي
وسهامه سبعة تباين الستة، ودخل وفق مسألة الزوج اثنان في مسألة فاضرب ستة في أربعة
وعشرين تكن مائة وأربعة وأربعين، ومسألة الابن من ثلاثة لامه سهم ولأبيه سهمان،
فمسألة أمه من ستة ولا موافقة ومسألة أبيه من اثني عشر توافق سهامه بالنصف فردها إلى
ستة وهي مماثلة لمسألة الام، فاجتز بستة واضربها في ثلاثة بثمانية عشر لورثة الام ستة
ولورثة الأب اثنا عشر (وإن جهل السابق منهما) أي من ميتين بغرق ونحوه (واختلف
570

ورثتهما فيه) بأن ادعى كل تأخر موت مورثه (ولا بينة) لأحدهما (أو كانت) لهما بينتان
(وتعارضت) البينتان (تحالفا) أي حلف كل منهما على ما أنكر من دعوى صاحبه. لعموم
حديث: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (1) (ولم يتوارثا) (2) لعدم وجود شرطه،
وهو تحقق حياة الوارث بعد موت المورث، وإنما خولف فيما سبق لما تقدم (كما إذا ماتت
امرأة وابنها فقال زوجها: ماتت فورثناها، ثم مات ابن فورثته. وقال أخوها): بل (مات ابنها
فورثته) أي ورثت منه (ثم ماتت) بعده (فورثناها) أي ورثها أخوها المدعي وزوجها (حلف
كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه) لأنه ينكرها (وكان ميراث الابن لأبيه) عملا
باليقين (و) كان (ميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين) للزوج نصفه فرضا، والباقي لأخيها
تعصيبا. وهذا قول الجمهور من العلماء. وإن لم يقع تداع (ولو عين الورثة موت أحدهما)
بأن قالوا: مات فلان يوم كذا من شهر كذا عند الزوال (وشكوا هل مات الآخر قبله أو
بعده؟ ورث من شك في موته من) الميت (الآخر) (3) الذي عينوا موته، لأن الأصل بقاء
حياته (ولو تحقق موتهما) أي المتوارثين (معا، لم يتوارثا) بلا خلاف، لأن شرط الإرث
حياة الوارث بعد موت المورث، ولم يوجد (ولو مات أخوان) أو نحوهما (عند الزوال، أو)
ماتا عند (الطلوع) أي طلوع الشمس أو القمر أو الفجر (أو الغروب في يوم واحد) وكان
(أحدهما) أي الأخوين (بالمشرق والآخر بالمغرب ورث الذي مات بالمغرب من الذي مات
بالمشرق) حيث لا حاجب ولا مانع (لموته قبله، لأن الشمس وغيرها تزول وتطلع وتغرب
في المشرق قبل) زوالها وطلوعها وغروبها في (المغرب) (4). قلت: والمراد والله أعلم أن
571

هذه الأشياء تظهر بالمشرق قبل المغرب، وإلا فقد نص الامام على أن الزوال في الدنيا
واحد. وهذا واضح.
باب ميراث أهل الملل
جمع ملة بكسر الميم. وهي الدين والشريعة. قال تعالى: * (إن الدين عند الله
الاسلام) * [آل عمران: 19]. وقال: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * [النحل:
123]. واختلاف الدين من موانع الإرث. ف‍ (- لا يرث المسلم الكافر) لحديث أسامة بن
زيد مرفوعا: لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر (1) متفق عليه (إلا بالولاء) فيرث
المسلم عتيقه الكافر. لقوله (ص): لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته (2)
رواه الدارقطني عن جابر، لأن ولاءه له بالاجماع، وهو شعبة من الرق، فورثه به كما يرثه
قبل العتق (ولا) يرث (الكافر المسلم إلا بالولاء) فيرث الكافر عتيقه المسلم بالولاء قياسا
على عكسه لما تقدم (أو يسلم) الكافر (قبل قسم ميراث قريب مسلم) لقوله (ص): من أسلم
على شئ فهو له (3) رواه سعيد في سننه من طريقين عن عروة وابن أبي مليكة عن النبي
(ص) وروى أبو داود وابن ماجة بإسنادهما عن ابن عباس قال: قال (ص): كل قسم قسم في
الجاهلية فهو على ما قسم. وكل قسم أدركه الاسلام فإنه على قسم الاسلام (4) وروى ابن
عبد البر في التمهيد عن زيد بن قتادة العنبري أن إنسانا من أهله مات على غير دين
الاسلام، فورثته أختي دوني. وكانت على دينه. ثم إن جدي أسلم وشهد مع النبي (ص)
حنينا فتوفي فلبثت سنة، وكان ترك ميراثا، ثم إن أختي أسلمت فخاصمتني في الميراث
إلى عثمان، فحدثه عبد الله بن أرقم أن عمر قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم
فله نصيبه. فقضى به عثمان فذهبت بذلك الأول وشاركتني في هذا وهذه قضية انتشرت
ولو تنكر. فكان الحكم فيها كالمجمع عليه. والحكمة في ذلك الترغيب في الاسلام
572

والحث عليه (ولو) كان الذي أسلم (مرتدا) عند موت مورثه (أو) كان الوارث (زوجة)
وأسلمت (في عدة) (1) قياسا على ما سبق. و (لا) يرث إن كان (زوجا) وأسلم بعد موت
زوجته لانقطاع علق النكاح عنه بموتها بخلافها (ولا) يرث إن كان (قنا) و (عتق قبل القسمة
بعد موت قريبه) من أب أو ابن أو أم ونحوهم (أو) عتق (مع موته كتعليقه العتق على
ذلك) (2) بأن قال له سيده: إذا مات أبوك أو نحوه فأنت حر، فإذا مات عتق ولم يرث. وإن
كانت التركة لم تقسم، بخلاف من أسلم والفرق أن الاسلام أعظم الطاعات والقرب. ورد
الشرع بالتأليف عليه، فورد الشرع بتأليفه ترغيبا له في الاسلام، والعتق لا صنع له فيه ولا
يحمد عليه. فلم يصح قياسه عليه. ولولا ما ورد من الأثر في توريث من أسلم لكان النظر
أن لا يرث من لم يكن من أهل الميراث حين الموت، لأن الملك ينتقل بالموت إلى الورثة
فيستحقونه، فلا يبقى لمن حدث شئ لكن خالفناه في الاسلام للأثر. وليس في العتق أثر
يجب التسليم له (أو دبر ابن عمه ثم مات) وخرج المدبر من الثلث عتق ولم يرث. وتقدم
(وإن قال: أنت حر في آخر حياتي عتق وورث) لأنه حين الموت كان حرا (وإن كان الوارث
واحدا فمتى تصرف في التركة واحتازها فهو كقسمها) بحيث لو أسلم قريبه بعد ذلك لم
يشاركه، كما لو كان معه غيره واقتسموا (وإن أسلم قبل قسم بعض المال ورث) من أسلم
(مما بقي) دون ما قسم لما تقدم (ويرث الكفار بعضهم بعضا إن اتحدت ملتهم، وهم ملل
شتى مختلفة. فلا يرثون مع اختلافها) (3) روي عن علي لقوله (ص): لا يتوارث أهل ملتين
شتى (4) رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. فاليهودية ملة. والنصرانية
ملة. والمجوسية ملة. وعبدة الأوثان ملة. وعبدة الشمس ملة. وهكذا، فلا يرث بعضهم
بعضا. وقال القاضي: اليهودية ملة، والنصرانية ملة. ومن عداهما ملة (ويرث ذمي حربيا
573

وعكسه) (1) أي يرث الحربي الذمي (و) يرث (حربي مستأمنا وعكسه) أي يرث المستأمن
الحربي (و) يرث (ذمي مستأمنا وعكسه) أي يرث المستأمن الذمي (بشرطه) وهو اتحاد الملة،
فاختلاف الدارين ليس بمانع. لأن العمومات من النصوص تقتضي توريثهم، ولم يرد
بتخصيصهم نص ولا إجماع، ولا يصح فيهم قياس. فيجب العمل بعمومها. ومفهوم قوله
(ص): لا يتوارث أهل ملتين شتى (2) أن أهل الملة الواحدة يتوارثون، وضبط التوريث بالملة
والكفر والاسلام دليل على أن الاعتبار به دون غيره (والمرتد لا يرث أحدا) من المسلمين ولا
من الكفار، لأنه لا يقر على ما هو عليه. فلم يثبت له حكم دين من الأديان (إلا أن يسلم)
المرتد (قبل قسم الميراث) فيرث على ما تقدم (ولا يرثه) أي المرتد (أحد) من المسلمين،
لأن المسلم لا يرث من الكافر ولا من غير المسلمين. لأنه يخالفهم في حكمهم لأنه لا يقر
على ما هو عليه من الردة (فإن مات) المرتد ولو أنثى (في ردته فماله فئ) (3) يوضع في
بيت المال للمصالح العامة. وليس وارثا كما تقدم، بل جهة ومصلحة (والزنديق، وهو الذي
كان يسمى منافقا في عصر النبي (ص) كمرتد) و (لا تقبل توبته) ظاهرا (ويأتي في باب
المرتد) والنفاق اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو ستر الكفر
وإظهار الايمان، وإن كان أصله في اللغة معروفا، وهو مأخوذ من النافقاء، أو من النفق
وهو السرب الذي يستتر فيه (ومثله مرتكب بدعة مكفرة كجهمي) واحد الجهمية، وهم أتباع
جهم بن صفوان القائل بالتعطيل (وغيره) من المشبهة ونحوهم فمن لم يتب لا يرث ولا
يورث.
574

فصل:
(ويرث مجوسي ونحوه ممن يرى حل نكاح ذوات المحارم بجميع قراباته)
إن أمكن (إذا أسلم أو حاكم إلينا) وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس
وزيد في الصحيح عند، لأن الله تعالى فرض للأم الثلث، وللأخت النصف. فإذا كانت الام
أختا وجب إعطاؤها ما فرض الله لها في الآيتين كالشخصين، ولأنهما قرابتان ترث بكل
واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما الأخرى، ولا ترجح بها. فترث بهما مجتمعين،
كزوج هو ابن عم أو ابن عم هو أخ من أم، وكذوي الأرحام المدلين بقرابتين (فإذا خلف
أما وهي أخته من أبيه) لكون أبيه تزوج بنته فولدت له هذا الميت (و) خلف معها (عما
ورثت الثلث بكونها أما و) ورثت (النصف بكونها أختا والباقي) وهو واحد من ستة
(للعم) (1) لحديث: ألحقوا الفرائض بأهلها (2) (فإن كان معها) أي مع الام التي هي أخت
(أخت أخرى لم ترث) الأخت التي هي أم (بكونها أما إلا السدس، لأنها انحجبت بنفسها
وبالأخرى) (3) لأن الام تحجب عن الثلث إلى السدس بأختين وفد وجدتا (ولا يرثون) أي
المجوس ونحوهم (بنكاح المحارم) لبطلانه (ولا) يرثون أيضا (بنكاح لا يقرون عليه لو
أسلموا كمن تزوج مطلقته ثلاثا) قبل أن تنكح غيره (ولو تزوج المجوسي بنته فأولدها بنتا ثم
مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما ابنتاه، ولا ترث الكبرى بالزوجية) لأنهما لا يقران عليها (فإن
ماتت الكبرى بعده) أي بعد أبيها (فقد تركت بنتا هي أخت لأب فلها النصف بالبنوة والباقي
بالإخوة) لأنها بنت وأخت (فإن ماتت الصغرى أولا) أي والكبرى باقية (فقد تركت أما هي
أخت لأب فلها النصف) ثلاثة (و) لها (الثلث) اثنان (بالقرابتين) أي النصف بالأختية والثلث
575

بالأمومة. ولو تزوج أمه فأولدها بنتا ثم مات فلأمه السدس ولابنته النصف. فإن ماتت
الكبرى بعده فقد خلفت بنتا هي بنت ابن فلها الثلثان بالقرابتين (ولو أولد مسلم ذات محرم
أو غيرها بشبهة ثبت النسب) للشبهة (وكذا لو اشتراها) أي ذات محرمه (وهو لا يعرفها
فوطئها) فأتت بولد (ثبت النسب وورث بجميع قراباته) قال في المغني والمسائل التي
يجتمع فيها قرابتان يصح الإرث بهما: ست. إحداهن في الذكور، وهي عم هو أخ من أم،
بأن ينكح زوجة ابنه التي أولدها ولدا فولدت منه أيضا ابنا، فهو عم لولد ابنه وأخوه لامه.
وخمس في الإناث، وهي بنت هي أخت أو بنت ابن وأم هي أخت لأب وأم أم هي أخت لأب
وأم أب هي أخت لأم. قال: ومتى كانت البنت أختا والميت رجلا فهي أخت لأم وإن
كان امرأة فهي أخت لأب. وإن قيل: أم هي أخت لأم أو أم أم هي أخت لأم أو أم أب هي
أخت لأب فهو محال (1) (وإذا مات ذمي) أو مستأمن (لا وارث له من أهل الذمة) ولا العهد
ولا الأمان (كان ماله فيئا) كما تقدم في باب الفئ (وكذا ما فضل من ماله) أي الذمي
ونحوه (عن إرثه كمن) أي كذمي (ليس له وارث إلا أحد الزوجين) فباقي ماله فئ وتقدم
في بابه، فإن ورثه حربي بناء على ما تقدم من أن اختلاف الدارين ليس بمانع كان أيضا
لبيت المال، لأنه مال حربي قدرنا عليه بغير قتال، كما يعلم مما تقدم في بابه.
باب ميراث المطلقة
أي بيان من لا يرث من المطلقات، كالمطلقة بائنا بلا تهمة ومن يرث منهن كالمطلقة
طلاقا رجعيا أو بائنايتهم فيه بقصد الحرمان (إذا أبان) الزوج (زوجته في صحته) لم يتوارثا
(أو) أبانها (في مرضه غير المخوف ومات به) لم يتوارثا (2) (أو) أبانها في (مرض غير)
مرض (الموت بطلاق أو غيره) كخلع على عوض. (ولو قصد الفرار من الميراث لم يتوارثا)
لعدم التهمة لأنه لا فرار منه (بل) يتوارثان (في طلاق رجعي ما دامت في العدة) سواء كان
576

في المرض أو الصحة. قال في المغني: بغير خلاف نعلمه وروى عن أبي بكر وعثمان
وعلي وابن مسعود. وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك
إمساكها بالرجعة بغير رضاها. ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد (1) (وإن طلقها في مرض
الموت) المخوف أو غيره (طلاقا لا يتهم فيه) بقصد الفرار (بأن سألته الطلاق أو الخلع)
فأجابها إليه، فكطلاق الصحيح (أو علق طلاقها على فعل لها منه بد ففعلته عالمة أو) علقه (على مشيئتها فشاءت) فكطلاق صحيح وهي من
أفراد التي قبلها (أو خيرها) أي خير المريض زوجته (فاختارت نفسها) فكطلاق صحيح لأنه
لا يتهم في ذلك كله بقصد الحرمان (أو علقه) أي علق صحيح الطلاق (بفعل زيد كذا)
كدخوله الدار (ففعله) زيد (في مرضه) فكطلاق صحيح لأنه لم يعلقه في المرض المخوف
الذي مات منه، وكذا لو علقه صحيحا بطلوع الشمس أو نزول المطر أو قدوم الحاج فوجد
ذلك في مرضه (أو) علقه صحيحا (بشهر، فجاء في مرضه، أو علقه في الصحة على شرط
كقدوم زيد أو صلاتها الفرض فوجد) ذلك (في المرض) فكطلاق صحيح لعدم قرينة إرادة
الفرار (أو طلق) ولو مريضا (من لا ترث كالأمة والذمية فعتقت وأسلمت قبل موته) فكطلاق
صحيح (2)، لأنه حين الطلاق لم يكن فارا لمانع من رق أو اختلاف دين (أو قال لهما) أي
للأمة والذمية (أنتما طالقتان غدا فعتقت الأمة) قبل غد (وأسلمت الذمية قبل غد) فكطلاق
الصحيح لما تقدم (أو وطئ مجنون أم زوجته فكطلاق الصحيح) لأن المجنون لا قصد له
صحيح إذن (إلا إذا سألته) أي سألت زوجة المريض مرض الموت المخوف أن يطلقها
(طلقة) أو طلقتين (فطلقها ثلاثا فترثه) ما لم تتزوج أو ترتد لقرينة التهمة. قلت: ولعل
المراد إذا لم تكن سألته الطلاق على عوض، فإن كان كذلك لم ترثه لأنها سألته الإبانة
وقد أجابها إليها (وإن كان يتهم فيه) أي الطلاق (بقصد حرمانها الميراث كمن طلقها ابتداء)
577

بلا سؤال منها (في مرض موته المخوف أو علقه فيه) (1) أي في مرض موته المخوف (على
فعل لا بد لها منه شرعا كصلاة ونحوها) كوضوء وغسل (أو) علقه فيه على فعل لا بد لها
منه (عقلا كأكل وشرب ونوم ونحوه ففعلته ولو عالمة وليس منه) أي من الفعل الذي لا بد
لها منه (كلام أبويها أو) كلام (أحدهما) لأنها تستغني عنه. فلو علق في مرضه المخوف
طلاقها على كلامهما أو على كلام أحدهما ففعلت لم ترث. وجعل في المحرر كلام أبيها
مما لا بد لها منه شرعا. وقال في الرعاية: وقيل: وكلام أبويها أو أحدهما انتهى. قلت:
ولو قيل به حتى في الأجنبي إذا لم يكن فيه محذور لم يبعد، لما يأتي في حديث: لا يحل
لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام (2) (أو طلقها) في مرض الموت المخوف بعوض من
غيرها (أو خلعها فيه بعوض من غيرها أو علقه) أي الطلاق (على مرضه أو على فعل له) أي
الزوج (ففعله في مرضه) المخوف (أو) علقه (على تركه) أي ترك فعل له (كقوله) أنت طالق
(لأتزوجن عليك أو) أنت طالق (إن لم أتزوج عليك ونحوه، فمات قبل فعله) ورثته (أو أقر
فيه) أي في مرضه المخوف (أنه كان أبانها في صحته) ورثته (أو وكل في صحته من يبينها
متى شاء فأبانها في مرضه) ورثته (أو قذفها في مرضه أو صحته ولاعنها في مرضه لنفي
الحد أو لنفي الولد) ورثته (أو علق طلاق ذمية أو) طلاق (أمة على الاسلام) من الذمية
(والعتق) للأمة (فوجدا) أي الاسلام والعتق (في مرضه) ورثته (أو علم) المريض (أن سيدها
علق عتقها بغد، فأبانها اليوم) ورثته (أو وطئ فيه) أي في مرض الموت المخوف (عاقل
ولو صبيا أم امرأته) أو بنتها انفسخ نكاح امرأته وورثته (أو وطئ امرأته) أي امرأة المريض
مرض الموت المخوف (أبوه) أو ابنه العاقل انفسخ النكاح و (ورثته) (3) لأن عثمان رضي
578

الله عنه ورث بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكان طلقها في مرضه فبتها
واشتهر ذلك في الصحابة ولم ينكر، فكان كالاجماع. وروى عروة أن عثمان قال لعبد
الرحمن: لئن مت لأورثنها منك. قال: قد علمت ذلك وما روي عن عبد الله بن الزبير أنه
قال: لا ترث مبتوتة فمسبوق بالاجماع السكوتي في زمن عثمان، ولان قصد المطلق قصد
فاسد في الميراث فعورض بنقيض قصده كالقاتل القاصد استعجال الميراث يعاقب بحرمانه،
وكمرض الموت المخوف: ما ألحق به كمن قدم للقتل أو حبس له ونحوه مما تقدم في
عطية المريض، كما أشار إليه ابن نصر الله (ولم يرثها) لانقطاع العصمة ولا قصد منها
فيعاقب بضده وترث المبانة فرارا من مبينها (ولو) مات (بعد) انقضاء (العدة) قال أبو بكر:
لا يختلف قول أبي عبد الله في المدخول بها إذا طلقها المريض أنها ترثه في العدة وبعدها
(ما لم تتزوج) لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أباه طلق أمه وهو مريض فمات
فورثته بعد انقضاء عدتها فإن تزوجت لم ترث من الأول (أبانها الثاني أو لا، أو ترتد) فإن
ارتدت فلا ميراث لها منه (ولو أسلمت بعده) أي بعد الارتداد ولو قبل موته، فإن مجرد
تزوجها وارتدادها يسقط به إرثها لأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول (وتعتد) المبانة
فرارا (أطول الأجلين) من عدة طلاق أو وفاة (ويأتي) ذلك (في العدد) بأوضح من هذا (فإن
لم يمت) المطلق (من المرض) المخوف (ولم يصح منه بل لسع) بشئ من القواتل (أو
أكله سبع) ونحوه (فكذلك) (1) أي ورثته ما لم تتزوج أو ترتد نظرا إلى قصد الفرار (ولو
أبانها) أي أبان المريض مرض الموت المخوف زوجته (قبل الدخول) والخلوة (ورثته) (2)
معاقبة له بضد قصده (ولا عدة عليها ويكمل لها الصداق) لأنها مبانة في الحياة قبل الدخول فهي داخلة في
عموم له بضد قصده الفاسد (ويأتي في باب) يعني كتاب (الصداق) مفصلا (وإن أكره ابن
عاقل وارث) ولو صبيا (ولو نقص إرثه) بوجود مزاحم بأن وجد للمريض ابن آخر (أو
انقطع) إرثه لقيام مانع أو حجب بأن كان ابن ابن، فحدث للمريض ابن حجبه بأن أكره
(امرأة أبيه أو) امرأة (جده وهو وارثه) جملة حالية أي أكره المرأة حال كونه وارثا ولو صار
غير وارث بعد كما تقدم (في مرضه) أي مرض موت مورثه المخوف (على ما يفسخ
579

نكاحها) متعلق بأكره (من وطئ أو غيره) بيان لما يفسخ نكاحها وغير الوطئ إرضاع زوجة له
صغرى أخرى (لم يقطع ميراثها) (1) لأنه فسخ حصل في مرض الزوج بغير اختيار الزوجة
لقصد حرمانها فلم ينقطع إرثها. أشبه ما لو أبانها الزوج (إلا أن تكون له) أي للزوج (امرأة
ترثه سواها) لانتفاء التهمة إذن، لأنه لم يتوفر عليه بفسخ نكاحها شئ من الميراث (أو) كان
(لم يتهم فيه) أي قصد حرمانها الميراث (حال الاكراه) بأن كان ابن ابن مع وجود ابن، أو
كان رقيقا أو مباينا لدين زوجها (أو طاوعت) (2) المرأة ابن زوجها ونحوه على وطئه ونحوه
فلا ترث لأنها شاركته فيما ينفسخ به نكاحها. أشبه ما لو سألت زوجها البينونة فأبانها،
وكذا لو كان زائل العقل (وإن فعلت في مرض موتها ما يفسخ نكاحها بأن ترضع امرأة
زوجها الصغيرة أو) ترضع (زوجها الصغير) في الحولين خمس رضعات (أو استدخلت ذكر
ابن زوجها) أو ذكر أبيه (وهو نائم أو ارتدت) في مرض موتها المخوف (لم يسقط ميراث
زوجها ما دامت في العدة) لأنها أحد الزوجين، فلم يسقط فعلها ميراث الآخر كالزوج. قال
في الفروع: وكذا خرج الشيخ، أي الموفق في بقية الأقارب (3)، أي إذا فعل ما يقطع
ميراث قريبه في مرض موته المخوف بأن ارتد لئلا يرثه قريبه فيعاقب بضد ذلك، بناء على
أن ردة أحد الزوجين في المرض لا تقطع الميراث كما في الانتصار. وقال الموفق: هو
قياس المذهب (4). قال في الفروع: والأشهر لا، أي أن الردة ليست كفعل ما يفسخ
النكاح، فتقطع الميراث وهو مقتضى ما قطع به المصنف في الباب قبله أن المرتد لا يرث
ولا يورث. وهو مقتضى كلام المنتهى لأنه أسقط أو ارتد (وكذا) لا يسقط ميراثه (بعد
العدة، كما لو كان هو المطلق، وجزم به في الفروع، فقال: والزوج في إرثها إذا قطعت
نكاحها منه كفعله انتهى. ومقتضاه أنه يرثها في العدة وبعدها كما لو كان) الزوج (هو
المطلق) وكذا أطلق في المقنع وتبعه في الشرح (5). وقال في الانصاف (6): مراده ما دامت
580

في العدة. وكذا قال في التنقيح ما دامت في العدة. وتبعه في المنتهى (1)، لكن يحتاج إلى
الفرق بين المسألتين (هذا) أي عدم سقوط ميراث زوجها بفسخها النكاح (إن كانت متهمة
فيه) أي في فعلها في مرض موتها ما يفسخ نكاحها بقصد حرمانه الميراث (وإلا) بأن لم
تكن متهمة في ذلك (سقط) الميراث (كفسخ معتقة تحت عبد) لأنه لدفع الضرر لا للفرار
(أو فعلته) أي ما يفسخ نكاحها من استدخال ذكر أبيه أو إرضاع زوجة زوجها الصغير ونحوه
(مجنونة) فلا إرث لأنها لا قصد لها (ولو خلف زوجات نكاح بعضهن فاسد) ولم تعلم
عينها أخرجها وارث بقرعة (أو) خلف زوجات نكاح بعضهن (منقطع قطعا يمنع الميراث)
على ما تقدم تفصيله (ولو تعلم عينها) أي عين من انقطع نكاحها قطعا يمنع الميراث
(أخرجها وارث بقرعة) (2) والميراث للبواقي، لأنه إزالة ملك عن آدمي فتستعمل فيه
القرعة عند الاشتباه كالعتق، ولان الحقوق تساوت على وجه تعذر تعيين المستحق فيه
من غير قرعة فينبغي أن تستعمل فيه القرعة كالقسمة (وإن كان الزوج عنينا فأجل سنة
فلم يصبها حتى مرضت) مرض الموت المخوف (في آخر الحول واختارت فرقته وفرق)
الحاكم (بينهما لم يتورثا) لانقطاع العصمة على وجه لا فرار فيه، لأن الفسخ هنا لدفع
الضرر لا للفرار، فهي كالمعتقة تحت عبد (وإن طلق أربعا في مرضه) المخوف (طلاقا
يتهم فيه) بقصد حرمانهن (فانقضت عدتهن وتزوج أربعا سواهن) ثم مات (فالميراث
للثمان ما لم تتزوج المطلقات) (3) أو يرتدون لأن طلاقهن لم يسقط ميراثهن كما تقدم
فيشاركن الزوجات (ولو كانت المطلقة) فرارا (واحدة) فانقضت عدتها (وتزوج أربعا
سواها) ثم مات (فالميراث بين الخمس على السواء) (4) لأن المطلقة وارثة بالزوجية.
581

فكانت أسوة من سواها (ولو ادعت) امرأة (أن زوجها أبانها وجحد الزوج) دعواها (ثم
مات لم ترثه إن دامت على قولها) لاقرارها أنها مقيمة تحته بغير نكاح. وعلم منه أنها
لو كذبت نفسها قبل موته ورثته لتصادقهما على بقاء النكاح المترتب عليه آثاره من
وجوب طاعته ونحوها ولا عبرة بتكذيب نفسها بعد موته، لأنها متهمة إذن. وفيه رجوع
عن إقرار لباقي الورثة فلم يقبل (ولو قتلها) أي قتل الزوج زوجته (في مرض الموت)
المخوف (ثم مات لم ترثه لخروجها من حيز التملك والتمليك) ذكره ابن عقيل
وغيره (1). وظاهره: ولو أقر أنه قتلها من أجل أن لا ترثه. قال في الفروع: ويتوجه
خلاف كمن وقع في شبكته صيد بعد موته (وحكم التزوج في مرضه) حكمه في الصحة (أو)
أي وحكم تزوجها في (مرضها) حكم التزوج في الصحة (و) أي وحكم تزوج إنسان بامرأة
في (مرضها أو مرضهما ولو) كان المرض (مخوفا ولو) كان النكاح (مضارة) للورثة أو بعضهم (حكم
النكاح في الصحة في صحة العقد و) في (توريث كل منهما من صاحبه) لأنه عقد معاوضة
يصح في الصحة، فصح في المرض كالبيع، ولان له أن يوصي بثلث ماله.
باب الاقرار بمشارك في الميراث
أي بيان طريق العمل في تصحيح المسألة إذا أقر بعض الورثة دون بعض، وأما إذا
كان الاقرار من جميعهم فلا يحتاج إلى عمل سوى ما تقدم. وبيان نفس الاقرار بوارث
وشروطه. فهو وإن علم مما هنا إجمالا لكنه يأتي آخر الكتاب بأوسع مما هنا (إذا أقر كل
الورثة المكلفون ولو أنه) أي المقر الوارث (واحد يرث المال كله) لو لم يقر (تعصيبا)
كأخي الميت (أو) يرثه تعصيبا و (فرضا) كأخي الميت لامه إذا كان ابن عمه أو زوج الميتة
إذا كان ابن عمها وليس لنا وارث واحد يرث المال كله فرضا (أو) كان الوارث يرث المال
كله (فرضا وردا) كسائر أصحاب الفروض غير الزوجين (ولو) كان الاقرار ممن انحصر فيهم
582

الإرث لولا الاقرار (مع عدم أهلية الشهادة كالكافر والفاسق) إذا أقر (بوارث للميت واحد
أو أكثر، كابن أو بنت (سواء كان) المقر به (من حرة أو) كان من (أمته) أي أمة الميت
(فصدقهم) المقر به إن كان مكلفا ثبت نسبه (أو) لم يصدق و (كان صغيرا أو مجنونا ثبت
نسبه) (1) لأن الوارث يقوم مقام المورث في ميراثه. والدين الذي له وعليه وبيناته ودعاويه
والايمان التي له وعليه كذلك في النسب. وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف. وحكاه عن أبي
حنيفة. لكن المشهور عن أبي حنيفة (2): أنه لا يثبت نسبه، إلا بإقرار رجلين أو رجل
وامرأتين. وقال مالك: لا يثبت إلا بإقرار اثنين لأنه يحمل النسب على غيره. فاعتبر فيه
العدد كالشهادة (3). ولنا أنه حق يثبت بالاقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين، ولأنه قول لا
يعتبر فيه اللفظ ولا العدالة. فلم يعتبر فيه العدد كإقرار الموروث. واعتباره بالشهادة يصح،
لأنه لا يعتبر فيه اللفظ ولا العدالة. ويبطل الاقرار بالدين (ولو أسقط) المقر به (المقر) أي
الذي أقر (به كأخ يقر بابن) لأن المقر به ثابت النسب الذي بينه وبين الميت وليس به مانع
فدخل في عموم الوارث حالة الاقرار. إذا تقرر هذا فإنه يثبت نسبه (ولو مع) وجود (منكر)
من أقاربه (له) أي للمقر به (لا يرث) (4) ذلك المنكر (لمانع) قام به من (رق ونحوه) كقتل
أو اختلاف دين، لأن وجود من قام به المانع كعدمه في الإرث والحجب فكذا هنا. ومحل
ثبوت نسبه بالاقرار (إن كان) المقر به (مجهول النسب) بخلاف ثابت النسب، لأن إقراره به
يتضمن إبطال نسبه المعروف فلم يصح (وهو ممكن) أي ويشترط أن يكون المقر به يمكن
لحاقه بالميت. فإن كان الميت دون ابن عشر لم يصح الاقرار بولد له. وكذا لو كان ابن
أكثر منها وأقروا بمن بينه وبينه دونها أنه ولده لم يلحقه لاستحالته. ويشترط أيضا ما أشار
إليه بقوله: (ولم ينازع) المقر (فيه) أي في نسب المقر به (منازع) بأن لا يدعي آخر نسبه،
لأنه إذا نازعه آخر فليس أحدهما بلحاقه أولى من الآخر (ويأتي في الاقرار) بأوضح من هذا
(وإلا) بأن فقد شئ من الشروط الأربعة. وهي إقرار الجميع، وتصديق المقر به إن كان
مكلفا، وإمكان كونه من الميت، وعدم المنازع (فلا) ثبوت للنسب (و) حيث ثبت فإنه
583

(يثبت إرثه فيقاسمهم) لما تقدم (إن لم يقم به مانع) من موانع الإرث نحو رق (فإن كان به
مانع ثبت نسبه ولم يرث) للمانع (فإن كان المقر به) وقت الاقرار (غير مكلف) لصغر أو
جنون (فأنكر) النسب (بعد تكليفه لم يسمع إنكاره) اعتبارا بحال الاقرار لأنه يبطل حقا عليه
(ولو طلب إحلافه) أي المقر (على ذلك) أي على ما أقر به من النسب (لم يستحلف) لأنه
لو نكل لم يقض عليه بالنكول لأنه إنما يقضى به في المال. وهذا ليس منه (وإذا اعترف
إنسان بأن هذا أبوه فكاعترافه بأنه ابنه) فيثبت نسبه إن كان مجهول النسب وصدقه لمقر به
(حيث أمكن ذلك) بأن كان المقر بأبوته أكبر من المقر بفوق عشر سنين مع مدة الحمل (و)
لو مات إنسان عن بنت وزوج أو عن بنت ومولى فأقرت البنت بأخ لها فإنه (يعتبر) لثبوت
نسبه (إقرار الزوج والمولى المعتق إذا كانا من الورثة) كالمثالين لشمول اسم الورثة لكل
منهما (وإن أقر أحد الزوجين الذي لا وارث) للآخر (معه بابن ل‍) - لزوج (الآخر من غيره
فصدقه الامام أو نائبه ثبت نسبه) (1) لأن ما فضل عن حصة الزوج أو الزوجة لبيت المال
والامام أو نائبه هو المتولي لامره فقام مقام الوارث معه لو كان (وإلا) بأن لم يصدق الامام
أو نائبه المقر من الزوجين (فلا) يثبت نسب المقر به من الميت، فإن أقر أحد الزوجين بابن
للآخر من نفسه ثبت نسبه من المقر مطلقا بشرطه، ومن الميت إن كان زوجة وأمكن
اجتماعه بها وولدت لستة أشهر من ذلك، وإن كان زوجا وصدقه باقي الورثة أو نائب
الامام أيضا. وإلا فلا. هذا ما ظهر لي، والله أعلم ثم شرع يتكلم على الاقرار من بعض
الورثة فقال: (وإن أقر بعض الورثة) بوارث للميت (فشهد عدلان منهم أم من غيرهم أنه ولد
الميت) أو أخوه ونحوه (أو) شهدا أنه كان (أقر به في حياته أو) شهدا أنه (ولد على فراشه.
ثبت نسبه وإرثه) (2). لأن ذلك حق شهد به عدلان. لا تهمة فيهما. فثبت بشهادتهما كسائر
الحقوق (وإلا) بأن لم يشهد به عدلان (لم يثبت نسبه المطلق، لأنه إقرار على الغير) فلم
يعمل به (ويثبت نسبه وإرثه من المقر فقط لأنه إقرار على نفسه خاصة) فلزمه كسائر الحقوق
584

(ف‍) - على هذا (لو كان المقر به أخا للمقر ومات المقر) أيضا (عنه) ورثه (أو) مات المقر
(عنه) أي عن المقر به (وعن بني عم ورثه المقر به) وحده لأن بني العم محجوبون بالأخ
(ويثبت نسبه) أي المقر به (من ولد المقر المنكر له تبعا) لثبوت نسبه من أبيه، فيغتفر في
التابع ما لا يغتفر في المتبوع (فتثبت العمومة) تبعا للإخوة المقر بها (ولو مات المقر) بأخ له
(عن) الأخ (المقر به وعن أخ) له أيضا (منكر) لإخوة المقر به (فإرثه) أي المقر (بينهما) أي
بين المنكر والمقر به بالسوية لاستوائهما في القرب. والمراد حيث تساويا في كونهما
شقيقين أو لأب بحسب إقرار الميت وإلا عمل بمقتضاه (وإذا أقر به) أي الوارث (بعض
الورثة ولم يثبت نسبه) المطلق لعدم تصديق باقيهم وعدم شهادة عدلين (لزم المقر أن يدفع
إليه) أي المقر به (فضل ما في يده عن ميراثه) على مقتضى إقراره، لأنه مقر بأن ذلك له
(فإن جحده بعد إقراره لم يقبل جحده) لأنه رجوع عن إقرار بحق عليه لغيره (فإذا خلف)
ميت (ابنين فأقر أحدهما بأخ) للمقر (فله ثلث ما في يده) (1) لأن إقراره تضمن أنه لا يستحق
أكثر من ثلث التركة وفي يده نصفها، فيكون السدس الزائد للمقر به وهو ثلث ما بيده فيلزمه
دفعه إليه (أو) أقر أحد الابنين (بأخت) له (فلها خمس ما في يده) أي المقر لأنه لا يدعي
أكثر من خمسي المال، وذلك أربعة أخماس النصف الذي بيده، ويبقى خمسه. فيلزمه دفعه
إليها (فإن لم يكن في يد المقر فضل فلا شئ للمقر به) لعدم ما يوجبه (فإذا خلف) ميت
(أخا من أب وأخا من أم فأقرا بأخ من أبوين يثبت نسبه) لاقرار الورثة كلهم به (وأخذ ما في
يد الأخ من الأب) كله، لأنه تبين أن الحق له لحجبه بذي الأبوين، ولم يأخذ مما في يد
الأخ لام شيئا لأنه لا فضل له بيده (فإن أقر به) أي بالأخ لأبوين (الأخ من الأب وحده) أي
دون الأخ لام (أخذ) الأخ لأبوين (ما في يده) أي يد الأخ لأب مؤاخذة للمقر بمقتضى
إقراره (ولم يثبت نسبه) (2) المطلق لانكار بعض الورثة وهو الأخ لام (وإن أقر به) أي بالأخ
لأبوين (الأخ من الام وحده) فلا شئ له (أو) أقر الأخ لام (بأخ سواه) أي سوى الأخ
585

لأبوين (ولو) كان الأخ المقر به منه أخا (من الام فلا شئ له) (1) أي للمقر به لأنه لا فضل
بيد المقر (وإن أقر) الأخ لام (بأخوين من أم دفع إليهما ثلث ما في يده) لأن في يده
السدس، وفي إقراره بهما قد اعترف أنه لا يستحق إلا التسع فيبقى بيده نصف التسع وهو
ثلث ما في يده فيدفعه إليهما.
فصل:
(في طريق العمل) في مسائل هذا الباب كله
(أن) تعمل مسألة الاقرار ومسألة الانكار ثم (تضرب مسألة الاقرار في مسألة الانكار)
إن تباينتا (وتراعي الموافقة) فتضرب إحداهما في وفق الأخرى إن كان بينهما موافقة وتكتفي
بإحداهما إن تماثلتا وبأكبرهما إن تداخلتا. ومن له شئ من إحدى المسألتين أخذه مضروبا
في واحد إن تماثلتا، وفي التداخل من له شئ من الكبرى أخذه مضروبا في واحد، ومن له
شئ من الصغرى أخذه مضروبا في مخرج نسبتها إلى الكبرى (وتدفع إلى المقر سهمه من
مسألة الاقرار في مسألة الانكار) عند المباينة أو في وفقها عند الموافقة (و) تدفع (إلى المنكر
سهمه من مسألة الاقرار) أو وفقها على ما سبق (فما فضل) بعد ما أخذه المقر والمنكر (فهو
للمقر (2) له، فلو خلف) ميت (ابنين فأقر أحدهما بأخوين) غير توأمين (فصدقه أخوه في
أحدهما ثبت نسبه) أي المتفق عليه لاقرار جميع الورثة به (وصاروا ثلاثة) بنين (للمقر ربع
المال) لاعترافه أنه واحد من أربعة (وللمنكر ثلثه) لأنه يقول: إنه واحد من ثلاثة وينكر
الرابع (وللمتفق عليه كذلك) أي ثلث المال (إن جحد الرابع) لأنه مثل المنكر في ذلك
(وإلا) بأن لم يجحده بل اعترف به (فله الربع) كالمقر (والباقي) من الميراث (للمجحود)
586

فمسألة الاقرار من أربعة، ومسألة الانكار من ثلاثة وهما متباينتان، فاضرب أحدهما في
الأخرى (تصح من اثني عشر) للمنكر سهم من مسألة الانكار في مسألة الاقرار بأربعة،
وللمقر من مسألة الاقرار سهم في مسألة الانكار بثلاثة، وللمتفق عليه إن صدق المقر مثل
سهمه ثلاثة وإن وافق المنكر مثل سهمه أربعة، والباقي للمختلف فيه وهو سهمان حال
التصديق وسهم حال الانكار (1). وإن كان المقر به توأمين ثبت نسبهما والحالة هذه لأنه
يلزم من الاقرار بأحدهما الاقرار بالآخر (وإن خلف) ميت (ابنا فأقر) الابن (بأخوين فأكثر)
من أخوين له (بكلام متصل) بأن قال: هذان أخوان (ولا وارث غيره) أي غير المقر (فاتفقا
أو اختلفا ثبت نسبهما) (2) لاقرار من هو كل الورثة قبلهما (ولو لم يكونا توأمين) لما تقدم
(وإن أقر) الابن (بأحدهما بعد الآخر) ثبت نسبهما إن كانا توأمين. ولم يلتفت إلى إنكار
المنكر منهما، سواء تجاحدا معا أو جحد أحدهما الآخر للعلم بكذبهما لأنهما لا يفترقان.
وإن لم يكونا توأمين لم يثبت نسب الثاني حتى يصدق عليه الأول و (أعطي) المقر (الأول)
منهما (نصف ما في يده) من تركة أبيه لأنه أقر له به أولا فلا يبطل بإقراره للآخر بعد (و)
أعطي (الثاني ثلث ما بقي في يده إذا كذب الأول بالثاني) لأنه الفضل، لأنه يقول نحن ثلاثة
أولاد (وثبت نسب الأول) لانحصار الإرث حال الاقرار فيمن أقر به (ووقف ثبوت نسب
الثاني على تصديقه) أي الأول لأنه وارث حال إقرار أخيه به (ولو كذب الثاني بالأول وهو)
أي الأول (مصدق به) أي الثاني (ثبت نسب الثلاثة) ولا أثر لتكذيب الثاني، لأنه لم يكن
وارثا حين إقرار الأول به (وإن أقر بعض الورثة بامرأة للميت) أي بأنها زوجته (لزمه لها) أي
للزوجة من التركة (ما يفضل في يده من حصته) (3) كما لو مات رجل عن ابنين فأقر أحدهما
بزوجة للميت وأنكر الآخر، فلها نصف ثمن التركة مما بيد المقر (فإن مات من أنكر) ها
من الابنين (فأقر بها ابنه) أي ابن المنكر ولا وارث له غيره (كمل إرثها) فيدفع لها نصف
587

الثمن فيكمل لها الثمن لاعترافه بظلم أبيه لها بإنكارها (وإن قال مكلف) لمكلف آخر (مات
أبي وأنت أخي أو) قال لأكثر من واحد (مات أبونا ونحن أبناؤه، فقال) المقر به: (هو) أي
الميت (أبي ولست بأخي لم يقبل إنكاره) لأن القائل نسب الميت إليه أولا بأنه أبوه، وأقر
بمشاركة المقر له في ميراثه بطريق الإخوة فلما أنكر أخوته لم يثبت إقراره به. وبقيت دعواه
أنه أبوه دونه غير مقبولة كما لو ادعى ذلك قبل الاقرار (وإن قال) الأول (مات أبوك وأنا
أخوك فقال) مجيبا له (لست بأخي فالمال) المخلف عن الميت (كله للمقر به) (1) لأنه بدأ
بالاقرار بأن هذا الميت أبوه فثبت ذلك له ثم ادعى مشاركته بعد ثبوت الأبوة للأول، فإذا
أنكر الأول أخوته لم تقبل دعوى هذا المقر، (وإن قال): مكلف المكلف آخر (ماتت زوجتي
وأنت أخوها فقال) مجيبا له: (لست بزوجها قبل إنكاره) (2) أنها زوجته، لأن الزوجية من
شرطها الاشهاد. فلا تكاد تخفى ويمكن إقامة البينة عليها.
فصل:
(ومن أقر) من الورثة (في مسألة)
فيها (عول بمن) أي بوارث (يزيل العول ك‍) - من ماتت (عن زوج وأختين لأب أو
لأبوين) فإن أصل المسألة من ستة وتعول إلى سبعة كما تقدم فإذا (أقرت إحداهما بأخ) لأب
أو لأبوين فإنه يعصبهما ويزول العول، وتصح مسألة الاقرار من ثمانية، للزوج أربعة وللأخ
سهمان ولكل أخت سهم (فاضرب مسألة الاقرار) ثمانية (في مسألة الانكار) سبعة
لتباينهما (تكن ستة وخمسين واعمل كما تقدم) من ضرب سهم المنكر من مسألة في الاقرار
588

وبالعكس (يكن للزوج أربعة وعشرون) لأن له من مسألة الانكار ثلاثة مضروبة في مسألة
الاقرار يحصل ما ذكر (ل) - للأخت (المنكرة ستة عشر) لأن لها من الانكار مسألة سهمين
في الثمانية بستة عشر (وللمقرة سبعة) لأن لها من مسألة الاقرار واحدا في السبعة (يبقى) من
الأربعة والخمسين (تسعة للأخ) (1). المقر به لأنها الفاضلة له مما بيد المقرة. هذا إذا كذبها
الزوج (فإن صدقها الزوج) على أنه أخوها (فهو) أي الزوج (يدعي أربعة) تمام الثمانية
والعشرين التي هي نصف الستة والخمسين لزوال العول بالأخ (والأخ) المقر به (يدعي أربعة
عشر) مثلا ما للمقرة به (والمقر به من السهام تسعة) لما تقدم (فاقسمه) أي التسعة (على
سهامها الثمانية عشر أتساعا) فيحصل لكل سهمين من الثمانية عشر سهم من التسعة لان
نسبة التسعة إلى الثمانية عشر نصف فيكون (للزوج سهمان وللأخ سبعة) (2) فإن أقرت
الأختان بالأخ وكذبهما الزوج دفع إلى كل أخت سبعة ودفع إلى الأخ أربعة عشر، وذلك
نصف التركة ثمانية وعشرون، ويبقى من النصف الثاني أربعة يقرون بها للزوج وهو ينكرها
وفيها ثلاثة أوجه، أحدها أنها تقر بيد من هي في يده لأن الاقرار يبطل بإنكاره وهذا مقتضى
كلامه في المسألة بعدها. والثاني يعطى الزوج نصفها والأختان نصفها لأنها لا تخرج عنهم
فلا شئ فيها للأخ، لأنه لا يحتمل أن يكون له فيها شئ بحال. والثالث يؤخذ لبيت
المال لأنه مال لم يثبت له مالك. وهذا مقتضى كلامه في المسألة بعد (فإن كان معهم) أي
مع الأختين لأبوين أو لأب والزوج (أختان لام) وأقرت إحدى الأختين لغير أم بأخ مساو
لهما بمسألة الانكار من تسعة للزوج ثلاثة وللأختين لام سهمان لكل واحدة واحد وللأختين
لغير أم أربعة لكل واحدة سهمان. ومسألة الاقرار أصلها ستة للزوج ثلاثة وللأختين لام
سهمان يبقى واحد للأخ والأختين لغير أم على أربعة لكل فتضربها في ستة تبلغ أربعة وعشرين
وبينها وبين التسعة موافقة بالأثلاث (فإذا ضربت وفق مسألة الاقرار) وهو ثمانية (في مسألة
الانكار) تسعة (بلغت اثنين وسبعين، للزوج ثلاثة من مسألة الانكار) تضربها (في وفق مسألة
الاقرار) ثمانية يحصل له (أربعة وعشرون ولولدي الام) سهمان من مسألة الانكار في ثمانية
وفق مسألة الاقرار، فلهما (ستة عشر وللأخت المنكرة) سهمان من مسألة الانكار في الثمانية
وفق مسألة الاقرار (ستة عشر وللمقرة) سهم من مسألة الاقرار في وفق مسألة الانكار (ثلاثة
589

يبقى في يدها ثلاثة عشر للأخ منها ستة) مثلا أخته المقرة به (يبقى سبعة لا يدعيها أحد تقر
بيد المقرة) (1) لأن الاقرار يبطل بإنكار من أقر له هذا. إذا كذبها الزوج (فإن صدق الزوج
المقرة) في إقرارها بالأخ (فهو يدعي اثني عشر) ليكمل له بها مع الأربعة والعشرين نصف
المال ستة وثلاثون (والأخ) المقر به (يدعي ستة) مثلي أخته. وفي شرح المنتهى هنا سبق
قلم لا يخفى على فطن (يكونان) أي مدعي الزوج ومدعي الأخ (ثمانية عشر، ولا تنقسم
عليها الثلاثة عشر) الباقية بيد الأخت المقرة (ولا توافقها فاضرب ثمانية عشر في أصل
المسألة) اثنين وسبعين تبلغ ألفا ومائتين وستة وتسعين (ثم كل من له شئ من اثنين وسبعين
مضروب في ثمانية عشر، ومن له شئ من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر) (2) فللزوج
من الاثنين وسبعين أربعة وعشرون في ثمانية عشر أربعمائة واثنان وثلاثون، ومن الثمانية
عشر اثنا عشر في ثلاثة عشر مائة وستة وخمسون وللأختين من الام مائتان وثمانية وثمانون
وللمنكرة كذلك وللمقرة أربعة وخمسون وللأخ ستة في ثلاثة عشر ثمانية وسبعون، والسهام
متفقة بالسدس، فترد المسألة إلى سدسها مائتين وستة عشر وكل نصيب إلى سدسه (وعلى
هذا تعمل ما ورد عليك) من مسائل هذا الباب.
باب ميراث القاتل
أي بيان الحال التي يرث القاتل فيها والحال التي لا يرث فيها (القاتل بغير حق لا
يرث من المقتول شيئا) (3) لحديث عمر سمعت رسول الله (ص) يقول: ليس للقاتل شئ (4)
590

رواه مالك في الموطأ وأحمد وحديث ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): من قتل قتيلا فإنه
لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره وإن كان والده فليس لقاتل ميراث (1) رواه أحمد وفي
الباب غيره. والحكمة فيه تهمة الاستعجال في الجملة والقتل بغير حق (مثل أن يكون القتل
مضمونا بقصاص) كالعمد المحض العدوان (أو) يكون القتل مضمونا ب‍ (- دية) كقتل الوالد
لولده عمدا عدوانا، فإنه يضمنه بالدية ولا كفارة لأنه عمد، ولا قصاص لما يأتي (أو) يكون
القتل مضمونا ب‍ (- كفارة) كمن رمى مسلما بين الصفين يظنه كافرا على ما يأتي في
الجنايات فإن كان مضمونا باثنين من هذه كشبه العمد والخطأ غير ما ذكر منع بالأولى فالقتل
بغير حق من موانع الإرث كما قدمت الإشارة إليه (عمدا كان القتل أو شبه عمد أو خطأ)
وسواء كان (بمباشرة أو سبب مثل أن يحفر بئرا) (2) في موضع لا يحل حفرها فيه فيموت
بها مورثه (أو يضع حجرا) بطريق لا لنفع المارة في نحو طين (أو ينصب سكينا أو يخرج)
روشنا أو ساباطا أو دكانا أو نحوه (ظلة إلى الطريق) عدوانا (أو يرش ماء) لغير تسكين غبار
على ما يأتي في الجنايات (ونحوه) كإلقاء قشر بطيخ بطريق، فيهلك بذلك مورثه فلا يرثه
لما تقدم لأنه قاتل كالمباشر (أو) يكون القتل (ب‍) - سبب (جناية مضمونة من بهيمة) لكونها
ضارية أو لكون يده عليها كالراكب والقائد والسائق (فيهلك بها موروثه) فلا يرثه لأنه قاتل له
(ولو كان القاتل غير مكلف) (3) كصغير ومجنون، وكذلك لو انقلب نائم ونحوه على مورثه
فقتله فلا يرثه لأنه قاتل له، سدا للباب وسواء (انفرد) الوارث (بالقتل أو شارك فيه) غيره
لأن شريك القاتل قاتل بدليل أنه لو أوجب القصاص (وكذا لو قتله بسحر) فلا يرثه لما تقدم
(أو سقى ولده ونحوه) ممن في حجره (دواء ولو يسيرا) أو أدبه (أو فصده) أو حجمه (أو
بسط سلعته لحاجة فمات) لم يرثه لأنه قاتل ويأتي ما فيه (ولو شربت) حامل (دواء فأسقطت
جنينها لم ترث من الغرة شيئا) بجنايتها المضمونة (وما) أي وكل قتل (لا يضمن بشئ من
هذا) المذكور من قصاص أو دية أو كفارة (كقتل قصاصا أو القتل (حدا) كترك زكاة
591

ونحوها أو لزنا ونحوه (أو) القتل (حرابا) بأن قتل مورثه الحربي (أو قتل بشهادة حق) من
(وارثه) أو زكى الشاهد عليه بحق. أو حكم بقتله بحق ونحوه (أو) قتله (دفاعا عن نفسه) إن
لم يندفع إلا به (و) ك‍ (- قتل العادل الباغي في الحرب وعكسه) بأن قتل الباغي العادل (لا
يمنع الميراث) (1) لأنه فعل مأذون فيه فلم يمنع الميراث كما لو أطعمه أو سقاه باختياره
فأفضى إلى موته (ومنه) أي من القتل الذي لا يمنع الميراث (عند الموفق (2) والشارح من
قصد مصلحة موليه مما له فعله من سقي دواء أو بط جراحة فمات) فيرثه لأنه ترتب عن فعل
مأذون فيه (أو من أمره إنسان عاقل كبير) أي بالغ (ببط جراحه أو) ب‍ (- قطع سلعة منه)
ففعل (فمات بذلك) (3) فيرثه (ومثله من أدب ولده) أو زوجته أو صبيه في التعليم ولم يسرف
فإنه لا يضمنه بشئ مما تقدم فلا يكون ذلك مانعا من إرثه (ولعله) أي قول الموفق
والشارح (أصوب) لموافقته للقواعد.
باب ميراث المعتق بعضه وما يتعلق به
(القن) قال ابن سيده وغيره: القن هو المملوك وأبواه. قال الجوهري: ويستوي فيه
الواحد والاثنان والجمع والمؤنث، وربما قالوا: عبدان قنان ثم يجمع على أقنة ا ه‍.
واصطلاحا الرقيق الكامل رقه الذي لم يحصل فيه شئ من أسباب العتق ومقدماته بخلاف
المكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد، سواء كان أبواه مملوكين أو عتيقين أو
حري الأصل وكانا كافرين فاسترق هو، أو كانا مختلفين (والمدبر والمكاتب وأم الولد ومن
علق عتقه بصفة ولم توجد لا يرثون ولا يورثون) (4) لأن فيهم نقصا منع كونهم وارثين فمنع
كونهم موروثين كالمرتد. وأجمعوا على أن المملوك لا يورث لأنه لا مال له فيورث لأنه لا
592

يملك. ومن قال: إنه يملك بالتمليك فملكه ناقص غير مستقر يزول إلى سيده بزوال ملكه
عن رقبته لقوله (ص): من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه
المبتاع (1) ولان السيد أحق بمنافعه وأكسابه في حياته فكذلك بعد مماته. والمكاتب كالقن
ولو ملك وفاء، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: المكاتب عبد ما بقي عليه
درهم (2) رواه أبو داود وأما الأسير الذي عند الكفار فإنه يرث إذا علمت حياته في قول
عامة الفقهاء إلا سعيد بن المسيب فإنه قال: لا يرث لأنه عبد. ولا يصح ما قاله لأن الكفار
لا يملكون الأحرار بالقهر (ويرث معتق بعضه) بقدر حرية بعضه (ويورث) معتق بعضه
(ويحجب) معتق بعضه (بقدر حرية بعضه) هذا قول علي وابن مسعود لما روى عبد الله بن
أحمد بسنده إلى ابن عباس أن النبي (ص) قال في العبد يعتق بعضه: يرث ويورث على قدر
ما عتق منه ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه كما لو كان الآخر معه (وما كسب)
المعتق بعضه (بجزئه الحر) بأن كان هايأ سيده فما كسبه في نوبته فهو له خاصة (أو ورث)
المبعض (به) أي بجزئه الحر شيئا فهو له خاصة (أو كان) المعتق بعضه (قاسم سيده في
حياته) كسبه (فهو) أي ما حصل له (خاصة) أي لا حق لمالك باقيه في شئ منه فلو اشترى
منه رقيقا وأعتقه فولاؤه له خاصة. فإن مات العتيق عن غير ورثة من النسب ورثه المبعض
وحده كما ذكرته في الحاشية عن ابن نصر الله (و) ما ملكه بجزئه الحر أو ورثه أو خصه من
مقاسمة سيده ف‍ (- هو لورثته بعد موته) (3) لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: من مات عن حق
فهو لورثته وحيث تقرر أن المبعض يرث ويحجب بحسب ما فيه من الحرية (فلو كان ابن
نصفه حر وأم وعم حران) فلو كان الابن كامل الحرية كان للأم السدس وله الباقي وهو
نصف وثلث (فله) أي الابن (نصف ما يرث لو كان حرا وهو ربع السدس) بنصفه الحر
(وللأم ربع) لأن الابن الحر يحجبها عن سدس. فبنصفه (والباقي للعم) تعصيبا (وكذا الحكم إن لم
ينقص ذو الفرض بالعصبة كجدة وعم) حرين (مع ابن نصفه حر ف‍) - للجدة السدس و (له) أي
الابن المبعض (نصف الباقي بعد ميراث الجدة) وربع وسدس والباقي وهو ربع وسدس
593

أيضا للعم (ولو كان معه) أي المبعض (من يسقط بحريته التامة) كالعم في المثالين
السابقين و (كأخت وعم حرين) مع ابن نصفه حر (فله) أي الابن المبعض (النصف) بنصفه
الحر (وللأخت) إن كانت شقيقة أو لأب (نصف ما بقي) فلها الربع لأن حريته الكاملة
تحجبها عن النصف، فنصفها يحجبها عن نصف النصف وهو ربع (وللعم ما بقي) (1)
تعصيبا. وتصح من أربعة للابن المبعض اثنان وللأخت واحد وللعم كذلك. فإن كانت
الأخت لام فلها نصف السدس وتصح من اثني عشر للابن المبعض ستة وللأخت لام واحد
وللعم خمسة (ولو كان مكان الابن بنت) نصفها حر مع أم وعم حرين (فلها) أي البنت
(الربع) لأن لها النصف لو كانت حرة فتأخذ نصفه بنصفها الحر (وللأم الربع لحجبها) أي
البنت المذكورة (لها عن نصف السدس) لما تقدم (وللعم سهمان) من أربعة (وهو الباقي)
بعد فرض البنت وفرض الام (وأم وبنت نصفهما حر وأب حر) كله (فللبنت بنصف حريتها
نصف ميراثها) لو كانت كاملة الحرية وذلك نصف (وهو) أي نصف النصف (الربع وللأم مع
حريتها ورق البنت الثلث ومع حرية البنت) لها (السدس) فقد حجبتها حرية البنت عن
السدس (فنصف حريتها) أي البنت (يحجبها) أي الام (عن نصفه) أي السدس و (يبقى لها)
أي الام (الربع لو كانت حرة. فلها بنصف حريتها نصفه) أي الربع (وهو الثمن والباقي
للأب) فرضا وتعصيبا وتصح من ثمانية للام واحد وللبنت اثنان وللأب خمسة (وإن شئت
نزلتهم) أي المبعضين من الورثة (أحوالا ك‍) - تنزيل (الخناثى) (2) الوارثين (فأم وبنت
نصفها حر وأب حر) وهو المثال السابق (فتقول إن كانتا) أي الام والبنت (حرتين فالمسألة
من ستة للبنت ثلاثة وللأم السدس سهم والباقي) سهمان (للأب) فرضا وتعصيبا (وإن كانتا
رقيقتين فالمال) كله (للأب) تعصيبا، (وإن كانت البنت وحدها حرة فلها النصف) وللأب
السدس فرضا والباقي تعصيبا (والمسألة من اثنين) لتوافق النصيبين بالثلث، فترجع الستة إلى
594

ثلثها اثنين ونصيب كل من البنت والأب إلى ثلثه واحد، (وإن كانت الام وحدها حرة فلها
الثلث) والباقي للأب (وهي من ثلاثة وكلها) أي كل المسائل غير الستة (تدخل في الستة ف‍)
- تكتفي بها و (تضربها في الأربعة أحوال تكون أربعة وعشرين للبنت ستة وهي الربع لأن لها
النصف في حالين) وهما حال حريتها وحرية الام وحال حريتها وحدها. وإذا جمعت اثني
عشر واثني عشر وقسمت على الأربعة الأحوال خرجت الستة (وللأم الثمن وهو ثلاثة
لأن لها الثلث في حال) حريتها ورق البنت (و) لها (السدس في حال) حريتها وحرية البنت
والثلث والسدس من أربعة وعشرين اثنا عشر فإذا قسمتها على الأربعة خرج ثلاثة (والباقي)
خمسة عشر (للأب) والسهام متفقة بالثلث فرد المسألة إلى ثلثها ثمانية ونصيب كل وارث
إلى ثلثه فلذلك قال (وترجع بالاختصار إلى ثمانية) (1) كما تقدم (وإذا كان عصبتان نصف
كل واحد منهما حر كأخوين) للميت (أو ابنين) له (لم تكمل الحرية) فيهما لأنها لو كملت
لم يظهر للرق فائدة وكانا في ميراثهما كالحرين (حتى ولو كان أحدهما يحجب الآخر كابن
وابن ابن) نصف كل منهما حر. فلا تكمل الحرية فيهما لأن الشئ لا يكمل بما يسقطه ولا
يجمع بينه وبين ما ينافيه (ولهما ثلاثة أرباع المال بالخطاب والأحوال) (2) بأن تقول لكل
واحد منهما: لو كنت حرا والآخر رقيقا لكان لك المال، ولو كنتما حرين لكان لك نصفه،
وتعطيه ربع ماله في الحالين، وهو ربع وثمن. وكذلك الآخر هذا إن كانا أخوين أو ابنين.
وفي ابن وابن ابن نصفهما حر: للابن نصف ولابن الابن ربع والباقي للعاصب وكذلك إن
نزلتهم أحوالا على ما تقدم لك (ولام مع الابنين) اللذين نصف كل منهما حر (سدس وربع
سدس) لأن مسألة حريتهما أو حرية أحدهما ورق الآخر من ستة ومسألة رقهما من ثلاثة
فتكتفي بستة وتضربها في عدد الأحوال أربعة بأربعة وعشرين لها ثمانية في حال وأربعة في
ثلاثة أحوال ومجموعها عشرون تقسمها على أربعة بخرج خمسة وهي سدس وربع سدس
(ولزوجة) مع ابنين نصف كل منهما حر (ثمن وربع ثمن) لأن مسألة حريتهما أو حرية
595

أحدهما مع رق الآخر من ثمانية ومسألة رقهما من أربعة وهي داخلة في الثمانية فاضربها في
عدد الأحوال أربعة تكن اثنين وثلاثين للزوجة ثمنها أربعة في ثلاثة أحوال وربعها ثمانية في
حال وإذا قسمت العشرين على الأربعة خرج خمسة وهي ثمن الاثنين والثلاثين وربع ثمنها
(وجعل في التنقيح) وتبعه في المنتهى (1) (للأم السدس) مع الابنين المذكورين (وللزوجة
الثمن) كذلك لأن كل واحد منهما يحجب الام بنصفه الحر عن نصف السدس والزوجة عن
نصف الثمن وهو الذي قدمه في الشرح (2). ثم قال ومن ورث بالأحوال والتنزيل فذكر ما
قاله المصنف (وهو على المذهب غير صواب) لما تقدم أن الحرية لا تكمل فيهما لكن لا
يلزم من عدم تكميلها فيهما بالنسبة لهما عدم تكميلها بالنسبة لغيرهما (وابنان نصف أحدهما
قن المال بينهما أرباعا تنزيلا لهما) بأحوالهما (3) لأن مسألة حرية المبعض من اثنين ومسألة
رقه من واحدة فتضرب الاثنين في الحالين بأربعة، للحر من الحرية واحد في واحد ومن
الرقية واحد في اثنين ومجموعها ثلاثة وللمبعض واحد من الحرية في واحد ولا شئ له مع
الرق (و) كذلك المال بينهما أرباعا (خطابا بأحوالهما) بأن تقول: لو كان البعض حرا
لحجب أخاه عن نصف المال فنصفه يحجبه عن نصف النصف وهو ربع فله ثلاثة أرباع
وتقول للمبعض: لو كنت كامل الحرية لكان لك نصف المال فلك بنصف الحرية نصف
النصف وهو الربع، ولابن وبنت نصفهما حر مع عم خمسة أثمان المال على ثلاثة وأم لها
السدس وللابن خمسة وعشرون مع اثنين وسبعين وللبنت أربعة عشر منها قاله في المنتهى
(ويرد على كل ذي فرض) بعضه حر (و) يرد أيضا على كل (عصبة) بعضه حر (إن لم
يصبه من التركة بقدر حريته من نفسه لكن أيهما) أي العصبة وذو الفرض (استكمل برد أزيد
من قدر حريته من نفسه منع من الزيادة) على قدر حريته من نفسه (ورد على غيره إن أمكن)
بأن كان هناك من لم يصبه بقدر حريته من المال (وإلا) بأن لم يمكن ذلك (فلبيت المال)
كما لو لم يكن ثم مبعض (فلبنت نصفها حر النصف بفرض ورد ولابن مكانها) أي البنت
(النصف بعصوبة والباقي) لذي الرحم إن كان كما ذكره في الشرح في بعض الصور. ويعلم
مما تقدم وإلا فهو (لبيت المال) في الصورتين (ولابنين نصفهما حر البقية) وهي ربع (مع
596

عدم عصبة) فيأخذ كل منهما النصف تعصيبا وردا (ولبنت وجدة نصفهما حر المال بينهما
نصفين بفرض ورد ولا يرد هنا) أي في هذه الصورة وشبهها (على قدر فرضيهما لئلا يأخذ
من نصفه حر فوق نصف التركة) وهو ممنوع (ومع حرية ثلاثة أرباعهما المال بينهما أرباعا)
فيرد عليهما (بقدر فرضيهما لفقد الزيادة الممتنعة و) يكون لبنت وجدة مع حرية (ثلثهما
الثلثان بينهما بالسوية والبقية لبيت المال) (1) لئلا يأخذ من ثلثه حر أكثر من ثلث التركة.
باب الولاء وجره ودوره
الولاء بفتح الواو والمد: لغة الملك. وشرعا ثبوت حكم شرعي بعتق أو تعاطي سببه
كما أشار إليه بقوله (ومعنى الولاء إذا أعتق نسمة) ذكرا أو أنثى أو خنثى صغيرا أو كبيرا
(صار لها عصبة في جميع أحكام التعصيب عند عدم العصبة من النسب) كالابن والأب والأخ
والعم ونحوهم وقوله (من الميراث وولاية النكاح والعقل) إذا جني خطأ أو شبه عمد (وغير
ذلك) كالنفقة بيان لأحكام التعصيب (قاله في المطلع (2) و) قاله (الزركشي) وقوله: عند عدم
العصبة من النسب متعلق بصار، والأولى إسقاطه لأنه عصبة حتى مع وجوده، لكنه
محجوب به عن الميراث والأصل في ذلك قوله تعالى: * (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم
في الدين ومواليكم) * [الأحزاب: 5]. وقوله (ص): لعن الله من تولى غير مواليه (3) وقوله
(ص): مولى القوم منهم (4) حديثان صحيحان وإنما تأخر الولاء عن النسب لقوله (ص) في
597

حديث عبد الله بن أبي أوفى: الولاء لحمة كلحمة النسب (1) رواه الخلال ورواه الشافعي
وابن حبان من حديث ابن عمر مرفوعا. وفيه: لا يباع ولا يوهب شبهه بالنسب والمشبه
دون المشبه به، ولان النسب أقوى من الولاء لأنه يتعلق به المحرمية. وترك الشهادة
ونحوها. بخلاف الولاء. إذا تقرر ذلك (فكل من أعتق رقيقا، أو) أعتق (بعضه فسرى)
العتق (عليه) إلى باقيه على ما يأتي بيانه فله عليه الولاء (ولو) كان أعتقه (سائبة ونحوها.
كقوله: أعتقتك سائبة، أو) أعتقتك (ولا ولاء لي عليك) لقوله (ص): الولاء لمن أعتق (2)
وقوله: الولاء لحمة كلحمة النسب فكما أنه لا يزول نسب إنسان، ولا ولد عن فراش
بشرط لا يزول ولاء عن عتيق به. ولذلك لما أراد أهل بريرة اشتراط ولائها على عائشة.
قال (ص): اشتريها واشترطي لهم الولاء. فإنما الولاء لمن أعتق (3) يريد أن اشتراط تحويل
الولاء عن المعتق، لا يفيد شيئا. وروى مسلم بإسناده عن هذيل بن شرحبيل. قال: جاء
رجل إلى عبد الله. فقال: إني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة، فمات وترك مالا ولم يدع
وارثا. فقال عبد الله: إن أهل الاسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون، وأنت
ولي نعمته. فإن تأثمت وتحرجت عن شئ فنحن نقبله ونجعله في بيت المال (أو) كان
المعتق (منذورا، أو من زكاة، أو عن كفارة) لما تقدم، ولأنه معتق عن نفسه، فكان الولاء
له (أو عتق عليه برحم) كما لو ملك أباه، أو ولده، أو أخاه، أو عمه ونحوه. فعتق عليه
بسبب ما بينهما من الرحم أي القرابة (أو) عتق عليه ب‍ (- تمثيل به) بأن مثل برقيقه، فيعتق
عليه وله ولاؤه (أو) عتق عليه ب‍ (- كتابة) بأن كاتبه على مال فأداه (ولو أدى) المكاتب (إلى
الورثة) ما كوتب عليه وعتق. فولاؤه للموروث يرث به أقرب عصبته على ما يأتي (أو) عتق
عليه ب‍ (- تدبير) بأن دبره، فمات وخرج من ثلثه (أو) عتق عليه ب‍ (- إيلاد) كأن أتت أمته
منه بولد. ثم مات أبو الولد (أو) بسبب (وصية بعتقه) بأن وصى بعتق عبده، فأعتقه الورثة
(أو بتعليق) عتقه (بصفة فوجدت) كأن يقول له: إذا جاء رأس السنة فأنت حر، فجاء رأس
السنة ونحوه (أو) يعتقه (بعوض) نحو أنت حر على أن تخدمني سنة. وكما لو اشترى العبد
نفسه من سيده بعوض حال، فإنه يعتق ويكون الولاء لسيده. نص عليه (أو حلف) السيد
(بعتقه فحنث فله) أي السيد (عليه) أي على العتيق في جميع هذه الصور (الولاء. وإن
اختلف دينهما) لقوله (ص): الولاء لمن أعتق (4) متفق عليه (و) له أيضا الولاء (على أولاده)
598

أي أولاد العتيق (من زوجة معتقة) للعتيق أو غيره (أو) على أولاده من (سرية) للعتيق (و) له
الولاء أيضا (على من له) أي العتيق ولاؤه كعتقائه (أو لهم) أي لأولاد العتيق وإن سفلوا
(ولاؤه كمعتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم، ومعتقيهم أبدا ما تناسلوا) (1) لأنه ولي نعمته
وبسببه عتقوا، ولأنهم فرع والفرع يتبع أصله. فأشبه ما لو باشر عتقهم، ولا فرق بين كون
ذلك في دار الاسلام أو الحرب، لأن الولاء مشبه بالنسب والنسب ثابت بين أهل الحرب
فكذلك الولاء (لا يزول) الولاء (بحال) لحديث: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا
يوهب (2) (ويرث) ذو الولاء (به) أي بالولاء (ولو باينه في دينه) لما تقدم (عند عدم العصبة
من النسب. و) عند (عدم ذوي فروض تستغرق فروضهم المال) لحديث: ألحقوا الفرائض
بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر (3) والولاء دون النسب لأنه مشبه به فقدمت العصبة من
النسب على العصبة من الولاء، وتقدم (وإن كان ذو الفرض لا يرث جميع المال) كأم وبنت
وما أشبه ذلك (فالباقي للمولى) لحديث: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل
ذكر (4) (ثم يرث به) أي الولاء (عصباته) أي المعتق (من بعده) أي بعد موته. وكذا لو قام
به مانع كقتل (الأقرب فالأقرب) (5) من المعتق، سواء كان العصبة ولدا أو أبا أو أخا أو عما
أو غيرهم من العصبيات، وسواء كان المعتق ذكرا أو أنثى فإن لم يكن للمعتق عصبة من
النسب كان الميراث لمولى المعتق، ثم لعصباته الأقرب فالأقرب كذلك، ثم لعصبته كذلك
أبدا اتفاقا، لما روى أحمد بإسناده عن زياد بن أبي مريم أن امرأة أعتقت عبدا لها ثم
توفيت وتركت ابنا لها وأخاها، ثم توفي مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها إلى رسول
الله (ص) في ميراثه. فقال (ص): ميراثه لابن المرأة فقال أخوها: يا رسول الله لو جر جريرة
كانت علي. ويكون ميراثه لهذا. قال: نعم (6) (فلو أعتق كافر مسلما فخلف المسلم العتيق
ابنا لسيده كافرا وعما مسلما فماله) أي العتيق (لابن سيده) لأنه أقرب من عمه ومخالفته له
599

في الدين غير مانعة لإرثه كما تقدم (وإن تزوج حر الأصل أمة فعتق ولدها على سيدها)
بشئ مما سبق من مباشرة، أو سبب (فله) أي سيدها (ولاؤه) لأنه المعتق له (ومن كان أحد
أبويه الحرين حر الأصل ولم يمسه رق) والآخر عتيق فلا ولاء عليه لاحد لأن الام إن كانت
حرة الأصل فالولد يتبعها فيما إذا كان الأب رقيقا في انتفاء الرق والولاء، فلان يتبعها في
انتفاء الولاء وحده أولى، وإن كان الأب حر الأصل. فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه ولاء
بحيث يصير الولاء عليه لمولى، أبيه فلان يتبعه في سقوط الولاء عنه أولى (أو كان أبوه
مجهول النسب وأمه عتيقة أو عكسه) بأن كانت أمه مجهولة النسب وأبوه عتيقا (فلا ولاء
عليه) (1) لاحد، لأن مجهول النسب محكوم بحريته. أشبه معروف النسب ولان الأصل في
الآدميين الحرية وعدم الولاء، فلا يترك هذا الأصل في حق الولد بالوهم كما لم يترك في
حق أصله (ومن أعتق عبده) أو أمته (عن ميت أو) أعتقه عن (حي بلا أمره: فولاؤه للمعتق)
لحديث: الولاء لمن أعتق وكما لو لم يقصد غيره (إلا إذا أعتق وارث عن ميت) يرثه (في
واجب عليه) أي الميت (ككفارة ظهار و) كفارة وطئ نهار (رمضان و) كفارة (قتل) ويمين
(وله) أي الميت (تركة فيقع) العتق (عن الميت والولاء للميت) لمكان الحاجة إلى ذلك،
وهو احتياج الميت إلى براءة ذمته ولان الوارث كالنائب عن الميت في أداء ما عليه. فكان
العتق منه. قال الشيخ تقي الدين بناء على أن الكفارة ونحوها ليس من شرطها الدخول في
ملك المكفر عنه (فإن تبرع) وارث (بعتقه عنه) أي الميت في واجب عليه (ولا تركة) للميت
(أجزأ) العتق (عنه) (ك‍) - ما لو تبرع عنه ب‍ (- إطعام) أ (وكسوة) في كفارة يمين (والولاء للمعتق)
لحديث: الولاء لمن أعتق وإذا كانت الكفارة عن يمين لم يتعين العتق وله الاطعام والكسوة.
وإن تبرع بهما أجنبي أو يعتق عن الميت أجزأ ولمتبرع الولاء (وإن أعتقه عنه) أي عن حي
(بأمره) له بإعتاقه (فالولاء للمعتق عنه) كما لو باشر (وإذا قال) إنسان لآخر: (أعتق عبدك) أو
أمتك (عني مجانا أو) أعتق رقيقك عني و (على ثمنه أو) قال: (أعتقه عني ويطلق) فلم يقل
مجانا ولا على ثمنه (ففعل) المقول له بأن أعتقه عنه في المجلس أو بعد الفرقة (صح) ذلك
(والعتق والولاء للقائل) ووقع الملك والعتق معا، كما لو قال له: أطعم عني أو اكس عني
600

(ويجزئه) أي يجزئ هذا العتق القائل (عن العتق الواجب) عليه من نذر أو كفارة والمراد إذا
نواه (ما لم يكن) العتق (ممن يعتق عليه) (1) أي القائل إذا ملكه، كأبيه ونحوه يجزئه عن
واجب. ويأتي في الكفارة (ولا يلزمه) أي القائل: أعتق عبدك عني (ثمنه) أي العتيق (إلا
بالتزامه) بأن قال: أعتقه وعلي ثمنه. وصح كلما أعتقت عبدا من عبيدك فعلى ثمنه وإن لم
يبين العدد والثمن. ذكره في الاختيارات في الإجازة (وإن قال) إنسان لمالك رقيق (أعتقه
والثمن علي) ولم يقل أعتقه عني (أو) قال: (أعتقه عنك وعلي ثمنه ففعل صح) العتق
(والثمن عليه) لالتزامه له فقد جعل له جعلا على إعتاق عبده فلزمه ذلك بالعمل، كما لو
قال: ابن لي هذا الحائط بدينار (والعتق والولاء للمعتق) (2) لأنه لم يأمره بإعتاقه عنه ولا قصد
به العتق فلم يوجد ما يقضي صرفه إليه فبقي للمعتق لحديث: الولاء لمن أعتق (ويجزيه)
أي يجزي هذا العتق المعتق (عن الواجب) عليه من نذر أو كفارة (ولا يجب على السيد
إجابة من قال) له: (أعتق عبدك عني) أو عنك (وعلي ثمنه) لأنه لا ولاية له عليه، ولو قال:
اقتله علي كذا فلغو (وإن قال كافر لشخص) مسلم أو كافر: (أعتق عبدك المسلم عني وعلي
ثمنه ففعل) أي فأعتقه عن الكافر (صح) لأنه إنما يملكه زمنا يسيرا ولا يتسلمه، فاغتفر هذا
الضرر اليسير لأجل تحصيل الحرية للأبد التي يحصل بها نفع عظيم، لأن الانسان بها يصير
متهيئا للطاعات وكمال القربات (وعتق وولاؤه له) (3) أي للكافر ويرثه به لما تقدم واحتج
أحمد بقول علي: الولاء شعبة من الرق (4) فلم يضر تباين الدين بخلاف الإرث بالنسب
(كالمسلم) أي كما لو قال مسلم لآخر: أعتق عبدك عني وعلى ثمنه ففعل.
فصل:
فصل (ولا يرث النساء بالولاء إلا من أعتقن)
أي من باشرن عتقه (أو أعتق من أعتقن) أي أو عتيق من باشرن عتقه (وأولادهما) أي
601

أولاد عتيقهن (ومن جروا) أي النساء وعتيقهن وعتيق عتيقهن وأولادهما (ولاءه) بعتق أبيه
(أو كاتبن) فأدى وعتق (أو كاتب من كاتبن) (1) من كاتبه من النساء إذا أدى وعتق. روي
ذلك عن عمر وعثمان وعلي. لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال:
ميراث الولاء للكبر من الذكور ولا يرث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن ولان الولاء
مشبه بالنسب والموالي العتيق من المولى المنعم بمنزلة أخيه أو عمه، فولده من العتيق
بمنزلة ولد أخيه أو ولد عمه ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة (ولا يرث به) أي بالولاء (ذو
فرض إلا أب وجد يرثان السدس مع الابن أو ابنه وإن نزل) (2) بمحض الذكور كالنسب لأنه
عصبة وارث فاستحق بالولاء كأحد الأخوين مع الآخر. ولا نسلم أن الابن أقرب من الأب
بل هما في القرب سواء، وكلاهما عصبة لا يسقط أحدهما الآخر، وإنما هما متفاضلان في
الميراث فكذلك في الإرث بالولاء (ويرث الجد والإخوة) الذكور (إذا اجتمعوا من المولى
كمال سيده) المعتق له لاستوائهم في العصوبة وعدم المرجح (و) الحاصل أنهم (إن زادوا)
أي الإخوة (عن اثنين فله) أي الجد (ثلث ماله) أي العتيق (لأنه) أي الثلث (أحظ) للجد من
المقاسمة إن لم يكن للعتيق ذو فرض (وإن نقصوا) أي الإخوة عن اثنين (قاسمهم وكذا بقية
مسائله) إذا كان معهم صاحب فرض (على ما تقدم في ميراث الجد) مع الإخوة (وترث
عصبة ملاعنة عتيق ابنها) لأن عصبة أمه هم عصبته كما تقدم (والولاء لا يورث، ولا يباع،
ولا يوهب، ولا يوقف) لأنه (ص): نهى عن بيع الولاء وهبته (3) وقال: الولاء لحمة كلحمة
النسب (4) ولان الولاء معنى يورث به. فلا ينتقل كالقرابة. فعلى هذا لا ينتقل الولاء عن
المعتق بموته (لكن يورث به) أي بالولاء، على ما يأتي تفصيله (وهو الكبر) بضم الكاف
602

وسكون الموحدة. ويأتي توضيحه (ولا يجوز) للعتيق (أن يوالي غير مواليه) لقوله (ص): لعن
الله من تولى غير مواليه (1) (ولو بإذن معتقه) له أن يوالي غيره. فلا يصح، لأن الولاء
كالنسب، فلا ينتقل (فلو مات السيد قبل عتيقه فله) أي السيد (ولاؤه) أي لم ينتقل عنه
بموته، لأنه لا يورث، بل (يرث به أقرب عصبته) أي المعتق (إليه يوم موت عتيقه، وهو
المراد بالكبر) في حديث عمرو بن شعيب السابق وغيره (فلو مات السيد) المعتق (عن ابنين
ثم) مات (أحدهما عن ابن ثم مات عتيقه، فإرثه لابن سيده) دون ابن ابنه لأن الولاء للكبر
(وإن ماتا) أي ابنا السيد (قبل العتيق وخلف أحدهما) أي أحد الابنين (ابنا و) خلف الابن
(الآخر تسعة) أبناء (ثم مات العتيق، فإرثه بينهم على عددهم كإرثهم) جدهم (بالنسب) (2)
فيكون لكل واحد في المثال عشر التركة. روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن
حارثة وابن مسعود. وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم. لقوله (ص):
الولاء لمن أعتق (3) وقوله: الولاء لحمة كلحمة النسب (4) ولأنهم إنما يرثون العتق بولاء
معتقه لا نفس الولاء (وإذا اشترى أخ وأخته أباهما أو) اشتريا (أخاهما) ونحوه (فاشترى)
الأب ونحوه (عبدا) أو ملكه بأي وجه كان (ثم أعتقه ثم مات الأب) أو الأخ ونحوه (ثم
مات العتيق ورثه الابن دون أخته) (5) أو الأخ ونحوه دون أخته (بالنسب، لكونه عصبة
المعتق. فقدم على مولاه) بخلاف أخته (وغلط فيها خلق كثير) قال في الانصاف: يروى
عن مالك أنه قال: سألت سبعين قاضيا من قضاة العراق عنها فأخطؤا فيها (6) (ولو مات)
العتيق (بعد) موت (الابن ورثت) بنت معتق المعتق ومولاته (و) نحوها (منه) أي العتيق (بقدر
عتقها من الأب) أو الأخ ونحوه الذي هو معتق العتيق (والباقي) من تركة عتيق عتيقها يكون
603

(بينها وبين معتق أمها إن كانت) أمها (عتيقة) وإن اشتريا أخاهما فعتق عليهما ثم اشترى
عبدا فأعتقه ومات الأخ المعتق قبل موت العبد وخلف ابنه ثم مات العبد، فميراثه لابن
الأخ دون الأخت، لأنه ابن أخي المعتق، فإن لم يخلف إلا بنته فنصف مال العبد للأخت،
لأنها معتقة نصف معتقه، ولا شئ لبنت الأخ. والباقي لبيت المال (ومن نكحت عتيقها
فأحبلها ثم مات، فهي القائلة: إن ألد أنثى فلي النصف) لأن للبنت النصف وللزوجة الثمن،
والباقي لها تعصيبا (و) إن ألد (ذكرا) فلي (الثمن) لأنها زوجة مع ابن. ولا ترث بالولاء مع
العصبة من النسب (وإن لم ألد ف‍) - لي (الجميع) لأنها ترث الربع فرضا والباقي تعصيبا
(وإذا ماتت امرأة وخلفت ابنها وعصبتها ومولاها. فولاؤه وإرثه لابنها) لأنه أقرب عصبتها (إن
لم يكن له وارث من النسب، وعقله على عصبتها وابنها لأنه من العاقلة، فإن انقرض بنوها
فالولاء لعصبتها) الأقرب فالأقرب (دون عصبتهم) (1) أي عصبة بنيها، لأن الولاء لا يورث.
والأصل في ذلك ما روى إبراهيم قال: اختصم علي والزبير في مولى صفية. فقال علي:
مولى عمتي وأنا أعقل عنه. وقال الزبير: مولى أمي، وأنا أرثه. فقضى عمر على علي
بالعقل وقضى للزبير بالميراث رواه سعيد. واحتج به أحمد. ومن خلف بنت مولاه ومولى
أبيه فقط. فماله لبيت المال لأنه ثبت عليه الولاء من جهة مباشر العتق. فلم يثبت عليه
بإعتاق أبيه، وإنما لم ترثه بنت مولاه لأنها ليست بعصبة للمعتق. وإذا لم يكن للمعتق
عصبة لم يرجع الولاء لمعتق أبيه (2). ومن خلف معتق أبيه وخلف معتق جده ولم يكن هو
معتقه. فميراثه لمعتق أبيه إن كان ابن معتقه ثم لعصبة معتق أبيه، فإن لم يوجد أحد منهم
فميراثه لبيت المال. وعلم مما سبق: أن ذوي أرحام المعتق لا يرثون عتيقه وإن عدمت
عصبته. و (قال ابن أبي موسى: فإن مات العبد) العتيق (ولم يترك عصبة) من النسب (ولا
ذا سهم) أي فرض (ولا كان لمعتقه عصبة) من النسب ولا من الولاء (ورثه الرجال من ذوي
أرحام معتقه دون نسائهم. وعند عدمهم) أي عدم الرجال من ذوي أرحام معتق يكون ميراثه
(لبيت المال).
604

فصل:
(في جر الولاء
من ثبت له ولاء رقيق بمباشرة عتق أو سبب) بأن عتق عليه برحم أو كتابة أو
تدبير أو وصية ونحوها (لم يزل) ولاؤه (عنه بحال) (1) لقوله (ص): الولاء لمن
أعتق (2) (فأما إن تزوج العبد ومثله المكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة: معتقة)
لغير سيده (فأولدها فولاء ولدها) ذكرا أو أنثى أو خنثى واحدا أو أكثر (لمولى أمه)
التي هي زوجة العبد يعقل عنه ويرثه إذا مات، لكونه سبب الانعام عليه، لأنه إنما
صار حرا بسبب عتق أمه (فإن أعتق العبد) الذي هو الأب (انجر ولاؤه) أي ولاء
العتيقة منه على مولى الام (إلى معتقه) (3) فيصير له الولاء على العتيق وأولاده، لان
الأب لما كان مملوكا لم يكن يصلح وارثا لا وليا في نكاح ابنه كولد الملاعنة ينقطع
نسبه عن أبيه، فيثبت الولاء لمولى أمه وينتسب إليها. فإذا عتق الأب صلح
الانتساب إليه وعاد وارثا ووليا. فعادت النسبة إليه وإلى مواليه، وصار بمنزلة ما لو
استلحق الملاعن ولده. وروى عبد الرحمن عن الزبير: أنه لما قدم خيبر رأى فتية
لعسا. فأعجبه ظرفهم وجمالهم فسأل عنهم. فقيل له: إنهم موالي رافع بن خديج،
وأبوهم مملوك لآل الحرقة. فاشترى الزبير أباهم فأعتقه. وقال لأولاده: انتسبوا
إلي فإن ولاءكم لي. فقال رافع بن خديج: الولاء لي، لأنهم عتقوا بعتقي أمهم.
فاحتكموا إلى عثمان فقضى بالولاء للزبير فاجتمعت الصحابة عليه. واللعس سواد
في الشفتين تستحسنه العرب (ولا يعود) الولاء الذي جره مولى الأب (إلى مولى أمه
بحال) (4) فلو انقرض موالي الأب عاد الولاء إلى بيت المال دون موالي الام، لان
الولاء لا يجري مجرى النسب ولو انقرض الأب وآباؤه لم يعد النسب إلى الام.
605

فكذا الولاء. فلو ولدت بعد عتق الأب كان ولاء ولدها لموالي أبيه بغير خلاف (فإن
نفاه) أي الولد (الأب باللعان عاد ولاؤه إلى موالي الام لأننا تبينا أنه لم يكن له أب
ينتسب إليه، فإن عاد) الأب (فاستلحقه) لحقه (وعاد الولاء إلى موالي الأب) لعود
النسب إليه. وعلم مما تقدم: أن لجر الولاء ثلاثة شروط يكون الأب رقيقا حين
ولادة أولاده من زوجته التي هي عتيقة لغير سيده. وأن تكون الام مولاة، فإن كانت
حرة الأصل فلا ولاء على ولدها بحال، وإن كانت أمة فولدها رقيق لسيدها، فإن
أعتقهم فولاؤهم له مطلقا لا ينجر عنه بحال، وأن يعتق العبد سيده فإن مات على
الرق لم ينجر الولاء بحال، فإن اختلف سيد العبد ومولى الام في العبد بعد موته.
فقال سيده: مات حرا بعد جر الولاء وأنكر ذلك مولى الام. فالقول قوله لان
الأصل بقاء الرق. ذكره أبو بكر (1). (و) كذا (لا يقبل قول سيد مكاتب ميت: أنه
أدى وعتق ليجر الولاء) أي ولاء ولده من مولى أمهم، لأن الأصل عدم الأداء (وإن
أعتق الجد ولو قبل الأب. أو) عتق (بعد موته) أي الأب (لم يجر ولاءهم) أي ولاء
أولاد ولده عن مولى أمهم: قال أحمد: الجد لا يجر الولاء، ليس هو كالأب،
ولان الأصل بقاء الولاء لمستحقه. وإنما خولف هذا الأصل لما ورد في الأب،
والجد لا يساويه (2)، ولأنه لو أسلم الجد لم يتبعه ولد ولده، ولان الجد يدلي
بغيره، فهو كالأخ (وإن اشترى الابن) أي ابن المعتقة (أبا) العبد وملكه بهبة أو
غيرها (عتق عليه) بالملك (وله) أي الابن (ولاؤه) أي ولاء أبيه، لأنه عتق عليه
بملكه إياه، فكان له ولاؤه كما لو باشره (و) له أيضا (ولاء إخوته) من المعتقة،
لأنهم تبع لأبيهم (و) له أيضا ولاء (من له) أي الأب ولاؤه (و) ولاء من (لهم) أي
إخوته (ولاؤه) لأنه معتق المعتق (ويبقى ولاء نفسه) أي نفس الذي ملك أباه (لمولى
أمه) لأنه لا يجر ولاء نفسه كما لا يرث نفسه (فإن اشترى هذا الابن) الذي هو ابن
606

عبد من عتيقه (عبدا فأعتقه) مع بقاء الرق على أبيه (ثم اشترى العتيق أبا معتقه) أو
ملكه بهبة ونحوها (فأعتقه ثبت له ولاءه) أي ولاء أبي معتقه (وجر ولاء معتقه)
بولائه على أبيه (فصار لكل واحد منهما ولاء الآخر) (1). لأن الابن مولى معتق أبيه،
لأنه أعتقه، والعتيق مولى معتقه، لأنه بعتقه أباه جر ولاء معتقه (فلو مات الأب وابنه
والعتيق فولاؤه لمولى أم مولاه) فيه نظر لقوله فيما سبق ولا يعود إلى موالي أمه بحال
(ولو أعتق حربي كافرا ف‍) - أسلم العتيق ثم (سبى سيده فأعتقه فولاء كل واحد)
منهما (للآخر) (2). لأن كل واحد منهما منعم على الآخر بخلاص رقبته من الرق،
ويرث كل واحد منهما الآخر بالولاء، فإنه كما جاز أن يشتركا في النسب فيرث كل
واحد منهما صاحبه كذلك الولاء (فلو سبى المسلمين العتيق الأول فرق) قبل إسلامه
(ثم أعتق بطل ولاء الأول وصار الولاء للثاني) وحده، لأن السبي يبطل ملك الأول
الحربي، فالولاء التابع له أولى، ولان الولاء بطل باسترقاقه فلم يعد بإعتاقه (ولا
ينجر إلى الأخير ما ل‍) - لمعتق ا (لأول قبل رقه) أي رق العتيق (ثانيا من ولاء ولد و)
ولاء (عتيق) ثبت ولاؤهما للمعتق الأول قبل أن يسترق ثانيا، لأنه أثر العتق الأول
فيبقى على ما كان (وكذا لو أعتق ذمي عبدا كافرا فهرب إلى دار الحرب فاسترق) ثم
أعتق ثانيا بطل ولاء الأول وصار الولاء للثاني، ولا ينجز إلى الأخير ما للأول قبل رق
ثانية من ولاء ولد عتيق لما تقدم (وإن أعتق مسلم كافرا فهرب) الكافر (إلى دار
الحرب ثم سباه المسلمون جاز استرقاقه) لأنه كافر أصلي، فجاز استرقاقه كمعتق
الكافر وكغير المعتق (فإن) استرق ثم (أعتق عاد الولاء إلى الأول) مال إليه الموفق،
لحرمة حق المسلم (وإن أعتق مسلم) مسلما (أو) أعتق (ذمي مسلما فارتد) العتيق
(ولحق بدار الحرب ثم سبي. لم يجز استرقاقه) لأنه لا يقر على الردة (وإن اشترى)
607

العتيق المرتد مسلما (فالشراء باطل) لعدم صحة استرقاقه (ولا يقبل منه إلا التوبة) إن
قبلت (أو القتل) كما يأتي في كل مرتد.
فصل:
(في دور الولاء ومعناه)
أي معنى دور الولاء (أن يخرج من مال ميت قسط إلى مال ميت آخر بحكم
الولاء، ثم يرجع من ذلك القسط جزء إلى الميت الآخر بحكم الولاء أيضا. فيكون هذا
الجزء الراجع) من مال أحدهما إلى مال الآخر بحكم الولاء (فدار بينهما (1). واعلم أنه
لا يقع الدور) بالمعنى المذكور (في مسألة حتى يجتمع فيها ثلاثة شروط) أحدها (أن
يكون المعتق اثنين فصاعدا. و) الثاني (أن يكون في المسألة اثنان فصاعدا. و) الثالث
(أن يكون الباقي منهما يحوز إرث الميت قبله. مثاله ابنتان عليهما ولاء لموالي أمهما
اشتريا أباهما) نصفين (فعتق عليهما) لأنه ذو رحم محرم، وولاؤه (بينهما نصفين)
بحسب الملك (فلكل واحدة منهما نصف ولاء أبيها) لأنها معتقة لنصفه (و) لكل واحدة
منها (نصف ولاء أختها الأخرى، يجر ذلك إليها أبوها) لأن ولاء الولد تابع لولاء
الوالد (ويبقى نصف ولاء كل واحدة منهما لموالي أمها - لأن كل واحدة لا تجر ولاء
نفسها) كما لا ترث نفسها (فإن ماتت الكبرى) من البنتين (ثم مات الأب بعدها فالأخت
الباقية تستحق سبعة أثمان المال، نصفه بالنسب) لأنها بنته (وربعه بكونها مولاة نصفه)
608

أي الأب (والربع الباقي لموالي الميتة. وهم أختها الباقية وموالي أمها. فيكون) ذلك
(الربع بينهما، للأخت الباقية نصفه وهو ثمن المال، والثمن الباقي لموالي الام فيبقى)
أي يصير (للأخت الباقية سبعة أثمان) المال (ولموالي أمها ثمنه. فإذا ماتت الصغرى بعد
ذلك) أي بعد موت الأب والكبرى (كان مالها لمواليها. وهم أختها الكبرى وموالي أمها
بينهما نصفين) بحسب مالهما من الولاء (فاجعل النصف الذي أصاب الكبرى من
الصغرى بالولاء لمواليها، وهم أختها الصغرى وموالي أمها مقسوما بينهما نصفين،
لموالي الام نصفه وهو الربع، وللصغرى نصفه وهو الربع. فهذا الربع قد خرج من مال
الصغرى إلى موالي أختها الكبرى. ثم عاد إليها لأنها مولاة لنصف أختها. وهذا هو
الجزء الدائر (1). فيكون لموالي الام) (2) ولو اشترت إحدى البنتين أباها وحدها عتق
عليها وجر إليها ولاء أختها. فإذا مات الأب فلابنتيه الثلثان بالنسب والباقي لمعتقه
بالولاء. فإن ماتت التي لم تشتره بعد ذلك، فمالها لأختها نصفه بالنسب ونصفه بالولاء
لكونها مولاة أبيها. ولو ماتت التي اشترته فلأختها النصف والباقي لموالي أمها (ولو
اشترى ابن) معتقة (وبنت معتقة أباهما) نصفين (عتق عليهما) لأنه رحم محرم (وثبت
ولاؤه لهما نصفين) لكل واحد نصفه بحسب ما عتق عليه (وجر كل واحد منهما نصف
ولاء صاحبه) لأن ولاء الولد تابع لولاء الوالد (ويبقى نصفه) أي نصف ولاء كل واحد
منهما (لموالي أمه) أي أم كل واحد من الابن والبنت لأن كلا منهما لا يجر ولاء نفسه
609

(فإن مات الأب ورثاه) أي ابنه وبنته (بالنسب أثلاثا) لأن عصبة النسب مقدمة على عصبة
الولاء. وميراث النسب للذكر مثل حظ الأنثيين (وإن ماتت البنت بعده) أي بعد الأب
(ورثها أخوها بالنسب) لأنه مقدم على الولاء (فإذا مات أخوها) بعدها ولم يترك وارثا
من النسب (فما له لمواليه، وهم) أي مواليه (أخته وموالي أمه فلموالي أمه النصف
ولموالي أخته النصف) لأن الولاء بينهما نصفين (وهم) أي موالي الأخت (الأخ
وموالي الام، فلموالي أمها نصفه) أي نصف النصف (وهو الربع) أي ربع التركة لان
ولاء الأخت بين الأخ وموالي الام نصفين (ويبقى) من التركة (الربع وهو الجزء الدائر)
من الولاء (لأنه خرج من تركة الأخ وعاد إليه. فيكون لموالي أمه) (1) ومقتضى كونه
دائرا أنه يدور أبدا في كل دورة يصير لموالي الام نصفه، ولا يزال كذلك حتى ينفد كله
إلى موالي الام.
610

كتاب العتق
(وهو) لغة (1) الخلوص. ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير، أي خالصها. وسمي البيت
الحرام عتيقا لخلوصه من أيدي الجبابرة. وشرعا (تحرير الرقبة وتخليصها من الرق) (2)
وخصت الرقبة وإن تناول العتق جميع البدن، لأن ملك السيد له كالغل في رقبته المانع له
من التصرف. فإذا عتق صار كأن رقبته أطلقت من ذلك. يقال: عتق العبد وأعتقته، فهو
عتيق ومعتق. وهم عتقاء، وأمة عتيق وعتيقة. وقد أجمع العلماء على صحته وحصول
القربة به. وسنده من الكتاب: قوله تعالى: * (فتحرير رقبة مؤمنة) * [النساء: 92]. وقوله
* (فك رقبة) * [البلد: 13]. ومن السنة: حديث أبي هريرة مرفوعا: من أعتق رقبة مؤمنة
أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار، حتى إنه ليعتق اليد باليد والرجل بالرجل والفرج
بالفرج (3) متفق عليه في أخبار كثيرة سوى هذا (وهو) أي العتق (من أفضل القرب) لأن الله
تعالى جعله كفارة للقتل والوطئ في نهار رمضان، وكفارة للايمان. وجعله (ص) فكاكا لمعتقه
من النار. ولان فيه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق وملكه نفسه ومنافعه، وتكميل
أحكامه. وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه على حسب إرادته واختياره. وفي التبصرة
والحاوي الصغير: هو أحبها إلى الله تعالى (وأفضل الرقاب) لمن أراد العتق (أنفسها عند
611

أهلها) أي أعظمها وأعزها في نفس أهلها (وأغلاها ثمنا) (1) نقله الجماعة عن أحمد. قال
في الفروع: فظاهره ولو كافرة وفاقا لمالك. وخالفه أصحابه. ولعله مراد أحمد، لكن يثاب
على عتقه، قال في الفنون: لا يختلف الناس فيه. واحتج به وبرق الذرية على أن الرق
ليس بعقوبة بل محنة وبلوى (وعتق الذكر ولو لأنثى) أي ولو كان معتق الذكر أنثى (أفضل
من عتق الأنثى) لفضل الذكر على الأنثى (وهما) أي الذكر والأنثى (في الفكاك من النار إذا
كانا مؤمنين سواء) (2) لعموم قوله (ص): من أعتق رقبة مؤمنة - الحديث وعلم منه: أنه لا
يحصل الفكاك منها بعتق الرقبة الكافرة للحديث المذكور، وإن قلنا يثاب عليه كما تقدم
(والتعدد في العتق) ولو من إناث (أفضل من عتق الواحد) ولو ذكرا (بذلك المال) لما فيه
من تخليص عدد معصوم من ضرر الرق (ويستحب عتق) من له كسب ودين لانتفاعه بملك
كسبه بالعتق (و) يستحب (كتابة من له كسب ودين) لقوله تعالى: * (فكاتبوهم إن علمتم
فيهم خيرا) * [النور: 33]. ولانتفاعه بملك كسبه بالعتق (ويكره عتق من لا قوة له ولا
كسب) لسقوط نفقته بإعتاقه. فيصير كلا على الناس، ويحتاج إلى المسألة وكذا كتابته (وإن
كان) الرقيق (ممن يخاف عليه الرجوع إلى دار الحرب وترك إسلامه، أو) يخاف عليه
(الفساد من قطع طريق وسرقة. أو يخاف على الجارية الزنا والفساد. كره إعتاقه) (3) لئلا
يكون وسيلة إلى محرم (وإن علم ذلك) أي الرجوع إلى دار الحرب وترك الاسلام أو الفساد
من قطع طريق وسرقة أو الزنا (منه) أي الرقيق حرم عتقه (أو ظنه) أي ظن السيد وقوع ما
ذكر من الرقيق (حرم) عتقه، لأن التوسل إلى المحرم حرام (و) إن أعتقه مع علمه أو ظنه
ذلك منه (صح) العتق لأنه إعتاق صدر من أهله في محله فنفذ كعتق غيره (ولو أعتق رقيقه
واستثنى نفعه مدة معلومة) كشهر أو سنة ونحوها صح كبيعه كذلك (أو) أعتقه و (استثنى
خدمته) للمعتق أو غيره كما أشار إليه في الاختيارات (مدة حياته صح) ما ذكر من العتق
612

والاستثناء، لأن أم سلمة أعتقت سفينة واشترطت خدمته له رسول الله (ص) ما عاش (1)
رواه أبو داود (ويصح العتق ممن تصح وصيته وإن لم يبلغ) قاله في الرعايتين والفائق. زاد
في الفائق: نص عليه وقال في المذهب. يصح عتق من يصح بيعه. قال الناظم ولا يصح
إلا ممن يصح تصرفه في ماله، وقدمه في المستوعب. وقطع الموفق وغيره أنه لا عتق
لمميز، وقال طائفة من الأصحاب لا يصح عتق الصغير بغير خلاف، منهم الموفق وأثبت
غير واحد الخلاف (ولا يصح) العتق (من سفيه) كالهبة والصدقة منه (ولا) يصح أيضا (من
مجنون) لأنه لا يعقل ما يقوله (ولا) يصح عتق أيضا (من غير مالك بغير إذنه) كبيعه وهبته
وصدقه به (ولا أن يعتق) أب (عبد ولده الصغير ك‍) - ما لا يصح أن يعتق عبد ولده (الكبير
ولا) عبد ولده (المجنون ولا) أن يعتق عبد (يتيمه الذي في حجره) لأنه تبرع وهو ممنوع
منه (ولا) يصح أيضا (عتق) العبد (الموقوف) ولو على معين ولو قلنا: الملك فيه له، لتعلق
حق من يأتي من البطون بعده به (ولو قال رجل) أو امرأة (لعبد غيره) أو أمته (أنت حر من
مالي فلغو) لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه. ولا يملك مال غيره ببذل عوضه (فإن
اشتراه بعد ذلك) أي بعد قوله: أنت حر من مالي (فهو مملوكه، ولا شئ عليه) لأنه لم
يقع منه تعليق لعتقه على ملكه ولا نذر لعتقه (ويحصل العتق بالقول. و) يحصل أيضا
(بالملك) لذي رحم محرم وباستيلاد إذا مات. ذكره في الكافي (2). وبالتمثيل ويأتي.
و (لا) يحصل (بالنية المجردة) لأنه إزالة ملك، فلا يكتفى فيه بالنية المجردة كالطلاق (فأما
القول ف‍) - له صريح وكناية و (صريحه لفظ العتق. و) لفظ (الحرية) لأنهما لفظان ورد
الشرع بهما. فوجب اعتبارهما (كيف صرفا (3)، نحو) قوله لرقيقه: (أنت حر، أو) أنت
(محرر) أو حررتك (أو) أنت (عتيق أو معتق أو) قال له: (أنت حر في هذا الزمان أو): أنت
حر في هذا (المكان) أو في هذا البلد. فيعتق مطلقا، لأنه إذا أعتق في زمان أو مكان لا
يعود رقيقا في غيرهما (أو) قال لرقيقه: (أعتقتك) فيعتق في جميع ما تقدم (ولو) كان (هازلا)
613

كالطلاق (ولو تجرد) ما سبق من لفظ الصريح (عن النية) قال أحمد في رجل لقي امرأة في
الطريق فقال: تنحي يا حرة. فإذا هي جاريته. قال: قد عتقت عليه (1). وقال في رجل قال
لخدم قيام في وليمة: مروا أنتم أحرار. وكان فيهم أم ولد لم يعلم بها، قال: هذا به عندي
تعتق أم ولده. و (لا) يصح العتق (من نائم ونحوه) كمغمى عليه ومبرسم لأنهم لا يعلقون
ما يقولون. قال في الفائق: قلت نية قصد اللفظ معتبرة تحرزا من النائم ونحوه. ولا تعتبر
نية النفاذ ولا نية القربة فيقع عتق الهازل انتهى. ومعنى قوله: نية قصد اللفظ. أي إرادة
لفظه لمعناه. فلا عتاق لحاك وفقيه يكرره ونائم ونحوه، كما يأتي في الطلاق. واستثنى من
تصريف لفظ العتق والحرية ثلاثة ألفاظ. ذكرها بقوله (غير أمر ومضارع واسم فاعل) فمن
قال لرقيقه: حرره أو أعتقه، أو أحرره أو أعتقه، أو هذا محرر بكسر الراء، أو هذا معتق
بكسر التاء. لم يعتق بذلك، لأن ذلك طلب ووعد وخبر عن غيره. فلا يكون واحد منها
صالحا للانشاء ولا إخبار عن نفسه فيؤاخذ به. فإن قال: أنت عاتق، فقياس ما يأتي في
الطلاق يعتق بذلك (وإن) قال لرقيقه: أنت حر، و (قصد بلفظ الحرية. عفته وكرم أخلاقه)
لم يعتق (2) (أو) قصد (بقوله) لرقيقه: (ما أنت إلا حر) غير معناه كان (يريد به عدم طاعته
ونحو ذلك لم يعتق) قال حنبل: سئل أبو عبد الله عن رجل قال لغلامه: أنت حر، ولا
يريد أن يكون حرا، أو كلام شبه هذا: رجوت أن لا يعتق. وأنا أهاب المسألة، لأنه نوى
بكلامه ما يحتمله. فانصرف إليه. وبيان احتمال اللفظ لما أراده أن المرأة الحرة تمدح بمثل
هذا. يقال: امرأة حرة، يعنون عفيفة. وتمدح المملوكة أيضا بذلك. ويقال لكريم
الأخلاق: حر، قالت سبيعة ترثي عبد المطلب:
ولا تسأما أن تبكيا كل ليلة ويوم على حر كريم الشمائل
(ولو أراد العبد استحلافه) أي إحلاف سيده أنه نوى بحريته ما ذكر (فله ذلك) فيحلف
السيد لاحتمال صدق العبد. فعلى هذا إن نكل قضى عليه بالعتق (وكنايته) أي العتق
(خليتك والحق بأهلك، واذهب حيث شئت، وأطلقتك، وحبلك على غاربك ولا سبيل) لي
عليك (ولا ملك) لي عليك (ولا سلطان) لي عليك (ولا خدمة لي
614

عليك، وفككت رقبتك، وأنت مولاي، وأنت لله، ووهبتك لله، ورفعت يدي عنك إلى الله،
أنت سائبة (1)، وملكتك نفسك وقوله لامته: أنت طالق، أو) أنت (حرام) في الانتصار:
وكذا اعتدى. وإنه يحتمل مثله في لفظ الظهار (وقوله لعبده الذي لا يمكن كونه منه لكبره
أو صغره ونحوه) ككونه ممسوحا (أنت ابني أو) أنت (أبي فلا يعتق) بها أي شئ من هذه
الكنايات (ما لم ينو عتقه) لأن هذه الألفاظ تحتمل العتق وغيره. فلا تحتمل عليه إلا بالنية
(وإن) قال لعبده: أنت أبي أو ابني و (أمكن كونه منه عتق) نواه أولا (ولو كان له نسب
معروف) لجواز كونه من وطئ شبهة (وإن قال) لرقيقه: (أعتقتك من ألف سنة أو) قال له
(أنت حر من ألف سنة ونحوه) مما هو معلوم الكذب لم يعتق (أو قال لامته: أنت ابني، أو
لعبده: أنت ابنتي لم يعتق) (2) بذلك، لأنه محال من الكلام. وكذب يقينا قلت: وإن نوى
به العتق عتق، قياسا على قوله لعبده الذي لا يمكن كونه منه لكبر ونحوه: أنت ابني (وإن
أعتق) أمة (حاملا عتق جنينها) لأنه يتبعها في البيع والهبة فتبعها في العتق (إلا أن يستثنيه)
أي الحمل. فلا يعتق لاخراجه إياه. وعلم منه: صحة استثناء الحمل في العتق وبه قال ابن
عمر وأبو هريرة. لأنه يصح إقراره بالعتق، بخلاف البيع. فيصح استثناؤه كالمنفصل.
ويفارق البيع لأنه عقد معاوضة يعتبر فيه العلم بصفات المعوض، ليعلم هل قام مقام
العوض أو لا؟ والعتق تبرع لا تتوقف صحته على معرفة صفات المعتق، ولا تنافيه الجهالة
به. ويكفي العلم بوجوده وقد وجد (وإن أعتق ما في بطنها دونها) بأن قال: أعتقت حملك
(عتق) حملها (وحده) (3) ولم يسر العتق إلى أمه لأن الأصل لا يتبع الفرع بخلاف عكسه
(ولو أعتق أمة حملها لغيره وهو) أي المعتق (موسر) بقيمة الحمل (ك‍) - الحمل (الموصى
615

له) إذا أعتق الوارث الموسر أمته (عتق الحمل) تبعا لامه بالسراية (وضمن) المعتق (قيمته)
للموصي له به، لأنه فوته عليه قلت: وتعتبر قيمته يوم وضعه، لأنه أول وقت يتأتى
تقويمه فيه (وأما الملك) الذي يحصل به العتق (فمن ملك) من جائز التصرف وغيره (ذا
رحم) أي قرابة (محرم) وهو الذي لو قدر أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرم نكاحه عليه
للنسب، بخلاف ولد عمه وخاله، ولو كان أخاه من رضاع فإنه لا يعتق عليه بالملك وإن
كان ذا رحم محرم لأن تحريمه بالرضاع لا بالنسب (ولو) كان ذو الرحم المحرم (مخالفا له
في الدين) وقوله (بميراث أو غيره) من بيع أو هبة أو وصية أو جعالة ونحوها متعلق بملك
(ولو) كان المملوك المحرم بالقرابة (حملا) كما لو اشترى زوجة ابنه الأمة التي هي حامل من
ابنه (عتق عليه) (1) لحديث الحسن عن سمرة مرفوعا: من ملك ذا رحم محرم فهو حر (2)
رواه الخمسة وحسنه الترمذي. وقال: العمل على هذا عند أهل العلم. وأما قوله (ص): لا
يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه (3) رواه مسلم. فيحتمل أنه أراد
فيشتريه فيعتقه بشرائه، كما يقال: ضربه فقتله والضرب هو القتل. وذلك لأن الشراء يحصل
به العتق تارة دون أخرى جاز عطف صفته عليه، كما يقال: ضربه فأطار رأسه. وذكر أبو
يعلى الصغير: أنه أي العتق بالملك آكد من التعليق. فلو علق عتق ذي رحمه المحرم على
ملكه فملكه عتق بملكه لا بتعليقه و (لا) يعتق بالملك ذو رحم (غير محرم) كولد عمه
وعمته وولد خاله وخالته (ولا) يعتق أيضا بالملك (محرم برضاع) كأمه منه وأخته منه وعمته
منه وخالته منه (أو) محرم ب‍ (- مصاهرة) كأم زوجته وبنتها وحلائل عمودي النسب. فلا
يعتقون بالملك لمفهوم الحديث السابق ولأنه لا نص في عتقهم ولا هم في معنى
المنصوص عليهم فيبقون على الأصل (وإن ملك) إنسان (ولده وإن نزل) من زنا لم يعتق
عليه (أو) ملك (أباه) وإن علا (من الزنا لم يعتق) (4) عليه لأن أحكام الأبوة والبنوة من
616

الميراث والحجب والمحرمية ووجوب الانفاق وثبوت الولاية عليه لم يثبت شئ منها في
كونه أبا ولا في كونه ابنا. فكذا في العتق (وإن ملك سهما) أي جزءا وإن قل (ممن يعتق
عليه) كأبيه وابنه وأخيه وعمه (بغير الميراث) متعلق بملك (وهو) أي المالك لجزء من أبيه
ونحوه (موسر) بقيمة باقيه (عتق عليه كله) أي كل الذي ملك جزأه لأنه فعل سبب المعتق
اختيارا منه وقصد إليه فسرى عليه كما لو أعتق نصيبه من مشترك. قال الإمام أحمد له
نصف القيمة. قال في الفروع: لا قيمة النصف. ورده ابن نصر الله في حواشيه وتأول كلام
أحمد. وقال الزركشي: هل يقوم كاملا ولا عتق فيه، أو قد عتق بعضه؟ فيه قولان للعلماء
أصحهما الأول، وهو الذي قاله أبو العباس فيما أظن، لظاهر الحديث. ولان حق الشريك
إنما هو في نصف القيمة لا قيمة النصف، بدليل ما لو أراد البيع فإن الشريك يجبر على
البيع معه انتهى. وكذا الحكم لو أعتق شركا في عبد وهو موسر على ما يأتي قاله في
الانصاف (1) (وإلا) أي وإن لم يكن موسرا بقيمة باقيه كله (عتق منه بقدر ما هو موسر به) (2)
ممن ملك جزأه بغير إرث (والموسر هنا القادر حالة العتق على قيمته) أي قيمة ما عتق عليه
بالسراية (وأن يكون ذلك) الذي هو قيمته (كفطرة) أي فاضلا عن حاجته وحاجة من يمونه
يوم العتق وليلته، (وإن كان) الذي ملك جزءا من رحمه المحرم (معسرا) فلم يملك من قيمة
باقية شيئا فاضلا عن حاجته وحاجة من يمونه لم يعتق منه سوى ما ملكه (أو ملكه) أي
جزءا من رحمه المحرم (بالميراث ولو) كان (موسرا) بقيمة باقيه (لم يعتق عليه إلا ما
ملك) (3) منه. لأنه لم يتسبب إلى إعتاقه لحصول ملكه بدون فعله وقصده (وإن مثل) بتشديد
المثلثة. قال أبو السعادات: مثلث بالحيوان أمثل تمثيلا إذا قطعت أطرافه وبالعبد إذا جدعت
أنفه أو أذنه ونحوه (برقيقه ولو) كان تمثيله به (بلا قصد فقطع أنفه، أو) قطع (أذنه، أو)
قطع (عضوا منه) كيده أو رجله (أو جبه) بأن قطع ذكره (أو خصاه) بأن قطع خصيتيه (أو
خرق) عضوا منه (أو أحرق) بالحاء المهملة (عضوا منه أو جبه) أي رقيقه كيده أو رجله (أو وطئ)
سيد (جاريته المباحة التي لا يوطأ مثلها فأفضاها) أي خرق ما بين سبيلها (قال الشيخ: أو
617

استكرهه على الفاحشة) أي لو فعل المالك الفاحشة أي اللواط بعبده مكرها (عتق) الرقيق
بمجرد التمثيل به (بلا حكم) (1) حاكم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن
زنباعا أبا روح وجد غلاما له مع جارية فقطع ذكره وجدع أنفه. فأتي العبد النبي (ص) فذكر
ذلك له. فقال له النبي (ص): ما حملك على ما فعلت؟ قال: فعل كذا وكذا قال: اذهب
فأنت حر (2) رواه أحمد وغيره والاستكراه على الفاحشة في معنى التمثيل. وحيث تقرر أنه
يعتق بالتمثيل فإنه يعتق (ولو كان عليه) أي على السيد أو العبد الذي مثل به (دين) ولو تعلق
برقبة العبد كما لو أعتقه بالقول (وله) أي للسيد الذي مثل برقيقه (ولاؤه) لحديث: الولاء
لمن أعتق وكما لو عتق عليه بغير ذلك وقيل ولاؤه لبيت المال (ولا عتق) حاصل (بضربه)
أي الرقيق (وخدشه ولعنه) لأنه لا نص في العتق بذلك. ولا هو في معنى المنصوص عليه.
فلم يعتق بذلك كما لو هدده (ولو مثل) سيد (بعبد مشترك) بينه وبين غيره (سرى العتق) من
نصيب الممثل (إلى باقيه بشرط) وهو أن يكون الممثل موسرا بقيمة باقيه فاضلة كفطرة
(وضمن) الممثل (للشريك) قيمة حصته يوم عتقه (ذكره ابن عقيل) قياسا على ما لو أعتق
نصيبه بالقول. و (لا) عتق (إذا مثل بعبد غيره) لأنه لا يملك عتقه بالقول فأولى أن لا يعتق
بتمثيله به. وعليه دية ما جنى عليه، على ما يأتي تفصيله في الجنايات. وملك سيده باق
عليه (وقال جماعة) من الأصحاب (لا يعتق الكاتب بالمثلة) (3) لأنه يستحق على سيده
أرش الجناية فينجبر بذلك (ولو أعتق عبده) وبيده مال فهو لسيده. روي عن ابن مسعود
وأبي أيوب وأنس. لما روى الأثرم بإسناده عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير يا عمير،
إني أريد أن أعتقك عتقا هنيا. فأخبرني بمالك، فأني سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما
رجل أعتق عبده أو غلامه فلم يخبره بماله فماله لسيده (4). ولان العبد وماله كانا للسيد فأزال
ملكه عن أحدهما فبقي ملكه في الآخر كما لو باعه. ويدل عليه قوله (ص): من باع عبدا وله
مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع (5) فأما حديث ابن عمر يرفعه: من أعتق عبدا وله
618

مال فالمال للعبد (1) رواه أحمد وغيره. فقال أحمد: يرويه عبيد الله بن أبي جعفر من أهل
مصر وهو ضعيف الحديث. كان صاحب فقه. فأما في الحديث فليس فيه بالقوى (أو) أعتق
(مكاتبه وبيده مال فهو لسيده) (2) لما سبق، بخلاف ما أدى المكاتب ما عليه من دين
الكتابة فإنه يعتق. وما بقي من المال فله، كما يأتي في بابه.
فصل:
(ومن أعتق جزءا من رقيقه
غير شعر وسن وظفر وريق ونحوه) كدمع وعرق ولبن ومني وبياض وسواد وسمع
وبصر وشم ولمس وذوق (معينا) كان الجزء الذي أعتقه غير ما استثنى، كيده ورجله،
و (كرأسه وإصبعه أو مشاعا كنصفه وعشر عشره ونحوه) كجزء من ألف جزء منه (عتق)
الرقيق (كله) (3) لقوله (ص): من أعتق شقصا له من مملوك فهو حر من ماله (4) قاله في
المغني (5) وغيره، ولأنه إزالة ملك عن بعض مملوك الآدمي فزال عن جميعه كالطلاق.
ويفارق البيع، فإنه لا يحتاج إلى السعاية ولا ينبني على التغليب والسراية. وأما إذا قال:
شعرك أو نحوه حر فإنه لا يعتق منه شئ، لأن هذه الأشياء تزول ويخرج غيرها فهي في قوة
المنفصلة (وإن أعتق) أحد شريكين (شركا له في عبد) أو أمة بأن أعتق حصته أو بعضها (أو)
أعتق (العبد) المشترك (كله) أو أعتق الأمة المشتركة كلها (وهو) أي الشريك الذي باشر
العتق (موسر بقيمة باقيه يوم) أي حين (عتقه على ما ذكر في زكاة فطر عتق) العبد (كله) أو
الأمة كلها (وعليه) أي الشريك المباشر للعتق (قيمة باقية لشريكه) (6) لما روى ابن عمر أن
619

النبي (ص) قال: من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم عليه العبد
قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصتهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق عليه، ما عتق (1)
متفق عليه. وتعتبر القيمة (وقت عتقه) أي اللفظ بالعتق، لأنه حين التلف (فإن لم
يؤد) الشريك المعتق (القيمة حتى أفلس) أي حجر عليه الحاكم لفلس (كانت) القيمة
(في ذمته) فيضرب لربها بها أسوة الغرماء ولم يبطل العتق، لأنه إذا وقع لا يرتفع
(ويعتق على موسر ببعضه) أي ببعض قيمة باقي العبد أو الأمة (بقدره) أي بقدر ما هو
موسر به وباقيه رقيق (كما تقدم) فيمن ملك جزءا من ذي رحمه المحرم بنسب
(وولاؤه) أي ولاء ما عتق عليه من نصيب شريكه بالسراية (له) لأنه المعتق له. ولذلك
غرم قيمته (وسواء) فيما تقدم (كان العبد والشركاء مسلمين) كلهم (أو كافرين) كلهم
(أو) كان (بعضهم) مسلما وبعضهم كافرا، ولو كان المعتق كافرا والعبد مسلما لما
تقدم. ولا فرق في العبد أيضا بين القن والمدبر والمكاتب ونحوه ولو مع رهن شقص
الشريك وتجعل قيمته مكانه. وإذا كان المشترك مكاتبا وسرى العتق قوم مكاتبا وغرم
المعتق حصة الشريك منه (فإن أعتقه الشريك بعد ذلك) أي بعد عتق شريكه لنصيبه
وسراية العتق إلى نصيبه (ولو قبل أخذ) الشريك (القيمة) لن ينفذ عتقه له، لأنه قد
صار حرا بعتق الأول له، لأن عتقه حصل باللفظ لا بدفع القيمة (2) وصار جميعه حرا
واستقرت القيمة على المعتق الأول فلا يعتق بعد ذلك بعتق غيره (أو تصرف) الشريك
(فيه) أي في نصيبه من العبد المشترك بعد عتق شريكه الموسر (لم ينفذ) تصرفه سواء
كان بيعا أو هبة أو إجارة ونحوها، لأنه تصرف في حر (وإن اختلفا) أي الشريكان (في
القيمة) أي قيمة العبد المشترك حين اللفظ بالعتق (رجع إلى قول المقومين) أي أهل
الخبرة بالقيم، لأنهم أدرى بها. ولا بد من اثنين كما يؤخذ من باب القسمة من
قولهم: إن كان يحتاج إلى تقويم، فلا بد من قاسمين (فإن كان العبد) الذي وقعت
السراية فيه (قد مات أو غاب أو تأخر تقويمه) عن زمن اللفظ بالعتق (زمنا تختلف فيه
620

القيمة ولم يكن بينة) بقيمته وقت العتق (فالقول قول المعتق) بيمينه، لأنه منكر لما زاد
على ما يقوله. والأصل براءة ذمته من الزيادة (وإن اختلفا في صناعة في العبد توجب
زيادة القيمة فقول المعتق) أيضا بيمينه، لما تقدم (إلا أن يكون العبد يحسن الصناعة في
الحال ولم يمض زمن يمكن تعلمها فيه فيكون القول قول الشريك) المطالب بالقيمة،
لأن الظاهر معه. والأصل عدم التعلم (كما لو اختلفا في عيب ينقصه كسرقة وإباق) بأن
قال المعتق: كان العبد يسرق أو يأبق وأنكر شريكه. فقوله، لأن الأصل سلامته (وإن
كان العيب) موجودا (فيه حال الاختلاف واختلفا في حدوثه ف‍) - القول (قول المعتق) في
عدم حدوثه، لأنه الأصل (وإن كان المعتق) للعبد المشترك أو لنصيبه منه (معسرا) بقيمة
شقص شريكه كله فلم يملك شيئا من قيمته (عتق نصيبه) من العبد أو الأمة (فقط) يعني
ولا يسري عتقه إذن إلى نصيب شريكه (ولو أيسر بعده) أي بعد العتق لقوله (ص): وإلا
فقد عتق عليه ما عتق (وإذا كان لرجل) أو امرأة (نصف عبد) أو أمة (ول‍) - شخص
(آخر ثلثه) أي العبد أو الأمة (ول‍) - شخص (آخر سدسه فأعتق موسران منه) أي العبد أو
الأمة (حقيهما معا بوكيل) بأن وكلا من أعتق حقيهما منه معا أو وكل أحدهما الآخر
فأعتق حقيهما (أو تعليق) بأن قالا له: إذا جاء رأس الشهر أو دخلت الدار ونحوه فنصيبنا
منك حر ونحوه. وكذا لو تلفظا بالعتق معا (فضمان حق) الشريك (الثالث) بينهما
نصفين (1)، لأن عتق نصيب الثالث عليهما إتلاف لرقه. وقد اشتركا فيه فتساويا في ضمانه.
ويفارق الشفعة لأنها شرعت لإزالة الضرر عن نصيب الشريك الذي لم يبع. فكان
استحقاقه على قدر نصيبه (وولاء حصته) أي الشريك الثالث (بينهما نصفين) (2) لأن الولاء
بحسب العتق (ولو قال شريك) في رقيق (أعتقت نصيب شريكي ف‍) - قوله ذلك (لغو) ولو
موسرا ولو رضي شريكه. لأنه لا ولاية له على نصيب شريكه (وإن قال) الشريك في رقيق:
621

(أعتقت النصف انصرف إلى ملكه ثم سرى) العتق إلى نصيب شريكه إن كان موسرا، لأن الظاهر
أنه أراد نصفه الذي يملكه. ونقل ابن منصور عن أحمد: في دار بينهما قال
أحدهما: بعتك نصف هذه الدار: لا يجوز، إنما له الربع من النصف حتى يقول نصيبي
(ولو وكل أحدهما) أي أحد الشريكين الشريك (الآخر) في عتق نصيبه من الرقيق المشترك
(فأعتق) الشريك الوكيل (نصفه ولا نية) بأن لم ينوبا بالنصف الذي أعتقه نصفه أو نصف
شريكه الذي وكله (انصرف) العتق (إلى نصيبه) أي الوكيل، دون نصيب شريكه الموكل لان
الأصل في تصرف الانسان أن يكون في ماله، ما لم ينوه عن موكله وأيهما سرى العتق عليه
لم يضمن حصة شريكه. ذكره في المنتهى (1) (ومن ادعى أن شريكه الموسر أعتق حقه)
من رقيق مشترك (فأنكر) شريكه ذلك (عتق حق المدعي) وحده لاعترافه بحريته (مجانا) فلا
يغرم له أحد قيمته (ولم يعتق نصيب) الشريك (الموسر) من الرقيق، لأن إقرار شريكه عليه
غير مقبول (ولا تقبل شهادة المعسر عليه) أي على الموسر بالعتق (لأنه يجر إلى نفسه نفعا)
بشهادته لكونه يوجب عليه بشهادته قيمة حصته له (فإن لم تكن) للعبد (بينة سواه حلف
الموسر وبرئ من القيمة والعتق) جميعا (ولا ولاء للمعسر في نصيبه) لأنه لا يدعيه (ولا)
ولاء (للموسر) أيضا على نصيب المعسر، لأنه لا يدعيه (فإن عاد المعسر فأعتقه وادعاه) أي
فاعترف أنه كان أعتق حصته (ثبت له) ولاء حصته، لأنه لا منازع له فيه، وإن عاد الموسر
واعترف بإعتاق نصيبه وصدقه المعسر مع إنكار المعسر لعتق نصيبه عتق نصيب المعسر
أيضا. وعلى الموسر غرامة نصيب المعسر. وثبت له الولاء على جميعه (2). (وإن كان
المدعى عليه) بأنه أعتق نصيبه من العبد (معسرا) وأنكر (ف‍) - القول (قوله مع يمينه)
لأن الأصل عدم العتق (ولا يعتق منه) أي العبد (شئ) لأنه ليس في دعواه على المعسر
أنه أعتق نصيبه اعتراف بحرية نصيبه ولا ادعاء استحقاق قيمتها على المعتق (فإن كان
المدعي) رجلا (عدلا حلف العبد مع شهادته) وقبلت شهادته، لأنه لا يجر بها إليه نفعا
لاعترافه بعسرته. فلا سراية (و) إذا شهد الرجل العدل وحلف العبد معه بأنه أعتق نصفه
622

(صار نصفه حرا) (1) وإن لم يحلف معه لم يعتق منه شئ، لأن العتق لا يحصل بشاهد
واحد من غير يمين (وإن اشترى المدعي حق شريكه) بعد دعواه عليه أنه أعتقه (عتق عليه)
حق شريكه (كله) مؤاخذة له باعترافه، ولم يسر العتق إلى نصيبه، لأن عتقه لما ملكه حصل
باعترافه بحريته بإعتاق شريكه. ولا يثبت له ولاء، لأنه لا يدعيه، بل يعترف أن المعتق
غيره. وقال أبو الخطاب: يعتق العبد كله، لأنه شراء حصل به الاعتاق. فأشبه شراء بعض
ولده (2). وهو ظاهر كلام المصنف هنا. لكن تخريجه على المذهب أولى كما أشرت إليه
أولا. ليوافق ما يأتي قريبا (وإن ادعى كل واحد منهما ذلك) أي أن شريكه أعتق نصيبه (على
شريكه وهما موسران عتق) المشترك (عليهما) لاعتراف كل منهما بحريته. وصار كل مدعيا
على شريكه بنصيبه من قيمته فيحلف كل منهما للآخر للسراية حيث لا بينة (ولا ولاء لهم
عليه) لأنهما لا يدعيانه (و) ولاؤه لبيت المال كالمال الضائع (3). (إن كان أحدهما معسرا)
والآخر موسرا وادعى كل منهما على الاخر أنه أعتق نصيبه (عتق نصيبه) أي المعسر (فقط)
لاعترافه بحرية نصيبه بإعتاق شريكه الموسر أي الذي يسري عتقه إلى حصة المعسر. ولم
يعتق نصيب الموسر لأنه يدعي أن المعسر الذي لا يسري عتقه أعتق نصيبه. فعتق وحده
(وإن كانا) أي الشريكان (معسرين) وادعى كل منهما أن الآخر أعتق نصيبه من الرقيق (لم
يعتق منه شئ) لأنه ليس في دعوى أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه اعتراف بحرية
نصيبه، لكون عتق المعسر لا يسري إلى غيره (وللعبد) أو الأمة (أن يحلف مع كل واحد
منهما ويعتق) حيث كانا عدلين، لأنه لا مانع من قبول شهادة أحدهما على الآخر، لأنه لا
يجر بها إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا (أو) يحلف (مع أحدهما) أي أحد الشريكين
(إن كان) أحدهما (عدلا ويعتق نصفه) (4) أي المشترك وهو نصيب المشهود عليه (وأيهما) أي
أي الشريكين المعسرين اللذين ادعى كل منهما أن الآخر أعتق نصيبه (اشترى نصيب صاحبه)
منه أو من غيره (عتق ما اشترى فقط) أي بلا سراية إلى نصيبه، لما تقدم من أن عتقه لما
623

ملكه حصل باعترافه بحريته بإعتاق شريكه. ولا ولاء له عليه، لأنه لا يدعي إعتاقه بل
يعترف بأن المعتق غيره، وإنما هو مخلص له ممن يسترقه ظلما كفك الأسير، ولو ملك كل
واحد منهما بشراء من الآخر ثم أقر كل منهما بأنه كان أعتق نصيبه قبل بيعه وصدق الآخر
في شهادته بطل البيعان. وثبت لكل واحد منهما الولاء على نصفه، لأن أحدا لا ينازعه
فيه. وكل واحد منهما يصدق الآخر في استحقاق الولاء (وكذا إن كان البائع وحده معسرا)
وقد ادعى عليه شريكه الموسر أنه أعتق نصيبه فأنكر وحلف ثم اشتراه منه، فإن يعتق عليه
مؤاخذة له بإقراره. ولا يسري إلى نصيبه، لأنه لا عتق منه وإنما ادعى العتق من شريكه في
حال لا سراية فيه. ومحل ذلك إذا لم يدع المعسر أيضا أن شريكه الموسر أعتق نصيبه
فسرى إليه لعدم إمكان البيع إذن (وإن قال) شريك (لشريكه) الموسر: (إن أعتقت نصيبك)
من هذا الرقيق (فنصيبي) منه (حر فأعتقه) أي أعتق المقول له نصيبه (عتق الباقي) بعد حصته
عليه (بالسراية مضمونا) عليه بقيمته. ولا يقع عتق شريكه المعلق على عتقه، لأن السراية
سبقت فمنعت عتق الشريك. ويكون ولاؤه كله له (1). (وإن كان) المقول له ذلك (معسرا)
وأعتق نصيبه (عتق على كل واحد) منهما (حقه) بالمباشرة والتعليق ولا سراية للعسرة (وإن
قال) أحد الشريكين في رقيق للآخر: (إذا أعتقت نصيبك فنصيبي مع نصيبك) حر (أو) قال له:
إن أعتقت نصيبك فنصيبي (قبله حر فأعتق) المقول له (نصيبه عتق) الرقيق كله (عليهما) (2)
معا (وإن كان المعتق موسرا) ولم يلزم المعتق شئ لأن العتق وجد منهما معا. فهو كما لو
وكل الشريكان غيرهما في إعتاقه فأعتقه بلفظ واحد (ولغت القبلية) على ما يأتي في إن
طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا (وإن قال) مالك أمة (لامته: إن صليت مكشوفة الرأس فأنت
حرة قبله فصلت كذلك) أي مكشوفة الرأس (عتقت) لوجود الشرط وهو صلاتها الصحيحة.
ولغت القبلية (وإن قال: إن أقررت بك لزيد فأنت حر قبله، فأقر له به. صح إقراره فقط)
دون العتق لأنه إذا أقر به لزيد ملكه زيد فلم يوجد الشرط إلا وهو في ملك غيره ويلغو قوله
قبله (وإن قال) لعبده: (إن أقررت بك له) أي لزيد (فأنت حر ساعة إقراري) فأقر به لزيد (لم
624

يصح الاقرار ولا العتق) (1) لتنافيهما (وكل من شهد على سيد رقيق بعتق رقيقه) فردت
شهادته (ثم اشتراه) الشاهد (فعتق عليه) مؤاخذة له باعترافه. فلا ولاء له عليه (أو شهد اثنان
عليه) أي على سيد رقيق (بذلك) أي بأنه أعتقه (فردت شهادتهما) بعتقه (ثم اشترياه) فعتق
عليهما فلا ولاء لهما عليه (أو) اشتراه (أحدهما عتق) عليه فلا ولاء له عليه (أو كان)
عبد (بين شريكين فادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه وكانا موسرين فعتق عليهما
كما تقدم) مؤاخذة لهما باعترافهما (أو كانا معسرين عدلين فحلف العبد مع) شهادة (كل
واحد منهما) على شريكه بأنه أعتق نصيبه (وعتق) العبد فلا ولاء لهما عليه (أو ادعى عبد أن
سيده أعتقه فأنكر) عتقه (وقامت بينة بعتقه فعتق) أي فحكم القاضي بعتقه (فلا ولاء على
الرقيق في هذه المواضع كلها) لمن عتق عليه، لأنه غير معترف به. وولاؤه لبيت المال،
كسائر الحقوق التي لا يعلم لها مالك (فإن عاد من ثبت إعتاقه فاعترف به ثبت له الولاء)
لعدم المنازع له فيه، وإن كان أخذ ثمنا عنه رده لاعترافه بأنه قبضه بغير حق. وكذا حكم
من ادعى عليه العتق ولم يثبت عليه (وأما) الشريكان (الموسران إذا) ادعى كل منهما على
الآخر أنه أعتق نصيبه. و (عتق عليهما فإن صدق أحدهما صاحبه في أنه أعتق نصيبه وحده)
أي وأن الآخر لم يصدر منه عتق فالولاء لمن عتق عليه (أو) صدق أحدهما صاحبه في (أنه
سبق بالعتق فالولاء له) أي السابق ويغرم لشريكه قيمة حصته (وإن اتفقا على أنهما أعتقا
نصيبهما دفعة واحدة) بأن تلفظا بالعتق معا أو وكلا واحدا أو وكلا أحدهما الآخر أو علقا
عتقه على دخول الدار مثلا فدخلها (فالولاء بينهما) بحسب ما كان لهما فيه ولا غرم لعدم
السراية (وإن ادعى كل واحد منهما أنه المعتق وحده أو) ادعى كل منهما (أنه السابق) بالعتق
ليختص بالولاء (فأنكر الآخر وتحالفا) أي حلف كل منهما على إنكار ما ادعاه شريكه
(فالولاء بينهما نصفين) حيث كان ملك العبد لهما نصفين لأن الأصل بقاء ما كان لكل واحد
625

منهما على ما كان له. وإذا شهدا بعتقه وردت شهادتهما واشترياه وعتق عليهما ثم رجع
الشاهدان والبائع وقف حتى يصطلحوا.
فصل:
(ويصح تعليق العتق بصفة كدخول دار وحدوث مطر وغيره)
كقدوم زيد ورأس الحول ونحوه. لأنه عتق بصفة فسح كالتدبير. وإذا قال له: أنت
حر في رأس الحول لم يعتق حتى يجئ رأس الحول، لأنه علق العتق بصفة. فوجب أن
يتعلق بها كما لو قال: إذا أديت إلي ألفا فأنت حر (ولا يملك) السيد (إبطاله) أي التعليق
(بالقول) (1) بأن يقول: أبطلته فلا يبطل، لأنها صفة لازمة ألزمها نفسه. فلم يملك إبطالها
كالنذر (ولو اتفق السيد والعبد على إبطاله) أي التعليق (لم يبطل) لذلك وكتعليق الطلاق
(وما يكتسبه العبد) المعلق عتقه على شرط (قبل وجود الشرط ف‍) - هو (لسيده) لأن الكسب
تابع لملك الرقبة (إلا أنه إذا علق) السيد (عتقه على أداء مال معلوم) كقوله: إن أعطيتني ألفا
فأنت حر (فما أخذه السيد) من كسب العبد (حسبه من المال) الذي علق عتقه على إعطائه
(فإذا) أ (كمل أداء المال عتق) لوجود الشرط المعلق عليه (وما فضل) من كسبه (في يده) أي يد
العبد بعد أداء ما علق عتقه عليه (ف‍) - هو (لسيده) لأنه كان لسيده قبل عتقه. ولم يوجد ما
يزيله عنه (وله وطئ أمته بعد تعليق عتقها) على صفة قبل وجودها، لأن استحقاقها العتق
بوجود الصفة لا يمنع إباحة الوطئ كالاستيلاد، فإما المكاتبة فإنما لم يبح وطؤها لأنها
اشترت نفسها من سيدها بعوض وزال ملكه عن أكسابها (ومتى وجدت الصفة) التي علق
العتق عليها (كاملة وهو) أي العبد (في ملكه) أي السيد (عتق) لوجود الصفة، فإن لم توجد
كاملة لم يعتق كالجعل في الجعالة (فإذا قال) سيد (لعبده: إذا أديت إلي ألفا فأنت حر لم
يعتق) العبد (حتى يؤدي الألف جميعه) لأن أداء بعض الألف ليس أداء للألف (فإن أبرأه
626

السيد من الألف لم يعتق) لأنه لا حق له في ذمته حتى يبرئه منه (ولم يبطل التعليق) (1)
بالابراء لأنه لغو (فإن خرج) المعلق عتقه على صفة (عن ملكه) أي ملك سيده الذي علق
عتقه عليها (قبل وجود الصفة ببيع أو غيره) من هبة وجعالة وأجرة في إجارة ونحوها
ووجدت الصفة وهو في ملك الغير (لم يعتق (2) لقوله (ص): لا طلاق ولا عتاق ولا بيع فيما
لا يملك ابن آدم ولأنه لا ملك له عليه فلم يعتق كما لو لم يتقدم له عليه ملك (فإن عاد)
المعلق عتقه على صفة (إلى ملكه) أي ملك المعلق للعتق (عادت الصفة) (3) فمتى وجدت وهو في
ملكه عتق (ولو) كانت (وجدت في حال زوال ملكه) أي المعلق عنه، لأن التعليق والشرط
وجدا في ملكه. فأشبه ما لم يتخللهما زوال ملك ولا وجود صفة حال زواله (ويبطل)
التعليق (بموت السيد) المعلق لزوال ملكه زوالا غير قابل للعود (وإذا قال) لعبده: (إن دخلت
الدار بعد موتي فأنت حر لم يصح) التعليق (ولم يعتق) العبد (بوجود الشرط) لأنه علق عتق
على صفة توجد بعد موته وزوال ملكه. فلم تصح كما لو قال: إن دخلت الدار بعد بيعي
لك فأنت حر، ولأنه إعتاق له بعد استقرار ملك غيره عليه فلم يعتق به كالمنجز (و) لو قال
السيد لعبده (إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياة السيد صار مدبرا) لوجود
الصفة التي علق عليهما تدبيره (وإن دخلها بعد موته) أي السيد (لم يعتق) العبد. وبطل
التعليق لما تقدم (و) إن قال سيد لعبده (أنت حر بعد موتي بشهر صح) كما لو وصى بإعتاقه
وكما لو وصى أن تباع سلعته ويتصدق بثمنها (وما كسب) العبد (بعد الموت وقبل وجود
الشرط ف‍) - هو (للورثة) ككسب أم الولد في حياة سيدها (وليس لهم) أي الورثة (التصرف
فيه) أي في العبد الذي قال له سيده: أنت حر بعد موتي بشهر (بعد الموت وقبل وجود
الشرط ببيع ونحوه) كالموصي بعتقه قبله والموصى به لمعين قبل قبوله (وإن قال) السيد
لعبده: (أخدم زيدا سنة بعد موتي ثم أنت حر صح) ذلك. فإذا فعل ذلك وخرج من الثلث
627

في هذه المسألة والتي قبلها عتق (فلو أبرأه زيد من الخدمة بعد موت السيد عتق في الحال)
أي حال إبراء زيد له على الصحيح من المذهب. وقيل: لا يعتق إلا بعد سنة. قاله في
الانصاف ومشى المصنف على الثاني في الوصية. ووجه الأول: أن الخدمة المستحقة عليه
وهبت له فبرئ منها (فإن كانت الخدمة لكنيسة) بأن قال له: أخدم الكنيسة سنة ثم أنت حر
(وهما) أي السيد والعبد (كافران فأسلم العبد سقطت عنه الخدمة وعتق مجانا) (1) أي من
غير أن يلزمه شئ، لأن الخدمة المشروطة عليه صار لا يتمكن منها، لأن الاسلام يمنعه
منها. فيبطل اشتراطها كما لو شرط عليه شرطا باطلا (وإذا قال) السيد (لعبده: إن لم
أضربك عشرة أسواط فأنت حر ولم ينو) السيد (وقتا لم يعتق حتى يموت أحدهما) فيعتق
قبيل الموت لليأس من ضربه (وإن باعه قبل ذلك) أي ضربه عشرة أسواط (صح) بيعه، لأنه
باق على الرق حتى توجد الصفة (ولم ينفسخ البيع) لعدم موجب الفسخ (ولو قال) السيد
(لجاريته: إذا خدمت ابني حتى يستغني فأنت حرة. لم تعتق حتى تخدمه إلى أن يكبر
ويستغني عن الرضاع) (2) لأنه يصدق عليه أنه قد استغنى في الجملة. ولا يشترط كون زمن
الخدمة معلوما. فلو قال: أعتقتك على أن تخدم زيدا مدة حياتك صح. لما روي عن سفينة
قال: كنت مملوكا لام سلمة فقالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله (ص) ما
عشت فقلت: إن لم تشترطي علي مفارقة رسول الله (ص) ما عشت. فاعتقيني واشترطي
علي (3) رواه أحمد وأبو داود واللفظ له والنسائي والحاكم وصححه، وإنما اشترط تقدير
زمن الاستثناء في البيع لأنه عقد معاوضة. فيشترط فيه علم الثنيا وزمنها، لأن الثمن يختلف
من حيث طولها وقصرها (وإن قال لها) أي لجاريته أو لعبده (أنت حرة إن شاء الله عتقت
ويأتي في تعليق الطلاق بالشروط) بأوضح من هذا (وإن قال حر: إن ملكت فلانا فهو حر،
أو) قال: (كل مملوك أملكه فهو حر صح) (4) التعليق فإذا ملكه عتق، لأنه أضاف العتق إلى
628

حال يملك عتقه فيه. فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه، بخلاف ما لو قال: إن تزوجت
فلانة فهي طالق، لأن العتق مقصود من الملك والنكاح لا يقصد به الطلاق. وفرق أحمد
بأن الطلاق ليس لله ولا فيه قربة إلى الله (وإن قال ذلك) أي إن ملكت فلانا فهو حر، أو كل
مملوك أملكه فهو حر (عبد) أو أمة (ثم عتق وملك) أو عتقت وملكت (لم يعتق) (1) لأنه لا
يصح تعليقه لأنه لا يصح منه عتق حين التعليق لكونه لا يملك. ولو قيل بملكه فهو
ضعيف لا يتمكن من التصرف فيه وللسيد انتزاعه منه بخلاف الحر، وإن علق حر عتق
مالا يملكه على غير ملكه إياه نحو: إن كلمت عبد زيد فهو حر لم يعتق إن ملكه ثم كلمه
(وتقدم آخر شروط البيع: إذا علق عتقه على بيعه) أو شرائه أو علق البائع عتقه على بيعه
والمشتري عتقه على شرائه (وإن قال) جائز التصرف (آخر مملوك أملكه فهو حر فملك
عبيدا) أو إماء أو من الصنفين (واحدا بعد واحد لم يعتق) أي لم يتبين عتق (واحد منهم حتى
يموت) السيد (فيعتق آخرهم ملكا منذ ملكه) (2) سواء كان الملك بشراء أو اتهاب أو إصداق
أو غيره، لأن السيد ما دام حيا يحتمل أن يشتري آخر بعد الذي في ملكه فيكون هو
الأخير. فلا يحكم بعتق واحد من رقيقه. فإذا مات علمنا أن آخر ما اشتراه هو الذي وقع
عليه العتق (وكسبه) أي كسب الأخير منذ شراه (له دون سيده) لأنه حر من حين الشراء (فإن
ملك) من قال آخر قن أملكه حر (أمة حرم وطؤها حتى يملك غيرها) لاحتمال أن لا يملك
بعدها قنا فتكون حرة من حين شرائها ويكون وطؤه في حرة أجنبية. وإنما يزول هذا
الاحتمال بشرائه غيرها (وكذا الثانية) إذا ملكها حرم عليه وطؤها حتى يملك غيرها لما تقدم
(وهلم جرا) كلما ملك أمة حرم وطؤها حتى يملك غيرها لما سبق (فإن) ملك أمة وأتت
بأولادها ومات السيد و (تبين أنها آخر ما ملك) من الأرقاء (كان أولادها أحرارا من حين
ولدتهم) بل من حين علقت بهم (لأنهم أولاد حرة) فتبعوها (وإن كان) السيد (وطئها) ثم
تبين أنها آخر (فعليه مهرها) لأنه تبين أنه وطئ حرة بشبهة (لكن لو ملك) من قال آخر قن
629

أملكه حر (اثنين فأكثر معا) عتق واحد بقرعة، لأن صفة الآخرية شاملة لكل واحد بانفراده.
والمعلق إنما أراد عتق واحد فميز بالقرعة (أو علق) جائز التصرف (العتق على أول
مملوك يملكه فملكهما) أي ملك اثنين فأكثر معا (أو قال لامته: أول ولد تلدينه فهو حر.
فولدت ولدين) فأكثر (خرجا معا) عتق أحدهما بقرعة، لأن صفة الأولية شاملة لكل واحد
بانفراده. والمعلق إنما أراد عتق واحد فقط فميز بالقرعة (أو علق) جائز التصرف (العتق على أول مملوك يملكه فملكهما) أي ملك اثنين فأكثر معا (أو قال لامته: أول ولد تلدينه فهو حر.
فولدت ولدين) فأكثر (خرجا معا) عتق أحدهما بقرعة، لأن صفة الأولية شاملة لكل واحد بانفراده. والمعلق إنما أراد عتق واحد فميز بالقرعة (أو) قال: أول ولد تلدينه فهو حر
فولدت ولدين و (أشكل الأول) منهما (عتق واحد بقرعة) (1) لأن أحدهما استحق العتق. ولم يعلم بعينه. فوجب إخراجه بالقرعة (وأول مملوك أملكه) فهو (حر ولم يملك إلا واحدا
عتق) قال الزجاج: أول يجوز أن يكون له ثان، ويجوز أن لا يكون. قال تعالى: * (إن هي
إلا موتتنا الأولى) * [الدخان: 35]. وهم كانوا يعتقدون أنه ليس لهم موته بعدها (وكذا) إن
قال: (آخر مملوك) أملكه حر ولم يملك إلا واحدا عتق. فليس من شرط الأول أن يكون له
ثان، ولا من شرط الآخر أن يأتي قبله أول. ومن أسمائه تعالى: الأولى والآخر (وإن قال
لامته: آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت حيا ثم) ولدت (ميتا لم يعتق الأول) لأنه لم يوجد
شرط العتق فيه (وعكسه) بأن ولدت ميتا ثم حيا (يعتق الحي) (2) لوجود الشرط فيه (وإن
قال: أول) مملوك أشتريه حر (أو) قال: (آخر مملوك اشتريه) فهو (حر فملكه بإرث أو هبة) بلا
عوض (ونحوها) كصلح عن دم عمد ونحوه (لم يعتق) لعدم وجود الصفة: لأن ذلك ليس
شراء بخلاف ما ملكه بهبة بعوض أو صلح عن مال فإنه يعتق، لأنه شراء، (وإن قال: أول
ولد تلدينه) فهو حر فولدت ميتا ثم حيا لم يعتق الحي (أو) قال: (إذا ولدت ولدا فهو حر
فولدت ميتا ثم حيا لم يعتق الحي) لأن شرط العتق إنما وجد في الميت. وليس بمحل
العتق فانحلت اليمين به (وعكسه) بأن ولدت حيا ثم ميتا (يعتق) الحي لوجود الصفة فيه (3).
(وأول أمة) لي (أو) أول (امرأة) لي (تطلع) أو تخرج أو تجلس ونحوه فالأمة (حرة أو)
630

المرأة (طالق فطلع الكل) من إمائه أو زوجاته معا عتق من الإماء واحدة بقرعة (وطلق) من
الزوجات (واحدة بقرعة) لما تقدم (ويتبع حمل معتقة بصفة) أمه (إن كان) الحمل (موجودا
حال عتقها) بأن كانت حاملا به حين وجود الصفة، لأن العتق وجد فيها وهي حامل به.
فتبعها في العتق كالمنجز عتقها (أو) كان الحمل مولودا (حال تعليق عتقها) لأنه كان حين
التعليق كعضو من أعضائها فسرى التعليق إليه. فلو وضعته إذن قبل وجود الصفة ثم وجدت
عتقت هي وولدها، لأنه تابع في الصفة. فأشبه ما لو عتقت وهي حامل به و (لا) يتبعها
حملها في العتق (إن حملته ووضعته بينهما) أي بين التعليق ووجود الصفة فإنه لا يعتق، لان
الصفة لم تتعلق به حال التعليق ولا حال وجود الصفة (كما) لو كان الولد مولودا (قبل
التعليق) لعتقها (وإن علق عتق عبده) أو أمته (بصفة فوجدت) الصفة (في صحة السيد) أو
مرض غير مرض الموت المخوف (عتق من رأس المال) كسائر تصرفاته (وإن وجدت)
الصفة (في مرض موته) المخوف قلت: وكذا ما ألحق بالمرض المخوف مما تقدم في
عطية المريض (عتق من الثلث) كسائر تبرعاته (وتقدم) ذلك (في باب الهبة) في عطية
المريض مفصلا (وإن قال) لقنه: (أنت حر وعليك ألف، أو) أنت حر (علي ألف عتق في
الأولى) وهي أنت حر وعليك ألف (ولا شئ عليه) لأنه أعتقه بغير شرط وجعل عليه
عوضا لم يقبله. فعتق ولم يلزمه شئ (وفي) الصورة (الثانية) وهي: أنت حر على ألف (إن
قبل عتق) وعليه ألف (وإلا) بأن لم يقبل (فلا) يعتق (1)، لأنه أعتقه على عوض. فلم يعتق
بدون قبوله. ولان على تستعمل للشرط والعوض: قال تعالى: * (قال له موسى: هل
أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) * [الكهف: 66]. (ومثلها) أي الثانية (إن قال) أنت
حر (علي أن تعطيني ألفا أو) أنت حر (بألف) فيعتق إن قبل، وفلا بخلاف أنت طالق
بألف، فإنه يقع رجعيا إن لم تقبل. والفرق أن خروج البضع في النكاح غير متقوم على
الصحيح، بخلاف العبد فإنه مال محض (أو) قال: (بعتك نفسك بألف) فلا يعتق حتى يقبل
(أو قال لامته: أعتقتك على أن تتزوجيني) فلا تعتق حتى تقبل (وتأتي تتمتها في) باب
(أركان النكاح) مفصلة (و) إن قال لقنه: (أنت حر على أن تخدمني سنة عتق) في الحال (بلا
قبول) من القن (ولزمته الخدمة) (2) لأنه في معنى العتق واستثناء الخدمة. وتقدم أن ذلك
صحيح (فإن مات السيد في أثناء السنة) المعينة للخدمة (رجع الورثة على العبد بقيمة ما بقي
من الخدمة) لأن العتق عقد لا يلحقه الفسخ. فإذا تعذر فيه استيفاء العوض رجع إلى قيمته
631

كالنكاح والمصالح به عن دم عمد (ولو باعه) أي باع السيد قنه (نفسه بمال في يده) أي القن
(صح) ذلك على الأصح (وعتق) قال في الترغيب: مأخذهما هل هو معاوضة أو تعليق؟
(وله) أي السيد (عليه) أي على قنه الذي باعه نفسه وقلنا عتق بذلك (الولاء) لعموم قوله
(ص): إنما الولاء لمن أعتق (ويجوز للسيد) إذا باع عبده واستثنى خدمته (بيع هذه الخدمة
من العبد أو غيره) (1) نقل حرب: لا بأس ببيعها من العبد أو ممن شاء (ولعل المراد بالبيع
الإجارة) إذ حقيقة البيع السابقة لا تتأتى في الخدمة المستثناة أ (وإن قال) سيد (لقنه: إن
أعطيتني ألفا فأنت حر فهو) أي القول المذكور (تعليق محض) ليس فيه معنى المعاوضة (لا
يبطل) ذلك التعليق (ما دام) القن (ملكه ولا يعتق) القن (بالابراء منها بل) يعتق (بدفعها) (2)
كلها وتقدم، وإن قال لقنه: جعلت عتقك إليك أو خيرتك ونوى تفويضه إليه فأعتق نفسه
في المجلس عتق وإلا فلا. قال في الفروع: ويتوجه كطلاق.
فصل:
(وإن قال) السيد: (كل مملوك) لي حر، (أو) قال: كل (مماليكي) حر
(أو) قال: كل (رقيقي حر عتق مدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده وعبيد عبده التاجر
وأشقاصه ولو لم ينوها) (3) لأن لفظه عام فيهم فيعتقون كما لو عينهم حتى ولو كان على
عبده التاجر دين يستغرق عبيده، لكن تقدم في الوصية أن العبد خاص بالذكر. فينبغي أن
يعتق الذكور فقط إذا قال: كل عبد لي حر، لأنه لا يشمل الإناث إلا أن يقال: بالتغليب
(ولو قال) السيد: (عبدي أو أمتي حر، أو) قال: (زوجتي طالق ولم ينو معينا) من عبيده ولا
إمائه وزوجاته (عتق الكل) من عبيده وإمائه (وطلق كل نسائه، لأنه) أي لفظ عبدي أو أمتي
632

أو زوجتي (مفرد مضاف فيعم) العبيد أو الإماء أو الزوجات. قال في رواية حرب: لو كان
له نسوة فقال: امرأته طالق: اذهب إلى قول ابن عباس يقع عليهن الطلاق: وليس هذا مثل
قوله: إحدى الزوجات طالق. قال تعالى: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * [النحل:
18]. وقال * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) * [البقرة: 187]. وهذا شامل
لكل نعمة وكل ليلة وقال (ص): صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين
درجة (1) وهي تعم كل صلاة جماعة (وإن قال: أحد) عبيدي حر أو قال أحد (عبدي)
حر (أو) قال (بعضهم) أي بعض عبيدي (حر ولم ينوه أو عينه) بلفظه أو نيته (ثم أنسيه أعتق
أحدهم بالقرعة) (2) لأن مستحق العتق واحد غير معين فميز بالقرعة كما لو أعتق جميعهم
في مرضه ولم تجز الورثة (وكذا لو أدى أحد مكاتبيه وجهل) المؤدي سواء مات بعضهم
أو السيد أولا (وإن قال لأمتيه إحداكما حرة ولم ينو) واحدة بعينها عتقت إحداهما بقرعة
لما سبق. و (حرم) عليه (وطؤها بدون قرعة) لأن إحداهما عتقت وهي مجهولة فوجب
الكف عنهما إلى القرعة (فإن وطئ) السيد (واحدة) منهما معينة (لم تعتق الأخرى كما لو أعتقها ثم أنسيها) بالبناء للمفعول
فإنه يخرجها بالقرعة لا بتعيينه لها (فإن مات) السيد في جميع ما تقدم قبل القرعة (أقرع
الورثة) لقيامهم مقامه فمن خرج بالقرعة فهو حر من حين العتق وكسبه له (وإن مات أحد
العبدين) اللذين قال سيدهما: أحدكما حر (أقرع بينه) أي الميت (وبين الحي) كما لو لم
يمت (فإن علم ناس) أي لو أعتق معينا من عبيده أو إمائه ثم نسيه فأقرع بينهم ثم علم
(بعدها) أي القرعة (أن المعتق غيره) أي غير من خرجت له القرعة (عتق وبطل عتق الأول)
لتبين خطأ القرعة (إلا أن تكون القرعة بحكم حاكم فيعتقان) لأن في إبطال عتق المخرج
نقضا لحكم الحاكم بالقرعة. ويأتي في القضاء أن قرعة الحاكم نفسها حكم فلا يحتاج
الحاكم مع القرعة إلى الحكم بها. كتزويج اليتيمة ونحوه (و) إذا عتق معينا ثم نسيه ثم
633

تذكره (قبل القرعة) فإنه (يقبل تعيينه) لأنه غير متهم فيه (فيعتق من عينه) للعتق (وإن قال) السيد:
(أعتقت هذا لا بل هذا عتقا) جميعا لأن إضرابه عن الأول لا يبطله (وكذا الحكم في إقرار)
ه (الوارث) (1) إذا قال: مورثي أعتق هذا، لا بل هذا: عتق الاثنان. وإن قال لعبديه: إن قدم زيد
في هذا الشهر مثلا فأحدهما حر فمات أحدهما أو باعه السيد قبل قدوم زيد ثم قدم زيد في الشهر
المعلق عتقه على قدومه فيه عتق الباقي في ملكه لمصادفة وجود الشرط لمن هو محل لوقوع
العتق كقوله لقنه وأجنبي أو بهيمة إحداهما حر فيعتق قنه وحده وكذا الطلاق ويأتي.
فصل:
(وإن أعتق في مرض موته المخوف جزءا من عبده)
أو من أمته (أو دبره) أي دبر جزءا من عبده أو أمته (مثل أن يقول: إذا مت فنصف
عبدي) فلان أو نصف أمتي فلانة (حر أو وصى بعتقه) أي بعتق جزء من عبده أو أمته ثم
مات (وثلثه) حين الموت (يحتمل) قيمة (جميعه عتق) القن (كله) (2) لأن عتق الميت جزءه
أو تدبيره جزءه أو عتق الورثة بالوصية يسري إلى باقيه من ثلث ماله لأن ملك المعتق لثلث
ماله ملك تام يملك التصرف فيه بالتبرع وغيره. فأشبه عتق الصحيح (فلو مات العبد) الذي
نجز سيده المريض عتق جزء منه (قبل) موت (سيده) ثم مات سيده (عتق) منه (بقدر ثلثه)
أي ثلث مال السيد عند الموت بخلاف المدبر والموصى بعتقه فإنه يموت قنا (وكذا لو
أعتق) أحد شريكين في رقيق (شركا له في عبد أو أمة في مرض موته) المخوف (أو دبره)
أي دبر شركا له في رقيق ولو في الصحة (وثلثه يحتمل باقيه) فإنه يعتق كله لما تقدم
كالصحيح الموسر (ويعطى الشريك قيمة حصته) (3) يوم عتقه من التركة لقوله (ص): ويعطى
شركاءهم حصصهم (4) (وإن أعتق في مرضه) المخوف (ستة أعبد) أو ست إماء أو ستة
634

منهما (قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم) في الظاهر (ثم ظهر عليه) أي على معتقهم (دين
يستغرقهم) أي يستغرق الستة الذين أعتقهم وما معهم من ماله (بيعوا في دينه) لتبين بطلان
عتقهم بظهور الدين. ويكون عتقهم وصية والدين مقدم على الوصية لقول علي رضي الله
عنه إن النبي (ص) قضى بالدين قبل الوصية (1) وإن استغرق الدين بعضهم بيع منهم بقدره ما
لم يلتزم الوارث بقضائه فيهما (فإن) لم يظهر عليه دين ولم يعلم له مال غيرهم (أعتقنا
ثلثهم) لأنه تبرع في مرض الموت أشبه الوصية (ثم) إن (ظهر له) أي للمعتق (مال يخرجون
من ثلثه عتق من أذن منهم) لأن تصرف المريض في ثلثه نافذ وقد بان أنهم ثلث ماله،
وخفاء ما ظهر من المال علينا لا يمنع كون المعتق موجودا من حينه (وكان حكمهم) أي
الستة الذين أعتقهم في مرضه وتبينا خروجهم من الثلث (حكم الأحرار من حين أعتقهم) (2)
لنفوذ عتقهم إذن (وكسبهم لهم منذ عتقوا. وإن كانوا قد تصرف فيهم) من الورثة أو غيرهم
(ببيع أو هبة) أو إجارة ونحوها (أو رهن أو تزويج بغير إذن) منهم إن كانوا أهلا له (كان)
التصرف (باطلا) لأنه تصرف في حر بغير إذنه. ولا ولاية عليه (وإن كانوا) أي العتقاء (قد
تصرفوا) ببيع أو هبة ونحوها (فحكم تصرفهم حكم تصرف) سائر (الأحرار) لأنهم من
جملتهم (فإن لم يظهر له) أي لمعتق الستة المتساوين في القيمة (مال غيرهم) ولم يكن عليه
دين (جزأناهم ثلاثة أجزاء كل اثنين جزء ثم أقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج
له سهم الحرية عتق ورق الباقون) (3) لحديث عمران بن حصين: أن رجلا من الأنصار أعتق
ستة مملوكين في مرضه لا مال له غيرهم، فجزأهم النبي (ص) فأعتق اثنين وأرق أربعة (4)
رواه مسلم وأبو داود وسائر أصحاب السنن. ورواه الإمام أحمد بإسناده عن أبي زيد
الأنصاري الصحابي. وروي نحو أبي هريرة مرفوعا، ولان العتق حق في تفريقه ضرر
فوجب جمعه بالقرعة كقسمة الاجبار إذا طلبها أحد الشركاء والوصية لا ضرر في تفريقها،
635

بخلاف مسألتنا وإن سلمنا مخالفته لقياس الأصول فرسول الله (ص) واجب الاتباع سواء وافق
نصه القياس أو لا. هذا إن تساووا في القيمة، فإن اختلفت كستة قيمة اثنين ثلاثمائة واثنين
مائتان واثنين مائة مائة. جعلت الاثنين اللذين قيمتهما أربعمائة جزء وكل واحد من اللذين
قيمتهما مائة مع واحد من الأولين جزء. وقس على ذلك. هذا إن أعتقهم واحدا بعد آخر
فقد تقدم أنه يبدأ بالأول فالأول خلافا للمبدع (1) هنا (فإن كانوا) أي العبيد الذين أعتقهم في
مرض موته المخوف دفعة واحدة (ثمانية) وقيمتهم سواء ولم يخرجوا من ثلثه ولم يجز
الورثة عتقهم (فإن شاء أقرع بينهم بسهمي حرية وخمسة) أسهم (رق وسهم لمن ثلثاه حر)
لأن الغرض خروج الثلث بالقرعة. فكيف اتفق حصل ذلك الغرض (وإن شاء جزأهم أربعة
أجزاء وأقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق ثم أعاد القرعة بين الستة لاخراج من ثلثاه حر) (2)
ليظهر المعتق من غيره (وكيف أقرع جاز) بأن يجعل ثلاثة جزء واثنين جزء فإن
خرجت القرعة على الاثنين عتقا ويكمل الثلث بالقرعة من الباقين، وإن خرجت لثلاثة أقرع
بينهم بسهمي حرية وسهم رق لمن ثلثاه حر، وإن كان جميع ماله وأعتقهما أقرعنا بينهما
بسهم حرية وسهم رق على كل حال (وإن أعتق في مرضه) المخوف (عبدين لا يملك
غيرهما قيمة أحدهما مائتان و) قيمة (الآخر ثلاثمائة جمعت قيمتهما وهي خمسمائة فجعلتها
الثلث) إن لم تجز الورثة عتقهما لئلا يكون فيه كسر فتعسر النسبة إليه (ثم أقرعت بينهما)
ليتميز المعتق من غيره (فإن وقعت) القرعة (على الذي قيمته مائتان ضربتها في ثلاثة) كما
يعمل في مجموع القيمة (تبلغ ستمائة ثم تنسبه منه) أي من حاصل الضرب وهو الستمائة
(الخمسمائة) لأنها الثلث تقديرا و (يكون العتق خمسة أسداسه) لأن الخمسمائة خمسة
أسداس الستمائة (وإن وقعت) القرعة (على) العبد (الآخر) الذي قيمته ثلاثمائة عتق منه
(خمسة أتساعه) (3) لأنك تضرب قيمته وهي الثلاثمائة في ثلاثة يحصل تسعمائة تنسب إليها
636

الخمسمائة تكن خمسة أتساعها (وكل شئ) من المسائل (يأتي من هذا الباب فسبيله) أي
طريقه (أن يضرب في ثلاثة) مخرج الثلث (ليخرج) صحيحا (بلا كسر وإن أعتق) مريض
(واحدا) مبهما (من ثلاثة أعبد غير معين فمات أحدهم) أي أحد العبيد الثلاثة (في حياته)
أي السيد المريض (أقرع بينه) أي العبد الميت (وبين الحيين) لأن الحرية إنما تنفذ في
الثلث أشبه ما لو أعتق واحد منهم معينا (فإن وقعت على الميت رق الآخران) كما لو كان
حيا (وإن وقعت) القرعة (على أحد الحيين عتق) من خرجت له القرعة (إذا خرج من
الثلث) (1) وقت الموت لأن تصرف المريض معتبر من الثلث ولم يشترطوا فيما تقدم فيما إذا
وقعت القرعة على الميت خروجه من الثلث، لأن قيمة الميت إن كانت وفق الثلث فلا
إشكال. وإن كانت أكثر فالزائد على الثلث هلك على مالكه، وإن كانت أقل فلا يعتق من
الآخرين شئ لأنه لم يعتق إلا واحدا، قلت: إن كسب شيئا بعد العتق ثم مات اعتبر من
الثلث لأجل أن ترث ورثته ما كسبه بجزئه الحر أو بكامله إن خرج من الثلث (وإن عتق
الثلاثة) أعبد وهو لا يملك غيرهم (في مرض) موته المخوف (فمات أحدهم في حياة السيد
أقرع بينه وبين الحيين) (2) لأن الحرية إنما تنفذ في الثلث أشبه ما لو أعتق واحدا منهم، إلا
أن الميت هنا لو كانت قيمته أقل من الثلث ووقعت القرعة عليه عتق من أحد الحيين تكملة
الثلث بالقرعة (وكذا الحكم لو أوصى بعتقهم) أي بعتق ثلاثة أعبد لا يملك غيرهم (فمات
أحدهم بعده) أي الموصي (وقبل عتقهم أو دبرهم) أي الثلاثة فمات أحدهم قبله (أو دبر
بعضهم ووصي بعتق الباقين) ولم تجز الورثة عتقهم (فمات أحدهم) فيقرع بينه وبين الحيين
على ما تقدم (وإن قال) عبد لغير سيده: (اشترني من سيدي بهذا المال وأعتقني ففعل) أي
فاشتراه وأعتقه (عتق ولزم مشتريه) الثمن (المسمى) في العقد وما أخذه من العبد ودفعه
لسيده ملك للسيد لا يحتسب عليه من الثمن ولا يبرأ به عما لزمه من الثمن الذي اشتراه به
في ذمته والولاء له (إن لم يكن اشتراه بعين المال) الذي أعطاه له العبد (وإلا) بأن
637

اشتراه بعين المال (بطلا) أي الشراء والعتق لأنه اشترى بعين مال غيره شيئا بغير إذنه، فلم
يصح الشراء ولم ينفذ العتق، لأنه أعتق مملوك غيره بغير إذنه. ويكون السيد قد أخذ ماله
لأن ما بيد العبد لسيده
باب التدبير
يقال: دابر الرجل يدابر مدابرة إذا مات. فسمى العتق بعد الموت تدبيرا لأن الموت
دبر الحياة. وقال ابن عقيل. هو مشتق من إدباره من الدنيا. ولا يستعمل في شئ بعد
الموت من وصية ووقف وغيرهما، فهو لفظ يختص به العتق بعد الموت (وهو) أي التدبير
(تعليق العتق بالموت) أي موت المعلق (فلا تصح الوصية به) (1) أي بالتدبير، وتقدم في
الوصية لا تصح بمدبر، والأصل فيه حديث جابر: أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن
دبر، لم يكن له غلام غيره. فبلغ ذلك النبي (ص) فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن
عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه (2) متفق عليه. وفي رواية: وقال: أنت أحوج منه
وحكى ابن المنذر الاجماع (3) عليه في الجملة (ويعتبر) لعتق المدبر خروجه (من الثلث) (4)
بعد الديون ومؤن التجهيز يوم موت السيد (سواء دبره في الصحة أو المرض) لأنه تبرع بعد
الموت. أشبه الوصية، بخلاف العتق في الصحة، فإنه لم يتعلق به حق الورثة فنفذ في
جميع المال، كالهبة المنجزة. وأما الاستيلاد فإنه أقوى من التدبير، لأنه يصح من المجنون
ولا يصح بيع أم الولد (فإن لم يف الثلث بها) أي بالمدبرة (وبولدها) التابع لها في التدبير
بأن لم يخرجا من الثلث (أقرع بينهما) أي بينها وبين ولدها، كمدبرين لا قرابة بينهما
(فأيهما خرجت القرعة له عتق) كله (إن احتمله الثلث) بأن كانت قيمته مائة وله غيره مائتان
مثلا (وإلا) بأن لم يخرج من الثلث (عتق منه بقدره) أي الثلث إن لم تجز الورثة كالموصى
638

بعتقه (وإن فضل من الثلث بعد عتقه شئ كمل) الثلث بالعتق (من الآخر) فيعتق منه تمام
الثلث (كما لو دبر عبدا وأمة) معا أو أحدهما بعد الآخر (وإن اجتمع العتق والتدبير في
المرض) متعلق بالعتق، كما يعلم من شرح المنتهى وغيره. فأما التدبير فلا فرق بين أن
يكون في الصحة أو المرض كما تقدم (قدم العتق) (1) حيث ضاق الثلث عنهما لسبقه (ومن
التدبير) أي مثله (الوصية بالعتق) يعني إذا اجتمع التدبير والوصية بالعتق تساويا لأنهما جميعا
عتق بعد الموت (ويصح) التدبير (ممن تصح وصيته) كرشيد ولو محجورا عليه لفلس وسفيه
ومميز يعقله (وصريحه) أي التدبير (لفظ العتق والحرية المعلقين بموت السيد ولفظ التدبير
وما تصرف منها) نحو: أنت حر بعد موتي، أو أنت معتق أو عتيق بعد موتي، أو حررتك
بعد موتي، أو أنت مدبر أو دبرتك ونحوه (غير أمر) نحو حرر بعد موتي أو أعتق بعد موتي
أو دبر (و) غير (مضارع) نحو تحرر بعد موتي، أو تعتق بعد موتي، أو تدبر (و) غير (اسم
فاعل) نحو أنت محرر بكسر الراء الأولى، وأنت معتق بكسر التاء، أو أنت مدبر بكسر الباء
(وكنايات العتق المنجز تكون تدبيرا) أي كنايات للتدبير (إذا أضاف إليه) أي إلى ما ذكر من
كنايات العتق المنجز (ذكر الموت) يعني إذا علقت بالموت كقوله: إن مت فأنت لله أو
فأنت مولاي، أو فأنت سائبة ونحوه (ويصح تعليقه) أي العتق (بالموت مطلقا) أي من غير
قيد (نحو إن مت فأنت حر) أو فأنت عتيق ونحوه وكذا أنت مدبر (و) يصح التدبير
(مقيدا (2) نحو إن مت من مرضي هذا) فأنت حر أو مدبر (أو) إن مت (في عامي هذا) فأنت
حر أو مدبر، (أو) إن مت (في هذه البلد أو) هذه (الدار فأنت حر أو مدبر) فيكون جائزا على
ما قال: (وكذا أنت مدبر اليوم) فيصح (ويتقيد به فإن مات السيد على الصفة التي شرطها
عتق) المدبر إن خرج من الثلث (وإلا) بأن لم يمت على الصفة التي شرطها (فلا) يعتق لأنه
ليس بمدبر ولا لعدم وجود الشرط (وإن قال) السيد لرقيقه: (إن قرأت القرآن فأنت حر بعد
موتي فقرأه) أي القرآن (جميعه في حياة السيد صار مدبرا) لوجود شرطه (ولا) يصير مدبرا
639

إن قرأ (بعضه) (1) لأنه عرفه بأل المقتضية للاستغراق فعاد إلى جميعه. وأما قوله تعالى:
* (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * [النحل: 98]. - الآية ونحوها فإنما حمل
على بعضه، بدليل ولان قرينة الحال هنا تقتضي قراءة جميعه، لأن الظاهر أنه أراد ترغيبه
في قراءة القرآن فتتعلق الحرية به (إلا إذا قال: إن قرأت قرآنا) فأنت حر بعد موتي فإنه يصير
مدبرا بقراءة بعضه لأنه نكرة في سياق الشرط، فيعم أي بعض كان. وليس في لفظه ما
يقتضي استيعابه (وإن قال) السيد لرقيقه: (متى شئت) فأنت مدبر (أو) قال له: (إن شئت فأنت
مدبر، أو) قال له: (إذا قدم زيد) فأنت مدبر (أو) قال: إذا (جاء رأس الشهر ونحوه فأنت
مدبر فشاء) الرقيق (ولو متراخيا) في حياة السيد صار مدبرا (2) (أو قدم زيد في حياة السيد
لا بعدها) أو جاء رأس الشهر ونحوه في حياة السيد لا بعدها (صار مدبرا) وعتق بموت سيده
لوجود الشرط المعلق عليه، وإن لم يوجد في حياة السيد ووجد بعد موته لم يعتق، لان
إطلاق الشرط يقتضي وجوده في الحياة بدليل ما لو علق عليه عتقا منجزا (وإن قال) السيد
لرقيقه: (متى شئت بعد موتي فأنت حر أو أي وقت شئت بعد موتي) فأنت حر (لم يصح
التعليق ولم يعتق) لأن التدبير تعليق العتق بالموت فلا يمكن حدوثه بعد الموت (وكذا لو
قال: إذا مت فأنت حر أو لا) فلا يعتق (أو قال) إذا مت (فأنت حر أو لست بحر) لأنه
استفهام لا إعتاق (وإن أبطل التدبير) لم يبطل (أو قال) السيد: (رجعت فيه) أي التدبير لم
يبطل (أو جحده) أي التدبير لم يبطل (أو رهن) السيد (المدبر) لم يبطل (أو أوصى) السيد
(به) أي بالمدبر لم تصح الوصية لأنه يعتق بالموت وتقدم و (لم يبطل) التدبير (لأنه تعليق
العتق على صفة) (3) والتعليق لا يملك إبطاله بخلاف الوصية (فإن مات السيد وهو) أي
المدبر (رهن عتق) المدبر إن خرج من الثلث (وأخذ) المرتهن (من تركته قيمته) أي المدبر
640

و (تكون رهنا مكانه) إلى حلول الدين وإن كان حالا وفي دينه (وإن غير التدبير فكان مطلقا)
بأن كان قال له: أنت مدبر (فجعله مقيدا) بأن قال له: إن مت في مرضي هذا أو بلدي هذا
ونحوه فأنت حر (لم يصح التقييد) لأنه رجوع من الاطلاق الأول فهو كالرجوع من التدبير،
وكذا لو قال لمدبره بعد تدبيره: إن أديت إلى ورثتي كذا فأنت حر فهو عن التدبير،
فلا يصح (وإن كان) التدبير (مقيدا فأطلقه) بأن قال له أولا: أنت حر إن مت في مرضي هذا
ثم قال له أنت مدبر (صح لأنه زيادة) فلا يمنع منه (وإن ارتد المدبر ولحق بدار حرب لم
يبطل تدبيره) لأن ردته لا تنافيه (فإن سباه المسلمون) وعلموا سيده (لم يملكوه ويرد إلى
سيده إن علم به قبل قسمة) كسائر أموال المسلمين المأخوذة منهم (ويستتاب) المدبر المرتد
ثلاثة أيام (فإن تاب) لم يقتل (وإلا) بأن لم يتب ومضت الثلاثة أيام (قتل) لردته (وإن لم
يعلم به) أي السيد المدبر المأخوذ من الكفار (حتى قسم) المدبر، ملكه من وقع في قسمه
(فإن اختار سيده أخذه بالثمن الذي حسب به على آخذه به أخذه) أي بالثمن وكذا لو أخذ
منهم بشراء (وإن لم يختر) سيده (آخذه) بثمنه (بطل تدبيره) بمعنى أنه لو مات السيد هو
في ملك الآخذ له لم يعتق، كما لو انتقل الملك فيه عن سيده ببيع أو هبة (ومتى عاد)
المدبر (إلى سيده بوجه من الوجوه) من بيع أو هبة أو إرث ونحوه (عاد تدبيره) بحيث إنه
متى مات سيده وهو في ملكه عتق بشرطه بالتدبير السابق لعود الصفة، كما في العتق المعلق
والطلاق، (وإن مات سيده) أي سيد المدبر المرتد وهو بدار حرب (قبل سبيه عتق) حيث
خرج من الثلث لموت سيده وهو باق في ملكه، كما لو لم يلحق بدار حرب (فإن سبي
بعده) أي بعد العتق (لم يرد إلى ورثة سيده) لأن الحر لا يورث (لكن يستتاب) ثلاثة أيام
(فإن تاب وأسلم صار رقيقا يقسم بين الغانمين) قدمه في الشرح وغيره. وقال القاضي: لا
يجوز استرقاقه إذا أسلم. لأن في استرقاقه إبطال ولاء المسلم الذي أعتقه. ولنا أن هذا لا
يمنع قتله وإذهاب نفسه وولائه نفسه وولائه فلئلا يمنع ملكه أولى (فإن لم يتب قتل) وجوبا (ولم يجز
استرقاقه) كسائر المرتدين (وإن ارتد سيده) أي المدبر (أو دبره) سيده (في ردته) أي السيد
(ثم عاد) سيده (إلى الاسلام فالتدبير بحاله) فإذا مات سيده عتق إن خرج من الثلث (وإن
641

قتل) السيد لردته أو غيرها (أو مات) السيد (على ردته لم يعتق) المدبر (وللسيد بيع المدبر
ولو) كان (أمة أو) كان البيع (لبيع في غير الدين و) له أيضا (هبته ووقفه) ورهنه ونحوه (1).
قال أبو إسحاق الجوزجاني: صحت أحاديث بيع المدبر باستقامة الطرق ولأنه عتق بصفة.
ويثبت بقول المعتق فلم يمنع البيع كقوله: إن دخلت الدار فأنت حر، ولا يصح قياسه على
أم الولد، لأن عتقها ثبت بغير اختيار سيدها، وليس بتبرع. ويكون من جميع المال،
والوقف والهبة ونحوها كالبيع (فإن عاد) المدبر بعد بيعه أو هبته ونحوه (إليه) أي إلى السيد
بإرث أو فسخ أو عقد (عاد التدبير) (2) لأنه علق عتقه بصفة فإذا باعه ونحوه ثم عاد إليه
عادت الصفة كما لو قال: أنت حر إن دخلت الدار فباعه ثم عاد إليه. فإذا باع السيد المدبر
ثم عاد إليه ثم مات وهو في ملكه عتق (وإن جنى) المدبر (بيع) أي جاز بيعه في الجناية
وتسليمه لوليها بها لأنه قن (وإن) اختار سيده فداءه فله ذلك، فإن فدى (بقي تدبيره) بحاله
وصار كأنه لم يجن (وإن بيع بعضه) أي المدبر في الجناية أو غيرها (فباقيه مدبر) (3) بحاله
يعتق بموت سيده ويسرى إلى الباقي إن احتمله الثلث (وللسيد وطئ مدبرته وإن لم يشترطه)
وطئها حال تدبيرها سواء كان يطؤها قبل تدبيرها أولا. وروي عن ابن عمر أنه دبر أمتين له
وكان يطؤهما قال أحمد لا أعلم أحدا كره ذلك غير الزهري، ووجهه أنها مملوكته ولم
تشتر نفسها منه فحل له وطؤها، لعموم قوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانكم) *
[النساء: 3]. (فإن أولدها) أي أولد السيد مدبرته (بطل تدبيرها) (4) وصارت أم ولد لان
الاستيلاد أقوى من التدبير، لأن مقتضاه العتق من رأس المال وإن لم يملك غيره، أو كان
عليه دين فيبطل به الأضعف وهو التدبير، كملك الرقبة إذا طرأ النكاح (وله) أي السيد
(وطئ أمتها) أي المدبرة (إن لم يكن وطئ أمها) (5) لأن ملك سيدها تام فيها كأمها بخلاف
بنت المكاتبة فإنها تتبع أمها وأمها يحرم وطؤها فإن وطئ أمها حرمت البنت لأنها ربيبة
دخل بأمها (وما ولدته) مدبرة (من غير سيدها بعد تدبيرها كهي) أي المدبرة (يعتق بموته)
أي السيد (سواء كان) ما ولدته بعد التدبير (موجودا حال التعليق أو) موجودا حال (العتق
642

أو) كان (حادثا بينهما) أي بين التعليق والعتق لما روي عن عمر وابنه وجابر إنهم قالوا ولد
المدبرة بمنزلتها ولا مخالف لهم من الصحابة ولان الام استحقت الحرية بموت سيدها
فتبعها ولدها كأم الولد ويفارق التعليق بصفة في الحياة والوصية لأن التدبير آكد من كل
منهما (ويكون) ولد المدبرة (مدبرا بنفسه فإن بطل) التدبير (في الام لبيع) السيد إياها (أو
غيره) كموتها (لم يبطل) التدبير (في الولد) فيعتق بموت سيده لعدم موجب البطلان فيه
(وإن عتقت الام) المدبرة (في حياة السيد لم يعتق ولدها) كغير المدبرة لانفصاله (حتى
يموت السيد) فيعتق بالتدبير (فلو قالت) المدبرة: (ولدت بعد تدبيري) فيتبعني ولدي (وأنكر
السيد) وقال: بل ولدت قبله (فقوله) أي السيد (وكذا) إذا مات واختلفت مع (ورثته بعده)
فالقول قولهم بأيمانهم، لأن الأصل يفارق الولد وانتفاء الحرية عنه (ولا يعتق) بموت سيدها
(ما ولدته قبل التدبير لأنه لا يتبعها فيه) أي في التدبير لانفصاله (وولد المدبر يتبع أمه) حرة
كانت أو أمة مدبرة أو غيرها و (لا) يتبع (أباه) لأن الولد إنما يتبع أمه في الحرية والرق،
لكن إن قلنا له: التسري فولده من أمته كولد الحر من أمته كما في المنتهى وغيره (وإذا كاتب
المدبر) صح (1)، وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة لأن التدبير إن كان عتقا بصفة لم يمنع
الكتابة، وكذا إن كان وصية كما لو وصى بعتقه ثم كاتبه (أو) كاتب (أم ولده) صح لان
الاستيلاد والكتابة سببان للعتق فلم يمنع أحدهما الآخر كتدبير المكاتب (أو دبر المكاتب
صح) قال في المبدع بغير خلاف نعلمه لأنه تعليق لعتقه بصفة وهو يملك إعتاقه فيملك
التعليق (2) (فإن أدى) المدبر الذي كاتبه سيده ما كوتب عليه (عتق) وبطل تدبيره، وما فضل
بيده فله (وإن مات سيده قبل الأداء عتق) بالتدبير (إن حمله الثلث) وبطلت الكتابة وما بيده
لورثة سيده (وإلا) بأن لم يخرج من الثلث (عتق منه بقدره) لأن المدبر يعتبر في عتقه
بالتدبير خروجه من الثلث (وسقط من الكتابة بقدر ما عتق منه) بالتدبير لانتفاء محلها بالعتق
ولورثة السيد من كسبه بقدر ما عتق منه (وهو مكاتب فيما بقي) (3) لأن محلها لم يعارضه
643

شئ، فعلى هذا لو خرج نصفه من الثلث عتق نصفه وسقط نصف الكتابة وبقي نصفه،
والذي يحسب من الثلث إنما هو قيمة المدبر وقت موت سيده، لأن المدبر مكاتبا لو لم
يكن لاعتبرت قيمته، (وإن دبر أم ولده لم يصح) التدبير (إذ لا فائدة فيه) لأن الولد لم يعتق
بالموت مطلقا بخلاف التدبير (وإذا عتق) المدبر الذي كاتبه سيده (بالكتابة كان ما في يده له)
أي العتيق، لأنه كان له قبل العتق فيكون له بعد العتق، كما لو لم يكن مدبرا (وإن عتق
بالتدبير مع العجز عن أداء مال الكتابة) أو مع القدرة عليه كما يأتي (كان ما في يده للورثة)
لأنه كان للسيد قبل العتق فيكون لورثته بعد العتق كما لو لم يكن مكاتبا وبطلت الكتابة (لا
كسبه) فلا يكون لورثة سيده، بل للعتيق كأم الولد. وقوله (لأن كسب المدبر في حياة سيده
لسيده) تعليل لما تقدم من أن ما في يده للورثة إذا عتق بالتدبير (و) كسبه (بعدها) أي بعد
حياة السيد (له) أي للمدبر نفسه لأنه حر (وإن مات السيد قبل العجز و) قبل (أداء) المدبر
الذي كاتبه (جميع الكتابة عتق بالتدبير) إن خرج من الثلث كما تقدم (وما في يده للورثة
أيضا) لما تقدم وأم الولد إذا كاتبها سيدها ومات قبل الأداء تعتق بموته مطلقا وسقط ما
عليها في مال الكتابة وما بيدها لورثة السيد (وإذا دبر شركا له في عبد) أو أمة (لم يسر
التدبير إلى نصيب شريكه ولو) كان (موسرا) لأن التدبير تعليق للعتق بصفة فلم يسر كتعليقه
بدخول الدار، ويفارق الاستيلاد، فإنه آكد كما تقدم (فإن مات المدبر) بكسر الباء (عتق
نصيبه إن خرج من الثلث) بالتدبير (وإن) أي ولو (لم يف نصيبه بقيمة حصة شريكه وإن كان)
ثلثه (يفي) بقيمة حصة شريكه (سرى) العتق (في بقيته) فيعتق جميعه (ويعطي لشريكه قيمة
حصته) (1) من الشركة (وتقدم آخر الباب قبله وإن عتق الشريك) الذي لم يدبر (نصيبه قبل
موت السيد المدبر) بكسر الباء (وهو) أي المعتق (موسر) بقيمة نصيب شريكه (عتق) نصيبه
(وسرى) العتق (إلى نصيب شريكه وغرم قيمته) أي النصيب (لسيده) (2) لحديث ابن عمر
السابق في سراية العتق، (وإن دبر كل واحد) فمات واحد منهما أي الشريكين (نصيبه) من
644

مشترك بينهما (فمات أحدهما عتق نصيبه وبقي نصيب الآخر على التدبير إن لم يف ثلث
الميت بقيمة حصة شريكه وإن كان يفي) ثلثه (بها سرى) العتق (إليها كما تقدم) ويؤخذ من
تركته قيمة نصيب شريكه (وإن قال لعبدهما: إن متنا فأنت حر فإذا مات أحدهما فنصيبه حر)
لأنه من مقابلة الجملة بالجملة فينصرف إلى مقابلة البعض بالبعض كركب الناس دوابهم
ولبسوا ثيابهم وأخذوا رماحهم (لأنه لا يعتق إلا بموتهما جميعا) كما ذكره القاضي وجماعة
وقدمه في الفروع فلا يعتق بموت أحدهما شئ منه ولا يبيع وارثه حقه منه لتعلق العتق به
تعليقا لا ينفك إلا أنه متوقف على موت الثاني (1). (وإذا أسلم مدبر كافر أو) أسلم (قنه أو)
أسلم مكاتبه ألزم بإزالة ملكه عنه لئلا يبقى الكافر مالكا لمسلم مع إمكان بيعه فإن أبى أن
يزيل ملكه عنه (بيع) أي باعه الحاكم (عليه) (2) ولا يبقى ملكه لقوله تعالى: * (ولن يجعل
الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * [النساء: 141]. (وإن أنكر السيد التدبير ولا بينة)
للمدعي (حلف) السيد (على البت) (3) أنه لم يدبره لأنه يحلف على فعل نفسه، (وإن كان
المنكر) للتدبير (ورثة السيد بعد موته حلف كل واحد من الورثة على نفي العلم) أنه لا يعلم
أن مورثه دبره لأنه يحلف على نفي فعل غيره (ومن نكل منهم) قضي عليه بالنكول و (عتق
نصيبه ولم يسر) العتق (إلى باقيه. وكذلك إن أقر) عتق نصيبه ولم يسر إلى باقيه (لأن إعتاقه
بفعل المورث لا بفعل المقر ولا) بفعل (الناكل) عن اليمين (وإن شهد به) أي بالتدبير
(رجلان أو رجل وامرأتان أو) شهد به رجل و (حلف معه المدبر حكم به) أي بالتدبير لان
الشهادة بالتدبير تتضمن إتلاف مال والمال يقبل فيه ما ذكر (وكذا الكتابة) يقبل فيها رجلان
أو رجل وامرأتان ورجل ويمين لما ذكر، (وإن) قتل (المدبر سيده) قتلا يمنع الميراث (بطل
645

تدبيره) لأنه استعجل ما أجل له فعوقب بنقيض قصده كما حرم القاتل الميراث، ولان ذلك
إنما يتخذ وسيلة إلى القتل المحرم لأجل العتق فمنع العتق سدا لذلك بخلاف أم الولد لان
إبطال الاستيلاد يفضي فيها إلى نقل الملك فيها ولا سبيل إليه وإن جرح قن سيده فدبره ثم
سرى الجرح ومات السيد لم يبطل التدبير وتقدم في الوصية.
باب الكتابة
(وهي) اسم مصدر بمعنى المكاتبة سميت بذلك لأن السيد يكتب بينه وبين رقيقه كتابا
بما اتفقا عليه، وقيل من الكتب وهو الضم لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض ومنه
سمي الحرز كتبا والكتيبة لانضمام بعضها إلى بعض وشرعا (بيع سيد رقيقه) ذكرا كان أو
أنثى أو خنثى (نفسه أو) بيعه (بعضه) كنصفه وسدسه (بمال مؤجل في ذمته مباح معلوم يصح
فيه السلم منجم) أي مؤجل بأجلين فصاعدا (يعلم قسط كل نجم ومدته) (1) أي مدة النجم
من شهر أو سنة ونحوهما. فلا تصح بنحو خمر ولا بمال حال ولا بمعين ولا بمحرم
الصناعة كانية ذهب وفضة ولا بمال مجهول، ولا بما لا يصح السلم فيه كجوهر ونحوها
مما لا ينضبط بالوصف ولا بمؤجل أجلا واحدا ولو طال. والمراد بالنجم هنا الوقت لان
العرب كانت لا تعرف الحساب وإنما تعرف الأوقات بطلوع النجم كما قال بعضهم:
إذا سهيل أول الليل طلع فابن اللبون الحق، والحق الجذع
أو بيع السيد رقيقه نفسه أو بعضه به بمنفعة مؤجلة منجمة على أجلين فأكثر (2)
واشتراط النجمين فأكثر لأنها مشتقة من الكتب وهو الضم فوجب افتقارها إلى نجمين ليضم
أحدهما إلى الآخر، واشتراط العلم بما لكل نجم من القسط والمدة لئلا يؤدي جهل ذلك
إلى التنازع ولا يشترط التساوي. فلو جعل أحد النجمين شهرا والآخر سنة، أو جعل قسط
أحد النجمين عشرة والآخر خمسة ونحوه جاز. لأن القصد العلم بقدر الاجل وقسطه
والأصل في الكتابة قوله تعالى: * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * [النور: 33]. وقصة
بريرة وقوله (ص) المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم (3) رواه أبو داود. وأجمع
المسلمون على مشروعيتها (وهي) أي الكتابة (مندوبة لمن يعلم) سيده (فيه خيرا وهو
646

الكتب والأمانة) لقوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن
علمتم فيهم خيرا) * [النور: 33]. قال أحمد: الخير صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة.
والآية محمولة على الندب لقوله (ص) لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه (1)
ولأنه دعاء إلى إزالة ملك بعوض، فلم يجبر السيد عليه كالبيع (وتكره كتابة من لا كسب
له) (2) لئلا يصير كلا على الناس ويحتاج إلى السؤال. وتقدم بأوضح من هذا (ولا تصح
كتابة المرهون) بعد قبضه لأنه محجور عليه فيه لحق المرتهن كما لا يصح بيعه ووقفه
(والكتابة في الصحة والمرض من رأس المال) لأنها معاوضة فهي كالبيع والإجارة (واختار
الموفق وجموع) منهم صاحب المبدع (أنها) أي الكتابة (في المرض المخوف من الثلث)
لأن ما يأخذه عوضا من كسب عبده وهو مال له. فصار كالعتق بغير عوض. وتقدم حكم
المحاباة فيها (ولو كاتبه في الصحة وأسقط دينه) في مرضه المخوف (أو) كاتبه في الصحة
و (أعتقه في مرضه اعتبر خروج الأقل من رقبته أو دينه من الثلث) لأن العتق إبراء والابراء
عتق، فاعتبر أقلهما وألغى الآخر (ولو وصى بعتقه) أي المكاتب (أو أبرأه) المريض مرض
الموت والمخوف ونحوه (من الدين) أي دين الكتابة (اعتبر) خروج (أيهما) أي رقبته أو دينه
(من ثلثه) لما تقدم (ولو حمل الثلث بعضه) أي بعض ما عليه من دين الكتابة (عتق) منه
بقدر ما حمله الثلث لعدم المانع (وباقيه على الكتابة) إن لم تجز الورثة (ولا تصح) الكتابة
(إلا بقول) بأن يقول السيد لمن يريد أن يكاتبه كاتبتك على كذا، لأنها إما بيع أو تعليق
للعتق على الأداء، وكلاهما يشترط له القول، إذ لا مدخل للمعاطاة هنا (من جائز
التصرف) (3) لأنها عتق معاوضة كالبيع، (وإن كانت مع قبوله) أي المكاتب لأنها عقد معاوضة
فتوقف على القبول كالبيع، (وإن كاتب) السيد (المميز رقيقه بإذن وليه صح) العقد وبغير
إذنه لا يصح، لأن الكتابة تصرف في المال فلم تصح من المميز إلا بإذن وليه كالبيع (وإن
647

كاتب السيد عبده المميز صح) (1) العقد لأنه يصح تصرفه وبيعه بإذن وليه، فصحت كتابته
كالمكلف، لأن تعاطي السيد العقد معه إذن له في قبوله و (لا) يصح أن يكاتب رقيقا
(مجنونا أو طفلا غير مميز) لأن قبولهما غير معتد به (فإن فعل) بأن كاتب مجنونا أو طفلا
(لم يعتقا بالأداء) لبطلان الكتابة (بل) يعتقان (بتعليق العتق به) أي بالأداء (إن كان التعليق
صريحا) بأن قال في العقد: ومتى أديت ذلك ونحوه فأنت حر (وإلا) بأن لم يكن التعليق
صريحا (فلا) عتق لعدم ما يقتضيه (وتصح كتابة الذمي عبده) كالمسلم (فإن أسلما) أي
السيد وعبده (أو) أسلم (أحدهما أو) لم يسلما ولكن (ترافعا إلينا أمضينا العقد، إن كان
موافقا للشرع) (2) لقوله تعالى: * (فاحكم بينهم بما أنزل الله) * [المائدة: 48]. (وإن كانت)
الكتابة (فاسدة، مثل أن يكون العوض خمرا ونحوه) كخنزير (وقد تقابضاه في الكفر أمضيناه
أيضا وحصل العتق سواء ترافعا) إلينا (قبل الاسلام أو بعده) (3) للزومه بالتقابض (وإن
تقابضاه في الاسلام فهي كتابة فاسدة. ويأتي حكمها إن شاء الله) تعالى آخر الباب، (وإن
ترافعا قبل قبضه) أي الخمر ونحوه (أبطلنا الكتابة) كسائر عقودهم الفاسدة إذا ترافعا إلينا
قبل التقابض (وتصح كتابة الحربي) لرقيقه (في دار الحرب ودار الاسلام) ككتابة الذمي
وسائر عقوده (فإن دخلا مستأمنين إلينا لم يتعرض الحاكم لهما إلا أن يترافعا إليه) (4) أي
الحاكم فإن ترافعا إليه (فإن كانت) الكتابة (صحيحة ألزمهما حكمها وإن جاءا) دار الاسلام
(وقد قهر أحد صاحبه بطلت الكتابة لأن دار الحرب دار قهر وإباحة. فمن قهر صاحبه ولو
حرا قهر حرا أملكه. وإن دخلا) دار الاسلام (من غير قهر ثم قهر أحدهما الآخر في دار
648

الاسلام لم تبطل) الكتابة لأنه لا أثر للقهر في دار الاسلام لأنها دار عصمة (وتنعقد) الكتابة
(بقوله) أي السيد لرقيقه (كاتبتك على كذا مع قبوله) لأنه اللفظ الموضوع لها فانعقدت
بمجرده (وإن لم يقل) السيد (فإذا أديت لي فأنت حر) (1) لأن الحرية موجب عقد الكتابة،
فتثبت عند تمامه كسائر أحكامه، ولان الكتابة عقد وضع للعتق فلم تحتج إلى لفظ العتق
ولا نية كالتدبير وقوله المخالف: لفظ الكتابة يحتمل المخارجة، ليس بمشهور حتى يحتاج
أن يميز أحدهما عن الآخر بشئ يميزه على أن اللفظ المحتمل ينصرف بالقرائن إلى أحد
محتمليه (ولا تصح) الكتابة (إلا بعوض مباح) بخلاف آنية الذهب والفضة. والحلي المحرم
ويصح السلم فيه لأنه لا يكون إلا في الذمة فيحتاج إلى ضبط صفاته قطعا للنزاع بخلاف
الجوهر ونحوه فإنه لا ينضبط بالوصف (منجم بنجمين فأكثر يعلم لكل أجل نجم) أي وقت
(قسطه ومدته) لما تقدم (تساوت) النجوم (أو لا) أي أو لم تتساو كما تقدمت الإشارة إليه
(فلا تصح) الكتابة (حالة) لأنه يفضي إلى العجز عن الأداء وفسخ العقد (ولا) تصح الكتابة
(على عبد مطلق) كان يكاتب رقيقه على عبد ويطلق لأنه عوض مقدر في عقد أشبه البيع.
وقال القاضي وأصحابه تصح وصححه ابن حمدان كمهر، وله الوسط (ولا) يصح أيضا
(توقيت النجمين بساعتين ونحوه) مما لا وقع له في القدرة على الكسب (بل يعتبر ماله وقع
في القدرة على الكسب صوبه في (2) الانصاف، وإن كان ظاهر كلام الأصحاب خلافه) قال
في تصحيح الفروع: ظاهر كلام كثير من الأصحاب الصحة، ولكن العرف والعادة والمعنى
أنه لا يصح قياسا على السلم لكن السلم أضيق انتهى. وقال في المنتهى ولا يشترط أجل له
وقع في القدرة على الكسب فيه. قال في شرحه في الأصح، فيصح توقيت النجمين
بساعتين (3). (وتصح) الكتابة (على خدمة مفردة منجمة في مدتين فأكثر، كأن يكاتبه في
أول المحرم على خدمته فيه) أي المحرم (وفي رجب أو على خياطة ثوب وبناء حائط
649

عينهما وكذا لو قال) السيد لرقيقه: كاتبتك (على أن تخدمني هذا الشهر و) على (خياطة كذا
عقيب الشهر، أو) كاتبتك (على أن تخدمني شهرا من وقتي هذا وشهرا عقيب هذا الشهر)
فيصح (1) لأنهما أجلان.. وإن ولى أحدهما الآخر (وإن كاتبه على خدمة شهر معين)
كرجب ولي العقد أو لا (أو) كاتبه على خدمة (سنة معينة) كسنة خمس تلي العقد أو لا (لم
يصح) عقد الكتابة (لأنه نجم واحد وتصح) الكتابة (على خدمة ومال) لأن كلا منها يصح أن
يكون عوضا في غير الكتابة فليكن فيها كذلك سواء (تقدمت الخدمة أو تأخرت) لأن تقدمها
وتأخرها لا يخرجها عن كونها صالحة للعوض، وأولها عقب العقد مع الاطلاق (وإن كان
المال مؤجلا ولو إلى أثنائها) أي أثناء مدة الخدمة، كأن يكاتبه على خدمته شهر رجب
وعلى دينار وجعل محله في نصف رجب أو في انقضائه، فيصح كما لو جعل محله فيما
بعد رجب، لأن الخدمة بمنزلة العوض الحاصل في ابتداء مدتها فيكون محلها غير محل
الدينار (بخلاف الخدمة فإنه لا يشترط تأجيلها) لأن المنع من الحلول في غيرها لأجل
العجز عنه في الحال، وهذا غير موجود في الخدمة فجازت حالة. ويصح أن يكون أجل
الدينار قبل الخدمة إن لم تكن متصلة بالعقد مثل أن يكاتبه في المحرم على دينار وسلخ
صفر وخدمته شهر رجب (وإذا كاتب) السيد (العبد وله مال فماله لسيده إلا أن يشترطه)
المكاتب لأنه كان له قبل الكتابة فيكون له بعدها وكما لو باعه أو أعتقه (فإن كانت له) أي
العبد قبل أن يكاتب (سرية إن جوزنا للعبد التسري أو) كان له (ولد منها) أي من سريته بناء
على ذلك القول (فهو) أي المذكور من السرية والولد (لسيده) لأن ذلك من جملة ماله
فيكون لسيده إن لم يشترطه المكاتب (وإذا أدى) المكاتب (ما كوتب عليه فقبضه السيد) مع
أهليته للقبض أو قبضه وكيله (أو) قبضه (وليه) إن لم يكن السيد أهلا (أو أبرأه) السيد (منه)
أي مما كوتب عليه (عتق) لأنه لم يبق لسيده عليه شئ و (لا) يعتق (قبل الأداء) لجميع ما
كوتب عليه (والابراء) منه، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: المكاتب
عبد ما بقي عليه درهم (2) رواه أبو داود. ودلل بمنطوقه على أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع
650

كتابته. ومفهومه أنه إذا أداها لا يبقى عبدا (وإن كاتبه على دنانير فأبرأه) السيد (من دراهم أو
بالعكس) بأن كاتبه على دراهم فأبرأه من دنانير (لم تصح البراءة) لأنه أبرأه مما ليس له عليه
(إلا أن يزيد) في البراءة لفظ (بقدر ذلك مما لي عليك) فتصح البراءة منه اكتفاء بالمعنى
(ولو كان في ملكه) أي المكاتب (ما يؤدي) منه (فهو عبد ما بقي عليه درهم) لحديث
عمرو بن شعيب السابق (فإن) مات السيد وورثه اثنان فأكثر، أو (أبرأه) أي المكاتب (بعض
ورثته) أي السيد (من حقه منها) أي الكتابة بمعنى دينها (وكان) المبرئ (موسرا) بقيمة باقية
(عتق عليه كله) بالسراية لما تقدم فيمن أعتق شركا له في رقيق (وما فضل في يده) أي
المكاتب (بعد الأداء) لجميع مال الكتابة (ف‍) - هو (له) (1) أي للمكاتب، لأنه له، بدليل
صحة تصرفه فيه قبل العتق (فإن مات) المكاتب (أو قتل ولو كان القاتل) له (السيد قبل
الأداء انفسخت الكتابة ومات عبدا وكان ما في يده لسيده) (2) سواء خلف وفاء أم لا لحديث
عمرو بن شعيب السابق، ولان الكتابة عقد معاوضة على المكاتب وقد تلف المعقود عليه
قبل التسليم فبطل، وتفارق الكتابة البيع لأن كل واحد من المتعاقدين غير معقود عليه ولا
يتعلق بعينه فلم ينفسخ بتلفه بخلاف الكتابة (وإن عجل) المكاتب (ما عليه) من دين الكتابة
(قبل محله لزم سيده أخذه وعتق إن لم يكن فيه) أي في أخذه قبل محله (ضرر) (3) على
السيد. رواه سعيد عن عمر وعثمان، ولان الاجل حق لمن عليه الدين، فإذا قدمه فقد
رضي بإسقاط حقه فسقط، كسائر الحقوق لا يقال إذا علق عتق رقيقه على فعل في وقت
ففعله في غيره لا يعتق. لأن هذا صفة مجردة لا يعتق إلا بوجودها. والكتابة معاوضة يعتق
فيها بأداء العوض فاقتربا. فإن كان في قبضها قبل محلها ضرر بأن دفعها بطريق مخوف أو
كانت مما يحتاج إلى مخزن كالطعام والقطن ونحوه لم يلزم السيد لاخذها لأن الانسان لا
يلزمه التزام ضرر لا يقتضيه العقد. ولا يعتق ببذله مع وجود الضرر (فلو أبى) السيد أخذ
المعجل مع عدم الضرر (جعله الامام في بيت المال ثم أداه إلى السيد وقت حلوله وحكم
651

بعتق المكاتب في الحال) (1) أي حال أخذ المعجل منه، لما روى الأثرم بإسناده عن أبي
بكر بن حزم أن رجلا أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين إني كوتبت على كذا وكذا وإني
أيسرت بالمال وأتيته به. فزعم أن لا يأخذها إلا نجوما. فقال عمر: يا سرقا خذ هذا المال
فاجعله في بيت المال وأد إليه نجوما في كل عام، وقد عتق هذا. فلما رأى ذلك سيده أخذ
المال وعن عثمان نحوه (وإذا كاتبه على جنس كدنانير ودراهم أو عرض لم يلزمه) أي
السيد (قبض غيره) أي غير ما وقع عليه العقد، لأنها معاوضة له فلا تلزمه ولا يجبر عليها
وإن تراضيا جاز لأن الحق لا يعدوهما (وإذا أدى) المكاتب (العوض) الذي كوتب عليه
جميعه (وعتق فبان العوض معيبا فله) أي السيد (أرشه) إن أمسكه (أو عوضه إن رده ولم
يبطل عتقه) (2) لأنه إتلاف، فإذا وقع لم يرتفع وكالخلع، وإطلاق عقد الكتابة يقتضي سلامة
العوض فيها وقد تعذر رد المكاتب رقيقا فوجب أرش العيب أو عوض المعيب جبرا لما
اقتضاه إطلاق العقد (وإذا أحضر) المكاتب (مال الكتابة فقال السيد: هذا حرام أو غصب)
فلا يصح أن أقبضه منك (فإن أقر به المكاتب أو ثبت ببينة) أنه حرام أو غصب (لم يلزم
السيد قبوله ولا يجوز له) (3) قبوله وسمعت بينة السيد بذلك، لأن له حقا في أن لا يقتضي
دينه من حرام، ولا يأمن أن يرجع صاحبه عليه به (وكذلك نفقة الزوجة و) كذلك (صداقها
و) كذلك (كل حق) من قرض أو قيمة متلف أو أرش جناية ونحوه (أو عوض في عقد)
كثمن مبيع وأجرة ونحوها إذا حضر بها من هي عليه وادعى من هي له أنها حرام أو غصب
لم يجز له قبولها ولم يلزمه إن ثبت ذلك بإقرار المدين أو ببينة (فإن أنكر) المكاتب أنها
غصب أو حرام، (ولم يكن للسيد بينة فقول العبد مع يمينه) أنه ملكه لأنه الأصل (ثم يجب)
على السيد (أخذه ويعتق) المكاتب بأخذه لأن الأصل أنه ملكه (فإن نكل) المكاتب (عن
اليمين لم يلزم السيد قبوله) ويحلف السيد أنه حرام (وإن حلف) المكاتب أنه ليس بحرام
(قيل للسيد: إما أن تقبضه وإما أن تبرئه ليعتق) لأن الظاهر أنه ملكه (فإن قبضه) السيد
652

(وكان تمام كتابته عتق العبد) لأنه لم يبق عليه شئ في الظاهر (ولم يمنع السيد من
التصرف فيه) أي فيما قبضه وقال: هو حرام أو غصب (وإن لم يقر به لاحد) معين لعدم صحة
الاقرار إذن (وعليه إثمه فيما بينه وبين الله) فلا يجوز له التصرف باطنا فيه إذا علمه حراما
(وإن ادعى) السيد (أنه) أي المكاتب (غصبه من فلان) أو سرقه منه ونحوه (لزمه) أي السيد
(دفعه إليه) أي إلى المقر له به إن صدقه مؤاخذة له بإقراره (فإن أبرأه) أي أبرأ السيد مكاتبه
(من مال الكتابة لم يلزمه قبضه لأنه لم يبق عليه حق) حتى يلزمه أخذه، (وإن لم يبرئه) السيد
من مال الكتابة (ولم يقبضه) أي المال الذي أحضره له، وقال السيد إنه حرام ولم يقم به بينة
وحلف المكاتب أنه ليس بحرام (كان له) أي المكاتب (دفع ذلك) المال (إلى الحاكم لينوب
الحاكم في قبضه عنه) أي عن السيد، لأن الحاكم يقوم مقام الممتنع بغير حق (ويعتق العبد)
بأخذ الحاكم ذلك منه كما لو أخذه السيد (ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده) مال الكتابة
قبل حلول أجله (ويضع عنه) السيد (بعض كتابته) (1) مثل أن يكاتبه على ألف في نجمين
إلى سنة، ثم يقول له: عجل خمسمائة حتى أضع عنك الباقي أي أسقطه، أو قال:
صالحني منه على خمسمائة معجلة. جاز ذلك لأن دين الكتابة غير مستقر وليس بدين
صحيح. بدليل أنه لا يجبر على أدائه ولا تصح الكفالة به وما يؤديه إلى سيده كسب عبده،
وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق وواجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق
وتخفيفا عن المكاتب فإذا أمكنه التعجيل على وجه يسقط به عنه بعض ما عليه كان أبلغ في
حصول العتق وأخف على العبد. وبهذا فارق سائر الديون ويفارق الأجانب من حيث إنه
عبده، فهو أشبه بعبده القن (وإن اتفقا على زيادة الاجل والدين) مثل أن يكاتبه على ألف في
نجمين إلى سنة يؤدي نصفها في نصف السنة والباقي في آخرها ثم جعلاها إلى سنتين بألف
ومائتين في كل سنة ستمائة، أو يحل عليه نجم فيقول: أخرني إلى كذا وأزيدك كذا (لم
يجز) (2) لأن هذا يشبه ربا الجاهلية المحرم، ولان المؤجل إلى وقت لا يتأخر أجله عن
وقته باتفاقهما عليه، ولا يتغير أجله بتغييره. وإذا لم يتأخر عن وقته لم تصح الزيادة التي في
مقابلته ولأنه يأخذ أكثر مما وقع عليه العقد بخلافته في الأولى (وإذا دفع) المكاتب أو غيره
(إلى السيد مال الكتابة ظاهرا فقال له السيد: أنت حر، أو قال) بعد الدفع إليه (هذا حر ثم
653

بان العوض مستحقا) لغيره بأن تبين أنه غصبه أو سرقه ونحوه (لم يعتق) المكاتب (بذلك)
لفساد القبض (1). وقوله: أنت حر ونحوه إنما قاله اعتمادا على صحة القبض (فلو ادعى
المكاتب أن السيد قصد بذلك عتقه) لا في مقابلة القبض (وأنكر السيد) ذلك (فقول السيد)
بيمينه، لأنه أدرى بنيته.
فصل:
(ويملك المكاتب نفع نفسه وكسبه
والاقرار وكل تصرف يصلح له من البيع والشراء والإجارة والاستئجار) (2) لأن عقد
الكتابة لتحصيل العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه وهو متعذر إلا بالاكتساب. والبيع
والشراء من أقوى جهات الاكتساب فإنه قد جاء في الأثر أن تسعة أعشار الرزق في
التجارة (و) يملك (الانفاق على نفسه وولده التابع له من أمته و) على (رقيقه) (3) لأن في
ذلك مما لا غناء عنه (وله) أي المكاتب (أن يقتص لنفسه ممن جني عليه على طرفه أو
جرحه) وقوله (بغير إذن سيده) متعلق بيقتص. ويحتمل أن يتعلق بقوله: ويملك المكاتب،
لأنه لو عفا على مال كان له فكذلك بدله (وله) أي المكاتب (شراء ذوي رحمه) لأنه اشترى
مملوكا بما لا ضرر على السيد في شرائه. أشبه الأجنبي (و) له (قبولهم إذا وهبوا له أو
وصى له بهم ولو أضروا بماله، وله أن يفديهم إذا جنوا) لأن في ذلك كله تحصيلا لحريتهم
بتقدير عتقه فكان له ذلك، لأن العتق مطلوب شرعا (وإذا ملكهم لم يجز بيعهم) لأنه لا
يملكه لو كان حرا فلا يملكه مكاتبا (وكسبهم له) أي كسب ذوي رحم المكاتب المحرم له
654

لأنهم عبيده فكان له كسبهم كالأجانب (وحكمهم) أي حكم ذوي رحمه المحرم (حكمه)
أي المكاتب (إن عتق) بالأداء أو الابراء (عتقوا) لأنه كمل فيهم ملكه وزال تعلق حق سيده
بهم (وإن عجز رقوا لسيده) لأنهم من ماله فيصيرون للسيد عند عجزه كعبيده الأجانب (إلا
إذا أعتقه سيده فلا يعتقون، بل) هم (أرقاء لسيده) لأن من عتق على غير مال يكون ما بيده
لسيده، كما تقدم (وولده) أي المكاتب (من أمته كذلك) أي كذوي رحمه المحرم إن عتق
عتق معه وإن عجز رق. وإن أعتق المكاتب سيده كان ولده لسيده. وأما ولده من غير أمته
فتابع لامه (وله) أي المكاتب (تأديب رقيقه و) له (تعزيرهم و) له (ختنهم) لأنه من مصلحة
ملكه (لإقامة الحد عليهم) لأنه موضع ولاية وما هو من أهلها (وله المطالبة بالشفعة والاخذ
بها) أي الشفعة (ولو من سيده، وكذا السيد) له الاخذ بالشفعة (منه) أي من مكاتبه (لأنه)
أي المكاتب (مع سيده في البيع والشراء كالأجنبي) وتقدم في الشفعة (وله) أي المكاتب
(الشراء نسيئة بلا رهن) لأنه لا غرر فيه. قال في الشرح: ولا يجوز أن يدفع به رهنا لان
الرهن أمانة وقد يتلف أو يجحده الغريم، وله أن يستسلف في ذمته وأن يقترض، لأنه ينتفع
بالمال (1) (وله شراء من يعتق على سيده) كابن سيده وأخيه ويعتق إن عجز المكاتب أو
أعتقه سيده (وسفره) أي المكاتب (ك‍) - سفر (مدين) فلسيده منعه، ولا يتأتى أن يوثق برهن
يحرز أو كفيل ملئ، لأنهما لا يصحان بمال الكتابة على ما تقدم (وتقدم في الحجر) حكم
سفر الغريم (وله) أي المكاتب (أخذ الصدقة الواجبة والمستحبة) لقوله تعالى: * (وفي
الرقاب) * [التوبة: 60]. وإذا جاز الاخذ من الواجبة فالمستحبة أولى (فإن شرط) السيد
(عليه أ) ن (لا يسافر ولا يأخذ الصدقة ولا يسأل الناس صح) (2) الشرط وكان لازما لقوله (ص)
المسلمون على شروطهم (3) ولان للسيد في هذا الشرط، فائدة فلزم كما لو شرط نقدا
معلوما (فلو خالف) المكاتب (وفعل) ما شرط عليه أن لا يفعله (كان لسيده تعجيزه)
655

لمخالفته الشرط قال أحمد: قال جابر بن عبد الله هم على شروطهم إن رأيته يسأل تنهاه
فإن قال: لا أعود. لم يرده عن كتابته في مرة. قال في الشرح: فظاهر هذا: أن الشرط
صحيح لازم وأنه إن خالف مرة لم يعجزه، وإن خالف مرتين فأكثر فله تعجيزه.
تنبيه: ظاهر كلامهم هنا لا يبطل الكتابة جمع بين شرطين فأكثر بخلاف البيع (ولا
يصح شرط نوع تجارة) (1) أو أن لا يتجر مطلقا لأنه ينافي مقتضى العقد الموضوع للعتق
(وليس له) أي المكاتب (أن يسافر لجهاد) بغير إذن سيده لتفويت حق سيده وعدم وجوبه
عليه، (ولا) أن (يبيع نساء ولو برهن وضمين) بغير إذن سيده (ولو) كان (بأضعاف قيمته) لما
فيه من الضرر على سيده، وفيه غرر بتسليم ماله لغيره، والرهن قد يتلف. والغريم
والضمين قد يفلسان (وإن باع) شيئا (بأكثر من قيمته) وجعل قدر القيمة (حالا وجعل الزيادة
مؤجلة جاز) لأنه منفعة من غير مضرة (ولا يرهن) المكاتب (ماله ولا يضارب) أي يدفع
ماله إلى غيره مضاربة لأنه تغرير بالمال، وله أن يأخذ قراضا. لأنه من أنواع الكسب (ولا
يتزوج ولا يتسرى ولا يقرض) ظاهره ولو برهن كالبيع نساء. وقال في المبدع: لم يذكروا
قرضه برهن (2) (ولا يتبرع ولا يدفع ماله سلما) لأنه في معنى البيع نسيئة (ولا يهب ولو
بثواب مجهول) إلا بإذن سيده لأن حق السيد لم ينقطع عنه وقد يعجز فيعود إليه وعلم من
قوله: بثواب مجهول. أنه لو كان معلوما صح. حيث لا محاباة لأنها بيع في الحقيقة.
وعبارة المنتهى تقتضي المنع مطلقا إلا أن تحمل على ما إذا كان العوض مجهولا أو كان
فيها محاباة، ولعله أظهر (ولا يحابي) المكاتب في بيع ولا شراء ونحوه (ولا يعير دابته)
بغير إذن سيده. لأنه تبرع. قال الحلواني: له إطعام الطعام لضيفانه وإعارة أواني منزله
مطلقا (ولا يوصي) المكاتب (بماله) لأنها تبرع بعد الموت، لكن تقدم تصح وصيته إن مات
حرا في كتاب الوصية (ولا يحط المكاتب عن المشتري شيئا) من الثمن ولا عن المستأجر
شيئا من الأجرة ونحو ذلك. لأن تبرع (ولا يضمن) المكاتب مالا (ولا يتكفل) ببدن (أحدا
ولا ينفق على قريبه غير ولده الذي يتبعه) في الكتابة وغير ذوي رحمه المحرم إذا ملكهم
656

(ولا يتوسع في النفقة) لأن ذلك في معنى التبرع (ولا يقتص إذا قتل بعض رقيقه بعضا) لما
فيه من تفويت حق السيد بإتلاف جزء من رقيقه الجاني من غير إذن سيده (ولا يكاتبه) لان
الكتابة نوع إعتاق فلم تجز منه كالمنجز (ولا يعتقه ولو بمال في ذمته) لأنه نوع إعتاق أشبه
العتق بغير مال (ولا يزوجه) لأنه نوع تبرع (ولا يكفر بمال) لأنه عبد وفي حكم المعسر،
بدليل أنه لا يلزمه زكاة ولا نفقة. ويباح له أخذ الزكاة لحاجته (إلا بإذن سيده في هذه
المسائل كلها) (1) فإن أذن له زال المانع (وإن أذن له في التكفير بالمال لم يلزمه) أي التكفير
بالمال لأن عليه ضررا لما يفضى إليه من تفويت حريته (وكذا تبرعه) إذا أذن له فيه لا يلزمه
(ونحوه) كما لو أذن له في المحاباة أو العتق فلا يلزمه لعدم ما يوجبه لكن يجوز له فعله.
لأن المنع منه إنما هو حق السيد وقد زال بإذنه (وولاء من يعتقه) المكاتب لسيده (أو) ولاء
من (يكاتبه) إذا أدى الثاني ما كوتب عليه (لسيده ولو مع عدم عجزه) (2) أي المكاتب (و)
عدم (رجوعه إلى الرق) لأن العتق لا ينفك عن الولاء، والولاء لا يوقف لأنه سبب يورث
به فهو كالنسب (إلا أن يؤدي هو) أي المكاتب الأول (قبل أن يؤدي) إليه (مكاتبه) ما كوتب
عليه (فيكون ولاء كل منهما لسيده الذي كاتبه) أي فولاء الأول لسيده وولاء الثاني للأول
الحديث: الولاء لمن أعتق (وإذا كوتبت الأمة وهي حامل) تبعها ولدها (أو) حملت
و (ولدت بعدها) أي الكتابة (تبعها ولدها إن أعتقت بأداء أو إبراء عتق) لأن الكتابة سبب
للعتق لا يجوز إبطاله من قبل السيد بالاختيار، فسرى إلى الولد كالاستيلاد والتدبير،
ويفارق التعليق بالصفة فإن السيد يملك إبطاله بالبيع و (لا) يعتق ولدها (بإعتاقها) بدون أداء
أو إبراء. كما لو لم تكن مكاتبة ويكون لسيدها (و) لا يعتق ولد لمكاتبة ب‍ (- موتها) قبل
الأداء والابراء كغير المكاتبة. وإن قتل فقيمته لها كذا لو جني عليه لأنه بمنزلة جزئها، وبدل
جزئها لها قاله في الكافي (وولد بنتها) أي بنت المكاتبة تابعة لامها ذكرا كان أو أنثى
(كبنتها) لأن الولد يتبع أمه والام تابعة لامها فيعتق إن عتقت الكبرى بأداء أو إبراء لا بإعتاق
657

وموت و (لا) يتبعها (ولد ابنها لأنه يتبع أمه) دون أبيه إن لم يكن من سريته فيتبعه
كما تقدم في المكاتب (ولا يتبعها) أي المكاتبة (ما ولدته قبل الكتابة) لأنه لو
باشرها بالعتق لا يتبعها ولدها فلان لا يتبعها في الكتاب بطريق أولى (ولو أعتق
السيد الولد) أي ولد المكاتبة (دونها) أي دون أمه (صح عتقه) له نصا، لأنه مملوك
له كأمه كما لو أعتقه معها (وإذا اشترى المكاتب زوجته) انفسخ النكاح (أو اشترت
المكاتبة زوجها انفسخ النكاح) (1) لما يأتي من أنه متى ملك أحد الزوجين الآخر أو
بعضه انفسخ النكاح وملك المكاتب صحيح لما تقدم من ملكه لكسبه ومنافعه، (وإن
استولد المكاتب (أمته صارت أم (2) ولد له وامتنع عليه بيعها) لأن ولدها له حرمة
الحرية، ولهذا لا يجوز بيعه ويعتق معتق أبيه أشبه ولد الحر من أمته، (وإن لزمته) أي
المكاتب (ديون معاملة تعلقت بذمته) لأنه لما ملك كسبه صارت ذمته قابلة
للاشتغال، ولأنه في يد نفسه فليس من السيد غرور بخلاف المأذون له (يتبع بها)
أي بالديون (بعد العتق) إذا عجز عنها لأن ذلك حال يساره (ولا يملك غريمه
تعجيزه) لعدم تعلقها برقبته (وإن عجز) المكاتب عن ديون المعاملة (تعلقت بذمة
سيده) معطوف على المنفي بلا، أي ولا يقال: إن عجز تعلقت بذمة سيده لئلا
يناقض ما ذكره أولا من أنها تتعلق بذمته ويتبع بها بعد العتق، ويخالف كلام
الأصحاب. ونص الإمام قال في المغني (3) والشرح فيما إذا مات المكاتب المدين:
ويستوفي دينه مما كان في يده فإن لم يف بها سقط (4). قال أحمد: ليس على سيده
قضاء دينه هذا كان يسعى لنفسه انتهى (5). وتقدمت أيضا الإشارة إلى الفرق بينه
وبين المأذون.
658

فصل:
(ولا يملك السيد شيئا من كسبه)
أي المكاتب بل يملكه المكاتب لأن الملك الواحد لا يتوارد عليه ما لكان فأكثر في
وقت واحد، ولأنه اشترى نفسه من سيده ليملك كسبه ومنافعه وماله ولا يبقى ذلك لبائعه
كسائر المبيعات (ويحرم الربا بينهما) أي بين السيد ومكاتبه لأنه في المعاملة كالأجنبي منه
(إلا في مال الكتابة) (1) فيما إذا عجل البعض وأسقط عنه الباقي وتقدمت قريبا (وتقدم آخر
الربا) وإنما استثنى مال الكتابة (لتجويزهم تعجيل) دين (الكتابة بشرط أن يضع بعضها
فيجوز في هذه الصورة) خاصة لما تقدم (وإن جنى السيد عليه) أي المكاتب (فله الأرش)
لأنه معه كالأجنبي ولا يجب إلا بأنه مال الجرح، وإن كان في الجناية تمثيل عتق به وتقدم،
فلا أرش له بل ماله لسيده لأنه معتق بغير أداء فإن قتل فهدر (ولا قصاص) على سيد
المكاتب بجنايته عليه لعدم المكافأة (وإن حبسه) أي حبس السيد مكاتبه (فعلى السيد أرفق
الامرين بالمكاتب من إنظاره مثل تلك المدة) التي حبسه فيها (أو أجرة مثله) (2) في تلك
المدة لأنه قد وجد سببهما فكان للمكاتب أنفعهما (وإن جنى المكاتب على غيره، ولو)
كانت الجناية (على سيده تعلقت برقبته) لأنه في الحقيقة عبد، ولأنه مع سيده كالحر في
المعاملات فكذا في الجنايات (واستوى الأول والآخر) من المجني عليهم، فلا يقدم أحدهم
على الآخر كجناية القن المتعلقة برقبته (ولو كان بعضها) أي الجناية (في كتابته وبعضها بعد
تعجيزه) فيسوى بين ذلك كله (وعليه) أي المكاتب (فداء نفسه) مما في يده (مقدما على
الكتابة ولو حل نجم) لأن أرش الجناية يتعلق برقبة المكاتب ودين الكتاب يتعلق بذمته،
ولأنه إذا قدم حق المجني عليه على العبد القن وعلى حق المرتهن وغيرهما فلان يقدم عليه
في المكاتب بطريق الأولى (إلا أن يشاء ولي الجناية من سيده وغيره التأخير إلى بعد وفاء
مال الكتابة) فله ذلك، لأن الحق له وقد رضي بتأخيره (فإن كان فيها) أي في جناية
المكاتب (ما يوجب القصاص فلمستحقه استيفاؤه) لعدم المانع (وتبطل حقوق) المجني
عليهم (الآخرين) المعلقة برقبته لفوات المحل (إن كان) القصاص (في النفس) بخلاف ما
659

إذا كان في الطرف، (وإن عفا) من وجب له القصاص (على مال) جاز، و (صار حكمه حكم
الجناية الموجبة للمال) فيتعلق برقبته ويستوي وليها مع المجني عليه خطأ (فإن) بادر
المكاتب و (أدى) للسيد دين الكتابة ولم يكن ولي الجناية سأل الحاكم الحجر عليه وأجابه
صح (وعتق) لصحة الأداء لأنه قضى حقا واجبا عليه فصح قضاؤه كما لو قضى المفلس
بعض غرمائه قبل الحجر عليه. وحيث تقرر ذلك (فالضمان) لأرش الجناية (عليه) أي استقر
في ذمته لأنه كان واجبا قبل العتق فكذلك بعده (وإن أعتقه سيده) فالضمان عليه (أو قتله)
سيده (فالضمان عليه) أي ضمان ما كان على المكاتب من أقل الأمرين على سيده، لأنه
بقتله أو عتقه فوت على ولي الجناية محل تعلقها وهو رقبة الجاني، فلزمه ما كان واجبا
على الجاني (وإن عجزه) أي عجز المكاتب الجاني سيده لعجزه عن وفاء مال الكتابة (فعاد
قنا خير) سيده (بين فدائه) بالأقل من أرش الجناية أو قيمته (و) بين (تسليمه) لولي الجناية
وبين بيعه فيها كما لو لم يكن مكاتبا (وإذا كان أرش الجناية للسيد) بأن كانت الجناية عليه
أو على ماله، أو ورث أرشها عن المجني عليه (وعجزه) سيده لعجزه عن الوفاء (سقط عنه
مال الكتابة وأرش الجناية) لأنه لا يجب له على قنه مال، لأنه لو وجب لكان عليه (وإن بدأ
المكاتب) الجاني على غير سيده (فدفع مال الكتابة إلى سيده وكان ولي الجناية سأل
الحاكم) أن يحجر عليه (فحجر عليه لم يصح دفعه إلى سيده) لأن النظر فيه صار للحاكم
كمال المحجور عليه لفلس (ويرتجعه) الحاكم (ويسلمه إلى ولي الجناية) لأن أرش الجناية
مقدم على دين الكتابة، لأن أرش الجناية مستقر ودين الكتاب غير مستقر (فإن وفى) ما بيد
المكاتب (بما لزمه) أي المكاتب (من أرشها) أي الجناية سقط الطلب به عنه (وإلا باع
الحاكم منه) بقدر (ما بقي) عليه من أرش الجناية (وباقيه) أي المكاتب (باق على كتابته)
لعدم ما ينافيه (فإن أدى) المكاتب (عتق بالكتابة وسرى العتق إلى باقيه إن كان السيد موسرا)
بقيمة ما بيع منه من الجناية ويغرم قيمته لشريكه. لحديث ابن عمر في السراية السابق فيمن
أعتق شركا له من عبد، وإن كان معسرا عتق نصيبه فقط وإن أيسر بالبعض عتق بقدر ما هو
موسر به (وإن لم يكن الحاكم حجر عليه) أي المكاتب الجاني وبادر وأدى إلى سيده مال
الكتابة قبل أرش الجناية (صح دفعه إلى السيد) وعتق لأنه يقضي حقا عليه أشبه ما لو قضى
660

بعض غرمائه قبل الحجر عليه واستقر ضمان أرش الجناية عليه وتقدم (والواجب في الفداء)
أي فداء المكاتب (أقل الأمرين من قيمته) أي المكاتب إن كان أرش الجناية أكثر من قيمته
(أو أرش جنايته) إن كان أقل من قيمته لأن الزيادة مع كون الأرش أكثر من قيمته لا موضع
لها، وإن كان أقل لم يكن للمجني عليه أكثر من أرشها (ولا يجبر المكاتب على الكسب
لوفاء دين الكتابة) لأن عليه في السعي فيه كلفة ومشقة، ودين الكتابة غير مستقر (بخلاف
سائر الديون) فإنه يجبر على الكسب لوفائها لوجوبها عليه.
فصل:
(وإن وطئ مكاتبته في مدة الكتابة بشرط)
أي مع اشتراطه عليها في عقد الكتابة أن يطأها (جاز) (1) لبقاء أصل الملك كراهن يطأ
بشرط ذكره في عيون المسائل، ولان يضعها من جملة منافعها فإذا استثنى نفعه صح، كما
لو استثنى منفعة أخرى وجاز وطؤه لها لأنها أمته وهي في جواز وطئه لها كغير المكاتبة
لاستثنائه قال في الاختيارات وعلى هذا التعليل الأول يتوجه جواز وطئها بلا شرط بأنها (و)
حيث شرط وطأها ف‍ (- لا مهر) بوطئه إياها لأنه وطئ يملكه ويباح له كما لو وطئ أمته
القن (و) إن وطئ مكاتبته (بلا شرط. يؤدب عالم بالتحريم منه ومنها) لارتكابه معصية
(ويلزمه) أي سيد المكاتبة بوطئه إياها (مهر) (2) مثلها (ولو) كانت (مطاوعة) لأنه وطئ شبهة
(ك‍) - ما لو وطئ (أمتها) لأنه عوض شئ مستحق للمكاتبة، فكان لها كبقية منافعها، وعدم
منعها من وطئه ليس بإذن منها له في الفعل. ولهذا لو رأى مالك مال إنسانا يتلفه فلم يمنعه
لم يسقط عنه الضمان، وتحصل المقاصة إن بقي لها نجم وهو بذمته بشرطه (ولا حد)
بوطئه مكاتبته أو أمتها لشبهة الملك (فإن تكرر وطؤه) لمكاتبته أو لأمتها (قبل أن يؤدي مهره
فمهر واحد) (3) لاتحاد الشبهة، وهي كون الموطوءة مملوكته أو مملوكة مملوكته كالوطئ في
661

النكاح الفاسد (ومتى أدى) السيد الواطئ لمكاتبته أو لأمتها (مهر وطئ) ثم أعاده (لزمه مهر
ما بعده) أي بعد الوطئ الذي أدى مهره لأن الأداء قد قطع حكم الوطئ (فإن أولدها) أي
أولد السيد مكاتبته (سواء وطئها بشرط أو لا) صارت أم ولد لأنها أمة له ما بقي عليها درهم
(أو أولد أمته ثم كاتبها صارت أم ولد له) (1) أي بقيت على كونها أم ولد له مع كونها
مكاتبته لأن كلا من الاستيلاد والكتابة سبب للعتق فلا يتنافيان وولدها من غير سيدها بعد
استيلادها تابع لها (وولده) أي السيد من مكاتبته (حر) لأنه من أمته (فإن أدت) المكاتبة
المستولدة (عتقت) بالأداء (وكسبها لها) كما لو لم تكن مستولدة، (وإن مات) سيدها (ولم
تؤد) أي قبل أن تؤدي جميع ما كوتبت عليه (أو عجزت) عن أداء ما كوتبت عليه أو أعيدت
للرق (عتقت بموته) لأنها أم ولده كما لو لم تكن كوتبت (وسقط ما بقي عليها من
كتابتها) (2) لفوات محل الكتابة بالعتق (وما في يدها) أي المكاتبة التي عتقت بالاستيلاد
(لورثته) أي ورثة السيد (ولو مات) السيد (قبل عجزها) عن أداء ما كوتبت عليه لأنها عتقت
بغير أداء وتقدم في التدبير (وكذا الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده) ولو قبل عجزه فإن ما
بيده يكون لعبده وتقدم (ولا يملك السيد إجبار مكاتبته) على التزويج لأن منافعها ملك لها
لا له (ولا) يملك السيد إجبار (ابنتها) أي ابنة مكاتبته على التزويج (ولا) يملك أيضا إجبار
(أمتها على التزويج) لأنه ليس مالكا لمنافعها كما لا يؤجر هن (وليس لواحدة منهن) أي من
المكاتبة وابنتها وأمتها (التزويج بلا إذنه) لأن حقه لم ينقطع عنهن لأنها ربما عجزت فيعدن
إلى ملكه (وليس له) أي السيد (وطئ بنت مكاتبته ولو بشرط) لأن حكم الكتابة ثبت فيها
تبعا، ولم يكن وطؤها مباحا حال العقد فاشترطه (فإن فعل) بأن وطئ بنت مكاتبته (فلا حد
عليه) لأنها مملوكته وربما عجزت أمها فعادت لملكه، والحدود تدرأ بالشبهات (ويأثم)
بوطئه لابنة مكاتبته لما تقدم (ويعزر) عليه (ولها) أي لبنت المكاتبة (المهر) بوطئه لها (حكمه
حكم كسبها يكون لامها) (3) تستعين به في كتابتها لأنه بدل منفعة بضعها كأجرة خدمتها (فإن
662

أحبلها) أي أحبل السيد بنت مكاتبته (صارت أم ولد له) كأمها لأنه أحبلها بحر في ملكه
(والولد) له (حر يلحقه نسبه) لشبهة الملك (ولا تجب عليه) أي على السيد الذي أولد بنت
مكاتبته (قيمتها) أي قيمة بنت مكاتبته لأن أمها لا تملكها ولا قيمة ولدها لأنها وضعته في
ملكه (وليس له وطئ جارية لمكاتبته ولا) وطئ (مكاتبته أي مكاتبته مكاتبة لأن ملكهما
للمكاتب بدليل صحة تصرفه فيهما (فإن فعل) بأن وطئ جارية مكاتبه أو مكاتبته (أثم وعزر
ولا حد) لشبهة الملك لأنه مالك المالك، فهو مالك بواسطة (وعليه) بوطئه لها (مهرها
لسيدها) الذي هو المكاتب لأنه عوض منفعتها وهي له، فكذا عوضهما (وولده) أي السيد
(منها) أي من جارية مكاتبه أو مكاتبته (حر يلحقه نسبه) لشبهة الملك (وتصير أم ولد له)
لما تقدم (وعليه قيمتها لسيدها) لأنه فوتها عليه إذ الاستيلاد كالاتلاف (ولا يجب عليه قيمة
الولد) (1) من أمة مكاتبه أو مكاتبته لأن ولد السيد كجزء منه فلا يجب عليه أن يدفع قيمته
لرقيقه ولأنه انعقد حرا (ولو كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئها أحدهما أدب فوق أدب الواطئ
المكاتبة الخالصة) له لأنها تحرم عليه من حيث كونها مكاتبة ومن حيث كونها مشتركة،
بخلاف المكاتبة الخالصة (وعليه لها مهر مثلها) لأن منفعة البضع لها فإذا تلفت بالوطئ لزم
متلفهما بدلها وهو المهر (فإن وطئاها) أي الشريكان (فلها على كل واحد منهما مهر) (2) لما
تقدم (فإن كانت) المكاتبة (بكرا فعلى) الواطئ (الأول مهر بكر وعلى) الواطئ (الآخر مهر
ثيب) باعتبار الحال التي وطئ كل واحد عليها (وإن أولدها أحدهما فولده حر) يلحقه نسبه
لشبهة الملك (وتصير أم ولد له) لأنها علقت بحر في شئ يملك بعضه وذلك موجب
للسراية لأن الاستيلاد أقوى من العتق بدليل صحته من المجنون وينفذ من جارية ابنه ومن
رأس المال في المرض (و) تصير أيضا (مكاتبة له) بمعنى أنها باقية على كتابتها في نصيبه
وينتقل إليه نصيب شريكه على كتابته (كما لو اشترى نصفها من شريكه وعليه) أي المستولد
(له نصف قيمتها مكاتبة له) أي لشريكه (لأنه أتلفها عليه. فإن كان) المستولد (موسرا)
663

بنصف قيمتها (أداه وإن كان معسر ف‍) - هو (في ذمته) إلى أن يوسر كسائر الديون (وعليه)
أي المستولد (له) أي لشريكه (نصف قيمة ولدها) في إحدى الروايتين لأنه كان من سبيل هذا
النصف أن يكون مملوكا لشريكه فقد أتلف رقه عليه. قال القاضي: هذه الرواية أصح في
المذهب، وصححها في التصحيح والنظم وجزم بها في الوجيز والمنتهى. والرواية الثانية:
لا يغرم في الولد شيئا لأنها وضعته في ملكه والولد حر، قدمه في المغني (1) والشرح (2)
والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وشرح ابن رزين. وقال هذا المذهب: قال في المبدع.
هذا أظهر (3). وهو المشابه لما يأتي في أمهات الأولاد.
تنبيه: مقتضى كلامه: أن نصف قيمة الولد للشريك. وقال في الكافي ويكون
الواجب لامه إن كانت على الكتابة لأنه بدل ولدها (و) عليه أيضا (نصف مهر مثلها)
ومقتضى كلامه: أنه لشريكه وليس مرادا، بل لها كما في الفروع وغيره وكما دل عليه أول
كلامه من، أن المهر إذا وجب كان لها. والصحيح وجوب المهر كاملا. قال في الانصاف
وهل يلزمه المهر كاملا أو نصفه؟ فيه وجهان. الصحيح من المذهب الأول قدمه في الفروع
(وإن ألحق) الولد (بهما) أي بالشريكين الواطئين لها (فهي أم ولدهما) لأن الولد منسوب
إليهما (يعتق نصفها بموت أحدهما و) يعتق (باقيها بموت الآخر) (4) لأنه الذي يملكه كل
واحد منهما قلت لو كان الميت أولا موسرا ثلثه بقيمة الباقي، فهل يعتق عليه بالسراية كما
تقدم في المدبر لحديث ابن عمر أولا لكونه يبطل حق صاحبه من الولاء الذي انعقد سببه
بالاستيلاد؟ قال الشارح في نظير المسألة في أمهات الأولاد عن الأول إنه أولى وأصح
(ويجوز بيع المكاتب) ذكرا كان أو أنثى لما روت عائشة أن بريرة جاءت تستعينها في
كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن
أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت ذلك، فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا:
إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فقال لها
النبي (ص): ابتاعي واعتقي فإنما الولاء لمن أعتق (5) متفق عليه قال ابن المنذر بيعت بريرة
664

بعلم النبي (ص) وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك ولا وجه لمن أنكره ولا أعلم خبرا يعارضه ولا
أعلم في شئ من الاخبار ما دل على عجزها وتأوله الشافعي على أنها كانت قد عجزت
وليس في الخبر ما يدل عليه بل قولها أعينيني دل على بقائها على الكتابة (و) تجوز (هبته
والوصية به) كالبيع (وولده التابع له) في كتابته كهو، فيصح بيعه وهبته والوصية به مع
المكاتب لا منفردا لأنه عبد له كأصله ولذلك صح عتقه له بخلاف ذوي رحم المكاتب
المحرم لأنهم ليسوا عبيدا لسيده (وتقدم في الهبة) أنه تصح هبة المكاتب (و) تقدم في باب
(الموصى إليه) يعني له: أنه تصح الوصية بالمكاتب (ومن انتقل إليه) المكاتب ببيع أو هبة
أو وصية ونحوها (يقوم مقام مكاتبه) بكسر التاء (يؤدي إليه) المكاتب (ما بقي من كتابته،
فإذا أدى إليه عتق، وولاؤه لمن انتقل إليه) لأن الكتابة عقد لازم فلم تنفسخ بنقل الملك في
المكاتب، (وإن عجز) المكاتب عن الأداء لمن انتقل إليه (عاد قنا) (1) لأن حكمه مع بائعه
ونحوه كذلك، (وإن لم يعلم مشتريه) أي المكاتب (إنه مكاتب فله الرد أو الأرش) لأن الكتابة
نقص، لأنه لا يقدر على التصرف في منافعه وكسبه. وقد انعقد سبب الحرية من نجوم
الكتابة، فيه أشبه الأمة المزوجة (ولا يجوز بيع ما في ذمة المكاتب) كدين السلم فإن سلم
المكاتب إلى المشتري نجومه فقيل يعتق ويبرأ المكاتب ويرجع السيد على المشتري بما
قبضه من المكاتب لأن البيع تضمن الاذن في القبض. أشبه قبض الوكيل. وقيل: لا يعتق
لأنه لم يستنبه في القبض وإنما قبضه لنفسه بحكم البيع الفاسد، فكان القبض فاسدا فلم
يعتق، بخلاف وكيله قاله في الشرح ومال الكتابة باق في ذمة المكاتب ويرجع المكاتب
على المشتري بما دفعه إليه، ويرجع المشتري على البائع، فإن سلم المشتري إلى البائع لم
يصح تسليمه لأنه قبضه بغير إذن المكاتب. أشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه (وتصح
وصية السيد لمكاتبه) وتقدم في الوصية (و) يصح (دفع زكاته) أي السيد (إليه) أي إلى
مكاتبه وتقدم في الزكاة (وإن اشترى كل واحد من المكاتبين) المكاتب (الآخر صح شراء
الأول) لأن التصرف صدر من أهله في محله (فقط) (2) أي دون شراء الثاني للأول، لان
العبد لا يملك سيده لأنه يفضي إلى تناقض الاحكام لأن كل واحد يقول لصاحبه أنا مولاك
ولي ولاؤك وإن عجزت صرت لي رقيقا (وسواء كانا) أي المكاتبان (لواحد أو لاثنين) لان
665

العلة كون العبد لا يملك سيده وهي موجودة هنا. فإن أدى المبيع منهما عتق. (وولاؤه
للسيد على مقتضى ما سبق). ويحتمل أن يفرق بينهما لكون العتق تم بإذن السيد فيحصل
الانعام عليه بإذنه فيه، وههنا لا يفتقر إلى إذنه فلا نعمة له عليه فلا يكون له عليه ولاء ما لم
يعجز سيده، وعليه فيكون موقوفا. ذكره بمعناه في الشرح (فإن جهل الأول) من البيعين
(بطل البيعان ويرد كل واحد منهما إلى كتابته) (1) كنكاح الوليين إذا أشكل الأول منهما، ولا
يحتاج ذلك إلى فسخ ولا قرعة لأنه لم يثبت يقين البيع في واحد بعينه فلم يفتقر إلى فسخ
(وإن أسر) المكاتب (فاشتراه أحد فلسيده أخذه بما اشترى به) كغيره من الأموال وكذا لو لم
يعلم به سيده إلا بعد القسمة واجب أخذه فيأخذه بثمنه كما تقدم في المدبر (وهو) أي
المكاتب بعد الأسر (على كتابته) لأنها عقد لازم فلا تبطل بذلك كالبيع (ولا يحتسب عليه)
أي المكاتب (بمدة الأسر) (2) فلا يعجز حتى يمضي بعد الأسر مثلها لأنه لا يتمكن من
التصرف والكسب. أشبه ما لو حبسه سيده (وإن لم يأخذه) سيده بل تركه لمشتريه أو لمن
وقع في قسمه (فهو) أي المكاتب (لمشتريه) أو لمن وقع في قسمه (بما بقي من كتابته يعتق
بالأداء وولاؤه له) كما لو اشتراه من سيده (ومن مات) عن مكاتب (وفي وراثه زوجة
لمكاتبه) كما لو زوج بنته أو أخته ونحوها بمكاتبه ثم مات (انفسخ نكاحها) لأنها ملكت
زوجها أو بعضه (وكذا لو ورث رجل زوجته المكاتبة) أو بعضها (أو) ورث زوجة له
(غيرها) أي غير المكاتبة فمتى ملك أحد الزوجين الآخر أو بعضه انفسخ النكاح. ويأتي.
فصل:
(والكتابة الصحيحة عقد لازم من الطرفين)
لأنها بيع وهو من العقود اللازمة (لا يدخلها خيار) مجلس ولا شرط ولا غيرهما،
666

لأن الخيار شرع لدفع الغبن عن المال والسيد دخل على بصيرة أن الحظ لعبده، فلا معنى
لثبوت الخيار ولا يصح تعليقها أي الكتابة (على) شرط (مستقبل). كقوله: إذا جاء رأس
الشهر فقد كاتبتك على كذا كسائر العقود اللازمة. وخرج به الماضي والحاضر، كإن كنت
عبدي ونحوه فقد كاتبتك على كذا فيصح (ولا تنفسخ) الكتابة (بموت السيد ولا جنونه ولا
الحجر عليه) (1) لسفه أو فلس كبقية العقود اللازمة (ويعتق) المكاتب (بالأداء إلى سيده) مع
أهليته للقبض (و) بالأداء إلى (من يقوم مقامه من ورثته) إن مات لأنه انتقل إليهم مع بقاء
الكتابة فهو كالأداء إلى مورثهم (وغيرهم) أي غير ورثته كوليه إن جن أو حجر عليه ووكيله
لقيامه مقام السيد أشبه ما لو دفع إليه نفسه (2). (وتصح الوصية بمال الكتابة) وتقدم (فإن
سلمه المكاتب إلى الموصى له) المعين (أو) إلى (وكيله) إن كان جائز التصرف برئ وعتق
(أو) سلمه إلى (وليه) أي ولي الموصى له (إن كان) الموصى له (محجورا عليه برئ)
المكاتب (وعتق) لأدائه مال الكتابة لمستحقه. أشبه ما لو أداه لسيده الذي كاتبه (وولاؤه
لسيده الذي كاتبه) لأنه هو المنعم بالعتق فكان الولاء له كما لو أدى إليه ولان الورثة أو
الموصى له إنما ينتقل إليهم ما بقي للسيد وإنما بقي له دين في ذمة المكاتب والفرق بين
الميراث والوصية والبيع أن السيد في البيع نقل حقه باختياره فلم يبق له فيه حق من وجه
والوارث يخلف الموروث ويقوم مقامه ويبني على ما فعل مورثه وكذا الموصى له (وإن
أبرأه الموصى له) وهو جائز التصرف (من مال الكتابة الموصى له به (عتق) لأنه لم يبق
عليه شئ من مالها وبراءته له صحيحة لأن الحق دون الورثة (فإن أعتقه) الموصى له بدين
الكتابة (لم يعتق) لأنه ليس مالكا لرقبته ولا مأذونا له في عتقه وحقه فيما عليه لا في رقبته
(وإن عجز) عن أداء مال الكتابة للموصى له به (ورد في الرق صار عبدا للورثة) دون
الموصى له بما عليه، والامر في تعجيزه للورثة قاله في الشرح (وما قبضه الموصى له) من
دين الكتابة (فهو له وتبطل الوصية فيما لم يقبضه) لفوات محله، وتقدم ذلك في الوصية
بأوضح من هذا (وإن وصى) السيد (به) أي بما على المكاتب من دين الكتابة (للمساكين)
ونحوهم (ووصى إلى من يقبضه ويفرقه بينهم صح) ذلك حين خرج من الثلث (ومتى سلم)
667

المكاتب (المال إلى الموصى إليه) بقبضه (برئ) من عهدته (وعتق) لأنه أدى ما عليه من
كتابته لمستحق قبضه أشبه الأداء إلى ولي سيده، (وإن أبرأه) أي أبرأ الموصى إليه بقبض مال
الكتابة ليفرقه للمساكين المكاتب (منه) أي من مال الكتابة (لم يبرأ) المكاتب (لأن الحق
لغيره) فلا يصح أن يبرأ منه ولم يعتق، (وإن دفعه المكاتب إلى المساكين لم يبرأ) منه (ولم
يعتق لأن التعيين. إلى الموصى إليه) بقبضه فلا يفتات عليه (وإن وصى) السيد (بدفع المال)
الذي على مكاتبه (إلى غرمائه تعين القضاء منه كما لو وصى به عطية لهم) أي لغرمائه لا في
مقابلة الدين (فإن كان) السيد (إنما وصى بقضاء ديونه مطلقا) ولم يقيد بكونها من دين الكتابة
(كان على المكاتب أن يجمع بين الورثة والوصي بقضاء الدين) إن كان (ويدفعه) أي ما عليه
من المال (إليهم) أي الورثة (بحضرته) أي الوصي (لأن المال للورثة ولهم قضاء الدين منه
ومن غيره) فلهم ولاية قبضه (وللوصي في قضاء الدين حق، لأن له) أي الوصي (منعهم) أي
الورثة (من التصرف) في التركة (قبل قضاء الدين) فلذلك اعتبر حضوره (وتقدم في باب
الموصى له الوصية للمكاتب بمال الكتابة) مفصلة (ولا يملك أحدهما) أي السيد والمكاتب
(فسخها) أي الكتابة كسائر العقود اللازمة (إلا السيد له الفسخ إذا حل نجم فلم يؤده
المكاتب ولو لم يقل قد عجزت) (1) لأن مال الكتابة حق للسيد، فكان له الفسخ بالعجز عنه
كما لو أعسر المشتري ببعض ثمن البيع قبل قبضه (وإذا حل النجم وماله) أي المكاتب
(حاضر عنده طولب به ولم يجز الفسخ قبل الطلب) لأن الكتابة عقد لازم، ولم يتعذر على
السيد الوصول للعوض (فإن طلب) السيد (منه) أي المكاتب ما حل عليه (فذكر) المكاتب
(أنه) أي ماله (غائب عن المجلس في ناحية من نواحي البلد أو قريب منه لم يجز الفسخ)
668

لأنه لا ضرر على السيد إذن (وأمهل) المكاتب لذلك بقدر ما يتمكن فيه من الوفاء لقصر
مدته (ويلزمه) أي السيد (إنظاره) أي المكاتب (ثلاثا) أي ثلاث ليال بأيامها (لبيع عرض)
يوفيه من ثمنه (أو لمال غائب دون مسافة قصر يرجو قدومه ولدين حال على ملئ أو) قبض
(مودع) لأن عقد الكتابة ملحوظ فيه حظ المكاتب والرفق به (وإذا حل نجم) من نجوم
الكتابة (والمكاتب غائب بغير إذن سيده فله) أي السيد (الفسخ) دفعا لما يلحقه من الضرر
بانتظاره و (لا) يملك الفسخ (إن غاب) المكاتب (بإذنه) أي إذن سيده لأنه الذي أدخل
الضرر على نفسه بإذنه له (لكن يرفع) السيد (الامر إلى الحاكم) ببلده (ليكتب كتابا إلى
حاكم البلد الذي فيه المكاتب ليأمره بالأداء أو يثبت عجزه عنده فيفسخ السيد أو وكيله
حينئذ) دفعا لما يلحقه من ضرر التأخير (وإن كان) المكاتب (قادرا على الأداء) لما عليه من
مال الكتابة (أمره) الحاكم المكتوب إليه (بالخروج إلى البلد الذي فيه السيد ليؤدي) ما حل
عليه (أو يوكل من يؤدي) عنه ما وجب عليه أداؤه (فإن فعله) أي ما ذكر من الخروج أو
التوكيل (في أول حال الامكان عند خروج القافلة إن كان لا يمكنه الخروج) بلا ضرر يلحقه
عادة (إلا معها) أي القافلة (لم يجز) للسيد (الفسخ) أي فسخ الكتابة لأنه لا تقصير من
المكاتب (وإن أخره) أي ما ذكر من الخروج والتوكيل (مع الامكان) أي قدرته عليه (ومضى
زمن المسير) عادة (فللسيد الفسخ) إزاحة لما لحقه من ضرر التأخير (وإن كان قد جعل
السيد للوكيل الفسخ عند امتناع المكاتب من الدفع إليه جاز) ذلك لأن من ملك شيئا ملك
أن يوكل فيه (وله) أي الوكيل (الفسخ إذا ثبتت وكالته) عن السيد (ببينة بحيث يأمن المكاتب
إنكار السيد) الوكالة لأنه لا عذر للمكاتب إذن في التأخير (فإن لم يثبت ذلك) أي أنه وكله
بالبينة (لم يلزم المكاتب الدفع إليه) ولو صدقه أنه وكيل، لأنه لا يأمن من إنكار سيده
الوكالة (وكان) ذلك (له عذرا يمنع جواز الفسخ) لما فيه من الضرر عليه إذا أنكر سيده
669

(وحيث جاز) للسيد أو وكيله (الفسخ لم يحتج) الفسخ (إلى حكم حاكم) لأنه مجمع عليه
أشبه الرد بالعيب قاله في الكافي (وليس للعبد فسخها) أي الكتابة بحال قال في المبدع بغير
خلاف نعلمه. قال في المغني: لأنها سبب الحرية وفيها حق معلق وفي فسخها إبطال لذلك
الحق (ولقادر على الكسب تعجيز نفسه) بترك التكسب لأن معظم المقصود من الكتابة
تخليصه من الرق فإذا لم يرد ذلك لم يجبر عليه (إن لم يملك) المكاتب (وفاء) لمال الكتابة
(فإن ملكه) لم يملك تعجيز نفسه و (أجبر على وفائه ثم عتق) (1) لأن سبب الحرية وهو
الأداء حاصل يمكنه فعله من غير كلفة، والحرية حق لله تعالى، فلا يملك إبطالها مع
حصول سببها بخلاف ما إذا لم يملك وفاء فإن السبب غير حاصل وعليه في السعي كلفة
ومشقة (ويجوز فسخها) أي الكتابة (باتفاقهما) (2) أي السيد والمكاتب بأن تقايلا أحكامها
قياسا على البيع قاله في الفروع ويتوجه أن لا يجوز لحق الله تعالى اه‍. قلت: ويؤيده ما
فيها من معنى التعليق (ويجب على سيده) أي المكاتب (ولو كان العبد المكاتب ذميا أن
يؤتيه ربع مال الكتابة) (3) أما وجوب الايتاء من غير تقدير فلقوله تعالى: * (وآتوهم من مال
الله الذي آتاكم) * [النور: 33]. وظاهر الامر الوجوب. وأما كونه ربع مال الكتابة. فلما
روى أبو بكر بإسناده عن علي عن النبي (ص) في قوله تعالى: * (وآتوهم من مال الله الذي
آتاكم) * قال ربع الكتابة وروي موقوفا عنه. فإن قيل: إنه ورد غير مقدر؟ فجوابه أن السنة
بينته وقدرته كالزكاة وفارقت الكتابة في ذلك سائر العقود لأن القصد بها رفق المكاتب
بخلاف غيرها ف‍ (- إن شاء) السيد (وضعه) أي الربع (عنه) أي المكاتب (من أول الكتابة)
أي من أول أنجمها (أو) وضعه عنه (من أثنائها، وإن شاء قبضه) أي الربع منه (ثم دفعه
إليه) لأن الله تعالى نص على الدفع إليه فنبه به على الوضع لكونه أنفع من الدفع لتحقق
النفع به في الكتابة (والوضع عنه أفضل) من الدفع إليه بعد لما تقدم من أنه أنفع (وإن مات
السيد قبل الايتاء) لربع مال الكتابة بعد أدائه (فهو) أي الربع (دين في تركته) يحاصص به
غرماءه لأنه حق لآدمي فلم يسقط بالموت كسائر الحقوق (فإن أعطاه) أي الربع المكاتب
(السيد من جنس مال الكتابة) من غيره (لزمه) أي المكاتب (قبوله) لأنه لا فرق في المعنى
670

بين الايتاء من عينه والايتاء من غيره من جنسه فوجب أن يتساويا في الاجزاء كالزكاة. وغير
المنصوص إذا كان في معناه ألحق به. لكن الأولى أن يؤتيه من عينه (وإن أعطاه) أي السيد (من
غير جنسها مثل أن يكاتبه على دراهم فيعطيه دنانير أو) يعطيه (عروضا لم يلزمه) أي المكاتب
(قبوله) (1) لأنه لم يؤته من مال الكتاب ولا جنسه (وإن أدى) المكاتب (ثلاثة أرباع المال وعجز عن
الربع لم يعتق وللسيد فسخها) أي الكتابة. لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا
المكاتب: عبد ما بقي عليه درهم (2) وروى الأثرم عن عمر وابنه وعائشة وزيد بن ثابت أنهم
قالوا: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم (3) وروي ذلك أيضا عن أم سلمة ويؤيده ما روى سعيد
بإسناده عن أبي قلابة قال: كن أزواج رسول الله (ص) لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه
دينار (4) وأما حديث ابن عباس مرفوعا: إذا أصاب المكاتب حدا وميراثا بحساب ما عتق منه
ويؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد (5) رواه الترمذي وقال حديث حسن
فمحمول على مكاتب لرجل مات وخلف ابنين فأقر أحدهما بأداء كتابته وأنكر الآخر ونحوه
جمعا بينه وبين القياس (لكن لو كان له) أي المكاتب (على السيد) من ثمن مبيع أو قرض أو
قيمة متلف ونحوه (مثل ماله) أي السيد (عليه) من دين الكتابة (حصل التقاص وعتق) المكاتب
(عليه) لأنه لم يبق عليه شئ من دين الكتابة، ووجب على السيد أداء الربع إن لم يكن دفعه
قبل أو وضعه. وعلم مما هنا: أن المقاصة ليس من شرطها استقرار الدينين إذ دين الكتابة
ليس بمستقر وأيضا نظيره في النكاح ولم يصرحوا بخلافه وللمكاتب أن يصالح سيده عما في
ذمته بغير جنسه لا مؤجلا وإذا أبرئ من بعض كتابته فهو على الكتابة فيما بقي.
فصل:
(وإن كاتب عبيده اثنين فأكثر أو إماءه
صفقة واحدة بعوض واحد) مثل أن يكاتب ثلاثة أعبد بألف (صح) عقد الكتابة كما
671

لو باعهم لواحد وجملة العوض معلومة وجهل تفصيله لا يمنع الصحة (وقسط) العوض
(بينهم بقدر قيمتهم يوم العقد) لأنه زمن المعاوضة وزمن زوال سلطان السيد عنهم، لا على
عدد رؤوسهم كما لو اشترى شقصا وسيفا (ويكون كل واحد منهم مكاتبا بقدر حصته) من
العوض (فمن أدى ما قسط عليه) من العوض (عتق وحده ومن عجز) عما قسط عليه
(فللسيد فسخ كتابته فقط) (1) لأن الحصة بمنزلة الثمن المنقود ومن جنى منهم فجنايته عليه
دون صاحبيه (وإن شرط عليهم) أي على عبيده الذين كاتبهم صفقة واحدة بعوض واحد
(في العقد) أي عقد الكتابة (ضمان كل واحد منهم عن الباقين) ما عليهم (فسد الشرط) لان
مال الكتابة ليس لازما ولا يؤول إلى اللزوم. فلم يصح ضمانه (وصح العقد) أي فلا يفسد
بفساد الشرط لقصة بريرة (وإن اختلفوا بعد أن أدوا) جميع ما كوتبوا عليه (أو عتقوا في قدر
ما أدى كل واحد منهم فقال من كثرت قيمته: أدينا على قدر قيمتنا. وقال آخر: أدينا على
السواء فبقيت لنا على الأكثر بقية فقول من يدعي) منهم (أداء قدر الواجب عليه) لأن الظاهر
من حاله أداء ما وجب عليه فوجب قبول قوله فيه لاعتضاده بالظاهر ولان الأصل براءته مما
يدعي به عليه (فإن شرط السيد على المكاتب أن يرثه دون ورثته أو) شرط السيد على
المكاتب أنه (يزاحمهم) أي ورثة المكاتب (في مواريثهم ف‍) - شرط (فاسد) لأنه لا يقتضيه
العقد (ولا تفسد الكتابة) به لقصة بريرة (وإن شرط) السيد (عليه) أي المكاتب (خدمة
معلومة) كشهر أو سنة (بعد العتق جاز) الشرط ولزمه الوفاء به كما لو نجز عتقه واشترط
عليه الخدمة وكبيعه بذلك الشرط، ولأنه شرط نفعا معلوما. أشبه ما لو شرط عوضا
معلوما. وهذا الشرط لا ينافي مقتضى العقد فإن مقتضاه العتق عند الأداء، وهذا لا ينافيه
(وإذا كاتبه على ألفين في رأس كل شهر ألف وشرط) السيد (أن يعتق) المكاتب (عند أداء)
الألف (الأول صح) العقد وكان على ما شرطا (ويعتق عند أدائه) الألف الأول، لأن السيد
لو أعتقه بغير أداء شئ صح فكذلك إذا جعل عتقه عند أداء بعض الكتابة (ويبقى الألف
672

الآخر دينا عليه بعد عتقه) كما لو باعه نفسه به (ومن كاتب بعض عبده) أو بعض أمة بألف
أو نحوه (ملك) العبد (من كسبه بقدره) (1) لأن الكتابة عقد معاوضة فصحت في بعضه
كالبيع. ويجب أن يؤدي إلى سيده من كسبه بحسب ماله فيه من الرق إلا أن يرضى سيده
بتأدية الجميع في الكتابة فيصح (فإن أدى ما عليه) في الكتابة (عتق كله) (2) ما كوتب منه
بالكتابة وباقيه بالسراية. لأن العتق إذا سرى إلى ملك غير السيد فلان يسري إلى ملكه أولى
(وإن كاتب) السيد (حصة له في عبد) أو أمة (صح العقد (سواء كان باقيه حرا أو ملكا
لغيره بإذن شريكه أو لا) لأن الكتابة عقد معاوضة على نصيبه فصح كبيعه ولأنه ملك يصح
بيعه وهبته فصحت كتابته كالعبد الكامل وكما لو كان باقيه حرا أو أذن فيه الشريك، ولا
يمنع كسبه ولا يمنع أخذه الصدقة بجزئه المكاتب ولا يستحق الشريك شيئا منه كالمبعض
إذا ورث بجزئه الحر ومتى هايأه مالك البقية فكسب في نوبته شيئا اختص به وإن لم يهايئه
فكسب بجملته شيئا كان له من كسبه بقدر ما فيه من الجزء المكاتب ولسيده الذي لم يكاتبه
الباقي لأنه كسبه بجزئه المملوك (فإن أدى ما كوتب عليه) للذي كاتبه (و) أدى (مثله لسيده
الآخر) الذي لم يكاتبه (عتق كله إن كان) الذي (كاتبه موسرا) بقيمة باقيه بالسراية لا بالكتابة
(وعليه قيمة حصة شريكه) لحديث ابن عمر السابق (فإن أعتق الشريك) الذي لم يكاتبه
نصيبه منه (قبل أدائه) ما كوتب عليه (عتق كله إن كان) المعتق (موسرا) بقيمة باقيه (وعليه
قيمة نصيب) شريكه (المكاتب) (3) بكسر التاء مكاتبا لعموم ما سبق (وإن كاتبا) أي
الشريكان (عبدهما) أو أمتهما سواء تساوى ملكهما فيه بأن كان بينهما نصفين أو تفاضلا كما
لو كان بينهما ثلاثا (ولو) كان العوض الذي كاتباه عليه (متفاضلا) بأن كان العبد بينهما
نصفين وكاتباه على ثلاثمائة لواحد مائتان وللآخر مائة (صح) (4) العقد سواء كاتباه في عقد
واحد أو عقدين لأن كل واحد منهما يعقد على نصيبه عقد معاوضة فجاز أن يختلفا في
العوض كالبيع ولأنه إنما يؤدي إليهما على التساوي وظاهره ولو اختلفا في التنجيم أو جعل
673

لأحدهما في النجوم قبل النجم الأخير أكثر من الآخر لأنه يمكن أن يعجل لمن تأخر نجمه
قبل محله ويعطي من قل نجمه أكثر من الواجب له ويمكن أن يأذن له أحدهما في الدفع
إلى الآخر قبله أو أكثر منه ويمكن أن ينظره من حل نجمه أو يرضى من له الكثير بأخذ دون
حقه وإذا أمكن إفضاء العقد إلى مقصوده فلا نبطله باحتمال عدم الافضاء إليه وإذا عجز قسم
ما كسب بينهما على قدر الملكين فلم يكن أحدهما ينتفع إلا بما يقابل ملكه وعاد الامر بعد
زوال الكتابة إلى حكم الرق كما لو لم يزل (ولم يؤد) أي ويجوز للمكاتب أن يؤدي
(إليهما) أي إلى سيديه (إلا على قدر ملكيهما) منه فلا يجوز أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من
الآخر ولا يقدم أحدهما على الآخر لأنهما سواء فيه فيتساويان في كسبه وحقهما متعلق بما
في يده تعليقا واحدا فلم يكن له أن يخص أحدهما بشئ دون الآخر (فإن قبض أحدهما)
أي الشريكين (دون الآخر بغير إذنه شيئا لم يصح القبض وللآخر أن يأخذ منه حصته) لما
تقدم وإن عجز مكاتبهما فلهما الفسخ والامضاء فإن فسخا جميعا أو أمضيا الكتابة جاز ما
اتفقا عليه وإن فسخ أحدهما وأمضى الآخر جاز (1). وعاد نصفه رقيقا ونصفه مكاتبا وقال
القاضي ينفسخ في جميعه وجوابه أنهما عقدان فلم ينفسخ أحدهما بفسخ الآخر (فإن كاتباه
منفردين) في صفقتين (فأدى) العبد (إلى أحدهما ما كاتبه عليه لكون نصيبه من العروض
أقل) من نصيب شريكه (أو أبرأه) أحدهما (من حصة عتق نصيبه خاصة إن كان) المستوفي
لنصيبه أو المبرئ (معسرا) بقيمة حصة شريكه لعدم السراية إذن (وإلا) أي وإن لم يكن
معسرا بأن كان موسرا بها عتق (كله) (2) وعليه قيمة حصة شريكه مكاتبا وولاؤه كله لمن
عتق عليه (وإن كاتباه كتابة واحدة) في صفقة واحدة (فأدى إلى أحدهما مقدار حقه بغير إذن
شريكه لم يعتق منه شئ) لعدم صحة القبض لتعلق حق كل من الشريكين بما في يد
المكاتب تعلقا واحدا (وإن كان) أداؤه لأحدهما (بإذنه) أي إذن الشريك الآخر فصح القبض
و (عتق نصيبه) لأن المنع من صحة القبض لحق الشريك الآخر فإذا أذن فيه صح كما لو
أذن المرتهن للراهن في التصرف في الرهن أو أذن الشريكان للمكاتب في التبرع (وسرى)
العتق (إلى باقيه إن كان) المستوفي كتابته (موسرا) بقيمة باقيه كما تقدم (وضمن نصيب
674

شريكه بقيمته مكاتبا) حال العتق أعتقه عليه بقي على كتابته وولاؤه كله له وما في يده من
المال للذي لم يقبض منه شيئا مع كونه بينهما نصفين بقدر ما قبض صاحبه والباقي بين
العبد وسيده الذي عتق عليه لأن نصفه عتق بالكتابة ونصفه بالسراية فحصة ما عتق بالكتابة
للعبد وحصة ما عتق بالسراية للسيد (ولو كاتب ثلاثة عبدا) بينهم (فادعى الأداء إليهم
فأنكره) أي أنكر وفاء ما كتابته (أحدهم) أي أحد الثلاثة وأقر الآخران (شاركهما) المنكر
(فيما أقرا بقبضه) من العبد فلو كانت كتابته على ثلاثمائة واعترف اثنان منهم بقبض مائتين
وأنكر الثالث قبض المائة شاركهما في المائتين اللتين اعترفا بقبضهما لأنهما اعترفا بأخذهما
من ثمن العبد والعبد مشترك بينهم فثمنه يجب أن يكون بينهم ولان ما في يد العبد لهم
والذي أخذاه كان في يده فيجب أن يشترك فيه الجميع (وتقبل شهادتهما عليه) أي على
المنكر (نصا) (1) بما قبضه من العبد لأنهما شهدا للعبد بأداء ما يعتق به فقبلت شهادتهما
كالأجنبيين إلا أن ذلك لا يمنع رجوع المشهود عليه عليهما بحصته مما قبضاه وإلا لم تقبل
لأنهما يدفعان عن أنفسهما مغرما وإن كان الشريكان غير عدلين لم تقبل شهادتهما لكن
يؤاخذان بإقرارهما فيعتق نصيبهما ويبقى نصيب المشهود عليه موقوفا على القبض وله
مطالبته بنصيبه أو مشاركة صاحبيه فيما أخذا فإن شاركهما أخذ منهما ثلثي مائة ورجع على
العبد بتمام المائة ولا يرجع المأخوذ منه على الباقين بشئ لأن كلا يدعي أنه ظلمه
والمظلوم إنما يرجع بظلامته على من ظلمه وإن أنكر الثالث الكتابة فنصيبه باق على الرق
إذا حلف أنه ما كاتبه إلا أن يشهدا عليه بالكتابة مع عدالتهما ومن قبل كتابة عن نفسه
وغائب صح كتدبير فإن أجاز الغائب انعقدت له والمال عليهما على حكم ما قبله الحاضر
وإلا لزمه الكل ذكره أبو الخطاب وجزم بمعناه في المنتهى وقال في الفروع ويتوجه
كفضولي وتفريق الصفقة (وإن اختلفا) أي السيد ورقيقه (في الكتابة) بأن قال العبد كاتبتني
عل كذا فأنكر سيده أو بالعكس (فقول من ينكرها) بيمينه لأن الأصل (2) معه (وإن) اتفقا
على الكتابة و (اختلفا في قدر عوضها) بأن قال السيد: كاتبتك على ألفين وقال العبد: بل على
ألف فقول سيد كما لو اختلفا في أصل الكتابة وتفارق البيع من حيث إن الأصل في
المكاتب أنه وكسبه لسيده بخلاف المبيع ومن حيث إن التحالف في البيع مفيد ولا فائدة في
التحالف في الكتابة فإن الحاصل منه يحصل بيمين السيد وحده لأن الحاصل بالتحالف
الفسخ وهذا يحصل عند من يجعل القول قول السيد وإنما قدم قول المنكر في سائر
675

المواضع لأن الأصل معه والأصل ههنا مع السيد لأن الأصل ملكه العبد وكسبه وسواء كان
الاختلاف قبل العتق أو بعده مثل أن يدفع إلى سيده ألفين فيعتق ثم يدعي المكاتب أن
أحدهما عن الكتابة والآخر وديعة ويقول السيد بل هما جميعا مال الكتابة (أو) اختلفا في
(جنسه) أي جنس عوض الكتابة بأن قال السيد: كاتبتك على مائة درهم، فقال المكاتب: بل
على عشرة دنانير فقول السيد لما تقدم (أو) اختلفا في قدر (أجلها) بأن قال السيد: كاتبتك
على ألفين إلى شهرين كل شهر ألف، وقال العبد بل إلى سنتين كل سنة ألف (فقول سيد)
لما تقدم (وإن اختلفا في وفاء مالها) بأن قال العبد: وفيتك مال الكتابة وأنكر السيد (فقول
سيد) (1) بيمينه لقوله عليه السلام ولكن اليمين على المدعى عليه (وإن أقام العبد شاهدا)
بأداء مال الكتابة (وحلف معه أو) أقام (شاهدا وامرأتين ثبت الأداء) لأن المال يثبت بذلك
(وعتق) لأنه لم يبق عليه شئ من كتابته (وإن أقر السيد ولو في مرض موته) المخوف
(بقبض مال الكتابة عتق العبد) لأنه غير متهم في إقراره بذلك (ولو قال السيد: استوفيت
كتابتي كلها إن شاء الله أو) إن (شاء زيد عتق) (2) العبد ولم يؤثر الاستثناء (كما لو لم
يستثن) لأن هذا الاستثناء تعليق على شرط والذي يتعلق على شرط إنما هو المستقبل وقوله:
قبضتها ماض فلا يمكن تعليقه لأنه قد وقع على صفة فلا يتغير عنها بالشرط وإن قال:
استوفيت آخر كتابتي وقال: إنما أردت إني استوفيت النجم الآخر دون ما قبله وادعى العبد
إقراره باستيفاء الكل فقول السيد لأنه أعلم بمراده.
فصل:
(والكتابة الفاسدة كما إذا كان العوض)
فيها (حراما كخمر ونحوه) كخنزير (أو) كان (مجهولا كثوب) وحمار (ودار تكون
جائزة من الطرفين لكل منهما فسخها) لأنه عقد فاسد لا حرمة له وسواء كان فيه صفة كقوله:
676

إن أديت إلي فأنت حر ولم يكن لأن المقصود المعاوضة فصارت الصفة مبنية عليها بخلاف
الصفة المجردة قاله في الكافي ولا يحتاج الفسخ لحاكم (ولا يلزمه) أي المكاتب كتابة
فاسدة إذا أدى ما كوتب عليه وعتق (قيمة نفسه) ولم يرجع بما أداه لأنه عقد كتابة حصل
العتق فيه بالأداء فلم يجب فيه تراجع كما لو كان صحيحا ولان العبد عتق بالصفة فلم يجب
عليه قيمة نفسه كالمعلق عتقه على صفة وجدت وما أخذه السيد فهو من كسب عبده الذي
يملك كسبه فلم يجب رده (ويغلب فيها) أي الكتابة الفاسدة (حكم الصفة في أنه) أي
المكاتب (إذا أدى) ما كوتب عليه (عتق) لأن مقتضى عقد الكتابة أنه متى أدى عتق فيصير
كالمصرح به فيعتق بوجوده كالكتابة الصحيحة و (لا) يعتق بالكتابة الفاسدة (إن أبرئ) مما
كتب عليه أو أداه لغير السيد لأن الصفة لم توجد والعقد فاسد لا أثر له فلم يثبت في الذمة
شئ تقع البراءة منه (وسواء كان فيه) أي في عقد الكتابة الفاسدة (صفة) تعليق (كقوله: إن
أديت إلي فأنت حر ولم يكن) فيه ذلك لأنه مقتضاه كما تقدم (وتنفسخ) الكتابة الفاسدة
(بموت السيد وجنونه والحجر عليه لسفه) (1) لأنها عقد جائز لا يؤول إلى اللزوم (ويملك
السيد أخذ ما في يده) أي المكاتب كتابة فاسدة (قبل الأداء و) يملك أيضا أخذ (ما فضل)
بيده (بعد) أي بعد الأداء (لأن كسبه هنا للسيد) لأن العتق هنا بالصفة (ويتبع المكاتبة ولدها
فيها) أي في الكتابة الفاسدة (من غير سيدها) كالصحيحة وفيه وجه آخر لا يتبعها لأنه إنما
يتبع في الصحيحة بحكم العقد وهو مفقود هنا قال في المبدع وهو أقيس وأصح (ولا يجب)
على السيد في الكتابة الفاسدة (الايتاء) أي أن يؤدي إلى المكاتب ربع مال الكتابة أو شيئا
منه لأن العتق هنا بالصفة أشبه ما لو قال إن أديت إلي فأنت حر (وإذا شرط) المكاتب (في
كتابته أن يوالي من شاء فالشرط باطل والولاء لمن أعتق) لقوله (ص) في قصة بريرة فإنما
الولاء لمن أعتق متفق عليه.
باب أحكام أمهات الأولاد
الاحكام: جمع حكم وهو في اللغة القضاء والحكمة واصطلاحا خطاب الله المفيد
677

فائدة شرعية وأحكامهن جواز الانتفاع بهن وتزويجهن وتحريم بيعهن ونحوه مما ستقف عليه
وأمهات: جمع أم باعتبار الأصل ويقال: أمهات باعتبار اللفظ وقيل: الأمهات للناس والأمات
للبهائم والهاء في أمهة زائدة عند الجمهور وقد أشعر كلامه بجواز التسري وهو إجماع لقوله
تعالى: * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * [المؤمنون:
5]. واشتهر أنه (ص) أولد مارية القبطية وعملت الصحابة على ذلك منهم عمر وعلي (أم
الولد من ولدت ما فيه صورة ولو) كانت الصورة (خفية ولو) كان ما ولدته (ميتا من مالك)
متعلق بولدت (ولو) كان مالكا (بعضها) ولو جزءا يسيرا (ولو) كان مالكها الذي ولدت منه
(مكاتبا) (1) لصحة ملكه لكن لا يثبت لها أحكام أم الولد حتى يعتق المكاتب ومتى عجز
وعاد إلى الرق فهي أمة قن ولا يملك المكاتب بيعها (أو) كانت المستولدة (محرمة عليه)
أي على سيدها الذي أولدها كأخته من رضاع وعمته منه ونحوها (أو) ولدت من (أبي
مالكها) لأنها حملت منه بحر لأجل شبهة الملك فصارت أم ولد له كالجارية المشتركة (إن
لم يكن الابن وطئها) (2) نصا قال القاضي فظاهره إن كان الابن قد وطئها لم تصر أم ولد
للأب باستيلادها لأنها تحرم عليه تحريما مؤبدا بوطئ ابنه لها ولا تحل له بحال فأشبه وطئ
الأجنبي فعلى هذا لا يملكها ولا تعتق بموته وأما الولد فيعتق على أخيه لأنه ذو رحمه لأنه
من وطئ يدرأ فيه الحد لشبهة الملك فلحق فيه النسب (وتعتق) أم الولد (بموته) أي موت
سيدها مسلمة كانت أو كافرة عفيفة أو فاجرة وكذا حكم السيد لأن عتقها بسبب اختلاط
دمها بدمه ولحمها بلحمه فإذا استويا في السبب استويا في حكمه (وإن لم يملك غيرها)
لحديث ابن عباس مرفوعا: من وطئ أمته فولدت فهي معتقة عن دبر منه (3) رواه أحمد
وابن ماجة وعنه أيضا قال ذكرت أم إبراهيم عند رسول لله (ص) فقال: أعتقها ولدها (4) رواه
ابن ماجة والدارقطني. ولان الاستيلاد إتلاف حصل بسبب حاجة أصلية وهي الوطئ فكان
من رأس المال كالأكل ونحوه وإن كان مريض (فإن وضعت جسما لا تخطيط فيه كمضغة
ونحوها) كعلقة (لم تصر به أم ولد) (5) لأنه ليس بولد وعتقها مشروط بصيرورتها أم ولد فإن
شهد ثقات من النساء بأن في هذا الجسم صورة خفيفة تعلقت بها الاحكام لأنهن اطلعن على
678

الصورة التي خفيت على غيرهن (وإن ملك حاملا من غيره) حرم عليه وطؤها قبل الوضع
لقوله (ص) في سبايا أوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع (1) رواه أبو داود (ف‍) إن (وطئها
حرم) عليه (بيع الولد و) لا يلحق به بل (يعتقه) لأنه قد شرك فيه. لأن الماء يزيد في
الولد. نقله صالح وغيره. وعنه يعتق وأنه يحكم بإسلامه وهو يسري كالعتق أي لو كانت
كافرة حاملا من كافر وطئها مسلم حكم بإسلام الحمل لأن المسلم أشرك فيه فيسري إلى
باقيه (وإن أصابها) أي أصاب أمة (في ملك غيره بنكاح) بأن تزوجها (أو) أصاب أمة غيره ب‍
(شبهة) بزوجته الرقيقة التي لم يشترط حرية ولدها ثم ملكها (عتق الحمل) لأنه ولده
و (لا) يعتق عليه إن أصابها في ملك غيره (بزنا) ثم ملكها لأن نسبه غير لاحق به، فليس
رحمه بل هو كالأجنبي كما تقدم (ولم تصر أم ولد) لظاهر قوله (ص): من وطئ أمته
فولدت (2) وهذا الحمل لم يحصل من وطئه حال كونها أمته (وإن وطئ) السيد (أمته
المزوجة أدب) لأنه وطئ محرم (ولا حد عليه) لأنها ملكه (وإن أولدها صارت أم ولد له
وتعتق بموته) لدخولها في عموم قوله: من وطئ أمته فولدت (وولده حر) لأنه من أمته
(وما ولدت) الأمة المزوجة (بعد ذلك من الزوج فله حكم أمه) قال أحمد: قال ابن عمر
وابن عباس وغيرهما ولدها بمنزلتها (وكذا لو ملك أخته) من الرضاع (أو) ملك (بنته) ونحوها
(من الرضاع) أو موطوءة أبيه أو ابنه أو أم زوجته أو بنتها وقد دخل بأمها (فوطئها
واستولدها) كانت أم ولد له لما تقدم (أو) ملك (أمة مجوسية أو وثنية) ونحوها (أو ملك
الكافر أمة مسلمة فاستولدها) صارت أم ولد له (أو وطئ أمته المرهونة) بغير إذن المرتهن
فحملت منه صارت أم ولد (أو وطئ رب المال أمة من مال المضاربة) سواء ظهر فيه ربح
أو لا أو وطئ المضارب أمة من المال وقد ظهر ربح صارت أم ولد له تقدم لما سبق
(وأحكام أم الولد أحكام الأمة من وطئ وخدمة وإجازة ونحوها) (3) كالتزويج والعتق وملك
679

كسبها وحدها وعورتها وغيره من أحكام الإماء لما روى ابن عباس مرفوعا: من وطئ أمته
فولدت له فهي معتقة عن دبر منه (1) أو قال: من بعده رواه أحمد. فدل على أنها باقية
على الرق مدة حياته فكسبها له (إلا في التدبير) فلا يصح تدبيرها لأنه لا فائدة فيه. وتقدم
(و) إلا (فيما ينقل الملك في رقبتها كبيع وهبة ووقف أو يراد له كرهن) (2) لحديث ابن عمر
مرفوعا: أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال: لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بهن
السيد ما دام حيا، فإذا مات فهي حرة (3) رواه الدارقطني. ورواه مالك في الموطأ
والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر موقوفا قال المجد وهو أصح ولقوله (ص):
أعتقها ولدها وتقدم وروى سعيد حدثنا أبو معاوية عن المغيرة عن الشعبي عن عبيدة قال:
خطب علي الناس فقال: شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر عتقهن فقضى به
عمر حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت فيهن رأيا قال عبيده فرأي عمر وعلي في الجماعة
أحب إلينا من رأي علي وحده قال في الاختيارات وهل الاختلاف في جواز بيعها شبهة فيه
نزاع والأقوى أنه شبهة وينبني عليه لو وطئ معتقدا تحريمه هل يلحقه النسب أو يرجم
المحصن أما التعزير فواجب (وتصح كتابتها كما تقدم وهي) أي الكتابة (بيع) لكونها تراد
للعتق (ولا تورث) أم الولد ولا يوصى بها لأنها تعتق بموته (وولدها الحادث من غير سيدها
بعد الاستيلاد حكمها في العتق بموت سيدها سواء عتقت أو ماتت قبله) أي قبل العتق لما
تقدم (إلا أنه لا يعتق بإعتاقها) أي بإعتاق السيد لام الولد لأنها عتقت بغير السبب الذي
يتبعها فيه ويبقى عتقه موقوفا على موت السيد وكذا لو أعتقه (وولد المدبرة) وفي نسخ وولد
المكاتبة (بعد تدبيرها كهي) أي فيتبعها في التدبير وتقدم (لكن إذا ماتت) المكاتبة (يعود)
ولدها (رقيقا) لبطلان الكتابة التي هي السبب الذي يتبعها فيه وعبارته موهمة وإصلاحها كما
قررته لك (وإذا) أ (عتقت أم الولد بموت سيدها فما في يدها لورثته) (4) لأنه كان للسيد قبل
موته فيكون لورثته بعده بخلاف المكاتبة (إلا ثياب اللبس المعتاد) فإنها لها لأنها تتبعها في
680

البيع (وكذا لو عتقت) الأمة (بتدبير أو غيره) كوجود صفة علق العتق عليها فما بيدها
لسيدها وثياب اللبس المعتاد لها لأنها تتبعها في البيع فكذا في العتق (وإن مات) سيد أم
الولد (وهي حامل منه فلها النفقة لمدة حملها من حال حملها) لأن الحمل له نصيب في
الميراث فتجب نفقته في نصيبه (وإلا) بأن لم يخلف السيد شيئا يرث منه الحمل (ف‍) - نفقة
الحمل (على وارثه) الموسر لقوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * [البقرة: 233]. (وإذا
جنت) أم الولد (تعلق أرش جنايتها برقبتها) كالقن إن كانت على غير سيدها (وعلى السيد
أن يفديها) لأنها مملوكة كالقن (بأقل الامرين من قيمتها يوم الفداء) لأنها لو تلفت جميعها
لسقط الفداء فيجب أن يسقط بعضه بتلف بعضها وإن زادت قيمتها زاد فداؤها لأن المتلف
زاد فزاد الفداء بزيادته كالقن (معيبة بعيب الاستيلاد) لأنه ينقصها فاعتبر كالمرض وغيره من
العيوب وإن كسبت شيئا فهو لسيدها دون المجني عليه وكذلك ولدها لأنه منفصل عنها وإن
فداها في حال حملها فعليه قيمتها حاملا لأن الولد متصل بها أشبه سمنها (أو أرش جنايتها)
ولا يسلمها ولا يبيعها لما تقدم (وسواء كانت الجناية) من أم الولد (على بدن أو مال أو
بإتلاف) مال (أو إفساد نكاح برضاع كما يأتي في الرضاع) وسواء كانت خطأ أو شبه عمد أو
عمدا وعفا الولي عن القصاص إن جب (وكلما جنت) أم الولد (فداها) (1) بأقل الامرين.
قال أبو بكر: ولو بألف مرة لأنها أم ولد جانية فلزمه فداؤها كالأول (فإن كانت) أي
وجدت (الجنايات كلها) من أم الولد (قبل فداء شئ منها تعلق أرش الجميع برقبتها ولم
يكن عليه) أي السيد (فيها) أي في جنايات أم ولده (كلها إلا الأقل من قيمتها أو أرش
جميعها) (2) كالقن (ويشترك المجني عليهم في الواجب لهم كالغرماء) يتوزعون المال
بالمحاصة إذا ضاق عن وفائهم وإن أبرأ بعضهم من حقه توفر الواجب على الباقين إن كان
قبل الفداء. وإلا توفر أرشها على سيدها (وإن كانت الجناية الثانية بعد فدائه) أم ولده (عن)
الجناية (الأولى فعليه فداؤها من التي بعدها) من الجنايات (ك‍) - ما يفديها من (الأولى) بأقل
681

الامرين وهو معنى قوله: وكلما جنت أم ولد فداها (وإن ماتت) أم الولد الجانية (قبل فدائها
فلا شئ على سيدها لأنه لم يتعلق بذمته شئ) وإنما الأرش تعلق برقبتها وقد فاقت (إلا أن
يكون) السيد (هو الذي أتلفها) بأن قتلها (فيكون عليه قيمتها) إن كانت أقل من أرش الجناية
يسلمها للمجني عليه أو وليه وكذا لو أعتقها وإن نقصها فعليه أرش نقصها (وله) أي لسيد أم
الولد (تزويجها وإن كرهت) كالقن لأنه المالك لها ولمنافعها (وإن قتلته ولو عمدا عتقت)
لأن المقتضى لعتقها زوال ملك سيدها عنها وقد زال فإن قيل ينبغي أن لا تعتق كما لا
يرث القاتل وكالمدبر. أجيب بأنها لو لم تعتق بذلك لزم جواز نقل الملك فيها ولا سبيل
إليه ولان الحرية لله والاستيلاد أقوى من التدبير (ولوليه) أي ولي السيد (مع فقد ولدها من
سيدها) الوارث له (القصاص) لقوله تعالى: * (ولكم في القصاص حياة) * [البقرة: 179].
وكما لو لم تكن أم ولده. فإن ورث ولدها شيئا من دم سيده فلا قصاص كما يأتي في
الجنايات (وإن عفوا) أي أولياء السيد (على مال أو كانت الجناية خطأ) أو شبه عمد (فعليها
الأقل من قيمتها أو ديته) لأنها جناية من أم ولد فلم يجب بها أكثر مما ذكر اعتبارا بحال
الجناية، وكما لو جنى عبد فأعتقه سيده وهي حال الجناية أمة، وإنما تعلق موجب الجناية
بها لأنها فوتت رقها بقتلها لسيدها. فأشبه ما لو فوت المكاتب الجاني رقه بأدائه وإنما
عتقت بالموت (ولا حد على قاذفها) (1) كالمدبرة لأنها أمة حكمها حكم غيرها من الإماء في
أكثر الاحكام ففي الحد أولى، لأنه يدرأ بالشبهات ويحتاط لاسقاطه (ويعزر) قاذفها لارتكابه
معصية لا حد فيها ولا كفارة.
فصل:
(وإذا أسلمت أم ولد الكافر)
لم تعتق بذلك لأن في عتقها مجانا إضرارا بالسيد وبالسعاية إضرار بها و (حيل بينه
682

وبينها) فلا يخلو بها لئلا يفضي إلى الوطء المحرم لقوله تعالى: * (فلا ترجعوهن إلى
الكفار) * الآية وتسلم لامرأة ثقة تكون عندها لتحفظها. وإن احتاجت لأجر
فعلى سيدها (ما لم يسلم) فيمكن منها (وألزم بنفقتها إن لم يكن لها كسب) لأنه مالكها
ونفقة المملوك على سيده. فإن كان لها كسب فنفقتها فيه لئلا يبقى له عليها ولاية بأخذ
كسبها والانفاق عليها ومتى، فضل من كسبها شئ عن نفقتها كان لسيدها. ذكره القاضي
وتبعه جماعة. وقال الموفق: إن نفقتها على سيدها والكسب له يصنع به ما شاء وعليه
نفقتها على التمام سواء كان لها كسب أو لم يكن. وصوبه في الانصاف ولو فضل من
كسبها شئ عن نفقتها كان لسيدها (إلا أن يموت) ولو كافرا (فتعتق) بموته لأنها أم ولده.
وشأن أم الولد العتق بموت سيدها (وإن كان كسبها لا يفي بنفقتها لزمه إتمامها) أي النفقة
لأنها مملوكته (ومن وطئ أمة) مشتركة (بينه وبين آخر فلم تحبل منه لزمه نصف مهرها
لشريكه) طاوعته أو لا، لأن المهر لسيدها فلا يسقط بمطاوعتها كما لو أذنت في إتلاف بعض
أعضائها ويؤدب. قال الشيخ تقي الدين: وتقدح في عدالته ولا حد عليه (وإن أحبلها) أي
الأمة المشتركة أحد الشريكين (صارت أم ولد له) إذا وضعت ما يبين فيه بعض خلق إنسان
كما لو كانت خالصة له، وتخرج بذلك عن ملك الشريك موسرا كان الواطئ أو معسرا.
لأن الايلاد أقوى من الاعتاق كما تقدم (وولده حر ولم يلزمه) أي الواطئ (لشريكه سوى
نصف قيمتها) لأنه أتلف نصيبه منها عليه فيدفعه إليه إن كان موسرا (وإن كان معسرا ثبت
في ذمته) كما لو أتلفها ولا شئ عليه لشريكه في المهر والولد لأن حصة الشريك انتقلت
إليه بمجرد العلوق، فلا يلزمه شئ من مهر مملوكته. والولد قد انعقد حرا والحر لا قيمة
له (فإن وطئها الشريك) الثاني (بعد ذلك) أي بعد أن أولدها الأول (وأحبلها) الثاني (لزمه)
للأول (مهرها) كاملا لأنه وطئ صادف ملك الغير فأشبه ما لو وطئ أمة أجنبية (ولم تصر أم
ولد له) لأنه ليس مالكا لها ولا لشئ منها (وإن جهل) الواطئ الثاني (إيلاد) الشريك
683

(الأول أو) علمه وجهل (أنها مستولدة) أي أنها صارت أم ولد لشريكه (فولده حر) لأنه من
وطئ شبهة (وعليه) أي الواطئ الثاني (فداؤه) أي فداء ولده الذي أتت به من وطئه لكونه
فوت رقه على الأول فيفديه بقيمته (يوم الولادة) لأنه قبلها لا يمكن تقويمه (وإلا) بأن يجهل
الواطئ الثاني ذلك بل علمه (فولده رقيق) تبعا لامه لانتفاء الشبهة (سواء كان) الواطئ
(الأول موسرا أو معسرا) بقيمة نصيب شريكه، لما تقدم من أن الايلاد أقوى من الاعتاق ولا
فرق فيما تقدم بين كون الأمة بينهما نصفين أو لأحدهما جزء من ألف جزء والبقية للآخر.
تتمة: إذا تزوج بكرا فدخل بها فإذا هي حبلى قال النبي (ص): لها الصداق بما
استحللت منها والولد عبد لك، وإذا ولدت فاجلدوها ولها الصداق ولا حد لعلها
استكرهت رواه أبو داود بمعناه من طرق قال الخطابي: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به
وهو مرسل وفي التهذيب قيل: لما كان ولد زنا وقد غرته من نفسها وغرم صداقها أخدمه
ولدها وجعله له كالعبد ويحتمل أنه أرقه عقوبة لامه على زناها وغرورها ويكون خاصا
بالنبي (ص). ويحتمل أنه منسوخ وقيل: كان في أول الاسلام يسترق الحر في الدين. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
تم الجزء الرابع من كشاف القناع
684